You are on page 1of 23

‫الفصل الخامس‬

‫مسلك القانون العام‬


‫الدول االقتصادي‬
‫ي‬ ‫وحدة القانون‬
‫عرض حول‪:‬‬

‫تداعيات توسع مجموعة بريكس‬

‫الدول االقتصادي‬
‫ي‬ ‫عىل قواعد القانون‬

‫إشراف‪:‬‬ ‫إعداد الطلبة‪:‬‬

‫االستاذ لحسن الحسناوي‬ ‫❖ رشيد التجاني‬


‫❖اسامة الطوس ي‬
‫❖يوسف البصيري‬
‫❖محمد الصفحي‬
‫❖حمزة فاضل‬
‫❖خولة جاهور‬
‫السنة الجامعية ‪2024/2023‬‬
‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫بعد أن وضعت الحرب العاملية الثانية اوزارها فرزت الحرب نظاما عامليا جديدا‪ ,‬تميز‬

‫بظهور قوتين تقاسمتا النفوذ العاملي وخلقتا حالة من التوازن الدولي الذي كان بأمس الحاجة‬

‫اليه وبدأ كل قطب يستقطب حوله مجموعة من الدول حتى تشكل على اثر ذلك مجموعة‬

‫الدولة االشتراكية بقيادة االتحاد السوفياتي ومجموعة الدول الرأسمالية بقيادة الواليات‬

‫املتحدة االمريكية ولكل منهما خطته األيديولوجية (السياس ي واالقتصادي واالجتماعي)‬


‫ً‬
‫ومنهجه في العمل‪ ,‬وبدأ صراعا بينهما ما سمي في حينه بالحرب الباردة وتميزت هذه الفترة بظهور‬

‫تكتالت اقتصادية‪ ,‬نتيجة التغيرات العاملية املتالحقة كونها ال تخلو من بعض املخاطر التي ال‬

‫تستطيع دوله بمفردها من تحملها‪ ,‬وهذا مما دفع الكثير من الدول من التوجه نحو التكامل‬
‫ً‬
‫اإلقليمي والذي بات يزداد يوما بعد يوم وحتى الدول الكبرى التجأت ملحيطها اإلقليمي تحاول‬

‫ان توسعه‪ ,‬فعلى سبيل املثال الواليات املتحدة االمريكية انشأة منظمة التجارة الحرة ألمريكا‬

‫الشمالية (النافتا) وكذلك قامت السوق األوروبية املشتركة (االتحاد األوروبي) ومنظمة جنوب‬

‫اسيا (األسيان) ومنظمة مجموعة التعاون االقتصادي قارة آسيا واملحيط الهادي (ابيك)…الخ‬

‫من التكتالت االقتصادية‪ ,‬كل ذلك من اجل تحقيق التكامل والتعاون االقتصادي بين هذه‬

‫الدول وان كل دولة تحقق من خالل ذلك أمنها االقتصادي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فبعد انهيار االتحاد السوفياتي وانفراد الواليات املتحدة االمريكية كأكبر قوة اقتصادية‬

‫وعسكرية وهيمنة أمريكا على مجلس االمن وجميع منظمات األمم املتحدة كصندوق النقد‬

‫والبنك الدولي وظهور العوملة االمريكية كتكييف فكري ملزيد من الهيمنة والسيطرة على‬

‫االقتصاد العاملي من خالل عوملة راس املال وقوة العمل والتجارة الدولية من خالل أذرعها‬

‫العمالقة الشركات املتعددة الجنسيات والي تغزوا العالم باستثماراتها فالعوملة تهدف الى جعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االقتصاد العاملي مترابطا ومتشابكا وذلك من خالل التجارة واالستثمار وانتقال األموال‬

‫والتكنولوجيا ضمن اطار حرية األسواق وهذا سيسهل عليه اختراق الحدود القومية للدول‬

‫وجرح سيادتها وسيادة اقتصادها الوطني وهذا ما يسهل على الدول الرأسمالية السيطرة على‬

‫االقتصاد العاملي‪.‬‬

‫أصبح العالم يعيش اليوم متغيرات عديدة ومتشابكة ومعقدة تتطلب من الدول النامية‬

‫وعلىرأسها الصين من مراجعة مسار عملها التنموي والعمل على تصحيح االختالالت الهيكلية‬

‫القتصاداتها‪ ,‬حيث أصبح من املستحيل ان تحقق دولة ما متطلباتها التنموية بجهودها املنفرد‬

‫دون اللجوء الى غيرها من الدول لتبادل املنافع املشتركة‪.‬‬

‫لذلك اصبح تنامي التوجه الى التكتالت االقتصادية‪,‬رغم كونها بدأت بعد الحرب العاملية‬

‫الثانية‪ ,‬اال ان الوضع الجديد يتميز بسرعة التوجه الى انشاء هذه التكتالت أو االنتماء اليها‬

‫وباألخص الدول النامية‪ ,‬كون ما شهدته الدول املتقدمة من ظهور املزيد من التكتالت‬

‫‪3‬‬
‫االقتصادية فيما بينها كون التحديات االقتصادية أصبحت الهاجس األساس ي لدى هذه الدول‬

‫ونالحظ على سبيل املثال ان تكتل االقتصاد األوروبي يسعى بكل قوة الى ان يكون له دور أساس ي‬

‫في النظام االقتصادي العاملي املزمع تشكليه وكذلك بالنسبة لتكتل االقتصادي االسيوي‬

‫واصبح امام الدول االسيوية فرصة تشكيل تكتل اقتصادي مهم ومن املمكن ان يتنافس مع‬

‫بقية التكتالت االقتصادية وتطوير تكتل أسيان‪.‬‬

‫نالحظ أن نتيجة التطورات العاملية على مستوى االقتصاد العاملي وإصرار الواليات‬

‫املتحدة االمريكية على تحقيق عوملتها للهيمنة على االقتصاد العاملي بدأت الكثير من الدول‬

‫الكبرى وباألخص دول العالم الثالث ان تحتاط ملواجهة هذه الهيمنة والتدخل في شؤونها‬

‫الداخلية وباألخص االقتصادية لذلك اصبح تشكيل التكتالت االقتصادية او االنتماء اليها‬

