Professional Documents
Culture Documents
ﺍﻟﺘﻮ
اإلرث المحظور
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
رواية
اإلرث المحظور
احلكاية التي �سبقت نبوءات ال�شتاء وال�صيف ب�أربعمائة عا ٍم
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ح�صة احلواي
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
إهداء
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
�إىل كل قارئٍ مفتون باخليال..
ﻜﺘ
ال يدري من �أين �أتت ..حتوم حوله ..وت�صبح ر�ؤيته �ضبابية فيمد يده
�سطوعا حتى ال يرى �إال
ً ليبعدها عن جمال ر�ؤيته ..ولكن ر�ؤيته تزداد
البيا�ض ..ثم ي�شعر باحلرارة حتيطه من كل جنب ..حرارة ت�ستحيل
�إىل نار حارقة تبد�أ ب�إحراقه من الداخل! ي�شعر بقلبه ي�شتعل! ثم
ينفجر! حينها ي�ستيقظ مذعو ًرا ..وال يزول ذعره حتى بعد �إدراكه
ب�أنّ هذا حلم ..بل يزداد خو ًفا ..لأنه يرى هذا احللم يف كل ليلة ..كل
ليلة ..بل يف كل غفوة.
7
جال�سا يف �سريره زائغ العينني ..ينظر �إىل ما حوله وك�أنه
ظل ً
متجاهل -دون ق�صد -تلك الواقفة على ً يحاول تذكر َمن يكون..
الباب تقدحه بنظرات اعتادها؛ نظرات تبدو من عل ٍّو دائ ًما ..لأنها
ال حتني ر�أ�سها حتى َمل ِلكها ..ويف كل مرة يرى رقبتها املرفوعة كان
يت�ساءل« :هل تفعل هذا لأنها تخ�شى �سقوط التاج الذهبي؟» ولكنه مل
يتجر�أ بال�س�ؤال قط.
خطوات من �سريره ..ثم �أيقظته من ٍ اقرتبت ،توقفت على بعد
�سرحانه ب�صوتها البارد القوي« :عربتك يف انتظارك ..لكن حاول �أال
تت�أخر يف عودتك :فاليوم حفل وداع مي�ست».
ﻋﺼ
نه�ض واق ًفا كاملفزوع« :هل و�صلت العربة بالفعل؟! ما زال الوقت
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
جدا!»
مبك ًرا ًّ
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل ترد جوا ًبا ،بل ا�ستدارت نحو الباب ،جترجر معها ثوبها امللكي
الطويل� ..أما هو ،ف�سارع بقرع اجلر�س لينادي اخلدم الذين كانوا
ﺸﺮ
عند الباب بالفعل ،يحملون �آنية املاء والعطور والثياب امللكية املن ّمقة..
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ا�ستعدادًا خلروجه.
ﺯﻳﻊ
مل مير وقت طويل حتى كان يف عربته ،ي�شق طريقه نحو جهة
اعتاد زيارتها كث ًريا ..جهة غري م�أهولة يف غرب مملكته ال�صحراوية،
لي�س فيها �سوى كهوف �أزلية لي�س فيها �أي �شيء ،وال يفعل فيها �سوى
اجللو�س وت�أمل هذا الال �شيء ..وكان هذا �أحد �أ�سباب اللقب الذي
n
�صار ُيعرف به -لقب يعرفه جميع َمن يف مملكته ما عداه «�إيدن..
امللك املعتوه».
8
يف مملكة �أخرى ،ال يغطي �أي جزء منها الرمال ،بل حتيطها
غابات وجبال ال تظهر قممها من كرثة احت�شاد الغيوم ..وقرب �شرفة
بتاج ل�ؤل�ؤي،
قلعة �شاهقة تطل على �إحدى هذه القمم ،توقفت �أمرية ٍ
تتهام�س مع �شاب �أحنى ر�أ�سه يف احرتام وهو ي�ستمع �إىل مطلبها:
-كما �أخربتك يا نايت؛ ا َّد ِع ب�أنك قد انتهيت من ختم طلبات
الب�ضائع و�أنك �أر�سلتها جمي ًعا ،ولن يعلم �أحد ب�أنك رف�ضت
هذا الطلب».
-وماذا �أقول للأمرية بري�شيليا �إنْ ت�ساءلت عن �سبب عدم
ﻋﺼ
و�صول خيوطها الذهبية؟ �ستغ�ضب كث ًريا �إنْ علمت ب�أين مل
ﲑ ﺍﻟ
�أر�سل طلبها.
ﻜﺘ
طلب تافه
-ت�صرف ،اختلق �أي كذبة ..ولكن ال ت�ضع ختمك على ٍ
ﺐ ﻟﻠﻨ
وكل الواردات.
مرت حلظات ت�أملت فيها �أمرية التاج الل�ؤل�ؤي القمم الدخانية قبل
�أنْ تلتفت نحو اليد التي �أخذت جترها من ثوبها.
� -أوفيليا! �ألن نلعب ال�شطرجن؟
انحنت نحوه بابت�سامة وا�سعة -رغم �أنها ال تفوقه ً
طول لدرجة
االنحناء« :-بالت�أكيد �سنلعب يا عزيزي �آرون».
9
تبعته ،كان �آرون الأمري الأ�صغر� ..صبي يف العا�شرة ،تفوقه هي
�سنوات من العمر.
ٍ ب�سبع
وقبل �أنْ جتل�س قبالة طاولة ال�شطرجن� ،أ�شارت للخادمة التي تقف
عند الباب فاقرتبت الأخرية� ،س�ألتها�« :أين اخلادمة �آيري�س؟»
�أجابت اخلادمة« :مل ت� ِأت اليوم �أيتها الأمرية ..هل �أر�سل َمن
ي�ستدعيها؟»
«ال ب�أ�س» .قالتها ثم تنهدت بعمق �إثر اقرتاب خطوات �سريعة
الوقع تعرفها جيدً ا ..التفتت نحو �شقيقتها الكربى ،بري�شيليا ،التي
ﻋﺼ
أنكوقفت متطرها بنظرات الغ�ضب« ،هل فعل ِتها ثانية؟! �أعلم جيدً ا � ِ
ﲑ ﺍﻟ
و�ضعت
ُ َمن يعطي الأوامر بالتخل�ص من الطلبات اخلا�صة بي! لقد
ﻜﺘ
َمن يراقب طلبي هذه املرة ..و�أخربين ب�أنه ما زال يف مكانه يف انتظار
ﺐ ﻟﻠﻨ
ل�ست امللكة
عادت بري�شيليا لتزجمر غا�ضبة«َ :من تظنني نف�سك؟! ِ
أنت ال تفعلني هذا �إال بدافع غريتك وحقدك
وال حتى الأمرية الكربى! � ِ
الدفني!»
ُ -قلت ِ
لك ب�أنّ ال �ش�أن يل بطلباتك.
ل�ست �سوى �أمرية �صغرية �سينتهي بها الأمر باخلروج ِمن هذه
ِ -
القلعة لت�صري زوجة �أحد الأمراء التافهني يف مدينة �أخرى!
أنت ال �شيء!
� ِ
10
بالهدوء ذاته �أجابت �أوفيليا« :ال تخلطي بيني وبينك».
زجمرت بري�شيليا غ�ض ًبا وهي ت�ستدير مبتعدة ،مل ت ُكن قادرة على
احتمال برود �أع�صاب �شقيقتها وردودها اال�ستفزازية� .صاحت قبل
علي �أنْ �أت�صرف �أنْ تغادر احلجرةَ « :مل �أزعج نف�سي باحلديث ِ
معك؟! َّ
بنف�سي».
n
مل ترد �أوفيليا جوا ًبا ،بل �أمعنت يف الرقعة مت�أملة حركة �آرون
الأوىل ،ثم حركت جنديها الأول بدورها.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
يف ذات العا�صمة املح�صورة بني اجلبال الدخانية ،ويف �أحد
ﻜﺘ
الأحياء املتهالكة فق ًرا� ،سار �شاب بني البيوت الطينية ،يحمل بني
ﺐ ﻟﻠﻨ
يديه كتا ًبا �أحكم القب�ض عليه كي ال يقع على الأر�ضية الرطبة �أو
ُينت�شل من ِقبل �أحد الأطفال احلفاة الذين ميل�ؤون ال�شارع ويرمقون
ﺸﺮ
دخيل على احلي ،ولكنه كان الوحيد الذي مل ي ُكن هذا ال�شاب ً
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
التفت �سي�سيل نحو املر�أة املتدثرة بثياب �ضاعت مالحمها و�سط
ﲑ ﺍﻟ
ال ُرقع امللونة ،امر�أة يف الأربعني ..ولكن ال�شيب غزا �شعرها ك�أنها
ﻜﺘ
ا�ستوقفها �سي�سيل ،بينما كانت على و�شك �صفع ال�صغرية�« :أنا َمن
ﺸﺮ
طلب منها التغ ّيب اليوم� ..آيري�س غري م�ضطرة �إىل العمل يف القلعة».
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
وتنعزل يف �صومعة الق�ضاة قري ًبا ولن نراك بعدها ..هل ن�أكل
احلجارة حينها؟!»
�شعر بغ�صة يف داخله وهو يدرك مدى �صحة كالمها ،فهو ال يعلم
ما الذي �سيحدث بعد �أنْ يبد�أ تلك العزلة.
-رمبا لن �أ�ستطيع املجيء �إىل هنا ..ولكن زوجتي �ستكون حرة..
و�س�أحر�ص على �أنْ ت�أتيكم بالطعام.
12
-وك�أين �أثق بك حتى �أثق بزوجتك التي ال �أعلم َمن �ستكون
حتى.
وللمرة الثانية ،ي�شعر ب�صحة كالمها ..فحتى هو ال يعلم هوية هذه
الزوجة القادمة! فكونه قد �س ّلم نف�سه ل�صومعة الق�ضاة ،يتحتم عليه
التخلي عن كل �شيء ..مبا يف ذلك قرار الزواج وهوية َمن يتزوج.
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ يردف« :هل تظنني ب�أين �س�أترك �شقيقتي
�أخذ ً
جوعا؟ �ألي�ست ال�سبب وراء انت�سابي ل�صومعة الق�ضاة؟ مل تت�ضور ً
�أتخذ هذا القرار �إال لإيجاد عالج ملر�ضها».
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
� -إنْ كان هناك عالج كان �سيجده غريك! هذا لي�س �سوى مربر
ﻜﺘ
لإ�سكات �ضمريك! انت�سابك ل�صومعة الق�ضاة ال يعك�س �سوى
طموحك الأعمى الذي لن يو�صلك �إىل �أي �شيء ..ال �أدري
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
العتيق ،ملح �سي�سيل والده اجلال�س يف الداخل ،يتكئ على كر�سيه يف
ﲑ ﺍﻟ
�صمت ،بينما يرمق العامل بنظرات خاوية.
ﻜﺘ
كان يبدو �أ�صغر �س ًنا من والدته ،ورغم ذلك� ،سيطر اللون الأزرق
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل يقرتب منه �سي�سيل منذ �أنْ علم �أنه قد ر�سم ذلك الو�شم على
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
دعى بو�شم اجلنة ..وهو �شبيه مبا يتعلمه من و�شوم ذراعه ..كان ُي َ
ﺯﻳﻊ
n
�أدار �سي�سيل وجهه �إىل �آيري�س ،وابت�سم لها ليعيد لها ابت�سامتها:
«�س�أ�ستبدل مالب�سي و�أعود».
يف م�ساء اليوم ،ويف ق�صر الرمال ،وقف �إيدن متظاه ًرا بال�شموخ
-دون جدوى -بني املُرائني من عائلته امللكية وكبار الرجال من
ﻋﺼ
عا�صمته .كان �صامتًا ،يجول بناظره بينهم ،ويحاول جتاهل كل من
ﲑ ﺍﻟ
حماول احلديث معه .اجلميع يرتدي �أجمل ما ميلك ويتزين ً ي�أتيه
ﻜﺘ
ر�أ�سه هو كان مزي ًنا بتاج ذهبي يكره ثقله ،ولكنه مرغم على و�ضعه
ﻭ
لأنه امللك.
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
� -أح ًقا ال ميكنك �أنْ ت�أتي للزيارة خالل تلك املدة؟ �أنت �أمري..
ﲑ ﺍﻟ
ينبغي لهم �أنْ يط ّوعوا بع�ض قوانينهم من �أجل �شخ�ص مثلك.
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
-لن �أكون �أم ًريا حني �أدخل �صومعة الق�ضاة ..بل �س�أكون فق ًريا
وعلي احرتامجمردًا من كل �شيء ..لقد اتخذت قراري َّ
ﺸﺮ
الوحيد هناك.
�-أ�شعر ب�أين �س�أقف وحدي و�سط عا�صفة هوجاء �سرتديني قتيلة
قبل عودتك.
-ال تبالغي يف خوفك يا ليالك� ..أعلم �أنّ الأمر �صعب ،ولكنك
عليك �أنْ تكوين �أقوى حتى
تتحملني ن�صف امل�س�ؤوليات بالفعلِ ،
تقفي �إىل جانبي حني �أعود.
16
نف�سا عمي ًقا ،ثم �سرعان ما ارت�سمت جتعيدة جبينها
�أخذت ليالك ً
جمددًا وهي تلمح �إيدن من بعيد ،ين�سحب من احلفل مغاد ًرا ال�صالة.
n
هم�ست قبل �أنْ ت�سرع نحو البوابة لتلحق به« :لن يتعلم قواعد
ال�ضيافة �أبدً ا� ..س�أذهب لأعيده �إىل القاعة».
يف ال�صباح التايل ،ويف قلعة القمم الدخانية ،هب نايت واق ًفا
يف حجرة الأختام اخلا�صة به حني ر�أى بري�شيليا عند الباب� .أوم�أ
«�سيختَم هذا الطلباحرتاما ،بينما اقرتبت لتقول بلهجة �آمرةُ :
ً
ﻋﺼ
ر�سل اليوم� ..أهذا مفهوم؟»
ﲑ ﺍﻟ و ُي َ
ﻜﺘ
قالتها ومدت يدها مب�ستند جديد لطلب مئة �ألف مرت من خيوط
ﺐ ﻟﻠﻨ
-ملاذا؟!
-لقد حتركت ال�سفينة فج ًرا ..ولكني �س�أحتفظ بهذا الطلب
و�س�أر�سله مع دفعة الطلبات القادمة.
-ومتى �سيكون هذا؟!
-بعد ثالثة �شهور.
�ضيقت عينيها يف غ�ضب وهي تقاطعه�« :أنت تعاندين وح�سب!»
17
-هذا غري �صحيح �أيتها الأمرية ..كل ما يف الأمر �أنّ ال�سفينة
جدا.
تتجه �إىل مملكة ال�صحاري� ..إنها م�سافة طويلة ًّ
� -إنْ كان الأمر هكذا� ،ضع ختمك على الطلب ً
حال و�أعطني
املُ�ستند ،و�س�أتوىل بنف�سي �أمر �إي�صاله.
ِ -من غري امل�سموح �أنْ ُت َ
ر�سل طلبات القلعة منفردة �أيتها الأمرية.
�أطلقت زفرة عميقة وهي تت�أفف يف �ضيق« :هل �ستجادلني �إىل الأبد
�أيها الوقح؟ �ضع اخلتم ً
حال و�إال �س�أجعل �أبي يرميك يف الزنزانة!»
ﻋﺼ
-ماذا عن �سعر الب�ضاعة؟ ال ميكن دفعه من ميزانية القلعة �إنْ
ﲑ ﺍﻟ
�أر�سل ِته بنف�سك.
ﻜﺘ
مل يرد جوا ًبا ،فقد �أظهر وقاحة كافية حتى اللحظة ..ومل ُيرد �أنْ
يجادل �أكرث فتبلغ امللك و ُيعا َقب لأمر تافه .ولهذا ،قرر �أنه �سيفعل ما
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
تريده وح�سب .ومل ترت�سم االبت�سامة على وجهها حتى تناولت امل�ستند
ﺯﻳﻊ
يل!»
ﺸﺮ
ﻋﺼ
أنت ..فروحك ال ت�سعى �سوى �إىل ال�سلطة تنا�سب �أوفيليا ج ًّدا� ..أما � ِ
ﲑ ﺍﻟ
احلرية وال�سعادة ..ولذلك ال تخجلي من �إظهار هذا الأمر وال ت�سعي
ﻜﺘ
أنت َمن يحدد هذا! لقد �سمعت من اخلادمات �شائعات ِ �-
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
و�ستبد�أ التجهيزات خالل هذا الأ�سبوع.
ﲑ ﺍﻟ
ات�سعت عينا بري�شيليا�« :سيكون هناك حفل ا�ستقبال يف القلعة؟!»
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
-هذا ما �سمعته.
ﺸﺮ
n
علي �أنْ �أ�ستعد لذلك! يجب �أنْ �أكون الأجمل دُون نزاع!»
وتال�شى ال�ضيق من عينيها ليحل حمله احلما�س.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
من جيبه ،ثم انتظر حلظات حتى ينتهي �صرير البوابة الأبدي وهي
ﲑ ﺍﻟ
ً
مت�سائل ،فناوله �سي�سيل الر�سالة. ُتفتَح .رفع احلار�س ناظره �إليه
ﻜﺘ
لوال �صومعة الق�ضاة ملا خرجت �أي فتاة من ملج أ� الأيتام هذا» .مل
ﺸﺮ
يرد �سي�سيل جوا ًبا ،بل َت ِبعه وهو يحاول جتاهل بذرة التوتر التي بد�أت
ﻭ
هل ح ًقا �س�أكون زوجتك؟! �أنا �سعيدة ج ًّدا! ال ميكن �أنْ �أ�صف لك
ﺐ ﻟﻠﻨ
�سعادتي!»
ﺸﺮ
ارت�سمت على وجهه ابت�سامة وهو يقول يف هدوء« :هل احلياة يف
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
عتاب�« :أنا
ارت�سمت تك�شرية طفولية على جبينها وهي جتيب يف ٍ
�سعيدة لأين �س�أكون زوجتك ولي�س لأين �س�أخرج من امللج�أ!»
ات�سعت ابت�سامته« :ح ًقا؟ ماذا تعرفني عني حتى تكوين �سعيدة �إىل
هذه الدرجة؟»
رفعت ناظرها �إىل ال�سماء مت�أملة وهي تهم�س« :لقد قر�أت
�سجلك يف املجلد الذي حتتفظ به املديرة وتر�شح على �أ�سا�سه الفتاة
23
املنا�سبة� ..أتذكر ما ُك ِتب عنك� ..شاب من الطبقة الفقرية ..طالب
علم مثابر وطيب القلب».
فكر�« ،أهذا كل �شيء؟ �إنّ هذه الفتاة لي�ست �سوى طفلة �سئمت
حياتها وتريد التجديد مهما كانت �صورته» ،ثم تابع باالبت�سامة
عنك ..عرفيني عن نف�سك».الهادئة ذاتها« :ولكني ال �أعرف �شي ًئا ِ
�أخذت �شهي ًقا عمي ًقا ثم قالت« :ا�سمي فيوال ..عمري ع�شرون
جدا و�أحب تكوين ال�صداقات ..جميع الفتيات يف عاما ..اجتماعية ًّ
ً
امللج أ� هن �صديقاتي ..ولكني ال �أطيق الدرا�سة».
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ � -أال تقرئني؟
ﻜﺘ
«ال �أطيق الكتب ..وال �أعرف كيف �أكتب ا�سمي» .ثم �أطلقت �ضحكة
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أزاح �سي�سيل ناظره عنها هنيهة مفك ًراً �« ،إذا� ..س�أتزوج فتاة
�ساذجة ..ولكنها على الأقل متلك روح طفلة بريئة ومرحة» .ومل يعلم
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
كم كان خمط ًئا؛ ففيوال مل ت ُكن بريئة ..مل متلك روح طفلة ..مل ت ُكن
ﺯﻳﻊ
مرحة ..مل متلك �صديقة واحدة يف امللج�أ ..وكان لها قلب م�ضطرب
وعقل ميتلئ جنو ًنا.
n
24
n
الفصل الثاني
الحصان والملك
ﻋﺼ
وبرفقتهم ،جل�ست ليالك ،تنوب عن �إيدن الذي ته َّرب من االجتماع
ﲑ ﺍﻟ
كعادته.
ﻜﺘ
الكثة وهو يقول بلهجة ك�شفت توتره« :يجب �أنْ نتخذ القرار ب�سرعة
ﺸﺮ
يا موالتي ..فقد ارتفعت �أ�سعار املياه وبد�أ الأهايل بالتذمر� ..إنْ مل
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
تدخل �آخر« :لقد اجتمعنا عدة مرات حتى الآن من �أجل هذه
الق�ضية ..ويف كل مرة يكون احلل هو حفر املزيد من الآبار! لقد حفرنا
يف كل مكان بال فائدة ..مل يبقَ �سوى اجلزء الغربي من اململكة».
�س�أله اجلال�س قبالته« :هل تعني ال�صحاري الغربية؟»
التقت عيونهما بينما �أجابه�« :أنت تعرف ما �أعنيه� ..أعني الكهوف
التي تخبئ يف داخلها عيو ًنا غزيرة».
25
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ يجيب« :لقد
�أ�شاح �سائله عينيه عنه وهو ي�أخذ ً
�سبق �أنْ رف�ض امللك االقرتاب من هذه الكهوف ..ال فائدة من طرح
حلول ال ميكن تطبيقها».
�أجابت ليالك« :كان هذا عندما مل ت ُكن الق�ضية بهذه الأهمية..
�س�أتكفل �أنا ب�إقناعه».
مل يعجبه ردها ،قال باقت�ضاب« :ال �أظن �أنك �ستنجحني يف �إقناعه
يا موالتي».
� -س�أبذل جهدي.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
حاولت �إقناعه بالأمر وف�شلت ..ولهذا �أرى �أنّ ال
ُ -لقد �سبق �أنْ
ﻜﺘ
مبا قال ،كونها ال ميكن لها �أنْ تنجح فيما ف�شل هو به ..هو م�ست�شار
امللك الذي له عند امللك مكانة تعلوها �أهمية.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
رفعت الو�سادة ومل ي ُكن �أ�سفلها �أي �شيء ..رفعت ناظرها �إليه يف
ﲑ ﺍﻟ
ا�ستنكار.
ﻜﺘ
زفرت بعمق وهي تقب�ض على ذراعه لتوقفه�« :إيدن ..كف عن
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
هذا».
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
-وما الذي �سنفعله بالذهب؟
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
كان يعلم مبدى غباء اقرتاحه ،ولكنه كان يريد �أنْ يتخل�ص من
هذا اجلدال وح�سب.
�أجاب�« :سنجعلهم يبنون قنوات بني اململكتني ..وميدوننا خاللها
باملياه العذبة من �شالالتهم الغزيرة».
-ونبعرث الرثوة الوحيدة التي منلكها من �أجل ذلك؟ الذهب
يبقى ويزداد قيمة! ولكن املياه ُت�ستهلك وتنتهي!
-وهل نرتك ال�سكان ميوتون ً
عط�شا لنحافظ على الذهب؟
28
ت�أففت يف �ضجر« :توقف عن اجلدال امللتوي وحدثني باملنطق! ال
ينبغي �أنْ نحل امل�شكلة بخلق �أخرى».
عاد لريفع نربته« :مهما ي ُكن ..لن ُ َت َّ�س الكهوف! � ِ
أنت ال تفهمني
�أهميتها وال ميكن �أنْ تفهمي!»
أفهمني � ًإذا! �أخربين َمل تقد�س هذه الكهوف! ِ �-
أنت لن تفهمي
-هناك �إح�سا�س يراودين بقوة عن �أهميتها ..و� ِ
ما �أ�شعر به �أبدً ا.
ﻋﺼ
ً � -إذا فالكهوف ُمهمة لأنك ت�شعر ب�أنها ُمهمة؟ ال فائدة من
ﲑ ﺍﻟ
النقا�ش معك ح ًقا.
ﻜﺘ
أنك لن تفهمي!
أخربتك ب� ِ
ِ �-
ﺐ ﻟﻠﻨ
جتريحا.
ً هنا �أف�ضل من االنخراط يف جدال يتجه �إىل منحى �أكرث
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
كان تنف�سها �سري ًعا ،وقلبها ينب�ض بقوة �إثر انفعالها الداخلي الذي
ﺯﻳﻊ
n
القبو يقطن �سجني �أكد مي�ست �شدة �أهميته و�ضرورة متابعة نتائج
التحقيق معه.
29
يف �أحد ممرات قلعة القمم الدخانية ،توقف نايت يتابع جدال
ال�شقيقتني .كان املوكل بتوزيع تكاليف حفل اال�ستقبال القادم ،ومل
يعرف ما يفعل حني جاءته بري�شيليا لتطالبه بتخ�صي�ص ن�صف تلك
امليزانية من �أجل جتهيزاتها اخلا�صة ،ولذا �أخرب �أوفيليا لتتوىل الأمر.
كانت �أوفيليا تنوي �إخبار امللك دُون �أنْ ت�صطدم مع بري�شيليا،
ولكن الأخرية كانت تتوقع الأمر ،ولذا �أوقفت �أوفيليا وهي يف طريقها
�إىل جناح والدها.
كانت بري�شيليا تهم�س يف غ�ضب« :تنتظرين �أي �شيء لتفتعلي
ﻋﺼ
امل�شاكل من وراء ظهري! �أخربيني! ما الذي تريدينه؟!»
ﲑ ﺍﻟ
أنت
ُمت تخ�شني �أنْ يعلم والدنا بالأمر ف� ِ
�أجابت الأخرى« :ما د ِ
ﻜﺘ
أنك خمطئة».
تعرتفني ب� ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
عنك الأنظار افعلي مثلي وارتدي �شي ًئا برا ًقا غري �أنْ �أ�سرق ِ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
�أثواب الراهبات!
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
تظاهرت بالالمباالة.
ِ أنك حترتقني يف داخلك و�إنْ
ﲑ ﺍﻟ � -أعلم � ِ
� -صحيح� ..أكاد �أنفجر ً
غيظا.
ﻜﺘ
حل
ً
و�سطا».
ﺸﺮ
ت�ستطع احل�صول على ن�صف ميزانية احلفل ،بل �أخربته ب�أنها مل ت ُكن
ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
تعلم ب�أمر احلفل فا�ستهلكت ما كان معها من مال ،ولذا فهي بحاجة
�إىل مال من خزينته اخلا�صة .وحني الحظت ا�ستجابته ،جتر�أت
ﺸﺮ
n
ولأنها االبنة املدللة ،فقد وافق والدها على �إر�سال امل�ستند وعلى
�إعطائها ما يعادل ميزانية احلفل ً
كامل.
ﻋﺼ
هم�س الرئي�س« :لقد فقد عي ًنا ..كان م�ستعدً ا للموت وما كان
ﲑ ﺍﻟ �سيتكلم �أبدً ا».
ﻜﺘ
الأوىل وح�سب.
ﺸﺮ
الإفراج عنه».
ات�سعت عيناها يف ده�شة بينما تب ّدى اخلوف يف لهجتها�« ،أفرجتم
عن �سجني كهذا؟! كـ ..كيف؟! ومتى حدث هذا؟!»
خجل �أردف�« :أمرين امللك بنف�سه بالإفراج عن هذا ال�سجني يف ٍ
فور رحيل الأمري مي�ست ..تعلمني �أنّ امللك �أمر بالإفراج عنه منذ زمن
ولكن الأمري كان عنيدً ا ..ولهذا قرر امللك �أنْ ي�ستغل غيابه».
33
ازدردت ليالك ريقها وهي تهم�س يف خوف« :هل تعلم ما ميكن �أنْ
ي�سببه هذا ال�سجني؟! �إنه جا�سو�س خطري! لقد قب�ض عليه مي�ست وهو
ين�سخ م�ستندات �سرية تخ�ص ُع ّدتنا الع�سكرية!»
� -أعلم �أيتها امللكة ..ولكني ال �أ�ستطيع رف�ض �أمر امللك ..كاد
يجن جنونه حني ر�أى حالة ال�سجني ..لقد �أ�شفَقَ عليه ب�شدة.
�أخذت �شهي ًقا عمي ًقا حماولة �إخفاء رجفة �أطرافها ..هم�ست قبل
�أنْ تن�صرف« :فهمت»� .صعدت الدرجات يف هدوء بينما ع�صفت يف
عقلها زوابع من املخاوف�« ،إيدن �سيق�ضي علينا بقراراته الغبية..
ﻋﺼ
يجب �أنْ يعود مي�ست ..لو ظل يف �صومعة الق�ضاة لعاد ليجد مملكته
ﲑ ﺍﻟ
n
قد حتولت � ً
أنقا�ضا ..يجب �أنْ يعود ليوقف هذا املعتوه املختل» .و�إىل
ﻜﺘ
رقعة ال�شطرجن بينما تعلو وجهها ابت�سامة وا�سعة ..لقد حا�صرت امللك
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
�ضحكت« :كل حمرتف له �أ�ساليبه اخلا�صة ..هناك ِمن املحرتفني
ﲑ ﺍﻟ ِ
َمن يفوز بامللك دائ ًما ..تخيل ..بامللك وحده».
ﻜﺘ
35
أنت من�شغلة دائ ًما ..ورغم ذلك تلعبني ال�شطرجن معي كل يوم.
ِ �-
«ال ُب َّد من تخ�صي�ص بع�ض الوقت ل�شقيقي الغايل» ،قالتها وهي
تباغته بقر�صة يف وجنته مل ينجح بتفاديها.
يف ذلك اليوم ،ق�ضى �آرون امل�ساء برفقة طيوره� ،أما �أوفيليا،
n
فق�ضته يف حجرة مظلمة حتتل عل ّية القلعة ..بني �شموع �سوداء وكتب
�ضخمة م�صف َّرة ال�صفحات.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
36
n
الفصل الثالث
أمير الطين
ﻋﺼ
مرت �سبعة �أيام منذ �أنْ �أر�سلت ر�سالتها ال�سرية برفقة �إحدى خادمات
ﲑ ﺍﻟ
الق�صر ..كان من املفرت�ض �أنْ ي�صلها الرد �سري ًعا ،فاخلادمة اجتهت
ﻜﺘ
�إىل الطريق الذي خرجت �إليه عربة مي�ست ..ومل ي ُكن مي�ست يبعد
ﺐ ﻟﻠﻨ
فوجئت بقرار زوجها امللك هذا ال�صباح ..فقد قرر منع �أي ر�سالة
ﺯﻳﻊ
كانت حتفظ �أ�سلوب حديثه عن ظهر قلب ،فتابعت دُون �أنْ تنتف�ض
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
ارت�سمت على وجهها ابت�سامة �ساخرة�« :أهذا ما ف�سرت به
ﲑ ﺍﻟ
ر�سالتي؟ هل تريد مني اجللو�س ور�ؤية اململكة تنهار؟ الأمري مي�ست
ﻜﺘ
عقل قاد ًرا على �إدارة اململكة ..عودته �ضرورية ..ولي�س يف هذا ميلك ً
ﺐ ﻟﻠﻨ
ا�ستيالء على عر�ش �إيدن ..فليجل�س على العر�ش كما ي�شاء ..ولكنه لن
يتخذ القرارات لأنه غري م�ؤهل لذلك!»
ﺸﺮ
أنت �ست�سمحني له بو�ضع التاج فقط� ..أما ابت�سم بدورهً �« :إذاِ � ..
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
ع�شرين �سنة ..هل قمتم ب�أي درا�سة قبل �إر�سال الر�سائل والعرو�ض
ﲑ ﺍﻟ
�إىل امللك مريلني؟! هل تعلم ما هي الآثار املرتتبة على م�شروع كهذا؟!»
ﻜﺘ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ للخطر.
ي�ستطع منع ابت�سامته الهازئة التي جعلت ابت�سامة ليالك مل
ﻜﺘ
ِ
تتال�شى.
ﺐ ﻟﻠﻨ
«ميكنك االن�صراف».
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
الدخانية� ..سرنحب برفيقنا اجلديد ..الأمري مي�ست.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ارتفع �صوت مت�سائلك «وكيف ينبغي لنا �أنْ نرحب به؟»
ﺐ ﻟﻠﻨ
لن ت�أكلوا �شي ًئا ..لن ت�شربوا �شي ًئا ..لن جتل�سوا ..و�سرتف�ضون �أي دعوة
من �أي كان ولأي �شيء كان ..لن تفعلوا �سوى الوقوف و�إلقاء التحية
على النبالء ومبادلتهم احلديث �إنْ بادروا هم!»
ر�أى �إمياءات التف ّهم قبل �أنْ ُينهي در�سه ،ثم نه�ض الزمالء ك ٌل
يحمل كتبه وين�صرف يف اجتا ٍه.
نزل �سي�سيل الدرجات اخل�شبية بينما ارت�سم على وجهه تعبري
من التجهم� ..سار يف ال�ساحة الوا�سعة متج ًها �إىل البوابة الكبرية..
42
كان ت�صميم �صومعة الق�ضاة يوحي ب�أنها مكان �صغري وفقري ..ولكنها
كانت يف احلقيقة �أ�شبه مبدينة متكاملة ..فكان فيها بيوت وقاعات
تدار�س وخمتربات و�أقبية ..وكان كل بيت خ�شبي فيها يرتفع عدة
طوابق وينزل عن الأر�ض بطابق �أو اثنني.
وتلك البوابة مل ت ُكن البوابة امل�ؤدية �إىل خارج ال�صومعة ،بل كانت
ت�ؤدي �إىل م�ساكن الطلبة ..وكانت البوابة الوحيدة التي ُي�سمح للطالب
بتجاوزها دُون �إذن.
توقف �سي�سيل قبل جتاوز البوابة عند مبنى خ�شبي �شبيه ببقية
ﻋﺼ
املباين ،يعلو بابه النحت الذي ينت�شر يف كل �أنحاء ال�صومعة ..نحت
ﲑ ﺍﻟ
يرمز �إىل �شعار �صومعة الق�ضاة -البومة الغافية.
ﻜﺘ
دلف �سي�سيل �إىل الداخل متج ًها �إىل اللوح الأ�سود لي�ضيف ا�سمه
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
انتظرها حتى تنتهي من طعامها ،ثم ناولها ال�صرة التي �صنعها
ﲑ ﺍﻟ
باملالءة ورمقها بالنظرة التي تعرفها جيدً ا ..وتظاهرت هي باجلهل
ﻜﺘ
-ولكنك مل ت�أكل!
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
مل تت�أخر كث ًريا ،وفور عودتها ،وجدته ينام على فرا�ش الق�ش يف
ﲑ ﺍﻟ
زاوية القبو ال�صغري ..مل ي ُكن نومه عمي ًقا ،و�سمع نهنهتها وبكاءها يف
ﻜﺘ
الزاوية الأخرى من القبو ..ولكنه مل يحرك �ساك ًنا ..بل وا�صل غفوته..
