You are on page 1of 8

‫ثورة أول نوفمبر‬

‫عرفت الجزائر مقاومة عسكرية طويلة األمد ضد االحتالل الفرنسي‪ ،‬منذ بدايته عام ‪ ،1830‬بقيادة كل‬
‫من األم ير عب د الق ادر الجزائ ري في الغ رب والب اي الح اج أحم د في الش رق‪ ،‬تلته ا بع د ذل ك انتفاض ات‬
‫ش عبية‪ .‬وبع دها راحت فرنس ا تك رس وجوده ا في الجزائ ر‪ ،‬وتعم ل على تنظيم إدارته ا‪ ،‬بحيث تس تطيع‬
‫القضاء على كل ما له عالقة بأصالة الشعب وثقافته ولغته وتقاليده‪ ،‬إال أن إصرار الشعب الجزائري‬
‫على التمس ك به ذه المقوم ات أفش ل خط ة االس تيطان الفرنس ي‪ ،‬وتجلى ه ذا التمس ك من خالل المط الب‬
‫االجتماعي ة ال تي رفعه ا األعي ان والجمعي ات واألح زاب السياس ية إلى الس لطات الفرنس ية ال تي رفض ت‬
‫حكوماته ا المتعاقب ة الح وار معه ا‪ ،‬س واء ك انت معتدل ة أو متطرف ة‪ ،‬ب ل راحت ت رد على ه ذه المط الب‬
‫بأساليب شتى من القمع والقتل والسجن والنفي والتضييق على الحريات‪ ،‬وتزوير االنتخابات‪ .‬وأمام هذا‬
‫الواق ع وج دت الحرك ة الوطني ة الجزائري ة نفس ها أم ام خي ار واح د الس ترجاع الحري ة واالس تقالل‪ ،‬وه و‬
‫الكفاح المسلح‪.‬‬

‫لق د تم وض ع اللمس ات األخ يرة للتحض ير الن دالع الث ورة التحريري ة في اجتم اعي ‪ 10‬و‪24‬‬
‫أكتوبر ‪ 1954‬بالجزائر من طرف لجنة الستة ‪ ،‬ناقش المجتمعون قضايا هامة هي ‪:‬‬

‫إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد اإلعالن عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وقد‬ ‫‪‬‬

‫اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني و جناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني‪ .‬و‬
‫ته دف المهم ة األولى للجبه ة في االتص ال بجمي ع التي ارات السياس ية المكون ة للحرك ة الوطني ة قص د‬
‫حثها على االلتحاق بمسيرة الثورة‪ ،‬و تجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي‪.‬‬
‫تحدي د ت اريخ ان دالع الث ورة التحريري ة ‪ :‬ك ان اختي ار ليل ة األح د إلى االث نين أول‬ ‫‪‬‬

‫نوفمبر ‪ 1954‬كتاريخ انطالق العمل المسلح يخضع لمعطيات تكتيكية ‪ -‬عسكرية‪ ،‬منها وجود عدد‬
‫كب ير من جن ود وض باط جيش االحتالل في عطل ة نهاي ة األس بوع يليه ا انش غالهم باالحتف ال بعي د‬
‫مسيحي‪ ،‬وضرورة إدخال عامل المباغتة‪.‬‬
‫تحدي د خريط ة المن اطق و تع يين قادته ا بش كل نه ائي‪ ،‬و وض ع اللمس ات األخ يرة لخريط ة المخط ط‬ ‫‪‬‬