‫ضرورة موضوعية ضمن الظروف الدولية الحالية والتي تتميز بهيمنة التكنولوجيا العاملية‬

‫املتطورة والتي تتمركز بشكل أساس بيد الواليات املتحدة االمريكية والتي تمكنها من تحقيق‬
‫ً‬
‫أهدافها في الهيمنة على االقتصاد العاملي فضال عن ما تمتلكه من اقوى اقتصاد في العالم‬

‫وهيمنة الدوالر على بقية العمالت‪.‬‬

‫لذا فالهدف من هذه الدراسة التحليلية حول تشكيل تكتل اقتصادي جديد تقوده‬

‫الصين هو لبيان أهمية هذا التكتل وهل بإمكانه ان يكون بداية التحدي الحقيقي ملواجهة‬

‫التكتل الغربي بقيادة أمريكا وهيمنتها على اقتصاديات العالم وهل بإمكان مجموعة البريكس‬

‫‪4‬‬
‫ان تساهم في إعادة التوازن الدولي الذي فقدناه بسبب غياب االتحاد السوفياتي وخلق نظام‬

‫دولي جديد متعدد األقطاب‪.‬‬

‫ومن هذا املنطلق يحيل هذا املوضوع على اشكالية رئيسية تتمثل في‪:‬‬

‫كيف اثر توسع مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي؟ وإلى أي حد‬

‫استطاعت املجموعة في تشكيل قواعد جديدة داخل اللعبة االقتصادية الدولية؟‬

‫وتتحقق اإلجابة عن تداعيات توسع مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي‬

‫بالعودة إلى نشأة املجموعة (مبحث أول) من خالل معرفة السياق التاريخي لنشأة املجموعة‬

‫واهدافها (مطلب أول)‪ ،‬واالضافات واملنجزات الناتجة عن هذا التكتل (مطلب ثان)‪ ،‬فضال عن‬

‫ذلك ‪ ،‬فإن ابراز تأثير مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي (مبحث ثان) يكمن‬

‫بالنظر إلى مظاهر هذا التأثير من جهة (مطلب أول)‪ ،‬والتحديات واالكراهات التي تواجه هذا‬

‫التكثل من جهة ثانية (مطلب ثان)‪..‬‬

‫‪5‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬مجموعة بريكس‪ :‬النشأة والتوسع‬

‫تتحقق اإلجابة عن تداعيات توسع مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي‬

‫بالعودة إلى نشأة املجموعة من خالل معرفة السياق التاريخي لنشأة املجموعة واهدافها (مطلب‬

‫أول)‪ ،‬واالضافات واملنجزات الناتجة عن هذا التكتل (مطلب ثان)‪.‬‬

‫املطلب االول‪ :‬سياق نشأة مجموعة بريكس وأهدافها‬

‫أول من صاغ فكرة مجموعة بريكس هو كبير اإلقتصاديين في بنك جولد مان ساكس ‪ ,‬جيم‬

‫أونيل في دراسة أجريت سنة ‪ 2001‬بعنوان "بناء إقتصادات عاملية أفضل " وبريكس هي منظمة‬

‫سياسية بدأت املفاوضات لتشكيلها سنة ‪ 2006‬حين اجتمع وزراء خارجية "بريك" في نيويورك‬

‫مدشنين بذلك سلسلة اجتماعات الحقة للتشار إلنشاء املجموعة ‪ .‬وفي عام ‪ 2008‬عقد اجتماع في‬

‫مدينة بيكاترينبرغ الروسية‪ .‬ثم عقد أول مؤثمر قمة للمجموعة سنة ‪ .2009‬بحث كانت تضم في‬

‫البداية أهم االقتصادات العاملة الناشئة والحديث هنا عن دول " الصين ‪,‬البرازيل‪ ,‬روسيا ثم الهند"‪.‬‬

‫وفي ‪ 2010‬انضمت جنوب أفريقيا للتكتل ليصبح اسم املجموعة "بريكس ‪" .‬‬

‫تتميز الدول الخمس املنشأة للمجموعة بالدينامية اإلقتصادية الكبيرة التي باتت تعرفها هذه‬

‫الدول السيما في املجال الصناعي والتجاري وبالتالي بات لها تقل على املستوى العاملي ‪ .‬ويعيش‬

‫بالدول الخمس ما يناهز نصف سكان الكرة االرضية أي ‪3‬مليارات و‪ 200‬مليون نسمة أي اننا‬

‫‪6‬‬
‫نتحدث عن سوق إستهالكية ضخمة ‪ .‬نهيك عن توفر الدول مجتمعة على إحتياطات كبيرة من‬

‫احتياطي النقد االجنبي وقد وصف الرئيس الصيني لي جينتاو انداك املجموعة بأنها " املدافعة عن‬

‫مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السالم العاملي‪. .‬‬

‫يهدف تحالف "بريكس" الى ان يصبح قوة اقتصادية كبرى قادرة على منافسة كبرى املنظمات‬

‫والتجمعات االقتصادية العاملية كمجموعة "السبع" التي تظم كبرى االقتصادات الغربية والتي‬

‫تستحود على نصيب االسد من الثروة العاملية ‪ .‬نهيك عن هدف املجموعة الى انشاء نظام اقتصادي‬

‫عاملي متعدد االقطاب لكسر هيمنة الغرب وخصوصا الواليات املتحدة االمريكية كما تسعى‬

‫املجموعة ألن تكون فاعال دوليا على بخصوص تكريس السلم واألمن الدوليين‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اضافات ومنجزات مجموعة بريكس‬

‫تخطت مجموعة بريكس مرحلة التأسيس واستكملت هيكلتها لتنتقل إلى طور اإلنجاز‬

‫والتاثير وتنزيل املشروعات التي خططت لها طيلة السنوات املاضية‪ .‬ومن أبرز هذه املشروعات نذكر‬

‫على سبيل املثال‪:‬‬

‫بناء الثقل االقتصادي للمجموعة‪ ،‬التي تحولت إلى قوة اقتصادية عاملية تستقطب‬
‫ًّ‬
‫عامليا خالل العقدين‬ ‫االهتمام وتحتل موقع الصدارة داخل االقتصادات العشرين األكبر‬

