Professional Documents
Culture Documents
:1-1تمهيد ......................................................................................................................................................
: 2-1مفهوم السیاسة اإلقتصادیة ................................................................................................................
: 3-1أهداف السیاسة اإلقتصادیة ...............................................................................................................
: 4-1مبادئ السیاسة اإلقتصادیة ................................................................................................................
: 5-1طبيعة السیاسة اإلقتصادیة ................................................................................................................
: 6-1بناء السياسة اإلقتصادية .....................................................................................................................
: 7-1قضايا في السیاسة اإلقتصادیة ............................................................................................................
:8-1مناهج تفعيل السياسة اإلقتصادية ......................................................................................................
تمهيد
ليس هناك تعريف متفق عليه بين الباحثين في شأن السياسات االقتصادية وإن اتفقوا على أنها
وسيلة من وسائل الحكومات في التدخل في النشاط اإلقتصادي لتحقيق املنفعة العامة .ومن الواضح
أن مفهوم املنفعة العامة يختلف باختالف املجتمعات من حيث طبيعة نظامها االقتصادي
والسياس ي واالجتماعي والثقافي والتي تعتبر جميعها محددات للسياسة االقتصادية يصعب على
واضع السياسة االقتصادية تجاوزها بل يمكن اعتبارها جميعا مؤشرات ملدى النجاح الذي يمكن
توقعه لها في أرض الواقع فبالقدر الذي تتوافق فيه إجراءات ووسائل السياسة االقتصادية مع تلك
املحددات يكون النجاح لها أقرب للتوقع والعكس بالعكس .ويجب التنويه هنا إلى أن السياسة
االقتصادية ليست هي علم االقتصاد السياس ي فالثاني يعنى بدراسة الظواهر االقتصادية من حيث
هي بهدف اكتشاف مسبباتها وطرق التحكم بها واألولى وسيلة من وسائل تفعيل املعرفة البشرية حول
الظاهرة االقتصادية للتعامل معها بكفاءة للوصول إلى تحقيق منظومة من األهداف املجتمعية
النهائية.
مفهوم السیاسة اإلقتصادیة
يعرف اإلقتصادي الهولندي جان تنبرقن 1)1903-1994( Jan Tinbergenالسیاسة
اإلقتصادیة بأنها عبارة عن" :2منظومة قرارات تعكس العالقة بين أهداف صانعي القرار
التي ال يستطيعون التحكم فيها بصفة مباشرة ،وبين األدوات التي تضمن تحكمهم بها"،
ووفقا لهذا التعريف فإن السیاسة اإلقتصادیة عبارة عن مجموعة من القرارات ،يتم
الوصول إليها بأدوات تعمل في بيئة معينة هي الواقع اإلقتصادي ،وتتكون باختصار مما يلي-:
-1األهداف :وهي عبارة عن متغيرات تحدد مستوى معين من الرفاهیة اإلقتصادیة
املجتمعية التي يستهدفها صانع القرار وتنقسم غالبا إلى-:3
▪ أهداف نهائیة :وهي األهداف الكبرى للسیاسة اإلقتصادیة التي يسعى صانع القرار
تحقيقها في أرض الواقع من مثل:
▪ تحقيق مستوى معين من معدل النمو االقتصادي،
1أول من فاز بجائزة نوبل في االقتصاد لعام ،1969باملشاركة مع االقتصادي النرويجي رينجر أنتون كيتيل فريستش ، Ragnar Anton Kittil Frischعن جهودهما في تطوير وتطبيق النماذج الديناميكية في التحليل االقتصادي.
2 Gérard Duthil et William Mario’s: « politiques économiques », edition ellipses, France, 1997, p 22.
▪ أهداف وسیطیة :وهي األهداف التي يتعامل معها صانع القرار كقنوات لنقل أثر
األدوات املباشرة إلى األهداف النهائیة ،ومن تلك األهداف الوسيطة استهداف صانع
القرار رفع أو خفض سعر الفائدة أو زيادة سعر الصرف أو تخفيضه ،وتبرز هذه
األهداف الوسيطة كمؤشرات یستند إليها صناع القرار في تقییم مدى إمكانیة تحقق
التأثير املرغوب فیه لألدوات املباشرة على املتغيرات النهائیة أم ال ،وهذا مكمن أهميتها إذ
أنها تتيح إمكانیة التعدیل في املسار وتصحیح الخلل إن وجد قبل فوات األوان في حال
تركيز النظر فقط على التغيرات التي تحدث في األهداف النهائیة.
-2األدوات :وهي اإلجراءات والوسائل التي يستخدمها صانعوا القرار4بشكل مباشر وتتنوع
هذه اإلجراءات والوسائل بين أدوات جزئیة تصنف ضمن منظومة السیاسة اإلقتصادیة
الجزئیة كمعدل الضریبة أو معدل األجر الحقیقي أو أدوات اقتصادیة كلیة تصنف
ضمن منظومة السیاسة اإلقتصادیة الكلیة كعرض النقود وحجم اإلنفاق العام،
ویخضع استخدام هذه األدوات الجزية أو الكلية إلى قیود تتمثل في:5
▪ القیود السیاسیة :بما أن السیاسة اإلقتصادیة يتبناها ويقرها صانعي القرار من
الساسة فمن الطبيعي القول بأن تحديد طبیعتها واتجاهها ،سيكون موضع اختالف
4 Christian Aubin et Jacques Leonard : « politiques économiques », librairie Vuibert, France, 2003, p22.
5
Gérard Duthil et WilliamMarois : op-cit, pp 24,25.
بين مختلف املشارب السیاسیة لصناعي القرار ،فمن يؤمن بأفكار املدرسة اإلشتراكیة
االقتصادية سیفضل استخدام السیاسة املالیة من خالل اإلنفاق العام ومن ثم
تعزیز دور القطاع العام في النشاط اإلقتصادي ومن يؤمن بأفكار املدرسة الليبرالية
االقتصادية سیفضل بالطبع استخدام أدوات تدعم القطاع الخاص كتخفیض
معدالت الضرائب على سبيل املثال.
▪ القیود الزمنیة :وهي القیود املتعلقة بالفترة الزمنية التي تحتاجها األدوات
االقتصادية ليظهر أثرها في النشاط اإلقتصادي ،فالعديد من األدوات االقتصادية
تحتاج إلى وقت للتنفيذ ووقت آخر لبدء األثر األمر الذي يجعل الزمن يلعب دورا كبيرا
في تحدید نوعیة وفعالیة األدوات املستخدمة.
