You are on page 1of 185

‫البحيات كان باتريك يقطع األخشاب بقوته العضلية‪،‬‬

‫ر‬ ‫فوق تلة‬


‫البشة‪ ،‬عيناه بنيتان فيهما خطوط ر‬
‫خضاء داكنة قوية‬ ‫خمري ر‬
‫وحادة النظرة تتحرك بثبات وكأنما تمتد حركتها من حركة جسده‬
‫بن أمالته حرارة الشمس نحو األشقر‪ ،‬قوي‬‫ر‬
‫القوي الثابت‪ ،‬شعره ي‬
‫البنيان‪ ،‬تسيل قطرات العرق من جبينه وتتحرك نازلة عىل أنفه‬
‫الن أمامه بعد أن قلمها‬
‫ومن ثم تتساقط عىل قطع األخشاب ي‬
‫ً‬
‫بانتظام وجعلها مياصة ر يف عصبات تجمع عددا ال بأس به من‬
‫القطع الخشبية‪ ،‬تشعر بغموض األرسار بداخله‪ ،‬ال تستطيع‬
‫تجاوز أفكاره ‪،‬أو تحلل نظرة عينيه‪ ،‬أو فهم مدلوالتها‪ ،‬وكأنما‬
‫ً‬
‫خصيصا‪ ،‬وعقله‬ ‫جسده يعمل بنظام محدد ر يف برنامج موضوع له‬
‫مأسور في زنازين الخيال بعيدة عما يوجد حوله من مناظر بديعة‬
‫ر‬
‫الخضاء المتقاربة أغصانها‬ ‫فالمكان واسع فسيح مملوء باألشجار‬
‫وتتشابك أوراقها ر يف عناق متناغم‪ ،‬تتسلل أشعة الشمس خلسة‬
‫اليتقالية فتبتهج‬‫بي وريقاتها الغناء مرسلة بخطوطها ر‬ ‫من ر ر‬
‫الشج‪،‬‬ ‫طربا مع صوت الطيور‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫الخضاء وتتمايل‬ ‫الحشائش‬
‫ر ي‬
‫ر‬
‫متجاوزة عىل جنبات جذوع األشجار يف سالسة‪ ،‬تطلق العنان‬
‫لنفسها ر يف كل األرجاء بحرية باعثة راحة لنفوس العابرين‪،‬‬
‫البحيات متعددة األلوان وكأن مياهها تواجدت من ررس ر ر‬
‫ايي علبة‬ ‫ر‬
‫غيها في لون مائها الشفاف الممزوج‬
‫بحية تختلف عن ر‬
‫ألوان‪ ،‬كل ر‬
‫بألوان هادئة تتأثر بأحوال الطبيعة حولها‪ ،‬عىل بعد أمتار قليلة‬

‫مملكةجريتفول |‪4‬‬
‫بحية تحوي ماء أزرق اللون يحرسه عدد من الجنود‬ ‫توجد ر‬
‫األقوياء‪ ،‬ومع ذلك يسمحون للجميع بملء القوارير منها‪ ..‬فقط‬
‫البحية‪.‬‬ ‫غي مسموح بالوصول به إىل‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫األوان ر‬
‫ي‬ ‫غيها من‬
‫القوارير‪ ،‬أما ر‬
‫يحمل باتريك ما يقطعه وينقله خلفه ر يف عربة خشبية مجهزة‬
‫خشن من ثالثة‬‫ري‬ ‫لحمل األخشاب أحيطت حوافها الخارجية بإطار‬
‫الخلف فيك بال إطار ليتسع لحجم األخشاب‬ ‫ر‬ ‫جوانب أما الجانب‬
‫ي‬
‫تني ذو‬‫الذي يفوق طوله طول العربة بعض اإلنشات‪ ،‬يجرها ر ر‬
‫عين باتريك‪ ،‬جناحاه قويان‬ ‫أخض عيناه تشبهان ر ّ‬ ‫ر‬ ‫رر‬
‫جناحي لونه‬
‫ي‬
‫يظل ضامهما إىل جانبيه حال تثبيت العربة عىل ظهره‪ ،‬ذيله‬
‫ر‬
‫واألخض‬ ‫ر‬
‫األخض القاتم‬ ‫انسيان به تجاعيد قوية متدرج ر ر‬
‫بي‬ ‫ري‬
‫تعط لمعة مع سقوط ضوء‬ ‫ي‬ ‫اه‪ ،‬بعض الحراشف عىل ظهره‬ ‫الز ي‬
‫ً‬
‫الشمس عليها‪ ،‬يقف صامتا مثله طوال ساعات تقطيع جذوع‬
‫األشجار‪ ،‬عندما تزيد رضبات قلب باتريك أثناء عمله وترتفع‬
‫أنفاسه كان ر ر‬
‫التني يحدث له نفس اآلثار وكأن هناك رابط قوي‬
‫مشيك بينهما ‪.‬‬
‫أنىه باتريك عمل يومه واكتمل ملء العربة باألخشاب‪ ،‬جمع‬
‫أدواته ووضعها ر يف العربة ثم شعر بعطش شديد أخرج قارورة من‬
‫بحية الماء‬ ‫ً‬
‫مبكرا قبل ازدحام الناس عىل ر‬ ‫أدراج العربة كان قد مألها‬
‫ورسب منه بعض الجرعات وما إن انتىه من ررسبته وقبل‬ ‫األزرق ر‬

‫مملكةجريتفول |‪5‬‬
‫أن يبعد القارورة عن فيه حتى وجد ر ر‬
‫التني ملو ينظر إليه وإىل‬
‫التني قد أصابه نفس ما أصابه من‬ ‫القارورة‪ ،‬فهم من النظرة أن ر ر‬
‫التناني القريبة ر يف سطل ولكنه‬
‫رر‬ ‫بحية‬
‫العطش فوضع له ماء من ر‬
‫يشبه‪ ،‬تعجب باتريك من رد فعل ملو؛ حيث أنه عىل مدار‬ ‫أن أن ر‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫شهر كامل كان ر‬
‫البحية وال يرفضه أبدا‪ ،‬لكنها المرة‬
‫ر‬ ‫يشب من ماء‬
‫يشب فيها باتريك أمامه من هذه القارورة‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫األوىل الن ر‬
‫ي‬
‫الن يعيشون فيها الصيام‬ ‫الشهر الذي وىل كان من قانون األرض ي‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫شهرا كامًل ليشعروا بحجم‬ ‫عن الماء األزرق‪ ،‬فهم يصومون عنه‬
‫غيها‪،‬‬‫الن ُم ر ريت بها مملكتهم وأرضهم عن أي أرض ر‬ ‫تلك النعمة ي‬
‫الن بها الماء األزرق فشت األمر له‪،‬‬ ‫ولكن نظرات ملو للقارورة ي‬
‫ورسب ر ر‬ ‫بعضا من الماء األزرق رف السطل ر‬ ‫ً‬
‫التني ملو‬ ‫ي‬ ‫سكب باتريك‬
‫عين باتريك الذي شعر عند التقاء‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫بنهم‪ ،‬ثم نظر بقوة مبارسة إىل ي‬
‫تني ر يف عينيه وتصل إىل دماغه رليى في‬ ‫بشارة ضوء ر‬ ‫بالتني ر‬
‫رر‬ ‫عينيه‬
‫اا‬
‫كثية غريبة عليه ويناديه أحدهم قائًل‪:‬‬ ‫مخيلته وجوه أشخاص ر‬
‫بالل ولدي‪.‬‬
‫الن يسكنها لكنه‬ ‫الن يتكلم بها أهل األرض ي‬
‫بلغة غريبة عن اللغة ي‬
‫فهمها ومع عدم علمه من هذا صاحب الوجه ولكن الذي لفت‬
‫انتباهه ما ر يف يد هذا الشخص‪ ،‬إذ أنها قالدة من النوع الذي يعلق‬
‫به المفاتيح‪ ،‬كان قد رآها معلقة من قبل ر يف أحد أبواب قض الحاكم‬
‫أدلر عندما كان يدخل األخشاب بالقض الستخدامها ر يف التدفئة‪،‬‬

‫‪ | 6‬مملكةجريتفول‬
‫ا‬
‫تحديد ا معلقة في باب غرفة ابنة الحاكم أمندا تلك الشابة الجميلة‬
‫حي سقط عنها قناع كانت‬ ‫الن لم يرها من قبل إال مرة عابرة ر ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫لتغط بعضه أثناء مرورها من جواره يف أول‬ ‫ي‬ ‫تسدله عىل وجهها‬
‫مرة يذكر فيها دخوله إىل القض‪ ،‬ورسعان ما استفاق وعاد للواقع‪،‬‬
‫كانت لحظات رسيعة ولكنها تسببت رف حالة من ر‬
‫الشود؛ ألنه لم‬ ‫ي‬
‫شء قبل هذا الشهر‪ ،‬جل ما يعلمه عن نفسه‬ ‫ر‬
‫يكن يعلم أو يذكر أي ي‬
‫أنه فاقد للذاكرة رف حادث أصيب فيه جميع أرسته لم ُ‬
‫ينج منه أحد‬ ‫ي‬
‫سواه‪.‬‬
‫اا‬
‫ركب باتريك عىل العربة وصاح قائًل لتنينه‪ :‬هيا ملو ‪.‬‬
‫جارا لتلك العربة من ورائه ‪ ،‬كانت الطرق وعرة‬ ‫سيا ً‬‫انطلق ملو ر ً‬
‫فيها ما يشبه األحجار المدببة‪ ،‬وكان ملو يعرف أماكنها ويتجنبها‬
‫سي العربة‪ ،‬كانت الطرق شديدة‬ ‫حن ال تؤذي قدميه وال تعرقل ر‬
‫ر‬
‫االنحدار حيث أن مكان تقطيع األخشاب يف تلة بأعىل المملكة‪،‬‬
‫وبعد أن نزل إىل سهل المملكة بدأ باتريك ر يف توزي ع األخشاب‬
‫ً‬
‫المقطعة عىل بيوت أهل البلدة استعدادا الستخدامها ر يف التدفئة‪،‬‬
‫وذلك ألن المرحلة القادمة في أرض جريتفول ستكون ر يف موسم‬
‫ويخش عليهم‬‫ر‬ ‫اليودة القارسة‪ ،‬ولما كان حاكم المكان يحب رعاياه‬
‫ر‬
‫من أي سوء يصيبهم فقد أمر عددًا من الشبان أن يصعدوا عىل‬
‫أعىل التلة ليجلبوا األخشاب‪ ،‬ويوزعوها عىل الناس ر يف منازلهم‪،‬‬

‫مملكةجريتفول |‪7‬‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬كما أمر‬ ‫وأمر عددًا آخر بحصد الزروع وتوزيعها عىل الناس‬
‫الكثي من المالبس الثقيلة للكبار والصغار‪ ،‬وطلب‬
‫ر‬ ‫الفتيات بغزل‬
‫الن تساعد عىل‬
‫من األطباء عمل تركيبات من األدوية ومن المواد ي‬
‫التدفئة‪ ،‬وأمر الشابات ممن يستطعن ممارسة مهنة التمريض أن‬
‫بخي وبصحة جيدة تمكنهم من‬ ‫رر‬
‫ويطمئي أنهم ر‬ ‫يمررن عىل الجميع‬
‫اليودة وإقبال العاصفة‪ ،‬ومن احتاج إىل أدوية‬
‫الصمود فية موسم ر‬
‫سارعن بإعطائه‪ ،‬حن أن ابنة الحاكم أمندا كانت من هؤالء‬
‫قواني األرض أن الفتيات ال يختلطن‬ ‫رر‬ ‫الفتيات‪ ،‬ولكن كان من‬
‫ر‬
‫بالشبان وأن الشاب إذا رأى فتاة تمر بالطريق ينتظر يف جانب‬
‫الطريق إىل أن تمر‪ ،‬أما أمندا فلكونها ابنة الحاكم وتساعد أبيها ر يف‬
‫إدارة شؤون المملكة فكان مسموح لها بأن تحادثهم ر يف حدود‬
‫والنىه‬
‫ي‬ ‫المصالح العامة لإلدارة والقيادة‪ ،‬وكان لها الحق ر يف األمر‬
‫وتعيي الجنود وقادتهم أو عزلهم وتوليتهم من اصب مختلفة‪،‬‬ ‫رر‬
‫تدبيها‪ ،‬مع‬ ‫ر‬ ‫وما مكنها من ذلك قوة ورجاحة عقلها وحسن‬
‫استطاعتها من وضع هيبة لها وسط المملكة‪ ،‬وكان حبهم لها‬
‫وتمنيهم أن تكون حاكمة لهم بعد طول عمر ألبيها دافع قوي‬
‫لذلك‪ ،‬أثناء توزي ع ما كلفهم به الحاكم كان باتريك يدخل األخشاب‬
‫ميل أحد السكان ويضعه بجوار المدفأة‪ ،‬مجرد أن ر‬
‫حن‬ ‫داخل ر ر‬
‫ظهره لوضعها‪ ،‬سمع صوت فتاة مقبلة عند الباب ثم تحدثت مع‬
‫أهل البيت أحس بأن صوتها ليس بغريب عليه‪ ،‬وجدها تتكلم‬

‫‪ | 8‬مملكةجريتفول‬
‫الكبي‬
‫ر‬ ‫رر‬
‫ممزوجي بقوة وثبات قيادة‪ ،‬تسأل عن صحة‬ ‫بهدوء ورزانة‬
‫بي يديه وعدل وضعه ثم‬ ‫والصغي فوضع األخشاب الن كانت ر ر‬
‫ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫نفض كلتا يديه إحداهما باألخرى‪ ،‬استدار راجعا نحو ذلك الباب‬
‫الذي تقف عليه تلك الفتاة‪ ،‬وكانت كما نص القانون بمملكتها‬
‫ً‬ ‫تضع حول عينيها ً‬
‫ذهبيا ولكن تبدي عينيها العسليتين كلون‬ ‫قناعا‬
‫النحاس لتنظر الطريق‪ ،‬ما إن رآها حن أيقن أنها ابنة الحاكم‪ ،‬وقف‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫كأمية المملكة‪ ،‬انتابه ي‬
‫ً‬
‫تقديرا لمكانتها ر‬ ‫ر‬
‫انحن لها‬ ‫ر يف ثبات ثم‬
‫ً‬
‫من اليدد فلزم مكانه محدثا نفسه "ماذا أفعل؟ هل أجلس عىل‬
‫ألف السالم وأمر من الباب ألخرج‪،‬‬‫ه؟ أم ي‬ ‫تنتىه ي‬
‫ي‬ ‫كرش حن‬
‫ي‬ ‫أقرب‬
‫لك ُأمر من‬ ‫ً‬
‫التنج جانبا ي‬
‫ي‬ ‫أم أطلب من أهل البيت أن يستأذنوها ر يف‬
‫هنا؟"‬

‫شعرت أمندا بيدده وتلعثم خطواته ولكن قبل أن تقرر الرحيل‬


‫يلف السالم ويمر من جانبها‪ ،‬فتنحت‬‫كان هو قد أخذ القرار بأن ي‬
‫ا‬
‫جانبا عندما رأته مقبًل ر يف اتجاه الباب المتواجدة عند مدخله‪ ،‬ومر‬
‫ً‬
‫خارجا ولكنه ألتفت ً‬
‫رغما عنه بعد مروره رليى ردة فعلها هل‬ ‫ً‬ ‫هو‬
‫ً‬
‫أخطأ أم أصاب فوجدها التفتت أيضا تجاهه‪ ،‬عندها تالقت‬
‫يعا وتوجهت مقبلة عىل صاحبة‬ ‫عيونهما فأشاحت بوجهها رس ً‬

‫مملكةجريتفول |‪9‬‬
‫قلي اًل ر ر‬
‫لحي انتهاء‬ ‫البيت بالحديث رف تلعثم‪ :‬هال أجلستنا بالداخل ا‬
‫ي‬
‫الشباب من عملهم‪.‬‬
‫مشوب ضيافة‬ ‫رسعان ما استجابت المرأة وأدخلتها‪ ،‬قدمت لها ر‬
‫رئ‬
‫داف‪ ،‬تحدثت المرأة قاطعة عليها ررسودها بقولها‪ :‬السيدة أمندا ‪.‬‬
‫الشود‪ ،‬قالت‬ ‫انتبهت عىل صوتها ونظرت إليها باستفاقة من هذا ر‬
‫رر‬
‫تسمحي ىل بسؤال؟‬ ‫لتفكيها‪ :‬هل‬
‫ر‬ ‫لها معتذرة عن مقاطعتها‬
‫ً‬
‫أجابتها بعد أن أخذت شهيقا من هواء رائق تنعش به رئتيها‪:‬‬
‫تفضىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫بالطبع‬
‫‪ -‬أليس هذا هو الشاب الذي جاء من أرض الناس منذ ما يقارب‬
‫الشهر‪.‬‬
‫ثم أخفضت صوتها هامسة لها‪ :‬لقد كنت من القلة الذين ر‬
‫حضوا‬
‫نخي أهل‬ ‫ئ‬
‫الشاط‪ ،‬وأمرنا سيدي الحاكم أال ر‬ ‫مشهد انتقاله عند‬
‫المملكة بشأنه حن تستقر األمور ونتفهم حاله ‪.‬‬
‫كيي معه وال أنتبه‬‫شعرت باالرتباك والتوتر وقالت‪ :‬لم أضف تر ر ر‬
‫أنسيت قانون أرضنا!!‬
‫ِ‬ ‫للرجال‪،‬‬
‫قالت‪ :‬نعم لكن قد تصيب النظرة لنعلم من المار إن كان ً‬
‫عدوا أو‬
‫سؤاىل‪.‬‬ ‫ً‬
‫قريبا أو من أهلنا أم متطفل علينا كان هذا مقصدي من‬
‫ي‬

‫‪ | 10‬مملكةجريتفول‬
‫نظرت لها أمندا ببعض الجدية‪ ،‬فقالت المرأة ر يف توتر بليغ بعد أن‬
‫جففت بعض حبات العرق النابتة عىل جبينها وملست بيدها عىل‬
‫سيدن ال أقصد ‪.‬‬
‫ي‬ ‫خدها تداري ما اعتالها من حرج‪ :‬أنا يا ي ا س‬
‫تقلف أفهمك وال أظن‬
‫ي‬ ‫فرجت أمندا عن ابتسامة رقيقة قائلة لها‪ :‬ال‬
‫بك ر ً‬
‫رسا‬
‫ثم أردفت قائلة‪ :‬ها قد مر الوقت أظن أن الرجال قد تفرقوا‬
‫رفيقان ونتم المهمة‪ ،‬وبعدها نذهب إىل‬
‫ي‬ ‫بالخارج‪ ،‬سأذهب ألقابل‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ونقض وقت التسلية‬
‫ي‬ ‫لك نتناول العشاء‬
‫قاعة الفتيات يف القض ي‬
‫والراحة‪.‬‬
‫ثم ربتت عىل كتفها وبصوت ودي قالت لها‪ :‬سأنتظرك‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫سآن‬
‫هناك ‪ -‬بالتأكيد ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستديرا يشبه المرآة نظرت‬ ‫وه تمسك بيدها جهازا‬ ‫خرجت أمندا ي‬
‫رني تحدثت إليهن من خالله‪ :‬هيا يا‬ ‫إليه فأضاء وأصدر صوت ر ر‬
‫فتيات أنهوا مهامكن وتجمعوا بقاعة الفتيات ر يف القض‪.‬‬
‫عيه‪ :‬ر يف الحال سيدتنا ‪.‬‬
‫وصلها جوابهن ر‬
‫يسمع لحركة قدمها‬ ‫تمش بخط مشعة‪ُ ،‬‬ ‫رف تلك األثناء‪ ،‬كانت ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫صوت فخيم عىل صفحات الطريق الذي كانت أرضه تشبه الرخام‬
‫الشفاف بداخله درجات ألوان متداخلة يغلب عليها اللون الزمردي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪11‬‬
‫كأنها حجر كريم‪ ،‬وعىل أحد جوانبه قناة يجري بها الماء عىل طول‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫ر‬
‫وإذا به باتريك يجلس يف جانب من الطريق عىل جذع شجرة ر‬
‫كبي‬
‫وتي قطعت شجرته منذ عهد قريب وموضوع عىل جانبه‪ ،‬يمسك‬ ‫ر‬
‫كيه وحدة‬ ‫رً‬
‫صغيا يقطع به تفاحة ليأكلها مع قوة تر ر ر‬ ‫ً‬
‫خنجرا‬ ‫بيده‬
‫نظره تجاه خنجره وهو يقطع به وكأنما ررسد ر يف عالمه الخاص كما‬
‫ً‬ ‫هو حاله ً‬
‫دائما‪ ،‬بجوار تنينه ملو الذي كان يتناول طعامه هو أيضا‬
‫الن بها الماء األزرق وأعط تنينه منها بعض‬ ‫ثم أخرج القارورة ي‬
‫القطرات‪ ،‬رأت أمندا هذا المشهد ودار بداخلها حوار وكأنها حرب‬
‫شء من‬ ‫ر‬
‫اندلعت ومع كل ما تملكه من قوة ومكانة إال أنها أصابها ي‬
‫يشب هو وتنينه من‬ ‫ر‬
‫ينبغ أن ر‬ ‫"‬
‫القلق حدثتها نفسها ماذا أفعل؟ ال ي‬
‫هذا الماء األزرق سيجعله يتذكر بعض األشياء عن حياته من قبل‬
‫وهذا ما ال نرجوه"‬

‫ثم انطلقت نحوه موجهة الحديث إليه وبصوت فيه حدة وصل‬
‫ً‬
‫إىل مسامعه مخيقا لصمته الذي طال وألفكاره المتداخلة‪ :‬يا هذا!‬
‫رر‬
‫للتناني‪ ،‬إن علم الحاكم سيعاقبك عىل‬ ‫هذا الماء ر‬
‫للبش وليس‬
‫إهداره‪.‬‬

‫‪ | 12‬مملكةجريتفول‬
‫ا‬
‫خافض ا بضه‪:‬‬ ‫ً‬
‫أجابها وهو يقف من مجلسه ملتفتا إليها بتواضع‬
‫ر‬
‫تنين السبب فهو‬
‫سيدن لم أكن أعلم أرجو المعذرة‪ ،‬ثم إنه ي‬
‫ي‬ ‫أفعل‬
‫غيه ‪.‬‬ ‫يرفض أن ر‬
‫يشب أي ماء ر‬
‫األخية واستقرت نظرة عينيها وزاد اتساع‬
‫ر‬ ‫تفاجأت من كلماته‬
‫حدقتيها‪:‬‬
‫ماذا قلت؟‬
‫ثم عادت لحديث نفسها مرة أخرى" يا إلىه! ما الحل؟"‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تقلف سيد ين‬
‫ي‬ ‫كثيا‪ :‬ال‬‫تحدث مخيقا لصمتها الذي لم يطل ر‬
‫سأرسب أنا معه من الماء الجاري بالوديان وأتجنب ررسب الماء‬
‫ر‬
‫األزرق ‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الن‬
‫تركته ولم تجبه وأكملت يف طريقها مع نفس حالة الشود ي‬
‫ر‬
‫وف محاولة منه الستيعاب ما يجري تطرق للحديث‬ ‫تعتليها ‪ .‬ي‬
‫اا‬
‫سيدن؟ أجابته دون أن‬
‫ي‬ ‫بسؤال‬ ‫ىل‬
‫ي‬ ‫هل‬ ‫‪:‬‬‫ًل‬ ‫معها مرة أخرى قائ‬
‫تلتفت‪ :‬ال ر‬
‫ينبغ‪.‬‬
‫ي‬

‫تحيت يف األمر "هل ر‬


‫ر‬ ‫ر‬
‫أخي والدي أم‬ ‫واستمرت يف متابعة طريقها‪ ،‬ر‬
‫يسف تنينه من هذا الماء‬
‫ي‬ ‫أنتظر أن أرى هل سيستجيب ألمري وال‬
‫مرة أخرى أم ال؟"‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪13‬‬
‫قالت نافية عن ذهنها فكرة مخالفته أمرها "ال ال‪ ...‬أظنه شخص‬
‫مطيع ويحب أن يمتثل لألوامر‪ ،‬سأحاول أن أتابعه من بعيد ألعلم‬
‫أخي أن رف الحا ل"‬
‫ً‬ ‫إن فعلها مرة أخرى ر ر ي ي‬
‫بينما جلس باتريك ينظر إىل تنينه متحدثا إليه يلومه‪:‬‬
‫ر‬
‫اج مع السيدة أمندا بسبب‬ ‫‪ -‬أرأيت ملو لقد تسببت يف إحر ر ي‬
‫البحية ‪.‬‬
‫ر‬ ‫رفضك لماء‬
‫وأثناء نظره له شعر بنفس ما حدث له فوق التل ة ورأى ر يف مخيلته‬
‫مني‪ ،‬أخذ‬ ‫رً‬ ‫ً‬
‫قصي ووجهها أبيض ر‬ ‫ر‬ ‫صغيا لطفلة شعرها أسود‬ ‫وجها‬
‫عطفا ر ر‬‫ً‬
‫حي رأى هذا الوجه وسمعها تقول‪:‬‬ ‫قلبه‬
‫خاىل بالل‪.‬‬
‫‪ -‬أفتقدك يا ي‬
‫الن سمعها من قبل‪ ،‬ثم رسعان ما يستفيق‬ ‫بنفس اللغة الغريبة ي‬
‫ويعود للواقع‪ ،‬تعجب من تكرار االسم رف كل مرة ينظر ر ر‬
‫لعي ملو‬ ‫ي‬
‫بعد ررسب هذا الماء ‪.‬‬
‫ذهبت أمندا لالستعداد للقاء الفتيات ر يف قاعتهم الملحقة بالقض‪،‬‬
‫ارتدت ثيابها األنيقة ذات األلوان الوردية واألنيقة ر يف ثنايا‬
‫ً‬
‫جذابا‬ ‫ً‬
‫مظهرا‬ ‫تعط‬ ‫تصميمها‪ ،‬كانت تلك الكشات أسفل خضها‬
‫ي‬
‫لها‪ ،‬وضعت عطرها وزينتها وارتدت مجوهراتها‪ ،‬ثم أخذت‬
‫ً‬
‫صندوقا ر ً‬
‫كبيا به مجموعة من الهدايا تليق بالفتيات والنساء من‬
‫الزينة والمجوهرات وأمرت وصيفاتها أن يحملنه بعد أن يستعدن‬

‫‪ | 14‬مملكةجريتفول‬
‫المسان معها‪ ،‬وبعد أن أذنت لهن باالنضاف‬ ‫ئ‬ ‫لحضور اللقاء‬
‫ي‬
‫جذبت فدوى من بينهن‪ ،‬تلك الوصيفة المساعدة والمقربة لها‬
‫ً‬
‫ومع صغر سنها عن الباقيات إال أن أمندا تثق فيها جدا وترتاح ر يف‬
‫الحديث إليها‪.‬‬
‫‪ -‬انتظري فدوى أنا بحاجة إليك ‪.‬‬
‫وه تجذبها ثم نظرت إىل الباقيات قائلة‪:‬‬
‫هكذا حدثتها ي‬
‫‪ -‬تقدمن ر‬
‫أني سنلحق بكن ‪.‬‬
‫انحنت لها فدوى برقة‪:‬‬
‫سيدن ‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬أوامرك‬
‫أخذتها من يدها بشعة إىل داخل غرفتها وأغلقت الباب وبادرتها‬
‫بالكالم سائلة‪:‬‬
‫ً‬ ‫رر‬
‫تعلمي شيئا عن هذا الفن القادم من أرض الناس؟‬ ‫‪ -‬هل‬
‫أخي ر ين مهاب‬ ‫‪ -‬القليل سيدن‪ ،‬فهو ال يختلط بالناس ر ً‬
‫كثيا‪ ،‬وقد ر‬ ‫ي‬
‫عم أنه حاول التقرب منه ولكنه قليل الكالم‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ابن ي‬
‫رر‬
‫والقواني ‪.‬‬ ‫طيب القلب ويمتثل لجميع األوامر‬
‫األخية وطمأنت نفسها عىل ما كانت تخشاه‬
‫ر‬ ‫ارتاحت أمندا لكلماتها‬
‫منه ‪.‬‬
‫وه تهز رأسها راضية عما سمعته‪:‬‬
‫قالت ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬جيد‪ ..‬هيا بنا لنلحق بالفتيات ر يف قاعتنا ‪.‬‬
‫حضت جميع الفتيات والنساء وجلسن ً‬
‫معا يأكلن ما ر ر‬
‫أوتي من‬ ‫ر‬
‫أطعمة وحلوى ويتبادلن الحوار‪ ،‬وكانت هناك فقرات للمواهب‬
‫تغن بصوت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اض‪ ،‬وبنت ي‬ ‫فخرج فريق من الفتيات بأداء استعر ي‬
‫تلف أبياتًا شعرية من تأليفها وهكذا‬
‫شج‪ ،‬وأخرى ترسم وواحدة ي‬
‫ر ي‬
‫استمتعن بالجلوس وقدمت لهن أمندا الهدايا‪ ،‬وبعد انتهاء اللقاء‬
‫توجهت من القاعة إىل بستان القض حيث أن باب القاعة ر يف‬
‫مىلء باألشجار واألزهار‬‫مواجهة أبواب القض ومن بينهما بستان ي‬
‫به ممرات للمشاة‪.‬‬
‫ا‬
‫مساء‪،‬‬ ‫وباف الفتيان يجمعون الرجال كل يوم‬
‫أما عن باتريك كان هو ي‬
‫ويذهبون إىل مكان العبادة الموجود بالمملكة‪ ،‬ويجتمع بهم الحاكم‬
‫الخي وعن العدل والمساواة وأن‬
‫يجلس معهم يحدثهم عن فعل ر‬
‫الجميع يتكسب بعمل يده وكل من بالمملكة يحتاج إىل اآلخر حن‬
‫ً‬
‫حاكما إال بوجود رعيته وال يستطيع حكم‬ ‫الحاكم نفسه ال يكون‬
‫المملكة إال بوجودهم إىل جواره ومعاونتهم له كل بحسب مكانته‬
‫والوظيفة الموكل بها‪ ،‬وهذا سبب قيام الحكم ر يف المملكة عىل مدار‬
‫سنوات مديدة‪ ،‬ويحذرهم من أعدائهم ر يف مملكة دارك وأ نهم‬
‫يستهدفون مملكتهم منذ سنوات‪ ،‬لكن العدل الذي يقيمه الحاكم‬
‫ر يف مملكة جريتفول هو الذي جعل الناس يحبون مملكتهم وال‬
‫يسمحون بأي أذى‬

‫‪ | 16‬مملكةجريتفول‬
‫سويا ويقومون بأداء‬‫يقع بها وتنتىه الجلسة‪ ،‬ثم يتناولون العشاء ً‬
‫ي‬
‫ر‬
‫مبارزة بالسيوف واستعراض لقوتهم أمام الحاكم يف جو من األلفة‬
‫اف‪ ،‬ثم يذهب الجميع إىل بيوتهم ويخلدون إىل النوم ‪.‬‬ ‫والمزاح الر ي‬
‫الفض تعكس لمعته عىل صفحات‬ ‫مع سكون الليل وضوء القمر ر‬
‫ي‬
‫رر‬
‫الياسمي‬ ‫المياه الجارية بالوديان يشي نسيم هادئ مفعم برائحة‬
‫وزهور األقحوان ضامة أوراقها إىل أحضانها‪ ،‬يعم الصمت ر يف‬
‫األرجاء والهدوء يسيطر عىل المكان وقبل باب القض ببضعة أذرع‬
‫الشود بخاطره‪ ،‬تجول‬ ‫متحيا رف أمره‪ ،‬ال يغ كم أخذ ر‬
‫ً‬ ‫وقف باتريك‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫به فكرة ثم ترتحل وتحل مكانها األخرى‪ ،‬ذلك الضجيج بداخله‬
‫ر‬
‫ويلف نظرة عىل تلك القالدة فهو‬
‫جعله يفكر يف الدخول إىل القض ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫رسا ً‬‫تخن ً‬
‫يشعر أنها ر ئ‬
‫مهما له‪ ،‬تحديدا مع كونه فاقدا لذكرى أي‬
‫حدث ر يف حياته قبل هذا الشهر‪ ،‬انتبه من ررسوده عىل صوت مهاب‬
‫اا‬ ‫ً‬
‫محتضنا كتف باتريك بذراعه قائًل‪ :‬كيف حالك أيها الغامض؟‬
‫بالسي معك ر يف طريقك نتجاذب أطراف الحديث حن‬ ‫ر‬ ‫أتسمح يىل‬
‫تصل إىل دارك ‪.‬‬
‫اكتف باتريك بابتسامة منه مع هزة رأس خفيفة تدل عىل قبوله‬ ‫ر‬
‫لعرض مهاب‪.‬‬
‫مش معه‪ ،‬وظل يحدثه عن المملكة وعن عدل الحاكم أدلر‬ ‫ر‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫ورحمته ولينه وعن ابنته الرقيقة أمندا‪ ،‬ثم تنهد ونظر بعيدا قائًل‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪17‬‬
‫لوال خالفاتنا مع الرتيس ر يف مملكة دارك لكانت الحياة هنا أشبه‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫بعيدا قائًل له‪:‬‬ ‫بنعيم الجنات‪ ،‬التفت إىل باتريك الغارق ر يف أفكاره‬
‫ا‬ ‫أزعجتك ر‬
‫ثرثرن لم أترك لك مجاًل للحديث‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بكي ة‬
‫ر‬
‫غي‬‫ابتسم باتريك يف محاولة منه لمداركة الحوار وإخفاء كونه ر‬
‫منصت له‪ :‬ال عليك عزيزي‪ ...‬هل يىل أن أسألك عن هذا الماء‬
‫األزرق؟‬
‫األساطي زمان‪ ،‬أما اآلن فقد‬
‫ر‬ ‫‪ -‬هو من نعم الطبيعة كما كان يذكر ر يف‬
‫ر‬
‫التشاف‬
‫ي‬ ‫علمنا أن النعم تنسب هلل وحده‪ ،‬هو ماء يساعد عىل‬
‫ويقوي الذاكرة ‪.‬‬
‫الن يقيم بها باتريك‪ ،‬عرض عىل مهاب الدخول‬ ‫وصلوا إىل الدار ي‬
‫معتذرا لكونه بحاجة إىل الراحة ليقوى عىل العمل فر‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫معه لكنه رد‬
‫الصباح‪.‬‬
‫ج وي هدأ ويفكر ر يف الموضوع بتأن لكن‬ ‫ر‬
‫ولج بالل وحاول أن يسي ي‬
‫تفكيه هو رؤية هذه القالدة‪ ،‬ثم غط ر يف‬
‫ر‬ ‫جل ما كان يسيطر عىل‬
‫ر‬
‫نوم عميق لم يستيقظ يف الصباح إال عىل صوت تنينه ملو وكأنه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مشعا نحوه أطعمه‬ ‫يصدر أصواتا متعمدا ليوقظه من نومته‪ ،‬قام‬
‫ووثق العربة به ثم ركبها وأشار إليه باالنطالق نحو التلة‪ ،‬أنىه يومه‬
‫رر‬
‫رجلي لم يعهدهما‬ ‫كالعادة وأثناء رجوعه شعر بحركة غريبة من‬
‫من قبل ر يف المملكة‪ ،‬حافظ عىل هدوئه وحاول تتبع مكان سكنهم‪،‬‬

‫‪ | 18‬مملكةجريتفول‬
‫بي مملكة‬‫مسيهم نحو الغابة الفاصلة ر ر‬‫ر‬ ‫ولكنه وجدهم يحولون‬
‫جريتفول ومملكة دارك ‪.‬‬
‫ه العادة اليومية ر يف جمع‬ ‫ر‬
‫يف المساء ذهب إىل دار العبادة كما ي‬
‫وأخي الحاكم بما رآه‪ ،‬شكره الحاكم ونبه‬
‫الحاكم لرجال مملكته بها ر‬
‫رر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫متسللي‬ ‫جواسيسا الرتيس‬ ‫الجميع أن ينتبهوا جيدا‪ ،‬قد يكونوا‬
‫ليعلموا أخبار مملكتنا وتنقالتنا أو يدسون خبثهم وسمومهم لتقع‬
‫بحية الماء األزرق‪.‬‬
‫الفرقة بيننا وأكد عىل تشديد الحراسة عىل ر‬
‫منتشين إىل توجهاتهم‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫جميعا‬ ‫بعد انفضاض المجلس خرجوا‬
‫ر‬ ‫ومنازلهم وأثناء خروجهم كانت أمندا تقف ر‬
‫بشفة غرفتها يف أعىل‬
‫القض‪ ،‬قرر باتريك أن يقطع نزاعات أفكاره ويبحث عما يشعر بأنه‬
‫شء ما قد يكون باألمر الهام ر يف حياته فتوجه نحو باب‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫مؤرس نحو ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جوابا لما يحدث له‪ ،‬كانت‬ ‫القض قاصدا تلك القالدة عله يجد‬
‫بشفة غرفتها ر يف علية القض رأته وهو يتحرك‬ ‫أمندا ما زالت تقف ر‬
‫ر يف اتجاه القض‪ ،‬دخل بسهولة ألن الحراس يعرفونه ومعلوم أنه‬
‫يدخل إىل ساحة ر يف القض ليضع بها ما تبف معه من األخشاب‬
‫الن رأيتها ر يف‬ ‫"‬
‫ثم حدث نفسه كيف سأنظر إىل تلك القالدة ي‬
‫مخيلن باألمس؟"‬
‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪19‬‬
‫…‬ ‫"‬
‫إ ن رأني الملك سيظن ر ين‬ ‫إلىه‬
‫ثم عاد عىل نفسه باللوم ي ا ي‬
‫رسا وقد ال يغفرها ىل"‬
‫ر ا‬
‫ي‬
‫ر يف هذه اللحظة رجع إىل تضارب أفكاره وحث فضوله عليه بأن‬
‫ر‬
‫يأخذن إىل أن أعلم ما‬
‫ي‬ ‫يعرف هذا اللغز "لكن ماذا أفعل؟ الفضول‬
‫قصتها لماذا رأيتها؟ من بالل هذا؟"‬
‫كل هذا يفتعل بداخله‪ ،‬وأمندا تنظره من بعيد وهو ال يعلم‪،‬‬
‫لمحته يتسلل إىل نافذة مطبخ القض‪ ،‬دهشت من صنيعه هذا‪،‬‬
‫غي مستوعبة ما رأته تفكر ما أمره‪ ،‬ال نعلم عنه الشقة أو‬
‫ووقفت ر‬
‫ً‬
‫الخي وطاعة‬
‫التجسس منذ أنجاء من أرضه وهو ال يفعل شيئا إال ر‬
‫الحاكم ومساعدة الناس‪ ،‬هل كان يحاول إقناعنا أنه طيب الخصال‬
‫ً‬
‫ليدبر لنا المكائد‪ ،‬الال أي مكائد هذه هو ال يذكر شيئا عن حاله من‬
‫رر‬
‫للقواني واألوامر‪،‬‬ ‫قبل‪ ،‬ثم إن فدوى ذكرت عنه حسن االتباع‬
‫واستدارت لتلوذ إىل الداخل وتطلب من الوصيفات أن يحذروا‬
‫الحراس‪ ،‬مدت يدها وأمسكت قبضة الباب لتفتحها وكانت‬
‫المفاجأة‪.‬‬
‫‪ -‬باتريك!!‬
‫قالتها بصوت مرتبك يشوبه رنية انزعاج عندما فتحت بابها‬
‫ووجدته يحدق بها مرة ثم بالقالدة مرة ويعيد الكرة عدة مرات ‪.‬‬

‫‪ | 20‬مملكةجريتفول‬
‫‪ -‬ما الذى جاء بك هنا؟ ماذا تفعل بقض الحاكم؟ ولماذا تسللت‬
‫غرفن؟ أما تدري كيف تكون عقوبتك عىل ما‬‫ي‬ ‫لتصل إىل‬
‫ر‬
‫تفعله؟ وإذا به يتلعثم يف الكالم ويبتلع لعابه بصعوبة يتصبب‬
‫ً‬
‫الطي أو تهوى به الري ح‬
‫عرقا كأنه يخر من السماء أو تختطفه ر‬
‫ر يف مكان سحيق ‪.‬‬
‫أجبن‬‫ر‬ ‫زاد انزعاج أمندا من صمته الواصل إىل مسامعها فقالت له‪:‬‬
‫ي‬
‫وإال ضخت عىل الحراس ‪.‬‬
‫حرك شفتيه ونطق ببعض األصوات المتقطعة ليتحدث ر يف‬
‫محاولة منه لتوضيح موقفه ولكنه لم يستطع تجميع كالمه ولم‬ ‫ٍ‬
‫يخيها به‪ ،‬وبعد لحظات مرت عليه وكأنها‬ ‫ضفن فيه ما ر‬ ‫يجد ر ر‬
‫بي‬
‫ي‬
‫ثقال من سنوات خداعات تحدث‪ :‬ال أدري أ‪..‬أنا سأنضف ر يف‬
‫مغ؟‬
‫سيدن ال أدري ما الذي يحدث ي‬
‫ي‬ ‫الحال‬
‫وإذا بصوت الحاكم يقيب وبال أي مقدمات جذبته أمندا إىل‬
‫الداخل وأخفته خلف الستائر المعلقة عىل نافذة غرفتها الداخلية‪،‬‬
‫ً‬
‫تنفست بهدوء وأشغلت فكرها بعيدا عن ذلك الواقف خلف‬
‫ستائرها‪ ،‬ومع هدوئها انتظمت نبضات قلبها‪ ،‬وبدأت حمرة القلق‬
‫تنسحب عن وجهها مصطنعة ابتسامة صماء تحجب خلفها‬
‫تساؤالت عقلها‪ ،‬وهذا الموقف الذي ال تحسد عليه‪ ،‬ثم عدلت‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪21‬‬
‫هيئتها وجلست عىل رسيرها ر يف محاولة منها لعدم لفت نظر أبيها‬
‫غي متوقع بغرفتها‪.‬‬
‫شء ر‬‫ر‬
‫بأي ي‬
‫طرق أباها الباب ‪.‬‬
‫‪ -‬من الطارق؟‬
‫عزيزن‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬والدك‬
‫أن ‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل ر ي‬
‫اا‬
‫عزيزن؟ أرجو أن‬
‫ي‬ ‫فتح الباب ودخل سائًل إياها‪ :‬كيف حالك‬
‫قلن ال‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫تأخذن منك معظم الوقت لكن ر ي‬
‫ي‬ ‫تعذرين مشاغل المملكة‬
‫ي‬
‫يفي عن االنشغال بك‪.‬‬
‫ً‬
‫أن وأعذرك جد المعذرة‪ ،‬بل عىل‬‫‪ -‬أعلم ذلك وأعيه جيدا ر ي‬
‫خي عون لك عىل إقامة الحكم العادل‬‫العكس يجب أن أكون ر‬
‫ر يف مملكتك‪.‬‬
‫قوىل مملكتنا يا بُنيتي‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫بداخىل شعور‬
‫ي‬ ‫أن‪ ،‬وأنت تعلم لطالما كان‬
‫‪ -‬العمر الطويل لك يا ر ي‬
‫معرفن بأرضها ‪.‬‬
‫ي‬ ‫ألم رغم عدم‬ ‫االنتماء ي‬
‫أجابها بعد أن تنهد بعمق ثم زفر الهواء ببطء خارج رئتيه‪ :‬أعلم‬
‫ذلك وأقدره عزيز ين فدم أمك وشيمها تجري ر يف عروقك‪ ،‬ولكن‬
‫ر‬
‫تضف فكرتك عن الوصول لتلك األرض‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أرجو منك وبشدة أن‬
‫الش العالية مقارنة إىل نسبة‬ ‫ً‬
‫قديما عن نسبة ر‬ ‫فما سمعته من أمك‬

‫‪ | 22‬مملكةجريتفول‬
‫المبك للقلوب قبل‬
‫ي‬ ‫الخي الضئيلة ‪ ،‬وعن حجم الظلم هناك‬ ‫ر‬
‫العيون جعلني أرنو إىل ما فيه الصالح واإلصالح‪...‬‬
‫قاطعته قائلة‪ :‬هل تفكر‪...‬‬
‫وقطعت كالمها عندما تذكرت وجود باتريك خلف الستار‪ :‬دعنا‬
‫نكمل حديثنا عن هذا األمر ر يف وقت آخر أراك تحتاج لقسط من‬
‫الراحة ‪.‬‬
‫حبيبن كيف كان‬ ‫تن‬ ‫ابتسم إليها بحنان ثم سألها‪ :‬هال ر ر‬
‫ي‬ ‫أخي ِ ي‬
‫أكي شهر شاق ر يف المملكة‬ ‫يومك؟ أعلم أن هذا الشهر هو ر‬
‫اليودة ‪.‬‬ ‫ً‬
‫استعدادا لمواسم ر‬
‫الخي سعادة تعقبها‬
‫أن فقد تعلمت منك أن عمل ر‬ ‫‪ -‬عىل العكس ر ي‬
‫فرحة ر‬
‫وانشاح بالصدر‪.‬‬
‫داعبته بابتسامة دالل قائلة‪ :‬أشبهك ر يف هذه أيها الملك ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ضحك االثنان ً‬
‫معا ثم قال والدها وهو ينهض من مجلسه واقفا‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا أعتذر منك فأنا متعب للغاية سأخلد إىل النوم‪.‬‬
‫اا‬
‫بعد أن طبع قبلة عىل جبينها قائًل‪ :‬أراك ر يف الصباح عىل مائدة‬
‫اإلفطار ‪.‬‬
‫خرج أبوها وأوصد باب الغرفة خلفه‪ ،‬ثم قامت من رسيرها مشعة‬
‫إىل باتريك خلف الستارة كاظمة كم الغيظ الذي ينتابها عاضة عىل‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪23‬‬
‫نواجذها‪ :‬أتظن كيف كان سيصل بك الحال اآلن إن رآك ر ي‬
‫أن؟‬
‫وأخي ر ين ما أمرك؟ وإال‪...‬‬
‫ر‬ ‫تحدث اآلن‬
‫ُ‬ ‫…‬ ‫اا‬
‫سأخيك باألمر ‪ ،‬أتيت إىل هن ا‬
‫ر‬ ‫قاطعها قائًل‪ :‬ال ال دون وإ ال‬
‫ألنظر إىل القالدة المعلق ة عىل بابك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ماذا؟! ولماذا تنظر إليها؟‬
‫مغ عندما كنت عىل التلة أقطع‬ ‫سأخيك‪ ،‬األمر حدث ي‬ ‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫ر‬
‫مخيلن نفس هذه القالدة بيد شخص‬ ‫ي‬ ‫األخشاب ورأيت يف‬
‫ُ ُ‬
‫هنُا ألتأكد أنها نفس ما‬ ‫غريب ويقول بالل ولدي‪ ،‬أتيت إىل‬
‫مغ‪ ،‬فأنا‬ ‫رأيته وأرى إن كان عليها رشء ر‬
‫تفسي ما حدث ي‬ ‫ر‬ ‫يدلن إىل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أهىل أو أي‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الماض فقط‪ ،‬وال أذكر ي‬ ‫ي‬ ‫شء إال الشهر‬‫ال أذكر أي ي‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫وتخف ما ال تود إظهاره له‪:‬‬ ‫وه تواري نظراتها بعيدة عنه‬
‫ي‬ ‫قالت ي‬
‫وأن يجزيك عىل‬‫لماذا تريد أن تبحث؟ أليست الحياة هنا عادلة؟ ر ي‬
‫عملك ويقربك منه ‪.‬‬
‫‪ -‬نعم سيدي الحاكم يكرم الجميع ويعطيهم ويتودد بالحب‬
‫والعدل إىل كل من ر يف المملكة لكن كما ذكرت لك أن ما رأيت ر يف‬
‫ر‬
‫دفعن للفضول والبحث ‪.‬‬ ‫مخيلن ه و الذى‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪ | 24‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا باتريك عليك أن تذهب من هنا اآلن‪ ،‬وال تعد مرة أخرى لهذا‬
‫ر‬
‫أخي ر ين‬
‫شء مما تراه يف مخيلتك ر‬ ‫ر‬
‫األمر واهتم بعملك وإن عاودك ي‬
‫به ر يف الحال ‪.‬‬
‫سيدن أستأذنك ر يف الذهاب اآلن ‪.‬‬ ‫ا ً‬
‫ي‬ ‫حسنُا‪ ..‬أفعل‬ ‫‪-‬‬
‫بهدر صاحت فيه‪ :‬أي ذهاب؟ انتظر أبض لك الطريق‪.‬‬
‫خرجت بخفة لتنظر الطريق وبعد أن تأكدت من أنه خال أشارت‬
‫إليه بالذهاب ‪.‬‬
‫نظر إليها بامتنان وعرفان لجميل صنيعها‪ ،‬شعرت بنفس النظرة‬
‫ميل أهل البلدة اليوم‪ ،‬ثم استجمعت قواها‬ ‫الن تبادلها معها رف ر ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫وصاحت به‪ :‬إىل ماذا تنظر؟ هيا انطلق يف الحال ‪.‬‬
‫خرج ثم عاد إىل مسكنه وجلس يفكر ر يف مساعدة السيدة أمندا له‪،‬‬

