Professional Documents
Culture Documents
O U o o U o U o U o o o o U o U U U U o U U o o U o o o o o o U U o o o U o
O U o o U o U o U o o o o U o U U U U o U U o o U o o o o o o U U o o o U o
ذات الصبغة املالية لإلدارات واملقاوالت كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
-الفوج الثالث - -وجدة -
1
مقدمة
جاءت مدونة التجارة لسنة 11996في سياق سلسلة من اإلصالحات التشريعية املتسارعة التي باشرها املغرب مع
نهاية القرن العشرين ،والتي مهدت لعهد جديد من القوانين الهامة في مجالي التجارة واالستثمار بغية تطوير مناخ األعمال
ودعم االستثمار األجنبي ،وبالتالي تحقيق النهوض االقتصادي .وهكذا ،فقد سبق إقرار مدونة التجارة صدور ظهير 25
دجنبر 1992الذي يتعلق بنظام املحاسبة والقواعد املحاسبية2؛ تالها صدور القوانين الثالثة املتعلقة بتنظيم السوق
املالي ،3إضافة إلى الظهير املتعلق بنشاط مؤسسات االئتمان ومراقبتها 4الذي أعاد تنظيم القطاع البنكي.
وقد تلى صدور مدونة التجارة -مباشرة -اعتماد إطار قانوني جديد للشركات من خالل القانون رقم 17.95املتعلق
بشركة املساهمة ،5والقانون رقم 5.96املتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم
ّ
املحاصة .6وتعززت هذه الحركة التشريعية بإحداث القضاء املتخصص ،السيما والشركة ذات املسؤولية املحدودة وشركة
إصدار القانون رقم 53.95املتعلق باملحاكم التجارية ،7إضافة إلى إجراءات وقوانين أخرى.
ونظرا ألهمية مدونة التجارة ومحوريتها ضمن هذه املنظومة التشريعية ،خاصة وأن موادها تتداخل مع الكثير
من مقتضيات القوانين املذكورة وغيرها ،وباعتبار سياق إقرارها وللمستجدات التي جاءت بها ،فقد جاء هذا البحث ليلقي
الضوء على مدونة التجارة من زاوية األعمال التجارية ،كونها تشكل أساس النظرية املوضوعية التي يقوم عليها القانون
التجاري املغربي الساعي لتدعيم مبدأ الحرية االقتصادية .فإذا قام شخص بعمل تجاري ،سواء كان تاجرا أو غير تاجر،
وحتى ولو قام به ملرة واحدة؛ فإن هذا العمل تحكمه قواعد القانون التجاري؛ وتأسيسا على هذه النظرية املوضوعية ،فإن
القانون التجاري ما هو إال قانون األعمال التجارية؛ ما يجعل استيعاب هذه األخيرة ذا أهمية بالغة في فهم فلسفة القانون
التجاري املغربي ومقتضياته.
1القانون رقم 15.95املتعلق بمدونة التجارة ،الصادر بتاريخ 24ذي الحجة 1416هـ ( 13ماي ،)1996الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
،1.96.83بتاريخ 15ربيع األول 1417هـ (املوافق لـفاتح غشت 1996م) ،الجريدة الرسمية ،عدد ،4418بتاريخ 03أكتوبر 1996م،
ص.2187.
2القانون رقم 09.88املتعلق بالقواعد املحاسبية الواجب على التجار العمل بها ،الصادر بتاريخ '0صفر 1413هـ املوافق لـ 04غشت ،1994
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.92.138بتاريخ 30دجتبر ،1992ص.1867.
3الظهير رقم 1.93.2112بمثابة قانون متعلق بإحداث وتنظيم بورصة الدارالبيضاء؛ والظهير رقم 1.93.212بمثابة قانون متعلق بمجلس
القيم املنقولة وباملعلومات املطلوبة إلى األشخاص املعنوية التي تدعو الجمهور إلى االكتتاب في أسهمها أو سنداتها؛ والظهير رقم
1.93.213بمثابة قانون متعلق بالهيئات املكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم املنقولة ،بتاريخ 4ربيع األول 21( 1414سبتمبر ،)1993الجريدة
الرسمية ،عدد ،4223بتاريخ 06أكتوبر ،1993ص.1882.
4ظهير رقم 1.93. 147بمثابة قانون صادر في 15من محرم 6( 1414يوليو ،)1993الجريدة الرسمية ،عدد ،4210بتاريخ 07يوليوز ،1993
2 ص.115.
5الصادر بتنفيذه الظهير رقم ،1.96.124بتاريخ 14ربيع اآلخر 1417هـ ( 30أغسطس ،)1996الجريدة الرسمية ،عدد ،4422بتاريخ
.1996/10/17
6الصادر بتنفيذه الظهير رقم ،1.97.49بتاريخ 05شوال 1417هـ ( 13فبراير ،)1997الجريدة الرسمية ،عدد ،4478بتاريخ 04ذي الحجة
1417هـ (فاتح ماي ،)1997ص.1058.
7الصادر بتنفيذه الظهير رقم ،1.97.65بتاريخ 04شوال 12( 1417فبراير ،)1997الجريدة الرسمية ،عدد ،4482بتاريخ 8محرم 1418
(املوافق 15ماي ،)1997ص.1001.
كما أن املشرع املغربي استند في تحديد وصف التاجر 8على ممارسة األعمال التجارية بشكل اعتيادي أو احترافي
لألعمال التي عددها في املادتين السادسة والسابعة من مدونة التجارة ،وجاءت املادة الثامنة لتترك الباب مفتوحا على كل
نشاط يمكن أن يماثل األنشطة الواردة في املادتين السابقتين ،مستلهما ذلك من النظرية املوضوعية القائمة على ممارسة
األعمال التجارية بشكل احترافي واعتيادي؛ وهو ما يعزز دواعي دراسة األعمال التجارية وفق آخر اإلصدارات التشريعية في
هذا الباب ،واملتمثلة في مدونة التجارة لسنة .1996
وترتكز األعمال التجارية في تمييزها عن األعمال املدنية على معايير قائمة ،من ناحية ،على اعتبارات اقتصادية؛
حيث تقوم نظرية املضاربة على أساس السعي لتحقيق الربح ،وتثبت للقائم بها الصفة التجارية؛ إضافة إلى نظرية التداول
التي تذهب إلى القول بأن العمل التجاري يسعى لتسهيل التداول في السلع والنقود والصكوك منذ خروجها من يد املنتج إلى
حين استقرارها في يد املستهلك .كما ترتكز ،من ناحية ثانية ،على معايير قانونية؛ ويعتمد فيها معيار الباعث على السبب
الدافع وراء العمل؛ فإن كان الباعث أو السبب تجاريا (مثل القيام باملضاربة) كان العمل تجاريا ،وإن كان غير ذلك اعتبر
مدنيا .في حين ،يستند معيار املشروع أو املقاولة على ممارسة العمل في شكل مقاولة أو مشروع حتى يتم اعتبار العمل
تجاريا ،ودون االهتمام بغرضه أو بطبيعته.9
تشكل معايير تمييز األعمال التجارية دافعا لطرح التساؤل حول مدى تبني املشرع املغربي لهذه املعايير ،القائمة
على االعتبارات االقتصادية والقانونية ،في تنظيمه لألعمال التجارية من خالل مدونة التجارة ،السيما وأن األعمال التجارية
متنوعة ومتعددة .كما يثار التساؤل حول مدى استجابة القانون التجاري املغربي للتطورات واملتغيرات املتسارعة التي
تطبع األعمال التجارية ،وتبعا لذلك مدى صالحية مدونة التجارة على شكلها الحالي في االستجابة للتحديات االقتصادية
اآلنية واملستقبلية.
إن هذا البحث ،وإن كان ذا طبيعة عامة وتمهيدية؛ فإنه سعى للتنقيب عن األعمال التجارية واإلملام بمختلف
تصنيفاتها ،رغم الصعوبات املرتبطة بتوفر املراجع الحديثة واملتخصصة ،وكذا عسر الوصول إلى األحكام والقرارات
القضائية؛ لهذا تم االعتماد في إعداده على املنهج املتعدد التخصصات وفق املنطق القانوني ،وبما أتيح من املراجع التي
سمح الوقت الضيق بالوصول إليها.
وسوف نتطرق ملوضوع األعمال التجارية (وفق مدونة التجارة املغربية) عبر مطلبين؛ حيث يعالج املطلب األول
األعمال التجارية األصلية ،سواء تلك األعمال التي تستمد صفتها التجارية من طبيعتها ،أو األعمال التي أضفى عليها املشرع
الطابع التجاري شريطة أن تتم وفقا للشكليات التي حددها القانون التجاري .بينما سيتطرق املطلب الثاني لألعمال
التجارية األخرى ،واملتمثلة في األعمال التجارية بالتبعية واألعمال التجارية املختلطة.