‫‪7‬‬
‫املاضيين‪ ،‬وتعزيز قدرتها على منافسة مجموعة السبع الكبار )‪ (G7‬تالتي تضم قوى اقتصادية‬

‫عاملية من قبيل الواليات املتحدة‪ ,‬وذلك لشكيل واقع جيوسياس ي وجيواقتصادي جديد‪.‬‬

‫إرساء مجموعة من مؤسسات البنية التحتية الخاصة بها كمؤسسات موازية وربما‬

‫بديلة عن املؤسسات الدولية القائمة مثل بنك التنمية الجديد‪ ,‬الذي ينتظر ان يكون بديال عن‬

‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من ناحية حجم املساهمات في الصندوق ناهيك عن صندوق‬

‫احتياطي كاطار جديد لتوفير الحماية والوقاية من متغيرات السيولة العاملية‪ ,‬اضافة الى ذلك‬

‫انشات الصين البنك االسيوي لالستثمار في البنية االساسية كمؤسسة مالية دولية متعددة‬

‫االطراف‪ ,‬وكذلك صنذوق طريق الحرير الذي اسس عام ‪ ,2014‬وتأتي اهمية ودور هذه املؤسسات‬

‫املالية في طريقة عملها وادارتها حيث تعمل وفقا لشروط افضل بكثير بالنسبة اللى الدول النامية‬

‫والصاعدة مقارنة بمؤسسات غربية مثل بريتن وودز الخاصة بتشجيع التعاون النقدي الدولي‪.‬‬

‫استخدام نظام االتفاقيات الثنائية القائم على العمالت الوطنية وتشجيع سياسة إزالة‬
‫ا‬
‫إقباال متز ا‬
‫ايدا من‬ ‫الدولرة في املبادالت التجارية الدولية‪ .‬وقد بدأ هذا النمط من املعامالت يشهد‬

‫عدد كبير من الدول تجاوز الخمسين دولة‪ ،‬مع الشروع في اإلعداد إلنشاء عملة بديلة أو على األقل‬

‫قادرة على منافسة الدوالر‬

‫ا‬
‫تهيئة األرضية املالئمة لنظام دفع جديد متعدد األطراف‪ ،‬يكون بديال لنظام االتصاالت املالية‬

‫بين البنوك العاملية "سويفت" (‪ ،)SWIFT‬من شأنه أن يوفر قد ارا أكبر من الضمان واالستقاللية‬

‫‪8‬‬
‫لدول املجموعة والدول املتعاملة معها‪ .‬وقد بدأت بعض دول املجموعة في استخدام أنظمة‬

‫محلية بديلة في انتظار تحولها إلى نظام دولي موحد‪ .‬من بين تلك األنظمة نظام تحويل الرسائل‬

‫املالية الروس ي (‪ ،)SBFC‬ونظام الدفع بين البنوك الصيني (‪ ،)CIPS‬وقد تم الربط الفعلي بين هذين‬

‫النظامين منذ العام ‪.2019‬‬

‫االنفتاح على االقتصادات الناشئة والتوجه نحو التوسع واستقطاب بلدان جديدة‬

‫تملك ثروات كبيرة لتشكل إضافة نوعية للمجموعة‪ ،‬وذلك من خالل آلية "بريكس‪ "+‬التي أضحت‬

‫تحظى باهتمام كبير من قبل العديد من الدول مثل األرجنتين وإندونيسيا وكازاخستان ونيجيريا‬

‫واإلمارات والسعودية ومصر والسنغال وتايالند والجزائر‪ .‬وإذا ما تم قبول هذه الدول فإن تلك‬
‫ا‬
‫تحوال جذرًّيا في مشروع البريكس ليصبح قوة عاملية ضاربة‪ ،‬ا‬ ‫الخطوة ُ‬
‫نظرا لثقلها‬ ‫ستحدث‬

‫الديمغرافي واتساعها الجغرافي إضافة إلى مقدراتها العسكرية‪.‬‬

‫كما اشرنا الى ذلك سابقا فاملجموعة تسعى لتحقيق مجموعة من االهداف‪ .‬ولتحقيقها أطلق‬

‫التكتل مجموعة من املبادرات ‪ .‬حيث اتفقت الدول االعضاء على إصالح النظام املالي والنقدي‬

‫الدولي ‪ ,‬وذلك بإنشاء بنك التنمية الجديد () برأسمال قدره ‪ 100‬مليار دوالر مقسمة بالتساوي على‬

‫الدول الخمس سنة ‪ . 2014‬ويقوم البنك بتقديم القروض للدول االكثر إحتياجا ؟ كما قامت‬

‫املجموعة بإنشاء صندوق إحتياطي للطوارئ لدعم الدول األعضاء التي تكافح من أجل سداد‬

‫الديون بهدف تجنب ضغوط السيولة وأيضا تمويل البنيات التحتية واملشاريع املناخية في البلدان‬

‫‪9‬‬
‫النامية ‪ .‬كما ان الدول املنضوية تحت لواء املجموعة أخدت على عاتقها كسر هيمنة الدوالر‬

‫األمريكي على لتجارة العاملية وذلك بمحاولتها طرح عملة موحدة جديدة من أجل إستخدامها في‬

‫التبادالت التجارية البينية بدال من الدوالر وهو ما أكدته وكالة "سبوتنيك" الروسية نقال عن رئس‬

‫مجلس الدوما الروس ي ألكسندر بابا كوف خالل حديثه على هامش منتدى األعمال الهندي_الروس ي‬

‫في نيودلهي مطلع أبريل ‪ . 2023‬وتأتي هذه الخطوة تلبية ملبادرات ونداءات سابقة لكسر الهمنة‬

‫املطلقة للدوالر األمريكي على التجارة العاملة‪ .‬وهي خطوة مهمة ستقلب موازين القوى إن تمت‬

‫بالفعل‪.‬‬

‫ومما يزكي مبادرات املجموعة هو ارتفاع مستوي التبادل التجاري البيني بين الدول االعضاء‬

‫ففي الثمانية األشهر األولى لسنة ‪ 2009‬كان مستوي التبادل التجاري مثال بين الصين وروسيا يصل‬

‫الي ‪ 24‬مليار دوالر ليقفز سنة ‪ 2022‬إلى ‪ 172‬مليار ومن املتوقع ان يصل هذه السنة إلى ‪ 200‬مليار‬

