You are on page 1of 28

‫(‪)73‬‬

‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬

‫توطئة‪:‬‬
‫نزل القرآن الكريم من عند هللا تعالى بألفاظه نفسها التي قرأها رسول هللا‘ على الناس ‪،‬‬
‫وهذا يجعل تلك األلفاظ قدسية ؛ فيتعبد بتالوتها ‪ ،‬وال يجوز تبديلها بغيرها ‪ ،‬وال‬
‫التصـرف بها ‪ ،‬حتى بالمرادفات ‪.‬‬
‫وبهذه األلفاظ المقدسة التي لفظها ومعناها من عند هللا تعالى يفرق بين القرآن‬
‫الكريم والحديث القدسي الذي نزل معناه دون لفظه ‪ ،‬وعبر عنه رسول هللا‘ بلسانه ‪،‬‬
‫وألجل ذلك كان اللفظ القرآني يتصف باإلعجاز البالغي ‪ ،‬ولو كان من صياغة النبي ‘‬
‫لما اختلف عن الحديث القدسي صياغة ‪ ،‬ومن جهة نظر بالغية على األقل‪،‬ولما اختلف‬
‫عن مطلق الحديث الذي تحدث به رسول هللا‘‪ ،‬مع ان كال منهما له من الخصائص‬
‫واألسلوب ما يميزه من اآلخر ‪.‬‬
‫ويشهد أن القرآن الكريم نازال بلفظه من عند هللا تعالى ‪ ،‬توجيه الخطاب في كثير‬
‫من آيات القرآن إلى النبي‘ بعبارة «قل»حيث تكررت هذه اللفظة في القرآن أكثر من‬
‫ثالثمائة مورد ؛ مما يدل على عدم تدخل النبي‘ في صياغة الوحي ‪ ،‬فهو مخاطب به ال‬
‫متكلم ‪ ،‬حاٍك لما يسمعه ال معّبر ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﭼ‬ ‫ﰂ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫أول ما نزل من القرآن الكريم‪:‬‬
‫باستثناء النزول اإلجمالي للقرآن الكريم ‪ ،‬وسواء قلنا بنزوله على رسول هللا ‘‬
‫محكما إجماال ‪ ،‬أو نزوله إلى السماء الدنيا(‪ ، )2‬فإن تنزيل القرآن الكريم بدأ بسورة العلق‬
‫في مكة ‪ ،‬فقد‬

‫ورد في كثير من النصوص المروية عن أهل البيت^ وغيرهم ‪،‬إن أول ما نزل‬
‫ﭼ)‪. (4‬‬ ‫على رسول هللا ‘ (‪:)3‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫وقال الزنجاني ‪« :‬الصحيح أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮆ ﮇ ﮈﭼ»(‪.)5‬‬
‫ولدينا اطمئنان من أن سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن الكريم ؛ ويعلل‬
‫أستاذنا الدكتور الصغير سبب هذا االطمئنان انه ناشئ من أمرين ‪ :‬األول تأريخي‬

‫‪1‬‬
‫(‪ )1‬سورة القيامة ‪16 /‬ـ ‪.18‬‬
‫‪ )2(2‬ظ ‪ :‬للتفصيل ‪ :‬أبو شامة ‪ ،‬المرشد الوجيز ‪ ،‬ص‪11‬وما بعدها ‪ +‬الزركـشي ‪ ،‬البرهان ‪،‬‬
‫‪000‬وما بعدها ‪ +‬السيوطي ‪ ،‬اإلتقان ‪ + 1/118 ،‬البيهقي ‪ ،‬األسماء‬ ‫‪1/230‬‬
‫والصفات ‪.236 ،‬‬
‫‪ )1(3‬ظ ‪ :‬مجلة رسالة اإلسالم ‪ ،‬ع‪ 9‬و ‪ ،10‬السنة الثانية ـ بغداد ‪.29 ،‬‬
‫‪ )2(4‬سورة العلق ‪/‬االيات‪ 1‬ـ ‪.5‬‬
‫‪ )3(5‬الزنجاني‪ ,‬تاريخ القران ‪.30,‬‬
‫(‪)74‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫والثاني عقلي ‪ ،‬فأما السبب التاريخي «فمصدره إجماع المفسـرين تقريبًا ‪ ،‬ورواة األثر‬
‫وأساطين علوم القرآن»(‪.)1‬‬
‫وأما السبب العقلي فكون القرآن الكريم «ُأنزل على أمٍّي ال عهد له بالقراءة ليبلغه‬
‫إلىأميين ال عهد لهم بالتعلم ‪ ،‬فكان أول طوق يجب أن ُيكـسر ‪ ،‬وأول حاجز يجب أن‬
‫يتجاوز ‪ ،‬وهو الجمود الفكري ‪ ،‬والتقوقع على األوهام ‪ ،‬وما سبيل ذلك إال االفتتاح بما‬
‫يتناسب مع هذه الثورة ‪ ،‬وقد كان ذلك بداية للرسالة بهذه اآلياتﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮁ ﮂ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﭼ(‪.)2‬‬ ‫ﮃ ﮄ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫والباحث يؤيد الدكتور الصغير في أن سورة العلق في نزولها على الناس كانت‬
‫دعوة فطرية إلىأمرين مهمين هما العلم واإليمان بوقت واحد والبداية الطبيعية لملهم هذا‬
‫العلم «فهو‬

‫إرهاص بإيمان سيشع ‪ ،‬وإشعار بإفاضات ستنتشر ‪ ،‬مصدرها الخالق ‪ ،‬وأداتها‬


‫القلم ‪ ،‬الرتياد المجهول ‪ ،‬واكتشاف المكنون ‪ ،‬والقرآن كتاب هداية وعلم»(‪. )3‬‬
‫وهناك رأي آخر يقول «إن أول ما نزل من القرآن الكريم سورة الفاتحة ‪ ،‬اعتمادا‬
‫على أنه ‘ بعد نزول الوحي عليه صلى في اليوم التالي هو‘وخديجة ÷ وعلي× ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫والصالة إنما تكون بفاتحة الكتاب فال بد أن تكون هي أول ما نزل من القرآن الكريم»‬
‫‪.‬‬
‫وهذا الرأي ضعيف ‪ ،‬واالستدالل عليه غير تام ‪ ،‬إلمكان نزول الفاتحة بعد آيات‬
‫سورة العلق الخمسة ‪ ،‬وإمكان أن تكون صالتهم آنذاك بال فاتحة الكتاب وقبل أن تشـّرع‬
‫الصالة بها ‪.‬‬
‫وتسميتها بفاتحة الكتاب يمكن أن يوحي إلى أنها أول سورة كاملة نزلت ‪،‬ويمكن أن‬
‫يكون ناشئًا من جعلها في مفتتح المصحف الشريف بأمر من رسول هللا‘ وإن تأخر‬
‫نزولها ‪.‬‬

‫‪ )4(1‬محمد حسين علي الصغير ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪ 35 ،‬ـ ‪. 36‬‬


‫‪ )5(2‬م‪ .‬ن‪. 36 ، .‬‬
‫‪ )1(3‬محمد حسين علي الصغير ‪ ،‬تاريخ القرآن‪.36.‬‬
‫‪ )2(4‬ظ ‪ :‬سلسلة العلوم والمعارف اإلسالمية ‪ ،‬الوجيز في علوم القرآن ‪.81،‬‬
‫(‪)75‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫آخر ما نزل من القرآن الكريم‬
‫(‪)1‬‬
‫أما آخر ما نزل من القرآن الكريم فيقول الزركـشي بأنها «إذا جاء نصـر هللا‬
‫والفتح»)‪.(2‬وقال اليعقوبي «وقيل آخر ما نزل من اآلياتﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﭼ(‪.)3‬وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة ‪،‬‬

‫وكان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات هللا عليه‬
‫بغدير خم»(‪.)4‬‬
‫وقيل(‪ :)5‬إن آخر ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالىﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ(‪ ، )6‬والمؤكد أن سورة النصـر هي‬ ‫ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫آخر سورة نزلت ‪ ،‬وقال الماوردي إن هذه السورة نزلت في يوم النحر في حجة الوداع‬
‫بمنى(‪.)4‬‬
‫ويبدو للباحث ‪ :‬ان اختالف الروايات في آخر ما نزل من آيات القرآن الكريم ‪،‬‬
‫سببه هو غلبة ظن الرواة ‪ ،‬وإجتهاداتهم ‪ ،‬فكل منهم يروي آخر ما سمع من رسول هللا‘‪،‬‬
‫قبيل مرضه ‪ ،‬ثم فارقه ‪ ،‬فيظن الراوي أن ما يقوله الرسول × هو آخر ما سمع من‬
‫رسول هللا‘ وكانت اآليات المباركة تنزل طيلة الحياة النبوية بعد البعثة ‪ ،‬ال على تسلسلها‬
‫الوارد في المصحف المدون ‪ ،‬فلربما نزلت آية أو بضعة آيات من سورة ثم نزلت آيات‬
‫ُأَخ ر من سورة أخرى ! وكان رسول هللا ‘ بتوجيٍه من هللا تعالى يلحق اآليات بسورها ‪،‬‬
‫فيقول‘ «الحقوا اآلية كذا بالسورة كذا ‪ »...‬قال ابن عباس ‪((:‬كان جبرائيل إذا نزل على‬
‫النبي‘ بالوحي يقول له ضع هذه اآلية في سورة كذا في موضع كذا))(‪)5‬؛ولهذا وقع‬
‫‪7‬‬

‫االختالف في تحديد آخر آية نزل من القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ )3(1‬ظ ‪ :‬الزركشي ‪ ،‬البرهان في علوم القرآن ‪.1/210 ،‬‬


‫‪ )4(2‬سورة النصر ‪/‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ )5(3‬سورة المائدة ‪/‬اآلية ‪.3‬‬
‫‪ )1(4‬اليعقوبي ‪ ،‬تأريخ اليعقوبي ‪.2/35 ،‬‬
‫‪ )2(5‬ظ ‪ :‬الطبرسي ‪ ،‬مجمع البيان في تفسير القرآن ‪ +2/394 ،‬النيسابوري‪ ،‬أسباب النزول‪،‬‬
‫‪.9‬‬
‫(‪ )3‬سورة البقرة ‪ /‬اآلية‪.812‬‬
‫‪6‬‬

‫(‪ )4‬ظ ‪ :‬الزركشي ‪ ،‬البرهان في علوم القرآن ‪.1/871 ،‬‬


‫‪ )5(7‬اليعقوبي‪ ،‬تاريخ اليعقوبي ‪. 2/36،‬‬
‫(‪)76‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬

‫نزوالت القرآن الكريم‬


‫إن للقرآن الكريم نزولين ‪ ،‬أحدهما نزل مرة واحدة على سبيل اإلجمال (نزول‬
‫دفعي) ‪ ،‬والمرة األخرى نزل فيها تدريجيا على سبيل التفصيل ‪ ،‬خالل المدة التي قضاها‬
‫رسول هللا ‘ منذ بعثته الشريفة إلىوفاته ‘ ‪.‬‬
‫نزل القرآن الكريم الى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نّز ل بعدها منجمًا ‪،‬‬
‫يقول الزركشي «وهذا القول أشهر وأصح ‪ ،‬وإليه ذهب األكثرون»(‪ . )1‬فقررت بعض‬
‫آيات القرآن نزول القرآن الكريم في شهر رمضان ‪ ،‬قال تعالىﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﭞﭼ(‪ ، )3‬والليلة المباركة‬ ‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭼ(‪ ،)2‬وفي ليلٍة مباركٍة ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫هي ليلة القدر ‪ ،‬قال تعالىﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ(‪. )4‬‬
‫ومعنى نزول القرآن الكريم على سبيل اإلجمال ‪ :‬هو نزول المعارف اإللهية التي‬
‫يشتمل عليها القرآن الكريم وأسراره الكبرى على قلب رسول هللا‘ ‪ ،‬لكي تمتلئ روح‬
‫النبي‘ بنور المعرفة القرآنية ‪.‬قال القسطالني ‪« :‬كما انه كان في نزوله مع أفضل‬
‫(‪)5‬‬
‫المالئكة في ليلة مباركة إلى سماء الدنيا جملة واحدة في بيت العزة خيرات متزايدة» ‪.‬‬
‫وكان الهدف من إنزال القران الكريم دفعة واحدة ‪ ،‬للمرة األولى هو تنوير النبي ‘‬
‫بالمعارف اإللهية الكبرى ‪ ،‬وأسرار الكون العظيمة ‪ ،‬ليمتلئ قلبه‘ بالعلوم القرآنية ‪،‬‬

‫والحقائق الكونية الجليلة ‪ ،‬قال الزنجاني «على أنه يمكن أن نقول بأن روح القرآن وهي‬
‫أغراضه الكلية التي يرمي إليها تجّلت لقلبه الـشريف ‪ ،‬في تلك الليلة المباركة قال تعالىﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ (‪. )7(»)6‬‬
‫فكان نزول القرآن الكريم على سبيل اإلجمال مرة واحدة ؛ ألن الهدف منه تنوير‬
‫قلب النبي‘ وتثقيف هللا تعالى له بالرسالة التي أعّد هلحملها ‪.‬‬
‫أما النزول الثاني ‪ :‬فهو نزول القرآن الكريم على سبيل التفصيل وهو نزوله‬
‫بألفاظه المحدودة وآياته المتعاقبة ‪ ،‬فقيل‪:‬إّن النزول كان في حدود اآلية ‪ ،‬واآليتين ‪،‬‬
‫والثالث ‪ ،‬واألربع كما ورد نزول اآليات خمسًا وعشرًا وأكثر من ذلك وأقل ‪ ،‬وقد صح‬
‫نزول سورة كاملة(‪ ،)8‬وعلى هذا المنوال ظّل القرآن ينزل نجومًا ‪ ،‬ليقرأه النبي ‘ على‬

