You are on page 1of 59

‫مفاهيم أساسية حول السياسة اإلقتصادية‬

‫‪ :1-1‬تمهيد ‪......................................................................................................................................................‬‬
‫‪ : 2-1‬مفهوم السیاسة اإلقتصادیة ‪................................................................................................................‬‬
‫‪ : 3-1‬أهداف السیاسة اإلقتصادیة ‪...............................................................................................................‬‬
‫‪ : 4-1‬مبادئ السیاسة اإلقتصادیة ‪................................................................................................................‬‬
‫‪ : 5-1‬طبيعة السیاسة اإلقتصادیة ‪................................................................................................................‬‬
‫‪ : 6-1‬بناء السياسة اإلقتصادية ‪.....................................................................................................................‬‬
‫‪ : 7-1‬قضايا في السیاسة اإلقتصادیة ‪............................................................................................................‬‬
‫‪ :8-1‬مناهج تفعيل السياسة اإلقتصادية ‪......................................................................................................‬‬
‫تمهيد‬

‫ليس هناك تعريف متفق عليه بين الباحثين في شأن السياسات االقتصادية وإن اتفقوا على أنها‬
‫وسيلة من وسائل الحكومات في التدخل في النشاط اإلقتصادي لتحقيق املنفعة العامة‪ .‬ومن الواضح‬
‫أن مفهوم املنفعة العامة يختلف باختالف املجتمعات من حيث طبيعة نظامها االقتصادي‬
‫والسياس ي واالجتماعي والثقافي والتي تعتبر جميعها محددات للسياسة االقتصادية يصعب على‬
‫واضع السياسة االقتصادية تجاوزها بل يمكن اعتبارها جميعا مؤشرات ملدى النجاح الذي يمكن‬
‫توقعه لها في أرض الواقع فبالقدر الذي تتوافق فيه إجراءات ووسائل السياسة االقتصادية مع تلك‬
‫املحددات يكون النجاح لها أقرب للتوقع والعكس بالعكس‪ .‬ويجب التنويه هنا إلى أن السياسة‬
‫االقتصادية ليست هي علم االقتصاد السياس ي فالثاني يعنى بدراسة الظواهر االقتصادية من حيث‬
‫هي بهدف اكتشاف مسبباتها وطرق التحكم بها واألولى وسيلة من وسائل تفعيل املعرفة البشرية حول‬
‫الظاهرة االقتصادية للتعامل معها بكفاءة للوصول إلى تحقيق منظومة من األهداف املجتمعية‬
‫النهائية‪.‬‬
‫مفهوم السیاسة اإلقتصادیة‬
‫يعرف اإلقتصادي الهولندي جان تنبرقن ‪ 1)1903-1994( Jan Tinbergen‬السیاسة‬
‫اإلقتصادیة بأنها عبارة عن‪" :2‬منظومة قرارات تعكس العالقة بين أهداف صانعي القرار‬
‫التي ال يستطيعون التحكم فيها بصفة مباشرة‪ ،‬وبين األدوات التي تضمن تحكمهم بها"‪،‬‬
‫ووفقا لهذا التعريف فإن السیاسة اإلقتصادیة عبارة عن مجموعة من القرارات‪ ،‬يتم‬
‫الوصول إليها بأدوات تعمل في بيئة معينة هي الواقع اإلقتصادي‪ ،‬وتتكون باختصار مما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬األهداف‪ :‬وهي عبارة عن متغيرات تحدد مستوى معين من الرفاهیة اإلقتصادیة‬
‫املجتمعية التي يستهدفها صانع القرار وتنقسم غالبا إلى‪-:3‬‬
‫▪ أهداف نهائیة‪ :‬وهي األهداف الكبرى للسیاسة اإلقتصادیة التي يسعى صانع القرار‬
‫تحقيقها في أرض الواقع من مثل‪:‬‬
‫▪ تحقيق مستوى معين من معدل النمو االقتصادي‪،‬‬

‫‪ 1‬أول من فاز بجائزة نوبل في االقتصاد لعام ‪ ،1969‬باملشاركة مع االقتصادي النرويجي رينجر أنتون كيتيل فريستش‪ ، Ragnar Anton Kittil Frisch‬عن جهودهما في تطوير وتطبيق النماذج الديناميكية في التحليل االقتصادي‪.‬‬
‫‪2 Gérard Duthil et William Mario’s: « politiques économiques », edition ellipses, France, 1997, p 22.‬‬

‫‪3 Christian Aubin et Jacques Leonard : op-cit, p 23.‬‬


‫تحقيق خفض معدل البطالة واملحافظة على بقاءه ضمن مستوى معقول‪،‬‬ ‫▪‬
‫تحقيق خفض في معدل التضخم واملحافظة على بقاءه ضمن مستوى مقبول‪،‬‬ ‫▪‬
‫تحقيق التوازن في ميزان املدفوعات بما يعزز مكانة االقتصاد الوطني‪،‬‬ ‫▪‬
‫رفع مستوى الرفاه في املجتمع‪ ،‬تقليل التفاوت في توزيع الدخل‪...‬؛ وغيرها‪.‬‬ ‫▪‬

‫▪ أهداف وسیطیة‪ :‬وهي األهداف التي يتعامل معها صانع القرار كقنوات لنقل أثر‬
‫األدوات املباشرة إلى األهداف النهائیة‪ ،‬ومن تلك األهداف الوسيطة استهداف صانع‬
‫القرار رفع أو خفض سعر الفائدة أو زيادة سعر الصرف أو تخفيضه‪ ،‬وتبرز هذه‬
‫األهداف الوسيطة كمؤشرات یستند إليها صناع القرار في تقییم مدى إمكانیة تحقق‬
‫التأثير املرغوب فیه لألدوات املباشرة على املتغيرات النهائیة أم ال‪ ،‬وهذا مكمن أهميتها إذ‬
‫أنها تتيح إمكانیة التعدیل في املسار وتصحیح الخلل إن وجد قبل فوات األوان في حال‬
‫تركيز النظر فقط على التغيرات التي تحدث في األهداف النهائیة‪.‬‬

‫‪ -2‬األدوات‪ :‬وهي اإلجراءات والوسائل التي يستخدمها صانعوا القرار‪4‬بشكل مباشر وتتنوع‬
‫هذه اإلجراءات والوسائل بين أدوات جزئیة تصنف ضمن منظومة السیاسة اإلقتصادیة‬
‫الجزئیة كمعدل الضریبة أو معدل األجر الحقیقي أو أدوات اقتصادیة كلیة تصنف‬
‫ضمن منظومة السیاسة اإلقتصادیة الكلیة كعرض النقود وحجم اإلنفاق العام‪،‬‬
‫ویخضع استخدام هذه األدوات الجزية أو الكلية إلى قیود تتمثل في‪:5‬‬
‫▪ القیود السیاسیة‪ :‬بما أن السیاسة اإلقتصادیة يتبناها ويقرها صانعي القرار من‬
‫الساسة فمن الطبيعي القول بأن تحديد طبیعتها واتجاهها‪ ،‬سيكون موضع اختالف‬

‫‪4 Christian Aubin et Jacques Leonard : « politiques économiques », librairie Vuibert, France, 2003, p22.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Gérard Duthil et WilliamMarois : op-cit, pp 24,25.‬‬
‫بين مختلف املشارب السیاسیة لصناعي القرار‪ ،‬فمن يؤمن بأفكار املدرسة اإلشتراكیة‬
‫االقتصادية سیفضل استخدام السیاسة املالیة من خالل اإلنفاق العام ومن ثم‬
‫تعزیز دور القطاع العام في النشاط اإلقتصادي ومن يؤمن بأفكار املدرسة الليبرالية‬
‫االقتصادية سیفضل بالطبع استخدام أدوات تدعم القطاع الخاص كتخفیض‬
‫معدالت الضرائب على سبيل املثال‪.‬‬
‫▪ القیود الزمنیة‪ :‬وهي القیود املتعلقة بالفترة الزمنية التي تحتاجها األدوات‬
‫االقتصادية ليظهر أثرها في النشاط اإلقتصادي‪ ،‬فالعديد من األدوات االقتصادية‬
‫تحتاج إلى وقت للتنفيذ ووقت آخر لبدء األثر األمر الذي يجعل الزمن يلعب دورا كبيرا‬
‫في تحدید نوعیة وفعالیة األدوات املستخدمة‪.‬‬
‫وينبغي التنبيه هنا إلى ثالث مالحظات أساسية هي‪:‬‬
‫❖ أن بناء النموذج االقتصادي الذي يوضح آلیة عمل السیاسة اإلقتصادیة يبدو‬
‫معاكسا ملنطق التحلیل اإلقتصادي فاإلجراءات والوسائل التي يمكن النظر إليها‬
‫باعتبارها متغيرات خارجیة هي التي تتأثر باألهداف النهائية أو املتغيرات الداخلیة‬
‫وليس العكس‪ ،‬ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى أن األهداف النهائية تحدد ابتداء‬
‫من قبل صانعي القرار‪ ،‬ومن ثم تحدد قیم وطبيعة األدوات املستخدمة في تحقیقها‪،‬‬
‫وهكذا نرى أن املتغيرات الداخلیة هي التي تؤثر في تحدید قیمة املتغيرات الخارجیة ال‬
‫العكس في حالة بناء النماذج االقتصادية للسیاسة اإلقتصادیة‪.6‬‬

