Professional Documents
Culture Documents
مملكة جريتفول
مملكة جريتفول
مملكةجريتفول |4
بحية تحوي ماء أزرق اللون يحرسه عدد من الجنود توجد ر
األقوياء ،ومع ذلك يسمحون للجميع بملء القوارير منها ..فقط
البحية. غي مسموح بالوصول به إىل ر
ر األوان ر
ي غيها من
القوارير ،أما ر
يحمل باتريك ما يقطعه وينقله خلفه ر يف عربة خشبية مجهزة
خشن من ثالثةري لحمل األخشاب أحيطت حوافها الخارجية بإطار
الخلف فيك بال إطار ليتسع لحجم األخشاب ر جوانب أما الجانب
ي
تني ذوالذي يفوق طوله طول العربة بعض اإلنشات ،يجرها ر ر
عين باتريك ،جناحاه قويان أخض عيناه تشبهان ر ّ ر رر
جناحي لونه
ي
يظل ضامهما إىل جانبيه حال تثبيت العربة عىل ظهره ،ذيله
ر
واألخض ر
األخض القاتم انسيان به تجاعيد قوية متدرج ر ر
بي ري
تعط لمعة مع سقوط ضوء ي اه ،بعض الحراشف عىل ظهره الز ي
ً
الشمس عليها ،يقف صامتا مثله طوال ساعات تقطيع جذوع
األشجار ،عندما تزيد رضبات قلب باتريك أثناء عمله وترتفع
أنفاسه كان ر ر
التني يحدث له نفس اآلثار وكأن هناك رابط قوي
مشيك بينهما .
أنىه باتريك عمل يومه واكتمل ملء العربة باألخشاب ،جمع
أدواته ووضعها ر يف العربة ثم شعر بعطش شديد أخرج قارورة من
بحية الماء ً
مبكرا قبل ازدحام الناس عىل ر أدراج العربة كان قد مألها
ورسب منه بعض الجرعات وما إن انتىه من ررسبته وقبل األزرق ر
مملكةجريتفول |5
أن يبعد القارورة عن فيه حتى وجد ر ر
التني ملو ينظر إليه وإىل
التني قد أصابه نفس ما أصابه من القارورة ،فهم من النظرة أن ر ر
التناني القريبة ر يف سطل ولكنه
رر بحية
العطش فوضع له ماء من ر
يشبه ،تعجب باتريك من رد فعل ملو؛ حيث أنه عىل مدار أن أن ر
ر
ً شهر كامل كان ر
البحية وال يرفضه أبدا ،لكنها المرة
ر يشب من ماء
يشب فيها باتريك أمامه من هذه القارورة ،ذلك ألن األوىل الن ر
ي
الن يعيشون فيها الصيام الشهر الذي وىل كان من قانون األرض ي
ا ً
شهرا كامًل ليشعروا بحجم عن الماء األزرق ،فهم يصومون عنه
غيها،الن ُم ر ريت بها مملكتهم وأرضهم عن أي أرض ر تلك النعمة ي
الن بها الماء األزرق فشت األمر له، ولكن نظرات ملو للقارورة ي
ورسب ر ر بعضا من الماء األزرق رف السطل ر ً
التني ملو ي سكب باتريك
عين باتريك الذي شعر عند التقاء ر ر
بنهم ،ثم نظر بقوة مبارسة إىل ي
تني ر يف عينيه وتصل إىل دماغه رليى في بشارة ضوء ر بالتني ر
رر عينيه
اا
كثية غريبة عليه ويناديه أحدهم قائًل: مخيلته وجوه أشخاص ر
بالل ولدي.
الن يسكنها لكنه الن يتكلم بها أهل األرض ي
بلغة غريبة عن اللغة ي
فهمها ومع عدم علمه من هذا صاحب الوجه ولكن الذي لفت
انتباهه ما ر يف يد هذا الشخص ،إذ أنها قالدة من النوع الذي يعلق
به المفاتيح ،كان قد رآها معلقة من قبل ر يف أحد أبواب قض الحاكم
أدلر عندما كان يدخل األخشاب بالقض الستخدامها ر يف التدفئة،
| 6مملكةجريتفول
ا
تحديد ا معلقة في باب غرفة ابنة الحاكم أمندا تلك الشابة الجميلة
حي سقط عنها قناع كانت الن لم يرها من قبل إال مرة عابرة ر ر
ي
ر
لتغط بعضه أثناء مرورها من جواره يف أول ي تسدله عىل وجهها
مرة يذكر فيها دخوله إىل القض ،ورسعان ما استفاق وعاد للواقع،
كانت لحظات رسيعة ولكنها تسببت رف حالة من ر
الشود؛ ألنه لم ي
شء قبل هذا الشهر ،جل ما يعلمه عن نفسه ر
يكن يعلم أو يذكر أي ي
أنه فاقد للذاكرة رف حادث أصيب فيه جميع أرسته لم ُ
ينج منه أحد ي
سواه.
اا
ركب باتريك عىل العربة وصاح قائًل لتنينه :هيا ملو .
جارا لتلك العربة من ورائه ،كانت الطرق وعرة سيا ًانطلق ملو ر ً
فيها ما يشبه األحجار المدببة ،وكان ملو يعرف أماكنها ويتجنبها
سي العربة ،كانت الطرق شديدة حن ال تؤذي قدميه وال تعرقل ر
ر
االنحدار حيث أن مكان تقطيع األخشاب يف تلة بأعىل المملكة،
وبعد أن نزل إىل سهل المملكة بدأ باتريك ر يف توزي ع األخشاب
ً
المقطعة عىل بيوت أهل البلدة استعدادا الستخدامها ر يف التدفئة،
وذلك ألن المرحلة القادمة في أرض جريتفول ستكون ر يف موسم
ويخش عليهمر اليودة القارسة ،ولما كان حاكم المكان يحب رعاياه
ر
من أي سوء يصيبهم فقد أمر عددًا من الشبان أن يصعدوا عىل
أعىل التلة ليجلبوا األخشاب ،ويوزعوها عىل الناس ر يف منازلهم،
مملكةجريتفول |7
ً
جميعا ،كما أمر وأمر عددًا آخر بحصد الزروع وتوزيعها عىل الناس
الكثي من المالبس الثقيلة للكبار والصغار ،وطلب
ر الفتيات بغزل
الن تساعد عىل
من األطباء عمل تركيبات من األدوية ومن المواد ي
التدفئة ،وأمر الشابات ممن يستطعن ممارسة مهنة التمريض أن
بخي وبصحة جيدة تمكنهم من رر
ويطمئي أنهم ر يمررن عىل الجميع
اليودة وإقبال العاصفة ،ومن احتاج إىل أدوية
الصمود فية موسم ر
سارعن بإعطائه ،حن أن ابنة الحاكم أمندا كانت من هؤالء
قواني األرض أن الفتيات ال يختلطن رر الفتيات ،ولكن كان من
ر
بالشبان وأن الشاب إذا رأى فتاة تمر بالطريق ينتظر يف جانب
الطريق إىل أن تمر ،أما أمندا فلكونها ابنة الحاكم وتساعد أبيها ر يف
إدارة شؤون المملكة فكان مسموح لها بأن تحادثهم ر يف حدود
والنىه
ي المصالح العامة لإلدارة والقيادة ،وكان لها الحق ر يف األمر
وتعيي الجنود وقادتهم أو عزلهم وتوليتهم من اصب مختلفة، رر
تدبيها ،مع ر وما مكنها من ذلك قوة ورجاحة عقلها وحسن
استطاعتها من وضع هيبة لها وسط المملكة ،وكان حبهم لها
وتمنيهم أن تكون حاكمة لهم بعد طول عمر ألبيها دافع قوي
لذلك ،أثناء توزي ع ما كلفهم به الحاكم كان باتريك يدخل األخشاب
ميل أحد السكان ويضعه بجوار المدفأة ،مجرد أن ر
حن داخل ر ر
ظهره لوضعها ،سمع صوت فتاة مقبلة عند الباب ثم تحدثت مع
أهل البيت أحس بأن صوتها ليس بغريب عليه ،وجدها تتكلم
| 8مملكةجريتفول
الكبي
ر رر
ممزوجي بقوة وثبات قيادة ،تسأل عن صحة بهدوء ورزانة
بي يديه وعدل وضعه ثم والصغي فوضع األخشاب الن كانت ر ر
ر
ي
ً
نفض كلتا يديه إحداهما باألخرى ،استدار راجعا نحو ذلك الباب
الذي تقف عليه تلك الفتاة ،وكانت كما نص القانون بمملكتها
ً تضع حول عينيها ً
ذهبيا ولكن تبدي عينيها العسليتين كلون قناعا
النحاس لتنظر الطريق ،ما إن رآها حن أيقن أنها ابنة الحاكم ،وقف
شء ر
كأمية المملكة ،انتابه ي
ً
تقديرا لمكانتها ر ر
انحن لها ر يف ثبات ثم
ً
من اليدد فلزم مكانه محدثا نفسه "ماذا أفعل؟ هل أجلس عىل
ألف السالم وأمر من الباب ألخرج،ه؟ أم ي تنتىه ي
ي كرش حن
ي أقرب
لك ُأمر من ً
التنج جانبا ي
ي أم أطلب من أهل البيت أن يستأذنوها ر يف
هنا؟"
مملكةجريتفول |9
قلي اًل ر ر
لحي انتهاء البيت بالحديث رف تلعثم :هال أجلستنا بالداخل ا
ي
الشباب من عملهم.
مشوب ضيافة رسعان ما استجابت المرأة وأدخلتها ،قدمت لها ر
رئ
داف ،تحدثت المرأة قاطعة عليها ررسودها بقولها :السيدة أمندا .
الشود ،قالت انتبهت عىل صوتها ونظرت إليها باستفاقة من هذا ر
رر
تسمحي ىل بسؤال؟ لتفكيها :هل
ر لها معتذرة عن مقاطعتها
ً
أجابتها بعد أن أخذت شهيقا من هواء رائق تنعش به رئتيها:
تفضىل.
ي بالطبع
-أليس هذا هو الشاب الذي جاء من أرض الناس منذ ما يقارب
الشهر.
ثم أخفضت صوتها هامسة لها :لقد كنت من القلة الذين ر
حضوا
نخي أهل ئ
الشاط ،وأمرنا سيدي الحاكم أال ر مشهد انتقاله عند
المملكة بشأنه حن تستقر األمور ونتفهم حاله .
كيي معه وال أنتبهشعرت باالرتباك والتوتر وقالت :لم أضف تر ر ر
أنسيت قانون أرضنا!!
ِ للرجال،
قالت :نعم لكن قد تصيب النظرة لنعلم من المار إن كان ً
عدوا أو
سؤاىل. ً
قريبا أو من أهلنا أم متطفل علينا كان هذا مقصدي من
ي
| 10مملكةجريتفول
نظرت لها أمندا ببعض الجدية ،فقالت المرأة ر يف توتر بليغ بعد أن
جففت بعض حبات العرق النابتة عىل جبينها وملست بيدها عىل
سيدن ال أقصد .
ي خدها تداري ما اعتالها من حرج :أنا يا ي ا س
تقلف أفهمك وال أظن
ي فرجت أمندا عن ابتسامة رقيقة قائلة لها :ال
بك ر ً
رسا
ثم أردفت قائلة :ها قد مر الوقت أظن أن الرجال قد تفرقوا
رفيقان ونتم المهمة ،وبعدها نذهب إىل
ي بالخارج ،سأذهب ألقابل
ر ر
ونقض وقت التسلية
ي لك نتناول العشاء
قاعة الفتيات يف القض ي
والراحة.
ثم ربتت عىل كتفها وبصوت ودي قالت لها :سأنتظرك
سيدن.
ي سآن
هناك -بالتأكيد ي
ً ً
مستديرا يشبه المرآة نظرت وه تمسك بيدها جهازا خرجت أمندا ي
رني تحدثت إليهن من خالله :هيا يا إليه فأضاء وأصدر صوت ر ر
فتيات أنهوا مهامكن وتجمعوا بقاعة الفتيات ر يف القض.
عيه :ر يف الحال سيدتنا .
وصلها جوابهن ر
يسمع لحركة قدمها تمش بخط مشعةُ ، رف تلك األثناء ،كانت ر
ي ي
صوت فخيم عىل صفحات الطريق الذي كانت أرضه تشبه الرخام
الشفاف بداخله درجات ألوان متداخلة يغلب عليها اللون الزمردي
مملكةجريتفول |
11
كأنها حجر كريم ،وعىل أحد جوانبه قناة يجري بها الماء عىل طول
الطريق .
ر
وإذا به باتريك يجلس يف جانب من الطريق عىل جذع شجرة ر
كبي
وتي قطعت شجرته منذ عهد قريب وموضوع عىل جانبه ،يمسك ر
كيه وحدة رً
صغيا يقطع به تفاحة ليأكلها مع قوة تر ر ر ً
خنجرا بيده
نظره تجاه خنجره وهو يقطع به وكأنما ررسد ر يف عالمه الخاص كما
ً هو حاله ً
دائما ،بجوار تنينه ملو الذي كان يتناول طعامه هو أيضا
الن بها الماء األزرق وأعط تنينه منها بعض ثم أخرج القارورة ي
القطرات ،رأت أمندا هذا المشهد ودار بداخلها حوار وكأنها حرب
شء من ر
اندلعت ومع كل ما تملكه من قوة ومكانة إال أنها أصابها ي
يشب هو وتنينه من ر
ينبغ أن ر "
القلق حدثتها نفسها ماذا أفعل؟ ال ي
هذا الماء األزرق سيجعله يتذكر بعض األشياء عن حياته من قبل
وهذا ما ال نرجوه"
ثم انطلقت نحوه موجهة الحديث إليه وبصوت فيه حدة وصل
ً
إىل مسامعه مخيقا لصمته الذي طال وألفكاره المتداخلة :يا هذا!
رر
للتناني ،إن علم الحاكم سيعاقبك عىل هذا الماء ر
للبش وليس
إهداره.
| 12مملكةجريتفول
ا
خافض ا بضه: ً
أجابها وهو يقف من مجلسه ملتفتا إليها بتواضع
ر
تنين السبب فهو
سيدن لم أكن أعلم أرجو المعذرة ،ثم إنه ي
ي أفعل
غيه . يرفض أن ر
يشب أي ماء ر
األخية واستقرت نظرة عينيها وزاد اتساع
ر تفاجأت من كلماته
حدقتيها:
ماذا قلت؟
ثم عادت لحديث نفسها مرة أخرى" يا إلىه! ما الحل؟"
ي
ً ً
تقلف سيد ين
ي كثيا :التحدث مخيقا لصمتها الذي لم يطل ر
سأرسب أنا معه من الماء الجاري بالوديان وأتجنب ررسب الماء
ر
األزرق .
ر ر
الن
تركته ولم تجبه وأكملت يف طريقها مع نفس حالة الشود ي
ر
وف محاولة منه الستيعاب ما يجري تطرق للحديث تعتليها .ي
اا
سيدن؟ أجابته دون أن
ي بسؤال ىل
ي هل :ًل معها مرة أخرى قائ
تلتفت :ال ر
ينبغ.
ي
مملكةجريتفول |
13
قالت نافية عن ذهنها فكرة مخالفته أمرها "ال ال ...أظنه شخص
مطيع ويحب أن يمتثل لألوامر ،سأحاول أن أتابعه من بعيد ألعلم
أخي أن رف الحا ل"
ً إن فعلها مرة أخرى ر ر ي ي
بينما جلس باتريك ينظر إىل تنينه متحدثا إليه يلومه:
ر
اج مع السيدة أمندا بسبب -أرأيت ملو لقد تسببت يف إحر ر ي
البحية .
ر رفضك لماء
وأثناء نظره له شعر بنفس ما حدث له فوق التل ة ورأى ر يف مخيلته
مني ،أخذ رً ً
قصي ووجهها أبيض ر ر صغيا لطفلة شعرها أسود وجها
عطفا ر رً
حي رأى هذا الوجه وسمعها تقول: قلبه
خاىل بالل.
-أفتقدك يا ي
الن سمعها من قبل ،ثم رسعان ما يستفيق بنفس اللغة الغريبة ي
ويعود للواقع ،تعجب من تكرار االسم رف كل مرة ينظر ر ر
لعي ملو ي
بعد ررسب هذا الماء .
ذهبت أمندا لالستعداد للقاء الفتيات ر يف قاعتهم الملحقة بالقض،
ارتدت ثيابها األنيقة ذات األلوان الوردية واألنيقة ر يف ثنايا
ً
جذابا ً
مظهرا تعط تصميمها ،كانت تلك الكشات أسفل خضها
ي
لها ،وضعت عطرها وزينتها وارتدت مجوهراتها ،ثم أخذت
ً
صندوقا ر ً
كبيا به مجموعة من الهدايا تليق بالفتيات والنساء من
الزينة والمجوهرات وأمرت وصيفاتها أن يحملنه بعد أن يستعدن
| 14مملكةجريتفول
المسان معها ،وبعد أن أذنت لهن باالنضاف ئ لحضور اللقاء
ي
جذبت فدوى من بينهن ،تلك الوصيفة المساعدة والمقربة لها
ً
ومع صغر سنها عن الباقيات إال أن أمندا تثق فيها جدا وترتاح ر يف
الحديث إليها.
-انتظري فدوى أنا بحاجة إليك .
وه تجذبها ثم نظرت إىل الباقيات قائلة:
هكذا حدثتها ي
-تقدمن ر
أني سنلحق بكن .
انحنت لها فدوى برقة:
سيدن .
ي -أوامرك
أخذتها من يدها بشعة إىل داخل غرفتها وأغلقت الباب وبادرتها
بالكالم سائلة:
ً رر
تعلمي شيئا عن هذا الفن القادم من أرض الناس؟ -هل
أخي ر ين مهاب -القليل سيدن ،فهو ال يختلط بالناس ر ً
كثيا ،وقد ر ي
عم أنه حاول التقرب منه ولكنه قليل الكالم ،ومع ذلك ابن ي
رر
والقواني . طيب القلب ويمتثل لجميع األوامر
األخية وطمأنت نفسها عىل ما كانت تخشاه
ر ارتاحت أمندا لكلماتها
منه .
وه تهز رأسها راضية عما سمعته:
قالت ي
مملكةجريتفول |
15
-جيد ..هيا بنا لنلحق بالفتيات ر يف قاعتنا .
حضت جميع الفتيات والنساء وجلسن ً
معا يأكلن ما ر ر
أوتي من ر
أطعمة وحلوى ويتبادلن الحوار ،وكانت هناك فقرات للمواهب
تغن بصوت ر ر
اض ،وبنت ي فخرج فريق من الفتيات بأداء استعر ي
تلف أبياتًا شعرية من تأليفها وهكذا
شج ،وأخرى ترسم وواحدة ي
ر ي
استمتعن بالجلوس وقدمت لهن أمندا الهدايا ،وبعد انتهاء اللقاء
توجهت من القاعة إىل بستان القض حيث أن باب القاعة ر يف
مىلء باألشجار واألزهارمواجهة أبواب القض ومن بينهما بستان ي
به ممرات للمشاة.
ا
مساء، وباف الفتيان يجمعون الرجال كل يوم
أما عن باتريك كان هو ي
ويذهبون إىل مكان العبادة الموجود بالمملكة ،ويجتمع بهم الحاكم
الخي وعن العدل والمساواة وأن
يجلس معهم يحدثهم عن فعل ر
الجميع يتكسب بعمل يده وكل من بالمملكة يحتاج إىل اآلخر حن
ً
حاكما إال بوجود رعيته وال يستطيع حكم الحاكم نفسه ال يكون
المملكة إال بوجودهم إىل جواره ومعاونتهم له كل بحسب مكانته
والوظيفة الموكل بها ،وهذا سبب قيام الحكم ر يف المملكة عىل مدار
سنوات مديدة ،ويحذرهم من أعدائهم ر يف مملكة دارك وأ نهم
يستهدفون مملكتهم منذ سنوات ،لكن العدل الذي يقيمه الحاكم
ر يف مملكة جريتفول هو الذي جعل الناس يحبون مملكتهم وال
يسمحون بأي أذى
| 16مملكةجريتفول
سويا ويقومون بأداءيقع بها وتنتىه الجلسة ،ثم يتناولون العشاء ً
ي
ر
مبارزة بالسيوف واستعراض لقوتهم أمام الحاكم يف جو من األلفة
اف ،ثم يذهب الجميع إىل بيوتهم ويخلدون إىل النوم . والمزاح الر ي
الفض تعكس لمعته عىل صفحات مع سكون الليل وضوء القمر ر
ي
رر
الياسمي المياه الجارية بالوديان يشي نسيم هادئ مفعم برائحة
وزهور األقحوان ضامة أوراقها إىل أحضانها ،يعم الصمت ر يف
األرجاء والهدوء يسيطر عىل المكان وقبل باب القض ببضعة أذرع
الشود بخاطره ،تجول متحيا رف أمره ،ال يغ كم أخذ ر
ً وقف باتريك
ي ر ي
به فكرة ثم ترتحل وتحل مكانها األخرى ،ذلك الضجيج بداخله
ر
ويلف نظرة عىل تلك القالدة فهو
جعله يفكر يف الدخول إىل القض ي
ً ً رسا ًتخن ً
يشعر أنها ر ئ
مهما له ،تحديدا مع كونه فاقدا لذكرى أي
حدث ر يف حياته قبل هذا الشهر ،انتبه من ررسوده عىل صوت مهاب
اا ً
محتضنا كتف باتريك بذراعه قائًل :كيف حالك أيها الغامض؟
بالسي معك ر يف طريقك نتجاذب أطراف الحديث حن ر أتسمح يىل
تصل إىل دارك .
اكتف باتريك بابتسامة منه مع هزة رأس خفيفة تدل عىل قبوله ر
لعرض مهاب.
مش معه ،وظل يحدثه عن المملكة وعن عدل الحاكم أدلر ر
ا ً
ورحمته ولينه وعن ابنته الرقيقة أمندا ،ثم تنهد ونظر بعيدا قائًل
مملكةجريتفول |
17
لوال خالفاتنا مع الرتيس ر يف مملكة دارك لكانت الحياة هنا أشبه
ا ً
بعيدا قائًل له: بنعيم الجنات ،التفت إىل باتريك الغارق ر يف أفكاره
ا أزعجتك ر
ثرثرن لم أترك لك مجاًل للحديث. ي بكي ة
ر
غيابتسم باتريك يف محاولة منه لمداركة الحوار وإخفاء كونه ر
منصت له :ال عليك عزيزي ...هل يىل أن أسألك عن هذا الماء
األزرق؟
األساطي زمان ،أما اآلن فقد
ر -هو من نعم الطبيعة كما كان يذكر ر يف
ر
التشاف
ي علمنا أن النعم تنسب هلل وحده ،هو ماء يساعد عىل
ويقوي الذاكرة .
الن يقيم بها باتريك ،عرض عىل مهاب الدخول وصلوا إىل الدار ي
معتذرا لكونه بحاجة إىل الراحة ليقوى عىل العمل فر ً
ي معه لكنه رد
الصباح.
ج وي هدأ ويفكر ر يف الموضوع بتأن لكن ر
ولج بالل وحاول أن يسي ي
تفكيه هو رؤية هذه القالدة ،ثم غط ر يف
ر جل ما كان يسيطر عىل
ر
نوم عميق لم يستيقظ يف الصباح إال عىل صوت تنينه ملو وكأنه
ً ً ً
مشعا نحوه أطعمه يصدر أصواتا متعمدا ليوقظه من نومته ،قام
ووثق العربة به ثم ركبها وأشار إليه باالنطالق نحو التلة ،أنىه يومه
رر
رجلي لم يعهدهما كالعادة وأثناء رجوعه شعر بحركة غريبة من
من قبل ر يف المملكة ،حافظ عىل هدوئه وحاول تتبع مكان سكنهم،
| 18مملكةجريتفول
بي مملكةمسيهم نحو الغابة الفاصلة ر رر ولكنه وجدهم يحولون
جريتفول ومملكة دارك .
ه العادة اليومية ر يف جمع ر
يف المساء ذهب إىل دار العبادة كما ي
وأخي الحاكم بما رآه ،شكره الحاكم ونبه
الحاكم لرجال مملكته بها ر
رر ً ً
متسللي جواسيسا الرتيس الجميع أن ينتبهوا جيدا ،قد يكونوا
ليعلموا أخبار مملكتنا وتنقالتنا أو يدسون خبثهم وسمومهم لتقع
بحية الماء األزرق.
الفرقة بيننا وأكد عىل تشديد الحراسة عىل ر
منتشين إىل توجهاتهم ر ً
جميعا بعد انفضاض المجلس خرجوا
ر ومنازلهم وأثناء خروجهم كانت أمندا تقف ر
بشفة غرفتها يف أعىل
القض ،قرر باتريك أن يقطع نزاعات أفكاره ويبحث عما يشعر بأنه
شء ما قد يكون باألمر الهام ر يف حياته فتوجه نحو باب ر ر
مؤرس نحو ي
ً ً
جوابا لما يحدث له ،كانت القض قاصدا تلك القالدة عله يجد
بشفة غرفتها ر يف علية القض رأته وهو يتحرك أمندا ما زالت تقف ر
ر يف اتجاه القض ،دخل بسهولة ألن الحراس يعرفونه ومعلوم أنه
يدخل إىل ساحة ر يف القض ليضع بها ما تبف معه من األخشاب
الن رأيتها ر يف "
ثم حدث نفسه كيف سأنظر إىل تلك القالدة ي
مخيلن باألمس؟"
ي
مملكةجريتفول |
19
… "
إ ن رأني الملك سيظن ر ين إلىه
ثم عاد عىل نفسه باللوم ي ا ي
رسا وقد ال يغفرها ىل"
ر ا
ي
ر يف هذه اللحظة رجع إىل تضارب أفكاره وحث فضوله عليه بأن
ر
يأخذن إىل أن أعلم ما
ي يعرف هذا اللغز "لكن ماذا أفعل؟ الفضول
قصتها لماذا رأيتها؟ من بالل هذا؟"
كل هذا يفتعل بداخله ،وأمندا تنظره من بعيد وهو ال يعلم،
لمحته يتسلل إىل نافذة مطبخ القض ،دهشت من صنيعه هذا،
غي مستوعبة ما رأته تفكر ما أمره ،ال نعلم عنه الشقة أو
ووقفت ر
ً
الخي وطاعة
التجسس منذ أنجاء من أرضه وهو ال يفعل شيئا إال ر
الحاكم ومساعدة الناس ،هل كان يحاول إقناعنا أنه طيب الخصال
ً
ليدبر لنا المكائد ،الال أي مكائد هذه هو ال يذكر شيئا عن حاله من
رر
للقواني واألوامر، قبل ،ثم إن فدوى ذكرت عنه حسن االتباع
واستدارت لتلوذ إىل الداخل وتطلب من الوصيفات أن يحذروا
الحراس ،مدت يدها وأمسكت قبضة الباب لتفتحها وكانت
المفاجأة.
-باتريك!!
قالتها بصوت مرتبك يشوبه رنية انزعاج عندما فتحت بابها
ووجدته يحدق بها مرة ثم بالقالدة مرة ويعيد الكرة عدة مرات .
| 20مملكةجريتفول
-ما الذى جاء بك هنا؟ ماذا تفعل بقض الحاكم؟ ولماذا تسللت
غرفن؟ أما تدري كيف تكون عقوبتك عىل ماي لتصل إىل
ر
تفعله؟ وإذا به يتلعثم يف الكالم ويبتلع لعابه بصعوبة يتصبب
ً
الطي أو تهوى به الري ح
عرقا كأنه يخر من السماء أو تختطفه ر
ر يف مكان سحيق .
أجبنر زاد انزعاج أمندا من صمته الواصل إىل مسامعها فقالت له:
ي
وإال ضخت عىل الحراس .
حرك شفتيه ونطق ببعض األصوات المتقطعة ليتحدث ر يف
محاولة منه لتوضيح موقفه ولكنه لم يستطع تجميع كالمه ولم ٍ
يخيها به ،وبعد لحظات مرت عليه وكأنها ضفن فيه ما ر يجد ر ر
بي
ي
ثقال من سنوات خداعات تحدث :ال أدري أ..أنا سأنضف ر يف
مغ؟
سيدن ال أدري ما الذي يحدث ي
ي الحال
وإذا بصوت الحاكم يقيب وبال أي مقدمات جذبته أمندا إىل
الداخل وأخفته خلف الستائر المعلقة عىل نافذة غرفتها الداخلية،
ً
تنفست بهدوء وأشغلت فكرها بعيدا عن ذلك الواقف خلف
ستائرها ،ومع هدوئها انتظمت نبضات قلبها ،وبدأت حمرة القلق
تنسحب عن وجهها مصطنعة ابتسامة صماء تحجب خلفها
تساؤالت عقلها ،وهذا الموقف الذي ال تحسد عليه ،ثم عدلت
مملكةجريتفول |
21
هيئتها وجلست عىل رسيرها ر يف محاولة منها لعدم لفت نظر أبيها
غي متوقع بغرفتها.
شء رر
بأي ي
طرق أباها الباب .
-من الطارق؟
عزيزن.
ي -والدك
أن .
-تفضل ر ي
اا
عزيزن؟ أرجو أن
ي فتح الباب ودخل سائًل إياها :كيف حالك
قلن ال ر ر
تأخذن منك معظم الوقت لكن ر ي
ي تعذرين مشاغل المملكة
ي
يفي عن االنشغال بك.
ً
أن وأعذرك جد المعذرة ،بل عىل -أعلم ذلك وأعيه جيدا ر ي
خي عون لك عىل إقامة الحكم العادلالعكس يجب أن أكون ر
ر يف مملكتك.
قوىل مملكتنا يا بُنيتي.
ي -
بداخىل شعور
ي أن ،وأنت تعلم لطالما كان
-العمر الطويل لك يا ر ي
معرفن بأرضها .
ي ألم رغم عدم االنتماء ي
أجابها بعد أن تنهد بعمق ثم زفر الهواء ببطء خارج رئتيه :أعلم
ذلك وأقدره عزيز ين فدم أمك وشيمها تجري ر يف عروقك ،ولكن
ر
تضف فكرتك عن الوصول لتلك األرض، ي أرجو منك وبشدة أن
الش العالية مقارنة إىل نسبة ً
قديما عن نسبة ر فما سمعته من أمك
| 22مملكةجريتفول
المبك للقلوب قبل
ي الخي الضئيلة ،وعن حجم الظلم هناك ر
العيون جعلني أرنو إىل ما فيه الصالح واإلصالح...
قاطعته قائلة :هل تفكر...
وقطعت كالمها عندما تذكرت وجود باتريك خلف الستار :دعنا
نكمل حديثنا عن هذا األمر ر يف وقت آخر أراك تحتاج لقسط من
الراحة .
حبيبن كيف كان تن ابتسم إليها بحنان ثم سألها :هال ر ر
ي أخي ِ ي
أكي شهر شاق ر يف المملكة يومك؟ أعلم أن هذا الشهر هو ر
اليودة . ً
استعدادا لمواسم ر
الخي سعادة تعقبها
أن فقد تعلمت منك أن عمل ر -عىل العكس ر ي
فرحة ر
وانشاح بالصدر.
داعبته بابتسامة دالل قائلة :أشبهك ر يف هذه أيها الملك .
ً ضحك االثنان ً
معا ثم قال والدها وهو ينهض من مجلسه واقفا:
ً
إذا أعتذر منك فأنا متعب للغاية سأخلد إىل النوم.
اا
بعد أن طبع قبلة عىل جبينها قائًل :أراك ر يف الصباح عىل مائدة
اإلفطار .
خرج أبوها وأوصد باب الغرفة خلفه ،ثم قامت من رسيرها مشعة
إىل باتريك خلف الستارة كاظمة كم الغيظ الذي ينتابها عاضة عىل
مملكةجريتفول |
23
نواجذها :أتظن كيف كان سيصل بك الحال اآلن إن رآك ر ي
أن؟
وأخي ر ين ما أمرك؟ وإال...
ر تحدث اآلن
ُ … اا
سأخيك باألمر ،أتيت إىل هن ا
ر قاطعها قائًل :ال ال دون وإ ال
ألنظر إىل القالدة المعلق ة عىل بابك.
قالت :ماذا؟! ولماذا تنظر إليها؟
مغ عندما كنت عىل التلة أقطع سأخيك ،األمر حدث ي ر -
ر
مخيلن نفس هذه القالدة بيد شخص ي األخشاب ورأيت يف
ُ ُ
هنُا ألتأكد أنها نفس ما غريب ويقول بالل ولدي ،أتيت إىل
مغ ،فأنا رأيته وأرى إن كان عليها رشء ر
تفسي ما حدث ي ر يدلن إىل
ي ي
أهىل أو أي ر ر
الماض فقط ،وال أذكر ي ي شء إال الشهرال أذكر أي ي
شء. ر
ي
ر
وتخف ما ال تود إظهاره له: وه تواري نظراتها بعيدة عنه
ي قالت ي
وأن يجزيك عىللماذا تريد أن تبحث؟ أليست الحياة هنا عادلة؟ ر ي
عملك ويقربك منه .
-نعم سيدي الحاكم يكرم الجميع ويعطيهم ويتودد بالحب
والعدل إىل كل من ر يف المملكة لكن كما ذكرت لك أن ما رأيت ر يف
ر
دفعن للفضول والبحث . مخيلن ه و الذى
ي ي
| 24مملكةجريتفول
ً
-إذا باتريك عليك أن تذهب من هنا اآلن ،وال تعد مرة أخرى لهذا
ر
أخي ر ين
شء مما تراه يف مخيلتك ر ر
األمر واهتم بعملك وإن عاودك ي
به ر يف الحال .
سيدن أستأذنك ر يف الذهاب اآلن . ا ً
ي حسنُا ..أفعل -
بهدر صاحت فيه :أي ذهاب؟ انتظر أبض لك الطريق.
خرجت بخفة لتنظر الطريق وبعد أن تأكدت من أنه خال أشارت
إليه بالذهاب .
نظر إليها بامتنان وعرفان لجميل صنيعها ،شعرت بنفس النظرة
ميل أهل البلدة اليوم ،ثم استجمعت قواها الن تبادلها معها رف ر ر
ي ي
ر
وصاحت به :إىل ماذا تنظر؟ هيا انطلق يف الحال .
خرج ثم عاد إىل مسكنه وجلس يفكر ر يف مساعدة السيدة أمندا له،
مملكةجريتفول |
25
ً
موقظا إياها "باتريك هذا ر
شء بعيد المنال ،ليس ي ثم قال لنفسه
ً ً ر
معن حب الحاكم لرعاياه أن تفكر هكذا أبدا ،نم يا فن فغدا عندك
عمل مهم رف الصباح"
ي
ر ر ر
شء مهم ثم غط ف النوم وراوده حلم بأن القالدة يف داخلها ي
يساعده عىل تذكر أشياء من حياته.