8إلى جانب النظرية املوضوعية ،نجد النظرية الشخصية التي ترى أن القانون التجاري في أصله قانون منهي ينظم نشاط من يحترفون التجارة
دون غيرهم ،ومنشأ ذلك القانون هو في األصل مجموع القواعد والعادات التي ابتدعها التجار .وتبعا لذلك ،فالعمل ذو الطبيعة التجارية
الذي يتصدى له غير التاجر يخرج عن دائرة العمل التجاري.
9حنان مخلوف ،مبادئ القانون التجاري (األعمال التجارية وشركات األشخاص) ،كلية الحقوق ،جامعة بنها ،مصر ،2011 ،ص.48-40.
3
املطلب األول :األعمال التجارية األصلية
تعتبر األعمال التجارية األصلية تلك األعمال التي حددها املشرع في املواد السادسة والسابعة والتاسعة من مدونة
التجارة؛ حيث تعتبر تجارية بصرف النظر عن مزاولها ،سواء كان تاجرا أو غير تاجر؛ كما أنها تشمل كل األعمال التي تتشابه
وتتجانس معها ،طبقا للمادة الثامنة من نفس املدونة .وتنقسم هذه األعمال إلى :أعمال تجارية بطبيعتها (الفقرة األولى)
وأعمال تجارية شكلية (الفقرة الثانية).
األعمال التجارية بطبيعتها هي إما أعمال تجارية برية ،أو أعمال تجارية بحرية أو جوية ،وقاسمها املشترك أنها
تستمد صفتها التجارية من طبيعتها؛ حيث تتوفر فيها معايير العمل التجاري .بالنسبة لألنشطة التجارية البحرية والجوية
املحددة في املادة السابعة ،فهي تدخل في إطار القانون البحري والقانون الجوي ،10وبالتالي لن تكون معنية بهذا البحث،
لهذا سنقتصر على األنشطة التجارية البرية بأصنافها الثالثة :األعمال التجارية املرتبطة بتوزيع السلع واملنتوجات (أوال)
واألعمال التجارية املرتبطة بالتصنيع واإلنتاج (ثانيا) واألعمال التجارية املرتبطة بالخدمات (ثالثا).
تعتبر عمليات تسويق املنتوجات وتوزيعها الصورة الشائعة للعمل التجاري ،وهي تشكل املظهر البارز للتجارة في
صورتها البسيطة ،املرتكزة على املضاربة على السلع والتوسط في تداولها من أجل تحقيق الربح .ويدخل في نطاق التسويق
والتوزيع ،كما جاء في مدونة التجارة ،ما يلي:
تعتبر عملية الشراء أو االكتراء ،من أجل البيع أو إعادة التأجير ،صورة بارزة للعمل التجاري ،ملا تتوفر عليه من
عناصر املضاربة والوساطة في التداول؛ حيث يتوجب توفر أربعة شروط العتبار هذا النشاط نشاطا تجاريا ،وهو ما نعرض
له بالتفصيل فيما يلي.
10فؤاد معالل ،شرح القانون الجديد الجزء األول التاجر والنشاط التجاري ،اآلفاق املغربية ،الطبعة الخامسة ،الدارالبيضاء ،2016 ،ص.82.
4
أ .أن يكون هناك شراء أو اكتراء
لكي يعتبر هذا العمل تجاريا ،البد أن يتأسس على منطلق ثابت يتمثل في شراء أو اكتراء املنقوالت ،مع إمكانية أن
تحل املقايضة مكان الشراء .وإذا كانت املنقوالت املتاجر فيها تأتي عن طريق آخر غير الشراء أو االكتراء ،فإن النشاط
املمارس عليها يعتبر نشاطا مدنيا تنتفي فيه الصفة التجارية .ومن هذا املنطلق ،فإنه ال يعتبر عمال تجاريا تلك األعمال التي
لم تتخللها عملية الشراء أو اإليجار ،كما هو الشأن بالنسبة للزراعة واإلنتاج الفكري واملهن الحرة.
-ال ـ ـ ـ ـ ـزراع ـ ـة :تعتبر الزراعة ،بكل ما يتعلق بها ،سواء كانت زراعة معيشية أو تسويقية ،نشاطا مدنيا .فبيع املزارع
ملنتوجه ،سواء النباتي أو الحيواني ،ال يعد عمال تجاريا ألنه ،وإن كان يقوم على عنصر تحقيق الربح،
فإنه ال يتوفر فيه عنصر التوسط في التداول .11إال أنه يوجد استثناء على ذلك من ناحية الكم
واالرتباط بزراعة املزارع؛ ففي حالة شراء املزارع -مثال -ملنتوج بكمية أكبر من حاجيات إنتاجه ،وقام
ببيعه؛ فإنه يعد في هذه الحالة عمال تجاريا .كما إنه إذا اشترى منتوجا آخر غير مرتبط باملنتوج الذي
يقوم بزراعته ،اعتبر أيضا عمال تجاريا.
-اإلنتاج الفكري :يعتبر اإلنتاج الفكري عمال مدنيا إذا قام الفنان أو املؤلف (وغيرهما) ببيع إنتاجهم الشخص ي .أما
في حالة شراء هذا املنتج أو اكترائه من شخص آخر بغية إعادة بيعه ،يعتبر عمال تجاريا ،ملا تخلله من
مضاربة وتوسط في التداول.
-املهن الحرة :ال يمكن إدراجها ضمن األنشطة التجارية الفتقادها لعنصري املضاربة والتوسط في التداول ،ومثال
ذلك الطبيب الذي يشتري البالتين لترميم أسنان زبنائه (بذل عناية)؛ فرغم تضمن هذا العمل عنصر
الشراء والتوسط فإنه يعتبر عمال مدنيا .إال أن عمل الصيدالني ،رغم كونه مهنة حرة؛ فإنه يعتبر عمال
تجاريا لغلبة عنصر التوسط والتداول وتحقيق الربح عليه.
على خالف بيع املنقول ،ال يعتبر اكتراء املنقول بقصد اإليجار عمال تجاريا ،ذلك أن اكتراء العقارات بقصد إعادة
إيجارها ممنوع في القانون املغربي12؛ فعملية كراء املنقول أو تأجيره تعتبر عملية تجارية فقط في حالة حيازة الشخص
املكري للمنقول ،سواء كانت عن طريق الشراء أو الكراء13؛ وبالتالي نستنج أن اكتراء املنقوالت من أجل إكرائها من الباطن
يشترط توفر ثالثة عناصر ،وهي:
لكي يتم اعتبار شراء املنقوالت التجارية عمال تجاريا ،البد أن تتوفر نية البيع أو الكراء ،سواء على الحالة التي
اشتري عليها املنقول أو بعد تغييره ،وذلك بأن تكون نية البيع أو الكراء متوفرة وقت الشراء أو االكتراء ،وال يهم بعد ذلك
إن كان قد وقع البيع بالفعل أم ال.14
إن ما يميز شراء أو اكتراء املنقول التجاري عن الشراء أو االكتراء املدني هو القصد ،فإذا كان القصد من الشراء
اعتبر عمال تجاريا؛ أما إذا انتفى هذا القصد ،ا ُ
عتبر عمال مدنيا .كما تجب اإلشارة إلى أنه ليس من واالكتراء هو الربحُ ،
الضروري أن يتحقق الربح فعال ،ذلك أن العمل التجاري يحتمل الربح والخسارة.
.2بيع العقار
العقار هو كل ش يء ثابت ال يمكن نقله بدون تلف ،كاألراض ي واملباني؛ وتخضع التصرفات الواردة عليه ملجموعة
من الشكليات ،كالكتابة وتقييد التصرف بالسجل التجاري (عقد البيع كمثال) .ويعد بيع العقار عمال تجاريا ،سواء تم
بيعه على الحالة التي كان عليها ،أو بعد إدخال تغييرات عليه ،كشراء األراض ي وتجزئتها لبقع.
وبصرف النظر عن الغرض الذي خصص له العقار ،هناك شروط لتجارية بيع العقار ،هو أن يسبقه الشراء،
سواء تم هذا الشراء باملقابل النقدي أو باملقايضة .وزيادة على الشراء ،يجب أن يكون هناك بيع لكي يعتبر هذا العمل
تجاريا ،وذلك انسجاما مع ما جاء في البند الثالث من املادة السادسة.15
لقد اكتفى املشرع بالنص على عملية بيع العقار ،وهو ما يعني استبعاد كراء العقار من نطاق األعمال التجارية،
وإبقائه ضمن األعمال املدنية .لكن تجدر اإلشارة إلى أن عقد كراء العقار املخصص لغرض منهي من قبل املؤسسة
املتخصصة في االئتمان اإليجاري ،يعد من العقود التجارية التي أدرجتها مدونة التجارة في البند الثاني من املادة .16431
14فريدة اليموروي ،شرح القانون التجاري :األعمال التجارية والتاجر ،الجزء األول ،مطبعة بني يزناسن ،الطبعة الثانية ،سال ،2016 ،ص.84.