‫‪6 Christian Aubin et Jacques Leonard : op-cit, p24.‬‬


‫أن أدوات السیاسة اإلقتصادیة نفسها التحظى باإلجماع على طبيعتها أو حجمها بين اإلقتصادیين‬ ‫❖‬
‫وصانعي القرار‪ ،‬وفي هذا يقول میلتون فریدمان ‪-:7Milton Friedman‬‬
‫"‪ ...‬يوجد قدر كبير من االتفاق بين االقتصاديين حول األهداف الكبرى للسیاسة اإلقتصادیة‪ :‬عمالة‬
‫مرتفعة‪ ،‬نمو مستدام و استقرار في األسعار‪ ،‬في مقابل توافق أقل حول التناغم بين هذه األهداف وآلیة‬
‫اإلختیار من بینها‪ ،‬كما اليوجد اجماع حول الدور الذي یجب أن تلعبه مختلف أدوات السیاسة‬
‫اإلقتصادیة في تحقیق األهداف املحددة لها‪"...‬‬

‫وأخيرا وبحكم الدینامیكیة التي یتميز بها النشاط اإلقتصادي‪ ،‬فإن طبيعة اإلختالالت بين املتغيرات‬ ‫❖‬
‫اإلقتصادیة تختلف بحسب املكان والزمان فهي نسبیة بطبيعتها‪ ،‬وبالتالي فإن تأثير أدوات السیاسة‬
‫اإلقتصادیة قد يكون مناسبا في اقتصاد دولة ما لكنه اليكون كذلك في اقتصاد دولة أخرى‪،‬وقد يكون‬
‫مناسبا في فترة ما دون أن يكون مالئما ملعالجة نفس املشكلة في فترة أخرى‪ .‬ومن ثم فإن اختیار األدوات‬
‫املثلى لتحقیق األهداف الكبرى للسیاسة اإلقتصادیة يعتمد بشكل كبير على تشخيص املشكلة املبني‬
‫ُ‬
‫على التحلیل الدقیق لالختالالت في االقتصاد‪ ،‬ومن ثم االختيار الصحیح للسياسة التي تكامل بين‬
‫األدوات واألهداف التي يمكن تحقیقها‪.‬‬
‫‪7 Milton Fridman: « The role of monetary policy», The American Economic Review, Vol 58, N° 1, (Mar., 1968), p1.‬‬
‫أهداف السیاسة اإلقتصادیة‬

‫تتميز أهداف السیاسة اإلقتصادیة بالتنوع بسبب اختالف النظام اإلقتصادي التي یسير وفقه‬
‫النشاط اإلقتصادي أو بسبب اختالف األفق الزمني لهذه األهداف‪ ،‬ورغم هذه اإلختالفات‬
‫والتعددات في أهداف السیاسة اإلقتصادیة فهناك أهداف رئیسیة تشترك فيها االقتصادات املختلفة‬
‫وهي‪-:‬‬
‫الهدف األول‪ :‬تحقیق معدل مرتفع من النمو اإلقتصادي‬

‫یعتبر تحقيق معدل مرتفع من النمو اإلقتصادي هدفا رئیسيا ألغلب السیاسات‬
‫اإلقتصادیة في دول العالم املعاصر وذلك باعتباره أحد املقاييس الهامة لتطور‬
‫املقدرة اإلنتاجیة في اإلقتصاد املحلي‪ ،‬ويجب التنبيه هنا إلى أن أهمیة تحقيق نمو‬
‫إقتصادي حقيقي مستدام تكمن من بين أشياء أخرى فیما یعكسه من تطور في‬
‫القدرة اإلنتاجیة لالقتصاد املحلي وما يعنيه ذلك من زيادة نصیب الفرد من هذا‬
‫النمو وهو مكمن التفاوت اإلقتصادي بين الدول‪ ،‬ونظرا لتلك األهمیة التي یحوزها‬
‫النمو اإلقتصادي كهدف رئیس ي للسیاسة اإلقتصادیة‪ ،‬فقد شهد الفكر‬
‫اإلقتصادي العديد من النظریات والنماذج التي تسعى إلى تفسير عملیة النمو‬
‫اإلقتصادي بإبراز عواملها ومحدداتها‪ ،‬ومن بين هذه النظريات‪:‬‬
‫▪ نظریة النمو الداخلي‪ ،‬التي تجادل أن آلیة النمو اإلقتصادي على املدى الطویل‬
‫تتحقق بفعل عوامل داخلیة تتأثر بقرارات وإجراءات السیاسة اإلقتصادیة مما‬
‫یجعل لهذه األخيرة دورا رئیسیا في تحقق النمو املستدام في األجل الطویل‪.‬‬

‫▪ نظرية النمو النیوكالسیكية التي تتبنى فكرة أن كل اقتصاد یتوازن بشكل دائم‬
‫ليصل إلى حالة مستقرة‪ ،‬وأن أي نمو انطالقا من هذا املستوى یتم بفعل‬
‫العوامل التقنية التي تعتبر عامال خارجیا وبالتالي فهذه املدرسة ال ترى أهمیة‬
‫كبرى للسیاسة اإلقتصادیة في تحقیق النمو‪.8‬‬

‫‪8 Philippe Darreau : « croissance et politique économique»,1er edition, deboeck edition, Belgique, 2003, pp 25-27.‬‬
‫الهدف الثاني‪ :‬ارتفاع حجم العمالة‬
‫تعتبر البطالة من أهم الظواهر املهددة للرفاه اإلقتصادي واإلستقرار اإلجتماعي في أي دولة‪ ،‬و ذلك یدفع إلى‬
‫ضرورة أن تستهدف السیاسة اإلقتصادیة بشكل رئیس ي الحد من معدالت البطالة في املجتمع‪ ،‬خصوصا وأن‬
‫زیادة حجم العمالة یعمل على‪:‬‬

‫▪ من جهة في الجانب اإلقتصادي على تدعیم املقدرة اإلنتاجیة وتعظیم معدالت النمو اإلقتصادي‪،‬‬
‫▪ كما یعمل من جهة أخرى في الجانب اإلجتماعي على الحد من التفاوت في حجم الدخول وبالتالي تدعیم‬
‫اإلستقرار اإلجتماعي‪.‬‬

‫یعتبر نجاح السیاسة اإلقتصادیة في خفض معدل البطالة مرهونا بمدى الدقة في املعلومات املتوفرة عن‬
‫سوق العمل وتطوراته خالل فترة بناء وتنفيذ السياسة اإلقتصادیة‪.9‬‬

‫‪ 9‬سلوى علي سلیمان‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪129-126‬‬


‫الهدف الثالث‪ :‬استقراراملستوى العام لألسعار‬
‫يعتبر التضخم ظاهرة غير مرغوب فيها في كل اقتصاد بسبب ما یترتب عنه من زيادة التكالیف للنشاط‬
‫اإلقتصادي وما يترتب عليه من آثار إجتماعية بالغة السوء‪ ،‬حیث یساهم التضخم في حال توقعه‬
‫في‪:‬‬
‫▪ الحد من السیولة والتأثير سلبا على آلیة السعر ومن ثم خفض الكفاءة اإلقتصادیة‪،10‬‬
‫▪ كما يسهم التضخم غير املتوقع في الحد من اإلدخار واإلستثمار ومن ثم الحد من النمو‬
‫اإلقتصادي ملا ينشأ عنه من حالة الالیقين في تطورات األسعار ومن ثم تزايد الرغبة في انفاق‬
‫النقود بدل إدخارها‪ ،‬وهذا ما یدفع البنوك املركزیة إلى محاولة إبقاء معدالت التضخم عند‬
‫مستویات مستقرة وليس بالضرورة أن تصل إلى الصفر‪ ،‬ألن ذلك یشير في حقیقة األمر إلى‬
‫انخفاض في املستوى العام لألسعار ولیس استقرار فیه‪ 11.،‬وذلك لألسباب التالیة‪:12‬‬

‫‪10Roberto M. Billi and George A. Kahn: «What Is the Optimal Inflation Rate? », federal reserve bank of Kansas city, economic review,2nd quarter, 2008, p 7.‬‬

‫‪11 Guy Debelle: « Inflation targeting in practice», IMF working paper N° 35, 1997, p 10.‬‬