‫الهجومي في ليلة أول نوفمبر‪.‬‬

‫المنطقة األولى‪ -‬األوراس ‪:‬مصطفى بن بولعيد‬ ‫‪‬‬

‫المنطقة الثانية‪ -‬الشمال القسنطيني‪ :‬ديدوش مراد‬ ‫‪‬‬

‫المنطقة الثالثة‪ -‬القبائل‪ :‬كريم بلقاسم‬ ‫‪‬‬

‫المنطقة الرابعة‪ -‬الوسط‪ :‬رابح بيطاط‬ ‫‪‬‬


‫المنطقة الخامسة‪ -‬الغرب الوهراني‪ :‬العربي بن مهيدي‬ ‫‪‬‬

‫تحديد كلمة السر لليلة أول نوفمبر ‪ : 1954‬خالد وعقبة‬ ‫‪‬‬

‫وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة و بنادق ص يد و بعض‬
‫األلغ ام بعملي ات عس كرية اس تهدفت مراك ز الجيش الفرنس ي ومواقع ه في أنح اء مختلف ة من البالد وفي‬
‫وقت واحد‪ .‬و مع انطالق الرصاصة األولى للثورة‪ ،‬تّم توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع‬
‫األمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني‪ .‬و دعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات‬
‫االجتماعي ة و جمي ع األح زاب و الحرك ات الجزائري ة إلى االنض مام إلى الكف اح التحري ري و دون أدنى‬
‫اعتبار آخر‪ .‬و تّم تشكيل األمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء‪.‬‬

‫ش ملت هجوم ات المجاه دين ع دة من اطق من ال وطن‪ ،‬و ق د اس تهدفت ع دة م دن وق رى ع بر المن اطق‬
‫الخمس ‪ :‬باتن ة‪ ،‬أريس‪ ،‬خنش لة و بس كرة في المنطق ة األولى‪ ،‬قس نطينة و س مندو بالمنطق ة الثاني ة ‪،‬‬
‫العزازقة و تيغزيرت و برج منايل و ذراع الميزان بالمنطقة الثالثة‪ .‬أما في المنطقة الرابعة فقد مست‬
‫كال من الجزائر و بوفاريك والبليدة ‪ ،‬بينما كانت سيدي علي و زهانة و وهران على موعد مع اندالع‬
‫الثورة في المنطقة الخامسة‪.‬‬

‫و ب اعتراف الس لطات اإلس تعمارية‪ ،‬ف إن حص يلة العملي ات المس لحة ض د المص الح الفرنس ية ع بر ك ل‬
‫مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر ‪ ، 1954‬قد بلغت ثالثين عملية خلفت مقتل ‪ 10‬أوروبيين و عمالء و‬
‫جرح ‪ 23‬منهم وخسائر مادية تقدر بالمئ ات من الماليين من الفرنكات الفرنسية‪ .‬أما الثورة فقد فقدت‬
‫في مرحلتها األولى خيرة أبنائها الذين سقطوا في ميدان الشرف‪ ،‬من أمثال بن عبد المالك رمضان و‬
‫قرين بلقاسم و باجي مختار و ديدوش مراد و غيرهم‪.‬‬

‫لم يكن س هًال القض اء على ث ورة أول نوفم بر‪ ،‬على ال رغم من األوض اع الص عبة ال تي انطلقت فيه ا‬
‫الث ورة‪ :‬ن درة األس لحة‪ ،‬وعملي ات التمش يط‪ ،‬و ص عوبات االتص االت‪ ،‬و محاول ة ك ل منطق ة أن تق ود‬
‫الجم اهير الش عبية بحس ب ظروفه ا و أن تس اند المجاه دين بجمي ع األس لحة و مناوش ة الع دو و مواجه ة‬
‫عمليات ه الوحش ية‪ ،‬كم ا ح اول المس ؤولون في الخ ارج إظه ار ص ورة الجزائ ر المقاوم ة و عمل وا على‬
‫تزويدها باألسلحة‪.‬‬
‫مراحل الثورة‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪1955-1954 :‬‬

‫و تركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري و تقويته‪ ،‬و مد الثورة بالمتطوعين و السالح و العمل‬
‫على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البالد‪.‬‬

‫من الجانب الفرنسي‪ ،‬فإن ممثليه من حكومة و إدارة و أحزاب و الرأي العام‪ ،‬كانوا كلهم ضد أعمال‬
‫أول نوفم بر‪ ،‬فق د أعلن رئيس الحكوم ة أم ام مجلس الن واب‪« :‬في الجزائ ر اليمكن أن يك ون هن اك‬
‫انفص ال‪ ،‬هن ا فرنس ا»‪ ،‬أم ا وزي ر الداخلي ة الفرنس ي فق د ص رح‪« :‬ال أقب ل التف اوض م ع أع داء ال وطن‪،‬‬
‫التفاوض الوحيد هو الحرب»‪ ،‬و كان التطبيق العملي لهذه الكلمة تجنيد قوات األمن و الجيش للقضاء‬
‫على ه ذا التم رد‪ ،‬فبينم ا تق وم الش رطة بمالحق ة ك ل المس ؤولين و المنتخ بين و المناض لين في الح زب‬
‫الوطني‪ ،‬فإن الجيش الفرنسي يالحق مجاهدي جيش التحرير الوطني المتحصنين في جبال األوراس و‬
‫بالد القبائل‪ .‬و في سنة ‪ 1954‬كان هناك أقل من ‪ 1000‬جندي لجيش التحرير الوطني‪ ،‬يواجهون ‪50‬‬
‫ألف رجل ألكبر قوة عسكرية أوربية‪.‬‬