‫وفيما سمعه من حوارها مع والدها حيث كانت تقول "أنا ال أعلم‬

‫أم" والجميع يعرف أن المكان ينقسم إىل مملكة جريتفول‬ ‫أرض ي‬


‫ً‬
‫والغي عادلة أبدا‪ ،‬ثم يفكر مرة أخرى‬
‫ر‬ ‫ومملكة دارك المعادية لها‬
‫رر‬
‫العسليتي وأنه رآها هذه المرة من قرب ومع‬ ‫ر يف جمال عينيها‬
‫ا‬
‫حرصها عىل تغطية شعرها إال أنه ظهر من الخلف مسي اسًل عىل‬
‫ظهرها والذي كان يشبه لمعة النحاس وبريقة‪ ،‬ولون ر‬
‫بشتها‬
‫البيضاء وهدوء وبراءة مالمح وجهها‪..‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪25‬‬
‫ً‬
‫موقظا إياها "باتريك هذا ر‬
‫شء بعيد المنال‪ ،‬ليس‬ ‫ي‬ ‫ثم قال لنفسه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫معن حب الحاكم لرعاياه أن تفكر هكذا أبدا‪ ،‬نم يا فن فغدا عندك‬
‫عمل مهم رف الصباح"‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء مهم‬ ‫ثم غط ف النوم وراوده حلم بأن القالدة يف داخلها ي‬
‫يساعده عىل تذكر أشياء من حياته‪.‬‬
‫وكلما ازداد الليل ر يف حلكته زادت معه طرقات القلوب وتململت‬
‫العيون عن النوم‪ ،‬ثم صاحت األفكار ر يف األذهان تعبث بخفقات‬
‫القلب مرة ترهقه من رسعتها ومرة تسلبه قواه ببطئها‪ ،‬ال يدري‬
‫حي يبدأ معه شعور من أين بدأ؟ وال كيف حدث؟ حن‬ ‫الشخص ر ر‬
‫إن فتش بداخله عن جواب وإن كان ً‬
‫أبلها لكلمة لماذا؟ لن يجده‪،‬‬
‫فالعاطفة ال محل لها من االستفهام‪ ،‬تشتعل لمجرد وجود من‬
‫تجتذب نحوه الروح حن وإن كانت كل األمو ر الحسية والمنطقية‬
‫متحدة ضد األسباب‪.‬‬
‫جلست أمندا بعد خروجه من غرفتها أمام المرآة‪ ،‬ونظرت إىل‬
‫ا‬
‫احمرار وجنتيها مع رسعة رضبات قلبها أحست أنها ازدادت جماًل‬
‫قديما‪" ،‬نزداد‬
‫ً‬ ‫تخيها بها‬
‫فوق جمالها وتذكرت مقولة ألمها كانت ر‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫جماًل وتبدو مالمحنا ر‬
‫مشقة عندما يدق القلب ألول مرة شغفا‬
‫رر‬
‫الحني إىل عمق نظراته إليها‪ ،‬رأت فيه أرض‬ ‫بأحدهم" أخذها‬
‫الن لطالما حلمت بها وبالتعرف عليها‪،‬‬
‫الناس بعيدة المنال ي‬

‫‪ | 26‬مملكةجريتفول‬
‫استلقت عىل رسيرها وتنهدت مبتسمة لما تشعر به ينمو بداخل‬
‫قلبها وكأنه رم بذرة وتركها تنبت عىل مهل ‪.‬‬
‫استيقظ باتريك ر يف الصباح‪ ،‬وذهب إىل أعىل التلة كعادته إلكمال‬
‫عمله ومعه ر ر‬
‫التني ملو‪ ،‬وأثناء عمله بقطع األخشاب بعد مرور ما‬
‫ليشب‬ ‫ساعتي من العمل المستمر بال توقف جلس ر‬ ‫رر‬ ‫يقارب‬
‫ا‬
‫البحية بدًل عن الماء األزرق وما‬
‫ر‬ ‫جرعات من الماء الذي جلبه من‬
‫إن ررسب ها حن شعر بضيق وغثيان ولم يستطع ابتالعها‪ ،‬قدم لملو‬
‫يشب منه‪ ،‬قام يكمل عمله ولكنه‬ ‫ليشب ولكنه أن أن ر‬ ‫ماء منه ر‬
‫ر‬
‫بعد نصف ساعة أخرى من العمل شعر بالعطش أشد فذهب‬
‫ورسب منها‬‫يبحث رف العربة عن قارورة الماء األزرق ثم أخرجها ر‬
‫ا‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫ياصديف أمامنا يوم‬
‫ي‬ ‫وأعط ملو منها أيضا قائًل‪ :‬أرو عطشك‬
‫طويل ‪.‬‬
‫وقبل أن يضع ملو قطرة منه في فمه سمع باتريك صوت أمندا‬
‫ً‬
‫تقول له‪ :‬يا لك من جالب للمتاعب يا باتريك‪ ،‬هذا تحديدا ما‬
‫طلبت منك أال تفعله‪ ،‬ألم أنبه عليك أال تطعمه من الماء األزرق؟‬
‫ً‬
‫تني أبيض ُمحلقا ر يف‬ ‫استدار لينظر إليها إذا بها قادمة عىل ظهر ر ر‬
‫ً‬ ‫قويي‪ ،‬ترتدي ا‬
‫بجناحي ر ر‬
‫رر‬
‫وتغط رأسها به‪ ،‬تضع‬ ‫ي‬ ‫رداء أسودا‬ ‫الهواء‬
‫قناع الذهب عىل وجهها‪.‬‬
‫ر‬
‫أصابن باإلعياء‪.‬‬ ‫البحية‬ ‫سيدن لم أستطع ررسب ماء‬ ‫ً‬
‫عذرا‬ ‫‪-‬‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪27‬‬
‫بكيياء مصطنع‪ :‬نعم أعلم ذلك أنا هنا منذ‬
‫وه تهز رأسها ر‬
‫أجابته ي‬
‫وقت طويل وقد رأيت ما حدث لك ‪.‬‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬لم يكن بيدي حيلة‬
‫أأخيك ً‬
‫أمرا ما؟‬ ‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬بالتأكيد‬
‫مغ القالدة‪.‬‬
‫‪ -‬ي‬
‫وه تخرجها من مالبسها ‪.‬‬
‫وابتسمت ي‬
‫‪ -‬اقيب ليى ما فيها قد يساعدك‪.‬‬
‫ذهب ونظر إىل القالدة‪ ،‬كانت المفاجأة أنه وجدها مكتوب عليها‬
‫غي لغة أهل جريتفول‪ ،‬لكنه فهمها‪.‬‬‫اسم )بالل( بلغة ر‬
‫‪ -‬بالل!!‬
‫‪ -‬أتعرف هذه اللغة؟‬
‫ر‬
‫أظنن ال أعرفها لكن أستطيع فهمها وقراءتها‪ ،‬ال‬ ‫‪ -‬ال أعلم‪..‬‬
‫ي‬
‫سيدن أن‬ ‫رر‬
‫أتسمحي لي‬ ‫مغ‪،‬‬ ‫ر ر‬
‫ي‬ ‫شء مما يحدث ي‬ ‫تفسي ي‬ ‫أستطيع‬
‫أفتحها؟ بحنق وقد اتسعت حدقتا عينيها‪ :‬تقصد كشها؟ ‪-‬‬
‫ً‬
‫شيئا بها‪.‬‬ ‫أحاول فتحها من الداخل ألرى‬
‫ً‬
‫جدا بالنسبة يىل‪.‬‬ ‫‪ -‬ال إياك وذلك فهذه القالدة مهمة‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫‪ -‬واآلن أصبحت مهمة يىل‬

‫‪ | 28‬مملكةجريتفول‬
‫‪ -‬عجيب أمرها ‪.‬‬
‫أثناء انش غالهم بالحديث عن القالدة إذا بتسلل أربعة من جنود‬
‫مملكة دارك ر يف الغابة‪ ،‬وقد كانت تنينة ابنة الحاكم الوحيدة‬
‫بالمملكة لونها أبيض‪ ،‬فلما رأوها علموا أنها بنت الحاكم تقدموا‬
‫وحاولوا خطفها‪ ،‬حيث تسلل أحدهم إىل خلف باتريك ر‬
‫ليضبه‬
‫بشء عىل رأسه لكن أمندا نبهته فالتفت إليه وصارعه بشدة‪ ،‬ثم‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫رضبه باتريك برأسه رضبة تسببت ر يف وقوع الجندي أرضا‪ ،‬وإذا‬
‫باآلخران يتدخالن فأمسك أحدهم يد باتريك من الخلف وقام‬
‫بضبه عدة رضبات بيده ر يف بطنه‪ ،‬حاول باتريك أن يتفاداه‬ ‫اآلخر ر‬
‫وضب بقدمه هذا الذي أمامه فأرجعه للوراء خطوات ثم سحب‬ ‫ر‬
‫ليضب من كان يمسكه حن رضب الجندي‬ ‫باتريك يده‪ ،‬واستدار ر‬
‫الذي تخلص منه من قبل باتريك رف مؤخرة رأسه ر ر‬
‫بي أذنيه بحجر‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫للوع‪.‬‬
‫ي‬ ‫فوقع فاقدا‬
‫لم تستطع أمندا التدخل بسبب تقييد الجندي الرابع ليديها وكتم‬
‫أنفاسها و ً‬
‫اضعا كفه بإحكام عىل فمها ‪.‬‬
‫ر‬
‫وأحضوا هذا‬ ‫بهمس تناجوا إىل بعضهم‪ :‬هيا خذوا ابنة الحاكم‪،‬‬
‫ً‬
‫يخي مملكتهم‬
‫ر‬ ‫الشخص أيضا ليكون من الرهائن‪ ،‬وحن ال‬
‫وحاكمهم باألمر ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪29‬‬
‫وضعوهم ر يف عربة تجرها خيول سوداء‪ ،‬تحركت الخيول تجر‬
‫العربة المجهزة بقفص حديدي عرضه يزيد عن طول الذراع‪،‬‬
‫قضبانه من حديد أسود مقوى‪ ،‬أقفاله يعيي ها الصدأ‪ ،‬جلست‬
‫للوع‪ ،‬حاولت استخدام‬ ‫ي‬ ‫أمندا ر يف زاوية القفص وباتريك فاقد‬
‫جهازها الشبيه بالمرآة ر يف إرسال إشارات تحذيرية ألبيها‪ ،‬أو ألي‬
‫من صديقاتها لكن لألسف كانت العربة قد تجاوزت من حدود‬
‫المملكة حيث ال التقاط لإلرسال إال بصعوبة‪ ،‬بعد عدة محاوالت‬
‫التقط الجهاز إرسال خفيف حيث أرسلت لوصيفتها فدوى‬
‫أخيي أن بأ‪ ...‬دارك‪ "...‬ولم يكمل ر‬
‫أكي من ذلك‬ ‫ري‬ ‫بصوت متقطع " ر‬
‫ر‬
‫خيتها‬
‫معها اإلرسال‪ ،‬حاولت أن تساعد باتريك يف االستفاقة بحكم ر‬
‫الطبية‪ ،‬ولكنه كان يشعر بثقل ودوار لم تخرج منه إال أصوات تألم‬
‫مع ثقل ر يف خروج الحروف من فمه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬اسيخ باتريك حاول أن تلتقط أنفاسك أنا أمندا بجوارك‪.‬‬
‫فتح عينيه ونظر لها بصعوبة ثم أغلقها مرة أخرى‪ ،‬وكأنه يغيب ر يف‬
‫لج يبتلعه داخل أمواجه العاتية كلما حاول الصعود‬ ‫ظلمات بحر ر ي‬
‫انيعته األمواج من قواه وخارت به‬ ‫عىل سطحه اللتقاط أنفاسه ر‬
‫نحو األعماق‪.‬‬
‫لتخيه بما تلقته‬
‫ر‬ ‫ر يف القض أرسعت فدوى تبحث عن الحاكم أدلر؛‬
‫من كلمات متقطعة ر يف إرسال أمندا‪ ،‬فقد حاولت تجميع أفكارها‬

‫‪ | 30‬مملكةجريتفول‬
‫األمية‬
‫ر‬ ‫وه تحدث حالها قائلة‪ :‬إرسال متقطع‪ ...‬وصوت‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تستغيث‪ ،‬ثم كلمة دارك يف وسط الكالم‪ ...‬البد أنها يف خطر ما؟‬
‫الداخىل أن الحاكم خرج لتفقد رعيته خرجت‬ ‫ي‬ ‫علمت من الحرس‬
‫مشعة تبحث عن أي طريقة لتبلغه بما سمعته فصادف خروجها‬
‫دخول مهاب ابن عمها عىل تنينه ينقل األخشاب إىل ساحة القض‬
‫الخلفية كما يفعل باتريك‪.‬‬
‫صاحت بلهفة من يحتاج إىل منقذ ينجده من مصيبة ملحة‪:‬‬
‫مهاب!‬
‫وه تهرول قالت‪ :‬أحتاج إىل مساعدتك ر يف الحال‬
‫ثم اتجهت إليه ي‬
‫‪.‬‬
‫نظر إليها بقلق وقال‪ :‬ما األمر يا فدوى؟‬
‫قالت‪ :‬ال وقت للكالم احملنا عىل تنينك لنشع إىل مكان تواجد‬
‫الحاكم‪.‬‬
‫ً‬
‫متوجها إىل مكتبة المملكة‪.‬‬ ‫‪ -‬لقد رأيته منذ قليل‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا هيا إىل هناك‪.‬‬
‫التني ووجهه مهاب إىل حيث يقصد‪ ،‬طار بهم مدة‬‫اعتلوا ظهر ر ر‬
‫يسية من الوقت ووصلوا‪ ،‬نزلت فدوى مشعة ر يف اتجاه الحاكم‬ ‫ر‬
‫وقصت عليهما جرى‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪31‬‬
‫الن تحوي بداخلها أمندا وباتريك إىل مملكة دارك‪،‬‬
‫وصلت العربة ي‬
‫هيئة البيوت بها كئيبة‪ ،‬ألوانها يعلوها سواد كأنه حدث بها احياق‬
‫سابق ولم يعد ترميمه ا‪ ،‬أبوابها يعلوها غبار دخان قاتم‪ ،‬عليها‬
‫نقوش مريبة كلها رؤوس حيوانات مفيسة وشعالت نار نحتت‬
‫بشكل أغلب ما يظنه الناظر إليها أنه مقصود منها إخافة المارين‪،‬‬
‫الطم والوحل وب ها حشائش ذابلة اللون‬ ‫ي‬ ‫األرض وعرة ومليئة ب‬
‫مالت إىل السواد من شدة الذبول‪ ،‬أشجارها عارية عن األوراق‬
‫فروعها ‪.‬‬
‫جذوعها ذابلة مالت جميعها ر يف اتجاه واحد وكأنها طبق عليها حكم‬
‫بالبطء وكأنها ال يصل إليها ماء األرض وال ماء السماء منذ‬
‫ي‬ ‫قتل‬
‫ر‬
‫غي معدودات‪ ،‬وقض حاكم تلك المملكة يف مكان عال‬ ‫سنوات ر‬
‫بن قاتم‪ ،‬تشعر بالضيق عند رؤيته‪ ،‬عليه‬ ‫ر‬
‫بعيد عن الناس لونه ي‬
‫كبي من الحراس‪ ،‬معهم سيوف ورماح وأدرعة يرتدون لباس‬
‫عدد ر‬
‫عسكر القرون الماضية لونه أسود ومشدود بأحزمة بنية من‬
‫الجلد‪ ،‬وبعض الفراء مسلوخ من جلود حيوانات مرعبة‪ ،‬ويضعون‬
‫خوذات عىل رؤوسهم ذهبية اللون‪ ،‬يحيط بالقض ٌ‬
‫سور ضخم‬
‫غي مستساغة‪ ،‬ورؤوس‬ ‫وعىل مقدمته من األعىل أشكال وزخارف ر‬
‫حيوانات بيت عن أجسادهم ررسسة ومهيبة للناظرين‪ ،‬مرت‬
‫بي الحرس حن وصلت إىل بوابة القض‪ ،‬وقفت العربة‬‫العربة من ر ر‬
‫اا‬
‫قليًل ر يف انتظار سماح حرس البوابة بالدخول‪ ،‬بعد علمهم أن‬

‫‪ | 32‬مملكةجريتفول‬
‫العربة بها ابنة حاكم مملكة جريتفول وأحد رهائن المملكة‬
‫أدخلوهم‪ ،‬مروا ببستان كأنه مهجور به بركة جافة من الماء ً‬
‫تماما‪،‬‬
‫السفىل‬
‫ي‬ ‫ثم مروا من باب القض المؤدي إىل قاعة واسعة ر يف الطابق‬
‫ر‬ ‫اا‬
‫وف هذه‬ ‫أخي الحارس حاكمه بقدومهم ي‬ ‫قليًل إىل أن ر‬ ‫انتظروا بها‬
‫األثناء كان باتريك يحاول الثبات عىل قدميه أو الحفاظ عىل اتزانه‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء وال‬ ‫قدر اإلمكان‪ ،‬أشارت إليه أمندا بعدم الحديث يف أي ي‬
‫أن منذ‬ ‫"‬
‫اإلجابة عن تساؤالتهم وهمست له قل أنك عامل عند ر ي‬
‫صغرك بعد أن مات والديك"‪ ،‬ثم أمر الرتيس بإدخالهم ر يف الحال‬
‫وما إن دخلوا عليه إال وقام من مكانه ثم هدر بحزم وضيق تمازجا‬
‫أخيا ر‬
‫عيت عليك أمندا‪ ،‬بدأت‬ ‫لنية صوته خشونة وقسوة‪ :‬ر ً‬ ‫فأضافا ر‬
‫نقطة التحول اآلن‪ ،‬من اآلن فقط بدأت أضع يدي عىل مملكتكم‪.‬‬
‫ثم ضيق فتحة عينيه واقيب بخطواته المتأنية يتفرس وجهها‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬ولكن هيهات‬‫أنن غافل عن كل ي‬ ‫وأكمل حديثه‪ :‬ظن أباك ي‬
‫مملكن‪.‬‬ ‫فأنا أتابع مملكتكم وبقوة‪ً ،‬‬
‫قريبا ستكون‬
‫ي‬
‫وتحد ساد رنيتها الرقيقة‪ :‬لن يحدث ما تأمله‬
‫ٍ‬ ‫هدرت بعزة نفس‬
‫الرتيس‪.‬‬
‫وأنت‬
‫ِ‬ ‫رر‬
‫تتحدثي بنفس لكنتك القوية؟ منذ صغرك‬ ‫زلت‬
‫‪ -‬أما ِ‬
‫رر‬
‫تشبهي أباك في إبائه وغروره‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪33‬‬
‫ابتسامة سخرية رسمتها بال مباالة وهتفت ر يف وجهه وعيناها‬
‫ً‬ ‫العسليتان باتتا ً‬
‫نارا تبعث دخانا يزيد عينيه الرماديتين وحشية‪.‬‬
‫ً‬
‫بأن أو‬
‫الخي يدوم ويتصل ر ين أو ر ي‬‫غرورا وإنما ثقة ويقينا أن ر‬ ‫‪ -‬ليس‬
‫والش محال له الدوام والبد له من نهاية‪.‬‬ ‫بغينا ر‬
‫ر‬
‫سيى من سينتض أيتها الجميلة ‪.‬‬ ‫بسخرية أجابها‪ :‬ر‬
‫وه تغلق عينيها بإرهاق وتفتحهما ربيود‬
‫رمقته بنظرة جانبية ي‬
‫وتهمس‪:‬‬
‫ً‬
‫جيدا من‪.‬‬ ‫أعلم‬
‫ثم نظر إىل باتريك وهو ما يزال يقاوم حالة اإلعياء والدوار وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫من هذا إذا؟‬
‫‪ -‬عامل لدينا بالقض‪.‬‬
‫يخي ر ين‬
‫ازدرد لعابه وهمس بصوت حانق‪ :‬أنا أسأله هو دعيه ر‬
‫بنفسه‪.‬‬

‫قالت‪ :‬ضعيف الكالم منذ صغره ر‬


‫ترن يتيم األبوين برعاية عمال‬
‫القض ‪.‬‬
‫‪ -‬ما اسمك؟ أجاب بثقل‪ :‬باتريك‪.‬‬
‫ً‬
‫بابتسامة باهتة اصطنعها عىل وجهه‪ :‬إذا ما الذي يجعل ر‬
‫أمية‬
‫جميلة مثلك تقف مع هذا الباتريك رف أعىل التلة‪ ،‬أليس ً‬
‫أمرا ً‬
‫غريبا‬ ‫ي‬

‫‪ | 34‬مملكةجريتفول‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا لق ر ر‬
‫واني مملكتكم‪ ،‬أًل تقف‬ ‫عىل كونك ابنة الحاكم؟ ومخالف‬
‫النساء مع الرجال ر يف مكان واحد؟‬
‫وه تطبق عىل‬ ‫أغمضت عينيها بضيق ومسدت وجهها بحنق ي‬
‫ً‬
‫شفتيها مجيبة إياه‪ :‬وكما تعلم أيضا برصدك ألخبارنا أننا ال نفرق‬
‫أمية المملكة‬ ‫بي حاكم ومحكوم‪ ،‬الجميع عندنا يقوم بعمله‪ ،‬أنا ر‬ ‫رر‬
‫ُ‬
‫أن‪ ،‬فال‬‫والصغي والرجال واإلناث لمساعدة ر ي‬
‫ر‬ ‫الكبي‬
‫ر‬ ‫وأ ررسف عىل‬
‫كون أقف أعىل تلة مملكتنا وأتابع عمله ومع كونه‬ ‫عجب رف ر‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ضعيف الكالم‪ ،‬وأنا أطبب المرض فال حرج يف ذلك‪ ،‬ثم إنك تعلم‬
‫الن توصلنا أينما‬‫نسف منها تنانيننا الخاصة ي‬‫ي‬ ‫البحية باألعىل‬
‫ر‬ ‫أن‬
‫ارتحلنا‪.‬‬
‫متهكما‪ :‬نعم مملكة العدل والمساواة ما‬ ‫ً‬ ‫قال لها بعد أن ضحك‬
‫ألطفكم هاهاهاها ‪.‬‬
‫وبتحد وثبات بعثا الخوف ر يف داخله‪ :‬وسوف نظل بإذن هللا ‪.‬‬
‫رر‬
‫الدفي‪ :‬أعدك لن تستمر‬ ‫قال لها بحنق ونظرة توعد مليئة بالغل‬
‫‪.‬‬
‫ثم اقيب منها ونظر ر يف عينيها نظرات يملؤها الحقد الممزوج‬
‫باللؤم‪:‬‬
‫أين القالدة أمندا؟‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪35‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقع سؤاله عىل مسامعها وهو ينبش مكانا سحيقا ر يف داخلها فقالت‬
‫وه تواري تعجبها من سؤاله‪ :‬أي قالدة تتحدث بشأنها؟ أتظن‬ ‫ي‬
‫سأخيك به؟‬ ‫شء تريده منا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫أن أعلم مكان ي‬‫حن لو ي‬
‫ً‬
‫صغارا يوم‬ ‫حي كنا‬ ‫رد وهو يزفر الهواء من صدره‪ :‬هل تذكرين ر ر‬
‫تالقينا ر يف الغابة ونظرت ر يف عينيك‪...‬‬
‫مملسا عىل طرف ردائها من جوار خدها‬ ‫ً‬ ‫ثم اقيب منها ومد يده‬
‫وأكمل حديثه‪ :‬حينها سألتني بلطف من أنت‪ ،‬لم يكن لدي علم‬

‫وحي جاء والدك أخذك ر يف حضنه وقال "لقد‬


‫رر‬ ‫أنن ابن عمك‬
‫ي‬
‫ر‬

‫خشيت عليك" قلت له "ال تقلق أن إنه الرتيس لطيف وهادئ"‬


‫ري‬ ‫ِ‬

‫بن اذهب ألبيك الغابة‬ ‫" ر‬ ‫عرفن أبيك وربت عىل ر‬ ‫ر‬
‫كتف وقال يىل ي‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫وأعطان قطعة ر ر‬
‫خي ألكلها‬ ‫خطرة عليك واقيب وقت الغرو ب"‬
‫ي‬
‫كيت‬ ‫شعرت وقتها أن أباك يستحق ما هو عليه‪ ،‬ولكن عندما ر‬
‫أن الحقيقة وأنه تزوج من أحبها وآثره أبيه بمملكة الماء‬ ‫ر‬
‫وأخي ين ر ي‬ ‫ر‬
‫األزرق مملكة جريتفول أقصد علمت أن الظاهر ال يدل عىل‬
‫الحقيقة د ا‬
‫ائم ا‪.‬‬
‫وه تدير رأسها بانفعال رافضة لمس يده لها‪ :‬ستظل هكذا‬
‫قالت ي‬
‫مسية أبيك ر يف‬
‫ر‬ ‫فيجهلك باألمور وعنادك‪ ،‬لماذا تض عىل إكمال‬
‫الحرب والشتات؟‬

‫‪ | 36‬مملكةجريتفول‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تل ر يف حروبكم اللعينة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ألن ر ي‬
‫أن ظ ِلم وق ِ‬
‫قالت‪ :‬أليس هو المعتدي والبادئ بالحرب! وكيف لك أن تقول‬
‫أن ر يف شأن تقسيم‬ ‫أنه ُظلم وقد قام جدي بالمساواة بينه ر ر‬
‫وبي ر ي‬
‫اض المثمرة‪،‬‬‫ر‬
‫بالخيات واألر ي‬‫ر‬ ‫الحكم‪ ،‬ثم كانت مملكة دارك مليئة‬
‫ووجود عدد من مصانع المالبس ووسائل اإلضاءة والزيوت النافعة‬
‫رر‬
‫والبساتي‪ ،‬فماذا كان منكم؟ خربتموها ودمرتموها بإهمالكم لها‬
‫وترككم لحكم شعبكم بالعدل واتجاهكم للحروب مع مملكتنا‪ ،‬أما‬
‫ألن ورغبتها فيه كزوج لها‪،‬‬
‫ه ري‬
‫أم كان باختيارها ي‬
‫أن من ي‬
‫عن زواج ر ي‬
‫ه من البداية لم تكن ألبيك‪ ،‬كانت‬ ‫أن من أبيك‪ ،‬ي‬ ‫لم يأخذها ر ي‬
‫يخيها‬
‫تبد له أي شعور وعندما حاول أن ر‬ ‫تعامله كأخ لها ولم ِ‬
‫أن ‪.‬‬ ‫ر‬
‫صدقت معه ف القول وقالت أنها تتبادل مشاعر الحب مع ر ي‬
‫ر‬ ‫رر‬ ‫تكلم بحنق يملؤه حقد ر ر‬
‫السني‪ :‬أمندا كالمك لن ي‬
‫يثنن‬ ‫دفي طوته‬
‫فكرن‪ ،‬أنا اآلن ال أبحث عن المملكة أو الماء األزرق فحسب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عن‬
‫طموج أن أصل إىل تلك األرض البعيدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫اآلن أبحث عن القالدة‪،‬‬
‫عي األفق تحدث بصوت يطمح لمنال بعيد‪ :‬أرض‬
‫وبنظرة قطعها ر‬
‫ر‬
‫أعن ‪.‬‬
‫الناس ي‬
‫‪ -‬ال أعلم عن أي قالدة تتحدث أيها األبله ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪37‬‬
‫كان باتريك يستمع وينظر‪ ،‬وهو متعجب من الحوار‪ ،‬تيدد‬
‫ذهابا ً‬
‫وإيابا داخل عقله‪ ،‬لماذا يريد هذا الرجل أن يحصل‬ ‫ً‬ ‫األسئلة‬
‫عىل تلك القالدة؟‬
‫تفكي باتريك صوت الرتيس وهو يصيح ر يف حراسه‪ :‬ضعوهم‬
‫قاطع ر‬
‫ر يف مكان محكم الغلق وشددوا عليهم الحراسة‪.‬‬
‫توجهت له بكلمات مهددة إياه وبحدة‪ :‬لن تنجو بفعلتك الرتيس‬
‫أيها األحمق العنيد ‪.‬‬
‫الحراس بعد أن ضخت ر يف أحدهم قائلة‪ :‬إياك ولمس قدر‬‫أخذهم ُ‬
‫أتغ ما أقول؟ وإال جعلتك تندم إن فعلت أيها الغافل‬ ‫ر‬
‫من‪ ،‬ي‬‫أنملة ي‬
‫الغن أنت وأمثالك من الذين يضعون رؤوسهم تحت أقدام حاكميه‬‫ري‬
‫م وال ينبسون لهم ببنت شفة إال بالسمع والطاعة ولو عىل حساب‬
‫أرواح تزهق ‪.‬‬
‫أبعد يده عنها وأخذت تتحرك وعزتها تنبعث مع صوت قدميها‪،‬‬
‫كلما طرقت األرض بخطوة كلما انتاب الرتيس رهبة منها‪ ،‬دون‬
‫سحب أو تقييد من هؤالء السفهاء‪ ،‬ووضعوهم ر يف غرفة بها‬
‫صغية وكرسيان‬
‫ر‬ ‫قطعتان من الفرش المبسوط ‪،‬ووسادات وطاولة‬
‫ومدفأة قديمة الطراز وبعض التحف معلقة على تلك األرفف‬
‫المثبتة عىل الجدران حول المدفأة‪ ،‬وكانت نوافذها محكمة من‬
‫الخارج بوضع أعمدة من الحديد يتخللها فتحات لدخول بعض‬
‫الضوء‪ ،‬ما إن دخل باتريك إال وألف جسده عىل البساط‪ ،‬أخذت‬

‫‪ | 38‬مملكةجريتفول‬
‫أمندا تنظر إىل الجرح الغائر برأسه‪ ،‬علمت أنه لن يصمد به ر ً‬
‫كثيا‬
‫وقد يصاب بتلوث يؤدي إىل تسمم جسده فقررت التضف ر يف‬
‫الحال بأقرب وسيلة ممكنة إلنقاذه وتفادي ر‬
‫الضر عنه‪.‬‬
‫بكثي من الشفقة‪ :‬اصمد باتريك‬ ‫قالت بصوت عطوف ممزوج ر‬
‫تطهي‪.‬‬ ‫ر‬
‫الشء أظنه يحتاج إىل‬
‫ر‬ ‫الجرح غائر بعض ي‬
‫خنجرا ر ً‬
‫صغيا ووضعته عىل‬ ‫ً‬ ‫أخرجت من نطاق مربوط عىل وسطها‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫قطنيا أطبقته‬ ‫أخشاب المدفأة المشتعلة‪ ،‬وأخرجت منديًل‬
‫ُ‬
‫وطلبت من باتريك أن يضعه في فمه ثم قامت بعملية يك للجرح‪،‬‬
‫كثيا‪ ،‬عض بنواجذه بشدة عىل المنديل وتصبب‬ ‫لم يصمد باتريك ر ً‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫عىل ه ثم فقد وعيه‬ ‫عرقا ومال لون بشته لألزرق من شدة األلم ي‬
‫مرة ثانية‪ ،‬ضمدت أمندا الجرح بمنديل وحاولت تدفئته حيث كان‬
‫يرتجف جسده بشدة‪ ،‬نزعت رداءها والذي كان يسيها أسفل منه‬
‫ربيغ مشمس‪ ،‬ودثرته به‬ ‫ي‬ ‫فستان أرزق هادئ كلون السماء رف يوم‬
‫ثم جلست إىل جواره تدعو وتطلب العون من هللا‪ ،‬اسيجعت‬
‫الحوار الذي دار مع ال رتيس ‪.‬‬

‫"ما شأن هذه القالدة؟ لماذا يريدها؟ ولماذا رآها باتريك ر يف مخيلته‬
‫بعد ررسبه للماء األزرق؟ ما الذي جعل الرتيس يهتم بها ويقدمها‬
‫عىل الماء األزرق؟ المعلوم بفوائده وأنه له استخدامات طبية‬
‫ومفيد للنباتات وينتج أفضل الثمار وأنه يقوي الذاكرة‪ ،‬ويساعد‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪39‬‬
‫عىل معرفة أحوال من يبعد عنا بالتواصل الفكري‪ ،‬مقابل هذه‬
‫القالدة"‬
‫ً‬
‫أخرجتها من ثيابها لتنظر فيها‪ ،‬سمعت صوت باتريك مجهدا‬
‫ً‬
‫شكرا‬ ‫وكأن هذا الصوت آت من فج عميق يهمس لها‪:‬‬
‫سيدن‪ .‬التفت إليه باهتمام بالغ وقالت بعد أن‬
‫ي‬ ‫لمساعدتك يىل‬
‫حمدت هللا عىل سالمته‪ :‬هل أنتب ر‬
‫خي اآلن؟‬
‫بكثي عن ذي قبل‪.‬‬
‫‪ -‬أفضل ر‬
‫ساعدته عىل الجلوس وقدمت له بعض الماء ر‬
‫ليشبه ‪.‬‬
‫نظر إليها نظرة مملوءة باألسئلة ما منعه من التفوه بها إال مكانتها‬
‫كأمية وابنة حاكم المملكة ‪.‬‬
‫ر‬
‫الذهن‬
‫ري‬ ‫أدركت نظراته وفهمت مغزاها وكانت ال تزال تضع قناعها‬
‫ه بالحديث‪ :‬ليس لدي أجوبة لجميع أسئلتك باتريك‪،‬‬ ‫ثم بادرته ي‬
‫أعلم أن حياتك كلها كتاب مغلق ر يف نظرك وأعلم أن حوار الرتيس‬
‫مىلء بالغموض بالنسبة لك لكن أ‪...‬‬ ‫ي‬
‫سيدن؟‬ ‫ً‬
‫قاطعها مستفهما بجدية‪ :‬ما شأن تلك القالدة‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫را ً‬
‫أم‪ ،‬جلبتها‬
‫مورون الوحيد من ي‬
‫ي‬ ‫شء إال إنها‬
‫يقيُا ال أعلم أي ي‬ ‫‪ -‬ر‬
‫معها من أرضها ‪.‬‬

‫‪ | 40‬مملكةجريتفول‬
‫غي هذه ال أعلمها؟ لقد سمعت هذا ر يف‬ ‫‪ -‬أرضها!! أهناك أرض ر‬
‫حديثك مع الحاكم لكن لم أكن أستطيع السؤال أو التدخل ر يف‬
‫أنت وسيدي الحاكم‪.‬‬
‫حديث دار بينكما ِ‬
‫أجابته محاولة أن تتدارك الحوار معه‪ :‬باتريك أرجوك ال تستمر‬
‫ر يف الكالم بشأن هذا األمر اآلن‪.‬‬
‫بنية صوت يشوب ها بعض الحدة ولكنها لم تخل من إجالله لها‬ ‫ر‬
‫أسيان بقض‬ ‫سيدن نحن اآلن ر‬ ‫جليا عىل محياه‪:‬‬‫يظهر القلق ً‬
‫ي‬
‫العدو‪ ،‬وأنا الرجل هنا فحمايتك واجب عىل عاتف مهما ر‬
‫كلفن األمر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عن فاألوىل‬ ‫ر‬
‫حيان‪ ،‬ولكن هناك أمور غامضة ي‬ ‫ي‬ ‫حن وإنكانت‬
‫األمورىل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫توضيح‬
‫ً‬
‫ممي اج ا ببعض من كظم‬ ‫ر‬ ‫وه تزفر خناقا ضاق بصدرها‬ ‫تحدثت ي‬
‫غيظها‪:‬‬
‫حماين‪ ،‬اهتم لحالك وحسب ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ليس عليك‬
‫أحميك؟‬ ‫مواريا غيظه هو اآلخر‪ :‬كيف ال‬‫ً‬ ‫قال‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫نفش ثم‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬أنا مدربة جيدا عىل القتال وأعلم كيف أدافع عن‬
‫أن‬ ‫ر‬
‫يؤذين‪ ،‬إنه يحاول الضغط عىل ر ي‬ ‫ي‬ ‫إن الرتيس أضعف من أن‬
‫ر‬
‫باختطاف فقط ‪.‬‬
‫ي‬
‫‪ -‬ولكن إن علم بوجود القالدة معك لن ييدد رف إيذائك ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪41‬‬
‫ر‬
‫لك‬
‫التعاف ي‬
‫ي‬ ‫نفش‪ ،‬ركز أنت اآلن ر يف‬
‫ي‬ ‫‪ -‬وقتها سأتوىل الدفاع عن‬
‫ً‬
‫شاحبا من‬ ‫دواء لك هنا وأرى وجهك‬‫تستطيع الصمود لن نجد ا‬
‫اإلعياء‪.‬‬
‫ً‬
‫سكت برهة من الوقت مطرقا رأسه‪ ،‬فهو يعلم مدى ثباتها عىل‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫تخش شيئا‪ ،‬ثم تحدث‪ :‬أعلم أنك‬ ‫رأيها وقد رأى منها امرأة ال‬
‫صاحبة القرار اآلن وأن األمر بيدك وأنا محكومك لكن عدالة‬
‫رقبن ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الحاكم وحبه لنا وشجاعته ر يف حمايتنا دي ن ر يف‬
‫اا‬
‫يغي من حدة الحديث بينهما قائًل‪ :‬ثم إن هناك دين آخر‬ ‫وأخذ ر‬
‫نبهتن رف الغابة ر ر‬
‫حي جاء‬ ‫ر‬ ‫أنقذتن مر ر ر‬
‫تي‪ ،‬األوىل عندما‬ ‫ر‬ ‫بيننا‪ ،‬لقد‬
‫ي ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الجندي من خلف‪ ،‬والثانية ر ر‬
‫جرج ولن‬
‫ي‬ ‫تطهي‬
‫ر‬ ‫حي ساعدتني يف‬ ‫ي‬
‫أتنازل عن رد جزء من الدين‪.‬‬
‫عند ذلك ابتسمت مردفة ‪ :‬يا لك من ُملح ي ا باتريك ‪.‬‬
‫علم من لمعة عينيها صدق ابتسامتها له فابتسم هو اآلخر ‪.‬‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬سوف ر‬
‫أعتيها موافقة مبدئية‬
‫ر‬ ‫اا‬
‫كبية من‬ ‫ثم أكمل قائًل وهو ينظر حوله يف الغرفة ليجد قطعة ر‬
‫القماش يجذبه ويقول وهو يهم بربط أحد طرفيه ر يف جانب من‬
‫اا‬
‫الغرفة ويشده إىل الجانب اآلخر‪ :‬سوف أضع هذ الستار حائًل ر يف‬
‫منتصف الغرفة لتأخذي راحتك ر يف نومك ولبسك وسآخذ الجزء‬
‫الخارج حن إذا دخل أحد لم يطلع عليك ‪.‬‬
‫ر ي‬

‫‪ | 42‬مملكةجريتفول‬
‫قالت‪ :‬ال بأس إنها فكرة جيدة‪.‬‬
‫ثم نظر إىل ردائها الموضوع عىل كتفه بشغف وابتسم‪ :‬لقد ررسفت‬
‫به عىل جسدي ‪.‬‬
‫‪ -‬إنما هو مجرد رداء ‪.‬‬
‫فف مته ر يف كونك مالكته ‪.‬‬
‫‪ -‬لكنه ملك لك ي‬
‫‪ -‬ثناء جيد أشكرك ألجله‪.‬‬
‫توقفت الكلمات واألنفاس تباطأت وتحدثت العيون بنظراتها‬
‫الحانية تيجم مشاعر تولد ر يف محنة السجن وغياهبه الظالمة‬
‫ليتدفق من خاللها األمل‪ ،‬وتشعر القلوب بقرب الفرج وأنه‬
‫ً‬
‫فدائما حديث العيون‬ ‫سيعقبه أحالم تتبعها حقائق من الفرح‪،‬‬
‫وتجي النفوس عىل‬‫ر‬ ‫يوصل إىل القلوب مشاعر الثقة واإليمان‬
‫بالصي وانتظار النض وعدم اليأس أو القنوط‪.‬‬
‫ر‬ ‫التحىل‬
‫ي‬
‫ر‬
‫جلس هو يف مقابل الباب‪ ،‬بعد قليل اطمأنت أمندا وشعرت‬
‫بدفء ر يف أرجائها من الداخل‪ ،‬كان يطمئنها صوت أنفاسه القريبة‬
‫ً‬
‫منها جدا وبالرغم من الستار بينهما إال أنها كانت تبضه من خلفه‪،‬‬
‫الداخىل‪ ،‬ثم‬ ‫بضبات قلبه المتدافعة مع أفكاره وحديثه‬ ‫تشعر ر‬
‫ي‬
‫بيع القناع وأسندت رأسها إىل الوسادة القريبة منها مفيشة‬‫قامت ر ر‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪43‬‬
‫جسدها عىل ذلك البساط الموضوع عىل األرض وحاولت أن تأخذ‬
‫ً‬
‫قسطا من الراحة‪.‬‬
‫ً‬
‫جالسا يفكر فيما دار معه اليوم ويتعجب من األلغاز‪،‬‬ ‫ظل باتريك‬
‫ترن يتيم األبوين ر يف‬
‫أخيت الرتيس أنه ر‬
‫وحي ر‬‫أرض أمها والقالدة ر ر‬
‫القض‪.‬‬
‫الن خلت من‬ ‫ً‬
‫سمع صوتها من خلف الستار قاطعا عليه خلوته ي‬
‫شء إال منها‪:‬‬ ‫ر‬
‫كل ي‬
‫اا‬
‫قليًل؟ بانتباه من ررسوده‬ ‫‪ -‬لم ال تحاول أن تهدأ وتيك فضولك‬
‫سيدن؟ ق الت‪ :‬نعم أحدثك‬ ‫ر‬
‫أتحدثينن‬ ‫جاوب ها‪ :‬ماذا؟‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫غينا بالمكان؟‬‫باتريك وهل هناك ر‬
‫قال بعد أن رقت رنية صوته الفخيم وانسحبت بهدوء‪ :‬وكيف‬
‫ر‬
‫بشء؟‬ ‫ر‬
‫بأن أفكر ي‬‫عرفت ي‬
‫ِ‬
‫داخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬أنفاسك المتالحقة وكأنها ضاع‬
‫‪ -‬آسف عىل إزعاجك ‪.‬‬
‫ميعجة ‪.‬‬‫‪ -‬لست ر ر‬

‫علت البسمة عىل شفتيهما وكأنهما ينظران أحدهما إىل اآلخر من‬
‫تلتق ولكن القلوب التقت‪.‬‬
‫خلف الستار مع أن العيون لم ِ‬

‫‪ | 44‬مملكةجريتفول‬
‫من الناحية األخرى كان هناك قلق ر يف مملكة جريتفول بعد ذهاب‬
‫فدوى إىل الحاكم وإخبارها له برسالة أمندا المتقطعة اإلرسال وأنها‬
‫ذكرت دارك‪.‬‬
‫قام الحاكم بجمع الجنود والفرسان وأمرهم باالستعداد القوي‬
‫والفوري وأخذوا يجمعوا المؤن الالزمة معهم‪ ،‬وخلف ر يف المملكة‬
‫رجال وشيوخ يهتمون بالنساء والصبيان وأمرهم بحماية حدود‬
‫المملكة وعدم السماح لدخول أحد ًأيا كان من هو‪.‬‬
‫وقفت فدوى أمام مهاب محدثة إياه بصوت خافت مضطرب‪:‬‬
‫غيك ‪.‬‬‫أنن ليس يىل ر‬ ‫ر‬
‫أرجوك يا مهاب اهتم لحالك‪ ،‬أنت تعلم ي‬
‫نظر إليها مهاب وشعر بالسعادة تشي ر يف أركانه وقال لها‪ :‬كنت‬
‫بمكانن عندك ‪.‬‬
‫ي‬ ‫يخي ر ين‬
‫شء ر‬ ‫ر‬
‫أتمن أن أسمع منك أي ي‬
‫ر‬
‫ا ا‬
‫عم وأنا أخاف عليك من‬ ‫احمرت وجنتاها خجًل وقالت‪ :‬أنت ابن ي‬
‫أن يصيبك مكروه‪.‬‬
‫مستفهما‪ :‬ابن عمك‬ ‫ً‬ ‫نظر إليها بمكر مصطنع وقال‬
‫ا ا‬
‫وه تدير عينيها منه خجًل‪ :‬هو ذلك‬ ‫وحسب؟ قالت ي‬
‫‪.‬‬
‫رر‬
‫تكذبي اآلن ‪.‬‬ ‫تخي ر ين أنك‬
‫‪ -‬عيناك ر‬
‫قالت بضعف ورجاء‪ :‬ستعود يىل؟‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪45‬‬
‫‪ -‬أعدك بذلك ‪.‬‬
‫اقيب من أذنها ثم همس إليها وأنفاسه تصبو قرابة خدها‪ :‬لن‬
‫رر‬
‫المالعي أن يكشوا قلبك يا فدوى ‪.‬‬ ‫أسمح لهؤالء‬
‫ثم انطلق ودخل وسط صفوف الجنود وهو يبادلها نظرات‬
‫االشتياق للقاء قريب‪.‬‬
‫ثم تح رك الحاكم بجنده بعد أن ذكرهم أن هذه المرة حماية‬
‫للمملكة العادلة وعن عرضه وأمرهم بأداء الحقوق وعدم خروج‬
‫ً‬
‫أي شخص عليه دين ألحد إال وقد أداه‪ ،‬أمضوا وقتا ر يف التجمع‬
‫والمسي ر يف اتجاه مملكة دارك‪ ،‬ثم عسكروا‬
‫ر‬ ‫ووضع الخطط الالزمة‬
‫بي الجبال يك ال يراهم أحد من جنود الرتيس‬ ‫رف منطقة منخفضة ر ر‬
‫ي‬
‫وظلوا بها طوال الليل وبعث الحاكم مستكشفيه لينظروا المملكة‬
‫من بعيد وحال الجنود وعددهم هناك ‪.‬‬
‫ينجىل خلفه مالمح الليل المظلم‬
‫ي‬ ‫أقبل النهار ر يف عجالة من أمره‬
‫ا‬
‫معلنا‬ ‫غي استحياء‬‫والمرهق للقلوب بسواده وحلكته‪ ،‬جاء عىل ر‬
‫ً‬
‫متحديا لكل‬ ‫منافسته بالمبارزة لكل من أراد أن يقف أمام العدل‪،‬‬
‫ً‬ ‫من أعلن عن كرهه للخير وعن استباحة ر‬
‫الش‪ ،‬جاء معلنا صوت‬
‫الحق ر ا‬
‫مخيا ألي ناعق أو حاقد عن أرسار قوته ي‬
‫الن لم يكن يعيها‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دفاعا عن حق‬ ‫جيدا معلنا مؤازرته لهؤلء األسود الذين خرجوا‬
‫سلب منهم‪.‬‬

‫‪ | 46‬مملكةجريتفول‬
‫كانت أمندا وباتريك نائمان ر يف قض الرتيس حن دخل أحد الحراس‬
‫يأمر أمندا باالستيقاظ ألن الرتيس يريد محادثتها ‪.‬‬
‫أخيت الرتيس‬
‫صمت باتريك وحاول أن يتحدث بضعف ألنها ر‬
‫باألمس أنه ضعيف الكالم ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ممماذا تتييد؟ دعععن ي أوقظها أااانا‪ ،‬اننتظر بالللخاارج‪.‬‬
‫ً‬
‫قال الحارس‪ :‬إذا فأرسع وإال دخلت مرة أخرى‪.‬‬
‫استيقظت‬ ‫سيدن هال‬ ‫ً‬
‫مناديا من خلف الستار‪:‬‬ ‫باتريك‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫لم تجبه فكرر األمر ثالثا‪ ،‬يبدو أنها أرهقت إىل حد النوم بعمق‪،‬‬
‫قرر أن يتعدى الستار ليوقظها إذا بها نائمة تخطف القلب برقة‬
‫الذهن المنسدل عىل الوسادة ‪.‬‬ ‫ري‬ ‫براءتها وشعرها‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫سيدن‪..‬‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫مناديا‪ :‬السيدة أمن‪...‬‬ ‫لم تستيقظ فقرر أن يهز كتفها‬
‫إذا بها تستيقظ بتفاجؤ‪ ،‬جذبت خنجرها بسالسة ثم وضعته عىل‬
‫عنقه ر يف حركة قتالية منها لم تستغرق منها سوى لحظات أو أقل‬
‫‪.‬‬
‫إلىه ما األمر؟!! أنا باتريك!‬
‫‪ -‬يا ي‬
‫ً‬
‫مذعورا وأنفاسه تتالحق من هول المفاجأة عليه فهدرت‬ ‫قالها‬
‫بحنق عاضة عىل نواجذها‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪47‬‬
‫نوم؟ قال وهو يزدرد‬
‫‪ -‬باتريك ما الذي جاء بك إىل منطقة ي‬
‫لعابه بصعوبة‪:‬‬
‫عنف حن أجيب؟‬ ‫أبعدت خنجرك عن ي‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬هال‬
‫ً‬
‫وه تضيق حدقتا عينيها حنقا‪ :‬ال‪ ،‬أجب وهو ر يف موضعه يك‬ ‫قالت ي‬
‫تتعلم أال تكرر األمر ‪.‬‬
‫‪ -‬إنه الرتيس يريدك‪ ،‬أرسل الجندي وأنا طلبت منه الخروج‬
‫ألوقظك‪ ،‬ناديتك من خلف الستار مر ًارا ولم تستفيف إال ر ر‬
‫حي‬ ‫ي‬
‫هززتك‪.‬‬
‫موليا وحل محله حرج بالغ ثم نظرت له باحثة‬‫حينها تبدد الحنق ً‬
‫عن الحروف المتناثرة بداخلها لم تجد جملة مفيدة تحفظ بها ماء‬
‫وجهها أمامه‪:‬‬
‫أنن غططت ر يف نوم عميق ‪.‬‬‫ر‬
‫‪ -‬يييبدووو‪ ..‬يبدو ي‬
‫ستطي‪.‬‬
‫ر‬ ‫رقبن اليوم‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ويبدو أن‬
‫مازحا ر يف محاولة منه لتخفيف وطأة حرجها‪.‬‬
‫قالها ً‬