‫‪12 Ibid, pp 7-12.‬‬


‫▪ أخطاء القیاس في مؤشرأسعاراملستهلك‪.‬‬

‫▪ جمود األجور نحو األسفل‪ :‬یعتبر جمود األجور اإلسمیة نحو األسفل من بين العوامل التي‬
‫تدفع إلى ضرورة تحقیق معدالت تضخم منخفضة وموجبة‪ ،‬إذ أن العمال عادة اليقبلون‬
‫خفض األجور اإلسمیة التي تتجه عادة نحو الزيادة‪ ،‬وهكذا فإن جمود األجور اإلسمیة نحو‬
‫األسفل من جهة وثبات املستوى العام لألسعار عند معدل تضخم مساو لـ ‪ %0‬من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬يجعل املؤسسات تجد صعوبة في خفض مستوى األجر الحقیقي إلى مستواه التوازني‬
‫الذي يتطلبه االنخفاض في الطلب الكلي على سبيل املثال‪ ،‬وفي هذه الحالة تضطر‬
‫املؤسسات إلى تسریح العمال للحد من التكالیف التي تتكبدها‪ .‬وعلیه فإنه للحد من هذه‬
‫اإلختالالت في سوق العمل الناتجة عن استهداف معدل تضخم مساو ل ‪ ،%0‬یتوجب أن‬
‫یكون معدل التضخم منخفضا إلى الحد الذي ال یكبد املؤسسات تكالیف في شكل زیادة‬
‫لألجر الحقیقي تحتم عليها اللجوء لتسریح العمالة‪.‬‬
‫▪ اآلثار اإلنكماشیة‪ :‬يدل معدل التضخم املساوي للصفر على دخول اإلقتصاد في مرحلة‬
‫انكماش اقتصادي‪ ،‬ویرى الكثير من اإلقتصادیين أن تكالیف اإلنكماش أكبر من تكالیف‬
‫التضخم وهو ما یدعو إلى ضرورة تحقیق معدل تضخم منخفض لكن یكون موجبا لكي يتم‬
‫تجنب ظهور أیة بوادر قد تؤثر سلبا على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي ومن ثم‬
‫سلوكهم املستقبلي بما یتسبب في حالة عدم اإلستقرار اإلقتصادي‪.‬‬
‫الهدف الرابع‪ :‬العدالة في توزیع الدخل‬
‫أشار االقتصادي آرثر أوكن ‪ Arthur Melvin‬إلى وجود عالقة وطيدة بين العدالة في توزیع الدخل من‬
‫جهة والكفاءة اإلقتصادیة من جهة أخرى‪ ،‬وأكد على زيادة مستوى العدالة في توزیع الدخل یؤدي إلى‬
‫الحد من الكفاءة اإلقتصادیة‪ ،‬ويرجع السبب في ذلك إلى أن السیاسات التي يتم اتباعها لرفع مستوى‬
‫العدالة في توزیع الدخل تستنفذ املوارد التي يجب أن توجه لإلستثمار وتحد من حوافز العمل‬
‫واالبداع‪،‬‬
‫ويؤيد هذا التوجه االقتصادي األمريكي كینیث أرو ‪ Kenneth Joseph Arrow‬حيث يؤكد على العالقة‬
‫العكسية بين تراكم رأس املال املادي ورفع مستوى تحقیق العدالة في توزیع الدخل‪13‬‬

‫ویرى العديد من اإلقتصادیين في هذا الصدد أن تحقیق العدالة في توزیع الدخل ربما يتعارض مع‬
‫سعي األفراد إلى التملك وزیادة األرباح‪ ،‬عبر تجويد العمل واإلبداع فيه والذي الشك يختلف من عامل‬
‫آلخر مما یعني أن العوائد ال یجب أن تكون متساویة‪ .14‬ومن وجهة نظر هؤالء فإن عدم العدالة في‬
‫‪13 Lane Kenworthy: « equality and efficiency: the illusory tradeoff », European journal of political research, Vol 27, Issue 2, 1995, p 227,228.‬‬

‫‪14 Ibid, p 226.‬‬


‫توزیع الدخل لها أثر إيجابي في تطور النشاط اإلقتصادي‪ ،‬والسبب في ذلك یعود إلى أن نظریات النمو‬
‫آنذاك كانت ترى في تراكم رأس املال املادي العنصر الرئیس في تحریك عجلة النمو اإلقتصادي‪،‬‬
‫وبالتالي كان من الضروري أن یكون هنالك تفاوت في الدخل يسمح بوجود طبقة من األغنیاء تدخر‬
‫أكثر مما تستهلك مقارنة بطبقة الفقراء بما ینعكس إیجابا على معدالت اإلستثمار‪.‬‬
‫لكن العقدین األخيرین شهدا تحوال كبيرا فیما یخص طبیعة العالقة ما بين العدالة في توزیع الدخل‬
‫والكفاءة اإلقتصادیة‪ ،‬حیث أنها تحولت من عالقة عكسیة إلى عالقة طردیة‪ ،‬يرجع السبب في ذلك‬
‫إلى تزايد أهمیة رأس املال البشري واعتباره مصدرا رئیسیا في عملیة النمو اإلقتصادي‪ ،‬فرأس املال‬
‫البشري ال یتراكم إال عن طریق التعلیم والبحث العلمي والرضا الوظيفي واإلستقرار اإلجتماعي‪ ،‬وهي‬
‫أمور ال تتحقق إال بوجود عدالة في توزیع الدخل بين فئات املجتمع‪ 15‬وعلى هذا األساس فقد تزايد‬
‫اإلهتمام في أوساط صناع قرار السیاسة اإلقتصادیة في العديد من الدول بموضوع تحقیق العدالة‬
‫في توزیع الدخل واعتباره من بين األهداف الرئیسیة للسیاسة اإلقتصادیة‪.‬‬