‫‪ )1(1‬الزركشي ‪ ،‬البرهان في علوم القرآن ‪.1/228 ،‬‬


‫‪ )2(2‬سورة البقرة ‪ /‬اآلية ‪. 185‬‬
‫‪ )3(3‬سورة الدخان ‪ /‬اآلية ‪. 3‬‬
‫‪ )4(4‬سورة القدر ‪ /‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪ )5(5‬القسطالني ‪ ،‬لطائف اإلشارات ‪. 1/21 ،‬‬
‫‪ )1(6‬سورة الشعراء ‪/‬اآلية ‪. 193‬‬
‫‪ )2(7‬الزنجاني ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 32 ،‬‬
‫‪ )3(8‬ظ ‪ :‬محمد بن محمد الغزي ‪ ،‬إتقان ما يحسن من األخبار الدائرة على األلسن ‪122 ،‬ـ‪.312‬‬
‫(‪)77‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫مكث ويقرأه المسلمون شيئًا فشيئًا ‪ ،‬يتدرج مع األحداثوالوقائع والمناسبات ‪ ،‬التي يعيشها‬
‫النبي‘ والمجتمع اإلسالمي على مدى تلك السنين ‪.‬‬
‫وكان إنزاله تدريجيًا ‪ ،‬ألنه يستهدف تربية األمة وتنويرها وترويضها على الرسالة‬
‫الجديدة وهذا يحتاج إلى التدرج في إنزال القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ(‪ )1‬؛أي‪ :‬نزول القرآن الكريم منجمًا خالل ما يقرب من ثالث وعشـرين‬
‫سنة؛يقول أستاذنا الدكتور الصغير ‪« :‬هناك عدة أقوال في مدة نزول القران ‪ ... ،‬فإذا‬
‫علمنا‬

‫أنه‘ أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة ‪ ،‬وتوفي وعمره الشريف ثالث وستون سنة ‪،‬‬
‫نرّج ح أن تكون مدة الوحي ثالثة وعشرين عامًا»(‪.)2‬‬
‫أمتاز القرآن الكريم عن الكتب السماوية السابقة عليه بإنزاله تدريجيًا ‪ ،‬فكما هو‬
‫معروف أن الكتب السماوية السابقة قد انزلها هللا سبحانه وتعالى كاملة على أنبيائه ‪،‬‬
‫ولكن هللا تعالى شاء أن ينزل القرآن الكريم منجمًا على النبي محمد ‘‪ ،‬وكان لهذا التدّرج‬
‫في إنزاله أثر كبير في تحقيق أهدافه وإنجاح الدعوة وبناء األمة‪ ،‬و انه كان آية من آيات‬
‫اإلعجاز في القرآن الكريم ‪ ،‬والحكمة اإللهية من تعدد النزول هي(‪: )3‬‬
‫‪ 1‬ـ إن القرآن الكريم بتنزيله تدريجيًا كان إمدادًا معنويًا مستمرًا للنبي ‘ كما قال هللا‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸﭼ(‪.)4‬فجاء الجواب اإللهيﭽﯹ ﯺ‬ ‫تعالى‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯻ ﯼﭼ(‪)5‬؛ألن الوحي الذي كان يتجدد في كل حادثة أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل‬
‫إليه ‪ ،‬ويستلزم ذلك نزول الملك إليه وتجدد العهد به ‪ ،‬وتقوية امله في النصر‪ ،‬بما يستجد‬
‫ويتعاقب من محن ومشاكل ‪ ،‬ولذا نجد القرآن الكريم ينزل مسليًا للنبي مرة بعد مرة ‪،‬‬
‫مهونًا عليه الشدائد ‪ ،‬فإذا وقع ‘ في محنة يأمره هللا تعالى تارة بالصبر أمرًا صريحًا‬
‫فيقول عز وجلﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﭼ(‪ ، )6‬وتارة أخرى ينهاه عن الحزن‬

‫ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ(‪ ،)7‬ويذكره بسيرة‬ ‫كما في قوله تعالى ‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ‬


‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ ‪،‬ويخفف‬
‫(‪)8‬‬
‫األنبياء الذين تقدموا من أولي العزمﭽ ﯪ ﯫ‬
‫‪ )4(1‬سورة اإلسراء ‪ /‬اآلية ‪.106‬‬
‫‪)1(2‬محمد حسين علي الصغير ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪ ،‬هامش ص ‪. 35‬‬
‫‪ )2(3‬ظ ‪ :‬محمد عبد هللا المهدي ‪ ،‬القرآن الكريم تأريخه وعلومه ‪ + 33 ،‬عبد الفتاح القاضي ‪،‬‬
‫تأريخ المصحف الشريف ‪ 9 ،‬و‪.10‬‬
‫‪ )3(4‬سورة الفرقان ‪ /‬اآلية ‪. 32‬‬
‫‪ )4(5‬سورة الفرقان ‪ ،‬تكملة اآلية ‪. 32‬‬
‫‪ )5(6‬سورة المزمل ‪ /‬اآلية ‪. 10‬‬
‫‪ )1(7‬سورة يونس ‪ /‬اآلية ‪. 65‬‬
‫‪ )2(8‬سورة األحقاف ‪ /‬اآلية ‪. 35‬‬
‫(‪)78‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫عنه أحيانًا ويعلمه أن الكافرين ال يجرحون شخصه وال يتهمونه بالكذب لذاته وإنما‬
‫يعاندون الحق بغيًا كما هو شأن الجاحدين في كل عـصر ؛ قال تعالى ‪ :‬ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﭼ(‪.)1‬فهذه العالقة المتالزمة بين الوحي والنبي ال تكون‬
‫لو ال التدرج في النزول القرآني؛وفي هذا يقوُألستاذنا الدكتور الصغير ‪« :‬وهناك العالقة‬
‫الثنائية بين الوحي والنبي وهناك التجاوب المطلق بينهما ‪ ،‬وكان تحقق ذلك في التدرج‬
‫بالنزول ‪ ،‬وكانت األزمات وهي تحاول ان تعصف بالنبي تضرب بإرادة الوحي‬
‫اإللهيفهو إلى جنبه يشُّد عزمه ويقّو ي أسره ‪ ،‬ويسّليه تارة ‪ ،‬ويعزيه أخرى ‪ ،‬ويصّبره‬
‫ويؤّسيه ‪. )2(»...‬‬
‫‪ 2‬ـ واكبت الدعوة اإلسالمية حاالت مختلفة جدا خالل ثالث وعشرين سنة من‬
‫الشدائد والمحن واالنتصارات ؛ وهذه الحاالت ال بّد أن يتفاعل معها اإلنسان االعتيادي‬
‫وتظهر على روحه وأقواله وأفعاله‪ ،‬ويتأثر بأسبابها وظروفها والعوامل المؤثرة فيها ‪،‬‬
‫ولكن القرآن الكريم الذي واكب تلك السنين بمختلف حاالتها في الضعف والقوة وفي‬
‫العسـر واليسـر والتنزيل تدريجيًا خالل تلك األعوام كان يسير دائمًا على خّطه الرفيع ‪،‬‬
‫فلم يظهر عليه أي لون من ألوان االنفعال البـشري الذي تثيره تلك الحاالت ‪ ،‬وهذه من‬
‫مظاهر اإلعجاز القرآني التي تبرهن على‬

‫تنزيله من لدن عليحكيم ‪ ،‬ولو لم يكن القرآن الكريم ليحصل على هذا البرهان لوال‬
‫إنزاله تدريجيًا في ظروف مختلفة وأحوال متعددة ‪« ،‬وما التدرج في نزول القرآن إال‬
‫دليل من أدلةإعجازه البيانية ‪ ،‬فما نزل منه لم يكن في بادئ األمر إال سورًا قصيرة‬
‫وآيات متناثرة تناثر النجوم ‪ ،‬وهو بهذا القدر الضئيل ينادي بالتحدي ‪ ،‬فدل على إعجازه‬
‫في ذاته مع محاولة تقليده ومضاهاته ‪ ،‬سواء أكان جزءًا أم كًَال ‪ ،‬قليله معجز‪ ،‬وكثيره‬
‫معجز»)‪.(3‬‬
‫‪ 3‬ـ القرآن الكريم ليس كسائر الكتب التي ُتؤّلف للتعليم والبحث العلمي‪،‬وإنما هو‬
‫عملية تغيير اإلنسان شامًال كامًال في عقله وروحه وإرادته ‪ ،‬صنع أمة وبناء حضارة ‪،‬‬
‫وهذا األمل ال يمكن أن يوجد مرة واحدة وإنما هو عمل تدريجي بطبيعته ‪ ،‬ولهذا كان من‬
‫الالزم أن ينزل القرآن الكريم تدريجّيًا لُيحَك م عليه البناء ‪،‬وينشئ أساسًا بعد‬
‫أساس ‪،‬ويجتث جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة ‪..‬‬
‫فـ « النقلة الفورية ليست خطوة عملية في التغيير االجتماعي الذي أرادته رسالة القرآن ‪،‬‬
‫فمن عزم األمور ـ إذن ـ ان تستجيب النفوس لهذا التغيير الجذري ‪ ،‬ولكن ال على أساس‬
‫المفاجأة الخطرة ‪،‬التي قد تولد ردة فعل مضادة ‪ ،‬تطوح بكل شيء ‪ ،‬بل تقليص القيم‬
‫القديمة شيئًا فشيئًا ‪ ،‬وتضييعها جزءًا فجزءا ‪ ،‬لتتالشى في نهاية المطاف وتختفي عن‬
‫صرح االجتماع ‪ ،‬وخير دليل على ذلك مسألة تحريم الخمر»(‪. )4‬‬
‫‪ )3(1‬سورة األنعام ‪ /‬اآلية ‪. 33‬‬
‫‪ )4(2‬محمد حسين علي الصغير ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 45 ،‬‬
‫‪ )1(3‬محمد حسين علي الصغير ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 40 ،‬‬
‫‪ )2(4‬م ‪ .‬ن ‪. 41 ، .‬‬
‫(‪)79‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫وعليه يتضح أن مرحلة نزول القرآن الكريم مّر ت بمرحلتين أشار إليهما القرآن‬
‫الكريم‪:‬ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ(‪ ،)1‬فأول المرحلتين هي أحكام اآليات‪،‬‬
‫والثانية تفصيلهما ‪ ،‬وهو ينسجم مع فكرة تعدد اإلنزال ‪ ،‬فيكون النزول مرة واحدة على‬
‫سبيل‬

‫اإلجمال هي مرحلة األحكامواإلنزال على سبيل التدرج هي المرحلة الثانية‪،‬‬


‫أي ‪ :‬مرحلةالتفصيل وهي مرحلة تنزل اآليات والسور متفرقات على رسول هللا ‘ خالل‬
‫مدة الدعوة النبوية ‪،‬ومما يؤكد ذلك ؛ أن رسول هللا ‘ حين تنزل عليه اآليات والسور كان‬
‫على علم مسبق بمحكم القرآن ‪ ،‬لنزوله عليه ‘ جملة ودفعة واحدة ‪ ،‬قال عز وجل ﭽ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ(‪ ،)2‬إن هذه اآلية وأمثالها من اآليات «ظاهرة‬
‫في ان الرسول ‘ كان على علم مسبق بما سينزل عليه فنهي عن االستعجال بالقراءة‬
‫من قبل قضاء الوحي»(‪.)3‬‬

‫موقف المستشرقين األلمان من نزول القرآن الكريم‬


‫يرى المستشرق األلماني نولدكه أن هللا تعالى أنزل القرآن كله أوًال إلى السماء‬
‫الدنيا السفلى ‪ ،‬فنقل المالك إلى النبي ‘ القطع المتفرقة بحسب الحاجة ‪ ،‬وعّد نولدكه‬
‫«التصورات آللية الوحي ليست خواطر عبثية ‪ ،‬بل تقوم على معرفة للتراث اليهودي ـ‬
‫المسيحي ‪ ،‬الذي تلعب فيه الكتب التي كتبها هللا بيده ‪ ،‬فنزلت من السماء الدنيا أو‬
‫أحضرتها المالئكة ؛ دورًا كبيرًا»)‪. )4‬‬

‫ويؤكد نولدكهإن أول سورة نزلت هي سورة العلق ( ترتيبها فيالقرآن‬


‫‪)56‬ألنها«تتضمن أول دعوة فطرية تلقاها محمد للنبوة»)‪.(5‬‬
‫‪ )3(1‬سورة هود ‪ /‬اآلية ‪. 1‬‬
‫‪ )1(2‬سورة طه ‪ /‬اآلية ‪. 114‬‬
‫‪ )2(3‬الطباطبائي ‪ ،‬تفسير الميزان ‪ 2/12 ،‬ـ ‪. 21‬‬
‫‪ )3( 4‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 73،‬‬