‫و في س نة ‪ ،1955‬أص بحت ح رب التحري ر واقع ًا حيث انض م إلى جيش التحري ر وط نيون مش حونون‬
‫بحم اس المقاوم ة‪ ،‬و ش باب مط ارد من الش رطة يبحث ون عن ملج أ في الجب ال‪ ،‬و ك ذلك المجن دون‬
‫الجزائريون الفارون من الجيش الفرنسي و الذين التحقوا بالمجاهدين‪ .‬و هكذا تحولت الحرب إلى قوة‬
‫ثورية‪ ،‬كما أسهمت هجمات المجاهدين و سكان األرياف للشمال القسنطيني في أوت ‪ 1955‬في تقوية‬
‫سلطة الثورة‪.‬‬

‫في صيف ‪ ،1955‬فكر زيغود يوسف قائد الناحية الثانية للشمال القسنطيني في هجوم شامل للمجاهدين‬
‫ض د الق وات الفرنس ية ردًا على محاص رة األوراس وإ بع اد المل ك محم د الخ امس عن الع رش‪ ،‬و تم‬
‫تحض ير ذل ك عن طري ق حمالت توعي ة و جم ع األس لحة و المتفج رات و المؤون ة و األدوي ة و تنظيم‬
‫محكم لمجاهدي مختلف قطاعات الناحية الثانية‪ .‬بدأت الهجمات يوم ‪ 20‬أوت في وضح النهار‪ ،‬خالف ًا‬
‫لعملي ات أول تش رين الث اني ‪ .1954‬و ج رت اش تباكات دامي ة في س كيكدة و ض واحيها بين الفالحين‬
‫المس لحين ب الهراوات و القض بان الحديدي ة و المع اول و الس كاكين‪ ،‬مقاب ل الجن ود الفرنس يين المس لحين‬
‫بأح دث األس لحة‪ ،‬و تعرض ت المواق ع العس كرية في قس نطينة للهج وم‪ ،‬و ك ذا تص فية أعوان الفرنس يين‪،‬‬
‫لقد هوجم ما يقرب من ثمانين مركزًا‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى تخريب و تقتيل رهيب‪ ،‬حيث تتحدث بعض‬
‫المص ادر عن ‪ 12‬أل ف ض حية من الجزائ ريين‪ ،‬فق د ك انت الق وات الفرنس ية تطل ق الن ار على ك ل‬
‫الجزائريين الذين تصادفهم‪.‬‬
‫كان هذا القمع مصدرًا للكراهية التي لم تترك أي مجال لحل سلمي‪ ،‬فقد استقال المنتخبون كما عزم‬
‫ق ادة االتح اد ال ديمقراطي للبي ان الجزائ ري ‪ UDMA‬والمرك زيين االلتح اق بجبه ة التحري ر الوط ني‪،‬‬
‫وأك دت ال دول العربي ة تض امنها م ع الكف اح الجزائ ري‪ ،‬وكش فت سياس ة فرنس ا لمنظم ة األمم المتح دة‪،‬‬
‫وهكذا عمت الحرب كل أرجاء الجزائر‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪1958 -1956‬‬

‫شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها‪ ،‬إال أن الثورة‬
‫ازدادت اشتعاًال وعنفًا بسبب تجاوب الشعب معها‪ ،‬و أقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة‬
‫الف دائيين في الم دن‪ ،‬كم ا تمّك ن جيش التحري ر من إقام ة بعض الس لطات المدني ة في بعض من اطق‬
‫الجنوب الجزائري و أخذت تمارس صالحياتها على جميع األصعدة‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة ‪1960 -1959‬‬