ﺐ ﻟﻠﻨ
لقد اعتاد عادتها هذه ..ففي كل يوم ،تق�ضي الليل يف البكاء ل�سبب
ﺸﺮ
علم بطبيعة هذهتافه ..لقد �س�ألها �ساب ًقا عن �سبب بكائها و�صار على ٍ
الأ�سباب ..وا�ستنادًا على �أ�سبابها ال�سابقة� ،صار قاد ًرا على تكهن
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
�سبب البكاء لهذه الليلة ..يعلم جيدً ا �أنه لو ا�ستيقظ لي�س�ألها عما بها،
ﺯﻳﻊ
n
اختار جتاهلها رغم �صوت بكائها الذي يعلو لتتق�صد به �إيقاظه!
45
كانت الفو�ضى تعم حجرة بري�شيليا حتى بدت وك�أنها قد تعر�ضت
لزلزال ..ولذا اندفعت بع�ض اخلادمات للرتتيب فور خروج بري�شيليا
بكامل زينتها متجهة �إىل قاعة الكري�ستال التي ُع ِقد فيها حفل
اال�ستقبال.
�سارت مزهوة بف�ستانها املزرك�ش وجموهراتها الالمعة حتى بدت
وك�أنها قادمة �إىل حفل زفافها ..كانت قد تع ّمدت الت�أخر حتى ي�شهد
اجلميع و�صولها لتلفت الأنظار �أكرث ..وكان هذا ما ح�صل بالفعل،
تخف عليها العيونفحني خطت �أوىل خطواتها �إىل القاعة ،مل َ
املت�سلطة عليها فات�سعت ابت�سامتها وهي غري قادرة على �إخفاء
ﻋﺼ
�سعادتها ..كانت تدور بعينيها باحثة عن الأمري املن�شود ،حني الحظت
ﲑ ﺍﻟ
�شقيقتها �أوفيليا ترمقها يف ثبات ..فكرت وهي تزيح ناظرها بعيدً ا،
ﻜﺘ
ﻋﺼ
ت�ساءلت بحرية�« :صومعة ..ماذا؟»
ﲑ ﺍﻟ
بدت على وجهه احلرية من جهلها ،ومل يد ِر َمب يرد ..وقبل �أنْ
ﻜﺘ
ينطق ب�أي جواب ،تدخلت �أوفيليا التي اقرتبت دُون �أنْ ي�شعرا بها،
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
� -سيدتك؟ �أنا �أمرية �أيها احلار�س.
ﲑ ﺍﻟ
-عذ ًرا �أيتها الأمرية.
ﻜﺘ
نحوه هو عدم تعلق ب�صره بها ..كان يبدو وك�أن عقله من�شغل مبا هو
ﺸﺮ
عادت لت�س�أل�« :أيعقل �أنك حتر�س قلعتنا وال تعرف �أمريات هذه
ﺯﻳﻊ
القلعة؟»
حار�سا �أيتها الأمرية� ..أنا من �صومعة الق�ضاة.
ل�ست ً
ُ -
انزعجت �إثر ذكر �صومعة الق�ضاة التي ال تعرف ماهيتها ..ولكنها
مل ت�س�أل عنها فقد فطنت للتو �أنّ جهلها بها �سيدل على غبائها
وح�سب ..ولذا �س�ألته عن �أمر �آخر�« :أال متلك ا�س ًما؟»
-ا�سمي هو �سي�سيل �أيتها الأمرية.
48
تنبهت �إىل نظرات و�صيفتها وفهمتها ..ولكنها جتاهلتها ..ولذا
جاءت تلك الو�صيفة لتهم�س لها بعد حماوالتها الفا�شلة يف �صرفها
عن حمادثة �سي�سيل�« :أمريتي ..يكفي هذا� ..أطباق ع�شائك جاهزة..
هلمي �إىل تناول الع�شاء».
وكادت الو�صيفة ت�صفع نف�سها حني عادت بري�شيليا لتقول:
«�سي�سيل ..هلم لتناول الع�شاء على من�ضدتي».
-هذا �شرف ال �أ�ستحقه �أيتها الأمرية� ،شك ًرا للطفك.
ﻋﺼ
� -أنا �أتناول �إفطاري مع و�صيفتي �إيفي كل �صباح ..لي�س يف هذا
ﲑ ﺍﻟ
الأمر ت�شريف �أو ا�ستحقاق.
ﻜﺘ
-ملاذا؟!
ﺸﺮ
انزعجت جمددًا �إثر ذكر هذا اال�سم الذي �أجربها على ال�صمت..
ارت�سمت ابت�سامة على وجهها قبل �أنْ تن�صرف �إىل من�ضدتها« :ال
ب�أ�س ..لنلتقي جمددًا يا �سي�سيل».
وما �إنْ جل�ست حول تلك املن�ضدة حتى زفرت بعمق �إثر هم�سات
عليك �أنْ تعطيه �أكرب من حجمه يا
و�صيفتها املتوترة« :ما كان ِ
�أمريتي ..كيف دعو ِته �إىل طاولة ع�شائك؟! هذه الدعوة كان من
املفرت�ض �أنْ ُت َو ّجه �إىل الأمري مي�ست!»
49
زفرت بري�شيليا جمددًا« :فليذهب الأمري مي�ست �إىل اجلحيم».
�صوتك يا
ِ هم�ست الو�صيفة ب�صوت بادي اخلوف�« :أخف�ضي
�أمريتي!»
تناولت بري�شيليا �شوكتها و�سكينها لت�شرع بتقطيع قطعة اللحم يف
طبقها ..كان عقلها غائ ًبا ..تفكر بعمق حتت ت�أثري �صدمة تعي�شها
لأول مرة يف حياتها ..ما معنى م�شاعر احلزن هذه التي اجتاحت
قلبها فج�أة؟ ما معنى �أنْ تتجاهل الأمري الذي كانت تنتظره بال �أي
�سبب؟! وكيف ميكن �أنْ ت�سطو على عقلها عينان مل تلتقيا بعينيها �إال
ﻋﺼ
للحظات؟ يف تلك اللحظات�ُ ..ص ِدمت ب�شيء مل تره من قبل ..نظرة
ﲑ ﺍﻟ
عمق مل تدرك �أنّ له وجودًا من قبل ..عمق ال متنا ٍه يف خاطفة �إىل ٍ
ﻜﺘ
تلك العينني ال�شفافتني اللتني ال تلتفتان لأي بريق حولهما مهما بلغ
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
يف تلك الليلة ،ولأول مرة يف حياتها ،باتت بري�شيليا ليلتها بينما
تختنق مب�شاعر احلزن التي ف�شلت يف التعبري عنها بالبكاء �أو
الكالم ..ولكن الأمر كان جل ًيا لو�صيفتها ..وكانت ترتعد خو ًفا لأن
بري�شيليا وقعت يف حب فتى ال�صومعة ..ولأنها تعلم ب�أنّ بري�شيليا
حمقاء وغبية ..ولأنها الحظت نظرات �أوفيليا املتفح�صة.
50
ومل ت ُكن بري�شيليا الوحيدة التي باتت ليلتها خمتنقة باحلزن..
ففي البيت الطيني املتهالك ،نامت �آيري�س خاوية املعدة ..يتقطع
قلبها حز ًنا لأن �سي�سيل وعدها ب�إر�سال طعام الع�شاء لها كل ليلة ومل
حت�ضر زوجته �أي طعام منذ رحيله.
n
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
51
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل الرابع
البومة الغافية
ﻋﺼ
�إحقاق العقاب لأحد ال�سجناء القدامى بعد �أنْ �صدر احلكم بحقه
ﲑ ﺍﻟ
هم �سي�سيل باللحاق بهم ،ا�ستوقفه معلمه الذي انتظر
�أخ ًريا ..وحني َّ
ﻜﺘ
«قد يكون ما �أطلبه غري ًبا ..ولكن عليك �أنْ تذهب �إىل قلعة القمم
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ال�صومعة..
ﺐ ﻟﻠﻨ
تابع �شيخه�« :ستطري �إىل قعر القلعة دُون �أنْ ت�صدر �أجنحتك �أي
ﺸﺮ
كل االجتاهات حتى ال تف ّوت �أي زاوية ..ولن تنطق ..فالبوم ال ينعق �إال
ﺯﻳﻊ
بعد الظفر بفري�سته» .ثم هم�س له ببع�ض الكلمات التي ات�سعت عيون
�سي�سيل ده�شة �إثرها؛ ولكنها �أقنعته ب�ضرورة قبول هذه املهمة.
وقبل �أنْ ين�صرف� ،س�أل �شيخه�« :أتفهم ُمهمتي ..ولكن ملاذا قد
ت�ستدعيني الأمرية �أوفيليا؟»
-ال علم يل ب�أ�سبابها ..وال تهمنا هذه الأ�سباب ..فقط علينا �أنْ
ن�ستغل فر�صة الدخول �إىل القلعة.
54
-هل �أوفيليا هي الأمرية التي كانت ترتدي �أطنا ًنا من املجوهرات
ليلة البارحة؟
-ال ،بل هي الأمرية التي كانت ترتدي ثو ًبا يغطي ذراعيها
ورقبتها وتخفي كفوفها بالقفازات ال�سوداء.
حلت هنيهة من ال�صمت قبل �أنْ يردف ال�شيخ�« :إياك �أنْ ت�صرف
انتباهك �إىل �أمر خارج مهمتك ..ال تهمك �أ�سبابها وال تهمك هويتها..
فقط نفذ ما هو مطلوب منك».
�أوم�أ �سي�سيل مواف ًقا ،ثم نزل الدرجات اخل�شبية ..وما �إنْ خرج
ﻋﺼ
�إىل ال�ساحة حتى ر�أى جم ًعا عند من�صة كبرية كانت مع ّدة لتطبيق
ﲑ ﺍﻟ و�شوم العقاب.
ﻜﺘ
كانت املرة الأوىل التي ي�شهد فيها تنفيذ حكم ق�ضائي من
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
الأمور ..فاكتفى بنظرته العابرة ثم تابع �سريه متج ًها �إىل قبوه.
وقفت فيوال لرتمق �سي�سيل وهو يجثو لريتب كتبه ويفرغ حقيبته من
�أغلب حمتوياتها ..ت�ساءلت�« :إىل �أين �أنت ذاهب؟»
55
رفع ناظره �إليها لريى نظرات التوتر واخلوف بادية يف عينيها..
�أجاب�« :س�أق�ضي بع�ض الأيام يف قلعة القمم الدخانية».
-لكن ..ملاذا؟!
� -س�أعمل كحار�س م�ؤقت.
ملح نظرات اخلوف تتبدل �إىل نظرات الغ�ضب يف �أقل من ثانية..
قالت ب�صوت ع�صبي�« :أنت َمن طلب هذا! �صحيح؟»
-تعلمني �أين ال �أملك احلق يف طلب �شيء كهذا.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-كنت حتتفل مع الأمريات ليلة البارحة ..ال ُب َّد �أنك �أعجبت
ﻜﺘ
�أطلق زفرة عميقة وهو ي�شيح بب�صره عنها ليتابع لف بع�ض الأوراق
يف حزمة.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
«ال �شيء ترد به! �أي �أين حمقة يف ظني! وكيف يل �أنْ �أخطئ
جلي كهذا؟!»� ،أطلقت �ضحكة �ساخرة بينما التمعت عيونها
حيال �أمر ّ
بالدموع�« ،أنت تعاملني بهذه الطريقة لأين فتاة م�سكينة ولي�س عندي
من �أ�شتكي �إليه!»
وقف �سي�سيل لريفع ب�صره نحوها« :ال تبكي ل�سبب ال وجود له يا
أنك خمطئة يف ظنونك هذه».فيوال ..تعلمني � ِ
ل�ست خمطئة! �أنت تكرهني!
ُ -
56
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ يجيب بهدوء« :ال �أكرهكُ ..
ول�ست هناك �أخذ ً
من �أجل الأمريات ..وال �أريد �أنْ �أكرر حديثي مئة مرة».
�صمتت للحظة وهي ترمقه يف غل ..عاد لريدف« :يجب �أنْ �أذهب
أرجوك ..انتبهي لنف�سك وال تن�سي �إي�صال الطعام �إىل �آيري�س
الآنِ � ..
كل م�ساء».
مل ترد جوا ًبا ..فعاد ليكرر« :ال تن�سي �إي�صال الطعام �إىل �آيري�س..
تعلمني �أنها مري�ضة ولي�س يف حوزتها �أي طعام».
قالت مقاطعة �إياه يف حدة�« :آيري�س تعمل يف القلعة! �ألي�س كذلك؟!»
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ � -صحيح.
ﻜﺘ
� -أي �أنها ت�أكل �أ�صنا ًفا خمتلفة من الطعام يف كل يوم ..ت�أكل
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
�أما هي ،فوقفت تراقبه وهو يبتعد ،هم�ست�« :أعدك ب�أين �س�ألقي كل
بقايا الطعام يف القمامة ولن �أعطي لقمة واحدة ل�شقيقتك البلهاء».
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
�صباح اليوم التايل ،ويف احلجرة الكبرية التي ينام فيها احلرا�س،
ﻜﺘ
جل�س �سي�سيل على حافة �سريره ،يغلق �أزرار قمي�صه اجلديد ..ويحكم
ﺐ ﻟﻠﻨ
ربط خيوط احلذاء الأ�سود طويل العنق ..الآن بات يبدو مثل ُح ّرا�س
متاما.
القلعة ً
ﺸﺮ
بتاجها الل�ؤل�ؤي.
مل ُي ِطل النظر �إىل عينيها ،انحنى ليقول يف احرتام�« :أيتها
الأمرية� ..أنا رهن خدمتك».
ابت�سمت�« :أنت� ..سي�سيل� ،صحيح؟»
-نعم �أيتها الأمرية.
-هل تعرف مهامك؟
58
أيام.
-نعم �أيتها الأمرية� ..س�أكون حار�سك ال�شخ�صي لب�ضعة � ٍ
-هل تعلم َمل اخرتتك؟
-ال �أعلم �أيتها الأمرية.
-هل يهمك �أنْ تعلم؟
-ما يهمني هو القيام بواجبي وح�سب.
ابت�سمت« :جيد ..اتبعني � ًإذا».
ومل تكد تتجاوز البهو حتى ا�ستوقفها امل�س�ؤول املايل للقلعة..
ﻋﺼ
احرتاما�« :أمريتي».
ً
ﲑ ﺍﻟ نايت ..اقرتب ،ثم �أوم�أ
ﻜﺘ
رفع ب�صره نحو �سي�سيل ك�إ�شارة لها لت�صرفه ..التفتت �إىل �سي�سيل
لتهم�س له« :دعنا وحدنا ً
قليل».
ﻭ ﺸﺮ
بري�شيليا ملحته وعرفت هويته ..ومل ي ُفت �أوفيليا تعبري الرعب الذي
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل ت ُكن بري�شيليا خمطئة حينما اتهمت �أوفيليا بالغرية �ساب ًقا..
ﺯﻳﻊ
كانت �أوفيليا ت�شعر بغرية �شديدة جتاهها ..ولكن تلك الغرية مل ت ُكن
من جمالها ..مل ت ُكن من حتررها ..مل ت ُكن من �إ�سرافها ..مل ت ُكن
من راحة بالها ..بل كانت ل�سبب �آخر ال يخطر على بال �أحد ..كانت
ت�شعر بالغرية من بري�شيليا لأن الأخرية ال تغار منها! وحتديدً ا ..لأن
بري�شيليا مل تفكر يف كيفية �إبعاد �أوفيليا عن عر�ش والدها الذي ت�ضمن
احل�صول عليه رغم �أنها لي�ست الوريثة الكربى! كانت تتمنى �أنْ ترى
التحدي و�أنْ تقاتل �شقيقتها الكربى لتثبت �أنها الأحق ..كانت تتمنى
60
�أنْ حتمل هموم اململكة بينما يوا�سيها ح�سد الآخرين على الأقل..
ولكن بري�شيليا مل تقاتل من �أجل �سلبها هذه امل�س�ؤوليات ..كانت تعلم
n
ب�أنّ �أوفيليا هي امللكة القادمة ..ومل تعرت�ض ..مل تهتم ومل تظهر �أي
غرية!
ﻋﺼ
حتدث �أحدهماُ « :ترى ..ما الذي دفع امللكة �إىل ا�ستدعائنا؟»
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﻋﺼ
-امللك �إيدن معتوه ح ًقا كما ُيعرف عنه ..وال ي�ستطيع �إدارة
ﲑ ﺍﻟ اململكة.
ﻜﺘ
املياه.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
�أوم�أت ،ثم وقفت لرتاقبهما وهما يبتعدان .ات�سعت ابت�سامتها وهي
تفكر�« :ست�أتيك ال�ضربة من حيث ال تتوقع يا ريجان».
62
حول طاولة كبرية ..ويف �إحدى قاعات االجتماع يف قلعة القمم
الدخانية ..جل�ست �أوفيليا برفقة ثالثة مل يجتمعوا منذ زمن .ولكن
انتباههم جمي ًعا كان من�ص ًبا على الأعور الذي تغطي ال�ضمادات
يديه ..مل ي ُكن �أعو َر حني غادرهم �آخر مرة ..ولكن زنزانة ق�صر
الرمال �أفقدته عينه وبع�ض �أ�صابعه.
قال ب�صوت اكت�سب بحة جديدة« :مملكة ال�صحاري لي�ست بالقوة
التي قدرناها يا ملكتي».
كان يناديها بامللكة كرفيقيه ..ورغم �أنّ والدها ما يزال ي�شغل ذلك
ﻋﺼ
العر�ش ،ف�إنهم بايعوها بالوالء منذ زمن..
ﲑ ﺍﻟ
تابع« :ميلكون الكثري من الذهب ..ولكن عدتهم الع�سكرية ال
ﻜﺘ
�أوم�أ الأعور وهو يرمق �أوفيليا بعينه الوحيدة�« :أي �أنها فر�صتنا
الذهبية يا ملكتي».
ﺸﺮ
ﻋﺼ
اخلا�صة ُت َرى يف القاعات ذاتها التي يعقد فيها والدها اجتماعاته..
ﲑ ﺍﻟ
كل ما كانت تفعله هو االتفاق مع �أولئك الثالثة -الذين يح�ضرون
ﻜﺘ
أي�ضا -على احل�ضور مبك ًرا! وهكذا ،فهي اجتماعات امللك مريلني � ً
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
تخطط ملا تريد دُون حاجة لتربير تواجدها املغلق مع ثالثة من كبار
رجال اململكة.
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
جوعا..
خارج ذلك الباب ،وقف �سي�سيل الذي بد�أت معدته بالت�ضور ً
لقد اقرتب امل�ساء وهو ما يزال يتنقل بني �أبواب القاعات ..واق ًفا على
قدميه يف انتظار الأمرية �أوفيليا وهي تتنقل بني اجتماعاتها� ..س�أله
احلار�س الآخر الذي يقف على الباب ذاته�« :أنت جديد هنا� ،ألي�س
كذلك؟ َمن بديلك؟»
انزعج �سي�سيل لف�ضول احلار�س ،ولكنه �أجاب« :بلى� ..أنا جديد،
وال �أعلم ما الذي تق�صده ببديلي».
65
� -أعني احلار�س الذي ت�ستبدل معه موقع احلرا�سة عند مغيب
ال�شم�س� ..أم �أنك تقف على قدميك طوال الليل والنهار؟
-ال �أعلم.
ارت�سم تعبري من اال�ستغراب على وجه احلار�س ،ولكنه مل يجادل..
بل ابتعد ليحل حمله احلار�س البديل ..ان�صرف �إىل م�سكن احل ّرا�س
لتناول الع�شاء� ..أما �سي�سيل ،فظل واق ًفا حتى انتهاء االجتماع.
وفور انتهائهَ ،ت ِبع �سي�سيل �أوفيليا بعد خروجها ،واجتها �إىل قاعة
الطعام اخلا�صة بامللك.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
التفتت له عند باب احلجرة �آمرة« :ال حاجة للوقوف خارج قاعة
ﻜﺘ
الطعام».
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -أمرك.
ﺯﻳﻊ
تع ّمدت ذلك لرتاقب تعابري بري�شيليا ..ومل ِتخب توقعاتها ..مل
ت ُكن بري�شيليا على طبيعتها ..مل ترثثر ..مل ت�ضحك ..مل تغ�ضب ..مل
ت�صرخ ..بل ظلت �صامتة تتحا�شى النظر �إىل الباب ..غري قادرة على
�إنهاء ربع طب ِقها.
بك
�أفاقت من �سرحانها ال�صامت عندما جاء �صوت والدها« :ما ِ
يا بري�شيليا؟ َمل ال ت�أكلني؟»
«ل�ست جائعة يا �أبي».
�أجابت يف توترُ :
66
أنت مري�ضة؟
-هل � ِ
�أرغمت ابت�سامة على وجهها لتتظاهر ب�أنها على ما ُيرام�« ،أبدً ا..
ال تقلق� ،أنا بخري».
حلت وهلة من ال�صمت قبل �أنْ يخرقها �آرون�« :سنلعب ال�شطرجن
هذا امل�ساء� ،ألي�س كذلك يا �أوفيليا؟»
ارت�سمت على وجهها االبت�سامة الوديعة التي ال ترت�سم �إال لآرون،
«بالطبع� ..سنلعب فور االنتهاء من طعام الع�شاء».
ﻋﺼ
�أوم أ� مبت�س ًما وهو يعاود النظر �إىل طبقه.
ﲑ ﺍﻟ
قالت �أوفيليا دُون �أنْ تلتفت �إىل اخلادمة التي وقفت على م�سافة
ﻜﺘ
� -أمرك.
ان�صرف الأربعة بعد انتهاء الع�شاء ..ولكن بري�شيليا �سارعت
ب�إيقاف �أوفيليا لتفرغ فيها �شي ًئا من غيظها..
«انتظرين يف حجرتك يا �آرون» ،قالتها �أوفيليا وهي تتوقف لتواجه
بري�شيليا التي كانت متطرها بنظرات ال�سخط.
«ل جئتبادرتها بري�شيليا باحلديث لتهم�س من بني �أ�سنانهاَ ِ :
حار�سا �شخ�ص ًيا لك؟»
بذلك ال�شاب ليعمل ً
67
أنت تعرفني الإجابة.
ِ �-
-ما �أعرفه هو �إنّ كل ما تفعلينه �سببه خبثك وج�شعك وكراهيتك
العمياء لكل ما حولك.
ابت�سمت �أوفيليا وهي ت�صفق بيديها يف �سخرية« :ذكية كعهدك»..
ثم ا�ستدارت لتبتعد ،ولكن بري�شيليا قب�ضت على ك ّمها الطويل
الف�ضفا�ض بقوة لتوقفها جمددًا ولينك�شف جزء من كتفها ..ومل تتوقع
عيني �أوفيليا وهي تزيح قب�ضة بري�شيليا
الغ�ضبة التي ارت�سمت يف ّ
بقوة وتعيد رفع ُك ّمها ..قالت بغ�ضب ال تتذكر متى ر�أته على وجهها
ﻋﺼ
من قبل« :كيف جتر�ؤين؟!»
ﲑ ﺍﻟ
لبع�ض اللحظات ،ظلت بري�شيليا �ساهمة حتت ت�أثري الغ�ضبة
ﻜﺘ
ﻋﺼ
ب�شيء عن هذا! تذكري وتخيلي ما ميكن لفتاة معدومة العقل �أنْ
ﲑ ﺍﻟ
تفعل!» ثم ا�ستدارت م�سرعة لتبتعد وتلحق بها و�صيفتها املرتعدة.
ﻜﺘ
�أما �أوفيليا ،فهم�ست«َ :من قال �أين بحاجة �إىل �أنْ �أنطق ب�أي
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
�شيء؟» ،ثم وقفت لرتتب ثوبها جمددًا ،وتابعت م�سريها �إىل حجرة
ﺸﺮ
�آرون.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
69
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل الخامس
الوشم األحمر
قال �سي�سيل ،بعد �أنْ قام ليقف جمددًا ،خماط ًبا �أوفيليا�« :أعتذر
ﺸﺮ
زمن».
ﺯﻳﻊ
n
�أوم�أت �آيري�س ،ثم ح ّرك �آرون جنديه الأول.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ً
حماول تذكر ما ر�آه حينما جذبت بري�شيليا ُكم �أوفيليا ..ت�ساءل:
ﺸﺮ
«�أكان ذلك و�ش ًما �أحمر؟ ال �أ�ستطيع اجلزم مبا ر�أيت» .كان ذلك
الو�شم الأحمر كاف ًيا لتعري�ض �أوفيليا لت�سا�ؤالت خطرية ..ففي مملكة
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
القمم الدخانيةُ ،يح ّرم تعلم الو�شوم وجتربتها على غري املنت�سبني
ﺯﻳﻊ
ل�صومعة الق�ضاة ،و ُي�ستثنى من هذا و�شم اجلنة الذي �سربه �أحدهم
�إىل الفقراء منذ زمن بعيد ،واتفقت �صومعة الق�ضاة على جتاهله
لأنهم اعتربوه عقا ًبا ذات ًيا ي�ستحقه مرتكبوه .كانت �صومعة الق�ضاة
هي ميزان احلكمة الذي ين�صاع له اجلميع ..ف�أي جمرم� ..أي خما ِلف
مهما كانت درجته يف املجتمع ومهما كان مقدار ثروته ..يتم تقرير
عقوبته من ِقبل �صومعة الق�ضاة ..ويتم معاقبته بو�شم ي�ضعوه عليه..
مل ت ُكن هذه الو�شوم � ً
أ�شكال عادية ..بل هي �أوامر �سحرية حمتومة
72
التحقق ..ولكن ما معنى �أنْ حتمل �أمرية القلعة �أحد الو�شوم؟ الو�شوم
�إما عقاب و�إما �شفاء ..ومل ي�سبق �أنْ جاء �أحد حكماء ال�صومعة
لر�سم �أي منها على كتف هذه الأمرية ..كان هذا ما �أخذ يدور يف
عقل �سي�سيل وهو يتذكر كلمات معلمه ال�شيخ .ولكن اقرتاب �أحدهم
جعل �سي�سيل ي�ضع هذه اخلواطر جان ًبا لوهلة.
كان القادم نايت ،وكان �سي�سيل قد الحظ مراقبته �إياه طوال اليوم.
-هل �أنت جائع؟
ﻋﺼ
رفع �سي�سيل ناظره �إليه ،حائ ًرا يف الإجابة املنا�سبة..
ﲑ ﺍﻟ
ابت�سم نايت« :بالت�أكيد �أنت جائع ..تف�ضل» .قالها وهو ُيخرج قطعة
ﻜﺘ
من اخلبز من جيبه ..يواريها يف طية كمه حتى ال ينتبه �أحد احلرا�س
ﺐ ﻟﻠﻨ
الآخرين يف املمر.
ﺸﺮ
�أنْ تقبلها».
� -شك ًرا ..ولكني ال �أريد.
-تعلم �أنك �ستظل واق ًفا على قدميك حتى ال�صباح� ،صحيح؟
-نعم.
-معلوماتك خاطئة � ًإذا.
73
ً
مت�سائل ،فرد نايت« :لن تقف حتى ال�صباح، ارتفع حاجب �سي�سيل
بل �ستقف حتى ت�سقط مغ�ش ًيا عليك ..ثم �ست�أمر الأمرية �أوفيليا
احلرا�س ب�إيقاظك و�إجبارك على الوقوف جمددًا ..حتى ت�سقط
جمددًا ..وهكذا ..تظل واق ًفا دُون نوم �أو طعام �أو ماء حتى ت�صبح
كاجلثة� ..أو ت�صبح جثة ح ًقا».
-وملاذا قد تفعل الأمرية �شي ًئا كهذا؟
� -إنها ذكية ..ولكن �أ�ساليبها ب�سيطة دائ ًما ..تقتل َمن تريد
عن طريق توظيفهم ثم حرمانهم من فرتات راحتهم! هكذا
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ وح�سب!
-مل جتب عن �س�ؤايل.
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
�صحيحا فال فائدة من قطعة اخلبز هذه ..لن � -إنْ كان ما تقوله
ﻭ
ً
ﺍﻟﺘﻮ
ك�شر نايت وهو يعيد قطعة اخلبز �إىل جيبه ،هم�س�« :أنت تظنني
�أمزح معك ..تظن �أنّ الأمرية غري قادرة على فعل �شيء كهذا لأنك
من �صومعة الق�ضاة! غبي».
قالها وا�ستدار مبتعدً ا� ،أما �سي�سيل ،فبد�أ يت�ساءل كيف ميكن لفتاة
�صحيحا-؟ هو يعلم �أنها
ً مثلها �أنْ تفعل �أ�شياء كهذه �-إنْ كان هذا
لطيفة للغاية مع �شقيقته التي �أخربته م�سب ًقا ب�أنّ الأمرية حتبها وال
74
عمل يفوق طاقتها ..بل ت�أخذها معها ت�سمح ب�إرهاقها �أو حتميلها ً
وتعطيها الكثري من الأوراق والألوان للر�سم ..ور�أى كيف حتدث �آرون
n
وتبت�سم له برقة بالغة ..هل ميكن �أنْ يجتمع اللطف ال�شديد والق�سوة
ال�شديدة يف قلب واحد؟ ت�سا�ؤالت ال ح�صر لها وال �إجابات لها.
ﻋﺼ
وعند باب حجرتها ،حدجته بنظرة حادة وهي تقول« :لن يغم�ض لك
ﲑ ﺍﻟ
جفن ،ولن جتل�س� ..ستظل واق ًفا حتى �آمرك بغري ذلك».
ﻜﺘ
� -أمرك.
ﺐ ﻟﻠﻨ
-لن �أخالفك.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
مل�س زجاجة ال�سائل القاين املختبئة يف �صرة لفها حتت حزامه..
ﲑ ﺍﻟ
وا�سرتجع الو�شوم التي تعلم نق�شها يف �صومعة الق�ضاة حتى الآن..
ﻜﺘ
ولكن عاقبته ميكن �أنْ تكون املوت �إنْ ر�سم و�ش ًما على الأمرية دُون
ﺐ ﻟﻠﻨ
ظهر حذائه الطويل ،وعاود الوقوف �شاب ًكا يديه خلف ظهره ،بينما
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
الآن �صار يرى معامل احلجرة؛ خزانة ملكية �ضخمة ..لوحات
ﲑ ﺍﻟ
مذهبة الأطراف� ..سرير �ضخم حتيط به ال�ستائر ويغ�ص بالأغطية
ﻜﺘ
والو�سائد ..مل ي ُكن قاد ًرا على تبني �إنْ كان هناك من ينام على
ﺐ ﻟﻠﻨ
لقد قر�أ كث ًريا ..ويعلم �أنّ مداخل املخابئ يف القالع غال ًبا ما تكون
ال�سجاد ..خلف اللوحات ..خلف املكتبات ..بداخل اخلزائن.. حتت ّ
ولهذا بد�أ بتفقد هذه الأماكن ..ومرت الدقائق ..دُون جدوى..
بالت�أكيد خمب�أ كهذا يحتاج وقتًا �أطول ..ولكن الأمرية �أوفيليا ب�سيطة
الأ�ساليب ..هذا ما �أخربه به نايت� ..إنها معقدة لكنها تتبع الأ�ساليب
الب�سيطة دائ ًما ..ولهذا ،قرر البحث يف الأدراج االعتيادية ..والأماكن
مدخل لأي خمب�أ ..ولكنها قد حتمل دالئل. التي ال ميكن �أنْ تكون ً
77
ويف �أحد �أدراج جموهراتها ،وجد ورقة ملفوفة ،فتحها ..فر�أى
ر�س ًما -نقو�ش متداخلة على نحو �شديد التعقيد؛ هذا الر�سم لو�شم
�سحري ..ي�ستطيع �إدراك هذا ب�شكل م�ؤكد ،و�شم �شبيه مبا يتعلمه
يف �صومعة الق�ضاة ..ي�شبهه من ناحية كونه و�ش ًما ،ولكنه يختلف يف
�أمر �آخر ..لقد تعلم �أنّ و�شوم العقاب تتميز بوجود جنمات كثرية..
�أما و�شوم ال�شفاء فتتميز بدوائرها ومنحنياتها ال�شبيهة ب�أغ�صان
النباتات ..لكن هذا الر�سم ال يحوي على �أي جنمة �أو دائرة! �إنه
خليط من الأ�شكال الرباعية والنقاط امل�صطفة على نحو مل يره
من قبل ،ت�ساءل�« :أي نوع من الو�شوم ميكن �أنْ يكون هذا؟ ً
مهل..
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
قال املعلم ب�أنّ الكتب التي يف حوزتها كتب حمظورة ..وهذا يعني».
ﻜﺘ
وات�سعت عيناه وهو يدرك �أنّ هذا الو�شم و�شم حمظور ..والو�شوم
املحظورة ال يدر�سونها وال يتطرقون لها ..بل ال يعلمون بوجودها..
ﺐ ﻟﻠﻨ
وازدرد ريقه وهو يدرك �أنّ ما يتعلمه حكماء ال�صومعة لي�س �سوى جزء
ﺸﺮ
�أعاد الورقة �إىل مكانها ،ثم �سمع �صوت حركة قادمة من �سرير
ﺯﻳﻊ
n
ت ُكن تنق�صها.
78
�صباح اليوم التايل ،ويف �أحياء العا�صمة الذهبية� ..سار �إيدن مع
ح�شد من حرا�سه يف �أحياء عا�صمته ..لقد خرج ليتفقد مدينته بنف�سه
-بنا ًء على ن�صيحة ريجان -حتى يعطي ال�سكان االنطباع ب�أنه يفهم
م�شاكلهم ويعمل على حلها ..لقد كانت هذه الأحياء تزدان بنوافري
املياه يف �آخر مرة زارها� ..أما الآن ،فقد زحفت الرمال فوق العتبات
وعلى بع�ض الوجوه ..ور�أى عدة م�شاجرات على ِقرب املياه وعلى
�أ�سعارها عند عتبات الدكاكني ..ولكن ما �أثار ف�ضوله ح ًقا كان ر�ؤية
بع�ض النا�س مرمتني عطا�شى على عتبات �أبوابهم املزينة بالذهب.
«ل ال يبيعون ما ميلكون من الذهب من ً
مت�سائلَ ِ :
ﻋﺼ
هم�س لريجان
ﲑ ﺍﻟ �أجل �شراء املياه؟»
ﻜﺘ
ال يعادل �شي ًئا هنا ..ولكنه يعادل كل �شيء يف مملكة القمم
الدخانية.