وينبغي التنبيه هنا إلى ثالث مالحظات أساسية هي:
❖ أن بناء النموذج االقتصادي الذي يوضح آلیة عمل السیاسة اإلقتصادیة يبدو
معاكسا ملنطق التحلیل اإلقتصادي فاإلجراءات والوسائل التي يمكن النظر إليها
باعتبارها متغيرات خارجیة هي التي تتأثر باألهداف النهائية أو املتغيرات الداخلیة
وليس العكس ،ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى أن األهداف النهائية تحدد ابتداء
من قبل صانعي القرار ،ومن ثم تحدد قیم وطبيعة األدوات املستخدمة في تحقیقها،
وهكذا نرى أن املتغيرات الداخلیة هي التي تؤثر في تحدید قیمة املتغيرات الخارجیة ال
العكس في حالة بناء النماذج االقتصادية للسیاسة اإلقتصادیة.6
وأخيرا وبحكم الدینامیكیة التي یتميز بها النشاط اإلقتصادي ،فإن طبيعة اإلختالالت بين املتغيرات ❖
اإلقتصادیة تختلف بحسب املكان والزمان فهي نسبیة بطبيعتها ،وبالتالي فإن تأثير أدوات السیاسة
اإلقتصادیة قد يكون مناسبا في اقتصاد دولة ما لكنه اليكون كذلك في اقتصاد دولة أخرى،وقد يكون
مناسبا في فترة ما دون أن يكون مالئما ملعالجة نفس املشكلة في فترة أخرى .ومن ثم فإن اختیار األدوات
املثلى لتحقیق األهداف الكبرى للسیاسة اإلقتصادیة يعتمد بشكل كبير على تشخيص املشكلة املبني
ُ
على التحلیل الدقیق لالختالالت في االقتصاد ،ومن ثم االختيار الصحیح للسياسة التي تكامل بين
األدوات واألهداف التي يمكن تحقیقها.
7 Milton Fridman: « The role of monetary policy», The American Economic Review, Vol 58, N° 1, (Mar., 1968), p1.
أهداف السیاسة اإلقتصادیة
تتميز أهداف السیاسة اإلقتصادیة بالتنوع بسبب اختالف النظام اإلقتصادي التي یسير وفقه
النشاط اإلقتصادي أو بسبب اختالف األفق الزمني لهذه األهداف ،ورغم هذه اإلختالفات
والتعددات في أهداف السیاسة اإلقتصادیة فهناك أهداف رئیسیة تشترك فيها االقتصادات املختلفة
وهي-:
الهدف األول :تحقیق معدل مرتفع من النمو اإلقتصادي
یعتبر تحقيق معدل مرتفع من النمو اإلقتصادي هدفا رئیسيا ألغلب السیاسات
اإلقتصادیة في دول العالم املعاصر وذلك باعتباره أحد املقاييس الهامة لتطور
املقدرة اإلنتاجیة في اإلقتصاد املحلي ،ويجب التنبيه هنا إلى أن أهمیة تحقيق نمو
إقتصادي حقيقي مستدام تكمن من بين أشياء أخرى فیما یعكسه من تطور في
القدرة اإلنتاجیة لالقتصاد املحلي وما يعنيه ذلك من زيادة نصیب الفرد من هذا
النمو وهو مكمن التفاوت اإلقتصادي بين الدول ،ونظرا لتلك األهمیة التي یحوزها
النمو اإلقتصادي كهدف رئیس ي للسیاسة اإلقتصادیة ،فقد شهد الفكر
اإلقتصادي العديد من النظریات والنماذج التي تسعى إلى تفسير عملیة النمو
اإلقتصادي بإبراز عواملها ومحدداتها ،ومن بين هذه النظريات:
▪ نظریة النمو الداخلي ،التي تجادل أن آلیة النمو اإلقتصادي على املدى الطویل
تتحقق بفعل عوامل داخلیة تتأثر بقرارات وإجراءات السیاسة اإلقتصادیة مما
یجعل لهذه األخيرة دورا رئیسیا في تحقق النمو املستدام في األجل الطویل.
▪ نظرية النمو النیوكالسیكية التي تتبنى فكرة أن كل اقتصاد یتوازن بشكل دائم
ليصل إلى حالة مستقرة ،وأن أي نمو انطالقا من هذا املستوى یتم بفعل
العوامل التقنية التي تعتبر عامال خارجیا وبالتالي فهذه املدرسة ال ترى أهمیة
كبرى للسیاسة اإلقتصادیة في تحقیق النمو.8
8 Philippe Darreau : « croissance et politique économique»,1er edition, deboeck edition, Belgique, 2003, pp 25-27.
الهدف الثاني :ارتفاع حجم العمالة
تعتبر البطالة من أهم الظواهر املهددة للرفاه اإلقتصادي واإلستقرار اإلجتماعي في أي دولة ،و ذلك یدفع إلى
ضرورة أن تستهدف السیاسة اإلقتصادیة بشكل رئیس ي الحد من معدالت البطالة في املجتمع ،خصوصا وأن
زیادة حجم العمالة یعمل على:
▪ من جهة في الجانب اإلقتصادي على تدعیم املقدرة اإلنتاجیة وتعظیم معدالت النمو اإلقتصادي،
▪ كما یعمل من جهة أخرى في الجانب اإلجتماعي على الحد من التفاوت في حجم الدخول وبالتالي تدعیم
اإلستقرار اإلجتماعي.
یعتبر نجاح السیاسة اإلقتصادیة في خفض معدل البطالة مرهونا بمدى الدقة في املعلومات املتوفرة عن
سوق العمل وتطوراته خالل فترة بناء وتنفيذ السياسة اإلقتصادیة.9
10Roberto M. Billi and George A. Kahn: «What Is the Optimal Inflation Rate? », federal reserve bank of Kansas city, economic review,2nd quarter, 2008, p 7.