‫ك انت ه ذه المرحل ة من أص عب المراح ل ال تي م ّر ت فيه ا الث ورة الجزائري ة‪ ،‬إذ ق ام المس تعمر الفرنس ي‬
‫بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني‪ .‬وفي هذه الفترة‪ ،‬بلغ القمع البوليس حده األقصى‬
‫في المدن و األرياف‪ ..‬و فرضت على األهالي معسكرات االعتقال الجماعي في مختلف المناطق‪ .‬أما‬
‫رد جيش التحري ر‪ ،‬فق د ك ان خ وض مع ارض عنيف ة ض د الجيش الفرنس ي واعتم د خط ة توزي ع القوات‬
‫على جمي ع المن اطق من أج ل إض عاف ق وات الع دو المهاجم ة‪ ،‬و تخفي ف الض غط على بعض الجبه ات‪،‬‬
‫باإلضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه‪.‬‬

‫تدعمت صفوف جبهة التحرير الوطني بانضمام الطلبة و العمال‪ ،‬فقامت النقابة (االتحاد العام للعمال‬
‫الجزائ ريين) ال تي ُأنش ئت في فيف ري ‪ 1956‬بع دة إض رابات وطني ة مس اندة لجبه ة التحري ر‪ ،‬كم ا نظم‬
‫الطلب ة في ج انفي ‪ 1956‬نص ف ش هر تض امني ض د القه ر واالض طهاد‪ .‬و في م ؤتمر االتح اد الع ام‬
‫للطلب ة المس لمين الجزائ ريين تمت المطالب ة باالس تقالل‪ ،‬و في ‪ 18‬م اي دع ا االتح اد إلى إض راب ع ام‬
‫غ ير مح دود‪ ،‬و ذل ك بمقاطع ة ال دروس واالمتحان ات و دع وة الطلب ة لاللتح اق بص فوف جبه ة التحري ر‬
‫الوط ني‪ .‬و من جه ة أخ رى ازدادت ح دة المواجه ات العس كرية س نة ‪ ،1956‬مث ل عملي ات األخض رية‬
‫بقي ادة علي خوج ة (فيف ري‪ ،‬م ارس)‪ ،‬وه و ماح دث في منطق ة قس نطينة م ع بداي ة الهجم ات في منطق ة‬
‫وهران‪.‬‬

‫ابتداًء من مارس ‪ 1956‬كان من الضروري إيجاد تنسيق شامل بين مختلف قيادات المناطق‪ ،‬وذلك من‬
‫أج ل وض ع منهج اس تراتيجي موح د وقي ادة سياس ية وعس كرية وطني ة‪ ،‬حيث تجس د ه ذا المنهج بإنش اء‬
‫المنطقة الثانية و منطقة الجزائر بقيادة زيغود يوسف وعبان رمضان‪ .‬تم اجتماع قيادة الست مناطق‬
‫باس تثناء قائ د المنطق ة األولى ال ذي استش هد في إح دى المع ارك‪ ،‬وك ذا غي اب الممثلين المقيمين في‬
‫الخارج‪ ،‬وُع رف هذا االجتماع باسم مؤتمر الصومام (أوت ‪ )1956‬و فيه اُتخذت عدة قرارات مهمة‪،‬‬
‫منها إنشاء لجنة التنسيق و التنفيذ‪ ،‬و كذا تقسيم المناطق التي أصبحت واليات‪ ،‬وتنظيم عسكري دقيق‪،‬‬
‫كم ا تم اعتم اد مب ادئ مهم ة‪ ،‬أولوي ة السياس ي على العس كري و القي ادة الداخلي ة على القي ادة الخارجي ة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى تم تحديد األهداف اآلنية و هي‪ :‬مواصلة العمل المسلح بكل شراسة و التزود باألسلحة‬
‫والتجنيد العام‪ ،‬هذه القرارات المهمة اعترف بها أغلبية المسؤولين‪ ،‬ومن ثم ُع ممت على الجميع‪.‬‬