�أوم�أ �إيدن وهو يتابع �سريه ..بينما ترامت �إىل م�سامعه عبارات
التو�سل واال�ستجداء ،ولهذا� ،أمر رجاله مبلئ الآبار من خمزون
ق�صره ..ورغم �أنه مل يرغب بفعل هذا ح ًقا ،ف�إنه كان �ضرور ًيا لتتحول
بدل من �أنْ تتحول �إىل لعنات تطاله. عبارات التو�سل �إىل �شكر وثناء ً
-هذا يكفي ..فلنذهب �إىل الكهوف.
79
n
كان ذلك ما هم�س به �إيدن لريجان الذي �أوم أ� باملوافقة ،ثم �أمر
الرجال ب�إح�ضار عربة امللك.
يف بهو قلعة القمم الدخانية ،و�أمام امللك مريلني ..وقف �سي�سيل
خاف�ضا ب�صره �إىل الأر�ض ..بينما زينت وجهه كدمتان كادتا ت�سحقانً
عينه الي�سرى ..كانت ال�سال�سل تكبل يديه وقدميه ..بينما غ�ص املكان
باحلرا�س ورجال �صومعة الق�ضاة ..مل ي ُكن غ�ضب امللك مريلني من
الأ�شياء املحبذ ر�ؤيتها ..ولكن دموع ابنته �أوفيليا املرمية يف �سريرها
ﻋﺼ
والو�شم ال�شيطاين الذي زين ذراعها النازفة �أ�صابه بغ�ضب جمنون..
ﲑ ﺍﻟ
لقد قال رجال ال�صومعة ب�أنّ هذا الو�شم من و�شوم العقاب ..وي�صيب
ﻜﺘ
�صاحبه بحمى �شديدة ترديه �صري ًعا يف يومني ..هم هنا من �أجل
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أنْ جنح من قبل� ..أي ال فائدة من جتربته حتى ..وبالطبع ،مل ي�ستمع
ﻭ
�إليهم ..بل �أمرهم بتجربة �أي عالج حتى و�إنْ كانت فر�صة جناحه
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
�شبه معدومة.
ان�صرف احلكماء �إىل حجرة الأمرية ،يتقدمهم �سريو�س ..و�أما
�سي�سيل ،ف�شعر باالختناق بينما قب�ضت �أ�صابع امللك على رقبته وهو
ي�صرخ فيه�« :ألن جتيبني �أبدً ا؟! ِ َل َ
فعلت هذا بابنتي؟!»
«ل�ست الفاعل».
جاءت كلماته ب�صعوبةُ :
-وتنكر الأمر بكل وقاحة!
80
دفعه � ً
أر�ضا وهو ي�أمر احلرا�س ب�أخذه �إىل الزنزانة� ،صاح فيهم:
«�ستنتزعون اعرتافه ب�أي ثمن! هل تفهمون؟!»
� -أمرك �أيها امللك.
تقدموا ليجرجروه �إىل خارج البوابة ..متجهني �إىل بوابة �أحد
دعى بربج ال�سال�سل لكرثة املقيدين بها يف
�أبراج القلعة ،الذي ُي َ
زنزاناته.
كانت بري�شيليا تراقب الأمر من بعيد ..قاب�ضة على يد و�صيفتها
التي �شعرت مبدى خوفها وتوترها ..هم�ست مت�سائلة« :ما الذي
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ �سيفعلونه به؟»
�أجابت و�صيفتها ب�صوت خفي�ض« :لقد ر�سم و�ش ًما �شيطان ًيا مميتًا
ﻜﺘ
� -أنا مت�أكدة �أنها تتظاهر بهذا من �أجل قتله وح�سب ..كانت
تلمح �إىل �أنها �ستجعل والدي يقتله ..قالتها بنف�سها ليلة
البارحة.
-الأمرية �أوفيليا م�صابة باحلمى ح ًقا ..وجروح ذراعها
حقيقية� ..أعلم �أنها الطرف املخادع يف العادة ..ولكنها اليوم
�ضحية على و�شك املوت يا �أمريتي ..هذا الغريب قاتل جاء
وعليك �أنْ ت�صدقي هذه احلقيقة.
ِ للنيل من �شقيقتك
81
� -ستنه�ض من فرا�شها ك�أنّ �شي ًئا مل ي ُكن و�سرتين.
حلت حلظات من ال�صمت قبل �أنْ تردف« :لن �أ�سمح لهم بقتله
مهما ح�صل».
رمقتها �إيفي بنظرة مرعوبة وهي تهم�س« :ال تقويل هذا يا �أمريتي!
آمرت معه!»
�سمعك �أحد �سيظن �أنك ت� ِ
ِ لو
n
جتاهلتها بري�شيليا وهي غري مقتنعة ب�أي كلمة من كلماتها..
َف ِعنادها كان ال�شيء الوحيد الذي يتفوق على غبائها.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
يف ال�صحراء الغربية ،ات�سعت عيون �إيدن رع ًبا حني خرج من
ﻜﺘ
ولكن مل ي�أ ِته �أي رد� ..أخذ يرك�ض بني اجلثث ..يهزها ويبحث
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
عن ريجان بينها ..ولكن مل ترد �أي جثة جوا ًبا ..ومل يجد م�ست�شاره
بينهاَ ..ج َثا على ركبتيه حائ ًرا ..ليفاج�أ بكف غليظة تطبق على فمه
وت�سحبه �إىل اخللف ..وقبل �أنْ يتلقى ال�ضربة التي �أفقدته وعيه ،ملح
n
القالدة املنتهية بالري�ش املنتوف.
ﻋﺼ
ت�سللت �إىل حجرتها كما اتفقنا ..ومل �أد ِر كيف وجدتها
ﲑ ﺍﻟ ُ -لقد
واقفة ورائي فج�أة ،حتدجني بنظرات غا�ضبة ..ولكن �سرعان
ﻜﺘ
أر�ضا �إثر �ضربة جاءتها من ِقبل �شخ�ص مل ما َ�س َق َطت � ً
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
و�أولها هوية َمن ر�سم هذا الو�شم على ذراعها ..حاول التذكر� ..أمل
ﲑ ﺍﻟ
ت َر �أي �شيء مريب طوال فرتة حرا�ستك؟ �أمل ي ُكن هناك من يحوم
ﻜﺘ
� -إنْ كان الفاعل ح ًقا ،ف�أنت تقف �أمام �أحد املنت�سبني جلماعة
البوم الهالك.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
-البوم ..الهالك؟
� -إنها جماعة من�شقة عن �صومعة الق�ضاةِ ..يكنون لنا كراهية
�شديدة ..ويتخذون من جثث البوم وري�شه املنتوف رم ًزا لهم..
لقد مت نفيهم �إىل مملكة ال�صحاري منذ زمن بعيد ..ولكن
يبدو �أنّ بع�ضهم ما يزال هنا ..يجيدون ر�سم بع�ض الو�شوم..
وي�سعون �إىل حتقيق العدالة احلقيقية بزعمهم ..يظنون �أنهم
�آلهة هذا العامل.
85
-ما مدى خطرهم؟
فعو�ضا عن معرفتهم -هم �أخطر من �أي عدو قد تواجههً ..
بالو�شوم ،يتلقون تدريبات ج�سدية �صارمة ..وتدريبات نف�سية
لالعتياد على القتل من �أجل تطهري العامل ..هم �أخطر من
�أي قاتل م�أجور لأنهم يظنون ب�أنّ ِمن حقهم اختيار هوية َمن
يقتلون.
علي �أنْ �أخر�س و�أتظاهر بالغباء بينما يقطع ذلك اجلالد ً � -إذاَّ ..
ما تبقى من جلدي ..لأن هذا �أف�ضل من التورط معهم.
ﻋﺼ
تنهد �سريو�س بعمق وهو يقول�« :س�أبذل َق َ�صارى جهدي لإخراجك
ﲑ ﺍﻟ
من هنا ..ال ي�ستطيع امللك مريلني قتلك ..الأمر بالتحقيق معك هو
ﻜﺘ
نه�ض �سريو�س واق ًفا ..ثم هم�س�« :إنّ هذا الأمر بيني وبينك..
ﺸﺮ
�إياك �أنْ تنطق ب�شيء عن و�شوم الكتب املحظورة �أو عن جماعة البوم
الهالك ..ال �أحد ينبغي له �أنْ يعرف �شي ًئا �أو يعرف �أنك تعرف �شي ًئا!»
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
n
�أوم أ� �سي�سيل ،ثم ملح معلمه ي�سري مبتعدً ا ،ف�أ�سند ر�أ�سه �إىل اجلدار
ال�صخري ثم �أغم�ض عينيه.
�صباح اليوم التايل ،ويف بهو قلعة احلكام ،توقف نايت عند �أحد
الأعمدة الرخامية ،متظاه ًرا بقراءة ر�سالة خا�صة ب�إحدى الطلبات
بينما تتبع عيناه املارة ..ر�أى بري�شيليا ت�صعد الدرجات متجهة �إىل
«دورك هو القادم �أيتها اجلميلة».
ِ جناحها ،فكر:
86
ارت�سمت على وجهه ابت�سامة وهو يتذكر الر�سالة التي د�سها يف يد
�أوفيليا يوم البارحة ..يف تلك الر�سالة� ،أكد عليها ب�أنْ تبقى يف �سريرها
طوال الليل وال تغادره ثانية واحدة� ..أكد عليها ب�أنْ ال تغفى لها عني
أي�ضا باختفاء الأمرية عندلأن هناك ما يجب �أنْ تراه ..لقد �سمع هو � ً
منت�صف الليل ..ولهذا جل�أ �إىل هذه الر�سالة ليجربها على البقاء
يف �سريرها� ..أرادها �أنْ تكون هناك حتى ير�سم ذلك الو�شم على
ذراعها ..ال وقت �أف�ضل من فعلها يف وجود فرد من �صومعة الق�ضاة..
فرد يتحمل التهمة ويبعد عنه �أي �شبهة ممكنة.
لقد ر�سم و�شم احلمى على ذراعها ..ور�سم و�ش ًما �آخر � ً
أي�ضا
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
بدا �أنّ رجال �صومعة الق�ضاة مل ينتبهوا له ..ر�سم و�شم الن�سيان..
ﻜﺘ
وبهذا ي�ضمن �أنْ ال تتذكر �أوفيليا ما حدث قبيل تلك ال�ضربة� ..ستكون
n
�أوفيليا واثقة ب�أنّ �سي�سيل هو الفاعل ..و�ستنطق با�سمه قبل �أنْ تنهيها
ﺐ ﻟﻠﻨ
احلمى.
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
87
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل السادس
قمة البرج
لقد م�ضت ثالثة �أيام ،وما زالت �أوفيليا ت�ستلقي بال حراك يف
فرا�شها ..يحيط بها حكماء ال�صومعة العاجزين عن فعل �شيء �سوى
ﻋﺼ
تفقد نب�ضها ..لقد ر�سموا و�ش ًما م�ضادًا لو�شم احلمى على ذراعها
ﲑ ﺍﻟ
الأخرى ..ولكنهم كانوا يعلمون �أنّ ال جدوى منه ..اليوم فقط ،بد�أوا
ﻜﺘ
انق�ضاء ثالثة �أيام ..ففي العادة ،يق�ضي و�شم احلمى على �ضحيته يف
ﺸﺮ
يومني �أو �أقل ..وقف �آرون على بابها يراقبها �صامتًا ..و�أما �آيري�س،
فكانت �أكرث َمن ذرف الدمع يف هذه الأيام الثالثة ..رغم �سخرية بقية
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
يف النهاية على الت�سول يف الطرقات.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
فرحا حني �سمعت ب�أنّ
ولكن حزنها مل يدُم ،وات�سعت عيناها ً
الأمرية �أوفيليا �صارت قادرة على اجللو�س واحلديث ..ولهذا ،هرعت
ﺐ ﻟﻠﻨ
تقف على قدميها ،ترتدي ثوبها الطويل بينما ت�سرح �إحدى اخلادمات
ﻭ
�شعرها.
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ذراعي.
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -أعلم ..ولكني �أريد �أنْ �أ�ضمن �سالمتي� ..إنْ خرج ح ًّيا من تلك
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ً
مت�سائل« :هل تعنني ..قتله؟ ولكن ..ماذا رفع نايت ب�صره �إليها
بتورطك �أيتها الأمرية؟ �إنّ هذا �أمر خطري».
ِ �إنْ علم �أحد
طلبت م�ساعدتك! لدي خطة ..ولن يتورط � ٌّأي منا يف
-لهذا ُ
الأمر.
�أوم�أ�« ،أنا طوع �أمرك».
-اتبعني � ًإذا� ..سنذهب لزيارته.
91
n
ارت�سم تعبري من الده�شة على وجهه لعجلتها ،ولكنه مل يعرت�ض،
بل َت ِبعها وخرجا متجهني �إىل برج ال�سال�سل.
�صباحا
ً «�إنه ال يدر�س �أبدً ا ..مل �أره مم�س ًكا ب�أي كتاب ..يرحل
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ليل ويغ�ضب ب�شدة �إنْ �س�ألته عن �أي �شيء» ..ثم غطت وجهها وي�أتي ً
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ -ال.
ﻜﺘ
-ال.
ﻭ ﺸﺮ
-ال!
-بل هو كذلك! هل تعلمني ب�أنه ال ي�سمح لفيوال باخلروج من
بيته؟ مينعها من �إح�ضار الطعام لنا!
-تكذب!
قالتها وهي ترمقها بنظرة غا�ضبة ..ولكن الأخرية تدخلت لتقول
بينما متلأ عيناها الدموع�« :أنا ال �أكذب! �شقيقك ال يبايل بك وال ب�أي
�أحد �آخر!»
93
�صاحت �آيري�س« :تكذبني! �سي�سيل يحبني!»
مل ترد فيوال جوا ًبا ،بل رمقتها بنظرة حاقدة مل متتزج بتلك
الدموع التي جتمعت يف عينيها ..تدخلت والدة �آيري�س لتقطع هذا
اجلدال« :اذهبي وا�ستبديل ثيابك يا �آيري�س ..اذهبي!»
ومل تد ِر �أي �أفكار �أخذت جتوب عقل فيوال ..ففيوال تكفيها مثل تلك
النظرة الغا�ضبة حتى ت�ستثري كراهيتها وجتعلها تتخذ قرا ًرا بت�أديب
n
�صاحب هذه النظرات ..ولقد قررت للتو �أنّ الأوان قد حان لتعليم
البلهاء ال�صغرية بع�ض التهذيب.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
متلكه �أوفيليا لت�سري و�سط �أجواء كهذه دُون �أنْ تبدي �أي انزعاج..
ﺯﻳﻊ
بقي على �صمته حتى خرقته هي ب�س�ؤالها« :نايت� ..أنت تعلم ولكنه َ
�أنك �أكرث َمن �أثق به يف هذه القلعة� ،ألي�س كذلك؟»
-هذا �شرف يل يا �أمريتي.
-وتعلم �أين �أ�ستعني بك �أكرث من �أي �شخ�ص �آخر� ،صحيح؟
� -أعلم يا �أمريتي ..و�آمل �أال �أخيب ظنك �أبدً ا.
-وتعلم �أنّ لك مكا ًنا مميزً ا يف قلبي� ..صحيح؟
94
مل يعلم َمب يرد ..ولكنها مل تنتظر رده ،تابعت« :لطاملا �أُعجبت
ب�أ�سلوبك الهادئ يف التعامل مع الأمور ..وب�أفكارك الذكية يف التخطيط
وتوزيع الأموال� ..أُ ُ
عجبت بتفانيك من �أجل القلعة وبانحيازك �إىل
جانبي دائ ًما ..يف كل يوم كنت �أجد �سب ًبا جديدً ا للإعجاب ب�شخ�ص
مثلك».
توقف نايت للحظة وهو يدرك �أنهما قد جتاوزا اجلناح الذي يحوي
زنزانة �سي�سيل ..ولكن �أوفيليا كانت توا�صل امل�سري ..مل يعرف كيف
يقطع حديثها� ..سيكون من الوقاحة �أنْ يقاطعها وهي تتحدث عن
�إعجابها به!
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-لقد قررتَ �أين َمن ي�ستحق �إخال�صك يف هذه القلعة ..وال تعلم
ﻜﺘ
كم مرة �شعرتُ باالمتنان العميق لك.
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل ترد جوا ًبا ..فانتظر حلظات �أخرى قبل �أنْ يردف�« :أمريتي..
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ودُون �أنْ تلتفت �أو تتوقف �أجابت�« :أعلمُ ..قلت لك ب�أين �أملك
خطة».
تبعها ..ومل يتحدثا حتى و�صال �إىل قمة الربج ..كانت قمة الربج
حتوي زنزانة واحدة فقط ..وكانت خالية.
وحني توقفت �أوفيليا والتفتت �إليه بوجهها املمتقع حز ًنا� ..سرت
فيه رع�شة رعب مل ي�شعر مبثلها يف حياته!
95
وقبل �أنْ يفتح فمه بال�س�ؤال ،فوجئ بالرجال الذين يدفعونه دف ًعا
�إىل تلك الزنزانة ،ثم يقيدون ذراعيه ورجليه ب�سال�سل ثقيلة �إىل
جدارها.
كانت �صدمته ت�شل ل�سانه ..مل يعلم ما رد الفعل املنا�سب ..هل
ينكر؟ ي�س�أل؟ يعرت�ض؟ ي�ستنجد؟! ولكنها �أجابت على كل �أ�سئلته
بينما ترمقه بتلك النظرة التي متزج احلزن والغ�ضب« :مل ولن �أن�سى
طعنتك يل �أبدً ا ..ال فائدة من و�شم الن�سيان الذي و�ضعتَه على ظهر
رقبتي ..ل�سوء حظك� ..أنا منيعة �ضد و�شوم الن�سيان» ..ثم هم�ست:
n
«ل�ست بومة غافية ..ال �أحد ينتف ري�شي» .وابتعدت باخلطوات تاركة
ُ
ﻋﺼ
�إياه يف انتظار حلظات الأمل ال�شنيع.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
�سجانه لزيارته
جمددًا وبذلك ال�صداع القاتل ينجلي فج�أة ..مل ي� ِأت ّ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
الإجابات.
رفع ناظره لريمق باب الزنزانة وهو ُيفتَح ..ثم تدلف الأمرية التي
ال تخ�شى �شي ًئا وال ت�شمئز من �أي �شيء ..ت�سري غري �آبهة بكونها تدو�س
على قذارات قد تكون دماء �أو ف�ضالت ب�شرية �أو قيء ..وال تعت�صر لها
خلجة يف وجهها �إثر الرائحة املنفرة.
وقفت قبالته ،فتوقف عن م�ضغ قطعة البطاط�س التي ملأت فمه..
وابتلعها كما هي..
96
قالت بوجه ال ي�شي ب�أي تعبري�« :سوف �أ�ساحمك على تطفلك».
ارت�سم تعبري من ال�سخرية على وجهه وهو يجيب�« :سيكون هذا
لط ًفا ِ
منك �أيتها الأمرية».
-لكني �أريد منك ال�صمت يف املقابل ..لن تف�ضح �س ّري.
أطلقت �سراحي؟
لك هذا �إنْ � ِ
-وما الذي ي�ضمن ِ
� -أ�ستطيع م�ساعدتك يف �إيجاد الو�شم الذي ي�شفي �شقيقتك
�آيري�س من حالتها املر�ض ّية.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ -وكيف �أ�ضمنُ هذا؟
-لن ت�ضمن �شي ًئا ..ولكن ما الأثمن بر�أيك؟ هل تف�ضل التخلي
ﻜﺘ
ﻋﺼ
�شخ�ص �آخر..
ٍ �إىل جانبي ..يف اللحظة التي �س�أجدك تقف �إىل جانب
ﲑ ﺍﻟ �سيكون موتك».
ﻜﺘ
فقد بد�أت جذوة ف�ضوله ت�شتعل بالفعل ..لقد بد�أ يفهم �سبب ثقتها
n
به� ..إنه يرى �أين تكمن م�صلحته الآن� ..أين تكمن فر�صة عالج
ﺸﺮ
ﻋﺼ
ومل ي�أ ِتها جواب ..فاقرتبت �أكرث ..وارت�سمت على وجهها الده�شة
ﲑ ﺍﻟ
حني ر�أت الأ�شكال التي ارت�سمت على الأر�ضية الطينية ..كان ً
خليطا
ﻜﺘ
من الأ�شكال الرباعية والنقاط امل�صطفة على نحو دقيق ي�صعب على
ﺐ ﻟﻠﻨ
تعلمت
ِ ك�شرت فيوال وهي ت�س�ألها« :ما هذه الأ�شكال؟ من �أين
ﻭ
هذا؟!»
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
n
ثم ان�صرفت بدورها للتظلم وال�شكوى عند والدة �سي�سيل.
يف قبو احل�صن القدمي ..جل�ست ليالك برفقة املل ّث َمني بال�سواد..
بادرت باحلديث« :لقد نفذمت االتفاق ..وحان دوري لأعطيكم �أجركم
من الذهب� ..أمل حتددوا �أجرتكم بعد؟»
قال �أحدهما« :الفو�ضى تعم ق�صر الرمال ..واجلميع يبحث عن
ﻋﺼ
أنت َمن
امللك وم�ست�شاره ..كيف تنوين �إخماد هذه الفو�ضى؟ هل � ِ
ﲑ ﺍﻟ �سيحكم اململكة؟»
ﻜﺘ
كنت َمن يحكم ..هل تظن ب�أنّ �إيدن كان يحكم ح ًقا؟ كل
-لطاملا ُ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
-بعد �أنْ مت نفينا �إىل هذه اململكة ..هناك َمن �شن علينا حر ًبا
ﲑ ﺍﻟ
لأننا ن�شكل خط ًرا ..هل تتذكرين هوية َمن بد�أ بت�صفيتنا
ﻜﺘ
ح ًقا؟! تظنني �أنّ البوم الهالك ال يعلم بهوية َمن ق�ضى على ن�صف
�سربه؟»
�أجابت يف هدوء و�صوت حاولت �أنْ يظهر احلزم فيه« :كان هذا
�إجراء �ضروري �ضد التهديد الذي جاء يطال مملكتي ..ولكني �أدركت
بعدها �أنكم ال متثلون تهديدً ا وتركتكم يف حال �سبيلكم! لقد مرت
ع�شر �سنوات منذ هذه احلادثةَ ..مل تتحدث عنها الآن؟!»
أدركت ب�أننا نفوقك قوة ولهذا ترك ِتنا يف حال �سبيلنا.
-بل � ِ
101
وا�ضحا يف عينيهاَ ِ :
«ل ً نه�ضت ليالك واقفة وقد تبدى الغ�ضب
حتا�سبني على �أمر كهذا؟! لقد حدث هذا منذ زمن بعيد! نحن هنا
الآن من �أجل االتفاق الذي عقدناه ووافقتم عليه».
نظرتك عنا �أبدً ا ..كم مرة علينا �أنْ نخربك
ِ أنت ال تغريين
ِ �-
ب�أننا ل�سنا قتلة م�أجورين؟ نحن نفعل ال�صواب �أيتها امللكة..
نحن ال نقتل من �أجل الذهب وحده!
-ما الذي تريدونه � ًإذا؟!
-نريد �إحقاق العدالة ..وهذه العدالة تتجلى يف �أنْ يتم �إق�صا�ؤك
ﻋﺼ
أنت ومي�ست ِمن �أي �سلطة.
ﲑ ﺍﻟ � ِ
ﻜﺘ
-لـ ...ملاذا وافقتم على طلبي � ًإذا؟ َومن الذي �سيحكم اململكة؟!
ﺐ ﻟﻠﻨ
نه�ض امللثم واق ًفا ،هم�س« :كان من ال�ضروري تدبري هذا ليت�سنى
للملك ر�ؤيتك على حقيقتك ..هذا ي�ساعده على اتخاذ قرار �سليم ما
كان �سيتخذه حتت ظروف �أخرى» ..ثم ا�ستدار ورفيقه من�صر َفني..
أنك
�أما �إيدن ..فاقرتب منها ليقول يف غ�ضب وانك�سار« :ال �أ�صدق � ِ
عر�ضت الذهب لقتلي� ..أنا ..ال �أ�صدق».
ِ
�أجابت ب�صوت ي�شوبه الرعب�« :أنا ..مل �آمر بـ ..قتلك».
تدخل ريجان« :امللكة ليالك يجب �أن ُتعا َقب».
102
رد �إيدن ومل تفارق عيناه ليالك حلظة« :بالطبع ..ال ميكن �أنْ متر
فعلة كهذه دُون عقاب».
ا�ستدار من�صر ًفا وتبعه ريجان� ..أما ليالك ..فظلت يف ذلك القبو
الذي جعله �إيدن �سج ًنا لها.
n
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
103
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل السابع
اإلرث المحظور
�صباح اليوم التايل ،ويف قلعة القمم الدخانية ،وقفت فيوال تنوح
على بوابة القلعة حتى ي�سمحوا لها مبقابلة الأمرية �أوفيليا ..لقد
ﻋﺼ
حلقت ب�آيري�س ولكن الأخرية �سبقتها واختفت يف داخل القلعة.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
وحني �أدركت �أن ال �سبيل لل�سماح لها� ،أخذت تتو�سل �إىل املارة
ليو�صلوا ر�سالتها -ال�شفهية طب ًعا� -إىل الأمرية ..وبالفعل ،وجدت َمن
ﺐ ﻟﻠﻨ
يو�صل تلك الر�سالة ..و�أدركت ب�أنها و�صلت حني جاء �أحد احلرا�س
ﺸﺮ
ويف بهو القلعة الوا�سع ،وقفت قبالة الأمرية بينما ترتع�ش �أو�صالها..
ﺯﻳﻊ
كانت املرة الأوىل التي تزور فيها مكا ًنا كهذا ..وزادت رهبتها �إثر
ر�ؤية الأمرية �أوفيليا ..الآن تدرك �أنّ �سي�سيل مل ي� ِأت �إىل هنا من �أجل
العبث� ..أمرية كهذه ال ميكن العبث معها �أبدً ا.
اقرتبت منها الأمرية لتهم�س�« :أخربتني �إحدى اخلادمات ب�أنك
تعلمني �شي ًئا عن �شخ�ص ين�شر و�شوم القلعة».
قالت فيوال ب�صوت مرجتف« :نـ ..نعم ..هـ ..هناك خادمة تعمل
و�شوما غريبة يف كل مكان..
عندك ..ا�سمها� ..آيري�س� ..إنها تر�سم ً
105
�إنها ..ال تزور مكا ًنا �سوى القلعة ..ولهذا ..ظننت �أنّ من واجبي �أنْ
�أخربك بالأمر».
لك �أنْ تهدئي ً
قليل؟ ِ َل كل هذا اخلوف؟ �أنا لن �أ�ؤذيك. -هل ِ
أرجوك ..ال تخربيه ب�أين
� -سي�سيل� ..سيقتلني �إنْ علم بالأمرِ � ..
�أخربتك بالأمر!
� -سي�سيل؟
� -أنا ..زوجته.
ﻋﺼ
�أوم�أت �أوفيليا تفه ًما ،ثم عادت ت�س�أل« :ا�سمعيني ..ال توجد هناك
ﲑ ﺍﻟ
و�شوم تخ�ص القلعة ..ولكن يبدو �أنّ �آيري�س ت�أثرت ً
قليل مبا تراه من
ﻜﺘ
كنت
�شعرت فيوال بخيبة �أمل كبرية ،لكنها قالت�« :أنا �أعتذر �إنْ ُ
ﺸﺮ
-لكن ..كيف قامت �آيري�س بن�شر هذه النقو�ش؟ هل متلك �أورا ًقا
وكت ًبا يف بيتها؟
-ال ..ولكنها تر�سمها على اجلدران بالطب�شور ..وتقول ب�أنها
تعلمتها من قلعة القمم الدخانية ..هناك من بد�أ بتقليدها يف
احلي ..و�أخ�شى �أنْ متتلئ جدران احلي بها.
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ تهم�س« :ال ميكن �أنْ ينجح �أحد
�أخذت �أوفيليا ً
يف تقليد �آيري�س ..تعلمني �أنها متلك موهبة ر�سم عظيمة ال ي�ضاهيها
106
فيها �أحد ..لقد و�صلت ر�سالتك ..و�أمتنى �أنْ تغربي عن وجهي لأين
�أكره الكذب ج ًّدا».
ات�سعت عينا فيوال رع ًبا وهي ترتاجع خطوة �إىل الوراء ،ثم هم�ست
قبل �أنْ تبتعد�« :أنا �آ�سفة على ت�ضييع وقتك الثمني �أيتها الأمرية!
�ساحميني!»
ولكن �أوفيليا تابعت �سريها م�شيحة بب�صرها عنها ..كانت واثقة
ب�أنّ �آيري�س تفي بوعودها دائ ًما ..لقد وعدتها ب�أنها لن تخرب �أحدً ا عن
الو�شوم ..من املُحال �أنْ تر�سم �آيري�س الو�شوم على جدران احلي كما
ﻋﺼ
َت ّدعي تلك الفتاة اله�ستريية الكاذبة ..ولكنها تدرك � ً
أي�ضا �أنّ �آيري�س ﲑ ﺍﻟ
يف احلقيقة طفلة ..عقلها عقل طفلة يف الرابعةِ ..ومن املحتمل �أنْ
ﻜﺘ
تكون قد �أف�شت عن الأمر دُون ق�صد ..وما دامت هناك فتاة تنبهت
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
أي�ضا ..ولهذا� ،أخذت فمن املحتمل �أنْ يتنبه غريها � ً�إىل الو�شومِ ..
�أوفيليا تفكر يف حل ج ّدي ملنع احتمال كهذا.
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
بتدمري العامل.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
� -أنت جتعلني �أ�شعر ب�أ�شد الندم لأين ظننت ب�أنّ من الإمكان
الوثوق بك.
-ال �أريدك �أنْ تندم� ..أريد �أنْ �أفعل هذا حتت �إ�شرافك� ..أريد
م�ساعدتك.
-ال ميكنني م�ساعدتك.
-ال �أريد منك �أنْ تعلمني �أي �شيء ..ما �أريده منك هو �أنْ �أبقى
اجنرفت دُون وعي.
ُ حتت رقابتك لتوقفني �إنْ
109
-و�سرتيد مني �أنْ �أ�سمح لك باالطالع على املكتبات ال�سرية
� ً
أي�ضا� ..سرتيد مني �أنْ �أخرق قوانني ال�صومعة وكل مبادئي
وعهودي.
-وهل �سترتكني �أبحث عن طريقة �أخرى من وراء ظهرك؟
-لن �أفعل� ..أعلم مدى عنادك.
ً � -إذا� ،أنت موافق على خرق القوانني من �أجلي.
وعلي قتلك �إنْ ر�أيتك مو�ش ًكا على عبور بوابة اجلحيم.
َّ -
ﻋﺼ
ارت�سمت ابت�سامة على وجه �سي�سيل وهو يقول�« :شك ًرا».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
� -أنا ال �أمزح� ..س�أقتلك بيدي دُون تردد �إنْ لزم الأمر.
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل يوافق على قرار كهذا لأن �سي�سيل �أجربه ..ففي داخله ،تكمن ذرة
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
من الت�شجيع لدفع �سي�سيل التخاذ هذا القرار ..كل ما يف الأمر هو �أنه
مل ي ُكن يريد �أنْ يتحمل ذنبه ..مل ي ُكن يريد �أنْ يحكم عليه بالهالك
بنف�سه� ..أما الآن ،فيمكنه �أنْ يتنف�س ال�صعداء لأنه مل يحكم على
�سي�سيل باملوت ..ف�سي�سيل اختار الأمر بنف�سه� ..صحيح �أنه �سينق�ض
القوانني ،ولكنه �سيفعل هذا مل�صلحة ال�صومعة� ..سيكون �سي�سيل هو
الأداة التي �سيتمكنون خاللها من فر�ض املنع على الو�شوم املحظورة..
فكيف ميكن �أنْ يتم القب�ض على َمن يجيد هذه الو�شوم دُون اال�ستعانة
َمبن يفهمها؟ رمبا كان من املُحال �أنْ يقدر فرد عادي على مواجهة
110
n
الأمرية �أوفيليا والقب�ض عليها متلب�سة بجرميتها ..ولهذا ،ال ُب َّد �أنْ
ي�شرف على جتنيد َمن يقدر على ذلك.
ارت�سمت ابت�سامة على وجه �أوفيليا وهي تقول« :رمبا ذهب �إىل
ﺯﻳﻊ
القرب � ًإذا».
ت�ستطع �أنْ تتفادى ال�صفعة التي لفحت خدها.
ومل ِ
أنت تتذكرين
�أخذت بري�شيليا ت�صيح�« :أجيبيني! ما الذي فعلته؟! � ِ
تهديدي ال�سابق� ،صحيح؟ �س�أخنقك يف نومك! �س�أخنقك!»
و�ضعت �أوفيليا يدها على خدها امللتهب وهي ترمق �شقيقتها
الهائجة بنظرات هادئة تختزن الكثري.
111
هم�ست« :حاويل» ،ثم تنحت جان ًبا وابتعدت.
�أما بري�شيليا ،فابتعدت م�سرعة �إىل جناحها ،تلحق بها و�صيفتها
املرتعدة -كالعادة -وهناك ،جتازوت ال�صندوق الذي فا�ض باخليوط
الذهبية ..دُون �أنْ تلقي له ً
بال.
بادرت �إيفي باحلديث لتخفف من انفعالها« :لقد و�صلت الدفعة
الأوىل من خيوطك الذهبية يا �أمريتي ..هل �آمر اخلادمات ب�إح�ضار
القما�ش و�إبر التطريز؟»
أنت!
-ال �أريدها! خذيها � ِ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
اقرتبت منها �إيفي لتقول يف هدوء« :ما تفعلينه خاطئ يا �أمريتي..
ﻜﺘ
ال�صفعة!»
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
أنك ال ترين نف�سك يا �أمريتي.
ﲑ ﺍﻟ -ل ِ
قالت بنظرة �سارحة« :ما �أ�شعر به ..هو �أين كنت �ضائعة
ﻜﺘ
ومتخبطة ..مل �أ ُكن واثقة ح ًقا مما كنت �أريده ..يف داخلي ..كنت
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -أريد �أنْ �أكت�شف عامله ..ذلك ال�شاب الب�سيط� ..أريد �أنْ �أحتدث
معه� ..أريد �أنْ �أعرف كيف يعي�ش حياته الب�سيطة.
تابعت بعد حلظة �صمت�« :صرت �أكره العي�ش يف هذه القلعة بعد
ر�ؤيته� ..أ�شعر ب�أين ال �أعي�ش احلياة على حقيقتها».