11 Guy Debelle: « Inflation targeting in practice», IMF working paper N° 35, 1997, p 10.
▪ جمود األجور نحو األسفل :یعتبر جمود األجور اإلسمیة نحو األسفل من بين العوامل التي
تدفع إلى ضرورة تحقیق معدالت تضخم منخفضة وموجبة ،إذ أن العمال عادة اليقبلون
خفض األجور اإلسمیة التي تتجه عادة نحو الزيادة ،وهكذا فإن جمود األجور اإلسمیة نحو
األسفل من جهة وثبات املستوى العام لألسعار عند معدل تضخم مساو لـ %0من جهة
أخرى ،يجعل املؤسسات تجد صعوبة في خفض مستوى األجر الحقیقي إلى مستواه التوازني
الذي يتطلبه االنخفاض في الطلب الكلي على سبيل املثال ،وفي هذه الحالة تضطر
املؤسسات إلى تسریح العمال للحد من التكالیف التي تتكبدها .وعلیه فإنه للحد من هذه
اإلختالالت في سوق العمل الناتجة عن استهداف معدل تضخم مساو ل ،%0یتوجب أن
یكون معدل التضخم منخفضا إلى الحد الذي ال یكبد املؤسسات تكالیف في شكل زیادة
لألجر الحقیقي تحتم عليها اللجوء لتسریح العمالة.
▪ اآلثار اإلنكماشیة :يدل معدل التضخم املساوي للصفر على دخول اإلقتصاد في مرحلة
انكماش اقتصادي ،ویرى الكثير من اإلقتصادیين أن تكالیف اإلنكماش أكبر من تكالیف
التضخم وهو ما یدعو إلى ضرورة تحقیق معدل تضخم منخفض لكن یكون موجبا لكي يتم
تجنب ظهور أیة بوادر قد تؤثر سلبا على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي ومن ثم
سلوكهم املستقبلي بما یتسبب في حالة عدم اإلستقرار اإلقتصادي.
الهدف الرابع :العدالة في توزیع الدخل
أشار االقتصادي آرثر أوكن Arthur Melvinإلى وجود عالقة وطيدة بين العدالة في توزیع الدخل من
جهة والكفاءة اإلقتصادیة من جهة أخرى ،وأكد على زيادة مستوى العدالة في توزیع الدخل یؤدي إلى
الحد من الكفاءة اإلقتصادیة ،ويرجع السبب في ذلك إلى أن السیاسات التي يتم اتباعها لرفع مستوى
العدالة في توزیع الدخل تستنفذ املوارد التي يجب أن توجه لإلستثمار وتحد من حوافز العمل
واالبداع،
ويؤيد هذا التوجه االقتصادي األمريكي كینیث أرو Kenneth Joseph Arrowحيث يؤكد على العالقة
العكسية بين تراكم رأس املال املادي ورفع مستوى تحقیق العدالة في توزیع الدخل13
ویرى العديد من اإلقتصادیين في هذا الصدد أن تحقیق العدالة في توزیع الدخل ربما يتعارض مع
سعي األفراد إلى التملك وزیادة األرباح ،عبر تجويد العمل واإلبداع فيه والذي الشك يختلف من عامل
آلخر مما یعني أن العوائد ال یجب أن تكون متساویة .14ومن وجهة نظر هؤالء فإن عدم العدالة في
13 Lane Kenworthy: « equality and efficiency: the illusory tradeoff », European journal of political research, Vol 27, Issue 2, 1995, p 227,228.
15 Branko Milanovic: « More or Less», Finance & Development, Vol 48, N° 3, September 2011, p 4.
الهدف الخامس :تحقیق التوازن في میزان املدفوعات
یعتبر ميزان املدفوعات الذي یمثل سجال منتظما للتعامالت التجاریة واملالیة التي تتم بين
املقیمين في اإلقتصاد املحلي وغير املقیمين فیه خالل عام من الزمن مرآة تعكس الوضع
اإلقتصاد املحلي باملقارنة مع اإلقتصادیات الدولية ،ومن ثم فإن السیاسة اإلقتصادیة للدولة
ال یكفيها فقط تحقیق معدالت نمو موجبة وانخفاض في معدل البطالة مع استقرار في املستوى
العام لألسعار إذا لم ینتج عن ذلك وجود نوع من التوازن النسبي في تعامالتها مع بقیة
اإلقتصادیات األخرى والذي یعتبر مقیاسا حقیقیا لتطور اإلقتصادیات خصوصا في ظل عصر
العوملة اإلقتصادیة.
كما أن هذا التوازن يعكس حقیقة توازن سعر صرف العملة الوطنیة واتجاه تطور احتیاطاتها
املالیة ،وبالتالي فإن السیاسة اإلقتصادیة ال تركز فقط على تحقیق التوازن الداخلي بل
تستهدف التوازن الخارجي أیضا نظرا لألهميته في تحقيق التوازن الكلي لإلقتصاد.
كيف تبنى السیاسة اإلقتصادیة؟
يمر بناء السياسات العامة عاد بمراحل عدة أهمها:
املرحلة األولى :تعريف وتحديد املشكلة
وتتضمن هذه املرحلة تحديد مجموعة من العناصر وهي:
-1املشاكل العامة التي يلتفت صانعي القرار إليها هي تلك التي تمس شريحة واسعة من
املجتمع وتثير انتباه الحكومة مثل البطالة ،التضخم ،التلوث البيئي واألوبئة الفتاكة
..لذا فاملشكلة العامة هي التي تدفع صناع السياسة العامة للتحرك بسرعة ألنها تمثل
مجموعة من املطالب والحاجات التي يجب االستجابة لها.
-2خطوات تحليل املشكلة :تتم عملية تحليل املشاكل بخطوات عدة هي :
تعريف املشكلة وتمييزها. •
تحليل املشكلة من خالل معرفة أسبابها وأهدافها. •
إعداد قائمة بالحلول املمكن اتباعها لحل املشكلة. •
تقييم الحلول حسب املعايير املالئمة ،وتشمل املهارات املطلوبة ،املوارد املادية •
والبشرية ،التكلفة ،املخاطر ومراعاة البيئة والقيم.
تحديد الخيار األفضل واتخاذ القرار. •
وضع خطة التنفيذ. •
املتابعة والتقييم ملعرفة مدى نجاح أو فشل التنفيذ. •
املرحلة الثانية :وضع املشكلة على جدول األعمال
تواجه الحكومات العديد من القضايا االقتصادية والسياسة واالجتماعية والثقافية
وغيرها ،لكن ال تستطيع أن تحل كل تلك املشاكل ،مهما كانت إمكانياتها املادية والبشرية،
لهذا فإنها تقوم بإدراج أهم القضايا أو املطالب العامة األكثر طلبا من املجتمع في جدول
يسمى جدول أعمال السياسة العامة ،التي تتطلب عملية مناقشة فعلية ،يترتب عنها اتخاذ
قرارات رسمية مناسبة لتلك املطالب املطروحة ،وعليه يميز كوب Coobو إيلدر Alderبين
نوعين من جدول األعمال ،األول نظامي والثاني حكومي .حيث يضم األول املسائل التي
تتبناها السلطة وتستدعي تدخل السلطات الثالث وفقا لصالحياتها واختصاصاتها ،أما
الثاني فهو بمثابة جدول للنقاش يكتفي عادة باملستوى الحكومي ملعالجتها.