‫إن توحيد قيادة الثورة زاد من حدة المعارك و المواجهات‪ ،‬و إضراب الثمانية أيام (‪ 28‬جانفي إلى ‪4‬‬
‫فيفري ‪ )1957‬الذي مس الجزائر العاصمة وكبرى الواليات الجزائرية حتى الفرنسية منها‪ ،‬أظهر مدى‬
‫إرادة المقاوم ة ل دى العم ال الجزائ ريين‪ ،‬وفي الم دة نفس ها ش هدت الجزائ ر ع دة عملي ات بالقناب ل‪ ،‬مم ا‬
‫أشاع الرعب في أوساط المستوطنين األوربيين بالجزائر‪.‬‬

‫و لق د اس تعمل الجيش الفرنس ي أعن ف الوس ائل كاالعتق ال وتحطيم المحالت التجاري ة و التع ذيب و‬
‫االغتي االت من أج ل كس ر و تعطي ل اإلض راب و الوق وف في وج ه الف دائيين‪ ،‬ه ذا م ا ُس مي بمعرك ة‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫كان القمع الفرنسي وحشيًا‪ ،‬مما أساء بصفة كبيرة مباشرة إلى الشرطة و الجيش الفرنسيين لدى أوساط‬
‫الرأي العام الع المي‪ ،‬إذ قت ل الكثير من الجزائريين‪ ،‬و كذا س جل اآلالف من المفق ودين و المعتقلين في‬
‫السجون ومراكز االعتقال‪ ،‬و التحق الكثير من الجزائريين بالجبال‪.‬‬

‫أبرز سكان الحضر دعمهم للثورة على غرار سكان البادية في أوت ‪ ،1955‬فقد فتحت فيدرالية جبهة‬
‫التحري ر بفرنس ا جبه ة ثاني ة‪ ،‬وح دد الهج وم بت اريخ ‪ 25‬أوت ‪ ،1957‬مهاجم ة مراك ز الش رطة‪ ،‬ح رق‬
‫مستودعات النفط‪ ،‬تخريب معامل التكرير‪ ،‬وكانت حصيلة هذه المعركة التي دامت بضعة أسابيع تنفيذ‬
‫‪ 242‬هجومًا ضد ‪ 181‬هدفًا و ‪ 56‬عملية تخريب نقلت الحرب إلى األراضي الفرنسية‪.‬‬

‫و في داخل البالد تضاعف نشاط القتال في الجبال و مواقع أخرى‪ ،‬و على وجه الخصوص بالجنوب‬
‫حيث فتحت في نهاية سنة ‪ 1957‬جبهة صحراوية‪ ،‬و قد تعددت الصعوبات بالداخل‪ :‬مناطق ال تعترف‬
‫بسلطة اللجنة المركزية للتنسيق و التنفيذ‪ ،‬مواجهات بين المسؤولين‪ ،‬اعتراض بعض المجموعات من‬
‫المناضلين و التحريض ضد المقاومة الذي كانت تشجعه فرنسا‪.‬‬

‫عملت اللجنة المركزية للتنسيق والتنفيذ على تحسين تنظيمها‪ ،‬و إنشاء قطاعات وزارية و توزيع المهام‬
‫على أعض ائها‪ ،‬ف اجتمع المجلس الوط ني للث ورة الجزائري ة في ش هر أوت ‪ 1957‬و رف ع ع دد أعض ائه‬
‫إلى ‪ ،54‬و ع دد اللجن ة المركزي ة للتنفي ذ إلى ‪ ،9‬و ق ام بتع ديل بعض ق رارات م ؤتمر الص ومام فلم يع د‬
‫هناك أولوي ة السياسي على العسكري و ال ف رق بين مسؤولي الداخل و الخ ارج‪ ،‬و في أفريل ‪،1958‬‬
‫وح دت لجن ة التنس يق والتنفي ذ القي ادة العس كرية و جعلت على رأس الث ورة حكوم ة مؤقت ة للجمهوري ة‬
‫الجزائرية برئاسة فرحات عباس (‪ 18‬سبتمبر ‪.)1958‬‬

