You are on page 1of 748

‫األحد‪2 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬

‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الى ٌّا إًتٌْ٘ا هي هثحث الظٌَى‪.‬‬


‫هالحظٔ ٍ إستذساك‪ :‬الوتؼاسف ت٘ي األطَل٘٘ي التؼشع لوثحث دل٘ل اإلًسذاد‬
‫إلثثات (حد٘ٔ هغلك الظي) ٍَّ هتأخش ػي هثحث حد٘ٔ الظٌَى الخاطٔ‪ٍ ،‬هثٌى‬
‫ػلى ػذم تواه٘ٔ حد٘ٔ (الظٌَى الخاطٔ) ٍح٘ث لام الذل٘ل الوؼتثش ػلى حد٘ٔ‬
‫الظٌَى الخاطٔ (كاالظَاّش ٍخثش الثمٔ ٍالس٘شٓ الؼمالئ٘ٔ ٍغ٘شّا) ٍّٖ تسذ‬
‫الحاخٔ للَطَل الى األحكام الششػ٘ٔ‪ٍ ،‬التحفظ ػلْ٘ا‪ ،‬تل أشثؼت الحاخٔ تزلك‬
‫فغٌَٗا ػٌِ كشحاً لملٔ الدذٍى فِ٘‪ٍ ،‬ألى الثحث فِ٘ تغَٗل تال عائل‪ٍ ،‬لؼذم‬
‫الثوشٓ الؼول٘ٔ‪.‬‬
‫ًؼن ال ٗكتفٖ الثوشٓ الؼلو٘ٔ ٍتأث٘شُ فٖ شحز الزّي ٍالتؼشف ػلى ك٘ف٘ٔ‬
‫اإلستذالل فئى الَلت ثو٘ي ٍهي رّة‪ٍ .‬هي شاء اإلعالع ػلِ٘ فل٘شاخغ‬
‫الوغَالت‪.‬‬
‫ٍػلِ٘ فلٌششع هثاحث األطَل الؼول٘ٔ‪.‬‬
‫األطَل الؼول٘ٔ‪ ّٖ :‬األدلٔ التٖ تكَى الوشخغ للوكلف ػٌذ الشك فٖ الحكن‬
‫الششػٖ ٍتشول‪ :‬اطالٔ الثشاءٓ الؼمل٘ٔ ٍالششػ٘ٔ ٍالتخ٘٘ش‪ٍ ،‬اإلحت٘اط‪،‬‬
‫ٍاإلستظحاب‪ٍ .‬لثل الششٍع فٖ ت٘اى هفشداتْا ٍأدلٔ اػتثاسّا التذ هي توْ٘ذ‬
‫همذهات‪ ،‬لتَض٘ح الوشاد هي األطل الؼولٖ‪.‬‬
‫الومذهٔ األٍلى‪ :‬فٖ ت٘اى هشاحل اإلستٌثاط‪ً :‬مَل‪ :‬إى هٌْح اإلستٌثاط فٖ الفمِ‬
‫اإلهاهٖ ٗوش توشحلت٘ي أساس٘ت٘ي‪:‬‬
‫األحد‪2 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الوشحلٔ األٍلى‪ :‬ها ٗغلة فْ٘ا الودتْذ الذل٘ل ػلى الحكن الششػٖ‪ ،‬فْٖ‬
‫لتشخ٘ض الحكن الششػٖ الَالؼٖ تٌفسِ‪ ،‬ػي عشٗك األدلٔ المغؼ٘ٔ‪ ،‬كالتَاتش‪،‬‬
‫ٍالوالصهات الؼمل٘ٔ ٍغ٘شّوا‪ .‬أٍ التٖ لام ػلى إػتثاس ّا دل٘ل لغؼٖ كخثش الثمٔ‪،‬‬
‫ٍالظَاّش ٍغ٘شّا‪.‬‬
‫الوشحلٔ الثاً٘ٔ‪ :‬ها ٗغلة فْ٘ا تشخ٘ض الَظ٘فٔ الؼول٘ٔ تداُ الحكن الششػٖ‬
‫الودَْل(حكوِ ٍدل٘لِ) فالودتْذ ٗغلة التٌد٘ض ٍالتؼزٗش‪ٍّ ،‬زُ الوشحلٔ تسوى‬
‫توشحلٔ (األطل الؼولٖ)‪.‬‬
‫الومذهٔ الثاً٘ٔ‪ :‬فٖ ت٘اى هشاحل تغَس فكشٓ األطل الؼولٖ‪ :‬هي الوؼلَم أى فكشٓ‬
‫األطلٖ الؼولٖ‪ ،‬لن تكي تْزا الَضَح فٖ كلوات الوتمذه٘ي‪ ،‬تل كاى هٌذسخاً‬
‫تحت دل٘ل الؼملٖ‪ ،‬ح٘ث كاًَا ٗمظذٍى تِ (أطالٔ الثشاءٓ الؼمل٘ٔ) فمظ ثن أدسج‬
‫اإلستظحاب أٗضاً فٖ الذل٘ل الؼملٖ‪ ،‬تؼذ رلك‪.‬‬
‫ثن إلتفت الؼلواء الى أى األطَل الؼول٘ٔ أدلٔ ظٌ٘ٔ‪ ،‬لام الذل٘ل المغؼٖ ػلى‬
‫إػتثاسّا فمالَا إى اإلستظحاب حدٔ إلفادتِ الظي الزٕ لام ػلى إػتثاسُ دل٘ل‬
‫ال ظٌ٘اً كخثش‬
‫ػملٖ لغؼٖ كوا اى تؼضْن كظاحة الوؼالن(لذُ) خؼل الثشاءٓ دل٘ ً‬
‫الثمٔ‪.‬‬
‫ثن تؼذ رلك‪ :‬خاءت الفكشٓ الظح٘حٔ لألطل الؼولٖ‪ ،‬فْٖ ال تمَل تأى األطل‬
‫الؼولٖ كاشف ػي الحكن الششػٖ‪ٍ ،‬دل٘ل هؼتثش ػلِ٘‪ ،‬حتى ٗثحث ػي كًَِ‬
‫لغؼ٘اً اٍ ظٌ٘اً‪.‬‬
‫األحد‪2 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫تل تمَل‪ :‬إى األطل الؼولٖ ٗحذد الوَلف الؼولٖ للوكلف تداُ الحكن الَالؼٖ‪،‬‬
‫ػٌذ ػذم إهكاى إثثاتِ تذل٘ل‪ٍ ،‬هي ٌّا ٗكَى فشاؽ الزهٔ تِ لغؼ٘اً‪ٍ ،‬لكي ل٘س‬
‫األطل الؼولٖ هي خولٔ األدلٔ ػلى الحكن الششػٖ‪ ،‬تل َّ هدشد هَلف‪،‬‬
‫ٍٍظ٘فٔ‪.‬‬
‫سوى الَح٘ذ الثْثْاًٖ(لذُ) الزٕ كاى َّ الوَضح لوفَْم األطَل الؼول٘ٔ‬
‫ٍلْزا ّ‬
‫سوى األهاسات تــ األدلٔ اإلختْادٗٔ‪ٍ ،‬األطَل تــ األدلٔ الفماّت٘ٔ‪ٍ ،‬الٌكتٔ فٖ‬
‫التسو٘ٔ تشخغ الى تؼشٗف اإلختْاد ٍالفمِ‪.‬‬
‫فؼشف اإلختْاد‪ :‬تأًِ تحظ٘ل الظي تالحكن الششػٖ‪ٍ ،‬اسٗذ هٌِ الحكن الَالؼٖ‬
‫فمظ‪ٍ ،‬اال ّ لَ أسٗذ هٌِ األػن هٌِ ٍهي الحكن الظاّشٕ لحظل الؼلن ٍالمغغ تِ كوا‬
‫َّ ٍاضح‪.‬‬
‫ٍػشف الفمِ‪ :‬تأًِ تحظ٘ل الؼلن تالحكن الششػٖ‪ٍٗ ،‬شاد هٌِ األػن هي الحكن‬
‫الظاّشٕ ٍاال ّ لَ أسٗذ هٌِ خظَص الحكن الَالؼٖ لوا حظل تِ الؼلن اال ّ ًادساً‪.‬‬
‫ٍهي ٌّا‪ :‬ح٘ث إى األطَل الؼول٘ٔ تؤدٕ الى األػن هي الحكن الَالؼٖ ٍالظاّشٕ‪،‬‬
‫سوّ٘ت تاألدلٔ الفماّت٘ٔ‪ ،‬ألدًى هال تسٔ هغ تؼشٗف الفمِ‪ٍّ ،‬زا هدشد إطغالح‬
‫للفشق ٍالتو٘٘ض فمظ‪.‬‬
‫الومذهٔ الثالثٔ‪ :‬فٖ ت٘اى‪ :‬الفشق ت٘ي األهاسات ٍاألطَل الؼول٘ٔ‪:‬‬
‫ثن إى الفشٍق الوزكَسٓ فٖ الومام تتوثل فٖ خوسٔ آساء‪ :‬الشإٔ األٍل‪ :‬ها تثٌّاُ‬
‫الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) تثؼاً للوشَْس‪ٍ ،‬حاطلِ‪ :‬أى الفشق ت٘ي األهاسات ٍاألطَل‬
‫األحد‪2 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الؼول٘ٔ ٗتوثل فٖ سٌخ الودؼَل‪ٍ ،‬أى سٌخ الودؼَل فٖ تاب األهاسات َّ‬
‫(الغشٗم٘ٔ ٍالكاشف٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ)‪.‬‬
‫ٍلْزا تكَى هثثتاتْا حدٔ كالؼلن الَخذاًٖ ػلى أساس أى الؼلن هغلما تالولضٍم‬
‫(كالٌاس) ٗستلضم الؼلن تالالصم (الحشاسٓ) ٍإى كاى الؼلن تؼثذٗاً‪.‬‬
‫ٍأى الودؼَل فٖ تاب األطَل الؼول٘ٔ َّ الدشٕ الؼولٖ ػلى عثمْا خاسخاً ٍلكي‬
‫فٖ ظشف الشك ٍالدْل‪ ،‬هي دٍى الٌظش الى الَالغ‪ٍ ،‬ال فشق فٖ رلك ت٘ي األطَل‬
‫الوحشصٓ (كاإلستظحاب) ٍغ٘ش الوحشصٓ (كالثشاءٓ‪ٍ ،‬اإلحت٘اط) الششػ٘٘ي ٍلْزا ال‬
‫تكَى هثثتات األطَل الؼول٘ٔ حدٔ هغلما‪ٍ ،‬إى كاًت هي األطَل الوحشصٓ‪.‬‬
‫فالٌت٘دٔ‪ :‬اى الشاسع إرا خؼل الحدٔ كاشفٔ كاًت أهاسٓ‪ٍ .‬إى خؼل الدشٕ الؼولٖ‬
‫ال ػول٘اً‪ .‬فالفشق إًوا َّ هي ًاح٘ٔ الودؼَل‪ّ .‬زا‪.‬‬
‫ػلى عثك الحدٔ كاًت أط ً‬
‫اإلثنين‪3 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًب فٖ الجحث السبثك أًِ ركش األصَلَ٘ى فشٍلبً ث٘ي االهبسات ٍث٘ي األصَل‬
‫الؼول٘ٔ‪ ،‬الشإٔ األٍل هب تجٌّبُ الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) تجؼبً للوشَْس‪ٍ ،‬حبصلِ‪ :‬أى‬
‫الفشق ث٘ي األهبسات ٍاألصَل الؼول٘ٔ ٗتوثل فٖ سٌخ الوجؼَل‪ٍ ،‬أى سٌخ‬
‫الوجؼَل فٖ ثبة األهبسات َّ (الغشٗم٘ٔ ٍالكبشف٘ٔ ٍالؼلن التؼجذٕ)‪.‬‬
‫ٍلْزا تكَى هثجتبتْب حجٔ كبلؼلن الَجذاًٖ ػلى أسبس أى الؼلن هغلمب ثبلولضٍم‬
‫(كبلٌبس) ٗستلضم الؼلن ثبلالصم (الحشاسٓ) ٍإى كبى الؼلن تؼجذٗبً‪.‬‬
‫ٍأى الوجؼَل فٖ ثبة األصَل الؼول٘ٔ َّ الجشٕ الؼولٖ ػلى عجمْب خبسجبً ٍلكي‬
‫فٖ ظشف الشك ٍالجْل‪ ،‬هي دٍى الٌظش الى الَالغ‪ٍ ،‬ال فشق فٖ رلك ث٘ي األصَل‬
‫الوحشصٓ (كبإلستصحبة) ٍغ٘ش الوحشصٓ (كبلجشاءٓ‪ٍ ،‬اإلحت٘بط) الششػ٘٘ي ٍلْزا ال‬
‫تكَى هثجتبت األصَل الؼول٘ٔ حجٔ هغلمب‪ٍ ،‬إى كبًت هي األصَل الوحشصٓ‪.‬‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬اى الشبسع إرا جؼل الحجٔ كبشفٔ كبًت أهبسٓ‪ٍ .‬إى جؼل الجشٕ الؼولٖ‬
‫ال ػول٘بً‪ .‬فبلفشق إًوب َّ هي ًبح٘ٔ الوجؼَل‪ّ .‬زا‪.‬‬
‫ػلى عجك الحجٔ كبًت أص ً‬
‫ٍ لذ أٍسد الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‪ :‬ػلى ّزا الشإٔ‪ ،‬ثَجْ٘ي‪:‬‬
‫الَجِ األٍل‪ :‬ػذم صحٔ الوجٌى فإى الوجؼَل فٖ ثبة اإلستصحبة أٗضبً َّ‬
‫الغشٗم٘ٔ ٍإػتجبس غ٘ش الؼبلن‪ ،‬إٔ (الشبك) ػبلوبً ثبلتؼجذ فإى الظبّش هي األهش ثبثمبء‬
‫ال٘م٘ي ٍالؼلن ٍػذم ًمضِ ثبلشك َّ رلك فال فشق ث٘ي األهبسٓ ٍاإلستصحبة هي‬
‫ّزُ الجْٔ‪.‬‬
‫ثل التحم٘ك‪ :‬ا‪ ،‬اإلستصحبة أٗضبً هي األهبسات‪ٍ ،‬ال ٌٗبفٖ رلك‪ ،‬تمذٗن األهبسات‬
‫ػلِ٘‪،‬ألى األهبسات األخشى أٗضبً ثؼضْب (كبلجٌ٘ٔ) همذهٔ ػلى ثؼض (كبل٘ذ) ٍكوب‬
‫اإلثنين‪3 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫أى ( حكن الحبكن) همذم ػلى الجٌ٘ٔ ٍاإللشاس همذم ػلى حكن الحبكن ٍس٘أتٖ أى‬
‫الصح٘ح فٖ ٍجِ تمذٗن األهبسات ػلى اإلستصحبة َّ (الحكَهٔ) دٍى‬
‫التخص٘ص أٍ الَسٍد‪.‬‬
‫الَجِ الثبًٖ‪ :‬أًِ الدل٘ل ػلى دػَى حج٘ٔ هثجتبت األهبسات فْٖ كبألصَل الؼول٘ٔ‬
‫ٍإى كبى الوجؼَل فْ٘ب الغشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼجذٕ‪ٍ ،‬رلك ألى إستلضام الؼلن ثبلشٖء‬
‫الؼلن ثلَاصهِ إًوب َّ فٖ الؼلن الَجذاًٖ فحست دٍى الؼلن التؼجذٕ‪.‬‬
‫تَض٘حِ‪ :‬أى فٖ الؼلن الَجذاًٖ ٗتَلذ هي الؼلن ثبلولضٍم كششٍق الشوس‪ ،‬الؼلن‬
‫ثبلالصم كبلٌْبس ثؼذ اإللتفبت الى الوالصهٔ ثٌْ٘وب‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬ف٘تشتت آثبس (الٌْبس) ل٘س هي جْٔ الؼلن ثبلولضٍم (علَع الشوس) ثل هي‬
‫جْٔ الؼلن الَجذاًٖ ثٌفس الالصم الوتَلذ هي الؼلن ثبلولضٍم‪.‬‬
‫ٍهي ٌّب ًمَل‪ :‬أّل الوٌغك إى الؼلن ثبلٌت٘جٔ ٗتَلذ هي الؼلن ثبلصغشى ٍالؼلن‬
‫ثبلكجشى إى كبًت الشوس عبلؼٔ فبلٌْبس هَجَد‪ ،‬فإى الؼلن ثبلصغشى َّ الؼلن‬
‫ثبلولضٍم ٍا للؼن ثبلكجشى َّ الؼلن ثبلوالصهٔ ف٘تَلذ هي ّزٗي الؼلو٘ي الؼلن‬
‫الَجذاًٖ ثبلالصم‪ ٍَّ ،‬الؼلن ثبلٌت٘جٔ‪.‬‬
‫ٍّزا الخالف الؼلن التؼجذٕ الوجؼَل فإى ال ٗتَلذ هٌِ الؼلن الَجذاًٖ ثبلالصم‬
‫ٍَّ ٍاضح‪ٍ ،‬ال الؼلن التجؼذٕ أٗضبً ألى الؼلن التؼجذٕ تبثغ لذل٘ل التؼجذٕ‪ٍَّ ،‬‬
‫هختص ثب لولضٍم دٍى الصهِ‪ ،‬لوب ػشفت هي أى الوخجشإهب أخجش ػٌِ‪ ،‬ال ػي الصهِ‪.‬‬
‫فؼلى ضَء هبركشًبُ ظْش أى الصح٘ح ػذم الفشق ث٘ي األهبسات ٍاإلستصحبة فٖ‬
‫ػذم حج٘ٔ الوثجتبت فٖ الومبه٘ي‪.‬‬
‫اإلثنين‪3 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ًؼن‪ :‬تكَى هثجتبت األهبسٓ حجٔ فٖ ثبة األخجبس فمظ‪ ،‬دٍى غ٘شّب (كبل٘ذ ٍالسَق‬
‫ٍغ٘شّوب)‪.‬‬
‫ٍرلك‪ :‬إل ستثٌبء دل٘لِ هي جْٔ ل٘بم الس٘شٓ المغؼ٘ٔ هي الؼمالء ػلى تشت٘ت آثبس‬
‫اللَاصم ػلى اإلخجبس ثبلولضٍم‪.‬‬
‫ٍلَ هغ الَسبئظ الكث٘شٓ ٍػلِ٘ ففٖ هثل اإللشاس ٍالجٌ٘ٔ ٍخجش الؼبدل‪ٗ ،‬تشتت جو٘غ‬
‫ا‪ٙ‬ثبس ٍلَ كبًت ثَاسغٔ اللَاصم الؼمل٘ٔ أٍ الؼبدٗٔ‪ ،‬لكًَْب حكبٗٔ‪.‬‬
‫ٍل٘ؼلن اى هبركشًبُ هختص ثجبة األخجبس‪ٍ ،‬هب ٗصذق ػلِ٘ ػٌَاى الحكبٗٔ دٍى‬
‫غ٘شُ هي األهبسات كبل٘ذ ٍالسَق‪.‬‬
‫ٍركش الس٘ذ الشْ٘ذ (لذُ) سداً ػلى الشإٔ الوشَْس أٗضبً ثوب حبصلِ‪ :‬اى لسبى‬
‫ال خجش‬
‫اإلًشبء ٍالجؼل‪ ،‬ال ٗغّ٘شاى هي ٍالغ الوغلت ش٘ئبً ٍَّ جؼل الحج٘ٔ‪ ،‬فوث ً‬
‫الثمٔ هؼتجش ػلى ٍجِ األهبسٗٔ سَاء أكبى لسبى الجؼل فِ٘ لسبى تؼجذ ثكَى ػلوبً‬
‫ٍعشٗمبً كوبلَ لبل (جؼلت خجش الؼبدل ػلوب)‪.‬‬
‫أم كبى لسبًِ‪ :‬التجؼذ ثإٗجبة الجشٕ ػلى عجمِ كوبلَ لبل (إػول ثوب ٗمَلِ الؼبدل)‬
‫فإ ّزُ األلسٌٔ فٖ همبم الجؼل ٍاإلًشبء تؼجش ػي حم٘مٔ ٍاحذٓ‪ ٍّٖ ،‬الحج٘ٔ ٍلذ‬
‫ٗكَى ثؼضْب أًست ٍألشة الى الحج٘ٔ ثمَل(ع) ل٘س ألحذ التشك٘ك ف٘وب ٗشٍِٗ‬
‫ػٌب ثمبتٌب‪.‬‬
‫اال ّ أى رلك ال ٗغّ٘ش هي الحم٘مٔ ش٘ئبً ثل فٖ الحم٘مٔ أى الوَلى إهب أًِ لذ ػبلج‬
‫التضاحن ث٘ي األحكبم الَالؼ٘ٔ‪ ،‬فٖ همبم حفظْب ػٌذ التشدد ٍاإلشتجبُ تبسٓ ثتمذٗن‬
‫الذل٘ل األّن إحتوبالً صذلِ لجؼل الحج٘ٔ لخجش الَاحذ‪ ،‬ف٘كَى رلك أهبسٓ ٍإهب‬
‫اإلثنين‪3 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬حجية خبر الواحد‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال كتمذٗن الحل٘ٔ فٖ أصبلٔ الحل ػلى الحشٗٔ‪،‬‬


‫ثلحبػ تمذٗن الذل٘ل األّن هحتو ً‬
‫ال ػول٘بً‪ ،‬ثال فشق فٖ اللسبى‪.‬‬
‫ف٘كَى راك أص ً‬
‫ال‪ :‬لَ جبء التؼج٘ش فٖ جؼل األصل‪ ،‬ثلسبى جؼل الغشٗم٘ٔ‪ ،‬كوب فٖ‬
‫فوث ً‬
‫اإلستصحبة‪ ،‬ػلى هبرّت إلِ٘ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فإى رلك ال ٗؼٌى أى‬
‫ال‪ ،‬الى كًَِ أهبسٓ‪ ،‬ثل الوٌبط فٖ‬
‫ٗتحَل جَّشُ هي كًَِ أص ً‬
‫اإلستصحبة سَف ّ‬
‫األهبسٗٔ تمذٗن األّن إحتوبالً فٖ همبم الحفبػ ػلى الوالكبت ػٌذ التضاحن كوب‬
‫س٘أتٖ تَض٘حِ أكثش فٖ الشإٔ الشاثغ‪.‬‬
‫فإراً‪ّ :‬زا الشإٔ الوشَْس غ٘ش صح٘ح فٖ ث٘بى الفشق ث٘ي األصل ٍاألهبسٓ ثحست‬
‫سٌخ الوجؼَل‪ ٍ .‬لش٘خٌب األستبر (دام ظلِ) فٖ الومبم سإٔ ‪...‬‬
‫الثالثاء‪4 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ هب ركشُ األصَلَ٘ى هي الفشق ث٘ي األهبسات ٍاألصَل الؼول٘ٔ‪.‬‬


‫الشإٔ األٍل هب تجٌبُ الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) تجؼبً للوشَْس هي الفشق ثٌْ٘وب فٖ السٌخ‬
‫الوجؼَل؛ فئى السٌخ الوجؼَل فٖ األهبسات َّ طشٗم٘ٔ ٍالكبشف٘ٔ ٍالؼلن تجؼذٕ‪،‬‬
‫ٍالسٌخ هجؼَل فٖ األصَل الؼول٘ٔ َّ الجشٕ الؼولٖ ػلى طجمْب ٍث٘بى الَظ٘فٔ‪.‬‬
‫ال طشٗمبً الى الَالغ فَْ أهبسٓ ٍإرا جؼل الجشٕ‬
‫ٍحبصلِ‪ :‬أى الشبسع إرا جؼل دل٘ ً‬
‫الؼولٖ فَْ أصَل ػول٘ٔ‪ .‬إػتشض ػلى رلك الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) تمذم كالهِ‬
‫ٍكزلك إػتشض ػلى ّزا الشإٔ الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) أٗضبً تمذم الكالم فِ٘‪.‬‬
‫ٍأهب ش٘خٌب األستبر(دام ظلِ) لبل‪ :‬أى للوٌبلشٔ فٖ ّزا الشإٔ هجبالً هي جْت٘ي‪:‬‬
‫الجْٔ األٍلى‪ :‬هب ركشًبُ غ٘ش هشٓ‪ ،‬هي أًِ ال جؼل ٍال هجؼَل فٖ ثبة األهبسات ثل‬
‫ال ٗوكي اى ٗكَى الوجؼَل فٖ ّزا الجبة َّ الطشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼجذٕ ثجَتبً‪ ،‬حتى‬
‫ًٌظش الى أدلٔ حجتْ٘ب فٖ همبم اإلثجبت‪ٍ ،‬أًْب تذل ػلى رلك أٍال؟‬
‫ٍهغ اإلغوبض ػي رلك ٍتسل٘ن إهكبًِ ثجَتبً‪ ،‬اال ّ أًِ ال دل٘ل ػلِ٘ فٖ همبم‬
‫اإلثجبت‪ ،‬ألى ػوذٓ الذل٘ل ػلى حج٘ٔ األهبسات كأخجبس الثمٔ ٍظبّش االلفبظ‪ّٖ ،‬‬
‫س٘شٓ الؼمالء الووضبٓ هي لجل الشبسع ٍ هي الَاضح أى لسبى الس٘شٓ ل٘س لسبى‬
‫الجؼل ٍاإلػتجبس ثل ّٖ ػجبسٓ ػي ػولْن ثأخجبس الثمٔ خبسجبً‪ ،‬لٌكتٔ ثجَت٘ٔ‪ٍّٖ ،‬‬
‫ألشث٘تْب الى الَالغ ًَػبً هي غ٘شّب‪ ،‬كوب أى لسبى اإلهضبء هي لجل الشبسع‪ ،‬ل٘س‬
‫لسبى الجؼل‪ ،‬إر ٗكفٖ فِ٘ سكَت الَلى‪ٍ ،‬ػذم صذٍس الشدع ػٌِ فال جؼل‪.‬‬
‫ٍثكلؤ ٍاضحٔ‪ :‬أى طشٗم٘ٔ أخجبس الثمٔ‪ٍ ،‬كزلك ظَاّش األلفبظ رات٘ٔ ٍتكٌَٗ٘ٔ‬
‫ٍ‬
‫ٍحٌ٘ئز ًمَل‪:‬‬ ‫غبٗٔ األهش‪ ،‬أًْب ًبلصٔ ال تبهٔ‪،‬‬
‫الثالثاء‪4 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫إى أسٗذ ثجؼلْب‪ :‬جؼل ّزُ الطشٗم٘ٔ الزات٘ٔ التبهٔ؟‬


‫ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أى غ٘ش هؼمَل‪ ،‬ألى الجؼل التششٗؼٖ الٗوكي اى ٗتؼلك ثبألهش التكٌَٖٗ‪،‬‬
‫إلستحبلٔ تكَٗي الش٘ئ ثبلجؼل ٍاإلػتجبس‪ٍ ،‬اال ّ لضم كَى الجؼل تكٌَٗ٘بً‪ٍَّ ،‬‬
‫خلف الفشض ٍالشإٔ‪.‬‬
‫ٍإى أسٗذ ثِ جؼلْب تششٗؼبً ٍإػتجبساً‪ .‬ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أًِ ال تتأثش ٍال تتحمك ثِ‪ ،‬ضشٍسٓ‬
‫أى األهش ٍالجؼل اإلػتجبسٕ‪ ،‬ال ٗؤثش فٖ األهش التكٌَٖٗ ٍَّ الطشٗم٘ٔ؛ ألى طشٗم٘ٔ‬
‫أخجبس الثمٔ كبألصَل الؼول٘ٔ ال تتأثش ثجؼلْب طشٗمبً ٍػلوبً تؼجذاً‪ ،‬ألى ّزا الجؼل‬
‫إًوب َّ فٖ ػبلن اإلػتجبس ٍالزّي‪ٍ ،‬ال ٍجَد لِ فٖ ػبلن الخبسج ٍالتكَٗي‪ ،‬حتى‬
‫ٗكَى هؤثشاً فِ٘‪ٍ ،‬اال ّ لكبى تكٌَٗ٘بً‪ ٍَّ ،‬خلف أٗضبً‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫ٍالخالصٔ‪ :‬ألى ّزا الجؼل ٍاإلػتجبس إًوب َّ هجشد لملمٔ لسبى‪ٍ ،‬ال اثش لِ أص ً‬
‫اللْن‪ :‬اال ّ أى ٗكَى هشجؼِ الى جؼل التٌضٗلٖ إٔ تٌضٗل أخجبس الثمٔ هٌضلٔ الؼلن‬
‫ثبلَالغ فٖ تشتت أثش ػلْ٘ب ٍلكي الٗوكي ػول ّزا الشإٔ ػلى التٌضٗل ألى التٌضٗل‬
‫َّ جؼل الحكن ٍاألثش ال جؼل الوَضَع‪ ،‬هغ أى ّزا الشإٔ هجٌٖ ػلى جؼل‬
‫الوَضَع‪ٗ ،‬ؼٌٖ جؼل هبل٘س ثؼلن ػلوبً‪ٍ ،‬الحبل أى التٌضٗل الٗذل اال ّ ػلى تشتت‬
‫أثش الوٌضل ػلِ٘ ششػبً ػلى الوٌضل‪ٍ .‬فِ٘‪ :‬أًِ ال هبًغ هي جؼل ٍإػتجبس هبل٘س ثؼلن‬
‫ػلوبً ألجل تشتت أثش الوٌضل ػلِ٘ ششػبً‪.‬‬
‫الجْٔ الثبً٘ٔ‪ :‬أى ّذف هذسسٔ الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) هي ٍساء ّزا الفشق َّ ث٘بى‬
‫أى هثجتبت األهبسٓ حجٔ‪ ،‬دٍى هثجتبت األصَل الؼول٘ٔ‪ٍ ،‬الٗوكي الَصَل الى ّزا‬
‫الْذف هي طشٗك ّزا الفشق ثٌْ٘وب‪.‬‬
‫الثالثاء‪4 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍرلك‪ :‬ألى الؼلن ثبلولضٍم إرا كبى ٍجذاً٘بً فَْ ٗستلضم الؼلن ثبلالصم هطلمب‪ ،‬ثالفشق‬
‫ث٘ي كَى الالصم ششػ٘بً‪ ،‬أم ػمل٘بً‪ ،‬أم ػبدٗبً‪ٍ ،‬كزلك الؼكس كوب أى الؼلن‬
‫الَجذاًٖ ثأحذ الوتالصه٘ي‪ٗ ،‬ستلضم الؼلن الَجذاًٖ ثبلوالصم ا‪ٙ‬خش ٍّكزا‪.‬‬
‫ٍأهب إرا كبى الؼلن تؼجذٗبً‪ ،‬فح٘ث إًِ ل٘س ثؼلن حم٘مٔ ٍٍالؼبً‪ٍ ،‬إًوب َّ ػلن فٖ‬
‫ػبلن اإلػتجبس دٍى الخبسج‪ ،‬فَْ ٗتجغ همذاس التجؼذ فٖ السؼٔ ٍالض٘ك‪.‬‬
‫ٍأهب فٖ همبم الثجَت فكوب ٗحتول أى ٗؼتجش الوَلى خجش الثمٔ طشٗمبً الى الَالغ‪،‬‬
‫ٍػلوبً تؼجذٗبً ثِ ٍثلَاصهِ هؼبً‪ ،‬فكزلك ٗحتول أى ٗؼتجش طشٗمبً الى الَالغ ٍػلوبً ثِ‬
‫ٍهٌحصشاً فِ٘ فمط‪ ،‬دٍى لَاصهِ‪ ،‬فكال األهشٗي هحتول هغ التضبء الوصلحٔ‪.‬‬
‫ال‪ :‬فئرا كبى‬
‫ٍفٖ همبم اإلثجبت‪ :‬فالثذ هي الٌظش الى دل٘ل حج٘ٔ خجش الَاحذ هث ً‬
‫لذل٘لْب إطالق ٗذل ػلى حج٘ٔ األهبسٓ حتى فٖ الوذلَل اإللتضاهٖ فالثذ هي األخز‬
‫ثِ‪ ،‬فتكَى هثجتبتْبحجٔ‪.‬‬
‫ٍأهب إرا لن ٗكي لِ إطالق كزلك فال تكَى األهبسٓ حجٔ اال ّ فٖ هذلَلْب الوطبثمٖ‬
‫دٍى اإللتضإ‪ٍ ،‬ح٘ث إى ػوذٓ الذل٘ل ػلى حج٘ٔ األهبسات كخجش الثمٔ‪ ّٖ ،‬س٘شٓ‬
‫الؼمالء الووضبٓ ششػبً فبلظبّش جشٗبى س٘شتْن ػلى الؼول ثْب فٖ كال الوذلَل٘ي‪،‬‬
‫الوطبثمٖ ٍاإللتضاهٖ هؼبً‪.‬‬
‫ٍػلى ضَء هبركشًبُ‪ٗ :‬ظْش أى حج٘ٔ هثجتبت األهبسات ل٘ست هي جْٔ ًكتٔ ثجَت٘ٔ‬
‫ٍّٖ أى الوجؼَل فْ٘ب الطشٗم٘ٔ ٍالؼلو٘ٔ كوب ركشُ الٌبئٌٖ٘(لذُ)؛ لؼذم ثجَت‬
‫الوالصهٔ ث٘ي الؼلن التؼجذٕ ثبلولضٍم ٍالؼلن التؼجذٕ ثبلالصم‪ ،‬ثل هي جْٔ ًكتٔ‬
‫الثالثاء‪4 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫إثجبت٘ٔ‪ ٍّٖ ،‬همذاس داللٔ الذل٘ل ػلى ّزُ الوالصهٔ فٖ همبم اإلثجبت ّزا هي‬
‫ًبح٘ٔ‪.‬‬
‫ٍهي ًبح٘ٔ اخشى‪...:‬‬
‫األربعاء‪ 5 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كاى كالهٌا فٖ هاركشُ ش٘خٌا األستار (دام ظلِ) سداً ػلى الشإٔ األٍل الوث٘ي‬
‫للفشق ت٘ي األهاسات ٍاألصَل ػول٘ٔ ٍجؼل ّزا الفشق فٖ صٌف الوجؼَل فئى‬
‫الشاسع لَ جؼل دل٘ل طشٗماً الى الَالغ‪ ،‬فَْ أهاسٓ ٍاال ّ لَجؼل دل٘ل هجشد ٍظ٘فٔ‬
‫ٍجشٕ الؼولٖ ػلى طثمِ فَْ أصل ػولٖ‪ ،‬إػتشض ػلى رلك ش٘خٌا األستار (دام‬
‫ظلِ) فٖ جْت٘ي‪ :‬الجْٔ األٍلى فٖ أصل الفكشٓ‪ٍ ،‬لال ال ٗوكي اى ٗكَى الوجؼَل‬
‫فٖ ّزا الثاب َّ الطشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ ثثَتاً‪ ،‬حتى ًٌظش الى أدلٔ حجتْ٘ا فٖ‬
‫همام اإلثثات‪ٍ ،‬أًْا تذل ػلى رلك أٍال‪ ٍ ،‬هغ اإلغواض ػي رلك ٍ تسل٘ن إهكاًِ‬
‫ثثَتاً‪ ،‬اال ّ أًِ ال دل٘ل ػلِ٘ فٖ همام اإلثثات‪.‬‬
‫الجْٔ الثاً٘ٔ‪ :‬أى ّذف هذسسٔ الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) هي ٍ ساء ّزا الفشق َّ ت٘اى‬
‫أى هثثتات األهاسٓ حجٔ‪ ،‬دٍى هثثتات األصَل الؼول٘ٔ‪ٍ ،‬الٗوكي الَصَل الى ّزا‬
‫الْذف هي طشٗك ّزا الفشق تٌْ٘وا‪ٍ .‬تمذم ت٘اًِ (دام ظلِ) ففٖ ًْاٗٔ الوطاف لال‪:‬‬
‫حج٘ٔ هثثتات األهاسات ل٘ست هي جْٔ ًكتٔ ثثَت٘ٔ ٍّٖ أى الوجؼَل فْ٘ا الطشٗم٘ٔ‬
‫ٍالؼلو٘ٔ كوا ركشُ الٌائٌٖ٘(لذُ)؛ لؼذم ثثَت الوالصهٔ ت٘ي الؼلن التؼثذٕ تالولضٍم‬
‫ٍالؼلن التؼثذٕ تالالصم‪ ،‬تل هي جْٔ ًكتٔ إثثات٘ٔ‪ ٍّٖ ،‬همذاس داللٔ الذل٘ل ػلى‬
‫ّزُ الوالصهٔ فٖ همام اإلثثات ّزا هي ًاح٘ٔ‪.‬‬
‫ٍهي ًاح٘ٔ اخشى‪ :‬أى جشٗاى س٘شٓ الؼمالء ػلى الؼول تأخثاس الثمٔ‪ ،‬سَاء أكاى‬
‫توذلَلِ الوطاتمٖ أٍ اإللتضاهٖ إًوا َّ ػلى اساس لَٓ كاشف٘ٔ أخثاس الثمٔ‪ ،‬ػي‬
‫هذلَلْا الوطاتمٖ تكٌَٗاً الوستلضم تٌفس الذسجٔ ػي كاشف٘تْا ػي هذلَلْا‬
‫اإللتضاهٖ تكٌَٗاً ٍل٘س ػلى أساس الجؼل‪ ،‬لَضَح ػذم الوالصهٔ فٖ الكاشف٘ٔ‬
‫األربعاء‪ 5 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الجؼل٘ٔ ت٘ي الوذلَل٘ي الوطاتمٖ ٍاإللتضاهٖ‪ ،‬لؼذم الوالصهٔ ت٘ي الجؼل٘ي‪ٍ ،‬ػلى‬
‫فشض ثثَت الوالصهٔ ت٘ي الجؼل٘ي جذالً ‪:‬‬
‫ال ٍتكٌَٗاً توؼٌى أى الجؼل الثاًٖ ٗتَلذ هي الجؼل األٍل‬
‫فئى اسٗذ تْا الوالصهٔ ػم ً‬
‫كتَلذ الوؼلَل ػي الؼلٔ‪ ،‬فَْ غ٘ش هؼمَل‪ ،‬ألى التَل٘ذ ٍالتسث٘ة إًوا ٗتصَس فٖ‬
‫األهَس التكٌَٗ٘ٔ‪ ،‬دٍى األهَس الجؼل٘ٔ ٍاإلػتثاسٗٔ التٖ ال ٍالغ لْا اال فٖ ػالن‬
‫اإلػتثاس ٍالزّي‪ ،‬هضافاً الى أى الجؼل فؼل إخت٘اسٕ للجاػل هثاششٓ ٍفشض كًَِ‬
‫هؼلَالً ٍهتَلذاً هي شٖء آخش خلف‪.‬‬
‫ٍإى اسٗذ تْا‪ :‬أى الوَلى إرا جؼل األهاسٓ طشٗماً الى هذلَلْا الوطاتمٖ جؼلْا طشٗماً‬
‫الى هذلَلْا اإللتضاهٖ تثؼاً أٗضاً؛ لؼذم الوؤًٍٔ فٖ رلك‪.‬‬
‫ف٘شد ػلِ٘ أٍالً‪ :‬أًِ ال هثشس لْزُ الوالصهٔ‪ٍ ،‬ال دل٘ل ػلى أى الوَلى إرا جؼل‬
‫األهاسٓ ػلواً تالوؤدى‪ ،‬جؼلْا ػلواً تلَاصهِ أٗضاً‪ ،‬لَضَح أى الجؼل ٗتثغ الوالك‪،‬‬
‫فئى كاى للجؼل الثاًٖ هالك‪ ،‬فَْ جؼل هستمل‪ٍ ،‬ل٘س تتاتغ‪ٍ ،‬اال ّ فال هثشس لِ‪،‬‬
‫ٍثاً٘اً أى الصم رلك َّ أى الوذلَل الوطاتمٖ لذل٘ل الحج٘ٔ َّ‪ :‬ثثَت الوالصهٔ‬
‫ت٘ي الجؼل٘ي فٖ الَالغ‪ ،‬فئًِ ٗذل ػلْ٘ا تالوطاتمٔ‪ ،‬ال أًِ ٗذل ػلى الجؼل األٍل‬
‫تالوطاتمٔ‪ٍ ،‬ػلى الجؼل الثاًٖ تاإللتضام‪.‬‬
‫فالٌت٘جٔ‪ :‬أى هاركشُ الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) تثؼاً للوشَْس هي ٍجَد الفشق‬
‫الجَّشٕ فٖ همام الثثَت فَْ غ٘ش تام‪.‬‬
‫ٍَّ هارّة إلِ٘ الوشَْس أٗضاً ٍتثؼْن ػلِ٘ الش٘خ األًصاسٕ ٍالوحمك‬
‫الٌائٌٖ٘(لذّوا)‪.‬‬
‫األربعاء‪ 5 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍحاصلِ‪ :‬أى الفشق ت٘ي األهاسات ٍاألصَل الؼول٘ٔ ٗكوي فٖ أى الشك هأخَر فٖ‬
‫هَضَع حج٘ٔ األصَل الؼول٘ٔ‪ ،‬دٍى هَضَع حج٘ٔ األهاسات‪.‬‬
‫تَض٘حِ‪ :‬أى الوشَْس رّة الى أى الفشق تٌْ٘وا تكَى الجْل تالَالغ ٍالشك فِ٘‬
‫هأخَر فٖ هَضَع األصَل الؼول٘ٔ‪ ،‬دٍى األهاسات فئى الوَضَع الوأخَر فٖ‬
‫لساى أدلٔ حج٘ٔ األهاسات َّ ًفس الزات‪ ،‬تال تم٘٘ذ تالجْل أٍ الشك كوا فٖ‬
‫لَلِ تؼالى فٖ آٗٔ الٌثأ‪:‬‬
‫ص٘ثَُا لَ َْهاً ت ِ َج َْال َ ٍٔ ‪ » 1..‬ح٘ث إى هَضَع الحج٘ٔ‬ ‫اس ٌك تٌَِث ٍئ فَتثٌَُ٘ا َأ ْى ت ُ ِ‬
‫َ ََٓ‬
‫« ِإ ْى جاءكُن فَ ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫توفاد الوفَْم َّ هجٖء غ٘ش الفا سك تالٌثأ هي دٍى أخز أٍ اػتثاس الجْل فِ٘ ٍكزا‬
‫ِٗ َػٌٓا ثِمَاتٌَُا‪ -‬لَ ْذ‬ ‫فٖ لَلِ(ع)‪َ « :‬ال ػ ْزس ِألَح ٍذ هِي هَالٌِ٘ا‪ -‬فِٖ التشْ ِك ِ‬
‫٘ك فِ٘وا ٗؤد ِ‬
‫َ ُ َ ِّ‬ ‫ٓ‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫اُ‪ »)2( ..‬فئى هَضَع الحج٘ٔ فِ٘ َّ سٍاٗٔ‬ ‫َػشف َُا ت ِ َأًٓا ًُفَا ٍِ ُض ُْ ْن ِسشًَا‪َ ُ ً ٍَ -‬ح ِّول ُ ُْ ْن ِٓ‬
‫ٗ‬ ‫إ‬
‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬
‫الثمٔ‪ ،‬تال تم٘٘ذ تأهش آخش‪ ،‬تخالف األصَل الؼول٘ٔ‪ ،‬ح٘ث إى هَضَع الحج٘ٔ فْ٘ا‬
‫هم٘ذ تالشك كمَلِ(ع) (سفغ ػي أهتٖ هاال ٗؼلوَى)‪.‬‬
‫ٍأها الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فمذ ركش أى للوٌالشٔ فٖ ّزا الشإٔ هجاالً ٍاسؼاً‪.‬‬
‫أها أٍالً‪ :‬فألى األدلٔ الذالٔ ػلى حج٘ٔ األهاسات‪ٍ ،‬إى كاًت هطلمٔ تحسة ظاّش‬
‫اللفظ‪ ،‬اال ّ أًْا هم٘ذٓ تالجْل تالَالغ‪ ،‬تحسة اللة أٗضاً‪ٍ ،‬رلك‪ :‬لوا ركشًاُ غ٘ش‬
‫هشٓ‪ .‬هي أى اإلّوال تحسة همام الثثَت غ٘ش هؼمَل‪ ،‬تل َّ هي هختصات همام‬
‫اإلثثات‪.‬‬

‫‪ 1‬احلجرات ‪ ،‬اآلية‪6 :‬‬


‫(‪)2‬وسائل الشيعة؛ ج‪،1‬باب‪2‬من ابواب مقدمة العبادات‪ ،‬ح‪22‬‬
‫األربعاء‪ 5 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍػلِ٘‪ :‬فال هحالٔ ٗكَى جؼل الحج٘ٔ لألهاسات‪ ،‬إها هطلمٔ تالٌسثٔ الى الؼالن‬
‫ٍالجاّل‪ ،‬أٍ هم٘ذٓ تالؼالن‪ ،‬أٍ هختصٔ تالجاّل‪ٍّ ،‬زُ ٍجَُ ٍاحتواالت ثالثٔ‪.‬‬
‫ٍال هجال لإللتضام تاألٍل ٍالثاًٖ‪ ،‬إر ال ٗؼمل كَى الؼول تاألهاسٓ ٍاجثاً ػلى الؼالن‬
‫تالَالغ ٍك٘ف ٗؼمل ػلى الؼالن تَجَب الذػاء أى ٗؼول تأهاسٓ تذل ػلى ػذم‬
‫ٍجَتِ؟ فئراً ٗثمى الَجِ األخ٘ش‪ ٍَّ ،‬كَى الؼول تاألهاسٓ هختصاً تالجاّل‬
‫تالَالغ‪ ٍَّ ،‬الوطلَب‪.‬‬
‫اس َأل َُا‬
‫ٍأها ثاً٘اً‪ :‬أًِ لذ أخز الجْل تالَالغ فٖ همام اإلثثات أٗضاً‪ ،‬كمَلِ تؼالى « فَ ْ‬
‫ل الزِّ ك ْ ِش ِإ ْى كٌُْت ُ ْن ال َ ت َ ْؼل َ ُوَ َى‪»)1( .‬‬
‫َأ ّْ َ‬
‫ح٘ث استذلَا تْا ػلى حج٘ٔ خثش الَاحذ تاسٓ‪ٍ ،‬ػلى حج٘ٔ فتَى الوجتْذ‬
‫أخشى‪ٍ ،‬كالّوا هي األهاسات الوؼتثشٓ‪ٍ ،‬لذ لّ٘ذا تؼذم الؼلن تالَالغ‪.‬‬
‫فالٌت٘جٔ‪ :‬أى ها ركشٍُ هي الفشق تٌْ٘وا فٖ ّزا الشإٔ غ٘ش تام‪ٍ .‬أها الس٘ذ‬
‫الشْ٘ذ(لذُ)‪.....‬‬

‫(‪)1‬النحل ‪ ،‬اآلية‪43 :‬‬


‫السبت‪58 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ هب ركشُ األصَلَ٘ى هي الفشق ث٘ي األهبسات ٍاألصَل الؿول٘ٔ‪،‬‬


‫ٍصلٌب الى الشؤٕ الثبًٖ ح٘ث تجٌبُ الوحمك األًصبسٕ ٍالوحمك الٌبئٌٖ٘ (لذّوب)‬
‫ٍحبصل ّزا الشؤٕ؛ َّ ؤى الفشق ثٌْ٘وب فٖ ؤًِ ؤخز فٖ هَظَؼ األهبسات ؾذم‬
‫الشك ٍؤخز فٖ هَظَؼ األصَل الؿول٘ٔ الشك‪ ،‬تمذم الكالم فٖ الجحث السبثك‬
‫فِ٘‪.‬‬
‫ٍؤهب الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) فمذ ؤفبد فٖ سد ّزا الشؤٕ ثوب حبصلِ؛ ؤى ّزا الشؤٕ‬
‫ٗوكي تفس٘شُ ثَجْ٘ي‪:‬‬
‫الَجِ األٍل‪ :‬ؤى ٗكَى الفشق ثلحبظ ؾبلن اإلًشبء ٍالجؿل ٍالثجَت كبلشؤٕ األٍل‪.‬‬
‫الَجِ الثبًٖ‪ :‬ؤى ٗكَى الفشق ًبغشاً الى همبم اإلثجبت ٍالذاللٔ كوب َّ الػبّش ٍكال‬
‫التفس٘ش ٗي غ٘ش صح٘ح‪ٍ .‬ثبلٌت٘جٔ‪ :‬ال ٗوكي الوسبؾذٓ ؾلى ّزا الشؤٕ ؤٗعبً‪.‬‬
‫ٍؤهب الَجِ األٍل‪ :‬فَْ غ٘ش صح٘ح ألهشٗي‪ :‬األٍل‪ :‬ؤى ّزا الفشق ال ٗفٖ ثتفس٘ش‬
‫خَاص األهبسٓ الوفشٍظٔ فٖ الشؤٕ األٍل هي كَى هثجتبتْب ٍلَاصهْب حجٔ‪ ،‬فٖ‬
‫همبثل األصل الؿولٖ‪ ٍَّ ،‬ؾذم حج٘ٔ هثجتبتْب كوب َّ ٍاظح‪ ،‬لؿذم الوالصهٔ ث٘ي‬
‫جؿل الحج٘ٔ للوذلَل الوطبثمٖ‪ٍ ،‬ثجَتْب فٖ اإللتضاهٖ ؤٗعبً كوب تمذم‪.‬‬
‫الثبًٖ‪ :‬ؤى ّزا الفشق غ٘ش هؿمَل فٖ ًفسِ‪ ،‬ألى ؾذم ؤخز الشك فٖ هَظَؼ حج٘ٔ‬
‫األهبسٓ ٗستلضم (اإلطالق) فٖ الوَظَؼ‪.‬‬
‫ٍؾلِ٘‪ٗ :‬كَى هؿٌى(ؾذم تم٘٘ذ األهبسٓ ثبلشك) فٖ كَى حج٘تْب هجؿَلٔ ؾلى ًحَ‬
‫اإلطالق ثح٘ث ٗشول حتى (الؿبلن) ٍَّ غ٘ش هؿمَل‪ ،‬كوب تمذم ؾي الس٘ذ‬
‫الخَئٖ(لذُ)‪.‬‬
‫السبت‪58 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬ؤى افتشاض حكن غبّشٕ غ٘ش هم٘ذ ثبلشك غ٘ش هؿمَل‪ ،‬هعبفبً الى ؾذم‬
‫ٍفبء ّزا الَجِ ثٌكتٔ الفشق ثٌْ٘وب‪ ،‬إر لَ ؤى الشبسؼ جؿل الحج٘ٔ لخجش الؿبدل‬
‫ال ؾول٘بً‪ ،‬لوجشد رلك؟ « لَ لبل‬
‫ٍؤخز فٖ هَظَؾْب الشك فْل ‪ٗ ...‬بتشى‪ ،‬ؤص ً‬
‫الشبسؼ إرا شككت فٖ حكن فؿل٘ك ثإخجبس الثمٔ »‬
‫فوثل ّزا ؤٗعبً غ٘ش هؿمَل فتحصل ؾذم صحٔ ّزا الَجِ‪.‬‬
‫ٍؤهب الَجِ الثبًٖ‪ ٍَّ :‬كَى الفشق ثٌْ٘وب فٖ همبم اإلثجبت ٍالذاللٔ ٍّزا الَجِ‬
‫ؤكثش ثؿذاً ؾي سٍح الَالؽ‪ٍ ،‬تَظ٘ح ّزا الَجِ لجل الشد ؾلِ٘‪.‬‬
‫ثإى ٗمبل‪ :‬إى الذل٘ل ؾلى الوَسد َّ ؤًِ إى ؤخز فٖ هَظَؾِ الشك‪ ،‬كوب فٖ‬
‫ال ؾول٘بً‪ٍ ،‬إى لن ٗؤخز فٖ‬ ‫لَلِ(ؼ) ال تٌمط ال٘م٘ي ثبلشك ثكَى هَسدُ ؤص ً‬
‫بس ٌك ثٌَِج ٍئ فَتجٌَُ٘ا َؤ ْى ت ُ ِ‬
‫ص٘جَُا لَ َْهبً‬ ‫هَظَؾِ الشك‪ ،‬كوب فٖ لَلِ تؿبلى « ِإ ْى جبءكُن فَ ِ‬
‫َ ََٓ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ث ِ َج َْبلَ ٍٔ » فْزا ٗكَى ؤهبسٓ‪.‬‬
‫ٍالفشق ثٌِ٘ ٍث٘ي الَجِ األٍل فٖ ؤى الشك ؤخز الشك فٖ هَظَؼ األصل‪ٍ ،‬لن‬
‫ٗؤخز فٖ هَظَؼ األهبسٓ فٖ همبم الج٘بى‪ٍ ،‬لسبى الذل٘ل فٖ ّزا الَجِ‪ ،‬ثٌ٘وب فٖ‬
‫الَجِ األٍل كبى األخز ٍؾذم األخز فٖ ؾبلن اإلًشبء ٍالجؿل‪ٍ ،‬فٖ ؾبلن الثجَت‪.‬‬
‫ٍألجل ّزا الفشق ال ٗجشٕ اإلشكبل الثبًٖ ٌّب ٍَّ ؤًِ لَ لن ٗؤخز الشك فٖ‬
‫هَظَؼ األهبسٓ فٖ ؾبلن الجؿل للضم هٌِ جؿل حج٘ٔ األهبسٓ هطلمب حتى للؿبلن‬
‫ٍَّ غ٘ش هؿمَل‪ٍ .‬رلك‪ :‬ألى الومصَد هي ؾذم ؤخز الشك فٖ هَظَؼ األهبسٓ ٌّب‬
‫َّ ؾذم ؤخزُ فٖ لسبى الذل٘ل‪ ،‬هثل (صذق الؿبدل) ٍإى كبى ثحست ؾبلن الجؿل‬
‫السبت‪58 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍالثجَت لذ ؤخز الشك فٖ هَظَؼ األهبسٓ‪ .‬كبألصل الؿولٖ فال ٗشد هحزٍس‬
‫حج٘ٔ األهبسٓ هطلمب‪ ،‬حتى تشول الؿبلن فٖ الَالؽ‪.‬‬
‫ٍلكي ّزا الَجِ غ٘ش صح٘ح هي جْٔ ؤخشى‪ ٍّٖ ،‬ؤى ّزا الَجِ لذ صشف فِ٘‬
‫الٌػش هي ؾبلن الَالؽ ٍاللت ٍالثجَت‪ ،‬الى ؾبلن المشش ٍالتؿج٘ش ٍالذل٘ل ٍاإلثجبت‪،‬‬
‫ٍٗشجؽ ّزا الَجِ الى فشض هجشد اختالف فٖ ًَؼ اللسبى‪ًٍ ،‬حَ اللفع الَاسد‬
‫فٖ لسبى الذل٘ل‪ٍ ،‬هي الوؿلَم ؤى هثل ّزا االختالف ال ٗغّ٘ش هي ٍالؽ الفشق ث٘ي‬
‫ال‪ :‬لَ فشظٌب ؤى ؾبلن لن ٗثجت ؾٌذُ حج٘ٔ خجش الَاحذ اال ّ‬ ‫األهبسٓ ٍاألصل ش٘ئبً‪ .‬هث ً‬
‫بس َإلَُا َؤ ّْ َل الزِّ ك ْ ِش ِإ ْى كٌُْت ُ ْن الَ تَؿْل َ ُو َ‬
‫َى(‪ »)1‬فْل ٌٗملت خجش الَاحذ‬ ‫ثمَلِ تؿبلى‪ « :‬فَ ْ‬
‫ؾلى ّزا األسبس هي األهبسٓ الى األصل؟! كوب َّ الحبل فٖ ؤصبلٔ الجشاءٓ الثبثت‬
‫ثحذٗث الشفؽ « سفؽ ؾي ؤهتٖ هبال ٗؿلوَى» ٍّل إرا ثجتت حج٘تِ ؾٌذ آخش ثأٗٔ‬
‫بس ٌك ثٌَِج ٍئ فَتجٌَُ٘ا َؤ ْى ت ُ ِ‬
‫ص٘جَُا لَ َْهبً ث ِ َج َْبلَ ٍٔ‪ٗ »2‬كَى ؤهبسٓ لؿذم ؤخز‬ ‫الٌجإ« ِإ ْى جبءكُن فَ ِ‬
‫َ ََٓ‬ ‫َ َ ْ‬
‫الشك ٍؾذم الؿلن فٖ هَظَؾِ؟ ٍال ؤغي ٗلتضم ثوثلِ ؤصَلٖ!!‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬ؤى اختالف الوذسك ٍالذل٘ل‪ٍ ،‬تغبٗش التؿج٘ش‪ ،‬ال دخل لِ فٖ ؤهبسٗٔ‬
‫األهبسٓ‪ٍ ،‬ال فٖ ؤصَل٘ٔ األصل‪ ،‬فْزا الَجِ غ٘ش تبم اٗعبً‪.‬‬
‫ًؿن ّزُ الخصَص٘بت االتفبل٘ٔ‪ٍ ،‬االختالف فٖ لسبى الذل٘ل‪ ،‬لذ تٌفؽ فٖ همبم‬
‫تمذٗن ؤحذ الذل٘ل٘ي ؾلى ا‪ٙ‬خش‪.‬‬
‫ال‪ :‬إرا ثٌٌ٘ب ؾلى ؤى دل٘ل األهبسٓ ٍدل٘ل االستصحبة‪ ،‬كلْ٘وب هتكفالى لجؿل‬
‫هث ً‬
‫الطشٗم٘ٔ ٍلكي األٍل لن ٗؤخز فٖ هَظَؾِ الشك ٍالثبًٖ لذ ؤخز فٖ هَظَؾِ‬

‫(‪ )1‬‏‬
‫النحل‏‪،‬‏اآلية‪:‬‏‪43‬‬
‫‪2‬‏احلجرات‏‏‪،‬‏اآلية‪:‬‏‪6‬‬
‫السبت‪58 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫فحٌ٘ئز ٗوكي اى ٗمبل‪ :‬إى دل٘ل األهبسٓ حبكن ؾلى دل٘ل االستصحبة‬ ‫الشك‬
‫ٍٗمذم ؾلِ٘‪ٍ ،‬رلك ألى دل٘ل حج٘ٔ األهبسٓ‪ٗ ،‬جؿل األهبسٓ ؾلوبً‪ ،‬ف٘كَى سافؿبً‬
‫لوَظَؼ دل٘ل االستصحبة الزٕ ؤخز فِ٘ (الشك) ٍؾذم الؿلن كوب َّ ٍاظح‪.‬‬
‫فتحصل هي جو٘ؽ هب تمذم؛ ؾذم صحٔ ّزا الفشق ثكال تفس٘شِٗ‪.‬‬
‫ٍؤهب ش٘خٌب األستبر (دام غلِ) ففٖ همبم سد ّزا الشؤٕ ركش‪ :‬ؤى ؾذم صحتِ غ٘ش‬
‫خفٖ ٍرلك‪ :‬ألى الشك فٖ همبم اإلثجبت‪ٍ ،‬إى كبى هإخَراً فٖ لسبى ؤدلٔ حج٘ٔ‬
‫األصَل الؿول٘ٔ دٍى األهبسات اال ّ ؤًِ ال ٗتشتت ؾلى ّزا الومذاس هي الفشق‪ ،‬هب َّ‬
‫الوطلَة هٌِ ٍَّ حج٘ٔ هثجتبت األهبسات الششؾ٘ٔ ٍؾذم حج٘ٔ هثجتبت األصَل‬
‫الؿول٘ٔ‪ٍ ،‬رلك ألى الشك فٖ همبم الثجَت ٍالَالؽ هإخَر فٖ هَظَؼ حج٘ٔ‬
‫كلْ٘وب‪ ،‬إر ال ٗؿمل ؤى ٗكَى هَظَؼ حج٘ٔ األهبسات هطلمب‪ٍ ،‬غ٘ش هم٘ذ ثبلشك‬
‫فٖ الَالؽ‪ٍ ،‬اال ّ فالصهِ جؿل الحج٘ٔ لألهبسات هطلمب‪ ،‬حتى للؿبلن ثبلَالؽ ٍَّ كوب‬
‫تشى‪.‬‬
‫فػْش هوب ؤٍسد ًبُ هي كلوبت األؾالم الثالثٔ فٖ الومبم ؾذم صحٔ ّزا الفشق‬
‫ثكال تفس٘ش ِٗ‪.‬‬
‫الشؤٕ الثبلث‪ :‬هب رّت إلِ٘ الوحمك الخشاسبًٖ ٍالس٘ذ الخَئٖ(لذّوب) هؽ‬
‫اختالفْوب فٖ تمشٗت الفكشٓ‪.‬‬
‫األحد‪9 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كاى كالهٌا فٖ ركش آساء التٖ اختلفت فٖ ت٘اى الفشق ت٘ي األصَل الؼول٘ٔ ٍت٘ي‬
‫األهاسات ‪ .‬الشإٔ األٍل ها تثٌاُ الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) تثؼاً للوشَْس هي الفشق‬
‫تٌْ٘وا فٖ السٌخ الودؼَل؛ فئى السٌخ الودؼَل فٖ األهاسات َّ طشٗم٘ٔ‬
‫ٍالكاشف٘ٔ ٍالؼلن تثؼذٕ‪ٍ ،‬السٌخ هدؼَل فٖ األصَل الؼول٘ٔ َّ الدشٕ الؼولٖ‬
‫ػلى طثمْا ٍت٘اى الَظ٘فٔ‪.‬‬
‫الشإٔ الثاًٖ ح٘ث تثٌاُ الوحمك األًصاسٕ ٍالوحمك الٌائٌٖ٘ (لذّوا) ٍحاصل ّزا‬
‫الشإٔ؛ َّ أى الفشق تٌْ٘وا فٖ أًِ أخز فٖ هَظَع األهاسات ػذم الشك ٍأخز فٖ‬
‫هَظَع األصَل الؼول٘ٔ الشك‪.‬‬
‫الشإٔ الثالث‪ :‬ها رّة إلِ٘ الوحمك الخشاساًٖ ٍالس٘ذ الخَئٖ(لذّوا) هغ‬
‫اختالفْوا فٖ تمشٗة الفكشٓ‪.‬‬
‫ٍحاصلِ‪ :‬أى الفشق ت٘ي األهاسات ٍاألصَل الؼول٘ٔ فشق إثثاتٖ ٍّزا هوا ٗتفماى‬
‫ػلِ٘‪.‬‬
‫أها الوحمك الخشاساًٖ (لذُ) فمذ افاد فٖ ٍخِ رلك أى هصة الحدّ٘ٔ فٖ تاب‬
‫األهاسات َّ الحكاٗٔ كخثش الثمٔ‪ ،‬فئًِ كوا ٗحكٖ ػي الوذلَل الوطاتمٖ‪ ،‬كزلك‬
‫تطثؼِ ٗحكٖ ػي الوذلَل االلتضام فئى الحكاٗٔ فِ٘ ال تختص تالذاللٔ الوطاتم٘ٔ‪،‬‬
‫تل تؼن الوذلَل اإللتضاهٖ تالوالصهٔ ٍػلى ّزا األساس تصثح لَاصم األهاسات‬
‫حدٔ‪ ،‬تخالف األصَل الؼول٘ٔ‪.‬‬
‫ٍأٍسد ػلِ٘ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‪ :‬تأى الحكاٗٔ فشع المصذ‪ٍ ،‬الوخثش إًوا ٗمصذ‬
‫الوذلَل الوطاتمٖ تالحكاٗٔ فَْ لذ ال ٗمصذ اللَاصم‪ ،‬تل لذ ال ٗكَى هلتفتاً إلْ٘ا‬
‫األحد‪9 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال أٍ لذ ٗتخ٘ل ػذم الوالصهٔ ٍهغ كل‬


‫ال أٍ لذ ٗتخ٘ل ػذم الوالصهٔ إلْ٘ا أص ً‬
‫أص ً‬
‫رلك ٗمال‪ :‬تحد٘ٔ اللَاصم‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فل٘س ٍخِ حد٘ٔ اللَاصم‪ٍ ،‬هٌاطِ الحكاٗٔ ٍاإلخثاس‪ ،‬تل ٌّاك ًكتٔ أخشى‪.‬‬
‫فالصح٘ح أى ٗمال‪ :‬إى الَخِ فٖ حد٘ٔ لَاصم األهاسٓ ٍالخثش َّ أى دل٘ل حد٘ٔ‬
‫الخثش َّ الس٘شٓ ٍالس٘شٓ كوا لاهت ػلى الؼول توذلَلِ الوطاتمٖ‪ ،‬كزلك لاهت‬
‫ػلى الؼول توذلَلِ اإللتضاهٖ‪ٍ ،‬ال َٗخذ شٖء هي ّزا المث٘ل فٖ تاب األصَل‬
‫الؼول٘ٔ‪.‬‬
‫ٍلذ أخاب الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) ػي ّزا الشإٔ تدَاب ًمعٖ‪:‬‬
‫ٍحاصلِ‪ :‬أٍالً‪ :‬أى الفشق ت٘ي األهاسات ٍاألصَل الزٕ خؼل لَاصم األهاسات حدٔ‪،‬‬
‫ٍلَاصم األصَل غ٘ش حدٔ‪ َّ ،‬أػوك فوا ركشُ الوحمك الخشاساًٖ(لذُ) هي كَى‬
‫هَظَع الحد٘ٔ فٖ تاب األهاسات َّ (الحكاٗٔ)‪.‬‬
‫ال‪ :‬الشْشٓ تٌاءاً ػلى حد٘تْا تذل٘ل لَلِ(ع) « ُخز توا اشتْش ت٘ي أصحاتك » ٗلضم‬
‫هث ً‬
‫أى تكَى لَاصهْا حدٔ‪ ،‬لكًَْا هي األهاسات هغ أى الشْشٓ تختص تالوذلَل‬
‫ال‪ ،‬ل٘شولْا دل٘ل الحد٘ٔ‪.‬‬
‫الوطاتمٖ‪ٍ ،‬لذ تكَى اللَاصم هشَْسٓ أص ً‬
‫ٍثاً٘اً‪ :‬أى الفشق كزلك‪ ،‬أػوك هوا ركشُ الس٘ذ األستار(لذُ) ح٘ث ال ٗأتٖ الفشق‬
‫الزٕ ركشُ(لذُ) فٖ هثل (الشْشٓ) تٌاءاً ػلى حد٘تْا توا تمذم هي لَلِ(ع) ٍال‬
‫ٗأتٖ أٗعاً فٖ خثش الثمٔ تٌاءاً ػلى كَى الذل٘ل ػلى حد٘تِ غ٘ش الس٘شٓ‪ٍ ،‬ال فٖ‬
‫الثٌ٘ٔ فٖ تاب المعاء إرا ثثت حد٘تْا تالتؼثذ‪ ،‬ال تالس٘شٓ كوا َّ هؼلَم‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫ٍأها ش٘خٌا األستار (دام ظلِ) فلن ٗتؼشض الى ّزا الشإٔ أص ً‬
‫األحد‪9 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الشإٔ الشاتغ‪:‬‬
‫َّ ها رّة إلِ٘ الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) ٍحاصلِ‪ :‬أى هٌشأ خؼل أصل األحكام‬
‫الظاّشٗٔ هطلما(سَاء سو٘ت تاألهاسات‪ ،‬أٍ تاألصَل الؼول٘ٔ) ٍهشخؼْا سٍحاً ٍلثاً ٍ‬
‫ٍالؼاً إلى ػالج التضاحن ت٘ي األحكام الَالؼ٘ٔ‪ ،‬فٖ همام حفظْا‪ ،‬توا لْا هي‬
‫الوالكات اإللضاه٘ٔ أٍ التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬ػٌذ التشدٗذ ٍاالشتثاُ لذى الوكلف‪.‬‬
‫ال‪ :‬لَ داس أهش أخضاء الصالٓ هي الشكَع ٍالسدَد ٍالتشْذ ٍالمٌَت ٍغ٘شّا‪ ،‬ت٘ي‬
‫هث ً‬
‫الَخَب ٍػذهِ ػٌذ االشتثاُ ٍالتشدٗذ ٍفشظٌا أى لْا هالكات لضٍه٘ٔ ٍٗؼلن‬
‫الشاسع أى أخثاس الثمات لذ ًملت أحكاهْا تصَسٓ صح٘حٔ‪ٍ ،‬تٌسثٔ كث٘شٓ‪ ،‬اال ّ ها‬
‫ال‪.‬‬
‫حصل السَْ ٍاالشتثاُ‪ ،‬أٍ حصل الكزب الوتؼوذ فٖ هَسد هث ً‬
‫ال ٍاال ّ لَ‬
‫فالشاسع ٌّا ألخل الحفاظ ػلى هالكاتْا ٗدؼل الحد٘ٔ لخثش الَاحذ‪ ،‬هث ً‬
‫لن ٗدؼلِ حدٔ لفاتت تلك الوالكات ٍفٖ الوَاسد التٖ ال تفٖ األخثاس‬
‫الوَخَدٓ‪ٍ ،‬ال تكشف ػي تلك الوالكات اللضٍه٘ٔ الوْؤ ػٌذ الشاسع أهشّا ٍال‬
‫ٗشظى تتفَٗتْا ٗدؼل ٍظ٘فٔ الوكلف َّ (اإلحت٘اغ) ألخل تحص٘ل تلك‬
‫الوالكات اللضٍه٘ٔ ٍاألغشاض التٖ ال ٗشظى تتفَٗتْا‪.‬‬
‫ٍكزلك الحال إرا كاًت الوالكات التشخ٘ص٘ٔ فٖ تؼط الوَاسد أّن تٌظش الشاسع‬
‫لحكؤ أٍ هصلحٔ‪ٍ ،‬لَ هصلحٔ التسْ٘ل ػلى الوكلف٘ي ف٘دؼل األصَل الؼول٘ٔ‬
‫التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬للحصَل ػلى هالكات التشخ٘ص‪ ،‬ف٘وا إرا لن تف األهاسات تالكشف‬
‫ػي رلك (فوا َّ ٍخِ التسو٘ٔ)‪.‬‬
‫األحد‪9 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍالسؤال الزٕ ٗطشح‪ َّ :‬أى الشاسع تدؼل الحكن الظاّشٕ فٖ هَاسد الدْل‬
‫ٍالشك فٖ اطاس حد٘ٔ خثش الَاحذ ٍالشْشٓ‪ ،‬أٍ حد٘ٔ االستصحاب ٍالثشاءٓ‪،‬‬
‫للحفاظ ػلى هالكات األحكام الَالؼ٘ٔ‪ ،‬األػن هي اإللضاه٘ٔ أٍ التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬تال فشق‬
‫تٌْ٘وا فٖ خْٔ الحد٘ٔ ٍ لضٍم الؼول‪ ،‬فوا َّ ٍخِ تسو٘ٔ تؼط ّزُ الحدح‬
‫تاألهاسات‪ٍ ،‬تؼعْا تاألصَل الؼول٘ٔ؟ ٍها َّ الفشق تٌْ٘وا‪ٍ ،‬ها َّ الوثشس لْزا‬
‫الفشق؟!‬
‫اإلثنين‪10 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ الشإٔ الشاثغ فٖ ث٘بى الفشق ث٘ي األصَل الؼول٘ٔ ٍث٘ي األهبسات ٍلذ‬
‫تجٌب ّزا الشإٔ الس٘ذ الشْ٘ذ الصذس األٍل (لذُ) ح٘ث ركش أى هٌشأ الفشق‬
‫ٍاإلختالف ث٘ي األصَل الؼلو٘ٔ ٍاألهبسات‪ :‬أى هٌشأ خؼل أصل األحكبم الظبّشٗٔ‬
‫هطلمب(سَاء سو٘ت ثبألهبسات‪ ،‬أٍ ثبألصَل الؼول٘ٔ) ٍهشخؼْب سٍحبً ٍلجبً ٍ ٍالؼبً‬
‫ئلى ػالج التضاحن ث٘ي األحكبم الَالؼ٘ٔ‪ ،‬فٖ همبم حفظْب‪ ،‬ثوب لْب هي الوالكبت‬
‫اإللضاه٘ٔ أٍ التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬ػٌذ التشدٗذ ٍاالشتجبُ لذى الوكلف‪.‬‬
‫ٍالسإال الزٕ ٗطشح‪ َّ :‬أى الشبسع ثدؼل الحكن الظبّشٕ فٖ هَاسد الدْل‬
‫ٍالشك فٖ اطبس حد٘ٔ خجش الَاحذ ٍالشْشٓ‪ ،‬أٍ حد٘ٔ االستصحبة ٍالجشاءٓ‪،‬‬
‫للحفبظ ػلى هالكبت األحكبم الَالؼ٘ٔ‪ ،‬األػن هي اإللضاه٘ٔ أٍ التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬ثال فشق‬
‫ثٌْ٘وب فٖ خْٔ الحد٘ٔ ٍ لضٍم الؼول‪ ،‬فوب َّ ٍخِ تسو٘ٔ ثؼط ّزُ الحدح‬
‫ثبألهبسات‪ٍ ،‬ثؼعْب ثبألصَل الؼول٘ٔ؟ ٍهب َّ الفشق ثٌْ٘وب‪ٍ ،‬هب َّ الوجشس لْزا‬
‫الفشق؟!‬
‫هالحظٔ‪ :‬لذ ٍسد فٖ اتدبُ الس٘ذ الشْ٘ذ (لذُ) أى الغشض هي خؼل الحد٘ٔ‬
‫لألهبسات أٍ لألصَل الؼول٘ٔ (األحكبم الظبّشٗٔ) َّ ػالج التضاحن ث٘ي األحكبم‬
‫الَالؼ٘ٔ فٖ همبم االّتوبم ثْب ٍحفظْب ػٌذ التشدد ث٘ي اللضٍم ٍالتشخ٘ص‪ ،‬لذ سوبُ‬
‫ٌّب (ثبلتضاحن الحفظٖ) ٍألخل تَظ٘ح ّزا الوصطلح ًمَل‪ :‬ئى التضاحن ٗوكي‬
‫فشظِ ػلى أًحبء ثالثٔ‪:‬‬
‫الٌحَ األٍل‪ :‬التضاحن الوالكٖ ٍٗشاد ثِ‪ :‬هب ئرا فشض ٍخَد هالك٘ي فٖ فؼل‬
‫ٍاحذ‪ ،‬فٖ هشحلٔ الوجبدب‪ ،‬كوب فٖ (ششة الخوش) فلَ فشض فِ٘ هصلحٔ ئصالٔ‬
‫اإلثنين‪10 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪ٍ ،‬فِ٘ هفسذٓ ئرّبة الؼمل ٍالتَاصى‪ ،‬فاى الوصلحٔ تمتعى‬


‫الْوَم ٍالغوَم هث ً‬
‫ٗسوًَِ‬
‫الَخَة أٍ االستحجبة‪ٍ ،‬الوفسذٓ تمتعٖ الحشهٔ أٍ الكشأّ‪ٍّ ،‬زا هب ّ‬
‫ثــ (التضاحن الوالكٖ) فٖ هشحلٔ الوجبدب‪.‬‬
‫ال ٍٗحشم‬
‫ٍػالج ّزا التضاحن ث٘ذ الوَلى الؼبلن ثبألّو٘ٔ‪ ،‬ف٘مذم خبًت الوفسذٓ هث ً‬
‫ششة الخوش فبلتشخ٘ح ٌّب ث٘ذ الوَلى ئرا ال طشٗك لٌب ئلى هالكبت األحكبم‬
‫الششػ٘ٔ فٖ الَالغ ٍهب ركشًبُ ئًوب كبى هدشد هثبل فشظٖ‪.‬‬
‫الٌحَ الثبًٖ‪ :‬التضاحن االهتثبلٖ ٍهٌشإُ‪ :‬ػذم لذسٓ الوكلف ٍػدضُ فٖ همبم‬
‫االهتثبل‪ ،‬كوب ئرا ٍلغ التضاحن فٖ همبم االهتثبل ث٘ي (الصالٓ فٖ الوسدذ) ٍ(ئصالٔ‬
‫الٌدبسٔ ػٌِ) هغ ػذم ئهكبى الدوغ ثٌْ٘وب‪ ،‬أٍ ئًمبر غشٗم٘ي‪ ،‬ال ٗمذس ئال ػلى ئًمبر‬
‫أحذّوب‪ٍّ ،‬كزا‪.‬‬
‫ٍالتشخ٘ح ألحذ الَاخج٘ي ػلى ا‪ٙ‬خش‪ ،‬ئًوب ٗكَى ثبلشخَع ئلى هشخحبت ثبة‬
‫التضاحن‪ ،‬ف٘كَى ػالخِ ث٘ذ الوكلف (الودتْذ) ٍالفشض ػذم ٍخَد التضاحن ٌّب‬
‫ث٘ي الوالك٘ي‪ ،‬ألى كل هالك لبئن ثفؼل غ٘ش الفؼل الزٕ لبم ثِ الوالك ا‪ٙ‬خش‪،‬‬
‫ٍّزاى التضاحوبى ل٘سب همصَدٗي ثبلجحث فٖ الومبم‪.‬‬
‫الٌحَ الثبلث‪ :‬التضاحن الحفظٖ‪ٍ :‬هٌشإُ االشتجبُ ٍالتشدد ث٘ي الحكن اللضٍهٖ‬
‫الوشتول ػلى هالك لضٍهٖ (كبلَخَة أٍ الحشهٔ) ٍث٘ي الحكن التشخ٘صٖ‬
‫(كبإلثبحٔ) الوشتول ػلى الوالك التشخ٘صٖ ثوؼٌى (اإلثبحٔ اإللتعبئ٘ٔ)‪.‬‬
‫ٍفٖ ّزا المسن ال تضاحن ث٘ي الوالك٘ي ألى الغشض اى فٖ الفؼل هالك ٍاحذ‪ ،‬ئهب‬
‫لضٍهٖ أٍ تشخ٘صٖ ٍال تضاحن اهتثبلٖ ألى الوكلف لبدس ػلى االهتثبل ثبلفؼل‪ ،‬ئرا‬
‫اإلثنين‪10 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى هالكِ اللضٍهٖ َّ الَخَة‪ٍ ،‬ثبلتشك ئرا كبى هالكِ اللضٍهٖ َّ الحشهٔ‪ ،‬أٍ‬
‫ئطالق الؼٌبى ئرا كبى هالكِ التشخ٘ص ٍػذم اللضٍم‪.‬‬
‫ٍػالج ّزا التضاحن الحفظٖ ئًوب َّ ث٘ذ الوَلى سجحبًِ ثتمذٗن األّن ػلى الوْن‬
‫ال هحبلٔ‪.‬‬
‫ٍثكلؤ‪ :‬أى التضاحن الحفظٖ‪ ،‬ئًوب َّ تضاحن فٖ ػبلن حفظٖ الخطبة ٍالتكل٘ف‬
‫الَالؼٖ ًفسِ‪ ،‬فاى الخطبة الَالؼٖ‪ ،‬ثؼذ اثتالئِ ثؼذم الَصَل ئلى الوكلف ثسجت‬
‫أٍ آخش‪ ،‬صبس هشدداً كوب فٖ اشتجبُ حكن (الذػبء ػٌذ سؤٗٔ الْالل) ث٘ي الَخَة‬
‫ال‪ ،‬لؼذم الَصَل ئلٌ٘ب ثبلؼلن‪ ،‬فارا تشدد أهش الشجْٔ الوزكَسٓ أٍ غ٘شّب‬
‫ٍاإلثبحٔ هث ً‬
‫ث٘ي أى تكَى داخلٔ تحت الخطبثبت اإللضاه٘ٔ إٔ (ٍخَة الذػبء) لَخَد هالك‬
‫لضٍهٖ فِ٘‪ ،‬أٍ تحت الخطبثبت التشخ٘ص٘ٔ (ػذم ٍخَثِ) لَخَد هالك التشخ٘ص‪،‬‬
‫ال‪.‬‬
‫ٍّٖ الوصلحٔ فٖ ئطالق الؼٌبى‪ ٍّٖ ،‬الوصلحٔ الٌَػ٘ٔ ٍالتسْ٘ل٘ٔ هث ً‬
‫ففٖ هثل ّزُ الحبلٔ‪ٗ :‬مغ فٖ ًفس الوَلى تضاحن ث٘ي التكبل٘ف اإللضاه٘ٔ‪،‬‬
‫ٍالخطبثبت التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬ثلحبظ ّزُ الشجْٔ‪ ،‬فٌْب ٗأتٖ احتوبالى‪:‬‬
‫األٍل‪ :‬احتوبل دخَل ّزُ الشجْٔ فٖ ثبة اإللضاه٘بت‪ .‬الثبًٖ‪ :‬احتوبل دخَل ّزُ‬
‫الشجْٔ فٖ ثبة التشخ٘ص٘بت‪ٍ ،‬اإلثبحبت الَالؼ٘ٔ‪.‬‬
‫فؼلى األٍل‪ :‬تستذػٖ التكبل٘ف اإللضاه٘ٔ هي الوَلى‪ ،‬التحفع ػلْ٘ب‪ ،‬الحتوبل أى‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ثتَسؼٔ دائشٓ (الطلت ٍئٗدبة‬ ‫تكَى الشجْٔ هٌْب‪ ،‬ف٘كَى التحفع ػلْ٘ب‬
‫االحت٘بغ)‪.‬‬
‫اإلثنين‪10 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍػلى الثبًٖ‪ :‬تمتعٖ الخطبثبت التشخ٘ص٘ٔ‪ ،‬تَسؼٔ دائشٓ اطالق الؼٌبى‪ ،‬لْزُ الشجْٔ‬
‫الحتوبل أى تكَى الشجْٔ هي الوَاسد التٖ التعـت الوصـلحٔ فْ٘ـب اطـالق الؼٌـبى‬
‫للوكلف‪.‬‬
‫ٍالحبصل‪ :‬أى ّزا التضاحن هشثَغ ثبلوَلى‪ ،‬ال ثبلؼجذ فٖ همبم االهتثبل‪ٌٍّ .‬ب ٗذٍس‬
‫أهش الوَلى تصَساً ٍثجَتبً ث٘ي أحذ أهشٗي فٖ همبم الؼالج‪.‬‬
‫أحذّوب‪ :‬تَسؼٔ دائشٓ اإللضاه٘بت‪ ،‬ف٘لضم الوكلف٘ي ثبلشجْبت ثاٗدبة اإلحت٘بغ‬
‫ف٘فَت التشخ٘ص ٍئطالق الؼٌبى ػلى الوكلف٘ي ثدؼل‬
‫تحفظبً ػلى أغشاظِ الزات٘ٔ‪ّ ،‬‬
‫االحت٘بغ ثات٘بى الذػبء‪.‬‬
‫ٍا‪ٙ‬خش‪ :‬تَسؼٔ دائشٓ اطالق الؼٌبى ٍتفَٗت ثؼط األحكبم اإللضاه٘ٔ ألّو٘ٔ‬
‫هصلحٔ اطالق الؼٌبى ف٘دؼل الجشاءٓ ػلى ٍخَة الذػبء‪ٍ ،‬هي الَاظح أى الوَلى‬
‫ٗؼبلح ّزا التضاحن ثتمذٗن األّن‪ٍ ،‬األصلح للوكلف٘ي ػلى الوْن ال هحبلٔ‪.‬‬
‫ثن ًٌمل الكالم ئلى ّزُ األّو٘ٔ ٍك٘ف٘تْب ‪...‬‬
‫الثالثاء‪11 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًب فٖ الجحث السبثك أى الس٘ذ الشْ٘ذ (لذُ) اتخز سأٗبً لج٘بى فشق ث٘ي األطَل‬
‫الولو٘ٔ ٍاألهبسات‪ ،‬حبطلِ‪ :‬أى الوٌشأ خول األحكبم اللبّشٗٔ هـلمب األهن هب‬
‫تسوى ثبألهبسات أٍ ثبألطَل الوول٘ٔ إًوب َّ ألخل هالج التضاحن ث٘ي األحكبم‬
‫الَالو٘ٔ ٍالغشع هي خول األحكبم اللبّشٗٔ ٍخول الحد٘ٔ؛ لخجش الثمٔ؛ ٍلشْشٓ‬
‫أٍ لالحت٘بؽ؛ ٍاإلستظحبة ٍالجشاءٓ‪ ،‬كل رلك هي خْٔ هالج ّزا التضاحن فٖ‬
‫حبل التشدد ٍفٖ حبل الشك ٍهذم الولن للوكلف ثبلحكن الَالوٖ‪ٍ ،‬رلك أى ّزا‬
‫الوالج إًوب ٌٗشأ هي خْٔ هذم ٍطَل الحكن الَالوٖ هلوبً ٍلـوبً إلى الوكلف‬
‫ف٘تشدد الحكن الَالوٖ تكَى ٌّبك شجْٔ ٍالتشدد اى ّزا الحكن داخل فٖ‬
‫اإللضاه٘بت ٍ هالك ّزا الحكن لضٍهٖ‪ ،‬ال ٗشػى الشبسم لتشكِ ثل الثذ هي‬
‫تحظ٘ل ّزا الوالك فوال أٍ تشكبً‪ ،‬أٍال ٗكَى هَسد هي تشخ٘ظ٘بت ٍلذ اؿلك‬
‫الوَلى الوٌبى فِ٘ ٍسخض فِ٘ ٍأثبحِ ثبلفول أٍ التشك‪ ،‬فْزا التضاحن هٌذ هب ٗكَى‬
‫هَخَد ًا فٖ الَالن ٍالوَلى ٗولن ثبى الوجذ ثوذ حتى فٖ صهبى الٌجٖ (ص) ٍ األئؤ‬
‫(م) ّزُ الحبلٔ تكَى هَخَداً هٌذ هي ٗكَى ثو٘ذ ًا هي الووظَم ٍلن ٗظل إلى‬
‫الشبسم‪ ،‬فْزُ الشجْٔ ٍالتشدٗذ ث٘ي كَى الوَسد هثل الذهبء هٌذ الشؤٗٔ ّل داخل‬
‫فٖ الضاه٘بت الَخَة أٍ الحشهٔ‪ ،‬أٍال ٗكَى هي هَاسد التشخ٘ض‪ ،‬ففٖ هثل ّزُ‬
‫الحبلٔ ًمَل‪ :‬ألَل‪ :‬فٖ ًفس الشبسم ٗحظل احتوبل٘ي‪ :‬احتوبل اى ٗكَى ّزا‬
‫الوَسد هي األحكبم اللضٍه٘ٔ‪ٍ ،‬احتوبل أى ٗكَى ّزا الوَسد هي األحكبم‬
‫التشخ٘ظ٘ٔ‪.‬‬
‫الثالثاء‪11 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فولى األٍل‪ :‬تستذهٖ التكبل٘ف اإللضاه٘ٔ هي الوَلى‪ ،‬التحفق هلْ٘ب‪ ،‬الحتوبل أى‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ثتَسؤ دائشٓ (الـلت ٍإٗدبة‬ ‫تكَى الشجْٔ هٌْب‪ ،‬ف٘كَى التحفق هلْ٘ب‬
‫االحت٘بؽ)‪.‬‬
‫ٍهلى الثبًٖ‪ :‬تمتؼٖ الخـبثبت التشخ٘ظ٘ٔ‪ ،‬تَسؤ دائشٓ اؿالق الوٌبى‪ ،‬لْزُ الشجْٔ‬
‫الحتوبل أى تكَى الشجْٔ هي الوَاسد التٖ التؼت الوظلحٔ فْ٘ب اؿالق الوٌبى‬
‫للوكلف‪.‬‬
‫ٍالحبطل‪ :‬أى ّزا التضاحن هشثَؽ ثبلوَلى‪ ،‬ال ثبلوجذ فٖ همبم االهتثبل‪ٌٍّ .‬ب ٗذٍس‬
‫أهش الوَلى تظَساً ٍثجَتبً ث٘ي أحذ أهشٗي فٖ همبم الوالج‪.‬‬
‫أحذّوب‪ :‬تَسؤ دائشٓ اإللضاه٘بت‪ ،‬ف٘لضم الوكلف٘ي ثبلشجْبت ثإٗدبة اإلحت٘بؽ‬
‫ف٘فَت التشخ٘ض ٍإؿالق الوٌبى هلى الوكلف٘ي ثدول‬
‫تحفلبً هلى أغشاػِ الزات٘ٔ‪ّ ،‬‬
‫االحت٘بؽ ثإت٘بى الذهبء‪ٍ .‬ا‪ٙ‬خش‪ :‬تَسؤ دائشٓ اؿالق الوٌبى ٍتفَٗت ثوغ األحكبم‬
‫اإللضاه٘ٔ ألّو٘ٔ هظلحٔ اؿالق الوٌبى ف٘دول الجشاءٓ هلى ٍخَة الذهبء‪ٍ ،‬هي‬
‫الَاػح أى ال وَلى ٗوبلح ّزا التضاحن ثتمذٗن األّن‪ٍ ،‬األطلح للوكلف٘ي هلى‬
‫الوْن ال هحبلٔ‪.‬‬
‫ثن ًٌمل الكالم إلى ّزُ األّو٘ٔ ٍك٘ف٘تْب فٌْب هٌذ التحل٘ل ٗتظَس سٌخبى هي‬
‫األّو٘ٔ فٖ هالج التضاحن‪ ،‬األٍل‪ :‬األّو٘ٔ ثلحبف رات الوحتول ٍالوَسد‪ ،‬الثبًٖ‪:‬‬
‫األّو٘ٔ ثلحبف ًفس اإلحتوبل‪.‬‬
‫أهب السٌخ األٍل‪ :‬فبلوَلى ٗلتفت إلى رات الوحتول ٍٗمَل‪ :‬أى ّزُ شجْٔ ٍخَث٘ٔ‬
‫ٍ‬
‫ٍحٌ٘ئز ٗمبسى ث٘ي‬ ‫ف٘حتول فْ٘ب ٍخَة الذهبء ٍٗحتول فْ٘ب إثبحٔ الذهبء‬
‫الثالثاء‪11 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫إّتوبهبتِ ثبلوجبحبت‪ ،‬ف٘شى أْٗوب الَى هالكبً (هظلحٔ اإللضام ثبلفول فٖ الَاخت)‬
‫أٍ هظلحٔ إؿالق الوٌبى فٖ الوجبح‪ ،‬ف٘مذهِ ثخـبة كبّشٕ ٗحفق األّن هي‬
‫الوحتول٘ي هالكبً‪.‬‬
‫فلَ فشػٌب‪ :‬أّو٘ٔ هظلحٔ الَاخت ٍهالكِ اللضٍهٖ‪ ،‬ف٘حفلْب ثلسبى(أخَك دٌٗك‬
‫فبحتؾ لذٌٗك) أٍ (إًٖ خولت اإلحتوبل هٌدضاً) ًٍحَ رلك‪ ،‬فأطبلٔ االحت٘بؽ هي‬
‫ّزا المج٘ل‪ ،‬فْٖ خـبة كبّشٕ هبلح ثِ الوَلى التضاحن ثلحبف رات الوحتول‪،‬‬
‫ٍلذم خبًت اللضٍم هلى خبًت الشخظٔ‪.‬‬
‫ٍلذ ٌٗوكس الوـلت‪ :‬ثأى ٗشى الوَلى أى هظبلح التسْ٘ل‪ٍ ،‬إؿالق الوٌبى أّن هي‬
‫ٍ‬
‫ٍحٌ٘ئز ٗدول خـبثبً كبّشٗبً لحفق هظبلح التسْ٘ل ٍرلك ثتَسؤ‬ ‫هظبلح اإللضام‬
‫دائشٓ (اؿالق الوٌبى) ثلسبى (سفن هي أهتٖ هبال ٗولوَى) أٍ ثغ٘شُ‪ ،‬كمَلِ(م) كل‬
‫شٖء لك حالل‪ ،‬حتى توشف الحشام ثوٌِ٘) ٍّكزا فٖ السٌخ األٍل‪.‬‬
‫ٍأهب السٌخ الثبًٖ‪ َّ :‬أى الوَل ٗوبلح التضاحن ثتشخ٘ض األّن‪ ،‬هي ًبح٘ٔ ًفس‬
‫اإلحتوبل ثأى ٗمَل‪ :‬إى ّزُ الشجْٔ (ٍخَة الذهبء أٍ إثبحتِ) ٍلذ لبهت أهبسٓ‬
‫كٌ٘ٔ كخجش الثمٔ هلى تو٘٘ي الحكن هٌْب‪ ،‬ثال فشق ث٘ي كَى الثمٔ أخجش ثبلَخَة‪،‬‬
‫أٍ ثبإلثبحٔ‪ ،‬أٍ ثوذم الَخَة أٍ غ٘شّب‪ٍٗ ،‬حتول أى ٗكَى حكن ّزُ الشجْٔ ٍالو ًب‬
‫هلى خالف هب أخجشُ الثمٔ‪ .‬فٌْب‪ :‬الوَلى ٗوول األّو٘ٔ ثلحبف ًفس اإلحتوبل‪،‬‬
‫ف٘مذم خْٔ إحتوبل طذق خجش الثمٔ هلى خْٔ إحتوبل كزثِ ثبهتجبس أى احتوبل‬
‫طذلِ ألَى هي كزثِ ٍأسخح هٌِ‪ ،‬فوجّذًب ثدبًت الظذق‪ٍ ،‬لن ٗدولٌب هخ٘شٗي‬
‫ثٌْ٘وب ٍكزا لن ٗوجذًب ثدبًت الكزة ٍتشك الوول ثخجش الثمٔ‪ ،‬فوبلح الشبسم‬
‫الثالثاء‪11 :‬ج ‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصىل‪ :‬مبحث األصىل العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫التضاحن ثتشخ٘ح أّو٘ٔ اإلحتوبل فٖ خبًت الظذق لولوِ توبلى ثأى خجش الثمٔ كث٘ش‬
‫الوـبثمٔ‪ٍ ،‬غبلت اإلطبثٔ للَالن‪.‬‬
‫ٍهي ٌّب فبلوَلى لذ ث٘ي التشخ٘ح ٍاألّو٘ٔ ثلسبى (طذق الوبدل) إٔ سخح احتوبل‬
‫طذلِ هلى كزثِ‪ ،‬أٍ ثلسبى (اهول ثوب ٗمَلِ الوبدل)‪ ،‬أٍ (ل٘س ألحذ التشك٘ك‬
‫ف٘وب ٗشٍِٗ هٌب ثمبتٌب)‪ٍّ ،‬كزا‪ ،‬فإى ّزُ كلْب الفبف ٍأسبل٘ت فٖ التوج٘ش هي خَّش‬
‫ٍاحذ‪ٍ ،‬حم٘مٔ فبسدٓ‪ ٍّٖ ،‬أى الشبسم لذ هبلح التضاحن الحفلٖ فٖ الخـبثبت‬
‫الَالو٘ٔ‪ ،‬ثإهوبل الوشخح االحتوبلٖ هي ًبح٘ٔ ًفس اإلحتوبل‪.‬‬
‫فت حظل هوب ركشًبُ‪ :‬أى خَّش األطَل٘ٔ َّ‪ :‬تلك الخـبثبت التٖ هَلح ثْب‬
‫التضاحن الحفلٖ فٖ السٌخ األٍل ثلحبف الوحتول‪ ٍ ،‬خَّش األهبسات َّ‪ :‬تلك‬
‫الخـبثبت التٖ هَلح ثْب التضاحن الحفلٖ فٖ السٌخ الثبًٖ ثلحبف اإلحتوبل‪،‬‬
‫فبلجشاءٓ ٍاإلحت٘بؽ هي السٌخ األٍل‪ٍ ،‬حد٘ٔ خجش الَاحذ هي السٌخ الثبًٖ‪ٍّ ،‬زا‬
‫َّ خَّش الفشق ث٘ي األهبسات ٍاألطَل الوول٘ٔ‪.‬‬
‫األربعاء‪12 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫(قده) في مقام الفرق بين الأمارات‬


‫?‬ ‫خلاصة ما تقدم مما ذكره السيد الشهيد‬
‫والأصول العملية‪ :‬إن جعل الأمارات والأصول كليهما نتيجة للتزاحم بين الأغراض‬
‫اللزومية والترخيصية في مقام حفظ المولى لأغراضه‪ ،‬ولأجل تحريك العبد نحوها‪،‬‬
‫وبما أن علاج التزاحم يرجع إلى ترجيح وتقديم الأهم من الأغراض على المهم‬
‫من قبل المولى وهذا التقديم في مقام التزاحم الحفظي تارة ينشأ من قبل‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬‬ ‫المحتمل‪ ،‬وأخرى من قبل الإحتمال‪.‬‬
‫فعلى الأول‪ :‬فالمولى تارة يقدم الغرض الترخيصي على الغرض اللزومي‪ ،‬وأخرى‬
‫بالعكس كل ذلك من باب أهمية إحدى المصلحتين من الأخرى في دائرة من‬
‫الشبهات‪ ،‬كما أو كيفا‪.‬‬
‫وعلى الثاني‪ :‬يقدم المولى الفرضين على الآخر من باب قوة الإحتمال ورجحانه‪،‬‬
‫فخبر الثقة مثلا لما كان احتمال صدقه وكشفه عن الواقع أقوى أرجح من احتمال‬
‫كذبه‪ ،‬ومخالفته للواقع‪ ،‬عبدنا بجانب الصدق وجعله حجة‪ ،‬ولم يعبدنا بجانب‬
‫الكذب كالقياس؛ لعدم رجحانه‪.‬‬
‫وعلى هذا فجواب السؤال المطروح هو‪ :‬أن كل ما كانت حجيته ناشئة من‬
‫الترجيح بلحاظ المحتمل والمورد كان أصلا‪ ،‬وكل ما كانت حجيته ناشئة من‬
‫الترجيح بلحاظ الإحتمال كان أمارة‪ .‬ومن هنا‪ :‬لا فرق في ذلك بين أن يبين‬
‫الترجيح بلسان (جعل العلم) أو (جعل الاحتياط) أو جعل الحكم الظاهري أو‬
‫وجوب العمل على طبعه‪ ،‬أو أي لسان آخر‪ ،‬فالتعبير لا دخل له في ذلك‪ .‬نعم‪:‬‬
‫هناك مناسبة عرفية بين بعض البيانات‪ ،‬وبعض المبينات‪ .‬مثلا‪ :‬التعبير بجعل العلم‬
‫األربعاء‪12 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الإحتمال‪ ،‬لأن هذا التعبير ظاهر في‬


‫?‬ ‫والكاشفية والطريقية يناسب الترجيح بقوة‬
‫الترجيح بنكتة الكشف‪ ،‬ولا يناسب الترجيح الناشئ من قوة المحتمل‪ ،‬كما أن‬
‫التعبير بالرفع عن الأمة بتقديم مصلحة التسهيل والامتنان‪ ،‬وإطلاق لاعنان يناسب‬
‫الترجيح بقوة المحتمل دون قوة الإحتمال‪.‬‬
‫فإذا عرفت حقيقة الأمارة‪ ،‬وكذا حقيقة الأصل‪ ،‬قلنا‪ :‬أن الأمارة بعد أن فرض أن‬
‫‪11111‬‬
‫والمؤدى‪ ،‬ولم تلحظ أي‬ ‫‪‬عن الواقع‬
‫كشفها‬ ‫الملحوظ في حجيتها ليس إلا درجة‬
‫خصوصية في جانب المحتمل فيها‪ ،‬فلا محالة تصبح لوازمها حجة‪ ،‬لأن نسبة درجة‬
‫كشفها إلى المولى المطابقي والالتزامي على حد سواء‪ ،‬والمفروض أن درجة‬
‫الكشف هي العلة التامة لجعل الحجية ولهذا لو قامت الأمارة على ذلك المدلول‬
‫الالتزامي وحده لكان حجة‪ ،‬وعليه فتثبت اللوازم بنفس ملاك ثبوت المدلول‬
‫المطابقي‪ ،‬هذا بخلاف الأصول العملية‪.‬‬
‫بقي شيء‪ :‬وهو أن الترجيح بلحاظ المحتمل‪ ،‬لجعل الأصل العملي لا ينحصر في‬
‫الترجيح الكيفي فحسب‪ ،‬كما هو المتبادر‪ ،‬بل قد يكون الترجيح بلحاظ الكم من‬
‫التكاليف المشتبهة‪ ،‬وعليه فلا ينبغي الخلط بين الترجيح بأقوائية المحتمل في جعل‬
‫الأصول بلحاظ الكم‪ ،‬وبين الترجيح بأقوائية الإحتمال لجعل الأمارات‪ ،‬وتوضيحه‬
‫في الدورة اللاحقة إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ(دام ظله)‪ :‬فقد ناقش هذا الرأي‪ ،‬وقال ما حاصله‪ :‬إن هذه‬
‫النظرية والرأي ترجع إلى نقطتين أساسيتين‪:‬‬
‫األربعاء‪12 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?موارد الأصول والأمارات إنما هو‬


‫النقطة الأولى‪ :‬أن جعل الأحكام الظاهرية‪ ،‬في‬
‫على أساس (علاج مشكلة التزاحم الحفظي) في موارد اشتباه الحكم الواقعي‪،‬‬
‫وتردده بين الإلزام والترخيص‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬أن قوة الإحتمال إذا كانت بدرجة الكشف عن المؤدى فهي حجة‬
‫مجعولة في مؤداها ومدلولها المطابقي‪ ،‬لا محالة تصبح لوازمها حجة أيضا لأن‬
‫‪11111‬‬
‫على حد سواء‪ ،‬فتكون‬ ‫المطابقي والالتزامي‬
‫‪‬‬ ‫نسبة (درجة الكشف إلى المدلولين‬
‫حجية مثبتات الأمارة على القاعدة‪ ،‬ولا تتوقف على عناية زائدة‪.‬‬
‫ثم قال (دام ظله)‪ :‬ولنا تعليق على كلتا النقطتين‪ :‬أما التعليق على النقطة الأولى‪ :‬فقد‬
‫تقدم في مستهل مبحث الظن‪ :‬أن الأحكام الظاهرية على نوعين‪ :‬النوع الأول‪:‬‬
‫الأحكام الظاهرية اللزومية‪ ،‬النوع الثاني‪ :‬الأحكام الظاهرية الترخيصية‪.‬‬
‫أما النوع الأول‪ :‬فهي أحكام ظاهرية طريقية‪ ،‬حاكية عن الأحكام الواقعية‪ ،‬وناشئة‬
‫عن ملاكاتها اللزومية في الواقع التي اهتم المولى بالحفاظ عليها في موارد الشك‬
‫والجهل بالواقع‪ .‬وهذا النوع متمثل بـ إيجاب الاحتياط في الشبهات الحكمية‬
‫وكذلك الأمارات المتكفلة للأحكام اللزومية‪ ،‬وكذلك الاستصحاب المثبت‬
‫للتكليف اللزومي‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن منشأ جعل هذا النوع من الأحكام الظاهرية هو اهتمام المولى‬
‫بالحفاظ على الأحكام الشرعية الواقعية‪ ،‬لمالها من الملاكات اللزومية‪ ،‬حتى في‬
‫موارد الاشتباه والتردد‪ ،‬والسعى على عدم تفويتها على المكلفين‪ ،‬لما فيها من‬
‫المصالح لهم‪ .‬وليس منشؤه علاج التزاحم الحفظي كما ورد في النظرية المتقدمة‬
‫األربعاء‪12 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الترخيص لا يصلح في نفسه أن يزاحم‬


‫سالبة بانتفاء الموضوع‪ .‬وذلك‪ :‬لأن الملاك?‬

‫الملاك اللزومي مطلقا‪ .‬لا في مقام التأثير في الإرادة والحب‪ ،‬أو الكراهة البغض‪،‬‬
‫على أساس أنه لا اقتضاء بالنسبة إلى الوجود والعدم‪ .‬لا في مقام الحفظ في موارد‬
‫الاشتباه والتردد لعدم الحاجة إلى حفظ الترخيص‪ .‬والنكتة‪ :‬هي أن المعلوم لدى‬
‫العقلاء أن مزاق الشرع‪ ،‬هو الاهتمام بالأحكام اللزومية بما لها من المبادئ‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬بما لها من الملاكات الترخيصية‪.‬‬
‫والملاكات الواقعية‪ ،‬دون الأحكام الترخيصية‪،‬‬
‫وأما النوع الثاني‪ :‬فهي أحكام ظاهرية ترخيصية‪ ،‬منشؤها مصلحة التسهيل النوعية‬
‫المترتبة عليها‪ ،‬كأصالة البراءة ‪ ،‬وأصالة الطهارة‪ ،‬وأصالة الحلية واستصحاب عدم‬
‫التكليف‪ ،‬أو استصحاب الحكم الترخيص‪ ،‬والأمارات المتكلفة للأحكام‬
‫الترخيصية‪ .‬وعليه‪ :‬فليس منشأ جعل الأحكام الظاهرية الترخيصية المتمثلة بما‬
‫تقدم‪ ،‬هو علاج التزاحم الحفظي على أساس الترجيح بقوة الاحتمال أو المحتمل‪،‬‬
‫بل منشؤها هي مصلحة التسهيل النوعية المترتبة عليها‪.‬‬
‫وأما الكلام في النقطة الثانية‪ :‬القائلة‪ :‬بأن تمام الملاك لجعل الحجية للأمارات هو‬
‫قوة الاحتمال الكاشفة عن الواقع ومع لا فرق في حجية الأمارات بين الكشف عن‬
‫المدلول المطابقي‪ ،‬أو المدلول الالتزامي‪ ،‬لأن نسبة درجة كشفها إليهما على حد‬
‫سواء‪ .‬فيرد عليها‪ ،‬أولا‪ :‬إن أريد بقوة الاحتمال بدرجة الكشف قوة الاحتمال‬
‫الشخصي؟‬
‫ففيه‪ :‬أن حجية الأمارات ليست مبنية على الكاشفية الشخصية الظنية‪ ،‬بل مبنية على‬
‫الكاشفية النوعية‪.‬‬
‫األربعاء‪12 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بين الكشف‬ ‫?أنه لا ملازمة‬
‫وثانيا‪ :‬إن أريد بها قوة الاحتمال النوعي‪ ،‬ففيه‪:‬‬
‫النوعي عن المدلول المطابقي‪ ،‬والكشف النوعي عن المدلول الالتزامي‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لأن معنى حجية الأمارة من باب الظن النوعي هو حجيتها في المدلول‬
‫المطابقي فحسب‪ ،‬وإن لم تفد الظن الشخصي به‪ ،‬بل وإن كان الظن على الخلاف‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟ نعم‪ :‬الملازمة ثابتة بين العلم بالملزوم‪،‬‬ ‫موجودا‪ ،‬فكيف تثبت الملازمة‬
‫‪11111‬‬
‫الشخصي باللازم ولا تتصور‬ ‫‪ ‬والظن‬
‫بالملزوم‪،‬‬ ‫والعلم باللازم‪ ،‬وبين الظن الشخصي‬
‫الملازمة بين الظن النوعي بالملزوم‪ ،‬والظن النوعي باللازم ولو مع وجود الظن‬
‫بالخل‬
‫األحد‪16 :‬ج ‪1441 - 1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التي مهدناها لتنقيح محل البحث‬


‫?‬ ‫كان كلامنا في المقدمة الثالثة من المقدمات‬
‫والكلام في الأصول العملية هو بيان الفرق بين الأصول العملية وبين الأمارات‬
‫وذكرنا ان هناك آراء وأقوال كثيرة وفروق متعددة ذكرت في المقام وإشتهرت‬
‫بين الأصوليين وأهم منها هي آراء خمسة تقدمة الكلام في الآراء الأربعة‪ ،‬أما الرأي‬

‫‪11111‬‬
‫الخامس‪..‬‬
‫‪‬‬
‫الرأي الخامس‪ :‬ما تبّناه شيخنا الأستاذ (دام ظله)‪ :‬من أن الفرق بين الأمارات‬
‫والأصول العملية هو بالذات والجوهر‪ ،‬لا بالجعل والاعتبار وبنكتة ثبوتية‪ ،‬لا بنكتة‬
‫إثباتية‪.‬‬
‫فإن الأمارة تصدق فيما لو كان مصب جعل الحكم الظاهري عند التردد والاشتباه‬
‫هو قوة احتمال الإصابة للواقع‪ ،‬من النظر إلى المورد والمحتمل من الترخيص أو‬
‫الإلزام‪.‬‬
‫وتتمثل الأمارات بأخبار الثقة‪ ،‬وظواهر الألفاظ وغيرهما‪ ،‬باعتبار أن ملاك حجية‬
‫أخبار الثقة وغيرها‪ ،‬إنما هو درجة كاشفيتها عن الواقع‪ ،‬وحكايتها عنه ذاتاً‬
‫وتكويناً‪.‬‬
‫وأما الأصول العملية‪ :‬تصدق فيما لو لم تكن قوة الاحتمال هي مصب الحكم‬
‫الظاهري والحجية فإن موضوعها هو (الشك) أي عدم العلم الشامل للظن‪ ،‬لا بأس‬
‫بكون جعل الأصول العملية بلحاظ أهمية المحتمل كما يظهر من تقديم أهمية‬
‫األحد‪16 :‬ج ‪1441 - 1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الترخيص والتسهيل النوعي في جعل‬


‫?‬ ‫الإلزام في جعل الاحتياط‪ ،‬ومن تقديم أهمية‬
‫البراءة‪.‬‬
‫ولكن على ضوء نظريتنا‪ :‬لا تكون مثبتات الأمارات حجة على القاعدة‪ ،‬بل‬
‫الصحيح أن حجية مثبتات الأمارة كأخبار الثقة ترتبط بعناصر ثلاثة‪.‬‬
‫العنصر الأول‪ :‬كون لسان الأمارات لسان الحكاية‪ ،‬والإخبار عن الواقع‪.‬‬
‫‪11111‬والأخبار بلوازمه‪ ،‬والحكاية عن‬
‫العنصر الثاني‪ :‬ثبوت الملازمة بين الأخبار بشيء‬
‫‪‬‬
‫شيء وعن لوازمه سابقاً على جعل الحجية‪.‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬أن تكون أدلة اعتبارها قائمة على حجيتها بعناوينها الخاصة‪،‬‬
‫كإخبار الثقة والظواهر‪ ،‬أي بقطع النظر عن خصوصيات مواردها لعدم مدخليتها‬
‫في حجيتها واعتبارها‪.‬‬
‫أما العنصر الأول‪ :‬فهو متوفر في أخبار الثقة الظواهر‪ ،‬لأن لسانهما لسان الحكاية عن‬
‫الواقع والإخبار عنه‪ ،‬وهذا بخلاف الظن‪ ،‬إذ ليس له لسان الحكاية‪ ،‬بل حقيقته‬
‫الكشف الظني عن الواقع كقاعدة اليد‪ ،‬وسوق المسلمين وغيرهما‪.‬‬
‫وأما العنصر الثاني‪ :‬فلأن المرتكز في أذهان العرف والعقلاء هو ثبوت الملازمة وأن‬
‫من أخبر عن موضوع‪ ،‬وكان جاداً في أخباره عنه فهو إخبار عن لوازمه أيضاً‬
‫وهذه العلاقة الملازمة ارتكازية في الأخبار والظواهر المرتبط بها‪.‬‬
‫وأما العنصر الثالث‪ :‬فلأن دليل الحجية والاعتبار في الأمارات كخبر الثقة سواء‬
‫أكان من الآيات كآية النبأ أم من الروايات كصدق العادل أم من سيرة العقلاء‬
‫الجارية على العمل بخبر الثقة يدل على حجية خبر الثقة‪ ،‬بعنوانه الخاص‪ ،‬في‬
‫األحد‪16 :‬ج ‪1441 - 1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫موردها‪ ،‬من كونه حكماً وجوبياً‪،‬‬


‫?‬ ‫مقابل خبر غير الثقة‪ ،‬بقطع النظر عن خصوصية‬
‫أو تحريمياً‪ ،‬أو كراهتياً‪ ،‬أو استحبابياً‪ ،‬أو إباحة‪ ،‬بل و لوكان حكماً وأمراً وضعياً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن حجية مثبتات الأمارات مرتبطة بتوفر هذه العناصر الثلاثة‪ ،‬وبانتفاء‬
‫أحدها تنتفي الدلالة الالتزامية‪.‬‬
‫مثلاً‪ :‬إذا قام خبر الثقة الحجة‪ ،‬على كون القبلة في طرف الجنوب في العراق‪ ،‬فهو‬
‫‪ 11111‬إثبات لوازمه‪ ،‬وهو عدم جواز‬
‫حجة للصلاة بطرفه وباتجاهه‪ ،‬كما أنه حجة في‬
‫‪‬‬
‫التخلي إلى جهة الشمال‪ .‬ولكن إذا قام الظن على كون القبلة في طرف الجنوب‪،‬‬
‫وكان الظن حجة بعنوان العام والمطلق ومن أي سبب كان‪ ،‬فلا يدل على عدم‬
‫جواز التخلي إلى جهة الشمال‪ ،‬وإن حصل له الظن بالخلاف لعدم الملازمة فيه بين‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ارتكازا‪.‬‬ ‫المدلول المطابقي والالتزامي‬
‫وتمتاز نظرية شيخنا الأستاذ(دام ظله) عن نظرية السيد الشهيد(قده) في نقطة‬
‫واحدة في النتيجة‪ :‬وهي أنه على ضوء نظرية السيد الشهيد (قده) تكون مثبتات‬
‫الأمارات حجة مطلقا‪ ،‬وأما على ضوء نظرية الأستاذ (دام ظله) فتختص حجية‬
‫مثبت اتها بالأمارات التي يكون لسانها‪ ،‬لسان الحكاية عن الواقع‪ ،‬والإخبار عنه‪ ،‬لا‬
‫مطلقا‪ ،‬فتختص بخبر الواحد والظواهر‪.‬‬
‫أقول‪ :‬جميع الآراء الخمسة المتقدمة فيها نقاط ضعف وهي قابلة للمناقشة‪ ،‬كما‬
‫تقدمت المناقشات وفيها نقطة قوة‪ ،‬فإن صاحب الرأي والنظرية في كل واحدمنها‬
‫إنما لا حظ المسألة من زاوية خاصة‪ ،‬بخلاف الآخر‪.‬‬
‫األحد‪16 :‬ج ‪1441 - 1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫? بينهما في مقام الثبوت تارة‪،‬‬


‫ولكن المجموع يكشف عن ثبوت الفرق جلي ًا‬
‫والإثبات أخرى‪ ،‬ولا مانع من أن يكون المجموع هو سبب الفرق بينهما‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫فمن حيث أن الحجية والحكم الظاهري لا اعتبار لها‪ ،‬إلا ّ من قبل جعل الشارع‬
‫فسنخ المجعول يفرق بينهما‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو‬ ‫ومن حيث أن الحجية بحاجة إلى بيان ولسان فأخذ الشك في أحدهما‬
‫‪11111‬‬ ‫الفارق بينهما‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ومن حيث الأمارات غالباً تحكي عن الواقع‪ ،‬فاعتبار (الحكائية) في أحدهما‬
‫هو الفارق بينهما‪.‬‬
‫ومن حيث الأمارات تكون ناظرة إلى الواقع بملاك (أهمية الاحتمال) والأصول‬
‫بخلافها وقد أخذت بملاك أهمية المحتمل‪.‬‬
‫ومن حيث الأمارات واقعها عملية الإصابة للواقع‪ ،‬والأصول ناظرة إلى الشك وقوة‬
‫المحتمل‪.‬‬
‫ونحن نرى‪ :‬صحة جميع الآراء في الجملة والمجموع يدل على الفرق من غالب‬
‫تلك الجهات‪.‬‬
‫وهذا تمام كلامنا في المقدمة الثالثة وهي الفرق بين الأمارات والأصول العملية‪.‬‬
‫اإلثنين‪17 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العقلية‪ ،‬والشرعية‪.‬‬
‫?‬ ‫المقدمة الرابعة‪ :‬في الفرق بين الأصول العملية‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) في مقام تقسيم المسألة الأصولية إلى أقسام خمسة‪ :‬أن‬
‫(القسم الرابع) تتمثل بالأصول العملية الشرعية‪ ،‬والقسم الخامس بالأصول العملية‬
‫العقلية‪ ،‬ففرق بينهما‪ ،‬وجعل كلاً منهما في قسم‪ ،‬وهذا يدل على وجود الاختلاف‬
‫بينهما‪ ،‬ولا بأس بالإشارة السريعة إلى تلك الأقسام‪ ،‬تتميماً للفائدة‪ ،‬وتذكيراً‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬‬ ‫للمعلومات السابقة‪.‬‬
‫تقدم في مستهل بحثنا الأصولي‪ :‬أن المسألة الأصولية هي ما يمكن أن تقع نتيجتها‬
‫في طريق استنباط الحكم الشرعي‪ .‬فعلاقة الأصول بالفقه علاقة العلم النظري بالعلم‬
‫التطبيقي‪ .‬وعليه‪ :‬فالمسائل الأصولية تنقسم إلى أقسام خمسة‪:‬‬
‫القسم الأول‪ :‬ما يوصلنا إلى الحكم الشرعي الواقعي‪ ،‬بــ (القطع الوجداني)‪ .‬ويتمثل‬
‫هذا القسم بــ (مباحث الاستلزامات) كمبحث الملازمة بين وجوب شيء‪ ،‬ووجوب‬
‫مقدمته‪ ،‬وبين وجوب شيء وحرمة ضده‪ ،‬ولمبحث إمكان اجتماع الوجوب‬
‫والحرمة‪ ،‬وعدمه‪ .‬فهذه المباحث على تقدير تمامية الملازمة توجب القطع بالحكم‬
‫الشرعي بعد انضمام الصغرى إليها‪ ،‬ويسمى هذا القسم بــ مباحث الاستلزامات‬
‫العقلية‪ ،‬أو يسمى بــ مبحث المداليل‪.‬‬
‫ملاحظة هامة‪ :‬أن مسائل هذا القسم‪ ،‬وإن ذكرها الأصوليون في مباحث الألفاظ‪،‬‬
‫لبعض المناسبات إلا ّ أنها ليست منها‪ ،‬لأن البحث فيها عن لوازم نفس الأحكام‬
‫بماهي هي‪ ،‬لا بماهي مدلولة للأدلة اللفظية‪ ،‬فلا ربط لها بمباحث الألفاظ‪ ،‬إلا ّ من‬
‫جهة كون غالب الأدلة على الأحكام هي الأدلة اللفظية‪.‬‬
‫اإلثنين‪17 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?اقعي (بالتعبد) ويكون البحث فيه‬


‫القسم الثاني‪ :‬ما يوصلنا إلى الحكم الشرعي الو‬
‫صغروياً‪.‬‬
‫ويتمثل هذا القسم بمباحث الألفاظ كالبحث عن أن الأمر ظاهر في الوجوب أم لا‬
‫وأن النهي ظاهر في الحرمة أم لا؟ وهكذا‪.‬‬
‫وأما الكبرى‪ :‬فتتمثل بــ مسألة حجية الظواهر‪ ،‬وهي مسلمة ومفروغ عنها‪ ،‬وثابتة‬
‫‪11111‬‬
‫فهي خارجة عن علم‬ ‫‪‬علم الأصول‪،‬‬
‫عنها في‬ ‫ببناء العقلاء‪ ،‬بلا خلاف‪ ،‬فلا يبحث‬
‫الأصول لكونها مسلمة‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما يوصلنا إلى الحكم الشرعي (بالتعبد) أيضاً كالقسم الثاني‪ ،‬إلا ّ أن‬
‫المايز هو‪ :‬كون البحث هنا عن الكبرى‪ ،‬بعد إحراز الصغرى في (القسم الثاني)‪.‬‬
‫ويسمى هذا القسم بــ (مباحث الحجج والأمارات)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويتمثل هذا القسم بمبحث حجية خبر الواحد‪ ،‬والإجماع المنقول‪ ،‬والشهرة‬
‫الفتوائية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬ما لا يوصل إلى معرفة الحكم الشرعي الواقعي لا بالعلم الوجداني‪،‬‬
‫ولا بالتعبد‪.‬‬
‫بل يبحث فيه عن القواعد الشرعية المتكفلة لبيان الأحكام الظاهرية‪ ،‬وتحديد‬
‫وتعيين الوظيفة العملية للمكلفين في صورة الشك والترديد في الحكم الواقعي‪،‬‬
‫وعدم الظفر بالقسمين المتقدمين‪.‬‬
‫ويسمى هذا القسم بمباحث الأصول العملية الشرعية‪ ،‬وتتمثل بموارد الاستصحاب‬
‫والبراءة والاشتغال الشرعية وغير ها‪.‬‬
‫اإلثنين‪17 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?البحث هنا إنما هو عن القواعد‬


‫القسم الخامس‪ :‬نفس القسم الرابع والمايز أن‬
‫العقلية المتكفلة لتعيين وتحديد الوظيفة العملية في مرحلة الامتثال‪ ،‬عند فقدان ما‬
‫يؤدي إلى الوظيفة الشرعية‪ ،‬والعجز عن الأقسام الأربعة الأخرى‪ .‬و يسمى هذا‬
‫القسم بمباحث الأصول العملية العقلية‪ ،‬ويتمثل بالبراءة والإحتياط العقليين وكذلك‬
‫التخيير العقلي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪11111‬‬
‫الإجمال كما ذكره السيد‬ ‫على نحو‬
‫الأصول ‪‬‬ ‫فهذه هي أقسام مسائل علم‬
‫الخوئي(قده)‪ .‬وقد ظهر من ملاحظة القسمين الأخرين‪ ،‬الفرق بين الأصول العملية‬
‫العقلية‪ ،‬وبين الأصول العملية الشرعية‪ ،‬بوضوح‪ ،‬في أمرين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬أن الأصول العملية الشرعية تتكفل بيان الوظيفة الشرعية‪ ،‬وبيان الحكم‬
‫الظاهري الشرعي في ظرف الشك بالحكم الواقعي وهي مجعولة حجة من قبل‬
‫الشارع والمولى بخطابات تشريعية‪.‬‬
‫وأما الأصول العملية العقلية‪ :‬الثابتة بحكم العقل فهي ناظرة‪ :‬إما إلى تنجز التكليف‬
‫عقلاً لا شرعاً‪ ،‬في هذا المورد الخاص لا شرعاً كما في الاحتياط العقلي أو إلى عدم‬
‫تنجز التكاليف في المورد الآخر‪ ،‬كما هو الحال في البراءة العقلية‪ ،‬فلا ترتبط‬
‫بالجعل الشرعي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الأخذ والعمل بالأصول العملية الشرعية في موردها يتوقف على عدم‬
‫معرفة الحكم الواقعي وجداناً أو تعبداً‪ ،‬كما في الأقسام الثلاثة الأولى‪ ،‬ولا يتوقف‬
‫على عدم جريان الأصل العملي العقلي‪.‬‬
‫اإلثنين‪17 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫? يتوقف على عدم معرفة الحكم‬


‫بينما الأخذ والعمل بالأصول العملية العقلية كما‬
‫الواقعي وجداناً أو تعبداً‪ ،‬كذلك يتوقف على عدم جريان أصل عملي شرعي في‬
‫المورد المشكوك حكمه‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن الفرق بينهما تارة يكون في مقام الجعل والتمييز بالجاعل (الأمر الأول)‬
‫وأخرى في مقام العمل وضيق دائرة الامتثال والحجية في الأصل العقلي‪ ،‬دون‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬‬ ‫الشرعي (الأمر الثاني)‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد (قده) ‪...‬‬
‫الثالثاء‪18 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الفرق بين الأصول العملية العقلية‪،‬‬


‫كان كلامنا في المقدمة الرابعة‪ :‬في بيان?‬

‫والشرعية‪ .‬الأصول العملية الشرعية المتمثل بالإستصحاب وبراءة شرعية وقواعد‬


‫أخرى يأتي ذكرها‪ ،‬وأما الأصول العملية العقلية المتمثل بالبراءة عقلية والإحتياط‬
‫عقلي ‪ ،‬فالفرق بين هذين الموردين‪ ،‬ذكر السيد الخوئي بعد مابين أقسام مسائل‬
‫الأصولية وظهر من ذكر تلك الأقسام أن الفرق إنما يكون في الأمرين‪ :‬الأول‪ :‬أن‬
‫‪11111‬‬
‫الشرعية‪ ،‬وبيان الحكم الظاهري‬ ‫الأصول العملية الشرعية تتكفل بيان الوظيفة‬
‫‪‬‬
‫الشرعي في ظرف الشك بالحكم الواقعي وهي مجعولة حجة من قبل الشارع‬
‫والمولى بخطابات تشريعية‪.‬‬
‫وأما الأصول العملية العقلية‪ :‬الثابتة بحكم العقل فهي ناظرة‪ :‬إما إلى تنجز التكليف‬
‫عقلاً لا شرعاً‪ ،‬في هذا المورد الخاص لا شرعاً كما في الاحتياط العقلي أو إلى عدم‬
‫تنجز التكاليف في المورد الآخر‪ ،‬كما هو الحال في البراءة العقلية‪ ،‬فلا ترتبط‬
‫بالجعل الشرعي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الأخذ والعمل بالأصول العملية الشرعية في موردها يتوقف على عدم‬
‫معرفة الحكم الواقعي وجداناً أو تعبداً‪ ،‬كما في الأقسام الثلاثة الأولى‪ ،‬ولا يتوقف‬
‫على عدم جريان الأصل العملي العقلي‪ .‬بينما الأخذ والعمل بالأصول العملية العقلية‬
‫كما يتوقف على عدم معرفة الحكم الواقعي وجداناً أو تعبداً‪ ،‬كذلك يتوقف على‬
‫عدم جريان أصل عملي شرعي في المورد المشكوك حكمه‪.‬‬
‫الثالثاء‪18 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الجعل والتمييز بالجاعل (الأمر الأول)‬


‫?‬ ‫فالنتيجة‪ :‬أن الفرق بينهما تارة يكون في مقام‬
‫وأخرى في مقام العمل وضيق دائرة الامتثال والحجية في الأصل العقلي‪ ،‬دون‬
‫الشرعي (الأمر الثاني)‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد (قده) فأفاد أن الفرق بينهما في مقامين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬الفرق في مقام الحقيقة والواقع‪ ،‬فإن الأصول العملية الشرعية كما تقدم فهي‬
‫‪11111‬‬
‫الحفظي بين أغراضه الواقعية‪ ،‬في‬ ‫خطابات يصدرها الشارع في مقام علاج التزاحم‬
‫‪‬‬
‫مقام الحفظ بأن يتحفظ بتشريع خطابات ظاهرية عند التردد والاشتباه‪ .‬ومن هنا‬
‫كان الأصل العملي الشرعي اعمالاً تشريعياً ومولوياً من قبل المولى لعلاج‬
‫الشبهات‪ ،‬وتتمثل بالبراءة والإستصحاب الشرعيين‪.‬‬
‫وأما الأصول العملية كقاعدة (قبح العقاب بلابيان) أو (أصالة الإحتياط) التي‬
‫يدركها العقل فليس فيها تشريع‪ ،‬ولا اعمال للمولوية‪ ،‬لأن العقل ليس بمشرع بل‬
‫مدرك‪.‬‬
‫نعم؛ شأن العبد وعقله هو تشخيص وإدراك ما يقتضيه رسم العبودية‪ ،‬وما يستوجبه‬
‫حق الطاعة في مقام الإمتثال‪ ،‬فإذاً الأصول العملية العقلية أجنبية عن علاج باب‬
‫التزاحم الحفظي‪ ،‬بل هي ناظرة إلى إدراك العقل بثبوت حق الطاعة للمولى على‬
‫العبد (فيعمل بالإحتياط) أو عدم ثبوته (فيطلق عنانه)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الفرق في مقام العمل فإن الأصول العملية العقلية مرجعها إلى مرحلة‬
‫متأخرة عن المرحلة التي تعالجها الأصول العملية الشرعية‪ ،‬لأن الأصول العقلية‬
‫الثالثاء‪18 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبصدد تشخيص مقدار حق الطاعة‬


‫ناظرة محضاً إلى عالم الامتثال والوظيفة‪?،‬‬

‫(إثباتاً) في ظرف عدم مايبيّن ذلك شرعاً‪.‬‬


‫بخلاف الأصول العملية الشرعية فضلاً عن الأمارات فإنها تعتبر من شؤون ومتطلبات‬
‫المولى التي يحدد كيفية الإلزام أو الترخيص من قبله‪ ،‬فتكون خطاباً وبياناً من قبل‬
‫المولى‪ ،‬لإمتثال تكاليفه‪ .‬ولهذا كانت الخطابات الشرعية مقدمة و واردة على‬
‫‪11111‬‬
‫الأصول العملية‪ ،‬ورافعة لموضوعها (عدم البيان)‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وهذا هو روح الفرق بين الأصول العملية العقلية‪ ،‬والأصول العملية الشرعية‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد أفاد في المقام ماحاصله‪ :‬أن الأصول العملية‬
‫الشرعية تمتاز عن الأصول العملية العقلية في نقطتين‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬في سعة مواردها فإن الأصول العملية الشرعية تتبع في سعة شمولها وضيقها‬
‫للموارد سعة وضيق أدلة حجيتها‪ ،‬كماهو الحال في جميع الأحكام الشرعية من‬
‫حيث العموم والإطلاق‪ ،‬فمرجع الجواب عن شمولها للشبهات الحكمية‪ ،‬والشبهات‬
‫المقرونة بالعلم الإجمالي‪ ،‬أو إختصاصها بالشبهات الموضوعية إنما هو إلى‬
‫ملاحظة مدلول أدلة حجيتها سعة وضيقاً‪ ،‬ومدى إستيغابها للشبهات‪ ،‬وعمومها‪ ،‬أو‬
‫إطلاقها‪.‬‬
‫وهذا بخلاف الأصول العملية العقلية‪ ،‬إذ لا يمكن تحديد مدلولها سع ًة وضيقاً‪،‬‬
‫بقيود معيّنة ومحدودة كماً وكيفاً بل هو يختلف سعة و ضيقاً بإختلاف آراء‬
‫الأفراد وظروفهم في كل واقعة ويراد إجراء الأصل العقلي فيها‪ ،‬ومن الطبيعي أن‬
‫الثالثاء‪18 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الأشخاص‪ ،‬والظروف المحيطة بالواقعة‬


‫العقل العملي المدرك‪ ،‬يختلف بإختلاف ?‬

‫المشكوكة‪ ،‬فلا يمكن جعل ضابط كلي لذلك‪.‬‬


‫فلهذا نجد أنه قد اختلف المكلفون‪ ،‬فبعضهم يرى أن المورد من موارد جريان‬
‫البراءة العقلية والآخر يخالفه الرأي‪ ،‬ويجعله من موارد قاعدة الإشتغال و(حق‬
‫الطاعة)‪.‬‬
‫‪11111‬‬
‫العقلية‪ ،‬لا تصلح لمعارضة الأصول‬ ‫الثانية‪ :‬في عدم المعارضة فإن الأصول العملية‬
‫‪‬‬
‫العملية الشرعية‪ ،‬من جهة أن أصالة البراءة العقلية معلقة على (عدم البيان) مع أن‬
‫الإستصحاب الشرعي بيان‪ ،‬وكذلك الإحتياط الشرعي‪ ،‬ومن هنا كان تقديم‬
‫الأصول العملية الشرعية على الأصول العقلية من باب (الورود) لكونها رافعة‬
‫لموضوعها وجداناً‪ .‬وتفصيل الكلام في محله إن شاءالل ّه تعالى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ماذكره الأعلام الثلاثة إنما هو من باب الإختلاف في التعبير والا ّ فمرجع‬
‫الجميع الشيء واحد وهو ماذكره السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫السبت‪22 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الخوض في بيان مصاديق الأصول‬


‫?‬ ‫كان كلامنا في المقدمات التي مهدناها قبل‬
‫العملية لأجل تنقيح وتو ضيح محل البحث‪ ،‬في تلك الأصول العملية فبلغنا و‬
‫وصلنا الى المقدمة الخامسة‪ ،‬ففي هذه المقدمة تناولنا بالفرق بين الأصول العملية‬
‫المحرزة (التنزيلية) وبين الأصول العملية غير محرزة (غير تنزيلية البحت) هذه‬
‫المصطلح موجود عند الأصوليين وفقهاء‪ ،‬ماهو الفرق بين الأصول المحرزة وغير‬
‫‪11111‬‬
‫تارة أخرى؟!‬
‫محرزة تارة والأصول التنزيلية وغير تنزيلية‪‬‬
‫ذكر شيخنا الأستاذ (دام ظله) أن في المقام تفسيرين لهذا الفرق‪.‬‬
‫التفسير الأول‪ :‬ما عن مدرسة الحقق النائيني(قده)‪ :‬وحاصله‪ :‬أن الأصول التنزيلية‬
‫كالإستصحاب لوحظ فيها الواقع‪ ،‬كماهو الحال في الأمارات‪ ،‬ولكن بلحاظ حيثية‬
‫البناء‪ ،‬والجري العملي على طبقه‪ ،‬بخلاف غيرها‪ ،‬فإنها لم يلاحظ فيها الواقع‪،‬‬
‫وذلك لأن للعلم حيثيات أربع‪:‬‬
‫الحيثية الأولى‪ :‬هي الكيفية النفسانية الباعثة على الثبات‪ ،‬في مقابل التذبذب وعدم‬
‫الثبات‪ ،‬ولو تعبداً‪ ،‬لأنها من الخصوصيات التكوينية‪ ،‬الأوصاف الذاتية لليقين‪ ،‬فلا‬
‫يقبل الجعل والإعتبار‪.‬‬
‫الحيثية الثانية‪ :‬وهي حيثية الكاشفية‪ ،‬وحكاية العلم عن الواقع الخارجي‪ ،‬وبلحاظ‬
‫هذه الحيثية كان تنزيل الأمارة منزلة العلم تعبداً‪ ،‬فهي قابلة للجعل والإعتبار‪،‬‬
‫فجعلت تعبداً في باب الأمارات‪.‬‬
‫الحيثية الثالثة‪ :‬هي حيثية البناء والجري العملي على طبق العلم واليقين‪.‬‬
‫السبت‪22 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العلم قد يخالف الواقع‪ ،‬فيكون‬


‫?‬ ‫الحيثية الرابعة‪ :‬هي حيثية التنجيز والتعذير‪ ،‬فإن‬
‫المكلف معذوراً‪ ،‬وقد يصيبه فينجزه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن الفرق بين الأصول المحرزة التنزيلية‪ ،‬والأصول غير المحرزة غير‬
‫التنزيلية إنما هو بلحاظ ما هو المجعول في المقام‪ ،‬فمرجع الفرق إلى عالم الجعل‬
‫والإعتبار‪ ،‬فإذا كان الجعل بلحاظ حيثية البناء والجري العملي على طبق العلم كان‬
‫‪11111‬‬
‫المجعول من الأصول التنزيلية (المحرزة)‪.‬‬
‫وإذا كان الجعل بلحاظ حيثية التنجيز والتعذير الموجود تين في العلم كان‬
‫المجعول من الأصول الساذجة‪ ،‬غير التنزيلية و(غير المحرزة)‪.‬‬
‫ذكرنا في البحث السابق أن السيد الخوئي(قده)‪ :‬فلم أجد له تعرضاً للفرق بينهما‬
‫في بحوثه وتقريراته‪ ،‬ولا يوجد ذكر لمختاره في تلامذه‪ ،‬ولعل رأيه موافق لرأي‬
‫أستاذه المحقق النائيني(قده) ظاهراً بما أنه من خريجي مدرسته‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أفاد في المقام ماحاصله‪ :‬الفرق جعلي واعتباري‬
‫وعنائي‪ .‬أن ماذكره المحقق النائيني (قده) من الفكرة فهي في نفسها صحيحة‪ ،‬من‬
‫جهة أن مرد الفرق فيها إلى عالم الجعل والإعتبار وليس الفرق بينهما جوهرياً‪،‬‬
‫وإنما الفرق اعتباري وعنائي كماعرفت‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬أن تلك العناية التي يكون بها الأصل تنزيلياً‪ ،‬ويتميّز عن غير التنزيلي‬
‫إنما هي بأحد أمرين‪ ،‬غير ماذكره المحقق النائيني(قده) من العناية في الجعلين في‬
‫القسمين الأخيرين‪.‬‬
‫السبت‪22 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?في الأصل التنزيلي بتنزيل‬


‫الأول‪ :‬إعتبار الكاشفية كالأمارات (الحيثية الثانية)‬
‫الإحتمال منزلة اليقين في الكاشفية‪ .‬تقدم الكلام في توضيحه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إعتبار كون المجعول حكماً واقعياً بتنزيل الحكم الظاهري‪ ،‬أي (المؤدى)‬
‫منزلة الحكم الواقعي‪ ،‬بلسان تنزيله منزلته حتى يكون الأصل تنزيلياً‪ ،‬كماهو الحال‬
‫في (أصالة الطهارة) في قوله(ع)‪ « :‬كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر » فيكون‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬هو (الطاهر الواقعي) دون‬
‫المراد من (الطاهر) في مقابل (القذر الواقعي)‬
‫إنشاء للطهارة الواقعية تعبداً‪.‬‬
‫ً‬ ‫(الظاهري) فيكون هذا‬
‫وهذا نحو عناية لها‪ ،‬فائدتها في مقام الإستنباط لأنه يترتب آثار الطهارة الواقعية‬
‫بناء على هذا التنزيل‪.‬‬
‫على محتمل الطهارة ً‬
‫مثلاً‪ :‬إذا قلنا أن أصالة الإباحة والحلية المستفادة من قوله(ع)‪ « :‬كل شيء لك‬
‫حلال» تنزيلي واقعي‪ ،‬يترتب عليه حين تطبيقه على الخارج (كالحيوان المشكوك‬
‫إباحته وحليته) طهارة مدفوعه ظاهراً لأنها مترتبة على الحلية الواقعية‪ ،‬وهي ثابتة‬
‫تنزيلاً‪ ،‬فكذلك حكم مدفوعها‪.‬‬
‫وأما إذا قيل‪ :‬بأن اصالة الإباحة ليس تنزيلياً واقعياً‪ ،‬بل إنشاء الحلية مستقلة ظاهراً‪،‬‬
‫فلا يمكن أن ننقح بها طهارة المدفوع وهكذا‪.‬‬
‫كما أن للعناية في القسم الأول أيضاً بعض الفوائد‪ ،‬والآثار المترتبة عليها‪ ،‬كما في‬
‫تقديم (الأصل المحرز) على غيره‪ ،‬بإعتباره علماً‪ ،‬وحاكماً على دليل (الأصل‬
‫العملي البحت) على ما سيأتي الكلام عنه في محلّه إن شاء الل ّه تعالى‪.‬‬
‫السبت‪22 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?وهذا المعنى ينسجم مع‬


‫معنى ثالثاً للأصل العملي المحرز‬
‫وقد ذكر (قده) ً‬
‫نظريته(قده) في الفرق بين الأمارات والأصول وهو أنه كلما لو حظ في جعل‬
‫الحكم الظاهري ثبوتاً أهمية المحتمل‪ ،‬فهو أصل عملي‪ ،‬وعليه فإن إنضم إليه‬
‫لحاظ قوة الإحتمال أيضاً كان (أصلاً عملياً محرزاً) كما في قاعدة الفراغ والا ّ فلا‪.‬‬
‫والمحرزية بهذا المعنى في قاعدة الفراغ لا تجعلها حجة في مثبتاتها‪ ،‬كالأمارات‪،‬‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬يترتب عليه بعض الآثار والفوائد‬
‫والا ّ أن استظهار هذا المعنى من دليل القاعدة‬
‫أيضاً من قبيل (عدم شمول دليل القاعدة) لموارد (إنعدام الأمارية والكشف نهائياً)‪.‬‬
‫ومن هنا يقال‪ :‬بعدم جريان (قاعدة الفراغ) في موارد العلم بعدم التذكر حين‬
‫العمل‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن القسمين الأولين من العناية إنما هو بلحاظ مقام الإثبات والتنزيل‪،‬‬
‫والقسم الأخير؛ إنما هو بلحاظ عالم الثبوت والأهمية‪ .‬وذكر تفصيلاً آخر في المقام‬
‫نحيله إلى الدورة اللاحقة إن شاء الل ّه‪.‬‬
‫األحد‪23 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫السيد الشهيد (قده) في مقام الفرق‬


‫?‬ ‫كان كلامنا في المقدمة الخامسة في ما ذكره‬
‫بين الأصول العملية الشرعية المحرزة وبين الأصول غير محرزة وبين الأصول‬
‫التنزيلية والأصول غير التنزيلية‪ ،‬فقال أن الفرق الذي ذكره المحقق النائيني (قده)‬
‫كما ذكرنا كلامه فيما تقدم أن هذا الفرق في نفسه تام لا غبار عليه‪ ،‬حيث فرق‬
‫بينهما في المقام المجعول الا ّ أن تمييز بينهما يكون بأحد أمرين أخرين غير‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬‬ ‫ماذكره المحقق النائيني(قده)‪:‬‬
‫الأول‪ :‬إعتبار الكاشفية كالأمارات (الحيثية الثانية) في الأصل التنزيلي بتنزيل‬
‫الإحتمال منزلة اليقين في الكاشفية‪ .‬تقدم الكلام في توضيحه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إعتبار كون المجعول حكماً واقعياً بتنزيل الحكم الظاهري‪ ،‬أي (المؤدى)‬
‫منزلة الحكم الواقعي‪ ،‬بلسان تنزيله منزلته حتى يكون الأصل تنزيلياً‬
‫ففي هاتين صورتين يكون هناك فرق وما ئز بين أصل التنزيلي والأصل غير تنزيلي‬
‫أصل محرز و أصل غير محرز‪ ،‬قلنا في نهاية بحث السابق أن (قده)‬
‫معنى ثالثاً للأصل العملي المحرز وهذا المعنى ينسجم مع نظريته(قده) في‬
‫ً‬ ‫قد ذكر‬
‫الفرق بين الأمارات والأصول وهو أنه كلما لو حظ في جعل الحكم الظاهري‬
‫ثبوتاً أهمية المحتمل‪ ،‬فهو أصل عملي‪ ،‬وعليه فإن إنضم إليه لحاظ قوة الإحتمال‬
‫أيضاً كان (أصلاً عملياً محرزاً) كما في قاعدة الفراغ والا ّ فلا‪.‬‬
‫والمحرزية بهذا المعنى في قاعدة الفراغ لا تجعلها حجة في مثبتاتها‪ ،‬كالأمارات‪،‬‬
‫والا ّ أن استظهار هذا المعنى من دليل القاعدة يترتب عليه بعض الآثار والفوائد‬
‫أيضاً من قبيل (عدم شمول دليل القاعدة) لموارد (إنعدام الأمارية والكشف نهائياً)‪.‬‬
‫األحد‪23 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫موارد العلم بعدم التذكر حين‬


‫?‬ ‫ومن هنا يقال‪ :‬بعدم جريان (قاعدة الفراغ) في‬
‫العمل‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن القسمين الأولين من العناية إنما هو بلحاظ مقام الإثبات والتنزيل‪،‬‬
‫والقسم الأخير؛ إنما هو بلحاظ عالم الثبوت والأهمية‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد ناقش وإعترض تارة على ماذكره المحقق‬
‫‪11111‬‬
‫الفرق وأخرى على ما افاده السيد‬
‫النائيني(قده) من لحاظ الحيثيات في مقام‪‬‬
‫الشهيد(قده) فيقع الكلام في مقامين‪:‬‬
‫المقام الأول‪ :‬في مناقشة ماذكره المحقق الخراساني(قده) بوجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬فيما ذكره (قده) من الحيثية الثانية للعلم‪ ،‬وأن هذه الحيثية من شؤون‬
‫جعل الأمارة وتنزيلها منزلة العلم تبعداً‪ .‬الخ‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬ما تقدم من أن الحيثية الثانية‪ ،‬كالحيثية الأولى في كونها تكوينية ولا يمكن‬
‫جعلها‪ ،‬أو إعتبارها للأمارات لإستحالة تعلق الجعل التشريعي بالأمر التكويني لأن‬
‫إيجادها تكويناً بالتشريع لا يمكن‪ ،‬وأما إيجادها إعتباراً فلا قيمة له‪.‬‬
‫ويرد عليه أولاً‪ :‬أن إيجاد حيثية الكاشفية للأمارات تكويناً وإن كان غير ممكن الا ّ‬
‫انه لا مانع من إيجادها وإعتبارها للامارات فإن الاعتبار سهل المؤونة‪ ،‬وبيد المعتبر‪،‬‬
‫ولا يرضخ للقوانين التكوينية والخارجية‪ ،‬كما هو واضح للمتأمل‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬لو سلمنا ذلك الا ّ أن الكاشفية ذاتية للأمارة‪ ،‬فلا حاجة إلى إيجادها‪ ،‬بل‬
‫المحتاج إليه اعتبارها شرعاً‪ ،‬وتتميماً تعبداً‪ ،‬وهو المراد‪.‬‬
‫األحد‪23 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?هو لبيان الفرق بين الأصول‬


‫الوجه الثاني‪ :‬أن ذكر الحيثية الثالثة والرابعة‪ ،‬إنما‬
‫العملية المحرزة‪ ،‬وغير الحرزة‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬
‫ونحن في المقام نقتصر الكلام على (الإستصحاب) وأما سائر الأصول المحرزة‬
‫فيعلم حالها منه‪.‬‬
‫الكلام في الإستصحاب‪ :‬فلابد من النظر إلى مورده‪ ،‬وتحليل الحالة السابقة فيه‪،‬‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬أولا؟‬
‫وهل يوجد ما يبرر كون من الأصول المحرزة‬
‫أم الكلام في مقام الثبوت‪ :‬فإن في الحالة السابقة أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬اليقين بها‬
‫والآخر حدوثها‪.‬‬
‫وأما اليقين‪ :‬فقد زال‪ ،‬لا يقين في ظرف الشك وجداناً‪ ،‬حتى يقتضي رجحان بقاء‬
‫الحالة السابقة لأن البقاء بحاجة الى العلة‪ ،‬كالحدوث‪.‬‬
‫وأما الحدوث‪ :‬فهو لا يقتضي البقاء‪ ،‬لاحتياج البقاء إلى علة مبقية‪ ،‬وهي غير علة‬
‫حدوثه‪ ،‬ولا تكفي علة الحدوث للبقاء‪ ،‬لأن البقاء هو الوجود الثاني للحدوث‪ ،‬وهو‬
‫كالوجود الأول بحاجة إلى علة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه لا مقتضى في وجود الحالة السابقة لرجحان بقائها في ظرف الشك‪ ،‬لا‬
‫من جهة اليقين الزائل‪ ،‬ولا من جهة الحدوث الذي هو ليس بعلة للبقاء‪ ،‬ولا جزء‬
‫علة‪.‬‬
‫فإذاً‪ :‬وجود الحالة السابقة كما لا يقتضي إرتفاعها في ظرف الشك كذلك لا‬
‫يقتضي بقاءها فيه‪ ،‬فلا مبرر لإقتضاء البقاء‪ ،‬وعليه فلا يكون المجعول في باب‬
‫الإستصحاب الطريقية من حيث البقاء والجري العملي‪.‬‬
‫األحد‪23 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?صول المحرزة‪ ،‬بل حاله حال‬


‫تحصيل مما ذكرناه‪ :‬أن الإستصحاب ليس من الأ‬
‫سائر الأصول غير المحرزة‪ ،‬كأصالة البراءة في عدم النظر إلى الواقع‪.‬‬
‫وأما في مقام الإثبات‪ :‬فلأن النهي الوارد في روايات باب الإستصحاب هو (النهي‬
‫عن نقض اليقين بالشك)‪ ،‬ومن الواضح أن هذا النهي ليس حقيقياً لأن إنتقاض‬
‫اليقين بالشك أمر قهري‪ ،‬وخارج عن إختيار المكلف‪ ،‬فلا يتعلق به النهي حقيقة‪،‬‬
‫‪11111‬‬
‫‪ ‬تجوزاً‪:‬‬
‫ومن هنا يكون المراد من النهي هو أحد أمرين‬
‫اإلثنين‪24 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كاى كالهٌا فٖ ها أفادُ ش٘خٌا األستار (دام ظلِ) فٖ همام هٌالشٔ ها ركشُ الوحمك‬
‫الٌائٌٖ٘(لذُ) فٖ الومام هي الفشق ت٘ي األصَل الؼول٘ٔ الششػ٘ٔ الوحشصٓ ٍغ٘ش‬
‫الوحشصٓ‪ ٍ ،‬هخل للوحشص تاالستصحاب ٍلاػذٓ الفشاؽ‪ٍ ،‬تغ٘ش الوحشصٓ تالثشاءٓ‬
‫ٍاإلحت٘اغ‪ٍ ،‬ركش الٌائٌٖ٘(لذُ) اى فٖ الح٘خ٘ٔ الخالخٔ للؼلن ٍَّ ح٘خ٘ٔ تٌاء ٍجشٕ‬
‫الؼولٖ ػلى ؼثك الؼلن هي ّزُ الح٘خ٘ٔ ٗكَى ٍظغ ٍجؼل الحج٘ٔ لألصَل الؼول٘ٔ‬
‫الوحشصٓ‪ٍ ،‬هي الح٘خ٘ٔ الشاتؼٔ الح٘خ٘ٔ الوٌجضٗٔ ٍالوؼزسٗٔ ٗكَى حج٘ٔ األصَل‬
‫الؼول٘ٔ غ٘ش الوحشصٓ‪ ،‬ش٘خٌا األستار ػٌذُ إشكال ػلى ح٘خ٘ٔ الخاً٘ٔ تمذم الكالم فِ٘‬
‫فٖ الثحج الساتك‪ ،‬أها الَجِ الخاًٖ هي الوٌالشٔ َّ فٖ الح٘خ٘ت٘ي الخالخٔ ٍالشاتؼٔ‪،‬‬
‫الت٘ي تْوا الفشق فٖ هحل الكالم فمال‪ :‬أًٌا ًتٌاٍل ٌّا هي األصَل هحشصٓ‬
‫االستصحاب‪ًٍ ،‬حمك فِ٘ ٍّل أى االستصحاب هي األصَل هحشصٓ أٍال؟ ٍأها‬
‫سائش األصَل الوحشصٓ ف٘ؼلن حالْا هٌِ‪.‬‬
‫الكالم فٖ االستصحاب‪ :‬فالتذ هي الٌظش إلى هَسدُ‪ٍ ،‬تحل٘ل الحالٔ الساتمٔ فِ٘‪،‬‬
‫ٍّل َٗجذ ها ٗثشس كَى هي األصَل الوحشصٓ أٍال؟‬
‫أم الكالم فٖ همام الخثَت‪ :‬فإى فٖ الحالٔ الساتمٔ أهشٗي‪ :‬أحذّوا‪ :‬ال٘م٘ي تْا‬
‫ٍا‪ٙ‬خش حذٍحْا‪ٍ .‬أها ال٘م٘ي‪ :‬فمذ صال‪ ،‬ال ٗم٘ي فٖ ظشف الشك ٍجذاًاً‪ ،‬حتى‬
‫ٗمتعٖ سجحاى تماء الحالٔ الساتمٔ ألى الثماء تحاجٔ إلى الؼلٔ‪ ،‬كالحذٍث‪ٍ .‬أها‬
‫الحذٍث‪ :‬فَْ ال ٗمتعٖ الثماء‪ ،‬الحت٘اد الثماء إلى ػلٔ هثم٘ٔ‪ ٍّٖ ،‬غ٘ش ػلٔ‬
‫حذٍحِ‪ٍ ،‬ال تكفٖ ػلٔ الحذٍث للثماء‪ ،‬ألى الثماء َّ الَجَد الخاًٖ للحذٍث‪،‬‬
‫ٍَّ كالَجَد األٍل تحاجٔ إلى ػلٔ‪.‬‬
‫اإلثنين‪24 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فالٌت٘جٔ‪ :‬أًِ ال همتعى فٖ ٍجَد الحالٔ الساتمٔ لشجحاى تمائْا فٖ ظشف الشك‪ ،‬ال‬
‫هي جْٔ ال٘م٘ي الضائل‪ٍ ،‬ال هي جْٔ الحذٍث الزٕ َّ ل٘س تؼلٔ للثماء‪ٍ ،‬ال جضء‬
‫ػلٔ‪ .‬فإراً‪ٍ :‬جَد الحالٔ الساتمٔ كوا ال ٗمتعٖ استفاػْا فٖ ظشف الشك كزلك ال‬
‫ٗمتعٖ تماءّا فِ٘‪ ،‬فال هثشس اللتعاء الثماء‪ٍ ،‬ػلِ٘ فال ٗكَى الوجؼَل فٖ تاب‬
‫االستصحاب الؽشٗم٘ٔ هي ح٘ج الثماء ٍالجشٕ الؼولٖ‪.‬‬
‫تحص٘ل هوا ركشًاُ‪ :‬أى االستصحاب ل٘س هي األصَل الوحشصٓ‪ ،‬تل حالِ حال‬
‫سائش األصَل غ٘ش الوحشصٓ‪ ،‬كأصالٔ الثشاءٓ فٖ ػذم الٌظش إلى الَالغ‪.‬‬
‫ٍأها فٖ همام اإلحثات‪ :‬فألى الٌْٖ الَاسد فٖ سٍاٗات تاب االستصحاب َّ (الٌْٖ‬
‫ػي ًمط ال٘م٘ي تالشك)‪ٍ ،‬هي الَاظح أى ّزا الٌْٖ ل٘س حم٘م٘اً ألى اًتماض‬
‫ال٘م٘ي تالشك أهش لْشٕ‪ٍ ،‬خاسد ػي اخت٘اس الوكلف‪ ،‬فال ٗتؼلك تِ الٌْٖ حم٘مٔ‪،‬‬
‫ٍهي ٌّا ٗكَى الوشاد هي الٌْٖ َّ أحذ أهشٗي تجَصاً‪ :‬األٍل‪ :‬أى ٗشاد تِ اإلسشاد‬
‫إلى تؼ٘٘ي ٍظ٘فٔ الوكلف فٖ ظشف الشك‪ ،‬فٖ الثماء الحالٔ الساتمٔ ٍالؼول ػلى‬
‫ؼثمْا تؼثذاً هي دٍى لحاؾ كَى االستصحاب ؼشٗماً إلى الَالغ‪ ،‬أٍ ًاظشاً إلِ٘‪.‬‬
‫الخاًٖ‪ :‬أى ٗشاد تالٌْٖ تٌضٗل الشك تالثماء هٌضلٔ ال٘م٘ي‪ٍ ،‬هشجغ ّزا التٌضٗل إلى‬
‫جؼل الحكن الظاّشٕ الوواحل للحكن الَالؼٖ‪ ،‬ال إلى جؼل الؽشٗم٘ٔ ٍالكاشف٘ٔ‬
‫ٍالجشٕ الؼولٖ ػلى ؼثمِ‪ ،‬لوا هش هي أًِ ال َٗجذ فٖ هَسد االستصحاب ها‬
‫ٗمتعى سجحاى تماء الحالٔ الساتمٔ ًَػاً‪ ،‬حتى ٗصلح جؼل الؽشٗم٘ٔ لِ‪.‬‬
‫ال ٗمال‪ :‬إى الشك الَاسد فٖ سٍاٗات االستصحاب إًوا ٗشاد تِ هؼٌاُ اللغَٕ‬
‫ٍالؼشفٖ الوساهحٖ الشاهل لالحتوال الشاجح‪ ،‬إٔ (الظي) ٍل٘س هؼٌاُ الذلٖ‬
‫اإلثنين‪24 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الؼملٖ (تسإٍ الؽشف٘ي) ٍػلِ٘ فشجحاى الحالٔ الساتمٔ فٖ االستصحاب ٗصلح‬


‫لجؼل الؽشٗم٘ٔ لِ‪.‬‬
‫فإًِ ٗمال‪ :‬إى إحتوال تماء الحالٔ الساتمٔ فٖ ظشف الشك ل٘س ساجحاً دائواً‪ٍ ،‬لَ‬
‫ًَػاً‪ ،‬فال ٍجِ للؽشٗم٘ٔ هغ أى الوشاد تالشك ٌّا َّ تسإٍ االحتوال٘ي ػشفاً‪.‬‬
‫ٍهوا تمذم ٗظْش تؽالى ها رّة إلِ٘ الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) هي التفس٘ش‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألًِ‬
‫(لذُ) إى أساد تـ ح٘خ٘ٔ (الجشٕ الؼولٖ ػلى ؼثك الؼلن ٍال٘م٘ي الساتك) جؼل‬
‫الؽشٗم٘ٔ ٍالكاشف٘ٔ ٍالٌظش إلى الَالغ راتاً؛ ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أى الحالٔ الساتمٔ ال تصلح‬
‫تزلك‪ ،‬لؼذم التعائِ الشجحاى فٖ ظشف الشك‪.‬‬
‫ٍإى أساد تِ‪ :‬الجشٕ الؼولٖ ػلى ؼثمِ تؼثذاً هي دٍى الٌظش إلى الَالغ ٍال الؽشٗم٘ٔ‪،‬‬
‫ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أًِ ػلى ّزا ل٘س االستصحاب هي األصَل الوحشصٓ‪ ،‬تل َّ هي‬
‫األصَل غ٘ش الوحشصٓ‪ ،‬فال ٍجِ لتمذٗوِ ػلى سائش األصَل تالحكَهٔ‪ٍ .‬إى أساد‬
‫تِ تٌضٗل االستصحاب هٌضلٔ ال٘م٘ي فٖ الكاشف٘ٔ إحثاتاً‪ .‬ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أى حم٘مٔ‬
‫االستصحاب َّ (حكن الشاسع تإتماء الحالٔ الساتمٔ فٖ ظشف الؼول) هي دٍى‬
‫فشض سجحاى تمائْا ًَػاً‪ ،‬حتى ٗصلح فْزا التٌضٗل ال ٗصلح أٗعاً‪.‬‬
‫ٍإى أساد تِ تٌضٗل االستصحاب هٌضلٔ ال٘م٘ي فٖ الجشٕ الؼولٖ كوا َّ الظاّش هٌِ‬
‫(لذُ)‪ .‬ف٘شد ػلِ٘‪ :‬أٍالً‪ :‬أى سٍاٗات االستصحاب ال تذل ػلى ّزا التٌضٗل‪.‬‬
‫ٍ حاً٘اً‪ :‬لَ سلوٌا رلك إال أى ّزا التٌضٗل ال ٗستلضم جؼل الؽشٗم٘ٔ ٍالكاشف٘ٔ تل َّ‬
‫تلحاؾ الجشٕ الؼولٖ ػلى ؼثك ال٘م٘ي الساتك فٖ ظشف الشك تؼثذاً‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فال ٗكَى االستصحاب ػلى ظَء ّزا التفس٘ش هي األصَل الوحشصٓ‪.‬‬
‫اإلثنين‪24 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الومام الخاًٖ‪ :‬هٌالشٔ ها ركشُ الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) أخ٘شاً هي أى الفشق ت٘ي األصل‬
‫الوحشص كاالستصحاب ٍاألصل غ٘ش الوحشص كالثشاءٓ حثَتٖ ػلى أساس أى جؼل‬
‫االستصحاب حجٔ هثٌٖ ػلى لحاؾ أهشٗي‪ :‬أحذّوا لحاؾ التشج٘ح تأّو٘ٔ ًَع‬
‫الوحتول‪ٍ ،‬ا‪ٙ‬خش هشاػآ دسجٔ الكشف ٍلحاؾ أّو٘ٔ االحتوال أٗعاً ٍكال‬
‫األهشٗي هلحَؾ فٖ األصَل الوحشصٓ التٌضٗل٘ٔ‪.‬‬
‫ٍحاصل الوٌالشٔ‪ :‬أى ّزا الفشق ال ٗوكي الوساػذٓ ػلِ٘‪ ،‬لوا تمذم هي أًِ ال‬
‫َٗجذ فٖ هَسد االستصحاب ٍَّ (الحالٔ الساتمٔ) ها َٗجة سجحاى تمائْا فٖ‬
‫ظشف الشك ٍلَ ًَػاً حتى ٗصلح ألى ٗكَى هي األصَل الوحشصٓ‪ .‬تحصل هوا‬
‫ركشًاُ‪ :‬أًِ ال فشق ت٘ي االستصحاب ٍت٘ي أصالتٖ الثشاءٓ ٍاالحت٘اغ ًٍحَّوا هي‬
‫األصَل غ٘ش الوحشصٓ‪ ،‬ال حثَتاً ٍال إحثاتاً‪ .‬تمٖ شٖء‪ ٍَّ :‬أى ها تثٌت ػلِ٘ هذسسٔ‬
‫الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) هي تمذٗن االستصحاب ػلى األصَل غ٘ش الوحشصٓ‬
‫تالحكَهٔ ٍكزلك تمذٗن األهاسات ػلى االستصحاب تالحكَهٔ أٗعاً فَْ غ٘ش تام‬
‫أٗعاً؛ إر ال ٗوكي الجوغ تٌْ٘وا‪.‬‬
‫ٍرلك‪ :‬ألى هؼٌى تمذٗن االستصحاب ػلى األصَل غ٘ش الوحشصٓ تالحكَهٔ َّ أى‬
‫الوجؼَل فٖ تاب االستصحاب َّ الؽشٗم٘ٔ ٍالكاشف٘ٔ‪ ،‬فال ٗوكي أى ٗكَى‬
‫تمذٗن ألهاسات ػلِ٘ تالحكَهٔ إر هؼٌى رلك‪ َّ :‬أى الوجؼَل فِ٘ ل٘س الؽشٗم٘ٔ‬
‫ٍالكاشف٘ٔ‪ٍّ .‬زا هستلضم للتٌالط‪.‬‬
‫اإلثنين‪24 :‬ج‪1441 -1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍدػَى‪ :‬أى الوجؼَل فِ٘ الؽشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ هي ح٘ج الجشٕ الؼولٖ ػلى‬
‫ؼثك الحالٔ الساتمٔ فٖ ظشف الشك تٌْ٘وا أى الوجؼَل فٖ تاب األهاسات َّ‬
‫الؽشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ هؽلما‪.‬‬
‫هذ فَػٔ‪ :‬تأى الوجؼَل فٖ االستصحاب لوا كاى َّ الؽشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ كوا‬
‫َّ الوفشٍض فَْ هاًغ هي حكَهٔ األهاسات ػلِ٘‪ ،‬سَاء أكاى جؼلْا هي ح٘ج‬
‫الجشٕ الؼولٖ ػلى ؼثمْا أم لن ٗكي‪ ،‬ظشٍسٓ أى ّزُ الجْٔ ٍالح٘خ٘ٔ ال تشتثػ توا‬
‫َّ هصة الحكَهٔ ٍهشكضّا ٍَّ الؽشٗم٘ٔ ٍالؼلن التؼثذٕ‪ٍ ،‬ال تمذح تؽشٗم٘تْا‬
‫التٖ ّٖ أساس تمذٗوْا ػلى األصَل غ٘ش الوحشصٓ‪.‬‬
‫السبت‪6 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ الجحَث السبثمٔ فٖ األصَل المو ل٘ٔ ٍهْذًب ألجل تٌم٘ح‬
‫هحل الٌضاق ٍلجل ركش الوَاسد ٍهصبدٗك لألصَل المول٘ٔ همذهبت ثلغٌب إلى‬
‫الومذهٔ الخبهسٔ ٍفٖ الومذهٔ الخبهسٔ تٌبٍلٌب الفشق ث٘ي األصَل المول٘ٔ‬
‫الششل٘ٔ الوحشصٓ « التٌضٗل٘ٔ » ٍث٘ي األصَل المول٘ٔ الششل٘ٔ غ٘ش الوحشصٓ «‬
‫غ٘ش التٌضٗل٘ٔ » ٍهخلٌب لألٍل ثبالستصحبة ٍلبلذٓ الفشان ٍهخلٌب للخبًٖ ثبلجشاءٓ‬
‫ٍاإلصبلٔ الؽْبسٓ ٍغ٘شّوب‪ ،‬فزكشًب أى فٖ ّزا الومبم ركشٍا فشلبً ث٘ي‬
‫األصَل هحشصٓ ٍاألصَل غ٘ش هحشصٓ ٍركش ش٘خٌب األستبر (دام ـلِ) فٖ‬
‫هالك الفشق ث٘ي الوَسدٗي ٌّب ك تفس٘شاى‪ :‬األٍل لوذسسٔ الوحمك‬
‫الٌبئٌٖ٘(لذُ) ح٘ج جمل الفشق فٖ الومبم الجمل أًِ فٖ األصَل المول٘ٔ‬
‫الششل٘ٔ الوحشصٓ ٗكَى جمل حكن الفبّشٕ هي ح٘خ٘ٔ ثٌبء الجشٕ المولٖ‬
‫ٍ‬
‫فحٌ٘ئز ٗكَى األصل‬ ‫للى ؼجك الملن ٍّزُ الح٘خ٘ٔ الخبلخٔ الوَجَدٓ فٖ الملن‬
‫هحشصاً ‪ ،‬أهب إرا كبى جمل ثلحبؾ ح٘خ٘ٔ الوٌجضٗٔ ٍالومزسٗٔ الوَجَدت٘ي‬
‫فٖ الملن ف٘كَى األصل غ٘ش الوحشص‪ ،‬ركشًب أى الس٘ذ الخَئٖ (لذُ) لن ًجذ‬
‫لِ تمل٘مبً فٖ الومبم‪ ،‬ـبّشاً اًِ لذ استعى ثْزا التفس٘ش‪ ،‬أهب الس٘ذ الشْ٘ذ‬
‫(لذُ) ٍكزلك ش٘خٌب األستبر (دام ـلِ) لذ ًبلشب ّزا التفس٘ش ٍسدٍا ّزا‬
‫التفس٘ش ٍأششًب أى ّزا التفس٘ش تبم ال غجبس للِ٘ كوب رّت إلِ٘ الس٘ذ الخَئٖ‪.‬‬
‫أهب الكالم فٖ التفس٘ش الخبًٖ‪ :‬هب ركشُ ثمط الوحمم٘ي‪ ،‬إٔ (الس٘ذ الشْ٘ذ‬
‫لذُ)‪:‬‬
‫السبت‪6 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍحبصل ِ‪ :‬أى الحكن الفبّشٕ إرا كبى لذ جمل للى أسبس التشج٘ح ثوالك‬
‫(ًَل٘ٔ الوحتول هحعبً) فَْ أصل غ٘ش هحشصٓ‪ٍ ،‬أهب إرا كبى للى أسبس‬
‫التشج٘ح ثوالك (ًَل٘ٔ الوحتول هك هشالبٓ كبشف٘ٔ اإلحتوبل) فَْ أصل‬
‫هحشص ٍتٌضٗلٖ‪ ،‬فبألصل التٌضٗلٖ أٍ الوحشص َّ الحكن الفبّشٕ الزٕ لَ‬
‫حؿ فِ٘ أّو٘ٔ اإلحتوبل‪ ،‬صائذ ًا للى أّو٘ٔ الوحتول‪ ،‬ثخالف غ٘ش الوحشص‪.‬‬
‫ٍأهب هٌبلشٔ ش٘خٌب األستبر(دام ـلِ) لْزا التفس٘ش فتكَى هي ٍجْ٘ي‪:‬‬
‫األٍل‪ :‬هب تمذم هي اإلشكبل للى هجٌى كَى األحكبم الفبّشٗٔ هؽلمب‪ ،‬إًوب‬
‫جملت لمالد التضاحن الحففٖ ٍركشًب أى هٌشأ جملْب َّ اّتوبم الوَلى‬
‫ثبلحفبؾ للى األحكبم الَالم٘ٔ ثوب لْب هي الوالكبت ٍالوجبدئ اللضٍه٘ٔ‬
‫فمػ‪ ،‬حتى فٖ هَاسد االشتجبُ ٍالتشدد‪ٍ ،‬أى الوالك التشخ٘ص ال ٗصلح‬
‫ال‪ ،‬كوب تمذم فال هضاحؤ‪ ،‬فال لالد‪ ،‬فبلٌت٘جٔ‪:‬‬
‫لوضاحؤ الوالك اللضٍهٖ أص ً‬
‫أى الوجٌى الوزكَس غ٘ش تبم‪.‬‬
‫الخبًٖ‪ :‬هك اإلغوبض لي رلك‪ٍ ،‬تسل٘ن صحٔ الوجٌى‪ ،‬إال ّ أًِ لذ تمذم‪ :‬أًِ ال‬
‫َٗجذ فٖ هَسد االستصحبة هب ٗمتعٖ أّو٘ٔ اإلحتوبل ٍسلبٗتِ هي جْٔ‬
‫ال ٍال حذٍث‬
‫سجحبى الجمبء فٖ ـشف الشك ال ال٘م٘ي السبثك الضائل فم ً‬
‫ال تٌضٗل٘بً‪.‬‬
‫الحبلٔ السبثمٔ‪ ،‬حتى ٗكَى االستصحبة أص ً‬
‫ألَل‪ :‬فٖ الومبم هجبل ٍاسك للوٌبلشٔ‪.‬‬
‫السبت‪6 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫هٌْب‪ :‬أًِ ك٘ف ٗمبس الشك فٖ الحكن هك لذم حبلٔ السبثمٔ‪ ،‬ثبلشك فٖ‬
‫الحكن هك حجَت الحبلٔ السبثمٔ حتى لَ ٍسد للِ٘ الشك الزٕ ال٘م٘ي لي‬
‫دسجتِ ال هؽلمب ٍّزا ٍاظح‪.‬‬
‫ٍرلك ألًِ هوب ال سٗت فٖ ٍجَد همتعٖ الشجحبى للحبلٔ السبثمٔ فٖ الجمبء‬
‫لٌذ الشك‪ ،‬ثل حتى هك الفي ثبلضٍال ٗجمى هجبل لشجحبى الجمبء ٌّب‪ً .‬من هك‬
‫الملن ثبلضٍال ال همتعٖ لشجحبى الجمبء‪ .‬فبلتفس٘ش اى ًت٘جتْوب ٍاحذٓ فبلفشق‬
‫ٍاظح‪.‬‬
‫الومذهٔ السبدسٔ‪ :‬فٖ ٍجِ حصش األصَل المول٘ٔ فٖ األسثمٔ الومشٍفٔ‪.‬‬
‫رّت الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‪ :‬أى األصَل المول٘ٔ التٖ ّٖ الوشجك لٌذ الشك‪،‬‬
‫ٍفٖ الشجْبت هؽلمب‪ ،‬األلن هي الوَظَل٘ٔ ٍالحكو٘ٔ‪ٍ ،‬التكل٘ف٘ٔ ٍالَظم٘ٔ‬
‫هٌحصشٓ فٖ أسثمٔ ٍّٖ‪ :‬الجشاءٓ ٍاإلحت٘بغ(أصبلٔ االشتغبل) ٍاالستصحبة‬
‫ٍالتخ٘٘ش‪.‬‬
‫ٍّزا الحصش استمشائٖ ثلحبؾ ًفس األصَل فتحتول الضٗبدٓ‪ ٍ ،‬لملٖ‬
‫ثلحبؾ الوَاسد‪ ،‬فال تحول الضٗبدٓ‪.‬‬
‫األحد‪7 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كاى كالهٌا فٖ ب٘اى الوقذهات التٖ هْذًاّا قبل الذخَل فٖ هفشدات أصَل‬
‫الؼلو٘ٔ هي البشاءٓ ٍاإلحت٘اغ ٍغ٘ش ّوا‪ ،‬فقذهٌا هجوَػٔ هي الوقذهات ٍبلغٌا إلى‬
‫الوقذهٔ السادسٔ‪ :‬فٖ ٍجِ حصش األصَل الؼول٘ٔ فٖ األسبؼٔ الوؼشٍفٔ‪.‬‬
‫رّب الس٘ذ الخَئٖ(قذُ)‪ :‬أى األصَل الؼول٘ٔ التٖ ّٖ الوشجغ ػٌذ الشك‪ٍ ،‬فٖ‬
‫الشبْات هؽلقا‪ ،‬األػن هي الوَظَػ٘ٔ ٍالحكو٘ٔ‪ٍ ،‬التكل٘ف٘ٔ ٍالَظؼ٘ٔ هٌحصشٓ‬
‫ٍالتخ٘٘ش‪ٍّ .‬زا‬ ‫فٖ أسبؼٔ ٍّٖ‪ :‬البشاءٓ ٍاإلحت٘اغ(أصالٔ اشاتتغال) ٍاشاستصحا‬
‫الحصش استقشائٖ بلحاؾ ًفس األصَل فتحتول الضٗادٓ‪ ٍ ،‬ػقلٖ بلحاؾ الوَاسد‪،‬‬
‫فال تحول الضٗادٓ‪.‬‬
‫ال‬
‫أها األٍل‪ :‬فألًِ ٗوكي بحسب اإلحتوال ٍالتصَس أى ٗجؼل الشاسع الوقذس أص ً‬
‫أخش غ٘ش األسبؼٔ فٖ بؼط صَس الشك‪.‬‬
‫هثالِ‪ :‬إرا قال الوَلى‪( :‬إرا تككت ب٘ي الَجَ ٍاإلباحٔ‪ ،‬فابي ػلى اشاستحبا ‪).‬‬
‫ال ٍّكزا‪ .‬إشا أى‬
‫أٍ قال‪( :‬إرا داس األهش ب٘ي الحشهٔ ٍاإلباحٔ فابي ػلى الكشأّ‪ )،‬هث ً‬
‫استقشاء األصَل الجاسٗٔ‪ٍ ،‬تتبغ هَاسدّا اثبتٌا أى األصَل الجاسٗٔ فٖ الشبْات‬
‫الحكو٘ٔ ٍالوَظَػ٘ٔ تٌحصش فٖ األسبؼٔ الوؼَْدٓ كوا ػشفت‪.‬‬
‫ٍأها الثاًٖ‪( :‬كَى الحصش ػقل٘اً بلحاؾ الوَاسد) فألى الشك الحاصل للوكلف‬
‫بشٖء‪ ،‬إها أى ٗكَى لِ حالٔ سابقٔ‪ٍ ،‬قذ اػتبشّا الشاسع (‪ ،)1‬فَْ هَسد‬
‫(اشاستصحا )‪ ،‬إها أى ٗكَى الشك فٖ اصل التكل٘ف فَْ هَسد (البشاءٓ)‪.‬‬
‫أٍ كاى الشك فٖ الوكلف بِ‪ ،‬فإها أى ٗوكي اشاحت٘اغ فَْ هَسد (اشاحت٘اغ)‪ .‬أٍ شا‬