املرحلة الثالثة :بلورة وصياغة السياسة
بعد تحديد املشاكل ووضعها على جدول األعمال ،البد من بلورة األفكار والسياسات املمكن اتباعها للتعامل
مع املشاكل ذات األولوية وهذه العملية تأتي محصلة لتفاعل عوامل عدة منها :االقتصادية والسياسية
واالجتماعية .وتتم عادة وفق االساليب التالية:
األمر :يكون توجيه األمر داخل التنظيم الواحد ،ويتم عبر السلم الهرمي من الرؤساء إلى املرؤوسين، -1
وتوجيههم وحثهم للموافقة على مواقفهم أو برامجهم ،مستخدمين بذلك الثواب أو العقاب ملن يؤيد
أو يخالف.
التعاون واإلقناع :هو أن يستميل أحد األطراف الطرف اآلخر بغية الحصول على تأييده ملواقفه أو -2
كسب رضاه حول قضية أو مطلب ما ،بعد إقناعه بسالمة الرأي أو القضية املعروضة عليه .
املساومة :وهي عملية تفاوض بين كيانين أو أكثر ممن يتمتعون بالسلطة والصالحية ،وذلك لالتفاق -3
على حل مقبول ولو جزئيا ملصلحة أهدافها وليس بالضرورة أن يكون حال مثاليا.
التنافس :هو نشاط يسعى من وراءه طرفان أو أكثر إلى تحقيق نفس الهدف ،من أجل مكسب معين -4
محليا ودوليا.
املرحلة الرابعة :تبني وإقرار السياسة
يتم في هذه املرحلة اتخاذ قرار أو إصدار تشريع أو قانون يجسد األهداف املراد بلوغها،
ويشمل هذا تبني مقترحات بعينها أو تعديلها أو رفض أو قبول بديل آخر .وهذا يعني أن هذه
املرحلة ال تكتفي باختيار بديل ما فقط ،بل اختيار قرار حول بديل معين ،وهذا القرار يتعلق
بالسياسة العامة وليس قرارا روتينيا ،حيث يمر إقرار السياسة العامة بمراحل عديدة،
فتقدم في البداية على شكل مشاريع قوانين تقدم لصانعي القرار حسب االختصاص في كل
دولة لدراستها ،وإقرارها.
املرحلة الخامسة :مرحلة تنفيذ السياسة العامة
بعد انتهاء مرحلة تبني السياسة العامة تصبح مؤهلة ليطلق عليها سياسة عامة ،وبالرغم
من وجود صعوبة في تحديد املرحلة التي تفصل بين العمل التشريعي والتنفيذي ،تعتبر
عملية تنفيذ السياسة العامة استمرارا ملختلف العمليات السابقة والتي ينتقل العمل فيها
إلى السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتها ،وتتمتع بسلطات تقديرية واسعة أثناء التنفيذ
وذلك لتمتعها بالخبرة الالزمة والثقة والتجربة في كافة امليادين ،مما يعطيها الحق في إصدار
اللوائح والتنظيمات الالزمة بتفاصيل تنفيذ السياسات العامة .كما أن التطبيق الجيد هو
الذي يجسد السياسة العامة على أرض الواقع ،وبناء على ما تقدم فإن نجاح عملية تطبيق
السياسة العامة يتطلب توفير عدة عوامل أهمها :
-1رصد األموال واملوارد الالزمة للتنفيذ (ان تطلب األمر ذلك).
-2دراسة إمكانية التنفيذ ورصد الكفاءات الضرورية لذلك.
-3إيضاح األهداف بدقة للمسؤولين عن التنفيذ.
-4إعطاء الشرعية املناسبة للسياسة العامة بجلب أكثر عدد من املؤيدين.
-5الحرص الشديد على التنسيق بين أجهزة التنفيذ والصياغة وبين السياسات نفسها.
وال تتفرد األجهزة اإلدارية بتنفيذ عملية السياسات العامة ،بل تتدخل أجهزة أخرى
كالسلطة التشريعية التي وإن كانت مهمتها إقرار السياسة العامة ،لكن من خالل عملها بدقة
أكبر وتفصيل أشد فإنها تضغط على اإلدارة العامة بطرق عديدة وتحدد مساراتها ومبرراتها.
املرحلة السادسة :مرحلة تقويم السياسات العامة
عرفها هاتري بأنها عملية منظمة تستهدف تقييم النشاطات الحكومية حتى تقدم معلومات
متكاملة عن اآلثار بعيدة وقريبة املدى للبرامج الحكومية.فعملية التقويم عملية أساسية،
وذلك لتشخيص وقياس آثار السياسة العامة من أجل التوصل إلى معرفة نتائجها.
أنواع التقويم :للتقويم عدة أنواع ،يمكن اختصارها فيما يلي :
التقويم السابق للتنفيذ ،ويتم االهتمام فيه بدراسة وتحليل جدوى السياسة •
قبل تنفيذها.
التقويم املالزم للتنفيذ ،ويضم دراسة التكلفة ،التشغيل ،تطوير أو تحسين •
عملية األداء.
التقويم الالحق للتنفيذ ،يحدد نجاح أو فشل السياسة العامة •
التقويم االستراتيجي ،والذي يهدف إلى تحقيق الفاعلية في التنفيذ ،حيث بمكن •
إدخال التعديل على السياسات لردم الهوة بين األداء والتخطيط من جهة،
وبين النظرية والتطبيق من جهة أخرى.