‫اع ترف بالحكوم ة المؤقت ة للجمهوري ة الجزائري ة الكث يُر من الحكوم ات من بينه ا حكوم ات البل دان‬
‫العربي ة‪ ،‬و س مح له ا ه ذا االع ترف بش راء األس لحة بس هولة أك بر و إنش اء قي ادتين لألرك ان‪ ،‬ي ترأس‬
‫أح دهما بوم دين‪ ،‬و التغلب على المح اوالت الداخلي ة ال تي ه دفت لض رب اس تقرارها و التأكي د في أول‬
‫تصريح لها أنها «مستعدة للتفاوض مع الحكومة الفرنسية«‪.‬‬

‫في ال داخل لم تتمكن اإلج راءات التعس فية الفرنس ية لتجمي ع و إدارة الس كان عن طري ق م ا يق رب من‬
‫س بعمئة مكتب إداري خ اص‪ ،‬و إنش اء من اطق محرم ة و التظ اهرات الفرنس ية بت اريخ ‪ 13‬م اي ‪1958‬‬
‫والتص ريحات األولى ومح اوالت المحادث ات المحلي ة ال تي ق ام به ا الج نرال دوغ ول من تخفي ف وت يرة‬
‫الح رب‪ ،‬فمقاوم ة المجاه دين على ال رغم من األوض اع الص عبة م اتزال ملتهب ة‪ ،‬وم ع أن الح واجز على‬
‫طول الحدود التونسية والمغربية قللت من وصول األسلحة‪ ،‬إال أن المعارك التي وقعت (جانفي ‪ -‬ماي‬
‫‪ )1958‬أظهرت قدرات الجيش الجزائري الذي قام بعدة هجمات ونجح في عمليات عبور عدة للحدود‪،‬‬
‫وإ يصال األسلحة إلى مناطق المقاومة بالداخل‪ ،‬مع الخسائر الكبيرة في صفوفه‪.‬‬

‫في ع ام ‪ ،1959‬كل ف دوغ ول الج نرال ش ال ب أن يقلص مقاوم ة مجاه دي ال داخل‪ ،‬فك ان مخط ط ش ال‬
‫بمختلف عملياته‪ ،‬ومنها تلك التي تمت ضد منطقتي القبائل و األوراس من أكثر المخططات وحشية‪ ،‬إذ‬
‫جعل مقاومة المجاهدين و بقاءهم على قيد الحياة غير ممكن تقريبًا‪ ،‬فقد تم نقل أكثر من مليون جزائري‬
‫إلى المعسكرات و تم طرد آالف الالجئين من مساكنهم و وضعهم في مناطق مسالمة دون حساب آالف‬
‫الم وتى‪ .‬و م ع ك ل ه ذا تواص لت العملي ات العس كرية لجيش التحري ر الوط ني‪ ،‬و لم تط الب الحكوم ة‬
‫المؤقت ة بوق ف إطالق الن ار‪ .‬تع ززت الث ورة بفض ل جيش الح دود و تحس ن تنظيم وزارة الح رب و‬
‫االتصاالت العامة‪ ،‬و كذلك بفضل النشاط الدبلوماسي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية‪.‬‬

