Professional Documents
Culture Documents
أل أ
-أريد عقد اجتماع فوري طارئ بجميع رؤساء األقسام ،وقم باالتصال بوزارة الدفاع وتحديد موعد
الجتماع طارئ مع السيد وزير الدفاع.
صمت لحظة ،ثم عاد يقول بصوت هادئ يحمل بين طياته دوامات الخطر:
-األمر جد خطير والبد من بحثه جيدا ..إنه أمن وسالمة وطن بأكمله.
انصرف نائبه على الفور لتنفيذ األمر تاركا خلفه المدير يعيد دراسة الموقف بكل دقة..
واهتمام..
و..
غضب...
∞∞∞∞∞
-٢مستر (إكس)..
اشتد تساقط الثلوج في تلك البقعة النائية من روسيا ،وسط عاصفة ثلجية غير مسبوقة على البالد
وانخفضت درجات الحرارة إلى أدنى مستوى حتى بلغت الخمسين تحت الصفر في تلك البقعة تحديدا
من شمال روسيا.
تلك البقعة غير المأهولة ،والتي يكسوها الجليد لمسافة تمتد ألميال شاسعة ،والتي كان يطلق عليها
فيما مضى معتقل سيبيريا..
ذلك المعتقل الرهيب الذي أغلق بعد انهيار االتحاد السوفيتي وتفككه ،وأصبح مكانا مهمال خربا غير
مأهول ..وللوهلة األولى قد يبدو المكان مهجورا بالفعل ألي جهة تقوم بمسح المنطقة ،ولكن حقيقة
األمر أن تلك المباني المهجورة القديمة وأطنان الثلوج القاتمة ،ماهي إال ستار يخفي خلفه أكبر منظمة
للجاسوسية.
ذلك الوكر الذي شيد على عمق مسافة كبيرة من سطح األرض ،وأعّد ليكون مركزا يسيطر من خالله
على جميع أجهزة المخابرات في العالم..
كان من المستحيل لمن يرى المنظر الخارجي للمكان ،أن يصدق أن ذلك المكان المهجور يخفي تحته
مجموعة من المباني التي شيدت على أحدث طراز معماري ،وزود بأحدث أجهزة الدفاع والتجسس.
وداخل إحدى حجرات ذلك الوكر الرهيب ،جلس رجل في منتصف العمر خلف مكتبه ينفث دخان
سيجاره الكوبي الفاخر في شرود ،وهو يسرح بأفكاره بعيدا ،ومجموعة من األفكار والذكريات
تتالحق أمام عينيه..
تذكر والده الذي نجح فيما مضى أن ينشئ أكبر منظمة جاسوسية في العالم..
تذكر كيف نجحت مؤسسة والده في فرض سيطرتها على أجهزة المخابرات العالمية..
تذكر كيف نجح والده في إخفاء هويته الحقيقية عن الجميع لفترة طويلة تحت اسم مستعار يحمل لقب
(مستر إكس)..
ثم تذكر كيف دفع القدر في طريقه (أدهم صبري) شيطان المخابرات المصرية ،الذي نجح فيما فشلت
في تحقيقه أعتى أجهزة المخابرات العالمية)4( .
لقد نجح في تدمير مؤسسة والده وتكبيده خسائر فادحة..
تذكر كيف نجحت أفعى الموساد السابقة في خداع والده ،وبعد أن أوهمته لفترة طويلة أنها تعمل
لحساب منظمته ،ثم غدرت به وكشفت هويته قبل أن تقتله)5( .
إنه لم يمقت في حياته كلها مثلما يمقت من دمرا والده..
(أدهم صبري) و (سونیا جراهام)..
وهو لن يترك ثأر والده حتى آخر نفس يتردد في صدره..
لقد أقسم أن ينتقم ممن دمروا والده مهما تخلفه األمر.
لقد قرر أن يبدأ خطة انتقامه من (أدهم صبري) الذي يعتبره السبب الرئيسي في سقوط والده..
ولكن كيف السبيل إليه ،وهو الذي اختفى مع زوجته إثر ذلك االنفجار الذي حدث يوم زفافه..
أ أ
لقد فتحت (منى) عينيها ببطء شديد دون أن تنطق بحرف واحد ..كل ما فعلته هو أن تطلعت إليه
بنظره تجمع ما بين األلم والحزن والحب في آن واحد..
عادت دموعه تنهمر كالسيل وهو يغمر وجه (منى) بالقبالت ،ويضمها إليه هامسا وسط دموعه:
-يا إلهي!! (منى) ..أنت على قيد الحياة ..حمدا اهلل ..حمدا هلل.
كانت أنفاسها قصيرة متقطعة ،ووجهها شاحبا ممتقعا بشدة والدماء تغرق فستانها األبيض بغزارة..
ولم تمض لحظات معدودة حتى عادت (منى) تغلق عينيها مرة أخرى في بطء وصمت ،فانتفض قلبه
بين ضلوعه بقوة وهلع وهو يغمغم في لوعة:
( -منى) ..أرجوك ال تتركيني يا حبيبتي ..لن يمكنني العيش بدونك.
ولكن (منى) لم تحرك ساكنا ،بل أخذ وجهها يزداد شحوبا مع مرور كل لحظة ،فأعادها إلى موضعها
في حنان ورفق بالغين ،وأغلق الباب وعاد يقود سيارته بمنتهى السرعة واالنفعال.
ووسط انفعاالته ،لم يفكر (أدهم) سوى في شيء واحد فقط..
إنقاذ (منى) بأي وسيلة..
ومهما كان الثمن!...
اعتصر عقله مفكرا...
أين يذهب؟ ماذا يفعل؟
كان يخشى الذهاب بها إلى أية مستشفى خشية أن يتتبعه من أرادوا قتله ،فيفقد بذلك آخر أمل في نجاة
(منى)..
ليس أمامه إذن سوى اللجوء إلى الشخص الوحيد الذي يثق به والذي يمكنه مساعدته طبيا في مثل تلك
الظروف..
شقيقة الدكتور (أحمد)..
وبسرعة التقط هاتفه المحمول ،وطلب رقم (أحمد) الذي لم يكد يسمع صوت شقيقه ،حتى انفجرت
دموعه في غزارة وهو يهتف:
( -أدهم) ..يا إلهي! أين أنت يا شقيقي؟ كيف..
قاطعه (أدهم) قائاًل في انفعال جارف وحزم شديد:
-ال يوجد وقت لمثل هذه التساؤالت يا (أحمد) ..اسمعني جيًد ا ..لقد اكتشفت منذ لحظات أن (منى)
التزال بعد على قيد الحياة ،ولكن حالتها الصحية في منتهى الخطورة وتحتاج إلى إسعاف طبي
عاجل ،كل ما أطلبه منك اآلن هو سرعة القدوم إلّي معتصرا عقلك إليجاد مكان مناسب نقوم داخله
بإجراء اإلسعافات الالزمة لها.
ثم التقط نفسا عميقا ،وتابع مؤكدا في حزم شديد:
-ومع مراعاة أن ذلك المكان لن يكون تابعا ألية مستشفى على اإلطالق ...وذلك لدواعي أمنية.
فور سماعه لصوت شقيقه ،قام دكتور (أحمد) بمغادرة الفندق وقاد سيارته بمنتهى السرعة وهو
يحاول تمالك نفسه ،مع ذلك االنفعال الجارف الذي مالء كيانه حتى النخاع..
كان يحاول استيعاب كل حرف ينطق به شقيقه..
لذا فقد هتف ،وهو يعتصر عقله:
-نعم ..أستطيع تدبر هذا األمر ..فلدي صديق طبيب جراح ،له باع طويل في جراحات الحروب،
ولدية عيادة قريبة مجهزة على أعلى مستوى من األجهزة والتجهيزات الطبية..
أ ّك
ثم صمت بضع لحظات اعتصر خاللها عقله وهو يحاول تذّكر العنوان قبل أن يصيح مكمال:
-توجه الى ذلك العنوان ( )........فورا يا (أدهم) وأنا سألحق بك على وجه السرعة.