-هل تظنني ب�أنّ حياته ب�سيطة ح ًقا يا �أمريتي؟ حياته �أكرث
تعقيدًا من حياتك مبراحل ..جميع الب�سطاء يعي�شون حياة
معقدة� ..إنهم يفكرون يف �أمور تظنينها ُو ِجدت مبح�ض
113
يوما يف كيفية احل�صول على
فكرت ً
الفطرة �أو ال�صدفة ..هل ِ
قوت يومك؟ هذا �أب�سط مثال.
لكنك مل تنظري �إىل عينيه يا �إيفي� ..إنه خمتلف ..ذلك العمق
ِ -
يف عينيه ..ال �أعرف كيف �أ�صفه.
-جميع الفقراء ميلكون مثل تلك النظرة يا �أمريتي ..كل
أنك مل حتدقي يف عيونهم مبا يكفي ..و�أنا ما يف الأمر هو � ِ
إليك،
�أتفهم �سبب اجنذابك �إليه ..لقد �ش ّدك لأنه مل يلتفت � ِ
بك ..قد يبال بجمالك بينما كان اجلميع يحدقون ِ �صحيح؟ مل ِ
ﻋﺼ
يكون ت�صرفه هذا غري ًبا ولكنه لي�س مرب ًرا لردة فعلك املبالغ
ﲑ ﺍﻟ
فيها ..رمبا كان قد جاء �إىل القلعة تار ًكا والدته �أو �شقيقته
ﻜﺘ
ولكنك �أمرية..
ِ عائلته ..ال ُب َّد �أنه يعي�ش حياة معقدة ح ًقا..
أنت يف م�ستوى يفوق م�ستواه مبراحل ..ال ميكنك �أنْ تنحدري � ِ
ﺸﺮ
114
� -أنا ال �أريده �أنْ ُيعجب بي.
أنك ترغبني
يقحمك يف حياته ويفتح لك قلبه ل ِ ِ -تريدين �أنْ
بك يا �أمريتي� ..إنه لي�س �سبيكة
يف ذلك وح�سب ..لن يرحب ِ
ميكنك �أنْ تتوقعي �أنْ يحدث
ِ ب�شري ..وال
ذهب متتلكينها! �إنه ّ
أنك ترغبني بذلك! ال تفكري كما يفكر �أغلب ما تريدين ل ِ
الأغنياء.
حلت وهلة من ال�صمت مل تعرف بري�شيليا كيف تخرقها ..ولكن
التعبري املرت�سم على وجهها كان ي�شي بال�ضياع امل�شوب باحلزن.
ﻋﺼ
عليك �أنْ تدركي �أنّ
أرجوكِ ..
ﲑ ﺍﻟ
ربتت �إيفي على كتفها وهي تهم�سِ �« :
ﻜﺘ
-ح�س ًنا� ..س�أحاول جتاهله ..ولكني �أريد �أنْ �أطمئن �أنه بخري
ﺸﺮ
ﻋﺼ
�صاحت وهي تندفع نحوه�« :سي�سيل! لقد ا�شتقت �إليك! ال �أ�صدق
ﲑ ﺍﻟ �أنك قد عدتَ �أخ ًريا!»
ﻜﺘ
كانت تر�سم ابت�سامة بلهاء على وجهها ..بينما تكاد عيناها تذرف
ﺐ ﻟﻠﻨ
رفع ب�صره جلزء من اللحظة قبل �أنْ يعيده �إىل كتابه ..ومل يرد
جوا ًبا.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ولكنه مل يتوقع �أنْ ما فعله للتو �سيدفعها �إىل اتخاذ قرار جديد هذه
ﺐ ﻟﻠﻨ
املرة ..لقد قررت �أنه يحتاج �إىل بع�ض التهذيب ..و�ستبد�أ يف البحث
ﺸﺮ
عليه ..يجب �أنْ يف�شل يف �إيجاد العالج الذي يبحث عنه ..يجب �أنْ
ﺍﻟﺘﻮ
n
ﺯﻳﻊ
117
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل الثامن
االختفاء
ﻋﺼ
مثلما يخ�شى جتاهلها ..ولكن الدقائق التي كان يفتح فيها باب القبو
ﲑ ﺍﻟ
-لإي�صال طعامها� -صارت تطول �شي ًئا ف�شي ًئا ..ويف النهاية� ،أقنعته
ﻜﺘ
كانت يف القلعة ..لقد طلبت منه �أنْ ي�أتيها بعدة كتابة و�أنْ يتوىل مهمة
ﺸﺮ
�إر�سال ر�سالتها �إىل �صومعة الق�ضاة ..وحتديدً ا� ،إىل الأمري مي�ست..
تخربه فيها ب�أنها تتعفن يف قبو معزول بينما يعيث �إيدن وريجان
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ف�سادًا يف اململكة.
ﺯﻳﻊ
119
�إىل امللكة ليالك..
�أكتب هذه الر�سالة بكل ما يف الأمر من خماطرة لأين �أثق ب�أنك
الوحيدة القادرة على الت�رصف بحكمة.
احلدادين ..مفادها ب�أنه يعمل على لقد �سمعت �إ�شاعة عن رئي�س ّ
ت�صميم دروع قوية قادرة على مقاومة احلرارة العالية ..مملكة القمم
نادرا ..قد ترين �أين �أتوهم ،ولكني ال الدخانية ال ترى ال�شم�س �إال ً
�أخطئ يف هذه الأمور ..هناك خمطط لغزو مملكتنا ..عليكِ � ْأن تفعلي
كل ما يف و�سعك لإعادة تهيئة اجلنود ..وعليكِ � ْأن تفعلي هذا مب�ساعدة
n ﻋﺼ
ريجان ..عليه � ْأن ير�ضخ ويفهم ..يجب � ْأن جنهز دفاعاتنا.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
يف �صومعة الق�ضاة ،ويف �أحد الأقبية ..جل�س �سي�سيل وحيدً ا،
حماطا ب�أكوام من الكتب �شبه املهرتئة ..لقد مر �شهر كامل منذ ً
ﺸﺮ
�أنْ اتخذ قراره با�ستك�شاف الإرث املحظور ..والآن� ،صار يدرك ب�أنّ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
أي�ضا ي�ؤمن ب�أنه على الطريقالإم�ساك بخيط �أفلت �آخر ..ولكنه كان � ً
ال�سليم ..عليه �أنْ يت�شتت و�أنْ يف�شل ..هذه مراحل ال ُب َّد منها ..ما يهم
هو ال�صرب واال�ستمرار.
مل ي ُكن يعكر �صفوه �سوى ر�سائل بري�شيليا التي تكاثرت يف الآونة
الأخرية ..يف كل مرة كان يعود لبيته يجد ر�سالة منها ..مل ت ُكن فيوال
جتيد القراءة ،ولكن نظرات عيونها املت�شككة مل تغب عنه وهو ميزق
الر�سائل بعد قراءتها.
120
جميعها كانت ر�سائل بال معنى -بر�أيه -ت�س�أله عن �أحواله و�إنْ كان
ب�صحة جيدة ..مل يرد �أي جواب ..وكان يت�ساءل يف داخله عن ال�سبب
الذي يجذب البلهاوات �إليه.
ولكن هذا مل ي ُكن ر�أي فيوال التي �صارت تراقبه دُون كلل ..ترت�صد
لكل حركة من حركاته ..حتاول ا�سرتجاع ما كانت تتعلمه يف درو�س
القراءة لتعرف ماذا يفعل! ت�شتم غباءها و�إهمالها وتعيد املحاولة..
وكرثت املرات التي كان ي�أتي ليجدها حتملق يف كتبه و�أوراقه ..ولكنه
مل ي ُكن يلقي لها ً
بال.
ﻋﺼ
مل ي ُكن يلقي ً
بال لأي �شيء �سوى كتبه ..حتى تلقى تلك الر�سالة من
ﲑ ﺍﻟ
الأمرية -التي �سماها يف داخله بالأمرية البلهاء-
ﻜﺘ
�سي�سيل..
ﺐ ﻟﻠﻨ
ال �أعلم ِ َل ال ترد على �أي من ر�سائلي ..ولكني �أظن ب� ّأن هذا الأمر
ﺸﺮ
بيتها ..ولكن والدتك �أخربتها ب� ّأن �آيري�س مل َت ُعد �إىل البيت منذ ع�رشة
ﺯﻳﻊ
121
أخذت الطعام �إىل �آيري�س ليلة �أجابها ب�س�ؤال فاج�أها« :هل � ِ
البارحة؟»
جاء ردها فور ًيا« :بالطبع! �أنا �آخذ الطعام �إىل هناك يف كل يوم!»
أيت �آيري�س؟
-هل ر� ِ
هنا� ،أح�ست ب�أنّ هناك ما يريب يف �س�ؤاله ،ف�أجابت« :مل �أرها
ليلة البارحة ..هل حدث �شيء ما؟»
-متى كانت �آخر مرة ر�أي ِتها فيها؟
ﻋﺼ
�أجلمها �س�ؤاله ..ومل تعرف ما اجلواب الأن�سب حتى ال تف�ضح
ﲑ ﺍﻟ كذبتها..
ﻜﺘ
�شتمتك
ِ � -أنا �أتذكر� ..أخرب ِتني قبل ثالثة �أيام ب�أنّ �آيري�س
ﺍﻟﺘﻮ
n
ؤجل ذلك ..واجته مبا�شرة �إىل معلمه ً لكنه ان�صرف
العجوز� ..سريو�س.
للبحث عنها.
ﺸﺮ
حار�سا يقف
� -أنا ال �أ�ستطيع م�ساعدتك! �أال تفهم؟ �أال ترى كم ً
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
-قد يبدو لك كعذ ٍر ولكنه �أولويتي� ..شقيقتي �أكرث �أهمية من
ﲑ ﺍﻟ
ال�صومعة مبا فيها.
ﻜﺘ
والعلم واحلكمة.
ﺸﺮ
ﻋﺼ
ك�شر �سي�سيل جمي ًبا« :قر�أت عنه ..و�شم �شديد التعقيد وغام�ض
ﲑ ﺍﻟ
الظروف� ..إجادة و�شم كهذا �سيتطلب �شهو ًرا».
ﻜﺘ
� -سيتطلب يومني �أو ثالثة فقط �إنْ كنت تفعلها من �أجل
ﺯﻳﻊ
�شقيقتك.
-وهل ي�ستحق الأمر �أنْ �أخاطر ب�إ�ضاعة هذه الأيام؟
-وهل تف�ضل �أنْ تق�ضي �أ�ضعاف هذه الأيام ت�سري فيها على
قدمك بح ًثا عنها؟ هل تت�صور َكم الأماكن التي ميكنك البحث
فيها �إنْ �أجدت الو�شم؟ ميكنك �أنْ تزور ع�شرات الأماكن
-مهما بلغت امل�سافات بينها -يف يوم واحد!
125
مل يرد �سي�سيل جوا ًبا ..لقد �أدرك �أنّ ن�صيحة �سريو�س هي احلل
�سالحا جبا ًرا ..ولهذا �سي�سهر الليلة
ً الأمثل ..فالتنقل الآين �سيكون
ليدر�سه و�سي�ستهلك الكثري من الأوراق يف حماوالت �إتقانه ..بالفعل،
n
�سالحا جبا ًرا -و�إنْ �صح القول� -سيكون جبا ًرا
ً �سيكون هذا الو�شم
�أكرث من الالزم.
ﻋﺼ
يغفو� ،أخرج الر�سالة التي ا�ستلمها قبيل عودته ،وق ّربها من ال�شمعة
ﲑ ﺍﻟ
الوحيدة امل�شتعلة قرب ر�أ�سه ..زفر بعمق بعد قراءة كلمات ليالك..
ﻜﺘ
هم�س« :تلك احلمقاء ..لقد حذرتها مرا ًرا من اللجوء �إىل البوم
ﺐ ﻟﻠﻨ
الهالك».
ﺸﺮ
�أراح ر�أ�سه على الو�سادة اخل�شنة وهو يغم�ض عينيه ..ولكن كلمات
ﻭ
n
�سواها؟ يجب �أنْ يك�سب دعمها ..هي وحدها من تقدر على �إيقاف
احلرب ..وفاتَه �إنّ الذكاء والطموح هما منبع هذه النية.
وقفت فيوال ،تت�أمل ذلك الر�سم الذي ملأ كل الأوراق التي تكومت
يف زاوية القبو ..لقد مر يومان ..ق�ضاهما �سي�سيل يف ر�سم ال�شيء
ذاته ..انتف�ضت حني �سمعت �صرير الباب ..وابتعدت عن تلك الزاوية
ﻋﺼ
أتيت
لرت�سم ابت�سامتها الوا�سعة وهي تقول مرحبة به�« :أوه ..لقد � َ
ﲑ ﺍﻟ
مبك ًرا ج ًّدا! لكنك تبدو متع ًبا!»
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ارت�سم على وجهها احلزن وهي ت�س�أله« :ملاذا؟ ملاذا ال تريد تناول
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
الع�شاء معي؟»
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
قبل �أنْ ي�شمر عن �ساعده الأي�سر ..لن يخطئ ..لقد متكن من �إتقان
ﲑ ﺍﻟ
هذا الو�شم -كان و�ش ًما �صغ ًريا ..ومل يعرف َمل كان يعتقد ب�أنه
ﻜﺘ
�سي�أخذ الكثري من وقته ح ًقا� ..صحيح �أنه وجد بع�ض التناق�ض فيما
ﺐ ﻟﻠﻨ
�إنه يحتاج �إىل هذا الو�شم ..وال وقت لديه ليتعمق يف تفح�ص تلك
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
اخل�صائ�ص الآن.
ﺯﻳﻊ
�أغم�ض عينيه بقوة حني �أح�س بوخزة تلك الإبرة ..ولكنه �أعاد
فتحهما عنوة ..ال ُب َّد �أنْ يرى م�سار الإبرة جيدً ا حتى ال يخطئ يف
ً
�ضاغطا على �أ�سنانه ..وا�صطفت على ذراعه النقاط الر�سم ،تابع..
واختلط ال�سائل القاين بقطرات من دمه ..وحني اكتمل ال�شكل
الرباعي الأخري� ..سقطت الإبرة من يده لي�شعر بت�شنج �شديد يع�صف
بع�ضالته� ..أغم�ض عينيه بقوة مان ًعا نف�سه من ال�صراخ ..ومرت
حلظات الأمل -التي بدت ك�ساعات طويلة -لينتهي هذا الت�شنج
128
�أخ ًريا ..لقد اختفى من القبو تار ًكا �أوراقه و�إبرته وراءه ..لقد جنح يف
�إتقان و�شم التنقل الآين.
وحني عادت فيوال �إىل القبو ..فوجئت باختفائه ..وارت�سم الرعب
على وجهها للحظات ..لقد كانت تراقب املدخل طوال الوقت ..من
املُحال �أنْ يكون قد خرج! لكن م�شاعرها �سرعان ما تبدلت جمددًا
حني وجدت �أنّ هذه هي الثغرة التي كانت تبحث عنها.
أي�ضا -لتخرب�ستنطلق �إىل �صومعة الق�ضاة -ورمبا �إىل القلعة � ً
ﻋﺼ
اجلميع ب�أنه اختفى �أمام ناظرها� ..ست�أخذ معها �أوراقه لرتيها �إياهم..
ﲑ ﺍﻟ
أي�ضا ب�أنه �صفعها وذبح �شقيقته قربا ًنا بعد �أنْ �سرق
ورمبا ت ّدعي � ً
ﻜﺘ
بع�ض الذهب ..هذه املرة� ،سيكون معها دليل ملمو�س �سيجعل حكماء
ﺐ ﻟﻠﻨ
كاف ليفهموا كيف اختفى وليتخذوا قرا ًرا ال�صومعة ينتف�ضون ..دليل ٍ
n
ﺸﺮ
حني فتح �سي�سيل عينيه جمددًا ..وجد نف�سه يف مكان مل يره من
قبل� ..سماء �صافية� ..شم�س خجول مو�شكة على املغيب ..وبيوت
خ�شبية ا�صطفت يف غري ترتيب ..ال �أثر لأي جبال حوله ..نه�ض واق ًفا
حني تنبه �إىل �أنه ي�ستلقي يف منت�صف الطريق املمهد باحلجارة..
ي�ستطع �أنْ يبعد عينيه عن
حاول �أنْ ال يثري ال�شبهة بف�ضوله ..ولكنه مل ِ
املارة�« ..أي قوم ه�ؤالء؟! كانت �أ�شكالهم خمتلفة ..لون ب�شرتهم يفتقر
129
�إىل ال�شحوب الذي يتميز به قومه� ..شعرهم مييل �إىل درجات البني
متاما للون �شعره فاحم ال�سواد ..حتى يف حديثهم
والأحمر املغايرين ً
كانوا ي�ستخدمون لغة خمتلفة.
n
لقد جنح و�شمه ح ًقا ..ولكنه مل يق ّربه قيد �أمنلة من �شقيقته ..بل
�أبعده كث ًريا ..كث ًريا ج ًّدا.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
130
n
الفصل التاسع
لقاء الساحرة
امتلأ �صدر �سي�سيل بالقهر واحلنق وهو يلعن نف�سه ومعلمه على
اتخاذ هذا القرار املتهور ..كان يجل�س على قارعة الطريق عاج ًزا عن
ﻋﺼ
فعل �أي �شيء ..يفكر يف �شقيقته ..يفكر يف طريق عودته ..يفكر يف
ﲑ ﺍﻟ
احلقائق التي قر�أها حيال هذا الو�شم ..ويفكر يف كيفية التفاهم مع
ﻜﺘ
�إىل �أحدهم!
ﺸﺮ
كان جائ ًعا ..وكان ي�شعر بنعا�س �شديد كونه ق�ضى الليلة املن�صرمة
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
يف الر�سم على �ضوء ال�شموع� ..أرجع ر�أ�سه �إىل الوراء لي�ستند �إىل
ﺯﻳﻊ
اجلدار خلفه ..ومل ي�شعر بنف�سه حني غفا غفوة طويلة مل يوقظه منها
�إال �شقاوة بع�ض ال�صبية الذين �أخذوا ير�شقونه باحلجارة يف ال�صباح
الباكر ..والذين الذوا بالفرار فو ًرا حني ر�أوه يفتح عينيه.
نه�ض ليتجول يف البلدة ..عله يفهم �شي ًئا على �ضوء ال�شم�س
املنرية ..تعجب من �صخب ال�سكان ومن االزدحام الذي مل يره ليلة
البارحة ..وتعجب �إثر �أمر �آخر الحظه للتو ..هناك ما ي�شبه ال�ضوء
اخلافت حول ر�ؤو�س املارين� ..ضوء خافت يختلف يف لونه و�شدته
131
من �شخ�ص �إىل �آخر ..حاول �أنْ ي�سري دُون �أنْ يثري الف�ضول بحملقته
فيهم ..ومل يتوقف �إال عندما وجد نف�سه يف �ساحة مفتوحة� :ش ّبان
دروعا ..رغم حداثة �سنهم� ..آخرون يلوحون ب�سيوف خ�شبية.. يرتدون ً
جتمع بع�ضهم يت�ضاحكون �أو يت�شاجرون يف جمموعات �صغرية بينما
تفرق �آخرون بدا عليهم ال�ضياع ..بدا له املكان �أ�شبه ب�ساحة تدريب
ع�سكري ..ومل تغب عنه نظراتهم امل�ستنكرة لوجوده ..ومل يدرك مدى
غرابة تواجده هنا �إىل �أنْ قب�ضت على كتفه يد حديدية لرجل �ضخم
البنية �أخذ ي�صرخ فيه ب�صيغة مت�سائلة.
ﻋﺼ
مل يرد �سي�سيل جوا ًبا ..كان يدرك ب�أنّ الرجل ي�س�أله عن هويته �أو
ﲑ ﺍﻟ
�سبب تواجده ..ولكنه مل يعرف كيف ي�صوغ له اجلواب املنا�سب.
ﻜﺘ
مل ينتظر ال�ضخم كث ًريا ..بل دفع �سي�سيل دف ًعا لي�أخذه �إىل �أكرب
ﺐ ﻟﻠﻨ
ب�شرة �شاحبة ت�شبه �شحوب ب�شرته ،و�إنْ امتلأت بالتجاعيد ..وكان لها
يوما
�شعر من�سدل بالغ الطول ،اختلط بيا�ضه ب�سواده الذي كان فاح ًما ً
ما ..ومل ي ُكن هناك �أي �ضوء يحيط بر�أ�سها كالبقية ..رفعت عينيها
�إليه ..ثم �س�ألته«َ :من �أنت؟»
ارت�سمت على وجهه �أمارات التعجب� ..إنها جتيد لغته!
أنت؟»
�أجاب« :ا�سمي �سي�سيلَ ..من � ِ
132
انفرجت �شفتيها عن ابت�سامة ك�شفت بع�ض التجاعيد العميقة على
جانبي فمها ..ثم �أجابت�« :أنا �إينور ..ويلقبونني هنا بال�ساحرة»..
ثم �أ�شارت �إليه ليجل�س« :من املثري �أنْ �أجد �أحد �أبناء قومي هنا..
تف�ضل� ..أود �أنْ �أ�سمع حكايتك».
واقرتب رويدً ا ليجل�س على ذات ال�سجادة ..وقرر �أنه �سيخربها
باحلقيقة ..لقد بدت له ككبرية القوم هنا ..ثم �إنّ تلك الكتب املتك ّومة
حولها �أعطتها مل�سة من العلم والعقالنية ..وبعد كل �شيء ،ال �أحد
�سواها قادر على فهم و�ضعه هنا.
ﻋﺼ
ثم بد�أ يف�صح عما لديه ..ي�سرد حكايته منذ دخوله ال�صومعة
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
وحتى انتقاله �إىل هذا املكان الغريب ..ومل ي َر �أي عالمة من عالمات
التعجب على وجهها ..بل ا�ستمعت �إليه يف هدوء وانتظرته حتى ينتهي
ﺐ ﻟﻠﻨ
أنت � ً
أي�ضا �إىل هنا بالو�شم ذاته؟» انتقلت � ِ
ِ �س�ألها« :هـل
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
�أعلم �أنّ و�شم التنقل الآين �سينقلني عرب الأبعاد قبل �أنْ �أ�ستخدمه».
ﲑ ﺍﻟ
ات�سعت عيناه ده�شة وهو يردد« :عرب ..الأبعاد؟ ما الذي تق�صدينه
ﻜﺘ
بالأبعاد؟!»
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
-هناك العديد من االختالفات ال�سطحيةً ..
مثل� ..صارت ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
معدتي ال تتحمل بع�ض الأطعمة التي كنت معتادة على تناولها
يف عاملي ..و�صار �شعر ر�أ�سي ينمو ب�صورة غريبة منذ �أنْ
ﺐ ﻟﻠﻨ
انتقلت �إىل هنا� ،أحتاج �إىل ق�صه كل �شهر و�إال جتاوز طوله
ﺸﺮ
�أ�سفل ظهري.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
مثل� ..صرت قادرة على ر�ؤية ما ي�شبه الهالة حول ر�ؤو�س ه�ؤالء ً
النا�س� ..أ�ستطيع معرفة م�شاعرهم من �ألوان هذه الهالة ..ولكن يبدو
�أنّ هذه القدرة ال ت�سري على �سكان عاملي ..ف�أنت �أول ب�شري �أقابله
هنا دُون هالة».
الآن �أدرك �أنها ت�شري �إىل ذلك ال�ضوء امللون الذي ر�آه يحيط
بر�ؤو�س اجلميع �سواها ..و�أدرك ال�سبب وراء كونها ا�ستثنا ًء.
135
-ولكن لعل �أبرز االختالفات بني العاملني هو �سرعة مرور الزمن.
انتف�ض �إثر ذكر �سرعة الزمن� ،س�ألها« :وهل عاملنا هو الأ�سرع؟»
يوما
-كال ..هذا العامل �أ�سرع بكثري ..فعام كامل هنا يعادل ً
واحدً ا فقط يف عاملنا� ..س�أكون يف اخلام�سة والع�شرين من
عمري �إنْ كنت قد عدتُ �إىل عاملي.
-ولكنك مل تعودي.
-لقد ع�شت ثال ًثا و�أربعني ً
عاما بتمامها يف هذا العامل ..لو
ﻋﺼ
كنت يف عاملي ما كنت لأحظى بالفر�ص التي حظيت بها هنا..
ﲑ ﺍﻟ
�سرعة مرور الزمن قد تبدو فر�صة لنبدو �أ�صغر �أو نعي�ش
ﻜﺘ
كاد ي�س�ألها كيف ت�أكدت من ذلك وهي مل حتاول العودة �إىل عاملها
جمددًا ..ولكنه �أوم�أ تفه ًما ..ثم قال بعد وهلة �صمت« :قد يكون هذا
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
هو العامل الأف�ضل بر�أيك ..ولكني �أريد �أنْ �أعود �إىل عاملي».
ﺯﻳﻊ
136
-ال �أ�ستطيع التخلي عن املحاولة ما دامت هناك فر�صة ..مهما
بلغت �ض�آلتها.
-لي�ست هناك �أي فر�صة.
-هذا �أمر �أقرره وحدي.
-و�أنا ال م�صلحة يل يف تقرير قراراتك ..ولهذا �س�أ�ساعدك �إنْ
�أردت ..ولكن م�ساعدتي لي�ست باملجان.
-وما ثمنك؟
ﻋﺼ
� -أنا �أعمل الآن على و�صفة �شديدة التعقيد ..من �ش�أنها م�ضاعفة
ﲑ ﺍﻟ
ح�صلت على ما ينق�صني ..ف�س�أجنح يفُ ح�سا�سية الأفكار� ..إنْ
ﻜﺘ
�صمت �سي�سيل حلظة م�ستدر ًكا �أنّ لقب ال�ساحرة مل ُي َنح جزا ًفا
ﺸﺮ
لهذه املر�أة.
ﻭ
ﻋﺼ
� -أنا ال�شقيقة ال�صغرى للملك مريلني.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
n
يديها ..ولكنه ال ميلك الوقت الكايف ملزيد من الدرو�س الآن ..رمبا
يعود �إليها يف امل�ستقبل جمددًا ..رمبا.
ﻋﺼ
ال�صمت على اجلال�سني حوله ،امل�شيحني ب�أعينهم جتن ًبا النفجار
ﲑ ﺍﻟ
ملكهم.
ﻜﺘ
كانت جتل�س جواره ،ومل ي ُكن بحاجة �إىل رفع �صوته ح ًقا ،رفعت
ﺸﺮ
وما �إنْ انتهى �صرير الباب حتى عاد ليحدجها بنظرته الغا�ضبة:
ﺸﺮ
اتخاذ احلذر مع عدو مثله ..ال ميكن �أنْ يهرب �أحد من تلك
الزنزانة �إال �إنْ كانت وراءه جماعة قوية تدعمه ..جماعة يجب
�أنْ نهابها ح ًقا ..جماعة قمنا با�ستفزازها ب�سبب ق�سوتك الال
مربرة.
-و�أي �سطوة ميلكها البوم الهالك يف مملكتنا؟!
-ال ندري ..ولهذا ما كان علينا �أنْ نت�صرف بنا ًء على الظنون
وح�سب ..ال ميكن �أنْ ت�أمني عدوك �أبدً ا ..ولكن ميكنك
141
تطويعه لي�صري حليفك م�ؤقتًا ..ميكنك ك�سب وده حتى ال
�ضربت بهذه
ِ يراك فري�سته الأوىل حني ميلك القوة ..لقد
املبادئ عر�ض احلائط.
-وهل كان البوم الهالك حليفنا حني �أر�سلوا مَن يقتلني؟ العدو
أي�ضا يفكر مثلما نفكر ..وميكنه �أنْ ي�ستغل لي�س ً
طفل ..هو � ً
�سذاجتنا ليوهمنا ب�أنه حليف ..ثم ينقلب علينا لأننا كنا
�أغبياء حني مل ننقلب عليه يف �ضعفه.
� -أنا �أعرف �إيدن منذ كان ً
طفل� ..إنْ كان البوم الهالك ي�ستحق
ﻋﺼ
الق�سوة ،ف�إيدن ال ي�ستحقها.
ﲑ ﺍﻟ
-ال ميكن �أنْ ن�ضمن هذا �أبدً ا ..فهو مل َي ُعد ً
طفل.
ﻜﺘ
حججا �أكرث.
مفحمة و�إنْ كان مل يقتنع بحججها ،ولكنه مل ميلك ً
ﺸﺮ
يف داخله ،كان مبهو ًرا ،وت�ساءل �إنْ كان قائد جي�شه نف�سه ميلك
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
كل ..لقد م�ضى ما بل اكتفى برد �صارم �أراد به �إنهاء حديثه« ،على ٍ
م�ضى ..ولكن علينا �أنْ نذهب يف زيارة للملك �إيدن للتفاو�ض يف �أمر
الر�سالة ..ولتو�ضيح �أنّ القرار الذي رد عليه مل ي ُكن القرار الأخري».
� -أنا ..ال �أ�ستطيع الذهاب.
ً
مت�سائل« :ملاذا؟» ك�شر
-ال �أريد الظهور مبظهر البلهاء عدمية امل�س�ؤولية ..ال �أريد
مواجهته.
142
عليك �أنْ تكوين زفر بعمق وهو يقول�« :سيكون هذا ُجب ًنا ِ
منكِ ..
معي».
� -أبي� ..أرجوك ال جتربين على هذا.
� -سننطلق يف خالل يومني ..وال �أريد �أي نقا�ش حيال هذا الأمر.
قالها وهو ي�ستدير ليخرج ،تار ًكا �إياها وقد ارت�سمت يف عينيها
n
نظرة عميقة املعنى ..كانت تدرك �أنّ قرار والدها قطعي ..وكانت
جدا من هذه الرحلة.
منزعجة ًّ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
يف خيمة �إينور ،ويف نور �شموع كبرية �أ�شعلتها �إثر تخييم الظالم،
ﻜﺘ
جل�س �سي�سيل ،مم�س ًكا بكتاب �ضخم قر�أه مرات عدة بالفعل ..لقد
ﺐ ﻟﻠﻨ
م�ضى على وجوده هنا �ستة �شهور كاملة ..كان ع�س ًريا عليه �أنْ يتخيل
ﺸﺮ
عامله قبل عودته ..ولهذا ا�ستغل امتداد الزمن هذا ليتعلم املزيد..
ﺯﻳﻊ
ويف كل يوم من العامل اجلديد ،كانت تت�ضح له �أمو ًرا �أكرث ..لقد �صار
يتقن الكثري من الو�شوم بالفعل ،املحظورة وغري املحظورة ..و�سيعود
حت ًما �إىل هذا املكان جمددًا ..ولكن عليه � ًأول �أنْ يجد �شقيقته ..ورغم
ي�ستطع االنتظار �أكرث.
اعرتا�ض �إينور على عودته املبكرة ،ف�إنه مل ِ
وكما وعدته� ،أوفت بوعدها ..ف�أعطته زجاجة ال�سائل القاين
والإبرة ..ونبهته على تفا�صيل و�شم العودة ..ثم تركته وحيدً ا يف
اخليمة ..يهم بر�سم و�شمه ،هذه املرة ،بخوف �أكرب ،وبحر�ص �أكرب.
143
ومثلما وعدته ،تال�شى ..ثم وجد نف�سه يف مكان �سرعان ما �أ ِلفه..
�ضباب خانق يحيط به من كل جهة ..وبرودة جتمد العظام� ..إنه يف
�أعايل القمم الدخانيةً � ..إذا ،لقد َ�ص َد َقت ال�ساحرة.
ولكنه ال ي�ستطيع االن�صراف للبحث عن �شقيقته قبل �أنْ يتم
اتفاقه� ..سيكون عليه الآن �أنْ يجد وثيقة �إينور ..و�سيكون عليه �أنْ
كامل يف عاملها.. عاما ً
ي�سرع ج ًّدا ..فكل يوم مي�ضي هنا يعادل ً
n
وخطرت له بع�ض الأفكار ..لقد �أعادته ووفت بوعدها ،ف ِل َم عليه �أنْ
يفي بوعده؟ �إنه ال يحتاجها بعد الآن.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
كان الظالم قد حل ،وما زال �سي�سيل يتفح�ص طريقه ً
نزول..
ﻜﺘ
علم ب�أنه �صار الهدف الأول لرجال القلعةلأي حركة ..فقد كان على ٍ
ﺸﺮ
علم ب�أنه على الطريق ال�صحيح حني تبدت وال�صومعة ..و�صار على ٍ
ﻭ
له مالمح الغابة التي يقطعها ..رغم �أنها كانت خالية من الب�شر ،ف�إنه
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
يعلم ب�أنّ اخلطر يتعاظم كلما نزل �أكرث ..فاحلرا�س ينت�شرون على
املنهك حتى ملح ذلك الربج ،توقف طول ال�سفح ..ولكنه تابع �سريه ِ
�شاع ًرا بن�شوة االنت�صار امل�ؤقت ..لقد جنح يف الو�صول �إىل قلعة القمم
بعد بينما يختبئ خلف الدخانية ..يراقب �أ�سوارها اخللفية من على ٍ
جذع تنوب كبرية ..وهنا تب ّدت بع�ض الإجابات يف عقله.
« -لقد جعلتني �إينور �أ�سلك هذا الطريق لتجربين على تنفيذ
اتفاقنا � ًأول ..تلك اخلبيثة» ..ورغم انزعاجه ،ف�إنه كان يدرك ب�أنّ
ت�صرفها هذا ي�سمى حكمة ال خب ًثا ..فهي بحاجة �إليه وال ُب َّد �أنْ تتخذ
144
بع�ض الإجراءات لت�ضمن وفاءه ..هو يعلم �أنّ احلرا�س يحت�شدون عند
ال�سفح وعند البوابات ..ولكن ال حاجة �إىل حرا�سة قمم اجلبال التي
ال يعي�ش فيها �أي �إن�سي� ..إنهم يحر�سون القلعة من ب�شري ال من طائر
�سي�أتي ليحط من ال�سماء ..وكان هذا ما ا�ستغلته �إينور ..ف�سي�سيل لن
يقدر على الذهاب �إىل �أي مكان �سوى القلعة� ..سينفذ اتفاقه ثم يعود
n
�إليها لي�سلمها الوثيقة وبعدها فقط �سينتقل جمددًا �إىل مكان �آخر
�أكرث �أما ًنا.