وكلما ازداد الليل ر يف حلكته زادت معه طرقات القلوب وتململت
العيون عن النوم ،ثم صاحت األفكار ر يف األذهان تعبث بخفقات
القلب مرة ترهقه من رسعتها ومرة تسلبه قواه ببطئها ،ال يدري
حي يبدأ معه شعور من أين بدأ؟ وال كيف حدث؟ حن الشخص ر ر
إن فتش بداخله عن جواب وإن كان ً
أبلها لكلمة لماذا؟ لن يجده،
فالعاطفة ال محل لها من االستفهام ،تشتعل لمجرد وجود من
تجتذب نحوه الروح حن وإن كانت كل األمو ر الحسية والمنطقية
متحدة ضد األسباب.
جلست أمندا بعد خروجه من غرفتها أمام المرآة ،ونظرت إىل
ا
احمرار وجنتيها مع رسعة رضبات قلبها أحست أنها ازدادت جماًل
قديما" ،نزداد
ً تخيها بها
فوق جمالها وتذكرت مقولة ألمها كانت ر
ً ا
جماًل وتبدو مالمحنا ر
مشقة عندما يدق القلب ألول مرة شغفا
رر
الحني إىل عمق نظراته إليها ،رأت فيه أرض بأحدهم" أخذها
الن لطالما حلمت بها وبالتعرف عليها،
الناس بعيدة المنال ي
| 26مملكةجريتفول
استلقت عىل رسيرها وتنهدت مبتسمة لما تشعر به ينمو بداخل
قلبها وكأنه رم بذرة وتركها تنبت عىل مهل .
استيقظ باتريك ر يف الصباح ،وذهب إىل أعىل التلة كعادته إلكمال
عمله ومعه ر ر
التني ملو ،وأثناء عمله بقطع األخشاب بعد مرور ما
ليشب ساعتي من العمل المستمر بال توقف جلس ر رر يقارب
ا
البحية بدًل عن الماء األزرق وما
ر جرعات من الماء الذي جلبه من
إن ررسب ها حن شعر بضيق وغثيان ولم يستطع ابتالعها ،قدم لملو
يشب منه ،قام يكمل عمله ولكنه ليشب ولكنه أن أن ر ماء منه ر
ر
بعد نصف ساعة أخرى من العمل شعر بالعطش أشد فذهب
ورسب منهايبحث رف العربة عن قارورة الماء األزرق ثم أخرجها ر
ا ي
ً
ياصديف أمامنا يوم
ي وأعط ملو منها أيضا قائًل :أرو عطشك
طويل .
وقبل أن يضع ملو قطرة منه في فمه سمع باتريك صوت أمندا
ً
تقول له :يا لك من جالب للمتاعب يا باتريك ،هذا تحديدا ما
طلبت منك أال تفعله ،ألم أنبه عليك أال تطعمه من الماء األزرق؟
ً
تني أبيض ُمحلقا ر يف استدار لينظر إليها إذا بها قادمة عىل ظهر ر ر
ً قويي ،ترتدي ا
بجناحي ر ر
رر
وتغط رأسها به ،تضع ي رداء أسودا الهواء
قناع الذهب عىل وجهها.
ر
أصابن باإلعياء. البحية سيدن لم أستطع ررسب ماء ً
عذرا -
ي ر ي
مملكةجريتفول |
27
بكيياء مصطنع :نعم أعلم ذلك أنا هنا منذ
وه تهز رأسها ر
أجابته ي
وقت طويل وقد رأيت ما حدث لك .
سيدن.
ي -لم يكن بيدي حيلة
أأخيك ً
أمرا ما؟ ر -
سيدن.
ي -بالتأكيد
مغ القالدة.
-ي
وه تخرجها من مالبسها .
وابتسمت ي
-اقيب ليى ما فيها قد يساعدك.
ذهب ونظر إىل القالدة ،كانت المفاجأة أنه وجدها مكتوب عليها
غي لغة أهل جريتفول ،لكنه فهمها.اسم )بالل( بلغة ر
-بالل!!
-أتعرف هذه اللغة؟
ر
أظنن ال أعرفها لكن أستطيع فهمها وقراءتها ،ال -ال أعلم..
ي
سيدن أن رر
أتسمحي لي مغ، ر ر
ي شء مما يحدث ي تفسي ي أستطيع
أفتحها؟ بحنق وقد اتسعت حدقتا عينيها :تقصد كشها؟ -
ً
شيئا بها. أحاول فتحها من الداخل ألرى
ً
جدا بالنسبة يىل. -ال إياك وذلك فهذه القالدة مهمة
ً
أيضا. -واآلن أصبحت مهمة يىل
| 28مملكةجريتفول
-عجيب أمرها .
أثناء انش غالهم بالحديث عن القالدة إذا بتسلل أربعة من جنود
مملكة دارك ر يف الغابة ،وقد كانت تنينة ابنة الحاكم الوحيدة
بالمملكة لونها أبيض ،فلما رأوها علموا أنها بنت الحاكم تقدموا
وحاولوا خطفها ،حيث تسلل أحدهم إىل خلف باتريك ر
ليضبه
بشء عىل رأسه لكن أمندا نبهته فالتفت إليه وصارعه بشدة ،ثم ر
ي
ً
رضبه باتريك برأسه رضبة تسببت ر يف وقوع الجندي أرضا ،وإذا
باآلخران يتدخالن فأمسك أحدهم يد باتريك من الخلف وقام
بضبه عدة رضبات بيده ر يف بطنه ،حاول باتريك أن يتفاداه اآلخر ر
وضب بقدمه هذا الذي أمامه فأرجعه للوراء خطوات ثم سحب ر
ليضب من كان يمسكه حن رضب الجندي باتريك يده ،واستدار ر
الذي تخلص منه من قبل باتريك رف مؤخرة رأسه ر ر
بي أذنيه بحجر ي
ً
للوع.
ي فوقع فاقدا
لم تستطع أمندا التدخل بسبب تقييد الجندي الرابع ليديها وكتم
أنفاسها و ً
اضعا كفه بإحكام عىل فمها .
ر
وأحضوا هذا بهمس تناجوا إىل بعضهم :هيا خذوا ابنة الحاكم،
ً
يخي مملكتهم
ر الشخص أيضا ليكون من الرهائن ،وحن ال
وحاكمهم باألمر .
مملكةجريتفول |
29
وضعوهم ر يف عربة تجرها خيول سوداء ،تحركت الخيول تجر
العربة المجهزة بقفص حديدي عرضه يزيد عن طول الذراع،
قضبانه من حديد أسود مقوى ،أقفاله يعيي ها الصدأ ،جلست
للوع ،حاولت استخدام ي أمندا ر يف زاوية القفص وباتريك فاقد
جهازها الشبيه بالمرآة ر يف إرسال إشارات تحذيرية ألبيها ،أو ألي
من صديقاتها لكن لألسف كانت العربة قد تجاوزت من حدود
المملكة حيث ال التقاط لإلرسال إال بصعوبة ،بعد عدة محاوالت
التقط الجهاز إرسال خفيف حيث أرسلت لوصيفتها فدوى
أخيي أن بأ ...دارك "...ولم يكمل ر
أكي من ذلك ري بصوت متقطع " ر
ر
خيتها
معها اإلرسال ،حاولت أن تساعد باتريك يف االستفاقة بحكم ر
الطبية ،ولكنه كان يشعر بثقل ودوار لم تخرج منه إال أصوات تألم
مع ثقل ر يف خروج الحروف من فمه.
قالت :اسيخ باتريك حاول أن تلتقط أنفاسك أنا أمندا بجوارك.
فتح عينيه ونظر لها بصعوبة ثم أغلقها مرة أخرى ،وكأنه يغيب ر يف
لج يبتلعه داخل أمواجه العاتية كلما حاول الصعود ظلمات بحر ر ي
انيعته األمواج من قواه وخارت به عىل سطحه اللتقاط أنفاسه ر
نحو األعماق.
لتخيه بما تلقته
ر ر يف القض أرسعت فدوى تبحث عن الحاكم أدلر؛
من كلمات متقطعة ر يف إرسال أمندا ،فقد حاولت تجميع أفكارها
| 30مملكةجريتفول
األمية
ر وه تحدث حالها قائلة :إرسال متقطع ...وصوت ي
ر ر
تستغيث ،ثم كلمة دارك يف وسط الكالم ...البد أنها يف خطر ما؟
الداخىل أن الحاكم خرج لتفقد رعيته خرجت ي علمت من الحرس
مشعة تبحث عن أي طريقة لتبلغه بما سمعته فصادف خروجها
دخول مهاب ابن عمها عىل تنينه ينقل األخشاب إىل ساحة القض
الخلفية كما يفعل باتريك.
صاحت بلهفة من يحتاج إىل منقذ ينجده من مصيبة ملحة:
مهاب!
وه تهرول قالت :أحتاج إىل مساعدتك ر يف الحال
ثم اتجهت إليه ي
.
نظر إليها بقلق وقال :ما األمر يا فدوى؟
قالت :ال وقت للكالم احملنا عىل تنينك لنشع إىل مكان تواجد
الحاكم.
ً
متوجها إىل مكتبة المملكة. -لقد رأيته منذ قليل
ً
-إذا هيا إىل هناك.
التني ووجهه مهاب إىل حيث يقصد ،طار بهم مدةاعتلوا ظهر ر ر
يسية من الوقت ووصلوا ،نزلت فدوى مشعة ر يف اتجاه الحاكم ر
وقصت عليهما جرى.
مملكةجريتفول |
31
الن تحوي بداخلها أمندا وباتريك إىل مملكة دارك،
وصلت العربة ي
هيئة البيوت بها كئيبة ،ألوانها يعلوها سواد كأنه حدث بها احياق
سابق ولم يعد ترميمه ا ،أبوابها يعلوها غبار دخان قاتم ،عليها
نقوش مريبة كلها رؤوس حيوانات مفيسة وشعالت نار نحتت
بشكل أغلب ما يظنه الناظر إليها أنه مقصود منها إخافة المارين،
الطم والوحل وب ها حشائش ذابلة اللون ي األرض وعرة ومليئة ب
مالت إىل السواد من شدة الذبول ،أشجارها عارية عن األوراق
فروعها .
جذوعها ذابلة مالت جميعها ر يف اتجاه واحد وكأنها طبق عليها حكم
بالبطء وكأنها ال يصل إليها ماء األرض وال ماء السماء منذ
ي قتل
ر
غي معدودات ،وقض حاكم تلك المملكة يف مكان عال سنوات ر
بن قاتم ،تشعر بالضيق عند رؤيته ،عليه ر
بعيد عن الناس لونه ي
كبي من الحراس ،معهم سيوف ورماح وأدرعة يرتدون لباس
عدد ر
عسكر القرون الماضية لونه أسود ومشدود بأحزمة بنية من
الجلد ،وبعض الفراء مسلوخ من جلود حيوانات مرعبة ،ويضعون
خوذات عىل رؤوسهم ذهبية اللون ،يحيط بالقض ٌ
سور ضخم
غي مستساغة ،ورؤوس وعىل مقدمته من األعىل أشكال وزخارف ر
حيوانات بيت عن أجسادهم ررسسة ومهيبة للناظرين ،مرت
بي الحرس حن وصلت إىل بوابة القض ،وقفت العربةالعربة من ر ر
اا
قليًل ر يف انتظار سماح حرس البوابة بالدخول ،بعد علمهم أن
| 32مملكةجريتفول
العربة بها ابنة حاكم مملكة جريتفول وأحد رهائن المملكة
أدخلوهم ،مروا ببستان كأنه مهجور به بركة جافة من الماء ً
تماما،
السفىل
ي ثم مروا من باب القض المؤدي إىل قاعة واسعة ر يف الطابق
ر اا
وف هذه أخي الحارس حاكمه بقدومهم ي قليًل إىل أن ر انتظروا بها
األثناء كان باتريك يحاول الثبات عىل قدميه أو الحفاظ عىل اتزانه
ر ر
شء وال قدر اإلمكان ،أشارت إليه أمندا بعدم الحديث يف أي ي
أن منذ "
اإلجابة عن تساؤالتهم وهمست له قل أنك عامل عند ر ي
صغرك بعد أن مات والديك" ،ثم أمر الرتيس بإدخالهم ر يف الحال
وما إن دخلوا عليه إال وقام من مكانه ثم هدر بحزم وضيق تمازجا
أخيا ر
عيت عليك أمندا ،بدأت لنية صوته خشونة وقسوة :ر ً فأضافا ر
نقطة التحول اآلن ،من اآلن فقط بدأت أضع يدي عىل مملكتكم.
ثم ضيق فتحة عينيه واقيب بخطواته المتأنية يتفرس وجهها
ر ر
شء ،ولكن هيهاتأنن غافل عن كل ي وأكمل حديثه :ظن أباك ي
مملكن. فأنا أتابع مملكتكم وبقوةً ،
قريبا ستكون
ي
وتحد ساد رنيتها الرقيقة :لن يحدث ما تأمله
ٍ هدرت بعزة نفس
الرتيس.
وأنت
ِ رر
تتحدثي بنفس لكنتك القوية؟ منذ صغرك زلت
-أما ِ
رر
تشبهي أباك في إبائه وغروره.
مملكةجريتفول |
33
ابتسامة سخرية رسمتها بال مباالة وهتفت ر يف وجهه وعيناها
ً العسليتان باتتا ً
نارا تبعث دخانا يزيد عينيه الرماديتين وحشية.
ً
بأن أو
الخي يدوم ويتصل ر ين أو ر يغرورا وإنما ثقة ويقينا أن ر -ليس
والش محال له الدوام والبد له من نهاية. بغينا ر
ر
سيى من سينتض أيتها الجميلة . بسخرية أجابها :ر
وه تغلق عينيها بإرهاق وتفتحهما ربيود
رمقته بنظرة جانبية ي
وتهمس:
ً
جيدا من. أعلم
ثم نظر إىل باتريك وهو ما يزال يقاوم حالة اإلعياء والدوار وقال:
ً
من هذا إذا؟
-عامل لدينا بالقض.
يخي ر ين
ازدرد لعابه وهمس بصوت حانق :أنا أسأله هو دعيه ر
بنفسه.
| 34مملكةجريتفول
ّ ً
أيضا لق ر ر
واني مملكتكم ،أًل تقف عىل كونك ابنة الحاكم؟ ومخالف
النساء مع الرجال ر يف مكان واحد؟
وه تطبق عىل أغمضت عينيها بضيق ومسدت وجهها بحنق ي
ً
شفتيها مجيبة إياه :وكما تعلم أيضا برصدك ألخبارنا أننا ال نفرق
أمية المملكة بي حاكم ومحكوم ،الجميع عندنا يقوم بعمله ،أنا ر رر
ُ
أن ،فالوالصغي والرجال واإلناث لمساعدة ر ي
ر الكبي
ر وأ ررسف عىل
كون أقف أعىل تلة مملكتنا وأتابع عمله ومع كونه عجب رف ر
ُ ي ي
ر ر
ضعيف الكالم ،وأنا أطبب المرض فال حرج يف ذلك ،ثم إنك تعلم
الن توصلنا أينمانسف منها تنانيننا الخاصة يي البحية باألعىل
ر أن
ارتحلنا.
متهكما :نعم مملكة العدل والمساواة ما ً قال لها بعد أن ضحك
ألطفكم هاهاهاها .
وبتحد وثبات بعثا الخوف ر يف داخله :وسوف نظل بإذن هللا .
رر
الدفي :أعدك لن تستمر قال لها بحنق ونظرة توعد مليئة بالغل
.
ثم اقيب منها ونظر ر يف عينيها نظرات يملؤها الحقد الممزوج
باللؤم:
أين القالدة أمندا؟
مملكةجريتفول |
35
ً ً
وقع سؤاله عىل مسامعها وهو ينبش مكانا سحيقا ر يف داخلها فقالت
وه تواري تعجبها من سؤاله :أي قالدة تتحدث بشأنها؟ أتظن ي
سأخيك به؟ شء تريده منا ر ر
ر أن أعلم مكان يحن لو ي
ً
صغارا يوم حي كنا رد وهو يزفر الهواء من صدره :هل تذكرين ر ر
تالقينا ر يف الغابة ونظرت ر يف عينيك...
مملسا عىل طرف ردائها من جوار خدها ً ثم اقيب منها ومد يده
وأكمل حديثه :حينها سألتني بلطف من أنت ،لم يكن لدي علم
بن اذهب ألبيك الغابة " ر عرفن أبيك وربت عىل ر ر
كتف وقال يىل ي
ي ِ ي
ر
وأعطان قطعة ر ر
خي ألكلها خطرة عليك واقيب وقت الغرو ب"
ي
كيت شعرت وقتها أن أباك يستحق ما هو عليه ،ولكن عندما ر
أن الحقيقة وأنه تزوج من أحبها وآثره أبيه بمملكة الماء ر
وأخي ين ر ي ر
األزرق مملكة جريتفول أقصد علمت أن الظاهر ال يدل عىل
الحقيقة د ا
ائم ا.
وه تدير رأسها بانفعال رافضة لمس يده لها :ستظل هكذا
قالت ي
مسية أبيك ر يف
ر فيجهلك باألمور وعنادك ،لماذا تض عىل إكمال
الحرب والشتات؟
| 36مملكةجريتفول
ُ ُ
تل ر يف حروبكم اللعينة. قال :ألن ر ي
أن ظ ِلم وق ِ
قالت :أليس هو المعتدي والبادئ بالحرب! وكيف لك أن تقول
أن ر يف شأن تقسيم أنه ُظلم وقد قام جدي بالمساواة بينه ر ر
وبي ر ي
اض المثمرة،ر
بالخيات واألر ير الحكم ،ثم كانت مملكة دارك مليئة
ووجود عدد من مصانع المالبس ووسائل اإلضاءة والزيوت النافعة
رر
والبساتي ،فماذا كان منكم؟ خربتموها ودمرتموها بإهمالكم لها
وترككم لحكم شعبكم بالعدل واتجاهكم للحروب مع مملكتنا ،أما
ألن ورغبتها فيه كزوج لها،
ه ري
أم كان باختيارها ي
أن من ي
عن زواج ر ي
ه من البداية لم تكن ألبيك ،كانت أن من أبيك ،ي لم يأخذها ر ي
يخيها
تبد له أي شعور وعندما حاول أن ر تعامله كأخ لها ولم ِ
أن . ر
صدقت معه ف القول وقالت أنها تتبادل مشاعر الحب مع ر ي
ر رر تكلم بحنق يملؤه حقد ر ر
السني :أمندا كالمك لن ي
يثنن دفي طوته
فكرن ،أنا اآلن ال أبحث عن المملكة أو الماء األزرق فحسب، ي عن
طموج أن أصل إىل تلك األرض البعيدة.
ي اآلن أبحث عن القالدة،
عي األفق تحدث بصوت يطمح لمنال بعيد :أرض
وبنظرة قطعها ر
ر
أعن .
الناس ي
-ال أعلم عن أي قالدة تتحدث أيها األبله .
مملكةجريتفول |
37
كان باتريك يستمع وينظر ،وهو متعجب من الحوار ،تيدد
ذهابا ً
وإيابا داخل عقله ،لماذا يريد هذا الرجل أن يحصل ً األسئلة
عىل تلك القالدة؟
تفكي باتريك صوت الرتيس وهو يصيح ر يف حراسه :ضعوهم
قاطع ر
ر يف مكان محكم الغلق وشددوا عليهم الحراسة.
توجهت له بكلمات مهددة إياه وبحدة :لن تنجو بفعلتك الرتيس
أيها األحمق العنيد .
الحراس بعد أن ضخت ر يف أحدهم قائلة :إياك ولمس قدرأخذهم ُ
أتغ ما أقول؟ وإال جعلتك تندم إن فعلت أيها الغافل ر
من ،يأنملة ي
الغن أنت وأمثالك من الذين يضعون رؤوسهم تحت أقدام حاكميهري
م وال ينبسون لهم ببنت شفة إال بالسمع والطاعة ولو عىل حساب
أرواح تزهق .
أبعد يده عنها وأخذت تتحرك وعزتها تنبعث مع صوت قدميها،
كلما طرقت األرض بخطوة كلما انتاب الرتيس رهبة منها ،دون
سحب أو تقييد من هؤالء السفهاء ،ووضعوهم ر يف غرفة بها
صغية وكرسيان
ر قطعتان من الفرش المبسوط ،ووسادات وطاولة
ومدفأة قديمة الطراز وبعض التحف معلقة على تلك األرفف
المثبتة عىل الجدران حول المدفأة ،وكانت نوافذها محكمة من
الخارج بوضع أعمدة من الحديد يتخللها فتحات لدخول بعض
الضوء ،ما إن دخل باتريك إال وألف جسده عىل البساط ،أخذت
| 38مملكةجريتفول
أمندا تنظر إىل الجرح الغائر برأسه ،علمت أنه لن يصمد به ر ً
كثيا
وقد يصاب بتلوث يؤدي إىل تسمم جسده فقررت التضف ر يف
الحال بأقرب وسيلة ممكنة إلنقاذه وتفادي ر
الضر عنه.
بكثي من الشفقة :اصمد باتريك قالت بصوت عطوف ممزوج ر
تطهي. ر
الشء أظنه يحتاج إىل
ر الجرح غائر بعض ي
خنجرا ر ً
صغيا ووضعته عىل ً أخرجت من نطاق مربوط عىل وسطها
ً ا
قطنيا أطبقته أخشاب المدفأة المشتعلة ،وأخرجت منديًل
ُ
وطلبت من باتريك أن يضعه في فمه ثم قامت بعملية يك للجرح،
كثيا ،عض بنواجذه بشدة عىل المنديل وتصبب لم يصمد باتريك ر ً
ر ً
عىل ه ثم فقد وعيه عرقا ومال لون بشته لألزرق من شدة األلم ي
مرة ثانية ،ضمدت أمندا الجرح بمنديل وحاولت تدفئته حيث كان
يرتجف جسده بشدة ،نزعت رداءها والذي كان يسيها أسفل منه
ربيغ مشمس ،ودثرته به ي فستان أرزق هادئ كلون السماء رف يوم
ثم جلست إىل جواره تدعو وتطلب العون من هللا ،اسيجعت
الحوار الذي دار مع ال رتيس .
"ما شأن هذه القالدة؟ لماذا يريدها؟ ولماذا رآها باتريك ر يف مخيلته
بعد ررسبه للماء األزرق؟ ما الذي جعل الرتيس يهتم بها ويقدمها
عىل الماء األزرق؟ المعلوم بفوائده وأنه له استخدامات طبية
ومفيد للنباتات وينتج أفضل الثمار وأنه يقوي الذاكرة ،ويساعد
مملكةجريتفول |
39
عىل معرفة أحوال من يبعد عنا بالتواصل الفكري ،مقابل هذه
القالدة"
ً
أخرجتها من ثيابها لتنظر فيها ،سمعت صوت باتريك مجهدا
ً
شكرا وكأن هذا الصوت آت من فج عميق يهمس لها:
سيدن .التفت إليه باهتمام بالغ وقالت بعد أن
ي لمساعدتك يىل
حمدت هللا عىل سالمته :هل أنتب ر
خي اآلن؟
بكثي عن ذي قبل.
-أفضل ر
ساعدته عىل الجلوس وقدمت له بعض الماء ر
ليشبه .
نظر إليها نظرة مملوءة باألسئلة ما منعه من التفوه بها إال مكانتها
كأمية وابنة حاكم المملكة .
ر
الذهن
ري أدركت نظراته وفهمت مغزاها وكانت ال تزال تضع قناعها
ه بالحديث :ليس لدي أجوبة لجميع أسئلتك باتريك، ثم بادرته ي
أعلم أن حياتك كلها كتاب مغلق ر يف نظرك وأعلم أن حوار الرتيس
مىلء بالغموض بالنسبة لك لكن أ... ي
سيدن؟ ً
قاطعها مستفهما بجدية :ما شأن تلك القالدة
ي
ر ر را ً
أم ،جلبتها
مورون الوحيد من ي
ي شء إال إنها
يقيُا ال أعلم أي ي -ر
معها من أرضها .
| 40مملكةجريتفول
غي هذه ال أعلمها؟ لقد سمعت هذا ر يف -أرضها!! أهناك أرض ر
حديثك مع الحاكم لكن لم أكن أستطيع السؤال أو التدخل ر يف
أنت وسيدي الحاكم.
حديث دار بينكما ِ
أجابته محاولة أن تتدارك الحوار معه :باتريك أرجوك ال تستمر
ر يف الكالم بشأن هذا األمر اآلن.
بنية صوت يشوب ها بعض الحدة ولكنها لم تخل من إجالله لها ر
أسيان بقض سيدن نحن اآلن ر جليا عىل محياه:يظهر القلق ً
ي
العدو ،وأنا الرجل هنا فحمايتك واجب عىل عاتف مهما ر
كلفن األمر
ي ي
عن فاألوىل ر
حيان ،ولكن هناك أمور غامضة ي ي حن وإنكانت
األمورىل .
ي توضيح
ً
ممي اج ا ببعض من كظم ر وه تزفر خناقا ضاق بصدرها تحدثت ي
غيظها:
حماين ،اهتم لحالك وحسب . ي ليس عليك
أحميك؟ مواريا غيظه هو اآلخر :كيف الً قال
ِ
ً
نفش ثم
ي قالت :أنا مدربة جيدا عىل القتال وأعلم كيف أدافع عن
أن ر
يؤذين ،إنه يحاول الضغط عىل ر ي ي إن الرتيس أضعف من أن
ر
باختطاف فقط .
ي
-ولكن إن علم بوجود القالدة معك لن ييدد رف إيذائك .
مملكةجريتفول |
41
ر
لك
التعاف ي
ي نفش ،ركز أنت اآلن ر يف
ي -وقتها سأتوىل الدفاع عن
ً
شاحبا من دواء لك هنا وأرى وجهكتستطيع الصمود لن نجد ا
اإلعياء.
ً
سكت برهة من الوقت مطرقا رأسه ،فهو يعلم مدى ثباتها عىل
ً ر
تخش شيئا ،ثم تحدث :أعلم أنك رأيها وقد رأى منها امرأة ال
صاحبة القرار اآلن وأن األمر بيدك وأنا محكومك لكن عدالة
رقبن .
ي الحاكم وحبه لنا وشجاعته ر يف حمايتنا دي ن ر يف
اا
يغي من حدة الحديث بينهما قائًل :ثم إن هناك دين آخر وأخذ ر
نبهتن رف الغابة ر ر
حي جاء ر أنقذتن مر ر ر
تي ،األوىل عندما ر بيننا ،لقد
ي ي ي
ر ر
الجندي من خلف ،والثانية ر ر
جرج ولن
ي تطهي
ر حي ساعدتني يف ي
أتنازل عن رد جزء من الدين.
عند ذلك ابتسمت مردفة :يا لك من ُملح ي ا باتريك .
علم من لمعة عينيها صدق ابتسامتها له فابتسم هو اآلخر .
سيدن.
ي قال :سوف ر
أعتيها موافقة مبدئية
ر اا
كبية من ثم أكمل قائًل وهو ينظر حوله يف الغرفة ليجد قطعة ر
القماش يجذبه ويقول وهو يهم بربط أحد طرفيه ر يف جانب من
اا
الغرفة ويشده إىل الجانب اآلخر :سوف أضع هذ الستار حائًل ر يف
منتصف الغرفة لتأخذي راحتك ر يف نومك ولبسك وسآخذ الجزء
الخارج حن إذا دخل أحد لم يطلع عليك .
ر ي
| 42مملكةجريتفول
قالت :ال بأس إنها فكرة جيدة.
ثم نظر إىل ردائها الموضوع عىل كتفه بشغف وابتسم :لقد ررسفت
به عىل جسدي .
-إنما هو مجرد رداء .
فف مته ر يف كونك مالكته .
-لكنه ملك لك ي
-ثناء جيد أشكرك ألجله.
توقفت الكلمات واألنفاس تباطأت وتحدثت العيون بنظراتها
الحانية تيجم مشاعر تولد ر يف محنة السجن وغياهبه الظالمة
ليتدفق من خاللها األمل ،وتشعر القلوب بقرب الفرج وأنه
ً
فدائما حديث العيون سيعقبه أحالم تتبعها حقائق من الفرح،
وتجي النفوس عىلر يوصل إىل القلوب مشاعر الثقة واإليمان
بالصي وانتظار النض وعدم اليأس أو القنوط.
ر التحىل
ي
ر
جلس هو يف مقابل الباب ،بعد قليل اطمأنت أمندا وشعرت
بدفء ر يف أرجائها من الداخل ،كان يطمئنها صوت أنفاسه القريبة
ً
منها جدا وبالرغم من الستار بينهما إال أنها كانت تبضه من خلفه،
الداخىل ،ثم بضبات قلبه المتدافعة مع أفكاره وحديثه تشعر ر
ي
بيع القناع وأسندت رأسها إىل الوسادة القريبة منها مفيشةقامت ر ر
مملكةجريتفول |
43
جسدها عىل ذلك البساط الموضوع عىل األرض وحاولت أن تأخذ
ً
قسطا من الراحة.
ً
جالسا يفكر فيما دار معه اليوم ويتعجب من األلغاز، ظل باتريك
ترن يتيم األبوين ر يف
أخيت الرتيس أنه ر
وحي رأرض أمها والقالدة ر ر
القض.
الن خلت من ً
سمع صوتها من خلف الستار قاطعا عليه خلوته ي
شء إال منها: ر
كل ي
اا
قليًل؟ بانتباه من ررسوده -لم ال تحاول أن تهدأ وتيك فضولك
سيدن؟ ق الت :نعم أحدثك ر
أتحدثينن جاوب ها :ماذا؟
ي ي
غينا بالمكان؟باتريك وهل هناك ر
قال بعد أن رقت رنية صوته الفخيم وانسحبت بهدوء :وكيف
ر
بشء؟ ر
بأن أفكر يعرفت ي
ِ
داخىل.
ي -أنفاسك المتالحقة وكأنها ضاع
-آسف عىل إزعاجك .
ميعجة . -لست ر ر
علت البسمة عىل شفتيهما وكأنهما ينظران أحدهما إىل اآلخر من
تلتق ولكن القلوب التقت.
خلف الستار مع أن العيون لم ِ
| 44مملكةجريتفول
من الناحية األخرى كان هناك قلق ر يف مملكة جريتفول بعد ذهاب
فدوى إىل الحاكم وإخبارها له برسالة أمندا المتقطعة اإلرسال وأنها
ذكرت دارك.
قام الحاكم بجمع الجنود والفرسان وأمرهم باالستعداد القوي
والفوري وأخذوا يجمعوا المؤن الالزمة معهم ،وخلف ر يف المملكة
رجال وشيوخ يهتمون بالنساء والصبيان وأمرهم بحماية حدود
المملكة وعدم السماح لدخول أحد ًأيا كان من هو.
وقفت فدوى أمام مهاب محدثة إياه بصوت خافت مضطرب:
غيك .أنن ليس يىل ر ر
أرجوك يا مهاب اهتم لحالك ،أنت تعلم ي
نظر إليها مهاب وشعر بالسعادة تشي ر يف أركانه وقال لها :كنت
بمكانن عندك .
ي يخي ر ين
شء ر ر
أتمن أن أسمع منك أي ي
ر
ا ا
عم وأنا أخاف عليك من احمرت وجنتاها خجًل وقالت :أنت ابن ي
أن يصيبك مكروه.
مستفهما :ابن عمك ً نظر إليها بمكر مصطنع وقال
ا ا
وه تدير عينيها منه خجًل :هو ذلك وحسب؟ قالت ي
.
رر
تكذبي اآلن . تخي ر ين أنك
-عيناك ر
قالت بضعف ورجاء :ستعود يىل؟
مملكةجريتفول |
45
-أعدك بذلك .
اقيب من أذنها ثم همس إليها وأنفاسه تصبو قرابة خدها :لن
رر
المالعي أن يكشوا قلبك يا فدوى . أسمح لهؤالء
ثم انطلق ودخل وسط صفوف الجنود وهو يبادلها نظرات
االشتياق للقاء قريب.
ثم تح رك الحاكم بجنده بعد أن ذكرهم أن هذه المرة حماية
للمملكة العادلة وعن عرضه وأمرهم بأداء الحقوق وعدم خروج
ً
أي شخص عليه دين ألحد إال وقد أداه ،أمضوا وقتا ر يف التجمع
والمسي ر يف اتجاه مملكة دارك ،ثم عسكروا
ر ووضع الخطط الالزمة
بي الجبال يك ال يراهم أحد من جنود الرتيس رف منطقة منخفضة ر ر
ي
وظلوا بها طوال الليل وبعث الحاكم مستكشفيه لينظروا المملكة
من بعيد وحال الجنود وعددهم هناك .
ينجىل خلفه مالمح الليل المظلم
ي أقبل النهار ر يف عجالة من أمره
ا
معلنا غي استحياءوالمرهق للقلوب بسواده وحلكته ،جاء عىل ر
ً
متحديا لكل منافسته بالمبارزة لكل من أراد أن يقف أمام العدل،
ً من أعلن عن كرهه للخير وعن استباحة ر
الش ،جاء معلنا صوت
الحق ر ا
مخيا ألي ناعق أو حاقد عن أرسار قوته ي
الن لم يكن يعيها
ً ً ً
دفاعا عن حق جيدا معلنا مؤازرته لهؤلء األسود الذين خرجوا
سلب منهم.
| 46مملكةجريتفول
كانت أمندا وباتريك نائمان ر يف قض الرتيس حن دخل أحد الحراس
يأمر أمندا باالستيقاظ ألن الرتيس يريد محادثتها .
أخيت الرتيس
صمت باتريك وحاول أن يتحدث بضعف ألنها ر
باألمس أنه ضعيف الكالم .
قال :ممماذا تتييد؟ دعععن ي أوقظها أااانا ،اننتظر بالللخاارج.
ً
قال الحارس :إذا فأرسع وإال دخلت مرة أخرى.
استيقظت سيدن هال ً
مناديا من خلف الستار: باتريك
ِ ي
ً
لم تجبه فكرر األمر ثالثا ،يبدو أنها أرهقت إىل حد النوم بعمق،
قرر أن يتعدى الستار ليوقظها إذا بها نائمة تخطف القلب برقة
الذهن المنسدل عىل الوسادة . ري براءتها وشعرها
سيدن.
ي سيدن..
ي -
ً
مناديا :السيدة أمن... لم تستيقظ فقرر أن يهز كتفها
إذا بها تستيقظ بتفاجؤ ،جذبت خنجرها بسالسة ثم وضعته عىل
عنقه ر يف حركة قتالية منها لم تستغرق منها سوى لحظات أو أقل
.
إلىه ما األمر؟!! أنا باتريك!
-يا ي
ً
مذعورا وأنفاسه تتالحق من هول المفاجأة عليه فهدرت قالها
بحنق عاضة عىل نواجذها.
مملكةجريتفول |
47
نوم؟ قال وهو يزدرد
-باتريك ما الذي جاء بك إىل منطقة ي
لعابه بصعوبة:
عنف حن أجيب؟ أبعدت خنجرك عن ي ِ -هال
ً
وه تضيق حدقتا عينيها حنقا :ال ،أجب وهو ر يف موضعه يك قالت ي
تتعلم أال تكرر األمر .
-إنه الرتيس يريدك ،أرسل الجندي وأنا طلبت منه الخروج
ألوقظك ،ناديتك من خلف الستار مر ًارا ولم تستفيف إال ر ر
حي ي
هززتك.
