You are on page 1of 10

‫نبذة عن حياة الشيخ محمودا امباكي بن الشخ مصمب‬

‫رضي الله عنهما‬

‫إعداد‪:‬‬
‫هيئة إحياء التراث التابعة للجنة الثقافية التابعة لدائرة المحسنين‬
‫والمحسنات أحفاد الشيخ محمودا جب‬
‫مكل طوبى امبيل ‪1445‬هـ‪2024/‬م‬

‫‪1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصﻼة والسﻼم‬
‫على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأمته وسلم تسليما‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فالهدف من وراء هذه الورقات المعدودة إلقاء نظرة إجمالية على‬
‫حياة شخص من الشخصيات المريدية ]الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه[‪،‬‬
‫أﻻ وهو الشيخ محمد المحمود جب امباكي‪.‬‬
‫مولده ونسبه‪:‬‬
‫النور الشي ُخ محمد المحمود امباكي المشهور بالشيخ‬ ‫َ‬ ‫أبصر‬
‫َ‬ ‫لقد‬
‫ب عام ‪ 1330‬الهجري‪ ،‬الموافق لشهر يناير ‪ 1912‬الميﻼدي‬ ‫محمو ًدا ُج ّ ِ‬
‫بمدينة طوبى المحروسة جانب البئر الخديمية )عين الرحمة( المتمركزة‬
‫شمال الجامع الكبير‪ ،‬وقد أعطى الشيخ الخديم اﻹذنَ لوالده بﺄن يسميه "محمد‬
‫س ِّم ِه َمحمودا" فجرى ذلك على‬ ‫فكتب في رسال ٍة و ﱠج َه َها إليه " َ‬
‫َ‬ ‫المحمود"‬
‫ألسن الناس تيمنا بمقولة الشيخ وتبركا بها‪.‬‬
‫فوالده هو }الشيخ مصمب امباكي{ )‪ 1882‬ـ‪1942‬م( بن القاضي مام‬
‫مور أنت سل بن حبيب الله بن مام مهرم عدنان أهل امباكي‪ ،‬وهو غني‬
‫عن التعريف‪ ،‬وأما والدته فهي السيدة العفيفة البارة أَ ِمنﺔُ ُﺟ ِبّ ْه ُﺟ ْ‬
‫وب‬
‫)‪ (Aminata diobe Diop‬بنت محمد أَ ِمنَةَ قُ ﱠم ْه ) ‪Mouhamad‬‬
‫‪ (Aminata khoumbe‬بن مختار فاطمة ُجلﱠ ْه ) ‪Moukhtar‬‬
‫‪ (Fatimatou dioulla‬بن ُكو ّدِي ِب ْن َد ِبد ّْو )‪ (kodde bende bidiw‬بن‬
‫مصمب ّه ِيبْ )‪ (Massamba ayip Diop‬والد مختار اندمبي‬
‫)‪ ،(Makhtar ndoumbe‬ومحمد آمنة قمه هذا كان يستوطن قريته‬
‫باس‪ "1‬المتآخمة بين "انجامور‪ "2‬و"جلوف"‪ ،‬وقد ﱠ‬
‫مر بها أبو‬ ‫الشهيرة ب" َك ْر ٍ‬
‫المحامد العبد الخديم‪ ،‬ونزل ضيفا عنده‪ ،‬وقضى فيها ليلة عامرة‪ ،‬وذلك‬