ﻋﺼ
كان الليل قد انت�صف ،ومل ي ُكن قد مر زمن طويل على غفوة �إيدن،
ﲑ ﺍﻟ
ولكن -وككل ليلة -مل يهن�أ بغفوة طويلة دُون �أنْ ينه�ض يف جزع �إثر
ﻜﺘ
ذلك احللم ..هذه املرة ..كان اخلوف الذي اعرتاه �أعظم ..مد ذراعه
ﺐ ﻟﻠﻨ
ر�أى �أنها قادمة من الأمري مي�ست ..مل ي ُكن يعلم ب�أنّ امللكة ليالك قد
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
اطلعت عليها بالفعل ،فقد د ّبرت الأمر ليبدو �أنّ الر�سالة وقعت يف يده
ﺯﻳﻊ
n
ترجح
اخليار الثاين.
ﻋﺼ
جهيد ..وكان الزمن قد تكفل بتهتك التحامها بباقي الأحجار ..لوال
ﲑ ﺍﻟ
الليل و�ضباب القمم ..كان �سيكون مك�شو ًفا للحرا�س الذين انت�شروا
ﻜﺘ
ً
انخفا�ضا ..ورغم ذلك ،تابع عمله يف هدوء تام.. يف الأبراج الأكرث
ﺐ ﻟﻠﻨ
و ِا ْن َ�سل �إىل داخل احلجرة ال�سرية التي �صارت تثري ف�ضوله �أكرث من
قبل ..ومل ي ُكن الظالم ً
دام�سا ح ًقا ..فهناك �شمعة �صغرية م�شتعلة يف
ﺸﺮ
الزاوية.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
انكم�ش قلبه حتفزً ا ..فهذه ال�شمعة تعني �أنّ �أوفيليا كانت هنا
وميكن �أنْ تعود يف �أي حلظة ..ولكنه �سرعان ما جتر�أ ليخطو خطواته
يف اجتاه تلك ال�شمعة ..يجب �أنْ ي�ستغل غيابها لإيجاد الوثيقة.
انتف�ض حني دا�س بقدمه على �شيء مل يعلم كنهه� ..شيء رجح �أنه
جمموعة من الكتب املتناثرة ..فرائحة الورق العتيق كانت متلأ اجلو..
تخللتها رائحة احرتاق ال�شمع والفحم الذي مل يعلم م�صدره ..وكانت
ي�ستطع متييزها جيدً ا ..ولكنه تابع ال�سري حتى
هناك رائحة رابعة مل ِ
�أم�سك بتلك ال�شمعة ..ثم رفعها لي�ستك�شف ما يف احلجرة ..وبالفعل،
146
كانت جدران احلجرة مليئة برفوف الكتب القدمية ..بع�ضها بدا ك�أنه
مل مي�س منذ زمن بعيد �إثر احت�شاد الغبار ..لقد �أخربته �إينور ب�أنّ
الوثيقة يف �صندوق خ�شبي نق�ش عليه ا�سمها و�أذيب قفله احلديدي..
�إنه يلمح بع�ض ال�صناديق على الرف الذي يقابله ..عليه �أنْ ميعن
النظر �أكرث ليجد مراده.
خطا عدة خطوات عائدً ا من حيث �أتى لي�ستك�شف ذلك الرف..
وك�شر حاجبيه حني دا�س بقدمه على كومة الكتب تلك جمددًا..
و�أدرك �أنها مل ت ُكن كومة كتب حني انحنى لي�ستك�شف ماهيتها ..مد
يده ليتلم�س تلك الكومة ..وارتع�ش حني �أح�س بلزوجة غريبة يف يده..
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
حينها� ..أدرك ما ر�أى ..وكان ما ر�آه كفيل بزلزلة كيانه.
ﻜﺘ
لقد كانت بقايا جثة ..جثة تعرف على �صاحبها فو ًرا ..جثة �شقيقته
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
147
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل العاشر
أمير البوم
ﻋﺼ
�صدره من فرط االنفعال ..وعقله يرف�ض ت�صديق ما يدرك حقيقته..
ﲑ ﺍﻟ
ولكنها كانت احلقيقة ح ًقا� ..شقيقته التي َ َ
عب الأبعاد من �أجلها
ﻜﺘ
فارقت احلياة منذ زمن .مل َت ُعد هناك �آيري�س يف هذا العامل.
ﺐ ﻟﻠﻨ
الأمرية التي �أ�شعلت ال�شمعة �ست�أتي يف �أي حلظة لتجده ..يدرك �أنّ
ﺯﻳﻊ
هم بر�سم الو�شم الذي حفظه عن ظهر قلب، وال�سائل القاين ..وما �إنْ ّ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
حتى انتف�ض �إثر �سماعه �صوت اخلطوات� ..إنها قادمة ..قاتلة �آيري�س
ﺯﻳﻊ
n
هم با�ستكمال ً
ذلك الو�شم على �ساعده الأي�سر الذي �صار مزدح ًما.
كان ريجان يقف يف بهو قلعة الرمال بهندام مبعرث �إثر ا�ستدعائه
ﻋﺼ
العاجل من ِقبل امللك ..امللك الذي امتلأت مقلتاه بالدموع مما جعله
ﲑ ﺍﻟ
يدفع به �إىل �إحدى القاعات املغلقة حيث ال يتفرج ا ُ
حل ّرا�س.
ﻜﺘ
مل يعرف ريجان ما رد الفعل الأن�سب ملوقف كهذا ..فقد كان �إيدن
ﺐ ﻟﻠﻨ
على �شفا االنهيار وهو يتمتم بعبارات مبهمة خمتلطة ويردد كل حني:
ﺸﺮ
«�أنا ال �أملك ً
جي�شا! ال �أملك الأموال الكافية لبناء جي�ش وال �أملك
ﻭ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ ً
متخبطا ج ًّدا ..يود لو �أنه قادر على نبذ �أفكار �إيدن ..ولكنه ي�شعر بات
ب�صدقها يف داخله ..رمبا كان عليهما �أنْ ي�ستمعا ملي�ست ح ًقا.
ﻜﺘ
«�أنا �أثق بر�ؤياك يا موالي ..و�أريد منك �أنْ تثق بي وتعيدين �إىل قيادة
ﺸﺮ
اجلي�ش».
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
-رمبا لن يكون هكذا كاف ًيا ..مـ ..ما ر�أيك ب�أنْ نطلب م�ساعدة
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
ال�شهور املن�صرمة..
ﲑ ﺍﻟ
ويف الداخل ،وجدها ،جتل�س مبت�سمة وك�أنها كانت ترتقب عودته.
ﻜﺘ
ً �-
أهل بعودتك.
ﺐ ﻟﻠﻨ
مل يبت�سم ،بل �سارع بفك الرباط املعقود بحزامه ليحرر �صندوقها
ﺸﺮ
اخل�شبي ..ثم ناولها �إياه بينما تنطق عيناه بغ�ضب عميق �أدركته فو ًرا.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
مدت يدها متناولة ال�صندوق وهي تت�ساءل« :ما الذي حدث معك؟»
ﺯﻳﻊ
مل ي ُكن قاد ًرا على ا�ستخراج الكلمات من حلقه ..فالغ�صة التي
جدا �أنْ ينطق دُون �أنْ تنطلق دموعه
�أخفاها �أجلمته ..من ال�صعب ًّ
التي يحب�سها ب�صعوبة بالغة.
�أ�شارت له باجللو�س ،ثم ه ّمت بفتح �صندوقها بينما متنحه
الفر�صة ال�ستعادة رباطة ج�أ�شه .ات�سعت ابت�سامتها وهي تقلب وثيقتها
بني يديها ..هم�ست�« :إنها الوثيقة التي �أردتها ح ًقا� ..أ�شكرك! ال تعلم
ما الذي قدمتَه يل! ب�سبب هذه الوثيقة �سيخ ّلد التاريخ ا�سمي».
153
مل يرد جوا ًبا ،ومل يزح ناظره عن الأر�ض التي كاد يثقبها بعينيه.
مل تتابع احلديث ،بل ه ّمت بالنفخ على وثيقتها املغلفة بالغبار ..ثم
ا�ستلت منظارها ال�سميك لتتمكن من قراءة احلروف ال�صغرية التي
بهت بع�ضها ..ا�ستغرقت يف القراءة �ساعات عديدة حتى كادت تن�سى
وجوده ..ومل تلتفت �إليه جمددًا حتى نطق �أخ ًريا.
منك �أنْ تعلميني املزيد.
� -أريد ِ
ك�شرت جبينها مت�سائلة« :املزيد من الو�شوم؟ �أال تريد العودة �إىل
عاملك؟»
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-بلى ..ولكن بعد �أنْ �أتعلم بع�ض الو�شوم.
ﻜﺘ
-و�شوم اال�ستدعاء.
ﺸﺮ
n
الذي ن َب َذها.
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
يف اليوم التايل ،كانت �أوفيليا جتل�س بداخل العربة امللكية التي
ﺯﻳﻊ
�ش ّقت طريقها �إىل مملكة ال�صحاري ..ت�ضع يدها على خدها وحتدق
يف اجلبال املبتعدة من خلف النافذة ..وال�سماء التي بد�أت ت�صطبغ
نف�سا عمي ًقا وهي تعيد ناظرها �إىل الكتاب
بحمرة املغيب� ..أطلقت ً
ال�سميك يف حجرها ..تابعت القراءة� ..أو بالأ�صح ،تظاهرت بذلك..
ً
من�شغل ب�أمر �آخر اقرتب �أوانه ..لقد م�ضى يوم كامل منذ فعقلها كان
انطالقهم من قلعة القمم الدخانية ..و�صاروا على مقربة من النقطة
التي َب َن ْت خمططها عليها.
155
عادت بذاكرتها �إىل الأيام املن�صرمة حني بد�أت تخطط لهذه
اللحظة ..وابت�سمت حني تذكرت ب�أنّ كل �شيء ي�سري وفق ما تريد..
فهي من دفع امللك مريلني �إىل اخلروج يف هذه الرحلة ..كانت تعلم
عمق العالقة التي جتمع امل ِل َكني ..وكانت تعلم ما �سي�سببه ردها على
�إيدن من غ�ضب ولذلك �أر�سلته� ..أرادت �أنْ تفتعل �أم ًرا يدفع بامللك
�إىل اخلروج من قلعته ..وجنحت يف ذلك� ..صحيح �أنها مل ت ُكن
أي�ضا ،ولكنها متلك ً
خططا بديلة دائ ًما. تخطط للخروج معه � ً
وانتف�ضت العربة لي�سقط الكتاب من ِحجرها.
ﻋﺼ
�صهيل اخليول املرتبكة �إثر التوقف املفاجئ ..توتر و�صياح �سائ�سي
ﲑ ﺍﻟ
العربات امللك ّية وانتفا�ضة ح ّرا�س امللك الذين ا�صطفوا حول العربات
ﻜﺘ
�شهرين �سيوفهم.
ُم ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
كل �شيء ي�سري وفق ما تتوقع ..وتدرك جيدً ا �أنّ والدها امللك
ﺸﺮ
ينتف�ض رع ًبا يف عربته املنمقة ..ولكنها ت�ؤمن ب�أنّ ال �ضرر يف ذلك فلن
ﻭ
يقتله بع�ض الرعب ..هي حتب والدها وتق ّدر ثقته فيها ..ويف الوقت
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
n ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ عينيها بقوة.
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
الأمرية �أوفيليا.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-مت جتهيز جناح كامل من �أجل يوم واحد؟!
ﻜﺘ
ً
مت�سائل ،ولكن مي�ست مل يرد جوا ًبا، كان ذلك ما رد به �سريو�س
ﺐ ﻟﻠﻨ
و�أدرك �سريو�س جمددًا �أنّ مي�ست هذا �أمري ِومن املتوقع �أنْ ُي َعامل
ﺸﺮ
على منت العربة املن ّمقة التي كانت تنتظره منذ زمن �أمام البوابة
اخلارجية.
ومن عيني مي�ست بدت نظرة م�شو�شة ..كانت دقات قلبه م�ضطربة
وهو يقب�ض بيده على ر�سالة �أخرى كان يخبئها يف مالب�سه ،ي�شد بيده
عليها ثم يبتلع ريقه وهو يدرك املخاطرة التي يقحم نف�سه فيها.
-هذه هي الطريقة الوحيدة حلماية مملكتي.
158
كان ذلك ما �أخذ يردده يف داخله ليبعث بع�ض الثقة يف نف�سه ..ال
ُب َّد �أنْ يكون ملي ًئا بالثقة حتى يفر�ض هيبته ..ال ُب َّد �أنّ الأمرية �أوفيليا
n
يف طريقها للعودة ..ويجب �أنْ ينفذ ما اتفقا عليه يف الأيام املن�صرمة
قبل �أنْ ت�صل.
ﻋﺼ ّ
ﲑ ﺍﻟ
ك�شرت وهي تلتفت بينما ترت�سم على وجهها �أمارات االنزعاج،
ﻜﺘ
«الأمري مي�ست؟! ما الذي يفعله هنا؟»
ﺐ ﻟﻠﻨ
هم�ست لها و�صيفتها العجوز وهي ت�سرع اخلطوات �إىل اخلارج« ،ال
تقابليه بوجه عبو�س يا �أمريتي! ابت�سمي ً
قليل!»
اهتماما ..بل تابعت خطاها �إىل البهو
ً ولكن بري�شيليا مل تعرها
حيث وجدته يف انتظارها ..مل ي ُكن يرتدي هندام طالب ال�صومعة..
هنداما جدي ًرا ب�أمري مملكة ال�صحاري ..وكان �أكرث
ً بل كان يرتدي
ما لفتها فيه ردا�ؤه الذي تطرزت �أطرافه بخيوط الذهب ..ونظرته؟
ماذا ت�سمى هذه النظرة حتديدً ا؟
159
�أرغمت ابت�سامة على وجهها وهي تقول ب�صوت حاولت �أنْ يكون
ب�شو�شاً �« :
أهل بالأمري مي�ست!» ً
ابت�سم بدوره ابت�سامة بدت لزجة مرغمة�« :شك ًرا �أيتها الأمرية».
-ترى ما �سر هذه الزيارة املفاجئة؟ �أنت تعلم ب�أنّ والدي يف
طريقه �إىل مملكتكم.
� -صحيح.
�أطلقت �ضحكة« :ينبغي �أنْ تنتظر عودته ،ف�أنا ال �أملك �شي ًئا من
ﻋﺼ
�أمر هذه القلعة! �أنا ال �أختلف عن �أي لوحة معلقة للزينة وح�سب».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
�شهقت و�صيفتها وهي حتاول التدخل لإيقافها عن �أ�سلوبها
اال�ستهزائي ،ولكن بري�شيليا تابعت« :ال ُب َّد �أنك �أتيت يف هذا الوقت
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أطلقت زفرة قبل �أنْ جتيبه« :ل�ست منزعجة منك! ولكني �أ�شعر
بال�ضيق».
� -آ�سف ل�سماع هذا ..ولكن �سيكون عليك االعتياد على هذا.
ك�شرت حاجبيها يف ا�ستغراب وهي حتاول ا�ستدراك ما يقول:
«ماذا؟»
160
رجال
ولكنه مل يرد جوا ًبا ..ومل تكد تلمح �إ�شارته قبل �أنْ جتد ثالثة ٍ
من حرا�س قلعتها يقب�ضون على ذراعيها ويجرونها �إىل اخلارج..
كانت �شبه حممولة يف الهواء فلم ت�شعر بالأر�ض حتت قدميها ..وعلى
وجهها ارت�سم �أعظم خوف �شعرت به يف حياتها.
-ما الذي تفعلونه؟! �أنا �أمرية هذه القلعة و�آمركم ب�إنزايل! �إىل
�أين ت�أخذونني؟!
ومل يب ُد �أنّ هناك َمن ي�ستجيب ل�صياحها �سوى و�صيفتها العجوز
التي حاولت اللحاق بها قبل �أنْ تتلقى �ضربة �أ�سقطتها � ً
أر�ضا وهي تئن.
ﻋﺼ
ومن بعيد ،ملحت احلرا�س وهم يحيطون ب�شقيقها �آرون ..ثم
ﲑ ﺍﻟ
�أدركت ما يجري؛ الأمري مي�ست ا�ستغل غياب امللك من �أجل فر�ض
ﻜﺘ
ال يوقفه �أحد؟ هل ميكن �أنْ يكون متعاو ًنا مع خائن من بينهم؟ ثم
ﺸﺮ
ات�سعت عيناها رع ًبا حني خطر لها ا�سم �أول م�شتبه به�« :أوفيليا!»
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
وكانت تلك �أ�سود ليلة يف حياتها� ..أول ليلة تبيت فيها على �أر�ضية
ﺯﻳﻊ
�صخرية ياب�سة� ..أول ليلة ترقد فيها يف مكان تلهو فيه جرذان مل
تتخيلها يف �أ�سو�أ كوابي�سها� ..أول ليلة تتخلى فيها عن ما ترتديه من
جموهرات لتقدمها ر�شوة حلار�سها الذي مل يبد �أي اهتمام بها! كانت
يوما ما ..الليلة التي
�أول ليلة لأ�شياء كثرية مل تتخيل �أنها �ستعي�شها ً
n
�أ�صبحت فيها �سجينة مبعنى الكلمة� ..سجينة لزنزانة خانقة كريهة
املظهر والرائحة ..جعلتها ت�ستفرغ ما يف معدتها مرات عدة.
161
بد�أ اجلواد يبطئ من حركته من بعد حلول ال�صباح ،و�شعرت
�أوفيليا بالتوتر حني بدت معامل قلعة القمم الدخانية من بعيد،
خاطبت امللثم الذي يجل�س خلفها وي�سندها من اجلانبني حتى ال
ت�سقط« :هل هناك �أي نب�أ جديد من الأمري مي�ست؟»
-ال �أعلم.
جاءها رده ،وك�شرت غا�ضبة وهي تنوي حما�سبة رجالها ..كيف
ً
مر�سال لها؟ ال ُب َّد لها �أنْ تتهي�أ يف حال ف�شله يف لهم �أنْ ال ير�سلوا
ال�سيطرة على القلعة.
ﻋﺼ
وتباط�أ اجلواد �أكرث و�أكرث حني �صار على �سفح اجلبل.
ﲑ ﺍﻟ
ابت�سمت �أوفيليا وهي تدرك مدى اقرتابها من �أول انت�صار لها..
ﻜﺘ
�ستجل�س على هذا العر�ش وحدها ..ال ُب َّد �أنّ الأعور قد هي أ� اجلنود
ﺐ ﻟﻠﻨ
من �أجل رحلتهم القادمة ..اجلنود الذين �صاروا جنودها الآن والذين
ﺸﺮ
حل ّرا�س متكومة علىكان البهو م�صطب ًغا بالدماء ..وكانت جثث ا ُ
ﺸﺮ
ما خبت فقد جاءها اجلواب �سري ًعا ..جاءها مع نظرتها �إىل عر�ش
والدها الذي يجل�س عليه الآن �شقيقها �آرون ..بينما يقف �إىل جواره
�صاحب وجه تعرفه جيدً ا ..نايت ..امل�س�ؤول املايل ال�سابق.
كان �آرون يرمقها بابت�سامة تعلوها نظرة مل ت َرها يف حياتها ..يف
احلقيقة ،ر�أتها كث ًريا يف كل �شوط �شطرجن تلعبه �ضده ،ولكنها مل
تدرك قط �أنّ هناك ما يختبئ وراء هذه النظرات.
163
�آرون ..لطاملا كان ذك ًيا ملي ًئا بالتحدي ..لطاملا ناف�سها وتعلم منها
�أ�شياء كثرية� ..آرون ن�ش�أ على يديها فكيف ميكن �أنْ ت�ستبعد منه نية
جدا ..وتدرك � ً
أي�ضا �أنها لي�ست بالقوة كهذه؟! الآن تدرك �أنها حمقاء ًّ
التي تظنها فقد �شعرت بدموعها تبلل وجهها �إثر الأمل الذي �شعرت
به يع�صف بقلبها.
نطق ليجعلها تختنق بكلماته�« :شك ًرا ً
جزيل على كل ما فعل ِته يا
كنت عاجزًا على فعله من �أجل �أنْ �أ�صبح
فعلت كل �شيء ُ �أوفيليا ..لقد ِ
لك ولكني ال �أ�ستطيع �إبقاءك بجانبي� ..سي�أخذونك امللك� ..أنا ممنت ِ
�إىل الزنزانة ..ولكن ال تقلقي ،فقد �أمرتهم باختيار زنزانة نظيفة»..
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
و�أ�شار للملثم لي�أخذها �إىل برج ال�سال�سل.
n
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
164
n
الفصل الحادي عشر
المفتاح
اليوم ،قررت �إينور -التي احدودب ظهرها كث ًريا -ب�أنّ موعد عودته
ﺐ ﻟﻠﻨ
قد حان ..ورغم رغبته مبعرفة م�صري اجلماعة التي �أ�س�ستها �إينور..
اجلماعة التي يوقن -وتوقن هي� -أنها لن تبقى جمرد فرقة من جي�ش
ﺸﺮ
ح�سا
امللك ..فاحلوا�س احلادة التي �صاروا ميلكونها ط ّورت لديهم ً
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
عال ًيا بالتف ّرد واالختالف ..هذه الفرقة لن تبقى جمرد فرقة �ضمن
ﺯﻳﻊ
165
و�ضعت �إينور الإبرة الرفيعة وقنينة ال�سائل القاين على املن�ضدة
اخل�شبية قبالتها ثم خاطبته بلهجة �آمرة�« :س�أر�سم لك و�شم العودة..
اجل�س».
� -س�أر�سمه �أنا.
� -أعلم �أنك تتقن هذا الو�شم كا�سمك ..ولكن ذراعك الي�سرى
ممتلئة بالو�شوم ال�سابقة ..ال ميكن ر�سم هذا الو�شم �إال على
الذراع ..ولهذا� ،س�أر�سمه �أعلى ذراعك اليمنى.
-ما زال هناك حيز له على الذراع الي�سرى.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-رمبا ترغب بالعودة �إىل هنا الح ًقا ،رمبا ترغب بالهرب
ﻜﺘ
نف�سا
وزجاجة ال�سائل القاين ،ثم ك�شف عن ذراعه اليمنى و�أخذ ً
عمي ًقا يف انتظار ذلك الأمل احلارق.
n
�أما هي ،فا�ستلت �إبرتها يف احرتافية ثم �شرعت بنق�ش الو�شم بيد
حتركها �أع�صاب �شديدة الثبات.
يلق لها ً
بال يف الأيام الت�سعة الإجابة عن بع�ض ت�سا�ؤالتها التي مل ِ
ﺸﺮ
املن�صرمة.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
167
بدا لها �أنّ �صدماتها لن تنتهي ،ت�ساءلت�« :آرون؟! ظننت ب�أنّ
مي�ست َمن ُن�صب مل ًكا!»
-يبدو �أنّ الأمري مي�ست كان ينوي ذلك ً
فعل ..ولكن البوم
ً
حماول قتله ..لقد هرب الهالك تدخل يف اللحظة الأخرية
الأمري مي�ست ..وقام البوم الهالك بتن�صيب �آرون كملك ..ال
�أدري �إنْ كان َمن �أتى بهم �إىل هنا �أم �أنهم َمن قرر فر�ض هذا
عليه! ِمن ال�صعب فهم ما يحدث.
-ماذا عن والدي امللك؟ �أمل يعلم مبا يحدث هنا؟
ﻋﺼ
ولكنها قطعت عبارتها وعادت بخطواتها �إىل الوراء �إثر اقرتاب
ﲑ ﺍﻟ
نف�سا عمي ًقا وهي
اخلطوات الثقيلة لأحد املت�شحني بال�سواد� .أطلقت ً
ﻜﺘ
حتاول تهدئة �ضربات قلبها املت�سارعة« ..يجب �أنْ �أفعل �شي ًئا ..يجب
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أنْ �أفعل �شي ًئا» ،هذا ما �أخذت تردده وهي تفكر يف حل مل�شكلتها
ﺸﺮ
n
وتخلل �شعرها لي�س �أعظم م�صيبة تواجهها ..هناك جماعة من القتلة
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ِ -من اجليد �أنّ �إينور تركت يل هذه الف�سحة على ذراعي
ﺸﺮ
169
لقد انتهى من ر�سم و�شمه ..و�صار ينتظر ابتداء تقل�صات
ع�ضالته ..ولكن هذه اللحظات ال تنق�ضي.
لقد مت اقتحام القبو ..رجال مت�شحون بال�سواد يزينون رقابهم
بقالئد الري�ش املنتوف ..يتجهون �إليه بينما يقف مم�س ًكا بذراعه
النازفة ونظرات عدم الت�صديق تعتلي وجهه..
-ملاذا ال يعمل الو�شم؟! ملاذا؟!
هذا ما �أخذ يع�صف يف ذهنه وهو يدرك �أنّ هناك �شي ًئا خاط ًئا،
«�أنا مت�أكد من �صحة الو�شم ..ملاذا مل يحدث االنتقال؟!»
ﻋﺼ
و�أدرك �أنه �صار يف قب�ضتهم ..زجاجة ال�سائل القاين تته�شم حتت
ﲑ ﺍﻟ
الأحذية الثقيلة ..ثم ُي�ساق �إىل اخلارج كما ِ�سيقَ الكثري من البوم
ﻜﺘ
الغايف من قبله.
ﺐ ﻟﻠﻨ
كان يت�ساءل يف داخله وهو يتلفت لريى َمن كانوا رفاقه يف الدرا�سة
ﺯﻳﻊ
يفرت�شون الأر�ض ..و�أدرك �أنه �سيزور برج ال�سال�سل جمددًا ..فال ُب َّد
n
�أنّ البوم الهالك ينوي التحقيق معه ..لهذا ال�سبب مل ينتفوا ري�شه
بعد.
n
التي تال�شت معظم كلماتها ..الطريق الذي خ ّمن البوم الهالك �أنه
املكان الذي تهي�أ رجال مي�ست ال�ستقباله فيه من �أجل الهروب.
171
مل يقاومهم �سي�سيل يف الطريق عرب برج ال�سال�سل ..بل �سار معهم
الدرجات متج ًها �إىل زنزانته ..كان يدرك �أنّ ال جدوى من املقاومة
ً
حماول اقتنا�ص �أكرب قدر من الأدلة �أو توجيه الأ�سئلة� ..سي�صمت
حول ما يجري حوله ..و�سيق�ضي ليلته �-أو لياليه -يف هذه الزنزانة
الباردة ..ثم �سيفكر يف طريق خروجه من هذه الزنزانة لري�سم و�شمه
يف الفجوة املكانية التي �ستدم ّرهم جمي ًعا.
بالت�أكيد �سيخرج ..هي م�س�ألة وقت فقط ..يحتاج بع�ض الوقت
لي�ستعيد هدوءه ويفكر ،كانت الزنزانات ممتلئة ..ولكن اجلناح الذي
نوعا ما ..لقد و�ضعوه يف زنزانة منفردة ومنها �أُ ِخ َذ �إليه كان هاد ًئا ً
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
�أدرك �أنهم �صنفوه �ضمن ال�سجناء ذوي الأهمية.
ﻜﺘ
� -سي�سيل!
ﺐ ﻟﻠﻨ
كان ذلك الهم�س الذي ترامى �إىل م�سامعه مع حلول الظالم واتّقاد
ﺸﺮ
امل�شاعل ..مل يحرك �ساك ًنا ..ولكن مع تكرار ذلك الهم�س �صار يدرك
ﻭ
-تق�صدين �ص ّف ِك � ِ
أنت.
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أطلقت تنهيدة عميقة قبل �أنْ تقول�« :سنخرج من هنا م ًعا ..عليك
ﺸﺮ
منه �شي ًئا ع�س ًريا ج ًّدا ..ورغم �إدراكه �أنه غري قادر على و�ضع ثقته
فيها �أو يف غريها ،لكنه يدرك �أنه جمرب على ذلك ..ال ُب َّد من الوثوق
ب�أحدهم ..ال ُب َّد من هذه املخاطرة �إنْ كان يريد اخلروج من هنا.
-وما الذي تريدينه باملقابل؟
�أزعجها رده ب�شدة ،ولكنها �أجابت« :ال �أعلم� ..سرنى الح ًقا».
و�صمتا �إثر اقرتاب اخلطوات.
173
لقد عاد حرا�س الزنزانات بعد غيبة ق�صرية ..ولكنهم مل يكونوا
وحدهم ..كانت هناك زائرة ت�سري �إىل جانب امللثم بال�سوادَ َ ،
وت ّفز
�سي�سيل حني �سمع امللثم ي�أمرها« :هذه هي زنزانة املدعو �سي�سيل ..ال
تطيلي زيارتك!»
�شعر �سي�سيل بالدماء تثور يف عروقه وهو يرى فيوال ترمقه
بنظراتها املت�سعة التي ت�شع برباءة �صار ميقتها.
كادت تلت�صق بالق�ضبان احلديدية التي تف�صلها عنه وهي تردد يف
جدا على غيابك!»
قلقت ًّ
انفعال�« :أين اختفيت يا �سي�سيل؟! لقد ُ
ﻋﺼ
تعطه الفر�صة للرد �إذ ﲑ ﺍﻟ
تابع رمقها بالنظرة الكارهة ذاتها ..ومل ِ
ﻜﺘ
تابعت« :ما الذي حدث لك؟! لقد تغري مظهرك كث ًريا وك�أنك كربتَ
�سنوات عدة!»
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﺸﺮ
ﻋﺼ
«�س�أقتلك!» ترتدد تلك الكلمة يف ذهنها ب�أ�صوات عدة ..وترتاءى
ﲑ ﺍﻟ
فعل ..يرت�سم الرعب لها �أطياف لأنا�س ظنت �أنها حمتهم من ذهنها ً
ﻜﺘ
يف عينيها وهي ت�شعر ب�أنها عادت جمددًا �إىل ذلك امللج أ� الذي ن�ش�أت
ﺐ ﻟﻠﻨ
فيه ..م�شاعر الرعب ذاتها تعود لتطغى عليها ..لقد ظنت ب�أنها
تخل�صت من كل ذلك �أخ ًريا حني التقت ب�سي�سيل ..وظنت ب�أنه �سيكون
ﺸﺮ
تراه يف عينيه �أعاد �إليها هذه امل�شاعر� ..سيقتلها ما �إنْ يخرج من هذه
ﺯﻳﻊ
الزنزانة� ..سيقتلها ولن يحميها منه �أحد؛ ولهذا اندفعت �إىل اخلارج
متالحقة الأنفا�س تكاد ال ترى �شي ًئا من الدموع التي �أغ�شت ب�صرها.
�أما �سي�سيل فرتاجع بدوره لي�ستند على جدار زنزانته دُون �أي كلمة
�أخرى.
َ -من تلك الفتاة؟ وملاذا تهدد بقتلها؟
جاءت ت�سا�ؤالت بري�شيليا بعد وهلة من ال�صمت املهيب ..ومل يرد
جوا ًبا.
175
-ال �أ�صدق �أنك تنوي ما قلته ..لقد قلت ذلك لتخويفها..
�صحيح؟
كان غار ًقا يف خواطره �إىل درجة عدم �سماعها.
-ملاذا تتجاهلني بهذه الوقاحة؟! �صحيح �أين �سجينة ولكني
�أمرية ويجب عليك �أنْ حترتمني!
انتبه �إثر ارتفاع نربة �صوتها.
� -أنا �آ�سف �أيتها الأمرية ..مل �أنتبه �إىل حديثك.
ﻋﺼ
و�صل كي ال �أجتاهلك
ﲑ ﺍﻟ
-والآن حتدثني بر�سمية �ساخرة! اخر�س ِّ
ﻜﺘ
مع بزوغ �شم�س ال�صباح الباكر ،كان برج ال�سال�سل هاد ًئا على غري
العادة ..عدد قليل من احلرا�س تبقى� ،أغلبهم من احلرا�س القدامى،
فقد انطلق �أغلب رجال البوم الهالك يف ُمهمة القب�ض على مي�ست..
�آخر َمن تبقى من �أهدافهم.
ومل ت ُكن �أوفيليا قد الحظت �شي ًئا من هذا ..فمنذ احتجازها وهي
ﻋﺼ
منزوية يف زاوية زنزانتها ..متتنع عن الطعام والكالم ..وال تطل من
ﲑ ﺍﻟ
عينيها �سوى نظرة ت�شي بك�آبة َمن يتمنى املوت ..واليوم ،حان �أوان
ﻜﺘ
خروجها عن �صمتها.
ﺐ ﻟﻠﻨ
177
كان ذلك �س�ؤاله ،ومل ي ُكن يحتاج جوا ًبا ح ًقا مع هيئتها املبعرثة
وعينيها الغائرتني يف ال�سواد.
� -أنت ..ما تزال هنا؟
�شقيقك املجنون �أمر بتنظيم اجلي�ش وا�ستدعاء عدد كبري من
ِ -
�شبان اململكة للتدريب� ..إنه �إعالن غري مبا�شر للحرب على
عاجل �أم � ً
آجل! مملكتي� ..سينطلق ليدمر مملكتي ً
� -آرون ..يريد احلرب؟
ﻋﺼ
ظنت ب�أنها لن تنده�ش جمددًا ..ولكن عيناها ات�سعتا �إثر هذا
ﲑ ﺍﻟ
النب�أ..
ﻜﺘ
� -أوفيليا.
كانت �شاردة ..حتملق يف ثقب املفتاح بتمعن وك�أنها ترى �شي ًئا
غري ًبا!
� -أوفيليا!
وت�ستمر يف احلملقة بعينني ال تطرفان.
178
-وجودي هنا ي�شكل خماطرة كبرية� ..سيكت�شفون �أمر ر�سالتي
امل�ض ِّللة قري ًبا و�سيعلمون �أين مل �أهرب! �أنا ال �أملك اليوم
ب�أكمله!
رفعت ناظرها �إليه ..وت�ساءل عن كنه هذا الربيق الذي ملعت به
عينيها..
� -أريد �أنْ حت�ضر يل ورقة وري�شة كتابة.
-لـ ..ملاذا؟
ﻋﺼ
� -س�أر�سم لك طريق خروجي من هنا ..ثق بي وح�سب.
ﲑ ﺍﻟ
-كما تريدين.
ﻜﺘ
�أما هي ،فرتاجعت خطوة وقد بد�أت ت�شعر ب�أنّ كل �شيء �سيتبدل
قري ًبا ..وعلى وجهها ارت�سمت ابت�سامة انت�صار ..ثم تداعت �إىل
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
مل ت�س�أل �آيري�س جمددًا ..وتناولت الك�أ�س الزجاجي من يد
ﻜﺘ
�سيدتها ..ثم جرعت ما فيه ..ومل تدرك �أنّ اخلفة التي بد�أت ت�شعر
بها يف ر�أ�سها ت�شي بتخدر �أع�صابها ..ويف غ�ضون دقائق ،كانت �آيري�س
ﺐ ﻟﻠﻨ
غفوتك.