موليا وحل محله حرج بالغ ثم نظرت له باحثةحينها تبدد الحنق ً
عن الحروف المتناثرة بداخلها لم تجد جملة مفيدة تحفظ بها ماء
وجهها أمامه:
أنن غططت ر يف نوم عميق .ر
-يييبدووو ..يبدو ي
ستطي.
ر رقبن اليوم
ي -ويبدو أن
مازحا ر يف محاولة منه لتخفيف وطأة حرجها.
قالها ً
وه تبعد خنجرها بدالل ورقة وتعتذر حينها وجد نفسه ضحكت ي
اا
ينظر إىل عينيها وجمال ضحكتها قائًل:سبحان من سواك.
-ماذا؟
سيدن ..استعدي وإال اقتحم الجندي المكان وال أريد
ي -معذرة
أن يراك أحد هكذا .
| 48مملكةجريتفول
وه ترفع أحد حاجبيها :عىل أساس أنك لست قالت ي
سيدن . دفعتن ر
الضورة ر بأحد؟ -إنما
ي ي
ً
نفش.
ي -إذا انتقل إىل الجزء اآلخر ألعد
قال بتوتر ظاهر ر يف حركته :نعم هذا الذي يجب.
أمىل فاستدار ثم رجع ينظر إليها مرة أخرى كأنه يقول لها " ر
دعين ي
ي
عينيمن جمال رؤيتك"
ّ
بنية حادة :باااتريك.
قالت ر
حيفأكمل طريقه إىل خلف الستار ،ثم ابتسمت ه من رد فعله ر ر
ي
استدار وحيث شعرت بتجاذب بينهما ،وظلت واقفة لحظات فر
ي
التفكي .
ر مكانها مستغرقة ر يف
لحي أستظلي واقفة ر ً
كثيا ر ر رر مناديا من خلف الستار :احم ..احم..ً
-ماذا!! ال ..أنا... دخول الجنود والرتيس معهم هذه المرة؟
سأجهز ر يف الحال .
جهزت حالها ،وطلبت منه طرق الباب الستدعاء الجندي فجاء
الجندي ليأخذها.
التفتت نحوه وأشارت إليه :هيا باتريك.
قال الجندي :ال ،الحاكم الرتيس يريدك وحدك من دونه .
مملكةجريتفول |
49
-م اذا؟!
ونظرت لباتريك بقلق فتعمد أن يصطنع التوتر وكأنه ضعيف
الكالم والعقل ويحاول البكاء فقالت للحارس :إن تركته وحده قد
هستيية ،دعوه يخرج وليجلس ر يف الخارج
ر يظل يضخ بطريقة
ر
من .
معكم بالقرب ي
اا
قليًل ووضعت القالدة بيده وقالت هامسة :إياك أن واقيبت منه
تضيعها .
التقطها منها بخفة ووضعها ر يف مالبسه وخرج معها ثم جلس
بالقرب من الجنود .
كرش العرش ومن
ي ه إىل مكان الرتيس ر يف مجلسه عىل توجهت ي
ر رر
واقفي يف كل مكان . حوله حرسه
مملكن وأنا لن أستسلم
ي قال لها :علمت أن أباك أعد الجنود لغزو
ً
لألمر أبدا ،وأعلم أن القالدة بحوزتك أخرجيها وإال أمرت بتفتيشك
.
بحوزن .
ي -ليست
ا
مغ أمندا ،أخرجيها حاًل.
تتحاذف ي
ي -إياك وأن
مغ ،عجيب أمرك! ُ
أخيتك الرتيس أنها ليست ي -ر
اقيب منها وهمس بحنق تتطاير من خالله ررسارات الحقد :إن لم
بنفش .
ي تخرجيها سأفتشك
| 50مملكةجريتفول
ئ
ردان فقط سيحدث ما ال تحمد عقباه .
-إن مددت يدك بلمس ي
فاقيب منها بتحد ،استعدت لسحب خنجرها من جرابه المربوط
عىل وسطها تحت الرداء دون أن ينتبه لوجوده أو يشعر أحد من
ر
الحاضين بتلك الحركة وما إن مد يده حن أمسكتها بقوة ولوتها
إىل خلف ظهره ووضعت خنجرها عىل رقبته ،همست إىل جوار
أذنه باستياء :أنت ال تعلم مع من تخوض الجولة اآلن الرتيس ُمر
جنودك بالياجع ر يف الحال.
ً
شخصا بهذا الخنجر ،حجم الرقة تذبج أنت أضعف من أن
ي ِ -
تربيت عليها يمنعونك من ذلك.
ِ الن
والرأفة والرحمة ي
بداخىل اآلن.
ي -أقسم لك أنك ال تعلم حجم الغضب
اا
قليًل برقبته فشعر بألمه ثم زادت ر يف غرزه ثم غرزت نصل الخنجر
فسال منه خيط رفيع من الدماء .
ونياته لحراسه :تراجعوا للخلف.
قال بذعر يمأل وجهه ر
ه بأعىل صوتها :باتريك تحرك . ثم نادت ي
بضب ُ
الحراس الذين كانوا بجواره وطرحهم فهم من صوتها فقام ر
ً ً
جميعا أرضا وتغلب عليهم ثم وجدها تخرج من قاعة االجتماعات
ممسكة بالرتيس موجهة الخنجر إىل رقبته ،لم تتحدث إىل باتريك
مملكةجريتفول |
51
ولكنه فهم األمر ،ساعد عىل إخالء الطريق لها ،هم الرتيس
رر اا
أنت وهذا األبله.
تعلمي حجم ما تفعلينه ِ بتهديدهم قائًل :ال
نظر إليه باتريك وقد ارتسمت ابتسامة هادئة عىل وجهه ثم
أكي من ذلك وإال وجدث عنقك تحدث :أنصحك أال تستفزها ر
ا
مفصوًل عن جسدك أرسع من أن يرتد إليك طرفك ،أو أال تعلم يا
عزيزي كيف تكون حال المرأة عندما يغضبها أحمق مثلك .
ه األخرى وقالت :اسمع
ثم أومأ لها بطرف عينه ،فابتسمت ي
منه نصيحته إنه محق .
لم يكونا عىل دراية بما يحدث بالخارج ،لقد وصل أبوها بجنده
ودار العراك مع جنود الرتيس وعندما دنت من الباب وجدت أباها
ر
يف المقدمة ،سلمت له الرتيس فقال لها :ر ي
اذهن مع باتريك اآلن
استخدم القالدة . وأخييه بأمره ر ر
وحي يشتد األمر ر
ي
أن؟
-كيف أستخدمها ر ي
للشح.يعط فرصة ألبيها رولكن شدة العراك والهجوم والدفاع لم ِ
بنين .
حاوىل ي
ي -
ً
مشعا وسط الصفوف وكان يحاول أخذ باتريك يدها وجرى بها
حمايتها بكافة الطرق إىل أن مروا من هذه المرحلة ،لفت نظرها
ً
مهاب الساقط وسط المتبارزين غارقا ر يف دمه ،حاولت أن تنسلخ
| 52مملكةجريتفول
بي الجنود تجاهه لكنها وجدت يد باتريك جاذبة لها بقوة،من ر ر
دعن أساعد مهاب. ظلت تصيح له بأعىل صوتها :أرجوك باتريك ر
ي
عيا بوابة القض وخرجا إىل الفضاء أمامه ،التفت إليها
كانا قد ر
رر
تفعلي؟ ال الوقت وال المكان مناسب لهذا، بضامة وقال :ماذا
ليس أمامك فرصة لمساعدته.
توسلت إليه وجثت عىل ركبتيها وقد اغرورقت عيناها بالدموع
وبحت رنية صوتها مختنقة بدموعه ا الساخنة.
قالت :أرجوك باتريك فدوى ليس لها مخلوق ر
غيه وأعلم مكانته
ر يف قلبها ،وقد احيم وحدتها واحتياجها له ولم يستغلها أو يتالعب
اليد أن يستأذن الملك ر يف السماح ر
ووعدن بعد انتهاء موسم ر
ي بها،
له بخطبتها ،ر ر
وحي وقفت أنا له متوعدة إياه إن أصابها خذالن منه
منر "
ه يسوف أنتقم منه وأعاقبه ،قال والصدق يمأل عينيه ي
أبدا"
ً
كروج وال أحد يخذل روحه
ي
ر
لن أتحمل أن أكون أنا السبب يف خذالنها.
رق قلب باتريك لكلماتها وتدافعت المشاعر داخله ر ر
حي شعر
بحجم تقديسها واحيامها للحب ومع ظهور القوة والثبات منها،
الن تمكث أمامه ر شعر بأن قلبها ر
يخف بداخله أنن تختلف عن يي
مملكةجريتفول |
53
رر
والقواني بمشاعر وأحاسيس ناعمة وراقية لكنها تحيم الحدود
السارية عليها وعىل الجميع.
نظر حوله وهو يحاول أن يبحث عن حيلة أو طريقة إلنقاذ مهاب
والحفاظ عىل أمندا دون أن يرجعها إىل هناك مرة أخرى ،وجد
بحية قريبة منخفضة عن مستوى األرض بعدة أمتار وجوانبها ر
ر
محاطة باألحجار والصخور الضخمة ،طلب منها أن ر
تيل لتنتظره
البحية وسيذهب هو ليتفقد مهاب.
ر بجانب هذه
عاد إىل الداخل وجده يتنفس بصعوبة والدم يسيل منه باندفاع،
حمله عىل كتفه وطلب من جندي تابع لهم حماية ظهره ر ر
لحي
ر
وف هذه األثناء مر جنديان تابعان
استطاعته الهروب من بينهم به ،ي
البحية،
ر لمملكة دارك يتفقدان المنطقة حول القض بجوار
شعرت أمندا بوجودهما فانزوت خلف صخرة بالقرب منها ،ثم
تفرق الجنديان ،ذهب أحدهما يتفقد االتجاه اآلخر وأخذ ر
الثان
ي
يقيب من مكان اختبائها ،ضغطت بيدها عىل خنجرها مستعدة
النياعه ببطء يك ال ينتبه إليها ومن ثم جذبته بخفة ثم أطلقته ر
ً ً
أرضا مفارقا للحياة. دفعة واحدة فارتكز ر يف صدره وأوقعه
البحية ذات
ر توجه باتريك إىل مكان مكوث أمندا باألسفل قرب
ً
الماء العكر الذي ال يبدو منه إال الفساد والتلوث ،وضع مهاب أرضا
اا ً
مساعدا إياها عىل الصعود من هناك قائًل :هيا. ومد يده لها
| 54مملكةجريتفول
أرسعت نحو ذلك الجندي المقتول واستلت خنجرها من صدره
مزيلة أثر دمه العالق به ر يف ثيابه ،ثم اتجهت نحو يد باتريك ،بعد
ذلك خرجوا لبعيد ر يف الغابة ،كان يحاول باتريك أن ينادي عىل تنينه
ً
ملو ولكنه يبدو بعيدا لم يسمعه ،وبعد قيامهم بعمل بعض
اإلسعافات األولية لمهاب وسد الجرح العميق الموجود بجانب
بطنه ،غط مهاب ر يف النوم من شدة تعبه وكأنه دخل ر يف حالة من
البحية النقية خارج مملكة
ر الوع ،جلست أمندا عىل
ي الغياب عن
ر رر دارك رف الغابة الفاصلة ر ر
المملكتي تأخذ بعض الماء يف قارورة بي ي
اا
معها ،جاء باتريك وجلس بالقرب منها قليًل .
ً
قال وهو ينظر إىل األفق أمامه عاقدا ذراعيه أمام صدره :أذن
فضوىل؟
ي أرحت
ِ لك بإخباري باألمر هال
الحاكم ِ
نظرت إليه نظرة رجاء أن ييك الوضع عىل حاله وال يعلم حقيقته
فىه تشعر أن الحقيقة ستباعد المسافات بينهما ر ً
كثيا ،أمسك ي
بقناعه ا ورفعه عن وجهها وقال بنظرات توسل :أريد أن أعلم حجم
المخاطر .
أجابته :ال تخف .
أبوك ر يف ميدان حرب ال ر
أنت يف أشد خطر واآلن ِ -أخاف عليكِ ،
بحمايتك. ر
وأمرن نعلم كيف سيستقر األمر
ِ ي
أن. َ
-أعفيك من أمر ر ي
مملكةجريتفول |
55
قلن . ر
يعفين اآلن من أمر ر ي
ي -ومن
-وماذا يكون أمر قلبك هذا؟
سيدن. لكم أعن ئ
والن قال متدا ًركا للموقف :ر
ي ي ي
ابتسمت ضامة شفتيها مستوعبة لتلك المحاولة منه ،نظر إىل
ابتسامتها ر ً
معيا عن سعادته بها وشعر بقبولها لكالمه .
سأخيك أمرك يا بالل.
ر -
ً
دهش من االسم وقال مشدوها :من يكون
بالل؟ -أنت بالل ،وللعلم أنت لست ُم ً
نتسبا
لمملكتنا.
ر
أن من مملكة دارك .
تقوىل ي
ي -إياك أن
أم . ً
-ال أيضا ،أنت من أرض ي
-ثانية عدنا لأللغاز.
ر
حدين ،أنت -اهدأ واسمع آلخر الحوار ،وإال سكت ولن أكمل
ي
من أرض الناس ،أرض بعيدة عن أرضنا آالف المسافات
عي ثغرات منعزلة ً
تماما عنا ،ال نستطيع الوصول إليها إال ر
حض دقيقة ،أم جاءت إىل هنا نتيجة اختيار جدي بأن ُي ر
ي
الصالحي من أرض الناس لينقذهم من الفساد هناك وألنه كان رر
تطهي أرض الناس من الفساد ويفعل هناك مثل ما فعله ر ينوي
ويوىل حكمهم لألنسب ويعزل
ي هنا أال وهو تقسيمها إىل جزأين
| 56مملكةجريتفول
ً ر ً رر
أم أن تجد أرضا
تمن ي
المصلحي ،وأيضا نتيجة ي المفسدين عن
عادلة تعيش فيها.
اا
قليًل تنظر إىل القالدة بتمعن ،الحظت أن داخل أطرقت برأسها
جوهرتها بعض الكلمات المكتوبة بلغة مملكتها ،حاولت أن
تستوعبها وتجمعها ي
وه مندهشة مما رأته بها وبالفعل فهمت ما
تخي باتريك بما تقرؤه بداخلها :ر
الشء الوحيد الذي به وأخذت ر
ي
باستطاعته إحضار الناس هنا هو قالدة أم ،عندما ر
أحضها جدي ي
ألغ فكرة جذب الناس ألنهم ال يستطيعون التعرف عىلإىل هنا ر
ً
وكشا ماضيهم وما كانوا عليه وشعر أن األمر يسبب قطيعة
للقلوب فكش الخاتم الذي كان يستخدمه رف فتح الثغرات ر ر
وحي ي
أم. ً
كش خرج منه أشعة انجذبت تلقائيا إىل قالدة ي
ُ ً
أتيت إىل هنا؟! قال :إذا من أنا؟ وكيف
أم يستعيد الذكريات قالت :ما حكاه يىل ر ي
أن أنه كان يمسك بقالدة ي
ثم وقعت من يده ففتحت وحدث ضوء شديد رأى من خالله شابا
الصغي ويوقر
ر يمش في طريق ما يساعد المحتاج ،ويعطف عىل ر
ي
الخيات ويؤدي الصلوات والعبادات ،جذبته القالدةالكبي ويفعل ر ر
شء. ر ً
ونش كل يي عي باب فتح أثناء العاصفة وجاء إىل أرضنا
تلقائيا ر
ً
-إذا أنا هو هذا الشاب.
مملكةجريتفول |
57
اا
أهىل وماذا كنت أعمل؟
ي من :ًل ثم أردف متسائ
مغ بطاقة بها اسمك وعنوانك ومفكرة مكتوب قالت :ال تقلق ،ي
ر
ترين
أم كانت ي فيها أسماء أشخاص وأرقام ،أفهم ذلك وأعرفه ألن ي
بعض الحروف واألرقام بلغة أرضكم أكاد أذكره ا بصعوبة،
ورسب ر ر
التني له هو بالمناسبة سبب تذكرك هو ررسب الماء األزرق ر
صورة عكسية لذاكرتك القديمة لذا كنت أنهاك عن ررسبه .
اا
قليًل ر يف الكالم :أتريد العودة سكت بالل ولم يرد عليها وظل يفكر
إىل هناك؟
نظر لها ر
بشود وقال :ال أعرف ماذا أريد اآلن .
ً
-إذا سأرحل أن ا وأترك لك القرار ،معك القالدة ولك حرية
التضف.
اا
وما إن مشت قليًل في الغابة وظل هو جالس ،نظر إىل مهاب
ً ً ر
مناديا بها تنينه شء ،أصدر أصواتا الملف بجواره ال يشعر بأي ي
ً
أكي من مرة إىل أن ظهر ملو محلقا ر يف ملو ،عاود إصدار األصوات ر
السماء ثم هبط أمامه .
انتبه عىل أصوات خيول وضخة من أمندا ،رفع مهاب عىل ظهر
التني وأمره أن يحلق به ر يف اتجاه القض.
رر
ً
مشعا نحو اتجاه األصوات إذا بهم بعض جنود الرتيس جرى
ً
جواسيسا بأرض جريتفول أمسكوا بها ،حاول الذين كانوا يعملون
| 58مملكةجريتفول
باتريك تخليصها منهم وأخذ بيدها وسحبها م ً
شعا يجري ،ولكنهم
وه يحمون ظهور بعضهم ووجوههم لحقوا بهما ووقف هو ي
للجنود وبعد محاوالت لمجاهدتهم لكنهم تغلبوا عليهما.
مملكةجريتفول |
59
رر
مشعي حن قلي اًل ر ر
لحي غط الجنود ر يف النوم وأخذها وجري ا ا
صفي
ر اقيبوا من مملكة جريتفول وبدا لهم القض ،أصدر صوت
ً لجذب تنينه سمعه ر ر
مشعا صعد وصعدت معه التني وجاء إليه
أمندا وقال له :توجه إىل القض ملو .
فرح السكان بعودة أمندا مع باتريك ،لكنهم كانوا ر ر
قلقي عىل الحاكم
بشدة حيث أن األخبار انقطعت عنهم و هم ر يف قض الرتيس.
توجهت إىل القض تسأل عن مهاب ووجدته قد عاد إىل وعيه مرة
ً
شاكرا إياه عىل إنقاذه فقال ومالمحه خالية أخرى ،نظر إىل بالل
أخيته
كيه مشتت حول قصته تلك الذي ر تعابي إال أن تر ر ر
ر من أي
ر
ه من تستحق الشكر يف الحقيقة توسلت إياها :بل السيدة أمندا ي
إىل أن أدعها تنقذك فقمت بإنقاذك نيابة عنها . ي
اقيبت فدوى منها واحتضنتها وقالت :لوكان لدي أخت لما كانت
سيدن.
ي بمكانتكم
أمرت أمندا ببقاء مهاب بالقض ونقله إىل غرفة من غرف جناح
الضيافة ودخلت إىل قاعة عرش والدها وباتريك يلحق بها ،التفتت
إليه وبعزة نفس تعاظمت ر يف أسلوب كالمها وقالت له :لك حرية
القرار اآلن .
| 60مملكةجريتفول
ر
تحدثينن عن أمور تكاد شء ،أنت ر ر
ي التفكي اآلن بأي ي
ر يمكنن
ي -ال
تكون غيبية بالنسبة يىل ،كيف لي أن أفكر ر يف قوم ال أعلم عنهم
شء . ر
أي ي
-ال تقلق ستعود ذاكرتك بمجرد عودتك لهم.
ً
قسطا من الراحة ر ر
لحي جمع أخذت
ِ صمت رليهة ثم تحدث :هال
باف الجنود بالمملكة ،سأقودهم أنا للذهاب إىل مملكة دارك لتفقد
ي
غي ذلك وهذا ما ً
أحوال الحاكم إن كان نضا نعاونه عليه وإن كان ر
ً
سالما. ال أرجوه سأبذل قصارى جهدي إلعادته
سآن معك إىل هناك .
ي -
رر
تجلسي يشي إىل المملكة من حولهِ :
أنت أجابها بالل بقوة وهو ر
عي
تنش أن األعداء يتسللون إلينا ر رر
وتتولي شؤونها وال بمملكتك
ي
نسيت كالمهم ر ر
حي أرسونا هناك؟ ِ الغابة ،هل
الجند حفظ الحدود وأطلب قالت بانفعال وإضار :سأوىل كبي ُ
ي ر
من الوزير إدارة المملكة.
كثي عنادك كقوتك..
-ر
تذهن إىل
ري وعلت رنية صوته ،هدر وهو يقبض كفه :قلت لن
أفهمت؟!
ِ دارك،
مملكةجريتفول |
61
كي :قلت ..لك ..القالت له وقد عبس وجهها وتعالته رنية ر
تحدثن بهذه الطريقة ًأيا كان فأنت ر يف مملكتنا وتحت إمارتنا.
ي
ر
كان الحديث بينهما تعلوه رنيات انفعال ،هو ينفعل لقلقه عليها
ر
تحض أبيها إىل وه تنفعل ألنها تريد أنوألنه يريد حمايتها ي
ئر
وتطمي عليه. المملكة
كانا يقفان أثناء هذا الحديث ويتحركان ر يف المكان كلما عال
صوتهما كلما زادت حركاتهما وحركات إشاراتهما .
قالت بصوت يصدح ر يف المكان ترتج له الجدران :باتريك إياك أن
بأفعاىل وال تعتقد أن كونك أن سأسمح لك أن تتحكم ر
ي تظن ي
عرفت الحقيقة فقد أمسكت بزمام أموري .
عليك وعىل
ِ ئ
الخاط! أريد الحفاظ -لما تضين عىل موقفك
رر َ
تظني الظنون. مملكتك وأن ِت
طريف
ي سحبت سيفها ووجهته تجاهه وقالتً :أيا كان من سيعوق
لن أسمح له بذلك.
| 62مملكةجريتفول
كان دوالب األسلحة خلفه يفصله عنه طاولة ر يف وسط الطريق،
ً
بخفة قفز فوق الطاولة ومنها إىل الدوالب ثم سحب سيفا منه
ً
أيضا. وشهره
ً
-إذا تريدين المبارزة لكن سأضع ررس ًطا قبلها.
-من تظن نفسك اآلن لتضع ر
الشوط ها هنا؟ أجابها :أنا بالل.
أنن لست من ر
ورفع حاجبيه بنظرة ساخرة يقصد من ورائها ي
مماليكك هنا .
ً
قالت بعد أن زفرت غيظا :قل ..أنا أسمع ولكن إن لم يتناسب
مغ لن أوافق عليه. ي
كل هذا الحوار وهما يتحركان باستدارة حول بعضهما والسيوف
مشهورة بأيديهما .
رر
ستبقي هنا . -إن أنا فزت
قالت ضاحكة بسخرية :لن يحدث ،المبارزة وفنون القتال ر يف
دم منذ الصغر ،أنت لم تعلم عنهما إال شهرك الذي قضيته هنا .
ي
سيدن
ي قال :وبضعة أيام
ً
تواضعا لها وكأنه يكمن لها الكمائن. وهز رأسه بانحناء
ً
-إذا أوافقك.
مملكةجريتفول |
63
دارت المبارزة بينهما وصار صوت السيوف يقرع المكان فيسحب
كلمنهما سيفه عىل سيف اآلخر فيصدر صوت صكيك المعدن ر يف
يعي عن قوة المبارزة ،ظال بنفس المستوى مدة رر
السيفي والذي ر
من الوقت إىل أن حاولت شغله بالسؤال عن أمر ما ،وبدالل قالت:
أتظن أن لديك حبيبة ر يف أرضك؟
ه ال .
-متأكد من أن اإلجابة ي
-ولما الثقة ر يف إجابتك؟!
اقيب منها بشدة وهو يضغط عىل سيفها يحاول أن يستنفذ قواها
وقال:
أن أحب؟! -أترين رف ر ّ ر
عين ي
ي ي
وف هذه اللحظة مدت يدها فر وهو يتأمل محياها األخاذ لقلبه ر
ي ي
جيبه بخفة وأخذت القالدة ثم دفعته بقوة للخلف قائلة :نعم
أرى ذلك ورفعت القالدة أمامه.
ً
مغتاظا ،ر انضف تر ر ر
فضبت سيفه كيه إىل القالدة وهو ينظر إليها
ً
مصدرا صوته رضبة أطاحت به إىل األعىل ثم استقر عىل األرض
المعدن بقوة وما إن التفت ينظر إليه مكان وقوعه إال وأشهرت ر
ي
سيفها ر يف اتجاه عنقه .
ينتىه األمر؟ رر
أتظني بهذه الشعة قال:
ي
| 64مملكةجريتفول
مغ أقل من ذلك
-محارب حديث العهد بالقتال مثلك يأخذ ي
ولكن تساهلت معك ر ً
كثيا. ر
ي
سيدتين.
ري متهكما :يا لك من كريمة حن ر يف المبارزة شكرا لك
ً قال
ا
..وبنظرة مكر نحو القالدة أردف قائًل :ذات اليد الناعمة ،لقد
من بخفة . ر
رسقت ُِالقالدة ي
قالت :لم أرسقها إنما اسيجعتها قاصدة .
وجد أنها انشغلت بالحوار وخف ضغط السيف عىل عنقه فقلب
ً
مندفعا جسده بشعة نحو السيف والتقطه أثناء انقالبه وحمله
تجاهها بقوة.
ه إىل هجمته فصدتها بسيفها ودارت المبارزة من جديد
انتبهت ي
اا
فقالت بانزعاج :ماذا تظن نفسك فاعًل؟ قال بسخرية ممزوجة
ببعض الثبات :أكمل اتفاقنا .
قالت :لقد انهزمت .
قال :ثم تجاوزت الهزيمة وعدت من جديد ألنتض .
اا
استمروا لبعض الوقت إىل أن رجعت بظهرها للخلف قليًل
فاصطدمت بأريكة موضوعة خلفها فوقعت جالسة عليها ،تشتت
ً ذهنها حينها ر
فضب باتريك سيفها بقوة سيفه فهوى ساقطا من
مملكةجريتفول |
65
يدها ووجه السيف تجاه صدرها ر ً
افعا رأسه باستعالء وهو يقول:
هكذا نتم االتفاق .
نظرت إليه مغتاظة وتنهدت بشدة كاتمة غيظها وهمت بالكالم
أمام إىل ً
مقاطعا عليها أي حديث :الالال ...انتىه األمر، فقال
ي
األعىل اآلن.
ه إىل أعىل ً
يشي بيده للسلم وموجها سيفه إليها ،صعدت ي وهو ر
ً السلم وهو شاهر السيف تجاهها ثم قال لهاً :
نوما هنيئا ،أعدك
رر
ستصبحي وبجوارك حضن أبيك.
ر
تخذلن. -إياك أن
ي
-لن يحدث .
رر
واثني دخلت غرفتها وأغلق هو الباب بالمفتاح ونادى الوصيفة
ً
طعاما أحضي لها من الحراس وأعط المفتاح للوصيفة وقال :ر
ا
وماء.
رر
الحارسي بعدم التحرك وأال يسمحا لها بالخروج إال عند وأمر
رر
الحرفيي رجوعه أو رجوع أبيها ثم جمع باتريك فريقا من أصدقائه
عشة أشخاص وطلب من الوزير يعلم عنهم القوة والدهاء كانوا ر
وكبي الحرس االهتمام بشؤون المملكة وحراسة حدودها.
ر
| 66مملكةجريتفول
أخذوا مجموعة من األسلحة معهم وتوجهوا بالليل خلسة إىل
الن
مملكة دارك ،استطاعوا أن يهجموا عىل مجموعة الجنود ي
كانت ر يف الغابة وأخذوا مالبسهم وأسلحتهم ودروعهم وعربتهم.
الخارج ومع وجود الحرس المشدد تمكنوا من
ر ي توج هوا إىل الباب
الدخول ولم يتعرف عليهم أحد أو يشك فيهم .
كانت المعركة قد هدأت للتو وأرسوا الحاكم ومجموعة من جنوده
ً
أيضا. الكثي
ر بينما قتل
ً ر
كبية
وكانوا قد وضعوا الحاكم يف قفص حديدي معلقا بحبال متينة ر
البحية العميقة
ر الحجم مربوطة بفروع أشجار ضخمة أعىل
واألفاع ر يف الساحة الخلفية
ي الكثي من التماسيح
ر والموجود بها
للقض .
تسلل باتريك وفريقه إىل داخل القض وبدؤوا يقتلون بشية وهدوء
ر يف جنود الرتيس إىل أن وصلوا إىل سجن المأسورين من جنود
الملك ففتحوا لهم وطلبوا منهم الهدوء وانتظار األوامر بالخروج .
وطلب من ثالثة من أصدقائه أن يذهبوا الستدعاء حرس البوابة
ً
جميعا بال استثناء لمقابلة الرتيس عند سجن المأسورين الخارجية
وما إن جاؤوا إال وحدثت عملية استبدال األماكن ،أمر جنود
الحاكم بالخروج من زنازينهم بالسجن قبل وصول اآلخرين ودفعوا
مملكةجريتفول |
67
جنود الرتيس داخل الزنازين وأغلقوا عليهم وبدؤوا باالنتشار
بالقض .
لم يهدأ ألمندا بال ولم تستقر عىل حال ،فات وقت ليس بالقليل
ولم تصلها أخبار عن والدها وال عن باتريك ،تدور ر يف غرفتها ثم
يقع نظرها عىل قوسها والسهام ر يف الجعبة بجانبه ،دقيقة من
التفكي أتبعتها أخرى ودون أي تردد التقطت القوس والسهام
ر
والن
ي وفتحت نافذتها وصفقت لراي بتصفيقات منتظمة النغم
حضت عىل أثرها راي ر يف الحال ،اعتلت ظهرها ومن ثم وجهتها ر
نحو مملكة دارك.
وأثناء تحرك باتريك ومن معه ر يف القض تعرف أحد جنود الرتيس
عىل باتريك حيث أنه الجندي الذي كان يحرسه هو وأمندا من قبل
فجمع زمالئه من الجند وأمسكوا به وأخذوه إىل الرتيس .
قال له باستهزاء :ليس بعجيب أن أجدك هنا أيها المريض ضعيف
الكالم باتريك ،منذ أن نظرت ر يف عينيك للوهلة األوىل وعلمت أنك
مغ ،أترى
لست كما تبدو عليه ،لقد طلبت من أمندا أال تتحاذق ي
بقفض
ي إىل أين وصل تحاذقها بكم أنت ومن قبلك حاكمكم المعلق
بالخارج .
قال باتريك :لن تفلت بأفعالك الرتيس سأرى الندم رف عينيك ً
قريبا ي
أعدك ر ر
حي أراه لن أرحمك.
| 68مملكةجريتفول
اا
ضحك الرتيس بسخرية وعال صوت ضحكته قائًل :انظروا من
مغ هكذا ..إنه قاطع األخشاب يا لك من أحمق طويل
يتحدث ي
األمل ،هيا اذهبوا به إىل مكان القصاص وافصلوا رأسه عن عنقه
ألرى من سينفذ تهديده يىل .
ر
وف تلكسحب الجنود باتريك إىل الخارج حيث ساحة القصاص ي
اللحظة كانت راي تحلق وعىل ظهرها أمندا بالقرب من ساحة
رر
ناصبي رأسه عىل حجر وي هم القصاص تلك ،رأت باتريك وهم
اثبن راي إياك
ي أحدهم برفع سيفه لألعىل يك يقطع رأسه فقالت:
والحراك.
ثم أخرجت قوسها ووضعت به السهم وسحبته بشعه ثم أطلقته
ر ر
باف الجنود
فاستقر ف جبهة الجندي مبارسة ،ثم وجهت إىل ي
انطلف بشعة راى. ً
جميعا ثم هتفت:هيا سهامها فسقطوا
ي
لم يعلم باتريك من الذي خلصه من الجنود بسهامه حيث كانت
رأسه موجهة لألسفل .
تحركت بشعة ونزلت عند باب القض ،تسللت إىل الداخل
ً
ددا ر ً
كبيا من واختبأت خلف جدار حيث رأت ر يف الممر القادم ع
الجنود.
مملكةجريتفول |
69
ً
مشعا ودخل من الباب بخطوات متسارعة رجع باتريك إىل القض
يحاول إيجاد أصدقائه ،وقبل عبوره ذلك الممر المملوء بالجند،
كيه ر يف البحث دون تريث أو انتباه منه ،جذبته
ومع شدة جديته وتر ر ر
أمندا المختبئة خلف ذلك الجدار من الخلف واضعة يدها عىل
ً
فمه قائلة له بهمس:هششششش إياك أن تصدر صوتا المكان
محاط بالجنود والحرس .
قال بصوت مقارب لصوتها :أمندا؟! ماذا جاء بك؟
-ألنقذك من القتل ،أظن ال عمل يىل ر يف هذه األيام سوى إنقاذك،
الخلف ونحررر اسمع علينا المرور من داخل القض لنصل إىل الباب
ي
أن .
ري
وعيوه إىل ساحه ر
الخلف ر
ي تسللوا ببطء حن وصلوا إىل الباب
واسعة مملوءة بجذوع األشجار واألوراق الصفراء المتساقطة وبعد
البحية المعلق فوقها الحاكم ر يف
ر مسافة عدة أمتار كانت هناك
قفص .
ً
صعد باتريك مستعينا بقوته العضلية ومطرقة حادة كان قد
التقطها أثناء تسلله ر يف الداخل حيث كانت معلقة عىل جدار بقض
وضب بها القفل عدة رضبات ففتح معه وأمسك بالحاكم الرتيس ر
وجذبه إىل خارج القفص وهو معلق عىل فرع الشجرة ويستأذنه
ا
أن يتشبث به بقوة ليقطع حبًل من الحبال المربوط بها القفص
| 70مملكةجريتفول
ً
ويتأكد من تثبيته جيدا بالشجرة ويستعمله ر يف التأرجح وهو يمسك
الحاكم بإحدى يديه بقوة حن وصال إىل األرض .
ه وأبيها عىل ظهرها
ثم تصفق أمندا مستدعية راي وتصعد ي
لتحلق بهم ر يف السماء ثم يدخل باتريك إىل القض ليجمع أصدقائه
وباف الجنود ،ويطلب منهم وقف القتال وإخالء القض بشعة ي
وقبل خروجهم يتوجه باتريك إىل غرفة الرتيس حيث كان يجلس
مستلقيا عىل رسيره ،يتناول بعض حبات العنب ر يف سعادة وشجن
ً
وشعور أنه قد انتض واقيب من الوصول إىل مراده ،يطمح ر يف
ً ً
مسافرا إىل تلك األرض البعيدة ،مؤكدا األحالم ،ويسبقه خياله
لنفسه بابتسامة بلهاء أنه عىل مقربة من امتالكها ،ليتفاجأ ببابه
يدفع وكأنما سيقتلع من مكانه ،ويرجف أركانه هذا الثائر المقبل
رر
الحارسي بالخارج مما عليه من خالله باتريك بعد أن تخلص من
متلعثما ر يف
ً ً
شاخصا ببضه إليه ً
مرتعبا جعل الرتيس يفزع من مكانه
ً
الكالم بعد أن نظف حلقه يستجمع بعضا من قواه الهاربة :كككيف
دخلت إىل هنا؟
أجابه باتريك بتهكم :من الباب وبكل سهولة سيد الرتيس ،ليس
من المهم اآلن كيف دخلت ،لكن المهم لماذا أتيت؟
اا ً
غضبا ،ثم أخرج سيفه ووجهه نحوه قائًل: وقد اشتعلت عيناه
ر
ألصف الحساب الذي بيننا كما وعدتك من قبل ،أتذكر؟ أتيتك
ي
مملكةجريتفول |
71
قال الرتيس وهو مذعور يرجف كعصفور بلله ماء السماء ثم ذهب
يبحث عن مكان يؤيه ر يف األرض فما وجد إال أن أقدامه تطأ الوحل
ً
ً
ماشيا :ال فما وجد له ملجأ ال ر يف الجو محلقا وال عىل األرض
أرجوك..