‫‪5‬‬
‫(‪ )1‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪.78 ،‬‬
‫(‪ )2‬كتاب "مقدمة تاريخية نقدية الى القرآن " ‪Bielefeld، 1844‬في‪(2+21‬ص) ‪ .‬وفيه يتكلم فايل عن‬
‫جمع القرآن الكريم والتسلسل التاريخي لسوره وآياته ‪J.dugat histoire des..‬‬
‫‪.orientalistes,t,i.p.p42-48‬‬
‫(‪)80‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫أما المستشرق األلماني فايل ( ‪1808‬ـ ‪ )1889‬فيرى أن سورة العلق فيها إشارة‬
‫إلى ان النبي محمد ‘ يتلقى في سورة العلق األمر بأن يتلو ما أوحي إليه سابقًا(‪. )1‬‬
‫ويعارضه نولدكه برأيه ‪ ،‬فيقول «ال يتعارض هذا التفسير النقل وحسب ‪ ،‬بل‬
‫واالحتمال الذاتي للنص أيضًا ‪ ،‬فألي سبب أمر هللا النبي ‪ ،‬بواسطة تنزيل خاص ‪ ،‬بأن‬
‫يتلو سورة كانت موجودة أو يقرأها؟»(‪.)2‬‬
‫أما شبر نجر‪1813(*sprenger‬ـ‪ )1893‬فهو يشير الى أن اآلية ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬

‫ﭿﭼمن سورة العلق تفيد أن (أقرأ) تعني أقرأ كتب اليهود والمسيحيين المقدسة(‪. )3‬‬
‫أما هيرشفلد‪1854(Hirschfield‬ـ‪ )1934‬فقد ترجم اآلية السابقة بالقول «أعلن اسم‬
‫)‪4‬‬
‫ربك» [‪ ]proctin the name of thy lord‬وعّد هذا المعنى غير موجود في العربية‬
‫(؛ويضيف نولدكه على قول هيرشفلد «لكن كلمة (ן ה ח ) ال يحتمل أن تكون مفعوًال‬
‫لها ‪ ،‬بل تعني [مستخدمًا اسم يهوه] فقط بهذا المعنى (اعلن بإسم ربك) يمكن‬
‫االعتراف بإمكانية االقتباس من االستعمال اللغوي العبري الشائع»(‪ .)5‬واستشهد نولدكه‬
‫بالقول الوارد كثيرًا في العهد القديم (קרבשםיהה) وتعني بالعربية نادى باسم الرب ‪،‬‬
‫وكلمة (קרא) تعني نادى ـ دعى ـ وهي فعل ماٍض وتلفظ بالعبرية "كرا"(‪.)6‬؛ويوثق‬
‫نولدكه اعترافه بالقول «يضاف الى ذلك أن مختلف األحاديث التي تروي أن محمدًا‬

‫(‪ )3‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 73 ،‬‬


‫‪ *1‬في سنة ‪1861‬صدر لشبرنجر كتاب عن (حياة محمد‘) باللغة األلمانية ‪ ،‬وقد استهدف شبرنجر‬
‫من وراء عمله الرئيس هذا الذي اتخذ فيه من ابن خلدون مرجعًا له ؛ وإثبات النواميس العامة التي‬
‫أسهمت في نشوء اإلسالم وذلك من خالل تأمل تاريخي فلسفي «غير أن شبرنجر وجد في اإلسالم‬
‫خلقا من روح العصـر‪ ،‬ولذلك فقد عمل على الحط من شان دور محم‘ د‪ ،‬الذي لم يكن يعرف في‬
‫حقيقة األمر غير القليل عن طبيعة دينه ‪ ،‬ما وسعه ذلك حتى غدا‘ في نظره مجرد رسم ساخر»ظ ‪:‬‬
‫يوهان فوك ‪ ،‬تاريخ حركة االستشراق‪.180،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪.sprenger,leben and die life mohammed , p. 5 -1‬‬
‫‪ )2(4‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 74 ،‬‬
‫‪Beitrӓgc zur Erkӓrung des Qurӓns , Leipzig,1886,p.6 -3‬‬
‫‪5‬‬

‫(בשם) = باسم ‪ .‬ـــ(יהה) = هللا ‪/‬‬ ‫‪)4(6‬أعلن‪ ،‬إقرأ ـ فعل أمر ‪ ،‬وتلفظ بالعبرية "كْر ًا" ـــ‬
‫الرب ‪.‬‬
‫وفي أشعياء ‪.40:60‬‬
‫(קולאומרקראואמרמהאקרא) ‪(:‬קול)وتعني = صوت ‪ .‬ـــ(אומר)وتعني = يقول ‪.‬‬
‫(קרא) وتعني = إدعو ‪ /‬أعلن ‪ /‬إقرأ (فعل أمر) ‪ .‬ـــ(ואמר)وتعني = وقال ‪.‬‬
‫(מה) وتعني = ما ‪(/‬ماالذي) ‪ .‬ـــ(אקרא) وتعني = أدعو إليه ‪ /‬أعلنه ‪ /‬إقرأه‬
‫ترجمها عن العبرية ‪ :‬األستاذ موريس شوحيط ‪ /‬رئيس الرابطة العالمية ليهود العراق ‪/‬‬
‫واشنطن ‪.‬‬
‫(‪)81‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫أجاب على طلب المالك(اقرأ) بقوله(ما أقرأ) ذات صلة مريبة باآلية الواردة في أشعياء‬
‫‪. )1(»60:40‬‬

‫وللرد على نولدكه وهيرشفلد ومن تبعهما؛ نورد األدلة اآلتية‪:‬‬


‫‪ ‬كان محمد بن عبد هللا ‘ «ُأّم ّيًا»بما تعنيه اللغة العربية ؛ أي‪ :‬الجاهل بالقراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬وقد دّل القرآن الكريم على معنى األمّية في رسول هللا‘ بقوله تعالى‪:‬‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐﮑﭼ(‪ ،)2‬وقوله تعالىﭽ ﭴ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﭽﮄ ﮅ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ ‪.‬‬
‫‪ ‬نفي نولدكه عن رسول هللا ‘ إمكانية قراءة الكتب اليهودية والمسيحية‪ ،‬ألنه لم‬
‫يكن يفهم اللغات األجنبية وألن كتبهم لم تكن مترجمة الى العربية(‪. )4‬‬
‫‪ ‬يشير نولدكه الى الصلة المريبة بين «ما أنا بقارئ» من سورة العلق في القرآن‬
‫الكريم وبين اآلية(‪ )6‬من اإلصحاح ـ ‪ 40‬من سفر اشعيا ‪ ،‬ولمعرفة الصلة التي‬
‫تحدث عنها المستشرق نولدكه(‪)4‬؛ سيعرض البحث النصين ‪:‬‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ـ سورة العلق‪:‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮑ ﮒ ﭼ‪.‬‬

‫ـ اآلية ‪ 6‬من اشعيا ‪«. 40‬صوت قائل ‪ :‬ناٍد ‪ :‬فقال ‪ :‬بماذا أنادي ‪ :‬كل جسد‬
‫عشب ‪ ،‬وكل جمالة كزهر الحقل ‪ .‬يبس العشب ‪َ ،‬ذ ُبل الزهر ‪ ،‬ألن نفحة الرب‬
‫هّبت عليه ‪ ،‬حقًا الشعب عشب ‪ ،‬يبس العشب وذبل الزهر ‪ ،‬وأما كلمة إلهنا فتثبت‬
‫إلى األبد»(‪.)5‬‬
‫ومن المؤكد أن الفارق بين النصين واضح وضوح الشمس ‪ ،‬ومع ذلك فإن الفارق‬
‫هو ‪:‬‬
‫ـ في سورة العلق ؛ نفي القراءة ألنها مطلوبة لمن يعرفها ‪ ،‬أما الرسول ‘ فهو أمي‬
‫ال يعرف القراءة والكتابة كما أسلفنا ‪.‬‬

‫‪ )5(1‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.74 ،‬‬


‫‪ )1(2‬سورة العنكبوت‪ /‬اآلية ‪.48‬‬
‫(‪ )2‬سورة األعراف ‪ /‬اآلية‪. 157‬‬
‫‪ )3(3‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪71،‬ـ‪. 75‬‬
‫‪ )4(4‬ظ‪ :‬م‪ .‬ن‪ 71، .‬ـ ‪. 75‬‬
‫‪5‬‬

‫(‪ )1‬اشعيا ‪40/6‬ـ‪.7‬‬


‫(‪)82‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫أما في اآلية ‪ 6‬من اإلصحاح؛ فليس منها ذكر للقراءة بل جاءت للنداء‪« :‬ماذا‬
‫أنادي» وهي استفهام ‪ ،‬في حين أن كلمة محمد‘ جاءت بصيغة النفي ‪.‬‬
‫ـ في السورة المباركة تذكير بنعمة هللا الذي خلق اإلنسان من علق ثم كرمه وعلمه‬
‫ما لم يعلم ‪.‬‬
‫ـ أما اآلية ‪ 6‬من اإلصحاح ففيها ذكر لفلسفة الحياة والموت‪ ،‬وأن هللا سبحانه تعالى‬
‫هو الخالد لألبد ‪ ..‬فأين الصلة المريبة التي تحّد ث عنها نولدكه !؟‪.‬‬

‫محاولة بعض المستشرقين األلمانفيترتيب سور القرآن الكريم زمنيًا‬ ‫‪‬‬


‫حاول بعض المستشرقين األلمان ومن تبعهم*إلىإعادة ترتيب سورالقرآن الكريم‬
‫بحسب زمن نزولها ‪ ،‬معتقدين أن في عملهم هذا يقدمون خدمة جليلة للمعرفة التاريخية ‪،‬‬
‫ألنهم يعّد ون القرآن الكريم من كتب التأريخ ‪ ،‬متجاهلين المنزلة العظيمة لكتاب هللا كونه‬
‫معجزًا ‪.‬‬
‫(اختار البحث ثالثة من المستشـرقين األلمان حاولوا ترتيب القرآن زمنيًا وهم ‪:‬‬
‫(نولدكه ‪ ،‬هيرشفلد ‪ ،‬وجريمه)‬
‫أوًالـ محاولة نولدكه في(الترتيب الزمني لسور القرآن الكريم)** "‪memoire sur la‬‬
‫‪"cronologie du coran‬‬
‫ُعّد المستشرق األلماني ثيودور نولدكه ( ‪ 1836‬ـ ‪1930‬م) أول من حاول ترتيب‬
‫سور القرآن زمنيًا من بين المستشرقين ‪ ،‬وذلك في عام ‪ 1860‬م‪ ،‬سلك خاللها نولدكه‬
‫منهجًا جديدًا في كشف تاريخ السور القرآنية ‪ ،‬حيث جعل الحروب والغزوات الحادثة في‬
‫زمن النبي‘ وعلم تاريخها بالتحقيق ‪ ،‬كمعركة ( بدر) و(الخندق) وصلح (الحديبية)‬
‫وأشباهها من المعارك لفهمتاريخ ما نزل من القرآن فيها ‪ ،‬وجعل من اختالف لهجة‬
‫القرآن واختالف األسلوب الخطابي دليًال آخر لتاريخ آياته (‪ . )1‬فكانت أهم المواد‬
‫‪1‬‬

‫األساسية التي أعتمدها نولدكه في الوصول إلى‬

‫‪ * 1‬كانت محاولة المستشرق األلماني نولدكه هي أول محاولة لترتيب سور القرآن الكريم زمنيًا ؛ ثم‬
‫أعقبتها محاولة المستشـرق االنجليزي ادوارد سيل عام ‪1898‬م حيث اصدر كتابًا بعنوان ( التطور‬
‫التاريخي للقرآن) ‪Edward Sell, the historical development of the Quran.‬‬
‫** اعتمد الباحث على كتاب(تاريخ القرآن) للمـستشرق األلماني نولدكه ‪ ،‬الن الباحثين األلمان‬
‫وغيرهم عدّو ه األساس في تاريخ القرآن الكريم ‪ ،‬وأغلبيتهم يعّول عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬ظ ‪ :‬الزنجاني ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 92 ،‬‬
‫(‪)83‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫تسلسل زمني لسور القرآن الكريم هي المضمون وطبيعة الترتيب في داخل النص‬
‫القرآني من خالل األسلوب والفكرة‪ ،‬وما نقله من كتب السيرة والتاريخ اإلسالمي‬
‫المتقدمة ‪.‬‬
‫أما الصعوبات التي واجهت نولدكه في عمله فهي عدم الوثوق بما جاء في‬
‫الروايات اإلسالمية وال سيما فيما يخص منها السنوات المهمة والمراحل المختلفة من‬
‫حياة النبي محمد‘ الختالف معظم تلك الروايات وعدم اتفاقها ‪ ،‬وتعرض نولدكه لمدة‬
‫‪.‬‬
‫النبوة في مكة مثال عن تعدد تلك الروايات واختالفها‬
‫قّسم نولدكه السور القرآنية على قسمين ‪ ،‬السور المكية ‪ ،‬والقسمالثاني السور‬
‫المدنية ‪ ،‬ثم يقسم السور المكية على ثالث فترات ‪.‬‬
‫ـ سور الفترة المكية األولى ‪ :‬وهي السور التي تبدأ بنزول القرآن الكريم ‪ ،‬أي السنة‬
‫األولى من البعثة ‪ ،‬حتى السنة الخامسة ‪ ،‬وهي السور القديمة الجياشة المشاعر ‪.‬‬
‫ـ سور الفترة المكية الثانية ‪ :‬وهي السور التي حددها نولدكه بالسنتين الخامسة‬
‫والسادسة ‪ ،‬وتعتبر هذه الفترة حلقة وصل بين سور الفترة األولى والثالثة ‪ ،‬وهي تمثل‬
‫انحدار تدريجي من الفترة األولى الى الفترة الثالثة‪.‬‬
‫ـ سور الفترة المكية الثالثة ‪ :‬وتبدأ سور هذه الفترة من السنة السابعة من البعثة حتى‬
‫هجرة النبي‘ الى مدينة يثرب ‪ ،‬وهي السور المتأخرة التي كثيرًا ما تقارب في أسلوبها‬
‫السور المدنية ‪.‬‬
‫اما القسم الثاني من تقسيم نولدكه لسور القرآن الكريم ‪ ،‬فهي السور المدنية ‪ :‬وهي‬
‫كل ما نزل بعد هجرة النبي‘ الى مدينة يثرب ‪.‬‬