‫وه تبعد خنجرها بدالل ورقة وتعتذر حينها وجد نفسه‬ ‫ضحكت ي‬
‫اا‬
‫ينظر إىل عينيها وجمال ضحكتها قائًل‪:‬سبحان من سواك‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا؟‬
‫سيدن‪ ..‬استعدي وإال اقتحم الجندي المكان وال أريد‬
‫ي‬ ‫‪ -‬معذرة‬
‫أن يراك أحد هكذا ‪.‬‬

‫‪ | 48‬مملكةجريتفول‬
‫وه ترفع أحد حاجبيها‪ :‬عىل أساس أنك لست‬ ‫قالت ي‬
‫سيدن ‪.‬‬ ‫دفعتن ر‬
‫الضورة‬ ‫ر‬ ‫بأحد؟ ‪ -‬إنما‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫نفش‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬إذا انتقل إىل الجزء اآلخر ألعد‬
‫قال بتوتر ظاهر ر يف حركته‪ :‬نعم هذا الذي يجب‪.‬‬

‫أمىل‬ ‫فاستدار ثم رجع ينظر إليها مرة أخرى كأنه يقول لها " ر‬
‫دعين ي‬
‫ي‬
‫عينيمن جمال رؤيتك"‬
‫ّ‬
‫بنية حادة‪ :‬باااتريك‪.‬‬
‫قالت ر‬
‫حي‬‫فأكمل طريقه إىل خلف الستار‪ ،‬ثم ابتسمت ه من رد فعله ر ر‬
‫ي‬
‫استدار وحيث شعرت بتجاذب بينهما‪ ،‬وظلت واقفة لحظات فر‬
‫ي‬
‫التفكي ‪.‬‬
‫ر‬ ‫مكانها مستغرقة ر يف‬
‫لحي‬ ‫أستظلي واقفة ر ً‬
‫كثيا ر ر‬ ‫رر‬ ‫مناديا من خلف الستار‪ :‬احم‪ ..‬احم‪..‬‬‫ً‬
‫‪ -‬ماذا!! ال‪ ..‬أنا‪...‬‬ ‫دخول الجنود والرتيس معهم هذه المرة؟‬
‫سأجهز ر يف الحال ‪.‬‬
‫جهزت حالها‪ ،‬وطلبت منه طرق الباب الستدعاء الجندي فجاء‬
‫الجندي ليأخذها‪.‬‬
‫التفتت نحوه وأشارت إليه‪ :‬هيا باتريك‪.‬‬
‫قال الجندي‪ :‬ال‪ ،‬الحاكم الرتيس يريدك وحدك من دونه ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪49‬‬
‫‪ -‬م اذا؟!‬
‫ونظرت لباتريك بقلق فتعمد أن يصطنع التوتر وكأنه ضعيف‬
‫الكالم والعقل ويحاول البكاء فقالت للحارس‪ :‬إن تركته وحده قد‬
‫هستيية‪ ،‬دعوه يخرج وليجلس ر يف الخارج‬
‫ر‬ ‫يظل يضخ بطريقة‬
‫ر‬
‫من ‪.‬‬
‫معكم بالقرب ي‬
‫اا‬
‫قليًل ووضعت القالدة بيده وقالت هامسة‪ :‬إياك أن‬ ‫واقيبت منه‬
‫تضيعها ‪.‬‬
‫التقطها منها بخفة ووضعها ر يف مالبسه وخرج معها ثم جلس‬
‫بالقرب من الجنود ‪.‬‬
‫كرش العرش ومن‬
‫ي‬ ‫ه إىل مكان الرتيس ر يف مجلسه عىل‬ ‫توجهت ي‬
‫ر‬ ‫رر‬
‫واقفي يف كل مكان ‪.‬‬ ‫حوله حرسه‬
‫مملكن وأنا لن أستسلم‬
‫ي‬ ‫قال لها‪ :‬علمت أن أباك أعد الجنود لغزو‬
‫ً‬
‫لألمر أبدا‪ ،‬وأعلم أن القالدة بحوزتك أخرجيها وإال أمرت بتفتيشك‬
‫‪.‬‬
‫بحوزن ‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ليست‬
‫ا‬
‫مغ أمندا‪ ،‬أخرجيها حاًل‪.‬‬
‫تتحاذف ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬إياك وأن‬
‫مغ‪ ،‬عجيب أمرك!‬ ‫ُ‬
‫أخيتك الرتيس أنها ليست ي‬‫‪ -‬ر‬
‫اقيب منها وهمس بحنق تتطاير من خالله ررسارات الحقد‪ :‬إن لم‬
‫بنفش ‪.‬‬
‫ي‬ ‫تخرجيها سأفتشك‬

‫‪ | 50‬مملكةجريتفول‬
‫ئ‬
‫ردان فقط سيحدث ما ال تحمد عقباه ‪.‬‬
‫‪ -‬إن مددت يدك بلمس ي‬
‫فاقيب منها بتحد‪ ،‬استعدت لسحب خنجرها من جرابه المربوط‬
‫عىل وسطها تحت الرداء دون أن ينتبه لوجوده أو يشعر أحد من‬
‫ر‬
‫الحاضين بتلك الحركة وما إن مد يده حن أمسكتها بقوة ولوتها‬
‫إىل خلف ظهره ووضعت خنجرها عىل رقبته‪ ،‬همست إىل جوار‬
‫أذنه باستياء‪ :‬أنت ال تعلم مع من تخوض الجولة اآلن الرتيس ُمر‬
‫جنودك بالياجع ر يف الحال‪.‬‬
‫ً‬
‫شخصا بهذا الخنجر‪ ،‬حجم الرقة‬ ‫تذبج‬ ‫أنت أضعف من أن‬
‫ي‬ ‫‪ِ -‬‬
‫تربيت عليها يمنعونك من ذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الن‬
‫والرأفة والرحمة ي‬
‫بداخىل اآلن‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬أقسم لك أنك ال تعلم حجم الغضب‬
‫اا‬
‫قليًل برقبته فشعر بألمه ثم زادت ر يف غرزه‬ ‫ثم غرزت نصل الخنجر‬
‫فسال منه خيط رفيع من الدماء ‪.‬‬
‫ونياته لحراسه‪ :‬تراجعوا للخلف‪.‬‬
‫قال بذعر يمأل وجهه ر‬
‫ه بأعىل صوتها‪ :‬باتريك تحرك ‪.‬‬ ‫ثم نادت ي‬
‫بضب ُ‬
‫الحراس الذين كانوا بجواره وطرحهم‬ ‫فهم من صوتها فقام ر‬
‫ً ً‬
‫جميعا أرضا وتغلب عليهم ثم وجدها تخرج من قاعة االجتماعات‬
‫ممسكة بالرتيس موجهة الخنجر إىل رقبته‪ ،‬لم تتحدث إىل باتريك‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪51‬‬
‫ولكنه فهم األمر‪ ،‬ساعد عىل إخالء الطريق لها‪ ،‬هم الرتيس‬
‫رر‬ ‫اا‬
‫أنت وهذا األبله‪.‬‬
‫تعلمي حجم ما تفعلينه ِ‬ ‫بتهديدهم قائًل‪ :‬ال‬
‫نظر إليه باتريك وقد ارتسمت ابتسامة هادئة عىل وجهه ثم‬
‫أكي من ذلك وإال وجدث عنقك‬ ‫تحدث‪ :‬أنصحك أال تستفزها ر‬
‫ا‬
‫مفصوًل عن جسدك أرسع من أن يرتد إليك طرفك‪ ،‬أو أال تعلم يا‬
‫عزيزي كيف تكون حال المرأة عندما يغضبها أحمق مثلك ‪.‬‬
‫ه األخرى وقالت‪ :‬اسمع‬
‫ثم أومأ لها بطرف عينه‪ ،‬فابتسمت ي‬
‫منه نصيحته إنه محق ‪.‬‬
‫لم يكونا عىل دراية بما يحدث بالخارج‪ ،‬لقد وصل أبوها بجنده‬
‫ودار العراك مع جنود الرتيس وعندما دنت من الباب وجدت أباها‬
‫ر‬
‫يف المقدمة‪ ،‬سلمت له الرتيس فقال لها‪ :‬ر ي‬
‫اذهن مع باتريك اآلن‬
‫استخدم القالدة ‪.‬‬ ‫وأخييه بأمره ر ر‬
‫وحي يشتد األمر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫أن؟‬
‫‪ -‬كيف أستخدمها ر ي‬
‫للشح‪.‬‬‫يعط فرصة ألبيها ر‬‫ولكن شدة العراك والهجوم والدفاع لم ِ‬
‫بنين ‪.‬‬
‫حاوىل ي‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫مشعا وسط الصفوف وكان يحاول‬ ‫أخذ باتريك يدها وجرى بها‬
‫حمايتها بكافة الطرق إىل أن مروا من هذه المرحلة‪ ،‬لفت نظرها‬
‫ً‬
‫مهاب الساقط وسط المتبارزين غارقا ر يف دمه‪ ،‬حاولت أن تنسلخ‬

‫‪ | 52‬مملكةجريتفول‬
‫بي الجنود تجاهه لكنها وجدت يد باتريك جاذبة لها بقوة‪،‬‬‫من ر ر‬
‫دعن أساعد مهاب‪.‬‬ ‫ظلت تصيح له بأعىل صوتها‪ :‬أرجوك باتريك ر‬
‫ي‬
‫عيا بوابة القض وخرجا إىل الفضاء أمامه‪ ،‬التفت إليها‬
‫كانا قد ر‬
‫رر‬
‫تفعلي؟ ال الوقت وال المكان مناسب لهذا‪،‬‬ ‫بضامة وقال‪ :‬ماذا‬
‫ليس أمامك فرصة لمساعدته‪.‬‬
‫توسلت إليه وجثت عىل ركبتيها وقد اغرورقت عيناها بالدموع‬
‫وبحت رنية صوتها مختنقة بدموعه ا الساخنة‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أرجوك باتريك فدوى ليس لها مخلوق ر‬
‫غيه وأعلم مكانته‬
‫ر يف قلبها‪ ،‬وقد احيم وحدتها واحتياجها له ولم يستغلها أو يتالعب‬
‫اليد أن يستأذن الملك ر يف السماح‬ ‫ر‬
‫ووعدن بعد انتهاء موسم ر‬
‫ي‬ ‫بها‪،‬‬
‫له بخطبتها‪ ،‬ر ر‬
‫وحي وقفت أنا له متوعدة إياه إن أصابها خذالن منه‬

‫من‬‫ر‬ ‫"‬
‫ه ي‬‫سوف أنتقم منه وأعاقبه‪ ،‬قال والصدق يمأل عينيه ي‬
‫أبدا"‬
‫ً‬
‫كروج وال أحد يخذل روحه‬
‫ي‬
‫ر‬
‫لن أتحمل أن أكون أنا السبب يف خذالنها‪.‬‬
‫رق قلب باتريك لكلماتها وتدافعت المشاعر داخله ر ر‬
‫حي شعر‬
‫بحجم تقديسها واحيامها للحب ومع ظهور القوة والثبات منها‪،‬‬
‫الن تمكث أمامه‬ ‫ر‬ ‫شعر بأن قلبها ر‬
‫يخف بداخله أنن تختلف عن ي‬‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪53‬‬
‫رر‬
‫والقواني‬ ‫بمشاعر وأحاسيس ناعمة وراقية لكنها تحيم الحدود‬
‫السارية عليها وعىل الجميع‪.‬‬
‫نظر حوله وهو يحاول أن يبحث عن حيلة أو طريقة إلنقاذ مهاب‬
‫والحفاظ عىل أمندا دون أن يرجعها إىل هناك مرة أخرى‪ ،‬وجد‬
‫بحية قريبة منخفضة عن مستوى األرض بعدة أمتار وجوانبها‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫محاطة باألحجار والصخور الضخمة ‪ ،‬طلب منها أن ر‬
‫تيل لتنتظره‬
‫البحية وسيذهب هو ليتفقد مهاب‪.‬‬
‫ر‬ ‫بجانب هذه‬
‫عاد إىل الداخل وجده يتنفس بصعوبة والدم يسيل منه باندفاع‪،‬‬
‫حمله عىل كتفه وطلب من جندي تابع لهم حماية ظهره ر ر‬
‫لحي‬
‫ر‬
‫وف هذه األثناء مر جنديان تابعان‬
‫استطاعته الهروب من بينهم به‪ ،‬ي‬
‫البحية‪،‬‬
‫ر‬ ‫لمملكة دارك يتفقدان المنطقة حول القض بجوار‬
‫شعرت أمندا بوجودهما فانزوت خلف صخرة بالقرب منها‪ ،‬ثم‬
‫تفرق الجنديان‪ ،‬ذهب أحدهما يتفقد االتجاه اآلخر وأخذ ر‬
‫الثان‬
‫ي‬
‫يقيب من مكان اختبائها‪ ،‬ضغطت بيدها عىل خنجرها مستعدة‬
‫النياعه ببطء يك ال ينتبه إليها ومن ثم جذبته بخفة ثم أطلقته‬ ‫ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أرضا مفارقا للحياة‪.‬‬ ‫دفعة واحدة فارتكز ر يف صدره وأوقعه‬
‫البحية ذات‬
‫ر‬ ‫توجه باتريك إىل مكان مكوث أمندا باألسفل قرب‬
‫ً‬
‫الماء العكر الذي ال يبدو منه إال الفساد والتلوث‪ ،‬وضع مهاب أرضا‬
‫اا‬ ‫ً‬
‫مساعدا إياها عىل الصعود من هناك قائًل‪ :‬هيا‪.‬‬ ‫ومد يده لها‬

‫‪ | 54‬مملكةجريتفول‬
‫أرسعت نحو ذلك الجندي المقتول واستلت خنجرها من صدره‬
‫مزيلة أثر دمه العالق به ر يف ثيابه‪ ،‬ثم اتجهت نحو يد باتريك‪ ،‬بعد‬
‫ذلك خرجوا لبعيد ر يف الغابة‪ ،‬كان يحاول باتريك أن ينادي عىل تنينه‬
‫ً‬
‫ملو ولكنه يبدو بعيدا لم يسمعه‪ ،‬وبعد قيامهم بعمل بعض‬
‫اإلسعافات األولية لمهاب وسد الجرح العميق الموجود بجانب‬
‫بطنه‪ ،‬غط مهاب ر يف النوم من شدة تعبه وكأنه دخل ر يف حالة من‬
‫البحية النقية خارج مملكة‬
‫ر‬ ‫الوع‪ ،‬جلست أمندا عىل‬
‫ي‬ ‫الغياب عن‬
‫ر‬ ‫رر‬ ‫دارك رف الغابة الفاصلة ر ر‬
‫المملكتي تأخذ بعض الماء يف قارورة‬ ‫بي‬ ‫ي‬
‫اا‬
‫معها‪ ،‬جاء باتريك وجلس بالقرب منها قليًل ‪.‬‬
‫ً‬
‫قال وهو ينظر إىل األفق أمامه عاقدا ذراعيه أمام صدره‪ :‬أذن‬
‫فضوىل؟‬
‫ي‬ ‫أرحت‬
‫ِ‬ ‫لك بإخباري باألمر هال‬
‫الحاكم ِ‬
‫نظرت إليه نظرة رجاء أن ييك الوضع عىل حاله وال يعلم حقيقته‬
‫فىه تشعر أن الحقيقة ستباعد المسافات بينهما ر ً‬
‫كثيا‪ ،‬أمسك‬ ‫ي‬
‫بقناعه ا ورفعه عن وجهها وقال بنظرات توسل‪ :‬أريد أن أعلم حجم‬
‫المخاطر ‪.‬‬
‫أجابته‪ :‬ال تخف ‪.‬‬
‫أبوك ر يف ميدان حرب ال‬ ‫ر‬
‫أنت يف أشد خطر واآلن ِ‬ ‫‪ -‬أخاف عليك‪ِ ،‬‬
‫بحمايتك‪.‬‬ ‫ر‬
‫وأمرن‬ ‫نعلم كيف سيستقر األمر‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫أن‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -‬أعفيك من أمر ر ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪55‬‬
‫قلن ‪.‬‬ ‫ر‬
‫يعفين اآلن من أمر ر ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ومن‬
‫‪ -‬وماذا يكون أمر قلبك هذا؟‬
‫سيدن‪.‬‬ ‫لكم‬ ‫أعن ئ‬
‫والن‬ ‫قال متدا ًركا للموقف‪ :‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ابتسمت ضامة شفتيها مستوعبة لتلك المحاولة منه‪ ،‬نظر إىل‬
‫ابتسامتها ر ً‬
‫معيا عن سعادته بها وشعر بقبولها لكالمه ‪.‬‬
‫سأخيك أمرك يا بالل‪.‬‬
‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫دهش من االسم وقال مشدوها‪ :‬من يكون‬
‫بالل؟ ‪ -‬أنت بالل‪ ،‬وللعلم أنت لست ُم ً‬
‫نتسبا‬
‫لمملكتنا‪.‬‬
‫ر‬
‫أن من مملكة دارك ‪.‬‬
‫تقوىل ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬إياك أن‬
‫أم ‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ال أيضا‪ ،‬أنت من أرض ي‬
‫‪ -‬ثانية عدنا لأللغاز‪.‬‬
‫ر‬
‫حدين‪ ،‬أنت‬ ‫‪ -‬اهدأ واسمع آلخر الحوار‪ ،‬وإال سكت ولن أكمل‬
‫ي‬
‫من أرض الناس‪ ،‬أرض بعيدة عن أرضنا آالف المسافات‬
‫عي ثغرات‬ ‫منعزلة ً‬
‫تماما عنا‪ ،‬ال نستطيع الوصول إليها إال ر‬
‫حض‬ ‫دقيقة‪ ،‬أم جاءت إىل هنا نتيجة اختيار جدي بأن ُي ر‬
‫ي‬
‫الصالحي من أرض الناس لينقذهم من الفساد هناك وألنه كان‬ ‫رر‬
‫تطهي أرض الناس من الفساد ويفعل هناك مثل ما فعله‬ ‫ر‬ ‫ينوي‬
‫ويوىل حكمهم لألنسب ويعزل‬
‫ي‬ ‫هنا أال وهو تقسيمها إىل جزأين‬

‫‪ | 56‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫رر‬
‫أم أن تجد أرضا‬
‫تمن ي‬
‫المصلحي‪ ،‬وأيضا نتيجة ي‬ ‫المفسدين عن‬
‫عادلة تعيش فيها‪.‬‬
‫اا‬
‫قليًل تنظر إىل القالدة بتمعن‪ ،‬الحظت أن داخل‬ ‫أطرقت برأسها‬
‫جوهرتها بعض الكلمات المكتوبة بلغة مملكتها‪ ،‬حاولت أن‬
‫تستوعبها وتجمعها ي‬
‫وه مندهشة مما رأته بها وبالفعل فهمت ما‬
‫تخي باتريك بما تقرؤه بداخلها‪ :‬ر‬
‫الشء الوحيد الذي‬ ‫به وأخذت ر‬
‫ي‬
‫باستطاعته إحضار الناس هنا هو قالدة أم‪ ،‬عندما ر‬
‫أحضها جدي‬ ‫ي‬
‫ألغ فكرة جذب الناس ألنهم ال يستطيعون التعرف عىل‬‫إىل هنا ر‬
‫ً‬
‫وكشا‬ ‫ماضيهم وما كانوا عليه وشعر أن األمر يسبب قطيعة‬
‫للقلوب فكش الخاتم الذي كان يستخدمه رف فتح الثغرات ر ر‬
‫وحي‬ ‫ي‬
‫أم‪.‬‬ ‫ً‬
‫كش خرج منه أشعة انجذبت تلقائيا إىل قالدة ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أتيت إىل هنا؟!‬ ‫قال‪ :‬إذا من أنا؟ وكيف‬
‫أم يستعيد الذكريات‬ ‫قالت‪ :‬ما حكاه يىل ر ي‬
‫أن أنه كان يمسك بقالدة ي‬
‫ثم وقعت من يده ففتحت وحدث ضوء شديد رأى من خالله شابا‬
‫الصغي ويوقر‬
‫ر‬ ‫يمش في طريق ما يساعد المحتاج‪ ،‬ويعطف عىل‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫الخيات ويؤدي الصلوات والعبادات‪ ،‬جذبته القالدة‬‫الكبي ويفعل ر‬ ‫ر‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫ونش كل ي‬‫ي‬ ‫عي باب فتح أثناء العاصفة وجاء إىل أرضنا‬
‫تلقائيا ر‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا أنا هو هذا الشاب‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪57‬‬
‫اا‬
‫أهىل وماذا كنت أعمل؟‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫‪:‬‬‫ًل‬ ‫ثم أردف متسائ‬
‫مغ بطاقة بها اسمك وعنوانك ومفكرة مكتوب‬ ‫قالت‪ :‬ال تقلق‪ ،‬ي‬
‫ر‬
‫ترين‬
‫أم كانت ي‬ ‫فيها أسماء أشخاص وأرقام‪ ،‬أفهم ذلك وأعرفه ألن ي‬
‫بعض الحروف واألرقام بلغة أرضكم أكاد أذكره ا بصعوبة‪،‬‬
‫ورسب ر ر‬
‫التني له هو‬ ‫بالمناسبة سبب تذكرك هو ررسب الماء األزرق ر‬
‫صورة عكسية لذاكرتك القديمة لذا كنت أنهاك عن ررسبه ‪.‬‬
‫اا‬
‫قليًل ر يف الكالم‪ :‬أتريد العودة‬ ‫سكت بالل ولم يرد عليها وظل يفكر‬
‫إىل هناك؟‬
‫نظر لها ر‬
‫بشود وقال‪ :‬ال أعرف ماذا أريد اآلن ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا سأرحل أن ا وأترك لك القرار‪ ،‬معك القالدة ولك حرية‬
‫التضف‪.‬‬
‫اا‬
‫وما إن مشت قليًل في الغابة وظل هو جالس‪ ،‬نظر إىل مهاب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مناديا بها تنينه‬ ‫شء‪ ،‬أصدر أصواتا‬ ‫الملف بجواره ال يشعر بأي ي‬
‫ً‬
‫أكي من مرة إىل أن ظهر ملو محلقا ر يف‬ ‫ملو‪ ،‬عاود إصدار األصوات ر‬
‫السماء ثم هبط أمامه ‪.‬‬
‫انتبه عىل أصوات خيول وضخة من أمندا‪ ،‬رفع مهاب عىل ظهر‬
‫التني وأمره أن يحلق به ر يف اتجاه القض‪.‬‬
‫رر‬
‫ً‬
‫مشعا نحو اتجاه األصوات إذا بهم بعض جنود الرتيس‬ ‫جرى‬
‫ً‬
‫جواسيسا بأرض جريتفول أمسكوا بها‪ ،‬حاول‬ ‫الذين كانوا يعملون‬

‫‪ | 58‬مملكةجريتفول‬
‫باتريك تخليصها منهم وأخذ بيدها وسحبها م ً‬
‫شعا يجري‪ ،‬ولكنهم‬
‫وه يحمون ظهور بعضهم ووجوههم‬ ‫لحقوا بهما ووقف هو ي‬
‫للجنود وبعد محاوالت لمجاهدتهم لكنهم تغلبوا عليهما‪.‬‬

‫وربطوا أيديهما رف األشجار وقالوا "ننتظر هنا ر ر‬


‫لحي انتهاء المعركة‬ ‫ي‬
‫رف المملكة ثم نأخذهم ونعود بهم قرب غياب الشمس"‬
‫ي‬
‫كان ملو قد وصل إىل ساحة القض بمهاب‪ ،‬استلمه الحراس منه‬
‫حي رأته وجرت نحوه‬ ‫وأدخلوه إىل القض‪ ،‬صدمت فدوى ر ر‬
‫صارخة‪:‬‬
‫مهاب‪ ،‬ما الذي حدث؟‬
‫ً‬
‫وضعت يدها عىل رقبته تتحسس نبضه‪ ،‬شعرت به ضعيفا تحت‬
‫أصابعها فطلبت منهم إحضار طبيب القض ر يف الحال فجاء‬
‫ً‬
‫يتطهي الجرح وأعطاه األدوية الالزمة لتفادي أي‬
‫ر‬ ‫مشعا‪ ،‬وقام‬
‫ملوثات ولتساعد عىل التئام الجرح ‪.‬‬
‫أما ر يف الغابة فقد قام الجنود بإشعال بعض النار‪ ،‬وأشارت أمندا‬
‫إىل باتريك بأن يحاول إخراج الخنجر بيده حيث أن أيديهما‬
‫فيع الخنجر‬‫مربوطة إىل ظهري هما بعكس بعضهما رف جذع شجرة ر ر‬
‫ي‬
‫ثم حاول ببطء قطع الحبل المربوط به يدها وما إن انقطع‬
‫ه الخنجر وقطعت الحبل المربوط به يده‪ ،‬وانتظرا‬ ‫استلمت ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪59‬‬
‫رر‬
‫مشعي حن‬ ‫قلي اًل ر ر‬
‫لحي غط الجنود ر يف النوم وأخذها وجري ا‬ ‫ا‬
‫صفي‬
‫ر‬ ‫اقيبوا من مملكة جريتفول وبدا لهم القض‪ ،‬أصدر صوت‬
‫ً‬ ‫لجذب تنينه سمعه ر ر‬
‫مشعا صعد وصعدت معه‬ ‫التني وجاء إليه‬
‫أمندا وقال له‪ :‬توجه إىل القض ملو ‪.‬‬
‫فرح السكان بعودة أمندا مع باتريك‪ ،‬لكنهم كانوا ر ر‬
‫قلقي عىل الحاكم‬
‫بشدة حيث أن األخبار انقطعت عنهم و هم ر يف قض الرتيس‪.‬‬
‫توجهت إىل القض تسأل عن مهاب ووجدته قد عاد إىل وعيه مرة‬
‫ً‬
‫شاكرا إياه عىل إنقاذه فقال ومالمحه خالية‬ ‫أخرى‪ ،‬نظر إىل بالل‬
‫أخيته‬
‫كيه مشتت حول قصته تلك الذي ر‬ ‫تعابي إال أن تر ر ر‬
‫ر‬ ‫من أي‬
‫ر‬
‫ه من تستحق الشكر يف الحقيقة توسلت‬ ‫إياها‪ :‬بل السيدة أمندا ي‬
‫إىل أن أدعها تنقذك فقمت بإنقاذك نيابة عنها ‪.‬‬ ‫ي‬
‫اقيبت فدوى منها واحتضنتها وقالت‪ :‬لوكان لدي أخت لما كانت‬
‫سيدن‪.‬‬
‫ي‬ ‫بمكانتكم‬
‫أمرت أمندا ببقاء مهاب بالقض ونقله إىل غرفة من غرف جناح‬
‫الضيافة ودخلت إىل قاعة عرش والدها وباتريك يلحق بها‪ ،‬التفتت‬
‫إليه وبعزة نفس تعاظمت ر يف أسلوب كالمها وقالت له‪ :‬لك حرية‬
‫القرار اآلن ‪.‬‬

‫‪ | 60‬مملكةجريتفول‬
‫ر‬
‫تحدثينن عن أمور تكاد‬ ‫شء‪ ،‬أنت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫التفكي اآلن بأي ي‬
‫ر‬ ‫يمكنن‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ال‬
‫تكون غيبية بالنسبة يىل‪ ،‬كيف لي أن أفكر ر يف قوم ال أعلم عنهم‬
‫شء ‪.‬‬ ‫ر‬
‫أي ي‬
‫‪ -‬ال تقلق ستعود ذاكرتك بمجرد عودتك لهم‪.‬‬
‫ً‬
‫قسطا من الراحة ر ر‬
‫لحي جمع‬ ‫أخذت‬
‫ِ‬ ‫صمت رليهة ثم تحدث‪ :‬هال‬
‫باف الجنود بالمملكة‪ ،‬سأقودهم أنا للذهاب إىل مملكة دارك لتفقد‬
‫ي‬
‫غي ذلك وهذا ما‬ ‫ً‬
‫أحوال الحاكم إن كان نضا نعاونه عليه وإن كان ر‬
‫ً‬
‫سالما‪.‬‬ ‫ال أرجوه سأبذل قصارى جهدي إلعادته‬
‫سآن معك إىل هناك ‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫رر‬
‫تجلسي‬ ‫يشي إىل المملكة من حوله‪ِ :‬‬
‫أنت‬ ‫أجابها بالل بقوة وهو ر‬
‫عي‬
‫تنش أن األعداء يتسللون إلينا ر‬ ‫رر‬
‫وتتولي شؤونها وال‬ ‫بمملكتك‬
‫ي‬
‫نسيت كالمهم ر ر‬
‫حي أرسونا هناك؟‬ ‫ِ‬ ‫الغابة‪ ،‬هل‬
‫الجند حفظ الحدود وأطلب‬ ‫قالت بانفعال وإضار‪ :‬سأوىل كبي ُ‬
‫ي ر‬
‫من الوزير إدارة المملكة‪.‬‬
‫كثي عنادك كقوتك‪..‬‬
‫‪ -‬ر‬
‫تذهن إىل‬
‫ري‬ ‫وعلت رنية صوته‪ ،‬هدر وهو يقبض كفه‪ :‬قلت لن‬
‫أفهمت؟!‬
‫ِ‬ ‫دارك‪،‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪61‬‬
‫كي‪ :‬قلت‪ ..‬لك‪ ..‬ال‬‫قالت له وقد عبس وجهها وتعالته رنية ر‬
‫تحدثن بهذه الطريقة ًأيا كان فأنت ر يف مملكتنا وتحت إمارتنا‪.‬‬
‫ي‬
‫ر‬

‫‪ -‬لماذا تتعمدين أن يكون األمر بيننا تحد ومسافات؟‬


‫تسي األمور ر يف هذا الوقت وليس لك أن‬
‫‪ -‬هكذا يجب أن ر‬
‫شء ‪.‬‬‫ر‬ ‫ر‬
‫ترغمن عىل ي‬
‫ي‬
‫سيى ما سيحدث ‪.‬‬ ‫بنظرة عناد رمقها ثم أردف‪ :‬ر‬

‫كان الحديث بينهما تعلوه رنيات انفعال‪ ،‬هو ينفعل لقلقه عليها‬
‫ر‬
‫تحض أبيها إىل‬ ‫وه تنفعل ألنها تريد أن‬‫وألنه يريد حمايتها ي‬
‫ئر‬
‫وتطمي عليه‪.‬‬ ‫المملكة‬
‫كانا يقفان أثناء هذا الحديث ويتحركان ر يف المكان كلما عال‬
‫صوتهما كلما زادت حركاتهما وحركات إشاراتهما ‪.‬‬
‫قالت بصوت يصدح ر يف المكان ترتج له الجدران‪ :‬باتريك إياك أن‬
‫بأفعاىل وال تعتقد أن كونك‬ ‫أن سأسمح لك أن تتحكم‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫تظن ي‬
‫عرفت الحقيقة فقد أمسكت بزمام أموري ‪.‬‬
‫عليك وعىل‬
‫ِ‬ ‫ئ‬
‫الخاط! أريد الحفاظ‬ ‫‪ -‬لما تضين عىل موقفك‬
‫رر‬ ‫َ‬
‫تظني الظنون‪.‬‬ ‫مملكتك وأن ِت‬
‫طريف‬
‫ي‬ ‫سحبت سيفها ووجهته تجاهه وقالت‪ً :‬أيا كان من سيعوق‬
‫لن أسمح له بذلك‪.‬‬

‫‪ | 62‬مملكةجريتفول‬
‫كان دوالب األسلحة خلفه يفصله عنه طاولة ر يف وسط الطريق‪،‬‬
‫ً‬
‫بخفة قفز فوق الطاولة ومنها إىل الدوالب ثم سحب سيفا منه‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫وشهره‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا تريدين المبارزة لكن سأضع ررس ًطا قبلها‪.‬‬
‫‪ -‬من تظن نفسك اآلن لتضع ر‬
‫الشوط ها هنا؟ أجابها‪ :‬أنا بالل‪.‬‬
‫أنن لست من‬ ‫ر‬
‫ورفع حاجبيه بنظرة ساخرة يقصد من ورائها ي‬
‫مماليكك هنا ‪.‬‬
‫ً‬
‫قالت بعد أن زفرت غيظا‪ :‬قل‪ ..‬أنا أسمع ولكن إن لم يتناسب‬
‫مغ لن أوافق عليه‪.‬‬ ‫ي‬
‫كل هذا الحوار وهما يتحركان باستدارة حول بعضهما والسيوف‬
‫مشهورة بأيديهما ‪.‬‬
‫رر‬
‫ستبقي هنا ‪.‬‬ ‫‪ -‬إن أنا فزت‬
‫قالت ضاحكة بسخرية‪ :‬لن يحدث‪ ،‬المبارزة وفنون القتال ر يف‬
‫دم منذ الصغر‪ ،‬أنت لم تعلم عنهما إال شهرك الذي قضيته هنا ‪.‬‬
‫ي‬
‫سيدن‬
‫ي‬ ‫قال‪ :‬وبضعة أيام‬
‫ً‬
‫تواضعا لها وكأنه يكمن لها الكمائن‪.‬‬ ‫وهز رأسه بانحناء‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا أوافقك‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪63‬‬
‫دارت المبارزة بينهما وصار صوت السيوف يقرع المكان فيسحب‬
‫كلمنهما سيفه عىل سيف اآلخر فيصدر صوت صكيك المعدن ر يف‬
‫يعي عن قوة المبارزة‪ ،‬ظال بنفس المستوى مدة‬ ‫رر‬
‫السيفي والذي ر‬
‫من الوقت إىل أن حاولت شغله بالسؤال عن أمر ما‪ ،‬وبدالل قالت‪:‬‬
‫أتظن أن لديك حبيبة ر يف أرضك؟‬
‫ه ال ‪.‬‬
‫‪ -‬متأكد من أن اإلجابة ي‬
‫‪ -‬ولما الثقة ر يف إجابتك؟!‬
‫اقيب منها بشدة وهو يضغط عىل سيفها يحاول أن يستنفذ قواها‬
‫وقال‪:‬‬
‫أن أحب؟!‬ ‫‪ -‬أترين رف ر ّ ر‬
‫عين ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وف هذه اللحظة مدت يدها فر‬ ‫وهو يتأمل محياها األخاذ لقلبه ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫جيبه بخفة وأخذت القالدة ثم دفعته بقوة للخلف قائلة‪ :‬نعم‬
‫أرى ذلك ورفعت القالدة أمامه‪.‬‬
‫ً‬
‫مغتاظا‪ ،‬ر‬ ‫انضف تر ر ر‬
‫فضبت سيفه‬ ‫كيه إىل القالدة وهو ينظر إليها‬
‫ً‬
‫مصدرا صوته‬ ‫رضبة أطاحت به إىل األعىل ثم استقر عىل األرض‬
‫المعدن بقوة وما إن التفت ينظر إليه مكان وقوعه إال وأشهرت‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫سيفها ر يف اتجاه عنقه ‪.‬‬
‫ينتىه األمر؟‬ ‫رر‬
‫أتظني بهذه الشعة‬ ‫قال‪:‬‬
‫ي‬

‫‪ | 64‬مملكةجريتفول‬
‫مغ أقل من ذلك‬
‫‪ -‬محارب حديث العهد بالقتال مثلك يأخذ ي‬
‫ولكن تساهلت معك ر ً‬
‫كثيا‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫سيدتين‪.‬‬
‫ري‬ ‫متهكما‪ :‬يا لك من كريمة حن ر يف المبارزة شكرا لك‬
‫ً‬ ‫قال‬
‫ا‬
‫‪ ..‬وبنظرة مكر نحو القالدة أردف قائًل‪ :‬ذات اليد الناعمة‪ ،‬لقد‬
‫من بخفة ‪.‬‬ ‫ر‬
‫رسقت ُِالقالدة ي‬
‫قالت‪ :‬لم أرسقها إنما اسيجعتها قاصدة ‪.‬‬
‫وجد أنها انشغلت بالحوار وخف ضغط السيف عىل عنقه فقلب‬
‫ً‬
‫مندفعا‬ ‫جسده بشعة نحو السيف والتقطه أثناء انقالبه وحمله‬
‫تجاهها بقوة‪.‬‬
‫ه إىل هجمته فصدتها بسيفها ودارت المبارزة من جديد‬
‫انتبهت ي‬
‫اا‬
‫فقالت بانزعاج‪ :‬ماذا تظن نفسك فاعًل؟ قال بسخرية ممزوجة‬
‫ببعض الثبات‪ :‬أكمل اتفاقنا ‪.‬‬
‫قالت‪ :‬لقد انهزمت ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم تجاوزت الهزيمة وعدت من جديد ألنتض ‪.‬‬
‫اا‬
‫استمروا لبعض الوقت إىل أن رجعت بظهرها للخلف قليًل‬
‫فاصطدمت بأريكة موضوعة خلفها فوقعت جالسة عليها‪ ،‬تشتت‬
‫ً‬ ‫ذهنها حينها ر‬
‫فضب باتريك سيفها بقوة سيفه فهوى ساقطا من‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪65‬‬
‫يدها ووجه السيف تجاه صدرها ر ً‬
‫افعا رأسه باستعالء وهو يقول‪:‬‬
‫هكذا نتم االتفاق ‪.‬‬
‫نظرت إليه مغتاظة وتنهدت بشدة كاتمة غيظها وهمت بالكالم‬
‫أمام إىل‬ ‫ً‬
‫مقاطعا عليها أي حديث‪ :‬الالال‪ ...‬انتىه األمر‪،‬‬ ‫فقال‬
‫ي‬
‫األعىل اآلن‪.‬‬
‫ه إىل أعىل‬ ‫ً‬
‫يشي بيده للسلم وموجها سيفه إليها‪ ،‬صعدت ي‬ ‫وهو ر‬
‫ً‬ ‫السلم وهو شاهر السيف تجاهها ثم قال لها‪ً :‬‬
‫نوما هنيئا‪ ،‬أعدك‬
‫رر‬
‫ستصبحي وبجوارك حضن أبيك‪.‬‬
‫ر‬
‫تخذلن‪.‬‬ ‫‪ -‬إياك أن‬
‫ي‬
‫‪ -‬لن يحدث ‪.‬‬
‫رر‬
‫واثني‬ ‫دخلت غرفتها وأغلق هو الباب بالمفتاح ونادى الوصيفة‬
‫ً‬
‫طعاما‬ ‫أحضي لها‬ ‫من الحراس وأعط المفتاح للوصيفة وقال‪ :‬ر‬
‫ا‬
‫وماء‪.‬‬
‫رر‬
‫الحارسي بعدم التحرك وأال يسمحا لها بالخروج إال عند‬ ‫وأمر‬
‫رر‬
‫الحرفيي‬ ‫رجوعه أو رجوع أبيها ثم جمع باتريك فريقا من أصدقائه‬
‫عشة أشخاص وطلب من الوزير‬ ‫يعلم عنهم القوة والدهاء كانوا ر‬
‫وكبي الحرس االهتمام بشؤون المملكة وحراسة حدودها‪.‬‬
‫ر‬

‫‪ | 66‬مملكةجريتفول‬
‫أخذوا مجموعة من األسلحة معهم وتوجهوا بالليل خلسة إىل‬
‫الن‬
‫مملكة دارك‪ ،‬استطاعوا أن يهجموا عىل مجموعة الجنود ي‬
‫كانت ر يف الغابة وأخذوا مالبسهم وأسلحتهم ودروعهم وعربتهم‪.‬‬
‫الخارج ومع وجود الحرس المشدد تمكنوا من‬
‫ر ي‬ ‫توج هوا إىل الباب‬
‫الدخول ولم يتعرف عليهم أحد أو يشك فيهم ‪.‬‬
‫كانت المعركة قد هدأت للتو وأرسوا الحاكم ومجموعة من جنوده‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫الكثي‬
‫ر‬ ‫بينما قتل‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫كبية‬
‫وكانوا قد وضعوا الحاكم يف قفص حديدي معلقا بحبال متينة ر‬
‫البحية العميقة‬
‫ر‬ ‫الحجم مربوطة بفروع أشجار ضخمة أعىل‬
‫واألفاع ر يف الساحة الخلفية‬
‫ي‬ ‫الكثي من التماسيح‬
‫ر‬ ‫والموجود بها‬
‫للقض ‪.‬‬
‫تسلل باتريك وفريقه إىل داخل القض وبدؤوا يقتلون بشية وهدوء‬
‫ر يف جنود الرتيس إىل أن وصلوا إىل سجن المأسورين من جنود‬
‫الملك ففتحوا لهم وطلبوا منهم الهدوء وانتظار األوامر بالخروج ‪.‬‬
‫وطلب من ثالثة من أصدقائه أن يذهبوا الستدعاء حرس البوابة‬
‫ً‬
‫جميعا بال استثناء لمقابلة الرتيس عند سجن المأسورين‬ ‫الخارجية‬
‫وما إن جاؤوا إال وحدثت عملية استبدال األماكن‪ ،‬أمر جنود‬
‫الحاكم بالخروج من زنازينهم بالسجن قبل وصول اآلخرين ودفعوا‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪67‬‬
‫جنود الرتيس داخل الزنازين وأغلقوا عليهم وبدؤوا باالنتشار‬
‫بالقض ‪.‬‬
‫لم يهدأ ألمندا بال ولم تستقر عىل حال‪ ،‬فات وقت ليس بالقليل‬
‫ولم تصلها أخبار عن والدها وال عن باتريك‪ ،‬تدور ر يف غرفتها ثم‬
‫يقع نظرها عىل قوسها والسهام ر يف الجعبة بجانبه‪ ،‬دقيقة من‬
‫التفكي أتبعتها أخرى ودون أي تردد التقطت القوس والسهام‬
‫ر‬
‫والن‬
‫ي‬ ‫وفتحت نافذتها وصفقت لراي بتصفيقات منتظمة النغم‬
‫حضت عىل أثرها راي ر يف الحال‪ ،‬اعتلت ظهرها ومن ثم وجهتها‬ ‫ر‬
‫نحو مملكة دارك‪.‬‬
‫وأثناء تحرك باتريك ومن معه ر يف القض تعرف أحد جنود الرتيس‬
‫عىل باتريك حيث أنه الجندي الذي كان يحرسه هو وأمندا من قبل‬
‫فجمع زمالئه من الجند وأمسكوا به وأخذوه إىل الرتيس ‪.‬‬
‫قال له باستهزاء‪ :‬ليس بعجيب أن أجدك هنا أيها المريض ضعيف‬
‫الكالم باتريك‪ ،‬منذ أن نظرت ر يف عينيك للوهلة األوىل وعلمت أنك‬
‫مغ‪ ،‬أترى‬
‫لست كما تبدو عليه‪ ،‬لقد طلبت من أمندا أال تتحاذق ي‬
‫بقفض‬
‫ي‬ ‫إىل أين وصل تحاذقها بكم أنت ومن قبلك حاكمكم المعلق‬
‫بالخارج ‪.‬‬
‫قال باتريك‪ :‬لن تفلت بأفعالك الرتيس سأرى الندم رف عينيك ً‬
‫قريبا‬ ‫ي‬
‫أعدك ر ر‬
‫حي أراه لن أرحمك‪.‬‬

‫‪ | 68‬مملكةجريتفول‬
‫اا‬
‫ضحك الرتيس بسخرية وعال صوت ضحكته قائًل‪ :‬انظروا من‬
‫مغ هكذا‪ ..‬إنه قاطع األخشاب يا لك من أحمق طويل‬
‫يتحدث ي‬
‫األمل‪ ،‬هيا اذهبوا به إىل مكان القصاص وافصلوا رأسه عن عنقه‬
‫ألرى من سينفذ تهديده يىل ‪.‬‬
‫ر‬
‫وف تلك‬‫سحب الجنود باتريك إىل الخارج حيث ساحة القصاص ي‬
‫اللحظة كانت راي تحلق وعىل ظهرها أمندا بالقرب من ساحة‬
‫رر‬
‫ناصبي رأسه عىل حجر وي هم‬ ‫القصاص تلك‪ ،‬رأت باتريك وهم‬
‫اثبن راي إياك‬
‫ي‬ ‫أحدهم برفع سيفه لألعىل يك يقطع رأسه فقالت‪:‬‬
‫والحراك‪.‬‬
‫ثم أخرجت قوسها ووضعت به السهم وسحبته بشعه ثم أطلقته‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫باف الجنود‬
‫فاستقر ف جبهة الجندي مبارسة‪ ،‬ثم وجهت إىل ي‬
‫انطلف بشعة راى‪.‬‬ ‫ً‬
‫جميعا ثم هتفت‪:‬هيا‬ ‫سهامها فسقطوا‬
‫ي‬
‫لم يعلم باتريك من الذي خلصه من الجنود بسهامه حيث كانت‬
‫رأسه موجهة لألسفل ‪.‬‬
‫تحركت بشعة ونزلت عند باب القض‪ ،‬تسللت إىل الداخل‬
‫ً‬
‫ددا ر ً‬
‫كبيا من‬ ‫واختبأت خلف جدار حيث رأت ر يف الممر القادم ع‬
‫الجنود‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪69‬‬
‫ً‬
‫مشعا ودخل من الباب بخطوات متسارعة‬ ‫رجع باتريك إىل القض‬
‫يحاول إيجاد أصدقائه‪ ،‬وقبل عبوره ذلك الممر المملوء بالجند‪،‬‬
‫كيه ر يف البحث دون تريث أو انتباه منه‪ ،‬جذبته‬
‫ومع شدة جديته وتر ر ر‬
‫أمندا المختبئة خلف ذلك الجدار من الخلف واضعة يدها عىل‬
‫ً‬
‫فمه قائلة له بهمس‪:‬هششششش إياك أن تصدر صوتا المكان‬
‫محاط بالجنود والحرس ‪.‬‬
‫قال بصوت مقارب لصوتها‪ :‬أمندا؟! ماذا جاء بك؟‬
‫‪ -‬ألنقذك من القتل‪ ،‬أظن ال عمل يىل ر يف هذه األيام سوى إنقاذك‪،‬‬
‫الخلف ونحرر‬‫ر‬ ‫اسمع علينا المرور من داخل القض لنصل إىل الباب‬
‫ي‬
‫أن ‪.‬‬
‫ري‬
‫وعيوه إىل ساحه‬ ‫ر‬
‫الخلف ر‬
‫ي‬ ‫تسللوا ببطء حن وصلوا إىل الباب‬
‫واسعة مملوءة بجذوع األشجار واألوراق الصفراء المتساقطة وبعد‬
‫البحية المعلق فوقها الحاكم ر يف‬
‫ر‬ ‫مسافة عدة أمتار كانت هناك‬
‫قفص ‪.‬‬
‫ً‬
‫صعد باتريك مستعينا بقوته العضلية ومطرقة حادة كان قد‬
‫التقطها أثناء تسلله ر يف الداخل حيث كانت معلقة عىل جدار بقض‬
‫وضب بها القفل عدة رضبات ففتح معه وأمسك بالحاكم‬ ‫الرتيس ر‬
‫وجذبه إىل خارج القفص وهو معلق عىل فرع الشجرة ويستأذنه‬
‫ا‬
‫أن يتشبث به بقوة ليقطع حبًل من الحبال المربوط بها القفص‬

