You are on page 1of 4

‫الثورة الجزائرية نوفمبر ‪1954‬‬

‫تع رف الث ورة الجزائري ة باس م"ث ورة الملي ون ش هيد"‪ ،‬وهي ح رب تحري ر وطني ة ثوري ة ض د االس تعمار‬
‫االستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها‬
‫انتـزاع الجزائر الستقاللها بعد استعمار شرس وطويل استمر أكثر من ‪ 130‬عاما‪.‬‬

‫انطلقت الرصاصة األولى للثورة الجزائرية في االول من نوفمبر ‪ 1954‬الذي يصادف عند األوروبيين‬
‫يوم "عيد جميع القديسين" معلنة قيام الثورة بعد حوالي ‪ 130‬سنة من االستعمار الفرنسي للبالد‪.‬‬
‫وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض‬
‫األلغ ام غ يرة بعملي ات عس كرية اس تهدفت مراك ز الجيش الفرنس ي ومواقع ه في أنح اء مختلف ة من البالد‬
‫وفي وقت واحد‬
‫وم ع انطالق الرصاص ة األولى للث ورة تم توزي ع بي ان على الش عب الجزائ ري يحم ل توقي ع "األمان ة‬
‫الوطنية لجبهة التحرير الوطني وجاء فيه‪" :‬أن الهدف من الثورة هو تحقيق االستقالل الوطني في إطار‬
‫الش مال األف ريقي وإ قام ة الدول ة الجزائري ة الديمقراطي ة االجتماعي ة ذات الس يادة ض من إط ار المب ادىء‬
‫اإلسالمية‬
‫و دع ا البي ان جمي ع المواط نين الجزائ ريين من جمي ع الطبق ات االجتماعي ة وجمي ع األح زاب والحرك ات‬
‫الجزائرية إلى االنضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر‪ .‬وتم ‪ ّ..‬تشكيل األمانة الوطنية‬
‫لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء‬
‫وقب ل ال دخول في تفاص يل ه ذه الث ورة يمكن الق ول إنه ا لم تكن ولي دة أول نوفم بر ‪.. 1954‬ب ل ك انت‬
‫تتويج ا لث ورات أخ رى س بقتها‪ ،‬ولكن ه ذه الث ورة ك انت أق وى تل ك الث ورات‪ ،‬و أش ملها‪ ،‬وتمخض ت عن‬
‫إعالن اس تقالل الجزائ ر بع د ثماني ة أع وام من القت ال الش رس‪ ،‬ويمكن تقس يم عم ر الث ورة إلى أرب ع‬
‫مراحل‪:‬‬
‫المرحل ة األولى (‪ :)56-54‬وترك ز العم ل فيه ا على تث بيت الوض ع العس كري وتقويت ه‪ ،‬وم د الث ورة‬
‫بالمتطوعين والسالح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البالد‪.‬‬
‫أما ردة فعل المستعمر الفرنسي فكانت القيام بحمالت قمع واسعة للمدنيين ومالحقة الثوار‪.‬‬
‫المرحلة الثانية (‪ :)58 – 56‬شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل‬
‫القض اء عليه ا إال أن الث ورة ازدادت اش تعاال و عنف ا بس بب تج اوب الش عب معه ا‪ ،‬وأق ام جيش التحري ر‬
‫مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن‪.‬‬
‫كما تمكن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت‬
‫تمارس صالحياتها على جميع األصعدة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة (‪ ) 60 - 58‬كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرت فيها الثورة الجزائرية‪،‬‬
‫إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني‪ .‬وفي هذه الفترة‪ ،‬بلغ‬
‫القمع البوليس حده األقصى في المدن و األرياف‪ ..‬وفرضت على األهالي معسكرات االعتقال الجماعي‬
‫في مختلف المناطق‪.‬‬
‫أما رد جيش التحرير‪ ،‬فقد كان خوض معارض عنيفة ضد الجيش الفرنسي واعتمد خطة توزيع القوات‬
‫على جمي ع المن اطق من أج ل إض عاف ق وات الع دو المهاجم ة‪ ،‬وتخفي ف الض غط على بعض الجبه ات‪،‬‬
‫باإلضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه‪.‬‬
‫وفي ‪ 19‬أيل ول ‪ -‬س بتمبر ع ام ‪ 1958‬تم إعالن الحكوم ة الجزائري ة المؤقت ة برئاس ة الس يد فرح ات‬