‫سمحت مجموعات الالجئين المتواجدة خارج الوطن بتشكيل قواعد سريعة الحركة و باقتناء السالح و‬
‫الذخيرة‪ .‬في جانفي ‪ ،1960‬تشكلت قيادة األركان برئاسة هواري بومدين‪ ،‬وكانت تهدف إلى مواجهة‬
‫الخط وط المكهرب ة للس دود‪ ،‬و الهج وم على المراك ز الفرنس ية‪ ،‬و فتح ثغ رات تس مح لوح دات ص غيرة‬
‫ب المرور عبرها‪ ،‬و تجميد العدو‪ ،‬مم ا تطلب إعادة تنظيم جيش الحدود على ش كل في الق وكت ائب قتالية‬
‫خفيفة مسلحة ببطاريات‪ ،‬و ق د س مح تجنيد عدد كب ير من الالجئين بإنشاء عدة مراكز للت دريب‪ ،‬وفتح‬
‫جبهات جديدة في أقصى الجنوب الشرقي مع ليبيا و مالي‪ ،‬و بذلك أصبح جيش الحدود جيش ًا تقليديًا و‬
‫عصريًا‪ ،‬مما اضطر القوات الفرنسية إلى التمركز على الحدود و بالتالي ُخ فف على واليات الداخل‪.‬‬
‫تم إنش اء وزارة الح رب واالتص االت العام ة من ط رف «بوص وف» وك ان مج ال عمله ا متنوع ًا‪ ،‬ش مل‬
‫التس ليح و االس تخبارات و الرب ط و االتص ال و األمن و البث اإلذاعي و غيره ا‪ ،‬ه ذه المج االت جعلت‬
‫من مسؤوليها شخصية قوية‪ .‬و قامت الوزارة بشراء أسلحة من العراق و سورية و األردن و مصر و‬
‫أيضًا من تشيكوسلوفاكيا (سابقًا) ويوغسالفيا (سابقًا)‪ ،‬وأنشأ قائدها ورشات لصناعة األسلحة وتصليحها‬
‫ب المغرب‪ ،‬واهتم ك ذلك بتك وين أط ر في مختل ف المج االت‪ ،‬وأص بحت االس تخبارات إح دى األنش طة‬
‫األساسية لهذه الوزارة‪ ،‬وتتمثل في معرفة نوايا الحكومة الفرنسية و جيشها‪ ،‬ومتابعة الوضعية النفسية‬
‫للمواطنين عن طريق الدعاية و اإلعالم‪ ،‬و تحضير الملفات لمفاوضات مقبلة‪.‬‬

‫أدت الص عوبات العس كرية إلى البحث عن مس اعدات من قب ل ال دول الص ديقة و الش قيقة‪ ،‬وم ع بعض‬
‫ال تردد ل دى الحكوم تين التونس ية و المغربي ة الحريص تين على اس تقاللهما و إمكاني ة الحص ول على‬
‫تنازالت أكثر من فرنسا فإن تونس و المغرب استقبلتا عددًا كبيرًا من الالجئين الجزائريين‪ ،‬و وقعتا‬
‫عدة اتفاقات مع الحكوم ة المؤقتة عززت تضامن شعوب هذين البلدين مع الجزائر‪ .‬لقد كانت مصر‬
‫الدول ة األولى ال تي اس تقبلت الج ئين سياس يين وطن يين و بع د ذل ك ق ادة جبه ة التحري ر الوط ني‪ .‬أنش ئت‬
‫الحكوم ة المؤقت ة ج وًا من الثق ة م ع مختل ف ال دول العربي ة ال تي س اعدتها مادي ًا ومعنوي ًا على مس توى‬
‫منظمة األمم المتحدة‪ ،‬وانتقلت بعثات جزائرية إلى دول إفريقيا لربط تحالف مع الدول التي تناضل ضد‬
‫االستعمار الجديد‪.‬‬

‫كما توجهت وفود الجبهة إلى إندونيسيا وماليزيا و سريالنكا و وفود أخرى إلى الصين و إلى االتحاد‬
‫السوفييتي (سابقًا) وكل هذه الوفود وجدت ترحابًا كبيرًا من طرف حكومات هذه البلدان و شعوبها‪ ،‬كما‬
‫أبرمت اتفاقيات مع تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ويوغسالفيا وعززت البعثات اإلعالمية الحمالت الدعائية‬
‫الموجه ة لل رأي الع ام في أمريك ة الجنوبي ة والوالي ات المتح دة والبل دان األوربي ة‪ .‬وك ان للمظ اهرات‬
‫الشعبية في المدن الجزائرية في شهر ديسمبر ‪ 1960‬دور مهم في ترسيخ وتقوية جيش الحدود وتعزي ز‬
‫النشاطات المختلفة التي كانت تقوم بها وزارة التسليح‪ ،‬أضف إلى الجهود الدبلوماسية للحكوم ة المؤقت ة‪،‬‬
‫وهك ذا ق ام الجزائري ون في ‪ 11-10‬ديس مبر ‪ 1960‬بمظ اهرات كب يرة في مدين ة الجزائ ر لل رد على‬
‫استفزازات المستوطنين األوربيين (األقدام السوداء) رافعين أعالمًا جزائرية ومرددين شعارات وطنية‪،‬‬
‫وقامت مدن أخرى عبر التراب الجزائري بمثل هذه المظاهرات و كان لها صدى كبير في الجزائر و‬
‫في فرنس ا و في األمم المتح دة ال تي التفتت إلى ه ذه الص يحات‪ ،‬و ألول م رة ع برت األمم المتح دة عن‬
‫مس اندتها للقض ية الجزائري ة‪ ،‬كم ا ج اءت مس اندات أخ رى من ط رف ع دد كب ير من البل دان‪ ،‬و به ذا و‬
‫على الرغم من القمع و الصعوبات األخرى‪ ،‬فإن الجماهير الشعبية جددت تأييدها للثورة الجزائرية‪.‬‬