‫‪15 Branko Milanovic: « More or Less», Finance & Development, Vol 48, N° 3, September 2011, p 4.‬‬
‫الهدف الخامس‪ :‬تحقیق التوازن في میزان املدفوعات‬
‫یعتبر ميزان املدفوعات الذي یمثل سجال منتظما للتعامالت التجاریة واملالیة التي تتم بين‬
‫املقیمين في اإلقتصاد املحلي وغير املقیمين فیه خالل عام من الزمن مرآة تعكس الوضع‬
‫اإلقتصاد املحلي باملقارنة مع اإلقتصادیات الدولية‪ ،‬ومن ثم فإن السیاسة اإلقتصادیة للدولة‬
‫ال یكفيها فقط تحقیق معدالت نمو موجبة وانخفاض في معدل البطالة مع استقرار في املستوى‬
‫العام لألسعار إذا لم ینتج عن ذلك وجود نوع من التوازن النسبي في تعامالتها مع بقیة‬
‫اإلقتصادیات األخرى والذي یعتبر مقیاسا حقیقیا لتطور اإلقتصادیات خصوصا في ظل عصر‬
‫العوملة اإلقتصادیة‪.‬‬
‫كما أن هذا التوازن يعكس حقیقة توازن سعر صرف العملة الوطنیة واتجاه تطور احتیاطاتها‬
‫املالیة‪ ،‬وبالتالي فإن السیاسة اإلقتصادیة ال تركز فقط على تحقیق التوازن الداخلي بل‬
‫تستهدف التوازن الخارجي أیضا نظرا لألهميته في تحقيق التوازن الكلي لإلقتصاد‪.‬‬
‫كيف تبنى السیاسة اإلقتصادیة؟‬
‫يمر بناء السياسات العامة عاد بمراحل عدة أهمها‪:‬‬
‫املرحلة األولى ‪ :‬تعريف وتحديد املشكلة‬
‫وتتضمن هذه املرحلة تحديد مجموعة من العناصر وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬املشاكل العامة التي يلتفت صانعي القرار إليها هي تلك التي تمس شريحة واسعة من‬
‫املجتمع وتثير انتباه الحكومة مثل البطالة ‪ ،‬التضخم‪ ،‬التلوث البيئي واألوبئة الفتاكة‬
‫‪..‬لذا فاملشكلة العامة هي التي تدفع صناع السياسة العامة للتحرك بسرعة ألنها تمثل‬
‫مجموعة من املطالب والحاجات التي يجب االستجابة لها‪.‬‬
‫‪ -2‬خطوات تحليل املشكلة ‪ :‬تتم عملية تحليل املشاكل بخطوات عدة هي ‪:‬‬
‫تعريف املشكلة وتمييزها‪.‬‬ ‫•‬
‫تحليل املشكلة من خالل معرفة أسبابها وأهدافها‪.‬‬ ‫•‬
‫إعداد قائمة بالحلول املمكن اتباعها لحل املشكلة‪.‬‬ ‫•‬
‫تقييم الحلول حسب املعايير املالئمة‪ ،‬وتشمل املهارات املطلوبة‪ ،‬املوارد املادية‬ ‫•‬
‫والبشرية‪ ،‬التكلفة‪ ،‬املخاطر ومراعاة البيئة والقيم‪.‬‬
‫تحديد الخيار األفضل واتخاذ القرار‪.‬‬ ‫•‬
‫وضع خطة التنفيذ‪.‬‬ ‫•‬
‫املتابعة والتقييم ملعرفة مدى نجاح أو فشل التنفيذ‪.‬‬ ‫•‬
‫املرحلة الثانية ‪ :‬وضع املشكلة على جدول األعمال‬
‫تواجه الحكومات العديد من القضايا االقتصادية والسياسة واالجتماعية والثقافية‬
‫وغيرها‪ ،‬لكن ال تستطيع أن تحل كل تلك املشاكل‪ ،‬مهما كانت إمكانياتها املادية والبشرية‪،‬‬
‫لهذا فإنها تقوم بإدراج أهم القضايا أو املطالب العامة األكثر طلبا من املجتمع في جدول‬
‫يسمى جدول أعمال السياسة العامة‪ ،‬التي تتطلب عملية مناقشة فعلية‪ ،‬يترتب عنها اتخاذ‬
‫قرارات رسمية مناسبة لتلك املطالب املطروحة‪ ،‬وعليه يميز كوب ‪ Coob‬و إيلدر ‪ Alder‬بين‬
‫نوعين من جدول األعمال‪ ،‬األول نظامي والثاني حكومي‪ .‬حيث يضم األول املسائل التي‬
‫تتبناها السلطة وتستدعي تدخل السلطات الثالث وفقا لصالحياتها واختصاصاتها‪ ،‬أما‬
‫الثاني فهو بمثابة جدول للنقاش يكتفي عادة باملستوى الحكومي ملعالجتها‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة ‪ :‬بلورة وصياغة السياسة‬
‫بعد تحديد املشاكل ووضعها على جدول األعمال‪ ،‬البد من بلورة األفكار والسياسات املمكن اتباعها للتعامل‬
‫مع املشاكل ذات األولوية وهذه العملية تأتي محصلة لتفاعل عوامل عدة منها ‪ :‬االقتصادية والسياسية‬
‫واالجتماعية‪ .‬وتتم عادة وفق االساليب التالية‪:‬‬
‫األمر ‪ :‬يكون توجيه األمر داخل التنظيم الواحد‪ ،‬ويتم عبر السلم الهرمي من الرؤساء إلى املرؤوسين‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وتوجيههم وحثهم للموافقة على مواقفهم أو برامجهم‪ ،‬مستخدمين بذلك الثواب أو العقاب ملن يؤيد‬
‫أو يخالف‪.‬‬
‫التعاون واإلقناع ‪ :‬هو أن يستميل أحد األطراف الطرف اآلخر بغية الحصول على تأييده ملواقفه أو‬ ‫‪-2‬‬
‫كسب رضاه حول قضية أو مطلب ما‪ ،‬بعد إقناعه بسالمة الرأي أو القضية املعروضة عليه ‪.‬‬
‫املساومة ‪ :‬وهي عملية تفاوض بين كيانين أو أكثر ممن يتمتعون بالسلطة والصالحية‪ ،‬وذلك لالتفاق‬ ‫‪-3‬‬
‫على حل مقبول ولو جزئيا ملصلحة أهدافها وليس بالضرورة أن يكون حال مثاليا‪.‬‬
‫التنافس ‪ :‬هو نشاط يسعى من وراءه طرفان أو أكثر إلى تحقيق نفس الهدف‪ ،‬من أجل مكسب معين‬ ‫‪-4‬‬
‫محليا ودوليا‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬تبني وإقرار السياسة‬
‫يتم في هذه املرحلة اتخاذ قرار أو إصدار تشريع أو قانون يجسد األهداف املراد بلوغها‪،‬‬
‫ويشمل هذا تبني مقترحات بعينها أو تعديلها أو رفض أو قبول بديل آخر‪ .‬وهذا يعني أن هذه‬
‫املرحلة ال تكتفي باختيار بديل ما فقط‪ ،‬بل اختيار قرار حول بديل معين‪ ،‬وهذا القرار يتعلق‬
‫بالسياسة العامة وليس قرارا روتينيا‪ ،‬حيث يمر إقرار السياسة العامة بمراحل عديدة‪،‬‬
‫فتقدم في البداية على شكل مشاريع قوانين تقدم لصانعي القرار حسب االختصاص في كل‬
‫دولة لدراستها‪ ،‬وإقرارها‪.‬‬
‫املرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة تنفيذ السياسة العامة‬
‫بعد انتهاء مرحلة تبني السياسة العامة تصبح مؤهلة ليطلق عليها سياسة عامة‪ ،‬وبالرغم‬
‫من وجود صعوبة في تحديد املرحلة التي تفصل بين العمل التشريعي والتنفيذي‪ ،‬تعتبر‬
‫عملية تنفيذ السياسة العامة استمرارا ملختلف العمليات السابقة والتي ينتقل العمل فيها‬
‫إلى السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتها‪ ،‬وتتمتع بسلطات تقديرية واسعة أثناء التنفيذ‬
‫وذلك لتمتعها بالخبرة الالزمة والثقة والتجربة في كافة امليادين‪ ،‬مما يعطيها الحق في إصدار‬
‫اللوائح والتنظيمات الالزمة بتفاصيل تنفيذ السياسات العامة‪ .‬كما أن التطبيق الجيد هو‬
‫الذي يجسد السياسة العامة على أرض الواقع‪ ،‬وبناء على ما تقدم فإن نجاح عملية تطبيق‬
‫السياسة العامة يتطلب توفير عدة عوامل أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬رصد األموال واملوارد الالزمة للتنفيذ (ان تطلب األمر ذلك)‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة إمكانية التنفيذ ورصد الكفاءات الضرورية لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬إيضاح األهداف بدقة للمسؤولين عن التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -4‬إعطاء الشرعية املناسبة للسياسة العامة بجلب أكثر عدد من املؤيدين‪.‬‬
‫‪ -5‬الحرص الشديد على التنسيق بين أجهزة التنفيذ والصياغة وبين السياسات نفسها‪.‬‬
‫وال تتفرد األجهزة اإلدارية بتنفيذ عملية السياسات العامة‪ ،‬بل تتدخل أجهزة أخرى‬
‫كالسلطة التشريعية التي وإن كانت مهمتها إقرار السياسة العامة‪ ،‬لكن من خالل عملها بدقة‬
‫أكبر وتفصيل أشد فإنها تضغط على اإلدارة العامة بطرق عديدة وتحدد مساراتها ومبرراتها‪.‬‬
‫املرحلة السادسة ‪ :‬مرحلة تقويم السياسات العامة‬
‫عرفها هاتري بأنها عملية منظمة تستهدف تقييم النشاطات الحكومية حتى تقدم معلومات‬
‫متكاملة عن اآلثار بعيدة وقريبة املدى للبرامج الحكومية‪.‬فعملية التقويم عملية أساسية‪،‬‬
‫وذلك لتشخيص وقياس آثار السياسة العامة من أجل التوصل إلى معرفة نتائجها‪.‬‬
‫أنواع التقويم ‪ :‬للتقويم عدة أنواع‪ ،‬يمكن اختصارها فيما يلي ‪:‬‬
‫التقويم السابق للتنفيذ‪ ،‬ويتم االهتمام فيه بدراسة وتحليل جدوى السياسة‬ ‫•‬
‫قبل تنفيذها‪.‬‬
‫التقويم املالزم للتنفيذ‪ ،‬ويضم دراسة التكلفة‪ ،‬التشغيل‪ ،‬تطوير أو تحسين‬ ‫•‬
‫عملية األداء‪.‬‬
‫التقويم الالحق للتنفيذ‪ ،‬يحدد نجاح أو فشل السياسة العامة‬ ‫•‬
‫التقويم االستراتيجي‪ ،‬والذي يهدف إلى تحقيق الفاعلية في التنفيذ‪ ،‬حيث بمكن‬ ‫•‬
‫إدخال التعديل على السياسات لردم الهوة بين األداء والتخطيط من جهة‪،‬‬
‫وبين النظرية والتطبيق من جهة أخرى‪.‬‬
‫تقويم الفاعلية‪ ،‬أي مدى قدرة السياسة أو البرامج على تحقيق األهداف‪.‬‬ ‫•‬
‫تقويم الكفاءة‪ ،‬أي الحصول على أقل نفقة ممكنة‪.‬‬ ‫•‬
‫تقويم النتائج واآلثار من حيث السلبية واإليجابية‪.‬‬ ‫•‬
‫معايير التقويم ‪:‬‬
‫تعد املعايير أمرا مهما في عملية التقويم‪ ،‬ألنها وسائل للتأكد من تحقيق السياسة العامة‬
‫ألهدافها‪ ،‬وتشمل ‪:‬‬
‫املعيار االقتصادي‪ ،‬الذي يؤكد على التقليل من اإلنفاق الحكومي وعيوبه‬ ‫•‬
‫الكفاءة‪ ،‬وتعني مستوى اإلنجاز أو النتائج مقارنة باملدخالت‬ ‫•‬
‫الفعالية‪ ،‬والتي تقيس مقدار األهداف التي تم إنجازها‬ ‫•‬
‫العدالة‪ ،‬من حيث التوزيع العادل للمنافع بين مختلف الشرائح وتستخدم‬ ‫•‬
‫عددا من املقاييس في كيفية توزيع املوارد والثروات‬
‫الشرعية القانونية‪ ،‬من حيث مطابقة هذه السياسات للتشريعات والقوانين‬ ‫•‬
‫واللوائح املنظمة لتلك السياسات أو البرامج‬
‫مستلزمات التقويم ‪:‬‬
‫تتطلب عملية التقويم في السياسة العامة مستلزمات عملية وإجرائية في سبيل القيام بها‬
‫ويتم ذلك وفق هذه املراحل‪:‬‬
‫تحديد احتياجات واهتمامات صانع السياسة العامة وإدارة البرامج في عملية‬ ‫•‬
‫التقويم‬
‫تحديد مجال التقويم وأهداف السياسة العامة املراد تقييمها‬ ‫•‬
‫تطوير املعايير واملقاييس الشاملة لغرض قياس أهداف البرنامج الخاضع‬ ‫•‬
‫للتقويم‬
‫لكن بالرغم من أهمية عملية التقويم‪ ،‬إال أنها تواجهها العديد من التحديات ومن أهمها ‪:‬‬
‫غموض األهداف‪ ،‬ضعف آثار السياسة العامة‪ ،‬عدم استقرار السياسات‪ ،‬وصعوبة تعميم‬
‫نتائج التقويم‪.‬‬
‫مبادئ السیاسة اإلقتصادیة‬
‫إن الوصول إلى بناء سیاسة إقتصادیة فعالة یتطلب االستناد إلى عدد من املبادئ الهامة‬
‫ومن أهمها ما یلي‪:‬‬
‫▪ التساوي العددي بین األدوات واألهداف‪ :‬ینسب هذا املبدأ إلى اإلقتصادي الهولندي‬
‫جان تنبرقن الذي أشار إلى ضرورة أن تستهدف كل أداة من أدوات السیاسة اإلقتصادیة‬
‫هدفا وحیدا تسعى لتحقیقه‪ ،‬بعبارة أخرى البد من ضرورة أن یتساوى عدد أهداف‬
‫السیاسة اإلقتصادیة مع عدد األدوات املستخدمة في الوصول إليها‪.16‬‬