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
�أبهرتها دائ ًما والتي جعلتها غري قادرة على التخلي عنها من قبل.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
انقطع حبل ذكريات �أوفيليا مع عودة مي�ست ..هذه املرة ،مع
الورقة وري�شة الكتابة التي طلبتها منه.
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
هذه الأمرية هي من �سينت�صر و�ستجلب ن�صره معها ..لقد كان
حم ًقا حني قرر الوقوف �إىل جانبها� ..أو هكذا ظن.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
182
n
الفصل الثاني عشر
طارق ال ُنحاس
مرت �أيام قليلة قبل �أنْ يعود البهو امللكي لقلعة القمم الدخانية
لالزدحام برجال البوم الهالك ..هذه املرة ،كانوا �أكرث غ�ض ًبا وتوت ًرا.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
و�أمام �آرون ونايت ،وقف �أحدهم وهو يحني ر�أ�سه مللكه اجلديد
ﻜﺘ
قبل �أنْ يردف« :مل جند �أي �أثر ملي�ست يف الطريق الغربي� ..أظن ب�أنّ
تلك الر�سالة كانت خدعة لت�ضليلنا وح�سب».
ﺐ ﻟﻠﻨ
رد �آرون ب�صوته الذي مل يكت�سب بحة املراهقة بعد« :لقد �أراد
ﺸﺮ
�أوم�أ نايت الذي كان يقف �إىل جانبه« :ولقد انطلت خدعته عليكم
وربح ثمانية �أيام ليتدبر �أمره خاللها».
حل �صمت ق�صري قبل �أنْ يعود �آرون ليقول بلهجة مت�سائلة�« :أنا ال
�أعرف �أي نوع من الأ�شخا�ص هو مي�ست ..ولكنه كان يت�آمر مع �أوفيليا
�شخ�صا كهذا اختار الهرب ح ًقا؟»
ً للإطاحة بالقلعة ..هل تظنون �أنّ
تدخل نايت« :هل تعتقد �أنه ما زال يختبئ يف اململكة؟»
جدا ..رمبا كان متنك ًرا.
� -أظن ب�أنّ هذا احتمال وارد ًّ
183
رد رجل البوم الهالك« :هذا يجعل �إيجاده �أم ًرا �صع ًبا ج ًّدا ..ال
�سيما �أنّ ثمانية �أيام كاملة قد مرت ..ال ندري يف �أي مدينة قد يكون
خمتب ًئا».
-وهذا يعني �أنّ عليكم بذل جهدكم من �أجل �إيجاده ..ومن �أجل
حرا�سة برج ال�سال�سل جيدً ا ..ال �سيما زنزانة الأمرية �أوفيليا
فهو قد يحاول الو�صول �إليها.
� -سنكثف احلرا�سة على زنزانتها و�سنن�شر �أفرادنا يف جميع
املدن.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ -جيد.
ﻜﺘ
قالها وهو ينزل من عر�شه م�ش ًريا �إىل نايت ليتبعه ..ويف نهاية
ﺐ ﻟﻠﻨ
البهو توقف خماط ًبا �إياه�« :أريد منك �أنْ ترافقني �إىل برج ال�سال�سل».
ﺸﺮ
�شقيقتي.
ّ � -أريد �أنْ �أرى
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
جدا! ولكن مراوغتك هي
�أطلق �آرون �ضحكة ق�صرية�« :أنت مراوغ ًّ
ﲑ ﺍﻟ
ما �سمح يل بالو�صول �إىل هذا العر�ش».
ﻜﺘ
n
ومل يرد نايت جوا ًبا ..بل تابع �سريه على الدرجات امل�ؤدية لزنزانات
ﺐ ﻟﻠﻨ
تت�سارع حني ملح وجه نايت .كان لقا�ؤه ال�سابق بنايت مقت�ض ًبا غري ًبا
ملي ًئا باال�ستغالل ..وكان هو الطرف الذي كان عليه �أنْ ي�صمت
ويتحمل اجللدات لأن نايت يقف �إىل جانب جماعة يخ�شاها اجلميع..
ولكن ملاذا جاء نايت و�آرون الآن؟
وجاءه اجلواب حني جتاوزا زنزانته �إىل زنزانة بري�شيليا.
-بري�شيليا!
185
كان ذلك �صوت �آرون الطفويل الذي تردد �صداه يف املكان.
نه�ضت بري�شيليا لتقرتب من بوابة الزنزانة بنظرات تختزل غ�ض ًبا
وقه ًرا �شديدين ..ولكنها مل تنطق بعد ..فهي ال تعلم كيف تعامل هذا
اهتماما يف حياتها قط ..مل حتاول االقرتاب
ً ال�صبي الذي مل تعره
منه �أو معرفة ما يفكر فيه ..بل جتاهلته بكفاءة تامة ك�أنه قطعة من
�أثاث هذه القلعة� ..أو على �أح�سن تقدير ،اعتربته هرة الهية �أو ط ًريا
يغني يف قف�ص.
عاد ال�صدى الطفويل لي�صدح باملكان�« :أعلم �أنك تكرهني هذا
ﻋﺼ
املكان ..ولهذا �س�أنقلك �إىل مكان �آخر� ..ستكونني م�سجونة هناك
ﲑ ﺍﻟ � ً
أي�ضا ..ولكن يف حجرة كبرية جميلة».
ﻜﺘ
ال�صفات..
ﺯﻳﻊ
186
عاد لريدف بنربة �أعلى« :هل تعلمني �أنني قر�أت جميع الكتب يف
مكتبة القلعة؟! هل تعلمني �أنني �أحفظ اخلطط الع�سكرية وتاريخ
أنت؟! هل جتيدين �شي ًئا
احلروب عن ظهر قلب؟! كم كتا ًبا قر� ِأت � ِ
�سوى التطريز وتبذير الأموال؟!»
� -أنا ..ال �أنتق�ص منك ..ولكن من ال�صعب �أنْ �أ�صدق �أنك
وحدك �صاحب هذا القرار ..ال ُب َّد �أنّ �أوفيليا...
زلت
أنت ما ِ
قمت با�ستغالل �أوفيليا نف�سها و� ِ
قاطعها بحدة« :لقد ُ
أنك تكلمني ً
طفل �أبله؟!» تظنني � ِ
ﻋﺼ
� -آرون ..ا�سمعني� ..أنا �أعلم �أنك...
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
أنت ال تعلمني �شي ًئا ولذلك اخر�سي وح�سب! ال �أريد �أنْ �أ�سمع
ِ �-
ﺐ ﻟﻠﻨ
زفرت بري�شيليا بقوة وهي ت�شعر ب�أنها غري قادرة على احتمال �أنْ
يهينها هذا الطفل ..مهما بلغ ن�ضجه وفهمه فهو يف النهاية طفل..
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
هو �شقيقها ال�صغري! ولكن ..هل من املمكن �أنه بهذا الذكاء واخلبث
ﺯﻳﻊ
ح ًقا؟! بداخلها �صوت ي�ؤكد عليها نعم ..ولكن ت�صديق هذا ال�صوت
يعني �أنها يف م�أزق حقيقي! �إنْ كانت �أوفيليا نف�سها ُخ ِدعت فما فر�صة
جناتها هي من كل هذا؟!
ابتلعت ريقها مف�ضلة ال�صمت بينما اقرتب حار�س الزنزانة
ليفتح القفل ..و�أدركت �أنها لن تبيت ليلة �أخرى يف هذه الزنزانة..
ت�ستطع �أنْ متنع نف�سها من توجيه �س�ؤال �آخر لآرون قبل خروجها:
ومل ِ
«ماذا عنه؟ ملاذا حتتجزونه؟» قالتها وهي ت�شري �إىل زنزانة �سي�سيل..
187
ورغم �أنّ �شائعة �إعجابها به قد تف�شت �إىل اجلميع ،ف�إنّ �آرون �أجاب
دُون �أي اعتبار �إىل �أ�سباب هذا ال�س�ؤال�« :إنه من �صومعة الق�ضاة
ويجب �أنْ ميوت ..ال�سبب الوحيد لبقائه ح ًّيا حتى الآن هو �أنّ هناك
الكثري من الأمور التي عليه �إخبارنا بها».
-يجب �أنْ ميوت؟! هل �ستقتلونه بعد التحقيق معه؟!
ً
متجاهل اخلوف الذي ارت�سم يف عينيها« :هذا �أمر م�ؤكد». �أجاب
و�أ�شار بعينيه �إىل احلار�سني اللذين �أحكما القب�ض على ذراعيها
حني انتف�ضت ..ومل جتد بدً ا من �أنْ تخر على ركبتيها لت�ستجديه:
ﻋﺼ
«�آرون عزيزي! �أرجوك ..ال تقتله الآن� ..أب ِقه يف الزنزانة لكن ال تقتله!»
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ذراعي احلار�سني.
ﻭ
وتال�شى �صدى �صراخها �شي ًئا ف�شي ًئا وهي تبتعد ..وحني غابت عن
متاما ..التفت االثنان �إىل زنزانة �سي�سيل ..اقرتب �آرون
�أنظارهما ً
رويدً ا قبل �أنْ يخاطبه« :مرح ًبا� ..سي�سيل!»
وجاءت حتيته مع ابت�سامة �أ�ضفت براءة غريبة على وجهه.
حمني
ّ ونه�ض �سي�سيل ليخطو خطواته �إىل البوابة ..ثم وقف
الر�أ�س.
188
قال �آرون بلهجة مرحة ي�شوبها احلما�س�« :أخربوين ب�أنك �شديد
الذكاء والتمرد».
رفع �سي�سيل عينه للحظة ثم عاود النظر �إىل الأر�ضية دُون رد..
أنت مل ُت ِبد �أي مقاومة حتى الآن ولهذا �أتوقع منك تعاو ًنا ً
تاما.. َ �-
�ستخربنا بكل �شيء� ..ستخربنا كيف ت�سللت �إىل حجرة �أوفيليا
وملاذا� ..ستخربنا مبا ر�أيت� ..ستخربنا بكيفية اختفائك و�إىل
�أين ذهبت وماذا فعلت ..و�ست�شرح كل و�شم منقو�ش على
ج�سدك.
ﻋﺼ
بهدوء �أجابه �سي�سيل« :ال �ش�أن لكم مبا فعلته يف �أثناء اختفائي..
ﲑ ﺍﻟ
وال بالو�شوم».
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
عليك �أنْ
� -أوفيليا! ال فائدة مما تفعلينه ..هل تدركني هذا؟ ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -أنت حمق ..ال �أظن ب�أنها �ستنظر �إىل وجهي جمددًا ولكني
�أعلم �أنها ت�سمعني ..ولهذا �أنا هنا لأو�ضح لها �أم ًرا ُمه ًما قبل
رحيلي.
لك
زلت � ِأكن ِ
ؤذيك ..وما ُ ثم عاد ليقول بنربة �أعلى�« :أنا لن �أ� ِ
عليك �أنْ تدركي جيدً ا �أنني امللك
الكثري من احلب واالمتنان ..ولكن ِ
علي ..هل تفهمني؟ لن �أ�سمح لك �أي حماولة لالنقالب َّالآن ولن �أغفر ِ
لك بالتعاون مع �أي كان �ضدي ..و�سيكون العقاب �ألي ًما جراء املحاولة
ِ
190
n
وح�سب ..فال حتاويل �أبدً ا!» ثم ا�ستدار عائدً ا لينزل درجات الربج
ومن ورائه نايت.
ﻋﺼ
متاما ..وميكن �أنْ يتعرف عليه َمن
�أكرث؟ ب�شرته النحا�سية تف�ضحه ً
ﲑ ﺍﻟ
يبحث عنه ب�سهولة �إنْ كان ميلك بع�ض املعلومات عن مظهره ..يعلم
ﻜﺘ
� ً
آجل.
ﺸﺮ
تغيري هيئته ..ولهذا ،من الأف�ضل �أنْ يندمج يف املجتمع ب�شكله احلايل
يوما ما �إىل القلعة دُون �أنْ ي�شعر
ولكن بهوية خمتلفة ..يريد �أنْ يعود ً
�أحد ب�أي ما يريب ..يجب �أنْ يجد طريقة يظهر فيها للعيان دُون
أ�شخا�صا مياثلونه وبهذا يندمج
ً �أنْ يرتابوا يف �أمره ..يجب �أنْ يجد �
n
أ�شخا�صا نحا�سيي
ً معهم ليبدو فردًا منهم ..ولكن َمن هم!؟ �أين يجد �
الب�شرة يف هذه البالد؟!
191
�صباح اليوم التايل ،ويف حجرة ف�سيحة رحبةِ ،ا ْن َ�س َّلت �أ�شعة ال�شم�س
اخلجول عرب النوافذ التي تطل على عا�صمة القمم الدخانية من على
ارتفاع �شاهق .كانت احلجرة مفرو�شة ب�أثاث ملكي باهظ ق�سمها �إىل
ق�سم للنوم وق�سم للأكل وق�سم للحياكة والتطريز! وك�أنها ُج ّهزت يف
اعتبار خا�ص ملزاج �صاحبتها التي وقفت ترمق كل �شيء بوجه عبو�س.
ت�ستطع
ت�ستطع النوم رغم نعومة الفرا�ش املح�شو بري�ش النعام ،ومل ِ مل ِ
الأكل رغم طاولة الع�شاء التي انتظرتها ليلة البارحة ب�شتى الأطباق
املحببة �إليها.
وقفت بري�شيليا وراء النافذة التي تنت�صفها ق�ضبان فوالذية ال
ﻋﺼ
ت�سمح مبرور ر�أ�سها حتى ،ودارت يف خلدها �أفكار كثرية مل تلبثها
ﲑ ﺍﻟ
منذ البارحة ..ومل ت ِفق من ا�ستغراقها حتى �سمعت جلبة عند باب
ﻜﺘ
احلجرة وهو ُيفتَح ..ال ُبد �أنهم �أتوا لأخذ �أطباق الع�شاء وا�ستبدالها
ﺐ ﻟﻠﻨ
أنت بخري؟
� -أمريتي! ما الذي فعلوه بك! هل � ِ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
-كان من املفرت�ض �أنْ �أحمي اململكة من �أي خطر كوين وريثة
ﻜﺘ
مل �أهتم ومل �أحاول! والآن ي�سيطر ه�ؤالء القتلة على كل �شيء!
ما كان هذا ليحدث لو �أين...
ﻭ ﺸﺮ
�صمتت بري�شيليا �إثر تلك الإهانة التي مل تعتربها �إهانة ح ًقا ..بل
ﺐ ﻟﻠﻨ
اتخذت هذا
ِ ُمت قدللمخاطرة بحياتي من �أجل م�ساعدتك ما د ِ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
القرار».
ﺯﻳﻊ
ابتلعت بري�شيليا ريقها وهي ت�ستغرق مفكرة ،ثم قالت بعد هنيهة:
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ا�سمه ..كان ي�ستغل فرتات غياب رجال البوم الهالك ليحدثني عن
م�ستجدات الأمور».
-كيف يبدو ومتى توىل حرا�ستك؟
-كان �أول َمن توىل حرا�ستي ..ومت ا�ستبداله قبل �أربعة �أيام..
مل �أحفظ مالحمه جيدً ا ..ولكنه كان ً
�ضئيل ق�ص ًريا� ..شبه
�أ�صلع� ..شاحب الب�شرة ب�شدة لدرجة �أين كنت �أت�ساءل �إنْ كان
م�صا ًبا بالبهاق.
195
ارت�سمت ابت�سامة وا�سعة على وجه �إيفي وهي تقول« :ماريون
ال�صغري ..هكذا ينادونه� ..أعرف �أين ت�سكن والدته».
أنت رائعة ح ًقا يا �إيفي! يبدو � ِ
أنك ابت�سمت بري�شيليا بدورهاِ �« :
تعرفني اجلميع يف هذه القلعة!»
«لن ن�صل �إىل هدفنا ب�سهولة ..ولكن �إغفال اجلميع يل ولك
�سيمنحنا فر�صة عظيمة» قالتها وهي تتجه �إىل الطاولة التي ا�صطفت
ب�أطباق الإفطار.
عليك �أنْ ت�أكلي لت�ستعيدي قوتك يا �أمريتي.
ِ -
n ﻋﺼ
�أوم�أت بري�شيليا وهي جتل�س قبالة تلك الطاولة« :بالت�أكيد!»
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
يف قلب عا�صمة القمم الدخانية ،ويف �أحد �أكرث الأحياء حيوية،
ﺸﺮ
الك َب ،مي�سح عرق جبينهوقف رجل يف منت�صف العمر� ،أقرب �إىل ِ
الذي جتمع فوق عينيه املحمرتني ،واللتني تبدوان هكذا دائ ًما �إثر
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
الذراعني ،وكان باد ًيا اختالف لون ب�شرة ذراعيه عن وجهه ،فوجهه
كان قد اكت�سب لو ًنا نحا�س ًيا �أقرب �إىل االحرتاق.
كان ينظر �إىل عامله اجلديد وهو ي�صيح�« :أقوى! يجب �أنْ تتحول
قطعة النحا�س هذه �إىل �صفيحة رقيقة!»
وا�ضحا �أنه ال ميلك �أي خلفية عن
ً زاد العامل من قوة الطرق وكان
مهنة احلدادة ..ولكن �سيده مل يوجه له �أي �إهانات ..وذلك ب�سبب
�سبائك الذهب التي �أ�سكته العامل بها هذا ال�صباح!
196
ِ َل قد ميلك عامل ِحدادة مبتدئ �سبائك ذهب؟! ال ميلك �أي فكرة!
وال يهمه هذا ح ًقا! عامل يريد �أنْ يعمل فقط مقابل �إيجاد م�أكل وكومة
ق�ش ينام عليها ..ميلك رغبة حقيقية يف التعلم وال يتذمر من ال�شرر
املتطاير يف وجهه الذي �أ�صابه بحروق �صغرية بالفعل منذ اليوم
الأول! بل بدا له �أنّ عامله يتعمد التخلي عن و�سائل احلماية ليك�سب
�أكرب عدد من احلروق اجللدية!
ُ -ترى َمن يكون هذا ال�شاب؟
ﻋﺼ
كان يت�ساءل ثم ينف�ض ال�س�ؤال من عقله ..ف�سبائك الذهب تلك
ﲑ ﺍﻟ
كانت ال�شرط لكذبة اتفقا عليها ..كذبة حر�ص على م�شاركتها مع كل
ﻜﺘ
� -إنه ابن �أختي مي�ست ..ولقد جاء من بلدته البعيدة ليعي�ش
n
ﺸﺮ
مع حلول الظالم ،ويف ُعل ّية برج ال�سال�سل� ،شعر �سي�سيل بالهواء
البارد يلفحه حني مزق جالده الرداء الذي كان يغطي به جذعه..
كان ي�شعر بثقل الأ�صفاد احلديدية التي مت تثبيتها حول مع�صميه..
وكان عاجزً ا عن الر�ؤية بعد �أنْ مت حجب عينيه ب ُع�صابة �سوداء..
كان هاد ًئا ..و�إنْ بد�أت �ضربات قلبه بالت�سارع بالفعلُ ..ترى ما
الذي ينتظره؟ �أكان قراره �صائ ًبا حني قرر العناد؟
197
اقرتبت منه خطوات هادئة واثقة �سيحفظها جيدً ا ..وهم�س
�صاحبها�« :سنبد�أ من حجرة �أوفيليا ..كيف ت�سللت �إليها؟»
-ال �أعرف.
ي�ستطع
ومل يكد يجيب حتى �شعر مبن يلوي ذراعه يف زاوية مل ِ
تخيلها ..فع�ض على �شفتيه ليمنع �صرخة كادت تنطلق �إثر الأمل.
�أطلق نايت تنهيدة عميقة قبل �أنْ يردف« :ال �أريد �أنْ �أ�سمع هذه
الكلمة �أبدً ا! �أريد �إجابات ..كيف ت�سللت؟»
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ -ال �أعـ...
ﻜﺘ
وقطع كلمته �صرخة �أمل �أطلقها رغ ًما عنه �إثر انف�صال عظمة
ال َع ُ�ضد عن لوح كتفه الأمين!
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﺸﺮ
كان الأمل فظي ًعا ..وت�سارعت نب�ضات قلبه وهو يدرك حجم الأمر
الذي �أقحم نف�سه فيه! لقد قرر �أنْ يتحدى نايت وذلك من �أجل ت�أجيل
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
قتله لأطول فرتة ممكنة! ف ُهم لن يقتلوه قبل �أنْ ميت�صوا منه كل
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
يحاول النجاة بالتخفي والهرب.
ﲑ ﺍﻟ
-كيف ت�سللت؟
ﻜﺘ
ِمن امل�ضحك ح ًقا �أنه بات ي�ضع جناته رهن تلك الفتاة البلهاء التي
ﺐ ﻟﻠﻨ
ثم يقطع حبل �أفكاره الأمل ال�شنيع الذي جاء من انف�صال َع ُ�ضد
كتفه الأي�سر هذه املرة!
-ميكنك املماطلة �أكرث ولكن حينها �سيبقى خلع كتفيك دُون
عالج و�سيت�سبب هذا ب�ضمور الع�صب و�شريان الذراع ..وهذا
يعني موت خاليا الذراع واحلاجة �إىل برتها� ..أنا مد ّرب على
هذه الأمور و�أ�ستطيع عالج اخللع بحركة واحدة! لكن �أريد
�إجابتك � ًأول!
199
�سيجيب ..ال ُب َّد �أنْ يجيب حتى ال يخ�سر ذراعيه!
-كيف ت�سللت؟
-قاطعة ..املعادن.
كم �سي�صمد؟ وكم �س� ًؤال �سيجيب قبل �أنْ تنفد الأ�سئلة والإجابات؟
ال يعلم ..الآن ..يعلم فقط �أنه ي�صلي يف قرارة نف�سه لتتذكره بري�شيليا.
n
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
200
n
الفصل الثالث عشر
حدوة الحصان
فتح �سريو�س عينيه ب�صعوبة �إثر النور امل�شع الذي �أغ�شى ر�ؤيته..
�أكان نو ًرا م�ش ًعا ح ًقا؟ مل ي ُكن كذلك ..بل كان �ضو ًءا خافتًا ..ولكن
ﻋﺼ
كيف ميكن �أنْ ميتاز ال�ضوء اخلافت بهذا ال�سطوع؟ كان ذلك ما
ﲑ ﺍﻟ
ً
حماول تبني ما حوله ..و�شي ًئا ف�شي ًئا �أخذ يدور يف ر�أ�سه وهو يتلفت
ﻜﺘ
بد�أ يتعرف �إىل ماهية هذا املكان ..مل يتعرفه ح ًقا ..ولكنه الحظ �أنّ
ﺐ ﻟﻠﻨ
املكان �أ�شبه بغابة ..غابة غريبة ..فحوله انت�شر عدد هائل من اجلذوع
ﺸﺮ
العالية التي ال ي�ستطيع تبني قممها ..ورغم ذلك مل ي ُكن هناك �أي �أثر
�آخر للحياة ..فال�سكينة التي ملأت املكان �أثارت ريبته ب�شدة.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
على جرميتك.
ﺐ ﻟﻠﻨ
هل ما يحدث هنا حقيقي؟ ما الذي يقوله هذا الرجل وما معنى
ﺸﺮ
ما يقول؟!
ﻭ
ﻋﺼ
-ال�شابة التي خطرت ببالك للتو� ..شقيقة امللك مريلني التي مت
ﲑ ﺍﻟ
نفيها خارج عاملك.
ﻜﺘ
-غري �أنها مل َت ُعد �شابة ح ًقا ..فقد �صارت عجو ًزا بالفعل..
ﺐ ﻟﻠﻨ
كان كم املعلومات التي يتناوبون على �صفعه بها �أكرب مما ميكن له
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
مل تطمئنه تلك الإجابة بقدر ما زادت من توتر نب�ضاته ..ولكنه مل
ميلك خيا ًرا ..عليه �أنْ يهد�أ وي�ستمع �إليهم! عليه �أنْ يفهم!
203
يف �سجنها ،بداخل قبو احل�صن القدمي ..جل�ست ليالك وهي
نف�سا عمي ًقا
تهم بقراءة ر�سالة �أو�صلها حار�سها لها خل�سة� ..أخذت ً
وهي حتاول التغلب على رجفة �أ�صابعها ..فهذه الر�سالة قادمة من
مي�ست� ..أول ر�سالة منه بعد �شهور كاملة فقدت خاللها الأمل يف كونه
ما يزال على قيد احلياة!
ليالك..
جنحت يف االختباء من البوم الهالك� ..أنا يف �أريدك � ْأن تعلمي �أين ُ
�أمان م�ؤقتًا ..ولكني حم�صور كف�أر �سجني ..ال �أعلم � ْإن كانت ر�سالتي
ﻋﺼ
هذه �ستجدي �أي نفع �أو � ْإن كنتِ متلكني �أي قوة! ولكن هذا كل
ﲑ ﺍﻟ
ما �أ�ستطيع فعله من �أجل مملكتنا الآن! �أرجوكِ يا ليالك ..اتركي
ﻜﺘ
كربيائك جان ًبا وتو�سلي لإيدن من �أجل اال�ستماع �إليكِ ! يجب � ْأن
ﺐ ﻟﻠﻨ
يبا�رش �إيدن بحفر القناة املائية التي كان ينوي البدء بها� ..أعلم � ّأن
ﺸﺮ
هذا م�رشوع فا�شل! ولكن يجب � ْأن تبد أ� احلفريات ب�أ�رسع ما ميكن! ال
ﻭ
مي�ست
�أعادت ليالك قراءة الر�سالة مرات عدة ..مل تد ِر ِ َل ْمل ِ
ت�ستطع
االبتهاج لنجاته ..رغم �أنها ق�ضت ال�شهور املن�صرمة تتحرق لدليل
على جناته! لقد جنا ..ولكنه ما زال يعلق م�ستقبل اململكة على كاهلها
لأنه ف�أر �سجني كما ي�صف نف�سه! ملاذا ال يهرب وي�أتي ليدافع عن
مملكته بنف�سه؟! ما قيمة بقائه خمتب ًئا هناك؟!
204
كانت ت�شعر بالغيظ �إزاء هذا ..وتتمنى لو �أنها جتد �إجابة �شافية..
ولكنها تثق مبي�ست ثقة عمياء ..تعلم �أنه ال يتخذ قرارات دُون دوافع
قوية.
� -أيها احلار�س!
مت�ض دقائق حتى �سمعت
نادت وهي تخبط بوابة القبو بقوة ..ومل ِ
خ�شخ�شة املفتاح يف القفل احلديدي.
-ماذا هناك يا موالتي؟
ﻋﺼ
ابتلعت ريقها وهي ترمقه بنظرة ا�ست�شعر فيها خطورة املوقف:
ﲑ ﺍﻟ
«�أريد �أنْ �أحتدث �إىل �إيدن� ..أرجوك �أبلغه ب�أنّ الأمر يتعلق باحلرب
ﻜﺘ
بتعاوننا جميعا!
ﺯﻳﻊ
n
جدا..
يعلم �أنها لن تخربه مب�صدرها �أو دليلها ..ولكنها بدت �صادقة ًّ
ولهذا نادى من ينوب عنه يف احلرا�سة ثم هُ ِرع ناحية الق�صر.
مع حلول الظالم ..وعلى فرا�ش الق�ش ،ا�ستلقى مي�ست بعد يوم
متاما ..بلونه املحرتق و�شعره الذي ا�ستطال
مرهق .لقد تبدلت هيئته ً
ِ
205
دُون تهذيب ..وعينيه املحمرتني ..لقد �صار يبدو كحداد حقيقي ُولد
وترعرع بني �شرارات ال�سندان وموقد اللحام ..ولكنه �سرعان ما عاود
النهو�ض من فرا�شه ..فقد �سمع معلمه ينادي عليه ..ومل ي ُكن معلمه
ي�ستدعيه من فرتات راحته �إال ل�سبب.
هُ رع �إىل اخلارج ملب ًيا النداء ..واق�شعر حني ر�أى الواق َفني على
القادمان من القلعة ..وكان نايت �أحدهما..
َ عتبة الدكان ..كان
حاول مي�ست كبح توتره ..لقد انتظر هذه اللحظة منذ زمن ..هذه
هي فر�صته للو�صول �إىل القلعة جمددًا! وعليه �أنْ ي�ستغل هذه الفر�صة!
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ ولكن كيف؟ ال يعلم بعد!
ﻜﺘ
يطلبك!»
ﺸﺮ
-ارفع ر�أ�سك �أيها ال�شاب ..لقد قيل يل �أنك مبتكر عبقري رغم
�أنك ما تزال جديدً ا على هذه املهنة.
� -أقدر هذا الإطراء يا �سيدي.
� -أريدك �أنْ ت�شرح يل ت�صميمك الفريد حلدوات الأح�صنة..
خ�صي�صا لتالئم
ً �صممت هذه احلدوات
َ �أخربين معلمك ب�أنك
البيئة ال�صحراوية.
206
رد مي�ست دُون �أنْ يرفع عينيه« :هذا �صحيح يا �سيدي ..يف
احلقيقة ،لقد �صنعت هذه احلدوة بهدف التنقل بني البيئات املختلفة
ب�سال�سة ..ولي�س من �أجل البيئة ال�صحراوية حتديدً ا»� ..صمت لهنيهة
بينما ي�ستل احلدوة التي �صنعها من يد معلمه ،ثم تابع« :لقد �صنعتها
من قطعتني قابلتني لالنف�صال ..والهدف منها �أنْ يتم ا�ستبدال
القطعة املالم�سة للأر�ض عند دخول الأرا�ضي ذات الطبيعة املغايرة..
فعلى �سبيل املثال ،عند انتقال احل�صان من �أر�ضية ثلجية �إىل �أر�ضية
رملية ،ال ُب َّد من تبديل احلدوات حتى يتمكن احل�صان من ا�ستكمال
امل�سرية الطويلة� ..أنت تعلم يا �سيدي �أنّ الأرا�ضي ال�صحراوية تلزمها
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
حدوة خفيفة مقو�سة ..بينما البيئة الثلجية تلزمها حدوة �سميكة
ﻜﺘ
دائرية».
ﺐ ﻟﻠﻨ
كان نايت يومئ بر�أ�سه يف فهم ..وكان مبهو ًرا حني �أراه مي�ست
ً
ﺸﺮ
وب�سيطا يف كيفية تبديل القطعة ال�سفلية ..فقد كان الت�صميم ذك ًيا
� ٍآن واحد.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
متاما».
متتم بعد هنيهة« :هذا رائع! هذا ما نحتاجه ً
-لكني مبتدئ يا �سيدي ..وال �أدري �إنْ كان ت�صميمي هذا عمل ًيا.
التفت نايت �إىل معلم مي�ست منتظ ًرا رده� ،أجاب الأخري�« :أنا �أرى
ب�أنّ هذا الت�صميم ذكي يا �سيدي ..ولكني مل �أخترب �أي حدوة من
�أجل بيئة �صحراوية من قبل ..ولذلك �أرجو �أنْ متنحنا وقتًا �أطول
الختبار.»...
207
قاطعه نايت« :ال وقت لدينا ..يجب �أنْ نبد�أ ب�صناعة احلدوات..
�إنْ كانت لديك �شكوك يف هذا الت�صميم في�ؤ�سفني �أنْ �أرف�ض ابتكار
تلميذك ..رغم �أين �أتوق �إىل جتربته».
�سمعت ب�أنّ رئي�س احلدادين يف القلعة
ُ تدخل مي�ست�« :سيدي ..لقد
ميلك خربة عري�ضة يف هذا املجال ..رمبا كان ب�إمكاننا جتاهل مرحلة
االختبار �إنْ ا�ستمعنا �إىل ر�أيه».
أعطني احلدوة و�س�أعر�ضها
�أوم أ� نايت« :نعم ..ب�إمكاننا ذلكِ � ..
عليه».
ﻋﺼ
كنت �أجتاوز حدودي ..ولكني
ﲑ ﺍﻟ
قال مي�ست�« :أنا �أعتذر يا �سيدي �إنْ ُ
ﻜﺘ
�أمتنى �أنْ �أعر�ض عليه احلدوة بنف�سي� ..أريد �أنْ �أ�شرح له الت�صميم
ﺐ ﻟﻠﻨ
ابت�سم نايت« :ال م�شكلة يف ذلك� ..ست�أتي �صباح الغد للقاء رئي�س
ﻭ
احلدادين».
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
n
املعلم مل ت ُكن نظرات فخر �أو �إعجاب ..بل كانت نظرات غرية وح�سد
ﻋﺼ
ف�شل يف مداراتها.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
هذا الوقت؟»
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
اقرتبت �إيفي هام�سة ،بينما ارت�سم على وجهها تعبري جاد« :لقد
ُتويف �أحد ال�سجناء هذا امل�ساء يف برج ال�سال�سل».
كانت بري�شيليا و�إيفي قد و�ضعتا خطة الهروب منذ زمن ..وكانت
الفكرة فكرة ط ّباخ املناوبة الأوىل من احل ّرا�س ،الذي ك�سبتا دعمه
�ضمن حلفهما اجلديد ..فقد �أ ّكد قدرته على د�س خم ّدر يف طعام
احلرا�س كونه امل�س�ؤول الأول عن �إعداد الوجبات التي ت�سبق بدء
مناوبتهم ..وكان يعرف اجلرعة الكافية جلعلهم ي�سقطون نائمني
بعد �أخذ مواقعهم.
209
كانت تلك خطة هروب بري�شيليا من برجها ،فاحلرا�س يف برجها
معدودون على الأ�صابع ..وكانوا ينوون تطبيق اخلطة ذاتها يف برج
ال�سال�سل ..ولكن برج ال�سال�سل ميتلئ برجال من البوم الهالك
� ً
أي�ضا ..وه�ؤالء ال يتناولون وجبة احل ّرا�س ..ولذلك ،قرروا �أنْ ينتظروا
وفاة �أحد ال�سجناء ثم ا�ستبداله ب�سي�سيل للهرب بعيدً ا عن الأعني ..ال
ميكن �أنْ يفلت �سي�سيل من �أعني البوم الهالك ..ولكن ميكنه �أنْ يفلت
�إنْ تظاهر ب�أنه جثة.
امتقع وجه بري�شيليا وهي تقول« :الآن؟! ال ميكننا تنفيذ اخلطة يف
ﻋﺼ
مثل هذا الوقت! لقد فات �أوان وجبة الع�شاء!»
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
فقالت �إيفي« :لن يخرجوا اجلثة من الربج يف هذا الوقت يا
�أمريتي� ..سيخرجونه �صباح الغد».
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -صحيح.
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ً � -إذا علينا �أنْ نخرب الط ّباخ بالأمر! ويجب �أنْ يجهز ماريون
عربة يل.
قالت �إيفي بعد هنيهة �صمت« :ال �أعرف ماذا �أقول يا �أمريتي..