15نصت على" :شراء العقارات بنية بيعها على حالها أو بعد تغييرها" .البند 3من املادة 6من مدونة التجارة.
16نصت على -2 ..." :كل عملية كراء للعقارات املعدة لغرض منهي تم شراؤها من طرف املالك أو بناء لحسابه ،إذا كان من شأن هذه العملية،
كيفما كان تكييفها ،أن تمكن املكتري من أن يصير مالكا لكل أو بعض األموال املكرات على أبعد تقدير عند انصرام أجل الكراء" .املادة 431
6 من مدونة التجارة.
.3عملية توريد السلع والخدمات
نصت مدونة التجارة على تجارية هذا النشاط في البند الرابع عشر من املادة السادسة ،وقد اشترطت ممارسة
عملية التوريد على وجه االعتياد أو االحتراف من طرف املتعهد .ويقصد بعملية التوريد ذلك االتفاق الذي يتعهد ويلتزم
ّ
"املورد" بأن يقوم بتزويد أشياء أو بضائع وسلع متفق عليها إلى الغير ،وذلك بشكل
بمقتضاه شخص معين يصطلح عليه ِّ
دوري ومتكرر ،وبصفة منتظمة خالل فترة زمنية يحددها العقد .ويعتبر هذا النشاط عمال تجاريا ،سواء قام املورد بتقديم
السلع أو البضائع على سبيل التمليك أو االنتفاع.
تصنف ضمن املقاوالت التي تضمنها القانون التجاري املغربي ،وهي الواردة في البند العاشر من املادة السادسة
من مدونة التجارة .إذ تنظم عمليات اإليداع باملخازن العمومية املواد من 341إلى 354من مدونة التجارة.
ُ
يقصد باملستودعات واملخازن تلك األماكن التي ي ِّ
ودع فيها التجار بضاعتهم ويخزنونها لقاء أجر ،وتقدم هذه
ودع ولصاحب املستودع أو املخزن؛ إذ تمكن األول من حفظ بضاعته من التلف والضياع ،كما تمكن األماكن فوائد ُ
للم ِّ
الثاني من استيفاء حقوقه؛ وإذا لم يوفها املودع يتم اللجوء لبيع البضاعة املخزونة عن طريق البيع باملزاد العلني.17
هي محالت يخصصها صاحبها لبيع األموال اململوكة للغير باملزاد العلني أو السمسرة العمومية ،أي أن البيع يكون
لفائدة شخص من الجمهور يتقدم بأعلى ثمن لألموال املعروضة .فهذه املحالت إذن تتوسط بين الراغب في البيع والراغب
في الشراء مقابل أجرة؛ وهي بذلك تعد تجارية بالنسبة لصاحب املحل ،سواء وردت عمليات البيع على املنقوالت أو
العقارات .وال يدخل املزاد العلني الذي تقوم به الجهات اإلدارية أو القضائية ضمن النشاط التجاري؛ كما هو الشأن
بالنسبة لقيام املحكمة ببيع أموال املدين موضوع الحجز.18
يقصد بأعمال التصنيع واإلنتاج تلك األنشطة التي يترتب على ممارستها خلق ثروات أو قيم اقتصادية جديدة؛
حيث تدرج املادة السادسة من مدونة التجارة ضمن هذه األعمال األنشطة التالية :العمليات االستخراجية ( ،)1النشاط
الصناعي ( ،)2النشاط الحرفي ( ،)3نشاط الطباعة والنشر ( ،)4إضافة إلى البناء واألشغال العمومية (.)5
17تعطي هذه املستودعات للمودع وثائق تتضمن صفات ومميزات البضاعة وهي على نوعين :وثيقة امللكية ووثيقة الرهن .فإذا باع املالك هذه
البضاعة ظهر الوثيقة األولى ،أما إذا رهنها فقط ظهر الوثيقة الثانية (الفقرة االولى من املادة 343من مدونة التجارة) وإذا لم يدفع املبلغ
املذكور عند حلول األجل يمكن لحامل وثيقة الرهن أن يعمد إلى بيع البضاعة املرهونة بدون اجراءات قضائية ،وذلك بعد ثمانية أيام من
االحتجاج (املادة 347من قانون التجارة).
7 18املنشور املتعلق بمسطرة البيع باملزاد العلني ،العدد ،3السنة الثانية 17 ،يناير ،2017وزارة العدل ،اململكة املغربية.
.1العمليات االستخراجية
نص املشرع على هذه األعمال في البند الرابع من املادة السادسة من مدونة التجارة ،وسماها بعمليات التنقيب
على املناجم واملقالع واستغاللها ،أي العمليات االستخراجية .19وإضافة إلى هذا السند القانوني ،فهناك سبب منطقي
العتبار هذه األعمال تجارية ،وهو ارتكازها على رؤوس أموال ضخمة وتقنيات دقيقة؛ كما أن هذه العمليات تتعلق
باستخراج املواد األولية من باطن األرض من أجل بيعها ،سواء على هيئتها أو بعد تحويلها.
.2النشاط الصناعي
يتمثل هذا النشاط في تحويل املواد األولية إلى سلع مصنعة تصلح إلشباع حاجات األفراد .ويعد نشاط الصانع
نشاطا تجاريا ،سواء في حالة قيامه بشراء مواد أولية أوفي حالة اقتصار عمله على تحويل منتجات الغير إلى شكل معين.
وقد اعتبر املشرع املغربي ،في البند الخامس من املادة السادسة من مدونة التجارة ،إلى أن من يقوم بهذا العمل يعد تاجرا
عند القيام به على سبيل االعتياد واالحتراف.
.3النشاط الحرفي
أشار املشرع إلى النشاط الحرفي في البند الخامس من املادة السادسة من مدونة التجارة ،واعتبره عمال تجاريا؛
وذلك على خالف ما كان معموال به في السابق .وقد اشترط املشرع العتبار هذا العمل تجاريا أن تتم ممارسته على سبيل
االعتياد أو االحتراف ،وذلك بالرغم من اعتماده بشكل أساس ي على الجهد الشخص ي وإمكانيات بسيطة ،مثل ما هو عليه
الحال في عمل امليكانيكي والنجار.
.4الطباعة والنشر
تمت اإلشارة إلى هذه األنشطة في البند الحادي عشر من املادة السادسة من مدونة التجارة؛ واعتبرها املشرع
أعماال تجارية ،كما أكسب ممارسها ،بكيفية اعتيادية ومنتظمة ،صفة تاجر .فاإلنتاج الفكري -مثال -يعد في أصله عمال
مدنيا إذا باعه مؤلفه أو منتجه ،لكن في حالة شراء مؤسسات الطبع والنشر هذا اإلنتاج وقامت ببيعه بهدف تحقيق الربح،
يصبح عمال تجاريا.
على عكس ما كان معموال به في ظل ظهير 12غشت ،1913الذي كان يعتبر البناء واألشغال العمومية أعماال
مدنية ،نصت مدونة التجارة في البند الثاني عشر من املادة السادسة على أن هذه األعمال تجارية ،مسايرة في ذلك االجتهاد
القضائي الفرنس ي .واستنادا إلى ذلك؛ فإن الشخص ،سواء كان معنويا أو ذاتيا ،الذي يقوم بصورة اعتيادية أو احترافية
8
لحساب الغير بمهام لها عالقة بتشييد املباني أو هدمها أو ترميمها [ ]...يعتبر تاجرا" .20وغالبا ما تمارس هذه األعمال من
خالل مقاولة ،كمقاوالت البناء ومقاوالت إنشاء الطرق والجسور والسكك الحديدية.
تتنوع الخدمات التجارية ضمن االقتصاد املعاصر ،منها ما هو مرتبط بالخدمات االجتماعية ( )1ومنها ما هو
مرتبط بأعمال الوساطة ( ،)2كما نجد ما هو مرتبط بالخدمات املالية (.)3
.1الخدمات االجتماعية
تدخل ضمن هذه الخدمات :خدمات النقل (أ) وخدمات البريد واملواصالت (ب) وتنظيم املالهي العمومية (ج).
يعتبر النقل عمال تجاريا متى تم بمقابل ومورس على سبيل التكرار واالعتياد ،21بغض النظر عن وسيلة النقل
املستعملة ،سواء تعلق بنقل األشخاص أو نقل البضائع ،وأيا كانت طبيعته :بريا أو بحريا أو جويا؛ وهذا ما يمكن
استخالصه من املادة 443من مدونة التجارة التي عرفت عقد النقل بأنه" :اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن
ينقل شخصا أو شيئا إلى مكان معين."...