‫‪Keur bassine =1‬‬


‫‪Ndiambour =2‬‬
‫‪2‬‬
‫أثناء عودته من المنفى بمورتانيا أرض البياضين إلى إقامته الجبرية‬
‫ب"جايين جلوف‪."3‬‬
‫وفي البكرة‪ ،‬غادر الشي ُخ القرية المذكورة أعﻼه‪ ،‬ثم أخذ طريقه إلى‬
‫"جايين‪ "4‬فلما وصل واستقر جمع محمد آمنة قمه جميع عياله ذكورا وإناثا‪،‬‬
‫وذهب بهم إلى "جايين" فقدمهم كلﱠهم كهدي ٍة للعبد الخديم‪ ،‬وكان من ضمن‬
‫البنات البكرتان العفيفتان‪ ،‬والشقيقتان الطاهرتان‪ ،‬أوﻻهما السيدة آمنةُ ُج ِ‬
‫ب‬
‫زوجها العب ُد الخديم أخاهُ‬ ‫س ْخنَ ُجب" وقد ﱠ‬ ‫ب" ُ‬ ‫أم المترجم له‪ ،‬الشهيرة ِ‬
‫الصغير الشيخ مصمب امباكي‪ ،‬وكان من شرفها – حسب حكاية سخن فا ِط‬ ‫َ‬
‫اﻹشراف على اﻷعمال المنزلية‪ ،‬وإعطا َء‬ ‫َ‬ ‫مصمب البرزخية ‪ -‬أنها تكلفت‬
‫النفقات اليومية في منزل العبد الخديم بجربل‪ 5‬قُرابةَ سن ٍة كامل ٍة‪ ،‬وذلك في‬
‫مستهل سنوات اﻹقامة الجبرية في البقعة المباركة‪.‬‬
‫ب؛ ﻷن‬ ‫ت ُج ّ ِ‬‫ثانيتهما السيدة آمنة جوب المعروفة عند العامة بﺄ َ ِم ْن َ‬
‫أختها الكبرى باشرت تربيتها حتى أُلحق اسمها باسمها‪ ،‬وهذه اﻷخيرة كانت‬
‫من عاتكات أبي المحامد‪ ،‬المشهورات عند الدهماء بﺄهل البرزخ‪.‬‬
‫رحلته العلميﺔ‪:‬‬
‫سن التعلم تلقّى الحروف اﻷولية من‬ ‫ولما بلﻎ الشيخ محمودا امباكي ّ‬
‫القرآن الكريم من ع ّمه الشيخِ الخديم ـ رضي الله تعالى عنه ـ‪ ،‬ثم ذهب به‬
‫‪6‬‬
‫الوال ُد إلى خاله شقيق أمه المقرئ صمب َهيِ ْب ﺟوب في قرية انغاب‬
‫ومكث عنده حتى أتقن القرآن الكريم عن ظهر قلب حفظا ورسما‪ ،‬وكتب‬
‫مصحفا ـ وكان جميل الخط ـ بخط يده‪ ،‬ولم يتجاوز عمره العاشر‪ ،‬ثم ذهب‬
‫المقرئ ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ إلى حضرة العبد‬ ‫ِ‬ ‫هو برفقة والده وخاله‬
‫الخديم ليسلّموه المصحف‪ ،‬ولما وصلوا إلى الشيخ الخديم استقرأه بعض‬
‫مواضع من الذكر الحكيم‪ ،‬فقرأ قراءة مسترسلة وسليمة من الهفوات‬
‫والهنات‪ ،‬وذلك أن المترجم له كان يقول ‪" :‬ولقد كانت وقتئذ جمي ُع السور‬