‫‪ | 70‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫ويتأكد من تثبيته جيدا بالشجرة ويستعمله ر يف التأرجح وهو يمسك‬
‫الحاكم بإحدى يديه بقوة حن وصال إىل األرض ‪.‬‬
‫ه وأبيها عىل ظهرها‬
‫ثم تصفق أمندا مستدعية راي وتصعد ي‬
‫لتحلق بهم ر يف السماء ثم يدخل باتريك إىل القض ليجمع أصدقائه‬
‫وباف الجنود‪ ،‬ويطلب منهم وقف القتال وإخالء القض بشعة‬ ‫ي‬
‫وقبل خروجهم يتوجه باتريك إىل غرفة الرتيس حيث كان يجلس‬
‫مستلقيا عىل رسيره‪ ،‬يتناول بعض حبات العنب ر يف سعادة وشجن‬
‫ً‬
‫وشعور أنه قد انتض واقيب من الوصول إىل مراده‪ ،‬يطمح ر يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسافرا إىل تلك األرض البعيدة‪ ،‬مؤكدا‬ ‫األحالم‪ ،‬ويسبقه خياله‬
‫لنفسه بابتسامة بلهاء أنه عىل مقربة من امتالكها‪ ،‬ليتفاجأ ببابه‬
‫يدفع وكأنما سيقتلع من مكانه‪ ،‬ويرجف أركانه هذا الثائر المقبل‬
‫رر‬
‫الحارسي بالخارج مما‬ ‫عليه من خالله باتريك بعد أن تخلص من‬
‫متلعثما ر يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شاخصا ببضه إليه‬ ‫ً‬
‫مرتعبا‬ ‫جعل الرتيس يفزع من مكانه‬
‫ً‬
‫الكالم بعد أن نظف حلقه يستجمع بعضا من قواه الهاربة‪ :‬كككيف‬
‫دخلت إىل هنا؟‬
‫أجابه باتريك بتهكم‪ :‬من الباب وبكل سهولة سيد الرتيس‪ ،‬ليس‬
‫من المهم اآلن كيف دخلت‪ ،‬لكن المهم لماذا أتيت؟‬
‫اا‬ ‫ً‬
‫غضبا‪ ،‬ثم أخرج سيفه ووجهه نحوه قائًل‪:‬‬ ‫وقد اشتعلت عيناه‬
‫ر‬
‫ألصف الحساب الذي بيننا كما وعدتك من قبل‪ ،‬أتذكر؟‬ ‫أتيتك‬
‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪71‬‬
‫قال الرتيس وهو مذعور يرجف كعصفور بلله ماء السماء ثم ذهب‬
‫يبحث عن مكان يؤيه ر يف األرض فما وجد إال أن أقدامه تطأ الوحل‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ماشيا‪ :‬ال‬ ‫فما وجد له ملجأ ال ر يف الجو محلقا وال عىل األرض‬
‫أرجوك‪..‬‬
‫شء‪.‬‬ ‫ر‬ ‫أرجوك سيد باتريك ر‬
‫دعن أعيش أعتذر إليك عن كل ي‬ ‫ي‬
‫قال له بعد أن شهر بسيفه لألعىل ثم هوى به نحو الرتيس مما‬
‫ً‬
‫أحدث شقا ر يف كتفه‪ :‬هذا مجرد تحذير لك‪ ،‬إياك وااللتفات إىل‬
‫مملكة جريتفول ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫ثم رفعه مرة أخرى وقال‪ :‬لوال ي‬
‫أن أكره أن أقتل رجًل متجردا من‬
‫األخي لك أال تلمس شعرة‬
‫ر‬ ‫سالحه لقطعت عنقك اآلن‪ ،‬وتحذيري‬
‫ر‬ ‫تفكي بينك ر ر‬
‫وبي نفسك يف أذيتها‪.‬‬ ‫من أمندا أو تفكر مجرد ر‬
‫ثم أردف بهدر‪ :‬أتفهم أيها الجبان؟‬
‫رني صوته الذي كادت أن تتصدع منه الجدران و تسبب ر يف‬‫أرعبه ر ر‬
‫سقوط إحدى اللوحات المعلقة عىل الجدار خلف الرتيس‪ ،‬كانت‬
‫بالشر عىل الرتيس الماكث أمامه يرتجف‪ ،‬ثم‬‫نظراته كالحمم ترم ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫أجابه وجسده يتفصد عرقا‪ :‬نعم أفهم أأأفهم‪.‬‬
‫بف من رجولته وخرج حن اجتمع مع جنده عند‬
‫تركه يلملم ما ي‬
‫رر‬
‫مشعي نحو الغابة‬ ‫الباب وهم يخرجون ويركبون أحصنتهم‬
‫رر‬
‫سالكي طريق العودة إىل المملكة‪.‬‬

‫‪ | 72‬مملكةجريتفول‬
‫وصل الجميع إىل المملكة مع طلوع الشمس وتظهر البهجة‬
‫والفرح عىل الجميع‪.‬‬
‫توىل باتريك تنظيم الجنود لحراسة حدود المملكة‪ ،‬يطلب منهم‬
‫أن يتبادلوا الدوريات ر يف الحراسة وأثناء تنظيمه وجد مهاب‬
‫ً‬
‫مصطفا بينهم ويبدو جليًا عىل وجهه اإلعياء والشحوب‪ ،‬نظر إليه‬
‫بي الصفوف وسار معه إىل ركن بعيد ثم همس‬ ‫باتريك وجذبه من ر ر‬
‫ر يف حنان بالغ‪ :‬ما الذى جاء بك اآلن يا مهاب؟ لم يحن وقت‬
‫خروجك للحراسة بعد‪ ،‬عد ر ر‬
‫حي رييأ جرحك ‪.‬‬
‫غالب ابتسامة باهتة رليسمها عىل وجهه من شدة األلم فخانته‪:‬‬
‫ر‬
‫يعينن عىل الحراسة ‪.‬‬ ‫أشعر بتحسن‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬األمر جد يا مهاب‪ ،‬المملكة أمانتنا وال يمكن أن نخذل الحاكم‬
‫ً‬
‫كبية‬ ‫أبدا‪ ،‬قوتك استنفذت هذه األيام بسبب فقد جسدك كمية ر‬
‫يسية وستعود لك كل قواك وتساعد ر يف‬ ‫من الدماء‪ ،‬اسيح مدة ر‬
‫حماية المملكة‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا ر يف فدوى‪.‬‬ ‫ً‬
‫مداعبا إياه‪ :‬وفكر‬ ‫ثم غمز له بطرف عينه‬
‫قال مهاب وهو متصنع عدم فهم مقصد باتريك‪ :‬فدوى؟ ماذا‬
‫غيي ‪.‬‬ ‫عم وليس لها ر‬ ‫تقصد؟ أتقصد لكونها ابنة ي‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪73‬‬
‫نظر باتريك إليه بمكر مصطنع‪ :‬أوليس هناك رشء آخر ر‬
‫أكي من‬ ‫ي‬
‫كونها ابنة عمك؟‬
‫ابتسم مهاب ابتسامة تفصح عما بداخله من مشاعر تجاه فدوى‪،‬‬
‫ً‬
‫مازحا قال‪ :‬أظن أننا‬ ‫مال عليه بالل وبعد أن تالمست كتفيهما‬
‫سنحتفل بكما عما قريب‪.‬‬
‫قال مهاب ر يف لهفة‪ :‬يا ليته اليوم قبل غد ‪.‬‬
‫ً‬
‫سكت باتريك مستغرقا بعض اللحظات ثم سأل مهاب‪ :‬كيف‬
‫عرفت حقيقة شعورك نحوها؟ هل انتابك قلق من رفضها لك؟‬
‫اختض مهاب جوابه ر يف كلمات أعمق من أن تيجم حاله هو‬
‫فحسب‪:‬‬
‫بشء نحو الطرف اآلخر‪ ،‬وعاهدت‬ ‫ر‬
‫تيقن باتريك أنك إذا شعرت ي‬
‫نفسك أن تحافظ عليه وال تفرط فيه وجعلته كاألمانة ر ر‬
‫بي يديك‪،‬‬
‫ً‬
‫سيكون عنده أيضا شعور مماثل نحوك مهما حاول أن يخفيه عنك‬
‫وبي كلماته حن ر يف صمته‬ ‫وف خفقاته ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ستلمحه يف لمعة عينيه ي‬
‫وهدوئه ‪.‬‬
‫يتملكن الخوف بكل درجاته ‪.‬‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬أشعر به لكن‬
‫ي‬
‫قال له مهاب باستفهام‪ :‬السيدة أمندا؟‬

‫‪ | 74‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫أمية وأنا مملوك ر يف مملكتها‪،‬‬ ‫ر‬
‫‪ -‬يف البداية كنت خائفا لكونها ر‬
‫غي األرض وقد‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫كون من أرض ر‬ ‫ألن عرفت حقيقة ي‬ ‫واآلن أخاف ي‬
‫تركوا يىل حرية االختيار ر يف الذهاب أو المكوث ‪.‬‬
‫قال له مهاب‪ :‬ال أعلم كيف أفيدك ر يف أمر ك لكن األمل ال ينعدم‬
‫ً‬
‫أبدا ومن يدري ما الذي يخبئه لنا الغد ‪.‬‬
‫بينما كانت النساء قد أعدت وجبات للجنود قدموها لهم‪ ،‬ذهب‬
‫باتريك إىل القض رليى الحاكم‪.‬‬
‫قال عند دخوله عىل الحاكم من الباب‪ :‬أيأذن يىل سيدي الحاكم ر يف‬
‫الحديث إليه؟‬
‫لتعتذر أمندا الجالسة بجوار أبيها ر يف الصعود إىل غرفتها‪ ،‬ينظر لها‬
‫كليلتي يلتمس منها لينها المعهود‪ ،‬كانت عدم‬ ‫رر‬ ‫رر‬
‫بعيني‬ ‫باتريك‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ه‬ ‫مباالتها ردا قاطعا عىل آماله‪ ،‬ليتساءل يف داخله يا ترى هل ي‬
‫ا‬
‫تلف له باًل وال ترنو بطرفها‬
‫غاضبة مما حدث أثناء المبارزة؟ فال ي‬
‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫نحوه‬
‫اا‬
‫قليًل‬ ‫وبعد قطعها عدة خطوات ناداها أبوها‪ :‬هال انضممتَ إلينا‬
‫أمندا‪ ،‬أريدك أن ر‬
‫تحضي حديثنا ‪.‬‬
‫ر‬
‫ون أين‬ ‫ثم وجه كالمه لهما‪ :‬بداية ر‬
‫أخي ي‬
‫القالدة؟ فيقول باتريك بعفوية‪ :‬رسقتها‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪75‬‬
‫يشي بإصبعه إليها وينظر نظرة ماكرة ثم يتلعثم ر يف الكالم بعد‬
‫وهو ر‬
‫استيعابه للموقف‪.‬‬
‫مغ ‪.‬‬
‫‪ -‬أأأقصد أنها ليست ي‬
‫أن ‪.‬‬
‫بحوزن يا ر ي‬
‫ي‬ ‫تقول أمندا‪:‬‬
‫بنية مغتاظة ونظرة ثأر من بالل‪ :‬لقد استعدتها ‪.‬‬
‫وتكمل كالمها ر‬
‫بنين؟‬ ‫َ‬
‫من من استعدتها ي‬ ‫‪ِ -‬‬
‫‪ -‬ال رشء أقصد ر‬
‫أحضتها ‪.‬‬ ‫ي‬
‫بغي ما يقصد وال يظهر‬
‫‪ -‬يبدو يىل أن الجميع هنا يتحدث ر‬
‫أخي ر‬ ‫ً‬
‫أعلمت باتريك باألمر؟‬
‫ِ‬ ‫ين هل‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫إذ‬ ‫مقصده منذ البداية‪،‬‬
‫ً‬
‫يبي باتريك الكلمات من عىل لسانها خاطفا الحوار بينها ر ر‬
‫وبي‬
‫والدها ليجيب هو‪ :‬نعم علمت األمر سيدي ‪.‬‬
‫بحنق وانزعاج ونظرة مغلولة مع إيماءة من رأسها‪ :‬أظن السؤال‬
‫موج ًها لي اآلن ‪.‬‬
‫ا‬
‫ليتدخل الحاكم محاوًل فض التناوش بينهما‪ :‬عجيب أمركما‪ ،‬كنتما‬
‫ر‬ ‫ً ر‬ ‫ً‬
‫المبارسة‬ ‫غي‬‫فريقا واحدا يف حرب األعداء‪ ،‬واآلن تندلع الحرب ر‬
‫بينكما!‬
‫فريف ‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬هو ليس من‬

‫‪ | 76‬مملكةجريتفول‬
‫تحدثت بكلمات لتعرب عما يفتعل بداخلها من قلق نحو رحيله‬
‫ر‬
‫مبارسة له ثم‬ ‫كيياؤها أن تفصح بالكالم‬ ‫يأن ر‬
‫عن عالمها ولكن ر‬
‫تكمل‪ :‬أظنه سوف يخرج عن أوامرنا اآلن ألنه علم أنه ينتسب إىل‬
‫أرض الناس وليس إىل أرضنا ‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ئ‬
‫وانتمان إىل أرض جريتفول‬
‫ي‬ ‫يأخذ باتريك بطرف الحديث‪ :‬أنا ي‬
‫والن‬
‫غيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫ألن بالفعل ال أعرف أرضا ر‬ ‫وحاكمها ي‬
‫ً‬
‫ثم ينظر إليها نظرة المنتض ضاحكا مع حركة رأس انتصارية بقصد‬
‫استفزاز دواخلها وإكمال الحديث الذي رسى نحو قلبه مي ً‬
‫جما‬
‫والن تتعمد مواراتها ثم ينظر باتجاه الحاكم ويكمل‪:‬‬ ‫ي‬ ‫مشاعرها‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫لكن ال‬
‫غي األرض ي‬ ‫سيدي الحاكم‪ ..‬لقد علمت أن يىل أهًل وأرضا ر‬
‫يعقل أن أنسحب من طاعتكم هكذا؟‬ ‫أذكر أي رشء عنها‪ ،‬فهل ُ‬
‫ي‬
‫وغية ر يف صوت وطريقة ابنته‪ ،‬ويشعر أنها‬ ‫بنية قلق ر‬ ‫يشعر أبوها ر‬
‫خائفة من أن ييكهم باتريك ويذهب إىل أرضه ‪.‬‬
‫ر‬
‫بن؟‬
‫‪ -‬وماذا قررت ي‬
‫‪ -‬إىل اآلن ال أعلم سيدي‪ ،‬لكن إن كان يىل أهل فأظن أن حالهم‬
‫ً ً‬
‫صعبا جدا اآلن وأعتقد أنه لن يهدأ لهم بال إ ال‬ ‫سيكون‬
‫باالطمئنان عىل ابنهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫قاطعته أمندا‪ :‬وقد يكون له حبيبة أو زوجة‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪77‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بغيتها‬‫ينظر إليها باتريك ويبتسم بجزل عاضا عىل شفتيه فرحا ر‬
‫الن ظهرت ر يف المجلس فيجيبها‪ :‬قد يكون؛ فأنا أشعر بخفقان ر يف‬ ‫ي‬
‫قلن وشعور جميل اآلن ‪.‬‬‫ري‬
‫الغية الملتهبة ثم‬ ‫ً‬
‫مستفزا لمشاعرها بالتورية فتنظر إليه بغيظ ر‬
‫تدير عينيها بشعة وترفع رأسها إىل جانب آخر مرددة بصوت‬
‫خافت‪ :‬يا لك من شخص شديد االستفزاز‪.‬‬
‫أكي‬‫قال الحاكم‪ :‬لكنك دخلت أرضنا وعرفت رسنا وعرفت أشياء ر‬
‫من أي شخص ر يف مملكتنا‪.‬‬
‫ً‬
‫أحدا رسكم‪.‬‬ ‫أخي‬
‫‪ -‬وأنا أتعهد لك بأال أخون أمانتكم وال ر‬
‫تفهم أمندا من كالمه أنه راغب ر يف الرجوع إىل أرضه‪ ،‬تشعر‬
‫باالختناق وتطلب اإلذن من أبيها ر يف الصعود لغرفتها‪ ،‬تيكهما‬
‫وتخرج من قاعة االجتماعات إىل ساحة القض الداخلية لتتوجه‬
‫إىل الدرج ‪.‬‬
‫يستأذن باتريك ر يف الذهاب إىل سكنه ليفكر ر يف األمر ويرتاح‪ ،‬ثم‬
‫يلحق بأمندا قبل صعودها أول درجة سلم‪.‬‬
‫أن أستطيع العيش دونكم ‪.‬‬‫‪ -‬إياك أن ر ر‬
‫تظن ي‬
‫ي‬
‫جاءتها الكلمات من خلف ظهرها عابرة كل الضجيج الذي يفتعل‬
‫وه تدافع البكاء‪:‬‬
‫بها‪،‬لم تلتفت له وهتفت بضعف وقلة حيلة ي‬
‫ً‬
‫أنت تعلم طريقك جيدا‬

‫‪ | 78‬مملكةجريتفول‬
‫حي سقط القناع الذي كان‬ ‫‪ -‬منذ أول مرة رأيتك بالقض هنا ر ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قلن أخذت إىل‬ ‫أمام وقد حفرت صورتك بداخل ر ي‬ ‫عىل وجهك ي‬
‫عالمك‪.‬‬
‫ً‬
‫جذبها من كتفها ماسكا طرف ردائها لتستدير له ثم يزيل القناع عن‬
‫ً‬
‫وجهها لتقول وصوتها يشوبه كل الهزائم خوفا من الفراق‪ :‬ماذا لو‬
‫تن؟ ماذا لو كان لك حبيبة هناك؟‬ ‫ر‬
‫عدت إىل عالمك ونسي ي‬
‫قلن محال‬ ‫قلن لم يجرب هذا الشعور من قبل‪ ،‬وأعلم أن ر ي‬ ‫أعلم أن ر ي‬
‫عليه أن ينش هذا الشعور مهما حدث ‪.‬‬
‫اميج بالدعابة‪ :‬ماذا لو‬ ‫تبتسم وه تدافع البكاء وتقول بحس ر‬
‫ي‬
‫تعرضت للخطر؟ من سينقذك من الموت هناك؟ أظنك تحتاج‬
‫إىل فريق المساعدة ‪.‬‬
‫أنقذتن ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫أكي من مرة هنا‬ ‫ي‬ ‫يعن كونك‬ ‫ليضحك هو اآلخر ويقول‪ :‬ال ي‬
‫أرض ‪.‬‬‫سيكون الوضع عىل نفس الحال رف ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫يسكتان رليهة وتبدأ العيون ر يف التوال مفصحة عن الشعور‬
‫لكليهما وما إن يحاول فتح فمه ليقول لها‪:‬أ‪.. .‬‬
‫ولكنه لم يكمل الكلمة حن‪ ،‬خرج الحاكم من قاعة االجتماعات‬
‫ً‬
‫ليجده ما زال بالقض‪ ،‬يأخد الحاكم أمندا أسفل ذراعه محاوطا‬
‫كتفها‪:‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪79‬‬
‫تاج ‪.‬‬
‫عزيزن لي ي‬
‫ي‬ ‫هيا‬
‫ً‬
‫ويصعد معها الدرج‪ ،‬ويقول موجها حديثه لباتريك‪ :‬أرى أن ترتاح‬
‫الليلةبجناح الضيافة هنا باتريك‪ ،‬لقد تأخر الوقت وأعلم أنك‬
‫مرهق‪.‬‬
‫مشيا إىل الخدم أن رافقوه رليتاح ر يف جناح الضيافة‪ ،‬استغرق‬ ‫رً‬
‫الن ظهرت ر يف كالمها‬‫بغيتها ي‬
‫التفكي بأمندا ويسعد ر‬
‫ر‬ ‫باتريك ر يف‬
‫ويتمن أن يعرف استقرار أموره إىل أين وكيف كانت حياته من قبل‬‫ر‬
‫وهل سيستطيع تكملة هذا الحب الذي اندلع ر يف قلبيهما‪ ،‬ليقطع‬
‫كبي الخدم‪ :‬السيد باتريك من هذا االتجاه‪.‬‬
‫تفكيه ر‬ ‫ر‬
‫ويشي له بيده إىل اتجاه جناح الضيافة‪ ،‬يتقدم معه باتريك ثم‬‫ر‬
‫مطىل باللون‬ ‫يدخل إىل جناح به ممر طويل‪ ،‬عىل ر ر‬
‫يمي الممر باب‬
‫ي‬
‫اا‬
‫الذهن عليه نقوش بارزة يفتحه له الخادم قائًل‪ :‬تفضل سيدي‪،‬‬
‫ري‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫سأحض لك وجبة العشاء يف الحال‪ ،‬أتريدها من المشويات أم من‬
‫المسلوقات وما ررسابك المفضل؟‬
‫شء ال بأس به ‪.‬‬ ‫ر‬
‫ليجيبه‪ :‬أي ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واسعا به أريكة وبجوارها عدد من‬ ‫ثم يدخل ليجد أمامه مكانا‬
‫صغية بتصميم وألوان ملكية الشكل‬
‫ر‬ ‫اش وينصفهم طاولة‬
‫الكر ي‬
‫كالسيك هادئ‪ ،‬ومجموعة من التحف‪،‬‬‫ي‬ ‫ومدفأة مصممة بطراز‬
‫وبجوارها عىل الحائط مجموعة أرفف بها كتب عتيقة الطراز‬
‫كبي منسوخة بخط اليد وعىل يساره باب غرفة بها رسير‬
‫حجمها ر‬

‫‪ | 80‬مملكةجريتفول‬
‫ر‬
‫غش بفراش ناعم لونه أبيض ناصع البياض‪ ،‬مجرد النظر إليه‬
‫قد ي‬
‫يشعرك بالراحة وب ها حمام داخ يىل به حوض لالستحمام محاط‬
‫بأنواع من العطور الراقية والمصنعة من مواد طبيعة أنتجتها فتيات‬
‫المملكة ‪.‬‬
‫ج ويغسل بدنه ر يف هذا الحوض‪ ،‬يفك حزامه‬ ‫ر‬
‫يقرر أن يسي ي‬
‫الخارج‬
‫ر ي‬ ‫الجلدي المثبت به سيفه من الجانب ويخلع درعه‬
‫متي ومتداخل به قطع من الجلد ثم يهوى‬ ‫المصنوع من قماش ر ر‬
‫إىل حذائه الطويل الواصل إىل نصف ساقه ر‬
‫لينيعه من قدميه وهو‬
‫جالس عىل طرف الشير لينتبه عىل طرقات الباب الواصلة إىل‬
‫مسامعه‪ :‬تفضل بالدخول أيها الطارق ‪.‬‬
‫ً‬ ‫متجردا من بردته وتاج رأسه ويحمل ر ر‬ ‫ً‬
‫مالبسا‬ ‫بي يديه‬ ‫إذا به الحاكم‬
‫مريحة للنوم يقدمها لباتريك‪ :‬تفضل يا ولدي هذا لك‪ ،‬أظن‬
‫سيكون النوم بمالبس مريحة أفضل لك ‪.‬‬
‫ً‬
‫تأن‬
‫ينبغ أن ي‬ ‫ي‬
‫مندهشا‪ :‬سيدي الحاكم! ما ر‬ ‫ليقف باتريك ر يف الحال‬
‫من الحضور إليك ‪.‬‬ ‫ر‬
‫إىل وتقدم يىل المالبس‪ ،‬هال طلبت ي‬ ‫بنفسك ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ال بأس باتريك األمر بسيط جدا عزيزي‪ ،‬وأنا أيضا كنت أريد‬
‫ً‬
‫جدا بالنسبة يىل‪.‬‬ ‫التحدث إليك ر يف أمر مهم‬
‫ً‬
‫سمعا وطاعة‪.‬‬ ‫‪ -‬تفضل سيدي‪،‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪81‬‬
‫تنتىه من أخذ مغسلك وتبديل ثيابك عىل‬ ‫‪ -‬سأنتظرك ر ر‬
‫لحي أن‬
‫ي‬
‫طاولة العشاء بالخارج ‪.‬‬
‫‪ -‬ر يف الحال سيدي ‪.‬‬
‫ألتف بك‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬خذ راحتك فأنا أيضا سأؤدي بعض العبادات قبل أن ي‬
‫خرج الحاكم ودخل باتريك‪ ،‬أخذ مغسله ر يف حوض االستحمام ثم‬
‫وضع بعض العطور الموجودة هناك وارتدى مالبس النوم المريحة‬
‫ثم خرج من الغرفة وذهب لمقابلة الملك عىل طاولة العشاء‪ ،‬ينظر‬
‫بن ‪.‬‬ ‫قائ اًل‪ :‬تفضل بالجلوس يا ر‬ ‫ا‬
‫إليه بوقار‬
‫ي‬
‫كرش مجاور له‪ ،‬يتقدم الملك بالكالم‬ ‫ي‬ ‫يجلس عن يمينه ر يف أقرب‬
‫ً‬ ‫رر‬
‫واللي مردفا بتنهيدة‬ ‫مىلء بالعطف‬ ‫تغيت رنيته إىل صوت ي‬ ‫وقد ر‬
‫أبوية‪:‬‬

‫أمندا… ي ا باتريك‪.‬‬
‫غي استيعاب‪ً :‬‬
‫عفوا سيدى!!‬ ‫ر‬
‫يرفع باتريك نظره إىل الحاكم يف ر‬
‫ه كذلك نفس األمر‬ ‫ر‬
‫بن كما أرى منها ي‬ ‫‪ -‬أرى أنك قد تعلقت بها يا ي‬
‫ً‬ ‫أرض لها ر‬‫وال ر‬
‫الضر أبدا وال لك‪ ،‬أعلم أن اختالف األرض ال يؤثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حاليا لكونك ال تعلم شيئا عن أرضك من قبل‪ ،‬لكن ما‬ ‫معك‬
‫أخشاه هو حالك معها بعد معرفة أرضك وأهلك وماضيك ‪.‬‬
‫ً‬
‫شء إىل قلبها أبدا ما حييت‬
‫‪ -‬أقدر خوفك سيدي لكن أعدك بأال أ ي‬
‫قلن واألعماق‪.‬‬ ‫ر‬
‫وأن أحفظ هذا القلب يف جوف ر ي‬

‫‪ | 82‬مملكةجريتفول‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫خوف من احتمال حدوث‬ ‫ي‬ ‫بن‪ ،‬لكن‬‫‪ -‬أما عن هذا فأنا متأكد منه ي‬
‫فقدان للذاكرة عند رجوعك كما حدث عند حضورك‪ ،‬لكن‬
‫ً‬
‫زوجن‬
‫ي‬ ‫نسبته قليلة جدا ألن ما حدث معك عكس ما حدث مع‬
‫ر‬
‫الكثي‬
‫عندما جاءت من أرضك إىل هنا يف القديم‪ ،‬كانت تتذكر ر‬
‫عن أرضها وعندما قررت الذهاب لم تعد‪ ،‬نسيت ذكرياتنا ً‬
‫تماما‬
‫ه‬ ‫ر‬
‫تأن إىل هنا ال يمكن استجالبها‪ ،‬البد أن تتمن ي‬ ‫ولألسف يك ي‬
‫الحضور ‪.‬‬
‫مصدوما‪ :‬ماذا؟؟!! هل هناك احتما ل أن أنش ما‬ ‫ً‬ ‫قال باتريك‬
‫ر‬
‫حدث ليهنا يف أرضكم؟‬
‫ً‬
‫سوءا‪ ،‬ثم‪...‬‬ ‫سكت رليهة ثم أكمل كالمه‪ :‬هذا يزيد األمر ي‬
‫عىل‬
‫كيف ال يمكن استجالب شخص إال إذا ر‬
‫تمن؟ وقد أتيت أنا هنا‬
‫ر‬
‫تمن ‪.‬‬
‫دون ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بن‪ ،‬لم تكن تقصد أرض‬ ‫‪ -‬ال‪ ،‬أنت تمنيت جدا الحضور إىل هنا ي‬
‫حي ضاق بك األمر من أهلك ر ر‬ ‫ً‬
‫تحديدا ولكنك ر ر‬
‫حي‬ ‫جريتفول‬
‫الن لم تكن ترغبها‪ ،‬كنت تتوىل العمل‬
‫رفضوا منك بعض األمور ي‬
‫وتأن أن‬ ‫ر ر‬
‫الن كنت ترى أن معاملتها ربوية ر‬‫مكان والدك يف رسكته ي‬
‫ً‬
‫وأيضا ر‬
‫الخي‬
‫كية صدقاتك وتطوعاتك ألعمال ر‬ ‫تقبل بهذا األمر‬
‫ً‬
‫الن كنت تقوم بها بشكل مجهد جدا وابتعادك عن مخالطة‬ ‫ي‬
‫الناس بكية‪ ،‬فذهبت إىل مكان العبادة وجلست تدعو وبكيت‬ ‫ر‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪83‬‬
‫وتمنيت لو أنك تذهب إىل أرض ممنوع فيها هذه األمور‪ ..‬هذا‬
‫ما ذكرته عندما أتيت إىل هنا قبل اإلفاقة ثم اختارك ملو ليكون‬
‫مساعدك ر يف أعمالك‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم تذكر شيئا ما‪ :‬عندي اقياح لك‪ ،‬عندما أتيت إىل هنا كان معك‬
‫ويضء ومقيد عليه أسماء وأرقام‬ ‫رشء يشبه المفكرة‪ ،‬وله أزرار ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫اا‬ ‫ر‬
‫لكنه لم يستمر يف العمل إال قليًل ثم أظلم‪ ،‬هو يف المحفوظات مع‬
‫أمندا أظن أنه قد يساعدك بعد رجوعك وتذكرك‪ ...‬باتريك‪ ..‬قل‬
‫ً‬
‫يىل ما رأيك ر يف اصطحاب أمندا معك؟ تكون مذكرة لك وأيضا أعلم‬
‫كم ترغب ر يف رؤية أمها ومعرفة أرضها‪.‬‬
‫امتا للحظات ثم قال‪ :‬ر‬ ‫ً‬
‫أخش عليها أن يصيبها‬ ‫جلس باتريك ص‬
‫صابن ‪.‬‬‫ر‬ ‫مثل ما أ‬
‫ي‬
‫األصليي للمملكة هنا وال يحدث معهم‬ ‫رر‬ ‫فىه من السكان‬‫‪ -‬ال تقلق ي‬
‫هذا األمر من فقدان الذاكرة‪ ،‬لكن ما أخشاه أن العالم هناك‬
‫زوجن بما ر يف عالمهم بأرض‬
‫ي‬ ‫تخي ر ين‬ ‫يختلف عن عالمنا‪ ،‬فكانت ر‬
‫غينا‪ ،‬ما‬ ‫رر‬
‫وقواني ر‬ ‫غي ثيابنا‬
‫الناس ووجود أجهزة مختلفة وثياب ر‬
‫يطمئنن أنك ستكون معها لكن كما ذكرت لك قد ينتابك فقد‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫جزء مما حدث معك هنا‪.‬‬

‫‪ | 84‬مملكةجريتفول‬
‫‪ -‬أظنني إن لم أتذكر الكون بأكمله لن أنش أمندا‪ ،‬أشعر بها ر يف‬
‫داخىل‪ ،‬إذا أحب الشخص يتخلل الحب جميع أركان كيانه‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫داخليا ويسيطر عىل تضفاته خارجيا‪.‬‬ ‫ً‬

‫زوجن قبيل‬ ‫قلن‪ ،‬قد قالتها قبلك‬ ‫ر‬


‫ي‬ ‫بن قلبت األوجاع عىل ر ي‬ ‫‪ -‬ايييه يا ي‬
‫رحيلها‪ ،‬إليك اآلن ما حدث؟ لم تعد ‪.‬‬
‫انتاب باتريك شعور باليدد ر يف األمر‪.‬‬
‫قال له الملك‪ :‬ألن تتناول طعامك يا باتريك؟‬
‫قال‪ :‬بىل سأتناوله ر يف الحال‪ ،‬سيدي هل يىل‬
‫بسؤال؟‬
‫ئ‬ ‫ً‬ ‫كف أسئلة اليوم ك ال تشغل ذهنك ر ً‬ ‫‪ -‬ر‬
‫انتهان من‬
‫ي‬ ‫كثيا‪ ،‬غدا بعد‬ ‫ي‬
‫مهام المملكة نجلس ً‬
‫سويا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخيك ً‬ ‫ً‬
‫قضين أنا‪.‬‬
‫ي‬ ‫أمرا بسيطا بعيدا عن‬ ‫‪ -‬إذا ر‬
‫‪ -‬تفضل أسمعك ‪.‬‬
‫‪ -‬مهاب يود أن يطلب من سيادتكم أن توافق عىل زواجه من‬
‫فدوى ‪.‬‬
‫ًا‬
‫إىل ر يف الغد لنتفق‬
‫يأن ي‬ ‫ابتسم الملك متهلًل وجهه وقال‪ :‬ر‬
‫أخيه أن ي‬
‫رر‬
‫تجهيات الزواج‪.‬‬ ‫عىل‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪85‬‬
‫غي ملحوظ وجوده‪،‬‬ ‫عجيب أن يتحول اإلنسان من مجرد شخص ر‬
‫ر‬
‫كل هدفه هو أن ُيحصل قوته‪ ،‬يصبح ليبحث يف األرض ثم يبيت‬
‫سيأن عليه غد أم ال‪ ،‬حن إن فرشت له األرض‬‫ي‬ ‫غي مبال إن كان‬‫ر‬
‫ً‬
‫كنوزا ال يلتفت إليها فالحياة بالنسبة له عمليات حيوية يقوم بها‬
‫البدن وحسب‪ ،‬وأن يتحول حاله إىل محل اهتمام مملكة كاملة بل‬
‫ر‬
‫غي األرض‪،‬‬ ‫وقد يكون محل اهتمام أناس آخرين يف أرض ر‬
‫بي أضلعه يستطيع أن ييجم‬ ‫واألعجب أن يكتشف وجود نابض ر ر‬
‫يغ ماهيتها ويحولها إىل حالة‬ ‫ً‬
‫له مشاعرا كان يعدها بالهة وال ي‬
‫تعييه من رأسه ألخمص قدميه ‪.‬‬
‫ا ً‬
‫بات باتريك ليلته ر يف جناح الضيافة‪ ،‬ولكن كان ذهنه مشغوًل جدا‬
‫اا‬
‫طويًل حن تجاوز‬ ‫بكل ما يحدث معه ويدور حوله‪ ،‬ظل يفكر‬
‫منتصف الليل إىل أن غلبته عيناه وغط ر يف النوم‪.‬‬
‫ر يف الصباح استيقظت أمندا وارتدت ثيابها متجهة إىل بستان القض‬
‫تجمع بعض الزهور‪.‬‬
‫ً‬
‫متجها إىل عمله رفياها‬ ‫ليستيقظ باتريك ويرتدي ثيابه هو اآلخر‬
‫من بعيد واقفة تجمع الزهور مولية ظهرها إليه‪.‬‬
‫تقدم ببطء إىل أن اقيب منها‪ ،‬لم تشعر بوجوده كانت منشغلة‬
‫بجمع الزهور ثم بادرها بالحديث‪ :‬أظن أن الزهور الصفراء ر‬
‫تعي‬
‫عن الغية ‪ .‬اعتلت البسمة وجهها عندما رجف قلبها ً‬
‫فرحا بسماع‬ ‫ر‬

‫‪ | 86‬مملكةجريتفول‬
‫هذا الصوت ودون أن تلتفت له قالت‪ :‬ال‪ ...‬بل إنها تدل عىل‬
‫البهجة ‪.‬‬
‫ً‬
‫ممازحا بعد أن عقد ذراعيه أمام صدره ورفع حاجبه‪:‬‬ ‫أجابها‬
‫تفسيات األمور عندكم تختلف عن أرضنا ر ً‬
‫كثيا‪.‬‬ ‫ر‬ ‫عجيب‬
‫استدارت له بوجهها وبنظرة سخرية شملته من أسفله ألعاله‪ :‬هذا‬
‫ً‬
‫شيئا عن أرضك تلك‪.‬‬ ‫الكالم عىل أساس أنك تذكر‬
‫ثم زمت شفتيها وأمالتها‪ ،‬جلجل صوت ضحكته‪ :‬ماذا أفعل مع‬
‫أمية بهذا القدر من الذكاء والجمال مثلك!‬
‫ر‬
‫أميا ر يف‬
‫بالحية‪ :‬باتريك ماذا لو كنت أنت ر ً‬
‫ر‬ ‫قالت وعيناها مليئة‬
‫أرضك؟ أجاب وقد بدا عىل وجهه بعض الغرور المصطنع‪:‬‬
‫رر‬
‫أوتظني ذلك؟‪...‬‬
‫يا سالم‪. .‬‬
‫ر‬
‫غيتها وتحريكها تجاهه‪ :‬أضع‬
‫ثم بدأ يف رسد ما يقصد به مداعبة ر‬
‫التاج وألبس الرداء وتتهافت عىل فتيات المملكة جميعهن ر ر‬
‫يرغي‬ ‫ي‬
‫من‪.‬‬‫ر‬ ‫ر‬
‫يف مجرد نظرة ي‬
‫عبست بوجهها وزاوت ر ر‬
‫بي حاجبيها ثم ضمت شفتيها وحركتهما‬
‫اا‬
‫قليًل ‪.‬‬ ‫إىل الجانب‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪87‬‬
‫فنظر إليها ر ً‬
‫افعا حاجبيه ومقلتا عينيه بنظرة استنتاجية وأردف‬
‫الغية؟ ‪ -‬أي‬
‫تعي عن ر‬ ‫بقول ه‪ :‬ألم أقل لك أن الزهور الصفراء ر‬
‫غية تتكلم عنها؟‬
‫ر‬
‫ه‪.‬‬ ‫ر‬
‫غية ي‬
‫مغ مرآة يف الحال كنت أعلمتك أي ر‬ ‫‪ -‬ليت ي‬
‫استدارت مرة أخرى ر يف اتجاه الزهور‪.‬‬
‫وغي الوسيم ‪.‬‬ ‫األمي المغرور ر‬ ‫‪ -‬أريد أن أكمل ما بيدي أيها ر‬
‫أمي ر‬ ‫ً‬
‫أكي‬ ‫عال وقال‪ :‬ما أظن أن أحدا يشعر اآلن أنه ر‬ ‫ضحك بصوت ٍ‬
‫ر‬
‫أتظني أن ف ر‬
‫رر‬ ‫ر‬
‫أمية مثلك؟‬ ‫أرض ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫من بالفعل‪،‬‬ ‫ي‬
‫ا‬
‫مسي اسًل ر يف حديثه أكمل باإلجابة‪ :‬أظن لو كانت هناك ما تمنيت‬
‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫ترك أرض الناس‬
‫تعن‬ ‫سائ اًل إياها‪ :‬ماذا ر‬
‫ا‬
‫مد يده وقطف زهرة حمراء ومدها إىل أمامها‬
‫ي‬
‫هذه بالنسبة إليكم؟‬
‫تعن العدل ‪.‬‬‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫تعن التقدير ي‬ ‫تعن القوة ي‬ ‫‪ -‬ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تعن الحب الذي يجمع كل‬ ‫تعن أشمل من ذلك أمندا‪ ..‬ي‬ ‫‪ -‬أظنها ي‬
‫هذه الصفات ر‬
‫وأكي‪.‬‬
‫ً‬
‫ظل مادا يده بها مع حركة خفيفة يقصد تفضليها‪ ،‬أخذتها من يده‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫أنا ذاهب اآلن للعمل ‪.‬‬
‫أن أن ترتاح اليوم؟ ثم‪ ..‬أظنك تستعد لرحلتك؟‬
‫يخيك ر ي‬
‫‪ -‬ألم ر‬

‫‪ | 88‬مملكةجريتفول‬
‫‪ -‬المملكة هنا رس نجاحها قيام كل شخص بعمله عىل أتم وجه‬
‫ويراه مسؤوليته حن إن كان ر يف أحلك الظروف‪ ،‬كل همه‬
‫التفكي‬
‫ر‬ ‫اإلخالص والوالء‪ ،‬أما عن االستعداد للرحلة أحتاج إىل‬
‫رف األمر وأمامنا وقت حن تقيب العاصفة السنوية بالحلول فر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المملكة‪.‬‬
‫تركها وذهب ألداء عمله حيث أن الحاكم قد كلف شباب المملكة‬
‫ر‬
‫بإرساف قائد الحرس ببناء سور عىل حدود المملكة لحمايتها من‬
‫تسلل جواسيس الرتيس‪.‬‬
‫وبالفعل بدؤوا ر يف بنائه مع مراعاة عمل بوابات عىل جميع‬
‫االتجاهات رف المملكة الشمالية والجنوبية ر‬
‫والشقية والغربية ‪.‬‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫خرج الحاكم ر‬
‫ليشف عىل العمل يف المملكة‪ ،‬سأل المسؤول عن‬
‫تتبع حاالت الطقس ومعرفة األيام ودخول الفصول "كم تبف من‬
‫األيام وتحل العاصفة السنوية؟"‬
‫باف يومان بعد وثالث ساعات من اليوم الثالث ثم تحل‬ ‫أجابه بأنه‪ :‬ي‬
‫بإذن هللا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا حذروا الجميع ونبهوهم باالجتماع ر يف دار العبادة حن ندعو‬
‫بمرورها بسالم علينا ‪.‬‬
‫سيه وجد باتريك قد أنىه عمله ورجع إىل الجلوس عىل‬ ‫وأكمل ر‬
‫جذع الشجرة المقارب لمسكنه وبجواره ملو‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪89‬‬
‫تقض الوقت‬ ‫قال له الحاكم‪ :‬لما أنت جالس هنا ربن؟ أريدك أن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫المتبف بالقض اجمع كل ما تهتم لشأنه وأحضه هناك ‪.‬‬
‫ي‬
‫‪ -‬ماذا عن ملو سيدي؟؟‬
‫رر‬
‫للتناني بساحة‬ ‫أحضه سأضعه مع راي ر يف المكان المخصص‬‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫القض الخلفية ‪.‬‬
‫ً‬
‫نظر باتريك لملو وقال وهو يداعبه ضاحكا‪ :‬لم نظرة الحزن اآلن‬
‫يابطل؟ سوف تهنأ بمصاحبة الجميلة راي‪ ،‬يا لك من ر ر‬
‫تني‬
‫محظوظ‪.‬‬
‫ثم مد يده وملس عليه بحركات حانية مطمئنة له ‪.‬‬
‫صديف العزيز أشكرك عىل اختيارك ومساندتك يىل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬أنت‬
‫وجمع حاجاته وأخذها عىل ظهر تنينه وانطلق متوجها إىل القض‪،‬‬
‫كانت أمندا تقوم ر‬
‫باإلرساف عىل مغزل المالبس كما طلب منها أبوها‬
‫‪.‬‬
‫وقال لها أن تطلب منهم صناعة بعض األقمشة الصوفية الثقيلة‬
‫ً‬
‫بألوان معينة لم تكن تدري سبب طلبه لتلك االقمشة تحديدا‬
‫ولكنها فعلت المطلوب‪.‬‬
‫أخي باتريك مهاب بأن الحاكم يريد منه مالقاته بالقض وبالفعل‬
‫ر‬
‫توجه إليه واتفق معه عىل أن الحاكم سيجهز مكان سكن باتريك‬
‫لمهاب وفدوى وأنه أمر الخدم بالذهاب إىل المكان ر يف الصباح‬

‫‪ | 90‬مملكةجريتفول‬
‫وتجهيه عىل أتم وجه وأن يتم حفل العرس ر يف مساء الغد إذ أنهم‬
‫رر‬
‫أخيت أمندا أبيها عن قبول‬ ‫معتادون عىل بعضهم البعض وقد ر‬
‫وأيض ا رغبة باتريك ر يف‬
‫ا‬ ‫داع للتأجيل‪،‬‬
‫فدوى الزواج من مهاب فال ي‬
‫حضور العرس قبل الرحيل ‪.‬‬
‫ر يف المساء تجمع رجال القرية بمكان العبادة والنساء بقاعة‬
‫أخيت‬ ‫الفتيات‪ ،‬أعلن مساعد الحاكم للرجال‪ ،‬ومساعدة أمندا ر‬
‫رر‬
‫تجهي القاعة‬ ‫الفتيات عن موعد الحفل وبدأت الفتيات ر يف‬
‫الخاصة بهن وإعداد الحلوى وصنع أطواق من الورود ‪.‬‬
‫بينما أخذت أمندا فدوى إىل مصنع حياكة المالبس بالمملكة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مناسبا لها‬ ‫وطلبت من القائمات عليه أن يقيسوا لفدوى فستانا‬
‫وخيتها فيما يناسبها ‪.‬‬
‫وجمعت بعض الزينة ر‬
‫بينما أمر الحاكم باتريك أن يذهب مع مهاب الختيار حلة الزفاف‬
‫تكف جميع‬‫ر‬
‫له وهدية مناسبة للعروس وأمر الخدم بإعداد وجبات ي‬
‫أفراد المملكة ‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫اض المملكة بالزهور وأحبال‬‫التاىل افيشت أر ي‬
‫ي‬ ‫وف مساء اليوم‬ ‫ي‬
‫الزينة ر يف كل األركان وروائح العطور مسكوبة ر يف الشوارع وتوزع‬
‫الحلوى عىل األطفال باإلضافة إىل هدايا لجميع البيوت‪ ،‬شعرت‬
‫المملكة بالسعادة وكأن الفرح ر يف جميع البيوت وكأن الجميع‬
‫صاحب الحفل وأهله لم يكن هناك تفريق وال ر ر‬
‫تميي‪ ،‬لم يكن هناك‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪91‬‬
‫داع ومدعو بل الجميع يدعون أنفسهم لالحتفال بالعرس وإدخال‬
‫ٍ‬
‫العروسي‪.‬ر‬
‫ر‬ ‫الشور عىل‬
‫رر‬
‫الجانبي من باب‬ ‫صغيات مصفوفات عىل‬ ‫ر‬ ‫بدأ الحفل‪ ،‬بنات‬
‫الرئيش إىل داخل قاعة الفتيات‪ ،‬نزلت أمندا من أعىل الدرج‬
‫ي‬ ‫القض‬
‫الواصل إىل غرفتها بالقض وبيدها فدوى بفستان عرسها وزينتها‪،‬‬
‫لحي مرورها من‬‫عروس وكأنها حورية وضعت قناعها ووشاحها ر ر‬
‫القض إىل قاعة الفتيات‪ ،‬كان باألسفل عىل أول الدرج يقف مهاب‬
‫وبجواره باتريك والحاكم ‪.‬‬
‫غي عالمهم‪ ،‬شعر كأنه ر يف‬
‫نظر إىل عروسه وكأنها ملكة من عالم ر‬
‫خياىل صعب المنال‪ ،‬مقدار السعادة بداخله لم يستطع‬ ‫ي‬ ‫حلم‬
‫يعي به عنها‪ ،‬كل ما أحسه ظهر ر يف لمعة‬
‫ترجمتها وال إيجاد وصف ر‬
‫والن اغرورقت بالدموع مختلطة بالمشاعر إىل أن وصلت‬ ‫ي‬ ‫عينيه‬
‫إىل آخر درجة‪ ،‬مد يده مع انحناءة حب وتقدير وتناولها من يدها‬
‫ً‬
‫ووضعها بأحضان ذراعه متشبثا بها ب قوة ‪.‬‬
‫اا‬
‫قليًل إال ر يف مشاعر‬ ‫كان باتريك الواقف بجواره تختلف مشاعره عنه‬
‫ر‬
‫التمن‪ ،‬نظر إىل‬ ‫الحب فهما متفقان لكن باتريك كان يعييه شعور‬
‫ي‬
‫بأنن أحلم باليوم الذي أكون فيه ر يف مكان‬ ‫ر‬
‫أمندا نظرات تيجم ي‬
‫مهاب وأنت ر يف مكان فدوى أحتضن يديك بيدي وآخذك وأرحل‬
‫تيسي أمورنا‬ ‫بقلن ر ر‬
‫لحي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫نن أحتضنك ر ي‬ ‫ومودن‪ ،‬لك ي‬
‫ي‬ ‫سكن‬
‫ي‬ ‫لتكون‬
‫ي‬