لم تمض دقائق معدودة حتى كان الطبيب الجراح والدكتور (أحمد) في استقبال (أدهم) و(منى) مع
طاقم تمريض كامل..
كان (أدهم) يحمل (منى) بين ذراعيه ويضمها إلى صدره في حنان جارف طوال الوقت ،ولم يجرؤ
أحدهم على مطالبته بأن يحررها من بين ذراعيه ،حتى تم إعداد غرفة العمليات بسرعة فائقة ،ووقف
الجميع يتطلعون إليه بنظرة مترقبة..
عندئذ فقط تحرك ليدلف إلى غرفة العمليات ،ومال ليضعها في رفق شديد فوق منضدة باردة تتوسط
الغرفة ،تحيط بها مجموعة من األجهزة وأدوات الجراحة ،وتعلوها مجموعة من األضواء الكاشفة،
وفي بطء اعتدل ليتطلع إلى وجهها لحظة في حزن وألم هائلين ،قبل أن يعتدل ويستدير ليغادر الغرفة
بخطوات واسعة ،تاركا المجال لألطباء والممرضين للبدء في إجراء اإلسعافات الطبية الالزمة إلنقاذ
حياتها.
أما (أدهم) فما إن أغلق باب غرفة العمليات وغابت (منى) عن ناظريه ،حتى تسّمر مكانه في مواجهة
الباب مباشرة كتمثال من الشمع ،وعيناه معلقتان بالباب دون أن يطرف له جفن..
كانت جراحه تنزف بشدة وتغرق مالبسه الممزقة ،ولكنه لم يشعر بكل هذا وهو يقف في صمود
وصالبة يخفيان خلفهما أعماقه التي تذوب جزعا ولوعة وحزنا على رفيقة عمره وكفاحه..
مرت الدقائق بطيئة ثقيلة ،ثم فتح الباب ليطل من خلفه وجه الدكتور (أحمد) مرتديا كمامة طبية
أزاحها فور رؤية وجه شقيقه الذي بلغ شحوبه مبلغه ،وهتف وهو يقترب منه في قلق عارم:
-يا إلهي! أنت تحتاج إلى إسعاف عاجل ،فجراحك تنزف بشدة وستفقد الوعي خالل لحظات لقد
تركـ...
قاطعه (أدهم) في صرامة بدت متناقضة تماما مع مظهره الرث:
-لن أتحرك قيد أنملة قبل أن أطمئن على (منى).
هتف (أحمد) في استنكار ممزوج بالقلق الشديد:
اًل
-إن (منى) ستخضع لعدة عمليات وسيستغرق ذلك وقت طوي ..لقد تركتها بين يدي أبرع جراح في
ذلك المجال ،أما أنا فسأقوم بتضميد جراحك والقيام بكل اإلسعافات الالزمة لـ....
عاد (أدهم) يقاطعه بصرامة هادرة وهو يشد قامته على نحو مهيب:
-قلت لك أنني لن أتحرك خطوة واحدة قبل أن أطمئن على (منى) ..حتى لو أدى ذلك إلى تصفية
جسدي من الدماء حتى آخر قطرة وس...
بتر عبارته بغتة وهو يتطلع إلى نقطة ما خلف (أحمد) ،وارتفع حاجبا ذلك األخير في دهشة عارمة
عندما تالشت الصرامة من صوته ووجهه في لحظة واحدة ،وحل محلها جزع ولوعة وألم تنطق بهم
كل خلجة من خلجاته وهو يهتف بصوت يفيض بالحسرة والمرارة:
-يا إلهي( ..منى)!
التفت (أحمد) إلى حيث يتطلع شقيقه ،ثم اعتصرت قلبه قبضة باردة في قسوة ،عندما وقع بصره على
ذلك المشهد المؤلم..
لقد كانت هناك ممرضة قد خرجت للتو من غرفة العمليات ،وتحمل بين كفيها فستان زفاف (منى)
وقد تضرج بالدماء على نحو عنيف ،بينما شق طوليا على نحو جعل قلب (أدهم) يتمزق وكأنما طعن
أ
بألف خنجر وخنجر..
وفي بطء ،اتجه (أدهم) نحو الممرضة ،والتقط منها الثوب ووقف يتأمله بنظرات تعجز كلمات الكون
كله عن وصف ما تحمله من عذاب وألم ولوعة ،ثم رفعه إلى شفتيه ليقبله في حنان جارف ،قبل أن
يضمه إلى صدره بشدة وهو يغلق عينيه محاواًل مقاومة تلك الدموع التي عادت لتمأل مقلتيه ،ولكنه
فشل في ذلك تماما ،فبدأت دموعه تتساقط من بين جفونه المغلقة في غزارة ،لتسيل فوق وجنتيه
وتهبط لتغرق ثوب زفافها..
وفي حزن بالغ تطّلع (أحمد) إلى شقيقه الذي لم يره يوما بكل هذا الحزن والضعف ،وخفق قلبه مشفقا
وهو يتأّمل دموعه التي لم يعتقد يوما أن شقيقه قادر على ذرفها مثل بقية البشر..
لقد اعتاد شقيقه قوًيا..
عنيدا..
صنديدا..
حتى في أشد لحظات الحزن لفقد أقرب األحباء ،كان يرى شقيقه متماسكا ،قويا..
ولكن المشهد الذي يراه اآلن ،جعله يدرك ماذا تعني (منى) بالنسبة له..
لقد كان يدرك تماما أن شقيقه لم ولن يعشق امرأة سواها طوال عمره..
ولكنه لم يتصور قط ..أن يصل عشقه لها إلى تلك الدرجة البالغة من الحب حد الدموع..
مرت اللحظات بطيئة ،والمشهد ال يتغير وكأنه لوحة زيتية مرسومة ،ولم يجرؤ (أحمد) على التفوه
بحرف واحد ،حتى فتح (أدهم) عينيه ببطء ،وتطلع إلى الثوب بضع لحظات في عذاب يصعب
وصفه ،قبل أن يعتدل ليشد قامته في قوة ،ثم يلتفت نحو شقيقه ليقول في حزم تناقض بشدة مع عينيه
الدامعتين:
-اسمعني جيدا يا (أحمد) ..سوف تقوم بتنفيذ كل أمر سأخبرك به اآلن دون مناقشة.
أومأ (أحمد) برأسه إيجابا ،فتابع (أدهم) في حزم:
-أريدك أن تقود سيارتي الخاصة إلى أبعد مكان عن هنا ،وتغرقها في نهر النيل..
صمت لحظة ،ثم أردف مكمال وهو يفكر بسرعة وعمق:
-فلو كان هناك من يريد تتبعنا ،فسوف تقوده إلينا أرقام السيارة بمنتهى السهولة.
أومأ الدكتور (أحمد) برأسه مطمئنا ،وهو يربت على كتف شقيقه قائاًل :
-اطمئن ..سوف أقوم بتنفيذ جميع تعليماتك ،ولكن عليك اآلن الخضوع لجراحة عاجلة وتعويض ما
فقدته من دماء و....
ّل ّل
بتر عبارته مع نظرات شقيقه بالغة الحزم والصرامة ،وتط ع إليه في يأس وهو يعود ليتط ع إلى باب
غرفة العمليات المغلق دون أن يفلت ثوب الزفاف الذي ضمه بكل قوته وحنانه إلى صدره.
انطلق عقل (أحمد) يعمل بسرعة الصاروخ ..البد من إيجاد وسيلة إلنقاذ شقيقه الذي يصر على عدم
الخضوع ألية إسعافات قبل أن يطمئن علي نجاة حبيبة عمره..
وفي هدوء اعتدل (أحمد) وأطل من عينيه بريق حازم وبدا شديد الشبه بشقيقه وهو يقول في حزم:
-سوف أذهب اآلن لتنفيذ جميع أوامرك اطمئن يا (أدهم) ...ولكن قبل أن أذهب سأقوم بحقنك بنوع
من األدوية يستخدم كمسكن قوي لآلالم سيساعدك على الصمود حتى تطمئن إلى سالمة (منى).