‫‪Thiéyène djolof =3‬‬


‫‪Thiéyène =4‬‬
‫‪Diourbel =5‬‬
‫‪Ngabou =6‬‬
‫‪3‬‬
‫واﻵيات متساوية عندي كقاعٍ صفصف ﻻ ترى فيها عوجا وﻻ أمتا" ثم دقّق‬
‫نظر في المصحف وفتح صفحات ذهبت به بعيدا‪ ،‬إلى حد أن‬ ‫أبو المحامد ال َ‬
‫ب‪:‬هل المصحف من خط يد‬ ‫ب واستغرا ٍ‬‫َو ﱠجهَ إلى الشيخِ مصمب سؤال تع ﱡج ٍ‬
‫الغﻼم؟! فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال الشيخ الخديم‪ :‬عليكم بحجزه وإخفائه عن المﻸ‬
‫حتى ﻻ تقع عليه أعين السوء‪ ،‬فهذا العمل يفوق سنه ‪.‬‬
‫ومن المقتطف عن سرين حبيب الله امباكي اﻹمام وال ُمعلم أنه ساعتئذ‬
‫كان موجودا بِ ُجربِ ْل‪ ،‬وقد كان هذا الخبر منتشرا على أوسع النطاق بين‬
‫وكون‬
‫ِ‬ ‫الغﻼم صغيرا عن هذا العمل‪،‬‬‫ِ‬ ‫الزوايا اﻷربع‪ ،‬وكل هذا نتيجةَ كون‬
‫العمل كبيرا على مثل الغﻼم‪.‬‬
‫وفي تلك اللحظة التاريخية أعلن الشيخ الخديم ـ قاد له الله ما اختار‬
‫له ـ صراحة رضاه التام عن الشيخ محمودا‪ ،‬ثم قال له‪ :‬اعلم يا محمودا أنك‬
‫ابني وكل من اتبع خطوتك ‪ ،‬وأما من سلك طريقا آخر غير الطريق التي‬
‫سلكتها فليَ ْعل ْم أنه بريء مني ‪ ،‬وﻻ يربطني به شيء إﻻ ال ِعرق والدم‪.‬‬
‫ولما حفظ الشيخ محمودا القرآن الكريم حفظا ورسما؛ ش ّد رحاله‬
‫ص‪ 7‬لتحصيل العلوم الدينية‪ ،‬وشرع في دراسة‬ ‫مت ّجها إلى قرية ِغيدِي بُ ُ‬
‫ص‪ ،‬ثم تابع دراسته‬ ‫مبادئ العلوم الشرعية على مفتي البﻼد الشيخ امباكي بُ ُ‬
‫ص بن المفتي المذكور قبل أن يﺄمره الوالد بالذهاب‬ ‫س ْن بُ ُ‬
‫على يد الشيخ َح َ‬
‫إلى بﻼد )انجامبور( للتعمق في العلوم اللغوية واﻵلية عند الشيخ عبد الله‬
‫مر على الشيخ محمد اﻷمين جوب‬ ‫سي الملقب بنبراس انجامبور‪ ،‬كما ّ‬
‫الدغاني مرورا طفيفا‪.‬‬
‫أعماله‪:‬‬
‫إذا كانت الطريقة المريدية تتميز عن باقي الطرق الصوفية بعنصري‬
‫المبايعة والعمل اللذين يعتبران مبدأين أساسيين في التربية الخديمية فإن‬
‫الشيخ محمودا امباكي ـ رضي الله عنه ـ ش ّمر عن ساق الجد بعد أن تبحر‬
‫في مختلف الفنون العلمية وسلك طريق القوم السالكين بمبايعة والده على‬
‫يحرك شيئا‪ ،‬بل هو رهن‬ ‫السمع والطاعة ومﻼزمته له من غير أن يصنع أو ّ‬