‫‪ | 92‬مملكةجريتفول‬
‫ومعرفة مآلنا‪ ،‬أحرجت أمندا من نظراته الفاضحة لمشاعره أمام‬
‫والدها فأدارت وجهها إىل اتجاه آخر بينما أخرجه من ررسوده صوت‬
‫الحاكم يناديه‪ :‬هيا باتريك لنذهب مع مهاب إىل االحتفال بساحة‬
‫القض ‪.‬‬
‫بي صفوف الصغ ري ات يغمرونهم‬ ‫أوصل مهاب فدوى ومر بها ر ر‬
‫رر‬
‫والرياحي إىل أن وصال إىل قاعة الفتيات ووقف أمامها‬ ‫بالورود‬
‫ً‬
‫ناظرا إىل عينيها‪ ،‬أزال عنها الوشاح وقناع الوجه وقبلها ر ر‬
‫بي عينيها‬
‫ر‬
‫وانحن لها مرة‬ ‫ً‬
‫خصيصا‪،‬‬ ‫كرش العروس المزين لها‬ ‫ثم أجلسها عىل‬
‫ي‬
‫أخرى وتوجه إىل حيث يتواجد الرجال بالخارج الذين استقبلوه‬
‫والتييكات‪ ،‬وما إن جلس إىل جوار‬
‫ر‬ ‫بدورهم بالتهليل واإلنشاد‬
‫الحاكم حن هتف الجميع يدعونه إىل المبارزة‪ ،‬انتبه عىل باتريك‬
‫بتحد مصطنع يحرك رأسه يمنة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫شاهرا سيفه ينظر‬ ‫الواقف أمامه‬
‫ويشة ر ً‬
‫مشيا إليه أنتعال ألبارزك‪ ،‬قام من مكانه وناوله أحد الرجال‬
‫ً‬ ‫رر‬
‫الجالسي سيفا وبدأت المبارزة‪ ،‬همس له باتريك‪ :‬سأترك لك‬
‫عىل حن ال يقال هزم يوم عرسه ‪.‬‬
‫المجال يك تفوز ي‬
‫ضحك مهاب وقال‪ :‬تداري حرجك قبل الهزيمة حن تقول يىل فيما‬
‫ادن‪ ..‬هيهات هيهات ‪.‬‬
‫عىل بإر ي‬
‫بعد لقد فزت ي‬
‫وظلوا عىل نفس المستوى إىل أن استخدم مهاب حيله لخداع‬
‫اا‬
‫سيدن أمندا!؟‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬‫بتفاجؤ‬ ‫ًل‬ ‫باتريك‪ ،‬أشار إىل خلف ظهره قائ‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪93‬‬
‫فضب مهاب سيفه بقوة وأعلن فوزه ثم‬ ‫التفت باتريك بلهفة ر‬
‫ً‬
‫غدا يىل‪.‬‬ ‫انخرط ر يف الضحك وشاركه باتريك‪ ،‬قال له‪ :‬اليوم لك‬
‫قام الجميع بتشجيعه لالنتصار الذي حققه‪ ،‬وتم الحفل عىل أكمل‬
‫ً‬
‫مفرحا للمملكة كلها‪.‬‬ ‫وجه‬
‫اجتمعوا ر يف دار العبادة‪ ،‬وظلوا يدعون ويرجون أن تمر العاصفة‬
‫بسالم‪ ،‬ثم انضف الجميع‪ ،‬وباتو ليلتهم منتظرين مرور اليوم‬
‫المتبف ر يف سالم‪ ،‬وقرر باتريك ر يف شأن ذهابه إىل األرض‪ ،‬وإن كان‬
‫ي‬
‫ً‬
‫اتخاذ قرار كهذا من أشق األمور‪ ،‬وتحديدا عندما يجد اإلنسان‬
‫ً‬
‫راحته واستقراره ر يف مكان ما‪ ،‬ولكن أخذ القرار أحيانا يكون أرحم‬
‫ر‬
‫حيته بال قرار‪ ،‬حن وإن جانب خياره‬ ‫بالشخص من أن يستمر يف ر‬
‫الياعات بداخله‬‫الصواب ولكنه سيورثه راحة االختيار من شتات ر ر‬
‫‪.‬‬
‫ر‬
‫وف اليوم الذي يسبق بدء العاصفة خرج باتريك إىل مكان وجود‬ ‫ي‬
‫ملو وراي ليلمح من بعيد أمندا قد سبقته هناك واقفة بجانب‬
‫خيا بملو فهو حزين ويشعر‬ ‫تنينتها تطعمها‪ ،‬وتحدثها أن تستوض ر ً‬
‫ي‬
‫قريبا‪ ،‬لم تشعر بوجوده حيث كان يقف خلفها‬ ‫بأنه سيفقد صاحبه ً‬
‫بمسافة ال بأس بها من سماع حديثها ثم أكملت كالمها بصوت‬
‫ر‬ ‫ئ ً‬
‫تكون عىل علم أن‬
‫ي‬ ‫سن جدا يا راي أن‬‫يشوبه حزن بالغ‪ :‬إنه شعور ر‬
‫أنك‬
‫الشخص الذي تعلق قلبك به وشعرت بجانبه باألمان حن ِ‬
‫تتعاملي بكل حرية ر يف وجوده وجميع مشاعرك منقادة إليه حن‬
‫رر‬

‫‪ | 94‬مملكةجريتفول‬
‫الضحكة تخرج من القلب عند التقاء عينيك بعينيه ثم ييكك‬
‫رر‬
‫تعلمي هل سيعود إليك ثانية‪ ،‬أم‬ ‫ويرحل إىل حيث ال تدرين وال‬
‫سينطوي مع الذكريات وسييك أثر ذكرى مؤلمة بقلبك‪ ..‬آآه يا‬
‫مثىل‪ ،‬أكره هذا الفراق‪ ،‬أخافه ‪.‬‬
‫راي ال أحد يشعر بم لو اآلن ي‬
‫ثم نزلت دمعات عيونها منسدلة عىل خديها‪ ،‬انتبهت من حوارها‬
‫الحزين عىل صوت أصدره ملو يشوبه الشجن معلوم لدى باتريك‬
‫يغ منه مدى تألمه لبعده عنه‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫أقبل عليهم موجها حديثه لتنينه‪ :‬ملو عزيزي كيف حالك اليوم‬
‫أيها البطل؟‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ثم نظر إىل أمندا محاوًل إزالة الحزن عنها ببعض الكلمات قائًل‬
‫التناني ر يف‬
‫رر‬ ‫تحد ممزوجة بلطف‪ :‬ما رأيك ر يف جولة مع‬
‫ٍ‬ ‫وبنظرة‬
‫أنحاء المملكة‪.‬‬
‫قالت وقد نظرت له نظرة ماكرة مقاربة لنظرته‪ :‬أظنك ترنو إىل‬
‫ً‬ ‫رر‬
‫تخافي الهزيمة إذا؟‬ ‫سباق ‪- .‬‬
‫‪ -‬أخاف أثر الهزيمة عليك‪.‬‬
‫وضحكت ‪.‬‬
‫‪ -‬ر‬
‫سيى عىل من منا‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪95‬‬
‫ه األخرى عىل ظهر راي‪ ،‬نظر‬ ‫وصعد عىل ظهر تنينه وصعدت ي‬
‫تحد ثم صاح‪ :‬هيا انطلق ملو دعنا‬‫ٍ‬ ‫االثنان إىل بعضهما نظرات‬
‫نتغلب عليهم‪.‬‬
‫كان الغرض من الجولة ر يف أنحاء المملكة التعرف عىل كل جوانبها‬
‫ورؤية تطور العمل ر يف السور الذي أمر به الملك ومعرفة أماكن‬
‫المداخل والمخارج‪.‬‬
‫الشاط الموجود بجنوب المملكة حيث أنه مملوء‬ ‫ئ‬ ‫نزلوا عند‬
‫باألحجار مختلفة األلوان وتسطع عليها أشعة الشمس مع ابتاللها‬
‫مشقة المعة تجذب الناظر إليها وماء‬ ‫بقطرات ماء البحر فتبدو ر‬
‫ً‬
‫البحر الذي كان هادئا ر يف حركته وصوته ‪.‬‬
‫ر‬
‫عي األفق إل ى الفراغ أمامها‪،‬‬ ‫وقفت أمندا يف مقابلة البحر ناظرة ر‬
‫اا‬
‫تنهدت بقوة فقاطع صمتها باتريك قائًل‪ :‬أظنه يشبهك ‪.‬‬
‫‪ -‬من؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬البحر يبدو لطيفا وهادئا ولكن داخله عميق وقوي وغامض‬
‫ر‬
‫الشء ‪.‬‬
‫بعض ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫أظنن أتصف بالغموض‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ال‬
‫‪ -‬بالعكس أنت ملكة الغموض؛ قناعك ورداؤك وكابك الموضوع‬
‫شء غامض ‪،‬حن من يراك يلمس‬ ‫ر‬
‫عليأسك يجعل كل ي‬

‫‪ | 96‬مملكةجريتفول‬
‫حية ما‬
‫هدوءك وإذا تحدث إليك علم قوتك‪ ،‬ولكن تأخذه ر‬
‫تجمعي ر ر‬
‫بي القوة والرقة ‪.‬‬ ‫رر‬ ‫سبب أنك‬
‫أم ‪.‬‬
‫‪ -‬فراق ي‬
‫‪ -‬كيف؟‬
‫أن الرجوع إىل أرضها ر يف‬ ‫أم من ر ي‬ ‫حي طلبت ي‬
‫‪ -‬أذكر ذلك اليوم ر ر‬
‫ً‬
‫الن كانت تشعر أنها‬ ‫زيارة لالطمئنان عىل أهلها وتحديدا أمها ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫أن أن يسمح يىل الذهاب معها لكنه‬ ‫يف حالة يرن لها‪ ،‬وترجت ر ي‬
‫رفض‪ ،‬وقتها بكت وكانت ستيك فكرة ذهابها ً‬
‫تماما لوال ما‬
‫ألما وحشة عليها‪.‬‬ ‫عي تنينتها وأن أمها تكاد أن تموت ً‬ ‫رأته رف ر ر‬
‫ي‬
‫صغية عىل فهم ما‬ ‫ر‬ ‫إىل وقالت‪ :‬أعلم أنك‬ ‫مغ وتحدثت ي‬ ‫جلست ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ولكن سأذهب يف زيارة رسيعة إىل جدتك وأعود إليك‬ ‫ي‬ ‫عزيزن‬
‫ي‬ ‫يدور‬
‫ر يف القريب العاجل ‪.‬‬
‫ذهان معك؟‬ ‫أن ر ي‬ ‫قلت‪ :‬لماذا يرفض ر ي‬
‫تكيين ‪.‬‬‫ستعلمي عندما ر‬ ‫رر‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫أضلغ صوتا من شدة حضنها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫احتضنتن بقوة حن أصدرت‬ ‫ي‬
‫الصغية وقالت يىل‪:‬‬ ‫ر‬
‫الزم‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫أكتاف‬
‫ي‬ ‫وشعرت بدموعها منهمرة عىل‬
‫دفعن‬ ‫ر‬ ‫إياك أن تفارقيه‪ ،‬أعلم أنك قوية وأنك عونه وهذا ما‬ ‫أباك‪ِ ،‬‬
‫ي‬
‫للذهاب خلفك لتحريره من أرس الرتيس‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪97‬‬
‫علمت سبب رفض أبيك لذهابك؟‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬قال باتريك‪ :‬وهل‬
‫‪ -‬مملكتنا ر يف عقول من يريدنا‪ ،‬ال يمكن أن يعلم رسها أحد؛ لذا‬
‫ا‬
‫يحدث فقدان للذاكرة عند الخروج منها‪ ،‬قد يكون كامًل أو‬
‫جزئيا وال يمكن إخبار أحد عنها حن ال يذهب رس الماء األزرق‬ ‫ً‬
‫ر‬
‫ينبغ‬ ‫صغية ال ر ر ر‬
‫أمي ربي ما ي‬ ‫ر‬ ‫ورس القالدة وكنت وقتها طفلة‬
‫قوله وما ال يقال‪ ،‬فكان من الممكن أن أتحدث أمام الناس‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫لكون طفلة ال أدرك األمور جيدا‪ ،‬وبعد أن‬ ‫ي‬ ‫أم‬
‫هناك بأرض ي‬
‫وأوصتن أن أحتفظ بها‬ ‫ر‬ ‫أم القالدة أعطتها يىل‬
‫ي‬ ‫استخدمت ي‬
‫بتغي االسم المكتوب عليها ولكن لم نستطيع قراءته‬ ‫وتفاجأنا ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫برغبن يف التعرف‬‫ي‬ ‫حن أتيت أنت إىل هنا‪ ،‬يف البداية شعرت‬
‫ر‬
‫تحدثن‬ ‫أم‪ ،‬تمنيت أن‬
‫ي‬ ‫عليك والتقرب منك ألنك من أرض ي‬
‫أم‪،‬‬‫عن هذه األرض وعن ما بها‪ ،‬شعرت أن هناك أمل أن أرى ي‬
‫ً‬
‫وه الرحيل لرؤية‬ ‫أم ي‬ ‫ولكن أنت أيضا فكرت بنفس طريقة ي‬
‫أهلك‪ ،‬لذلك كنت أنهاك عن ررسب الماء األزرق يك ال تتذكر‬
‫ً‬
‫شيئا ولكن هذا هو ما آل إليه األمر‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخرجت من ثيابها جهازا به أزرار وحافظة نقود ‪.‬‬
‫الن كانت معك عندما أتيت إىل‬
‫‪ -‬هاك باتريك تلك حاجياتك ي‬
‫هنا ‪.‬‬
‫ر‬
‫الشء؟‬
‫‪ -‬وماذا يكون هذا ي‬

‫‪ | 98‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫‪ -‬ال أدري كان مضيئا ر يف البداية ومكتوب به أشياء تشبه األرقام‪،‬‬
‫اإلرساىل هنا نستخدمه لالجتماعات‬
‫ي‬ ‫أظنه يشبه جهاز البنات‬
‫ونحوها ‪.‬‬
‫صغية بها صورته ومكتوب بها‬
‫ر‬ ‫فتح حافظة النقود ووجد بطاق ة‬
‫ر‬
‫اسم بالل‪ ،‬ووجد بها صورة للطفلة ال ين رآها يف مخيلته وصورة‬
‫لسيدة تتقارب مالمحها من مالمحه‪.‬‬
‫قالت أمندا‪ :‬أظنها الوالدة ‪.‬‬
‫رر‬
‫بحني وأحس أنه يألف‬ ‫قرب ها منه ونظر إليها وإىل عينيها شعر‬
‫ئ‬
‫تمتىل بالعاطفة ال أستطيع ترجمة ما يدور‬ ‫وجهها فقال‪ :‬إنها‬
‫بداخىل اآلن ‪.‬‬
‫ي‬
‫قالت‪ :‬أعذرك وأشعر بما تشعر به ‪.‬‬
‫ثم استدارت إىل البحر مرة أخرى وصمتت‪ ،‬مال باتريك ر يف تجاهها‬
‫ر‬ ‫اا‬
‫أنن لن أذهب دونك ‪.‬‬ ‫وبنية هادئة ضاحكة‪ :‬ماذا لو ر‬
‫أخيتك ي‬ ‫قليًل ر‬
‫‪ -‬ماذا؟‪ ...‬ر ي‬
‫وأن؟‬
‫ً‬
‫وخافضا لآلخر بمزاح مرح منه‪:‬‬ ‫قال مح ًركا حاجبيه ر ً‬
‫افعا أحدهما‬
‫هو نفسه صاحب هذا االقياح ‪.‬‬
‫‪ -‬ال أظن بل أنت تمزح!‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪99‬‬
‫ي‬
‫ر‬
‫لتساعدين‬ ‫مغ ر يف هذه الرحلة‬ ‫ر‬
‫تكون ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬أقسم لك أنه اقيح أن‬
‫عىل التذكر ونحاول ً‬
‫معا العثور عىل والدتك ومقابلتها‪.‬‬
‫أمسكت يده بحركة عفوية متشبثة بها بقوة قائلة والفرحة تمأل‬
‫صوتها‪:‬‬
‫خي سمعته باتريك ‪.‬‬
‫هذا أجمل ر‬
‫ثم انتبهت لمسكتها ليده‪ ،‬نظرت إىل يدها وقد اتسعت عيناها‬
‫وسحبت يدها من يده‪ ،‬تصنعت بعض السعال تتدارك به حرجها‬
‫وه تمشط المكان بعيونها‪ :‬أين راي؟ نريد‬
‫البالغ الذي انتابها قائلة ي‬
‫أن نعود للقضلقد تأخر بنا الوقت ‪.‬‬
‫ً‬
‫حرجا‬ ‫ضحك باتريك بقوة حن أن صوت ضحكته جعلها تزداد‬
‫ولم تنظر إليه‪.‬‬
‫عادا إىل القض ليجدا الحاكم بانتظارهما‪ ،‬قال لهما‪ :‬أين كنتما؟ لقد‬
‫بحثت عنكما ر ً‬
‫كثيا‪.‬‬
‫أخي السيدة أمندا باتفاقنا ‪.‬‬
‫أجابه باتريك‪ :‬كنت ر‬
‫دخلت أمندا متلهفة إىل أحضان أبيها ‪.‬‬
‫ً‬
‫أن عىل هذا القرار‪ ،‬أحبك جدا أعدك لن أخذلك وسأعود‬‫‪ -‬أشكرك ر ي‬
‫بأم‪.‬‬
‫لك ي‬
‫وطبعت قبلة عىل خد والدها ‪.‬‬

‫‪ | 100‬مملكةجريتفول‬
‫حبيبن أثق بك وأعلم مدى ذكائك وحسن تضفك‪ ..‬اجلسا‬‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫تحضيكما للذهاب لهذه‬
‫ر‬ ‫أخيكما ً‬
‫أمرا ما‪ ،‬يجب‬ ‫أنتما االثنان أريد أن ر‬
‫األرض فثيابكما ال تليق بهم هناك‪ ،‬لقد قمنا بصناعة ثياب لكما‬
‫تختيا‬
‫الن جاء بها باتريك وأمك من هناك‪ ،‬أ ريد أن ر‬
‫تشبه المالبس ي‬
‫القياس وتجرباها ‪.‬‬
‫وطلب من الحراس أن ينادوا الخياط الذي حاك لهما المالبس‪،‬‬
‫طلب منه إعطائهما تلك المالبس‪ ،‬ذهبا إىل الغرف الرتدائها ‪.‬‬
‫كانت ثياب باتريك عبارة عن قميص بأزرار أمامية لونه أبيض فوقه‬
‫الكحىل يظهر منه ياقة القميص باألعىل‪،‬‬ ‫كيةمن الصوف باللون‬‫رر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫وبنطالبن‪.‬‬
‫ي‬
‫وطلب الملك من الحالق قص شعر رأسه وتهذيب لحيته ذات‬
‫الن تزيد من رجولته وسامة‪.‬‬ ‫ر‬
‫البن ي‬
‫الشعر ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وشاحا عىل رأسها‬ ‫أما عن ثياب أمندا فكان فستانا قرمزي اللون‬
‫ر‬
‫غي‬‫باللون السكري وأذن لها أبيها بيك القناع‪ ،‬كانت يف البداية ر‬
‫وتخف به عينيها‬‫ر‬ ‫معتادة أن تظهر دونه وتجذب طرف حجابها‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وجزءا من وجهها‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪101‬‬
‫ر‬
‫الن خرج فيها باتريك من جناح‬
‫نزلت أمندا الدرج يف نفس اللحظة ي‬
‫الضيافة‪ ،‬وما إن وقعت عينا كل منهما عىل اآلخر إال ولمعت نظرة‬
‫التغي‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫انبهارا بمدى‬ ‫عيونهما وتثبتوا ر يف أماكنهما‬
‫قال لها‪ :‬تبدين رائعة الجما ل كأنك فراشة ر يف بستان ‪.‬‬
‫أيضا تبدو بهيئة أنيقة كاألحالم‪.‬‬‫ً‬
‫قالت‪ :‬أنت‬
‫كانت التجربة جيدة وبدت المالبس عليهما منضبطة القياس ‪.‬‬
‫قال لهما الحاكم‪ :‬هذا أول جزء انتهينا منه‪ ،‬أريدكما أن تأخذا معكما‬
‫بعض الماء األزرق ليساعدكما عىل التذكر‪ ،‬أريدكما أن تتسلحا‬
‫ر‬
‫والتشيعات‪ ،‬أنتما فريق ولكن ال زال‬ ‫رر‬
‫للقواني‬ ‫باإليمان واالحيام‬
‫بينكما مسافات كونكما ال يقرب أحدكما لآلخر‪.‬‬
‫هز االثنان رأسيهما بالموافقة واالستيعاب لهذا الكالم‪ ،‬باتوا ليلتهم‬
‫تختلط المشاعر عليهم قلق وتوتر وشغف وتطلع إىل ما ستصل‬
‫األمور فيما بعد‪.‬‬
‫وأخي المراقبون‬ ‫ر‬ ‫ر يف الصباح تناوال وجب ة اإلفطار مع الحاكم‪،‬‬
‫حواىل ساعة واحدة‪.‬‬
‫ي‬ ‫الحاكم باقياب العاصفة بعد‬
‫عندما يتخذ اإلنسان قر ًارا مملوء بالمجازفة‪ ،‬ال يدرك كيف ستكون‬
‫يلف بنفسه ر يف الهاوية‪،‬‬
‫يغ هل يتوجه نحو النجاة أم ي‬ ‫العاقبة‪ ،‬وال ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وإنما الفيصل يف كل األمور تكمن يف المقاصد الدفينة بداخلنا فإن‬

‫‪ | 102‬مملكةجريتفول‬
‫كان المقصود ر ً‬
‫خيا هيئت األسباب وإن كانت تلك األسباب متحدة‬
‫جميعها ضد مرادك ‪.‬‬
‫أحضت‬ ‫طلب الحاكم منهما االستعداد بلباسهما‪ ،‬وجهز الماء‪ ،‬ثم ر‬
‫أمندا القالدة‪ ،‬خرجوا إىل الساحة ودع باتريك ملو الذي شعر ر يف‬
‫عينيه بالحزن بقوله‪ :‬ال تقلق يا صديف سوف أعود إليك ً‬
‫قريبا‪.‬‬ ‫ي‬
‫وودعت أمندا أبيها بحضن عميق ثم هوت عىل يديه تقبلها ‪.‬‬
‫ه العاصفة تقيب‪ ،‬حن أخذت شكل دوامات دائرية‬ ‫وها ي‬
‫متصاعدة نحو السماء‪ ،‬أمر الحاكم ابنته بفتح القالدة وبمجرد أن‬
‫ضون أبيض كأنه ضوء وميض يسطع‬ ‫ئ‬ ‫فتحتها حن خرج منها شعاع‬
‫ي‬
‫بقوة ويأخذ بشدته األبصار‪ ،‬وأثناء وضع الحاكم يده لتفادي وقوع‬
‫ً‬
‫الضوء عىل عينيه انعكست األشعة عىل خاتمه مما جعل ه أيضا‬
‫يتأثر كالقالدة فقال البنته‪:‬‬
‫فىه طريق عودتك ‪.‬‬ ‫ر‬
‫وحافط عليها ي‬
‫ي‬ ‫خذي القالدة معك‬
‫بشء سوى االرتفاع‬ ‫ر‬
‫ه وباتريك داخل الدوامة ولم يشعرا ي‬ ‫دخلت ي‬
‫لألعىل ودوار مستمر بال توقف‪ ،‬أخذت العاصفة مدة دقائق‬
‫وفجأة هدأت وعم السكون‪ ،‬وقد كان هدوء ما بعد العاصفة يحل‬
‫عىل المكان‪.‬‬
‫إىل أرض الناس ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪103‬‬
‫الن سلطت أشعتها عىل وجهه‬ ‫استفاق باتريك عىل حرارة الشمس ي‬
‫ليجد نفسه ر يف أرض صحراء بها رمال‪ ،‬يرفع عينيه لينظر أمامه‬
‫الجية‪ ،‬لحظات ليستوعب عقله األمر وما إن‬ ‫رر‬ ‫ويجد أهرامات‬
‫نهض من مكانه وجد بجواره عىل بعد بضعة أمتار فتاة جميلة‬
‫واقعة عىل األرض حاول إفاقتها ‪.‬‬
‫‪ -‬أنت‪ ...‬يا آنسة‪.‬‬
‫استفاقت مع إيقاظه لها‪.‬‬
‫‪ -‬باتريك أين نحن اآلن؟‬
‫‪ -‬ال أنت مخطئة ر يف االسم أنا بالل‪ ،‬نحن بالقاهرة‪ ،‬هذه أهرمات‬
‫الجية‪ ،‬هل معك جهاز نقال؟ قالت‪ :‬ال أفهم ننقل به ماذا؟‬‫رر‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫ضحك وقال‪ :‬أنت مخطئة أقصد جهازا محموًل‪.‬‬
‫نظرت له نظرة تعجب استفهامية تعلوها البالهة‪ ،‬أضحكته‬
‫اا‬
‫وفجأة توقف عن الضحك ونظر لها قائًل‪ :‬ما هذه اللغة ي‬
‫الن‬
‫نتحدث بها؟ أنت غريبة عن المكان هنا؟؟‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫ثم استمر يف كالمه قائًل‪ :‬حن لو ِ‬
‫كنت غريبة أيضا لماذا أتحدث أنا‬
‫بلهجتك؟‬
‫استوعبت أمندا فقدانه للذاكرة لما حدث معه بأرضها‪ ،‬شعرت‬
‫بضيق لعدم تذكره لها ولكن ليس هناك وقت لهذه المشاعر اآلن‪،‬‬

‫‪ | 104‬مملكةجريتفول‬
‫وه‬
‫البد من إنقاذ الموقف‪ ،‬أخرجت الماء األزرق وقالت له بحنق ي‬
‫تدفع الزجاجة نحوه‪ :‬تفضل رارسب من هذا ‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬أنا ال رأرسب أشياء غريبة‪ ،‬ما هذا اللون األزرق؟ أهو نوع من‬
‫الخمور؟ أم مألتها من البحر ؟ وضحك‪.‬‬
‫‪ -‬ال هذا نوع من الدواء طيب الطعم يساعد عىل االسيخاء‬
‫والراحة‪ ،‬قد يساعدك ر يف حالتك تلك ولكن إن لم تكن ترغب‬
‫فال بأس‪.‬‬
‫وحركت يدها بالزجاجة نحو الحقيبة لتدسها بداخله ولكنه‬
‫أنن ر يف حالة عدم‬ ‫قائ اًل‪ :‬إن كان كذلك فال بأس أظن ر‬‫ا‬
‫قاطعها‬
‫ي‬
‫استيعاب‪ ،‬ال أعلم كيف أتيت إىل هنا ولماذا؟‬
‫اا‬
‫ناولته تلك الزجاجة‪ ،‬وبعد أن ررسب منها حن نظر إىل أمندا قائًل‬
‫باستفاقة ودهشة‪:‬أمندا!!‬

‫التقطت نفسها بعمق ورفعت رأسها لألعىل قائلة‪ :‬يا ي‬


‫إلىه لقد‬
‫مغ‪.‬‬ ‫تذكرتن ر ً‬
‫ر‬
‫أخيا ‪ ،‬كدت أن أحبط بسبب رد فعلك ي‬ ‫ي‬
‫أظنن كنت ر يف حلم‪.‬‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫قال لها‪ :‬أتذكر بعض األشياء بصعوبة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واقعا وأنا اآلن معك بأرضك وال أعرف شيئا هنا‬ ‫قالت‪ :‬ال‪ ..‬كان‬
‫والأستطيع التحدث بطريقتكم ‪.‬‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬إذا أنت فعًل غريبة عن أرضنا‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪105‬‬
‫شء ‪.‬‬‫ر‬ ‫قالت‪ :‬هيا لنذهب من هنا وأثناء ر‬
‫سأخيك بكل ي‬
‫ر‬ ‫سينا‬
‫سيهما قصت عليه جميع ما حدث‪ ،‬كان‬
‫تحركا من مكانهما وأثناء ر‬
‫الكثي‪،‬‬
‫يتذكر بعض األمور بسبب الذاكرة المتقطعة معه وال يتذكر ر‬
‫حن انتهت من كالمها ‪.‬‬
‫بين؟‬ ‫ر‬
‫مغ إىل ي‬
‫‪ -‬معن ذلك أنك ستعودين ي‬
‫‪ -‬ألديك حل آخر؟‬
‫‪ -‬ال ولكن ماذا سأقول لوالداي؟‬
‫معقبا بتهكم ر يف استعراض عىل اعتبار ما سيكون ر يف اللقاء‬
‫ً‬ ‫وأكمل‬
‫مغ للبيت وستبيت هنا هاهاها‪،‬‬ ‫صديقن أتت ي‬‫ي‬ ‫معهم‪ :‬هذه‬
‫يقولون بالل الذى يأمرنا وينهانا عائد إىل البيت بصديقته ؟‬
‫ويبتسم بعد كل سؤال ‪.‬‬
‫ً‬
‫تائها ر يف مكان أو‬
‫جيدا‪ ،‬ستقول أنك كنت ً‬ ‫ر‬
‫اسمعن‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬باتريك‬
‫أنك خطفت من األعداء ‪.‬‬
‫تعجن‬
‫ري‬ ‫قاطعها بأسلوب‬
‫مضحك‪:‬أعداء؟ قالت بصيغة‬
‫تعجبية‪ :‬أليس لك أعداء؟! تبسمت‬
‫تبسم المغتاظ ثم تابعت كالمها‪:‬‬
‫وأن كنت معك بالمكان‬‫ر‬ ‫ر‬
‫دعن أكمل‪ ،‬ي‬‫ي‬

‫‪ | 106‬مملكةجريتفول‬
‫وحدث يىل فقدان للذاكرة وأنا غريبة‬
‫أهىل‬
‫مغ عن ي‬‫وأنت تحاول أن تبحث ي‬
‫ر‬
‫وتساعدن‪.‬‬
‫ي‬
‫قال لها‪ :‬فكرة جيدة لكن تحتاج إىل تخطيط جيد‪ ،‬أنا عندي فكرة‬
‫أخن سها تحب كتابة القصص سأطلب منها أن تضبط‬ ‫إضافية‪ ،‬ي‬
‫قلن كم اشتقت إىل ابنتها‪.‬‬
‫فىه تحفظ رسي وقريبة من ر ي‬ ‫األمر لنا ي‬
‫الن تنتقلون‬ ‫رر‬
‫التناني ي‬ ‫وه تبحث ر يف المكان من حولها‪ :‬أين‬
‫قالت ي‬
‫عليها هنا؟‬
‫قال سائال بطريقة بلهاء‪:‬‬
‫كالم‬ ‫رر‬
‫تناني؟؟ ‪ -‬يبدو لك كل ي‬
‫ً‬
‫غريبا‪.‬‬
‫‪ -‬ال ولكن ليس لدينا هنا ر ر‬
‫تناني‪ ،‬نتنقل بواسطة السيارة ‪.‬‬
‫قالت متسائلة‪ :‬وماذا تكون تلك‬
‫الوسائل؟ أشار إىل سيارة وقال‪ :‬تلك‬
‫ه‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معدنيا مثل هذا؟ وكيف يتحرك؟!‬ ‫‪ -‬كيف أركب شيئا‬
‫ثم أردفت قائلة‪ :‬هل المعادن ر يف أرضكم حية؟‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪107‬‬
‫‪ -‬ال ليست حية ولكنها من صنع اإلنسان الذي وهبه هللا العقل‬
‫لك يصنع ما يفيده وييش له حياته ‪.‬‬
‫التفكي ي‬
‫ر‬ ‫وألهمه‬
‫ً‬
‫شكرا لك عىل المعلومات‪.‬‬ ‫‪ -‬فهمت‪..‬‬
‫‪ -‬عىل الرحب والسعة أيتها الغريبة ‪.‬‬
‫ردت بتلقائية‪ :‬أمندا‪.‬‬
‫قال بمزاح‪ :‬ر‬
‫تشفنا ‪.‬‬
‫الن ما إن‬
‫ثم استقل سيارة وطلب من السائق إيصاله لعنوان أخته ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫حبين كيف‬
‫ري‬ ‫رأته بعد أن طرق بابها إال وضخت فرحا‪ :‬بالل ي‬
‫أج‬
‫ر‬
‫أن لن ألقاك‬
‫بخي؟ ظننت ي‬ ‫حالك؟ وتعلقت برقبته‪ :‬هل أنت ر‬
‫ا‬
‫بأم أبلغها رجوعك‬‫ثانية‪ ،‬أين كنت طول هذه الفية؟ سأتصل ي‬
‫ا‬
‫حاًل‪.‬‬
‫مغ ضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬ال انتظري يا سها ي‬
‫فنظرت وراءه إذا بها أمندا تتابع اللقاء وتتأمله‪ ،‬نظرت أخته بقلق‬
‫وتردد ر يف الكالم‪:‬‬
‫تفففضىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ضضضيفة آه‬
‫ثم جذبت بالل من ذراعه مقربة فمها إىل أذنه‪ :‬أين كنت؟ ومن‬
‫هذه؟ ماذا فعلت؟‬

‫‪ | 108‬مملكةجريتفول‬
‫أعطيتن فرصة أتكلم؟ وسأجيب عن كل تساؤالتك منذ أن‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬هال‬
‫ي‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫رر‬ ‫ر‬
‫اصيي قليًل‬
‫تعطينن فرصة للرد‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫تسألي وال‬ ‫أيتين‬
‫ر ي‬
‫ا‬
‫وأجلسينا أوًل‪.‬‬
‫قالت‪ :‬تفضال ر يف غرفة الضيوف ‪.‬‬
‫وه ال تستطيع تمالك نفسها‪ ،‬تتحرك بتوتر وكلتا‬ ‫جلست سها ي‬
‫تمتىل أسئلة وقبل أن تفتح فمها بالسؤال مرة أخرى بادرها‬ ‫ئ‬ ‫عينيها‬
‫بالل بالحديث‪ :‬سأقص لك قصة أغرب من الخيال ومع األدلة‬
‫ً ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫تخيي أحدا‬
‫عدين أال ر‬
‫ي‬ ‫ين لكن‬ ‫لتصدق ي‬
‫يخيها أنها مملكة ر يف أرض مختلفة عن األرض‬
‫قص القصة لكن لم ر‬
‫أخيها بأنها‬
‫والعن رس الماء األزرق والقالدة ألنه رس المملكة ولكن ر‬
‫بالد بعيدة وال يدري كيف سافر إليها أو من يكون هؤالء الناس ‪.‬‬
‫ظلت ر يف حالة من عدم االستيعاب والذهول فاعيض تعجبها‬
‫اا‬
‫الصامت قائًل‪ :‬خذي أمندا ليتاح‪ ،‬عامليها معاملة الملوك يا سها‪.‬‬
‫مغ‬
‫تفضىل ي‬
‫ي‬ ‫ه األخرى وقالت‪ :‬ال تقلق‬‫وضحك‪ ،‬ضحكت أخته ي‬
‫عزيزن ‪.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ه ال تعرف لغتنا ولن تستطيع التواصل معك جيدا‪.‬‬
‫تنش ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ال‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪109‬‬
‫تاج وأتت لها بمالبس لتبدلها ل ترتاح‬
‫تفضىل لي ي‬
‫ي‬ ‫أشارت إليها أن‬
‫حي جلس بالل يشاهد التلفاز ويتعرف عىل أخبار العالم‬ ‫رف ر ر‬
‫ي‬
‫المنقطعة عنه منذ ما يقارب شهرين ‪.‬‬
‫كانت سها قد دلفت إىل المطبخ لتعد الطعام فبادرها بالل‬
‫بالحديث بصوت يصل إىل أذنيها ر يف المطبخ وهو جالس عىل‬
‫األريكة يشاهد التلفاز‪ :‬ال زال العالم ر يف ضياع وظلم وحروب وف‬
‫العرن؟!‬
‫ري‬ ‫قر ومرض‪ ،‬ما هذا األلم الذي ألم بالمجتمع‬
‫‪ -‬ليس بجديد علينا ما تشاهده اآلن يا بالل فاألمر مستمر منذ‬
‫أعوام ‪.‬‬
‫بالخيات‬
‫ر‬ ‫وسج‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫اعذرين فقد عشت ر يف مكان عادل ومنظم‬‫ي‬
‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫والجميع يسغ لنهضته ‪.‬‬
‫‪ -‬وهللا عجيب هذا األمر‪ ،‬ر يف أي مكان عىل الخريطة يا بالل؟‬
‫اهتم بتأليف القصة‬‫ي‬ ‫‪ -‬ال أحب الجغرافيا‪ ،‬دعينا من المواقع‬
‫وأرسع ر يف إعداد الطعام‬
‫ي‬ ‫الن طلبتها منك اآلن يا ذكية األذكياء‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫أم جدا‪.‬‬ ‫أن أفتقد ي‬
‫فأنا أتضور جوعا كما ي‬
‫رني جرس الباب وقال‪ :‬سأفتح‬ ‫انتهت كلماته عندما سمع صوت ر ر‬
‫الباب‬
‫أنا ‪.‬‬

‫‪ | 110‬مملكةجريتفول‬
‫الصغية‪،‬‬
‫ر‬ ‫وعندما تقدم وفتحه كانت المفاجأة السعيدة لمريم‬
‫ً‬
‫حبين‬
‫ري‬ ‫اتسعت عيناها فرحا مطلقة بعض الصيحات‪ :‬ي‬
‫خاىل بالل‬
‫جن عىل‬‫حي ر‬ ‫أين كنت؟ وارتمت رف أحضانه الن قرب ها إليها ر ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ركبتيه وفتح ذراعيه‪ ،‬ظلت تقبله وتحتضنه فرحة به‪.‬‬
‫صغي ين كنت أمر بظروف ال تسمح يىل بالتواصل‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫سامحين‬ ‫قال‪:‬‬
‫ي‬
‫معكم ‪.‬‬
‫خاىل هل فقدت تليفونك المحمول؟‬
‫‪ -‬لماذا يا ي‬
‫ر‬
‫تليفون!!‬ ‫‪-‬‬
‫ي‬
‫وقد تذكر أنه معه ولكنه يحتاج إىل شحن ‪.‬‬
‫ئ‬ ‫…‬
‫كهربان لشحن التليفون‪.‬‬
‫ي‬ ‫سها أحتاج إىل شاحن‬
‫التفت خلفه ليجد أمندا تتابع الذي دار بينه ر ر‬
‫وبي مريم بسعادة ‪.‬‬
‫وه تشب عىل أطرافها تتطلع‬
‫نظرت مريم من خلف كتف خالها ي‬
‫إىل الجميلة الواقفة في بيتهم ثم سألته‪ :‬من تكون؟ ‪ -‬صديقة ‪.‬‬
‫قالت وقد اتسعت حدقة عينيها متعجبة‪ :‬أتصادق الفتيات؟‬
‫‪ -‬ال ولكن لها ظروف خاصة تحتاج المساعدة اآلن ويجب أن‬
‫نقدم لهايد العون ‪.‬‬
‫ر‬
‫علمتن أن أساعد‬ ‫وه تهز رأسه ا بتحاذق‪ :‬نعم لقد‬
‫ي‬ ‫قالت ي‬
‫المحتاج‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‬
‫‪111‬‬
‫اا‬
‫الصغي لتصافحها قائلة‪ :‬أهًل‬
‫ر‬ ‫تقدمت نحوها ومدت كف يدها‬
‫بك‪ ،‬أنا مريم‪ ،‬ما اسمك؟‬
‫نظرت أمندا إىل بالل كأنها تستفهم منه ما قالته مريم‪ ،‬حدثها‬
‫بلهجتها لتفهم الكالم فابتسمت وقالت‪ :‬أمندا‪.‬‬
‫وه تهمس‬‫وه تمد يدها للمصافحة‪ ،‬نظرت مريم لخالها وقالت ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫عاضة عىل أسنانها‪ :‬لماذا لم ر‬
‫تخي ين أنها أجنبية كنت سأحدثها‬
‫رر‬
‫باإلنجليية ‪.‬‬
‫ضحك خالها بصوت مرتفع‪.‬‬
‫رر‬
‫باإلنجليية؟‬ ‫رر‬
‫وتستطيعي التحدث‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نعم لقد درست بالمدرسة كيفية السؤال عن االسم والعمر ‪.‬‬
‫رر‬
‫اإلنجليية‪.‬‬ ‫ه تتحدث لغة مختلفة عن‬ ‫‪ -‬ال ي‬
‫ً‬
‫قالت‪ :‬اممم إذا أحاول أن أتعلمها‪.‬‬
‫انحنت أمندا نحو مريم ً‬
‫قريبا من خدها لتطبع عليه قبلة رقيقة‬
‫وتبتسم‪.‬‬

‫وكتن‬
‫غرفن ر ي‬
‫ي‬ ‫مغ أريك‬
‫تعاىل ي‬
‫ي‬ ‫وه تسحبها من يدها‪:‬‬ ‫قالت مريم ي‬
‫أخيك ً‬
‫أمرا سأعلمك العربية‪.‬‬ ‫وألعان‪ ،‬ر‬
‫ري‬
‫لم تستوعب أمندا الكالم‪ ،‬كان رد فعلها االبتسام فقط ‪.‬‬

‫‪ | 112‬مملكةجريتفول‬
‫جاءت سها بجهاز الشحن إىل أخيها ووضع الجهاز بالشاحن‪ ،‬ثم‬
‫انتظر بضع دقائق قبل أن يفتحه ليجد وابل صيب من الرسائل‬
‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تنبيهيا متواصًل لمدة تزيد عن‬ ‫الن تندفع مرة واحدة مصدرة رنينا‬
‫ي‬
‫ر‬
‫العش دقائق‪.‬‬
‫تضع أخته الطعام وتدعو الجميع إىل المائدة‪ ،‬يجلسون ثم يمسك‬
‫بالل بالملعقة ويضع الطعام بفمه ثم يبادر أخته بسؤال‪ :‬ما ي‬
‫ه‬
‫أخبار زوجك؟‬
‫بخي والحمد هلل‪ ،‬لم يستطع نزول إجازته وترك عمله هذا الشهر‪،‬‬‫‪ -‬ر‬
‫سنضطر لالنتظار للشهر المقبل‪.‬‬
‫اا‬ ‫وه تقطع ر ر‬
‫خي ‪.‬‬
‫الخي وتناوله لبالل فيتناوله منها قائًل‪ :‬لعله ر‬ ‫ي‬
‫تقول بعد أن زفرت الهواء من صدرها‪ :‬لقد اعتدت عىل بعاده‬
‫تأن إجازته أشعر وكأنه زائر أوعابر‬
‫ووجوده مثل غربته‪ ،‬عندما ي‬
‫سبيل ال يهدأ له بال‪ ،‬يستيقظ ر يف مواعيد العمل‪ ،‬يريد الخروج من‬
‫ً‬
‫متضجرا من عدم تفرغ زمالئه‬ ‫ييل ثم يعود‬‫الميل‪ ،‬ما يلبث أن ر ر‬
‫رر‬
‫اا‬
‫متملمًل‪ ،‬تواصله مع مريم يتلخص‬ ‫لمالقاته‪ ،‬يجلس أمام التلفاز‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫يحضها لها‪ ،‬أما حالتها وصحتها ودراستها ال يعلم‬ ‫الن‬
‫يف الهدية ي‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً ر‬
‫أج عىل الجميع ولكن‬ ‫عنها شيئا‪ ،‬ضيبة الغربة غالية جدا يا ي‬
‫األكي عىل الزوجة وخصوصا إن كانت ًأما‪ ،‬ت خطف الغربة‬ ‫العبء ر‬

‫‪ | 113‬مملكةجريتفول‬
‫سنوات شبابنا‪ ،‬نتواصل من وراء األجهزة‪ ،‬نعتاد عىل تلفظ كلمات‬
‫تعي عن مشاعر االشتياق‪ ،‬قد تكون ر يف البداية مليئة باإلحساس‬
‫ر‬
‫ولكن بمرور األيام نألف الوضع وتخرج الكلمات كوضع منتظم‬
‫معا‪ ،‬عندما أمرض وال أجده‬ ‫كروتي كلما تحدثنا ً‬
‫رر‬ ‫اعتدنا عليه‬
‫ابنن وأضطر أن أقوم بجميع األدوار‬ ‫ي‬ ‫بجواري وعندما تنج ح‬
‫ر‬
‫إلسعادها‪ ،‬عندما نجتمع مع العائلة ف مناسبة أو نزهة أشعر ر‬
‫وكأنن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وأتمن لو كان بجواري‬ ‫نفش‬
‫ي‬ ‫اف‪ ،‬أستند عىل‬
‫مبتورة من إحدى أطر ي‬
‫أستند عليه‪ ،‬أنظر إىل صور الذكريات مع الجميع ال أجده بجواري‬
‫أن أقل فرد يطلب أو يحتاج إىل المادة ر يف البيت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يف أي منهم ومع ي‬
‫أن إن تناقشت أو اعيضت عىل بعاده يكون الرد "أسغ ألجل‬ ‫ر‬
‫إال ي‬
‫ر‬
‫وحاضي‬ ‫مستقبىل‬
‫ي‬ ‫تأمي مستقبلكم" كيف سيؤمن‬ ‫راحتكم ألجل ر ر‬
‫ر‬
‫الحاض أما المستقبل ال أعلم حن إن‬ ‫من‪ ،‬أحتاج إىل إعمار‬‫ر‬ ‫رر‬
‫ميوع ي‬
‫كنت سأتواجد فيه أم ال ‪.‬‬
‫ربت بالل عىل كتفها واحتضن يدها ليبث لها بعض االطمئنان‬
‫اا‬
‫قليًل وأنا يىل حديث‬ ‫وليخفف من حدة ألمها وقال‪ :‬ر‬
‫اصيي معه‬
‫مرض للجميع‪.‬‬‫معه بإذن هللا سنصل إىل حل ر‬
‫ي‬
‫بكثي مما أنت عليه اآلن‪.‬‬
‫بإذن هللا سيكون الوضع أفضل ر‬
‫لتغيي دفة الحوار يك ال تذرف دمعاتها أمامهم‪:‬‬
‫ر‬ ‫أكمل ر يف محاولة منه‬

‫‪ | 114‬مملكةجريتفول‬
‫فكرت ر يف قصة؟‬
‫ِ‬ ‫ر ر‬
‫ين هل‬
‫أخي ي‬
‫حركت مقلتي عينيها واستغرقت تسيجع بذهنها ي‬
‫وه تضع قطعة‬
‫من الخيار ر ر‬
‫بي إصبعيها وتدسها بداخل فمها ثم حركت رأسها‬
‫باإليجاب‪:‬‬
‫نعم‪...‬‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫خارجا وأثناء عبوركما‬ ‫ثم رفعت أحد حاجبيها‪ :‬سنقول أنك كنت‬
‫ر‬
‫ه‬‫لطريق ما حدث لكم حادث تسبب يف فقدانك الذاكرة وفقدت ي‬
‫شء ألنها غريبة عن‬ ‫ر‬
‫وسائل تواصلها ولم تستطع التعرف عىل أي ي‬
‫حي تعافيت‬‫البالد‪ ،‬ثم أخذكم رجل عنده هذه المدة الماضية‪ ،‬إىل ر ر‬
‫وتذكرت‪ ،‬وأنت اآلن تساعدها ر يف البحث عن أهلها ‪.‬‬
‫الن كانت تضع معلقتها عىل الطاولة‪،‬‬
‫قال وهو ينظر إىل أمندا ي‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫منديًل من القماش تجفف به فمها ر‬
‫لييل أثر الطعام‪ :‬إذا‬ ‫وتمسك‬
‫فليستعد الجميع لنذهب إىل البيت ‪.‬‬
‫ثم وجه الحديث إىل سها مرة ثانية‪ :‬هل سيارتك تعمل أم كالعادة‬
‫بها أعطال؟‬
‫ً‬
‫جيدا لقد قمت بصيانتها منذ أسبوع واحد فقط ‪.‬‬ ‫تعمل‬ ‫‪-‬‬
‫خي عظيم يا دكتورة‪.‬‬ ‫ً‬
‫رد مازحا‪ :‬اللهم لك الحمد هذا ر‬
‫وامتأل المكان بالضحكات ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪115‬‬
‫توجهوا إىل بيت أبيه بالسيارة‪ ،‬توىل بالل القيادة وبجواره أمندا‬
‫سيهم ر يف الطريق‪ ،‬كانت أمندا ر يف‬
‫وأخته وابنتها بالخلف وأثناء ر‬
‫حالة من االنبهار بكل ما تراه من أدوات حديثة وشاشات عرض‬
‫ومبان شاهقة ووسائل مواصالت مختلفة ومحطات وأخذت‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫كثية‬ ‫تتحدث مع بالل‪ :‬إن هذا العالم جميل وبه من التطور أشياء ر‬
‫تساعد عىل رسعة أداء المهام واالنتفاع بها‪ ،‬كم أنتم محظوظون‬
‫بهذه التطورات ‪.‬‬
‫تنش أن األصل‬
‫ي‬ ‫فىه وسائل نافعة لكن ال‬
‫نعم يا أمندا ي‬ ‫‪-‬‬
‫ر يف هذه األشياء هو طريقة استغالل وانتفاع اإلنسان بها‪ ،‬فقد‬
‫تغي ر يف‬
‫شء وقد عانينا من ر‬ ‫ر‬
‫تتحول إىل وحش مدمر يهدم كل ي‬
‫القيم والثوابت ‪.‬‬
‫دام الحوار بينهما عدة دقائق ثم انتبهوا أنهم قد وصلوا إىل البيت‬
‫بين ‪.‬‬‫أشار بيده‪ :‬هناك عىل الجانب‪ ،‬هذا ي‬
‫رر‬
‫متقابلي‬ ‫صغية ر يف مقدمته تنقسم إىل جزأين‬
‫ر‬ ‫للن ت حديقة‬‫كان ر ي‬
‫ينتىه إىل بضع درجات‬
‫ي‬ ‫الخارج‬
‫ر ي‬ ‫بواسطة ممر ممتد من أول الباب‬
‫مطىل باللون األسود‪ ،‬زين‬
‫ي‬ ‫يعلوها باب البيت مصنوع من المعدن‬
‫ببعض النقوش الفضية‪ ،‬تهيأ بالل لللقاء وأشواقه تتسابق مع‬
‫نبضاته‪ ،‬عيونه ميقبة ليقرها بالنظر إىل أحبته وأذرعه تتوق إىل‬
‫التصي ولكن‬ ‫معان الحياة‪ ،‬يجاهد نفسه عىل‬ ‫ر‬ ‫عناق يرد لها كل‬
‫ر‬ ‫ي‬