لم يبد أي انفعال على وجه شقيقه الذي واصل التطلع إلى الباب المغلق بوجه جامد ،فاتجه الدكتور
(أحمد) إلى حقيبة كبيرة ملئت عن آخرها باألدوية ،والتقط محقنا مأله بسائل أصفر ،ثم اتجه نحو
أ
شقيقه الذي بدا وكأنه انفصل عن العالم من حوله ،وفي سرعة ومهارة تليق بطبيب مثله كشف عن
ذراع شقيقه ،ودفع السائل في عروقه وهو يغمغم:
-ستشعر براحة كبيرة اآلن.
قالها ثم تظاهر بأنه يهم بالخروج من المكان ،بينما بدأ (أدهم) في الشعور بدوار شديد ،وشعر برأسه
تتثاقل على نحو غريب ،وساقيه تعجزان عن حمله فبدأ في الترنح بشدة ،وفوجئ بـ (أحمد) يدنو منه
ويتطلع إليه بنظرات يملؤها األسف وهو يغمغم:
-سامحني يا (أدهم) ..أنا أفعل هذا إلنقاذك.
انعقد حاجبا (أدهم) في غضب ،وهّم بالصراخ في وجه شقيقه ،ولكنه فوجئ بلسانه ثقيال للغاية ،فهمهم
بكلمات خرجت خافته ثقيلة على الرغم منه:
-لن أغفر لك ما...
لم يتم عبارته ،إذ سقط أرضا وهو ما زال يتشبث بالثوب ،فعاد شقيقه يغمغم في أسف شديد وهو يميل
نحوه:
-سامحني يا (أدهم) ..سامحني يا شقيقي.
قالها ثم اعتدل ودلف إلى حجرة جانبيه وأشار في صمت إلى مسعف يجلس مترقبا..
وعلى الفور اتجه المسعف برفقة (أحمد) وتعاونا لنقل (أدهم) فوق محفة طبية إلى إحدى الغرف
المجهزة طبيا..
وبدون إضاعة لحظة واحدة ،بدأ (أحمد) في إسعاف شقيقه بمنتهى السرعة..
والدقة..
والمهارة..
∞∞∞∞∞
( -٤منى)..
(منى)..
كانت تلك الصرخة التي أطلقها (أدهم) من أعمق أعماقه وهو يستيقظ من غيبوبته العميقة..
لقد صرخ باسم (منى) ثم فتح عينيه وعقله يستعيد في لحظة واحدة ذكرى كل ما مّر به..
وفي اللحظة التالية ،بدأ في النهوض من فراشه باحثا عنها ،ولكن محاولته جعلته يكتشف وجود
عشرات األسالك الطبية التي تتصل بجسده وتنقل منه أو إليه سوائل الحياة..
وبدون إضاعة لحظة واحدة بدأ في نزع األسالك الطبية عن جسده بمنتهى السرعة.
ولم تمض ثوان معدودة ،حتى اقتحم شقيقه الغرفة ،وأضاء أنوارها بسرعة وهو يهتف في جزع
شديد:
-يا إلهي! ماذا حدث؟ لوحة المتابعة التي ف الخارج تصرخ ،ما...
بتر عبارته وهو يحدق في وجه شقيقه الشاحب وهو يواصل نزع األسالك عن جسده ،ثم لم يلبث أن
اندفع نحوه ليحتضنه في حرارة هاتفا:
( -أدهم)!! ..لقد استيقظت أخيرا ..حمدا هلل حمـ...
قاطعه (أدهم) وهو يحاول النهوض قائال في قلق عارم:
-أين (منى)؟ ..كيف هي؟ أريد االطمئنان عليها ..هل مازالـ..
قاطعه (أحمد) وهو يدفعه إلى فراشه مرة أخرى قائاًل :
-اطمئن يا (أدهم) ،كل شيء على ما يرام.
أمسك (أدهم) كتفي شقيقه قائال في لهفة وجزع:
-كيف هي يا (أحمد)؟! أريد أن أراها اآلن.
غمغم (أحمد) وهو يحاول عبثا إعادة األسالك إلى جسده:
-لقد خضعت (منى) إلى خمس جراحات متتالية ،تمكننا من خاللها إنقاذ حياتها بأعجوبة ،ولكنها اآلن
تحت تأثير غيبوبة عميقة منذ بضعة أيام و..
قاطعه (أدهم) وهو ينتزع الجزء المتبقي من األسالك بحركة سريعة وينهض واقفا وهو يقول في
حزم:
-قدني إليها إذن ..سوف أطمئن عليها مهما كان الثمن.
اًل
تنهد شقيقه في يأس وهو يتطلع إليه ،قبل أن يعدل منظاره الطبي فوق أنفه ويهز كتفيه قائ :
-حسنا سأقودك إليها ..فما دمت ترغب في ذلك فلن تفلح قوة في الكون كله عن إثنائك.
ثم تطلع إلى شقيقه في قلق وهو يقول في لهجة أقرب إلى الرجاء:
-ولكن على األقل دعني أطمئن إلى معدالتك الحيوية ..لقد استيقظت للتو من غيبوبة دامت لثالثة أيام
ويجب أن...
بتر عبارته وهو يتطلع إلى وجه شقيقه الذي حمل حزم وصرامة الدنيا كلها ،قبل أن يوليه ظهره
ويندفع مغادرا الغرفة بخطوات واسعة ،فاندفع (أحمد) خلف شقيقه وهو يهتف:
-حسنا ..حسنا ..إنها في تلك الغرفة.
قالها وهو يشير بيده إلى غرفة تقع في نهاية ممر طويل ،ومع آخر حروف كلماته اتسعت عيناه في
ذهول وهو يتطلع إلى شقيقه الذي عبر الممر في قفزتين قويتين ،قبل أن يدفع باب الغرفة بلهفة الكون
كله ،فهّز (أحمد) رأسه مشفقا وهو يغمغم بصوت أقرب إلى الهمس:
-يا له من حب.
أما (أدهم) فقد دلف إلى الغرفة ،ثم تسمر مكانه وهو يتطلع إلى (منى) التي ترقد شاحبة الوجه مغمضة
العينين يتصل بجسدها عشرات األسالك واألجهزة..
وفي بطء اقترب منها ،وأدار عينيه يتطلع إلى الجهاز الذي يحمل نبضات قلبها على شاشته في هيئة
مؤشر متذبذب ،ظّل يتطلع إليها بضع لحظات ،قبل أن يغلق عينيه ويردد حمدا اهلل من أعمق أعماق
كيانه ..ثم فتح عينيه ليتطلع إلى وجه (منى) في حب جارف وهو يهمس:
-ما زلت بعد على قيد الحياة يا (منى) ..مازال قلبك ينبض ..حمدا هلل ..حمدا هلل.
نطقها ثم ركع على ركبتيه إلى جوار فراشها ،وعيناه معلقتان بوجهها ،ثم مد أنامله ليلتقط كفها
الصغير ويضمه بين أنامله في حنان ورفق وهو يلصقه بصدره فوق موضع قلبه ،بينما أطلت نظرة
حب من عينيه تحمل أبلغ كلمات العشق والهيام والهوى.
لم ينبس بحرف واحد وهو يتطلع إليها لدقائق طوال في صمت تام ،وكأنما لم يجد كالم يعبر به عما
يعتري كيانه من مشاعر ،فاكتفي بالتطلع إليها في صمت ولوعة..
خفق قلبه في عنف وهو يستعيد ذكرى كل لحظة قضاها إلى جوارها..
تذكر كل لحظة خطر..
كل لحظة سعادة..
كل لحظة حب..
كل لحظة فقد..
اعتصر األلم قلبه وهو يتذكر كل لحظة رآها فيها سابقا بنفس الوضع..
فاقدة للوعي..
رقيقة..
ساكنة..
تصارع الموت مع كل نفس تلتقطه (.)10
كم تمزق قلبه في كل مرة كان الموت يقترب إليها..
كم عانى في بعدها من الوحدة والحزن األلم..