‫‪Guédé Bousso =7‬‬


‫‪4‬‬
‫إشارته‪ ،‬إلى أن يﺄمره الوالد بالذهاب إلى قريته دار الكريم‪ – 8‬شمال طوبى‬
‫المحروسة ‪ -‬واﻹقامة فيها لبناء مركزه التربوي اﻷول هناك ـ كعادة أجداده‬
‫ـ‪ ،‬حيث مكث فيها سنة واحدة‪ ،‬قبل أن يرحل إلى قرية )انجه‪ – (9‬شرق‬
‫طوبى‪ -‬التي قضى فيها سنتين‪ ،‬ثم انطلق فيما بع ُد إلى رباطه المشهور‬
‫بـ) ِدغن ْﺞ‪ (10‬قرب مدينة الطائف وأطلق عليه اسم )دار السﻼم( تيّمنا واقتداء‬
‫بالشيخ الخديم الذي س ّمى أول رباط أسسه بهذا اﻻسم‪ ،‬ومكث فيها الشيخ‬
‫محمودا امباكي ما يقارب خمس سنوات إلى أن توفي الوالد )الشيخ مصمب‬
‫امباكي ـ رضي الله عنه ـ عام ‪1942‬م‪1361 /‬هـ‪.‬‬
‫وكان هدفه الوحيد من بناء هذه الرباطات هو التربيةَ الروحية‪،‬‬
‫وممارسة نشاط الزراعة التي تعتبر وسيلة فعالة وضرورية في تنمية‬
‫اقتصاد البﻼد‪.‬‬
‫تأسيس مدينﺔ طوبى امبيل‪:‬‬
‫وبما أن الشيخ محمودا امباكي ـ رضي الله عنه ـ ﻻ يقدر على كبح‬
‫جماح همته العالية وطموحاته الربانية‪ ،‬عزم ـ كدأبه ـ في شهر مارس‬
‫)‪1943‬م ( الموافق‪ :‬صفر )‪1362‬هـ( أي بعد سنة من وفاة والده إلى السفر‬
‫مت ّجها نحو إقليم )سالم( على نية أن يؤسس رباطه اﻷخير وقريته المشهورة‬
‫وأطلق عليها اسم )طوبى امبيل(‪ ،‬وكان التﺄسيس في سياق استثنائي‪ ،‬وفي‬
‫ظل ظروف قاسية للغاية‪ 11‬فضﻼ عن العوائق التي كان يمر بها‪ ،‬والمشاكل‬
‫التي كان يعانيها من حين ﻵخر‪ ،‬ومن بينها ـ على سبيل المثال ـ‪:‬‬
‫ــ فقدان الماء الصالح للشرب بسبب غلبة الملح على المياه‬
‫المستخرجة من باطن اﻷرض‪ ،‬وذلك‪ ،‬ما ألجﺄ طﻼبه إلى قطع مسافات‬
‫شاسعة للبحث عن الماء في القرى المجاورة لها‪.‬‬
‫ــ حدوث الحرائق بشكل متواصل وبدون أي سبب معروف‪.‬‬