‫(‪ )1‬ألجل إخشاج غ٘ش الوؼتبش (كالشك فٖ الشكؼات)‪.‬‬


‫األحد‪7 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٗوكي اشاحت٘اغ فَْ هَسد (التخ٘٘ش) كالشك فٖ (ٍجَ الذػاء)‪.‬‬


‫فإراً الحصش فٖ األسبؼٔ ػقلٖ دائش هذاس الٌفٖ ٍاإلثبات هي ح٘ث الوَسد‪ٍ ،‬شا‬
‫ال ‪.‬‬
‫َٗجذ غ٘شّا ػق ً‬
‫جذٍل الحصش الؼقلٖ‪ :‬إرا تك الوكلف‪ -1* :‬إها ٗكَى لِ حالٔ سابقٔ‪ٍ ،‬قذ‬
‫اػتبشّا الشاسع‪( ،‬فاشاستصحا )‪ .‬كالؽْاسٓ‪.‬‬
‫*‪ -‬أٍشا؛‪ -2‬فإها أى ٗكَى الشك فٖ أصل التكل٘ف(فالبشاءٓ) ٍجَ الذػاء‪.‬‬
‫*‪ -‬أٍ ٗكَى الشك فٖ الوكلف بِ‪ -3 :‬إها أى ٗوكي اشاحت٘اغ كالصالٓ فٖ حذ‬
‫التشخص الوشكَك هَسدُ (فاشاحت٘اغ)‪.‬‬
‫‪ -4‬أٍشا ٗوكي (فالتخ٘٘ش) كإًقار أحذ الغشٗق٘ي‪.‬‬
‫هلحَظٔ (هٌِ قذُ) أى ػذم ركش (أصالٔ الؽْاسٓ) ػٌذ الشك فٖ الٌجاسٔ‪ ،‬فٖ ػلن‬
‫األصَل إًوا َّ لؼذم ٍقَع الخالف فْ٘ا‪ ،‬ألًْا هي األصَل الؼول٘ٔ الوسلؤ‬
‫ٍالثابتٔ بال خالف فْ٘ا شا لكًَْا خاسجٔ ػي ػلن األصَل‪ٍ ،‬داخل فٖ ػلن الفقِ‪،‬‬
‫ػلى هاتَّن‪.‬‬
‫ٍالحاصل‪ :‬أى أصالٔ الؽْاسٓ ػٌذ الشك فٖ الٌجاسٔ بوٌضلٔ أصالٔ (الحل) ػٌذ‬
‫الشك فٖ الحشهٔ‪ ،‬فكوا أى البحث ػي الثاً٘ٔ داخل فٖ ػلن األصَل ٍتحت‬
‫(أصالٔ البشاءٓ) باػتباس تشتب تؼ٘٘ي الَظ٘فٔ الفؼل٘ٔ ػلِ٘‪ ،‬كزلك البحث ػي األٍلى‬
‫أٗعاً داخل فٖ ػلن األصَل‪ ،‬لؼ٘ي الوالك الوزكَس‪ ،‬غاٗٔ األهش أى هفاد (أصالٔ‬
‫الحل) َّ (الحكن التكل٘فٖ) ٍهفاد (أصالٔ الؽْاسٓ) َّ (الحكن الَظؼٖ) ٍهجشد‬
‫ال فٖ ػلن‬
‫رلك شا َٗجب الفشق بٌْ٘وا‪ ،‬هي ح٘ث كَى البحث ػي إحذاّوا داخ ً‬
‫األحد‪7 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫األصَل‪ٍ ،‬ػي األخشى خاسجاً ػٌِ‪ّ .‬زا‪.‬‬


‫ٍأها الس٘ذ الشْ٘ذ(قذُ) فقذ ركش فٖ ٍجِ ٍسبب اشاًحصاس فٖ هقاه٘ي‪ :‬تاسٓ‪:‬‬
‫بالٌسبٔ إلى القَاػذ األصَل٘ٔ‪ٍ ،‬أخشى‪ :‬بالٌسبٔ إلى القَاػذ الفقْ٘ٔ‪.‬‬
‫الوقام األٍل‪ :‬فإى السبب فٖ الحصش َّ‪ :‬أى هبحث األصَل الؼول٘ٔ‪ ،‬أٍل ها ًشأ‬
‫ػٌِ الؼلواء كاى تحت ػٌَاى (الذل٘ل الؼقلٖ) ٍركش تحتِ (البشاءٓ ٍاشاتتغال‪،‬‬
‫ٍالتخ٘٘ش ٍاشاستصحا ) فكاًت األصَل الؼلو٘ٔ األسبؼٔ الوزكَسٓ تؼبٔ هي تؼب‬
‫األدلٔ الؼقل٘ٔ حتى أى اشاستصحا كاى ٗحكوَى بحج٘تِ هي با الؼقل‪.‬‬
‫كاى َّ ٍالذ الش٘خ‬ ‫ٍأٍل هي ركش اإلستذشال باألخباس ػلى حج٘ٔ اشاستصحا‬
‫البْائٖ(قذّوا) فكاى الؼقل فٖ ًظشّن تاسٓ؛ ٗستقل بالبشاءٓ ٍأخشى؛ باشاحت٘اغ‪،‬‬
‫ٍثالثٔ؛ بالتخ٘٘ش‪ٍ ،‬سابؼٔ؛ باشاحت٘اغ‪.‬‬
‫ٍأها أصالٔ الؽْاسٓ حتى لَ فشض أًْا أصل ػولٖ هتؼاسف فبوا أًْا لن تكي فْ٘ا‬
‫ال ػقل٘اً‪ ،‬لن تذسج فٖ تؼب الذل٘ل ػٌذّن‪،‬‬
‫إهكاً٘ٔ ٍصالح٘ٔ أى ٗكَى أص ً‬
‫ٍّكزا ساس ػلى هٌْجْن سائش الؼلواء‪.‬‬
‫ٍالوقام الثاًٖ‪ :‬إٔ‪ :‬الٌاح٘ٔ الفقْ٘ٔ فٌْاك أصَشاً هي قب٘ل‪ :‬قاػذٓ الفشاؽ‪ٍ ،‬التجاٍص‬
‫ٍالصحٔ‪ٍ ،‬غ٘شّا التٖ تجشٕ فٖ الشبْات الوَظَػ٘ٔ فٖ الوسائل الفقْ٘ٔ فلن‬
‫ٗذخلَّا فٖ األصَل الؼول٘ٔ‪ ،‬هي جْٔ ػذم جشٗاًْا فٖ الشبْات الحكو٘ٔ‪،‬‬
‫ٍاختصاصْا بالشبْات الوَظَػ٘ٔ‪ٍ ،‬بزلك ٗخشج ػي ػلن األصَل سأساً‪ ،‬لوا‬
‫ػشفت هي أى ػلن األصَل َّ (الؼلن بالقَاػذ التٖ ٗستٌبػ بْا حكن تشػٖ‬
‫كلٖ) شا جضئٖ‪ٍ ،‬فٖ الشبْات الوَظَػ٘ٔ‪.‬‬
‫األحد‪7 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ًؼن‪ٗ :‬بقى لكالم بالٌسبٔ إلى (أصالٔ الؽْاسٓ) فإًْا ٍإى كاًت جاسٗٔ فٖ الشبْات‬
‫الحكو٘ٔ ٍالوَظَػ٘ٔ‪ ،‬إشا ّ أًْا ل٘ست بقاػذٓ أصَل٘ٔ ػٌذًا‪ ،‬ألًٌا قذ اتتشؼٌا فٖ‬
‫دٍى‬ ‫الفقِ‪ٍ ،‬شا تختص ببا‬ ‫أصَل٘ٔ القاػذٓ أى تكَى سّ٘الٔ فٖ جو٘غ أبَا‬
‫آخش‪.‬‬
‫ٍّزا ها ػبشًا ػٌِ فٖ تؼشٗف األصَل بــ الؼٌاصش الوشتشكٔ‪ٍ ،‬أصالٔ الؽْاسٓ لن‬
‫ٗكي فْ٘ا ّزُ الصالح٘ٔ‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فوا ركشُ الس٘ذ األستار (الخَئٖ) (قذُ) هي الفشاؽ ػي أصَل٘تْا لؼذم‬
‫الٌضاع فْ٘ا غ٘ش تام‪ ،‬أٍ ػلى األقل تكَى الوسألٔ هبٌائ٘ٔ‪ّ ،‬زا ها ركشُ الس٘ذ الشْ٘ذ‬
‫الصذس(قذُ)‪.‬‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كاى كالهٌا فٖ ت٘اى الوقذهات التٖ هْذًاّا قثل الذخَل فٖ هفشدات أصَل‬
‫الؼلو٘ٔ هي الثشاءٓ ٍاإلحت٘اط ٍغ٘ش ّوا‪ ،‬فقذهٌا هجوَػٔ هي الوقذهات ٍتلغٌا إلى‬
‫الوقذهٔ السادسٔ ٍقذ تقذم أساء ػلوا ٍ إشكال الس٘ذ الشْ٘ذ ػلْ٘ن‪.‬‬
‫ٍأها ش٘خٌا األستار (دام ظلِ)‪ :‬فقذ رّة إلى ػذم حصش األصَل الؼول٘ٔ فٖ‬
‫األستؼٔ الوؼشٍفٔ فقذ ركش فٖ ٍجِ رلك ها حاصلِ‪:‬‬
‫أى غ٘ش ّزُ األصَل الؼول٘ٔ األستؼٔ كأصالٔ الغْاسٓ ٍالفشاؽ ٍالتجاٍص‪ًٍ ،‬حَّا‬
‫ػلى قسو٘ي‪:‬‬
‫القسن األٍل‪ :‬ها َّ هختص توَاسد الشثْات الوَضَػ٘ٔ(كقاػذٓ الفشاؽ ٍالتجاٍص‬
‫ٍالصحٔ) ٍغ٘ش ّا فإى ّزُ القَاػذ جوؼاً قَاػذ فقْ٘ٔ‪ ،‬ال أصَل٘ٔ‪ ،‬لؼذم ٍقَػْا‬
‫فٖ عشٗق ػول٘ٔ االستٌثاط‪ ،‬إلثثات الجؼل الزٕ َّ هالك أصَل٘ٔ الوسألٔ‪ٍّ ،‬زُ‬
‫القَاػذ إًوا ّٖ هي تاب التغث٘ق فقظ‪ ،‬دٍى التَس٘ظ‪.‬‬
‫القسن الثاًٖ‪ :‬ها ال ٗختص توَاسد الشثْات الوَضَػ٘ٔ‪ ،‬تل ٗجشٕ فٖ الشثْات‬
‫الحكو٘ٔ أٗضاً‪ ،‬كقاػذٓ الغْاسٓ‪ ،‬فإًْا تجشٕ فٖ الشثْات الحكو٘ٔ كالوَضَػ٘ٔ‪،‬‬
‫ففٖ ّزا القسن الوتوثل (تقاػذٓ الغْاسٓ) قَالى‪:‬‬
‫القَل األٍل‪ :‬ػذم كًَْا هسألٔ أصَل٘ٔ‪ ،‬كوا رّة إلِ٘ تؼض الوحقق٘ي هٌْن‬
‫الس٘ذ الخَئٖ(قذُ) تثؼاً للوحقق ا‪ٙ‬خًَذ(قذُ)‪.‬‬
‫أها الس٘ذ الخَئٖ(قذُ) فقذ أفاد فٖ ٍجِ ػذم كًَْا هي الوسائل األصَل٘ٔ‪ ،‬ها‬
‫حاصلِ‪:‬‬
‫أى قاػذٓ الغْاسٓ‪ٍ ،‬إى كاًت قاػذٓ أصَل٘ٔ لجشٗاًْا فٖ الشثْات الحكو٘ٔ‪ ،‬إال ّ‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫أى هسألٔ حج٘ٔ الظَاّش لوسلو٘تْا‪ ،‬ل٘ست توسألٔ أصَل٘ٔ‪.‬‬


‫ٍػلِ٘‪ :‬فإى أصَل٘ٔ الوسألٔ هشًَّٔ تَجَد الخالف ٍالٌضاع فْ٘ا‪ٍ ،‬لَ فٖ الجولٔ‬
‫ػٌذ الس٘ذ الخَئٖ(قذُ)‪.‬‬
‫ٍأها الس٘ذ الشْ٘ذ(قذُ) تثؼاً لصاحة الكفاٗٔ(قذُ) رّة إلى أى أصَل٘ٔ الوسألٔ‬
‫هشًَّٔ تاشتشاكْا ٍس٘الًْا فٖ جو٘غ أتَاب الفقِ‪ٍ ،‬ح٘ث إى (قاػذٓ الغْاسٓ)‬
‫هختصٔ تثاب الغْاسٓ فقظ‪ٍ ،‬ال تجشٕ فٖ سائش األتَاب‪ ،‬فال تكَى هي الوسائل‬
‫األصَل٘ٔ ٍلْزا جاء فٖ تؼشٗف الوسألٔ األصَل٘ٔ (ّٖ الؼٌاصش الوشتشكٔ فٖ‬
‫اإلستذالل الفقْٖ)‪.‬‬
‫القَل الثاًٖ‪ :‬كَى أصالٔ الغْاسٓ هسألٔ أصَل٘ٔ ٍاختاسُ ش٘خٌا األستار (دام ظلِ)‬
‫ح٘ث قام تشد ها ركشُ الؼلواى‪:‬‬
‫أها هثٌى الس٘ذ الخَئٖ(قذُ) فَْ غ٘ش تام فإى أصَل٘ٔ الوسألٔ هشًَّٔ تَقَػْا الحذ‬
‫الَسظ فٖ الق٘اس الفقْٖ هغلقا‪ٍ ،‬إى لن َٗجذ خالف فْ٘ا ٍال شثْٔ فٖ ٍقَع‬
‫حج٘ٔ الظَْس (أق٘وَا ظاّش فٖ الَجَب) ٍ (قاػذٓ الغْاسٓ ) الحذ األٍسظ فٖ‬
‫الق٘اس إلثثات الٌت٘جٔ‪.‬‬
‫ٍأها هثٌى الس٘ذ الشْ٘ذ ٍصاحة الكفاٗٔ (قذّوا) أٗضاً غ٘ش تام‪ ،‬لوا ػشفت هي أى‬
‫أصَل٘ٔ الوسألٔ ال تتغل ّة أى تكَى هشتشكٔ ت٘ي هؼظن أتَاب الفقِ‪ ،‬أٍ جو٘ؼْا تل‬
‫ٗكفٖ كًَْا تصلح كثشى كل٘ٔ‪ ،‬تغث٘ق ػلى ػٌاصشّا الخاصٔ فٖ الفقِ‪ٍ ،‬أها سؼٔ‬
‫ال‪ ،‬فال دل٘ل ػلِ٘ غ٘ش‬
‫دائشٓ ػٌاصشّا ٍض٘قْا‪ ،‬فْٖ ال تش تثظ تأصَل٘ٔ الوسألٔ أص ً‬
‫االستحساى‪.‬‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فتحصل هوا ركشُ ش٘خٌا األستار(دام ظلِ) أًِ ال ٍجِ لحصش األصَل الؼول٘ٔ فٖ‬
‫األستؼٔ الوؼَْدٓ‪ ،‬تل (أصالٔ الغْاسٓ) هٌْا‪ٍ ،‬ال ٍجِ إلخشاجْا هي األصَل‬
‫الؼول٘ٔ‪.‬‬
‫أقَل‪ :‬الخالف هثٌائٖ‪ٍ ،‬ال ثوشٓ ػول٘ٔ فٖ ّزا الٌضاع‪ً ،‬ؼن هٌشأ الخالف َّ‬
‫تؼشٗف الوسألٔ األصَل٘ٔ ٍتشتة ػلِ٘ ها تقذم هي الخالف ًظشٗاً ٍسإٔ األستار َّ‬
‫الوختاس‪.‬‬
‫ّزا توام كالهٌا فٖ ها قصذًاُ هي توْ٘ذ الوقذهات لتٌق٘ح هحل الٌضاع ٍ‬
‫هَضَػِ‪.‬‬
‫ثن ٗقغ الكالم فٖ هفشدات األصَل الؼول٘ٔ ٍ هصادٗقْا فٌقذم الثحث ػي أصالٔ‬
‫الثشاءٓ‪ ،‬ثن ًلحقِ توثحث التخ٘٘ش‪ ،‬ثن االحت٘اط‪ ،‬فاالستصحاب‪ٍّ ،‬كزا‪.‬‬
‫أصالٔ الثشاءٓ‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال أى‬
‫كبى كالهٌب فٖ أصبلٔ الجشاءٓ ٍركشًب فٖ هالك تمس٘ن األصَل الؼول٘ٔ ػم ً‬
‫أصبلٔ الجشاءٓ إًوب تجشٕ ػٌذ الشك فٖ التكل٘ف‪ ،‬هغ ػذم ٍجَد الحبلٔ السبثمٔ‪ ،‬أٍ‬
‫ػذم اػتجبسّب‪.‬‬
‫ٍلكي الحبكن ثبلجشٗبى فٖ الومبم تبسٓ ٗكَى َّ الؼمل ٍأخشى َّ الششع فتكَى‬
‫الجشاءٓ ػلى لسو٘ي‪:‬‬
‫المسن األٍل‪ :‬أصبلٔ الجشاءٓ الؼمل٘ٔ ٍهٌشؤّب لبػذٓ (لجح الؼمبة ثال ث٘بى) الؼمل٘ٔ‪.‬‬
‫المسن الثبًٖ‪ :‬أصبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ ٍهٌشؤّب الشٍاٗبت الصبدسٓ هي الشبسع‬
‫كحذٗث الشفغ ٍ غ٘شُ‪.‬‬
‫ٍأهب المسن األٍل‪ :‬فَْ أصبلٔ الجشاءٓ الؼمل٘ٔ ٍّٖ هي األصَل التٖ تمشست ٍثجتت‬
‫ٍاستوش إلى َٗهٌب ّزا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثٌحَ اإلجوبع‪ ،‬فٖ ػصش الَح٘ذ الجْجْبًٖ (لذُ)‬
‫ٍلذ اكتست ّزا األصل ص٘غٔ فٌ٘ٔ‪ ،‬تحت لبػذٓ ػمل٘ٔ ػٌَاًْب(لجح الؼمبة ثال‬
‫ث٘بى) ٍّزُ المبػذٓ احل ّت هشكضاً أسبس٘بً فٖ التفك٘ش األصَلٖ فٖ ػصش الَح٘ذ‬
‫الجْجْبًٖ(لذُ) ٍاستحكوت فٖ األرّبى استحكبهبً شذٗذاً ٍإلى صهبًٌب ّزا ٍسجت‬
‫ّزا االستمشاس ٍاالستحكبم َّ‪ :‬أى الوحمم٘ي هي ػلوبء تلك الحمجٔ‪ ،‬لذ فصلَا‬
‫ٍفشلَا هي ثذاٗٔ األهش ث٘ي أهشٗي‪:‬‬
‫األهش األٍل‪ َّ :‬هَلَٗٔ الوَلى‪ ،‬ثوؼٌى (حك الطبػٔ) ح٘ث افتشضَا ّب هفشٍغبً ػٌْب‬
‫‪ ،‬لجل ػلن األصَل‪.‬‬
‫ٍلبلَا‪ :‬ثأى الوَلَٗٔ ػجبسٓ ػي ثجَت حك الطبػٔ للوَلى ػلى الؼجذ فٖ كل تكل٘ف‬
‫ٗصذس هي الوَلى ٍالؼبً‪ ،‬إرا توت ػلِ٘ الحجٔ ٍالج٘بى‪ٍ ،‬هحل ثحثْب ػلن الكالم‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فشاجغ‪.‬‬
‫األهش الثبًٖ‪ َّ :‬الحج٘ٔ إر جؼلَا الجحث فْ٘ب ٍساء الجحث فٖ الوَلَٗٔ فئى الجحث‬
‫الوَلَٗٔ هكبًِ ػلن الكالم‪ ،‬ثٌ٘وب ثحث الحج٘ٔ هكبًِ ػلن األصَل‪ٍ ،‬هي ٌّب ستجَا‬
‫فٖ األصَل لبػذت٘ي‪:‬‬
‫المبػذٓ األٍلى‪ :‬لبػذٓ (حج٘ٔ المطغ) ٍأًْب رات٘ٔ لِ‪ٍ ،‬أى كل حجٔ الثذ ٍأى تشجغ‬
‫ٍتٌتْٖ إل ى المطغ‪ ،‬ألى حج٘تِ رات٘ٔ‪ ،‬ال تحتبج إلى جؼل جبػل(ثجَت الحج٘ٔ‬
‫ػٌذ ثجَت المطغ)‪.‬‬
‫المبػذٓ الثبً٘ٔ‪ :‬اًمضبء الحج٘ٔ ثب ًتفبء المطغ‪ ٍَّ ،‬الصم حج٘ٔ المطغ الزات٘ٔ ٍّزُ‬
‫التٖ ٗؼجش ػٌْب ثــ (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ٍثال حجٔ‪ٍّ .‬كزا ٗشجغ أهش المبػذ‬
‫ت٘ي إلى لض٘ٔ ٍاحذٓ‪ ،‬هٌطَلْب ٗمتضى المبػذٓ األٍلى‪ٍ ،‬هفَْهْب ٗمتضى المبػذٓ‬
‫الثبً٘ٔ ثباللتضام ٍَّ ػذم حج٘ٔ غ٘ش المطغ‪.‬‬
‫ٍهي ّزا الج٘بى ٍَّ‪ :‬كَى هالك الحج٘ٔ َّ المطغ ٍتٌتفٖ ثبًتفبئِ‪ٗ ،‬ظْش أى الظي‬
‫ال تؼمل حج٘تِ ثٌفسِ‪ ،‬ألى كل هب خشج ػي دائشٓ المطغ هٌطَلبً‪ ،‬دخل فٖ دائشٓ‬
‫الوفَْم ٍال ثبلث‪ ،‬إٔ لجح الؼمبة ػلِ٘ ألًِ ل٘س ث٘بًبً فِ٘‪ٍ ،‬هي ٌّب احتبجت‬
‫حج٘ٔ الظي إلى جؼل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز تجشص هشكلِ ٍّٖ‪ :‬أى جؼل الجبػل ك٘ف ٗص٘ ّش الظي حجٔ ٍهٌجضاً؟‬ ‫ٍلكي‬
‫سغن أًِ ال ث٘بى فِ٘؟ أٍ ل٘س رلك تخص٘صبً لحكن الؼمل (ثمجح الؼمبة ثال ث٘بى)‬
‫الشبهل للظي؟ هغ أى أحكبم الؼمل غ٘ش لبثلٔ للتخص٘ص‪.‬‬
‫ٍهي ٌّب ثشصت ٍظْشت ًٍشأت اتجبّبت جؼل الطشٗم٘ٔ ٍالؼلو٘ٔ‪ ،‬لتتمذم ػلى‬
‫الثالثاء‪9 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪.‬‬
‫حكن الؼمل ثبلحكَهٔ هث ً‬
‫ٍأهب الش٘خ الٌبئٌٖ٘(لذُ) ٍهذسستِ لبلت‪ :‬أى جؼل الحج٘ٔ للظي ٗكَى هي ثبة‬
‫التخصص ثبلٌسجٔ إلى (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ال هي ثبة التخص٘ص‪ ،‬ألى‬
‫الشبسع ٗؼتجش الظي ػلوبً‪ٍ ،‬ثزلك ٗخشج الظي ػي هفَْم تلك المض٘ٔ ٍٗذخل فٖ‬
‫هٌطَلْب‪ٍّ .‬زا فٖ األهبسات الظٌ٘ٔ‪.‬‬
‫ٍلكي اختبس فٖ ك٘ف٘ٔ جؼل الحج٘ٔ فٖ غ٘ش األهبسات‪ ،‬كوب فٖ هَاسد األصَل‬
‫هٌْب (ٍجَة االحت٘بط) ألًِ ال هؼٌى لجؼل االحت٘بط كبشفبً ٍػلوبً‪ ،‬لؼذم الكبشف٘ٔ‬
‫ٍالؼلو٘ٔ فٖ االحت٘بط ثبالتفبق‪.‬‬
‫األربعاء‪10 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًب أى أصبلٔ ثشاءٓ تكَى ػلى لسو٘ي‪ :‬المسن األٍل أصبلٔ ثشاءٓ الؼمل٘ٔ‪ ،‬المسن‬
‫الثبًٖ أصبلٔ ثشاءٓ الششػ٘ٔ ٗأتٖ الكالم الحمبً فٖ أصبلٔ ثشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬أهب الكالم‬
‫فٖ أصبلٔ ثشاءٓ الؼمل٘ٔ فملٌب أًْب هي األصَل الومشس الثبثت ثبإلجوبع ٍهٌشأّب فٖ‬
‫الؼصش الَح٘ذ الجْجْبًٖ (لذُ) ٍكبى ّزا األصل تحت ػٌَاى لجح ػمبة ثال ث٘بى‪،‬‬
‫ٍركشًب أٗضبً اى الوحمم٘ي لذ فصلَا فٖ ّزُ الوسألٔ ث٘ي أهشٗي‪ ،‬األهش األٍل ث٘ي‬
‫هَلَٗٔ هَلى ٍالوؼجش ػٌْب ثحك الطبػٔ ٍالحبل أى ثحث فْ٘ب ٗكَى فٖ ػلن‬
‫الكالم‪ٍ ،‬األهش الثبًٖ فٖ حج٘ٔ ٍلبلَا أى الجحث فٖ حج٘ٔ ٗكَى فٖ ػلن‬
‫األصَل‪ ،‬لكي هجٌ٘ٔ ػلى لبػذت٘ي‪ ،‬المبػذٓ األٍلى‪ :‬للٌب اى الحج٘ٔ للمطغ رات٘ٔ‪،‬‬
‫المبػذٓ الثبً٘ٔ‪ :‬اًمضبء الحج٘ٔ ثبًتفبء المطغ‪ ٍَّ ،‬الصم حج٘ٔ المطغ الزات٘ٔ ٍّزُ‬
‫التٖ ٗؼجش ػٌْب ثــ (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ٍثال حجٔ‪ٍّ .‬كزا ٗشجغ أهش المبػذ‬
‫ت٘ي إلى لض٘ٔ ٍاحذٓ‪ ،‬هٌطَلْب ٗمتضى المبػذٓ األٍلى‪ٍ ،‬هفَْهْب ٗمتضى المبػذٓ‬
‫الثبً٘ٔ ثباللتضام ٍَّ ػذم حج٘ٔ غ٘ش المطغ‪.‬‬
‫ٍهي ّزا الج٘بى ٍَّ‪ :‬كَى هالك الحج٘ٔ َّ المطغ ٍتٌتفٖ ثبًتفبئِ‪ٗ ،‬ظْش أى الظي‬
‫ال تؼمل حج٘تِ ثٌفسِ‪ ،‬ألى كل هب خشج ػي دائشٓ المطغ هٌطَلبً‪ ،‬دخل فٖ دائشٓ‬
‫الوفَْم ٍال ثبلث‪ ،‬إٔ لجح الؼمبة ػلِ٘ ألًِ ل٘س ث٘بًبً فِ٘‪ٍ ،‬هي ٌّب احتبجت‬
‫حج٘ٔ الظي إلى جؼل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز تجشص هشكلِ ٍّٖ‪ :‬أى جؼل الجبػل ك٘ف ٗصّ٘ش الظي حجٔ ٍهٌجضاً؟‬ ‫ٍلكي‬
‫سغن أًِ ال ث٘بى فِ٘؟ أٍ ل٘س رلك تخص٘صبً لحكن الؼمل (ثمجح الؼمبة ثال ث٘بى)‬
‫الشبهل للظي؟ هغ أى أحكبم الؼمل غ٘ش لبثلٔ للتخص٘ص‪ٍ .‬هي ٌّب ثشصت ٍظْشت‬
‫األربعاء‪10 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪.‬‬
‫ًٍشأت اتجبّبت جؼل الطشٗم٘ٔ ٍالؼلو٘ٔ‪ ،‬لتتمذم ػلى حكن الؼمل ثبلحكَهٔ هث ً‬
‫ٍأهب الش٘خ الٌبئٌٖ٘(لذُ) ٍهذسستِ لبلت‪ :‬أى جؼل الحج٘ٔ للظي ٗكَى هي ثبة‬
‫التخصص ثبلٌسجٔ إلى (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ال هي ثبة التخص٘ص‪ ،‬ألى‬
‫الشبسع ٗؼتجش الظي ػلوبً‪ٍ ،‬ثزلك ٗخشج الظي ػي هفَْم تلك المض٘ٔ ٍٗذخل فٖ‬
‫هٌطَلْب‪ٍّ .‬زا فٖ األهبسات الظٌ٘ٔ‪.‬‬
‫ٍلكي اختبس فٖ ك٘ف٘ٔ جؼل الحج٘ٔ فٖ غ٘ش األهبسات‪ ،‬كوب فٖ هَاسد األصَل‬
‫هٌْب (ٍجَة االحت٘بط) ألًِ ال هؼٌى لجؼل االحت٘بط كبشفبً ٍػلوبً‪ ،‬لؼذم الكبشف٘ٔ‬
‫ٍالؼلو٘ٔ فٖ االحت٘بط ثبالتفبق‪.‬‬
‫ٍأهب الش٘خ األًصبسٕ(لذُ) فلِ كالم فٖ الومبم ٍَّ‪ :‬أى الؼمبة ثبثت فٖ هَاسد‬
‫تشك االحت٘بط الَاجت ٍإًوب َّ ػلى (الحكن الظبّشٕ) إٔ (ػلى تشك االحت٘بط)‬
‫ال ػلى تشك الحكن الَالؼٖ‪ ،‬لؼذم اًكشبفِ‪ ،‬ألى الج٘بى تن ػلى الحكن الظبّشٕ‪ ،‬ال‬
‫ػلى الحكن الَالؼٖ‪.‬‬
‫ٍفٖ همبثل ّزا التفك٘ش ٌّبك تفك٘ش؛ ٗشى ثطالى الزّبة إلى (لبػذٓ لجح الؼمبة)‬
‫الوجٌ٘ٔ ػلى التفص٘ل ث٘ي الوَلَٗٔ ٍالحج٘ٔ‪ ،‬ثل الحك ػٌذّن أى الجحث ػي‬
‫الحج٘ٔ َّ ثٌفسِ ثحث ػي حذٍد الوَلَٗٔ حم٘مٔ‪ٍّ ،‬وب هسألٔ ٍاحذٓ‪ٍ ،‬إى‬
‫الوَلَٗٔ ػجبسٓ ػي (حك الطبػٔ) الزٕ ٗذسكِ الؼمل ٍحج٘تِ ثوالك (شكش الوٌؼن)‬
‫اشتذ الخالف ث٘ي الوتأخشٗي‪ ،‬تجؼبً‬
‫أٍ (الخبلم٘ٔ) أٍ (الوبلك٘ٔ) أٍ غ٘شّب‪ٍ .‬هي ٌّب ّ‬
‫للٌضاع ث٘ي األصَل٘٘ي ٍاألخجبسٗ٘ي فٖ هسألٔ الجشاءٓ‪ً ٍّٖ ،‬ضاػْن فٖ الصغشى‬
‫ٍّٖ (توبه٘ٔ الج٘بى ٍػذم توبه٘تِ هي لجل الوَلى) ٍأهب الكجشى‪( ٍّٖ ،‬ػذم‬
‫األربعاء‪10 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫استحمبق الؼجذ للؼمبة ػلى هخبلفٔ التكل٘ف غ٘ش الَاصل إلِ٘) فْٖ هسلؤ ػٌذّن‬
‫الستلضام خالف الظلن‪.‬‬
‫ٌٍّب ٗأتٖ السؤال الوشَْس‪ ،‬الزٕ ٍلغ هؼشكٔ ا‪ٙ‬ساء ث٘ي الوؼبصشٗي‪ّ :ٍّٖ ،‬ل‬
‫ٗوكي تطج٘ك (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ػلى التكل٘ف الوَلَٕ الوشكَك ثجَتِ‬
‫ثبلشك الجذٍٕ الوستمش؟ إٔ ثؼذ الفحص الالصم‪ ،‬إرا كبًت هَلَٗتِ رات٘ٔ‪ٍ ،‬الحكن‬
‫ثمجح الؼمبة ػلِ٘؟‬
‫أٍ أًِ ال ٗوكي؟ ثل الوشجغ فِ٘ لبػذٓ االشتغبل ثوالحظٔ (لبػذٓ حك الطبػٔ؟‬
‫رّت الوشَْس إلى المَل األٍل ٍرّت جوبػٔ إلى المَل الثبًٖ‪.‬‬
‫ٍأهب الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فلن أجذ لِ سأٗبً خبصبً فٖ الوسألٔ‪ٍ ،‬لؼلِ تجغ سإٔ أستبرُ‬
‫الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذّوب) ٍَّ الشإٔ الوشَْس‪.‬‬
‫ٍالحبصل‪ :‬هب ركشُ الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) ٍهؤٗذٕ هذسستِ فٖ الومبم َّ‪ :‬أى‬
‫التكل٘ف الوَلَٕ إرا ٍصل إلى الوكلف ثؼلن ٍجذاًٖ‪ ،‬أٍ ثؼلن تؼجذٕ استمل‬
‫الؼمل الؼولٖ ثلضٍم التحشك ًحَ اهتثبلِ ثبػتجبس أًِ ٗذسك استحمبق الؼمَثٔ ػلى‬
‫هخبلفتِ‪ ٍَّ ،‬الوحشك األسبس ًحَ الطبػٔ ٍاالهتثبل‪.‬‬
‫ٍأهب إرا لن ٗصل التكل٘ف الوَلَٕ إلى الوكلف‪ ،‬ال ٗؼلن ٍجذاًٖ‪ٍ ،‬ال ٗؼلن‬
‫تؼجذٕ فال همتضى لحكن الؼمل ثلضٍم التحشك ًحَ اهتثبلِ ػلى أسبس اى الؼمل‬
‫الؼولٖ ٗذسك أى الؼمبة ػلى التكل٘ف غ٘ش الَاصل إلى الوكلف‪ ،‬ػمبة ثال ث٘بى‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز غ٘ش احتوبل التكل٘ف‪ٍ ،‬االحتوبل ال‬ ‫ال؛ إر ل٘س فٖ الومبم‬
‫ٍَّ لج٘ح ػم ً‬
‫ٗصلح أى ٗكَى ث٘بًبً‪ٍ ،‬هحشكبً ًحَ التكل٘ف إرا كبى ثؼذ الفحص ٍال٘أس ػي‬
‫األربعاء‪10 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫حصَل الؼلن ٍالحجٔ ػلى التكل٘ف‪ٍ ،‬لْزا ٗذسك الؼمل الؼولٖ ثأى الؼمبة ػلى‬
‫التكل٘ف الوحتول غ٘ش الَاصل إلِ٘‪ ،‬هي الؼمبة ثال ث٘بى‪ ٍَّ ،‬لج٘ح ٍظلن‪ ،‬ال‬
‫ٗصذس اى هي الوَلى الحم٘مٖ‪.‬‬
‫ٍثكلؤ‪ :‬أى التكبل٘ف اإللضاه٘ٔ ثَجَداتْب الَالؼ٘ٔ ال تكَى هؤثشٓ ٍهحشكٔ ًحَ‬
‫الؼول ٍاالهتثبل‪ٍ ،‬إًوب تكَى هؤثشٓ ٍهحشكٔ ثَجَدّب الَاصل إلى الوكلف‪ٍ ،‬لَ‬
‫ال‪ٍ ،‬ال ٗكَى هحشكبً ًحَ‬
‫ثؼلن تؼجذٕ‪ٍ ،‬أهب هجشد ثجَتْب فٖ الَالغ ال ٗؼتجش ٍاص ً‬
‫ال‪.‬‬
‫التكل٘ف‪ ،‬فلْزا ٗكَى الؼمبة ػلِ٘ هي دٍى ث٘بى ٍَّ لج٘ح ػم ً‬
‫السبت‪13 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ ئٗجبد الجَاة ػي السإال الوشَْس الزٕ ٍقغ هؼشكٔ أساء؛ ّل‬
‫ٗوكي تطج٘ق (قبػذٓ القجح ػلى التكل٘ف الوَلَٕ الوشكَك فٖ حبل الشك‬
‫الجذٍٕ الوستقش) ٍالحكن ثــ قجح الؼقبة ػلِ٘ أٍال؟‬
‫رّت الوشَْس ئلى ئهكبى رلك‪ٍ ،‬جوبػٔ‪ :‬ئلى الؼذم ٍالشجَع ئلى االحت٘بغ‬
‫ثقبػذٓ (حق الطبػٔ)‪.‬‬
‫القَل األٍل هذسسٔ الوحقق الٌبئٌٖ٘(قذُ) ٍحبصلِ أى‪ :‬التكل٘ف الوَلَٕ ئرا‬
‫ٍصل ثؼلن ٍجذاًٖ أٍ تؼجذٕ استقل الؼقل الؼولٖ ثلضٍم التحشك ًحَ اهتثبلِ ٍاال ّ‬
‫فبلؼقَثبت ثبثتٔ‪.‬‬
‫ٍئرا لن ٗصل كزلك فال هقتعٖ لحكن الؼقل ثلضٍم التحشك ًحَ اهتثبلِ إلدساكِ‬
‫قجح الؼقبة ػلى تشكِ هي الحك٘ن‪.‬‬
‫ًؼن‪ :‬فٖ الوقبم ٌّبك (احتوبل التكل٘ف) ٍَّ ال ٗصلح أى ٗكَى ث٘بًبً ٍهحشكبً ًحَ‬
‫التكل٘ف خصَصبً ثغ ال٘أس ػي ظفش الحجٔ ػلِ٘‪ ،‬فبلؼقل ٗذسك كَى الؼقبة ػلى‬
‫التكل٘ف الوحتول (غ٘ش الَاصل ئلِ٘) هي الؼقبة ثال ث٘بى ٍقج٘ح ٍظلن ال ٗصذس‬
‫هي الحك٘ن‪.‬‬
‫ٍأهب الس٘ذ الشْ٘ذ(قذُ) الزٕ اختبس القَل الثبًٖ ‪ :‬فقذ اػتشض ػلى ّزا الج٘بى‪،‬‬
‫ٍقبل ‪ :‬ئًِ ال ٗشجغ ئلى هؼٌى هحصل فٖ هقبم اإلستذالل‪ٍ ،‬رلك ألى الوحشك‬
‫للوكلف ًحَ التكل٘ف ػلى قسو٘ي‪:‬‬
‫القسن األٍل‪ َّ :‬الوحشك الزاتٖ التكٌَٖٗ‬
‫القسن الثبًٖ‪ َّ :‬الوحشك الوَلَٕ األػن هي التششٗؼٖ أٍ الؼقلٖ‪.‬‬
‫السبت‪13 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫أهب القسن األٍل‪ :‬فَْ الوحشك الزٕ ٌٗشأ هي ٍجَد غشض تكٌَٖٗ ًحَ الشٖء‪،‬‬
‫ٍَّ هالصم هغ قَٓ هي قَى اإلًسبى‪ ،‬أٍ سغجٔ هي سغجبتِ؛ كبلجَع ٍالؼطش ًحَ‬
‫األكل ٍالششة‪ٍ ،‬كبلخَف هي الؼقبة ًحَ االهتثبل‪.‬‬
‫فبلشٖء ثَجَدُ الَاقؼٖ‪ ،‬ال ٗكَى هحشكبً تكٌَٗبً‪ ،‬ثل الوحشك َّ (ٍجَدُ‬
‫الَاصل) ألى ٍجَدُ الَاقؼٖ ال ٗكَى هي أحذ هجبدب اإلسادٓ ٍالتحشك فاى ػول٘ٔ‬
‫التحشك‪ ،‬ػول٘ٔ شؼَسٗٔ ًفسبً٘ٔ‪ ،‬ثحبجٔ ئلى الَصَل‪.‬‬
‫ًؼن‪ :‬أى للَصَل هشاتت هتؼذدٓ‪ ،‬كبلَصَل الَجذاًٖ ٍالتؼجذٕ ٍاالحتوبلٖ‬
‫ثحست تفبٍت دسجبت أّو٘ٔ الشٖء تختلف الوحشك٘ٔ فقذ ٗفشض تحقق‬
‫الوحشك٘ٔ هي ئحتوبل ٍجَد الوطلَة‪ ،‬كوي ٗتشك الؼجَس هي طشٗق ٗحتول ٍجَد‬
‫األسذ فِ٘ ٍَّ ٍاظح‪.‬‬
‫ٍأهب القسن الثبًٖ ٍَّ الوحشك الوَلَٕ التششٗؼٖ فَْ هتوثل فٖ (حق الطبػٔ‬
‫ٍالؼجَدٗٔ) ٍهؼٌبُ‪ :‬أى الؼقل الؼولٖ ٗحكن ثالثذٗٔ التحشك ًحَ االهتثبل لتكبل٘ف‬
‫الوَلى‪ ،‬ثبػتجبس هَلَٗٔ الوَلى‪ٍ ،‬حق طبػتِ ػلى الوكلف٘ي هطلقب‪ ،‬سَاء أكبى ػٌذ‬
‫اإلًسبى غشض ٍهٌفؼٔ فٖ رلك‪ ،‬أٍ لن ٗكي لِ غشض ٍهصلحٔ فٖ رلك‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فبلتحشك الوَلَٕ قبئن ػلى أسبس الحسي ٍالقجح ٍحكن الؼقل ثالثذٗٔ‬
‫ال ثحق الوَلى‬
‫الطبػٔ‪ٍ ،‬تشك الوؼص٘ٔ‪ ،‬ػو ً‬
‫ٍهي ٌّب ًقَل‪ :‬ئى كَى التكل٘ف هحشكبً ثَجَدُ االحتوبلٖ‪ ،‬أٍ ػذم كًَِ هحشكبً‬
‫هتفشع ػلى هقذاس سؼٔ حق الوَلَٗٔ‪ٍ ،‬الٌظش ئلى تلك (الالثذٗٔ الؼقل٘ٔ) فاى فشض‬
‫ثجَت حق الطبػٔ ٍالوَلَٗٔ فٖ األحكبم الوحتولٔ أٗعبً ثجت الوقتعٖ للتحشٗك‪،‬‬
‫السبت‪13 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍاال ّ فال هقتعى للتحشٗك‪.‬‬


‫ٍّزا ل٘س هطلجبً ًظشٗبً ٍصٌبػ٘بً‪ ،‬حتى ٗجت أى ٗج٘ي فٖ ص٘بغٔ فٌّ٘ٔ‪.‬‬
‫ٍئًب َّ أهش سبرج ٗجت أى ٗشاجغ فِ٘ كل ئًسبى ػقلِ الؼولٖ فِ٘ حتى ٗشى أًِ‬
‫ّل ٗحكن ػقلِ (ثحق الطبػٔ) فٖ الحكن الوشكَك‪ ،‬أٍال؟‪.‬‬
‫ٍالصح٘ح‪ :‬أًِ ٗحكن ثلضٍم ئطبػٔ الوَلى حتى الوشكَكبت‪ ،‬فال حبجٔ ئلى‬
‫تجشن ٍغٌبء اإلستذالل للوطلت‪.‬‬
‫ٍسٍاد هذسستِ‪.‬‬
‫ٍثؼذ ّزا التوْ٘ذ‪ً :‬طشح ثؼط األسئلٔ ػلى الوحقق الٌبئٌٖ٘(قذُ) ّ‬
‫تسبؤل‪ :‬هب َّ هشاد كن ثــ (قجح الؼقبة هي دٍى ث٘بى‪ ،‬فال هقتعٖ للتحشك)؟ فْل‬
‫الوشاد َّ‪ :‬ػذم الوقتعٖ ٍالوحشك الزاتٖ للتحشٗك؟ أٍ الوشاد َّ الوقتعٖ‬
‫الوَلَٕ للتحشٗك؟‬
‫األحد‪14 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ الوسألٔ التٖ كبًت هعشكٔ آساء ث٘ي األصَل٘٘ي خصَصبً‬
‫الوتأخشٗي‪ ،‬على أى الوشجع فٖ هَاسد الشجْبت ثذٍٗٔ الوستمش ٗعٌٖ ثعذ الفحص‬
‫ٍال٘أس عي الظفش ثذل٘ل على حكن هَسد الوشكَك فْل الوشجع َّ أصبلٔ الجشاءٓ‬
‫اثتٌبء على لبعذٓ لجح عمبة ثال ث٘بى العمل٘ٔ أٍ أى الوشجع أصبلٔ االشتغبل اثتٌبء‬
‫على لبعذٓ حك الطبعٔ ٍالوَلَٗٔ؟‪.‬‬
‫ركش الوحمك الٌبئٌٖ٘ (لذُ) ٍتجعِ على رلك هذسستِ ٍغبلت طلجتِ فٖ غبلت‬
‫شجْبت ثذٍٗٔ عٌذ هب ًشك فٖ ٍجَة دعبء عٌذ سؤٗٔ ّالل ٍ عذم ظفش على‬
‫الحكن ف٘مَل ٌّب ئًوب الزٕ َٗجذ َّ احتوبل تكل٘ف ٍاحتوبل تكل٘ف ال ٗصلح‬
‫ألى ٗكَى ث٘بًبً ٍهحشكبً ٍثبعثبً ًحَ التكل٘ف‪ ،‬فارا عمت علِ٘ ٗكَى لج٘حبً‪ ،‬ف٘مجح‬
‫ثال ٍجَد ث٘بى همتض لتحشٗك‪ ،‬فاراً الوشجع َّ الجشاءٓ‪.‬‬
‫الس٘ذ الشْ٘ذ الصذس (لذُ) الزٕ ٗخبلف ّزا الشإٔ ٗمَل‪ :‬اى ّزا الكالم غ٘ش تبم‪،‬‬
‫ٍرلك ألًٌب الثذ أى ًالحظ أًِ فٖ هَاسد احتوبل تكل٘ف ّل َٗجذ ٌّبك همتضٖ‬
‫لتكل٘ف أٍ ال؟ الثذ أى ًشجع ئلى الذل٘ل‪ٍ ،‬الذل٘ل فٖ الومبم َّ سعٔ ٍض٘ك حك‬
‫ال لوَاسد العلن‬
‫الوَلَٗٔ ٍالطبعٔ‪ ،‬ئرا كبى ّزا الحك هَسعبً كوب ٗكَى شبه ً‬
‫لتكل٘ف علن ٍجذاًٖ ٍعلن تعجذٕ ٍٗشول أٗضبً هَاسد علن احتوبلٖ كوب فٖ‬
‫الومبم‪ ،‬فَ٘جذ ٌّبك همتضٖ لتحشٗك‪ ،‬فارا لن ٗعول على طجك احتوبل ٗكَى‬
‫العمبة ثبثتبً علِ٘‪ٍ ،‬أهب ئرا كبى دائشٓ حك هَلَٗٔ ٍالطبعٔ هض٘مبً ٍهختصبً ثوَاسد‬
‫ٍ‬
‫فحٌ٘ئز ال‬ ‫العلن الَجذاًٖ ٍالتعجذٕ ال تشول علِ٘ دائشٓ هَاسد احتوبل تكل٘ف‪،‬‬
‫همتضٖ لتحشٗك ٍئلبهٔ الذل٘ل على ّزا األهش‪ٍ .‬ثعذ ّزا التوْ٘ذ‪ً :‬طشح ثعض‬
‫األحد‪14 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍسٍاد هذسستِ‪.‬‬
‫األسئلٔ على الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) ّ‬
‫تسبؤل‪ :‬هب َّ هشاد كن ثــ (لجح العمبة هي دٍى ث٘بى‪ ،‬فال همتضٖ للتحشك)؟ فْل‬
‫الوشاد َّ‪ :‬عذم الومتضٖ ٍالوحشك الزاتٖ للتحشٗك؟ أٍ الوشاد َّ الومتضٖ‬
‫الوَلَٕ للتحشٗك؟‬
‫فاى كبى الوشاد َّ األٍل‪ :‬ف٘شد علِ٘‪ :‬أى اًتفبء الومتضٖ الزاتٖ للتحشٗك ال ٗمجّح‬
‫العمبة ٍاال ّ لضم لجح عمبة الفسبق ٍالفجبس‪ ،‬ئر ال َٗجذ لذْٗن الومتضى الزاتٖ‬
‫للطبعٔ‪ٍ ،‬تشك الوعص٘ٔ‪ٍ .‬ئى كبى الوشاد َّ الثبًٖ‪ :‬ف٘شد علِ٘ أى عذم الومتضٖ‬
‫الوَلَٕ للتحشٗك عٌذ الشك ٍاحتوبل التكل٘ف‪ ،‬أٍل الكالم‪ ،‬ألًِ هشثَط ثسعٔ‬
‫ال‪ًٍ .‬حي ًمَل ثصشاحٔ‪ٍ ،‬ثعجبسٓ سبرجٔ‪ٍ ،‬هي دٍى‬
‫دائشٓ حك الوَلى‪ٍ ،‬ض٘مِ عم ً‬
‫تكلّف صَسٓ صٌبع٘ٔ‪:‬‬
‫ئى عملٌب العولٖ ٗحكن ثأى الوَلى لِ حك الطبعٔ فٖ التكبل٘ف الوحتولٔ على‬
‫المبعذٓ هبلن ٗشد تشخ٘ص ظبّشٕ هي لجل الوَلى‪ ،‬فوي ٗذعى أى احتوبل‬
‫التكل٘ف ل٘س ثوحشك هلضم ثالبهٔ الجشّبى على رلك‪ ،‬ألًِ ٗذعٖ خالف المبعذٓ‪.‬‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬أى هب ركشُ هذسسٔ الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) غ٘ش تبم‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألًِ جعل‬
‫ال ح٘ث لبل‪ :‬ئى احتوبل التكل٘ف ال ٗكَى ث٘بًبً‪،‬‬
‫الوذعى َّ احتوبل التكل٘ف دل٘ ً‬
‫ال)‪.‬‬
‫ّزا هصبدسٓ ثل للٌب أًِ ث٘بى ٍهحشك (على المبعذٓ عم ً‬
‫ٍأهب ش٘خٌب األستبر(دام ظلِ) فمذ أفبد فٖ هٌبلشٔ جَاة الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) هب‬
‫حبصلِ‪:‬‬
‫أى الظبّش أى الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذُ) لذ اعتوذ فٖ ّزا الَجِ على الس٘شٓ العمالئ٘ٔ‬
‫األحد‪14 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الجبسٗٔ ثٌْ٘ن‪ ٍّٖ ،‬أى الوَلى العشفٖ ال ٗإاخز عجذّن على هخبلفٔ التكل٘ف فٖ‬
‫حبالت الشك ٍالجْل ثِ‪ٍ .‬هٌشأ ّزُ الس٘شٓ االستكبصٗٔ الشاسخٔ فٖ أعوبق‬
‫ًفَسْن ٍالوَافمٔ للفطشٓ ٍالججلٔ‪( َّ ،‬لجح العمبة ثال ث٘بى) ٍأى احتوبل ثجَت‬
‫التكل٘ف ال ٗصلح أى ٗكَى ث٘بًبً على التكل٘ف الَالعٖ‪ٍ .‬هي ٌّب‪ :‬تكَى لبعذٓ‬
‫(لجح العمبة ثال ث٘بى) لبعذٓ استكبصٗٔ فال هصبدسٓ فٖ جَاة الوحمك‬
‫الٌبئٌٖ٘(لذُ)‪.‬‬
‫ثن أٍسد الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) على الش٘خ األًصبسٕ ٍالوحمك الٌبئٌٖ٘(لذّوب)‬
‫ئشكبالً آخش ٍحبصلِ‪ :‬أى ّزُ الس٘شٓ ٍئى كبًت ثبثتٔ استكبصاً‪ ،‬ئال ّ أى هَسدّب َّ‪:‬‬
‫هَاسد الوَلَٗٔ العشف٘ٔ العشض٘ٔ دٍى الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬التٖ ّٖ هحل الكالم‪.‬‬
‫ٍأجبة عٌِ ش٘خٌب األستبر(دام ظلِ)‪:‬‬
‫أى اعتوبد العلو٘ي على الس٘شٓ العمالئ٘ٔ الوَافمٔ للَجذاى ئًوب َّ على أسبس‬
‫أًْوب ال ٗشٍى فشلبً فٖ (حك الطبعٔ) ث٘ي الوَلَٗٔ الزات٘ٔ ٍالعشف٘ٔ‪ ،‬كوب َّ‬
‫الوعشٍف ٍالوشَْس‪ٍ .‬على رلك‪ :‬فوي ٗذعٖ الفشق ثٌْ٘وب ثذعَى‪ :‬أى الوشجع فٖ‬
‫حبالت الشك فٖ التكل٘ف‪ٍ ،‬احتوبل ثجَتِ فٖ هَاسد الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪( َّ ،‬لبعذٓ‬
‫االشتغبل) الوجتٌ٘ٔ على (حك الطبعٔ) ٍأى الوشجع فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف‬
‫هي الوَلى العشفٖ َّ (لبعذٓ الجشاءٓ) الوجتٌ٘ٔ على (لجح العمبة ثال ث٘بى) عشفبً‬
‫ال ‪ ،‬فعلى هذعى الفشق ثٌْ٘وب أى ٗجّ٘ي ًكبت الفشق ث٘ي الوَسدٗي ٍّوب‪ :‬ثبة‬
‫عم ً‬
‫الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ٍ ،‬ثبة الوَلَٗٔ العشف٘ٔ‪.‬‬
‫االثنين‪15 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركش الش٘خ األًظبسٕ ٍتجؼِ ػلى رلك الوحمك الٌبئٌٖ٘(لذّوب) ػلى أى الَظ٘فٔ‬
‫ٍالوشجغ ػٌذ الشك فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ ثؼذ الفحض ٍال٘أس ػي الظفش ثذل٘ل‬
‫َّ إجشاء أطبلٔ ثشاءٓ الوجتٌ٘ٔ ػلى لبػذٓ لجح ػمبة ثال ث٘بى‪ ،‬ثن أٍسد الس٘ذ‬
‫الشْ٘ذ(لذُ) ػلى الش٘خ األًظبسٕ ٍالوحمك الٌبئٌٖ٘(لذّوب) إشكبالً آخش‬
‫ٍحبطلِ‪ :‬أى ّزُ الس٘شٓ ٍإى كبًت ثبثتٔ استكبصاً‪ ،‬إال ّ أى هَسدّب َّ‪ :‬هَاسد‬
‫الوَلَٗٔ الؼشف٘ٔ الؼشػ٘ٔ دٍى الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬التٖ ّٖ هحل الكالم‪.‬‬
‫ٍأجبة ػٌِ ش٘خٌب األستبر(دام ظلِ)‪ :‬أى اػتوبد الؼلو٘ي ػلى الس٘شٓ الؼمالئ٘ٔ‬
‫الوَافمٔ للَجذاى إًوب َّ ػلى أسبس أًْوب ال ٗشٍى فشلبً فٖ (حك الطبػٔ) ث٘ي‬
‫الوَلَٗٔ الزات٘ٔ ٍالؼشف٘ٔ‪ ،‬كوب َّ الوؼشٍف ٍالوشَْس‪ٍ .‬ػلى رلك‪ :‬فوي ٗذػٖ‬
‫الفشق ثٌْ٘وب ثذػَى‪ :‬أى الوشجغ فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف‪ٍ ،‬احتوبل ثجَتِ‬
‫فٖ هَاسد الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪( َّ ،‬لبػذٓ االشتغبل) الوجتٌ٘ٔ ػلى (حك الطبػٔ) ٍأى‬
‫الوشجغ فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف هي الوَلى الؼشفٖ َّ (لبػذٓ الجشاءٓ)‬
‫ال ‪ ،‬فؼلى هذػى الفشق ثٌْ٘وب أى ٗجّ٘ي‬ ‫الوجتٌ٘ٔ ػلى (لجح الؼمبة ثال ث٘بى) ػشفبً ػم ً‬
‫ًكبت الفشق ث٘ي الوَسدٗي ٍّوب‪ :‬ثبة الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ٍ ،‬ثبة الوَلَٗٔ الؼشف٘ٔ‪.‬‬
‫تٌجِ٘‪ :‬الزٕ ٗظْش هي كلوبت الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) أًِ ثّ٘ي ٍركش الفشق ثٌْ٘وب فٖ‬
‫ظل ًكتت٘ي‪:‬‬
‫الٌكتٔ األٍلى‪ :‬أى الوَلَٗٔ الؼشف٘ٔ هَلَٗٔ اػتجبسٗٔ جؼل٘ٔ‪ ،‬تتجغ الجؼل ٍاالػتجبس‪،‬‬
‫فال ًؼلن جؼلْب ٍاػتجبسّب فٖ حبالت الشك ثبلَالغ‪ٍ ،‬ػذم الؼلن ثِ‪ ،‬ال ٍجذاًبً‪ٍ ،‬ال‬
‫تؼجذاً‪ .‬فئرا لن ًؼلن ثزلك‪ :‬فبلمذس الوت٘مي‪ َّ ،‬اى هَلَٗٔ الوَلى الؼشفٖ‪ ،‬هجؼَلٔ‬
‫االثنين‪15 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍثبثتٔ فٖ حبالت الؼلن ثبلتكل٘ف‪ ،‬دٍى حبالت الشك ثِ‪ ،‬فئراً ٗكَى الشك فٖ‬
‫التكل٘ف شكبً فٖ الوَلَٗٔ‪ٍّ .‬زا ثخالف حبالت الشك فٖ التكل٘ف الظبدس هي‬
‫الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬فئًِ شك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ‪ٍ ،‬الشك فِ٘ هسبٍق للشك فٖ‬
‫الؼمبة‪ٍ ،‬احتوبلِ‪ ،‬فلزلك ٗكَى الوشجغ فِ٘ لبػذٓ (حك الطبػٔ) ٍثٌ٘وب ال ٗكَى‬
‫فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ الؼشفٖ شك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ‪.‬‬
‫ٍرلك‪ :‬ألى الوت٘مي َّ جؼل الوَلَٗٔ للوَلى الؼشفٖ فٖ حبالت الؼلن ثِ ال هطلمب‬
‫ٍّزا َّ الفشق ث٘ي الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ٍ ،‬الجؼل٘ٔ الؼشف٘ٔ‪.‬‬
‫الٌكتٔ الثبً٘ٔ‪ :‬أى هَلَٗٔ الوَلى الحم٘مٖ رات٘ٔ ٍهطلمٔ ٍكبهلٔ‪ٍ ،‬ال حذٍد لْب‪ٍ ،‬ال‬
‫ًْبٗٔ لْب ػلى أسبس أًِ الخبلك الوطلك‪ٍ ،‬الوٌؼن ٍالوبلك ٍالشاصق‪ٍ ،‬المبدس‬
‫ٍالوؼطٖ ٍالؼبلن ثكل شٖء ٍلِ الَالٗٔ الوطلمٔ ػلى التششٗؼ٘بت ٍالتكٌَٗ٘بت‪،‬‬
‫فئى تظشف اإلًسبى فٖ ًفسِ ٍجسوِ تظشف فٖ هبل الغ٘ش‪ ،‬فال ثذ هي إحشاص‬
‫سػبُ‪ ،‬حتى فٖ حبل الشك ثحكن الؼمل‪.‬‬
‫ٍأهب الوَلى الؼشفٖ‪ :‬فتكَى هَلَٗتِ هحذٍدٓ ثحذٍد ثؼغ التششٗؼ٘بت فمط‪ٍّ .‬زا‬
‫الفشق الفبحش ثٌْ٘وب فٖ الوَلَٗٔ َّ الزٕ ٗؤدٕ إلى تلك الٌت٘جٔ‪ ٍّٖ ،‬ثجَت‬
‫حك الطبػٔ‪ٍ ،‬شكش الوٌؼن‪ ،‬فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ الحم٘مٖ‬
‫ٍػذم ثجَتِ فٖ حبالت الشك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ الجؼلٖ‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فئرا كبى ّزا الفشق ٍاػحبً فٖ ًفسِ فال إشكبل فٖ أى هَلَٗٔ هّال تؼبلى‬
‫تختلف ػي سبئش الوَلَٗبت‪ٍ ،‬ال ٗوكي أى ٗجشّي ػلى ػ٘مْب ثؼ٘ك سبئش‬
‫الوَلَٗبت‪ ،‬فبلم٘بس هغ الفبسق‪.‬‬
‫االثنين‪15 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍأهب ش٘خٌب األستبر (دام ظلِ) فمذ ًبلش كلتب الٌكتت٘ي ثوب حبطلِ‪ :‬أهب الٌكتٔ‬
‫ال للوٌبلشٔ‬
‫األٍلى‪ :‬ففْ٘ب دػَٗبى لبث ً‬
‫أٍالً‪ :‬أى فشع كَى هَلَٗٔ الوَلى الؼشفٖ هجؼَلٔ فٖ حبالت الؼلن ثبلتكل٘ف‪،‬‬
‫دٍى حبالت الشك ثحبجٔ إلى دل٘ل ٍال دل٘ل ػلى رلك فٖ همبم اإلثجبت ثل‬
‫الذل٘ل ػلى خالفِ ٍرلك‪ ،‬ألى هب دل هي الذل٘ل ػلى هَلَٗٔ الشسَل (ص) ٍاألئؤ‬
‫(ع) هطلك‪ٍ ،‬همتؼى إطاللِ‪ :‬أى الوَلَٗٔ هجؼَلٔ لْن (ع) هطلمب‪ٍ ،‬غ٘ش هم٘ذٓ‬
‫ثبلؼلن ثبلتكبل٘ف‪ٍ .‬ػلِ٘‪ :‬فوب طذس هي الٌجٖ(ص) ٍاألئؤ (ع) ثؼٌَاى ثبًَٕ فٖ‬
‫هٌطمٔ الفشاؽ فَْ حكن هَلَٕ هطلمب‪ ،‬سَاء أكبى الوكلف ػبلوبً أم ال(إٔ شبكبً)‪.‬‬
‫ٍهي ٌّب كبى الشك فٖ التكل٘ف الظبدس هي الوَلى الؼشػٖ‪ٍ ،‬احتوبل ثجَتِ فٖ‬
‫ال فٖ‬
‫الَالغ شكبً فٖ التكل٘ف الوَلَٕ الوسبٍق إحتوبل الؼمبة‪ ،‬ف٘كَى داخ ً‬
‫طغشى لبػذٓ (حك الطبػٔ) دٍى لبػذٓ المجح‪ ،‬إراً ال فشق ث٘ي الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز‪.‬‬ ‫ٍالجؼل٘ٔ‬
‫ألَل‪ :‬إى الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) لن ٗمظذ ثبلوَلَٗٔ الؼشف٘ٔ الؼشػ٘ٔ إال ّ هَلَٗٔ الوبلك‬
‫ػلى ػجذُ ٍأهتِ دٍى هَلَٗٔ الٌجٖ ٍاألئؤ(ع)‪ ،‬ح٘ث إًْب هَلَٗٔ رات٘ٔ طَل٘ٔ‪ٍ ،‬فٖ‬
‫طَل هَلَٗتِ تؼبلى‪ٍ ،‬تٌضٗلْن هٌضلٔ هَلَٗٔ الٌجٖ ٍاألئؤ(ع)‪ ،‬ح٘ث إًْب هَلَٗٔ‬
‫(الشاد‬
‫ّ‬ ‫رات٘ٔ طَل٘ٔ‪ٍ ،‬فٖ طَل هَلَٗتِ تؼبلى‪ٍ ،‬تٌضٗلْن هٌضلٔ هَلَٗتِ‪ ،‬كوب لبل(ع)‪:‬‬
‫كبلشاد ػلى هّال‪ ٍَّ ،‬فٖ حذ الششك) فال ٗشد ػلِ٘ اإلشكبل األٍل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ػلْ٘ن‬
‫ٍثبً٘بً‪ :‬أى دػَى كَى إحتوبل التكل٘ف فٖ الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬هسبٍق إلحتوبل‬
‫الؼمبة ٗشجغ إلى دػَى أى الؼمل الؼولٖ ٗذسك رلك هطلمب حتى إرا كبى ّزا‬
‫االثنين‪15 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫اإلحتوبل ثؼذ الفحض ٍالتحم٘ك ػي الذل٘ل فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ٍ ،‬ال٘أس ػي‬


‫الظفش ثذل٘ل ٍلكي لمبئل أى ٗمَل‪ً :‬وٌغ إدساك الؼمل الؼولٖ (هسبٍل٘ٔ االحتوبل٘ي)‬
‫فٖ خظَص هب إرا كبى احتوبل التكل٘ف ثؼذ الفحض ٍػذم الظفش ثذل٘ل‪ ،‬دٍى‬
‫لجلِ‪.‬‬
‫ٍرلك‪ :‬ألى دػَى إدساكِ هسبٍل٘ٔ احتوبل التكل٘ف الحتوبل الؼمبة هطلمب حتى‬
‫ثؼذ الفحض ثحبجٔ إلى ثشّبى‪ٍ ،‬لن ٗمن ػلِ٘ ثشّبى‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فال ٗؼجش دػَى ادساك الؼمل ثحست فطشتِ‪ :‬أى احتوبل التكل٘ف فٖ‬
‫الشجْبت الحكو٘ٔ ثؼذ الفحض‪ ،‬هوب ال ل٘ؤ لِ ٍال تأث٘ش‪ٍ ،‬إى ٍجَدُ كبلؼذم‬
‫ٍ‬
‫ػٌذئز‬ ‫ٍٗكَى الؼمبة ػلِ٘‪ ،‬ػمبثبً ثال ث٘بى ٍَّ لج٘ح‪ ،‬فتكَى (أطبلٔ الجشاءٓ)‬
‫هحكؤ‪.‬‬
‫ٍأهب الوٌبلشٔ فٖ الٌكتٔ الثبً٘ٔ‪:‬‬
‫الثالثاء‪16 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًا اى الوذسسٔ الوحمك الٌائٌٖ٘(لذُ) لذ رّثت إلى أى فٖ هَاسد الشثْات‬


‫الحكو٘ٔ ٍػٌذ الفشض إحتوال التكل٘ف ٗحكن الؼمل تالثشاءٓ ػي التكل٘ف اػتواداً‬
‫ػلى الماػذٓ لثح ػماب تال ت٘اى ٍاى الشك ٍاالحتوال ل٘س تث٘اى‪ٍ ،‬اػتوذٍا ػلى‬
‫رلك تالس٘شٓ الؼشف ٍالؼمالء‪ ،‬أًْن ٗجشٍى لاػذٓ لثح ػماب تال ت٘اى‪ ،‬فٖ هخل ّزُ‬
‫الوَاسد الوشكَك‪ ،‬فٖ هماتل رلك الس٘ذ الشْ٘ذ (لذُ) ٍهي تثؼِ رّة إلى أى‬
‫ال تحكن‬
‫التكل٘ف ٍالَظ٘فٔ فٖ الوَاسد الشك ٍاالحتوال فٖ الشثْات الحكو٘ٔ ػم ً‬
‫الؼمل َّ لاػذٓ االحت٘اغ اػتواداً ػلى لاػذٓ حك الؽاػٔ ٍالوَلَٗٔ‪ ،‬فْزا الخالف‬
‫هَجَد‪،‬‬
‫ٍالس٘ذ الشْ٘ذ تؼذ اى لال لَ سلوٌا اى س٘شٓ الؼمالء جاسٗٔ ػلى الثشاءٓ اػتواداً ػلى‬
‫لاػذٓ لثح ػماب تال ت٘اى ّزُ الس٘شٓ إًوا تختص تالوَلى الؼشف٘ٔ دٍى الزات٘ٔ‪،‬‬
‫ٍركش ت٘ي الوَلى الؼشف٘ٔ ٍالزات٘ٔ ًكتٔ ًكتت٘ي‪ ،‬تمذم الكالم فٖ الثحَث الساتمٔ‬
‫ت٘اى الٌكتٔ األٍلى ٍالوٌالشٔ ػلْ٘ا هي لثل ش٘خٌا األستار(دام ظلِ) أها الٌكتٔ‬
‫الخاً٘ٔ‪ :‬أى هَلَٗٔ الوَلى الحم٘مٖ رات٘ٔ ٍهؽلمٔ ٍكاهلٔ‪ٍ ،‬ال حذٍد لْا‪ٍ ،‬ال ًْاٗٔ‬
‫لْا ػلى أساس أًِ الخالك الوؽلك‪ٍ ،‬الوٌؼن ٍالوالك ٍالشاصق‪ٍ ،‬المادس ٍالوؼؽٖ‬
‫ٍالؼالن تكل شٖء ٍلِ الَالٗٔ الوؽلمٔ ػلى التششٗؼ٘ات ٍالتكٌَٗ٘ات‪ ،‬فئى تصشف‬
‫اإلًساى فٖ ًفسِ ٍجسوِ تصشف فٖ هال الغ٘ش‪ ،‬فال تذ هي إحشاص سظاُ‪ ،‬حتى فٖ‬
‫حال الشك تحكن الؼمل‪ٍ .‬أها الوَلى الؼشفٖ‪ :‬فتكَى هَلَٗتِ هحذٍدٓ تحذٍد‬
‫تؼط التششٗؼ٘ات فمػ‪ٍّ .‬زا الفشق الفاحش تٌْ٘وا فٖ الوَلَٗٔ َّ الزٕ ٗؤدٕ‬
‫إلى تلك الٌت٘جٔ‪ ٍّٖ ،‬حثَت حك الؽاػٔ‪ٍ ،‬شكش الوٌؼن‪ ،‬فٖ حاالت الشك فٖ‬
‫الثالثاء‪16 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫التكل٘ف الوَلَٕ الحم٘مٖ ٍػذم حثَتِ فٖ حاالت الشك فٖ التكل٘ف الوَلَٕ‬


‫الجؼلٖ‪.‬‬
‫ٍأها الوٌالشٔ فٖ ّزُ الٌكتٔ هي لثل ش٘خٌا األستار(دام ظلِ)‪ :‬أى هَلَٗٔ الوَلى‬
‫الحم٘مٖ ٍإى كاًت رات٘ٔ ٍهؽلمٔ فٖ التكٌَٗ٘ات ٍالتششٗؼ٘ات‪ٍ ،‬ال حذٍد لْا‬
‫تحذد حذٍدّا‪ٍ ،‬ال تؼ٘ي هَسدّا حتى فٖ‬
‫ٍتفشض ػلى الؼثذ اإلؼاػٔ إال ّ أًْا ال ّ‬
‫هَاسد اإلحتوال ٍالشك تالتكل٘ف ٍلَ تؼذ الفحص ٍال٘أس ػي الظفش تذل٘ل‪ّ .‬زا‬
‫هي ًاح٘ٔ‪ٍ .‬هي ًاح٘ٔ أخشى‪ :‬أى احتوال التكل٘ف الوَلَٕ ال ٗخلَ ػي أحذ‬
‫احتوال٘ي‪:‬‬
‫‪ -1‬إها اى ٗكَى ت٘اًاً ٍهٌجضاً للتكل٘ف‪ ،‬ػلى تمذٗش حثَت التكل٘ف فٖ الَالغ‪-2 .‬‬
‫أٍ ال ٗكَى ت٘اًاً‪.‬‬
‫فؼلى األٍل‪ٗ :‬كَى الوَسد هي هَاسد حك الؽاػٔ هؽلما‪ ،‬حتى فٖ الوَلَٗٔ الجؼل٘ٔ‬
‫ٍػلى الخاًٖ ٗكَى هي هَاسد لاػذٓ المثح هؽلما‪ ،‬حتى فٖ الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ٍ ،‬هي‬
‫ٌّا فئى تؼ٘٘ي كَى الوَسد هي هَاسد لاػذٓ حك الؽاػٔ‪ ،‬أٍ لاػذٓ (لثح الؼماب)‬
‫هؽلما تحاجٔ إلى دل٘ل ٍتشّاى‪.‬‬
‫ًؼن‪ٗ :‬وكي إلاهٔ الذل٘ل ػلى لاػذٓ المثح فٖ هَاسد التشدٗذ‪.‬‬
‫أٍالً‪ :‬أى الشاسع لذ تّ٘ي األحكام الششػ٘ٔ تجو٘غ لَ٘دّا ٍششٍؼْا هي دٍى ت٘اى‬
‫غالثاً لؽشٗمٔ اهتخالْا اػتواداً ػلى ها َّ الوتثغ لذى الؼشف ٍالؼمالء‪.‬‬
‫ٍفٖ الومام‪ :‬ح٘ج إى الوتثغ ػٌذ الؼمالء فٖ حاالت الشك فٖ التكل٘ف تؼذ‬
‫الفحص ٍال٘أس ػي الظفش تذل٘ل َّ تؽث٘ك (لاػذٓ المثح) دٍى (حك الؽاػٔ) فلْزا‬
‫الثالثاء‪16 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫أصثح تؽث٘ك لاػذٓ المثح فٖ ّزُ الوَاسد أهشاً هش تكضاً فٖ أرّاًْن‪ ،‬فلَ كاى‬
‫للشاسع ؼشٗمٔ أخشى للضم التٌثِ٘ ػلى خؽأ ؼشٗمٔ الؼمالء فٖ ّزا الوَسد‪ ،‬فح٘ج‬
‫لن ٗشد تٌثِ٘ ػلى رلك ال تصشٗحاً ٍال تلَٗحاً ٍإشاسٓ‪ ،‬ف٘ؼلن أًِ ال تَجذ لِ ؼشٗمٔ‬
‫أخشى غ٘ش ؼشٗمٔ الؼمالء‪.‬‬
‫ٍدػَى‪ :‬أى الؼمل الؼولٖ ٗذسك أى الوشجغ فٖ حاالت الشك فٖ التكل٘ف‬
‫الوَلَٕ الزاتٖ َّ‪( :‬لاػذٓ حك الؽاػٔ) ٍّزا ٗوٌغ هي اتثاع ؼشٗمٔ الؼشف‬
‫ٍالؼمالء فٖ الومام‪.‬‬
‫هذفَػٔ‪ :‬تأى إدساكِ رلك هؽلما حتى تؼذ الفحص‪ ،‬أٍل الكالم‪ٍ ،‬تحاجٔ إلى‬
‫إحثات‪ٍ .‬حاً٘اً‪ :‬أى الوشتكض فٖ أرّاى الؼشف ٍالؼمالء أى احتوال التكل٘ف الوَلَٕ‬
‫الزاتٖ تؼذ الفحص ٍػذم الظفش تذل٘ل‪ ،‬ال احش لِ‪ٍ ،‬ال ٗكَى هحشكاً‪ٍ ،‬ال ٗحكن‬
‫ال ػي الوَلَٗٔ‬
‫الؼمل الؼولٖ ػلى خالفِ حتى فٖ هَاسد الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬فع ً‬
‫الؼشف٘ٔ‪.‬‬
‫فالٌت٘جٔ‪ :‬ػذم حثَت لاػذٓ االشتغال الوثتٌ٘ٔ ػلى حك الؽاػٔ فٖ التكل٘ف‬
‫الوشكَك تؼذ الفحص ٍػذم الظفش تذل٘ل فال هحالٔ ٗكَى الوشجغ‪ :‬لاػذٓ (لثح‬
‫الؼماب) الوخثتٔ‪ ،‬للثشاءٓ ػي التكل٘ف‪ ،‬تال فشق ت٘ي هَاسد الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‪ ،‬أٍ‬
‫الجؼل٘ٔ‪ٍ .‬لذ ظْش هوا تمذم هي الوٌالشات ػلى ها رّة إلِ٘ هذسسٔ الوحمك‬
‫الٌائٌٖ٘(لذُ) ًمعاً ٍإتشاهاً‪ٍ .‬أى الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) ٍتتثؼِ ش٘خٌا األستار (دام ظلِ)‬
‫لذ أٗذا ها ركشُ الوحمك الٌائٌٖ٘ (لذُ) هي كَى الوشجغ فٖ الشثْات الحكو٘ٔ‬
‫تؼذ الفحص َّ جشٗاى (الثشاءٓ الؼمل٘ٔ) الوثتٌ٘ٔ ػلى لاػذٓ (لثح الؼماب تال ت٘اى)‪.‬‬
‫الثالثاء‪16 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍأى الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ)‪ :‬لذ أختاس فٖ هَاسد الشثْات الحكو٘ٔ هؽلما تحشٗو٘ٔ‬
‫كاًت أٍ ٍجَت٘ٔ تل فٖ هَاسد الشثْات الوَظَػ٘ٔ أٗعاً(لاػذٓ االشتغال) ٍأى‬
‫الؼمل الؼولٖ ٗحكن تحسي االحت٘اغ‪ٍ ،‬جَتِ‪ ،‬تاػتثاس سؼٔ دائشٓ الوَلَٗٔ الزات٘ٔ‬
‫ٍإؼاللْا الشاهل لوَاسد اإلحتوال أٗعاً‪.‬‬
‫ٍهؼٌى‪( :‬أصالٔ االحت٘اغ) َّ‪ :‬أى الؼمل ٗذسك إى هي حك الوَلى ػلى الوكلف أى‬
‫ال ٗصذس هٌِ ها ٗحتول كًَِ هخالفاً للوَلى إال إرا أحشص تشخ٘ص الوَلى فٖ‬
‫رلك ٍّزا َّ الوشاد (تحك الؽاػٔ) الخاتت ػلى الوكلف هؽلما‪.‬‬
‫ٍهي ٌّا‪ :‬رّة الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) خالفاً للوشَْس إلى أى األصل األٍلٖ فٖ‬
‫ال؛ لماػذٓ الوَلَٗٔ ٍحك الؽاػٔ‪.‬‬
‫الشثْات َّ االحت٘اغ ػم ً‬
‫ًؼن‪ :‬لَحثت تذل٘ل ششػٖ إرى الشاسع فٖ اإللذام فٖ الشثْات الحكو٘ٔ‪ ،‬أٍ‬
‫الوَظَػ٘ٔ كاى رلك سافؼاً لوَظَع األصل األٍلٖ (أصالٔ االحت٘اغ) ٍ ٍاسداً‬
‫ػلِ٘‪ٍّ ،‬زا هؼٌاُ حثَت الثشاءٓ الششػ٘ٔ هغ اإلرى فٖ التشخ٘ص فٖ االلتحام‬
‫للشثْات‪ّ .‬زا‪.‬‬
‫المسن الخاًٖ‪ :‬أصالٔ الثشاءٓ الششػ٘ٔ‪ :‬توْ٘ذ‪ٍ :‬لغ الخالف ٍالٌضاع ت٘ي األصَل٘٘ي‬
‫ٍاألخثاسٗ٘ي فٖ الشثْات الحكو٘ٔ التحشٗو٘ٔ‪:‬‬
‫فزّة األصَلَ٘ى إلى (الثشاءٓ) فْ٘ا‪ ،‬تٌ٘وا رّة هشَْس األخثاسٗ٘ي إلى‬
‫(االحت٘اغ) تل ادػى الوحذث االستشاتادٕ(لذُ) جشٗاى االحت٘اغ حتى فٖ‬
‫ال ػي التحشٗو٘ٔ‪.‬‬
‫الشثْات الحكو٘ٔ الَ جَت٘ٔ فع ً‬
‫األربعاء‪17 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فٖ هجحج أصبلٔ ثشاءٓ فٖ هستحل الجحج قسوٌب أصبلٔ الجشاءٓ إلى القسو٘ي‪ ،‬أصبلٔ‬
‫الجشاءٓ الؼقل٘ٔ تقذم الكالم فْ٘ب‪.‬‬
‫القسن الخبًٖ‪ :‬أصبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ‬
‫توْ٘ذ‪ٍ :‬قغ الخالف ٍالٌضاع ث٘ي األصَل٘٘ي ٍاألخجبسٗ٘ي فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‬
‫التحشٗو٘ٔ‪:‬‬
‫فزّت األصَلَ٘ى إلى (الجشاءٓ) فْ٘ب‪ ،‬ثٌ٘وب رّت هشَْس األخجبسٗ٘ي إلى‬
‫(االحت٘بغ) ثل ادػى الوحذث االستشاثبدٕ(قذُ) جشٗبى االحت٘بغ حتى فٖ‬
‫ال ػي التحشٗو٘ٔ‪.‬‬
‫الشجْبت الحكو٘ٔ الَ جَث٘ٔ فع ً‬
‫حن اػلن‪ :‬أى الٌضاع ثٌْ٘وب ل٘س كجشٍٗبً لؼذم اختالفْوب فٖ (قبػذٓ القجح) (ػذم‬
‫استحقبق الؼجذ للؼقبة فٖ فشض ػذم ٍصَل التكل٘ف ٍالحكن ٍالج٘بى إلِ٘)‪.‬‬
‫ثل الٌضاع صغشٍٕ‪ ،‬إٔ فٖ توبه٘ٔ الج٘بى ٍتحققِ‪ٍ ،‬ػذم تحققِ ّل االحتوبل ث٘بى‬
‫أٍال؟‬
‫ٗذػٖ أًِ فٖ ظشف الشك فٖ التكل٘ف(الشجْبت الحكو٘ٔ) ٍظ٘فٔ‬
‫فئى األصَلٖ‪ّ :‬‬
‫الوكلف ثؼذ الفحص الالصم ػي الذل٘ل فْ٘ب‪ٍ ،‬ػذم الظفش ثبلذل٘ل ٍَّ جشٗبى‬
‫(أصبلٔ الجشاءٓ) ثوؼٌى أى القبػذٓ األٍل٘ٔ الؼقل٘ٔ ػٌذ الشك فٖ حكن الضاهٖ َّ‬
‫جشٗبى الجشاءٓ هي التكل٘ف اإللضاهٖ‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فلَ قذس اتفبقبً أى كبى الَاقغ هَجَداً‪ٍ ،‬لكي لن ٗصجِ الوكلف ثؼذ الفحص‬
‫الالصم فبلوَلى ال ٗؼبقت الؼجذ حٌ٘زاك‪ ،‬ثبػتجبس أًِ ػقبة ثال حجٔ ٍث٘بى ٍاصل‪،‬‬
‫ثل تؼزٗت ثال سٌذ ٍدل٘ل‪ ،‬ح٘ج لن ٗصل التكل٘ف إلى الؼجذ ٍهي الوؼلَم أًِ‬
‫األربعاء‪17 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٗقجح ػلى الوَلى أى ٗؼبقت الؼجذ ػلى تكل٘ف لن ٗصل إلِ٘‪ ،‬ألًِ ٗكَى للٌبس‬
‫حٌ٘ئز الحجٔ ػلى هّال تؼبلى‪ ،‬هغ أى ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ تصشح ٍتقَل‪ « :‬ق ُْل فَلِل ِِٓ ال ُْح ٓج ُٔ‬ ‫ٍ‬

‫٘ي (‪» )1‬‬ ‫ال ْجبلِغَ ُٔ فَلََ َشبء لَْ َذاكُن َأجوؼِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫ه‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫الش‬ ‫ذ‬ ‫ؼ‬‫ث‬ ‫ٔ‬
‫ٌ‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫بس ػلَى ه ِ‬
‫ال‬ ‫ٍتقَل فٖ هَظغ آخش‪ « :‬لِئالٓ ٗك َُ َى لِلٌ ٓ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ّ ُ ٓ َْ ٔ ُ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َػ ِضٗضاً َح ِك٘وبً (‪» )2‬‬
‫ٍأهب األخجبسٕ‪ٗ :‬ذػى أى الج٘بى تبم ػلى التكل٘ف الَاقؼٖ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‬
‫خصَصبً التحشٗو٘ٔ‪ ٍَّ ،‬األهش ثبإلحت٘بغ فٖ الشجْبت ٍفٖ ظشف الشك‪ٍ ،‬قذ‬
‫اقبهَا ثؼط األدلٔ ػلى رلك‪.‬‬
‫الَجِ األٍل‪ :‬حصَل الؼلن اإلجوبلٖ ثخجَت تكبل٘ف الضاه٘ٔ فٖ الششٗؼٔ الوقذسٔ‬
‫ٍَّ ٗقتعٖ اإلحت٘بغ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ ،‬ألى الؼلن اإلجوبلٖ كبلؼلن التفص٘لٖ‬
‫هٌجض‪.‬‬
‫ٍالجَاة ػٌِ‪ :‬أى الؼلن اإلجوبلٖ كوب تقذم ٌٗحل إلى ػلن تفص٘لٖ ثبألحكبم‬
‫الششػ٘ٔ الخبثتٔ فٖ ظوي الكتت األسثؼٔ ٍغ٘شّب الوؼتجشٓ‪ٍ ،‬إلى الشك ثذٍٕ‬
‫فتجشٕ الجشاءٓ فِ٘‪.‬‬
‫الَجِ الخبًٖ‪ :‬األخجبس الكخ٘شٓ ا‪ٙ‬هشٓ ثبلتَقف ػٌذ الشجْٔ أٍ ا‪ٙ‬هشٓ ثبالحت٘بغ فٖ‬
‫الوشتجْبت‪ ٍّٖ ،‬تؼّ٘ي طشٗقبً ٗعوي الٌجبٓ‪ٍ ،‬األهي هي الؼقَثٔ‪.‬‬
‫حذ التَاتش ٍثؼعْب هقطَع السٌذ‪ٍ ،‬ثبلغ حذ‬
‫ٍّٖ أخجبس كخ٘شٓ جذاً‪ ،‬تكبد تجلغ ّ‬
‫اإلػتجبسفتكَى ّزُ األخجبس الكخ٘شٓ‪ ،‬ثوٌضلٔ الج٘بى ػٌذ الشك فٖ التكل٘ف‪ٍ ،‬تكَى‬

‫(‪)1‬األًؼبم ‪ ،‬ا‪141 :ٔٗٙ‬‬


‫(‪ )2‬الٌسبء ‪ ،‬ا‪156 :ٔٗٙ‬‬
‫األربعاء‪17 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍاسدٓ ػلى أدلٔ الجشاءٓ التٖ ّٖ القبػذٓ األٍل٘ٔ‪.‬‬


‫ٍالجَاة ػٌِ‪ :‬أًٌب ال ًٌكش سٌذ ّزُ الشٍاٗبت‪ٍ ،‬توبه٘تْب‪ٍ ،‬كخشتْب ٍإستفبظتْب‬
‫ٍلكي ًٌبقشْب هي جْت٘ي‪:‬‬
‫الجْٔ األٍلى‪ :‬هي ح٘ج داللتْب إر هي الوحتول أى تكَى تلك األخجبس ٍاسدٓ فٖ‬
‫هقبم اإلسشبد إلى هب ٗحكن ثِ الؼقل هي هشاػبٓ جبًت االحت٘بغ فٖ أطشاف الؼلن‬
‫االجوبلٖ‪ ،‬أٍ فٖ الشجْبت قجل الفحص‪ ،‬هي تحص٘ل الوؤهي هي الؼقبة‪ٍ ،‬ل٘ست‬
‫ّٖ ثأٍاهش هَلَٗٔ تذػَ الوكلف إلى لضٍم االحت٘بغ هطلقب‪.‬‬
‫الجْٔ الخبً٘ٔ‪ :‬ػلى فشض تسل٘ن جبًت الذاللٔ أٗعبً‪ ،‬اال أى ٌّبك جولٔ هي األخجبس‬
‫تف٘ذ الجشاءٓ‪ ،‬أٍ تذل ػلى اإلثبحٔ فْٖ ال هحبلٔ تؼبسض أخجبس التَقف ٍاالحت٘بغ‪،‬‬
‫ٍٗوكي ػالد الوؼبسظٔ ٍحل ّْب ثأحذ طشٗق٘ي‪:‬‬
‫أحذّوب‪ :‬ثحول االحت٘بغ ػلى اإلستحجبة‪ٍ ،‬أى التَقف ٍاإلحت٘بغ أهش هستحسي‬
‫ششػبً‪ ،‬هي دٍى الضام‪ ،‬فتكَى أدلٔ الجشاءٓ صبسفٔ ألخجبس اإلحت٘بغ ػي ظبّشّب‬
‫الذال ػلى اللضٍم‪.‬‬
‫ٍحبًْ٘وب‪ :‬ثأى ًقَل‪ :‬إى أخجبس اإلحت٘بغ هحوَلٔ ػلى هَاسد الؼلن اإلجوبلٖ‪ ،‬أٍ‬
‫الشجْبت قجل الفحص‪ٍ ،‬أخجبس الجشاءٓ هحوَلٔ ػلى الشجْبت ثؼذ الفحص‪.‬‬
‫السبت‪20 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًب ؤى الجشاءٓ هي األطَل الؼول٘ٔ التٖ ًجحث ػٌْب ٍركشًب ؤى الجشاءٓ تٌمسن إلى‬
‫المسو٘ي‪ ،‬المسن األٍل الجشاءٓ الؼمل٘ٔ ٍتمذم الكالم فْ٘ب‪ٍ ،‬ؤهب المسن الثبًٖ الجشاءٓ‬
‫الششػ٘ٔ ٍركشًب فٖ الجحث السبثك فٖ توْ٘ذ ؤى ٌّبك خالف ًٍضاع ث٘ي األطَلٖ‬
‫ٍاألخجبسٕ‪ ،‬فٖ األطبلٔ الجشاءٓ ٍؤى الوشجغ ػٌذ الشجْبت الحكو٘ٔ َّ ؤطبلٔ‬
‫الجشاءٓ ؤٍ اإلحت٘بط‪ ،‬األخجبسٕ رّت إلى اإلحت٘بط فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ خظَطبً‬
‫التحشٗو٘ٔ ثذػَى الؼلن اإلجوبلٖ فٖ األحكبم ٗكَى هٌجضاً لإلحت٘بط‪ ،‬ؤٍ ثذػَى‬
‫ٍجَد سٍاٗبت تَلف ؤٍ سٍاٗبت اإلحت٘بط ٍّٖ ظبّشٓ فٖ الَجَة اإلحت٘بط‬
‫ششػبً‪ٍ ،‬األطَلٖ ًبلش ّزُ الَجَُ ٍسد ّزُ الَجَُ تبسٓ ثإى الؼلن اإلجبلٖ‬
‫ٌٗحل إلى الؼلن تفظ٘لٖ ٍالشك ثذٍٕ‪ ،‬هجشاُ ثشاءٓ‪ٍ ،‬ؤخشى ثإى ّزُ الشٍاٗبت‬
‫إسشبدٗٔ إلى الحكن الؼمل‪ٍ ،‬ل٘ست هَلَٗٔ‪ ،‬ؤٍ ؤى ٌّبك سٍاٗبت ثشاءٓ تكَى‬
‫حبكؤ ٍ ٍاسدٓ ػلى ّزُ الشٍاٗبت‪.‬‬
‫الكالم كل الكالم فٖ هب إستذل ثِ األطَلٖ ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪.‬‬
‫ؤدلٔ المبئل٘ي ثبلجشاءٓ‪.‬‬
‫تمذم ؤى الوؼشٍف ٍالوشَْس ث٘ي األطَل٘٘ي جشٗبى الجشاءٓ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‬
‫ثؼذ الفحض هطلمب‪ ،‬ثال فشق ث٘ي الشجْبت التحشٗو٘ٔ ؤٍ الَجَث٘ٔ‪ٍ ،‬استذلَا ػلى‬
‫رلك‪ :‬ثبلكتبة الؼضٗض ٍالسٌٔ‪ٍ ،‬اإلجوبع‪ٍ ،‬اإلستظحبة‪.‬‬
‫ؤهب الكتبة الؼضٗض‪ :‬فمذ إستذلَا ػلْ٘ب ثأٗبت ػذٗذٓ‪ :‬هٌْب‪ :‬لَلِ تؼبلى‪َ ٍَ « :‬هب كٌُٓب‬
‫ث َس ُسَل (‪» )1‬‬ ‫ُه َؼزِّ ث ِ َ‬
‫٘ي َحتٓى ًَج ْ َؼ َ‬

‫‪:‬‬ ‫(‪ )1‬اإلسشاء ‪ ،‬ا‪11 :ٔٗٙ‬‬


‫السبت‪20 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍتمشٗت اإلستذالل ثِ‪ :‬ؤى ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ًفى التؼزٗت اال ّ فٖ حبلٔ إسسبل الشسَل‬
‫ٍثوب ؤى ثؼث الشسَل‪ ،‬كٌبٗٔ ػي ث٘بى األحكبم الششػ٘ٔ للٌبس‪ٍ ،‬إتوبم الحجٔ‬
‫ػلْ٘ن‪ ،‬كوب َّ ظبّش ثحست اإلستكبص ٍالفْن الؼشفٖ‪ ،‬فتذل ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ػلى ؤى‬
‫الؼمبة هتَلف ػلى الج٘بى فال ػمبة لجل ث٘بى التكل٘ف‪ٍ ،‬إٗظبلِ إلى الٌبس‪.‬‬
‫ٍّزا َّ هفبد (اطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ) كوب َّ هفبد (الجشاءٓ الؼمل٘ٔ) ؤٗضبً‪.‬‬
‫ٍلذ ؤٍسد ػلى اإلستذالل ثْزُ ا‪ ٔٗٙ‬ػلى الوطلَة ثَجْ٘ي‪:‬‬
‫الَجِ األٍل‪ :‬ؤى ظبّش ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ‪ َّ ،‬اإلخجبس ػي ػذم ٍلَع الؼزاة ػلى األهن‬
‫السبثمٔ اال ثؼذ ثؼث الشسَل‪ٍ ،‬ث٘بى الحجٔ‪ٍ ،‬رلك ثمشٌٗٔ التؼج٘ش ثلفظ الوبضٖ« ٍَ َهب‬
‫٘ي‪ٍ » ...‬ػلِ٘‪ :‬فال تذل ا‪ ٔٗٙ‬ػلى ًفٖ األخشٍٕ ػٌذ هخبلفٔ التكل٘ف‬ ‫كٌُٓب ُه َؼزِّ ث ِ َ‬
‫الوشكَك‪ ،‬كوب فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ ،‬فتكَى ا‪ ٔٗٙ‬ؤجٌج٘ٔ ػي الذاللٔ ػلى ؤطبلٔ‬
‫الجشاءٓ‪.‬‬
‫ٍالجَاة ػٌِ‪ :‬ؤٍالً‪ :‬ؤى ًفٖ الؼزاة الذًَٕ٘ ػٌذ ػذم توبه٘ٔ الج٘بى ٗذل ثبألٍلَٗٔ‬
‫المطؼ٘ٔ‪ ،‬ػلى ًفٖ الؼزاة األخشٍٕ ػٌذُ ألى الؼزاة الذًَٕ ؤَّى هي الؼزاة‬
‫األخشٍٕ‪ ،‬لكًَِ هٌمطؼبً ٍغ٘ش دائن‪.‬‬
‫ٍثبً٘بً‪ :‬ؤى ّزا الس٘بق ٍالتؼج٘ش الَاسد فٖ ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ‪ ،‬هغ إستمشاء ًظبئشُ فٖ‬
‫المشآى ٗستؼول ػشفبً فٖ ث٘بى ؤى الوٌفٖ ؤٕ (الؼزاة) ل٘س هي شإى الوتكلن‪ٍ ،‬ال‬
‫ال‪ ،‬اال ثؼذ الج٘بى ٍإتوبم الحجٔ ثال فشق فٖ رلك‬
‫ٗل٘ك ثِ إثتذاءاً‪ٍ ،‬ال ٗظذس هٌِ ؤط ً‬
‫ث٘ي ٍلَػِ فٖ الضهبى الوبضٖ‪ ،‬ؤٍ الوستمجل‪ ،‬ف٘ؼن الؼمبة الوفشٍع فٖ الومبم‪.‬‬
‫هضبفبً إلى ؤى ّزُ ا‪ٍ ٔٗٙ‬الؼٔ فٖ س٘بق ا‪ٗٙ‬بت الشاجؼٔ إلى الؼزاة األخشٍٕ‬
‫السبت‪20 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ف٘كَى الس٘بق لشٌٗٔ ػلى ؤى الوشاد ثبلؼزاة َّ خظَص الؼزاة األخشٍٕ‪ ،‬ؤٍ‬
‫األػن هٌِ‪ٍ ،‬هي الؼزاة الذًَٕ٘‪.‬‬
‫ٍثبلثبً‪ :‬لَ سلوٌب ؤى الوشاد ثبلؼزاة فٖ ا‪ َّ ٔٗٙ‬خظَص الؼزاة الذًَٕ٘ ثمشٌٗٔ‬
‫الفؼل الوبضٖ إال ّ ؤى الوَسد ال ٗخظض الَاسد‪ ،‬ف٘كَى هفبدّب ؤػن هي هَسدّب‬
‫ألى الؼشف ال ٗفشق ث٘ي ًفٖ الؼمبث٘ي هي ًبح٘ٔ ػذم الج٘بى‪ ،‬فال ٗجمى فشق ح٘ ٍ‬
‫ٌئز‬
‫ث٘ي الؼزاة الذًَٕ٘ ٍاألخشٍٕ‪ ،‬ثل الوالصهٔ ثبثتٔ ث٘ي ٍلَع الؼزاة الذًَٕ٘ ٍ‬
‫األخشٍٕ‪ ،‬دٍى الؼكس‪.‬‬
‫الَجِ الثبًٖ‪ :‬ؤى غبٗٔ هب تذل ػلِ٘ ا‪ً( ٔٗٙ‬فٖ فؼل٘ٔ الؼزاة) ٍَّ الٗذل ػلى ًفٖ‬
‫إستحمبق الؼمبة‪ ،‬هغ ؤى الكالم ثٌٌ٘ب ٍث٘ي األخجبسٕ َّ فٖ الثبًٖ‪.‬‬
‫تَض٘حِ‪ :‬ؤى ًفٖ الفؼل٘ٔ كوب َّ ظبّش ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ؤػن هي ًفٖ اإلستحمبق ألى‬
‫ػذم ٍلَع الؼزاة‪ٍ ،‬ػذم فؼل٘تِ هطلمب‪ ،‬كوب ٗكَى هي جْٔ ػذم إستحمبلِ‪،‬‬
‫كزلك ٗكَى هي جْٔ ػفَ سثبًٖ‪ ،‬هغ ؤى الومظَد َّ ًفٖ خظَص استحمبق‬
‫الؼمبة ػلى المبػذٓ‪ ،‬فب‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ال تٌفٖ الوؼشض٘ٔ للؼمبة‪ ،‬إر لؼل اإلستحمبق‬
‫هَجَد‪ٍ ،‬لكٌِ تؼبلى ٗؼفَ ػٌب الؼزاة‪.‬‬
‫ٍالجَاة ػٌِ‪ :‬ؤى الوتفبّن الؼشفٖ هي ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ َّ‪ :‬ؤى الؼزاة لجل الج٘بى‬
‫ل٘س هي شإًِ تؼبلى‪ٍ ،‬غ٘ش الئك ثومبهِ الشحوبًٖ ٍالشح٘وٖ‪ٍ ،‬ػلى ّزا فلَ كبى‬
‫الؼجذ هستحمبً للؼمبة‪ ،‬كبى ػزاثِ ال ئمبً ثومبهِ سجحبًِ‪ٍ ،‬هٌبسجبً لشإًِ تؼبلى‪ ،‬فٌفٖ‬
‫الشإً٘ٔ هسبٍق لٌفٖ اإلستحمبق‪.‬‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬ؤى اإلشكبالت الوزكَسٓ غ٘ش ٍاسدٓ ػلى اإلستذالل ثب‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ػلى‬
‫السبت‪20 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ثجَت الجشاءٓ الششػ٘ٔ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ ٍّزا هب ركشُ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‬


‫ػلى هبفٖ تمشٗشاتِ‪.‬‬
‫األحد‪21 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ اإلستذالل ػلى ؤطبلٔ ثشاءٓ الششػ٘ٔ ثأٗبت هي الكتبة الؼضٗض‪،‬‬
‫ٍاستذل الوشَْس هي ا‪ٛ‬طَل٘٘ي ثْزُ ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ فٖ سَسٓ ؤسشاء « ٍَ َهب كٌُٓب‬
‫ث َس ُسَل » ٍؤى سسَل ٌّب كٌبٗٔ ػي الج٘بى‪ ،‬فوؼٌى ا‪ ٔٗٙ‬ؤًِ إرا لن‬ ‫ُه َؼزِّ ث ِ َ‬
‫٘ي َحتٓى ًَج ْ َؼ َ‬
‫ٗظل الج٘بى الششػٖ إلى الوكلف‪ ،‬فال ٗكَى ٌّبك ػمبثبً‪ ،‬فبلششع ٗمَل ػذم ٍجَد‬
‫ػمبة إرا لن ٗكي ٌّبك ث٘بى‪ ،‬ففٖ هَسد الشجْبت الحكو٘ٔ التٖ لن ٗظل الج٘بى‬
‫ٍاحتول التكل٘ف فب‪ٛ‬طل َّ الجشاءٓ الششػ٘ٔ ثوفبد ا‪ٍ ،ٔٗٙ‬استشكل ثْزُ ا‪ٔٗٙ‬‬
‫ثئشكبل٘ي‪ ،‬ا‪ٍٛ‬ل ا‪ً ٔٗٙ‬فى الؼزاة الذًَٕ٘‪ٍ ،‬ال ا‪ٛ‬رخشٍٕ‪ ،‬ركشًب ؤى ًفٖ الؼزاة‬
‫الذًَٕ٘ ػٌذ ػذم توبه٘ٔ الج٘بى ٗذل ثب‪ٍٛ‬لَٗٔ المطؼ٘ٔ‪ ،‬ػلى ًفٖ الؼزاة ا‪ٛ‬رخشٍٕ‬
‫ػٌذُ ‪ٛ‬ى الؼزاة الذًَٕ ؤَّى هي الؼزاة ا‪ٛ‬رخشٍٕ‪ ،‬لكًَِ هٌمطؼبً ٍغ٘ش دائن‪.‬‬
‫الَجِ الثبًٖ‪ :‬ؤى غبٗٔ هب تذل ػلِ٘ ا‪ً( ٔٗٙ‬فٖ فؼل٘ٔ الؼزاة) ٍَّ الٗذل ػلى ًفٖ‬
‫إستحمبق الؼمبة‪ ،‬هغ ؤى الكالم ثٌٌ٘ب ٍث٘ي ا‪ٛ‬رخجبسٕ َّ فٖ الثبًٖ‪.‬‬
‫ؤى الوتفبّن الؼشفٖ هي ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ َّ‪ :‬ؤى الؼزاة لجل الج٘بى ل٘س هي شإًِ‬
‫تؼبلى‪ٍ ،‬غ٘ش الئك ثومبهِ الشحوبًٖ ٍالشح٘وٖ‪ٍ ،‬ػلى ّزا فلَ كبى الؼجذ هستحمبً‬
‫للؼمبة‪ ،‬كبى ػزاثِ ال ئمبً ثومبهِ سجحبًِ‪ٍ ،‬هٌبسجبً لشإًِ تؼبلى‪ ،‬فٌفٖ الشإً٘ٔ هسبٍق‬
‫لٌفٖ اإلستحمبق‪.‬‬
‫ٍؤهب الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) فجؼذ سد اإلشكبالت الَاسدٓ ػلى ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ؤٍسد ػلْ٘ب‬
‫إشكبالً ثبلثبً‪ٍ :‬حبطلِ‪ :‬ؤًِ لَ تن اإلستذالل ثْزُ ا‪ ،ٔٗٙ‬فوي الَاضح ؤًْب إًوب تذل‬
‫ػلى‪ :‬ؤى الؼمبة هٌَط ثتتو٘ن الج٘بى هي لجل الشبسع ‪ٛ‬ى ثؼث الشسَل فْ٘ب كفبٗٔ‬
‫ػي إلبهٔ الحجٔ هي لجل الشبسع سَاء ؤكبى للجؼث الشسَل‪ ،‬ؤٍ جؼل إهبم‪ ،‬ؤٍ ػي‬
‫األحد‪21 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪.‬‬
‫طشٗك الشإٍ الثمٔ هث ً‬
‫ٍؤهب الَطَل إلى الوكلف‪ :‬فئًِ ال ٗوكي ؤى ٗستفبد ٍٗستٌتج هي ّزُ الؼجبسٓ فٖ‬
‫ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ثل غبٗٔ هب ٗستٌتج هٌْب‪ ،‬ؤى الوَلى ال ٗؼزة اال ّ إرا ؤلبم هي لجلِ‬
‫الحجٔ‪ ،‬فئرا ؤلبهْب ٍلكي لؼبسع رخبسجٖ لن تظل الحجٔ إلى الوكلف‪ ،‬فال‬
‫ٗوكي التؼذٕ هي هَسد ا‪ ٔٗٙ‬إلى ّزُ الوَاسد الخبص‪ ،‬فال ٗستفبد هي ا‪ٔٗٙ‬‬
‫الششٗفٔ إًبطٔ الؼمبة ثبلَطَل الخبسجٖ ثل ٗستٌتج هٌْب إًبطٔ الؼمبة ثئلبهٔ الج٘بى‬
‫ثبلٌحَ الوٌبست هي الوَلى‪ٍّ ،‬زا ال ٗف٘ذًب فٖ الومبم‪.‬‬
‫ًؼن‪ :‬ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ تف٘ذًب ف٘وب لَ ؤحشصًب فٖ هَسد ؤى الوَلى لن ٌٗظت ث٘بًبً‪ٍ ،‬لن‬
‫ٗمن حجٔ‪ٍ ،‬ؤهب لَ إحتولٌب ؤًِ ًظت ث٘بًبً‪ ،‬فال ٗكَى هثلِ‪ ،‬هشوَالً ل‪ ٔٗٚ‬الششٗفٔ‪.‬‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬ال ٗوكي اإلستذالل ثب‪ ٔٗٙ‬ػلى حج٘ٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ فٖ الشجْبت‬
‫الحكو٘ٔ هطلمب‪.‬‬
‫ٍؤهب ش٘خٌب ا‪ٛ‬ستبر(دام ظلِ) فمذ ؤجبة ػوب ؤٍسدُ الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) هي‬
‫اإلشكبل‪ٍ :‬حبطلِ‪ :‬ؤى الوتفبّن الؼشفٖ هي ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ثوٌبسجٔ الحكن‬
‫ٍالوَضَع اإلستكبصٗٔ َّ ؤى (الشسَل) كٌبٗٔ ػي الج٘بى ٍإتوبم الحجٔ كوب تمذم‪،‬‬
‫ٍهي الَاضح ؤى الحجٔ ال تتن اال ثؼذ الَطَل‪ ،‬فئرا طذس التكل٘ف فٖ الَالغ‪،‬‬
‫ٍلكٌِ غ٘ش ٍاطل إلى الوكلف ثسجت ؤٍ آرخش‪ ،‬فال ٗظذق ػلى هجشد طذٍسُ‬
‫الج٘بى ٍالحجٔ‪ ،‬ضشٍسٓ ؤى طذق الج٘بى ٍالحجٔ هتمَم ثبلَطَل ثٌحَ هي ؤًحبء‬
‫الَطَل‪ ،‬حتى ٗكَى هّل الحجٔ الجبلغٔ‪ٍ .‬ػلِ٘‪ :‬فوب اٍسدُ الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) فٖ‬
‫الومبم‪ ،‬ال ٗوكي الوسبػذٓ ػلِ٘‪.‬‬
‫األحد‪21 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ثن تؼشع ش٘خٌب ا‪ٛ‬ستبر(دام ظلِ) إلى (اشكبل ساثغ) ؤطلِ هي الوحمك‬
‫الؼشالٖ(لذُ) ح٘ث ؤٗذ ٍسٍد ّزا اإلشكبل ػلى داللٔ ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ػلى الجشاءٓ‬
‫الششػ٘ٔ ثن ثٌى (دام ظلِ) ػلى ػذم داللٔ ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪.‬‬
‫ٍحبطل اإلشكبل الشاثغ‪ :‬ؤى هفبد ا‪ ٔٗٙ‬الكشٗؤ هفبد لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى‬
‫ال‪ٍ .‬تش شذ إلْ٘ب ٍتؤكذّب كوب َّ ٍاضح‪ ،‬دٍى ؤطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ التٖ‬
‫ػم ً‬
‫هفبدّب التشرخ٘ض الظبّشٕ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ ،‬ثؼذ الفحض ٍال٘إس ػي الظفش‬
‫ثذل٘ل فْ٘ب ّزا َّ الوستظْش هي ا‪.ٔٗٙ‬‬
‫ًؼن‪ :‬ثوشٓ ؤًِ لَ للٌب‪ :‬ثإى ا‪ٛ‬طل ا‪ٍٛ‬لٖ فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ ثؼذ الفحض‪َّ ،‬‬
‫(لبػذٓ اإلشتغبل‪(ٍ ،‬حك الطبػٔ) ال (لبػذٓ لجح الؼمبة ثال ث٘بى) كبًت ا‪ٍ ٔٗٙ‬اسدٓ‬
‫ػلى لبػذٓ اإلشتغبل‪ٍ ،‬حك الطبػٔ‪ٍ ،‬سافؼٔ لوَضَػْب ٍجذاًبً‪ ٍَّ ،‬إحتوبل‬
‫الؼمبة‪ّ ،‬زا إرا كبى الوشاد هي (الشسَل) َّ (الج٘بى الششػٖ التبم) كوب َّ الظبّش‬
‫هي ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ‪ٍ .‬ؤهب لَ كبى الوشاد هي (الشسَل) هطلك الج٘بى ا‪ٛ‬ػن هي الج٘بى‬
‫الششػٖ ٍالؼملٖ‪ ،‬فال تكَى ا‪ٍ ٔٗٙ‬اسدٓ ػلْ٘ب‪ ،‬لفشع ؤى لبػذٓ اإلشتغبل الوجتٌ٘ٔ‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ث٘بى ثبػتجبس ؤى الؼمل الؼولٖ ٗذسك ؤى احتوبل التكل٘ف‬ ‫ػلى حك الطبػٔ‪،‬‬
‫الوَلَٕ الزاتٖ ث٘بى ٍهٌجض ٍإى كبى فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ ثؼذ الفحض ٍهؼِ‬
‫ٗكَى الؼزاة ثؼذ الج٘بى‪ ،‬ال ثذًٍِ‪ٍ ،‬لكي الظبّش الوشاد هي الشسَل فٖ ا‪َّ ٔٗٙ‬‬
‫رخظَص الج٘بى الششػٖ دٍى ا‪ٛ‬ػن فِ٘ ٍهي الج٘بى الؼملٖ‪ ،‬فبلٌت٘جٔ‪ :‬ؤى ّزا‬
‫اإلشكبل ٍاسد ػلى اإلستذالل ثب‪ ،ٔٗٙ‬فال تذل ػلى ؤطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪.‬‬
‫تحظل هوب ركشًبُ‪ :‬فٖ تمشٗت اإلستذال ثْزُ ا‪ ٔٗٙ‬الششٗفٔ‪ :‬ؤى الس٘ذ‬
‫األحد‪21 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الخَئٖ(لذُ) رّت إلى داللتْب ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ٍ ،‬ؤهب الس٘ذ الشْ٘ذ ٍش٘خٌب‬
‫ا‪ٛ‬ستبر (دام ظلِ) لن ٗشتض٘ب ثذاللتْب ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ً .‬ؼن‪ :‬استذل الس٘ذ‬
‫الشْ٘ذ (لذُ) ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬ثأٗت٘ي ؤرخشٗ٘ي‪:‬‬
‫ال ًَف ْسبً ِإال ٓ َهب آتَب الطالق‪ ،‬ا‪ » 7 :ٔٗٙ‬ح٘ث إستٌتج فْ٘ب‬
‫ِّف هّ ُ‬
‫إحذاّوب‪ :‬لَلِ تؼبلى‪ « :‬ال َ ُٗكَل ُ‬
‫ثؼذ تَض٘ح الوشاد هٌْب‪ٍ ،‬دفغ اإلشكبالت الَاسدٓ ػلْ٘ب‪:‬‬
‫ٍؤى ّزُ ا‪ ٔٗٙ‬تذل ػلى ًفٖ الَجَة اإلحت٘بط‪ٍ ،‬إجشاء الجشاءٓ الششػ٘ٔ فٖ‬
‫الشجْبت الحكو٘ٔ ٍالوَضَػ٘ٔ‪ ،‬سَاء ؤكبًت الشجْٔ ٍجَث٘ٔ ؤٍ تحشٗو٘ٔ‪ٍ ،‬لكي‬
‫ال إطالق لْب لشوَل الشجْبت لجل الفحض‪ ،‬ثل تختض ثجشٗبى الجشاءٓ فٖ هطلك‬
‫الشجْبت ثؼذ الفحض‪.‬‬
‫ل لَ َْهبً ث َ ْؼ َذ ِإرْ َّ َذا ُّ ْن َحتٓى ُٗج َ ِّ٘ َي ل َ ُْ ْن َهب‬ ‫ٍا‪ٛ‬رخشى‪ :‬لَلِ تؼبلى‪ ٍ « :‬هب كَب َى هال لِ٘ ِ‬
‫ض‬
‫ُّ ُ ٓ‬ ‫َ َ‬
‫ال ثِك ُِّل َش ْٖ ٍء َػلِ٘ ٌن التَثٔ ‪ ،‬ا‪» 111 :ٔٗٙ‬‬ ‫ِ‬
‫َٗتٓم َُ َى إ ٓى هّ َ‬
‫ٍتفظ٘لِ فٖ الذٍسٓ الالحمٔ إى شبء هّال تؼبلى‪.‬‬
‫ٍؤهب ش٘خٌب ا‪ٛ‬ستبر (دام ظلِ) فزكش ثؼذ ركش ا‪ٗٙ‬بت الششٗفٔ ٍهٌبلشتْب هب حبطلِ‪:‬‬
‫ؤى ا‪ٗٙ‬بت الششٗفٔ التٖ إستذل ثْب الوشَْس ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬ثإجوؼْب ال تذل‬
‫ال فال ثذ هي التوبس دل٘ل آرخش ػلْ٘ب هي غ٘ش‬
‫ػلى ؤطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬ؤط ً‬
‫ا‪ٗٙ‬بت‪.‬‬
‫ٍؤهب ا لسٌٔ الششٗفٔ‪ :‬فمذ إستذلَا ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ ثطبئفٔ هي الشٍاٗبت‪.‬‬
‫االثنين‪22 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ركشًب فٖ الجحث السبثك أى الس٘ذ الخَئٖ رّت إلى توبه٘ٔ اإلستذالل ثآٗٔ‬
‫الششٗفٔ أٍ ثب‪ٗٙ‬بت الششٗفٔ ػلى ثجَت أطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬ػٌذ الشك فٖ‬
‫الشجْبت‪ٍ ،‬أهب الس٘ذ الشْ٘ذ (لذُ) ٍش٘خٌب األستبر (دام ظلِ) فمذ رّجب إلى ػذم‬
‫توبه٘ٔ اإلستذالل ثب‪ٗٙ‬بت ػلى إثجبت أطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ ػلى ًحَ اإلطالق‪،‬‬
‫ٗؼٌٖ ف٘وب لَ كبى ثؼذ الفحض أٍ لجل الفحض‪ ،‬ثن ٍلغ اإلستذالل ػلى ثجَت‬
‫أطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ ثبلسٌٔ الششٗفٔ فبلتوسكَا ثطبئفٔ هي الشٍاٗبت أٗضبً‪ٍ ،‬الوْن‬
‫َّ اإلستذالل ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ ثحذٗث سفغ ٍأهب السٌٔ الششٗفٔ‪ :‬فمذ إستذلَا‬
‫ػلى الجشاءٓ الششػ٘ٔ ثطبئفٔ هي الشٍاٗبت‪.‬‬
‫هّ‬
‫ػجذال‬ ‫هٌْب‪ :‬حذٗث الشفغ الوشٍٕ فٖ الخظبل ثسٌذ طح٘ح ػي حشٗض ػي أثٖ‬
‫بء الْخَ َطؤُ ٍَ الٌِّ ْسَ٘ب ُى‪-‬‬ ‫٘‬ ‫شْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ٔ‬
‫ُ‬ ‫ؼ‬ ‫س‬ ‫ال ص سفِغ ػي ُأهتِٖ تِ‬ ‫(ػلِ٘ السالم) « لبل‪ :‬لَبل سسَل ه ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ َ ْ ٓ‬ ‫َ َ ُ ُ ّ‬
‫اضطُ ٔشٍا ِإلَ٘ ْ ِِ‪ ٍَ -‬ال َْح َس ُذ ٍَ‬ ‫ٍَ َهب أُك ْ ِش َُّا َػلَ٘ ْ ِِ ٍَ َهب َال ٗ َ ْؼل َ ُوَ َى‪َ ٍَ -‬هب َال ُٗطِ٘م َُ َى ٍَ َهب ْ‬
‫الطِّ ٘ َ َش ُٓ‪ ٍَ -‬التٓفَك ُٔش فِٖ ال ََْ ْس ََ َس ِٔ فِٖ الْخَل ََْ ِٓ َهب ل َ ْن ٌَْٗطِم َُا ث ِ َشفَ ٍٔ‪» )1( .‬‬
‫ٍتمشٗت اإلستذالل ثِ‪ ،‬هغ التشك٘ض ػلى فمشٓ(هبالٗؼلوَى) التٖ ّٖ هحل الكالم‬
‫(ػلى هبركشُ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فٖ الوظجبح‪.‬‬
‫ٍأى اإللتضام الوحتول هي الَجَة أٍ الحشهٔ هوب ال ٗؼلن‪ ،‬فَْ هشفَع ثومتضى‬
‫الحذٗث‪ٍ ،‬الوشاد هي (الشفغ) َّ الشفغ فٖ هشحلٔ الظبّش‪ ،‬دٍى الشفغ فٖ الَالغ‪،‬‬
‫حتى ٗستلضم التظَٗت‪ٍ ،‬رلك للمشٌٗٔ الذاخل٘ٔ ٍالخبسج٘ٔ‪.‬‬
‫أهب المشٌٗٔ الذاخل٘ٔ‪ :‬التٖ ٗؼجّش ػٌْب(ثوٌبسجٔ الحكن ٍالوَضَع اإلستكبصٗٔ) فْٖ أى‬

‫(‪ٍ )1‬سبئل الش٘ؼٔ‪ ،‬ج‪ ،11‬ثبة‪15‬هي أثَاة جْبد الٌفس‪ ،‬ح‪1‬‬


‫االثنين‪22 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ًفس التؼج٘ش (ثوبال ٗؼلن) ٗذل ػلى أى فٖ الَالغ شٖء ال ًؼلوِ‪ ،‬إر الشك أٍ الجْل‬
‫فٖ حكن إًوب َّ فشع ٍجَد رلك الحكن ٍلَ كبى الوشفَع ٍجَدُ الَالؼٖ‬
‫ثوجشد الجْل ثِ‪ ،‬لكبى الجْل هسبٍلبً للؼلن ثؼذهِ ٍَّ كوب تشى‪ ،‬ألًِ خالف‬
‫فشع شك ِّ فٖ الحكن الَالؼٖ‪.‬‬
‫ٍأهب المشٌٗٔ الخبسج٘ٔ‪ :‬فْٖ ا‪ٗٙ‬بت ٍالشٍاٗبت الكث٘شٓ الذالٔ ػلى إشتشاك األحكبم‬
‫الَالؼ٘ٔ ث٘ي الؼبلن ٍالجبّل فإى كبى الوشفَع الحكن الَالؼٖ‪ ،‬لضم إختظبص‬
‫األحكبم الَالؼ٘ٔ ثبلؼبلن ٍَّ خلف‪ٍ .‬إى شئت فؼجّش ػي المشٌٗٔ الخبسج٘ٔ (ثمبػذٓ‬
‫اإلشتشاك) فإًْب هي ضشٍسٗبت الوزّت‪.‬‬
‫ٍهي جْٔ أخشى‪ :‬ال إشكبل فٖ حسي اإلحت٘بط ػلى كل حبل حتى فٖ الومبم‪،‬‬
‫فلَ كبى الوشاد هي (الشفغ) َّ الشفغ الَالؼٖ لن ٗجك هَسد لإلحت٘بط فإى اإلحت٘بط‬
‫إًوب َّ ألجل دسك الَالغ تحظ٘لِ‪ ،‬فلَ فشع سفغ الَالغ اًتفى هَضَع اإلحت٘بط‪،‬‬
‫سبلجٔ ثإًتفبء الوَضَع‪.‬‬
‫ٍك٘فوب كبى‪ :‬ف٘كَى الوشاد هي الحذٗث‪ :‬أى اإللضام الوجَْل أٍ الوحتول فٖ‬
‫هَاسد الشجْبت الحكو٘ٔ هي الَجَة أٍ الحشهٔ هشفَع ظبّشاً‪ٍ ،‬لَ كبى ثبثتبً فٖ‬
‫الَالغ‪ ،‬فإى الحكن الششػٖ هطلمب‪ٍ ،‬الؼ٘بً كبى أٍ ظبّشٗبً أهش ٍضؼِ ٍسفؼِ ث٘ذ‬
‫الشبسع‪ٍ ،‬ال تٌبفٖ ث٘ي (التشخ٘ض الظبّشٕ) ٍث٘ي (اإللضام الَالؼٖ) ػلى هبتمذم‬
‫ث٘بًِ فٖ همبم الجوغ ث٘ي الحكن الَالؼٖ ٍالظبّشٕ‪.‬‬
‫فبلوتحظل فٖ الومبم‪ :‬أى الوكلف لَ شك فٖ الحكن الَالؼٖ‪ٍ ،‬لن ٗكي لذِٗ ث٘بى‬
‫َٗضح لِ الحم٘مٔ ٍالَالغ‪ ،‬فَْ هشخض لِ فٖ الفؼل ٍالتشك‪ٍ ،‬الشبسع الومذس َّ‬
‫االثنين‪22 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الزٕ سخض لِ رلك‪ ،‬فلَ فشضٌب أًِ إستكت ٍطبدف الحشام الَالؼٖ‪ ،‬لن ٗكي‬
‫هؼبلجبً‪ ،‬ألًِ ثال ث٘بى ٍحجٔ تذل ػلى الَالغ‪ ،‬إراً فحذٗث الشفغ ال دخل لِ ثبلحكن‬
‫الَالؼٖ‪ٍ ،‬إًوب َّ ثظذد سفغ الحكن الظبّشٕ‪.‬‬
‫تٌجِ٘‪ :‬ثن إى اإلستذالل ثبلحذٗث الوزكَس‪ ،‬إًوب ٗتن ػلى تمذٗش أى ٗشاد هي‬
‫الوَطَل فٖ(هبال ٗؼلوَى) خظَص الحكن‪ ،‬أٍ هب ٗؼوِ (كبلشٖء) فإى الوَطَل‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز الشجْت٘ي الحكو٘ٔ ٍالوَضَػ٘ٔ‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألى ٌّب طَست٘ي‪:‬‬ ‫ٗشول‬
‫الظَسٓ األٍلى‪ :‬أى ٗكَى الوكلف غ٘ش ػبلن ثبلوَضَع الخبسجٖ‪ٍ ،‬أى ّزا الوبٗغ‬
‫خل‪ ،‬فَْ ٗحتول كال هٌْوب ٍٗجْل اًطجبق الؼٌَاى ػلِ٘‪ ،‬فتظذق ػلِ٘‬
‫خوش أٍ ٌ‬
‫ػٌَاى (هبال ٗؼلوِ) ٍٗكَى هي الشجْبت الوَضَػ٘ٔ‪ ،‬ف٘ش تفغ ػٌِ حكوِ‪،‬‬
‫ثبلحذٗث ٍتطج٘مِ‪.‬‬
‫الظَسٓ الثبً٘ٔ ‪ :‬أى ٗجْل الوكلف ًفس الحكن الزٕ جؼلِ الشبسع الومذس‪ٍ ،‬أى‬
‫الجؼل الششػٖ للوَضَع الخبسجٖ (ال ٗؼلن ثِ) هغ فشع ػلوِ ثبلوَضَع‬
‫الخبسجٖ‪( ،‬كبلذػبء ػٌذ سإٗٔ الْالل) فْزا أٗضبً هشفَع‪ ،‬ألًِ (ال ٗؼلوِ) فحذٗث‬
‫الشفغ ػلى ّزا جبس فٖ الشجْت٘ي‪:‬‬
‫ثن ػلى التمذٗش الثبًٖ‪ ٍَّ :‬إسادٓ الوؼٌى األػن هي الوَطَل‪ ،‬فؤهش شوَل‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز األػن هي‬ ‫الشجْت٘ي الحكو٘ٔ ٍالوَضَػ٘ٔ ٍاضح‪ ،‬ألى الوشاد هي الوَطَل‬
‫الحكن الوجَْل‪ٍ ،‬الوَضَع الوجَْل‪.‬‬
‫ٍأهب ػلى التمذٗش األٍل‪ ٍَّ :‬إسادٓ خظَص الحكن هي الوَطَل فوفبد الحذٗث‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز أى الحكن الوجَْل هشفَع‪ٍ ،‬لكي اطاللِ ٗشول هب لَكبى هٌشؤ الجْل‬
‫االثنين‪22 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ثبلحكن ػذم ٍطَلِ إلى الوكلف‪ ،‬كوب َّ الحبل فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ ،‬أٍ‬
‫األهَس الخبسج٘ٔ‪ ،‬كوب َّ الحبل فٖ الشجْبت الوَضَػ٘ٔ‪ّ ،‬زا‪.‬‬
‫ٍأهب إرا كبى الوشاد‪ :‬هي الوَطَل (خظَص الفؼل الظبدس هي الوكلف فٖ‬
‫الخبسج) ثوؼٌى كَى الفؼل غ٘ش هؼلَم الؼٌَاى للوكلف ثؤى ال ٗؼلن أى ششة ّزا‬
‫ال ششة خوش‪ ،‬أٍ ششة ػظ٘ش؟ فال ٗتن اإلستذالل ثِ للومبم‪.‬‬
‫الوبئغ الوجَْل هث ً‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ثبلشجْبت الوَضَػ٘ٔ‪ ،‬ألى ظبّش الَطف‬ ‫ٍرلك‪ :‬إلختظبص الحذٗث‬
‫الوؤخَر فٖ الوَضَع كًَِ هي لج٘ل الَطف ثحبل ًفس الوَطَف (‪ ، )1‬ال ثحبل‬
‫هتؼلمِ (‪ .)2‬فلَ كبى الوَطَل ػجبسٓ ػي الفؼل الخبسجٖ كبى الحذٗث هختظبً ثوب‬
‫إرا كبى الفؼل ثٌفسِ هجَْالً ال ثحكوِ‪ ،‬فال ٗشول الشجْبت الحكو٘ٔ التٖ ال‬
‫ٗكَى ػٌَاى الفؼل فْ٘ب هجَْالً‪.‬‬
‫ٍإستذل المبئلَى ثؤى الوشاد هي الوَطَل (هبال ٗؼلوَى) َّ الفؼل الخبسجٖ‬
‫ثَجَُ‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفؼل الوجَْل ًفسِ ٍػٌَاًِ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفؼل الوجَْل حكوِ ال ًفسِ‪.‬‬
‫الثالثاء‪23 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ همبم اإلستذالل ػلى اطبلٔ ثشاءٓ الششػ٘ٔ‪ ،‬فٖ شجْبت الحكو٘ٔ‬
‫ٍأٗؼبً الوَػَػ٘ٔ ثحذٗث الشفغ‪ٍ ،‬ركش الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فٖ الومبم‪ ،‬أى‬
‫اإلستذالل ثبلحذٗث ػلى جشٗبى الجشاءٓ فٖ شجْبت الحكو٘ٔ ٍالوَػَػ٘ٔ‬
‫خظَطبً ثؼذ الفحض ٍال٘أس ػي الظفش ثبلذل٘ل إًوب ٗتن فٖ هَسدٗي‪ :‬الوَسد‬
‫األٍل ف٘وب لَ أسٗذ هي الوَطَل ٍّٖ لفظٔ كلؤ « هب » الوَجَدٓ فٖ غبلت‬
‫فمشات خظَص الحكن‪ ،‬أٍ اسٗذ هٌِ اػن هي الحكن‪ ،‬كبلشٖء « سفغ ػي أهتٖ هب‬
‫» إهب ٗشٗذ هٌِ الحكن الزٕ ال ٗؼلوَى‪ ،‬أٍ ٗشاد هي الوب الوَطَل خظَص الشٖء‬
‫الوجْن الشبهل ٍ الوٌطجك للحكن‪ ،‬أهب لَ أسٗذ هي الوبء خظَص الفؼل الظبدس هي‬
‫الوكلف فٖ الخبسج‪ ،‬فال تذل ػلى الوطلَة‪.‬‬
‫تَػ٘ح رلك‪ :‬إى اإلستذالل ثبلحذٗث الوزكَس‪ ،‬إًوب ٗتن ػلى تمذٗش أى ٗشاد هي‬
‫الوَطَل فٖ(هبال ٗؼلوَى) خظَص الحكن‪ ،‬أٍ هب ٗؼوِ (كبلشٖء) فإى الوَطَل‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز الشجْت٘ي الحكو٘ٔ ٍالوَػَػ٘ٔ‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألى ٌّب طَست٘ي‪:‬‬ ‫ٗشول‬
‫الظَسٓ األٍلى‪ :‬أى ٗكَى الوكلف غ٘ش ػبلن ثبلوَػَع الخبسجٖ‪ٍ ،‬أى ّزا الوبٗغ‬
‫خل‪ ،‬فَْ ٗحتول كال هٌْوب ٍٗجْل اًطجبق الؼٌَاى ػلِ٘‪ ،‬فتظذق ػلِ٘‬
‫خوش أٍ ٌ‬
‫ػٌَاى (هبال ٗؼلوِ) ٍٗكَى هي الشجْبت الوَػَػ٘ٔ‪ ،‬ف٘ش تفغ ػٌِ حكوِ‪،‬‬
‫ثبلحذٗث ٍتطج٘مِ‪.‬‬
‫الظَسٓ الثبً٘ٔ‪ :‬أى ٗجْل الوكلف ًفس الحكن الزٕ جؼلِ الشبسع الومذس‪ٍ ،‬أى‬
‫الجؼل الششػٖ للوَػَع الخبسجٖ (ال ٗؼلن ثِ) هغ فشع ػلوِ ثبلوَػَع‬
‫الخبسجٖ‪( ،‬كبلذػبء ػٌذ سؤٗٔ الْالل) فْزا أٗؼبً هشفَع‪ ،‬ألًِ (ال ٗؼلوِ) فحذٗث‬
‫الثالثاء‪23 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الشفغ ػلى ّزا جبس فٖ الشجْت٘ي‪:‬‬


‫ثن ػلى التمذٗش الثبًٖ‪ ٍَّ :‬إسادٓ الوؼٌى األػن هي الوَطَل‪ ،‬فأهش شوَل‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز األػن هي‬ ‫الشجْت٘ي الحكو٘ٔ ٍالوَػَػ٘ٔ ٍاػح‪ ،‬ألى الوشاد هي الوَطَل‬
‫الحكن الوجَْل‪ٍ ،‬الوَػَع الوجَْل‪ٍ .‬أهب ػلى التمذٗش األٍل‪ ٍَّ :‬إسادٓ‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز أى الحكن الوجَْل هشفَع‪،‬‬ ‫خظَص الحكن هي الوَطَل فوفبد الحذٗث‬
‫ٍلكي اطاللِ ٗشول هب لَكبى هٌشأ الجْل ثبلحكن ػذم ٍطَلِ إلى الوكلف‪ ،‬كوب‬
‫َّ الحبل فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ‪ ،‬أٍ األهَس الخبسج٘ٔ‪ ،‬كوب َّ الحبل فٖ الشجْبت‬
‫الوَػَػ٘ٔ‪ّ ،‬زا‪.‬‬
‫ٍأهب إرا كبى الوشاد‪ :‬هي الوَطَل (خظَص الفؼل الظبدس هي الوكلف فٖ‬
‫الخبسج) ثوؼٌى كَى الفؼل غ٘ش هؼلَم الؼٌَاى للوكلف ثأى ال ٗؼلن أى ششة ّزا‬
‫ال ششة خوش‪ ،‬أٍ ششة ػظ٘ش؟ فال ٗتن اإلستذالل ثِ للومبم‪.‬‬
‫الوبئغ الوجَْل هث ً‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ثبلشجْبت الوَػَػ٘ٔ‪ ،‬ألى ظبّش الَطف‬ ‫ٍرلك‪ :‬إلختظبص الحذٗث‬
‫الوأخَر فٖ الوَػَع كًَِ هي لج٘ل الَطف ثحبل ًفس الوَطَف ‪ ،‬ال ثحبل‬
‫هتؼلمِ‪ .‬فلَ كبى الوَطَل ػجبسٓ ػي الفؼل الخبسجٖ كبى الحذٗث هختظبً ثوب إرا‬
‫كبى الفؼل ثٌفسِ هجَْالً ال ثحكوِ‪ ،‬فال ٗشول الشجْبت الحكو٘ٔ التٖ ال ٗكَى‬
‫ػٌَاى الفؼل فْ٘ب هجَْالً‪.‬‬
‫ٍإستذل المبئلَى ثأى الوشاد هي الوَطَل (هبال ٗؼلوَى) َّ الفؼل الخبسجٖ‬
‫ثَجَُ‪:‬‬
‫الَجِ األٍل‪ٍ( :‬حذٓ الس٘بق)‪ .‬ثذػَى‪ :‬أى الوشاد هي الوَطَل فٖ ثم٘ٔ الفمشات‬
‫الثالثاء‪23 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫َّ الفؼل الزٕ ال ٗط٘مًَِ‪ٍٗ ،‬كشَّى ػلِ٘ ٍٗؼطشٍى إلِ٘‪ٍّ ،‬كزا‪.‬‬


‫إر ال هؼٌى لتؼلك اإلكشاُ ٍاإلػطشاس ثبلحكن‪ ،‬كوب َّ ٍاػح‪ٍ ،‬ػلِ٘‪ :‬ف٘كَى‬
‫الوشاد هي الوَطَل فٖ فمشٓ (هبالٗؼلوَى) التٖ ّٖ هحل الكالم أٗؼبً َّ (الفؼل)‬
‫ثشْبدٓ ٍحذٓ الس٘بق ل٘جشٕ الجبة ػلى ًسك ٍاحذ فال ٗذل ػلى الوذػى‪ٍَّ ،‬‬
‫سفغ الحكن فٖ همبم الشجْٔ‪.‬‬
‫ٍأجبة ػٌِ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‪ :‬أى الوَطَل ٍَّ (هب) هي األسوبء الوجْؤ‪ٍ ،‬لذ‬
‫استؼول فٖ جو٘غ الفمشات ثوؼٌى ٍاحذ ٍَّ (الشٖء الوجْن) ٍٗكَى تؼشٗفِ‬
‫ثبلظلٔ‪ ،‬فكأًِ (ص) لبل‪( :‬سفغ ػي أهتٖ الشٖء الزٕ ال ٗؼلن‪ٍ ،‬الشٖء الزٕ ال‬
‫ٗط٘مًَِ‪ٍّ )...‬كزا‪.‬‬
‫غبٗٔ األهش أى الشٖء الوؼطش إلِ٘ ال ٌٗطجك خبسجبً اال ػلى األفؼبل الخبسج٘ٔ‬
‫ٍكزلك (الشٖء الوكشُ ػلِ٘) ٍّكزا ثخالف هَسد الكالم ٍَّ (هبال ٗؼلوَى) إٔ‬
‫(الشٖء الوجَْل) فإًِ كوب ٌٗطجك ػلى الفؼل ٍػلى الوَػَع‪ ،‬فكزلك ٌٗطجك‬
‫ػلى الحكن أٗؼبً‪ٍ ،‬هي الوؼلَم أى اإلختالف فٖ اإلًطجبق ثمشٌٗٔ الظلٔ‪ ،‬ال‬
‫َٗجت اإلختالف فٖ الوؼٌى الزٕ استؼول فِ٘ الوَطَل‪ ،‬حتى ٗمبل‪ :‬ثأًِ ٗؼش‬
‫ثَحذٓ الس٘بق‪.‬‬
‫فبلٌت٘جٔ‪ :‬أى الوَطَل فٖ الجو٘غ لذ استؼول فٖ هؼٌى ٍاحذ(الشٖء الوجْن) غبٗٔ‬
‫األهش‪ ،‬إًطجبق رلك الوؼٌى ػلى الخبسج ٗختلف ثإختالف هب تؼٌِ٘ الظالت‪،‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬فَحذٓ الس٘بق تبهٔ فٖ الجو٘غ‪ٍ ،‬لكٌْب ال تَجت إسادٓ (الفؼل) هي فمشٓ‬
‫(هبال ٗؼلوَى)‪.‬‬
‫الثالثاء‪23 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪ :‬لَ ًظشًب إلى الجول ا‪ٙ‬ت٘ٔ لشأٌٗب‪ٍٍ ،‬جذًب‪ ،‬أى الوستؼول فِ٘ الوَطَل (هب)‬
‫هث ً‬
‫شٖء ٍاحذ‪ٍ ٍ ،‬حذٓ الس٘بق هحفَظٔ (هب تشك صٗذ فَْ لَاسثِ‪ٍ ،‬هبتشك ػوشٍ‪،‬‬
‫ٍهبتشك خبلذ‪ )..‬فلَ إًطجك هفَْم الوَطَل ثمشٌٗٔ طلتِ ػلى (الذاس) فٖ الوثبل‬
‫األٍل‪ٍ ،‬ػلى (الس٘بسٓ) فٖ الوثبل الثبًٖ‪ٍ ،‬ػلى (الجستبى) فٖ الوثبل الثبلث‪ ،‬فال‬
‫تذل (ٍحذٓ الس٘بق) ػلى اى هتشٍكبت الجو٘غ هٌطجمٔ ػلى جٌس ٍاحذ‪ٍ ،‬الومبم‬
‫هي ّزا المج٘ل‪.‬‬
‫الَجِ الثبًٖ‪ :‬أى أسٌبد الشفغ إلى (الحكن) حم٘مٖ ألى الشفغ ال ٗأتٖ اال ّ فٖ هَسد‬
‫تٌبلِ ٗذ التظشف ٍػؼبً‪ ٍَّ ،‬الحكن ٍ الجؼل‪ٍ ،‬لكي اسٌبد الشفغ إلى الفؼل‬
‫الخبسجٖ هجبصٕ‪ ،‬إر الفؼل هتحمك خبسجبً‪ٍ ،‬ال ٗكَى هٌتف٘بً حم٘مٔ‪ ،‬ل٘كَى اسٌبد‬
‫الشفغ إلِ٘ حم٘م٘بً‪ٍ ،‬ػلِ٘‪ :‬فلَ أسٗذ ثبلوَطَل فٖ جو٘غ الفمشات (الفؼل) كبى‬
‫ٍأهب لَ أسٗذ ثبلوَطَل فٖ خظَص‬
‫اإلسٌبد فٖ الجو٘غ هجبصٗبً‪ٍ ،‬ال إشكبل‪ّ .‬‬
‫(هبالٗؼلوَى) الحكن؛ لضم الوحزٍس‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألى الفؼل الوجَْل (سفغ) فٖ‬
‫الحذٗث أسٌذ ثبسٌبد ٍاستؼوبل ٍاحذ إلى ػٌَاى جبهغ ث٘ي األهَس التسؼٔ‬
‫الوزكَسٓ ثمَلِ « سفغ‪ ...‬تسؼٔ » ٍّزا الؼٌَاى (التسؼٔ) فٖ ثؼغ هظبدٗمِ ٗكَى‬
‫اإلسٌبد إلِ٘ حم٘م٘بً‪ٍ ،‬فٖ ثؼؼِ هجبصٗبً ٍالصهِ أى ٗكَى إسٌبد ٍاحذ حم٘مٖ‬
‫ٍهجبصٕ‪ ،‬ثحست اختالف هظبدٗك الوسٌذ إلِ٘‪ ٍَّ ،‬غ٘ش طح٘ح لغٔ‪ٍ ،‬غ٘ش جبئض‬
‫استؼوبالً‪.‬‬
‫ًؼن‪ :‬ال هبًغ هي الجوغ ث٘ي اسٌبدات هتؼذدٓ فٖ كالم ٍاحذ‪ٍ ،‬هختلفٔ هي ح٘ث‬
‫الوجبص ٍالحم٘مٔ‪ٍ ،‬الوبًغ إًوب َّ فٖ اإلسٌبد الَاحذ كوب َّ الحبل فٖ حذٗث‬
‫الثالثاء‪23 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫الشفغ‪.‬‬
‫ٍأجبة ػٌِ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ)‪...‬‬
‫األربعاء‪42 :‬ج ‪1221 -4‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫? الخوئي(قده) من دلالة حديث‬


‫بعد ما ذكرنا ماذهب إليه المشهور‪ ،‬وأيدهم السيد‬
‫الرفع على ثبوت اصالة البراءة الشرعية لشبهات الحكمية والموضوعية‪ ،‬هناك من‬
‫اعترض على هذا الإستدلال وإعتماد بحديث رفع أن هذا الحديث لا يتم الإستدلال‬
‫به في المقام‪ ،‬وذلك لأن مبنى الإستدلال لحديث رفع وخصوصاً في فقرة (مالا‬
‫يعلمون) كما ذكر إنما هو إذا اريد من ما الموصول الحكم (رفع الحكم‬
‫‪11111‬‬
‫‪ ‬الفعل وليس هو الحكم‪ ،‬فعليه لو‬
‫المجهول) ولكن نحن نقول أن المراد بالما هو‬
‫أريد منه الفعل فحديث مختص بشبهات الموضوعية‪ ،‬الشرب متحقق في الخارج‬
‫هل هو شرب خمر أو عصير‪ ،‬فهذا الحكم مجهول‪ ،‬استدل هؤالاء قائلين بعدم‬
‫دلالة بوجوه‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬حدة السياق)‪ .‬بدعوى‪ :‬أن المراد من الموصول في بقية الفقرات هو‬
‫الفعل الذي لا يطيقونه‪ ،‬ويكرهون عليه ويضطرون إليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫إذ لا معنى لتعلق الإكراه والإضطرار بالحكم‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬وعليه‪ :‬فيكون المراد‬
‫من الموصول في فقرة (مالايعلمون) التي هي محل الكلام أيضاً هو (الفعل) بشهادة‬
‫وحدة السياق ليجري الباب على نسق واحد فلا يدل على المدعى‪ ،‬وهو رفع‬
‫الحكم في مقام الشبهة‪.‬‬
‫أجاب السيد الخوئي(قده) أن وحدة السياق محفوظ‪ ،‬الإختلاف في موارد‬
‫الإنطباق‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن أسناد الرفع إلى (الحكم) حقيقي لأن الرفع لا يأتي الا ّ في مورد‬
‫تناله يد التصرف وضعاً‪ ،‬وهو الحكم و الجعل‪ ،‬ولكن اسناد الرفع إلى الفعل‬
‫األربعاء‪42 :‬ج ‪1221 -4‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫?يكون منتفياً حقيقة‪ ،‬ليكون اسناد‬


‫الخارجي مجازي‪ ،‬إذ الفعل متحقق خارجاً‪ ،‬ولا‬
‫الرفع إليه حقيقياً‪ ،‬وعليه‪ :‬فلو أريد بالموصول في جميع الفقرات (الفعل) كان‬
‫وأما لو أريد بالموصول في خصوص‬
‫الإسناد في الجميع مجازياً‪ ،‬ولا إشكال‪ّ .‬‬
‫(مالايعلمون) الحكم؛ لزم المحذور‪ ،‬وذلك‪ :‬لأن الفعل المجهول (رفع) في‬
‫الحديث أسند باسناد واستعمال واحد إلى عنوان جامع بين الأمور التسعة‬
‫‪11111‬‬
‫‪(‬التسعة) في بعض مصاديقه يكون‬
‫المذكورة بقوله « رفع‪ ...‬تسعة » وهذا العنوان‬
‫الإسناد إليه حقيقياً‪ ،‬وفي بعضه مجازياً ولازمه أن يكون إسناد واحد حقيقي‬
‫ومجازي‪ ،‬بحسب اختلاف مصاديق المسند إليه‪ ،‬وهو غير صحيح لغة‪ ،‬وغير جائز‬
‫استعمالاً‪.‬‬
‫نعم ‪ :‬لا مانع من الجمع بين اسنادات متعددة في كلام واحد‪ ،‬ومختلفة من حيث‬
‫المجاز والحقيقة‪ ،‬والمانع إنما هو في الإسناد الواحد كما هو الحال في حديث‬
‫الرفع‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده) بوجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬أن الإشكال وارد إذا كان المراد بالرفع هو الرفع التكويني‪ ،‬فيكون‬
‫اسناد الرفع إلى الفعل الخاريجي‪ ،‬مجازياً‪ ،‬لتحقق الفعل خارجاًن ولا يكون منتفياً‬
‫حقيقة‪ ،‬ليكون اسناد الرفع إليه حقيقياً‪.‬‬
‫وأما إذا أريد من الرفع (الرفع التشريعي) بمعنى (عدم كون الفعل مورداً لتكليف‬
‫للإعتبار الشرعي‪ ،‬فالإسناد لا يكون إلى الجميع الا ّ حقيقياً‪ ،‬نظراً إلى أن المصداق‬
‫الخارجي لايكون من موارد الإكراه والإضطرار واقعاً بنظر الشرع‪ ،‬دون التكوين‪،‬‬
‫األربعاء‪42 :‬ج ‪1221 -4‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كقوله(ع) « لاربا بين الوالد و ولده‪» ...‬‬


‫?‬ ‫كما في جملة من موارد التنزيل والحكومة‬
‫فكأنه بنظر الشارع ليست هذه المعاملة بربوية واقعاً من جهة (اتحاد كيسهما) ولو‬
‫حصلت الزيادة فيها‪ ،‬ففي المثال يكون اسناد الرفع إلى الفعل الخارجي أيضاً‬
‫حقيقياً‪ ،‬فكذلك الحال في التسعة‪ ،‬بلا فرق بين أن يراد من الموصول(الحكم‪ ،‬أو‬
‫الفعل الخارجي) في « مالا يعلمون »‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬بالرفع في الحديث هو (الرفع‬
‫الوجه الثاني‪ :‬من الجواب لو سلمنا أن المراد‬
‫التكويني) الا ّ أن إسناده إلى « التسعة » مجازي فقط‪ ،‬لا مجازي وحقيقي‪ ،‬كما قيل‪،‬‬
‫فإن الإسناد المؤلف منهما إنما هو في الإسناد بحسب التحليل‪ ،‬حيث إن عنوان «‬
‫منحل واقعاً إلى بعض المصاديق التي يكون إسناد الرفع إليها حقيقياً كما‬
‫ّ‬ ‫التسعة »‬
‫في فقرة « مالا يعلمون » حيث يراد « الحكم » وفي بعضها مجازياً‪ ،‬كما في فقرتي‬
‫« ما أكرهوا عليه » و « وما اضطروا إليه » وغير هما‪ ،‬حيث يراد (الفعل)‪ ،‬وهو لا‬
‫يضر‪ ،‬لأن الميزان في كون الإسناد حقيقياً أو مجازياً‪ ،‬إنما هو الإسناد الكلامي‬
‫ّ‬
‫الظاهري‪ ،‬دون الإسناد التحليلي اللبّي‪ ،‬من المعلوم أنه ليس في الحديث الا ّ إسناد‬
‫واحد‪ ،‬تجب وحدة الجملة‪ ،‬وهو إسناد (الرفع) إلى عنوان جامع بين المذكورات‬
‫وعنوان (التسعة) ومن هنا نقول‪:‬‬
‫لما كان الإسناد في بعض المصاديق إلى الفعل وهو إسناد مجازي‪ ،‬فلا محالة كان‬
‫الإسناد إلى مجموع التسعة مجازياً‪ ،‬لأن الإسناد الواحد إلى المجموع المركب‬
‫(مما هوله‪ ،‬ولغير ما هو له) يكون إسناداً إلى (غير ما هوله) كقولنا‪( :‬الماء‬
‫والميزاب جاريان)‪.‬‬
‫األربعاء‪42 :‬ج ‪1221 -4‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫حتى لو أريد من الموصول في‬


‫?‬ ‫فالنتيجة‪ :‬يكون إسناد الرفع إلى التسعة مجازي‬
‫فقرة (مالا يعلمون) هو الحكم‪ ،‬أو الأعم منه ومن الفعل‪ ،‬فلا يلزم أن يكون إسناد‬
‫واحد حقيقياً‪ ،‬ومجازياً‪ ،‬بل هو إسناد مجازياً فقط‪ ،‬ولا إشكال فيه‪ ،‬ولا محذور‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬من إشكال القائلين بالفعل وعدم دلالة الحديث أن مفهوم الرفع‬
‫ليصح تعلق الرفع به‪ ،‬وليكون رفعه امتناناً على‬
‫تقتضي أن يكون المرفوع شيئاً ثقيلاً ّ‬
‫‪11111‬‬
‫‪‬‬ ‫الأمة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن الثقيل هو الفعل‪ ،‬دون الحكم‪ ،‬الذي هو أمر اعتباري خفيف‬
‫سمي الحكم‬
‫المؤونة صادر عن المولى‪ ،‬حيث لا يكون ثقيلاً على المكلف‪ ،‬وإنما ّ‬
‫بالتكليف مجازاً‪.‬‬
‫وليس من جهة الكلفة من نفس الحكم بل باعتبار كونه سبباً لجعل المكلف في‬
‫كلفة ومشقة الفعل‪ ،‬أو الترك‪ ،‬و زحمتهما‪ ،‬كل ذلك من باب ذكر السبب وإرادة‬
‫المسبب‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬الثقيل على المكلف هو فعل الواجب وترك الحرام‪ ،‬لا مجرد الحكم‬
‫وإنشاء الوجوب أو الحرمة الصادرين من المولى‪ ،‬وعليه فلا بد أن يراد من‬
‫الموصول في جميع الفقرات هو (الفعل) دون (الحكم)‪.‬‬
‫السبت‪27 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫كبى كالهٌب فٖ اإلستذالل ػلى الظحٔ التوسك ثأطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ ‪ ،‬اػتوبد ًا‬
‫ػلى حذٗث الشفغ ٍاسداً فٖ خظبل الظذٍق(لذُ) ح٘ث ٍسد فٖ ّزا الحذٗث «‬
‫ُسفِ َغ َػ ْي أُ ٓهتِٖ ت ِ ْس َؼ ُٔ (ٍفٖ ػوي ّب) َهب َال ٗ َ ْؼل َ ُوَ َى » ٍَّ هَسد الجحث ٍالكالم‪،‬‬
‫فبستذل الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) ػلى أى الوشاد ثوب الوَطَل ف٘وب ال ٗؼلوَى‪ٗ ،‬كَى‬
‫َّ الحكن فبلٌت٘جٔ‪ :‬أى الحكن الوجَْل فٖ الشجْبت الحكو٘ٔ خظَطبً ثؼذ‬
‫الفحض ّزا الحكن ٗكَى هشفَػبً‪ ،‬ثأطبلٔ ثشاءٓ ػي التكل٘ف‪ٍ ،‬حتى لبل ثجشٗبى‬
‫ّزا األطل فٖ شجْبت الوَػَػ٘ٔ‪ ،‬فٖ همبثل رلك رّت الجؼغ إلى ػذم داللٔ‬
‫ّزا الحذٗث ػلى أطبلٔ ثشاءٓ الششػ٘ٔ‪ٍ ،‬كبى هَسد اإلشكبل فٖ أى الوشاد هي هب‬
‫الوَطَلٔ فٖ هبال ٗؼلوَى ٍّزُ الفمشٓ األّن هَسد الكالم‪ ،‬أى ٗشاد هي هب َّ فؼل‬
‫طبدس هي الوكلف فٖ الخبسج‪ ،‬فئرا كبى سفغ الفؼل فوؼٌى أًِ ٗكَى الحذٗث‬
‫حجٔ فٖ خظَص هَػَػبت‪ٗ ،‬ؼٌٖ ّل ّزا الفؼل حبطل فٖ الخبسج ششة‬
‫خوش أٍ ششة خل‪ ،‬هبدام ال تؼلن فأًِ لك حالل هشفَع لك‪ ،‬ف٘كَى شجْٔ‬
‫هَػَػ٘ٔ‪ ،‬دٍى الحكو٘ٔ‪ٍ ،‬استذل ػلى رلك ثَجَُ‪ ،‬تمذم الكالم فٖ الَجْ٘ي‬
‫(األٍل ٍالثبًٖ)‪.‬‬
‫الَجِ الثبلث‪ :‬هي إشكبل المبئل٘ي ثبلفؼل ٍػذم داللٔ الحذٗث أى هفَْم الشفغ‬
‫ل٘ظح تؼلك الشفغ ثِ‪ٍ ،‬ل٘كَى سفؼِ اهتٌبً ًب ػلى‬
‫ال ّ‬‫تمتؼٖ أى ٗكَى الوشفَع ش٘ئبً ثم٘ ً‬
‫األهٔ‪.‬‬
‫ٍهي الوؼلَم أى الثم٘ل َّ الفؼل‪ ،‬دٍى الحكن‪ ،‬الزٕ َّ أهش اػتجبسٕ خف٘ف‬
‫سوٖ الحكن‬
‫ال ػلى الوكلف‪ٍ ،‬إًوب ّ‬
‫الوؤًٍٔ طبدس ػي الوَلى‪ ،‬ح٘ث ال ٗكَى ثم٘ ً‬
‫السبت‪27 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ثبلتكل٘ف هجبصاً‪ٍ .‬ل٘س هي جْٔ الكلفٔ هي ًفس الحكن ثل ثبػتجبس كًَِ سججبً‬
‫لجؼل الوكلف فٖ كلفٔ ٍهشمٔ الفؼل‪ ،‬أٍ التشك‪ ٍ ،‬صحوتْوب‪ ،‬كل رلك هي ثبة‬
‫ركش السجت ٍإسادٓ الوسجت‪ٍ .‬ثبلجولٔ‪ :‬الثم٘ل ػلى الوكلف َّ فؼل الَاجت‬
‫ٍتشك الحشام‪ ،‬ال هجشد الحكن ٍإًشبء الَجَة أٍ الحشهٔ الظبدسٗي هي الوَلى‪،‬‬
‫ٍػلِ٘ فال ثذ أى ٗشاد هي الوَطَل فٖ جو٘غ الفمشات َّ (الفؼل) دٍى (الحكن)‪.‬‬
‫ٗظح إسٌبد‬
‫ّ‬ ‫ٍفِ٘‪ :‬سلوٌب أى الثمل إًوب َّ فٖ هتؼلك التكل٘ف‪ ،‬ال فٖ ًفسِ‪ ،‬إال أًِ‬
‫الشفغ إلى السجت ٍَّ (التكل٘ف) ثال ػٌبٗٔ‪ ،‬كوب ٗظح إسٌبدُ إلى األثش الوتشتت‬
‫ػلِ٘‪.‬‬
‫ٍػلِ٘‪ :‬ف٘ظح أى ٗمبل‪( :‬سفغ اإللضام) أٍ(سفؼت الوؤاخزٓ)‪ ،‬فال هبًغ هي إسٌبد الشفغ‬
‫إلى الحكن ثبػتجبس كًَِ سججبً لَلَع الوكلف فٖ كلفٔ ٍثمل‪ ،‬ثمظذ سفغ ثمل‬
‫الفؼل‪ ،‬ثشفغ سججِ ٍػلتِ‪ٌٍّ .‬بك ٍجَُ أخشى‪ :‬إػبفٔ إلى تٌجْ٘بت للتؼو٘ن‪ ،‬أٍ‬
‫التخظ٘ض فٖ هفبد الحذٗث تشكٌبّب‪ ،‬سٍهبً لالختظبس‪ ٍ ،‬ػلى أهل ث٘بًْب فٖ‬
‫الذٍسات الالحمٔ‪ ،‬إى شبء هّال تؼبلى‪ .‬فتحظل هوب ركشُ الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) فٖ‬
‫الومبم توبه٘ٔ اإلستذالل ثبلحذٗث الششٗف ػلى (أطبلٔ الجشاءٓ الششػ٘ٔ) ٍأى‬
‫اإلشكبل ػلى داللتْب غ٘ش تبهٔ‪.‬‬
‫ٍأهب الس٘ذ الشْ٘ذ(لذُ) فمذ ركش أى الكالم فٖ الحذٗث ٗمغ فٖ همبهبت أسثؼٔ‪:‬‬
‫ساثؼْب‪ :‬الكالم فٖ سٌذُ ًٍحي ًمذم ّزا الومبم هي جْٔ تمذٗن ش٘خٌب األستبر(دام‬
‫ظلِ) الجحث ػٌِ‪ .‬أهب الكالم فٖ طحٔ سٌذ الحذٗث‪ :‬فال إشكبل فٖ الجولٔ فٖ‬
‫طحٔ أطل حذٗث الشفغ ٍلكي اإلشكبل إًوب َّ فٖ طحٔ حذٗث الشفغ الَاسد‬
‫السبت‪27 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫فٖ الخظبل‪ ،‬الوتؼوي لفمشٓ اإلستذالل ثِ ٍّٖ فمشٓ (هبال ٗؼلوَى) ألى الشفغ ثغ٘ش‬
‫ّزُ الفمشٓ‪ ،‬ال أثش لِ فٖ همبم اإلستذالل ػلى الجشاءٓ‪ ،‬فوب ًمل ػي الس٘ذ‬
‫الخَئٖ(لذ ُ) هي طحٔ السٌذ لحذٗث الشفغ فٖ الخظبل ال ٗوكي الوسبػذٓ ػلِ٘‪،‬‬
‫ٍرلك‪ ،‬ألى فٖ سٌذُ (أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى الؼطبس) الزٕ ٌٗمل ػي الظذٍق‬
‫(لذُ) ّزُ الشٍاٗٔ ٍَّ لن تثجت ٍثبلتِ‪ٍ ،‬إى كبى هي هشبٗخ الظذٍق(لذُ) الزٕ‬
‫ٗشٍٕ ػٌْن‪ً .‬ؼن‪ :‬لَ ل٘ل‪ :‬ثأى هجشد ّزُ الوش٘خٔ تكفٖ فٖ إثجبت ٍثبلتِ لكبى‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز لكَى هي هشبٗخ الظذٍق(لذُ)‬ ‫(أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى الؼطبس) ثمٔ‬
‫الزٕ سٍى ػٌِ ّزا الحذٗث‪ٍ .‬لكي‪ّ :‬زا الوجٌى غ٘ش طح٘ح‪ ،‬ألى لبػذٓ (كفبٗٔ‬
‫كَى الشخض ش٘خبً للظذٍق أٍ للوحوذٗي الثالثٔ فٖ الَثبلٔ) لن تثجت حتى ػٌذ‬
‫الس٘ذ الخَئٖ(لذُ) هغ أى للظذٍق هشبٗخ ًَاطت‪ ،‬كوب اػتشف ثزلك‪ٍ ،‬ػلِ٘‬
‫تكَى الشٍاٗٔ ػؼ٘فٔ سٌذاً‪ٍّ ،‬زا‪ .‬إراً فالثذ هي التفت٘ش ػي طشٗك آخش إلثجبت‬
‫طحٔ الحذٗث الوتؼوي لفمشٓ (هبال ٗؼلوَى)‪.‬‬
‫فٌمَل‪ :‬إى طبحت الَسبئل(لذُ) سٍى ػي الش٘خ الطَسٖ‪ ،‬ػي الحس٘ي ثي ػج٘ذ‬
‫هّال ػي أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى الؼطبس ػي أثِ٘ (هحوذ ثي ٗح٘ى) ػي هحوذ ثي‬
‫الجؼفٖ ػي أثى‬ ‫ػلٖ ثي هحجَة‪ ،‬ػي أحوذ ثي ػ٘سى فٖ ًَادسُ ػي إسوبػ٘ل ُ‬
‫ت ِخظ ٍ‬
‫بل‪ -‬الْخَ َطأُ ٍَ الٌِّ ْسَ٘ب ُى‬ ‫ٔ‬ ‫ػغ ػي ّ ِز ُِ ْاألُه ِٔ ِ‬
‫س‬ ‫ػجذ هال (ع)‪« :‬لَبل سوِؼتِ ٗم َُ ُل ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ ُُْ َ‬ ‫ّ‬
‫اػطُ ٔشٍا ِإلَ٘ ْ ِِ‪»)1( .‬‬ ‫ٍَ َهب ْاستُك ْ ِش َُّا َػلَ٘ ْ ِِ‪َ ٍَ -‬هب َال ٗ َ ْؼل َ ُوَ َى ٍَ َهب َال ُٗطِ٘م َُ َى ٍَ َهب ْ‬
‫ٍٗوكي أى ٗمبل‪ :‬ثأى ّزُ الشٍاٗٔ طح٘حٔ السٌذ ألى طشٗك الَسبئل إلى كتبة‬

‫(‪ٍ )1‬سبئل الش٘ؼٔ؛ ج‪ ،32‬ثبة‪ 11‬هي اثَاة كتبة اإلٗوبى‪ ،‬ح‪2‬‬


‫السبت‪27 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫(الٌَادس) َّ طشٗمِ إلى الش٘خ (لذُ) ٍَّ طشٗك طح٘ح‪ ،‬كوب أى طشٗك الش٘خ إلى‬
‫(الٌَادس) أٗؼبً طح٘ح‪ٍ ،‬هي الوؼلَم أى (أحوذ ثي هحوذ ػ٘سى) ثمٔ‪ٍ ،‬الجؼفٖ‬
‫ثمٔ‪ ،‬فتكَى ّزُ الشٍاٗٔ ًبفؼٔ إلثجبت الوطلَة‪ ،‬إال أى فٖ سٌذّب أٗؼبً (احوذ ثي‬
‫هحوذ ٗح٘ى الؼطبس) فؼبد اإلشكبل‪ ،‬إال ّ أى الكالم ٗمغ فٖ ًمطت٘ي‪ :‬لذفغ ّزا‬
‫اإلشكبل‪:‬‬
‫الٌمطٔ األٍلى‪ ّٖ :‬أًِ لذ ٗتَّن التوسك ثٌظشٗٔ التؼَٗغ فٖ الومبم ألجل‬
‫تظح٘ح الشٍاٗٔ‪ٍ ،‬رلك‪ :‬ألى أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى كوب فٖ الخظبل ًمل ّزُ‬
‫هّ‬
‫ػجذال‪ٍ ،‬الؼؼف الَالغ فٖ سٌذ ّزُ الشٍاٗٔ‪ ،‬إًوب َّ هي‬ ‫الشٍاٗٔ ػي سؼذ ثي‬
‫جْٔ (أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى) ٍأهب سؼذ ثي ػجذ هّال) ٍهب ثؼذُ إلى اإلهبم(ع)‬
‫جذال‪ ،‬سٌذ آخش‪ٗ ،‬كَى هؼتجشاً فٖ‬ ‫ٍ‬
‫فحٌ٘ئز ًؼَع ػوب لجل سؼذ ثي ػ ّه‬ ‫فكلْن ثمبت‪،‬‬
‫الومبم‪ ،‬ثح٘ث تظح الشٍاٗٔ‪ٍ ،‬ال ٗكَى رلك إال ثؼن أهشٗي‪ ،‬أحذّوب إلى ا‪ٙ‬خش‪.‬‬
‫األهش األٍل‪ َّ :‬أى الش٘خ الطَسٖ(لذُ) لِ طشٗك طح٘ح إلى جو٘غ كتت سؼذ ثي‬
‫هّ‬
‫ػجذال‪ٍّ ،‬زا الطشٗك خبل هي (أحوذ ثي هحوذ ثي ٗح٘ى الؼطبس‪ ،‬إراً فكل سٍاٗٔ‬
‫ٍطلت إلى الش٘خ الطَسٖ(لذُ) هي سٍاٗبت سؼذ فَْ ٗشٍْٗب ثْزا الطشٗك‬
‫الظح٘ح‪.‬‬
‫األهش الثبًٖ‪ َّ :‬أى سٍاٗٔ الخظبل التٖ ًملْب الظذٍق (لذُ) ػي أحوذ ثي هحوذ‬
‫هّ‬
‫ػجذال ّٖ لطؼبً ٍطلت إلى الش٘خ (لذُ) ألى للش٘خ‬ ‫ٗح٘ى الؼطبس ػي سؼذ ثي‬
‫(لذُ) طشٗمبً طح٘حبً إلى ّزُ الكتت كوب ركشًب‪ٍ ،‬إرا كبًت لذ ٍطلت إلِ٘‬
‫ٍ‬
‫حٌ٘ئز ػوَم لَل الش٘خ (لذُ) (أخجش ثكتجِ) ٍلذ ركش فٖ فْشستِ أًِ لذ‬ ‫ف٘شولْب‬
‫السبت‪27 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫العملية ‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫أخجش ثشٍاٗبت (سؼذ) ثطشٗك طح٘ح‪ .‬فئراً ٌّبك طشٗك طح٘ح فٖ الومبم‪ ،‬إٔ فٖ‬
‫الفْشست‪ ،‬لذ أٍطل الشٍاٗٔ إلى الش٘خ‪ ،‬فتؼَٗغ الطشٗك األٍل إلى الثبًٖ‪ٗ ،‬وكي‬
‫التخلض هي هَسد الؼؼف‪ٗ ،‬تن الوطلَة‪ٍّ ،‬زا ػلى اإلجوبل‪ًٍ ،‬تشك الوٌبلشبت‬
‫لَلت آخش‪.‬‬
‫الٌمطٔ الثبً٘ٔ‪ :‬ففْ٘ب إشكبل هي ًبح٘ٔ تشخ٘ض (الجؼفٖ) ألى أهشُ هشدد ث٘ي ػذٓ‬
‫أشخبص ٍلكي ٌّبك طشٗم٘ي ٗوكي التخلض ثْوب هي إشكبل التؼذد‪ً ،‬زكشّوب ال‬
‫حمبً إى شبء هّال تؼبلى‪ٍ .‬لكي التحم٘ك فٖ الومبم‪ٗ :‬متؼٖ الجحث ػي ًظشٗٔ‬
‫التؼَٗغ ثن ًشى ّل ٗحتبج إلْ٘ب إلثجبت طحٔ سٌذ حذٗث الشفغ أٍ الَػغ‪،‬‬
‫أٍال؟ ثل ٗوكي إثجبت طحتِ‪ ،‬ثسلَك طشق أخشى‪.‬‬
‫األحد‪28 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫إًتْا الكالم تٌا إلى ًظشٗٔ التؼَٗط‬


‫ٍّٖ فشض التصشف فٖ السٌذ‪ ،‬تأحذ ٍجَُ‪:‬‬
‫األٍل‪ :‬إها تاػتثاس المطغ األٍل‪ ،‬توا فِ٘ هي ًمطٔ العؼف‪.‬‬
‫الثاًٖ‪ :‬أٍ تاػتثاس المطغ الثاًٖ‪ٍ ،‬توا فِ٘ هي ًمطٔ العؼف‬
‫الثالث‪ :‬إها تاػتثاس توام السٌذ ٍاستثذالِ تسٌذ آخش‪.‬‬
‫ٍّزُ الٌظشٗٔ تَجَّْا الوتمذهٔ‪ً ،‬زكشّا ألّو٘تْا‪ٍ ،‬لكًَْا هف٘ذٓ جذاً فٖ‬
‫تصح٘ح كث٘ش هي األخثاس التٖ لذ ٗؼ٘ذ تصح٘حْا تالصَس االتتذائ٘ٔ‪.‬‬
‫ٍػلِ٘ لٌشى أًِ ّل ٗأتٖ ٍ ٌٗطثك تؼط ّزُ الَجَُ فٖ سٍاٗات (احوذ تي هحوذ‬
‫تي ػ٘سى) الثمٔ أٍال؟!‬
‫الَجِ األٍل‪ :‬أى ٗفشض أى سٌذ الش٘خ الطَسٖ (لذُ) إلى (أحوذ تي هحوذ‬
‫ال ٍإى كاى ظؼ٘فاً‪ ،‬تشخص ٍاحذ (كالؼطاس)‪ٍ ،‬لكٌِ ٍلغ تؼذ رلك‬
‫ػ٘سى) هث ً‬
‫الشخص العؼ٘ف شخص ثمٔ ألشب إلى اإلهام(ع) ٍكاى للش٘خ إلى سٍاٗات‪ ،‬تل‬
‫كتة رلك الثمٔ سٌذ ٍطشٗك صح٘ح ف٘ؼَض السٌذ‪ ،‬ػي الومطغ األٍل هي السٌذ‬
‫الش٘خ الزٕ فِ٘ العؼ٘ف‪ٍّ .‬زا الَجِ هٌطثك ف٘وا ًحي فِ٘(حذٗث الَظغ)‪.‬‬
‫ألًِ فٖ إحذى طائفتٖ أخثاس (أحوذ تي هحوذ تي ػ٘سى) التٖ ٗشٍْٗا الش٘خ تسٌذ‬
‫ظؼ٘ف (كأحوذ الؼطاس) َٗجذ تؼذ العؼف (هحوذ تي ػلٖ تي هحثَب) ٍالش٘خ‬
‫لِ طشٗك تام‪ ،‬لذ صشح تِ فٖ التْزٗة إلى جو٘غ كتة هحوذ تي ػلٖ تي‬
‫هحثَب‪ٍ ،‬جو٘غ سٍاٗاتِ‪.‬‬
‫ٍفٖ الطائفٔ األخشى‪ :‬هي أخثاس (أحوذ تي ػ٘سى) َٗجذ لِ تؼذ العؼف تالؼطاس‬
‫األحد‪28 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫هصشح تِ فٖ الفْشست‪ ،‬إلى جو٘غ‬


‫هحوذ تي الحسي الصفاس‪ٍ ،‬الش٘خ لِ طشٗك تام ّ‬
‫كثتِ ٍسٍاٗاتِ‪ٍ ،‬كزلك إلى كتة ٍسٍاٗات (اتي الَل٘ذ‪ٍ ،‬سؼذ تي ػثذ هّال)‬
‫ف٘ؼَض أحذّوا تا‪ٙ‬خش‪.‬‬
‫الَجِ الثاًٖ‪ :‬ػكس الَجِ األٍل‪ ،‬تأى ًستثذل الومطغ الثاًٖ هي السٌذ الش٘خ تسٌذ‬
‫صح٘ح ٍّزا الَجِ َّ‪ :‬أى ٗفشض أى فٖ سٌذ الحذٗث العؼ٘ف الزٕ سٍاُ‬
‫ال ٍلغ شخص ثمٔ‪ ،‬لثل العؼ٘ف‪ٍ ،‬ال َٗجذ‬
‫الش٘خ ػي (أحوذ تي ػ٘سى) هث ً‬
‫ظؼ٘ف ت٘ي الش٘خ ٍراك الثمٔ‪ًٍ ،‬فشض أًٌا ػثشًا ػلى طشٗك تام لزلك الثمٔ ٗزكشُ‬
‫ال (أحوذ‬
‫إلى جو٘غ ها ٍصلِ هي كتة ٍسٍاٗات الثمٔ الَالؼٔ تؼذ العؼ٘ف ٍَّ هث ً‬
‫تي ػ٘سى أٍ إلى اإلهام ‪-‬ع‪ )-‬سأساً‪ ،‬فٌؼَض الومطغ الثاًٖ هي السٌذ إلى (أحوذ‬
‫تي ػ٘سى أٍ إلى اإلهام –ع‪ )-‬تزلك الطشٗك‪ ،‬إر لذ ثثت ٍلَ تؼثذاً أى ّزا‬
‫ال حذٗث فوا لذ ٍصلِ‪ ،‬ف٘ذخل فٖ إطالق السٌذ الزٕ فشض لِ إلى جو٘غ ها‬
‫ال‪.‬‬
‫ٍصلِ هي سٍاٗات (أحوذ تي ػ٘سى) هث ً‬
‫ٍّزا الَجِ‪ :‬جَّشُ فٖ الحم٘مٔ‪ َّ ،‬جَّش الَجِ األٍل ٍلكي ٗختلف ػٌِ فٖ‬
‫أسلَتِ‪ ،‬إر فٖ الَجِ األٍل فشض أى الطشٗك الصح٘ح ٗكَى إلى ثمٔ تؼذ‬
‫العؼ٘ف‪ٍ ،‬فٖ ّزا الَجِ ٗفشض كَى الطشٗك الصح٘ح هي الثمٔ لثل العؼ٘ف‬
‫إلى الثمٔ تؼذُ‪.‬‬
‫ال؛ إلى صاحة كتاب فٖ‬
‫الَجِ الثالث‪ :‬ػثاسٓ ػي تؼَٗط توام « سٌذ الش٘خ » هث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫سٍاٗٔ ٌٗملْا ػي راك الكتاب‪ ،‬إرا كاى سٌذُ إلِ٘ ظؼ٘فاً « تسٌذ الٌجاشٖ » هث ً‬
‫إلى صاحة الكتاب‪ ،‬إرا كاى سٌذ الٌجاشٖ إلِ٘ صح٘حاً‪.‬‬
‫األحد‪28 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ال‪ :‬لَ فشظٌا أى الش٘خ سٍى ػي (اتي فعال) حذٗثاً‪ٍ ،‬كاى فٖ سٌذ الش٘خ إلِ٘‬
‫هث ً‬
‫ظؼ٘فاً‪ٍ ،‬كاى للٌجاشٖ إلِ٘ سٌذ تام‪.‬‬
‫فثاإلهكاى تؼَٗط سٌذ الش٘خ‪ ،‬تسٌذ الٌجاشٖ تششغ أى ٗكَى الشخص الزٕ ٍلغ‬
‫تؼذ الش٘خ هثاششٓ ثمٔ‪ٍ ،‬كزلك تؼذ الٌجاشٖ‪.‬‬
‫ًٍفتشض أى للٌجاشٖ ٍلَ هي تاب الصذفٔ َٗجذ طشٗماى إلى (اتي فعال)‬
‫أحذّوا ًفس طشٗك الش٘خ الوشتول ػلى العؼف‪ٍ ،‬ا‪ٙ‬خش طشٗك صح٘ح‪،‬‬
‫ًٍفتشض أٗعاً‪ :‬أى الٌجاشٖ لن ٗكتف تمَلِ تٌحَ اإلجوال‪ « :‬أخثشًا تجو٘غ كتثِ‬
‫صشح تاسن الكتة‪ٍ ،‬كزلك الش٘خ‪ٍ ،‬سأٌٗا أى الكتة التٖ‬‫فالى ػي فالى » تل ّ‬
‫ٍ‬
‫فؼٌذئز‪ً ،‬ثذل (سٌذ الش٘خ) الزٕ فِ٘ ظؼف‬ ‫سواّا الٌجاشٖ أٗعاً‬
‫سواّا الش٘خ لذ ّ‬
‫ّ‬
‫تسٌذ (الٌجاشٖ) الصح٘ح‪.‬‬
‫ٍأها ٍجِ اإلستذالل ٍالتؼَٗط هغ فشض ٍجَد طشٗم٘ي للٌجاشٖ َّ أى ظاّش‬
‫كالم الٌجاشٖ الزٕ ركش طشٗم٘ي إلى كتة (اتي فعال) أى ًسخٔ تلك الكتة‬
‫التٖ ًملت لِ تالطشٗك الصح٘ح تٌفس الٌسخٔ التٖ ًملت لِ تالطشٗك العؼ٘ف‪ٍ ،‬ال‬
‫ٗحتول ػمالئ٘ا اختالف الٌسخت٘ي العؼ٘فت٘ي‪ٍ ،‬رلك ألى الوفشٍض أى هي ٍلغ‬
‫تؼذ الش٘خ ثمٔ‪ ،‬فال ٗحتول أًِ أػطى ًسخٔ إلى الش٘خ ٍسٍاّا ػي (اتي فعال)‬
‫ًٍسخٔ أخشى إلى الٌجاشٖ‪ٍ ،‬فشظْا كزتاً‪ً ،‬فس رلك الكتاب‪ٍ ،‬سٍاّا ػٌِ‪.‬‬
‫كوا ال ٗحتول ٍجَد ًسخت٘ي هختلفت٘ي هي رلك الكتاب ػٌذ الثمٔ‪ٍ ،‬لن ٌٗثِّ‬
‫الش٘خ ٍال الٌجاشٖ تاختالف الٌسخت٘ي‪ ،‬أٍ َّ لن ٌٗتثِ إلى اختالف الٌسخت٘ي‪ ،‬هغ‬
‫ٍجَد ّوا ػٌذُ‪ ،‬سغن ها َّ الوتؼاسف لذْٗن هي التذل٘ك فٖ هتَى األخثاس‪،‬‬
‫األحد‪28 :‬ج ‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ دمحم جىاد المهدوي‬