شء. ر أرجوك سيد باتريك ر
دعن أعيش أعتذر إليك عن كل ي ي
قال له بعد أن شهر بسيفه لألعىل ثم هوى به نحو الرتيس مما
ً
أحدث شقا ر يف كتفه :هذا مجرد تحذير لك ،إياك وااللتفات إىل
مملكة جريتفول .
ً ا ر
ثم رفعه مرة أخرى وقال :لوال ي
أن أكره أن أقتل رجًل متجردا من
األخي لك أال تلمس شعرة
ر سالحه لقطعت عنقك اآلن ،وتحذيري
ر تفكي بينك ر ر
وبي نفسك يف أذيتها. من أمندا أو تفكر مجرد ر
ثم أردف بهدر :أتفهم أيها الجبان؟
رني صوته الذي كادت أن تتصدع منه الجدران و تسبب ر يفأرعبه ر ر
سقوط إحدى اللوحات المعلقة عىل الجدار خلف الرتيس ،كانت
بالشر عىل الرتيس الماكث أمامه يرتجف ،ثمنظراته كالحمم ترم ر
ي
ً
أجابه وجسده يتفصد عرقا :نعم أفهم أأأفهم.
بف من رجولته وخرج حن اجتمع مع جنده عند
تركه يلملم ما ي
رر
مشعي نحو الغابة الباب وهم يخرجون ويركبون أحصنتهم
رر
سالكي طريق العودة إىل المملكة.
| 72مملكةجريتفول
وصل الجميع إىل المملكة مع طلوع الشمس وتظهر البهجة
والفرح عىل الجميع.
توىل باتريك تنظيم الجنود لحراسة حدود المملكة ،يطلب منهم
أن يتبادلوا الدوريات ر يف الحراسة وأثناء تنظيمه وجد مهاب
ً
مصطفا بينهم ويبدو جليًا عىل وجهه اإلعياء والشحوب ،نظر إليه
بي الصفوف وسار معه إىل ركن بعيد ثم همس باتريك وجذبه من ر ر
ر يف حنان بالغ :ما الذى جاء بك اآلن يا مهاب؟ لم يحن وقت
خروجك للحراسة بعد ،عد ر ر
حي رييأ جرحك .
غالب ابتسامة باهتة رليسمها عىل وجهه من شدة األلم فخانته:
ر
يعينن عىل الحراسة . أشعر بتحسن
ي
قال :األمر جد يا مهاب ،المملكة أمانتنا وال يمكن أن نخذل الحاكم
ً
كبية أبدا ،قوتك استنفذت هذه األيام بسبب فقد جسدك كمية ر
يسية وستعود لك كل قواك وتساعد ر يف من الدماء ،اسيح مدة ر
حماية المملكة.
ً
أيضا ر يف فدوى. ً
مداعبا إياه :وفكر ثم غمز له بطرف عينه
قال مهاب وهو متصنع عدم فهم مقصد باتريك :فدوى؟ ماذا
غيي . عم وليس لها ر تقصد؟ أتقصد لكونها ابنة ي
مملكةجريتفول |
73
نظر باتريك إليه بمكر مصطنع :أوليس هناك رشء آخر ر
أكي من ي
كونها ابنة عمك؟
ابتسم مهاب ابتسامة تفصح عما بداخله من مشاعر تجاه فدوى،
ً
مازحا قال :أظن أننا مال عليه بالل وبعد أن تالمست كتفيهما
سنحتفل بكما عما قريب.
قال مهاب ر يف لهفة :يا ليته اليوم قبل غد .
ً
سكت باتريك مستغرقا بعض اللحظات ثم سأل مهاب :كيف
عرفت حقيقة شعورك نحوها؟ هل انتابك قلق من رفضها لك؟
اختض مهاب جوابه ر يف كلمات أعمق من أن تيجم حاله هو
فحسب:
بشء نحو الطرف اآلخر ،وعاهدت ر
تيقن باتريك أنك إذا شعرت ي
نفسك أن تحافظ عليه وال تفرط فيه وجعلته كاألمانة ر ر
بي يديك،
ً
سيكون عنده أيضا شعور مماثل نحوك مهما حاول أن يخفيه عنك
وبي كلماته حن ر يف صمته وف خفقاته ر ر ر ر
ستلمحه يف لمعة عينيه ي
وهدوئه .
يتملكن الخوف بكل درجاته . ر -أشعر به لكن
ي
قال له مهاب باستفهام :السيدة أمندا؟
| 74مملكةجريتفول
ً
أمية وأنا مملوك ر يف مملكتها، ر
-يف البداية كنت خائفا لكونها ر
غي األرض وقد ر ر
كون من أرض ر ألن عرفت حقيقة ي واآلن أخاف ي
تركوا يىل حرية االختيار ر يف الذهاب أو المكوث .
قال له مهاب :ال أعلم كيف أفيدك ر يف أمر ك لكن األمل ال ينعدم
ً
أبدا ومن يدري ما الذي يخبئه لنا الغد .
بينما كانت النساء قد أعدت وجبات للجنود قدموها لهم ،ذهب
باتريك إىل القض رليى الحاكم.
قال عند دخوله عىل الحاكم من الباب :أيأذن يىل سيدي الحاكم ر يف
الحديث إليه؟
لتعتذر أمندا الجالسة بجوار أبيها ر يف الصعود إىل غرفتها ،ينظر لها
كليلتي يلتمس منها لينها المعهود ،كانت عدم رر رر
بعيني باتريك
ر ً ً
ه مباالتها ردا قاطعا عىل آماله ،ليتساءل يف داخله يا ترى هل ي
ا
تلف له باًل وال ترنو بطرفها
غاضبة مما حدث أثناء المبارزة؟ فال ي
ً
أبدا. نحوه
اا
قليًل وبعد قطعها عدة خطوات ناداها أبوها :هال انضممتَ إلينا
أمندا ،أريدك أن ر
تحضي حديثنا .
ر
ون أين ثم وجه كالمه لهما :بداية ر
أخي ي
القالدة؟ فيقول باتريك بعفوية :رسقتها.
مملكةجريتفول |
75
يشي بإصبعه إليها وينظر نظرة ماكرة ثم يتلعثم ر يف الكالم بعد
وهو ر
استيعابه للموقف.
مغ .
-أأأقصد أنها ليست ي
أن .
بحوزن يا ر ي
ي تقول أمندا:
بنية مغتاظة ونظرة ثأر من بالل :لقد استعدتها .
وتكمل كالمها ر
بنين؟ َ
من من استعدتها ي ِ -
-ال رشء أقصد ر
أحضتها . ي
بغي ما يقصد وال يظهر
-يبدو يىل أن الجميع هنا يتحدث ر
أخي ر ً
أعلمت باتريك باألمر؟
ِ ين هل
ي ر ا إذ مقصده منذ البداية،
ً
يبي باتريك الكلمات من عىل لسانها خاطفا الحوار بينها ر ر
وبي
والدها ليجيب هو :نعم علمت األمر سيدي .
بحنق وانزعاج ونظرة مغلولة مع إيماءة من رأسها :أظن السؤال
موج ًها لي اآلن .
ا
ليتدخل الحاكم محاوًل فض التناوش بينهما :عجيب أمركما ،كنتما
ر ً ر ً
المبارسة غيفريقا واحدا يف حرب األعداء ،واآلن تندلع الحرب ر
بينكما!
فريف .
ي -هو ليس من
| 76مملكةجريتفول
تحدثت بكلمات لتعرب عما يفتعل بداخلها من قلق نحو رحيله
ر
مبارسة له ثم كيياؤها أن تفصح بالكالم يأن ر
عن عالمها ولكن ر
تكمل :أظنه سوف يخرج عن أوامرنا اآلن ألنه علم أنه ينتسب إىل
أرض الناس وليس إىل أرضنا .
ئ ئ
وانتمان إىل أرض جريتفول
ي يأخذ باتريك بطرف الحديث :أنا ي
والن
غيها. ً ر
ألن بالفعل ال أعرف أرضا ر وحاكمها ي
ً
ثم ينظر إليها نظرة المنتض ضاحكا مع حركة رأس انتصارية بقصد
استفزاز دواخلها وإكمال الحديث الذي رسى نحو قلبه مي ً
جما
والن تتعمد مواراتها ثم ينظر باتجاه الحاكم ويكمل: ي مشاعرها
ر ً ا
لكن ال
غي األرض ي سيدي الحاكم ..لقد علمت أن يىل أهًل وأرضا ر
يعقل أن أنسحب من طاعتكم هكذا؟ أذكر أي رشء عنها ،فهل ُ
ي
وغية ر يف صوت وطريقة ابنته ،ويشعر أنها بنية قلق ر يشعر أبوها ر
خائفة من أن ييكهم باتريك ويذهب إىل أرضه .
ر
بن؟
-وماذا قررت ي
-إىل اآلن ال أعلم سيدي ،لكن إن كان يىل أهل فأظن أن حالهم
ً ً
صعبا جدا اآلن وأعتقد أنه لن يهدأ لهم بال إ ال سيكون
باالطمئنان عىل ابنهم .
ً
أيضا. قاطعته أمندا :وقد يكون له حبيبة أو زوجة
مملكةجريتفول |
77
ً ً
بغيتهاينظر إليها باتريك ويبتسم بجزل عاضا عىل شفتيه فرحا ر
الن ظهرت ر يف المجلس فيجيبها :قد يكون؛ فأنا أشعر بخفقان ر يف ي
قلن وشعور جميل اآلن .ري
الغية الملتهبة ثم ً
مستفزا لمشاعرها بالتورية فتنظر إليه بغيظ ر
تدير عينيها بشعة وترفع رأسها إىل جانب آخر مرددة بصوت
خافت :يا لك من شخص شديد االستفزاز.
أكيقال الحاكم :لكنك دخلت أرضنا وعرفت رسنا وعرفت أشياء ر
من أي شخص ر يف مملكتنا.
ً
أحدا رسكم. أخي
-وأنا أتعهد لك بأال أخون أمانتكم وال ر
تفهم أمندا من كالمه أنه راغب ر يف الرجوع إىل أرضه ،تشعر
باالختناق وتطلب اإلذن من أبيها ر يف الصعود لغرفتها ،تيكهما
وتخرج من قاعة االجتماعات إىل ساحة القض الداخلية لتتوجه
إىل الدرج .
يستأذن باتريك ر يف الذهاب إىل سكنه ليفكر ر يف األمر ويرتاح ،ثم
يلحق بأمندا قبل صعودها أول درجة سلم.
أن أستطيع العيش دونكم . -إياك أن ر ر
تظن ي
ي
جاءتها الكلمات من خلف ظهرها عابرة كل الضجيج الذي يفتعل
وه تدافع البكاء:
بها،لم تلتفت له وهتفت بضعف وقلة حيلة ي
ً
أنت تعلم طريقك جيدا
| 78مملكةجريتفول
حي سقط القناع الذي كان -منذ أول مرة رأيتك بالقض هنا ر ر
ُ ُ
قلن أخذت إىل أمام وقد حفرت صورتك بداخل ر ي عىل وجهك ي
عالمك.
ً
جذبها من كتفها ماسكا طرف ردائها لتستدير له ثم يزيل القناع عن
ً
وجهها لتقول وصوتها يشوبه كل الهزائم خوفا من الفراق :ماذا لو
تن؟ ماذا لو كان لك حبيبة هناك؟ ر
عدت إىل عالمك ونسي ي
قلن محال قلن لم يجرب هذا الشعور من قبل ،وأعلم أن ر ي أعلم أن ر ي
عليه أن ينش هذا الشعور مهما حدث .
اميج بالدعابة :ماذا لو تبتسم وه تدافع البكاء وتقول بحس ر
ي
تعرضت للخطر؟ من سينقذك من الموت هناك؟ أظنك تحتاج
إىل فريق المساعدة .
أنقذتن ر
ر ر
أكي من مرة هنا ي يعن كونك ليضحك هو اآلخر ويقول :ال ي
أرض .سيكون الوضع عىل نفس الحال رف ر
ي ي
الداخىل
ي يسكتان رليهة وتبدأ العيون ر يف التوال مفصحة عن الشعور
لكليهما وما إن يحاول فتح فمه ليقول لها:أ.. .
ولكنه لم يكمل الكلمة حن ،خرج الحاكم من قاعة االجتماعات
ً
ليجده ما زال بالقض ،يأخد الحاكم أمندا أسفل ذراعه محاوطا
كتفها:
مملكةجريتفول |
79
تاج .
عزيزن لي ي
ي هيا
ً
ويصعد معها الدرج ،ويقول موجها حديثه لباتريك :أرى أن ترتاح
الليلةبجناح الضيافة هنا باتريك ،لقد تأخر الوقت وأعلم أنك
مرهق.
مشيا إىل الخدم أن رافقوه رليتاح ر يف جناح الضيافة ،استغرق رً
الن ظهرت ر يف كالمهابغيتها ي
التفكي بأمندا ويسعد ر
ر باتريك ر يف
ويتمن أن يعرف استقرار أموره إىل أين وكيف كانت حياته من قبلر
وهل سيستطيع تكملة هذا الحب الذي اندلع ر يف قلبيهما ،ليقطع
كبي الخدم :السيد باتريك من هذا االتجاه.
تفكيه ر ر
ويشي له بيده إىل اتجاه جناح الضيافة ،يتقدم معه باتريك ثمر
مطىل باللون يدخل إىل جناح به ممر طويل ،عىل ر ر
يمي الممر باب
ي
اا
الذهن عليه نقوش بارزة يفتحه له الخادم قائًل :تفضل سيدي،
ري
ر ر
سأحض لك وجبة العشاء يف الحال ،أتريدها من المشويات أم من
المسلوقات وما ررسابك المفضل؟
شء ال بأس به . ر
ليجيبه :أي ي
ً ً
واسعا به أريكة وبجوارها عدد من ثم يدخل ليجد أمامه مكانا
صغية بتصميم وألوان ملكية الشكل
ر اش وينصفهم طاولة
الكر ي
كالسيك هادئ ،ومجموعة من التحف،ي ومدفأة مصممة بطراز
وبجوارها عىل الحائط مجموعة أرفف بها كتب عتيقة الطراز
كبي منسوخة بخط اليد وعىل يساره باب غرفة بها رسير
حجمها ر
| 80مملكةجريتفول
ر
غش بفراش ناعم لونه أبيض ناصع البياض ،مجرد النظر إليه
قد ي
يشعرك بالراحة وب ها حمام داخ يىل به حوض لالستحمام محاط
بأنواع من العطور الراقية والمصنعة من مواد طبيعة أنتجتها فتيات
المملكة .
ج ويغسل بدنه ر يف هذا الحوض ،يفك حزامه ر
يقرر أن يسي ي
الخارج
ر ي الجلدي المثبت به سيفه من الجانب ويخلع درعه
متي ومتداخل به قطع من الجلد ثم يهوى المصنوع من قماش ر ر
إىل حذائه الطويل الواصل إىل نصف ساقه ر
لينيعه من قدميه وهو
جالس عىل طرف الشير لينتبه عىل طرقات الباب الواصلة إىل
مسامعه :تفضل بالدخول أيها الطارق .
ً متجردا من بردته وتاج رأسه ويحمل ر ر ً
مالبسا بي يديه إذا به الحاكم
مريحة للنوم يقدمها لباتريك :تفضل يا ولدي هذا لك ،أظن
سيكون النوم بمالبس مريحة أفضل لك .
ً
تأن
ينبغ أن ي ي
مندهشا :سيدي الحاكم! ما ر ليقف باتريك ر يف الحال
من الحضور إليك . ر
إىل وتقدم يىل المالبس ،هال طلبت ي بنفسك ي
ً ً
-ال بأس باتريك األمر بسيط جدا عزيزي ،وأنا أيضا كنت أريد
ً
جدا بالنسبة يىل. التحدث إليك ر يف أمر مهم
ً
سمعا وطاعة. -تفضل سيدي،
مملكةجريتفول |
81
تنتىه من أخذ مغسلك وتبديل ثيابك عىل -سأنتظرك ر ر
لحي أن
ي
طاولة العشاء بالخارج .
-ر يف الحال سيدي .
ألتف بك. ً
-خذ راحتك فأنا أيضا سأؤدي بعض العبادات قبل أن ي
خرج الحاكم ودخل باتريك ،أخذ مغسله ر يف حوض االستحمام ثم
وضع بعض العطور الموجودة هناك وارتدى مالبس النوم المريحة
ثم خرج من الغرفة وذهب لمقابلة الملك عىل طاولة العشاء ،ينظر
بن . قائ اًل :تفضل بالجلوس يا ر ا
إليه بوقار
ي
كرش مجاور له ،يتقدم الملك بالكالم ي يجلس عن يمينه ر يف أقرب
ً رر
واللي مردفا بتنهيدة مىلء بالعطف تغيت رنيته إىل صوت ي وقد ر
أبوية:
أمندا… ي ا باتريك.
غي استيعابً :
عفوا سيدى!! ر
يرفع باتريك نظره إىل الحاكم يف ر
ه كذلك نفس األمر ر
بن كما أرى منها ي -أرى أنك قد تعلقت بها يا ي
ً أرض لها روال ر
الضر أبدا وال لك ،أعلم أن اختالف األرض ال يؤثر
ً ً
حاليا لكونك ال تعلم شيئا عن أرضك من قبل ،لكن ما معك
أخشاه هو حالك معها بعد معرفة أرضك وأهلك وماضيك .
ً
شء إىل قلبها أبدا ما حييت
-أقدر خوفك سيدي لكن أعدك بأال أ ي
قلن واألعماق. ر
وأن أحفظ هذا القلب يف جوف ر ي
| 82مملكةجريتفول
ر ر
خوف من احتمال حدوث ي بن ،لكن -أما عن هذا فأنا متأكد منه ي
فقدان للذاكرة عند رجوعك كما حدث عند حضورك ،لكن
ً
زوجن
ي نسبته قليلة جدا ألن ما حدث معك عكس ما حدث مع
ر
الكثي
عندما جاءت من أرضك إىل هنا يف القديم ،كانت تتذكر ر
عن أرضها وعندما قررت الذهاب لم تعد ،نسيت ذكرياتنا ً
تماما
ه ر
تأن إىل هنا ال يمكن استجالبها ،البد أن تتمن ي ولألسف يك ي
الحضور .
مصدوما :ماذا؟؟!! هل هناك احتما ل أن أنش ما ً قال باتريك
ر
حدث ليهنا يف أرضكم؟
ً
سوءا ،ثم... سكت رليهة ثم أكمل كالمه :هذا يزيد األمر ي
عىل
كيف ال يمكن استجالب شخص إال إذا ر
تمن؟ وقد أتيت أنا هنا
ر
تمن .
دون ي
ر ً
بن ،لم تكن تقصد أرض -ال ،أنت تمنيت جدا الحضور إىل هنا ي
حي ضاق بك األمر من أهلك ر ر ً
تحديدا ولكنك ر ر
حي جريتفول
الن لم تكن ترغبها ،كنت تتوىل العمل
رفضوا منك بعض األمور ي
وتأن أن ر ر
الن كنت ترى أن معاملتها ربوية رمكان والدك يف رسكته ي
ً
وأيضا ر
الخي
كية صدقاتك وتطوعاتك ألعمال ر تقبل بهذا األمر
ً
الن كنت تقوم بها بشكل مجهد جدا وابتعادك عن مخالطة ي
الناس بكية ،فذهبت إىل مكان العبادة وجلست تدعو وبكيت ر
مملكةجريتفول |
83
وتمنيت لو أنك تذهب إىل أرض ممنوع فيها هذه األمور ..هذا
ما ذكرته عندما أتيت إىل هنا قبل اإلفاقة ثم اختارك ملو ليكون
مساعدك ر يف أعمالك.
ً
ثم تذكر شيئا ما :عندي اقياح لك ،عندما أتيت إىل هنا كان معك
ويضء ومقيد عليه أسماء وأرقام رشء يشبه المفكرة ،وله أزرار ر
ي ي
ر اا ر
لكنه لم يستمر يف العمل إال قليًل ثم أظلم ،هو يف المحفوظات مع
أمندا أظن أنه قد يساعدك بعد رجوعك وتذكرك ...باتريك ..قل
ً
يىل ما رأيك ر يف اصطحاب أمندا معك؟ تكون مذكرة لك وأيضا أعلم
كم ترغب ر يف رؤية أمها ومعرفة أرضها.
امتا للحظات ثم قال :ر ً
أخش عليها أن يصيبها جلس باتريك ص
صابن .ر مثل ما أ
ي
األصليي للمملكة هنا وال يحدث معهم رر فىه من السكان -ال تقلق ي
هذا األمر من فقدان الذاكرة ،لكن ما أخشاه أن العالم هناك
زوجن بما ر يف عالمهم بأرض
ي تخي ر ين يختلف عن عالمنا ،فكانت ر
غينا ،ما رر
وقواني ر غي ثيابنا
الناس ووجود أجهزة مختلفة وثياب ر
يطمئنن أنك ستكون معها لكن كما ذكرت لك قد ينتابك فقد ر
ي
جزء مما حدث معك هنا.
| 84مملكةجريتفول
-أظنني إن لم أتذكر الكون بأكمله لن أنش أمندا ،أشعر بها ر يف
داخىل ،إذا أحب الشخص يتخلل الحب جميع أركان كيانه ي
ً
داخليا ويسيطر عىل تضفاته خارجيا. ً
مملكةجريتفول |
85
غي ملحوظ وجوده، عجيب أن يتحول اإلنسان من مجرد شخص ر
ر
كل هدفه هو أن ُيحصل قوته ،يصبح ليبحث يف األرض ثم يبيت
سيأن عليه غد أم ال ،حن إن فرشت له األرضي غي مبال إن كانر
ً
كنوزا ال يلتفت إليها فالحياة بالنسبة له عمليات حيوية يقوم بها
البدن وحسب ،وأن يتحول حاله إىل محل اهتمام مملكة كاملة بل
ر
غي األرض، وقد يكون محل اهتمام أناس آخرين يف أرض ر
بي أضلعه يستطيع أن ييجم واألعجب أن يكتشف وجود نابض ر ر
يغ ماهيتها ويحولها إىل حالة ً
له مشاعرا كان يعدها بالهة وال ي
تعييه من رأسه ألخمص قدميه .
ا ً
بات باتريك ليلته ر يف جناح الضيافة ،ولكن كان ذهنه مشغوًل جدا
اا
طويًل حن تجاوز بكل ما يحدث معه ويدور حوله ،ظل يفكر
منتصف الليل إىل أن غلبته عيناه وغط ر يف النوم.
ر يف الصباح استيقظت أمندا وارتدت ثيابها متجهة إىل بستان القض
تجمع بعض الزهور.
ً
متجها إىل عمله رفياها ليستيقظ باتريك ويرتدي ثيابه هو اآلخر
من بعيد واقفة تجمع الزهور مولية ظهرها إليه.
تقدم ببطء إىل أن اقيب منها ،لم تشعر بوجوده كانت منشغلة
بجمع الزهور ثم بادرها بالحديث :أظن أن الزهور الصفراء ر
تعي
عن الغية .اعتلت البسمة وجهها عندما رجف قلبها ً
فرحا بسماع ر
| 86مملكةجريتفول
هذا الصوت ودون أن تلتفت له قالت :ال ...بل إنها تدل عىل
البهجة .
ً
ممازحا بعد أن عقد ذراعيه أمام صدره ورفع حاجبه: أجابها
تفسيات األمور عندكم تختلف عن أرضنا ر ً
كثيا. ر عجيب
استدارت له بوجهها وبنظرة سخرية شملته من أسفله ألعاله :هذا
ً
شيئا عن أرضك تلك. الكالم عىل أساس أنك تذكر
ثم زمت شفتيها وأمالتها ،جلجل صوت ضحكته :ماذا أفعل مع
أمية بهذا القدر من الذكاء والجمال مثلك!
ر
أميا ر يف
بالحية :باتريك ماذا لو كنت أنت ر ً
ر قالت وعيناها مليئة
أرضك؟ أجاب وقد بدا عىل وجهه بعض الغرور المصطنع:
رر
أوتظني ذلك؟...
يا سالم. .
ر
غيتها وتحريكها تجاهه :أضع
ثم بدأ يف رسد ما يقصد به مداعبة ر
التاج وألبس الرداء وتتهافت عىل فتيات المملكة جميعهن ر ر
يرغي ي
من.ر ر
يف مجرد نظرة ي
عبست بوجهها وزاوت ر ر
بي حاجبيها ثم ضمت شفتيها وحركتهما
اا
قليًل . إىل الجانب
مملكةجريتفول |
87
فنظر إليها ر ً
افعا حاجبيه ومقلتا عينيه بنظرة استنتاجية وأردف
الغية؟ -أي
تعي عن ر بقول ه :ألم أقل لك أن الزهور الصفراء ر
غية تتكلم عنها؟
ر
ه. ر
غية ي
مغ مرآة يف الحال كنت أعلمتك أي ر -ليت ي
استدارت مرة أخرى ر يف اتجاه الزهور.
وغي الوسيم . األمي المغرور ر -أريد أن أكمل ما بيدي أيها ر
أمي ر ً
أكي عال وقال :ما أظن أن أحدا يشعر اآلن أنه ر ضحك بصوت ٍ
ر
أتظني أن ف ر
رر ر
أمية مثلك؟ أرض ر
ي ي من بالفعل، ي
ا
مسي اسًل ر يف حديثه أكمل باإلجابة :أظن لو كانت هناك ما تمنيت
ً
أبدا. ترك أرض الناس
تعن سائ اًل إياها :ماذا ر
ا
مد يده وقطف زهرة حمراء ومدها إىل أمامها
ي
هذه بالنسبة إليكم؟
تعن العدل .ر ر ر
تعن التقدير ي تعن القوة ي -ي
ر ر
تعن الحب الذي يجمع كل تعن أشمل من ذلك أمندا ..ي -أظنها ي
هذه الصفات ر
وأكي.
ً
ظل مادا يده بها مع حركة خفيفة يقصد تفضليها ،أخذتها من يده
ثم قال:
أنا ذاهب اآلن للعمل .
أن أن ترتاح اليوم؟ ثم ..أظنك تستعد لرحلتك؟
يخيك ر ي
-ألم ر
| 88مملكةجريتفول
-المملكة هنا رس نجاحها قيام كل شخص بعمله عىل أتم وجه
ويراه مسؤوليته حن إن كان ر يف أحلك الظروف ،كل همه
التفكي
ر اإلخالص والوالء ،أما عن االستعداد للرحلة أحتاج إىل
رف األمر وأمامنا وقت حن تقيب العاصفة السنوية بالحلول فر
ي ي
المملكة.
تركها وذهب ألداء عمله حيث أن الحاكم قد كلف شباب المملكة
ر
بإرساف قائد الحرس ببناء سور عىل حدود المملكة لحمايتها من
تسلل جواسيس الرتيس.
وبالفعل بدؤوا ر يف بنائه مع مراعاة عمل بوابات عىل جميع
االتجاهات رف المملكة الشمالية والجنوبية ر
والشقية والغربية . ي
ر خرج الحاكم ر
ليشف عىل العمل يف المملكة ،سأل المسؤول عن
تتبع حاالت الطقس ومعرفة األيام ودخول الفصول "كم تبف من
األيام وتحل العاصفة السنوية؟"
باف يومان بعد وثالث ساعات من اليوم الثالث ثم تحل أجابه بأنه :ي
بإذن هللا.
ً
-إذا حذروا الجميع ونبهوهم باالجتماع ر يف دار العبادة حن ندعو
بمرورها بسالم علينا .
سيه وجد باتريك قد أنىه عمله ورجع إىل الجلوس عىل وأكمل ر
جذع الشجرة المقارب لمسكنه وبجواره ملو.
مملكةجريتفول |
89
تقض الوقت قال له الحاكم :لما أنت جالس هنا ربن؟ أريدك أن ر
ي ي
ر
المتبف بالقض اجمع كل ما تهتم لشأنه وأحضه هناك .
ي
-ماذا عن ملو سيدي؟؟
رر
للتناني بساحة أحضه سأضعه مع راي ر يف المكان المخصصر -
القض الخلفية .
ً
نظر باتريك لملو وقال وهو يداعبه ضاحكا :لم نظرة الحزن اآلن
يابطل؟ سوف تهنأ بمصاحبة الجميلة راي ،يا لك من ر ر
تني
محظوظ.
ثم مد يده وملس عليه بحركات حانية مطمئنة له .
صديف العزيز أشكرك عىل اختيارك ومساندتك يىل .
ي -أنت
وجمع حاجاته وأخذها عىل ظهر تنينه وانطلق متوجها إىل القض،
كانت أمندا تقوم ر
باإلرساف عىل مغزل المالبس كما طلب منها أبوها
.
وقال لها أن تطلب منهم صناعة بعض األقمشة الصوفية الثقيلة
ً
بألوان معينة لم تكن تدري سبب طلبه لتلك االقمشة تحديدا
ولكنها فعلت المطلوب.
أخي باتريك مهاب بأن الحاكم يريد منه مالقاته بالقض وبالفعل
ر
توجه إليه واتفق معه عىل أن الحاكم سيجهز مكان سكن باتريك
لمهاب وفدوى وأنه أمر الخدم بالذهاب إىل المكان ر يف الصباح
| 90مملكةجريتفول
وتجهيه عىل أتم وجه وأن يتم حفل العرس ر يف مساء الغد إذ أنهم
رر
أخيت أمندا أبيها عن قبول معتادون عىل بعضهم البعض وقد ر
وأيض ا رغبة باتريك ر يف
ا داع للتأجيل،
فدوى الزواج من مهاب فال ي
حضور العرس قبل الرحيل .
ر يف المساء تجمع رجال القرية بمكان العبادة والنساء بقاعة
أخيت الفتيات ،أعلن مساعد الحاكم للرجال ،ومساعدة أمندا ر
رر
تجهي القاعة الفتيات عن موعد الحفل وبدأت الفتيات ر يف
الخاصة بهن وإعداد الحلوى وصنع أطواق من الورود .
بينما أخذت أمندا فدوى إىل مصنع حياكة المالبس بالمملكة
ً ً
مناسبا لها وطلبت من القائمات عليه أن يقيسوا لفدوى فستانا
وخيتها فيما يناسبها .
وجمعت بعض الزينة ر
بينما أمر الحاكم باتريك أن يذهب مع مهاب الختيار حلة الزفاف
تكف جميعر
له وهدية مناسبة للعروس وأمر الخدم بإعداد وجبات ي
أفراد المملكة .
ر ر
اض المملكة بالزهور وأحبالالتاىل افيشت أر ي
ي وف مساء اليوم ي
الزينة ر يف كل األركان وروائح العطور مسكوبة ر يف الشوارع وتوزع
الحلوى عىل األطفال باإلضافة إىل هدايا لجميع البيوت ،شعرت
المملكة بالسعادة وكأن الفرح ر يف جميع البيوت وكأن الجميع
صاحب الحفل وأهله لم يكن هناك تفريق وال ر ر
تميي ،لم يكن هناك
مملكةجريتفول |
91
داع ومدعو بل الجميع يدعون أنفسهم لالحتفال بالعرس وإدخال
ٍ
العروسي.ر
ر الشور عىل
رر
الجانبي من باب صغيات مصفوفات عىل ر بدأ الحفل ،بنات
الرئيش إىل داخل قاعة الفتيات ،نزلت أمندا من أعىل الدرج
ي القض
الواصل إىل غرفتها بالقض وبيدها فدوى بفستان عرسها وزينتها،
لحي مرورها منعروس وكأنها حورية وضعت قناعها ووشاحها ر ر
القض إىل قاعة الفتيات ،كان باألسفل عىل أول الدرج يقف مهاب
وبجواره باتريك والحاكم .
غي عالمهم ،شعر كأنه ر يف
نظر إىل عروسه وكأنها ملكة من عالم ر
خياىل صعب المنال ،مقدار السعادة بداخله لم يستطع ي حلم
يعي به عنها ،كل ما أحسه ظهر ر يف لمعة
ترجمتها وال إيجاد وصف ر
والن اغرورقت بالدموع مختلطة بالمشاعر إىل أن وصلت ي عينيه
إىل آخر درجة ،مد يده مع انحناءة حب وتقدير وتناولها من يدها
ً
ووضعها بأحضان ذراعه متشبثا بها ب قوة .
اا
قليًل إال ر يف مشاعر كان باتريك الواقف بجواره تختلف مشاعره عنه
ر
التمن ،نظر إىل الحب فهما متفقان لكن باتريك كان يعييه شعور
ي
بأنن أحلم باليوم الذي أكون فيه ر يف مكان ر
أمندا نظرات تيجم ي
مهاب وأنت ر يف مكان فدوى أحتضن يديك بيدي وآخذك وأرحل
تيسي أمورنا بقلن ر ر
لحي ر ر ر
ر نن أحتضنك ر ي ومودن ،لك ي
ي سكن
ي لتكون
ي
| 92مملكةجريتفول
ومعرفة مآلنا ،أحرجت أمندا من نظراته الفاضحة لمشاعره أمام
والدها فأدارت وجهها إىل اتجاه آخر بينما أخرجه من ررسوده صوت
الحاكم يناديه :هيا باتريك لنذهب مع مهاب إىل االحتفال بساحة
القض .
بي صفوف الصغ ري ات يغمرونهم أوصل مهاب فدوى ومر بها ر ر
رر
والرياحي إىل أن وصال إىل قاعة الفتيات ووقف أمامها بالورود
ً
ناظرا إىل عينيها ،أزال عنها الوشاح وقناع الوجه وقبلها ر ر
بي عينيها
ر
وانحن لها مرة ً
خصيصا، كرش العروس المزين لها ثم أجلسها عىل
ي
أخرى وتوجه إىل حيث يتواجد الرجال بالخارج الذين استقبلوه
والتييكات ،وما إن جلس إىل جوار
ر بدورهم بالتهليل واإلنشاد
الحاكم حن هتف الجميع يدعونه إىل المبارزة ،انتبه عىل باتريك
بتحد مصطنع يحرك رأسه يمنة ٍ ً
شاهرا سيفه ينظر الواقف أمامه
ويشة ر ً
مشيا إليه أنتعال ألبارزك ،قام من مكانه وناوله أحد الرجال
ً رر
الجالسي سيفا وبدأت المبارزة ،همس له باتريك :سأترك لك
عىل حن ال يقال هزم يوم عرسه .