‫‪Darou karim =8‬‬


‫‪Ndia =9‬‬
‫‪Diking =10‬‬
‫‪11‬ـ كان التﺄسيس أثناء فترة الحرب العالمية الثانية‬

‫‪5‬‬
‫ــ كثرة البﻼيا الواقعة على أهله وأتباعه بين فينة وأخرى حتى ثبت‬
‫أن رجﻼ من مريديه خرج يوما للبحث عن الماء فوجد مصرعه حول البئر‪.‬‬
‫سه اﻷبية‬ ‫بالرغم من العوائق الكثيرة‪ ،‬والمصائب المتتالية لم تبال نف ُ‬
‫وعز ُمه القوي بشيء من هذه وتلك‪ ،‬ولم تمنعه من تحقيق هدفه المنشود‪.‬‬
‫تحولت )طوبى امبيل( من قرية عادية إلى مدينة‬ ‫بفضل الله وتوفيقه‪ّ ،‬‬
‫معمورة يتمتع أهلُها بجميع اﻵليات المتوفرة في المدن السنغالية اﻷخرى‪،‬‬
‫خصوصا فيما يتعلق بالمرافق الصحية‪ ،‬والطاقة الكهربائية‪ ،‬والخطوط‬
‫البرقية الهاتفية‪ ،‬إلى جانب وصول مواسير المياه العذبة إلى المنازل‪.‬‬
‫وقد زاره فيها جميع إخوته من الشيخ مصمب امباكي‪ ،‬وجميع أبناء‬
‫العمومة من العبد الخديم إﻻ للشيخ محمد مصطفى امباكي‪ ،‬والسبب يعود‬
‫إلى وفاته قبل اكتمال التﺄسيس‪ - ،‬وقد كان يدا ﻻ يخفى دعمها المعنوي في‬
‫البذور اﻷولى التي ُزرعت في هذه المدينة ‪ -‬وحتى البرزخيات أمهات‬
‫المريدين قضين فيها معا يوما وليلة تحت إشراف السيدة آمنة جب‪.‬‬
‫عﻼﻗاته اﻻﺟتماعيﺔ‪:‬‬
‫ﻻ ريب أن من يتﺄمل في سيرته العطرة يقف على مواقف كثيرة تعبر‬
‫عن عﻼقاته المتجذرة بين إخوته من المريدين بشكل خاص‪ ،‬ومن المسلمين‬
‫بشكل عام‪ ،‬فقد ش ّمر عن ساق الجد ليكون المثل اﻷعلى في مد أواصر‬
‫اﻷخوة المنشودة في كتاب الله تعالى‪ ،‬وﻻ ينطلي على أحد أنه بدأ في هذه‬
‫المهمة من إخوته اﻷقارب من أب واحد‪ ،‬فقد كان يجمع هداياه‪ ،‬ويسوقها‬
‫من طوبى امبيل إلى طوبى المحروسة ليق ِ ّد َمها ﻷخيه الكبير وخليفة أبيه‬
‫ين ُمو ُد َم ْي{ وقد كان‬ ‫س ِر ْ‬
‫اﻷو ِّل سرين محمد اﻷمين امباكي المشهور بـ} َ‬
‫يعتبره شيخا له وقدوة ً عظيمة‪ ،‬إلى حد أنه لم يكن يتجرأ أن يبيت في قري ٍة‬
‫ف‬ ‫اﻷخير ضيفا في البكرة احتراما له وتقديرا‪ ،‬إﻻ بعد لَ ّ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نزل فيها هذا‬
‫س ﱠكان القري ِة‪ ،‬كما أنه لم يكن يحتكر له فقط تلك الروابط‬ ‫ان من ُ‬ ‫و َد َو َر ٍ‬
‫س الحبال ﻹخوته الصغار الذين جعلوه كلهم شيخا‬ ‫الحميمة‪ ،‬بل كان يمد ن ْف َ‬
‫جراء معامﻼته الحسنى وأفضاله الغزيرة‪ ،‬فقد زاره الشيخ محمد‬ ‫لهم ﱠ‬
‫المﺄمون المعروف ب‪-‬سرين مود فاط خر‪ -‬في قريته طوبى امبيل‪ ،‬وقال‬