ولكن األمر هذه المرة يختلف..
لقد حدثت إصابتها في اليوم الذي طال انتظارهما له العمر كله..
كم كانت سعيدة رقيقة وهي بين ذراعيه قبل االنفجار بلحظات..
كم تمنى الموت عندما أخبره شقيقه بأنها قد لقت حتفها (..)11
يا إلهي ..كم عانت تلك المسكينة من خطر وإصابات بسببه..
بسبب تلك الحياة القاسية التي يحياها..
جميع ما أصابها من آالم وأحزان وعذاب كان بسببه هو..
نعم ..إنه يرى نفسه مسؤوال كل المسؤولية عما أصابها..
أ أ
وبكل الحب في أعماقه مال نحوها ،وطبع قبلة حانية فوق جبينها قبل أن يتطلع إلى مالمحها الرقيقة
في لوعة وهو يهمس:
-حبيبتي ..عودي إلي ..وأقسم لك بأنني لن أسمح بتعرضك للخطر ثانية مهما كلفني األمر ..سوف
أعتزل العالم وأعيش إلى جوارك ..وحدك فقط ،كل ما أطلبه منك هو أال تتركيني.
همس بعبارته في حب ممزوج باللوعة واأللم ،وشعر برغبة عارمة في البكاء ،وبدأت الدموع تتجمع
رويدا في مقلتيه ،وارتجفت شفتاه وهو يحاول مقاومتها ،ولكنه لم يجد في نفسه القدرة على الصمود..
فبدأ يذرف دموع لوعته تماما مثلما حدث يوم زفافهما.
خفض عينيه في مرارة شديدة ،وعاد يغمغم بنبرات باكية ملتاعة:
-أرجوك ال تتركيني يا (منى).
مضت لحظة صمت ،ثم انتفض جسده في عنف ،وخفق قلبه على نحو لم يشهده من قبل ،عندما فوجئ
بأنامل (منى) الرقيقة تنقبض لتضغط على أنامله في رفق ،قبل أن تفلت أنامله وترتفع لتمسح دموعه
في حنان جارف مع صوتها الرقيق وهي تهمس:
-لن أتركك أبدا يا (أدهم).
صرخ باسمها وهو يرفع عينيه ليتطلع إلى عينيها المفتوحتين في ذهول وسعادة ال مثيل لها في الكون
كله..
كانت تتطلع إليه في حب وحنان رغم ضعفها الشديد ،بينما أناملها تمسح قطرات دموعه في رفق
بالغ ،وبعد لحظات من الصمت غمغمت في حنان:
-لم أظن يوما أنك قادر على البكاء مثل باقي البشر يا (أدهم)!
اقترب منها ليطبع قبلة حانية على وجنتها ،ثم تطلع إلى عينيها وهو يهمس بكل الحب:
-لم أذرف الدموع يوما في حياتي كلها إال من أجلك وحدك يا حبيبتي.
احتوته بناظريها في حب جارف ،وهمت بنطق شيء ما ،ولكن الدكتور (أحمد) اقتحم الغرفة في تلك
اللحظة وهو يهتف:
-يا إلهي ..ماذا حدث هنا أيضا؟ لوحة المتابعة الخارجية سجلت اضطراب...
بتر عبارته واتسعت عيناه عن آخرهما وتدلى فّك ه في ذهول وهو يحدق في وجه (منى) وعينيها
المفتوحتين للحظات ،قبل أن يتمالك نفسه ويهتف في سعادة جمة:
-يا إلهي( ..منى) ..لقد استيقظت أخيرا ..لقد حدثت المعجزة ..إنه يوم المفاجآت إذن.
ارتسمت ابتسامة مجهدة على شفتي (منى) بينما غمغم (أدهم) دون أن يرفع عينيه عن وجهها:
-نعم ..لقد حدثت المعجزة ..لقد عادت إلينا (منى).
نطقها ثم التفت نحو شقيقه ،وأطلت نظرة امتنان عميقة من عينيه وهو يغمغم في تأثر:
-والفضل في ذلك يعود إليك بعد رعاية اهلل سبحانه وتعالى ..كيف يمكنني أن أشكرك يا (أحمد)؟
غمغم (أحمد) في تأثر:
-ومنذ متى يوجد شكر بين األشقاء يا عزيزي!
ثم أطلق (أحمد) ضحكة عالية أفرغ بها انفعاله ،قبل أن يندفع نحو (منى) قائال في حماس:
-سوف أقوم اآلن بفحص جميع معد...
قاطعه (أدهم) في حزم وهو ينهض واقفا وبشكل يتنافى تماما مع ضعفه العاطفي الذي كان يمر به منذ
لحظات قليلة:
أل أ أ
-أخبرني أوال ..ماذا فعلت بالنسبة لألمر الذي كلفتك به؟
اقترب (أحمد) من شقيقه وربت على كتفه مطمئنا وهو يغمغم:
-اطمئن ..لقد نفذت به تماما ،وسيارتك ترقد اآلن في قاع النيل في بقعة بعيدة عن هنا.
ابتسم (أدهم) وغمغم:
-عظيم.
ثم التقط نفسا عميقا وشد قامته على نحو عجيب ،قبل أن يلتفت نحو (منى) قائال في حزم:
-هناك قرار اتخذته ولن أتراجع فيه قط أيها الرفاق.
صمت لحظة ثم عاد يغمغم في حزم شديد:
-لقد قررت اعتزال عالم المخابرات.
اتسعت عينا (منى) و(أحمد) في دهشة عارمة ثم قالت (منى) ،بصوت خافت ضعيف:
( -أدهم) ..أرجوك ..ال تقم باتخاذ أي قرارات اآلن ،فأنت تمر بحالة من الـ..
قاطعها (أدهم) بصوت دافئ حنون ،قائال:
-أتعلمين يا عزيزتي ،هناك لحظات فارقة يمر بها كل إنسان في حياته ..تلك اللحظات تكون سببا كي
تتغير الطريقة التي ينظر بها لألمور ..بل وتغير تقييمه لجميع جوانب الحياة ..وبالنسبة لي ..كانت
تلك اللحظات هي تلك التي حملتك فيها بين ذراعي وأنا أظن أنك قد فارقتني إلى األبد.
ارتفع حاجباها في حنان مشفق ،بينما صمت (أدهم) لحظة التقط خاللها نفسا آخر عميق ،ثم أردف
قائال:
-لقد أصابني اإلرهاق من تلك الحياة القاسية التي أعيشها منذ نعومة أظافري ..تلك الحياة التي ألفت
فيها الخطر حتى أصبح جزءا من تكويني يحل محل الدم ،لقد قضيت سنوات عمري كله وأنا أواجه
أجهزة المخابرات المختلفة وأباطرة الشر في كل مكان بال كلل أو هوادة ،واآلن ..أشعر باإلرهاق في
كل خلية من خالياي ،وبرغبة عارمة في اعتزال ذلك العالم شديد الخطورة.
عاد يصمت لحظة ،ثم غمغم في أسى وهو يتطلع إلى شقيقه:
-لقد تسبب عملي في إيذاء أقرب الناس لي ..لقد كادت (منى) تفقد حياتها جراء عملية انتقامية كنت أنا
المستهدف منها ..لن أسامح نفسي ما حييت إذا أصاب (منى) أدنى مكروه ،لذا سأبذل قصارى جهدي
ألوفر لها كل الحماية واألمان.
صمت لحظة ثم قال بصوت استعاد حزمه:
-إن وجودي مع (منى) داخل مصر يعرضنا لخطر بالغ ،فبدون أدنى شك يقوم جهاز مخابراتنا اآلن
بتجنيد جيش من رجاله لمعرفة سر اختفائي مع (منى) ،وحال حصول جهازنا على أية معلومة يمكنه
من خاللها التوصل إلينا ،وبالتالي يمكن ألي جهاز مخابرات معادي أيضا الوصول إلينا.
تألقت عيناه ببريق شديد وهو يردف:
-لذا فقد قررت مغادرة مصر واالختفاء مع (منى) عن جميع العيون تماما.