‫‪ | 116‬مملكةجريتفول‬
‫الداخىل عليه جعله يضع يده عىل جرس الباب دون‬ ‫ي‬ ‫إلحاحها‬
‫ر‬
‫غي مسبوقة منه‪ ،‬حن فتحت له سيدة يبدو عىل‬ ‫انقطاع يف لهفة ر‬
‫وجهها السماحة والهدوء ‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بن ‪.‬‬
‫قالت بدهشة‪ :‬الباشمهندس بالل حمدا هلل عىل سالمتك يا ي‬
‫سلمك هللا يا خالة سلوى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ه مربيته ر يف صغره ‪.‬‬
‫ليخيها أن تلك ي‬
‫ر‬ ‫أشار إىل أمندا‬
‫سيدن‬
‫ي‬ ‫المىلء بالسعادة قائلة‪:‬‬
‫ي‬ ‫ثم انطلقت إىل الداخل بصوتها‬
‫سيدن وفاء لقد عاد المهندس بالل‪.‬‬
‫ي‬ ‫وفاء‬
‫تصىل الظهر‬
‫ي‬ ‫أقبلت أمه مشعة من الداخل‪ ،‬سيدة وقورة كانت‬
‫خضاء وبيدها‬ ‫مرتدية زي الصالة‪ ،‬إسدال أبيض فيه نقوش ر‬
‫المسبحة ترتدي نظارة وتحتضن كتاب هللا ر ر‬
‫بي ذراعيها‪ ،‬يبدو أنها‬
‫كانت تقرأ القرآن ‪ .‬ما إن رأته حن تسارعت أشواق األم الحنون‬
‫الن فاضت عىل‬ ‫تزاحم لهفة قلبها وتتسابق مع دمعات عيونها ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫عين‬
‫قلن وقرة ي‬ ‫ابن حبيب ر ي‬‫وجنتيها‪ ،‬توترت أحبال صوتها ترقص‪ :‬ي‬
‫اللهم لك الحمد اللهم لك الحمد‪.‬‬
‫ً‬
‫الن شعر باشتياقه لها وكأنه‬ ‫بالل وهو يتقدم مشعا إىل أحضانها ي‬
‫كالغريق يبحث عن نجاته‪ ،‬يبحث عن دفء أحضان لطالما شعر‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫حان حن وإن لم يتذكرها لكن‬ ‫شء مهم يف حياته وقلب ي‬ ‫بافتقاد ي‬

‫مملكةجريتفول |‪117‬‬
‫ر‬ ‫رر‬
‫بن لقد رددت إىل‬ ‫بالحني‪ ،‬احتضنته قائلة‪ :‬آه يا ي‬ ‫قلبه كان يشعر‬
‫قلن الذي هام ر يف صحراء الحزن من بعد غيابك يا حبيب أمك‬ ‫ري‬
‫يخذلن جل فر‬ ‫ر‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وبكان‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫ورجان‬
‫ي‬ ‫دعان‬
‫ي‬ ‫وقرة عينها لم يضيع هللا‬
‫إىل‪.‬‬ ‫ر‬
‫ابن سيعود ي‬ ‫عاله عندما كنت أقول أنا موقنة أن ي‬
‫اا‬
‫مقبًل‪ ،‬ثم إىل قدميها ودموعه تجري من عينيه‬ ‫هوى نحو يديها‬
‫ً‬
‫دون أن يتمكن من السيطرة عليها‪ ،‬ثم وقف ماسكا بيده رأسها من‬
‫جاذبا رأسها إىل أحضانه ليسألها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫طابعا قبلة عىل جبينها‬ ‫الخلف‬
‫أخي ر ين أنت‬‫حبين‪ ،‬بل ر‬ ‫بخي يا ر ي‬ ‫أم؟ ‪ -‬اآلن أصبحت ر‬ ‫كيف حالك ي‬
‫كيف حالك؟ أين كنت؟ ماذا حدث معك؟‬
‫شء ر يف وقته‪ ،‬أ يم أقدم‬ ‫ر‬
‫بخي وهلل الحمد‪ ،‬سأقص لك كل ي‬ ‫‪ -‬أنا ر‬
‫لك أمندا ‪.‬‬
‫ً‬
‫لتتغي نظراتها قلقا‪،‬‬
‫ر‬ ‫رفعت أمه وجهها ليى أمامها الجميلة أمندا‬
‫ابنها غاب ثم عاد ومعه فتاة جميلة إىل بيتها ‪.‬‬
‫‪ -‬مرحبا أمندا ‪.‬‬
‫ر‬
‫ظروف ولكنها غريبة عن هنا ال‬
‫ي‬ ‫‪ -‬هذه فتاة مسكينة مرت بنفس‬
‫تستطيع التحدث بلغتنا أو فهم كالمنا محتاجة ليد العون يك‬
‫تصل إىل أمها ‪.‬‬
‫حبيبن كم أنت جميلة!‬
‫ي‬ ‫‪ -‬ال حول وال قوة إال باهلل يا‬

‫‪ | 118‬مملكةجريتفول‬
‫تحدث بالل إىل أمندا بلغتها‪ :‬إنها ترحب بك وتأثرت لقصتك ً‬
‫طبعا‬
‫حبيبن ‪.‬‬
‫ي‬ ‫أخن وقالت لك يا‬ ‫الن ألفتها ي‬
‫ي‬
‫لم تجب أمندا بل ابتسمت واقيبت منها مادة يدها لتصافحها‬
‫فجذبتها أمه محتضنة إياها‪ ،‬شعرت ل كم تشتاق إىل حضن األم‬
‫الذي حرمت منه ‪.‬‬
‫قالت أمه‪ :‬يبدو أنها إنسانة هادئة الطباع ‪.‬‬
‫ً‬
‫أم‪.‬‬
‫قال وهو يعض بنواجذه‪ :‬جدا يا ي‬
‫ثم سألها‪ :‬أين ر ي‬
‫أن؟‬
‫بخي رجوعك ‪.‬‬ ‫سأخيه بالهاتف ر‬‫ر‬ ‫‪ -‬ر يف مكتبه اآلن‬
‫أج كريم؟‬ ‫ر‬
‫‪ -‬أين ي‬
‫ً‬
‫‪ -‬ر يف الخدمة العسكرية‪ ،‬أظن أن إجازته غدا‪ ،‬لكم بحث عنك‬
‫وسأل القريب والبعيد كان يهيم عىل وجهه ر يف أرجاء الشوارع‬
‫ً‬
‫يصي ر ين وهو يحجب‬ ‫باحثا عنك‪ ،‬لكم افتقد وجودك‪ ،‬كان ر‬
‫أمام يك ال يزيد انهياري‪ ،‬حفظكم هللا‬ ‫رر‬
‫دموع عينيه عن اليول ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫قلن عليكم يا أنس‬‫ان فيكم مكروها قط وال فطر ر ي‬ ‫يىل وال أر ي‬
‫القلب ونعيمه ‪.‬‬
‫جالسا رف ر‬
‫مكان‬ ‫ً‬ ‫الصغية مريم ر يف الكالم قائلة‪ :‬هل ستظل‬ ‫تدخلت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫رً‬
‫كثيا يا لولو؟‬

‫مملكةجريتفول |‪119‬‬
‫ر‬
‫قبلتن بسببك ‪.‬‬ ‫وبنية ظريفة منها قالت‪ :‬حن ننا ما‬
‫ر‬
‫ي‬
‫اذهن بجوار‬ ‫مكان يا مريم‪،‬‬‫ر‬ ‫ضحك وقال لها‪ :‬من اآلن أصبح‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫أمك‪.‬‬
‫ر‬
‫نظرت له نظرات تحدي وقالت‪ :‬ال‪ ،‬إياك أن تظن ي‬
‫أن سأسمح‬
‫لك بذلك ‪.‬‬
‫اا‬
‫قام من مكانه وحملها بمداعبة قائًل‪ :‬كم أنت مشاغبة‪.‬‬
‫ثم قبلها وأجلسها عىل رجله ‪.‬‬
‫كانت أمندا تجلس منصتة ومستمتعة بالحوار رغم عدم فهمها‬
‫الكالم لكن ذكائها جعلها تستنتج من الحركات‪.‬‬
‫سألت األم‪ :‬هل صليتم الظهر؟‬
‫أجابها بالل‪ :‬ال سأقوم ألتوضأ‬
‫للصالة‪.‬‬
‫وأثناء وضوئه تذكر أن كل تلك الفية الماضية لم يكن يذكر الصالة‬
‫وال يؤديها بسبب فقدانه للذاكرة فقال‪ :‬الحمد هلل عىل نعمة‬
‫العقل‪ ،‬كم من نعم غارقون فيها ال نعلمها‪ ..‬ثم وقف عىل السجادة‬
‫يصىل‪ ،‬كانت أمندا تنظر بتعجب‪ ،‬لم تره يفعل ذلك من قبل وبعد‬
‫ي‬
‫ر‬
‫انتهائه وجد يف عينيها تساؤالت‪ ،‬ابتسم لها وقال بلغتها‪.‬‬
‫‪ -‬هذه عبادتنا ‪.‬‬

‫‪ | 120‬مملكةجريتفول‬
‫‪ -‬كلها تواضع ‪.‬‬
‫‪ -‬سأعلمها لك ‪.‬‬
‫متحلقي حول الحطب المشتعل‬‫رر‬ ‫جلس كريم وسط أصدقائه‬
‫وفوقه‬
‫ر‬
‫إبريق الشاي‪ ،‬تحدث كريم إىل أصدقائه يف الدفعة العسكرية‬
‫رر‬
‫مغرورقتي ب الدموع‬ ‫رر‬
‫مملوءتي باأللم والحزن‬ ‫رر‬
‫مغربتي‬ ‫وعينيه‬
‫ر‬
‫وقال‪ :‬مجلسنا ينقصه تواجد محمد بيننا‪ ،‬كان يحب أن يشب‬
‫دائما "أول‬
‫ً‬
‫وساخنا بدرجة ال تحتمل‪ ،‬كان يقول ىل ً‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫الشاي مضبوطا‬
‫أعطن إياه سأقلبه‬‫ر‬ ‫كوب تصبه هو يىل وال تقلبه حن ال رييد منك‬
‫ي‬
‫"‬ ‫رف ر‬
‫بطن ويضحك‪ ...‬آخر ما قاله يىل لقد صليت العض ودعوت‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بوالدن طلبت منها الرضا والدعاء‬ ‫ي‬ ‫ذنون‪ ،‬واتصلت‬ ‫هللا أن يغفر يىل ر ي‬
‫أصابن رشء فأنا هنا رف حراسة دينر‬ ‫ر‬ ‫تفجغ إن‬ ‫وقلت لها إياك أن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬
‫أرض لتدوم هويتنا اإلسالمية ببلدنا وال يتطاول علينا‬ ‫ووطن وأهل ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أخوان من النساء وأحفظ‬ ‫ي‬ ‫محتل ظالم أو عدو غادر‪ ،‬أحفظ عرض‬
‫آبان من الشيوخ وأكون‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬
‫أبنان من األطفال وأحفظ كرامة ي‬ ‫ي‬ ‫حرية‬
‫رر‬
‫المؤمني رجال صدقوا‬ ‫رج اًل بحق كما ورد في محكم ر ر‬
‫التييل )من‬ ‫ا‬
‫رن عىل‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫أن عاهدت ر ي‬ ‫وأن أشهدك يا كريم ي‬ ‫ما عاهدوا هللا عليه(‪ ،‬ي‬
‫ووطن آلخر قطرة من‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫دين‬
‫ي‬ ‫طاعته عىل الدوام وعىل أن أدافع عن ي‬
‫إن أسألك‬ ‫ر‬ ‫اا "‬ ‫"‬
‫العىل ا وختمها قائًل اللهم ي‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫دم لتكون كلمة هللا ي‬ ‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‪121‬‬
‫ر اا‬
‫الشهادتي قائًل ")أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد‬
‫ر‬ ‫الشهادة" ونطق‬
‫محمدا عبده ورسوله("‬
‫ً‬
‫أن‬
‫وما لبث أقل من نصف ساعة حن دارت المناورات بيننا ر ر‬
‫وبي‬
‫الظالمي‪ ،‬أثبت محمد يىل وللجميع الرجولة بحق‬ ‫رر‬ ‫المعتدين‬
‫ر‬
‫واإليمان بصدق‪ ،‬لقد أوقع منهم ما يقارب العشة حن أصابته‬
‫الرصاصة الطائشة بصدره فتنهد وانتقل إىل جوار ربه وما رأيته إال‬
‫ر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مستبشا بإذن هللا رحمة هللا عليه وغفر له‪.‬‬ ‫شهيدا ضاحكا‬
‫امتألت وجناتهم بالدمعات متواترة ومرفقة بأخلص الدعوات له‬
‫وألمثاله من الذين نحسبهم عند هللا شهداء‪.‬‬
‫ً‬ ‫اا‬
‫التفت إليهم كريم قائًل‪ :‬فلنعاهد هللا عىل م ا عاهده عليه محمدا‬
‫ألحقن بالشهداء‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫وليى منا الصدق ر يف األقوال واألفعال‪ ،‬اللهم‬
‫ر‬
‫رر‬
‫والصالحي ‪.‬‬
‫اجي رضا هللا وطاعته فقلوب هم ال زالت‬‫أمنوا جميعهم خلفه ر ر ر‬
‫صغية ر يف مقتبل الشباب يؤثر فيها أبسط األمور ويتمنوا أن ينالوا‬‫ر‬
‫القرن من رب هم ‪.‬‬‫ر‬

‫****‬
‫داخىل ر يف البهو ‪.‬‬
‫ي‬
‫كان ر ر‬
‫للميل طابق آخر بدرج‬
‫رر‬
‫ستقيمي ‪.‬‬ ‫أخيك أين‬
‫تعاىل ر‬ ‫قالت سها‪:‬‬
‫ي‬

‫‪ | 122‬مملكةجريتفول‬
‫أخذتها إىل غرفتها رف األعىل لها ررسفة مقابلة ر‬
‫لشفة غرفة بالل‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫مبارسة ‪.‬‬
‫ونيل لنشيي لك بعض‬ ‫قالت لها‪ :‬بعد أن ترتاج سآخذك ر ر‬
‫ي‬
‫المالبس ‪.‬‬
‫استوعبت ما حدثتها به من إشاراتها ‪.‬‬
‫لشاء مالبس مناسبة‬ ‫رف المساء بعد أن ذهبت سها ومعها أمندا ر‬
‫ي‬
‫الن ألفتها سها‪ ،‬احتضنه‬
‫يحك له القصة ي‬ ‫ي‬ ‫لها‪ ،‬جلس بالل مع أبيه‬
‫أبيه وقال‪:‬‬
‫بشكتنا‪.‬‬ ‫ر‬
‫لتبارس العمل ر‬ ‫رر‬
‫ليومي وأنتظرك‬ ‫سأتركك ترتاح‬
‫تغي وجه بالل ‪.‬‬
‫ر‬
‫ر ر‬
‫من وهذا مجالك‬ ‫ر ر‬
‫أن أنت أعلم ب اإلدارة يف الشكة أكي ي‬
‫‪ -‬لكن يا ر ي‬
‫اسن هندسة إليكيونية‪ ،‬أحب‬
‫منذ سنوات عمرك الماضية وأنا در ي‬
‫اسن‪.‬‬ ‫ر‬
‫العمل يف مجال در ي‬
‫تفكيك هذه يا‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫مصمما عىل طريقة‬ ‫رد عليه أبيه بحنق‪ :‬أال زلت‬
‫بالل؟ هم بالرد عليه وبعد أن فتح فاه قاطعته أمه‪ :‬ليس الوقت‬
‫بن‪.‬‬‫ر‬ ‫ً‬
‫مناسبا لهذا الحديث أرجوك يا ي‬
‫أغلق فمه ثم نظف حلقه وهو يدير وجهه نحو الباب فيصدر‬
‫جرس الباب صوت رنينه وكأنه كان عىل موعد مع نظراته‪ ،‬يتوجه‬

‫مملكةجريتفول |‪123‬‬
‫إىل الباب ويفتحه فتدخل سها وبصحبتها أمندا عائدتان من رحلة‬
‫الن أهدتها سها لها‪،‬‬
‫التسوق يحملن األكياس المملوءة بالمالبس ي‬
‫يلقون التحية عىل الجميع ويرحب والد بالل بأمندا ر ً‬
‫اجيا لها إقامة‬
‫قريبا‪ ،‬ثم صعد الجميع إىل‬ ‫مريحة بوسطهم عىل أمل لقاء أهلها ً‬
‫غرفهم للنوم‪ ،‬كانت أمندا متعجبة من الحياة ر يف هذه األرض كيف‬
‫غيه أن يذهب‬ ‫بكل هذا اليف الذي رأته ومع ذلك ر‬
‫يتمن بالل أو ر‬
‫إىل أرض أخرى؟‬
‫كانت قلقة من بالل أال يستطيع الرجوع معها مرة ثانية واألزيد ر يف‬
‫القلق معاملته لها تبدو عادية ليس بها ما كانت تشعر من قبل‬
‫كثيا ولم تستطع النوم‬ ‫التفكي ر ً‬
‫ر‬ ‫وشوقه لها وحديثه إليها‪ ،‬أخذها‬
‫أخيتها من قبل أن الصندوق الموضوع أمامها يسم‬
‫كانت سها قد ر‬
‫ً‬
‫تلفازا‪ ،‬مجرد ضغطة زر عىل جهاز التحكم عن بعد تظهر لها صور‬
‫أشخاص يتحركون‪.‬‬
‫رر‬
‫تستعي به في تسليتها‪ ،‬ضغطت عىل الزر فأضاءت‬ ‫قررت أن‬
‫الشاشة‪ ،‬ثم ظهر أمامها صور لألشخاص‪ ،‬حاولت أن تجرب ً‬
‫زرا‬
‫فتغي األشخاص‪ ،‬كانت في دهشة وتعجب مما تراه لكن‬‫ر‬ ‫آخر‬
‫استوقفتها أحداث لم تفهم الكالم لكن شعرت من الصور أنهم‬
‫أناس يعانون من حاالت جوع ثم دخان ونار وطلقات رصاص وترى‬

‫‪ | 124‬مملكةجريتفول‬
‫ر‬ ‫رر‬
‫الخي‬
‫ملطخي بالدماء‪ ،‬قالت يف نفسها أظنها حرب ر‬ ‫الناس يقعون‬
‫ر‬
‫والش المستمرة ‪.‬‬
‫انشح معه صدرها‬‫خارج ر‬
‫ر ي‬ ‫انتبهت عىل صوت جميل ر يف مذياع‬
‫قالت‪ :‬هذا أفضل من غناء الفتيات ر يف قاعة الفتيات سأحاول أن‬
‫أحفظه وأغنيه لهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم رأ ت من زجاج ررسفتها ضوء غرفة بالل ر‬
‫يني ويضع بساطا أمامه‬
‫الن كان يفعلها من قبل‪ ،‬ظلت تنظر‬
‫ويتحرك نفس حركات العبادة ي‬
‫إليه وتشعر باطمئنان لتلك الحركات‪ ،‬أحست أن قوة بالل تكمن‬
‫ر‬
‫التفكي غلبتها‬
‫ر‬ ‫الن تبعث عىل الراحة ومع‬
‫يف تمسكه بهذه الحركات ي‬
‫عيناها فنامت‪.‬‬
‫ر‬
‫عال‪ ،‬خرجت لتنظر إذا‬‫يف الصباح استيقظت عىل صوت ترحيب ٍ‬
‫به شاب يرتدي لباسه العسكري يحتضن بالل ويقول له‪ :‬لم أشعر‬
‫رفيف‪.‬‬
‫ي‬ ‫بطعم الدنيا من دونك يا‬
‫اا‬
‫ثم احتضن أمه قائًل‪ :‬حبيبة الكل ال أريد رؤية حزن أو دموع من‬
‫بخي وتحت أقدامك‪.‬‬ ‫عيونك مرة ثانية الحمد هلل جميعنا ر‬
‫أجابته بزخات من ال دعاء له وإلخوته‪ ،‬تدخلت سها قائلة بدالل‬
‫حف ر يف االحتضان باألمس بالل‬
‫بغية مصطنعة‪ :‬وأين ي‬ ‫ممزوج ر‬
‫يكفيك طول‬
‫ِ‬ ‫تحد فكاهية‪ :‬ألم‬
‫واليوم كريم؟ أجابها كريم بنظرة ٍ‬

‫مملكةجريتفول |‪125‬‬
‫ً‬
‫فية غيابنا أحضانا؟ رد بالل وهو يضع يده عىل كتف كريم‬
‫ً‬
‫مازحا‪ :‬من الواضح أنك وابنتك أس اتذة ر يف الطمع‪.‬‬
‫مستندا بمرفقه ً‬

‫رصدت عينا كريم أمندا الواقفة أعىل الدرج فقال بنظرة يعلوها‬
‫االنبهار‪:‬‬
‫النن‪ ،‬من أين لكم بهذا المخلوق الجميل؟ أجابه‬‫صىل عىل ر ي‬
‫اللهم ي‬
‫اا‬
‫بالل وهو يجذب قميصه من الخلف حذو قفاه قائًل‪ :‬ال‪ ..‬قف‬
‫عندك ليس لك شأن بهذا المخلوق يا أبو الشباب ‪.‬‬
‫تراجع بخيبة أمل مصطنعة وراح يعدل أزرار قميصه الذي أفسده‬
‫بالل‪:‬‬
‫من الواضح أنها تخصك ‪.‬‬
‫قال وهو متوتر بابتسامة تكظم غيظه وقد أطبق أسنانه وشد‬
‫عليها‪ :‬لها ظروف‪ ،‬تحتاج المساعدة وغريبة عن البالد وال تتحدث‬
‫بلغتنا ‪.‬‬
‫قال كريم بمزاح‪ :‬وزيادة فوق الجمال من األجانب يا لسعدك يا‬
‫بالل‪.‬‬
‫شعرت أمندا بالحرج من نظراتهم تجاهها فاستدارت لتعود إىل‬
‫أج ‪.‬‬ ‫ر‬
‫الغرفة‪ ،‬وقبل رجوعها سمعت بالل يقول بلغتها‪ :‬إنه كريم ي‬

‫‪ | 126‬مملكةجريتفول‬
‫نظرت له وابتسمت ثم حركت رأسها ر ً‬
‫تعبيا عن ترحيبها به ثم‬
‫توجهت إىل الغرفة ‪.‬‬
‫قال وهو ينظر إليه بلوم‪ :‬ستظل كما أنت‪ ،‬لن ر‬
‫تتغي لقد أحرجتها‬
‫بمزاحك الثقيل‪ ،‬تعلم يا كريم ليس كل الناس تفهم أسلوبك‬
‫وه ر يف األصل‬
‫الدعان ‪،‬هذا أول لقاء بينكما وتقابلها بهذه الطريقة ي‬
‫ري‬
‫خج ولة وليس لها احتكاك بعالم الرجال إال في حدود نادرة‬
‫وضورية‪.‬‬‫ر‬

‫نظر له كريم وهو يرفع ياقة قميصه بعجب متصنع وقال‪ :‬أظنك‬
‫بوسامن لن تنظر إىل واحد مثلك ‪.‬‬ ‫ر‬
‫ان‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫من‪ ،‬عندك حق من تر ي‬
‫تغار ي‬
‫أجابه بالل بنفس مستوى حديثه‪ :‬بالفعل عندك حق‪ ،‬المهم دعنا‬
‫في موضوعنا اآلن ما أخبار خدمتك؟‬
‫قال‪ :‬مسؤولية هللا وحده أعلم بها؛ فنحن عىل حدود سيناء وتعلم‬
‫أن األمر هناك في حالة من التوتر ‪.‬‬
‫أجابه‪ :‬أعانك هللا يا بطل‪ ،‬كم مدة‬
‫إجازتك؟ ‪ -‬خمسة أيام ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬رً‬
‫ه مضية ال‬
‫خيا‪ ،‬أحتاج مساعدتك إذا‪ ،‬أبحث عن أم أمندا ي‬
‫ر‬
‫الثالن فقط ‪.‬‬ ‫أعلم سوى اسمها‬
‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‪127‬‬
‫ً‬
‫كريم‪ :‬هكذا األمر صعب‪ ،‬نحن ر يف مض ومساحتها واسعة جدا‬
‫استبش ر ً‬
‫خيا بإذن هللا‪.‬‬ ‫ر‬ ‫لكن سأحاول أن أساعدكم ال تقلق‪،‬‬
‫‪ -‬وأنا باألمس قد قمت بعمل بحث عىل اإلنينت عن االسم‬
‫ليساعدون ر يف‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ئ‬
‫أصدقان إن شاء هللا‬
‫ي‬ ‫وسأذهب اليوم إىل بعض‬
‫الوصول إىل األسماء والعناوين ‪.‬‬
‫بعد تناول الغداء طلب بالل من أمندا أن تستعد للخروج وأثناء‬
‫خروجهم تصادف أن تقابل مع جارته ندى ر ر‬
‫حي رأته فقالت بلهفة‪:‬‬
‫ً‬
‫حمدا هلل عىل سالمتك‪.‬‬ ‫بالل أنت رجعت؟‬
‫‪ -‬كيف حالك أنت يا ندى؟‬
‫ر‬
‫نظرت إىل أمندا وقالت‪ :‬يبدو أنك انشغلت بأمور أهم من أي ي‬
‫شء‬
‫هنا ‪.‬‬
‫عدن في أداء بعض‬ ‫ه أحد معارفنا‪ ،‬تحتاج إىل مسا ي‬
‫‪ -‬بل ي‬
‫الخدمات‪ ،‬أعتذر منك اآلن‪.‬‬
‫غيتها‪،‬‬
‫بالغية وعدم فهمها للكالم زاد ر‬
‫ومش‪ ،‬شعرت أمندا ر‬ ‫وتركها ر‬
‫وه متوترة وتحاول أن‬
‫قاد بالل السيارة وجعل عينيه عىل الطريق ي‬
‫ر‬
‫تجاف بعيونها عن النظر إليه‪ ،‬تنتظر أن يبادرها هو بالكالم‪،‬‬ ‫ي‬
‫اا‬
‫وبالفعل بادرها بالكالم قائًل‪ :‬أفتح لك النافذة؟‬

‫‪ | 128‬مملكةجريتفول‬
‫نظرت له نظرة قوية مع بعض الجمود رف وجهها ثم أشاحت‬
‫بوجهها رف االتجاه اآلخر ‪.‬‬
‫‪ -‬ما بك؟ هل ضايقك أحد هنا؟‬
‫شء ‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬ال ي‬
‫بغيتها عليه فقال وهو يمد يده لها بقطعة من‬ ‫ابتسم لشعوره ر‬
‫ً‬
‫جرن هذه تسعد البنات جدا‪.‬‬ ‫الشوكوال قد أخرجها من جيبه‪ :‬ر ي‬
‫ترددت ر يف أن تأخذها منه فنظر لها برجاء مع ابتسامة أخذتها‬
‫وأدارت وجهه ا لتنظر من خالل نافذة السيارة الجانبية‪ ،‬حاول أن‬
‫يحادثها مرة أخرى‪:‬‬
‫أن سأتحدث معك ر يف شأن عبادتنا‬ ‫ر‬
‫أخيتك ي‬‫‪ -‬بالمناسبة كنت قد ر‬
‫ا‬
‫قوىل يىل أوًل لماذا ال تصلون عندكم؟‬‫لكن ي‬
‫ر‬
‫وأن يجتمع بالناس‬ ‫قالت‪ :‬نحن نتعبد يف مكان العبادة عندنا ر ي‬
‫الخيات ‪.‬‬
‫ويحثهم عىل العدل واإلحسان والعمل وفعل ر‬
‫ر‬
‫أن‬‫قال‪ :‬أعلم ذلك لكن لماذا ال تؤدون الصلوات كما نؤديها حن ي‬
‫النن محمد صىل هللا عليه وسلم ‪.‬‬ ‫لم أسمعكم تذكرون اسم ر ي‬
‫ً‬
‫أم إىل‬‫قالت‪ :‬ال أعلم أيا مما تقول‪ ،‬كل ما أعلمه أنه عندما جاءت ي‬
‫ألن اسم هللا وأنه‬ ‫ر‬
‫أرضنا وبعد أن رسبت من الماء األزرق ذكرت ر ي‬

‫مملكةجريتفول |‪129‬‬
‫الخي واألعمال‬
‫ر‬ ‫إلهنا وخالقنا ورازقنا ويجب عبادته وفعل‬
‫الصالحة‪ ،‬لكنها لم تستطع تذكر إال القليل ‪.‬‬
‫رر‬
‫وتكوني‬ ‫رر‬
‫تعلمي قومك‬ ‫‪ -‬إذن سأعلمك العبادات وعند ذهابك‬
‫فاتحة لإلسالم هناك‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسالم؟؟‬
‫سأخيك كل ما تعلمته وأعلمك إياه ‪.‬‬
‫ر‬ ‫‪ -‬نعم‬
‫غيتها سألها‪:‬‬
‫ثم بنظرة ماكرة يقصد من ورائها أن تخ ريه بشعور ر‬
‫ر‬
‫تكون أفضل اآلن؟‬ ‫أرجو أن‬
‫ي‬
‫‪ -‬وما شأنك؟‬
‫شأن؟‬‫ر‬ ‫ر‬
‫شأن؟؟ مممم ما ي‬ ‫‪ -‬سؤال وجيه‪ ،‬ما ي‬
‫ر‬
‫شأن ‪.‬‬
‫وقد زاوى شفتيه ألسفل وهز كتفه‪ :‬ال أدري ما ي‬
‫‪ -‬من تكون الفتاة؟‬
‫دفعت جملتها ر يف وجهه مرة واحدة بحنق‪.‬‬
‫نظر والتفت حوله بمكر‪ :‬أي فتاة؟‬
‫وه تجز بأسنانها‪:‬‬
‫نظرت له بغيظ ي‬
‫الفتاة!!‬
‫قال‪ :‬آه تقصدين ندى‪ ،‬إنها جارتنا‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو كذلك ‪.‬‬

‫‪ | 130‬مملكةجريتفول‬
‫مع زفرة خشنة أطلقت معها بعض غيظها ‪.‬‬
‫قال وهو يضحك‪ :‬ما هو إال ذلك‪ ..‬لكن ر ر‬
‫ين ما سبب السؤال؟‬
‫أخي ي‬
‫تفاجأت بسؤاله وبدأت حبات العرق تنبت عىل جبينها وضاعت‬
‫كل الكلمات بداخلها‪ ،‬وتلعثمت األحرف عىل لسانها‪.‬‬
‫‪ -‬سسسسؤال‪ ..‬ممم مجرد سؤال ‪.‬‬
‫ثم التفتت تنظر إىل الفراغ أمامها ‪.‬‬
‫بعد يوم طويل من البحث ر يف أماكن متفرقة عىل االسم‪ ،‬وجدوا‬
‫خمسة أسماء متشابهة ر يف بالد مختلفة عىل مستوى مض ‪.‬‬
‫ر‬
‫وف شن‬‫اجتمع الجميع‪ ،‬بالل وكريم وسها عاكفون عىل أجهزتهم ي‬
‫مواقع اإلنينت والتواصل الجتماعي بدأ البحث عن العناوين‬
‫وأرقام الهواتف‪ ،‬وأخذوا يبحثون بجد ويسألون عن تفاصيل‬
‫بيانات صاحبات تلك األسماء ر يف الخدمات الحكومية والعامة حن‬
‫وصل كل واحد منهم إىل معلومات عن هذه األسماء‪ ،‬تحدث كريم‬
‫عيت عىل اسم ‪.‬‬ ‫قائ اًل‪ :‬ر‬
‫ا‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫قالت سها‪ :‬وأنا‬
‫رر‬
‫اسمي ‪.‬‬ ‫عيت عىل‬ ‫قال بالل‪ :‬جيد وأنا ر‬

‫الجميع منهمك ر يف البحث عىل جهازه‪ ،‬قال كريم‪ :‬ها هو االسم‬


‫الخامس‪ ،‬هيا نبحث عن العناوين واألعمار ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪131‬‬
‫كثيا حن مر نصف الليل وهم ال يشعرون كم‬ ‫ظلوا يبحثون ر ً‬
‫استغرقوا من الوقت‪ ،‬لم ينبههم إال صوت طقطقة عظام بالل‬
‫ر‬
‫يثن كتفيه للخلف ويعيدها مكانها‪ ،‬نظر كريم إىل ساعة يده‬
‫وهو ي‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل أخذنا البحث كل هذا الوقت؟‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫نحض لنا شيئا دافئا‬ ‫مغ‬
‫تعاىل ي‬
‫ي‬ ‫قامت سها وأشارت ألمندا أي‬
‫نشبه‪ ،‬استوعبت أمندا إشارات سها وق امت معها‪ ،‬تحدث كريم‬ ‫ر‬
‫رر‬ ‫اا‬
‫كالكي يا بالل ‪.‬‬ ‫إىل بالل قائًل‪ :‬أظنها‬
‫تظن‬ ‫بالل‪:‬‬
‫من؟ ‪ -‬أظن‪..‬‬
‫أمندا‪.‬‬
‫ً‬
‫متعجبا وقبل أن يتحدث بأي رد عىل‬ ‫رفع بالل رأسه ونظر إليه‬
‫كالمه بادره كريم بقوله‪ :‬عيناها مليئة بالعواطف تجاهك وتشعر‬
‫باألمان ر يف وجودك فقط كأنك أنقذتها من الموت قبل ذلك‪.‬‬
‫أنقذتن ر ً‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫كثيا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ه من‬ ‫ضحك بالل مردفا‪ :‬بل ي‬
‫مازحا وهو يغمز له بإحدى عينيه‪ :‬يبدو أن الحب نشب ر يف‬
‫كريم ً‬
‫ظل الظروف الصعبة ‪.‬‬

‫‪ | 132‬مملكةجريتفول‬
‫ضحك بالل‪ :‬ال أخفيك ً‬
‫رسا‪ ،‬أبادلها الشعور لكن ال أريد أن أستغل‬
‫وه معنا وحيدة‪ ،‬ال أب وال أخ‪ ،‬فاألب واألخ حماية للفتاة‬
‫الظروف ي‬
‫مار يحاول الطروق إىل‬
‫ومنعة وكأنهم يحصنونها من أي معتد أو ٍ‬
‫داخل الفتاة بأي باب استحله لنفسه‪ ،‬يخون ا ألمانات وال يحفظ‬
‫ونش قول هللا )وأتوا البيوت من أبوابها‬
‫ي‬ ‫للبيوت حدودها وحقوقها‬
‫واتقوا هللا لعلكم تفلحون( وكأن هللا عز وجل ينبهنا أن التقوي ال‬
‫تكتمل إال بسي البنات وحفظهم وعدم استدراجهم نحو الذلل‪،‬‬
‫بخيي الدنيا واآلخرة ر يف اتباع طريقه القويم‬
‫وأن الفالح والفوز ر‬
‫ودخول البيت بما ررسعه لنا وطلب الفتاة بما أحله هللا‪ ،‬لذا أحاول‬
‫أخن مكانها لما تمنيت أن يستغل‬
‫التعامل بجدية معها‪ ،‬لو كانت ي‬
‫ظروفها أحد ‪.‬‬
‫اا‬
‫ربت كريم عىل كتف بالل قائًل‪ :‬عهدتك منذ صغرنا معلوم عنك‬
‫الشهامة والرجولة‪.‬‬
‫بمشوب السحلب‬ ‫عادت سها وأمندا تحمالن أكواب مملوءة ر‬
‫رئ‬
‫الداف وقد زيناه ببعض من المكشات اللذيذة‪ ،‬لطالما‬ ‫بالحليب‬
‫كان يحب كريم ذلك ر‬
‫المشوب فأقبل عليه بحماس وتناوله من يد‬
‫أخته ‪.‬‬
‫لشء ‪.‬‬‫ر‬
‫ثم سألتهما سها‪ :‬هل توصلتما ي‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪133‬‬
‫وجدنا أن اثنتان قد رحلتا ر يف أعمار محال أن تكون مالئمة لعمر‬
‫صغية ر يف السن واألخرى مسافرة خارج‬ ‫ر‬ ‫والدةأ مندا‪ ،‬وواحدة‬
‫ه‪.‬‬ ‫البالد‪ ،‬وبقيت واحدة إن شاء هللا تكون ي‬
‫ا‬
‫أجروا اتصاًل باالستعالمات وسألوا عن البيانات‪ ،‬تبدو قريبة من‬
‫سن والدة أمندا‪ ،‬وساعده أحد أصدقائه ر يف الحصول عىل صورة‬
‫كبيا ر يف الشبه من خاللها ولكنه‬ ‫ً‬
‫تقاربا ر ً‬ ‫لبطاقتها التعريفية ويظهر‬
‫غي واضح بدرجة جيدة ر يف تلك البطاقة‪.‬‬ ‫ر‬
‫أخذوا العنوان وقرروا التوجه إليها ‪.‬‬
‫الن تسبق لقاء شخص لطالما كان مجرد صورة من‬ ‫عن تلك الليلة ي‬
‫ا‬
‫الذاكرة رسمت حولها آماًل وتطلعات وأفكا ًرا حن أنك كونت‬
‫مالمح الشخصية وما يحب وما يكره تعايشت معه ر يف خيالك وكأنه‬
‫يصاحب واقعك‪ ،‬تصوراتك لذهابه وإيابه وتحركاته وسكناته‪،‬‬
‫طالما سيطر عىل خيالك بتلك الصورة‪ ،‬هل سيكون اللقاء كما‬
‫تمنينا؟ هل ستكون الشخصية كما رسمنا؟ هل سيتقبلوننا كما‬
‫نميج داخل‬ ‫الحية عىل خواطرنا تجعلنا ر‬
‫ر‬ ‫توقعنا؟ أسئلة ترسلها‬
‫دوامة من األفكار محاطة بالمشاعر المتضاربة ‪.‬‬
‫باتت أمندا ليلتها مشغولة بكيفية اللقاء‪ ،‬هل ستتذكرها والدتها أم‬
‫بالحني تجاهها؟ هل ستتقبل وجود ابنتها‬ ‫رر‬ ‫ال؟ هل ستشعر‬
‫ر‬
‫التمن‪ ،‬أم ستنكر كون أن لها‬ ‫القادمة من أرض وراء خيالهم؟ أرض‬
‫ي‬

‫‪ | 134‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫معذبا بحبها‬ ‫ابن ة من األصل‪ ،‬هل ستذكر الحاكم أدلر الذي ال يزال‬
‫غيها منذ رحيلها وال زال بقلبه أمل‬ ‫وبفراقها‪ ،‬لم تر عينه امرأة ر‬
‫الن كانت ترغم نفسها عىل ررسب الماء األزرق‬‫رجوعها إليه؟ ابنتها ي‬
‫ر‬
‫بصفة مستمرة حن ال تنش مالمح والدتها‪ ،‬حن يف شهر الصيام‬
‫كانت تتعمد أن ترسم صورتها عىل صعيد األرض والجدران والمرايا‬
‫ً‬
‫خوفا من تفلت صورتها من ذاكرتها‪.‬‬
‫تفكيها نفس الصوت الذي سمعته الليلة الماضية أال وهو‬‫ر‬ ‫قاطع‬
‫صوت أذان الفجر بقدرته عىل تخلل القلوب كما يشق ظالم الليل‬
‫ا ً‬ ‫ا ً‬
‫معلنُا عن تجدد هواء الدنيا بنسمات‬ ‫معلنُا عن إقبال الصباح‪،‬‬
‫ر‬
‫لتشف صدور العباد‬ ‫عليلة وكأنها مقبلة من فوق السماوات‬
‫ي‬
‫وتجيها وتمسح الهموم واألحزان عنها ‪.‬‬
‫ر‬
‫قررت أن تستعمل الماء كما شاهدت بالل يفعل أثناء الوضوء‬
‫ووقفت ر يف ثبات تفعل حركات مثلما كان يفعل بالل‪ ،‬لم تكن‬
‫مرتبة‪ ،‬لم تذكر فيها أي ذكر أو كالم إال‪...‬‬
‫فأجيه ويش له ما ر‬
‫تمن ‪.‬‬ ‫بي يديك‬ ‫قلن أطرحه ر ر‬
‫ر‬ ‫‪ -‬اللهم هذا ر ي‬
‫الصغية مريم غلقه‬
‫ر‬ ‫غي مغلق بالكامل فقد نسيت‬ ‫كان باب غرفتها ر‬
‫ً‬
‫وراءها وتركته مواربا بعد قضاء بعض الوقت مع أمندا قبل نومها‪،‬‬
‫ً‬
‫وكان بالل عائدا من المسجد فجذب انتباهه خط الضوء الممدود‬
‫يصىل وتتحرك دون‬
‫ي‬ ‫أمام بابها‪ ،‬رفع عينيه نحوه وجدها تقف كمن‬

‫مملكةجريتفول |‪135‬‬
‫ترتيب ثم هوت ساجدة وسمع أزيز صدرها من البكاء وشهقاتها‬
‫من شدة اإللحاح ر يف الدعاء‪ ،‬انتابه شفقة عليها فدعا لها ثم توجه‬
‫ر‬
‫وف داخله إضار عىل أن يصل إىل مرادها ويجد والدتها‬ ‫إىل غرفته ي‬
‫ً‬
‫حفظا للعهد بينه ر ر‬ ‫ً‬
‫وبي والدها‪.‬‬ ‫مهما كلفه األمر وأيضا‬
‫ر‬
‫وف الصباح أعدوا أنفسهم للذهاب إىل محل اإلقامة الذي توصلوا‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫غي القاهرة‪ ،‬أخذت المسافة منهم ما‬ ‫إليه حيث كانت يف مدينة ر‬
‫يقارب األرب ع ساعات‪ ،‬ثم وصلوا حيث مدينة اإلسكندرية‪ ،‬رأت‬
‫الن تدل عىل‬ ‫أمندا بحرها وجماله وشطها ومعالمها العتيقة ي‬
‫السني‪ ،‬أعجبت بها أشد اإلعجاب‪ ،‬نسمات‬ ‫رر‬ ‫شموخها عىل مدار‬
‫الهواء تداعب عينيها وضوء الشمس يزيد من رإرساقتها‪ ،‬رائحة‬
‫كثيا من المشاعر أمام رؤياه والنظر إليه‬ ‫البحر تبعث رف القلب ر ً‬
‫ي‬
‫وإىل أمواجه المتالطمة‪ ،‬يجعلها تذهب إىل حيث تشاء بأفكارها‪،‬‬
‫السماء صافية بلونها األزرق تتقابل ر يف األفق مع ماء البحر فيظهر‬
‫اميج بالسماء‪ ،‬قاطع ررسودها‬ ‫كأنه عناق محب لحبيبه وكأن البحر ر‬
‫اا‬ ‫رر‬
‫بي زحام أفكارها صوت بالل قائًل بدعابة‪ :‬إحم إحم نحن هنا!!‬
‫التفتت إليه بنظرة خفيفة تظهر فيها رإرساقة لون عينيها مما جعله‬
‫ً‬
‫يغلق فمه صمتا ويثبت نظرة عينيه ليتذكر تلك النظرة ر يف أول مرة‬
‫حي سقط عن وجهها القناع الذي كانت تسدله عليه‬ ‫رآها بالقض ر ر‬
‫‪.‬‬

‫‪ | 136‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫وه تنظر إىل البحر‪ :‬هذا المشهد رائع حقا‪ ،‬يشبه إىل حد‬ ‫تحدثت ي‬
‫ما جزء من مملكتنا ‪.‬‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫وف جمال نظرتها األخاذة‪ :‬فعًل‪ ...‬لم‬ ‫قال وذهنه ال زال شاردا فيها ي‬
‫بحيان ‪.‬‬
‫ي‬ ‫أجد أروع من ذلك‬
‫ر يف تلك اللحظة وصلوا للعنوان المقصود‪ ،‬ضغطوا عىل زر الجرس‬
‫ثم‬
‫رر‬
‫األربعي ال يبدو عليها‬ ‫فتح الباب‪ ،‬لتطل منه امرأة جميلة ر يف سن‬
‫العشينات‪ ،‬تشبه أمندا ر ً‬
‫كثيا‪ ،‬ترتدي‬ ‫ر‬ ‫السن‪ ،‬من يراها يظنها ر يف‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫فستانا ً‬
‫بنيا طويًل بأكمام محاط وجهها بالحجاب ‪.‬‬
‫وقف بالل ينظر مرة إىل أمندا ومرة إىل أمها من شدة التشابه‬
‫بينهما‪ ،‬تساء لت أمها قائلة‪ :‬هل من خدمة أستطيع أن أقدمها‬
‫لكم؟ كانت أمندا ر يف حالة من الشغف المملوء بفرح ممزوج‬
‫باالندهاش ‪.‬‬
‫تقدم بالل بالكالم‪ :‬ر‬
‫حضتك السيدة بسمة؟‬
‫‪ -‬نعم أنا بسمة‪ ،‬من تكونون؟‬
‫ر‬
‫الشء ‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ -‬جئنا إليك يف أمر مهم وغريب بعض ي‬
‫ر‬
‫عرفتمون عىل أسمائكم ‪.‬‬ ‫‪ -‬تفضال بالدخول‪ ،‬هال‬
‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‪137‬‬
‫‪ -‬أنا بالل مهندس إليكيونيات ثم توجهت بنظرها نحو أمندا‬
‫لتعرف عن نفسها ‪.‬‬
‫ه ال تفهم لغتنا‪ ،‬اسمها أمندا ‪.‬‬
‫قال بالل‪ :‬معذرة‪ ..‬ي‬
‫ً‬
‫انتبهت السيدة بسمة وأدارت بوجهها كأنها تتذكر شيئا ما‪ ،‬لقد‬
‫ذهن وعينين زاهيتين‬‫صغية بشعر ر ي‬ ‫ر‬ ‫تذكرت رؤياها المتكررة لفتاة‬
‫وه تتأرجح ر يف حديقة مملوءة بالزهور ويناديها رجل‬ ‫تبتسم لها ي‬
‫تتمن الوصول‬ ‫"أمندا انتبىه لحالك عزيز ن" وه حائرة بينهما ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إليهما ‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫أظنن‬
‫ي‬ ‫وه باسمة الوجه‪ :‬أحب هذا االسم جدا منذ زمن‪،‬‬ ‫قالت ي‬
‫قرأته ر يف أسطورة قديمة عن أرض عادلة أو ما شابه‪.‬‬
‫شء جيد يساعد فيما نريد أن نعرضه عليك‪.‬‬ ‫ر‬
‫بالل‪ :‬هذا ي‬
‫طالبا منها أن تري ها القالدة وقال‪ :‬هل تذكرين‬ ‫ثم التفت إىل أمندا ً‬
‫هذه؟ قالت‪ :‬من أين لكم بها؟‬
‫وتابعت‪ :‬تلك القالدة كانت هدية من والدي ر يف صغري ثم فقدتها‬
‫العشين من عمري حيث اختفيت مدة‬ ‫رف محنة مررت بها وأنا رف ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫شء ‪.‬‬ ‫ر‬
‫من الزمن ال أدري عنها أي ي‬
‫أخرج بالل من وسط مجموعة أوراق صورة مرسومة باليد للحاكم‬
‫الن مرت بها‪.‬‬ ‫ر‬
‫يف محاولة منه لتنشيط ذاكرتها باألحداث ي‬
‫رر‬
‫تستطيعي التعرف عىل هذا الشخص؟‬ ‫‪ -‬هل‬

‫‪ | 138‬مملكةجريتفول‬
‫مخيلن فقط عندما كنت أقرأ تلك األسطورة ‪.‬‬
‫ي‬ ‫أظنن رأيته ر يف‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫الن حدثت معه وأنه مر بمحنة‬
‫يحك لها بعض األمور ي‬
‫ي‬ ‫بدأ بالل‬
‫ر‬
‫اختف مدة من الزمن عن األرض بعدما يئس من‬ ‫تشبه محنتها‪،‬‬
‫صالح األحوال‪ ،‬وخالفاته مع والده بشان العمل‪ ،‬ضاقت عليه‬
‫وتمن لو لم يكن ر يف هذا الزمان‬
‫ر‬ ‫الدنيا بما رحبت ولجأ لالستسالم‬
‫والمكان‪ ،‬ثم ربط الكالم بفية اختفائها وأنها مرت بنفس ما مر به‬
‫ر‬
‫وه‬
‫ولكن الفارق أنه فقد الذاكرة وهو يف أرض جريتفول عن أرضنا ي‬
‫حدث معها العكس ‪.‬‬
‫بي حالة عدم االستيعاب وجزء بداخلها يصدق كالمه ‪.‬‬ ‫كانت ر ر‬
‫تشب منه فهو‬ ‫أخرج قارورة من الماء األزرق وطلب منها أن ر‬
‫يساعد عىل التذكر ‪.‬‬
‫داخىل‬
‫ي‬ ‫األخي وبعد شعورها بضاع‬
‫ر‬ ‫كانت ميددة ر يف البداية لكن رف‬
‫حول معرفة ما حدث لها ر يف تلك المحنة والجميع يذكر لها أنها‬
‫شء مما مرت به‪.‬‬‫ر‬
‫فقدت ألعوام ثم عادت دون تذكر أي ي‬
‫ررسبت من القارورة وبالفعل بدأت ذاكرتها ر يف عرض بعض‬
‫فشء‪ ،‬تذكرت يوم جلست باكية بسبب إضار‬ ‫ً ر‬
‫األحداث شيئا ي‬
‫مياث العائلة من‬ ‫والدها عىل زواجها من ابن عمها لمجرد حفظ ر‬
‫ا‬ ‫رر‬
‫يلق باًل لتقبلها له أم ال‪ ،‬لم يكن هناك ذرة تقبل‬ ‫الجهتي ولم ِ‬
‫تكيه وغروره وشعوره بأنه ملك زمانه‬ ‫بداخلها تجاهه بسبب ر‬