‫دوالر‪ .‬كما ان التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا حقق أرقاما مهمة جذا إذ وصل ل‪ 282‬مليار‬

‫دوالر سنة ‪ 2022‬النسبة األوفر من هذا الرقم راحت لجنوب أفريقيا بنحو‪ 56.74‬مليار دوالر‪ .‬وهو‬

‫ما يظهر حجم التعاون اإلقتصادي الكبير بين الدول األعضاء ‪.‬‬

‫باتت مجموعة بريكس محطة جذب وإهتمام كبيرين ‪ ,‬بحيث أن العديد من الدول تتهافت‬

‫على تقديم طلبات االنضمام للمجموع ‪.‬هذا وحظيت القمة األخيرة للمجموعة "الدورة‪ "15‬التي‬

‫عقدت بجنوب أفريقيا بأهمية بالغة وتغطية إعالمية غير مسبوقة ‪ .‬نظرا لتقدم دول عديدة‬

‫‪10‬‬
‫بطلبات االنضمام إيمانا من هذه االخيرة بالدور اإلقتصادي الكبير الذي باتت تلعبه املجموعة‬

‫وبأن هناك طاقة هائلة لإلنتاج واالستثمار والتكنولوجيا تتيحها مجموعة "بريكس‪".‬‬

‫وقد فاق عدد طلبات اإلنضمام ‪ 20‬طلبا ‪ .‬ومن بين الدول التي قدمت طلبا لإلنضمام نجد‬

‫الجزائر واألرجنتين والبحرين وبنجالديش وبيالروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا‬

‫وإيران وكازاخستان والكوت ونيجيريا ‪ ,‬وفلسطين األبية والسعودية والسنغال وتايالند واإلمارات‬

‫وفنزويال وفيتنام وقد قبلت عضوية كل من السعودية وإثيوبيا واإلمارات ومصر وإيران ثم‬

‫األرجنتين‪.‬‬

‫لإلشارة فشروط العضوية غير معلنة وبالتالي فهي تبقى مبهمة ‪ .‬لكن إذا ما حاولنا التأمل في‬

‫طبيعة الدول التي قبلت عضويتها وبعض الدول التي رفض طلب إنضمامها يمكن أن نخرج ببعض‬

‫االستنتاجات ‪ .‬فاملالحظة األولى هي أن الدول التي قبلت عضويتها تتوفر على كثافة سكانىة كبيرة‬

‫نوعا ما بإستثناء اإلمارات العربية تقريبا ‪ .‬وبالتالي فالعامل الديموغرافي هو حاضر وبقوة ‪ .‬واملالحظة‬

‫الثانية تتجلى في اإلرث التاريخي والثقافي الذي تتمتع به الدول املنضمة على غرار إيران مهد الحضارة‬

‫الفارسية ومصر مركز الحضارة الفرعونية وإثيوبيا أرض الحبشة والسعودية بصفتها قائدة او‬

‫قاطرة العالم اإلسالمي والعربي‪ ...‬خصوصا و أن الثقافة باتت عنصر جدب وأحد عناصر القوة‬

‫الناعمة كعنصر جدب وتأثير‪ .‬كما يمكن إعتبار العامل الديموغرافي هو األخر كان من شروط‬

‫اإلنظمام إذا ما تأملنا املواقع الجغرافة املتميزة للبلدان جديدة العضوية ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تاثير مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي‬

‫والتحديات التي تواجهها‬

‫إن ابراز تأثير مجموعة بريكس على قواعد القانون الدولي االقتصادي يكمن بالنظر إلى‬

‫مظاهر هذا التأثير من جهة (مطلب أول)‪ ،‬والتحديات واالكراهات التي تواجه هذا التكثل من جهة‬

‫ثانية (مطلب ثان)‪..‬‬

‫املطلب االول‪ :‬قدرات مجموعة بريكسإلحداث التغيير في االقتصاد العاملي‬

‫في كل مرة تعقد فيها مجموعة "بريكس" ‪ BRICS‬قمتها السنوية تنشغل العديد من الكتابات‬

‫والتغطيات الصحفية بالثقل االقتصادي املتزايد للمجموعة‪ ،‬سواء فيما يتعلق بحصتها من الناتج‬

‫اإلجمالي العاملي (حوالي ‪ ،)%25‬أو من التجارة العاملية (حوالي ‪ ،)%20‬أو سكان العالم (‪ ،)%43‬أو‬

‫من حجم سوق العمل (‪ ،)%46‬أو مساهمتها في معدل نمو االقتصاد العاملي (حوالي ‪ ،)%40‬وغيرها‬

‫من املؤشرات االقتصادية‪ .‬ومع أهمية هذا املدخل في فهم دور "بريكس"‪ ،‬لكنه يظل قاصرا عن‬

‫تقديم قراءة أكثر عمقا لدور املجموعة ليس داخل االقتصاد العاملي فحسب‪ ،‬ولكن داخل هيكل‬

‫وطبيعة النظام العاملي‪ ،‬واتجاهات تحول هذا النظام‪.‬‬

‫واقع األمر إن "بريكس" تمثل في الحقيقة ا‬


‫جزءا من ظاهرة عاملية أوسع‪ ،‬وهي صعود‬

‫"املجموعات الدولية" التي أضحت إحدى الظواهر األساسية املميزة لنظام ما بعد الحرب الباردة‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫حيث يضاف إلى "بريكس" التي عقدت قمتها األولى في يونيو ‪" ،2009‬مجموعة العشرين" ‪ ،G20‬التي‬
‫بدأت عملها على املستوى الوزاري في ديسمبر ‪ ،1999‬ثم تحولت إلى مستوى القمة ا‬
‫بدءا من نوفمبر‬
‫ا‬
‫"انقطاعا" مع نمط املؤسسية االقتصادية الدولية التي‬ ‫‪ .2008‬هذه الظاهرة تمثل إلى حد كبير‬
‫تطورت عقب الحرب العاملية الثانية‪ ،‬والتي شكلت ا‬
‫أطرا أساسية إلدارة التفاعالت والسياسات‬