أشار إلى هذه األعمال البند الثامن عشر من املادة السادسة من مدونة التجارة .ويتضح من خاللها أن املشرع
يجعل ممارس الخدمات املتعلقة بالبريد واملواصالت عن طريق االحتراف أو االعتياد يكتسب صفة تاجر؛ إذ أن هذه األعمال
تعتبر أعماال تجارية لوجود قصد املضاربة وتحقيق الربح.22
يدخل في اصطالح املالهي كل تقديم للتسلية أو الترفيه إلى الجمهور بهدف الربح ،وذلك مثل دور السينما وحدائق
الحيوانات والسيرك وغيرها؛ لكن يشترط أن تقدم هذه األعمال على وجه التكرار واالعتياد لكي يتم تصنيفها من األعمال
التجارية.
وقد نصت على هذه األعمال البند الخامس عشر من املادة السادسة من مدونة التجارة ،واعتبرت أن تنظيم
املالهي العمومية الذي تتم ممارسته بكيفية اعتيادية أو احترافية يضفي الصبغة التجارية على من يمارسه.
20محمد أطويف ،الوجيز في شرح القانون التجاري ،مطبعة األمنية ،الطبعة األولى ،الرباط ،2016 ،ص.93.
21البند السادس من املادة السادسة من مدونة التجارة.
22فريدة اليوموري ،مرجع سابق ،ص.109.
9
.2خدمات الوساطة
لقد نظمت مدونة التجارة األعمال املرتبطة بخدمات الوساطة في البنود 9و 10و 13و 16من املادة السادسة من
مدونة التجارة ،23وهي املتمثلة في السمسرة (أ) والوكالة بالعمولة (ب) والوكالة التجارية (ج) ومكاتب ووكاالت األعمال(د).
أ .السمسرة
لقد نظم املشرع السمسرة في املواد من 405إلى 421من مدونة التجارة؛ حيث عرفتها املادة 405بأنها "عقد يكلف
بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط عالقة بينهما قصد إبرام العقد".
فمهمة السمسار تتجلى في الوساطة بين شخصين يريدان أن يتعاقدا ،دون أن يكون تابعا ألحدهما أو نائبا عن
أحدهما في إبرام هذا العقد؛ بل يكون مجرد وسيط ينحصر دوره في التقريب بين طرفي العقد ليلتقيا ببعضهما ،دون أن
تقع على عاتقه أية التزامات قانونية ،وال أن تترتب له حقوق إال حقه في الحصول على األجر املتفق عليه.24
كما أن املادة السادسة في فقرتها التاسعة اشترطت العتبار السمسرة نشاطا تجاريا بأن تتم ممارستها بشكل
اعتيادي أو احترافي.
إضافة إلى السمسرة ،نصت املدونة على تجارية عقد الوكالة بالعمولة .والوكيل بالعمولة هو ذلك الشخص الذي
يحترف التعاقد باسمه الشخص ي ولكن ملصلحة ولحساب الغير (املوكل) مقابل أجر أو عمولة .25وهذا التعريف تبناه
املشرع في املادة 422من مدونة التجارة؛ حيث نص على أن" :الوكالة بالعمولة عقد يلتزم بموجبه الوكيل للقيام باسمه
الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله.
نستنتج من املادة أعاله أن مهمة الوكيل بالعمولة تتمثل في إبرام عقود قانونية باسمه الشخص ي ،لكن ملصلحة
موكله ودون أن يظهر اسم هذا األخير في العقد .وفي حالة عدم تنفيذ هذا العقد ،فإن الوكيل بالعمولة هو الذي تقع على
عاتقه مسؤولية عدم تنفيذه.
23املادة السادسة من مدونة التجارة " .9 ...السمسرة والوكالة بالعمولة وغيرها من أعمال الوساطة؛ .10استغالل املستودعات واملخازن
العمومية؛ .13مكاتب ووكاالت األعمال واالسفار".
24فريدة اليوموري ،مرجع سابق ،ص112.؛
25سعيد الروبيو ،مرجع سابق ،ص.42.
10
ج .الوكالة التجارية
على خالف الوكيل بالعمولة ،الذي يتعاقد لحساب موكله باسمه الشخص ي؛ فالوكيل التجاري يتعاقد باسم
ولحساب املوكل ،لهذا فهو ال يتحمل تبعات عدم إتمام العقد؛ ويعتبر هذا العمل بالنسبة له عمال تجاريا شريطة ممارسته
على سبيل االحتراف واالعتياد .كما تجدر اإلشارة إلى أن مدونة التجارة لم تنص صراحة على الوكالة التجارية ضمن التعداد
الوارد في املادة السادسة ،إال أنها نصت عليها ضمنا في البند التاسع بضمها إلى السمسرة والوكالة بالعمولة وغيرها من
أعمال الوساطة ،كما أنها نظمتها بمقتض ى املواد من 393إلى .404إذن فالوكالة التجارية تعتبر عملية وساطة يقوم فيها
الوكيل التجاري بالتفاوض أو التعاقد باسم ولحساب تاجر مقابل أجر.26
تقوم مكاتب ووكاالت األعمال بتقديم مجموعة من الخدمات املتنوعة لألشخاص مقابل أجر؛ ومن بين هذه
الخدمات :تحصيل الديون لحساب الغير ،وتخليص البضائع من الجمارك ،وتوزيع اإلعالنات ،وتنظيم األسفار؛ ونظرا
ألهميتها االقتصادية واتسامها بعنصري السرعة واالئتمان ،اعتبرها املشرع أعماال تجارية؛ بحيث أدرجها ضمن البند
الثالث عشر من املادة السادسة من مدونة التجارة.
.3الخدمات املالية
لقد أشار املشرع لألعمال املتعلقة بالخدمات املالية في البندين السابع والثامن من املادة السادسة من مدونة
التجارة؛ وتتمثل هذه الخدمات في عمليات البنوك (أ) واملعامالت املالية (ب) ،وكذا عمليات التأمين باألقساط الثابتة (ج).
أعمال البنك هي األنشطة التي تزاولها مؤسسات االئتمان املحددة في املادة األولى 27من القانون 103.12املتعلق
بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في حكمها ،28ويدخل في هذا اإلطار جميع األعمال التي تتمثل في تسليم ودائع
ومدخرات نقدية مقابل فائدة ،وفي فتح الحسابات الجارية وفتح االعتماد....
تعتبر هذه األعمال تجارية ألنها تقوم على عنصري املضاربة والتوسط في التداول ،29...كما أن املؤسسات البنكية
تقوم بعمل جوهري يتمثل في توزيع االئتمان والقروض؛ لذلك تسمى البنوك بمؤسسات االئتمان .والقرض يعني قيام البنك
ترد هذه املعامالت على األوراق املالية أو القيم املنقولة ،كاألسهم والسندات الصادرة عن شركات املساهمة ،وتتم
في سوق املال أو ما يسمى ببورصة القيم املنقولة ،شريطة توفرها على عنصر املضاربة من أجل تحقيق الربح .كما أن شراء
القيم املنقولة بنية بيعها ،يعتبر عمال تجاريا طبقا للبند األول من املادة السادسة من مدونة التجارة.
نصت املادة السادسة من املدونة في بندها الثامن على اعتبار التأمين باألقساط الثابتة عمال تجاريا؛ إذ إن التأمين
هو وسيلة الحد من الخسائر التي تترتب عن حدوث الخطر املبين في العقد املبرم بين املؤ ِّّمن واملؤ َّمن له ،مقابل مبلغ مالي
يؤديه هذا األخير للمؤمن على شكل أقساط ثابتة ،كالتأمين عن الحريق ،والتأمين عن حوادث السير (املنظم بظهير
30)1984والتأمين عن حوادث الشغل (املنظمة بظهير .31)1963
وتجب اإلشارة إلى أن التأمين باألقساط الثابتة يقتصر فقط على شركات املساهمة ،والبد العتبار التأمين عمال
تجاريا أن يقوم على أساس املضاربة .وعلى خالف التأمين باألقساط الثابتة ،فالتأمين التبادلي أو التعاوني يعتبر من األعمال
املدنية بالنظر لغياب عنصر املضاربة ،وغياب وسيط بين املؤمن لهم وبين األشخاص املعرضين للخطر؛ فالتأمين التبادلي
هو اتفاق مجموعة من األشخاص املعرضين لنفس املخاطر على تعويض الضرر الذي يلحق أحدهم من مجموع
اشتراكاتهم؛ إذ تتواجد في كل مشترك صفتي املؤمن واملؤمن له.32
إلى جانب األعمال التجارية املشار إليها في املواد السادسة والسابعة والعاشرة من مدونة التجارة ،والتي تعتبر
تجارية متى توفرت فيها الشروط املقررة قانونا ،بأن كانت لها مميزات العمل التجاري ومورست بكيفية اعتيادية أو
احترافية33؛ فهناك نوع آخر من األعمال أضفى املشرع عليها الطابع التجاري ،وذلك شريطة أن تتم وفقا للشكليات التي
حددها القانون التجاري.