‫* سور الفترة المكية األولى‪:‬‬


‫تميزت هذه الفترة بعدة مميزات (حسب رأي نولدكه) هي (‪:)1‬‬
‫‪ 1‬ـ قوة الحماس الذي حرك النبي‘ في السنوات األولى ‪ ،‬وجعله يرى المالئكة‬
‫الذين أرسلهم هللا إليه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الكالم عظيم جليل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الكالم مفعم بالصور الصارخة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اآليات القصيرة تظهر الحركة الشغوفة التي تتقطع مرارًا بسبب تعاليم بسيطة‬
‫وهادئة ‪ ،‬لكنها زاخرة بالقوة ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ النبرة الخطابية تحتفظ بلونها الشعري الكامل ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الكالم بأسره محّرك إيقاعيا وذو جرس عفوي جميل‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ مشاعر النبي وظنونه تنطق عن نفسها أحيانا بواسطة غموض المعنى ‪ ،‬الذي‬
‫يلمح إليهباإلجمال ‪ ،‬أكثر مما يستفاض في شرحه ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪68 ،‬ـ‪. 71‬‬


‫(‪)84‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫‪ 8‬ـ ان ما يميز سور هذه المرحلة عبارات القسم التي تتكرر في بدايات السور ‪،‬‬
‫التي يربطها نولدكه بما اعتاد عليه رجال الدين الوثنيون في بدء أقوالهمبقسم قوي غالبًا‬
‫ما يكون بمكونات الطبيعة كالليل والنهار والضوء والظالم والشمس والقمر والنجوم ‪.‬‬
‫وقد تكررت عبارات الَقَس م في هذه المرحلة (‪30‬مرة) مقابل مرة واحدة في السور‬
‫المدنية(‪.)1‬‬
‫عّد نولدكه سورة العلق ( ترتيبها في القرآن ‪ )96‬أقدم سورة في القرآن الكريم ؛‬
‫حيث عّد ها أول دعوة تلقاها النبي محمد ‘ للنبوة ‪.‬‬

‫في الوقت نفسه يؤكد نولدكه أن اآليات (‪6‬ـ‪ )19‬من سورة العلق تعود الى أوقات‬
‫الحقة وأضيفت الى اآلياتاألولى من السورة ‪ ،‬وقد عجز نولدكه عن تحديد وقت نزول‬
‫تلك اآليات بالضبط(‪. )2‬‬
‫وبعد سورة العلق رتب نولدكه سورة المدثر (ترتيبها في القرآن‪ )74‬لتكون ثاني‬
‫أقدم سورة في القرآن الكريم ويعد نولدكه أن كلمات السورة نفسها تبدي انها ُنّز لت في‬
‫أوائل البعثة ‪ ،‬ويرى كذلك بان عبارة(يا أيها المدثر) مرتبطة بمناسبة نزول سورة العلق‬
‫نفسها‪..‬‬
‫وجاء ترتيب سورة المسد ( ترتيبها في القرآن ‪ )111‬بحسب ترتيب نولدكه الزمني‬
‫بعد المدثر ‪ ،‬وفيها يوضح نولدكه العالقة بين السورة‪ ،‬وموقف عم النبي‘ أبي لهب‬
‫المعادي لدعوة النبي إلى الدين اإلسالمي؛ثم سورة قريش (ترتيبها في القرآن‪ )106‬بعد‬
‫سورة المسد ‪ ،‬وقد أشار نولدكه الى جو الرضا الذي ينضح من السورة يدل على أنها‬
‫نشأت قبل بدء النزاع مع قريش ‪ ،‬والتذكر الكعبة في غير هذه من السور المكية ‪،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ(‪. )3‬‬
‫ويصرح نولدكه في ترتيبه لسور الفترة األولى المكية بأنها تخلو من أي تسلسل‬
‫زمني ‪ ،‬وذلك «بسبب انعدام المعلومات التاريخية التي تقود خطانا في ذلك ‪ ،‬ولهذا نود‬
‫ان نوزعها بحسب مضمونها على مجموعات مختلفة ‪ ،‬معتمدين في ترتيبها بقدر‬
‫المستطاع على التطور التدريجي لألسلوب ولألفكار»(‪. )4‬‬
‫وتعد سورة الكوثر (ترتيبها في القرآن‪ )108‬من أقدم السور بعد سورة قريش ‪،‬‬
‫وفيها يقول نولدكه ‪ ،‬بان هللا يطيب خاطر النبي ‘ من بعد اهانة وجهت له ‪،‬ثم سورة‬
‫التكاثر (ترتيبها في القرآن ‪ ، )102‬ويعلق نولدكهبأنها تتناول يهود المدينة ‪ ،‬وجاءت بعد‬
‫سورة التكاثر‬

‫بحسب ترتيب نولدكه سورة الفيل ( ترتيبها في القرآن ‪ ، )105‬التي عّد ها نولدكه‬
‫أول سورة يبين فيها محمد ‘ للخصوم ‪ ،‬كيف أن هللا عاقب أمثالهم‪.‬وبعد سورة الفيل‬

‫‪ )2(1‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪. 75 ، .‬‬


‫‪ )1(2‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ :‬تاريخ القرآن ‪ 83 ،‬ـ ‪. 84‬‬
‫‪ )2(3‬سورة قريش ‪ /‬اآلية ‪3‬‬
‫‪ )3(4‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪82 ،‬‬
‫(‪)85‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫وضع نولدكه سورة الليل ( ترتيبها في القرآن‪ ، )92‬ثم سورة البلد ( ترتيبها في القرآن‬
‫‪ )90‬التي نشأت (حسب زعم نولدكه) متأخرة نسبيًا ‪ ،‬ويعلق نولدكه على أن الرأي غير‬
‫الشائع القائل انها مدنية ‪ ،‬قد تبّين عدم صحته في كتاب اإلتقان‪.‬‬
‫ويصف نولدكه بأن السور المتبقية من المرحلة األولى ذات مضمون مختلط ‪ ،‬لكنها‬
‫تتفق فيما بينها على أن غرضها األساسليس محاربة الخصوم ‪ ،‬بل وصف اآلخرة ‪.‬ثم‬
‫سورة الشـرح‬
‫( ترتيبها في القرآن ‪ ، )94‬وسورة الضحى ( ترتيبها في القرآن ‪ )93‬التي جاءت‬
‫متأخرة قليًال حسب ترتيب نولدكه ‪ ،‬ويشير نولدكه الى أن هللا تعالى قد واسى النبي‘ عن‬
‫وضعه الراهن بتذكيره بأنه أنقذه في الماضي من البؤس الذي كان فيه‪.‬‬
‫ثم أعقبت سورة الضحى في الترتيب الزمني سورة القدر (ترتيبها في القرآن ‪،)97‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬ويعلقنولدكه بأنها «ُتعتبر من غير حق مدنية بسبب رواية واردة في كتاب اإلتقان»‬
‫ثم بعدها سورة الطارق ( ترتيبها في القرآن‪ ، )86‬وفيها يشير نولدكه الى ان آياتها‬
‫الثالث األولى تشير الى انها نشأت ليًال تحت تأثير نجم ساطع ‪،‬وبحسب ترتيب نولدكه‬
‫جاءت بعد سورة الطارق سورة الشمس ( ترتيبها في القرآن‪ )91‬ويرى نولدكه ان هذه‬
‫السورة تبدأ بعدد كبير من األقسام يفوق المعدل المعتاد ‪ ،‬اآليات (‪1‬ـ‪،)8‬ثم سورة عبس‬
‫(ترتيبها في القرآن‪ )80‬التي عبر عنها نولدكهبالقول «يلوم هللا النبي على أنه فّض ل أن‬
‫يدعو رجًال غنيًا الى اإلسالم وتولى عن أعمى فقير ‪ ،‬جاءه سعيًا وراء اإليمان»(‪.)2‬‬

‫ويعقبها في الترتيب سورة القلم ( ترتيبها في القرآن‪ ، )68‬وأشار نولدكه الى أن‬
‫سورة القلم يعّد ها بعضهم من أقدم السور أو ثانيها ‪ ،‬وذلك نتيجة الربط بين كلمة ( والقلم)‬
‫التي تبدأ بها السورة ومطلع سورة العلق (‪ ، )96‬ويؤكد نولدكه أن اآليات(‪17‬ـ‪ )33‬و(‬
‫‪48‬ـ‪ )60‬من سورة القلم ‪ ،‬قد أضيفت في الفترة الثانية الى السور القديمة‪،‬ثم سورة‬
‫األعلى (ترتيبها في القرآن‪ )87‬التي يشير نولدكهالى انها ليست مدنية كما توّهم بعض‬
‫المفسـرين ‪ ،‬وتلتها سورة التين (ترتيبها في القرآن‪ )95‬؛ويرى نولدكه ان في اآلية الثالثة‬
‫منها إشارة الى منطقة مكة المكرمة؛ ويظن نولدكه ان اآلية السادسة من سورة التين قد‬
‫ُأضيفت إليها الحقًا ‪ ،‬ألن طولها يفوق طول أي من اآليات األخرى ومعناها يضعف‬
‫االنطباع الذي يولده السياق ‪ ،‬ويؤكد نولدكه ان «عبارة ‪:‬ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼال تستعمل إال‬
‫الحقًا في الفترة المكية المتأخرة»(‪.)2‬‬
‫ثم سورة العصر ( ترتيبها في القرآن ‪ ، )103‬وبعدها سورة البروج ( ترتيبها في‬
‫القرآن‪ )85‬وفيها يشير نولدكه الى ان اآليات(‪8‬ـ‪« )11‬إضافة متأخرة ‪ ،‬ربما قام بها‬
‫محمد نفسه ‪ ،‬إذ هي تختلف عن اآليات األخرى المتصلة بها من حيث الطول والخطاب‬
‫المستفيض والفاصلة المختلفة»(‪.)3‬‬

‫‪ )1(1‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 85 ،‬‬


‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪.87 ، .‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ )1(3‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 87 ،‬‬


‫(‪ )2‬م ‪ .‬ن ‪. 87 ، .‬‬
‫(‪)86‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫وبعد سورة العصر ‪ ،‬سورة المزمل (ترتيبها في القرآن‪ ، )73‬ويرى نولدكه أنها‬
‫من أقدم السور بسبب التشابه الحاصل بين بدايتها وبداية سورة المدثر (‪، )74‬‬
‫ويشير نولدكه الى أن‬

‫اآلية(‪ )20‬من سورة المزمل تعتبر مدنية‪،‬أما سورة القارعة (ترتيبها في القرآن‬
‫‪ )101‬فيشير نولدكه الى ان االضطراب يتضح جليا في اآليات القصيرة للسور ‪،‬‬
‫ثم سورة الزلزلة (ترتيبها في القرآن‪ )99‬؛ويصفهانولدكهأنها ذات مطلع رائع‬
‫وإيقاع ال يقاوم؛ثم سورتا االنفطار (ترتيبها في القرآن‪ )81‬وسورة التكوير‬
‫( ترتيبها في القرآن ‪ )82‬ويعدهما نولدكه متشابهتين مع سورة الزلزلة ويتزينان‬
‫بصور أكثر غنى (‪. )1‬‬
‫وبعدهما سورة النجم (ترتيبها في القرآن‪ )53‬التي يعدها نولدكه من السور‬
‫المتأخرة في الفترة المكية األولى ‪ ،‬ثم سورة االنشقاق ( ترتيبها في القرآن‪ ، )84‬ثم‬
‫سورة العاديات ( ترتيبها في القرآن‪ ، )100‬وأشار نولدكه الى أن بعض المسلمين‬
‫عّد وها خطأ مدنية ‪ ،‬وعلل ذلك «إذ يعتقدون أن اآليات األولى منها تشير الى‬
‫الخيل التي استعملها محمد في الحرب»(‪.)2‬‬
‫ثم سورة النازعات ( ترتيبها في القرآن ‪ ، )79‬ويقسمها نولدكه على ثالثة أجزاء‬
‫اآليات(‪1‬ـ‪ )14‬تمثل الجزء األول ‪ ،‬واآليات(‪15‬ـ‪ )26‬تمثل الجزء الثاني ‪ ،‬أما‬
‫اآليات(‪27‬ـ‪ )46‬فهي تمثل الجزء األخير ‪ ،‬وعّد نولدكه الجزء األخير أحدث قليًال‬
‫من الجزأين السابقين‪.‬‬
‫ثم سورة المرسالت (ترتيبها في القرآن‪ ، )77‬وسورة النبأ ( ترتيبها في القرآن‪)78‬‬
‫وسورة الغاشية ( ترتيبها في القرآن‪ ، )88‬ويعّبر عنها نولدكه بأنها نزلت في سنة‬
‫احتالل مكة ( السنة الثامنة بعد الهجرة) ‪ ،‬ثم سورة الفجر ( ترتيبها في القرآن‪)89‬‬
‫ويرى نولدكه ان بعض المفسرين يعّد وها خطأ مدنية ‪ ،‬ثم سورة القيامة (ترتيبها في‬
‫القرآن‪ ، )75‬ويشير نولدكهإلى أن اآليات(‪16‬ـ‪ )19‬ال عالقة لها بما يجاورها من‬
‫اآليات وبسائر السورة ‪.‬‬