‫مملكةجريتفول |‪139‬‬
‫الغي سوية بالبنات وانفتاح تضفاته بدرجة مخالفة‬‫وعالقاته ر‬
‫ر‬
‫للشع والعرف‪ ،‬وقتها طلبت من هللا وتمنت لوكانت بأرض عادلة‬
‫تفكيها‪ ،‬وبالفعل شعر جد أمندا‬
‫ر‬ ‫وتجد بها ما يناسب طريقة‬
‫ر‬
‫شء مكتوب بلغة‬ ‫ر‬
‫وتغي يف لونه مع ظهور ي‬
‫ر‬ ‫باضطراب ر يف خاتمه‬
‫غريبة عن المملكة لم يستطيعوا قراءته‪ ،‬جلس ينظر فيه ويحاول‬
‫التغي عليه وفجأة قام بحركة عشوائية فتح‬
‫ر‬ ‫فتح ه لينظر سبب‬
‫من خاللها الخاتم وجذبت بسمة إىل مملكة جريتفول ‪.‬‬
‫الجنون بالمملكة كان أدلر ابن‬
‫ري‬ ‫ئ‬
‫شاط البحر‬ ‫أول من وجدها عىل‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫حاكما من بعده لجريتفول‪ ،‬كانت يف حالة‬ ‫الحاكم والذي أصبح‬
‫رعب من تواجدها ر يف مكان غريب عليها‪ ،‬ال تعلم كيف وصلت إليه‬
‫‪.‬‬
‫حاول أدلر أن يهدئها وأمر من كان حوله من رجال يعملون ر يف صيد‬
‫يحض‬ ‫ر‬ ‫واليام الهدوء وطلب من مساعده أن‬‫ر‬ ‫األسماك باالبتعاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متعجبا من لبسها وشكلها المختلف‬ ‫بعضا من الماء األزرق‪ ،‬كان‬
‫التمن المشهورة ر يف‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫عن أهل المملكة ومما زاد من تعجبه أسطورة‬
‫المملكة‪ ،‬حملها عىل تنينه وتوجه بها نحو القض واستمر وجودها‬
‫معهم ما يقارب الخمسة أعوام ‪.‬‬
‫كانت قد تزوجت أدلر بعد قصة حب عفيفة راقية قامت عىل‬
‫االحيام المتبادل بينهما والحماية منه إليها وأنجبت أمندا الجميلة‬

‫‪ | 140‬مملكةجريتفول‬
‫الفطنة رسيعة الفهم تمتاز بجمع صفات األنوثة والحياء من‬
‫والدتها وصفات البذل والعطاء من والدها وصفات القوة والصدع‬
‫رر‬
‫االثني رغم صغر سنها عىل كل هذه االمور‪ ،‬تذكرت‬ ‫بالحق منهما‬
‫الصغية وزوجها الحاكم‪ ،‬نظرت إليها نظرة شوق‬ ‫ر‬ ‫بسمة أمندا‬
‫بأحالم‬
‫ي‬ ‫وقالت‪ :‬لكم اشتقت إليك رغم عدم تذكري كنت أراك‬
‫حبيبن لقد‬ ‫داخىل ينبض بحب تجاهك ال أعلم كنهه‪ ،‬يا‬ ‫ً‬
‫دائما وكان‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أحضان يا لها من مدة طويلة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫دعين أضمك إىل‬ ‫صغي ين‬ ‫كي ِت يا‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫تسن يىل أن أنساك؟‬ ‫عادت باللوم عىل نفسها قائلة‪ :‬كيف ر‬
‫استطعت تذكر لغتها يكون أفضل ر يف‬
‫ِ‬ ‫قال لها بالل‪ :‬إن‬
‫التواصل‪.‬‬
‫الكثي ‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أذكر بعض الكلمات فقط اآلن فقد مر ر‬
‫كانت أمندا ر يف غاية السعادة إذ تذكرتها أمها واحتضنتها بشوق‬
‫ممزوج بدموع إثر آالم فراق وأحزان فقد حضن األم والقلب‬
‫ً‬
‫ووجعا‪ ،‬كانت دموع‬ ‫الحان‪ ،‬أما عن دموع والدتها فكانت أشد ً‬
‫قهرا‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫"‬
‫قلن؟‬
‫من وقطعة من ر ي‬ ‫لوم وعقاب لنفسها كيف أنش جزءا ي‬
‫إىل‬ ‫ر‬
‫تؤزن ي‬
‫ي‬ ‫كيف تركتها كل هذه األعوام وكانت الرؤى واألحالم‬
‫ً‬
‫تذكرها أزا‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪141‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شكرا بأن قدره عىل الوفاء بالعهد‬ ‫فحمد بالل هللا وخر ساجدا له‬
‫وإيصال القلوب قبل األبدان‪.‬‬
‫اا‬
‫والن رفضت الزواج طوال حياتها‪ ،‬ال‬
‫أقاموا اليوم مع والدتها كامًل ي‬
‫رر‬
‫المتقدمي‬ ‫تذكر السبب ولكنها لم تشعر بالحب تجاه أي من‬
‫لخطبتها‪ ،‬ثم أبدت رغبتها رف العودة إىل المملكة ورؤية زوجها فر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الوقت المناسب لذلك ‪.‬‬
‫قرروا الرجوع إىل القاهرة ليتم بالل بعض أموره مع أهله وعمله‬
‫اجعي ر يف‬ ‫وبعد فجر اليوم ر‬
‫الثان ومع انشقاق فلق الصبح قفلوا ر ر ر‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بكثي‪.‬‬
‫البكور ليكون الجو هادئا واالزدحام أقل ر‬
‫صغية وبجواره جهاز مذياع‬
‫ر‬ ‫جذب انتباه أمندا رجل يفتح بقالة‬
‫يعلو صوته بآيات من القرآن بصوت القارئ العذب التالوة محمد‬
‫صديق المنشاوي وبدأت قطرات المطر تتساقط حيث كانت‬
‫بداية موسم الشتاء‪ ،‬علم بالل انسجام أمندا مع الموقف ومع‬
‫ً‬
‫مستفهما‪:‬‬ ‫صوت القرآن بادرها‬
‫الن مرت‬
‫‪ -‬أأعجبتك التالوة؟ هذا الشيخ من أجمل األصوات ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫لتستمغ إىل آيات القرآن خالل‬
‫ي‬ ‫سأحض لك جهازا‬ ‫عىل مض‪،‬‬
‫مكوثك هنا ‪.‬‬
‫حسن ًُا‪..‬‬
‫ا‬ ‫‪-‬‬

‫‪ | 142‬مملكةجريتفول‬
‫ثم تذكرت أن مهمة بالل معها قد شارفت عىل االنتهاء فقد ر‬
‫وف‬
‫بف سوى‬
‫وه ساعدته عىل التذكر‪ ،‬فما ي‬ ‫بالوعد وأوصلها بأمها ي‬
‫الرحيل إىل مملكتها وما زالت تتساءل‪ ،‬هل سيبف مع أهله وبأرضه‬
‫مغ إىل هناك؟‬
‫سيأن ي‬
‫ي‬ ‫أم‬
‫فقررت أن تلزمه بمهمة جديدة يك ال تتعجل ر يف الرحيل وسألته‪:‬‬
‫ر‬
‫ستعلمن عبادتكم ‪.‬‬ ‫تن من قبل أنك‬ ‫بالمناسبة كنت قد ر ر‬
‫ي‬ ‫أخي ي‬
‫‪ -‬نعم بالتأكيد هذا أمر البد منه ‪.‬‬
‫ً‬
‫الن استأجرت مكانا لإلقامة فيه ر يف‬ ‫ورجعت معهم السيدة بسمة ي‬
‫القاهرة مدة مكوثهم‪.‬‬
‫الن تراها ر يف شوارع القاهرة‬ ‫الكثي من التضفات ي‬‫كانت أمندا تنتقد ر‬
‫ر‬
‫وف المقابل تمدح‬ ‫وغيها ي‬ ‫كالضوضاء والتلوث والقمامة واالزدحام ر‬
‫الن طورت من المجتمع‪.‬‬ ‫التقدم والصناعات الحديثة ي‬
‫أوصلهم بالل واستأذن ر يف الذهاب للبيت ليودع أخاه الذي أنىه‬
‫إجازته وسيعود إىل الخدمة العسكرية ر يف سيناء‪.‬‬
‫********‬
‫ر يف أحد األحياء الشعبية‪.‬‬
‫مصطف ذلك المعروف بالصالح واألخالق‪ ،‬فعادة ما كان‬ ‫ر‬ ‫وقف‬
‫ر‬
‫المصلي ف المسجد ر ر‬‫ر‬
‫حي يغيب اإلمام‪ ،‬تزين اللحية وجهه‬ ‫ر ي‬ ‫يؤم‬

‫مملكةجريتفول |‪143‬‬
‫بشته أمام زوجته وهو يصيح فيها‬ ‫ورا رغم سمرة ر‬‫ويشع منه ن ً‬

‫بصوت مملوء بالحزن والشجن‪ :‬هيا ر ي‬


‫اذهن من هنا اآلن يا هاجر‬
‫رر‬
‫بالميل المجاور إىل‬ ‫امكن عند صديقتك‬ ‫ر‬ ‫واذهن‪،‬‬ ‫خذي األوالد‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫اذهن عند أهلك بعد ذلك‪.‬‬ ‫رر‬
‫حي استقرار الوضع ثم ر ي‬
‫قالت وقد ر‬
‫تحشج صوتها‪ :‬لن أذهب إىل أي مكان دونك ‪.‬‬
‫رضب ها بنظراته الغاضبة ليضخ فيها بضعف رغم شدة رنيته‬
‫الشطة‬ ‫تتطلعي إليه؟‪ ..‬المكان محاط بسيارات ر‬ ‫رر‬ ‫‪ -‬ما الذي‬
‫عن أنا فحسب ال أعلم ما ا لسبب وال أريد أن يمسك‬ ‫ر‬
‫يبحثون ي‬
‫بك أحد وال أن تتأذي ‪.‬‬
‫شء عىل ما‬ ‫قائ اًل‪ :‬أعدك سيكون كل ر‬
‫ا‬
‫خفت ثورته وهو يتطلع إليها‬
‫ي‬
‫حبيبن‪.‬‬
‫ي‬ ‫يرام‪ ،‬اذه ر ين اآلن أرجوك‬
‫الشطة‬‫حي سمعت صوت إنذار سيارات ر‬ ‫سارت قشعريرة ببدنها ر ر‬
‫المحيطة يقيب‪ ،‬هدر صوتها الذي تخىل عن رقته‪ :‬ماذا فعلت؟‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫قلن بإخباري‬
‫أخي أحدا لكن أرح ر ي‬ ‫أخي ين أنا لن أؤذيك ولن ر‬ ‫ر‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫حملق بها بدهشة ر ر‬
‫حي سألته‪ ،‬زفر أنفاسه بأش يك يخرج ما يموج‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫بصدره وبصوت تفطر قهرا‪ :‬أقسم لك لم أفعل أي ي‬
‫شء وال أعلم‬
‫ً‬ ‫رر‬ ‫ر‬
‫جيدا أي رجل أكون ‪.‬‬ ‫تعلمي‬ ‫عن أنت‬
‫لماذا يبحثون ي‬

‫‪ | 144‬مملكةجريتفول‬
‫زادت رنية البكاء بصوته فهاجمت الدموع عينيها دون مقاومة‪.‬‬
‫اذهن ر يف الحال‪ ،‬أنت أعظم وأغىل من أن يؤذيك أحدهم‬
‫‪ -‬أرجوك ر ي‬
‫‪.‬‬
‫وه تجاهد البكاء‪:‬‬
‫أجابته ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫كن؟‬
‫‪ -‬ماذا لو بدلنا األدوار وكنت أنا يف موضعك هل كنت لتي ي‬
‫فرت دمعة من عينيه وهو يحتضنها بحب قائال‪:‬‬
‫بقرن لكن إن ذهبت‬
‫ري‬ ‫‪ -‬أعلم مدي حبك وحرصك عىل التواجد‬
‫قد أتمكن من الهرب منهم ‪.‬‬
‫سألته بتوجس‪ :‬أو ستفعل؟‬
‫كثف الدعاء‪ ،‬هيا ر يف الحال لقد اقيبوا ‪.‬‬
‫ي‬
‫‪ -‬ر‬
‫رر‬
‫طابقي ثم استقرت بالثالث حيث‬ ‫أخذت األوالد وصعدت الدرج‬
‫تمكث صديقتها‪ ،‬صدرها يهلع ً‬
‫رعبا من شدة قلقها عليه‪.‬‬
‫مداريا به لحيته وفمه وارتدى معطفه‬‫ً‬ ‫أما هو فتلفح بوشاح‬
‫وتحرك نحو األسطح‪ ،‬أخذ يتنقل من ررسفة لألخرى ومن سطح‬
‫للذي يليه حن وصل إىل مكان فضاء كاد أن يدرك سيارة ويركبها‬
‫ً‬ ‫رر‬
‫األعي والذي نطق صارخا‪ :‬ها هو المجرم‬ ‫ولكن لمحته إحدى‬
‫اقبضوا عليه‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪145‬‬
‫ً‬ ‫انطلق رجال ر‬
‫الشطة نحوه وطرحوه أرضا ثم قاموا بتكتيف يديه‬
‫الكحىل‬
‫ي‬ ‫بالقيود وسحبوه إىل صندوق تلك السيارة ذات اللون‬
‫وأغلقوا عليه ذلك الصندوق بإحكام بعد تكليف رجالن منهم‬
‫ً‬
‫جيدا‪.‬‬ ‫بحراسته‬

‫*** *‬
‫بالل رف طريق عودته ر ر‬
‫للميل هاتفه أحد أصدقائه وقال له بصوت‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ميعج ويعلوه رنية من الحزن واأللم‪ :‬بالل لقد قبضت الشطة عىل‬‫رر‬
‫ر‬
‫مصطف بتهمة اإلرهاب ‪.‬‬
‫ر‬
‫مصطف يرهب من؟ هو يرتعب من‬ ‫ر‬
‫مصطف؟؟‬ ‫‪ -‬كيف ذلك؟‬
‫الدجاجة ما هذا الكالم؟ كيف يحدث هذا؟‬
‫المحام والجميع حن‬‫ي‬ ‫صديف‪،‬‬
‫ي‬ ‫أجابه صديقه‪ :‬ما بيدنا حيلة يا‬
‫ً‬
‫شخصا ما‬ ‫الشهود ردت شهادتهم ولم تنفع أي محاوالت‪ ،‬يبدو أن‬
‫بي ر ر‬
‫اثني متضادين‬ ‫ً‬
‫خصوصا بعد الخالف الذي حدث ر ر‬ ‫قد ر‬
‫وش به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ر يف الفكر وكل واحد منهما يميل ويؤيد طرفا مختلفا عن اآلخر‪،‬‬
‫لألسف الكبار يسايرون حياتهم ومعهم األموال والفرص لعيش‬
‫حياتهم والناس تستميت ر يف الخالفات والتنازع بينهم حن يصل‬
‫ً‬ ‫إىل سب ولعن ر‬
‫صديف‪،‬‬
‫ي‬ ‫وضب وقد يصل إىل مرحلة القتل أيضا يا‬
‫ثم تدخل هو لإلصالح بينهما فتوعده الذي حكم عليه بالخطأ بأن‬
‫يلقنه ً‬
‫درسا يضيع حياته‪.‬‬

‫‪ | 146‬مملكةجريتفول‬
‫بالل‪ :‬الحول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫أين ذهبت عقول الناس؟ كيف يفكرون ويتعايشون هكذا؟ إن كان‬
‫حكم حسب سماعه منهم فلماذا ال يتقبل الناس من يواجههم‬
‫بأخطائهم! حن نبينا صىل هللا عليه وسلم قال "إنما أنا ر‬
‫بش‪ ،‬وإنكم‬
‫إىل‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪،‬‬ ‫تختصمون ي‬
‫فأقض له بنحو ما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ا‬
‫قليًل وقال بأش‪ :‬إن شاء هللا ر ً‬
‫خيا‪،‬‬ ‫له قطعة من النار" ثم أطرق‬
‫المحام‬
‫ي‬ ‫وسيكون هناك حل‪ ،‬سأحاول أن أتواصل مع أحد وسأكلم‬
‫والخي يقدمه هللا سبحانه وتع اىل‪.‬‬ ‫ً‬
‫ر‬ ‫أيضا‬
‫ً‬
‫جالسا عىل‬ ‫ً‬
‫جاهزا بلبسه العسكري‬ ‫وصل البيت وجد كريم‬
‫األريكةيربط ربطات حذائه العسكري الطويل‪ ،‬نظر إليه وابتسم ‪.‬‬
‫قال بالل ً‬
‫مازحا‪ :‬خذ تمامك يا عسكري‪.‬‬
‫أجابه وهو يضع الكاب العسكري عىل رأسه وقد رفع يديه إىل‬
‫جانب رأسه بصيغة التمام العسكري المعلومة‪ :‬تمام يا فندم‪.‬‬
‫ثم انخرطوا ر يف الضحكات ‪.‬‬
‫تختف مرة ثانية قبل أن أعود اإلجازة القادمة‪،‬‬‫ر‬ ‫قال كريم‪ :‬إياك أن‬
‫ي‬
‫نختف ً‬
‫سويا بما أن االختفاءات وراءها أمندا ومثيالتها‪.‬‬ ‫ر‬ ‫شء‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫أقل ي‬
‫ً‬
‫مداعبا‪.‬‬ ‫وغمز له بعينيه‬

‫مملكةجريتفول |‪147‬‬
‫قال له بالل‪ :‬المهم أن تأخذ بالك من نفسك ال تنش صلواتك‬
‫ومصحفك ‪.‬‬
‫ر‬
‫نصىل صالة‬
‫ي‬ ‫أج‪ ،‬حن وأنا عىل جبهة القتال‬ ‫قال‪ :‬إال الصالة يا ي‬
‫الخوف وال ندعها‪ ،‬نحن ر ر‬
‫بي يدي الرحمن ‪.‬‬
‫ر‬ ‫اا‬
‫أتمن الشهادة عندما أنظر لمن‬ ‫ثم أكمل قائًل‪ :‬أتعلم يا بالل‬
‫ئ‬
‫أصدقان في الميدان‪ ،‬أقول ما المعروف الذي فعلوه‬ ‫يسقطون من‬
‫ي‬
‫ليكون جزاؤهم ضمان الجنة لهم وألهلهم ‪.‬‬
‫قائ اًل بمزاح‪ :‬الااااا يبدو أنك يعجبك الحور ر ر‬
‫العي ر‬
‫أكي‬
‫ا‬
‫قاطعه بالل‬
‫من مثيالت أمندا‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫اض به‪.‬‬
‫شء يصلنا من ناحيتهم أنا ر ٍ‬ ‫أجابه ضاحكا‪ :‬أي ي‬
‫ً‬
‫دائما تجتمعون‬ ‫جاءت أمهم عىل أصوات الضحكات وقالت‪:‬‬
‫تشق‬‫وتملؤون البيت ضجيج ضحك يهز الجدران‪ ،‬وكأن الشمس ر‬
‫بين طوال وجودكم ‪،‬أدامكم هللا ر يف‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫حرمن من‬
‫ي‬ ‫أحبان وال‬
‫ري‬ ‫حيان‬
‫ي‬ ‫يف ي‬
‫ضحكاتكم ‪.‬‬
‫قبال يديها الثنين ثم احتضنها كريم وغمرها بدفء حنانه‪ ،‬وصل‬
‫رً‬
‫تفسيا حن أنه لم يكن لييك حضنها‬ ‫إلحساسها رجفة لم تدرك لها‬
‫واألخية ‪.‬‬
‫ر‬ ‫حبيبن األوىل‬
‫ي‬
‫رر‬
‫ستظلي‬ ‫وقال ر يف أذنها‪:‬‬
‫قالت‪ :‬أنت نور ر ّ‬
‫عين‪.‬‬
‫ي‬

‫‪ | 148‬مملكةجريتفول‬
‫أم ‪.‬‬
‫اهتم بنفسك جيدا يا ي‬
‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫متأخرا‬ ‫قال بالل‪ :‬هل تعجبكم هذه الوضعية ر ً‬
‫كثيا إىل أن يصل‬
‫ويعاقب ‪.‬‬
‫أم ‪.‬‬
‫قال كريم‪ :‬يجب أن أذهب اآلن يا ي‬
‫قالت له أمه‪ :‬ال إله إال هللا سيدنا محمد رسول هللا‪.‬‬
‫ً‬
‫أوصله بالل إىل الخارج واحتضنه متشبثا بأكتافه بكلتا يديه‪.‬‬
‫خيا‪ ،‬ال تيك قلبها يتملكه الحزن مرة‬ ‫قال له كريم‪ :‬استوض بأم ر ً‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بلي وقبل يديه وأعلمه‬ ‫ر‬ ‫أن يا بالل‪ ،‬انصحه ر‬ ‫أخرى واسع إلرضاء ر ي‬
‫يرض هللا عنه‪ ،‬صل أختك واحتوي ها‬ ‫أنك تخاف عليه وترجو له أن ر‬
‫فأنت سندها وظهرها‪ ،‬قد ال تقص عىل أبيها ما تقصه ألخيها‪،‬‬
‫ً‬
‫حاول أن تساندها فية سفر زوجها بعيدا عنها؛ فالمرأة إن بعد عنها‬
‫زوجها تشعر باليتم واالحتياج فهو عونها وأنيسها ومهجة قلبها‪،‬‬
‫كثيا‪ ،‬أعلم أن هناك رس ر يف قصتك أنت وأمندا‬
‫وأخيا انتبه لحالك ر ً‬
‫رً‬
‫أعط لقلبك فرصته معها ر يف الحالل‪ ،‬فالظاهر‬
‫ي‬ ‫ال أريد معرفته لكن‬
‫أنها عىل فطرتها ‪.‬‬
‫ثم وضع يده عىل كتفه مع بسمة شاحبة تحتوي عىل شعور‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تنسان من‬
‫ي‬ ‫بالفراق وقال‪ :‬لو قدر هللا وحدث يىل ي‬
‫شء أرجو أال‬
‫دعائك ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪149‬‬
‫قال له بالل‪ :‬ما هذا الكالم الذي تقوله‪ ،‬أنت بطل وعندي ثقة فيك‬
‫خي ‪.‬‬‫وإن شاء هللا لن يحدث لك إال كل ر‬
‫خي وهللا ‪.‬‬
‫قال‪ :‬أعلم أنه كل ر‬
‫ثم قال كريم وهو ينظر إىل ساعة يده‪ :‬يا ا هلل لقد تأخرت‬
‫أستودعك هللا ‪.‬‬

‫ا‬ ‫ً‬ ‫ر‬


‫أحض بالل جهازا نقاًل حديث التقنية وسماعات لألذن وبعض‬
‫الملحقات وقام بتحميل عدة تطبيقات لتعليم اإلسالم كالمعتقد‬
‫الصحيح واإليمان باهلل وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته‪،‬‬
‫اا‬
‫كامًل‪ ،‬ثم ذهب إل ى أمندا‬ ‫وتعليم الصالة‪ ،‬وحمل القرآن‬
‫ووالدتها ر يف مكان إقامتهما المستأجر ‪.‬‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫أحضت لك هدية ستفيدك ر يف تعلم الدين‬ ‫ر‬ ‫قال لها‪:‬‬
‫وعباداته‪.‬‬
‫وقدمها لها‪ ،‬كانت خائفة رف البداية من صعوبة استخدامه‬
‫ً‬
‫خصوصا أنها ال تعرف اللغات الموجودة عىل األرض فقال لها‪:‬‬
‫رر‬
‫ستفهمي عن طريق األلوان والرسومات ‪.‬‬
‫وبدأ يعلمها عليه وأثناء تعليمه لها ألول مرة يشعر باحتياجها له؛‬
‫حيث أنها ر يف مملكتها كانت تمتلك القوة والسلطان وكل مقومات‬

‫‪ | 150‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫عدم احتياجها ألحد ولكن ر يف هذه األرض غريبة ال تعرف أحدا‬
‫ر‬
‫غيه‪،‬‬ ‫سواه‪ ،‬وف بداية تعرفها بأمها وال أحد يستطيع التواصل معها ر‬
‫أحبت المكان لكن ال يسهله عليها إال وجود بالل ر يف حياتها‪ ،‬أحس‬
‫ً‬
‫تقلف أنا بجانبك‪ ،‬ظل شاردا ر يف‬‫ي‬ ‫أنه يريد أن يحتوي ها ويقول لها ال‬
‫وه ناظرة إىل الجهاز أمامها ‪.‬‬ ‫التفكي وهو ينظر إليها ي‬
‫ر‬ ‫هذا‬
‫بحيان‪.‬‬ ‫شكرا ألنك موجود‬ ‫ً‬ ‫التفتت إليه وقالت‪:‬‬
‫ي‬
‫وصان أبوك وسأحفظ أمانته ر ر‬
‫لحي‬ ‫ر‬ ‫قال‪ :‬نحن االثنان فريق كما‬
‫ي‬
‫بالتغيي ‪.‬‬
‫ر‬ ‫سماحه‬
‫التغيي؟‬
‫ر‬ ‫‪ -‬لم أفهم ما‬
‫‪ -‬ليس بمهم فهمه اآلن‪.‬‬
‫العصي فابتسم‬
‫ر‬ ‫وه تحمل ثالثة أكواب من‬‫دلفت أمها من الباب ي‬
‫وقال لها‪ :‬ما أخبار أمندا معك؟‬
‫ر‬
‫كأن كنت مفتقدة لها دون أن‬‫العصي وقالت‪ :‬الحمد هلل ي‬
‫ر‬ ‫ناولته‬
‫روج ‪.‬‬
‫ي‬ ‫أعلم بوجودها وردت يىل‬
‫استطعت التواصل‬
‫ِ‬ ‫العصي من عىل فيه‪ :‬هل‬
‫ر‬ ‫ييل كوب‬‫تابع وهو ر ر‬
‫معها بسهولة؟‬
‫ً‬
‫الن أذكرها مع‬
‫‪ -‬نعم أمندا ذكية جدا وأنا أجمع الكلمات ي‬
‫كالم بسهولة ويش‪.‬‬
‫وه تستوعب ي‬ ‫استخدام اإلشارة ي‬

‫مملكةجريتفول |‪151‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا ستعاونيها ر يف تعلمها مبادئ ديننا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد بدأنا بالفعل أمس‪.‬‬
‫ونظرت إىل أمندا ثم تابعت‪ :‬أنطقتها الشهادة وعلمتها كيفية‬
‫كان‪.‬‬
‫فىه تقف إىل جواري وتؤدي مثل حر ي‬
‫الوضوء وحركات الصالة ي‬
‫ابتسمت أمندا ألمها ممتنة لها عىل هذا الشعور الذي انتابها منذ‬
‫عصيه‪ :‬الحمد هلل هذا أمر‬‫ر‬ ‫لقائها‪ ،‬قال بالل بعد أن أنىه كوب‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مبش جدا‪ ،‬لقد تأخر الوقت سأذهب أنا اآلن وغدا آخذكم يف جولة‬
‫بإذن هللا‪.‬‬
‫ط الذي كان‬ ‫ر‬
‫ظل ليلته يدعو لصاحبه‪ ،‬تذكر صديقه الش ي‬
‫الماض حيث أن بالل مهندس‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫بصحبته ر يف رحلة عمل العام‬
‫إلكيونيات ويحتاجونه ر يف مجالهم فقام ر يف الحال باالتصال به‬
‫وأخيه أنه سعيد بسماع صوته‬
‫ر‬ ‫والسؤال عن أحواله فرحب ب ه‬
‫خي اختفائه وقال له‪ :‬قد بحثت عنك ر يف كل األقسام وسألت‬
‫بعد ر‬
‫ر‬
‫معارف ‪.‬‬
‫ي‬ ‫جميع‬
‫صديف أخذ‬
‫ي‬ ‫قال بالل‪ :‬أنا ر‬
‫بخي يا عزيزي‪ ،‬لكن يىل طلب عندك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الوطن يف قضية من قضايا اإلرهاب وأنا صدقا‬
‫ي‬ ‫من قبل جهاز األمن‬
‫متأكد من أنه ليس من هؤالء ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬قبل أن تكمل‪ ،‬هذه القضية صعبة جدا وخارج أيدينا‪ ،‬لكن أنا‬
‫سأحاول بأقض جهدي أن أطمئنكم عليه وأضعه ر يف مكان أقل‬

‫‪ | 152‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خطورة وإن وجدت خيطا واحدا لمساعدته لن أتأخر أبدا‪ ،‬هل‬
‫نسبت له أي قضية؟‬
‫الن‬
‫التفجي ي‬
‫ر‬ ‫‪ -‬ال إىل اآلن مجرد كالم عام وتحقيقات بشأن قضية‬
‫ر‬
‫الماض ‪.‬‬
‫ي‬ ‫وقعت ر يف الشهر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشتبها به؟‬ ‫‪ -‬هل له أي سابقة أمنية أم يصادق أحدا‬
‫ً‬
‫بالل‪ :‬ال أدري لكن أظنه ر يف حاله جدا ال يصادق إال أناسا أعلم عنهم‬
‫ً‬
‫السلوك‪ ،‬وأنا أعرفه جيدا وأعرف أهله‪ ،‬ناس من أهل‬ ‫ي‬ ‫االنضباط‬
‫ر‬
‫ووطن ‪.‬‬ ‫ر‬
‫دين‬
‫ي‬ ‫التواضع واألخالق الحميدة لهم انتماء ي‬
‫أخذ منه البيانات وأغلق الهاتف‪.‬‬
‫صباحا ذهب بالل إلحضار أمندا ووالدتها ليعرف والدة أمندا‬ ‫ً‬
‫بوالدته ثم يأخذهم ر يف جولة بعد ذلك ‪.‬‬
‫نسبيا‪ ،‬مالت الشمس تحتضن سحائب ناحية الغرب‬ ‫ً‬ ‫مساء ر ئ‬
‫داف‬
‫مرسلة قبالت الوداع لعاشقيها واعدة إياهم بلقاء قريب وإن طال‬
‫تشبته من آالم البعد‪،‬‬ ‫البعاد فالعناق يزي ح عن القلوب كل ما ر‬
‫ً‬
‫منغمسا ر يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مغيبا‬ ‫ولكن مغيبها اليوم كان مختلفا عن أي يوم‪ ،‬كان‬
‫ً‬ ‫صحن الفجيعة ليذيق الجائ ر ر‬
‫الصي عوضا عن حالوة‬ ‫ر‬ ‫عي مرارة‬
‫ا‬
‫الشهد ومصاب األحزان بدًل من فرحة األحالم‪ ،‬فطوارق الليل أشد‬
‫وجعا من طوارق النهار وإن كانتا كلتاهما موجبتان للتعوذ من‬ ‫ً‬
‫ررسورهما‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪153‬‬
‫رر‬
‫متجمعي يغطيهم دفء القلوب المؤلفة رن هاتف‬ ‫أثناء جلوسهم‬
‫خي؟‪ ..‬ماذا؟ ظهرت‬ ‫الميل فأجاب بالل‪ :‬نعم هذا ر ر‬
‫ميله‪..‬هل هو ب ر‬ ‫رر‬
‫اا‬
‫الدهشة ممزوجة بصدمة جلية عىل وجه بالل فأكمل قائًل‪:‬‬
‫كيف؟ ومن؟‪...‬‬
‫لم يكمل كالمه إال بقول‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ال حول وال قوة‬
‫إالباهلل ‪.‬‬
‫وتأن السقوط وقد‬
‫نظرت إليه أمه والدموع متحجرة تمأل عينيها ر‬
‫الخي إىل أذنيها‪ ،‬وصل إىل حسها‬ ‫استشعرت المصاب قبل أن يصل ر‬
‫القلن ‪.‬‬
‫ري‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫باىل‪.‬‬
‫غي ما جاء يف ي‬ ‫‪ -‬أرجوك يا بالل قل شيئا ر‬
‫ثم أعقبت بقولها‪ :‬من األمس وأنا أشعر بغصة ر يف صدري لم‬
‫ذهن‬ ‫عين أخوك قبل ذهابه لم تفارق ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫أستطع النوم بسببها‪ ،‬نظرة ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ورجان أال‬
‫ي‬ ‫يخي ر ين بقرب عرسه‬ ‫لحظة‪ ،‬رأيته أمس يف رؤيا منامية ر‬
‫حن‬ ‫رر‬ ‫ر‬
‫ستظلي ر ي‬ ‫يودعن بها؟ هل قال يىل‬
‫ي‬ ‫أغار عليه وال أبكيه‪ ،‬هل كان‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫أنن لن أفرح به وهو عريس يزف إىل‬ ‫واألخي مؤكدا يىل ي‬
‫ر‬ ‫األول‬
‫عروسه؟‬
‫انهمرت الدموع وقتها وكأنها فاضت فيضان القهر والحزن‪ ،‬جثا‬
‫ً‬
‫ناظرا إليها بشفقة وألم‬ ‫ضاما يديها ر يف كف يديه‬
‫بالل عىل ركبتيه ً‬

‫‪ | 154‬مملكةجريتفول‬
‫حن ارتمت ر يف أحضانه صارخة‪ :‬أرجوك ال‪ ..‬أرجوك أتوسل إليك‬
‫غيه ‪.‬‬
‫غي ما أظن أستحلفك بربك العزيز أن تقول ر‬
‫قل ر‬
‫أم ‪.‬‬
‫قال‪ :‬بل أحياء عند رب هم يرزقون يا ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫ابعثون معه إىل هناك‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ -‬إذا‬
‫ولديييييين ‪...‬آه يا‬
‫ري‬ ‫أخرجتها من أعماق صدرها بألم وقهر قائلة‪..:‬‬
‫ييين ‪.‬‬
‫صغي ر‬
‫ر‬
‫سن يا أم الشهيد‪ ،‬هذا وهللا يوم عيد‪.‬‬ ‫بالل‪ :‬ر‬
‫اصيي واحت ر ي‬
‫غي مستوعبة لألمر بصورة‬
‫ودموعه تنسدل عىل خده‪ ،‬كانت أمندا ر‬
‫جيدة لكنها فهمت أنه كريم الذي مات فقامت إىل أم بالل‬
‫وجلست بجوارها‪ ،‬وضعت يدها عىل كتفها تواسيها‪ ،‬نزلت‬
‫بالصي والرض ا وجزاء‬
‫ر‬ ‫ه األخرى وأمها تذكرهم‬ ‫دمعاتها ي‬
‫الصابرين‪ ،‬جاء أبيه يهادي ر ر‬
‫بي الرجال من شدة هول المصيبة عليه‬
‫‪.‬‬
‫ر‬
‫عين إنا هلل وإنا‬ ‫قال‪ :‬أخوك يا بالل ذهب ر ر‬
‫بن فلذة كبدي قرة ي‬
‫من ي‬
‫ي‬
‫إليه راجعون أستغفر هللا العظيم‪.‬‬
‫وضيقا ً‬‫ً‬ ‫ً‬
‫وألما‪.‬‬ ‫زفر معها حزنا‬
‫‪ -‬اللهم برد الرضا اللهم ر ً‬
‫صيا من عندك ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪155‬‬
‫وه تقف عند‬
‫دخلت سها وبيدها ابنتها مريم‪ ،‬رأت المشهد ي‬
‫الباب‪ ،‬لم يستوعب عقلها المشهد فقالت‪ :‬ماذا يحدث هنا؟‬
‫بخي كما يبدو‪ ،‬عالم تبكون؟ أين كريم؟‬
‫أمام ر‬
‫الجميع ي‬
‫دخلت تجري إىل الدرج وتنادي قائلة‪ :‬كريم! كريم أين أنت؟‬
‫نظرت إىل بالل نظرة مملوءة بالصدمة قائلة بذهول‪ :‬كريم سافر‬
‫اهتم بنفسك‬ ‫هاتفن وقال يىل‬‫ر‬ ‫صحيح‪ ..‬سافر أمس‪ ..‬هو‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تحض لها دمية هدية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫وبحبيبن مريومة‪ ،‬قلت له لقد وعدتها أن‬
‫ي‬
‫قبالن‪.‬‬
‫ي‬ ‫بغرفن أسفل الوسادة ومعها‬
‫ي‬ ‫قال ستجديها‬
‫قامت إليها أمندا تحتضنها وقال لها بالل‪ :‬إنا هلل وإنا اليه راجعون‬
‫تماسك ألجل والدتنا أرجوك ‪.‬‬‫ي‬ ‫واحتسن يا سها‬
‫ري‬ ‫اصيي‬
‫ر‬
‫انهارت سها بكاء ر يف أحضان أمندا وقامت والدة أمندا بحمل‬
‫الن انهارت ر يف البكاء دون فهم ما يدور‬‫الصغية مريم واحتضانها ي‬
‫ر‬
‫حولها بشكل كامل ‪.‬‬
‫تمت مراسم الدفن وتشييع الجثمان الذي كان عبارة عن زفة‬
‫وليست جنازة‪ ،‬كان الجميع يرددون ال إله إال هللا‪ ،‬والنساء ر ئ‬
‫تهن‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫باف اليوم‬
‫أمه بشف الموت يف سبيل هللا وأخذ العزاء الذي استمر ي‬
‫إىل ما يقرب منتصف الليل ‪.‬‬

‫‪ | 156‬مملكةجريتفول‬
‫جلس بالل بعد صالة الفجر بغرفة كريم تدور عينيه بكل أرجائها‬
‫األخي معه وقوله "إياك أن تغيب قبل أن أعود"‬
‫ر‬ ‫يتذكر حوار أخيه‬
‫وتوصيته له بالجميع ر ً‬
‫خيا وقوله أنه ر‬
‫يتمن الشهادة وبك بشدة ثم‬
‫أخذ يحدث نفسه " لقد استيقظت لصالة الفجر ومررت عىل‬
‫سبقتن بالوضوء ألنك لم تنم‬ ‫ر‬ ‫غرفتك إليقاظك كالعادة فأجدك قد‬
‫ي‬
‫اوغن اآلن بسبب تأخري فر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫سي ي‬ ‫غيي‪ ،‬من ر‬ ‫بعد ولم أجدك يا ص ر‬
‫من َمن‬ ‫الوضوء وسنتأخر عن الصف األول بالصالة؟ سأطلب ِ‬
‫حذان قبل‬ ‫ئ‬ ‫إحضار قطعة من القماش مبللة بالماء ألنظف بها‬
‫ي‬
‫مالئما لموعدي أم‬ ‫ً‬ ‫خروج؟ من سيبدي يىل رأيه فيما أرتدي إن كان‬ ‫ر ي‬
‫رجوع من العمل؟ من‬ ‫عبوش عند‬ ‫ر‬
‫سيسألن عن سبب‬ ‫ال؟ من‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إىل‬
‫مالبش ي‬
‫ي‬ ‫والكثي من‬ ‫ر‬ ‫سينقل زجاجة عطري وعلبة دهان شعري‬
‫كتف وتقول األخوة‬ ‫ر‬
‫غرفته؟ وعندما أسألك عنها تطبع قبلة عىل ي‬
‫لبعضهم ي ا بالل وتضحك ‪.‬‬
‫قاطع حواره دخول والده عليه ثم قال‪ :‬من اآلن يا ربن ر‬
‫الشكة‬ ‫ي‬
‫يرض هللا وأصلح ما أفسدته‬ ‫بي يديك طهره من أي مال ال ر‬ ‫والعمل ر ر‬
‫ي‬
‫يرض ربك من صدقات وتطوعات‬ ‫أنا ولك حرية في أن تفعل ما ر‬
‫ي‬
‫أصابن في‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يكفين ما‬ ‫خي‪،‬‬ ‫خي لن أمنعك بعد ذلك من أي ر‬ ‫وأعمال ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أخيك‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪157‬‬
‫احتضن أبيه بشدة وقال‪ :‬سأحافظ عىل أموالك بما ر‬
‫يرض هللا يا‬
‫ي‬
‫أن‪.‬‬
‫ري‬
‫‪ -‬ال تنسى أن تقوم بعمل صدقات جارية ألخيك رحمه هللا‪.‬‬
‫شقت قلبة كلمة رحمه هللا ذاكرته بأن كريم قد واراه الياب‬
‫أخيا ر يف الدنيا‪.‬‬ ‫ً‬
‫وداعا ر ً‬ ‫وودعهم‬
‫الميل يلتقط بعض األنفاس من هوائها بعد‬ ‫خرج بالل إىل حديقة ر ر‬
‫ً‬ ‫ضيق الصدر مرارة ً‬
‫وألما وحزنا بالفراق‪ ،‬كانت أمندا مقيمة مع سها‬
‫يبك بالحديقة‬ ‫ر‬
‫ووالدته فية العزاء وأثناء خروجها للشفة رأته وهو ي‬
‫نزلت إليه وحاولت أن تحدثه بما سمعته ييدد من اآليات خالل‬
‫وقت العزاء وبما تعلمته من التطبيقات وألول مرة تنطق بالعربية‬
‫قائلة‪ :‬قل لن يصيبنا إال ما كتب هللا لنا هو موالنا وعىل هللا فليتوكل‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫اا‬
‫كانت تحدثه من خلف ظهره فاستدار لها قائًل‪ :‬الحمد هلل الذي‬
‫جعل تعليمك اإلسالم عىل يدي‪.‬‬
‫وهبن هللا إياها ألعرف طريق جنته ر يف‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫حيان‬
‫ي‬ ‫‪ -‬نعم أنت نعمة ر يف‬
‫وف اآلخرة بإذن هللا ‪.‬‬ ‫ر‬
‫الدنيا ي‬
‫ً‬
‫كانت ب الحديقة أرجوحة جلسا عليها وقال‪ :‬أنا متألم جدا لما‬
‫أج استشهد ويقال اإلرهاب من قتله‬ ‫يدور حولنا رف بالدنا‪ ..‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪ | 158‬مملكةجريتفول‬
‫ط‬ ‫ر‬
‫وصديف اآلخر رس ي‬
‫ي‬ ‫وصديف مسجون بدعوى أنه من اإلرهاب‬ ‫ي‬
‫يبذل كل جهده لمعاونتنا وال يتأخر عن مساعدة أحد‪ ،‬جميعنا‬
‫أخوة ر يف بلد واحد مصابنا واحد وهناك يد خفية تعبث بأرضنا‬
‫نضب بعضنا باآلخر وال نثق ر يف بعضنا نعيش حياتنا ر يف‬ ‫لتجعلنا ر‬
‫كية المظالم‬ ‫ضاع كأننا رف غابة البقاء لألقوى واألرسع فقط‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫والثكاىل واألرامل واأليتام كل يوم تدور الدائرة عىل أحدنا‪ ...‬وقع‬
‫اجتماع إال‬
‫ي‬ ‫مجتمعنا كله ر يف الفخ ما إن أفتح أي برنامج تواصل‬
‫ً‬
‫وأجد تراشقا بالمنشورات والتعليقات والتلميحات‪ ،‬الناس ر يف بيت‬
‫والضب وقد‬ ‫واحد تحت سقف واحد ويختلفون إىل حد السباب ر‬
‫يصل إىل القتل‪.‬‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫أجابته أمندا‪ :‬إذا فلتبدأ بنفسك أوًل يا بالل‪ ،‬ما الحل من اإلحباط‬
‫والبكاء اآلن؟ ‪ -‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪ -‬يجب عىل كل واحد منا أن ينظر إىل نفسه ويبدأ بإصالحها ثم‬
‫إنجاحها وجعلها قدوة يتعلم منها اآلخرون‪ ،‬وقتها يستطيع‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫ه‬
‫يبن جيشا من القيم وليكن مركز نجاحك اآلن ي‬ ‫اإلنسان أن ي‬
‫ررسكة والدك‪.‬‬
‫ً‬
‫قال وهو يدير كالمها ر يف دماغه وينظر بتأمل‪ :‬كالمك صحيح جدا‬
‫ولكن ماذا عنك؟‬

‫مملكةجريتفول |‪159‬‬
‫‪ -‬ماذا تقصد بماذا عنك؟‬
‫ُ‬
‫حيان هنا وأنا أريد أن أكون‬
‫ي‬ ‫‪ -‬إن بدأت هنا سيكون استقرار‬
‫معك‪.‬‬
‫‪ -‬بأي صفة؟‬
‫بصفن‪..‬‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫وقبل أن يكمل جاءت مريم تقول له‪ :‬لولو افتقدتك جدا‪ ،‬رأيتكم‬
‫من النافذة‪ ،‬جئت ألسلم عليكما ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جدا يا مريم‪.‬‬ ‫قال وهو يجز بأسنانه غيظا‪ :‬توقيتك مناسب‬
‫ر‬
‫مشية إىل دميتها تحملها يف يدها‪ :‬انظر هدية ي‬
‫خاىل كريم يىل‪،‬‬ ‫قالت ر‬
‫ً‬
‫جدا ر ر‬ ‫ً‬
‫أم أن روحه سافرت‬ ‫تن ي‬
‫أخي ي‬ ‫إنها جميلة جدا لكن أنا حزينة‬
‫أتمن أن أحتضنه‬ ‫إىل السماء ولن أره مرة ثانية رف الدنيا‪ ،‬كنت ر‬
‫ي‬
‫خاىل بالل كيف يستطيع الشخص أن يحيا‬
‫وأشكره عليها‪ ،‬قل يىل يا ي‬
‫ويعتاد عىل فراق حبيب له؟‬
‫الصغي‪،‬‬
‫ر‬ ‫ونزلت الد موع من عينيها مع مقاومتها لرعشة فمها‬
‫اا‬
‫احتضنها بالل ونزلت دموعه قائًل‪ :‬لن ننساه سنحيا كل يوم عىل‬
‫ذكراه سنحدثه بدعواتنا وبعض أعمالنا نتقاسمها معه لينول أجرها‬
‫وادع له بالرحمة ‪.‬‬
‫ي‬ ‫تبك‬
‫عزيزن أرجوك ال ي‬
‫ي‬

‫‪ | 160‬مملكةجريتفول‬
‫ثم رفع رأسها وهو محتضن لوجهها بكلتا يديه وأزال دموعها وهو‬
‫يحاول أن يهدئها بنظراته ثم تناولت أمندا يد مريم من حضن‬
‫خالها وجذبتها تحت ذراعها وتحركت نحو باب البيت ونظرت‬
‫ً‬
‫الن معك؟‬‫ي‬ ‫أنا‬ ‫أكون‬ ‫أن‬ ‫المانع‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫إذ‬ ‫إليه أمندا وقالت‪:‬‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫نظر إليها باستيعاب ر ئ‬
‫مفاج للكالم مع ابتسامة قائًل‪ :‬صدقا؟؟ من‬
‫تفعىل هذا ؟ قالت‪ :‬هيا يا مريم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الممكن أن‬
‫وه تنظر إليه وتبتسم أثناء تحركها تجاه درجات‬
‫وأخذتها من يدها ي‬
‫السلم‪.‬‬
‫مر وقت عىل وفاة كريم‪ ،‬وبالل يقوم بتنظيم العمل ر‬
‫بالشكة‬
‫وتطهي األموال من أي ربا كان يستدار به العمل‪ ،‬نجح ر يف إدارة‬
‫ر‬
‫الشكة بطريقة جيدة من الداخل مع وجود بعض اإلحباطات‬ ‫ر‬
‫ومحاوالت اإليقاع به لكنه جعل اعتماده ومالذه وملجأه هو هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬لم يقبل عىل أي خطوة دون االستخارة واالستشارة من‬
‫قواني العدل ر يف مملكة‬
‫رر‬ ‫رر‬
‫قواني تشبه‬ ‫رر‬
‫والمقربي له‪ ،‬وضع‬ ‫أبيه‬
‫رر‬
‫القواني تشي عىل الجميع حن عليه هو‬ ‫جريتفول وكانت تلك‬
‫نفسه وما إن نظم العمل واستقام ا لوضع عىل أكمل وجه كلف‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫بمبارسة العمل ودرب ها جيدا عىل النظام القائم وكان قد أسس‬ ‫سها‬
‫خيية لتقوم بأعمال لينتفع المسلمون منها عمل مؤنة‬
‫جمعية ر‬
‫شهرية لبيوت بعض الفقراء والمساك ر ر‬
‫ي‪ ،‬وإنشاء دار لتحفيظ‬