30ظهير شريف رقم ،1.84.177صادر في محرم 02( 1405أكتوبر ،)1984معتبر بمثابة قانون يتعلق بتعويض املصابين في حوادث تسببت
فيها عربات برية ذات محرك ،الجريدة الرسمية ،عدد ،3753بتاريخ ،1984/10/03ص.930.
31ظهير شريف رقم ،1.60.223يغير بمقتضاه من حيث الشكل الظهير الشريف الصادر في 25ذي الحجة 1345هـ ( 25يونيو )1927بالتعويض
عن حوادث الشغل ،الجريدة الرسمية ،عدد ،2629بتاريخ ،1963/03/15ص.530.
32فؤاد معالل ،مرجع سابق ،ص.104.
12 33فريدة اليوموري ،مرجع سابق ،ص.142.
وقد تمت اإلشارة إلى هذه األعمال في املادة التاسعة من مدونة التجارة 34وهي الكمبيالة والسند ألمر (أوال)
والشركات التجارية (ثانيا).
تعتبر كل من الكمبيالة والسند ألمر ورقتين تجاريتين ،وهو األمر الذي نصت عليه املادة التاسعة من مدونة
التجارة ،وعلى خالفهما ،فالشيك ال يعد عمال تجاريا ،وذلك لعدة اعتبارات من بينها أنه ال يعد ورقة ائتمان وإنما يحل محل
النقود.
.1الكمبيالة
الكمبيالة (أو السفتجة أو األثرة )35سند يحرر وفقا لبيانات حددها القانون ،تتضمن أمرا من شخص يسمى
الساحب إلى شخص يسمى املسحوب عليه ،بأن يدفع مبلغا معينا إلى شخص ثالث يسمى املستفيد .وقد نصت كل من
املادة 159و 160من مدونة التجارة 36على البيانات اإللزامية الواجب توفرها في الكمبيالة ،وإال فقد صفتها التجارية.
.2السند ألمر
هو ورقة يتعهد بمقتضاها الشخص املدين الذي حررها (املتعهد) بدفع مبلغ من النقود ،في تاريخ معين أو قابل
للتعيين ،لفائدة الشخص الدائن (املستفيد).
كما هو الشأن في الكمبيالة ،فالسند ألمر يجب أن يتم فيه احترام البينات اإللزامية املنصوص عليها قانونا ،وإال
انتفت عنه الصفة التجارية ،كما هو الحال في حالة صدوره عن غير تاجر ،إال إذا ترتبت عن معاملة تجارية.
لقد نص املشرع املغربي على اعتبار كافة أنواع الشركات تجارية بشكلها ،باستثناء شركة املحاصة التي ال تعتبر
تجارية إال إذا كان غرضها تجاريا .37وتتخذ الشركات التجارية العديد من األشكال ،وهي الشركات التضامنية ،وشركة
34املادة التاسعة من مدونة التجارة" :يعد عمال تجاريا بصرف النظر عن املادتين السادسة والسابعة - :الكمبيالة؛ -السند ألمر املوقع ولو من
غير تاجر ،إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية".
35شكري أحمد السباعي ،الوسيط في قانون التجارة املغربي واملقارن ،الجزء األول :النظرية العامة للتجارة وبعض األعمال التجارية ،مطبعة
املعارف الجديدة ،الطبعة الثالثة ،الرباط ،1988 ،ص.462.
36نصت املادة 159على" :تتضمن الكمبيالة البيانات التالية .1 :تسمية كمبيالة مدرجة في نص السند ذاته وباللغة املستعملة للتحرير؛ .2
األمر الناجز بأداء مبلغ معين؛ .3اسم من يلزمه الوفاء (املسحوب عليه)؛ .4تاريخ االستحقاق؛ .5مكان الوفاء؛ .6اسم من يجب الوفاء له
13 أو األمر له؛ .7تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة؛ .8اسم وتوقيع من أصدر الكمبيالة (الساحب)" .كما نصت املادة 160على" :السند الذي ال
يخلو من أحد البيانات املشار إليها في املادة السابقة ال يصح كمبيالة إال في الحاالت اآلتية ."...
37فؤاد معالل ،مرجع سابق ،ص.109.
التوصية البسيطة ،والشركة ذات املسؤولية املحدودة ،وشراكات املساهمة ،وشركات التوصية باألسهم .وتعتبر هذه
الشركات تجارية من حيث الشكل ،وبغض النظر عن طبيعة العمل الذي تقوم به ،ولو كان مدنيا .وهو ما أشارت إليه
مقتضيات املادة األولى من قانون 17.65الخاص بشركات املساهمة ،والتي جاء فيها" :شركة الساهمة شركة تجارية بحسب
شكلها وكيفما كان غرضها" ،وأيضا ضمن مقتضيات الفقرة األولى من املادة الثانية من قانون 5.96املتعلق بباقي الشركات،
والتي جاء فيها" :تعتبر الشركات موضوع األبواب الثاني والثالث والرابع من هذا القانون شركات تجارية بحسب شكلها
وكيفما كان غرضها.38"...
وخالصة ملا سبق ذكره ،فالكمبيالة والسند ألمر هما من العمال التجارية الشكل؛ إذ أن صفتها التجارية تعتمد
عن مدى تضمنهما للبيانات اإللزامية ،على خالف الشيك ،الذي ال يعد عمال تجاريا إال بناء على نظرية التبعية ،بمعنى أنه
سحب من أجل الوفاء بدين تجاري .كما أضفى املشرع الصفة التجارية بناء على الشكل على الشركات التجارية أيضا،
باستثناء شركة املحاصة التي ال تعتبر تجارية إال إذا كان غرضها تجاريا محضا.
14
املطلب الثاني :األعمال التجارية األخرى
إضافة إلى األعمال التجارية األصلية ،التي سبق وتطرقنا لها في املطلب األول ،واملتمثلة في األعمال التجارية
بطبيعتها واألعمال التجارية الشكلية ،هناك أعمال أخرى يمكن تقسيمها الى أعمال تجارية بالتبعية (فقرة أولى) وأعمال
تجارية مختلطة (فقرة ثانية).
يعرف فقهاء القانون التجاري األعمال التجارية بالتبعية أنها أعمال مدنية في أصلها ،لكنها تكتسب الصفة
التجارية عندما تصدر من طرف تاجر لتلبية حاجياته التجارية؛ وهي على عكس األعمال التجارية األصلية التي تكسب
صاحبها أو مزاولها الصفة التجارية؛ فاألعمال التجارية بالتبعية تكتسب الصفة التجارية من التاجر .وتقوم هذه األعمال
على نظرية متجذرة في القانون ،أال وهي نظرية الفرع يتبع األصل في كل تطبيقاته .39هذه النظرية تبنتها مجموعة من
التشريعات ،كالتشريع الالتيني والجرماني الذي استند عليها في إضفاء الصفة التجارية على بعض األعمال التي في أصلها
أعمال مدنية ،كونها من تصدر من التاجر لتكملة تجارته؛ لهذا سنقوم بداية بمعرفة مبررات هذه األعمال والشروط التي
يجب أن تتوفر فيها (أوال) ثم ننتقل ألهم تطبيقاتها (ثانيا).
سنقوم في هذا املحور بدراسة مبررات األعمال التجارية بالتبعية ( )1وشروطها (.)2
لقد أضفى املشرع على األعمال املدنية الصفة التجارية العتبارات منطقية؛ وذلك ألن القائم بها هو التاجر؛
فالتاجر يحتاج إلى إبرام عدة عقود ال تعتبر تجارية في أصلها ،لكنه يكون في حاجة إليها لتأمين أعمال تجارته ،مثل شراء
تجهيزات ملكتبه أو سيارة يستعملها لنقل بضائعها ...لهذا السبب استند املشرع إلى املبدأ الفقهي الذي سبق وذكرناه :الفرع
يتبع األصل (الفرع هو العمل التجاري واألصل هو عمل التاجر)؛ ألنه ال يعقل أن تكون قواعد قانونية تهدف لنفس الهدف
منظمة بقانونين مختلفين.40
كما استند املشرع املغربي ،في جعل األعمال املدنية أعمال تجارية بالتبعية ،إلى املادة العاشرة من مدونة التجارة،
والتي نصت على أنه "تعتبر تجارية كذلك الوقائع واألعمال التي يقوم بها التاجر بمثابة تجارة ما لم يثبت خالف ذلك" .وقد
جاء نصها على خالف ما كان في املدونة القديمة ،التي كانت تحصر األعمال التجارية بالتبعية ،حسب الفقرة السادسة من
39 Alain Vialandier et Jeceline Vallansan, Actes de commerces, Commerçants, activité commercial, PUF, 1992, Numéro 3, p.15.