‫ٍالمشاءٓ الوماتلٔ ًٍحَ رلك‪.‬‬


‫ٍتْزا الَجِ ٗوكي تصح٘ح طشٗك الش٘خ إلى (ػلٖ تي حسي فعال) الزٕ َّ‬
‫ظؼ٘ف تــ الضت٘شٕ) ح٘ث لال الش٘خ‪ « :‬أخثش تكتثِ لشاءٓ ػلِ٘ أكثشّا‪ٍ ،‬الثالٖ‬
‫اجاصٓ » أحوذ تي ػثذٍى ػي ػلٖ تي هحوذ تي الضت٘شٕ سواػاً‪ٍ ،‬اجاصٓ‪ ،‬ػي ػلٖ‬
‫تي حسي تي فعال‪ٍ ،‬الضت٘شٕ لن تثثت ٍثالتِ‪ ،‬لكي الٌجاشٖ فٖ فْشستِ لِ طشٗماى‬
‫إلى كتة اتي فعال‪ :‬أحذّوا‪ً :‬فس طشٗك الش٘خ‪ٍ ،‬الوثاشش لْوا فٖ ّزا الطشٗك‬
‫َّ (أحوذ تي ػثذٍى)‪.‬‬
‫ٍا‪ٙ‬خش‪ :‬طشٗك صح٘ح‪ ٍَّ ،‬هحوذ تي جؼفش فٖ أخشٗي‪ ،‬ػي أحوذ تي هحوذ تي‬
‫سؼ٘ذ ػي ػلٖ تي الحسي‪ٍ ،‬لذ سوى الٌجاشٖ جو٘غ الكتة التٖ سواّا الش٘خ‬
‫(لذّوا)‪.‬‬
‫اإلثنين‪29 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪ 1‬يمكن أن نتكلم فيها ويمكن‬


‫كان كالمنا في نظرية التعويض‪ ،‬والوجوه التي‬
‫سنده ضعفاً بهذه النظرية‪ ،‬وذكرنا‬
‫‪1‬‬ ‫تصحيح خبر الضعيف أو خبر الذي يكون في‬
‫بوجوه ثالثة‪ ،‬الوجه األول أن يكون‬
‫‪1‬‬ ‫أن التصرف في السند على هذه النظرية يكون‬
‫‪ 1‬راوي األخير او يكون بالقسم‬
‫تصرف في سند في القسم األول الذي يرتبط بـ‬
‫التصرف في تمام السند‪ ،‬وجوه ثالثة‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الثاني التصرف في السند بأخر أو يكون‬
‫الشيخ الطوسي (قده) إلى (أحمد بن‬
‫وأشرنا في الوجه األول‪ :‬أن يفرض أن سند‪‬‬

‫ال وإن كان ضعيفاً‪ ،‬بشخص واحد (كالعطار)‪ ،‬ولكنه وقع بعد‬
‫محمد عيسى) مث ً‬
‫ذلك الشخص الضعيف شخص ثقة أقرب إلى اإلمام(ع) وكان للشيخ إلى‬
‫روايات‪ ،‬بل كتب ذلك الثقة سند وطريق صحيح فيعوض السند‪ ،‬عن المقطع‬
‫األول من السند الشيخ الذي فيه الضعيف‪ .‬وهذا الوجه منطبق فيما نحن فيه(حديث‬
‫الوضع)‪.‬‬
‫ألنه في إحدى طائفتي أخبار (أحمد بن محمد بن عيسى) التي يرويها الشيخ بسند‬
‫ضعيف (كأحمد العطار) يوجد بعد الضعف (محمد بن علي بن محبوب) والشيخ‬
‫له طريق تام‪ ،‬قد صرح به في التهذيب إلى جميع كتب محمد بن علي بن‬
‫محبوب‪ ،‬وجميع رواياته‪.‬‬
‫وفي الطائفة األخرى‪ :‬من أخبار (أحمد بن عيسى) يوجد له بعد الضعف بالعطار‬
‫مصرح به في الفهرست‪ ،‬إلى جميع‬
‫محمد بن الحسن الصفار‪ ،‬والشيخ له طريق تام ّ‬
‫كبته ورواياته‪ ،‬وكذلك إلى كتب وروايات (ابن الوليد‪ ،‬وسعد بن عبد هّال)‬
‫فيعوض أحدهما باآلخر‪.‬‬
‫اإلثنين‪29 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المقطع الثاني من السند الشيخ بسند‬


‫‪1‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬عكس الوجه األول‪ ،‬بأن نستبدل‬
‫‪ 1‬الحديث الضعيف الذي رواه‬
‫صحيح وهذا الوجه هو‪ :‬أن يفرض أن في سند‬
‫‪ 1‬ثقة‪ ،‬قبل الضعيف‪ ،‬وال يوجد‬
‫ال وقع شخص‬
‫الشيخ عن (أحمد بن عيسى) مث ً‬
‫على طريق تام لذلك الثقة يذكره‬
‫‪1‬‬ ‫ضعيف بين الشيخ وذاك الثقة‪ ،‬ونفرض أننا عثرنا‬
‫ال (أحمد‬
‫الواقعة بعد الضعيف وهو مث ً‬
‫‪1‬‬ ‫إلى جميع ما وصله من كتب وروايات الثقة‬
‫المقطع الثاني من السند إلى (أحمد‬
‫‪‬‬ ‫بن عيسى أو إلى اإلمام ‪-‬ع‪ )-‬رأساً‪ ،‬فنعوض‬
‫بن عيسى أو إلى اإلمام –ع‪ )-‬بذلك الطريق‪ ،‬إذ قد ثبت ولو تعبد ًا أن هذا‬
‫الحديث فما قد وصله‪ ،‬فيدخل في إطالق السند الذي فرض له إلى جميع ما‬
‫ال‪.‬‬
‫وصله من روايات (أحمد بن عيسى) مث ً‬
‫وهذا الوجه‪ :‬جوهره في الحقيقة‪ ،‬هو جوهر الوجه األول ولكن يختلف عنه في‬
‫أسلوبه‪ ،‬إذ في الوجه األول فرض أن الطريق الصحيح يكون إلى ثقة بعد‬
‫الضعيف‪ ،‬وفي هذا الوجه يفرض كون الطريق الصحيح من الثقة قبل الضعيف‬
‫إلى الثقة بعده‪.‬‬
‫ال؛ إلى صاحب كتاب في‬
‫الوجه الثالث‪ :‬عبارة عن تعويض تمام «سند الشيخ» مث ً‬
‫ال‪ ،‬إلى‬
‫رواية ينقلها عن ذاك الكتاب‪ ،‬إذا كان سنده إليه ضعيفاً «بسند النجاشي» مث ً‬
‫صاحب الكتاب‪ ،‬إذا كان سند النجاشي إليه صحيحاً‪.‬‬
‫ال‪ :‬لو فرضنا أن الشيخ روى عن (ابن فضال) حديثاً‪ ،‬وكان في سند الشيخ إليه‬
‫مث ً‬
‫ضعيفاً‪ ،‬وكان للنجاشي إليه سند تام‪.‬‬
‫فباإلمكان تعويض سند الشيخ‪ ،‬بسند النجاشي بشرط أن يكون الشخص الذي وقع‬
‫اإلثنين‪29 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫بعد الشيخ مباشرة ثقة‪ ،‬وكذلك بعد النجاشي‪.‬‬
‫يوجد طريقان إلى (ابن فضال)‬
‫‪1‬‬ ‫ونفترض أن للنجاشي ولو من باب الصدفة‬
‫الضعف‪ ،‬واآلخر طريق صحيح‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫أحدهما نفس طريق الشيخ المشتمل على‬
‫بنحو اإلجمال‪« :‬أخبرنا بجميع كتبه‬
‫‪1‬‬ ‫ونفترض أيضاً‪ :‬أن النجاشي لم يكتف بقوله‬
‫‪ 1‬الشيخ‪ ،‬ورأينا أن الكتب التي‬
‫صرح باسم الكتب‪ ،‬وكذلك‬ ‫فالن عن فالن» بل ّ‬
‫نبدل (سند الشيخ) الذي فيه ضعف‬ ‫ٍ‬
‫فعندئذ‪،‬‬ ‫سماها النجاشي أيضاً‬
‫‪‬‬
‫سماها الشيخ قد ّ‬
‫ّ‬
‫بسند (النجاشي) الصحيح‪.‬‬
‫وأما وجه اإلستدالل والتعويض مع فرض وجود طريقين للنجاشي هو أن ظاهر‬
‫كالم النجاشي الذي ذكر طريقين إلى كتب (ابن فضال) أن نسخة تلك الكتب‬
‫التي نقلت له بالطريق الصحيح بنفس النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف‪ ،‬وال‬
‫يحتمل عقالئيا اختالف النسختين الضعيفتين‪ ،‬وذلك ألن المفروض أن من وقع‬
‫بعد الشيخ ثقة‪ ،‬فال يحتمل أنه أعطى نسخة إلى الشيخ ورواها عن (ابن فضال)‬
‫ونسخة أخرى إلى النجاشي‪ ،‬وفرضها كذباً‪ ،‬نفس ذلك الكتاب‪ ،‬ورواها عنه‪.‬‬
‫كما ال يحتمل وجود نسختين مختلفتين من ذلك الكتاب عند الثقة‪ ،‬ولم ينبّه‬
‫الشيخ وال النجاشي باختالف النسختين‪ ،‬أو هو لم ينتبه إلى اختالف النسختين‪ ،‬مع‬
‫وجود هما عنده‪ ،‬رغم ما هو المتعارف لديهم من التدقيق في متون األخبار‪،‬‬
‫والقراءة المقابلة ونحو ذلك‪.‬‬
‫وبهذا الوجه يمكن تصحيح طريق الشيخ إلى (علي بن حسن فضال) الذي هو‬
‫ضعيف بــ الزبيري) حيث قال الشيخ‪« :‬أخبر بكتبه قراءة عليه أكثرها‪ ،‬والباقي‬
‫اإلثنين‪29 :‬ج‪1441 -2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الزبيري سماعاً‪ ،‬واجازة‪ ،‬عن علي‬


‫‪1‬‬
‫اجازة» أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن‬
‫‪ 1‬النجاشي في فهرسته له طريقان‬
‫بن حسن بن فضال‪ ،‬والزبيري لم تثبت وثاقته‪ ،‬لكن‬
‫الشيخ‪ ،‬والمباشر لهما في هذا الطريق‬
‫‪1‬‬ ‫إلى كتب ابن فضال‪ :‬أحدهما‪ :‬نفس طريق‬
‫‪1‬‬ ‫هو (أحمد بن عبدون)‪.‬‬
‫‪1‬أخرين‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫واآلخر‪ :‬طريق صحيح‪ ،‬وهو محمد بن جعفر في‬
‫‪‬جميع الكتب التي سماها الشيخ‬
‫سعيد عن علي بن الحسن‪ ،‬وقد سمى النجاشي‬
‫(قدهما)‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬وهو أوسع من الوجوه الماضية‪.‬‬
‫ال‬
‫وحاصله‪ :‬أننا إذا وجدنا طريقاً ضعيفاً من الشيخ (قده) إلى (أحمد بن عيسى) مث ً‬
‫ولكن طريق الصدوق (قده) إليه كان صحيحاً في المشيخة‪ ،‬نحكم بصحة‬
‫الحديث الذي يرويه الشيخ(قده) عن (أحمد بن عيسى) بذاك الطريق الضعيف‬
‫ال في طريق الشيخ(قده) أم ال‪ ،‬وذلك باعتبار أن‬
‫سواء أكان الصدوق(قده) داخ ً‬
‫طريق الشيخ (قده) إلى الصدوق صحيح‪ ،‬وبعدئذ فيتلفق من طريق الشيخ(قده)‬
‫ومن الصدوق(قده) ومن الصدوق (قده) إلى أحمد بن عيسى(قده) وهذا واضح‪...‬‬
‫الثالثاء‪16 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫بسم هلال الرحمن الرحيم‬
‫‪1‬باألحرى إلى النظرية التعويض‪،‬‬
‫انته ينا في البحث السابق الى قاعدة التعويض أو‬
‫وتكون ضعيفة بعض شيء فيمكن‬
‫‪1‬‬ ‫ألجل تصحيح سند األحاديث قد تريد إلينا‬
‫‪1‬‬ ‫تصحيح بعضها بالنظرية التعويض‪.‬‬
‫‪1‬الرفع و الوضع وضعفهما إلثبات‬
‫وفي المقام لما وقع اإلشكال في السند حديثي‬
‫‪ ‬بعض الفقها بالنظرية التعويض‬
‫البراءة الشرعية التي هي محل الكالم فهنا تمسك‬
‫لتصحيح الروايتين حديث الرفع تارة وحديث الوضع أخرى‪ ،‬فنحن قلنا أنه البد‬
‫من اإلشارة إلى هذه النظرية ولو على نحو االختصار ألهمية ها وفائدة ها لتصحيح‬
‫اخبار الضعيفة الكثيرة وخصوصاً المهم التي تكون مورد الحاجة‪ ،‬والغاية من هذه‬
‫النظرية كما عرفتم ودفع اإلشكال سند الحديث وتصحيح هذا السند بشكل ما‪،‬‬
‫ألجل العمل بهذا الحديث وبعد التصرف في السند‪ ،‬و فرض تصرف بالسند بأحد‬
‫وجوه في هذه النظرية‪ :‬الوجه األول تكون تصرف في بعض السند فتارة يتصرف‬
‫في المقطع األول من هذا السند الذي فيه الشخص الضعيف غير الثقة‪ ،‬وأخرى‪:‬‬
‫في المقطع الثاني فسوف نوضح ذلك‪ ،‬وثالثة‪ :‬يكون تصرف في تمام سند‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ال‬
‫اما الوجه األول التصرف في المقطع األول من جهة وجود نقطة الضعف‪ ،‬فمث ً‬
‫نفرض ضعف سند الشيخ الطوسي (قده) إلى احمد بن عيسى الثقة وكان سبب‬
‫ال نقول روى الشيخ عن (الف) عن (باء) عن العطار عن‬
‫الضعف وجود العطار‪ ،‬مث ً‬
‫(س) عن احمد بن عيسى‪ ،‬هذه الرموز ثقة‪ ،‬لكن في الوسط العطار غير ثقة‪ ،‬فهذه‬
‫الثالثاء‪16 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫الرواية ضعيفة السند ال يمكن العمل بها‪.‬‬
‫طوسي(قده) روى هذه الرواية عن (ج) و‬
‫ولكن من جهة أخرى نرى ان الشيخ ‪1‬‬
‫(س) موجود في الروية الثانية‪ ،‬اال‬
‫‪1‬‬ ‫عن (د) وعن (هـ) روى عن كتب (س)‪ ،‬كان‬
‫‪1‬عن كتب وروايات (س) فـ (س)‬
‫ال و(هـ) روى‬
‫ان الشيخ روى عن (ج) عن (د) مث ً‬
‫عن باء وعن العطار وهذا المقطع‬
‫‪1‬‬ ‫ثقة‪ ،‬فإذا نعوض ونبدل رواية الشيخ عن (الف)‬
‫‪ ‬وعن (س) الموجود في السند‬
‫نبدل بأن الشيخ روى عن (ج) عن (د) عن (هـ)‬
‫حديث األول‪ ،‬ولكن عن روايات وكتب س عن احمد عيسى فإذ ًا ابدلنا مقطع‬
‫األول‪.‬فهذا نحو تصحيح الحديث‪.‬‬
‫الوجه الثاني لتصحيح السند ايضاً نعبر بمقطع الثاني‪.‬‬
‫روى الشيخ عن (الف) عن (باء) عن العطار عن (س) عن احمد بن عيسى‪ ،‬ولكن‬
‫الشيخ الطوسي عنده طريق آخر‪ ،‬وروى عن (باء) وبدل عطار عن (ج) عن (هـ)‬
‫عن احمد بن عيسى أو كتب ورواياته‬
‫وهذا الوجه‪ :‬جوهره في الحقيقة‪ ،‬هو جوهر الوجه األول ولكن يختلف عنه في‬
‫أسلوبه‪ ،‬إذ في الوجه األول فرض أن الطريق الصحيح يكون إلى ثقة بعد‬
‫الضعيف‪ ،‬وفي هذا الوجه يفرض كون الطريق الصحيح من الثقة قبل الضعيف‬
‫إلى الثقة بعده‪.‬‬
‫ال؛ إلى صاحب كتاب في‬
‫الوجه الثالث‪ :‬عبارة عن تعويض تمام «سند الشيخ» مث ً‬
‫ال‪ ،‬إلى‬
‫رواية ينقلها عن ذاك الكتاب‪ ،‬إذا كان سنده إليه ضعيفاً «بسند النجاشي» مث ً‬
‫صاحب الكتاب‪ ،‬إذا كان سند النجاشي إليه صحيحاً‪.‬‬
‫الثالثاء‪16 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫حديثاً‪ ،‬وكان في سند الشيخ إليه‬


‫‪1‬‬
‫ال‪ :‬لو فرضنا أن الشيخ روى عن (ابن فضال)‬
‫مث ً‬
‫‪1‬‬ ‫ضعيفاً‪ ،‬وكان للنجاشي إليه سند تام‪.‬‬
‫بشرط أن يكون الشخص الذي وقع‬
‫‪1‬‬ ‫فباإلمكان تعويض سند الشيخ‪ ،‬بسند النجاشي‬
‫‪1‬‬‫بعد الشيخ مباشرة ثقة‪ ،‬وكذلك بعد النجاشي‪.‬‬
‫يوجد طريقان إلى (ابن فضال)‬
‫‪1‬‬ ‫ونفترض أن للنجاشي ولو من باب الصدفة‬
‫ضعف‪ ،‬واآلخر طريق صحيح‪،‬‬ ‫أحدهما نفس طريق الشيخ المشتمل على ال‬
‫‪‬‬

‫ونفترض أيضاً‪ :‬أن النجاشي لم يكتف بقوله بنحو اإلجمال‪« :‬أخبرنا بجميع كتبه‬
‫صرح باسم الكتب‪ ،‬وكذلك الشيخ‪ ،‬ورأينا أن الكتب التي‬ ‫فالن عن فالن» بل ل‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ‪ ،‬نبدل (سند الشيخ) الذي فيه ضعف‬ ‫سماها النجاشي أيضاً‬
‫سماها الشيخ قد ل‬
‫ل‬
‫بسند (النجاشي) الصحيح‪.‬‬
‫وأما وجه اإلستدالل والتعويض مع فرض وجود طريقين للنجاشي هو أن ظاهر‬
‫كالم النجاشي الذي ذكر طريقين إلى كتب (ابن فضال) أن نسخة تلك الكتب‬
‫التي نقلت له بالطريق الصحيح بنفس النسخة التي نقلت له بالطريق الضعيف‪ ،‬وال‬
‫يحتمل عقالئيا اختالف النسختين الضعيفتين‪ ،‬وذلك ألن المفروض أن من وقع‬
‫بعد الشيخ ثقة‪ ،‬فال يحتمل أنه أعطى نسخة إلى الشيخ ورواها عن (ابن فضال)‬
‫ونسخة أخرى إلى النجاشي‪ ،‬وفرضها كذباً‪ ،‬نفس ذلك الكتاب‪ ،‬ورواها عنه‪.‬‬
‫كما ال يحتمل وجود نسختين مختلفتين من ذلك الكتاب عند الثقة‪ ،‬ولم ينبله‬
‫الشيخ وال النجاشي باختالف النسختين‪ ،‬أو هو لم ينتبه إلى اختالف النسختين‪ ،‬مع‬
‫وجود هما عنده‪ ،‬رغم ما هو المتعارف لديهم من التدقيق في متون األخبار‪،‬‬
‫الثالثاء‪16 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫والقراءة المقابلة ونحو ذلك‪.‬‬
‫(علي بن حسن فضال) الذي هو‬
‫‪1‬‬ ‫وبهذا الوجه يمكن تصحيح طريق الشيخ إلى‬
‫بكتبه قراءة عليه أكثرها‪ ،‬والباقي‬
‫‪1‬‬ ‫ضعيف بــ الزبيري) حيث قال الشيخ‪« :‬أخبر‬
‫الزبيري سماعاً‪ ،‬واجازة‪ ،‬عن علي‬
‫‪1‬‬ ‫اجازة» أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن‬
‫‪ 1‬النجاشي في فهرسته له طريقان‬
‫بن حسن بن فضال‪ ،‬والزبيري لم تثبت وثاقته‪ ،‬لكن‬
‫الشيخ‪ ،‬والمباشر لهما في هذا الطريق‬
‫إلى كتب ابن فضال‪ :‬أحدهما‪ :‬نفس طريق‪‬‬

‫هو (أحمد بن عبدون)‪.‬‬


‫واآلخر‪ :‬طريق صحيح‪ ،‬وهو محمد بن جعفر في أخرين‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫سعيد عن علي بن الحسن‪ ،‬وقد سمى النجاشي جميع الكتب التي سماها الشيخ‬
‫(قدهما)‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬وهو أوسع من الوجوه الماضية‪...‬‬
‫االربعاء‪17 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في البحث السابق الوجوه التي يمكن ان تقع في النظرية التعويض‪،‬‬


‫تقدم الكالم في الوجه األول و الوجه الثاني و كذلك في الوجه الثالث‬
‫لنظرية التعويض‪ ،‬اال ّ ان هناك‬
‫‪ ‬بصورة أحسن وأجلى‪ ،‬وفي‬
‫استدراك على الوجه الثالث لنظرية التعويض‪،‬‬
‫هذا الوجه هناك تعويض سند لحديث ضعيف بسند لحديث قوي‪ ،‬نمهد‬
‫اوالً بذكر مثال‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫روى الشيخ الطوسي عن (ب ثقة) عن (ج ضعيف) عن (س ثقة) عن مسند‬
‫بن فضال فالنتيجة السند ضعيف‪.‬‬
‫سند صحيح‪ :‬روى النجاشي عن (ش) عن (ص) عن (ك) عن مسند ابن‬
‫فضال(سند صحيح)‪.‬‬
‫سند ضعيف‪ :‬روى النجاشي عن (ب) عن (ج ضعيف) عن (س) عن مسند‬
‫ابن فضال (سند ضعيف)‪.‬‬
‫فهل هناك فرضان من باب الصدفة وجد للنجاشي طريقان إلى ابن فضال‬
‫كما تقدم وكان أحد هم صحيح واآلخر ضعيف وكان بنفس سند الشيخ‬
‫إليه؟‪.‬‬
‫أن النجاشي في روايته صرح باسم الكتاب عن (مسند بن فضال) وكذلك‬
‫الشيخ صرح في روايته باسم الكتاب (عن مسند ابن فضال)‪.‬‬
‫التطبيق‪ :‬نبدل سند الشيخ وفيه ضعف‪ ،‬بسند النجاشي (الصحيح) إلى‬
‫االربعاء‪17 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المسند‪.‬‬
‫بيانه‪ :‬أن ظاهر النجاشي الذي فرض عنده طريقين إلى مسند ابن فضال‪ ،‬أن‬
‫نسخة تلك الكتب (كالمسند) التي نقلت له بطريق صحيح نفس نسخة‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫الكتب (كالمسند) التي نقلت بطريق ‪‬‬

‫وال يحتمل عقالئي ًا اختالق النسختين الضعيفتين وذلك ألن المفروض أن‬
‫من وقع بعد الشيخ ثقة (ب) فال يحتمل أنه أعطى نسخة إلى الشيخ عن‬
‫مسند ابن فضال وأعطى نسخة أخرى غيرها إلى النجاشي‪ ،‬فالنسختان‬
‫واحدة‪.‬‬
‫كما ال يحتمل وجود نسختين مختلفتين من مسند فضال عند الثقة (ب) ومع‬
‫ذلك لم ينبّه الشيخ أو النجاشي باختالف النسختين؟‬
‫أو هو لم يتنبه إلى اختالفهما رغم ما هو المتعارف عنهم من التدقيق‬
‫والقراءة المقابلة‪.‬‬
‫وبعد منع هذين االحتمالين وثبوت اتحاد النسختين الضعيفتين وعدم الغفلة‬
‫منه‪.‬‬
‫بعد تمهيد المقدمة‪ :‬نقول‪ :‬انه يمكن تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضال‬
‫بالزبيري الضعيف‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لما قال الشيخ الطوسي(قده) أخبرنا الثقة (أحمد بن عبدون=ب)‬
‫بالقراءة واإلجازة عن (علي الزبيري=ج) الضعيف بالسماع وباإلجازة عن‬
‫االربعاء‪17 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ابن فضال‪ ،‬وكان اإلخبار بالقراءة على كتبه‪ ،‬أو باإلجازة‪ ،‬فنطمئن أن‬
‫الواصل إلى الشيخ هو (عن مسند ابن فضال‪ ،‬وإن كان في الطريق (ج) =‬
‫الزبيري غير الثقة‪ ،‬ثم وصل إلى النجاشي نفس الكتاب تارة بسند ضعيف‬
‫النجاشي‪ :‬أخبرنا (س= محمد بن‬
‫(الزبيري) وأخرى بسند صحيح‪ :‬قال‪ :‬‬

‫جعفر) عن (ص= أحمد بن سعيد) عن (ك = الثقة) سماع ًا إجازة‪ ،‬عن مسند‬


‫ابن فضال‪.‬‬
‫فلما كانت نفس الرواية موجودة في (مسند ابن فضال فنغض الطرف عن‬
‫رواية الزبيري‪ ،‬ونقول كان كتاب المسند بروايته وصل إلينا قطعاً على طريق‬
‫النجاشي فتصح الرواية التي في طريقها ضعف بالزبيري بهذه الطريقة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬وهو أوسع من الوجوه الثالثة الماضية‪ ،‬تعويض سند بسند مع‬
‫تصريح بكتاب خاص‪ ،‬بخالف الوجه الثالث‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أننا إذا وجدنا طريقاً ضعيفاً من الشيخ (قد) إلى (أحمد بن عيسى)‬
‫ال ولكن طريق الصدوق (قده) إليه كان صحيحاً في المشيخة‪ ،‬نحكم‬
‫مث ً‬
‫بصحة الحديث الذي يرويه الشيخ(قده) عن (أحمد بن عيسى) بذاك الطريق‬
‫ال في طريق الشيخ(قده) أم ال‪.‬‬
‫الضعيف سواء أكان الصدوق(قده) داخ ً‬
‫وذلك‪ :‬باعتبار أن طريق الشيخ (قده) إلى الصدوق صحيح‪ ،‬وبعدئذ فيتلفق‬
‫من طريق الشيخ(قده) إلى الصدوق(قده) ومن الصدوق (قده) إلى أحمد‬
‫بن عيسى(قده) وهذا واضح‪.‬‬
‫االربعاء‪17 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ولكن هنا إشكال واضح‪ :‬وهو‪ :‬أن الصدوق(قده) في المشيخة يذكر طرقه‬
‫الصحيحة إلى الروايات التي رواها في (من ال يحضره الفقيه) موجودة فيه‪.‬‬
‫وأما وهذه الرواية الضعيفة للشيخ التي نريد تصحيحها غير موجودة في‬
‫موجودة في (من ال يحضره الفقيه)‬
‫الفقيه‪ ،‬واال لو كانت الرواية الضعيفة‪ ،‬‬

‫لطريق صحيح لعلمنا بها وعملنا بها ابتداءا‪ ،‬بال حاجة إلى تهذيب الشيخ‪،‬‬
‫ولكن هذه الرواية الضعيفة موجودة في كتاب التهذيب للشيخ‬
‫الطوسي(قده)‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬كيف نعرف أن هذه الرواية الموجودة في كتابه التهذيب هي‬
‫بنفسها يرويها الصدوق(قده) أيضاً بذلك الطريق الصحيح؟‬
‫ولدفع اإلشكال‪ :‬ال بد أن نتمسك بما ذكره الشيخ الطوسي(قده) من الحوالة‬
‫في آخر مشيخته في التهذيب واالستبصار‪ ،‬على فهارس الشيوخ حيث‬
‫قال(قده)‪ :‬فيهما «قد اوردت جمال من الطرق الى هذه المصنفات و االصول‬
‫مذكورة في الفهارس المصنفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم هّالل من اراده‬
‫أخذه من هناك‪ »)1(...‬ومن هذا التعبير يظهر أن تمامية الرجوع إلى المشيخة‬
‫للصدوق ليصحح سند خبر الشيخ الضعيف مبنية على دعوى‪ :‬في مقام‬
‫تصحيح سند خبر ذكره الشيخ (قده) إلى مشيخة الصدوق(قده) مبنية على‬
‫دعوى‪ :‬أن مقصود الشيخ(قده) في هذا الكالم ليس هو الحوالة على‬

‫(‪)1‬تهذيب األحكام؛ المشيخة‪ ،‬ص‪88 :‬‬


‫االربعاء‪17 :‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫خصوص فهارس الشيوخ الواصلة إليه‪ ،‬بل المستظهر من كالمه‪ :‬أنه حوالة‬
‫على القضية الخارجية‪ ،‬يعني الفهارس الموجودة للشيوخ مطلقا‪ ،‬ومن أظهر‬
‫مصاديقها (مشيخة الصدوق) التي بظاهر ها أنها مشيخة لخصوص الروايات‬
‫‪‬‬ ‫من ال يحضره الفقيه‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإطالق كالم الشيخ (الفهارس المصنفة) شامل لذلك‪ ،‬بل يدل على‬
‫أكثر من ذلك وهو‪ :‬إن نفس الطرق الصدوق (قده) إلى أصحاب هذه‬
‫المصنفات‪ ،‬هي موجودة للشيخ أيضاً‪ ،‬بالنسبة إلى الروايات التي ذكرها في‬
‫التهذيب وغيره‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أنه لم نقطع بهذا الظهور المطلق المذكور في كالم الشيخ‬
‫(الفهارس المصنفة) الشامل لمشيخة الصدوق لم يتم هذا الوجه الرابع‪.‬‬
‫هذا بعض الكالم في تو ضيح نظرية التعويض وموارد تطبقها‪.‬‬
‫وهناك بعض النقد واإلبرام يتعلق بهذه الوجوه‪ ،‬تركناها لكتب الرجال‬
‫وبحوثها‪.‬‬
‫السبت‪20:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫في البحث السابق انتهينا من عرض نظرية التعويض أو قاعدة التعويض‬


‫وذكرنا أنه ال خالف ظاهراً بين الرجاليين المتأخرين‪ ،‬بل بين العلماء في‬
‫االعتماد على هذه النظرية‪ ،‬اال انه هناك قد وقع بعض الخالف في بعض‬
‫‪‬‬
‫المصاديق‪ ،‬يعني في مجال تطبيق‪ ،‬وهو أمر آخر‪ ،‬وعليه ال نتكلم وال حاجة‬
‫إلى الدخول في موضوع نقد واإلبرام على هذه النظرية تركناها خوف ًا من‬
‫اإلطالة‪ ،‬وكيفما كان‪ :‬ففي خصوص حديث (وضع الستة) قد عرف أننا ال‬
‫نحتاج في مقام تصحيح الخبر وصوالً إلى خصوص أحمد بن عيسى إلى‬
‫ال‪ ،‬وذلك ألن الحديث مأخوذ من نوادره‪ ،‬وسند‬
‫نظرية التعويض أص ً‬
‫صاحب الوسائل (قده) إلى النوادر عن طريق الشيخ (قده) تام في ذاته‪،‬‬
‫فاإلشكال منتف بقطع النظر عن نظرية التعويض‪ ،‬وعليه‪ :‬فيكون السند إلى‬
‫النوادر تاماً‪.‬‬
‫نعم‪ :‬هناك اشكال آخر في هذا الحديث‪ ،‬وهو من ناحية رواية أحمد بن‬
‫عيسى لهذا الحديث عن اسماعيل الجعفي الذي وقع مورد التوثيق‬
‫والتضعيف‪ ،‬وال يمكن تجاوز هذا اإلشكال لتصحيح سند الحديث‪ ،‬ويأتي‬
‫التعرض له الحقاً‪.‬‬
‫تحصل مما ذكرناه‪ :‬أن السيد الشهيد(قده) تكلم في سند الحديث في‬
‫مقامين‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في سند حديث الوضع والمقام الثاني‪ :‬في سند حديث الرفع‪.‬‬
‫السبت‪20:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الكالم في المقام األول‪ :‬وهو حديث الوضع‪:‬‬


‫يسى فِي‬ ‫َ‬
‫وهو متمثل برواية الوسائل التي تنتهي إلى َأحم ُد بن محم ِد ب ِن عِ‬
‫ْ َ ْ ُ ُ َ َّ ْ‬
‫اّلل (ع)‪« :‬قَال سمِعته يقُول‪ :‬و ِ‬
‫ض َع‬ ‫نو ِاد ِر ِه عن ِإسماعِيل ال ْجعفِي عن َأبِي عب ِد ه ِ‬
‫َ َ ُُْ َ ُ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ُ ْ ِّ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬‬
‫خ َطأُ َو النِّ ْسيَا ُن َو َما ْاستُكْر ُهوا َعلَيْه‪َ -‬و َما َال‬ ‫صال‪ -‬ال ْ َ‬ ‫خ‬‫ت ِ‬
‫ُّ‬ ‫عن ه ِذ ِه ْاألُم ِة ِ‬
‫س‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اضطُ ُّروا ِإلَي ْ ِه‪»)1(.‬‬ ‫ون َو َما َال يُطِيق َ‬
‫ُون َو َما ْ‬ ‫ي َ ْعل َ ُم َ‬
‫وقد ورد فيها محل الشاهد‪ ،‬وهو فقرة (ماال يعلمون)‪.‬‬
‫وتقع المناقشة في سنده من جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في رواية صاحب الوسائل(قده) بل هذا الحديث عن نوادر‬
‫احمد بن محمد عيسى‪ ،‬ومن هذه الجهة االشكال مرفوع ألن صاحب‬
‫صرح بأن هذا الحديث مأخوذ من كتاب النوادر ألحمد بن‬
‫الوسائل (قده) َ‬
‫عيسى‪ ،‬وقد نقل صاحب الوسائل (قده) هذا الحديث عن طريق الشيخ(قده)‬
‫فاإلشكال منتف من دون حاجة إلى (نظرية التعويض)‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في أن الراوي لهذا الحديث عن اإلمام الصادق(ع) هو‬
‫اسماعيل الجعفي‪.‬‬
‫وتحقيق الحال‪ :‬بلحاظ هذا الراوي‪ ،‬حيث حاله وأمره مردد بين عدة‬
‫اشخاص‪ ،‬فقد ذكر النجاشي (قده) في فهرسته‪ :‬أن (إسماعيل ابن جابر‬
‫الجعفي) روى عن الصادقين(ع) وهو الذي روى حديث األذان‪ ،‬وله كتاب‪،‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة؛ ج‪ ،23‬باب‪ 16‬من ابواب كتاب اإليمان‪ ،‬ح‪3‬‬


‫السبت‪20:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكره ابن الوليد في فهرسته‪ ،‬ولم يوثقه‪.‬‬


‫وذكر الشيخ الطوسي(قده) تارة في فهرسته ورجاله‪ ،‬وعنوان اسماعيل بن‬
‫جابر بدون اللقب‪ ،‬وقال‪ :‬له كتاب‪ ،‬وذكره في اصحاب موسى بن جعفر(ع)‬
‫‪‬‬
‫وأنه روى عن الصادقين(ع) ولكنه لو يوثقه‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬عنوان اسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي بنحوين‪:‬‬
‫تارة في اصحاب اإلمام الصادق(ع) من دون توثيق له‪ ،‬وأخرى في أصحاب‬
‫ال عنه ثقة ممدوح‪ ،‬له أصول‪ ،‬ورواه عنه صفوان ابن‬
‫اإلمام الباقر(ع) قائ ً‬
‫يحيى‪.‬‬
‫وقد ظهر أن النص على التوثيق إنما ورد بشأن (الخثعمي) بينما راوي‬
‫حديث (وضع الستة) هو إسماعيل الجعفي‪ ،‬فكيف نثبت وثاقة إسماعيل‬
‫الجعفي؟‪.‬‬
‫والجواب عن هذا اإلشكال بطريقين‪:‬‬
‫جواب األول‪ :‬هو تبعيد احتمال التعدد في المقام (احتمال التعدد بعيد)‬
‫والبد من توحيدهما بافتراض انطباق (الجعفي) على الخثعمي كيف؟ كما‬
‫لو فرض أن خثعم حي من األحياء‪ ،‬وان الجعفي نسبة إلى رأس تلك القبيلة‬
‫ال‪ -‬وهكذا‪.‬‬
‫والحي ‪-‬مث ً‬
‫َ‬
‫أو فرض أن كلمة الخثعمي خطأ وتصحيف لكلمة الجعفي وهي الصحيحة‬
‫لتشابههما وتقاربهما في الكتابة‪.‬‬
‫السبت‪20:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أو فرض أن كلمة الجعفي هي الخطأ‪ ،‬والصحيح هو الخثعمي كما اختاره‬


‫بعض الرجاليين‪.‬‬
‫ثم أفاد (قده)‪ :‬الواقع أن استبعاد (احتمال التعدد) في المقام في محله‪ ،‬واال‬
‫‪‬‬
‫لزم محاذير كثيرة على فرض التعدد‪ ،‬مما يبعَد احتمال التعدد‪.‬‬
‫مضاف ًا إلى أن بعض المدققين من الرجاليين جزم بالوحدة بينهم‪.‬‬
‫الجواب الثاني‪ :‬هناك طريق آخر لتوثيق (إسماعيل بن جابر الجعفي) بقطع‬
‫النظر عن اتحاده مع الخثعمي) وهو ان سند النجاشي إلى (الجعفي) ينتهي بـ‬
‫صفوان‪ ،‬وهو أحد الثالثة الذين شهد الشيخ (قده) بأنهم ال يروون اال عن‬
‫ثقة‪ ،‬واآلخران هما ابن أبي عمير و ابن ابي نصر‪ ،‬وقد روى صفوان عن كل‬
‫من إسماعيل الجعفي وإسماعيل بن جابر‪ ،‬فالرواية عن الثقة حتى على‬
‫فرض التعدد‪.‬‬
‫ولكن كال الطريقين ال يدفعان اإلشكال‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬هناك احتمال ثالث‪ :‬وهو احتمال أن يكون المراد من إسماعيل‬
‫الجعفي ليس الخثعمي‪ ،‬وليس إسماعيل بن جابر أيضاً حتى ينفع الطريقان‬
‫المتقدمان لتوثيقه‪.‬‬
‫بل المراد منه هو إسماعيل بن عبد الرحمان الجعفي‪ ،‬الذي لم يثبت توثيقه‪،‬‬
‫وال دليل على أنه متى ما ذكر عنوان إسماعيل الجعفي كان المقصود به‬
‫إسماعيل بن جابر الجعفي؟‬
‫السبت‪20:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وعليه‪ :‬فال يبعد أن النجاشي إنما نبَه على كون راوي األذان هو إسماعيل بن‬
‫جابر الجعفي‪ ،‬بنكتة أن المقصود من عنوان إسماعيل الجعفي في الروايات‬
‫عادة هو إسماعيل بن عبد الرحمان الجعفي‪ ،‬فلما كان المقصود من هذه‬
‫‪‬‬
‫الرواية هو خصوص ابن جابر احتاج ذلك الى التنبيه عليه‪ ،‬حتى ال يحمل‬
‫على ما هو المتعارف‪ ،‬ولهذا نبَه النجاشي على ذلك‪ ،‬فإذ ًا يبقى إسماعيل‬
‫الجعفي مردداً بين بين الثقة وغير الثقة‪ ،‬وال معيَن ألحدهما‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬لو سلمنا أن المراد من إسماعيل الجعفي في حديث وضع‬
‫الستة‪ ،‬هو إسماعيل بن جابر الجعفي الذي هو من أصحاب اإلمام الباقر(ع)‬
‫ولكن البد من أن نلتزم بوجود سقط في السند‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن أحمد بن عيسى‬
‫لم ينقل عمن نقل عن اإلمام الباقر(ع) أو الصادق(ع) مباشرة‪ ،‬اال َ بواسطة‬
‫واحدة أو واسطتين‪ ،‬ولكن هنا الواسطة غير معلومة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه لم يثبت سند حديث الوضع‪.‬‬
‫األحد‪21:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق فيما ذكره السيد الشهيد الصدر األول(قده)‬
‫عند التكلم في المقام األول عن الحديث الوضع عن الستة‪ ،‬ذكر أنه لم‬
‫يثبت سند حديث الوضع‪ ،‬المحاوالت التي ذكرت‪ ،‬قد ردت‪ ،‬وال يمكن‬
‫‪‬‬
‫اعتماد على سند حديث الوضع‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬وهو حديث الرفع‬
‫وهذا الحديث مذكور في كتب (الخصال‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والفقيه)‪.‬‬
‫وقد ذكرنا ضعف سنده بــ أحمد بن محمد بن يحيى العطار‪ ،‬وهو لم يثبت‬
‫توثيقه‪ ،‬اال ّ بناءاً على قاعدة وثاقة مشايخ المحمدين الثالثة‪ ،‬وبما أن وقد‬
‫التزم به جماعة‪ ،‬وبما أن المذكور من مشايخ الصدوق (ره) حيث روى عنه‬
‫هذا الحديث‪ ،‬فيكون ثقة‪.‬‬
‫ولعل الشيخ األعظم والسيد الخوئي(قدهما) عبّر عنه بالصحيح‪ ،‬بناءاً على‬
‫صحة (القاعدة) كما هو المعروف بين جملة من األكابر‪.‬‬
‫ولكن قد تقدم عدم ثبوت هذه القاعدة حتى عند السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يمكن تصحيح ضعف سند الحديث عن طريق (نظرية التعويض)‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أن أحمد العطار نقل هذا الحديث عن سعد بن هّ‬
‫عبدال‪ ،‬وللشيخ‬
‫الطوسي طريق صحيح إلى جميع كتب سعد بن هّ‬
‫عبدال‪ ،‬و رواياته خالي ًا من‬
‫أحمد العطار‪.‬‬
‫األحد‪21:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وعليه‪ :‬فرواية الخصال (حديث الرفع) قطعاً وصلت إلى الشيخ (قده) وقد‬
‫ذكر (قده) في فهرسته أنه قد أخبر بروايات سعد بن هّ‬
‫عبدال بطريق صحيح‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬هناك طريق صحيح‪ ،‬قد أوصل الرواية إلى الشيخ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫نعوض عن الطريق الموجود في الحديث المشتمل على أحمد‬
‫فبالنتيجة‪ّ :‬‬
‫العطار بسند الشيخ الصحيح إلى سعد بن هّ‬
‫عبدال وإلى كتبه ورواياته‪.‬‬
‫وبذلك يصحح الحديث ويتم سنداً‪ .‬وأما داللة فكذلك كما سيأتي‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد عقد البحث في حديث الرفع في جهات‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في سند الحديث فذكر (دام ظله) أن حديث الرفع ضعيف‬
‫بهذا السند المشتمل على أحمد العطار‪ ،‬الذي لم يثبت توثيقه وال يكفي في‬
‫توثيقه كونه من مشايخ الصدوق (ره)‪.‬‬
‫وما ذكره السيد الشهيد(قده) من المحاولة لتصحيح هذا الحديث‪:‬‬
‫بدعوى‪ :‬صحة طريق الشيخ إلى سعد بن هّ‬
‫عبدال‪ ،‬حيث روى جميع كتبه‬
‫نبدل المقطع‬
‫ورواياته عنه‪ ،‬بطريق صحيح في الفهرست‪ ،‬وبقاعدة التعويض‪ّ ،‬‬
‫من الصدوق إلى سعد بن عبد هّال المشتمل على أحمد العطار‪ّ ،‬‬
‫ونعوضه‬
‫بمقطع آخر‪ ،‬وهو طريق الشيخ (قده) إلى سعد بن عبد هّال‪ ،‬وهو طريق‬
‫صحيح‪ ،‬فيكون الحديث معتبر ًا بذلك‪.‬‬
‫األحد‪21:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فهذه المحاولة غير تامة‪ ،‬ألنها مبنية على أن قول الشيخ في الفهرست‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫«أخبرنا بجميع كتب وروايات سعد بن هّ‬
‫عبدال» يشمل كل ما ينسب إلى‬
‫سعد من الروايات أو كان واقعاً في سندها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ولكن‪ :‬ذلك االطالق والشمول مشكل‪ ،‬بل غير ممكن‪ ،‬ألن ظاهر قوله في‬
‫الفهرست هو أن كل ما يكون مسنداً إلى سعد من كتبه أو رواياته التي بدأ‬
‫الشيخ السند به فهو واصل إلى الشيخ بطريق معتبر‪.‬‬
‫والحال أن هذا الحديث ليس رواية له‪ ،‬بل هو رواية الصدوق(ره) وقد وقع‬
‫في سندها (سعد بن هّ‬
‫عبدال)‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن قول الشيخ في الفهرست ال يعم وال يشمل كل رواية وقع في‬
‫سندها (سعد) بل يختص بروايات كتبه التي بدأ سندها بــ (سعد)‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ :‬فحديث الرفع ضعيفة سنداً‪ ،‬وال يمكن تصحيح سنده‬
‫بما ذكره‪ ،‬فال يمكن االستدالل به على البراءة الشرعية‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وفيه تأمل يأتي إن شاء هّال‪.‬‬
‫وأما حديث الوضع‪ :‬الذي نقله الوسائل عن نوادر أحمد بن عيسى عن‬
‫إسماعيل الجعفي عن اإلمام الصادق(ع)‪ ،‬فيقع الكالم في سندها من جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في تشخيص إسماعيل الجعفي‪ ،‬وتوثيقه‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في إمكان رواية صاحب النوادر عنه مباشرة‪.‬‬
‫األحد‪21:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في الجهة األولى‪ :‬فالظاهر أن إسماعيل الجعفي هو نفس‬


‫إسماعيل بن جابر الخثعمي‪ ،‬وال تعدد في البين‪ ،‬وذلك‪ :‬ألمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬لو كانا شخصين‪ ،‬لذكرهما الشيخ في رجاله‪ ،‬وال سيّما في‬
‫‪‬‬
‫الفهرست‪ ،‬ألن الفهرست معد لذكر أرباب الكتب واألصول‪ ،‬مع أنه (قده)‬
‫اقتصر في رجاله على ذكر إسماعيل بن جابر الخثعمي‪ ،‬وقال إنه كوفي ثقة‬
‫ممدوح‪ ،‬له أصول‪ ،‬رواها عنه صفوان بن يحيى‪.‬‬
‫وكيف يمكن توجيه غفلة الشيخ وسكوته عن إسماعيل بن جابر الجعفي‪،‬‬
‫مع أن النجاشي ذكره‪ ،‬وذكر أن له كتاباً رواه عن صفوان بن يحيى؟‬
‫وكيف يمكن سكوت النجاشي عن إسماعيل بن جابر الخثعمي وعدم ذكر‬
‫ال؟‬
‫اسمه‪ ،‬والتعرض له في رجاله أص ً‬
‫فالظاهر المطمئن به أن كل ذلك يدل على أن العنوانين لشخص واحد‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن جماعة من أرباب الكتب والرجال‪ ،‬نقلوا عن رجال الشيخ‬
‫أن إسماعيل بن جابر الجعفي ثقة وممدوح‪ ،‬له أصول‪ ،‬بدالً عن عنوان‬
‫إسماعيل بن جابر الخثعمي‪ ،‬وهذا يدل أيضاً على اتحادهما‪ .‬واحتمال الخطأ‬
‫مدفوع بالدقة والكثرة‪.‬‬
‫األحد‪21:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫األمر الثالث‪ :‬أن الموجود في التهذيب واالستبصار عنوان إسماعيل الجعفي‬


‫وإسماعيل بن جابر‪ ،‬فتارة يروي عن األول وأخرى يروي عن الثاني ولم‬
‫يرد ذكر من إسماعيل الخثعمي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وهذا يدل على اتحادهما مع الخثعمي‪ ،‬واال فال يحتمل أن الشيخ ذكر‬
‫ال ولو‬
‫الخثعمي في كتابيه (الرجال والفهرست) من دون أن يروي عنه أص ً‬
‫مرة واحدة‪ ،‬ال في االستبصار‪ ،‬وال في التهذيب؟ وهما من كتب الحديث‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن الظاهر أن العنوانين لرجل واحد‪ ،‬وقد وثقه الشيخ في رجاله‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثانية‪ :‬وهي في إمكان أن يروي أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى صاحب النوادر‪ ،‬عن إسماعيل الجعفي وعدمه‪.‬‬
‫االثنين‪22:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره شيخنا األستاذ (دام ظله) في السند حديث الرفع‬
‫حيث انتهينا إلى انه ذهب أن حديث الرفع ضعيفة سنداً وال يمكن تصحيح‬
‫سنده بما ذكره العلماء ومنهم السيد الشهيد الصدر(قده) وعليه فال يمكن‬
‫‪‬‬
‫االستدالل بحديث الرفع بالبراءة الشرعية‪.‬‬
‫وأما الحديث الوضع ايضاً ذكرنا في البحث السابق أن شيخنا األستاذ (دام‬
‫ظله) قال ان إسماعيل جعفي هو نفس إسماعيل خثعمي‪ ،‬وال تعدد في‬
‫البين‪ ،‬وذكر لتوضيح أمور ثالثة‪ ،‬واستشهد من هذه األمور أنه واحد‪،‬‬
‫فإذاً شيخنا األستاذ عقد البحث في الحديث الوضع في جهتين وتقدم‬
‫الكالم في الجهة األولى‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثانية‪ :‬وهي في إمكان أن يروي أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى صاحب النوادر‪ ،‬عن إسماعيل الجعفي وعدمه‪.‬‬
‫الظاهر عدم امكان ذلك‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن إسماعيل بن جابر الجعفي من‬
‫أصحاب اإلمامين الباقر والصادق(ع)‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إنه أدرك اإلمام الكاظم(ع)‪ ،‬وأما أحمد بن عيسى من أصحاب‬
‫اإلمامين الرضا والجواد(ع)‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يمكن أن يروى عنه مباشرة‪ ،‬وبال واسطة‪ ،‬الختالفهما في الطبقة‪.‬‬
‫االثنين‪22:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ودعوى‪ :‬احتمال بقاء (إسماعيل الجعفي) إلى زمان اإلمام الرضا(ع)‬


‫مدفوعة؛ إذ احتمال بقائه إلى زمان اإلمام الكاظم (ع) غير معلوم وغير‬
‫ثابت‪ ،‬فكيف يحتمل بقاؤه إلى زمان اإلمام الرضا(ع)؟‬
‫‪‬‬
‫بقي شيء‪ :‬وهو ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪ :‬من ان الشيخ شهد على وثاقة‬
‫كل من يروي عنه الثالثة (صفوان وابن أبي عمير‪ ،‬وابن أبي نصر)‪ ،‬وقد‬
‫روى صفوان عن كل اسماعيل الجعفي و اسماعيل بن جابر‪ ،‬وهذه الشهادة‬
‫تدل على وثاقتهما على ضوء حساب االحتماالت‪.‬‬
‫ولكن الكبرى غير ثابتة‪ :‬وهي عدم رواية صفوان اال عن الثقة وأن اإلجماع‬
‫المدعى على ذلك غير ثابت‪ ،‬كما ذكره السيد الخوئي(قده) في معجم‬
‫رجاله موسع ًا مضاف ًا إلى أنه قد ثبت روايته عن غير الثقة‪.‬‬
‫نعم لو حصل اطمئنان الشخصي بوثاقته بذلك‪ ،‬فهو حجة بالنسبة إليه‪ ،‬دون‬
‫غيره‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه قد تبيّن لحد اآلن‪ ،‬أنه ال يمكن تصحيح حديث الرفع المشتمل‬
‫على فقرة «ماال يعلمون» من ناحية السند‪.‬‬
‫ويظهر من ذلك أن تعبير شيخنا األنصاري (قده) عنه بالتصحيح في غير‬
‫محل ّه‪.‬‬
‫وكذلك ما ورد في بعض تقريرات السيد الخوئي(قده) لعله من سهو القلم‪.‬‬
‫االثنين‪22:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أقول‪ :‬إن السيد الشهيد(قده) لم يثبّت قاعدة وثاقة كل من يروي عنه صفوان‬
‫أو ابن أبي عمير وابن أبي نصر‪ ،‬وإنما ذكرها كطريق‪ ،‬ويذكر لتوثيق‬
‫إسماعيل بن جابر الجعفي‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه (قده) ذكر بعد ذلك‪ :‬أن هذا‬
‫‪‬‬
‫الطريق‪ ،‬وما قبله من الوجوه المذكورة الحتمال اتحاد الجعفي والخثعمي ال‬
‫يرفع اشكال ضعف سند حديث الوضع‪.‬‬
‫تحصيل مما ذكرناه‪ :‬أن ظاهر السيد الخوئي(قده) من عدم التعرض لسند‬
‫الحديث بل تصريحه في التقريرات بصحة سنده هو عدم ضعف حديث‬
‫الرفع ولهذا باشر في البحث عن داللة الحديث على البراءة الشرعية‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد ذهب إلى صحة حديث الرفع سنداً‪ ،‬اعتماداً‬
‫على ما ذكره من الوجوه على ذلك‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذهب على عدم تمامية سند حديثي الرفع‬
‫والوضع معاً‪ ،‬بل كل ما فيه فقرة (ماال يعلمون)‪ ،‬فال يستدل بهما على البراءة‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫الكالم في داللة حديث الرفع على فرض صحة سنده‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد تقدم منه تمامية اإلستدالل بالحديث الشريف‬
‫على البراءة الشرعية وأما البحث عن معارضته بأخبار االحتياط فسيأتي‬
‫التعرض له عند ذكر أدلة األخباريين إن شاء هّال تعالى‪.‬‬
‫ّ‬
‫االثنين‪22:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد جعل البحث في داللة الحديث في مقامات‬


‫ثالثة‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في داللة فقرة (ماال يعلمون) على البراءة في الجملة أو عدمها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في شمولها للشبهة الحكمية والموضوعية معاً‪ ،‬على تقدير‬
‫داللتها على البراءة‪ ،‬أو عدم شمولها‪.‬‬
‫المقام الثالث‪ :‬في فقه تمام الحديث‪.‬‬
‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬فهنا افتراضين‪:‬‬
‫أنا نفترض أن فقرة «رفع عن امتي ما ال يعلمون» منفصلة عن سائر فقرات‬
‫الحديث‪ ،‬ونفترض أن المراد بالموصول هو التكليف إلى أن يأتي البحث‬
‫عن سائر الجهات‪ ،‬وبناء ًا على هذين االفتراضين تدل الفقرة على معنى (رفع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ :‬في أن هذا الرفع للتكليف هل‬ ‫التكليف عند عدم العلم) فيقع الكالم‬
‫هو ظاهري حتى تدل على البراءة الشرعية المقصودة في المقام؟ أو هو رفع‬
‫واقعي للتكليف‪ ،‬فال يدل على البراءة الشرعية؟ بل يدل على العلم بعدم‬
‫التكليف واقعاً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن داللة فقرة (ماال يعلمون) على البراءة الشرعية مبنية على أن‬
‫يكون الرفع فيها ظاهرياً‪ ،‬ال واقعياً‪.‬‬
‫االثنين‪22:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإنه كما يوجد وضع ورفع واقعيان للتكاليف الشرعية‪ ،‬كوضع الصيام على‬
‫المكلفين واقعاً‪ ،‬وكرفعه عن المسافرين واقعاً كذلك يتصور رفع و وضع‬
‫ظاهريان للتكاليف الشرعية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬وضع وجوب االحتياط عند اشتباه التكليف‪ ،‬والشك فيه‪ ،‬ومن ثم‬
‫رفع ايجاب االحتياط من باب االمتنان على األمة‪.‬‬
‫ومن هنا يستظهر‪ :‬أن الحديث يدل على أن الوضع الظاهري‪ ،‬الذي هو عبارة‬
‫ال فهو‬
‫عن تسجيل التكليف وثبوته وتنجيزه‪ ،‬بإيجاب االحتياط ولو عق ً‬
‫مرفوع بحديث الرفع ظاهراً‪ ،‬ومعناه ثبوت البراءة الشرعية في الشبهات‪.‬‬
‫وقد استشكل البعض على هذا اإلستدالل بما حاصله‪:‬‬
‫الثالثاء‪23:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في داللة حديث الرفع على فرض صحة‬
‫سنده على أصالة البراءة الشرعية‪ ،‬قلنا أن السيد الخوئي(قده) تقدم الكالم‬
‫منه على تمامية اإلستدالل بهذا الحديث على البراءة الشرعية فال نعيد‪ ،‬وأما‬
‫‪‬‬
‫السيد الشهيد (قده) جعل البحث في داللة هذا الحديث في المقامات ثالثة‪،‬‬
‫المقام األول في داللة فقرة ماال يعلمون‪ ،‬خاصة على البراءة‪ ،‬المقام الثاني‬
‫في شموله على الشبهة الحكمية والموضوعية معاً؟ المقام الثالث في الفقه‬
‫الحديث تمامه بفقراته تسع‪ ،‬أما الكالم في المقام األول‪ :‬فهنا افتراضين‪:‬‬
‫أنا نفترض أن فقرة «رفع عن امتي ما ال يعلمون» منفصلة عن سائر فقرات‬
‫الحديث‪ ،‬ونفترض أن المراد بالموصول هو التكليف‪ ،‬فالنتيجة‪ :‬أن داللة‬
‫فقرة (ماال يعلمون) على البراءة الشرعية مبنية على أن يكون الرفع فيها‬
‫ظاهرياً‪ ،‬ال واقعياً‪.‬‬
‫فإنه كما يوجد وضع ورفع واقعيان للتكاليف الشرعية‪ ،‬كوضع الصيام على‬
‫المكلفين واقعاً‪ ،‬وكرفعه عن المسافرين واقعاً كذلك يتصور رفع و وضع‬
‫ظاهريان للتكاليف الشرعية‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬وضع وجوب االحتياط عند اشتباه التكليف‪ ،‬والشك فيه‪ ،‬ومن ثم‬
‫رفع ايجاب االحتياط من باب االمتنان على األمة‪.‬‬
‫ومن هنا يستظهر‪ :‬أن الحديث يدل على أن الوضع الظاهري‪ ،‬الذي هو عبارة‬
‫ال فهو‬
‫عن تسجيل التكليف وثبوته وتنجيزه‪ ،‬بإيجاب االحتياط ولو عق ً‬
‫الثالثاء‪23:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مرفوع بحديث الرفع ظاهراً‪ ،‬ومعناه ثبوت البراءة الشرعية في الشبهات‪.‬‬


‫وقد استشكل البعض على هذا اإلستدالل بما حاصله‪:‬‬
‫وقد استشكل البعض على هذا اإلستدالل بما حاصله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أن الرفع كما يمكن ان يكون ظاهرياً كما ذكرتم كذلك يمكن ان يكون‬
‫رفع ًا واقعياً‪ ،‬وبما أن حمل الرفع على الظاهري خالف الظاهر األولي لكلمة‬
‫الرفع الذي يراد به الرفع الواقعي‪ ،‬فإن اللفظ يحمل على معناه الواقعي‪ ،‬وأن‬
‫إرادة الرفع الظاهري بحاجة إلى مؤونة زائدة‪ ،‬ال داعي لها‪ ،‬إذاً‪ :‬البد‬
‫بمقتضى ظهور الحديث‪ ،‬من حمله على الرفع الواقعي‪ ،‬وبذلك تبطل داللة‬
‫الحديث على البراءة‪ ،‬لعدم الدليل على الرفع الظاهري‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬إن غرض األصولي من اثبات البراءة الشرعية‪ ،‬إنما هو تحصيل‬
‫المؤمن من العقاب‪ ،‬وهذا يثبت بالحديث‪ ،‬سواء فرض الرفع ظاهري ًا أو‬
‫واقعياً‪ ،‬الرتفاع التكليف على كال التقديرين‪ ،‬وحصول المؤمن‪ ،‬فال فرق‬
‫بين الحملين‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬إن الثمرة تظهر فيما لو قام دليل خاص (كقاعدة االشتراك)‬
‫وحصل القطع منه بشمول الحكم والتكليف الواقعي‪ ،‬حتى في صورة‬
‫الجهل‪ ،‬وفرض (عدم العلم) إذا كان التكليف ثابتاً في نفسه‪ .‬و مع قيام هذا‬
‫الدليل الخاص‪ ،‬فع ٍ‬
‫ندئذ لو قلنا بداللة حديث الرفع على البراءة الشرعية‬
‫والرفع الظاهري ثبت األمن من العقوبة‪.‬‬
‫الثالثاء‪23:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ولو قلنا‪ :‬بداللة الحديث على نفي ورفع الواقع بسبب (عدم العلم) فال يثبت‪،‬‬
‫وال يحصل األمن من العقاب‪ ،‬بل ال بد من االحتياط بإتيان التكليف‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المفروض أننا قاطعون باشتراك األحكام الواقعي بين العالم‬
‫‪‬‬
‫والجاهل وأن عدم العلم ال يرفع وال ينفي الواقع‪ ،‬فيتعارضان‪:‬‬
‫يتعارض حديث الرفع الدال على المؤمن وعدم التكليف‪ ،‬وقاعدة االشتراك‬
‫الدالة على ثبوت التكليف‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالبد من تقييد حديث الرفع بالمورد الذي لم يقم دليل خاص‬
‫بشمول الحكم الواقعي للجاهل‪ ،‬فال يثبت األمن مع قيام الدليل الخاص على‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫الشمول‪ ،‬لتعارض الدليلين‬
‫بخالف الرفع الظاهري‪ ،‬فال يحصل التعارض‪ ،‬الختالف المورد‪ ،‬فإن مورد‬
‫ومصب حديث الرفع هو الحكم الظاهري ومورد الدليل الخاص كقاعدة‬
‫االشتراك‪ ،‬هو الحكم الواقعي‪ ،‬فال تعارض بينهما‪ ،‬لتعدد المورد والمصب‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬البد من اثبات الرفع الظاهري‪ ،‬فإنه الذي يفيد في اثبات تمام‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫وقد أجاب السيد الشهيد(قده) عن اإلشكال‪ ،‬وحاصله‪:‬‬
‫أن هذا اإلشكال ينحل إلى دعويين‪:‬‬
‫الدعوى األولى‪ :‬أن ظاهر الحديث هو‪ :‬أن الرفع متعلق بالتكليف الواقعي‬
‫المشكوك‪ ،‬فيجب حمل الرفع على الرفع الواقعي حقيقةً‪ ،‬وعليه‪ :‬فإسناد الرفع‬
‫الثالثاء‪23:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إلى التكليف الظاهري يكون مجازاً‪ ،‬ألنه ليس رفعاً لما ال يعلم حقيقة‪ ،‬وهو‬
‫التكليف الواقعي‪ ،‬وبما أن حمل الرفع على الرفع الظاهري بحاجة إلى مؤونة‬
‫وعناية بحسب مقام اإلثبات‪ ،‬فاألصل عدمها‪ ،‬فيتعين الحمل على الرفع‬
‫‪‬‬
‫الواقعي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال يثبت تمام‬ ‫الدعوى الثانية‪ :‬إذا حمل الرفع وعلى أنه رفع واقعي‬
‫المطلوب‪ ،‬لمعارضته في بعض الموارد مع اإلجماع القائم على قاعدة‬
‫االشتراك بين العالم والجاهل في األحكام الواقعية‪.‬‬
‫وأما مناقشة الدعوى األولى‪ :‬فلنا مالحظتان حول الدعوى األولى‪.‬‬
‫أما المالحظة األولى‪ :‬وهي أنه كما ان حمل الرفع على الظاهري يحتاج إلى‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يكون‬ ‫عناية ومؤونة زائدة‪ ،‬كذلك الحمل على الرفع الواقعي‪ ،‬ألنه‬
‫معناه‪ :‬عدم ثبوت التكاليف الواقعية‪ ،‬لغير العالم‪ ،‬والزمه(‪ )1‬هو أخذ العلم‬
‫قيداً في موضوع التكاليف‪ ،‬وقد ثبت في مبحث التعبدي أن أخذ العلم‬
‫بشيء في موضوع نفس ذلك الشيء غير معقول‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فبعد فرض وجود الغاية على كال التقديرين ال اشكال أن مناسبات‬
‫الحكم الموضوع‪ ،‬كمناسبة عدم أخذ العلم في موضوع الحكم الواقعي‪،‬‬
‫تعين الرفع الظاهري وترجحه‪.‬‬
‫ويشهد عليه ما ذكره المحقق العراقي من أن سياق الحديث هو االمتنان‪،‬‬

‫(‪ )1‬الصوم المعلوم الوجوب واجب‪.‬‬


‫الثالثاء‪23:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهو يحصل برفع وجوب االحتياط من الواقع‪ ،‬ال رفع تمام مراتب الواقع‪ ،‬إذ‬
‫ال امتنان في ضم المراتب األخرى إلى هذا الرفع‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪:‬‬
‫‪‬‬
‫األربعاء‪24:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا فيما ذكره السيد الشهيد الصدر األول (قده) حيث قال ان‬
‫الكالم في داللة الحديث يقع في مقامات ثالث‪ ،‬المقام األول في فقرة ماال‬
‫يعلمون‪ ،‬وهي تدل على البراءة الشرعية‪ ،‬لو حملنا الرفع على الرفع الظاهري‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬ثم هناك ذكر اشكال في مقام‪ ،‬ان الحمل على الرفع ظاهري خالف ظاهر‬
‫من الحديث‪ ،‬خصوصاً ان في كثير فقرة أخرى يراد من الرفع الرفع الواقعي‪،‬‬
‫فإذاً البد من الحمل على رفع الواقعي‪ ،‬مع هذا الحمل ال تثبت براءة الشرعية‬
‫ال‬
‫وال يتم اثبات مطلوب مطلقا‪ ،‬ألن الحمل على الرفع الظاهري يكون حم ً‬
‫مجازياً بحاجة إلى القرينة ومؤونة فأصل عدم القرينة‪ ،‬السيد الشهيد(قده)‬
‫قال في هذا االشكال دعويان‪ ،‬الدعوى األولى‪ :‬هو أن ظاهر الحديث يكون‬
‫الرفع الواقعي ونفي التكليف‪ ،‬والحمل على الظاهري مجاز بحاجة إلى عناية‬
‫قرينة ومؤنة زائدة فاألصل عدم القرينة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال يثبت تمام‬ ‫الدعوى الثانية‪ :‬إذا حمل الرفع وعلى أنه رفع واقعي‬
‫المطلوب‪ ،‬لمعارضته في بعض الموارد مع اإلجماع القائم على قاعدة‬
‫االشتراك بين العالم والجاهل في األحكام الواقعية‪.‬‬
‫وأما مناقشة الدعوى األولى‪ :‬فلنا مالحظتان حول الدعوى األولى‪.‬‬
‫أما المالحظة األولى‪ :‬وهي أنه كما ان حمل الرفع على الظاهري يحتاج إلى‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يكون‬ ‫عناية ومؤونة زائدة‪ ،‬كذلك الحمل على الرفع الواقعي‪ ،‬ألنه‬
‫األربعاء‪24:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫معناه‪ :‬عدم ثبوت التكاليف الواقعية‪ ،‬لغير العالم‪ ،‬والزمه(‪ )1‬هو أخذ العلم‬
‫قيداً في موضوع التكاليف‪ ،‬وقد ثبت في مبحث التعبدي أن أخذ العلم‬
‫بشيء في موضوع نفس ذلك الشيء غير معقول‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وعليه‪ :‬فبعد فرض وجود الغاية على كال التقديرين ال اشكال أن مناسبات‬
‫الحكم الموضوع‪ ،‬كمناسبة عدم أخذ العلم في موضوع الحكم الواقعي‪،‬‬
‫وترجحه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تعيّن الرفع الظاهري‬
‫ويشهد عليه ما ذكره المحقق العراقي من أن سياق الحديث هو االمتنان‪،‬‬
‫وهو يحصل برفع وجوب االحتياط من الواقع‪ ،‬ال رفع تمام مراتب الواقع‪ ،‬إذ‬
‫ال امتنان في ضم المراتب األخرى إلى هذا الرفع‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪ :‬لو سلمنا احتياج كل من التقديرين على المؤونة والعناية‪،‬‬
‫ال‪ ،‬بحيث لم نستظهر منه‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ يبقى الحديث مجم ً‬ ‫وال مرجح ألحدهما‪،‬‬
‫ال الرفع الظاهري وال الرفع الواقعي‪ ،‬ومع ذلك‪ :‬يترتب تمام المطلوب حتى‬
‫على فرض اجمال الحديث‪ ،‬وثبوت الرفع اجماالً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن تمام المطلوب من الحديث هو أمور ثالثة‪:‬‬
‫المؤمن من العقوبة‪ ،‬وراحة الفكر في الجملة‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫ّ‬ ‫األول‪ :‬حصول‬
‫أن المؤمن حاصل‪ ،‬سواء أفاد الحديث الرفع الظاهري‪ ،‬أو الواقعي‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصوم المعلوم الوجوب واجب‪.‬‬


‫األربعاء‪24:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثاني‪ :‬معارضته ألدلة وجوب االحتياط‪ ،‬لو تمت تلك األدلة وتقدمه عليها‪،‬‬
‫وهذا األمر أيضاً حاصل مع اجمال الحديث‪ ،‬ألنه من الواضع أن حديث‬
‫الرفع حتى لو كان مفاده الرفع الواقعي‪ ،‬يكون معارضاً ألدلة وجوب‬
‫‪‬‬
‫االحتياط‪ ،‬وحاكم ًا عليها‪ ،‬ألنه لو كانت األحكام مرفوعة واقعاً‪ ،‬فلما ذا‬
‫يوجب االحتياط؟ فإن وجوب االحتياط إنما هو لتحصيل الواقع وإصابته‪،‬‬
‫فمع فرض رفع الواقع بالحديث‪ ،‬فال موضوع لالحتياط‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عدم التأثر بقيام دليل قطعي على قاعدة االشتراك وهذا األمر أيضاً‬
‫حاصل‪ ،‬ألن تقييد وتخصيص حديث الرفع بقاعدة االشتراك‪ ،‬إنما يكون‬
‫فيما لو أفاد الحديث (الرفع الواقعي) في مورد كان الحكم الواقعي موجوداً‪،‬‬
‫فإن التقييد والتخصيص فرع المعا رضته‪ .‬ومع فرض اجمال الحديث‪ ،‬ال‬
‫علم لنا بالتخصيص والتقييد‪ ،‬إذ التخصيص فرع المعارضة‪ ،‬وال معارضة في‬
‫صورة اجمال الدليل‪ ،‬وعدم احراز المعارض‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬مما ذكرناه‪ :‬أن االستدالل بالحديث على البراءة الشرعية تام‪ ،‬سواء‬
‫ال‪ ،‬بحيث ال يعلم إرادة‬
‫أريد منه (الرفع الظاهري) أو كان المراد منه مجم ً‬
‫الرفع الظاهري‪ ،‬أو الرفع الواقعي‪.‬‬
‫نعم على تقدير إرادة الرفع الواقعي فال يتم االستدالل به اال في الجملة‪.‬‬
‫وأما الدعوى الثانية‪ :‬وهي أن حمل الرفع الواقعي ال يثبت تمام المطلوب‪،‬‬
‫األربعاء‪24:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فهي تامة‪ ،‬ألنه إذا حمل الرفع في الحديث على الرفع الواقعي‪ ،‬فيتعارض‬
‫الحديث في بعض الموارد مع اإلجماع القطعي القائم على خصوص (قاعدة‬
‫االشتراك) بين العالم والجاهل في األحكام الشرعية‪ .‬وحيث إن معنى‬
‫‪‬‬
‫القاعدة أن (عدم العلم) ال ينفى وال يرفع الحكم الواقعي الموجود عن‬
‫المكلف‪ ،‬ومعه ال يثبت األمن‪ ،‬مع قيام الدليل الخاص على الشمول‪.‬‬
‫تحصل مما ذكرناه‪ :‬أنه البد من استظهار الرفع الظاهري من الحديث‪ ،‬ولو‬
‫مع الحاجة إلى العناية والمؤونة‪ ،‬أو كان خالف ظاهر الرفع‪ ،‬واال ّ لم يحصل‬
‫ما هو الغرض من سوق الحديث‪ ،‬الذي هو االمتنان مطلقا‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد افاد في المقام ما حاصله‪ :‬مع اإلغماض عن‬
‫ضعف السند‪ ،‬وتسليم تمامية الحديث سنداً‪.‬‬
‫يقع الكالم في داللة جملة (ماال يعلمون) وتحديد مفادها سعة وضيقا‪،‬‬
‫وكيفية داللتها على أصالة البراءة الشرعية‪ ،‬في مقابل أصالة االحتياط فنقعد‬
‫البحث في مقامين‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في أن المراد بالرفع في هذه الفقرة‪ ،‬هل هو الرفع الظاهري أو‬
‫هو الرفع الواقعي‪ ،‬كما في سائر الفقرات‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬على تقدير كون الرفع ظاهرياً‪ ،‬فهل ظاهريته بلحاظ المرفوع‬
‫أو بلحاظ الرفع نفسه؟‬
‫السبت‪27:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تحصل مما ذكرناه أو مما ذكره السيد الشهيد قده في مقام االستدالل‬
‫بحديث الرفع على البراءة الشرعية وأنه البد من استظهار الرفع الظاهري‬
‫وإرادة رفع االيجاب االحتياط‪ ،‬ولو كان هذا التصرف خالف ظاهر او كان‬
‫‪ ‬االستظهار‪ ،‬واال‪ ،‬االمتنان‬
‫بحاجة الى مؤنة زائدة‪ ،‬مع ذلك البد من هذه‬
‫المراد والمطلوب من هذا الحديث ال يثبت وال يحصل اال بما ذكرناه من‬
‫استظهار الرفع الظاهري دون الرفع الواقعي‪ ،‬وأيضاً تقدم الكالم في االشكال‬
‫الذي طرح في المقام والجواب عنه‪.‬‬
‫وانتقلنا إلى ما ذكره شيخنا األستاذ (دام ظله) حيث افاد في هذا المقام ما‬
‫حاصله؛ بعد اغماض عن سند هذا الحديث وتسليم تمامية حديث الرفع من‬
‫حيث سند قال (دام ظله) أنه يقع كالم في خصوص داللة فقرة (ماال‬
‫يعلمون)‪ ،‬الكالم في داللة هذه الفقرة وفي تحديد مفاد هذه الفقرة من‬
‫حيث السعة والضيق وكيفية داللتها على المطلوب‪ ،‬وهو اصالة البراءة‬
‫الشرعية في مقابل من يزعم ويدعي أن المقام هو مورد اصالة االحتياط‪،‬‬
‫فقعد (دام ظله) البحث هنا في مقامين‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في أن المراد بالرفع في هذه الفقرة‪ ،‬هل هو الرفع الظاهري أو‬
‫هو الرفع الواقعي‪ ،‬كما في سائر الفقرات‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬على تقدير كون الرفع ظاهرياً‪ ،‬فهل ظاهريته بلحاظ المرفوع‬
‫أو بلحاظ الرفع نفسه؟‬
‫السبت‪27:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬ال شبهة في أن الرفع في هذه الفقرة ليس برفع‬
‫واقعي للحكم الواقعي‪ ،‬غير المعلوم‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الرفع في نفسه‪ ،‬وإن كان‬
‫ظاهراً في الرفع الواقعي‪ ،‬كما هو الحال في كل استعمال‪ ،‬اال ّ أنه ال يمكن‬
‫اختصاص األحكام الواقعية بالعالم‬
‫األخذ بهذا الظهور‪ ،‬الستلزامه محذور ‪‬‬

‫بها‪ ،‬وهو مستحيل ذاتاً‪ ،‬الستلزامه (الدور) و(تقدم الشيء على نفسه)‬
‫ومستحيل وقوعاً أيضاً؛ لكونه خالف الضرورة الشرعية‪ ،‬لقيام االجماع‬
‫ال عن اطالقات األدلة‪ ،‬من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫القطعي على االشتراك فض ً‬
‫وعلى هذا األساس‪ :‬فالبد من التصرف في هذه الفقرة بأحد وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أما التصرف في (المرفوع) دون (الرفع) بإسناد (الرفع) إلى ايجاب‬
‫االحتياط العقلي‪ ،‬أو الشرعي‪ ،‬أو كليها‪ ،‬بدالً عن التكليف الواقعي‬
‫المجهول‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أو بالتصرف في (الرفع) دون المرفوع‪ ،‬بتطعيم الظاهرية في نفس‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يبقى المرفوع وهو التكليف الواقعي المشكوك على حاله‪،‬‬ ‫الرفع‬
‫بمعنى‪ :‬أن يكون الرفع ظاهرياً‪ ،‬ال واقعياً‪.‬‬
‫و من المعلوم‪ :‬أن كال التصرفين خالف الظاهر‪ ،‬وبحاجة إلى قرينة تدل‬
‫عليه‪ ،‬ومن حسن الخط‪ ،‬القرينة موجودة على كال التصرفين‪ ،‬وهي محذور‬
‫استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم في مرتبة واحدة‪ ،‬أو‬
‫محذور اختصاص األحكام بالعالم المانعين من الحفاظ والبقاء على ظاهر‬
‫السبت‪27:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحديث‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه ال يمكن أن يكون الرفع في جملة (ماال يعلمون) رفعاً واقعياً‬
‫للحكم الواقعي رفعاً ومرفوعاً‪ ،‬فالبد من حمله على الرفع الظاهري‪ ،‬بأحد‬
‫‪‬‬ ‫التصرفين المتقدمين‪.‬‬
‫وهذا بخالف (الرفع) في سائر الفقرات‪ ،‬فإنه رفع واقعي؛ ألن الخطأ‬
‫والنسيان واالضطرار واالكراه‪ ،‬ترفع الحكم في موردها واقعاً وتنفيه‪.‬‬
‫مصب الرفع‬
‫ّ‬ ‫ومن هنا ال حاجة إلى ما ذكره المحقق العراقي(قده) من كون‬
‫إنما هو الوضع الذي يكون خالف االمتنان‪ ،‬كإيجاب االحتياط‪ ،‬دون‬
‫الحكم الواقعي‪ ،‬الذي ال يكون وضعه خالف االمتنان‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لما عرفت من أنه ال يمكن إرادة الرفع الواقعي‪ ،‬ال ثبوتاً؛ لمحذور‬
‫الدور‪ ،‬وال اثبات ًا و وقوعاً‪ ،‬لمخالفته الضرورة من الشرع وهي عدم اختصاص‬
‫األحكام الواقعية بالعالمين بها‪.‬‬
‫ومع هذا ال تصل النوبة إلثبات إرادة الرفع الظاهري بورود الحديث مورد‬
‫االمتنان‪ ،‬ألن ذلك فرع امكان إرادة الرفع الواقعي كما ال يخفى‪.‬‬
‫وأما الكالم في المقام الثاني‪ :‬وهو كون ظاهرية الرفع في فقرة (ماال‬
‫يعلمون) هل هو بلحاظ المرفوع‪ ،‬او بلحاظ الرفع نفسه؟‬
‫والجواب‪ :‬أن في المقام قولين‪:‬‬
‫األحد‪28:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره شيخنا األستاذ (دام ظله) في داللة فقرة ما ال‬
‫يعلمون‪ ،‬في حديث الرفع على البراءة الشرعية‪ ،‬فعقد البحث في مقامين‪:‬‬
‫المقام األول تعرض فيه إلى مسألة هل المراد بالرفع في المقام هو الرفع‬
‫الرفع الظاهري‪ ،‬القرائن تدل على‬
‫‪‬‬ ‫الظاهري أو الواقعي؟ قلنا أن المراد هو‬
‫ذلك واشرنا إليها في البحث السابق‪.‬‬
‫وأما الكالم في المقام الثاني‪ :‬وهو كون ظاهرية الرفع في فقرة (ماال‬
‫يعلمون) هل هو بلحاظ المرفوع‪ ،‬او بلحاظ الرفع نفسه؟‬
‫والجواب‪ :‬أن في المقام قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) تبعاً لصاحب الكفاية(قده)‬
‫من أن ظاهرية الرفع إنما هو بلحاظ الرفع نفسه‪ ،‬فيكون المراد من الرفع في‬
‫هذه الفقرة‪ :‬هو الرفع في مرحلة الظاهر دون الرفع في مرحلة الواقع‪ ،‬حتى‬
‫يستلزم التصويب‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬بمناسبة الحكم والموضوع‪ ،‬وبقاعدة االشتراك التي هي من‬
‫ضروريات المذهب‪.‬‬
‫توضيحه‪ :‬أن ظاهر الحديث كون المراد منه هو‪ :‬أن اإللزام المحتمل في‬
‫المقام من الوجوب أو الحرمة مرفوع ظاهراً‪ ،‬في مقام الشك‪ ،‬ولو كان ثابت ًا‬
‫في الواقع‪ ،‬وذلك ألن الحكم المحتمل والمشكوك في نفسه قابل للرفع في‬
‫مقام الشك‪ ،‬ألن الحكم الشرعي مطلقا‪ ،‬أمر وضعه ورفعه بيد الشارع‪ ،‬فال‬
‫األحد‪28:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تنافي بين الترخيص الظاهري الثابت بحديث الرفع‪ ،‬وااللزام الواقعي‪.‬‬


‫ٍ‬
‫حينئذ إلى االلتزام بأن المرفوع هو ايجاب االحتياط ألن فيه‬ ‫فال حاجة‬
‫ارتكاب خالف الظاهر من ناحية اسناد الرفع إلى إيجاب االحتياط الذي هو‬
‫‪ ‬نفس الموصول الذي يراد منه‬
‫خالف ظاهر الحديث الذي أسند الرفع إلى‬
‫(الحكم الواقعي) ومن الواضح أن تقدير إيجاب االحتياط باعتبار أنه أثر‬
‫الحكم الواقعي المجهول‪ ،‬بحاجة إلى عناية زائدة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ما ذهب إليه الشيخ االنصاري(قده) وتبعه عليه السيد‬
‫الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ(دام ظله)‪.‬‬
‫وهو‪ :‬أن ظاهرية الرفع إنما هو بلحاظ المرفوع دون الرفع‪ ،‬فيكون المرفوع‬
‫هو إيجاب االحتياط دون الحكم الواقعي المشكوك والمحتمل في مرحلة‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫قال شيخنا األستاذ (دام ظله) رداً لما ذكره السيد الخوئي(قده) الصحيح‪ :‬ما‬
‫ذهب إليه الشيخ األنصاري(قده) وذلك ألنه ليس للحكم مرتبتان من‬
‫الثبوت‪ ،‬إحداهما‪ :‬ثبوته في الواقع‪ ،‬واألخرى‪ :‬ثبوته في الظاهر‪ ،‬بل هناك‬
‫ثبوت واحد للحكم وهو الثبوت االعتباري في عالم الجعل واالعتبار‪.‬‬
‫غاية األمر‪ ،‬قد يتعلق به العلم‪ ،‬ويتعلق به الشك‪ ،‬ألن متعلق الشك مرتبة‬
‫أخرى من الحكم‪ ،‬غير مرتبة ثبوته واقعاً‪.‬‬
‫والمفروض أن الدليل القائم على ثبوت الحكم الواقعي‪ ،‬ال يدل على ثبوته‬
‫األحد‪28:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫في مرحلة الشك ظاهراً‪ ،‬زائداً على ثبوته في مرحلة الواقع‪ ،‬والدليل اآلخر‬
‫على ذلك غير موجود وعليه‪ :‬فدعوى تعدد المرتبة للحكم الواقعي‬
‫المشكوك والمحتمل مطلقا‪ ،‬ال في مرتبة الجعل وال في مرتبة المجعول‪.‬‬
‫‪‬مستنداً إلى أثر الحكم الواقعي‬
‫إذاً فال محالة يكون الرفع في الحديث‬
‫المشكوك وهو (إيجاب االحتياط) فيكون هو المرفوع‪.‬‬
‫والقرينة على ذلك هي أنه ال يمكن إسناد الرفع في الحديث إلى نفس‬
‫الحكم الواقعي المشكوك‪ ،‬للزوم المحذور المتقدم‪ ،‬فال مناص اال ّ من‬
‫االلتزام‪ ،‬بإسناده إلى إيجاب االحتياط‪ ،‬ومن هنا يظهر صحة ما ذكره شيخنا‬
‫االنصاري(قده) هذا‪.‬‬
‫الجهة الثالثة‬
‫في شمول الحديث للشبهات الحكمية والموضوعية‪ ،‬أو اختصاصه‬
‫بأحدهما؟‬
‫اإلثنين‪29:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في داللة حديث الرفع على البراءة الشرعية وذكرنا أن الكالم‬
‫يقع في مقامين‪ :‬المقام األول في داللة فقرة ماال يعلمون‪ ،‬على البراءة‬
‫الشرعية‪ ،‬وانتهى الكالم بحصول األجماع بين األعالم الثالثة‪ ،‬بل المتأخرون‬
‫‪‬الحديث) على أن هذا الحديث‬
‫من العلماء األصوليين (بغض النظر عن سند‬
‫يمكن ان يدل على البراءة الشرعية‪ ،‬انتهى الكالم في المقام األول‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة الثالثة من المقام الثاني‪ :‬في شمول الحديث للشبهات‬
‫الحكمية والموضوعية‪ ،‬أو اختصاصه بأحدهما؟ (بالشبهات الحكمية فقط‪،‬‬
‫أو الموضوعية فقط) ولكل قائل‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد تقدم أنه استظهر من الحديث أن يكون المراد‬
‫من (ما) الموصولة في فقرة (ماال يعلمون) خصوص الحكم‪ ،‬أو ما يعم‬
‫الموضوع‪ ،‬فعلى كال التقديرين‪ ،‬يشمل الشبهتين(الحكمية والموضوعية)‬
‫معاً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو األعم‬ ‫أما على التقدير الثاني فواضح‪ ،‬إذ المراد من الموصول (ما)‬
‫من الحكم المجهول‪ ،‬أو الموضوع المجهول‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ :‬أن الحكم المجهول‬ ‫وأما على التقدير األول‪ :‬فألن مفاد الحديث‬
‫مرفوع واطالقه يشمل مالو كان منشأ الجهل بالحكم عدم وصول الحكم‬
‫إلى المكلف‪ ،‬كما في الشبهات الحكمية‪ ،‬أو األمور الخارجية‪ ،‬كما في‬
‫الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫اإلثنين‪29:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما لو كان المراد من الموصول (ما) خصوص الفعل الصادر من المكلف‬


‫في الخارج كسائر الفقرات‪ ،‬فال يتم االستدالل بالحديث للمقام‪،‬‬
‫الختصاصه بما إذا كان الفعل بنفسه مجهوالً‪ ،‬ال بحكمه‪ ،‬فال يشمل الشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬بل يختص بالشبهة الموضوعية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫واستشهد له بوجوه خمسة‪ ،‬وقد أجاب (قده) عنها جميعاً‪ ،‬وخرج بهذه‬
‫المحصلة‪ ،‬وهي تمامية االستدالل بالحديث الشريف على البراءة في‬
‫الشبهتين‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر أن الكالم في جريان البراءة المستفادة من‬
‫حديث الرفع في الشبهات الحكمية والموضوعية جميعاً يقع في جهتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬في إمكان تصوير جامع بينهما ثبوتاً‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬في عموم مفاد الحديث‪ ،‬للشبهتين‪ ،‬اثباتاً‪.‬‬
‫أما الجهة األولى‪ :‬فاإلشكال في العموم‪ ،‬إنما ينشأ من ناحية أن المشكوك (ما‬
‫ال يعلمون) في الشبهة الحكمية‪ ،‬غير المشكوك (ماال يعلمون) في الشبهة‬
‫الموضوعية‪ ،‬فإنه في األول هو (الحكم) وفي الثاني هو الموضوع الخارجي‪،‬‬
‫فكيف يتصور الجامع بينهما؟‬
‫(‪)1‬‬
‫أن الجامع بين الحكم الموضوع هو‬ ‫وقد أفاد المحقق الخراساني(قده)‬
‫عنوان (الشيء) فالمراد بــ (ما) الموصولة هو (الشيء الذي ال يعلمون)‬

‫(‪ )1‬كفاية األصول‪ ،‬ص‪.340 :‬‬


‫اإلثنين‪29:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فينطبق على الحكم والموضوع‪.‬‬


‫فالنتيجة‪ :‬يكون مفاد الفقرة هو رفع كل شيء ال يعلمونه سواء أكان تكليفا‪،‬‬
‫أو موضوعاً خارجياً‪.‬‬
‫‪‬بأن الموصول إذا أخذ بمعنى‬
‫ثم اعترض (قده) على هذا التصوير للجامع‪:‬‬
‫(الشيء) الجامع بين التكليف والموضوع الخارجي ثم أسند إليه الرفع يلزم‬
‫الجمع في اإلسناد‪ ،‬بين اإلسناد الحقيقي والمجازي‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن إسناد الرفع على الشيء بمعنى الحكم والتكليف حقيقي ولكن‬
‫إسناده إلى الشيء بمعنى الموضوع الخارجي‪ ،‬مجازي وعنائي‪ ،‬ألن‬
‫الموضوع الخارجي ال يرتفع حقيقة‪ ،‬ومن البديهي أن الجمع بين األمرين‬
‫غير معقول‪.‬‬
‫ثم طرح صاحب الكفاية وتبعه المحقق العراقي(قدهما) جامع ًا آخر فرار ًا‬
‫عن اإلشكال المتقدم وذلك‪ :‬بأن يقال‪ :‬إننا نلتزم بأن الجامع هو التكليف‬
‫األعم من الحكم الكلي والجزئي‪ ،‬فيكون الرفع واإلسناد بالنسبة إليه حقيقياً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يندفع المحذور‪.‬‬ ‫دائماً‪،‬‬
‫يحل المشكلة بلحاظ فقرة (ماال‬
‫والجواب عنه‪ :‬أن هذا الطرح‪ ،‬و إن كان ّ‬
‫يعلمون) وعمومها للشبهتين‪ ،‬اال ّ أنه يبقى اإلشكال بلحاظ سائر الفقرات‪،‬‬
‫حيث إن المراد من الموصول فيها ال يكون اال ّ الفعل الخارجي‪ ،‬ألن ما‬
‫يضطر إليه‪ ،‬و ماال يطيقونه‪ ،‬هو خصوص الفعل الخارجي‪ ،‬دون الحكم‬
‫ّ‬
‫اإلثنين‪29:‬شوال‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الشرعي‪.‬‬
‫فإن قلنا‪ :‬بأن إسناد الرفع إلى سائر الفقرات (عنائي) وإلى فقرة (ماال‬
‫يعلمون) حقيقي عاد اإلشكال المتقدم هذا‪.‬‬
‫‪‬اال يعلمون) كاإلسناد في سائر‬
‫ولدفع اإلشكال نقول‪ :‬إن اإلسناد في فقرة (م‬
‫الفقرات يكون عنائي ًا‪ ،‬وبلحاظ الموضوع‪ ،‬دون التكليف هذا ما ذكره‬
‫اآلخوند والعراقي (قدهما)‪.‬‬
‫وبعد ذكر ما تقدم أفاد السيد الشهيد(قده) بما حاصله‪:‬‬
‫إن الصحيح في المقام أن يقال‪ :‬إن الرفع في الحديث عنائي على كل حال‪.‬‬
‫الثالثاء‪1:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬في داللة هذا الحديث وعلى‬


‫كان كالمنا في ما ذكره السيد الشهيد(قده)‬
‫‪1‬‬
‫البراءة الشرعية وجريان البراءة في هذا الحديث في شبهات الحكمية‬
‫‪1‬‬
‫في جهتين‪ :‬الجهة في التصوير‬
‫‪1‬‬ ‫والموضوعية حيث قال (قده) الكالم يقع‬
‫‪ 1‬المقام اإلثبات عموم مفاد‬
‫الجامع بين شبهتين‪ ،‬في مقام ثبوت‪ ،‬وفي‬
‫‪‬‬
‫الحديث لشبهتين‪ ،‬داللة الحديث على الشبهتين‪ ،‬بعد ما ذكر الجامع الذي‬
‫طرحه صاحب الكفاية اوالً بأنه يراد من ماء الموصولة هو الشيء‪ ،‬كان هناك‬
‫اعتراض عليه بأن هذا يلزم منه الجمع بين اإلسناد الحقيقي واإلسناد‬
‫المجازي في استعمال الواحد وهو ال يجوز‪ ،‬وال يكون معقوالً ثم طرح‬
‫صاحب الكفاية وتبعه المحقق العراقي(قدهما) جامعاً آخر فراراً عن‬
‫اإلشكال المتقدم وذلك‪ :‬بأن يقال‪ :‬إننا نلتزم بأن الجامع هو التكليف األعم‬
‫من الحكم الكلي والجزئي‪ ،‬فيكون الرفع واإلسناد بالنسبة إليه حقيقياً دائماً‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يندفع المحذور‪.‬‬
‫يحل المشكلة بلحاظ فقرة (ماال‬
‫ّ‬ ‫والجواب عنه‪ :‬أن هذا الطرح‪ ،‬و إن كان‬
‫يعلمون) وعمومها للشبهتين‪ ،‬اال ّ أنه يبقى اإلشكال بلحاظ سائر الفقرات‪،‬‬
‫حيث إن المراد من الموصول فيها ال يكون اال ّ الفعل الخارجي‪ ،‬ألن ما‬
‫يضطر إليه‪ ،‬و ماال يطيقونه‪ ،‬هو خصوص الفعل الخارجي‪ ،‬دون الحكم‬
‫ّ‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫الثالثاء‪1:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫الفقرات (عنائي) وإلى فقرة (ماال‬ ‫فإن قلنا‪ :‬بأن إسناد الرفع إلى سائر‬
‫‪1‬‬
‫يعلمون) حقيقي عاد اإلشكال المتقدم هذا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(ماال يعلمون) كاإلسناد في سائر‬
‫‪1‬‬ ‫ولدفع اإلشكال نقول‪ :‬إن اإلسناد في فقرة‬
‫‪1‬دون التكليف هذا ما ذكره‬
‫الفقرات يكون عنائياً‪ ،‬وبلحاظ الموضوع‪،‬‬
‫‪‬‬
‫اآلخوند والعراقي (قدهما)‪.‬‬
‫وبعد ذكر ما تقدم أفاد السيد الشهيد(قده) بما حاصله‪:‬‬
‫إن الصحيح في المقام أن يقال‪ :‬إن الرفع في الحديث عنائي على كل حال‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى سائر الفقرات فبما ان المراد من تلك الفقرات لما كان‬
‫خصوص الموضوع و الفعل الخارجي فيكون األمر واضحاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الموضوع الخارجي ال يرتفع حقيقة من قبل التشريع المولوي‬
‫بل هو رفع عنائي‪ ،‬وإسناد إلى غير ما هو له‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى فقرة (ما ال يعلمون) فيقال‪ :‬بناءاً على ما هو الصحيح من أن‬
‫المقصود من الرفع بالنسبة إلى التكليف‪ ،‬إنما هو الرفع الظاهري‪ ،‬أي رفع‬
‫إيجاب االحتياط دون رفع الرفع الحكم والتكليف الواقعي‪ ،‬فيكون هذا‬
‫الرفع عنائياً ومجازياً على كل حال‪ ،‬سواء اسند إلى تكليف‪ ،‬أو إلى‬
‫الموضوع الخارجي‪.‬‬
‫فهيئة الجملة مستعملة في إسناد مجازي‪.‬‬
‫الثالثاء‪1:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫المترتبة على (ماال يعلمونه) أو على‬ ‫ويصير حاصل المعنى‪ :‬أن الكلفة والتبعة‬
‫‪1‬‬
‫ال‪ ،‬أو موضوعاً‬
‫ماال (يطيقونه) مرفوعة مطلقا‪ ،‬سواء أكان حكماً أو فع ً‬
‫‪1‬‬
‫محذور يذكر‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫خارجياً‪ ،‬فيعم الحديث الشبهتين‪ ،‬بال لزوم‬
‫‪1‬اً‪:‬‬
‫وأما الجهة الثانية‪ :‬في عموم مفاد الحديث إثبات‬
‫‪‬‬
‫فنقول‪ :‬إنه بعد فرض تصور جامع يشمل الموضوع والتكليف‪ ،‬فمقتضى‬
‫األصل هو‪ :‬اإلطالق والشمول للشبهتين الحكمية والموضوعية‪ ،‬بحيث لو‬
‫ادعى التخصيص ببعض الشبهات فعليه ابراز القرينة على التخصيص‪ ،‬أو‬
‫التقييد‪.‬‬
‫وفي المقام‪ :‬توجد دعويان متعاكسان‪:‬‬
‫الدعوى األولى‪ :‬اختصاص الفقرة بالشبهة الموضوعية فقط‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬بقرينة السياق في الفقرات األخرى‪ ،‬حيث يراد منها جميعاً الفعل‬
‫الخارجي من الموصول‪ ،‬فالبد من حمل الموصول في فقرة (ماال يعلمون)‬
‫على الفعل أيضاً تطبيقاً لوحدة السياق‪.‬‬
‫والجواب عنها‪ :‬أن المراد بالموصول في جميع الفقرات من حيث االستعمال‬
‫هو‪ ،‬مفهوم واحد‪ ،‬وهو (الشيء) الشامل للموضوع‪ ،‬والتكليف‪.‬‬
‫وهذا المعنى‪ ،‬هو المراد جد ًا من الموصول‪.‬‬
‫الثالثاء‪1:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬فقرة (ماال يعلمون) للشبهات‬


‫وأما االختالف في مصداقه فال يضر بشمول‬
‫‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يصير‪« :‬رفع عن أمتي كل ماال يعلمونه‪ ،‬من‬ ‫الحكمية‪ ،‬إذ معناها‬
‫‪1‬‬
‫يطيقونه‪ ،‬وكل ما اضطروا إليه‪».‬‬
‫‪1‬‬ ‫حكم‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو موضوع‪ ،‬وكذا كل ماال‬
‫‪1‬‬ ‫وهكذا‪.‬‬
‫‪‬‬
‫الدعوى الثانية‪ :‬اختصاص الفقرة بالشبهة الحكمية فقط‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬بقرينة أن عنوان ماال يعلمون‪ ،‬ينطبق حقيقة على التكليف‪ ،‬فإنه الذي‬
‫ال يعلم‪ ،‬ولكنه ال ينطبق على الموضوع‪ ،‬ألن المانع المجهول والمردد‪ ،‬ذاته‬
‫خل أو خمر‪.‬‬
‫معلومة‪ ،‬ولكن وصفه غير معلوم أنه ّ‬
‫والجواب عنها‪ :‬أوالً يكفي (الجهل بالعنوان) لصحة تطبيق الموصول على‬
‫والخل‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه مما‬
‫ّ‬ ‫العنوان الخارجي‪ ،‬مثل شرب المائع المردد بين الخمر‬
‫ليحل؟‬
‫ّ‬ ‫ال يعلمونه‪ ،‬فهل هو شرب خمر ليحرم‪ ،‬أو شرب خل‬
‫وثانياً‪ :‬في بعض الموارد تكون الذات الخارجية مشكوكة أيضاً (الموضوع)‪.‬‬
‫تصدق بدرهم» فلو شك في نزول‬
‫مثاله‪ :‬مالو قال المولى‪« :‬إذا نزل المطر‪ّ ،‬‬
‫المطر‪ ،‬فنزول المطر الموضوع والذات ال يعلم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فالصحيح‪ :‬هو عموم الحديث للشبهتين الحكمية والموضوعية‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ناقش ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪...‬‬
‫األربعاء‪2:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬الصدر(قده) في عمو وشمول‬


‫في البحث السابق ذكرنا ما أفاده السيد الشهيد‬
‫‪1‬‬
‫حديث الرفع لشبهتين‪ ،‬الحكمية والموضوعية وأن المرفوع في الموردين‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫هو ايجاب االحتياط‪ ،‬مجازاً وعنائياً‪.‬‬
‫ذكره السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد ناقش ما‬
‫‪‬‬
‫حاصل ما ذكره السيد الخوئي(قده) أن المراد من الموصول ال يخلو في‬
‫المقام‪:‬‬
‫إما أن يكون الحكم‪ ،‬أو األعم منه ومن الفعل (الموضوع)‪.‬‬
‫وعلى كال التقديرين يشمل الحديث الشبهتين معاً‪.‬‬
‫أما على التقدير الثاني فواضح‪.‬‬
‫وأما على التقدير األول يكون مفاد الحديث (رفع الحكم المجهول)‬
‫وإطالقه يشمل ما إذا كان منشأ الجهل االشتباه في األمور الخارجية‪ ،‬فيشمل‬
‫الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫وحاصل المناقشة‪ :‬إذا كان المراد من الموصول هو (الحكم) فشموله للشبهة‬
‫الموضوعية ال يخلو عن إشكال‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الظاهر من فقرة (رفع ما ال يعلمون) كون الجهل (عدم العلم)‬
‫صفة للموصول بلحاظ نفسه‪ ،‬ال بلحاظ األعم من نفسه ومن متعلقه‪.‬‬
‫األربعاء‪2:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬‬
‫على الحكم في الشبهة الحكمية‬ ‫وعليه‪ :‬فالموصول المجهول ال ينطبق اال ّ‬
‫‪1‬‬
‫باعتبار أن الحكم فيها مجهول بنفسه‪ ،‬ال بلحاظ متعلقه ليشمل الشبهات‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫الموضوعية‪.‬‬
‫عموم الموصول لكلتا الشبهتين‬
‫‪1‬‬ ‫ثم أضاف (دام ظله)‪ :‬أن الصحيح في وجه‬
‫‪‬‬
‫معاً‪:‬‬
‫أن يقال‪ :‬إن الموصول في نفسه يشمل الحكم والموضوع معاً‪ ،‬ألن معناه هو‬
‫(الشيء المجهول) القابل لالنطباق على الحكم والموضوع‪ ،‬فإذا أسند إليه‬
‫الرفع‪ ،‬فيكون (الشيء المجهول) هو المرفوع في ظاهر الحديث‪.‬‬
‫نعم‪ :‬لما كان اسناد الرفع إلى نفس الحكم الواقعي المجهول مباشرة ال‬
‫يمكن؛ الستلزامه محذور اختصاص األحكام الواقعية بالعالم بها‪ ،‬وهو‬
‫مستحيل ثبوتاً واثباتاً‪.‬‬
‫وألجل دفع المحذور قلنا‪ :‬إنه البد من أن يكون الرفع متجه ًا ومسنداً إلى‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪:‬‬ ‫أثر الحكم الواقعي المجهول‪ ،‬وهو إيجاب االحتياط مجازاً وعنائياً‪،‬‬
‫فالبد من تقدير إيجاب االحتياط في جملة (ماال يعلمون) لتعميم الشبهتين‬
‫معاً‪.‬‬
‫المقام الثالث‪ :‬في فقه تمام الحديث‪:‬‬
‫األربعاء‪2:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫‪1‬في غضون البحث في المقام‬


‫أقول‪ :‬ذكرنا بعض الكالم في فقه الحديث‬
‫‪1‬‬
‫الثاني ونترك الباقي روماً لالختصار‪ ،‬لعدم الفائدة الكثيرة فيما هو المطلوب‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫ال‪.‬‬
‫في محل البحث فع ً‬
‫البحث في حديث الرفع أن السيد‬
‫‪1‬‬ ‫تحصل من جميع ما ذكرناه في جهات‬
‫‪‬‬
‫الخوئي(قده)‪ :‬ذهب إلى صحة الحديث سنداً وإلى داللته على البراءة‬
‫الشرعية‪ ،‬بفقرة (رفع ‪ ...‬ماال يعلمون) وأن المرفوع هو الحكم في مرتبة‬
‫الظاهر دون الواقع‪ ،‬وال مانع وال محذور من االلتزام بعمومه لكلتا الشبهتين‪،‬‬
‫إما بإرادة الحكم من الموصول‪ ،‬أو إرادة األعم منه ومن الموضوع والفعل‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد ذهب إلى صحة حديث الوضع‪ ،‬وذلك بقاعدة‬
‫التعويض‪ ،‬سند ًا وإلى داللته على (البراءة الشرعية) وأن المرفوع هو وجوب‬
‫االحتياط مع شموله لكلتا الشبهتين‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذهب إلى عدم صحة حديث الرفع وعلى‬
‫فرض صحة الحديث سنداً‪ ،‬فيدل على شموله للشبهتين الحكمية‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو وجوب االحتياط في الشبهتين‪.‬‬ ‫والموضوعية‪ ،‬وأن المرفوع‬
‫هذا تمام كالمنا في حديث الرفع على البراءة الشرعية‪ ،‬والمختار ما ذهب‬
‫إليه السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫األربعاء‪2:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تركناها للدورة الالحقة إن شاء هّال‬


‫‪1‬‬ ‫وهناك بحوث أخرى متعلقة بالحديث‬
‫‪1‬‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫حديث الحجب‬
‫‪ 1‬الحجب‪ ،‬وهي رواية الكليني‬
‫ومما استدل به على البراءة الشرعية هو حديث‬
‫‪‬‬
‫(قده) في الكافي‪ ،‬بسند صحيح‪ ،‬وبهذا المضمون عن االمام الصادق(ع) أنه‬
‫(‪)1‬‬ ‫قال‪« :‬ما حجب هال ع ِن ال ْعِب ِ‬
‫اد‪ ،‬فَ ُه َو َم ْو ُضو ٌع َعن ْ ُه ْم»‬‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُّ َ‬
‫وتقريب االستدالل بهذا الحديث‪ :‬صغرى‪ :‬أن كل تكليف لم يصل إلى‬
‫المكلف فهو محجوب عنه‪ ،‬كبرى‪ :‬فإذا كان التكليف محجوباً عن‬
‫المكلف‪ ،‬فهو موضوع عنه‪ ،‬ووضع التكليف مساوق لعدم ايجاب االحتياط‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذا المضمون بنفسه يتكفل بنفي وجوب االحتياط‪ ،‬ويكون هو‬
‫الدليل على البراءة الشرعية في الشبهتين على نحو ماتقدم في حديث الرفع‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬ط الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ ،34‬باب حجج ه ّال على خلقه‪ ،‬من أبواب كتاب التوحيد‪ ،‬ح‪.3‬‬
‫السبت‪ 5:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إنتهى حديثنا في البحث السابق حول مما استدل به على البراءة الشرعية هو‬
‫حديث الحجب‪ ،‬وهي رواية الكليني (قده) في الكافي‪ ،‬بسند صحيح‪ ،‬وبهذا‬
‫المضمون عن االمام الصادق(ع) أنه قال‪« :‬ما حجب هاّلل ع ِن ال ْعِب ِ‬
‫اد‪ ،‬فَ ُه َو‬‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُٰ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪‬‬ ‫َم ْو ُضو ٌع َعن ْ ُه ْم»‬
‫وتقريب االستدالل بهذا الحديث‪ :‬صغرى‪ :‬أن كل تكليف لم يصل إلى‬
‫المكلف فهو محجوب عنه‪ ،‬كبرى‪ :‬فإذا كان التكليف محجوباً عن‬
‫المكلف‪ ،‬فهو موضوع عنه‪ ،‬ووضع التكليف مساوق لعدم ايجاب االحتياط‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذا المضمون بنفسه يتكفل بنفي وجوب االحتياط‪ ،‬ويكون هو‬
‫الدليل على البراءة الشرعية في الشبهتين على نحو ماتقدم في حديث الرفع‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) أن في المقام اشكاالً‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن ظاهر إسناد‬
‫الحجب إلى هٰاّلل تعالى في الحديث‪ ،‬يقتضي أن يكون المحجوب علمه عن‬
‫العباد‪ ،‬تلك األحكام التي قرر هٰاّلل تعالى إخفاءها في مكنون علمه‪ ،‬وسترها‬
‫عن العباد‪ ،‬ولم يبيٰنها ألجل مصلحة التسهيل والتوسعة على األمة‪،‬‬
‫المرحومة‪ ،‬أو ألجل مانع من هذا البيان‪ ،‬مع وجود المقتضى لها‪ ،‬إلى أن‬
‫تأتى ظروف مناسبة لبيان التبليغ لتلك األحكام المحجوبة‪ ،‬كزمان ظهور‬
‫اإلمام المهدي(ع)‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكافي‪ ،‬ط الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ ،34‬باب حجج ه ٰاّلل على خلقه‪ ،‬من أبواب كتاب التوحيد‪ ،‬ح‪.3‬‬
‫السبت‪ 5:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وعليه‪ :‬فال يرتبط هذا الحديث بالمقام‪ ،‬وهو الجهل باألحكام التي يحتمل‬
‫أن الشارع بيٰنها على لسان نبيٰه (ص) وقد أخفاها الظالمون‪ ،‬أو إلجمالها‪ ،‬أو‬
‫لتعارض النصيٰن‪ ،‬دون األحكام التي لم يبيٰنها هٰاّلل تعالى أص ً‬
‫ال‪ ،‬فال يدل‬
‫عن المقام‪.‬‬ ‫الحديث على البراءة الشرعية لكونه أجنبياً‬
‫‪‬‬

‫وأجاب عنه(قده) وحاصله‪ :‬أنه ال إشكال في صحة فرض إسناد الحجب‬


‫إلى هٰاّلل تعالى في صورتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬صحة إسناد الحجب إليه تعالى‪ ،‬بالنسبة غلى تلك األحكام الشرعية‬
‫التي هي ثابتة في اللوح المحفوظ‪ ،‬ولمصلحة مالم يأمر هٰاّلل تعالى رسوله‬
‫(ص) ببيانها كما هو مفروض اإلشكال‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬صحة اسناد الحجب إليه تعالى‪ ،‬بالنسبة إلى األحكام التي أمر‬
‫رسوله(ص) ببيانها وقد بيٰنها (ص) ولكنها حجبت عنا لم يصل إلينا‪ ،‬إما‬
‫لفقد النص من قبل الظالمين‪ ،‬أو لمانع آخر‪ ،‬كالضياع والتلف‪ ،‬أو إلجمال‬
‫النص‪ ،‬أو لتعارض النصين‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ووجه صحة إسناد الحجب إليه تعالى في هذه الصورة حيث كان المباشر‬
‫للتكلف والحجب غيره تعالى‪ ،‬إنما هو باعتبار أنه تعالى قادر على رفع‬
‫المانع‪ ،‬وإيصال هذه األحكام إلى العباد‪ ،‬ولكن بما أنه تعالى لم يرفع المانع‪،‬‬
‫فلهذا يصح إسناد الحجب وعدم رفع المانع إليه تعالى‪ ،‬بل يصح اسناده إليه‬
‫تعالى حتى في الشبهات الموضوعية‪ ،‬باعتبار أنه تعالى قادر أيضاً على رفع‬
‫السبت‪ 5:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحجب عنهم فيها‪ ،‬بإيجاد مقدمات يتمكنوا بها من تحصيل العلم بها‪.‬‬
‫و بكلمة‪ :‬أن هٰاّلل تعالى حيث إنه قادر على إيصال األحكام الشرعية إلى‬
‫عباده‪ ،‬ولو بأمر اإلمام المهدي (عج) بالظهور‪ ،‬و بيان األحكام الشرعية‬
‫ورفع الحجب عنه‪ ،‬بل له تعالى‬ ‫المحجوبة‪ ،‬وتبليغها‪ ،‬وإيصالها إلى الناس‪،‬‬
‫‪‬‬

‫رفع الحجب عن العباد حتى في الشبهات الموضوعية ــ كما عرفت ــ‬


‫فلذلك يصح اسناد الحجب إليه تعالى في كلتا الشبهتين‪ ،‬فيندفع اإلشكال‪،‬‬
‫بذلك ويتم اإلستدالل بحديث الحجب على البراءة الشرعية مطلقا‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده) فقد أفاد في دفع الشبهة المتقدمة ما حاصله‪:‬‬
‫الحيثية األولى تكوينية وهي‪ :‬أن يكون الحجب مضافاً إلى هٰاّلل تعالى‪،‬‬
‫ومكونه‪ ،‬وخالق السماوات واألرض‪،‬‬
‫ٰ‬ ‫ومسنداً إليه‪ ،‬من حيث إنه سيٰد الكون‬
‫والقادر على الحجب واإلظهار‪.‬‬
‫الحيثية الثانية‪ :‬تشريعية‪ :‬أن يكون الحجب مضاف ًا إليه تعالى‪ ،‬من حيث هو‬
‫شارع‪ .‬وهاتان الحيثيتان موجودتان فيه تعالى قطعاً‪.‬‬
‫أما بناءاً على الحيثية الثانية‪ :‬فمن الواضح يكون مفاد الحجب في الحديث‬
‫هو‪ :‬إخفاء الحكم وعدم إصداره واظهاره ببيان يكشف عنه‪ ،‬فيكون‬
‫اإلشكال وارداً‪.‬‬
‫وأما بناءاً على الحيثية األولى‪ :‬يكون كل حجب يقع في العالم مهما كانت‬
‫أسبابه و دواعيه‪ ،‬فهو ينتهي بالتالي إليه تعالى‪ ،‬ألن ما يجري في الكون فهو‬
‫السبت‪ 5:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫منه‪ ،‬وإليه تعال لكونه مسبب األسباب‪ ،‬وعلة العلل‪.‬‬


‫معنى عاماً‪ ،‬يشمل‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫وعليه‪ :‬يكون معنى الحجب منه تعالى في الحديث‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يشمله إطالق‬ ‫النصين‪،‬‬
‫موارد فقد النص‪ ،‬واجماله‪ ،‬وتعارض ٰ‬
‫‪‬‬ ‫الحديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن يشمل الحديث الشبهات الموضوعية أيض ًا باعتبار أن‬ ‫بل ال يبعد‬
‫الحجب في الشبهة الموضوعية يسند إليه تعالى‪ ،‬من باب استناد كل‬
‫الحوادث إليه تعالى وتقدس‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه البد من استظهار الحيثية األولى‪ ،‬ليدل الحديث على المطلوب‪.‬‬
‫ثم ذكر السيد الشهيد(قده) لبيان هذا االستظهار وجهين‪:‬‬
‫األحد‪ 6:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫كان كالمنا في االستدالل بحديث الحجب‪« ،‬ما حجب هاّلل ع ِن ال ْعِب ِ‬
‫اد‪ ،‬فَ ُه َو‬‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُٰ َ‬
‫َم ْو ُضو ٌع َعن ْ ُه ْم» على البراءة الشرعية كحديث الرفع والوضع المتقدمين‪،‬‬
‫فقالوا أن المراد بماء الموصولة هو الشيء المجهول المحجوب فيشمل‬
‫‪‬هناك اعتراض وإشكال‪ ،‬قال أن‬
‫الشبهتين الموضوعية والحكمية‪ ،‬ولكن كان‬
‫مقتضى الحديث‪ :‬أن المراد بما الموصولة هي تلك االحكام التي لم يبينها‬
‫هٰاّلل تعالى وجعل بيانها إلى زمان آخر كعصر الظهور‪ ،‬وهذا الحديث يكون‬
‫أجنبياً عن المقام‪ ،‬ألن المقام إنما هو في جريان براءة الشرعية في األحكام‬
‫التي بينها هٰاّلل سبحانه وتعالى لرسوله‪ ،‬ورسول (ص) وبين ها للناس‪ ،‬اال انها‬
‫فقدت او ضاعت أو كان مجملة‪ ،‬فإذاً الحديث أجنبي عما نحن فيه عن‬
‫المقام‪ ،‬فإذاً سياق الحديث شيء ومحل الكالم شيء آخر‪ ،‬أجاب عنه السيد‬
‫الخوئي(قده) بجواب تقدم الكالم عن هذا الجواب‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده) فقد أفاد في دفع الشبهة المتقدمة ما حاصله‪:‬‬
‫الحيثية األولى تكوينية وهي‪ :‬أن يكون الحجب مضافاً إلى هٰاّلل تعالى‪،‬‬
‫ومكونه‪ ،‬وخالق السماوات واألرض‪،‬‬
‫ٰ‬ ‫ومسنداً إليه‪ ،‬من حيث إنه سيٰد الكون‬
‫والقادر على الحجب واإلظهار‪.‬‬
‫الحيثية الثانية‪ :‬تشريعية‪ :‬أن يكون الحجب مضاف ًا إليه تعالى‪ ،‬من حيث هو‬
‫شارع‪ .‬وهاتان الحيثيتان موجودتان فيه تعالى قطعاً‪.‬‬
‫أما بناءاً على الحيثية الثانية‪ :‬فمن الواضح يكون مفاد الحجب في الحديث‬
‫األحد‪ 6:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫هو‪ :‬إخفاء الحكم وعدم إصداره واظهاره ببيان يكشف عنه‪ ،‬فيكون‬
‫اإلشكال وارداً‪.‬‬
‫وأما بناءاً على الحيثية األولى‪ :‬يكون كل حجب يقع في العالم مهما كانت‬
‫تعالى‪ ،‬ألن ما يجري في الكون فهو‬
‫أسبابه و دواعيه‪ ،‬فهو ينتهي بالتالي إليه‪‬‬

‫منه‪ ،‬وإليه تعال لكونه مسبب األسباب‪ ،‬وعلة العلل‪.‬‬


‫معنى عاماً‪ ،‬يشمل‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫وعليه‪ :‬يكون معنى الحجب منه تعالى في الحديث‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يشمله إطالق‬ ‫النصين‪،‬‬
‫موارد فقد النص‪ ،‬واجماله‪ ،‬وتعارض ٰ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن يشمل الحديث الشبهات الموضوعية أيضاً باعتبار أن‬ ‫بل ال يبعد‬
‫الحجب في الشبهة الموضوعية يسند إليه تعالى‪ ،‬من باب استناد كل‬
‫الحوادث إليه تعالى وتقدس‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه البد من استظهار الحيثية األولى‪ ،‬ليدل الحديث على المطلوب‪.‬‬
‫ثم ذكر السيد الشهيد(قده) لبيان هذا االستظهار وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن مدلول لفظة الجاللة هٰ‬
‫(اّلل) هو (األلوهية) والخالقية‪،‬‬
‫والمدبرية للكون‪ ،‬وأما الحيثية التشريعية‪ ،‬فهي من شؤون مولوية المولى‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وليست داخلة في مدلول لفظ الجاللة هٰ‬
‫(اّلل) لثبوت هذه‬
‫الحيثية‪ ،‬حتى للموالي العرفيين‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن حمل الحجب من هٰاّلل تعالى‪ ،‬على الحيثية التشريعية‪ ،‬بعيداً‬
‫األحد‪ 6:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫جداً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن معنى الحديث لو حمل على حيثية مولوية المولى في الحجب‬
‫هو أن التكليف الذي يتعمد هٰاّلل تعالى إخفاءه عن العباد‪ ،‬هو تكليف ال‬
‫‪ ‬كون العباد في معرض‬
‫يسأل العباد عنه‪ ،‬وهذا مطلب واضح في عدم‬
‫المسؤولية عنه بحسب المرتكز العرفي‪ ،‬حتى يكون في مقام التصدي‬
‫للجواب عنه‪ ،‬إذ هناك تناقض عرفاً بين أن يتعمد المولى إخفاء مطلب‬
‫عمداً‪ ،‬وبين أن يسألهم عنه‪ ،‬ويدينهم عليه‪ ،‬وهذا بخالف مالو كان الحجب‬
‫(‪)1‬‬
‫تكوينياً‪ ،‬فإنه ال يتنافى مع اإلدانة‪.‬‬
‫مختصر مفيد‪ :‬أن إرادة الحجب من هٰاّلل‪ ،‬من حيث إنه شارع‪ ،‬بعيد جداً‪ ،‬وال‬
‫يتناسب مع سياق الحديث‪ ،‬ألن ما يكون المولى بنفسه بصدد إخفائه من‬
‫ال‪.‬‬
‫التكاليف‪ ،‬ليس في معرض توهم مسؤولية العباد عنه أص ً‬
‫مضافاً إلى كونه عرفاً مناقضاً مع فرض مسؤولية العباد وإدانتهم‪ ،‬ومعه يتعيٰن‬
‫أن تكون اإلضافة إليه تعالى من حيث إنه خالق األكوان وعلة العلل‪ ،‬فيكون‬
‫معنى الحجب عاماً يشمل المقام‪.‬‬
‫فتحصل مما ذكرناه‪ :‬أن هذا الحديث يكون خير دليل على البراءة الشرعية‪،‬‬
‫في الشبهات الحكمية‪ ،‬لتماميته سنداً وداللة‪.‬‬
‫قرب االستدالل بهذا الحديث على نحو ما‬
‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد ٰ‬
‫(‪ )1‬نفس المصدر‪.‬‬
‫األحد‪ 6:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تقدم منه (دام ظله) في حديث الرفع من شمول (ما) الحكم والموضوع‬
‫معاً‪ ،‬بإرادة رفع (أثر الحكم) وهو االحتياط لدفع المحذور‪.‬‬
‫ثم تعرض إلى الشبهة القائلة‪ :‬بأن الحديث أجنبي عن المقام ألنه ناظر إلى‬
‫للعباد‪ ،‬على لسان رسوله‬
‫‪‬‬ ‫األحكام الشرعية التي لم يبيٰنها هٰاّلل تعالى‬
‫الكريم(ص) بقرينة إسناد الحجب إليه تعالى‪ ،‬وليس ناظر ًا إلى جريان‬
‫البراءة عن األحكام الشرعية التي لم يحجبها‪ ،‬بل بي ٰنها على لسان‬
‫رسوله(ص)‪ ،‬وإن لم تصل إلى العباد‪ ،‬بسبب‪ ،‬أو آخر‪.‬‬
‫ثم ذكر جواب السيد الخوئي(قده) عنها‪ :‬من صحة إسناد الحجب بالنسبة‬
‫إلى األحكام التي بي ٰنا على لسان رسوله(ص)‪ ،‬وإن لم تصل إلى العباد لمانع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إسناد‬ ‫ما‪ ،‬باعتبار أنه تعالى قادر على رفع المانع‪ ،‬فلم يرفعه‪ ،‬فصح‬
‫الحجب إليه تعالى حتى في الشبهات الموضوعية كما تقدم‪.‬‬
‫ثم قال(دام ظله)‪ :‬يمكن المناقشة‪ ،‬فيما ذكره السيد الخوئي(قده) في جواب‬
‫الشبهة وحاصل المناقشة‪ :‬أن إسناد الحجب إليه تعالى في الشبهات مطلقا‪،‬‬
‫وإن كان حقيقياً بالنظر الدقي العقلي‪ ،‬اال أن إسناده في هذه الشبهات إلى‬
‫اإلنسان الذي هو السبب المباشر‪ ،‬أولى بنظر العرف‪ ،‬من إسناده إليه تعالى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 7:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره شيخنا األستاذ(دام ظله) في تقريبه االستدالل‬


‫بحديث حجب وذكر على نحو ما تقدم في حديث الرفع ما الموصولة يراد‬
‫منه معنى عاماً يشمل الحكم والموضوع ولكن ال على نحو الحقيقة للزوم‬
‫المجاز‪ ،‬بإرادة رفع اثر الحكم وهو‬
‫‪‬‬ ‫المحذور المتقدم‪ ،‬وإنما يكون على نحو‬
‫وجوب االحتياط كما تقدم هناك فإذاً ذهب شيخنا األستاذ (دام ظله) إلى‬
‫تمامية داللة هذا الحديث على البراءة الشرعية‪ ،‬ثم تعرض إلى الشبهة‬
‫القائلة‪ :‬بأن الحديث أجنبي عن المقام ألنه ناظر إلى األحكام الشرعية التي‬
‫لم يبيّنها هّال تعالى للعباد‪ ،‬على لسان رسوله الكريم(ص) بقرينة إسناد‬
‫الحجب إليه تعالى‪ ،‬وليس ناظراً إلى جريان البراءة عن األحكام الشرعية‬
‫التي لم يحجبها‪ ،‬بل بيّنها على لسان رسوله(ص)‪ ،‬وإن لم تصل إلى العباد‪،‬‬
‫بسبب‪ ،‬أو آخر‪.‬‬
‫ثم ذكر جواب السيد الخوئي(قده) عنها‪ :‬من صحة إسناد الحجب بالنسبة‬
‫إلى األحكام التي بيّنا على لسان رسوله(ص)‪ ،‬وإن لم تصل إلى العباد لمانع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إسناد‬ ‫ما‪ ،‬باعتبار أنه تعالى قادر على رفع المانع‪ ،‬فلم يرفعه‪ ،‬فصح‬
‫الحجب إليه تعالى حتى في الشبهات الموضوعية كما تقدم‪.‬‬
‫ثم قال(دام ظله)‪ :‬يمكن المناقشة‪ ،‬فيما ذكره السيد الخوئي(قده) في جواب‬
‫الشبهة وحاصل المناقشة‪ :‬أن إسناد الحجب إليه تعالى في الشبهات مطلقا‪،‬‬
‫وإن كان حقيقياً بالنظر الدقي العقلي‪ ،‬اال أن إسناده في هذه الشبهات إلى‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 7:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلنسان الذي هو السبب المباشر‪ ،‬أولى بنظر العرف‪ ،‬من إسناده إليه تعالى‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬باعتبار أنه تعالى السبب غير المباشر‪ ،‬كما هو الحال في صدور‬
‫األفعال من العباد‪.‬‬
‫الحجب إليه تعالى بالمباشرة‪ ،‬فهو‬
‫‪‬‬‫وعليه‪ :‬فلما كان الحديث ظاهراً في إسناد‬
‫ال ينطبق اال على األحكام التي لم يأمر هّال تعالى ببيانها‪ ،‬وهي التي باقية في‬
‫اللوح المحفوظ دون األحكام التي‪ ،‬بي ّنها رسول(ص)‪ ،‬ولكنها لم تصل إلى‬
‫العباد لمانع ما‪.‬‬
‫نعم‪ :‬في الحديث قرينة على أن المراد من الموصول فيه هو األحكام‬
‫الشرعية التي لم تصل إلى العباد بعد بيانها‪ ،‬فتشمل المقام‪.‬‬
‫وهذه القرينية‪ :‬هي أن الحديث قد ورد مورد االمتنان‪ ،‬وال امتنان فيما إذا‬
‫كان الحجب من جهة عدم المقتضي والبيان‪.‬‬
‫نعم يتحقق االمتنان فيما إذا كان المقتضي للمؤاخذة موجوداً ورفعها أو‬
‫وضعها عنهم كما في األحكام الشرعية التي بيّنها النبي(ص) ولم يصل إلينا‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن داللة الحديث على أصالة البراءة الشرعية تامة‪ ،‬وهي تصلح‬
‫أن تعارض أدل االحتياط على تقدير تماميتها‪ ،‬وقد تقدم أنه تام من حيث‬
‫السند أيضاً‪.‬‬
‫وهناك‪ :‬أحاديث أخرى تمسكوا بها إلثبات البراءة الشرعية في الشبهتين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 7:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫منها حديث االطالق «ك ُل َشي ٍء مطلَق حتى ي ِرد فِ ِ‬
‫يه نَهي‪ )1(».‬فيقيد بالنهي‪.‬‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ومنها حديث السعة « الناس في سعة ما ال يعلمون»‬
‫ومنها حديث الحل‪« :‬كل شيء فيه حالل وحرام‪ ،‬فهو لك حالل حتى‬
‫تعرف الحرام بعينه‪ ،‬فتدعه»‪ .‬وغيرها الكثير‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ولكن ال حاجة إلى العرض لها‪ ،‬بعد الثبوت البراءة الشرعية بالحديثين‬
‫المتقدمين‪.‬‬
‫وأما االستصحاب‬
‫وهو مما استدل به على البراءة الشرعية في المقام‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد قرب االستدالل باالستصحاب بنحوين‪ :‬بعد‬
‫تمهيد مقدمة‪:‬‬
‫وهي أن األحكام الشرعية لها مرتبتان‪:‬‬
‫المرتبة األولى‪ :‬مرتبة الجعل والتشريع‪ ،‬والحكم الشرعي في هذه المرتبة‬
‫متقوم بـ فرض الموضوع‪ ،‬دون تحقق الموضوع خارجاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن التشريع غير متوقف على تحقق الموضوع خارجاً‪ ،‬وفعليته‪.‬‬
‫بل يصح جعل الحكم على موضوع مفروض الوجود على نحو القضية‬
‫الحقيقية «يجب الحج على المستطيع»‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬صح تشريع القصاص على القاتل‪ ،‬وإن لم يقتل أحد إلى األبد‪.‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة؛ ج‪ ،27‬ص‪174 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 7:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬مرتبة الفعلية‪ :‬والحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوم بـ تحقق‬
‫الموضوع خارجاً‪ ،‬دون فرضه في عالم الجعل‪ ،‬ألن فعلية الحكم إنما هي‬
‫بفعلية موضوعه‪ ،‬ومع انتفاء الموضوع خارجاً‪ ،‬ال يكون الحكم فعلياً هذا‪.‬‬
‫كل واحد من المرتبتين مسبوق‬ ‫ثم قال(قده)‪ :‬حيث إن الحكم الشرعي في‬
‫‪‬‬

‫بالعدم‪ ،‬فقد يقرب اإلستدالل باالستصحاب على نحوين‪ ،‬بلحاظ كل واحدة‬


‫من المرتبتين‪...:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 8:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في اإلستدالل على البراءة الشرعية في موردين‪ :‬في الشبهات‬


‫الحكمية والموضوعية‪ ،‬بـ االستصحاب‪ ،‬وبدأنا بمقالة السيد الخوئي(قده)‬
‫في وجه اإلستدالل‪ ،‬حيث قرب اإلستدالل باالستصحاب بنحوين‪ ،‬تارة‪:‬‬
‫واألخرى‪ :‬باالستصحاب في مرتبة‬
‫‪‬‬ ‫باالستصحاب في مرتبة الجعل والتشريع‪،‬‬
‫الفعلية‪،‬‬
‫المرتبة األولى‪ :‬مرتبة الجعل والتشريع‪ ،‬والحكم الشرعي في هذه المرتبة‬
‫متقوم بـ فرض الموضوع‪ ،‬دون تحقق الموضوع خارجاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن التشريع غير متوقف على تحقق الموضوع خارجاً‪ ،‬وفعليته‪.‬‬
‫بل يصح جعل الحكم على موضوع مفروض الوجود على نحو القضية‬
‫الحقيقية «يجب الحج على المستطيع»‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬صح تشريع القصاص على القاتل‪ ،‬وإن لم يقتل أحد إلى األبد‪.‬‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬مرتبة الفعلية‪ :‬والحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوم بـ تحقق‬
‫الموضوع خارجاً‪ ،‬دون فرضه في عالم الجعل‪ ،‬ألن فعلية الحكم إنما هي‬
‫بفعلية موضوعه‪ ،‬ومع انتفاء الموضوع خارجاً‪ ،‬ال يكون الحكم فعلياً هذا‪.‬‬
‫ثم قال(قده)‪ :‬حيث إن الحكم الشرعي في كل واحد من المرتبتين مسبوق‬
‫بالعدم‪ ،‬فقد يقرب اإلستدالل باالستصحاب على نحوين‪ ،‬بلحاظ كل واحدة‬
‫من المرتبتين‪ :‬أما النحو األول‪ :‬وهو تقريب اإلستدالل بلحاظ المرتبة األولى‬
‫مرتبة (الجعل) وحاصله‪ :‬أن األحكام الشرعية لما كانت بعد حدوث‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 8:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الشريعة‪ ،‬تدريجية الحصول وال جعل من قبل الشارع‪ ،‬فالحكم المشكوك‬


‫فيه لم يكن مجعوالً في زمان سابق قطعاً‪ ،‬فيستصحب عدم الجعل مالم‬
‫يحصل اليقين بجعله‪.‬‬
‫الحكم على المكلفين في زمان ما‪،‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن الشارع المقدس‪ ،‬لم يجعل‪‬‬

‫فإذا شككنا في جعله‪ ،‬وعدم جعله‪ ،‬نستصحب عدم الجعل حتى يحصل لها‬
‫العلم بجعله‪ ،‬ومعنى استصحاب عدم الجعل هو ثبوت اإلباحة والترخيص‬
‫والبراءة للمكلف من ناحية المخالفة‪.‬‬
‫وأما النحو الثاني‪ :‬وهو تقريب االستدالل على البراءة باالستصحاب بلحاظ‬
‫المرتبة الثانية للحكم وهي مرتبة الفعلية‪.‬‬
‫ال‪ ،‬فقبل البلوغ‬
‫فيقال‪ :‬إن من جملة شروط فعلية الحكم هو البلوغ مث ً‬
‫التكليف الفعلي بالحج‪ ،‬معدوم قطع ًا‪.‬‬
‫فإذا شككنا في وجود الحكم الفعلي على تقدير تحقق البلوغ‪ ،‬نستصحب‬
‫عدم التكليف الفعلي بعد البلوغ المتيقن قبل البلوغ وهو معنى البراءة‪،‬‬
‫وهناك إشكاالت وإيرادات على هذين النحوين‪.‬‬
‫وقد أورد على النحو األول بإيرادين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن عدم الجعل المتيقن عدم محمولي (عدم أزلي) وهو غير مرتبط‬
‫بالمولى ألنه قبل الشريعة‪ ،‬ال مولوية للمولى‪ ،‬لتقمصه المولوية حين التشريع‬
‫وبعث الرسل‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 8:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما العدم المشكوك في المقام‪ ،‬إنما هو عدم نعتي منسوب إلى شارع‪،‬‬
‫ومضاف إلى المولى‪ ،‬فال يمكن إثبات (العدم النعتي) باستصحاب (العدم‬
‫المحمولي) اال على القول باألصل المثبت‪ ،‬وذلك باعتبار أن العدم النعتي‬
‫‪‬له‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫صفة للموضوع الموجود في الخارج‪ ،‬ونعت‬
‫االستصحاب (العدم المحمولي) ال يثبت كونه نعت ًا للموضوع‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬العدم المتيقن هو‪ :‬العدم قبل الشرع والشريعة‪ ،‬وهو غير‬
‫منتسب إلى الشارع‪ ،‬والعدم المشكوك فيه‪ ،‬هو العدم المنسوب إلى الشارع‬
‫بعد ورود الشرع من قبله‪ ،‬فالمتيقن غير محتمل البقاء‪ ،‬وما هو مشكوك‬
‫الحدوث لم يكن متيقناً سابقا‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪ :‬أنه قد حصل خلط عند المستشكل فان‬
‫المستصحب إنما هو العدم المنتسب إلى الشارع‪ ،‬وبعد ورود الشرع دون‬
‫العدم الثابت قبل الشريعة كما توهم‪.‬‬
‫لما عرفت من أن جعل األحكام كان تدريجياً‪ ،‬فقد مضى من الشريعة زمان‪،‬‬
‫لم يكن هذا الحكم المشكوك فيه مجعوالً يقيناً‪ ،‬فيستصحب ذلك‪ ،‬مع أن‬
‫االنتساب إلى الشارع قد يثبت بنفس االستصحاب‪ ،‬فيكون العدم نعتياً‪،‬‬
‫منسوباً إلى الشارع‪.‬‬
‫وقد ذكر السيد الشهيد(قده)‪ ،‬وشيخنا األستاذ (دام ظله) هذا الجواب‪ ،‬بال‬
‫مناقشة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 9:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق بيان ارادات الواردة على ما ذكره السيد‬
‫الخوئي(قده) إلجراء استصحاب كدليل على البراءة الشرعية في مرتبتين‪:‬‬
‫المرتبة األولى في مرتبة الجعل‪ ،‬المرتبة الثاني المرتبة في مرتبة الفعلية‪،‬‬
‫الجعل حيث قيل فيه ان الشارع لم‬
‫‪‬‬‫وأورد على النحو األول استصحاب مرتبة‬
‫يجعل الحكم على المكلفين في زمان ما‪ ،‬فإذا شككنا في أصل جعله‬
‫فنستصحب عدم الجعل‪ ،‬كان على هذا الطرف إيرادان‪ :‬اإليراد األول‪ :‬ان‬
‫المتيقن في هذا االستصحاب وهو عدم الجعل الذي لم يجعل في زمان ما‬
‫هذا عدم المحمولي وهذا غير مرتبط بمولوية المولى‪ ،‬وأما عدم المشكوك‬
‫وهو عدم النعتي ومنسوب إلى الشارع بعد الجعل المولى‪ ،‬فإذاً استصحاب‬
‫ال مثبتاً‪ ،‬هذا‬
‫اثبات عدم النعتي باستصحاب عدم المحمولي هذا يكون أص ً‬
‫غير تام‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪ :‬أنه قد حصل خلط عند المستشكل فان‬
‫المستصحب إنما هو العدم المنتسب إلى الشارع‪ ،‬وبعد ورود الشرع دون‬
‫العدم الثابت قبل الشريعة كما توهم‪.‬‬
‫اإليراد الثاني‪ :‬أن المحرك للعبد نحو التكليف(أعني الباعث أو الزاجر له)‬
‫إنما هو التكليف الفعلي دون اإلنشائي‪ ،‬فالحكم اإلنشائي مما ال يترتب عليه‬
‫أثر بل يترتب األثر على الحكم الفعلي‪ ،‬ومن الواضح أنه ال يمكن اثبات‬
‫عدم التكليف الفعلي باستصحاب عدم الجعل واإلنشاء اال على القول‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 9:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫باألصل المثبت‪ ،‬وهو كما ترى‪.‬‬


‫وبكلمة‪ :‬أنه ال أثر الستصحاب عدم الحكم اإلنشائي وال يثبت به عدم‬
‫الحكم الفعلي‪ ،‬اال ا على القول باألصل المثبت‪ ،‬وذلك باعتبار أن انتفاء‬
‫عقلي‪ ،‬وليس بشرعي‪ ،‬كما أن‬ ‫الحكم الفعلي بانتفاء الحكم االنشائي‪ ،‬أمر‬
‫‪‬‬

‫ترتبه عليه كذلك‪.‬‬


‫توضيحه بمثال‪ :‬أنه ال يترتب على اإلنشاء وجعل الحج على المستطيع‬
‫ال‪ ،‬فإنه ال يكون ملزماً بالحج لغير المستطيع‬
‫بالنسبة إلى غير مستطيع فع ً‬
‫الختالفهما‪ ،‬اال بعد استطاعته وفعليتها‪ ،‬فاألثر يترتب على المجعول‪ ،‬وهو‬
‫الحكم الفعلي بفعلية موضوعه في الخارج نفياً وإثباتاً‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬ال أثر الستصحاب الجعل أو عدم الجعل في نفسه‪ ،‬إلثباتهما‪.‬‬
‫وأما إذا أريد به اثبات المجعول‪ ،‬أو نفي المجعول فهو ال يمكن اال على‬
‫القول باألصل المثبت‪ ،‬فلهذا قيل ان استصحاب عدم الجعل ال يثبت عدم‬
‫المجعول‪.‬‬
‫ال لالستصحاب وممكناً وهو الحكم االنشائي‬
‫مختصر مفيد‪ :‬أن ما كان قاب ً‬
‫غير صالح لألثر بالنسبة إلى المكلف‪ ،‬وما كان صالحاً لألثر وهو الحكم‬
‫الفعلي فهو ليس متعلقاً لالستصحاب (ما قصد لم يقع‪ ،‬وما وقع لم يقصد)‬
‫فعلى هذا ال تجري االستصحاب في المقام‪.‬‬
‫وقد أجاب عنه السيد الخوئي(قده) بجوابين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 9:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أوالً‪ :‬بالنقض باستصحاب عدم النسخ عند الشك في النسخ‪ ،‬وبقاء الجعل‬
‫الذي ال خالف في جريانه‪ ،‬فلو كان نفي الحكم الفعلي باستصحاب (عدم‬
‫الجعل) من األصل المثبت‪ ،‬كان اثبات الحكم الفعلي المجعول باستصحاب‬
‫بقاء الجعل وعدم النسخ أيضاً‪ ،‬كذلك‪.‬‬

‫وثاني ًا بالحل‪ :‬بأن اإلنشاء والجعل هو إبراز أمر اعتباري‪ ،‬واالعتباري كما‬
‫يمكن أن يتعلق بأمر فعلي‪ ،‬يمكن أن يتعلق بأمر متأخر‪ ،‬ومقيد بقيود‪ ،‬فليس‬
‫جعل الحكم وانشاؤه اال عبارة عن اعتبار شيء على ذمة المكلف في ظرف‬
‫معين‪ ،‬ويتحقق المعتبر بمجرد االعتبار‪ ،‬بل هما (المعتبر واالعتبار)‪ ،‬أمر‬
‫واحد‪ ،‬حقيقة‪ ،‬والفرق بينهما اعتباري لحاظي‪ ،‬كالفرق بين الوجود‬
‫وااليجاد‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالحكم الفعلي هو الحكم اإلنشائي‪ ،‬لكن مع فرض تحقق قيده‬
‫المأخوذة فيه‪ .‬ومن هنا‪ :‬يكون استصحاب الحكم االنشائي‪ ،‬أو عدمه هو‬
‫استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه‪.‬‬
‫نعم‪ :‬مجرد ثبوت الحكم في عالم االعتبار‪ ،‬ال يترتب عليه األثر مثل وجوب‬
‫االطاعة بحكم العقل‪ ،‬قبل تحقق موضوعه بقيوده في الخارج‪.‬‬
‫وليس ذلك اال من جهة أن االعتبار قد تعلق بظرف وجود الموضوع على‬
‫نحو القضية الحقيقية من أول األمر‪ ،‬فمع عدم تحقق الموضوع ال يكون‬
‫حكم أو تكليف على المكلف‪ ،‬وبعد تحقق الموضوع بقيوده خارجاً‪ ،‬ال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 9:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يكون المحرك اال نفس االعتبار السابق‪ ،‬ال أن هناك أمر آخر يسمى بــ‬
‫الحكم الفعلي‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن االشكال إنما يرد فيما لو فرضنا أن للحكم مرتبتين(إنشائية‬
‫‪‬إليراد المذكور‪ ،‬إذ ليس ما وراء‬
‫وفعلية)‪ ،‬وأما إذا فرضنا هما واحداً فال يتم ا‬
‫الحكم اإلنشائي الذي جعله المولى‪ ،‬جعل ثان يسمى بالفعلي‪ ،‬بل هو حكم‬
‫واحد إنشائي فعلي‪ ،‬فإن المجعول ليس شيئاً آخر وراء الجعل منظوراً إليه‪،‬‬
‫مضافاً إلى موضوعه في ظرف تحقق موضوعه‪.‬‬
‫وقد ذكر السيد الشهيد وكذلك شيخنا األستاذ (دام ظله) نفس الجواب فال‬
‫نعيد‪.‬‬
‫وقد أورد على النحو الثاني من تقريب االستصحاب‪ ،‬وهو استصحاب عدم‬
‫التكليف الفعلي والمتيقن قبل البلوغ بوجوه‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 12:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق فيما قربه السيد الخوئي (قده) من االستدالل‬
‫باالستصحاب على البراءة بنحوين‪ :‬بلحاظ مرتبة الجعل وإن الشارع لم‬
‫يجعل الحكم الخاص (الدعاء عند الهالل) على المكلفين في بدو التشريع‪،‬‬
‫عدم الجعل ومفاده االباحة‬ ‫فإذا شككنا في جعله بعد ذلك نستصحب‬
‫‪‬‬

‫والترخيص والبراءة‪ ،‬وقد تقدم اإلشكال واإليراد على هذا النحو بوجهين‬
‫وأجاب عنهما و (وافقه على ذلك العلمين)‪.‬‬
‫النحو الثاني‪ :‬تقريب اإلستدالل على البراءة باستصحاب عدم الحكم الفعلي‪،‬‬
‫ال في (الحج) فإذا شككنا‬
‫وحاصله‪ :‬أن من شروط فعلية الحكم هو البلوغ مث ً‬
‫في وجود وثبوت الحكم الفعلي بعد البلوغ الحتمال اعتبار غيره‬
‫فنستصحب عدم التكليف الفعلي بعد البلوغ وقد كان متيقناً قبل البلوغ‪ ،‬وقد‬
‫أو رد على النحو الثاني بوجهين أيض ًا‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه يعتبر في االستصحاب‪ ،‬ان يكون المستصحب بنفسه أو‬
‫بأثره مجعوالً شرعياً‪ ،‬بحيث يكون وضعه ورفعه بيد الشارع‪.‬‬
‫وفي المقام‪ :‬أن عدم التكليف أزلي وغير قابل للجعل الشرعي فإن المجعول‬
‫هو الحكم‪ ،‬دون عدم الحكم‪ ،‬وليس له أثر شرعي‪ ،‬فإن عدم العقاب من‬
‫الوازمه العقلية دون الشرعية‪ ،‬فال يجري فيه االستصحاب‪.‬‬
‫وصاحب الكفاية(قده) قد نسب هذا االيراد إلى الشيخ االنصاري (قده)‪.‬‬
‫وفي النسبة نظر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 12:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والجواب عنه‪ :‬أن دعوى اعتبار كون المستصحب أمراً مجعوالً شرعياً أو‬
‫بأثره مما لم يدل عليها دليل‪ ،‬من آية أو رواية‪ ،‬فهي دعوى بال دليل‪.‬‬
‫ال للتعبد الشرعي‬
‫نعم‪ :‬أن المعتبر في االستصحاب أن يكون المستصحب قاب ً‬
‫‪ ‬للتعبد‪ ،‬غاية األمر أن وجوده‬
‫ومن المعلوم أن عدم التكليف كوجوده قابل‬
‫في التكليف قابل للتعبد حدوث ًا و بقاء ًا‪ ،‬وأما عدم التكليف فهو قابل للتعبد‬
‫بقاءاً‪ ،‬ال حدوثاً‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد (قده) قد أجاب عن هذا اإليراد بأسلوب آخر‪:‬‬
‫حاصله‪ :‬أن المعيار في جريان االستصحاب هو ان يكون مورد االستصحاب‬
‫ال للتصرف المولوي الظاهري‪ ،‬ومعنى ذلك هو التأمين والتنجيز من‬
‫قاب ً‬
‫ناحيته فيكون التعبد به منجزاً أو معذوراً‪ ،‬ومن الواضح أن التصرف المولوي‬
‫بمعنى التنجيز والتعذير‪ ،‬كما يكون في استصحاب التكليف‪ ،‬كذلك يكون‬
‫في استصحاب عدم التكليف‪ ،‬فإن استصحاب التكليف يكون منجزاً‬
‫لمورده واستصحاب عدم التكليف يكون مؤمناً لمورده‪ ،‬وهذا هو معنى‬
‫القابلية للتصرف‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن االستصحاب كما يجري في المجعول الشرعي‪ ،‬أو موضوعه‪،‬‬
‫كذلك يجري في التعبد بعد مهما‪.‬‬
‫وقد أيد شيخنا األستاذ (دام ظله) هذا الجواب لرد االشكال بال زيادة عليه‬
‫فال نعيد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 12:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثاني‪ :‬ما ذكره الشيخ األنصاري أيضاً (قده) وحاصله‪ :‬إنه يعتبر في‬
‫االستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعاً ومحموالً ولكن‬
‫في المقام ال اتحاد بينهما في الموضوع‪ ،‬فإن موضوع عدم التكليف قبل‬
‫حديث رفع القلم‪ ،‬وأما موضوعه‬ ‫البلوغ هو عنوان الصبي كما هو الظاهر من‬
‫‪‬‬

‫بعد البلوغ هو عنوان البائع‪ ،‬وأحدهما غير اآلخر‪ ،‬ومن هنا نقول‪:‬‬
‫إن اإلباحة الثابتة للعنوان األول‪ ،‬بحديث رفع القلم فقد ارتفعت بارتفاع‬
‫موضوعها‪ ،‬وهو الصبي واإلباحة الثابتة باالستصحاب فرضاً للعنوان الثاني‪،‬‬
‫فهي إباحة أخرى لموضوع آخر‪ ،‬وهو (البالغ)‪.‬‬
‫فألجل اإلخالل بالشرط المقوم‪ ،‬ال يجري استصحاب بقاء اإلباحة حال‬
‫الصبيان‪ ،‬فإن ذلك من باب إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر‪،‬‬
‫وهو قياس وليس باستصحاب‪ ،‬وعليه‪ :‬فال مجال لجريان االستصحاب‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد قال‪ :‬اإلنصاف أن هذا االشكال وارد على‬
‫االستدالل باالستصحاب على البراءة الشرعية في المقام‪.‬‬
‫وتوضيحه‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 13:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في النحو الثاني من تقريب باالستدالل على البراءة الشرعية‬


‫باالستصحاب‪ ،‬كان على النحوين‪ :‬النحو األول كان استصحاب عدم‬
‫الجعل‪ ،‬النحو الثاني استصحاب عدم التكليف فعلي‪ ،‬الكالم في النحو‬
‫على هذا النحو بإشكالين‪،‬‬ ‫الثاني‪ ،‬و ذكر ذلك بوجهين‪ ،‬ولكن أورد‬
‫‪‬‬

‫االشكال األول‪ :‬أن المستصحب البد ان يكون بنفسه أو بأثره مجعوال شرعي ًا‬
‫بحيث يكون وضعه ورفعه بيد الشارع‪ ،‬أما في المقام عند ما نستصحب عدم‬
‫التكليف الفعلي (العدم) امر أزلي ليس له أثر شرعي‪ ،‬و ليس قابل لجعل‬
‫شرعي‪ ،‬وهذا خالف ما شرطناه بأن يكون مجعول شرعي‪ ،‬وأجاب عن‬
‫ذلك السيد الخوئي(قده) وكذلك السيد الشهيد(قده)‪.‬‬
‫اإلشكال الثاني للشيخ األنصاري(قده) قال‪ :‬أنه يعتبر في االستصحاب شرط‬
‫و هو وحدة قضية متيقنة والمشكوكة من حيث الموضوع و من حيث‬
‫المحمول‪ ،‬وأما في المقام عند ما نستصحب عدم التكليف الفعلي أو‬
‫نستصحب عدم حكم الفعلي ال يوجد هناك اتحاد بين الموضوع‬
‫والمحمول‪ ،‬يعني قضية المتيقنة هو عدم وجوب صالة على الصبي اآلن بعد‬
‫البلوغ باالستصحاب ال تجب عليه صالة‪ ،‬فإذاً القضية المتيقنة موضوعها‬
‫الصبي‪ ،‬والقضية المشكوكة الصبي بعد البلوغ هل يثبت عليه وجوب‬
‫الصالة او حكمه حكم الصبي فنستصحب عدم وجوب الصالة‪ ،‬فإذاً‬
‫الموضوع في القضية متيقنة هو الصبي والموضوع في القضية المشكوكة هو‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 13:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫البالغ‪ ،‬فإذاً حصل تغير‪.‬‬


‫السيد الخوئي قده قال‪ :‬اإلنصاف أن هذا اإلشكال وارد على هذا اإلستدالل‪.‬‬
‫وتوضيحه‪ :‬أن العناوين المأخوذة في موضوعات األحكام الشرعية في لسان‬
‫‪‬‬ ‫الدليل‪ ،‬على أقسام ثالثة‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬كون العنوان مقوم ًا للموضوع بنظر العرف‪ ،‬بحيث لوثبت‬
‫عد حكماً جديداً لموضوع آخر‪ ،‬ال بقاء الحكم‬
‫الحكم مع انتفاء العنوان‪ّ ،‬‬
‫للموضوع األول‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مسألة جواز التقليد‪ ،‬فإن موضوعه (العالم) «يجوز تقليد العالم» فلو زال‬
‫ال يكون موضوعاً آخر‪ ،‬ألن (العلم) هو المقوم‬
‫عنه العلم وصار جاه ً‬
‫لموضوع جواز التقليد بنظر العرف‪ ،‬وفي مثل هذا القسم ال مجال لجريان‬
‫االستصحاب‪ ،‬لعدم صدق نقض اليقين بالشك على عدم ترتيب األثر‪،‬‬
‫السابق حين الشك‪ ،‬فال يكون مشموالً ألدلة االستصحاب‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يكون العنوان من حاالت الموضوع‪ ،‬وغير مقوم له عرفاً‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا قال المولى (أكرم هذا القائم) فإن العرف يرى أن القيام والقعود‬
‫من الحاالت الطارئة‪ ،‬بحيث لو ثبت وجوب اإلكرام حال جلوسه كان بقاء‬
‫للحكم األول‪ ،‬ال حدوث حكم جديد لموضوع آخر‪.‬‬
‫وفي هذا القسم ال اشكال في جريان االستصحاب‪ ،‬لو فرض الشك في بقاء‬
‫الحكم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 13:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم الثالث‪ :‬أن شك في كون العنوان مقوماً للموضوع‪ ،‬أم ال؟‬


‫مثاله‪ :‬عنوان التغيير المأخوذ في نجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة‪ ،‬فبعد زوال‬
‫مقوم لموضوع (الحكم‬
‫(التغيّر) يشك في بقاء النجاسة‪ ،‬لعدم العلم بأن التغيّر ّ‬
‫الحاالت الطارئة؟‬
‫‪‬‬ ‫بالنجاسة) أو أنه ليس بمقوم بل من قبيل‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬يشك في أن حدوث (التغي ّر) هل هو علة لحدوث النجاسة‬
‫في الماء وبقائها بحيث ال يكون بقاؤها منوطاً ببقاء التغيّر؟ أو هو علة‬
‫لحدوث النجاسة فقط دون بقائه‪ ،‬بحيث تكون النجاسة دائرة مدار التغيّر‬
‫حدوثاً و بقاءاً أي وجوداً وعدماً‪ ،‬فإذا زال التغير زالت النجاسة‪.‬‬
‫وفي هذا القسم‪ :‬ال يجري االستصحاب كما في القسم األول‪ ،‬ألن مع الشك‬
‫في بقاء الموضوع‪ ،‬لم يحرز اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة‪ ،‬وهذا‬
‫واضح‪.‬‬
‫ثم قال(قده) إذا عرفت ما مهد ناه لك‪ ،‬ظهر عدم صحة التمسك‬
‫باالستصحاب في المقام؛ ألن عنوان الصبي داخل في القسم األول‪ ،‬ويكون‬
‫من العناوين المقومة بنظر العرف‪ ،‬وعنوان البالغ‪ ،‬موضوع آخر‪ ،‬فبانتفاء‬
‫العنوان األول‪ ،‬ينتفى حكمه أيضاً‪ ،‬وهو عدم التكليف الثابت له‪ ،‬فال يمكن‬
‫اثباته للبالغ باالستصحاب‪ ،‬كما هو معلوم‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أجاب عن هذا االعتراض بما حاصله‪ :‬إنا ال‬
‫نريد من اشتراط (بقاء الموضوع) في جريان االستصحاب‪ ،‬اال صدق قضية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 13:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إبقاء ما كان‪ ،‬ورفع ما كان عند انتفاء الموضوع‪ ،‬بأن يصدق على مورد‬
‫التعبد باالستصحاب عنوان (اإلبقاء) وأن يصدق على نقيضه عنوان الرفع (ال‬
‫تنقض‪.)...‬‬
‫‪‬الحالة السابقة عند الشك‪ ،‬ومن‬
‫ألن جريان االستصحاب إنما هو بلسان إبقاء‬
‫الواضح‪ :‬أن الصبي قبل البلوغ كان محكوم ًا باإلباحة‪ ،‬واآلن بعد بلوغه يشك‬
‫في أنه مازال محكوماً باإلباحة‪ ،‬تلك‪ ،‬أو أنها ارتفعت؟‬
‫منصبة على مصب واحد وهو (الصبي) قبل البلوغ‬
‫إذاً‪ :‬فاإلباحة لوحظت ّ‬
‫وبعد البلوغ‪ ،‬ولذلك كان الشك في بقائها‪ ،‬وارتفاعها‪ ،‬وهذا الكالم عرفي‪،‬‬
‫وعرفيته برهان على صحة جريان االستصحاب في مورده‪ ،‬وعلى صدق‬
‫عنوان الشك في البقاء‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد أجاب عن هذا االعتراض بوجهين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 14:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره الشيخ األنصاري(قده) من االعتراض واإلشكال‬


‫على جريان البراءة الشرعية واالستدالل على ذلك باالستصحاب وقال أنه ال‬
‫يمكن التمسك باالستصحاب في المقام بأنه من باب تبدل الموضوع‪،‬‬
‫‪‬عتبرة في االستصحاب وهي‬
‫وتبدل الموضوع يؤدي إلى خرق القاعدة الم‬
‫وحدة قضية المتيقنة والمشكوكة موضوع ًا ومحموالً‪ ،‬اإلشكال يصب في أن‬
‫الموضوع في القضيتين مختلف‪ ،‬الموضوع في القضية المتيقنة هو الصبي‪،‬‬
‫وبعد البلوغ نشك في بقاء الحكم وفي عدم الحكم‪ ،‬ال يمكن استصحاب‬
‫عدم الحكم الفعلي باعتبار ان الموضوع قد تبدل‪ ،‬عدم الحكم الفعلي كان‬
‫موضوعه الصبي‪ ،‬بعد البلوغ موضوعه صار بالغ‪ ،‬دون الصبي‪ ،‬فإذاً‬
‫االستصحاب ال يجري في المقام‪.‬‬
‫السيد الخوئي (قده) قال االعتراض وارد‪ ،‬السيد الشهيد(قده) قال االعتراض‬
‫غير وارد‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد أجاب عن هذا االعتراض بوجهين‪ :‬الوجه‬
‫األول‪ :‬أن الترخيص الثابت (للصبي) هو الترخيص(الال اقتضائي) غير الناشئ‬
‫عن مالك في مقابل الترخيص (االقتضائي) الذي فيه مالك الترخيص‪،‬‬
‫والحكم الترخيصي ناشئ منه‪ ،‬وموضوع الترخيص(الال اقتضائي) هو الجامع‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ ،‬فإذا شك في‬ ‫بين (الصبي) و(البالغ) وال دخل لعنوان الصبي فيه‪،‬‬
‫بقائه بعد البلوغ‪ ،‬فال مانع من استصحاب بقائه إلى ما بعد البلوغ‪ ،‬مع انحفاظ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 14:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة‪ ،‬موضوعاً ومحموالً‪.‬‬


‫الوجه الثاني‪ :‬لو سلمنا كون الترخيص الثابت للصبي بمقتضى (حديث رفع‬
‫القلم) هو (الترخيص االقتضائي) اال أن الظاهر بنظر العرف‪ ،‬كون العنوان‬
‫‪‬أفاده السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫الصبي ليس من العناوين المقومة خالفاً لما‬
‫مضي‬ ‫وبعد‬ ‫‪،‬‬ ‫وذلك‪ :‬ألن هذا العنوان كان ينطبق على اإلنسان قبل بلوغه ٍ‬
‫بآن‬
‫ّ‬
‫هذا اآلن صار بالغاً‪ ،‬فهل يحتمل أن يكون بنظر العرف اإلنسان الثاني غير‬
‫اإلنسان األول؟ حتى يقال‪ :‬أن إسراء الحكم من األول إلى الثاني قياس‪،‬‬
‫باستصحاب؟‬
‫والجواب‪ :‬أن هذا غير محتمل عرفاً‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فال مانع من هذا‬
‫االستصحاب‪ ،‬ولعل منشأ توهم ذلك‪ ،‬هو جعل الشارع عنوان البلوغ شرطاً‬
‫للتكليف اإللزامي‪ .‬ولكن من الواضح أن هذا الجعل ال يدل على أن البلوغ‬
‫عنوان مقوم للموضوع‪ ،‬ألن الشرط غالباً من حاالت الشيء‪ ،‬ال من مقوماته‪،‬‬
‫وعلى أساس ذلك‪ :‬فبطبيعة الحال يشك في بقاء الترخيص بعد البلوغ‪ ،‬فال‬
‫مانع من استصحاب بقائه‪.‬‬
‫تحصل‪ :‬من جميع ما ذكرناه‪ :‬أنه ال مانع من جريان استصحاب عدم‬
‫التكليف الفعلي وهو كسائر أدلة البراءة الشرعية يصلح لمعارضة أدلة‬
‫وجوب االحتياط اآلتية في الشبهات على تقدير تماميتها‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬أن السيد الشهيد(قده) قد أضاف صيغة ثالثة لالستدالل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 14:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫باالستصحاب على البراءة الشرعية‪ ،‬وتمتاز هذه الصيغة عن غيرها بكونها‬


‫أقل ّها اشكاالً‪ ،‬وأوضحها جرياناً‪ ،‬فإن جملة اإلشكاالت التي يتوهم ورودها‬
‫على الصيغتين السابقين (النحوين السابقين) من قبيل تغير الموضوع أو عدم‬
‫األثر عليه‪ ،‬ال ترد على هذه‬
‫‪‬‬‫جريانه بنفسه ألن العدم أزلي ولعدم ترتب‬
‫الصيغة‪.‬‬
‫وحاصل هذه الصيغة‪ :‬هو أن يلحظ زمان ما قبل تحقق موضوع التكليف‬
‫المشكوك‪ ،‬إذا كان له موضوع وقيود‪.‬‬
‫ال أن حجة اإلسالم هل تجب بالبذل من دون استطاعة؟‬‫مثاله‪ :‬مالو شككنا مث ً‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال نحتاج إلى ان ترجع إلى حالة الصغر ليقال بتبدل الموضوع‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫بل نقول‪ :‬قبل البذل‪ ،‬لم يكن الحج واجب ًا‪ ،‬لعدم االستطاعة‪ ،‬وبعد البذل‬
‫نشك في وجوبه‪ ،‬فنستصحب (عدم الوجوب) الذي كان ثابتاً قبل البذل‪،‬‬
‫وهذا العدم‪ ،‬هو عدم المجعول‪ ،‬كما في الصيغة الثانية‪ ،‬ولكن ثابت في حالة‬
‫الكبر‪ ،‬ال في حالة الصغر‪ ،‬كما في الصيغة الثانية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه ال مانع من جريان االستصحاب إلثبات (التأمين من العقاب)‪.‬‬
‫تحصل من جميع ما تقدم‪ :‬أن األعالم الثالثة‪ :‬قد اتفقوا على جريان‬
‫استصحاب عدم التكليف إلثبات البراءة الشرعية‪ ،‬في الشبهات مطلقا‪ ،‬وهو‬
‫كسائر أدلة البراءة يصلح لمعارضة أدلة وجوب االحتياط اآلتية التي أقاموها‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 14:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫األخباريون وغيرهم في المقام‪.‬‬


‫وبعد ذلك‪ :‬يقع الكالم فيما أقامه الذاهبون إلى جريان قاعدة االحتياط في‬
‫الشبهات الحكمية والموضوعية من األدلة‪.‬‬
‫الشبهات الحكمية‪ ،‬وقد استدل‬
‫األدلة القائلين بوجوب االحتياط في ‪‬‬

‫األخباريون ومن تبعهم على وجوب االحتياط في الشبهات الحكمية‬


‫بالكتاب‪ ،‬والسنة والعقل‪.‬‬
‫األول‪ :‬االستدالل بالكتاب العزيز‪ ،‬وبآيات عديدة وهي على‬
‫طوائف‪ :‬الطائفة األولى‪ :‬اآليات الناهية عن القول بغير العلم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ك ب ِ ِه عِل ْم‪» ...‬‬
‫ْف ما لَي ْ َس ل َ َ‬
‫منها قوله تعالى‪َ « :‬و ال تَق ُ‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.36‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 15:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫انتهى كالمنا في البحث السابق فيما ذكره األصوليون القائلون بجريان براءة‬
‫الشرعية في موارد الشبهات الحكمية والموضوعية‪ .‬واآلن نبدأ بذكر أدلة‬
‫القائلين بوجوب االحتياط دون البراءة‪:‬‬
‫الشبهات الحكمية‬
‫األدلة القائلين بوجوب االحتياط في ‪‬‬

‫وقد استدل األخباريون ومن تبعهم على وجوب االحتياط في الشبهات‬


‫الحكمية بالكتاب‪ ،‬والسنة والعقل‪.‬‬
‫األول‪ :‬االستدالل بالكتاب العزيز‪ ،‬وبآيات عديدة وهي على‬
‫طوائف‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬اآليات الناهية عن القول بغير العلم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ك ب ِ ِه عِل ْم‪» ...‬‬
‫ْف ما لَي ْ َس ل َ َ‬
‫منها قوله تعالى‪َ « :‬و ال تَق ُ‬
‫بتقريب‪ :‬أنها تدل على النهي عن إتباع المجهول مطلقا‪ ،‬في القول والعمل‪،‬‬
‫وهي تقتضي عدم جواز القول بغير العلم‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يجوز للفقيه اإلفتاء بالحرمة‪ ،‬أو اإلباحة الواقعيتين‪ ،‬وكذا باإلباحة‬
‫أو الوجوب الظاهريتين‪ ،‬اال بالدليل‪.‬‬
‫ومع عدم الدليل كما هو المفروض في الشبهات‪ ،‬فال بد من التوقف عند‬
‫المشتبه‪ ،‬وعدم جواز اقتحامه وهذا هو المراد بـ وجوب االحتياط‪.‬‬
‫وقد أجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪:‬‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.36‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 15:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أنه ال يتم اإلستدالل على وجوب االحتياط بهذه اآلية المباركة‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫حرمة القول بغير العلم‪ ،‬المنبثق عنها القول بوجوب االحتياط مما ال خالف‬
‫فيه بين األخباريين واألصوليين‪ ،‬فإن األصولي يعترف بأن القول بالترخيص‬
‫تشريع محرم‪ ،‬اال ّ أنه يدعي قيام‬
‫‪‬‬ ‫إذا لم يكن مستنداً إلى دليل وحجة فهو‬
‫الدليل على الترخيص‪ ،‬فال يلتزم بالالزم‪ ،‬كما أن األخباري‪ :‬أيض ًا يقربان‬
‫القول بوجوب االحتياط من غير دليل وحجة عليه‪ ،‬أيضاً تشريع محرم‪،‬‬
‫ولكنه يدعي قيام الدليل عليه فعليك بالدليل‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذه الطائفة أجنبية عن المقام‪ ،‬فال وجه لالستدالل بها فيه‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده) فقد ذكر في رد االستدالل بها ما حاصله‪:‬‬
‫أن هذا الوجه من أضعف ما استدل به على وجوب االحتياط‪ ،‬إذ ال شبهة‬
‫وال شك عند األخباري واألصولي في حرمة إسناد الحكم الواقعي إلى‬
‫الشارع في موارد الشبهة (حرمة كانت أو إباحة) ألنهما من مصاديق اإلفتاء‬
‫بغير علم المحرم بينما اإلفتاء بالبراءة فهو إفتاء ليس مسنداً إلى الشارع بغير‬
‫علم‪ ،‬وإنما هو مسند إلى العقل إذا كان الدليل عقلياً من جهة قطعه بأن‬
‫العقل يدرك الوظيفة الفعلية العملية عند الشك‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد افاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫أن مفاد اآلية المباركة‪ ،‬هو حرمة اإلفتاء بدون علم‪ ،‬ألنسه من التشريع‬
‫المحرم‪ ،‬وهذه الكبرى‪ ،‬مما ال خالف فيها‪ ،‬بين الجميع‪ ،‬مع أن الحرمة هنا‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 15:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫واقعية‪ ،‬ال ظاهرية‪ ،‬فال يكون مفاد اآلية الشريفة وجوب االحتياط في‬
‫الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن مرجع ما أفاده األعالم الثالثة إلى معنى واحد وهو عدم داللة اآلية‬
‫‪‬هي ناظرة إلى حرمة االتباع‬
‫الشريفة على وجوب االحتياط شرعاً‪ ،‬وإنما‬
‫المحرم‪ .‬وهذا مما ال يرتضيه‬
‫ّ‬ ‫ال‪ ،‬ألنه من التشريع‬
‫واإلفتاء بغير علم‪ ،‬قوالً وعم ً‬
‫ال سيأتي‪ ،‬فال تصلح اآلية‬
‫األخباري فضال عن األصولي‪ ،‬وأما وجوبه عق ً‬
‫لالستدالل على المقام مطلقا(ال اإلفتاء باالحتياط‪ ،‬وال اإلفتاء بالبراءة)‪.‬‬
‫الطائفة الثانية‪ :‬اآليات الناهية عن إلقاء النفس في التهلكة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫منها قوله تعالى‪َ « :‬و ال تُلْقُوا ب ِ َأيْديك ُْم ِإلَى الت َّ ْهلُكَة‪»...‬‬
‫وتقريب اإلستدالل بها‪ :‬أن مفادها هو النهي عن القاء النفس وتعريضه‬
‫للهلكة مطلقا‪ ،‬دنيوية كانت أو أخروية‪ ،‬وهذا التعريض ينطبق على (اقتحام‬
‫الشبهات) الذي يجعله في معرض مخالفة هّال تعالى‪ ،‬وهي أشد المهالك‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالبد من التوقف واالحتياط في الشبهات الحكمية البدوية‪.‬‬
‫وأجاب عنها السيد الخوئي(قده) بما حاصله‪:‬‬
‫أنه ال يتم اإلستدالل بهذه الطائفة كسابقتها‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه‪ :‬إن أريد بالتهلكة‬
‫في اآلية الشريفة‪ ،‬التهلكة الدنيوية‪ ،‬فال شك في أنه ليس في ارتكاب الفعل‪،‬‬
‫ال عن القطع بها‪ ،‬وهذا‬
‫مع الشك في حرمته وبالعكس‪ ،‬احتمال الهلكة فض ً‬

‫(‪ )1‬البقرة‪ :‬اآلية‪.195‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 15:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫معلوم في الخارج وجداناً‪.‬‬


‫وإن أريد بها التهلكة واألخروية‪ ،‬أعني استحقاق العقاب‪ ،‬فال إشكال في‬
‫كون الحكم بترك القاء النفس‪ ،‬وتعريضها للهلكة إرشادياً محض ًا‪.‬‬
‫‪‬العقاب األخروي حرمة وعقاب‬
‫وذلك‪ :‬ألنه ال يترتب على إيقاع النفس في‬
‫آخر‪ ،‬حتى يكون النهي عنه مولوي ًا يعاقب عليه‪.‬‬
‫مضافاً‪ :‬إلى أن األصولي يرى ثبوت المؤمن العقاب‪ ،‬فال أثر لهذا النهي‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أورد على االستدالل بإيرادين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 16:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما استدل به األخباريون على وجوب االحتياط في الشبهات‬


‫الحكمية مستدلين باآليات الشريفة‪ ،‬و وصلنا إلى اآلية الثانية‪ ،‬تمسكوا بقوله‬
‫تعالى‪َ « :‬و ال تُلْقُوا ب ِ َأيْديك ُْم ِإلَى الت َّ ْهلُكَة‪ )1(»...‬حيث قالوا أن النهي عن القاء‬
‫الدنيوي واألخروي‪ ،‬فإذا شمل‬
‫‪‬‬ ‫في التهلكة يكون مطلق‪ ،‬ويشمل التهلكة‬
‫هذا الخطاب الشبهات األخروية‪ ،‬فال بد من التوقف واالحتياط في هذه‬
‫الشبهات‪ ،‬معنا عدم اقتحام هو االحتياط‪ ،‬فيجب اإلحتياط في هذه الشبهات‪،‬‬
‫ناقش السيد الخوئي(قده) هذا االستدالل وأجاب عنه ألن هذا الستدالل‬
‫غير تام‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أورد على االستدالل بإيرادين‪:‬‬
‫اإليراد األول‪ :‬أن قوله تعالى‪َ « :‬و ال تُلْقُوا ب ِ َأيْديك ُْم ِإلَى الت َّ ْهلُكَة‪ »...‬فيه ثالث‬
‫احتماالت‪:‬‬
‫ال كما بني عليه االستدالل‪ ،‬وال ربط وال‬
‫االحتمال األول‪ :‬كونه خطاباً مستق ً‬
‫ال‪.‬‬
‫عالقة له بما قبله‪ ،‬وبما بعده أص ً‬
‫فلو سلمنا تقريب هذا االستدالل‪ :‬أمكن القول مع هذا االحتمال بداللة اآلية‬
‫على وجوب االحتياط‪.‬‬
‫اإلحتمال الثاني‪ :‬أن تكون فقرة االستدالل نهياً شرطياً‪ ،‬بالنسبة إلى األمر‬
‫باإلنفاق « َو َأنْفِقُوا في َسبي ِل َّالل‪ »...‬بشرط عدم التهلكة‪ ،‬الذي ورد قبل هذه‬