‫مملكةجريتفول |‪161‬‬
‫القرآن وتعليم أمور ر‬
‫الشيعة واالهتمام بالجانب اليبوي للناشئة‪،‬‬
‫الخي ولم يكن‬
‫عي فيها بعض أصحابه الذين يتوسم فيهم ر‬ ‫كما ر ر‬
‫خيات بعد أن وكل آخرين بتدريبهم‬
‫أمامهم فرصة للعمل أو حن ر‬
‫ً‬ ‫وجعل لهم ر ً‬
‫اتبا ثابتا‪ ،‬أقام مسابقات للحفاظ وجوائز قيمة لهم‬
‫مادية ومعنوية ‪.‬‬
‫تواصل مع جميع من يعرفهم من رجال األعمال وبدأ بتقديم‬
‫إيجان وجعلهم‬
‫ري‬ ‫كثي منهم بشكل‬
‫النصائح المفيدة له م مما أثر عىل ر‬
‫بارس بالل قضية صديقه‬ ‫الخي‪ ،‬كما ر‬
‫ر‬ ‫يتعاونون معه ر يف أعمال‬
‫ً‬
‫المسجون من خالل صديقه الضابط والذي ساعده وبصعوبة جدا‬
‫والن‬
‫ي‬ ‫المحام القضية‬
‫ي‬ ‫ر يف إخراج تضي ح بزيارة أمه وأبيه وتابع مع‬
‫كانت براءته فيها ظاهرة جلية ‪.‬‬
‫لك‬
‫كلم بعض رجال األعمال الذين لهم سلطة قوية وعالقات عليا ي‬
‫يتوسطوا ر يف القضية وبالفعل وبعد عناء خرج بصعوبة بليغة من‬
‫السجن ‪.‬‬
‫ر‬
‫وف أثناء تلك الفية استطاعت أمندا بمساعدة والدتها أن تتعلم‬ ‫ي‬
‫النطق باللغة العربية وقراءة بعض الكلمات المكتوبة‪ ،‬وأثناء‬
‫ً‬
‫موضوعا أمامها حيث‬ ‫تواجدها مع والدة بالل بمن زله كان هاتفه‬
‫تركه ودخل إىل مكتب أبيه يتحدث معه رف شؤون مهمة ر‬
‫بالشكة ‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪ | 162‬مملكةجريتفول‬
‫أصدر الجهاز صوت ر ر‬
‫رني برسالة‪ ،‬نظرت أمندا إىل الرسالة إذا‬
‫نلتف‬ ‫الحروف الن التقطتها ه اسم ندى وجزء من نص الرسالة "‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫رف مكان تجمعن ا"‬
‫ي‬
‫غية مع إحساس بخيانته لوعود عيونهما‬ ‫انتاب أمندا شعور ر‬
‫وتذكرت قوله لها وهما بالمملكة أن قلبه لم يجرب هذا اإلحساس‬
‫من قبل فقررت ودون أي مناقشة معه أو استفسار أن ترحل إىل‬
‫ر‬
‫تحض لها‬ ‫مملكتها دون علمه مع والدتها وطلبت من سها أن‬
‫ً‬
‫مصحفا وبعض الكتب الن ر‬
‫تشح أوامر الدين ونواهيه ‪.‬‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫لك يذهب يف رحلة إىل مملكة‬ ‫كان بالل يستعد بتنظيم أموره كلها ي‬
‫جريتفول ويعود إىل األرض مرة ثانية ألنه وعد ملو بالرجوع إليه‬
‫وألنه كان ينوي أن يتحدث مع والد أمندا ويطلبها منه للزواج وقد‬
‫صغية من بالد مض ويذهب‬
‫ر‬ ‫كان من عادته أن يسافر إىل أي بلدة‬
‫إىل محالت البقالة وصيدليات األدوية ي بحث عن ما يسم بدفي‬
‫تقييد المبيعات بأجل ثم يسأل صاحب المحل عن ر‬
‫أكي الحاالت‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫وف يوم قبل أن يسافر لهذه المهمة‬‫فقرا ويسد عنها الدين ويرحل‪ ،‬ي‬
‫مغ؟‬ ‫كلم أمندا وقال لها‪ :‬هل تودين ر ي‬
‫المجء ي‬
‫‪ -‬ال سأنتظر أنا هنا ر ر‬
‫لحي عودتك ‪.‬‬
‫تغي في حديثك ‪.‬‬
‫بنية ر‬
‫‪ -‬أشعر ر‬
‫التغي يا بالل ‪.‬‬ ‫يستدع‬ ‫شء‬‫ر‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫تغي تظنه أنت؟ ليس هناك ي‬
‫‪ -‬أي ر‬

‫مملكةجريتفول |‪163‬‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫الن كانت تحاول الهروب‬ ‫صمت قليًل مطرقا ثم نظر في عينيها ي‬
‫ً‬
‫دموعا منحبسة وتجمد متعمد‬ ‫منه بشن الطرق يلمح بداخلها‬
‫بتدبيكمائن‬
‫ر‬ ‫ر يف المشاعر‪ ،‬انطفت رإرساقتها وراء نظرة ذابلة‪ ،‬يشعر‬
‫ال يستطيع ت رجمتها‪ ،‬أحس بنظرة تخطيط لعدم اللقاء وعدم البقاء‬
‫لم يكن يدرى ما الذي يحدث‪ ،‬حاول أن يستفز قلبها بنظرته إليها‬
‫تبال‪.‬‬
‫فلم ِ‬
‫ر ر‬ ‫ا‬
‫أن ال‬
‫تظني ي‬‫ر‬ ‫سألها محاوًل االستفسار عما يدور بداخلها‪ :‬إن كنت‬
‫أفهمك من نظراتك فأنت مخطئة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫صدقن‪...‬أحيانا عندما‬ ‫ي‬ ‫يستدع الكالم‬
‫ي‬ ‫شء‬‫‪ -‬يا بالل ليس هناك ي‬
‫شء ما نبتىل به وكأننا من جلبناه إلينا‬ ‫ر ر‬
‫نضع مخاوفنا يف ي‬
‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫متعمدين بتلك المخاوف‪ ،‬عندما ال نستمع إىل حديثنا‬
‫الذي يؤكد لنا أننا نضع أنفسنا ر يف مواضع الخطر متعمدين‬
‫متغافلي لتلك األحاسيس فالبد أن نسقط‪ ،‬ر يف عالقات‬ ‫رر‬
‫األوىل وتأكد أنه عىل‬ ‫دائم ا اسمع لحس قلبك‬ ‫القلوب ا‬
‫ي‬
‫ا‬
‫صواب‪ ،‬ال تجرب ر يف نفسك أوًل ألن عواقب التجربة ستقع‬
‫الن‬
‫علينا كأنها لطمة عىل وجوهنا تصفعنا صفعة اإلفاقة ي‬
‫تجعلنا نتجرد من تلك العواطف‪ ،‬فيما بعد نقف أمامها‬
‫مظهرين لها الغلظة والثبات والتحدي ر ر‬
‫قائلي لن نسمح لك‬

‫‪ | 164‬مملكةجريتفول‬
‫بمواجهتنا مرة أخرى فهزيمتنا نكراء مثلت بقلوبنا أمام أنفسنا‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫أحدا إال أنفسنا‪.‬‬ ‫األخي لن نستطيع أن نلوم‬
‫ر‬ ‫وف‬
‫ي‬
‫ً‬
‫كان بالل يستمع لها وهو ر يف حالة تعجب‪ :‬أنا ال أفهم شيئا ما األمر‬
‫بنظرن‬
‫ي‬ ‫الذى وصل األلم إىل هذا الحد‪ ،‬كيف بعيونك أال تشعر‬
‫قلن ‪.‬‬
‫ولقلبك أال ييجم نبض ر ي‬
‫قالت‪ :‬دعنا اآلن من الكالم نتحدث بعد عودتك ‪.‬‬
‫مغ أينما كنا هنا أو هناك‪ ،‬أنت‬ ‫ر‬
‫أنن أريدك ي‬
‫‪ -‬ما أريد منك معرفته ي‬
‫ودفعن نحو انتهاج طريق صحيح‪ ،‬أنت من نبض‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ساندن‬ ‫من‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫منقذن من الموت‪.‬‬
‫ي‬ ‫قلن بشدة لها عندما رأيت وجهك أنت‬
‫ري‬
‫اا‬ ‫اا‬
‫وابتسم لها قائًل‪ :‬أتذكرين مقولتك؟‪ ،‬وجعل يقلدها قائًل‪ :‬أظن‬
‫ليس يىل عمل هنا سوى إنقاذك من الموت باتريك ‪.‬‬
‫فابتسمت ابتسامة المضطر مع ما تشعر به من األلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫مكتوبا له مع‬ ‫ً‬
‫خطابا‬ ‫القصية عاد ليجد‬ ‫بعدما أنىه بالل رحلته‬
‫ر‬
‫الن نادت عليه وأخذته من يديه إىل الحديقة قائلة‪:‬‬‫الصغية ي‬
‫ر‬ ‫مريم‬
‫ً‬
‫عندي لك رس مهم جدا‪ ،‬كم ستدفع مقابله؟‬
‫الصغية تساوم‬
‫ر‬ ‫قال وهو يحك شعره ر ً‬
‫افعا حاجبيه‪ :‬آها مريم‬
‫خالها‪ ،‬عالم يا ترى تلك المساومة؟‬

‫مملكةجريتفول |‪165‬‬
‫كانت ضامة ذراعيها إىل صدرها واقفة عىل أطراف أصابع إحدى‬
‫ر ً‬
‫أجبن إذا يا باش مهندس‬
‫ي‬ ‫قدميها ناظرة إليه نظرة المحقق وقالت‪:‬‬
‫ً‬
‫أخبارا عن أمندا؟‬ ‫بالل ر ر‬
‫سي‪ ،‬هل تريد أن تعرف‬
‫أجابها‪ :‬جيم‪ ،‬ولما أعرف األخبار منك يا مشاكسة؟ سأعرفها‬
‫سي‪ ،‬هل‬‫بنفش من أمندا‪ ،‬هل أرحتك بهذا الجواب؟ قالت‪ :‬ر ر‬
‫ي‬
‫لديك أقوال أخرى؟‬
‫وه ترفع المظروف الوردي الذي يحوي بداخله خطاب من‬‫ي‬
‫أمندا ‪.‬‬
‫ً‬
‫مشدوها‪.‬‬ ‫نظر بالل إىل المظروف‬
‫‪ -‬ما هذا يا مريم؟‬
‫‪ -‬أمري إىل هللا‪ ،‬مضطرة أن أوصل األمانة‪ ،‬هذا خطاب تركته لك‬
‫أمندا قبل رحيلها ‪.‬‬
‫‪ -‬رحيلها؟! إىل أين؟‬
‫‪ -‬ال أدري‪ ،‬قالت يىل أنها ستسافر مع والدتها‪.‬‬
‫‪ -‬هل رجعوا إىل اإلسكندرية؟ ولما؟ نحن عىل وشك الذهاب ر يف‬
‫رحلتنا‪...‬‬
‫قاطعته مريم قائلة‪ :‬لماذا كل هذه األسئلة؟ أظنك قد ترتاح وتجد‬
‫الذك ‪.‬‬
‫الجواب إذا فتحت الخطاب وقرأته أيها ي‬

‫‪ | 166‬مملكةجريتفول‬
‫ا‬
‫قائًل‪ً :‬‬
‫شكرا عىل النصيحة أيتها‬ ‫ضيق نظرة عينيه ونظر إليها بحنق‬
‫المكتشفة‪.‬‬
‫وابتسم بغيظ‪ ،‬أخذ الجواب وصعد إىل غرفته نزع معطفه ووضعه‬
‫عىل عالقة خلف الباب وجلس إىل رسيرة يفتح المظروف باهتمام‬
‫ووجد به الرسالة مكتوبة بخط والدة أمندا ‪.‬‬
‫اقتحام لحياتك عنوة‪ ،‬أعلم أن‬
‫ي‬ ‫قالت‪ :‬عزيزي بالل أعتذر لك عن‬
‫فية قيامك بمملكتنا كانت بالنسبة لك إنسان آخر ال يستوعب‬
‫ه صحيحة أم لمجرد فراغ داخله ووجد‬ ‫مشاعره وال يعلم هل ي‬
‫أمامه من ي ستطيع التواصل معها وأظن أن ما جمعنا من ظروف‬
‫لكنن علمت بأمر ندى ر ر‬
‫حي‬ ‫ر‬ ‫تسببت في شعور االنجذاب بيننا‪،‬‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫يؤسفن‬
‫ي‬ ‫ستلتف بك يف مكان تجمعكم‪ ،‬ما‬
‫ي‬ ‫وصلتك رسالة منها بأنها‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫مغ بإعجاب ال أدرى ما‬
‫تخي ين بهذا وتماديت يف تعاملك ي‬ ‫أنك لم ر‬
‫السبب؟‬
‫ولكن أنا قررت أن أترك لك عالمك وحياتك وأذهب من حيث‬
‫ر‬
‫علمتن إياها‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫أتيت‪ ،‬أود أن أشكرك عىل نعمة اإلسالم ي‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫احتوان‬
‫ي‬ ‫مغ فيها‪ ،‬وأشكرك عىل‬
‫الن بذلت مجهودا ي‬
‫والعبادات ي‬
‫ر‬
‫الن قضيتها بأرضك‪ ،‬نصيحة لك أرضك‬ ‫وعطفك يف هذه الفية ي‬
‫ال تشغلوا بالكم‬ ‫جميلة إذا عمرتموها باألفضل واألصلح‪،‬‬
‫غيكم وليس كون الظلم واقع‬
‫بالمفسدين ابدؤوا بأنفسكم وعاونوا ر‬

‫مملكةجريتفول |‪167‬‬
‫غيه‬ ‫يلف باللوم عىل ر‬
‫غيكم‪ ،‬فقد رأيت أن الجميع ي‬
‫عليكم أن تظلموا ر‬
‫ويتمادى اللوم إىل أن يصل إىل مرحلة الظلم‪ ،‬أقيموا العدل ر يف‬
‫غيكم‪ ،‬حن وإن اجتهدتم وأصبتم ر يف اجتهادكم أو‬ ‫أنفسكم ومع ر‬
‫شخض وخذوها بتقبل اآلراء‬
‫ي‬ ‫أخطأتم فال تأخذوا األمور بشكل‬
‫واألقوال واألفكار ‪.‬‬
‫أخيك أن مشاعري تجاهك كانت مليئة بالصدق‬ ‫وقبل السالم ر‬
‫ر‬
‫أنقذتن من الجهل‬ ‫والعفوية‪ ،‬إن أنقذتك من الموت بمملكتنا فقد‬
‫ي‬
‫ر‬
‫وأوصلتن بمعرفة هذا الدين القويم والرب الكريم ولك‬
‫ي‬ ‫ر يف أرضك‬
‫قلن سالم ممزوج بكل مشاعر االحيام واالمتنان ‪.‬‬ ‫ر‬
‫من ومن ر ي‬
‫ي‬
‫أمندا‪.‬‬
‫مخرجا كل انفعاله ورد فعله ر يف غلقه ثم‬
‫ً‬ ‫أغلق بالل الخطاب بقوة‬
‫وضعه في راحة يده وأطبقها عليه بقوة وانتابته حالة من‬
‫التساؤالت‪ ،‬ندى؟؟ أقابل ندى أين؟ من أين أتت بهذا الكالم‬
‫السخيف!؟‬
‫وإيابا‪ ،‬حن تذكر يوم‬‫ً‬ ‫ً‬
‫ذهابا‬ ‫وجلس يعض ذهنه ويقلب أفكاره‬
‫عي ر يف‬
‫بالمتي ر ر‬
‫ر‬ ‫الن كان سيقابل هو حافلة مليئة‬
‫الخيية ي‬
‫ر‬ ‫الرحلة‬
‫تقاريرا بتفاصيل بعض‬ ‫ً‬ ‫الخي وكان سيقابلهم ليعطيهم‬
‫ر‬ ‫عمل‬
‫الن يعرفها وبعض المساعدات العينية والمادية من‬ ‫الحاالت ي‬
‫الخيية وأن ندى أرسلت له رسالة تذكره بذلك اللقاء‪،‬‬
‫ر‬ ‫مؤسسته‬

‫‪ | 168‬مملكةجريتفول‬
‫اا‬
‫وكانت أمندا جالسة بجوار جهازه النقال ثم أردف قائًل‪ :‬اآلن‬
‫عين‪،‬‬‫فهمت سبب النظرة الذابلة رف عينيها وهروب ها من لقاء ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫غي محمله ‪.‬‬‫فهمت أمندا الموضوع عىل ر‬
‫بحث رس ًيعا عن رقمها ر يف جهازه وحاول االتصال عليها مر ًارا لكن‬
‫لألسف اتضح له أن الرقم خارج نطاق الخدمة ‪.‬‬
‫ً‬
‫مشعا‪ ،‬أخذ سيارته وانطلق نحو مكان إقامتها وجد الباب‬ ‫نزل‬
‫ً‬
‫أخيه حارس البوابة أن سكان هذه الشقة رحلوا منذ‬ ‫موصدا‪ ،‬ر‬
‫اا‬ ‫رر‬
‫يومي‪ ،‬أمسك رأسه بكلتا يديه سائًل‪ :‬رحلوا؟ كيف رحلوا؟ إىل‬
‫أين؟‬
‫قال الرجل‪ :‬ال أعلم إىل أين ‪.‬‬
‫قال‪ :‬سلكوا أي اتجاه؟‬
‫قال له الرجل‪ :‬تذكرت‪ ..‬لقد سمعت إحداهن تطلب من سيارة‬
‫األجرة إيصالهم إىل ر ر‬
‫الجية‪.‬‬
‫يعا‬ ‫ً‬
‫مصدوما وقد اتسعت دائرة عينيه‪ ،‬هام عىل وجهه رس ً‬ ‫نظر إليه‬
‫ً‬
‫متجها إىل سيارته وانطلق بها نحو أهرمات ر ر‬
‫الجية‪ ،‬ال زال عنده أمل‬
‫أن يجدها‪ ،‬ظل طوال اليوم يبحث ر يف المنطقة ويدور حول جميع‬
‫األهرامات إىل أن أقبل الليل وحان وقت غلق المكان‪ ،‬عاد إىل ر ر‬
‫ميله‬
‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يائسا حزينا ال يجد سبيًل للوصول إليها‪ ،‬ذهب إىل والدته وارتم‬

‫مملكةجريتفول |‪169‬‬
‫ر‬
‫تنصحن بالعدل وأال أظلم‬ ‫باكيا وقال لها‪ً :‬‬
‫دائما ما كانت‬ ‫بأحضانها ً‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫أحدا‪ ،‬مملكتها ه مملكة العدل‪ً ،‬‬ ‫ً‬
‫تحثن عىل أن أبدأ‬
‫ي‬ ‫دائما كانت‬ ‫ي‬
‫بنفش ر يف اإلصالح وأن أفعل الصواب وأحاول أن أساعد الناس‬ ‫ي‬
‫كتن ورحلت بسبب سوء فهم‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ه تر ي‬ ‫ظلمتن ي‬
‫ي‬ ‫ليفعلوه‪ ،‬ثم ماذا؟‬
‫وسوء ظن منها‪ ،‬لم تيك يىل ثغرة أستطيع من خاللها الوصول‬
‫اا‬
‫أم قد نظن أن من حولنا مثال ر يف الكمال ولكن الكمال‬
‫ي‬ ‫يا‬ ‫ًل‬ ‫إليها‪ ،‬فع‬
‫هلل وحده ‪،‬قد ننصح غينا ونرشدهم للصواب ونقع نحن فر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫نعتيه‬
‫الخطأ‪ ،‬قد يكون ظاهرنا المثالية ولكن البد أال نغي بأحد وال ر‬
‫ا‬
‫كامًل رف كل ر‬ ‫ا‬
‫شء‪ ،‬دائما البد أن نتوقع الخطأ ومع ذلك نغفره‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مثاًل‬
‫لهم‪ ،‬ال يمكن أن نقطع عنق من عرفناهم وأحببناهم لمجرد غلطة‬
‫جميعا عرضة لذلك‬‫ً‬ ‫ر‬
‫فالبش‬ ‫أو سقطة منهم‬
‫قلن نحوها‪،‬‬ ‫أنا أعذرها ولكن أحتاج إليها أحببتها وأحببت سكون ر ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫بنفش‪ ،‬لم‬
‫ي‬ ‫وف االرتقاء‬
‫الخي ي‬
‫أحببت كونها مساندة وداعمة يىل يف ر‬
‫تيك يىل فرصة واحدة ‪.‬‬
‫ر ر‬ ‫ر‬
‫شء ستأخذه‬ ‫بن إن كان لك نصيب يف ي‬ ‫احتضنته أمه وقالت‪ :‬يا ي‬
‫وتدبيه ألمورنا‬
‫ر‬ ‫حي وإن لم يكن لك نصيب فيه فقدر هللا‬ ‫ولو بعد ر ر‬
‫الخي‪ ،‬قم صل وادع هللا وناجيه واطلب منه تحقيق‬ ‫دائما هو ر‬‫ً‬
‫مرادك وأن يرضيك بما يقدره لك‪.‬‬

‫‪ | 170‬مملكةجريتفول‬
‫نزلت كلمات أمه عىل قلبه مثل الماء البارد ر ر‬
‫حي تلقيه عىل جمرات‬
‫متأججة من شدة حماها‪ ،‬ذكرته باالستغفار‪ ،‬قام وصعد إىل‬
‫ويجيه‪.‬‬
‫ر‬ ‫غرفته وتوضأ وصىل وجلس يدعو هللا أن يرضيه‬
‫ر يف عالم مواز‪ ،‬داخل مملكة الجمال‪ ،‬تحت نفس السماء الكونية‬
‫ومستظلة بنفس الغمام من حرارة شمس واحدة شملت الكون كله‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وف أركان وزوايا‬
‫خف منه خلف خيالنا ي‬ ‫ما ظهر منه لعيوننا وما ي‬
‫الن يعيشها أهل‬ ‫ئ‬
‫شاط البحر الرائق مائه بلون الحياة ي‬ ‫قلوبنا وعىل‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫المملكة جاء مهاب مشعا إىل الحاكم أدلر يف مجلسه عىل عرشه‬
‫بالقض‪ :‬سيدي الحاكم وجدنا امرأة تشبه األم رية أمندا ولكنها تبدو‬
‫ئ‬ ‫ا ً‬
‫الشاط‪ ،‬بعض الحراس القدام يجزمون أنها‬ ‫سنُا عىل‬ ‫أكي منها‬
‫ر‬
‫السيدة بسمة زوجتكم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ه يا مهاب؟‬‫قال الحاكم متلهفا‪ :‬أين ي‬
‫أخذتها بعض الفتيات العامالت بالتمريض لمساعدتها‬ ‫‪-‬‬
‫عىل اإلفاقة ‪ - .‬وهل وجدتم أمندا؟‬
‫ال زلنا نبحث عنها بالمناطق المجاورة سيدى‪ ،‬ال تقلق لن‬ ‫‪-‬‬
‫يهدأ لنا طرف حن ر‬
‫نعي عليها ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪171‬‬
‫طالبا تنينه ثم ذهب إىل مكان العناية الطبية‪ ،‬وجدها‬ ‫أرسع الحاكم ً‬
‫بي اإلغماء واإلفاقة‪ ،‬تنظر إليهم ولكن ال‬ ‫بي أيديهم رف حالة ما ر ر‬ ‫رر‬
‫ي‬
‫تشعر بهم ‪.‬‬
‫أحضوا الماء األزرق ر يف الحال‪.‬‬ ‫صاح بهم الحاكم‪ :‬ر‬

‫ناظرا ر يف عينيها ثم تحدث إليها بصوت‬ ‫ً‬ ‫أمسك يديها واقيب منها‬
‫را ً‬
‫إىل سنوات عمرى‬ ‫عزيزن لقد ردت ي‬‫ي‬ ‫حنيُا‪ :‬بسمة‬ ‫هامس يرتعد ر‬
‫عروف‬
‫ي‬ ‫قلن الشعور بدقاته ونبضات الدم ر يف‬ ‫المفقودة‪ ،‬لقد عاد إىل ر ي‬
‫اللياىل‬
‫ي‬ ‫ومملكن وكنت أبيت‬‫ي‬ ‫ابنن‬
‫من جديد‪ ،‬تحليت بالقوة أمام ي‬
‫عزيزن؟‬ ‫إىل‪ ،‬هل تشعرين ر ين‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫باكيا داعيا هللا أن يردك ي‬
‫حركت رأسها باإليجاب‪ ،‬ناولوه الماء األزرق‪ ،‬جعلها ترتشف منه‬
‫بعض الجرعات ساعدتها عىل التحسن‪ ،‬احتضنته بقوة وحمدت‬
‫أخيته أنها ظلت سنوات عمرها‬ ‫هللا عىل وصولها إليه مرة أخرى‪ ،‬ر‬
‫ر يف بعده تراه ر يف أحالمها وتشعر بنبض حب ر يف قلبها حن وإن كانت‬
‫وهما لم يستطع أحد أن يمتلك قلبها من بعده‪ ،‬ثم انتبهت‬ ‫تظنه ً‬
‫تبحث بجوارها متلفتة ر يف جميع االتجاهات فبادرها‪ :‬ما األمر‬
‫رر‬
‫تبحثي؟‬ ‫شء‬ ‫ر‬
‫عزيزن؟ عن أي ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫بحوزن مجموعة كتب مهمة جدا‪.‬‬‫ي‬ ‫‪ -‬كان‬
‫عينا عليها سيدى وأوصلناها إىل‬ ‫التفت إىل مهاب فقال‪ :‬بالفعل ر‬
‫مكتبة القض‪.‬‬

‫‪ | 172‬مملكةجريتفول‬
‫قال لها‪ :‬أين أمندا؟ كيف حالها؟‬
‫شء دعنا نصل إىل القض ألحدثك عن الكتب‬ ‫ر‬ ‫قالت‪:‬‬
‫سأخيك كل ي‬‫ر‬
‫واألهم تعاليم اإلسالم ونعلمه ألهل المملكة ‪.‬‬
‫رر‬
‫تتحدثي؟‬ ‫شء‬ ‫ر‬
‫‪ -‬عن أي ي‬
‫دين‬‫ر‬
‫شء عن ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الماض لم أتذكر كل ي‬
‫ي‬ ‫‪ -‬عندما أتيت إىل هنا ر يف‬
‫أخيتكم ما تذكرته فقط‪ ،‬أما اآلن فقد ساعد بالل‬
‫وعبادان‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫أمندا عىل تعلم الدين الصحيح وزودنا بالكتب والمعلومات‬
‫اإلسالم القويم ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الن ستفيدنا ر يف فتح مملكتنا بالمنهج‬
‫ي‬

‫*** *‬
‫حبا به‪ ،‬سلوا عن‬ ‫سلوا عن حال محب إذا فقد من شغف قلبه ً‬
‫المعان‪ ،‬وكأن ما حوله‬‫ر‬ ‫يومه الذي ال يمر‪ ،‬وعن حياته المجردة من‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫ون يدور فيه كيوس ماكينة تعمل وال تع ي شيئا‪ ،‬وإنما‬ ‫نظام إلكي ي‬
‫عزيزا عليكم‬ ‫ً‬ ‫تنجز ما وكل إليها‪ ،‬تصبح األيام كلها كيوم فقدتم فيه‬
‫وذهبتم بجنازته ثم واريتم جسده ر يف الياب وعدتم لتجدوا أرجاء‬
‫شء وتصبح داخل الصدور كأنها الهواء‪ ،‬يكاد‬ ‫ر‬
‫قلوبكم خاوية من كل ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن ر‬
‫ونشيجا لوال ربط هللا عىل الق‬ ‫يفض صاحبه بما فيه ضاخا‬ ‫ي‬
‫لوب‪ ،‬مرت األيام عىل بالل ولم يكن ينساها لحظة‪ ،‬كلماتها ر يف‬
‫أذنه تدعمه وتذكره‪ ،‬ابتسامتها ونظرتها من أمامه ومن خلفه ‪.‬‬

‫مملكةجريتفول |‪173‬‬
‫استمر بالل ر يف عمله وزاد من نفوذ ررسكته حن ذاع صيته حول‬
‫ً‬
‫مستمرا ر ر‬
‫بي‬ ‫العالم وكانت من أفضل ر‬
‫الشكات االستثمارية وكان‬
‫رر‬
‫عامي وهو ال‬ ‫الخي ورحالت العمل‪ ،‬مر ما يزيد عن‬ ‫ر‬ ‫رحالت‬
‫لغيها‪ ،‬لم ير العالم دونها فقد كانت‬
‫ينساها‪ ،‬لم يلتفت فيهما قلبه ر‬
‫الن أعادت له حياته ‪.‬‬
‫الحياة ي‬
‫وحان وقت سفره ر يف إحدى رحالت العمل خارج البالد إىل دولة‬
‫مي الطائرة ثقلت رأسه ر يف‬
‫كندا رف شمال أمريكا‪ ،‬بعد صعوده عىل ر‬
‫ي‬
‫نومة خفيفة رأى وجه أمندا باسما وعيونها ضاحكة فيقول لها‪ :‬أين‬
‫من ‪.‬‬‫ر‬
‫أنت؟ قالت‪ :‬اقيبت ي‬
‫ثم استفاق من نومته عىل صوت المضيفة قائلة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫استعدادا للهبوط‪.‬‬ ‫‪ -‬فضًل سيدي اربط حزامك‬
‫نزل المطار ثم استقل سيارة باألجرة للوصول إىل مقصده وأثناء‬
‫سي السيارة ر يف الشوارع لتوصيله لمح بطرف عينه فتاة محجبة‬‫ر‬
‫تقود سيارة بمجرد أن رفع عينه وجدها تمتلك نفس مالمح أمندا‬
‫شء‬ ‫ر ر‬
‫ال تخطئها يف ي‬
‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ومن شدة تفاجؤه بها حاول أن ينادي عليها وطلب من السائق أن‬
‫كبية وتوقفت أمامه حن‬
‫يلتف بالسيارة قرب ها لكن جاءت حافلة ر‬

‫‪ | 174‬مملكةجريتفول‬
‫غابت عن عينيه وما إن تنحت الحافلة إال وقد أضاءت إشارة‬
‫المرور بإضاءة االنتظار‪ ،‬بحث عنها بنظرات عينيه المتسارعة‬
‫الغي منتظمة لم يجدها كأنها تبخرت وسط الغيوم‬
‫وضبات قلبه ر‬‫ر‬
‫‪.‬‬
‫كاد أن يجن من الموقف‪ ،‬لم يجد بيده حيلة ثم ذكر نفسه أنها من‬
‫ه‪.‬‬ ‫غي األرض ومحال أن تكون ي‬
‫أرض ر‬
‫كان الوقت قد تأخر حيث أنه عىل موعد اجتماع هام بعد نصف‬
‫ا‬
‫ساعة وبدًل من أن يتوجه إىل الفندق لوضع حاجياته وتبديل ثيابه‬
‫ً‬ ‫توجه إىل مكان االجتماع‪ ،‬كان ر‬
‫يمش محبطا تطارده الذكريات‬ ‫ي‬
‫ووجه حبيبته ‪.‬‬
‫عندما وصل إىل مقر االجتماع وجد أن جميع المقاعد ممتلئة إال‬
‫مقعدين‪ ،‬جلس عىل المقعد المواجه للباب وما لبث يستند بظهره‬
‫إال وجد صاحبة السيارة ظاهرة أمامه مقبلة من الباب‪ ،‬كاد قلبه أن‬
‫يقف من هول المفاجأة عليه حن أنه خاف أن يسألها عن اسمها‬
‫ً‬
‫شخصا آخر أما عن موقفها وقفت أمامه‬ ‫يك ال يخيب أمله إن كانت‬
‫دون حراك‪ ،‬نظرت إليه مشدوهة فاغرة فاها‪ ،‬لم تستفق إال عىل‬
‫تفضىل بالجلوس أستاذة ليان ‪.‬‬
‫ي‬ ‫قول رئيس االجتماع‪:‬‬
‫شكرا لك سيدى‪.‬‬‫ً‬ ‫موجهة نظرها إىل المدير مبتسمة‪:‬‬

‫مملكةجريتفول |‪175‬‬
‫تلتف عيونهما مرة ثانية وعاد إىل بالل شعور‬
‫جلست وتعمدت أال ي‬
‫شء بداخله ينبهه ويدفعه تجاهها‬ ‫ر‬
‫اإلحباط أضعاف ما كان ولكن ي‬
‫ً‬
‫مؤكدا أنها أمندا‪ ،‬وبعد انتهاء االجتماع خرجوا من الباب مما قدر‬
‫لهما أن يندفعا رف نفس اللحظة نحو الباب‪ ،‬تنج هو ً‬
‫جانبا ر ً‬
‫مشيا‬ ‫ي‬
‫بيده‪.‬‬
‫سيدن ‪.‬‬
‫ي‬ ‫تفضىل‬
‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫شكرا لك‪.‬‬ ‫قالت متظاهرة بالجمود والالمباالة‪:‬‬
‫وانطلقت إىل الخارج‪ ،‬ما إن نطقت إال وأكد له صوتها إحساسه‬
‫ً‬
‫أميته‪ ،‬وقف يفكر لحظات كيف له أن يحدثها‪ ،‬وكان قلقا‬‫ه ر‬‫بأنها ي‬
‫ً‬
‫ه أيضا‪ ،‬قرر اللحاق بها ومحادثتها لكن لم‬
‫من احتمال أال تكون ي‬
‫يحالفه الحظ هذه المرة أن يحادثها لقد استقلت سيارتها‬
‫وانطلقت بها ‪.‬‬
‫ق ابله زميله الذي كان يجلس بجواره أثناء االجتماع وقال له‪ :‬سيد‬
‫بخي؟‬
‫بالل هل أنت ر‬
‫ً ر‬ ‫ً‬
‫متلعثما منهمكا يف ررسوده‪ :‬نعم ر‬
‫بخي‪.‬‬ ‫قال‬
‫ا‬
‫قال‪ :‬أظن أن ذهنك كان مشغوًل طوال االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬بعض مشاغل العمل يا عزيزي ‪.‬‬
‫‪ -‬هل يىل أن أدعوك إىل الغداء؟‬

‫‪ | 176‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬ ‫اا‬
‫شكرا لجميل شعورك‪ ،‬ال أريد أن‬ ‫ابتسم له بالل وشكره قائًل‪:‬‬
‫أعطلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال أقصد مجاملتك إنما أريد أن نتعرف ونصبح أصدقاء‪،‬‬
‫صداقة عمل مع شاب ناجح مثلك تعود بالنفع عىل الجميع ‪.‬‬
‫قال بالل‪ :‬حيث ذلك فأنا موافق ‪.‬‬
‫ر‬
‫اش ظهورها من المعدن وطاوالت‬ ‫اف عىل كر ي‬ ‫جلسوا يف مكان ر ي‬
‫شفافة عىل كل طاولة مزهرية بيضاء بها بعض الزهور الطبيعية ‪.‬‬
‫طلبوا الطعام وقدم لهم مقدم الطعام األطباق وكان الطعام‬
‫ً‬
‫مرصوصا بها بطريقة تقنية مبهجة وكأنها لوحة خطتها أنامل‬
‫مبدعة‪ ،‬قال له زميله‪:‬‬
‫تذوق طعامك عزيزي ‪.‬‬
‫رر‬
‫باليمي ثم جعل‬ ‫مد بالل يده ليمسك الشوكة باليسار والسكينة‬
‫ً‬
‫جانبا‬ ‫رر‬
‫السكي‬ ‫رر‬
‫بالسكي ثم وضع‬ ‫يركن الطعام بشوكته ويقطعه‬
‫اا‬ ‫ر‬
‫اليمن وتناول طعامه قائًل‪ :‬بسم هللا ‪.‬‬ ‫وأدار الشوكة رف يده‬
‫قال له زميله‪ :‬اإلتيكيت يا سيدي أن تأكل بيدك األخرى‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫رسوىل‬
‫ي‬ ‫علمن‬
‫ي‬ ‫ابتسم بالل وقال‪ :‬أنا أعتذر لإلتيكيت لكن يف ي‬
‫دين‬
‫بيمين وعلل ذلك بأن الشيطان يأكل‬ ‫ر‬ ‫صىل هللا عليه وسلم أن آكل‬
‫ي‬
‫بيساره وأن التيامن يكون رف األمور المحببة ر ر‬
‫واليي هة ‪.‬‬ ‫ي‬

‫مملكةجريتفول |‪177‬‬
‫أعجب زميله بطريقة حواره وقال له‪ :‬لقد علمت بعض األمور عن‬
‫ً‬
‫دينكم من زميلتنا ليان تحديدا حفاظها عىل حجابها وعدم‬
‫ً‬
‫مصافحة الرجال واهتمامها بالفقراء والضعفاء‪ ،‬أرى منكم لطفا ر يف‬
‫تنشون دينكم بالعنف‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيضا ر‬ ‫معاملتكم‪ ،‬لكن معلوم عنكم أنكم‬
‫قال بالل‪ :‬أي عنف عزيزي؟ أنا جالس معك اآلن هل طلبت منك‬
‫شء بعنف؟‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء بعنف أو نهيتك عن ي‬ ‫أي ي‬
‫مغ بكل لباقة وخلق ‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬بل عىل العكس تحدثت ي‬
‫قال بالل‪ :‬إن شاء هللا لنا لقاءات ر‬
‫أكي‪.‬‬

‫ثم استدرج كالمه‪ :‬أريد أن أسالك عن السيدة ليان‪ ،‬منذ من ي‬


‫وه‬
‫تحض معكم االجتماعات؟‬ ‫ر‬

‫ه اإلدارة مكانه‬ ‫قال‪ :‬منذ عا ر ر‬


‫مي أو أقل‪ ،‬بعد موت خالها تولت ي‬
‫األكي من‬
‫ر‬ ‫يكي أوالده ويديروا العمل وقد اقيب ابنه‬ ‫رر‬
‫لحي أن ر‬
‫عشة اآلن ‪.‬‬ ‫الثمانية ر‬

‫دهش بالل وحدث نفسه "هو نفس توقيت اختفائها"‬


‫يمكنن الحصول عىل رقمها أو عنوان ررسكتها؟ أريد‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫قال له‪ :‬كيف‬
‫أن أدير بعض األعمال معها‪.‬‬
‫الشكة ورقمها وقدمها له‬ ‫أخرج الرجل من معطفه بطاقة بعنوان ر‬
‫وبعد انتهاء الغداء أض زميله أن يوصله إىل وجهته وبعد أن وضع‬

‫‪ | 178‬مملكةجريتفول‬
‫بالل حقيبته وبدل ثيابه استلم جهازه النقال وأخذ يدخل الرقم‬
‫الموجود بالبطاقة فأجابت عليه بالسالم عليكم فقال‪ :‬وعليكم‬
‫السالم السيدة ليان؟ قالت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقد علمت من صوته أنه بالل‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬أريد زيارتك ر يف ررسكتك غدا إلدارة بعض األعمال إن أمكن أخذ‬
‫موعد لي؟‬
‫ً‬
‫غدا مشغولة ر يف كل المواعيد‪.‬‬ ‫‪ -‬أعتذر‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا أي يوم؟‬
‫غي مشغول هذا الشهر‪.‬‬
‫‪ -‬ال أظن أن هناك موعد ر‬
‫أجابها بشكرها وأغلق الخط‪ ،‬فكر رليهة وقد خطرت له فكرة أن‬
‫يطلب من زميله أخذ موعد ويذهب هو ر يف الموعد وبالفعل حدث‬
‫ر‬
‫وف الصباح ارتدى بالل ثيابه وهندم شعره ولحيته ووضع المزيد‬
‫ي‬
‫من العطر وارتدى ساعته ونظارته الشمسية ثم مر عىل محل زهور‬
‫واشيى باقة من الزهور صفراء اللون بداخلها زهرة حمراء ‪.‬‬
‫جلست ر يف مكتبها تتطلع خلف نافذتها ولسان حالها يحدثها‬
‫بمشاعر داخلية تود أن ترسلها له‪ ،‬أخرجت دفيها وقلمها وأخذت‬
‫وتيق ر يف داخلها‪ :‬من جانب زجاج نافذة‬ ‫الن ترعد ر‬
‫تدون كلماتها ي‬
‫أن علقت ر يف ذكرى تجمعنا‪ ،‬تمنيت أن‬ ‫ر‬
‫أخيك ي‬
‫لم أفتحها بعد‪ ،‬ر‬

‫مملكةجريتفول |‪179‬‬
‫ر‬
‫عي فجوة زمنية محلها هناك‬ ‫يكون يىل فرصة واحدة يف السقوط ر‬
‫عي‬
‫اسم‪ ،‬ثم أحادثك ر‬‫ي‬ ‫فقط حيث صميم قلبك المغلق عىل‬
‫منطقة الركود المظلمة بداخلك وأقول أنا ال زلت هنا‪ ،‬هنا فقط‬
‫بداخلك وسأظل هنا‬

‫فتجيبن بصوتك المنهزم والمسحوب نحو االستسالم "ليتك‬ ‫ي‬


‫ر‬
‫بقيت هنا! ليتنا دمنا معا"‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫ر‬
‫ربما يف عالمنا الموازي نستطيع اللقاء‪ ،‬ربما يمكننا قول كيف‬
‫حالك؟ قاصدين كل ما تحوينا من شعور‪ ،‬ربما عىل سحابة غائمة‬
‫تلتف كلماتنا‪ ،‬ثم يتبعها العناق الذي طال فيه رجاؤنا‪ ،‬عىل طاولة‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫كالسيكية يف أمسية حالم تناثرت من حولها الشموع وتفوح رائحة‬
‫لتخي ر ين‬
‫ر‬ ‫عطرية من ورود زينت بها مزهرية زمردية تتشابك أناملنا‬
‫عين تناديك هاتفة‬ ‫بأنك وجدت دفء العالم عندما أبضت لمعة ر ّ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫معان الحب المندثرة والمتوارية‬
‫ي‬ ‫"أشتاقك يا من كنت لك كل‬

‫صفحن‬ ‫شف قمر قد ارتسما عىل‬ ‫"‬


‫ي‬ ‫خلف أحجبة الحياء فألمح ي‬
‫برحيىل‪ ،‬ألمح‬
‫ي‬ ‫معية عن ابتسامة طالما ارتحلت عن محياك‬
‫وجهك ر‬
‫كثية بعدما فقد كل زاده ولكنه‬
‫من بينها نظرة عابر مر عىل بلدان ر‬
‫الن يرسلها‬
‫لم يجد المأوى إال ها هنا أمام تلك الخفقات المتتابعة ي‬
‫أضلغ نحوه‪ ،‬أقرأ اآلن عىل تشققات شفاهك كم مرة‬ ‫الخافق ر ر‬
‫بي‬
‫ي‬

‫‪ | 180‬مملكةجريتفول‬
‫بكيت حن ذبلت منك الدموع وجفت من ينابيعها‪ ،‬كم مرة ناديت‬
‫عي‬
‫وتمنيت لو أن الزمان توقف بنا عند لحظة لقاء حن وإن كانت ر‬
‫ومضة ضوئية لمصباح عتيق علق عىل باب حصن ر يف القرون‬
‫األوىل أو عند نقطة مظلمة عىل سفح جبل تعانق مع أقرب نجمة‬
‫تدلت بالقرب منه‪ ،‬أو عند قطرة ماء ر يف بحر بعيد ابتلعها الموج‬
‫وتهالكت بنا رف داخله‪ ،‬كان يكفينا أن نكون ً‬
‫سويا‪ ،‬ال تبحث ر ً‬
‫كثيا‬ ‫ي‬
‫الن عشقت ولكن الفراق‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫داخل ر ر‬
‫عين فهما هما تلكما العينان ي‬ ‫أني ي‬
‫الن كانت ترتسم ‪.‬‬
‫أزاح معه كل اآلمال ي‬
‫نبهتها طرقات الباب الواصلة ألذنها ليفع رأسه ا عىل صوت‬
‫مساعدتها‪:‬‬
‫سيدن وصل ‪-‬وذكرت اسم زميله السيد‪ -‬حسب الموعد المحدد‪.‬‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫قالت لها‪ :‬دعيه يتفضل بالدخول يف الحال ‪.‬‬
‫توجه إىل الباب وهو يهندم مالبسه ووضع باقة الزهور أمام وجهه‬
‫ً‬
‫متوجها ناحيتها‬ ‫ثم أمسك بمقبض الباب ودلف إىل الداخل‬
‫وبصوت قوي شابه رنية إضار وهو يقدم باقة الزهور نحوها‪ :‬ألم‬
‫الغية؟‬
‫أقل لك من قبل أن الزهور الصفراء تدل عىل ر‬
‫تعي عن أي شعور‬
‫وه تحاول أن تجمع أحاسيسها أو ر‬
‫نظرت إليه ي‬
‫تعتىل شفتيها بسمة وامتألت‬
‫ي‬ ‫أو ترد بأي كلمة لم تستطع سوى أن‬
‫ه؟‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫أنن ي‬
‫عيونها تعجبا وظهر بداخلها سؤال ما الذي أكد لك ي‬

‫مملكةجريتفول |‪181‬‬
‫تخط ر يف اختيارها‪ ،‬قالت‬
‫ئ‬ ‫أجابه ا دون أن تسأله‪ :‬القلوب المحبة ال‬
‫دائما اسمع لحس قلبك‬ ‫ىل إحداهن ذات مرة " رف عالقات القلوب ً‬
‫ي‬
‫األوىل وتأكد أنه عىل صواب"‪.‬‬
‫ي‬
‫الن لم تطوها بعد من دفيها وقد‬ ‫جذب انتباهه تلك الصفحة ي‬
‫نظمت كلماتها بطريقة راقية‪ ،‬أعجب بخطها والذي لم يكن يتوقع‬
‫قدرتها عىل كتابة العربية بتلك السالسة واالنسجام‪ ،‬سحب الدفي‬
‫بالقرب منه ثم أخد يقرأ ما دونته واستشعر كل كلمة تشي من‬
‫أني عشق لطالما دار معه‬ ‫خالله تالمس فؤاده فتبهجه وتزي ح عنه ر ر‬
‫ر يف دوامات الوحدة دونها‪.‬‬
‫ا‬
‫ظلمتن‪ ،‬كل ما ر يف األمر كان هناك‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫لقد‬ ‫‪:‬‬‫قائًل‬ ‫ً‬
‫ناظرا لها‬ ‫رفع حاجبيه‬
‫خيية‬
‫تجمع لحافلة بها مجموعة من األعضاء يقومون بأعمال ر‬
‫ينتظرونن ألمدهم بمعونات مادية ‪.‬‬‫ر‬ ‫منهم ندى وكانوا‬
‫ي‬
‫نظرت له بحرج وعضت بأسنانها عىل شفتها السفلية قائلة‪ :‬يا ي‬
‫إلىه‬
‫حي غادرت دون التثبت منك ‪.‬‬ ‫كم كنت حمقاء ر ر‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬وأنا سأكون أحمقا إن غادرت من هنا دونك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شكرا ثم قال‪ :‬ال أصدق ما يحدث يىل اآلن أهو من‬ ‫خر ساجدا هلل‬
‫واقغ؟‬‫ي‬ ‫خياىل أم‬
‫ي‬ ‫نسج‬
‫لم يستفيقوا من لحظة اللقاء الغامرة لجميع حواسهم اآلخذة لهم‬
‫داخل ئبي مشاعر سحيق إال عىل تصفيق جميع من كانوا بخارج‬

‫‪ | 182‬مملكةجريتفول‬
‫ً‬
‫نش بالل أن يغلق الباب أو باألصح تركه عمدا يك‬
‫المكتب حيث ي‬
‫ال يجلس معها ر يف مكان مغلق منفردين فاستداروا إليهم شاكرين‬
‫وانسابت الدموع من عيونهم ثم جلسوا ً‬
‫سويا يتحدثون‪.‬‬
‫أخيته أنها لم تستطع أن تيك هذه األرض ولكن أمها كانت لها‬ ‫ر‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫رغبة يف الذهاب ألبيها فأعطتها عنوانا لخالها المقيم يف كندا ومبلغا‬
‫من المال واستعملت أمها القالدة حيث انتقلت إىل أرض جريتفول‬
‫‪.‬‬
‫اعتذرت له أمندا عىل ما حدث وأنهيا عملهما رف كندا وعادا ً‬
‫معا إىل‬ ‫ي‬
‫أخي أخته ووالديه بمقابلته ألمندا وطلب‬ ‫مض حيث أنه كان قد ر‬
‫تجهيات احتفال وعند وصولهم تفاجأت بمراسم‬ ‫رر‬ ‫منهم إعداد‬
‫ر‬
‫االحتفال‪ ،‬قدم لها بالل هدية الخطبة وعلت الفرحة يف أرجاء‬
‫القلوب واتفقا عىل بناء بيت وأرسة ومجتمع يقوم بالعدل ويسغ‬
‫ر يف إصالح ذاته ومن حوله واتفقا عىل الذهاب ر يف رحلة إىل مملكة‬
‫لك يكمال إجراءات إتمام الزواج هناك بإذن والدها‬ ‫جريتفول ي‬
‫ولك تفرح المملكة معهم ويوصلوا إليهم تعاليم الدين‬ ‫وواليته ي‬
‫ويعينوهم عىل اتباع نهجه وبالتاىل يتحقق اإلسالم فر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم‬
‫ي‬
‫ر‬
‫بالد العدل ويتحقق بعض العدل يف بالد اإلسالم ويبدأ كل فرد‬
‫بنفسه ثم من له والية عليه‪.‬‬
‫األحالم ليست بعيدة المنال وال محالة التحقيق‪ ،‬وإنما نحن من‬
‫نستجلب اإلحباط ونجذب اليأس‪ ،‬كن عىل ثقة بأن حلمك نزيه‬
‫ً‬
‫حتما باهلل سيكون‪ ،‬أنت لست‬ ‫وبأنه من الممكن أن يكون بل‬

‫مملكةجريتفول |‪183‬‬
‫بخيس الثمن ولست بال قيمة‪ ،‬قيمتك عند نفسك أهم من أي‬
‫شء حولك‪ ،‬هذا النجم الساطع ر يف سماء عالمك دعه يسطع كما‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫يوما ما سأصل إليك‪،‬‬ ‫هو ارمقه بنظراتك من بعيد ولسان حالك ً‬
‫ملهما دون أن يدري‬‫ً‬ ‫اجعله داعمك حن ولو لم يعلم ذلك كن‬
‫ً‬
‫ليخيك أال‬
‫ر‬ ‫اآلخرون شيئا عن نجاحاتك تلك‪ ،‬خلق هللا الدعاء‬
‫أبدا عما ذهبت إليه روحك حن يأتيك به "إنا رادوه إليك"‬
‫ً‬
‫تتنازل‬

‫تم بحمد هللا‪.‬‬


‫‪.........‬‬

‫‪ | 184‬مملكةجريتفول‬

You might also like