‫له إبﱠﺄن العودة‪" :‬ﻻ شك أنه انخرط في سلكي أتباع كثيرون من المريدين‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫لكني أبايعك لتكونَ شيخي‪ ،‬وإذا وافَتْنِي المنيةُ فﻼ أثق في روحي بﺄح ٍد‬
‫سواك‪".‬‬
‫وعلى نفس النمط‪ ،‬نجد سرين صالح امباكي الذي كثيرا يتجاذب معه‬
‫أطراف المزاح والمداعبة‪ ،‬والشيخ عبد الباقي الذي أهداه سيارة فارهة‪،‬‬
‫والشيخ محمد المصطفى الذي كان قائ َده المغوار‪ ،‬ورائ َد أعماله‪ ،‬ولقد جرت‬
‫مبادﻻت عديدة ومواقف كثيرة تنم عن مودة ومحبة كان يكنها كل‬ ‫ٌ‬ ‫بينهما‬
‫منهما ﻵخر‪ ،‬وعلى هذا يتدرج الباقون بدايةً من سرين مام مور ‪-‬حفظه الله‬
‫ورعاه‪ ،‬وأتم مشاريعه ‪ -‬الخليفة الحالي للشيخ مصمب الذي ﻻ يزال لسانُه‬
‫رطبًا بذكر محاسن أخيه الكبير الشيخ محمودا‪ ،‬وﻻ يختلف اﻷمر عند سرين‬
‫عبد السﻼم الذي أعطاه اﻻسم‪ ،‬وسرين عبد الخبير اﻷخ اﻷصغر رحمهما‬
‫بيت من هؤﻻء المشايخ إﻻ ونجد فيه س ِميا‬ ‫الله تعالى‪ ،‬ولهذا؛ ﻻ يكاد يخلو ٌ‬
‫له‪.‬‬
‫وفي قالب آخر‪ ،‬نجد أن جذور العﻼقات امتدت إلى كافة المريدين‬
‫وجميع اﻷسر الخديمية‪ ،‬فلقد قال في حقه الشيخ محمد المصطفى بن العبد‬
‫الخديم‪" :‬لو كان جميع إخوتي مثله ﻻسترحتُ ‪ ،‬ولَ َما عانيتُ شيئا"‪ ،‬وعﻼوة‬
‫على ذلك‪ ،‬لما اكتمل بناء المسجد الجامع هامسه الشيخ محمد الفاضل بﺄن‬
‫اﻹمام فيه نظرا للدور الفعﱠال الذي لعبه أبوه الشيخ مصمب في‬ ‫َ‬ ‫يكون‬
‫مبررا بﺄنه‬ ‫الطريقة المريدية‪ ،‬وفي رفع قواعد المسجد الكبير‪ ،‬لكنه اعتذر ِ ّ‬
‫ﻻ يكون أمام شيوخه مطلقا‪ ،‬أ ّما الشيخ عبد اﻷحد فقد كانَ منز ُل المترجم له‬
‫الثاني‪ ،‬يختلف إليه كثيرا‪ ،‬وﻻ نغالي لو قلنا ‪ :‬إنه كان يتناول فيه‬ ‫َ‬ ‫منزلَهُ‬
‫الفطور كثيرا‪ ،‬كما كان يشتري الخبز من حسابه الخاص ويحمله إلى‬
‫ف بإنشاء‬ ‫المنزل‪ ،‬وعلى اﻻتجاه المعاكس فقد كان ذلك اﻷول هو الم َكلﱠ َ‬
‫ي ٍ يمت ﱡد من طوبى المحروسة إلى طوبى بِلَ ْل قري ِة هذا اﻷخير‪،‬‬ ‫طريق سو ّ‬
‫الكثير من اﻷمور المادية والمعنوية‪ ،‬التي ﻻ‬ ‫َ‬ ‫الكثير‬
‫َ‬ ‫ولقد تبادل الرجﻼن‬
‫يسع المقا ُم لذكرها‪ ،‬وعلى اﻻختصار يمكن القول بﺄنهما كانا أشبه من قول‬
‫الشافعي ﻷحمد الحنبلي‪:‬‬
‫ق َم ْن ِزلَ ْه‬ ‫ﻗُ ْلتُ ‪ :‬ا ْلﻔَ َ‬
‫ضاﺋِ ُل ﻻَت ُﻔَ ِار ُ‬ ‫وركُ أَحْ َم ٌد َوتَ ُز ُ‬
‫ور ُه‬ ‫ﻗَالُوا‪ :‬يَ ُز ُ‬