‫(‪ )1‬البقرة‪ :‬اآلية‪.195‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 16:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الفقرة‪.‬‬
‫يحدد دائرة (األمر باإلنفاق المتقدم) ويقيد مقداره‪ ،‬فيكون‬
‫فالنهي المتأخر ّ‬
‫معنى اآلية‪ :‬أن يكون اإلنفاق الواجب بمقدار ال يوجب هالك اإلنسان‪،‬‬
‫وحياته بالنحو المناسب‪ ،‬بمعنى‪:‬‬ ‫بحيث توقفه‪ ،‬وتمنعه عن مواصلة معيشته‪،‬‬
‫‪‬‬

‫أنه البد أن يكون اإلنفاق وسطاً‪ ،‬وبدرجة االعتدال‪.‬‬


‫ل ي َ َد َك َمغْل ُول َ ًة ِإلى ُعنُقِك َو ال تَب ْ ُسطْ ها‬
‫ويؤيد ذلك‪ :‬قوله تعالى‪َ « :‬و ال ت َ ْج َع ْ‬
‫كُل ال ْبس ِ‬
‫ط فَتَق ُْع َد َمل ُوماً َم ْح ُسوراً»(‪.)1‬‬ ‫َّ َ ْ‬
‫في مقام االنفاق ان مبذرين كان اخوان شياطين‪.‬‬
‫وهذا االحتمال قريب إلى الوجدان‪ ،‬وأنه مطلب عرفي‪ ،‬وسياقه عرفي أيضاً‪،‬‬
‫وهو من قبيل أن يقال‪( :‬صل‪ ،‬وال تلبس ثوباً نجساً)‪ ،‬فهذا النهي بمالحظة ما‬
‫يحدد أن األمر بالصالة مشروط بالنهي عن لبس الثوب النجس فيها‪،‬‬
‫قبله‪ّ ،‬‬
‫ال‪ ،‬كما في االحتمال األول‪.‬‬
‫فال يكون هذا النهي‪ ،‬نهياً وخطاب ًا مستق ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ومع هذا االحتمال ال تدل اآلية المباركة على وجوب االحتياط أص ً‬
‫االحتمال الثالث‪ :‬كون هذه الفقرة تكراراً سلبياً لما قبلها اإليجابي‪ ،‬وهذا‬
‫أيضاً سياق عرفي رائج‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فليس هنا شيئان بل شيء واحد ولكن أليس تارة صيغة االيجاب‬
‫فكان أمراً بالفعل (وانفقوا) وأخرى صيغة السلب‪ ،‬فكان نهياً عن مقابل ذلك‬

‫(‪ )1‬اإلسراء‪ :‬اآلية‪.29‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 16:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الفعل‪ ،‬حيث يقتضي التهلكة‪.‬‬


‫وهذا األسلوب إنما يأتي في موارد التأكيد على طلب الفعل السابق‪ ،‬فيكون‬
‫المقصود‪ :‬أن ترك االنفاق في سبيل َّالل إلقاء للنفس في الهلكة‪.‬‬
‫الوجدان‪ ،‬ومعه ال تدل اآلية على‬
‫‪‬‬ ‫وهذا االحتمال أيضا عرفي‪ ،‬يساعد عليه‬
‫وجوب االحتياط أيضاً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن مع وجود هذه االحتماالت في اآلية وقوة االحتمالين األخرين‪،‬‬
‫ال يمكن االستدالل بها على المدعى‪.‬‬
‫اإليراد الثاني‪ :‬على االستدالل بآية (التهلكة) على وجوب االحتياط‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن لو سلمنا استظهار االحتمال األول من االحتماالت الثالثة‬
‫المتقدمة في اإليراد األول‪ ،‬والذي بني عليه اإلستدالل على وجوب‬
‫االحتياط اال ّ أن مثل هذا النهي (وال تلقوا) يستحيل أن يكون نهي ًا مولوي ًا‬
‫منجزاً للتكليف‪ ،‬وهو وجوب االحتياط في الشبهات‪ ،‬ألنه نهي عما فرض‬
‫أنه هلكة في المرتبة السابقة عليه‪ ،‬فيكون نهياً إرشادياً‪ ،‬وعليه فهنا احتماالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يفرض وجود االحتمال العقاب‪ ،‬وذلك من جهة أن التكليف‬
‫وجوب االحتياط في الشبهات كان منجزاً بدليل آخر‪ ،‬في المرتبة السابقة‬
‫على هذا النهي‪.‬‬
‫كما لو ورد (اقتحام مشكوك الحرمة مهلكة) أو حكم العقل في المقام بعدم‬
‫جواز القاء النفس في التهلكة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 16:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فيحتمل معه العقاب عند االقتحام (لو اقتحمت تعاقب ارشادياً) بل يقطع به‪.‬‬
‫ففي هذا الحال ال يكون النهي في اآلية اال إرشادياً وتحذيراً عن دخول نار‬
‫الهلكة بترك العمل بالتكليف السابق ال منجز‪ ،‬فال يكون هذا النهي مولوياً‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫ومنجزاً للواقع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يفرض عدم وجود احتمال العقاب‪ ،‬إما لعدم وجود التكليف‬
‫ال في المرتبة السابقة‪ ،‬أو لوجود مؤمن مولوي من براءة شرعية أو‬
‫المنجز أص ً‬
‫عقلية‪ ،‬أو نحوهما‪.‬‬
‫ففي هذا الحال‪ :‬ال موضوع للنهي عن إلقاء النفس في التهلكة‪ ،‬فيستحيل‬
‫استفادة التنجيز والعقاب والهلكة‪ ،‬من نفس هذا‬
‫النهي‪ ،‬ألنه قد أخذ في موضوعه (الهلكة)‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) بعد ذكر ما تقدم من السيد الشهيد(قده)‬
‫أضاف‪ :‬أن اآلية الشريفة لو سلمنا داللتها على وجوب االحتياط اال أنها ال‬
‫تنطبق على مانحن فيه‪ ،‬من الشبهات الحكمية‪ ،‬بعد الفحص اال بناءاً على‬
‫القول‪ :‬بأن االصل األولي في الشبهات هو (قاعدة حق الطاعة)‪.‬‬
‫أما بناءاً على ما هو الصحيح‪ ،‬من أن األصل األولي فيها قاعدة قبح العقاب‬
‫بال بيان‪ ،‬فال موضوع لآلية فيها‪ ،‬ألن موضوع اآلية هو (التهلكة) في المرتبة‬
‫السابقة‪ ،‬المنجزة بمنجز سابق‪ ،‬والمفروض عدم وجود (التهلكة) في‬
‫الشبهات بعد الفحص‪ ،‬فإذاً ال يكون االقتحام فيها تعريض للنفس في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 16:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التهلكة‪ ،‬حتى يكون مشموالً لآلية المباركة‪ ،‬بل يراد منها التهلكة الدنيوية‬
‫ال‪.‬‬
‫دون األخروية فال يشمل المقام أص ً‬
‫تحصل مما أوردناه من كلمات األعالم الثالثة من االتفاق في الرد على‬
‫االحتياط وعدم تمامية اإلستدالل‬
‫اإلستدالل باآلية الكريمة‪ ،‬على وجوب‪‬‬

‫بها كسابقتها وهو الصحيح‪.‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 19:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في األسبوع الماضي فيما استدل به األخباريون في وجوب‬


‫االحتياط في الشبهات خصوصاً الشبهات الحكمية التحريمية بالطائفة من‬
‫اآليات تقدم في الطائفتين‪ ،‬أما الكالم اليوم في الطائفة الثالثة وهي اآليات‬
‫‪‬ط ْعت ُ ْم‪»)1(...‬‬ ‫اآلمرة بالتقوى‪ :‬قوله تعالى‪« :‬فَاتَّقُوا َّ َ‬
‫الل َما ْاست َ َ‬
‫وبتقريب االستدالل بها‪ :‬هو داللة اآلية الشريفة على وجوب اإلتقاء بالمقدار‬
‫المستطاع‪ ،‬واإلجتناب عن الشبهات التحريمية مقدور ومستطاع‪ ،‬فالبد من‬
‫إتقائها‪ ،‬بل ال يتحقق التقوى اال بترك الشبهات‪ ،‬وعدم االقتحام فيها‪ ،‬فيجب‬
‫االحتياط باالجتناب عنها‪.‬‬
‫وقد أجاب عنها السيد الخوئي(قده) عن اإلستدالل بما حاصله‪:‬‬
‫لو كان المراد بالتقوى في اآلية الشريفة هو التحفظ عن االرتكاب ما‬
‫يوجب استحقاق العقاب األخروي‪.‬‬
‫فيرد عليه‪ :‬أن ارتكاب الشبهة بعد الفحص‪ ،‬واليأس عن الظفر بدليل‪ ،‬استناداً‬
‫ال‪ ،‬ليس منافي ًا للتقوى بهذا‬
‫واعتماداً على ما يدل على الترخيص شرعاً وعق ً‬
‫المعنى(التحفظ األخروي)‪.‬‬
‫وأما لو كان المراد بالتقوى هو التحفظ عن الوقوع في المفاسد الواقعية‬
‫الدنيوية‪.‬‬
‫فيرد عليه‪ :‬أنه غير واجب قطعاً‪ ،‬ولهذا اتفق األخباريون واألصوليون على‬

‫(‪ )1‬التغابن‪ ،‬اآلية‪.16‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 19:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫جواز الرجوع إلى البراءة في الشبهات الموضوعية‪ ،‬بل وفي الحكمية أيضاً‪،‬‬
‫وإن كانت وجوبية فكانت اآلية الشريفة محمولة على اإلرشاد ال محالة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن اإلستدالل بهذه اآلية الشريفة كسابقتيها غير تام‪.‬‬
‫األستاذ (دام ظله) قد ايدا ما ذكره‬
‫‪‬‬ ‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬وكذلك شيخنا‬
‫السيد الخوئي(قده) من عدم تمامية اإلستدالل باآلية الشريفة‪ ،‬وهناك‬
‫طوائف أخرى‪ ،‬ال تنهض بإثبات المدعى في المقام طوينا عنها كشحاً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ال إشكال في كون اآلية الشريفة في مقام اإلرشاد إلى تجنب‬
‫المحرمات والتقرب إلى َّالل تعالى بامتثال الواجبات وترك المحرمات جهد‬
‫اإلمكان للفوز بالجنان‪ ،‬فال تدل على حكم مولوي مثل وجوب االحتياط‪.‬‬
‫الثاني االستدالل بالسنة الشريفة‬
‫فقد استدلوا األخباريون وغيرهم بمجموعة من األخبار‪ ،‬وهي على طوائف‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬األخبار اآلمرة بالتوقف عند الشبهة‪.‬‬
‫ُوف عِن ْ َد الشُّ ب ْ َه ِة َخي ْ ٌر مِ َن ِاالقْت ِ َح ِام فِي ال َْهلَك َ ِة‪»)1(...‬‬
‫منها‪ :‬قوله (ع)‪« :‬ال ُْوق ُ‬
‫وتقريب اإلستدالل بها‪ :‬أنها تدل على وجوب التوقف عند الشبهة‪ ،‬وأن‬
‫االقتحام فيها‪ ،‬اقتحام في الهلكة‪ ،‬أو مساوق للهلكة‪ ،‬وهي العقوبة األخروية‪،‬‬
‫وعليه فليس المراد من وجوب التوقف اال وجوب االحتياط في الشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬ألن اقتحامها مساوق للوقوع في الهلكة‪ ،‬وعليه فوجوب التوقف‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،27‬باب‪ 12‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪.2‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 19:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫واالجتناب يستبطن وجوب االحتياط وهو المطلوب‪.‬‬


‫وأما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد ناقش في داللة هذه الطائفة على المدعى‬
‫بوجهين‪:‬‬
‫هو عنوان الشبهة‪ ،‬وهو ظاهر في‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن المذكور في هذه الطائفة‬
‫‪‬‬

‫مطلق المشتبه والملتبس‪ ،‬من حيث الحكم الشرعي الواقعي والظاهري معاً‪،‬‬
‫فال يعم ما علم فيه الترخيص الظاهري‪ ،‬ألن أدلة الترخيص تخرج الشبهة‬
‫تخصصاً عن عنوان المشتبه‪ ،‬وتدرجه في عنوان معلوم الحلية‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫ويدل على ما ذكرناه من اختصاص الشبهة بغير ما علم فيه الترخيص ظاهراً‪،‬‬
‫أنه ال اشكال وال خالف في عدم وجوب التوقف في الشبهات الموضوعية‪،‬‬
‫بل حتى في الشبهات الحكمية الوجوبية بعد الفحص‪ ،‬بين الفريقين لحصول‬
‫العلم بالترخيص‪.‬‬
‫فإن أدلة الترخيص لو لم تخرجها تخصصاً عن عنوان الشبهة لزم التخصيص‬
‫في اخبار التوقف مع أن لسان أخبار التوقف آب عن التخصيص والتقييد‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن األمر بالتوقف فيها لإلرشاد وال يمكن أن يكون أمراً مولوياً‬
‫يستتبع العقاب‪ ،‬إذ علل التوقف فيها بأنه خير من االقتحام في الهلكة‪ ،‬وال‬
‫يصح هذا التعليل‪ ،‬اال أن تكون الهلكة مفروضة التحقق والثبوت‪ ،‬في‬
‫ارتكاب الشبهة في نفسها‪ ،‬مع قطع النظر عن هذه األخبار اآلمرة بالتوقف‬
‫(الشبهات مهلكات)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 19:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وال يمكن أن تكون الهلكة المعلل بها وجوب التوقف مترتبة على نفس‬
‫وجوب التوقف المستفاد من هذه األخبار‪ ،‬للزوم الدور كما هو ظاهر‪.‬‬
‫فيختص موردها بالشبهة قبل الفحص‪ ،‬والشبهة المقرونة بالعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫ال‪،‬‬
‫االحتياط في نفسه في الشبهة عق ً‬
‫‪‬‬ ‫بالجملة‪ :‬التعليل ظاهر في ثبوت وجوب‬
‫ال‬
‫مع قطع النظر عن هذه األخبار‪ ،‬فال يمكن إثبات وجوب االحتياط عق ً‬
‫بنفس هذه األخبار‪ ،‬كما هو مقصود األخباري المستدل بها‪ ،‬واال لزم الدور‬
‫الباطل‪ .‬وهو اثبات االحتياط الثابتة في الشبهة باألخبار‪.‬‬
‫وفي نهاية المطاف ال يمكن إتمام اإلستدالل بهذه الطائفة على وجوب‬
‫االحتياط في الشبهات‪.‬‬
‫مهد مقدمة‪...‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد ّ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 20:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في البحث السابق أن الخباريين ومن تبعهم استدل على وجوب‬


‫االحتياط في الشبهات الحكمية خصوصاً التحريمية بعد الكتاب العزيز‬
‫ُوف‬
‫بالسنة الشريفة‪ ،‬والروايات‪ ،‬ذكرنا الرواية الولى وهي قوله (ع) «ال ُْوق ُ‬
‫‪‬لوا أن وجوب التوقف المستفاد‬‫عِن ْ َد الشُّ ب ْ َه ِة َخيْر مِ َن ِاالقْت ِ َح ِام فِي ال َْهلَك َ ِة» فقا‬
‫من هذه الرواية يستبطن وجوب االحتياط وهو المطلوب‪ ،‬حتى ال يقع‬
‫االنسان في الهلكة‪ ،‬السيد الخوئي(قده)ناقش داللة رواية بوجهين‪ :‬الوجه‬
‫الول قال لو سلمنا أن هذه الرواية وردت لبيان عدم اقتحام في الهلكة‬
‫ويشمل مطلق مشتبه‪ ،‬اال ان هناك موارد متعددة قد خرجت بالتخصص‪،‬‬
‫وتلك موارد هي التي ورد فيها الترخيص من قبل الشارع‪ ،‬وهي الشبهات‬
‫البدوية بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل وذكرنا تلك أدلة‪ ،‬ثم الوجه‬
‫الثاني أن هذه الرواية فيها أمر بالتوقف إنما يكون لإلرشاد‪ ،‬ليس لبيان حكم‬
‫المولوي كما يقصده الخباريون‪ ،‬ذكرنا تفاصيله في البحث السابق‪ ،‬ففي‬
‫نهاية المطاف قال(قده) ال يمكن االستدالل بهذه الرواية على وجوب‬
‫االحتياط في الشبهات‪ ،‬حتى في التحريمية‪.‬‬
‫مهد مقدمة‪ ،‬قبل رد االستدالل بهذه الرواية‪،‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد ّ‬
‫ثم أجاب عن إشكال المشهور‪ ،‬ومالحظتهم على الرواية‪.‬‬
‫وحاصل المقدمة‪ :‬أنه البد من التأمل في فقرات هذه الرواية‪ ،‬وال نتلقاها‬
‫على أساس ما عندنا من االصطالحات الصولية الحديثة‪ ،‬بل ال بد من أن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 20:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نرجع فيها إلى المفاهيم العرفية‪ ،‬والمداليل اللغوية على مرحلتين‪:‬‬


‫المرحلة الولى‪ :‬فأخذ كلمة (الوقوف) التي هي في مقابل االقتحام‪،‬‬
‫فالمستدل يقول‪ :‬بأن معناها هو ترك العمل‪ ،‬واحجام عنه واالجتناب منه‪.‬‬
‫‪‬الذي يقابل االقتحام‪ ،‬ال ينبغي‬
‫ولكن هذا المطلب غير واضح‪ ،‬لن الوقوف‬
‫حمله على هذا المعنى‪ ،‬وهو ترك العلم ليكون بمعنى وجوب االحتياط في‬
‫الترك‪.‬‬
‫وتمهل‪ ،‬وعليه فيكون الوقوف‬
‫ّ‬ ‫ترو‬
‫وذلك‪ :‬لن االقتحام معناه هو االقدام بال ّ‬
‫والتروي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المقابل له‪ ،‬بقرينة التقابل‪ ،‬عبارة عن الوقوف مع التأمل والتريّث‬
‫في مقابل االقتحام‪ ،‬ال بمعنى ترك العمل نهائياً كما يدعى‪.‬‬
‫التروي والتأمل والتريّث عند الشبهة خير‬
‫ومن هنا‪ :‬يكون معنى الرواية‪ :‬أن ّ‬
‫والتروي‪ ،‬وهذا المعنى متفق عليه عند جميع‬
‫ّ‬ ‫من االقتحام بدون التأمل‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ ،‬فال داللة لها على وجوب االحتياط‪.‬‬ ‫العلماء حتى الصولي‪،‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬نالحظ موارد استعمال كلمة الشبهة في كتبنا الصولية حيث‬
‫ونسمي (الشك) شبهة‪ ،‬فنقول‪ :‬شبهة موضوعية‪ ،‬أو شبهة‬
‫ّ‬ ‫اعتبرنا أن نعبّر‬
‫حكمية‪ ،‬أو وجوبية‪ ،‬أو تحريمية‪ ،‬ونقصد بذلك (الشك)‪ ،‬أي الشك في‬
‫الموضوع أو الشك في الحكم‪ ،‬أو في الوجوب‪ ،‬أو في الحرمة وهكذا‪.‬‬
‫ولكن لو تمعنا إلى معنى الشبهة لغة وعرفاً‪ ،‬لوجدنا أن أصل الشبهة لغة هو‬
‫الشبهة بمعنى المثل والنظير‪ ،‬ومنه انتزع الشك باعتبار تساوي وتماثل وتناظر‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 20:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فيه‪ ،‬ولهذا عبر عن الشك بالشبهة‪.‬‬


‫وكذلك لو نظرنا إلى الروايات التي وردت فيها كلمة الشبهة نستنتج منها‪:‬‬
‫أن الشبهة كانت تستعمل في كلماتهم(ع) في المعنى اللغوي‪ ،‬وهو التشابه‪،‬‬
‫‪ ‬بالحق‪ ،‬بحسب ظاهره ولكن‬
‫والتماثل‪ ،‬كما في موارد بيان أن المورد شبيه‬
‫باطنه ضاللة وانحراف‪.‬‬
‫ت الشُّ ب ْ َه ُة شُ ب ْ َه ًة ِلَن َّ َها تُشْ ب ِ ُه‬
‫منها‪ :‬ماورد عن أمير المؤمنين (ع) « ِإنَّما سمي ِ‬
‫َ ُ ِّ َ‬
‫ال َْح َّق‪»)1(...‬‬
‫ومنها ما ورد عن اإلمام الباقر(ع) عن رسول هّال (ص) بعد أن ذكر(ع) أن‬
‫هناك حالل قد بيّنه هّال ورسوله (ص) وحرام كذلك‪ ،‬قال (ع) « شُ ب ُ َهات مِ َن‬
‫ان َو ب ِ َدع ب َ ْع ِدي‪»)2( ...‬‬
‫الشَّ ي َط ِ‬
‫ْ‬
‫فيراد بالشبهة فيهما الطروحة والفكار واإلعتقادات التي باطنها الضالل‪،‬‬
‫وظاهرها الحق والمشروعة‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن هذه الروايات وأمثالها‪ ،‬مما يوجب الوثوق واإلطمئنان‪ ،‬بأن‬
‫(الشبهة) في كلماتهم(ع) لم تكن تستعمل في المعنى الصولي وهو‬
‫(الشك) بل كانت تستعمل فيما تقدم من البدعة وغيرها‪.‬‬
‫ُوف عِن ْ َد الشُّ ب ْ َه ِة َخيْر مِ َن‬
‫ومن هنا‪ :‬يمكن القول بأن معنى الرواية « «ال ُْوق ُ‬

‫(‪ )1‬نهج البالغة؛ خطبة ‪ ،38‬ص‪.46‬‬


‫(‪ )2‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،27‬باب‪12‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪.52‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 20:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ِاالقْت ِ َح ِام فِي ال َْهلَك َ ِة‪ »)1(...‬هو أن اختيار الوقوف عند كل قضية يبدو على‬
‫ظاهرها عالمات الشريعة‪ ،‬ولكن يعرف بالقرائن والمارات‪ ،‬أن باطنها و‬
‫واقعها باطل وضالل‪ ،‬أفضل من اقتحامها‪ ،‬إذ مع االقتحام لعلك تقع في‬
‫‪‬‬ ‫الهالك‪.‬‬
‫فإذ ًا هذه نصيحة للمسلمين جمع ًا بالتأمل في الشبهات حتى يتضح الحق‪،‬‬
‫وإرشاد لهم‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فهذا اللسان أجنبي عن بحث (وجوب االحتياط المولوي) عند الشك‬
‫في التكليف‪.‬‬
‫مختصر مفيد‪ :‬أن المراد من الشبهة في الرواية ليس (الشبهة) في المصطلح‬
‫الصولي‪ ،‬وهو الشك في الحكم الشرعي‪ ،‬بل المراد منها الضاللة والبدعة‬
‫والخديعة‪ ،‬التي تلبس لباس الحق والشريعة‪ ،‬وقد تقدم أنه ورد في بعض‬
‫الروايات‪« :‬سمي ِ‬
‫ت الشُّ ب ْ َه ُة شُ ب ْ َه ًة ِلَن َّ َها تُشْ ب ِ ُه ال َْح َّق‪ »...‬وفي بعضها «أنها مِ َن‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫الشَّ ي َط ِ‬
‫ان» وهكذا‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وعليه‪ :‬يراد من الرواية النصيحة بالتأمل في الشبهات واإلرشاد إلى ذلك‪.‬‬
‫فإذاً تكون هذه الطائفة من الروايات أجنبية عن محل الكالم وهو المولوية‪.‬‬
‫وأما تعليق السيد الشهيد(قده) على إشكال المحققين ‪...‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،27‬باب‪ 12‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪.2‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 21:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا بعد أن مهد السيد الشهيد(قده) في المقام منا قشة في فقه‬
‫الرواية الوقوف عند الشبهة خير من اقتحام الهلكة التي استدل األخباري‬
‫على وجوب االحتياط بعد أن ذكر مقدمة وكان حاصل المقدمة حيث‬
‫الحديث ال يناسب حمل الشبهة على‬
‫جعلها في مرحلتين انه من حيث فقه ‪‬‬

‫الشك‪ .‬وأما تعليق السيد الشهيد(قده) على إشكال المحققين من األصوليين‪،‬‬


‫بما فيهم السيد الخوئي(قده) على اإلستدالل بروايات (الوقوف عند الشبهة)‪.‬‬
‫أما خالصة ما أفاده المحققون‪ :‬أن الدليل لو كان مقتصراً على قف عند‬
‫الشبهة من دون لحوق التعليل فإنه خبر من اإلقتحام في الهلكة‪ ،‬ألمكن‬
‫القول بداللته على وجوب االحتياط في كل شبهة مطلقا‪ ،‬حتى الشبهة‬
‫البدوية بعد الفحص‪.‬‬
‫ولكن هذه الطائفة من الروايات بمالحظة التعليل افترضت ثبوت الهلكة‬
‫ال في المرتبة السابقة على األمر بالتوقف‪ ،‬فتكون ارشاداً إلى حكم العقل‬
‫عق ً‬
‫بلزوم تجنب الهلكة المحتملة‪ ،‬لقاعدة دفع الضرر المحتمل العقلية وليس‬
‫بمولوي‪ ،‬فتختص هذه الطائفة بالموارد التي يكون الحكم فيها منجزاً‬
‫كالشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬أو الشبهات قبل الفحص‪ ،‬وفي تركها‬
‫العقاب والهلكة للمخالفة‪.‬‬
‫ال بعد وجود‬
‫وأما الشبهات البدوية بعد الفحص‪ ،‬فال احتمال للهلكة فيها أص ً‬
‫ال‪ ،‬وهو قاعدة قبح العقاب بال بيان وثبوت المؤمن من الهلكة‬
‫المرخص عق ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 21:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والعقاب‪.‬‬
‫مبنى وال‬
‫وحاصل التعليق‪ :‬هو أن يقال‪ :‬إن هذا االشكال غير صحيح ال ً‬
‫بناءاً‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫(القبح) مع أن االشكال مبني‬
‫‪‬‬‫أما عدم صحته مبن ًى‪ :‬فألننا ال نقول بقاعدة‬
‫ال‪،‬‬
‫عليها‪ ،‬فلو قلنا بدالً عنها بقاعدة حق الطاعة ومنجزية االحتمال عق ً‬
‫فالرواية تكون في مقام تأكيد منجزية االحتمال العقلي وهذا التأكيد ظاهر‬
‫عرفاً في أنه في مقام بيان عدم وجود حاكم على تلك المنجزية‪ ،‬أي عدم‬
‫جعل(أصالة البراءة) كما قيل‪.‬‬
‫وأما عدم صحته بناءاً‪ :‬فألننا‪ ،‬لو سلمنا جدالً قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬فمع‬
‫ذلك‪ ،‬كان باإلمكان أن نستفيد من هذه الرواية (وجوب االحتياط)‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن مثل هذا الكالم الصادر بقطع النظر عن الشبهة الفنية التي سوف‬
‫نحلها بيان عرفي مألوف في مقام ذكر الحكم االلزامي‪ ،‬فمن راجع كتاب‬
‫(ثواب االعمال وعقابها) للشيخ الصدوق (قده) يجد أن كثيراً ما يبين‬
‫الحكم الواقعي بالحرمة‪ ،‬بلسان بيان ترتب العقاب على الفعل‪ ،‬ومثل هذا‬
‫اللسان رائج‪ ،‬وال يعتبر ذلك بياناً مستهجناً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أي فرق بين بيان الحرمة الواقعية للفعل‪ ،‬بلسان أن هذا الفعل مورد‬
‫للعقاب‪ ،‬وبين بيان الحرمة الظاهرية القتحام الشبهة‪ ،‬وبلسان أن اقتحام الشبهة‬
‫مورداً للهلكة؟‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 21:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬تبقى الشبهة الفنية على حالها‪ ،‬وهي أن العقاب فرع وصول التكليف‪،‬‬
‫فلو كان وصول التكليف والخطاب بهذا البيان الوارد في الرواية لزم‬
‫الدور(‪.)1‬‬
‫‪‬وكون هذا البيان (الرواية)‬
‫ال‪،‬‬
‫وإن فرض وصوله في المرتبة السابقة عق ً‬
‫إرشاد ًا إلى ذلك‪ ،‬فيكفي هذا الخطاب والتكليف العقلي الواصل في اثبات‬
‫(وجوب االحتياط) من دون حاجة إلى مثل هذه الروايات‪ ،‬فيكون‬
‫االستدالل بها لغواً‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬بأنا نستكشف من هذه الروايات بالمطابقة ثبوت الهلكة بالفعل‪،‬‬
‫ال) لمن‬
‫في اقتحام الشبهة (أي‪ :‬أيها المخاطب لو اقتحمت الشبهة تهلك فع ً‬
‫كان يخاطبه اإلمام (ع) وبااللتزام وصول التكليف وهو االحتياط إليهم‪،‬‬
‫وتنجزه في حقهم بهذا البيان‪ ،‬ألنه من دون ذلك ال يعقل الهلكة بالنسبة‬
‫إليهم‪ ،‬ثم نثبت ذلك في حقنا من باب عدم احتمال الفرق (واشتراك جميع‬
‫المكلفين باألحكام)‪.‬‬
‫توضيح ذلك‪ :‬ان اإلمام (ع) حينما وجه خطابه (قف عند الشبهة واال تهلك)‬
‫إلى أفراد معينين من أصحابه‪ ،‬نستكشف منه فعلية األمر بالوقوف‪ ،‬بالنسبة‬
‫إلى المخاطبين‪ ،‬وأن الهلكة فعلية أيضاً‪ ،‬ويستكشف من ذلك وصول‬
‫التكليف بوجوب االحتياط بالنسبة إليهم أو كان في معرض الوصول باعتبار‬

‫(‪ )1‬التكليف واصل لو عصي فيه عقاب‪ ،‬الهلك والعقاب علة للتكليف(االحتياط) كما في الرواية فهو (دور)‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 21:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجود (اإلمام‪-‬ع‪ )-‬بينهم فيسألونه وكلما كان كذلك فهو بحكم الواصل‪.‬‬
‫و من هنا‪ :‬فبالداللة االلتزامية لهذا الخطاب كما تقدم نستكشف أن التكليف‬
‫ال‪ ،‬أو بحكم الواصل إلى المخاطبين‪.‬‬
‫وهو وجوب االحتياط كان واص ً‬
‫‪‬من جهة عدم احتمال الفرق‬
‫فإذا ثبت ذلك بالنسبة إليهم فثبته إلى غيرهم‬
‫بين المخاطبين وغير المخاطبين‪ ،‬من هذه الناحية‪ ،‬ولقاعدة االشتراك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 22:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في البحث السابق بعد أن علق السيد الشهيد(قده) وذكر أن هذا‬


‫االشكال من المحققين على داللة حديث توقف‪ ،‬هذا االشكال غير صحيح‬
‫ال من حيث مبنى وال من حيث بنا‪ ،‬وذكر(قده) أن هناك شبهة فينة في‬
‫إشكال في أن العقاب فرع وصول‬
‫االستدالل برواية التوقف‪ ،‬وحاصلها‪ :‬ال‪‬‬

‫التكليف ومتأخر عنه وعصيانه‪ ،‬فلو فرضتم وصول التكليف (وجوب‬


‫االحتياط) بهذه الرواية لزم الدور‪ ،‬وذلك‪ :‬لما كان التكليف الواصل لو‬
‫عيص سبباً للعقاب والهلكة والرواية تقول الهلكة والعقاب هو سبب‬
‫للتكليف وجوب االحتياط‪ ،‬وفيه‪ :‬هذا دور باطل‪.‬‬
‫ال وهذا البيان‬
‫فلو فرضتم كان وصول التكليف في مرتبة سابقة ولو عق ً‬
‫تأكيد وارشاد إلى ذلك التكليف الواصل سابقاً‪ ،‬فتدل الرواية على وجوب‬
‫االحتياط‪ ،‬الواصل سابق ًا‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬نقول‪ :‬أنه يكفي في ثبوت التكليف (االحتياط) ووصوله إلينا سابقاً ولو‬
‫بحكم العقل‪ ،‬الثبات وجوب االحتياط‪ ،‬فال حاجة إلى مثل هذه الروايات‬
‫فالستدالل بها لغو‪ .‬وهذا األصل االشكال الفني‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬بأنا نستكشف من هذه الروايات بالمطابقة ثبوت الهلكة بالفعل‪،‬‬
‫ال) لمن‬
‫في اقتحام الشبهة (أي‪ :‬أيها المخاطب لو اقتحمت الشبهة تهلك فع ً‬
‫كان يخاطبه اإلمام (ع) وبااللتزام وصول التكليف وهو االحتياط إليهم‪،‬‬
‫وتنجزه في حقهم بهذا البيان‪ ،‬ألنه من دون ذلك ال يعقل الهلكة بالنسبة‬
‫ّ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 22:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إليهم‪ ،‬ثم نثبت ذلك في حقنا من باب عدم احتمال الفرق (واشتراك جميع‬
‫المكلفين باألحكام)‪.‬‬
‫توضيح ذلك‪ :‬ان اإلمام (ع) حينما وجه خطابه (قف عند الشبهة واال تهلك)‬
‫‪‬فعلية األمر بالوقوف‪ ،‬بالنسبة‬
‫إلى أفراد معينين من أصحابه‪ ،‬نستكشف منه‬
‫إلى المخاطبين‪ ،‬وأن الهلكة فعلية أيضاً‪ ،‬ويستكشف من ذلك وصول‬
‫التكليف بوجوب االحتياط بالنسبة إليهم أو كان في معرض الوصول باعتبار‬
‫وجود (اإلمام‪-‬ع‪ )-‬بينهم فيسألونه وكلما كان كذلك فهو بحكم الواصل‪.‬‬
‫و من هنا‪ :‬فبالداللة االلتزامية لهذا الخطاب كما تقدم نستكشف أن التكليف‬
‫ال‪ ،‬أو بحكم الواصل إلى المخاطبين‪.‬‬
‫وهو وجوب االحتياط كان واص ً‬
‫فإذا ثبت ذلك بالنسبة إليهم فثبته إلى غيرهم من جهة عدم احتمال الفرق‬
‫بين المخاطبين وغير المخاطبين‪ ،‬من هذه الناحية‪ ،‬ولقاعدة االشتراك‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن ما ذكرناه ينق ّح ويوضح ويبيّن أن مثل هذا البيان والخطاب‬
‫قابل ألن يوصل إلينا التكليف‪ ،‬بوجوب االحتياط‪ ،‬كما يوصل إلينا الحكم‬
‫الواقعي بحرمة الغيبة بقوله(ع)‪« :‬من استغاب مؤمناً كان عليه كذا من األوزار‬
‫يوم القيامة» وبغيرها من الروايات‪.‬‬
‫تحصل من جميع ما ذكرناه‪ :‬أن إشكال المحققين على داللة الرواية على‬
‫ّ‬
‫(وجوب االحتياط) ال يمكن التعويل عليه‪ ،‬في رد االستدالل‪.‬‬
‫وإنما التعويل على ما ذكرناه في مقام االشكال في داللة هذه الرواية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 22:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأمثالها من حيث المعنى اللغوي والعرفي المراد منها‪ ،‬لو تم ذلك حملها‬
‫على النصيحة‪.‬‬
‫وعلى ضعف سند هذه الرواية وكثير من الروايات التي استدل بها على‬
‫‪‬‬ ‫المقام‪.‬‬
‫نعم‪ :‬أن القاعدة العقلية تقضي بوجوب االحتياط لو ال جعل البراءة‬
‫والترخيص حاكماً‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله)‪ :‬فله تعليق على ما ذكره السيد الخوئي(قده)‬
‫وتعليقان آخران على ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪.‬‬
‫وأما التعليق على ما ذكره السيد الخوئي(قده) من أن ظاهر الشبهة في‬
‫الرواية‪ ،‬هو مطلق المشتبه والملتبس‪ ،‬من حيث الحكم الشرعي الواقعي‬
‫والظاهري مع ًا وأما إذا كان الحكم الظاهري كالترخيص معلوم ًا في الواقعة‬
‫وإن كان الحكم الواقعي غير معلوم فال تكون مشمولة إلطالق هذه الطائفة‬
‫من الروايات‪.‬‬
‫وحاصل التعليق إنه ال يبعد دعوى ظهور الشبهة في الشبهة في خصوص‬
‫الحكم الواقعي‪ ،‬دون األعم منه‪ ،‬ومن الحكم الظاهري‪ ،‬وهذا الظهور عرفي‪.‬‬
‫كما أن الظاهر من الشك في الحكم هو الشك في الحكم الواقعي ال غير‪.‬‬
‫وأما التعليقان على ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬على ما ذكره (قده) من أن المراد (بالشبهة) في الرواية هو مفهومها‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 22:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العرفي‪ ،‬ومدلولها اللغوي‪ ،‬وهو الضاللة واالنحراف والبدعة والخديعة‪،‬‬


‫فتكون الرواية نصيحة للمسلمين‪ ،‬بعدم التسرع في الدخول في الشبهة‪ ،‬بل‬
‫البد من التأمل حتى يتضح لكم الحق والواقع‪ ،‬وهذا اللسان أجنبي عن‬
‫إرشادي وليس بمولوي‪.‬‬
‫بحث وجوب االحتياط في المقام‪ ،‬ألنه‪‬‬

‫وحاصل التعليق‪ :‬عدم ظهور هذه الطائفة في أن المراد من الشبهة هو‬


‫الضاللة والبدعة اال على نحو االحتمال‪ ،‬دون الظهور العرفي‪ ،‬فال يعتمد‬
‫عليه‪ ،‬فالمراد منها عرفاً هو الحكم المشتبه أو مطلق المشتبه‪ ،‬غاية األمر أن‬
‫الرواية مجملة من هذه الجهة‪ ،‬فال يمكن االستدالل بها‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬على ما ذكره (قده) من عدم صحة االشكال بناءاً وأن هذه‬
‫الروايات في مقام بيان الحكم بلسان بيان آثاره من العقوبة والمثوبة‪ ،‬وهذا‬
‫بيان عرفي مألوف في مقام ذكر الحكم الواقعي‪ ،‬فليكن ذلك أيض ًا في‬
‫الحكم الظاهري كالمقام‪.‬‬
‫وحاصل التعليق‪ :‬أن بيان األحكام الشرعية ببيان آثارها من الثواب والعقاب‪،‬‬
‫وإن كان أمراً متعارفاً‪ ،‬ومعهوداً في األدلة والروايات‪ ،‬وصحيحاً في األحكام‬
‫الواقعية‪ ،‬اال ّ أن ذلك غير تام بالنسبة إلى األحكام الظاهرية‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن ترتب األثر وهو الدخول في النار والهلكة‪ ،‬من جهة االقتحام في‬
‫الشبهة‪ ،‬وإن كان يكشف عن تنجز تلك األحكام‪ ،‬اال أن الكالم في أن‬
‫تنجزها‪ ،‬هل هو بإيجاب االحتياط كما قيل في االستدالل‪ ،‬أو من جهة العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 22:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلجمالي‪ ،‬أو من جهة تنجز االحتمال؟ فال قرينة على تعي ّن األول‪ ،‬ليثبت‬
‫المدعى؟ هذا‪.‬‬
‫ظهر مما تقدم اتفاق شيخنا األستاذ (دام ظله) مع أستاذه السيد الخوئي(قده)‬
‫‪‬االحتياط‪.‬‬
‫على عدم داللة رواية التوقف على وجوب‬
‫وخالف السيد الشهيد(قده) في ذلك‪ ،‬حيث ذهب إلى أنه ال إشكال في بيان‬
‫الحكم بلسان ترتب الهلكة والعقوبة على المخالفة مطلقا‪ ،‬فيمكن القول‬
‫ال‪.‬‬
‫بداللة الرواية على وجوب االحتياط‪ ،‬كما أن مقتضى القاعدة ذلك عق ً‬
‫أقول‪ :‬كال القولين قابل للقبول‪.‬‬
‫أما داللتها على وجوب االحتياط من جهة األمر بالتوقف ثم التعليل‬
‫باالقتحام يوقع في الهلكة فهو ظهور عرفي للرواية بال إشكال‪ ،‬وأما عدم‬
‫جريانه في الشبهات البدوية بعد الفحص فإنما هو من جهة حكومة أدلة‬
‫الترخيص والبراءة‪ ،‬فيختص وجوب االحتياط بموارد الشبهات المقرونة‬
‫بالعلم اإلجمالي‪ ،‬وكذلك الشبهات البدوية قبل الفحص‪ ،‬والبراءة في‬
‫غيرهما‪ ،‬وبهذا يحصل التوفيق بينهما‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 23:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعد أن انتهينا من وجه الاستدلال بطائفة الأولى من الروايات وهي روايات‬


‫وقوف عند الشبهة‪ ،‬ومناقشة دلالة تلك الرواية وأنها لا تدل على وجوب‬
‫الاحتياط فنتناول اليوم الطائفة الثانية من الروايات التي استدل بها على‬
‫وجوب الاحتياط لدى الأخباري‪.‬‬
‫وأما الطائفة الثانية‪ :‬فهي أخبار التثليث‬
‫ك ُرشْ ُد ُه فَاتَب ِ ْع ُه‪َ -‬و َأ ْم ٌر‬
‫ور ثَلَاث َ ٌة َأ ْم ٌر تَبَي َ َن ل َ َ‬
‫منها‪ :‬قول (ص) في حديث‪« :‬الْأُ ُم ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫يه فَ ُر َد ُه ِإلَى اللَّ ِه َع َز َو َج َل‪».‬‬ ‫ف فِ ِ‬ ‫اجتَنِب ْ ُه‪َ -‬و َأ ْم ٌر ْ‬
‫اختُل ِ َ‬ ‫ك غَي ُ ُه فَ ْ‬
‫تَبَي َ َن ل َ َ‬
‫وتقريب الإستدلال بها على إيجاب الاحتياط‪:‬‬
‫أن هذا الخبر وغيره تدل على أن الأمور على ثلاثة اقسام‪:‬‬
‫الأول‪ :‬ما هو حلال بين كشرب الماء‪ ،‬والأكل والعمل‪.‬‬
‫الثاني ما هو حرام بين كقتل النفس المحترمة و الظلم‪ ،‬والكذب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما هو مشتبه بينهما كشرب التبغ ماء الشعير والبيرة الاسلامية‪ ،‬وأكل‬
‫العظام‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ولا كلام لنا في القسمين الأولين‪ ،‬وإنما الكلام في القسم الثالث‪.‬‬
‫وظاهر دلالة الأخبار منها هذا الخبر هو أن ما هو مشتبه يجب رده إلى اللَّه‬
‫تعالى‪ ،‬وهذا كناية عن وجوب الاحتياط فيه‪ ،‬والاجتناب عنه عملاً‪ ،‬وذلك‬
‫لأن وجوب الرد فيها مساوق للتوقف الذي يستبطن وجوب الاحتياط‪.‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،72‬باب ‪17‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪.9‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 23:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أجاب السيد الخوئي(قده) عن الإستدلال بهذه الأخبار على وجوب‬


‫الاحتياط‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن غاية ما تدل عليه حديث التثليث هو صحة إطلاق المشتبه على‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من‬ ‫مشكوك الحرمة ومحتملها باعتبار التردد في حكمه الواقعي‪ ،‬فلابد‬
‫الاحتياط والتوقف‪.‬‬
‫ولكن نقول‪ :‬إن محتمل التحريم‪ ،‬بعد الفحص عنه‪ ،‬وثبوت الترخيص‬
‫الظاهري من قبل الشارع المقدس في حقه‪ ،‬بسبب البراءة أصبح من‬
‫مصاديق (ما هو بين الرشد)‪ ،‬ويكون داخلاً في القسم الأول‪ ،‬فيجب اتباعه‪ ،‬لا‬
‫أنه باق تحت (الأمر مشتبه) حتى يجب التوقف والاحتياط فيه‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬أن مشكوك الحرمة‪ ،‬كمشكوك النجاسة في الحكم الظاهري‪،‬‬
‫فكما أن مشكوك النجاسة طاهر‪ ،‬وغير مشمول لأخبار التثليث‪ ،‬فكذلك‬
‫مشكوك الحرمة حلال‪ ،‬وغير مشمول للقسم الثالث‪ ،‬بل داخل في القسم‬
‫الأول‪ ،‬وهو الأمر البين رشده‪ ،‬والملاك في الجميع‪ ،‬هو ثبوت الترخيص‬
‫المانع من صدق المشتبه على المشكوك فيه حقيقة‪ ،‬وإن صح إطلاقه عليه‬
‫بالغاية والمجاز‪ ،‬باعتبار التردد في حكمه الواقعي‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد (قده) فبعد أن ضعف أسناد روايات‪ ،‬إحداهما عامية‬
‫والأخريان ضعيفتا السند‪.‬‬
‫قال (قده) إن الاستدلال بهذه الرواية (رواية الفقيه عن جميل بن صالح‪)...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 23:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫غير تام من وجوه‪:‬‬


‫الوجه الأول‪ :‬أن الوارد في الرواية عنوان بين الرشد‪ ،‬وبين الغي‪ ،‬وهذا‬
‫العنوان إنما يناسب المستقلات العقلية‪ ،‬ومدركات العقل العملي‪ ،‬فالرشد‬
‫والغي مساوقان للحسن والقبح‪ ،‬فمن المحتمل قوياً‪ ،‬أن تكون الرواية إرشاداً‬
‫إلى أن مالم يدرك العقل العملي قبحه‪ ،‬أو حسنه‪ ،‬بشكل بين‪ ،‬فلا تحكم فيه‬
‫ذوقك واستحسانا تك‪ ،‬بل رد حكمه إلى اللَّه والرسول (ص) فتكون الرواية‬
‫من أدلة النهي عن إعمال الرأي في الدين كالقياس‪ ،‬ولا أقل من احتمال‬
‫ذلك وهذا يوجب اجمال الرواية فتكون أجنبية عن المقام‪.‬‬
‫نعم لو عبرت الرواية بقول‪ :‬أمر بين حليته‪ ،‬وأمر بين حرمته‪ ،‬لكان المراد هو‬
‫الحلية والحرمة‪ ،‬الشرعيتان‪ ،‬ودلت الرواية على وجوب الاحتياط شرعاً‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد علق على ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أما أولاً‪ :‬فلأن هذه الرواية مع فرض تسليم صحة سندها حيث إنها‬
‫صادرة عن الشارع‪ ،‬تكون ظاهرة في المولوية‪ ،‬وإرادة الأمر والنهي‬
‫المولويين الواصلين إلى المكلف‪ ،‬وحملها على الإرشاد إلى المستقلات‬
‫العقلية بحاجة إلى قرينة‪ ،‬ولا قرينة في المقام‪ ،‬مع أن الحمل على الإرشاد‬
‫إلى ما استقل به العقل العملي‪ ،‬لا ينسجم مع ذيل الرواية وهو قوله(ع)‬
‫يه» من جهة عدم الموضوع للاختلاف في المستقلات العقلية‬ ‫ف فِ ِ‬
‫اختُل ِ َ‬
‫« ْ‬
‫العملية‪ ،‬ولا مجال فإن العقل إما أن يدرك حسن الشيء‪ ،‬أو قبحه‪ ،‬أو لا‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 23:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يدرك‪ ،‬ولا ثالث‪ ،‬بحيث يختلف فيه العقل‪ ،‬ومن هذه الناحية لا يمكن حملها‬
‫على المستقلات العقلية العملية‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وأما ثانياً‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 26:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تقدم الكلام في مناقشة السيد الشهيد(قده) على الإستدلال بأخبار التثليث‬


‫للأخباريين وتارة قال(قده) أن هذه الأخبار ضعيفة السند‪ ،‬وأخرى قال‪ :‬أنها‬
‫ضعيفة الدلالة‪ ،‬وجاء بوجوه على ضعف الدلالة‪ ،‬خلاصة الوجه الأول‪ ،‬أن‬
‫هذه الأخبار (تثليث) تدل على الإرشاد إلى حكم العقل العملي‪ ،‬يعني‬
‫التحسين والتقبيح‪ ،‬الرشد معناه حسن‪ ،‬الغي معناه القبح‪ ،‬فإذاً لا تدل على‬
‫الأحكام الشرعية تدل على الأحكام العقل‪ ،‬فلا تثبت وجوب الاحتياط‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد علق على ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أما أولاً‪ :‬فلأن هذه الرواية مع فرض تسليم صحة سندها حيث إنها‬
‫صادرة عن الشارع‪ ،‬تكون ظاهرة في المولوية‪ ،‬وإرادة الأمر والنهي‬
‫المولويين الواصلين إلى المكلف‪ ،‬وحملها على الإرشاد إلى المستقلات‬
‫العقلية بحاجة إلى قرينة‪ ،‬ولا قرينة في المقام‪ ،‬مع أن الحمل على الإرشاد‬
‫إلى ما استقل به العقل العملي‪ ،‬لا ينسجم مع ذيل الرواية وهو قوله(ع)‬
‫يه» من جهة عدم الموضوع للاختلاف في المستقلات العقلية‬ ‫ف فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اختُل َ‬
‫« ْ‬
‫العملية‪ ،‬ولا مجال فإن العقل إما أن يدرك حسن الشيء‪ ،‬أو قبحه‪ ،‬أو لا‬
‫يدرك‪ ،‬ولا ثالث‪ ،‬بحيث يختلف فيه العقل‪ ،‬ومن هذه الناحية لا يمكن حملها‬
‫على المستقلات العقلية العملية‪ .‬هذا‪.‬‬
‫ك ُرشْ ُد ُه فَاتَب ِ ْع ُه‪ »...‬تدل على‬
‫وأما ثانياً‪ :‬فلأن كلمة (لك) في قوله(ع) « تَبَي َ َن ل َ َ‬
‫أن كلاً من الرشد والغي أمر نسبي‪ ،‬وغير مطلق‪ ،‬حيث يثبت لطائفة دون‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 26:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أخرى‪ ،‬فهو لا ينطبق على المستقلات العقلية الثابتة للجمع بنحو الإطلاق‪،‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فلا يبعد أن يكون مورد الرواية المسائل الإعتقادية‪ ،‬كما سوف‬
‫نشير إليه‪.‬‬
‫وأما ثالثاً‪ :‬فمع الإغماض عما تقدم وتسليم ظهور الرواية في إرادة الرشد‬
‫والغي الشرعيين‪ ،‬الا أنها غير ظاهرة في إرادة الرشد والغي في المستقلات‬
‫العقلية أيضاً‪ ،‬لعدم وجود القرينة على ذلك‪.‬‬
‫ودعوى‪ :‬أن المستقلات العقلية‪ ،‬بما أنها من أكمل أفراد بين الرشد وبين‬
‫الغي‪ ،‬فتكون الرواية منصرفة إليها‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬بأن الأكملية‪ ،‬لا تكون منشئاً للإنصراف‪ ،‬بل منشؤه هو كثرة‬
‫استعمال اللفظ في المعنى‪ ،‬بحيث يتبادر منه إذا اطلق وهي مفقودة في‬
‫المقام‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬هذه الرواية إما أن تكون مجملة‪ ،‬بحيث لا يمكن الاستدلال بها في‬
‫المقام‪ ،‬أو تكون مطلقة‪ ،‬تشمل الأحكام الشرعية‪ ،‬والمستقلات العقلية معاً‪،‬‬
‫فتدل على مطلوب الأخباري‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬من مناقشة الشهيد للرواية؛ لو سلمنا أن المراد من الرشد والغي‬
‫المعنى الشرعي‪ ،‬فمع ذلك لا تدل الرواية على وجوب الإحتياط‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لإحتمال كون الرواية بصدد بيان حجية الإجماع أي المجمع عليه‪،‬‬
‫ف فِ ِ‬
‫يه» ولم يقل ما شك فيه‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬ ‫من جهة قرينة قوله(ع) « َو َأ ْم ٌر ْ‬
‫اختُل َ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 26:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المختلف فيه قد يكون بين الرشد‪ ،‬أي بين الغي‪ ،‬بالنسبة إلى بعض دون‬
‫البعض الآخر‪ ،‬فيكون معنى الرواية‪ :‬أمر مجمع على رشده وحليته‪ ،‬فالتبعه‪،‬‬
‫وأمر مجمع على غيه وحرمته فاجتنبه‪ ،‬وأمر اختلف فيه المسلمون‪ ،‬فرده إلى‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬تكون الرواية أجنبية عن محل الكلام‪.‬‬
‫وأجاب عنه شيخنا الأستاذ(دام ظله)‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن هذا الوجه غير محتمل؛ وذلك لأن بين الرشد والغي على‬
‫أساس هذا الحمل والاحتمال متمثل في الأحكام الشرعية الضرورية القطعية‬
‫فقط‪ ،‬لأنها المجمع على رشدها‪ ،‬وحليتها أو على غيها وحرمتها‪ ،‬ولا يشمل‬
‫الأحكام الشرعية النظرية المختلف فيها غالباً‪ ،‬وهذا خلاف الضرورة‪ ،‬فلا بد‬
‫من حمل الرواية على الأحكام الضرورية‪ ،‬والقطعية فقط‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو فرض أن المراد بأمر اختلف فيه في الرواية‪ ،‬هو الأمر‬
‫المشكوك فيه‪ ،‬كما يراه الأخباري‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يرد على الأستدلال بها‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬لأنه(ص) لم يعبر في الحديث بــ «بين الحل والحرمة ومشكوكهما»‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أن دليل‬ ‫إنما عبر بــ (بين الرشد والغي ومشكوكهما) ومن المعلوم‬
‫البراءة الشرعية‪ ،‬حاكم على الحديث‪ ،‬وذلك‪ :‬فإن قيام الدليل الشرعي على‬
‫البراءة في الشبهات البدوية‪ ،‬كاف في صدق الرشاد‪ ،‬فإن سلوك طريق قد‬
‫رخص فيه الشارع‪ ،‬رشاد بلا إشكال وليس فيه ضلال‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 26:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬لا يصير المورد بذلك بين الحل كما يظهر من السيد الخوئي (قده)‬
‫ومن المعلوم أنه فرق كبير بين (بين الحل)‪ ،‬وبين (بين الرشد) عام الشامل‬
‫للحرمة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فمثل هذا اللسان‪ ،‬لا يمكن أن نثبت به وجوب الإحتياط شرعاً‪ ،‬في‬
‫مورد مدعي الأصولي (للبراءة الشرعية) وإن كان ثابتاً في مورد مدعي‬
‫الأخباي‪ ،‬لعدم اعتداده(بأصالة البراءة)‪.‬‬
‫مختصر مفيد‪ :‬لا شبهة في أن اتباع أصالة البراءة الشرعية‪ ،‬الأخذ بها رشاد‪،‬‬
‫وليس بضلال وغي‪ ،‬فمع جريانها تكون واردة على الرواية‪ ،‬ورافعة‬
‫لموضوعها‪ ،‬وهو الشك في الرشد والغي‪ ،‬وجداناً‪ ،‬هذا لو اريد من تعبير‬
‫(اختلف فيه) معنى (المشكوك فيه)‪.‬‬
‫نعم‪ :‬لو كان المراد من (بين الرشد) هو (بين الحلية والحرمة)‪ ،‬لم تكن‬
‫أصالة البراءة الشرعية حاكمة عليها‪ ،‬فضلا عن البراءة العقلية‪ ،‬وذلك‪ :‬لأن‬
‫هذه الرواية بظاهرها تدل على وجوب الإحتياط في موارد الشك في الحل‬
‫والحرمة‪ ،‬وأدل البراءة الشرعية تدل على الترخيص في هذه الموارد‪ ،‬فتقع‬
‫المعارضة بينهما‪ ،‬وعليه تكون الرواية معارضة لأصالة البراءة الشرعية‪ ،‬فلا‬
‫حكومة و واردة على اصالة البراءة العقلية‪ ،‬بوجود البيان‪.‬‬
‫تعليق شيخنا الأستاذ(دام ظله) عليه وحاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 27:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كلامنا في الوجوه التي ذكرها السيد الشهيد الصدر(قده) بمناقشة ما‬
‫استدل به الأخباري‪ ،‬من أخبار تثليث على وجوب الاحتياط في الشبهات‬
‫الحكمية تقدم الكلام في الوجه الأول وفي الوجه الثاني‪ ،‬وبقي الكلام في‬
‫الوجه الثالث من تلك الوجوه‪ ،‬حيث ذكر السيد الشهيد(قده) حتى لو‬
‫فرضنا أن المراد بــ (أمر مختلف فيه فيرد علمه إلى الله تعالى) حتى لوكان‬
‫مراد من الرواية هو الأمر المشكوك فيه والمشتبه‪ ،‬مع ذلك يمكن رد هذا‬
‫الاستدلال‪ ،‬لأنه (ص) لم يعبر في الحديث بين الحل وبين الحرمة ‪ ،‬والأمر‬
‫مختلف فيه ومشكوك الحلية والحرمة‪ ،‬وإنما كان البيان بـ بين الغي وبين‬
‫الرشد‪ ،‬مشكوك الغي والرشد‪ ،‬فإذاً في هذه الصورة دليل براءة الشرعية‬
‫يكون وارداً وحاكماً على هذا الوجه وعلى هذا الاستدلال‪ ،‬لأنه البراءة‬
‫الشرعية يكون رشداً كما ذكرنا في البحث السابق‪.‬‬
‫تعليق شيخنا الأستاذ (دام ظله) على الوجه الثالث من مناقشة السيد الشهيد‬
‫(قده) وحاصله‪:‬‬
‫أن عنوان (بين الرشد والغي) يمكن لحاظه بنحوين‪:‬‬
‫النحو الأول‪ :‬لحاظه بنحو الموضوعية بأن يكون المراد من (الرشد) معناه هو‬
‫الحق ومن (الغي) هو الباطل‪.‬‬
‫النحو الثاني‪ :‬لحاظه بنحو المعرفية الصرفة للحلال والحرام‪ ،‬فيكون الرشد‬
‫عنوان صرف للحلال‪ ،‬و يكون الغي عنواناً صرفاً للحرام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 27:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما على النحو الأول‪ :‬فلا ينطبق عنوان بين الرشد وبين الغي على الحلال‬
‫والحرام المعلومين‪ ،‬لأن الحلية والحرمة كليتهما حق‪ ،‬لا أن الحلية حق‬
‫والحرمة باطل‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فلا ينطبق الحديث‪.‬‬
‫الا على العقائد الحقة والباطلة‪ ،‬سواء أكانت على مستوى الدين الإسلامي‪ ،‬أم‬
‫كانت على مستوى المذهب الجعفري‪ ،‬وعلى هذا فالرواية أجنبية عن‬
‫الدلالة على ايجاب الاحتياط في الأحكام الشرعية عند الشك فيها‪ ،‬بل‬
‫تختص بالعقائد‪.‬‬
‫وأما على النحو الثاني‪ :‬فحيث إن بين الرشد‪ ،‬وبين الغي عنوانان للحلال‬
‫والحرام الواقعيين‪ ،‬فما دام الحكم الواقعي المعنون من الحلال أو الحرام‬
‫مشكوكاً في الواقع‪ ،‬كان عنوانهما أيضاً مشكوكاً لوضوح أنه لا يعقل أن‬
‫يكون المعنون مشكوكاً دون العنوان الفاني فيه‪ ،‬لأنه خلف فرض أنه عنوان‬
‫له‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا كان الشك في الحلية والحرمة الواقعيتين فقاعدة قبح العقاب بلا‬
‫بيان كما لا ترفع الشك في الحلية والحرمة الواقعيتين‪ ،‬كذلك لا ترفع الشك‬
‫في أنه رشد أو غي على أساس أن هذا الشك يرجع إلى الشك في أنه حلال‪،‬‬
‫أو حرام‪ ،‬والمفروض أن القاعدة لا ترفع هذا الشك‪ ،‬بل ترفع العقاب فقط‪،‬‬
‫فلابد من ملاحظة الأدلة الشرعية‪.‬‬
‫نعم‪ :‬لو لم تتم دلالة الرواية على وجوب الاحتياط ولا أدلة البراءة على أصالة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 27:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫حينئذ قاعدة (قبح العقاب) وهي ترفع العقاب‬ ‫البراءة الشرعية‪ ،‬فالمرجع‬
‫فحسب‪ ،‬ولا ترفع الشك‪ ،‬ولا تثبت أن موردها (بين الرشد) أجل‪ :‬أنها بنفسها‬
‫من بين الرشد لحكم العقل بالحسن ولدفع العقوبة جزماً‪.‬‬
‫وأما إذا كان الشك في الحلية والحرمة الظاهريتين في مورد بمعنى أنا لا‬
‫ندري أن المجعول فيه أصالة البراءة الشرعية‪ ،‬أو أصالة الاحتياط الشرعية‪،‬‬
‫فيكون المرجع قاعدة القبح فيه وهي تدفع المؤاخذة والعقوبة عن هذا‬
‫المورد‪ ،‬بدون أن ترفع الشك عنه‪ ،‬فالقاعدة بلحاظ أنها تدفع المؤاخذة‬
‫والعقوبة جزماً‪ ،‬فإنها مصاديق (بين الرشد)‪.‬‬
‫والخلاصة‪ :‬أنه لوكان المراد من المختلف فيه في الرواية هو المشكوك فيه‬
‫من الحلال والحرام الواقعيين لكانت الرواية دالة على وجوب التوقف‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فالرواية واردة على‬ ‫والاحتياط ورد حكم الشبهة إلى الله تعالى‪،‬‬
‫أصالة البراءة العقلية‪ .‬هذا‪.‬‬
‫ثم قال شيخنا الأستاذ (دام ظله) والصحيح في المقام أنيقال‪ :‬إنه لا يمكن‬
‫الإستدلال بهذه الرواية على وجوب الاحتياط‪ ،‬لأمرين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬أن الرواية ضعيفة سنداً بجميل بن صالح‪ ،‬لعدم ثبوت توثيقه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬على فرض تسليم صحة السند‪ ،‬فهي ضعيفة دلالة أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 82:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كلامنا في مناقشة شيخنا الأستاذ (دام ظله) للوجه الثالث من الاعتراض‬
‫الذي أورده السيد الشهيد (قده) على الاستدلال على وجوب الاحتياط‬
‫برواية‪ ،‬الرواية التي هي الطائفة الثانية من الروايات ليكون فيها اخبار تثليث‪،‬‬
‫فبعد ما ناقش شيخنا الأستاذ (دام ظله) وخلاصة ما حصل من مناقشته لوجه‬
‫الثالث مما ذكره السيد الشهيد الصدر (قده) قال أنه لوكان مراد من أمر‬
‫اختلف فيه هو المشكوك فيه كما يدعيه الاخباري في موارد الحلية‬
‫والحرمة‪ ،‬الواقعيتين‪ ،‬نعم كانت الرواية الدالة على وجوب التوقف‪ ،‬ورد‬
‫حكم الشبهة إلى الله تعالى‪ ،‬فتكون رواية وارداً على أصالة البراءة العقلية‬
‫التي موضوعها عدم البيان فهذه الرواية تدل وبيان‪ ،‬هذه مجرد مناقشة لما‬
‫ذكره الشهيد الأول على تقريب الاستدلال بهذا الحديث‪ ،‬ولكن في النهاية‬
‫قال شيخنا الأستاذ (دام ظله) في تقريراته‪ :‬والصحيح في المقام أنيقال‪ :‬إنه‬
‫لا يمكن الإستدلال بهذه الرواية على وجوب الاحتياط‪ ،‬لأمرين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬أن الرواية ضعيفة سنداً بجميل بن صالح‪ ،‬لعدم ثبوت توثيقه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬على فرض تسليم صحة السند‪ ،‬فهي ضعيفة دلالة أيضاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لأن الوارد فيها عنوان بين الرشد وبين الغي و اختلف فيه‪ ،‬وكلمة‬
‫الرشد ظاهرة في الحق‪ ،‬وكلمة الغي ظاهرة في الباطل‪ ،‬فلا يمكن تطبيقهما‬
‫على الحلية والحرمة‪ ،‬لأن كليتهما حق صادر من الشارع‪ ،‬وإطلاق الباطل‬
‫على الحرام إنما هو باعتبار فعل الحرام‪ ،‬وارتكابه‪ ،‬لأنه مبغوض وباطل‪ ،‬لا‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 82:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫باعتبار حرمته التي هي حكم شرعي صادر من قبل الشارع في مورده‪.‬‬


‫مثلاً‪ :‬شرب الخمر‪ ،‬هو غي وباطل‪ ،‬لا حكمه وحرمته‪ ،‬بل حرمته حق ورشد‪،‬‬
‫ورادعة عن الغي‪( ،‬يحرم شرب الخرم)‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فالرواية ظاهرة في المسائل الاعتقادية هذا من ناحية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬أن المراد من الرشد والغي في الرواية هو المعنى النسبي‬
‫لا المعنى المطلق‪ ،‬بقرينة كلمة (لك) كما هو واضح‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر أنه كما لا يمكن حمل عنوان (بين الرشد) و (بين الغي) في‬
‫الحديث على (الحلية والحرمة)‪ ،‬أو على الوجوب والحرمة‪ ،‬المعلومين‪،‬‬
‫باعتبار أن هذا الحمل بحاجة إلى قرينة‪ ،‬والا فالظاهر منهما هو الحق‬
‫والباطل‪ ،‬كذلك لا يمكن حملهما على المعنى المطلق‪ ،‬المجمع عليه‪ ،‬بين‬
‫الكل‪ ،‬باعتبار أنه لا يمكن حملهما بهذا المعنى على المذاهب المختلفة‪،‬‬
‫كما قيل‪ ،‬لأن الحق والباطل فيهما نسبي‪ ،‬لا مطلق‪ ،‬مضافاً إلى أن في الرواية‬
‫قرينة (لك) على ان المراد منهما هو المعنى النسبي‪ ،‬دون المعنى المطلق‪،‬‬
‫كما عرفت‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن الرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب التوقف‪ ،‬والاحتياط‪ ،‬ورد‬
‫علم الشبهة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫تحصل‪ :‬مما ذكرناه في مناقشة الاستدلال بهذه الرواية‪ :‬أنها لا تدل على‬
‫وجوب الاحتياط شرعاً‪ ،‬باتفاق الأعلام الثلاثة‪ ،‬من جهة ضعف الدلالة والسند‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 82:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫معاً‪ ،‬ولا حاجة لذكر باقي روايات(التثليث) لوحدة الحكم من حيث‬


‫الضعف في السند والدلالة‪.‬‬
‫الطائفة الثالثة‪ :‬وهي الروايات الآمرة بالاحتياط‪.‬‬
‫ْت َأبَا ال َْح َس ِن ع َع ْن َر ُجلَي ْ ِن‬ ‫منها صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج قال‪َ « :‬س َأل ُ‬
‫احد مِن ْ ُه َما َج َز ٌاء‬ ‫ان ال ْجزاء بينَهما‪َ -‬أو علَى ك ُ ِل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ َ ُ َْ َ‬
‫َأصابا صيداً ‪ -‬و هما مح ِرم ِ‬
‫َ َُ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ض‬ ‫ْت ِإ َن بَعْ َ‬ ‫الصي ْ َد‪ -‬قُل ُ‬ ‫قَال لَا‪ -‬بل علَي ِهما َأ ْن يج ِزي ك ُ ُ ِ ِ‬
‫ل َواحد من ْ ُه َما َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ك‪ -‬فَل َ ْم َأ ْد ِر َما َعلَي ْ ِه فَقَا َل‪ِ -‬إ َذا َأ َصبْت ُ ْم مِث ْ َل َه َذا فَل َ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َأ ْص َحابِنَا َس َألَن َ ْ َ‬
‫ل‬
‫اط‪َ -‬حتَى ت َ ْس َألُوا َعن ْ ُه فَت َ ْعل َ ُموا (‪».)1‬‬ ‫ت َ ْدروا فَعلَيكُم بِالاحت ِي ِ‬
‫ُ َ ْ ْ ْ َ‬
‫وتقريب الاستدلال بها مبني على إرجاع اسم الإشار في قوله(ع) « ِإ َذا َأ َصبْت ُ ْم‬
‫مِث ْ َل َه َذا‪ »...‬إلى واقعة الصيد‪ ،‬التي كانت شبهة من الشبهات الحكمية‪،‬‬
‫فإنه(ع) حكم فيها بوجوب الاحتياط على عنوان مثل هذا فجعل الضابط‬
‫لوجوب الاحتياط كون المورد مثل هذه الواقعة‪ ،‬التي هي من باب دوران‬
‫الأمر بين الأقل والأكثر بنجو الشبهة الحكمية‪.‬‬
‫ثم إن مورد الصحيحة وإن كان ذلك (واقعة الصيد) الا أنها بمقتضى‬
‫اط»‪ ،‬تدل على‬‫قوله(ع)‪ِ « :‬إ َذا َأصبتم مِثْل ه َذا فَلَم ت َ ْدروا فَعلَيكُم بِالاحتِي ِ‬
‫ْ ُ َ ْ ْ ْ َ‬ ‫َ ُْ ْ َ َ‬
‫وجوب الاحتياط في مطلق الشبهة الحكمية‪ ،‬بكونها القاسم المشترك بين‬
‫الشبهات لرجوعها إليها‪ ،‬وإن اختلف الموضوع‪ ،‬فإن المورد لا يخصص‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،72‬باب‪ 17‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪.1‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 82:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوارد‪( ،‬وهو الدليل العام)‪.‬‬


‫وعليه‪ :‬فكون الشك في مسألة الصيد دائراً بين الأقل والأكثر‪ ،‬فهو ليس‬
‫بخصوصية عرفية‪ ،‬ليقتصر عليها‪ ،‬فإن التعبير بمثل هذا يلغى الخصوصية في‬
‫الرواية (الصيد المحرم) فتعم الرواية لكل شبهة‪ ،‬فيجب فيها الاحتياط‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فلم يتعرض في تقريره لهذه الصحية‪ ،‬وأما السيد‬
‫الشهيد(قده) فقد ناقش في هذا الاستدلال بوجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬قوة إحتمال رجوع لفظ الإشارة في قوله(ع) « ِإ َذا َأ َصبْت ُ ْم مِث ْ َل‬
‫َه َذا‪ »...‬إلى السؤال الأخير للسائل خاصة‪ ،‬أي إذا صادف سؤالاً لا يعرف‬
‫جوابه‪ ،‬فعليه بالاحتياط‪ ،‬وعدم الافتاء حتى يسأل ويتعلم الحق‪ ،‬ويجيب به‪،‬‬
‫ومعه تكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام‪ ،‬بل تكون من أدلة الحث‬
‫على السؤال وتعلم الأحكام الشرعية عنهم(ع) أو أن مفادها على هذا‬
‫الاحتمال هو‪ :‬النهي عن الإفتاء بغير علم‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬لو فرض رجوع لفظ الإشارة إلى أصل المسألة‪ ،‬وهي‪ :‬الشبهة‬
‫الحكمية من حيث العمل‪ ،‬فغاية ما تدل عليه الرواية هو وجوب الاحتياط‬
‫قبل الفحص‪ ،‬في الموارد التي يمكن الفحص فيها‪ ،‬والوصول إلى الحكم‬
‫الشرعي بالسؤال من الإمام (ع)‪ ،‬فإن الغاية « َحتَى ت َ ْس َألُوا َعن ْ ُه فَت َ ْعل َ ُموا‪ ».‬تدل‬
‫على أخذ إمكان وذلك في مورد السؤال وجوب الاحتياط في مثله لا خلاف‬
‫فيه عقلاً‪ ،‬بين الأصولي والأخباري‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 82:‬ذي القعدة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد ناقش في الإستدلال المذكور‪:‬‬


‫وحاصله‪ :‬أن المشار إليه بقوله(ع)‪« :‬بمِث ْ َل َه َذا‪ »...‬فيه احتمالان‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعا‪ 1:‬ذي الحجة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كلامنا في الطائفة الثانية من الروايات التي استدل بها على وجوب‬
‫الاحتياط‪ ،‬وهي تلك الروايات التي فيها امر باحتياط‪ ،‬تقدم الكلام في الرواية‬
‫الأولى صحيحة ابن حجاج حيث ورد في هذه الرواية أنه يسئل الامام كاظم‬
‫ْت َأبا ال ْحس ِن ع عن رجلَي ِن َأصابا صيداً ‪ -‬و هما مح ِرم ِ‬
‫ان ال َْج َز ُاء‬ ‫َ َُ ُ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ْ‬ ‫(ع) « َس َأل ُ َ َ َ‬
‫ل َعلَي ْ ِه َما َأ ْن ي َ ْج ِز َي ك ُ ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫‪-‬‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫اء‬‫ز‬ ‫ج‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫اح ٍد مِ‬
‫بينَهما‪َ -‬أو علَى ك ُ ِل و ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ََ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ ْ َ‬
‫ك‪ -‬فَل َ ْم َأ ْد ِر َما‬‫ض َأ ْص َحابِنَا َس َألَنِي َع ْن َذل ِ َ‬ ‫ْت ِإ َن بَعْ َ‬ ‫الصي ْ َد‪ -‬قُل ُ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َواحد من ْ ُه َما َ‬
‫اط‪َ -‬حتَى ت َ ْس َألُوا‬ ‫علَي ِه فَقَال‪ِ -‬إ َذا َأصبتم مِثْل ه َذا فَلَم ت َ ْدروا فَعلَيكُم بِالاحتِي ِ‬
‫ْ ُ َ ْ ْ ْ َ‬ ‫َ ُْ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َعن ْ ُه فَت َ ْعل َ ُموا‪ ».‬فإذاً هذه الرواية استدل بها على أن الامام في مثل هذه الشبهة‬
‫الحكمية امر بوجوب الاحتياط‪ ،‬فالنتيجة‪ :‬يكون حديث عاماً في كل شبهة‬
‫الحكمية‪ ،‬حتى لو تعدد الموضوع‪ ،‬أو ماشاكل ذلك‪ ،‬ثم ذكرنا أن السيد‬
‫الخوئي(قده) لم يتعرض إلى هذه الصحيحة‪ ،‬أما السيد الشهيد (قده) فقد‬
‫ناقشة هذ الاستدلال بوجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬قوة إحتمال رجوع لفظ الإشارة في قوله(ع) « ِإ َذا َأ َصبْت ُ ْم مِث ْ َل‬
‫َه َذا‪ »...‬إلى السؤال الأخير للسائل خاصة‪ ،‬أي إذا صادف سؤالاً لا يعرف‬
‫جوابه‪ ،‬فعليه بالاحتياط‪ ،‬وعدم الافتاء حتى يسأل ويتعلم الحق‪ ،‬ويجيب به‪،‬‬
‫ومعه تكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام‪ ،‬بل تكون من أدلة الحث‬
‫على السؤال وتعلم الأحكام الشرعية عنهم(ع) أو أن مفادها على هذا‬
‫الاحتمال هو‪ :‬النهي عن الإفتاء بغير علم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعا‪ 1:‬ذي الحجة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثاني‪ :‬لو فرض رجوع لفظ الإشارة إلى أصل المسألة‪ ،‬وهي‪ :‬الشبهة‬
‫الحكمية من حيث العمل‪ ،‬فغاية ما تدل عليه الرواية هو وجوب الاحتياط‬
‫قبل الفحص‪ ،‬في الموارد التي يمكن الفحص فيها‪ ،‬والوصول إلى الحكم‬
‫الشرعي بالسؤال من الإمام (ع)‪ ،‬فإن الغاية « َحتَى ت َ ْس َألُوا َعن ْ ُه فَت َ ْعل َ ُموا‪ ».‬تدل‬
‫على أخذ إمكان وذلك في مورد السؤال وجوب الاحتياط في مثله لا خلاف‬
‫فيه عقلاً‪ ،‬بين الأصولي والأخباري‪.‬‬
‫وأما شيخنا الأستاذ (دام ظله) فقد ناقش في الإستدلال المذكور‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن المشار إليه بقوله(ع)‪« :‬بمِث ْ َل َه َذا‪ »...‬فيه احتمالان‪:‬‬
‫الإحتمال الأول‪ :‬أن يكون المشار إليه (مسألة الصيد) التي هي (شبهة‬
‫حكمية) ومن باب (دوران الأمر بين الأقل والأكثر)‪.‬‬
‫حينئذ وإن كانت تدل على وجوب الإحتياط فيها‪ ،‬الا أن الغاية‬ ‫ٍ‬ ‫فالصحيحة‪:‬‬
‫في قوله(ع) « َحتَى ت َ ْس َألُوا َعن ْ ُه فَت َ ْعل َ ُموا‪ ».‬قرينة على أن الشبهة تكون قبل‬
‫الفحص‪ ،‬وعليه يكون وجوب الاحتياط عقلياً‪ ،‬لا شرعياً‪ ،‬بلا خلاف‪.‬‬
‫الإحتمال الثاني‪ :‬أن يكون المشار إليه هو كل حكم المسؤل عنه‪ ،‬أي إذا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو الاحتياط في الافتاء‪،‬‬ ‫أصبتم بمثل هذا السؤال‪ ،‬فالمراد من الاحتياط‬
‫فيجب‪ .‬والمعنى‪ :‬عدم جواز الافتاء بغير العلم‪ ،‬لأن حرمة الافتاء بغير العلم أمر‬
‫مسلم فيها‪ ،‬ولا إشكال فيها‪ ،‬سواء أ قلنا بوجوب الاحتياط في الشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬أم لا‪ ،‬فلا علاقة بالمقام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعا‪ 1:‬ذي الحجة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم الظاهر من الصحيحة هو الاحتمال الثاني‪ ،‬دون الأول باعتبار أن الحكم‬


‫المسؤول عنه أقرب إلى كلمة (هذا) من واقع الصيد‪( ،‬والقاعدة النحوية‬
‫رجوع الضمير إلى الأقرب) فلو لم تكن ظاهرة في (الإحتمال الثاني) لم‬
‫تكن ظاهرة في الاحتمال الأول أيضاً‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فتكون الصحيحة مجملة من هذه الناحية‪ ،‬فلا تدل على وجوب‬
‫الاحتياط‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى أنها لو كانت ظاهرة في الإحتمال الأول‪ ،‬كما يدعيه‬
‫الأنصاري‪ ،‬فأيضاً لا تدل على وجوب الاحتياط شرعاً‪ ،‬في الشبهة الحكمية‪،‬‬
‫باعتبار أن الشبهة في مورد الصحيحة قبل الفحص‪ ،‬فيكون وجوب الاحتياط‬
‫فيها عقليا‪ ،‬لا شرعياً‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫تحصل‪ :‬عدم دلالة هذه الرواية على وجوب الاحتياط في المقام‪.‬‬
‫ومنها الأخبار الآمرة بالاحتياط بصيغة الأمر كقوله (ع) لكميل إبن زياد‪:‬‬
‫ك ب ِ َما ِشئ ْ َ‬
‫ت‪ »)1( .‬ومثلها غير ها‪.‬‬ ‫احت َ ْط ل ِ ِدين ِ َ‬ ‫وك ِدين ُ َ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫« َأ ُخ َ‬
‫وتقريب الاستدلال بها أنها صريحة بالأمر في وجوب الاحتياط في الدين‬
‫وفي الأحكام الشرعية‪ ،‬التي منها (الشبهات الحكمية) التي هي مورد‬
‫الاحتياط‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي (قده) الصحيح عدم دلالة هذه الأخبار أيضاً‪ ،‬على‬

‫(‪)1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،72‬باب‪ 17‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪64‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعا‪ 1:‬ذي الحجة‪1441 -‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجوب الاحتياط في المقام‪ ،‬وذلك‪ :‬لوجهين‪:‬‬


‫الوجه الأول‪ :‬أن حسن الاحتياط مما استقل به العقل‪ ،‬وظاهر هذه الأخبار هو‬
‫الإرشاد إلى هذا الحكم العقلي‪ ،‬فيكون تابعاً لما يرشد إليه وهو يختلف‬
‫باختلاف الموارد‪ ،‬ففي بعضها كان الإحتياط واجباً‪ ،‬كما في الشبهة قبل‬
‫الفحص‪ ،‬والمقرونة بالعلم الاجمالي‪ ،‬وفي بعضها كان مستحباً‪ ،‬كما في‬
‫الشبهة البدوية بعد الفحص‪ ،‬وهي محل الكلام فعلاً‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن هذه الأخبار‪ ،‬بإطلاقها تعم الشبهة الموضوعية‪ ،‬والشبهة‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ :‬إما‬ ‫الحكمية الوجوبية‪ ،‬مع أن الاحتياط فيهما غير واجب قطعا‪ ،‬فلا بد‬
‫من رفع اليد عن ظهور ها في وجوب الاحتياط‪.‬‬
‫أو الالتزام فيها بالتخصيص‪.‬‬
‫وحيث إن لسانها آب عن التخصيص‪ ،‬فتعين حملها على الاستحباب‪ ،‬أو‬
‫على مطلق الرجحان‪ ،‬الجامع بين الاستحباب والوجوب‪ ،‬فلا يستفاد منها‬
‫وجوب الاحتياط في الشبهات البدوية بعد الفحص‪ ،‬التي هي محل الكلام‪.‬‬
‫و أما السيد الشهيد(قده) فلم يتعرض في تقريراته إلى هذا الصنف من‬
‫الأخبار‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 4:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كلامنا فيما استدل به الأخباري من تبعه على وجوب الاحتياط في‬
‫الشبهات الحكمية وآخر من استدل به الأخباري من الروايات هي تلك‬
‫الاخبار الآمرة بالاحتياط‪ ،‬تقدم الكلام في الأخبار الدالة على الاحتياط‪ ،‬ولكن‬
‫لا بصيغة الأمر‪ ،‬مثل فعليكم بالاحتياط في موارد الخاصة‪ ،‬قلنا أن هذه الاخبار‬
‫لا تدل‪ ،‬تقدم المناقشة فيها‪ ،‬وفي البحث السابق تعرضنا إلى الطائفة أخرى‬
‫ت‪».‬‬‫ك ب ِ َما ِشئ َ‬
‫ك فَاحتَط ل ِ ِدين ِ َ‬
‫وك ِدين ُ َ‬
‫الآمرة بالاحتياط بصيغة الأمر‪َ « :‬أ ُخ َ‬
‫قالوا هذا أمر بالاحتياط وشبهات الحكمية من الدين فلابد من الاحتياط فيها‪،‬‬
‫ذكرنا مناقشة السيد الخوئي (قده) على هذه الرواية‪ ،‬تقدم الكلام في البحث‬
‫السابق‪ .‬وذكر شيخنا الأستاذ (دام ظله) عدم تمامية الاستدلال على المدعى‬
‫بهذه الرواية‪ ،‬وأمثالها لوجهين‪:‬‬
‫الوجه الأول‪ :‬أن هذه الرواية ضعيفة من حيث السند‪ ،‬فلا يمكن الاستدلال بها‬
‫على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنها ضعيفة دلالة أيضاً فإنها ظاهرة في الإرشاد إلى حكم‬
‫العقل‪ ،‬بحسن الاحتياط‪ ،‬ولا تدل على وجوب الاحتياط مولوياً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لوجود قرائن فيها‪:‬‬
‫وك ِدين ُ َ‬
‫ك» يدل على‬ ‫القرينة الأولى‪ :‬أن تنزيل الدين منزلة الأخ فيها « َأ ُخ َ‬
‫الاحتياط بأقصى مرتبة ومن الواضح أن أقصى مرتبته‪ ،‬غير واجب مطلقا‪.‬‬
‫ك» تدل على‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ِ‬ ‫القرينة الثانية‪ :‬أن إضافة الاحتياط إلى الدين مطلقا «فَاحتَط ل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 4:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أنه غير واجب‪ ،‬لوضوح أن الاحتياط في الشبهات الموضوعية من الدين‪ ،‬مع‬


‫أنه غير واجب‪.‬‬
‫القرينة الثالثة‪ :‬أن تقييد الاحتياط في الرواية بمشيئة المكلف و إرادته‪ ،‬يدل‬
‫بوضوح على أنه غير واجب‪ ،‬إذ لو كان واجباً لم يكن منوطاً بمشيئته‬
‫وإرادته‪ ،‬بل لا بد من إتيانه‪ ،‬شاء المكلف أم أبى‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذه الرواية بمقتضى هذه القرائن الموجودة فيها‪ ،‬لا تدل على‬
‫وجوب الاحتياط بوجوب مولوي طريقي‪ ،‬بل مفادها الإرشاد إلى ما استقل‬
‫به العقل‪ ،‬من حسن الاحتياط ورجحانه‪.‬‬
‫تحصل‪ :‬من جميع ما ذكرناه لحد الآن‪ :‬أن ما ستدل به الأخباريون من‬
‫الآيات والروايات على وجوب الاحتياط مولوياً‪ ،‬في الشبهات الحكمية‬
‫التحريمية بعد الفحص‪ ،‬غير تام ولا يدل شيء منها على وجوب الاحتياط‪.‬‬
‫بقي شيء في بيان النسبة بين أدلتي البراءة والاحتياط‪.‬‬
‫يقع الكلام في مقامين‪ :‬المقام الأولى‪ :‬في نسبة أصالة البراءة العقلية‪ ،‬إلى‬
‫أصالة الاحتياط العقلي‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في نسبة أدلة البراءة الشرعية‪ ،‬إلى أدلة الاحتياط الشرعي‪ ،‬على‬
‫تقدير تماميتها سنداً ودلالة‪.‬‬
‫أما الكلام في المقام الأول‪ :‬فقد يتوهم وقوع التنافي بين القاعدتين العقليتين‬
‫العمليتين‪ ،‬وهما قاعدة قبح العقاب بلا بيان‪ ،‬وقاعدة الاشتغال و الاحتياط‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 4:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بدعوى‪ :‬أن منشأ قاعدة الاشتغال والاحتياط العقلي هو احتمال التكليف‬


‫المساوق لاحتمال العقاب‪ ،‬وتنجز هذا الاحتمال‪ ،‬ومعه يستقل العقل العملي‬
‫بوجوب دفعه‪ ،‬والفرض وجود هذا الاحتمال في الشبهات الحكمية‪ ،‬حتى‬
‫بعد الفحص‪ ،‬وحيث إنه لم يقم بيان من قبل الشارع على اعتبار هذا‬
‫الاحتمال العقلي‪ ،‬فيكون مورداً لقاعدة العقاب بلا بيان عقلاً‪ ،‬أيضاً‪ ،‬إذاً‬
‫فبطبيعة الحال‪ ،‬تقع المعارضة بينهما‪.‬‬
‫والجواب عنها‪ :‬أن هذا التوهم خاطئ جداً‪ ،‬ولا واقع موضوعي له بداهة أنه‬
‫لا يعقل التعارض والتنافي بين هاتين القاعدتين على أساس أن الحاكم بهما‬
‫متحد‪ ،‬وهو العقل العملي‪ ،‬ومن الطبيعي أنه لا يمكن أن يحكم العقل‬
‫بحكمين قطعيين متنافيين‪ ،‬أحدهما حكم ضروري برهاني‪ ،‬وهو قبح العقاب‬
‫بلا بيان‪ ،‬والآخر حكم ضروري نظري وهو دفع العقاب المحتمل‪.‬‬
‫إذاً فلا محالة يكون مورد أحدهما غير مورد الآخر‪ ،‬ويستحيل اجتماعهما‬
‫في موضوع واحد‪.‬‬
‫بيان ذلك‪ :‬أن مورد قاعدة الاحتياط العقلية هو احتمال العقاب عند ارتكاب‬
‫الشبهة واقتحامها وهو يتوقف على تنجز الشبهة بمنجز سابق‪ ،‬وهذا لا ينطبق‬
‫الا ّ على الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي المنجز‪ ،‬وعلى الشبهة البدوية قبل‬
‫الفحص‪ ،‬لتنجز الأولى بالعلم الإجمالي‪ ،‬وتنجز الثانية بالاحتمال‪ ،‬والشبهة في‬
‫غير هذين الموردين‪ ،‬كالشبهة البدوية بعد الفحص‪ ،‬فلا منجز لها في المرتبة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 4:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫السابقة‪ ،‬الا احتمال ضعيف بالتكليف‪ ،‬وبعد الفحص فهو إنما يكون منجزاً‬
‫إذا لم يوجد أصل مؤمن في البين‪ ،‬ومع وجوده فلا يكون منجزاً‪ ،‬وعليه‪:‬‬
‫فالمرجع فيه يكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان‪.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك‪ :‬فالشبهة التي تكون منجزة بمنجز سابق‪ ،‬فهو مورد لقاعدة‬
‫الاحتياط والاشتغال عقلاً‪ ،‬والتي لا تكون منجزة بمنجز سابق‪ ،‬فهو مورد‬
‫لقاعدة قبح العقاب‪ .‬إذاً فلا يمكن التقاء القاعدتين واجتماعهما في مورد‬
‫واحد‪ .‬فالنسبة بينهما هو التباين فلا معارضة بينهما‪ ،‬والا فهو خلاف ما هو‬
‫المعلوم من كون حكم العقل العملي قطعياً‪ ،‬وانه لا يحكم الا بعد تحقق‬
‫الموضوع ومعلوميته‪.‬‬
‫وأما الكلام في المقام الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 5:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كلامنا في بيان النسبة بين أدلة البراءة وأدلة الاحتياط وذكرنا أن الكلام‬
‫يقع في مقامين‪ ،‬تقدم الكلام في المقام الأول‪ ،‬وذكرنا في مقام الأول نسبة‬
‫بين أصالة البراءة العقلية واصالة الاحتياط العقلية‪ .‬خرجنا بهذه النتيجة ان‬
‫النسبة بين أصالتين هو التباين‪ ،‬فلا معارضة بينهما‪ ،‬والا لو كان بينهما تعارض‬
‫خلاف ما ثبت من كون حكم عقل يكون قطعياً‪ ،‬وأنه لا يمكن ان يحكم في‬
‫موضوع واحد بحكمين مختلفين‪.‬‬
‫وأما الكلام في المقام الثاني‪ :‬وهو بيان النسبة بين أدلة الاحتياط‪ ،‬وأدلة البراءة‬
‫النقليين‪ ،‬ويقع الكلام في جهات‪:‬‬
‫الجهة الأولى‪ :‬النسبة بين آيات البراءة وآيات الاحتياط‪ .‬الجهة الثانية‪ :‬النسبة‬
‫بين آيات البراءة و روايات الاحتياط‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬
‫الجهة الثالثة‪ :‬النسبة بين أخبار البراءة والاحتياط‪ .‬الجهة الرابعة النسبة بين‬
‫روايات الاحتياط‪ ،‬وروايات الاستصحاب المثبتة للبراءة‪.‬‬
‫الجهة الخامسة‪ :‬في مقتضى القاعدة على تقدير التعارض والتساقط بين‬
‫أخبار البراءة والاحتياط‪.‬‬
‫أما الكلام في الجهة الأولى‪ :‬فيأتي التساؤل الآتي‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬ما هو النسبة بين الآيات البراءة (ما كنا معذبين‪ )...‬وآيات الاحتياط‬
‫(لا تقف ما ليس‪)...‬؟‬
‫والجواب‪ :‬أنه على القول بإطلاق آيات البراءة لجميع الشبهات الحكمية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 5:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والموضوعية وكذلك إطلاق آيات الاحتياط تكون النسبة بينهما التباين‪.‬‬


‫وذلك‪ :‬لأن مدلول الأولى جعل الترخيص وعدم الوجوب في الشبهات‬
‫كافة‪ ،‬ومدلول الثانية جعل وجوب الاحتياط وعدم الترخيص فيها كذلك‪،‬‬
‫وعلى هذا فإن قيد إطلاق آيات البراءة بغير الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫الإجمالي‪ ،‬والشبهات البدوية قبل الفحص‪ ،‬وكذلك قيد إطلاق آيات‬
‫الاحتياط بغير الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫فعلى القول بانقلاب النسبة بينهما تنقلب النسبة بينهما من التباين إلى العموم‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون مورد الالتقاء والاجتماع بينهما هو‬ ‫والخصوص من وجه‪،‬‬
‫الشبهات الحكمية بعد الفحص‪ ،‬لعدم خروجها عن الإطلاقين‪ .‬و مورد افتراق‬
‫آيات البراءة هو الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫ومورد افتراق آيات الاحتياط هو الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي‬
‫والشبهات الحكمية قبل الفحص‪.‬‬
‫وعلى هذا فتقع المعارضة بينهما في الشبهات الحكمية بعد الفحص‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ قاعدة قبح العقاب بلا‬ ‫فتسقطان معاً من جهة المعارضة فيكون المرجع‬
‫بيان العقلية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬هي عدم جريان أصالة البراءة الشرعية في الشبهات الحكمية بعد‬
‫الفحص‪ ،‬وكذلك عدم جريان أصالة الاحتياط الشرعي‪ ،‬فيها‪ ،‬فالمرجع إلى‬
‫قاعدة قبح العقاب بلا بيان‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 5:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما على القول‪ :‬بعدم انقلاب النسبة بينهما‪ ،‬كما هو الصحيح‪ ،‬فتبقى النسبة‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فتسقطان معاً من جهة المعارضة‪ ،‬والمرجع‬ ‫على حالها‪ ،‬وهي التباين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ إلى الأصل الأولى في المسألة‪ ،‬وهو أصالة البراءة العقلية‪.‬‬
‫وبكلمة واضحة‪ :‬أنه لابد من تقييد إطلاق آيات البراءة‪ ،‬بغير الشبهات‬
‫المقرونة بالعلم الإجمالي والشبهات قبل الفحص‪ ،‬دون إطلاقات آيات‬
‫الاحتياط‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لأن آيات البراءة‪ ،‬لا يمكن أن تشمل جميع أطراف العلم الإجمالي‪،‬‬
‫لاستلزامه‪ ،‬الترخيص في المخالفة القطعية العملية‪ ،‬وهو لا يجوز‪.‬‬
‫وأما شمولها لبعضها‪ ،‬دون البعض الآخر‪ ،‬فهو ترجيح بلا مرجح‪.‬‬
‫وأما عدم شمولها لشبهات قبل الفحص فمن جهة أن السيرة القطعية جارية‬
‫على وجوب الفحص فيها‪ ،‬وعدم جواز الرجوع إلى الأصول اللفظية العلمية‬
‫المؤمنة قبل الفحص‪ ،‬وقد ورد التأكيد على ذلك في الآيات والروايات‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فهل تنقلب النسبة بينهما من التباين إلى عموم وخصوص مطلق‪،‬‬
‫باعتبار أن آيات البراءة بعد التخصيص‪ ،‬أصبحت أخص من آيات‬
‫الاحتياط‪ ،‬أولا؟‬
‫الجواب‪ :‬أن فيه قولين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 21:‬ذي الحجة‪2442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان النسبة بين أدلة البراءة وأدلة االحتياط‪ ،‬يعني أصوليون‬
‫قالوا في الشبهات الحكمية بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل التمسك أو‬
‫المرجع تكون أدلة البراءة العقلية أو النقلية‪ ،‬أما األخباريون فقالوا إن‬
‫المرجع هو األخبار االحتياط‪ ،‬العقلية أو النقلية‪ ،‬فماهي النسبة بين األدلة‬
‫البراءة واألدلة االحتياط في هذا الموضوع‪( ،‬الشبهات الحكمية بعد الفحص‬
‫واليأس عن الظفر بدليل) أو على العموم في جميع الشبهات في مورد داللة‬
‫هذه األدلة‪ ،‬ذكرنا أن الكالم يقع حينئذ في جهات الخمس‪ ،‬تقدم الكالم‬
‫في الجهة األولى‪ ،‬وهي النسبة بين آيات البراءة من جهة وآيات االحتياط‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وذكرنا أن النسبة بينهما التباين على ما هو الصحيح‪ ،‬فإذاً‬
‫إذا كان متساويين فتتساقطان‪ ،‬من جهة التباين‪ ،‬فالمرجع حينئذ أصالة البراءة‬
‫ال‪ ،‬وأما الكالم الجهة الثانية‪ :‬في بيان النسبة بين آيات البراءة واألخبار‬
‫عق ً‬
‫االحتياط‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬فهنا تساؤالن‪:‬‬
‫التساؤل األول‪ :‬ما هو النسبة بين آيات البراءة‪ ،‬وأخبار االحتياط؟‬
‫التساؤل الثاني‪ :‬ماهو النسبة بين آيات االحتياط‪ ،‬وأخبار البراءة؟‬
‫أما الجواب عن التساؤل األول‪ :‬أن طائفة من آيات البراءة مختصة بالشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬وال تشمل الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫نعم هناك طائفة أخرى من اآليات‪ ،‬تشمل الشبهات الموضوعية أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 21:‬ذي الحجة‪2442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ ما آتاها‪»)1( ...‬‬


‫ِّف هَ ُ‬
‫ومنها قوله تعالى‪ « :‬ال يُكَل ُ‬
‫وأما أخبار االحتياط فهي بكافة طوائفها كأخبار (التوقف) و(التثليث)‬
‫واآلمرة باالحتياط‪ ،‬تشمل بإطالقها جميع الشبهات‪ ،‬حتى الموضوعية‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده) فلم يتعرض إلى هذه الجهة بالخصوص‪.‬‬
‫وسيأتي اإلشارة إلى ما ذكره (قده) في المقام على نحو االجمال‪ ،‬الحقاً‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر في مقام الجواب عن التساؤل األول ما‬
‫حاصله‪:‬‬
‫أن اآليات القرآنية التي استدل بها على البراءة تصنف إلى الصنفين‪:‬‬
‫داه ْم َحتَّى يُبَيِّ َن‬ ‫ه‬ ‫ذ‬‫إ‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫كان هاّلل لِي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الصنف األول قوله تعالى‪َ « :‬و ما َ َ ُ ُ َّ ْ َ ْ‬
‫ب‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫ض‬
‫ون‪»)2(...‬‬
‫ل َ ُه ْم ما يَتَّق ُ َ‬
‫وهذه اآلية مختصة بالشبهات الحكمية بعد الفحص‪ ،‬وذلك‪ :‬أما كونها‬
‫مختصة بالشبهات الحكمية‪ ،‬فبقرينة قوله تعالى‪َ ...« :‬حتَّى يُبَيِّ َن ل َ ُه ْم ما‬
‫ون‪ »...‬أي من األحكام التي يبينها الرسول(ص) للجميع‪.‬‬
‫يَتَّق ُ َ‬
‫وأما كونها مختصة ببعد الفحص‪ ،‬فمن جهة ما قلنا‪ :‬أنه ال يعتبر في البيان‬
‫اإليصال إلى الجميع بل يكفي في تمامية البيان جعله للبعض ثم جعله في‬
‫معرض الوصول إلى الناس‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطالق اآلية ‪.7‬‬


‫(‪ )2‬التوبة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 21:‬ذي الحجة‪2442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أنها ظاهرة في االختصاص بالشبهات الحكمية بعد الفحص‪ .‬هذا‬


‫من ناحية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬إن لسان اآلية الشريفة يأبى عن التخصيص شبهة دون‬
‫أخرى‪ ،‬ألن لسانها ومفادها‪ :‬أنه ليس من سجية هَاّلل تعالى‪ ،‬وال يتناسب مع‬
‫يضل الناس بعد هدايتهم‪ ،‬حتى يبيَن لهم ما يتقونه من االحكام‪.‬‬
‫َ‬ ‫شأنه‪ ،‬وأن‬
‫ومع هذا اللسان‪ :‬فال معنى ألن يقال‪ :‬يتناسب احياناً إضاللهم‪ ،‬وال يتناسب‬
‫أحياناً ذلك‪ ،‬ألنه يأبى عن التخصيص‪ .‬هذا في اآلية‪.‬‬
‫وأما األخبار االحتياط‪ :‬فإنها بعمومها تشمل حتى موارد الشك قبل الفحص‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما ذكرناه تكون اآلية الشريفة بحكم (األخص مطلقا) من أخبار‬
‫االحتياط‪ .‬فتكون النسبة بين هذا الصنف من اآليات الدالة على البراءة وبين‬
‫أخبار االحتياط‪ ،‬وهو العموم والخصوص مطلق‪ ،‬فتقدم اآلية على األخبار‬
‫بالتخصيص‪ ،‬فإن األخص مقدم على األعم على القاعدة ويبقى تحت أخبار‬
‫االحتياط‪ ،‬موارد الشك قبل الفحص وموارد الشبهة المقرونة بالعلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬وتختص اآلية بالشبهات بعد الفحص‪ .‬هذا‪.‬‬
‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ َما آتَا (‪ »)1‬ومن المعلوم أن‬
‫ِّف هَ ُ‬
‫الصنف الثاني‪ :‬قوله تعالى‪« :‬ال َ يُكَل ُ‬
‫النسبة بينها‪ ،‬وبين أخبار االحتياط هو (العموم والخصوص من وجه) وأما‬

‫(‪ )1‬الطالق‪ ،‬اآلية‪7 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 21:‬ذي الحجة‪2442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أخصية هذه اآلية الشريفة‪ ،‬فمن جهة عدم شمولها (للشبهات قبل الفحص)‬
‫بقرينة قوله تعالى‪ِ « :‬إال َّ َما آتَا» فإنه يصدق بجعل (اإلتيان) بياناً في معرض‬
‫الوصول ولو بعد الفحص‪ ،‬فإن إتيان كل شيء‪ ،‬إنما هو بحسب ما يناسبه‪،‬‬
‫واإلتيان به من الشارع للمكلف بحسب ما يناسبه يكون بجعل االتيان بياناً‬
‫في معرض الوصول إلى المكلف ولو بعد الفحص‪ ،‬فال يشمل قبل الفحص‪.‬‬
‫وأما أعمية اآلية من أخبار االحتياط فإنما هي باعتبار أن اآلية الكريمة غير‬
‫واردة في خصوص باب تكليف األحكام الشرعية‪ ،‬بل تعم التكليف في‬
‫المال والعمل أيضاً‪ ،‬وأما أخبار االحتياط فهي واردة في خصوص‬
‫(التكليف)‪.‬‬
‫ومن المعلوم أنه كلما تعارض خبر الواحد بنحو العموم من وجه مع إطالق‬
‫القرآن الكريم يسقط خبر الواحد عن الحجية‪ ،‬وأخذ بإطالق القرآن‬
‫ال قطعياً‪ ،‬والدليل الظني يسقط عن الحجية عند المعارضة‬
‫الكريم‪ ،‬لكونه دلي ً‬
‫بمقدار التعارض‪ ،‬وفي مورد التعارض مع الدليل القطعي السند وهو‬
‫الشبهات بعد الفحص‪.‬‬
‫تحصل‪ :‬من جميع ما ذكرناه‪ :‬أن النسبة بين أصناف آيات البراءة وأخبار‬
‫االحتياط هو العموم والخصوص من وجه‪ ،‬لعدم شمول آيات البراءة‬
‫(الشبهات قبل الفحص)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 21:‬ذي الحجة‪2442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تخصص بالقرآن لغير مورد‬


‫وعليه‪ :‬فأخبار االحتياط لو تم شيء منها فإما أن َ‬
‫البحث‪ ،‬ألنه القران أخص‪ ،‬أو يسقط عن الحجية لكونها تخالف القرآن‪.‬‬
‫أما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد خالف السيد الشهيد(قده) في نسبة الطائفة‬
‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ َما آتَا» إلى‬
‫ِّف هَ ُ‬
‫الثانية من آيات البراءة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪« :‬ال َ يُكَل ُ‬
‫أخبار االحتياط‪ ،‬فقال‪... :‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 6:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في المقام الثاني في بيان النسبة بين األدلة‬
‫االتحييا أددلة البااة الرايييين النقيييين أد قق م اللالم في المقام‬
‫األأل النسبة بين األصالة البااة أاالتحييا العقيييين أدينا النسبة بينهما‬
‫اليباين دما اللالم في بيان النسبة بين اصاليين من تحيث النقل ذكانا انه يقع‬
‫اللالم في جهات خمس قق م اللالم في الجهة األألى أهي النسبة بين‬
‫فالصحيح في هذه الجهة دنه ال ب من‬ ‫اآليات البااة أاآليات االتحييا‬
‫ققيي آيات البااة بغيا شبهات مقاأنة بالعيم اإلجمالي أبغيا شبهات دبل‬
‫الفحص أدما إطالق آيات االتحييا فال ققي أال قخصص فيبقى ييى‬
‫ماهي يييها ألن ددلة البااة ققي اطالدها ألنها ال يملن دن قرمل جميع‬
‫اطااف العيم اإلجمالي أكذلك الربهات دبل الفحص في األأل يؤدي‬
‫إلى الياخيص مخالفة القطعية أهو ال يجوز أدما في الثاني فال يرميها‬
‫لجايان السيا القطعية ييى أجوب الفحص أي م جواز الاجوع الى‬
‫األصول مطيقا دبل الفحص‪ .‬ييى هذا اللالم الب من ققيي إطالق آيات‬
‫فيلون‬ ‫البااة لما ذكانا أي م الحاجة الى ققيي إطالق آيات االتحييا‬
‫النسبة بينهما تحينئذ يموم خصوص مطيق فيأقي اللالم السابق‪ :‬فهل قنقيب‬
‫النسبة بينهما من اليباين إلى يموم أخصوص مطيق باييبار دن آيات البااة‬
‫دأال؟‬ ‫بع اليخصيص دصبحت دخص من آيات االتحييا‬
‫الجواب‪ :‬دن فيه دولين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 6:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫األأل‪ :‬القول بانقالب النسبة أد اخياره السي الخوئي قبعاً ألسياذه‬


‫النائيني(د هما) بل ذكاه السي الخوئي(د ه) دن قصوره مساأق ليص يقه‬
‫فال يحياج إلى إدامة باهان‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬القول بع م انقالب النسبة أد اخياره السي الرهي (د ه) أشيخنا‬
‫األسياذ (دام ظيه) أبيان الوجه يأقي في باب اليعادل أالياجيح‪.‬‬
‫فعيى القول بانقالب النسبة كما يييه السي الخوئي فنقي إطالق آيات‬
‫االتحييا بالربهات المقاأنة بالعيم اإلجمالي أالربهات دبل الفحص‪.‬‬
‫أبذلك قاقفع المعارضة بينهما الخيصاص اآليات البااة بالربهات‬
‫الحلمية بع الفحص أاخيصاص آيات االتحييا بالربهات المقاأنة بالعيم‬
‫اإلجمالي أالربهات دبل الفحص فإذاً يلون مورد كل أاتح منهما غيا‬
‫مورد األخاى‪.‬‬
‫أدما ييى القول بع م انقالب النسبة كما هو الصحيح فحيث إن النسبة هي‬
‫اليباين‪.‬‬
‫فيبقى المعارضة ييى تحالها فيسقطان معاً بع فاض ي م أجود الياجيح‬
‫أين ٍ‬
‫ئذ فالربهات المقاأنة بالعيم اإلجمالي أالربهات دبل الفحص‬
‫ال في الماقبة السابقة ييى اليعارض بسبب‬
‫محلومة بوجوب االتحييا يق ً‬
‫العيم اإلجمالي في األألى أدو اتحيمال اليلييف في الثانية أال ياقبط‬
‫ال بل هو يقيي‪.‬‬
‫باآليات اص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 6:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أدما الربهات الب أية بع الفحص فحيث إن ددلة البااة الرايية سادطة‬
‫باليعارض فالماجع فيها‪ :‬دصالة البااة العقيية أمحلومة بها‪.‬‬
‫إلى هنا‪ :‬د قبيّن دن الصحيح هو القول بإملان جعل أجوب االتحييا‬
‫شاياً في دطااف العيم اإلجمالي أالربهات دبل الفحص أال أجه ليقول‬
‫(‪)1‬‬
‫ال‪.‬‬
‫بع م إملان هذا الجعل دص ً‬
‫هذا ماذكاه شيخنا االسياذ(دام ظيه) ألم ييعاض من العيمان السي الخوئي‬
‫أالرهي الص (د هما) هذه الجهة في المقام‪.‬‬
‫أبالعلس‬ ‫الجهة الثانية‪ :‬في بيان النسبة بين آيات البااة أاألخبار االتحييا‬
‫فهنا قساؤالن‪:‬‬
‫اليساؤل األأل‪ :‬ما هو النسبة بين آيات البااة أدخبار االتحييا ؟‬
‫أدخبار البااة ؟‬ ‫اليساؤل الثاني‪ :‬ماهو النسبة بين آيات االتحييا‬
‫دما الجواب ين اليساؤل األأل‪ :‬دن طائفة من آيات البااة مخيصة بالربهات‬
‫الحلمية أال قرمل الربهات الموضويية‪.‬‬
‫ث َر ُسوال(‪» )2‬‬ ‫منها‪ :‬دوله قعالى‪َ « :‬أ ما كُنَّا ُم َعذِّ َ‬
‫بين َتحيَّى نَب ْ َع َ‬
‫كان هاّلل لِي ِ‬
‫ض َّل دَ ْوماً ب َ ْع َ ِإذْ َه ُاه ْم َتحيَّى يُبَيِّ َن ل َ ُه ْم ما‬ ‫أمنها‪ :‬دوله قعالى‪َ « :‬أ ما َ ّ ُ ُ‬
‫ون‪»)3(...‬‬
‫يَيَّق ُ َ‬

‫(‪ )1‬المباتحث األصولية ج‪ 9‬ص‪329 :‬‬


‫(‪ )2‬اإلسااة اآلية ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬اليوبة اآلية ‪.111‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 6:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم هناك طائفة دخاى من اآليات قرمل الربهات الموضويية ديضاً‪.‬‬


‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ ما آقاها‪»)1( ...‬‬
‫ِّف هّ ُ‬
‫أمنها دوله قعالى‪ « :‬ال يُلَي ُ‬
‫أدما دخبار االتحييا فهي بلافة طوائفها كأخبار (اليودف) أ(اليثييث)‬
‫قرمل بإطالدها جميع الربهات تحيى الموضويية‪.‬‬ ‫أاآلما باالتحييا‬
‫أدما السي الخوئي(د ه) فيم ييعاض إلى هذه الجهة بالخصوص‪.‬‬
‫أسيأقي اإلشار إلى ما ذكاه (د ه) في المقام ييى نحو االجمال التحقاً‪.‬‬
‫دما السي الرهي (د ه) فق ذكا في مقام الجواب ين اليساؤل األأل ما‬
‫تحاصيه‪:‬‬
‫دن اآليات القاآنية اليي اسي ل بها ييى البااة قصنف إلى الصنفين‪:‬‬
‫كان هاّلل لِي ِ‬
‫ض َّل دَ ْوماً ب َ ْع َ ِإذْ َه ُاه ْم َتحيَّى يُبَيِّ َن‬ ‫الصنف األأل دوله قعالى‪َ « :‬أ ما َ ّ ُ ُ‬
‫ون‪»)2(...‬‬
‫ل َ ُه ْم ما يَيَّق ُ َ‬
‫أهذه اآلية مخيصة بالربهات الحلمية بع الفحص أذلك‪ :‬دما كونها‬
‫مخيصة بالربهات الحلمية فبقاينة دوله قعالى‪َ ...« :‬تحيَّى يُبَيِّ َن ل َ ُه ْم ما‬
‫ون‪ »...‬دي من األتحلام اليي يبينها الاسول(ص) ليجميع‪.‬‬
‫يَيَّق ُ َ‬
‫أدما كونها مخيصة ببع الفحص فمن جهة ما دينا‪ :‬دنه ال يعيبا في البيان‬
‫اإليصال إلى الجميع بل يلفي في قمامية البيان جعيه ليبعض ثم جعيه في‬
‫معاض الوصول إلى الناس‪.‬‬
‫(‪ )1‬الطالق اآلية ‪.7‬‬
‫(‪ )2‬اليوبة اآلية ‪.111‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 6:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنييجة‪ :‬دنها ظاها في االخيصاص بالربهات الحلمية بع الفحص‪ .‬هذا‬


‫من ناتحية‪.‬‬
‫أمن ناتحية دخاى‪ :‬إن لسان اآلية الرايفة يأبى ين اليخصيص شبهة دأن‬
‫دخاى ألن لسانها أمفادها‪ :‬دنه ليس من سجية هّاّلل قعالى أال ييناسب مع‬
‫يضل الناس بع ه اييهم تحيى يبيّن لهم ما ييقونه من االتحلام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شأنه أدن‬
‫أمع هذا اليسان‪ :‬فال معنى ألن يقال‪ :‬ييناسب اتحياناً إضاللهم أال ييناسب‬
‫دتحياناً ذلك ألنه يأبى ين اليخصيص‪ .‬هذا في اآلية‪.‬‬
‫أدما األخبار االتحييا ‪ :‬فإنها بعمومها قرمل تحيى موارد الرك دبل الفحص‬
‫أغياها‪.‬‬
‫أييى ضوة ما ذكاناه قلون اآلية الرايفة بحلم (األخص مطيقا) من دخبار‬
‫االتحييا ‪ .‬فيلون النسبة بين هذا الصنف من اآليات ال الة ييى البااة أبين‬
‫أهو العموم أالخصوص مطيق فيق م اآلية ييى األخبار‬ ‫دخبار االتحييا‬
‫باليخصيص فإن األخص مق م ييى األيم ييى القاي أيبقى قحت دخبار‬
‫موارد الرك دبل الفحص أموارد الربهة المقاأنة بالعيم‬ ‫االتحييا‬
‫اإلجمالي أقخيص اآلية بالربهات بع الفحص‪ .‬هذا‪.‬‬
‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ َما آقَا (‪»)1‬‬
‫ِّف هّ ُ‬
‫الصنف الثاني‪ :‬دوله قعالى‪« :‬ال َ يُلَي ُ‬

‫(‪ )1‬الطالق اآلية‪7 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 31:‬ذي الحجة‪3443:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫انتهى كالمنا يوم امس بما ذكره السيد الشهيد (قده) في أن النسبة بين‬
‫أصناف آيات البراءة وأخبار االحتياط‪ ،‬هي العموم والخصوص من وجه‬
‫ال عن الشبهات مقرونة‬
‫وأن آيات براءة ال تشمل الشبهات قبل الفحص فض ً‬
‫بالعلم اإلجمالي‪ ،‬ولكن شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد خالف السيد‬
‫الشهيد(قده) في نسبة الطائفة الثانية من آيات البراءة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪« :‬ال َ‬
‫اّلل نَف ْساً ِإال َّ َما آتَا» إلى أخبار االحتياط‪ ،‬فقال‪ :‬إن النسبة بينهما ايضاً‬
‫ِّف هَ ُ‬
‫يُكَل ُ‬
‫هو (العموم والخصوص المطلق) أيضاً دون العموم والخصوص من وجه‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬على أساس أن هذه الطائفة الثانية من اآليات‪ ،‬وإن كانت تعم‬
‫الشبهات الموضوعية‪ ،‬اال َ أنها تشمل الشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي‬
‫باعتبار أن المراد من قوله تعالى‪ِ « :‬إال َّ َما آتَا» أي من العلم مطلقا‪ ،‬وهو يشمل‬
‫العلم التفصيلي واالجمالي معاً‪ ،‬وال وجه لتخصيصه بالعلم التفصيلي‪ ،‬ألنه‬
‫بحاجة إلى عناية زائدة ثبوتاً واثباتاً‪ ،‬مع أنه ال عناية في نفس هذه اآلية وال‬
‫قرينة من الخارج ولهذا تختص اآلية بالشبهات البدوية بعد الفحص مطلقا‪،‬‬
‫سواء أكانت حكمية‪ ،‬أم موضوعية فال تشمل المقرونة بالعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالبد من تقييد إطالق أخبار االحتياط بغير الشبهات البدوية بعد‬
‫الفحص تطبقاً لقاعدة (حمل المطلق على المقيد) ونتيجة ذلك‪ :‬اختصاص‬
‫أخبار االحتياط بالشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي‪ ،‬والشبهات الحكمية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 31:‬ذي الحجة‪3443:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫قبل الفحص‪ ،‬وخروج الشبهات الحكمية بعد الفحص‪ ،‬وكذا الشبهات‬


‫الموضوعية عن إطالقها‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إذا قلنا بأن أخبار االحتياط بتمام السنتها ال تشمل الشبهات الموضوعية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ تكون النسبة‬ ‫في نفسها‪ ،‬النصرافها عنها عرفاً‪ ،‬ومعه ال إطالق لها‪،‬‬
‫بين أخبار االحتياط وهذه الطائفة الثانية من اآليات عموما وخصوصاً من‬
‫وجه‪:‬‬
‫ومادة االجتماع هي الشبهات الحكمية بعد الفحص‪ .‬ومادة افتراق اآلية هي‬
‫الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫ومادة افتراق االخبار هي الشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي والشبهات‬
‫الحكمية قبل الفحص‪.‬‬
‫وعلى هذا فتد خل أخبار االحتياط في األخبار المخالفة للكتاب والسنة‪ ،‬فال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬بال فرق بين كون مخالفتها لهما بنحو التباين‪ ،‬أو بنحو‬ ‫تكون حجة‬
‫العموم والخصوص من وجه‪.‬‬
‫تحصل من جميع ما تقدم من العلمين‪ :‬أنه على تقدير عدم شمول أخبار‬
‫االحتياط للشبهات الموضوعية كما هو الصحيح‪ ،‬من جهة عدم ارتباط‬
‫ال‪.‬‬
‫الشبهات الموضوعية بالشارع أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 31:‬ذي الحجة‪3443:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ إما أن يصار إلى‬ ‫تتحقق نسبة العموم والخصوص من وجه بينهما‪،‬‬
‫تخصص عموم األخبار في محل االجتماع بالقرآن‪ ،‬فتجري البراءة في‬
‫الشبهات الحكمية بعد الفحص‪.‬‬
‫وإما أن يقال‪ :‬بسقوط االخبار عن الحجية‪ ،‬لمعارضتها ومخالفتها للقرآن‪،‬‬
‫وتكون النتيجة نفسها‪.‬‬
‫وأما الجواب التساؤل الثاني‪ :‬وهو ماهي النسبة بين آيات االحتياط وأخبار‬
‫البراءة؟‬
‫أما السيد الخوئي والسيد الشهيد(قدهما) فلم يتعرضا إلى هذه المسألة‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقال‪ :‬تختلف النسبة باختالف تلك األخبار‪.‬‬
‫بيان ذلك‪ :‬أن عمدة اآليات التي استدل بها على وجوب االحتياط هي قوله‬
‫تعالى‪َ « :‬و ال َ تُلْقُوا ب ِ َأي ْ ِديك ُ ْم ِإلَى الت َّ ْهلُك َ ِة‪»)1( ...‬‬
‫بناءاً على داللتها على وجوب االحتياط في جميع الشبهات التي يكون في‬
‫اقتحامها الهالك‪.‬‬
‫أما أخبار البراءة‪ :‬فهي على ثالثة أصناف‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األخبار المطلقة التي تشمل بإطالقها جميع الشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬والموضوعية‪ ،‬كحديث الرفع‪ ،‬والوضع‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقرة‪ ،‬اآلية ‪.191‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 31:‬ذي الحجة‪3443:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الصنف الثاني‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات التحريمية‪ ،‬كحديث اإلطالق‬


‫يه ن َ ْه ٌي (‪ ».)1‬ونحوه‪.‬‬ ‫وهو قوله(ع)‪« :‬كُل َشي ٍء مطْ ل َ ٌق حتى ي ِرد فِ ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ُّ ْ ُ‬
‫الصنف الثالث‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات الحكمية‪ ،‬األعم من التحريمية‪،‬‬
‫والوجوبية‪ ،‬كقوله(ع) «ما حجب هاّلل ع ِن ال ْعِب ِ‬
‫اد‪ ،‬فَ ُه َو َم ْو ُضو ٌع َعن ْ ُه ْم (‪»)2‬‬‫َ‬ ‫َ َ َ َ َُ َ‬
‫وغيره‪ .‬وهذه هي عمدة أصناف أخبار البراءة‪.‬‬
‫وأما النسبة بين الصنف األول منها‪ ،‬وهو حديث الرفع (رفع عن أمتي ماال‬
‫يعلمون) وبين اآلية الكريمة‪ ،‬وهي (آية التهلكة) فهي نسبة التباين‪.‬‬
‫وذلك‪:‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة؛ ج‪ ،22‬ص‪121 :‬‬


‫(‪ )2‬الكافي‪ ،‬ط الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ ،41‬باب حجج هَاّلل على خلقه‪ ،‬من أبواب كتاب التوحيد‪ ،‬ح‪.4‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 14:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في البحث السابق في بيان النسبة بين آيات االحتياط واألخبار البراءة‬
‫فذكر شيخنا األستاذ (دام ظله) أن النسبة بينهما تختلف باختالف تلك‬
‫االخبار‪ :‬بيان ذلك‪ :‬أن عمدة اآليات التي استدل بها على وجوب االحتياط‬
‫هي قوله تعالى‪َ « :‬و ال َ تُلْقُوا ب ِ َأي ْ ِديك ُ ْم ِإلَى الت َّ ْهلُك َ ِة‪»)1( ...‬‬
‫بناءاً على داللتها على وجوب االحتياط في جميع الشبهات التي يكون في‬
‫اقتحامها الهالك‪.‬‬
‫أما أخبار البراءة‪ :‬فهي على ثالثة أصناف‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬األخبار المطلقة التي تشمل بإطالقها جميع الشبهات‬
‫الحكمية‪ ،‬والموضوعية‪ ،‬كحديث الرفع‪ ،‬والوضع‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات التحريمية‪ ،‬كحديث اإلطالق‬
‫يه ن َ ْه ٌي (‪ ».)2‬ونحوه‪.‬‬ ‫وهو قوله(ع)‪« :‬كُل َشي ٍء مطْ ل َ ٌق حتى ي ِرد فِ ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ُّ ْ ُ‬
‫الصنف الثالث‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات الحكمية‪ ،‬األعم من التحريمية‪،‬‬
‫والوجوبية‪ ،‬كقوله(ع) «ما حجب هاّلل ع ِن ال ْعِب ِ‬
‫اد‪ ،‬فَ ُه َو َم ْو ُضو ٌع َعن ْ ُه ْم (‪»)3‬‬‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُٰ َ‬
‫وغيره‪ .‬وهذه هي عمدة أصناف أخبار البراءة‪.‬‬
‫وأما النسبة بين الصنف األول منها‪ ،‬وهو حديث الرفع (رفع عن أمتي ماال‬
‫يعلمون) وبين اآلية الكريمة‪ ،‬وهي (آية التهلكة) فهي نسبة التباين‪.‬‬

‫(‪ )1‬البقرة‪ ،‬اآلية ‪.191‬‬


‫(‪ )2‬وسائل الشيعة؛ ج‪ ،22‬ص‪121 :‬‬
‫(‪ )3‬الكافي‪ ،‬ط الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ ،31‬باب حجج هٰاّلل على خلقه‪ ،‬من أبواب كتاب التوحيد‪ ،‬ح‪.3‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 14:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن حديث الرفع يدل على جريان البراءة في الشبهات مطلقا (ما ال‬
‫يعلمون) وثبوت الترخيص والبراءة فيها‪ ،‬مع أن اآلية الشريفة بإطالقها تدل‬
‫على جريان االحتياط في جميع الشبهات‪ ،‬ومعناه‪ :‬عدم ثبوت الترخيص‬
‫والبراءة فيها فيتعارضان على ونحو التباين الكلي‪.‬‬
‫ولعالج المعارضة نقول‪ :‬البد من طرح أخبار الصنف األول‪ ،‬ألنها مخالفة‬
‫للكتاب ومشمولة لألخبار الصريحة الدالة على أن ما كان مخالفاً للكتاب‬
‫فهو باطل‪ ،‬وزخرف‪ ،‬ولم أقله‪.‬‬
‫وأما النسبة بين آيات االحتياط‪« ،‬وال تلقوا» والصنف الثاني من اخبار البراءة‬
‫المتمثلة بحديث االطالق فهي نسبة العموم والخصوص المطلق‪ ،‬لعموم اآلية‬
‫وشمولها لكل الشبهات كما ذكرنا‪ ،‬واختصاص الصنف الثاني بالشبهات‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فهل يمكن تقييد إطالق اآلية بالخبر بغير الشبهة‬ ‫التحريمية‪،‬‬
‫التحريمية أوال؟‬
‫والجواب‪ :‬قد يقال‪ :‬بأنه ال يمكن التقييد المذكور من جهة النتيجة؛ إذ من‬
‫غير المحتمل التفصيل والقول بعدم وجوب االحتياط في الشبهة التحريمية‪،‬‬
‫ووجوبه في الشبهة الوجوبية‪ ،‬بل عدم وجوب االحتياط في الشبهات‬
‫الوجوبية يكون بطريق أولى‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فال يمكن تقييد إطالق اآلية بهذا الصنف من األخبار‪ ،‬إذاً‬
‫يدخل هذا الصنف في األخبار المخالفة للكتاب‪ ،‬فتسقط عن الحجية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 14:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وللمنا قشة فيه مجال‪ :‬إذ ال دليل على ثبوت المالزمة بين عدم وجوب‬
‫االحتياط في الشبهة التحريمية بمقتضى التقييد‪ ،‬بين عدم وجوبه في الشبهة‬
‫الوجوبية لألولوية المذكورة‪ ،‬اال ٰ دعوى االجماع على هذه المالزمة‪ ،‬وعدم‬
‫القول بالفصل‪ ،‬ومن الواضح أنه ال أثر لهذه الدعوى وال قيمة لها‪ ،‬وعلى‬
‫هذا‪ ،‬فإذا دل الدليل على عدم وجوب االحتياط‪ ،‬لسبب أو آخر في الشبهة‬
‫التحريمية‪ ،‬فال موجب لرفع اليد عن الدليل اآلخر الدال على وجوب‬
‫االحتياط في الشبهة الوجوبية وهو إطالق اآلية بحسب القواعد‪.‬‬
‫وأما النسبة بين آيات االحتياط‪ ،‬والصنف الثالث من أخبار البراءة المتمثلة‬
‫(بحديث الحجب) فهي نسبة العموم والخصوص المطلق‪ ،‬أيضاً لعمو اآلية‬
‫وشمولها لجميع الشبهات بال استثناء‪ ،‬واختصاص (حديث الحجب)‬
‫بالشبهات الحكمية فقط‪ ،‬وعليه‪ :‬فما ذكر في الصنف الثاني يجري هنا أيضاً‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إذا ال حظنا المخصص (حديث الرفع) اآلخر الوارد على هذه اآلية‪،‬‬
‫الدال على الترخيص في الشبهات الموضوعية أيضاً‪ ،‬واعتبرنا هما معاً‪ ،‬نجد‬
‫أن نسبة كال المخصصين معا إلى اآلية المباركة نسبة التباين‪ ،‬فهو واضح‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن اآلية المباركة تدل على وجوب االحتياط في جميع الشبهات‬
‫من الحكمية والموضوعية‪ ،‬وأما (حديث الحجب) الذي هو المخصص‬
‫األول فهو مختص بالشبهات الحكمية فقط‪ .‬والمخصص الثاني فرضناه‬
‫مختصاً بالشبهات الموضوعية فقط‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 14:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فلو اعتبرناهما معاً يدالن على الترخيص في جميع الشبهات فيتعارضان اآلية‬
‫الكريمة على نحو التباين‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن التخصيص بأحدهما المعيٰن‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬ترجيح بال مرجح‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ على أساس مخالفتهما للكتاب العزيز‪ ،‬هذا كله‬ ‫فالبد من طرحهما‬
‫بناءاً على ما هو الصحيح من عدم انقالب النسبة‪.‬‬
‫وأما على القول بانقالب النسبة كما اختاره المحقق النائيني(قده) فال‬
‫معارضة بينهما‪ ،‬وبين إطالق اآلية المباركة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن إطالق الترخيص في حديث الحجب للشبهات الحكمية مطلقا‪،‬‬
‫قد قيد بغير الشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي والشبهات الحكمية قبل‬
‫الفحص‪ ،‬التي هي في معرض العلم والبيان‪ .‬وبعد هذا التقييد‪ ،‬ال مانع من‬
‫تخصيص إطالق اآلية الكريمة الشاملة لجميع الشبهات‪ ،‬بكال المخصصين‪،‬‬
‫من األخبار الدالة على البراءة تطبيقاً لقاعدة حمل المطلق على المقيد؛ ألن‬
‫ما دل على الترخيص في الشبهات الموضوعية‪ ،‬يكون مقيداً إلطالق اآلية‬
‫الشريفة بغيرها‪ ،‬وما دل على الترخيص في الشبهات الحكمية بعد الفحص‬
‫(كحديث الحجب‪ ،‬بعد التقييد) مقيداً إلطالقها بغير هذه الشبهات‪.‬‬
‫إذاً فتبقى تحت إطالقها بعد التقييد بهما خصوص الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬والشبهات قبل الفحص‪ ،‬فال مانع من حمل إطالق اآلية عليهما‬
‫ألنه ليس من الحمل على الفرد النادر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 14:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومما ذكرناه‪ :‬ظهرت ثمرة الفرق بين القولين‪( :‬انقالب النسبة) وعدم‬
‫انقالبها‪.‬‬
‫فعلى القول باالنقالب تكون النتيجة لصالح األصوليين‪.‬‬
‫و فعلى القول بعدم االنقالب تكون النتيجة لصالح األخباريين‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثالثة‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 15:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان النسبة بين أدلة البراءة وأدلة االحتياط‪ ،‬وقلنا إن الكالم‬
‫في هذه المسألة يقع في جهات متعددة‪ ،‬الجهة األولى كان الكالم في بيان‬
‫النسبة بين آيات البراءة وآيات االحتياط‪ ،‬الجهة الثانية كان في بيان النسبة‬
‫بين آيات البراءة وأخبار االحتياط تارة وبين اخبار البراءة وآيات االحتياط‬
‫تارة أخرى وتقدم الكالم في ذلك‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثالثة‪:‬‬
‫فيأتي التساؤل‪ :‬ما هو النسبة بين أخبار البراءة‪ ،‬وأخبار االحتياط؟‬
‫تصدى جملة من المحققين‪ ،‬إلثبات أخصية أخبار البراءة‬
‫والجواب‪ :‬أنه قد ّ‬
‫الشرعية‪ ،‬بالنسبة إلى أخبار االحتياط‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد أفاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫إنه لو سلم داللة أخبار االحتياط‪ ،‬على وجوب االحتياط مطلقا‪ ،‬خصوصاً‬
‫في الشبهات التحريمية‪ ،‬كما يدعيه األخباري فهي ال تعارض أدلة البراءة‬
‫فإن أخبار البراءة بعد فرض تماميتها‪ ،‬تتقدم على اخبار االحتياط‪ ،‬لكونها‬
‫أخص مطلقا‪ ،‬ألنها ال تعم (الشبهة قبل الفحص) والمقرونة بالعلم اإلجمالي‬
‫إما في نفسها (رفع ماال يعلمون) أو من جهة االجماع وحكم العقل‪ ،‬بل‬
‫بعضها مختص بالشبهات التحريمية (كحديث االطالق) هذا‪.‬‬
‫بخالف أخبار االحتياط فإنها شاملة لجميع الشبهات‪- ،‬كما هو المفروض –‬
‫فتخصص بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 15:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أفاد في المقام ما حاصله‪:‬‬


‫إنه على مسلكنا (حق الطاعة) لم يتم االستدالل بشيء من أخبار البراءة‬
‫جل أخبارها بين ما هو ضعيف سنداً‪ ،‬كحديث الرفع‪ ،‬وبين ما هو‬
‫عندنا‪ ،‬فإن ّ‬
‫ضعيف داللة كسائر أخبار الباب‪ ،‬اال حديث الحجب‪ ،‬وروايتين أخريين‬
‫أشرنا إليهما في استدراكنا على أخبار البراءة‪ ،‬وذكرنا تمامية داللتهما‬
‫ولكنها مشروطة بعدم قيام دليل على وجوب االحتياط‪ ،‬ومع قيامه‪ ،‬يكون‬
‫حاكماً على كلتا الروايتين‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إذا بنينا على تمامية سند بعض روايات البراءة المتعارف وحجيته‬
‫(كحديث الرفع) ولو من جهة عمل المشهور به‪ ،‬فيكون مفاده نفي وجوب‬
‫االحتياط‪ ،‬فيتعارض مع أخبار االحتياط‪ ،‬فيقدم عليها باألخصية مطلقا‪ ،‬وهذا‬
‫ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) حيث يستفاد من كالمه وجوهاً ثالثة‬
‫لألخصية‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أخبار البراءة ال تشمل موارد (العلم اإلجمالي) فهي أخص‬
‫بخالف أخبار االحتياط‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن أخبار البراءة ال تشمل الشبهات قبل الفحص‪ ،‬فهي أخص بخالف‬
‫أخبار االحتياط‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 15:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثالث‪ :‬أن اخبار االحتياط واردة في مطلق الشبهات‪ ،‬وأخبار البراءة فيها ما‬
‫ورد في خصوص الشبهة التحريمية فهي أخص كحديث االطالق‪ ،‬فالنسبة‬
‫عموم وخصوص مطلق‪.‬‬
‫ال‪ :‬أن كلّها قابلة للمناقشة‪.‬‬
‫واعترض السيد الشهيد(قده) على هذه الوجوه قائ ً‬
‫أما الوجه الثالث‪ :‬ففيه أوالً‪ :‬أن حديث االطالق ال داللة فيها على البراءة‬
‫ال‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬من أن مفاد قبل صدور النهي هو االباحة دون‬
‫الشرعية أص ً‬
‫البراءة مضافاً إلى ضعفه سنداً باإلرسال‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬لو سلّمنا تمامية سندها ففي أخبار االحتياط يكون وارداً في خصوص‬
‫الشبهات التحريمية أيضاً‪ ،‬كحديث رسول ه ِ‬
‫اّلل ص قال‪َ « :‬ح َال ٌل بَيِّ ٌن َو َح َرا ٌم‬
‫َ ُ ُ ّ‬
‫ات‪»)1( ...‬‬ ‫ات نَجا مِن ال ْمحرم ِ‬ ‫ك‪ -‬فَمن تَر َك الشُّ به ِ‬ ‫ات بين َذل ِ‬
‫َ َ ُ َ َّ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫بَيِّ ٌن‪َ -‬و ُشب ُ َه ٌ َ ْ َ‬
‫ناص في الشبهات التحريمية‪ ،‬فال يمكن حمله على الشبهات الوجوبية‪.‬‬
‫فهذا ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬يكون هذا الحديث‪ ،‬مع حديث االطالق متساويين‪ ،‬لوورد هما في‬
‫الشبهات التحريمية‪ ،‬فالنسبة بينهما (التباين) كما واضح‪ ،‬دون األخصية‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫أما الوجهان اآلخران‪ :‬فإن قلنا‪ :‬بأن عدم شمول أخبار البراءة لموارد (العلم‬
‫االجمالي‪ ،‬والشبهات قبل الفحص) إنما هو باإلنصراف من الدليل‪ ،‬أو‬
‫القرينة اللبية العقلية‪ ،‬أو اإلرتكازية العقالئية‪ ،‬التي هي كالمخصص المتصل‪،‬‬

‫) وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،12‬باب‪11‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪(1.9‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 15:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فتكون أخبار البراءة أخص من أخبار االحتياط من هذه الناحية‪ ،‬وإن قلنا‪:‬‬
‫إن موارد (العلم اإلجمالي‪ ،‬وما قبل الفحص)‪ ،‬إنما هي خارجة بمخصص‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أخص مطلقا‪ ،‬حتى بناءاً‬ ‫منفصل‪ ،‬ال بما ذكر‪ ،‬فال تكون أخبار البراءة‬
‫على القول بإنقالب النسبة‪ ،‬الذي ال نقول به‪ ،‬بل تكون النسبة بينهما عموم‬
‫وخصوص من وجه‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألخصية أخبار االحتياط من ناحية أخرى وهي ‪ :‬أن دليل االحتياط‬
‫ال يشمل موارد الشبهة الموضوعية‪ :‬ألحد أمرين‪:‬‬
‫إما من جهة التخصيص من الخارج‪ ،‬حيث إن هناك نصوصاً صريحة‪،‬‬
‫يدع‬
‫واضحة على عدم وجوب االحتياط في الشبهات الموضوعية‪ ،‬ولم ّ‬
‫أحد من العلماء قاطبة‪ ،‬وجوب االحتياط فيها‪ ،‬فيكون المخصص قطعياً‪.‬‬
‫أو من جهة‪ :‬أن بعض أدلة وجوب االحتياط في نفسها صريحة في خصوص‬
‫النصين‪ ،‬وهو‬
‫الشبهة الحكمية‪ ،‬كمقبولة عمربن حنظلة‪ ،‬الواردة في تعارض ّ‬
‫شبهة حكمية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬ال تتم دعوى أخصية دليل البراءة من دليل االحتياط مطلقا‪ ،‬بل لما‬
‫ذكرنا تكون النسبة بينهما عموماً وخصوصاً من وجه‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬فقد ذكر النسبة بين أخبار البراءة‪ ،‬وأخبار‬
‫االحتياط‪ ،‬تختلف باختالف أخبار البراءة سعة وضيقاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 91:‬ذي الحجة‪9449:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان النسبة بين أدلة البراءةمطلقا‪ ،‬وأدلة االحتياط مطلقا‪،‬‬
‫األصولي عند ما ذهب إلى البراءة له أدلة وكذلك األخباري عندما ذهب‬
‫إلى االحتياط فله أدلة‪ ،‬من الكتاب والسنة والعقل‪ ،‬فما هي النسبة بين هذه‬
‫األدلة‪ ،‬ذكرنا أن الكالم في النسبة تقع في جهات‪ :‬الجهة األولى كان الكالم‬
‫في بيان النسبة بين آيات البراءة وآيات االحتياط‪ ،‬الجهة الثانية كان في بيان‬
‫النسبة بين آيات البراءة وأخبار االحتياط تارة وبين اخبار البراءة وآيات‬
‫االحتياط تارة أخرى وتقدم الكالم في ذلك‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثالثة‪ :‬فيأتي التساؤل‪ :‬ما هو النسبة بين أخبار البراءة‪،‬‬
‫وأخبار االحتياط؟ ذهب السيد الخوئي(قده) أن النسبة بينهما عموم‬
‫وخصوص مطلق‪ ،‬عمومية األخبار االحتياط‪ ،‬وخصوصية األخبار البراءة‪ ،‬أما‬
‫السيد الشهيد(قده) فتارة ذكر أن بينهما تباين‪ ،‬وأخرى‪ :‬عموم خصوص‬
‫مطلق‪ ،‬وثالثة عموم خصوص من وجه‪ ،‬على اختالف مباني تقدم الكالم في‬
‫بيان ذلك كله‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬فقد ذكر النسبة بين أخبار البراءة‪ ،‬وأخبار‬
‫االحتياط‪ ،‬تختلف باختالف أخبار البراءة سعة وضيقاً‪.‬‬
‫أما أخبار البراءة‪ :‬فقد تقدم أنها على أصناف ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬األخبار المطلقة الشاملة لجميع الشبهات من الحكمية والموضوعية‬
‫وتتمثل بحديث الرفع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 91:‬ذي الحجة‪9449:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثاني‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات التحريمية‪ ،‬المتمثلة بحديث االطالق‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬األخبار المختصة بالشبهات الحكمية مطلقا‪ ،‬المتمثلة بحديث‬
‫الحجب‪.‬‬
‫وأما األخبار االحتياط‪ :‬فقد تقدم أيضاً‪ ،‬أنها بتمام أصنافها مطلقة وتشمل‬
‫جميع الشبهات الحكمية والموضوعية والمقرونة بالعلم االجمالي‪،‬‬
‫والشبهات البدوية قبل الفحص‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالنسبة بين أخبار االحتياط والصنف األول من أخبار البراءة هو‬
‫التباين‪ ،‬فإن هذا الصنف األول باطالقه يشمل الشبهات مطلقا‪ ،‬حتى المقرونة‬
‫بالعلم االجمالي والشبهات البدوية قبل الفحص‪ ،‬فيدل على الترخيص في‬
‫جميع الشبهات‪ ،‬وأما أخبار االحتياط فهي تدل على وجوب االحتياط في‬
‫جميع الشبهات‪ ،‬فال محالة تكون النسبة بينهما (التباين) هذا على القول‬
‫باطالق حديث الرفع‪.‬‬
‫ولكن‪ :‬إذا الحظنا المخصص المتصل‪ ،‬أو المنفصل الداخلين على هذا‬
‫الصنف من أخبار البراءة فتقيّد اطالقه بغير الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫االجمالي والشبهات قبل الفحص‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فعلى القول بانقالب النسبة كما اختاره المحقق النائيني(قده)‬
‫فتنقلب النسبة من (التباين) إلى العموم والخصوص من وجه‪.‬‬
‫ومورد االلتقاء؛ الشبهات الحكمية بعد الفحص‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 91:‬ذي الحجة‪9449:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومورد افتراق الصنف األول الشبهات الموضوعية‪.‬‬


‫ومورد افتراق اخبار االحتياط الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي والشبهات‬
‫قبل الفحص‪.‬‬
‫وعلى القول بعدم انقالب النسبة كما هو الصحيح تبعاً للمحقق الخراساني‬
‫(قده) تبقى النسبة على التباين‪ ،‬ولو بعد طر ّو التقييد على اطالق الصنف‬
‫األول‪.‬‬
‫وتظهر الثمرة بين القولين‪:‬‬
‫أنه على القول بعدم انقالب النسبة وبقائها على التباين‪ ،‬تسقط كلتا الطائفتين‬
‫عن الحجية‪ ،‬من جهة المعارضة‪ ،‬فالمرجع في الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫االجمالي وفي الشبهات ماقبل الفحص‪ ،‬هو قاعدة االشتغال‪ ،‬وفي الشبهات‬
‫الحكمية بعد الفحص‪ ،‬والشبهات الموضوعية قاعدة قبح العقاب بال بيان‪.‬‬
‫وعلى القول بانقالب النسبة؛ فالنسبة هو العموم والخصوص من وجه‬
‫تسقطان معاً في خصوص مورد االلتقاء‪ ،‬ومورد االجتماع وهو الشبهات‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو االصل األولي الفوقي وهو أصالة‬ ‫الحكمية بعد الفحص‪ ،‬فالمرجع‬
‫البراءة العقلية‪ ،‬وأما في الشبهات الموضوعية؛ فالمرجع فيها األخبار الخاصة‬
‫البراءة الشرعية‪ ،‬هذا على ماهو المشهور بين االصحاب من إطالق حديث‬
‫الرفع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 91:‬ذي الحجة‪9449:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما بناءاً على ما قويناه‪ :‬من أنه ال إطالق لمثل حديث الرفع بالنسبة إلى‬
‫الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬إلنصرافه عنها بالنظر العرفي االرتكازي‪،‬‬
‫فتكون النسبة بين حديث الرفع وبين أخبار االحتياط هو العموم والخصوص‬
‫من وجه فتتحد النتيجة مع نتيجة القول بانقالب النسبة‪.‬‬
‫وأما النسبة بين الصنف الثاني (كحديث االطالق) من أخبار البراءة‪ ،‬وبين‬
‫أخبار االحتياط فهي نسبة العموم والخصوص المطلق‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫والزم ذلك‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 21:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحوث السابقة في بيان نسبة بين أخبار البراءة وبين أخبار‬
‫االحتياط‪ ،‬وقد صنفنا اخبار البراءة إلى ثالثة أصناف‪ ،‬تقدم الكالم في بيان‬
‫النسبة بين صنف األول المتمثل بحديث رفع‪ ،‬وصنف الثاني المتمثل‬
‫بحديث إطالق مع االخبار االحتياط‪.‬‬
‫بقي الكالم في بيان النسبة بين الصنف الثالث من أخبار البراءة المتمثل‬
‫بحديث الحجب (ما حجب هلال‪ )...‬وبين اخبار االحتياط‪ ،‬فيمكن القول بعد‬
‫مالحظة هذا الحديث من اختصاصه بموارد الشبهات الحكمية‪ ،‬لورود العلم‬
‫(ما حجب علمه) هو األحكام دون الموضوعات‪ ،‬فإذا يمكن القول بصراحة‬
‫أن النسبة بين هذا الصنف وبين اخبار االحتياط التي تدل على جميع‬
‫الشبهات بال استثناء فتكون نسبة بينهما عموم خصوص مطلق ايضاً‪ ،‬باعتبار‬
‫شمول اخبار االحتياط جميع الشبهات‪ ،‬وحديث حجب مختص بالشبهة‬
‫الحكمية‪ ،‬فبين هما عموم وخصوص مطلق‪ .‬نقول هنا احتماالن‪:‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬ما إذا قلنا بأن هذا الصنف ال يشمل الشبهات الحكمية‬
‫المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬وكذلك الشبهات الحكمية قبل الفحص‪،‬‬
‫لتنجزهما‪ ،‬وعدم جواز الترخيص فيهما‪ ،‬فالزمه تقييد إطالق أخبار االحتياط‬
‫ل‬
‫أوالً بغير الشبهات الحكمية بعد الفحص‪ .‬هذا من جانب‪.‬‬
‫ومن جانب آخر البد من تقييد إطالق أخبار االحتياط ثانياً بمادل على‬
‫الترخيص‪ ،‬في الشبهات الموضوعية أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 21:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ونتيجة هذين التقييدين أنه ال يبقى تحت أخبار االحتياط اال موردان‪ :‬وهما‪:‬‬
‫الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات البدوية قبل الفحص‪.‬‬
‫االحتمال الثاني‪ :‬ما إذا قلنا‪ :‬بأن هذا الصنف باطالقه يشمل الشبهات‬
‫المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬وكذا الشبهات قبل الفحص أيضاً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ وإن كانت نسبته إلى أخبار االحتياط محفوظة‪ ،‬وهي نسبة الخاص‬
‫إلى العام‪ ،‬ونسبة المقيد إلى المطلق‪ ،‬اال أنه في هذا الفرض‪ ،‬ال يمكن تقييد‬
‫اطالق أخبار االحتياط بهذا الصنف مع تقييده بمادل على الترخيص في‬
‫الشبهات الموضوعية معاً وهو واضح‪ :‬ألن نسبة كل واحد من المخصصين‬
‫إلى أخبار االحتياط‪ ،‬وإن كان نسبة الخاص إلى العام‪ ،‬اال أن نسبة المجموع‬
‫إليها نسبة المباين إلى المباين وهو واضح‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬فتخصيص أخبار االحتياط بهما معاً ال يمكن‪ ،‬للزوم لغويتها‪ ،‬لعدم بقاء‬
‫ال‪ ،‬وتخصيصها باحدهما المعيلن‪ ،‬دون اآلخر ترجيح من غير‬
‫شيء تحتها أص ً‬
‫مرجح‪ .‬ومن هنا تقع المعارضة بينهما‪ ،‬وبين أخبار االحتياط‪ ،‬فتسقطان معاً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو أصالة البراءة العقلية في الشبهات بعد‬ ‫بالمعارضة‪ ،‬فالمرجع‬
‫الفحص والشبهات الموضوعية‪ ،‬وأصالة االشتغال في الشبهات المقرونة‬
‫بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات قبل الفحص‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 21:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫هذا كله بناءاً على القول بعدم انقالب النسبة عند تقييد اطالق هذا الصنف‬
‫من أخبار البراءة بغير الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات قبل‬
‫الفحص‪.‬‬
‫وأما على القول بانقالب النسبة بهذا التقييد‪ ،‬فتنقلب النسبة من التباين إلى‬
‫العموم والخصوص المطلق‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن مجموع هذين المخصصين ألخبار االحتياط‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫أخبار البراءة في هذا الصنف‪ ،‬المقيد بغير الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫االجمالي وبغير الشبهات قبل الفحص‪.‬‬
‫وما دل على الترخيص في الشبهات الموضوعية‪ ،‬يكون أخص من أخبار‬
‫االحتياط‪ ،‬باعتبار شمولها للشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات قبل‬
‫الفحص‪ ،‬دون هذين المخصصين‪.‬‬
‫ومن هنا‪ :‬البد من االلتزام بتقييد إطالقها بالمخصصين تطبقاً لقاعدة حمل‬
‫المطلق على المقيد‪ ،‬ونتيجة ذلك هي تخصيص أخبار االحتياط بالشبهات‬
‫المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات قبل الفحص‪ ،‬وال مانع من ذلك‪.‬‬
‫وأما الثمرة بين القولين في المسألة‪ :‬فعلى القول بعدم انقالب النسبة تكون‬
‫النسبة بين مجموع المخصصين‪( ،‬كحديث الحجب) وما دل على الترخيص‬
‫في الشبهات الموضوعية كحديث الحل‪ ،‬وبين اطالق أخبار االحتياط وهي‬
‫التباين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 21:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فتقع المعارضة بينهما فتسقطان معاً من جهة المعارضة‪.‬‬


‫ٍ‬
‫حينئذ في الشبهات الحكمية بعد الفحص والشبهات الموضوعية‬ ‫فالمرجع‬
‫هو أصالة البراءة العقلية وأما في الشبهات قبل الفحص والشبهات المقرنة‬
‫بالعلم االجمالي هو قاعدة االشتغال‪.‬‬
‫وعلى القول بانقالب النسبة تنقلب النسبة من (التباين) إلى العموم‬
‫والخصوص المطلق‪ ،‬فتدل أخبار االحتياط على وجوب االحتياط شرعاً في‬
‫الشبهات قبل الفحص والشبهات المقرونة بالعلم االجمالي فقط‪.‬‬
‫وتختص أخبار البراءة في هذا الصنف‪ ،‬ومادل على الترخيص في الشبهات‬
‫الموضوعية على جريان البراءة شرعاً في الشبهات الحكمية بعد الفحص‪،‬‬
‫والشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الرابعة‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 20:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا فيما ذكره شيخنا األستاذ (دام ظله) في المقام حيث قال إن‬
‫النسبة بين اخبار البراءة واخبار االحتياط تختلف باختالف اخبار البراءة سعة‬
‫وضيقاً‪ ،‬ثم صنف اخبار البراءة إلى أصناف ثالثة‪ ،‬الصنف األول متمثل‬
‫بحديث الرفع‪ ،‬والصنف الثاني بحديث اإلطالق والصنف الثالث بحدث‬
‫الحجب‪.‬‬
‫تقدم الكالم في بيان النسبة بين الصنف األول التي تكون مطلقة شاملة‬
‫لجميع الشبهات‪ ،‬الحكمية والموضوعية‪ ،‬وقال إن النسبة بينهما هو النسبة‬
‫تباين‪ ،‬على القول المعروف والمشهور ولكن إذا قلنا بأن أخبار البراءة‬
‫الصنف األول ال إطالق لمثل حديث الرفع‪ ،‬ألنها منصرفة عن الشبهات‬
‫المقرونة بالعلم اإلجمالي فحي ٍ‬
‫نئذ تكون النسبة بين حديث الرفع وبين اخبار‬
‫االحتياط المطلقة هو العموم والخصوص من وجه فإذاً النتيجة تتحد مع‬
‫نتيجة القول بانقالب النسبة الذي ال نقول به‪.‬‬
‫وأما النسبة بين الصنف الثاني (كحديث االطالق) من أخبار البراءة‪ ،‬وبين‬
‫أخبار االحتياط فهي نسبة العموم والخصوص المطلق‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫والزم ذلك‪ :‬هو تقييد إطالق أخبار االحتياط بغير الشبهات التحريمية التي‬
‫هي مدلول هذا الصنف المتمثل بحديث اإلطالق هذا من جهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ :‬البد من تقييد اطالق هذا الصنف بغير الشبهات التحريمية‬
‫المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬أو التحريمية قبل الفحص‪ ،‬ألن قوة احتمال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 20:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التكليف في الثاني والعلم االجمالي منجز للتكليف في األول‪ ،‬كالعلم‬


‫ال‪.‬‬
‫التفصيلي عق ً‬
‫يهون الخطب‪ :‬أن تقييد هذا الصنف بما ذكر‪ ،‬ال يؤثر في تغيير نسبة‬
‫والذي ّ‬
‫هذا الصنف إلى أخبار االحتياط‪ ،‬وهي نسبة (العام إلى الخاص) ونسبة‬
‫المقيد إلى المطلق‪ ،‬بل هذه النسبة محفوظة حتى بعد التقييد‪ ،‬باعتبار‬
‫إختصاص هذا الصنف بعد التقييد للشبهات الحكمية التحريمية بعد‬
‫الفحص‪ ،‬وال يشمل الشبهات الموضوعية‪ ،‬فيكون خاصاً من وجه‪ ،‬ال مطلقا‪.‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ :‬البد من تقييد إطالق أخبار االحتياط بما دل على الترخيص‬
‫في الشبهات الموضوعية أيضاً «كل شيء لك حالل‪»...‬‬
‫والحاصل‪ :‬أنه يرد على إطالق أخبار االحتياط تقييدان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬تقييد اطالقها بغير الشبهات التحريمية بعد الفحص‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬تقييد اطالقها بغير الشبهات الموضوعية ويبقى الباقي تحت اطالق‬
‫وجوب االحتياط كالشبهات المقرونة‪ ،‬والتحريمية قبل الفحص والوجوبية‬
‫مطلقا حتى بعد الفحص‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬الزم التقييد األول هو التفصيل غير المرغوب فيه‪ ،‬وهو الحكم‬
‫بالبراءة والترخيص في الشبهات الحكمية التحريمية بعد الفحص‪ ،‬والحكم‬
‫بوجوب االحتياط في الشبهات الوجوبية مطلقا ولو بعد الفحص‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 20:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهذا التفصيل اليمكن االلتزام به ألنه خالف االجماع القائم على خالفه‬
‫وخالف القول بعدم الفصل‪ ،‬بين الشبهات الحكمية بعد الفحص‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬ال مانع من االلتزام بهذا التفصيل إذا كان ذلك نتيجة الجمع‬
‫العرفي بين األدلة فما أدعي من االجماع‪ ،‬وعدم القول بالفصل على‬
‫المالزمة بين الشبهتين فال يكون حجة‪.‬‬
‫وأما النسبة بين الصنف الثالث (المتمثلة بحديث الحجب ‪ -‬ماحجب هّال‬
‫علمه عن العباد فهو موضوع عنهم‪ )-‬أخبار البراءة وأخبار االحتياط فهي‬
‫العموم والخصوص المطلق ايضاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن أخبار االحتياط تشمل باطالقها جميع الشبهات بال استثناء‪ ،‬وهذا‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فهنا احتماالن‪:‬‬ ‫الصنف مختص بالشبهات الحكمية‬
‫االحتمال األول‪ :‬ما إذا قلنا بأن هذا الصنف ال يشمل الشبهات الحكمية‬
‫المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬وكذلك الشبهات الحكمية قبل الفحص‪،‬‬
‫لتنجزهما‪ ،‬وعدم جواز الترخيص فيهما‪ ،‬فالزمه تقييد إطالق أخبار االحتياط‬
‫ّ‬
‫أوالً بغير الشبهات الحكمية بعد الفحص‪ .‬هذا من جانب‪.‬‬
‫ومن جانب آخر البد من تقييد إطالق أخبار االحتياط ثانياً بمادل على‬
‫الترخيص‪ ،‬في الشبهات الموضوعية أيضاً‪.‬‬
‫ونتيجة هذين التقييدين أنه ال يبقى تحت أخبار االحتياط اال موردان‪:‬‬
‫وهما‪ :‬الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬والشبهات البدوية قبل الفحص‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 20:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫االحتمال الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 22:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في جهات التي عقدناها لبيان النسبة بين أدلة البراءة وأدلة‬
‫االحتياط‪ ،‬وذكرنا في الجهة األولى أن النسبة وبيان النسبة بين آيات البراءة‬
‫من جهة وآيات االحتياط من جهة األخرى‪ ،‬وفي الجهة الثانية‪ ،‬ذكرنا أن‬
‫النسبة بين اآليات البراءة وأخبار االحتياط تارة‪ ،‬وبين األخبار البراءة‬
‫واآليات االحتياط‪ ،‬تارة أخرى‪ ،‬وفي الجهة الثالثة‪ ،‬أن النسبة بين أخبار‬
‫البراءة وأخبار االحتياط‪ ،‬حيث قسمنا وصنفنا إلى أصناف ثالثة‪ ،‬واختلفة‬
‫النسبة في كل صنف من تلك أصناف‪.‬‬
‫اليوم نتناول البحث في الجهة الرابعة‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الرابعة‪:‬‬
‫وهي مالحظة النسبة بين أدلة استصحاب البراءة وأخبار االحتياط‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) تبعاً للمحقق النائيني(قده)‪:‬‬
‫أن النسبة بين أخبار االستصحاب‪ ،‬وأخبار االحتياط‪ ،‬إنما هو نسبة الدليل‬
‫الحاكم إلى الدليل المحكوم‪ ،‬فيقدم أخبار االستصحاب على أخبار‬
‫االحتياط‪.‬‬
‫بتقريب‪ :‬ان االستصحاب‪ ،‬حاكم على أخبار االحتياط‪ ،‬ورافع لموضوعها‪،‬‬
‫وهو الشك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 22:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن االستصحاب أمارة وناظر إلى الواقع‪ ،‬وليس من األصول العملية‪،‬‬
‫فإن معنى حجية االستصحاب هو التعبد ببقاء اليقين في ظرف الشك‪ ،‬وليس‬
‫معناها التبعد بالعمل بالشك في ظرفه‪.‬‬
‫وهناك فرق واضح بين التعبيرين‪ ،‬فإن األول تعبير عرفي عن موقع‬
‫االستصحاب كأمارة‪ ،‬والثاني تعبير عرفي عن موقعه كأصل عملي‪ .‬فتأمل‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن المجعول في باب االستصحاب هو الطريقية والعلم التعبدي في‬
‫ظرف الشك‪ ،‬وجعل المكلف عالماً ببقاء الحالة السابقة‪ ،‬وإلغاء الشك تعبداً‪،‬‬
‫الذي هو موضوع أخبار االحتياط‪ ،‬فال يبقى موضوع لألخبار االحتياط‪،‬‬
‫وهذا هو معنى (الحكومة)‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬لما ذا يكون االستصحاب من أضعف األمارات؟‬
‫فإنه يقال‪ :‬من جهة أن التعبير ببقاء اليقين السابق في ظرف الشك يفيد‬
‫التبعدي العلمي‪ ،‬دون الحكائي كسائر األمارات‪ ،‬فمن أجل ذلك ال تكون‬
‫مثبتاته حجة‪ ،‬بخالف األمارات‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد اعترض على ما أفاده السيد الخوئي(قده) بوجوه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ماذكر مبني على حجية االستصحاب من باب جعل الطريقية والعلم‬
‫ال عن األصول‪،‬‬
‫التعبدي‪ ،‬ولكن هذا المبنى مرفوض عندنا في األمارات‪ ،‬فض ً‬
‫كما تقدم في مباحث القطع‪ ،‬وسيأتي تفصيله في مباحث االستصحاب‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 22:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وثانياً‪ :‬لو سلمنا كبرى‪ :‬جعل الطريقية والعلمية‪ ،‬فالمجعول إنما يصير حاكماً‬
‫في مورد رتب فيه األثر على العلم‪ ،‬ال في مورد رتب فيه األثر على الشك‪،‬‬
‫فإن دليل االستصحاب بنفسه قد أخذ في موضوعه الشك‪ ،‬فالطريقية‬
‫المجعولة فيه طريقية في طول الشك‪ ،‬وظاهرها أنها غير ناظرة إلى إلغاء‬
‫الشك نفسه‪ ،‬فالبد أن تكون ناظرة إلى التعبد ببقاء اليقين ونحو ذلك‪ ،‬من‬
‫دون الغاء الشك الذي هو موضوع االحتياط‪ ،‬فال حكومة‪ ،‬حيث ال إلغاء‬
‫للشك‪.‬‬
‫بخالف أدلة األمارات‪ ،‬حيث لم يؤخذ في موضوعها الشك‪ ،‬فتكون ناظرة‬
‫إلى الغاء الشك‪ ،‬فتكون حاكمة‪.‬‬
‫وهذا واضح‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬لو تنزلنا أيضاً‪ ،‬وسلمنا أن لسان دليل االستصحاب‪ ،‬هو لسان دليل‬
‫األمارة‪ ،‬أي لم يؤخذ في موضوعه الشك‪.‬‬
‫ولكن نقول‪ :‬كما أن دليل االستصحاب واألمارة دليل على اعتبار العلم‬
‫وجعل الطريقية‪ ،‬وإلغاء الشك‪ ،‬كذلك دليل االحتياط‪ ،‬والوقوف عند‬
‫الشبهة‪ ،‬دليل على عدم جواز االعتماد على أحد طرفي الشبهة‪ ،‬والبناء عليه‪،‬‬
‫إرشاد إلى عدم الحجية والطريقية‪ ،‬وعدم الغاء الشك‪ ،‬ولزوم حفظ الواقع‪،‬‬
‫واالهتمام به فيتعارضان‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 22:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬يتعارض دليل االستصحاب‪ ،‬ودليل االحتياط‪ ،‬فالمرجع هو‪ :‬العام‬


‫الفوقي‪ ،‬أو األصل العملي‪ ،‬فال حكومة‪ ،‬وال ورود‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬في المقام أن يقال‪ :‬إن أخبار االحتياط أخص من استصحاب‬
‫البراءة دون العكس‪..‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 52:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الرابعة من جهات البحث في مسئلة أصالة البراءة‪،‬‬


‫وذكرنا أن في هذه الجهة يقع الكالم في مالظحةة النسبة بنن أللة‬
‫االستصحاب التي تدل على استصحاب البراءة وبنن أخبار االظحتناط‪ ،‬وذكر‬
‫السند الخوئي (قده) أن النسبة بنن أللة استصحاب البراءة وبنن أخبار‬
‫االظحتناط‪ ،‬هي النسبة الدلنل الحاكم إلى المحكوم‪ ،‬ألن أللة االستصحاب‬
‫البراءة ترفع موضوع اخبار االظحتناط‪ ،‬الذي هو الشك‪ ،‬ألن االستصحاب‬
‫كما ذكره السند الخوئي وعلى مبناه علم وأمارة تكشف الواقع فإذا جاء‬
‫العلم لغي الشك‪ ،‬أما السند الشهند الصدر فقد اعترض على ما ذكره السند‬
‫الخوئي باعتراضات متعدلة‪:‬‬
‫أوالً قال أن هذا المبنى (أي مبنى الطريقنة مبنى علم التعبدي ) في أللة‬
‫االستصحاب هذا المبنى مرفوع وقد تقدم الكالم فنه ويأتي إن شاء هلال في‬
‫مسئلة استصحاب‪.‬‬
‫وثانناً لو سلمنا أن االستصحاب نحو تعبد بالمتنقن في الةرف الشك كما‬
‫ذكره السند الخوئي(قده) ولكن نقول ال يلغي الشك‪ ،‬فالشك مأخوذ في‬
‫موضوع االستصحاب‪ ،‬يقنن سابق والشك الظحق‪ ،‬في الةرف الشك يقنن ال‬
‫يوجد اال ان الشرع يقول اصحب النقنن السابق في الةرف الشك واعمل‬
‫على طبقه‪ ،‬وهذا لنس معناه الغاه الشك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 52:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وثالثاً‪ :‬لو تنزلنا أيضاً‪ ،‬وسلمنا أن لسان للنل االستصحاب‪ ،‬هو لسان للنل‬
‫األمارة‪ ،‬أي لم يؤخذ في موضوعه الشك‪.‬‬
‫ولكن نقول‪ :‬كما أن للنل االستصحاب واألمارة للنل على اعتبار العلم‬
‫وجعل الطريقنة‪ ،‬وإلغاء الشك‪ ،‬كذلك للنل االظحتناط‪ ،‬والوقوف عند‬
‫الشبهة‪ ،‬للنل على عدم جواز االعتمال على أظحد طرفي الشبهة‪ ،‬والبناء علنه‪،‬‬
‫إرشال إلى عدم الحجنة والطريقنة‪ ،‬وعدم الغاء الشك‪ ،‬ولزوم ظحفظ الواقع‪،‬‬
‫واالهتمام به فنتعارضان‪.‬‬
‫فالنتنجة‪ :‬يتعارض للنل االستصحاب‪ ،‬وللنل االظحتناط‪ ،‬فالمرجع هو‪ :‬العام‬
‫الفوقي‪ ،‬أو األصل العملي‪ ،‬فال ظحكومة‪ ،‬وال ورول‪.‬‬
‫والصحنح‪ :‬في المقام أن يقال‪ :‬إن أخبار االظحتناط أخص من استصحاب‬
‫البراءة لون العكس‪ ،‬أو بحكم األخص‪ ،‬بناءاً على عدم شمول للنل‬
‫االستصحاب لموارل الشك قبل الفحص‪ ،‬ولموارل الشبهة المقرونة بالعلم‬
‫ال)‪ ،‬ال متصل‪.‬‬
‫االجمالي‪ ،‬من جهة مخصص منفصل (كحديث الرفع مث ً‬
‫فبناءاً على ذلك يكون للنل االستصحاب‪ ،‬قد ورل علنه عدة مخصصات‪:‬‬
‫منها‪ :‬مخصص أخرج موارل الشك قبل الفحص‪.‬‬
‫منها مخصص أخرج موارل الشك المقرونة بالعلم االجمالي‪.‬‬
‫منها‪ :‬مخصص أوسع منهما بحنث اخرج مطلق الشبهة الحكمنة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 52:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم إن هذه المخصصات وإن كان بعضها أو سع من بعض ولكن البد من‬
‫إعمال جمنعها‪ ،‬ألن كل واظحد من هذه المخصصات هو أخص مطلقا‪ ،‬من‬
‫للنل االستصحاب‪ ،‬ولما كان هذه المخصصات هي مفال أللة االظحتناط فال‬
‫محالة يتقدم أللة االظحتناط باألخصنة على أللة االستصحاب‪.‬‬
‫نعم‪ :‬لو فرضنا أن للنل االستصحاب في نفسه إبتلى بمخصص متصل‪ ،‬ولم‬
‫ال لموارل الشبهات المقرونة بالعلم االجمالي‪ ،‬أو لموارل الشك قبل‬
‫يكن شام ً‬
‫الفحص‪ ،‬فحننئذ تكون النسبة بنن للنل االستصحاب وأخبار االظحتناط هي‬
‫العموم والخصوص من وجه‪ ،‬ألن للنل االستصحاب يفترق عن أخبار‬
‫االظحتناط باإلستصحاب في غنر موارل الشبهات الحكمنة‪ ،‬وأخبار االظحتناط‬
‫تفترق في موارل الشك المقرون بالعلم االجمالي‪ ،‬وموارل الشك قبل‬
‫الفحص ويجتمعان في مالة واظحدة‪ ،‬وهي الشبهات الحكمنة بعد الفحص‪،‬‬
‫غنر المقرونة بالعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وظحننئذ‪ :‬مقتضى االستصحاب هو نفس التكلنف فنها‪ ،‬ومقتضى أخبار‬
‫االظحتناط هو التنجنز وثبوت التكلنف‪ ،‬فنتعارضان بنحو العموم من وجه‬
‫فنها‪ ،‬وظحنن ال يوجد مرجح ألظحدهما على اآلخر نلتزم بالتعارض والتساقط‪،‬‬
‫لون الحكومة‪ ،‬فأين الحكومة؟‪.‬‬
‫وأما شنخنا األستاذ(لام ظله) في مقام مناقشة السند الخوئي(قده) وتفنند‬
‫مبناه‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 52:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال كونه‬
‫وذكر أن االستصحاب لنس من األصول المحرزة كاالظحتناط‪ ،‬فض ً‬
‫أمارة‪ ،‬ال ثبوتاً‪ :‬ألن النقنن السابق قد زال في ظرف الشك قطعاً والشك ال‬
‫يصلح لألمارية‪.‬‬
‫وال إثباتاً‪ :‬ألن مفال للنل االستصحاب هو التعبد بالعمل على طبق الحالة‬
‫السابقة في ظرف الشك ولنس هو التعبد ببقاء النقنن كما قنل‪ ،‬إذ ال يقنن‬
‫في ظرف الشك‪.‬‬
‫فالنتنجة‪ :‬أنه ال يمكن أن المجعول في باب االستصحاب الطريقنة والعلم‬
‫التعبدي ال ثبوتاً‪ ،‬وال إثباتاً‪ ،‬فال يكون تقديم االستصحاب على أخبار‬
‫االظحتناط بمالك الحكومة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫والصحنح أن يقال‪ :‬إن تقديم االستصحاب على أخبار االظحتناط‪ ،‬إنما هو‬
‫بمالك األظهرية‪ ،‬أو األخصنة ظحكماً‪ ،‬بلحاظ أن اإلرتكاز العرفي قائم على‬
‫عدم التفكنك بنن موارل االستصحاب‪.‬‬
‫وهذا االرتكاز يشكلل الداللة اإللتزامنة بنن موارله‪ ،‬فلذلك هو بمنزلة‬
‫الخاص‪ ،‬فنقدم على أخبار االظحتناط في مورل االظحتناط‪ ،‬من باب تقديم‬
‫الخاص على العام‪ ،‬أو تقديم األظهر على الةاهر‪.‬‬
‫ألن هذا االرتكاز العرفي قرينة على أظهريته‪ ،‬وكالهما من موارل الجمع‬
‫الداللي العرفي‪ ،‬وهذا هو األقرب‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في الجهة الرابعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 52:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في الجهة الخامسة‪ :‬وهو مقتضى القاعدة‪:‬‬


‫على تقدير التعارض والتساقط بنن أخبار البراءة وأخبار االظحتناط‪ ،‬قد ظهر‬
‫من غضون ما ذكرناه‪ :‬أن (المرجع) عند التباين والتساقط هو األصل األولي‪.‬‬
‫فلو قلنا‪ :‬بالبراءة العقلنة واعتبارها كانت هي المرجع بعد التساقط‪ ،‬وذلك من‬
‫ال‪.‬‬
‫جهة قبح العقاب بالبنان عق ً‬
‫وأما لو أنكرنا البراءة العقلنة‪ ،‬كما هو الحق‪ ،‬وقلنا‪ :‬بأصالة منجزية االظحتمال‬
‫فأيضاً‪ ،‬يمكن اثبات البراءة على مستوى البراءة العقلنة‪ ،‬ولكن بالدلنل‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه قد تقدم أن في أللة البراءة الشرعنة ما يثبت البراءة إذا لم يصل‬
‫للنل ال على الحكم الواقعي‪ ،‬وال على إيجاب االظحتناط‪ ،‬فمع فرض‬
‫التعارض وعدم وصول إيجاب االظحتناط كانت مثل هذا األللة هي المرجع‬
‫إلثبات البراءة في هذه المرتبة من الشك‪ ،‬وهذا الدلنل الشرعي يتمثل في‬
‫كان ه ِ ِ‬
‫ال لنُض َّل قَ ْوماً ب َ ْع َد ِإذْ َه ُ‬
‫داه ْم َظحتَّى يُبَنِّ َن ل َ ُه ْم ما‬ ‫قوله تعالى‪َ « :‬و ما َ ل ُ‬
‫يَتَّقُون‪»)1(...‬‬
‫هذا تمام كالمنا في بنان النسبة بنن أللة البراءة وأللة االظحتناط‪.‬‬

‫) التوبة‪ ،‬اآلية‪(1.111‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 62:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحوث السابقة فيما قدمه القائلون بوجوب االحتياط في‬
‫الشبهات الحكمية خصوصاً في الشبهات التحريمية ما قدمه األخباريون من‬
‫علمائنا على وجوب اإلحتياط‪ ،‬و أوردوا على ذلك أدلة من الكتاب والسنة‬
‫وأدلة العقل‪ ،‬تقدم الكالم في الكتاب وفي السنة‪.‬‬
‫أما الثالث‪ :‬الدليل العقلي على وجوب االحتياط‬
‫قرب اإلستدالل على وجوب االحتياط‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) أنه قد ّ‬
‫بحكم العقل من وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن كل مكلف يعلم اجماالً بوجود تكاليف الزامية في الشريعة‬
‫المقدسة‪ ،‬وهذا العلم اإلجمالي ينجز التكاليف الواقعية على تقدير ثبوتها‬
‫ويمنع من الرجوع إلى البراءة‪ ،‬بل يوجب االحتياط‪.‬‬
‫أما الطروق واألمارات‪ ،‬ال ترفع تنجزها وال ينحل العلم اإلجمالي بها‪،‬‬
‫تعرض لها لنفي أحكام أخرى‬
‫وذلك‪ :‬ألنها تثبت أحكاماً في مواردها‪ ،‬وال ّ‬
‫في غير موارد ها‪ ،‬ومن البديهي أن انحالل العلم اإلجمالي إنما يكون بدليل‬
‫يدل على ثبوت التكليف في بعض األطراف ونفيه عن البعض اآلخر‬
‫فالتنجز يبقى على حاله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مطابقة‪ ،‬أو التزاماً‪،‬‬
‫ال‪ :‬إذا علمنا إجماالً بوجوب صالة مرددة بين الظهر والجمعة‪ ،‬كان قيام‬
‫مث ً‬
‫ال نافياً لوجوب صالة الجمعة وبالعكس‪،‬‬
‫األمارة على وجوب صالة الظهر مث ً‬
‫وبااللتزام‪ ،‬فينحل العلم اإلجمالي بها ال محالة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 62:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما إذا كان المعلوم باإلجمال أحكاماً كثيرة ال تعيّن لها‪ ،‬فقيام الدليل على‬
‫ثبوت أحكام في موارد خاصة‪ ،‬ال ينفي ثبوت الحكم في غيرها‪ ،‬فال ينحل‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬فال يصار إلى البراءة‪ ،‬وبمقتضى أن االشتغال اليقيني‬
‫يقتضي الفراغ اليقيني‪ ،‬البد من القول بوجوب االحتياط‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫وقد أجاب السيد الخوئي(قده)‪ :‬عنه بأمرين‪ :‬األول‪ :‬بالنقض بالشبهات‬
‫الوجوبية والموضوعية‪ ،‬فإن هذا العلم اإلجمالي‪ ،‬لو كان مانعاً عن الرجوع‬
‫إلى البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية‪ ،‬لكان مانعاً عن الرجوع إليها‬
‫فيهما أيضاً‪ ،‬مع أن األخباريين ال يقولون بوجوب االحتياط فيهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬بالحل‪ :‬وهو أن العلم اإلجمالي بتكاليف واقعية ينحل بقيام األمارات‬
‫على تكاليف إلزامية بمقدار المعلوم باإلجمال‪.‬‬
‫وتوضيحه‪ :‬أن لنا هنا ثالثة علوم إجمالية بالتكاليف الشرعية‪ :‬أحدهما‪ :‬هو‬
‫العلم اإلجمالي الكبير‪ ،‬وأطرافه جميع الشبهات مما يحتمل التكليف مطلقا‪،‬‬
‫ومنشؤه العلم بالشريعة المقدسة‪ ،‬إذ ال معنى للشرع الخالي عن التكاليف‬
‫رأساً‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬هو العلم اإلجمالي المتوسط‪.‬‬
‫وأطرافه موارد قيام األمارات المعتبرة‪ ،‬وغير المعتبرة‪ ،‬ومنشؤه كثرة‬
‫األمارات‪ ،‬والقطع بمطابقة بعضها للواقع‪ ،‬فإنا ال نحتمل مخالفة جميعها‬
‫للواقع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 62:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثالثها‪ :‬هو العلم اإلجمالي الصغير بالتكاليف الشرعية‪ ،‬وأطرافه موارد قيام‬
‫األمارات المعتبرة فقط‪.‬‬
‫ومنشؤه‪ :‬القطع بمطابقة مقدار كبير منها للواقع‪ ،‬وحيث إن العلم اإلجمالي‬
‫األول ينحل بالعلم اإلجمالي الثاني وهكذا الثاني بالثالث‪ ،‬فال يتنجز‬
‫التكليف في غير مؤديات الطرق واألمارات المعتبرة‪.‬‬
‫وميزان االنحالل‪ :‬أن ال يكون المعلوم باإلجمالي في العلم اإلجمالي‬
‫الصغير‪ ،‬اقل عدداً من المعلوم بالعلم اإلجمالي الكبير‪ ،‬بحيث لو أفرزنا من‬
‫أطراف العلم اإلجمالي الكبير مقدار المعلوم باإلجمال في العلم اإلجمالي‬
‫الصغير‪ ،‬لم يبق لنا علم إجمالي في بقية األطراف من العلم اإلجمالي الكبير‪.‬‬
‫ال‪ :‬إذا علمنا بوجود خمس شياه مغصوبة في قطيع من الغنم‪ ،‬وعلمنا أيضاً‬
‫مث ً‬
‫بوجود خمس شياه مغصوبة في جملة البعض من هذا القطيع‪ ،‬فال محلة‬
‫ينحل العلم اإلجمالي األول بالعلم اإلجمالي الثاني‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك لو علمنا بعلم اجمالي ثالث‪ ،‬أن الشياه الخمس من البيض إنما‬
‫هي من النعاج دون الضأن‪ ،‬فال محالة ينحل العلم اإلجمالي الثاني بالعلم‬
‫اإلجمالي الثالث‪ ،‬وهو األصغر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وفي المقام‪ :‬لما كان منشأ العلم اإلجمالي الكبير‪ ،‬هو العلم باستلزام الشريعة‬
‫ألحكام وتكاليف كثيرة فينحل بالعلم اإلجمالي المتوسط‪ ،‬وهو العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 62:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلجمالي بوجود تكاليف في مورد قيام األمارات مطلقا‪ ،‬إذا ال يحتمل‬