‫وبعد سورة القيامة ؛ سورة المطففين(ترتيبها في القرآن‪ ، )83‬ويعلق نولدكه‬


‫على سبب عّد ها خطأ مدنية ‪ ،‬بأن آياتها األولى قد تعلقت الى حٍد ما بأحداث‬
‫حصلت في المدينة ‪ ،‬وبعدها سورة الحاقة ( ترتيبها في القرآن‪ ، )69‬وبعدها سورة‬
‫الذاريات(ترتيبها في القرآن‪ ، )51‬ويشيرنولدكهإلى أن اآليات(‪، )24‬وما يليها من‬
‫السورة قد أضيفت الحقًا؛ثم سورة الطور (ترتيبها في القرآن‪ ، )52‬ويؤكد نولدكه‬
‫أنه توجد في سورة الطور ( التي تتضمن وصفًا أشمل للجنة) بعض اآليات التي‬

‫‪ )1(1‬ظ ‪ :‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.89 ،‬‬


‫‪ )2(2‬م ‪ .‬ن ‪. 89 ، .‬‬
‫(‪)87‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫تعود الى الفترة الثانية وهي اآلية(‪ )21‬التي عدها نولدكه تشوش سياق السورة‬
‫وكذلك يفوق طولها أطول آيات السور بثالثةأضعاف ‪ ،‬ثم سورة الواقعة (ترتيبها‬
‫في القرآن‪)56‬؛ وفيها خالف حول كونها مدنية ‪ ،‬ثم سورة المعارج ( ترتيبها في‬
‫القرآن ‪ )70‬؛ويشير نولدكه الى أن مطلع سورة المعارج على عالقة ظاهرة بمطلع‬
‫سورة الواقعة ‪ ،‬ويشير كذلك الى ان اآليات (‪30‬ـ‪32‬و‪ )34‬موجودة أيضًا في سورة‬
‫المؤمنون ‪5 :23‬ـ‪.9‬‬
‫ثم سورة الرحمن (ترتيبها في القرآن‪ ، )55‬ثم سورة اإلخالص (ترتيبها في القرآن‬
‫‪ )112‬وتلتها سورة الكافرون(ترتيبها في القرآن‪ )109‬ـ ثم تأتي باقي سور المرحلة‬
‫األولى على التوالي ‪ :‬سورتا الفلق والناس (ترتيبهما في القرآن على التوالي‪113‬و‬
‫‪ ، )114‬ويعلق نولدكه على ان هاتين السورتين تعتبران بحسب نصهما عموميتي‬
‫الموضوع وغير منفصلتين قياسًا على حدث معين(‪. )1‬‬
‫وأخيرا يضع نولدكه سورة الفاتحة (ترتيبها في القرآن‪ )1‬في نهاية سور الفترة‬
‫المكية األولى ويشير نولدكه أن الهدف من سورة الفاتحة أنها ((تهدف الى‬
‫الموعظة والتعليم‪ ،‬التحمل إال حمدًا هلل ‪ ،‬عالي النبرة ينتهي بالدعاء ﭽ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭼ)) ‪.‬‬

‫سور الفترة المكية الثانية‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫وضع نولدكه لهذه المرحلة جملة من المزايا هي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ليس لهذه السور أي طابع مشترك ‪ ،‬فبعضها يشبه سور الفترة األولى ‪ ،‬بينما‬
‫بعضها اآلخر يشبه سور الفترة الثالثة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االنتقال من الحماس العظيم إلى قدر اكبر من السكينة في السور المتأخرة ‪،‬التي‬
‫يغلب عليها الطابع النثري ‪،‬ويرى المستـشرق األلماني فايل ان «أحد أسباب هذا التعديل‬
‫هو سعي محمد إلى تعطيل الشك بأنه شاعر أو كاهن»(‪. )3‬‬
‫‪ 3‬ـ التأمل الهادئ حل أكثر فأكثر محل الخيال العنيف واإلثارة والحماس في الفترة‬
‫األولى ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يحاول النبي ان يوضح جمله بوساطةأمثلة كثيرة مأخوذة من الطبيعة والتاريخ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ يجنح الى اإلطناب ‪ ،‬فيصبح مرتبكا ‪ ،‬ممًال ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الطريقة التي يتبعها للخلوص الى النتائج ضعيفة ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ التكرار الدائم للعقائد ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ آثار الروح الشعرية التي تبرز بكثافة في السور األقدم ‪ ،‬تضعف في هذه‬
‫المرحلة ولكنها ال تختفي ‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ اتساع المقاطع الوصفية باستمرار وتصبح اضعف عاطفة ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬ظ ‪:‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.97 ،‬‬


‫‪ )1(2‬ظ ‪ :‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪105 ،‬ـ‪. 108‬‬
‫‪ )2(3‬م ‪ .‬ن ‪. 105 ، .‬‬
‫(‪)88‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫‪ 10‬ـ هدوء اآليات يقوى ‪ ،‬ويعبر عن نفسه بطول اآليات والسور المتزايد ‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ القصص الطويلة عن حياة األنبياء السابقين تستعملإلثبات التعاليم‬
‫وإنذاراألعداء ومواساة اإلتباع ‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ تغّير األسلوب الخطابي الذي تمّيزت به سور الفترة األولى الى‬
‫استعماألساليب خطاب جديدة ‪ ،‬حيث اختفت على سبيل المثال األقسام المعقدة التي تمّيز‬
‫الفترة القديمة شيئًا فشيئًا ‪.‬‬
‫ويصّر حنولدكه ان ما أعاقُه في الفترة المكية األولى من فقدانها للتسلسل الزمني بسبب‬
‫انعدام المعلومات ‪ ،‬فان سور هذه الفترة تسمح بقدر اكبر من السهولة إلخفائها لشـيء من‬
‫الترتيب الزمني ‪ ،‬وال يصح هذا بالطبع إاّل بصورة عمومية ‪ ،‬أما الحيز الدقيق الذي‬
‫تحتله كل سورة إزاءاألخرى ‪ ،‬فيؤكد نولدكهبأنه ال يمكن تحديده قطعًا(‪. )1‬‬
‫تبدأ سور هذه الفترة بسورة القمر(ترتيبها في القرآن‪ ، )54‬ثم سورة الصافات (ترتيبها‬
‫في القرآن‪ ، )37‬ثم تلتها سورة نوح (ترتيبها في القرآن‪ ، )71‬ويشير نولدكه فيها إلى ان‬
‫محمدًا‘ جعل نوح األب األول يثور على أصنام العرب ‪ ،‬وتظهر السور ـ حسب رأي‬
‫نولدكه ـ وكأنها قطعة مأخوذة من نص أطول(‪.)2‬‬
‫أما سورة اإلنسان(ترتيبها في القرآن‪ )76‬فقد عدها نولدكه تدور حول اآلخرة والحساب ‪،‬‬
‫ويعللنولدكه انه بسبب روايةغير صحيحة ؛ يعلن بعضهم ان اآلية(‪ )24‬مدنية ‪ ،‬ثم بعد‬
‫سورة اإلنسان ‪ ،‬سورة الدخان (ترتيبها في القرآن‪ ، )44‬ويشير نولدكهإلى ان بعضهم‬
‫يعّد اآلية(‪ )14‬مدنية ألن (العذاب ) يعني المجاعة الطويلة ‪ ،‬التي عاقب بها هللا أهل مكة‬
‫بعد هجرة النبي محمد‘ ‪ ،‬ويعد نولدكه ان اآلية (‪ )15‬إشارة الى وقعة بدر ‪ ،‬ثم سورة ق‬
‫(ترتيبها في القرآن‪ ,)50‬وبعدها سورة طه (ترتيبها في القرآن‪ ، )20‬ويشير نولدكهإلى‬
‫ان اآليات‬

‫(‪ 14‬و‪16‬و‪ )17‬األولى قد دفعت عمر الى اعتناق اإلسالم ‪ ،‬ثم سورة الشعراء (ترتيبها‬
‫في القرآن‪ ، )26‬ويقول نولدكه‪ :‬إّن سورة الشعراء «تبدأ بعنوان شكلي للتصديق على‬
‫طابع الوحي»(‪.)3‬‬
‫وبعدها سورة الحجر (ترتيبها في القرآن‪ ، )15‬ويشير نولدكه ان اآليتين(‪89‬و‪، )94‬هما‬
‫آيتان غارقتان في القدم ؛ألنهما أول ما تم به حث النبي الى الدعوة(‪. )4‬‬
‫ثم سورة مريم(ترتيبها في القرآن‪ ، )19‬ثم سورة ص (ترتيبها في القرآن ‪ ، )38‬ثم سورة‬
‫يس (ترتيبها في القرآن‪ )36‬وفيها يشير نولدكه أن اآلية(‪ )47‬من سورة يس فيها عالقة‬
‫بين الدعوة الى عمل الخير في هذه اآلية والزكاة ‪،‬التي فرضت على المسلمين بعد‬
‫‪ 1‬ظ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 108 ،‬‬
‫‪ )2(2‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪.110 ،.‬‬
‫‪ )1(3‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن‪.112 ,‬‬
‫‪ )2(4‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪. 117 ، .‬‬
‫(‪)89‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫الهجرة ‪ ،‬ويشير كذلك إلى ان بعض الكلمات ربما سقطت من بين اآليتين(‪24‬و‬
‫‪، )25‬التي يحكي فيها عن قتل الكفار للمؤمن الوحيد(‪.)1‬‬
‫ثم سورة الزخرف (ترتيبها في القرآن‪ ، )43‬ثم سورة الجن(ترتيبها في القرآن‪،)72‬‬
‫ويرى نولدكه انه ال يمكن خلط معلومات تاريخية دقيقة حول سورة الجن ‪ ،‬ويؤكد بأن‬
‫النبي محمد‘ اعتقد بكل جدية أنه كان عليه أيضًا أن يبشر الجن(‪. )2‬‬
‫ثم سورة الملك (ترتيبها في القرآن‪ )67‬ويشير نولدكه الى ان عّد ها مدنية خطأ ويرجع‬
‫ذلك بسبب مشابهتها في الطول للسور من الحديد الى التحريم التي نزلت في المدينة‪.‬‬

‫وبعدها سورة المؤمنون (ترتيبها في القرآن‪ )37‬ويؤكد نولدكهإن اآلية (‪ )76‬عّد ت‬


‫مدنية خطًأ بسبب تفسير خاطئ يربطها بواقعة بدر ‪ ،‬وبعدها سورة األنبياء (ترتيبها في‬
‫القرآن‪ ، )21‬ثم سورة الفرقان (ترتيبها في القرآن‪ ، )25‬ثم سورة اإلسراء(ترتيبها في‬
‫القرآن‪ ، )17‬وبعدها سورة النمل(ترتيبها في القرآن‪ ، )27‬وأخيرًا سورة الكهف(ترتيبها‬
‫في القرآن‪ )18‬التي ختمت سور الفترة المكية الثانية(‪. )3‬‬
‫سور الفترة المكية الثالثة‪:‬‬
‫ويضع نولدكه جملة من المزايا التي تميزت بها سور هذه الفترة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اللغة تصبح في هذه المرحلة مطنبة ‪ ،‬واهية ‪ ،‬نثرية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التكرار الذي ال نهاية له ‪ ،‬وترديد الكلمات نفسها تقريبًا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ البراهين تفتقر الى الوضوح والحدة وال تقنع اال من يؤمن سلفًا بالنتيجة النهائية‬
‫‪ 4‬ـ القصص ال تأتي إال بالقليل من التنوع ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ سور هذه المرحلة مملة في كثير من األحيان ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ طول اآليات له عالقة وثيقة باألسلوب الذي يصبح أكثر نثرية ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ال يبقى من القالب الشعري في هذه الفترة إال الفاصلة ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ من خصائص الفترة الثالثة المخاطبة بالقول ( يا أيها الناس) ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪.118 ، .‬‬