‫بدءا من صندوق النقد والبنك الدوليين‪ ،‬ثم منظمة التجارة‬‫العاملية خالل فترة الحرب الباردة‪ ،‬ا‬
‫ا‬
‫العاملية‪ ،‬فضال عن مجموعة السبع الصناعية‪ ،‬وموجة الترتيبات اإلقليمية التقليدية أو ما عرف‬

‫باملوجة األولى من اإلقليمية‪ .‬وعلى الرغم من استمرار املؤسسات التقليدية التي ارتبطت بنظام ما‬
‫بعد الحرب العاملية الثانية ا‬
‫جنبا إلى جنب مع "املجموعات الدولية" الجديدة‪ ،‬لكن األخيرة اتسمت‬
‫ا‬
‫هيكليا عن املوجة األولى من املؤسسية االقتصادية الدولية‪ ،‬سواء من‬ ‫بعدد من السمات التي ميزتها‬

‫حيث طبيعة وتركيب هذه املجموعات‪ ،‬أو أجندات عملها‪ ،‬أو أبنيتها املؤسسية‪ ،‬أو توجهاتها إزاء‬

‫النظام العاملي‪.‬‬

‫وقد ارتبط بظهور بريكس تحول آخر مهم تمثل في السعي إلى إنهاء حالة املركزية وتغيير نمط‬

‫الحوكمة االقتصادية‪ .‬إذ ظلت املركزية وضعف الحوكمة واحدة من السمات األساسية للنظام‬
‫ا‬
‫استنادا إلى مؤسسات بريتون وودز‪،‬‬ ‫االقتصادي العاملي الذي تأسس عقب الحرب العاملية الثانية‪،‬‬

‫ممثلة في صندوق النقد والبنك‪ ،‬الدوليين‪ .‬وقد تكرست هذه الظاهرة مع تأسيس مجموعة السبع‬

‫الصناعية التي عبرت عن مركزية إدارة النظام االقتصادي العاملي‪ ،‬ليس فقط على املستوى‬
‫االقتصادي واملالي‪ ،‬ولكن على املستوى األمني ا‬
‫أيضا‪ ،‬وذلك على خلفية توسع دور وأجندة عمل‬
‫‪13‬‬
‫املجموعة خالل عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن املاض ي لتشمل قضايا أمنية‪ .‬وكان من‬

‫املتوقع أن يكون تأسيس منظمة التجارة العاملية في يناير ‪ 1995‬خطوة مهمة لتوسيع ونشر عملية‬

‫صنع القرار داخل النظام االقتصادي العاملي‪ ،‬إال أنها لم تنجح في ذلك‪ ،‬وتحولت هي األخرى إلى‬

‫ساحة لهيمنة القوى االقتصادية الغربية‪ ،‬وآلية لفرض برامج وسياسات اقتصادية على الدول‬

‫النامية ال تتوافق بالضرورة مع مصالحها أو طموحاتها االقتصادية واالجتماعية‪ .‬وقد ظلت ظاهرة‬
‫املركزية تلك قائمة حتى بدأت مجموعات اقتصادية جديدة في الظهور‪ ،‬لعبت ا‬
‫دورا رئيسا في كسر‬

‫احتكار القوى الغربية بشكل عام‪ ،‬ومجموعة السبع الصناعية ومؤسسات بريتون وودز بشكل‬

‫خاص‪ ،‬إلدارة االقتصاد العاملي‪ .‬وهكذا‪ ،‬كان الدور األول واألبرز الذي لعبته "بريكس" هو إضفاء‬

‫نوع من الالمركزية على عملية صنع القرار داخل النظام االقتصادي العاملي‪.‬‬

‫وقد تكرس هذا التحول على خلفية ثالثة عوامل‪ .‬أولها‪ ،‬يتعلق بارتباط هذه املجموعات‬

‫باالقتصادات الصاعدة والناشئة‪ .‬ويتعلق ثانيها‪ ،‬كما سبق القول‪ ،‬بتنامي الثقل االقتصادي‬
‫للمجموعة‪ ،‬والذي أسهم بدوره في تحسن ترتيبها داخل االقتصادات العشرين األكبر ا‬
‫عامليا خالل‬

‫العقود الثالث األخيرة‪ .‬ويتعلق ثالثها‪ ،‬بسعي هذه املجموعات إلى إنشاء مؤسسات التمويل الخاصة‬

‫بها؛ فباإلضافة إلى "بنك التنمية الجديد"‪NDB‬الخاص ببريكس والذي دخل اتفاقه حيز النفاذ في‬

‫يوليو ‪ ،2015‬أنشأت الصين "البنك اآلسيوي لالستثمار في البنية األساسية" ‪ ،AIIB‬كبنك دولي‬

‫متعدد األطراف والذي دخل اتفاقه حيز النفاذ في ديسمبر ‪ ،2015‬و"صندوق طريق الحرير"الذي‬

‫أسسته الحكومة الصينية في ديسمبر ‪ ،2014‬برأسمال قدره ‪ 40‬بليون دوالر‪ .‬وتأتي أهمية هذه‬
‫‪14‬‬
‫املؤسسات املالية أنها تعمل ا‬
‫وفقا لشروط أفضل بكثير بالنسبة للدول النامية والصاعدة‪ ،‬باملقارنة‬

‫بمؤسسات بريتون وودز‪.‬‬

‫وقد ضاعف من أهمية الصعود االقتصادي للبريكس أن ارتبط به إدراك دول املجموعة‬

‫ألهمية دورها في إصالح النظام االقتصادي العاملي وتوسيع عملية صنع القرار داخل هذا النظام‪،‬‬

‫األمر الذي دفعها إلى محاولة تمثيل أكبر عدد ممكن من االقتصادات الناشئة واملهمة‪ ،‬وهو ما‬

‫انعكس في اتجاهها إلى استحداث صيغة تضمن تحقيق هذا الهدف‪ ،‬والتي دشنتها القمة األخيرة‬
‫للمجموعة تحت مسمى (بريكس‪ ،BRICS Plus )+‬والتي ُ‬
‫دعيت في إطاره كل من مصر‪ ،‬واملكسيك‪،‬‬

‫وطاجكستان‪ ،‬وتايالند وكينيا‪ .‬وتأتي أهمية هذه الصيغة أنها تمثل‪ ،‬من ناحية‪ ،‬إحدى الصيغ املهمة‬