كما تجدر اإلشارة إلى أن هذه النظرية ال تنطبق على األعمال املدنية لتصبح تجارية بالتبعية ،بل تنطبق على
األعمال التجارية لتصبح مدنية رغم أنها تجارية؛ وذلك لتعلقها بنشاط مدني :مهنة حرة ،صناعة ،عمل فني أو أدبي ...ولعل
املثال البارز هو مثال الرسام الذي يشتري ألوان وأقمشة أو خشب ،فهو ال يشتري هذه األشياء لالستعمال الشخص ي ،بل
قصد بيعها في شكل لوحة بعد رسمها؛ فهذه األعمال تجارية ،لكنها ال تأخذ الطابع التجاري ،وإنما تأخذ طابع األعمال
املدنية بالتبعية؛ ألن الشخص القائم بها شخص مدني.
يجب توفر شرطين أساسين العتبار العمل املدني عمال تجاريا بالتبعية ،يتمثل الشرط األول في صدوره من طرف
تاجر (أ) ،أما الشرط الثاني فالبد من أن يكون تابعا لتجارة التاجر (ب).
اشترط املشرع ضرورة صدور العمل املدني من طرف تاجر إلضفاء صفة عمل تجاري بالتبعية عليه ،بغض النظر
إن كان هذا التاجر شخصا طبيعيا أو معنويا (شركة تجارية)؛ حيث يظهر لنا جليا أن التشريع التجاري املغربي تأثر باملعيار
الشخص ي ،وهذا عكس ما يوجد في األعمال التجارية بطبيعتها؛ ألن هذه األخير هي التي تضفي على مزاولها ،والقائم بها على
وجه االحتراف واالعتياد ،صفة تاجر؛ أي أن املنطلق هنا هو العمل التجاري ،وهذا هو املعيار املوضوعي.
إضافة إلى اعتبار شرط صدور العمل املدني عن تاجر ،ال بد أن يكون العمل تابعا لتجارته حتى يعتبر عمال تجاريا.
أما إذا كان قد صدر عنه لتلبية حاجاته الشخصية؛ فإنه يعتبر عمال مدنيا؛ مثل شراء التاجر منزال قصد السكن وليس
بنية كرائه أو بيعه .لكن يبقى هذا املعيار أو الشرط صعب اإلثبات؛ ألنه يحتاج إلى توضيح دقيق ،لهذا صدر عن املحاكم
املغربية اجتهاد اعتبر كل عمل مدني يقوم به التاجر هو لتلبية حاجياته التجارية (أي اعتبرها القضاء عمال تجاريا بالتبعية)
إال إذا ثبت العكس .وعلى نفس النهج سار العرف التجاري؛ حيث اعتبر هذا العمل في حالة الشك عمال تجاريا بالتبعية،
إال إذا ثبت العكس ،وهذا ما نجده في املادة العاشرة عندما اختتمت النص بعبارة " ...ما لم يثبت خالف ذلك".42
لقد سبق وبينا أن األعمال التجارية بالتبعية تشمل كافة التصرفات واألنشطة الناتجة عن التاجر من أجل تأمين
حاجيات تجارته ،لذلك فهي تشمل العالقات التعاقدية ( )1ثم العالقات غير التعاقدية (.)2
نقصد بها كل العقود التي تجمع بين تاجر وغير تاجر لتسيير تجارته وخدمتها؛ فتعتبر تجارية بالتبعية عقود شراء
منقوالت بهدف استعمالها في تجارته ،وأيضا عقود التوكيل املبرمة ،سواء تعلق األمر بالوكيل بالعمولة أو بالوكيل
التجاري 43وكذا عقود شراء أو بيع األصول التجارية.
إذن كل العالقات التعاقدية والعقود التي تعتبر مدنية بطبيعتها تقبل التكييف لجعلها أعماال تجارية بالتبعية،
باستثناء عقد الشغل الذي يجمع بين التاجر ومستخدميه ،فرغم توفر هذا العقد على شرط صدوره من تاجر وشرط
تبعيته لتجارته ،فهو يعتبر عقدا مدنيا؛ ألن العالقات املهنية تخضع للقانون املدني ،واملحكمة املختصة هي محكمة القضاء
االجتماعي نظرا لالمتيازات التي يخولها املشرع لألجراء.
.2العالقات غيرالتعاقدية
العالقات غير التعاقدية هي كل العالقات التي تنش ئ التزاما غير تعاقدي .ويقصد بها أن التاجر يتحمل مسؤوليات
والتزامات لم يكن مصدرها عقد .وتوجد لهذه النظرية تطبيقات في مجال املسؤولية التقصيرية (أ) واإلثراء بال سبب (ب).
هي كل االلتزامات التي تترتب على التاجر نتيجة قيام مسؤوليته التقصيرية تجاه الغير ،إما عن فعله الشخص ي أو
عن فعل األشخاص الذين يكون مسؤوال عنهم ،44ويقصد بهذا أن يكون الفعل قد صدر من التاجر ،سواء بصفة مباشرة
أو غير مباشرة .ومثال ذلك ،قيام التاجر أو أحد مأجوريه بفعل يسبب ضررا للغير كسقوط رافعة تابعة للتاجر كان
يسوقها أجير لديه على سيارة متوقفة بشكل قانوني ،فهنا يحق لصاحب السيارة رفع دعوى ضد التاجر ليطالبه
بالتعويض ،وال يرفعها على سائق الرافعة.
هو مصد من مصادر االلتزام ،ويقصد به أن يثرى شخص (تاجر) على حساب شخص آخر بدون مبرر قانوني،
كما يقصد بها كل األعمال التي يقوم بها التاجر بمناسبة ممارسة تجارته ،والتي تؤدي به إلى اإلثراء بال سبب على حساب
الغير .ومثال ذلك أن تاجرا أوكل إلى شركة نقل بضاعة متمثلة في مواد غذائية من الدارالبيضاء إلى العيون ،لكن أثناء
النقل قامت الشركة باإلنفاق على تلك البضاعة تجنبا لتلفها رغم أنها ليست مكلفة بذلك؛ فهنا يجب على التاجر أن يقوم
بتعويض الشركة عن املصاريف التي أنفقتها؛ حيث تعتبر عملية التعويض عمال تجاريا بالتبعية.
كخالصة ملا سبق ،فنظرية التبعية تستدعي شرطين أن تصدر عن تاجر وأن تكون تابعة لعمله التجاري ،تطبيقا
لقاعدة الفرع يتبع األصل في كل تطبيقاته ،وهو ما يترتب عنه مجموعة من االلتزامات سواء كانت تعاقدية او غير تعاقدية.
تم الحديث بتفصيل عن الوكيل بالعمولة والوكالة التجارية والفرق بينهما في الفقرة األولى من املطلب األول (خدمات الوساطة). 43
طارق محمد ،املحاضرة السابعة من مادة القانون التجاري ،محاضرة مسجلة على موقع يوتيوبhttps://youtu.be/NqrPMCiZKmA : 44
17
وتجدر اإلشارة إلى أن نظرية التبعية ،كما تنطبق على األعمال املدنية لتصبح تجارية ،يمكن النظر لها من زاوية األعمال
التجارية التي تصبح مدنية بالتبعية.
يقصد باألعمال التجارية املختلطة تلك األعمال التي تعتبر تجارية بالنسبة ألحد األطراف ومدنية بالنسبة للطرف
اآلخر .فمثال إذا قام تاجر ببيع بضاعة ملستهلك؛ فإن العمل يعتبر تجاريا بالنسبة للتاجر ومدنيا بالنسبة للمستهلك؛ كذلك
إذا اشترى التاجر محصول مزارع أو إذا اشترى الناشر إنتاج مؤلف؛ ففي مثل جميع هذه الحاالت يعتبر العمل تجاريا من
جانب التاجر أو الناشر ،ومدنيا من الجانب اآلخر.45
إن هذه األعمال ال تعتبر فئة جديدة قائمة بذاتها أو طائفة مستقلة عن األعمال التجارية ،وهي بذلك ال تخرج عن
كونها أعمال تجارية أصلية أو بطريقة التبعية إذا تم العمل التجاري بين طرفين يقوم أحدهما وحده بالعمل التجاري .وتبعا
لذلك؛ فإن لهذه األعمال التجارية آثارا من حيث (أ) االختصاص و(ب) اإلثبات و(ج) الرهن والفائدة.