تقويم الفاعلية ،أي مدى قدرة السياسة أو البرامج على تحقيق األهداف. •
تقويم الكفاءة ،أي الحصول على أقل نفقة ممكنة. •
تقويم النتائج واآلثار من حيث السلبية واإليجابية. •
معايير التقويم :
تعد املعايير أمرا مهما في عملية التقويم ،ألنها وسائل للتأكد من تحقيق السياسة العامة
ألهدافها ،وتشمل :
املعيار االقتصادي ،الذي يؤكد على التقليل من اإلنفاق الحكومي وعيوبه •
الكفاءة ،وتعني مستوى اإلنجاز أو النتائج مقارنة باملدخالت •
الفعالية ،والتي تقيس مقدار األهداف التي تم إنجازها •
العدالة ،من حيث التوزيع العادل للمنافع بين مختلف الشرائح وتستخدم •
عددا من املقاييس في كيفية توزيع املوارد والثروات
الشرعية القانونية ،من حيث مطابقة هذه السياسات للتشريعات والقوانين •
واللوائح املنظمة لتلك السياسات أو البرامج
مستلزمات التقويم :
تتطلب عملية التقويم في السياسة العامة مستلزمات عملية وإجرائية في سبيل القيام بها
ويتم ذلك وفق هذه املراحل:
تحديد احتياجات واهتمامات صانع السياسة العامة وإدارة البرامج في عملية •
التقويم
تحديد مجال التقويم وأهداف السياسة العامة املراد تقييمها •
تطوير املعايير واملقاييس الشاملة لغرض قياس أهداف البرنامج الخاضع •
للتقويم
لكن بالرغم من أهمية عملية التقويم ،إال أنها تواجهها العديد من التحديات ومن أهمها :
غموض األهداف ،ضعف آثار السياسة العامة ،عدم استقرار السياسات ،وصعوبة تعميم
نتائج التقويم.
مبادئ السیاسة اإلقتصادیة
إن الوصول إلى بناء سیاسة إقتصادیة فعالة یتطلب االستناد إلى عدد من املبادئ الهامة
ومن أهمها ما یلي:
▪ التساوي العددي بین األدوات واألهداف :ینسب هذا املبدأ إلى اإلقتصادي الهولندي
جان تنبرقن الذي أشار إلى ضرورة أن تستهدف كل أداة من أدوات السیاسة اإلقتصادیة
هدفا وحیدا تسعى لتحقیقه ،بعبارة أخرى البد من ضرورة أن یتساوى عدد أهداف
السیاسة اإلقتصادیة مع عدد األدوات املستخدمة في الوصول إليها.16
▪ كفاءة األدوات مقارنة باألهداف املرغوبة :ینسب هذا املبدأ إلى اإلقتصادي روبرت
مندل Robert Mundellالذي أشار إلى أن صانعي قرار السیاسة اإلقتصادیة يجب
▪ مراعاة الو اقع اإلقتصادي :إن فعالیة السیاسة اإلقتصادیة تكمن في مراعاة الواقع
االقتصادي الذي تعمل فيه أدواتها .فالعوامل والظروف املحیطة بسير اإلقتصاد املحلي
وموقعه من اإلقتصاد العاملي ،تحدد قدراته على التطور واإلزدهار .وبقدر ما تكون
أهداف السیاسة اإلقتصادیة واقعية تتناسب وظروف االقتصاد املحلي املوضوعية
بقدر ما تكون فعالية السياسة االقتصادية.
❖ سياسة التناوب :وهي السياسات التي تستهدف التناوب التتابعي بين االنتعاش
واالنكماش تعكس بنية الجهاز اإلنتاجي وقدراته
قضايا وتحديات في صنع السیاسة اإلقتصادیة
كما نوهنا آنفا فإن معظم اإلقتصادیون يتفقون على أن األهداف العليا للسیاسة
اإلقتصادیة لم تشهد تغيرات كبيرة مقارنة بالكیفیة في إعداد وتطبیق السیاسة اإلقتصادیة
لتواكب الطبيعة الديناميكية للنشاط االقتصادي 18وبالتالي فإن صانعي السياسة
االقتصادية يواجهون ابتداء بتحديات في إعدادها تقف عائقا أمامهم لصنع سياسة
إقتصادیة فعالة ،ومن أهمها:
18 Brian Snowdon and Howard Vane: « modern macroeconomics: its origins, development and current state », Edward Elgar publishing, UK, 2005, p706.
التحدي األول:
طبيعة التوقعات ملتخذي القراراإلقتصادي
إن إعداد وتنفیذ السیاسة اإلقتصادیة یتطلب باألساس فهما واضحا لسلوك املتغيرات
اإلقتصادیة على املستوى الكلي ،فاإلعتقاد السائد لدى اإلقتصادیين منذ سنوات
الخمسینات والستینات من القرن العشرین يقول أن متخذي القرار اإلقتصادي یبنون
توقعاتهم حول النشاط اإلقتصادي مستقبال بناء على خبراتهم وتجاربهم في املاض ي فقط،
وذلك في إطار ما یسمى ب"التوقعات التكيفية" التي بني على أساسها مثال منحنى "فیلیبس"
الذي یشير إلى العالقة العكسیة بين كل من معدالت البطالة والتضخم ،لكن هذه النظرة
أثبتت فشلها خصوصا بعد التزايد في معدالت البطالة والتضخم معا ،مما أشار إلى عدم
واقعیة فكرة "التوقعات التكيفية " في تفسير سلوك متخذي القرار اإلقتصادي في
املستقبل ،وهذا ما دفع إلى محاولة إعطاء تفسير آخر یمكن من فهم هذا السلوك بصورة
واقعیة تجلى في ظهور ما یعرف ب"نظریة التوقعات الرشیدة ".
والتي تعني استخدام متخذي القرارات االقتصادية كافة البیانات واملعلومات املتاحة في تفسير
سلوك املتغيرات اإلقتصادیة في املستقبل ,وليس فقط خبراتهم التاريخية ،وترجع أولى إسهامات
نظریة التوقعات الرشیدة إلى "جون موث" عام ،1961حيث أوضح فيها أهمیة أن تكون التوقعات
رشیدة في ظل اقتصاد دینامیكي یتميز بتغير سلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها.