المجال يك تفوز ي
ضحك مهاب وقال :تداري حرجك قبل الهزيمة حن تقول يىل فيما
ادن ..هيهات هيهات .
عىل بإر ي
بعد لقد فزت ي
وظلوا عىل نفس المستوى إىل أن استخدم مهاب حيله لخداع
اا
سيدن أمندا!؟
ي :بتفاجؤ ًل باتريك ،أشار إىل خلف ظهره قائ
مملكةجريتفول |
93
فضب مهاب سيفه بقوة وأعلن فوزه ثم التفت باتريك بلهفة ر
ً
غدا يىل. انخرط ر يف الضحك وشاركه باتريك ،قال له :اليوم لك
قام الجميع بتشجيعه لالنتصار الذي حققه ،وتم الحفل عىل أكمل
ً
مفرحا للمملكة كلها. وجه
اجتمعوا ر يف دار العبادة ،وظلوا يدعون ويرجون أن تمر العاصفة
بسالم ،ثم انضف الجميع ،وباتو ليلتهم منتظرين مرور اليوم
المتبف ر يف سالم ،وقرر باتريك ر يف شأن ذهابه إىل األرض ،وإن كان
ي
ً
اتخاذ قرار كهذا من أشق األمور ،وتحديدا عندما يجد اإلنسان
ً
راحته واستقراره ر يف مكان ما ،ولكن أخذ القرار أحيانا يكون أرحم
ر
حيته بال قرار ،حن وإن جانب خياره بالشخص من أن يستمر يف ر
الياعات بداخلهالصواب ولكنه سيورثه راحة االختيار من شتات ر ر
.
ر
وف اليوم الذي يسبق بدء العاصفة خرج باتريك إىل مكان وجود ي
ملو وراي ليلمح من بعيد أمندا قد سبقته هناك واقفة بجانب
خيا بملو فهو حزين ويشعر تنينتها تطعمها ،وتحدثها أن تستوض ر ً
ي
قريبا ،لم تشعر بوجوده حيث كان يقف خلفها بأنه سيفقد صاحبه ً
بمسافة ال بأس بها من سماع حديثها ثم أكملت كالمها بصوت
ر ئ ً
تكون عىل علم أن
ي سن جدا يا راي أنيشوبه حزن بالغ :إنه شعور ر
أنك
الشخص الذي تعلق قلبك به وشعرت بجانبه باألمان حن ِ
تتعاملي بكل حرية ر يف وجوده وجميع مشاعرك منقادة إليه حن
رر
| 94مملكةجريتفول
الضحكة تخرج من القلب عند التقاء عينيك بعينيه ثم ييكك
رر
تعلمي هل سيعود إليك ثانية ،أم ويرحل إىل حيث ال تدرين وال
سينطوي مع الذكريات وسييك أثر ذكرى مؤلمة بقلبك ..آآه يا
مثىل ،أكره هذا الفراق ،أخافه .
راي ال أحد يشعر بم لو اآلن ي
ثم نزلت دمعات عيونها منسدلة عىل خديها ،انتبهت من حوارها
الحزين عىل صوت أصدره ملو يشوبه الشجن معلوم لدى باتريك
يغ منه مدى تألمه لبعده عنه.
ي
ً
أقبل عليهم موجها حديثه لتنينه :ملو عزيزي كيف حالك اليوم
أيها البطل؟
ا ا
ثم نظر إىل أمندا محاوًل إزالة الحزن عنها ببعض الكلمات قائًل
التناني ر يف
رر تحد ممزوجة بلطف :ما رأيك ر يف جولة مع
ٍ وبنظرة
أنحاء المملكة.
قالت وقد نظرت له نظرة ماكرة مقاربة لنظرته :أظنك ترنو إىل
ً رر
تخافي الهزيمة إذا؟ سباق - .
-أخاف أثر الهزيمة عليك.
وضحكت .
-ر
سيى عىل من منا
مملكةجريتفول |
95
ه األخرى عىل ظهر راي ،نظر وصعد عىل ظهر تنينه وصعدت ي
تحد ثم صاح :هيا انطلق ملو دعناٍ االثنان إىل بعضهما نظرات
نتغلب عليهم.
كان الغرض من الجولة ر يف أنحاء المملكة التعرف عىل كل جوانبها
ورؤية تطور العمل ر يف السور الذي أمر به الملك ومعرفة أماكن
المداخل والمخارج.
الشاط الموجود بجنوب المملكة حيث أنه مملوء ئ نزلوا عند
باألحجار مختلفة األلوان وتسطع عليها أشعة الشمس مع ابتاللها
مشقة المعة تجذب الناظر إليها وماء بقطرات ماء البحر فتبدو ر
ً
البحر الذي كان هادئا ر يف حركته وصوته .
ر
عي األفق إل ى الفراغ أمامها، وقفت أمندا يف مقابلة البحر ناظرة ر
اا
تنهدت بقوة فقاطع صمتها باتريك قائًل :أظنه يشبهك .
-من؟
ً ً
-البحر يبدو لطيفا وهادئا ولكن داخله عميق وقوي وغامض
ر
الشء .
بعض ي
ً ر
أبدا. أظنن أتصف بالغموض
ي -ال
-بالعكس أنت ملكة الغموض؛ قناعك ورداؤك وكابك الموضوع
شء غامض ،حن من يراك يلمس ر
عليأسك يجعل كل ي
| 96مملكةجريتفول
حية ما
هدوءك وإذا تحدث إليك علم قوتك ،ولكن تأخذه ر
تجمعي ر ر
بي القوة والرقة . رر سبب أنك
أم .
-فراق ي
-كيف؟
أن الرجوع إىل أرضها ر يف أم من ر ي حي طلبت ي
-أذكر ذلك اليوم ر ر
ً
الن كانت تشعر أنها زيارة لالطمئنان عىل أهلها وتحديدا أمها ي
ر ر
أن أن يسمح يىل الذهاب معها لكنه يف حالة يرن لها ،وترجت ر ي
رفض ،وقتها بكت وكانت ستيك فكرة ذهابها ً
تماما لوال ما
ألما وحشة عليها. عي تنينتها وأن أمها تكاد أن تموت ً رأته رف ر ر
ي
صغية عىل فهم ما ر إىل وقالت :أعلم أنك مغ وتحدثت ي جلست ي
ر ر
ولكن سأذهب يف زيارة رسيعة إىل جدتك وأعود إليك ي عزيزن
ي يدور
ر يف القريب العاجل .
ذهان معك؟ أن ر ي قلت :لماذا يرفض ر ي
تكيين .ستعلمي عندما ر رر -
ً ر
أضلغ صوتا من شدة حضنها، ي احتضنتن بقوة حن أصدرت ي
الصغية وقالت يىل: ر
الزم
ي ر أكتاف
ي وشعرت بدموعها منهمرة عىل
دفعن ر إياك أن تفارقيه ،أعلم أنك قوية وأنك عونه وهذا ما أباكِ ،
ي
للذهاب خلفك لتحريره من أرس الرتيس.
مملكةجريتفول |
97
علمت سبب رفض أبيك لذهابك؟ ِ -قال باتريك :وهل
-مملكتنا ر يف عقول من يريدنا ،ال يمكن أن يعلم رسها أحد؛ لذا
ا
يحدث فقدان للذاكرة عند الخروج منها ،قد يكون كامًل أو
جزئيا وال يمكن إخبار أحد عنها حن ال يذهب رس الماء األزرق ً
ر
ينبغ صغية ال ر ر ر
أمي ربي ما ي ر ورس القالدة وكنت وقتها طفلة
قوله وما ال يقال ،فكان من الممكن أن أتحدث أمام الناس
ً ر
لكون طفلة ال أدرك األمور جيدا ،وبعد أن ي أم
هناك بأرض ي
وأوصتن أن أحتفظ بها ر أم القالدة أعطتها يىل
ي استخدمت ي
بتغي االسم المكتوب عليها ولكن لم نستطيع قراءته وتفاجأنا ر
ر ر
برغبن يف التعرفي حن أتيت أنت إىل هنا ،يف البداية شعرت
ر
تحدثن أم ،تمنيت أن
ي عليك والتقرب منك ألنك من أرض ي
أم،عن هذه األرض وعن ما بها ،شعرت أن هناك أمل أن أرى ي
ً
وه الرحيل لرؤية أم ي ولكن أنت أيضا فكرت بنفس طريقة ي
أهلك ،لذلك كنت أنهاك عن ررسب الماء األزرق يك ال تتذكر
ً
شيئا ولكن هذا هو ما آل إليه األمر.
ً
وأخرجت من ثيابها جهازا به أزرار وحافظة نقود .
الن كانت معك عندما أتيت إىل
-هاك باتريك تلك حاجياتك ي
هنا .
ر
الشء؟
-وماذا يكون هذا ي
| 98مملكةجريتفول
ً
-ال أدري كان مضيئا ر يف البداية ومكتوب به أشياء تشبه األرقام،
اإلرساىل هنا نستخدمه لالجتماعات
ي أظنه يشبه جهاز البنات
ونحوها .
صغية بها صورته ومكتوب بها
ر فتح حافظة النقود ووجد بطاق ة
ر
اسم بالل ،ووجد بها صورة للطفلة ال ين رآها يف مخيلته وصورة
لسيدة تتقارب مالمحها من مالمحه.
قالت أمندا :أظنها الوالدة .
رر
بحني وأحس أنه يألف قرب ها منه ونظر إليها وإىل عينيها شعر
ئ
تمتىل بالعاطفة ال أستطيع ترجمة ما يدور وجهها فقال :إنها
بداخىل اآلن .
ي
قالت :أعذرك وأشعر بما تشعر به .
ثم استدارت إىل البحر مرة أخرى وصمتت ،مال باتريك ر يف تجاهها
ر اا
أنن لن أذهب دونك . وبنية هادئة ضاحكة :ماذا لو ر
أخيتك ي قليًل ر
-ماذا؟ ...ر ي
وأن؟
ً
وخافضا لآلخر بمزاح مرح منه: قال مح ًركا حاجبيه ر ً
افعا أحدهما
هو نفسه صاحب هذا االقياح .
-ال أظن بل أنت تمزح!
مملكةجريتفول |
99
ي
ر
لتساعدين مغ ر يف هذه الرحلة ر
تكون ي
ي -أقسم لك أنه اقيح أن
عىل التذكر ونحاول ً
معا العثور عىل والدتك ومقابلتها.
أمسكت يده بحركة عفوية متشبثة بها بقوة قائلة والفرحة تمأل
صوتها:
خي سمعته باتريك .
هذا أجمل ر
ثم انتبهت لمسكتها ليده ،نظرت إىل يدها وقد اتسعت عيناها
وسحبت يدها من يده ،تصنعت بعض السعال تتدارك به حرجها
وه تمشط المكان بعيونها :أين راي؟ نريد
البالغ الذي انتابها قائلة ي
أن نعود للقضلقد تأخر بنا الوقت .
ً
حرجا ضحك باتريك بقوة حن أن صوت ضحكته جعلها تزداد
ولم تنظر إليه.
عادا إىل القض ليجدا الحاكم بانتظارهما ،قال لهما :أين كنتما؟ لقد
بحثت عنكما ر ً
كثيا.
أخي السيدة أمندا باتفاقنا .
أجابه باتريك :كنت ر
دخلت أمندا متلهفة إىل أحضان أبيها .
ً
أن عىل هذا القرار ،أحبك جدا أعدك لن أخذلك وسأعود -أشكرك ر ي
بأم.
لك ي
وطبعت قبلة عىل خد والدها .
| 100مملكةجريتفول
حبيبن أثق بك وأعلم مدى ذكائك وحسن تضفك ..اجلساي قال:
تحضيكما للذهاب لهذه
ر أخيكما ً
أمرا ما ،يجب أنتما االثنان أريد أن ر
األرض فثيابكما ال تليق بهم هناك ،لقد قمنا بصناعة ثياب لكما
تختيا
الن جاء بها باتريك وأمك من هناك ،أ ريد أن ر
تشبه المالبس ي
القياس وتجرباها .
وطلب من الحراس أن ينادوا الخياط الذي حاك لهما المالبس،
طلب منه إعطائهما تلك المالبس ،ذهبا إىل الغرف الرتدائها .
كانت ثياب باتريك عبارة عن قميص بأزرار أمامية لونه أبيض فوقه
الكحىل يظهر منه ياقة القميص باألعىل، كيةمن الصوف باللونرر
ي
ر
وبنطالبن.
ي
وطلب الملك من الحالق قص شعر رأسه وتهذيب لحيته ذات
الن تزيد من رجولته وسامة. ر
البن ي
الشعر ي
ً ً
وشاحا عىل رأسها أما عن ثياب أمندا فكان فستانا قرمزي اللون
ر
غيباللون السكري وأذن لها أبيها بيك القناع ،كانت يف البداية ر
وتخف به عينيهار معتادة أن تظهر دونه وتجذب طرف حجابها
ي
ً
وجزءا من وجهها.
مملكةجريتفول |
101
ر
الن خرج فيها باتريك من جناح
نزلت أمندا الدرج يف نفس اللحظة ي
الضيافة ،وما إن وقعت عينا كل منهما عىل اآلخر إال ولمعت نظرة
التغي.
ر ً
انبهارا بمدى عيونهما وتثبتوا ر يف أماكنهما
قال لها :تبدين رائعة الجما ل كأنك فراشة ر يف بستان .
أيضا تبدو بهيئة أنيقة كاألحالم.ً
قالت :أنت
كانت التجربة جيدة وبدت المالبس عليهما منضبطة القياس .
قال لهما الحاكم :هذا أول جزء انتهينا منه ،أريدكما أن تأخذا معكما
بعض الماء األزرق ليساعدكما عىل التذكر ،أريدكما أن تتسلحا
ر
والتشيعات ،أنتما فريق ولكن ال زال رر
للقواني باإليمان واالحيام
بينكما مسافات كونكما ال يقرب أحدكما لآلخر.
هز االثنان رأسيهما بالموافقة واالستيعاب لهذا الكالم ،باتوا ليلتهم
تختلط المشاعر عليهم قلق وتوتر وشغف وتطلع إىل ما ستصل
األمور فيما بعد.
وأخي المراقبون ر ر يف الصباح تناوال وجب ة اإلفطار مع الحاكم،
حواىل ساعة واحدة.
ي الحاكم باقياب العاصفة بعد
عندما يتخذ اإلنسان قر ًارا مملوء بالمجازفة ،ال يدرك كيف ستكون
يلف بنفسه ر يف الهاوية،
يغ هل يتوجه نحو النجاة أم ي العاقبة ،وال ي
ر ر
وإنما الفيصل يف كل األمور تكمن يف المقاصد الدفينة بداخلنا فإن
| 102مملكةجريتفول
كان المقصود ر ً
خيا هيئت األسباب وإن كانت تلك األسباب متحدة
جميعها ضد مرادك .
أحضت طلب الحاكم منهما االستعداد بلباسهما ،وجهز الماء ،ثم ر
أمندا القالدة ،خرجوا إىل الساحة ودع باتريك ملو الذي شعر ر يف
عينيه بالحزن بقوله :ال تقلق يا صديف سوف أعود إليك ً
قريبا. ي
وودعت أمندا أبيها بحضن عميق ثم هوت عىل يديه تقبلها .
ه العاصفة تقيب ،حن أخذت شكل دوامات دائرية وها ي
متصاعدة نحو السماء ،أمر الحاكم ابنته بفتح القالدة وبمجرد أن
ضون أبيض كأنه ضوء وميض يسطع ئ فتحتها حن خرج منها شعاع
ي
بقوة ويأخذ بشدته األبصار ،وأثناء وضع الحاكم يده لتفادي وقوع
ً
الضوء عىل عينيه انعكست األشعة عىل خاتمه مما جعل ه أيضا
يتأثر كالقالدة فقال البنته:
فىه طريق عودتك . ر
وحافط عليها ي
ي خذي القالدة معك
بشء سوى االرتفاع ر
ه وباتريك داخل الدوامة ولم يشعرا ي دخلت ي
لألعىل ودوار مستمر بال توقف ،أخذت العاصفة مدة دقائق
وفجأة هدأت وعم السكون ،وقد كان هدوء ما بعد العاصفة يحل
عىل المكان.
إىل أرض الناس .
مملكةجريتفول |
103
الن سلطت أشعتها عىل وجهه استفاق باتريك عىل حرارة الشمس ي
ليجد نفسه ر يف أرض صحراء بها رمال ،يرفع عينيه لينظر أمامه
الجية ،لحظات ليستوعب عقله األمر وما إن رر ويجد أهرامات
نهض من مكانه وجد بجواره عىل بعد بضعة أمتار فتاة جميلة
واقعة عىل األرض حاول إفاقتها .
-أنت ...يا آنسة.
استفاقت مع إيقاظه لها.
-باتريك أين نحن اآلن؟
-ال أنت مخطئة ر يف االسم أنا بالل ،نحن بالقاهرة ،هذه أهرمات
الجية ،هل معك جهاز نقال؟ قالت :ال أفهم ننقل به ماذا؟رر
ا ً
ضحك وقال :أنت مخطئة أقصد جهازا محموًل.
نظرت له نظرة تعجب استفهامية تعلوها البالهة ،أضحكته
اا
وفجأة توقف عن الضحك ونظر لها قائًل :ما هذه اللغة ي
الن
نتحدث بها؟ أنت غريبة عن المكان هنا؟؟
ً ا ر
ثم استمر يف كالمه قائًل :حن لو ِ
كنت غريبة أيضا لماذا أتحدث أنا
بلهجتك؟
استوعبت أمندا فقدانه للذاكرة لما حدث معه بأرضها ،شعرت
بضيق لعدم تذكره لها ولكن ليس هناك وقت لهذه المشاعر اآلن،
| 104مملكةجريتفول
وه
البد من إنقاذ الموقف ،أخرجت الماء األزرق وقالت له بحنق ي
تدفع الزجاجة نحوه :تفضل رارسب من هذا .
-ال ..أنا ال رأرسب أشياء غريبة ،ما هذا اللون األزرق؟ أهو نوع من
الخمور؟ أم مألتها من البحر ؟ وضحك.
-ال هذا نوع من الدواء طيب الطعم يساعد عىل االسيخاء
والراحة ،قد يساعدك ر يف حالتك تلك ولكن إن لم تكن ترغب
فال بأس.
وحركت يدها بالزجاجة نحو الحقيبة لتدسها بداخله ولكنه
أنن ر يف حالة عدم قائ اًل :إن كان كذلك فال بأس أظن را
قاطعها
ي
استيعاب ،ال أعلم كيف أتيت إىل هنا ولماذا؟
اا
ناولته تلك الزجاجة ،وبعد أن ررسب منها حن نظر إىل أمندا قائًل
باستفاقة ودهشة:أمندا!!
مملكةجريتفول |
105
شء .ر قالت :هيا لنذهب من هنا وأثناء ر
سأخيك بكل ي
ر سينا
سيهما قصت عليه جميع ما حدث ،كان
تحركا من مكانهما وأثناء ر
الكثي،
يتذكر بعض األمور بسبب الذاكرة المتقطعة معه وال يتذكر ر
حن انتهت من كالمها .
بين؟ ر
مغ إىل ي
-معن ذلك أنك ستعودين ي
-ألديك حل آخر؟
-ال ولكن ماذا سأقول لوالداي؟
معقبا بتهكم ر يف استعراض عىل اعتبار ما سيكون ر يف اللقاء
ً وأكمل
مغ للبيت وستبيت هنا هاهاها، صديقن أتت يي معهم :هذه
يقولون بالل الذى يأمرنا وينهانا عائد إىل البيت بصديقته ؟
ويبتسم بعد كل سؤال .
ً
تائها ر يف مكان أو
جيدا ،ستقول أنك كنت ً ر
اسمعن
ي قالت :باتريك
أنك خطفت من األعداء .
تعجن
ري قاطعها بأسلوب
مضحك:أعداء؟ قالت بصيغة
تعجبية :أليس لك أعداء؟! تبسمت
تبسم المغتاظ ثم تابعت كالمها:
وأن كنت معك بالمكانر ر
دعن أكمل ،يي
| 106مملكةجريتفول
وحدث يىل فقدان للذاكرة وأنا غريبة
أهىل
مغ عن يوأنت تحاول أن تبحث ي
ر
وتساعدن.
ي
قال لها :فكرة جيدة لكن تحتاج إىل تخطيط جيد ،أنا عندي فكرة
أخن سها تحب كتابة القصص سأطلب منها أن تضبط إضافية ،ي
قلن كم اشتقت إىل ابنتها.
فىه تحفظ رسي وقريبة من ر ي األمر لنا ي
الن تنتقلون رر
التناني ي وه تبحث ر يف المكان من حولها :أين
قالت ي
عليها هنا؟
قال سائال بطريقة بلهاء:
كالم رر
تناني؟؟ -يبدو لك كل ي
ً
غريبا.
-ال ولكن ليس لدينا هنا ر ر
تناني ،نتنقل بواسطة السيارة .
قالت متسائلة :وماذا تكون تلك
الوسائل؟ أشار إىل سيارة وقال :تلك
ه.
ي
ً ً
معدنيا مثل هذا؟ وكيف يتحرك؟! -كيف أركب شيئا
ثم أردفت قائلة :هل المعادن ر يف أرضكم حية؟
مملكةجريتفول |
107
-ال ليست حية ولكنها من صنع اإلنسان الذي وهبه هللا العقل
لك يصنع ما يفيده وييش له حياته .
التفكي ي
ر وألهمه
ً
شكرا لك عىل المعلومات. -فهمت..
-عىل الرحب والسعة أيتها الغريبة .
ردت بتلقائية :أمندا.
قال بمزاح :ر
تشفنا .
الن ما إن
ثم استقل سيارة وطلب من السائق إيصاله لعنوان أخته ي
ر ً
حبين كيف
ري رأته بعد أن طرق بابها إال وضخت فرحا :بالل ي
أج
ر
أن لن ألقاك
بخي؟ ظننت ي حالك؟ وتعلقت برقبته :هل أنت ر
ا
بأم أبلغها رجوعكثانية ،أين كنت طول هذه الفية؟ سأتصل ي
ا
حاًل.
مغ ضيفة.
-ال انتظري يا سها ي
فنظرت وراءه إذا بها أمندا تتابع اللقاء وتتأمله ،نظرت أخته بقلق
وتردد ر يف الكالم:
تفففضىل.
ي -ضضضيفة آه
ثم جذبت بالل من ذراعه مقربة فمها إىل أذنه :أين كنت؟ ومن
هذه؟ ماذا فعلت؟
| 108مملكةجريتفول
أعطيتن فرصة أتكلم؟ وسأجيب عن كل تساؤالتك منذ أن ر -هال
ي
ا ر رر ر
اصيي قليًل
تعطينن فرصة للرد ،ر
ي تسألي وال أيتين
ر ي
ا
وأجلسينا أوًل.
قالت :تفضال ر يف غرفة الضيوف .
وه ال تستطيع تمالك نفسها ،تتحرك بتوتر وكلتا جلست سها ي
تمتىل أسئلة وقبل أن تفتح فمها بالسؤال مرة أخرى بادرها ئ عينيها
بالل بالحديث :سأقص لك قصة أغرب من الخيال ومع األدلة
ً ً ر ر
أبدا. تخيي أحدا
عدين أال ر
ي ين لكن لتصدق ي
يخيها أنها مملكة ر يف أرض مختلفة عن األرض
قص القصة لكن لم ر
أخيها بأنها
والعن رس الماء األزرق والقالدة ألنه رس المملكة ولكن ر
بالد بعيدة وال يدري كيف سافر إليها أو من يكون هؤالء الناس .
ظلت ر يف حالة من عدم االستيعاب والذهول فاعيض تعجبها
اا
الصامت قائًل :خذي أمندا ليتاح ،عامليها معاملة الملوك يا سها.
مغ
تفضىل ي
ي ه األخرى وقالت :ال تقلقوضحك ،ضحكت أخته ي
عزيزن .
ي
ً
ه ال تعرف لغتنا ولن تستطيع التواصل معك جيدا.
تنش ي
ي -ال
مملكةجريتفول |
109
تاج وأتت لها بمالبس لتبدلها ل ترتاح
تفضىل لي ي
ي أشارت إليها أن
حي جلس بالل يشاهد التلفاز ويتعرف عىل أخبار العالم رف ر ر
ي
المنقطعة عنه منذ ما يقارب شهرين .
كانت سها قد دلفت إىل المطبخ لتعد الطعام فبادرها بالل
بالحديث بصوت يصل إىل أذنيها ر يف المطبخ وهو جالس عىل
األريكة يشاهد التلفاز :ال زال العالم ر يف ضياع وظلم وحروب وف
العرن؟!
ري قر ومرض ،ما هذا األلم الذي ألم بالمجتمع
-ليس بجديد علينا ما تشاهده اآلن يا بالل فاألمر مستمر منذ
أعوام .
بالخيات
ر وسج
ي
ر اعذرين فقد عشت ر يف مكان عادل ومنظمي
ر -
والجميع يسغ لنهضته .
-وهللا عجيب هذا األمر ،ر يف أي مكان عىل الخريطة يا بالل؟
اهتم بتأليف القصةي -ال أحب الجغرافيا ،دعينا من المواقع
وأرسع ر يف إعداد الطعام
ي الن طلبتها منك اآلن يا ذكية األذكياء
ي
ً ر ً
أم جدا. أن أفتقد ي
فأنا أتضور جوعا كما ي
رني جرس الباب وقال :سأفتح انتهت كلماته عندما سمع صوت ر ر
الباب
أنا .
| 110مملكةجريتفول
الصغية،
ر وعندما تقدم وفتحه كانت المفاجأة السعيدة لمريم
ً
حبين
ري اتسعت عيناها فرحا مطلقة بعض الصيحات :ي
خاىل بالل
جن عىلحي ر أين كنت؟ وارتمت رف أحضانه الن قرب ها إليها ر ر
ي ي
ركبتيه وفتح ذراعيه ،ظلت تقبله وتحتضنه فرحة به.
صغي ين كنت أمر بظروف ال تسمح يىل بالتواصل ر ر
سامحين قال:
ي
معكم .
خاىل هل فقدت تليفونك المحمول؟
-لماذا يا ي
ر
تليفون!! -
ي
وقد تذكر أنه معه ولكنه يحتاج إىل شحن .
ئ …
كهربان لشحن التليفون.
ي سها أحتاج إىل شاحن
التفت خلفه ليجد أمندا تتابع الذي دار بينه ر ر
وبي مريم بسعادة .
وه تشب عىل أطرافها تتطلع
نظرت مريم من خلف كتف خالها ي
إىل الجميلة الواقفة في بيتهم ثم سألته :من تكون؟ -صديقة .
قالت وقد اتسعت حدقة عينيها متعجبة :أتصادق الفتيات؟
-ال ولكن لها ظروف خاصة تحتاج المساعدة اآلن ويجب أن
نقدم لهايد العون .
ر
علمتن أن أساعد وه تهز رأسه ا بتحاذق :نعم لقد
ي قالت ي
المحتاج.
مملكةجريتفول |
111
اا
الصغي لتصافحها قائلة :أهًل
ر تقدمت نحوها ومدت كف يدها
بك ،أنا مريم ،ما اسمك؟
نظرت أمندا إىل بالل كأنها تستفهم منه ما قالته مريم ،حدثها
بلهجتها لتفهم الكالم فابتسمت وقالت :أمندا.
وه تهمسوه تمد يدها للمصافحة ،نظرت مريم لخالها وقالت ي ي
ر
عاضة عىل أسنانها :لماذا لم ر
تخي ين أنها أجنبية كنت سأحدثها
رر
باإلنجليية .
ضحك خالها بصوت مرتفع.
رر
باإلنجليية؟ رر
وتستطيعي التحدث -
-نعم لقد درست بالمدرسة كيفية السؤال عن االسم والعمر .
رر
اإلنجليية. ه تتحدث لغة مختلفة عن -ال ي
ً
قالت :اممم إذا أحاول أن أتعلمها.
انحنت أمندا نحو مريم ً
قريبا من خدها لتطبع عليه قبلة رقيقة
وتبتسم.
وكتن
غرفن ر ي
ي مغ أريك
تعاىل ي
ي وه تسحبها من يدها: قالت مريم ي
أخيك ً
أمرا سأعلمك العربية. وألعان ،ر
ري
لم تستوعب أمندا الكالم ،كان رد فعلها االبتسام فقط .
| 112مملكةجريتفول
جاءت سها بجهاز الشحن إىل أخيها ووضع الجهاز بالشاحن ،ثم
انتظر بضع دقائق قبل أن يفتحه ليجد وابل صيب من الرسائل
ا ً ً
تنبيهيا متواصًل لمدة تزيد عن الن تندفع مرة واحدة مصدرة رنينا
ي
ر
العش دقائق.
تضع أخته الطعام وتدعو الجميع إىل المائدة ،يجلسون ثم يمسك
بالل بالملعقة ويضع الطعام بفمه ثم يبادر أخته بسؤال :ما ي
ه
أخبار زوجك؟
بخي والحمد هلل ،لم يستطع نزول إجازته وترك عمله هذا الشهر، -ر
سنضطر لالنتظار للشهر المقبل.
اا وه تقطع ر ر
خي .
الخي وتناوله لبالل فيتناوله منها قائًل :لعله ر ي
تقول بعد أن زفرت الهواء من صدرها :لقد اعتدت عىل بعاده
تأن إجازته أشعر وكأنه زائر أوعابر
ووجوده مثل غربته ،عندما ي
سبيل ال يهدأ له بال ،يستيقظ ر يف مواعيد العمل ،يريد الخروج من
ً
متضجرا من عدم تفرغ زمالئه ييل ثم يعودالميل ،ما يلبث أن ر ر
رر
اا
متملمًل ،تواصله مع مريم يتلخص لمالقاته ،يجلس أمام التلفاز
ر ر
يحضها لها ،أما حالتها وصحتها ودراستها ال يعلم الن
يف الهدية ي
ر ً ً ر
أج عىل الجميع ولكن عنها شيئا ،ضيبة الغربة غالية جدا يا ي
األكي عىل الزوجة وخصوصا إن كانت ًأما ،ت خطف الغربة العبء ر
| 113مملكةجريتفول
سنوات شبابنا ،نتواصل من وراء األجهزة ،نعتاد عىل تلفظ كلمات
تعي عن مشاعر االشتياق ،قد تكون ر يف البداية مليئة باإلحساس
ر
ولكن بمرور األيام نألف الوضع وتخرج الكلمات كوضع منتظم
معا ،عندما أمرض وال أجده كروتي كلما تحدثنا ً
رر اعتدنا عليه
ابنن وأضطر أن أقوم بجميع األدوار ي بجواري وعندما تنج ح
ر
إلسعادها ،عندما نجتمع مع العائلة ف مناسبة أو نزهة أشعر ر
وكأنن
ي ي
ر ر
وأتمن لو كان بجواري نفش
ي اف ،أستند عىل
مبتورة من إحدى أطر ي
أستند عليه ،أنظر إىل صور الذكريات مع الجميع ال أجده بجواري
أن أقل فرد يطلب أو يحتاج إىل المادة ر يف البيت ر ر
يف أي منهم ومع ي
أن إن تناقشت أو اعيضت عىل بعاده يكون الرد "أسغ ألجل ر
إال ي
ر
وحاضي مستقبىل
ي تأمي مستقبلكم" كيف سيؤمن راحتكم ألجل ر ر
ر
الحاض أما المستقبل ال أعلم حن إن من ،أحتاج إىل إعمارر رر
ميوع ي
كنت سأتواجد فيه أم ال .
ربت بالل عىل كتفها واحتضن يدها ليبث لها بعض االطمئنان
اا
قليًل وأنا يىل حديث وليخفف من حدة ألمها وقال :ر
اصيي معه
مرض للجميع.معه بإذن هللا سنصل إىل حل ر
ي
بكثي مما أنت عليه اآلن.
بإذن هللا سيكون الوضع أفضل ر
لتغيي دفة الحوار يك ال تذرف دمعاتها أمامهم:
ر أكمل ر يف محاولة منه
| 114مملكةجريتفول
فكرت ر يف قصة؟
ِ ر ر
ين هل
أخي ي
حركت مقلتي عينيها واستغرقت تسيجع بذهنها ي
وه تضع قطعة
من الخيار ر ر
بي إصبعيها وتدسها بداخل فمها ثم حركت رأسها
باإليجاب:
نعم... -
ً
خارجا وأثناء عبوركما ثم رفعت أحد حاجبيها :سنقول أنك كنت
ر
هلطريق ما حدث لكم حادث تسبب يف فقدانك الذاكرة وفقدت ي
شء ألنها غريبة عن ر
وسائل تواصلها ولم تستطع التعرف عىل أي ي
حي تعافيتالبالد ،ثم أخذكم رجل عنده هذه المدة الماضية ،إىل ر ر
وتذكرت ،وأنت اآلن تساعدها ر يف البحث عن أهلها .
الن كانت تضع معلقتها عىل الطاولة،
قال وهو ينظر إىل أمندا ي
ً ا
منديًل من القماش تجفف به فمها ر
لييل أثر الطعام :إذا وتمسك
فليستعد الجميع لنذهب إىل البيت .
ثم وجه الحديث إىل سها مرة ثانية :هل سيارتك تعمل أم كالعادة
بها أعطال؟
ً
جيدا لقد قمت بصيانتها منذ أسبوع واحد فقط . تعمل -
خي عظيم يا دكتورة. ً
رد مازحا :اللهم لك الحمد هذا ر
وامتأل المكان بالضحكات .
مملكةجريتفول |115
توجهوا إىل بيت أبيه بالسيارة ،توىل بالل القيادة وبجواره أمندا
سيهم ر يف الطريق ،كانت أمندا ر يف
وأخته وابنتها بالخلف وأثناء ر
حالة من االنبهار بكل ما تراه من أدوات حديثة وشاشات عرض
ومبان شاهقة ووسائل مواصالت مختلفة ومحطات وأخذت ر
ي
كثية تتحدث مع بالل :إن هذا العالم جميل وبه من التطور أشياء ر
تساعد عىل رسعة أداء المهام واالنتفاع بها ،كم أنتم محظوظون
بهذه التطورات .
تنش أن األصل
ي فىه وسائل نافعة لكن ال
نعم يا أمندا ي -
ر يف هذه األشياء هو طريقة استغالل وانتفاع اإلنسان بها ،فقد
تغي ر يف
شء وقد عانينا من ر ر
تتحول إىل وحش مدمر يهدم كل ي
القيم والثوابت .
دام الحوار بينهما عدة دقائق ثم انتبهوا أنهم قد وصلوا إىل البيت
بين .أشار بيده :هناك عىل الجانب ،هذا ي
رر
متقابلي صغية ر يف مقدمته تنقسم إىل جزأين
ر للن ت حديقةكان ر ي
ينتىه إىل بضع درجات
ي الخارج
ر ي بواسطة ممر ممتد من أول الباب
مطىل باللون األسود ،زين
ي يعلوها باب البيت مصنوع من المعدن
ببعض النقوش الفضية ،تهيأ بالل لللقاء وأشواقه تتسابق مع
نبضاته ،عيونه ميقبة ليقرها بالنظر إىل أحبته وأذرعه تتوق إىل
التصي ولكن معان الحياة ،يجاهد نفسه عىل ر عناق يرد لها كل
ر ي
| 116مملكةجريتفول
الداخىل عليه جعله يضع يده عىل جرس الباب دون ي إلحاحها
ر
غي مسبوقة منه ،حن فتحت له سيدة يبدو عىل انقطاع يف لهفة ر
وجهها السماحة والهدوء .