‫‪ )4(2‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪.119 ، .‬‬
‫‪ )1(3‬ظ‪ :‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪125 ،‬ـ‪.126‬‬
‫(‪)90‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫تضعف في هذه الفترة ما اعتقد نولدكه من تسلسل زمني لترتيب سور القرآن‬
‫الكريم ويعلل ذلك «ونظرًا الى اختفاء التطور تقريبا في سور الفترة الثالثة تضعف‬
‫لدينا أمكانية القيام بترتيب تاريخي لها كما كانت تسمح به الفترتان السابقتان»(‪. )1‬‬
‫أول سور هذه الفترة ـ كما رتبها نولدكه ـ هي سورة السجدة(ترتيبها في القرآن‬
‫‪ ،)32‬ويرى فيها نولدكه ان اآليات(‪ )16‬أو (‪ )18‬حتى (‪ )20‬تعتبر خطًأ مدنية ‪ ،‬األولى‬
‫بسبب رواية تربطها بالفقراء من المهاجرين واألنصار ‪ ،‬والثانية بسبب ربطها بحادثة‬
‫وقعت قبل وقعة بدر‪،‬وتلتها سورة فصلت(ترتيبها في القرآن‪ ، )41‬ثم سورة‬
‫الجاثية(ترتيبها في القرآن‪ ، )45‬ثم سورة النحل(ترتيبها في القرآن‪ ، )16‬ثم سورة الروم‬
‫(ترتيبها في القرآن‪ ، )30‬ثم سورة هود (ترتيبها في القرآن‪ ، )11‬ثم سورة‬
‫إبراهيم(ترتيبها في القرآن‪ ، )14‬ثم سورة يوسف (ترتيبها في القرآن‪ ،)12‬وقد عدها‬
‫نولدكهبأنها تختلف عن سواها من طوال السور ‪،‬وأنها تعالج موضوعًا واحدًا فقط هو‬
‫حياة يوسف‪،‬وتلتها بالترتيب سورة غافر (ترتيبها في القرآن‪ ، )40‬ويشير نولدكهإلى أنها‬
‫عّد ت خطًأ مدنية ‪ ،‬ألنه ُيظن خطًأ أن المقصود بسورة غافر هم اليهود(‪. )2‬‬
‫ثم سورة القصص (ترتيبها في القرآن‪ ، )28‬وفيها يرى نولدكه انه يخطئ من يظن‬
‫ان سورة القصص تشير الى النصارى الذين قدموا الى محمد في المدينة ‪ ،‬وبعدها سورة‬
‫الزمر (ترتيبها في القرآن‪ ، )39‬ثم سورة العنكبوت (ترتيبها في القرآن‪ ، )29‬ثم سورة‬
‫لقمان (ترتيبها في القرآن‪ ، )31‬ويشير نولدكه إلى ان بعضهم عّد ها مدنية بسبب ذكر‬
‫الزكاة فيها ‪ ،‬ثم سورة الشورى(ترتيبها في القرآن‪ ، )42‬بعدها سورة يونس (ترتيبها في‬
‫القرآن‪ ، )10‬ويرى نولدكه انه من غير الحق اعتبار بعض اآليات سورة يونس مدنية ‪،‬‬
‫وهي بالتحديد اآلية(‪ ، )40‬ويعتقد ان فيها إشارة الى اليهود في المدينة‪،‬ثم سورة‬
‫سبأ(ترتيبها في القرآن‪ )34‬وتلتها سورة فاطر(ترتيبها‬

‫في القرآن‪ ، )35‬ثم سورة األعراف(ترتيبها في القرآن‪ ، )7‬وقسمها نولدكه على‬


‫خمسة مقاطع ‪ :‬اآليات(‪1‬ـ‪ )58‬تمثل إغواء آدم وتحذير أبناءه ‪ ،‬أما اآليات(‪59‬ـ‪)102‬‬
‫فتشير ـ حسب رأي نولدكه ـ الى إرساالألنبياء القدماء ( نوح وصالح و شعيب) ‪ ،‬اآليات‬
‫(‪ 103‬ـ ‪ )174‬تشير الى نبي هللا موسى و ما حّل باليهود فيما بعد ‪ ،‬اآليات(‪175‬ـ‪)186‬‬
‫ويرى نولدكه ان هذه اآليات هي حول عدو مجهول هلل ‪ ،‬وأخيرًا اآليات ( ‪187‬ـ‪)206‬‬
‫وهي حول الساعة األخيرة ؛ ويؤكد نولدكه أنه على الرغم من عدم وجود صالت وثيقة‬
‫بين هذه المقاطع ‪ ،‬فقد يكون محمد‘ جمعها بنفسه(‪)3‬؛وبعد سورة األعراف رتب نولدكه‬
‫زمنيًا سورة األحقاف (ترتيبها في القرآن‪ ،)46‬ثم سورة األنعام(ترتيبها في القرآن‪، )6‬‬
‫وآخر سورة وضعها نولدكه في سور الفترة المكية الثالثة هي سورة الرعد(ترتيبها في‬
‫القرآن‪. )4( )13‬‬

‫‪ )1(1‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 129 ،‬‬


‫‪ )2(2‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪. 137 ، .‬‬
‫‪ )1(3‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 143،‬‬
‫‪ )2(4‬ظ‪ :‬م ‪ .‬ن‪.148، ، .‬‬
‫(‪)91‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫السور المدنية‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأهم ما يميز هذه السور ـ بحسب رأي نولدكه ـ‬
‫‪ 1‬ـ ال يتعرض القرآن للمشركين الذين أعلنت عليهم الحرب في الفترة المدنية إال‬
‫نادرًا ‪ ،‬وكذلك النصارى الذين كانوا يقيمون بعيدًا عن يثرب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تظهر في السور المدنية ؛ مهاجمة النبي‘ لليهود بقدر كبير من الحّد ة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ طابع اآليات تشريعية ‪ ،‬وهي على قدر كبير من األهمية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ إن اآليات والسور في هذه المرحلة ‪ُ ،‬يتجنب في صياغتها كل تزيين خطابي ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إن المنادي «يا أيهاالناس» نادر جدا في السور المدنية ‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ كثير ما يستعمل النداء «يا أيها المؤمنون» ‪.‬‬


‫‪ 7‬ـ يقل حجم اآليات المدنية ‪ ،‬وهي تحتوي في الغالب على تـشريعات قصيرة‬
‫ومخاطبات و أوامر‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ بسبب تشابه المضمون ُج معت كثير من اآليات المدنية في سورة واحدة ‪ ،‬وهذا‬
‫ما يفسر كون السور المدنية هي األطول ‪.‬ويؤكد نولدكهإن جزءًا من السور المدنية قد‬
‫استطاع إعداد ترتيب زمني لها يحتوي على عناصر أكيدة ‪ ،‬أما الجزء اآلخر من السور‬
‫المدنية ‪ ،‬فيقول نولدكه عنها‪« :‬يبقى بالطبع الكثير مما هو غير مؤكد ‪ ،‬فبعض المقاطع ال‬
‫يمكن تحديد زمن نشوئها إال على وجه التقريب ‪ ،‬أما بعض اآليات األخرى فيمكننا ان‬
‫نقول فقط أنها نشأت في الفترة المدنية إجماال»(‪. )2‬‬
‫وضع نولدكه في ترتيب السور المدنية ‪ ،‬سورة البقرة (ترتيبها في القرآن‪ )2‬كأول سورة‬
‫من سور هذه المرحلة ‪ ،‬ويعّد ها نولدكه أقدم السور المدنية ‪ ،‬فالجزء األكبر منها نشأ في‬
‫العام الثاني بعد الهجرة قبل وقعة بدر (‪. )3‬‬
‫وبعد سورة البقرة تأتي بحسب ترتيب نولدكه سورة البّينة (ترتيبها في القرآن‪)98‬‬
‫ويشير نولدكهإلىأن اغلب المفسرين يعدها مدنية ‪ ،‬فيما يرى القلة منهم أنها مكية ؛وذلك‬
‫بسبب وقوعها بين سور مكية قديمة ‪ ،‬ثم سورة التغابن (ترتيبها في القرآن‪ )64‬ويرى‬
‫نولدكهأنها تشبه السور المكية لهذا السبب تعد منها ؛ ويشير نولدكه الى أن ثمة ما يؤكد‬
‫كونها كلها مدنية ‪ ،‬ويعتقد أن هذا يصح باإلجمال على كل المسّبحات ‪ ،‬أي السور التي‬
‫تبدأ ب(سّبح) او ( يسبح) ‪ ،‬وهي‬

‫‪ )3(1‬ظ ‪ :‬م ‪ ,‬ن ‪ 148 ، .‬ـ‪. 155‬‬


‫‪ )1(2‬نولدكه ‪،‬تاريخ القرآن ‪. 155 ،‬‬
‫‪ )2(3‬م ‪.‬ن ‪.155 ،.‬‬
‫(‪)92‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫سورة الحديد (‪ )57‬وسورة الحشـر(‪ )59‬وسورة الصف(‪ )61‬وسورة الجمعة (‬
‫‪ )62‬وسورة التغابن(‪. )1()64‬‬
‫وتعقب سورة التغابن سورة الجمعة(ترتيبها في القرآن‪ ، )62‬ويعدها نولدكه موجهة‬
‫ضد اليهود ‪،‬ثم سورة األنفال(ترتيبها في القرآن‪ )8‬؛ وقد حدد نولدكهزمنها بأنه على‬
‫عالقة مباشرة بالنصر في بدر؛ وبعدها سورة محمد(ترتيبها في القرآن‪ )47‬؛ التي يرجح‬
‫نولدكهإلى أنها نشأت بعد معركة بدر؛ ولكن ليس بزمن طويل ألن الجزء الثاني منها‬
‫يهاجم إضافة الى المنافقين؛ المحاربين إلى جانب النبي الذين أرادوا على الرغم من‬
‫نصرهم ‪ ،‬عقد صلح مع أهل مكة‪.‬‬

‫وتليها في الترتيب سورة آل عمران (ترتيبها في القرآن‪ ، )3‬ويرى نولدكه انه ال‬
‫يمكن تحديد زمن نزول الجزء األول ‪ ،‬اآليات(‪1‬ـ‪ )86‬من سورة آل عمران ‪ ،‬فإذا كانت‬
‫السورة كلها قد نزلت في وقت واحد فينبغي ان يكون بعد وقعة بدر ‪ ،‬ويعدنولدكه تحديد‬
‫السنة السادسة أو السابعة كحد زمني أدنى لتأليفها خطأ كبير‪،‬ثم سورة الصف(ترتيبها في‬
‫القرآن‪)61‬؛ويعلق نولدكه أن السور مدنية وهذا ما يظهر في اآلية(‪« )89‬فمحمد لم يكن‬
‫في وسعه قبل الهجرة ان يتكلم بحزم كهذا وبسهولة عن النصر النهائي للسالم على كل‬
‫األدياناألخرى»(‪. )2‬‬
‫وبعد سورة الصف ‪ ،‬رتب نولدكه سورة الحديد(ترتيبها في القرآن‪، )57‬ويرجح‬
‫نولدكه نزول السورة الى ما بين وقعة احد وحرب الخندق ‪،‬ثم سورةالنساء(ترتيبها في‬
‫القرآن‪ )4‬؛ويشير نولدكه بأن الجزء األكبر منها ينتمي الى الفترة الواقعة بين نهاية السنة‬
‫الثالثة والسنة الخامسة ‪،‬‬

‫ثم سورة الطالق (ترتيبها في القرآن‪ )65‬التي رتبها نولدكه بعد سورة النساء ‪،‬ويعلل ذلك‬
‫«بسبب التشابه في المضمون بين النساء والطالق»(‪. )3‬‬
‫ثم سورة الحشر(ترتيبها في القرآن‪ ، )59‬ويعلق نولدكه ؛ بان السورة تتعلق‬
‫معظمها بإخضاع قبيلة النضير اليهودية وطردها في شهر ربيع األول من السنة الرابعة؛‬
‫ولهذا تسمى السورة ـ حسب قول نولدكه ـ سورة النضير‪،‬وبعدها سورة األحزاب‬
‫(ترتيبها في القرآن‪ )33‬ثم سورة المنافقون (ترتيبها في القرآن‪ ، )63‬التي يرد نولدكه‬
‫زمن نزولها الى فترة قصيرة بعد غزوة بني المصطلق* ‪.‬‬
‫ثم سورة النور(ترتيبها في القرآن‪ ، )24‬وبعدها سورة المجادلة(ترتيبها في القرآن‬
‫‪ ، )58‬ثم سورة الحج(ترتيبها في القرآن‪ ، )22‬ويرىنولدكه أن «القسم األكبر من سورة‬

‫‪ )1(1‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪. 167 ،‬‬


‫‪ )2(2‬م ‪.‬ن ‪.175 ، .‬‬
‫‪ )1(3‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.184 ،‬‬
‫* بنو المصطلق ‪ :‬وهم بطن من خزاعة ‪ ،‬ظ ‪ :‬تاريخ القرآن ‪.188،‬‬
‫(‪)93‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫الحج تعتبر عادة مكية ‪ ،‬ويرى بعضهم انها مدنية ُنِّزَلت في الفترة الزمنية الثالثة قبل‬
‫الهجرة ‪ ،‬اال انها تكتسب معناها األساسي من خالل القطع المدنية الموجودة فيها»(‪. )1‬‬
‫وبعد سورة الحج ‪ ،‬سورة الفتح(ترتيبها في القرآن‪ )48‬ويشير نولدكهإلى انها نشأت‬
‫بعد صلح الحديبية (في شهر ذي القعدة من السنة السادسة ) ‪ ،‬ثم سورة التحريم(ترتيبها‬
‫في القرآن‪ ، )66‬ثم سورة الممتحنة(ترتيبها في القرآن‪ ، )60‬وبعدها سورة‬
‫النصـر(ترتيبها في القرآن‪ )110‬ويرى نولدكه أن عّد ها مكية خطأ واضح ‪ ،‬فإن تواجدها‬
‫بين السور المكية دفع بعضهم الى عدها واحدة منها ‪ ،‬ويؤكد نولدكه كالمه «اال أن‬
‫اليقين المتفائل ‪ ،‬بان الناس ستدخل في الدين الحق أفواجًا ؛ يؤكد باألحرى كون السورة‬
‫مدنية متأخرة»(‪،)2‬ثم‬

‫سورة الحجرات (ترتيبها في القرآن‪ ، )49‬وبعدها سورة التوبة(ترتيبها في القرآن‬


‫‪ ، )9‬ويشير نولدكه الى إن أهم آيات سورة التوبة هي التي تالها النبي‘ بوساطة علي×‬
‫على العرب المجتمعين في مكة في أثناء الحج في السنة التاسعة (‪،)3‬وآخر السور‬
‫المدنية ‪،‬بحسب ترتيب نولدكه ‪ ،‬هي سورة المائدة (ترتيبها في القرآن‪.)5‬‬