حیث أن التوقع الرشید یتمثل في تبني أفضل توقع ممكن مبنى على أساس كامل املعلومات املتاحة
عند بنائه ،وال یعني بالضرورة أن یكون التوقع صحیحا بل یمكن أن تكون هناك إنحرافات عن التوقع
الصحیح ،لكن هذه اإلنحرافات تزول في املتوسط عادة بشكل یظهر فیه التوقع الرشید على أنه
التوقع الصحیح املطابق للواقع الفعلي19
19 Fréderic Mishkin : « monnaie, banque et marche financier », 7eme édition, nouveaux horizon, France, 2004, p147.
وقد أبرزت دراسات كل من "روبرت لوكاس" و "توماس سارجانت" في السبعینات
والثمانینات من القرن العشرین والتي اعتمدت جميعها على نظریة التوقعات الرشیدة تحوال
كبيرا في الفكر اإلقتصادي ومن ثم في آلیة عمل السیاسة اإلقتصادیة ،حتى استحقت تلك
الفترة أن تسمى بـ "ثورة نظریة التوقعات الرشیدة" ،20ألنها أدت إلى عدة تحوالت في النظریة
اإلقتصادیة ساهمت بشكل كبير في تفسير واقع عمل السیاسة اإلقتصادیة .یشير كل من
"سارجانت" و "واالس" إلى أهمیة نظریة التوقعات الرشیدة لألسباب التالیة:21
▪ تتالئم والفكر اإلقتصادي الذي یقول أن متخذي القرار اإلقتصادي یتصرفون وفق أفضل
مصلحة ممكنة لهم؛
▪ أهميتها الكبيرة في توضیح اآلثار املستقبلیة للسیاسة اإلقتصادیة واألفق الزمني لقدرة متخذي
القرار اإلقتصادي على التنبؤ بها؛
21Thomas J. Sargent and Neil Wallace: « rational expectations and the theory of economic policy », Working Papers N° 29, Federal Reserve Bank of Minneapolis, 1974, pp 209,
210.
▪ أوضحت فشل النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي التي ال تعتمد على الرشادة في التوقعات في
تقدیر أثر التغيرات الهیكلیة الدینامیكیة للسیاسة اإلقتصادیة.
وقد ساهم اإلقتصادي "روبرت لوكاس" باعتمادة في التحلیل على نظریة التوقعات الرشیدة في إحداث تحول
هام فیما یخص قضیة استعمال النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي في تقییم أثر السیاسة اإلقتصادیة املتبعة.
إذ یشير إلى أن النماذج القیاسیة التقلیدیة لإلقتصاد الكلي ال یمكن استعمالها لتقدیر أثر حقیقي مستقبلي
لسیاسة اقتصادیة قید التطبیق ،ألن هذه النماذج تضم جملة من العالقات الثابتة بين العديد من املتغيرات
اإلقتصادیة تم بنائها على أساس بیانات في املاض ي ،وبالتالي فإن السیاسة اإلقتصادیة قید التطبیق سوف تؤثر
على بنیة نموذج اإلقتصاد الكلي القیاس ي ،ألنها تؤثر على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي بخصوص سلوك
املتغيرات اإلقتصادیة الكلیة مستقبال وهذا ما یعني تغير العالقات القائمة بين مختلف املتغيرات اإلقتصادیة،
ومن ثم فإن العالقات الثابتة بين املتغيرات اإلقتصادیة في النماذج القیاسیة التقلیدیة هي غير صحیحة
لإلعتماد عليها في توقع أثر مستقبلي للسیاسة اإلقتصادیة22
22 Robert E. Lucas: « Econometric policy evaluation: A critique », Carnegie-Rochester Conference Series on Public Policy, Elsevier, Vol. 1(1), 1976, pp 41, 42.
تعتبر السیاسة اإلقتصادیة قید التطبیق بالنسبة ملتخذي القرار االقتصادي بمثابة بیانات
ومعلومات متاحة تستعمل للتنبؤ بسلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها مستقبال
والتي على أساسها یبنون سلوكهم في املستقبل،
وبالتالي فإن أي تغیير في السیاسة اإلقتصادیة املطبقة سوف یغير من توقعات متخذي القرار
اإلقتصادي بخصوص سلوك املتغيرات اإلقتصادیة والعالقات التي تنشأ بینها مستقبال وبالتالي تغير
سلوك متخذي القرار اإلقتصادي في املستقبل ،وهنا يشير "لوكاس" إلى أن بنیة أي نموذج قیاس ي
تتغير حسب تغير السیاسة اإلقتصادیة املتبعة بحكم أنها تؤثر على توقعات متخذي القرار
اإلقتصادي مستقبال ومن ثم في العالقات التي تنشأ بینها.
التحدي الثاني:
مالجهة املسؤولة عن رسم السیاسة اإلقتصادیة ودوراالقتصادي فيها؟
تعتبر مسألة اختیار الجهة التي تتكفل برسم وتخطیط السیاسة اإلقتصادیة األنسب
مسألة على قدر كبير من األهمیة ،إذ أنها تعكس إلى حد كبير جدال قائما بين رجال السیاسة
من جهة ورجال اإلقتصاد من جهة أخرى حول ما اذا كان ارتكاز السیاسة اإلقتصادیة على
اعتبارات سیاسیة بالدرجة األولى أم على اعتبارات اقتصادیة محضة ،ومن ثم فإن هذا
املوضوع یؤثر بشكل كبير في مدى فعالیة السیاسة اإلقتصادیة املطبقة ویحدد معالم سير
النشاط اإلقتصادي.
من الواضح أن التحلیل اإلقتصادي یقوم بدورین رئیسیين في رسم السیاسة
اإلقتصادیة:23
23سلوي علي سلیمان" :السیاسة اإلقتصادیة" ،الطبعة األولى ،وكالة املطبوعات ،الكویت ، 1973 ،ص .27
▪ فهو من جهة یطرح جملة من الفرضیات لوصف الواقع االقتصادي ويعمل على
اثبات صحتها من خالل إخضاعها للتجربة والتطبیق،
▪ ومن جهة أخرى یساعد في التوصل إلى جملة من اإلستنتاجات التي تمكن من رسم
تصور واضح ملعالجة املشاكل اإلقتصادیة وبالتالي آلیة سير النشاط اإلقتصادي
انظالقا من تلك الفرضيات.
ومن هنا يتضح أن دور اإلقتصادي ینحصر بشكل واضح في إعداد مقترح السیاسة
اإلقتصادیة ،بعد دراسة طبيعة الظاهرة االقتصادية وتحلیلها واستخالص العديد من
النتائج حولها سواء حول أدواتها أو أهدافها املستقبلیة ،واقتراح سياسات معينة لصانع
القرار تحدد اآلثار املتوقعة من كل منها في الواقع اإلقتصادي.