‫وجود تكاليف يستنبط من غيرها‪.‬‬
‫وكذلك العلم اإلجمالي الثاني ينحل بالعلم اإلجمالي الثالث‪ ،‬وهو العلم‬
‫بوجود التكاليف بمقدار المعلوم باإلجمال في العلم اإلجمالي الثالث‪ ،‬أي‬
‫في ضمن األخبار واألمارات المعتبرة في كل باب من أبواب الفقه‪ ،‬فيكون‬
‫يعتد به‪.‬‬
‫وجود التكاليف في غيرها مجرد احتمال ضعيف‪ ،‬ال ّ‬
‫فيستكشف بذلك أن المعلوم باإلجمال في العلم الثاني‪ ،‬ال يزيد عدداً على‬
‫المعلوم باإلجمالي في العلم الثالث‪ ،‬فينحل بذلك ال بمحالة‪.‬‬
‫ثم إن هذا االنحالل مبني على ما هو الصحيح من كون العلم الوجداني‬
‫بمطابقة األمارات المعتبرة للواقع بمقدار ما علم إجماالً ثبوته في الشريعة‬
‫المقدسة من التكاليف‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الوجه مما استدل به األخباريون على وجوب االحتياط‬


‫بحكم العقل‪ ،‬فقالوا أن العلم اإلجمالي بوجوب التكاليف كثيرة في‬
‫الشريعة‪ ،‬يقتضي وجوب االحتياط عند الشبهات‪ ،‬السيد الخوئي(قده) قد‬
‫أجاب عن هذا االشكال‪ ،‬بأن العلم اإلجمالي هذا انما ينحل بـ علم‬
‫التفصيلي بوجود األحكام الشرعية الكثيرة التي تكون لشريعة في ضمن‬
‫أمارات المعتبرة من االخبار و اإلجماعات والبينات والشهرات‪ ،‬وإلى الشك‬
‫بدوي بحيث يحتمل ضعيفاً أن يكون هناك يعني األحكام في غير موارد‬
‫االمارات هذا االحتمال ضعيف ال يعتد به‪ ،‬فالنتيجة قال‪ :‬أن هذا االنحالل‬
‫الذي ذكرناه يكون مبنياً على أن العلم الحاصل لإلنسان العلم الوجداني بأن‬
‫امارات معتبر الحجة تطابق الواقع من األحكام‪ ،‬ويكون بمقدار ما علم‬
‫اجماالً ثبوته في الشريعة المقدسة من التكاليف‪ ،‬فعليه ينحل هذا العلم‬
‫اإلجمالي بوجود التكاليف بتلك التكاليف موجود في غضن أمارات‬
‫معتبرة‪ ،‬أما وجوب التكاليف في غيرها هذا مجرد واالحتمال ضعيف‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬نحن ال نعلم وجداناً بمطابقة األمارات المعتبرة للواقع بمقدار‬
‫المعلوم باإلجمال في العلم اإلجمالي األول‪ ،‬وعليه فالبد من وجوب‬
‫االحتياط في موارد االحتمال‪ ،‬في غير موارد قيام األمارات المعتبرة‪.‬‬
‫ندعي االنحالل‪ ،‬حتى مع عدم العلم الوجداني بمطابقة‬
‫فإنه يقال‪ :‬نحن ّ‬
‫األمارات المعتبرة للواقع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وتوضيح ذلك‪ :‬أن العلم اإلجمالي متقوم دائماً بقضية منفصلة‪ ،‬مانعة الخلو‪،‬‬
‫ومفادها إما هذا‪ ،‬أو ذاك‪.‬‬
‫ال‪ :‬في العلم اإلجمالي بنجاسة أحد اإلناءين يصدق قولنا‪(:‬إما هذا اإلناء‬
‫مث ً‬
‫نجس وإما ذاك) وقد يحتمل نجاستهما معاً‪.‬‬
‫والمدار في تنجيز العلم اإلجمالي إنما هو على هذا الترديد‪ ،‬حدوثاً و بقاءا‪،‬‬
‫فإذا فرضنا أن القضية المنفصلة انقلبت إلى قضيتين حمليتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬متيقنة‪ ،‬ولو باليقين التعبدي‪ ،‬كقيام البينة على نجاسة اإلناء‬
‫األبيض‪ ،‬فيقال‪« :‬اإلناء األبيض نجس لقيام األمارة عليه»‬
‫واألخرى‪ :‬مشكوكة بالشك الساري‪ ،‬فيقال‪« :‬نشك في نجاسة اإلناء األسود‪،‬‬
‫أو أن اإلناء األسود مشكوك النجاسة بنحو الشبهة البدوية»‪.‬‬
‫فال محالة ينحل العلم اإلجمالي المتمثل بالقضية المنفصلة ويسقط عن‬
‫التنجيز وذلك‪ :‬ألن تنجيز العلم اإلجمالي ليس أمراً تعبداً‪ ،‬وإنما هو بحكم‬
‫ال‪ ،‬كالعلم التفصيلي‪ ،‬فإذا زالت كاشفيته بطرو‬
‫العقل لكاشفيته التكليف عق ً‬
‫الشك الساري زال التنجيز ال محالة‪ ،‬كما هو الحال في العلم التفصيلي بعينه‪.‬‬
‫هذا ما أجابه السيد الخوئي(قده) عن الوجه األول من الدليل العقلي على‬
‫وجوب االحتياط بدعوى منجزية العلم اإلجمالي بوجود التكاليف االلتزامية‬
‫في الشريعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما السيد الشهيد (قده) فقد أبطل دعوى االنحالل تبعاً للشيخ االنصاري‬
‫في مبحث (اثبات حجية خبر الواحد) لثقة‪ ،‬حيث اعترض على ما ذكره‬
‫السيد الخوئي(قده) تبعاً لصاحب الكفاية (قده) باعتراضين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬عدم انحالل العلم اإلجمالي المتوسط بالعلم اإلجمالي الصغير ألنه‬
‫تلفيق وتجميع لعلوم اجمالية متعددة‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬عدم انطباق الميزان والمعيار الذي ذكراه (قدهما) لالنحالل في‬
‫المقام‪ ،‬وقد تقدم الكالم فيهما هناك‪ ،‬فال نعيد‪ ،‬ومن أراد فليراجع‪.‬‬
‫أما شيخنا األستاذ (دام ظله) فلم يتعرض لحكم العقل في المقام‪ ،‬وإن كان‬
‫له اعتراض على ما ذكره السيد الشهيد(قده) فيما تقدم‪.‬‬
‫وقد تقدم الكالم فيه‪ ،‬في مبحث حجية خبر الواحد‪ ،‬فال نعيد‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬لحكم العقل باالحتياط‬
‫بيانه‪ :‬أنه ذكر قديماً تقريب في اثبات االحتياط العقلي‪ ،‬في موارد الشبهات‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن األصل في األشياء‪ ،‬أو األفعال غير ضرورية هو (المنع والحظر)‬
‫بحكم العقل‪ ،‬حتى يرد دليل على االباحة‪.‬‬
‫وفي المقام‪ :‬بما أنه لم يثبت (الجواز واالباحة) في الشبهات التحريمية فنصير‬
‫ال‪.‬‬
‫إلى الحظر والتوقف‪ ،‬وهو معنى وجوب االحتياط عق ً‬
‫وقد أجاب السيد الخوئي(قده) عنه بوجوه ثالثة‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه األول‪ :‬أن أصالة الحظر ليست من األصول المسلمة عند العقالء‪ ،‬فإن‬
‫جماعة كثيرة منهم ذهبوا إلى أن األصل في األشياء هو االباحة‪ ،‬فال وجه‬
‫لالستدالل بما هو محل الخالف‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه ال ارتباط بين المقام‪ ،‬وتلك المسألة‪ ،‬فإن استقالل العقل‬
‫بالحظر على تقدير تسليمه إنما بمناط غير موجود في المقام‪ ،‬باعتبار أن‬
‫موضوع (أصالة الحظر) إنما هو الفعل بما هو مقطوع بعدم جعل حكم له‬
‫شرعاً‪ ،‬بخالف المقام‪ ،‬حيث إن موضوعه هو الفعل المشكوك الحكم‪ ،‬فال‬
‫يستلزم القول بالحظر في تلك المسألة القول باالحتياط في المقام‪ ،‬بل يمكن‬
‫القول بالبراءة في المقام‪ ،‬مع االلتزام بالحظر في تلك المسألة‪.‬‬
‫ال‪ ،‬اال أنها تختص بصورة ما‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو سلمنا تمامية تلك القاعدة عق ً‬
‫إذا كان لم يثبت الترخيص عند الشك في التكليف‪ ،‬ولكن أدلة البراءة‬
‫حاكمة على تلك القاعدة‪ ،‬وتثبت الترخيص‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬بعد ذكر هذا الوجه في ضمن حكم العقل بوجوب‬
‫االحتياط‪ ،‬حكم بصحة هذا الوجه في نفسه‪ ،‬وأنه مطابق لمسلك حق الطاعة‪.‬‬
‫اال أنه قال(قده)‪ :‬إن هذه القاعدة (أصالة الحظر) والتوقف في األشياء‬
‫محكومة ألدلة البراءة الشرعية المتقدمة‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فلم أجد له تعرضاً لحكم العقل في المقام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثالث‪ :‬من االستدالل بحكم العقل على وجوب االحتياط في‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن في ارتكاب الشبهة احتمال الوقوع في الضرر والهلكة‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫والعقل مستقل بوجوب دفع الضرر المحتمل‪.‬‬
‫وأجاب السيد الخوئي(قده) عنه بما حاصله‪:‬‬
‫إن أريد بالضرر الضرر الدنيوي فالكبرى ممنوعة‪ ،‬ألننا نرى العقالء يقدمون‬
‫على الضرر المقطوع به‪ ،‬لرجاء حصول المنفعة‪ ،‬فكيف بالضرر المحتمل مع‬
‫أن في غالب المعامالت هناك احتمال الضرر على التجار‪.‬‬
‫وكذلك الصغرى‪ :‬لعدم ثبوت المالزمة بين ارتكاب الحرام وترتب الضرر‬
‫الدنيوي بل ربما يكون في ارتكاب الحرام منفعة دنيوية‪ ،‬كما في موارد‬
‫االنتفاع بمال الغير غصباً‪.‬‬
‫نعم‪ :‬قد يترتب الضرر الدنيوي على ارتكاب بعض المحرمات كأكل الميتة‬
‫ال‪ -‬ولكن ال تثبت بالكلية‪ ،‬كما جاء في االستدالل‪.‬‬
‫وشرب السم‪-‬مث ً‬
‫وإن أريد بالضرر الضرر األخروي‪ ،‬أي العقاب‪.‬‬
‫تنجز‬
‫ففيه‪ :‬أن احتمال التكليف الواقعي‪ ،‬ال يستلزم احتمال العقاب‪ ،‬اال مع ّ‬
‫التكليف‪ ،‬ووصوله إلى المكلف‪ ،‬فمع عدم تنجز التكليف‪ ،‬وعدم وصوله‬
‫ال‪ ،‬لعدم التنجيز‪.‬‬
‫إلى المكلف‪ ،‬ليس هناك احتمال العقاب أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 72:‬ذي الحجة‪1441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما القطع بالعقاب‪ :‬فغير موجود حتى في مخالفة التكليف المنجز الواصل‬
‫الحتمال العفو والشفاعة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذا الوجه أيضاً ال ينهض إلثبات وجوب االحتياط في‬
‫ال‪.‬‬
‫الشبهات عق ً‬
‫ولم يتعرض السيد الشهيد (قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله) إلى هذا الوجه‪،‬‬
‫وبذلك يتم الكالم في (أصالة البراءة) وفروعها‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 17 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في األصول العملية وتناولنا في البحوث السابقة من األصول‬


‫العملية األربعة‪ ،‬اصالة البراءة وقد انتهينا من األصالة البراء وفروعها في‬
‫البحوث السابقة وقد تعطيل‪ ،‬وتكلمنا عنها‪.‬‬
‫أصالة التخيير أو دوران األمر بين المحذورين‬
‫ال يخفى أن المقصود بحثه تحت عنوان (أصالة التخيير) إنما هو حكم‬
‫موارد دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬أي الوجوب والحرمة‪.‬‬
‫وقبل ذكر األقوال في المقام وبيان الصحيح والسقيم منها‪ ،‬ال بد من تمهيد‬
‫مقدمة لتحرير محل النزاع‪.‬‬
‫المقدمة‪ :‬أنه يعتبر في محل النزاع أمران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون دوران الفعل بين الوجوب والحرمة(فقط)‪.‬‬
‫ومع عدم احتمال اتصافه بغير هما من األحكام غير اإللزامية كالكراهة‬
‫واالستحباب‪ ،‬فإنه مع احتمال ذلك يرجع إلى البراءة من التكليف لكونه‬
‫شكاً في التكليف اإللزامي‪ ،‬بل هو أولى بجريان البراءة من الشبهات‬
‫التحريمية المحضة‪ ،‬أو الوجوبية المحضة‪ ،‬لعدم جريان أدلة االحتياط فيه‪،‬‬
‫لعدم إمكانه‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن ال يكون أحد الحكمين بخصوصه مورداً لالستصحاب‪ ،‬إذ عليه‬
‫يتحقق موضوع االستصحاب ويجب العمل باالستصحاب‪ ،‬وينحل العلم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫اإلجمالي ال محالة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 17 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إذا عرفت محل النزاع فيقع الكالم في مقامين‪:‬‬


‫المقام األول‪ :‬فيما إذا كانت الواقعة المشتبهة واحدة غير متكررة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كصالة المرأة التي تحتمل الحيض‪ ،‬واجبة أو محرمة‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬فيما إذا كانت الواقعة متعددة ومتكررة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم اجماالً إما بوجوب الصوم أو حرمته في يومي الخميس‬
‫والجمعة معاً‪ ،‬بنذ ٍر‪ ،‬ولكن نسي أنه نذر وجوب صومهما‪ ،‬أو حرمة صومهما‪.‬‬
‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬فيقع في جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬دوران األمر بين المحذورين في التوصليات مع وحدة واقعة‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬دوران األمر بين المحذورين في التعبديات‪ ،‬كذلك‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة األولى‪ :‬وقد يعبر عنه‪ :‬بدوران األمر بين المحذورين‪،‬‬
‫مع عدم إمكان المخالفة القطعية‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو نذر شيئاً‪ ،‬واشتبهت عليه الحال‪ ،‬أنه نذر السفر‪ ،‬أو تركه؟ وفي‬
‫هذه المسألة قد اختلف كلمات االصحاب على أقوال خمسة‪:‬‬
‫األول‪ :‬تقديم احتمال الحرمة‪ ،‬لكون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الحكم بالتخيير بينهما شرعاً‪ ،‬لبعض الروايات‪ ،‬كمرفوعة ابن حنظلة‬
‫اآلتية‪ .‬الثالث‪ :‬الحكم باإلباحة شرعاً‪ ،‬لبعض النصوص اآلتية‪ .‬الرابع‪ :‬الحكم‬
‫ال‪ ،‬من دون االلتزام بحكم ظاهري شرعاً‪.‬‬
‫بالتخيير بينهما عق ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 17 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال‪ ،‬وهذا األخير بحكم العقل والشرع كما‬


‫الخامس‪ :‬جريان البراءة شرعاً وعق ً‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد اختار القول الخامس من األخير‪ .‬والوجه‪ :‬أوالً‪:‬‬
‫لعموم أدلة البراءة الشرعية وشمولها للمقام‪ ،‬وعدم ثبوت ما يمنع عن‬
‫شمولها‪ .‬وثانياً‪ :‬لحكم العقل بقبح العقاب بال بيان على خصوص الوجوب‬
‫أو الحرمة‪ ،‬للجهل به‪ ،‬الموجب لصدق عدم البيان‪.‬‬
‫ويتضح ما ذكرناه أكثر عند مناقشة سائر األقوال‪ .‬أما القول األول‪ :‬وهو‬
‫تقديم احتمال الحرمة‪.‬‬
‫والوجه فيه‪ :‬لكون دفع المفسدة‪ ،‬أولى من جلب المنفعة‪.‬‬
‫ففيه أوالً‪ :‬نمنع أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة‪ ،‬على نحو االطالق‪.‬‬
‫رب واجب يكون أهم من الحرام في صورة المزاحمة‪.‬‬
‫ضرورة أنه ّ‬
‫وثانياً‪ :‬أنه على تقدير التسليم للقاعدة المذكورة فإنها إنما تتم فيما إذا كانت‬
‫المفسدة والمصلحة معلومتين‪ ،‬وأما لوكان الموجود مجرد احتمال المفسدة‪،‬‬
‫فال نسلم أولوية رعايته ومالحظته من رعاية احتمال المصلحة‪ .‬كيف؟ وقد‬
‫عرفت عدم لزوم رعاية احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة‪،‬‬
‫كما إذا دار األمر بين الحرمة وغير الواجب‪ ،‬فال وجه للزوم مراعاة احتمال‬
‫المفسدة أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 81 :‬محرم الحرام‪8441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في الجهة األولى من مسألة دوران األمر بين‬
‫المحذورين مع عدم اإلمكان المخالفة في التوصليات التي ال تحتاج إلى‬
‫قصد القربة‪ ،‬وذكرنا مثاالً لهذا المسالة أنه لو تردد أمر نذره بين أنه نذر‬
‫وجوب السفر يوم الجمعة‪ ،‬أو نذر حرمة السفر وترك السفر كذلك‪ ،‬فما هو‬
‫الوظيفة وما هو الحكم في دوران األمر في يوم الجمعة هل يجب عليه‬
‫السفر أو يحرم عليه السفر‪ ،‬ذكرنا أن في مثل هذه المسألة دوران األمر بين‬
‫المحذورين اختلفت كلمات االصحاب على أقوال خمسة‪ :‬األول‪ :‬تقديم‬
‫احتمال الحرمة‪ ،‬لكون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة‪ .‬الثاني‪ :‬الحكم‬
‫بالتخيير بينهما شرعاً‪ ،‬لبعض الروايات‪ ،‬كمرفوعة ابن حنظلة اآلتية‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫الحكم باإلباحة شرعاً‪ ،‬لبعض النصوص اآلتية‪ .‬الرابع‪ :‬الحكم بالتخيير بينهما‬
‫ال‪ ،‬من دون االلتزام بحكم ظاهري شرعاً‪.‬‬
‫عق ً‬
‫ال‪ ،‬وهذا األخير بحكم العقل والشرع كما‬
‫الخامس‪ :‬جريان البراءة شرعاً وعق ً‬
‫سيأتي‪ .‬أما السيد الخوئي(قده) فقد اختار القول الخامس من األخير‪.‬‬
‫والوجه‪ :‬أوالً‪ :‬لعموم أدلة البراءة الشرعية وشمولها للمقام‪ ،‬وعدم ثبوت ما‬
‫يمنع عن شمولها‪ .‬وثانياً‪ :‬لحكم العقل بقبح العقاب بال بيان على خصوص‬
‫الوجوب أو الحرمة‪ ،‬للجهل به‪ ،‬الموجب لصدق عدم البيان‪ .‬ويتضح ما‬
‫ذكرناه أكثر عند مناقشة سائر األقوال‪.‬‬
‫أما القول األول‪ :‬وهو تقديم احتمال الحرمة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 81 :‬محرم الحرام‪8441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والوجه فيه‪ :‬لكون دفع المفسدة‪ ،‬أولى من جلب المنفعة‪.‬‬


‫اشكال السيد الخوئي(قده) ففيه أوالً‪ :‬نمنع أولوية دفع المفسدة من جلب‬
‫رب واجب يكون أهم من الحرام‬
‫المنفعة‪ ،‬على نحو االطالق‪ .‬ضرورة أنه ّ‬
‫في صورة المزاحمة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أنه على تقدير التسليم للقاعدة المذكورة فإنها إنما تتم فيما إذا كانت‬
‫المفسدة والمصلحة معلومتين‪ ،‬وأما لوكان الموجود مجرد احتمال المفسدة‪،‬‬
‫فال نسلم أولوية رعايته ومالحظته من رعاية احتمال المصلحة‪ .‬كيف؟ وقد‬
‫عرفت عدم لزوم رعاية احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة‪،‬‬
‫كما إذا دار األمر بين الحرمة وغير الواجب‪ ،‬فال وجه للزوم مراعاة احتمال‬
‫المفسدة أيضاً‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فلم يتعرض إلى هذا القول‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد وافق أستاذه السيد الخوئي(قده) في الرد‬
‫على هذا الوجه‪ ،‬بل أضاف إشكالين آخرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن هذه القاعدة لو تمت‪ ،‬فإنما تتم في األغراض الدنيوية‪ ،‬وال تتم‬
‫في األغراض الشرعية‪ ،‬كالمصلحة والمفسدة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه مع فرض وقوع المزاحمة بينهما‪ ،‬وكان المكلف عاجزاً عن‬
‫الجمع بينهما‪ ،‬فالبد من مالحظة ما هو األهم منهما مالكاً أو محتمل‬
‫فيقدم على األخرى‪ ،‬واال فالمكلف مخير بينهما‪ ،‬دون ترجيح‬
‫األهمية‪ّ ،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 81 :‬محرم الحرام‪8441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يتحمل االنسان‬
‫ّ‬ ‫محتمل الحرمة‪ ،‬ألنها تختلف باختالف الموارد‪ ،‬إذ قد‬
‫الضرر في طريق جلب المنفعة‪ ،‬وقد ال يتحمله مطلقا‪ ،‬فليس لذلك ضابط‬
‫كلّي‪.‬‬
‫وأما القول الثاني وهو الحكم (بالتخيير) بينهما شرعاً‪.‬‬
‫واستدل على هذا القول بوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬بإطالق مرفوعة عمر بن حنظلة‪« ،‬يأتي عنكم الخبران» حيث‬
‫ال من الخبرين موافق لالحتياط‪ ،‬أو‬
‫ورد في ذيلها‪ ،‬بعد فرض الراوي أن ك ً‬
‫مخالف له أمر بالتخيير شرعاً‪ ،‬فقال (ع) بعد بيان المرجحات‪« :‬إذاً فتخيّر‬
‫أحدهما‪ ،‬فتأخذ به‪ ،‬ودع اآلخر» فهي واضحة الداللة عليه‪.‬‬
‫المؤمنة‪ ،‬كأصالة البراءة‪ ،‬أو استصحاب عدم‬
‫ّ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬جريان األصول‬
‫التكليف‪ ،‬فالتخيير مستند إليها‪ ،‬فيكون مخيراً شرعاً‪ ،‬بين الفعل أو الترك‪.‬‬
‫وقد أجاب السيد الخوئي(قده) عن هذا القول بما حاصله‪:‬‬
‫إن أريد بالتخيير الشرعي التخيير في المسألة األصولية‪ ،‬أعني األخذ بأحد‬
‫الحكمين في مقام اإلفتاء‪ ،‬نظير األخذ بأحد الخبرين المتعارضين‪ ،‬كما ورد‬
‫في الوجه األول‪ ،‬فال دليل عليه فإن قياس المقام على الخبرين المتعارضين‬
‫كما ورد في المقبولة قياس مع الفارق‪ ،‬لوجود النص هناك‪ ،‬دون المقام‪.‬‬
‫مع أن األصول المؤمنة كالبراءة واالستصحاب ال يجري في جميع األطراف‬
‫للمعارضة‪ ،‬وال في بعض األطراف‪ ،‬ألنه ترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 81 :‬محرم الحرام‪8441:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أن اإلفتاء في المسألة األصولية بأحدهما بخصوصه‪ ،‬من باب‬


‫محرم وبال دليل‪.‬‬
‫التخيير الشرعي‪ ،‬تشريع ّ‬
‫وإن أريد بالتخيير الشرعي‪ ،‬التخيير في المسألة الفرعية‪ ،‬أعني األخذ‬
‫بأحدهما تخييراً في المقام العمل‪ ،‬بأن يكون الواجب على المكلف أحد‬
‫األمرين تخييراً من الفعل أو الترك‪ ،‬فهو أمر غير معقول‪ :‬ألن أحد المناقضين‬
‫من الفعل‪ ،‬أو الترك‪ ،‬حاصل ال محالة تكويناً‪ ،‬وال يعقل تعلق الطلب بما هو‬
‫حاصل تكويناً‪ ،‬ألنه من تحصيل الحاصل القبيح‪ ،‬ولهذا ذكرنا في محله أنه‬
‫ال يعقل التخيير بين الضدين ال ثالث لهما‪ ،‬من جهة أن أحدهما حاصل ال‬
‫محالة‪ ،‬ومتحقق بالضرورة‪ ،‬فال يعقل الطلب به‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فلم يتعرض إلى هذا القول كسابقته‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد أفاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 19 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان األقوال في مسألة دوران األمر بين المحذورين‪،‬‬


‫ومناقشة هذه األقوال‪ ،‬تقدم الكالم في القول األول‪ ،‬وهو ترجيح جانب‬
‫الحرمة على االحتمال الوجوب لقاعدة ان دفع المفسدة أولى من جلب‬
‫منفعة‪ ،‬وقد ناقش على ذلك السيد الخوئي(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله)‬
‫وتحصل أن القول األول ال يمكن االلتزام به‪.‬‬
‫أما القول الثاني وهو القول بتخيير شرعا؛ مخير بين أن يختار الوجوب أو‬
‫الحرمة‪ ،‬واستدلوا على ذلك تارة بإطالق مرفوعة عمر بن حنظلة وأخرى‬
‫بجريان األوصول المؤمنة (أوصالة البراءة عن التكليف في كل مورد مورد)‬
‫فيثبت التخيير‪.‬‬
‫وذكرنا أن السيد الخوئي(قده) أجاب عن ذلك بما ال مزيد عليه وتقدم‬
‫الكالم في ذلك‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد أفاد في المقام ما حاوصله‪:‬‬
‫أن هذا القول (التخيير شرعا) ضعيف جدا‪ ،‬وال أوصل له بل هو إما مبني على‬
‫جريان األوصول المؤمنة في المقام‪ ،‬ولكن ثبت أنها ال تجري‪ ،‬كما تقدم‬
‫وعلى فرض جريانها‪ ،‬فنتيجته هي‪ :‬نفي تعيّن كل من االحتمالين‪ ،‬دون‬
‫التخيير‪ ،‬حيث إن مفاد األوصل المؤمن هو أن (التعيّن) كلفة زائدة‪ ،‬فال مانع‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 19 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المؤمن (كالبراءة أو استصحاب عدم التكليف) وهذا ال‬


‫ّ‬ ‫من نفيها باألوصل‬
‫ينفع القائل بالتخيير‪.‬‬
‫أو مبني على أن ما دل على التخيير بين الخبرين المتعارضين كمقبولة ابن‬
‫حنظلة يشمل بإطالقه المقام‪ ،‬فيدل على التخيير بين االحتمالين فيه‪.‬‬
‫ولكن‪ :‬المقبولة وغيرها من الروايات الدالة على التخيير بين الخبرين‬
‫المتعارضين‪ ،‬ضعيفة‪ ،‬جدا من ناحية السند‪ ،‬فال يمكن االعتماد عليها ولهذا‬
‫لم يثبت التخيير بينهما حتى في باب التعارض‪ ،‬فضال عن المقام‪.‬‬
‫ومع االغماض عن سندها وتسليم تمامية السند اال أنها ال إطالق لها حتى‬
‫تشمل المقام‪ ،‬ألن موضوعها (الخبران المتعارضان) دون األعم منهما ومن‬
‫موارد االحتمالين المتعارضين‪ ،‬ولهذا يكون التخيير بين الخبرين‬
‫المتعارضين من المسائل األوصولية‪ ،‬ومرجعه إلى حجية أحدهما‪ ،‬بينما‬
‫التخيير في المقام لو ثبت فهو من المسائل الفرعية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذا القول ال أساس وصحيح له أوصال‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 19 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما القول الثالث‪ :‬وهو اختيار اإلباحة الشرعية ظاهرا‪ .‬ولعل مستند هذا‬
‫عبدال بن سنان عن الصادق(ع)‪« :‬قَال‪ :‬كُل َشيء فِ ِ‬
‫يه َح َالل َو‬ ‫َ ُّ‬ ‫القول وصحيحة هّ‬
‫ك َح َالل َأبَدا‪َ -‬حتَّى تَع ِر َف ال َح َر َام مِن ُه ب ِ َعين ِ ِه فَت َ َد َع ُه (‪».)1‬‬
‫َح َرام فَ ُه َو ل َ َ‬
‫بتقريب أن المراد منها هي الحلية المجعولة للشاك والمتردد‪ ،‬المعبر عنها‬
‫بأوصالة اإلباحة شرعا‪.‬‬
‫وأجاب السيد الخوئي(قده)‪ :‬عن هذا القول بوجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن أدلة اإلباحة الشرعية مختصة بالشبهات الموضوعية‪ ،‬فال تجري‬
‫فيها إذا دار األمر بين المحذورين في الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيكون الدليل أخص من المدعى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن أدلة الحل التي مستند هذا القول‪ ،‬ال تشمل المقام أوصال‪ ،‬ألن‬
‫المأخوذ في الحكم باإلباحة الظاهرية شرعا‪ ،‬هو (الشك فيها) مع أن‬
‫المفروض في المقام هو العلم بثبوت اإللزام في الواقع إجماال‪ ،‬وعدم كون‬
‫الفعل مباحا يقينا‪ ،‬فكيف يمكن الحكم باإلباحة ظاهرا؟ مع أن الفعل إما‬
‫واجب أو حرام‪.‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،17‬من أبواب ما يكتسب به‪ ،‬ح‪.1‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 19 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبكلمة‪ :‬أن اإلباحة الشرعية المتمثلة (بأوصالة الحل) إنما تجري فيما إذا‬
‫احتمل مطابقتها للواقع‪ ،‬وأما فيما إذا علم بمخالفتها للواقع‪ ،‬فال يمكن جعلها‬
‫وال جريانها‪ .‬وحيث إنا نعلم في المقام وجدانا‪ ،‬بأن أوصالة الحل في المسألة‬
‫مخالفة للواقع‪ ،‬ولهذا ال يمكن جعلها‪ ،‬وجريانها‪.‬‬
‫وقد أجاب السيد الشهيد(قده)‪ :‬عن إشكال السيد الخوئي(قده) على القول‬
‫الثالث بما حاوصله‪:‬‬
‫إن إمكان جعل الحكم الظاهري باإلباحة ال يتوقف على أن تكون اإلباحة‬
‫أو الحلية الظاهرية محتملة‪ .‬وذلك‪ :‬ألن حقيقة الحكم الظاهري باإلباحة هي‬
‫ترجيح أحد نوعي األغراض الواقعية المتزاحمة‪ ،‬في عالم المحركية‬
‫والبعث‪ ،‬ومن هنا يعلم أن موضع الحكم الظاهري‪ ،‬ومالكه ليس هو (الشك‬
‫في حكمه واقعي مماثل له) وإنما موضوعه (الشك بنحو يوجب تزاحم‬
‫الغرضين في المحركية) نحو الفعل‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن هذا الموضوع ثابت فيما نحن فيه‪ ،‬وهو تزاحم الوجوب‬
‫والحرمة‪ ،‬والمفسدة والمصلحة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬ليس في المقام إشكال ثبوتي على جعل حكم ظاهري باإلباحة‬
‫والحلية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 19 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬هناك إشكال اثباتي‪ ،‬فإن مستند القول باإلباحة الظاهرية شرعا‪ ،‬لو كان‬

‫وصحيحة هّ‬
‫عبدال بن سنان المتقدمة‪ ،‬أو موثقة مسعدبن وصدقة‪ ،‬فيهما ورد‬
‫«كل شيء حالل حتى تعرف أنه حرام ‪ ».‬فال يمكن التمسك بهما في‬
‫المقام‪ ،‬بظهور الرواية في كون أحد طرفي االحتمال هو الحرمة‪ ،‬والطرف‬
‫فرجح جانب الحلي ّة والتسهيل على جانب الحرمة‪ ،‬بخالف‬
‫اآلخر هو الحلية‪ّ ،‬‬
‫المقام وهو ترجيح الوجوب‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) أجاب أيضا عما ذكره السيد الخوئي(قده)‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 20 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحوث السابقة في المسألة دوران األمر بين المحذورين‪،‬‬


‫تحت عنوان أصالة التخيير‪ ،‬من األصول األربعة‪ ،‬وقلنا في المقام األقوال‪،‬‬
‫تقدم الكالم في القول األول‪ ،‬وفي القول الثاني وتناولنا في القول الثالث‪،‬‬

‫وهو اختيار اإلباحة الشرعية ظاهراً معتمدين على صحيحة هل‬


‫عبدال بن سنان‪،‬‬
‫«كل شيء في حالل وحرام فهو لك حالل»‪ ،‬فمقتضى هذه الصحيحة أنه‬
‫في موارد الحرمة وغير الحرمة (كالوجوب) اختار اإلباحة‪ ،‬فإذاً هذه الحلية‬
‫المجعولة للشاك والمتردد‪ ،‬عبروا عنها باصالة االباحة شرعاً‪.‬‬
‫السيد الخوئي (قده) اعترض على هذا االستدالل بأن اإلباحة الشرعية‬
‫مختصة بالشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية‪ ،‬كما في ما نحن فيه‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ألن موردها الشك‪ ،‬وال‬
‫ثانياً أن أدلة الحل وغيرها ال تشمل المقام اص ً‬
‫شك في المقام‪ ،‬ألن عندنا علم إما بالوجوب إما بالحرمة‪( ،‬علم اجمالي)‬
‫السيد الشهيد (قده) ذكر في مقام مناقشة قول السيد الخوئي(قده) قال‪ :‬أنه‬
‫حتى في موارد المزاحمة بين الوجوب والحرمة في نفسه ممكن جعل‬
‫اإلباحة‪( ،‬ثبوتا ال مانع منه) نعم اإلشكال ثابت وواضح في المقام اإلثبات‪.‬‬
‫تقدم الكالم فيه في البحث السابق‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 20 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) أجاب أيضاً عما ذكره السيد الخوئي(قده) من‬
‫الحل‪ ،‬للمقام‪ ،‬وحاصله‪:‬‬
‫ل‬ ‫عدم شمول روايات‬
‫أن اعتبار احتمال مطابقة الحكم الظاهري للواقع‪ ،‬في صحة جعل الحكم‬
‫الظاهري إنما يتم في مثل جعل الحجية لألمارات‪ ،‬وألصالة اإلحتياط‪،‬‬
‫ولالستصحاب‪ ،‬فإن موضوع حجية األمارات‪ ،‬هو األمارات التي يحتمل‬
‫مطابقتها للواقع‪ ،‬وأما األمارات المعلوم مخالفتها‪ ،‬أو مطابقتها للواقع‪ ،‬فال‬
‫معنى لجعل الحجية لها‪ ،‬وكذلك الحال في اإلحتياط واالستصحاب‪.‬‬
‫وأما أصالة الحل‪ :‬فال توجد فيها نكتة ثبوتية‪ ،‬أو اثباتية‪ ،‬لكونها‬
‫متقومة(باحتمال مطابقتها للواقع) ألن موضوعها (الشك في الحكم الواقعي‬
‫مطلقا) سواء أكان احتمال المطابقة والمماثلة بينها وبين الحكم الواقعي‬
‫المشكوك موجوداً أم ال‪.‬‬
‫ال‪ :‬إذا شك في وجوب شيء وحليته‪ ،‬أو في حرمة شيء وحليته‪ ،‬فاحتمال‬
‫مث ً‬
‫المطابقة موجود‪.‬‬
‫وأما إذا شك في حرمة شيء أو وجوبه‪ ،‬فإن احتمال المطابقة للواقع‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن موجوداً اال ل أنه (أصالة الحل) تجري من جهة تحقق موضوعها‪ ،‬وهو‬
‫(الشك في الحكم الواقعي) وجريانها إنما هو بمقتضى المصلحة العامة‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 20 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهي المصلحة التسهيلية النوعية‪ ،‬التي تدعو المولى إلى جعل الترخيص‪،‬‬
‫وإن كان جعله قد يؤدي إلى تفويت المصلحة الشخصية‪ ،‬اال ل أنها تتقدم‬
‫عليها عند التزاحم‪ .‬هذا كله في مقام الثبوت‪.‬‬
‫وأما في مقام اإلثبات‪ :‬فروايات الحل ظاهرة في اختصاصها بالشبهات‬
‫التحريمية فال تشمل المقام وهو دوران األمر بين الوجوب والحرمة‪.‬‬
‫ال)‬
‫وأما القول الرابع‪ :‬وهو الحكم (بالتخيير عق ً‬
‫ومن دون أن يكون المورد محكوماً ظاهري شرعاً‪ .‬واختاره المحقق‬
‫النائيني(قده) واستدل عليه بوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن التعبد بحكم ظاهري‪ ،‬البد له من أثر شرعاً واال كان جعله‬
‫لغواً‪.‬‬
‫ال‪ :‬في موارد الشبهات التحريمية والوجوبية‪ ،‬حيث جعل فيهما الترخيص‬
‫مث ً‬
‫حل من التكليف اللزومي‪.‬‬
‫والبراءة‪ .‬أثر الترخيص‪ :‬كون المكلف في ل‬
‫وأما في المقام‪ :‬فجعل الحل والترخيص‪ ،‬أو عدمه‪ ،‬ال ينفعان بحال المكلف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ألنه على كل تقدير البد من أن يفعل أو يترك‪ ،‬وال ثالث‪ ،‬فال معنى‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من‬ ‫لجعل اإلباحة والحلية في حقه‪ ،‬فإنه تحصيل حاصل‪ ،‬فالبد‬
‫الذهاب إلى التخيير بحكم العقل‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 20 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪ :‬بما حاصله‪:‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 23 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة أصالة التخيير‪ ،‬واألصل في أصالة التخيير هو مسألة‬


‫دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬وذكرنا في هذه المسألة؛ اختلفت أقوال‬
‫األصوليين إلى خمسة أقوال‪ ،‬تقدم الكالم في األقوال الثالثة األولى‪.‬‬
‫ال) ومن دون أن يكون المورد‬
‫وأما القول الرابع‪ :‬وهو الحكم (بالتخيير عق ً‬
‫محكوماً ظاهري شرعاً‪ .‬واختاره المحقق النائيني(قده) واستدل عليه‬
‫بوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن التعبد بحكم ظاهري‪ ،‬البد له من أثر شرعاً واال كان جعله‬
‫لغواً‪.‬‬
‫ال‪ :‬في موارد الشبهات التحريمية والوجوبية‪ ،‬حيث جعل فيهما الترخيص‬
‫مث ً‬
‫حل من التكليف اللزومي‪.‬‬
‫والبراءة‪ .‬أثر الترخيص‪ :‬كون المكلف في ّ‬
‫وأما في المقام‪ :‬فجعل الحل والترخيص‪ ،‬أو عدمه‪ ،‬ال ينفعان بحال المكلف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ألنه على كل تقدير البد من أن يفعل أو يترك‪ ،‬وال ثالث‪ ،‬فال معنى‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من‬ ‫لجعل اإلباحة والحلية في حقه‪ ،‬فإنه تحصيل حاصل‪ ،‬فالبد‬
‫الذهاب إلى التخيير بحكم العقل‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪ :‬بما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 23 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أن الملحوظ في جعل الحكم الظاهري في المقام هو مالحظة كل واحد من‬


‫ال‪ ،‬باعتبار أن كل واحد منهما مشكوك فيه في نفسه‪،‬‬
‫الوجوب والحرمة مستق ً‬
‫مع قطع النظر عن اآلخر‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيكون مفاد رفع الوجوب‪ ،‬ظاهراً وأثره هو الترخيص في الترك‪.‬‬
‫وهذا بحد ذاته أثر شرعي مترتب عليه‪ ،‬كما أن مفاد رفع الحرمة ظاهراً هو‬
‫الترخيص في الفعل‪ ،‬وهذا أيضاً في نفسه أثر شرعي‪ ،‬فكيف يكون جعل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟ حتى يصار إلى التخيير العقلي؟‬ ‫الحكم الظاهري لغواً‬
‫مع أنه لو كان عدم خلو المكلف من الفعل أو الترك موجباً للغوية الحكم‬
‫الظاهري كما قيل‪ ،‬لكان جعل اإلباحة الظاهرية في موارد الشبهات‬
‫التحريمية أو الوجوبية أيضاً لغواً بنفس المالك‪( ،‬عدم الخلو من الفعل أو‬
‫الترك) وهو ظاهر الفساد‪ ،‬وكذا ينتقض في المباحات العامة‪ ،‬كشرب الماء‪،‬‬
‫فإن المكلف على كل تقدير‪ ،‬إما أن يفعل‪ ،‬أو يترك‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن دليل الترخيص (مطلقا) يثبت السعة والتسهيل في حق‬
‫المكلف من ناحية الترك وعدم الترك (أي الفعل) وهذا أثر مهم‪ ،‬فال تصل‬
‫النوبة إلى التخيير العقلي‪ .‬هذا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 23 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم لم أجد من السيد الشهيد(قده) تعرضاً لهذا القول‪ ،‬وال من شيخنا األستاذ‬
‫(دام ظله) اعتراضاً على ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪ .‬هذا جواب على الوجه‬
‫األول‪.‬‬
‫الوجه الثاني للنائيني(قده) أن رفع اإللزام ظاهراً بأدلة البراءة (كحديث‬
‫الرفع) إنما يكون في مورد قابل لوضع اإللزام‪ ،‬بإيجاب االحتياط‪،‬‬
‫والمفروض عدم إمكانه في المقام‪ ،‬للتنافي بين الحكمين‪ ،‬كما هو‬
‫المفروض‪ ،‬فال يمكن االحتياط‪.‬‬
‫فإذا لم يمكن جعل اإللزام‪ ،‬ال يمكن رفعه أيضاً‪ ،‬فالمقام غير قابل للتعبد‬
‫الشرعي بالوضع أو الرفع‪ ،‬فالبراءة والترخيص ال يمكن جعلها‪ ،‬فالبد من‬
‫ال بين الفعل والترك فثبت المطلوب‪.‬‬
‫التخيير عق ً‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده) بما حاصله‪ :‬أن المورد قابل لتعبّد بالنسبة‬
‫إلى كل من الحكمين بخصوصه‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫فإن القدرة على الوضع‪ ،‬إنما تالحظ بالنسبة إلى كل من الوجوب والحرمة‬
‫ال‪ ،‬ال إليهما معاً‪ ،‬ومجتمعين‪ ،‬وحيث إن جعل االحتياط بالنسبة إلى كل‬
‫مستق ً‬
‫منهما بخصوصه أمر ممكن‪ ،‬فال محالة كان الرفع أيضاً بهذا اللحاظ ممكناً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 23 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المتضادة في‬
‫ّ‬ ‫توضيح ذلك‪ :‬أن التمكن والقدرة على كل واحد من األفعال‬
‫طول اآلخر‪ ،‬كالقيام والقعود‪ ،‬والفعل والترك‪ ،‬كافية في القدرة على ترك‬
‫الجميع‪ ،‬خصوصاً إذا كان لهما حالة ثالثة (الضدان اللذان لهما ثالث)‪ ،‬وال‬
‫يعتبر في القدرة عليهما‪ ،‬التمكن من فعل الجميع في عرض واحد‪.‬‬
‫أال ترى أن االنسان مع عدم قدرته على إيجاد األفعال المتضادة والجمع‬
‫بينهما في آن واحد قادرة على ترك جميعها‪ ،‬وليس ذلك من جهة قدرته‬
‫ال‪ .‬ففي المقام وإن لم يكن‬
‫على فعل كل واحد منهما بخصوصه‪ ،‬ومستق ً‬
‫الشارع متمكناً من وضع اإللزام بالفعل‪ ،‬والترك معاً ولكنه‪ :‬متمكن من وضع‬
‫اإللزام بكل منهما بخصوصه‪.‬‬
‫فلما كان كل واحد من‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫وهذا يكفي في قدرته على رفعهما معاً‪،‬‬
‫ّ‬
‫الوجوب والحرمة مجهوالً‪ ،‬كان مشموالً ألدلة البراءة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬يكون الترخيص في كل من الفعل والترك بال إشكال‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فلم أجد له التعرض لهذا الوجه في المقام‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذكر أن جواب السيد الخوئي(قده) على‬
‫هذا الوجه غير صحيح‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 24 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في القول الرابع من األقوال‪ ،‬في دوران األمر بين المحذورين‪،‬‬
‫حيث اختاره المحقق النائيني(قده) وذهب إلى أن الحكم في دوران األمر‬
‫ال فقط‪ ،‬وذكر لذلك وجهين‪:‬‬
‫بين المحذورين‪ ،‬التخيير عق ً‬
‫الوجه األول هو التعبد بحكم ظاهري الشرعي البد له أثر‪ ،‬ففي المقام ال‬
‫يكون هناك أثر وفائدة لترخيص والبراءة‪.‬‬
‫اعترض على ذلك السيد الخوئي(قده) قال‪ :‬إنه يمكن جعل الترخيص‬
‫والبراءة لكل واحد واحد من االحتمالين على حدة وقد تقدم الكالم في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاني للنائيني(قده) أن رفع اإللزام ظاهراً بأدلة البراءة (كحديث‬
‫الرفع) إنما يكون في مورد قابل لوضع اإللزام‪ ،‬بإيجاب االحتياط‪،‬‬
‫والمفروض عدم إمكانه في المقام‪ ،‬للتنافي بين الحكمين‪ ،‬كما هو‬
‫المفروض‪ ،‬فال يمكن االحتياط‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده) بما حاصله‪ :‬أن المورد قابل لتعبّد بالنسبة‬
‫إلى كل من الحكمين بخصوصه‪ ،‬قد تقدم الكالم في ذلك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 24 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذكر أن جواب السيد الخوئي(قده) على‬
‫هذا الوجه غير صحيح‪ ،‬وذلك‪ :‬لما تقدم من أنه ال يمكن جعل إيجاب‬
‫االحتياط لكل من الفعل أو الترك في نفسه‪ ،‬وبقطع النظر عن اآلخر‪.‬‬
‫وكذلك‪ :‬ال يمكن جعل إيجاب االحتياط للفعل معيناً أو للترك كذلك‪.‬‬
‫ذلك‪ :‬ألن احتمال تعيّن كل منهما معارض باحتمال تعيّن اآلخر‪ ،‬وال ترجيح‬
‫في البين‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا لم يمكن ذلك ثبوتاً‪ ،‬فال تصل النوبة إلى مقام االثبات‪ ،‬للتمسك‬
‫بأصالة البراءة عن تعيّن أحدهما‪ ،‬دون اآلخر اثباتاً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن أصالة البراءة عن تعيّن كل منهما ال يمكن‪ ،‬ألن نتيجتها التخيير‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وتكويناً‪ ،‬وكذا عن أحدهما المعيّن‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬ألنه‬
‫وهو ثابت عق ً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ترجيح بال مرجح‪ ،‬فإذا لم يمكن ثبوتاً‪ ،‬فال يصل الدور إلى مقام‬
‫اإلثبات‪.‬‬
‫ثم أضاف (دام ظله)‪ :‬أن موارد دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬إذا كانت في‬
‫واقعة واحدة‪ ،‬ولم تكن مزية ألحد االحتمالين على اآلخر‪ ،‬فال تكون‬
‫مشمولة لألصول المؤمنة‪ ،‬كأصالة البراءة العقلية‪ ،‬لتحقق البيان‪ ،‬وهو العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬وأصالة البراءة الشرعية‪ ،‬لعدم إمكانها ثبوتاً‪ ،‬واستصحاب عدم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 24 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التكليف‪ ،‬لعدم تحقق الركن الثالث فيه‪ ،‬وهو األثر الشرعي المترتب عليه‬
‫في ظرف الشك‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ال شرعاً في هذه‬
‫ومن هنا قلنا‪ :‬الصحيح‪ :‬هو التخيير بين الفعل والترك عق ً‬
‫المسألة وسيجيئ زيادة توضيح لذلك عند مناقشة القول الخامس‪.‬‬
‫ال‪ ،‬واختاره السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫القول الخامس‪ :‬جريان البراءة شرعاً وعق ً‬
‫أما البراءة شرعاً‪ :‬فلعموم أدلة البراءة الشرعية‪ ،‬من أصالة الحل‪ ،‬وحديث‬
‫الرفع‪ ،‬وعدم ثبوت ما يمنع عن شمولها‪.‬‬
‫وأما البراءة العقلية‪ :‬فلحكم العقل بقبح العقاب على خصوص الحرمة‪ ،‬أو‬
‫خصوص الوجوب‪ ،‬للجهل به‪ ،‬الموجب لصدق (عدم البيان)‪.‬‬
‫وقد اتضح تفصيله عند بيان سائر األقوال‪ ،‬ومنا قشتها فال نعيد‪.‬‬
‫وأشار (قده) إنه قد يستشكل على الرجوع إلى األصول العملية في المقام‬
‫بوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن الرجوع إليها‪ ،‬مخالف للعلم اإلجمالي‪ ،‬بكون األصلين‪،‬‬
‫على خالف الواقع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 24 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والجواب‪ :‬أن هذه مخالفة التزامية‪ ،‬ال بأس بها‪ ،‬وأما المخالفة العملية‬
‫القطعية‪ ،‬فهي مستحيلة‪ ،‬كالموافقة القطعية ولذا يعبّر عن المقام بدوران األمر‬
‫بين محذورين‪:‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن الرجوع إلى األصول النافية‪ ،‬كالبراءة واستصحاب عدم‬
‫يصح عند الشك في أصل التكليف‪ ،‬وحيث إنا نعلم في المقام‬
‫ّ‬ ‫الجعل‪ ،‬وإنما‬
‫بجنس اإللزام والتكليف‪ ،‬فالشك إنما هو في المكلف به‪ ،‬ال في التكليف‪،‬‬
‫فكيف يمكن الرجوع إلى األصل النافي؟!‬
‫والجواب‪ :‬أن العلم باإللزام إنما يمنع من جريان األصول العملية فيما إذا‬
‫ال للباعثية والزاجرية‪ ،‬كما إذا دار األمر‬
‫كان التكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬قاب ً‬
‫بين وجوب شيء‪ ،‬وحرمة آخر‪ ،‬وأما إذا دار األمر بين وجوب شيء‬
‫وحرمته بعينه‪ ،‬فالعلم بوجود اإللزام في حكم العدم‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الموافقة القطعية مستحيلة‪ ،‬والموافقة االحتمالية كالمخالفة‬
‫ال‪.‬‬
‫االحتمالية حاصلة ال محالة‪ ،‬فال أثر للعلم اإلجمالي باإللزام أص ً‬
‫فصح أن نقول‪ :‬إن مورد دوران األمر بين محذورين‪ ،‬من قبيل الشك في‬
‫ّ‬
‫التكليف‪ ،‬دون الشك في المكلف به‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 24 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال يقال‪ :‬نمنع جريان البراءة العقلية المتمثلة بقاعدة (قبح العقاب بال بيان) من‬
‫جهة أن العلم اإلجمالي في المقام‪ ،‬بيان ومنجز‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬إن العلم اإلجمالي غير القابل للباعثية والزاجرية‪ ،‬في المقام‪ ،‬فال‬
‫تصل النوبة إلى التخيير العقلي‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد افاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 26 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره وأشار إليه السيد الخوئي(قده) من األقوال في‬


‫مسألة أصالة التخيير في دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬حيث ذكر أقوال‪،‬‬
‫خامسها مختاره (قده) حيث ذهب إلى جريان البراءة الشرعية والبراءة‬
‫العقلية في المقام‪ ،‬وأما البراءة الشرعية فلشمول وعموم أدلة البراءة الشرعية‬
‫من أصالة الحل وحديث الرفع للمقام‪ ،‬وعدم وجود المانع في ذلك‪.‬‬
‫وأما أصالة البراءة العقلية فلحكم العقل بقبح العقاب بال بيان‪ ،‬على خصوص‬
‫الحرمة أو على خصوص الوجوب‪ ،‬ألنه كل واحد منهما مجهول‪ ،‬ويكون‬
‫معه صدق عدم البيان‪ ،‬وأشار إلى إشكالين في المقام ورد عليهما‪ .‬فالنتيجة‬
‫أنه ال تصل النوبة إلى التخيير العقلي الذي ذكره المحقق النائيني(قده)‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد افاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫أنه قد اختلف كلمات األصحاب في المقام‪ ،‬بين قائل بجريان البراءة‬
‫ال‪ ،‬وإنما‬
‫العقلية‪ ،‬أو الشرعية‪ ،‬أو كلتيهما‪ ،‬وبين قائل‪ :‬بعدم جريانهما أص ً‬
‫يقول‪ :‬بجريان التخيير العقلي‪ ،‬أو التخيير الشرعي‪.‬‬
‫وبين قائل‪ :‬بالتفصيل بين هذه االختيارات على أقوال مختلفة‪ ،‬تبلغ الستة‪ ،‬أو‬
‫أكثر‪ ،‬منها‪ :‬القول بجريان استصحاب عدم الجعل‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 26 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والتحقيق أن يقال‪ :‬إنا نعلم في المقام إجماالً بتكليف الزامي‪ ،‬يدور بين‬
‫احتمال الوجوب‪ ،‬واحتمال الحرمة وهذا العلم اإلجمالي‪ ،‬وإن كانت بيانيته‬
‫وكاشفيته على ثبوت أصل التكليف تامة‪ ،‬لكونها ذاتية‪.‬‬
‫اال أنه قام البرهان على استحالة تأثير هذا العلم اإلجمالي في تنجيز الفعل‪،‬‬
‫أو الترك‪ ،‬وإدخال أحدهما‪ ،‬أو كليهما في دائرة (حق الطاعة والمولوية)‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن هذا العلم اإلجمالي في المقام كما أنه قاصر عن اقتضاء وجوب‬
‫الموافقة القطعية‪ ،‬كذلك قاصر عن اقتضاء حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬من باب‬
‫استحالة أن يتنجز على المكلف فعل الشيء وتركه معاً‪ ،‬لكونه خارج عن‬
‫قدرة المكلف‪ ،‬وكذلك العلم اإلجمالي قاصر عن اقتضاء وجوب الموافقة‬
‫االحتمالية الترجيحية بالفعل‪ ،‬أو الترك‪ ،‬ألنه يستلزم الترجيح بال مرجح‬
‫المستحيل‪ ،‬فإن نسبة العلم اإلجمالي إلى كل واحد من الطرفين على حد‬
‫سواء‪ ،‬فيكون تأثيره في تنجيز أحد هما المعين‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬ترجيح بال‬
‫مرجح وهو قبيح‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن برهان استحالة تنجيز العلم اإلجمالي لشيء في المقام مركب‬
‫من حكمين عقليين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 26 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أحدهما‪ :‬هو استحالة التنجيز وثبوت حق الطاعة للمولى‪ ،‬إذا كان التكليف‬
‫خارجاً عن قدرة المكلف‪.‬‬
‫وبهذا الحكم‪ :‬ثبت بطالن وجوب الموافقة‪ ،‬وحرمة المخالفة القطعيتين معاً‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬هو استحالة الترجيح بال مرجح‪ ،‬في الموافقة االحتمالية‪.‬‬
‫وبهذا يبطل تنجيز أحدهما دون اآلخر‪ ،‬المعبّر عنه بوجوب الموافقة‬
‫االحتمالية‪.‬‬
‫وهذا حال العلم اإلجمالي المتعلق بكال االحتمالين الملزمين‪ ،‬وبمالحظتهما‬
‫معاً‪.‬‬
‫وأما حال اقتضاء العلم اجمالي للتنجيز‪ ،‬بلحاظ كل واحد من االحتمالين‪:‬‬
‫فهنا صورتان‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا لو حظ اقتضاء االحتمال للتنجيز‪ ،‬بما هو طرف للعلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬أي‪ :‬يستمد تنجيزه من تنجيز العلم اإلجمالي بكال االحتمالين‪.‬‬
‫فقد تقدم‪ :‬أن العلم اإلجمالي في خصوص المقام‪ ،‬ال يعقل أن يكون منجزاً‬
‫ال‪ ،‬باألصالة حتى يستمد هذا االحتمال تنجيزه منه‪ ،‬بالتبع‪.‬‬
‫عق ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 26 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الصورة الثانية‪ :‬ما إذا لو حظ اقتضاء احتمال كل من الوجوب والحرمة‬


‫للمنجزية في نفسه‪ ،‬وبما هوهو مع غض النظر عن االحتمال اآلخر‪ ،‬ولو لم‬
‫ّ‬
‫يكونا طرفاً للعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وفي هذه الصورة احتماالن‪:‬‬
‫منجزية االحتمال‪ ،‬كما هو الصحيح‪،‬‬
‫االحتمال األول‪ :‬ما إذا قلنا بمبدأ ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فكل واحد من االحتمالين (الوجوب‪ ،‬أو الحرمة) لو خلّي ونفسه‬
‫(على الفرض)‪ ،‬كان منجزاً لمتعلّقه‪ ،‬من الفعل أو الترك‪ ،‬بال اشكال‪ ،‬وال‬
‫يستلزم الترجيح‪ ،‬ألن كل احتمال ينجز متعلقه‪ ،‬وهذا معقول في المقام‬
‫بالنسبة إلى كل من احتمال الوجوب واحتمال الحرمة في نفسيهما‪.‬‬
‫ولكن يقع بينهما التزاحم في مقام التأثير واالقتضاء‪ ،‬ألن تنجيز هما معاً‬
‫محال‪ ،‬للخروج عن القدرة‪ ،‬وتنجيز أحدهما دون اآلخر ترجيح بال مرجح‬
‫ال)‪.‬‬
‫يتنجز شيء منهما‪ ،‬وهو معنى (التنجيز عق ً‬
‫قبيح‪ ،‬فال ّ‬
‫ال من احتمال‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه على مسلك حق الطاعة ومنجزية االحتمال‪ :‬أن ك ً‬
‫الوجوب والحرمة‪ ،‬ال يكون منجزاً في المقام‪ ،‬ال بمالك الطرفية للعلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬وال في نفسيهما‪ ،‬لوقوع التزاحم بين المقتضيين‪.‬‬
‫االحتمال الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 27 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا فيما ذكره السيد الشهيد(قده) وحاصله‪ :‬بعد أن قال إن األقوال‬
‫في المسألة كثيرة‪ ،‬أشار (قده) بما حاصله‪ :‬أن العلم اإلجمالي في المقام‬
‫يستحيل أن يكون منجزا للطرفين‪ ،‬لخروجه عن عهدة المكلف‪ ،‬وكذا‬
‫الطرف واحد‪ ،‬الستحالة الترجيح بال مرجح‪ .‬وذكر (قده) حال العلم‬
‫اإلجمالي إذا الحظنا إما أن يكون بلحاظ متعلق وهو الوجوب أو الحرمة‪،‬‬
‫يستحيل تنجيز كال الطرفين‪ ،‬لخروجه عن قدرة المكلف‪ ،‬فال تجب وجوب‬
‫مرجح‪،‬‬
‫الموافقة وحرمة المخالفة‪ ،‬ويستحيل أحد الطرفين لكونه ترجيح بال ّ‬
‫فال تجب الموافقة االحتمالية‪.‬‬
‫أو بلحاظ كل واحد من االحتمالين‪ ،‬الوجوب أو الحرمة‪ ،‬صورتان‪ :‬الصورة‬
‫األولى‪ :‬إما يالحظ بما هو طرف وتابع للعلم اإلجمالي‪ ،‬يعني يستمد تنجيزه‪،‬‬
‫وحينئذ ال يعقل تنجيزه بالتبع مع فرض عدم تنجيزه باألصالة كما تقدم‪.‬‬
‫ال (مع غض النظر عن اآلخر‪ ،‬وعن كونه‬
‫الصورة الثانية‪ :‬إذا لو حظ مستق ً‬
‫طرفاً للعلم اإلجمالي) فهنا احتماالن‪ :‬االحتمال األول‪ :‬على مسلك منجزية‬
‫االحتمال فكل واحد من االحتمالين في نفسه ثبوتاً ينجز متعلقه من العقل أو‬
‫الترك‪ ،‬وال يستلزم الترجيح‪ ،‬وهذا معقول‪ ،‬وغير مستحيل‪ ،‬ولكن في مقام‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 27 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التأثير واقتضاء واالثبات يقع التزاحم بينهما‪ ،‬فيأتي استحالة تنجيز هما‬
‫للخروج عن القدرة وأحدهما لترجيح القبيح‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬على مسلك حق الطاعة ال يكون كل واحد من االحتمالين منجزاً‬
‫ال بمالك الطرفية للعلم اإلجمالي (التبعية) وال بمالك (االستقالل) وفي‬
‫نفسيهما لوقوع التزاحم بين المقتضيين‪.‬‬
‫االحتمال الثاني‪ :‬ما إذا قلنا بمبدأ (البراءة العقلية) المتمثلة بقاعدة (قبح‬
‫وحينئذ يثبت عدم التنجز بوجهين طوليين‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫العقاب بال بيان)‬
‫الوجه األول‪ :‬أن االحتمال في نفسه‪ ،‬ال يقتضي التنجيز‪ ،‬ألنه ليس ببيان‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬لو سلمنا اقتضاءه للتنجيز فهنا يتزاحم المقتضيان‪ ،‬ويستحيل‬
‫تأثيرهما معاً‪ ،‬وأما تأثير أحدهما دون اآلخر‪ ،‬فهو ترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيتحقق موضوع البراءة العقلية‪ ،‬وهو (عدم البيان)‪ .‬هذا‪.‬‬
‫واتضح مما ذكرناه‪ :‬ما في كالم األصحاب من االختالف‪.‬‬
‫فالقائل بجريان البراءة العقلية‪ ،‬لعل مقصوده كان هو النظر إلى االحتمال بما‬
‫هو احتمال‪ ،‬فأثبت (البراءة العقلية) لعدم منجزية االحتمال عنده‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 27 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والقائل‪ :‬بعدم جريانها‪ ،‬كان مقصوده النظر إلى االحتمال بما هو طرف للعلم‬
‫اإلجمالي المنجز‪ ،‬فأنكر البراءة العقلية‪ ،‬وذهب إلى التخيير العقلي‪ ،‬من باب‬
‫منجزية العلم اإلجمالي والبيان‪.‬‬
‫وأما البراءة الشرعية‪:‬‬
‫فالصحيح وفاقاً للمحققين العراقي والنائيني(قدهما) وخالفاً للسيد‬
‫الخوئي(قده)‪ ،‬عدم جريان البراءة الشرعية فيما نحن فيه بنكتة ثبوتية‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن معنى جعل البراءة في المقام هو ترجيح مصلحة الترخيص‬
‫الواقعي‪ ،‬على مصلحتي الوجوب والحرمة‪ ،‬في مقام الحفظ‪ .‬وهو ممكن‬
‫ثبوتاً‪.‬‬
‫وهذا يعنى أهمية المصلحة الترخيصية‪ ،‬على المصلحة اإللزامية الوجوبية‬
‫والتحريمية‪ ،‬وهذا ال يستلزم اتحاد المصلحتين اإللزاميتين في مقام الحفظ‪،‬‬
‫يرجح المولى مصلحة‬
‫واندكاكهما لحصول مصلحة الترخيص‪ ،‬بل قد ّ‬
‫الوجوب‪ ،‬أو مصلحة الحرمة في مقام الحفظ‪ ،‬فال أولوية ليقال بتقديم‬
‫جانب الحرمة‪ ،‬لقاعدة دفع المفسدة‪ ،‬فإذاً ال مانع ثبوتاً من جعل الترخيص‬
‫الذي هو مفاد البراءة الشرعية‪.‬‬
‫بل بنكتة إثباتية وهو المنع عن شمول أدلة البراءة للمقام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 27 :‬محرم الحرام‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما دليل (أصالة الحل) فالننا نقطع بعدم الحلية‪ ،‬بعدم وجود حكم بالحلية‬
‫وضعاً في المقام‪ ،‬بل يدور األمر بين الوجوب والحرمة تكليفا فقط‪ ،‬دون‬
‫الحلية‪.‬‬
‫وأما حديث الرفع‪ :‬فلما تقدم من أن الرفع الظاهري‪ ،‬إنما هو في قبال الوضع‬
‫الظاهري‪ ،‬وفي مورد يعقل فيه الوضع الظاهري‪( ،‬كلما أمكن فيه الوضع‬
‫أمكن فيه الرفع)‪.‬‬
‫ولكن‪ :‬في موارد الدوران بين المحذورين‪ ،‬ال يعقل الوضع الستحالة‬
‫الموافقة والمخالفة الواقعيتين معاً‪ ،‬وكذا الموافقة والمخالفة االحتماليتين‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬عدم جريان البراءة الشرعية في المقام‪ ،‬بمالك إثباتي‪.‬‬
‫ّ‬
‫بقي في المقام أمران‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫انتهينا عن ذكر األقوال في مسألة أصالة التخيير‪ ،‬أي مسألة دوران األمر بين‬
‫المحذورين‪ ،‬وتحصلنا على هذه النتيجة أن السيد الخوئي(قده) قد ذهب‬
‫واختار جريان البراءتين‪ ،‬البراءة العقلية قبح عقاب بال بيان‪ ،‬والبراءة الشرعية‬
‫بجريان أدلة البراءة الشرعية وشمولها هذا المقام‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد الصدر(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذهب إلى‬
‫ال كما ذهب إليه المحقق النائيني (قده)‪ ،‬ثم بقي في المقام أمران‪:‬‬
‫التخيير عق ً‬
‫األمر األول‪ :‬هل يجري استصحاب عدم التكليف الذي ينتج نتيجة البراءة‬
‫في الطرفين‪ ،‬أوال؟ قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ذهب المحقق النائيني(قده) إلى عدم جريان االستصحاب في‬
‫المقام‪ ،‬بدعوى‪ :‬أن االستصحاب أصل تنزيلي‪ ،‬وهو مطعّم بشيء من‬
‫األمارية‪ ،‬وهذا يوجب التعارض بين األصلين وتساقطهما عند العلم‬
‫اإلجمالي بالخالف‪ ،‬بمعنى أنه ال يجري أصالن تنزيليان في طرفي العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬مع وجود العلم اإلجمالي بالخالف‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده)‪ ،‬حيث قال بجريان‬
‫االستصحاب في المقام‪ ،‬بدعوى‪ :‬وجوب المقتضي‪ ،‬وعدم المانع فإنه ال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مانع من استصحاب عدم وجوب الفعل في الشريعة المقدسة‪ ،‬واستصحاب‬


‫عدم الحرمة فيها‪ ،‬كما هو الحال في جريان أصالة البراءة‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر في المقام (مؤيداً استاذه) ما حاصله‪:‬‬
‫أن الصحيح جريان استصحاب عدم التكليف‪ ،‬لعدم تأتّي المحذور اإلثباتي‬
‫المتقدم فيه‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه ال ظهور لدليل االستصحاب في أنه بمالك التسهيل‬
‫والترخيص‪ ،‬حتى يقال‪ :‬إنه عالج مولوي يعالج حاالت التزاحم بين‬
‫األغراض اإللزامية‪ ،‬واالغراض الترخيصية في مقام الحفظ‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬بتقديم الغرض الترخيص على اإللزامي‪ ،‬وليس بعالج للتزاحم بين‬
‫غرضين إلزاميين‪ ،‬كما هو الحال في المقام‪.‬‬
‫ثم أجاب (قده) على ما ذكره المحقق النائيني(قده) والسيد الخوئي(قده)‬
‫بما حاصله‪:‬‬
‫أن الخالف بينهما مبنائي فمن يرى أن االستصحاب من األصول التنزيلية‬
‫باعتبار أن المجعول فيها الطريقية‪ ،‬كاألمارات‪ ،‬يذهب إلى عدم جريانه في‬
‫أطراف العلم اإلجمالي للتعارض والتساقط بينهما في محل الكالم‪.‬‬
‫وسوف يأتي التعرض إلى تفنيد هذا المبنى في البحوث القادمة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما من يرفض هذا المبنى يصح عنده جريان االستصحاب في محل الكالم‬
‫فينتج نتيجة البراءة في المقام وهو الصحيح‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فله تعليقان في المقام‪:‬‬
‫األول‪ :‬على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) من عدم جريان االستصحاب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬على ما ذكره السيد الخوئي(قده) من جريانه‪.‬‬
‫أما التعليق األول‪ :‬أننا لو سلمنا أن االستصحاب من األصل المحرز‪ ،‬ولكن‬
‫مع ذلك ال يكون حاله حال األمارات‪ ،‬وذلك ألن األمارات مثبتاتها حجة‪،‬‬
‫دون االستصحاب‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فال تشمل األمارات أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬لوقوع‬
‫المعارضة بينها في أطرافه‪.‬‬
‫ال‪ :‬في المقام‪ :‬إذا قامت األمارة على وجوب الفعل‪ ،‬فهي تدل بالمطابقة‬
‫مث ً‬
‫على وجوبه وبااللتزام على نفي حرمته‪ ،‬ثم إذا قامت أمارة أخرى على‬
‫حرمته‪ ،‬فهي تدل بالمطابقة على حرمته‪ ،‬وبااللتزام على نفي وجوبه‪ ،‬ولهذا‬
‫تقع المعارضة بين المدلول المطابقي لكل منهما‪ ،‬مع المدلول االلتزامي‬
‫لألخرى‪ ،‬فتسقطان معاً من جهة المعارضة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما االستصحاب‪ :‬حيث ال يكون مثبتاته حجة‪ ،‬فال يدل استصحاب عدم‬
‫الوجوب على ثبوت الحرمة بااللتزام‪ ،‬وكذلك العكس‪ ،‬فإذاً ليس هناك مانع‬
‫اال العلم بمخالفة أحدهما االستصحابين للواقع‪ ،‬وهو ال يمنع من جريان‬
‫االستصحاب إذا لم يكن مانع آخر‪.‬‬
‫وأما التعليق الثاني‪ :‬على ما ذكره السيد الخوئي(قده) من جريان‬
‫االستصحاب في المقام‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن األصول المؤمنة‪ ،‬منها‪ :‬استصحاب عدم التكليف‪ ،‬إنما تجري‬
‫في المسائل التي كون احتمال التكليف فيها منجزاً لو ال جريان األصول‬
‫فيها‪ ،‬فإن جريانها مانع من تنجيزه‪ ،‬واال فالمقتضي له تام‪ ،‬وحيث إن احتمال‬
‫الوجوب واحتمال الحرمة في المقام‪ ،‬ال يكون منجزاً‪ ،‬فال يجري استصحاب‬
‫عدم الوجوب‪ ،‬وعدم الحرمة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن هذا االستصحاب ال يكون مؤمناً‪ ،‬باعتبار أن التأمين ثابت في‬
‫المرتبة السابقة على أساس عدم المقتضى للتنجيز‪ ،‬فال يمكن جريان‬
‫االستصحاب مطلقا‪.‬‬
‫وأما استصحاب أحدهما المعين‪ ،‬فهو ترجيح من غير مرجح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما استصحاب عدم كل منهما في نفسه‪ ،‬وبقطع النظر عن اآلخر فهو أيضاً‬
‫ال يمكن‪ ،‬لما تقدم وجه‪ ،‬من عدم التأمين في المسألة‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن االستصحاب متقوم بأركان ثالثة‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬اليقين بحدوث شيء‪ ،‬أو بعدم حدوثه‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬الشك في بقائه‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬ترتب األثر الشرعي عليه في ظرف الشك‪.‬‬
‫أما الركنان األوالن‪ :‬فهما متوفران في المقام‪.‬‬
‫وأما الركن الثالث‪ :‬فهو غير متوفر فيه‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الوجوب المحتمل في‬
‫المسألة‪ ،‬وكذلك الحرمة المحتملة فيها‪ ،‬غير قابلين للتنجيز‪ ،‬لكي يترتب‬
‫على استصحاب عدم الوجوب‪ ،‬وعدم الحرمة‪ ،‬نفي األثر الشرعي القابل‬
‫للتنجيز‪.‬‬
‫فإذاً ال يترتب عليه شيء غير عدم التنجيز بين الفعل والترك‪ ،‬وهو ثابت‬
‫ال‪ ،‬وتكويناً في المرتبة السابقة‪ ،‬ولهذا ال تجري االستصحاب في المقام‪.‬‬
‫عق ً‬
‫ثم أضاف (دام ظله)‪ :‬أن موارد دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬إذا كانت في‬
‫واقعة واحدة‪ ،‬ولم تكن مزية ألحد االحتمالين على اآلخر‪ ،‬فال تكون‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 1 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المؤمنة‪ ،‬كأصالة البراءة العقلية‪ ،‬والشرعية‪ ،‬واستصحاب‬


‫ّ‬ ‫مشمولة لألصول‬
‫عدم التكليف‪.‬‬
‫ال ال شرعاً‪.‬‬
‫فالصحيح في المسألة هو التخيير بين الفعل والترك‪ ،‬عق ً‬
‫ال)‬
‫أقول‪ :‬لما كن أخف األقوال اشكاالً وإيراداً عليه هو (القول بالتخيير عق ً‬
‫وكان هو الموافق مع سائر األقوال في النتيجة‪ ،‬اال القول األول‪ ،‬فهو أولى‬
‫باالعتبار واالختيار‪ .‬هذا تمام كالمنا في األمر األول‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 2 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا بعد االنتهاء من بيان األقوال في المسألة دوران األمر بين المحذورين‬
‫أنه بقي أمران‪ :‬واألمر األول تقدم الكالم فيه‪ ،‬وهو في جريان االستصحاب‬
‫عدم التكليف أو عدم جريانه‪ ،‬حيث ذهب السيد الخوئي قده إلى جريانه‬
‫وايّده على ذلك السيد الشهيد (قده) وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ناقش‬
‫في ذلك؛ وقال بعدم جريانه في المقام‪ ،‬لنكتة ما‪ ،‬ثم الكالم في األمر الثاني‪:‬‬
‫في إمكان الترجيح بالمزية‪ ،‬من قوة االحتمال أو المحتمل‪ ،‬أو عدمه‪.‬‬
‫ال أنه بناءاً على ما اخترناه‪ ،‬من جريان‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) تفصي ً‬
‫األصول النافية (كالبراءة العقلية‪ ،‬والشرعية‪ ،‬واستصحاب عدم الجعل) في‬
‫موارد دوران االمر بين المحذورين‪ ،‬ال فرق بين أن يكون أحد الحكمين‬
‫من الوجوب أو الحرمة‪ ،‬محتمل األهمية‪ ،‬وعدمه‪.‬‬
‫ال من الحكمين المجهولين‪ ،‬مورد ألصالة البراءة‪،‬‬
‫والوجه في ذلك‪ :‬ألن ك ً‬
‫ومأمون من العقاب على مخالفته‪ ،‬سواءاً أكان أحدهما على تقدير ثبوته في‬
‫الواقع أهم من اآلخر‪ ،‬أم لم يكن‪.‬‬
‫وأما بناءاً على كون الحكم في المقام هو (التخيير العقلي) فالمقام يندرج‬
‫ٍ‬
‫حينئذ فيه هو‬ ‫في كبرى (دوران األمر بين التعيين والتخيير)‪ ،‬فهل الحكم‬
‫(التعيين) أو (التخيير)؟ وجهان بل قوالن‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 2 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القول األول‪ :‬هو الحكم بالتعيين واختاره صاحب الكفاية(قده)‪.‬‬


‫بدعوى‪ :‬أن العقل يحكم بتعيين محتمل األهمية‪ ،‬كما هو الحال في جميع‬
‫موارد التزاحم عند احتمال أهمية أحد التزاحمين بخصوصه‪ ،‬إذ معه يخرج‬
‫من دائرة محذور والترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬هو الحكم بالتخيير مطلقا‪ ،‬وإن كان أحدهما محتمل األهمية‬
‫بالنسبة إلى اآلخر‪ ،‬وقد اختار هذا القول الشيخ النائيني(قده)‪.‬‬
‫وقد مال إليه السيد الخوئي(قده) وقال‪ :‬هذا القول هو الصحيح‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫التزاحم بين الحكمين ناشئ من عدم تمكن المكلف من امتثال كال‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فال مناص من سقوط إطالق أحد الدليلين‪ ،‬أو كليهما‬ ‫الحكمين معاً‪،‬‬
‫على القاعدة‪ ،‬فهنا صور‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا علم بتساوي الحكمين من حيث األهمية‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬سقوط االطالقين معاً‪ ،‬لبطالن الترجيح بال مرجح‪ ،‬فيتخير أحدهما‬
‫ال‪.‬‬
‫من دون تعيين عق ً‬
‫الصورة الثانية‪ :‬ما إذا علم كون أحدهما المعين أهم من اآلخر‪ ،‬كالحرمة‬
‫ال‪ .‬الحكم سقوط إطالق اآلخر‪ ،‬فيتعين األخذ بمعلوم األهمية(الحرمة)‪.‬‬
‫مث ً‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬ما إذا احتمل أهمية أحدهما المعين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 2 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحكم‪ :‬سقوط االطالق في غيره أيضاً‪ ،‬وهذا معلوم على كل تقدير‬


‫(التعيين‪ ،‬أو التخيير) وإنما الشك في سقوط إطالق ما هو محتمل األهمية‪.‬‬
‫والظاهر أنه مع الشك في سقوط إطالقه يتعيّن األخذ به‪ ،‬فتكون النتيجة‪:‬‬
‫لزوم األخذ بمحتمل األهمية‪ ،‬وترك غيره‪.‬‬
‫وهذه الصور الثالث‪ :‬فيما إذا كان لكل من دليلي الحكمين المتزاحمين‬
‫إطالق‪ ،‬يشمل حتى حال اإلتيان بمتعلق اآلخر‪ ،‬وأما إذا لم يكن لشيء من‬
‫دليلي الحكمين إطالق وكان كل منهما ثابتاً بإجماع ونحوه‪.‬‬
‫ال من الحكمين يكشف عن‬
‫فالوجه في تقديم محتمل األهمية هو‪ :‬أن ك ً‬
‫اشتمال متعلقه على المالك الملزم‪ ،‬ولكن عجز المكلف عن استيفائهما معاً‪،‬‬
‫يقتضي جواز تفويت أحدهما‪ ،‬فعند احتمال أهمية أحد الحكمين‬
‫بخصوصه‪ ،‬يقطع بجواز استيفاء مالكه‪ ،‬وتفويت مالك اآلخر‪ ،‬على كل‬
‫تقدير (التعيين والتخيير)‪.‬‬
‫وأما تفويت مالك ما هو محتمل األهمية ولو باستيفاء مالك اآلخر‪ ،‬غير‬
‫المهم‪ .‬وهذا هو معنى التعيين‪ .‬وهذا هو مقتضى القاعدة في باب التزاحم‪.‬‬
‫ولكن هذا الوجه الذي ذكرناه للزوم األخذ بالتعيين‪ ،‬غير جار في المقام‪،‬‬
‫وهو مسألة دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن المفروض أن الحكم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 2 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المجعول في المقام واحد مردد بين الوجوب والحرمة‪ ،‬فليس في البين‬


‫إطالقان‪ ،‬وال مالكان للواقع‪ ،‬ونسبة العلم اإلجمالي إلى كل واحد من‬
‫الحكمين على حد سواء‪.‬‬
‫وفي مثل ذلك‪ ،‬ال تزاحم بين حكمين فعليين‪ ،‬ألن الفرض أن الحكم في‬
‫المقام واحد‪ ،‬ال حكمين‪ ،‬نعم التزاحم إنما هو بين احتمالين يدور حول‬
‫حكم واحد في الواقع‪ .‬إما وجوب سفر يوم الجمعة‪ ،‬أو حرمته‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن هذا خارج عن باب التزاحم‪ ،‬المتمثل بوجود حكمين مستقلين‬
‫فعليين‪ ،‬ال يتمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام االمتثال‪ ،‬كإنقاذ‬
‫الغريقين‪ ،‬متزاحما‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما ذكرناه‪ :‬فال يوجد في المقام دليل على ترجيح أحد‬
‫ال‪.‬‬
‫االحتمالين على اآلخر‪ ،‬بمجرد كونه أهم منه احتماالً‪ ،‬أو محتم ً‬
‫وذلك‪ :‬ألنه بناءاً على (عدم جريان األصول النافية) وكون الحكم في المقام‬
‫هو (التخيير العقلي) ال يندرج المقام في كبرى التزاحم‪ ،‬وعليه فال وجه‬
‫لتقديم محتمل األهمية على غيره‪ ،‬هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد ذكر في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 3 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة امكان الترجيح ألحد االحتمالين في مسألة دوران‬


‫األمر بين المحذورين‪ ،‬هل يمكن ترجيح من جهة أهمية أحد االحتمالين‬
‫على احتمال اآلخر أوال؟‬
‫وقلنا أن في المسألة خالف بين الفقهاء تقدم الكالم فيما ذكره السيد‬
‫الخوئي(قده) حيث النتيجة فيما ذكره (قده) أنه ال وجه لتقديم محتمل‬
‫األهمية على غيره مطلقا‪ ،‬وعلى كال المبنيين‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد ذكر في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫أننا إذا فرضنا في مسألة دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬وجود المزية في أحد‬
‫ال‪ ،‬فيختلف الحكم باختالف المباني‪.‬‬
‫الجانبين‪ ،‬وأقوائيته احتماالً أو محتم ً‬
‫والمراد بقوة االحتمال‪ :‬أي احتمال األقربية إلى الواقع‪ ،‬فإن العلم أقرب الى‬
‫الواقع من الظن‪ ،‬وهو من الوهم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫والمراد بقوة المحتمل‪ :‬هو أهمية الحكم‪ ،‬ولو بلحاظ المتعلق‪ ،‬كأهمية‬
‫ورجحان ترك السفر يوم الجمعة‪ ،‬من فعل السفر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أما على القول بعدم منجزية االحتمال وجريان األصول المؤمنة‪ ،‬من البراءة‬
‫الشرعية‪ ،‬وما بحكمها من استصحاب العدم و غيره في المقام‪ ،‬كما ذهب‬
‫إليه السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 3 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فال إشكال في جريانها‪ ،‬حتى مع فرض وجود المزية في أحد الطرفين‪،‬‬


‫وذلك ألن هذه المزية واألقوائية‪ ،‬ال تمنع من جريانها‪ ،‬ألنها ليست بحجة‬
‫حتى تمنع عنه‪ ،‬كما هو الحال في أصل االحتمال الثابت لهما بالعلم‬
‫اإلجمالي‪.‬‬
‫وأما على القول (بمنجزية االحتمال) كما هو المختار‪ ،‬وانكار البراءة العقلية‪،‬‬
‫فال إشكال في تقدم ذي المزية على اآلخر‪.‬‬
‫ال (ستين بالماءة)‪ ،‬واحتمال الحرمة‬
‫مثاله‪ :‬إذا كان احتمال الوجوب مث ً‬
‫(أربعين بالماءة) فقوة االحتمال بمقدار (أربعين بالماءة) من كل واحد من‬
‫الجانبين تزاحم في اقتضائها للتنجيز االحتمال اآلخر‪.‬‬
‫ولكن الزيادة في قوة احتمال الوجوب وهو (عشرون بالماءة) ال مزاحم لها‬
‫في اقتضائها للتنجيز‪ ،‬فكأن العقل يحلل االحتمال األقوى إلى حصتين‪.‬‬
‫ويرى أن إحدى الحصتين وهي (األربعون بالماءة) وإن كانت مبتال ًة‬
‫بالمزاحم‪ ،‬ولكن الحصة األخرى (العشرين بالماءة) تؤثر في التنجيز بال‬
‫مزاحم‪ ،‬وهكذا في فرض (أقوائية المحتمل)‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أنه بناءاً على القول بمنجزية االحتمال‪ ،‬يتنجز ذو المزية بنفس‬
‫ال‪.‬‬
‫االحتمال‪ ،‬بال حاجة الستمداد المنجزية من العلم اإلجمالي أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 3 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما على القول بجريان مبنى البراءة العقلية)‪ ،‬وعدم منجزية االحتمال في‬
‫نفسه‪ ،‬وإنما المنجز هو العلم اإلجمالي الذي هو البيان‪ ،‬فالبد من التفصيل‬
‫بين قولين في مسألة تنجيز العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫األول‪ :‬إن العلم اإلجمالي ال ينجز اال الجامع‪ ،‬أ ي (الحكم االلزامي) بمعنى‬
‫حرمة المخالفة القطعية‪.‬‬
‫فعلى هذا القول‪ :‬وال يتنجز اال الجامع‪ ،‬دون صاحب المزية المحتملة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن العلم اإلجمالي ينجز الواقع المعلوم باإلجمال‪ ،‬ويوجب الموافقة‬
‫القطعية‪.‬‬
‫وعلى هذا القول‪ :‬يمكن دعوى أن الموافقة القطعية إذا استحالت تصل‬
‫النوبة الى الموافقة الظنية‪ ،‬أي االحتمال األقرب إلى الواقع‪ ،‬فيرجح جانب‬
‫الظن واالحتمال من الحكمين‪ ،‬من جهة المزية‪ ،‬وقوة االحتمال فيه من‬
‫ال تحت التأمين واألصول المؤمنة من‬
‫اآلخر‪ ،‬فيكون األهم احتماالً داخ ً‬
‫العقاب‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما ذكرناه‪ :‬يتضح بطالن قياسين في المقام‪:‬‬
‫األول‪ :‬قياس ما نحن فيه بموارد دوران األمر بين التعيين والتخيير‪ ،‬على‬
‫القول بأن األصل هو التعيين بالنسبة إلى القائل (بالتخيير)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 3 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإنه قياس مع الفارق وذلك‪ :‬ألن في مسألة دوران األمر بين التعيين والتخيير‪،‬‬
‫نعلم اجماالً بأحد وجوبين‪ :‬إما الوجوب التعييني‪ ،‬إما الوجوب التخييري‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ بناءاً على القول بالتعيين يمكن الموافقة القطعية للعلم اإلجمالي‪ ،‬بأن‬
‫نأخذ بجانب التعيين‪ ،‬ونأتي به وجوباً‪ ،‬وهذا بخالف العلم اإلجمالي فيما‬
‫ال‪ .‬كما هو واضح‪.‬‬
‫نحن فيه‪ ،‬حيث ال يمكن فيه الموافقة القطعية أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 4 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال ‪ ،‬في مسألة امكان‬


‫كان كالمنا في ما ذكره السيد الشهيد(قده) ذكر تفصي ً‬
‫ترجيح ألحد االحتمالين‪( ،‬احتمال الوجوب‪ ،‬احتمال الحرمة)‪ ،‬في دوران‬
‫ال‬
‫األمر بين المحذورين‪ ،‬هل يمكن ترجيح بالمزية أوال؟ ذكر تفصي ً‬
‫ويختلف الحكم بحسب اختالف األقوال والمباني في المسألة‪ ،‬فذكر(قده)‬
‫على المبنى المجزية االحتمال وأما على القول (بمنجزية االحتمال) كما هو‬
‫المختار‪ ،‬وانكار البراءة العقلية‪ ،‬فال إشكال في تقدم ذي المزية على اآلخر‪.‬‬
‫وأما على القول بجريان مبنى (البراءة العقلية)‪ ،‬وعدم منجزية االحتمال في‬
‫نفسه‪ ،‬وإنما المنجز هو العلم اإلجمالي الذي هو البيان‪ ،‬فالبد من التفصيل‬
‫بين قولين في مسألة تنجيز العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫األول‪ :‬إن العلم اإلجمالي ال ينجز اال الجامع‪ ،‬أ ي (الحكم االلزامي) بمعنى‬
‫حرمة المخالفة القطعية‪.‬‬
‫فعلى هذا القول‪ :‬وال يتنجز اال الجامع‪ ،‬دون صاحب المزية المحتملة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن العلم اإلجمالي ينجز الواقع المعلوم باإلجمال‪ ،‬ويوجب الموافقة‬
‫القطعية‪.‬‬
‫وعلى هذا القول‪ :‬يمكن دعوى أن الموافقة القطعية إذا استحالت تصل‬
‫النوبة الى الموافقة الظنية‪ ،‬أي االحتمال األقرب إلى الواقع‪ ،‬فيرجح جانب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 4 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الظن واالحتمال من الحكمين‪ ،‬من جهة المزية‪ ،‬وقوة االحتمال فيه من‬
‫ال تحت التأمين واألصول المؤمنة من‬
‫اآلخر‪ ،‬فيكون األهم احتماالً داخ ً‬
‫العقاب‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما ذكرناه‪ :‬يتضح بطالن قياسين في المقام‪:‬‬
‫األول‪ :‬قياس ما نحن فيه بموارد دوران األمر بين التعيين والتخيير‪ ،‬على‬
‫القول بأن األصل هو التعيين بالنسبة إلى القائل (بالتخيير)‪.‬‬
‫فإنه قياس مع الفارق وذلك‪ :‬ألن في مسألة دوران األمر بين التعيين والتخيير‪،‬‬
‫نعلم اجماالً بأحد وجوبين‪ :‬إما الوجوب التعييني‪ ،‬إما الوجوب التخييري‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ بناءاً على القول بالتعيين يمكن الموافقة القطعية للعلم اإلجمالي‪ ،‬بأن‬
‫نأخذ بجانب التعيين‪ ،‬ونأتي به وجوباً‪ ،‬وهذا بخالف العلم اإلجمالي فيما‬
‫ال‪ .‬كما هو واضح‪.‬‬
‫نحن فيه‪ ،‬حيث ال يمكن فيه الموافقة القطعية أص ً‬
‫الثاني‪ :‬قياس ما نحن فيه بموارد ترجيح أحد المتزاحمين المحتمل األهمية‬
‫على اآلخر‪.‬‬
‫فهذا أيضاً قياس مع الفارق‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن في مسالة ترجيح أحد المتزاحمين‬
‫ال يكون التمسك بحسب‬
‫المحتمل األهمية‪ ،‬هناك حكمان وجوبيان مث ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 4 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحقيقة‪ ،‬وبإطالق دليل وجوب األهم‪ ،‬أو محتمل األهمية حتى حال‬
‫االشتغال بالواجب غير األهم‪ ،‬بخالف العكس (وجوب المهم)‪.‬‬
‫ألن وجوب المهم مقيد بعدم االشتغال باألهم‪ ،‬أو محتمل األهمية كما هو‬
‫مذكور في محله‪ ،‬بخالف المقام‪ ،‬حيث نعلم بحكم واحد مردد بين اإللزام‬
‫بالفعل‪ ،‬واإللزام بالترك‪ ،‬وليس هناك حكمان‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد أفاد في المقام ما وصل إليه السيد‬
‫الشهيد(قده) بال فرق يذكر‪ ،‬فال نعيد‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في الجهة األولى‪ :‬وهو‪ :‬دوران األمر بين المحذورين في‬
‫التوصليات‪ ،‬مع وحدة الواقعة‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬في التعبديات‪ ،‬مع وحدة‬
‫الواقعة‪ ،‬سواء أكان أحد الحكمين أو كالهما تعبدياً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا دار األمر بين وجوب الصالة على المرأة‪ ،‬وحرمتها عليها‪ ،‬من‬
‫جهة احتمال الطهر واحتمال الحيض‪ ،‬في دم مشكوك‪ ،‬مع عدم إحراز‬
‫أحدهما ولو باالستصحاب‪ ،‬وبناءاً على حرمة الصالة على الحائض ذاتاً‪،‬‬
‫بمعنى أن يكون نفس العمل واألفعال المخصوصة‪ ،‬وهي أولها التكبير‪،‬‬
‫وآخرها التسليم‪ ،‬حراماً عليها‪ ،‬ولو عدم قصد القربة‪ ،‬وانتسابه إلى المولى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 4 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ففي مثل ذلك‪ :‬يمكن المخالفة القطعية‪ ،‬بإتيان العمل بغير قصد القربة‪،‬‬
‫وحينئذ‪ ،‬فإنه على تقدير عدم حيضها (طهرها) فقد تركت الواجب لعدم‬‫ٍ‬

‫اتياها بها بقصد القربة‪.‬‬


‫وألجل ذلك‪ :‬كان العلم اإلجمالي منجزاً لحرمة المخالفة القطعية العملية‪،‬‬
‫لتعذرها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وإن لم تجب الموافقة القطعية‪،‬‬
‫توضيح ذلك‪ :‬أن العلم اإلجمالي بلحاظ المعلوم والمتعلق‪ ،‬أو بلحاظ امكان‬
‫الموافقة القطعية‪ ،‬والمخالفة القطعية على أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما يمكن فيه الموافقة والمخالفة القطعية معاً‪ ،‬وهو الغالب‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا دار األمر بين وجوب شيء (كالصالة) وحرمة شيء آخر‬
‫كالغصب‪ .‬فإنه يمكن الموافقة القطعية‪ ،‬بالجمع بين إتيان الصالة في المباح‪،‬‬
‫وترك الغصب‪ ،‬وكذلك يمكن المخالفة القطعية‪ ،‬بترك الصالة‪ ،‬وارتكاب‬
‫الغصب‪.‬‬
‫وهذا القسم‪ :‬يجري في الشبهات المحصورة كالعلم اإلجمالي بنجاسة أحد‬
‫إناءين فبإمكانه الموافقة القطعية بتركهما معاً‪ ،‬وبإمكانه المخالفة القطعية‬
‫بشربهما معاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 4 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم الثاني‪ :‬ما ال يمكن فيه الموافقة القطعية‪ ،‬وال المخالفة القطعية‪،‬‬
‫كموارد دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬فيما لم يكن شيء من الحكمين‬
‫المحتملين تعبدياً‪ ،‬بل كانا توصلياً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬دوران األمر بين وجوب السفر يوم الجمعة وبين حرمته‪ ،‬بالنذر المردد‬
‫بينهما‪ ،‬فال يمكن فيه‪ ،‬ال الموافقة القطعية‪ ،‬وال المخالفة القطعية‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما يمكن فيه المخالفة القطعية‪ ،‬دون الموافقة القطعية‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬المرأة المرددة بين الحيض والطهر‪ ،‬كالمضطربة التي رأت الدم‬
‫بصفات الحيض في اليوم األول‪ ،‬فتعلم اجماالً إما بوجوب الصالة عليها‪ ،‬لو‬
‫كانت طاهرة‪ ،‬أو بحرمة الصالة عليها ذاتاً‪ ،‬لو كانت حائضاً‪.‬‬
‫وكذلك‪ :‬ما لو علم اجماالً بوجوب أحد الضدين اللذين لهما ثالث في‬
‫زمان واحد‪ ،‬كما لو علم إما بوجوب القيام عليه‪ ،‬أو بوجوب الجلوس عليه‬
‫في صالة مستحبة‪ ،‬منذورة إما عن قيام‪ ،‬أو عن جلوس‪ ،‬فأمكنت المخالفة‬
‫القطعية بتركهما معاً‪ ،‬أو بأن يصلي عن اضطجاع‪ ،‬وال يمكن له الموافقة‬
‫القطعية‪ ،‬لعدم إمكان الجمع بين الضدين في آن واحد‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬عكس الثالث‪ ،‬بإمكان الموافقة القطعية‪ ،‬دون المخالفة القطعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 5 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق فيما ذكره السيد الخوئي(قده) في الجهة‬


‫الثانية من البحث في دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬في التعبديات مع وحدة‬
‫الواقعة كما هو الحال في دوران األمر بين المحذورين يعني بين الحكمين‬
‫على موضوع واحد‪ ،‬في هذه الجهة يكفي أن يكون أحد الحكمين تعبديين‬
‫ال كليهما وقد مثلنا بمثال وجوب الصالة على المرأة المرددة بين الطهر‬
‫والحيض‪ ،‬وقلنا أن العلم اإلجمالي يكون منجز‪ ،‬لكن تنجيزه لحرمة مخالفة‬
‫القطعية‪ ،‬أنها لو صلت بال قصد القربة فـ فعلت محرماً إما تركت الصالة و‬
‫إما انفعلت صالة من دون قصد القربة كأنها ما صلت‪ ،‬بالنسبة إلى الحرمة‬
‫المخالفة يكون علم اإلجمالي حينئذ منجزا‪ ،‬أما بالنسبة إلى الموافقة فـ ال‬
‫يكون علم اإلجمالي منجزاً ألنها ال تتمكن من ادراك الواقع‪ ،‬وتحصل على‬
‫الموافقة القطعية‪ ،‬ألجل توضيح ذلك قسم السيد الخوئي (قده) العلم‬
‫اإلجمالي بلحاظ متعلقه إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما يمكن فيه الموافقة والمخالفة القطعية معاً‪ ،‬وهو الغالب‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما ال يمكن فيه الموافقة القطعية‪ ،‬وال المخالفة القطعية‪،‬‬
‫كموارد دوران األمر بين المحذورين‪ ،‬فيما لم يكن شيء من الحكمين‬
‫المحتملين تعبدياً‪ ،‬بل كانا توصلياً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 5 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم الثالث‪ :‬ما يمكن فيه المخالفة القطعية‪ ،‬دون الموافقة القطعية‪.‬‬
‫أما القسم الرابع‪ :‬عكس الثالث‪ ،‬بإمكان الموافقة القطعية‪ ،‬دون المخالفة‬
‫القطعية‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علم اجماالً بحرمة أحد الضدين اللذين لهما ثالث في وقت‬
‫واحد‪ ،‬كما لو نذر‪ ،‬إما بترك التدخين قائماً‪ ،‬أو بتركه جالساً‪ ،‬فيمكن له‬
‫الموافقة القطعية بتركهما معاً‪ ،‬وال يمكن له المخالفة القطعية‪ ،‬الستحالة‬
‫يدخن قائماً وجالساً‬
‫مخالفتهما معاً‪ ،‬بالجمع بين الضدين في آن واحد‪ ،‬بأن ّ‬
‫في آن واحد‪ ،‬وكان المنذور هو الترك‪.‬‬
‫كما أن هذا القسم يجري في جميع موارد الشبهات التحريمية غير‬
‫المحصورة‪ ،‬حيث يمكن فيها الموافقة القطعية بترك جميع األطراف‪ ،‬وال‬
‫يمكن فيها المخالفة القطعية لعدم إمكان ارتكاب جميع األطراف‪.‬‬
‫ال‪ :‬لو علم اجماالً بوجود ميتة عند قصابي النجف يوم الثالثاء‪ ،‬فبإمكانه‬
‫مث ً‬
‫عدم شراء اللحم يوم الثالثاء فتحصل الموافقة القطعية‪ ،‬بترك أكل الميتة‬
‫ولكن ال يمكن فيها المخالفة القطعية عادة‪ ،‬لعدم إمكان شراء اللحم من‬
‫ألف محل قصابية منتشرة في أنحاء النجف األشرف عادة لتحصل المخالفة‬
‫باألكل منها جميعاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 5 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إذا عرفت ذلك‪ :‬فاعلم أنه ال أثر للعلم اإلجمالي في (القسم الثاني) الذي ال‬
‫يمكن فيه الموافقة والمخالفة القطعيتين‪ ،‬كما هو الحال في دوران األمر بين‬
‫والمؤمنة في أطرافه‪ ،‬على ما‬
‫ّ‬ ‫المحذورين‪ ،‬وفي مثله تجري األصول النافية‬
‫تقدم بيانه في الجهة األولى‪.‬‬
‫وأما غيره من األقسام الثالثة‪ ،‬فاألصول في أطراف العلم اإلجمالي في‬
‫مواردها متعارضة ومتساقطة‪ ،‬على ما سيجيئ الكالم فيه إن شاء هّال تعالى‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك بتنجيز العلم اإلجمالي من حيث حرمة المخالفة القطعية‬
‫ووجوب الموافقة القطعية‪ ،‬أو من إحدى الجهتين‪ ،‬دون األخرى كما تقدم‬
‫في األقسام الثالثة‪.‬‬
‫والنتيجة‪ :‬أنه إذا تساقطت األصول في أطراف العلم اإلجمالي فالحكم‬
‫المعلوم باإلجمال يتنجز بالمقدار الممكن‪ ،‬فإن أمكن المخالفة القطعية‬
‫والموافقة القطعية‪ ،‬فالتنجيز ثابت من الجهتين‪ ،‬واال ّ فمن إحداهما‬
‫وحيث إن الموافقة القطعية غير ممكن‪ ،‬فال محالة يحكم العقل بالتخيير بين‬
‫االتيان بالصالة برجاء المطلوبية‪ ،‬وبين تركها رأساً‪ ،‬ألنه مضطرة إلى‬
‫أحدهما ال بعينه‪ ،‬هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) تبعاً للمحقق‬
‫الخراساني(قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 5 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما السيد الشهيد (قده) فقد أفاد في المقام ما حاصله‪:‬‬


‫والتحقيق أن يقال‪ :‬إن االضطرار ألحدهما في المقام بحسب الدقة العقلية‪،‬‬
‫إنما هو اضطرار إلى أحد الطرفين بعينه‪ ،‬ال إلى أحدهما ال بعينه‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه بعد عدم القدرة على امتثال كال الحكمين المحتملين‪ ،‬وهما‬
‫الصالة أو تركها (وجوب أو الدخول في المسجد الحرام للطواف الواجب)‬
‫و(حرمة الصالة أو حرمة الدخول في المسجد الحرام لذلك) فيضطر إلى‬
‫مخالفة أحدهما‪.‬‬
‫ولكن حينئذ ال يقدر على إتيان العمل (كالصالة) بقصد القربة ألن داعوية‬
‫القربة إلى خصوص الفعل تتوقف على رجحان الفعل على الترك بلحاظ‬
‫حق الطاعة والمولوية‪.‬‬
‫ومن المعلوم انتفاء هذا الرجحان‪ ،‬ألن حق الطاعة والمولوية لو ثبت هنا‪،‬‬
‫فإنه ال يقتضي اال عدم المخالفة القطعية‪ ،‬ونسبة ذلك إلى الطرفين على حد‬
‫سواء‪ ،‬وال مزية في البين‪ ،‬ومعه نقطع بسقوط الوجوب العبادي على تقدير‬
‫ثبوته في نفسه‪ ،‬وذلك لعدم القدرة على امتثاله‪ ،‬لعدم الترجيح على الترك‪،‬‬
‫فإذا سقط‪ ،‬انحل العلم اإلجمالي إلى علم تفصيلي‪ ،‬بعدم وجوب الفعل‬
‫القربي‪ ،‬وإلى شك بدوي في حرمته فيصبح احتمال الحرمة مشكوكاً بالشك‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 5 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫البدوي‪ ،‬فيكون منفياً بالبراءة‪ ،‬لكونه شكاً في أصل التكليف‪ ،‬فتدخل‬


‫المسألة‪ ،‬في مسألة االضطرار إلى المعين الموجب النحالل العلم اإلجمالي‬
‫فال موضوع للمخالفة القطعية العملية‪ ،‬وهكذا الحال فيما لوكان كال الطرفين‬
‫تعبدياً‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه ال يمكن اثبات منجزية العلم اإلجمالي في المقام لحرمة‬
‫المخالفة‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يمكن التخلص من هذا االشكال فقهياً‪ ،‬بدعوى التوسعة في دائرة‬
‫القربة المعتبرة في العبادات والتفصيل في محله‪.‬‬
‫أما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 8 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعد أن ذكر السيد الخوئي(قده) اقسام العلم اإلجمالي في دوران األمر في‬
‫التعبديات‪ ،‬قال أن االقسام األربع‪ ،،‬السسم األول‪ ،‬فيما يمن في الموافس‪،‬‬
‫السطعي‪ ،‬والمخالف‪ ،‬قطعي‪ ،،‬و مثل بالوجوب الصالة والغصب‪ ،‬السسم الثاني ما‬
‫ال يمن في المخالف‪ ،‬قطعي‪ ،‬وال المخالف‪ ،‬السطعي‪ ،،‬كالدوران األمر بي‬
‫المحذوري في التعبديات‪ ،‬كالمرئ‪ ،‬التي ال تعلم أن الواجب علي الصالة أو‬
‫تحرم عليها الصالة فيما كان شاكاً في طهرها وحيض ها‪ ،‬أما بالنسب‪ ،‬الى‬
‫السسم الثالث ما يمن في المخالف‪ ،‬السطعي‪ ،،‬وال يمن موافس‪ ،‬السطعي‪،،‬‬
‫السسم الرابع عنس ذلك‪ ،‬ففي هذه الصور قال أن م جه‪ ،‬امنان الموافس‪،‬‬
‫السطعي‪ ،‬والمخالف‪ ،‬السطعي‪ ،‬قال‪ :‬ان ال أثر للعلم اجمالي في السسم الثاني‪ ،‬ألن‬
‫في باب دوران األمر بي المحذوري ال يمن العالم اإلجمالي‪ ،‬فتجري‬
‫األصول العملي‪ ،‬واألصول المؤمن‪ ،‬ألصال‪ ،‬البراءة‪ ،‬أو اصال‪ ،‬استصحاب عدم‬
‫التنليف‪ ،‬أما في األقسام الثالث‪ ،‬األخرى‪ ،‬العسل يحنم بتخيير‪ ،‬بي اختيار‬
‫الموافس‪ ،‬أو اختيار المخالف‪ ،،‬وكذلك السيد الشهيد اعترض على ذلك‪ ،‬أن‬
‫العلم اإلجمالي في اقسام الثالث‪ ،‬يسسط‪ ،‬فينحل العلم اإلجمالي إلى العلم‬
‫التفصيلي والشك بدوي‪ ،‬بما أن ينون هناك شك في تنليف فيجري البراءة‬
‫في المسام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 8 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما شيخنا األستاذ (دام ظل )‪ :‬فسد أقر ما ذكره السيد الشهيد(قده) في المسام‪،‬‬
‫وخالف السيد الخوئي(قده) والمحسق النائيني واآلخوند (قدهما) حيث‬
‫ذهبوا إلى أن منجزي‪ ،‬العلم اإلجمالي في المسام بالنسب‪ ،‬إلى المخالف‪،‬‬
‫السطعي‪ ،،‬م باب العلي‪ ،‬التام‪ ،‬للتنجيز‪ ،‬وذهب (دام ظل ) إلى أن العلم‬
‫ٍ‬
‫مستض للتنجيز مطلسا‪ ،‬حتى بالنسب‪ ،‬إلى المخالف‪ ،‬السطعي‪ ،‬العملي‪،،‬‬ ‫اإلجمالي‬
‫وتفصلي في باب العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫ثم إن ما تسدم في كالم السيد الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظل )‪ :‬إنما‬
‫كان فيما إذا فرض تساوي طرفي العلم اإلجمالي بالنسب‪ ،‬إلى الفعل والترك‪،‬‬
‫وعدم وجود المزي‪ ،‬في أحد المحذوري ‪.‬‬
‫ال وفرضنا وجود‬
‫وأما مع فرض وجود مزي‪ ،‬ألحد الطرفي احتماالً‪ ،‬أو محتم ً‬
‫المزي‪ ،‬في جانب التنليف التعبدي وفرضنا أن احتمال (الوجوب) أقوى م‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‪ ،‬ال مانع م أن ينون الوجوب المحتمل وجوباً‬ ‫احتمال (الحرم‪)،‬‬
‫قريباً‪ ،‬على أساس أن متعلس أرجح م متعلق الحرم‪ ،،‬وهذا الرجحان ينفي‬
‫في اإلتيان ب بسصد السرب‪.،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 8 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المسام الثاني‪ :‬فيما إذا كانت الواقع‪ ،‬المشتبه‪ ،‬متعددة ومتنررة‪ ،‬وحيث يدور‬
‫األمر بي المحذوري مع تعدد الواقع‪ ،،‬توصليي كانا أو تعبديي ‪ ،‬أو‬
‫باالختالف‪ ،‬وال يختلف الحنم هنا كثيراً بي التوصلي والتعبدي‪.‬‬
‫وتفصيل ‪ :‬في مباحث العلم اإلجمالي إن شاء هلال تعالى‪.‬‬
‫ويسع النالم هنا في موردي ‪ :‬المورد األول‪ :‬ما إذا كان تعدد الواقع‪ ،‬عرضياً‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬ما إذا كان تعدد الواقع‪ ،‬طولياً‪.‬‬
‫أما النالم في المورد األول‪ :‬ومثال ‪ :‬ما لو علم إجماالً بصدور حلفي ‪ ،‬أو‬
‫نذري ‪ ،‬في يوم واحد‪ ،‬تعلق أحدهما بفعل شيء (كالصوم) واآلخر تعلق‬
‫بترك شيء آخر (كالسفر) واشتب األمران في الخارج‪ ،‬فيدور األمر في كل‬
‫منهما بي الوجوب والحرم‪ ،،‬فهل‪ :‬يحنم بالتخيير في كل م الحلفي أو‬
‫النذري ؟‬
‫فسد يسال‪ :‬إن الحنم هو التخيير بي الفعل (الصوم) والترك (السفر) في كل‬
‫ال منهما م موارد دوران األمر بي المحذوري ‪ ،‬مع‬
‫منهما‪ ،‬بدعوى‪ :‬أن ك ً‬
‫استحال‪ ،‬الموافس‪ ،‬والمخالف‪ ،‬السطعيتي في كل منهما‪ ،‬فيحنم بالتخيير‪ ،‬فجاز‬
‫اإلتيان بنال األمري (الصوم والسفر)‪ ،‬كما جاز تركهما معاً‪ ،‬م جه‪،‬‬
‫التخيير‪ ،‬كما جاز االتيان بالفعل في أحدهما‪ ،‬والترك في اآلخر‪ ،‬وبالعنس‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 8 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذكر السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن ما قيل‪ :‬خالف التحسيق‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن العلم‬
‫اإلجمالي باإللزام المردد بي الوجوب والحرم‪ ،‬في كل م األمري ‪ ،‬وإن‬
‫لم ين ل أثر‪ ،‬الستحال‪ ،‬الموافس‪ ،‬السطعي‪ ،،‬والمخالف‪ ،‬السطعي‪ ،‬في كل منهما‬
‫كما ذكر‪ ،‬اال أن يتولد في المسام علمان اجماليان آخران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬العلم اإلجمالي بوجوب أحد الفعليي ‪( :‬الصوم‪ ،‬أو السفر)‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬العلم اإلجمالي بحرم‪ ،‬أحدهما‪.‬‬
‫ال للموافس‪ ،‬السطعي‪.،‬‬
‫أما األول‪ :‬فيستضى االتيان بهما تحصي ً‬
‫وأما الثاني يستضي تركهما معاً‪ ،‬كذلك‪.‬‬
‫وحيث إن الجمع بي الفعلي والتركي معاً مستحيل‪ ،‬يسسط العلمان ع‬
‫التنجيز بالنسب‪ ،‬إلى وجوب الموافس‪ ،‬السطعي‪ ،،‬ولن يمن مخالفتهما‬
‫السطعي‪ ،،‬بإيجار الفعليي فسط‪ ،‬أو بتركهما فسط‪ ،‬فال مانع م تنجيز كل‬
‫منهما بالنسب‪ ،‬إلى حرم‪ ،‬المخالف‪ ،‬السطعي‪ ،،‬فإنها المسدار الممن ‪ ،‬على ما‬
‫تسدم بيان ‪.‬‬
‫ال للموافس‪،‬‬
‫وعلي ‪ :‬فالالزم هو اختيار أحد الفعلي ‪ ،‬وترك اآلخر تحصي ً‬
‫االحتمالي‪ ،،‬وحذراً م المخالف‪ ،‬السطعي‪.،‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فلم أجد أن تعرض في بحوث إلى هذا المورد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت‪ 8 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظل ) فسد تعرض لهذا المورد في بحوث وتسريرات ‪،‬‬
‫ولن لم يضف شيئاً على ما ذكره أستاذ (قده)‪.‬‬
‫نعم‪ :‬أشار (دام ظل ) إلى أن ال مانع م كون العلم اإلجمالي منجزاً لحرم‪،‬‬
‫المخالف‪ ،‬السطعي‪ ،،‬دون وجوب الموافس‪ ،‬السطعي‪ ،‬العملي‪ ،،‬وأن ال مانع م‬
‫التبعيض في تنجيزه بأن ينون منجزاً بالنسب‪ ،‬إلى حرم‪ ،‬المخالف‪ ،،‬دون‬
‫وجوب الموافس‪.،‬‬
‫وأما النالم في المورد الثاني‪ :‬وهو ما لوكان التعدد طولياً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 9 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في المورد الثاني من موارد دوران األمر بين المحذورين فيما لو‬
‫كانت الواقعة متعددة كان مورد األول فيما كان تعدد عرضياً‪ ،‬في يوم‬
‫واحد‪ ،‬هناك نذر بوجوب الفعل أو بوجوب الترك‪ ،‬ولكن تردد أنه كان‬
‫وجوب الفعل أو كان وجوب الترك‪ ،‬تقدم الكالم فيه‪ ،‬ذكر السيد الخوئي‬
‫البد من اختيار أحد الفعلين ألجل الحصول على الموافقة االحتمالية‪،‬‬
‫وحضراً من المخالفة القطعية‪ ،‬وذكرنا أن السيد الشهيد قده لم يتعرض إلى‬
‫هذا البحث‪ ،‬وشيخنا األستاذ لم يضيف شيئاً على ما ذكره السيد‬
‫الخوئي(قده)‪.‬‬
‫وأما الكالم في المورد الثاني‪ :‬وهو ما لوكان التعدد طولياً‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬ما إذا علم المكلف‪ ،‬بتعلق حلف بإيجاد فعل (كالسفر) في زمان‬
‫(كالخميس) وعلم بتعلق حلف آخر بترك فعل (ترك السفر) في زمان آخر‬
‫(كالجمعة)‪.‬‬
‫واشتبه عليه الزمانان وهذا من موارد تعدد الواقعة طولياً ففي يوم الخميس‬
‫يدور أمر التكليف بين (وجوب السفر) أو حرمته)‪ ،‬وكذلك يوم الجمعة‪.‬‬
‫فقد يقال‪ :‬إن الوظيفة في هذه الصورة هو التخيير بين (الفعل والترك) في‬
‫كل من الزمانين‪ ،‬إذ كل واقعة منهما مستقلة‪ ،‬دار األمر فيها بين الوجوب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 9 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والحرمة‪ ،‬وال يمكن فيها الموافقة القطعية‪ ،‬وال المخالفة القطعية‪ ،‬وال وجه‬
‫ال‪ ،‬وهو‬
‫لضم الوقائع بعضها إلى بعض‪ ،‬بل البد من مالحظة كل منهما مستق ً‬
‫ال يقتضي اال التخيير‪ ،‬فللمكلف اختيار الفعل في كل من الزمانين‪ ،‬واختيار‬
‫الترك في كل منهما واختيار الفعل في أحدهما‪ ،‬والترك في اآلخر‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده)‪:‬‬
‫والتحقيق أن يقال‪ :‬إن في المقام احتمالين‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما إذا قلنا بتنجيز العلم اإلجمالي في األمور التدريجية‪ ،‬كغير ها‪ ،‬فال‬
‫فرق بين الموردين المذكورين؛ أي (التعدد الطولي والعرضي) التحاد‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬فالبد من االلتزام بتنجيزه بالمقدار الممكن‪.‬‬ ‫المالك فيهما‬
‫وعليه‪ :‬فالعلم اإلجمالي منجز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فالالزم‬
‫اختيار الفعل في أحد الزمانين‪ ،‬واختيار الترك في اآلخر‪ ،‬حذراً من المخالفة‬
‫ال للموافقة االحتمالية‪ .‬وهذا االحتمال هو األظهر‪.‬‬
‫القطعية‪ ،‬وتحصي ً‬
‫الثاني‪ :‬ما إذا قلنا بعدم تنجيز العلم اإلجمالي في التدريجيات‪ ،‬فيحكم‬
‫بالتخيير بين الفعل والترك في كل زمان‪ ،‬إذ لم يبق سوى العلم اإلجمالي‬
‫بالزام المردد بين الوجوب والحرمة‪ ،‬في كل من الزمانين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 9 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وقد عرفت أن مثل هذا العلم اإلجمالي ال يوجب التنجيز‪ ،‬لعدم امكان‬
‫الموافقة القطعية‪ ،‬وال المخالفة القطعية‪ ،‬فيتخيّر المكلف بين الفعل والترك‬
‫في كل من الزمانين‪ ،‬هذا والراجح هو االحتمال األول‪ ،‬فال فرق بين‬
‫الموردين‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) وكذلك شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد وافقا ما ذكره‬
‫أستاذهما في المقام من لزوم اختيار الفعل في أحد الزمانين‪ ،‬والترك في‬
‫ال للموافقة االحتمالية‪،‬‬
‫اآلخر‪ ،‬حذراً من حصول المخالفة القطعية‪ ،‬وتحصي ً‬
‫بعد الفراغ عن منجزية العلم اإلجمالي في األمور التدريجية‪.‬‬
‫بقي شيء‪ :‬وهو ما إذا دار األمر بين المحذورين‪ ،‬مع تعدد الواقعة واحتمل‬
‫أهمية أحد الحكمين‪( ،‬كالوجوب) فهل يتقدم ما احتمل أهميته؟ فتجب‬
‫موافقة القطعية‪ ،‬وإن استلزم المخالفة القطعية للتكليف اآلخر غير محتمل‬
‫األهمية (كالحرمة) أم ال؟ وجهان‪ ،‬بل قوالن‪:‬‬
‫قال السيد الخوئي(قده) الصحيح هو الثاني‪ ،‬أي عدم تقدم محتمل األهمية‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الحكمين المردد كل منهما بين الوجوب والحرمة وإن لم يكونا‬
‫من قبيل المتعارضين (صل‪ ،‬وال تصل) إذ ال تنافي بينهما في مقام الجعل‬
‫بعد فرض أن متعلق كل منهما غير متعلق اآلخر‪ ،‬اال أنهما ليسا من قبيل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد‪ 9 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المتزاحمين ايضاً‪ ،‬إذا التزاحم بين التكليفين إنما هو فيما إذا كان المكلف‬
‫عاجزاً عن امتثال كليهما‪ ،‬كإنقاذ الغريقين‪.‬‬
‫والمفروض في المقام قدرته على امتثال كال التكليفين‪ ،‬غاية األمر كونه‬
‫عاجزاً عن إحراز االمتثال فيهما‪ ،‬لجهله بمتعلق كل منهما‪ ،‬وعدم تمييزه‬
‫الواجب عن الحرام فتنتقل الوظيفة إلى االمتثال االحتمالي‪ ،‬بإيجاد أحد‬
‫الفعلين‪ ،‬وترك اآلخر‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال وجه إلجراء حكم التزاحم‪ ،‬وتقديم محتمل األهمية على غيره‪،‬‬
‫بإيجاد كال الفعلين لو كان محتمل األهمية هو (الوجوب)‪ ،‬أو ترك كليهما‪،‬‬
‫لوكان محتمل األهمية هي (الحرمة)‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد خالف استاذه واعترض عليه قائ ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في مسألة إذا دار األمر بين المحذورين‪ ،‬ومع‬
‫تعدد الواقعة‪ ،‬ولكن احتملنا أهمية أحد الحكمين‪ ،‬كالوجوب بالصيام أو‬
‫الحرمة للسفر‪ ،‬فمع احتمال أهمية أحد الحكمين هل يتقدم مهتوم األهميته‬
‫بحيث نحكم بوجوب الموافقة القطعية للمحتمل األهمية حتى لو استلزم من‬
‫جانب آخر‪ ،‬المخالفة القطعية لتكليف آخر غير محتمل األهمية كما لو‬
‫فرضنا أنه هناك حرمة سفر او ال؟‬
‫وجهان‪ :‬بل قوالن‪ ،‬ذكر قال السيد الخوئي(قده) الصحيح هو الثاني‪ ،‬أي‬
‫عدم تقدم محتمل األهمية‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن الحكمين المردد كل منهما بين الوجوب والحرمة وإن لم يكونا‬
‫من قبيل المتعارضين (صل‪ ،‬وال تصل) إذ ال تنافي بينهما في مقام الجعل‬
‫بعد فرض أن متعلق كل منهما غير متعلق اآلخر‪ ،‬اال أنهما ليسا من قبيل‬
‫المتزاحمين ايضاً‪ ،‬إذا التزاحم بين التكليفين إنما هو فيما إذا كان المكلف‬
‫عاجزاً عن امتثال كليهما‪ ،‬كإنقاذ الغريقين‪.‬‬
‫والمفروض في المقام قدرته على امتثال كال التكليفين‪ ،‬غاية األمر كونه‬
‫عاجزاً عن إحراز االمتثال فيهما‪ ،‬لجهله بمتعلق كل منهما‪ ،‬وعدم تمييزه‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الواجب عن الحرام فتنتقل الوظيفة إلى االمتثال االحتمالي‪ ،‬بإيجاد أحد‬


‫الفعلين‪ ،‬وترك اآلخر‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال وجه إلجراء حكم التزاحم‪ ،‬وتقديم محتمل األهمية على غيره‪،‬‬
‫بإيجاد كال الفعلين لو كان محتمل األهمية هو (الوجوب)‪ ،‬أو ترك كليهما‪،‬‬
‫لوكان محتمل األهمية هي (الحرمة)‪.‬‬
‫ال‪ :‬إنا نمنع عدم‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد خالف استاذه واعترض عليه قائ ً‬
‫تأثير أهمية التكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬أو احتمال أهمية في حكم العقل‬
‫باإلطاعة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن حكم العقل بالطاعة‪ ،‬إنما يكون بمالك تحقق ما يهم المولى من‬
‫أغراضه لهذا يعبر عنه بأن المكلف‪ ،‬البد وأن يتحرك‪ ،‬وكأنه بمنزلة اآللة‪،‬‬
‫بيد المولى تكويناً‪ ،‬إذا كانت أهمية التكليف بدرجة كبيرة‪ ،‬ولو أدى ذلك‬
‫ال تحت دائرة‬
‫إلى المخالفة القطعية للغرض اآلخر‪ ،‬ومعه ال يكون المهم داخ ً‬
‫حق المولوية‪ ،‬بخالف األهم‪.‬‬
‫وأما في فرض عدم كون األهمية بدرجة كبيرة‪ ،‬فالبد أن نرى أن الذي‬
‫يحكم به العقل ماهو؟‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فهل يرى العقل تقديم الموافقة القطعية للمهم (المساوقة للمخالفة القطعية‬
‫لألهم)‪ .‬على الموافقة االحتمالية لهما‪ ،‬أو بالعكس‪ ،‬أو يحكم بالتخيير في‬
‫مقام العمل‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫وتفصيله يأتي في مباحث العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد خالف أستاذه أيضاً‪.‬‬
‫بتقريب‪ :‬أنه ال فرق بين أن يكون التزاحم بين التكليفين المعلومين‬
‫بالتفصيل‪ ،‬أو باإلجمال‪.‬‬
‫غاية األمر التزاحم في الفرض األول إنما هو مرحلة االمتثال‪ ،‬وفي الفرض‬
‫الثاني في مرحلة احراز امتثال‪ ،‬وحينئ ٍذ فإذا كان أحدهما أهم من اآلخر‪.‬‬
‫فعلى األول‪ :‬كان التزاحم بين األهم والمهم امتثاالً‪.‬‬
‫وعلى الفرض الثاني‪ :‬كان التزاحم بين إحراز امتثال األهم‪ ،‬واحراز امتثال‬
‫المهم‪.‬‬
‫وال فرق في حكم العقل بالتقديم لألهم‪ ،‬أو محتمل األهمية بين الفرض‬
‫األول والثاني‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن أهمية التكليف المعلوم باإلجمال في حكم العقل‪ ،‬كأهمية‬


‫التكليف المعلوم بالتفصيل‪ ،‬فكما إن العقل يحكم بتقديم امتثاله على امتثال‬
‫المهم‪ ،‬فكذلك يحكم بتقديم إحراز امتثال األهم على إحراز امتثال المهم‪.‬‬
‫فما ذكره السيد األستاذ (قده) من أن العقل ال يحكم بالترجيح والتقديم‬
‫لألهم أو محتمل األهمية على اآلخر‪ ،‬إذا كان في مرحلة اإلحراز‪ ،‬ال في‬
‫مرحلة االمتثال ال يمكن المساعدة عليه‪.‬‬
‫ثم أضاف (دام ظله)‪ :‬أن الصحيح هو ما اختاره المحقق النائيني(قده) من أن‬
‫أحد الحكمين المعلومين باإلجمال في الواقعتين الطوليتين‪ ،‬إذا كان أهم من‬
‫اآلخر‪ ،‬أو محتمل األهمية‪ ،‬حكم العقل بتقديم األهم ومحتمله وهو‬
‫(وجوب الموافقة القطعية) على المهم‪ ،‬وهو حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬ألن‬
‫المكلف لو فعل ذلك‪ ،‬فقد أمن العقوبة واإلدانة‪ ،‬وأما لو اكتفى بالموافقة‬
‫االحتمالية‪ ،‬فلم يحرز األمن من العقوبة‪ ،‬إذ يحتمل أنه ترك وظيفته‪ ،‬وهي‬
‫(الموافقة القطعية العملية)‪.‬‬
‫هذا ما أردنا بيانه في مبحث التخيير‪.‬‬
‫وهناك أمور نحيلها إلى الدوارات القادمة إن شاء هلال تعالى‪.‬‬
‫أصالة االحتياط‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهي ثالث األصول العملية الجارية في موارد الشك‪ ،‬والمقصود من (أصالة‬


‫االحتياط) هو األصل الجاري في موارد (الشك في المكلف به‪ ،‬صالة الظهر‬
‫أو الجمعة) عند العلم اإلجمالي بأصل التكليف‪ ،‬دون موارد الشك في‬
‫االمتثال‪ ،‬الذي هو من الشبهات الموضوعية‪ ،‬دون الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫ال بوجوب صالة الظهر عند الزوال في جميع األيام‬
‫توضيحه‪ :‬إنا نعلم تفصي ً‬
‫ال بوجوب صالة‪ ،‬واحدة‪ ،‬عند‬
‫غير يوم الجمعة وفي يوم الجمعة‪ ،‬نعلم تفصي ً‬
‫الزوال‪ ،‬ولكن نشك أن هذه الصالة هل هي صالة الظهر(اربع ركعات)‬
‫كباقي األيام‪ ،‬أم هي صالة الجمعة ركعتان؟‬
‫يتبدل العلم التفصيلي‪ ،‬إلى علم اجمالي بوجوب احدى الصالتين‪ ،‬من‬
‫وهنا ل‬
‫جهة الشك في مصداق الصالة الواجبة‪ ،‬أي بسبب الشك في المكلف به‪،‬‬
‫واالصل الجاري في موارد الشك في المكلف به هو أصالة االحتياط‪.‬‬
‫يقع الكالم هنا في جهات عديدة‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في حقيقة العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‬
‫العملية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين‪ 10 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الجهة الثالثة‪ :‬في منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة‬
‫القطعية‪.‬‬
‫ال أو‬
‫الجهة الرابعة‪ :‬في إمكان جعل الترخيص في أطراف العلم اإلجمالي ك ً‬
‫بعضاً‪ ،‬ثبوتاً واثباتاً‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة األولى‪ :‬وقد فسرت حقيقة العلم اإلجمالي بعدة‬
‫تفسيرات‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة األولى من الجهات التي أردنا بحثها في مسألة أصالة‬
‫االحتياط واالشتغال‪ ،‬ومورد هذا األصل كما ذكرنا هو الشك في المكلف‬
‫به‪ ،‬وليس في التكليف‪ ،‬أما الكالم في الجهة األولى وهي في حقيقة العلم‬
‫اإلجمالي وذكرنا أن أساطين من العلماء قد فسروا العلم اإلجمالي بتفاسير‬
‫متعددة متقاربة‪ ،‬ولكن هناك بعض االشكال من بعض العلماء على بعض‬
‫هذه التفاسير‪.‬‬
‫التفسير األول‪ :‬ما ذهب إليه المحقق الخراساني(قده)‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي هو العلم المتعلق بالفرد المردد‪ ،‬وبما أن الفرد المردد أمر‬
‫اعتباري‪ ،‬فال بأس بتعلقه به‪ ،‬فحقيقته متقومة بتعلقه بالفرد المعيّن والمحدد‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أنه كيف يعقل تعلق العلم بالفرد المردد؟ فإن أراد (قده) منه الفرد‬
‫المردد‪ ،‬الواحد المردد المفهومي‪ ،‬فهو ليس بمردد بل معين‪.‬‬
‫التفسير الثاني‪ :‬ما ذهب إليه المحققين األصفهاني والنائيني والسيد‬
‫الخوئي(قدهم)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن حقيقة العلم اإلجمالي متقومة (بتعلقه بالجامع االنتزاعي) وهو‬
‫عنوان (أحدهما) وأما خصوصية الفرد‪ ،‬فهي خارجة عن متعلقه‪ ،‬فيكون نسبة‬
‫العلم اإلجمالي إلى الجامع االنتزاعي‪ ،‬كنسبة العلم التفصيلي إلى معلومه‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المعيّن‪ ،‬ألن الجامع كالواقع متعين بحده في عالم الذهن‪ ،‬وهذه نقطة‬
‫اتفاقهما‪.‬‬
‫واما نقطة الخالف والفرق في المعلوم بالعرض‪ ،‬وفي مقام التطبيق‪ ،‬فإنه في‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬مردد بين فردين أو أفراد في الخارج‪ ،‬فيكون مبهما‬
‫ومجمال في مقام التطبيق الخارجي‪ ،‬بخالف المعلوم بالعرض في العلم‬
‫التفصيلي حيث إنه متعيّن‪ ،‬فال إبهام فيه‪ ،‬في هذه المرحلة أيضا‪ ،‬وهذا ما‬
‫يظهر من كالم المحققين النائيني واالصفهاني (قدهما)‪.‬‬
‫وأضاف السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن المعلوم باإلجمال هو الجامع المعلوم‬
‫بالذات وال إجمال وال ابهام فيه‪ ،‬ولكن ال واقع موضوعي له في الخارج‪،‬‬
‫حتى ينطبق عليه‪ .‬مثال‪ :‬إذا علم بنجاسة أحد اإلناءين فالمعلوم باإلجمال هو‬
‫نجاسة الجامع‪ ،‬وهو عنوان (أحدهما) وأما نجاسة هذا اإلناء بالخصوص‪ ،‬أو‬
‫ذاك اإلناء كذلك فهي ليست معلومة باإلجمال‪ ،‬بل هي مشكوكة ونجاسة‬
‫المعلومة باإلجمال ال تنطبق على نجاسة خصوص هذا اإلناء أو ذاك اإلناء‪،‬‬
‫واال النقلب العلم اإلجمالي علما تفصيليا‪ ،‬إذ معنى ذلك هو‪ :‬أن نجاسة هذا‬
‫االناء مصداق للمعلوم بالذات بتمام خصوصياته‪ ،‬وهو كما ترى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم قال (قده)‪ :‬لو كان للمعلوم بالذات في عالم الذهن في العلم اإلجمالي‬
‫واقع موضوعي في عالم الخارج‪ ،‬ينطبق عليه‪ ،‬فما ذا يقال في موارد العلم‬
‫اإلجمالي التي ليست فيها واقع معيّن‪ ،‬حتى في علم هّال تعالى؟‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علم بنجاسة أحد اإلناءين بمالقاة الدم‪ ،‬وكان في الواقع كال‬
‫اإلناءين نجسين بمالقاته‪.‬‬
‫ففي مثل ذلك‪ :‬ال يتصور أن يكون للمعلوم باإلجمال تعي ّن في الواقع‪،‬‬
‫ضرورة أنه ال يمكن أن تكون نجاسة هذا اإلناء خاصة مصداقا للمعلوم‬
‫باإلجمال‪ ،‬أو نجاسة ذلك اإلناء كذلك‪ ،‬ألن نسبته إلى نجاسة كل منهما‬
‫على حد سواء‪ ،‬وفي مثل ذلك‪ :‬ال يتصور واقع موضوعي للمعلوم باإلجمال‪،‬‬
‫وإن قلنا بوجود واقع موضوعي فيما إذا كان أحدهما مالقيا للدم في الواقع‬
‫دون اآلخر‪ ،‬ألنه في مثل ذلك يمكن القول بانطباق المعلوم باإلجمال على‬
‫خصوص اإلناء المالقي له‪ ،‬وأما في مثل المثال المذكور‪ ،‬فال يتصور ذلك‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن وعاء المعلوم باإلجمال‪ ،‬إنما هو عالم الذهن‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يتعدى عنه إلى الواقع الخارجي‪ ،‬وينطبق عليه‪ ،‬واال كان معنى ذلك انحصار‬
‫العلم بالتفصيلي‪ ،‬وعدم وجود العلم اإلجمالي‪ ،‬وهذا كما ترى خالف‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجدان والضرورة‪ ،‬وأما لو قيل‪ :‬بانطباقه على الواقع المردد‪ ،‬فقد عرفت أنه‬
‫ال وجود له في الخارج حتى ينطبق عليه‪.‬‬
‫وقد اعترض شيخنا األستاذ (دام ظله) على ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪ :‬من‬
‫أن المعلوم باإلجمال هو الجامع المعلوم بالذات‪ ،‬وال إجمال‪ ،‬وال إبهام فيه‪.‬‬
‫ولكن ال واقع موضوعي له خارجا‪ ،‬إلى آخره‪.‬‬
‫وحاصل االعتراض‪ :‬أن ما ذكره السيد األستاذ (قده) من البرهان على عدم‬
‫واقع موضوعي ينطبق عليه العلم اإلجمالي إذ لو انطبق على الواقع المعين‬
‫في الخارج‪ ،‬انحصر العلم بالتفصيلي‪ ،‬ولو انطبق على الواقع المردد‪ ،‬فهو ال‬
‫وجود له في الخارج‪ ،‬إذ كل ما في الخارج محدد ومعين‪ ،‬وال ترديد‪.‬‬
‫فهذا البرهان مبني على أن للمعلوم بالذات في العلم اإلجمالي‪ ،‬لو كان له‬
‫معلوما بالعرض أيضا‪ ،‬فهو الواقع المعين في الخارج‪ ،‬ولهذا قال(قده) فما ذا‬
‫يقال في الموارد التي ال تعيّن فيها للواقع؟ أي المثال النقضي‪.‬‬
‫ولكن هذا المبنى خاطئ‪ ،‬ألن المطابق للمعلوم بالذات في العلم اإلجمالي‬
‫ليس هو الواقع المعين‪ ،‬في الخارج‪ ،‬ألن المطابق للمعلوم بالذات في العلم‬
‫اإلجمالي ليس هو الواقع المعين‪ ،‬في الخارج‪ ،‬واال لزم انقالب العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلجمالي إلى العلم التفصيلي‪ ،‬بل مطابقه هو واقع الفرد فيه‪ ،‬وهو مردد بين‬
‫هذا‪ ،‬وذاك‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن كان المعلوم بالعرض في العلم اإلجمالي معينا في الخارج‬
‫واقعا‪ ،‬وغير معين عندنا‪ ،‬كانت صورة الجامع العرضي‪ ،‬هو عنوان أحدهما‬
‫حيث إنها صورة الفرد في الذهن‪ ،‬فهي تنطبق على صورة الفرد بحده‬
‫الفردي في الخارج‪ ،‬وهي معينة في الواقع‪ ،‬ومرددة عندنا‪ ،‬بين صورة هذا‬
‫الفرد خاصة‪ ،‬وصورة ذاك الفرد كذلك‪.‬‬
‫وأما إذا لم يكن المعلوم بالعرض في العلم اإلجمالي معينا واقعا في الخارج‪،‬‬
‫كالمثال النقضي الذي ذكره (قده) فيكون مطابق صورة الجامع في الذهن‬
‫التي هي صورة الفرد فيه في مثل هذا المثال‪ ،‬صورة كل من الفردين في‬
‫الخارج على البدل‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن متعلق العلم اإلجمالي حيث إنه الجامع المنتزع من الفرد في‬
‫الخارج فصورته في الذهن هي صورة الفرد‪ ،‬ولها مطابق في الخارج‪ ،‬وهو‬
‫الفرد الموجود فيه‪.‬‬
‫وكذلك إذا علم بنجاسة أحد اإلناءين في الخارج‪ ،‬وكان كال هما نجسين‬
‫في الواقع‪ ،‬إذ ال شك أن المعلوم عنده‪ ،‬هو نجاسة أحدهما في الخارج وال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يرى العالم بها اال ّ نجاسة فيه‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬وحيث إن العلم ال يتعلق بالفرد‬
‫في الخارج مباشرة‪ ،‬فيتعلق به بواسطة صورته في أفق الذهن‪ ،‬وهو عنوان‬
‫أحدهما‪ ،‬فال مانع من انطباقه على كليهما خارجا‪.‬‬
‫فالصحيح‪ :‬أنه ال فرق بين العلم اإلجمالي والتفصيلي‪ ،‬في وجود المطابق‬
‫لهما في الخارج‪ ،‬فإن صورة المعلوم بالذات في الذهن‪ ،‬فيهما‪ ،‬هي نفس‬
‫صورة المعلوم بالعرض في الخارج منهما‪ ،‬ومطابق لهما‪ ،‬فال فرق بينهما‪.‬‬
‫التفسير الثالث‪ :‬ما ذهب إليه المحقق العراقي (قده)‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم اإلجمالي هو ما تعلق بالفرد المعين في الواقع‪ ،‬ولكن‬
‫يفترق عن العلم التفصيلي في نفس العلم‪ ،‬أي في (المعلوم بالذات) وذكر‬
‫(قده) في المقاالت‪ :‬أنه بلغني عن بعض من يدعى الفضل من أهل العصر‬
‫(ولعله قصد المحقق االصفهاني أو النائيني قدهم) أنه قال‪ :‬ال فرق بين العلم‬
‫اإلجمالي والتفصيلي من ناحية نفس العلم‪ ،‬حيث إن في العلم التفصيلي‬
‫يعلم بالواقع‪ ،‬وفي العلم اإلجمالي يعلم بالجامع‪ ،‬وإنما الفرق بينهما من‬
‫ناحية المعلوم الخارجي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم قال(قده)‪ :‬والصحيح‪ :‬أن العلم سواء أكان إجماليا أو تفصيليا يتعلق‬
‫بالواقع‪ ،‬وينكشف به الواقع‪ ،‬اال أن الفرق بينهما في نفس العلم واالنكشاف‪،‬‬
‫أي في المعلوم والمنكشف بالذات‪.‬‬
‫فتارة يكون االنكشاف‪ ،‬انكشافا تاما‪ ،‬وتفصيليا‪ ،‬واضحا‪.‬‬
‫وأخرى‪ :‬يكون االنكشاف انكشافا مجمال وغير واضح و ناقصا‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن الفرد قد ينكشف بصورته المفصلة‪ ،‬وقد ينكشف بصورة مشوشة‪،‬‬
‫وأضاف السيد الشهيد(قده)‪ :‬فلو أردنا أن نشبه العلم اإلجمالي بحسب ما‬
‫يقوله المحقق العراقي(قده) بالحواس الخارجية‪ ،‬قلنا نفرض أن شخصين‬
‫يريان جسما‪ ،‬أحدهما يراه من قريب‪ ،‬واآلخر يراه من بعيد‪ ،‬حيث يراه‬
‫شبحا‪ ،‬ال يدري أنه إنسان‪ ،‬أو حيوان‪ ،‬أو شجر‪ ،‬مثال‪.‬‬
‫فكل واحد من هذين الشخصين يتعلق احساسه بالواقع المعين الواحد‪ ،‬لكن‬
‫أحدهما له إحساس‪ ،‬تفصيلي واضح‪ ،‬واآلخر عنده اإلجمالي‪ ،‬ومشوش‬
‫وغير واضح‪ ،‬فمثل هذا الفرق الثابت بين اإلحساسين الظاهريين‪ ،‬نتصوره‬
‫بين اإلدراكين الباطنيين‪ ،‬اللذين هما العلم التفصيلي‪ ،‬والعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪ 12 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ولعل‪ :‬الدليل والبرهان على مختاره هو‪ :‬انطباق المعلوم باإلجمال على تمام‬
‫ما في الخارج‪ ،‬مثل انطباق المجمل على المفصل‪ ،‬والمبهم على المبين‪،‬‬
‫وليس انطباقه على جزء ما في الخارج‪ ،‬كانطباق الكلي والجامع على الفرد‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر تعليقا‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 11 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في األصل الثالث من األصول األربعة‪ ،‬وهي أصالة االحتياط‪،‬‬


‫وهي ثالث األصول العملية التي تجري في موارد الشك‪ ،‬وذكرنا أن مقصود‬
‫من أصالة االحتياط أو أصالة االشتغال هو أصل الجارية في موارد الشك في‬
‫المكلف به بعد العلم اإلجمالي بـ أصل التكليف‪ ،‬وذكرنا يقع الكالم هنا في‬
‫جهات عديدة‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في حقيقة العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‬
‫العملية‪.‬‬
‫الجهة الثالثة‪ :‬في منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة‬
‫القطعية‪.‬‬
‫ال أو‬
‫الجهة الرابعة‪ :‬في إمكان جعل الترخيص في أطراف العلم اإلجمالي ك ً‬
‫بعضاً‪ ،‬ثبوتاً واثباتاً‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة األولى‪ :‬وقد فسرت حقيقة العلم اإلجمالي بعدة‬
‫تفسيرات‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 11 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التفسير األول‪ :‬ما ذهب إليه المحقق الخراساني(قده)‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي هو العلم المتعلق بالفرد المردد‪ ،‬وبما أن الفرد المردد أمر‬
‫اعتباري‪ ،‬فال بأس بتعلقه به‪ ،‬فحقيقته متقومة بتعلقه بالفرد المعيّن والمحدد‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أنه كيف يعقل تعلق العلم بالفرد المردد؟ فإن أراد (قده) منه الفرد‬
‫المردد‪ ،‬الواحد المردد المفهومي‪ ،‬فهو ليس بمردد بل معين‪.‬‬
‫وإن أراد (قده) منه‪ :‬واقع الفرد المردد‪ ،‬ومصداقه‪ ،‬كما هو الظاهر‪ ،‬فهذا غير‬
‫معقول‪ ،‬إذ كل ماهية لها تعيّن ما هوي ال محالة‪ ،‬وما ليس له تعين ما هوي‬
‫ليس بماهية‪ ،‬حتى يتعلق به العلم‪ ،‬فالفرد المردد ال ماهية له حتى يتعلق به‬
‫العلم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬مقصوده (قده)‪ :‬هو الفرد المعلوم مفهوماً والمردد مصداقاً وخارجاً‪.‬‬
‫التفسير الثاني‪ :‬ما ذهب إليه المحققين األصفهاني والنائيني والسيد‬
‫الخوئي(قدهم)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن حقيقة العلم اإلجمالي متقومة (بتعلقه بالجامع االنتزاعي) وهو‬
‫عنوان (أحدهما) وأما خصوصية الفرد‪ ،‬فهي خارجة عن متعلقه‪ ،‬فيكون نسبة‬
‫العلم اإلجمالي إلى الجامع االنتزاعي‪ ،‬كنسبة العلم التفصيلي إلى معلومه‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 11 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المعيّن‪ ،‬ألن الجامع كالواقع متعين بحده في عالم الذهن‪ ،‬وهذه نقطة‬
‫اتفاقهما‪.‬‬
‫واما نقطة الخالف والفرق في المعلوم بالعرض‪ ،‬وفي مقام التطبيق‪ ،‬فإنه في‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬مردد بين فردين أو أفراد في الخارج‪ ،‬فيكون مبهماً‬
‫ال في مقام التطبيق الخارجي‪ ،‬بخالف المعلوم بالعرض في العلم‬
‫ومجم ً‬
‫التفصيلي حيث إنه متعيّن‪ ،‬فال إبهام فيه‪ ،‬في هذه المرحلة أيضاً‪ ،‬وهذا ما‬
‫يظهر من كالم المحققين النائيني واالصفهاني (قدهما)‪.‬‬
‫وأضاف السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن المعلوم باإلجمال هو الجامع المعلوم‬
‫بالذات وال إجمال وال ابهام فيه‪ ،‬ولكن ال واقع موضوعي له في الخارج‪،‬‬
‫ال‪ :‬إذا علم بنجاسة أحد اإلناءين فالمعلوم باإلجمال هو‬
‫حتى ينطبق عليه‪ .‬مث ً‬
‫نجاسة الجامع‪ ،‬وهو عنوان (أحدهما) وأما نجاسة هذا اإلناء بالخصوص‪ ،‬أو‬
‫ذاك اإلناء كذلك فهي ليست معلومة باإلجمال‪ ،‬بل هي مشكوكة ونجاسة‬
‫المعلومة باإلجمال ال تنطبق على نجاسة خصوص هذا اإلناء أو ذاك اإلناء‪،‬‬
‫واال النقلب العلم اإلجمالي علماً تفصيلياً‪ ،‬إذ معنى ذلك هو‪ :‬أن نجاسة هذا‬
‫االناء مصداق للمعلوم بالذات بتمام خصوصياته‪ ،‬وهو كما ترى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 11 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم قال (قده)‪ :‬لو كان للمعلوم بالذات في عالم الذهن في العلم اإلجمالي‬
‫واقع موضوعي في عالم الخارج‪ ،‬ينطبق عليه‪ ،‬فما ذا يقال في موارد العلم‬
‫اإلجمالي التي ليست فيها واقع معيّن‪ ،‬حتى في علم هّال تعالى؟‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علم بنجاسة أحد اإلناءين بمالقاة الدم‪ ،‬وكان في الواقع كال‬
‫اإلناءين نجسين بمالقاته‪.‬‬
‫ففي مثل ذلك‪ :‬ال يتصور أن يكون للمعلوم باإلجمال تعي ّن في الواقع‪،‬‬
‫ضرورة أنه ال يمكن أن تكون نجاسة هذا اإلناء خاصة مصداقاً للمعلوم‬
‫باإلجمال‪ ،‬أو نجاسة ذلك اإلناء كذلك‪ ،‬ألن نسبته إلى نجاسة كل منهما‬
‫على حد سواء‪ ،‬وفي مثل ذلك‪ :‬ال يتصور واقع موضوعي للمعلوم باإلجمال‪،‬‬
‫وإن قلنا بوجود واقع موضوعي فيما إذا كان أحدهما مالقياً للدم في الواقع‬
‫دون اآلخر‪ ،‬ألنه في مثل ذلك يمكن القول بانطباق المعلوم باإلجمال على‬
‫خصوص اإلناء المالقي له‪ ،‬وأما في مثل المثال المذكور‪ ،‬فال يتصور ذلك‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن وعاء المعلوم باإلجمال‪ ،‬إنما هو عالم الذهن‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يتعدى عنه إلى الواقع الخارجي‪ ،‬وينطبق عليه‪ ،‬واال كان معنى ذلك انحصار‬
‫العلم بالتفصيلي‪ ،‬وعدم وجود العلم اإلجمالي‪ ،‬وهذا كما ترى خالف‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪ 11 :‬صفر الخير‪1442:‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجدان والضرورة‪ ،‬وأما لو قيل‪ :‬بانطباقه على الواقع المردد‪ ،‬فقد عرفت أنه‬
‫ال وجود له في الخارج حتى ينطبق عليه‪.‬‬
‫وقد اعترض شيخنا األستاذ (دام ظله) على ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪2 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في أصالة االحتياط‪ ،‬وذكرنا أن اصالة االحتياط هي ثالث‬


‫األصول العملية بعد البراءة والتخيير‪ ،‬واصالة االحتياط إنما تجري في موارد‬
‫ال نحن نعلم علماً تفصيلياً بوجوب صالة الظهر بعد‬
‫الشك في المكلف به‪ ،‬مث ً‬
‫الزوال‪ ،‬في غير يوم الجمعة‪ ،‬ونعلم علم تفصيلي بوجوب صالة واحدة في‬
‫ظهر يوم الجمعة‪ ،‬ولكن يكون مردداً بين صالة الظهر وصالة الجمعة‪ ،‬فإذاً‬
‫يقع الكالم هنا في مورد جريان أصالة االحتياط في جهات األربع‪ ،‬كما‬
‫ذكرنا سابقاً‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة األولى‪ :‬وقد فسرت حقيقة العلم اإلجمالي بعدة‬
‫تفسيرات‪:‬‬
‫التفسير األول‪ :‬ما ذهب إليه المحقق الخراساني(قده)‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي هو العلم المتعلق بالفرد المردد‪ ،‬وبما أن الفرد المردد أمر‬
‫اعتباري‪ ،‬فال بأس بتعلقه به‪ ،‬فحقيقته متقومة بتعلقه بالفرد المعيّن والمحدد‪.‬‬
‫تقدم الكالم فيه‬
‫التفسير الثاني‪ :‬ما ذهب إليه المحققين األصفهاني والنائيني والسيد‬
‫الخوئي(قدهم)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪2 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وحاصله‪ :‬أن حقيقة العلم اإلجمالي متقومة (بتعلقه بالجامع االنتزاعي) وهو‬
‫عنوان (أحدهما) وأما خصوصية الفرد‪ ،‬فهي خارجة عن متعلقه‪ ،‬فيكون نسبة‬
‫العلم اإلجمالي إلى الجامع االنتزاعي‪ ،‬كنسبة العلم التفصيلي إلى معلومه‬
‫المعيّن‪ ،‬ألن الجامع كالواقع متعين بحده في عالم الذهن‪ ،‬وهذه نقطة‬
‫اتفاقهما‪.‬‬
‫التفسير الثالث‪ :‬ما ذهب إليه المحقق العراقي (قده)‪ :‬وحاصله‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي هو ما تعلق بالفرد المعين في الواقع‪ ،‬ولكن يفترق عن العلم‬
‫التفصيلي في نفس العلم‪ ،‬أي في (المعلوم بالذات)‪ ،‬أن العلم سواء أكان‬
‫إجمالياً أو تفصيلياً يتعلق بالواقع‪ ،‬وينكشف به الواقع‪ ،‬اال أن الفرق بينهما في‬
‫نفس العلم واالنكشاف‪ ،‬أي في المعلوم والمنكشف بالذات‪ .‬فتارة‪ :‬يكون‬
‫االنكشاف‪ ،‬انكشافاً تاماً‪ ،‬وتفصيلياً‪ ،‬واضحاً‪ .‬وأخرى‪ :‬يكون االنكشاف‬
‫ال وغير واضح و ناقصاً‪.‬‬
‫انكشافاً مجم ً‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر تعليقاً على ما تقدم من التفاسير لحقيقة‬
‫العلم اإلجمالي وحاصله‪:‬‬
‫لما كان العلم اإلجمالي أمراً وجدانياً راجعاً إلى وجدان كل أحد‪ ،‬فلذلك‬
‫يحتمل قوياً أن مقصود العلماء‪ ،‬كالمحقق الخراساني(قده)‪ ،‬حيث قال‪ :‬إن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪2 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العلم اإلجمالي هو ما تعلق بالفرد المردد‪ ،‬وكالمحقق االصفهاني والنائيني‬


‫والسيد الخوئي(قدهم) حيث قالوا‪ :‬إن العلم اإلجمالي هو ما تعلق بالجامع‪،‬‬
‫وكالمحقق العراقي(قده) حيث قال‪ :‬إن العلم اإلجمالي يتعلق بالواقع المعيّن‪.‬‬
‫شيء واحد ومطلب فارد‪.‬‬
‫إال ّ أن االختالف إنما هو من جهة أنه قد نظر كل واحد منهم إلى جهة من‬
‫جهات المطلب‪ ،‬وال حظ من زاويته الخاصة‪ ،‬فعبّر بالتعبير المناسب لها‪ ،‬كما‬
‫قال الشاعر‪ :‬عبارتنا شتى وحسنك واحد* وكل إلى ذاك الجمال يشير‪.‬‬
‫وتحقيق الحال في المقام هو‪ :‬أن الصورة الكلية المستوردة‪ ،‬والحاصلة في‬
‫الذهن على قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الصورة الكلية المستوردة في الذهن من الجزئيات واألفراد‬
‫ال صور جزئية من أفراد االنسان‪ ،‬والذهن‬
‫الخارجية‪ ،‬فترد في الذهن مث ً‬
‫يقشرها‪ ،‬ويطرح مميزات كل فرد عن اآلخر فتبقى صورة كلية قابلة‬
‫البشري ّ‬
‫لالنطباق على كثيرين في الخارج‪ ،‬ألنها منتزعة من كثيرين‪ ،‬وهي جزء‬
‫موجود في كل واحد منها‪ ،‬بناءاً على القول‪ :‬أن الكلي موجود بوجود الفرد‪،‬‬
‫قال قائلهم‪ :‬ليس الطبيعي مع األفراد كاألب‪ ،‬بل اآلباء مع األوالد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪2 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم الثاني‪ :‬الصورة التي يخلقها الذهن البشري نفسه‪ ،‬يبتنها على ما في‬
‫ال لإللباس على كل‬
‫الخارج‪ ،‬ويجعلها رمزاً لكل فرد من األفراد‪ ،‬وثوباً قاب ً‬
‫فرد من األفراد‪ ،‬فليست هذه الصورة قابلة لالنطباق على ما في الخارج‬
‫بالمعنى الصادق في القسم األول‪ ،‬إذ ليست هي في الحقيقة جزءاً مق ّشرا‬
‫لكل فرد ومنتزعاً منه‪ ،‬وموجودة في ضمن كل فرد من األفراد‪ ،‬وإنما هي‬
‫رمز يرمز به الى الفرد الخارج بقشوره‪ ،‬وهذه الصورة كثيراً ما يخلقها الذهن‬
‫البشري‪ ،‬خصوصاً إذا لم يستطيع أن يسيطر على األفراد‪ ،‬فينسج صوربنفسه‬
‫حتى يرمز بها إلى أي فرد أراد‪ ،‬وذلك كما في صورة العدم‪ ،‬حيث إنه ال‬
‫معنى إلتيان أفراد العدم من الخارج إلى الذهن‪ ،‬بعدم وجود ها فيه‪ ،‬وأي‬
‫ويكون منه صورة العدم‬
‫ّ‬ ‫يقشره‪،‬‬
‫شيء يرد إلى الذهن من الخارج لكي ّ‬
‫الكلي؟ فلما لم يستطيع الذهن أن يسيطر على األفراد صاغ هذا الرمز‪ ،‬وهذه‬
‫الصورة‪ ،‬ليرمز به إلى الواقع‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬صورة الوجود حيث إن أفراد الوجود لم تكن تأتي إلى الذهن‬
‫حسب ما يقال‪ :‬من أن الوجود هو (أنه في األعيان) وهذا المعنى ال يأتي في‬
‫الذهن فلما لم يقدر الذهن البشري على السيطرة على أفراده جعل في نفسه‬
‫هذا الرمز‪ ،‬كي يرمز به إلى األفراد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء‪2 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومن هذه الصور المصوغة من قبل الذهن البشري عنوان أحدهما ونحوه‪،‬‬
‫فهو عنوان رمزي‪ ،‬وليس شيئاً ينطبق على ما في الخارج‪ ،‬جزءاً من كل فرد‪،‬‬
‫بل هو رمز لتمام ذاك الفرد بقشوره‪ ،‬وإذا أردنا أن نشبّهه بشيء في باب‬
‫اللغة‪ ،‬شبهناه بالمشترك اللفظي‪ ،‬الذي هو رمز لكل واحد من المعاني بتمامه‪،‬‬
‫ال لخصوص الجزء الجامع بينهما(كالمشترك المعنوي) فهذه الرموز تجعل‬
‫من قبل الذهن البشري‪ ،‬من قبيل جعل األلفاظ رمزاً إلى المعاني اال أنها‬
‫ليست بصناعة اللغة‪ ،‬كما في رمزية األلفاظ‪ ،‬بل بقوة خاصة في الفهم‬
‫البشري‪ ،‬أو دعها هّال تعالى فيه‪ ،‬ليدرك بها األشياء‪.‬‬
‫وفي باب العلم اإلجمالي‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪3 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تعليق السيد الشهيد(قده) على جميع تفاسير العلم اإلجمالي‬
‫الوجداني حيث قال‪ :‬أن مقصود العلماء يرجع إلى شيء واحد‪ ،‬واالختالف‬
‫من جهة مالحظة كل منهم إلى جهة من جهات المطلب والموضوع ومن‬
‫زاويته الخاصة‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬أن الصورة الكلية الحاصلة في الذهن على قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الصورة الحاصلة من الجزئيات واألفراد الخارجية كاإلنسان‬
‫وافراده‪ ،‬والذهن البشري يقشر األجزاء‪ ،‬ويطرح مميزاتها‪ ،‬فتبقى صورة كلية‬
‫منتزعة قابلة لالنطباق على كثرين في الخارج‪( ،‬الكلي الطبيعي)‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الصورة الكلية التي يخلقها ذهن البشر نفسه ابتداءا ويلبسها‬
‫ال لإللباس‬
‫ويركبها على ما في الخارج‪ ،‬بأن يجعلها رمزاً لكل فرد‪ ،‬وثوباً قاب ً‬
‫على كل فرد بقشوره وخصوصياته‪ ،‬من دون تقشيره وطرح مميزاته‪.‬‬
‫وجه الحاجة‪ :‬أن الذهن البشري إذا لم يستطيع أن يسيطر على األفراد ينسج‬
‫ويحوط صورة بنفسه ليرمز بها إلى أي فرد أراد‪ ،‬مثاله‪ :‬صورة العدم وصورة‬
‫الوجود ومنها عنوان أحدهما‪ ،‬حيث هو كالمشترك اللفظي(العين) في اللغة‬
‫حيث يكون رمزاً لكل واحد من المعاني المختلفة بتمامه‪ ،‬ال لخصوص‬
‫(الجزء الجامع بينهما) كما هو الحال في المشترك المعنوي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪3 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والحاصل‪ :‬هذه الرموز والصور تخترع من قبل الذهن البشري كجعل‬


‫األلفاظ رمزاً على المعاني بقوة خاصة في الفهم البشري‪.‬‬
‫ومحل الكالم في باب العلم اإلجمالي وفي باب العلم اإلجمالي‪ :‬لما لم‬
‫يستطع الذهن البشري أن يسيطر على الفرد الموجود من الفردين في‬
‫ويصب العلم على صورته‪ ،‬نسج عنوان (أحدهما)‬
‫ّ‬ ‫الخارج وتحديده‪،‬‬
‫وانصب العلم على هذه الصورة التي هي رمز تصلح ألن يرمز بها إلى أي‬
‫واحد من الفردين‪ ،‬وهذا ال يرد عليه شيء من اإلشكاالت السابقة‪.‬‬
‫أما إشكال الفرد المردد‪ :‬فألن عنوان (أحدهما) ليس فرداً مردداً‪ ،‬واقعاً‪،‬‬
‫وإنما هو رمز يمكن أن يرمز به إلى هذا الفرد بتمامه‪ ،‬ويمكن أن يرمز إلى‬
‫ذاك الفرد بتمامه‪.‬‬
‫وأما إشكال‪ :‬أننا نعلم بأن الجامع والجزء المشترك ال يوجد اال في ضمن‬
‫الجزئي‪ ،‬وفي ضمن القشور الفردية‪ ،‬فألن العلم لم ينصب هنا على الجامع‪،‬‬
‫انصب على صورة رمزية‪ ،‬يمكن أن يرمز بها إلى أي واحد من‬
‫ّ‬ ‫وإنما‬
‫الفردين بقشوره‪.‬‬
‫الحد الشخصي الواقع‪ ،‬هل هو داخل تحت الصورة‬
‫وأما إشكال أن ّ‬
‫اإلجمالية مردداً‪ ،‬أو معيناً؟ فاألول غير معقول‪ ،‬والثاني يلزم منه انقالب العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪3 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحد‬
‫اإلجمالي إلى العلم التفصيلي‪ ،‬فألننا ال ندعي كون مصب العلم هو ّ‬
‫الشخصي والواقع‪ ،‬بل مصبّه هو عنوان (أحدهما)‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه هو واقع المطلب الذي اختلفت التعابير عنه فيمكن أن‬
‫يعبّر عنه بالفرد المردد‪ ،‬ويمكن أن يعبّر عنه (بالجامع) كما يمكن أن يعبّر‬
‫عنه بالواقع‪ ،‬فإن هذا الرمز بطبيعته له مرونة‪ ،‬فيمكن أن يرمز به إلى هذا‬
‫الفرد‪ ،‬أو إلى ذاك الفرد‪ ،‬وفي نفس الوقت ال يمكن أن يرمز به إلى الفردين‬
‫معاً بنحو (المجموعية) بل يرمز به إلى كل واحد منهما على سبيل البدل‬
‫عيناً‪ ،‬ألنه أمر اعتباري‪ ،‬قابل لورود األحوال الكثيرة عليه‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ناقش ما ذكره المحقق العراقي(قده)‬
‫وحاصلها‪:‬‬
‫أما أوالً‪ :‬فألن ما ذكره (قده) من أن متعلق العلم اإلجمالي هو (الفر المعيّن‬
‫في الواقع) كمتعلق العلم التفصيلي فال يرجع إلى معنى صحيح‪ ،‬وذلك ألنه‬
‫(قده) إن أراد بذلك أن العلم اإلجمالي تعلق بالفرد المعين في الخارج‪،‬‬
‫مباشرة‪ ،‬فهذا مستحيل‪ ،‬ألن العلم اإلجمالي من الصفات النفسانية‪ ،‬فيستحيل‬
‫أن يتعلق بالخارج مباشرة‪ ،‬بل البد من أن يكون تعلقه به بواسطة مفهوم‬
‫ذهني‪ ،‬وصورة نفسانية‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء‪3 :‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإن أراد به‪ :‬عنوان (أحدهما) فيرد عليه‪ :‬مضافاً إلى أنه ليس بفرد معين‪ ،‬بل‬
‫هو عنوان جامع مردد بين فردين‪ ،‬أنه متعيّن في أفق الذهن‪ ،‬ال في الواقع‪،‬‬
‫كما هو صريح كالمه (قده)‪.‬‬
‫وأما ثانياً‪ :‬أن ما ذكره(قده) من أن الفرق بين العلم اإلجمالي والعلم‬
‫التفصيلي‪ ،‬إنما هو في نفس العلم ال في المعلوم فهو غريب جداً‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪6‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحوث السابقة‪ ،‬في التفاسير التي ذكرها العلماء لحقيقة‬
‫العلم اإلجمالي من أن متعلق العلم اإلجمالي هو الفرد المردد‪ ،‬أو أن متعلق‬
‫العلم اإلجمالي هو الجامع الذاتي أو ان المتعلق العلم اإلجمالي هو فرد‬
‫المعين في الواقع‪ ،‬على أقوال‪ ،‬وغير هذه األقوال‪ ،‬أما المحقق العراقي(قده)‬
‫كان رأي هو تفسير ثالث‪ ،‬ذكر أن العلم اإلجمالي هو ما تعلق بالفرد معين‬
‫في الواقع‪ ،‬في كالمه(قده) هناك أمور ثالثة‪ :‬تقدم الكالم فيه‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ناقش ما ذكره المحقق العراقي(قده)‬
‫وحاصلها‪:‬‬
‫أما أوالً‪ :‬فألن ما ذكره (قده) من أن متعلق العلم اإلجمالي هو (الفر المعيّن‬
‫في الواقع) كمتعلق العلم التفصيلي فال يرجع إلى معنى صحيح‪ ،‬وذلك ألنه‬
‫(قده) إن أراد بذلك أن العلم اإلجمالي تعلق بالفرد المعين في الخارج‪،‬‬
‫مباشرة‪ ،‬فهذا مستحيل‪ ،‬ألن العلم اإلجمالي من الصفات النفسانية‪ ،‬فيستحيل‬
‫أن يتعلق بالخارج مباشرة‪ ،‬بل البد من أن يكون تعلقه به بواسطة مفهوم‬
‫ذهني‪ ،‬وصورة نفسانية‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪6‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإن أراد به‪ :‬عنوان (أحدهما) فيرد عليه‪ :‬مضافاً إلى أنه ليس بفرد معين‪ ،‬بل‬
‫هو عنوان جامع مردد بين فردين‪ ،‬أنه متعيّن في أفق الذهن‪ ،‬ال في الواقع‪،‬‬
‫كما هو صريح كالمه (قده)‪.‬‬
‫وأما ثانياً‪ :‬أن ما ذكره(قده) من أن الفرق بين العلم اإلجمالي والعلم‬
‫التفصيلي‪ ،‬إنما هو في نفس العلم ال في المعلوم فهو غريب جداً‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫ضرورة‪ :‬أن العلم في طرف النقيض مع الجهل فال يعقل أن يكون نفس‬
‫العلم بما هو انكشاف مشوب باإلجمال‪ ،‬والجهل والترديد‪ ،‬ألن االجمال في‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬ليس في المعلوم بالذات الذي هو عبارة عن الصورة العلمية‬
‫القائمة بالنفس‪ ،‬أي عنوان أحدهما‪ ،‬وال يتصور اإلجمال فيها‪.‬‬
‫بل االجمال إنما هو في انطباق المعلوم بالذات على المعلوم بالعرض في‬
‫الخارج‪ ،‬باعتبار أنه غير معيّن فيه‪ ،‬بل مردد بين هذا الفرد وذاك الفرد‪.‬‬
‫وعلى هذا فلعل مراده(قده) من أن متعلق العلم اإلجمالي هو افراد المعين‬
‫في الواقع ثبوتاً‪ ،‬وإن كان غير معيّن إثباتاً‪ ،‬ال أنه أراد بالمعيّن في الواقع ثبوتاً‬
‫وإثباتاً‪ ،‬ألنه خالف الضرورة والوجدان‪.‬‬
‫أقول‪ :‬نعم‪ ،‬وهذا هو مقصوده (قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪6‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومن هنا يظهر‪ :‬أن مراده (قده) من عدم الفرق بين متعلق العلم اإلجمالي‬
‫ومتعلق العلم التفصيلي‪ ،‬إنما هو في مقام الثبوت والواقع‪ ،‬وأنه الفرد في‬
‫كليهما معاً‪ ،‬ال أنه ال فرق بينهما حتى في مقام اإلثبات؟‬
‫وأما ثالثاً‪ :‬أن ما ذكره(قده) من أن المتعلق للعلم اإلجمالي‪ ،‬لو كان هو‬
‫(الجامع) فهو ال ينطبق على الفرد في الواقع بح ّده الفردي‪ ،‬وخصوصياته‬
‫وقشوره‪ ،‬وإنما ينطبق على الحيثية المشتركة بين األفراد‪ ،‬فهو غير معقول‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫إذ فيه‪ :‬أن ما ذكر يتم في الجامع الذاتي المنتزع من الحيثية المشتركة بين‬
‫األفراد‪ ،‬وال يتم في الجامع العرضي المنتزع من الفردي‪ ،‬كعنوان المصداق‬
‫والفرد والشخص‪.‬‬
‫ال‪ :‬إذا علم اإلنسان بنجاسة أحد اإلناءين‪ ،‬فالمعلوم باإلجمال هو نجاسة‬
‫مث ً‬
‫أحدهما‪ ،‬المعين في الواقع‪ ،‬وفي نفس األمر‪ ،‬والمجهول عندنا‪ ،‬ومن هنا‬
‫يخترع العقل عنوان أحدهما ويستخدمه لإلشارة إلى ما هو نجس في الواقع‪،‬‬
‫فيكون المعلوم بالذات عنوان (أحدهما) في عالم الذهن‪ ،‬ويكون المعلوم‬
‫بالعرض هو واقعه في الخارج‪ ،‬المردد عندنا بين هذا الفرد وذاك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪6‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أن ما ذكره (قده) من الرد على المحققين إنما يتم في الجامع‬
‫الذاتي دون العرضي االختراعي‪.‬‬
‫فالصحيح أن يقال‪ :‬إن العلم اإلجمالي متعلق بالجامع العرضي االختراعي‬
‫بحده‬
‫االعتباري‪ ،‬وهو عنوان (أحدهما) القابل لالنطباق على الفرد الخارجي ّ‬
‫الفردي وبخصوصياته‪ ،‬وإنما اضطررنا إلى اعتبار هذا العنوان في متعلق العلم‬
‫اإلجمالي واختراعه بلحاظ عدم تمكن تعلق العلم اإلجمالي بالواقع‬
‫تردده بين الفردين عندنا‪ .‬فالفرق بين العلم‬
‫الخارجي مباشرة من جهة ّ‬
‫اإلجمالي والتفصيلي‪ ،‬هو أن متعلق العلم التفصيلي هو صورة الواقع‬
‫الخارجي المعيّن‪ ،‬المتولدة في الذهن‪ ،‬ومتعلق العلم اإلجمالي هو الصورة‬
‫المتولدة والمخترعة من الواقع الخارجي المردد‪ ،‬والمعبر عنه بالجامع‬
‫االختراعي‪ ،‬فمتعلق العلم التفصيلي صورة الواقع‪ ،‬ومتعلق العلم اإلجمالي‬
‫صورة الجامع وهو عنوان أحدهما‪ .‬ومن المعلوم أنه ال فرق بينهما من حيث‬
‫االنطباق على الفرد بخصوصياته الفردية‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في األقوال واالتجاهات‪ ،‬في تفسير حقيقة العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ما ذكره شيخنا األستاذ (دام ظله) تأييداً لكالم السيد الشهيد(قده) تام‬
‫ال غبار عليه وهو مقصود المحقق العراقي(قده) أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪6‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الكالم في الجهة الثانية‪:‬‬


‫وهي منجزية العالم العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪7‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعد أن انتهينا من الكالم في الجهة األولى من الجهات األربع التي عقدنا‬


‫البحث فيها كان الكالم في الجهة األولى في حقيقة العلم اإلجمالي وذكرنا‬
‫تفاسير العلماء في هذه الحقيقة وقلنا هذه التفاسير كلها صحيحة في الواقع‪،‬‬
‫ويكون النظر إلى العلم اإلجمالي من جهات وزوايا مختلفة‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثانية‪:‬‬
‫وهي منجزية العالم العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‪.‬‬
‫ال إشكال بين األصوليين‪ :‬أن العلم اإلجمالي منجز بالنسبة إلى حرمة‬
‫المخالفة القطعية‪ ،‬ألن العقل يراه بياناً‪ ،‬كالعلم التفصيلي‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬لو علمنا إجماالً بنجاسة إناء بين إناءين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬فالعقل يحكم‬
‫بمنجزية العلم اإلجمالي‪ ،‬وحرمة مخالفة القطعية‪ ،‬بأن يستعملهما معاً‪.‬‬
‫ولكن وقع الخالف بينهم في أن تنجيزه لها‪ ،‬هل هو بنحو (العلية التامة) أو‬
‫بنحو االقتضاء؟ على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ما اختاره السيد الخوئي(قده) ومدرسة المحقق النائيني(قده)‬
‫تبعاً للمشهور وحاصله‪ :‬على ما في تقريرات شيخنا األستاذ (دام ظله) أن‬
‫جعل الترخيص في تمام أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬بإتيان الجميع في الشبهة‬
‫التحريمية‪ ،‬أو ترك الجميع في الشبهة الوجوبية‪ ،‬يؤدي إلى الترخيص في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪7‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال‪ ،‬ألنه هتك للمولى‪ ،‬وظلم في حقه‪ ،‬فال يمكن‬