ولكن.»...
ك�شرت بري�شيليا وهي تدرك �أنّ �إيفي �آتية مب�صيبة« :لكن ماذا؟!
ماذا هناك؟»
210
-لقد �أخربين ماريون ب�أنّ املجموعة التي حتر�س الزنزانات يف
بقعة �سي�سيل قد مت نقلها ..بد ًءا من الغد� ،ست�أتي جمموعة
جديدة من احل ّرا�س ..لن ن�ستطيع الو�صول لزنزانة �سي�سيل
وتبديله باجلثة يف وجودهم.
-وماذا يف ذلك؟ �أال ميكن �أنْ يدبر الط ّباخ �أمر تخديرهم؟
�صحيح �أننا ال ن�ستطيع تخدير جميع احلرا�س يف الربج ..ولكن
ميكننا �أنْ نفعل ذلك لتلك املجموعة وح�سب!
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ تردف« :امل�شكلة �أنهم يتبعون
�أطلقت �إيفي ً
ﻋﺼ
املناوبة الثانية ..ط ّباخنا ال ي�شرف على وجباتهم».
ﲑ ﺍﻟ
-املناوبة الثانية؟! ما الذي جاء بهم �إىل برج ال�سال�سل؟! �أمل
ﻜﺘ
امللك فقط؟!
ﺸﺮ
ﻋﺼ
ً
م�ستحيل! ال�سبب الوحيد وراء جناحنا يف و�ضع � -سيكون هذا
�ستلتفت
ُ هربت
ُ
ﲑ ﺍﻟ
هذه اخلطة هي �أنْ ال �أحد ي�شك بنا! �إنْ
ﻜﺘ
�أنظارهم �إ َّ
يل! لن �أ�ستطيع العودة جمددًا!
ﺐ ﻟﻠﻨ
�آخر.
ﻭ
حرا�سك � ً
أي�ضا؟ �سنفقد فر�صتنا �إىل الأبد! ِ -ماذا لو مت نقل
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
«قلت ب�أنّ �سي�سيل ال ميكن نظرت بري�شيليا �إىل عينيها وهي تردفِ :
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أنْ يعرب من برج ال�سال�سل �إال كجثة� ،صحيح؟ ملاذا ال ُنزَ ِّيف موته � ًإذا؟
ﺸﺮ
ال حاجة �إىل �أنْ ن�ستبدله بجثة ثانية ..يجب �أنْ ندعهم يظنون �أنه مات
ﻭ
-فكرة جيدة عدا �أنّ تزييف موته م�ستحيل ..كيف �سنز ِّيف
موته؟ اجلثث ال تخرج �إال بعد �أنْ يفح�صونها ويت�أكدون من
غياب عالمات احلياة فيها.
ل�ست بهذا الغباء يا �إيفي!
�شعرت بري�شيليا بالغيظ لرد �إيفي�« :أنا ُ
�أعلم �أنهم يفح�صون اجلثث ..ولذلك علينا �أنْ نعطي �سي�سيل �س ًّما
يقتله ح ًقا ..وحني نخرجه نعطيه امل�صل امل�ضاد لهذا ال�سم!»
213
-و�أين ميكن �أنْ جند �س ًّما كهذا؟! نحن نعمل مع طباخ ال مع
خبري �سموم حمرتف! ثم �إين مل �أ�سمع يف حياتي عن �سم
كهذا ..ال �أظن �أنّ له وجودًا �إال يف الق�ص�ص.
كان �صوت �إيفي قد عال ً
قليل ..ولكنها �سرعان ما �أخف�ضته حني
�شعرت ب�أنها تقلل من احرتام �أمريتها.
ولكن تلك النربة �أزعجت بري�شيليا التي �سرعان ما عال �صوتها
�أكرث« :وما �أدراين! لكن ال ُب َّد من وجود حل ما! لي�س من ال�ضروري �أنْ
يكون �س ًما! �أال يوجد دواء م�شابه؟! ابحثي عن طبيب وا�س�أليه!»
ﻋﺼ
احرتاما وهي تهم�س�« :أمرك يا �أمريتي..
ً
ﲑ ﺍﻟ �أخف�ضت �إيفي ر�أ�سها
ﻜﺘ
غدً ا».
ﺸﺮ
كان قلبها ينب�ض بقوة ..تعلم �أنها �ستخرج من هنا قري ًبا ..وكانت
ت�شعر بالرعب �إزاء هذا ..فقد كان جل ًيا �أنّ حياتها كهاربة �ستكون
�أ�صعب مبراحل من حياتها ك�سجينة مرتفة.
n
214
n
الفصل الرابع عشر
العشبة
ُ
تبعه مي�ست �إىل الداخل ،ثم اجتها �إىل حجرة هادئة حيث ُثبت
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
جل�س رئي�س احلدادين على مقعد وثري قبالة اللوح ثم �أ�شار ملي�ست:
«تف�ضل! ا�شرح يل ت�صميمك!»
أر�ضا ،والذي كان و�ضع مي�ست ال�صندوق الذي كان يحمله � ً
يحوي احلدوات التي �صممها ،ثم �أعاد �شعره �إىل الوراء كا�ش ًفا عن
وجهه ..ا�ستل ورقة مطوية كان يخفيها يف ثيابه ،ثم اقرتب من رئي�س
هام�سا« :الأمرية �أوفيليا تنتظر مفتاح زنزانتها».
احلدادين ً
215
نه�ض رئي�س احلدادين مبهو ًتا ،و�ألقى نظرة �سريعة �إىل النافذة
ك�أنه يت�أكد �أنه يف �أمان ..اقرتب من مي�ست لريد بالهم�س ذاته« :ما
الذي ..تقوله؟!»
�أجاب مي�ست بينما تلتمع يف عينيه نظرة قوية« :لقد قامت الأمرية
�أوفيليا بر�سم مفتاح زنزانتها ..وعليك �أنْ تنجزه ب�أق�صى �سرعة حتى
نتمكن من �إخراجها».
ابتلع رئي�س احلدادين ريقه ،ومرت حلظات وهو يفتح الورقة
املطوية ،يت�أمل الر�سم الدقيق.
ﻋﺼ
انحنى مي�ست ليفتح �صندوق احلدوات الذي جاء به ،ثم اقرتب
من رئي�س احلدادين مرد ًفا�« :أظن ب�أنّ ر�سمها دقيق مبا فيه الكفاية
ﲑ ﺍﻟ
�ألي�س كذلك؟ هل ميكنني البدء ب�شرح ت�صميم احلدوة؟»
ﻜﺘ
رفع رئي�س احلدادين ر�أ�سه هنيهة يت�أمل فيها مي�ست ..ثم ات�سعت
ﺐ ﻟﻠﻨ
علي!
ابت�سم مي�ست بزاوية فمه قبل �أنْ يجيب« :ي�سرين �أنك تعرفت َّ
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
ات�سعت ابت�سامة مي�ست« :بل �ستكون احلدوة التي �ستعيد جي�ش
�آرون من منت�صف الطريق».
216
يف البهو امللكي لق�صر الرمال ،جل�س �إيدن على عر�شه متوت ًرا وهو
يرى ليالك تقرتب بخطواتها البطيئة املرتددة.
كانت تتلفت وك�أنها ال ت�صدق �أنها عادت �إىل ق�صرها جمددًا..
فال�شهور املن�صرمة بدت لها ك�سنوات ..لقد ُخيل لها �أنّ حياتها كملكة
هذا الق�صر �شيء من املا�ضي ال�سحيق الذي كادت تن�ساه.
�أخف�ضت ب�صرها حني اقرتبت من عر�ش �إيدن ،ثم قالت ب�صوت
خفي�ض�« :أ�شكرك على منحي هذه الفر�صة� ..أعرتف ب�أين كنت
خمطئة و�أنا نادمة ب�شدة على ما فعلت».
ﻋﺼ
-اقرتبي� ..أخربين حار�سك ب�أنك تريدين �إخباري عن �أمر
ﲑ ﺍﻟ
يخ�ص احلرب القادمة.
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻋﺼ
ل�سبب ما ..وكان ظنها يف حمله حني ا�ستدعاها �إيدن الح ًقا لالجتماع
للحرا�س باالقرتاب.
ﲑ ﺍﻟ
يف �إحدى احلجرات اخلا�صة ..حيث ال ي�سمح ُ
ﻜﺘ
الأخرية..
ﺸﺮ
بادر �إيدن باحلديث�« :أظن ب�أنّ علينا اال�ستماع ملي�ست ح ًقا ..ولكن
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
قالت ليالك بعد هنيهة من ال�صمت�« :إنهم ين�صبون َمن يرونه
ﲑ ﺍﻟ
جدي ًرا ..ويبدو �أنّ ذلك الطفل هو الأجدر بر�أيهم».
ﻜﺘ
رفعت ناظرها �إليهما وهي تردف« :ال �أعرف ما مييز هذا الطفل..
ﺐ ﻟﻠﻨ
بالثقة ..يريدون �أنْ يتفردوا بهذا العلم وحدهم ..يريدون �أنْ يكونوا
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
من رجاله لريى �صفوف اجلنود املت�أهبني ..كان مزه ًوا مبا حقق حتى
ﲑ ﺍﻟ
الآن ،فعدد اجلنود الذين ي�شكلون جي�شه �صار �ضعفي عددهم �أيام
ﻜﺘ
حكم والده .كان اجلميع يعلم ب�أنّ احلرب تقرتب؛ بل بد�أت ..وال
ﺐ ﻟﻠﻨ
جمال للرتاجع.
ﺸﺮ
كان يو�شك على الدخول �إىل خيمة الأ�سلحة حيث يتم عر�ض ما
ﻭ
�أجابه �آرون بالهم�س ذاته« :بل �س�أكمل جولتي� ..أريد �أنْ �أت�أكد �أنّ
كل �شيء على ما يرام ..ولكن ..ما الذي طر�أ يف برج ال�سال�سل؟»
� -سي�سيل� ..سجني �صومعة الق�ضاة �صاحب الو�شوم الغريبة..
يقول احلرا�س �أنه فارق احلياة� ..أريد �أنْ �أت�أكد بنف�سي.
� -سيكون العجب بقا�ؤه ح ًّيا كل هذه ال�شهور ..بالت�أكيد �سيموت
حتت التعذيب الذي � َ
أخ�ضعتَه له.
220
كنت �شديد احلر�ص -ال ميكن �أنْ ميوت ب�سبب التعذيب ..فقد ُ
على �أنْ ال يتعر�ض ملا يت�سبب مبوته �أو اختالل قواه العقلية.
-لكنه مات.
علي �أنْ �أت�أكد ِمن ال�سبب.
-هذا ما يقولونه ..ولهذا َّ
�أوم أ� �آرون وهو يتابع �سريه ،بينما ِا ْن َ�سل نايت بعيدً ا عن املوكب
n
امللكي ال�صغري ..يتجه �إىل الإ�سطبل حيث ينتظره جواده.
ﻋﺼ
كانت بري�شيليا جتوب حجرتها ذها ًبا و�إيا ًبا ،غري قادرة على
ﲑ ﺍﻟ
التوقف عن ق�ضم �أظافرها من التوتر ..لقد تخل�صت من جموهراتها
ﻜﺘ
وارتدت ثو ًبا �أ�سود �سات ًرا ،وعلى �شعرها املنعقد يف �صرة �صغرية ،لفت
ﺐ ﻟﻠﻨ
و�شاحا باللون ذاته ..تنتظر الإ�شارة التي جاءتها �أخ ًريا من �إيفي.
ً
ﺸﺮ
ﻋﺼ
مل ت ُكن واثقة من �شيء ح ًقا ..ولكنها ال متلك خيا ًرا �آخر ..ولذا
ﲑ ﺍﻟ
قب�ضت على كفي بري�شيليا وهي تر�سم على وجهها ابت�سامة ُم َطم ِئنة..
n
ﻜﺘ
يف برج ال�سال�سل ،ويف زنزانة �سي�سيل ..وقف نايت عاقدً ا حاجبيه
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
-تف�ضل يا �سيدي.
ﺸﺮ
-ال �شك �أنك الحظت الو�شوم الغريبة التي تنت�شر على هذه
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
�أنْ �أوكل مهمة �سلخ جلده جلالدي ال�سجن ..فهم �سيف�سدون تلك
النقو�ش� ..أريد �أنْ يتم الأمر باحرتافية».
223
يف البهو امللكي لقلعة القمم الدخانية ..جل�س �آرون على عر�شه
بينما تبدت نظرات الغ�ضب من عينيه �إثر النب أ� الذي ا�ستجد فور
عودته« :كيف ميكن �أنْ تهرب الأمرية بري�شيليا؟! حمقاء مثلها
تخدعكم! ال �أ�صدق هذا!»
توقف حرا�س الربج �أمامه مطرقي الر�أ�س ..نطق �أحدهم« :لقد مت
د�س خمد ٍر يف طعامنا �أيها امللك ..يبدو �أنّ للأمرية حلفاء».
جلي للجميع �أيها احلار�س! ولكنتدخل نايت« :ال تخربنا مبا هو ّ
كيف ميكن �أنْ تنجح الأمرية يف ذلك؟! �أمل يلحظ �أي منكم ما يريب؟!
ﻋﺼ
َمن رتب لنقلها؟! من خ ّدر احلرا�س؟! ال ُب َّد �أنها كانت تخطط للأمر
ﲑ ﺍﻟ
منذ مدة طويلة! و�أنتم مل تالحظوا �أي �شيء!»
ﻜﺘ
مل يرد احلرا�س جوا ًبا ..تدخل �آرون جمددًا لي�صيح فيهم:
ﺐ ﻟﻠﻨ
«تعلمون �أين �س�أنطلق مع اجلي�ش بعد يومني ..هل �سنعود لنجد الأمرية
ﺸﺮ
ثم التفت �إىل نايت وهو يقول �آم ًرا�« :أريد منك �أنْ حتظر مرور
احلرا�س من عند زنزانة الأمرية �أوفيليا ..ينبغي �أنْ نوكل �أحد رجال
البوم الهالك بحرا�ستها على مدار اليوم� ..سرتغب الأمرية �أوفيليا
با�ستغالل غيابي و�أنا �أدرك هذا جيدً ا! ولذلك علينا �أنْ نت�أهب ومننع
�أي حماولة!»
كنت �أفكر فيه � ً
أي�ضا �أيها امللك ..يجب قال نايت يف حزم« :هذا ما ُ
�أنْ يتم اتخاذ �أ�شد �إجراءات احلرا�سة على زنزانة الأمرية �أوفيليا يف
224
�أثناء غيابنا ..ولكن ..ماذا نفعل �إزاء الأمرية بري�شيليا؟ هل نر�سل
َمن يبحث عنها؟»
�أجاب �آرون بنربة �أهد�أ ً
قليل« :قد تكون بري�شيليا هربت بتحالفها
مع اخلدم واحلرا�س ..ولكنها غري قادرة على م�س العر�ش ..ال �أريد
�أنْ �أ�شتت رجايل الآن ..اتركوها تنعم بالهرب يف �أي جحر اختارته..
�سنبحث عنها حني نتفرغ لذلك».
تدخل نايت« :ال �أظن �أنّ من ال�صواب جتاهلها �أيها امللك ..لقد
متكنت من الهرب ب�سبب ا�ستخفافنا بها ..رمبا علينا �أنْ نقب�ض عليها
ﻋﺼ
قبل �أنْ تفاجئنا بحركة �أخرى».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
�أطلق �آرون زفرة عميقة وهو يقول ب�صوت �أهد�أ و�أكرث �صرامة:
ﺐ ﻟﻠﻨ
«�أنا �أ�ؤيدك ..لقد �أخط�أنا حني ا�ستخففنا بها ..ولكن الوقت الآن
غري منا�سب ..يجب �أنْ يتمركز رجال البوم الهالك يف القلعة وبرج
ﺸﺮ
ولكني ال �أريد �أنْ يتدخل رجال البوم الهالك يف �أمر تافه كهذا».
ﺯﻳﻊ
n
�أوم�أ نايت ،ثم ا�ست�أذن َم ِلكه لالن�صراف وتوجيه الأوامر اجلديدة.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ الفخذ.
التفت الطبيب منعقد احلاجبني« :متهل! ال ينبغي �أنْ يتم �إفراغه
ﻜﺘ
توبيخه..
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ُمرخية للع�ضالت �أ�ض َع َفت من نب�ضاته �إىل احلد الذي ال يتم فيه
ك�شف وجودها ..ولكني حقنته للتو مبا يعاك�س عمل الع�شبة ،وذلك
حتى ال ميوت ً
فعل».
-مـ ..ماذا؟! هل مت تزييف موته؟! ينبغي �أنْ نخرب نايت.
-بل �سن�سمح له بالهرب� ..إنّ الأمرية بري�شيليا تتدبر هذا
الأمر ..يجب �أنْ ندعمها ً
عو�ضا عن دعم �أولئك القتلة.
226
-الأمرية بري�شيليا؟! ماذا ميكن �أنْ تفعل الأمرية بري�شيليا وهي
�سجينة يف برجها؟!
-لقد هر َبت ..و�ست�أتيك الأنباء قري ًبا.
نف�سا عمي ًقا قبل �أنْ يردف« :حتى �إنْ كان هذا �أطلق الطبيب ً
�صحيحا ..الأمرية بري�شيليا ال ميكنها حمايتنا! �سيعاقبنا نايت �إنْ
ً
�ساعدنا بهروب هذا ال�سجني!» ثم نقل ناظره �إىل تلك الطاولة حيث ْ
ملح حركة ذراع �سي�سيل وهو يحاول النهو�ض.
فعل ..و�سرت يف ج�سد الطبيب رع�شة �إثر كان يبدو كجثة حقيقية ً
ﻋﺼ
منظره ..فرغم اعتياده املناظر الب�شعة ..لكنها املرة الأوىل التي يرى
ﲑ ﺍﻟ
�شخ�صا يبدو بهذا ال�سوء ورغم ذلك ي�ستطيع احلركة! فيها
ﻜﺘ
ً
�ألقى املُ ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ِ
ﺍﻟﺘﻮ
n
ل�ست جبا ًنا مثلك� ..أريد �أنْ �أ�سهم ولو بجزء ب�سيط يف التخل�ص
ولكني ُ
من ه�ؤالء القتلة ..يجب �أنْ �أدعم الأمرية بري�شيليا».
227
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
n
الفصل الخامس عشر
الصهباء
ﻋﺼ
الح ًقا ،بعدما يتم �شق طريق �آمن لهم.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ي�ستطع �آرون �إخفاء ابت�سامته الوا�سعة وهو يقف على ر�أ�س مل ِ
اجلي�ش ،يت�أمل �صنيعه و�صنيع نايت الذي توىل قيادتهم.
ﺐ ﻟﻠﻨ
�صاح نايت وهو ي�سري يف حماذاة ال�صفوف�« :س ُي َ�س ّطر التاريخ هذا
ﺸﺮ
اليوم كبداية لبناء جمد جديد نفخر به! تزخر مملكة ال�صحاري
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
يجب �أنْ نتوىل �أمر �إدارة مملكته! �سنق�ضي على ال�ضعف واجلهل
والفو�ضى و�سنحكم العامل ب�أ�سره بالقوة والنظام!»
تابع نايت �سريه خطوات عدة قبل �أنْ يتوقف لي�صيح جمددًا« :لقد
ق�ضينا بنجاح على الفو�ضى التي كانت تن�شرها �صومعة الق�ضاة هنا..
وحان الوقت لنق�ضي على الفو�ضى التي ت�سبب بها �إيدن املعتوه!»
تدخل �آرون لي�صيح�« :سنحكم العامل بالقوة والنظام!»
229
تبع �صيحته �صيحة جموع اجلند مرددين ما قال وك�أنه �شعار هذه
احلرب�« :سنحكم العامل بالقوة والنظام».
ثم �شقوا طري ًقا من بينهم ليمر �آرون ومن خلفه رجاله ..كان
�آرون ي�شعر بزهو طاملا حلم به ..اليوم �سيبد�أ بتحقيق �أمنيته� ..أنْ
يكون امللك الأقوى� ..أنْ يجرد اجلميع من قواهم و�أنْ ميلك وحده كل
القوة� ..أنْ يحكم العامل برمته بقوة ال�سيف وحده.
وعلى جواد �أ�سود قوي مدجج بالدروع� ،صعد �آرون الذي كان بدوره
يزن �ضعف وزنه من الطبقات الفوالذية التي غطت �صدره وبطنه
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ وفخذيه.
n
�سار �إىل جانبه نايت ،ومن خلفهم ا�ستدار جمع الفر�سان ليبد�أوا
ﻜﺘ
ال�صوف بينما ه ّمت �إيفي ب�إ�شعال نار �صغرية عند املدخل ،علها تبث
بع�ض الدفء ..وقبل �أنْ تتم عملها ،ات�سعت ابت�سامتها وهي تلمح
القا ِد َمني ..هبت جر ًيا �إىل داخل الكهف لتب�شر �أمريتها« :لقد جنحوا
ب�إخراجه يا �أمريتي� ..سي�سيل هنا!»
نه�ضت بري�شيليا كاملفزوعة ولكن قدميها جتمدتا حني اقرتب
�ساعد طبيب الربج ..ابتلعت ريقها وهي
�سي�سيل وهو يتكئ على ُم ِ
حتاول ا�ستيعاب ال�صلة بني �سي�سيل الذي تعرفه وبني الهيكل العظمي
230
الذي تراه �أمامها ..هل كانت عيناه مفتوحتني �أم مغلقتني؟! ال ميكنها
تبني ذلك! كانت عينيه �أ�شبه ب ُك َرتَني جاحظتني غائرتني يف ال�سواد..
وكانت عظام وجنتيه بارزة ..ومنابت �شعره دامية متورمة� ..آثار
لأ�سالك ووخزات يف رقبته ..وكدمات متباينة الألوان ..وبال �شعور،
تدفقت دموعها غزيرة على خديها.
هم
جثا ُم�ساعد الطبيب جوار �سي�سيل الذي �أ�سنده �إىل اجلدار ،ثم َّ
بفتح حقيبته ليخرج بع�ض احلقن« :ال تقلقي يا �أمريتي� ..سيتعافى..
ولكن يجب �أنْ يبقى هنا ويخ�ضع للعالج� ..إنّ بع�ض جروحه ملوثة،
ﻋﺼ
حل له لي�أكل ..فج�سدهأي�ضا ،علينا �أنْ جند ً
ﲑ ﺍﻟ وقد تتفاقم حالتها ..و� ً
يرف�ض الطعام ..لقد ا�ستفرغ كلما ما و�ضعتُه يف فمه يف اليومني
ﻜﺘ
املن�صرمني ..ال �أدري ماذا كان نايت يطعمه ،ولكن يبدو �أنّ ج�سده
ﺐ ﻟﻠﻨ
231
تدخل ُم�ساعد الطبيب« :مل ي ُكن نايت ي�سمح له بالنوم ..وكان نومه
متقط ًعا على مدار اليوم ..ينام دقائق قليلة فقط ..لهذا يحتاج بع�ض
الوقت حتى يعتاد جمددًا على النوم �ساعات متوا�صلة».
�أوم�أت بري�شيليا متفهمة ،ثم نه�ضت لتجل�س قرب النار التي
جنحت �إيفي ب�إ�شعالها ..متتمت بعد وهلة من ال�صمت�« :أريد �أنْ
�أ�ستعيد عر�شي».
قالت �إيفي�« :ستفعلني يا �أمريتي� ..سنتخل�ص من ه�ؤالء القتلة..
و�ستكونني امللكة».
ﻋﺼ
n
-و�سيكون �إعدام نايت �أول ما �أفعله ..و�سيتم ذلك ب�أب�شع ما
ﲑ ﺍﻟ ميكن.
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
خ�صي�صا لت�ضييق
ً زنزانتها اجلدد ..و�أدركت �أنّ ه�ؤالء مت اختيارهم
ﻭ
ﻋﺼ
-ال ي�سمح ل�شيء �سوى وعاء الطعام والف�ضالت باملرور من
ﲑ ﺍﻟ
زنزانتك ..ل ِع ْل ِمك ،مفتاح زنزانتك مع نايت ..وهو خارج
ﻜﺘ
اململكة الآنِ ..من امل�ستحيل �أنْ يتم فتح باب زنزانتك لأننا
ﺐ ﻟﻠﻨ
لأهرب؟!
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
علي
وحكمت َّ
َ -لقد منحتك فر�صة عظيمة و�أنت رف�ضتها..
ﲑ ﺍﻟ
بالكذب رغم �أنك مل حتاول تبني الأمر حتى.
ﻜﺘ
-لن �أر�سلك �إىل �أي مكان! �س�آتي مبي�ست �إىل هنا ..و�ستقب�ض
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
�أنت عليه ..لن تخ�سر �شي ًئا ..ولن تخاطر ب�شيء ..ف�أنا حبي�سة
ﺯﻳﻊ
يف كل الأحوال.
أنك تبيعني الأمري مي�ست من �أجل حفنة من -ال ميكن �أنْ �أبتلع � ِ
كنت �صادقة.
الكتب ..و�إنْ ِ
-وهل تظنني بحاجة �إليه ح ًقا؟ �أي قوة ميلك؟! �إنه ال ميلك
�شي ًئا ..بل يتم�سك بي ك�أمله الأخري� ..أنا نف�سي ال �أملك من
يل ..لكن ما زلت قادرة على �أمري �شي ًئا وقد �س ِئ ُ
مت جلو َءه �إ َّ
كط ْعم للح�صول على �أب�سط حقوقي. اال�ستفادة منه ُ
234
مل يرد جوا ًبا ،بل عاد ليتجاهلها.
تراجعت بخطواتها لتجل�س على حافة �سريرها بينما ارت�سمت على
وجهها ابت�سامة خافتة ..تدرك �أنها �أق َن َعته ،ولذلك �ستمنحه املزيد
من الوقت لي�ستجمع �شجاعته ويخربها مبوافقته على ال�صفقة..
n
ب�شري ج�شع بعد كل �شيء..
�صحيح �أنه من البوم الهالك ،لكنه جمرد ّ
و�سريغب يف اال�ستئثار ب�شرف القب�ض على مي�ست.
جل�س �آرون على �صخرة مل�ساء بجوار نار ا�ستوقدوها للطهي و�سط
ﻋﺼ
يوما منذ بد�أوا
خميم م�ؤقت �أقاموه لال�سرتاحة ..لقد مر خم�سة ع�شر ً
ﲑ ﺍﻟ
أيام على بلوغهم م�شارف مملكة م�سريهم ..وتبقى قرابة ع�شرة � ٍ
ﻜﺘ
ال�صحاري.
ﺐ ﻟﻠﻨ
قال �آرون خماط ًبا نايت الذي كان يجل�س جواره ،يهم بتق�شري
ﺸﺮ
�سي�سوء �أكرث؟»
ﺯﻳﻊ
n
�أوم�أ نايت ،ثم ق�ضم ق�ضمة من قطعة البطاط�س يف يده بينما
ﺐ ﻟﻠﻨ
لقد �أ�صبح �سي�سيل قاد ًرا على اخلروج من الكهف ..فقد بد�أ
ﺯﻳﻊ
ي�أكل ..وا�ستعاد بع�ض الوزن ..وكانت �صومعة الق�ضاة �أول وجهة �أ�صر
على زيارتها بعد حت�سنه.
مل ير�ضخ العرتا�ض بري�شيليا و�إيفي ..فقد كان يحتاج بع�ض
الأدوات التي يخبئها يف قبوه ..ورغم اعرتا�ض بري�شيليا وو�صيفتها،
ف�إنهما �أ�صرا على مرافقته بعد �أنْ ف�شال يف ثنيه عن الذهاب.
كانوا يرتدون ثيا ًبا تخفي معاملهم ،وو�سط الأنقا�ض التي كانت
دعى بال�صومعة� ،أخذوا يتجولون ،متجهني �إىل القبو الذي كان ُت َ
236
ي�سكن فيه �سي�سيل ..كان باب القبو ما يزال على حاله ،و�إنْ كان غري
مقفل.
لقد زحف الغبار على العتبة ،و�أ�صدر الباب �صري ًرا يوحي بال ِقدم
حني دفعه �سي�سيل ..ويف الداخل ت�سمر للحظات وهو يحاول تبني
ما يرى �إثر �ضوء ال�شم�س اخلافت املُ ْن َ�سل من النافذة العلوية ..ومل
ي�ستطع �أنْ مينع ال�صدمة التي ارت�سمت على وجهه.
ِ
كانت جثة فيوال معلقة و�سط احلجرة ،و�أ�سفل منها كر�سي خ�شبي
وا�ضحا �أنّ م�شنقتها مت �إعدادها ببدائية
ً انقلب على جانبه ..وكان
ﻋﺼ
وا�ضحا �أنها َمن �أع َّد م�شنقتها ..لقد قتلت نف�سها.
ﲑ ﺍﻟ ً وغري خربة ،كان
-مـَ ...من هذه الفتاة؟
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
كانت تلك بري�شيليا التي ت�ساءلت بعد تردد ..و�أدركت �أنّ �سي�سيل
يحاول ال�سيطرة على م�شاعره �إثر هذه ال�صدمة ..فقد كان يتنف�س
ﺸﺮ
ﻋﺼ
كان قد �شعر ب�شيء من الراحة حني �أف�صح عن م�شاعره املكبوتة
ﲑ ﺍﻟ
جتاه فيوال ..ومل يد ِر ِ َل ال ي�شعر ب�أي ذنب رغم �إدراكه �أنه ال�سبب..
ﻜﺘ
عج َبت به وخاطرت بنف�سها �سي�سيل من قبل ..فهذا ال�شاب الذي �أُ ِ
ﺸﺮ
لأجل �إنقاذه ،يعرتف �أمامها ب�أنه دفع زوجته امل�سكينة لالنتحار! ودار
ﻭ
يف خلدها حديثها مع �إيفي �ساب ًقا ،عن حقيقة �سي�سيل التي ال تعرف
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
بحياتك ..و�أنْ تعي�ش حياتك من �أجلي �أنا ال من �أجل نف�سك
ﲑ ﺍﻟ
وم�صاحلك فقط! هل تفهم؟ لن جتحدين ولن تتجاهلني �أبدً ا!
ﻜﺘ
بدا من عينيها وك�أنها غري قادرة على ت�صديقه ،عاد ليقول م�ؤكدً ا:
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
لكنك �ستكونني اال�ستثناء
فعلِ ..
ﺯﻳﻊ
أعدك بهذا».
الوحيدِ � ..
ﻋﺼ
-ال �أعلم ..فنحن ال نرتا�سل ..لكنه مل ي� ِأت لزيارتي منذ زمن
ﲑ ﺍﻟ
جدا ..بالت�أكيد
طويل ..و�أظن ب�أنّ زيارته القادمة قريبة ًّ
ﻜﺘ
�أي زائر لر�ؤيتي ،ولكن ال ميكنك �أنْ تقب�ض عليه حتى �أ�ؤكد لك
ﺸﺮ
هويته.
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
-اتفقنا.
هم�س بعد هنيهة من ال�صمت« :ال ِّن ْم�س».
-ماذا؟
� -س�أل ِتني عن ا�سمي �ساب ًقا ..ا�سمي هو ال ِّن ْم�س.
n
«ت�شرفت مبعرفتك �أيها النم�س».
ُ ابت�سمت:
240
�صباح اليوم التايل ،وقف �آرون ونايت و�سط خيمة �صغرية من
�ضمن املخيم الذي باتوا فيه مع بقية ا ُ
جلند الليلة الفائتة ..وكان
ي�ستمع �إىل رجال الك�شافة الذين عادوا من رحلتهم الق�صرية.
� -سهل الغزالن �أف�ضل ً
حال بكثري من وادي الكربيت ..فاحلرارة
فيه �أخف�ض والأر�ض منب�سطة منا�سبة للخيول ..ولكن...
رفع الك�شاف عينيه �إىل نايت وهو يردف« :هناك ُعمال كرث يعملون
على حفريات عميقة ..لن ن�ستطيع العبور من هناك ب�سال�سة..
�سن�ضطر �إىل ردم هذه احلفريات لنعرب من بع�ض املناطق ..ورمبا
ﻋﺼ
ن�ضطر �إىل اال�شتباك مع ال ُعمال �إنْ مل يتعاونوا معنا».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ت�ساءل �آرون�« :إنّ �إيدن يعلم ب�أنّ والدي ال �سلطة له على �أي �شيء..
ﺐ ﻟﻠﻨ
ورغم ذلك يبد�أ مب�شروع القناة املائية الذي اتفقا عليه م�سب ًقا؟! َمل
يهدر موارده على م�شروع لن يجني منه �شي ًئا؟ ما �أدراه ب�أين �س�أ�سمح
ﺸﺮ
قال نايت�« :إنه جمرد �أحمق ..لقد وردتني ر�سالة مفادها �أنه با�شر
احلفريات عنادًا يف �شقيقه مي�ست ..لقد طلب منه مي�ست �أنْ يوقف
هذا امل�شروع من �أجل التفرغ للحرب ..وكان رد فعل نايت �أنْ �أنكر هذا
وقرر مبا�شرة احلفريات».
فعل حني منعتم حماولة انقالب زوجته على -كنتم موفقني ً
متاما لو �أنّ من يجل�س
حكمه ..كنا �سنكون يف موقف خمتلف ً
على ذلك العر�ش هو مي�ست �أو ليالك.
241
حل �صمت ق�صري قبل �أنْ يردف �آرون« :ما ر�أيك ب�ش�أن الطريق
الأن�سب يا نايت؟ هل نختار �سهل الغزالن؟»
� -أريد �أنْ �أ�سمع ر�أيك � ًأول �أيها امللك.
قال �آرون بعد هنيهة من التفكري« :ال �أحبذ التدخل لإف�ساد
امل�شروع ..فهذه القناة هي �إحدى م�شاريعنا بعد ال�سيطرة على مملكة
ال�صحاري ..ينبغي �أنْ ندع العمال يتابعون عملهم ..يجب �أنْ ينجزوا
بقدر ما ي�ستطيعون ليكون ا�ستكمال امل�شروع �أ�سهل و�أقل تكلفة».
ابت�سم نايت« :هذا ما كنت �أفكر فيه � ً
أي�ضا ..يجب �أنْ ال نف�سد
ﻋﺼ
عملهم ..يجب �أنْ ن�سلك وادي الكربيت».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
التفت نايت �إىل الك�شاف وك�أنه يطلب ر�أيه� ،أجاب الأخري« :وادي
ﺐ ﻟﻠﻨ
جدا..
الكربيت ال يبدو بذلك ال�سوء ..عيبه الوحيد حرارته العالية ًّ
ولذلك علينا �أنْ نتخذ احتياطاتنا حتى ال ي�صاب جنودنا ب�سوء».