‫إن المقاومة المستمرة للشعب الجزائري و صمود المجاهدين و إخفاق الحمالت العسكرية االستعمارية‪،‬‬
‫وإ خف اق جمي ع اإلج راءات السياس ية الفرنس ية وتع اطف ع دد كب ير من البل دان م ع الجزائ ر‪ ،‬ك انت كله ا‬
‫العوام ل األساس ية ال تي مه دت الطري ق إلج راء مفاوض ات بين الجزائ ر وفرنس ا‪ ،‬و لق د ك انت ه ذه‬
‫المفاوضات شاقة وبطيئة‪.‬‬

‫و م ع مجيء ديغ ول أص بحت ه ذه المفاوض ات جدي ة بع د أن أخف ق األخ ير في تط بيق سياس ته المس ماة‬
‫«سلم الشجعان» التي حاول بوساطتها االتصال بالمسؤولين المحليين لجبهة التحرير الوطني‪ ،‬و كذلك‬
‫بعد إخفاق «خط ة شال» العسكرية أو مايسمى بخط ة قسنطينة أو ب اإلفراج عن المساجين‪ .‬و قد وافق‬
‫ديغ ول على مب دأ تقري ر المص ير وتمت المص ادقة علي ه من ط رف الش عب الفرنس ي بوس اطة االس تفتاء‬
‫وع بر ال رئيس بن خ دة من جهت ه عن موافقت ه على إج راء المفاوض ات في إط ار االس تقالل‪ .‬وانتهت‬
‫المفاوض ات ب إبرام اتفاقي ة إفي ان في ‪ 18‬م ارس ‪ 1962‬والتوقي ع عليه ا من ط رف ك ريم بلقاس م رئيس‬
‫الوفد المفاوض‪ ،‬و في اليوم التالي أعلن الرئيس بن خدة وقف القتال‪ .‬و هكذا تمكن الجزائريون من نيل‬
‫حقهم في تقري ر مص يرهم السياس ي وتأس يس دول ة مس تقلة‪ ،‬لق د نص ت االتفاقي ات على اإلج راءات‬
‫التطبيقي ة لوق ف القت ال وعلى الض مانات لتقري ر المص ير وعلى خصوص يات االس تقالل يع ني الس يادة‬
‫الكاملة في الداخل والخارج وفي جميع الميادين وخاصة الدفاع الوطني والشؤون الخارجية‪.‬‬

‫وق د ع رفت الجزائ ر ص عوبات في المرحل ة االنتقالي ة م ابين وق ف القت ال و تأس يس الحكوم ة األولى‬
‫للجزائر المستقلة (صراعات في اجتماعات المجلس الوطني‪ ،‬الثورة الجزائرية في طرابلس‪ ،‬وعمليات‬
‫عنيفة مسلحة داخل الجزائر وعمليات اغتيال عدة قامت بها منظمة الجيش السري الفرنسية التي طبقت‬
‫سياس ة األرض المحروق ة وطلبت من جمي ع األورب يين مغ ادرة الجزائ ر إلى فرنس ا)‪ .‬و في ‪ 2‬جويلي ة‬
‫‪ُ 1962‬أجري االستفتاء العام وكانت نتيجته الموافقة على استقالل الجزائر بأغلبية ساحقة‪.‬‬

‫وهكذا تحققت األهداف التي كانت ترمي إليها ثورة األول من نوفمبر‪ ،‬يعني تتويج كفاح الشعب وتحقيق‬
‫آماله بجزائر مستقلة ذات سيادة كاملة على جميع التراب الجزائري‪ ،‬وكان هذا النصر بفضل صمود‬
‫جيش التحرير الوطني وتضحيات الشعب الجزائري‪.‬‬

You might also like