‫رأي الباحث في تقييم نولدكه للسور المكية والمدنية‬ ‫‪‬‬


‫من الواضح أن المستشرق األلماني نولدكه حمل إلى جانب مهمته التاريخية ؛‬
‫مهمة أخرى لعلها كانت الدافع األهم ‪ ،‬وهللا أعلم ‪ ،‬لوضع الكتاب وهو التركيز على‬
‫بشـرية الدعوة اإلسالمية ‪.‬‬
‫وصف نولدكه السور المكية بفتراتها الثالث والسور المدنية بعدة صفات كان‬
‫للبحث مالحظات على بعض منها‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪ :‬يشير نولدكهإلى أن الرسول محمد‘ لم يعتمد في الفترة المكية‬
‫على المنطق بل على الخطاب والمخيلة(‪. )4‬‬
‫وللرد على هذا القول ‪ ،‬نورد بعض األمثلة من السور المكية البالغة في القرآن‬
‫الكريم ثالثا وثمانين سورة ‪ ،‬لنثبت أنها غير ما رآه نولدكه تمامًا ‪.‬‬
‫ـ سورة هود(ترتيبها في القرآن‪ ( )11‬وفي الترتيب الزمني لنولدكه ‪ ، )49‬قال‬
‫تعالىﭽ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ(‪. )5‬‬

‫‪ )2(1‬م ‪ .‬ن ‪. 191 ، .‬‬


‫‪ )3(2‬م ‪.‬ن ‪. 197 ،.‬‬
‫‪ )1(3‬ظ ‪ :‬نولدكه‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.199 ،‬‬
‫‪ )2(4‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪. 199, .‬‬
‫(‪ )3‬سورة هود ‪ /‬اآلية ‪.1‬‬
‫‪5‬‬
‫(‪)94‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫وقال عز وجل ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫ﭼ(‪. )6‬وجاء أيضًا في قوله تعالىﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫سورة هود كما يظهر من مفتتحها ومختتمها والسياق الذي تجري عليه آياتها بيان‬
‫غرض اآلياتالقرآنية (( فنذكر أنها على احتوائها معارف الدين المختلفة من أصول‬
‫المعارف اإللهية واإلحكام الشرعية الراجعة إلى كليات العبادات والمعامالت‬
‫والسياسات والواليات ثم وصف عامة الخليقة كالعرش واللوح والكرسي‬
‫والقلموالسماء واألرض‪...‬ووصف بدء الخليقة وما ستعود اليه من الفناء والرجوع الى‬
‫هللا سبحانه وتعالى‪)3())....‬؛وأما سورة النحل* ( ترتيبها في القرآن‪ ( )16‬وفي الترتيب‬
‫الزمني لنولدكه‪ ، )70‬قال تعالى ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﭼ(‪.)4‬قال تعالى ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫‪3‬‬

‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ‬

‫ﭟﭠ‬ ‫ﯭ ﭼ (‪.. )4‬وقال عز وجل ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭢ ﭣﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭼ(‪.)5‬وتسمى سورة النحل بسورة النعم بسبب ما عدد‬
‫هللا بها من نعم(‪.)3‬‬
‫ـ سورة المدثر* ( ترتيبها في القرآن الكريم‪ ( )74‬وفي الترتيب الزمني لنولدكه‬
‫‪ ، )3‬قال تعالى ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯼ ﯽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰃ ﰄ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ(‪)5‬؛أي‪:‬إّن النفس عند هللا‬ ‫ﰅ ﰆ ﭼ(‪.)4‬وقال تعالى ﭽ ﰅ‬

‫‪ )1(6‬سورة هود ‪/‬اآلية ‪. 6‬‬


‫‪ )2(7‬سورة هو د ‪ /‬اآلية ‪.118‬‬
‫(‪ )3‬ظ‪.‬الطباطبائي‪,‬تفسير الميزان‪.135-10/134,‬‬
‫*سورة النحل مكية إال أية(والذين هاجرو في هللا بعد ما ظلموا)وقال الشعيبي نزلت بمكة إال‬
‫قوله وان عاقبتم‪...‬الى أخر اآلية)وقال مجاهد أولها مكي وأخرها مدني وهي مائة وثمان‬
‫وعشرون آية‪.‬ظ‪:‬ابن طاووس‪,‬سعد السعود‪.187,‬‬
‫‪ )4(3‬سورة النحل ‪ /‬اآلية (‪.)10‬‬
‫‪ )1(4‬سورة النحل ‪ /‬اآليات (‪125‬ـ‪.) 126‬‬
‫‪)2 (5‬سورة النحل ‪ ،‬اآليتان (‪43‬ـ‪.)44‬‬
‫(‪ )3‬ظ‪:‬الشوكاني‪,‬فتح القدير‪.3/146,‬‬
‫*سورة المــدثر ‪:‬وهي ســت وخمســون أيــة وهي مكيــة بال خالف‪,‬وذكــر جــابر بن عبــد هللا أنهــا أول‬
‫سورة أنزلت من القرآن‪.‬وروي أن النبي‘ قال((جــاورت بحــراء شــهرا‪,‬فلمــا قضــيت جــواري نــزلت‬
‫فاستبطنت الوادي فنوديت ؛ فلم أر أحدا‪ ,‬فـرفعت رأسـي فـإذا الملـك الـذي جـاءني بحـراء فـرجعت‬
‫فقلت دثروني فأنزل هللا علي ‪:‬يأيها المدثر قم فأنذر)) ظ‪:‬الــزيلعي ‪،‬تخــريج األحــاديث واآلثــار ‪،‬‬
‫‪ + 4/119‬مس لم النيس ابوري ‪،‬ص حيح مس لم ‪+ 1/99،‬الس يوطي‪،‬أس باب ال نزول‪220،‬‬
‫‪+‬ظ‪:‬السمعاني‪,‬تفسير السمعاني‪.6/87,‬‬
‫(‪ )4‬سورة المدثر ‪/‬اآليات (‪11‬ـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )5‬سورة المدثر ‪/‬اآلية ‪.38‬‬
‫(‪ )6‬ظ‪:‬ابن العربي‪,‬تفسير ابن العربي‪2/362,‬‬
‫(‪)95‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫الفكاك لها الستيالء هيئات أعمالها وآثار أفعالها عليها ولزومها إياها وعدم انفكاكها‬
‫عنها(‪.. )6‬إن في األمثلة القرآنية المتقدمة خطاب للعقل وليس للعواطف والغرائز والمخيلة‬
‫كما يرى نولدكه‪،‬فالحديث في سورة هود عن تقدير أرزاق الكائنات وأمكنة استقرارها ‪،‬‬
‫والحديث في آيات النحل عن الماء وتأثيره‬

‫المهم في حياة اإلنسان والحيوان والنبات ‪ ،‬والثناء على الصبر وضبط النفس فذلك أحسن‬
‫الجزاء وعن التأكيد بأن هللا تعالى ال يبعث رسوال للبشـر إال من البشر ‪،‬‬
‫وإالاستحاإليصال الرسالة‬
‫واستحال تلقيها؛فتلك السور الثالث هي سور مكية ‪ ،‬فهل يجد أي قارئ غلبة الخطابة‬
‫والمخيلة على الفكر كما وجد نولدكه ؟‬
‫المالحظة الثانية ‪:‬‬
‫يقول نولدكه في معرض كالمه للسور المدنية «اعتمد محمد في هذه الفترة أكبر‬
‫قدر من السكينة ‪ ،‬معدال أسلوبه ليبطل ويعطل الشك في انه شاعر أو كاهن»(‪.)1‬‬
‫ثم يقدم نولدكهاألدلة القرآنية على صحة قوله وهي «اآلية ‪ /70‬المؤمنون»و( اآليتان ‪8‬‬
‫و ‪ /46‬سبأ) و ( اآلية ‪ /184‬األعراف) ‪.‬‬
‫نرى أن نولدكه يريد أن يصل الى أمر هو ‪ :‬ان القرآن الكريم قد ألفه شخص‬
‫اعتيادي ‪ ،‬كان يغّير أسلوبه مع تغّير المناسبات والظروف الطارئة ‪.‬‬
‫وقبل الرد على ذلك ‪ ،‬يعرض البحث اآليات المباركة ‪ ،‬التي استشهد بها‬
‫المستشـرق نولدكه ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قال تعالى ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ(‪.)2‬‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭼ(‪.)3‬‬ ‫‪ 2‬ـ قال تعالىﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫‪3‬ـ وقال تعالى ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ‬


‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﭼ(‪. )4‬‬
‫‪ 4‬ـ وقال عز وجل ﭽ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﭼ(‪. )5‬‬
‫إن المشـركين لم يتوقفــوا عن اتهــام رسـولنا األعظم‘ بالكهانــة والجنــون وممارسـة‬
‫الشعر في القرآن الكريم ‪ ،‬ولم يقتصر األمر في تلــك الفــترة فقــط ‪ ،‬بــل حــتى قبلهــا ‪ ،‬فهم‬

‫‪ )1(1‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن‪.154،‬‬


‫‪ )2(2‬سورة المؤمنون ‪/‬اآلية (‪. )70‬‬
‫‪ )3(3‬سورة سبأ ‪ /‬اآلية (‪. )8‬‬
‫‪ )1(4‬سورة سبأ ‪/‬اآلية (‪. )46‬‬
‫‪ )2(5‬سورة األعراف ‪ /‬اآلية (‪. )184‬‬
‫(‪)96‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫يستنكرون أن يرسل هللا تعالى رسوًال مثل البشر يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويسير بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫فكان القرآن الكريم يجادلهم تارة بالحســنى ‪ ،‬وتــارة بســوء العاقبــة ؛ ويــذكرهم بــان‬
‫الرسل السابقين جميعـًا ‪ ،‬كــانوا بشــرًا ‪ ،‬ولكن هللا تعــالى اصــطفاهم وخّص هم بصــفاٍت لم‬
‫تتوافر في سواهم ؛ قال تعالى ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔﭼ(‪،)1‬وقال تعالى ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﮠ ﮡ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭼ(‪. )2‬وقال عز وجل ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﮩ ﮪ ﭼ ‪،‬وقال تعالى‪:‬ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﮧ ﮨ‬ ‫ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﯕ‬

‫ﯲ ﯳﯴ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯩ‬ ‫ﯨ‬‫ﭼ(‪،)4‬وقال تعالى ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ‬
‫‌(‪)5‬‬

‫فان كان ثمة تغيير في صيغة الجدال ؛ فان هللا أعلم وأعرف بطبيعة الظروف‪،‬‬
‫ويعلم سبحانه بالمقابل صيغة الخطاب التي تناسبها ألنه سبحانه وتعالى هو من كلف‬
‫محمد‘ بنشـر الدعوة وهو بشر من بين البشر ‪ ،‬وألن الدعوة استمرت منجمة ربع قرن‬
‫تقريبًا ؛ فكانت صيغ الخطاب تتغير شدًة ولينًا تبعًا لتطور العقل البشري المتلقي وتدرجه‬
‫في قبول الدعوة الموجهة إليه‪،‬وقد أكد القرآن الكريم أكثر من مرة على أن الرسالة‬
‫اإللهية ال توجه الى البشر إال عن طريق رسول بشـري ؛ قال تعالى ‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ(‪،)6‬وقال تعالى ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙﭼ(‪. )7‬وهناك امر مهم هو اناليات التي استشهد بها نولدكهتل جميعا على رفع كونه‬
‫شاعر او كاهن ؛وهذا يدل على ان نولدكه لم يفهم مضمون هذه اآليات ابتداًء فكيف يحق‬
‫له الطعن تباعًا؟!‬
‫المالحظة الثالثة ‪:‬يقول نولدكه ‪« :‬ويقل حجم اآليات المدنية وهي تحتوي في‬
‫الغالب على تشـريعات قصيرة ومخاطبات وأوامر وما شابه‪ ،‬في األصل عن حجم معظم‬
‫اآليات المكية المتأخرة التي تتألف من خطابات مسهبة»(‪. )8‬‬