‫عباس‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري‬
‫والمس ؤولة عن قي ادة الث ورة سياس يا وعس كريا ومادي ا ‪ ،‬وأعلنت في أول بي ان له ا عن موافقته ا على‬
‫إجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية شرطً االعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية‪.‬‬
‫وفي تشرين الثاني ‪ -‬نوفمبر من عام ‪ 1958‬شن جيش التحرير الوطني هجوما على الخط المكهرب‬
‫على الح دود التونس ية‪ ،‬كم ا خ اض م ع الجيش الفرنس ي مع ارك عنيف ة وبطولي ة في مختل ف أنح اء‬
‫الجزائ ر‪ ..‬وعلى الص عيد السياس ي‪ ،‬ط رحت قض ية الجزائ ر في األمم المتح دة وفي م ؤتمر الش عوب‬
‫األفريقية بـ"أكرا" و القت التضامن والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها‪.‬‬
‫وفي ك انون األول ‪ -‬ديسمبر من ‪، 1958‬ألقى الجنرال ديغول خطاب ا في الجزائر العاصمة أش ار فيها‬
‫إلى الشخصية الجزائرية و انتخب في ‪ 22‬من هذا الشهر رئيسا للجمهورية الفرنسية‪.‬‬
‫وفي ‪ 16‬أيل ول ‪ -‬س بتمبر ‪، 1959‬أعلن الج نرال ديغ ول اع تراف فرنس ا بح ق الجزائ ر في تقري ر‬
‫مص يرها‪ .‬وك ان ج واب الحكوم ة الجزائري ة المؤقت ة قبوله ا لمب دأ تقري ر المص ير واس تعدادها للتف اوض‬
‫المباش ر في الش روط السياس ية والعس كرية لوق ف القت ال وتوف ير الض مانات الض رورية لممارس ة تقري ر‬
‫المصير‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة (‪ :) 1962 - 1960‬المرحلة الحاسمة‪ ،‬خالل هذه الفترة الهامة والحاسمة من حرب‬
‫التحري ر‪ ..‬ح اول الفرنس يون حس م القض ية الجزائري ة عس كريا ولكنهم لم يفلح وا في ذل ك‪ ..‬ألن ج ذور‬
‫الث ورة ك انت ق د تعمقت وأص بحت موج ودة في ك ل مك ان‪ .‬وأض حى من الص عب‪ ،‬ب ل من المس تحيل‬
‫القض اء عليه ا‪ ،‬ورغم ه ذا فق د ج رد الفرنس يون ع دة حمالت عس كرية ض خمة على مختل ف المن اطق‬
‫الجزائرية‪ ،‬ولكنها جميعا باءت بالفشل وتكّب د الجيش الفرنسي خاللها خسائر فادحة‪ ،‬وقد تم في شهر‬
‫كانون الثاني ‪ -‬يناير ‪ 1960‬تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري الذي كان متمركزا على الحدود‬
‫الجزائري ة ‪ -‬التونس ية والجزائري ة – المغربي ة‪ ،‬و تم تع يين العقي د ه واري بوم دين أول رئيس لألرك ان‬
‫لهذا الجيش‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة بالذات‪ ،‬تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة‪ ،‬وقد تجسد ذلك في مظاهرات‬
‫‪ 11‬ديسمبر ‪ 1960‬وتم خالل هذه الفترة عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدين ة ط رابلس‬
‫بليبيا‪ ،‬عام ‪.1961‬‬
‫أم ا على الص عيد السياس ي‪ ،‬فق د عق دت ال دورة ‪ 16‬لألمم المتح دة (أيل ول ‪ -‬س بتمبر ‪ 1961‬وش باط ‪-‬‬
‫ف براير ‪ ( 1962‬وأم ام أهمي ة االتص االت المباش رة بين جبه ة التحري ر والحكوم ة الفرنس ية‪ ،‬ف إن األمم‬
‫المتح دة دعت الط رفين الس تئناف المفاوض ات بغي ة الش روع بتط بيق ح ق الش عب الجزائ ري في حري ة‬
‫تقرير المصير و االستقالل‪ ،‬و في إطار احترام وحدة التراب الجزائري‪.‬‬
‫و هكذا انتص رت وجه ة نظر جبه ة التحري ر الوطني‪ ..‬و ُأج برت فرنس ا على التفاوض بعد أن تأكدت‬
‫فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع خاصة بعد الفشل الذريع الذي منيت به حمالتها الضخمة‬