‫‪7‬‬
‫ض ِل ِه‪ ،‬ﻓَا ْلﻔَ ْ‬
‫ض ُل ِﻓي ا ْل َحالَ ْي ِن لَ ْه‬ ‫ﻓِ ِلﻔَ ْ‬ ‫ض ِل ِه أَ ْو ُز ْرت ُهُ‬
‫ارنِي ﻓَ ِلﻔَ ْ‬
‫ِإ ْن َز َ‬

‫وعلى نفس النسق‪ ،‬يﺄتي سرين عبد القادر الذي كان يمازح به كثيرا‪ ،‬كما‬
‫كان هو المكلف بإعطاء اﻷسماء ﻷوﻻده‪ ،‬وهكذا سرين صالح الخليفة‬
‫الخامس الذي قد شهد من قوته وحنكته وخدمته ما شهد في أعمال خلكوم‪،‬‬
‫والشيخ محمد المرتضى الذي قام بتدشين مسجده بطوبى اميبل‪ ،‬وهكذا‬
‫الشيخ شعيب امباكي الذي كان يُفطر عنده كل يوم عاشوراء‪.‬‬
‫وعلى جانب آخر‪ ،‬نجده يتراوح بين دار المعطي‪ ،‬ودار المنان‪ ،‬فيبقى‬
‫عند سرين عبد القدوس امباكي أياما طواﻻ يتفقد أحواله وينظر في شؤون‬
‫العيال‪ ،‬كما كان يقضي نفس اﻷيام عند سرين الشيخ َح َو بَ ﱠل امباكي يصل‬
‫به الرحم لكي ﻻ ينصر ْم‪.‬‬
‫وليس من الكياسة بمكان أن نغلق الصفحة دون أن نذكر تلك العﻼقات‬
‫الثنائية‪ ،‬واﻻرتباطات الوطيدة بين سرين محمودا وأسرة الحاج مالك سه‪،‬‬
‫فقد كان حريصا على القيام بواجب اﻷخوة بينه وبين اﻷسرة‪ ،‬فكان يتعهد‬
‫سرين بابكر سه‪ ،‬حيث قام بزيارته في " انجامبور " في دار بنته المشهورة‬
‫س ْخنَ أستُ سه{ وأهداه كيسا من الطنابيل )التمور الهندية(‪ ،‬كما سجل‬ ‫بـ} ُ‬
‫لنا التاريخ في دفاتره الخالدة تلك العﻼقة اﻷخوية التي كانت تربطه بالسيدة‬
‫سةَ سه ] ابنة الحاج مالك سه[ وزوجها الحاج مور قﺞ سه في مقرهما‬ ‫نَ ِفي َ‬
‫بامبركﻼن‪ ،‬ومما يذكر أنه في سنة من السنوات وجد الحريق في مسكنهما‬
‫فﺄحـرق الدار ولم يترك رطـبا وﻻ يابسا‪ ،‬فﺄمر الشيخ محمودا جميع مريديه‬
‫القاطنين في المنطقة أن يذهبوا إليهم ليقوموا بترميم الدار وإقامتها من جديد‪،‬‬
‫وأقاموا لهما فيها غرفة كبيرة وأنيقة فسمياها طوبى‪ ،‬تعبيرا عما غشيهما‬
‫من الفرح والسرور‪ ،‬والغبطة والحبور‪ ،‬وكانا كثيرا ما يثنيان على الشيخ‬
‫محمودا جب‪ ،‬ويعبران عن حسن الجوار معه‪.‬‬
‫وﻻ يخفى أن هذه الزيارات امتداد لعﻼقات ثنائية كانت تدور بين‬
‫اﻷسرة المالكية ووال ِد المتر َجم له الشيخ مصمب امباكي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كان يعرف جميع اﻷسر الخديمية والمريدية‪ ،‬ﻻ يتوانى في‬
‫اﻻتصال بهم‪ ،‬ويسﺄلهم كلهم على حد سواء‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وخوفا من اﻹطالة المفرطة نكتفي بهذا القدر علما بﺄن عﻼقاته‬
‫اﻻستثنائية ﻻ يمكن سردها في صفحات محدودة‪.‬‬
‫أخﻼﻗه وصﻔاته‪:‬‬
‫كان الشيخ محمودا امباكي ـ رضي الله عنه ـ محبّا للشيخ الخديم‪،‬‬
‫ومريدا صادقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى‪ ،‬ومراعيا للشريعة اﻹسﻼمية‬
‫بشقيها ) العبادات ـ المعامﻼت(‪ ،‬عﻼوة على ذلك‪ ،‬كان حريصا على إقامة‬
‫الصلوات في الجماعة أينما ح ّل وارتحل‪ ،‬وإنما كان يتولى بنفسه منصب‬
‫اﻹمام الراتب في منزله‪ ،‬وقد ثبت عن الرواة أنه لم يتخلّف عن صﻼة‬
‫الجمعة في المسجد الجامع الكبير بطوبى إﻻ مرة واحدة‪ ،‬كما أنه كان يتحلى‬
‫بالصبر والتواضع وكثرة الصمت‪ ،‬فضﻼ عن أنه كان ّ‬
‫يكن لعياله مودة‬
‫وشفقة‪ ،‬ويتجاذب معهم أطراف حديث في كثير من اﻷمور‪ ،‬كما كان يحثهم‬
‫على صلة الرحم‪.‬‬
‫وعلى سيرته هذه‪ ،‬درج أبناؤه وأحفاده‪" ،‬شنشنة أعرفها من أخزم"!‬
‫كان الخليفة الثاني للشيخ مصمب ـ رضي الله عنه ـ ما بين ‪1957‬ـ‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫وﻓاته‪:‬‬
‫توفي الشيخ محمودا يوم الجمعة الثاني عشر من صفر‪1417‬هـ‬
‫الموافق‪ :‬الثامن والعشرون من يوليو ‪1996‬م‪ ،‬وصلى عليه سرين حبيب‬
‫ي َجرحٍ‬‫امباكي اﻹمام‪ ،‬وقال فيه مقولته الخالدة‪ " :‬هذه الجنازة لم تشهد أ ّ ﱠ‬
‫وﻻ انتقا ٍد ﻻ من المسلمين وﻻ من المريدين وﻻ من اﻹخوة اﻷقارب"‪ ،‬وتمت‬
‫مواراة جثمانه في مقبرة طوبى قرب والده الشيخ مصمب امباكي ـ رضي‬
‫الله تعالى ـ عنهما وأرضاهما‪.‬‬