إذا كانت القاعدة ،في النظام املزدوج ،أن يتم تطبيق القانون التجاري على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة إليه
تجاريا ،ويطبق القانون املدني على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة له مدنيا؛ فإن هذه القاعدة ترد عليها مجموعة من
االستثناءات كما تطرح ازدواجيتها بعض الصعوبات العملية عند تطبيقها.46
.1االختصاص واإلثبات
نميز في االختصاص بين نوعين :اختصاص نوعي واختصاص محلي؛ وال يثار االختصاص النوعي إال في الدول التي
تأخذ بالفصل بين القضاء املدني والقضاء التجاري ،كما هو الحال بالنسبة للمغرب .وتطبيقا للقواعد العامة التي تقض ي
بأن املدعي يجب أن يلجأ إلى محكمة املدعى عليه؛ فإن االختصاص النوعي يرجع للمحكمة املدنية أو التجارية بحسب صفة
العمل بالنسبة للمدعى عليه؛ إال أن للطرف املدني الحق في رفع دعواه أمام املحكمة املدنية أو التجارية ،وهو استثناء من
القاعدة العامة؛ بمعنى أنه إذا كان عمل املدعى عليه مدنيا ،وجب مقاضاته أمام محكمة مدنية؛ أما إذا كان العمل بالنسبة
إليه (أي املدعى عليه) عمال تجاريا فللمدعي االختيار في إقامة دعواه أمام محكمة مدنية أو تجارية؛ وهذا االختيار مبني على
أن القضاء التجاري قضاء غير مألوف للطرف املدني.47
أما من حيث االختصاص املحلي (أو اإلقليمي) ،فال يجوز مقاضاة الطرف املدني إال أمام محكمة موطنه ،أي محل
إقامته ،وفقا للقاعدة العامة في قانون املسطرة املدنية .أما بالنسبة للطرف التجاري ،فيجوز رفع الدعوى عليه أمام
محكمة موطنه األصلي أو املحكمة محل إبرام العقد ،أو املحكمة محل تنفيذ العقد (أو ما يعرف بمحكمة الوفاء).
وتطبيقا لذلك ،إذا رفع تاجر دعوى على أحد املستهلكين ملطالبته بقيمة بضاعة باعه إياها ،وجب على املدعي
(التاجر) رفع تلك الدعوى أمام املحكمة املدنية التابع لها محل إقامة املستهلك (املدعى عليه)؛ أما إذا كانت الدعوى مرفوعة
من املستهلك على التاجر بخصوص نزاع حول البضاعة التي وردت إليه؛ فإن املدعي (املستهلك) له الخيار بين رفع الدعوى
أمام واحدة من املحاكم الثالث ،تجارية كانت أو مدنية.
أما من حيث اإلثبات ،فتتحدد قواعد اإلثبات التي يجب االحتكام إليها بالنظر إلى طبيعة العمل بالنسبة
للمدعى عليه48؛ فاألصل في القانون التجاري هو مبدأ حرية اإلثبات في املنازعات التجارية؛ وعلى العكس من ذلك؛ فإن
وسائل اإلثبات في القانون املدني مقيدة .وعندما نكون بصدد نزاع أمام القضاء حول عمل تجاري مختلط؛ فإنه يحق
للطرف املدني أن يثبت ادعاءه في مواجهة الطرف التجاري بكافة طرق اإلثبات ،بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن ،ومهما
كانت قيمة الحق املطالب به .أما التاجر فال يستطيع اإلثبات في مواجهة الطرف املدني إال وفقا لقواعد اإلثبات املدنية،
أي يتعين عليه اإلثبات بالكتابة متى تجاوزت قيمة الحق املطالب به عشرة آالف درهم أو كانت تلك القيمة غير محددة
(كما نص عليه قانون العقود وااللتزامات) .49ويعتبر إلزام الطرف التجاري باتباع قواعد اإلثبات املدنية ضد الخصم املدني
دافعا إلبرام عقد كتابي في العمل التجاري املختلط.
ويجدر التذكير إلى أنه ال يوجد تالزم بين املحكمة املختصة باملنازعة (تجارية أم مدنية) والقانون الواجب تطبيقه
في هذه الحالة؛ إذ قد ترفع الدعوى أمام محكمة خاصة باملنازعات املتعلقة باألعمال التجارية ،وتطبق أحكام القانون
املدني على الطرف الذي يكون العمل بالنسبة إليه مدنيا ،والعكس صحيح.
كقاعدة عامة ،إذا كان الدين املضمون بالرهن بالنسبة للمدين تجاريا ،يتم اعتبار الرهن تجاريا ،وبالتالي يخضع
ألحكام القانون التجاري .أما إذا كان الرهن بالنسبة للمدين مدنيا ،فتطبق عليه أحكام القانون املدني .ونفس الش يء
بالنسبة لنظام الفائدة الذي يختلف بحسب ما إذا كان الدين مدنيا أو تجاريا ،أي أنه إذا كان الدين مدنيا بالنسبة للمدين
تعين تطبيق السعر املدني للفائدة ،وإذا كان الدين تجاريا بالنسبة للمدين تعين تطبيق السعر التجاري للفائدة.50
لكن قد يصعب أحيانا الفصل بين طرفي العمل التجاري املختلط (املدني والتجاري) ،وهذا هو الحال في عقد
الرهن؛ حيث تختلف طرق إثبات العقد وتنفيذه بحسب ما إذا كان الرهن مدنيا أو تجاريا ،ومن غير املنطقي تجزئة العملية
إلى جزأين يخضع كل منهما لقواعد مختلفة ،وبالتالي ال بد من تغليب أحد النظامين على اآلخر ،لذلك كانت العبرة بصفة
الدين املضمون بالرهن بالنسبة للمدين ،فإذا كان الرهن تجاريا بالنسبة للمدين اعتبر كذلك (تجاريا) بالنسبة للطرفين
معا .فمثال إذا اشترى تاجر محصوال وقدم للمزارع رهنا ضمانا للوفاء بالثمن ،فإن الرهن يكون تجاريا ألن الدين تجاري
بالنسبة للمدين ،وفي هذه الحالة تسري على الرهن أحكام القانون التجاري .وعلى العكس ،إذا اشترى مزارع آالت زراعية
وقدم رهنا للبائع ضمانا للوفاء بالثمن ،فإن الرهن يكون مدنيا وتسري عليه أحكام القانون املدني.
ونفس الش يء بالنسبة للفائدة ،فمن الطبيعي أال يكون للدين الواحد إال نظام واحد للفوائد ،ومن الثابت في مثل
هذه األحوال أن العمل املختلط يجب أال يكون له إال طابع واحد ،مدني أو تجاري ،بحسب صفة الدين بالنسبة إلى املدين،
وهي الصفة املعتبرة كما في الرهن؛ فإذا كان الدين مدنيا طبقت عليه القواعد املدنية التي تحكم نظام الفوائد ،وإذا كان
الدين تجاريا طبقت عليه القواعد التجارية.51
إن تمييز األعمال التجارية عن غيرها من األعمال املدنية يكتس ي أهمية كبيرة تتجلى في اختالف التنظيم القانوني
الذي يخضع له كل منهما ،كما أنه يترتب على هذا التمييز آثار مهمة .لذلك يتضح ،من خالل هذا البحث ،أن املشرع املغربي
أخذ ،في تنظيمه لألعمال التجارية في مدونة التجارة ،بأكثر من معيار للتمييز بين األعمال التجارية واملدنية؛ وذلك تجنبا
للعيوب والثغرات التي تطرحها كل نظرية.
فنظرية املضاربة مثال ،كمعيار اقتصادي ،تبقى عاجزة لوحدها عن تفسير بعض األعمال التي يعتبرها القانون
تجارية؛ فهي ال تفسر احتفاظ عمل التجار بتجاريته رغم بيع البضاعة بسعر التكلفة أو بالخسارة؛ كما أن بعض األعمال،
مثل سحب الكمبياالت أو تظهيرها ،تبقى تجارية رغم عدم توافر قصد املضاربة فيها؛ من ناحية أخرى ،فإن اعتماد نظرية
املضاربة لوحدها سيؤدي إلى إضفاء الصفة التجارية على أعمال تعتبر في أصلها مدنية ،كمهنة الطبيب واملحامي
واملهندس ...فعمل هؤالء ليس تجاريا رغم سعيهم من ورائه لتحقيق الربح.
ونفس الش يء ينطبق على املعايير القانونية ،فالباعث أو السبب -مثال -يبقى من األمور الباطنية الكامنة داخل
اإلنسان ،فيصبح من الصعب التعرف عليه دون أن يتخذ مظهرا خارجيا ،مما يصعب التمييز بين العمل التجاري واملدني.