‫ترك الجامع القبيح عق ً‬
‫صدوره من المولى الحكيم‪.‬‬
‫وهذا معنى كون العلم اإلجمالي علة تامة للتنجيز‪ ،‬بالنسبة إلى حرمة‬
‫المخالفة القطعية العملية‪ ،‬ألن الترخيص في تمام األطراف‪ ،‬ترخيص في‬
‫المخالفة القطعية للمولى‪ ،‬والتمرد على حق الطاعة‪ ،‬بل يؤدي إلى إيجاد‬
‫المعصية وهو يستحيل صدوره من المولى‪ ،‬ألنه ظلم وقبيح بحكم العقل‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬إنه يعتبر في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى‪ ،‬أن يكون‬
‫المكلف عالماً بالمخالفة حين العمل‪ ،‬وذلك أن القبيح هو عصيان المولى‬
‫وهو ال يتحقق وال يحصل إال ّ مع العلم بالمخالفة حين العمل‪ ،‬والمقام ليس‬
‫كذلك‪ ،‬إذ المكلف ال علم له بالمخالفة حين ارتكاب كل واحد من‬
‫األطراف في الشبهة التحريمية‪ ،‬الحتمال أن يكون التكليف في الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬غاية األمر أنه بعد ارتكاب جميع األطراف يحصل له العلم‬
‫بالمخالفة‪ ،‬ومن المعلوم أن تحصيل أو حصول العلم بالمخالفة الحقاً ليس‬
‫ال ما هو مشكوك الحرمة بالشك البدوي‬
‫حراماً‪ ،‬ولهذا لو ارتكب المكلف مث ً‬
‫تمسكاً بأصالة البراءة‪ ،‬ال مانع له بعد ذلك من تحصيل العلم بحرمة ما فعله‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪7‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كما لو حصل له العلم بالحرمة‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬من سؤال المعصوم(ع) أو بغيره‬
‫من الطرق‪.‬‬
‫وهذا غاية ما قيل في وجه جواز المخالفة القطعية العملية المذكورة‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬إن هذا الكالم بعيد عن التحقيق‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه ال يعتبر في حكم العقل بقبح مخالفة المولى‪ ،‬اال وصول‬
‫ال‪ ،‬وهو‬
‫التكليف من حيث الكبرى‪ ،‬وهي علمه بحرمة شرب الخمر مث ً‬
‫متحقق‪.‬‬
‫ومن حيث الصغرى‪ :‬وهي علمه بتحقق الخمر خارجاً‪ ،‬وهو حاصل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ عقاباً بال بيان‪.‬‬ ‫وبذلك يتم البيان‪ ،‬فال يكون العقاب على المخالفة‬
‫وأما تردد الخمر بين مائعين أو أكثر‪ ،‬فال دخل له في موضوع حكم العقل‬
‫بقبح المخالفة‪.‬‬
‫والشاهد على ذلك هو الوجدان ومراجعة العقالء حيث ال يرى فرقاً في‬
‫الحكم بالقبح بين ما إذا عرف العبد ابن المولى بشخصه فقتله‪ ،‬وبين ما إذا‬
‫علم به إجماالً بين عدة أشخاص‪ ،‬فقتلهم جميعاً‪ ،‬ثم علم ال حقاً بقتله‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن المعتبر في حكم العقل بقبح المخالفة للمولى إنما هو وصول‬
‫ال‪.‬‬
‫التكليف‪ ،‬وأما تمييز المكلف به‪ ،‬فال دخل له في الحكم المذكور أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪7‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ولذلك‪ ،‬ال ريب في حكم العقل بقبح المخالفة‪ ،‬بارتكاب جميع األطراف‬
‫دفعة‪ ،‬كما إذا نظر إلى امرأتين يعلم بحرمة النظر إلى إحداهما‪ ،‬مع أن متعلق‬
‫التكليف غير مميز‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد أورد على مختار المشهور‪ ،‬ومنهم المحقق‬
‫النائيني‪ ،‬والسيد الخوئي(قدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده) من علية العلم اإلجمالي‬
‫لحرمة المخالفة القطعية؛ ألن في جعل الترخيص الشرعي الظاهري في تمام‬
‫أطرافه يكون عصياناً قطعياً للمولى‪ ،‬وهو قبيح وممتنع على الشارع‪ ،‬وبذلك‬
‫ال‪ ،‬وتركاً‪.‬‬
‫تحرم المخالفة القطعية‪ ،‬بالترخيص لجميع األطراف‪ ،‬فع ً‬
‫ويستبطن دعوى‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪9‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الثانية في منجزية العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة‬


‫القطعية العملية وهذه المنجزية ال خالف فيها بين األصوليين‪ ،‬اال انه وقع‬
‫الخالف في أن هذه المنجزية هل هي على نحو العلية التامة بحيث ال يكون‬
‫ال‬
‫ال أو أنها تكون على نحو االقتضاء بحيث يكون قاب ً‬
‫ال لالرتفاع أص ً‬
‫قاب ً‬
‫لالرتفاع‪ ،‬ذكرنا أن العلماء في هذه المسألة على قولين‪ :‬تقدم الكالم في‬
‫القول األول الذي تبناه السيد الخوئي وكذلك المحقق النائيني(قدهما) هذه‬
‫المنجزية تكون على نحو علية تامة دون االقتضاء‪ ،‬وقد اسحبنا الكالم في‬
‫وجه ذلك‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) فقد أورد على مختار المشهور‪ ،‬ومنهم المحقق‬
‫النائيني‪ ،‬والسيد الخوئي(قدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده) من علية العلم اإلجمالي‬
‫لحرمة المخالفة القطعية؛ ألن في جعل الترخيص الشرعي الظاهري في تمام‬
‫أطرافه يكون عصياناً قطعياً للمولى‪ ،‬وهو قبيح وممتنع على الشارع‪ ،‬وبذلك‬
‫ال‪ ،‬وتركاً‪.‬‬
‫تحرم المخالفة القطعية‪ ،‬بالترخيص لجميع األطراف‪ ،‬فع ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪9‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ويستبطن دعوى‪ :‬أن حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية أي‪ :‬منجزية العلم‬
‫اإلجمالي لها حكم تنجيزي‪ ،‬ال تعليقي‪ ،‬واال كان الترخيص الشرعي رافعاً‬
‫لموضوع العصيان والقبح‪.‬‬
‫ومن الواضح أن إثبات التنجيزية في الحكم العقلي البد وأن يكون على‬
‫أساس افتراض خصوصية فيه تمنع عن إمكان رفعه من قبل الشارع‬
‫بالترخيص‪ ،‬وهذه الخصوصية يمكن أن تكون أحد األمور التالية بالتحليل‪.‬‬
‫األول‪ :‬خصوصية مولوية المولى التي قلنا بأنها ليست مجعولة من قبل‬
‫جاعل‪ ،‬بل هي مولوية ذاتية‪ ،‬يدركها العقل‪ ،‬وروحها ومالكها‪ ،‬كونه سيداً‬
‫وله حق الطاعة على عباده‪.‬‬
‫وهذه الخصوصية ال إشكال في ذاتيتها‪ ،‬وامتناع ارتفاعها‪ ،‬على حد ارتفاع‬
‫وجوب الوجود عنه تعالى‪.‬‬
‫اال ّ أن الترخيص الشرعي ليس رفعاً لها‪ ،‬بل رفع لموردها‪ ،‬أي‪ :‬اعمال‬
‫للمولوية‪ ،‬وتقديم جانب األهم من المالكات الواقعية على غيره‪ ،‬فال يقدح‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬خصوصية قبح ظلم المولى وهتكه والخروج عن قوانين الرقية‬
‫والعبودية‪ ،‬بالنسبة إليه تعالى‪ ،‬بالعصيان وعدم الطاعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪9‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهذه الخصوصية أيضاً ذاتية بمعنى أن قبح هتك المولى أمر ذاتي يستقل به‬
‫العقل‪.‬‬
‫اال ّ أن هذا الهتك غير حاصل في المقام‪ ،‬فإن االرتكاب والمخالفة مستند‬
‫إلى الترخيص من قبل المولى نفسه‪ ،‬وبذلك ال يكون خروجاً على المولى‪،‬‬
‫بل على العكس يكون انقياداً وموافقة لقرار المولى‪ ،‬وتشريعه الذي اتخذه‬
‫نتيجة المتزاحم بين مالكات التشريع اإللزامية والترخيصية‪ ،‬في مقام الحفظ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬دعوى أن العقل يمنع المولى نفسه من أن يعمل مولويته في مقام‬
‫التزاحم الحفظي‪ ،‬وتقديم جانب المصالح الترخيصية‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫ولكن من الواضح أن هذه الخصوصية‪ ،‬بل الدعوى غير مقبولة أص ً‬
‫وذلك‪ :‬ألن معنى ذلك هو تضييق وتحديد مولوية المولى‪ ،‬وعدم احترامها‬
‫ال‪ ،‬والحال أن حرمة المخالفة القطعية العملية‪ ،‬إنما يكون على أساس‬
‫عق ً‬
‫ال‪ ،‬وعدم هتكه في موارد حق الطاعة‪.‬‬
‫احترام مولوية المولى عق ً‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن بهذا التحليل العقلي ظهر أن الحكم العقلي بحرمة المخالفة‬
‫القطعية مطلقا إنما هو حكم تعليقي‪ ،‬ومعلق ومنوط‪ ،‬بعدم استناد المخالفة‬
‫إلى ترخيص الشارع نفسه‪ ،‬وليس بحكم تنجيزي‪ ،‬وأما إذا رخص الشارع‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪9‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بالمخالفة‪ ،‬فيرتفع الحكم بحرمة المخالفة بترخيص الشارع‪ ،‬وإعمال مولويته‬


‫في مقام التزاحم الحفظي‪.‬‬
‫غاية األمر‪ :‬أن الترخيص المذكور ال يعقل في موارد العلم التفصيلي‪ ،‬من‬
‫جهة عدم معقولية التزاحم الحفظي فيها‪ ،‬بحسب نظر العالم والقاطع‪ ،‬كما‬
‫تقدم في محله من لزوم اجتماع الضدين‪ ،‬أو اجتماع النقيضين؛ حيث إن‬
‫القاطع يقطع بوجود المالك هنا‪ ،‬والترخيص يقول بكون المالك ليس هنا‪.‬‬
‫وأما في موارد الشك واالشتباه لو كانت الشبهة مقرونة بالعلم اإلجمالي‬
‫فيكون الترخيص المذكور معقوالً‪ ،‬لعدم لزوم المحذور المذكور ولعدم‬
‫القطع‪.‬‬
‫وعلى تقدير ثبوت الترخيص‪ ،‬يكون رافعاً لموضوع الحكم العقلي بحرمة‬
‫المخالفة القطعية‪ ،‬وهذا معنى كون منجزيته على نحو االقتضاء والتعليق‪،‬‬
‫دون العلية التامة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال وجه للقول بكون منجزية العلم اإلجمالي إنما هو بنحو (العلية‬
‫التامة) لحرمة المخالفة القطعية العملية‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪10‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الثانية‪ ،‬في أن منجزية العلم اإلجمالي لحرمة مخالفة‬
‫العملية‪ ،‬هل يكون على نحو علية التامة أو على نحو االقتضاء‪ ،‬ذكرنا في‬
‫المسألة قوالن‪:‬‬
‫القول األول اختاره مدرسة المحقق النائيني(قده) حيث ذهبوا إلى أن‬
‫منجزية العلم اإلجمالي تكون على نحو علية تامة‪ ،‬وهذا هو المعروف‬
‫والمشهور بين العلماء‪ ،‬وذكرنا استدالل السيد الخوئي(قده) على المقام‪ ،‬ثم‬
‫تعرضنا وذكرنا إلى رد السيد الشهيد (قده) في البحث السابق‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) افاد في رد مقالة المشهور ومنهم المحقق‬
‫النائيني والسيد الخوئي(قدهما) وتأييداً لمقالة المحقق اآلخوند والسيد‬
‫الشهيد(قدهما) كالماً؛ وحاصله‪ :‬أن حكم العقل بقبح معصية المولى‬
‫ومخالفته‪ ،‬ليس حكماً تنجيزياً بل هو حكم معلق على ثبوت موضوعه في‬
‫المرتبة السابقة وهو ثبوت حق الطاعة للمولى‪ ،‬فإذا لم يثبت الموضوع‪ ،‬لم‬
‫يثبت الحكم‪ ،‬وهذا هو معنى التعليق‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا رخص المولى في ارتكاب أطراف العلم اإلجمالي فمعناه عدم‬
‫ثبوت حق الطاعة له على العبد في المرتبة السابقة وعندئذ فال حكم للعقل‬
‫ال‪ ،‬سالبة بانتفاء الموضوع‪ ،‬وهذا هو معنى أن تنجيز العلم‬
‫بالقبح أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪10‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية العملية‪ ،‬ال يكون بنحو (العلية التامة)‬
‫ضرورة أنه معلق على عدم إذن المولى‪ ،‬وترخيصه في المخالفة‪.‬‬
‫وأما مع اإلذن والترخيص في المخالفة‪ ،‬فال يكون في ارتكاب أطراف العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬مخالفة للمولى‪ ،‬بل فيه موافقة إلذنه وترخيصه فيه‪ .‬فإذاً‪ :‬ينتفي‬
‫حكم العقل بالقبح‪ ،‬بانتفاء موضوعه‪.‬‬
‫ثم إنه ال فرق بين العلم اإلجمالي والعلم التفصيلي من هذه الناحية‪ ،‬وهي‬
‫تعليقية حكم العقل بقبح المعصية‪ ،‬وحسن الطاعة‪.‬‬
‫نعم يفترقان من ناحية أخرى وهي‪ :‬أنه ال يمكن ردع العالم بالعلم التفصيلي‬
‫عن علمه؛ ألن الترخيص بالترك يتجه إلى نفس المعلوم‪ ،‬مع أن العلم بعدم‬
‫الترخيص بالترك (وجوب الفعل) أيضاً متوجه إلى نفس المعلوم‪ ،‬ولهذا‬
‫يكون المورد‪ ،‬بنظر العالم القاطع‪ ،‬تهافتاً وتناقضاً‪.‬‬
‫وأما في العلم اإلجمالي‪ ،‬فبما ان الترخيص فيه ال يتجه إلى نفس المعلوم‪،‬‬
‫بل يتجه إلى أطرافه المشكوكة‪ ،‬فال يكون بنظر العالم تهافتاً فيه‪ ،‬وال تناقضاً‬
‫وهو واضح‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في القول األول‪ ،‬أي كون منجزية العلم اإلجمالي بنحو‬
‫العلية التامة وهو المشهور ورده‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪10‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وما اختاره األستاذ والسيد الشهيد هو الصحيح‪.‬‬


‫القول الثاني‪ :‬وهو أن منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة‬
‫القطعية العملية‪ ،‬تكون على نحو االقتضاء‪ ،‬دون العلية‪.‬‬
‫وقد اختار هذا القول‪ ،‬المحقق الخراساني(قده) وتبعه على ذلك السيد‬
‫الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ(دام ظله) كما ظهر مما تقدم‪.‬‬
‫وقد قرب المحقق الخراساني(قده) هذا القول ببيان مقدمتين‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬أن موضوع الحكم الظاهري والترخيص الذي هو الشك‬
‫والجهل محفوظ في كل طرف من أطراف العلم اإلجمالي بال استثناء‪،‬‬
‫ولهذا ال مانع من جعله الترخيص في كل طرف من أطرافه من هذه الناحية‪.‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن التكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬حيث إنه غير منكشف تمام‬
‫االنكشاف‪ ،‬فال يكون فعلياً من جميع الجهات‪ ،‬فإذا لم يكن كذلك فال‬
‫مضادة بينه وبين الحكم الظاهري‪ ،‬ألن المضادة إنما هي بين حكمين‬
‫فعليين‪ ،‬وأما إذا كان أحدهما فعلياً من تمام الجهات واآلخر غير فعلي‬
‫كذلك‪ ،‬فال مضادة بينه وبين الحكم الظاهري‪ ،‬ألن المضادة إنما هي بين‬
‫حكمين فعليين‪ ،‬وأما إذا كان أحدهما فعلياً من تمام الجهات‪ ،‬واآلخر غير‬
‫فعلي كذلك‪ ،‬فال مضادة بينهما‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪10‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أنه ال مانع من جعل الحكم الظاهري الترخيصي في أطراف العلم‬


‫اإلجمالي‪ ،‬ألن موضوعه محفوظ في كل طرف من أطرافه‪ ،‬والمضادة بينه‬
‫وبين الحكم الواقعي المعلوم باإلجمال غير موجودة‪ ،‬حتى تمنع من جعل‬
‫الترخيص‪.‬‬
‫ويؤيد ذلك‪ :‬جعل الترخيص في الشبهات غير المحصورة‪ ،‬وكذلك في‬
‫الشبهات البدوية‪ ،‬مع أن احتمال اجتماع الضدين‪ ،‬كالقطع به مستحيل‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن التكليف المعلوم باإلجمال إذا كان فعلياً من تمام الجهات‪،‬‬
‫كان العلم اإلجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية العملية‪ ،‬بل لوجوب‬
‫الموافقة كذلك‪ ،‬فال يمكن جعل الحكم الظاهري الترخيصي معه‪ ،‬ألن‬
‫احتمال اجتماع الضدين مستحيل كالقطع به‪.‬‬
‫وأما إذا لم يكن التكليف المعلوم باإلجمال فعلياً من جميع الجهات كان‬
‫العلم اإلجمالي منجزاً بنحو االقتضاء‪ ،‬فال يمنع من جعل الحكم الظاهري‬
‫ال عن بعضها‪.‬‬
‫الترخيصي في جميع أطرافه‪ ،‬فض ً‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد اعترض على مقالة المحقق الخراساني (قده)‬
‫وحاصله‪... :‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الثانية‪ ،‬في منجزية العلم االجمالي في حرمة مخالفة‬
‫القطعية العملية‪ ،‬وأن هذه المنجزية هل تكون على علية التامة‪ ،‬كما ذهب‬
‫إليه مدرسة المحقق النائيني‪ ،‬وقد ناقش هذا القول السيد الشهيد(قده)‬
‫وشيخنا األستاذ (دام ظله) بما ال مزيد عليه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إن منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‬
‫العملية‪ ،‬تكون على نحو االقتضاء‪ ،‬دون العلية‪.‬‬
‫وقد اختار هذا القول‪ ،‬المحقق الخراساني(قده) وتبعه على ذلك السيد‬
‫الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله) كما ظهر مما تقدم‪.‬‬
‫وعلى نحو االختصار؛ ذكرنا أن المحقق الخراساني مهد مقدمتين‪ :‬في‬
‫األولى قال‪ :‬أن موضوع الحكم الظاهري والترخيص الذي هو الشك‬
‫والجهل محفوظ في كل طرف من أطراف العلم اإلجمالي بال استثناء‪،‬‬
‫ولهذا ال مانع من جعله الترخيص في كل طرف من أطرافه من هذه الناحية‪.‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن التكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬حيث إنه غير منكشف تمام‬
‫االنكشاف‪ ،‬فال يكون فعلياً من جميع الجهات‪ ،‬فإذا لم يكن كذلك فال‬
‫مضادة بينه وبين الحكم الظاهري‪ ،‬ألن المضادة إنما هي بين حكمين‬
‫فعليين‪ ،‬وأما إذا كان أحدهما فعلياً من تمام الجهات واآلخر غير فعلي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كذلك‪ ،‬فال مضادة بينه وبين الحكم الظاهري‪ ،‬ألن المضادة إنما هي بين‬
‫حكمين فعليين‪ ،‬وأما إذا كان أحدهما فعلياً من تمام الجهات‪ ،‬واآلخر غير‬
‫فعلي كذلك‪ ،‬فال مضادة بينهما‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه ال مانع من جعل الحكم الظاهري الترخيصي في أطراف العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬ألن موضوعه محفوظ في كل طرف من أطرافه‪ ،‬والمضادة بينه‬
‫وبين الحكم الواقعي المعلوم باإلجمال غير موجودة‪ ،‬حتى تمنع من جعل‬
‫الترخيص‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد اعترض على مقالة المحقق الخراساني (قده)‬
‫وحاصله‪ :‬أن ما ذكره (قده) هنا مبني على ما ذكره في مسألة الجمع بين‬
‫الحكم الظاهري والواقعي‪ ،‬من أن الحكم الواقعي ليس فعلياً من جميع‬
‫الجهات‪ ،‬مع عدم العلم التفصيلي به‪ ،‬فال منافاة بينه وبين الحكم الظاهري‪،‬‬
‫لعدم كونهما في مرتبة واحدة‪ ،‬فإن الحكم الظاهري فعلي‪ ،‬والحكم واقعي‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫إنشائي‬
‫وعلى هذا األساس التزم في المقام بإمكان جعل الترخيص في أطراف العلم‬
‫اإلجمالي بالتكليف االلزامي من الوجوب أو الحرمة‪ ،‬لعدم المنافاة بين‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحكم المعلوم باإلجمال‪ ،‬حيث هو في مرتبة اإلنشاء‪ ،‬دون الفعلية‪ ،‬لعدم‬


‫انكشافه تمام االنكشاف‪ ،‬ليكون فعلياً منجزاً‪ .‬هذا‪.‬‬
‫ولكن المبنى المذكور مما ال أساس له‪ ،‬ألن العلم ال دخل له في فعلية‬
‫الحكم‪ ،‬وإنما هو شرط لتنجزه‪ ،‬وقد ذكرنا غير مرة من أنه ليس للحكم اال‬
‫مرتبتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬مرتبة الجعل وإنشاء الحكم للموضوع المقدر وجوده على نحو‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫القضية الحقيقية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ « :‬هلل َعلَى النَّاس ح ُّج ال ْبَيْت َم ِن ْاست َ َط َ‬
‫اع‬
‫ِإلَي ْ ِه َسبِي ً‬
‫ال(‪»)1‬‬
‫واألخرى‪ :‬مرتبة الفعلية‪ ،‬وهي عبارة عن فعلية الحكم بتحقق موضوعه في‬
‫ال‪.‬‬
‫الخارج‪ ،‬كما لو حصلت االستطاعة للمكلف‪ ،‬من دون دخل للعلم به أص ً‬
‫غاية األمر‪ :‬أن العلم دخيل في تنجز التكليف‪ ،‬فال يصح العقاب على‬
‫المخالفة اال مع العلم بالتكليف‪ .‬والثمرة‪ :‬فيما لو كان مستطيعاً‪ ،‬وهو ال يعلم‪،‬‬
‫ثم مات وجب إخراج تكلفة الحج من أصل تركته بعد انكشاف االستطاعة؛‬
‫لفعلية الحكم بفعلية موضوعه‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن فعلية الحكم تابعة لفعلية موضوعه‪ ،‬وليس العلم مأخوذاً في‬
‫موضوع الحكم‪ ،‬حتى تكون فعلية الحكم متوقفة عليه‪ ،‬وذلك‪ :‬لما دل عليه‬

‫(‪ )1‬آل عمران‪ ،‬اآلية‪97 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الدليل من اشتراك التكليف بين العالم والجاهل مضافاً إلى ما تقدم من عدم‬
‫إمكان أخذ العلم بالحكم في موضوعه‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن ما ذكره صاحب الكفاية (قده) ال يفيد في الجمع بين الحكم‬
‫الواقعي والظاهري‪ ،‬وال في إثبات إمكان الترخيص في أطراف العلم‬
‫ال في فعلية الحكم‪ ،‬وقد عرفت‬
‫اإلجمالي لكونه مبنياً على كون العلم دخي ً‬
‫ال‪.‬‬
‫عدم دخله فيها أص ً‬
‫والصحيح‪ :‬عدم إمكان جعل الترخيص في تمام أطراف العلم اإلجمالي‬
‫وقياس المقام بالشبهات البدوية‪ ،‬والشبهات غير المحصورة مع الفارق‪،‬‬
‫وتفصيله‪ ،‬موكول إلى محله‪ .‬هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫ثم إن السيد الشهيد(قده) وكذا شيخنا األستاذ(دام ظله) قد اكتفيا في المقام‬
‫بما تقدم منهما من المناقشة ألصل ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني(قده)‬
‫ولم يتعرضا لمنا قشة ما ذكره السيد الخوئي(قده) رداً على المحقق‬
‫الخراساني (قده) وسوف يأتي بعض المناقشات في مسألة الجمع بين‬
‫الحكم الواقعي والظاهري‪.‬‬
‫نعم ذكرا بعض االعتراض على استدالل المحقق الخراساني (قده) ولكن‬
‫نحيل تفصيل ذلك إلى روايات الالحقة إن شاء هلال تعالى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في الجهة الثالثة‪:‬‬


‫وهي منجزية العلم اإلجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫ويقع الكالم في موردين‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬في أصل تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية‬
‫العملية بمعنى عدم إمكان الرجوع إلى األصل العملي في شيء من أطرافه‪،‬‬
‫فيجب االتيان بجميع األطراف في (الشبهة الوجوبية) واالجتناب عنها في‬
‫(الشبهة التحريمية)‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬بعد الفراغ عن تنجيزه له فهل التنجيز يكون بنحو االقتضاء‪،‬‬
‫أو بنحو العلية التامة؟‬
‫أما الكالم في المورد األول (في أصل تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب‬
‫الموافقة) المشهور بين األصوليين أن العلم اإلجمالي يكون منجزاً لوجوب‬
‫الموافقة القطعية العملية‪ ،‬كتنجيزه لحرمة المخالفة القطعية العملية بال فرق‪،‬‬
‫وذهب إليه المحقق الخراساني(قده) كما ذهب إليه المحقق النائيني(قده)‬
‫في دورته األولى‪ ،‬على ما في تقريرات المحقق الكاظمي(قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪13‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما السيد الخوئي (قده) فقد قيل‪ :‬إنه يظهر منه تبعاً ألستاذه النائيني(قده)‬
‫في أجود التقريرات أن العلم اإلجمالي ال يكون منجزاً لوجوب الموافقة‬
‫القطعية العملية‪.‬‬
‫وقد استدل المحقق النائيني(قده) على ذلك‪ :‬بأن العلم اإلجمالي إنما يتعلق‬
‫بالجامع أي وجوب إحدى صالتين‪ ،‬إما الظهر أو الجمعة‪ ،‬وهو الذي تم‬
‫عليه البيان‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪14‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في الجهة الثالثة من الجهات في مبحث العلم‬


‫االجمالي‪ ،‬الجهة األولى كانت في الحقيقة العلم االجمالي‪ ،‬الجهة الثانية في‬
‫منجزية العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة‪ ،‬الجهة الثالثة في منجزية العلم‬
‫االجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬وذكرنا في البحث‬
‫السابق أن الكالم يقع في موردين‪ ،‬المورد األول في أصل تنجيز العلم‬
‫االجمالي لوجوب موافقة القطعية العملية‪ ،‬معنى أنه ينجز وجوب موافقة‬
‫القطعية؛ أنه في أطراف العلم االجمالي ال يمكن الرجوع إلى االصول‬
‫المؤمنة‪ ،‬يجب االتيان بجميع األطراف العلم االجمالي في الشبهة الوجوبية‪،‬‬
‫لو علم إما بوجوب الصالة الظهر أو بوجوب الصالة الجمعة‪ ،‬فالبد من‬
‫اإلتيان بصالتين معا‪ ،‬هذا معنى منجزية العلم االجمالي لوجوب الموافقة‪،‬‬
‫وأما في موارد الشبهات التحريمية لو دار األمر بين أن هذا االناء مقصودا او‬
‫الثاني أو الثالث‪ ،‬فالبد من اإلجتناب عن الجميع‪،‬حتى تحصل الموافقة‪ ،‬هذا‬
‫معنى منجزية العلم االجمالي‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬بعد الفراغ عن تنجيزه له فهل التنجيز يكون بنحو االقتضاء‪،‬‬
‫أو بنحو العلية التامة؟‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪14‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في المورد األول (في أصل تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب‬
‫الموافقة) المشهور بين األصوليين أن العلم اإلجمالي يكون منجزا لوجوب‬
‫الموافقة القطعية العملية‪ ،‬كتنجيزه لحرمة المخالفة القطعية العملية بال فرق‪،‬‬
‫وذهب إليه المحقق الخراساني(قده) كما ذهب إليه المحقق النائيني(قده)‬
‫في دورته األولى‪ ،‬على ما في تقريرات المحقق الكاظمي(قده)‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي (قده) فقد قيل‪ :‬إنه يظهر منه تبعا ألستاذه النائيني(قده)‬
‫في أجود التقريرات أن العلم اإلجمالي ال يكون منجزا لوجوب الموافقة‬
‫القطعية العملية‪.‬‬
‫وقد استدل المحقق النائيني(قده) على ذلك‪ :‬بأن العلم اإلجمالي إنما يتعلق‬
‫بالجامع أي وجوب إحدى صالتين‪ ،‬إما الظهر أو الجمعة‪ ،‬وهو الذي تم‬
‫بحده ال يقتضي الجمع بين األطراف‪ ،‬بل‬
‫عليه البيان فهو المنجز‪ ،‬فالجامع ّ‬
‫يكفي في موافقته تطبيقه على أحد أفراده‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يقتضي العلم اإلجمالي بنفسه‪ ،‬وبالمباشرة‪ ،‬تنجيز وجوب الموافقة‬
‫القطعية‪ ،‬ولزوم االتيان بالصالتين معا‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إنما تكون منجزية بعد تساقط األصول المؤمنة‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن هذا العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬لما كان علة تامة لحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فال يمكن جعل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪14‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الترخيص لتمام األطراف‪ ،‬بإجراء (أصالة عدم وجوب الظهر‪ ،‬وكذا‬


‫الجمعة)‪ .‬وأما شمول دليل الترخيص لبعض األطراف ترجيح بال مرجح‪،‬‬
‫وهو قبيح‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فتساقط األصول المؤمنة بعد تعارضها في األطراف‪ ،‬فإذا سقط‬
‫األصل المؤمن في أطراف العلم اإلجمالي بالجامع‪ ،‬بقي احتمال التكليف‬
‫قائما في كل طرف بال مؤمن عن استحقاق العقاب‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن احتمال التكليف في كل طرف بال مؤمن عن العقاب‬
‫يكون منجزا ال محالة ألن احتمال التكليف يساوق احتمال العقاب‪.‬‬
‫وهذا معنى أن العلم اإلجمالي ال يقتضي بنفسه وجوب الموافقة القطعية‬
‫العملية‪ ،‬وإنما وجوب الموافقة مستند إلى منجزية االحتمال‪.‬‬
‫فسم ذلك باقتضاء العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة‬
‫ثم قال قده)‪ :‬إن شئت ّ‬
‫القطعية بالواسطة‪ ،‬ال بالمباشرة‪ ،‬حيث إنه اقتضى حرمة المخالفة‪ ،‬المقتضية‬
‫لتعارض األصول المؤمنة وتساقطها‪ ،‬المقتضي لبقاء االحتمال بال مؤمن‪،‬‬
‫وبالتالي تنجيزه لوجوب الموافقة‪ ،‬امتثاال لحق الطاعة‪ ،‬وخروجا عن عهدة‬
‫التكليف‪.‬‬
‫مختصر مفيد‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪14‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أن تنجيز الجامع يوجب تعارض األصول في األطراف وتساقطها‪ ،‬فإذا‬


‫تجب الموافقة القطعية‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الشهيد(قده)‪ :‬بأن هذا البيان‪ ،‬وإن كان يثبت منجزية‬
‫وجوب الموافقة باالحتمال‪ ،‬اال أن سقوط المؤمن إنما كان ببركة العلم‬
‫اإلجمالي ومن هنا صح أن يقال‪ :‬بأن العلم اإلجمالي منجز لوجوب الموافقة‬
‫القطعية العملية‪ ،‬وهناك اعتراض آخر على هذا القول‪ ،‬يأتي ال حقا‪ ،‬إن شاء‬
‫هّال تعالى‪.‬‬
‫وقد أجاب المحقق العراقي(قده)‪ :‬بجواب نقضي‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن القائل بعدم‬
‫اقتضاء العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬فالبد أن يلتزم‬
‫ويقول بجواز مخالفة أحد الطرفين –احتماال‪ -‬والحال أن المحقق‬
‫النائيني(قده) ال يقول بذلك‪ ،‬فيستكشف من ذلك‪ :‬منجزية العلم اإلجمالي‬
‫لوجوب الموافقة‪ ،‬ولو على نحو االقتضاء‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده) فقد ذهب إلى التفصيل وحاصل ما قاله (قده)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪15‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في عرض أقوال العلماء في مسألة منجزية العلم االجمالي‬


‫لوجوب موافقة القطعية العملية‪ ،‬تقدم الكالم في ما طرحه المحقق النائيني‬
‫(قده) في دورة األخيرة‪ ،‬وكذلك مناقشة السيد الشهيد(قده) لهذا القول‪،‬‬
‫وكذلك الجواب النقضي للمحقق العراقي (قده) على ذلك‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده) فقد ذهب إلى التفصيل وحاصل ما قاله (قده)‪ :‬فإن‬
‫قلنا بجريانها في جميع األطراف سقط العلم اإلجمالي عن التنجيز مطلقا‬
‫(للوجوب الحرمة)‪.‬‬
‫وإن قلنا بعدم جريانها في شيء من األطراف كان احتمال التكليف في كل‬
‫طرف بنفسه منجزاً‪ ،‬فال حاجة إلى البحث عن منجزية العلم اإلجمالي‪،‬‬
‫فتجب الموافقة وتحرم المخالفة‪.‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬بجريانها في بعض األطراف‪ ،‬لم تجب الموافقة‪ ،‬وإن حرمت‬
‫المخالفة‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد تعرض إلى هذه الجهة‪ ،‬وهي منجزية العلم‬
‫اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬وعدمها‪ ،‬في مقامين‪:‬‬
‫ال عن‬
‫األول‪ :‬بناءاً على المسلك المختار عنده من منجزية االحتمال‪ ،‬فض ً‬
‫العلم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪15‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثاني‪ :‬بناءاً على المسلك المشهور من قاعدة العقاب بال بيان‪.‬‬


‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬أي بناءاً على ما هو الصحيح على مسلكه من‬
‫منجزية االحتمال‪.‬‬
‫ال عن العلم اإلجمالي‪،‬‬
‫نقول‪ :‬ال إشكال في منجزية االحتمال عندنا‪ ،‬فض ً‬
‫وعليه‪ :‬فال إشكال في أصل لزوم الموافقة القطعية‪ ،‬إذ نحن أيضاً نقول‪ :‬بأن‬
‫العلم اإلجمالي يتعلق بالجامع‪ ،‬ولكن ليس بالجامع الحقيقي كما ذهب إليه‬
‫المحققان النائيني واالصفهاني (قدهما) بل يتعلق بالجامع الذي يكون رمزاً‬
‫لتمام الفرد بقشوره وخصوصياته‪ ،‬ولكن الموافقة القطعية بقدر ما يتعلق به‬
‫العلم من الجامع الرمزي‪ ،‬تحصل باإلتيان بأحد الفردين أيضاً‪ ،‬بمعنى أن‬
‫المعلوم باإلجمال هو إحدى الصالتين الواجبتين‪ ،‬فلو أتى بإحداهما‪ ،‬تحقق‬
‫المعلوم باإلجمال‪ ،‬وهو معنى الموافقة القطعية‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن العلم اإلجمالي ليس علة تامة لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬وال‬
‫لحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬ولكنه مقتض للتنجز بكال المستويين‪ ،‬معنى‬
‫االقتضاء للتنجز هو‪ :‬كون منجزيته معلقة على عدم مجيء الترخيص من‬
‫الشارع‪ ،‬كما أن معنى العلية هو كون منجزيته غير معلقة على شيء‪ .‬هذا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪15‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الكالم في المقام الثاني‪ :‬وهو منجزية العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة‬
‫على مسلك المشهور من (قاعدة قبح العقاب بال بيان)‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إنه قد ذكرت تقريبات لوجوب الموافقة القطعية العملية على هذا‬
‫المسلك‪.‬‬
‫إما بدعوى‪ :‬سراية التنجز من الجامع إلى الواقع‪ ،‬فتجب الموافقة القطعية‪.‬‬
‫أو بدعوى‪ :‬كفاية تنجز الجامع‪ ،‬في إيجاب الموافقة القطعية‪ ،‬ونشير إلى‬
‫بعضها‪:‬‬
‫التقريب األول‪ :‬هو ما افاده المحقق العراقي(قده)‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم بالجامع‪ ،‬وإن لم يسر إلى األفراد‪ ،‬لعدم العلم باألفراد‬
‫ال‪ ،‬ولكن (التنجز) الذي هو نتيجة العلم بالجامع قائم بالجامع‪ ،‬وتابع له‪،‬‬
‫تفصي ً‬
‫في قابلية التحرك والسراية إلى ما ينطبق عليه الجامع‪ ،‬وال يقف على نفس‬
‫الجامع‪.‬‬
‫غاية األمر‪ :‬لما كان (القطع بالجامع) سبباً لقيام التنجز على موضوعه وهو‬
‫الجامع والقطع ال يسرى إلى األفراد‪ ،‬اال أن مجرد عدم قابلية السبب وهو‬
‫(القطع) للسراية إلى األفراد ال يوجب عدم سراية مسببه وهو (التنجز) تبعاً‬
‫لموضوعه‪ ،‬وهو (الجامع) فيسري التنجز إلى األفراد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪15‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والخالصة‪ :‬أن التنجز الذي هو حكم عقل‪ ،‬يتبع موضوعه في السراية‪ ،‬وال‬
‫يتبع سببه‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الشهيد(قده)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪16‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في المقام الثاني في منجزية العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة‬


‫القطعية العملية ولكن على مسلك المشهور‪ ،‬الذاهبين إلى قاعدة قبح عقاب‬
‫بال بيان‪ ،‬وتقدم الكالم في المقام األول‪ ،‬وهو على مسلك حق الطاعة الذي‬
‫اختاره السيد الشهيد(قده) فهنا ذكرت تقريبات لوجوب الموافقة القطعية‬
‫على مسلك المشهور فنشير إلى بعض هذه التقريبات‪:‬‬
‫التقريب األول‪ :‬هو ما افاده المحقق العراقي(قده)‪:‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم بالجامع‪ ،‬وإن لم يَس ِر إلى األفراد‪ ،‬لعدم العلم باألفراد‬
‫ال‪ ،‬ولكن (التنجز) الذي هو نتيجة العلم بالجامع قائم بالجامع‪ ،‬وتابع له‪،‬‬
‫تفصي ً‬
‫في قابلية التحرك والسراية إلى ما ينطبق عليه الجامع‪ ،‬وال يقف على نفس‬
‫الجامع‪.‬‬
‫غاية األمر‪ :‬لما كان (القطع بالجامع) سبباً لقيام التنجز على موضوعه وهو‬
‫الجامع والقطع ال يسرى إلى األفراد‪ ،‬اال أن مجرد عدم قابلية السبب وهو‬
‫(القطع) للسراية إلى األفراد ال يوجب عدم سراية مسببه وهو (التنجز) تبعاً‬
‫لموضوعه‪ ،‬وهو (الجامع) فيسري التنجز إلى األفراد‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن التنجز الذي هو حكم عقل‪ ،‬يتبع موضوعه في السراية‪ ،‬وال‬
‫يتبع سببه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪16‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأجاب عنه السيد الشهيد(قده)‪:‬‬


‫التحقيق‪ :‬هو عدم سراية كل من السبب والموضوع‪ ،‬وعليه‪ :‬فال موجب‬
‫ال‪.‬‬
‫لسراية التنجز إلى األفراد أص ً‬
‫وذلك‪ :‬ألن معنى تنجز الجامع المسبب عن العلم بالجامع هو استحقاق‬
‫ال‪.‬‬
‫العقاب على مخالفته عق ً‬
‫ومن المعلوم أن مخالفة الجامع التي تتحقق (بترك كال الفعلين) والتي هي‬
‫موضوع استحقاق العقاب بسبب العلم اإلجمالي‪ ،‬ليست منطبقة على مخالفة‬
‫التكليف الواقعي الواحد الموجود في البين‪ ،‬فإن مخالفة التكليف الواقعي‬
‫إنما تحصل بترك متعلقه الواحد‪ ،‬ال يترك كال الفعلين‪ ،‬ألن مخالفة الواقع‬
‫ليست مخالفة للجامع حتى يترتب استحقاق العقاب عليها‪ ،‬ويسرى التنجز‬
‫إليها‪.‬‬
‫التقريب الثاني‪ :‬هو ما أفاده المحقق االصفهاني (قده)‪ :‬وهو يتركب ويتألف‬
‫من مقدمتين‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬أن ترك الموافقة القطعية‪ ،‬بترك أحد الطرفين ومخالفته‪،‬‬
‫يعتبر (مخالفة احتمالية للجامع)‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الجامع إذا كان موجوداً ضمن‬
‫ذلك الطرف‪ ،‬فقد خولف‪ ،‬واال فال‪ ،‬وهذا هو معنى (المخالفة االحتمالية)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪16‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال‪،‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن المخالفة االحتمالية للتكليف المنجز‪ ،‬غير جائزة عق ً‬
‫ألنها مساوقة الحتمال المعصية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬حيث إن الجامع منجز بالعلم اإلجمالي‪ ،‬فال تجوز مخالفته‬
‫االحتمالية‪.‬‬
‫والتقريب الفني لذلك‪:‬‬
‫الصغرى‪ :‬ترك الموافقة القطعية‪ ،‬بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفة احتمالية‬
‫للجامع المنجز‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫الكبرى‪ :‬المخالفة االحتمالية للتكليف المنجز‪ ،‬غير جائز‪ ،‬عق ً‬
‫ال‪ ،‬فتجب الموافقة القطعية‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬ترك الموافقة القطعية غير جائز عق ً‬
‫والجواب عن ذلك‪ :‬أننا نمنع المقدمة األولى (الصغرى)‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬بأن الجامع إذا لو حظ فيه مقدار الجامع بحده‪ ،‬بما هو جامع‬
‫(أحدهما) فقط‪ ،‬لم تكن مخالفة أحد الطرفين‪ ،‬مع موافقة الطرف اآلخر‪،‬‬
‫مخالفة احتمالية له‪ ،‬ألن الجامع بحده ال يقتضي أكثر من التطبيق على أحد‬
‫الفردين‪ ،‬والمفروض أن العلم اإلجمالي منصب على الجامع بحده‪ ،‬وأن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫ال‬
‫التنجز تابع لمقدار العلم‪ ،‬فال مخالفة احتمالية للمقدار المنجز أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪16‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التقريب الثالث‪ :‬هو ما يستفاد من كلمات السيد الخوئي تبعاً للمحق‬


‫النائيني(قدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬يقتضي وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ولو‬
‫بالواسطة‪.‬‬
‫وذلك قياس مركب‪ ،‬حيث إن العلم اإلجمالي بالجامع يقتضي حرمة‬
‫المخالفة القطعية العملية كما تقدم‪.‬‬
‫وحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬تقتضي تعارض األصول المؤمنة في أطرافها‪،‬‬
‫وتساقطها‪ .‬وتساقط األصول المؤمنة‪ ،‬يقتضي بقاء احتمال التكليف في كل‬
‫طرف‪ ،‬بال مؤمن من العقاب‪ ،‬واحتمال التكليف بال مؤمن من العقاب‪،‬‬
‫يقتضي تنجيز التكليف في كل طرف‪ ،‬الحتمال العقاب‪ ،‬وتنجيز التكليف‬
‫في كل طرف يقتضي وجوب الموافقة القطعية على القاعدة‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن بهذا القياس المركب ثبت وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ولكن‬
‫بواسطة احتمال التكليف‪ ،‬المساوق الحتمال العقاب عند ترك كل طرف‪،‬‬
‫فالعلم اإلجمالي بالجامع‪ ،‬يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫والجواب عنه أوالً‪ :‬أن هذا التقريب يثبت تنجز الواقع‪ ،‬ووجوب الموافقة‬
‫القطعية باالحتمال‪ ،‬ال بالعلم اإلجمالي‪ ،‬فهو خارج عن محل الكالم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪16‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وثانياً‪ :‬ما هو المقصود من تعارض األصول المؤمنة‪ ،‬وتساقطها؟‬


‫فإن كان المقصود بها (البراءة العقلية) المبنية على (قاعدة قبح العقاب بال‬
‫بيان) بمعنى أن جريانها في جميع األطراف غير ممكن‪ ،‬ألنه يؤدي إلى‬
‫المخالفة القطعية المحرمة‪....‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪20‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في المورد األول ما تقدم وكان في بيان منجزية العلم اإلجمالي‬
‫لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬على مسلك المشهور‪ ،‬أي على قاعدة‬
‫العقاب بال بيان‪ ،‬وذكرنا أن في هذا المورد أو في خصوص المنجزية على‬
‫هذا المسلك هناك تقريبات‪:‬‬
‫التقريب األول كان للمحقق العراقي (قده) وخالصة هذا التقريب‪ :‬هو أن‬
‫العلم اإلجمالي بالجامع منجز للجامع‪ ،‬وكل ما هو منجز للجامع يكون منجزاً‬
‫لألفراد‪ ،‬فالعلم اإلجمالي والقطع‪ ،‬ليس قطعاً لألفراد‪ ،‬وإنما تكون منجزية‬
‫هي التي تسري إلى األفراد‪ ،‬فتجب الموافقة القطعية‪ ،‬وذكرنا وجه االكشكال‬
‫في هذا التقريب‪.‬‬
‫التقريب الثاني كان للمحقق االصفهاني(قده) حيث ذكر صغرى وكبرى‪،‬‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫الصغرى‪ :‬ترك الموافقة القطعية‪ ،‬بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفة احتمالية‬
‫للجامع المنجز‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫الكبرى‪ :‬المخالفة االحتمالية للتكليف المنجز‪ ،‬غير جائز‪ ،‬عق ً‬
‫ال‪ ،‬فتجب الموافقة القطعية‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬ترك الموافقة القطعية غير جائز عق ً‬
‫وتقدم المناقشة فيه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪20‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التقريب الثالث‪ :‬هو ما يستفاد من كلمات السيد الخوئي تبعاً للمحق‬


‫النائيني(قدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬يقتضي وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ولو‬
‫بالواسطة‪.‬‬
‫التقريب الثالث‪ :‬هو ما يستفاد من كلمات السيد الخوئي تبعاً للمحق‬
‫النائيني(قدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬يقتضي وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ولو‬
‫بالواسطة‪.‬‬
‫ودليل على ذلك قياس مركب من خمس مقدمات‪ ،‬األول‪ :‬إن العلم‬
‫اإلجمالي بالجامع يقتضي حرمة المخالفة القطعية العملية كما تقدم‪.‬‬
‫وحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬تقتضي تعارض األصول المؤمنة في أطرافها‪،‬‬
‫وتساقطها‪ .‬وتساقط األصول المؤمنة‪ ،‬يقتضي بقاء احتمال التكليف في كل‬
‫طرف‪ ،‬بال مؤمن من العقاب‪ ،‬واحتمال التكليف بال مؤمن من العقاب‪،‬‬
‫يقتضي تنجيز التكليف في كل طرف‪ ،‬الحتمال العقاب‪ ،‬وتنجيز التكليف‬
‫في كل طرف يقتضي وجوب الموافقة القطعية على القاعدة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪20‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أن بهذا القياس المركب ثبت وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ولكن‬
‫بواسطة احتمال التكليف‪ ،‬المساوق الحتمال العقاب عند ترك كل طرف‪،‬‬
‫فالعلم اإلجمالي بالجامع‪ ،‬يقتضي وجوب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫والجواب عنه أوالً‪ :‬أن هذا التقريب يثبت تنجز الواقع‪ ،‬ووجوب الموافقة‬
‫القطعية باالحتمال‪ ،‬ال بالعلم اإلجمالي‪ ،‬فهو خارج عن محل الكالم‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬ما هو المقصود من تعارض األصول المؤمنة‪ ،‬وتساقطها؟‬
‫فإن كان المقصود بها (البراءة العقلية) المبنية على (قاعدة قبح العقاب بال‬
‫بيان) بمعنى أن جريانها في جميع األطراف غير ممكن‪ ،‬ألنه يؤدي إلى‬
‫المخالفة القطعية المحرمة‪.‬‬
‫وأما بعض األطراف خاصة‪ ،‬فال تجري (البراءة العقلية) من جهة (قبح‬
‫الترجيح بال مرجح)‪.‬‬
‫ففيه‪ :‬أن ما ذكره غير صحيح‪ ،‬ألن قاعدة البراءة العقلية‪ ،‬تجري ابتداءاً فيما‬
‫زاد على الجامع المعلوم باإلجمال‪ ،‬واحداً كان الزائد أو أكثر‪ ،‬ألننا إذا علمنا‬
‫ال من الوجوبين بخصوصه‬
‫اجماالً بوجوب (الظهر أو الجمعة) يكون ك ً‬
‫مورداً للبراءة العقلية في حد نفسه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪20‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬وجوب كل واحد منهما‪ ،‬بما هو مضاف إلى الجامع (وجوب‬


‫إحداهما) خارج عن مورد البراءة العقلية‪ ،‬ألن الجامع هو المقدار الذي تم‬
‫عليه البيان‪ ،‬فيتنجز الوجوب بمقدار أضافته إلى الجامع‪ ،‬دون غيره‪ ،‬فتجري‬
‫البراءة فيما زاد عليه‪ ،‬وهو الطرف اآلخر‪.‬‬
‫وأما إن كان المقصود (البراءة الشرعية) بمعنى وقوع التعارض بين األصول‬
‫المؤمنة الشرعية خاصة وتساقطها‪ ،‬فهو صحيح‪ ،‬اال أنه كيف يترتب على‬
‫ٍ‬
‫حينئذ (تنجز التكليف باالحتمال بال مؤمن من العقاب)؟ مع أن‬ ‫ذلك‬
‫االحتمال مؤمن عنه بالبراءة العقلية كما تقدم‪ ،‬بناءاً على مسلك المحقق‬
‫النائيني(قده) ومن تبعه في (قاعدة قبح العقاب بال بيان)؟‬
‫والحاصل‪ :‬بناءاً على مسلك قاعدة قبح العقاب بال بيان العقلية‪ ،‬ال موجب‬
‫الفتراض التعارض في البراءة العقلية‪ ،‬بل ال معنى لذلك‪ ،‬إذ ال يعقل‬
‫التعارض بين حكمين عقلين‪ ،‬فإن كان مالك حكم العقل بالبراءة‪ ،‬وهو عدم‬
‫البيان‪ ،‬تاماً في كل من الطرفين‪ ،‬استحال التصادم بين البراءتين‪ ،‬واال لم تجر‬
‫ال؛ ليفرض التعارض والتساقط‪ ،‬لعدم المقتضي ال من جهة مانع‬
‫البراءة أص ً‬
‫التعارض‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪20‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ففي نهاية المطاف‪ :‬اتضح أنه على مسلك (قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬ال‬
‫يمكن تبرير وجوب الموافقة القطعية العملية للعلم اإلجمالي و تنجيزه له‪.‬‬
‫وهذا بنفسه‪ ،‬مع كل كلماتهم إنما نشأ من جهة قاعدة القبح‪ ،‬حيث إن‬
‫مقتضاها جواز ارتكاب أحد طرفي العلم اإلجمالي‪ ،‬مع أن الوجدان يدل‬
‫على لزوم الموافقة القطعية عندما يعلم اجماالً بحكم من قبل المولى‪،‬‬
‫ولذلك وقعوا في حيرة من أمرهم‪ ،‬من جهة تعارض الوجدان‪ ،‬مع مقتضى‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫والجدير لهم التنازل عن هذه القاعدة‪ ،‬أو على األقل تخصيصها بما ال يشمل‬
‫فرض العلم االجمالي‪ ،‬حتى يستريحون من هذه اإلكشكاالت المحرجة‬
‫الجائية من قبل هذه القاعدة المقدسة عندهم‪.‬‬
‫تحصل من جميع ما تقدم في المورد األول‪ :‬اتفاق األعالم الثالثة في النتيجة‬
‫على أن العلم اإلجمالي يكون منجزاً لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬ولو‬
‫بالواسطة أو باألولوية القطعية‪.‬‬
‫وأما الكالم في المورد الثاني‪ :‬وهو بعد الفراغ عن منجزية العلم اإلجمالي‬
‫لوجوب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫فهل يكون (التنجيز) بنحو (االقتضاء) او بنحو (العلية التامة)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪21‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الثانية من الجهات التي أردنا ان نبحث فيها في‬
‫منجزية علم اإلجمالي‪ ،‬في الجهة األولى تكلمنا عن حقيقة العلم اإلجمالي‪،‬‬
‫في الجهة الثانية تكلمنا عن منجزية العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة‪ ،‬و في‬
‫الجهة الثالثة تكلمنا في منجزية العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة‪ ،‬وذكرنا‬
‫أنه يقع الكالم في هذه الجهة في الموردين؛ المورد األول‪ :‬في أصل منجزية‬
‫العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬وقد ثبتت هذه المنجزية‬
‫بال إشكال‪ ،‬وقد ذكرنا اتفاق األعالم الثالثة في النتيجة‪ ،‬على أن العلم‬
‫اإلجمالي يكون منجزاً لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬سواءاً أكان‬
‫بالمباشرة‪ ،‬أو كان بالواسطة‪.‬‬
‫وأما الكالم في المورد الثاني‪ :‬وهو بعد الفراغ عن منجزية العلم اإلجمالي‬
‫لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬فهل يكون (التنجيز) بنحو (االقتضاء) او‬
‫بنحو (العلية التامة)‪ .‬ال يخفى‪ :‬أن الحكم في المقام أيضاً يختلف باختالف‬
‫المباني والمسالك في منجزية العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية‬
‫العملية‪.‬‬
‫أما بناءاً على ما ذهب إليه السيد الشهيد(قده) وكذلك شيخنا األستاذ (دام‬
‫ظله)من أن تنجيز العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية العملية يكون‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪21‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بنحو االقتضاء‪ ،‬دون العلية التامة‪ ،‬فال مجال لهذا البحث‪ ،‬وذلك‪ :‬لوضوح أن‬
‫تنجيز العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬إذا كان بنحو االقتضاء فال‬
‫يحتمل أن يكون تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية العملية بنحو العلية التامة‪،‬‬
‫ألن الحاكم في باب التنجيز هو العقل‪ ،‬فإن العقل كما يحكم بقبح مخالفة‬
‫المولى على أساس أنها معصية وظلم له‪ ،‬كذلك يحكم بحسن الموافقة‬
‫ال بالوظيفة‪.‬‬
‫والطاعة‪ ،‬أداءاً لحق المولوية‪ ،‬وعم ً‬
‫وعليه‪ :‬فإذا كان حكم العقل بقبح المخالفة حكماً تعليقياً أي معلقا على عدم‬
‫صدور الترخيص من قبل المولى فيها‪ ،‬فال يعقل أن يكون حكمه بوجوب‬
‫الموافقة (حكماً تنجيزياً)‪ ،‬وغير معلق على شيء‪ ،‬بحيث ليس بإمكان‬
‫الشارع الترخيص في تركها‪ ،‬وهذا كما ترى‪.‬‬
‫مع أن الزم القول بكون تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬على نحو العلية‬
‫ال عن المخالفة القطعية‪ ،‬وهذا مما‬
‫التامة‪ ،‬هو حرمة المخالفة االحتمالية‪ ،‬فض ً‬
‫ال يلتزم به القائل‪ ،‬بحرمة المخالفة القطعية على نحو االقتضاء (أي الشهيد‬
‫واألستاذ)‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه كيف يمكن تعلق افتراض وجود مانع عن تنجيزه لحرمة‬
‫المخالفة القطعية‪ ،‬ليكون على نحو االقتضاء‪ ،‬وعدم افتراض وجود مانع عن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪21‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تنجيزه‪ ،‬لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬فيكون على نحو العلية التامة؟ فالفرق‬
‫تحكم‪.‬‬
‫مع أن وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬على نحو العلية‪ ،‬مالزم لحرمة المخالفة‬
‫االحتمالية‪ ،‬على نحو العلية‪ ،‬وال يلتزم به القائل بهذا المبنى‪ ،‬إذاً فال يعقل أن‬
‫يكون العلم اإلجمالي علة تام ًة لتنجيز وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬دون حرمة‬
‫ال عن المخالفة القطعية العملية‪.‬‬
‫المخالفة االحتمالية‪ ،‬التي هي مالزمة له‪ ،‬فض ً‬
‫أقول‪ :‬ذهاب المحقق الخراساني(قده) إلى االقتضاء في حرمة المخالفة‬
‫وإلى العلية التامة في وجوب الموافقة‪ ،‬يبطل الدعوى المذكورة‪ ،‬كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫وأما بناءاً على مسلك المشهور‪ :‬من تنجيز العلم اإلجمالي لحرمة المخالفة‬
‫القطعية بنحو العلية التامة‪ ،‬فللبحث فيه مجال واسع‪.‬‬
‫اعلم‪ :‬أن المشهور قد اختلف في المقام على قولين‪ :‬القول األول‪ :‬كون‬
‫تنجيزه له لوجوب الموافقة بنحو االقتضاء‪ .‬القول الثاني‪ :‬كون تنجيزه له‬
‫بنحو العلية التامة‪.‬‬
‫أما القول األول‪ :‬فقد اختاره السيد الخوئي تبعاً للمحق النائيني(قدهما) وقد‬
‫أفاد السيد الخوئي(قده) في وجه ذلك‪ :‬بأن تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪21‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الموافقة القطعية العملية‪ ،‬معلق على عدم جريان األصول المؤمنة في أطرافه‪،‬‬
‫وتساقطها بالمعارضة‪.‬‬
‫أما إذا أمكن جريان األصل المؤمن في بعض أطرافه بال معارض‪ ،‬فال يكون‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بحكم الشارع إلى علم تفصيلي‬ ‫العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬بل هو ينحل‬
‫وشك بدوي‪ ،‬فال أثر له‪ ،‬هذا كله في مقام الثبوت‪.‬‬
‫أما في المقام االثبات‪ :‬فحيث إن األصول المؤمنة ال تجري في جميع‬
‫أطراف العلم اإلجمالي الستلزامه محذور (المخالفة القطعية العملية) وهي ال‬
‫تجوز‪ ،‬وأما جريانها في بعض األطراف دون بعضها اآلخر‪ ،‬فيستلزم منه‬
‫محذور‪( ،‬الترجيح من غير مرجح) وهو قبيح‪.‬‬
‫إذاً فستقط األصول المؤمنة جمعاً‪ ،‬عن أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬وال تجري‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون العلم اإلجمالي منجزاً لوجوب الموافقة‬ ‫ال وال بعضا‪،‬‬
‫فيها ال ك ً‬
‫القطعية‪ ،‬ال بالمباشرة‪ ،‬بل بواسطة احتمال وجود التكليف في كل طرف من‬
‫أطرافه‪ ،‬باعتبار أن متعلق العلم اإلجمالي مباشرة هو الجامع‪ ،‬فيكون منجزاً له‬
‫كذلك‪ ،‬أي مباشرة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪21‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما التكليف المشكوك‪ :‬في كل طرف من أطرافه‪ ،‬فهو مورد لالحتمال‬


‫مباشرة‪ ،‬وهو منجز له‪ ،‬على أساس أنه مقرونة بالعلم اإلجمالي‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫يكون تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية بنحو االقتضاء‪.‬‬
‫بكلمة‪ :‬أن تنجيز العلم اإلجمالي للتكليف المعلوم باإلجمال في حدود كونه‬
‫معلوماً وهو الجامع‪ ،‬يكون بنحو العلية التامة‪.‬‬
‫وأما تنجيزه للتكليف المشكوك في كل طرف من أطرافه‪ ،‬فحيث إنه‬
‫بواسطة االحتمال‪ ،‬فيكون بنحو االقتضاء‪ ،‬دون العلية التامة‪.‬‬
‫ال ذكراً لمقالة السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده)‪ :‬فلم أعثر له عاج ً‬
‫وال اعتراضاً عليه‪ ،‬ولعله اقتصر على ما تقدم من اعتراضه على المحقق‬
‫النائيني(قده) الذي هو بدوره جواب لمقالة السيد الخوئي(قده) أيضاً‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬فقد ناقش مقالة السيد الخوئي (قده) في‬
‫المقام بوجهين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪22‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال بـ السيد‬
‫كان كالمنا في ما ذكره مدرسة المحقق النائيني متمث ً‬
‫الخوئي(قده) تبعاً ألستاذه حيث قال أن تنجيز لعلم اإلجمالي لوجوب‬
‫الموافقة القطعية العملية أن هذا التنجيز يكون على نحو االقتضاء‪ ،‬وتقدم ما‬
‫ذكره في ذلك من التفصيل‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬فقد ناقش مقالة السيد الخوئي (قده) في‬
‫المقام بوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬اشكال مبنائي على مختار السيد الخوئي(قده) تبعاً للمحققين‬
‫النائيني واالصفهاني(قدهما) من كون متعلق العلم اإلجمالي هو (الجامع‬
‫بحده الجامعي)‪.‬‬
‫وحاصل االشكال‪ :‬أنه ال شبهة في أن متعلق التكليف في موارد العلم‬
‫اإلجمالي هو (الفرد بحده الفردي) دون (الجامع بحده الجامعي) وذلك‪:‬‬
‫ألن المكلف إذا علم بوجوب احدى صالتين في يوم الجمعة‪ ،‬فال محالة‬
‫يكون معلق الوجوب في الواقع إما خصوص صالة الظهر‪ ،‬بحدها الخاص‪،‬‬
‫واسمها المخصوص أو (خصوص صالة الجمعة) كذلك‪ ،‬فال يحتمل أن‬
‫يكون متعلق الوجوب المعلوم باإلجمال‪ ،‬هو الجامع بينهما‪ ،‬وهو عنوان‬
‫(إحداهما) ألنه مأخوذ لإلشارة إلى ما هو متعلق التكليف في الواقع‪ ،‬حيث‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪22‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إنه ال يمكن اإلشارة إليه‪ ،‬اال بالمفهوم الذهني‪ ،‬وباإلشارة الترددية‬


‫التصديقية‪.‬‬
‫إذاً‪ :‬فتكون العهدة مشغولة (بالفرد المبهم بحده الفردي) المردد بين صالة‬
‫الظهر وصالة الجمعة‪ ،‬ال بالجامع‪ ،‬ألن الجامع آلة لإلشارة إلى الواقع فقط‪.‬‬
‫وعلى هذا فيكون تنجز التكليف في كل طرف من أطراف العلم اإلجمالي‬
‫مستنداً إلى العلم اإلجمالي مباشرة‪ ،‬ال بواسطة االحتمال‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن دعوى‪ :‬عدم جريان األصول المؤمنة مطلقا في أطراف‬
‫المعلوم باإلجمال‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬وذلك‪ :‬ألن األصول المؤمنة على قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬األصول المؤمنة العقلية‪ ،‬كقاعدة قبح القعاب بال بيان‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬األصول المؤمنة الشرعية‪ ،‬كأصالة البراءة‪ ،‬واستصحاب عدم‬
‫التكليف‪.‬‬
‫أما القسم األول‪ :‬فال يتصور فيه التعارض‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لكون األحكام العقلية‪ ،‬أحكام واقعية ثبوتية‪ ،‬وتابعة لموضوعاتها‪،‬‬
‫ومالكاتها الواقعية‪ ،‬ومن المستحيل‪ :‬أن يصدر من العقل أحكاماً متعارضة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪22‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومتناقضة‪ ،‬بأن يحكم بقبح شيء‪ ،‬وفي نفس الوقت يحكم بحسنه‪ ،‬لتوقف‬
‫حكمه على إحراز المالك‪.‬‬
‫وكذلك‪ :‬ال يعقل التعارض بين األحكام الشرعية الواقعية‪ ،‬بمالها من‬
‫المالكات الواقعية‪ ،‬والمبادئ‪ ،‬في مقام الثبوت والواقع‪ ،‬كاألحكام العقلية‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يمكن تصور التعارض في مقام االثبات‪ ،‬بين األدلة الشرعية الظنية‬
‫المعتبرة‪ ،‬دون القطعية‪ ،‬وتمام الكالم في مبحث التعادل والترجيح‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فحيث إن موضوع قاعدة (قبح العقاب بال بيان) موجود في كل‬
‫طرف‪ ،‬وهو (عدم البيان) فال مانع من جريانها فيه بدون معارضة‪.‬‬
‫وأما العلم اإلجمالي‪ :‬فال يكون مانعاً اال عن جريانها في الجامع‪ ،‬باعتبار أنه‬
‫مورد البيان والعلم‪ ،‬دون كل طرف من أطرافه‪ ،‬فإذاً التكليف المتعلق‬
‫بالجامع حيث إنه معلوم ومنجز‪ ،‬فهو خارج عن مورد القاعدة‪ ،‬تخصصاً‪،‬‬
‫وموضوعاً‪.‬‬
‫وأما تعلقه بكل طرف من أطرافه فحيث إنه مشكوك فيه‪ ،‬فال مانع من جريان‬
‫القاعدة فيه‪ ،‬وتكون القاعدة مؤمنة من احتمال العقاب‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪22‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬القاعدة ال تؤمن من العقاب على الجامع المعلوم‪ ،‬ألنه خارج عن‬
‫موضوعها كما ذكرنا‪ ،‬فالعلم بوجوب الجامع‪ ،‬يقتضي االتيان به‪ ،‬اال أنه‬
‫يكفي في إتيان الجامع‪ ،‬اإلتيان بأحد فرديه‪ ،‬أو أفراده‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك هي أن العلم اإلجمالي ال يقتضي وجوب الموافقة القطعية‪،‬‬
‫لوجود مانع عنه‪ ،‬وهو (قاعدة قبح العقاب بال بيان) وإنما يقتضي وجوب‬
‫الموافقة الجامع‪ ،‬ويكفي فيها تطبيقه على أي طرف شاء أو أراد‪ ،‬وهذا ال‬
‫يمنع من جريان القاعدة في كل طرف من أطرافه‪ ،‬وعليه فال بد من‬
‫التفكيك بين الوجوب من حيث تعلقه بالجامع‪ ،‬وبينه من حيث تعلقه بكل‬
‫بحده الخاص‪ ،‬فالعلم اإلجمالي يتنجز التكليف والوجوب من حيث‬
‫طرف ّ‬
‫تعلقه بالجامع‪ ،‬ولكنه ال يكون منجزاً من حيث تعلقه بالفرد بحده الفردي‪.‬‬
‫ومن هنا فالمكلف ال يعاقب على ترك كل طرف من أطرافه في نفسه‪ ،‬وهذا‬
‫ال ينافي معاقبته على ترك الجامع المنجز‪ ،‬إذ هو ملزم في تطبيق الجامع على‬
‫األطراف مخيراً‪ ،‬وغير ملزم بتطبيقه على طرف معيّن لعدم الترجيح‪.‬‬
‫أما القسم الثاني‪ :‬وهو األصول المؤمنة الشرعية‪ ،‬فإن تساقطها في أطراف‬
‫العلم اإلجمالي بالتعارض‪ ،‬يبتنى على مقدمتين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪22‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المقدمة األولى‪ :‬أن تكون خصوصية كون العلم اإلجمالي متعلقاً بالفرد‬
‫بحده الفردي مجهولة‪ ،‬ومشكوكة لتكون مشمولة لقاعدة (التأمين) الشرعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن يكون ألدلة األصول المؤمنة إطالق يشمل جميع أطراف‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫فمع توفر المقدمتين تجري األصول المؤمنة في األطراف لتحقق موضوعها‪،‬‬
‫ولكن جريانها في جميع األطراف يستلزم المخالفة القطعية العملية‪،‬‬
‫فتتعارض وتتساقط‪ ،‬فيكون العلم اإلجمالي منجزاً لوجوب الموافقة القطعية‬
‫العملية‪ .‬ولكن كلتا المقدمتين غير تامة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪23‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مناقشة شيخنا األستاذ (دام ظله) لمقالة السيد الخوئي(قده)‬
‫القائل بأن تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية إنما يكون‬
‫بنحو االقتضاء‪ ،‬فناقش واعترض على مطلبين‪:‬‬
‫اإلشكال األول كان اشكاالً مبنائيا حيث ان المبنى السيد الخوئي (قده) تبعاً‬
‫للنائيني واالصفهاني (قدهما) أن متعلق العلم اإلجمالي جامع بحده‬
‫الجامعي‪ ،‬وقال أن هذا غير صحيح‪ ،‬بل المتعلق هو الفرد‪ ،‬بحده الفردي‪،‬‬
‫يعني إما خصوص صالة الجمعة‪ ،‬أو خصوص صالة الظهر الفرد بحده‬
‫الفردي‪ ،‬تقدم الكالم فيه‪.‬‬
‫أما الوجه الثاني‪ :‬ما ذكره السيد الخوئي الوجه الثاني‪ :‬أن دعوى‪ :‬عدم‬
‫جريان األصول المؤمنة مطلقا في أطراف المعلوم باإلجمال‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬وذلك‪ :‬ألن األصول المؤمنة على قسمين‪ :‬القسم األول‪ :‬األصول‬
‫المؤمنة العقلية‪ ،‬كقاعدة قبح القعاب بال بيان‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬األصول المؤمنة الشرعية‪ ،‬كأصالة البراءة‪ ،‬واستصحاب عدم‬
‫التكليف‪.‬‬
‫أما القسم األول‪ :‬فال يتصور فيه التعارض؛ وذلك‪ :‬لكون األحكام العقلية‪،‬‬
‫أحكام واقعية ثبوتية‪ ،‬وتابعة لموضوعاتها‪ .‬تقدم الكالم فيه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪23‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما القسم الثاني‪ :‬وهو األصول المؤمنة الشرعية‪ ،‬فإن تساقطها في أطراف‬
‫العلم اإلجمالي بالتعارض‪ ،‬يبتنى على مقدمتين‪:‬‬
‫المقدمة األولى‪ :‬أن تكون خصوصية كون العلم اإلجمالي متعلقاً بالفرد‬
‫بحده الفردي مجهولة‪ ،‬ومشكوكة لتكون مشمولة لقاعدة (التأمين) الشرعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬أن يكون ألدلة األصول المؤمنة إطالق يشمل جميع أطراف‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫فمع توفر المقدمتين تجري األصول المؤمنة في األطراف لتحقق موضوعها‪،‬‬
‫ولكن جريانها في جميع األطراف يستلزم المخالفة القطعية العملية‪،‬‬
‫فتتعارض وتتساقط‪ ،‬فيكون العلم اإلجمالي منجزاً لوجوب الموافقة القطعية‬
‫العملية‪ .‬ولكن كلتا المقدمتين غير تامة‪.‬‬
‫أما المقدمة األولى‪ :‬فلما تقدم من أن الجامع في المقام عرضي‪ ،‬وباختراع‬
‫من العقل‪ ،‬وأخذه في متعلق العلم اإلجمالي إنما هو لإلشارة إلى ما هو‬
‫متعلق التكليف في الواقع‪ ،‬بإشارة مبهمة ترددية‪ ،‬على أساس أن العلم ال‬
‫يمكن أن يشار به إلى الواقع مباشرة‪ ،‬فالبد أن يكون بواسطة مفهوم ذهني‬
‫مشير إليه‪ ،‬ومن هنا كان أخذه لمجرد اإلشارة إلى الواقع‪ ،‬واال فال موضوعية‬
‫ال كما تقدم‪.‬‬
‫له أص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪23‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما المقدمة الثانية‪ :‬فقد تقدم أنه ال إطالق ألدلة األصول المؤمنة الشرعية‪،‬‬
‫كحديث الرفع‪ ،‬لشمول األطراف المعلوم باإلجمال‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن المتبادر‬
‫والمنسبق منها أدلة األصول بمناسبة الحكم والموضوع االرتكازية‪،‬‬
‫اختصاصها بالشبهات البدوية‪ ،‬وانصرافها عن الشبهات المقرونة بالعلم‬
‫اإلجمالي كالمقام‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فاألصول المؤمنة الشرعية وإن كانت غير مانعة عن تنجيز العلم‬
‫اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬اال أن األصول المؤمنة العقلية‪ ،‬تكون‬
‫مانعة عن تنجيزه‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬على مسلك السيد الخوئي(قده)‪ :‬ال يكون‬
‫منجزاً لوجوب الموافقة القطعية‪ ،‬ألنه منجز للتكليف المتعلق بالجامع بحده‬
‫الجامعي‪.‬‬
‫وأما احتماله في كل طرف‪ ،‬إنما يكون منجزاً شريطة عدم وجود األصل‬
‫المؤمن فيه‪ ،‬والمفروض أنه موجود‪ ،‬وهو أصالة البراءة العقلية‪ ،‬فما ذكره‬
‫(قده) غير تام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪23‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما القول الثاني‪ :‬على ضوء مسلك المشهور هو كون العلم اإلجمالي علة‬
‫تامة لتنجيز وجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬وقد وجه هذا القول كل من‬
‫المحقق الخراساني واالصفهاني والعراقي (قدهم)‪.‬‬
‫وأما المحقق الخراساني(قده)‪ :‬فقد ذكر أن تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب‬
‫الموافقة القطعية‪ ،‬بنحو العلة التامة‪ ،‬مبني على فعلية الحكم الواقعي من جميع‬
‫الجهات‪.‬‬
‫إذ معها ال يمكن جعل الحكم الترخيصي في أطراف العلم اإلجمالي (ال‬
‫ال) الستلزامه القطع باجتماع حكمين متضادين فعليين في شيء واحد‬
‫ك ً‬
‫وهو مستحيل‪.‬‬
‫وال بعضاً الستلزامه احتمال اجتماع الضدين‪ ،‬وهو مستحيل‪ ،‬كالقطع‬
‫باجتماعهما‪.‬‬
‫ومن هنا يكون العلم اإلجمالي (علة تامة) للتنجيز بالنسبة إلى وجوب‬
‫الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫وأجاب عنه شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬أنه قد تقدم في مبحث الجمع بين‬
‫الحكم الظاهري والحكم الواقعي‪ ،‬أن األحكام الظاهرية بكال قسميه‪ ،‬من‬
‫اإللزامية الطريقية والترخيصية‪ ،‬ال تنافي األحكام الواقعية‪ ،‬ال في مرحلة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪23‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المبادئ والمالكات‪ ،‬وال في مرحلة الجعل‪ ،‬وال في مرحلة االمتثال‪ ،‬كما هو‬
‫واضح‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى أن ما ذكره (قده) من أن الحكم تارة يكون فعلياً من جميع‬
‫الجهات‪ ،‬وأخرى من بعض الجهات‪ ،‬ال يرجع إلى معنى محصل‪ ،‬وقد تقدم‬
‫تفصيله هناك‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫وأما المحقق االصفهاني (قده)‪ :‬فقد أفاد في وجه كون تنجيز العلم‬
‫اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬على نحو العلية التامة‪ ،‬ما‬
‫حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة منجزية العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية‬


‫العملية‪ ،‬على مسلك المشهور القائل بأن هذا التنجيز‪ ،‬إنما يكون على نحو‬
‫العلية التامة‪ ،‬وذكرنا في البحث السابق أنه تبنى هذا القول ثلّة من فطاحل‬
‫منهم المحقق الخراساني واالصفهاني والعراقي (قدهم) تقدم الكالم في‬
‫ماذكره المحقق الخراساني(قده) من ان منجزية العلم االجمالي تكون على‬
‫نحو العلية لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬من جهة أن الحكم الواقعي‬
‫يكون فعلياً من جميع الجهات‪ ،‬ويلزم من جعل الحكم الظاهري في أطرافه‬
‫اجتماع الضدين أو احتمال اجتماع الضدين وكالهما مستحيل‪ ،‬وقلنا أن‬
‫شيخنا األستاذ(دام ظله) قال أن هذا الكالم غير تام لما ثبت في محله‪ ،‬في‬
‫مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ‪ ،‬أنه ال يحصل بينهما أي تنافي‬
‫وتضاد في جميع مراحل‪ ،‬وأيضاً قال هذا الكالم ال يرجع إلى معنى‬
‫المحصل‪ ،‬قد تقدم الكالم في محله‪.‬‬
‫أما الكالم في ماذكره المحقق االصفهاني (قده)‪ :‬فقد أفاد في وجه كون‬
‫تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬على نحو العلية‬
‫التامة‪ ،‬ما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أن التكليف المتعلق بالجامع (كوجوب إحدى صالتين) قد تنجز بالعلم‬


‫اإلجمالي مباشرة‪ ،‬وهذا التكليف المنجز محتمل االنطباق على كل طرف‬
‫من أطرافه‪ ،‬فإذاً متعلق االحتمال في كل طرف موجود ومعه ال يمكن‬
‫ال وال‬
‫تطبيق األصول المؤمنة مطلقا‪ ،‬على أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬ال ك ً‬
‫بعضاً‪ ،‬بال مانع‪.‬‬
‫وأما قاعدة التأمين (قبح العقاب بال بيان) فموضوعها (عدم البيان)‬
‫والمفروض أن العلم اإلجمالي والبيان قد قام سابقاً على التكليف المتعلق‬
‫بالجامع‪ ،‬المحتمل انطباقه على كل طرف من أطرافه‪ ،‬فإذا كان التكليف في‬
‫كل طرف‪ ،‬على تقدير ثبوته‪ ،‬منجزاً في المرتبة السابقة‪ ،‬فال يكون مشموالً‬
‫للقاعدة‪ ،‬لتحقق البيان‪ ،‬فال يكون العقاب على مخالفة هذا التكليف المنجز‬
‫المحتمل ثبوته في هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬من العقاب بال بيان‪ ،‬بل هو عقاب‬
‫مع البيان‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن القاعدة قبح العقاب إنما تدفع العقاب على التكليف المحتمل‬
‫من ناحية تنجزه باالحتمال فقط‪ ،‬ال ما إذا كان التكليف المحتمل منجزا‬
‫بمنجز آخر‪ ،‬كالعلم اإلجمالي في المرتبة السابقة‪ ،‬بقطع النظر عن احتماله‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ألنها ال تدفع العقاب عليه‪ ،‬بل الدليل الدال على تنجيزه في المرتبة السابقة‪،‬‬
‫وارد عليها‪.‬‬
‫وأما األصول المؤمنة الشرعية فال تشمل المقام‪ ،‬ألن موردها التكليف‬
‫المشكوك بدواً الذي ال يكون منجزاً بمنجز آخر عند االحتمال‪ ،‬والفرض‬
‫ثبوت التنجيز هنا بالعلم اإلجمالي والشبهة مقرونة بالعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وأجاب شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬أن ما ذكره االصفهاني (قده) قابل‬
‫للمناقشة‪ :‬وذلك‪ :‬فإن تنجيز التكليف بالعلم اإلجمالي إنما هو بالمقدار الذي‬
‫تعلق به العلم اإلجمالي‪ ،‬وهو التكليف المتعلق بالجامع بحده الجامعي‪ ،‬وأما‬
‫تعلق التكليف بالفرد بحده الفردي‪ ،‬فهو مشكوك وغير معلوم‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يكون منجزاً للتكليف من حيث تعلقه بالفرد‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك‪ :‬عدم وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬وجواز االكتفاء بالموافقة‬
‫االحتمالية‪ ،‬باعتبار أن تنجز الجامع ووجوبه ال يقتضي اال االتيان بالجامع في‬
‫الخارج‪ ،‬ويكفي فيه إتيانه بأحد فرديه‪ ،‬أو أفراده‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن ما ذهب إليه المحقق االصفهاني (قده) من وجوب الموافقة‬
‫القطعية على نحو العلية التامة‪ ،‬ال يتم في نفسه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما المحقق العراقي(قده) فقد افاد في وجه كون العلم اإلجمالي علة تامة‬
‫لوجوب الموافقة القطعية؛ ألن التكليف المتعلق بالفرد هو متعلق العلم‬
‫اإلجمالي مباشرة‪ ،‬فيكون منجزاً ال محالة‪ ،‬وال يمكن فرض (وجود المانع‬
‫فيه)‪.‬‬
‫ولهذا ال فرق من هذه الناحية بينه‪ ،‬وبين العلم التفصيلي‪ ،‬ومن هنا يكون‬
‫التكليف المحتمل في كل طرف خارجاً من موضوع األصول المؤمنة‬
‫العقلية‪ ،‬تخصصاً وموضوعاً‪ ،‬لقيام البيان على التكليف المحتمل في كل‬
‫طرف‪ ،‬وهذا البيان هو العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وأما األصول المؤمنة الشرعية‪ ،‬فلما كان موضوعها (احتمال ثبوت التكليف‬
‫في الواقع‪ ،‬وعدم كونه منجزاً بمنجز في المرتبة السابقة‪ ،‬فهي ال تجري في‬
‫المقام‪ ،‬لفرض تنجز التكليف بالعلم اإلجمالي في المرتبة السابقة‪ ،‬فال‬
‫موضوع لها أيضاً‪.‬‬
‫ومن هنا قلنا‪ :‬بأن تنجز وجوب الموافقة القطعية‪ ،‬إنما يكون بنحو العلية‬
‫التامة‪ ،‬وذلك لعدم إمكان فرض وجود المانع عنه‪.‬‬
‫وقد أجاب عنه شيخنا األستاذ(دام ظله) بما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أوالً‪ :‬جواب مبنائي وهو أن متعلق العلم اإلجمالي ليس هو الفرد المعين في‬
‫الواقع‪ ،‬لوضوح أن متعلقه (الجامع العرضي) الستحالة تعلق العلم بالواقع‬
‫مباشرة‪ ،‬اال بواسطة صورة ذهنية‪ ،‬وهي صورة (الجامع العرضي)‪.‬‬
‫وفي المقام هو عنوان (إحداهما) بخالف العلم التفصيلي حيث الصورة‬
‫الذهنية ال ترديد في انطباقها على الخارج‪ ،‬ومن هنا ال يمكن قياس العلم‬
‫اإلجمالي بالعلم التفصيلي‪ ،‬إذ يمكن القول بأن العلم التفصيلي (علة تامة)‬
‫لوجوب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬بخالف العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مع اإلغماض عن ذلك وتسليم أن متعلق العلم اإلجمالي هو الفرد‬
‫المعين‪ ،‬اال ّ أنا ذكرنا في غير مورد‪ ،‬من أن حكم العقل (بقبح الظلم وحسن‬
‫العدل) ليس حكماً تنجيزياً مطلقا‪ ،‬بل هو حكم تعليقي‪ ،‬معلق على ثبوت‬
‫موضوعه ومالكه في المرتبة السابقة‪ ،‬ولهذا قلنا‪ :‬إن حكم العقل (بقبح‬
‫معصية المولى) وتفويت حقه‪ ،‬وهو (حق الطاعة) وكذا حسن طاعة المولى‬
‫وانقياده معلق على ثبوت موضوعه وهو (حق الطاعة) واال فينتفي حكم‬
‫العقل بانتفاء موضوعه عند ترخيص الشارع‪ ،‬فال وجه للقول بالعلية‪ ،‬والحكم‬
‫التنجيزي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪24‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالمتحصل‪ :‬أنه ال يمكن االلتزام بكون العلم اإلجمالي (علة تامة) لوجوب‬
‫ال‪ ،‬لوجود المانع عن تنجيزه دائماً‪ ،‬وهو شمول‬
‫الموافقة القطعية العملية أص ً‬
‫إطالق دليل األصل المؤمن‪ ،‬لكل طرف من أطراف العلم اإلجمالي‪،‬‬
‫مشروطاً بترك الطرف اآلخر‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬هو كون العلم اإلجمالي (مقتض) لوجوب الموافقة القطعية‬
‫العملية وليس على نحو (العلية التامة)‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في الجهة الثالثة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪27‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في األصل الثالث من أصول العملية في أصالة االحتياط‪ ،‬وقلنا‬


‫أن مورد أصالة االحتياط فيما لو كان هناك شك في مكلف به‪ ،‬ال نعلم أن‬
‫في يوم الجمعة الواجب هو صالة الجمعة أو صالة الظهر‪ ،‬بحيث يكون‬
‫هناك علم اجمالي‪ ،‬بالوجوب مردد بين الصالة وصالة‪ ،‬من هنا تناولنا‬
‫البحث في الجهات األربعة بمالحظة العلم االجمالي‪ ،‬وتقدم الكالم في‬
‫الجهات الثالثة‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة الرابعة‪:‬‬
‫وهو البحث عن إمكان جعل الترخيص أو جعل الحكم الظاهري‪ ،‬في‬
‫ال أو بعضاً‪ ،‬ثبوتاً أو اثباتاً‪ ،‬أو عدم إمكانه‪،‬‬
‫أطراف المعلوم باإلجمال‪ ،‬ك ً‬
‫ويقع الكالم في مقامين‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في البحث عنما نعية العلم اإلجمالي‪ ،‬ثبوتاً أو إثباتاً عن إجراء‬
‫األصول الترخيصية المؤمنة‪ ،‬في تمام األطراف‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في البحث عنما نعيته كذلك‪ ،‬في بعض األطراف‪.‬‬
‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬فيقع في فرعين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬في المانع والمحذور الثبوتي عنه‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬في المانع والمحذور االثباتي عنه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪27‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في الفرع األول‪ :‬وهو ما نعية العلم اإلجمالي ثبوتاً عن إجراء‬
‫األصول الترخيصية في جميع األطراف‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن ما يتصور أن يكون مانعاً عن إمكان جعل‬
‫الترخيص (الحكم الظاهري) في تمام األطراف هو ما ذكره المحقق‬
‫النائيني(قده) وحاصله‪:‬‬
‫أن جعل الحكم الظاهري في تمام األطراف مستلزم للترخيص في المعصية‬
‫ومخالفة التكليف المعلوم الواصل موضوعاً و(صغرى وكبرى) بالعلم‬
‫ال‪ ،‬ال يصدر من المولى الحكيم‪ ،‬من غير فرق بين‬
‫اإلجمالي وهو قبيح عق ً‬
‫أن يكون الحكم الظاهري ثابتاً باألمارة أو باألصل التنزيلي‪ ،‬أو غير التنزيلي‪،‬‬
‫وال فرق في حكم العقل القبح الترخيص في مخالفة التكليف الواصل بين‬
‫ال‪ ،‬أو يكون معلوماً باإلجمال‪.‬‬
‫أن يكون معلوماً تفصي ً‬
‫وأجاب عنه السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن هذا الوجه وإن كان صحيحاً‪ ،‬اال أنه‬
‫مختص بموارد العلم اإلجمالي بثبوت التكليف دون نفيه‪ ،‬مع كون الحكم‬
‫الظاهري في جميع األطراف نافياً‪ ،‬ففي مثل هذا الفرض يستحيل شمول‬
‫المؤمنة لجميع أطراف العلم اإلجمالي كما ذكره(قده)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أدلة األصول‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪27‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال يقال‪ :‬إن مورد جريان األصل إنما هو كل واحد من األطراف بخصوصه‪،‬‬
‫وثبوت التكليف فيه غير معلوم وغير واصل‪ ،‬فليس فيه ترخيص في العصية‬
‫ال‪.‬‬
‫أص ً‬
‫فإنه يقال‪ :‬إن أريد بذلك‪ :‬أن جريان األصل في كل طرف بخصوصه منضماً‬
‫ال فيكون ترخيصاً‬
‫إلى الترخيص في بقية األطراف كما هو محل الكالم فع ً‬
‫في مخالفة التكليف الواصل قطعاً‪.‬‬
‫أما إن أريد بذلك‪ :‬جعل الحكم الظاهري في كل طرف من األطراف مقيداً‬
‫بعدم ارتكاب الطرف اآلخر‪ ،‬فسيأتي الكالم عنه في المقام الثاني‪ ،‬إن شاء‬
‫هّال تعالى‪.‬‬
‫وأجاب عنه السيد الشهيد(قده)‪ :‬أن حاصل كالم المحقق النائيني(قده)‪ :‬هو‬
‫دعوى المضادة بين جعل الحكم الظاهري الترخيصي‪ ،‬وبين حكم العقل‬
‫بقبح المعصية‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن المعصية كلما تحققت وإن كان قبيحة بحكم العقل وحكم العقل‬
‫ال يقبل التخصيص‪ ،‬اال أن الكالم في تحقق موضوع المعصية ألن تحقق‬
‫موضوع المعصية فرع كون منجزية العلم اإلجمالي تنجيزية ال تعليقية‬
‫ومعلقة على عدم الترخيص الشرعي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪27‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وقد تقدم في أصل البرهان أن حكمه تعليقي‪ ،‬وليس تنجيزياً‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫يمكن للشارع أن يرفعه بترخيصه‪ ،‬ألن هذا الحكم من أجل المولى وليس‬
‫عليه فكلما أمكن للمولى أن يرخص مولوياً‪ ،‬ارتفع موضوع المعصية والقبح‬
‫وثبتت مولويته‪.‬‬
‫فاتضح أن ترخيص المولى في تمام األطراف ال يعنى الترخيص في‬
‫المعصية‪ ،‬إذ ليس معنى ذلك رفع مولوية المولى‪ ،‬أو الترخيص في معصية‬
‫وهتك حرمته ليقال‪ ،‬باستحالته‪.‬‬
‫بل معناه‪ :‬اعمال المولى لواليته‪ ،‬وتحركه باتجاه حفظ ما هو المهم من‬
‫غرضه في مقام التزاحم الحفظي و المحركية تماماً‪ ،‬كما هو الحال في‬
‫موارد الشبهات البدوية‪.‬‬
‫بل المنع عن ذلك الترخيص بدعوى أنه ليس للمولى تقديم أغراضه‬
‫الترخيصية على الغرض االلزامي في موارد التزاحم فهو في الحقيقة تجديد‬
‫لمولوية المولى‪ ،‬وتحكم عليه‪ ،‬وتوهين له‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬كما ال تضاد بين التكليف الواقعي المعلوم باإلجمال‪ ،‬مع‬
‫الترخيص الظاهري في تمام األطراف‪ ،‬النحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪27‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مورده‪ ،‬كذلك ال تضاد بين الترخيص الظاهري‪ ،‬وحكم العقل بقبح المعصية‬
‫حيث ال معصية مع ترخيص المولى‪.‬‬
‫وأجاب عنه شيخنا األستاذ (دام ظله)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الجهة الرابعة من بحوث العلم اإلجمالي‪ ،‬المقام األول‪ :‬وهو‬
‫في إمكان جعل الترخيص في تمام االطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬المقام الثاني‪:‬‬
‫في إمكان جعل الترخيص في بعض األطراف‪ ،‬ثم في المقام األول يقع فيه‬
‫فرعين‪ :‬الفرع األول‪ :‬في المانع ثبوتي‪ ،‬الفرع الثاني في المانع اثباتي‪ ،‬قلنا أن‬
‫السيد الخوئي(قده) تبعاً ألستاذه المحقق النائيني(قده) قال‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي يكون مانعاً من جعل الترخيص في تمام األطراف العلم اإلجمالي‬
‫ثبوتاً‪ ،‬وذكرنا الوجه في ذلك من أنه يؤدي إلى الترخيص في معصية المولى‬
‫ال‪ ،‬واعترض عليه السيد الشهيد الصدر(قده) وقد تقدم‬
‫فهذا يكون قبيحاً عق ً‬
‫الكالم في ذلك‪.‬‬
‫وأجاب عنه شيخنا األستاذ (دام ظله)‪ :‬وحاصله‪ :‬أن تعليل المحقق‬
‫النائيني(قده) لعدم إمكان جعل الترخيص في تمام األطراف‪ ،‬بأنه ترخيص‬
‫ال غريب جداً‪ ،‬ألنه دوري‪.‬‬
‫في معصية المولى‪ ،‬وهو قبيح عق ً‬
‫وذلك‪ :‬ألن عدم إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في جميع أطراف‬
‫العلم اإلجمالي متفرع على كون العلم اإلجمالي‪ ،‬علة تامة للتنجيز‪ ،‬بالنسبة‬
‫إلى حرمة المخالفة القطعية العملية في المرتبة السابقة‪ ،‬حيث إن من آثار‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كونه علة تامة هو عدم إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في تمام‬
‫أطرافه‪ ،‬فإذاً كيف يصح جعله علة وسبباً لكونه علة تامة؟‬
‫إذ لو كان سبباً وعلة تامة‪ ،‬لزم الدور‪ ،‬وبكلمة‪ :‬أن عدم إمكان جعل الحكم‬
‫الترخيصي في جميع األطراف متوقف على كون العلم اإلجمالي علة تامة‬
‫للتنجيز بالنسبة إلى حرمة المخالفة فلو توقف كونه علة تامة له على عدم‬
‫إمكان جعل الترخيص في تمام األطراف لزم الدور‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن ما أفاده المحقق النائيني(قده) من الوجه ال يصلح أن يكون‬
‫ال ومرجعاً على ما نعية العلم اإلجمالي عن إمكان جعل الترخيص في‬
‫دلي ً‬
‫تمام األطراف ثبوتاً للزوم الدور الباطل‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬من جميع ما ذكرناه في الفرع األول أن السيد الخوئي(قده) تبعاً‬
‫ألستاذه المحقق النائيني(قده) يرى ما نعية العلم اإلجمالي من جعل‬
‫الترخيص في تمام أطراف المعلوم باإلجمال ثبوتاً‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) وكذلك شيخنا األستاذ (دام ظله) ال يرون ما نعية‬
‫العلم اإلجمالي عن جعل الترخيص في جميع األطراف ثبوتاً وهو الصحيح‬
‫المختار‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الكالم في الفرع الثاني‪ :‬وهو ما نعية العلم اإلجمالي عن شمول األدلة‬
‫األصول الترخيصية لجميع األطراف إثباتاً‪.‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) أن الحكم الظاهري على قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما إذا كان دليل الحكم الظاهري هو (األمارات) كالبينة‬
‫والخبر‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما إذا كان دليل الحكم الظاهري هو (األصل) كاالستصحاب‬
‫والبراءة وأصالة‪.‬‬
‫أما القسم األول‪ :‬وهو ما إذا قامت األمارة في كل طرف على خالف‬
‫المعلوم باإلجمال‪ ،‬مثاله‪ :‬إذا علمنا إجماالً (بنجاسة أحد إناءين)‪ ،‬وقامت‬
‫(البينة) على طهارة أحدهما المعين‪ ،‬كاإلناء األبيض‪ ،‬وقامت بينة أخرى‬
‫على طهارة اآلخر‪ ،‬كاإلناء األصفر‪ ،‬وحينئذ‪ ،‬فال ريب في عدم حجية شيء‬
‫من األمارتين‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن ما دل على طهارة اإلناء األبيض‪ ،‬قد دل على‬
‫نجاسة اآلخر بااللتزام وذلك‪ :‬بضميمة ومالحظة العلم اإلجمالي بنجاسة‬
‫أحدهما وهكذا ما دل على طهارة اإلناء األصفر‪ ،‬يدل على نجاسة اآلخر‪،‬‬
‫بااللتزام كذلك‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فتقع المعارضة‪ :‬بينهما‪ ،‬فتسقطان عن الحجية‪ ،‬لعدم إمكان شمول دليل‬


‫حجية األمارة للمتعارضين معاً‪ ،‬وشموله ألحدهما ترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أنه يستحيل جعل الحجية لألمارات لشمول جميع األطراف‪ ،‬بال‬
‫فرق بين كون مؤداها حكماً إلزامياً كما لو قامت البينة عليه‪ ،‬والمعلوم‬
‫باإلجمال حكماً غير الزامي كاالستصحاب والكراهة‪ ،‬وبين أن يكون عكس‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهو ما إذا قامت األصول العملية على الحكم الظاهري‬
‫ففي المثال المتقدم‪ :‬بما ان كل إناء مشكوك طهارته ونجاسته في نفسه فال‬
‫مانع من جريان (استصحاب الطهارة) في كل واحد منهما على حدة‪ ،‬وكذا‬
‫ال مانع من جريان (أصالة الطهارة) في كل واحد منهما في نفسه‪ ،‬وبال مانع‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن العلم اإلجمالي ال يكون ناقضاً للشك في كل طرف لتعلقه‬
‫بالجامع‪ ،‬دون الفرد الذي تعلق به الشك‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال مانع من شمول أدلة األصول لجميع األطراف لو ال وجود المانع‬
‫الثبوتي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ولهذا نلتزم بجريانها فيما لم يلزم منه (المخالفة العملية) كما إذا كان‬
‫المعلوم باإلجمال حكماً غير الزامي‪ ،‬وكان مفاد األصل حكماً الزامياً‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن األصل مطلقا تنزيلياً كان أو غيره ال يترتب عليه اال ثبوت‬
‫مؤداه وال يؤخذ بلوازمه‪ ،‬من نفي غيره التزاماً‪ ،‬وغاية ما يترتب على ضم‬
‫بعض األصول إلى بعضها اآلخر‪ ،‬هو العلم بمخالفة بعضها للواقع‪ ،‬وال ضير‬
‫فيه‪ ،‬بناءاً على ما هو التحقيق من عدم وجوب الموافقة االلتزامية‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا شك المصلي في الطهارة بعد الفراغ من الصالة‪ ،‬وكان مسبوقاً‬
‫بالحدث‪ ،‬فالوظيفة هي جريان قاعدة الفراغ‪ ،‬بالنسبة إلى الصالة الماضية‪.‬‬
‫ولكن يجري (استصحاب الحدث) بالنسبة إلى الصلوات اآلتية‪ ،‬مع أنه يعلم‬
‫اجماالً بعدم مطابقة أحد األصلين التنزيليين للواقع‪ ،‬فتلزم المخالفة‬
‫االلتزامية‪ ،‬وليس ذلك اال من جهة أنه ال يترتب على جريان األصلين اال‬
‫المخالفة االلتزامية وهي غير مانعة عن جريانها‪.‬‬
‫فتحصل من جميع ما تقدم أن في مقام اإلثبات والداللة تفصيل في المقام‪:‬‬
‫فإذا كان دليل الحكم الظاهري هو (األمارات) فال تشمل جميع األطراف‪،‬‬
‫للتعارض‪ ،‬وال تشمل بعض األطراف لمحذور الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪28‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإذا كان دليله هو (األصل) فال مانع من شمول أدلة األصول مطلقا لجميع‬
‫ال عن بعضها‪ ،‬لوال وجود المانع الثبوتي‪ ،‬وهو‪ :‬لزوم المخالفة‬
‫األطراف فض ً‬
‫القطعية العملية‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده)‪ :‬فقد افاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪29‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الفرع الثاني‪ ،‬في ما ذكره السيد الخوئي(قده) في المانع‬


‫اثباتي من جريان األدلة واألصول الترخيصية في جميع اطراف معلوم‬
‫باإلجمال‪ ،‬وقال أن هذه المانعية هل تكون اثباتية أو ترخيصية‪ ،‬ففي الفرع‬
‫الثاني تكلمنا عن المانع االثباتي دون مانع ثبوتي‪ ،‬وخالصة ما ذكره السيد‬
‫الخوئي حيث ذهبت إلى التفصيل فأنه قال‪ :‬في المقام اثبات والداللة هناك‬
‫تفصيل في المقام‪ ،‬يعني ما إذا كان دليل الحكم الظاهري هو (األمارات)‬
‫كالبينة والخبر‪ ،‬ففي هذه الصورة ال تشمل جميع األطراف معلوم باإلجمال‪،‬‬
‫ألن هذا الشمول يؤدي إلى التعارض باعتبار أن األمارات يثبت المؤدى‬
‫مطابقة وينفي طرف اآلخر بااللتزام‪ ،‬فيحصل بينهما تنافي وتعارض‪ ،‬فإذاً ال‬
‫تشمل جميع األطراف‪ ،‬وأيضاً ال تشمل بعض األطراف ألن شمول بعض‬
‫األطراف دون بعض اآلخر يكون ترجيح بال مرجح‪ ،‬هذا إذا كان دليل‬
‫حكم ظاهري ترخيصي األمارات‪.‬‬
‫وأما إذا كان دليل حكم الظاهري الترخيصي هو األصل‪ ،‬وقال في هذه‬
‫ال عن‬
‫الصورة ال مانع من شمول ادلة األصول مطلقا‪ ،‬لجميع األطراف فض ً‬
‫بعض األطراف‪ ،‬إذا لم يكن هناك مانع ثبوتي‪ ،‬الذي تقدم في كالم المحقق‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪29‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫النائيني وأيده السيد الخوئي (ال يحصل هناك ترخيص في المعصية المولى‪،‬‬
‫يعني ال يلزم المخالفة القطعية العملية‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده)‪ :‬فقد افاد في المقام ما حاصله‪:‬‬
‫أن المستفاد من كلمات المحققين عدم ما نعية العلم اإلجمالي عن جريان‬
‫األصول الترخيصية في تمام األطراف في نفسها‪ ،‬لتصريحهم بأن كل طرف‬
‫من األطراف مشمول إلطالق أدلة األصول في نفسه‪ ،‬وإنما يتمسكون في‬
‫مقام اسقاط األصول بالمانع الثبوتي المتقدم‪.‬‬
‫ولكن الصحيح‪ :‬هو ما نعية العلم اإلجمالي عن جريان األصول الترخيصية‬
‫في تمام األطراف (إثباتاً) كما يظهر ذلك ويتضح بمراجعة الفهم العرفي‪،‬‬
‫واالرتكاز العقالئي‪ ،‬فإنه ال يساعد على جعل الترخيص الظاهري في تمام‬
‫األطراف‪ ،‬ويرى العرف فيه نحو مناقضة مع التكليف الواقعي المعلوم‬
‫ال‪ ،‬مثال‪ :‬لو قال المولى العرفي لعبده‪ :‬إذا‬
‫باإلجمال‪ ،‬رغم كونه ممكناً عق ً‬
‫رأيت شخصاً يغرق‪ ،‬ولم تحرز كونه محبوباً لي‪ ،‬وأنا اهتم بنجاته‪ ،‬فليس من‬
‫الالزم عليك إنقاذه‪.‬‬
‫ثم رأى العبد شخصين يغرقان‪ ،‬ويعلم اجماالً بأن واحداً منهما محبوب‬
‫للمولى‪ ،‬يهتم المولى بنجاته‪ ،‬فتركهما حتى غرقا معاً‪ ،‬ثم اعتذر عند المولى‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪29‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بأني رأيت أن كل واحد منهما داخل تحت العنوان العدمي الذي بينته‪ ،‬من‬
‫(عدم احراز كونه محبوباً بك) فتركته‪ ،‬فإن هذا االعتذار يعد عند العرف من‬
‫المضحكات‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن عدم مشمول دليل الترخيص ألطراف العلم اإلجمالي من‬
‫الواضحات بحسب الفهم العرفي‪.‬‬
‫والنكتة في ذلك أمران‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن العقالء بحسب نظرهم ال يرفعون اليد عن األغراض اإللزامية‬
‫المحرزة والمعلومة في التكاليف‪ ،‬لمجرد غرض ترخيصي محتمل أو‬
‫مشتبه‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن األغراض الترخيصية في ارتكاز العقالء ال يمكن أن تبلغ‬
‫درجة من األهمية‪ ،‬بحيث تتقدم على غرض الزامي معلوم‪ .‬ومن هنا يكون‬
‫الترخيص في تمام األطراف بحسب أنظار هم‪ ،‬كأنه تفويت لذلك الغرض‬
‫اإللزامي‪ ،‬ومناقض معه‪.‬‬
‫ولعل هذا هو نفس االرتكاز الذي كان يشعر به بعض األعالم بحسب‬
‫إحساسه الوجداني والعقالئي‪ ،‬فجعله كاشفاً عن حكم عقلي بعلية العلم‬
‫اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فذهبوا إلى ان المانع ثبوتي‪ ،‬ولكن قد‬
‫ال‪.‬‬
‫عرفت عدم صحة ذلك مفص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪29‬ربيع‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإنما الصحيح أن هذا االرتكاز يكون بمثابة قرينة لبية متصلة بالخطاب‪،‬‬
‫تمنع عن أصل انعقاد الظهور في االطالق في أدلة األصول‪ ،‬لشمول أطراف‬
‫المعلوم باإلجمال جميعاً‪ ،‬فيكون المانع اثباتياً‪ ،‬ال ثبوتياً وترخيصاً في‬
‫المعصية ولزوم المخالفة القطعية‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يمكن أن تشمل أدلة األصول بعض األطراف‪ ،‬دون البعض اآلخر‪ ،‬مع‬
‫الحفاظ على الغرض اإللزامي‪ ،‬ولكنه ترجيح بال مرجح‪ ،‬كما يأتي الكالم‬
‫عنه في المقام الثاني‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬دعوى القصور في شمول أدلة الترخيص لتمام األطراف‪ ،‬بيان‬
‫ذلك‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره السيد الخوئي(قده) في مقام االثبات والداللة قال‬


‫أن العلم اإلجمالي ال يكون مانعاً من جريان األمارات في أطراف العلم‬
‫اإلجمالي جميعها من باب تناقض‪ ،‬وفي بعض اطراف من باب الترجيح بال‬
‫مرجح‪ ،‬وهذا مانع اثباتي‪ ،‬وأما جريان أدلة األصول أنها تشمل أطراف‬
‫معلوم باإلجمال‪ ،‬إنما يكون لمانع ثبوتي‪ ،‬وهو معصية الترخيص في معصية‬
‫المولى وهو لزوم مخالفة القطعية‪ ،‬ولكن أنه يمكن أن يحصل الترخيص‬
‫لبعض األطراف اال ان هذا الترخيص لبعض األطراف أيضاً يكون مانع منه‬
‫الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫السيد الشهيد (قده) وضع يده على هذه النكتة‪ ،‬وهي أن السيد الخوئي بل‬
‫مشهور المحققين األصوليين حيث قالوا بعدم مانعية العلم اإلجمالي عن‬
‫جريان أصول الترخيصية في أطراف معلوم باإلجمال في نفسها قالوا عدم‬
‫المانعية في المقام االثبات‪ ،‬ألن كل طرف يكون مشمول إلطالق أدلة‬
‫األصول‪ ،‬ولكن المانع يكون مانعاً ثبوتياً‪ ،‬وعرفتم المانع ثبوتي أنه يحصل‬
‫إما الترخيص في المعصية أو لزوم مخالفة قطعية العملية‪ ،‬هذا هو كان مانع‬
‫ثبوتي‪ ،‬ال مانع االثباتي‪ ،‬اال أن السيد الشهيد في بحثنا يوم األمس قال ان‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مانعية العلم اإلجمالي عن جريان أصول في تمام األطراف هذا يكون مانعاً‬
‫اثباتياً‪ ،‬ألمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن العقالء بحسب نظرهم ال يرفعون اليد عن األغراض اإللزامية‬
‫المحرزة والمعلومة في التكاليف‪ ،‬لمجرد غرض ترخيصي محتمل أو‬
‫مشتبه‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن األغراض الترخيصية في ارتكاز العقالء ال يمكن أن تبلغ‬
‫درجة من األهمية‪ ،‬بحيث تتقدم على غرض الزامي معلوم‪ .‬ومن هنا يكون‬
‫الترخيص في تمام األطراف بحسب أنظار هم‪ ،‬كأنه تفويت لذلك الغرض‬
‫اإللزامي‪ ،‬ومناقض معه‪.‬‬
‫ولعل هذا هو نفس االرتكاز الذي كان يشعر به بعض األعالم بحسب‬
‫إحساسه الوجداني والعقالئي‪ ،‬فجعله كاشفاً عن حكم عقلي بعلية العلم‬
‫اإلجمالي لحرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فذهبوا إلى ان المانع ثبوتي‪ ،‬ولكن قد‬
‫ال‪.‬‬
‫عرفت عدم صحة ذلك مفص ً‬
‫وإنما الصحيح أن هذا االرتكاز يكون بمثابة قرينة لبية متصلة بالخطاب‪،‬‬
‫تمنع عن أصل انعقاد الظهور في االطالق في أدلة األصول‪ ،‬لشمول أطراف‬
‫المعلوم باإلجمال جميعاً‪ ،‬فيكون المانع اثباتياً‪ ،‬ال ثبوتياً وترخيصاً في‬
‫المعصية ولزوم المخالفة القطعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬يمكن أن تشمل أدلة األصول بعض األطراف‪ ،‬دون البعض اآلخر‪ ،‬مع‬
‫الحفاظ على الغرض اإللزامي‪ ،‬ولكنه ترجيح بال مرجح‪ ،‬كما يأتي الكالم‬
‫عنه في المقام الثاني‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬دعوى القصور في شمول أدلة الترخيص لتمام األطراف‪.‬‬
‫بيان ذلك‪ :‬أن عنوان (ماال يعلمون) أو عنوان (الشبهة) في الروايات وإن كان‬
‫ال لكل طرف مشتبه ومجهول الحكم من أطراف العلم اإلجمالي في‬
‫شام ً‬
‫نفسه‪ ،‬اال أن المنساق عرفاً من الحكم المجعول بقوله(ص) «رفع عن‬
‫أمتي‪ »...‬إنما هو الترخيص الظاهري لصالح األغراض الترخيصية في موارد‬
‫التزاحم بينها‪ ،‬وبين خصوص األغراض اإللزامية المشتبهة التي ال يعلم بها‬
‫ال كالشبهات البدوية‪ ،‬دون األغراض اإللزامية التي يعلم بها‪ ،‬ولو بعلم‬
‫أص ً‬
‫اجمالي‪ ،‬كالمقام‪ .‬وال مالزمة بين الترخيص في ذلك‪ ،‬والترخيص في موارد‬
‫األغراض اإللزامية المعلومة اجماالً المشتبهة مع األغراض الترخيصية‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬إلمكان االكتفاء بالترخيص األول فقط لنكات موضوعية أو ذاتية‪،‬‬
‫من قبيل مطابقة االرتكازات العرفية وعدم التناقض‪.‬‬
‫وأما في محل الكالم‪ :‬وهو مورد العلم اإلجمالي لو ال حظنا كل طرف في‬
‫نفسه فهو مورد للترخيص األول‪ ،‬ولكن لو ال حظنا مجموع األطراف‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالترخيص فيها يكون من النوع الثاني المعلوم عرضه االلزامي‪ ،‬الذي يقصر‬
‫عن إثباته الدليل‪ ،‬وال يجدي ثبوت الترخيص من الناحية األولى في إثباته‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬أن هذا األمر الثاني إنما يتم في مثل حديث الرفع (رفع عن أمتي‬
‫ماال يعلمون)‪ ،‬وال يتم في مثل حديث الحلية (كل شيء لك حالل حتى‬
‫تعرف الحرام منه بعينه) الظاهر في العلم بوجود الحرام‪ ،‬أي الغرض‬
‫اإللزامي إجماالً‪ ،‬دون الغرض الترخيصي‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يتم فيه الوجه األول‪ .‬وكذلك ال يتم هذا الوجه في األصول الترخيصية‬
‫التنزيلية‪ ،‬أي التي يكون لقوة االحتمال دخل في مالكها‪ ،‬كاالستصحاب‬
‫النافي للتكليف في مورد العلم اإلجمالي بالتكليف وذلك ألن دليل‬
‫االستصحاب ناظر إلى كاشفية الحال السابقة‪ ،‬مع قطع النظر عن نوع الحكم‬
‫الثابت به‪ ،‬وكونه غرضاً إلزامياً أو ترخيصياً‪ ،‬وإنما يتم فيه الوجه األول‪.‬‬
‫فالمتحصل‪ :‬أن الصحيح في المنع عن جريان األصول في تمام األطراف هو‬
‫وجود المحذور اإلثباتي‪ ،‬دون المحذور الثبوتي كما تخيل المشهور‪.‬‬
‫وكذلك األمر في موارد األمارات المثبتة للحكم الظاهري الترخيصي لجميع‬
‫أطراف المعلوم باإلجمال‪ ،‬كالمثال الذي ذكره السيد الخوئي(قده) من قيام‬
‫بينتين متعارضتين‪ ،‬حيث إن دليل حجية األمارة ال يشمل البينتين‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منجزاً‬ ‫المتعارضتين‪ ،‬فيكون المانع اثباتياً‪ ،‬ويكون العلم اإلجمالي‬
‫لوجوب الموافقة‪ ،‬وحرمة المخالفة‪ ،‬وتفصيل الكالم في باب التعادل‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد اتفق مع السيد الخوئي والسيد‬
‫الشهيد(قدهما) على أن المانع من شمول الحكم الظاهري الثابت باألمارة‬
‫لجميع األطراف هو أن دليل حجية واعتبار األمارة ال يشمل كلتا األمارتين‬
‫المتعارضتين معاً‪ ،‬لتنافيهما‪ ،‬وتناقضهما اثباتاً‪.‬‬
‫وأما شموله إلحداهما المعيّنة دون األخرى فهو ترجيح بال مرجح‪ ،‬إذاً فال‬
‫محالة يسقط دليل اعتبار األمارة في المقام عن الحجية‪ ،‬للمحذور اإلثباتي‪،‬‬
‫ويكون العلم اإلجمالي منجزاً لوجوب الموافقة‪ ،‬حرمة المخالفة‪.‬‬
‫وأما أدلة األصول المؤمنة فقد ذكر (دام ظله) هنا أوالً‪ :‬ما ذهب اليه السيد‬
‫الخوئي(قده) من أن المانع من شمولها لجميع األطراف ثبوتي حيث ال‬
‫قصور في مثل إطالق حديث الرفع وغيره عن شمول أطراف العلم‬
‫اإلجمالي جميعاً‪ ،‬حيث ال قصور في مثل إطالق (حديث الرفع) وغيره عن‬
‫شمول أطراف العلم اإلجمالي جميعاً‪.‬‬
‫ثم ذكر ما أشكل عليه السيد الشهيد (قده) حيث منع عن هذا االطالق‬
‫لتوقفه على مقدمات الحكمة(منها) عدم وجود القرينة على التقييد‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪1‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فقال(قده) ولكن القرينة موجودة وهي االرتكاز العرفي العقالئي على أن‬
‫في جعل الترخيص‪ ،‬تفويت للتكليف وللغرض االلزامي‪ ،‬ومناقض له‪ ،‬وهذا‬
‫االرتكاز يصلح أن يكون (قرينة لبية متصلة بالخطاب) تمنع عن انعقاد‬
‫اإلطالق في أدلة األصول‪ ،‬لشمول األطراف المعلوم باإلجمال جميعاً‪،‬‬
‫فيكون المانع إثباتياً‪.‬‬
‫ثم قال(دام ظله) إنه يمكن المناقشة فيما ذكره السيد الشهيد(قده) ‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في الفرع الثاني في مانعية العلم اإلجمالي عن شمول األمارات‬


‫واألصول الترخيصية في جميع األطراف المعلوم باإلجمال‪ ،‬هل ان العلم‬
‫اإلجمالي بوجوب صالة الجمعة أو صالة الظهر هل العلم اإلجمالي بنجاسة‬
‫إناء األبيض أو األصفر يمنع عن شمول األمارات واألدلة واألصول‬
‫الترخيصية والعملية أن يشمل جميع األطراف أوال؟‬
‫ذكرنا أن السيد الخوئي(قده) قال بالنسبة إلى شمول األمارات ألطراف‬
‫العلم اإلجمالي يكون مانع اثباتي‪ ،‬وهو حصول التعارض في أدلة االمارات‬
‫في شمول األطراف وشمول بعض يكون من باب ترجيح بال مرجح‪،‬‬
‫وكالهما مانع في مقام اإلثبات‪ ،‬وأما األصول الترخيصية ال يكون هناك مانع‬
‫اثباتي بل يكون المانع ثبوتي كما تقدم‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد (قده) فقد ذكر أن المانع في شمول األمارات األصول‬
‫يكون مانع اثباتي وليس المانع ثبوتي‪ ،‬ومن هنا ذكر شيخنا األستاذ(دام ظله)‬
‫في المقام أنه حصل االتفاق بين السيد الخوئي والسيد الشهيد(قدهما) على‬
‫أن المانع من شمول الحكم الظاهري الترخيصي الثابت باألمارة لجميع‬
‫األطراف يكون من باب المانع اثباتي‪ ،‬وأما أدلة األصول المؤمنة فقد ذكر‬
‫(دام ظله) هنا أوالا‪ :‬ما ذهب اليه السيد الخوئي(قده) من أن المانع من‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫شمولها لجميع األطراف ثبوتي حيث ال قصور في مثل إطالق حديث الرفع‬
‫وغيره عن شمول أطراف العلم اإلجمالي جميعاا‪ ،‬حيث ال قصور في مثل‬
‫إطالق (حديث الرفع) وغيره عن شمول أطراف العلم اإلجمالي جميعاا‪.‬‬
‫ثم ذكر ما أشكل عليه السيد الشهيد (قده) حيث منع عن هذا االطالق‬
‫لتوقفه على مقدمات الحكمة(منها) عدم وجود القرينة على التقييد‬
‫فقال(قده) ولكن القرينة موجودة وهي االرتكاز العرفي العقالئي على أن‬
‫في جعل الترخيص‪ ،‬تفويت للتكليف وللغرض االلزامي‪ ،‬ومناقض له‪ ،‬وهذا‬
‫االرتكاز يصلح أن يكون (قرينة لبية متصلة بالخطاب) تمنع عن انعقاد‬
‫اإلطالق في أدلة األصول‪ ،‬لشمول األطراف المعلوم باإلجمال جميعاا‪،‬‬
‫فيكون المانع إثباتياا‪.‬‬
‫ثم قال(دام ظله) إنه يمكن المناقشة فيما ذكره السيد الشهيد(قده) بتقريب‬
‫أن إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيص في أطراف العلم اإلجمالي ثبوتاا‬
‫إنما هو بنكتة‪ :‬أن الترخيص المولوي رافع لموضوع حكم العقل (بقبح‬
‫معصية المولى)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن حكم العقل على ما هو الصحيح ليس حكماا تنجيزياا‪ ،‬بل حكم‬
‫تعليقي‪ ،‬ومعلق على عدم الترخيص المولوي‪ ،‬مع ثبوت الترخيص‪ ،‬ينتفي‬
‫حكم العقل بانتفاء موضوعه فال منافاة في مقام الثبوت فهو تام‪.‬‬
‫وأما بحسب مقام االثبات‪ :‬فإن ما ذكره (قده) من أن االرتكاز العرفي‬
‫والعقالئي على عدم رفع اليد عن األغراض اإللزامية في التكليف المعلوم‬
‫باإلجمال‪ ،‬وعدم تفويتها لمجرد غرض ترخيص محتمل‪ ،‬والذي هو عبارة‬
‫أخرى عن قبح المخالفة القطعية‪ ،‬يكون بمثابة قرينة لبية متصلة بالخطاب‬
‫مثل (رفع ماال يعلمون) يمنع عن انعقاد ظهور األدلة في اإلطالق‪ ،‬فيكون‬
‫المانع اثباتياا‪.‬‬
‫غير تام‪.‬‬
‫أما أوالا‪ :‬فألن هذا االرتكاز العرفي العقالئي‪ ،‬إنما هو بمثابة القرينة اللبية‬
‫المنفصلة دون المتصلة‪ ،‬فهو مانع عن حجية إطالق األدلة بعد انعقادها‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن أصل انعقاد الظهور لإلطالق‪ ،‬منوط بتمامية مقدمات الحكمة‪،‬‬
‫فإذا تمت انعقد اطالقه‪ ،‬سواء أكان اإلطالق موافقاا لالرتكاز العرفي‬
‫والعقالئي أم ال‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما ثانياا‪ :‬ال يبعد دعوى اختصاص أدلة األصول المؤمنة بالشبهات البدوية‬
‫وعدم شمولها للشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي‪ ،‬وذلك‪ :‬من جهة أن‬
‫المتبادر منها عرفاا وبمناسبة الحكم اإللزامي فيها معلوماا‪ ،‬كالشبهات البدوية‪.‬‬
‫وأما الشبهات المقرونة بالعلم اإلجمالي‪ :‬بالتكليف االلزامي الوجوبي أو‬
‫التحريمي فهي منصرفة عنها األدلة‪ ،‬على أساس أن التكليف فيها معلوم‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وعدم جواز تفويت التكليف االلزامي‬
‫ومقتضاه وجوب االحتياط فيها عق ا‬
‫المعلوم والغرض االلزامي فيه‪.‬‬
‫وأما ثالثاا‪ :‬مع تسليم عدم الظهور لتلك األدلة في جعل الحكم الترخيصي في‬
‫خصوص الشبهات البدوية‪ ،‬فال شبهة أنها غير ظاهرة في االطالقات‪ ،‬فتكون‬
‫مجملة من هذه الناحية‪ ،‬والقدر المتيقن منها خصوص الشبهات البدوية‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن عدم شمول أدلة حجية األمارات المتكلفة لألحكام‬
‫الترخيصية لجميع أطراف العلم اإلجمالي إنما هو لمانع إثباتي‪ ،‬وهو وقوع‬
‫التعارض بينهما بالنسبة إلى شمولها لجميع األطراف‪ ،‬ولزوم الترجيح بال‬
‫مرجح بالنسبة إلى شمولها للبعض دون بعضها اآلخر‪ ،‬نعم على القول بالعلية‬
‫التامة فالمانع ثبوتي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما عدم شمول أدلة األصول العملية المؤمنة لتمام األطراف‪ ،‬فإنما هو‬
‫لقصور ها في نفسها‪ ،‬ال لمانع ثبوتي‪ ،‬وال إثباتي‪ ،‬نعم لو فرض لها اإلطالق‪،‬‬
‫فعلى القول باالقتضاء كان المانع إثباتياا‪ ،‬وعلى القول بالعلية التامة كان المانع‬
‫ثبوتياا هذا‪.‬‬
‫وأما الكالم في المقام الثاني‪ :‬وهو البحث عن مانعية العلم اإلجمالي ثبوتاا‬
‫واثباتاا‪ ،‬عن جريان األصول الترخيصية في بعض األطراف‪.‬‬
‫فيقع الكالم في فرعين أيضاا‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬في إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض‬
‫األطراف وعدمه ثبوتاا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬في شمول أدلة األصول لبعض األطراف‪ ،‬وعدمه إثباتاا بعد‬
‫إمكان جعله ثبوتاا‪.‬‬
‫أما الكالم في الفرع األول‪:‬‬
‫ذكر السيد الخوئي(قده) أن المعروف بين األصوليين‪ ،‬منهم المحقق‬
‫النائيني(قده) إمكان جعل الترخيص في بعض األطراف في نفسه‪ ،‬وأنه ال‬
‫مانع منه بحسب مقام الثبوت‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬أن العلم اإلجمالي ليس علة تامة‬
‫لوجوب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪2‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن العلم ال يتطلب أكثر من االمتثال الجامع بين االمتثال الوجداني‬
‫والتعبدي‪ ،‬فإذا فرض الترخيص في جميع األطراف‪ ،‬كان ترخيصاا في‬
‫المخالفة القطعية فلم يتحقق االمتثال بكال وجهيه‪ ،‬وأما لو رخص الشارع في‬
‫بعض األطراف‪ ،‬فهذا معناه جعل الطرف اآلخر بدالا عن الواقع‪ ،‬وهذا يعني‬
‫تمامية االمتثال التعبدي‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪5‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعد أن انتهينا من التكلم في المقام األول‪ ،‬أي في مانعية العلم اإلجمالي من‬
‫جريان األصول العملية في جميع أطراف المعلوم باإلجمال باالتفاق‪ ،‬يعني‬
‫العلم اإلجمالي يمنع من جريان األصل العلمي كالبراءة واالستصحاب وغير‬
‫ذلك في جميع األطراف هذا كان باالتفاق‪ ،‬اآلن نتناول الكالم في المقام‬
‫الثاني‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬وهو البحث عن مانعية العلم اإلجمالي ثبوتاً واثباتاً‪ ،‬عن جريان‬
‫األصول الترخيصية في بعض األطراف‪.‬‬
‫فيقع الكالم في فرعين أيضاً‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬في إمكان جعل الحكم الظاهري الترخيصي في بعض‬
‫األطراف وعدمه ثبوتاً‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬في شمول أدلة األصول لبعض األطراف‪ ،‬وعدمه إثباتاً بعد‬
‫إمكان جعله ثبوتاً‪.‬‬
‫أما الكالم في الفرع األول‪ :‬ذكر السيد الخوئي(قده) أن المعروف بين‬
‫األصوليين‪ ،‬منهم المحقق النائيني(قده) إمكان جعل الترخيص في بعض‬
‫األطراف في نفسه‪ ،‬وأنه ال مانع منه بحسب مقام الثبوت‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬أن‬
‫علة تامة لوجوب الموافقة القععية العملية‪.‬‬ ‫العلم اإلجمالي لي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪5‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن العلم ال يتعلب أكثر من االمتثال الجامع بين االمتثال الوجداني‬
‫والتعبدي‪ ،‬فإذا فرض الترخيص في جميع األطراف‪ ،‬كان ترخيصاً في‬
‫المخالفة القععية فلم يتحقق االمتثال بكال وجهيه‪ ،‬وأما لو رخص الشارع في‬
‫بعض األطراف‪ ،‬فهذا معناه جعل العرف اآلخر بدالً عن الواقع‪ ،‬وهذا يعني‬
‫تمامية االمتثال التعبدي‪ ،‬وإن لم يتحقق االمتثال الوجداني‪ ،‬ثم بعد ذكر‬
‫مقالة المحققين الخراساني والعراقي(قدهما) على استحالة جعل الحكم‬
‫الظاهري في بعض األطراف‪ ،‬ومناقشتها‪.‬‬
‫قال (قده)‪ :‬إنه ال مانع من جعل الحكم الظاهري في بعض األطراف بحسب‬
‫مقام الثبوت‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد أفاد في المقام ما حاصله‪ :‬بناءاً على ما أخترناه في‬
‫المقام األول‪ ،‬من عدم مانعية العلم اإلجمالي ثبوتاً‪ ،‬عن جريان الترخيص في‬
‫تمام األطراف‪ ،‬فال يبقى مجال للبحث عن مانعية الترخيص في بعض‬
‫األطراف‪ ،‬فلئن كان الترخيص في تمام األطراف جائزاً‪ ،‬ففي بعض‬
‫األطراف بعريق أولى‪.‬‬
‫نعم‪ :‬بناءاً على مقالة المشهور‪ ،‬فهناك مجال للبحث عن المانعية في بعض‬
‫األطراف‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪5‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما شيخنا األستاذ (دام ظله) فلم يتعرض مباشرة إلى بحث هذا الفرع‪ ،‬وإن‬
‫كان مبناه (دام ظله) ال يختلف عن مبنى السيد الشهيد(قده) في المسألة‪،‬‬
‫وقد أشار إليه في غضون البحوث السابقة‪.‬‬
‫وأما الكالم فر الفرع الثاني‪ :‬وهو المحذور اإلثباتي؛ أي أن البحث يتناول‬
‫شمول أدلة األصول لبعض األطراف‪ ،‬وعدمه في مقام اإلثبات‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد أفاد في المقام ما حاصله‪ :‬والتحقيق‪ :‬عدم‬
‫شمول أدلة األصول الترخيصية معلقا‪ ،‬لبعض أطراف المعلوم باإلجمال‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫أما البراءة العقلية‪ :‬فألن مالكها (قاعدة قبح العقاب بال بيان) وال مجال‬
‫لجريانها بعد تمامية البيان‪ ،‬و وصول التكليف إلى المكلف بالعلم اإلجمالي‪،‬‬
‫وتنجزه وهو واضح‪.‬‬
‫وأما األصول الشرعية‪ :‬كحديث (الرفع) فألن شمول أدلتها لبعض األطراف‬
‫ال؛ لخروجه‬
‫معيناً ترجيح بال مرجح‪ ،‬وللبعض غير المعين غير صحيح أص ً‬
‫تخصصاً‪ ،‬إذا الغالب حصول القعع بإباحة البعض غير المعين‪ ،‬من األطراف‪،‬‬
‫ال؛ ليكون مشموالً ألدلة األصول‪.‬‬
‫فالبعض غير المعين‪ ،‬غير مشكوك فيه اص ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪5‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم على تقدير احتمال ثبوت التكليف في جميع األطراف‪ ،‬ال أثر للحكم‬
‫بإباحة بعضها غير المعين بعد وجوب االجتناب عن الجميع األطراف بحكم‬
‫العقل‪ ،‬مقدمة لالجتناب عن الحرام المعلوم باإلجمال‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن مورد جريان األصل هو المشكوك فيه‪ ،‬وهو كل واحد من‬
‫من المشكوك فيه‪ ،‬بل الغالب‬ ‫األطراف بخصوصه واما عنوان (أحدها) فلي‬
‫هو حصول القعع بإباحته‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن أدلة األصول غير شاملة لبعض األطراف أيضاً‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) وكذلك شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ظهر موقفهما‬
‫مما سبق‪ ،‬وهو أنه بعد فرض عدم إمكان جريان األصل في تمام األطراف‬
‫إما لمانع ثبوتي كما ذهب إليه مدرسة المحقق النائيني (قده) ومنهم السيد‬
‫الخوئي(قده)‪.‬‬
‫أو لمانع إثباتي كما ذهب إليه العلمان‪ ،‬من أن الفهم العرفي واالرتكاز‬
‫العقالئي الذي هو بمثابة القرينة اللبية المتصلة‪ ،‬أو المنفصلة‪ ،‬هو المانع من‬
‫جريانها في جميع األطراف‪ ،‬فيكون فرض جريانها في المقام في البعض‬
‫المعين‪ ،‬دون بعضها اآلخر ترجيحاً بال مرجح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪5‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ألن نسبة دليل األصل إلى كل من العرفين على نحو واحد وأما جريانه في‬
‫البعض المردد غير معقول في نفسه‪ ،‬إذ ال معنى للفرد المردد‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أنه بعد العلم بعدم جريان األصل في جميع األطراف في وقت‬
‫واحد‪ ،‬يحصل التعارض بين إطالق دليل األصل لكل طرف‪ ،‬وإطالقه لسائر‬
‫األطراف‪ ،‬ومقتضى التعارض هو التساقط‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬إن المانع من جريان األصول في جميع األطراف‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪6‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في الفرع األول في المقام الثاني وهو جريان األصول في بعض‬


‫األطراف العلم اإلجمالي وعدم جريانه‪ ،‬ذكر السيد الخوئي(قده) بل حصل‬
‫االتفاق بين االعالم الثالثة ال مانع ثبوتاً من امكان جعل الترخيص في بعض‬
‫األطراف للمعلوم باإلجمال‪ ،‬وأما في المقام االثبات في الفرع الثاني ذكرنا‬
‫أدلة األصول المرخصة هل تشمل جميع األطراف في مقام االثبات أم ال؟‬
‫وقع الخالف بين االعالم الثالثة‪ ،‬فالسيد الخوئي(قده) ذهب إلى عدم‬
‫شمول‪ ،‬أدلة األصول الترخيصية ال تشمل بعض األطراف أما في األصول‬
‫العقلية فقال أنه ال موضوع لقاعدة البراءة العقلية المبتنية على قاعدة قبح‬
‫عقاب بال بيان‪ ،‬أما األصول الشرعية ال تجري من جهة أنه يكون من باب‬
‫ترجيح بال مرجح‪ ،‬فإذاً ال تشمل أدلة األصول الترخيصية لبعض األطراف‬
‫في المقام االثبات‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) وكذلك شيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ظهر موقفهما‬
‫مما سبق‪ ،‬وهو أنه بعد فرض عدم إمكان جريان األصل في تمام األطراف‬
‫إما لمانع ثبوتي كما ذهب إليه مدرسة المحقق النائيني (قده) ومنهم السيد‬
‫الخوئي(قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪6‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أو لمانع إثباتي كما ذهب إليه العلمان‪ ،‬من أن الفهم العرفي واالرتكاز‬
‫العقالئي الذي هو بمثابة القرينة اللبية المتصلة‪ ،‬أو المنفصلة‪ ،‬هو المانع من‬
‫جريانها في جميع األطراف‪ ،‬فيكون فرض جريانها في المقام في البعض‬
‫المعين‪ ،‬دون بعضها اآلخر ترجيحاً بال مرجح‪.‬‬
‫ألن نسبة دليل األصل إلى كل من الطرفين على نحو واحد وأما جريانه في‬
‫البعض المردد غير معقول في نفسه‪ ،‬إذ ال معنى للفرد المردد‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أنه بعد العلم بعدم جريان األصل في جميع األطراف في وقت‬
‫واحد‪ ،‬يحصل التعارض بين إطالق دليل األصل لكل طرف‪ ،‬وإطالقه لسائر‬
‫األطراف‪ ،‬ومقتضى التعارض هو التساقط‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬إن المانع من جريان األصول في جميع األطراف‪ ،‬هو محذور‬
‫الترخيص في المخالفة القطعية‪ ،‬وهذا المحذور إنما ينشأ من إجراء االصل‬
‫المؤمن في كل من الطرفين مطلقا‪ ،‬سواء ارتكب المكلف الطرف اآلخر‪ ،‬أم‬
‫اجتنبه‪.‬‬
‫ومن هنا لو ألغينا إطالق األصل في كل منهما‪ ،‬وقيدناه لحالة عدم ارتكاب‬
‫اآلخر‪ ،‬انتج إثبات ترخيصين مشروطين‪ ،‬كل منهما منوط بترك اآلخر‪ ،‬ومثل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪6‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫هذا التقييد ال يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية‪ ،‬ليكون محرماً‪،‬‬


‫فيرتفع المحذور‪.‬‬
‫ثم إن رفع اليد عن شيء من مفاد الدليل‪( ،‬كاإلطالق الحالي في المقام) ال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال‬ ‫يجوز اال لضرورة‪ ،‬أو قرينة‪ ،‬فإذا قدرنا الضرورة بقدرها‪ ،‬فلما ذا‬
‫نجري األصل في كل من الطرفين‪ ،‬ولكن مقيداً بترك اآلخر‪ ،‬وهذا‬
‫االعتراض مما ذكره المحقق العراقي(قده)‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬إن مفاد إطالق دليل الترخيص الظاهري كحديث الرفع‪ ،‬ومدلوله‬
‫التصديقي هو‪ :‬إبراز عدم اهتمام المولى بالتحفظ على الغرض اللزومي‬
‫ال‪ ،‬وهو غير معقول‪.‬‬
‫أص ً‬
‫وأما معنى افتراض ترخيصين مشروطين بترك اآلخر‪ ،‬هو‪ :‬أن عدم اهتمام‬
‫المولى بالتحفظ على الفرض اللزومي في كل طرف‪ ،‬منوط بترك اآلخر‪،‬‬
‫ال‪،‬‬
‫وهذا يكشف عن نحو اهتمام المولى بذلك الغرض اللزومي ولو قلي ً‬
‫ولكن كل ذلك ال محصل له‪ ،‬ألن المعقول إنما هو ثبوت مرتبة ناقصة من‬
‫االهتمام للمولى‪ ،‬تقتضي التحفظ االحتمالي على الواقع المعلوم‬
‫باإلجمال(أحدهما) اال أن استفادة ذلك من الترخيصين المشروطين المراد‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪6‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإثباتهما بإطالق دليل األصل‪ ،‬ال يمكن اال بالتأويل‪ ،‬وإرجاعهما إلى‬
‫الترخيص في الجامع أي في (أحدهما)‪.‬‬
‫وهذه العناية ال يفي بها إطالق دليل األصل (رفع عن أمتي ماال يعلمون)‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫إن قلت‪ :‬على ما ذكر ال تبقى ثمرة بين القول بالعلية التامة وبين القول‬
‫باالقتضاء‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه على كال القولين ظهر عدم جريان األصل المؤمن في‬
‫بعض األطراف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تتحقق الثمرة في بعض الصور والحاالت‪ ،‬نشير إلى واحدة منها‪.‬‬
‫ال‪ :‬مالو علم المكلف إجماالً بنجاسة أحد اإلناءين وكان أحدهما مجرى‬
‫مث ً‬
‫ألصالة الطهارة فقط‪ ،‬ولكن اآلخر كان مجرى (الستصحاب الطهارة)‬
‫ومجرى (ألصالة الطهارة) معاً‪ ،‬فأصالة في الطرف األول تعارض استصحاب‬
‫الطهارة في الطرف الثاني‪ ،‬وال تدخل (أصالة الطهارة) في الثاني‪ ،‬في هذا‬
‫التعارض‪ ،‬لكونها متأخرة رتبة عن االستصحاب‪ ،‬ومتوقفة على عدمه‪،‬‬
‫فكيف تقع طرفاً للمعارضة في مرتبة؟‪ ،‬بمعنى أنه ال مقتضي (ألصالة‬
‫الطهارة) في الثاني اال بعد سقوط األصل الموضوعي الحاكم وهو‬
‫(استصحاب الطهارة)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪6‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يسقط االستصحاب في الطرف الثاني‪ ،‬مع أصالة الطهارة في الطرف‬
‫األول بسبب التعارض‪ ،‬فتبقى أصالة الطهارة في الطرف الثاني بال معارض‪.‬‬
‫ومن هنا نقول‪ :‬إذا صح جريان األصل بال معارض كما في الحالة المتقدمة‬
‫يكون ذلك تعبيراً عمليا عن الثمرة‪ ،‬بين القول بالعلية‪ ،‬وبين القول باالقتضاء‬
‫حيث إنه على القول بالعلية ال يجري األصل مطلقا‪ ،‬بخالف القول‬
‫باالقتضاء‪ ،‬هناك ثمرات أخرى فليطلب من المطوالت‪.‬‬
‫خالصة البحوث المتقدمة في العلم اإلجمالي‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪7‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫قبل الدخول في مبحث تنبيهات العلم اإلجمالي وتعرض لبعض تنبيهات‬


‫العلم اإلجمالي ال بأس باإلاشاة إلى خالصة البحوث المتقدمة في العلم‬
‫اإلجمالي ونتائج مستحدثة والحاصلة في تلك البحوث‪.‬‬
‫خالصة البحوث المتقدمة في العلم اإلجمالي‪:‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد ذكر أن العلم اإلجمالي قد يتعلق بحكم الزامي‪،‬‬
‫وقد يتعلق بحكم غير الزامي‪.‬‬
‫أما على األول‪ :‬كما لو علم إجماالً بوجوب إحدى صالتين يوم الجمعة‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك ففي مثله ال تجري األصول النافية للتكليف اإللزامي في اشيء من‬
‫ال وال بعضاً‪ ،‬أما كال فمن جهة المانع الثبوتي‪،‬‬
‫أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬ال ك ً‬
‫وهو قبح الترخيص في المعصية‪ ،‬وفي مخالفة التكليف الواصل بالعلم‪.‬‬
‫أما بعضاً‪ :‬فمن جهة المانع االثباتي‪ ،‬المتمثل بقبح الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫نعم إذا كان بعض األصول نافياً للتكليف (كاالستصحاب النجاسة) وبعضها‬
‫مثبتاً له‪( ،‬كأصالة الطهاة ) فرضاً فيجري األصل النافي‪ ،‬والمثبت بال‬
‫ال عن جريان األصول المثبتة للتكليف‪ ،‬المؤكد لوجوب‬
‫معاةض‪ ،‬فض ً‬
‫االحتياط الذي هو الجاةي في المقام‪.‬‬
‫وأما على الثاني‪ :‬وهو ما إذا تعلق العلم اإلجمالي بحكم غير الزامي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪7‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مثاله‪ :‬ما لو علم إجماالً‪ ،‬إما باستصحاب الدعاء‪ ،‬أو استصحاب الصال ‪ ،‬عند‬
‫ةؤية الهالل‪ ،‬فال مانع من جريان األصول المثبتة للتكليف في جميع أطرافه‪،‬‬
‫بحسب مقام الثبوت‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لعدم المحذوة المتصوة عند ثبوت الحكم االلزامي مع األصول‬
‫ال عن األصول المثبتة‪.‬‬
‫النافية‪ ،‬فض ً‬
‫والحكم‪ :‬غير االلزامي أضف إلى كون األصول المثبتة‪ ،‬تثبت وتؤكد‬
‫االحتياط المطلوب في المقام‪ ،‬كما أنه ال مانع من اشمول أدلة األصول‬
‫المثبتة (كأصالة الطهاة والحل) في المقام أيضاً‪.‬‬
‫نعم‪ :‬ال تجري األماةات مطلقا‪ ،‬في تمام األطراف‪ ،‬الستلزامها التناقض‬
‫بحسب الداللة االلتزامية على ما تقدم بيانه‪ ،‬ولكنها تجري مع تحقق‬
‫موضوعها في بعض األطراف لعدم المانع‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده) فقد ذكر‪ :‬أنه ظهر من مجموع ما تقدم‪ :‬أن العلم‬
‫اإلجمالي بالتكليف أي مواةد الشك في المكلف به‪ ،‬يجري فيه أصالة‬
‫ال عن‬
‫االحتياط‪ ،‬ومع جريان أصالة االحتياط تجب الموافقة القطعية‪ ،‬فض ً‬
‫حرمة المخالفة القطعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪7‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اال أن وجوب الموافقة القطعية ليس من جهة المحذوة الثبوتي‪ ،‬عن جريان‬
‫الترخيص في تمام األطراف‪ ،‬أو بعض األطراف في المعلوم باإلجمال‪.‬‬
‫بل لمحذوة اثباتي وهو اةتكاز المناقضة بين الحكم الواقعي والترخيص في‬
‫األطراف ينظر العرف والعقالء وهذا المحذوة‪ ،‬إنما هو بالنسبة إلى جريان‬
‫الترخيص في جميع األطراف‪.‬‬
‫وأما المحذوة االثباتي لجريانها في بعض األطراف إنما هو بمالك التساقط‬
‫إذ بعد العلم بعدم جريان األصل في كل األطراف‪ ،‬يحصل التعاةض بين‬
‫إطالق دليل األصل لكل طرف وبين اطالقه لسائر األطراف‪ ،‬ومقتضى‬
‫التعاةض هو التساقط‪.‬‬
‫وأما اشيخنا األستاذ (دام ظله) فقد ذكر ما حاصله‪:‬‬
‫ال وال‬
‫أن إطالق دليل حجية األماة ال يشمل أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬ال ك ً‬
‫بعضاً للتعاةض بين المدلول المطابقي ألخذهما مع المدلول االلتزامي لآلخر‬
‫الموجب للتساقط‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وأما إطالق أدلة األصول العملية فال يشمل أطراف العلم اإلجمالي لوجود‬
‫القرينة اللبية المنفصلة وهي الفهم العرف واالةتكاز العقالئي‪ ،‬المناقض‬
‫لجعل الترخيص ثم إن جعل الحكم الترخيصي في جميع أطراف العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪7‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال عن بعض األطراف‪ ،‬فهو ممكن ألنه ةافع لحكم العقل‬


‫اإلجمالي ثبوتاً فض ً‬
‫بقبح الترخيص في المخالفة باةتفاع موضوعه فال تنافي بينهما‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫تنبيهات العلم اإلجمالي‬
‫ذكر األصوليون تنبيهات عديد في المقام نشير إلى بعضها‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪12‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تنبيهات العلم اإلجمالي‬


‫قلنا ذكر األصوليون تنبيهات عديدة في المقام نشير إلى بعضها‬
‫التنبيه األول‪ :‬ذكر السيد الخوئي(قده)‪ :‬أن األصل الجاري في أحد طرفي‬
‫العلم اإلجمالي إما أن يكون من سنخ األصل الجاري في الطرف اآلخر أو‬
‫يكون مغايراً له‪ ،‬وعلى األول‪ :‬إما أن يكون أحد الطرفين مختصاً ومشموالً‬
‫بجريان أصل آخر طولي فيه‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬أو ال يكون كذلك‪ ،‬فهذه أقسام‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫أما القسم األول‪ :‬وهو ما إذا كان األصل الجاري في طرف من سنخ األصل‬
‫الجاري في الطرف اآلخر‪ ،‬مع اختصاص وشمول أحدهما بأصل طولي‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علم إجماالً إما بوقوع نجاسة في الماء أو على الثوب‪ ،‬فإن‬
‫األصل الجاري في كل منهما ابتداءا مع قطع النظر عن العلم اإلجمالي هو‬
‫(أصالة الطهارة) وال إشكال في سقوطها‪ ،‬وعدم جريانها في كل من الطرفين‬
‫مع مالحظة العلم اإلجمالي‪ ،‬لما تقدم من المانع الثبوتي الستلزامه الترخيص‬
‫في المعصية‪ ،‬فال يجوز التوضؤ بالماء المذكور‪ ،‬وال يجوز لبس الثوب‬
‫المذكور في الصالة‪ ،‬اال أن العلم بالنجاسة ال أثر له في حرمة لبس الثوب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪12‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مطلقا‪ ،‬بل يجوز لبسه حتى مع العلم التفصيلي بالنجاسة في غير الصالة‬
‫اختياراً‪ ،‬فيبقى شرب الماء محتمل الحرمة والحلية الحتمال نجاسة الماء‪،‬‬
‫ولكن هل تجري في الماء (أصالة الحلية) أو تسقط بالعلم اإلجمالي‬
‫كسقوط (أصالة الطهارة)؟ وجهان‪ :‬بل قوالن‪:‬‬
‫أما المحقق النائيني(قده)‪ :‬فقد ذهب إلى سقوطها للمعارضة باألصل الجاري‬
‫في الطرف اآلخر‪ ،‬وإن كان واحداً ال أكثر‪ ،‬والتزم (قده) بعدم جواز شرب‬
‫الماء في المثال المتقدم من جهة عدم المؤمن من احتمال العقاب عليه‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد قال‪ :‬التحقيق جريان أصالة الحل وعدم‬
‫معارضتها بأصالة الطهارة في الطرف اآلخر‪ ،‬وذلك‪ ،‬لما عرفت من أن العلم‬
‫اإلجمالي بالتكليف ال يوجب تنجز الواقع‪ ،‬اال بعد تساقط األصول في‬
‫أطرافه‪ ،‬فإذا كان األصل الجاري العرضي في الطرفين من سنخ واحد‪،‬‬
‫كأصالة الطهارة في المثال المذكور‪ ،‬فال مناص من القول‪ :‬بعدم شمول لكال‬
‫الطرفين‪ ،‬الستلزامه الترخيص في المعصية وكذا عدم شموله ألحد الطرفين‪،‬‬
‫دون اآلخر‪ ،‬الستلزامه الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وأما األصل الطولي‪ :‬المختص بأحد الطرفين(كأصالة الحلية) أو (أصالة‬
‫اإلباحة) في الماء فال مانع من شمول دليله للطرف المختص به وهو الماء‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪12‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إذ ال يلزم منه ترجيح بال مرجح؛ لعدم شمول دليله للطرف اآلخر في نفسه‬
‫على الفرض‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬أن دليل أصالة الطهارة بعد العلم بعدم شموله لكال الطرفين‬
‫لمانع ثبوتي الترخيص في المعصية‪ ،‬نعلم بتخصيصه وعدم جريانه في المقام‬
‫فال بد من رفع اليد عنه إما في كال الطرفين‪ ،‬أو في أحدهما‪ ،‬وحيث إن‬
‫الثاني مستلزم للترجيح بال مرجح‪ ،‬فتعين األول‪.‬‬
‫وأما دليل أصالة الحل فهو بعمومه ال يشمل اال أحد الطرفين المشكوك‬
‫حليته وهو شرب الماء من أول األمر فال موجب لرفع اليد عنه‪.‬‬
‫وأما الطرف اآلخر‪ ،‬فهو مقطوع الحلية‪ ،‬وهو لبس الثوب النجس في غير‬
‫الصالة‪ ،‬فيكون خارجاً عن مورد أصالة الحل‪ ،‬موضوعاً وتخصصاً‪ ،‬وهذا‬
‫أحد الموارد التي يرجع فيها إلى األصل المحكوم‪ ،‬بعد سقوط األصل‬
‫الحاكم بالتعارض ونظيره في الفقه كثير‪.‬‬
‫منها ما لو علم بنجاسة شيء واحد‪ ،‬في زمان‪ ،‬وعلم بطهارته في زمان آخر‪،‬‬
‫وشك في المتقدم منهما فإنه بعد تساقط االستصحابين بالمعارضة يرجع إلى‬
‫قاعدة الطهارة فيه‪.‬‬
‫ذكر السيد الشهيد (قده)‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪13‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تنبيهات العلم اإلجمالي وذكرنا في التنبيه األول أن األصل‬


‫الجاري في األطراف العلم اإلجمالي على أقسام ثالثة‪ ،‬الكالم في القسم‬
‫األول‪ ،‬فيما إذا كان األصل الجاري في طرف من أطراف العلم اإلجمالي‬
‫من سنخ األصل الجاري في طرف اآلخر أن األصل يكون واحداً أصالة‬
‫الطهارة في هذا االناء مع أصالة الطهارة في اإلناء اآلخر‪ ،‬من سنخ واحد‪،‬‬
‫ولكن لو فرضنا ألحد هذين الطرفين اختصاص وشمول بأصل آخر‪ ،‬أصل‬
‫طولي‪ ،‬ومثلنا بذلك أنه لو علم اجماالً بوقوع النجاسة في الماء وفي اإلناء أو‬
‫على الثوب فإذاً األصل الجاري هو إصالة الطهارة‪ ،‬من سنخ واحد‪ ،‬هذان‬
‫اصالن في مقابل العلم اإلجمالي يسقطان‪ ،‬للمانع ثبوتي‪ ،‬ولكن أن هناك‬
‫أصل آخر يجري في الماء وهو أصالة الحلية‪ ،‬هل أصالة الحلية في هذا‬
‫الماء يكون شرب هذا الماء حالل وهذا األصل يجري؟ أو ال هذا األصل‬
‫مثل أصالة الطهارة تسقط؟‬
‫المحقق النائيني(قده) قال أن هذا األصل تسقط‪ ،‬ألنه يكون معارض بأصل‬
‫جاري في طرف اآلخر‪ ،‬فال يجوز شرب الماء‪ ،‬ألنه يحتمل فيه العقوبة‪ ،‬وال‬
‫يكون مؤمن من العقوبة‪ ،‬وخالف في ذلك أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد قال‪:‬‬
‫التحقيق جريان أصالة الحل وعدم معارضتها بأصالة الطهارة في الطرف‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪13‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اآلخر‪ ،‬وذلك‪ ،‬لما عرفت من أن العلم اإلجمالي بالتكليف ال يوجب تنجز‬


‫الواقع‪ ،‬اال بعد تساقط األصول في أطرافه‪ ،‬فإذا كان األصل الجاري العرضي‬
‫في الطرفين من سنخ واحد‪ ،‬كأصالة الطهارة في المثال المذكور‪ ،‬فال مناص‬
‫من القول‪ :‬بعدم شمول لكال الطرفين‪ ،‬الستلزامه الترخيص في المعصية‬
‫وكذا عدم شموله ألحد الطرفين‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬الستلزامه الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وأما األصل الطولي‪ :‬المختص بأحد الطرفين(كأصالة الحلية) أو (أصالة‬
‫اإلباحة) في الماء فال مانع من شمول دليله للطرف المختص به وهو الماء‬
‫إذ ال يلزم منه ترجيح بال مرجح؛ لعدم شمول دليله للطرف اآلخر في نفسه‬
‫على الفرض‪.‬‬
‫ذكر السيد الشهيد (قده)‪ :‬أنه ينبغي تتميم ما ذكره السيد الخوئي(قده)‪ :‬ببيان‬
‫النكتة الخاصة بفرض تسانخ األصلين العرضيين‪ ،‬والتي ال تجري في غير‬
‫فرض تسانخ وهي فرض المخصص وهو المحذور العقلي االرتكازي‬
‫والعقالئي المانع عن الترخيص في المعصية وفي المخالفة القطعية‪ ،‬مخصصاً‬
‫ال فيوجب اجمال دليل األصل الحاكم‪ ،‬فيجري األصل المحكوم‪ ،‬بال‬
‫متص ً‬
‫محذور‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪13‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وللسيد الشهيد(قده) مناقشة على تفصيل السيد الخوئي(قده) في المقام‬


‫سنشير إليها بعد ذكر األقسام‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهو ما إذا كان األصل الجاري في كل طرف من سنخ‬
‫األصل الجاري في الطرف اآلخر‪ ،‬مع عدم اختصاص أحدهما بأصل طولي‪،‬‬
‫كما سيأتي امثلته‪ .‬فال ينبغي الشك في عدم جريان األصل في شيء منهما‪،‬‬
‫للمحذور الثبوتي الترخيص في المعصية‪ ،‬ثم إن هذا القسم يتحقق في‬
‫موردين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما إذا لم يكن لشيء من الطرفين أصل طولي مثاله‪ :‬ما إذا علمنا‬
‫بنجاسة أحد الثوبين‪ ،‬فإن األصل الجاري في كل منهما مع قطع النظر عن‬
‫العلم اإلجمالي هي (أصالة الطهارة) فتسقط فيهما‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬ما إذا كان األصل الطولي مشتركاً فيه بين الطرفين‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين‪ ،‬فإن األصل الجاري في كل منهما‬
‫ابتداءاً هي (أصالة الطهارة) وبعد سقوطهما‪ ،‬تصل النوبة إلى (أصالة الحل)‬
‫في الطرفين‪ ،‬والعلم اإلجمالي كما يوجب سقوط األصلين الحاكمين‪،‬‬
‫كذلك‪ ،‬يوجب تساقط األصلين المحكومين أيضاً‪ ،‬بمالك واحد‪ ،‬وهو كون‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪13‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫جريان األصل في الطرفين مستلزماً للترخيص في المعصية‪ ،‬وجريانه في‬


‫أحدهما يستلزم الترجيح من غير مرجح‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث‪ :‬وهو ما إذا كان األصل الجاري في أحد الطرفين (أصالة‬
‫الطهارة) مغايراً في السنخ‪ ،‬لألصل الجاري في الطرف اآلخر‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫أحد الطرفين مختصاً ومشموالً بأصل طولي فال إشكال في عدم جواز‬
‫الرجوع إلى األصل الجاري في كال الطرفين‪ ،‬وال في أحدهما‪ ،‬للزوم‬
‫الترخيص في المعصية‪ ،‬أو للزوم الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وأما إذا كان أحدهما مختصاً بأصل طولي فهو يتصور بصورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا كان األصل الطولي فيها موافقاً في المؤدى‪ ،‬مع‬
‫األصل الجاري‪ ،‬في مرتبة سابقة عليه‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬ما إذا كان األصل الطولي فيها غير موافق للمؤدى‪ ،‬مع األصل‬
‫الجاري‪ ،‬في مرتبة سابقة عليه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪14‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه األول من تنبيهات العلم اإلجمالي وهو الذي ذكره‬
‫السيد الخوئي في المقام من أن األصول الجارية في أطراف معلوم باإلجمال‬
‫تختلف باختالف موارد‪ ،‬وذكر ان في المقام أقسام ثالثة‪ :‬تقدم الكالم في‬
‫القسم األول‪ ،‬وفي القسم الثاني‪ ،‬واليوم نذكر القسم الثالث‪:‬‬
‫وأما القسم الثالث‪ :‬وهو ما إذا كان األصل الجاري في أحد الطرفين (أصالة‬
‫الطهارة) مغايراً في السنخ‪ ،‬لألصل الجاري في الطرف اآلخر‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫أحد الطرفين مختصاً ومشموالً بأصل طولي فال إشكال في عدم جواز‬
‫الرجوع إلى األصل الجاري في كال الطرفين‪ ،‬وال في أحدهما‪ ،‬للزوم‬
‫الترخيص في المعصية‪ ،‬أو للزوم الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وأما إذا كان أحدهما مختصاً بأصل طولي فهو يتصور بصورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا كان األصل الطولي فيها موافقاً في المؤدى‪ ،‬مع‬
‫األصل الجاري‪ ،‬في مرتبة سابقة عليه‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬ما إذا كان األصل الطولي فيها غير موافق للمؤدى‪ ،‬مع األصل‬
‫الجاري‪ ،‬في مرتبة سابقة عليه‪.‬‬
‫أما الصورة األولى‪ :‬وهي‪ :‬توافق األصل الطولي‪ ،‬مع األصل الجاري في‬
‫المؤدى مثاله‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً إما بنجاسة أحد الماءين‪ ،‬أو غصبية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪14‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اآلخر‪ ،‬وحينئذ‪ :‬فإن األصل الجاري في محتمل النجاسة هو (أصالة‬


‫الطهارة)‪ ،‬وفي محتمل الغصبية هو (أصالة الحل) والعلم اإلجمالي بوجود‬
‫الحرام فيهما يمنع من جريانهما‪ ،‬ال لخصوصية فيهما‪ ،‬بل ألن جريانهما‬
‫مستلزم للترخيص في المعصية‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فكما أن أصالة الطهارة في محتمل النجاسة المترتب عليها جواز‬
‫الشرب إذا انضمت إليها أصالة اإلباحة في محتمل الغصبية لزم الترخيص‬
‫في المعصية وهو جواز ارتكاب الماء المعلوم حرمته وهو ال يجوز‪.‬‬
‫فكذلك (أصالة الحل) في محتمل النجاسة‪ ،‬إذا انضمت إليها (أصالة الحل)‬
‫في محتمل الغصبية‪ ،‬تؤدي إلى الترخيص في المعصية (أي جواز‬
‫ارتكابهما) وهو ال يجوز‪.‬‬
‫ثم إن المكلف إذا علم إجماالً بحرمة أحد المائعين‪ ،‬كان الترخيص في‬
‫كليهما ترخيص في المعصية‪ ،‬وفي أحدهما‪ ،‬ترجيحاً بال مرجح‪ ،‬بال فرق‬
‫بين كون الترخيص بلسان (أصالة الطهارة) المترتب عليها الحلية‪ ،‬او بلسان‬
‫(أصالة الحل) من أول األمر‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن األمر في المقام‪ ،‬دائر بين سقوط (أصالة اإلباحة) في محتمل‬
‫الغصبية وبين سقوط أصالة الطهارة مع أصالة الحلية في محتمل النجاسة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪14‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبما أنه ال ترجيح في البين يسقط الجميع ال محالة‪.‬‬


‫وأما الصورة الثانية‪ :‬وهي ما لوكان األصل الطولي مخالفاً للمؤدى مع األصل‬
‫الجاري في الطرف الواحد‪ ،‬في مرتبة سابقة عليه‪ ،‬فيرجع إلى األصل الطولي‬
‫بعد تساقط األصول العرضية‪ ،‬بال فرق بين كون األصول العرضية متماثلة‬
‫فيما بينها أو متخالفة‪.‬‬
‫مثال األول‪ :‬وهو صورة التماثل بين األصلين العرضيين‪ ،‬ما إذا علم إجماالً‬
‫إما بزيادة ركوع في صالة المغرب‪ ،‬أو نقصانه في صالة العشاء وكان ذلك‬
‫بعد الفراغ من الصالتين‪ ،‬وحينئذ‪ :‬فإن قاعدة الفراغ في كل من الصالتين‪،‬‬
‫تسقط بالمعارضة بمالحظة العلم اإلجمالي وبعد تساقطهما يرجع إلى‬
‫استصحاب عدم االتيان بالركوع المشكوك زيادته‪ ،‬في صالة المغرب‪،‬‬
‫فيحكم بصحتها‪ ،‬ويرجع أيضاً إلى استصحاب عدم االتيان بالركوع‬
‫المشكوك نقصانه‪ ،‬في صالة العشاء‪ ،‬فيحكم ببطالنها‪ ،‬فال يلزم محذور‬
‫المخالفة القطعية العملية‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يلزم حصول المخالفة االلتزامية واالحتمالية‪ ،‬باعتبار العلم بمخالفة أحد‬
‫االستصحابين للواقع‪.‬‬
‫ولكن قد ذكرنا غير مرة أن الموافقة االلتزامية واالحتمالية غير واجبة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪14‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مثال الثاني‪ :‬وهي صورة التخالف بين األصول العرضية‪ ،‬ما إذا علم اجماالً‬
‫إما بنقصان ركعة من صالة المغرب‪ ،‬أو عدم االتيان بصالة العصر‪ ،‬بعد‬
‫الفراغ منهما‪ ،‬وحينئذ‪ :‬فاألصل الجاري في صالة المغرب هو (قاعدة الفراغ)‬
‫وأما األصل الجاري في صالة العصر هو (قاعدة الحيلولة) فتسقطان ألجل‬
‫المعارضة بمالحظة العلم اإلجمالي‪ ،‬والمرجع هو استصحاب عدم االتيان‬
‫بالركعة المشكوك نقصانها‪ ،‬في صالة المغرب‪ ،‬فيحكم ببطالنها وأصالة‬
‫البراءة من وجوب قضاء صالة العصر باعتبار أن الفوت الذي هو موضوع‬
‫وجوب القضاء ال يثبت بأصالة عدم االتيان بصالة العصر اال على القول‬
‫باألصل المثبت‪ ،‬فيحكم بالصحة‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬أن هذا التفصيل من جواز الرجوع إلى األصل الطولي في بعض‬
‫الموارد‪ ،‬وعدم جواز الرجوع إليه في البعض اآلخر‪ ،‬يترتب عليه ثمرات‬
‫مهمة في بحث الخلل في الصالة‪ ،‬وفي بحث فروع العلم اإلجمالي‪ ،‬فال‬
‫تغفل‪.‬‬
‫بقي شيء‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪15‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تقدم الكالم في التنبيه األول من تنبيهات العلم اإلجمالي حيث ذكرنا فيه‬
‫التفصيل بين أقسام وموارد التي يجري فيه األصل الطولي أو األصل‬
‫العرضي وأنه في بعض الموارد يجوز الرجوع إلى األصل الطولي وفي‬
‫بعض الموارد ال يجوز الرجوع إلى األصل الطولي لعدم الفائدة وعدم‬
‫الثمرة‪.‬‬
‫التنبيه الثاني‪ :‬في أركان منجزية العلم اإلجمالي‬
‫ظهر مما تقدم‪ :‬أن لقاعدة منجزية العلم اإلجمالي أركاناً أربعة‪ ،‬فال بد من‬
‫توفرها جميعاً‪ ،‬حتى تجب الموافقة القطعية العملية‪.‬‬
‫الركن األول‪ :‬وجود العلم بالجامع وتحققه‪.‬‬
‫كما لو علم المكلف بوجوب مردد بين أحد شيئين‪ ،‬إما الظهر‪ ،‬أو الجمعة‪،‬‬
‫فلو فرضنا أنه يعلم بوجوب خصوص أحدهما‪ ،‬كان علمه تفصيلياً‪ ،‬وهو‬
‫خلف الفرض‪.‬‬
‫ولو فرض أنه شاك في أصل ثبوت هذا الوجوب وال يعلم به كان شكّه‬
‫بدوياً في كل طرف‪ ،‬لعدم كونه مقروناً بالعلم اإلجمالي فتجري أصالة‬
‫البراءة الشرعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪15‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإذاً في تحقق العلم اإلجمالي البد أن يكون هناك علم بالجامع‪ ،‬واال دار‬
‫بين كونه علماً تفصيلياً‪ ،‬أو شكاً بدوياً‪ ،‬وهو خلف‪.‬‬
‫ثم إن المتعلق بالجامع قد يكون علماً وجدانياً كما لو قطع بنجاسة أحد‬
‫اإلناءين بالرؤية‪ ،‬وقد يكون (علماً تعبدياً) كما إذا قامت البينة على نجاسة‬
‫أحدهما‪.‬‬
‫ومن المعلوم أنه ال اشكال في منجزية العلم اإلجمالي الوجداني) وإنما وقع‬
‫الخالف واالشكال في منجزية العلم اإلجمالي التعبدي الحاصل من البينة‪،‬‬
‫فهل يمكن أن نطبق عليه قاعدة منجزية العلم اإلجمالي الوجداني‪ ،‬أوال؟‬
‫وجهان‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬هو تطبيق قاعدة منجزية العلم اإلجمالي‪ ،‬على هذا المورد‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن دليل الحجية يجعل األمارة حجة وعلماً كالعلم الوجداني‪،‬‬
‫فيترتب عليه آثار العلم الوجداني الطريقي كالمنجزية‪ ،‬فال تجري أصالة‬
‫الطهارة‪ ،‬ال في هذا اإلناء وال في ذاك اإلناء؛ للزوم الترخيص في المعصية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬هو عدم تطبيق قاعدة المنجزية على البينة ومعه فال محذور‪،‬‬
‫في إجراء أصالة الطهارة في كال اإلناءين‪ ،‬اال محذور الترخيص في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪15‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المخالفة القطعية‪ ،‬للتكليف الواقعي‪ ،‬وهو غير الزم في مورد البينة‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫لعدم العلم بمصادفة البينة للتكليف الواقعي‪ ،‬الحتمال خطأها‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬هو الوجه األول‪ :‬وذلك‪ :‬ألن في المقام دليلين متعارضين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬دليل حجية األمارة‪ ،‬الذي ينجز مؤدى األمارة‪ ،‬ويمنع من جريان‬
‫األصل (كأصالة الطهارة) فيهما‪ ،‬واآلخر‪ :‬دليل األصل الجاري في كل واحد‬
‫منهما‪ ،‬من جهة الشك في كل منهما‪ ،‬المحقق لموضوع األصل‪.‬‬
‫وبما أنه ال يمكن العمل بكال الدليلين المتعارضين والمتنافيين‪ ،‬ذهب‬
‫القائلون بالوجه األول إلى تمامية دليل حجية البينة‪ ،‬ويترتب عليه‪ :‬عدم‬
‫إمكان إجراء األصول في كال الطرفين‪ ،‬والزمه ترك كال اإلناءين‪ ،‬وعدم‬
‫ارتكابهما‪.‬‬
‫وذهب القائلون بالوجه الثاني‪ :‬إلى تقديم دليل أصالة الطهارة على دليل‬
‫البينة‪ ،‬فذهبوا إلى جريان أصالة الطهارة فيهما‪.‬‬
‫ولكن نقول‪ :‬بما أن كال الدليلين حجة‪ ،‬فالبد من الجمع بينهما‪ ،‬لرفع التنافي‪،‬‬
‫وكيفية الجمع‪ ،‬هو أن يقال‪ :‬إن العرف يرى تقديم دليل البينة على دليل‬
‫األصل‪ ،‬من جهة األخصية‪ ،‬أو النصية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪15‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بيان ذلك‪ :‬أنه ال يخلو مورد البينة من أصل من األصول العملية غالباً‪ ،‬وعليه‬
‫فلو أن حجية البينة اختصت بغير مورد األصل‪ ،‬كان معنى ذلك‪ :‬الغاء البينة‬
‫مطلقا‪ ،‬وهذا هو معنى كون دليل البينة أخص‪ ،‬بل يمكن القول‪ :‬أن دليل‬
‫حجية البينة وغيرها من األمارات نص في الشمول لموارد األصل‪ ،‬فضال عن‬
‫األخصية‪ ،‬وعلى أساس هذا الجمع يلزم عدم جريان أصالة الطهارة في كال‬
‫اإلناءين ألن جريانها فيهما خلف تقديم دليل البينة باألخصية‪ .‬وبما ذكرنا‪:‬‬
‫يتنجز كال الطرفين‪ ،‬بالبينة‪ ،‬ويلزم االجتناب عنهما معاً‪.‬‬
‫الركن الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪16‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان أركان العلم اإلجمالي‪ ،‬وذكرنا أن لقاعدة منجزية العلم‬
‫اإلجمالي هناك أركان أربعة‪ ،‬وبدونها ال يكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬تقدم‬
‫الكالم في الركن األول‪ ،‬وكان في أنه البد أن يكون هناك علم بالجامع‬
‫موجوداً ومتحققاً‪ ،‬يعني يكون العلم بالجامع‪ ،‬دون الشك‪ ،‬العلم بالجامع دون‬
‫الفرد‪ ،‬واال لو كان العلم بالفرد كان من مصاديق العلم التفصيلي‪ ،‬إذا كان‬
‫بدل العلم الشك بالجامع‪ ،‬هذا يكون من باب الشك بدوي‪ ،‬فيخرج عن‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬تقدم الكالم في الركن األول‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬توقف العلم اإلجمالي وبقائه على الجامع‪ ،‬وعدم سرايته إلى‬
‫الفرد‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن بمجرد سراية العلم اإلجمالي إلى الفرد‪ ،‬انقلب إلى علم تفصيلي‬
‫بالفرد‪ ،‬وصار منجزاً بالنسبة إلى ذلك الفرد فقط‪ ،‬ويصبح الفرد الثاني مورداً‬
‫للشك البدوي‪ ،‬فتجري فيه البراءة حتماً‪ ،‬وهذا االنقالب يسمى بانحالل‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬بالعلم بالفرد‪ ،‬والشك في اآلخر‪ ،‬ثم إن يتعلق العلم بالفرد‬
‫أنحاء عديدة‪ ،‬في بعضها ينحل العلم اإلجمالي وفي بعضها ال ينحل‪،‬‬
‫نذكرها ال حقاً‪ ،‬إن شاء هلال تعالى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪16‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الركن الثالث‪ :‬هو كون كل من طرفي العلم اإلجمالي مشموالً في نفسه‬


‫لدليل األصل المؤمن‪ ،‬وبقطع النظر عن التعارض الناشئ من العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا تعارضت أصالة الطهارة في طرفي المعلوم باإلجمال نجاسة‬
‫أحدهما‪ ،‬فهي كما تجري في الطرف األول‪ ،‬تجري في الطرف الثاني‪،‬‬
‫فيتعارضان‪ ،‬ويتساقطان‪ ،‬ومعه ال يبقى مسوغ االرتكاب أي واحد منهما‪ ،‬بل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬بترك كليهما‪ ،‬وال يجوز ارتكابهما‪ ،‬وال‬ ‫تجب الموافقة القطعية‬
‫ارتكاب واحد منهما‪.‬‬
‫المؤمن‪.‬‬
‫ل‬ ‫وأما إذا لم يكن أحد طرفي العلم اإلجمالي مشموالً لدليل األصل‬
‫ال سابقاً بنجاسة اإلناء األبيض‪ ،‬ثم قامت البينة‬
‫مثاله‪ :‬ما لوكان يعلم تفصي ً‬
‫على نجاسة أحدهما‪ ،‬إما األبيض‪ ،‬أو األصفر‪.‬‬
‫ففي هذه الصورة يجري األصل المؤمن (أصالة الطهارة) في اإلناء األصفر‪،‬‬
‫ألن األبيض مقطوع النجاسة‪ ،‬بدون أن يقع محذور التعارض بين األصلين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يسقط العلم اإلجمالي عن المنجزية في حدود ما علم‪ ،‬فيبقى‬
‫الطرف اآلخر مورداً لجريان األصل المؤمن‪ ،‬بال معارض‪ ،‬فيجوز ارتكابه‬
‫ال وجوب االجتناب‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬ألن العلم اإلجمالي في المقام إنما يقتضي عق ً‬
‫عن أطرافه كلها‪ ،‬بشرط فيما إذا لم يرخص الشارع بارتكاب بعضها‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪16‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والمفروض هنا‪ :‬أنه قد رخص الشارع بارتكاب بعضها‪ ،‬وهو االناء األصفر‪،‬‬
‫لكونه مورداً للشك البدوي‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬أن يكون جريان البراءة‪ ،‬أو أي أصل آخر مرخص في جميع‬
‫أطرافه‪ ،‬مؤدياً إلى ترخيص المكلف في ارتكاب المخالفة القطعية‪ ،‬مع‬
‫تمكنه بالفعل من ارتكابها‪ ،‬و وقوعها خارجاً على وجه مأذون فيه‪ ،‬كما في‬
‫الشبهات المحصورة‪.‬‬
‫ففي مثل ذلك‪ :‬يكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬واال فال‪.‬‬
‫بمعنى‪ :‬انه لو لم يكن جريان األصول في أطرافه مؤدياً إلى المخالفة القطعية‬
‫ولو مع اإلذن والترخيص في االرتكاب‪ ،‬كما لو كان المكلف قاصراً عاجزاً‬
‫في قدرته على المخالفة القطعية‪ ،‬رغم إجراء األصل في كل األطراف‪ ،‬فإنه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال محذور في جريان األصول في كل طرف ومعه‪ ،‬ال يكون العلم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منجزاً‪.‬‬ ‫اإلجمالي‬
‫مثاله‪ :‬لو علمنا علماً اجمالياً بنجاسة أحد إناءين فهنا يكون العلم اإلجمالي‬
‫منجزاً ألنه يمكن إجراء أصالة الطهارة في كال اإلناءين في نفسه‪ ،‬ولكن‬
‫يلزم منه محذور الترخيص في ارتكابهما معاً‪ ،‬أي الترخيص في المخالفة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪16‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القطعية‪ ،‬وخصوصاً أنه هذه المخالفة ممكنة للمكلف بارتكاب كال اإلناءين‬
‫الصغرين‪ ،‬أو خلطهما واستعماله‪.‬‬
‫ولكن لو علمنا اجماالً بنجاسة إناء ضمن أواني كثيرة غير محصورة‪ ،‬فهنا ال‬
‫يلزم تحقق المخالفة القطعية العملية‪ ،‬من جريان األصول في جميع‬
‫األطراف‪ ،‬لعدم إمكان ارتكاب جميعها‪ ،‬لعدم حصرها‪ ،‬ومن هنا قلنا‪ :‬أن مع‬
‫جريان األصول في جميع األطراف غير المحصورة‪ ،‬من دون تحقق محذور‬
‫ألي طرف‬
‫(المخالفة القطعية العملية) ال يكون هذا العلم اإلجمالي منجزاً ل‬
‫يختار المكلف اقتحامه وارتكابه‪ ،‬له إجراء األصل المؤمن‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أنه البد من توفر هذه األركان األربعة‪ ،‬حتى يكون العلم‬
‫اإلجمالي منجزاً‪ ،‬وعليه‪ :‬فإذا انهدم ركن واحد من هذه األركان‪ ،‬بطلت‬
‫منجزية العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫التنبيه الثالث‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪19‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تنبيهات العلم اإلجمالي وتقدم الكالم في تنبهين‪ ،‬التنبيه‬


‫الثالث في شروط تنجيز العلم اإلجمالي‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون متعلق العلم اإلجمالي حكماً مولوياً الزامياً فعلياً‪،‬‬
‫على كل تقدير‪ ،‬أي سواء أكان في هذا الطرف‪ ،‬أو ذاك الطرف‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علم إجماالً بوجوب صالة الظهر‪ ،‬أو بوجوب صالة الجمعة في‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬أو علم إجماالً‪ ،‬إما بوجوب صالة القصر‪ ،‬أو صالة التمام‪ ،‬في‬
‫السفر‪.‬‬
‫أو علم إجماالً‪ ،‬إما بغصبية وحرمة اإلناء األبيض‪ ،‬او اإلناء األصفر وهكذا‪.‬‬
‫فإن التكليف اللزومي المعلوم باإلجمال فعلي ومورد لالبتالء على كل‬
‫تقدير‪ ،‬في تمام األمثلة المتقدمة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا كان متعلق العلم اإلجمالي كذلك‪ ،‬فهو منجز لذلك التكليف‬
‫المولوي على القولين في المسألة‪.‬‬
‫أما على القول بالعلية التامة‪ :‬كما هو المشهور‪ ،‬فيكون تنجيز العلم اإلجمالي‬
‫للتكليف االلزامي بنحو (العلية التامة) بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية‬
‫العملية)‪ ،‬وبنحو (االقتضاء) بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية العملية‬
‫وذلك‪ :‬باعتبار أن تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة‪ ،‬مبني على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪19‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تعارض األصول المؤمنة في أطرافه‪ ،‬وتساقطها بالتعارض عن جميع‬