ر ً
بن .
قالت بدهشة :الباشمهندس بالل حمدا هلل عىل سالمتك يا ي
سلمك هللا يا خالة سلوى. -
ه مربيته ر يف صغره .
ليخيها أن تلك ي
ر أشار إىل أمندا
سيدن
ي المىلء بالسعادة قائلة:
ي ثم انطلقت إىل الداخل بصوتها
سيدن وفاء لقد عاد المهندس بالل.
ي وفاء
تصىل الظهر
ي أقبلت أمه مشعة من الداخل ،سيدة وقورة كانت
خضاء وبيدها مرتدية زي الصالة ،إسدال أبيض فيه نقوش ر
المسبحة ترتدي نظارة وتحتضن كتاب هللا ر ر
بي ذراعيها ،يبدو أنها
كانت تقرأ القرآن .ما إن رأته حن تسارعت أشواق األم الحنون
الن فاضت عىل تزاحم لهفة قلبها وتتسابق مع دمعات عيونها ي
ر ر
عين
قلن وقرة ي ابن حبيب ر يوجنتيها ،توترت أحبال صوتها ترقص :ي
اللهم لك الحمد اللهم لك الحمد.
ً
الن شعر باشتياقه لها وكأنه بالل وهو يتقدم مشعا إىل أحضانها ي
كالغريق يبحث عن نجاته ،يبحث عن دفء أحضان لطالما شعر
ر ر ر
حان حن وإن لم يتذكرها لكن شء مهم يف حياته وقلب ي بافتقاد ي
مملكةجريتفول |117
ر رر
بن لقد رددت إىل بالحني ،احتضنته قائلة :آه يا ي قلبه كان يشعر
قلن الذي هام ر يف صحراء الحزن من بعد غيابك يا حبيب أمك ري
يخذلن جل فر ر ئ ئ ئ
ي ي وبكان ،لم
ي ورجان
ي دعان
ي وقرة عينها لم يضيع هللا
إىل. ر
ابن سيعود ي عاله عندما كنت أقول أنا موقنة أن ي
اا
مقبًل ،ثم إىل قدميها ودموعه تجري من عينيه هوى نحو يديها
ً
دون أن يتمكن من السيطرة عليها ،ثم وقف ماسكا بيده رأسها من
جاذبا رأسها إىل أحضانه ليسألها: ً ً
طابعا قبلة عىل جبينها الخلف
أخي ر ين أنتحبين ،بل ر بخي يا ر ي أم؟ -اآلن أصبحت ر كيف حالك ي
كيف حالك؟ أين كنت؟ ماذا حدث معك؟
شء ر يف وقته ،أ يم أقدم ر
بخي وهلل الحمد ،سأقص لك كل ي -أنا ر
لك أمندا .
ً
لتتغي نظراتها قلقا،
ر رفعت أمه وجهها ليى أمامها الجميلة أمندا
ابنها غاب ثم عاد ومعه فتاة جميلة إىل بيتها .
-مرحبا أمندا .
ر
ظروف ولكنها غريبة عن هنا ال
ي -هذه فتاة مسكينة مرت بنفس
تستطيع التحدث بلغتنا أو فهم كالمنا محتاجة ليد العون يك
تصل إىل أمها .
حبيبن كم أنت جميلة!
ي -ال حول وال قوة إال باهلل يا
| 118مملكةجريتفول
تحدث بالل إىل أمندا بلغتها :إنها ترحب بك وتأثرت لقصتك ً
طبعا
حبيبن .
ي أخن وقالت لك يا الن ألفتها ي
ي
لم تجب أمندا بل ابتسمت واقيبت منها مادة يدها لتصافحها
فجذبتها أمه محتضنة إياها ،شعرت ل كم تشتاق إىل حضن األم
الذي حرمت منه .
قالت أمه :يبدو أنها إنسانة هادئة الطباع .
ً
أم.
قال وهو يعض بنواجذه :جدا يا ي
ثم سألها :أين ر ي
أن؟
بخي رجوعك . سأخيه بالهاتف رر -ر يف مكتبه اآلن
أج كريم؟ ر
-أين ي
ً
-ر يف الخدمة العسكرية ،أظن أن إجازته غدا ،لكم بحث عنك
وسأل القريب والبعيد كان يهيم عىل وجهه ر يف أرجاء الشوارع
ً
يصي ر ين وهو يحجب باحثا عنك ،لكم افتقد وجودك ،كان ر
أمام يك ال يزيد انهياري ،حفظكم هللا رر
دموع عينيه عن اليول ي
ً ر
قلن عليكم يا أنسان فيكم مكروها قط وال فطر ر ي يىل وال أر ي
القلب ونعيمه .
جالسا رف ر
مكان ً الصغية مريم ر يف الكالم قائلة :هل ستظل تدخلت
ي ي ر
رً
كثيا يا لولو؟
مملكةجريتفول |119
ر
قبلتن بسببك . وبنية ظريفة منها قالت :حن ننا ما
ر
ي
اذهن بجوار مكان يا مريم،ر ضحك وقال لها :من اآلن أصبح
ري ي
أمك.
ر
نظرت له نظرات تحدي وقالت :ال ،إياك أن تظن ي
أن سأسمح
لك بذلك .
اا
قام من مكانه وحملها بمداعبة قائًل :كم أنت مشاغبة.
ثم قبلها وأجلسها عىل رجله .
كانت أمندا تجلس منصتة ومستمتعة بالحوار رغم عدم فهمها
الكالم لكن ذكائها جعلها تستنتج من الحركات.
سألت األم :هل صليتم الظهر؟
أجابها بالل :ال سأقوم ألتوضأ
للصالة.
وأثناء وضوئه تذكر أن كل تلك الفية الماضية لم يكن يذكر الصالة
وال يؤديها بسبب فقدانه للذاكرة فقال :الحمد هلل عىل نعمة
العقل ،كم من نعم غارقون فيها ال نعلمها ..ثم وقف عىل السجادة
يصىل ،كانت أمندا تنظر بتعجب ،لم تره يفعل ذلك من قبل وبعد
ي
ر
انتهائه وجد يف عينيها تساؤالت ،ابتسم لها وقال بلغتها.
-هذه عبادتنا .
| 120مملكةجريتفول
-كلها تواضع .
-سأعلمها لك .
متحلقي حول الحطب المشتعلرر جلس كريم وسط أصدقائه
وفوقه
ر
إبريق الشاي ،تحدث كريم إىل أصدقائه يف الدفعة العسكرية
رر
مغرورقتي ب الدموع رر
مملوءتي باأللم والحزن رر
مغربتي وعينيه
ر
وقال :مجلسنا ينقصه تواجد محمد بيننا ،كان يحب أن يشب
دائما "أول
ً
وساخنا بدرجة ال تحتمل ،كان يقول ىل ً ً
ي الشاي مضبوطا
أعطن إياه سأقلبهر كوب تصبه هو يىل وال تقلبه حن ال رييد منك
ي
" رف ر
بطن ويضحك ...آخر ما قاله يىل لقد صليت العض ودعوت ي ي
بوالدن طلبت منها الرضا والدعاء ي ذنون ،واتصلت هللا أن يغفر يىل ر ي
أصابن رشء فأنا هنا رف حراسة دينر ر تفجغ إن وقلت لها إياك أن
ي ي ي ي ي
أرض لتدوم هويتنا اإلسالمية ببلدنا وال يتطاول علينا ووطن وأهل ر ر
ي ي
أخوان من النساء وأحفظ ي محتل ظالم أو عدو غادر ،أحفظ عرض
آبان من الشيوخ وأكون ئ ئ
أبنان من األطفال وأحفظ كرامة ي ي حرية
رر
المؤمني رجال صدقوا رج اًل بحق كما ورد في محكم ر ر
التييل )من ا
رن عىل ر ر
أن عاهدت ر ي وأن أشهدك يا كريم ي ما عاهدوا هللا عليه( ،ي
ووطن آلخر قطرة من ر ر
دين
ي طاعته عىل الدوام وعىل أن أدافع عن ي
إن أسألك ر اا " "
العىل ا وختمها قائًل اللهم ي ي ه دم لتكون كلمة هللا ي ي
مملكةجريتفول |121
ر اا
الشهادتي قائًل ")أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد
ر الشهادة" ونطق
محمدا عبده ورسوله("
ً
أن
وما لبث أقل من نصف ساعة حن دارت المناورات بيننا ر ر
وبي
الظالمي ،أثبت محمد يىل وللجميع الرجولة بحق رر المعتدين
ر
واإليمان بصدق ،لقد أوقع منهم ما يقارب العشة حن أصابته
الرصاصة الطائشة بصدره فتنهد وانتقل إىل جوار ربه وما رأيته إال
ر ً ً ً
مستبشا بإذن هللا رحمة هللا عليه وغفر له. شهيدا ضاحكا
امتألت وجناتهم بالدمعات متواترة ومرفقة بأخلص الدعوات له
وألمثاله من الذين نحسبهم عند هللا شهداء.
ً اا
التفت إليهم كريم قائًل :فلنعاهد هللا عىل م ا عاهده عليه محمدا
ألحقن بالشهداء
ي
ر وليى منا الصدق ر يف األقوال واألفعال ،اللهم
ر
رر
والصالحي .
اجي رضا هللا وطاعته فقلوب هم ال زالتأمنوا جميعهم خلفه ر ر ر
صغية ر يف مقتبل الشباب يؤثر فيها أبسط األمور ويتمنوا أن ينالوار
القرن من رب هم .ر
****
داخىل ر يف البهو .
ي
كان ر ر
للميل طابق آخر بدرج
رر
ستقيمي . أخيك أين
تعاىل ر قالت سها:
ي
| 122مملكةجريتفول
أخذتها إىل غرفتها رف األعىل لها ررسفة مقابلة ر
لشفة غرفة بالل ي
ر
مبارسة .
ونيل لنشيي لك بعض قالت لها :بعد أن ترتاج سآخذك ر ر
ي
المالبس .
استوعبت ما حدثتها به من إشاراتها .
لشاء مالبس مناسبة رف المساء بعد أن ذهبت سها ومعها أمندا ر
ي
الن ألفتها سها ،احتضنه
يحك له القصة ي ي لها ،جلس بالل مع أبيه
أبيه وقال:
بشكتنا. ر
لتبارس العمل ر رر
ليومي وأنتظرك سأتركك ترتاح
تغي وجه بالل .
ر
ر ر
من وهذا مجالك ر ر
أن أنت أعلم ب اإلدارة يف الشكة أكي ي
-لكن يا ر ي
اسن هندسة إليكيونية ،أحب
منذ سنوات عمرك الماضية وأنا در ي
اسن. ر
العمل يف مجال در ي
تفكيك هذه يا
ر ً
مصمما عىل طريقة رد عليه أبيه بحنق :أال زلت
بالل؟ هم بالرد عليه وبعد أن فتح فاه قاطعته أمه :ليس الوقت
بن.ر ً
مناسبا لهذا الحديث أرجوك يا ي
أغلق فمه ثم نظف حلقه وهو يدير وجهه نحو الباب فيصدر
جرس الباب صوت رنينه وكأنه كان عىل موعد مع نظراته ،يتوجه
مملكةجريتفول |123
إىل الباب ويفتحه فتدخل سها وبصحبتها أمندا عائدتان من رحلة
الن أهدتها سها لها،
التسوق يحملن األكياس المملوءة بالمالبس ي
يلقون التحية عىل الجميع ويرحب والد بالل بأمندا ر ً
اجيا لها إقامة
قريبا ،ثم صعد الجميع إىل مريحة بوسطهم عىل أمل لقاء أهلها ً
غرفهم للنوم ،كانت أمندا متعجبة من الحياة ر يف هذه األرض كيف
غيه أن يذهب بكل هذا اليف الذي رأته ومع ذلك ر
يتمن بالل أو ر
إىل أرض أخرى؟
كانت قلقة من بالل أال يستطيع الرجوع معها مرة ثانية واألزيد ر يف
القلق معاملته لها تبدو عادية ليس بها ما كانت تشعر من قبل
كثيا ولم تستطع النوم التفكي ر ً
ر وشوقه لها وحديثه إليها ،أخذها
أخيتها من قبل أن الصندوق الموضوع أمامها يسم
كانت سها قد ر
ً
تلفازا ،مجرد ضغطة زر عىل جهاز التحكم عن بعد تظهر لها صور
أشخاص يتحركون.
رر
تستعي به في تسليتها ،ضغطت عىل الزر فأضاءت قررت أن
الشاشة ،ثم ظهر أمامها صور لألشخاص ،حاولت أن تجرب ً
زرا
فتغي األشخاص ،كانت في دهشة وتعجب مما تراه لكنر آخر
استوقفتها أحداث لم تفهم الكالم لكن شعرت من الصور أنهم
أناس يعانون من حاالت جوع ثم دخان ونار وطلقات رصاص وترى
| 124مملكةجريتفول
ر رر
الخي
ملطخي بالدماء ،قالت يف نفسها أظنها حرب ر الناس يقعون
ر
والش المستمرة .
انشح معه صدرهاخارج ر
ر ي انتبهت عىل صوت جميل ر يف مذياع
قالت :هذا أفضل من غناء الفتيات ر يف قاعة الفتيات سأحاول أن
أحفظه وأغنيه لهم .
ً
ثم رأ ت من زجاج ررسفتها ضوء غرفة بالل ر
يني ويضع بساطا أمامه
الن كان يفعلها من قبل ،ظلت تنظر
ويتحرك نفس حركات العبادة ي
إليه وتشعر باطمئنان لتلك الحركات ،أحست أن قوة بالل تكمن
ر
التفكي غلبتها
ر الن تبعث عىل الراحة ومع
يف تمسكه بهذه الحركات ي
عيناها فنامت.
ر
عال ،خرجت لتنظر إذايف الصباح استيقظت عىل صوت ترحيب ٍ
به شاب يرتدي لباسه العسكري يحتضن بالل ويقول له :لم أشعر
رفيف.
ي بطعم الدنيا من دونك يا
اا
ثم احتضن أمه قائًل :حبيبة الكل ال أريد رؤية حزن أو دموع من
بخي وتحت أقدامك. عيونك مرة ثانية الحمد هلل جميعنا ر
أجابته بزخات من ال دعاء له وإلخوته ،تدخلت سها قائلة بدالل
حف ر يف االحتضان باألمس بالل
بغية مصطنعة :وأين ي ممزوج ر
يكفيك طول
ِ تحد فكاهية :ألم
واليوم كريم؟ أجابها كريم بنظرة ٍ
مملكةجريتفول |125
ً
فية غيابنا أحضانا؟ رد بالل وهو يضع يده عىل كتف كريم
ً
مازحا :من الواضح أنك وابنتك أس اتذة ر يف الطمع.
مستندا بمرفقه ً
رصدت عينا كريم أمندا الواقفة أعىل الدرج فقال بنظرة يعلوها
االنبهار:
النن ،من أين لكم بهذا المخلوق الجميل؟ أجابهصىل عىل ر ي
اللهم ي
اا
بالل وهو يجذب قميصه من الخلف حذو قفاه قائًل :ال ..قف
عندك ليس لك شأن بهذا المخلوق يا أبو الشباب .
تراجع بخيبة أمل مصطنعة وراح يعدل أزرار قميصه الذي أفسده
بالل:
من الواضح أنها تخصك .
قال وهو متوتر بابتسامة تكظم غيظه وقد أطبق أسنانه وشد
عليها :لها ظروف ،تحتاج المساعدة وغريبة عن البالد وال تتحدث
بلغتنا .
قال كريم بمزاح :وزيادة فوق الجمال من األجانب يا لسعدك يا
بالل.
شعرت أمندا بالحرج من نظراتهم تجاهها فاستدارت لتعود إىل
أج . ر
الغرفة ،وقبل رجوعها سمعت بالل يقول بلغتها :إنه كريم ي
| 126مملكةجريتفول
نظرت له وابتسمت ثم حركت رأسها ر ً
تعبيا عن ترحيبها به ثم
توجهت إىل الغرفة .
قال وهو ينظر إليه بلوم :ستظل كما أنت ،لن ر
تتغي لقد أحرجتها
بمزاحك الثقيل ،تعلم يا كريم ليس كل الناس تفهم أسلوبك
وه ر يف األصل
الدعان ،هذا أول لقاء بينكما وتقابلها بهذه الطريقة ي
ري
خج ولة وليس لها احتكاك بعالم الرجال إال في حدود نادرة
وضورية.ر
نظر له كريم وهو يرفع ياقة قميصه بعجب متصنع وقال :أظنك
بوسامن لن تنظر إىل واحد مثلك . ر
ان ر
ي من ،عندك حق من تر ي
تغار ي
أجابه بالل بنفس مستوى حديثه :بالفعل عندك حق ،المهم دعنا
في موضوعنا اآلن ما أخبار خدمتك؟
قال :مسؤولية هللا وحده أعلم بها؛ فنحن عىل حدود سيناء وتعلم
أن األمر هناك في حالة من التوتر .
أجابه :أعانك هللا يا بطل ،كم مدة
إجازتك؟ -خمسة أيام .
ً -رً
ه مضية ال
خيا ،أحتاج مساعدتك إذا ،أبحث عن أم أمندا ي
ر
الثالن فقط . أعلم سوى اسمها
ي
مملكةجريتفول |127
ً
كريم :هكذا األمر صعب ،نحن ر يف مض ومساحتها واسعة جدا
استبش ر ً
خيا بإذن هللا. ر لكن سأحاول أن أساعدكم ال تقلق،
-وأنا باألمس قد قمت بعمل بحث عىل اإلنينت عن االسم
ليساعدون ر يف
ي
ر ئ
أصدقان إن شاء هللا
ي وسأذهب اليوم إىل بعض
الوصول إىل األسماء والعناوين .
بعد تناول الغداء طلب بالل من أمندا أن تستعد للخروج وأثناء
خروجهم تصادف أن تقابل مع جارته ندى ر ر
حي رأته فقالت بلهفة:
ً
حمدا هلل عىل سالمتك. بالل أنت رجعت؟
-كيف حالك أنت يا ندى؟
ر
نظرت إىل أمندا وقالت :يبدو أنك انشغلت بأمور أهم من أي ي
شء
هنا .
عدن في أداء بعض ه أحد معارفنا ،تحتاج إىل مسا ي
-بل ي
الخدمات ،أعتذر منك اآلن.
غيتها،
بالغية وعدم فهمها للكالم زاد ر
ومش ،شعرت أمندا ر وتركها ر
وه متوترة وتحاول أن
قاد بالل السيارة وجعل عينيه عىل الطريق ي
ر
تجاف بعيونها عن النظر إليه ،تنتظر أن يبادرها هو بالكالم، ي
اا
وبالفعل بادرها بالكالم قائًل :أفتح لك النافذة؟
| 128مملكةجريتفول
نظرت له نظرة قوية مع بعض الجمود رف وجهها ثم أشاحت
بوجهها رف االتجاه اآلخر .
-ما بك؟ هل ضايقك أحد هنا؟
شء . ر
-ال ..ال ي
بغيتها عليه فقال وهو يمد يده لها بقطعة من ابتسم لشعوره ر
ً
جرن هذه تسعد البنات جدا. الشوكوال قد أخرجها من جيبه :ر ي
ترددت ر يف أن تأخذها منه فنظر لها برجاء مع ابتسامة أخذتها
وأدارت وجهه ا لتنظر من خالل نافذة السيارة الجانبية ،حاول أن
يحادثها مرة أخرى:
أن سأتحدث معك ر يف شأن عبادتنا ر
أخيتك ي -بالمناسبة كنت قد ر
ا
قوىل يىل أوًل لماذا ال تصلون عندكم؟لكن ي
ر
وأن يجتمع بالناس قالت :نحن نتعبد يف مكان العبادة عندنا ر ي
الخيات .
ويحثهم عىل العدل واإلحسان والعمل وفعل ر
ر
أنقال :أعلم ذلك لكن لماذا ال تؤدون الصلوات كما نؤديها حن ي
النن محمد صىل هللا عليه وسلم . لم أسمعكم تذكرون اسم ر ي
ً
أم إىلقالت :ال أعلم أيا مما تقول ،كل ما أعلمه أنه عندما جاءت ي
ألن اسم هللا وأنه ر
أرضنا وبعد أن رسبت من الماء األزرق ذكرت ر ي
مملكةجريتفول |129
الخي واألعمال
ر إلهنا وخالقنا ورازقنا ويجب عبادته وفعل
الصالحة ،لكنها لم تستطع تذكر إال القليل .
رر
وتكوني رر
تعلمي قومك -إذن سأعلمك العبادات وعند ذهابك
فاتحة لإلسالم هناك.
-اإلسالم؟؟
سأخيك كل ما تعلمته وأعلمك إياه .
ر -نعم
غيتها سألها:
ثم بنظرة ماكرة يقصد من ورائها أن تخ ريه بشعور ر
ر
تكون أفضل اآلن؟ أرجو أن
ي
-وما شأنك؟
شأن؟ر ر
شأن؟؟ مممم ما ي -سؤال وجيه ،ما ي
ر
شأن .
وقد زاوى شفتيه ألسفل وهز كتفه :ال أدري ما ي
-من تكون الفتاة؟
دفعت جملتها ر يف وجهه مرة واحدة بحنق.
نظر والتفت حوله بمكر :أي فتاة؟
وه تجز بأسنانها:
نظرت له بغيظ ي
الفتاة!!
قال :آه تقصدين ندى ،إنها جارتنا.
-يبدو كذلك .
| 130مملكةجريتفول
مع زفرة خشنة أطلقت معها بعض غيظها .
قال وهو يضحك :ما هو إال ذلك ..لكن ر ر
ين ما سبب السؤال؟
أخي ي
تفاجأت بسؤاله وبدأت حبات العرق تنبت عىل جبينها وضاعت
كل الكلمات بداخلها ،وتلعثمت األحرف عىل لسانها.
-سسسسؤال ..ممم مجرد سؤال .
ثم التفتت تنظر إىل الفراغ أمامها .
بعد يوم طويل من البحث ر يف أماكن متفرقة عىل االسم ،وجدوا
خمسة أسماء متشابهة ر يف بالد مختلفة عىل مستوى مض .
ر
وف شناجتمع الجميع ،بالل وكريم وسها عاكفون عىل أجهزتهم ي
مواقع اإلنينت والتواصل الجتماعي بدأ البحث عن العناوين
وأرقام الهواتف ،وأخذوا يبحثون بجد ويسألون عن تفاصيل
بيانات صاحبات تلك األسماء ر يف الخدمات الحكومية والعامة حن
وصل كل واحد منهم إىل معلومات عن هذه األسماء ،تحدث كريم
عيت عىل اسم . قائ اًل :ر
ا
ً
أيضا. قالت سها :وأنا
رر
اسمي . عيت عىل قال بالل :جيد وأنا ر
مملكةجريتفول |131
كثيا حن مر نصف الليل وهم ال يشعرون كم ظلوا يبحثون ر ً
استغرقوا من الوقت ،لم ينبههم إال صوت طقطقة عظام بالل
ر
يثن كتفيه للخلف ويعيدها مكانها ،نظر كريم إىل ساعة يده
وهو ي
.
-هل أخذنا البحث كل هذا الوقت؟
ً ً ر
نحض لنا شيئا دافئا مغ
تعاىل ي
ي قامت سها وأشارت ألمندا أي
نشبه ،استوعبت أمندا إشارات سها وق امت معها ،تحدث كريم ر
رر اا
كالكي يا بالل . إىل بالل قائًل :أظنها
تظن بالل:
من؟ -أظن..
أمندا.
ً
متعجبا وقبل أن يتحدث بأي رد عىل رفع بالل رأسه ونظر إليه
كالمه بادره كريم بقوله :عيناها مليئة بالعواطف تجاهك وتشعر
باألمان ر يف وجودك فقط كأنك أنقذتها من الموت قبل ذلك.
أنقذتن ر ً
ر ً
كثيا. ي ه من ضحك بالل مردفا :بل ي
مازحا وهو يغمز له بإحدى عينيه :يبدو أن الحب نشب ر يف
كريم ً
ظل الظروف الصعبة .
| 132مملكةجريتفول
ضحك بالل :ال أخفيك ً
رسا ،أبادلها الشعور لكن ال أريد أن أستغل
وه معنا وحيدة ،ال أب وال أخ ،فاألب واألخ حماية للفتاة
الظروف ي
مار يحاول الطروق إىل
ومنعة وكأنهم يحصنونها من أي معتد أو ٍ
داخل الفتاة بأي باب استحله لنفسه ،يخون ا ألمانات وال يحفظ
ونش قول هللا )وأتوا البيوت من أبوابها
ي للبيوت حدودها وحقوقها
واتقوا هللا لعلكم تفلحون( وكأن هللا عز وجل ينبهنا أن التقوي ال
تكتمل إال بسي البنات وحفظهم وعدم استدراجهم نحو الذلل،
بخيي الدنيا واآلخرة ر يف اتباع طريقه القويم
وأن الفالح والفوز ر
ودخول البيت بما ررسعه لنا وطلب الفتاة بما أحله هللا ،لذا أحاول
أخن مكانها لما تمنيت أن يستغل
التعامل بجدية معها ،لو كانت ي
ظروفها أحد .
اا
ربت كريم عىل كتف بالل قائًل :عهدتك منذ صغرنا معلوم عنك
الشهامة والرجولة.
بمشوب السحلب عادت سها وأمندا تحمالن أكواب مملوءة ر
رئ
الداف وقد زيناه ببعض من المكشات اللذيذة ،لطالما بالحليب
كان يحب كريم ذلك ر
المشوب فأقبل عليه بحماس وتناوله من يد
أخته .
لشء .ر
ثم سألتهما سها :هل توصلتما ي
قالوا :نعم.
مملكةجريتفول |133
وجدنا أن اثنتان قد رحلتا ر يف أعمار محال أن تكون مالئمة لعمر
صغية ر يف السن واألخرى مسافرة خارج ر والدةأ مندا ،وواحدة
ه. البالد ،وبقيت واحدة إن شاء هللا تكون ي
ا
أجروا اتصاًل باالستعالمات وسألوا عن البيانات ،تبدو قريبة من
سن والدة أمندا ،وساعده أحد أصدقائه ر يف الحصول عىل صورة
كبيا ر يف الشبه من خاللها ولكنه ً
تقاربا ر ً لبطاقتها التعريفية ويظهر
غي واضح بدرجة جيدة ر يف تلك البطاقة. ر
أخذوا العنوان وقرروا التوجه إليها .
الن تسبق لقاء شخص لطالما كان مجرد صورة من عن تلك الليلة ي
ا
الذاكرة رسمت حولها آماًل وتطلعات وأفكا ًرا حن أنك كونت
مالمح الشخصية وما يحب وما يكره تعايشت معه ر يف خيالك وكأنه
يصاحب واقعك ،تصوراتك لذهابه وإيابه وتحركاته وسكناته،
طالما سيطر عىل خيالك بتلك الصورة ،هل سيكون اللقاء كما
تمنينا؟ هل ستكون الشخصية كما رسمنا؟ هل سيتقبلوننا كما
نميج داخل الحية عىل خواطرنا تجعلنا ر
ر توقعنا؟ أسئلة ترسلها
دوامة من األفكار محاطة بالمشاعر المتضاربة .
باتت أمندا ليلتها مشغولة بكيفية اللقاء ،هل ستتذكرها والدتها أم
بالحني تجاهها؟ هل ستتقبل وجود ابنتها رر ال؟ هل ستشعر
ر
التمن ،أم ستنكر كون أن لها القادمة من أرض وراء خيالهم؟ أرض
ي
| 134مملكةجريتفول
ً
معذبا بحبها ابن ة من األصل ،هل ستذكر الحاكم أدلر الذي ال يزال
غيها منذ رحيلها وال زال بقلبه أمل وبفراقها ،لم تر عينه امرأة ر
الن كانت ترغم نفسها عىل ررسب الماء األزرقرجوعها إليه؟ ابنتها ي
ر
بصفة مستمرة حن ال تنش مالمح والدتها ،حن يف شهر الصيام
كانت تتعمد أن ترسم صورتها عىل صعيد األرض والجدران والمرايا
ً
خوفا من تفلت صورتها من ذاكرتها.
تفكيها نفس الصوت الذي سمعته الليلة الماضية أال وهور قاطع
صوت أذان الفجر بقدرته عىل تخلل القلوب كما يشق ظالم الليل
ا ً ا ً
معلنُا عن تجدد هواء الدنيا بنسمات معلنُا عن إقبال الصباح،
ر
لتشف صدور العباد عليلة وكأنها مقبلة من فوق السماوات
ي
وتجيها وتمسح الهموم واألحزان عنها .
ر
قررت أن تستعمل الماء كما شاهدت بالل يفعل أثناء الوضوء
ووقفت ر يف ثبات تفعل حركات مثلما كان يفعل بالل ،لم تكن
مرتبة ،لم تذكر فيها أي ذكر أو كالم إال...
فأجيه ويش له ما ر
تمن . بي يديك قلن أطرحه ر ر
ر -اللهم هذا ر ي
الصغية مريم غلقه
ر غي مغلق بالكامل فقد نسيت كان باب غرفتها ر
ً
وراءها وتركته مواربا بعد قضاء بعض الوقت مع أمندا قبل نومها،
ً
وكان بالل عائدا من المسجد فجذب انتباهه خط الضوء الممدود
يصىل وتتحرك دون
ي أمام بابها ،رفع عينيه نحوه وجدها تقف كمن
مملكةجريتفول |135
ترتيب ثم هوت ساجدة وسمع أزيز صدرها من البكاء وشهقاتها
من شدة اإللحاح ر يف الدعاء ،انتابه شفقة عليها فدعا لها ثم توجه
ر
وف داخله إضار عىل أن يصل إىل مرادها ويجد والدتها إىل غرفته ي
ً
حفظا للعهد بينه ر ر ً
وبي والدها. مهما كلفه األمر وأيضا
ر
وف الصباح أعدوا أنفسهم للذهاب إىل محل اإلقامة الذي توصلوا ي
ر
غي القاهرة ،أخذت المسافة منهم ما إليه حيث كانت يف مدينة ر
يقارب األرب ع ساعات ،ثم وصلوا حيث مدينة اإلسكندرية ،رأت
الن تدل عىل أمندا بحرها وجماله وشطها ومعالمها العتيقة ي
السني ،أعجبت بها أشد اإلعجاب ،نسمات رر شموخها عىل مدار
الهواء تداعب عينيها وضوء الشمس يزيد من رإرساقتها ،رائحة
كثيا من المشاعر أمام رؤياه والنظر إليه البحر تبعث رف القلب ر ً
ي
وإىل أمواجه المتالطمة ،يجعلها تذهب إىل حيث تشاء بأفكارها،
السماء صافية بلونها األزرق تتقابل ر يف األفق مع ماء البحر فيظهر
اميج بالسماء ،قاطع ررسودها كأنه عناق محب لحبيبه وكأن البحر ر
اا رر
بي زحام أفكارها صوت بالل قائًل بدعابة :إحم إحم نحن هنا!!
التفتت إليه بنظرة خفيفة تظهر فيها رإرساقة لون عينيها مما جعله
ً
يغلق فمه صمتا ويثبت نظرة عينيه ليتذكر تلك النظرة ر يف أول مرة
حي سقط عن وجهها القناع الذي كانت تسدله عليه رآها بالقض ر ر
.
| 136مملكةجريتفول
ً
وه تنظر إىل البحر :هذا المشهد رائع حقا ،يشبه إىل حد تحدثت ي
ما جزء من مملكتنا .
ا ر ً
وف جمال نظرتها األخاذة :فعًل ...لم قال وذهنه ال زال شاردا فيها ي
بحيان .
ي أجد أروع من ذلك
ر يف تلك اللحظة وصلوا للعنوان المقصود ،ضغطوا عىل زر الجرس
ثم
رر
األربعي ال يبدو عليها فتح الباب ،لتطل منه امرأة جميلة ر يف سن
العشينات ،تشبه أمندا ر ً
كثيا ،ترتدي ر السن ،من يراها يظنها ر يف
ا ً
فستانا ً
بنيا طويًل بأكمام محاط وجهها بالحجاب .
وقف بالل ينظر مرة إىل أمندا ومرة إىل أمها من شدة التشابه
بينهما ،تساء لت أمها قائلة :هل من خدمة أستطيع أن أقدمها
لكم؟ كانت أمندا ر يف حالة من الشغف المملوء بفرح ممزوج
باالندهاش .
تقدم بالل بالكالم :ر
حضتك السيدة بسمة؟
-نعم أنا بسمة ،من تكونون؟
ر
الشء . ر
-جئنا إليك يف أمر مهم وغريب بعض ي
ر
عرفتمون عىل أسمائكم . -تفضال بالدخول ،هال
ي
مملكةجريتفول |137
-أنا بالل مهندس إليكيونيات ثم توجهت بنظرها نحو أمندا
لتعرف عن نفسها .
ه ال تفهم لغتنا ،اسمها أمندا .
قال بالل :معذرة ..ي
ً
انتبهت السيدة بسمة وأدارت بوجهها كأنها تتذكر شيئا ما ،لقد
ذهن وعينين زاهيتينصغية بشعر ر ي ر تذكرت رؤياها المتكررة لفتاة
وه تتأرجح ر يف حديقة مملوءة بالزهور ويناديها رجل تبتسم لها ي
تتمن الوصول "أمندا انتبىه لحالك عزيز ن" وه حائرة بينهما ر
ي ي ي
إليهما .
ر ً
أظنن
ي وه باسمة الوجه :أحب هذا االسم جدا منذ زمن، قالت ي
قرأته ر يف أسطورة قديمة عن أرض عادلة أو ما شابه.
شء جيد يساعد فيما نريد أن نعرضه عليك. ر
بالل :هذا ي
طالبا منها أن تري ها القالدة وقال :هل تذكرين ثم التفت إىل أمندا ً
هذه؟ قالت :من أين لكم بها؟
وتابعت :تلك القالدة كانت هدية من والدي ر يف صغري ثم فقدتها
العشين من عمري حيث اختفيت مدة رف محنة مررت بها وأنا رف ر
ي ي
شء . ر
من الزمن ال أدري عنها أي ي
أخرج بالل من وسط مجموعة أوراق صورة مرسومة باليد للحاكم
الن مرت بها. ر
يف محاولة منه لتنشيط ذاكرتها باألحداث ي
رر
تستطيعي التعرف عىل هذا الشخص؟ -هل
| 138مملكةجريتفول
مخيلن فقط عندما كنت أقرأ تلك األسطورة .
ي أظنن رأيته ر يف
ي
ر -
الن حدثت معه وأنه مر بمحنة
يحك لها بعض األمور ي
ي بدأ بالل
ر
اختف مدة من الزمن عن األرض بعدما يئس من تشبه محنتها،
صالح األحوال ،وخالفاته مع والده بشان العمل ،ضاقت عليه
وتمن لو لم يكن ر يف هذا الزمان
ر الدنيا بما رحبت ولجأ لالستسالم
والمكان ،ثم ربط الكالم بفية اختفائها وأنها مرت بنفس ما مر به
ر
وه
ولكن الفارق أنه فقد الذاكرة وهو يف أرض جريتفول عن أرضنا ي
حدث معها العكس .