‫▪ كفاءة األدوات مقارنة باألهداف املرغوبة‪ :‬ینسب هذا املبدأ إلى اإلقتصادي روبرت‬
‫مندل ‪ Robert Mundell‬الذي أشار إلى أن صانعي قرار السیاسة اإلقتصادیة يجب‬

‫‪16 Gérard Duthil et WilliamMarois : op-cit, pp 27, 28.‬‬


‫عليهم أن یختاروا في سبیل تحقیق كل هدف من أهداف السیاسة اإلقتصادیة األداة‬
‫املناسبة واألكثر قدرة على ذلك‪17‬‬

‫▪ مراعاة الو اقع اإلقتصادي‪ :‬إن فعالیة السیاسة اإلقتصادیة تكمن في مراعاة الواقع‬
‫االقتصادي الذي تعمل فيه أدواتها‪ .‬فالعوامل والظروف املحیطة بسير اإلقتصاد املحلي‬
‫وموقعه من اإلقتصاد العاملي‪ ،‬تحدد قدراته على التطور واإلزدهار‪ .‬وبقدر ما تكون‬
‫أهداف السیاسة اإلقتصادیة واقعية تتناسب وظروف االقتصاد املحلي املوضوعية‬
‫بقدر ما تكون فعالية السياسة االقتصادية‪.‬‬

‫‪17 Ibid, p 28.‬‬


‫طبيعة السیاسات اإلقتصادیة‬
‫يمكن التمييز بين السياسات االقتصادية بحسب طبيعتها‪:‬‬
‫❖ سياسات الضبط‪ :‬وهي السياسات التي تستهدف املحافظة على الوضع القائم بهدف‬
‫تخفيف الضغوط االجتماعية‪ ،‬تعزيز السياسات املضادة لألزمة ومن ذلك استهداف‬
‫املحافظة على التوازن العام بخفض التضخم‪ ،‬املحافظة على توازن ميزان املدفوعات‪،‬‬
‫استقرار العملة‪ ،‬البحث عن التوظيف الكامل‪.‬‬

‫❖ سياسات االنتعاش‪ :‬وهي السياسات التي تستهدف دعم النشاط االقتصادي‪،‬‬


‫باستخدام سياسة العجز املوازي‪ ،‬تحفيز االستثمار‪ ،‬زيادة األجور ويتم اللجوء في بعض‬
‫األحيان ‪ ،‬إلى دعم االستهالك‪ ،‬تسهيالت القروض‪....‬الخ‪ .‬وهي مستوحاة من الفكر الكيتري‬
‫إلى التمييز بين اإلنعاش عن طريق االستهالك واإلنعاش عن طريق االستثمار‪.‬‬
‫❖ سياسات االنكماش‪ :‬وهي السياسات التي تستهدف التقليص من ارتفاع األسعار عن‬
‫طريق وسائل تقليدية مثل االقتطاعات اإلجبارية على الدخل ‪ ،‬تجميد األجور ‪ ،‬مراقبة‬
‫الكتلة النقدية ‪ ،‬وتؤدي هده السياسة في العادة إلى تقليص النشاط االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬

‫❖ سياسة التناوب‪ :‬وهي السياسات التي تستهدف التناوب التتابعي بين االنتعاش‬
‫واالنكماش تعكس بنية الجهاز اإلنتاجي وقدراته‬
‫قضايا وتحديات في صنع السیاسة اإلقتصادیة‬

‫كما نوهنا آنفا فإن معظم اإلقتصادیون يتفقون على أن األهداف العليا للسیاسة‬
‫اإلقتصادیة لم تشهد تغيرات كبيرة مقارنة بالكیفیة في إعداد وتطبیق السیاسة اإلقتصادیة‬
‫لتواكب الطبيعة الديناميكية للنشاط االقتصادي‪ 18‬وبالتالي فإن صانعي السياسة‬
‫االقتصادية يواجهون ابتداء بتحديات في إعدادها تقف عائقا أمامهم لصنع سياسة‬
‫إقتصادیة فعالة‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪18 Brian Snowdon and Howard Vane: « modern macroeconomics: its origins, development and current‬‬ ‫‪state », Edward Elgar publishing, UK, 2005, p706.‬‬
‫التحدي األول‪:‬‬
‫طبيعة التوقعات ملتخذي القراراإلقتصادي‬

‫إن إعداد وتنفیذ السیاسة اإلقتصادیة یتطلب باألساس فهما واضحا لسلوك املتغيرات‬
‫اإلقتصادیة على املستوى الكلي‪ ،‬فاإلعتقاد السائد لدى اإلقتصادیين منذ سنوات‬
‫الخمسینات والستینات من القرن العشرین يقول أن متخذي القرار اإلقتصادي یبنون‬
‫توقعاتهم حول النشاط اإلقتصادي مستقبال بناء على خبراتهم وتجاربهم في املاض ي فقط‪،‬‬
‫وذلك في إطار ما یسمى ب"التوقعات التكيفية" التي بني على أساسها مثال منحنى "فیلیبس"‬
‫الذي یشير إلى العالقة العكسیة بين كل من معدالت البطالة والتضخم‪ ،‬لكن هذه النظرة‬
‫أثبتت فشلها خصوصا بعد التزايد في معدالت البطالة والتضخم معا‪ ،‬مما أشار إلى عدم‬
‫واقعیة فكرة "التوقعات التكيفية " في تفسير سلوك متخذي القرار اإلقتصادي في‬
‫املستقبل‪ ،‬وهذا ما دفع إلى محاولة إعطاء تفسير آخر یمكن من فهم هذا السلوك بصورة‬
‫واقعیة تجلى في ظهور ما یعرف ب"نظریة التوقعات الرشیدة ‪".‬‬
‫والتي تعني استخدام متخذي القرارات االقتصادية كافة البیانات واملعلومات املتاحة في تفسير‬
‫سلوك املتغيرات اإلقتصادیة في املستقبل‪ ,‬وليس فقط خبراتهم التاريخية‪ ،‬وترجع أولى إسهامات‬
‫نظریة التوقعات الرشیدة إلى "جون موث" عام ‪ ،1961‬حيث أوضح فيها أهمیة أن تكون التوقعات‬
‫رشیدة في ظل اقتصاد دینامیكي یتميز بتغير سلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها‪.‬‬
‫حیث أن التوقع الرشید یتمثل في تبني أفضل توقع ممكن مبنى على أساس كامل املعلومات املتاحة‬
‫عند بنائه‪ ،‬وال یعني بالضرورة أن یكون التوقع صحیحا بل یمكن أن تكون هناك إنحرافات عن التوقع‬
‫الصحیح‪ ،‬لكن هذه اإلنحرافات تزول في املتوسط عادة بشكل یظهر فیه التوقع الرشید على أنه‬
‫التوقع الصحیح املطابق للواقع الفعلي‪19‬‬

‫‪19 Fréderic Mishkin : « monnaie, banque et marche financier », 7eme édition, nouveaux horizon, France, 2004, p147.‬‬
‫وقد أبرزت دراسات كل من "روبرت لوكاس" و "توماس سارجانت" في السبعینات‬
‫والثمانینات من القرن العشرین والتي اعتمدت جميعها على نظریة التوقعات الرشیدة تحوال‬
‫كبيرا في الفكر اإلقتصادي ومن ثم في آلیة عمل السیاسة اإلقتصادیة‪ ،‬حتى استحقت تلك‬
‫الفترة أن تسمى بـ "ثورة نظریة التوقعات الرشیدة"‪ ،20‬ألنها أدت إلى عدة تحوالت في النظریة‬
‫اإلقتصادیة ساهمت بشكل كبير في تفسير واقع عمل السیاسة اإلقتصادیة‪ .‬یشير كل من‬
‫"سارجانت" و "واالس" إلى أهمیة نظریة التوقعات الرشیدة لألسباب التالیة‪:21‬‬
‫▪ تتالئم والفكر اإلقتصادي الذي یقول أن متخذي القرار اإلقتصادي یتصرفون وفق أفضل‬
‫مصلحة ممكنة لهم؛‬
‫▪ أهميتها الكبيرة في توضیح اآلثار املستقبلیة للسیاسة اإلقتصادیة واألفق الزمني لقدرة متخذي‬
‫القرار اإلقتصادي على التنبؤ بها؛‬