‫التي تمت تجربتها داخل عدد من املجموعات والترتيبات اإلقليمية‪ ،‬مثل (اآلسيان ‪ ،)+‬والتي حققت‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫نجاحا ملحوظا كما تمثل‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬صيغة الستيعاب الدول املهمة‪ ،‬واالقتصادات‬

‫الواعدة‪ ،‬التي لم تنضم بعد إلى فئة االقتصادات الصاعدة‪ ،‬لكن يظل هناك توافق على أهميتها من‬

‫الناحيتين االقتصادية والسياسية‪ ،‬وأهمية مشاركتها في لحظات االنتقال املهمة في هيكل النظام‬

‫االقتصادي العاملي‪.‬‬

‫ا‬
‫هذه العوامل أعطت"بريكس" ثقال ومصداقية كبيرة في التعبير عن مصالح الدول‬

‫واالقتصادات الصاعدة داخل النظام االقتصادي العاملي‪ .‬لكن في الحقيقة فإن دور "بريكس"‬

‫داخل النظام العاملي يتجاوز مسألة التعبير عن مصالح الدول واالقتصادات الصاعدة‪ ،‬ليشمل‬

‫‪15‬‬
‫ا‬
‫وتحديدا‬ ‫الحفاظ على استقرار هذا النظام‪ .‬فقد تبع ظهور املجموعات االقتصادية الجديدة‪،‬‬

‫مجموعة العشرين والبريكس‪ ،‬أن ذهب البعض إلى أن ظهور هذه املجموعات الدولية يمثل مقدمة‬

‫النهيار النظام العاملي القائم وبناء نظام جديد‪ ،‬خاصة في ظل ارتباط هذه املجموعات بدول مهمة‪،‬‬

‫مثل الصين وروسيا‪ ،‬األمر الذي يعني ارتباط صعود هذه املجموعات بتحدي النظام العاملي القائم‪.‬‬

‫ويستند هذا االفتراض ‪-‬على سبيل املثال‪ -‬إلى حالة أملانيا في أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬فقد نتج عن‬

‫الصعود األملاني حدوث تحول في هيكل توزيع القدرات االقتصادية والعسكرية في أوروبا في ذلك‬

‫الوقت لصالح أملانيا التي تزايدت طموحاتها الدولية واإلقليمية وعدم رضاها عن النظام العاملي‬

‫القائم‪ ،‬وهو ما أدى إلى دخول القوى الدولية آنذاك في تنافس شديد‪ ،‬وسباقات تسلح‪ ،‬وإعادة بناء‬

‫التحالفات اإلقليمية‪ ،‬انتهت بنشوب الحربالعاملية األولى‪.‬‬

‫إن هذا االفتراض يحتاج إلى مزيد من القراءة املتعمقة لظاهرة املجموعات الدولية الجديدة‬

‫في ضوء الشروط أو املتغيرات الحاكمة للتحول في هيكل النظام العاملي‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬تتفق أدبيات‬

‫العالقات الدولية على وجود ثالثة متغيرات أساسية تحدد ما إذا كانت الدول‪ /‬املجموعة الدولية‬
‫الصاعدة تمثل ا‬
‫تحديا للنظام العاملي القائم‪ .‬املتغير األول يتعلق بعدد الدول الكبرى املسيطرة على‬

‫النظام‪ ،‬بمعنى هل يسيطر على قمة النظام دولة واحدة‪ ،‬أم شبكة أو عدد من الدول؟ املتغير الثاني‬

‫يتعلق بطبيعة العالقات القائمة داخل النظام‪ ،‬بمعنى هل تستند التفاعالت الجارية داخل النظام‬

‫على العالقة الهيراركية الجامدة‪ ،‬أم أنها تقوم على نمط من العالقات التبادلية املرنة واملفتوحة‬

‫نسبيا؟ املتغير الثالث يتعلق بنمط بتوزيع عوائد املعامالت الدولية (خاصة في مجاالت التجارة‬
‫‪16‬‬
‫ا‬
‫نسبيا للمنافع املادية‬ ‫واالستثمار)‪ ،‬بمعنى هل يستند النظام الدولي القائم إلى التوزيع العادل‬

‫واملعامالت الدولية‪ ،‬أم يستند إلى التوزيع املتحيز لهذه املنافع لصالح الدولة‪ /‬الدول املهيمنة على‬

‫النظام؟ فكلما كان النظام الدولي القائم يقوم على وجود شبكة من الدول التي يقوم بينها درجة‬

‫كبيرة من االعتماد املتبادل‪ ،‬وكلما كانت التفاعالت داخل هذا النظام تقوم على العالقات التبادلية‬

‫املرنة والتوافق العام‪ ،‬وكلما كان النظام يقوم على نشر املنافع املادية الناتجة عن املعامالت‬

‫الدولية‪ ،‬كلما زادت فرصة وقدرة الدول الصاعدة على تأمين وحماية مصالحها في ظل هذا النظام‬
‫واالندماج فيه‪ ،‬وكلما زاد ا‬
‫أيضا االتجاه لدى هذه الدول على التوافق والتأقلم مع النظام واملؤسسية‬

‫الدولية القائمة‪ ،‬وتراجع ميلها إلى تحدي النظام العاملي القائم‪.‬‬

‫ا‬
‫استنادا إلى هذه املتغيرات الثالث‪ ،‬يمكن القول إن مجموعة "بريكس" باتت تمثل عامل‬

‫استقرار مهم داخل النظام العاملي‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬تمثل املجموعة ‪ -‬بجانب املجموعات الدولية‬
‫األخرى‪ -‬خطوة إضافية نحو تعميق البناء الشبكي داخل النظام العاملي‪ ،‬وتأخذ هذا النظام ا‬
‫بعيدا‬
‫عن حالة هيمنة دولة واحدة‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬تلعب بريكس ا‬
‫دورا ا‬
‫مهما في تعميق نمط التفاعالت‬
‫التبادلية داخل النظام‪ ،‬وتأخذه ا‬
‫بعيدا عن الطابع الهيراركي الذي ساد عقب الحرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫ومن ناحية ثالثة‪ ،‬فإن بريكس تمثل خطوة مهمة نحو التوزيع العادل للمنافع داخل النظام‪،‬‬