بي حالة عدم االستيعاب وجزء بداخلها يصدق كالمه . كانت ر ر
تشب منه فهو أخرج قارورة من الماء األزرق وطلب منها أن ر
يساعد عىل التذكر .
داخىل
ي األخي وبعد شعورها بضاع
ر كانت ميددة ر يف البداية لكن رف
حول معرفة ما حدث لها ر يف تلك المحنة والجميع يذكر لها أنها
شء مما مرت به.ر
فقدت ألعوام ثم عادت دون تذكر أي ي
ررسبت من القارورة وبالفعل بدأت ذاكرتها ر يف عرض بعض
فشء ،تذكرت يوم جلست باكية بسبب إضار ً ر
األحداث شيئا ي
مياث العائلة من والدها عىل زواجها من ابن عمها لمجرد حفظ ر
ا رر
يلق باًل لتقبلها له أم ال ،لم يكن هناك ذرة تقبل الجهتي ولم ِ
تكيه وغروره وشعوره بأنه ملك زمانه بداخلها تجاهه بسبب ر
مملكةجريتفول |139
الغي سوية بالبنات وانفتاح تضفاته بدرجة مخالفةوعالقاته ر
ر
للشع والعرف ،وقتها طلبت من هللا وتمنت لوكانت بأرض عادلة
تفكيها ،وبالفعل شعر جد أمندا
ر وتجد بها ما يناسب طريقة
ر
شء مكتوب بلغة ر
وتغي يف لونه مع ظهور ي
ر باضطراب ر يف خاتمه
غريبة عن المملكة لم يستطيعوا قراءته ،جلس ينظر فيه ويحاول
التغي عليه وفجأة قام بحركة عشوائية فتح
ر فتح ه لينظر سبب
من خاللها الخاتم وجذبت بسمة إىل مملكة جريتفول .
الجنون بالمملكة كان أدلر ابن
ري ئ
شاط البحر أول من وجدها عىل
ر ً
حاكما من بعده لجريتفول ،كانت يف حالة الحاكم والذي أصبح
رعب من تواجدها ر يف مكان غريب عليها ،ال تعلم كيف وصلت إليه
.
حاول أدلر أن يهدئها وأمر من كان حوله من رجال يعملون ر يف صيد
يحض ر واليام الهدوء وطلب من مساعده أنر األسماك باالبتعاد
ً ً
متعجبا من لبسها وشكلها المختلف بعضا من الماء األزرق ،كان
التمن المشهورة ر يف
ي
ر عن أهل المملكة ومما زاد من تعجبه أسطورة
المملكة ،حملها عىل تنينه وتوجه بها نحو القض واستمر وجودها
معهم ما يقارب الخمسة أعوام .
كانت قد تزوجت أدلر بعد قصة حب عفيفة راقية قامت عىل
االحيام المتبادل بينهما والحماية منه إليها وأنجبت أمندا الجميلة
| 140مملكةجريتفول
الفطنة رسيعة الفهم تمتاز بجمع صفات األنوثة والحياء من
والدتها وصفات البذل والعطاء من والدها وصفات القوة والصدع
رر
االثني رغم صغر سنها عىل كل هذه االمور ،تذكرت بالحق منهما
الصغية وزوجها الحاكم ،نظرت إليها نظرة شوق ر بسمة أمندا
بأحالم
ي وقالت :لكم اشتقت إليك رغم عدم تذكري كنت أراك
حبيبن لقد داخىل ينبض بحب تجاهك ال أعلم كنهه ،يا ً
دائما وكان
ي ي
أحضان يا لها من مدة طويلة. ر ر
دعين أضمك إىل صغي ين كي ِت يا
ي ي ر ر
تسن يىل أن أنساك؟ عادت باللوم عىل نفسها قائلة :كيف ر
استطعت تذكر لغتها يكون أفضل ر يف
ِ قال لها بالل :إن
التواصل.
الكثي .
قالت :أذكر بعض الكلمات فقط اآلن فقد مر ر
كانت أمندا ر يف غاية السعادة إذ تذكرتها أمها واحتضنتها بشوق
ممزوج بدموع إثر آالم فراق وأحزان فقد حضن األم والقلب
ً
ووجعا ،كانت دموع الحان ،أما عن دموع والدتها فكانت أشد ً
قهرا ر
ي
ر ً "
قلن؟
من وقطعة من ر ي لوم وعقاب لنفسها كيف أنش جزءا ي
إىل ر
تؤزن ي
ي كيف تركتها كل هذه األعوام وكانت الرؤى واألحالم
ً
تذكرها أزا.
مملكةجريتفول |141
ً ً
شكرا بأن قدره عىل الوفاء بالعهد فحمد بالل هللا وخر ساجدا له
وإيصال القلوب قبل األبدان.
اا
والن رفضت الزواج طوال حياتها ،ال
أقاموا اليوم مع والدتها كامًل ي
رر
المتقدمي تذكر السبب ولكنها لم تشعر بالحب تجاه أي من
لخطبتها ،ثم أبدت رغبتها رف العودة إىل المملكة ورؤية زوجها فر
ي ي
الوقت المناسب لذلك .
قرروا الرجوع إىل القاهرة ليتم بالل بعض أموره مع أهله وعمله
اجعي ر يف وبعد فجر اليوم ر
الثان ومع انشقاق فلق الصبح قفلوا ر ر ر
ي
ً
بكثي.
البكور ليكون الجو هادئا واالزدحام أقل ر
صغية وبجواره جهاز مذياع
ر جذب انتباه أمندا رجل يفتح بقالة
يعلو صوته بآيات من القرآن بصوت القارئ العذب التالوة محمد
صديق المنشاوي وبدأت قطرات المطر تتساقط حيث كانت
بداية موسم الشتاء ،علم بالل انسجام أمندا مع الموقف ومع
ً
مستفهما: صوت القرآن بادرها
الن مرت
-أأعجبتك التالوة؟ هذا الشيخ من أجمل األصوات ي
ً ر
لتستمغ إىل آيات القرآن خالل
ي سأحض لك جهازا عىل مض،
مكوثك هنا .
حسن ًُا..
ا -
| 142مملكةجريتفول
ثم تذكرت أن مهمة بالل معها قد شارفت عىل االنتهاء فقد ر
وف
بف سوى
وه ساعدته عىل التذكر ،فما ي بالوعد وأوصلها بأمها ي
الرحيل إىل مملكتها وما زالت تتساءل ،هل سيبف مع أهله وبأرضه
مغ إىل هناك؟
سيأن ي
ي أم
فقررت أن تلزمه بمهمة جديدة يك ال تتعجل ر يف الرحيل وسألته:
ر
ستعلمن عبادتكم . تن من قبل أنك بالمناسبة كنت قد ر ر
ي أخي ي
-نعم بالتأكيد هذا أمر البد منه .
ً
الن استأجرت مكانا لإلقامة فيه ر يف ورجعت معهم السيدة بسمة ي
القاهرة مدة مكوثهم.
الن تراها ر يف شوارع القاهرة الكثي من التضفات يكانت أمندا تنتقد ر
ر
وف المقابل تمدح وغيها ي كالضوضاء والتلوث والقمامة واالزدحام ر
الن طورت من المجتمع. التقدم والصناعات الحديثة ي
أوصلهم بالل واستأذن ر يف الذهاب للبيت ليودع أخاه الذي أنىه
إجازته وسيعود إىل الخدمة العسكرية ر يف سيناء.
********
ر يف أحد األحياء الشعبية.
مصطف ذلك المعروف بالصالح واألخالق ،فعادة ما كان ر وقف
ر
المصلي ف المسجد ر رر
حي يغيب اإلمام ،تزين اللحية وجهه ر ي يؤم
مملكةجريتفول |143
بشته أمام زوجته وهو يصيح فيها ورا رغم سمرة رويشع منه ن ً
| 144مملكةجريتفول
زادت رنية البكاء بصوته فهاجمت الدموع عينيها دون مقاومة.
اذهن ر يف الحال ،أنت أعظم وأغىل من أن يؤذيك أحدهم
-أرجوك ر ي
.
وه تجاهد البكاء:
أجابته ي
ر ر
كن؟
-ماذا لو بدلنا األدوار وكنت أنا يف موضعك هل كنت لتي ي
فرت دمعة من عينيه وهو يحتضنها بحب قائال:
بقرن لكن إن ذهبت
ري -أعلم مدي حبك وحرصك عىل التواجد
قد أتمكن من الهرب منهم .
سألته بتوجس :أو ستفعل؟
كثف الدعاء ،هيا ر يف الحال لقد اقيبوا .
ي
-ر
رر
طابقي ثم استقرت بالثالث حيث أخذت األوالد وصعدت الدرج
تمكث صديقتها ،صدرها يهلع ً
رعبا من شدة قلقها عليه.
مداريا به لحيته وفمه وارتدى معطفهً أما هو فتلفح بوشاح
وتحرك نحو األسطح ،أخذ يتنقل من ررسفة لألخرى ومن سطح
للذي يليه حن وصل إىل مكان فضاء كاد أن يدرك سيارة ويركبها
ً رر
األعي والذي نطق صارخا :ها هو المجرم ولكن لمحته إحدى
اقبضوا عليه.
مملكةجريتفول |145
ً انطلق رجال ر
الشطة نحوه وطرحوه أرضا ثم قاموا بتكتيف يديه
الكحىل
ي بالقيود وسحبوه إىل صندوق تلك السيارة ذات اللون
وأغلقوا عليه ذلك الصندوق بإحكام بعد تكليف رجالن منهم
ً
جيدا. بحراسته
*** *
بالل رف طريق عودته ر ر
للميل هاتفه أحد أصدقائه وقال له بصوت ي
ر
ميعج ويعلوه رنية من الحزن واأللم :بالل لقد قبضت الشطة عىلرر
ر
مصطف بتهمة اإلرهاب .
ر
مصطف يرهب من؟ هو يرتعب من ر
مصطف؟؟ -كيف ذلك؟
الدجاجة ما هذا الكالم؟ كيف يحدث هذا؟
المحام والجميع حني صديف،
ي أجابه صديقه :ما بيدنا حيلة يا
ً
شخصا ما الشهود ردت شهادتهم ولم تنفع أي محاوالت ،يبدو أن
بي ر ر
اثني متضادين ً
خصوصا بعد الخالف الذي حدث ر ر قد ر
وش به
ً ً
ر يف الفكر وكل واحد منهما يميل ويؤيد طرفا مختلفا عن اآلخر،
لألسف الكبار يسايرون حياتهم ومعهم األموال والفرص لعيش
حياتهم والناس تستميت ر يف الخالفات والتنازع بينهم حن يصل
ً إىل سب ولعن ر
صديف،
ي وضب وقد يصل إىل مرحلة القتل أيضا يا
ثم تدخل هو لإلصالح بينهما فتوعده الذي حكم عليه بالخطأ بأن
يلقنه ً
درسا يضيع حياته.
| 146مملكةجريتفول
بالل :الحول وال قوة إال باهلل .
أين ذهبت عقول الناس؟ كيف يفكرون ويتعايشون هكذا؟ إن كان
حكم حسب سماعه منهم فلماذا ال يتقبل الناس من يواجههم
بأخطائهم! حن نبينا صىل هللا عليه وسلم قال "إنما أنا ر
بش ،وإنكم
إىل ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، تختصمون ي
فأقض له بنحو ما أسمع ،فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع ر
ي
ا
قليًل وقال بأش :إن شاء هللا ر ً
خيا، له قطعة من النار" ثم أطرق
المحام
ي وسيكون هناك حل ،سأحاول أن أتواصل مع أحد وسأكلم
والخي يقدمه هللا سبحانه وتع اىل. ً
ر أيضا
ً
جالسا عىل ً
جاهزا بلبسه العسكري وصل البيت وجد كريم
األريكةيربط ربطات حذائه العسكري الطويل ،نظر إليه وابتسم .
قال بالل ً
مازحا :خذ تمامك يا عسكري.
أجابه وهو يضع الكاب العسكري عىل رأسه وقد رفع يديه إىل
جانب رأسه بصيغة التمام العسكري المعلومة :تمام يا فندم.
ثم انخرطوا ر يف الضحكات .
تختف مرة ثانية قبل أن أعود اإلجازة القادمة،ر قال كريم :إياك أن
ي
نختف ً
سويا بما أن االختفاءات وراءها أمندا ومثيالتها. ر شء ر
ي أقل ي
ً
مداعبا. وغمز له بعينيه
مملكةجريتفول |147
قال له بالل :المهم أن تأخذ بالك من نفسك ال تنش صلواتك
ومصحفك .
ر
نصىل صالة
ي أج ،حن وأنا عىل جبهة القتال قال :إال الصالة يا ي
الخوف وال ندعها ،نحن ر ر
بي يدي الرحمن .
ر اا
أتمن الشهادة عندما أنظر لمن ثم أكمل قائًل :أتعلم يا بالل
ئ
أصدقان في الميدان ،أقول ما المعروف الذي فعلوه يسقطون من
ي
ليكون جزاؤهم ضمان الجنة لهم وألهلهم .
قائ اًل بمزاح :الااااا يبدو أنك يعجبك الحور ر ر
العي ر
أكي
ا
قاطعه بالل
من مثيالت أمندا.
ر ً
اض به.
شء يصلنا من ناحيتهم أنا ر ٍ أجابه ضاحكا :أي ي
ً
دائما تجتمعون جاءت أمهم عىل أصوات الضحكات وقالت:
تشقوتملؤون البيت ضجيج ضحك يهز الجدران ،وكأن الشمس ر
بين طوال وجودكم ،أدامكم هللا ر يف
ر ر
حرمن من
ي أحبان وال
ري حيان
ي يف ي
ضحكاتكم .
قبال يديها الثنين ثم احتضنها كريم وغمرها بدفء حنانه ،وصل
رً
تفسيا حن أنه لم يكن لييك حضنها إلحساسها رجفة لم تدرك لها
واألخية .
ر حبيبن األوىل
ي
رر
ستظلي وقال ر يف أذنها:
قالت :أنت نور ر ّ
عين.
ي
| 148مملكةجريتفول
أم .
اهتم بنفسك جيدا يا ي
ي قال:
ً
متأخرا قال بالل :هل تعجبكم هذه الوضعية ر ً
كثيا إىل أن يصل
ويعاقب .
أم .
قال كريم :يجب أن أذهب اآلن يا ي
قالت له أمه :ال إله إال هللا سيدنا محمد رسول هللا.
ً
أوصله بالل إىل الخارج واحتضنه متشبثا بأكتافه بكلتا يديه.
خيا ،ال تيك قلبها يتملكه الحزن مرة قال له كريم :استوض بأم ر ً
ي ي
بلي وقبل يديه وأعلمه ر أن يا بالل ،انصحه ر أخرى واسع إلرضاء ر ي
يرض هللا عنه ،صل أختك واحتوي ها أنك تخاف عليه وترجو له أن ر
فأنت سندها وظهرها ،قد ال تقص عىل أبيها ما تقصه ألخيها،
ً
حاول أن تساندها فية سفر زوجها بعيدا عنها؛ فالمرأة إن بعد عنها
زوجها تشعر باليتم واالحتياج فهو عونها وأنيسها ومهجة قلبها،
كثيا ،أعلم أن هناك رس ر يف قصتك أنت وأمندا
وأخيا انتبه لحالك ر ً
رً
أعط لقلبك فرصته معها ر يف الحالل ،فالظاهر
ي ال أريد معرفته لكن
أنها عىل فطرتها .
ثم وضع يده عىل كتفه مع بسمة شاحبة تحتوي عىل شعور
ر ر
تنسان من
ي بالفراق وقال :لو قدر هللا وحدث يىل ي
شء أرجو أال
دعائك .
مملكةجريتفول |149
قال له بالل :ما هذا الكالم الذي تقوله ،أنت بطل وعندي ثقة فيك
خي .وإن شاء هللا لن يحدث لك إال كل ر
خي وهللا .
قال :أعلم أنه كل ر
ثم قال كريم وهو ينظر إىل ساعة يده :يا ا هلل لقد تأخرت
أستودعك هللا .
| 150مملكةجريتفول
ً
عدم احتياجها ألحد ولكن ر يف هذه األرض غريبة ال تعرف أحدا
ر
غيه، سواه ،وف بداية تعرفها بأمها وال أحد يستطيع التواصل معها ر
أحبت المكان لكن ال يسهله عليها إال وجود بالل ر يف حياتها ،أحس
ً
تقلف أنا بجانبك ،ظل شاردا ر يفي أنه يريد أن يحتوي ها ويقول لها ال
وه ناظرة إىل الجهاز أمامها . التفكي وهو ينظر إليها ي
ر هذا
بحيان. شكرا ألنك موجود ً التفتت إليه وقالت:
ي
وصان أبوك وسأحفظ أمانته ر ر
لحي ر قال :نحن االثنان فريق كما
ي
بالتغيي .
ر سماحه
التغيي؟
ر -لم أفهم ما
-ليس بمهم فهمه اآلن.
العصي فابتسم
ر وه تحمل ثالثة أكواب مندلفت أمها من الباب ي
وقال لها :ما أخبار أمندا معك؟
ر
كأن كنت مفتقدة لها دون أنالعصي وقالت :الحمد هلل ي
ر ناولته
روج .
ي أعلم بوجودها وردت يىل
استطعت التواصل
ِ العصي من عىل فيه :هل
ر ييل كوبتابع وهو ر ر
معها بسهولة؟
ً
الن أذكرها مع
-نعم أمندا ذكية جدا وأنا أجمع الكلمات ي
كالم بسهولة ويش.
وه تستوعب ي استخدام اإلشارة ي
مملكةجريتفول |151
ً
-إذا ستعاونيها ر يف تعلمها مبادئ ديننا.
-لقد بدأنا بالفعل أمس.
ونظرت إىل أمندا ثم تابعت :أنطقتها الشهادة وعلمتها كيفية
كان.
فىه تقف إىل جواري وتؤدي مثل حر ي
الوضوء وحركات الصالة ي
ابتسمت أمندا ألمها ممتنة لها عىل هذا الشعور الذي انتابها منذ
عصيه :الحمد هلل هذا أمرر لقائها ،قال بالل بعد أن أنىه كوب
ر ً ً ر
مبش جدا ،لقد تأخر الوقت سأذهب أنا اآلن وغدا آخذكم يف جولة
بإذن هللا.
ط الذي كان ر
ظل ليلته يدعو لصاحبه ،تذكر صديقه الش ي
الماض حيث أن بالل مهندس ي
ر بصحبته ر يف رحلة عمل العام
إلكيونيات ويحتاجونه ر يف مجالهم فقام ر يف الحال باالتصال به
وأخيه أنه سعيد بسماع صوته
ر والسؤال عن أحواله فرحب ب ه
خي اختفائه وقال له :قد بحثت عنك ر يف كل األقسام وسألت
بعد ر
ر
معارف .
ي جميع
صديف أخذ
ي قال بالل :أنا ر
بخي يا عزيزي ،لكن يىل طلب عندك،
ً ر ر
الوطن يف قضية من قضايا اإلرهاب وأنا صدقا
ي من قبل جهاز األمن
متأكد من أنه ليس من هؤالء .
ً
-قبل أن تكمل ،هذه القضية صعبة جدا وخارج أيدينا ،لكن أنا
سأحاول بأقض جهدي أن أطمئنكم عليه وأضعه ر يف مكان أقل
| 152مملكةجريتفول
ً ً ً
خطورة وإن وجدت خيطا واحدا لمساعدته لن أتأخر أبدا ،هل
نسبت له أي قضية؟
الن
التفجي ي
ر -ال إىل اآلن مجرد كالم عام وتحقيقات بشأن قضية
ر
الماض .
ي وقعت ر يف الشهر
ً ً
مشتبها به؟ -هل له أي سابقة أمنية أم يصادق أحدا
ً
بالل :ال أدري لكن أظنه ر يف حاله جدا ال يصادق إال أناسا أعلم عنهم
ً
السلوك ،وأنا أعرفه جيدا وأعرف أهله ،ناس من أهل ي االنضباط
ر
ووطن . ر
دين
ي التواضع واألخالق الحميدة لهم انتماء ي
أخذ منه البيانات وأغلق الهاتف.
صباحا ذهب بالل إلحضار أمندا ووالدتها ليعرف والدة أمندا ً
بوالدته ثم يأخذهم ر يف جولة بعد ذلك .
نسبيا ،مالت الشمس تحتضن سحائب ناحية الغرب ً مساء ر ئ
داف
مرسلة قبالت الوداع لعاشقيها واعدة إياهم بلقاء قريب وإن طال
تشبته من آالم البعد، البعاد فالعناق يزي ح عن القلوب كل ما ر
ً
منغمسا ر يف
ً ً
مغيبا ولكن مغيبها اليوم كان مختلفا عن أي يوم ،كان
ً صحن الفجيعة ليذيق الجائ ر ر
الصي عوضا عن حالوة ر عي مرارة
ا
الشهد ومصاب األحزان بدًل من فرحة األحالم ،فطوارق الليل أشد
وجعا من طوارق النهار وإن كانتا كلتاهما موجبتان للتعوذ من ً
ررسورهما.
مملكةجريتفول |153
رر
متجمعي يغطيهم دفء القلوب المؤلفة رن هاتف أثناء جلوسهم
خي؟ ..ماذا؟ ظهرت الميل فأجاب بالل :نعم هذا ر ر
ميله..هل هو ب ر رر
اا
الدهشة ممزوجة بصدمة جلية عىل وجه بالل فأكمل قائًل:
كيف؟ ومن؟...
لم يكمل كالمه إال بقول :إنا هلل وإنا إليه راجعون ال حول وال قوة
إالباهلل .
وتأن السقوط وقد
نظرت إليه أمه والدموع متحجرة تمأل عينيها ر
الخي إىل أذنيها ،وصل إىل حسها استشعرت المصاب قبل أن يصل ر
القلن .
ري
ر ً
باىل.
غي ما جاء يف ي -أرجوك يا بالل قل شيئا ر
ثم أعقبت بقولها :من األمس وأنا أشعر بغصة ر يف صدري لم
ذهن عين أخوك قبل ذهابه لم تفارق ر ر
ي أستطع النوم بسببها ،نظرة ي
ر ر
ورجان أال
ي يخي ر ين بقرب عرسه لحظة ،رأيته أمس يف رؤيا منامية ر
حن رر ر
ستظلي ر ي يودعن بها؟ هل قال يىل
ي أغار عليه وال أبكيه ،هل كان
ر ً
أنن لن أفرح به وهو عريس يزف إىل واألخي مؤكدا يىل ي
ر األول
عروسه؟
انهمرت الدموع وقتها وكأنها فاضت فيضان القهر والحزن ،جثا
ً
ناظرا إليها بشفقة وألم ضاما يديها ر يف كف يديه
بالل عىل ركبتيه ً
| 154مملكةجريتفول
حن ارتمت ر يف أحضانه صارخة :أرجوك ال ..أرجوك أتوسل إليك
غيه .
غي ما أظن أستحلفك بربك العزيز أن تقول ر
قل ر
أم .
قال :بل أحياء عند رب هم يرزقون يا ي
ر ً
ابعثون معه إىل هناك.
ي -إذا
ولديييييين ...آه يا
ري أخرجتها من أعماق صدرها بألم وقهر قائلة..:
ييين .
صغي ر
ر
سن يا أم الشهيد ،هذا وهللا يوم عيد. بالل :ر
اصيي واحت ر ي
غي مستوعبة لألمر بصورة
ودموعه تنسدل عىل خده ،كانت أمندا ر
جيدة لكنها فهمت أنه كريم الذي مات فقامت إىل أم بالل
وجلست بجوارها ،وضعت يدها عىل كتفها تواسيها ،نزلت
بالصي والرض ا وجزاء
ر ه األخرى وأمها تذكرهم دمعاتها ي
الصابرين ،جاء أبيه يهادي ر ر
بي الرجال من شدة هول المصيبة عليه
.
ر
عين إنا هلل وإنا قال :أخوك يا بالل ذهب ر ر
بن فلذة كبدي قرة ي
من ي
ي
إليه راجعون أستغفر هللا العظيم.
وضيقا ًً ً
وألما. زفر معها حزنا
-اللهم برد الرضا اللهم ر ً
صيا من عندك .
مملكةجريتفول |155
وه تقف عند
دخلت سها وبيدها ابنتها مريم ،رأت المشهد ي
الباب ،لم يستوعب عقلها المشهد فقالت :ماذا يحدث هنا؟
بخي كما يبدو ،عالم تبكون؟ أين كريم؟
أمام ر
الجميع ي
دخلت تجري إىل الدرج وتنادي قائلة :كريم! كريم أين أنت؟
نظرت إىل بالل نظرة مملوءة بالصدمة قائلة بذهول :كريم سافر
اهتم بنفسك هاتفن وقال يىلر صحيح ..سافر أمس ..هو
ي ي
تحض لها دمية هدية، ر وبحبيبن مريومة ،قلت له لقد وعدتها أن
ي
قبالن.
ي بغرفن أسفل الوسادة ومعها
ي قال ستجديها
قامت إليها أمندا تحتضنها وقال لها بالل :إنا هلل وإنا اليه راجعون
تماسك ألجل والدتنا أرجوك .ي واحتسن يا سها
ري اصيي
ر
انهارت سها بكاء ر يف أحضان أمندا وقامت والدة أمندا بحمل
الن انهارت ر يف البكاء دون فهم ما يدورالصغية مريم واحتضانها ي
ر
حولها بشكل كامل .
تمت مراسم الدفن وتشييع الجثمان الذي كان عبارة عن زفة
وليست جنازة ،كان الجميع يرددون ال إله إال هللا ،والنساء ر ئ
تهن
ر ر
باف اليوم
أمه بشف الموت يف سبيل هللا وأخذ العزاء الذي استمر ي
إىل ما يقرب منتصف الليل .
| 156مملكةجريتفول
جلس بالل بعد صالة الفجر بغرفة كريم تدور عينيه بكل أرجائها
األخي معه وقوله "إياك أن تغيب قبل أن أعود"
ر يتذكر حوار أخيه
وتوصيته له بالجميع ر ً
خيا وقوله أنه ر
يتمن الشهادة وبك بشدة ثم
أخذ يحدث نفسه " لقد استيقظت لصالة الفجر ومررت عىل
سبقتن بالوضوء ألنك لم تنم ر غرفتك إليقاظك كالعادة فأجدك قد
ي
اوغن اآلن بسبب تأخري فر ر
ي سي ي غيي ،من ر بعد ولم أجدك يا ص ر
من َمن الوضوء وسنتأخر عن الصف األول بالصالة؟ سأطلب ِ
حذان قبل ئ إحضار قطعة من القماش مبللة بالماء ألنظف بها
ي
مالئما لموعدي أم ً خروج؟ من سيبدي يىل رأيه فيما أرتدي إن كان ر ي
رجوع من العمل؟ من عبوش عند ر
سيسألن عن سبب ال؟ من
ي ي ي
إىل
مالبش ي
ي والكثي من ر سينقل زجاجة عطري وعلبة دهان شعري
كتف وتقول األخوة ر
غرفته؟ وعندما أسألك عنها تطبع قبلة عىل ي
لبعضهم ي ا بالل وتضحك .
قاطع حواره دخول والده عليه ثم قال :من اآلن يا ربن ر
الشكة ي
يرض هللا وأصلح ما أفسدته بي يديك طهره من أي مال ال ر والعمل ر ر
ي
يرض ربك من صدقات وتطوعات أنا ولك حرية في أن تفعل ما ر
ي
أصابن في ر ر
يكفين ما خي، خي لن أمنعك بعد ذلك من أي ر وأعمال ر
ي ي
أخيك.
مملكةجريتفول |157
احتضن أبيه بشدة وقال :سأحافظ عىل أموالك بما ر
يرض هللا يا
ي
أن.
ري
-ال تنسى أن تقوم بعمل صدقات جارية ألخيك رحمه هللا.
شقت قلبة كلمة رحمه هللا ذاكرته بأن كريم قد واراه الياب
أخيا ر يف الدنيا. ً
وداعا ر ً وودعهم
الميل يلتقط بعض األنفاس من هوائها بعد خرج بالل إىل حديقة ر ر
ً ضيق الصدر مرارة ً
وألما وحزنا بالفراق ،كانت أمندا مقيمة مع سها
يبك بالحديقة ر
ووالدته فية العزاء وأثناء خروجها للشفة رأته وهو ي
نزلت إليه وحاولت أن تحدثه بما سمعته ييدد من اآليات خالل
وقت العزاء وبما تعلمته من التطبيقات وألول مرة تنطق بالعربية
قائلة :قل لن يصيبنا إال ما كتب هللا لنا هو موالنا وعىل هللا فليتوكل
المؤمنون.
اا
كانت تحدثه من خلف ظهره فاستدار لها قائًل :الحمد هلل الذي
جعل تعليمك اإلسالم عىل يدي.
وهبن هللا إياها ألعرف طريق جنته ر يف
ي
ر حيان
ي -نعم أنت نعمة ر يف
وف اآلخرة بإذن هللا . ر
الدنيا ي
ً
كانت ب الحديقة أرجوحة جلسا عليها وقال :أنا متألم جدا لما
أج استشهد ويقال اإلرهاب من قتله يدور حولنا رف بالدنا ..ر
ي ي
| 158مملكةجريتفول
ط ر
وصديف اآلخر رس ي
ي وصديف مسجون بدعوى أنه من اإلرهاب ي
يبذل كل جهده لمعاونتنا وال يتأخر عن مساعدة أحد ،جميعنا
أخوة ر يف بلد واحد مصابنا واحد وهناك يد خفية تعبث بأرضنا
نضب بعضنا باآلخر وال نثق ر يف بعضنا نعيش حياتنا ر يف لتجعلنا ر
كية المظالم ضاع كأننا رف غابة البقاء لألقوى واألرسع فقط ،ر
ي
والثكاىل واألرامل واأليتام كل يوم تدور الدائرة عىل أحدنا ...وقع
اجتماع إال
ي مجتمعنا كله ر يف الفخ ما إن أفتح أي برنامج تواصل
ً
وأجد تراشقا بالمنشورات والتعليقات والتلميحات ،الناس ر يف بيت
والضب وقد واحد تحت سقف واحد ويختلفون إىل حد السباب ر
يصل إىل القتل.
ا ً
أجابته أمندا :إذا فلتبدأ بنفسك أوًل يا بالل ،ما الحل من اإلحباط
والبكاء اآلن؟ -ماذا تقصدين؟
-يجب عىل كل واحد منا أن ينظر إىل نفسه ويبدأ بإصالحها ثم
إنجاحها وجعلها قدوة يتعلم منها اآلخرون ،وقتها يستطيع
ً ر
ه
يبن جيشا من القيم وليكن مركز نجاحك اآلن ي اإلنسان أن ي
ررسكة والدك.
ً
قال وهو يدير كالمها ر يف دماغه وينظر بتأمل :كالمك صحيح جدا
ولكن ماذا عنك؟
مملكةجريتفول |159
-ماذا تقصد بماذا عنك؟
ُ
حيان هنا وأنا أريد أن أكون
ي -إن بدأت هنا سيكون استقرار
معك.
-بأي صفة؟
بصفن..
ي -
ً
وقبل أن يكمل جاءت مريم تقول له :لولو افتقدتك جدا ،رأيتكم
من النافذة ،جئت ألسلم عليكما .
ً ً
جدا يا مريم. قال وهو يجز بأسنانه غيظا :توقيتك مناسب
ر
مشية إىل دميتها تحملها يف يدها :انظر هدية ي
خاىل كريم يىل، قالت ر
ً
جدا ر ر ً
أم أن روحه سافرت تن ي
أخي ي إنها جميلة جدا لكن أنا حزينة
أتمن أن أحتضنه إىل السماء ولن أره مرة ثانية رف الدنيا ،كنت ر
ي
خاىل بالل كيف يستطيع الشخص أن يحيا
وأشكره عليها ،قل يىل يا ي
ويعتاد عىل فراق حبيب له؟
الصغي،
ر ونزلت الد موع من عينيها مع مقاومتها لرعشة فمها
اا
احتضنها بالل ونزلت دموعه قائًل :لن ننساه سنحيا كل يوم عىل
ذكراه سنحدثه بدعواتنا وبعض أعمالنا نتقاسمها معه لينول أجرها
وادع له بالرحمة .
ي تبك
عزيزن أرجوك ال ي
ي
| 160مملكةجريتفول
ثم رفع رأسها وهو محتضن لوجهها بكلتا يديه وأزال دموعها وهو
يحاول أن يهدئها بنظراته ثم تناولت أمندا يد مريم من حضن
خالها وجذبتها تحت ذراعها وتحركت نحو باب البيت ونظرت
ً
الن معك؟ي أنا أكون أن المانع ما ا إذ إليه أمندا وقالت:
ً ا نظر إليها باستيعاب ر ئ
مفاج للكالم مع ابتسامة قائًل :صدقا؟؟ من
تفعىل هذا ؟ قالت :هيا يا مريم. ي الممكن أن
وه تنظر إليه وتبتسم أثناء تحركها تجاه درجات
وأخذتها من يدها ي
السلم.
مر وقت عىل وفاة كريم ،وبالل يقوم بتنظيم العمل ر
بالشكة
وتطهي األموال من أي ربا كان يستدار به العمل ،نجح ر يف إدارة
ر
الشكة بطريقة جيدة من الداخل مع وجود بعض اإلحباطات ر
ومحاوالت اإليقاع به لكنه جعل اعتماده ومالذه وملجأه هو هللا
عز وجل ،لم يقبل عىل أي خطوة دون االستخارة واالستشارة من
قواني العدل ر يف مملكة
رر رر
قواني تشبه رر
والمقربي له ،وضع أبيه
رر
القواني تشي عىل الجميع حن عليه هو جريتفول وكانت تلك
نفسه وما إن نظم العمل واستقام ا لوضع عىل أكمل وجه كلف
ً ر
بمبارسة العمل ودرب ها جيدا عىل النظام القائم وكان قد أسس سها
خيية لتقوم بأعمال لينتفع المسلمون منها عمل مؤنة
جمعية ر
شهرية لبيوت بعض الفقراء والمساك ر ر
ي ،وإنشاء دار لتحفيظ
مملكةجريتفول |161
القرآن وتعليم أمور ر
الشيعة واالهتمام بالجانب اليبوي للناشئة،
الخي ولم يكن
عي فيها بعض أصحابه الذين يتوسم فيهم ر كما ر ر
خيات بعد أن وكل آخرين بتدريبهم
أمامهم فرصة للعمل أو حن ر
ً وجعل لهم ر ً
اتبا ثابتا ،أقام مسابقات للحفاظ وجوائز قيمة لهم
مادية ومعنوية .
تواصل مع جميع من يعرفهم من رجال األعمال وبدأ بتقديم
إيجان وجعلهم
ري كثي منهم بشكل
النصائح المفيدة له م مما أثر عىل ر
بارس بالل قضية صديقه الخي ،كما ر
ر يتعاونون معه ر يف أعمال
ً
المسجون من خالل صديقه الضابط والذي ساعده وبصعوبة جدا
والن
ي المحام القضية
ي ر يف إخراج تضي ح بزيارة أمه وأبيه وتابع مع
كانت براءته فيها ظاهرة جلية .