‫‪20 Ibid, p 658.‬‬

‫‪21‬‬‫‪Thomas J. Sargent and Neil Wallace: « rational expectations and the theory of economic policy », Working Papers N° 29, Federal Reserve Bank of Minneapolis, 1974, pp 209,‬‬
‫‪210.‬‬
‫▪ أوضحت فشل النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي التي ال تعتمد على الرشادة في التوقعات في‬
‫تقدیر أثر التغيرات الهیكلیة الدینامیكیة للسیاسة اإلقتصادیة‪.‬‬
‫وقد ساهم اإلقتصادي "روبرت لوكاس" باعتمادة في التحلیل على نظریة التوقعات الرشیدة في إحداث تحول‬
‫هام فیما یخص قضیة استعمال النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي في تقییم أثر السیاسة اإلقتصادیة املتبعة‪.‬‬

‫إذ یشير إلى أن النماذج القیاسیة التقلیدیة لإلقتصاد الكلي ال یمكن استعمالها لتقدیر أثر حقیقي مستقبلي‬
‫لسیاسة اقتصادیة قید التطبیق‪ ،‬ألن هذه النماذج تضم جملة من العالقات الثابتة بين العديد من املتغيرات‬
‫اإلقتصادیة تم بنائها على أساس بیانات في املاض ي‪ ،‬وبالتالي فإن السیاسة اإلقتصادیة قید التطبیق سوف تؤثر‬
‫على بنیة نموذج اإلقتصاد الكلي القیاس ي‪ ،‬ألنها تؤثر على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي بخصوص سلوك‬
‫املتغيرات اإلقتصادیة الكلیة مستقبال وهذا ما یعني تغير العالقات القائمة بين مختلف املتغيرات اإلقتصادیة‪،‬‬
‫ومن ثم فإن العالقات الثابتة بين املتغيرات اإلقتصادیة في النماذج القیاسیة التقلیدیة هي غير صحیحة‬
‫لإلعتماد عليها في توقع أثر مستقبلي للسیاسة اإلقتصادیة‪22‬‬

‫‪22 Robert E. Lucas: « Econometric policy evaluation: A critique », Carnegie-Rochester Conference Series on Public Policy, Elsevier, Vol. 1(1), 1976, pp 41,‬‬ ‫‪42.‬‬
‫تعتبر السیاسة اإلقتصادیة قید التطبیق بالنسبة ملتخذي القرار االقتصادي بمثابة بیانات‬
‫ومعلومات متاحة تستعمل للتنبؤ بسلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها مستقبال‬
‫والتي على أساسها یبنون سلوكهم في املستقبل‪،‬‬
‫وبالتالي فإن أي تغیير في السیاسة اإلقتصادیة املطبقة سوف یغير من توقعات متخذي القرار‬
‫اإلقتصادي بخصوص سلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها مستقبال وبالتالي تغير‬
‫سلوك متخذي القرار اإلقتصادي في املستقبل‪ ،‬وهنا يشير "لوكاس" إلى أن بنیة أي نموذج قیاس ي‬
‫تتغير حسب تغير السیاسة اإلقتصادیة املتبعة بحكم أنها تؤثر على توقعات متخذي القرار‬
‫اإلقتصادي مستقبال ومن ثم في العالقات التي تنشأ بینها‪.‬‬
‫التحدي الثاني‪:‬‬
‫مالجهة املسؤولة عن رسم السیاسة اإلقتصادیة ودوراالقتصادي فيها؟‬

‫تعتبر مسألة اختیار الجهة التي تتكفل برسم وتخطیط السیاسة اإلقتصادیة األنسب‬
‫مسألة على قدر كبير من األهمیة‪ ،‬إذ أنها تعكس إلى حد كبير جدال قائما بين رجال السیاسة‬
‫من جهة ورجال اإلقتصاد من جهة أخرى حول ما اذا كان ارتكاز السیاسة اإلقتصادیة على‬
‫اعتبارات سیاسیة بالدرجة األولى أم على اعتبارات اقتصادیة محضة‪ ،‬ومن ثم فإن هذا‬
‫املوضوع یؤثر بشكل كبير في مدى فعالیة السیاسة اإلقتصادیة املطبقة ویحدد معالم سير‬
‫النشاط اإلقتصادي‪.‬‬
‫من الواضح أن التحلیل اإلقتصادي یقوم بدورین رئیسیين في رسم السیاسة‬
‫اإلقتصادیة‪:23‬‬
‫‪ 23‬سلوي علي سلیمان‪" :‬السیاسة اإلقتصادیة"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكویت‪ ، 1973 ،‬ص ‪.27‬‬
‫▪ فهو من جهة یطرح جملة من الفرضیات لوصف الواقع االقتصادي ويعمل على‬
‫اثبات صحتها من خالل إخضاعها للتجربة والتطبیق‪،‬‬
‫▪ ومن جهة أخرى یساعد في التوصل إلى جملة من اإلستنتاجات التي تمكن من رسم‬
‫تصور واضح ملعالجة املشاكل اإلقتصادیة وبالتالي آلیة سير النشاط اإلقتصادي‬
‫انظالقا من تلك الفرضيات‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن دور اإلقتصادي ینحصر بشكل واضح في إعداد مقترح السیاسة‬
‫اإلقتصادیة‪ ،‬بعد دراسة طبيعة الظاهرة االقتصادية وتحلیلها واستخالص العديد من‬
‫النتائج حولها سواء حول أدواتها أو أهدافها املستقبلیة‪ ،‬واقتراح سياسات معينة لصانع‬
‫القرار تحدد اآلثار املتوقعة من كل منها في الواقع اإلقتصادي‪.‬‬
‫وبما أن السیاسة اإلقتصادیة تعتبر محل حكم على مدى قدرة الهیئات املسؤولة‬
‫واملنتخبة على تسیير األوضاع اإلقتصادیة وبالتالي تعتبر ورقة جد هامة في رسم وتقویة‬
‫املكانة السیاسیة داخل البلد‪،‬فإن مسألة اختیار السیاسة اإلقتصادیة األنسب تعود في‬
‫األخير إلى رجال السیاسة املسؤولين أصحاب القرار في الدولة بالنظر إلى ‪24‬وجود جملة من‬
‫االعتبارات غير اإلقتصادیة التي یتوجب مراعاتها عند تطبیق أي سیاسة اقتصادیة كانت‪،‬‬
‫إذ ال یمكن معالجة املسائل اإلقتصادیة املتعددة بمعزل عن املسائل اإلجتماعیة والسیاسیة‬
‫واالجتماعية والثقافية املرتبطة بها والتي ال تقل أهمیة عنها‪ ،‬بشكل یجعل من اختیار‬
‫السیاسة اإلقتصادیة األنسب مسألة قائمة على عدة اعتبارات یتوجب التوفیق فیما بینها‬
‫تجنبا ألیة اختالالت أو آثار سلبية أكبر‪.‬‬

‫‪ 24‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪32-29‬‬


‫فالتحلیل اإلقتصادي یتسم وخالفا للتحلیل في العلوم األخرى بنوع من الرؤیة القائمة‬
‫على األحكام الشخصیة التي قد تقبل الصحة كما تقبل الخطأ‪ ،‬وبالتالي فهي تفتقد الدقة‬
‫بسبب أن الظواهر اإلقتصادیة هي ظواهر نسبیة ولیست مطلقة‪ ،‬مما یجعل األخذ بها أمرا‬
‫غير ملزم خصوصا وأن التحلیل اإلقتصادي یتميز بتعدد اختالف وجهات النظر بين‬
‫اإلقتصادیين أنفسهم فیما یخص العديد من الظواهر اإلقتصادیة‪ ،‬ومن ثم فإنه من‬
‫الواضح أن قيام رجال السیاسة باختیار السیاسة اإلقتصادیة سیكون في املحصلة النهائية‬
‫متماشیا مع رؤیة مجموعة من اإلقتصادیين وإن اختلف مع رؤیة الفريق اآلخر‪.‬‬
‫وعلیه یمكن القول أن رجال اإلقتصاد لهم دور كبير سواء في إعداد مقترحات السیاسة‬
‫اإلقتصادیة وحتى في اختیار تطبیقاتها‪ ،‬إذ ال یوجد اختالف في ضرورة إسناد مهمة رسم‬
‫وتحدید الخطوط العریضة للسیاسة اإلقتصادیة لرجال اإلقتصاد دون غيرهم بحكم‬
‫درایتهم وانطالقا من الظروف اإلقتصادیة السائدة وامكانیات اإلقتصاد املحلي بكیفیة‬
‫توجیه السیاسة اإلقتصادیة‪ ،‬أما مسألة اختیار السیاسة اإلقتصادیة املطبقة فرغم تفرد‬
‫رجال السیاسة بهذا القرار إال أن أنه اليجب تجاهل دورهم باعتباره تجاهال لدور التحلیل‬
‫اإلقتصادي في صنع إعداد السیاسة اإلقتصادیة‪ ،‬والذي من شأنه التسبب في بروز أزمات‬
‫اقتصادیة ينتج عنها مشكالت اجتماعیة‪ .‬وهنا فإن تدخل اإلقتصادي في إعداد السیاسة‬
‫اإلقتصادیة يأخذ أحد اتجاهين رئیسیين هما‪-:‬‬
‫❖ اإلتجاه العملي ‪ :‬یشير هذا اإلتجاه إلى أن اإلقتصادي يتمثل دوره في دراسة وتحليل الظاهرة االقتصادية‬
‫واقتراح سياسات محددة وبيان آثارها على النشاط اإلقتصادي من مثل آثار ارتفاع اإلنفاق العام‪ ،‬آثار‬
‫انخفاض معدالت الضرائب أو آثار زیادة كمیة النقود‪ 25‬وتكمن أهمیة هذا الدور في كونه یحدد مدى فاعلیة‬
‫القرارات اإلقتصادیة املتخذة وبالتالي تحقیقها لألهداف املرغوبة‪ ،‬خصوصا في ظل نشاط اقتصادي یتسم‬
‫بالدینامیكیة الدائمة التي تعمل في ظلها األسواق اإلقتصادية سواء سوق العمل‪ ،‬سوق رؤوس األموال أو‬
‫سوق السلع والخدمات‪ ،‬من جهة ومن جهة أخرى ما یشهده الفكر اإلقتصادي من جدل مستمر لم يتم‬
‫حسمه بين اإلقتصادیين فیما یخص فعالیة العديد من أدوات السیاسة اإلقتصادیة ومنها السياسات‬
‫املالية والنقدية‪ ،‬سواء في استهدافها للنمو‪ ،‬البطالة‪ ،‬التضخم أو توازن ميزان املدفوعات‪.‬‬