قال دكتور (أحمد) في حيرة:
-وكيف سيتم ذلك؟ ستقوم األجهزة األمنية برصدك حال ظهورك على الفور وست...
قاطعة (أدهم) وابتسامة كبيرة تتألق على شفتيه قائال:
-اطمئن يا شقيقي العزيز ،لدّي خطة محكمة.
صمت لحظة ثم أردف قائال:
أ أ
-ولكنني سأحتاج إلى تعاونك التام معي يا (أحمد).
ابتسم (أحمد) بدوره ،وغمز بعينه قائال:
-رهن إشارتك يا سيادة العميد.
التقط (أدهم) نفسا عميقا ،ثم سأله:
-أريد أن أعرف أوال متى ستستعيد (منى) قدرتها على الوقوف على قدميها؟
مط دكتور (أحمد) شفتيه ،وعدل وضع منظاره الطبي فوق أنفه ،ثم اتجه ليلتقط مجموعة من التقارير
الطبية المعلقة بمشبك خاص في طرف فراش (منى) وفحصها بعناية وتركيز قبل أن يرفع عينيه نحو
(أدهم) وهو يقول:
-وفقا للتقارير الطبية ستتمكن (منى) من فعل ذلك بعد مرور ثالثة أسابيع على أقصى تقدير.
ارتسمت ابتسامة ارتياح كبيرة على شفتي (أدهم) وهو يغمغم باقتضاب:
-عظيم.
ثم التفت إلى (منى) ليتأملها في حب وهو يغمغم:
-بعد ثالثة أسابيع سوف نكون خارج البالد بإذن اهلل يا عزيزتي.
اندفع (أحمد) يسأل شقيقه في لهفة:
-ولكن إلى أين يا (أدهم)؟
أدار (أدهم) ناظريه ليتطلع إلى شقيقه لحظات في صمت ،ثم غمغم بلهجة أقرب إلى اعتذار:
-معذرة يا شقيقي العزيز ،لن يمكنني البوح لك بالوجهة التي سننطلق إليها ..ذلك لدواع أمنية..
فالمعلومة التي ال تعرفها لن يمكنك البوح بها حتى وأنت تحت تأثير مصل الحقيقة.
أومأ دكتور (أحمد) برأسه متفهما وهو يغمغم:
-أردت فقط االطمئنان عليكما ،لكن ال بأس لو كان هذا يوفر لكما الحماية واألمان.
ابتسم (أدهم) ابتسامة سريعة ،ثم لم تلبث تلك االبتسامة أن تالشت وهو يقول في حزم:
-أريد منك شراء بعض المستلزمات ،من أدوات تجميل وشعر مستعار ومجموعة من صبغات الشعر
والعدسات الالصقة ومقعد متحرك و...
صمت لحظة وضاقت حدقتاه في تركيز شديد ثم تابع:
-كما أريد منك الذهاب إلى منزلي ،وإحضار مجموعة من جوازات السفر المزيفة التي أعدها
عزيزنا (قدري) في وقت سابق ،والتي كنت احتفظ بها احتياطيا.
ربت دكتور (أحمد) على كتف أخيه مطمئنا إياه وهو يقول:
-اطمئن سوف أقوم بفعل كل ما أمرتني به ،ولكن عليك أخذ قسطا كبيرا من الراحة ،فأنت ما زلت
بعد في فترة النقاهة.
تنهد (أدهم) في عمق ،وهو يغمغم:
-لن أنعم بالراحة أو يهدأ لي جفن حتى أبعد (منى) تماما عن أي خطر مهما كان الثمن.
قالها ثم عاد يقترب من (منى) ،ويجذب مقعدا ليجلس إلى جوار فراشها تماما ،ثم مد أنامله ليحتوي
كفها في حنان ،وبدون أن ينطق حرفا ،راح يتطلع إليها بنظرات تحمل كل الحب..
والدفء..
والحنان..
∞∞∞∞∞
أ أ
مرت أيام العالج في ذلك المنزل ببطء شديد ،وألم بال حدود خاصة بالنسبة إلى (منى) تحديدا..
لكن الشيء الوحيد الذي كان يخفف ألمها ..هو وجود (أدهم) إلى جوارها..
لقد أحاطها (أدهم) بكل أنواع الرعاية واالهتمام ،وعلى نحو لم تعهده فيه طوال عمره..
صحيح أنه كان دائما معها حنونا..
عطوفا..
دافئا..
رقيقا..
إال أن تلك األسابيع القليلة ،جعلتها تكتشف أن ذلك اإلنسان لديه فيضا مهوال من الحب والحنان الذي
أغدقهما عليها في سخاء منقطع النظير..
كان يفعل المستحيل ليخفف ألمها وعذابها ،في نفس الوقت الذي لم يلتفت خالله لكل ما حاق به.
لقد كان يتجاهل كل إصاباته وأوجاعه ليمنحها هي كل أسباب الراحة واألمان..
وجعلها هذا تدرك كم يعشقها..
كم هو متعلق بها..
كم يحتاج إليها وال يستطيع العيش بدونها..
وتعلقه الشديد بها هو ما جعل روح األمل بداخلها تنمو وتتعاظم..
لن يمكنها أن تخذل الشخص الذي تعلق بها إلى درجة الموت..
لذا ..فقد أخذت تبذل قصارى جهدها كي تعود إلى سابق عهدها..
وقبل أن تمر الثالثة أسابيع بالفعل ،كانت (منى) تقف على قدميها إلى جوار فراشها..
وعلى الرغم من إجهادها وضعفها البالغين وهي تفعل ذلك؛ إال أنها كانت تلوح فوق شفتيها ابتسامة
نصر كبيرة ..بينما كان (أدهم) يتطلع إليها في حب وامتنان جارفين..
لم يكن بمقدورها السير خطوة واحدة..
ولكنها استطاعت الوقوف على قدميها..
وكان هذا يكفي تماما ،على األقل في الوقت الحالي..
وبعد مرور ثالثة أسابيع بالتمام والكمال ،كان (أدهم) يجلس إلى جوار (منى) في الطائرة المتجهة إلى
(ألمانيا).
كان االثنان قد تغيرت مالمحها تماما لتطابق مالمح العجوزين (جون ألبيرت) وزوجته (إليزابيث
ديب).
وفي (ألمانيا) خضعت (منى) لمجموعة أخرى من الجراحات العالجية والتكميلية على أرفع مستوى
طبي ،كما خضعت – وبناء على إلحاح شديد منها -إلى مجموعة من العمليات التجميلية التي محت
أثر وندوب عملياتها السابقة.
استمر عالج (منى) في (ألمانيا) قرابة الثمانية أشهر ،وبعد انتهاء فترة العالج والنقاهة ،أصبحت
(منى) قادرة على السير ولكن بصعوبة نتيجة إصابة عضالت جسدها بوهن بالغ.
وعلى الفور وبدون تفكير ،قام (أدهم) باصطحابها إلى (أمريكا الجنوبية) ،وتحديدا إلى (ريو دي
جانيرو) في (البرازيل)..
لقد اختار (أدهم) ذلك المكان تحديدا لعالج (منى) ،ولم يكن اختياره عشوائيا..
أ أ
عاد (أدهم) يلتفت إليها ليتطلع إلى عينيها لحظة ،قبل أن يحتويها بين ذراعيه في حنان ويميل ليهمس
في أذنها بصوت مس شغاف قلبها:
-ألنني تذوقت هذه المرة من العذاب والمرارة ما لم أتذوقه طوال عمري.
خفق قلبها في واستكانت بين ذراعيه للحظات لم ينبس كالهما ببنت شفة قبل أن يبعدها عنه في رفق،
ويبتسم وهو يتأمل مالمحها الجميلة التي نّمت كل خلجة من خلجاتها عن لهفة عارمة لمعرفة قراره ثم
غمغم في هدوء حازم:
-حسنا ..سوف أقوم اآلن بإجراء اتصال بالغ األهمية ..وبناء على هذا االتصال سأحدد قراري
النهائي.