لك
كلم بعض رجال األعمال الذين لهم سلطة قوية وعالقات عليا ي
يتوسطوا ر يف القضية وبالفعل وبعد عناء خرج بصعوبة بليغة من
السجن .
ر
وف أثناء تلك الفية استطاعت أمندا بمساعدة والدتها أن تتعلم ي
النطق باللغة العربية وقراءة بعض الكلمات المكتوبة ،وأثناء
ً
موضوعا أمامها حيث تواجدها مع والدة بالل بمن زله كان هاتفه
تركه ودخل إىل مكتب أبيه يتحدث معه رف شؤون مهمة ر
بالشكة . ي
| 162مملكةجريتفول
أصدر الجهاز صوت ر ر
رني برسالة ،نظرت أمندا إىل الرسالة إذا
نلتف الحروف الن التقطتها ه اسم ندى وجزء من نص الرسالة "
ي ي ي
رف مكان تجمعن ا"
ي
غية مع إحساس بخيانته لوعود عيونهما انتاب أمندا شعور ر
وتذكرت قوله لها وهما بالمملكة أن قلبه لم يجرب هذا اإلحساس
من قبل فقررت ودون أي مناقشة معه أو استفسار أن ترحل إىل
ر
تحض لها مملكتها دون علمه مع والدتها وطلبت من سها أن
ً
مصحفا وبعض الكتب الن ر
تشح أوامر الدين ونواهيه . ي
ر
لك يذهب يف رحلة إىل مملكة كان بالل يستعد بتنظيم أموره كلها ي
جريتفول ويعود إىل األرض مرة ثانية ألنه وعد ملو بالرجوع إليه
وألنه كان ينوي أن يتحدث مع والد أمندا ويطلبها منه للزواج وقد
صغية من بالد مض ويذهب
ر كان من عادته أن يسافر إىل أي بلدة
إىل محالت البقالة وصيدليات األدوية ي بحث عن ما يسم بدفي
تقييد المبيعات بأجل ثم يسأل صاحب المحل عن ر
أكي الحاالت
ر ً
وف يوم قبل أن يسافر لهذه المهمةفقرا ويسد عنها الدين ويرحل ،ي
مغ؟ كلم أمندا وقال لها :هل تودين ر ي
المجء ي
-ال سأنتظر أنا هنا ر ر
لحي عودتك .
تغي في حديثك .
بنية ر
-أشعر ر
التغي يا بالل . يستدع شءر
ر ي تغي تظنه أنت؟ ليس هناك ي
-أي ر
مملكةجريتفول |163
ً ا
الن كانت تحاول الهروب صمت قليًل مطرقا ثم نظر في عينيها ي
ً
دموعا منحبسة وتجمد متعمد منه بشن الطرق يلمح بداخلها
بتدبيكمائن
ر ر يف المشاعر ،انطفت رإرساقتها وراء نظرة ذابلة ،يشعر
ال يستطيع ت رجمتها ،أحس بنظرة تخطيط لعدم اللقاء وعدم البقاء
لم يكن يدرى ما الذي يحدث ،حاول أن يستفز قلبها بنظرته إليها
تبال.
فلم ِ
ر ر ا
أن ال
تظني ير سألها محاوًل االستفسار عما يدور بداخلها :إن كنت
أفهمك من نظراتك فأنت مخطئة .
ً ر ر
صدقن...أحيانا عندما ي يستدع الكالم
ي شء -يا بالل ليس هناك ي
شء ما نبتىل به وكأننا من جلبناه إلينا ر ر
نضع مخاوفنا يف ي
الداخىل
ي متعمدين بتلك المخاوف ،عندما ال نستمع إىل حديثنا
الذي يؤكد لنا أننا نضع أنفسنا ر يف مواضع الخطر متعمدين
متغافلي لتلك األحاسيس فالبد أن نسقط ،ر يف عالقات رر
األوىل وتأكد أنه عىل دائم ا اسمع لحس قلبك القلوب ا
ي
ا
صواب ،ال تجرب ر يف نفسك أوًل ألن عواقب التجربة ستقع
الن
علينا كأنها لطمة عىل وجوهنا تصفعنا صفعة اإلفاقة ي
تجعلنا نتجرد من تلك العواطف ،فيما بعد نقف أمامها
مظهرين لها الغلظة والثبات والتحدي ر ر
قائلي لن نسمح لك
| 164مملكةجريتفول
بمواجهتنا مرة أخرى فهزيمتنا نكراء مثلت بقلوبنا أمام أنفسنا
ً ر
أحدا إال أنفسنا. األخي لن نستطيع أن نلوم
ر وف
ي
ً
كان بالل يستمع لها وهو ر يف حالة تعجب :أنا ال أفهم شيئا ما األمر
بنظرن
ي الذى وصل األلم إىل هذا الحد ،كيف بعيونك أال تشعر
قلن .
ولقلبك أال ييجم نبض ر ي
قالت :دعنا اآلن من الكالم نتحدث بعد عودتك .
مغ أينما كنا هنا أو هناك ،أنت ر
أنن أريدك ي
-ما أريد منك معرفته ي
ودفعن نحو انتهاج طريق صحيح ،أنت من نبض ر ر
ساندن من
ي ي
منقذن من الموت.
ي قلن بشدة لها عندما رأيت وجهك أنت
ري
اا اا
وابتسم لها قائًل :أتذكرين مقولتك؟ ،وجعل يقلدها قائًل :أظن
ليس يىل عمل هنا سوى إنقاذك من الموت باتريك .
فابتسمت ابتسامة المضطر مع ما تشعر به من األلم .
ً
مكتوبا له مع ً
خطابا القصية عاد ليجد بعدما أنىه بالل رحلته
ر
الن نادت عليه وأخذته من يديه إىل الحديقة قائلة:الصغية ي
ر مريم
ً
عندي لك رس مهم جدا ،كم ستدفع مقابله؟
الصغية تساوم
ر قال وهو يحك شعره ر ً
افعا حاجبيه :آها مريم
خالها ،عالم يا ترى تلك المساومة؟
مملكةجريتفول |165
كانت ضامة ذراعيها إىل صدرها واقفة عىل أطراف أصابع إحدى
ر ً
أجبن إذا يا باش مهندس
ي قدميها ناظرة إليه نظرة المحقق وقالت:
ً
أخبارا عن أمندا؟ بالل ر ر
سي ،هل تريد أن تعرف
أجابها :جيم ،ولما أعرف األخبار منك يا مشاكسة؟ سأعرفها
سي ،هلبنفش من أمندا ،هل أرحتك بهذا الجواب؟ قالت :ر ر
ي
لديك أقوال أخرى؟
وه ترفع المظروف الوردي الذي يحوي بداخله خطاب مني
أمندا .
ً
مشدوها. نظر بالل إىل المظروف
-ما هذا يا مريم؟
-أمري إىل هللا ،مضطرة أن أوصل األمانة ،هذا خطاب تركته لك
أمندا قبل رحيلها .
-رحيلها؟! إىل أين؟
-ال أدري ،قالت يىل أنها ستسافر مع والدتها.
-هل رجعوا إىل اإلسكندرية؟ ولما؟ نحن عىل وشك الذهاب ر يف
رحلتنا...
قاطعته مريم قائلة :لماذا كل هذه األسئلة؟ أظنك قد ترتاح وتجد
الذك .
الجواب إذا فتحت الخطاب وقرأته أيها ي
| 166مملكةجريتفول
ا
قائًلً :
شكرا عىل النصيحة أيتها ضيق نظرة عينيه ونظر إليها بحنق
المكتشفة.
وابتسم بغيظ ،أخذ الجواب وصعد إىل غرفته نزع معطفه ووضعه
عىل عالقة خلف الباب وجلس إىل رسيرة يفتح المظروف باهتمام
ووجد به الرسالة مكتوبة بخط والدة أمندا .
اقتحام لحياتك عنوة ،أعلم أن
ي قالت :عزيزي بالل أعتذر لك عن
فية قيامك بمملكتنا كانت بالنسبة لك إنسان آخر ال يستوعب
ه صحيحة أم لمجرد فراغ داخله ووجد مشاعره وال يعلم هل ي
أمامه من ي ستطيع التواصل معها وأظن أن ما جمعنا من ظروف
لكنن علمت بأمر ندى ر ر
حي ر تسببت في شعور االنجذاب بيننا،
ي
ر ر
يؤسفن
ي ستلتف بك يف مكان تجمعكم ،ما
ي وصلتك رسالة منها بأنها
ر ر
مغ بإعجاب ال أدرى ما
تخي ين بهذا وتماديت يف تعاملك ي أنك لم ر
السبب؟
ولكن أنا قررت أن أترك لك عالمك وحياتك وأذهب من حيث
ر
علمتن إياها الن
ي أتيت ،أود أن أشكرك عىل نعمة اإلسالم ي
ئ ً
احتوان
ي مغ فيها ،وأشكرك عىل
الن بذلت مجهودا ي
والعبادات ي
ر
الن قضيتها بأرضك ،نصيحة لك أرضك وعطفك يف هذه الفية ي
ال تشغلوا بالكم جميلة إذا عمرتموها باألفضل واألصلح،
غيكم وليس كون الظلم واقع
بالمفسدين ابدؤوا بأنفسكم وعاونوا ر
مملكةجريتفول |167
غيه يلف باللوم عىل ر
غيكم ،فقد رأيت أن الجميع ي
عليكم أن تظلموا ر
ويتمادى اللوم إىل أن يصل إىل مرحلة الظلم ،أقيموا العدل ر يف
غيكم ،حن وإن اجتهدتم وأصبتم ر يف اجتهادكم أو أنفسكم ومع ر
شخض وخذوها بتقبل اآلراء
ي أخطأتم فال تأخذوا األمور بشكل
واألقوال واألفكار .
أخيك أن مشاعري تجاهك كانت مليئة بالصدق وقبل السالم ر
ر
أنقذتن من الجهل والعفوية ،إن أنقذتك من الموت بمملكتنا فقد
ي
ر
وأوصلتن بمعرفة هذا الدين القويم والرب الكريم ولك
ي ر يف أرضك
قلن سالم ممزوج بكل مشاعر االحيام واالمتنان . ر
من ومن ر ي
ي
أمندا.
مخرجا كل انفعاله ورد فعله ر يف غلقه ثم
ً أغلق بالل الخطاب بقوة
وضعه في راحة يده وأطبقها عليه بقوة وانتابته حالة من
التساؤالت ،ندى؟؟ أقابل ندى أين؟ من أين أتت بهذا الكالم
السخيف!؟
وإيابا ،حن تذكر يومً ً
ذهابا وجلس يعض ذهنه ويقلب أفكاره
عي ر يف
بالمتي ر ر
ر الن كان سيقابل هو حافلة مليئة
الخيية ي
ر الرحلة
تقاريرا بتفاصيل بعض ً الخي وكان سيقابلهم ليعطيهم
ر عمل
الن يعرفها وبعض المساعدات العينية والمادية من الحاالت ي
الخيية وأن ندى أرسلت له رسالة تذكره بذلك اللقاء،
ر مؤسسته
| 168مملكةجريتفول
اا
وكانت أمندا جالسة بجوار جهازه النقال ثم أردف قائًل :اآلن
عين،فهمت سبب النظرة الذابلة رف عينيها وهروب ها من لقاء ر
ي ي
غي محمله .فهمت أمندا الموضوع عىل ر
بحث رس ًيعا عن رقمها ر يف جهازه وحاول االتصال عليها مر ًارا لكن
لألسف اتضح له أن الرقم خارج نطاق الخدمة .
ً
مشعا ،أخذ سيارته وانطلق نحو مكان إقامتها وجد الباب نزل
ً
أخيه حارس البوابة أن سكان هذه الشقة رحلوا منذ موصدا ،ر
اا رر
يومي ،أمسك رأسه بكلتا يديه سائًل :رحلوا؟ كيف رحلوا؟ إىل
أين؟
قال الرجل :ال أعلم إىل أين .
قال :سلكوا أي اتجاه؟
قال له الرجل :تذكرت ..لقد سمعت إحداهن تطلب من سيارة
األجرة إيصالهم إىل ر ر
الجية.
يعا ً
مصدوما وقد اتسعت دائرة عينيه ،هام عىل وجهه رس ً نظر إليه
ً
متجها إىل سيارته وانطلق بها نحو أهرمات ر ر
الجية ،ال زال عنده أمل
أن يجدها ،ظل طوال اليوم يبحث ر يف المنطقة ويدور حول جميع
األهرامات إىل أن أقبل الليل وحان وقت غلق المكان ،عاد إىل ر ر
ميله
ا ً ً
يائسا حزينا ال يجد سبيًل للوصول إليها ،ذهب إىل والدته وارتم
مملكةجريتفول |169
ر
تنصحن بالعدل وأال أظلم باكيا وقال لهاً :
دائما ما كانت بأحضانها ً
ي
ر أحدا ،مملكتها ه مملكة العدلً ، ً
تحثن عىل أن أبدأ
ي دائما كانت ي
بنفش ر يف اإلصالح وأن أفعل الصواب وأحاول أن أساعد الناس ي
كتن ورحلت بسبب سوء فهم ر ر
ه تر ي ظلمتن ي
ي ليفعلوه ،ثم ماذا؟
وسوء ظن منها ،لم تيك يىل ثغرة أستطيع من خاللها الوصول
اا
أم قد نظن أن من حولنا مثال ر يف الكمال ولكن الكمال
ي يا ًل إليها ،فع
هلل وحده ،قد ننصح غينا ونرشدهم للصواب ونقع نحن فر
ي ر
نعتيه
الخطأ ،قد يكون ظاهرنا المثالية ولكن البد أال نغي بأحد وال ر
ا
كامًل رف كل ر ا
شء ،دائما البد أن نتوقع الخطأ ومع ذلك نغفره ي ي مثاًل
لهم ،ال يمكن أن نقطع عنق من عرفناهم وأحببناهم لمجرد غلطة
جميعا عرضة لذلكً ر
فالبش أو سقطة منهم
قلن نحوها، أنا أعذرها ولكن أحتاج إليها أحببتها وأحببت سكون ر ي
ر ر
بنفش ،لم
ي وف االرتقاء
الخي ي
أحببت كونها مساندة وداعمة يىل يف ر
تيك يىل فرصة واحدة .
ر ر ر
شء ستأخذه بن إن كان لك نصيب يف ي احتضنته أمه وقالت :يا ي
وتدبيه ألمورنا
ر حي وإن لم يكن لك نصيب فيه فقدر هللا ولو بعد ر ر
الخي ،قم صل وادع هللا وناجيه واطلب منه تحقيق دائما هو رً
مرادك وأن يرضيك بما يقدره لك.
| 170مملكةجريتفول
نزلت كلمات أمه عىل قلبه مثل الماء البارد ر ر
حي تلقيه عىل جمرات
متأججة من شدة حماها ،ذكرته باالستغفار ،قام وصعد إىل
ويجيه.
ر غرفته وتوضأ وصىل وجلس يدعو هللا أن يرضيه
ر يف عالم مواز ،داخل مملكة الجمال ،تحت نفس السماء الكونية
ومستظلة بنفس الغمام من حرارة شمس واحدة شملت الكون كله
ر ر
وف أركان وزوايا
خف منه خلف خيالنا ي ما ظهر منه لعيوننا وما ي
الن يعيشها أهل ئ
شاط البحر الرائق مائه بلون الحياة ي قلوبنا وعىل
ر ً
المملكة جاء مهاب مشعا إىل الحاكم أدلر يف مجلسه عىل عرشه
بالقض :سيدي الحاكم وجدنا امرأة تشبه األم رية أمندا ولكنها تبدو
ئ ا ً
الشاط ،بعض الحراس القدام يجزمون أنها سنُا عىل أكي منها
ر
السيدة بسمة زوجتكم .
ً
ه يا مهاب؟قال الحاكم متلهفا :أين ي
أخذتها بعض الفتيات العامالت بالتمريض لمساعدتها -
عىل اإلفاقة - .وهل وجدتم أمندا؟
ال زلنا نبحث عنها بالمناطق المجاورة سيدى ،ال تقلق لن -
يهدأ لنا طرف حن ر
نعي عليها .
مملكةجريتفول |171
طالبا تنينه ثم ذهب إىل مكان العناية الطبية ،وجدها أرسع الحاكم ً
بي اإلغماء واإلفاقة ،تنظر إليهم ولكن ال بي أيديهم رف حالة ما ر ر رر
ي
تشعر بهم .
أحضوا الماء األزرق ر يف الحال. صاح بهم الحاكم :ر
ناظرا ر يف عينيها ثم تحدث إليها بصوت ً أمسك يديها واقيب منها
را ً
إىل سنوات عمرى عزيزن لقد ردت يي حنيُا :بسمة هامس يرتعد ر
عروف
ي قلن الشعور بدقاته ونبضات الدم ر يف المفقودة ،لقد عاد إىل ر ي
اللياىل
ي ومملكن وكنت أبيتي ابنن
من جديد ،تحليت بالقوة أمام ي
عزيزن؟ إىل ،هل تشعرين ر ين ً ً
ي باكيا داعيا هللا أن يردك ي
حركت رأسها باإليجاب ،ناولوه الماء األزرق ،جعلها ترتشف منه
بعض الجرعات ساعدتها عىل التحسن ،احتضنته بقوة وحمدت
أخيته أنها ظلت سنوات عمرها هللا عىل وصولها إليه مرة أخرى ،ر
ر يف بعده تراه ر يف أحالمها وتشعر بنبض حب ر يف قلبها حن وإن كانت
وهما لم يستطع أحد أن يمتلك قلبها من بعده ،ثم انتبهت تظنه ً
تبحث بجوارها متلفتة ر يف جميع االتجاهات فبادرها :ما األمر
رر
تبحثي؟ شء ر
عزيزن؟ عن أي ي
ي
ً
بحوزن مجموعة كتب مهمة جدا.ي -كان
عينا عليها سيدى وأوصلناها إىل التفت إىل مهاب فقال :بالفعل ر
مكتبة القض.
| 172مملكةجريتفول
قال لها :أين أمندا؟ كيف حالها؟
شء دعنا نصل إىل القض ألحدثك عن الكتب ر قالت:
سأخيك كل ير
واألهم تعاليم اإلسالم ونعلمه ألهل المملكة .
رر
تتحدثي؟ شء ر
-عن أي ي
دينر
شء عن ي
ر ر
الماض لم أتذكر كل ي
ي -عندما أتيت إىل هنا ر يف
أخيتكم ما تذكرته فقط ،أما اآلن فقد ساعد بالل
وعبادان ،ر
ي
أمندا عىل تعلم الدين الصحيح وزودنا بالكتب والمعلومات
اإلسالم القويم .
ي الن ستفيدنا ر يف فتح مملكتنا بالمنهج
ي
*** *
حبا به ،سلوا عن سلوا عن حال محب إذا فقد من شغف قلبه ً
المعان ،وكأن ما حولهر يومه الذي ال يمر ،وعن حياته المجردة من
ي
ً ر
ون يدور فيه كيوس ماكينة تعمل وال تع ي شيئا ،وإنما نظام إلكي ي
عزيزا عليكم ً تنجز ما وكل إليها ،تصبح األيام كلها كيوم فقدتم فيه
وذهبتم بجنازته ثم واريتم جسده ر يف الياب وعدتم لتجدوا أرجاء
شء وتصبح داخل الصدور كأنها الهواء ،يكاد ر
قلوبكم خاوية من كل ي
ً ً أن ر
ونشيجا لوال ربط هللا عىل الق يفض صاحبه بما فيه ضاخا ي
لوب ،مرت األيام عىل بالل ولم يكن ينساها لحظة ،كلماتها ر يف
أذنه تدعمه وتذكره ،ابتسامتها ونظرتها من أمامه ومن خلفه .
مملكةجريتفول |173
استمر بالل ر يف عمله وزاد من نفوذ ررسكته حن ذاع صيته حول
ً
مستمرا ر ر
بي العالم وكانت من أفضل ر
الشكات االستثمارية وكان
رر
عامي وهو ال الخي ورحالت العمل ،مر ما يزيد عن ر رحالت
لغيها ،لم ير العالم دونها فقد كانت
ينساها ،لم يلتفت فيهما قلبه ر
الن أعادت له حياته .
الحياة ي
وحان وقت سفره ر يف إحدى رحالت العمل خارج البالد إىل دولة
مي الطائرة ثقلت رأسه ر يف
كندا رف شمال أمريكا ،بعد صعوده عىل ر
ي
نومة خفيفة رأى وجه أمندا باسما وعيونها ضاحكة فيقول لها :أين
من .ر
أنت؟ قالت :اقيبت ي
ثم استفاق من نومته عىل صوت المضيفة قائلة:
ً ا
استعدادا للهبوط. -فضًل سيدي اربط حزامك
نزل المطار ثم استقل سيارة باألجرة للوصول إىل مقصده وأثناء
سي السيارة ر يف الشوارع لتوصيله لمح بطرف عينه فتاة محجبةر
تقود سيارة بمجرد أن رفع عينه وجدها تمتلك نفس مالمح أمندا
شء ر ر
ال تخطئها يف ي
ً
أبدا.
ومن شدة تفاجؤه بها حاول أن ينادي عليها وطلب من السائق أن
كبية وتوقفت أمامه حن
يلتف بالسيارة قرب ها لكن جاءت حافلة ر
| 174مملكةجريتفول
غابت عن عينيه وما إن تنحت الحافلة إال وقد أضاءت إشارة
المرور بإضاءة االنتظار ،بحث عنها بنظرات عينيه المتسارعة
الغي منتظمة لم يجدها كأنها تبخرت وسط الغيوم
وضبات قلبه رر
.
كاد أن يجن من الموقف ،لم يجد بيده حيلة ثم ذكر نفسه أنها من
ه. غي األرض ومحال أن تكون ي
أرض ر
كان الوقت قد تأخر حيث أنه عىل موعد اجتماع هام بعد نصف
ا
ساعة وبدًل من أن يتوجه إىل الفندق لوضع حاجياته وتبديل ثيابه
ً توجه إىل مكان االجتماع ،كان ر
يمش محبطا تطارده الذكريات ي
ووجه حبيبته .
عندما وصل إىل مقر االجتماع وجد أن جميع المقاعد ممتلئة إال
مقعدين ،جلس عىل المقعد المواجه للباب وما لبث يستند بظهره
إال وجد صاحبة السيارة ظاهرة أمامه مقبلة من الباب ،كاد قلبه أن
يقف من هول المفاجأة عليه حن أنه خاف أن يسألها عن اسمها
ً
شخصا آخر أما عن موقفها وقفت أمامه يك ال يخيب أمله إن كانت
دون حراك ،نظرت إليه مشدوهة فاغرة فاها ،لم تستفق إال عىل
تفضىل بالجلوس أستاذة ليان .
ي قول رئيس االجتماع:
شكرا لك سيدى.ً موجهة نظرها إىل المدير مبتسمة:
مملكةجريتفول |175
تلتف عيونهما مرة ثانية وعاد إىل بالل شعور
جلست وتعمدت أال ي
شء بداخله ينبهه ويدفعه تجاهها ر
اإلحباط أضعاف ما كان ولكن ي
ً
مؤكدا أنها أمندا ،وبعد انتهاء االجتماع خرجوا من الباب مما قدر
لهما أن يندفعا رف نفس اللحظة نحو الباب ،تنج هو ً
جانبا ر ً
مشيا ي
بيده.
سيدن .
ي تفضىل
ي -
ً
شكرا لك. قالت متظاهرة بالجمود والالمباالة:
وانطلقت إىل الخارج ،ما إن نطقت إال وأكد له صوتها إحساسه
ً
أميته ،وقف يفكر لحظات كيف له أن يحدثها ،وكان قلقاه ربأنها ي
ً
ه أيضا ،قرر اللحاق بها ومحادثتها لكن لم
من احتمال أال تكون ي
يحالفه الحظ هذه المرة أن يحادثها لقد استقلت سيارتها
وانطلقت بها .
ق ابله زميله الذي كان يجلس بجواره أثناء االجتماع وقال له :سيد
بخي؟
بالل هل أنت ر
ً ر ً
متلعثما منهمكا يف ررسوده :نعم ر
بخي. قال
ا
قال :أظن أن ذهنك كان مشغوًل طوال االجتماع.
-بعض مشاغل العمل يا عزيزي .
-هل يىل أن أدعوك إىل الغداء؟
| 176مملكةجريتفول
ً اا
شكرا لجميل شعورك ،ال أريد أن ابتسم له بالل وشكره قائًل:
أعطلك.
قال :ال أقصد مجاملتك إنما أريد أن نتعرف ونصبح أصدقاء،
صداقة عمل مع شاب ناجح مثلك تعود بالنفع عىل الجميع .
قال بالل :حيث ذلك فأنا موافق .
ر
اش ظهورها من المعدن وطاوالت اف عىل كر ي جلسوا يف مكان ر ي
شفافة عىل كل طاولة مزهرية بيضاء بها بعض الزهور الطبيعية .
طلبوا الطعام وقدم لهم مقدم الطعام األطباق وكان الطعام
ً
مرصوصا بها بطريقة تقنية مبهجة وكأنها لوحة خطتها أنامل
مبدعة ،قال له زميله:
تذوق طعامك عزيزي .
رر
باليمي ثم جعل مد بالل يده ليمسك الشوكة باليسار والسكينة
ً
جانبا رر
السكي رر
بالسكي ثم وضع يركن الطعام بشوكته ويقطعه
اا ر
اليمن وتناول طعامه قائًل :بسم هللا . وأدار الشوكة رف يده
قال له زميله :اإلتيكيت يا سيدي أن تأكل بيدك األخرى.
ر ر ر
رسوىل
ي علمن
ي ابتسم بالل وقال :أنا أعتذر لإلتيكيت لكن يف ي
دين
بيمين وعلل ذلك بأن الشيطان يأكل ر صىل هللا عليه وسلم أن آكل
ي
بيساره وأن التيامن يكون رف األمور المحببة ر ر
واليي هة . ي
مملكةجريتفول |177
أعجب زميله بطريقة حواره وقال له :لقد علمت بعض األمور عن
ً
دينكم من زميلتنا ليان تحديدا حفاظها عىل حجابها وعدم
ً
مصافحة الرجال واهتمامها بالفقراء والضعفاء ،أرى منكم لطفا ر يف
تنشون دينكم بالعنف. ً
أيضا ر معاملتكم ،لكن معلوم عنكم أنكم
قال بالل :أي عنف عزيزي؟ أنا جالس معك اآلن هل طلبت منك
شء بعنف؟ ر ر
شء بعنف أو نهيتك عن ي أي ي
مغ بكل لباقة وخلق .
-ال ..بل عىل العكس تحدثت ي
قال بالل :إن شاء هللا لنا لقاءات ر
أكي.
| 178مملكةجريتفول
بالل حقيبته وبدل ثيابه استلم جهازه النقال وأخذ يدخل الرقم
الموجود بالبطاقة فأجابت عليه بالسالم عليكم فقال :وعليكم
السالم السيدة ليان؟ قالت :نعم.
وقد علمت من صوته أنه بالل.
ً
قال :أريد زيارتك ر يف ررسكتك غدا إلدارة بعض األعمال إن أمكن أخذ
موعد لي؟
ً
غدا مشغولة ر يف كل المواعيد. -أعتذر
ً
-إذا أي يوم؟
غي مشغول هذا الشهر.
-ال أظن أن هناك موعد ر
أجابها بشكرها وأغلق الخط ،فكر رليهة وقد خطرت له فكرة أن
يطلب من زميله أخذ موعد ويذهب هو ر يف الموعد وبالفعل حدث
ر
وف الصباح ارتدى بالل ثيابه وهندم شعره ولحيته ووضع المزيد
ي
من العطر وارتدى ساعته ونظارته الشمسية ثم مر عىل محل زهور
واشيى باقة من الزهور صفراء اللون بداخلها زهرة حمراء .
جلست ر يف مكتبها تتطلع خلف نافذتها ولسان حالها يحدثها
بمشاعر داخلية تود أن ترسلها له ،أخرجت دفيها وقلمها وأخذت
وتيق ر يف داخلها :من جانب زجاج نافذة الن ترعد ر
تدون كلماتها ي
أن علقت ر يف ذكرى تجمعنا ،تمنيت أن ر
أخيك ي
لم أفتحها بعد ،ر
مملكةجريتفول |179
ر
عي فجوة زمنية محلها هناك يكون يىل فرصة واحدة يف السقوط ر
عي
اسم ،ثم أحادثك ري فقط حيث صميم قلبك المغلق عىل
منطقة الركود المظلمة بداخلك وأقول أنا ال زلت هنا ،هنا فقط
بداخلك وسأظل هنا
| 180مملكةجريتفول
بكيت حن ذبلت منك الدموع وجفت من ينابيعها ،كم مرة ناديت
عي
وتمنيت لو أن الزمان توقف بنا عند لحظة لقاء حن وإن كانت ر
ومضة ضوئية لمصباح عتيق علق عىل باب حصن ر يف القرون
األوىل أو عند نقطة مظلمة عىل سفح جبل تعانق مع أقرب نجمة
تدلت بالقرب منه ،أو عند قطرة ماء ر يف بحر بعيد ابتلعها الموج
وتهالكت بنا رف داخله ،كان يكفينا أن نكون ً
سويا ،ال تبحث ر ً
كثيا ي
الن عشقت ولكن الفراق ّ ر داخل ر ر
عين فهما هما تلكما العينان ي أني ي
الن كانت ترتسم .
أزاح معه كل اآلمال ي
نبهتها طرقات الباب الواصلة ألذنها ليفع رأسه ا عىل صوت
مساعدتها:
سيدن وصل -وذكرت اسم زميله السيد -حسب الموعد المحدد. ي
ر
قالت لها :دعيه يتفضل بالدخول يف الحال .
توجه إىل الباب وهو يهندم مالبسه ووضع باقة الزهور أمام وجهه
ً
متوجها ناحيتها ثم أمسك بمقبض الباب ودلف إىل الداخل
وبصوت قوي شابه رنية إضار وهو يقدم باقة الزهور نحوها :ألم
الغية؟
أقل لك من قبل أن الزهور الصفراء تدل عىل ر
تعي عن أي شعور
وه تحاول أن تجمع أحاسيسها أو ر
نظرت إليه ي
تعتىل شفتيها بسمة وامتألت
ي أو ترد بأي كلمة لم تستطع سوى أن
ه؟ ر ً
أنن ي
عيونها تعجبا وظهر بداخلها سؤال ما الذي أكد لك ي
مملكةجريتفول |181
تخط ر يف اختيارها ،قالت
ئ أجابه ا دون أن تسأله :القلوب المحبة ال
دائما اسمع لحس قلبك ىل إحداهن ذات مرة " رف عالقات القلوب ً
ي
األوىل وتأكد أنه عىل صواب".
ي
الن لم تطوها بعد من دفيها وقد جذب انتباهه تلك الصفحة ي
نظمت كلماتها بطريقة راقية ،أعجب بخطها والذي لم يكن يتوقع
قدرتها عىل كتابة العربية بتلك السالسة واالنسجام ،سحب الدفي
بالقرب منه ثم أخد يقرأ ما دونته واستشعر كل كلمة تشي من
أني عشق لطالما دار معه خالله تالمس فؤاده فتبهجه وتزي ح عنه ر ر
ر يف دوامات الوحدة دونها.
ا
ظلمتن ،كل ما ر يف األمر كان هناك
ي
ر لقد :قائًل ً
ناظرا لها رفع حاجبيه
خيية
تجمع لحافلة بها مجموعة من األعضاء يقومون بأعمال ر
ينتظرونن ألمدهم بمعونات مادية .ر منهم ندى وكانوا
ي
نظرت له بحرج وعضت بأسنانها عىل شفتها السفلية قائلة :يا ي
إلىه
حي غادرت دون التثبت منك . كم كنت حمقاء ر ر
ً
قال :وأنا سأكون أحمقا إن غادرت من هنا دونك.
ً ً
شكرا ثم قال :ال أصدق ما يحدث يىل اآلن أهو من خر ساجدا هلل
واقغ؟ي خياىل أم
ي نسج
لم يستفيقوا من لحظة اللقاء الغامرة لجميع حواسهم اآلخذة لهم
داخل ئبي مشاعر سحيق إال عىل تصفيق جميع من كانوا بخارج
| 182مملكةجريتفول
ً
نش بالل أن يغلق الباب أو باألصح تركه عمدا يك
المكتب حيث ي
ال يجلس معها ر يف مكان مغلق منفردين فاستداروا إليهم شاكرين
وانسابت الدموع من عيونهم ثم جلسوا ً
سويا يتحدثون.
أخيته أنها لم تستطع أن تيك هذه األرض ولكن أمها كانت لها ر
ً ر ً ر
رغبة يف الذهاب ألبيها فأعطتها عنوانا لخالها المقيم يف كندا ومبلغا
من المال واستعملت أمها القالدة حيث انتقلت إىل أرض جريتفول
.
اعتذرت له أمندا عىل ما حدث وأنهيا عملهما رف كندا وعادا ً
معا إىل ي
أخي أخته ووالديه بمقابلته ألمندا وطلب مض حيث أنه كان قد ر
تجهيات احتفال وعند وصولهم تفاجأت بمراسم رر منهم إعداد
ر
االحتفال ،قدم لها بالل هدية الخطبة وعلت الفرحة يف أرجاء
القلوب واتفقا عىل بناء بيت وأرسة ومجتمع يقوم بالعدل ويسغ
ر يف إصالح ذاته ومن حوله واتفقا عىل الذهاب ر يف رحلة إىل مملكة
لك يكمال إجراءات إتمام الزواج هناك بإذن والدها جريتفول ي
ولك تفرح المملكة معهم ويوصلوا إليهم تعاليم الدين وواليته ي
ويعينوهم عىل اتباع نهجه وبالتاىل يتحقق اإلسالم فر
ي ي اإلسالم
ي
ر
بالد العدل ويتحقق بعض العدل يف بالد اإلسالم ويبدأ كل فرد
بنفسه ثم من له والية عليه.
األحالم ليست بعيدة المنال وال محالة التحقيق ،وإنما نحن من
نستجلب اإلحباط ونجذب اليأس ،كن عىل ثقة بأن حلمك نزيه
ً
حتما باهلل سيكون ،أنت لست وبأنه من الممكن أن يكون بل
مملكةجريتفول |183
بخيس الثمن ولست بال قيمة ،قيمتك عند نفسك أهم من أي
شء حولك ،هذا النجم الساطع ر يف سماء عالمك دعه يسطع كما ي
ر
يوما ما سأصل إليك، هو ارمقه بنظراتك من بعيد ولسان حالك ً
ملهما دون أن يدريً اجعله داعمك حن ولو لم يعلم ذلك كن
ً
ليخيك أال
ر اآلخرون شيئا عن نجاحاتك تلك ،خلق هللا الدعاء
أبدا عما ذهبت إليه روحك حن يأتيك به "إنا رادوه إليك"
ً
تتنازل
| 184مملكةجريتفول