ونظرا لصعوبة تمييز األعمال التجارية عن األعمال املدنية ،رغم أخذ املشرع املغربي بأكثر من معيار للتمييز بينها؛
فإنه لجأ في املادتين السادسة والسابعة على النص بالتحديد على األعمال التي تعد أعماال تجارية ،بينما ترك املادة الثامنة
مفتوحا على كل نشاط يمكن أن يماثل األنشطة الواردة في املادتين السابقتين .إضافة إلى ذلك؛ فإن التشريع املغربي لم يلغ
النظرية الشخصية في املعامالت التجارية رغم ارتكازه أساسا على النظرية املوضوعية ،وهو ما يتضح من خالل األعمال
التجارية بالتبعية التي تستمد وجودها من شخصية التاجر.
ورغم التطورات املهمة التي عرفتها مدونة التجارة ،السيما على مستوى توسيع نطاق األعمال التجارية (العمل
الحرفي ،البناء واألشغال)...؛ إال أنها تبقى غير مواكبة للكثير من التطورات االقتصادية والتكنولوجية املستجدة منذ
إقرارها سنة .1996فالتوجهات العاملية ،في ظل تسارع وتيرة العوملة ،أصبحت قائمة -في جزء كبير منها -على التجارة الرقمية
والتسويق اإللكتروني ( .)e-marketingوهو ما يبرز الحاجة املاسة لتحيين مقتضيات مدونة التجارة لتشمل األعمال
التجارية ذات الطابع الرقمي.
إلى جانب الصعوبات املذكور والثغرات التي يمكن رصدها؛ فإن تطبيق مقتضيات مدونة التجارة ،على ضوء ما
تقدم وما يستخلصه املتخصصون؛ يبرز محدودية انخراط القضاء التجاري في تدليل الصعوبات أمام املستثمرين املغاربة
واألجانب ،وهو ما قد يساهم في كبح فعالية مدونة األعمال التجارية ويجعل تحقيق األهداف املتوخاة منها دون املستوى
املأمول ،الش يء الذي يستدعي تحيينها وتتميمها ،بموازاة تجويد باقي مقتضيات املنظومة التشريعية التي واكبتها ،السيما
بعد مرور أزيد من ثالثة عقود على إقرارها.
21
الئحة املراجع
الكتب
حنان مخلوف ،مبادئ القانون التجاري (األعمال التجارية وشركات األشخاص) ،كلية الحقوق ،جامعة بنها217 ،2011 ،ص.
سعاد بنور ،النظام القانوني للتجاري وفق آخر املستجدات القانونية واالجتهادات القضائية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى،
الدارالبيضاء ،2016 ،ص.
سعيد الروبيو ،القانون التجاري ،بدون مطبعة ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية ،جامعة محمد األول ،وجدة،2016 ،
ص.
شادلي نور الدين ،القانون التجاري ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،الجزائر213 ،2003 ،ص.
شكري أحمد السباعي ،الوسيط في قانون التجارة املغربي واملقارن ،الجزء األول :النظرية العامة للتجارة وبعض األعمال التجارية،
مطبعة املعارف الجديدة ،الطبعة الثالثة ،الرباط255 ،1988 ،ص.
فريدة اليموروي ،شرح القانون التجاري :األعمال التجارية والتاجر ،الجزء األول ،مطبعة بني يزناسن ،الطبعة الثانية ،سال،2016 ،
ص.
فؤاد معالل ،شرح القانون الجديد الجزء األول التاجر والنشاط التجاري ،اآلفاق املغربية ،الطبعة الخامسة ،الدارالبيضاء،2016 ،
343ص.
محمد أطويف ،الوجيز في شرح القانون التجاري ،مطبعة األمنية ،الطبعة األولى ،الرباط ،2016 ،ص.
محمد دراريس ،القانون التجاري ،مكتبة األندلس ،وجدة84 ،2018 ،ص.
النصوص القانونية
القانون رقم 15.95املتعلق بمدونة التجارة ،الصادر بتاريخ 24ذي الحجة 1416هـ ( 13ماي ،)1996الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم ،1.96.83بتاريخ 15ربيع األول 1417هـ (املوافق لـفاتح غشت 1996م) ،الجريدة الرسمية ،عدد ،4418بتاريخ 03أكتوبر
1996م.
املنشور املتعلق بمسطرة البيع باملزاد العلني ،العدد ،3السنة الثانية 17 ،يناير ،2017وزارة العدل ،اململكة املغربية
الويبوغرافيا
موقع يوتيوب https://youtu.be/
22
الفهرس
مقدمة ____________________________________________________________________________2
____________________________________________________________4 املطلب األول :األعمال التجارية األصلية
الفقرة األولى :األعمال التجارية بطبيعتها __________________________________________________________4
أوال :األعمال التجارية املرتبطة بتوزيع السلع واملنتوجات _________________________________________________4
.1شراء املنقوالت أو اكتراؤها ألجل إعادة بيعها أو تأجيرها ____________________________________________________4
أ .أن يكون هناك شراء او اكتراء _________________________________________________________5
ب .االكتراء ووروده على املنقول _________________________________________________________5
ج .أن يكون الشراء أو االكتراء قد تم بقصد إعادة البيع أو التأجير ________________________________________6
د .نية تحقيق الربح _______________________________________________________________6
.2بيع العقار __________________________________________________________________________6
.3عملية توريد السلع والخدمات ________________________________________________________________7
.4مقاوالت املستودعات او املخازن7_______________________________________________________________ .
.5محالت البيع باملزاد العلني __________________________________________________________________7
ثانيا :األعمال التجارية املرتبطة بالتصنيع واإلنتاج ___________________________________________________7
.1العمليات االستخراجية ___________________________________________________________________8
.2النشاط الصناعي ______________________________________________________________________8
.3النشاط الحرفي _______________________________________________________________________8
.4الطباعة والنشر _______________________________________________________________________8
.5البناء واألشغال العمومية __________________________________________________________________8
ثالثا :األعمال التجارية املرتبطة بالخدمات _______________________________________________________9
.1الخدمات االجتماعية ____________________________________________________________________9
أ .خدمات النقل ______________________________________________________________________9
ب .البريد واملواصالت____________________________________________________________________9
ج .املالهي العمومية ____________________________________________________________________9
.2خدمات الوساطة _____________________________________________________________________ 10
أ .السمسرة _______________________________________________________________________ 10
ب .الوكالة بالعمولة ___________________________________________________________________ 10
ج .الوكالة التجارية ____________________________________________________________________ 11
د .مكاتب ووكاالت األعمال ________________________________________________________________ 11
.3الخدمات املالية ______________________________________________________________________ 11
أ .عمليات البنوك ____________________________________________________________________ 11
ب .املعامالت املالية ___________________________________________________________________ 12
ج .عمليات التأمين باألقساط الثابتة ___________________________________________________________ 12
الفقرة الثانية :األعمال التجارية الشكلية ___________________________________________________________ 12
أوال :الكمبيالة والسند ألمر ________________________________________________________________ 13
.1الكمبيالة _________________________________________________________________________ 13
.2السند ألمر ________________________________________________________________________ 13
ثانيا :الشركات التجارية __________________________________________________________________ 13
23
املطلب الثاني :األعمال التجارية األخرى ____________________________________________________________ 15
___________________________________________________________ 15 الفقرة األولى :األعمال التجارية التبعية
أوال :مبررات وشروط األعمال التجارية بالتبعية ______________________________________________________ 15
.1مبررات األعمال التجارية بالتبعية _____________________________________________________________ 15
.2شروط األعمال التجارية بالتبعية _____________________________________________________________ 16
أ .صدور العمل من طرف تاجر ____________________________________________________________ 16
ب .أن يكون العمل تابعا لتجارة التاجر ________________________________________________________ 16
ثانيا :تطبيقات األعمال التجارية بالتبعية _________________________________________________________ 16
.1العالقات التعاقدية ____________________________________________________________________ 17
.2العالقات غير التعاقدية __________________________________________________________________ 17
أ .املسؤولية التقصيرية ________________________________________________________________ 17
ب .اإلثراء بال سبب __________________________________________________________________ 17
الفقرة الثانية :األعمال التجارية املختلطة __________________________________________________________ 18
أوال :النظام القانوني لألعمال املختلطة __________________________________________________________ 18
ثانيا :آثار األعمال املختلطة ________________________________________________________________ 18
.1االختصاص واإلثبات ___________________________________________________________________ 18
.2الرهن والفائدة ______________________________________________________________________ 19
خاتمة____________________________________________________________________________ 21
الئحة املراجع ________________________________________________________________________ 24
الفهرس __________________________________________________________________________ 25
24