‫وإفساح دور أكبر للقوى واالقتصادات الصاعدة للتعبير عن مصالحها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وبمعنى آخر‪ ،‬فإن ظهور بريكس‪ -‬بجانب مجموعات دولية أخرى‪ -‬يعبر في الحقيقة عن‬

‫عملية تحول سلمي عميق وتدريجي من نظام "بريتون وودز"‪ ،‬الذي اتسم بدرجة كبيرة من‬

‫املركزية والتحيز ملصالح املوجة األولى من الدول الصناعية الغربية التي ظهرت عقب الحرب‬

‫العاملية الثانية‪ ،‬إلى نظام شبكي يتسم بدرجة أكبر من التعقيد والتعددية‪ ،‬ونشر عملية صنع‬

‫القرار‪ ،‬ودرجة أكبر من التعبير والتمثيل ملصالح القوى الصاعدة والناشئة‪ .‬كل ذلك دون أية‬

‫مواجهات عنيفة داخل النظام العاملي‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تحديات توسع مجموعة بريكس‬

‫على الرغم من أن هدف مجموعة البريكس التدشين ملرحلة جديدة من التعددية االقتصادية‬

‫في النظام الدولي القائم‪ ،‬بموازنة التعددية السياسية الراهنة‪ ،‬وإنهاء الهيمنة األمريكية األحادية‬

‫على النظام الدولي ومؤسساته‪ ،‬فإن هناك جملة من التحديات واملعيقات التي تقوض من طموح‬

‫املجموعة وأعضائها‪ .‬فهناك مخاوف بين الدول األعضاء من قيادة الصين جهود توسيع املجموعة‪،‬‬

‫في إطار مساعيها لبناء نفوذ عاملي ملواجهة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬بضمها حلفاء مقربين منها؛‬
‫مما يؤدي إلى تضاؤل نفوذ باقي األعضاء املؤسسيين للمجموعة‪ .‬وال تمتلك دول املجموعة ا‬
‫صوتا‬
‫ا‬
‫مؤثرا في أقوى املؤسسات العاملية التي يقوم عليها النظام الدولي الليبرالي‪ ،‬والذي يخدم مصالح‬

‫ورغبات الواليات املتحدة وحلفائها من الدول الغربية بصورة أساسية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ئيسا لبناء موقف موحد على‬ ‫ا‬
‫تحديا ر ا‬ ‫ويعد غياب القواسم املشتركة بين دول املجموعة‬

‫الساحة الدولية‪ ،‬والنظر للبريكس كتكتل دولي متماسك وقوي قادر على التعامل مع التحديات‬

‫واألزمات الدولية املعقدة واملتشابكة في عصر دولي أضحت سمته األساسية حالة عدم اليقين‪.‬‬

‫فلدى الدول األعضاء الخمسة أنظمة سياسية مختلفة إلى حد كبير؛ فالصين دولة ذات نظام‬

‫سياس ي قائم على حزب واحد‪ ،‬والحكم في روسيا مركزي للغاية‪ .‬ورغم أن البرازيل والهند وجنوب‬
‫ُ‬
‫إفريقيا تعد من الدول الديمقراطية‪ ،‬فإنها تواجه تحديات تتعلق باألوضاع الداخلية التي يتوجب‬

‫عليها التعامل معها‪.‬‬


‫ا‬
‫كما أن مستويات التنمية االقتصادية في دول املجموعة متفاوتة‪ ،‬فضال عن االختالف بينهم‬

‫في املوارد املتاحة‪ ،‬واالتجاهات الديموغرافية‪ .‬فغالبية سكان البرازيل حضريون‪ ،‬في حين ال تزال‬
‫الهند ريفية إلى حد كبير‪ ،‬ولدى روسيا شيخوخة سكانية بينما الهند أكثر ا‬
‫شبابا‪ .‬ويتمتع أعضاء‬

‫البريكس بمكانة متفاوتة داخل النظام الدولي الحالي؛ فروسيا والصين قوتان دوليتان لديهما‬

‫عضوية دائمة في مجلس األمن الدولي التابع لألمم املتحدة‪ ،‬في حين أن الهند والبرازيل وجنوب‬
‫إفريقيا دول تطمح فقط إلى التأثير الدولي‪ ،‬وهي مؤهلة ًّ‬
‫حاليا كقوى إقليمية‪ .‬ويمكن تقديم بعض‬

‫تحديات مجموعة بريكس االقتصادية باألرقام كتراجع معدالت النمو االقتصادي في بعض الدول‬

‫األعضاء‪ ،‬مثل البرازيل وروسيا‪ ،‬بسبب األزمات السياسية والعقوبات الدولية وانخفاض أسعار‬
‫النفط والسلع‪ .‬ففي عام ‪ ،2023‬سجلت البرازيل ا‬
‫نموا ا‬
‫سلبيا بنسبة ‪ ،%4.1-‬وروسيا بنسبة ‪%.3.1-‬‬

‫‪19‬‬
‫‪-‬انخفاض حصة مجموعة بريكس في التجارة العاملية من ‪ %19.3‬في عام ‪ 2013‬إلى ‪%16.8‬‬

‫في عام ‪ ،2023‬بسبب تباطؤ الطلب العاملي والحماية التجارية والتوترات الجيوسياسية‪.‬‬

‫‪-‬ضعف العمالت املحلية لدول مجموعة بريكس مقابل الدوالر األمريكي‪ ،‬مما يزيد من تكلفة‬

‫الديون الخارجية ويقلل من القدرة التنافسية‪ .‬ففي عام ‪ ،2023‬فقدت العملة البرازيلية ‪ %22‬من‬

‫قيمتها‪ ،‬والروبل الروس ي ‪ ،%17‬والروبية الهندية ‪ ،%9‬والراند الجنوب إفريقي ‪%.18‬‬

‫‪-‬تفاوت كبير في مستويات التنمية والتكامل االقتصادي بين دول مجموعة بريكس‪ ،‬مما‬

‫يصعب تحقيق التعاون والتنسيق في املشاريع واملبادرات املشتركة‪ .‬ففي عام ‪ ،2023‬بلغ الناتج‬