وبما أن السیاسة اإلقتصادیة تعتبر محل حكم على مدى قدرة الهیئات املسؤولة
واملنتخبة على تسیير األوضاع اإلقتصادیة وبالتالي تعتبر ورقة جد هامة في رسم وتقویة
املكانة السیاسیة داخل البلد،فإن مسألة اختیار السیاسة اإلقتصادیة األنسب تعود في
األخير إلى رجال السیاسة املسؤولين أصحاب القرار في الدولة بالنظر إلى 24وجود جملة من
االعتبارات غير اإلقتصادیة التي یتوجب مراعاتها عند تطبیق أي سیاسة اقتصادیة كانت،
إذ ال یمكن معالجة املسائل اإلقتصادیة املتعددة بمعزل عن املسائل اإلجتماعیة والسیاسیة
واالجتماعية والثقافية املرتبطة بها والتي ال تقل أهمیة عنها ،بشكل یجعل من اختیار
السیاسة اإلقتصادیة األنسب مسألة قائمة على عدة اعتبارات یتوجب التوفیق فیما بینها
تجنبا ألیة اختالالت أو آثار سلبية أكبر.
ومن هنا فدور اإلقتصادي في وصف وتحلیل أثر القرارات اإلقتصادیة املتخذة اليصح تجاهله خصوصا وأنه
یؤثر بدرجة كبيرة على مستقبل القرارات اإلقتصادیة املتخذة تبعا لتأثيراتها الحالیة ،وهو ما یتطلب اإلملام الكبير
بأدوات التحلیل اإلقتصادي سواء بجانبه النظري أو التطبیقي ،وتبرز في هذه الصدد ما یسمى ب"نماذج
اإلقتصاد الكلي القیاسیة" التي تتشكل من جملة معادالت ریاضیة تربط بين العديد من املتغيرات اإلقتصادیة
وتستعمل في قیاس أثر القرارات اإلقتصادیة املتخذة.
25 Gregory Mankiw :op-cit, p 29.
وقد شهدت "نماذج اإلقتصاد الكلي القیاسیة" العديد من التطورات اإليجابية التي قربيتها إلى وصف الواقع كان أهمها ما
جاء به اإلقتصادي "روبرت لوكاس" في ثمانینات القرن العشرین ،حين أشار إلى أن هذه النماذج يجب أن تتوفر على جملة من
الشروط حتى تكون فعالة في توضیح اآلثار الحقیقیة املترتبة عن القرارات املتخذة بخصوص السیاسة اإلقتصادیة وهي :26
▪ توضیح قیود امليزانیة بالنسبة للمستهلك وقیود استخدام املوارد الخاصة باملنتج واإلقتصاد ككل؛
▪ توضیح تفضیالت املستهلك وأهداف املنتج؛
▪ افتراض النظرة املستقبلية كسلوك یتميز به متخذي القرار اإلقتصادي مستهلكين كانوا أو منتجين؛
▪ األخذ بعين اإلعتبار طبيعة الصدمات التي یتعرض لها متخذي القرار االقتصادي في القطاعات االقتصادية والتي
تؤثر في سلوكیاتهم؛
▪ أن تكون هذه النماذج شاملة لجمیع جوانب اإلقتصاد الكلي بحكم علالقات الترابط والتداخل بينها.
والجدیر بالذكر هو أن "النماذج القیاسیة لإلقتصاد الكلي" تختلف باختالف الفرضیات التي تبنى على أساسها والتي
ترجع إلى تعدد إتجاهات الفكر اإلقتصادي ،حیث أن تحلیل اآلثار املترتبة عن مختلف أدوات السیاسة اإلقتصادیة یكون
مختلفا بين هذه التوجهات الفكریة مما یعقد دور اإلقتصادي ضمن اإلتجاه العملي في التحدید الدقیق لآلثار املترتبة عن
قرارات السیاسة اإلقتصادیة.
26 Narayana Kocherlakota : « Modern Macroeconomic Models as Tools for Economic Policy », 2009
28 Agnès bénassy-quéré et autres : « politique économique », édition de Boeck université, Belgique, 2004, pp 15-18.
التحدي الثالث:
املفاضلة بین متغیرات األهداف النهائية
یواجه صناع قرار السیاسة اإلقتصادیة إشكالیة املفاضلة بين متغيرات األهداف
النهائية للسیاسة اإلقتصادیة والتي تحتمها الصعوبة العملية في تحقيق القیم املستهدفة
منها في آن واحد ،خصوصا إذا كان عدد األدوات أقل من عدد األهداف املطلوبة كما هو
األمر الشائع في إدارة السیاسة اإلقتصادیة .فعلى سبيل املثال يتطلب األمر حساب ما يمكن
تسميته ب"معامل التضحیة" وهو معامل يحدد النسبة من حجم الناتج الحقیقي التي يجب
التضحية بها مثال مقابل خفض معدل التضخم بنقطة مئویة سنویا ،أو استخدام قانون
"أوكن" الذي یشير إلى أن الزیادة بنقطة مئویة سنویة في معدل البطالة یؤدي إلى اإلنخفاض
بنقطتين مئویتين في حجم الناتج الحقیقي ،وكذا ما توصل إلیه الباحثون من أن الحد من
معدل التضخم بنقطة مئویة سنویا یؤدي إلى انخفاض حجم الناتج الحقیقي ب 5نقاط
مئویة سنویا ،وارتفاع في معدل البطالة بنسبة تقارب .29 %2,5
ومن هنا نرى أن تحقق القیم املستهدفة ملتغير هدف نهائي معين قد تتطلب تضحیة من
بقیم مستهدفة ملتغير في هدف نهائي آخر ،وهو ما یدفع صانعي القرار وفقا ملا يراه
اإلقتصادي "كالدور" إلى ضرورة املفاضلة بين هذه املتغيرات ،وتختلف طبيعة هذه املفاضلة