‫ومن هنا فدور اإلقتصادي في وصف وتحلیل أثر القرارات اإلقتصادیة املتخذة اليصح تجاهله خصوصا وأنه‬
‫یؤثر بدرجة كبيرة على مستقبل القرارات اإلقتصادیة املتخذة تبعا لتأثيراتها الحالیة‪ ،‬وهو ما یتطلب اإلملام الكبير‬
‫بأدوات التحلیل اإلقتصادي سواء بجانبه النظري أو التطبیقي‪ ،‬وتبرز في هذه الصدد ما یسمى ب"نماذج‬
‫اإلقتصاد الكلي القیاسیة" التي تتشكل من جملة معادالت ریاضیة تربط بين العديد من املتغيرات اإلقتصادیة‬
‫وتستعمل في قیاس أثر القرارات اإلقتصادیة املتخذة‪.‬‬
‫‪25 Gregory Mankiw :op-cit, p 29.‬‬
‫وقد شهدت "نماذج اإلقتصاد الكلي القیاسیة" العديد من التطورات اإليجابية التي قربيتها إلى وصف الواقع كان أهمها ما‬
‫جاء به اإلقتصادي "روبرت لوكاس" في ثمانینات القرن العشرین‪ ،‬حين أشار إلى أن هذه النماذج يجب أن تتوفر على جملة من‬
‫الشروط حتى تكون فعالة في توضیح اآلثار الحقیقیة املترتبة عن القرارات املتخذة بخصوص السیاسة اإلقتصادیة وهي ‪:26‬‬
‫▪ توضیح قیود امليزانیة بالنسبة للمستهلك وقیود استخدام املوارد الخاصة باملنتج واإلقتصاد ككل؛‬
‫▪ توضیح تفضیالت املستهلك وأهداف املنتج؛‬
‫▪ افتراض النظرة املستقبلية كسلوك یتميز به متخذي القرار اإلقتصادي مستهلكين كانوا أو منتجين؛‬
‫▪ األخذ بعين اإلعتبار طبيعة الصدمات التي یتعرض لها متخذي القرار االقتصادي في القطاعات االقتصادية والتي‬
‫تؤثر في سلوكیاتهم؛‬
‫▪ أن تكون هذه النماذج شاملة لجمیع جوانب اإلقتصاد الكلي بحكم علالقات الترابط والتداخل بينها‪.‬‬

‫والجدیر بالذكر هو أن "النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي" تختلف باختالف الفرضیات التي تبنى على أساسها والتي‬
‫ترجع إلى تعدد إتجاهات الفكر اإلقتصادي‪ ،‬حیث أن تحلیل اآلثار املترتبة عن مختلف أدوات السیاسة اإلقتصادیة یكون‬
‫مختلفا بين هذه التوجهات الفكریة مما یعقد دور اإلقتصادي ضمن اإلتجاه العملي في التحدید الدقیق لآلثار املترتبة عن‬
‫قرارات السیاسة اإلقتصادیة‪.‬‬

‫‪26 Narayana Kocherlakota : « Modern Macroeconomic Models as Tools for Economic Policy », 2009‬‬

‫‪Annual Report Essay, the federal reserve bank of Minneapolis, pp 7-9‬‬


‫❖ اإلتجاه املثالي‪ :‬یشير هذا اإلتجاه إلى أن اإلقتصادي يتمثل دوره في كونه مستشارا لصانعي القرار في‬
‫تحدید السیاسة اإلقتصادیة املطلوب تطبيقها ومن ثم في كیفیة سير النشاط اإلقتصادي‪ ،‬انطالقا‬
‫مما یقترحه من سیاسات وأدوات يراها فعالة في تحقیق ما هو مرغوب من أهداف اقتصادیة‪ .‬فدوره‬
‫هنا أكبر من مجرد الدراسة والتحليل للظاهرة اإلقتصادية حيث يتولى طبقا لهذا التوجه تحدید أي‬
‫األدوات والسیاسات األكثر فعالیة للحد من البطالة‪ ،‬أو التضخم وغيرها من الظواهر االقتصادية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫غیر أنه يجب القول أن دور االقتصادي في االتجاهین العملي واملثالي بينهما تالزم وتكامل حيث‬
‫یعتبر األول عامال أساسيا لتطور اإلتجاه الثاني‪ ،‬فكلما اقترب التحليل االقتصادي من الواقع في‬
‫تحليله للظاهرة االقتصادية كلما كان ذلك مدعاة لتبني السياسات التي يقترحها املستشار‬
‫االقتصادي فعلى سبيل املثال إذا ثبت على املستوى التحليلي أن اإلنفاق العام یؤثر إیجابا على‬
‫النمو اإلقتصادي فهذا دعم لتبني زيادة اإلنفاق العام كسياسة اقتصادية مثلى لتحقیق النمو‬
‫واإلزدهار اإلقتصادي‪ .27‬وبالتالي يجب على املستشار االقتصادي أن يكون على علم بآثار أدوات‬

‫‪27 Gregory Mankiw :op-cit, pp 29, 30.‬‬


‫السیاسة اإلقتصادیة املختلفة على املتغيرات ليتمكن من تحديد السیاسات املناسبة لتحقیق‬
‫األهداف املوضوعة من قبل صانع القرار وهنا يجب التنوية إلى عدد من الظروف واالحتياجات‬
‫املوضوعية التي یواجهها صانعي القرار واإلقتصادیين معا أهمها‪:28‬‬
‫▪ الحاجة إلى تحدید مستویات األهداف بشكل دقیق وكذا آلیة املفاضلة بینها إن استلزم ذلك؛‬
‫▪ الالیقين وعدم التأكد من نوعية القرارات اإلقتصادیة املتخذة خصوصا في ظل الدینامیكیة التي‬
‫یتميز بها النشاط اإلقتصادي؛‬
‫▪ الدینامیكیة التي یتميز بها النشاط اإلقتصادي والتوقعات الرشیدة التي یتميز بها متخذي القرار‬
‫في القطاع الخاص تتطلب تحلیال مستمرا ودائما بمعرفة آلیة تأثير مختلف األدوات‬
‫والسیاسات‪ ،‬ألنه وفي إطار ذلك فإن أي أداة یتم تطبیقها في الوقت الحالي لتحقیق هدف معين‬
‫ال یعني بالضرورة أنها فعالة لتحقیق نفس الهدف في فترة زمنیة الحقة‪.‬‬
‫▪ نقص البیانات بين صناع القرار من جهة ومتخذي القرار في القطاع الخاص من جهة أخرى یخلق‬
‫نوعا من التضارب في السلوك بما یؤثر سلبا على فعالیة القرارات املتخذة‪.‬‬

‫‪28 Agnès bénassy-quéré et autres : « politique économique », édition de Boeck université, Belgique, 2004, pp 15-18.‬‬
‫التحدي الثالث‪:‬‬
‫املفاضلة بین متغیرات األهداف النهائية‬
‫یواجه صناع قرار السیاسة اإلقتصادیة إشكالیة املفاضلة بين متغيرات األهداف‬
‫النهائية للسیاسة اإلقتصادیة والتي تحتمها الصعوبة العملية في تحقيق القیم املستهدفة‬
‫منها في آن واحد‪ ،‬خصوصا إذا كان عدد األدوات أقل من عدد األهداف املطلوبة كما هو‬
‫األمر الشائع في إدارة السیاسة اإلقتصادیة‪ .‬فعلى سبيل املثال يتطلب األمر حساب ما يمكن‬
‫تسميته ب"معامل التضحیة" وهو معامل يحدد النسبة من حجم الناتج الحقیقي التي يجب‬
‫التضحية بها مثال مقابل خفض معدل التضخم بنقطة مئویة سنویا‪ ،‬أو استخدام قانون‬
‫"أوكن" الذي یشير إلى أن الزیادة بنقطة مئویة سنویة في معدل البطالة یؤدي إلى اإلنخفاض‬
‫بنقطتين مئویتين في حجم الناتج الحقیقي‪ ،‬وكذا ما توصل إلیه الباحثون من أن الحد من‬
‫معدل التضخم بنقطة مئویة سنویا یؤدي إلى انخفاض حجم الناتج الحقیقي ب ‪ 5‬نقاط‬
‫مئویة سنویا‪ ،‬وارتفاع في معدل البطالة بنسبة تقارب ‪.29 %2,5‬‬
‫ومن هنا نرى أن تحقق القیم املستهدفة ملتغير هدف نهائي معين قد تتطلب تضحیة من‬
‫بقیم مستهدفة ملتغير في هدف نهائي آخر‪ ،‬وهو ما یدفع صانعي القرار وفقا ملا يراه‬
‫اإلقتصادي "كالدور" إلى ضرورة املفاضلة بين هذه املتغيرات‪ ،‬وتختلف طبيعة هذه املفاضلة‬
‫من اقتصاد آلخر ومن فترة زمنیة ألخرى تبعا للظروف االتي يمر بها االقتصاد في حينه‪30‬‬