ﺸﺮ
n
قال �آرون« :ا�ستد ِع طبيبنا وفرقة الإغاثة يا نايت ..علينا �أنْ جنتمع
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
مل ت ُكن املرة الأوىل التي ي�ستدعيهم فيها الرئي�س ..و�إنْ كانت
ﲑ ﺍﻟ
املرة الأوىل التي ي�ستدعيهم فيها قبل قدوم فرقة احلرا�سة البديلة..
ﻜﺘ
لكنهم �سارعوا باخلروج� ..أما النم�س ..فوقف منتظ ًرا حلظات حتى
ﺐ ﻟﻠﻨ
دفعها �إىل قبالة زنزانة الأمرية �أوفيليا وهو يزيح الو�شاح الذي كانت
ﻭ
املمتلئ.
عاد ليقول�« :إنها امر�أة! كيف ميكن �أنْ تكو.»...
ومل يكمل عبارته ..فقد التفت غا�ض ًبا حني ملح قدوم �أحد
حار�سا عاد ًيا من حرا�س الربج ..ولي�س من �ضمن
احلرا�س ..كان ً
جماعة البوم الهالك.
جئت �إىل هنا؟! �أال تعرف �أنّ هذه املنطقة
�صاح فيه النم�س« :كيف َ
حمظورة على ا ُ
حل ّرا�س؟!»
243
كانت مالمح هذا احلار�س مميزة ..له لون نحا�سي حمرتق..
و�شعر �أ�سود تدىل على جانبي وجهه ..ونظرات قوية جريئة ..ومل
يكد النم�س يلحظ كل ذلك ..حتى التف حول رقبته حبل رفيع قوي،
فاج�أته به ال�صهباء من ورائه ..من �أين �أتت بذلك احلبل؟! كانت
ترتديه كحزام ..ولكن النم�س هوى � ً
أر�ضا قبل �أنْ يعرف هذا.
ويف �أثناء ذلك ،اندفع مي�ست ليخرج املفتاح الذي ا�ستلمه من
رئي�س احلدادين منذ فرتة وجيزة ..ثم �أدخله يف قفل الزنزانة..
ل ُيفتح ب�سال�سة وك�أن هذا مفتاحه الأ�صلي.
ﻋﺼ
رمت ال�صهباء غطا ًء للر�أ�س على �أوفيليا بينما �أخذ مي�ست بلف
ﲑ ﺍﻟ
ال�سل�سلة التي ا�ستلها من حزام النم�س حول مع�صمها ،وبكل هدوء،
ﻜﺘ
خرج متظاه ًرا ب�أنه جمرد حار�س يقود �أحد ال�سجناء ..ومن املخرج
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
244
n
الفصل السادس عشر
الخيانة
ﻋﺼ
هذا ،ولذا و�ضع �آرون على جواده ليدعمه ويتوىل القيادة.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
كان نايت ي�شعر ب�ضربات قلبه املت�سارعة ،وكان العرق قد غطى
وجهه ،كما غطى وجوه بقية الفر�سان ..ورغم ذلك� ،صاح ليبعث فيهم
ﺐ ﻟﻠﻨ
بع�ض العزم« :لقد جتاوزنا منت�صف الوادي ..مل يتبقَ �سوى القليل..
ﺸﺮ
مل يرد ا ُ
جلند جوا ًبا ،فقد كان ال�صمت من �ضمن تعليمات فرقة
الإنقاذ قبل البدء بعبور هذا الوادي ..ولذلك ليحافظوا على طاقتهم
بكل الطرق املمكنة.
وانطلق �صهيل �أحد الأح�صنة لريمي الفار�س الذي امتطاه � ً
أر�ضا.
التفت نايت ليعرف ما حدث ،ولكنه مل يكد يفعل ذلك حتى ارتفع
�صهيل بقية الأح�صنة ،وك�أنها �أ�صيبت باجلنون ..رامية الفر�سان
245
أي�ضا �إثر أر�ضا وهي جتري فزعة ..وانطلقت �صيحات ا ُ
جلند � ً � ً
الإ�صابات التي ت�سببت بها الأح�صنة.
كان نايت يتلفت يف �صدمة وهو يفكر على عجل ،و�سارع بالرتجل
عن جواده واجلري بعيدً ا ً
حامل �آرون بني ذراعيه.
-ان�سحبوا! ترجلوا عن �أح�صنتكم وعودوا �إىل املخيم! ان�سحبوا
ً
حال!
�أخذت �صيحات االن�سحاب ترتدد ،ومل يفلح �سوى ن�صف ا ُ
جلند
ﻋﺼ
باالبتعاد دُون �إ�صابة ُتذكر� ..أما الأح�صنة ،فقد هربت بعيدً ا ليفقدوا
ﲑ ﺍﻟ
�أكرثها.
ﻜﺘ
وبينما كان نايت يبتعد ،ملح ال�شرارات التي كانت تنطلق من حوافر
ﺐ ﻟﻠﻨ
ولكنه �سيعرف الح ًقا �أنها حدثت بفعل انف�صال جزء من حدوة
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
ال�شرارات.
يف حانة �صغرية على �أطراف العا�صمة ،دلفت �أوفيليا التي ما زالت
تغطي ر�أ�سها بذلك الغطاء ،برفقة مي�ست الذي ح َّياه �صاحب احلانة
من بعيد ك�أنه يرى وج ًها ي�ألفه.
246
رد مي�ست التحية ب�إمياءة ثم �صعد الدرجات �إىل الطابق العلوي،
ومن خلفه تبعته �أوفيليا ..ثم دلف االثنان �إىل حجرة ا�ستقبلهما فيها
الأعور.
بك �أيتها امللكة� ..أنا ارت�سمت على وجهه ابت�سامة وهو يقولً �« :
أهل ِ
�سعيد ح ًقا لر�ؤيتك».
ابت�سمت بدورها« :و�أنا �سعيدة لر�ؤيتك � ً
أي�ضا».
� -أرجو �أنْ تتحملي املكوث هنا لبع�ض الوقت ..و�س�آتي لأخذك
ﻋﺼ
بعد �أنْ يتم تطهري بهو القلعة.
ﲑ ﺍﻟ
-هل كل �شيء جاهز؟
ﻜﺘ
� -أنا القائد البديل لنايت ..وكنت �أتوىل بنف�سي تنظيم فرق
اجلي�ش ..لقد اخرتت �أكرث الرجال � ً
أهل لثقتنا ليكونوا �ضمن
الكتائب ..يف كل كتيبة هناك َمن يتمنى �أنْ يق�ضي على البوم
الهالك يف �أقرب فر�صة� ..ستتكد�س جثثهم هذه الليلة ..ال
ميكن �أنْ يتغلبوا على الكتائب مهما بلغوا من قوة ،ففارق
العدد كبري ج ًّدا.
� -أمتنى لك التوفيق! و�س�أكون يف انتظار الأنباء هذه الليلة.
247
�أوم�أ ،ثم قال وهو يلتفت نحو مي�ست�« :ستكون امللكة �أوفيليا حتت
علي �أنْ �أذهب الآن».
حمايتكَّ ..
قال مي�ست« :ال تقلق حيال هذا� ..أمتنى لك التوفيق».
ا�ستدار الأعور مبتعدً ا ،ثم �أغلق الباب خلفه.
مرت حلظات �صمت قبل تزفر �أوفيليا بعمق وهي تتجه لتجل�س
على كر�سي خ�شبي عتيق ..هم�ست وهي ت�شري ب�س ّبابتها �إىل الكر�سي
املقابل« :اجل�س يا مي�ست».
ﻋﺼ
جل�س يلفه ال�صمت ،وكان يبدو �أنّ عقله من�شغل بكثري من الأفكار
ﲑ ﺍﻟ
ن�سي ما حدث بينهما يف التي �أرهقته ..ذلك الأعور ..يعامله وك�أنه َ
ﻜﺘ
يبد �أي رد فعل منذ �أنْ التقيا ب�ش�أن �أوفيليا� ..إنه يعلم
املا�ضي ..بل مل ِ
ﺐ ﻟﻠﻨ
�أنّ مي�ست ال�سبب وراء فقدانه لعينه و�أ�صابعه ..ورغم ذلك ال ُيظهر
ﺸﺮ
�أي رد فعل جتاهه� ..صحيح �أنّ الظروف تغريت ..ولكن هذا ال يعني
ﻭ
ن�سي ما حدث.
�أنه َ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
قالت �أوفيليا وهي تنظر �إليه لتنت�شله من �سرحانه�« :شك ًرا لك يا
مي�ست� ..أنا ممتنة لك ح ًقا».
فوجئ حني امتدت يدها لت�ضغط على كفه ..ورغم �أنه كان يتحرق
�إىل اللحظة التي يجتمعان فيها م ًعا خارج ال�سجن ..ف�إنه مل ي ُكن قاد ًرا
على �إيجاد الكلمات املنا�سبة.
عادت لت�س�أله« :ماذا هناك يا مي�ست؟ ما بك؟»
248
كانت تدرك �أ�سباب وجومه جيدً ا ..تدرك جيدً ا �أنه �صار ِيكن لها
متاما خوفه منبع�ض امل�شاعر خالل ال�شهور املن�صرمة ..وتدرك ً
القادم ..وقلقه حيال وعدها بت�أمني حماية مملكته.
قالت بابت�سامة وهي تقرتب منه لتجربه على النظر يف عينيها« :ال
حتتفظ مب�شاعرك لنف�سك� ..أف�صح عما لديك».
قال بعد هنيهة من ال�صمت وهو ي�سحب كفه من قب�ضة يدها:
«تعلمني يا �أوفيليا �أنني مل �أفعل ما فعلتُه من �أجلك ..بل من �أجل
حماية مملكتي� ..س�أعترب �أين وفيت بوعدي حني جتل�سني على
دورك لتفي بوعدك يل». عر�شك ،و�سيحني عندها ِ
ﻋﺼ
ات�سعت ابت�سامتها بينما ت�ساءلت يف داخلها عن �سبب مكابرته
ﲑ ﺍﻟ
حتى الآن وا�ستمراره يف �إنكار م�شاعره ال�شخ�صية ،قالت يف هدوء:
ﻜﺘ
� -أنا �أ�ضع م�ستقبل مملكتي بني يديك ..لأنني جمرب على الثقة
ﺸﺮ
أي�ضا كنت ُمربة على الثقة ات�سعت ابت�سامتها وهي تردف�« :أنا � ً
ﺯﻳﻊ
بك ..وب�سبب ذلك حتررتُ من �سجني� ..أحيا ًنا ُنرب على و�ضع ثقتنا
يف �أنا�س مل ن ُكن لنثق بهم يف ظروف �أخرى ،غري عاملني ب�أنّ ذلك
اخليار الذي نظنه �أقبح اخليارات ،هو يف احلقيقة �أف�ضل اخليارات
املمكنة».
n
ً
مف�ضل عدم اخلو�ض مل ُي�شح بب�صره عن الأر�ض ..ومل يرد جوا ًبا،
�أكرث يف هذا احلديث.
249
يف الكهف اجلبلي� ،أخذت �إيفي ت�شعل ال�شموع �إثر بدء تخييم
الظالم ،بينما جل�ست بري�شيليا عند مدخل الكهف ،تتناول ً
بع�ضا من
الفاكهة التي �أح�ضرها ماريون� ..أما �سي�سيل ،ف�أخذ يرقب احل�ساء
الذي و�ضعه على نار �صغرية ..لقد �صارت معدته تتقبل بع�ض الأطعمة
ال�صلبة ،ولذا و�ضع بع�ض قطع البطاط�س واجلزر يف ذلك الوعاء.
أر�ضا ،قال م�ستئذ ًنا:
نه�ض ماريون بعدما و�ضع امل�ؤن التي جاء بها � ً
علي �أنْ �أذهب ..هل حتتاجني �إىل �شيء �آخر؟»
«�أمريتيَّ ..
هزت بري�شيليا ر�أ�سها نف ًيا ،ولكن �سي�سيل نطق ليوقفهً :
«مهل».
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ -ماذا هناك؟
ﻜﺘ
رفع �سي�سيل ناظره �إليه وهو ي�س�أل« :هل تعرف مكان �سريو�س؟»
ﺐ ﻟﻠﻨ
بدت �أمارات اال�ستغراب على وجه ماريون ،لكنه �أجاب�« :أنا ال
ﺸﺮ
علمت بنجاته؟
-كيف َ
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
قالت بري�شيليا بنربة م�شوبة بالقهر�« :أوفيليا ..ال �أحد �سواها قادر
ﲑ ﺍﻟ على فعل هذا».
ﻜﺘ
هذه الأفعى تفعل دائ ًما ما يعجز اجلميع عن ت�صوره ..اذهب �إىل
ﺍﻟﺘﻮ
هناك يا ماريون وحاول تبني الأمر ..علينا �أنْ ال نفقد م�صادرنا و�سط
ﺯﻳﻊ
هذه الفو�ضى».
أرجوك ال تربحي هذا املكان يف
ر َّد ماريون�« :أمرك �أيتها الأمريةِ � ..
غيابي ..علينا �أنْ نتبني الأو�ضاع � ًأول».
� -أرجو �أنْ تتوخى احلذر� ..سنكون يف انتظارك.
n
احرتاما ،ثم ا�ستدار مبتعدً ا.
ً �أوم�أ
251
ر�سل من ِقبل �آرون ،على ظهر جواد
فار�س ُم َ
م�ساء ذلك اليوم ،جاء ٌ
من اجلياد ال�سريعة التي ت�ستُخدم لنقل الر�سائل العاجلة ..وتوقف
�أمام قلعة القمم الدخانية� ،إثر املنظر الذي فوجئ به.
كان جنود الكتائب يحيطون بالقلعة من كل �صوب ..وكانوا
متحفزين ومدججني بال�سيوف والدروع ..ك�أنهم يف �أر�ض معركة
حامية.
لقد جاء الفار�س من جهة مملكة ال�صحاري ليطلب الدعم لآرون
وفر�سانه العالقني يف خميمهم ،وبدا له �أنّ تل ّقي الدعم لن يكون بهذه
ال�سهولة ..ولذلك اتخذ له خمب أً� يراقب منه ما يجري.
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
بوابة القلعة الكبرية ُتفتح ..ويخرج الكثري من جنود الكتائب
ﻜﺘ
الأبواق ..يليه ا�صطفاف جنود الكتائب على جانبي البوابة ك�أنهم يف
ا�ستقبال ملكي.
ﺸﺮ
n
تراجع وهو يدرك �أنه لن يكون قاد ًرا على احل�صول على �أي دعم..
وعاد �أدراجه لينقل هذا النب�أ لآرون ونايت العالقني و�سط ال�صحراء.
252
يف بهو قلعة القمم الدخانية ،وعلى العر�ش امللكي ،جل�ست �أوفيليا..
يف م�شهد مهيب �أ�صاب اجلميع بالرهبة �إثر القوة التي متلكها هذه
الأمرية� ..أو لنقل ..امللكة.
كانت ممرات القلعة تتكد�س بجثث رجال البوم الهالك ،فقد كانت
�أوامرها تق�ضي بقتلهم ومنعهم من الهرب ..حتى �إنْ ا�ست�سلموا..
ولكن بع�ضهم متكن من الهرب بعد كل �شيء ..فقد كان االن�سحاب
من مبادئهم ،وكان االختباء هو �أول ما يفعلونه عند تعر�ضهم لهجوم
غري متوقع يعلمون �أنه �سي�ستهلك قواهم.
ﻋﺼ
�أخذت �أوفيليا ترمق البهو الذي ا�صطبغ بالأحمر ،بعد �أنْ مت �إزاحة
اجلثث التي كانت تنت�شر فيه ..وقفت ترمق الرجال الذين وقفوا يف
ﲑ ﺍﻟ
البهو ،يخف�ضون ر�ؤو�سهم َمل ِل َك ِتهم اجلديدة ..قالت ب�صوت جهور« :كما
ﻜﺘ
تعلمون ..كان البوم الهالك �آفة وجب التخل�ص منها ..لقد متكنوا من
ﺐ ﻟﻠﻨ
�صمتت هنيهة قبل �أنْ تتابع« :تعلمون �أنهم يب�سطون نفوذهم يف
أي�ضا ،ولذلك يتوجب علينا �أنْ ن�صحح بع�ض الأمورمملكة ال�صحاري � ً
هناك».
مل ت ُكن قد حتدثت مع مي�ست ب�ش�أن اخلطوة القادمة حيال مملكة
ال�صحاري ،ولذا حتفز �إثر ذكرها ململكته.
� -سنتابع ما كان �آرون يفعله ،ولكننا �سنفعله بطريقتنا ..يجب
�أنْ تكون مملكة ال�صحاري حتت �سيطرتنا.
253
ً
مت�سائل ،حني �أح�س بدا مي�ست مبهو ًتا �إثر ما تقول ،وكاد ينطق
مبن يقب�ض على مع�صميه ليقيده ب�سل�سلة �سميكة.
�صاح فيها غري م�صدق ملا يحدث« :مـ ..ما الذي تفعلينه يا
ميكنك �أنْ تفعلي هذا!»
ِ �أوفيليا؟! �أين وعدك؟! لقد كان بيننا اتفاق! ال
ولكنها مل تلتفت نحوه ..و�سرعان ما غاب عن الأنظار بعد �أنْ دفعه
بع�ض الرجال �إىل اخلارج ،ليودعوه �إحدى زنزانات برج ال�سال�سل.
تابعت خطابها�« :سنذهب لإنقاذ الفر�سان الذين خرجوا مع �آرون،
ﻋﺼ
و�سنتابع امل�سري �إىل مملكة ال�صحاري ..لكننا لن نت�سرع ..يجب �أنْ
ﲑ ﺍﻟ
نت�أكد من ا�ستقرار الأمور يف القلعة � ًأول».
ﻜﺘ
تباعا،
عادت لتجل�س على عر�شها ،ثم �أخذ الرجال باال�ستئذان ً
ﺐ ﻟﻠﻨ
«�أمرك �أيتها امللكة» .قالها وهو ي�شري ملاريون باتباعه ،ثم ِا ْن َ�سل
n
ﺐ ﻟﻠﻨ
م�سرعا.
ً خارج البهو امللكي
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
255
حتركت بهم العربة ،وكانت بري�شيليا تنتف�ض يف الداخل ..غري
قادرة على ت�صديق ما جرى للتو ..هل مت القب�ض عليها جمددًا؟!
لقد بذلت كث ًريا من اجلهد لتهرب! كانت غري قادرة على النطق ب�أي
كلمة ..وبدت يف نظرتها الزائغة خيبة �أمل وي�أ�س عميق مل ت�شعر به
ف�شلت ..لن تتمكن من التخطيط للهرب جمددًا ..ال من قبل ..لقد ِ
ميكن �أنْ حت�صل على فر�صة الهرب ثاني ًة ..هذه هي نهايتها حت ًما.
�أما �سي�سيل ،فكان مطرق الر�أ�س ،ي�شعر بخواء وانك�سار ال تعرب
عنه الكلمات ..هل �سيتحمل اخل�ضوع لتحقيقات جالدي الربج ثانية؟!
ﻋﺼ
يدرك �أنه لن ي�ستطيع النجاة جمددًا ..ال ي�ستطيع حتمل �أنْ ُيعاد ما
ﲑ ﺍﻟ
حدث له يف ذلك الربج� ..سينهار ج�سده وعقله� ..سيموت �سري ًعا
ﻜﺘ
حجم طموحه و�أحالمه التي مل يحقق منها �شي ًئا على الإطالق ..لقد
ﺸﺮ
بذل كث ًريا من اجلهد ورغم ذلك عا�ش حياة تافهة ..ورغم ذلك
�سيموت ميتة تافهة!
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
256
n
و�أ�سكتته �صفعة من احلار�س اجلال�س بجواره« ،تقتل َمن؟! لن تقتل
�أحدً ا �أيها اللعني! �أنت َمن �سيموت �إنْ مل ت ُكن قد � َ
أدركت الأمر بعد!»
ﻋﺼ
�أرجو �أنْ تتفهم �سبب ت�صريف هذا».
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
أنت ت�شعرين باخلوف وعدم الأمان ..ترف�ضني ت�صديق فكرة ِ �-
وجود َمن تبادلينه الثقة دُون م�صالح.
ﺐ ﻟﻠﻨ
� -أنت نف�سك �أخربتني ب�أنك كنت جم ًربا على الوثوق بي من
ﺸﺮ
�أجل حماية مملكتك وح�سب ..مل ت ُكن ثقتك بي خيا ًرا واردًا
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
حلت وهلة من ال�صمت قبل �أنْ جتيبه بالهدوء ذاته« :ال يغري
ﻜﺘ
�إدراكي لأي �أمر �أي �شيء� ..أنت ال تعرفني ح ًقا ..حتى و�إنْ كانت مثل
هذه امل�شاعر لها وجود ..ف�أنا �أملك القوة لدفن م�شاعري وجتاهلها
ﺐ ﻟﻠﻨ
كنت �أت�صرف وفقمتاما ..ال ميكن �أنْ ت�ؤثر م�شاعري يف قراراتي ..لو ُ
ً
ﺸﺮ
م�شاعري َلا ُ
كنت �أجل�س على العر�ش امللكي».
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
258
قالت بنربة تبدى فيها القهر�« :أنت ال تعرفني ..ال تعرف �شي ًئا
علمت
َ عني! ال ميكن �أنْ ِتكن يل �سوى م�شاعر الكره والبغ�ض �إنْ
بحقيقتي!»
-وهل تظنني �أين مالك؟ �أنا � ً
أي�ضا �أحتمل كث ًريا من اخلطايا.
-ال تقارن نف�سك بي! هل تعلم �أين �شققت جمجمة طفلة كانت
حتبني وتخدمني ب�إخال�ص؟ كنت �أحبها كث ًريا ..ولكني متكنت
من دفن م�شاعري هذه من �أجل القيام ببع�ض الطقو�س
ول�ست نادمة على �شيء! ال ميكنك �أنْ حتاججني ال�سحرية! ُ
ﻋﺼ
مب�شاعري جتاهك ..هذه امل�شاعر التافهة ال قيمة لها على
ﲑ ﺍﻟ
الإطالق! ال ميكن �أنْ ت�شكل �أي فارق لدي!
ﻜﺘ
عاد لينظر �إىل الفراغ ..متتم« :كما تريدين ..لكنني �س�أكون هنا
ﺐ ﻟﻠﻨ
من �أجلك ..ولن يتغري موقفي جتاهك� ..أريدك �أنْ تعلمي �أين لن
ﺸﺮ
مل ترد جوا ًبا ،بل ا�ستدارت لتخرج من الزنزانة ،ومل تد ِر ما كنه
تلك الدموع التي جتمعت يف مقلتيها ،ولكنها �سارعت مب�سحها بكفها
نف�سا عمي ًقا تداري به هذه امل�شاعر الغريبة التي اجتاحتها..
و�أخذت ً
ثم ابتعدت.
ي�ستطع فهم ال�سبب الذي مينعه حتى هذه اللحظة�أما هو ،فلم ِ
من نبذها وكرهها ..كان يظن �أنّ غدرها به �سيقلب موقفه جتاهها..
حري�صا على �أنْ ال يظهر م�شاعره ال�شخ�صية جتاهها من
ً ولذلك كان
259
قبل ..ولكن كيف ميكن �أنْ ال تتبدل م�شاعره حتى بعد �أنْ تخلت عنه؟
يف داخله ..كان يدرك �أنّ ال�سبب وراء موقفها منه هو اخلوف فقط..
مل ي ُكن يرى �شي ًئا �آخر يف عينيها� ..إنها خائفة ..ولهذا تتخلى عن �أي
�شيء قد يعرت�ض طريقها من �أجل �أنْ حتقق �أهدافها ..تدو�س على
كيانها وذاتها من �أجل �أهدافها ..ولكن ما هي �أهدافها احلقيقية؟!
ملاذا تريد احتالل مملكته بهذا الإ�صرار؟ كان ذلك ما �أخذ يدور يف
خلده وهو يحاول �أنْ يفكر يف الإجابات دُون جدوى.
n
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻭ ﺸﺮ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
260
n
الفصل السابع عشر
ّ
النَفي
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ ورفاقها فقط.
ﻜﺘ
ﻋﺼ
أرجوك!»
ولكن اتركي �إيفي يف حال �سبيلها! � ِ
ﲑ ﺍﻟ
ولكن �سيف الأعور �سبق رجاءها.
ﻜﺘ
�سقطت �إيفي � ً
أر�ضا بعد �أنْ �شق ذلك الن�صل �أوردة عنقها ..و�سالت
ﺐ ﻟﻠﻨ
n
ثقيل وج ًوا
م�شب ًعا برائحة املوت.
ﻋﺼ
�أجاب الفار�س متلعث ًما�« :سيدي ..لقد حدثت كارثة».
ﲑ ﺍﻟ
ات�سعت عينا نايت وهو يعاود ال�س�ؤال« :ما الذي حدث؟!»
ﻜﺘ
من �سجنها ..وارتكبت مذبحة كبرية �ضد رجال البوم الهالك� ..إنها..
ﺸﺮ
�إنها امللكة الآن ..لقد بايعها جميع رجال اململكة على الإخال�ص».
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
ر َّد نايت بده�شة بالغة على وجهه« :كـ ..كيف خرجت؟! زنزانتها ال
ﺯﻳﻊ
ﻋﺼ
ﲑ ﺍﻟ ذلك.
احرتاما قبل �أنْ يخرج ..وما �إنْ اختفى عن الأنظار
ً �أوم�أ الفار�س
ﻜﺘ
كان �آرون ينظر �إىل الأر�ض وهو ما يزال حتت ت�أثري املفاج�أة ..قال
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
n
ﺯﻳﻊ
ً
معرت�ضا« :ال �أظن ذلك ..فقد عقد �سي�سيل حاجبيه وهو يرد
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
�ساع َدتني هذه املر�أة كث ًريا ..هي من َع ّلمني كل �شيء �أعرفه عن
َ
ﺯﻳﻊ
الو�شوم».
نه�ض �سريو�س من كر�سيه متج ًها �إىل �سي�سيل بخطواته البطيئة،
خد َعتك حني ر�سمتثم مد يده ليك�شف ذراع �سي�سيل اليمنى« :لقد َ
و�شم على ذراعك».
لك �آخر ٍ
انتقلت �إىل حجرات ال�صومعة �إثره ..لقد اتفقنا على
ُ -لكنني
ذلك ونفذته هي بنزاهة.
265
� -أمل تعلم َبعد ِ َل َ
ف�شلت يف االنتقال حني �أردتَ الهرب من رجال
كنت تتقنه
ر�سمت و�شم االنتقال الذي َ
َ البوم الهالك؟ لقد
وقفت م�شدوهً ا
كا�سمك ..ورغم ذلك مل يحدث �أي �شيءَ ..
تنتظر �أنْ تبد�أ ع�ضالتك بالتقل�ص ..ولكن رجال البوم الهالك
اقتحموا املكان وقادوك �إىل برج ال�سال�سل.
كان يتحدث بثقة وك�أنه يرى املوقف �أمامه.
بدت الده�شة وا�ضحة على وجه �سي�سيل ..تابع �سريو�س�« :أمل تفهم
بعد َمل �أ�ص ّرت �إينور على �أنْ تر�سم لك و�شم االنتقال الذي �أعا َدك
ﻋﺼ
ر�سم و�شم �آخر ..مل ي ُكن ما
�إىل عاملنا؟ لقد َف َعلت ذلك لأنها �أرادت َ
ﲑ ﺍﻟ
ر�س َمتْه و�شم االنتقال الذي تعرفه».
ﻜﺘ
قالها وهو يحاول تبني الو�شم الذي ُر�سم �أعلى ذراعه اليمنى ،ومل
ﺸﺮ
كامل كونه ُر�سم يف زاوية لي�ست يف جمال نظره. ي ُكن قاد ًرا على تبينه ً
ﻭ
ﺍﻟﺘﻮ
قال �سريو�س جمي ًبا« :لقد ر�سمت لك و�شم ال َّنفي ..لقد َط َر َدتك
ﺯﻳﻊ
من عاملها دُون عودة ..لذلك مل َي ُعد لو�شم االنتقال العادي �أي ت�أثري».
-ولـ ..ملاذا قد تفعل هذا؟
� -أرادت منعك من العودة �إىل عاملها و�إف�ساد ما َ�ص َن َعتْه..
لقد َر َ�س َمت على ذراعك الو�شم ذاته الذي ت�سبب بنفيها
من عاملنا ..ولقد �أخفت هذه احلقيقة عنك حتى تتمكن من
عقابك بالو�شم ذاته.
266
�أوم�أ �سي�سيل وهو ي�شعر بجذوة من الكراهية ت�شتعل يف داخله
جتاهها ..الآن يدرك �أنه كان جمرد �أبله تالعبت به كما تريد ..ثم
تخل�صت منه.
عاد �سريو�س ي�سرت�سل يف حديثه« :ورغم ذلك� ..سيكون عليك
�أنْ تعود �إىل هناك و�أنْ تق�ضي على ما ت�سببت به �إينور من ف�ساد..
عليك �أنْ تزيل كل الآثار التي ترتبت على ت�سريب وثيقة �إنبات احلجر
النيزكي».
-وما هي هذه الآثار؟
ﻋﺼ
-لقد ن�ش�أت ح�ضارة ب�شرية جديدة �إثر ت�سريبك تلك الوثيقة..
ﲑ ﺍﻟ
�إنهم ي�سمون �أنف�سهم بالرتايفو�س ..ويتمتعون بالقدرة على
ﻜﺘ
�إىل عوامل ال ينبغي لهم االحتكاك بها� ..إنّ هذا �أمر خطري..
ﺸﺮ
منحى مد ّم ًرا.
هذه القدرات التي قد بد�أت تتخذ ً
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
267
نفي �آخر �أقوى من و�شمها� ..ستزول
و�شم ٍ
� -س�أر�سم على ظهرك َ
�آثار و�شمها ك�أنه مل يوجد ..و�س�أعاقبك بالنفي �إىل عاملها ..لن
تتمكن من العودة قبل �أنْ يندثر الإرث الذي جاءت به �إينور..
قمت بالتخل�ص من �آخر �سليالتها ،فوف ًقا
وهذا �سيحدث �إنْ َ
لقوانينها ،ال �أحد �سوى �سليالتها ميلك احلق على تداول العلم
الذي ورثوه منها.
� -ستنفيني جمددًا؟ وكيف �س�أمتكن من العودة؟
� -إنّ الو�شم الذي �س�أر�سمه على ظهرك خمتلف� ..إنه و�شم
ﻋﺼ
�شرطي ..يزول مبجرد حتقق ال�شرط ..و�سيكون ال�شرط �أنْ
ﲑ ﺍﻟ َ
تر�سم �أنت و�شم املوت على ج�سد �آخر �سليالت �إينور ..حينها
َ
ﻜﺘ
العادي.
ﺸﺮ
�« -ستظل منف ًيا يف ذلك العامل �إىل الأبد! هذا عقاب ال ُيذكر �إثر
ﺯﻳﻊ
ت�سببت به.
َ الف�ساد الذي
علمت بكل
-لكن ..لـ ..ملاذا تريد عقابي بهذا الأمر؟ ومن �أين َ
هذه التفا�صيل عن �إينور؟ و ..ومنذ متى و�أنت جتيد ر�سم
الو�شوم املحظورة؟
مل يرد �سريو�س جوا ًبا ..و�سرعان ما تال�شى ..خمل ًفا وراءه �أ�ضوا ًء
�صغرية فطن �سي�سيل �إىل �أنها يراعات ..ثم فتح عينيه ليجد نف�سه
غار ًقا يف العرق ..يفرت�ش �أر�ضية زنزانته.
268
نه�ض �شاع ًرا بال�ضياع ،ثم جل�س على حافة �سريره حمني الظهر،
م�ستغر ًقا بالتفكري يف ذلك احللم� ..أكان حل ًما ح ًقا؟! لقد بدا حقيق ًيا
n
جدا! ذلك احلوار الطويل مع �سريو�س حمل �إليه �إجابات كثرية ..ال ًّ
ميكن �أنْ يكون هذا جمرد حلم!
ﻋﺼ
-مل � ُأعد مل ًكا ..نادين �آرون وح�سب.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
لقب ..و�أنا �أرى �إنّ لقب امللك يليق بك �أكرث من �أي لقب �آخر.
ﺸﺮ
مرت هنيهة �صمت ت�أمل فيها �آرون قبل �أنْ يردف�« :أهذا يعني
أ�صبحت فردًا منكم الآن؟» �أنني �
ﻭ
ُ
ﺍﻟﺘﻮ
ﺯﻳﻊ
n
ثم دلف االثنان على ظهر تلك ال�سفينة التي �سرعان ما غادرت
امليناء لتغيب و�سط املحيط.
ﻋﺼ
اخلطوات تقرتب ..ثم تتوقف ..ويرتفع �صوت امللكة بنربته
ﲑ ﺍﻟ
الهادئة« :اقتلوه � ًأول».
ﻜﺘ
كانت ت�شري �إىل زنزانة �سي�سيل ..واندفع �أحدهم ليفتح الباب ..ثم
ﺐ ﻟﻠﻨ
فوجئ بخلو الزنزانة ..دلف عدة رجال �إىل الداخل ليتبينوا �أي �آثار
ﺸﺮ
-لقد ..اختفى!
ﺯﻳﻊ
n
كانت تلك �أوامرها ،وانطلق �إثرها الرجال لينت�شروا يف الربج.
271
فتح �سي�سيل وبري�شيليا عيونهما ليجدا نف�سيهما و�سط بلدة غري
م�ألوفة ..كان الهدوء حولهما مريب ..وكانت النظرات التي يحدجهما
بها املارة �أكرث ريبة.
كيف ميكن �أنْ يكون احلي بهذا الهدوء رغم ازدحامه؟! ِ َل ال يتكلم
�أحد؟!
كان ذلك ما �أخذ يت�ساءل عنه �سي�سيل قبل �أنْ يتذكر ُمهمته التي مت
نفيه �إىل هذا املكان من �أجلها.
ه�ؤالء القوم ي�ستخدمون التخاطر ..و�سيكون عليه �أنْ يتعلمه
ﻋﺼ
ليتمكن من االندماج يف جمتمعهم.
ﲑ ﺍﻟ
ﻜﺘ
أمان
متاما �أيتها الأمرية ..نحن يف � ٍ
-نحن يف عامل خمتلف ً
ﺯﻳﻊ
يتبع...
272
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ
ﺯﻳﻊ
ﺍﻟﺘﻮ
ﻭ ﺸﺮ
ﺐ ﻟﻠﻨ
ﻜﺘ
ﲑ ﺍﻟ
ﻋﺼ