من اقتصاد آلخر ومن فترة زمنیة ألخرى تبعا للظروف االتي يمر بها االقتصاد في حينه30
29 Gregory Mankiw : «Macroéconomie», 3eme édition, De Boeck édition, Belgique, 2003, p 436.
إن الدینامیكیة التي یتميز بها النشاط اإلقتصادي تجعل في الغالب بعض أدوات السیاسة اإلقتصادیة
فعالة في الفترة الحالیة وغير فعالة في الفترة املستقبلیة ،من خالل اآلثار التي تسببها حتى على املدى الطویل والتي
قد تؤثر سلبا على النشاط اإلقتصادي تبعا لتغير الظروف السائدة ،وهذا ما یعني أن صناع قرار السیاسة
اإلقتصادیة ملزمون عند اختیار أي أداة في الوقت الحالي لتحقیق مستوى معين من متغير هدفي ،العمل أوال
على إزاحة اآلثار الحالیة التي تسببت فيها هذه األداة عند تطبیقها في املاض ي مما یتطلب تغیييرا كبيرا في قیمة
هذه األداة مستقبال وباستمرار ،وهذا یبرز ما یسمى ب "عدم استقرار أدوات السیاسة اإلقتصادیة" 31وعلى
هذا األساس یجد صناع قرار السیاسة اإلقتصادیة أنفسهم أمام حتمیة القبول إما بتحركات غير مرغوب فيها
في قیمة املتغير الهدفي على أمل تحقیق اإلستقرار في قیمة األداة املستخدمة ،أو القبول بتحركات واسعة غير
مرغوب فيها في قیمة األداة املستعملة حتى یتم تحقیق اإلستقرار في قیمة املتغير الهدفي.
31 Robert S. Holbrook: « Optimal Economic Policy and the Problem of Instrument Instability », the American Economic Review, Vol. 62, No. 1/2 (Mar. 1, 1972), p 57.
التحدي الخامس:
الالیقین في النشاط اإلقتصادي
يتزايد اإلعتقاد بأهمیة دور "الالیقين" في إحداث وتوجیه الدورات اإلقتصادیة في النشاط اإلقتصادي ،خاصة أن سلوك
متخذي القرار اإلقتصادي يتسم باملرونة الكبيرة في اإلستجابة الفورية للتغيرات الحاصلة في البيئة اإلقتصادية املحيطة،
وبالتالي فسلوكهم املستقبلي تجاه النشاط اإلقتصادي يؤثر بقوة في سلوك النظام اإلقتصادي الذي یتميز بقلة العالقات
الثابتة بين املتغيرات اإلقتصادیة 32.ویظهر هذا بشكل واضح عند حدوث الصدمات سواء كانت اقتصادیة ،اجتماعیة أو
سیاسیة ،فهذه الصدمات تؤثر على توقعات متخذي القرار اإلقتصادي املستقبلیة سواء كان ذلك بخصوص طبیعة السیاسة
اإلقتصادیة واتجاهها أو بخصوص اتجاه املؤشرات اإلقتصادیة الكلیة.
یعتبر اإلقتصادي "بن برنانكي" من أوائل من نبه في عام 1983إلى التأثيرات السلبیة لحالة عدم التأكد اإلقتصادي ،حين
أوضح إلى أن املؤسسات ونتیجة لعدم تأكدها من الوضع اإلقتصادي في املستقبل تلجأ إلى إلغاء أو تأجیل العديد من مشاریعها
اإلستثماریة تجنبا ألیة خسائر مستقبلیة محتملة قد تنتج عن قرارات تتخذ حالیا ويثبث املستقبل عدم صحتها33.
32 Mervyn King et al: « uncertainty in macroeconomic policy making», The Royal Society Conference on “Handling Uncertainty in Science”, 22nd March 2010, London, pp 6-
10.
33 Scott R.Baker et al: « measuring economic policy uncertainty», University of Chicago Booth School of Business, 2011, p1.
التحدي السادس:
اإللتزام بالسیاسة اإلقتصادیة املعلنة
تشير األدبیات اإلقتصادیة عن وجود تضارب فیما يتعلق بكیفیة تسیير السیاسة اإلقتصادیة ،ففي حين
یشير الفكر الكینزي إلى أهمیة عدم التقید بالسیاسة اإلقتصادیة إلضفاء املرونة على آلیة عملها ومن ثم سرعة
اإلستجابة للتطورات في النشاط اإلقتصادي ،فإن العديد من اإلقتصادیين أبرزوا التأثيرات السلبیة لعدم تقیید
السیاسة اإلقتصادیة ومن أهمها ما یلي:
▪ توظيف السیاسة اإلقتصادیة في أغراض غیر اقتصادیة :یرى معارضوا عدم االلتزام في
السیاسة اإلقتصادیة بقواعد ثابتة یتیح لصناع القرار استخدامها لتحقیق أغراض غير اقتصادیة
تتمثل أساسا في خدمة مصالحهم السیاسیة ودعم مواقعهم في السلطة ،ویبرز في هذا اإلطار ما یسمى
ب"الدورات اإلقتصادیة اإلنتخابیة" ففترات ما قبل اإلنتخابات عادة تتسم بالتوسع في اإلنفاق العام
لتحسين صورة املرشح أمام أفراد املجتمع ،على عكس فترات .ما بعد اإلنتخابات التي تتميز بالحد من
اإلنفاق العام.34
34 Gregory Mankiw : «Macroéconomie», op-cit, p 463.
▪ فقد الثقة في السیاسة اإلقتصادیة :یتسبب عدم اعطاء صناع قرار السیاسة
اإلقتصادیة أهمیة كبيرة لتوقعات متخذي القرار اإلقتصادي في النشاط اإلقتصادي في بروز
هذه املشكلة التي تساهم حسب"كایالند وبریسكوت"( )1974في الحد من املصداقیة
واملوثوقية لها وبالتالي التسبب في اختالل اإلستقرار اإلقتصادي35
فمتخذي القرار اإلقتصادي یبنون توقعاتهم على أساس ما یتم إعالنه كأهداف صریحة
للسیاسة اإلقتصادیة ویكیفون سلوكهم في النشاط اإلقتصادي مستقبال بناء عليها ،لكن عدم
تقیید السیاسة اإلقتصادیة قد یدفع صانعي القرار لسبب أو آلخر لتغیير ما سبق وأعلن عنه
من أهداف رئیسیة للسیاسة اإلقتصادیة أو التخلي عنه ،وهو ما سینعكس سلبا على سير
النشاط اإلقتصادي باعتبار أن ذلك سیؤثر على نشاط متخذي القرار اإلقتصادي باعتبارهم
قد بنوا سلوكهم اإلقتصادي على معلومات خاطئة ،وبالتالي يساهم فقد الثقة في قرارات
السیاسة اإلقتصادیة مستقبال بشكل یعزز من تزايد حالة الالیقين وعدم التأكد36
35 Finn E. Kydland and Edward C. Prescott: « Rules rather discretion: the inconsistency of optimal plans », the journal of political economy, Vol 85, Issue 3, June 1977, p 474