هتفت في فضول شديد:
-أي اتصال هذا؟ ومع من؟
ابتسم في غموض وهو يغمز بعينه قائال:
-خّمني.
نطقها وابتسامته تتسع..
وتتسع..
∞∞∞∞∞
” موعد الطعام “
انطلقت تلك الصيحة بصوت خشن حاد داخل تلك الزنزانة الضيقة التي تحوي (جيهان) و(قدري)،
فرفع ذلك األخير عينيه ليتطلع في المباالة إلى صينية الطعام التي تفوح منها رائحة شهية ،ثم رفع
عينيه ليتطلع إلى الرجل الذي يحملها في سخرية وصمت.
كان الرجل بالغ الضخامة على نحو جعله أشبه بالغوريال ،خاصة مع شعره األسود الطويل الذي
تركه مبعثرا فوق كتفيه ،ولحيته الكثة السوداء ،وكرشه الضخم ومالمحه الغليظة ،فابتسم (قدري) في
سخرية تعلمها من صديق عمره وهو يغمغم:
-ألم تجدوا سوى هذه الغوريال لتقديم الطعام؟ يا إلهي! لقد فقدت شهيتي تماما وأشعر بغثيان شديد.
زمجر الضخم في غضب ،فربت على كتفه الرجل الذي يقف إلى جواره مباشرة وهو يغمغم في
برود:
-ال عليك يا (سام) ..لقد أمرنا السيد بحسن معاملة ضيوفنا.
غمغمت (جيهان) التي تجلس فوق مقعد متحرك في سخرية على الرغم من ضعفها الواضح وهي
تتطلع إلى الضخم:
-يا لكرم أخالقكم ..ولكن ترى من سيكون لديه رغبة في تناول الطعام بعد رؤية هذه الغوريال
الدميمة؟
عاد الضخم يزمجر في غضب ،ثم صاح بصوت يشبه خوار الثور وهو يلوح بقبضته:
-دعني أهشم فكهما يا سيد (فريدريك) كي يتعلما كيفية التحدث إلـ..
قاطعه (فريدريك) في صرامة هادرة:
-إياك أن تمسهما بسوء.
التفتت (جيهان) نحو (فريدريك) ثم غمغمت بنفس السخرية:
-يا لقلبك الحنون! ترى من أنت أيضا؟ ممثل هزلي يلعب دور البطولة في مسرحية القرد والغوريال.
أ
صمت (فريدريك) لحظة تأمل خاللها مالمح (قدري) و(جيهان) التي تحمل نفس النظرة الساخرة ،ثم
غمغم في برود صارم:
-لقد أمرنا السيد بحسن ضيافتكما ،وما دامت هذه أوامره فسوف نقوم بتنفيذها بحذافيرها حتى ينتهي
أمر تلك الصفقة السخيفة.
عاد يصمت ليتأملهما في حنق بالغ ثم أردف:
-ليس أمامنا اآلن سوى طاعة األوامر.
ثم تسللت الشراسة إلى مالمحه وهو يقول في هدوء:
-ولكنني أعدكما بأنه بعد انتهاء أمر تلك الصفقة سيكون لـ (سام) حوار خاص معكما ..حوار شيق..
شيق للغاية.
نطقها وأطلق ضحكة شامتة عالية ،ثم أشار للضخم فوضع صينية الطعام بحركة حادة فوق منضدة
تتوسط الزنزانة ،قبل أن يستدير بسرعة ال تتناسب مع حجمه الضخم ويغادر الزنزانة في صمت،
وهو يرمقهما بنظرات نارية بينما قال (فريدريك):
-تذكرا أن المكان كله مراقب بالكاميرات ،وعند قيامكما بأية حركة مريبة سوف يكون الموت
حليفكما.
لم تخف ابتسامة (قدري) و(جيهان) الساخرة عن شفتيهما لحظة واحده ،فضغط (فريدريك) أسنانه في
حنق وهو يستدير ليغادر الزنزانة بدوره ،وعلى الفور قام حارس ضخم بغلق باب الزنزانة ،وسمع
(قدري) و(جيهان) صوت رتاج الزنزانة وهو يغلق من الخارج ،وعندئذ التفتت (جيهان) نحو (قدري)
وغمغمت في اهتمام:
-هل سمعت ما قاله ذلك الوغد؟ إننا هنا من أجل إتمام صفقة ما.
تطلع (قدري) إلى الطعام بنظرة باردة تخلو من أية شهية ،ثم التفت نحو (جيهان) وتطلع إليها لحظة
قبل أن يومئ برأسه إيجابا ،ثم غمغم في حذر:
-نعم إننا هنا من أجل إتمام صفقة ما ..ولكن ترى أي نوع من الصفقات!
مطت (جيهان) شفتيها وهي تغمغم في تفكير:
-من الواضح أنها عملية ابتزاز ومساومة للحصول على شيء مقابلنا.
عاد (قدري) يومئ برأسه إيجابا ثم غمغم وهو يخفض صوته بشكل أقرب إلى الهمس:
-مادام األمر يخص عالم المخابرات ،فاألرجح أنه قد تم اختطافنا للمساومة من أجل الحصول على
معلومات بالغة األهمية والخطورة.
ضاقت حدقتا (جيهان) ،وغمغمت بينما عقلها يفحص األمر بدقة:
-أعتقد أن األمر يتجاوز كونه مجرد صفقة للحصول على بعض المعلومات.
تطلع إليها (قدري) في تساؤل فأردفت في بطء:
-فلو أن األمر يقتصر على الحصول على بعض المعلومات الكتفى هؤالء األوغاد باختطافك وحدك،
ولم يكن هناك داعي الختطافي أنا أيضا.
تطلع إليها (قدري) في دهشة بينما أردفت في ثقة:
-بالنسبة لك فالجميع يعلم ماذا تعني أنت بالذات بالنسبة لجهاز مخابراتنا ..إنك تعتبر ثروة قومية ..أي
جهاز معادي كان يحلم بضم (قدري محمود) خبير التزييف والتزوير الذي طالت شهرته اآلفاق بسبب
أ
خبرته ومهارته الفائقة في ذلك المجال الذي ال يضاهيه فيه أخطر مزوري العالم على اإلطالق..
شخص مثلك يستحق أن تتم من أجله أعظم الصفقات نظرا لقيمته وخطورته.
غمغم (قدري) في خجل وتواضع:
-أعتقد أنك تبالغين قليال يا عزيزتي.
ابتسمت في إعجاب وهي تتأمله قائلة:
-بل هو أقل بكثير مما تستحقه..
ثم التقطت نفسا عميقا ،وتسللت نبرة مريرة إلى صوتها وهي تغمغم:
-أما بالنسبة لي فاألمر يختلف كثيرا ..ما الداعي الختطاف فتاة قعيدة عديمة الجدوى مثلي؟
تطلع إليها (قدري) في إشفاق بالغ ،ثم غمغم في اعتراض:
-ماذا تقولين يا (جيهان)؟ ..إنك فتاة مخابرات مح..
قاطعته (جيهان) في مرارة وبدموع ترقرقت داخل مقلتيها على الرغم منها:
-لقد أصبحت عاجزة عن الحركة تماما ،وأصاب جسدي الوهن والضعف لشدة ما مررت به من
إصابات وعمليات جراحية ..كما أنني أعمل منذ فترة طويلة بالقسم اإلداري ..فما الداعي إذن
الختطافي؟
ربت (قدري) على كفها في حنان مشفق ،ولكن عقله بدأ يفكر في كالم (جيهان) بسرعة ودقة
مذهلتين..
بوقا للغاية..
نعم ،إن كالمها يبدو منطقيا للغاية..
قد يبدو األمر منطقي بالنسبة الختطافه هو ،أما بالنسبة الختطاف فتاة مثلها فهو غير منطقي على
اإلطالق..
األمر إذن يتعدى بالفعل كونها مجرد صفقة أو مساومة للحصول على معلومات..
إنه يبدو أشبه بعملية ابتزاز لمشاعر شخص يهمه أمر فتاة في مثل ظروف (جيهان)..