‫األطراف‪ ،‬وعن بعضها دون البعض اآلخر‪ ،‬من جهة الترجيح من غير مرجح‪.‬‬
‫ومن هنا‪ :‬لو جرى األصل المؤمن في البعض دون اآلخر كان مانعاً عن‬
‫تنجيزه‪ ،‬فكان على نحو االقتضاء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فإذا لم يكن هناك مانع عن تنجيزه‪ ،‬كان علة تامة للتنجيز‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المتقضي موجود وهو العلم اإلجمالي والمانع مفقود وهو‬
‫جريان األصل المؤمن‪ ،‬ومن المعلوم أن المقتضى التام فاعليته في نفسه‪ ،‬مع‬
‫عدم المانع‪ ،‬عنها‪ ،‬يكون علة تامة في التأثير‪ ،‬والتنجيز‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن كون العلم اإلجمالي متعلقاً بالتكليف المولوي اإللزامي الفعلي‬
‫دون التعليقي‪ ،‬وعلى كل تقدير شرط أساسي لتأثيره و تنجيزه به‪ ،‬وال فرق‬
‫في التنجيز المذكور بين القول باالقتضاء‪ ،‬وبين القول بالعلية التامة‪ ،‬وهذا‬
‫على المشهور والسيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫وأما بناءاً على ما هو الصحيح واختاره السيد الشهيد (قده) وشيخنا األستاذ‬
‫(دام ظله) فإن العلم اإلجمالي يكون مقتضياً للتنجيز مطلقا‪ ،‬حتى بالنسبة‬
‫ال عن وجوب الموافقة‪.‬‬
‫على حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فض ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪19‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬لما تقدم من أنه ال يمكن أن يكون حكم العقل بالتنجيز والتعذير‬
‫وكذا حكمه بـ حسن اإلطاعة وقبح المعصية‪ ،‬حكماً تنجيزياً‪ ،‬بل هو حكم‬
‫ال عن العلم اإلجمالي كما‬
‫تعليقي‪ ،‬حتى في موارد العلم التفصيلي‪ ،‬فض ً‬
‫تقدم‪.‬‬
‫تساؤل‪ :‬هل هناك ثمرة تظهر بين القولين في مسألة العلم اإلجمالي؟‬
‫والجواب‪ :‬أن الثمرة ال تظهر بين القولين(إثباتاً) الذي هو المهم‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه على كال القولين يكون العلم اإلجمالي منجزاً للتكليف المعلوم‬
‫باإلجمال‪ ،‬في كل طرف من أطرافه مباشرة‪ ،‬غاية األمر على القول بالعلية‪،‬‬
‫ال وال بعضاً في مقام‬
‫ال يمكن جعل األصول المؤمنة في أطرافه‪ ،‬ال ك ً‬
‫الثبوت‪ ،‬واال لزم خلف فرض كونه علة تامة للتنجيز‪ ،‬بينما على القول‬
‫باالقتضاء يمكن جعلها ثبوتاً‪ ،‬ولكنها تسقط في مقام االثبات من جهة‬
‫المعارضة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيكون العلم اإلجمالي بعد سقوط األصول منجزاً للتكليف المعلوم‬
‫باإلجمال في كل طرف من أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬فال ثمرة من هذه‬
‫الناحية بين القولين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪19‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم‪ :‬تظهر الثمرة بينها‪ ،‬فيما إذا فرض عدم جريان األصل المؤمن في أحد‬
‫طرفيه لمانع‪ ،‬أو لعدم المقتضي‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألنه على القول باالقتضاء لو فرض وجود األصل المؤمن في أحد‬
‫األطراف بسب أو خخر‪ ،‬فال مانع من جريانه في الطرف اآلخر‪.‬‬
‫وأما على القول بالعلية التامة‪ ،‬فالمانع عن جعل األصل المؤمن في أطراف‬
‫ال‪ ،‬أو بعضاً) ثبوتاً هو نفس العلم اإلجمالي مباشرة‪ ،‬فإنه‬
‫العلم اإلجمالي (ك ً‬
‫طالماً يكون موجوداً‪ ،‬فال يعقل جعل األصل المؤمن في أطرافه‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فلو فرض على القول بالعلية سقوط األصل المؤمن في أحد طرفي‬
‫المعلوم باإلجمال‪ ،‬لمانع أو لعدم المقتضي‪ ،‬ال يصلح أن يكون ذلك مانعاً‬
‫عن تنجيز العلم اإلجمالي واال لزم خلف فرض كونه علة تامة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون أحد طرفي العلم اإلجمالي منجزاً بمنجز سابق‪،‬‬
‫على العلم اإلجمالي‪ ،‬واال فال أثر له‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن المتنجز مر ًة ال يقبل التنجز‬
‫مرة أخرى مطلقا على كال القولين(االقتضاء والعلية التامة)‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫االحد ‪20‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثالث من تنبيهات العلم اإلجمالي‪ ،‬وذكرنا في هذا‬


‫التنبيه أن هذا التنبيه في بيان شروط تنجيز العلم اإلجمالي وتأثيره في‬
‫الخارج‪ ،‬ذكرنا أن هذا التنبيه في شروط علم اإلجمالي‪ ،‬وكان الشرط األول‬
‫في بيان أن المتعلق للعلم اإلجمالي البد أن يكون مولوياً الزامياً‪ ،‬وفعلياً من‬
‫جميع الجهات‪ ،‬أما الكالم في الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون أحد طرفي العلم‬
‫اإلجمالي منجزاً بمنجز سابق‪ ،‬على العلم اإلجمالي‪ ،‬واال فال أثر له‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫ألن المتنجز مر ًة ال يقبل التنجز مرة أخرى مطلقا على كال القولين(االقتضاء‬
‫والعلية التامة)‪.‬‬
‫أما على القول باالقتضاء‪ :‬فحيث إن األصل المؤمن ساقط في الطرف‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من جريانه في الطرف‬ ‫المتنجز بمنجز في المرتبة السابقة‪ ،‬فال مانع‬
‫ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫ال‬
‫ألنه إن كان متعلقاً بهذا الطرف‪ ،‬غير المنجز سابقا‪ ،‬فهو وإن كان قاب ً‬
‫للتنجيز‪ ،‬اال أنه مشكوك فيه‪ ،‬وإن كان متعلقاً بذاك الطرف‪ ،‬فهو غير قابل‬
‫المتنجز التنجيز مرة ثانية‪ ،‬فإذاً ليس القصور في‬
‫َّ‬ ‫للتنجيز‪ ،‬الستحالة أن يتقبّل‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬بل القصور في المعلوم باإلجمال‪ ،‬المنجز سابقاً وغير القابل‬
‫للتنجيز بالعلم اإلجمالي‪ ،‬هذا هو المعروف والمشهور بين األصوليين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫االحد ‪20‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وفيه‪ :‬أن ما ذكره من التعليل لهذا الشرط (استحالة التنجز مرة أخرى) قابل‬
‫للمناقشة‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه إذا اجتمع في آن واحد منجزان على تكليف الزامي‬
‫فال يمكن أن يستند تنجزه فيه إلى أحد هما المعين‪ ،‬ألنه ترجيح من غير‬
‫مرجح‪ ،‬باعتبار أن نسبته إلى كليهما على حد سواء‪ ،‬وال ترجيح للسابق في‬
‫التنجيز على الالحق في هذا اآلن‪ ،‬وهذا نظير اجتماع علتين مستقلتين على‬
‫معلول واحد‪.‬‬
‫ألن وجود التكليف االلزامي في آن االجتماع‪ ،‬ال محالة مستند إلى كلتا‬
‫العلتين المستقلتين معاً‪ ،‬وال إلى أحدهما‪ ،‬دون األخرى‪ ،‬للزوم الترجيح من‬
‫غير مرجح‪ ،‬بعد ما كانت نسبة كليتهما إليه في هذا اآلن نسبة واحدة‪ ،‬وال‬
‫أثر لسبق إحداهما على األخرى‪ ،‬فإن التعاصر بين العلة والمعلول‪ ،‬من‬
‫القضايا األولية الوجدانية‪.‬‬
‫والتحقيق في المقام‪ :‬بعد أن تبيّن أن المنجزين‪ ،‬إذا اجتمعا على تكليف‬
‫الزامي واحد‪ ،‬كان تنجيزه مستنداً إلى كليهما معاً‪ ،‬بحيث يكون كل واحد‬
‫منهما جزء العلة‪ ،‬ال تمام العلة‪.‬‬
‫يقع الكالم تارة‪ :‬على القول باالقتضاء المختار‪ ،‬وأخرى‪ :‬على القول‬
‫المشهور بالعلية التامة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫االحد ‪20‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما على القول األول‪ :‬وهو القول باالقتضاء فمرة يفرض المنجز السابق‬
‫ال في العلم اإلجمالي وأخرى‪ :‬في األمارة‪ ،‬وثالثة‪ :‬في األصول العملية‬
‫متمث ً‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫أما الفرض األول‪ :‬وهو ما لوكان المنجز السابق ألحد الطرفين علماً اجمالياً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علمنا إجماالً بنجاسة أحد اإلناءين‪ ،‬إما األبيض‪ ،‬او األصفر‪ ،‬ثم ال‬
‫حقاً علمنا بمالقاة اإلناء األسود (الثالث) ألحدهما المعين‪( ،‬كاإلناء األبيض)‬
‫ال ومن المعلوم أن هذه المالقاة تشكل علماً اجمالياً آخر‪ ،‬وهو العلم‬
‫مث ً‬
‫اإلجمالي إما بنجاسة اإلناء األسود‪ ،‬أو اإلناء األصفر‪ ،‬فيكون اإلناء األصفر‬
‫طرفاً لكال العلمين اإلجماليين‪ ،‬وفي آن حدوث العلم اإلجمالي الثاني‬
‫بالمالقاة‪ ،‬فقد اجتمع عليه منجزان‪ :‬أحدهما‪ :‬العلم اإلجمالي األول‪ ،‬واآلخر‪:‬‬
‫العلم اإلجمالي الثاني‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬يكون التنجز في آن االجتماع) ال محالة‪ ،‬مستنداً إلى كليهما معاً‪،‬‬
‫يعني المجموع بحيث يكون كل واحد منهما جزء العلة للتنجز‪ ،‬ال تمام‬
‫العلة‪ ،‬وال يمكن أن يكون التنجز مستنداً إلى أحد العلمين االجماليين‬
‫المعيّن‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬وذلك‪ :‬للزوم محذور (الترجيح بال مرجح) بعد ما‬
‫كانت نسبة كال العلمين إليه‪ ،‬نسبة واحدة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫االحد ‪20‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كما ال يمكن أن يكون مستنداً إلى كل واحد منهما‪ ،‬بنحو االستقالل‪ ،‬بأن‬
‫يكون كل واحد تمام العلة‪ ،‬بعد ما كانت العلتان من سنخ واحد‪ ،‬للزوم‬
‫ال‪ ،‬فإن في مثل ذلك‬
‫لغوية تأثير أحدهما‪ ،‬بعد تحقق التنجز من اآلخر مستق ً‬
‫ال محالة يكون المؤثر هو المجموع وال رابع‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬يلزم على كون المؤثر هو المجموع‪ ،‬استحالة اجتماع علتين‬
‫مستقلتين على معلول واحد شخصي‪ ،‬كما ثبتت في محله‪.‬‬
‫فإنه يقال‪ :‬نعم‪ :‬ولكن ثبوت االستحالة إنما يكون في مورد ما إذا كانت‬
‫العلتان المستقلتان‪ ،‬متباينتين‪ ،‬وجوداً وماهية‪ ،‬ال فيما إذا كانتا متسانختين‪،‬‬
‫كالمقام‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال محالة يكون تنجيز التكليف المشكوك في اإلناء األصفر في‬
‫المثال مستنداً إلى كال العلمين اإلجماليين‪ ،‬في آن االجتماع‪ ،‬وال أثر لسبق‬
‫أحد العلمين على اآلخر‪.‬‬
‫والوظيفة‪ :‬هو وجوب االجتناب عن اإلناء األسود‪ ،‬واألبيض‪ ،‬كما يجب‬
‫االجتناب عن اإلناء األصفر جميعاً‪ ،‬لتعارض األصول‪ ،‬ألن أصالة الطهارة في‬
‫اإلناء األسود أيضاً يكون معارضاً بأصالة الطهارة في اإلناء األصفر‪ ،‬كما هو‬
‫الحال مع اإلناء األبيض سابقاً على المالقاة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫االحد ‪20‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال بأن العلم‬


‫ودعوى‪ :‬عدم وجوب االجتناب عن المالقي (اإلناء األسود) معل ً‬
‫اإلجمالي الناشئ من المالقاة ال أثر له‪ ،‬ألن أحد طرفيه منجز بمنجز سابق‬
‫وهو االناء األصفر‪ ،‬وهو ال يقبل التنجيز مرة أخرى‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬بأن هذه الدعوى عن المشهور‪ ،‬ال يمكن المساعدة عليها‪ ،‬لما‬
‫عرفت من أنها خالف الضرورة والوجدان‪.‬‬
‫ال في (األمارة) ومثاله‪ :‬ما‬
‫وأما الفرض الثاني‪ :‬ما إذا كان المنجز السابق متمث ً‬
‫إذا قامت األمارة (كالبينة) على نجاسة‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪21‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثالث في بيان شروط العلم اإلجمالي يعني شروط‬
‫تنجيز العلم اإلجمالي‪ ،‬الشرط األول أنه البد أن يكون متعلق العلم اإلجمالي‬
‫حكماً مولوياً الزامياً‪ .‬وفي الشرط الثاني قلنا إذا كان هناك منجزين‪ ،‬على‬
‫تكليف واحد الشرط أنه أال يكون مسبوقا للمنجزية‪ ،‬وجر من البحث إلى‬
‫بيان فروض وصور وجود منجز السابق على أحد أطراف المعلوم باإلجمال‪،‬‬
‫وقلنا الحكم قد يختلف بين القولين في المسألة‪ ،‬القول بالعلية تامة‪ ،‬وقول‬
‫باالقتضاء‪ ،‬في منجزية العلم اإلجمالي‪ ،‬فقدمنا القول باالقتضاء‪ ،‬الذي هو‬
‫مختار السيد الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله) وهو مختار لنا أيضاً‪،‬‬
‫ذكرنا في هذه الصورة فروض‪:‬‬
‫أما الفرض األول‪ :‬وهو ما لوكان المنجز السابق ألحد الطرفين علماً اجمالياً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علمنا إجماالً بنجاسة أحد اإلناءين‪ ،‬إما األبيض‪ ،‬او األصفر‪ ،‬ثم ال‬
‫حقاً علمنا بمالقاة اإلناء األسود (الثالث) ألحدهما المعين‪( ،‬كاإلناء األبيض)‬
‫ال ومن المعلوم أن هذه المالقاة تشكل علماً اجمالياً آخر‪ ،‬وهو العلم‬
‫مث ً‬
‫اإلجمالي إما بنجاسة اإلناء األسود‪ ،‬أو اإلناء األصفر‪ ،‬فيكون اإلناء األصفر‬
‫طرفاً لكال العلمين اإلجماليين‪ ،‬وفي آن حدوث العلم اإلجمالي الثاني‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪21‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بالمالقاة‪ ،‬فقد اجتمع عليه منجزان‪ :‬أحدهما‪ :‬العلم اإلجمالي األول‪ ،‬واآلخر‪:‬‬
‫العلم اإلجمالي الثاني‪.‬‬
‫ال في (األمارة) ومثاله‪ :‬ما‬
‫وأما الفرض الثاني‪ :‬ما إذا كان المنجز السابق متمث ً‬
‫إذا قامت األمارة (كالبينة) على نجاسة إناء معيّن في الخارج(كاإلناء‬
‫األبيض) ثم علمنا إجماالً‪ :‬إما بنجاسته أو بنجاسة اإلناء األصفر‪.‬‬
‫ففي مثله نقول‪ :‬إنه وإن اجتمع في (اإلناء األبيض) منجزان‪ :‬أحدهما البيّنة‪،‬‬
‫واآلخر‪ :‬العلم اإلجمالي‪ ،‬اال أن تنجز اإلناء األبيض‪ ،‬مستند إلى البيّنة على‬
‫القول باالقتضاء‪ ،‬كما هو محل الكالم‪ ،‬دون العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن تنجيز العلم اإلجمالي ألطرافه متوقف على مقدمة خارجية‪،‬‬
‫وهي تعارض األصول المؤمنة‪ ،‬في أطرافه‪ ،‬وسقوطها بالتعارض‪ .‬ولبعض‬
‫مرجح‪.‬‬
‫أطرافه‪ ،‬دون البعض اآلخر‪ ،‬متوقف على صحة الترجيح بال ّ‬
‫وأما تنجيز البينة للتكليف فال يتوقف على شيء‪ ،‬بل هو بالمباشرة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فحيث إن أصالة الطهارة التي موضوعها الشك‪ ،‬في اإلناء األبيض قد‬
‫لتقدمها عليها بالحكومة‪ ،‬على المشهور‪ ،‬وتقدمها‬
‫سقطت من جهة البينة ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ألصالة الطهارة في اإلناء األصفر‪،‬‬ ‫بالقرينة على المختار‪ .‬فال معارض‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪21‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإذاً ال مانع من جريان أصالة الطهارة فيه‪ ،‬بذلك ينحل العلم اإلجمالي إلى‬
‫علم تفصيلي في األبيض بالبينة‪ ،‬وإلى شك بدوي في األصفر‪.‬‬
‫ال في األصل‬
‫المنجز السابق متمث ً‬
‫ّ‬ ‫وأما الفرض الثالث‪ :‬وهو ما إذا كان‬
‫العملي‪ .‬ومثاله‪ :‬ما إذا شككنا في نجاسة (اإلناء األبيض) وكان مسبوقاً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ ،‬نستصحب بقاء النجاسة فيه‪ ،‬ثم بعد ذلك لو علمنا إجماالً‬ ‫بالنجاسة‬
‫إما بنجاسة اإلناء األبيض) أو اإلناء األصفر‪.‬‬
‫وفي مثله‪ :‬وإن كان المنجزان هما (االستصحاب) و(العلم اإلجمالي) قد‬
‫اجتمعا في اإلناء األبيض‪ ،‬اال أن االستصحاب‪ ،‬حيث إنه مقدم على أصالة‬
‫تنجزه إلى االستصحاب‪،‬‬
‫الطهارة هي أصل حكمي‪ ،‬فبطبيعة الحال يستند ّ‬
‫منحل حكماً‪ ،‬ألنه مادام استصحاب بقاء‬
‫ّ‬ ‫دون العلم اإلجمالي‪ ،‬باعتبار أنه‬
‫النجاسة في اإلناء األبيض‪ ،‬يجري‪ ،‬فال تصل النوبة إلى أصالة الطهارة فيه‪،‬‬
‫حتى تعارض أصالة الطهارة‪ ،‬في اإلناء األصفر‪.‬‬
‫ألنها محكوم باالستصحاب (بالحكومة أو بالقرينة اللبية)‪ ،‬ومن هنا ال مانع‬
‫من جريان اصالة الطهارة في اإلناء األصفر‪ ،‬لعدم المعارض لها فينحل العلم‬
‫اإلجمالي حكماً‪ ،‬وهذا كله إنما كان على القول (باالقتضاء) وهو المختار‬
‫لسيد الشهيد(قده) وشيخنا األستاذ‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪21‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما على القول بالعلية التامة‪ ،‬وهو ما اختاره السيد الخوئي(قده) تبعاً‬
‫للمشهور‪ ،‬فأيضاً يقع الكالم تارة فيما إذا كان المنجز السابق (العلم‬
‫اإلجمالي) وأخرى األمارة المعتبرة‪ ،‬وثالثة األصل العملي‪ ،‬وهذه فروض‬
‫ثالثة‪.‬‬
‫ال (بالعلم اإلجمالي ايضاً‪.‬‬
‫الفرض األول‪ :‬ما لوكان المنجز السابق متمث ً‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً بنجاسة أحد اإلناءين (األبيض أو األصفر) ثم‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فيكون‬ ‫ال‪.‬‬
‫علمنا بمالقاة اإلناء الثالث األسود لإلناء (األبيض) مث ً‬
‫اإلناء األصفر مورداً الجتماع المنجزين عليه‪.‬‬
‫ومن الواضح وقد ظهر وتقدم‪ :‬أن المؤثر في تنجز (األصفر) حال توارد‬
‫المنجزين عليه هو كال المنجزين معاً‪ ،‬بحيث يكون كل المنجزين جزء‬
‫العلة‪ ،‬ال تمام العلة‪.‬‬
‫وال يمكن أن يكون تنجزه مستنداً إلى أحدهما المعين‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬للزوم‬
‫الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وال يمكن استناده إلى السابق منهما إذ ال أثر للسبق في المقام‪ ،‬ألن المعلول‬
‫في كل آن بحاجة إلى العلة في ذاك اآلن لقاعدة التعاصر بينهما‪ ،‬وال يكفي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪21‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجود العلة قبل هذا اآلن‪ ،‬لوجود المعلول فيه‪ ،‬واال لزم انفكاك المعلول عن‬
‫العلة‪ ،‬وهو مستحيل‪ ،‬لكونه خرقاً لقانون التعاصر‪.‬‬
‫وال فرق في هذا الفرض بين القولين في المسألة (القول بالعلية والقول‬
‫باالقتضاء) والوظيفة‪ :‬هو وجوب االجتناب عن األطراف الثالثة جميعاً‪ ،‬كما‬
‫على القول باالقتضاء‪.‬‬
‫ودعوى‪ :‬أن العلم اإلجمالي الثاني‪ ،‬ال يكون منجزاً له‪ ،‬باعتبار أن أحد‬
‫متنجز بمنجز سابق‪ ،‬ال يمكن المساعدة عليها‪ ،‬كما تقدم سابقاً‪ ،‬فال‬
‫ٌ‬ ‫طرفيه‬
‫نعيد‪.‬‬
‫نعم الفرق بين القولين إنما هو في أن التنجيز على القول باالقتضاء مستند‬
‫إلى تساقط األصول المؤمنة‪ ،‬وأما على القول بالعلية فهو مستند إلى العلم‬
‫اإلجمالي مباشرة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪22‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في الفرض األول من الفروض التي أردنا أن‬
‫نذكرها في على القول بكون علم اإلجمالي يكون منجزاً للتكليف على نحو‬
‫العلية التامة‪ ،‬كما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) وكان الشرط الثاني من‬
‫الشروط التي أردنا أن نذكرها في منجزية العلم اإلجمالي هو أن ال يكون‬
‫بعض األطراف أو أحد األطراف منجزاً بمنج ٍز سابق‪ ،‬على العلم اإلجمالي‬
‫تقدم الكالم على القول باالقتضاء‪ ،‬واآلن على القول بالعلية ذكرنا فروضاً‬
‫ال بالعلم اإلجمالي‬
‫صور ثالثة‪ ،‬الفرض األول‪ :‬ما لوكان المنجز السابق متمث ً‬
‫ايضاً‪ .‬مثاله‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً بنجاسة أحد اإلناءين (األبيض أو األصفر)‬
‫ال‪ .‬البد من‬
‫ثم علمنا بمالقاة اإلناء الثالث األسود لإلناء (األبيض) مث ً‬
‫االجتناب عن هذه األطراف الثالثة‪.‬‬
‫ال في األمارة (كالبينة) مثاله‪ :‬ما‬
‫الفرض الثاني‪ :‬ما إذا كان المنجز السابق متمث ً‬
‫ال فعلمنا بنجاسته تعييناً‪،‬‬
‫إذا قامت البينة على نجاسة إناء معين (كاألبيض) مث ً‬
‫ثم بعد ذلك علمنا بعلم إجمالي‪ ،‬إما بنجاسة‪ ،‬أو نجاسة اإلناء (األصفر)‪.‬‬
‫ففي مثل ذلك‪ :‬حيث إن تنجيز العلم اإلجمالي للتكليف المعلوم باإلجمال‬
‫يكون بالمباشرة‪ ،‬وعلى نحو (العلية التامة) في كال طرفيه‪ ،‬فيكون تنجيز‬
‫نجاسة (اإلناء األبيض) مستنداً إلى كل من البينة‪ ،‬والعلم اإلجمالي معاً‪ ،‬في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪22‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫آن اجتماعهما عليه‪ ،‬وال يمكن أن يكون مستنداً إلى أحدهما المعين‬
‫كالبينة‪ ،‬دون اآلخر‪ ،‬للزوم الترجيح بال مرجح بعد ما كانت نسبة كليهما إلى‬
‫(اإلناء األبيض) على حد سواء في تنجيز النجاسة‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬بما أنه ال ينحل باألمارة‪ ،‬ال انحالال حقيقياً كما‬
‫هو واضح‪ ،‬القتصاره على العلم التفصيلي‪ ،‬وال انحالال حكمياً‪ ،‬ألنه متوقف‬
‫على كون األمارة مانعة عن تنجيزه‪ ،‬وهذا خلف فرض كون العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬علة تامة للتنجيز‪ ،‬فال تكون األمارة مانعة‪ ،‬فال انحالل‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن الثمرة تظهر بين القولين في هذا الفرض‪.‬‬
‫فعلى القول بالعلية التامة‪ :‬فإن العلم اإلجمالي يكون مؤثراً في التنجيز‪ ،‬وأما‬
‫البيّنة القائمة على أحد طرفيه‪ ،‬ال تمنع عن تنجيزه‪ ،‬طالماً ظل ثابتاً وغير‬
‫منحل‪ ،‬والمفروض أن العلم اإلجمالي غير منحل في المقام‪ ،‬ال حقيقة‪ ،‬وال‬
‫حكماً‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وعلى القول باالقتضاء‪ :‬فحيث إن تنجيز العلم اإلجمالي يتوقف على‬
‫تعارض األصول المؤمنة في أطرافه‪ ،‬وتساقطها بالتعارض‪ ،‬فال يكون تعارض‬
‫ال‪ ،‬ألن األصل المؤمن في مورد البينة وهو اإلناء األبيض ساقط‬
‫في المقام مث ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪22‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال معارض لألصل المؤمن عند جريانه‬ ‫من جهة تقديم البيّنة عليه‪،‬‬
‫في اإلناء األصفر‪ ،‬فيحكم بطهارته‪.‬‬
‫من هنا يظهر‪ :‬أن ما هو المشهور بين األصوليين‪ :‬من أن التكليف المنجز‪ ،‬ال‬
‫يقبل التنجيز مرة أخرى‪ ،‬ألنه لغو‪ ،‬وإن كان صحيحاً بحسب الكبرى‪ ،‬اال أن‬
‫المقام ليس من صغريات هذه الكبرى‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬على القول بالعلية‪.‬‬
‫ال باألصل العملي‪.‬‬
‫الفرض الثالث‪ :‬فيما إذا كان المنجز السابق متمث ً‬
‫مثاله‪ :‬مالو شك في طهارة أو في بقاء نجاسة اإلناء األبيض‪ ،‬فيستصحب بقاء‬
‫النجاسة‪ ،‬وبعد االستصحاب علم إجماالً‪ ،‬إما بنجاسة اإلناء األبيض‪ ،‬أو‬
‫نجاسة اإلناء األصفر‪ ،‬وفي مثل ذلك يكون العلم اإلجمالي منجزاً على‬
‫القول بالعلية‪ ،‬إذ ال يمكن تصور المانع عن تنجيزه‪ ،‬ألنه خلف فرض كونه‬
‫علة تامة له‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ففي آن اجتماع االستصحاب مع العلم اإلجمالي‪ ،‬يكون التنجيز مستنداً إلى‬
‫كليهما معاً‪ ،‬ال إلى أحدهما كاالستصحاب دون اآلخر‪ ،‬ألنه يستلزم الترجيح‬
‫مرجح‪.‬‬
‫من دون ّ‬
‫فإذاً يكون العلم اإلجمالي منجزاً للنجاسة في مورد االستصحاب أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪22‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وال يمكن لالستصحاب أن يكون مانعاً عن تنجيزه إذ ال يتصور المانع عنه‬


‫بعد فرض كونه علة تامة للتنجيز‪ ،‬اال إذا فرض أنه موجب النحالله حقيق ًة‪،‬‬
‫والمفروض أن االستصحاب ال يوجب االنحالل الحقيقي‪ ،‬ألنه ليس بعلم‬
‫تفصيلي‪.‬‬
‫أما االنحالل الحكمي؛ فهو منوط بكون االستصحاب مانعاً عن جريان‬
‫أصالة الطهارة في مورده‪ ،‬مع ثبوت المقتضي لها‪ ،‬وهذا إنما يتم على القول‬
‫باالقتضاء فقط‪.‬‬
‫وأما على القول بالعلية‪ ،‬فال مقتضي لجريانها فيه‪ ،‬وفرض جريانها في نفسها‬
‫وسقوطها باالستصحاب‪ ،‬خلف فرض أن العلم اإلجمالي يكون علة تامة‬
‫للتنجيز‪.‬‬
‫فالحكم‪ :‬في هذا الفرض هو وجوب االجتناب عن كال اإلناءين لعدم‬
‫االنحالل‪ ،‬بناءاً على القول بالعلية‪ ،‬وقد اختلف عن القول (باالقتضاء‪ ،‬حيث‬
‫ذكرناه هناك أن اإلناء األصفر يحكم بطهارته على االقتضاء‪ .‬فراجع‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪23‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تنبيهات العلم اإلجمالي في تنبيه الثالث‪ ،‬الذي تعرضنا في‬
‫هذا التنبيه إلى شروط تنجيز العلم اإلجمالي وذكرنا الشرط األول أن العلم‬
‫اإلجمالي البد أن يتعلق بحكم مولوي الزامي فعلي من جميع جهات‪ ،‬وفي‬
‫الشرط الثاني انه البد أن ال يكون أحد اطراف العلم اإلجمالي منجزاً بمنجز‬
‫سابق واال ال يحصل التنجيز ولو في الجملة‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن تنجيز العلم اإلجمالي لوجوب الموافقة القطعية العملية‬
‫مشروط بكون المكلف قادراً على المخالفة القطعية العملية‪ ،‬واال فال يكون‬
‫منجزاً له‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علم بنجاسة إناء من خمسة آنية‪ ،‬ثم اختفى إناء واحد‪ ،‬فوجوب‬
‫الموافقة يكون بترك استعمال جميع األواني الخمسة‪ ،‬ولكن هل تحقق‬
‫الموافقة القطعية باالجتناب عن األربعة الباقية‪ ،‬والحال أن اإلناء الخاص‬
‫ٍ‬
‫مختف؟‬
‫ال‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬نعم‪ ،‬فإن المختفي قد اجتنب عنه فع ً‬
‫ولكن لو شرطنا أن تحقق الموافقة القطعية متوفقة على القدرة على المخالفة‬
‫القطعية‪ ،‬ال تحقق الموافقة القطعية‪ ،‬لعدم القدرة في مفروض المثال على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪23‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المخالفة القطعية‪ ،‬الختفاء إناء واحد منها‪ ،‬وذلك ألنه بارتكاب جميع‬
‫األواني األربع تحصل المخالفة االحتمالية فقط‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬لو سلمنا هذا الشرط‪ ،‬فهو ليس شرط آخر في مقابل الشرط األول‪،‬‬
‫وهو كون متعلق العلم اإلجمالي هو الحكم المولوي الفعلي على كل‬
‫تقدير‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن أحد أطراف العلم اإلجمالي إذا خرج عن قدرة المكلف‪ ،‬لم‬
‫ال وتركاً‪ ،‬فإن فعلية‬
‫يكن التكليف فعلياً على كل تقدير وعلى كل حال‪ ،‬فع ً‬
‫التكليف منوطة بالقدرة على امتثاله ومع العجز عنه‪ ،‬ال يعقل أن يكون فعليا‪،‬‬
‫واال لزم التكليف بغير المقدور‪.‬‬
‫فإذاً مع عدم القدرة على جميع أطراف العلم اإلجمالي ال علم بالتكليف‬
‫الفعلي مطلقا‪ ،‬سواء أكان في هذا الطرف‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو في الطرف الثالث‬
‫وهكذا‪ ،‬الحتمال كون التكليف في الطرف المختفي‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن هذا الشرط‪ ،‬ليس شرطاً آخر في مقابل الشرط األول‪ ،‬بل هو‬
‫من أفراده‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬أن شروط العلم اإلجمالي للتنجيز اثنان كما تقدم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪23‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التنبيه الرابع‪ :‬ال مالزمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة القطعيتين‬
‫العمليتين‪ ،‬بل يمكن التفكيك بينهما‪ ،‬فيما إذا جرى األصل في بعض‬
‫األطراف‪ ،‬دون بعض‪ ،‬لجهة من الجهات‪ ،‬فال تجب الموافقة القطعية‪ ،‬إن‬
‫حرمت المخالفة القطعية‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬
‫نعم‪ :‬فيما إذا لم يجر األصل في شيء من األطراف من جهة المعارضة‪،‬‬
‫تجب الموافقة القطعية العملية‪ ،‬كما تحرم المخالفة القطعية العملية‪.‬‬
‫ال كانت أصالة اإلباحة في‬
‫مثال‪ :‬مالو علم إجماالً بحرمة أحد المائعين‪ ،‬مث ً‬
‫كل واحد منهما معارضة بمثلها في اآلخر‪ ،‬فتجب الموافقة القطعية‬
‫باالجتناب عنهما‪ ،‬كما تحرم المخالفة القطعية بارتكابهما معاً‪ ،‬فاجتمعا في‬
‫المثال‪.‬‬
‫مثال‪ :‬ما لو علم بحرمة الجلوس في إحدى غرفتين في زمان معيّن‪ ،‬كانت‬
‫أصالة اإلباحة في كل واحد منهما معارضة بمثلها في اآلخر‪ ،‬فيتساقطان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬تجب الموافقة القطعية بترك الجلوس فيهما‪ ،‬وإن كانت المخالفة‬
‫القطعية غير محرمة‪ ،‬لعدم التمكن منها بالجلوس في الغرفتين في آن أو‬
‫زمان معين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪23‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مثال‪ :‬لو علم بوجوب الجلوس في احدى غرفتين‪ ،‬في ساعة معيّنة كانت‬
‫أصالة البراءة في كل واحد معارضة بمثلها‪ ،‬فيتساقطان‪ ،‬فتحرم المخالفة بترك‬
‫الجلوس فيهما وال تجب الموافق لعدم التمكن منها‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال وجه لما ذكره المحقق النائيني(قده) من عدم وجوب الموافقة‬
‫القطعية‪ ،‬فيما إذا لم تحرم المخالفة القطعية‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬فالنسبة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة هي العموم من‬
‫وجه‪ ،‬ويظهر االفتراق من الجانبين‪ ،‬واجتماعهما فيما ذكرناه من األمثلة‪.‬‬
‫التنبيه الخامس‪ :‬لوكان األثر في أحد طرف العلم اإلجمالي أكثر من األثر‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ‪ :‬تارة ال يكون بينهما قد ٌر مشترك‪ ،‬فهنا قسمان‪:‬‬ ‫في الطرف اآلخر‪،‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما لو ترتب أثر أكبر على طرف ال يكون بينه وبين اآلخر قدر‬
‫مشترك‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا أنه نذر في ليلة الجمعة قراءة ما‪ ،‬ولكنه ال يدري أنه نذر‬
‫عم‪،‬‬
‫قراءة سورة يس‪ ،‬أو سورة عم‪ ،‬فإن سورة يس وإن كان أكثر من سورة ّ‬
‫اال ّ أنه لم يكن بينهما قدر مشترك ومتيقن‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬ال شبهة في تنجيز العلم اإلجمالي للطرفين‪ ،‬ووجوب قراءة‬
‫السورتين معاً‪ ،‬لتباين السورتين‪ ،‬وعدم قدر المتيقن بينهما وحرمة المخالفة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪23‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وال فرق في تنجيزهما معاً بين القول باالقتضاء أو العلية التامة‪ ،‬غاية األمر أن‬
‫تنجيزه على االقتضاء متوقف على سقوط األصول المؤمنة‪ ،‬في أطرافه‬
‫بالتعارض‪.‬‬
‫وأن تنجيزه على العلية فال يتوقف على شيء‪ ،‬بل يكون بالمباشرة من نفس‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪26‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في تنبيه الخامس من التنبيهات العلم اإلجمالي وذكرنا في هذا‬


‫التنبيه ما ذكره األصوليون أنه لو كان األثر في أحد طرفي العلم اإلجمالي‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ تارة ال يكون بينهما‬ ‫أكثر من األثر في طرف اآلخر كماً أو كيفاً‪،‬‬
‫قدر مشترك‪ ،‬وأخرى يكون بينهما قدر مشترك‪ ،‬فإذاً هنا قسمان‪ :‬القسم‬
‫األول‪ :‬ما لو ترتب أثر أكبر على طرف ال يكون بينه وبين اآلخر قدر‬
‫مشترك‪ .‬مثاله‪ :‬ما إذا علمنا أنه نذر في ليلة الجمعة قراءة ما‪ ،‬ولكنه ال يدري‬
‫أنه نذر قراءة سورة يس‪ ،‬أو سورة عم‪ ،‬فإن سورة يس وإن كان أكثر من‬
‫عم‪ ،‬اال ّ أنه لم يكن بينهما قدر مشترك ومتيقن‪ .‬الحكم‪ :‬ال شبهة في‬
‫سورة ّ‬
‫تنجيز العلم اإلجمالي للطرفين‪ ،‬ووجوب قراءة السورتين معاً‪ ،‬لتباين‬
‫السورتين‪ ،‬وعدم قدر المتيقن بينهما وحرمة المخالفة‪.‬‬
‫وال فرق في تنجيزهما معاً بين القول باالقتضاء أو العلية التامة‪ ،‬غاية األمر أن‬
‫تنجيزه على االقتضاء متوقف على سقوط األصول المؤمنة‪ ،‬في أطرافه‬
‫بالتعارض‪.‬‬
‫وأن تنجيزه على العلية فال يتوقف على شيء‪ ،‬بل يكون بالمباشرة من نفس‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪26‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم الثاني‪ :‬اختالف اآلثار مع وجود القدر المشترك بينهما‪ .‬مثاله‪ :‬ما إذا‬
‫علمنا بوقوع نجاسة أحد إناءين (المطلق أو المضاف)‪ .‬فإن كانت قد وقعت‬
‫في الماء المضاف فال يترتب عليه غير حرمة شربه‪ ،‬وهي أثر مشترك بينهما‪،‬‬
‫وإن كانت وقعت في المطلق‪ ،‬ترتب عليه اثران‪ ،‬حرمة الشرب‪ ،‬وعدم جواز‬
‫التطهير به‪.‬‬
‫ففي هذا القسم‪ :‬هل العلم اإلجمالي ينجز تمام اآلثار الثالثة من المشتركة‬
‫والمختصة‪ ،‬أو منجز لخصوص األثر المشترك بينهما‪ ،‬وهو حرمة الشرب‪،‬‬
‫فقط؟ وجهان‪:‬‬
‫أما المحقق النائيني(قده) فقد ذهب إلى الثاني وهو تنجز األثر المشرك‬
‫(حرمة الشرب) بدعوى‪ :‬أن األصل في كل طرف‪ ،‬يتعارض بمثله في‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬بالنسبة إلى األثر المشترك فيه وهو حرمة الشرب‪ ،‬فيسقط في‬
‫كل من الطرفين بالتعارض فيكون العلم اإلجمالي منجزاً بالنسبة إلى حرمة‬
‫الشرب فيهما‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى األثر المختص ببعض األطراف وهو عدم جواز الوضوء به‪،‬‬
‫فيجري األصل فيه بال معارض وهو أصالة الطهارة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪26‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فالنتيجة‪ :‬أنه البد من االجتناب عن شرب الماءين لحرمتهما‪ ،‬ولكن ال مانع‬


‫من التوضؤ بالمطلق‪ ،‬والحكم بطهارته‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد خالف أستاذه‪ ،‬وذهب إلى القول األول‬
‫وقال(قده)‪ :‬والتحقيق‪ :‬أن العلم اإلجمالي منجز بالنسبة إلى جميع اآلثار‬
‫وحرمة الشرب فيهما وعدم التوضؤ به‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن تنجيز العلم اإلجمالي‬
‫إنما هو بسقوط األصول المؤمنة في أطرافه فإذا سقطت بالمعارضة‪ ،‬كان‬
‫العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬وفي المقام ال تجري (أصالة الطهارة) في الماء‬
‫المطلق‪ ،‬لمعارضتها‪ ،‬بالطرف اآلخر‪ ،‬فال طريق للحكم بطهارته‪ ،‬حتى يحكم‬
‫بجواز التوضؤ به‪ ،‬ألن الحكم بطهارته يستلزم الترخيص في المخالفة‬
‫القطعية العملية‪ ،‬واجراء (قاعدة الطهارة) في أحدهما دون اآلخر‪ ،‬يستلزم‬
‫الترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا سقطت (أصالة الطهارة) في الماء المطلق بالمعارضة‪ ،‬فال طريق‬
‫آخر لنا إلى اثبات طهارته حتى نترتب عليه األثر من جواز الوضوء والغسل‬
‫به‪ ،‬فإذاً العلم اإلجمالي ينجز جميع اآلثار في المقام‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أورد عليه بما حاصله‪ :‬أنه يظهر من السيد‬
‫األستاذ(قده) أن األثر المختص بأحد طرفي العلم اإلجمالي خارج عن دائرة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪26‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العلم اإلجمالي على أساس أنه (قده) قال‪ :‬إن األثر الزائد منفي بنفس‬
‫األصل المؤمن (قاعدة الطهارة) الذي ينفي األثر المشترك في الماء المطلق‪،‬‬
‫وهو (أصالة الطهارة) أو (استصحاب الطهارة) والمفروض سقوط هذا‬
‫األصل المؤمن بالمعارضة‪ ،‬فال يبقى ما يثبت جواز الوضوء به‪ ،‬في الماء‬
‫المطلق‪.‬‬
‫وهذا البيان يظهر منه االعتراف بأن األثر الزائد‪ ،‬خارج عن دائرة العلم‬
‫اإلجمالي وثابت في نفسه‪ ،‬وإنما ال ينفي باعتبار عدم وجود أصل ترخيصي‬
‫يختص به‪ ،‬كالمشترك‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك أنه إذا كان له أصل مخصوص مختص به‪ ،‬جرى في نفيه‪ ،‬بال‬
‫محذور‪.‬‬
‫ال في أطراف‬
‫ثم أشكل السيد الشهيد(قده) بأن األثر المختص إذا كان داخ ً‬
‫العلم اإلجمالي وتنجز به فال يمكن نفيه باألصل المؤمن المشترك وال‬
‫ال في أطراف العلم اإلجمالي بل‬
‫باألصل المختص به‪ ،‬وأما إذا لم يكن داخ ً‬
‫كان خارجاً عنها فيمكن نفيه باألصل المؤمن المشترك وهو (أصالة‬
‫الطهارة)‪ ،‬وفي المقام‪ ،‬تمسكاً بإطالق دليلها ألنها قد سقطت عن الماء‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪26‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المطلق بالمعارضة بلحاظ أثره المشترك‪ ،‬وهو حرمة الشرب‪ ،‬وال مانع من‬
‫التمسك بها لنفي عدم جواز النصوص به‪.‬‬
‫مناقشة شيخنا األستاذ (دام ظله) للسيد الشهيد(قده) وحاصلها‪:‬‬
‫أما أوالً‪ :‬فال يظهر من بيان السيد األستاذ(قده) أن األثر الزائد‪ ،‬خارج عن‬
‫دائرة العلم اإلجمالي‪ ،‬ألن الموجود في كالمه(قده) أن األثر الزائد منفي‬
‫بنفس األصل‪ ،‬المؤمن الذي ينفي األثر المشترك في الماء المطلق‪ .‬الخ‪.‬‬
‫فإن هذا البيان ال يدل على أنه داخل في دائرة العلم اإلجمالي كما ال يدل‬
‫على أنه خارج عنها‪ ،‬فإذاً‪ ،‬ليس هنا ما يدل على جواز الوضوء به‪.‬‬
‫وأما ثانياً‪ :‬أن ما ذكره السيد الشهيد(قده)‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪27‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الخامس من تنبيهات العلم اإلجمالي‪ ،‬القسم الثاني لو‬
‫اختلفت آثار األطراف مع وجود القدر المشترك‪ ،‬مثاله‪ :‬وقوع النجاسة في‬
‫أحدهما(المضاف أو المطلق)‪ ،‬ولألول أثر واحد (حرمة شربه) وللثاني أثران‬
‫(عدم جواز الوضوء به)‪.‬‬
‫وقع الخالف في سعة تنجيز العلم اإلجمالي‪ ،‬هل تمام اآلثار أو خصوص‬
‫األثر المشترك(حرمة الشرب) قال النائيني(قده) ينجز المشترك ويجري‬
‫األصل في المختص‪ ،‬قال الخوئي(قده) ينجز الجميع ألن (األثر الزائد منفي‬
‫بنفس األصل المؤمن النافي لألثر المشترك (الماء المطلق)‪ ،‬والمفروض‬
‫سقوطه بالمعارضة‪ ،‬فال يبقى ما يثبت (جواز الوضوء)‪.‬‬
‫قال السيد الشهيد(قده) هذا البيان يظهر منه أن األثر الزائد خارج عن دائرة‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫ال في أطراف العلم اإلجمالي وتنجز‬
‫وفيه‪ :‬أن األثر المختص إذا كان داخ ً‬
‫به‪ ،‬فال يمكن نفيه باألصل المؤمن مطلقا‪ ،‬ال المشترك وال المختص بسقوط‬
‫األصل في أطراف العلم بالتعارض‪ .‬واال فيمكن نفيه باألصل المؤمن‬
‫المشترك وهو (أصالة الطهارة) في المقام‪ ،‬لسقوطها عن المطلق بالمعارضة‪،‬‬
‫بلحاظ أثره المشترك دون المختص‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪27‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وعليه‪ :‬فال مانع من التمسك (بأصالة الطهارة) لجواز الوضوء أو لنفي عدم‬
‫جواز الوضوء‪ ،‬فصح كالم النائيني وهو المستفاد من كالم السيد‬
‫الخوئي(قده) أيضاً‪.‬‬
‫مناقشة شيخنا األستاذ (دام ظله) للسيد الشهيد(قده) وحاصلها‪:‬‬
‫أما أوالً‪ :‬فال يظهر من بيان السيد األستاذ(قده) أن األثر الزائد‪ ،‬خارج عن‬
‫دائرة العلم اإلجمالي‪ ،‬ألن الموجود في كالمه(قده) أن األثر الزائد منفي‬
‫بنفس األصل‪ ،‬المؤمن الذي ينفي األثر المشترك في الماء المطلق‪.‬‬
‫فإن هذا البيان ال يدل على أنه داخل في دائرة العلم اإلجمالي كما ال يدل‬
‫على أنه خارج عنها‪ ،‬فإذاً‪ ،‬ليس هنا ما يدل على جواز الوضوء به‪.‬‬
‫ال‬
‫وأما ثانياً‪ :‬أن ما ذكره السيد الشهيد(قده) من أن األثر الزائد إذا كان داخ ً‬
‫في دائرة العلم اإلجمالي‪ ،‬وتنجز به‪ ،‬فال يجدي األصل المؤمن المختص به‬
‫ال عن األصل المشترك‪ ،‬فال يمكن المساعدة عليه؛ إذ‬
‫أيضاً في نفيه فض ً‬
‫لوكان له أصل مؤمن مختص به‪ ،‬فهو يمنع عن تنجيز العلم اإلجمالي لفرض‬
‫أنه ال معارض له‪ ،‬فإذا لم يكن له معارض في الطرف اآلخر‪ ،‬فال مانع من‬
‫جريانه فيه‪ ،‬وانحالل العلم اإلجمالي بالنسبة إليه حكماً‪ .‬هذا من ناحية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪27‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومن ناحية أخرى‪ :‬أن األثر الزائد في مثل المثال داخل في دائرة العلم‬
‫اإلجمالي ألن العلم اإلجمالي تعلق بنجاسة (الجامع) بين الماء المطلق والماء‬
‫المضاف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فإن كان النجس في الواقع الماء المطلق ترتب على نجاسة أثران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حرمة شربه‪ ،‬تكليفاً‪ ،‬واآلخر‪ :‬عدم جواز الوضوء به‪ ،‬وضعاً‪ ،‬وإن‬
‫كان النجس في الواقع الماء المضاف‪ ،‬ترتب على نجاسة أثر واحد‪ ،‬وهو‬
‫حرمة شربه فقط تكليفاً‪.‬‬
‫فإذاً كال األثرين في الماء المطلق‪ ،‬داخل في دائرة العلم اإلجمالي لوضوح‬
‫أن العلم اإلجمالي لم يتعلق بحرمة الشرب الجامع بين شرب الماء المطلق‬
‫وشرب الماء المضاف‪ ،‬حتى يقال‪ :‬إن عدم جواز الوضوء به خارج عن‬
‫دائرة العلم اإلجمالي بل العلم اإلجمالي تعلق بالموضوع لألثر وهو نجاسة‬
‫أحدهما‪ ،‬غاية األمر‪ ،‬يترتب على نجاسة الماء المطلق أثران وهما حرمة‬
‫شربه‪ ،‬وعدم جواز الوضوء به‪ ،‬ويترتب على نجاسة الماء المضاف أثر‬
‫واحد‪ ،‬وهو حرمة شربه‪ ،‬ومن الواضح‪ :‬أن العلم اإلجمالي‪ ،‬علم بترتب أثره‬
‫عليه‪ ،‬فإذاً ال يمكن التفكيك بين حرمة شربه وبين عدم جواز الوضوء به‪،‬‬
‫بدعوى‪ :‬أن األثر األول داخل في دائرة العلم اإلجمالي دون الثاني‪ ،‬مع أن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪27‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أصالة الطهارة تنفى كال األثرين في عرض واحد‪ ،‬فال يمكن القول‪ :‬بأن‬
‫األثر األول منفي بها دون الثاني‪ ،‬ألنه ترجيح بال مرجح‪ ،‬إذ نسبة أصالة‬
‫الطهارة إلى كال األثرين نسبة واحدة‪ ،‬بل ولو كان األثران طوليين‪ ،‬فاألمر‬
‫أيضاً كذلك‪ ،‬يعني‪ :‬أن كال األثرين داخل في دائرة العلم اإلجمالي ألن‬
‫العلم بنجاسة الماء المطلق علم بترتب آثارها عليه مطلقا‪ ،‬سواء أكانت اآلثار‬
‫طولية‪ ،‬ام كانت عرضية‪ ،‬وسواء أكان العلم بها تفصيلياً‪ ،‬أم إجمالياً وعليه‬
‫فإذا تنجزت نجاسة الماء المطلق على تقدير ثبوتها فيه‪ ،‬تنجزت آثارها‪ ،‬من‬
‫حرمة شربه‪ ،‬وعدم جواز الوضوء به وهكذا‪.‬‬
‫وإذا تنجزت بنجاسة الماء المضاف إن كان في الواقع نجساً تنجز أثرها‬
‫الوحيد‪ ،‬وهو حرمة شربه فقط‪ ،‬وال يمكن التفكيك في التنجيز‪ ،‬في األول‪،‬‬
‫بين حرمة شربه‪ ،‬وعدم جواز الوضوء به‪ ،‬وأن األول منجز‪ ،‬دون الثاني‪ ،‬ألنه‬
‫خلف فرض كونه من آثار نجاسة‪ ،‬إذ معنى تنجز النجاسة هو آثارها‪ ،‬واال‬
‫فال معنى لتنجزها‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فالعلم اإلجمالي بنجاسة أحد الماءين (المطلق أو المضاف) هو‬
‫العلم اإلجمالي إما بحرمة شرب الماء األول‪ ،‬وعدم جواز الوضوء به‪ ،‬أو‬
‫حرمة شرب الماء الثاني‪ ،‬فإذاً كل من حرمة شرب الماء األول‪ ،‬وعدم جواز‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪27‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوضوء به‪ ،‬طرف للعلم اإلجمالي وحرمة شرب الماء الثاني‪ ،‬طرف آخر له‪،‬‬
‫غاية األمر أن في أحد طرفي العلم اإلجمالي أثرين شرعيين‪ ،‬وفي الطرف‬
‫اآلخر أثراً شرعياً واحداً‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أنه ال شبهة في أن األثر الزائد في المقام‪ ،‬داخل في دائرة العلم‬
‫اإلجمالي ومنجز به‪ ،‬بعد سقوط األصل المؤمن وهو أصالة الطهارة في الماء‬
‫المطلق بآثاره‪ ،‬فإنه بعد سقوطها فيه المعارضة مع أصالة الطهارة في الماء‬
‫المضاف‪ ،‬كما ال يجوز شربه‪ ،‬كذلك ال يجوز الوضوء به‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪28‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الخامس من تنبيهات العلم اإلجمالي أنه لو اختلفت‬


‫آثار األطراف مع قدر المشترك بين تلك اآلثار‪ ،‬مثلنا بوقوع النجاسة في أحد‬
‫إناءين‪ ،‬ماء أحدهما يكون مضاف ًا واآلخر يكون مطلقا‪ ،‬وللماء المضاف‬
‫يكون اثر واحد‪ ،‬بسبب نجاسة‪ ،‬وهو حرمة شربه‪ ،‬ولآلخر كان أثران‪ ،‬مضافاً‬
‫إلى حرمة شربه عدم جواز الوضوء به‪ ،‬وقع الخالف بين األصوليين‪ ،‬أن‬
‫العلم اإلجمالي هل ينجز تمام اآلثار أو خصوص أثر المشترك‪ ،‬وذكرنا أن‬
‫المحقق النائيني ذهب إلى أن العلم اإلجمالي ينجز األثر المشترك‪ ،‬وال‬
‫يجري في اآلخر‪ ،‬ففي اآلخر وهو عدم جواز الوضوء يجري األصل‬
‫المختص وهو أصالة الطهارة‪.‬‬
‫السيد الخوئي (قده) خالفه قال‪ :‬ينجز الجميع‪ ،‬بأن األثر زائد أيضاً يكون‬
‫منفياً بنفس أصل المؤمن الذي نفى األثر المشترك‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد ذكر أموراً كأنه في المقام دفاع عن المحقق النائيني‪ ،‬أن‬
‫ال في أطراف العلم اإلجمالي وتنجز به‪ ،‬فال‬
‫األثر المختص إذا كان داخ ً‬
‫يمكن نفيه باألصل المؤمن مطلقا‪ ،‬ال المشترك وال المختص بسقوط األصل‬
‫في أطراف العلم بالتعارض‪ .‬واال فيمكن نفيه باألصل المؤمن المشترك وهو‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪28‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫(أصالة الطهارة) في المقام‪ ،‬لسقوطها عن المطلق بالمعارضة‪ ،‬بلحاظ أثره‬


‫المشترك دون المختص‪.‬‬
‫أما شيخنا األستاذ(دام ظله)‪ :‬ناقش ما ذكره السيد الشهيد(قده)‪ ،‬ذكر أنه ال‬
‫يمكن المساعدة على ما ذكره السيد الشهيد(قده) بأمور‪:‬‬
‫أما أوالً‪ :‬فال يظهر من بيان السيد األستاذ(قده) أن األثر الزائد‪ ،‬خارج عن‬
‫دائرة العلم اإلجمالي‪ ،‬ألن الموجود في كالمه(قده) أن األثر الزائد منفي‬
‫بنفس األصل‪ ،‬المؤمن الذي ينفي األثر المشترك في الماء المطلق‪.‬‬
‫ال‬
‫وأما ثانياً‪ :‬أن ما ذكره السيد الشهيد(قده) من أن األثر الزائد إذا كان داخ ً‬
‫في دائرة العلم اإلجمالي‪ ،‬وتنجز به‪ ،‬فال يجدي األصل المؤمن المختص به‬
‫ال عن األصل المشترك‪ ،‬فال يمكن المساعدة عليه؛ إذ‬
‫أيضاً في نفيه فض ً‬
‫لوكان له أصل مؤمن مختص به‪ ،‬فهو يمنع عن تنجيز العلم اإلجمالي لفرض‬
‫أنه ال معارض له‪ ،‬فإذا لم يكن له معارض في الطرف اآلخر‪ ،‬فال مانع من‬
‫جريانه فيه‪ ،‬وانحالل العلم اإلجمالي بالنسبة إليه حكماً‪ .‬هذا من ناحية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬أن األثر الزائد في مثل المثال داخل في دائرة العلم‬
‫اإلجمالي ألن العلم اإلجمالي تعلق بنجاسة (الجامع) بين الماء المطلق والماء‬
‫المضاف‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪28‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فإن كان النجس في الواقع الماء المطلق ترتب على نجاسة أثران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حرمة شربه‪ ،‬تكليفاً‪ ،‬واآلخر‪ :‬عدم جواز الوضوء به‪ ،‬وضعاً‪ ،‬وإن‬
‫كان النجس في الواقع الماء المضاف‪ ،‬ترتب على نجاسة أثر واحد‪ ،‬وهو‬
‫حرمة شربه فقط تكليفاً‪ ...‬هذا كله تقدم في البحث السابق‪.‬‬
‫وقال شيخنا األستاذ ومن ناحية ثالثة‪ :‬مع اإلغماض عما ذكرناه يمكن القول‬
‫بأن هنا علمين إجماليين في عرض واحد‪ ،‬أحدها‪ :‬العلم اإلجمالي بحرمة‬
‫شرب أحد الماءين وثانيهما‪ ،‬العلم اإلجمالي بعدم جواز الوضوء بالماء‬
‫المطلق أو بحرمة شرب الماء المضاف‪ ،‬وهذان العلمان االجماليان كما‬
‫أنهما ينجزان الطرف المشترك بينهما كذلك ينجزان كل منهما الطرف‬
‫المختص به‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن الصحيح في مثل هذا المثال ما ذكره السيد األستاذ (قده) من‬
‫التعميم‪.‬‬
‫المؤمن غير‬
‫ّ‬ ‫من ناحية الرابعة‪ :‬أن األثر الزائد إذا كان مختصاً باألصل‬
‫المتسانخ لألصل في األثر المشترك وكان مغايراً له‪ ،‬فال يكون طرفاً للعلم‬
‫اإلجمالي حتى يكون معارضاً مع األصل المؤمن في الطرف المشترك‪ ،‬كما‬
‫يأتي في المثال الالحق‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪28‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والنكتة في ذلك‪ :‬أن دليل األصل المؤمن في الطرف المشترك حيث إنه قد‬
‫ابتلي بالتعارض بين فرديه في الداخل‪ ،‬وسقط‪ ،‬فال يكون حجة بعد السقوط‬
‫حتى يصلح أن يعارض دليل األصل المؤمن المختص في أحد طرفيه‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ولكن‪ :‬هذه النكتة ال تختص باألثر الزائد‪ ،‬بل تعم األثر المشترك أيضاً‪ ،‬إذا‬
‫مؤمن مختص بأحد طرفي العلم اإلجمالي‪ ،‬وغير متسانخ‬
‫كان هناك أصل ّ‬
‫لألصل المؤمن المشترك بين طرفيه‪ ،‬وقد تقدم تفصيل ذلك في التنبيه الثالث‬
‫على القول باالقتضاء فراجع‪.‬‬
‫هذا كله فيما إذا كان األثر الزائد‪ ،‬واألثر المشترك في موضوعين‪ ،‬كالمثال‬
‫المتقدم بأن يكونا من قبيل األقل واألكثر االستقالليين‪( ،‬المضاف‬
‫والمطلق)‪.‬‬
‫وأخرى يكون أثراً مرتبطاً بأن يكونا من قبيل دوران األمر بين األقل واألكثر‬
‫االرتباطيين‪ ،‬وعلى كال التقديرين‪ :‬فاألثر الزائد خارج عن دائرة العلم‬
‫اإلجمالي والمرجع فيه أصالة البراءة عن التكليف الزائد بال معارض‪.‬‬
‫ثم إن السيد الخوئي(قده)‪ :‬ذكر في ذيل هذا التنبيه مثاالً آخر‪ :‬المثال‪ :‬ما لو‬
‫بتنجس ثوبه ولكنه ال يدري أنه بمالقاة البول أو بمالقاة‬
‫علم شخص إجماالً ّ‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪28‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الدم‪ ،‬فعلى األول‪ :‬يجب عليه غسله مرتين بالماء غير الجاري‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫يجب عليه غسله مرة واحدة‪ .‬ففي مثل ذلك‪ :‬لو غسل هذا الثوب مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فبطبيعة الحال‪ ،‬يشك في طهارته أو بقائه على النجاسة‪ ،‬ووجوب‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬وإن كان ال مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن‬ ‫غسله مرة ثانية‪،‬‬
‫وجوب غسله مرة أخرى‪ ،‬أو استصحاب عدم وجوبه‪ ،‬اال أن هذا األصل‪،‬‬
‫محكوم باستصحاب بقاء نجاسته‪.‬‬
‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أشكل عليه بإشكالين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره السيد الخوئي (قده) في ذيل تنبيه الخامس حيث‬
‫أورد مثاالً فقال لو علم شخص بتنجس ثوبه ولكنه ال يدري انه تنجس‬
‫بمالقاة البول حتى يحتاج إلى تعدد غسل أو تنجس بمالقاة الدم حتى ال‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ فلو فرض في هذا المثال لو غسل هذا الثوب‬ ‫يحتاج بتعدد غسل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يشك بطهارة ثوبه أو‬ ‫مرة واحدة(بالماء غير الجاري) فبطبيعة الحال‬
‫بقائه على النجاسة‪ ،‬إذا كان البول بغسل الواحدة ال يطهر الثوب‪ ،‬إذا كان‬
‫دماً يطهر‪ ،‬فإذاً يبقى على الشك في الطهارة والنجاسة‪ ،‬ما هو التكليف؟ قال‬
‫السيد الخوئي(قده) أنه ال مانع من الرجوع إلى أصالة البراء عن وجوب‬
‫غسله مرة أخرى‪ ،‬أو استصحاب عدم وجوب غسله‪ ،‬ولكن التفت السيد‬
‫الخوئي بعد ذلك قال‪ :‬أن هذا األصل (أصالة البراءة عن وجوب غسل أو‬
‫استصحاب عدم وجوب غسل) وإن كان يجري لكنه هناك أصل آخر أقوى‬
‫وحاكم على هذين األصلين‪ ،‬وهو استصحاب بقاء نجاسته‪ ،‬ألنه علم بنجاسة‬
‫وقطع بنجاسة‪ ،‬أن ثوبه تنجس واقعاً‪ ،‬وحقيقة‪ ،‬بعد ما غسله مرة واحدة هل‬
‫هذه النجاسة ارتفعت أو بعد باقية فنستصحب بقاء النجاسة‪ ،‬فالوظيفة‬
‫وجوب غسله مرة أخرى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما السيد الشهيد(قده)‪ :‬فقد أشكل عليه بإشكالين‪ :‬اإلشكال األول‪ :‬أنه ال‬
‫معنى ألصالة البراءة عن وجوب غسله مرة أخرى‪ ،‬أو استصحاب عدم‬
‫وجوبه‪ ،‬ألن وجوب الغسل ليس حكماً تكليفياً حتى يكون مورداً ألصالة‬
‫البراءة‪ ،‬أو استصحاب عدم وجوبه بل هو عبارة عن الحكم بالطهارة بعد‬
‫غسله‪.‬‬
‫اإلشكال الثاني‪ :‬أن استصحاب بقاء نجاسة محكوم باستصحاب عدم مالقاته‬
‫فهو حكم وضعي‪ ،‬للبول‪ ،‬فإنه ينقح مطهرية غسله‪ ،‬وأنه واحدة‪ ،‬ألن الدليل‬
‫يدل على أن الغسل مطهر‪ ،‬ومقتضى إطالقه أنه مطهر مرة واحدة‪ ،‬وخرج‬
‫من إطالقه خصوص الثوب المالقي للبول بالدليل‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فإذا كان الثوب متنجساً‪ ،‬وشك في أن تنجسه هل هو بمالقاته للبول‬
‫أو بغيره‪ ،‬فال مانع من استصحاب عدم مالقاته للبول وبه يحرز الموضوع‪،‬‬
‫بكال جزئيه‪ ،‬أحدهما تنجسه‪ ،‬وهو محرز بالوجدان‪ ،‬واآلخر‪ :‬عدم كون‬
‫تنجسه بمالقاة البول وهو محرز باالستصحاب‪ ،‬فإذاً يتحقق الموضوع‬
‫ٍ‬
‫حينئذ غسله مرة واحدة‪.‬‬ ‫المركب بكامل أجزائه‪ ،‬فيكفي في طهارته‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وفيه‪ :‬أن االشكال الثاني متين جداً وذلك ألن استصحاب بقاء نجاسة الثوب‬
‫محكوم باستصحاب عدم مالقاته للبول‪ ،‬وبه يحرز موضوع مطهرية الغسل‬
‫مرة واحدة‪.‬‬
‫وأما االشكال األول‪ :‬فالظاهر أنه غير وارد‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن مراد السيد‬
‫األستاذ(قده) من أصالة البراءة عن وجوب الغسل‪ ،‬هو أصالة البراءة عن‬
‫وجوبه الشرطي‪ ،‬ال عن وجوبه التكليفي‪ ،‬حيث إن الشك في أن الطهارته‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إنما هو في شرطية الغسل مرة‬ ‫مشروط بغسله مرة ثانية أوال‪ ،‬فالشك‬
‫أخرى‪ ،‬للحكم بطهارته‪ ،‬وال مانع من أصالة البراءة عن شرطيته‪ ،‬أو‬
‫استصحاب عدم شرطيته‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن بعد العلم بنجاسة الثوب يشك في طهارته بعد غسله مرة واحدة‪،‬‬
‫وفي مثله وإن كان يجري استصحاب بقاء نجاسة في نفسه‪ ،‬اال أنه محكوم‬
‫باستصحاب عدم مالقاته للبول‪ .‬هذا‪.‬‬
‫التنبيه السادس‪ :‬هل العلم اإلجمالي منجز للواقع‪ ،‬إذا تعلق باألمور التدريجية‬
‫مثل ما إذا تعلق باألمور الدفعية‪ ،‬أم ال؟ قوالن‪ :‬وقبل الشروع في تحقيق‬
‫الحال في المقام البد من التنبيه على أمر مهم‪ .‬والتنبيه‪ :‬أن محل الكالم في‬
‫هذا البحث هو ما إذا لم تكن أطراف العلم اإلجمالي مورداً لالحتياط‪ ،‬في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال‪ ،‬إذا علم‬


‫نفسها‪ ،‬مع قطع النظر عن العلم اإلجمالي‪ .‬فإنه لو كانت كذلك مث ً‬
‫إجماالً بأنه يبتلى في هذا اليوم بمعاملة ربوية من جهة الشبهة الحكمية‪ ،‬فال‬
‫إشكال في وجوب االحتياط‪ ،‬سواء أقلنا‪ :‬بتنجيز العلم اإلجمالي في‬
‫التدريجيات‪ ،‬أم لم نقل به‪.‬‬
‫والوجه‪ :‬فيه أن كل معاملة يحتمل فيها الربا مع قطع النظر عن العلم‬
‫اإلجمالي يكون مورداً لالحتياط يكون الشبهة حكمية‪ ،‬وال يجوز فيها‬
‫الرجوع إلى البراءة قبل الفحص‪ ،‬هذا من جهة الحكم التكليفي بوجوب‬
‫االحتياط تكليفاً‪ .‬أما من جهة الحكم الوضعي‪ ،‬فيحكم بفساد كل معاملة في‬
‫الخارج يحتمل فيها الربا‪ ،‬وذلك‪ :‬من جهة أصالة عدم حصول النقل‬
‫واالنتقال عند الشك في تحقق المعاملة‪.‬‬
‫وتوهم‪ :‬جواز الرجوع إلى العمومات الدالة على صحة كل معاملة تقع في‬
‫الخارج كقوله تعالى‪َ « :‬أوفُوا بِال ْعق ُ ِ‬
‫ود (‪ »)1‬وغيره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مدفوع‪ :‬بأن هذه العمومات مخصصة بالمعاملة الربوية‪ ،‬فالنتيجة‪ :‬أو فوا‬
‫بالعقود اال المعامالت الربوية‪.‬‬

‫(‪)1‬المائدة ‪ ،‬اآلية‪1 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وعليه‪ :‬فالشك في الصحة والفساد في المعاملة إنما هو من جهة الشك في‬


‫االنطباق الفساد أو الصحة ال من جهة الشك في التخصيص‪ ،‬بل قبل ذلك‪،‬‬
‫وفي مثله ال يمكن التمسك بالعموم‪ .‬هذا‪.‬‬
‫مضافاً إلى أن التمسك بالعموم أيضاً مشروط بالفحص‪ ،‬كما أن األمر كذلك‬
‫في الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫إذا عرفت ذلك فنقول‪ :‬إن تدريجية أطراف العلم اإلجمالي على أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬أن تكون التدريجية‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه السادس في أنه هل أن العلم اإلجمالي منجز بالواقع‬


‫لتكليف الواقعي اذا تعلق باألمور تدريجية‪ ،‬يعني كان أحد أطراف العلم‬
‫اإلجمالي في هذا الوقت‪ ،‬وطرف اآلخر في قت متأخر‪ ،‬بعد يوم أو بعد‬
‫أسبوع أو بعد شهر‪ ،‬أو بعد سنة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬نحن ذكرنا ان العلم اإلجمالي‬
‫يكون منجزاً إذا كان متعلق بأمور دفعية‪ ،‬المتحقق في آن ما‪ ،‬إما نجاسة هذا‬
‫االناء أو نجاسة هذا اإلناء‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫الكالم في انه إذا كان متعلق العلم اإلجمالي بعض األطراف أو أحد‬
‫األطراف يكون في زمان اآلخر‪ ،‬في زمان متأخر يكون حصول تدريجي‪،‬‬
‫فقدم السيد الخوئي في المقام مقدمة‪ ،‬ثم بعد ذلك قال‪ :‬أن تدريجية أطراف‬
‫في العلم اإلجمالي يكون على األقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬أن تكون التدريجية‪ ،‬مستندة إلى اختيار المكلف مع تمكن‬
‫المكلف من الجمع بين األطراف مثاله‪ :‬ما إذا علم بغصبية أحد الثوبين‪،‬‬
‫وكان متمكناً من لبسهما معاً‪ ،‬ولكنه اقترح لبس أحدهما في زمان ولبس‬
‫اآلخر في زمان متأخر‪.‬‬
‫محل الكالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحكم‪ :‬ال إشكال في خروج هذا القسم عن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه‪ :‬ألن العلم بالتكليف الفعلي‪ ،‬مع تمكن المكلف من الموافقة القطعية‬
‫بتركهما معاً‪ ،‬والمخالفة القطعية (بلبسهما معا) يوجب التنجز‪ ،‬على ما تقدم‬
‫بيانه وعلى كال القولين والمسلكين‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن تكون التدريجية مستندة إلى عدم تمكن المكلف من‬
‫الجمع بين األطراف مع تمكنه من ارتكاب كل منها بالفعل‪ ،‬مع ترك اآلخر‪،‬‬
‫مثاله‪ :‬كما لو علم بوجوب صالة الظهر‪ ،‬أو الجمعة‪ ،‬فإنه وإن لم يتمكن من‬
‫بأيهما شاء‪،‬‬
‫الجمع بينهما في زمان واحد‪ ،‬اال أنه متمكن من اإلتيان ّ‬
‫ونظيره‪ :‬العلم بحرمة أحد الضدين اللذين لهما ثالث‪ ،‬فال يمكن الجمع بين‬
‫الضدين‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬ال إشكال في تنجيز العلم اإلجمالي في هذا القسم أيضاً كالقسم‬
‫األول‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬لوجود العلم بالتكليف الفعلي وسقوط األصول في األطراف‬
‫للمعارضة‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬وهو العمدة؛ أن تكون التدريجية مستندة إلى تقيّد أحد‬
‫األطراف بزمان‪ ،‬أو زماني متأخر‪ ،‬والتكليف المعلوم في هذا القسم‪ ،‬تارة‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يكون فعلياً على كل تقدير‪ ،‬وأخرى‪ :‬ال يكون فعلياً اال على تقدير دون‬
‫تقدير‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬وهو ما يكون التكليف المعلوم فعلياً على كل تقدير‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علم بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة في هذا اليوم أو في الغد‪،‬‬
‫فإنه بناءاً على كون الوجوب بالنذر صار فعلياً من باب الواجب التعليقي نعلم‬
‫بتكليف فعلي متعلق بالقراءة في هذا اليوم‪ ،‬أو بالقراءة في الغد‪.‬‬
‫فالتدريجية يكون في المتعلق‪ ،‬أما الوجوب فهو حاصل بالفعل‪ .‬وعلى كل‬
‫تقدير وبالنذر وصار فعلياً مطلقا‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬أنه ال مناص من القول بتنجيز العلم اإلجمالي في هذه الصورة أيضاً‪،‬‬
‫بوجوب الموافقة وحرمة المخالفة‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬لما تقدم من أن الميزان في التنجيز هو العلم بالتكليف الفعلي وعدم‬
‫المانع وهما متحققان على الفرض‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬وهو ما ال يكون العلم فيه متعلقاً بالتكليف الفعلي على كل‬
‫تقدير‪ .‬مثاله‪ :‬كما إذا علم بوجوب الحج مردد بين كونه فعلياً اآلن‪ ،‬وكونه‬
‫فعلياً فيما بعد‪ ،‬كما إذا تردد الواجب بين كونه فعلياً مطلقا‪ ،‬أو مشروطاً‬
‫يحصل فيما بعد‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪29‬ربيع‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحكم‪ :‬وقع الخالف بين األعالم‪...‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪3‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه السادس من تنبيهات العلم اإلجمالي حيث تعرضنا في‬
‫هذا التنبيه إلى أن العلم اإلجمالي هل ينجز االحكام التدريجية بحيث تكون‬
‫أطراف الحاصلة على نحو التدريج‪ ،‬ذكرنا أن الكالم هنا يقع في أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬في ما إذا كانت التدريجية اختيارية ومثلنا بمثال الثوبين‬
‫المشتبه نجاسة أحدهما أو غصبية أحدهما‪ .‬القسم الثاني من جهة عدم‬
‫القدرة على الجمع بين الطرفين‪ ،‬كالصالة الظهر والجمعة في اليوم الجمعة‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬فيما لو كان أحدهما مقيداً بأمر زمان أو زماني‪ ،‬وفي هذا‬
‫القسم األخير كان كالمنا أيضاً في أمرين‪ :‬األول‪ :‬ما إذا كان العلم اإلجمالي‬
‫فيه متعلقاً بالتكليف الفعلي على كل تقدير‪ ،‬الثاني‪ :‬ما إذا كان العلم‬
‫اإلجمالي ال يكون متعلقاً بالتكليف فعلي على كل تقدير‪ ،‬في مورد األول‬
‫مثلنا بأن‪ :‬ما إذا علم بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة في هذا اليوم أو في‬
‫الغد‪ ،‬فإنه بناءاً على كون الوجوب بالنذر صار فعلياً من باب الواجب‬
‫التعليقي نعلم بتكليف فعلي متعلق بالقراءة في هذا اليوم‪ ،‬أو بالقراءة في‬
‫الغد‪ .‬فالتدريجية يكون في المتعلق‪ ،‬أما الوجوب فهو حاصل بالفعل‪ .‬وعلى‬
‫كل تقدير وبالنذر وصار فعلياً مطلقا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪3‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الحكم‪ :‬أنه ال مناص من القول بتنجيز العلم اإلجمالي في هذه الصورة أيضاً‪،‬‬
‫بوجوب الموافقة وحرمة المخالفة‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬لما تقدم من أن الميزان في التنجيز هو العلم بالتكليف الفعلي وعدم‬
‫المانع وهما متحققان على الفرض‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬وهو ما ال يكون العلم فيه متعلقاً بالتكليف الفعلي على كل‬
‫تقدير‪ .‬مثاله‪ :‬مالو علم إجماالً بأحد حكمين‪ ،‬أحدهما‪ :‬بلحاظ الزمان‬
‫الحاضر‪ ،‬واآلخر‪ :‬بلحاظ الزمان المستقبل‪ ،‬من قبيل‪ :‬علم المرأة اجماالً‬
‫بحيضها في هذا الزمان أو اول شهر‪ ،‬فيحرم عليها الدخول في المسجد‪،‬‬
‫ال‪ ،‬بالفعل‪ ،‬أو في الزمان اآلتي آخر الشهر‪ ،‬فيحرم عليها ذلك في الوقت‬
‫مث ً‬
‫اآلتي‪ ،‬فهل‪ :‬يكون مثل هذا العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬أوال؟‬
‫ذهب صاحب الكفاية (قده) إلى جواز الرجوع إلى األصل(أصالة البراة من‬
‫الحرمة) في كل من الطرفين‪(.‬لعدم العلم بالتكليف الفعلي)‪.‬‬
‫وأما المحقق النائيني(قده) فقد اختار عدم جواز الرجوع إلى األصل البراءة‬
‫في شيء من الطرفين للمنجزية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪3‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الشيخ األنصاري(قده) فقد فصل بين‪ :‬ما إذا كان المالك في األمر‬
‫المتأخر تاماً من اآلن‪ ،‬فيكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬فال يجوز الرجوع‪،‬‬
‫وبين ما إذا لم يكن كذلك‪ ،‬فال يكون منجزاً فيجوز الرجوع‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد مهد مقدمة قبل توضيح كيفية االستدالل لجميع‬
‫األقوال‪.‬‬
‫ال مع‬
‫مقدمة‪ :‬وهي أن تأخر التكليف تارة يكون مستنداً إلى عدم إمكانه فع ً‬
‫تمامية المقتضي له‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا تعلق النذر بأمر متأخر (كالحج في الموسم) بناءاً على استحالة‬
‫ال باالشتمال على المالك‬
‫الواجب التعليقي‪ ،‬فإن الفعل المنذور يتصف فع ً‬
‫ال‪ ،‬بل‬
‫الملزم‪ ،‬بتعلق النذر به‪ ،‬اال ّ أن األمر بالوفاء بالنذر غير ممكن فع ً‬
‫مشروط بمجيء زمانه‪ ،‬بناءاً على استحالة األمر الفعلي بالشيء المتأخر‪.‬‬
‫وأخرى‪ :‬يكون تأخير التكليف مستنداً إلى عدم تمامية المقتضي‪ ،‬لعدم‬
‫تحقق ماله دخل في تمامية‪ ،‬وهذا كأكثر الشرائط التي تتوقف عليها فعلية‬
‫التكليف‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علمت المرأة المبتدئة بأنها تحيض ثالثة أيام مرددة بين جميع‬
‫أيام الشهر(العشرة األولى‪ ،‬أو الثانية‪ ،‬أو الثالثة)‪ ،‬فال علم لها بالتكليف‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪3‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الفعلي‪(،‬حرمة الصالة ودخول المسجد) وال بمالكه التام‪ ،‬فال مقتضي لعدم‬
‫ال‪ ،‬المترتب عليه التكليف ومالكه‪.‬‬
‫العلم بالحيض فع ً‬
‫إذا عرفت ذلك فاعلم‪ :‬أن من نظر إلى أن تنجيز العلم اإلجمالي متوقف‬
‫على كونه متعلقاً بالتكليف الفعلي اختار عدم تنجيزه في المقام‪ ،‬و جواز‬
‫الرجوع إلى األصول في جميع األطراف‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬ألن المفروض هو تردد التكليف فيه بين أن يكون فعلياً وبين أن‬
‫يكون غير فعلي بل مشروطاً بشرط غير حاصل‪ ،‬فال علم بالتكليف الفعلي‪.‬‬
‫ال‪،‬‬
‫وعليه‪ :‬فال مانع من الرجوع إلى األصل بالنسبة إلى الطرف المبتلى به فع ً‬
‫كما ال مانع منه بالنسبة إلى الطرف اآلخر في ظرف تحقق االبتالء به ال‬
‫حقاً‪ ،‬أيضاً لنفس السبب‪.‬‬
‫وأما شيخنا األنصاري(قده)‪ :‬فقد نظر إلى أن العلم بالمالك التام الفعلي‬
‫بمنزلة العلم بالتكليف‪ ،‬فالتزم بعدم تنجيز العلم اإلجمالي عند عدم العلم‬
‫ال‪.‬‬
‫ال‪ ،‬والتزم بتنجيزه فيما إذا علم المالك التام فع ً‬
‫بالمالك التام فع ً‬
‫ال بمنزلة‬
‫والوجه لهذا التفصيل‪ :‬ألن الترخيص في تفويت المالك الملزم فع ً‬
‫الترخيص في مخالفة التكليف الفعلي فهو قبيح‪ ،‬إذ عدم فعلية التكليف إنما‬
‫هو بوجود المانع‪ ،‬مع تمامية المقتضى وهو ال يرفع قبح الترخيص في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪3‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تفويت المالك الملزم‪ .‬ومن هنا التزم الشيخ األنصاري (قده) بتنجيز العلم‬
‫اإلجمالي في مسألة العلم بالنذر المردد بقراءة سورة الجمعة تعلقه بأمر‬
‫حالي أو استقبالي‪ ،‬وبعدم تنجيزه في مسألة علم المرأة بالحيض المردد بين‬
‫أيام الشهر؛ لعدم العلم بالتكليف الفعلي من جهة عدم المقتضي‪ .‬فتسمك‬
‫(قده) باستصحاب عدم تحقق الحيض إلى اآلن األول من ثالثة أيام في‬
‫آخر الشهر (العشرة األخيرة)‪ ،‬وبالبراءة بعده‪.‬‬
‫والوجه‪ :‬في رجوعه من االستصحاب اوالً‪ ،‬إلى البراءة أخيراً‪ ،‬هو أن المرأة‬
‫بعد تحقق اآلن األول من ثالثة أيام في آخر الشهر يحصل لها العلم بتحقق‬
‫حيض وطهر قبل ذلك اآلن‪ ،‬وبما أن تاريخ كل منهما مجهول‪،‬‬
‫فاالستصحاب غير جار للمعارضة على مسلكه(قده) ولعدم إحراز اتصال‬
‫زمان الشك بزمان اليقين على مسلك صاحب الكفاية(قده)‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال مجال لجريان االستصحاب على كل حال‪ ،‬فيرجع إلى البراءة‪.‬‬
‫هذا‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬هو ما ذهب إليه المحقق النائيني(قده) من تنجيز العلم اإلجمالي‬
‫وعدم جواز الرجوع إلى األصل في شيء من الطرفين‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪4‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه السادس من تنبيهات العلم اإلجمالي‪ ،‬في أن العلم‬


‫اإلجمالي كما ينجز االحكام الدفعية‪ ،‬هل ينجز االحكام التدريجية تلك‬
‫االحكام يكون بعض أطرفها أو أحد طرفين مقيد بزمان ما أوال؟ ومثلنا إذا‬
‫علمت المرأة المبتدئة بأنها تحيض ثالثة أيام مرددة بين جميع أيام‬
‫الشهر(العشرة األولى‪ ،‬أو الثانية‪ ،‬أو الثالثة)‪ ،‬فال علم لها بالتكليف‬
‫الفعلي‪(،‬حرمة الصالة ودخول المسجد) وال بمالكه التام‪ ،‬فال مقتضي لعدم‬
‫ال‪ ،‬المترتب عليه التكليف ومالكه‪ .‬فهل مثل هذا العلم‬
‫العلم بالحيض فع ً‬
‫اإلجمالي ينجز لطرفين‪ ،‬الطرف الفعلي الحالي والطرف االستقبالي‪ ،‬أوال؟‬
‫ذكر وقع الخالف في هذه المسألة بين العلماء‪ :‬ذهب صاحب الكفاية (قده)‬
‫إلى جواز الرجوع إلى األصل(أصالة البراة من الحرمة) في كل من‬
‫الطرفين‪(.‬لعدم العلم بالتكليف الفعلي)‪.‬‬
‫وأما المحقق النائيني(قده) فقد اختار عدم جواز الرجوع إلى األصل البراءة‬
‫في شيء من الطرفين للمنجزية‪.‬‬
‫وأما الشيخ األنصاري(قده) فقد فصل بين‪ :‬ما إذا كان المالك في األمر‬
‫المتأخر تاماً من اآلن‪ ،‬فيكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬فال يجوز الرجوع‪،‬‬
‫وبين ما إذا لم يكن كذلك‪ ،‬فال يكون منجزاً فيجوز الرجوع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪4‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما السيد الخوئي(قده) فقد مهد مقدمة تقدم الكالم فيها‪ ،‬وبين رأيه في‬
‫المقام وقال‪ :‬والتحقيق‪ :‬هو ما ذهب إليه المحقق النائيني(قده) من تنجيز‬
‫العلم اإلجمالي وعدم جواز الرجوع إلى األصل في شيء من الطرفين‪.‬‬
‫ال فقد عرفت وجهه من أنه بمنزلة فعلية التكليف‬
‫أما فيما تم فيه المالك فع ً‬
‫لوجود المقتضي‪.‬‬
‫وأما فيما لم يتم فيه فلما تقدم في مبحث مقدمة الواجب‪ ،‬من استقالل العقل‬
‫بقبح تفويت المالك الملزم في ظرفه‪ ،‬بتعجيز النفس قبل مجيء وقته‪،‬‬
‫كاستقالله بقبح بين كونه مستنداً إلى العبد كما تقدم‪ ،‬وبين كونه مستنداً‬
‫ال‪ ،‬وترخيصه في‬
‫إلى المولى بترخيصه في ارتكاب الطرف المبتلى به فع ً‬
‫ارتكاب الطرف اآلخر في ظرف االبتالء‪ ،‬فإنه في النتيجة‪ :‬ترخيص في‬
‫تفويت المالك الملزم التام وهو قبيح‪ ،‬وهو بمنزلة الترخيص في مخالفة‬
‫التكليف الواصل‪ ،‬وعصيانه في حكم العقل وال اشكال في قبحه‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد(قده) وكذا شيخنا األستاذ(دام ظله) قد وافق السيد‬
‫الخوئي(قده) في المقام من تنجيز العلم اإلجمالي لجميع األطراف‪ .‬فراجع‪.‬‬
‫التنبيه السابع في عدم تنجيز العلم اإلجمالي ألطراف الشبهة غير المحصورة‬
‫أو تنجيزه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪4‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المعروف عدم تنجيزه ولكن التحقيق في المقام يستدعي التكلم في مقامين‪:‬‬


‫المقام األول‪ :‬في تمديد الموضوع وبيان المراد من الشبهة غير المحصورة)‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في بيان حكم الشبهة غير المحصورة‪.‬‬
‫أما الكالم في المقام األول‪:‬‬
‫فقد ذكر في تعريفها وجوه كثيرة‪ ،‬نكتفي بذكر العمدة منها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن الشبهة غير المحصورة‪ ،‬هي الشبهة التي يعسر عد أطرافها‪.‬‬
‫وفيه أوالً‪ :‬أن عسر العد ال ضابط له في نفسه‪ ،‬الختالفه من جهة األشخاص‪،‬‬
‫واختالف زمان العد‪.‬‬
‫ال وال يعسر عده في يوم أو أكثر‬
‫ال‪ :‬عدد األلف يعسر عده في ساعة مث ً‬
‫مث ً‬
‫فكيف يمكن أن يكون (عسر العد) ميزاناً وضابطاً للشبهة غير المحصورة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن تردد شاة واحدة مغصوبة بين شياه البلد التي ال تزيد على األلف‬
‫ال تعد من الشبهة غير المحصورة عند المشهور‪ ،‬ولكن تردد حبة مجتمعة‬
‫مث ً‬
‫في إناء‪ ،‬ال تعد عندهم من غير المحصورة‪ ،‬مع أن عد الحبات أعسر‬
‫بمراتب من عد الشياه‪ ،‬فيستكشف بذلك أن عسر العد ال يكون ضابطاً‬
‫للشبهة غير المحصورة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪4‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثاني‪ :‬ما ذكره الشيخ األنصاري (قده) من أن الشبهة غير المحصورة‬
‫ما كان احتمال التكليف قد تضاءل في كل واحد من األطراف حتى صار‬
‫موهوماً واحتماالً غير عقالئي‪ ،‬لكثرة األطراف‪ ،‬فيكون وجوده كالعدم‪.‬‬
‫وفيه أوالً‪ :‬ما ذكره المحقق النائيني(قده)‪ :‬من أن هذا الضابط وهذا التعريف‬
‫كأنه إحالة على أمر مجهول‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الوهم له مراتب كثيرة‪ ،‬فأي مرتبة‬
‫منه يكون ميزاناً لكون الشبهة غير محصورة؟‬
‫والجواب‪ :‬أن كل مراتب الوهم ليست باحتمال عقالئي وليس بمتنجز‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن موهومية احتمال التكليف‪ ،‬ال يمنع من التنجيز‪ ،‬ولذا يتنجز‬
‫التكليف المردد بين الطرفين‪ ،‬ولو كان احتماله في أحدهما مظنوناً‪ ،‬وفي‬
‫اآلخر موهوماً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن مجرد احتمال التكليف بأي مرتبة كان يساوق احتمال العقاب‬
‫بتلك المرتبة والنسبة‪ ،‬وهو المالك في تنجز التكليف بالعلم اإلجمالي مالم‬
‫يحصل المؤمن‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما ذكره بعض العلماء وهو‪ :‬أن الضابط في كون الشبهة غير‬
‫محصورة‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪5‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه السابع‪ ،‬حيث تعرضنا في هذا التنبيه إلى مسألة إلى أن‬
‫العلم اإلجمالي هل يكون منجزاً ألطراف الشبهة غير محصورة‪ ،‬أوال؟‬
‫قلنا أن المعروف والمشهور عدم حصول التنجيز لشبهات غير محصورة‪،‬‬
‫ولكن التحقيق في المقام يستد عي التكلم في مقامين‪ :‬المقام األول‪ :‬في بيان‬
‫وتحديد الموضوع‪ ،‬ما هو المراد من الشبهة غير المحصورة‪ ،‬المقام الثاني‬
‫في بيان الحكم لهذه الشبهة بعد تنقيح الموضوع هل يكون منجز أوال‬
‫يكون منجزاً‪.‬‬
‫أما الكالم في المقام األول‪ :‬قلنا انه ذكر في تعريف شبهة المحصورة وجوه‪،‬‬
‫وذكرنا الوجه األول‪ ،‬والثاني‪ ،‬وقلنا كليهما غير تام‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما ذكره بعض العلماء وهو‪ :‬أن الضابط في كون الشبهة غير‬
‫حد تكون موافقتها القطعية العملية‬
‫محصورة هو أن كثرة أطرافها بلغت ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فإذا وصلت كثرة اطرافه إلى الدرجة‪ ،‬فتكون الشبهة غير‬ ‫عسرة‪،‬‬
‫محصورة‪ ،‬وال يكون العلم اإلجمالي منجزاً للتكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬فإذاً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫ال مانع من الرجوع إلى األصول المؤمنة فيها‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪5‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وفيه‪ :‬أوالً‪ :‬أن العسر بنفسه مانع عن تنجز التكليف وفعليته مطلقا‪ ،‬سواء‬
‫أكانت أطراف الشبهة قليلة أو كثيرة‪ ،‬فال يكون ذلك ضابطاً لكون الشبهة‬
‫غير محصورة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن العسر إنما يوجب ارتفاع التكليف بمقدار يرتفع به العسر ال مطلقا‪،‬‬
‫فالعسر ال يمنع عن تنجيز العلم اإلجمالي على االطالق‪ ،‬كما هو المدعى‬
‫للقائل بعدم التنجيز في الشبهة غير المحصورة‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن الميزان في كون الشبهة غير محصورة هو الصدق‪ ،‬فما‬
‫صدق عليه عرفاً أنه محصورة‪ ،‬يترتب عليه حكمه‪ ،‬ويختلف ذلك باختالف‬
‫الموارد‪.‬‬
‫وفيه أوالً‪ :‬أن هذه الكلمة(الشبهة المحصورة) لم ترد في موضوع دليل‬
‫شرعي من آية أو رواية ليرجع في فهم معناها عند الشك والترديد إلى‬
‫العرف‪ ،‬وإنما هي من االصطالحات المستحدثة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن العرف ال ضابطة عندهم لتميز المحصور عن غيره‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫عدم الحصر ليس من المعاني المتأصلة‪ ،‬وإنما هو أمرا إضافي‪ ،‬يختلف‬
‫باختالف األشخاص واألزمان ونحو هما‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪5‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الخامس‪ :‬ما اختاره المحقق النائيني(قده) من أن الميزان في كون‬


‫الشبهة غير محصورة‪ ،‬هو عدم تمكن المكلف عادة من المخالفة القطعية‬
‫بارتكاب جميع األطراف ولو فرض قدرته على ارتكاب واحد منها‪.‬‬
‫ومن هنا تختص الشبهة غير المحصورة‪ ،‬بالشبهات التحريمية‪ ،‬ألن في‬
‫الشبهات الوجوبية يتمكن المكلف من المخالفة القطعية‪ ،‬بترك جميع‬
‫األطراف‪ ،‬وإن بلغت من الكثرة ما بلغت‪ ،‬فالعلم بالنسبة إلى حرمة المخالفة‬
‫القطعية يكون منجزاً‪ ،‬اال أنه ال يتمكن من الموافقة القطعية باإلتيان بجميع‬
‫األطراف فيجري حكم االضطرار إلى ترك بعض األطراف مع أن االضطرار‬
‫بنفسه مانع آخر عن التنجيز‪ ،‬غير كون الشبهة غير محصورة‪ ،‬كما سيجيئ‬
‫قريباً‪.‬‬
‫وفيه أوالً‪ :‬أن عدم التمكن من المخالفة القطعية بـ ارتكاب جميع األطراف‪،‬‬
‫ال يلزم كون الشبهة غير محصورة‪ ،‬فقد يتحقق ذلك مع قلة األطراف‪،‬‬
‫وكون الشبهة محصورة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علمنا إجماالً بحرمة الجلوس في إحدى غرفتين في وقت‬
‫معيّن كما تقدم‪ .‬فإن المكلف ال يتمكن من المخالفة القطعية بالجلوس‬
‫فيهما في ذلك الوقت‪ ،‬مع كونها محصورة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪5‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وثانياً‪ :‬أن عدم القدرة على المخالفة القطعية غير منضبط في نفسه‪ ،‬فإنه‬
‫يختلف باختالف المعلوم باإلجمال‪ ،‬وباختالف األشخاص‪ ،‬وباختالف قلة‬
‫الزمان وكثرته‪ ،‬وغير ذلك من الخصوصيات‪ ،‬فليس له ضابط‪ ،‬فكيف يكون‬
‫ضابطاً لكون الشبهة غير محصورة؟‬
‫وثالثا‪ :‬أن عدم التمكن من المخالفة القطعية‪ ،‬إن أريد به‪ :‬عدم التمكن منها‬
‫دفعة واحدة‪.‬‬
‫ففيه‪ :‬أن كثيراً من الشبهات المحصورة كذلك‪ ،‬أي ال يتمكن من مخالفتها‬
‫القطعية دفعة‪ ،‬وإن أريد به عدم التمكن منها ولو تدريجاً‪.‬‬
‫ففيه أنه قلما تكون شبهة غير محصورة‪ ،‬ألن كثيراً من الشبهات التي تعد غير‬
‫محصورة‪ ،‬عندهم‪ ،‬يتمكن المكلف من ارتكاب جميع أطرافها في ضمن‬
‫سنة أو أكثر‪ ،‬أو أقل‪.‬‬
‫أما الوجه السادس‪ :‬فقد ذكر السيد الخوئي(قده) أنه لم يظهر لنا معنى‬
‫محصل‪ ،‬وضابط دقيق ومضبوط للشبهة غير المحصورة‪ ،‬حتى نتكلم في‬
‫حكمها‪.‬‬
‫نعم‪ :‬أنه ال فرق في تنجيز العلم اإلجمالي بين كثرة األطراف‪ ،‬أو قلّتها فقد‬
‫يكون كثرة األطراف مالزمة لطروء بعض العناوين المانعة عن تنجيز العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪5‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلجمالي(كالعسر‪ ،‬والحرج‪ ،‬والخروج عن مورد االبتالء واالضطرار) ونحو‬


‫ذلك‪.‬‬
‫اال أن العبرة بتلك العناوين‪ ،‬وليس بكثرة األطراف‪ ،‬فلو طرأ بعض تلك‬
‫العناوين لمنع عن التنجيز‪ ،‬ولو مع قلة األطراف‪.‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬ما ذكره السيد الشهيد(قده)‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪6‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في المقام األول‪ ،‬في تفسير وتشريح المراد من الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬وقلنا إن العلماء اختلفوا في تفسيره على وجوه‪ ،‬وقد تكون‬
‫بعض هذه الوجوه متقاربة في نفسها‪ .‬اال أن السيد الخوئي (قده) بعد أن‬
‫ذكر من هذه الوجوه فقال في األخير لم يظهر لنا معنى محصل وضابط‬
‫دقيق لشبهة غير المحصورة حتى نتكلم في حكمها‪ ،‬وفي نهاية قال‪ :‬ال فر‬
‫بالنسبة إلى تنجيز العلم اإلجمالي بين كثرة األطراف(غير المحصورة) وقلة‬
‫األطراف( المحصورة)‪ ،‬نعم أنه كثرة األطراف قد تكون مالزمة لطروء‬
‫بعض العناوين األخرى‪ ،‬تلك العناوين هي تكون مانعة عن تنجيز العلم‬
‫ال العسر والحرج للجمع بين هذه األطراف‬
‫اإلجمالي دون كثرة األطراف‪ ،‬مث ً‬
‫أو خروج بعض األطراف عن مورد االبتالء أو لوجود االضطرار لالرتكاب‬
‫لبعض األطراف‪ ،‬فهذه العناوين تطرأ على غالب كثرة األطراف وأحياناً‬
‫تطرأ مع قلة األطراف‪ ،‬إذا طرأ هذه العناوين المانع عن تنجيز‪ ،‬فتكون عبرة‬
‫لذه العناوين ال كثرة األطراف‪.‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬ما ذكره السيد الشهيد(قده) من أن المعيار في الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬ما بلغت أطرافها إلى حد تضاءلت القيمة االحتمالية النطبا‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪6‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫التكليف المعلوم باإلجمال‪ ،‬على التكليف المشكوك في كل فرد من‬


‫أفرادها‪ ،‬إلى أن وصلت إلى درجة الوهم‪ ،‬والضعف الشديد‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك كبرت القيمة االحتمالية لعدم انطباقه عليه في كل فرد‬
‫ومؤمن‬
‫ّ‬ ‫منها‪ ،‬إلى أن وصلت إلى درجت االطمئنان‪ ،‬واالطمئنان حجة‪،‬‬
‫ال‪ :‬إذا فرضنا أن كثرة أطراف الشبهة‬
‫عقالئي‪ ،‬ولم يردع عنه الشارع‪ .‬مث ً‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ كان المعلوم باإلجمال المردد بين تلك األطراف شيئاً‬ ‫بلغت األلف‪،‬‬
‫واحداً‪ ،‬بحيث تكون نسبة إلى كل طرف من أطرافها (نسبة الواحد إلى‬
‫األلف)‪ .‬وأما نسبة عدم انطباقه على كل طرف منها‪ ،‬فهي نسبة تسعمائة تسعة‬
‫وتسعين من األلف)‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن العلم اإلجمالي المتعلق بالجامع ينقسم على هذه االحتماالت‬
‫التي بلغت األلف‪ ،‬فتتضاءل نسبة االنطبا إلى الواحد في األلف‪ ،‬ولكن‬
‫تكبير نسبة عدم االنطبا كلما زادت األطراف حتى تصل إلى مرتبة‬
‫االطمئنان‪ ،‬لكون االحتمالين (االنطبا وعدمه) على طرفي النقيض‪،‬‬
‫ومتبادالن في كل فرد‪ ،‬وبذلك يسقط العلم اإلجمالي عن االعتبار والتنجيز‬
‫لوجود المانع وهو االطمئنان بعدم االنطبا ‪ ،‬وهو حجة يدفع احتمال العقوبة‬
‫على ارتكاب التكليف المحتمل والموهوم في كل طرف‪ ،‬فمع االطمئنان‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪6‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعدم االنطبا ‪ ،‬يقطع بعدم العقاب‪ .‬فالنتيجة‪ :‬ال يكون العلم اإلجمالي لو‬
‫كانت أطرافه غير محصورة‪ ،‬منجزاً لوجوب الموافقة‪ ،‬وال لحرمة المخالفة‪.‬‬
‫وأما شيخنا األستاذ(دام ظله) فقد أيد استاذه السيد الخوئي(قده) فقد ذهب‬
‫إلى القول بأن كثرة األطراف في نفسها ال تصلح أن تكون مانعة عن تنجيز‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬وذلك؛ ألن التنجيز يدور مدار شروطه وتوفر أركانه‪ ،‬وهي‬
‫متوفرة في المقام‪ ،‬ألن العلم قد تعلق بجامع التكليف الفعلي القابل للتنجيز‬
‫على كل تقدير‪ ،‬ودليل األصل المؤمن يشمل كل طرف من اطرافه في‬
‫نفسه‪ .‬غاية األمر أنه يسقط من جهة المعارضة‪ ،‬فيكون العلم اإلجمالي منجزاً‬
‫بال مانع يذكر‪.‬‬
‫ودعوى‪ :‬أنه ال مانع من الترخيص في المخالفة القطعية العملية‪ ،‬ألن حجية‬
‫االطمئنان بعدم االنطبا ‪ ،‬معناها أن ما يقابله من االحتمال الموهوم ليس‬
‫منجزاً‪ ،‬وفي مثل نجاسة إناء من ألف‪ ،‬احتمال النجاسة‪ ،‬وفي مقابل‬
‫االطمئنان بعدم النجاسة‪ ،‬ال يكون وجوده كالعدم‪ ،‬وال قيمة له وال اعتبار‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬أما أوالً‪ :‬فكما أن االطمئنان بعدم االنطبا على هذا الفرد حجة‬
‫ببناء العقالء‪ ،‬فكذلك االطمئنان باالنطبا على سائر األفراد‪ ،‬فإنه يمنع عن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪6‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ارتكاب األفراد الباقية جميعاً‪ .‬وفيه‪ :‬انه واضح‪ ،‬الضعف حيث ال اطمئنان‬
‫باالنطبا ‪.‬‬
‫وأما ثانياً‪ :‬فألن ما يترتب على هذا االطمئنان هو جواز اقتحام طرف واحد‪،‬‬
‫وهو الطرف الذي قام االطمئنان بعدم انطبا المعلوم باإلجمال عليه‪ ،‬وأما‬
‫اقتحام سائر األطراف‪ ،‬فهو بال حجة ومبرر‪ ،‬إذ ال اطمئنان على عدم‬
‫االنطبا عليها‪ .‬بل االطمئنان أيضاً موجود في كل طرف إلى النصف‪.‬‬
‫ال‪ :‬إذا اقتحم فرداً من الماءة وشربه فالقيمة االحتمالية لعدم شرب النجس‬
‫مث ً‬
‫تسعة وتسعين في الماءة‪ ،‬والقيمة االحتمالية لشرب النجس (الواحد في‬
‫الماءة) فإذا اقتحم فردين من الماءة أو ثالثة‪ ،‬أو أربعة‪ ،‬وهكذا تضاءلت‬
‫القيمة االحتمالية بعدم شرب النجس‪ ،‬وكبرت القيمة االحتمالية لشرب‬
‫النجس إلى أن يزول االطمئنان بعدم شرب النجس على حساب‬
‫االحتماالت‪ .‬ومن هنا قلنا إنه ال يجوز اقتحام جميع أطراف الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬ألن فيه مخالفة قطعية عملية‪ ،‬بحيث ال يمكن الترخيص فيها‬
‫لتوفر أركان تنجيز العلم اإلجمالي فمجرد كثرة األفراد ال تكون مانعة عن‬
‫تحقق المخالفة القطعية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪6‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ودعوى‪ :‬أن العقالء ال يرون محذوراً في تقديم األغراض الترخيصية على‬


‫الغرض اللزومي المعلوم في المقام اجماالً‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬ألن هذه الدعوى بعيدة عن مرتكزاتهم العقالئية‪ ،‬كيف أنهم يرون‬
‫عدم المحذور فيه‪ ،‬مع اهتمام الشارع بالحفاظ على الغرض اللزومي المعلوم‬
‫اجماالً‪ ،‬وعدم جواز تفويته وأنه ال قيمة لألغراض الترخيصية عند الشارع‪،‬‬
‫وال عند العقالء‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أنه ليس للشبهة غير المحصورة ضابط كلي ومحدد‪ ،‬وال وجه‬
‫لتقسيم الشبهة إلى محصورة وغير محصورة‪ ،‬وااللتزام بتنجيز العلم‬
‫اإلجمالي في األولى دون الثانية‪ .‬فالصحيح‪ :‬أن العلم اإلجمالي منجز إذا‬
‫كان أركان تنجيزه وشروطه متوفرة‪ ،‬وكان المانع غير موجود‪ ،‬كخروج‬
‫بعض األطراف عن محل االبتالء‪ ،‬تحقق العسر والحرج المنفيان وغير ذلك‪،‬‬
‫وهو المختار‪ .‬المقام الثاني‪...:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه السابع من التنبيهات العلم اإلجمالي في أن العلم‬


‫اإلجمالي هل ينجز أطراف الشبهة غير لمحصورة‪ ،‬أوال؟‬
‫ذكرنا أن الكالم يقع في مقامين‪ :‬المقام األول‪ :‬في تفسير الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬لتحقيق الموضوع‪ ،‬وذكرنا أنهم ذكروا وجوهاً سبعة لتفسير‬
‫الشبهة غير المحصورة‪ ،‬وناقشنا في كثير من تلك الوجوه‪ ،‬وانتهينا من الكالم‬
‫في المقام األول‪ .‬ثم الكالم في المقام الثاني‪ :‬وهو بيان حكم الشبهة غير‬
‫المحصورة‬
‫اعلم أنه قد وقع الخالف في حكم الشبهة غير المحصورة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬عدم وجوب االجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة وهو‬
‫المشهور‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وجوب االجتناب عنها‪ ،‬واختاره السيد الخوئي(قده) وتبعه‬
‫شيخنا األستاذ (دام ظله)‪.‬‬
‫أدلة القول األول‪ :‬وجوه‪ :‬الوجه األول‪ :‬ما ذكره الشيخ األنصاري (قده) من‬
‫عدم اعتناء العقالء باحتمال التكليف إذا كان موهوماً‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أنه قد تقدم الجواب عن ذلك‪ ،‬بأنه إحالة على أمر مجهول‪ ،‬لكثرة‬
‫مراتب الوهم‪ ،‬وأن موهومية االحتمال في نفسه‪ ،‬ال يمنع من التنجيز فراجع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثاني‪ :‬ما ذكره المحقق النائيني(قده) من أن وجوب الموافقة القطعية‪،‬‬


‫متفرع على حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬فإذا لم تحرم الثانية(لعدم التمكن بين‬
‫المخالفة القطعية عادة لكثرة األطراف) لم تجب األولى‪ ،‬فال منجزية‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن عدم التمكن من المخالفة كذلك‪ ،‬ال يكون وال يالزم كون الشبهة‬
‫غير محصورة‪ ،‬فحصول العجز وعدم التمكن حتى في الشبهة المحصورة‪،‬‬
‫كمثال تعلق النذر بحرمة الجلوس في إحدى غرفتين في وقت واحد‪ ،‬فإن‬
‫المكلف ال يتمكن من المخالفة القطعية بالجلوس فيهما في الوقت المعين‪،‬‬
‫مع كونها محصورة‪ ،‬مع التمكن من الموافقة القطعية بترك الجلوس فيهما‬
‫معاً فال مالزمة لغير ذلك‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬دعوى االجماع على عدم وجوب االجتناب عن جميع‬
‫األطراف‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أوالً‪ :‬أن هذه المسألة من المسائل المستحدثة التي لم يتعرض لها‬
‫ال‪ ،‬فكيف يمكن فيها دعوى االجماع المدعى تعبدياً وكاشفا‬
‫القدماء أص ً‬
‫عن رأي المعصوم(ع) إذا علم استناد العلماء على أحد األمور المذكورة‪،‬‬
‫بل يكون مدركياً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الرابع‪ :‬دعوى ان لزوم االجتناب التام‪ ،‬في الشبهة غير المحصورة‪،‬‬
‫مستلزم للحرج‪ ،‬وهو منفي في الشريعة المقدسة‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن دليل نفي العسر والحرج إنما يتكفل نفي الحكم نوعاً عما يكون‬
‫ال‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن المعتبر في نفي الحكم ورفعه‪ ،‬هو‬
‫مصداقاً للعسر والحرج فع ً‬
‫الحرج الشخصي‪ ،‬كما هو الحال في الضرر‪ ،‬وهو يختلف باختالف‬
‫األشخاص واألزمان‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬من الخصوصيات‪ ،‬فال دليل على نفي‬
‫الحكم مطلقا‪ ،‬ولو بالنسبة إلى شخص وال حرج عليه‪ ،‬وسيجيئ تفصيل‬
‫الكالم في ذلك‪ ،‬عند التعرض لقاعدة نفي الضرر‪ ،‬إن شاء هلال تعالى‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬رواية الجبن‪ ،‬وهي رواية محمد ب ِن ِسنَان عن َأبِي ال ْجار ِ‬
‫ود‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ َّ ْ‬
‫ْت لَه َأ ْخبرنِي من ر َأى َأنَّه يجعل فِ ِ‬
‫يه‬ ‫ُ ُْ َ ُ‬ ‫ْت َأبَا َج ْعفَ ٍر ع َع ِن ال ُْجبُن‪ -‬فَقُل ُ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫قَا َل‪َ « :‬س َأل ُ‬
‫يه ال َْميْت َ ُة‪ُ -‬حر َم فِي َجمِي ِع‬
‫اح ٍد يجعل فِ ِ‬
‫ُْ َ ُ‬
‫ان و ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال َْميْت َ ُة‪ -‬فَقَا َل َأ م ْن َأ ْج ِل َمك َ َ‬
‫ين‪»)1(...‬‬ ‫ْاألَر ِ‬
‫ض‬
‫َ َ‬
‫بتقريب أنها ظاهرة في عدم تنجيز العلم االجمالي عند كون الشبهة غير‬
‫محصورة‪.‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،25‬با‪61‬من أبواب األطعمة المباحة‪ ،‬ح‪.5‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وفيه أوالً‪ :‬أن الرواية ضعيفة السند(بمحمد بن سنان) الذي لم يثبت توثيقه‪،‬‬
‫فال تصلح هذه الرواية لالعتماد عليها‪ ،‬واالستدالل بها‪.‬‬
‫وثانياً أنها غير تامة داللة أيضاً‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنها غير متعرضة للمحصور‪ ،‬أو غيره‬
‫من الشبهة‪ ،‬بل ظاهرا‪ :‬أن العلم بوجود فرد محرم دار أمره بين ما يكون في‬
‫محل اإلبتالء‪ ،‬وبين ما يكون خارجاً عن محل االبتالء‪ ،‬اليوجب االجتناب‬
‫عما هو محل االبتالء‪ ،‬واال لزم حرمة ما في جميع األرضين‪ ،‬لوجود حرام‬
‫واحد‪ ،‬وهو كما ترى‪ ،‬فالنتيجة‪ :‬أن هذه الرواية أجنبية عن الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫فالمتحصل‪ :‬أن هذا القول القائل بعدم وجوب االجتناب عن أطراف الشبهة‬
‫غير المحصورة والذي اختاره المشهور‪ ،‬ال يمكن اثباته بدليل‪ ،‬لضعف ما‬
‫أقاموه عليه من الوجوه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو القول بوجوب االجتناب عن أطراف الشبهة غير‬
‫المحصورة وقد اختار هذا القول بوجوب االجتناب عن أطراف الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬وقد اختار هذا القول السيد الخوئي(قده) وشيخنا األستاذ (دام‬
‫ظله)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الدليل‪ :‬أنه بعد عدم ظهور معنى دقيق وضابط للشبهة غير المحصورة‪ ،‬فال‬
‫تصل النوبة إلى التكلم عن حكمها من حيث التنجيز وعدمه« فالبد حي ٍ‬
‫نئذ‬
‫من االلتزام بمنجزية العلم االجمالي في كل شبهة مطلقا‪ ،‬بال فرق بين كثرة‬
‫األطراف وقلته‪.‬‬
‫نعم‪ :‬يستثنى من ذلك ما إذا كانت كثرة األطراف مالزمة لطرو بعض‬
‫العناوين المانعة عن تنجيز العلم االجمالي (كالعسر والحرج واالضطرار‪،‬‬
‫والخروج عن محل االبتالء وغير ذلك)‪ ،‬فيكون العلم االجمالي فيها غير‬
‫منجز‪ ،‬ال من جهة عدم المقتضي بل من جهة وجود المانع وطروه مع كثرة‬
‫األطراف‪.‬‬
‫بل تلك العناوين تكون مانعة عن تنجيز العلم االجمالي حتى مع قلة‬
‫األطراف‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫وذكر شيخنا األستاذ (دام ظله) كالماً مؤيداً لمقالة أستاذه في المنجزية‬
‫مطلقا‪ ،‬وحاصله‪ :‬بأن كثرة األطراف في نفسها ال تصلح أن تكون مانعة عن‬
‫تنجيز العلم االجمالي‪ ،‬وذلك من جهة دوران التنجيز مدار شروطه‪ ،‬من‬
‫التعلق بالجامع‪ ،‬وجريان األصل المؤمن في جميع أطرافه في نفسها بال مانع‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪7‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫غاية األمر أن األصول المؤمنة في النهاية تسقط من جهة التعارض‪ ،‬فيبقى‬


‫العلم االجمالي منجزاً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن ما اختاره السيد الخوئي(قده) وشيخنا األستاذ (دام ظله) هو‬
‫األقرب إلى القواعد والصواب‪ ،‬فهو المختار‪.‬‬
‫بقي في المقام أمران‪ :‬ال بد من التنبيه عليهما‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪10‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بقي أمور في المقام بعد االنتهاء من التنبيه السابع من تنبيهات العلم‬


‫اإلجمالي والذي تناولنا فيه منجزية العلم االجمالي لشبهات غير المحصورة‪،‬‬
‫وذكرنا األقوال في المسألة وقلنا ما اختاره السيد الخوئي (قده) وشيخنا‬
‫األستاذ(دام ظله) من منجزية مطلقا حتى في الشبهة غير المحصورة لعلم‬
‫االجمالي هو األقرب لقواعد و هو األقرب إلى الصواب‪.‬‬
‫بقي في المقام أمور‪ :‬ال بد من التنبيه عليهما‪.‬‬
‫األمر األول‪ :‬أنه بناءاً على عدم تنجيز العلم االجمالي في الشبهة غير‬
‫المحصورة‪.‬‬
‫فهل يفرض العلم كعدم العلم؟ فيجري حكم الشك في كل واحد من‬
‫األطراف؟ ففيما كان الشك في نفسه مورداً لها‪ ،‬فيرجع إلى قاعدة االشتغال‪،‬‬
‫أو يكون الشك في كل واحد من األطراف أيضاً بمنزلة العدم‪ ،‬فال يرجع‬
‫ال‪ ،‬ال ن من جهة العلم االجمالي‪ ،‬ال من جهة الشك؟‬
‫إلى قاعدة االشتغال أص ً‬
‫بل إلى أصالة البراءة أو الطهارة أو الحلية‪.‬‬
‫ال كل‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً بوجود مائع مضاف‪ ،‬مردد بين ألف إناء مث ً‬
‫حسب مورده‪ ،‬فعلى االحتمال األول‪ :‬ال يصح الوضوء بإناء واحد‪ ،‬الحتمال‬
‫كونه مضافاً‪ ،‬وذلك ألن الشك في كونه ماءاً مطلقا‪ ،‬كاف في الحكم بعدم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪10‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫صحة الوضوء به‪ ،‬وعلى االحتمال الثاني كون الشك بمنزلة عدم الشك‪،‬‬
‫صح الوضوء بإناء واحد مع احتمال كونه مائعاً‪ ،‬مضافاً وال يعتنى بهذا‬
‫االحتمال لغرض كونه كالعدم‪ ،‬بعد كون الشبهة غير محصورة‪ ،‬فهو بمنزلة‬
‫الشك البدوي لنفي االحتمال‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬أنه يختلف الحال باختالف المباني والمدارك‪ ،‬في الشبهة غير‬
‫المحصورة‪ ،‬فبناءاً على مسلك الشيخ االنصاري(قده) من أن المالك في عدم‬
‫التنجيز (كون االحتمال موهوماً‪ ،‬ال يعتنى به العقالء) فالشك في مفروض‬
‫المثال يكون بمنزلة العدم فال يعتنى باحتمال كون المتوضأ به مضافاً‪ ،‬بعد‬
‫كونه موهوماً على الفرض فيصح الوضوء به‪.‬‬
‫وأما على مسلك المحقق النائيني(قده) من أن المالك في عدم التنجيز هو‬
‫عدم حرمة المخالفة القطعية لعدم القدرة عليها‪ ،‬بارتكاب تمام األطراف‬
‫والوضوء بها‪ ،‬وأن وجوب الموافقة القطعية متفرعة عليها‪ ،‬فالعلم بالتكليف‬
‫المردد بين أطراف غير محصورة‪ ،‬يكون كعدمه‪ ،‬لعدم التنجيز والبراءة‪.‬‬
‫وأما الشك في كل واحد من األطراف فهو باق على حاله‪ ،‬وهو بنفسه مورد‬
‫لقاعدة االشتغال‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪10‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫إذ يعتبر في صحة الوضوء إحراز كون ما يتوضأ به ماءاً مطلقا‪ ،‬فنفس‬
‫احتمال كونه مضافاً كاف في الحكم بعدم صحة الوضوء به‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من تكرار الوضوء يعلم معه‬ ‫علم اجمالي بوجود مائع مضاف‪ ،‬فال بد‬
‫وقوع الوضوء بماء مطلقا‪.‬‬
‫وأما لو كان المدرك هو االجماع على عدم التنجيز فالمقدار الذي يثبت‬
‫ابتداءاً هو جواز ترك الموافقة القطعية وعدم وجوبه ألنه القدر المتيقن من‬
‫وعندئذ تدل خل المسألة تحت فرض ثبوت‬‫ٍ‬ ‫االجماع الذي هو دليل لبي‬
‫الترخيص في بعض أطراف العلم اإلجمالي ال بعينه‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬إن ذلك‬
‫مستلزم لثبوت الترخيص في الجميع‪ ،‬قلنا به هنا واال فال‪.‬‬
‫وإذا كان المدرك نفي الحرج والعسر‪ ،‬على عدم التنجيز والمانع منه فأيضاً‬
‫المقدار الذي يثبت ابتداءاً هو جواز ترك الموافقة القطعية‪ ،‬فإن الحرج ينتفي‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ يبتني جواز المخالفة القطعية وعدمه‪،‬‬ ‫بما هو دون المخالفة القطعية‪،‬‬
‫على ما يختار في مسألة االضطرار إلى بعض األطراف ال بعينه‪ ،‬من جواز‬
‫المخالفة حتى يرتفع االضطرار‪.‬‬
‫وإذا كان المدرك االطمئنان‪ :‬فإنما يجوز االرتكاب بمقدار يطمئن معه بعدم‬
‫المخالفة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪10‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثاني‪ :‬أنه بناءاً على عدم تنجيز العلم اإلجمالي في الشبهة غير المحصورة‪،‬‬
‫لو كانت األطراف في نفسها كثيرة‪ ،‬وكان المعلوم باإلجمال‪ ،‬في البين أيضاً‬
‫كثيراً‪ ،‬وقد يعبر عنها بشبهة الكثير في الكثير‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لوكان أطراف الشبهة الفاً‪ ،‬والمعلوم باإلجمال بينهما ماءة‪ ،‬فإن‬
‫األطراف في نفسها وإن كانت كثيرة‪ ،‬واال أن نسبة المعلوم إليها هي نسبة‬
‫الواحد إلى العشرة‪ ،‬فهل يكون العلم اإلجمالي في مثل ذلك الفرض منجزاً‪،‬‬
‫أم ال؟‬
‫والتحقيق‪ :‬أنه يختلف الحال أيضاً‪ ،‬باختالف المسالك والمدارك‪ ،‬المتقدمة‪،‬‬
‫في تنجيز العلم اإلجمالي في الشبهة غير المحصورة‪.‬‬
‫فعلى مسلك الشيخ (قده) من أن المالك في عدم التنجيز‪ ،‬كون احتمال‬
‫التكليف موهوماً ال يعتنى به العقالء كان العلم اإلجمالي في مفروض المثال‬
‫منجزاً ألن احتمال التكليف في كل واحد من األطراف‪ ،‬من قبيل تردد‬
‫الواحد في العشرة‪ ،‬ومثله ال يعد موهوماً كما هو ظاهر‪ ،‬بل يعتنى العقالء‬
‫بتلك النسبة‪.‬‬
‫أما على المسلك المحقق النائيني(قده)‪ :‬من أن الوجه في عدم التنجيز عدم‬
‫حرمة المخالفة القطعية‪ ،‬لعدم التمكن منها بارتكاب تمام األطراف‪ ،‬وأن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪10‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجوب الموافقة القطعية متفرعاً عليها‪ ،‬فال بد من االلتزام بعدم التنجيز في‬
‫المقام أيضاً‪ ،‬فإن المخالفة القطعية‪ ،‬ال تتحقق اال بارتكاب جميع األطراف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فال تجب الموافقة القطعية أيضاً‪ ،‬فال‬ ‫وهو متعذر‪ ،‬أو متعسر عادة‪،‬‬
‫يكون العلم اإلجمالي منجزاً ال محالة‪.‬‬
‫نعم‪ :‬األمر قد يختلف باختالف الموارد‪.‬‬
‫ال‪ :‬إذا علم بنجاسة خمسين في ماءة ولم يكن قادراً على الجمع بين‬
‫مث ً‬
‫الماءة‪ ،‬فال يكون العلم اإلجمالي منجزا لحرمة المخالفة‪ ،‬لعدم التمكن منها‪،‬‬
‫فال تحب الموافقة القطعية أيضاً‪ ،‬وأما إذا كان قادراً على ارتكاب واحد‬
‫وخمسين‪ ،‬فهو قادر على المخالفة القطعية وال تجري األصول واال جرت‬
‫األصول‪.‬‬
‫وإذا كان مدرك عدم التنجيز هو االطمئنان‪ :‬فعدم التنجيز غير ثابت هنا ألن‬
‫المفروض أن كثرة التكليف المعلوم أيضاً ككثرة األطراف‪ ،‬فكيف يطمأن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منجزاً‪.‬‬ ‫بعدم التكليف في هذا الفرد؟ وعليه يكون العلم اإلجمالي‬
‫األمر الثالث‪ :‬هل تختص الشبهة غير المحصورة بخصوص الشبهات‬
‫التحريمية أو تعم الشبهات الوجوبية أيضاً‪ ،‬فيه قوالن‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ذيل التنبيه السابع‪ ،‬من تنبيهات علم اإلجمالي وذكرنا تحت‬
‫عنوان بقي أمور‪ ،‬األمر األول‪ :‬بناءاً على عدم تنجيز العلم اإلجمالي لشبهة‬
‫غير المحصورة‪ ،‬كما هو المعروف والمشهور بين األصحاب‪ ،‬فهل مثل هذا‬
‫العلم اإلجمالي يكون كال علم‪ ،‬يكون حكمه حكم الشك‪ ،‬أوال؟ قلنا فيه‬
‫خالف‪ ،‬وفي أمر الثاني تعرضنا إلى عدم التنجيز العلم اإلجمالي لشبهة غير‬
‫محصورة إذا كان هناك احتمال واحد‪ ،‬في ضمن احتماالت متعددة‪ ،‬وتردد‬
‫نجاسة بين إ ٍ‬
‫ناء من أواني متعددة وكثيرة‪ ،‬اآلن إذا كان الشبهة الكثير في‬
‫الكثير‪ ،‬عشرة أواني في ضمن مائة آنية‪ ،‬أو مائة آنية في ضمن ألف آنية‪،‬‬
‫هل يكون العلم اإلجمالي منجزاً في مثل هذه الصورة أو ال يكون منجزاً‬
‫كما في الصورة األولى‪ ،‬هذا سميناها بالشبهة الكثير في الكثير‪ ،‬وقلنا أنه وقع‬
‫الخالف أيضاً بين الفقهاء وبين األصحاب والظاهر أن هذه الشبهة ليس‬
‫كتلك الشبهة األولى‪.‬‬
‫وبقي الكالم في األمر األخير‪ ،‬وهو‪ :‬األمر الثالث‪ :‬هل تختص الشبهة غير‬
‫المحصورة بخصوص الشبهات التحريمية أو تعم الشبهات الوجوبية أيضاً‪،‬‬
‫فيه قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬هو االختصاص بالتحريمية‪ ،‬واختاره المحقق النائيني(قده)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والوجه في ذلك‪ :‬أنه لما كان الضابط لتحديد الشبهة غير المحصورة هو‬
‫بلوغ أطرافها من الكثرة إلى حد ال يتمكن المكلف من المخالفة القطعية‬
‫العملية كشرب مشكوك النجاسة‪ ،‬وهذا الضابط ال ينطبق اال على الشبهات‬
‫التحريمية باعتبار أن الشبهة الوجوبية مهما كثرت أطرافها كوجوب الوضوء‬
‫بالمشتبه بالمضاف‪ ،‬كان المكلف قادراً على المخالفة القطعية العملية بترك‬
‫جميع األطراف‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال تعم الشبهة غير المحصورة لموارد الشبهات الوجوبية‪ ،‬لعدم‬
‫تحقق الضابط فيها‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬عدم االختصاص بالتحريمية‪ ،‬بل تعم الوجوبية أيضاً‪ ،‬واختاره‬
‫غير المحقق النائيني(قده) من العلماء منهم االعالم الثالثة‪ ،‬وإن اختلفوا في‬
‫التنجيز‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬في ذلك‪ :‬يختلف حسب اختالف المدارك على عدم تنجيز العلم‬
‫اإلجمالي للشبهات غير المحصورة‪ ،‬بل حتى على القول بالتنجيز‪.‬‬
‫وأما إذا كان االجماع هو المدرك على عدم وجوب االحتياط في الشبهات‬
‫غير المحصورة‪ ،‬فال تختص الشبهة المحصورة بالشبهات التحريمية‪ ،‬بل تعم‬
‫الشبهات الوجوبية أيضاً‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الشبهة إذا بلغت كثرة أطرافها إلى‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫درجة عدم الحصر‪ ،‬فال يجب االحتياط فيها‪ ،‬بال فرق بين الشبهتين‪ ،‬غاية‬
‫األمر حيث إن الدليل لبي فال يكون حجة‪ ،‬اال في القدر المتيقن‪ ،‬وهو جواز‬
‫المخالفة االحتمالية‪ ،‬دون المخالفة القطعية العملية‪ ،‬وال فرق في هذه الناحية‬
‫بين الشبهتين التحريمية والوجوبية‪.‬‬
‫وبناءاً على مدركية قاعدة ال ضرر او ال حرج فاألمر أيضاً كاإلجماع‪،‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن جريان هذه القاعدة تدور مدار موضوعها الضرر والحرج‪،‬‬
‫وجوداً وعدماً‪ ،‬دون الحكم‪ ،‬بال فرق بين ان يتحقق موضوعها في الشبهة‬
‫غير المحصورة بقسميها الوجوبية والتحريمية‪ ،‬وبال فرق بينهما‪.‬‬
‫بل هذه القاعدة تجري حتى في الشبهات المحصورة عند تحقق موضوعها‬
‫فضال عن الشبهات غير المحصورة‪ ،‬ألن هذه القاعدة غير ناظرة إلى الحكم‬
‫وجوباً أو تحريماً‪.‬‬
‫وأما بناءاً على مدركية االطمئنان‪ :‬بعدم انطباق المعلوم باإلجمال على كل‬
‫طرف من أطرافه بنحو االشتراط بكل فرد والبدلية‪ ،‬عن المشتبه الواقعي‪،‬‬
‫فأيضاً ال فرق بين كون الشبهة غير المحصورة تحريمية أو وجوبية‪ .‬وذلك‪:‬‬
‫ألن الواجب إذا كان مردد بين ماءة فرد‪ ،‬فبطبيعة الحال كان المكلف‬
‫يطمئن بعدم انطباقه على كل فرد من أفراده مشروطاً على البدل‪ ،‬عن‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫المشتبه الواقعي‪ ،‬ولهذا ال فرق من هذه الناحية بين قسمي الشبهة التحريمية‬
‫أو الوجوبية‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن األظهر أنه ال وجه لتخصيص الشبهة غير المحصورة بالشبهة‬
‫التحريمية كما صنعه المحقق النائيني(قده) بل تعم الشبهة الوجوبية أيضاً‪.‬‬
‫والحل‪ :‬أنه على المحقق النائيني (قده) للموافقة مع سائر المدارك في‬
‫المسالة أن يفسر الشبهة غير المحصورة‪ ،‬إذا كانت تحريمية وبما ال يتمكن‬
‫من المخالفة القطعية العملية‪ ،‬وإذا كانت وجوبية بما ال يتمكن من الموافقة‬
‫القطعية العملية‪ ،‬وبهذا التفسير والتفصيل ترتفع المخالفة بينه وبين سائر‬
‫االقوال في التعميم‪.‬‬
‫التنبيه الثامن‪:‬‬
‫إذا تردد الواجب بين أمرين أو أمور‪ ،‬وأتى المكلف ببعض المحتمالت‪،‬‬
‫فانكشف مصادفته للواقع فال إشكال في سقوط الواجب فيما إذا كان‬
‫الواجب توصلياً‪( ،‬كأداء الدين) أما إذا كان الواجب تعبدياً (كالصالة) هل‬
‫يسقط الواجب أوال؟‬
‫اختار الشيخ األنصاري (قده) عدم السقوط اال فيما إذا كان المكلف عازماً‬
‫على الموافقة القطعية بالجمع بين المحتمالت‪ ،‬فلولم يكن المكلف قاصداً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اال االتيان ببعض المحتمالت ال يحكم بالصحة‪ ،‬لعدم تحقق قصد القربة‬
‫المنحصرة بإتيان الجميع لوجوبها‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده) فقد خالفه وناقشه قائ ً‬
‫إن ما ذكره الشيخ األنصاري (قده) مبني على اعتبار الجزم في نية العبادة‪،‬‬
‫ولكن بما أنه لم يقم دليل على اعتبار الجزم في نيتها كان المرجع هو البراءة‬
‫من اعتباره‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه إذا شك في اعتبار قصد القربة‪ ،‬أو قصد الوجه‪ ،‬أو‬
‫قصد التميز‪ ،‬أو الجزم في النية وغيرها مما لم يقم دليل على اعتباره‬
‫بالخصوص‪ ،‬فال بد من الرجوع إلى البراءة عن اعتباره‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلو أتى المكلف ببعض المحتمالت برجاء إصابة الواقع‪ ،‬فقد قصد‬
‫القربة بفعله فإذا صادف الواقع كان صحيحاً‪ ،‬ومسقطاً لألمر ال محالة‪.‬‬
‫وظهر مما ذكر ناه حكم أنه لو دار امر الواجبين المترتبين (كالظهر والعصر)‬
‫بين أفعال متعددة ومتكررة‪ ،‬لم يعتبر في صحة الثاني الفراغ اليقيني من‬
‫األول‪ ،‬بل يكفي االتيان ببعض محتمالته‪ ،‬مع فرض انكشاف إصابته للواقع‪.‬‬
‫فإذا دار أمر القبلة بين الجهات األربع جاز للمكلف أن يصلى الظهر والعصر‬
‫إلى جهة ثم يصليها إلى جهة ثانية وهكذا إلى الثالثة والرابعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪11‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫نعم لو صلى الظهر إلى جهة ال يجوز أن يصلّي العصر إلى جهة أخرى‪ ،‬قبل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تكون‬ ‫أن يصلى الظهر إليهما‪ ،‬والوجه فيه ظاهر‪ ،‬ألن صالة العصر‬
‫باطلة يقيناً‪ ،‬إما من جهة االخالل باالستقبال‪ ،‬أو من جهة االخالل بالترتيب‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن األظهر هو سقوط الواجب التعبدي كالتوصلي‪ ،‬إذا انكشف‬
‫مصادفته للواقع‪ ،‬اال إذا كان هناك مانع آخر من جهة االخالل باالستقبال أو‬
‫بالترتيب‪.‬‬
‫التنبيه التاسع‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪17‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان تنبيهات باب العلم اإلجمالي‪ ،‬وبلغنا في تنبيه التاسع من‬
‫تلك تنبيهات‪ ،‬نتناول في هذا التنبيه‪ :‬في معرفة أنه هل ينحل العلم اإلجمالي‬
‫عند االضطرار إلى ارتكاب بعض أطراف الشبهة‪ ،‬أو ال ينحل؟‬
‫وال بد من تمهيد مقدمة لتنقيح محل البحث في هذا التنبيه‪.‬‬
‫المقدمة‪ :‬أن الكالم في انحالل العلم اإلجمالي‪ ،‬وعدمه لالضطرار إلى أحد‬
‫األطراف تعييناً‪ ،‬إنما يكون في صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬فيما إذا كان االضطرار رافعاً لجميع آثار الحكم المعلوم‬
‫باإلجمال‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا بنجاسة أحد مائعين الحليب‪ ،‬أو الخل‪ ،‬مع االضطرار إلى‬
‫شرب الحليب‪ ،‬واألثر المترتب على هذا المعلوم باإلجمال ليس اال الحرمة‬
‫المرتفعة باالضطرار في الحليب‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬في هذه الصورة هو القول بانحالل العلم اإلجمالي‪ ،‬وعدم تنجيزه‬
‫ال‪.‬‬
‫للنجاسة أص ً‬
‫الوجه‪ :‬باعتبار أن التكليف في الطرف المضطر إليه (الحليب) مرتفع‬
‫باالضطرار (بحديث الرفع)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪17‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما في الطرف اآلخر (الخل) يكون التكليف (حرمة الشرب) مشكوكاً من‬
‫جهة الشك في النجاسة‪ ،‬فالمرجع فيه إلى أصالة الطهارة بال معارض‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬ما إذا لم يكن االضطرار رافعاً لجميع آثار المعلوم باإلجمال‪،‬‬
‫بل كان رافعاً لبعضها باالضطرار‪ ،‬دون البعض اآلخر‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علمنا بنجاسة أحد مائعين الماء أو الحليب‪ ،‬وكان مضطراً إلى‬
‫شرب الماء‪ ،‬فشرب الماء وبقي منه مقداراً‪.‬‬
‫فإن األثر المترتب على هذه النجاسة المعلومة باإلجمال هو (حرمة الشرب‬
‫للماء)‪ ،‬وهذا حكم تكليفي‪ ،‬وهناك أثر آخر يترتب على المعلوم باإلجمال‬
‫هو (عدم صحة الوضوء به) وهو حكم وضعي‪ ،‬والذي ارتفع باالضطرار إنما‬
‫هو الحكم التكليفي وهو حرمة الشرب فقط‪ ،‬دون الحكم الوضعي‪ ،‬وهو‬
‫عدم صحة الوضوء به‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬هو عدم جواز التوضؤ بالماء المتبقّى بل عدم انحالل العلم‬
‫اإلجمالي‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬ألن االضطرار إلى شرب النجس‪ ،‬يرفع الحكم التكليفي بجواز شربه‬
‫فقط‪ ،‬وال يوجب رفع الحكم الوضعي حتى يقال‪ :‬بجواز الوضوء به أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪17‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبكلمة‪ :‬أن االضطرار إلى (الشرب) يرفع حكم الشرب‪ ،‬وال يستوجب رفع‬
‫حكم (الوضوء به) وهو عدم الجواز‪ ،‬فيبقى الحكم بعدم جواز الوضوء‪،‬‬
‫بالماء المتبقى على حاله‪ ،‬لكونه معلوماً بالنجاسة‪ ،‬على االجمال وطرفاً له‪.‬‬
‫وهذا كله فيما إذا كان االضطرار إلى أحد األطراف (على التعيين)‪.‬‬
‫وأما إذا كان االضطرار إلى أحد هما ال على التعيين‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً بنجاسة أحد الماءين‪ ،‬مع االضطرار إلى شرب‬
‫أحدهما ال بعينه‪ ،‬حيث إن المرتفع باالضطرار هو حرمة الشرب‪ ،‬حكم‬
‫تكليفي‪ ،‬فقط‪ ،‬دون عدم صحة الوضوء به‪( ،‬حكم وضعي)‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬عدم انحالل العلم اإلجمالي‪ ،‬بسبب االضطرار بال إشكال وال‬
‫خالف‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬لبقاء أثر المعلوم باإلجمال عدم صحة الوضوء في الطرف المضطر‬
‫إليه‪ ،‬بعد االضطرار أيضاً‪ ،‬حيث إنا نعلم إجماالً أن هذا المتبقي من الماء‪ ،‬ال‬
‫يجوز التوضؤ به‪ ،‬كقبل االضطرار‪ ،‬وهذا العلم اإلجمالي يكون منجزاً‬
‫للتكليف‪ ،‬عدم صحة وجواز الوضوء‪ ،‬ال محالة‪ ،‬فال يصح التوضؤ به وإن‬
‫جاز شربه لالضطرار‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪17‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والحاصل‪ :‬أن الكالم في انحالل العلم اإلجمالي لالضطرار وعدمه إنما هو‬
‫فيما إذا كان االضطرار موجباً لرفع جميع اآلثار‪ ،‬كمثال ما لو علمنا بنجاسة‬
‫الخل او الحليب واضطررنا لشرب الحليب‪ ،‬فيحكم بطهارة الخل ايضاً‪،‬‬
‫للشك‪ ،‬به ينحل العلم اإلجمالي‪ ،‬دون ما إذا كان االضطرار موجباً لرفع‬
‫بعض اآلثار‪ ،‬كما في الصورة الثانية‪ ،‬عند تردد النجاسة بين الماء والحليب‬
‫واضطر إلى شرب الماء‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫إذا عرفت ذلك فنقول‪ :‬إن تحقيق الحال في انحالل العلم اإلجمالي‬
‫لالضطرار وعدمه يستدعي التكلم في مقامين‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬فيما إذا كان االضطرار إلى أحد هما (المعيّن)‪ .‬مثاله‪ :‬ما لو علم‬
‫اجماالً بنجاسة الماء أو الحليب‪ ،‬مع االضطرار إلى شرب الماء فقط‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬فيما إذا كان االضطرار إلى أحدهما (على التعيين)‪ .‬مثاله‪ :‬العلم‬
‫اإلجمالي بنجاسة أحد الماءين‪ ،‬مع االضطرار إلى شرب أحدهما ال بعينه‪.‬‬
‫أما المقام األول‪ :‬فهو يتصور بصور ثالث‪ :‬الصورة األولى‪ :‬أن يكون‬
‫االضطرار حادثاً بعد التكليف بالحرمة‪ ،‬وبعد العلم به‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن يكون االضطرار حادثاً بعد التكليف وقبل العلم به‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪18‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫کان کالمنا فی التنبیه التاسع حیث ذکرنا في هذا التنبیه مسألة انحال ل اللم‬
‫اإلجمالي بسبب حدوث اضطرار و طرو االضطرار إلی ارتكاب بلض‬
‫األطراف ملموم باإلجما ل‪ ،‬هل ينحل عم اإلجمالي بسبب االضطرار أو ال؟‬
‫وملهدنا لذلك مقدمة‪ ،‬لبیان اقسام االضطرار‪ ،‬إذا عرفت ذلك فنقو ل‪ :‬إن‬
‫تحقیق الحا ل في انحال ل اللم اإلجمالي لالضطرار وعدمه يستدعي التكم‬
‫في مقامین‪:‬‬
‫المقام األو ل‪ :‬فیما إذا کان االضطرار إلی أحد هما (الملیّن)‪ .‬مثاله‪ :‬ما لو عم‬
‫اجماالً بنجاسة الماء أو الحمیب‪ ،‬مع االضطرار إلی شرب الماء فقط‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬فیما إذا کان االضطرار إلی أحدهما (عمی التلیین)‪ .‬مثاله‪ :‬اللم‬
‫اإلجمالي بنجاسة أحد الماءين‪ ،‬مع االضطرار إلی شرب أحدهما ال بلینه‪.‬‬
‫أما المقام األو ل‪ :‬فهو يتصور بصور ثالث‪ :‬الصورة األولی‪ :‬أن يكون‬
‫االضطرار حادثاً بلد التكمیف بالحرمة‪ ،‬وبلد اللم به‪.‬‬
‫الصورة الثانیة‪ :‬أن يكون االضطرار حادثاً بلد التكمیف وقبل اللم به‪ .‬مثاله‪:‬‬
‫ما إذا کان أحد الماءين نجساً في الواقع‪ ،‬ولكنه ل يكن عالماً به‪ ،‬فاضطر‬
‫إلی شرب أحدهما وهو ال يلم بالنجاسة‪ ،‬فشرب‪ ،‬ث عم بأن أحدهما کان‬
‫نجساً قبل االضطرار‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪18‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬أن يكون االضطرار حادثاً قبل تحقق التكمیف‪ ،‬وقبل اللم‬
‫به‪.‬‬
‫أما الكالم في الصورة األولی‪ :‬فقد اختمفت کممات االصحاب فیها‪.‬‬
‫أما الشیخ األنصاري(قده) فقد اختار عدم انحال ل اللم االجمالي‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬أن التكمیف (حرمة الشرب) قد تنجز باللم اإلجمالي قبل عروض‬
‫االضطرار‪ ،‬وال رافع له في الطرف اآلخر غیر المضطر إلیه‪ ،‬فیبقی عمی‬
‫حرمته من جهة اللم اإلجمالي‪ ،‬وأما مورد االضطرار ارتفع التكمیف بسبب‬
‫االضطرار‪.‬‬
‫وأما صاحب الكفاية(قده) فمه قوالن‪:‬‬
‫القو ل األو ل‪ :‬ما ورد في متن الكفاية حیث اختار االنحال ل وعدم التنجیز‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬تنجیز التكمیف‪ ،‬يدور مدار المنجز‪ ،‬حدوثاً بقاءاً‪ ،‬والمنجز هو اللم‬
‫اإلجمالي بالتكمیف‪ ،‬وبلد االضطرار إلی أحد الطرفین ال يبقی عم‬
‫بالتكمیف في الطرف اآلخر‪ ،‬بالوجدان‪ ،‬کما هو الحا ل في اللم التفصیمي‬
‫بلد زواله بالشك الساري‪ ،‬فإن التنجیز يسقط بزواله‪ .‬فاللم اإلجمالي ال‬
‫يكون أقوى في التنجیز من اللم التفصیمي‪ ،‬فیسقط التنجیز‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪18‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القو ل الثاني‪ :‬ما ذکره في الهامش‪ ،‬وهو القو ل بلدم االنحال ل وببقاء التنجیز‬
‫في الطرف اآلخر‪ ،‬غیر المضطر إلیه‪ ،‬فیما إذا کان االضطرار إلی أحدهما‬
‫ال‪.‬‬
‫الملین کما هو محل کالمنا فل ً‬
‫الوجه‪ :‬بتقريب أن اللم اإلجمالي قد تلمق بالتكمیف المردد بین المحدود‬
‫والمطمق باعتبار أن التكمیف في احد الطرفین محدود‪ ،‬بلروض االضطراري‬
‫وفي الطرف اآلخر مطمق‪ ،‬للدم االضطرار إلیه‪ ،‬ويكون من قبیل تلمق اللم‬
‫اإلجمالي بالتكمیف المردد بین القصیر والطويل‪ ،‬وال فرق في تنجز‬
‫التكمیف باللم اإلجمالي بین أن يكون الطرفان کالهما (قصرين) أو‬
‫ال کالمقام‪.‬‬
‫کالهما (طويمین) أو يكون أحدهما قصیراً واآلخر طوي ً‬
‫فإن اللم اإلجمالي منجز فیه بال إشكا ل‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬کما لو عممنا إجماالً بوجوب دعاء قصیر أو دعاء طويل‪ ،‬فیكون اللم‬
‫اإلجمالي منجزاً فیه‪ ،‬باالحتیاط بقراءتهما ملاً‪.‬‬
‫ث قا ل(قده) والمقام من هذا القبیل(المحدود والمطمق‪ ،‬والقصیر والطويل)‬
‫بلینه فإن االضطرار حادث بلد التكمیف وبلد اللم به عمی الفرض‪ ،‬فیكون‬
‫التكمیف في الطرف المضطر إلیه قصیراً ومنتهیاً بلروض االضطرار‪ ،‬وفي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪18‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال وباقیاً‪ ،‬وال مانع من تنجیز التكمیف الملموم باإلجما ل‬


‫الطرف اآلخر طوي ً‬
‫في مثمه‪.‬‬
‫وأما السید الخوئي(قده) فقد عمق عمی ما ذکره الخراساني(قده) فقا ل‪ :‬إن‬
‫الصحیح هو ما ذکره في الهامش أخیراً من بقاء التنجیز في الطرف الذي ال‬
‫يكون مضطراً إلیه‪ ،‬وذلك‪ :‬لما تقدم من أن التنجیز منوط بتلارض األصو ل‬
‫في أطراف اللم اإلجمالي‪ ،‬وتساقطها کما تقدم‪ ،‬وفي المقام کذلك‪.‬‬
‫بیان ذلك‪ :‬أن اللم اإلجمالي بثبوت التكمیف في الطر ف غیر المضطر إلیه‬
‫في جمیع األزمان) أو (في الطرف المضطر إلیه إلی زمان حدوث‬
‫االضطرار) موجود‪ ،‬وحیث إن التكمیف المحتمل في أحد الطرفین‪ ،‬عمی‬
‫تقدير بثبوته‪ ،‬إنما هو في جمیع األزمان (وهو الفرد الطويل)‪ ،‬وفي الطرف‬
‫اآلخر عمی تقدير ثبوته إلی زمان حدوث االضطرار‪ .‬فال محالة يقع‬
‫التلارض بین جريان األصل في أحدهما بالنسبة إلی جمیع األزمان وبین‬
‫جريانه في الطرف اآلخر بالنسبة إلی حدوث االضطرار‪.‬‬
‫وبلد تساقطهما کان اللم اإلجمالي منجزاً لمتكمیف‪ ،‬فانتهاء التكمیف في‬
‫أحد الطرفین بانتهاء أمده‪ ،‬ألجل االضطرار‪ ،‬ال يوجب جريان األصل في‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪18‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما ما ذکره صاحب الكفاية(قده) في المتن‪:‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪19‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه التاسع في بيان أن العلم اإلجمالي هل ينحل بسبب‬


‫االضطرار إلى ارتكاب بعض األطراف‪ ،‬أوال؟ ذكرنا أنه وقع الخالف بين‬
‫األصحاب‪ ،‬فالشيخ األنصاري (قده) قال‪ :‬أنه ال ينحل‪ ،‬العلم اإلجمالي فيبقى‬
‫منجزاً إلى الطرف اآلخر غير مضطر إليه‪ ،‬وأما المحقق الخراساني صاحب‬
‫الكفاية(قده) فظهر له قوالن‪ ،‬قول في المتن‪ ،‬وقول في الهامش‪ ،‬وأما ما‬
‫ذكره صاحب الكفاية(قده) في المتن‪ :‬من انحالل و من أن التنجيز دائر‬
‫وبقاء‪ ،‬إلى آخر ما تقدم ذكره‪ .‬فهو‬
‫ً‬ ‫مدار المنجز وهو العلم اإلجمالي حدوثاً‬
‫صحيح من حيث الكبرى‪ ،‬إذ ال إشكال في أن التنجيز دائر مدار العلم‬
‫وبقاء‪ ،‬ولكنه غير تام من حيث الصغرى‪ ،‬في‬
‫ً‬ ‫اإلجمالي بالتكليف حدوثاً‬
‫المقام وهي أنه ال يبقى علم بالتكليف بعد حدوث االضطرار؟ وذلك ألن‬
‫العلم اإلجمالي بالتكليف باق بحاله‪ ،‬حتى بعد حدوث االضطرار‪ ،‬فإنه يعلم‬
‫اجماالً ولو بعد االضطرار بأن التكليف إما ثابت في هذا الطرف إلى اآلخر‬
‫الزمان‪ ،‬أو في الطرف اآلخر إلى زمان حدوث االضطرار‪ ،‬فال وجه لدعوى‬
‫تبدل العلم بالشك ليجري األصل في الطويل‪ ،‬فإنه إنما يكون فيما إذا زال‬
‫العلم بطروء الشك الساري الرافع للعلم مطلقا‪ ،‬بال فرق في ذلك بين العلم‬
‫التفصيلي والعلم اإلجمالي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪19‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال بنجاسة هذا الماء المعين‪ ،‬ثم زال العلم وطرأ‬


‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا تفصي ً‬
‫الشك الساري في نجاسته‪ ،‬الرافع للعلم‪.‬‬
‫وكذا إذا علمنا بنجاسة الماءين ثم طرأ الشك الساري في نجاسة أحدهما‪،‬‬
‫واحتملنا طهارة كليهما‪ ،‬بحيث زال العلم األول بطرو الشك في أحدهما ال‬
‫كليهما‪.‬‬
‫وهذا بخالف المقام‪ ،‬فإن العلم اإلجمالي باق بحاله ولم يزل‪ ،‬وإنما المرتفع‬
‫باالضطرار هو المعلوم ال العلم به‪ ،‬فإن التكليف المعلوم باإلجمال على‬
‫تقدير ثبوته في الطرف المضطر إليه‪ ،‬قد ارتفع باالضطرار‪ ،‬والعلم المتعلق به‬
‫اجماالً باق على حاله‪ ،‬كما هو الحال في صورة خروج بعض األطراف عن‬
‫محل االبتالء‪ ،‬أو ألجل الفقدان‪ ،‬أو ألجل االتيان واالمتثال‪ ،‬فالعلم باحتمال‬
‫نجاسته وحرمته لم يزل‪ ،‬فيجب االجتناب عن الطرف اآلخر‪ ،‬لبقاء العلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬وتنجز التكليف به‪ ،‬مع عدم الرافع له‪.‬‬
‫وأما الكالم في الصورة الثالثة‪( :‬ثم نذكر الصورة الثانية في األخير لدقتها‬
‫وابتنائها على هاتين الصورتين) وهي ما إذا كان االضطرار حادثاً فيه‪ ،‬قبل‬
‫التكليف‪ ،‬وقبل العلم بالتكليف‪ .‬مثاله‪ :‬كما إذا اضطر إلى شرب أحد‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪19‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال ثم علم بوقوع النجاسة في أحدهما بعد حدوث‬


‫الماءين الطاهرين‪ ،‬مث ً‬
‫االضطرار ساعة‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬عدم تنجيز العلم اإلجمالي المتأخر في هذه الصورة بال إشكال‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬ألنه ال علم بالتكليف في هذه الصورة على الفرض الحتمال وقوع‬
‫النجاسة في الطرف المضطر إليه‪ ،‬وحيث إن المفروض كون االضطرار قبل‬
‫وقوع النجاسة‪ ،‬فوقوعها في الطرف المضطر إليه احتماالً بل واقعاً‪ ،‬ال‬
‫يوجب حدوث التكليف في الطرف اآلخر‪ ،‬ووقوعها في الطرف اآلخر غير‬
‫المضطر إليه مجرد احتمال وشك بدوي‪ ،‬ال مانع فيه من الرجوع إلى األصل‬
‫المؤمن‪ ،‬ويلحق بهذه الصورة صورة تقارن االضطرار العلم بالتكليف في‬
‫الحكم بعدم التنجيز بال فرق بينهما‪.‬‬
‫وأما الكالم في الصورة الثانية‪ :‬وهي أن يكون االضطرار حادثاً بعد تحقق‬
‫التكليف‪ ،‬ولكن قبل العلم به‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ثم علم بأن أحدهما كان‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين‪ ،‬مث ً‬
‫نجساً قبل حصول االضطرار‪.‬‬
‫فهل االعتبار بسبق التكليف على االضطرار‪ ،‬فيحكم بالتنجيز؟ أو على العلم‬
‫الحادث بعد االضطرار‪ ،‬فيحكم بعدم التنجيز‪ ،‬لكون االضطرار كان قبل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪19‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العلم بالتكليف‪ ،‬على الفرض؟ فال علم اجمالي منجز لطرف اآلخر‪.‬‬
‫الصحيح هو الثاني‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪20‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه التاسع‪ ،‬يعني أن العلم اإلجمالي هل ينحل بطروء‬


‫وعروض االضطرار إلى بعض األطراف أو الى أحد األطرافه أوال؟‬
‫ذكرنا أن الكالم يقع في مقامين‪ :‬المقام األول‪ :‬في ما لو كان االضطرار إلى‬
‫الفرد المعين‪ ،‬لو دار األمر بين الماء والحليب فاضطر إلى شرب الماء المعين‬
‫دون الحليب‪ ،‬وذكرنا في المقام األول هناك صور ثالثة‪ :‬فتارة يكون‬
‫حدوث االضطرار بعد التكليف بالنجاسة والحرمة‪ ،‬وبعد العلم بالنجاسة‬
‫والحرمة‪ ،‬في هذه الصورة ال ينحل العلم اإلجمالي‪ ،‬ألنه حدث التكليف ثم‬
‫علم به‪ ،‬العلم اإلجمالي يكون منجزاً‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬أن يكون االضطرار حادثاً قبل تحقق التكليف‪ ،‬وقبل العلم‬
‫به‪ .‬قلنا عدم تنجيز العلم اإلجمالي المتأخر في هذه الصورة بال إشكال‪.‬‬
‫وأما الكالم في الصورة الثانية‪ :‬وهي أن يكون االضطرار حادثاً بعد تحقق‬
‫التكليف‪ ،‬ولكن قبل العلم به‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ثم علم بأن أحدهما كان‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا اضطر إلى شرب أحد الماءين‪ ،‬مث ً‬
‫نجساً قبل حصول االضطرار‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪20‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فهل االعتبار بسبق التكليف على االضطرار‪ ،‬فيحكم بالتنجيز؟ أو على العلم‬
‫الحادث بعد االضطرار‪ ،‬فيحكم بعدم التنجيز‪ ،‬لكون االضطرار كان قبل‬
‫العلم بالتكليف‪ ،‬على الفرض؟ فال علم اجمالي منجز لطرف اآلخر‪.‬‬
‫الصحيح هو الثاني‪ :‬ألن المانع من جريان األصل‪ ،‬هو العلم اإلجمالي‬
‫ال‪.‬‬
‫بالتكليف‪ ،‬ال التكليف الواقعي‪ ،‬بواقعيته‪ ،‬ولو لم يعلم به المكلف أص ً‬
‫فهو حين االضطرار إما قاطع بعدم التكليف فال يحتاج إلى إجراء األصل‪،‬‬
‫بل ال يمكن‪ ،‬وإما شاك فيه‪ ،‬فال مانع من جريانه في الطرفين‪ ،‬لعدم المعارضة‬
‫ولعدم العلم بالتكليف على الفرض‪ ،‬وأما العلم اإلجمالي الحادث بعد‬
‫االضطرار فهو مما ال أثر له‪ ،‬وذلك‪ :‬الحتمال وقوع النجاسة في الطرف‬
‫المضطر إليه‪ ،‬وال يوجب حدوث التكليف فيه‪ ،‬لكون االضطرار رافعاً له‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬أن التكليف في الطرف المضطر إليه مما نقطع بعدمه‪ ،‬وذلك ألن‬
‫األمر دائر بين كون التكليف منفياً فيه من أول األمر‪ ،‬الحتمال عدم كونه‬
‫نجساً‪ ،‬وبين سقوطه باالضطرار‪ ،‬ولوكان نجساً‪ ،‬وأما التكليف في الطرف‬
‫ال اال أنه ال مانع فيه من الرجوع إلى األصل‪ ،‬إذ ال‬
‫اآلخر‪ ،‬وإن كان محتم ً‬
‫معارض له‪ ،‬ألنه ال يجري في الطرف المضطر إليه لعدم األثر له‪ ،‬وللقطع‬
‫بالحلية فيه‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪20‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وقد ظهر مما ذكرناه في حكم (االضطرار إلى المعين) من األطراف بأقسامه‬
‫الثالثة حكم غير االضطرار‪ ،‬مما يرتفع معه الحكم‪ ،‬كفقدان بعض‬
‫األطراف‪ ،‬أو خروجه عن محل االبتالء‪ ،‬أو االكراه إلى البعض المعيّن من‬
‫األطراف ونحوها‪ ،‬فإنه يجري فيها جميع ما ذكرناه في االضطرار من‬
‫األقسام واألحكام‪ ،‬فال حاجة إلى اإلعادة‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬وهو ما إذ كان االضطرار إلى أحد األطراف (ال بعينه) وقد‬
‫وقع فيه الخالف أيضاً بين األصحاب‪.‬‬
‫أما صاحب الكفاية (قده) فقد اختار في هذه الصورة الحكم بعدم التنجيز‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬ألن الترخيص في بعض األطراف‪ ،‬ألجل االضطرار‪ ،‬ال يجامع‬
‫التكليف الفعلي على كل تقدير الذي كان شرطاً للتنجيز‪ ،‬فليس في غير ما‬
‫يختاره المكلف لرفع اضطراره اال ّ احتمال التكليف وهو منفي باألصل‪.‬‬
‫وأما الشيخ األنصاري(قده) فقد اختار القول بالتنجيز مطلقا‪ ،‬حتى في صورة‬
‫تقدم االضطرار على حدوث التكليف‪ ،‬وعلى العلم به‪ ،‬وتبعه المحقق‬
‫النائيني(قده)‪ .‬وأما السيد الخوئي(قده) فقد اي ّد هنا قول الشيخ األنصاري تبعاً‬
‫ألستاذه (قدهما) وقال(قده)‪ :‬أن القول بالتنجيز هو الصحيح‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪20‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والوجه في ذلك‪ :‬ألن االضطرار لم يتعلق بخصوص الحرام‪ ،‬حتى ترتفع‬


‫حرمته به‪ ،‬وإنما تعلق بالجامع بينه وبين الحالل على الفرض‪ ،‬فالجامع هو‬
‫المضطر إليه‪ ،‬وأحدهما مع الخصوصية هو الحرام‪ ،‬فما هو المضطر إليه ليس‬
‫بحرام‪ ،‬وما هو الحرام ليس بمضطر إليه‪ ،‬فال وجه لرفع اليد عن حرمة الحرام‬
‫المعلوم باإلجمال‪ ،‬ألجل االضطرار إلى الجامع‪ .‬مثاله‪ :‬ما لو اضطر إلى شرب‬
‫أحدالماءين‪ ،‬مع العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين‪ ،‬فهل يتوهم‪ ،‬رفع‬
‫ال‪ ،‬ألجل االضطرار إلى الجامع؟‬
‫الحرمة عن الحرام المعلوم تفصي ً‬
‫والمقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين العلم التفصيلي والعلم اإلجمالي من‬
‫هذه الجهة‪ ،‬اال أن تعلق االضطرار بالجامع هو الفارق بين هذا المقام والمقام‬
‫السابق األول‪ ،‬لتعلقه بالمعين (الماء دون الحليب) ألن االضطرار هناك كان‬
‫متعلقاً بأحدهما المعين وهو رافع للحرمة على تقدير ثبوتها مع قطع النظر‬
‫عن االضطرار‪ ،‬بخالف المقام فإن االضطرار فيه لم يتعلق اال بالجامع علماً‬
‫أن االضطرار إلى أحد األمرين من الحرام أو الحالل ال يوجب رفع الحرمة‬
‫عن الحرام كما تقدم‪.‬‬
‫غاية األمر‪ :‬أن وجوب الموافقة القطعية بتركهما مما ال يمكن االلتزام به بعد‬
‫االضطرار إلى الجامع‪ ،‬وذلك ألن الموافقة القطعية إنما تحصل باالجتناب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪20‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫عنهما معاً وهو طرح ألدلة االضطرار بالفعل‪ ،‬ويكون نظير االجتناب عما‬
‫اضطر إليه معيناً‪ ،‬وتبقى حرمة المخالفة القطعية بارتكابهما معاً‪ ،‬على حالها‪،‬‬
‫إذ ال موجب لرفع اليد عنها‪ ،‬بعد التمكن منها‪ ،‬كما هو المفروض فيترك‬
‫أحدهما لتحصل المخالفة االحتمالية‪.‬‬
‫بقي شيء‪ :‬وهو ما ذكره المحقق النائيني(قده) في المقام وحاصله‪ :‬أنه (قده)‬
‫قد التزم في المقام بأنه لو صادف ما يختاره المضطر لرفع اضطراره مع‬
‫الحرام الواقعي‪ ،‬ترتفع الحرمة واقعاً‪ ،‬وذلك‪...:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪21‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه التاسع حيث تناولنا في هذا التنبيه مسألة انحالل العلم‬
‫اإلجمالي باالضطرار إلى بعض األطراف في الشبهة‪ ،‬تارة يكون االضطرار‬
‫إلى المعين‪ ،‬وأخرى يكون االضطرار إلى غير المعين‪ ،‬وتقدم الكالم في‬
‫ذلك‪ ،‬وما ذكره بعض العلماء ومناقشة السيد الخوئي(قده)‪.‬‬
‫بقي شيء‪ :‬وهو ما ذكره المحقق النائيني(قده) في المقام وحاصله‪ :‬أنه (قده)‬
‫قد التزم في المقام بأنه لو صادف ما يختاره المضطر لرفع اضطراره مع‬
‫الحرام الواقعي‪ ،‬ترتفع الحرمة واقعاً‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن االضطرار‪ ،‬وإن كان متعلقاً‬
‫بالجامع‪ ،‬اال أنه باختياره الحرام الواقعي لرفع اضطراره من باب االتفاق‬
‫يصير الحرام مصداقاً للمضطر إليه‪ ،‬فترتفع حرمته واقعاً‪ ،‬ومع ذلك التزم‬
‫(قده) بعدم جريان البراءة من التكليف في الطرف اآلخر‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫ارتفاع الحرمة إنما يكون بعد اختياره الحرام لرفع اضطراره‪ .‬وأما قبله‬
‫فالحكم المعلوم باإلجمال فعلي ومنجز‪.‬‬
‫وقد تقدم عند البحث عن االضطرار إلى المعين أن الرافع للتكليف إن كان‬
‫متأخراً عن التكليف وعن العلم اإلجمالي بالتكليف إنما يقتصر في رفع‬
‫التكليف بمورد تحقق الرافع وأما غيره من األطراف فالحكم فيه باق على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪21‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تنجزه‪ ،‬وعليه يكون المقام نظير االضطرار إلى المعين بعد العلم اإلجمالي‬
‫بالتكليف‪ ،‬وسقوط األصول المؤمنة في األطراف‪ ،‬للمعارضة‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك‪ :‬سقوط التكليف واقعاً على تقدير مصادفة ما يختاره المكلف‬
‫لرفع اضطراره مع الحرام الواقعي‪ ،‬من باب االتفاق‪ ،‬وعدم سقوطه على‬
‫تقدير عدم المصادفة‪.‬‬
‫وهذا ما أفاده المحقق النائيني(قده) في ذيل هذا التنبيه‪.‬‬
‫واعتراض السيد الخوئي(قده) على ما ذكره استاذه (قده) في المقام‬
‫بإيرادين‪:‬‬
‫اإليراد األول‪ :‬أن اختيار المكلف الحرام الواقعي اتفاقاً لرفع اضطراره ال‬
‫يوجب ارتفاع حرمته واقعاً‪ ،‬ودعوى‪ :‬أنه باالختيار يصير الحرام مصداقاً‬
‫للمضطر إليه من باب االتفاق‪ ،‬فترتفع حرمته واقعاً‪ .‬غير مسموعة‪ :‬ألن‬
‫االضطرار إلى الجامع أحدهما ال ينقلب إلى االضطرار إلى المعيّن بإرادة‬
‫المكلف واختياره‪ ،‬بل يبقى على ما هو عليه‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫اإليراد الثاني‪ :‬أنه على تقدير تسليم ارتفاع الحرمة واقعاً عما يختاره‬
‫المكلف كما قيل‪ ،‬ولكن كيف يعقل الحكم من الشارع‪ ،‬بحرمته إلى زمان‬
‫اختيار المكلف له اتفاقاً‪ ،‬لرفع اضطراره؟‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪21‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫رادع للمكلف عن‬


‫فإن تحريم الشيء من قبل الشارع‪ ،‬إنما هو ألن يكون ً‬
‫مغي به‪ ،‬ومرتفعاً عند‬
‫اختياره‪ ،‬ومانعاً عن اقتحامه‪ ،‬فكيف يعقل أن يكون ًّ‬
‫حصوله؟ فإن جعل الحرمة لشيء المرتفعة باختيار المكلف‪ ،‬يكون فعله‬
‫لغواً‪ ،‬فال مناص من االلتزام بكون ما يختاره المكلف لرفع اإلجمالي‬
‫بالتكليف على كل تقدير‪.‬‬
‫وعليه فال مانع من الرجوع إلى البراءة في الطرف اآلخر‪ ،‬فيما إذا كان‬
‫االضطرار إلى غير المعين سابقاً على العلم اإلجمالي بالتكليف‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في االضطرار إلى المعين‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬أن االلتزام بسقوط التكليف واقعاً عما يختاره المكلف لرفع‬
‫اضطراره ال يجتمع مع القول بالتنجز في الطرف اآلخر‪ ،‬فالبد من االلتزام‬
‫بعدم السقوط واقعاً كما اخترناه‪ ،‬أو بعدم التنجز في الطرف اآلخر‪ ،‬كما‬
‫اختاره صاحب الكفاية(قده)‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬أن ما تقدم من التفصيل إنما كان في حدوث االضطرار إلى‬
‫ارتكاب بعض أطراف العلم اإلجمالي في خصوص الشبهة التحريمية‪ ،‬ومنه‬
‫يظهر حال االضطرار في ترك بعض األطراف في الشبهة الوجوبية ويجري‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪21‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫حكم االضطرار في غيره مما هو رافع للتكليف من اإلكراه والفقدان‬


‫ونحوهما فال نعيد‪.‬‬
‫التنبيه العاشر‪ :‬يعتبر في تنجيز العلم اإلجمالي أن يكون لكل واحد من‬
‫األصلين الجاريين في الطرفين أثر عملي وفعلي‪ ،‬فلو لم يكن لألصل‬
‫الجاري في أحد الطرفين أثر فعلي وعملي فال يجري فيه األصل‪ ،‬لعدم‬
‫ترتب أثر عليه فيكون لغواً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال مانع من جريان األصل في الطرف اآلخر‪ ،‬معارض فال يكون‬
‫العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬وذلك‪ :‬لما تقدم من أن تنجيز العلم اإلجمالي‬
‫متوقف على تساقط األصول في أطرافه‪ .‬مثاله‪ :‬ما لو علم المكلف بنجاسة‬
‫أحد ثوبين‪ ،‬وعلم أيضاً بكون أحدهما المعين مغصوباً ففي هذه الصورة ال‬
‫مانع من الرجوع إلى (قاعدة الطهارة) في غير المغصوب‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫جريان القاعدة في المغصوب حتى تسقط بالمعارضة‪ ،‬ألنه ال أثر عملي‬
‫لجريان قاعدة الطهارة في المغصوب‪ ،‬بعد العلم بحرمة استعماله‪ ،‬على كال‬
‫التقديرين‪ ،‬من الطهارة أو النجاسة‪ ،‬فتجري القاعدة في الطرف اآلخر بال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫معارض‪ ،‬وال يكون العلم اإلجمالي بنجاسة أحدهما منجزاً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪21‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإن شئت قلت‪ :‬إنه كما يعتبر في تنجيز العلم اإلجمالي القدرة العقلية في‬
‫جميع األطراف وعدم الخروج عن محل االبتالء‪ ،‬كذلك تعتبر القدرة‬
‫ال فلو خرج بعض األطراف‬
‫الشرعية فيها فإن الممنوع شرعاً كالممتنع عق ً‬
‫عن تحت قدرته شرعا‪ ،‬كالمثال ال يكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬لجريان‬
‫األصل في الطرف اآلخر‪ ،‬بال معارض‪ .‬التنبيه الحادي عشر‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪24‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بعد أن انتهينا من التنبيه العاشر‪ ،‬والذي ذكرنا أنه البد أن يكون في العلم‬
‫اإلجمالي أثر عملي وفعلي‪ ،‬نتناول اليوم التنبيه الحادي عشر في بعض‬
‫شروط تنجيز العلم اإلجمالي‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬القدرة على فعل أو ترك جميع أطراف الشبهة‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬إذ لوكان بعض األطراف غير مقدور للمكلف‪ ،‬كان التكليف بالنسبة‬
‫إليه ساقطاً يقيناً‪ ،‬العتبار القدرة في التكليف‪ ،‬ويكون التكليف في الطرف‬
‫اآلخر مشكوك الحدوث‪ ،‬فتجري أصالة البراءة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬لو كان بعض األطراف غير مقدور للمكلف يؤول األمر إلى‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫الشك في أصل التكليف‪ ،‬ال الشك في المكلف به‪ ،‬فيكون المرجع‬
‫إلى أصالة البراءة‪ ،‬دون أصالة االحتياط‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬كون جميع أطراف الشبهة متواجداً في محل االبتالء‪.‬‬
‫الشيخ األنصاري(قده) قد ذكر هذا الشرط لتنجيز العلم اإلجمالي (وفي‬
‫خصوص الشبهة التحريمية) والتزم (قده) بعدم التنجيز فيما إذا كان بعض‬
‫ال‬
‫األطراف خارجاً عن محل االبتالء وإن كان مقدوراً له‪( .‬بأن كان مث ً‬
‫رئيس نقابة القصابين وعنده أرقامهم ويتصل بالجميع)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪24‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألنه يعتبر في صحة النهي عن شيء وحسنه‪ ،‬كونه في معرض‬


‫االبتالء‪ ،‬بحيث يتعلق بفعله‪ ،‬إرادة المكلف عادة‪ ،‬واال كان النهي عنه لغواً‪،‬‬
‫ويستهجن صدوره عن الحكيم‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬الغرض من جعل التكليف التحريمي‪ ،‬إحداث المانع‬
‫والرادع‪ ،‬للمكلف عن فعله‪ ،‬فلو فرض عدم كونه في معرض االبتالء‪ ،‬وعدم‬
‫الداعي له إلى فعله‪ ،‬كان تركه مستنداً إلى عدم المقتضي والداعي‪،‬‬
‫فإحداث المانع له بالنهي لغو محض‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فلوكان بعض األطراف خارجاً عن محل االبتالء‪ ،‬كان التكليف‬
‫بالنسبة إليه منتفياً يقيناً‪ ،‬وفي الطر ف اآلخر يكون مشكوك الحدوث‪ ،‬فال‬
‫مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة فيه للشك في أصل التكليف‪ ،‬فال يكون‬
‫العلم الجمالي منجزاً‪.‬‬
‫ال‪ ،‬كان إناء الملك‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم المكلف بنجاسة إنائه‪ ،‬أو إناء الملك مث ً‬
‫ٍ‬
‫منتف‪ ،‬فال مانع‬ ‫خارجاً عن محل االبتالء قطعاً‪ ،‬فيكون التكليف بالنسبة إليه‬
‫من الرجوع إلى األصل المؤمن في إناء نفسه وهو أصالة الطهارة‪.‬‬
‫ودعوى‪ :‬إمكان الوصول إلى إناء الملك باالرتباط إلى بعض غلمانه‪ ،‬فليس‬
‫بخارج عن االبتالء‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪24‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مدفوعة‪ :‬بأنه ال داعي له في تحمل المشقة‪ ،‬وتوطئة األسباب‪ ،‬والتمهيد‬


‫للتصرف في إناء الملك حتى لوكان مقدوراً له بسبب االرتباط إلى بعض‬
‫ال‪ ،‬إذ يكفي عدم إمكان الوصول إلى الطرف اآلخر عادة‪ ،‬في‬
‫غلمانه‪ ،‬مث ً‬
‫خروجه عن محل االبتالء‪ ،‬فيكون التكليف بالنسبة إليه منتفياً‪ ،‬فالمرجع في‬
‫هذا الطرف هو جريان أصالة الطهارة بال معارض‪.‬‬
‫وأما صاحب الكفاية (قده)‪ :‬فقد أيد الشيخ االنصاري ولكن وسع األمر في‬
‫هامش كتاب الرسائل‪ ،‬وذكر‪ :‬أن المالك المذكور‪ ،‬موجود في الشبهة‬
‫الوجوبية أيضاً‪ ،‬وعليه‪ :‬فال يكون العلم اإلجمالي فيها أيضاً منجزاً اال فيما إذا‬
‫ال لالبتالء‪ ،‬من حيث الترك‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن التكليف‬
‫كان جميع األطراف مح ً‬
‫الوجوبي‪ ،‬والبعث نحو شيء أيضاً‪ ،‬ال يصح اال فيما إذا كان للمكلف داع‬
‫إلى تركه عادة‪ ،‬إذ لوكان الشيء مما يفعله المكلف بطبعه‪ ،‬كشرب الماء‪،‬‬
‫وال داعي له إلى تركه‪ ،‬كان جعله التكليف الوجوبي بالنسبة إليه لغواً‬
‫محضاً‪ ،‬وعليه‪ :‬فلو كان بعض أطراف العلم اإلجمالي في الشبهة الوجوبية‬
‫خارجاً‪ ،‬عن محل االبتالء‪ ،‬بمعنى أن المكلف ال يبتلى بتركه عادة‪ ،‬ويأتي به‬
‫بطبعه‪ ،‬كان التكليف بالنسبة إليه منتفياً يقين ًا‪ ،‬وفي الطر ف اآلخر يكون‬
‫مشكوك الحدوث‪ ،‬فيكون المرجع فيه هو األصل الجاري‪ ،‬بال معارض‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪24‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫و أورد عليه المحقق النائيني(قده)‪ :‬مؤيداً لكالم الشيخ األنصاري (قده)‪:‬‬