‫املحلي اإلجمالي للصين ‪ 15.4‬تريليون دوالر‪ ،‬وللهند ‪ 3.2‬تريليون دوالر‪ ،‬وللبرازيل ‪ 1.4‬تريليون دوالر‪،‬‬

‫ولروسيا ‪ 1.3‬تريليون دوالر‪ ،‬ولجنوب إفريقيا ‪ 0.3‬تريليون دوالر‪.‬‬

‫بينما تحد الخالفات السياسية بين دول املجموعة من تماسكها‪ ،‬فعلى الرغم من اتفاق‬

‫أعضاء املجموعة الخمسة الحاليين على ضرورة الحد من الهيمنة املالية الغربية‪ ،‬وتعزيز تمويل‬

‫املناخ للدول النامية‪ ،‬فإن جنوب إفريقيا والبرازيل والهند ال تشترك مع الصين وروسيا في وجهات‬

‫نظرهما املناهضة للواليات املتحدة األمريكية والقوى الغربية بالدرجة نفسها‪ ،‬بحيث هذا التباين‬

‫في املواقف السياسية بين دول األعضاء‪ ،‬يمكن أن يؤثر على قدرتها على التنسيق والتعاون في‬

‫القضايا العاملية‪ .‬فمثال‪ ،‬تختلف الصين والهند على الحدود والتجارة واألمن اإلقليمي‪ ،‬وتختلف‬

‫البرازيل والصين على الوصول إلى األسواق األفريقية‪ ،‬وتختلف روسيا والهند على العالقات مع‬

‫‪20‬‬
‫الواليات املتحدة والناتو‪ .‬كما أن هناك اختالفات في النماذج االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫ا‬
‫بين دول البريكس‪ ،‬مما يمكن أن يخلق توترات وصراعات محتملة‪ .‬فضال عن التحالف العسكري‬

‫والسياس ي بين الواليات املتحدة والهند ملواجهة الصين‪ ،‬والخالفات الحدودية بين األخيرتين التي‬

‫تتأجج من فترة ألخرى‪ .‬والبرازيل التي ال تزال تربطها عالقات اقتصادية قوية بواشنطن ال تنظر‬

‫لألخيرة على أنها منافس استراتيجي‪ .‬كما يظهر االنقسام والخالف بين دول املجموعة حول موقفها‬

‫من األزمة األوكرانية والتدخل الروس ي‪ ،‬حيث أن الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا لم تدعم‬

‫روسيا بشكل صريح ولم تنضم إلى اتحادها االستراتيجي مع الصين ضد الغرب‪ .‬وكذلك تعريض‬

‫روسيا للعزلة والضغوط الدولية والعقوبات االقتصادية والسياسية من قبل الغرب‪ ،‬مما أثر سلبا‬

‫على اقتصادها وعالقاتها مع شركائها في املجموعة‪ ،‬ودفعها للبحث عن بدائل ومخارج لتخفيف‬

‫األزمة‪.‬‬

‫كما تواجهه مجموعة بريكس مسألة التنافسية كالتنافس بين الهند والصين والبرازيل على‬

‫النفوذ والقيادة في املجموعة‪ ،‬والذي يمكن أن يقوض التضامن والتماسك بين األعضاء‪ .‬فالصين‬

‫هي أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في البريكس‪ ،‬وتسعى إلى توسيع نطاق العضوية وزيادة تأثيرها في‬

‫الشؤون الدولية‪ .‬والهند هي أكبر ديمقراطية في العالم‪ ،‬وتسعى إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية‬

‫وعاملية‪ ،‬وتواجه تحديات أمنية وتنموية‪ .‬والبرازيل هي أكبر اقتصاد في أمريكا الالتينية‪ ،‬وتسعى إلى‬

‫تعزيز مكانتها كقوة ناعمة وشريك للتنمية‪ ،‬وتواجه أزمات سياسية واجتماعية‪ .‬وقد يؤدي هذا‬

‫التنافس إلى فقدان الثقة والتعاون بين دول البريكس‪ ،‬وتقليل فعاليتها كمجموعة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وتواجه مجموعة البريكس عدة تحديات في ظل القوى الخارجية والدول الغربية‪ ،‬منه‬

‫الضغوط والعقوبات االقتصادية والسياسية التي تفرضها الدول الغربية‪ ،‬خاصة الواليات‬

‫املتحدة واالتحاد األوروبي‪ ،‬على بعض دول البريكس‪ ،‬مثل روسيا والصين‪ ،‬بسبب خالفاتها معها‬

‫حول قضايا عاملية وإقليمية‪ ،‬مثل النزاع في أوكرانيا والتدخل في القرم وشرق أوكرانيا‪ ،‬والنزاع في‬

‫سوريا والبرنامج النووي اإليراني واألزمة الفنزويلية والتعامل مع كوريا الشمالية والصين والواليات‬

‫املتحدة‪.‬‬

‫‪-‬املنافسة والتوتر بين الدول الغربية ودول البريكس على النفوذ واملصالح في األسواق واملوارد‬

‫واملناطق االستراتيجية‪ ،‬مثل أفريقيا وآسيا والشرق األوسط وأمريكا الالتينية‪ ،‬والتي تشهد صراعات‬

‫وتحالفات متغيرة ومعقدة‪..‬‬

‫‪-‬االختالف والتباين في املواقف واملصالح بين دول البريكس وبينها وبين الدول الغربية حول‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫القضايا العاملية التي تتطلب تعاونا وحوارا بين األطراف املعنية‪ ،‬مثل التغير املناخي والتنمية‬

‫املستدامة والطاقة املتجددة‪ ،‬والسالم واألمن ومكافحة اإلرهاب والتطرف والجريمة املنظمة‪،‬‬

‫والحقوق اإلنسانية والديمقراطية والحكم الرشيد‪.‬‬

‫الصعوبة والتحدي في تحقيق التعاون والتنسيق والتوافق بين دول البريكس والدول الغربية‬

‫في إصالح وتطوير املؤسسات واآلليات الدولية‪ ،‬مثل األمم املتحدة ومجلس األمن الدولي وصندوق‬

‫‪22‬‬
‫النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العاملية‪ ،‬وتوسيع مشاركة الدول الناشئة واملتنامية في‬

‫صنع القرار والحوكمة العاملية ‪.‬‬

‫‪23‬‬

You might also like