‫من انتاجاته اﻷدبية قصيدة مفعمة بالمحبة واﻹرادة‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪9‬‬
‫از ِم ْن َر ِبّ ِه َما ُدونَهُ َك َر ُم‬
‫َم ْن َح َ‬ ‫ام ُل ا ْلعَلَ ُم‬
‫ب ا ْل َك ِ‬
‫ش ْي ِخي َﻷحْ َم ُد بَ ْم َ‬
‫َ‬

‫خاء ﺛ ُ ِبّتَ ا ْلﻘَ َد ُم‬


‫ش ﱠد ٍة َو َر ٍ‬
‫ﻓِي ِ‬ ‫ُه َو ا ْل َخ ِدي ُم الﱠ ِذي َما َزا َل َما ِد ُحهُ‬

‫ت َوال ِنّعَ ُم‬


‫صي ِ‬
‫ار ال ِ ّ‬
‫ش ُ‬‫ضا َوا ْنتِ َ‬
‫لَهُ ا ْل ِ ّر َ‬ ‫َو ْه َو الﱠ ِذي ﻻَ نَ َرى ِمﺛْﻼً لَهُ أَبَ ًدا‬

‫لَهُ ا ْل َم َزايَا لَهُ ْاﻷ َ ْﻓعَا ُل َوال ِ ّ‬


‫ش َي ُم‬ ‫ث ال ﱠد ْه ِر ُك ِلّ ِه ُم‬
‫غ ْو ُ‬ ‫ﻓَ َك ْي َ‬
‫ف ﻻَ‪َ ،‬و ْه َو َ‬

‫شﻔَاتُ َم ْن لَهُ ا ْل ِه َم ُم‬


‫ق ا ْلكَا ِ‬
‫َخ َو ِار ُ‬ ‫ضاﺋِ ُل ُكﻼ َوا ْل َم َك ِار ُم َوا ْلـ‬
‫لَهُ ا ْلﻔَ َ‬

‫َك َما َكﻔَا ُه ا ْل ِع َدى‪َ ،‬وا ْل ُك ﱡل ُم ْن َد ِه ُم‬ ‫ع َد ٍد‬ ‫َو َزا َدهُ اللﱠهُ ِر ْ‬
‫ض َوانًا ِب َ‬
‫ﻼ َ‬

‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وخديمه وأمته وسلم تسليما‬
‫مكل طوبى امبيل ‪1444‬هـ‪2023/‬م‬

‫‪10‬‬

You might also like