‫وحاصله‪ :‬أن متعلق التكليف الوجوبي هو (الفعل) وهو مستنداً إلى اإلرادة‬
‫واالختيار‪ ،‬حتى فيما إذا كان مفروض التحقق عادة‪ ،‬بدون أمر من المولى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فصح تعلق التكليف به‪ ،‬وال يكون مستهجناً بخالف متعلق التكليف‬
‫التحريمي‪ ،‬فإنه (الترك) وهو أمر عدمي‪ ،‬ال يحتاج إلى العلة الوجوبية‪ ،‬بل‬
‫ال بنفسه‬
‫يكفيه عدم إرادة الفعل‪ ،‬وهو أيضاً أمر عدمي‪ ،‬فلو كان الترك حاص ً‬
‫عادة ألجل عدم الداعي للمكلف إلى الفعل‪ ،‬كان النهي عنه لغواً ومستهجناً‪،‬‬
‫وهذا يؤكد كالم الشيخ (قده)‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده)‪ :‬ذكر المبنى لكال القولين بقوله اآلتي‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪25‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات العلم اإلجمالي حيث ذكرنا‬
‫في هذا التنبيه إلى شرطين آخرين‪ ،‬ذكرا أنهما يعتبران في تنجيز العلم‬
‫اإلجمالي الشرط األول تقدم وهو انه يعتبر القدرة على الفعل أو على الترك‪،‬‬
‫على الفعل في الشبهات الوجوبية‪ ،‬وعلى الترك في الشبهات التحريمية‪،‬‬
‫القدرة على جميع األطراف يكون معتبر‪ ،‬األمر الثاني‪ :‬هو كون جميع‬
‫األطراف مورداً لالبتالء‪ ،‬و الشيخ االنصاري (قده) قال أن هذا الشرط‬
‫يختص بالشبهات التحريمية‪ ،‬وذكر الوجه في ذلك‪ ،‬وأما صاحب الكفاية‬
‫(قده) فقد ذكر التوسعة‪ ،‬يعني وسع األمر في هامش كتاب الرسائل‪ ،‬وقال‬
‫أن المالك الذي ذكره الشيخ االنصاري (قده) في الشبهات التحريمية‬
‫المالك موجود في الشبهات الوجوبية أيضاً‪ .‬المحقق النائيني(قده) أورد على‬
‫الصاحب الكفاية مؤيداً لكالم الشيخ االنصاري (قده) فرد تعميم استاذه‬
‫صاحب الكفاية(قده)‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده)‪ :‬ذكر المبنى لكال القولين بقوله اآلتي‪:‬‬
‫والتحقيق أن يقال‪ :‬إنه لو بنينا على أن التكليف بما هو حاصل عادة وإن‬
‫كان مقدوراً فعله وتركه‪ ،‬يكون لغواً‪ ،‬فال فرق بين التكليف الوجوبي‬
‫والتحريمي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪25‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫لغو‬
‫فإنه كما يقال‪ :‬إن النهي والزجر عن شيء متروك في نفسه حسب العادة‪ٌ ،‬‬
‫ومستهجن‪ .‬فكذلك يقال‪ :‬إن البعث نحو شيء حاصل بنفسه‪ ،‬لغوو‬
‫ٍ‬
‫حينئذ في تنجيز العلم اإلجمالي عدم كون بعض األطراف‬ ‫مستهجن‪ ،‬فيعتبر‬
‫خارجاً عن محل االبتالء عادة‪ ،‬في المقامين(الشبهة التحريمية والوجوبية)‬
‫فيتم كالم صاحب الكفاية(قده)‪.‬‬
‫وإن بنينا على أن التكليف بما هو حاصل عادة‪ ،‬ال يكون لغواً‪ ،‬وال يشترط‬
‫في صحة التكليف أزيد من القدرة‪ ،‬فال فرق أيضاً بين التكليفين‪،‬‬
‫(التحريمي والوجوبي) وال يعتبر في تنجيز العلم اإلجمالي‪ ،‬عدم خروج‬
‫بعض األطراف عن معرض االبتالء في المقامين‪ ،‬فهنا احتماالن ومبنيان‪:‬‬
‫والصحيح هو االحتمال الثاني‪ ،‬إذ ليس الغرض من األوامر والنواهي الشرعية‬
‫مجرد تحقق الفعل والترك خارجاً‪ ،‬كما في األوامر والنواهي العرفية‪ ،‬فإن‬
‫غرضهم من األمر بشيء ليس اال تحقق الفعل خارجاً‪ ،‬كما أن غرضهم من‬
‫النهي عن شيء ال يكون اال انتفاء هذا الشيء خارجاً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬كان األمر بشيء حاصل بنفسه عادة‪ ،‬لغواً وطلباً للحاصل عندهم‪ ،‬ال‬
‫محالة وكذا النهي عن شيء متروك بنفسه‪ ،‬لغو ومستهجن عندهم بشهادة‬
‫الوجدان‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪25‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وهذا بخالف األوامر والنواهي الشرعية‪ ،‬فإن الغرض منها ليس مجرد تحقق‬
‫الفعل والترك خارجاً‪ ،‬بل الغرض صدور الفعل استناداً إلى أمر المولى‬
‫وطلبه‪ ،‬وكون الترك مستنداً إلى نهيه‪ ،‬ليحصل لهم بذلك التقرب والكمال‬
‫النفساني‪.‬‬
‫وال فرق في ذلك بين التعبدي والتوصلي‪ ،‬ألن الغرض من األمر والنهي في‬
‫كليهما هو االستناد في األفعال والتروك إلى أمر المولى ونهيه‪ ،‬بحيث يكون‬
‫العبد متحركاً تكويناً بتحريكه التشريعي‪ ،‬وساكناً كذلك بتوقيفه التشريعي‬
‫لحصول الترقي والكمال والتقرب‪.‬‬
‫نعم الفرق بينهما في أن المالك من المصلحة في الواجب لو توقف حصوله‬
‫على قصد القربة فهو تعبدي‪ ،‬واال فهو توصلي‪.‬‬
‫ومن هنا نقول‪ :‬لما كان الغرض من التكليف الشرعي هو (الفعل المستند)‬
‫إلى أمر المولى‪ ،‬و(الترك المستند) إلى نهي المولى دون مجرد الفعل والترك‬
‫كالعرفية‪ ،‬فال قبح في األمر بشيء حاصل عادة بنفسه‪ ،‬وال في النهي عن‬
‫شيء متروك بنفسه‪ ،‬إذ ليس الغرض مجرد الفعل والترك‪ ،‬حتى يكون األمر‬
‫والنهي بهما لغواً وطلباً للحاصل‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪25‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والشاهد‪ :‬وقوع األمر في الشريعة المقدسة بأشياء تكون حاصلة بنفسها عادة‪،‬‬
‫كحفظ النفس‪ ،‬واالنفاق على األوالد والزوجة‪ ،‬وكذا وقوع النهي عن أشياء‬
‫متروكة بنفسها كأكل القاذورات‪ ،‬والزنا باألمهات‪ ،‬ونحو ذلك مما هو كثير‬
‫جداً‪.‬‬
‫والمتحصل مما ذكرناه‪ :‬أنه ال يعتبر في تنجيز العلم اإلجمالي عدم كون‬
‫بعض األطراف خارجاً عن معرض االبتالء ال في الشبهة الوجوبية‪ ،‬وال في‬
‫الشبهة التحريمية‪ ،‬بل المعتبر كون جميع األطراف مقدوراً للمكلف كما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫وال يخفى أن غالب ما ذكروه من األمثلة لخروج بعض األطراف عن محل‬
‫االبتالء هي أمثلة لخروج بعض األطراف عن القدرة كما تقدم في الشرط‬
‫األول‪ ،‬كإناء الملك والميتة الواحدة عند القصابين‪.‬‬
‫التنبيه الثاني عشر‪ :‬في حكم مالقى بعض أطراف الشبهة المحصورة‪ .‬وقبل‬
‫التكلم في حكمه البد من بيان أمرين‪ :‬األمر األول‪ :‬أن الكالم إنما هو فيما‬
‫إذا كانت المالقاة مختصة ببعض األطراف‪ .‬وذلك‪ :‬ألنه لو فرضنا أن شيئاً‬
‫ال‪ ،‬وخارج عن محل‬
‫واحداً القى جميع األطراف فهو معلوم النجاسة تفصي ً‬
‫الكالم‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪25‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وكذا لو فرضنا أن شيئين قد القى أحدهما طرفاً من العلم اإلجمالي(اإلناء‬


‫األبيض) واآلخر القى الطرف اآلخر‪( ،‬اإلناء األصفر) فال إشكال في وجوب‬
‫االجتناب عن كال المالقيين‪ ،‬كوجوب االجتناب عن نفس الطرفين‪ ،‬من‬
‫جهة أنه قد تولّد علم الجمالي آخر بنجاسة أحد المالقيين‪ ،‬زائداً على العلم‬
‫اإلجمالي األول المتعلق بنفس الطرفين‪ ،‬فهذا الفرض أيضاً خارج عن محل‬
‫الكالم‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن تنجيز العلم اإلجمالي متوقف على تساقط األول في أطرافه‬
‫كما تقدم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪26‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثاني عشر في معرفة حكم مالقي‪ ،‬لبعض أطراف‬
‫الشبهة المحصورة‪ ،‬ما هو حكم المالقي‪ ،‬وذكرناه انه تكلم في حكم مالقي‬
‫لبعض أطراف شبهة المحصورة‪ ،‬البد من بيان أمرين‪ :‬األمر األول‪ :‬أن‬
‫الكالم إنما هو فيما إذا كانت المالقاة مختصة ببعض األطراف‪ .‬وذلك‪ :‬ألنه‬
‫ال‪،‬‬
‫لو فرضنا أن شيئاً واحداً القى جميع األطراف فهو معلوم النجاسة تفصي ً‬
‫وخارج عن محل الكالم‪.‬‬
‫وكذا لو فرضنا أن شيئين قد القى أحدهما طرفاً من العلم اإلجمالي(اإلناء‬
‫األبيض) واآلخر القى الطرف اآلخر‪( ،‬اإلناء األصفر) فال إشكال في وجوب‬
‫االجتناب عن كال المالقيين‪ ،‬كوجوب االجتناب عن نفس الطرفين‪ ،‬من‬
‫جهة أنه قد تولّد علم االجمالي آخر بنجاسة أحد المالقيين‪ ،‬زائداً على‬
‫العلم اإلجمالي األول المتعلق بنفس الطرفين‪ ،‬فهذا الفرض أيضاً خارج عن‬
‫محل الكالم‪ .‬األمر الثاني‪ :‬أن تنجيز العلم اإلجمالي متوقف على تساقط‬
‫األول في أطرافه كما تقدم مثاله‪.‬‬
‫وهذا التساقط إنما يكون مع العلم بالتكليف الفعلي مطلقا‪ ،‬سواء أكان العلم‬
‫متعلقا بالتكليف الفعلي ابتداءاً كما في الشبهات الحكمية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪26‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومثاله‪ :‬ما لو علم بوجوب صالة الجمعة‪ ،‬أو صالة الظهر‪ ،‬في يوم الجمعة‪ ،‬او‬
‫كان متعلقاً بالموضوع التام للحكم‪ ،‬كما في الشبهات الموضوعية‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم بخمرية أحد المائعين‪ ،‬وهي موضوع تام للنجاسة والحرمة‪،‬‬
‫والحكم معلوم والموضوع مشتبه‪.‬‬
‫وأما إذا لم يعلم اال بالموضوع الناقص‪ ،‬أي علم بجزء الموضوع‪ ،‬فال مانع‬
‫من جريان األصل‪ ،‬والحكم بعدم تحقق الموضوع التام‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علم اجماال بكون أحد الجسدين عنده ميت إنسان‪ ،‬واآلخر جسد‬
‫حيوان‪ ،‬مذكى ومأكول اللحم (كالغنم) فإن هذا العلم اإلجمالي‪ ،‬وإن كان‬
‫يقتضي وجوب االجتناب عن أكل لحم كل من الجسدين‪ ،‬بناءاً على‬
‫وجوب االحتياط‪ ،‬اال أنه إذا مس شخص أحدهما فقط‪ ،‬ال يحكم عليه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫بوجوب الغسل‬
‫وذلك‪ :‬ألن المعلوم باإلجمال‪ ،‬وهو بدن ميت االنسان‪ ،‬جزء للموضوع‬
‫للحكم بوجوب الغسل‪ ،‬وتمامه مس بدن ميّت االنسان‪ ،‬وهو مشكوك‬
‫التحقق‪ ،‬واألصل عدمه‪.‬‬
‫والوجه في ذلك‪ :‬أي في اعتبار التساقط مع العلم بالتكليف الفعلي بقسميه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪26‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ألن العلم اإلجمالي إذا تعلق بثبوت التكليف الفعلي (كالمثال األول صالة‬
‫الظهر والجمعة‪ ،‬والثاني الخمر) فالشك في كل واحد من األطراف إنما‬
‫يكون شكاً في انطباق التكليف بالوجوب أو بالحرمة‪ ،‬باإلجمال عليه‪ ،‬ومعه‬
‫ال يمكن الرجوع إلى األصل النافي في جميع األطراف‪ ،‬وذلك الستلزامه‬
‫الترخيص في المعصية‪ ،‬ومخالفة التكليف الواصل وال في بعض األطراف‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬للزوم الترجيح بال مرجح‪ ،‬وهو باطل‪.‬‬
‫وأما إن كان الشك في تمامية الموضوع وجزئيته كمثال (العلم بإنسانية أحد‬
‫الميتين)‪.‬‬
‫فمرجعه حينئذ إلى الشك في أصل التكليف بوجوب غسل المس‪ ،‬فال مانع‬
‫من الرجوع إلى األصل فيه‪.‬‬
‫وما ذكرناه من تساقط األصول فيما إذا كان المعلوم باإلجمال تمام‬
‫الموضوع‪ ،‬كمثال خمرية أحدهما‪ ،‬وعدم المانع من الرجوع إلى األصل‬
‫فيما إذا كان المعلوم باإلجمال جزء الموضوع واضح‪ ،‬ال إشكال فيه‪ ،‬من‬
‫حيث (الكبرى)‪.‬‬
‫ولكن وقع الخالف واالشكال في بعض الموارد كالمثال اآلتي‪ ،‬من حيث‬
‫(الصغرى)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪26‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فقد يدعى‪ :‬أنه من موارد العلم اإلجمالي بالتكليف الفعلي للعلم بتمام‬
‫الموضوع‪ ،‬فيحكم بالتنجيز‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إنه من موارد العلم بجزء الموضوع‪ ،‬ال تمامه‪ ،‬فيكون التكليف‬
‫مشكوكاً فيه‪ ،‬فيرجع إلى األصل فال تنجيز‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم اجماالً بغصبية إحدى الشجرتين‪ ،‬ثم حصلت إلحدى هما‬
‫ثمرة‪ ،‬دون األخرى فقد يقال فيه‪ :‬بجواز التصرف في الثمرة تكليفاً‪ ،‬وبعدم‬
‫ضمانها وضعاً‪ ،‬باعتبار أن الموجب لحرمة الثمرة‪ ،‬كونها نماء المغصوب‬
‫وهو مشكوك فيه‪ ،‬واألصل عدمه‪ ،‬فال حرمة تكليفاً‪ ،‬كما أن موضوع الضمان‬
‫هو وضع اليد على مال الغير‪ ،‬وهو أيضاً مشكوك فيه‪ ،‬واألصل عدمه‪ ،‬فال‬
‫ضمان وضعاً‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالعلم اإلجمالي بغصبية إحدى الشجرتين‪ ،‬ال يترتب عليه الحكم‬
‫بحرمة التصرف وال الضمان بالنسبة إلى الثمرة إلحداهما‪ ،‬من جهة الشك‬
‫في تحقق الموضوع‪ ،‬واألصل عدمه‪.‬‬
‫نعم يترتب عليه الحكم بحرمة التصرف في نفس الشجرتين‪ ،‬وضمان‬
‫المغصوب منهما بوضع اليد عليه‪ ،‬لكون العلم اإلجمالي بالنسبة إلى‬
‫الشجرتين منجز‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪26‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وقد يقال‪ :‬بتنجيز العلم اإلجمالي المذكور‪ ،‬لكال الحكمين التكليفي‬


‫والوضعي بالنسبة إلى الثمرة أيضاً‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ذكرنا في البحث السابق تحت التنبيه الثاني عشر من تنبيهات العلم اإلجمالي‬
‫في أمرين الذين مهدناهما وقدمناهما قبل البحث في هذا التنبيه وقع اتفاق‬
‫بين العلماء على أن المعلوم باإلجمال لوكان تمام الموضوع للحكم‬
‫فاألصول تتساقط في أطراف العلم اإلجمالي في المعلوم باإلجمال‪ ،‬فيكون‬
‫العلم اإلجمالي منجز‪ ،‬لوجوب االجتناب‪ ،‬مثلنا كون المعلوم باإلجمال هو‬
‫تمام الموضوع إذا علمنا بخمرية أحد االناءين فاإلناء األبيض خمر أو االناء‬
‫األصفر خمر فإذا قلنا ان االناء األبيض مشكوك الخمرية فنجري اصالة عدم‬
‫الخمرية أو اصالة الطهارة‪ ،‬وكذلك في االناء الثاني‪ ،‬فيكون معارض للعلم‬
‫اإلجمالي‪ ،‬فإذا أجرينا في كليهما يؤد إلى الترخيص في الحرمة‪ ،‬هذا غير‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وأما إذا لم يعلم اال بالموضوع الناقص‪ ،‬أي علم بجزء الموضوع‪ ،‬فال مانع‬
‫من جريان األصل‪ ،‬والحكم بعدم تحقق الموضوع التام‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مالو علم اجماال بكون أحد الجسدين عنده ميت إنسان‪ ،‬واآلخر جسد‬
‫حيوان‪ ،‬مذكى ومأكول اللحم (كالغنم) فإن هذا العلم اإلجمالي‪ ،‬وإن كان‬
‫يقتضي وجوب االجتناب عن أكل لحم كل من الجسدين‪ ،‬بناءاً على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجوب االحتياط‪ ،‬اال أنه إذا مس شخص أحدهما فقط‪ ،‬ال يحكم عليه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫بوجوب الغسل‬
‫وذلك‪ :‬ألن المعلوم باإلجمال‪ ،‬وهو بدن ميت االنسان‪ ،‬جزء للموضوع‬
‫للحكم بوجوب الغسل‪ ،‬وتمامه مس بدن ميّت االنسان‪ ،‬وهو مشكوك‬
‫التحقق‪ ،‬واألصل عدمه‪.‬‬
‫وما ذكرناه من تساقط األصول فيما إذا كان المعلوم باإلجمال تمام‬
‫الموضوع‪ ،‬كمثال خمرية أحدهما‪ ،‬وعدم المانع من الرجوع إلى األصل‬
‫فيما إذا كان المعلوم باإلجمال جزء الموضوع واضح‪ ،‬ال إشكال فيه‪ ،‬من‬
‫حيث (الكبرى)‪.‬‬
‫ولكن وقع الخالف واالشكال في بعض الموارد كالمثال اآلتي‪ ،‬من حيث‬
‫(الصغرى)‪ ،‬فقد يدعى‪ :‬أنه من موارد العلم اإلجمالي بالتكليف الفعلي للعلم‬
‫بتمام الموضوع‪ ،‬فيحكم بالتنجيز‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إنه من موارد العلم بجزء الموضوع‪ ،‬ال تمامه‪ ،‬فيكون التكليف‬
‫مشكوكاً فيه‪ ،‬فيرجع إلى األصل فال تنجيز‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم اجماالً بغصبية إحدى الشجرتين‪ ،‬ثم حصلت إلحدى هما‬
‫ثمرة‪ ،‬دون األخرى فقد يقال فيه‪ :‬بجواز التصرف في الثمرة تكليفاً‪ ،‬وبعدم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ضمانها وضعاً‪ ،‬باعتبار أن الموجب لحرمة الثمرة‪ ،‬كونها نماء المغصوب‬


‫وهو مشكوك فيه‪ ،‬واألصل عدمه‪ ،‬فال حرمة تكليف ًا‪ ،‬كما أن موضوع الضمان‬
‫هو وضع اليد على مال الغير‪ ،‬وهو أيضاً مشكوك فيه‪ ،‬واألصل عدمه‪ ،‬فال‬
‫ضمان وضعاً‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فالعلم اإلجمالي بغصبية إحدى الشجرتين‪ ،‬ال يترتب عليه الحكم‬
‫بحرمة التصرف وال الضمان بالنسبة إلى الثمرة إلحداهما‪ ،‬من جهة الشك‬
‫في تحقق الموضوع‪ ،‬واألصل عدمه‪.‬‬
‫نعم يترتب عليه الحكم بحرمة التصرف في نفس الشجرتين‪ ،‬وضمان‬
‫المغصوب منهما بوضع اليد عليه‪ ،‬لكون العلم اإلجمالي بالنسبة إلى‬
‫الشجرتين منجز‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬بتنجيز العلم اإلجمالي المذكور‪ ،‬لكال الحكمين التكليفي‬
‫والوضعي بالنسبة إلى الثمرة أيضاً‪ ،‬فيحرم التصرف في الثمرة ويكون ضامناً‬
‫لها‪ ،‬واختاره المحقق النائيني(قده)‪.‬‬
‫بدعوى‪ :‬أن وضع اليد على العين المغصوبة كالشجرة‪ ،‬موجب لضمانها‪،‬‬
‫لقاعدة اليد‪ ،‬وضمان منافعها‪ ،‬كالثمرة‪ ،‬إلى األبد‪ ،‬وذلك ألنه بأخذ العين‪،‬‬
‫يتحقق أخذ المنافع الثمرة‪ ،‬أو أخذ العين ستتبع ألخذ المنافع‪ ،‬ومن ثم جاز‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫للمالك الرجوع إلى الغاصب األول في المنافع المتجددة الحاصلة بعد‬


‫خروج العين عن يده‪ ،‬ودخولها تحت األيادي المتأخرة (العادية الغاصبة)‪.‬‬
‫فالعلم بغصبية إحدى الشجرتين‪ ،‬كما يترتب عليه ضمان نفس العين‬
‫المغصوبة‪ ،‬كذلك يترتب عليه ضمان منافعها المتجددة (هذا من حيث‬
‫الحكم الوضعي)‪.‬‬
‫وأما من حيث الحكم التكليفي‪ ،‬أي حرمة التصرف في الثمرة‪ ،‬فهو وإن‬
‫كان منتفياً بانتفاء موضوعه‪ ،‬وهو الثمرة في الزمان األول‪ ،‬وقبل وجودها‪ ،‬اال‬
‫أن مالكه قد تم بغصب العين‪ ،‬الموجب لضمانها‪ ،‬وضمان منافعها‬
‫الموجودة‪ ،‬بالفعل‪ ،‬لو كانت‪ ،‬والمتجددة بعد ذلك‪ ،‬وهو كون اليد عادية‬
‫بالنسبة إلى العين ومنافعها الموجودة وغير الموجودة‪ ،‬فتترتب حرمة‬
‫التصرف في الثمرة بعد وجودها ال محالة‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد أورد على استاذه ما حاصله‪:‬‬
‫والتحقيق‪ :‬عدم تمامية ما ذكره المحقق النائيني(قده) من الوجه للحكم‬
‫الوضعي‪ ،‬وال ما ذكره من الوجه للحكم التكليفي‪.‬‬
‫أما ما ذكره للحكم الوضعي‪ :‬فألن الحكم بضمان منافع العين المغصوبة‬
‫مسلمة من حيث الكبرى كما ذكره‪ ،‬اال أنه ال يترتب الحكم الضمان على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الكبرى الكلية‪ ،‬اال بعد إحراز الصغرى (كالثمرة المغصوبة) خارجاً‪ ،‬وتحقق‬
‫الصغرى مشكوك فيه في المقام‪ ،‬إذ لم يحرز كون الثمرة من منافع العين‬
‫المغصوبة‪ ،‬الحتمال كونها من منافع العين المملوكة‪ ،‬فيجري استصحاب‬
‫عدم كونها من منافع العين المغصوبة‪ ،‬فال ضمان بانتفاء الموضوع‪.‬‬
‫ودعوى‪ :‬أن االستصحاب المذكور معارض باستصحاب (عدم كونها من‬
‫منافع العين المملوكة)‪.‬‬
‫مدفوعة‪ :‬لما تقدم من أنه ال مانع من جريان االستصحابين‪ ،‬إذا لم يستلزم‬
‫منهما مخالفة عملية‪ ،‬ولو نوقش في جريان االستصحاب المذكور أيضا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من الرجوع إلى (أصالة البراءة‬ ‫ألجل المعارضة والسقوط‪ ،‬فال مانع‬
‫من الضمان)‪.‬‬
‫وأما الحكم التكليفي‪ :‬فتجري البراءة عنه أيضاً‪ ،‬للشك ولعدم العلم بتحقق‬
‫موضوعه‪ ،‬وهو التصرف في مال الغير‪ ،‬لعدم إحراز كون الثمرة مال الغير‪،‬‬
‫وال تتحقق حرمة التصرف‪ ،‬اال بعد إحراز كون التصرف تصرفاً في مال‬
‫الغير‪ ،‬والحال هو مشكوك فيه‪ ،‬فيرجع إلى األصل(البراءة من الحرمة)‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪27‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الشيخ االنصاري(قده) فقد خالف السيد الخوئي(قده) إلى عدم جريان‬
‫البراءة من الحرمة في األموال كالمقام‪ ،‬في موارد متعددة تمسكاً بقوله(ع)‬
‫ه‬
‫اّلل ‪»)1( ...‬‬ ‫ه‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ح‬‫أ‬‫ا‬ ‫«‪ ...‬اال ي ِحل ما ٌل ِإ اال مِن وج ٍ‬
‫ه‬
‫ْ ا ْ ا ُ ُّ‬ ‫ا ُّ ا‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،9‬باب‪3‬من أبواب األنفال‪ ،‬ح‪.2‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪28‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة العلم اإلجمالي بغصبية احدى شجرتين‪ ،‬وذكرنا أو‬
‫فرضنا إلحدى هما هناك ثمرة‪ ،‬فهل يجوز التصرف في الثمرة أو ال يجوز؟‬
‫قوالن‪:‬‬
‫قلنا أن المحقق النائيني(قده) فقد قال بأنه ال يجوز التصرف في الثمرة‪ ،‬ألن‬
‫العلم اإلجمالي منجز تكليفاً و وضعاً‪ ،‬بالنسبة إلى الثمرة كشجرة‪ ،‬والوجه‬
‫في ذلك‪ :‬قال‪ :‬أن الوضع اليد على عين الشجرة المغصوبة (قلنا البد من‬
‫االجتناب عنها)‪ ،‬فوضع اليد عليها لقاعدة اليد هذا يوجب ضمان هذه‬
‫الشجرة المغصوبة(يعني العين) وكذلك ضمان منافعها يعني الثمرة وضعاً‪،‬‬
‫هذا من حيث الوضع‪ ،‬أما ترتب حرمة التصرف على الثمرة هذا يستتبع‬
‫ترتب حرمة على عين الشجرة‪ ،‬كما أن ال يجوز التصرف في عين الشجرة‬
‫محل اتفاق الفقهاء بسبب العلم االجمالي ألنه من األطراف العلم اإلجمالي‬
‫هذه الحرمة المرتبة على التصرف في عين شجرة تستلزم حرمة التصرف في‬
‫الثمرة بعين المالك قد تقدم توضيح ذلك‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد خالف استاده‪ ،‬فقال ال‪ ،‬بل يجوز التصرف في‬
‫الثمرة وضعاً وتكليفاً‪ ،‬وما ذكره المحقق النائيني(قده) قابل للمناقشة‪ ،‬وقد‬
‫ناقش ما ذكره المحقق النائيني(قده) تارة باالستصحاب جاري في المقام‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪28‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تارة إلثبات عدم كون نماء الشجرة تكون مغصوبة‪ ،‬وأخرى أنه ال مانع في‬
‫النهاية من جريان البراءة عن الضمان وأصالة البراءة عن الحرمة‪ ،‬وهذا كله‬
‫تقدم‪.‬‬
‫وأما الشيخ االنصاري(قده) فقد خالف السيد الخوئي(قده) إلى عدم جريان‬
‫البراءة من الحرمة في األموال كالمقام‪ ،‬في موارد متعددة تمسكاً بقوله(ع)‬
‫ه‬
‫اّلل ‪»)1( ...‬‬ ‫ه‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫ح‬‫أ‬‫ا‬ ‫«‪ ...‬اال ي ِحل ما ٌل ِإ اال مِن وج ٍ‬
‫ه‬
‫ْ ا ْ ا ُ َُ‬ ‫ا ُّ ا‬
‫وفيه‪ :‬أوالً‪ :‬أن الرواية مرسلة‪ ،‬ال يصح االعتماد عليها‪ .‬وثانياً‪ :‬مع الغض عن‬
‫سندها‪ ،‬أن الشك في الحرمة من أسباب وأدلة الحلية شرعاً ألدلة البراءة‪،‬‬
‫فبالتعبد الشرعي يثبت كون النماء مما أحلَه هَاّلل تعالى‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬أن منشأ الشك في الحرمة احتمال كون النماء ملك الغير‬
‫واالستصحاب يقتضي عدمه‪ ،‬بناءاً على جريانه في األعدام األزلية‪ ،‬كما هو‬
‫الصحيح‪ ،‬وبهذا االستصحاب يحرز كونه مما أحلَه هَاّلل تعالى‪.‬‬
‫ال يقال‪ :‬إن استصحاب (عدم كون النماء ملك الغير) يعارض مع استصحاب‬
‫(عدم دخول النماء في ملكه)‪.‬‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،9‬باب‪3‬من أبواب األنفال‪ ،‬ح‪.2‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪28‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإنه يقال‪ :‬إنه لو قلنا بجريان استصحاب (عدم دخول النماء في ملكه) فهو ال‬
‫يثبت كون النماء ملكاً للغير الذي هو الموضوع لحرمة التصرف‪ ،‬اال على‬
‫القول باألصل المثبت‪ ،‬وال نقول به‪ ،‬وأما جواز التصرف‪ ،‬فال يتوقف على‬
‫كونه ملكاً له للمتصرف‪ ،‬بل يكفيه (عدم كونه ملكاً للغير) فال يكون األصل‬
‫بالنسبة إلى جواز التصرف مثبتاً‪ .‬هذا كلَه فيما إذا لم تكن األطراف مسوقة‬
‫بملكية الغير‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو اصطاد رجالن صيدين‪ ،‬فغصب أحدهما صيد اآلخر‪ ،‬واشتبها‬
‫وقد حصل ألحدهما النماء‪.‬‬
‫وأما لو كانت األطراف مسبوقة بملكية الغير‪ .‬مثاله‪ :‬ما لو اشترى احدى‬
‫الشجرتين‪ ،‬وغصب األخرى‪ ،‬فاشتبها‪ ،‬وحصل إلحداهما النماء‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬أنه ال إشكال في الحكم بضمان المنافع‪ ،‬وحرمة التصرف فيها‪.‬‬
‫الوجه‪ :‬الستصحاب بقاء الشجرة في ملك مالكها‪ ،‬وعدم انتقالها إليه‪.‬‬
‫ومتقضى هذا االستصحاب‪ ،‬هو الحكم بملكية المنافع لمالك الشجرة األول‪،‬‬
‫فيحرم التصرف فيها من قبل المشتري إلحداهما‪ ،‬يضمنها‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وتوهم‪ :‬أن استصحاب بقاء الشجرة ذات النماء‪ ،‬على ملك مالكها معارض‬
‫َ‬
‫باستصحاب بقاء الشجرة األخرى‪ ،‬على ملك مالكها‪ ،‬أيضاً‪ ،‬للعلم اإلجمالي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪28‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بمخالفة أحدهما للواقع‪ ،‬فإجراء األصل في الشجرة ذات النماء‪ ،‬دون‬


‫األخرى‪ ،‬ترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫مدفوع‪ :‬بأنه ال معارضة بينهما‪ ،‬لما عرفت غير مرة من أن العلم اإلجمالي‬
‫بمخالفة أحد االستصحابين للواقع‪ ،‬ال يمنع من جريانهما‪ ،‬مالم يستلزم‬
‫المخالفة العملية‪ ،‬كما في المقام‪ ،‬فال نمنع جريان االستصحاب الثاني‪ ،‬فال‬
‫ترجيح ولكنه بال فائدة‪.‬‬
‫مالحظة هامة‪ :‬أن جميع ما ذكرناه في مسألة(الثمرة) من جواز التصرف فيها‪،‬‬
‫وعدم الضمان‪ ،‬إنما يختص بالتصرفات غير المتوقفة على الملك‪ ،‬كاألكل‬
‫والشرب واللبس ونحوها‪ ،‬فتجوز هذه التصرفات في األمور المباحة حتى لو‬
‫لم تكن مملوكة‪ ،‬وأما التصرفات المتوقفة على الملك‪ ،‬كالبيع (ال بيع اال في‬
‫ملك) ونحوه فال ينبغي الشك في عدم جواز ها‪ ،‬وذلك من جهة ان‬
‫االستصحاب المذكور‪ ،‬ال يثبت كونه ملكاً له اال على القول باألصل‬
‫المثبت‪ ،‬وال نقول به‪.‬‬
‫مضافاً إلى أن جميع ما تقدم من األقوال‪ ،‬في (الثمرة) من جواز التصرف‬
‫فيها أو عدمه‪ ،‬وثبوت الضمان أو عدمه‪ ،‬كما يجري في حق الغاصب‪،‬‬
‫كذلك يجري في حق غير الغاصب أيضاً‪ ،‬ممن وهب الغاصب له الثمرة‪ ،‬أو‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪28‬ج‪1442:-1‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اشتراها منه‪ ،‬فليس ما ذكره من التفصيل مختصاً بالغاصب‪ ،‬وهذا تعميم في‬
‫المقام‪.‬‬
‫مهدناه من األمرين‪ :‬فلنعد إلى حكم المالقي لبعض أطراف‬
‫فإذا عرفت ما َ‬
‫الشبهة المحصورة‪ ،‬فنقول‪ :‬إن الكالم فيه يتم في ضمن مسائل ثالث‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪4‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثاني عشر في حكم المالقي لبعض أطراف الشبهة‬
‫المحصورة‪ ،‬يعني لو فرضنا أنه هناك إناءان علمنا بنجاسة أحدهما وأصاب‬
‫أحد هما ثوب فهل يتنجس هذا الثوب أم ال؟ ذكرنا في البحث السابق أن‬
‫الكالم يتم في هذه المسألة في ضمن مسائل ثالث‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬ما إذا كانت المالقاة والعلم بها‪ ،‬بعد العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬عكس األولى‪ :‬بأن كانت المالقاة والعلم بها‪ ،‬قبل العلم‬
‫اإلجمالي‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬ما إذا كان العلم اإلجمالي بعد المالقاة‪ ،‬وقبل العلم بها‪.‬‬
‫أما المسألة األولى‪ :‬فملخص الكالم فيها‪ :‬أن نجاسة المالقي (بالكسر) على‬
‫فرض تحققها‪ ،‬ليست توسعاً‪ ،‬في نجاسة المالقى(بالفتح) وال تكون بمنزلة‬
‫تقسيم الواحد إلى قسمين‪ ،‬حتى تكون نجاسة المالقي قسماً من نجاسة‬
‫المالقى‪ ،‬بل تكون نجاسة أخرى حادثة وحاصلة من نجاسة المالقى‪ ،‬من‬
‫باب حصول المعلول من العلة‪ ،‬ولهذا ال تجري على المالقي جميع أحكام‬
‫المالقى‪.‬‬
‫ال‪ :‬لو كان قد ولغ كلب في إناء‪ ،‬فالبد في تطهيره من التعفير‪ ،‬ولكن لو‬
‫مث ً‬
‫القى شيء آخر هذا االناء من ثوب أو إناء آخر أو غير هما‪ ،‬ال يجب في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪4‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تطهيره التعفير‪ ،‬مالو القى البول اإلناء فيه ماء وجب غسله من البول مرتين‪،‬‬
‫وأما المالقي له‪ ،‬فال يجب الغسل من الماء المالقي للمالقى للبول اال مرة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬أن نجاسة المالقي‪ ،‬ليست عين نجاسة المالقى في الحكم‪ ،‬بل‬
‫ال‪.‬‬
‫غيرها نظير الطهارة الحاصلة من الماء الطاهر مث ً‬
‫ال‪ :‬أنه لو أصاب المطر ثوباً متنجساً‪ ،‬فطهره كانت طهارة الثوب غير طهارة‬
‫مث ً‬
‫المطر ال محالة‪ ،‬ولكنها حاصلة من طهارة المطر‪ ،‬من باب حصول المعلول‬
‫من العلة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬أن نجاسة المالقي على فرض تحققها نجاسة جديدة‬
‫وحادثة‪ ،‬والمفروض‪ ،‬وجود الشك في تحققها واألصل عدمه‪ ،‬فال ينبغي‬
‫الشك في عدم وجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬ألن وجوب االجتناب عن‬
‫المالقي النجس‪ ،‬موضوعه مركب من أمرين‪( ،‬النجس) و(مالقاته)‪ ،‬والعلم‬
‫اإلجمالي بنجاسة أحد المائعين‪ ،‬ليس اال علماً بما هو جزء الموضوع‪،‬‬
‫والجزء اآلخر‪ ،‬وهو (المالقاة) مشكوك فيه‪ ،‬وال يكون العلم منجزاً له‪،‬‬
‫لمالقاة النجس‪ ،‬فيرجع عند الشك فيه إلى أصالة عدم مالقاة النجس‪ ،‬أو‬
‫أصالة الطهارة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪4‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وربما يقال‪ :‬بوجوب االجتناب عن المالقي أيضاً‪ ،‬ويستدل عليه بوجهين‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن نجاسة المالقي‪ ،‬إنما هي بنحو السراية الحقيقية من نجاسة‬
‫المالقى‪ ،‬فنجاسة المالقي متحدة مع نجاسة المالقى‪ ،‬غاية األمر‪ :‬أنها‬
‫توسعت بالمالقاة‪ ،‬وثبتت النجاسة ألمرين‪ ،‬بعد ما كانت ثابتة ألمر واحد‪.‬‬
‫وهذا‪.‬‬
‫نظير ما لو قسم ما في أحد اإلناءين إلى قسمين‪ :‬وجعل كل قسم في إناء‬
‫ال للموافقة‬
‫فكما يجب االجتناب عن كليهما‪ ،‬وعن الطرف اآلخر‪ ،‬تحصي ً‬
‫القطعية‪ ،‬كذلك‪ :‬يجب االجتناب عن المالقي والمالقى‪ ،‬وعن الطرف اآلخر‬
‫ال للموافقة القطعية‪.‬‬
‫تحصي ً‬
‫تنجس المالقي بنحو السراية الحقيقية من نجاسة المالقى‬
‫والدليل على كون ّ‬
‫هو الخبر المروي عن الشيخ الطوسي بأسناده المتصلة إلى جابر عن أبي‬
‫يها َس ْم ٌن َأ ْو‬ ‫ت فَأْر ٌة فِي َخابِية‪ -‬فِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَقَا َل ل َ ُه َوقَ َع ْ َ‬‫جعفر الباقر(ع) « قَا َل‪َ :‬أت َ ُاه َر ُج ٌ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫لر‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫‪-‬‬‫ْه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫‪-‬‬‫ه‬‫ت فَما تَرى فِي َأك ْل ِ ِ‬
‫ُ َّ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َزي ْ ٌ َ َ‬
‫الْفَأْ َر ُة َأ ْه َو ُن َعل َ َّي‪ -‬مِ ْن َأ ْن َأت ْ ُر َك َط َعامِي مِ ْن َأ ْجل ِ َها قَا َل فَقَا َل ل َ ُه َأبُو َج ْعفَر ع‪-‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪4‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اّلل َح َّر َم ال َْميْت َ َة مِ ْن كُل‬ ‫ْت ب ِ ِدين ِ َ‬


‫ك‪ِ -‬إنَّ ه َّ‬ ‫ف بِالْفَأْ َر ِة َو ِإن َّ َما ْاستَخْفَف َ‬
‫ك ل َ ْم ت َ ْست َ ِخ َّ‬
‫ِإن َّ َ‬
‫َش ْيء (‪».)1‬‬
‫علي) أكل الفأرة‬
‫وتقريب االستدالل‪ :‬إن السائل لم يرد بقوله(الفأرة أهون ّ‬
‫مع السمن أو الزيت‪ ،‬بل أراد أكل السمن أو الزيت المالقي لها‪.‬‬
‫اّلل َح َّر َم ال َْميْت َ َة مِ ْن كُل َش ْيء » كان في مقام التعريض‬
‫فقول اإلمام(ع)‪ِ « :‬إنَّ ه َّ‬
‫للسائل وهو يدل على أن نجاسة المالقي للميتة هي عين نجاسة الميتة‪ ،‬فيدل‬
‫على اتحادهما‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وأما الجواب ‪...‬‬

‫) وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ 5‬من أبواب الماء المضاف‪ ،‬ح‪(1.2‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪5‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في البحث السابق في التنبيه الثاني عشر‪ ،‬في بيان حكم المالقي‬
‫لبعض األطراف الشبهة المحصورة‪ ،‬وذكرنا أن الكالم يقع في ضمن‬
‫مسائل‪ ،‬المسألة األولى كون المالقاة ألحد الطرفين المعلوم نجاستهما‪ ،‬ثم‬
‫العلم بهذه المالقاة بعد العلم االجمالي يعني أوالً علم بنجاسة أحد اإلنائين‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك حصلت المالقاة بين ثوب وأحد اإلنائين كاإلناء األبيض‪ ،‬ثم‬
‫علم بهذه المالقاة‪ ،‬يعني المالقاة والعلم بالمالقاة كان بعد العلم االجمالي‬
‫ال هل‬
‫بالنجاسة أحد اإلنائين‪ ،‬ما هو الحكم الثوب المالقي بإناء األبيض؟ مث ً‬
‫يحكم بطهارة أو يحكم بنجاسة؟‪ ،‬وقع الخالف بين الفقهاء‪ ،‬المعروف‬
‫والمشهور بعدم النجاسة المالقي‪ ،‬والوجه في ذلك‪ :‬ألننا نشك في تحقق‬
‫نجاسة الثوب‪ ،‬فإذا شككنا فالمرجع في الشك هو أصالة عدم مالقاة‬
‫النجس‪ ،‬أو أصالة الطهارة‪ ،‬فال يجب اجتناب عنه‪.‬‬
‫في مقابل هذا القول هناك قول بوجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬كما في‬
‫المالقى‪ ،‬استدلوا على ذلك بوجهين‪ :‬األول باتحاد نجاسة المالقي مع نجاسة‬
‫المالقى‪ ،‬بل قالوا عينية نجاسة المالقي ونجاسة المالقى‪ ،‬ثم وحدة‬
‫حكمهما‪ ،‬المالقى لما كان واجب االجتناب فهذا المالقي الذي متحد معه‬
‫في النجاسة وعينه حكمه أيضاً وجوب االجتناب‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪5‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫يؤيد هذا الوجه بخبر المروي عن الشيخ الطوسي بأسناده المتصلة إلى جابر‬
‫ت فَأْر ٌة فِي َخابِية‪ -‬فِ‬
‫يها‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل فَقَا َل ل َ ُه َوقَ َع ْ َ‬ ‫عن أبي جعفر الباقر(ع) « قَا َل‪َ :‬أت َ ُاه َر ُج ٌ‬
‫ت فَ َما ت َ َرى فِي َأك ْل ِ ِه‪ -‬قَا َل فَقَا َل ل َ ُه َأبُو َج ْعفَر ع َال تَأْكُل ُْه‪ -‬فَقَا َل ل َ ُه‬ ‫َس ْم ٌن َأ ْو َزي ْ ٌ‬
‫ل الْفَأْ َر ُة َأ ْه َو ُن َعل َ َّي‪ -‬مِ ْن َأ ْن َأت ْ ُر َك َط َعامِي مِ ْن َأ ْجل ِ َها قَا َل فَقَا َل ل َ ُه َأبُو‬ ‫الر ُج ُ‬
‫َّ‬
‫ك‪ِ -‬إنَّ ّ ََ‬
‫الل َح َّر َم‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْت‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫خ‬‫ت‬‫اس‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫خ‬ ‫َج ْعفَر ع‪ِ -‬إن َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ك ل َ ْم ت َ ْست َ‬
‫ال َْميْت َ َة مِ ْن ك ُ ِّل َش ْيء (‪».)1‬‬
‫علي) أكل الفأرة‬ ‫وتقريب االستدالل‪ :‬إن السائل لم يرد بقوله(الفأرة أهون ّ‬
‫مع السمن أو الزيت‪ ،‬بل أراد أكل السمن أو الزيت المالقي لها‪.‬‬
‫الل َح َّر َم ال َْميْت َ َة مِ ْن ك ُ ِّل َش ْيء » كان في مقام التعريض‬
‫فقول اإلمام(ع)‪ِ « :‬إنَّ َ َّ‬
‫للسائل وهو يدل على أن نجاسة المالقي للميتة هي عين نجاسة الميتة‪ ،‬فيدل‬
‫على اتحادهما‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وأما الجواب عن الوجه األول(وهو دعوى االتحاد والعينية بين المالقي‬
‫والمالقى)‪ :‬ففيه ما تقدم من أن نجاسة المالقي حاصلة من نجاسة المالقى‬
‫من باب حصول المعلول من العلة‪ ،‬ال أنها عينها‪ ،‬ولذا ال تجري عليها‬
‫ال فال نعيد‪.‬‬
‫أحكامها‪ ،‬كما تقدم مفص ً‬

‫(‪ )1‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،1‬باب‪ 5‬من أبواب الماء المضاف‪ ،‬ح‪.2‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪5‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الجواب عن االستدالل بالخبر المتقدم‪ :‬ففيه أوالً‪ :‬أن الخبر ضعيف‬
‫(لعمروبن شمر) فال يصح التمسك به‪ ،‬واالعتماد عليه‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬لو سلمنا اال أنه ال داللة للخبر على أن نجاسة المالقي عين نجاسة‬
‫المالقى‪ ،‬بنحو السراية الحقيقية‪ ،‬كما قيل‪ ،‬كيف‪ ،‬والحال الخبر غير ناظر‬
‫ال؟ فإن السائل استبعد كون الفأرة مع صغرها موجبة‬
‫إلى هذه الجهة أص ً‬
‫لنجاسة ما في الخابية الكبيرة من السمن‪ ،‬أو الزيت‪ ،‬على ما يظهر من‬
‫علي)‪.‬‬
‫كالمه(الفارة أهون ّ‬
‫فرد عليه اإلمام(ع) بأن َّالل تعالى حرم الميتة من كل شيء بمعنى أنه ال فرق‬
‫ّ‬
‫بين الكبير والصغير‪ ،‬فغاية ما يستفاد من الخبر أن نجاسة الشيء كالميتة‬
‫الموجبة لحرمته‪ ،‬مستلزمة لنجاسة مال قيه وحرمته‪ ،‬وهذا ال ينكر ولكن ليس‬
‫في ذلك داللة على أن نجاسة المالقي‪ ،‬عين نجاسة المالقى‪ ،‬وان حرمته‬
‫عين حرمته فتأمل‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه بعد العلم بالمالقاة‪ ،‬يحدث علم إجمالي آخر‪ ،‬بوجود‬
‫نجس بين المالقي الثوب‪ ،‬والطرف اآلخر (كاإلناء األصفر) وهذا العلم‬
‫االجمالي مماال مجال النكاره بعد فرض المالزمة بين نجاسة الشيء (اإلناء‬
‫األبيض)‪ ،‬ونجاسة مالقيه (الثوب)‪ ،‬واقعاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪5‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومن هنا لو فرض إنعدام المالقى كان العلم بالنجاسة المرددة بين المالقي‬
‫والطرف اآلخر موجوداً‪ ،‬فهذا العلم االجمالي الحادث بعد العلم بالمالقاة‪،‬‬
‫ال للموافقة القطعية‪،‬‬
‫يقتضي االجتناب عن المالقي والطرف اآلخر تحصي ً‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫نعم‪ :‬لوفرضت المالقاة بعد إنعدام الطرف اآلخر لم يكن العلم االجمالي‬
‫الثاني مؤثراً في التنجيز واالجتناب‪ ،‬لعدم كونه علماً بالتكليف الفعلي‬
‫النجاسة والحرمة‪ ،‬على كل تقدير‪ ،‬الموجب لتساقط األصول في األطراف‪،‬‬
‫لخروج بعض األطراف عن االبتالء وعدم المنجزية‪.‬‬
‫وأجاب الشيخ األنصاري (قده) عن هذا الوجه بأن العلم االجمالي الثاني ال‬
‫يمنع من جريان األصل في المالقي وذلك ألن جريان األصل في المالقي‬
‫إنما هو في طول جريان األصل في المالقى لكون الشك في المالقي يكون‬
‫شيئاً ومسبباً من الشك في النجاسة المالقى‪ ،‬فيكون األصل الجاري في‬
‫ال‬
‫ال جارياً في الشك السببي‪ ،‬واألصل الجاري في المالقي‪ ،‬اص ً‬
‫المالقى أص ً‬
‫جارياً في الشك المسببي‪ ،‬ومن المعلوم والظاهر أن االصل السببي حاكم‬
‫على األصل المسببي‪ ،‬كما ثبت في محله‪ ،‬وعليه‪ :‬فعلى تقدير جريان األصل‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪5‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫في المالقى‪ ،‬ال تصل النوبة إلى جريان األصل في المالقي بل ال حاجة إليه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫نعم‪ :‬بعد سقوط األصل في المالقى ألجل المعارضة بينه وبين األصل‬
‫الجاري في الطرف اآلخر تصل النوبة إلى جريان االصل في المالقي‪،‬‬
‫فيجري فيه أصالة الطهارة‪ ،‬بال معارض‪.‬‬

‫(‪ )1‬فرائد األصول‪(،‬ط مجمع الفكر) ج‪ ،2‬ص‪.242‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪6‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثاني عشر وهو معرفت حكم مالقي الشيئ لبعض‬
‫األطراف الشبهة المحصورة‪ ،‬هل يحكم بنجاسته أو ال؟‪ ،‬قلنا في مسألة اولى‬
‫إذا كان هناك علم االجمالي بالنجاسة األحد اإلنائين وكان المالقاة للثوب‬
‫لبعض األطراف‪ ،‬والعلم بهذه المالقات بعد العلم االجمالي‪ ،‬المعروف‬
‫والمشهور الحكم بعدم نجاسة المالقي‪( ،‬شك في تحقق نجاسة الثوب)‬
‫فالمرجع هو أصالة الطهارة‪ ،‬أو أصالة عدم المالقات بالنجس الواقعي‪ ،‬فال‬
‫يجب االجتناب عنه‪ .‬وهناك قول اآلخر يقول‪ :‬يحكم بالوجوب االجتناب‬
‫عن المالقي الذي القا بعض األطراف الشبهة المحصورة‪ ،‬وقلنا أنه ذكر‬
‫وجهين‪ :‬تارة قال‪ :‬أن نجاسة المالقي ونجاسة المالقى متحدة‪ ،‬فالحكم‬
‫يكون واحدة‪ ،‬كيف حكمتم باإلجتناب عن المالقى فيحكم بالوجوب‬
‫االجتناب عن المالقي وأيدوا هذا القول بالرواية الشيخ الطوسي عن جابر‬
‫الجعفي تقدم الكالم فيه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه بعد العلم بالمالقاة‪ ،‬يحدث علم إجمالي آخر‪ ،‬بوجود‬
‫نجس بين المالقي الثوب‪ ،‬والطرف اآلخر (كاإلناء األصفر) وهذا العلم‬
‫االجمالي مماال مجال النكاره بعد فرض المالزمة بين نجاسة الشيء (اإلناء‬
‫األبيض)‪ ،‬ونجاسة مالقيه (الثوب)‪ ،‬واقعاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪6‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ومن هنا لو فرض إنعدام المالقى كان العلم بالنجاسة المرددة بين المالقي‬
‫والطرف اآلخر موجوداً‪ ،‬فهذا العلم االجمالي الحادث بعد العلم بالمالقاة‪،‬‬
‫ال للموافقة القطعية‪،‬‬
‫يقتضي االجتناب عن المالقي والطرف اآلخر تحصي ً‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫وأجاب الشيخ األنصاري (قده) عن هذا الوجه بأن العلم االجمالي الثاني ال‬
‫يمنع من جريان األصل في المالقي وذلك ألن جريان األصل في المالقي‬
‫إنما هو في طول جريان األصل في المالقى لكون الشك في المالقي يكون‬
‫شيئاً ومسبباً من الشك في النجاسة المالقى‪ ،‬فيكون األصل الجاري في‬
‫ال‬
‫ال جارياً في الشك السببي‪ ،‬واألصل الجاري في المالقي‪ ،‬اص ً‬
‫المالقى أص ً‬
‫جارياً في الشك المسببي‪ ،‬ومن المعلوم والظاهر أن االصل السببي حاكم‬
‫على األصل المسببي‪ ،‬كما ثبت في محله‪ ،‬وعليه‪ :‬فعلى تقدير جريان األصل‬
‫في المالقى‪ ،‬ال تصل النوبة إلى جريان األصل في المالقي بل ال حاجة إليه‪.‬‬
‫نعم‪ :‬بعد سقوط األصل في المالقى ألجل المعارضة بينه وبين األصل‬
‫الجاري في الطرف اآلخر تصل النوبة إلى جريان االصل في المالقي‪،‬‬
‫فيجري فيه أصالة الطهارة‪ ،‬بال معارض‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪6‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وقيل‪ :‬أنه يتوجه االشكال على جواب الشيخ األنصاري(قده) (بالشبهة‬


‫الحيدرية) وتقريرها‪ :‬أنه كما أن جريان أصالة الطهارة في المالقي في طول‬
‫جريان أصالة الطهارة في المالقى‪ ،‬كذلك جريان أصالة الحل في الطرفين‪،‬‬
‫في طول جريان أصالة الطهارة في الطرفين‪ ،‬إذ لو أجريت أصالة الطهارة في‬
‫المالقى وحكم بالطهارة ال تصل النوبة إلى جريان أصالة الحل لعدم الشك‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬فتكون أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة‪ ،‬في المالقي‪ ،‬وأصالة‬
‫الحل عند الشك في الحرمة في الطرف اآلخر‪ ،‬في مرتبة واحدة‪ ،‬لكون‬
‫كليهما مسبباً عن العلم بالنجاسة‪ ،‬فإنا نعلم اجماالً بعد تساقط أصالة الطهارة‬
‫في الطرفين بأن هذا المالقي نجس‪ ،‬أو ان الطرف اآلخر حرام‪ ،‬فيقع التعاض‬
‫بين أصالة الطهارة في المالقي‪ ،‬وأصالة الحل في الطرف اآلخر‪ ،‬ويتساقطان‪،‬‬
‫فيجب االجتناب عن المالقي‪ ،‬لتنجزه بالعلم االجمالي‪.‬‬
‫نعم ال مانع من جريان أصالة الحل في المالقي للشك في النجاسته وحرمته‪،‬‬
‫بعد سقوط أصالة الطهارة فيه‪ ،‬للمعارضة بأصالة الحل في الطرف اآلخر‬
‫لعدم معارض له في هذه المرتبة‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقال‪ :‬إن الصحيح في الجواب عن االستدالل‬
‫المذكور أن يقال‪ :‬بأن تنجيز العلم االجمالي لوجوب االجتناب‪ ،‬منوط‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪6‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ببطالن الترجيح بال مرجح‪ ،‬فإن بعد العلم االجمالي ال يمكن جريان األصل‬
‫في جميع األطراف للزوم المخالفة القطعية وال في بعضها الترجيح بال‬
‫مرجح‪ ،‬فتسقط األصول‪ ،‬ويتنجز التكليف ال محالة‪ ،‬وعليه‪ :‬فلو لم يجر‬
‫األصل في بعض األطراف في نفسه‪ ،‬لجهة من الجهات‪ ،‬فال مانع من جريان‬
‫األصل في الطرف اآلخر‪ ،‬فال يكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ .‬ولتوضيح المقام‬
‫البد من ذكر أمثلة‪:‬‬
‫ال‪،‬‬
‫المثال األول‪ :‬ما لو علمنا اجماالً بوقوع النجاسة في أحد المائعين مث ً‬
‫ال) قبل‬
‫وكان أحدهما المعيّن محكوماً بالنجاسة ألجل االستصحاب (مث ً‬
‫العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬عدم جريان أصالة الطهارة في المعين‪ ،‬حتى تعارض جريانها في‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬وعليه فتجري أصالة الطهارة في الطرف اآلخر بال معارض‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬ال يكون العلم اإلجمالي المذكور علماً بالتكليف الفعلي على‬
‫كل تقدير‪ ،‬في الطرفين‪ ،‬بل ليس اال احتمال التكليف في الطرف اآلخر‬
‫فقط‪ ،‬ال مطلقا‪ ،‬فيجري فيه األصل النافي للتكليف بال معارض‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬مالو كان مجرد الشك منجزاً للتكليف في بعض األطراف كما‬
‫لو علمنا إجماالً بأنا لم نأت بصالة العصر‪ ،‬أو بصالة العشاء‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪6‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال) وبعد فوات وقت صالة العصر‪ ،‬وبقاء وقت صالة العشاء‪.‬‬
‫الليل‪( ،‬مث ً‬
‫الحكم‪ :‬أن مجرد الشك في االتيان بصالة العشاء‪ ،‬يكفي في تنجيز التكليف‬
‫بالنسبة إليها‪ ،‬من جهة بقاء الوقت فوجوب االتيان بصالة العشاء ال يحتاج‬
‫إلى جريان أصالة عدم االتيان‪ ،‬فال مانع من الرجوع إلى األصل في اآلخر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو قاعدة الحيلولة‪ ،‬أو أصالة عدم‬ ‫وهو صالة العصر‪ ،‬فالمرجع‬
‫وجوب القضاء‪ .‬وذلك‪ :‬ألن القضاء يفرض جديد‪ ،‬واألصل عدمه‪ ،‬أي عدم‬
‫الفوت‪.‬‬
‫المثال الثالث‪ :‬ما لو علمنا أوالً‪ :‬بنجاسة أحد المائعين‪ ،‬ثم علمنا اجماالً‬
‫بوقوع نجاسة في أحدهما‪ ،‬أو في إناء ثالث‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في التنبيه الثاني عشر في بيان حكم المالقي بعض األطراف‬
‫الشبهة المحصورة‪ ،‬وذكرنا أن الكالم في هذه التنبيه يقع في ضمن المسائل‬
‫ثالثة‪ ،‬كان كالمنا في المسألة األولى كون المالقاة والعلم بالمالقاة بعد‬
‫العلم اإلجمالي ما لو علم بالنجاسة أحد االناءين إما اإلناء األبيض أو اإلناء‬
‫األصفر‪ ،‬الماء الموجود في أحد اإلناءين قد تنجس بنجاسة ما‪ ،‬والعلم بهذه‬
‫المالقات بعد العلم االجمالي‪ ،‬هنا عدة أقوال‪ :‬األول‪ :‬المعروف والمشهور‬
‫ال إذا شك في تحقق نجاسة الثوب‪،‬‬
‫الحكم بعدم نجاسة المالقي‪ ( ،‬مث ً‬
‫فالمرجع هو أصالة الطهارة‪ ،‬أو أصالة عدم المالقات بالنجس الواقعي)‪ ،‬فال‬
‫يجب االجتناب عنه‪ .‬وهناك قول اآلخر قال‪ :‬يحكم بالوجوب االجتناب عن‬
‫المالقي الذي القى بعض األطراف الشبهة المحصورة‪ ،‬ذكر وجهين‪ :‬تارة‬
‫قال‪ :‬أن نجاسة المالقي ونجاسة المالقى متحدة‪ ،‬فالحكم يكون واحدة‪،‬‬
‫كيف حكمتم باإلجتناب عن المالقى فيحكم بالوجوب االجتناب عن‬
‫المالقي وأيد هذا القول بالرواية الشيخ الطوسي عن جابر الجعفي تقدم‬
‫الكالم فيه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه بعد العلم بالمالقاة‪ ،‬يحدث علم إجمالي آخر‪ ،‬بوجود‬
‫نجس بين المالقي الثوب‪ ،‬والطرف اآلخر (كاإلناء األصفر) وهذا العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫االجمالي مماال مجال النكاره بعد فرض المالزمة بين نجاسة الشيء (اإلناء‬
‫األبيض)‪ ،‬ونجاسة مالقيه (الثوب)‪ ،‬واقعاً‪.‬‬
‫ومن هنا لو فرض إنعدام المالقى كان العلم بالنجاسة المرددة بين المالقي‬
‫والطرف اآلخر موجوداً‪ ،‬فهذا العلم االجمالي الحادث بعد العلم بالمالقاة‪،‬‬
‫ال للموافقة القطعية‪،‬‬
‫يقتضي االجتناب عن المالقي والطرف اآلخر تحصي ً‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫وأجاب الشيخ األنصاري (قده) عن هذا الوجه بأن العلم االجمالي الثاني ال‬
‫يمنع من جريان األصل في المالقي وذلك ألن جريان األصل في المالقي‬
‫إنما هو في طول جريان األصل في المالقى لكون الشك في المالقي يكون‬
‫شيئاً ومسبباً من الشك في النجاسة المالقى‪ ،‬فيكون األصل الجاري في‬
‫ال‬
‫ال جارياً في الشك السببي‪ ،‬واألصل الجاري في المالقي‪ ،‬اص ً‬
‫المالقى أص ً‬
‫جارياً في الشك المسببي‪ ،‬ومن المعلوم والظاهر أن االصل السببي حاكم‬
‫على األصل المسببي‪ ،‬كما ثبت في محله‪ ،‬وعليه‪ :‬فعلى تقدير جريان األصل‬
‫في المالقى‪ ،‬ال تصل النوبة إلى جريان األصل في المالقي بل ال حاجة إليه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أنه يتوجه االشكال على جواب الشيخ األنصاري(قده) (بالشبهة‬
‫الحيدرية) وتقريرها‪ :‬أنه كما أن جريان أصالة الطهارة في المالقي في طول‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫جريان أصالة الطهارة في المالقى‪ ،‬كذلك جريان أصالة الحل في الطرفين‪،‬‬


‫في طول جريان أصالة الطهارة في الطرفين‪ ،‬إذ لو أجريت أصالة الطهارة في‬
‫المالقى وحكم بالطهارة ال تصل النوبة إلى جريان أصالة الحل لعدم الشك‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬فتكون أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة‪ ،‬في المالقي‪ ،‬وأصالة‬
‫الحل عند الشك في الحرمة في الطرف اآلخر‪ ،‬في مرتبة واحدة‪ ،‬لكون‬
‫كليهما مسبباً عن العلم بالنجاسة‪ ،‬فإنا نعلم اجماالً بعد تساقط أصالة الطهارة‬
‫في الطرفين بأن هذا المالقي نجس‪ ،‬أو ان الطرف اآلخر حرام‪ ،‬فيقع التعاض‬
‫بين أصالة الطهارة في المالقي‪ ،‬وأصالة الحل في الطرف اآلخر‪ ،‬ويتساقطان‪،‬‬
‫فيجب االجتناب عن المالقي‪ ،‬لتنجزه بالعلم االجمالي‪.‬‬
‫نعم ال مانع من جريان أصالة الحل في المالقي للشك في النجاسته وحرمته‪،‬‬
‫بعد سقوط أصالة الطهارة فيه‪ ،‬للمعارضة بأصالة الحل في الطرف اآلخر‬
‫لعدم معارض له في هذه المرتبة‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقال‪ :‬إن الصحيح في الجواب عن االستدالل‬
‫المذكور أن يقال‪ :‬بأن تنجيز العلم االجمالي لوجوب االجتناب‪ ،‬منوط‬
‫ببطالن الترجيح بال مرجح‪ ،‬فإن بعد العلم االجمالي ال يمكن جريان األصل‬
‫في جميع األطراف للزوم المخالفة القطعية وال في بعضها الترجيح بال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مرجح‪ ،‬فتسقط األصول‪ ،‬ويتنجز التكليف ال محالة‪ ،‬وعليه‪ :‬فلو لم يجر‬


‫األصل في بعض األطراف في نفسه‪ ،‬لجهة من الجهات‪ ،‬فال مانع من جريان‬
‫األصل في الطرف اآلخر‪ ،‬فال يكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ .‬ولتوضيح المقام‬
‫البد من ذكر أمثلة‪:‬‬
‫تقدم الكالم في المثالين‪ ،‬أما المثال الثالث‪ :‬ما لو علمنا أوالً‪ :‬بنجاسة أحد‬
‫المائعين‪ ،‬ثم علمنا اجماالً بوقوع نجاسة في أحدهما‪ ،‬أو في إناء ثالث‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬ال أثر للعلم اإلجمالي الثاني في تنجيز التكليف بالنسبة إلى اإلناء‬
‫الثالث‪ ،‬وفي ذلك‪ :‬ألن التكليف قد تنجز بالعلم اإلجمالي األول بالنسبة إلى‬
‫المائعين األولين‪ ،‬فوجب االجتناب عنهما‪ ،‬فليس العلم اإلجمالي الثاني‪،‬‬
‫علماً بالتكليف (سواء وقع في اإلناءين األول أو الثاني‪ ،‬أو الثالث‪ )،‬على كل‬
‫تقدير الحتمال النجاسة في أحد المائعين األولين‪ ،‬وقد تنجز التكليف فيهما‬
‫أيضاً‪ ،‬فالعلم اإلجمالي األول‪ ،‬فليس في اإلناء الثالث اال احتمال التكليف‪،‬‬
‫وينفيه األصل الجاري بال معارض‪ .‬هذا‪ .‬ومقامنا من هذا القبيل بعينه‪ ،‬فإن‬
‫ال بعد‬
‫العلم اإلجمالي بنجاسة المالقي أو الطرف اآلخر‪ ،‬وإن كان حاص ً‬
‫العلم بالمالقاة‪ ،‬اال أنه ال يمنع عن جريان األصل في المالقي‪ ،‬ألن األصل‬
‫الجاري في الطرف اآلخر‪ ،‬قد سقط للمعارضة‪ ،‬قبل حدوث العلم الثاني‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فليس العلم اإلجمالي الثاني علماً بالتكليف الفعلي‪ ،‬على كل تقدير(سواء‬


‫أكان النجس موجوداً في هذا الطرف أو اآلخر) إذ يحتمل أن يكون‬
‫النجس هو الطرف اآلخر المفروض يتنجز التكليف بالنسبة إليه للعلم‬
‫اإلجمالي السابق‪ ،‬ومعه ال يبقى اال احتمال التكليف في المالقي‪ ،‬فيجري فيه‬
‫األصل النافي للتكليف‪ ،‬بال معارض‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫وقد أشرنا سابقا‪ :‬إلى أنه يعتبر في تنجيز العلم اإلجمالي أن ال يكون‬
‫التكليف في بعض أطرافه منجزاً بمنجز سابق على العلم اإلجمالي إذ معه ال‬
‫يبقى اال احتمال التكليف في الطرف اآلخر‪ ،‬وال مانع من الرجوع إلى‬
‫األصل النافي‪.‬‬
‫وهذا كله‪ :‬فيما إذا لم يكن الطرف اآلخر الذي هو عدل للمالقى فجرى‬
‫ألصل طولي سليم عن المعارض‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعين ثم القى أحدهما شيء آخر حيث‬
‫ال يكون المائع اآلخر فجرى ألصل طولي سليم عن المعارض‪.‬‬
‫وأما إذا كان الطرف اآلخر (عدل المالقى) فجرى ألصل طولي‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كما إذا علمنا بنجاسة مرددة بين الثوب والماء ثم القى الثوب شيء‬
‫آخر‪ ،‬فتسقط أصالة الطهارة في الطرفين‪ ،‬للمعارضة وتبقى أصالة الحل في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪9‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الماء جارية بال معارض‪ ،‬لعدم جريانها في الثوب في نفسها فتقع التعارض‬
‫ٍ‬
‫حينئذ بين أصالة الطهارة في المالقي وبين أصالة اإلباحة في الماء‪ ،‬فإنا نعلم‬
‫إجماالً‪ ،‬بأن هذا المالقي نجس‪ ،‬أو أن هذا الماء حرام‪ ،‬وبعد تساقط‬
‫األصلين يكون العلم اإلجمالي بالنسبة إلى المالقي أيضاً منجزاً‪ ،‬فيجب‬
‫االجتناب عنه أيضاً في هذا الفرض‪ ،‬فالتفصيل هو الصحيح‪.‬‬
‫وأما المسألة الثانية‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪10‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان مسائل حكم المالقي لبعض األطراف الشبهة‬


‫المحصورة‪( ،‬لبعض المعلوم باإلجمال) لو القى شيء في بعض هذه‬
‫األطراف‪ ،‬ذكرنا في المسألة األولى أنه إذا تقدم العلم اإلجمالي على أصل‬
‫حصول المالقاة وعلى العلم بها‪ ،‬وأما المسألة الثانية‪ :‬وهي ما إذا حصلت‬
‫المالقاة‪ ،‬وعلم بها ثم حصل العلم اإلجمالي بنجاسة المالقى‪ ،‬أو شيء آخر‪،‬‬
‫فهي تتصور على صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا كان زمان نجاسة المالقى‪ ،‬على فرض تحققها واقعاً‪،‬‬
‫وزمان نجاسة مالقيه متحداً‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬كان زمان المعلوم باإلجمال‪ ،‬وزمان المالقاة واحداً‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا كان ثوب في إناء فيه ماء‪ ،‬وعلمنا إجماالً‪ ،‬بوقوع نجاسة فيه‪ ،‬أو‬
‫في إناء آخر‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن يكون زمان نجاسة المالقى على فرض تحققها واقعاً‪،‬‬
‫سابقاً على نجاسة المالقي‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬كان زمان المعلوم باإلجمال‬
‫سابقاً على زمان المالقاة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما إذا علمنا يوم السبت بأن أحد هذين اإلناءين كان نجساً يوم‬
‫الخميس‪ ،‬والقى أحد هما الثوب يوم الجمعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪10‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الكالم في الصورة األولى‪ :‬فقد وقع الخالف بين األصحاب في وجوب‬
‫االجتناب عن المالقي فيها وعدمه‪ ،‬فاختار الشيخ االنصاري وتبعه المحقق‬
‫النائيني(قدهما) عدم وجوب االجتناب عن المالقي‪.‬‬
‫بدعوى‪ :‬أن األصل الجاري في المالقي‪ ،‬متأخر رتبة عن األصل الجاري في‬
‫المالقى‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن الشك في نجاسة المالقي‪ ،‬ناشئ عن الشك في نجاسة‬
‫المالقى‪ ،‬وال تصل النوبة إلى جريان األصل في المالقي‪ ،‬اال بعد سقوط‬
‫األصل فيما القاه‪ ،‬وبعد سقوطه للمعارضة بينه وبين األصل في الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬يجري األصل في المالقى‪ ،‬بال معارض‪.‬‬
‫وذهب صاحب الكفاية(قده)‪ :‬إلى وجوب االجتناب من المالقي وذلك‪:‬‬
‫باعتبار أن العلم اإلجمالي‪ ،‬كما تعلق بالنجاسة المرددة بين المالقى‪ ،‬وبين‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬كذلك تعلق بالنجاسة المرددة بين المالقي وبين الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬فاألمر دائر بين نجاسة المالقي والمالقى‪ ،‬ونجاسة الطرف اآلخر‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علمنا بوقوع نجاسة في اإلناء الكبير‪ ،‬أو في االناءين الصغرين‪،‬‬
‫الحكم‪ :‬فكما يجب االجتناب عن جميع األواني الثالث في هذا المثال‪،‬‬
‫وبال إشكال فكذلك يجب االجتناب في المقام عن المالقي والمالقى‬
‫والطرف اآلخر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪10‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والوجه‪ :‬لوحد الحكم هو عدم الفرق بين المثال وما نحن فيه‪ ،‬اال في أن‬
‫نجاسة المالقي مسببة عن نجاسة المالقى في المقام‪ ،‬بخالف المثال‪ ،‬حيث‬
‫إن نجاسة أحد اإلناءين الصغيرين‪ ،‬ليست مسببة عن نجاسة اإلناء اآلخر‪،‬‬
‫ومجرد ذلك ال يوجب الفرق في التنجيز‪ ،‬بعد كون نسبة العلم اإلجمالي‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫إلى كليهما على ّ‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد قال إن الصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية‬
‫(قده) من وجوب االجتناب عن المالقي في هذه الصورة‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن األصل الجاري في المالقي وإن كان متأخراً رتبة عن األصل‬
‫الجاري في المالقى‪ ،‬اال أنه ليس متأخراً عن األصل الجاري في الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬كما أن األصل الجاري في المالقى ليس متأخراً عنه أيضاً‪.‬‬
‫فكما يقع التعارض بين جريان األصل في المالقى‪ ،‬وجريانه في الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬كذلك يقع التعارض بين جريان األصل في المالقي‪ ،‬وجريانه في‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬
‫وبالنتيجة‪ :‬تسقط األصول ويكون العلم اإلجمالي منجزاً‪ ،‬فيجب االجتناب‬
‫عن الجميع أي (المالقي والمالقى) والطرف اآلخر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪10‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال يقال‪ :‬إن األصل الجاري في المالقي‪ ،‬حيث يكون متأخراً رتب ًة عن‬
‫األصل الجاري في المالقى‪ ،‬ألنه ناشئ منه ومسبب عنه‪ ،‬واألصل الجاري‬
‫في المالقى مع األصل الجاري في الطرف اآلخر في رتبة واحدة‪ ،‬فلزم كون‬
‫األصل الجاري في المالقي‪ ،‬متأخراً عن األصل الجاري في الطرف اآلخر‪،‬‬
‫لقاعدة أن المتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن اآلخر أيضاً‪ ،‬ال محالة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في بيان المسائل المذكورة في التنبيه الثاني عشر‪ ،‬من تنبيهات‬
‫العلم اإلجمالي‪( ،‬في بيان حكم المالقي لبعض األطراف شبهة المحصورة‪)،‬‬
‫كان كالمنا في المسألة الثانية‪ :‬وهي ما إذا حصلت المالقاة‪ ،‬وعلم بها ثم‬
‫حصل العلم اإلجمالي بنجاسة المالقى‪ ،‬أو شيء آخر‪ ،‬فهي تتصور على‬
‫صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬ما إذا كان زمان نجاسة المالقى‪ ،‬على فرض تحققها واقعاً‪،‬‬
‫وزمان نجاسة مالقيه متحداً‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬كان زمان المعلوم باإلجما‪ ،،‬وزمان المالقاة واحداً‪ .‬مثاله‪ :‬ما‬
‫إذا كان ثوب في إناء فيه ماء‪ ،‬وعلمنا إجماالً‪ ،‬بوقوع نجاسة فيه‪ ،‬أو في إناء‬
‫آخر‪ .‬قلنا‪ :‬الصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قده) من القو‪ ،‬بوجوب‬
‫ال عن المالقى‪.‬‬
‫االجتناب عن المالقي‪ ،‬فض ً‬
‫ال يقا‪ :،‬إن األصل الجاري في المالقي‪ ،‬حيث يكون متأخراً رتب ًة عن‬
‫األصل الجاري في المالقى‪ ،‬ألنه ناشئ منه ومسبب عنه‪ ،‬واألصل الجاري‬
‫في المالقى مع األصل الجاري في الطرف اآلخر في رتبة واحدة‪ ،‬فلزم كون‬
‫األصل الجاري في المالقي‪ ،‬متأخراً عن األصل الجاري في الطرف اآلخر‪،‬‬
‫لقاعدة أن المتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن اآلخر أيضاً‪ ،‬ال محالة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فإنه يقا‪ :،‬بأن ذلك إنما يتم في التقدم والتأخر من حيث الزمان أو من حيث‬
‫الشرف‪ ،‬دون التقدم والتأخر من حيث الرتبة‪ ،‬ألن تأخر شيء عن أحد‬
‫المتساويين في الرتبة‪ ،‬ال يقتضي تأخره عن اآلخر أيضاً‪ ،‬فإن وجود المعلو‪،‬‬
‫متأخر رتبة عن وجود علته‪ ،‬وليس متأخراً عن عدمها‪ ،‬مع أن وجود العلة‬
‫وعدمها في رتبة واحدة‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه ليس بينهما علية ومعلولية ويعبر عن‬
‫عدم العلية والمعلولية بين شيئين بوحدة الرتبة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬أن الصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية(قده) من وجوب‬
‫االجتناب عن المالقي في هذه الصورة‪.‬‬
‫أما الصورة الثانية‪ :‬وهي ما إذا كان زمان المعلوم باإلجما‪ ،‬سابقاً على زمان‬
‫المالقاة‪ ،‬مثاله‪ :‬كما إذا علمنا يوم السبت بأن أحد هذين اإلناءين كان نجساً‬
‫ثوب يوم الجمعة‪.‬‬
‫يوم الخميس‪ ،‬والقى أحدهما ٌ‬
‫الحكم‪ :‬فيه خالف فقد قيل‪ :‬بعدم وجوب االجتناب عن المالقي فيها‪.‬‬
‫والوجه‪ :‬ألن المعلوم باإلجما‪ ،‬هي النجاسة المرددة بين الماءين في‬
‫مفروض المثا‪ ،،‬وأما الثوب‪ ،‬فليس من أطراف العلم اإلجمالي‪ ،‬فيكون‬
‫الشك في نجاسته شكاً في حدوث نجاسة جديدة غير ما هو معلوم إجماالً‪،‬‬
‫فال مانع من الرجوع إلى األصل فيه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والفرق بين الصورتين‪ :‬أنه في الصورة األولى‪ :‬ال يكون تخلل زماني بين‬
‫نجاسة المالقى‪ ،‬على تقدير تحققها واقعاً‪ ،‬وبين نجاسة المالقي‪ ،‬فالعلم‬
‫اإلجمالي قد تعلق من أو‪ ،‬األمر بنجاسة المالقى والمالقي والطرف اآلخر‪،‬‬
‫نظير تعلق العلم اإلجمالي بنجاسة إناء كبير‪ ،‬أو إناءين صغيرين‪ ،‬بخالف‬
‫الصورة الثانية‪ ،‬لكون زمان المعلوم باإلجما‪ ،‬سابقا على زمان المالقاة‪،‬‬
‫فيكون المالقي غير داخل في أطراف العلم اإلجمالي ويكون الشك شكاً‬
‫في حدوث نجاسة جديدة‪ ،‬فال مانع من الرجوع إلى األصل فيه‪ .‬والحكم‬
‫بعدم وجوب االجتناب عنه على القاعدة‪.‬‬
‫وقا‪ ،‬السيد الخوئي(قده)‪ :‬الظاهر عدم الفرق بين الصورتين المتقدمتين‪ ،‬في‬
‫وجوب االجتناب عن المالقي حتى في الصورة الثانية ايضاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المعلوم باإلجما‪ ،‬فيها وإن كان سابقاً بوجوده الواقعي على‬
‫المالقاة‪ ،‬اال أنه مقارن لها بوجوده العلمي‪ ،‬والتنجيز من آثار العلم بالنجاسة‪،‬‬
‫ال من آثار وجودها الواقعي‪ ،‬وحيث إن العلم اإلجمالي متأخر عن المالقاة‬
‫ال في العلم‬
‫المقارن للمعلوم‪ ،‬فال محالة يكون المالقي أيضاً من أطرافه وداخ ً‬
‫وال أثر لتقدم المعلوم باإلجما‪ ،‬على المالقاة واقعاً زماناً ففي المثا‪ ،‬المتقدم‪،‬‬
‫نحن نعلم إجماالً يوم السبت بأن (أحد الماءين والثوب نجس) أو الماء‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اآلخر وحده يكون نجساً فيكون نظير العلم اإلجمالي بنجاسة اإلناء الكبير‪،‬‬
‫أو اإلناءين الصغرين‪ ،‬فال يمكن إجراء األصل في المالقي‪ ،‬لعين ما ذكرناه‬
‫في الصورة األولى‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فيجب االجتناب عنه أيضاً‪.‬‬
‫وبعبارة واضحة‪ :‬أوالً‪ :‬أنه في جريان األصل‪ ،‬البد من الشك الفعلي‪ ،‬وثانياً‪:‬‬
‫أنه في تحقق (التنجيز) البد من العلم‪ ،‬ألن التكليف بوجوده الواقعي ال‬
‫يكون منجزاً ما دام لم يحصل العلم بالتكليف‪ .‬وعليه‪ :‬فقبل العلم اإلجمالي‬
‫ال يكون هناك شك في أطرافه فال مجا‪ ،‬لجريان األصل‪ ،‬وال لتساقط‬
‫األصو‪ ،،‬سالبة بانتفاء الموضوع‪.‬‬
‫وبعد العلم اإلجمالي كان المالقي أيضاً من أطراف العلم اإلجمالي فتتساقط‬
‫األصو‪ ،،‬ويجب االجتناب عن الجميع‪ ،‬أي عن المالقي‪ ،‬والمالقى‪،‬‬
‫والطرف اآلخر‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫أما المسألة الثالثة‪ :‬وهي ما إذا كان العلم اإلجمالي بعد المالقاة وقبل العلم‬
‫بالمالقاة‪ ،‬فهل الحكم فيها (عدم وجوب االجتناب) عن المالقي‪ ،‬وتكون‬
‫ملحقة بالمسألة األولى‪ ،‬الشتراكهما في كون العلم اإلجمالي مقدماً على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫العلم بالمالقاة‪ ،‬أو أن الحكم فيها (وجوب االجتناب) عن المالقي‪ ،‬والحاقها‬


‫بالمسألة الثانية؟‬
‫الشتراكهما في كون العلم اإلجمالي متأخراً عن المالقاة؟‬
‫الحكم‪ :‬قد وقع الخالف فيه‪:‬‬
‫قيل‪ :‬بوجوب االجتناب الحاقاً لها بالمسألة الثانية‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬ألن العلم اإلجمالي بحدوثه وإن كان متعلقاً بنجاسة المالقى‪ ،‬أو‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬اال أنه بعد العلم بالمالقاة ينقلب إلى العلم بنجاسة المالقى‪،‬‬
‫والمالقي أو الطرف اآلخر‪ ،‬والتنجيز في صورة االنقالب‪ ،‬يدور مدار العلم‬
‫الثاني‪ ،‬فتتساقط األصو‪ ،‬بمقتضى العلم اإلجمالي الثاني‪ ،‬ويجب االجتناب‬
‫عن الجميع‪( ،‬المالقى ومالقيه والطرف اآلخر)‪.‬‬
‫ونظير ذلك‪ :‬ما إذا علمنا إجماالً بوقوع نجاسة في اإلناء الكبير‪ ،‬أو اإلناء‬
‫الصغير‪ ،‬ثم تبد‪ ،‬العلم اإلجمالي المذكور‪ ،‬بالعلم بوقوعها في اإلناء الكبير‬
‫أو اإلناءين الصغرين‪ ،‬فإنه ال إشكا‪ ،‬في وجوب االجتناب عن الجميع‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن العلم اإلجمالي األو‪ ،،‬وإن كان يوجب تساقط األصلين في‬
‫اإلناء الكبير وأحد الصغرين حدوثاً‪ ،‬ويوجب تنجيز الواقع فيهما‪ ،‬اال أن‬
‫العلم اإلجمالي الثاني يوجب تساقط األصو‪ ،‬في الجميع بقاءاً لتبد‪ ،‬العلم‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪11‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫األو‪ ،‬بالثاني‪ ،‬وقد ذكرنا أن التنجيز في صورة االنقالب يدور العلم الثاني‪،‬‬
‫فحسب‪ .‬هذا‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده) فقد خالف هذا القيل‪.‬‬
‫فقا‪ :،‬أن الظاهر عدم وجوب االجتناب عن المالقي في هذه المسألة‪ ،‬كما‬
‫هو الحا‪ ،‬في المسألة األولى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪12‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في المسألة الثالثة من المسائل التي تطرقنا إليها في التنبيه الثاني‬
‫عشر من تنبيهات العلم اإلجمالي وذكرنا في هذه المسألة صورة ما إذا‬
‫تحققت المالقاة‪ ،‬بين الثوب و احد االناءين وهو ال يعلم بالمالقاة ثم علم‬
‫بعلم اإلجمالي بنجاسة احد االناءين قبل أن يعلم بالمالقاة‪ ،‬ثم بعد ذلك علم‬
‫بالمالقاة‪ ،‬يعني كان العلم اإلجمالي بالنجاسة مرددة بين اإلناءين كان بعد‬
‫تحقق المالقاة الذي ال يعلم به‪ ،‬وقبل العلم بالمالقاة‪ ،‬ذكرنا أنه وق اللال‬
‫بين األصوليين في هذه المسألة‪ ،‬فقيل بوجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في المسألة الثانية‪ .‬أما السيد اللوئي(قده) فقد خالف هذا القيل؛‬
‫فقال‪ :‬أن الظاهر عدم وجوب االجتناب عن المالقي في هذه المسألة‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في المسألة األولى‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬لما ذكرناه في ذيل المسألة الثانية‪ ،‬من أن المدار في التنجيز إنما هو‬
‫حصول العلم بالنجاسة‪ ،‬ال وجود النجاسة الواقعي‪ ،‬فالمالقاة وإن كانت‬
‫سابقة على العلم اإلجمالي بنجاسة مرددة‪ ،‬اال أنه ال يترتب عليها‪ ،‬فبعد العلم‬
‫اآلخر‪ ،‬يتساقط األصالن‪ ،‬فيهما‬ ‫اإلجمالي بنجاسة المالقى‪ ،‬أو الطر‬
‫للمعارضة‪ ،‬ويتنجز التكليف بالعلم األول‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪12‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وذلك‪ :‬ألن العلم بالمالقاة المتأخر‪ ،‬وإن كان يوجب علماً إجمالياً بنجاسة‬
‫اآلخر‪ ،‬اال أن هذا العلم ال أثر له بالنسبة إلى الطر‬ ‫المالقي‪ ،‬أو الطر‬
‫اآلخر‪ ،‬وذلك من جهة تنجز التكليف فيه بمنجز سابق‪ ،‬وهو العلم اإلجمالي‬
‫األول‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال مان من الرجوع إلى األصل في المالقي‪ ،‬لما تقدم من أنه لو كان‬
‫العلم اإلجمالي منجزاً بمنجز سابق‪ ،‬ال أثر للعلم‬ ‫التكليف في أحد أطرا‬
‫اآلخر‪،‬‬ ‫اإلجمالي بالنسبة إليه‪ ،‬فال مان من الرجوع إلى األصل في الطر‬
‫فال يجب االجتناب عن المالقى‪.‬‬
‫اآلخر‪ ،‬بالعلم‬ ‫والمقام من هذا القبيل‪ ،‬فإن التكليف قد تنجز في الطر‬
‫السابق‪ ،‬فال مان من الرجوع إلى األصل في المالقي‪ ،‬بعد العلم اإلجمالي‬
‫الثاني الحاصل من العلم بالمالقاة‪ ،‬لعدم المعارض له‪ ،‬مطلقا في الصورتين‬
‫المفروضين في المسألة‪ ،‬بال فرق بين أن يكون زمان المعلوم باإلجمال‬
‫متحداً م زمان العلم بالمالقاة‪ ،‬أو سابقاً عليه‪ .‬هذا‪.‬‬
‫بقي الكالم فيما ذكره صاحب الكفاية (قده) من تثليث األقسام‪:‬‬
‫وأنه قد يجب االجتناب عن المالقى‪ ،‬دون المالقي‪ ،‬كما في المسألة‬
‫األولى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪12‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأنه قد يجب االجتناب عن المالقى والمالقي‪ ،‬كما في المسألة الثانية‪.‬‬


‫وأنه قد يجب االجتناب عن المالقي‪ ،‬دون المالقى‪ ،‬وذكر له موردين‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬ما إذا علم بالمالقاة‪( ،‬الثوب باإلناء األبيض) ثم علم اجماالً‬
‫بنجاسة المالقى‪ ،‬أو الطر اآلخر‪ ،‬ولكن كان المالقى حين حدوث العلم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تق المعارضة بين جريان األصل في‬ ‫خارجاً عن محل االبتالء‪ ،‬فإنه‬
‫اآلخر‪ ،‬ويسقطان بالمعارضة‪ ،‬فيجب‬ ‫المالقي وبين جريانه في الطر‬
‫االجتناب عنهما‪.‬‬
‫وأما المالقى‪( :‬اللارج عن محل االبتالء) فال يكون مجرى لألصل بنفسه‪،‬‬
‫للروجه عن محل االبتالء‪ ،‬فإنه ال يترتب على األصل الجاري فيه أثر فعلي‬
‫وعملي وقد عرفت أنه يعتبر في جريان االصل‪ ،‬ترتب أثر عملي وفعلي‬
‫عليه‪.‬‬
‫فلو فرضنا‪ :‬ان المالقى رج بعد ذلك إلى محل االبتالء‪ ،‬لم يكن مان من‬
‫الرجوع إلى األصل فيه‪ ،‬لعدم ابتالئه بالمعارض‪ ،‬لسقوط األصل في الطر‬
‫اآلخر قبل رجوعه إلى محل االبتالء‪ ،‬فيكون حال المالقى في هذا الفرض‪،‬‬
‫حال المالقي في المسألة األولى‪ ،‬من حيث كون الشك فيه شكاً في حدوث‬
‫تكليف جديد فيرج فيه األصل‪ .‬هذا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪12‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما اعتراض السيد اللوئي(قده) عليه‪:‬‬


‫التحقيق عدم تمامية ما أفاده المحقق اللراساني(قده) وذلك‪ :‬ألن اللروج‬
‫عن محل االبتالء‪ ،‬ال يمن من جريان األصل فيه‪ ،‬إذا كان له أثر عملي‬
‫فعلي‪ ،‬والمقام كذلك‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ماذكره المحقق صاحب الكفاية من تثليث اقسام في هذه‬


‫المسألة‪ ،‬وأنه قد يجب االجتناب عن المالقى‪ ،‬دون المالقي‪ ،‬كما في‬
‫المسألة األولى‪.‬‬
‫وأنه قد يجب االجتناب عن المالقى والمالقي‪ ،‬كما في المسألة الثانية‪.‬‬
‫وأنه قد يجب االجتناب عن المالقي‪ ،‬دون المالقى‪ ،‬وذكر له موردين‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬ما إذا علم بالمالقاة‪( ،‬الثوب باإلناء األبيض) ثم علم اجماالً‬
‫بنجاسة المالقى‪ ،‬أو الطرف اآلخر‪ ،‬ولكن كان المالقى حين حدوث العلم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تقع المعارضة بين جريان األصل في‬ ‫خارجاً عن محل االبتالء‪ ،‬فإنه‬
‫المالقي وبين جريانه في الطرف اآلخر‪ ،‬ويسقطان بالمعارضة‪ ،‬فيجب‬
‫االجتناب عنهما‪.‬‬
‫وأما المالقى‪( :‬الخارج عن محل االبتالء) فال يكون مجرى لألصل بنفسه‪،‬‬
‫لخروجه عن محل االبتالء‬
‫أما اعتراض السيد الخوئي(قده) عليه‪:‬‬
‫التحقيق عدم تمامية ما أفاده المحقق الخراساني(قده) وذلك‪ :‬ألن الخروج‬
‫عن محل االبتالء‪ ،‬ال يمنع من جريان األصل فيه‪ ،‬إذا كان له أثر عملي‬
‫فعلي‪ ،‬والمقام كذلك‪ ،‬فإن المالقى وإن كان خارجاً عن محل االبتالء اال‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أنه يترتب على جريان أصالة الطهارة فيه أثر فعلي‪ ،‬وهو الحكم بطهارة‬
‫مالقيه فمجرد الخروج عن محل االبتالء‪ ،‬أو عن تحت القدرة غير مانع من‬
‫جريان األصل فيه حيث يترتب عليه األثر‪.‬‬
‫غسل ثوب متنجس بماء‪ ،‬مع القطع بطهارة الماء‪ ،‬أو حتى مع الغفلة‬
‫مثاله‪ :‬ما ّ‬
‫عن طهارته ونجاسته‪ ،‬ثم انعدم ذلك الماء أو خرج عن محل االبتالء‪ ،‬ثم‬
‫شك في طهارته فال مانع من جريان أصالة الطهارة فيه‪ ،‬ليترتب الحكم‬
‫بطهارة الثوب المغسول به‪ ،‬حيث يترتب عليه األثر‪.‬‬
‫مثال الثاني‪ :‬ما لوكان هناك ماء نجس‪ ،‬فالقاه ثوب حين الغفلة عن نجاسته‪،‬‬
‫ثم انعدم ذلك الماء‪ ،‬أو خرج عن محل االبتالء فشككنا في طهارته قبل‬
‫مالقاة الثوب‪ ،‬الحتمال وصول المطر إليه‪ ،‬أو اتصاله بالكر أو الجاري‪ ،‬فإنه‬
‫ال مانع من جريان استصحاب النجاسة فيه‪ ،‬لترتيب الحكم بنجاسة الثوب‬
‫عليه‪ ،‬مع أن المستصحب خارج عن محل االبتالء‪ ،‬أو معدوم‪ .‬وهذا ال يضر‬
‫في جريان األصل‪.‬‬
‫والمقام من هذا القبيل‪ ،‬فإن المالقى وإن كان خارجاً عن محل االبتالء‪ ،‬اال‬
‫انه ال مانع من جريان أصالة الطهارة فيه في نفسه‪ ،‬لترتيب الحكم بطهارة‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مالقيه‪ ،‬اال أن العلم اإلجمالي األول بنجاسته أو نجاسة الطرف اآلخر‪ ،‬يمنع‬
‫من الرجوع إلى األصل في كل منهما فيجب االجتناب عنهما‪.‬‬
‫وأما المالقي فحكمه من حيث جريان األصل فيه‪ ،‬وعدمه فيكون على‬
‫التفصيل الذي تقدم في المسائل الثالث‪.‬‬
‫وملخصه‪ :‬أنه إذا كان العلم بالمالقاة بعد العلم اإلجمالي فال مانع من جريان‬
‫األصل فيه كما تقدم في المسألة األولى‪.‬‬
‫وإن كان العلم بالمالقاة قبل العلم اإلجمالي فيكون العلم اإلجمالي مانعاً عن‬
‫جريان األصل فيه‪ ،‬وكالم صاحب الكفاية قد فرض على الثاني‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬ما لو تعلق العلم اإلجمالي أوالً‪ :‬إما بنجاسة المالقي أو شيء‬
‫آخر‪ ،‬ثم حدث العلم بالمالقاة‪ ،‬والعلم بنجاسة المالقى أو ذلك الشيء قبل‬
‫المالقاة‪ ،‬ولو مع العلم بأن نجاسة المالقي على تقدير تحققها ناشئة من‬
‫المالقاة‪ ،‬ال غير‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما لو علم يوم السبت اجماالً بنجاسة الثوب‪ ،‬أو اإلناء الكبير ثم علم‬
‫يوم األحد بنجاسة اإلناء الكبير‪ ،‬أو اإلناء الصغير يوم الجمعة‪ ،‬وبمالقاة‬
‫الثوب لإلناء الصغير في يوم الجمعة‪ .‬الحكم‪ :‬عدم وجوب االجتناب عن‬
‫المالقى وهو االناء الصغير‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن نجاسة الثوب ولو مع عدم احتمالها‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫من غير ناحية المالقاة قد تنجزت بالعلم اإلجمالي الحادث يوم السبت‬
‫لتساقط األصليين في طرفيه للمعارضة‪ ،‬فيجب االجتناب عن المالقي وهو‬
‫الثوب‪ ،‬وعن اإلناء الكبير‪.‬‬
‫وأما المالقى‪ :‬وهو االناء الصغير فال مانع من الرجوع إلى األصل فيه لكون‬
‫الشك فيه يكون شكاً حادث ًا بعد تنجز التكليف في االناء الكبير والثوب‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬عدم تمامية ما ذكرناه هنا من وجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬دون‬
‫المالقى‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن التنجيز يدور مدار العلم اإلجمالي حدوثاً وبقاء‪ ،‬فالعلم‬
‫اإلجمالي األول الحادث يوم السبت – في المثال‪ -‬وإن أو جب تنجز‬
‫التكليف بالنسبة إلى الثوب واالناء الكبير‪ ،‬اال أنه بعد حدوث العلم‬
‫اإلجمالي يوم األحد بنجاسة االناء الكبير‪ ،‬أو االناء الصغير ينحل العلم‬
‫اإلجمالي األول‪ ،‬بالثاني‪ ،‬فيكون الشك في نجاسة الثوب شكاً في حدوث‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من‬ ‫نجاسة أخرى‪ ،‬اإلناء الصغير‪ ،‬غير ما هو معلوم اجماالً‪ ،‬فال مانع‬
‫الرجوع إلى األصل فيه‪ ،‬لخروجه عن أطراف العلم اإلجمالي بقاءاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما السيد الخوئي(قده) فقد ذهب إلى تمامية ما ذكره المحقق‬


‫الخراساني(قده) من وجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬دون المالقى‪ ،‬في‬
‫المورد الثاني‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لما ذكرناه في ذيل المسألة الثانية‪ ،‬من أن المناط في التنجيز هو العلم‬
‫اإلجمالي بالنجاسة‪ ،‬دون النجاسة بوجودها الواقعي‪ ،‬ولو لم يعلم بها‬
‫المكلف‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فنجاسة اإلناء الصغير على تقدير تحققها واقعاً‪ ،‬مما ال أثر لها من‬
‫دون العلم بها‪ ،‬وبعد تنجز التكليف في اإلناء الكبير والثوب‪ ،‬ال أثر للعلم‬
‫الثاني بنجاسة االناء الكبير‪ ،‬أو االناء الصغير‪ ،‬لكون التكليف في االناء الكبير‬
‫منجزاً بالعلم اإلجمالي األول‪ ،‬فال أثر للعلم الثاني بالنسبة إليه‪ ،‬فيجري‬
‫األصل في اإلناء الصغير بال معارض‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬وجوب االجتناب عن اإلناء الكبير‪ ،‬والثوب وهو المالقي‪ ،‬دون‬
‫االناء الصغير‪ ،‬وهو المالقى‪ ،‬فتحصل‪ :‬أن ما ذكره صاحب الكفاية(قده) من‬
‫تثليث األقسام‪ ،‬صحيح وتام‪ ،‬فاألمر دائر بين وجوب االجتناب عن المالقى‪،‬‬
‫دون المالقي‪ ،‬كما في المسألة األولى‪.‬‬
‫وجوب االجتناب عن المالقى والمالقي معاً كما في المسألة الثانية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪13‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وجوب االجتناب عن المالقي‪ ،‬دون المالقى‪ ،‬كما في المثال المذكور‪ .‬هذا‬


‫تمام الكالم في التنبيه الثاني عشر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪16‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كان كالمنا في البحوث السابقة في بيان بعض تنبيهات التي يذكر في‬
‫موارد العلم اإلجمالي‪ ،‬واكتفينا بما ذكرنا من التنبيهات‪ ،‬اآلن يقع الكالم في‬
‫المورد الثاني من موارد البحث المتقدم‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬دوران األمر بين األقل واألكثر‪ .‬ذكرنا في مستهل‬
‫مبحث (أصالة االحتياط) (وهي المرجع في موارد الشك في المكلف به)‬
‫بأن التكليف المعلوم باإلجمال تارة يتردد بين المتباينين‪ ،‬وأخرى يتردد بين‬
‫األقل واألكثر‪ ،‬فعقدنا البحث في موردين‪ :‬وقد تقدم الكالم في المورد‬
‫األول‪ ،‬وهنا نتكلم في المورد الثاني‪ .‬ثم إن الكالم في الشك ودوران األمر‬
‫بين األقل واألكثر يقع في فرعين‪ :‬الفرع األول‪ :‬في الشك ودوران األمر بين‬
‫األقل واألكثر‪ ،‬االرتباطيين (كالدين) وحصول الوفاء بمقدار األقل‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬في دورانه بين األقل واألكثر االستقاللين (كركعات الصالة‬
‫دورانها بين القصر والتمام‪.‬‬
‫أما الكالم في الفرع األول‪ :‬ال إشكال في أنه ملحق بمحل البحث والمقام‬
‫وهو مباحث األصول العملية‪( ،‬الشك في التكليف) مطلقا‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫ولكن الكالم في أن الشك في موارد دوران األمر بين األقل واألكثر‪،‬‬
‫االرتباطيين هل هو ملحق بالشك في أصل التكليف‪ ،‬حتى يكون وجوب‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مورداً للبراءة؟ أو أنه ملحق (بالشك في المكلف به) ليكون‬ ‫األكثر‬
‫مورداً لالشتغال؟ فيه قوالن‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪16‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القول األول‪ :‬الحقه بالشك في أصل التكليف وذلك نظراً إلى أن التكليف‬
‫باألقل متيقن‪ ،‬وباألكثر مشكوك فيه‪ ،‬فيجري فيه البراءة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الحقه بالشك في المكلف به‪ ،‬وذلك‪ :‬نظراً إلى وحدة التكليف‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون التكليف متيقناً‪ ،‬وإنما الشك في‬ ‫وتردده بين األقل واألكثر‪،‬‬
‫انطباقه على األقل‪ ،‬أو على األكثر‪ ،‬فيكون شكاً في المكلف به‪ ،‬ومجرى‬
‫لالحتياط‪.‬‬
‫والتحقيق في المقام يقتضي التكلم في مقامين‪ :‬المقام األول‪ :‬في دوران‬
‫األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬في األجزاء الخارجية‪ ،‬كأجزاء الصالة‪ ،‬ومبلغ‬
‫الدين ومقداره‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في دوران األمر بين األقل واألكثر في األجزاء التحليلية‪ .‬مثاله‪:‬‬
‫كدوران األمر بين االطالق والتقييد‪ ،‬ودوران األمر بين الجنس والفصل‪،‬‬
‫كما يأتي توضيحه‪ .‬أما الكالم في المقام األول‪ :‬وهو دوران األمر‬
‫بينهما في األجزاء الخارجية‪ .‬فقد وقع الخالف بين األصحاب على أقوال‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬إن المقام مجرى لقاعدة االشتغال‪ ،‬وعدم جريان البراءتين‪،‬‬
‫(العقلية والنقلية)‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬المقام يكون مجرى للبراءتين العقلية والنقلية معاً واختاره‬
‫الشيخ األنصاري (قده) وجماعة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪16‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القول الثالث‪ :‬التفصيل بجريان البراءة النقلية فقط‪ ،‬دون العقلية‪ ،‬واختاره‬
‫الخراساني وتبعه النائيني(قدهما)‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي (قده)‪ ،‬فقال‪ :‬إن تنقيح البحث يستدعي التكلم في جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬في جريان البراءة العقلية‪ ،‬وعدم جريانها‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬في جريان البراءة النقلية‪ ،‬وعدم جريانها‪.‬‬
‫أما الكالم في الجهة األلى‪ :‬فالصحيح ما ذهب إليه الشيخ االنصاري‬
‫ال عن النقلية‪ ،‬وذكر(قده) وجوهاً‬
‫(قده) من جريان البراءة العقلية فض ً‬
‫لتقريبه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ما ذكره(قده) في الرسائل من أن وجوب األقل المردد بين‬
‫النفسي والغيري‪ ،‬والغيري متقين‪ ،‬إذ لوكان األقل واجباً فقط كان وجوبه‬
‫نفسياً‪.‬‬
‫وإن كان األكثر هو الواجب‪ ،‬كان وجوب األقل في ضمنه غيرياً‪.‬‬
‫وأما وجوب األكثر في نفسه‪ ،‬فهو مشكوك فيه‪ ،‬فيجري فيه األصل (البراءة‬
‫ال)‪.‬‬
‫عق ً‬
‫ولكن تمامية هذا الوجه يتوقف على إثبات أمرين‪ :‬األول‪ :‬إمكان اتصاف‬
‫األجزاء بالوجوب الغيري واال لم يصح القول بأن وجوب األقل متيقن في‬
‫نفسه‪ ،‬ومردد بين النفسي والغيري‪ ،‬وذلك‪ :‬ألنه على تقدير عدم اتصاف‬
‫األجزاء بالوجوب الغيري ال يكون هناك اال وجوب نفسي فقط‪ ،‬شك في‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪16‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تعلقه‪ ،‬باألقل أو األكثر‪ ،‬فال علم بوجوب األقل على كل تقدير‪ ،‬ونفسي أو‬
‫غيري‪.‬‬
‫الثاني كون العلم بالوجوب الجامع بين النفسي والغيري موجباً النحالل‬
‫العلم اإلجمالي بالوجوب النفسي‪ ،‬المردد تعلقه باألقل واألكثر‪ ،‬ألنه على‬
‫تقدير عدم انحالل العلم اإلجمالي ال يكون وجوب األكثر‪ ،‬مورداً لجريان‬
‫ال وهذا واضح‪.‬‬
‫البراءة أص ً‬
‫أما األمر األول‪ :‬أي إمكان اتصاف األجزاء بالوجوب الغيري الظاهر أنه لم‬
‫يثبت بدليل بل الثابت خالف‪ ،‬أي عدم اتصافها به‪.‬‬
‫والوجه‪ :‬هو ما ثبت في بحث وجوب المقدمة من استحالة اتصاف األجزاء‬
‫بالوجوب الغيري‪ ،‬ألن الوجوب الغير ناشئ عن توقف وجود على وجود‬
‫آخر‪ ،‬وفي المقام ليس وجود المركب غير وجود األجزاء‪ ،‬حتى يتوقف‬
‫عليه من باب توقف وجود الشيء على وجود غيره‪ ،‬فيترشح من وجوب‬
‫المتوقف نفسياً وجوب المتوقف عليه غيرياً‪ ،‬بل وجود المركب عين وجود‬
‫األجزاء فال توقف وال فرق بينها اال بمجرد االعتبار واللحاظ‪ ،‬فإن األجزاء‬
‫إذا لوحظت بشرط شيء أي بشرط االنضمام‪ ،‬فهي المركب وإذا لوحظت‬
‫األجزاء ال بشرط‪ ،‬فهي األجزاء واال في الواقع ال فرق بينهما‪.‬‬
‫وأما األمر الثاني‪ :‬أي كون العلم بالوجوب الجامع بين النفسي والغيري‬
‫موجباً النحالل العلم اإلجمالي بالوجوب النفسي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪16‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪17‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره السيد الخوئي ألجل تنقيح البحث جعل البحث في‬
‫جهتين‪ :‬الجهة األولى في جريان البراءة العقلية‪ ،‬وعدم جريانها‪ ،‬والجهة في‬
‫جريان البراءة النقلية وعدم جريانها‪ ،‬في مسألة دوران األمر بين األقل‬
‫واألكثر االرتباطيين في األجزاء الخارجية‪ ،‬فذكر (قده) أن الكالم في الجهة‬
‫األولى فالصحيح هو ما ذهب إليه الشيخ األنصاري (قده) من جريان البراءة‬
‫العقلية‪ ،‬حيث ذكر الشيخ االنصاري وجوهاً لتقريب القول بجريان العقلية‬
‫ال عن النقلية‪ ،‬والسيد الخوئي(قده) أشاره إلى وجهين من تلك الوجوه‪،‬‬
‫فض ً‬
‫تقدم الكالم في الوجه األول وهو ما ورد في الرسائل من أن وجوب األقل‬
‫المردد بين النفسي والغيري‪ ،‬والغيري متقين‪ ،‬إذ لوكان األقل واجباً فقط‬
‫كان وجوبه نفسياً‪ .‬وإن كان األكثر هو الواجب‪ ،‬كان وجوب األقل في‬
‫ضمنه غيرياً‪ .‬وأما وجوب األكثر في نفسه‪ ،‬فهو مشكوك فيه‪ ،‬فيجري فيه‬
‫ال)‪ .‬السيد قال‪ :‬ان تمامية هذا الوجه يتوقف على إثبات‬
‫األصل (البراءة عق ً‬
‫امرين‪ :‬األول‪ :‬إمكان اتصاف األجزاء بالوجوب الغيري‪ .‬الثاني كون العلم‬
‫بالوجوب الجامع بين النفسي والغيري موجباً النحالل العلم اإلجمالي‬
‫بالوجوب النفسي‪ ،‬المردد تعلقه باألقل واألكثر‪ .‬تقدم الكالم في عدم تمامية‬
‫األمر األول‪.‬‬
‫وأما األمر الثاني‪ :‬أي كون العلم بالوجوب الجامع بين النفسي والغيري‬
‫موجباً النحالل العلم اإلجمالي بالوجوب النفسي‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪17‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فقد يقال فيه‪ :‬بعدم االنحالل‪ ،‬بدعوى‪ :‬أنه يعتبر في االنحالل أن يكون‬
‫المعلوم بالتفصيل من سنخ المعلوم باإلجمال‪ ،‬والمقام ليس كذلك‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المعلوم باإلجمال هو الوجوب النفسي‪ ،‬سواء أكان متعلقاً باألقل‬
‫أو باألكثر‪ ،‬والمعلوم بالتفصيل هو الوجوب الجامع بين النفسي والغيري فال‬
‫ينحل العلم اإلجمالي‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن مقتضى التحقيق هو (االنحالل)‪.‬‬
‫ال‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لما تقدم في مبحث مقدمة الواجب مفص ً‬
‫وخالصته‪ :‬أن انحالل العلم اإلجمالي وعدمه في المقام‪ ،‬يرتكزان على نقطة‬
‫أخرى وهي (جريان أصالة البراءة عن وجوب الزائد‪ ،‬وعدمه)‪ .‬وال عالقة له‬
‫باتصاف األجزاء بالوجوب الغيري‪ ،‬وعدم اتصافها به‪.‬‬
‫وبكلمة‪ :‬أن األمر بالمركب كالصالة إذا لم يكن أمر باألجزاء‪ ،‬فال موجب‬
‫لالنحالل‪ ،‬وإن كان األمر به عين األمر باألجزاء‪ ،‬كما هو كذلك تعيّن القول‬
‫باالنحالل‪ ،‬بناءاً على ما حقق من عدم المانع من جريان أصالة البراءة عن‬
‫وجوب الزائد‪ ،‬وعلى كال التقديرين‪ ،‬ال فرق بين القول بوجوب األجزاء‬
‫غيرياً‪ ،‬والقول بعدمه‪.‬‬
‫فالنتيجة‪ :‬أن التقريب المذكور في كالم الشيخ االنصاري (قده) غير تام‪ ،‬من‬
‫جهة عدم تمامية األمر األول‪ ،‬وهو دعوى اتصاف األجزاء بالوجوب‬
‫الغيري‪ ،‬وكذلك من جهة عدم تمامية األمر الثاني أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪17‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أيضاً مأخوذ من كالم الشيخ األنصاري(قده) في الرسائل‪.‬‬


‫وحاصله‪ :‬أن األقل واجب يقيناً‪ ،‬بالوجوب الجامع بين الوجوب االستقاللي‪،‬‬
‫والوجوب الضمني‪ ،‬وذلك إذ لوكان الواجب في الواقع هو األقل‪ ،‬فيكون‬
‫األقل واجباً بالوجوب االستقاللي‪ ،‬ولو كان الواجب في الواقع هو األكثر‪،‬‬
‫فيكون األقل واجباً بالوجوب الضمني‪ ،‬وذلك ألن التكليف بالمركب ينحل‬
‫إلى التكليف بكل واحد من األجزاء‪ ،‬وينبسط التكليف الواحد المتعلق‬
‫بالمركب الى تكاليف متعددة متعلقة بكل واحد من األجزاء‪ ،‬ولذا ال يكون‬
‫اآلتي بكل جزء مكلفاً بإتيانه ثانياً‪ ،‬لسقوط التكليف المتعلق به‪ ،‬بل اآلتي‬
‫بكل جزء يكون مكلفاً بإتيان جزء آخر بعده‪ ،‬لكون التكليف متعلقاً بكل‬
‫جزء‪ ،‬مشروطاً بلحوق الجزء الثاني وانضمامه بنحو الشرط المتأخر‪.‬‬
‫فتحصل‪ :‬أن تعلق التكليف باألقل معلوم‪ ،‬ويكون العقاب على تركه عقاباً‬
‫بال بيان‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ألجل ترك األجزاء‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬يكون العقاب على ترك الصالة مث ً‬
‫المعلومة‪ ،‬عقاباً مع البيان‪ ،‬وهو العلم‪ ،‬ويكون العقاب على تركها‪ ،‬ألجل‬
‫ترك األجزاء المشكوك فيها عقاباً بال بيان‪ ،‬والعقل يحكم بقبحه‪ ،‬وهذا هو‬
‫معنى (البراءة العقلية)‪.‬‬
‫أجاب السيد الخوئي(قده) أن هذا الوجه والتقريب ال بأس به‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪17‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وتوضيحه‪ :‬يستدعي التنبيه على أمر وهو أن محل الكالم في دوران األمر‬
‫بين األقل واألكثر‪ ،‬إنما هو فيما إذا كان األقل متعلقاً للتكليف بنحو ال‬
‫بشرط القسمي‪ ،‬بمعنى أنا نعلم أن الواجب لو كان هو األقل‪ ،‬ال بشرط‬
‫يضره االتيان باألكثر‪ ،‬وأما إذا كان األقل مأخوذاً في التكليف‬
‫االنضمام‪ ،‬ال ّ‬
‫يضره االتيان باألكثر‪ ،‬كما في مثال‪ :‬دوران األمر بين القصر‬
‫(بشرط ال) ّ‬
‫والتمام‪ ،‬فهو خارج عن محل الكالم‪ ،‬لكون الدوران فيه من قبيل الدوران‬
‫بين المتباينين‪ ،‬وتقدم وجوب االحتياط فيه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬الكالم في دوران األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬إنما هو فيما إذا‬
‫كان مقتضى االحتياط هو االتيان باألكثر‪ ،‬وإذا كان األقل مأخوذاً بشرط ال‪،‬‬
‫ال بل مقتضى‬
‫ال يمكن االحتياط بإتيان األكثر‪ ،‬الحتمال كون الزائد مبط ً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ هو االتيان باألقل مرة‪ ،‬وباألكثر مرة أخرى‪.‬‬ ‫االحتياط‬
‫ولذا كان مقتضى االحتياط عند الشك في القصر والتمام هو الجمع بينهما‪،‬‬
‫ال االتيان بالتمام فقط‪ ،‬وهذا هو الميزان في تمييز دوران األمر بين األقل‬
‫واألكثر‪ ،‬عن دوران األمر بين المتباينين‪.‬‬
‫فإذا عرفت محل الكالم في دوران األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬فاعلم‪ :‬أن ذات‬
‫األقل معلوم الوجوب قطعاً‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪18‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين‪ ،‬عقد السيد‬
‫الخوئي(قده) البحث في جهتين‪ ،‬الجهة األولى‪ :‬في جريان البراءة العقلية‪،‬‬
‫وعدم جريانها‪ ،‬الجهة الثانية‪ :‬في جريان البراءة النقلية وعدم جريانها‪ ،‬فإذاً‬
‫الكالم في الجهة األولى‪ :‬وهو في جريان براءة العقلية المبتنية على قبح‬
‫العقاب بال بيان‪ ،‬أو عدم جريان البراءة العقلية عند دوران األمر بين األقل‬
‫ال أو ال؟ الشيخ االنصاري (قده)‬
‫واألكثر‪ ،‬هل تجري البراءة عن األكثر عق ً‬
‫ال عن النقلية‪ ،‬فأيده على ذلك السيد‬
‫قال بجريان البراءة العقلية في المقام فض ً‬
‫الخوئي(قده) فإذاً محل الكالم في المقام هو في دوران األمر بين األقل‬
‫واألكثر االرتباطيين‪ ،‬يعني بين األقل ال بشرط‪ ،‬يعني األقل مطلقا واألكثر‬
‫كذلك‪ ،‬فإذاً هل تجري البراءة العقلية أو ال؟ البراءة لرفع وجوب األكثر عند‬
‫الشك‪ ،‬تقدم الكالم في توضيح ذلك‪.‬‬
‫فإذا عرفت محل الكالم في دوران األمر بين األقل واألكثر‬
‫فاعلم‪ :‬أن ذات األقل معلوم الوجوب قطعاً‪ ،‬وإنما الشك في أنه مأخوذ في‬
‫متعلق التكليف على نحو االطالق‪ ،‬أي بنحو (الالبشرط القسمي) أو هو‬
‫مأخوذ بنحو (بشرط شيء) وهو االنضمام مع األجزاء المشكوكة‪.‬‬
‫فإنا نعلم بوجوب ذات األقل‪ ،‬أي‪ :‬الجامع بين اإلطالق والتقييد‪ ،‬وإنما الشك‬
‫في خصوصية االطالق والتقييد‪ ،‬فإنهما وإن كانا قسمين من الماهية الجامعة‬
‫بينهما‪ ،‬اال أنه ال إشكال في كونهما قسمين بالنسبة إلى نفسيهما‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪18‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبالجملة‪ :‬تعلق التكليف بذات األقل متيقن‪ ،‬وإنما الشك في أنه واجب‬
‫مطلق‪ ،‬وبال تقييد بشيء‪ ،‬أو أنه واجب مقيداً بانضمام األجزاء المشكوكة؟‬
‫وحيث إن االطالق ال يكون تضييقاً على المكلف كما هو الظاهر‪ ،‬فال معنى‬
‫لجريان البراءة العقلية أو النقلية فيه‪ ،‬فإنه ال يحتمل العقاب في صورة‬
‫االطالق‪ ،‬حتى ندفعه بقاعدة (قبح العقاب بال بيان) أو (بحديث الرفع)‬
‫فتجري البراءة العقلية في التقييد بال معارض‪.‬‬
‫وقد ذكرنا مراراً أن تنجيز العلم اإلجمالي موقوف على تعارض األصول في‬
‫أطرافه وتساقطها وأنه لو لم يجر األصل في أحد طرفيه في نفسه فال مانع من‬
‫ٍ‬
‫حينئذ منجزاً‪.‬‬ ‫جريانه في الطرف اآلخر‪ ،‬فال يكون العلم اإلجمالي‬
‫والمقام كذلك لما عرفت من أن االطالق توسعة على المكلف‪ ،‬فال يكون‬
‫ال في التقييد‪ ،‬بال‬
‫مورداً للبراءة في نفسه‪ ،‬لعدم األثر‪ ،‬فتجري البراءة عق ً‬
‫ال عن وجو ب األكثر‪ ،‬نظير ما إذا علمنا إجماالً‬
‫معارض‪ ،‬أي البراءة عق ً‬
‫بحرمة شيء أو اباحته فهذا العلم اإلجمالي وإن كان طرفاه متباينين‪ ،‬اال أنه‬
‫حيث ال تجري البراءة العقلية وال النقلية‪ ،‬في طرف اإلباحة‪ ،‬لعدم احتمال‬
‫العقاب فيه‪ ،‬حتى يدفع بقاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬أو بحديث الرفع وأمثاله‬
‫من األدلة النقلية‪ ،‬فيكون احتمال الحرمة فقط‪ ،‬موردا لجريان البراءة العقلية‬
‫والنقلية‪ ،‬بال معارض‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪18‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فتحصل من جميع ما ذكرناه أن الصحيح هو جريان البراءة العقلية في‬


‫المقام‪.‬‬
‫ولكن ذكر بعض العلماء لجريان البراءة موانعاً‪.‬‬
‫منها ما ذكره صاحب الكفاية (قده) من استحالة انحالل العلم اإلجمالي (إما‬
‫بوجوب األقل أو األكثر) في المقام (إلى وجوب األقل والبراءة عن األكثر)‬
‫الستلزامه الخلف‪ ،‬وعدم نفسه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪19‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين وقلنا‬
‫األقوال في المسألة ثالثة‪ ،‬قول بجريان البراءة‪ ،‬قول بعدم جريان البراءة‪ ،‬قول‬
‫بتفصيل بين البراءة العقلية وبين البراءة الشرعية‪ ،‬الكالم أوالً في جريان‬
‫البراءة العقلية وعدم جريانها‪ ،‬ذكر السيد الخوئي(قده) تبعاً للمحقق‬
‫االنصاري(قده) بجريان البراءة العقلية عن وجوب األكثر المشكوك‪،‬‬
‫وخالصة ما ذكرناه في هذا المقام من جريان البراءة العقلية وهو‪ :‬أن األقل‬
‫متيقن الوجوب‪ ،‬والشك في أنه واجب مطلق و(ال بشرط) وبال تقييد عن‬
‫االنضمام أو واجب مقيد وبشرط شيء‪ ،‬االنضمام إلى األجزاء المشكوكة؟‬
‫والجواب‪ :‬أن االطالق لما لم يكن تكليفاً وتضييقاً على المكلف‪ ،‬فال معنى‬
‫لجريان البراءتين فيه؛ ألنه في صورة االطالق ال يحتمل العقاب على ترك‬
‫المشكوك بعد إحراز األقل‪ ،‬وأما التقييد وشرطية االنضمام‪ ،‬فتجري البراءة‬
‫عنه عند الشك بال معارض وهو المطلوب‪.‬‬
‫ولكن ذكر بعض العلماء موانع عن جريانها‪ ،‬منها ما ذكره صاحب الكفاية‬
‫(قده) من استحالة انحالل العلم اإلجمالي (إما بوجوب األقل أو األكثر) في‬
‫المقام (إلى وجوب األقل والبراءة عن األكثر) الستلزامه الخلف‪ ،‬وعدم‬
‫نفسه‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪19‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما األول‪ :‬فألن العلم بوجوب األقل‪ ،‬يتوقف على تنجز التكليف مطلقا‪ ،‬أي‬
‫على تقديري تعلقه باألقل‪ ،‬وتعلقه باألكثر‪ ،‬فلو كان وجوبه على كل تقدير‬
‫مستلزماً لعدم تنجزه فيما إذا كان متعلقاً باألكثر‪ ،‬كان خلفاً‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فألنه يلزم من وجود االنحالل‪ ،‬عدم تنجز التكليف على تقدير‬
‫تعلقه باألكثر‪ ،‬وهو مستلزم لعدم وجوب األقل‪ ،‬على كل تقدير‪ ،‬المستلزم‬
‫لعدم االنحالل‪ ،‬ومالك االستحالة في التقريبين واحد‪ ،‬وهو االنحالل يتوقف‬
‫على تنجز التكليف على كل تقدير‪ ،‬ومعه ال تنجز بالنسبة إلى األكثر‪ ،‬فيلزم‬
‫الخلف ومن فرض وجود االنحالل عدمه‪ .‬هذا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬عن كال التقريبين كلمة واحدة‪ ،‬وهي‪ :‬أن االنحالل ال يتوقف‬
‫على تنجز التكليف على كل تقدير‪ ،‬أي على تقدير تعلقه باألقل وتعلقه‬
‫باألكثر‪ ،‬بل االنحالل‪ ،‬وتنجز التكليف‪ ،‬بالنسبة إلى األكثر‪ ،‬متنافيان‪( ،‬فإذا‬
‫تنجز األكثر فال ينحل الى األقل)‪ ،‬ال يجتمعان‪ ،‬فكيف يكون متوقفاً عليه؟‬
‫بل االنحالل مبني على العلم بوجوب ذات األقل على تقدير‪ ،‬أي على‬
‫تقدير وجوب األقل في الواقع وبنحو االطالق‪ ،‬وعلى تقدير وجوبه في‬
‫الواقع بنحو التقييد‪.‬‬
‫فذات األقل‪ ،‬معلوم الوجوب‪ ،‬وإنما الشك في االطالق والتقييد‪ ،‬وحيث إن‬
‫مجرى لألصل في نفسه‪( ،‬على ما‬
‫ً‬ ‫االطالق ال يجري فيه البراءة‪ ،‬ال يكون‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪19‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تقدم بيانه) فيجري األصل في التقييد بال معارض‪ ،‬وينحل العلم اإلجمالي ال‬
‫ال‪.‬‬
‫محالة‪ ،‬فتجري البراءة عق ً‬
‫وهذا واضح ال غبار عليه‪ ،‬فال يكون مستلزماً للخلف‪ ،‬وال وجود االنحالل‬
‫مستلزماً لعدمه‪ ،‬وإنما نشأت هذه المغالطة‪ ،‬من أخذ التنجز على كل تقدير‬
‫شرطاً لالنحالل‪ ،‬وهذا ليس مراد القائل بالبراءة‪ ،‬بل مراده ما ذكرناه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن التكليف المعلوم المحتمل تعلقه باألقل واألكثر‪ ،‬تكليف واحد‬
‫متعلق باألجزاء‪ ،‬مقيداً بعضها ببعض ثبوتاً وسقوطاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المفروض كون األجزاء ارتباطية‪ ،‬ومعه ال يعقل سقوط التكليف‬
‫باإلضافة إلى بعض األجزاء‪ ،‬مع عدم سقوطه باإلضافة إلى بعض آخر‪،‬‬
‫لكون التكليف واحداً‪ ،‬واألجزاء ارتباطية‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يحصل القطع بسقوط التكليف بإتيان األقل‪ ،‬حتى بالنسبة إلى‬
‫نفس األقل المقطوع وجوبه الحتمال وجوب األكثر‪ ،‬واحتمال وجوبه‬
‫مالزم الحتمال عدم سقوط التكليف رأساً‪ ،‬ألنه مالزم لعدم سقوطه‬
‫باإلضافة إلى خصوص األكثر‪ ،‬فيكون المقام من موارد العلم بثبوت‬
‫التكليف‪ ،‬والشك في سقوطه‪ ،‬فيكون مجرى لقاعدة االشتغال‪ ،‬ألن العلم‬
‫بشغل الذمة‪ ،‬يقتضي العلم بالفراغ‪ ،‬وال يحصل اال بإتيان األكثر‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن الشك في السقوط يكون ناشئاً من أمرين‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪20‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مسألة دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين باألجزاء‬
‫خارجية وذكرنا أن الصحيح في المسألة والمختار هو االنحالل يعني يكون‬
‫العلم اإلجمالي بوجوب األقل أو بوجوب األكثر ينحل إلى العلم التفصيلي‬
‫والمتيقن وجوب األقل وشك في وجوب األكثر فتجري براءة العقلية‪ ،‬ألن‬
‫الشك ليس بيان‪ ،‬فإذاً األاصالة البراءة العقلية اصحيح ويجري في المقام كما‬
‫اختاره السيد الخوئي(قده) تبعاً لشيخ األنصاري (قده) ولكن ذكر العلماء‬
‫موانع‪ ،‬يعني أن مقتضي النحالل وجريان البراءة العقلية في األكثر موجود‪،‬‬
‫ولكن هناك موانع من جريان براءة العقلية في المقام‪ ،‬تقدم الكالم في ما‬
‫ذكره المحقق الخراساني (قده) حيث قال استحالة انحالل العلم اإلجمالي‬
‫في المقام ألنه يلزم من فرض االنحالل أحد المحذورين‪ ،‬إما لزوم خلف‬
‫وإما لزوم عدم نفسه‪ ،‬وقد تقدم جواب عن ذلك‪.‬‬
‫المانع الثاني‪ :‬أن التكليف المعلوم المحتمل تعلقه باألقل واألكثر‪ ،‬تكليف‬
‫واحد متعلق باألجزاء‪ ،‬مقيداً بعضها ببعض ثبوتاً وسقوطاً‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬ألن المفروض كون األجزاء ارتباطية‪ ،‬ومعه ال يعقل سقوط التكليف‬
‫باإلضافة إلى بعض األجزاء‪ ،‬مع عدم سقوطه باإلضافة إلى بعض آخر‪،‬‬
‫لكون التكليف واحداً‪ ،‬واألجزاء ارتباطية‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يحصل القطع بسقوط التكليف بإتيان األقل‪ ،‬حتى بالنسبة إلى‬
‫نفس األقل المقطوع وجوبه الحتمال وجوب األكثر‪ ،‬واحتمال وجوبه‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪20‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫مالزم الحتمال عدم سقوط التكليف رأساً‪ ،‬ألنه مالزم لعدم سقوطه‬
‫باإلضافة إلى خصوص األكثر‪ ،‬فيكون المقام من موارد العلم بثبوت‬
‫التكليف‪ ،‬والشك في سقوطه‪ ،‬فيكون مجرى لقاعدة االشتغال‪ ،‬ألن العلم‬
‫بشغل الذمة‪ ،‬يقتضي العلم بالفراغ‪ ،‬وال يحصل اال بإتيان األكثر‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن الشك في السقوط يكون ناشئاً من أمرين‪:‬‬
‫تارة‪ :‬يكون ناشئاً من الشك في اصدور الفعل من المكلف وعدم اصدوره‬
‫بعد تمامية البيان والحجة‪ ،‬من قبل المولى‪ .‬مثاله‪ :‬ما إذا علمنا بوجوب اصالة‬
‫الظهر وشككنا في إتيانها‪ ،‬ففي مثل ذلك‪ :‬تجري قاعدة االشتغال‪ ،‬بال شبهة‬
‫وال إشكال‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لتمامية البيان من قبل المولى‪ ،‬و واصول التكليف إلى المكلف‪ ،‬وإنما‬
‫حصل الشك في سقوط التكليف بعد واصوله‪ ،‬فالبد من العلم بالفراغ‪،‬‬
‫باالحتياط بحكم العقل‪ ،‬وهذا خارج عن المقام‪.‬‬
‫وأخرى‪ :‬يكون الشك ناشئاً من عدم واصول التكليف إلى المكلف‪ ،‬فال يعلم‬
‫العبد بما هو مجعول من قبل المولى‪ ،‬كما في المقام‪ ،‬فإن الشك في سقوط‬
‫التكليف بإتيان األقل‪ ،‬يكون ناشئاً من الشك في جعل المولى وتكليفه‬
‫لألكثر وعدم جعله‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪20‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ففي مثل ذلك‪ :‬كان جعل التكليف بالنسبة إلى األكثر مشكوكاً فيه‪ ،‬فيرجع‬
‫إلى األاصل العقلي‪ ،‬وهو قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬وإلى األاصل النقلي‬
‫المستفاد من مثل حديث الرفع‪.‬‬
‫فبعد االتيان باألقل‪ ،‬وإن كان الشك في سقوط التكليف واقعاً موجوداً‬
‫بالوجدان‪ ،‬الحتمال وجوب األكثر‪ ،‬اال أنه مما ال بأس به‪ ،‬بعد العلم بعدم‬
‫العقاب‪ ،‬على مخالفته‪ ،‬لعدم واصوله إلينا‪ ،‬والعقل مستقل بقبح العقاب بال‬
‫بيان‪.‬‬
‫ومنها الموانع ما ذكره المحقق النائيني(قده) من أن العلم التفصيلي بوجوب‬
‫األقل‪ ،‬إنما هو على نحو اإلهمال‪ ،‬الجامع بين االطالق والتقييد‪ ،‬مع الشك‬
‫في خصواصية االطالق والتقييد‪ ،‬وهذا المقدار من العلم التفصيلي‪ ،‬هو‬
‫المقوم للعلم اإلجمالي؛ ألن كل علم اجمالي‪ ،‬علم اجمالي بالنسبة إلى‬
‫الخصواصيات‪ ،‬وعلم تفصيلي بالنسبة إلى الجامع‪ ،‬فال يكون هذا العلم‬
‫التفصيلي موجباً لالنحالل‪ ،‬واال لزم انحالل العلم اإلجمالي بنفسه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬انحالل العلم اإلجمالي بعد كونه قضية منفصلة مانعة الخلو‪.‬‬
‫إنما يكون االنحالل بتبدلها بقضيتين حمليتين؛ إحداهما متيقنة‪ ،‬واألخرى‬
‫مشكوكة‪ ،‬كما هو الحال في األقل واألكثر االستقالليين‪ ،‬وهذا مفقود في‬
‫المقام‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪20‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وبعبارة ثالثة‪ :‬الموجب النحالل العلم اإلجمالي هو العلم التفصيلي(بوجوب‬


‫األقل بنحو االهمال) الجامع بين االطالق والتقييد‪ ،‬دون خصوص االطالق‪،‬‬
‫فهما هو موجود ال يكون موجباً النحالل‪ ،‬بل مقوم للعلم اإلجمالي‪ ،‬وما هو‬
‫موجب لالنحالل ال يكون موجوداً‪.‬‬
‫بالجملة‪ :‬العلم التفصيلي بالجامع بين الخصواصيات‪ ،‬ال يكون موجباً‬
‫النحالل‪ ،‬واال كان موجباً له المتباينين‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ألن العلم بالجامع موجود عند‬
‫دوران األمر بين المتباينين أيضاً‪( ،‬كالقصر والتمام بجامع –الصالة)‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن ما ذكره(قده) متين‪ ،‬لو قلنا باالنحالل الحقيقي‪...‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪23‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في جريان (البراءة العقلية) في مسألة دوان األمر يي األل‬


‫واألكثر االرتباطيي ‪ ،‬وذكرنا أن الدلي ‪ :‬األل متيق ‪ ،‬واألكثر مشكوك فيه‪،‬‬
‫فال يحتم معه العقاب‪ ،‬فتجري لاعدة لبح العقاب يال ييان‪ ،‬في األكثر‪،‬‬
‫وهناك وجوه أخرى‪.‬‬
‫ولك اعترض البعض وذكروا موانع‪ ،‬تقدم الكالم في ييان مانعي وردهما‪.‬‬
‫المانع الثالث‪ :‬ما ذكره المحقق النائيني(لده)‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن الموجب‬
‫النحالل العلم اإلجمالي هو (العلم التفصيلي يوجوب األل مطلقا‪ ،‬في‬
‫ضم األل أو األكثر‪ ،‬وأما الموجود في المقام (العلم التفصيلي يوجوب‬
‫األل على اإلهمال) الجامع يي االطالق ال يشرط‪ ،‬والتقييد (يشرط‬
‫االنضمام) وعليه‪ :‬فما هو موجود ال يوجب االنحالل‪ ،‬وما هو موجب‬
‫لالنحالل غير موجود‪ ،‬فالنتيجة‪ :‬أن االنحالل المزعوم غير متحقق في المقام‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن ما ذكره(لده) متي ‪ ،‬لو للنا ياالنحالل الحقيقي‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫العلم التفصيلي يالجامع المهم ‪ ،‬هو عي العلم اإلجمالي يإحدى‬
‫الخصوصيتي ‪ ،‬فكيف يكون موجباً لالنحالل الحقيقي؟ وهذا صحيح‪.‬‬
‫ولكنا نقول‪ :‬ياالنحالل الحكمي‪ ،‬يمعنى أن المعلوم ياإلجمال وإن كان‬
‫يحتم انطباله على خصوصية االطالق‪ ،‬وكذا يحتم انطباله على‬
‫خصوصية التقييد أيضاً‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪23‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اال أنه حيث تكون إحدى الخصوصيتي مجرى لألص كالتقييد‪ ،‬دون‬
‫األخرى‪ ،‬كان جريان األص في إحداهما‪ ،‬في حكم االنحالل‪ ،‬لما عرفت‬
‫م أن تنجيز العلم اإلجمالي متولف على تعارض األصول في أطرافه‪،‬‬
‫وتسالطها‪.‬‬
‫فبعد العلم يوجوب األل ينحو اإلهمال الجامع يي االطالق والتقييد‪ ،‬وإن‬
‫لم يك لنا علم يإحدى الخصوصيتي ‪ ،‬حتى يلزم االنحالل الحقيقي‪ ،‬اال أنه‬
‫حيث يكون احداهما هو التقييد مورداً لجريان األص يال معارض‪ ،‬كان‬
‫جريانه فيه دون اآلخر مانعاً ع تنجيز العلم اإلجمالي‪ ،‬فيكون يحكم‬
‫االنحالل‪ ،‬إلى وجوب األل ‪ ،‬وهذا االنحالل الحكمي ال يكون في‬
‫المتبايني ‪ ،‬لعدم جريان األص في واحد منهما فقط‪ ،‬اليتالئه يالعارض‪،‬‬
‫لجريانه فيهما‪ ،‬فإن األصلي في المتبايني يتسالطان للمعارضة‪ ،‬وهذا هو‬
‫الفارق يي المقامي ‪ .‬هذا‪.‬‬
‫ومنها ما ذكره صاحب الكفاية أخذاً م كالم الشيخ األنصاري(لدهما)‪.‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن األحكام الشرعية تايعة للمالكات في متعلقاتها م المصالح‬
‫والمفاسد‪ ،‬على ما هو الحق على مذهب العدلية‪ ،‬وحيث إنه يجب تحصي‬
‫غرض المولى يحكم العق ‪ ،‬فال مناص م االحتياط‪ ،‬واالتيان ياألكثر‪ ،‬إذ ال‬
‫يعلم يحصول الغرض عند االلتصار ياألل ‪ ،‬الحتمال دخ األكثر في‬
‫حصوله‪ ،‬فاليد م االحتياط‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪23‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ثم أجاب الشيخ األنصاري(لده) يعد االلتفات إلى ضعف هذا االشكال‪،‬‬
‫يجوايي ‪:‬‬
‫األول نقضي وجدلي‪ :‬أن الكالم في جريان البراءة وعدمه‪ ،‬في المقام‪ ،‬ال‬
‫يكون مبتنياً على مذهب العدلية القائلي يتبعية األحكام للمصالح والمفاسد‬
‫في متعلقاتها‪ ،‬ي عام‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الغرض مما ال يمك القطع يحصوله في المقام على ك تقدير‪،‬‬
‫(سواء وجوب األل أو األكثر)‪.‬‬
‫أما على تقدير االتيان ياألل ‪ ،‬فالحتمال دخ األكثر في حصوله‪.‬‬
‫وأما على تقدير االتيان ياألكثر‪ ،‬فالحتمال دخ لصد الوجه في حصوله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ فلو أتينا يالزائد ع المتيق يقصد األمر الجزمي‪ ،‬فهو تشريع محرم‬
‫ال يحص معه الغرض‪ ،‬وإن أتينا يه يقصد األمر االحتمالي فال يقطع معه‬
‫يحصول الغرض‪ ،‬الحتمال اعتبار لصد الوجه في حصوله‪ ،‬فإذاً‪ :‬ال يجب‬
‫علينا تحصي القطع يتحقق الغرض‪ ،‬وذلك‪ :‬لعدم إمكانه فال يبقى في البي‬
‫اال الحذر م العقاب‪ ،‬وتحصي المؤم منه‪ ،‬وهو يحص يإتيان األل ‪،‬‬
‫المعلوم وجويه‪ ،‬وأما األكثر فاحتمال العقاب على تركه يدفع ياألص ‪،‬‬
‫ويقاعدة لبح العقاب يال ييان‪ ،‬هذا ملخص جوايي الشيخ(لده)‬
‫وأما السيد الخوئي(لده)‪ :‬فقد نالش كال الجوايي ‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫السبت ‪23‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫أما الجواب األول‪ :‬فإنه جواب جدلي‪ ،‬ألن جواز الرجوع إلى البراءة على‬
‫مسلك األشعري‪ ،‬ال يجدي القائ يبطالنه‪ ،‬وهو م العدلية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في إشكال الكفاية على البراءة العقلية‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن األحكام‬
‫الشريعة تابعة لمالكات في المتعلق‪ ،‬وحيث يجب تحصيل غرض المولى‬
‫بحكم العقل‪ ،‬فال منا ص من االحتياط‪ ،‬بإتيان غرض المولى بحكم العقل‪،‬‬
‫فال مناص من االحتياط‪ ،‬بإتيان األكثر‪ ،‬لعدم حصول العلم بالغرض بإتيان‬
‫األقل‪ ،‬الحتمال دخل األكثر في حصول الغرض‪.‬‬
‫جواب األنصاري(قده) ال يكون القول بالبراءة مبنياً على مذهب العدلية‪ ،‬بل‬
‫هو عام يعم مذهب األشعري‪ ،‬المخالف له‪ ،‬وأن الغرض ال يمكن القطع‬
‫بحصوله في المقام مطلقا‪ ،‬سواء أتى باألقل أو باألكثر‪ .‬أما لو أتى باألقل‪،‬‬
‫فالحتمال دخل األكثر فيه‪ ،‬أما لو أتى باألكثر‪ ،‬فالحتمال دخل قصد الوجه‬
‫فيه‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فال يجب تحصيل القطع بتحقق الغرض لعدم إمكانه في المقام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ اال الحذر من العقاب وتحصيل المؤمن منه‪ ،‬والمؤمن منه‬ ‫فال يبقى‬
‫يحصل بإتيان األقل (المعلوم وجوبه) واجراء القاعدة في األكثر‪ ،‬لدفع‬
‫احتمال العقاب‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي(قده)‪ :‬فقد ناقش كال الجوابين‪:‬‬
‫أما الجواب األول‪ :‬فإنه جواب جدلي‪ ،‬ألن جواز الرجوع إلى البراءة على‬
‫مسلك األشعري‪ ،‬ال يجدي القائل ببطالنه‪ ،‬وهو من العدلية‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الثاني‪ :‬ففيه أوالً‪ :‬أن ما ذكره من عدم امكان القطع بحصول الغرض‪ ،‬لو‬
‫تم فإنما يتم في التعبديات‪ ،‬دون التوصليات‪ ،‬وذلك‪ :‬لعدم توقف حصول‬
‫الغرض فيها على قصد الوجه قطعاً فيلزم القول بالتفصيل‪ ،‬بوجوب االحتياط‬
‫في التوصليات‪ ،‬دون التعبديات‪ ،‬وهو مقطوع البطالن‪ ،‬ولم يلتزم به أحد‪،‬‬
‫حتى الشيخ نفسه‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن اعتبار قصد الوجه على القول به يختص بصورة اإلمكان بقصد‬
‫ال كما قيل‪ ،‬لعدم المعرفة بالوجه‬
‫الوجه‪ ،‬دون ما لو لم يمكن قصد الوجه أص ً‬
‫كما في المقام‪ ،‬ألن القول باعتبار قصد الوجه مطلقا‪ ،‬أمكن أو لم يمكن‬
‫مستلزم لعدم امكان االحتياط في المقام‪ ،‬ألن معنى االحتياط هو االتيان بما‬
‫يحصل معه العلم بفراغ الذمة‪ ،‬وهذا المقام مما ال يمكن العلم به‪ ،‬بناءاً على‬
‫اعتبار قصد الوجه مطلقا‪ ،‬إذ ال يحصل العلم بالفراغ باإلتيان باألقل‪،‬‬
‫الحتمال وجوب األكثر‪ ،‬وال يحصل العلم بالفراغ بإتيان األكثر‪ ،‬الحتمال‬
‫ال‪ ،‬ال باإلتيان باألقل‪ ،‬وال‬
‫اعتبار قصد الوجه‪ ،‬فال يحصل العلم بالفراغ أص ً‬
‫باإلتيان باألكثر‪ ،‬وهذا مما لم يلتزم به أحد حتى الشيخ (قده) نفسه‪ ،‬ألنه ال‬
‫خالف وال إشكال في إمكان االحتياط‪ ،‬بل ال إشكال في حسنه باإلتيان‬
‫باألكثر‪ ،‬وإنما الكالم في وجوبه‪ ،‬وعدمه‪ ،‬والسر فيه‪ :‬أن قصد الوجه على‬
‫القول بوجوبه‪ ،‬يختص بصورة اإلمكان ففي مثل المقام ال يكون واجباً قطعاً‪،‬‬
‫واال لزم بطالن االحتياط رأساً‪ ،‬وهو كما ترى‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وثالثاً‪ :‬أن احتمال اعتبار قصد الوجه‪ ،‬مما لم يدل عليه دليل وبرهان‪ ،‬بل هو‬
‫مقطوع البطالن‪ ،‬على ما تقدم بيانه في مبحث التعبدي والتوصلي‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫ورابعاً‪ :‬لو سلمنا اال أن اعتبار قصد الوجه‪ ،‬مع عدم تمامية دليله‪ ،‬إنما هو في‬
‫الواجبات االستقاللية دون الواجبات الضمنية‪ ،‬أي األجزاء كالمقام‪ ،‬فراجع‪،‬‬
‫ما ذكر العتبار قصد الوجه في مبحث التعبدي والتوصلي‪.‬‬
‫أما المحقق النائيني(قده)‪ :‬فقد أجاب عن أصل االشكال صاحب الكفاية‬
‫بإتيان األكثر احتياطاً لتحصيل الغرض‪ ،‬بما حاصله‪:‬‬
‫بأن الغرض تارة‪ :‬يكون نسبته إلى الفعل المأمور به‪ ،‬نسبة المعلول إلى علته‬
‫التامة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬كالقتل‪ ،‬بالنسبة إلى قطع األوداج‪ .‬وأخرى‪ :‬تكون نسبته إليه كنسبة‬
‫المعلول إلى العلل اإلعدادية‪ ،‬والفرق بينهما واضح‪.‬‬
‫فإن الغرض على األول‪ :‬مترتب على الفعل المأمور به رأساً ومباشرة‪ ،‬بال‬
‫توسط أمر آخر خارج عن قدرة المكلف‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬ال يترتب الغرض‬
‫على الفعل المأمور به‪ ،‬مباشرة‪ ،‬بل يتوقف على مقدمات أخرى‪ ،‬خارجة عن‬
‫قدرة المكلف كحصول (السنبل من الحبة) فإن الفعل الصادر من المكلف‬
‫هو الزرع والسقي ونحوهما من المقدمات اإلعدادية‪ ،‬وأما حصول السنبل‬
‫فيتوقف على مقدمات أخرى خارجة عن قدرة المكلف كحرارة الشمس‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وعليه‪ :‬فلو علمنا بأن الغرض يكون من‬
‫وحبوب الرياح وغيرهما‪ ،‬مث ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫القسم األول يجب القطع بحصول الغرض بال فرق بين أن يكون األمر في‬
‫مقام االثبات والداللة‪ ،‬متعلقاً بنفس الغرض أو بعلته‪ ،‬ففي مثله لو دار األمر‬
‫ال‬
‫بين األقل واألكثر‪ ،‬كان مورداً لالحتياط‪ ،‬فيجب االتيان باألكثر‪ ،‬تحصي ً‬
‫للقطع بغرض المولى‪.‬‬
‫ولو علمنا‪ :‬بأن الغرض يكون من القسم الثاني‪ ،‬فال إشكال في أن حصول‬
‫الغرض ليس متعلقاً للتكليف‪ ،‬لعدم صحة التكليف بغير المقدور‪ ،‬فال يجب‬
‫على المكلف اال االتيان بما أمر به المولى‪ ،‬وهو نفس الفعل المأمور به‪ ،‬من‬
‫الزرع والسقي‪ ،‬وفي مثله لو دار األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬وجب االتيان‬
‫باألقل‪ ،‬للعلم بوجوبه على كل تقدير‪ ،‬وكان وجوب األكثر مورداً لألصل‬
‫لعدم العلم به‪.‬‬
‫أما لو شككنا في ذلك‪ :‬ولم نعلم بأن الغرض يكون من القسم األول‪ ،‬ليجب‬
‫االحتياك‪ ،‬عند دوران األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬أو من القسم الثاني‪ ،‬ليرجع‬
‫إلى أصالة البراءة عن األكثر‪ ،‬فال مناص من الرجوع إلى األمر والدليل‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‪ :‬فإن كان األمر متعلقاً بالغرض‪ ،‬كاألوامر المتعلقة بالطهارة من‬
‫الحدث‪ ،‬كما في مثل قوله تعالى‪ِ « :‬إ ْن كُنْت ُ ْم ُجنُباً فَ َّ‬
‫اط َّه ُروا‪ »)1( ...‬يستكشف‬
‫منه كون الغرض مقدوراً لنا ألنه لم يكن مقدوراً‪ ،‬لم يأمر المولى‪ ،‬الحكيم‬
‫به‪ ،‬لقبح التكليف لغير المقدور‪ ،‬فيجب االحتياط عند دوران األمر بين األقل‬

‫(‪ )1‬المائدة ‪ ،‬اآلية‪6 :‬‬


‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫ال للعلم بغرض المولى‪ ،‬وإن كان األمر متعلقاً بفعل‬


‫واألكثر‪ ،‬تحصي ً‬
‫المأموربه‪ ،‬كاألوامر المتعلقة بالصالة والصوم ونحوها‪ ،‬يستكشف منه كون‬
‫الغرض غير مقدور لنا‪ ،‬واال كان تعلق األمر به أولى من تعلقه بالمقدمة‪ ،‬بدالً‬
‫عن ذيها‪ ،‬فال يجب االحتياط عند دوران األمر بين األقل واألكثر‪.‬‬
‫والمقام من هذا القبيل‪ :‬فإن األمر قد تعلق بنفس الفعل المأموربه « أقيموا‬
‫الصالة» ويستكشف منه‪ :‬أن الغرض ليس متعلقاً للتكليف‪ ،‬فال يجب علينا‬
‫اال االتيان بما علم تعلق التكليف به‪ ،‬وهو األقل‪ ،‬وأما األكثر‪ ،‬فيرجع فيه‬
‫األصل‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬ما تقدم في مبحث مقدمة الواجب من أن المترتب على المأموربه‪،‬‬
‫غرضان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الغرض األقصى الذي نسبته إلى المأموربه‪ ،‬نسبة المعلول إلى العلل‬
‫األعدادية‪ ،‬فليس مقدوراً للمكلف‪ ،‬وال متعلقاً للتكليف‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬الغرض االعدادي الذي نسبته إلى الفعل المأموربه نسبة المعلول إلى‬
‫علته التامة‪ ،‬وقد يعبر عنه في كالم بعض االساطين‪( ،‬بسد باب العدم) من‬
‫ناحية هذه المقدمة‪ ،‬أي‪ :‬الفعل المأموربه‪.‬‬
‫ال للعلم‬
‫فعلى القول‪ :‬بوجوب تحصيل الغرض يجب االتيان باألكثر تحصي ً‬
‫بهذا الغرض‪ ،‬الذي تكون نسبته إلى المأموربه‪ ،‬نسبة المعلول إلى علته التامة‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األحد ‪24‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فكون الغرض األقصى خارجاً عن قدرة المكلف‪ ،‬ال يفيد في دفع االشكال‪،‬‬
‫بعد االلتزام بوجوب االحتياط‪ ،‬فيما إذا كان الغرض مترتباً على المأموربه‪،‬‬
‫ترتب المعلول على العلة التامة‪ ،‬ألن الغرض االعدادي الذي نشك في‬
‫حصوله‪ ،‬باتيان األقل‪ ،‬يكفي لوجوب االحتياط‪ ،‬واالتيان باألكثر‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬أفاد‪ :‬أن الصحيح في الجواب عن االشكال الكفاية‬
‫أن يقال‪:‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪25‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في ما ذكره المحقق النائيني(قده) عن الكالم صاحب الكفاية‬


‫(قده) بأنه يجب اتيان األكثر‪ ،‬احتياطاً لتحصيل الغرض‪ ،‬ألن تحصيل‬
‫الغرض يكون واجباً وذكر بأن الغرض تارة‪ :‬يكون نسبته إلى الفعل المأمور‬
‫به‪ ،‬نسبة المعلول إلى علته التامة‪ .‬مثاله‪ :‬كالقتل‪ ،‬بالنسبة إلى قطع األوداج‪.‬‬
‫وأخرى‪ :‬تكون نسبته إليه كنسبة المعلول إلى العلل اإلعدادية‪ ،‬والفرق بينهما‬
‫واضح‪ .‬فإن الغرض على األول‪ :‬مترتب على الفعل المأمور به رأساً ومباشرة‪،‬‬
‫بال توسط أمر آخر خارج عن قدرة المكلف‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬ال يترتب‬
‫الغرض على الفعل المأمور به‪ ،‬مباشرة‪ ،‬بل يتوقف على مقدمات أخرى‪،‬‬
‫خارجة عن قدرة المكلف كحصول (السنبل من الحبة) فإن الفعل الصادر‬
‫من المكلف هو الزرع والسقي ونحوهما من المقدمات اإلعدادية‪ ،‬وأما‬
‫حصول السنبل فيتوقف على مقدمات أخرى خارجة عن قدرة المكلف‬
‫ال‪ ،‬فلو علمنا بأن الغرض‬
‫كحرارة الشمس‪ ،‬وحبوب الرياح وغيرهما‪ ،‬مث ً‬
‫يكون من القسم األول يجب القطع بحصول الغرض‪ ،‬وإن علمنا بأن الغرض‬
‫يكون من القسم الثاني‪ ،‬فال إشكال في أن حصول الغرض ليس متعلقاً‬
‫للتكليف‪ ،‬لعدم صحة التكليف بغير المقدور‪ .‬أما لو شككنا في ذلك‪ :‬ولم‬
‫نعلم بأن الغرض يكون من القسم األول‪ ،‬ليجب االحتياط‪ ،‬عند دوران األمر‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪25‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫بين األقل واألكثر‪ ،‬أو من القسم الثاني‪ ،‬ليرجع إلى أصالة البراءة عن األكثر‪،‬‬
‫فال مناص من الرجوع إلى األمر والدليل‪.‬‬
‫أما السيد الخوئي(قده)‪ :‬أفاد‪ :‬أن الصحيح في الجواب عن االشكال الكفاية‬
‫أن يقال‪:‬‬
‫إنه إن كان الغرض بنفسه متعلقاً للتكليف كما إذا أمر المولى بقتل زيد ففي‬
‫ال له‬
‫مثل ذلك يجب على المكلف إحراز حصوله واالتيان بمايكون محص ً‬
‫يقيناً‪ ،‬وأما إن كان التكليف متعلقا بالفعل المأموربه‪ ،‬فال يجب على العبد اال‬
‫االتيان بما أمر به المولى‪ ،‬وأما كون المأموبه وافياً بغرض المولى‪ ،‬فهو من‬
‫وظائف المولى‪ ،‬فعليه أن يأمر العبد بما يفي بغرضه‪.‬‬
‫فلو فرض عدم تمامية البيان من قبل المولى‪ ،‬ال يكون تفويت الغرض‬
‫مستنداً إلى العبد‪ ،‬فال يكون العبد مستحقاً للعقاب‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬ال يزيد الغرض على أصل التكليف‪ ،‬فكما أن التكليف الذي لم‬
‫يقم عليه بيان من المولى‪ ،‬مورد لقاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬كذلك الغرض‬
‫الذي لم يقم عليه بيان من المولى‪ ،‬مورد لقاعدة قبح العقاب بال بيان‪.‬‬
‫فإذا دار األمر بين األقل واألكثر‪ ،‬فكما أن التكليف بالزائد على القدر‬
‫المتيقن مما لم تقدم عليه حجة من قبل المولى‪ ،‬فيكون العقاب عليه عقاباً‬
‫بال بيان‪ ،‬فكذلك الغرض المشكوك ترتبه على األقل أو األكثر‪ ،‬فإنه على‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪25‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تقدير ترتبه على األقل‪ ،‬كانت الحجة عليه تامة‪ ،‬وصح العقاب على تقويته‬
‫بترك األقل‪ ،‬وعلى تقدير ترتبه على األكثر‪ ،‬لم تقم عليه الحجة‪ ،‬من قبل‬
‫المولى‪ ،‬وكان العقاب على تفويته بترك األكثر‪ ،‬عقاباً بال بيان‪.‬‬
‫هذا كله بناءاً على ما هو المشهور من مذهب العدلية‪ ،‬القائلين بتبعية األحكام‬
‫للمالكات في متعلقاتها‪ ،‬وأما على القول بكونها تابعة للمصالح في نفسها‬
‫كما مال إليه صاحب الكفاية(قده) في بعض كلماته‪ ،‬وكما هو الحال في‬
‫األحكام الوضعية‪ ،‬مثل الملكية والزوجية ونحوهما‪ ،‬فاإلشكال مندفع من‬
‫أصله‪ ،‬كما هو واضح‪.‬‬
‫هذا تمام كالمنا في صحة جريان البراءة العقلية في مسألة دوران األمر بين‬
‫األقل واألكثر‪.‬‬
‫وأما الكالم في الجهة الثانية‪ :‬وهي في جريان البراءة الشرعية وعدمه‪.‬‬
‫وملخص الكالم فيه‪ :‬أنه إن قلنا بجريان البراءة العقلية في المسألة كما هو‬
‫الصحيح‪ ،‬فال ينبغي االشكال في جريان البراءة الشرعية‪ ،‬أيضاً بمالك واحد‪،‬‬
‫وهو عدم جران األصل في اإلطالق‪ ،‬باعتبار كونه سعة على المكلف‪ ،‬وال‬
‫يكون تضييقاً عليه ليشمله (حديث الرفع) فيجري األصل في التقييد بال‬
‫معارض‪ ،‬فكما قلنا‪ :‬إن األصل عدم التقييد بمعنى قبح العقاب عليه‪ ،‬لعدم‬
‫البيان‪ ،‬كذلك نقول‪ :‬برفع المؤاخذة على التقييد‪ ،‬لكونه مما ال يعلم فيشمله‬
‫حديث الرفع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫اإلثنين ‪25‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإن قلنا‪ :‬بعدم جريان البراءة العقلية‪ ،‬وعدم انحالل العلم اإلجمالي ففي‬
‫جواز الرجوع إلى البراءة الشرعية وعدمه وجهان‪ :‬ذهب الخراساني‬
‫والنائيني(قدهما) إلى األول‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪26‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫كان كالمنا في مبحث األصولي في الجهة الثانية وهي في جريان البراءة‬


‫الشرعية وعدم جريانها‪ ،‬وفي الجهة األولى كان الكالم في جريان البراءة‬
‫العقلية وعدم جريانها‪ ،‬وذكرنا أن السيد الخوئي(قده) ومدرسته إنما ذهبوا‬
‫إلى جريان البراءة العقلية‪ ،‬وفي الجهة األولى تبعاً لشيخ األنصاري خالفاً‬
‫لصاحب الكفاية والنائيني(قدهما) وأما الكالم في الجهة الثانية في جريان‬
‫البراءة الشرعية وعدم جريانها‪ ،‬لحديث الرفع‪.‬‬
‫وملخص الكالم في هذه الجهة هو‪ :‬أنه ذكر السيد الخوئي(قده) في‬
‫تقريراته أنه إذا قلنا بجريان البراءة العقلية في المسألة (دوران األمر بين‬
‫األقل واألكثر االرتباطيين) فإذاً ال إشكال في جريان البراءة الشرعية في‬
‫هذه المسألة أيضاً‪ ،‬ألن المالك واحد‪( ،‬وهو عدم جريان األصل في جهة‬
‫اإلطالق األقل ال بشرط‪ ،‬وجريان األصل فقط في طرف اآلخر وهو جهة‬
‫التقييد بال معارض)‪ .‬وملخص الكالم فيه‪ :‬أنه إن قلنا بجريان البراءة العقلية‬
‫في المسألة كما هو الصحيح‪ ،‬فال ينبغي االشكال في جريان البراءة الشرعية‪،‬‬
‫أيضاً بمالك واحد‪ ،‬وهو عدم جران األصل في اإلطالق‪ ،‬باعتبار كونه سعة‬
‫على المكلف‪ ،‬وال يكون تضييقاً عليه ليشمله (حديث الرفع) فيجري األصل‬
‫في التقييد بال معارض‪ ،‬فكما قلنا‪ :‬إن األصل عدم التقييد بمعنى قبح العقاب‬
‫عليه‪ ،‬لعدم البيان‪ ،‬كذلك نقول‪ :‬برفع المؤاخذة على التقييد‪ ،‬لكونه مما ال‬
‫يعلم فيشمله حديث الرفع‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪26‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وإن قلنا‪ :‬بعدم جريان البراءة العقلية‪ ،‬وعدم انحالل العلم اإلجمالي ففي‬
‫جواز الرجوع إلى البراءة الشرعية وعدمه وجهان‪ :‬ذهب الخراساني‬
‫والنائيني(قدهما) إلى األول‪.‬‬
‫أما المحقق النائيني(قده)‪ :‬فقد ذكر في وجه جريان البراءة الشرعية ما‬
‫حاصله‪ :‬أن مفاد حديث الرفع ونحوه‪ ،‬عدم التقييد في مرحلة الظاهر‪ ،‬فيثبت‬
‫به االطالق ظاهراً‪ ،‬ألن عدم التقييد هو عين االطالق‪ ،‬باعتبار أن التقابل‬
‫بينهما هو من باب تقابل العدم والملكة‪ ،‬فاإلطالق هو عدم التقييد في مورد‬
‫كان صالحاً للتقييد‪ ،‬فبضميمة مثل حديث الرفع إلى أدلة األجزاء والشرائط‪،‬‬
‫يثبت االطالق‪ ،‬في مرحلة الظاهر‪.‬‬
‫وأما صاحب الكفاية(قده) فذكر في وجه الرجوع إلى البراءة الشرعية ما‬
‫حاصله‪ :‬أن عموم مثل حديث الرفع‪ ،‬قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته‪،‬‬
‫فمثله يرتفع االجمال والتردد‪ ،‬عما تردد أمره بين األقل واألكثر‪ ،‬ويعيّنه في‬
‫األول‪.‬‬
‫والتحقيق‪ :‬عدم صحة التفكيك بين البراءة العقلية‪ ،‬والشرعية‪ ،‬وأنه على‬
‫تقدير عدم جريان البراءة العقلية كما هو المفروض‪ ،‬ال مجال لجريان البراءة‬
‫الشرعية أيضاً‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن عمدة ما توهم كونه مانعاً عن جريان البراءة‬
‫العقلية أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬لزوم تحصيل الغرض المردد ترتبه على األقل واألكثر‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪26‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫الثاني‪ :‬أن األقل المعلوم وجوبه على كل تقدير‪ ،‬هو الطبيعة المرددة بين‬
‫االطالق والتقييد‪ ،‬فكل من االطالق والتقييد مشكوك فيه‪ ،‬فال ينحل العلم‬
‫اإلجمالي لتوقفه على اثبات االطالق‪ ،‬فمالم يثبت االطالق كان العلم‬
‫اإلجمالي باقياً على حاله‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬يكون الشك في سقوط التكليف بإتيان األقل‪ ،‬ال في ثبوته‪ ،‬فيكون‬
‫ال من هذين‬
‫مجرى لقاعدة االشتغال‪ ،‬دون قاعدة البراءة‪ ،‬والظاهر أن ك ً‬
‫الوجهين لو تم لكان مانعاً عن الرجوع إلى البراءة الشرعية أيضاً‪.‬‬
‫أما الوجه األول‪ :‬فألن الغرض الواصل بالعلم اإلجمالي لو لزم تحصيله‬
‫مطلقا‪ ،‬على كل تقدير‪ ،‬كما هو المفروض‪ ،‬فال ينفع الرجوع إلى مثل‬
‫حديث الرفع‪ ،‬مع الشك في حصول الغرض بإتيان األقل‪ ،‬إذ غاية ما يدل‬
‫عليه حديث الرفع ونحوه هو رفع الجزئية عن الجزء المشكوك فيه ظاهراً‪،‬‬
‫بمعنى عدم العقاب على تركه‪ ،‬ومن المعلوم أن رفع الجزئية عن الجزء‬
‫المشكوك فيه ظاهراً ال يدل على كون الغرض مترتباً على األقل جزماً‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬أصالة عدم جزئية المشكوك‪ ،‬ال يترتب عليها كون الغرض‬
‫مترتباً على األقل‪ ،‬لعدم كونه من آثاره الشرعية‪ ،‬فإحراز كون الغرض مترتباً‬
‫على األقل بها مبني على القول باألصل المثبت‪ ،‬وال نقول به‪ ،‬فيجب االتيان‬
‫باألكثر‪ ،‬إلحراز حصول الغرض وهو االحتياط‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪26‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫وأما الوجه الثاني‪ :‬فألن جريان البراءة عن األكثر أي‪ :‬عن تقييد األقل‬
‫بانضمام األجزاء المشكوك فيها‪ ،‬ال يثبت تعلق التكليف باألقل على نحو‬
‫االطالق اال على القول باألصل المثبت‪ ،‬وذلك‪ :‬لما تقدم من أن التقابل بين‬
‫االطالق والتقييد‪ ،‬يحسب مقام الثبوت هو تقابل التضاد‪ ،‬إذن االطالق‬
‫بحسب مقام الثبوت عبارة عن لحاظ الطبيعة بنحو السريان والشمول‪،‬‬
‫والالبشرط القسمي‪ ،‬والتقييد عبارة عن لحاظها بشرط شيء‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫أن الطبيعة الملحوظة بنحو ال بشرط‪ ،‬مضاد ٌة‪ ،‬مع الطبيعة بشرط شيء‪ ،‬ومع‬
‫كون التقابل بين االطالق والتقييد من تقابل التضاد‪ ،‬فال يمكن اثبات‬
‫االطالق بنفي التقييد ألنه أصل مثبت‪ ،‬ومعه ال ينحل العلم اإلجمالي‬
‫المقتضي لوجوب االحتياط‪ ،‬فال تجري البراءة النقلية‪ ،‬كما ال تجري البراءة‬
‫العقلية‪.‬‬
‫نعم‪ :‬بناءاً على ما تقدم من أن انحالل العلم اإلجمالي ال يحتاج إلى إثبات‬
‫االطالق‪ ،‬بل يكفيه جريان األصل في أحد الطرفين بال معارض‪ ،‬جرت‬
‫البراءة العقلية والنقلية في المقام‪ ،‬بمالك واحد‪ ،‬وهو عدم جريان األصل في‬
‫االطالق‪.‬‬
‫فتلخص مما ذكرناه‪ :‬عدم صحة التفكيك بين البراءة العقلية والنقلية في‬
‫ال كما اختاره الشيخ‬
‫ال ونق ً‬
‫المقام‪ .‬فال بد من القول بجريان البراءة عق ً‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫الثالثاء ‪26‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫األنصاري(قده) وهو الصحيح على ما تقدم‪ .‬أو االلتزام بقاعدة االشتغال‪،‬‬


‫وعدم جواز الرجوع إلى البراءتين العقلية والنقلية‪ ،‬فال وجه للتفصيل‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪27‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫تحصل من جميع ما ذكرناه في دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين‬


‫لو كان تردد في األجزاء الخارجية والشرائط ال وجه لتفكيك بين جريان‬
‫البراءة العقلية وبين جريان البراءة الشرعية‪ ،‬فال بد من القول إما بجريان‬
‫ال‪ ،‬كما اختاره الشيخ االنصاري والسيد الخوئي(قدهما) أو‬
‫ال ونق ً‬
‫البراءة عق ً‬
‫االلتزام بقاعدة االشتغال وعدم جواز الرجوع الى البراءتين العقلية والنقلية‬
‫وأنه ال وجه لتفصيل المذكور من بعض العلماء‪ .‬هناك تنبيه‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬ذكر صاحب الكفاية(قده) في المقام إشكاالً وحاصله‪ :‬أنه بعد فرض‬
‫جريان البراءة الشرعية عن وجوب األكثر‪ ،‬كيف يمكن االلتزام بوجوب‬
‫األقل؟ وال دليل عليه فإن األدلة األولية تدل على وجوب المركب التام‪،‬‬
‫وبعد رفع جزئية الجزء المشكوك فيه بمثل حديث الرفع فال يبقى دليل على‬
‫وجوب الباقي‪.‬‬
‫أجاب عنه‪ :‬بأن نسبة حديث الرفع إلى أدلة األجزاء والشرائط نسبة االستثناء‬
‫إلى المستثنى منه‪ ،‬فبضميمته إليها يحكم باختصاص الجزئية بغير حال‬
‫الجهل‪ ،‬عدم العلم‪.‬‬
‫وقال السيد الخوئي(قده)‪ :‬إن وجوب األقل ال يحتاج إلى دليل آخر‪ ،‬فإن‬
‫نفس العلم اإلجمالي بوجوب األقل المردد بين كونه بنحو االطال أو‬
‫التقييد‪ ،‬كاف في وجوبه‪ ،‬وعليه‪ :‬فاإلشكال المذكور‪ ،‬وجوابه ساقطان من‬
‫أصله‪.‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪27‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫والظاهر‪ :‬أن منشأ االشكال كان من جهة الخلط بين الجهل والنسيان‬
‫واالضطرار واإلكراه‪ ،‬فإنه في باب االضطرار‪ ،‬بعد رفع جزئية بعض األجزاء‬
‫اضطروا إليه» يحتاج وجوب الباقي‬
‫ّ‬ ‫لالضطرار إلى تركه‪ ،‬بقوله(ص)‪« :‬وما‬
‫إلى الدليل ألن األدلة األولية إنما دلت على وجوب المركب التام‪ ،‬وبعد‬
‫رفع اليد عنها ألدلة الضطرار‪ ،‬لم يبق دليل على وجوب بقية األجزاء‪ ،‬وكذا‬
‫الحال في باب اإلكراه والنسيان‪.‬‬
‫نعم‪ :‬االشكال المذكور وارد في هذه الموارد‪ ،‬وال مدفع له‪ ،‬وال يفيد ما ذكر‬
‫صاحب الكفاية(قده) في مقام الجواب عنه‪ ،‬من أن نسبة حديث الرفع إلى‬
‫أدلة األجزاء والشرائط‪ ،‬هي نسبة االستثناء إلى المستثنى منه‪ ،‬وذلك‪ :‬ألن‬
‫النسبة المذكورة إنما تتم بعد ما دل دليل على وجوب التقية‪.‬‬
‫ال في وجود هذا الدليل‪ ،‬ال يمكن إثباته‪ ،‬أي اثبات وجوب‬
‫والكالم فع ً‬
‫التقية‪ ،‬بنفس حديث الرفع‪ ،‬فإن مفاده نفي وجوب ما اضطر إليه‪ ،‬ال اثبات‬
‫وجوب بقية األجزاء والشرائط‪ ،‬فبعد رفع اليد عن األدلة األولية‪ ،‬الدالة على‬
‫المركب التام‪ ،‬ألجل االضطرار‪ ،‬لم يبق دليل على وجوب البقية‪.‬‬
‫نعم لو دل دليل خاص‪ ،‬على وجوب البقية‪ ،‬في مورد كما في الصالة‪ ،‬فإنها‬
‫ال تسقط بحال‪ ،‬يكون هو المتبع‪ ،‬أو تمت قاعدة الميسور كبرى وصغرى‪،‬‬
‫فيعمل بها واال فيشكل الحكم بوجوب البقية‪ ،‬كما في (الصوم)‪ ،‬فإنه بعد‬
‫اإلفطار في بعض أجزاء اليوم‪ ،‬ألجل االضطرار‪ ،‬ال دليل على وجوب‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪27‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫اإلمساك في بقية أجزاء ذلك اليوم‪ ،‬و أوضح منه الوضوء فيما إذا لم يكن‬
‫الماء كافياً لغسل جميع األعضاء‪ ،‬فإنه ال دليل على وجوب سسل بعض‬
‫األعضاء دون بعض اآلخر‪ ،‬وقد عرفت أن كل ذلك أجنبي عن المقام‪ ،‬ألن‬
‫العلم اإلجمالي‪ ،‬بوجوب األقل المردد بين كونه بنحو االطال أو بنحو‬
‫التقييد‪ ،‬كاف في إثبات وجوب األقل‪ ،‬بال حاجة إلى دليل آخر‪.‬‬
‫وهذا تمام كالمنا في الجهتين اللتين عقدنا هما لبيان جريان البراءة العقلية‪،‬‬
‫وكذا البراءة الشرعية عند دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين في‬
‫األجزاء الخارجية‪ ،‬وقلنا الصحيح جريانهما معاً وقد وضحنا الدليل عليه‪.‬‬
‫وهذا تمام كالمنا في المقام األول وسيأتي الكالم في المقام الثاني‪ ،‬وهو‬
‫دوران األمر بين األقل واألكثر االرتباطيين في األجزاء التحليلية‪ ،‬إن شاء هّال‪.‬‬
‫بقي شيء هنا‪ :‬وهو الكالم في االستصحاب‪ ،‬فقد تمسك به لالشتغال مرة‪،‬‬
‫وللبراءة أخرى‪.‬‬
‫أما التمسك به لالشتغال فتقريبه‪ :‬أن التكليف متعلق بما هو مردد بين األقل‬
‫واألكثر‪ ،‬وعليه‪ :‬يكون الواجب مردداً بين ما هو مقطوع البقاء‪ ،‬أي األكثر‪،‬‬
‫وبين ما هو مقطوع االرتفاع أي األقل‪ ،‬فان التكليف لو كان متعلقاً باألقل‬
‫فهو مرتفع باإلتيان باألقل يقيناً‪ ،‬ولو كان متعلقاً باألكثر‪ ،‬فهو با يقيناً‪ ،‬وبعد‬
‫االتيان باألقل‪ ،‬نشك في سقوط التكليف‪ ،‬المتيقن ثبوته قبل االتيان باألقل‪،‬‬
‫األصول‪ :‬مبحث األصول العملية‬
‫األربعاء ‪27‬ج‪1442:-2‬‬ ‫‪l‬‬ ‫األستاذ الشيخ محمد جواد المهدوي‬

‫فيستصحب بقاءاً التكليف‪ ،‬فقط‪ ،‬وهذا من مصاديق القسم الثاني من أقسام‬


‫االستصحاب الكلي‪ ،‬المتفق جريان االستصحاب فيه‪.‬‬
‫وبعد جريان‪ :‬هذا االستصحاب والحكم ببقاء التكليف تعبداً‪ ،‬يحكم العقل‬
‫ال للعلم بالفراغ‪ ،‬ال أنه يترتب الحكم بوجوب‬
‫بوجوب االتيان باألكثر تحصي ً‬
‫األكثر على نفس االستصحاب‪ ،‬تعبداً حتى يكون مثبتاً‪ ،‬بالنسبة إليه‪.‬‬
‫بل المرتب على االستصحاب هو الحكم ببقاء التكليف فقط‪ ،‬واما وجوب‬
‫االتيان باألكثر فإنما هو يحكم العقل بعد اثبات االشتغال بقاء التكليف‪،‬‬
‫وذلك للمالزمة بين بقاء التكليف‪ ،‬وحكم العقل بوجوب تحصيل العلم‬
‫بالفراغ‪ ،‬وهذا ساية تقريب االستدالل باالستصحاب لالشتغال‪.‬‬
‫وأورد السيد الخوئي(قده)‪:‬‬

You might also like