‫وع دم فعالي ة القم ع البوليس ي في الم دن‪ ،‬و رفض الش عب الجزائ ري المش اركة في االنتخاب ات الم زّو رة‬
‫واستحالة إيجاد "قوة ثالثة" تكون تابعة للمستعمر بأي حال‪.‬‬
‫و ق ام الفرنس يون بمن اورات ع دة وتهدي دات كث يرة لتحاش ي التف اوض‪ ،‬وعمل وا ك ل م ا بوس عهم لتص فية‬
‫جيش التحري ر الوط ني كق وة عس كرية و كق وة سياس ية‪ ..‬فته ربت فرنس ا من ك ل مح اوالت التف اوض‬
‫النـزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه الحقيقي متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكريا‬
‫على الثورة‪.‬‬
‫وك ان يقاب ل سياس ة المفاوض ات ه ذه‪ ..‬ح رب متص اعدة في الجزائ ر به دف تحقي ق النص ر؛ فق د ك ان‬
‫الفرنس يون يعتق دون أن رغب ة جبه ة التحري ر في الس لم وقبوله ا لالس تفتاء يعت بر دليال على االنهي ار‬
‫العسكري لجيش التحرير الوطني إال أن الجبهة عادت وأكدت من جديد أن االستقالل ينتـزع من سالبه‬
‫وال يوهب منه‪ ،‬فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح‪.‬‬
‫و عادت فرنسا بعد ذلك لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية لالستقالل‪ :‬جزائر مقطوعة‬
‫عن أربع ة أخماس ها (الص حراء) وق انون امتي ازي للفرنس يين‪ ...‬فرفض ت الجبه ة المقترح ات جمل ة و‬
‫تفصيال‪ ..‬و لما عجزت فرنسا عن حل القضية بانتصار عسكري‪ ..‬أجرت اتصاالت ومفاوضات جديدة‬
‫لبحث القض ايا الجوهري ة‪ ،‬وق د دخلت ه ذه الم رة مرحل ة أك ثر إيجابي ة‪ ،‬وتح ددت الخط وط العريض ة‬
‫لالتف اق‪ ،‬أثن اء مقابل ة تمت بين الوف د الجزائ ري والوف د الفرنس ي في قري ة فرنس ية ب القرب من الح دود‬
‫السويسرية‪.‬‬
‫وبع د ذل ك‪ ..‬عق دت ن دوة ح ول إيق اف القت ال في إيفي ان من ‪ 7‬إلى ‪ 18‬آذار ‪ -‬م ارس ‪ 1962‬تدارس ت‬
‫الوفود خاللها تفاصيل االتفاق‪ ..‬وكان االنتصار حليف وجهة نظر جبه ة التحرير‪ ،‬وتوقف القتال في‬
‫‪ 19‬آذار ‪ -‬م ارس بين الط رفين و تح دد ي وم األول من جويلي ة إلج راء اس تفتاء ش عبي‪ ،‬فص وت‬
‫الجزائري ون جماعي ا لص الح االس تقالل‪ ..‬و ب ذلك تحق ق اله دف السياس ي واألساس ي األول لح رب‬
‫التحري ر‪ ،‬بع د أن دف ع الش عب الجزائ ري ض ريبة ال دم غالي ة في س بيل الحري ة و االس تقالل‪ ..‬و بع د أن‬
‫استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خاللها ما يقرب من مليون ونصف مليون شهيد‪.‬‬
‫و قد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في ‪ 5‬يوليو ‪ 1962‬في يوم دخولها ‪ 5‬يوليو ‪ 1830‬أي بعد‬
‫‪ 132‬عاما من االستعمار‪ ،‬كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في‬
‫منطق ة "س يدي ف رج" القريب ة من الجزائ ر العاص مة وتم في ه ذا الي وم تع يين الس يد أحم د بن بال ك أول‬
‫رئيس لجمهوري ة الجزائ ر المس تقلة بع د خروج ه من الس جون الفرنس ية م ع ع دد من ق ادة الث ورة‬
‫وكوادرها‪.‬‬
‫يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة‬
‫التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق االنتصار‪ ،‬يضاف إلى ذلك األساليب المبتكرة‬
‫التي لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات األليمة لجيش متفوق في العدد والعدة وأخيرا‬
‫التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب والدعم الشعبي والمادي الواسع من مصر عبد الناص ر‬
‫وسورية والعراق)‪ ،‬والعالمي (دول العالم الثالث والدول االشتراكية)‪.‬‬

You might also like