‫‪ )3(1‬سورة يوسف ‪ /‬اآلية ( ‪. )159‬‬


‫‪ )4(2‬سورة النحل ‪ /‬اآلية(‪. )43‬‬
‫‪ )5(3‬سورة األنبياء ‪ /‬اآلية(‪. )7‬‬
‫‪ )1(4‬سورة األنبياء ‪/‬اآلية(‪. )8‬‬
‫‪)2(5‬سورة الفرقان‪ /‬اآلية(‪. )20‬‬
‫‪ )3(6‬سورة اإلسراء ‪ /‬اآلية (‪. )25‬‬
‫‪ )4(7‬سورة األنعام ‪/‬اآلية (‪. )9‬‬
‫‪ )5(8‬نولدكه ‪ ،‬تأريخ القرآن ‪. 154 ،‬‬
‫(‪)97‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫ونرد على المستشرق نولدكه باآلتي ‪ 1:‬ـ إن في القسم المكي سورًا طويلة مثل سورة‬
‫األنعام ‪ ،‬وفي القسم المدني سورًا قصار مثل سورة النصر‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن قصر وطول اآليات أو السور ال يقطع الصلة بين القسمين المكي والمدني ‪،‬‬
‫وال بين سور القرآن وآياته جميعًا ؛ بل العكس فإن الصلة بين أجزائه يتلمسها كل‬
‫صاحب ذوق ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ثم إن هناك آيات مكية موجودة بين آيات سورة مدنية ؛ ورغم ذلك ال يمكن‬
‫ألحد أن يشعر بتفاوت ما أو تفكك أو انقطاع بل العكس من ذلك تماما ؛ فان كمال‬
‫االتصال وجمال وتناسق وانسجام اآليات مع بعضها يجعل القرآن كله على طوله سلسلة‬
‫واحدة محكمة متصلة الحلقات ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أما قولهم بقصر اآليات ؛ فإنه اإليجاز في القول وهو مظهر من مظاهر‬
‫اإلعجاز البياني «وهو مظهر رقّي المخاطب وآية فهمه وذكائه بحيث يكفيه من الكالم‬
‫موجزه ومن الخطاب أقصره ؛ أما من كان دونه ذكاًء وفهمًا فال سبيل الى‬
‫إفادتهإالباإلسهاب والبسط إن لم يكن بالمساواة والتوسط»(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ـ ال يختلف اثنان إن السور المكية لم تخل آياتها من التشـريع السماوي ‪ ،‬وان كثرة‬
‫التفاصيل في تشريع األحكام هو أثر ال بد منه في سياسة وتربية الشعوب؛ فبدأت الدعوة‬
‫بإصالح القلوب وتطهيرها من الشرك والوثنية حتى استقاموا على هذا المبدأ القويم‬
‫وشعروا بالمسؤولية‪ ،‬وتقررت فيهم تلك العقائد الراشدة ‪ ،‬ففطموا عن أقبح العادات‬
‫الجاهلية وقادهم إلىأعلى درجات الخلق الكريم والفضائل العربية األصيلة ‪ ،‬ثم كلفهم بما‬
‫ال بد منه من العبادات وهذا كان في مكة ‪ ،‬ولما تهيأت نفوسهم على ذلك‪ ،‬وكانوا قد‬
‫هاجروا إلى المدينة ؛ جاءهم بتفصيل التشريع واألحكام ‪ ،‬وأتّم هللا عليهم نعمته ببيان‬
‫دقائق الدين وأصول التشريع اإلسالمي(‪.)2‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬محاولة هيرشفلد في ترتيب السور القرآنية*‪:‬‬


‫فيما يتصل بالمستشرق األلماني هيرشفلد(‪1854( )H.hirschfeld‬ـ‪1934‬م) فقد أعّد‬
‫بحوثا في ترتيب القرآن الكريم وتفسيره (لندن ‪.)2()1902 ،‬‬
‫صّنف هيرشفلد السور المكية إلى مجموعات ست مسميًا إّياها بحسب وجهات نظر‬
‫تتعلق بالصيغة والمادة ‪ ،‬والمجموعات الست بحسب التسلسل هي ‪:‬‬
‫ـ المجموعة األولى ‪ :‬اإلعالن األول ـ المجموعة الثانية ‪ :‬السور التو كيدية ـ‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬السورالواعظة ـ المجموعة الرابعة ‪ :‬السور القصصية ـ المجموعة‬
‫الخامسة ‪ :‬السور الوصفيةـ المجموعة السادسة ‪ :‬السور التشريعية ‪.‬‬
‫ويرفض هيرشفلد تقسيم نولدكه وموير(‪ )3‬للسور القرآنية ‪ ،‬ولكنه في الواقع ال تعدو‬

‫‪ )1(1‬الزرقاني ‪ ،‬مناهل العرفان ‪. 1/210 ،‬‬


‫(‪ )2‬ظ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪ 1/151 ، .‬ـ ‪. 153‬‬
‫‪*2‬سيعرض الباحث محاولة( هير شفلد )و(جريمه) بصورة موجزة ؛ الن كل منهما اعتمد على‬
‫نولدكه اعتقادا يكاد أْن يكون كليا ما عدا أجزاء قليلة سيقف عندها البحث ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ظ ‪ :‬نجيب العقيقي ‪ ،‬المستشرقون ‪. 2/400 ،‬‬
‫‪)2(3‬لتسليط الضوء على تقسيم موير للسور القرآنية ‪ ،‬يشير البحث بإيجاز الى ذلك ‪.‬‬
‫(‪)98‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬

‫مجموعاته الست لتكون تعديال للمبادئ التي وضعها نولدكه في ترتيب سور القرآن‬
‫الكريم (‪. )1‬‬
‫وهناك توافق تام بين تصنيف نولدكه وبين هيرشفلد في تحديد السور المدنية‬
‫باستثناء سورة واحدة هي سورة البّينة(ترتيبها في القرآن‪ )98‬؛أما المجموعات الثالث‬
‫األولى( اإلعالن األول ـ السور التو كيدية ـ السور الواعظة) ‪ ،‬فكانت متشابهة تماما‬
‫لسور الفترة المكية األولى بالنسبة لنولدكه باستثناء ‪[:‬سورة الذاريات (‪ ، )51‬وسورة‬
‫الفاتحة (‪ ، )1‬وسورة الرحمن (‪ ، )55‬وسورة الفلق(‪ ، )113‬وسورة الناس(‪، ] )114‬‬
‫وجدت في الفترةالمكية األولى عند نولدكه ‪ ،‬يضاف إليها [سورة الشعراء(‪ ، )26‬سورة‬
‫اإلنسان(‪ ، )76‬سورة الجن ( ‪ ])72‬في الفترة المكية الثانية ‪ ،‬وسورة البينة (‪ )98‬من‬
‫السور المدنية عند نولدكه‪،‬أما المجموعات الثالث األخيرة ( السور القصصية ـ السور‬
‫الوصفية ـ السور التشريعية)فهي مع االستثناءات (التي ذكرت سابقا) موزعة بين‬
‫)‪(2‬‬
‫الفترتين المكيتين الثانية والثالثة حسب ترتيب نولدكه الزمني لسور القران الكريم‬

‫ثالثًا ‪ :‬ترتيب جريمه لسور القرآن الكريم ‪:‬‬


‫تبع المستشـرق األلماني جريمه (‪1864 ( )H.Grimme‬ـ‪ )1942‬؛ نولدكه في‬
‫تقسيمه للسور القرآنية ‪ ،‬بما يتعلق بالفترة المدنية ‪ ،‬وكذلك فيما يتصل باألمور األساسية‬
‫المتعلقة بتوزيع‬

‫يقسم موير السور المكية على خمس مراحل هي ‪:‬‬


‫أوال‪ :‬سور نزلت قبل سورة العلق (‪ )96‬؛أي‪ :‬قبل البعثة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬أقدم السور حتى جهر محمد بدعوته ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حتى العام السادس بعد البعثة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حتى العام العاشر بعد البعثة ‪.‬‬
‫ظ ‪Muir,Life of :‬‬ ‫خامسا ‪ :‬حتى الهجرة ‪.‬‬
‫‪mohammed,2,75‬‬
‫ويعلق نولدكه على تقسيم موير ‪ ،‬بتعليق عجيب اغرب من التقسيم نفسه ‪ ،‬فيقول ‪« :‬يبدو أن‬
‫الباحث االنجليزي موير اكتسب بسبب معاشرته للمصادر ميًال محددًا نحو النبي جعله يسعى‬
‫على األقل لفترة من الزمن الى تبرئته من تهمة انتحال اسم هللا في الكالم»‬
‫‪ )1(1‬ظ ‪ :‬نولدكه ‪ ،‬تاريخ القرآن ‪.70 ،‬‬
‫‪.H.Hirschfeld,new Reseurchef,P.143 FF - 22‬‬
‫(‪)99‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫السور المكية الى مجموعات ‪ ،‬لكن الفرق هو أن جريمه حذف من سور الفترة المكية‬
‫األولى بالنسبة لتقسيم نولدكه ؛ تسع سور هي ‪[ :‬سورة الذاريات(‪ )51‬ـ سورة الطور (‬
‫‪ )52‬ـ‬
‫سورة النجم (‪ ، )53‬سورة الرحمن (‪ )55‬ـ سورة الواقعة (‪ )56‬ـ سورة الفاتحة (‪ )1‬ـ‬
‫سورة القدر(‪ )97‬ـ سورة الكافرون(‪ )109‬ـ سورة اإلخالص(‪ ، ])112‬فنسب جريمه‬
‫السور[الذاريات ـ الطور ـ النجم ـ الرحمن ـ الواقعة] الى الفترة المكية الثانية ‪،‬‬
‫ونسب[الفاتحة ـ القدر ـ الكافرون ـ اإلخالص] إلى الفترة المكية الثالثة ‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫يضم إلى فترته الثانية سورة إبراهيم (‪ )14‬فقط(ما عدااآليات‪35‬ـ‪ )41‬المدنية ‪ ،‬وسورة‬
‫الحجر (‪ )15‬وسورة ق (‪ )50‬وسورة القمر (‪ ، )54‬فيما يضم سورة اإلنسان(‪ )76‬الى‬
‫الفترة المكية األولى ‪ ،‬وسائر السور إلى الفترة المكية الثالثة)‪. (1‬‬

‫(رأي الباحث في الترتيب الزمنيلسور القرآن الكريم)‬


‫علىالرغم من محاولة بعض المستشـرقين األلمان إلعادة ترتيب سور القرآن الكريم‬
‫بحسب زمن نزولها ؛ إال أنهم لم يتوصلوا إلى ترتيب زمني دقيق وقاطع ‪ ،‬فكانت‬
‫محاوالت فاشلة وبشهادة شيخ المستشرقين نفسه(‪. )2‬‬

‫‪Hubert Grimme, Mohammed,Z(Münster,1859),P25-2 - 711‬‬


‫‪ُ )1(2‬سئل المستشرق األلماني تيودور نولدكه قبل وفاته بوقت قصير ‪ ،‬وقد شارف على التسعين من‬
‫عمره ‪ ،‬قضـى منها سبعين سنة في مدينة شتراسبورغ ‪ُ ،‬سئل إن كان يشعر بالندم ‪ ،‬ألنه لم يعكف‬
‫على دراسة علم يعود بالفائدة على الجنس البشري ‪ ،‬كدراسة الطب أو الزراعة ‪ ،‬أو أي فرع غير‬
‫الدين واللغات والفلسفة ؟ فأجاب نولدكه «إذا كان من ندم فألنني درست علومًا لم أظفر منها في‬
‫النهاية بنتائج حاسمة قاطعة» ‪.‬‬
‫ظ ‪ :‬مقالة للمستشرق الهولندي سنوك هوجرونيه ‪ ،‬نشرت في مجلة األلمان في الذكرى األولى لوفاة‬
‫نولدكه ‪ +‬عمر لطفي العالم ‪ ،‬المستشرقون والقرآن ‪. 8 ،‬‬
‫والظاهر ان نولدكه أشار الى كون الدراسات اإلنسانية التي أفنى عمره في طلبها مات وفي نفسه‬
‫حرقة منها ‪.‬‬
‫ويؤكد تصريحه للمستشرقين بريتسل وشفاللي ‪ ،‬اللَذ ين أرادا الحصول على إذن منه بإعادة طبع‬
‫كتابه(تأريخ القرآن) فاعتذر وعّبر بأسلوب ملتٍو عن عدم رضاه عن كتابه المذكور ‪ ،‬ألنه ال يزال في‬
‫حيرة من شخصية الرسول األعظم‘ ‪ .‬والجدير بالذكر أن نولدكه قبل أن يناقش كتابه كرسالة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه ‪ ،‬وكان وقتها في مطلع العقد الثالث من عمره ‪ ،‬قام بمحاولته األولى التي أطلق عليها‬
‫اسم «حول نشوء وتركيب السور القرآنية» ‪ ،‬وحين ُسئل عن مصيرها أجاب «لقد كانت عمًال غير‬
‫(‪)100‬‬
‫‪............................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تاريخ القران الكريم عند المستشرقين األلمان‬
‫فقد استند نولدكه ومن تبعه في ترتيب زمن نزول السورة على تتبع أي إشارة‬
‫أوحدث معروف زمنيًا في آية أو مجموعة آيات من هذه السورة؛ وبعدها يكون‬
‫االفتراض مبنيا على أن زمن نزول السورة هو زمن الحادثة نفسه أو تلك اإلشارة‬
‫الواضحة في اآلية ‪..‬وفي منهجهم هذا‬

‫لم يراعوا عنصر الزمن فيما يتصل باآليات األخرى من السورة ذاتها ؛ فقد نجد أن اآلية‬
‫من السورة نزلت في زمن محدد أو حادثة معينة ‪ ،‬واآليات المجاورة نزلت في أوقات‬
‫الحقة ‪.‬ومن المؤكد إن أي باحث آخر سيالقي ما القاه المستشـرق نولدكه من الصعوبة ‪،‬‬
‫بل نجزم أنه من غير الممكن تحديد زمن معين لنزول جميع اآليات والسور القرآنية‬
‫بشكل دقيق أو قطعي ‪..‬وهذه المحاوالت تؤدي إلى تفكيك النص القرآني وتشتيت الفكرة‬
‫باالنتقاالت المتعددة ما بين مواضع منفصلة من السور القرآنية ؛فالقرآن الكريم معجز‬
‫بترتيبه التوقيفي من عند هللا تعالى ‪ ،‬بتجانس آية في السور ‪ ،‬وتجانس سورة بعضها مع‬
‫بعضها اآلخر ‪ ،‬وهذا ما ليس بمقدور أي إنسان أن يغيره أو يعيد ترتيبه ‪.‬‬

‫ناضج»‪.‬ظ ‪ :‬م ‪ .‬ن ‪. 7 ، .‬‬

You might also like