‫‪29 Gregory Mankiw : «Macroéconomie», 3eme édition, De Boeck édition, Belgique, 2003, p 436.‬‬

‫‪30 Ibid, p 57‬‬


‫التحدي الرابع‪:‬‬
‫عدم استقرار أدوات السیاسة اإلقتصادیة‬

‫إن الدینامیكیة التي یتميز بها النشاط اإلقتصادي تجعل في الغالب بعض أدوات السیاسة اإلقتصادیة‬
‫فعالة في الفترة الحالیة وغير فعالة في الفترة املستقبلیة‪ ،‬من خالل اآلثار التي تسببها حتى على املدى الطویل والتي‬
‫قد تؤثر سلبا على النشاط اإلقتصادي تبعا لتغير الظروف السائدة‪ ،‬وهذا ما یعني أن صناع قرار السیاسة‬
‫اإلقتصادیة ملزمون عند اختیار أي أداة في الوقت الحالي لتحقیق مستوى معين من متغير هدفي‪ ،‬العمل أوال‬
‫على إزاحة اآلثار الحالیة التي تسببت فيها هذه األداة عند تطبیقها في املاض ي مما یتطلب تغیييرا كبيرا في قیمة‬
‫هذه األداة مستقبال وباستمرار‪ ،‬وهذا یبرز ما یسمى ب "عدم استقرار أدوات السیاسة اإلقتصادیة"‪ 31‬وعلى‬
‫هذا األساس یجد صناع قرار السیاسة اإلقتصادیة أنفسهم أمام حتمیة القبول إما بتحركات غير مرغوب فيها‬
‫في قیمة املتغير الهدفي على أمل تحقیق اإلستقرار في قیمة األداة املستخدمة‪ ،‬أو القبول بتحركات واسعة غير‬
‫مرغوب فيها في قیمة األداة املستعملة حتى یتم تحقیق اإلستقرار في قیمة املتغير الهدفي‪.‬‬

‫‪31 Robert S. Holbrook: « Optimal Economic Policy and the Problem of Instrument Instability », the American Economic Review, Vol.‬‬ ‫‪62, No. 1/2 (Mar. 1, 1972), p 57.‬‬
‫التحدي الخامس‪:‬‬
‫الالیقین في النشاط اإلقتصادي‬

‫يتزايد اإلعتقاد بأهمیة دور "الالیقين" في إحداث وتوجیه الدورات اإلقتصادیة في النشاط اإلقتصادي‪ ،‬خاصة أن سلوك‬
‫متخذي القرار اإلقتصادي يتسم باملرونة الكبيرة في اإلستجابة الفورية للتغيرات الحاصلة في البيئة اإلقتصادية املحيطة‪،‬‬
‫وبالتالي فسلوكهم املستقبلي تجاه النشاط اإلقتصادي يؤثر بقوة في سلوك النظام اإلقتصادي الذي یتميز بقلة العالقات‬
‫الثابتة بين املتغيرات اإلقتصادیة‪ 32.‬ویظهر هذا بشكل واضح عند حدوث الصدمات سواء كانت اقتصادیة‪ ،‬اجتماعیة أو‬
‫سیاسیة‪ ،‬فهذه الصدمات تؤثر على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي املستقبلیة سواء كان ذلك بخصوص طبیعة السیاسة‬
‫اإلقتصادیة واتجاهها أو بخصوص اتجاه املؤشرات اإلقتصادیة الكلیة‪.‬‬

‫یعتبر اإلقتصادي "بن برنانكي" من أوائل من نبه في عام ‪1983‬إلى التأثيرات السلبیة لحالة عدم التأكد اإلقتصادي‪ ،‬حين‬
‫أوضح إلى أن املؤسسات ونتیجة لعدم تأكدها من الوضع اإلقتصادي في املستقبل تلجأ إلى إلغاء أو تأجیل العديد من مشاریعها‬
‫اإلستثماریة تجنبا ألیة خسائر مستقبلیة محتملة قد تنتج عن قرارات تتخذ حالیا ويثبث املستقبل عدم صحتها‪33.‬‬

‫‪32 Mervyn King et al: « uncertainty in macroeconomic policy making», The Royal Society Conference on “Handling‬‬ ‫‪Uncertainty in Science”, 22nd March 2010, London, pp 6-‬‬
‫‪10.‬‬
‫‪33 Scott R.Baker et al: « measuring economic policy uncertainty», University of Chicago Booth School of Business, 2011, p1.‬‬
‫التحدي السادس‪:‬‬
‫اإللتزام بالسیاسة اإلقتصادیة املعلنة‬

‫تشير األدبیات اإلقتصادیة عن وجود تضارب فیما يتعلق بكیفیة تسیير السیاسة اإلقتصادیة‪ ،‬ففي حين‬
‫یشير الفكر الكینزي إلى أهمیة عدم التقید بالسیاسة اإلقتصادیة إلضفاء املرونة على آلیة عملها ومن ثم سرعة‬
‫اإلستجابة للتطورات في النشاط اإلقتصادي‪ ،‬فإن العديد من اإلقتصادیين أبرزوا التأثيرات السلبیة لعدم تقیید‬
‫السیاسة اإلقتصادیة ومن أهمها ما یلي‪:‬‬
‫▪ توظيف السیاسة اإلقتصادیة في أغراض غیر اقتصادیة‪ :‬یرى معارضوا عدم االلتزام في‬
‫السیاسة اإلقتصادیة بقواعد ثابتة یتیح لصناع القرار استخدامها لتحقیق أغراض غير اقتصادیة‬
‫تتمثل أساسا في خدمة مصالحهم السیاسیة ودعم مواقعهم في السلطة‪ ،‬ویبرز في هذا اإلطار ما یسمى‬
‫ب"الدورات اإلقتصادیة اإلنتخابیة" ففترات ما قبل اإلنتخابات عادة تتسم بالتوسع في اإلنفاق العام‬
‫لتحسين صورة املرشح أمام أفراد املجتمع‪ ،‬على عكس فترات ‪.‬ما بعد اإلنتخابات التي تتميز بالحد من‬
‫اإلنفاق العام‪.34‬‬
‫‪34 Gregory Mankiw : «Macroéconomie», op-cit, p 463.‬‬
‫▪ فقد الثقة في السیاسة اإلقتصادیة‪ :‬یتسبب عدم اعطاء صناع قرار السیاسة‬
‫اإلقتصادیة أهمیة كبيرة لتوقعات متخذي القرار اإلقتصادي في النشاط اإلقتصادي في بروز‬
‫هذه املشكلة التي تساهم حسب"كایالند وبریسكوت"(‪ )1974‬في الحد من املصداقیة‬
‫واملوثوقية لها وبالتالي التسبب في اختالل اإلستقرار اإلقتصادي‪35‬‬

‫فمتخذي القرار اإلقتصادي یبنون توقعاتهم على أساس ما یتم إعالنه كأهداف صریحة‬
‫للسیاسة اإلقتصادیة ویكیفون سلوكهم في النشاط اإلقتصادي مستقبال بناء عليها‪ ،‬لكن عدم‬
‫تقیید السیاسة اإلقتصادیة قد یدفع صانعي القرار لسبب أو آلخر لتغیير ما سبق وأعلن عنه‬
‫من أهداف رئیسیة للسیاسة اإلقتصادیة أو التخلي عنه‪ ،‬وهو ما سینعكس سلبا على سير‬
‫النشاط اإلقتصادي باعتبار أن ذلك سیؤثر على نشاط متخذي القرار اإلقتصادي باعتبارهم‬
‫قد بنوا سلوكهم اإلقتصادي على معلومات خاطئة‪ ،‬وبالتالي يساهم فقد الثقة في قرارات‬
‫السیاسة اإلقتصادیة مستقبال بشكل یعزز من تزايد حالة الالیقين وعدم التأكد‪36‬‬

‫‪35 Finn E. Kydland and Edward C. Prescott: « Rules rather discretion: the inconsistency of optimal plans », the journal of political economy, Vol 85, Issue 3, June 1977, p 474‬‬

‫‪36 Gregory Mankiw : «Macroéconomie», op-cit, p 465.‬‬

You might also like