شخص يتسم بشهامة منقطعة النظير ،للدرجة التي معها يمكنه التضحية بنفسه من أجل إنقاذ اآلخرين.
نعم ..إن األمر كله يبدو بالنسبة له أقرب إلى فخ..
فخ لدفع شخص ما للظهور والقتال من أجلهما..
وبسرعة البرق ربط عقله بين االستنتاج الذي توصل إليه ،وذلك السؤال الذي ألقاه عليه أحد الخاطفين
عن عالقته بـ (أدهم)..
عند تلك النقطة اعتدل (قدري) وخفق قلبه في عنف مع ارتجافه سرت في كيانه كله..
وأمام عينيه اللتان كان يكفي بريقهما إلنارة حجرة بأكملها ،انزاحت جميع الصور لتحتل صورة
واحدة عينيه وعقله بل وكيانه كله..
صورة أقرب أهل األرض إلى قلبه..
صورة الرجل..
رجل المستحيل..
∞∞∞∞∞
-٦سنعود..
مزيج عجيب من المشاعر ذلك الذي اجتاح كيان مدير المخابرات العامة المصرية فور سماعه صوت
(أدهم) عبر ذلك االتصال الذي أجراه ذلك األخير من خالل قناة اتصال خاصة للغاية ومؤمنة على
نحو غير قابل لالختراق..
مزيج يجمع بين الدهشة والسعادة وعدم التصديق والحنان األبوي في آن واحد..
مضت دقيقة من الصمت التام ،قبل أن يهتف المدير في انفعال شديد:
( -أدهم) ..يا إلهي! أين أنت يا رجل؟! كيف حالك؟! أين اختفيت طوال الفترة الماضية؟!...كيف حال
المقدم (منى)؟
غمغم (أدهم) قائال بصوت هادئ حاول قدر استطاعته أال يبدو عليه ذلك االنفعال الجارف الذي يمأل
نفسه:
-أنا في خير حال يا سيدي ،و(منى) أيضا بخير ،والفضل كله يعود إلى رعاية اهلل (سبحانه وتعالى).
هتف المدير بصوت أبوي دافئ:
-أين أنتما يا (أدهم)!؟ ولم تعّمدت االختفاء طوال هذه الفترة الطويلة؟
تنهد (أدهم) في عمق ،ثم غمغم في هدوء:
-لدي أسبابي الخاصة التي ربما أشرحها لك فيما بعد يا سيدي ،أما اآلن فالوقت لدينا أضيق من أن
نضيعه في مثل هذا النقاش ،فحياة (قدري) و(جيهان) في خطر ،بل مصر كلها في خطر.
انعقد حاجبا المدير في صرامة وهو يقول بصوت قد استعاد جديته:
-لقد بحثنا عنك طويال دون جدوى ،وأعتقد أنه ال يجوز لرجل مخابرات محنك مثلك االختفاء عن
الجهاز الذي ينتمي تلك الفترة ..لقد تجاوزت كل الخطوط يا (ن.)١-
صمت لحظة ثم زفر في ضيق شديد ،وهو يتابع:
-يبدو أن الحياة اآلمنة البعيدة عن المخاطر قد راقت لك كثيرا فقررت االعتزال لتنعم بالهدوء
والراحة مع زوجتك وابنك (آدم) و..
قاطعه (أدهم) في هدوء:
-األمر ليس كذلك على اإلطالق يا سيدي ..كما أنني لم أسترد (آدم) بعد ،فأنت تعلم أنني فقدته منذ
كان عمره بضعة أشهر قليلة ،ولم أتمكن من استعادته على الرغم من محاوالتي المتكررة وجهودي
المضنية في ذلك الشأن و..
بتر عبارته عندما انبعثت من الجهاز صوت صيحة دهشة أعقبها صوت المدير يتساءل في ذهول:
-لم تسترد ابنك؟ كيف هذا؟ من قام باالستحواذ عليه في ميناء مارسيليا إذن؟()15
هّب (أدهم) من مقعده وهو يهتف:
-ما الذي حدث يا سيدي؟ فلتقص علّي جميع التفاصيل ..يبدو أن هناك الكثير من التطورات قد حدثت
خالل فترة اختفائنا.
لم يتفوه المدير بحرف واحد طوال لحظات طوال ،وهو يحاول ابتالع دهشته العارمة..
أ أ
لقد تصور مثلما تصور الجميع ،أن من كان يتحرك داخل الصراع الذي دار بين أجهزة المخابرات
المختلفة وقام باسترداد (آدم) في نهاية األمر هو (أدهم) نفسه ،ولكن جاء ذلك األخير لينسف اعتقاد
الجميع تماما.
بعد مرور ر لحظات من الصمت غمغم المدير في هدوء:
-بعد انفجار الزفاف واختفائكما بحوالي األربعة أشهر وأمام رغبته العارمة في االطمئنان عليكما
ومحاولة استرجاعكما ،قام (قدري) بمحاوالت عديدة للبحث عنكما ،حتى التقط أعداؤنا ذلك الخيط
وبدأوا في خداع (قدري) بطريقة معينة لجذبه نحو اتجاه محدد ،اكتشفنا فيما بعد أنه كان اتجاها مخالفا
تماما للحقيقة (.)16
انعقد حاجبا (أدهم) بشدة وهو يعود إلى مقعده في بطء ،بينما تابع المدير قائال:
-لقد قام أحدهم بخداع جميع أجهزة المخابرات العالمية بما فيها مخابراتنا نفسها ،وقام بإيهام الجميع
بأن الشخص الذي يتحرك خلفه (قدري) هو أنت شخصيا.
ضّم (أدهم) قبضته في غضب مكتوم ،وازداد انعقاد حاجبيه بينما تابع المدير:
-في نفس الوقت قام رجل وامرأة بالتوصل إلى مكان (آدم) الذي كان يقبع بمدرسة داخلية منذ فترة
طويلة وقاما باصطحابه من مدرسته الداخلية إلى مكان مجهول ،وظن الجميع حينها أنه أنت برفقة
(منى) أيضا ..ولكننا اكتشفنا فيما بعد أن األمر برمته كان مجرد خدعة قد قام بها (ليونيد تورجنيف)
ابن مستر (إكس) السابق استطاع من خاللها اختطاف (آدم) (.)17
عند تلك النقطة شعر (أدهم) بموجة غضب كاسحة تجتاح عروقه ،وانقبضت عضالت جسده كلها في
توتر بينما تابع المدير مكمال:
-لم يتوقف األمر عند هذا الحد ،فقد تمكن ذلك (الليونيد) من خداعنا مرة أخرى ،وجعلنا نظن أن من
يتحرك داخل األحداث هو أنت شخصيا ،وذلك عندما عاد لتنفيذ خطته الماكرة التي أمكنه من خاللها
أن يوقع بـ (تيا) الذراع األيمن (لسونيا جراهام) والتي كانت سببا رئيسيا من أسباب الدمار الذي حاق
بوالده ،بل وكان يدبر أن يوقع بتلك األخيرة أيضا ،ولكنه فشل في ذلك ،واستطاعت (سونيا) أن تنقذ
مخدومتها من حبل المشنقة ،عن طريق ابتزاز القاضي نفسه بتسجيالت فاضحة كانت قد سجلتها له
مسبقا.
كان (أدهم) ينصت في مزيج من الدهشة والغضب ،ولكنه لم يتفوه بحرف واحد مع سيل المعلومات
الذي ينساب من بين شفتي المدير ،ولكن غضبه قد تضاعفت حدته عندما أردف:
-لقد نجح شخص مجهول في خداع الجميع واستحوذ على (آدم) بعد معركة عنيفة في ميناء
(مارسيليا) قبل أن يحمله إلى مكان مجهول.
هتف (أدهم) في غضب هادر:
-ذلك الوغد.
غمغم المدير في بطء ،وهو يزن حروف كلماته:
-لقد اعتقدنا طوال الفترة الماضية أنه أنت ..ولكن األمر اآلن ال يحتاج إلى الكثير من الذكاء كي
نستنتج أن الذي قام باالستحواذ على ابنك في ميناء (مارسيليا) هو (ليونيد) نفسه.
زفر المدير في حدة ثم عاد يردف:
أ أ
-لقد لعب (ليونيد) اللعبة بحنكة شديدة وأوهم الجميع بوجودك ،حتى أنه دبر خصما وهميا على
اعتبار أنه أنت ،ليدمر مجموعة من شركات المقاوالت التي يمتلكها ،والتي هي في الواقع ال تمثل
سوى شيئا ضئيال أمام ثروته المهولة التي ورثها عن والده ..لست أدري في الواقع لم قام بفعل كل هذا
ولم بذل كل هذا الجهد إليهام الجميع بوجودك و)18( ..
بتر المدير عبارته بغتة ثم غمغم والدهشة تمأل كيانه:
-ولكن ترى أين كنت؟ وكيف لم تشعر بالصراع الذي..
قاطعه (أدهم) في هدوء على الرغم من بركان الغضب الذي ينفجر بداخله:
-سيدي لقد ذكرت أن ذلك الصراع قد تم بعد مرور أربعة أشهر فحسب من الزفاف ..لقد كنت في
ذلك التوقيت تحديد في (ألمانيا) مصطحبا (منى) التي كانت تخضع لمجموعة من العمليات المتتالية
إلنقاذ حياتها ..لقد كنا منفصلين عن العالم وكان كل ما يشغلني في تلك الفترة هو أن تظل (منى) على
قيد الحياة ..أن تتجاوز مرحلة الخطر وتعود إلى سابق عهدها ..لقد كانت (منى) تعاني آثار ذلك
االنفجار الذي أصابها بوهن وضعف لم يسبق أن مرت بهما في عمرها كله ،وكان ينبغي أن أوفر لها
كل سبل األمان والحماية والرعاية.
عند تلك النقطة صمت المدير تماما ،ولم يمكنه المناقشة أو االعتراض ،فجميع من يعمل بالمخابرات
العامة المصرية وأولهم هو شخصيا يعلم جيدا ماذا تعني (منى توفيق) بالنسبة لـ (أدهم صبري).
الجميع يعلمون أنه مستعد لتقديم كل التضحيات في سبيلها مهما كان حجم التضحيات..
صمت المدير ألنه يعلم أنه مادامت (منى) في خطر وتحتاج إلى حمايته ورعايته ،سوف يلقي العالم
بأكمله وراء ظهره ويلتفت إليها وحدها..
لذا فكل ما فعله هو أن تنهد في عمق ،قبل أن يغمغم في بطء وبلهجة ذات مغزى:
-هناك معلومة تخص تلك المنظمة التي قامت باختطاف (جيهان) و(قدري) لم يتم ذكرها ذلك التقرير
الذي نشرته مخابراتنا عبر قناتها الخاصة.
غمغم (أدهم) في شرود وعقله مشغول في دراسة جميع التطورات التي حدثت أثناء اختفائه:
-ما هي تلك المعلومة يا سيدي؟
أجابه المدير وهو يضغط حروف كلماته:
-هذه المنظمة تحمل شعار (إكس) ..أعتقد أنك قد علمت اآلن من هو مالكها الحقيقي.
برقت عينا (أدهم) في شدة وخفق قلبه مع سماع اسم الشعار ،واعتدل في حزم وهو يغمغم وحروفه
تتألق فوق شفتيه تماما مثل تألق عينيه:
( -ليونيد إيجور تورجنيف).
ابتسم المدير وأدرك أن (أدهم) قد أمسك بطرف الخيط وغمغم:
-بالضبط.
صمت لحظة ثم أردف في حزم:
-أعتقد أن األمور قد تطورت كثيرا اآلن ..وهناك مجموعة من الدوافع القوية التي تدفعك للعودة
والظهور مرة أخرى أيها البطل.
عاد يصمت لحظة ثم غمغم في حزم أكبر:
-أول هذه الدوافع هي وطنك( ..مصر)( ..مصر) تحتاج إليك بشدة يا (أدهم).
أ أ
شعر (أدهم) بحماس جارف يسري في عروقه ،وبانفعال بالغ شمل كيانه من شعر رأسه وحتى
أطراف أصابع قدميه ،ووجد نفسه يعتدل ليشد قامته وهو يقول بمنتهى الحزم:
-وأنا رهن إشارة واحدة من (مصر) يا سيدي.
ابتسم مدير المخابرات وهو يقول:
-عظيم ..ما زلت على عهدي بك يا (أدهم).
قال (أدهم) في حرارة وإخالص:
-وسأظل كذلك ،حتى آخر نفس يتردد في صدري يا سيدي.
صمت لحظة ليسيطر على انفعاله ،ثم التقط نفسا عميقا ،وتابع في حزم:
-سوف أبدأ على الفور في تنفيذ المهمة ،ولكن نظرا لضيق الوقت فالبد لنا من استغالل كل دقيقة في
المهلة المعطاة ..لذا فأنا أقترح أن نتبادل المعلومات التي تخص تلك المنظمة ومالكها عبر قنواتنا
المؤمنة ،غير القابلة لالختراق ،وسوف أنطلق بعدها على الفور لتنفيذ المهمة بإذن اهلل.
صمت المدير مفكرا ،ثم غمغم في حزم:
-ال بأس ..الوقت ليس في صالحنا بالفعل ،ومن األفضل استغالل كل دقيقة.
ولمدة ساعة كاملة ،استمر االتصال بينهما تم خاللها تزويد (أدهم) بكامل المعلومات المطلوبة ،ورسم
الخطة التي سوف يتبعها لتنفيذ المهمة وعندما أغلق االتصال كانت عيناه تتألقان بشده وحماس جارف
يمأل عروقه.
وفي هدوء نهض من مقعده ،واتجه نحو باب الغرفة وفتحه ليتطّلع إلى وجه (منى) التي تجلس فوق
أريكة في مقابل الغرفة تماما ،وما أن وقع بصرها عليه حتى هبت من مجلسها ،وقطعت المسافة التي
تفصلهما بخطوتين واسعتين ،وهتفت بكل اللهفة والفضول في أعماقها:
-ما هو قرارك يا (أدهم)؟
تطلع إليها لحظات في صمت ،كاد الفضول أن ينهشها نهشا خاللها ،قبل أن تتسلل ابتسامة متألقة فوق
شفتيه لتمأل وجه (أدهم صبري) وهو يغمغم في قوة واقتضاب:
-سنعود.
انتفض جسدها كله بمنتهى العنف مع حروف كلمته التي تنبض بكل القوة والحزم..
كلمة واحدة..
ولكنها تعنى الكثير..
كلمة تعني عودة البطل..
(أدهم صبري)..
رجل المستحيل..
∞∞∞∞∞
(تمت بحمد اهلل وتوفيقه)
– Group Linkلينك االنضمام الى الجروب
– Linkلينك القنـــــاة
الفهرس:
رجل المستحيل..
-١اختطاف..
-2مستر (إكس)..
-3المعجزة..
( -4منى)..
-5أسر ..وأمل..
-6سنعود..
Notes
][←1
راجع رواية (أدهم) و(خدعة القرن).
][←2
راجع رواية (أدهم).
][←3
راجع رواية الوداع عدد رقم .١٦٠
][←4
راجع رواية نقطة الضعف.
][←5
راجع رواية الوداع.
][←6
راجع رواية أدهم.
][←7
راجع رواية خدعة القرن.
][←8
راجع رواية أدهم.
][←9
راجع رواية الوداع رقم .160
][←10
راجع رواية حلفاء الشر/عقارب الساعة /األفعى.
][←11
راجع رواية الوداع.
][←12
راجع رواية بال رحمة ،115مهرجان الموت .116
][←13
راجع رواية الضربة القاصمة عدد رقم .100
][←14
راجع رواية االختفاء الغامض عدد .1
][←15
راجع رواية خدعة القرن.
][←16
راجع رواية (أدهم).
][←17
راجع رواية (أدهم).
][←18
راجع رواية خدعة القرن.