Professional Documents
Culture Documents
تأليف
تامر البطراوي
كاتب وباحث في العلوم اإلقتصادية واإلدارية
/اإلقتصاد السياسي/تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي /نظرية القيمة اإلقتصادية /نظرية الواصفـــــــــــــــــــــــــــــــــات
اإلنتاج/نظرية التوزيع/المشكلة اإلقتصادية/التخلف اإلقتصادي/التنمية اإلقتصادية. .
01273147326 التلـــــــيفـــــــــــــــــــــــــــون
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف © ،وال يجوز إعادة طبع أو نشر أو تخزين أو إصدار هذا الكتاب
بأي طريقة ،إال بإذن كتابي من المؤلف ما عدا اإلقتباس العلمي المحدود مع ضرورة ذكر المصدر.
Researches
In Political
economy
Political Economics Theory
Author: El-Batrawy, T. M.
أ
التوازن ال ُكلي للدوافع 127 ...........................................................
دافع الطلب اإلقتصادي 130 ........................................................
المنفعة اإلقتصادية 132 ............................................................
نظرية القيمة اإلقتصادية 135 .......................................................
األموال اإلقتصادية 137 ............................................................
رأس المال اإلقتصادي 139 .........................................................
نظرية منشأ القيمة اإلقتصادية 141 ..................................................
نظرية اإلنتاج 148 ....................................................................
مقدمة148 .........................................................................
نظرية اإلنتاج لدى اإلسكوالئيين 149 ................................................
نظرية اإلنتاج لدى الماركنتيليين 150 ................................................
نظرية اإلنتاج لدى الفيزوقراطيين 151 ...............................................
نظرية اإلنتاج لدى الكالسيكيين 152 ................................................
طبيعة عالقات اإلنتاج 154 .........................................................
نظرية عوامل اإلنتاج 156 ..........................................................
رأس المال السياسي (هيكل الحكومية) 159 .......................................
رأس مال العمل (هيكل العمل) 175 ..............................................
رأس المال النفسي (هيكل العوامل النفسية) 180 ...................................
رأس المال البشري (هيكل المعرفة البشرية) 184 ..................................
رأس المال الثقافي (الهيكل الثقافي) 196 ..........................................
رأس المال اإلجتماعي (الهيكل اإلجتماعي) 207 ..................................
رأس المال التنظيمي (الهيكل التنظيمي) 212 .....................................
رأس المال المؤسسي (الهيكل المؤسسي) 218 .....................................
رأس المال الفكري (الهيكل الفكري) 220 ..........................................
رأس المال الصناعي (الهيكل الصناعي) 226 ....................................
رأس المال التكنولوجي (الهيكل التكنولوجي) 230 ..................................
رأس المال الطبيعي (هيكل األرض) 232 .........................................
ب
رأس المال األيكولوجي (الهيكل األيكولوجي) 236 .................................
نظرية التوزيع 238 ....................................................................
مدخل إلى نظرية التوزيع 238 .......................................................
تاريخ تطور نظرية التوزيع 240 .....................................................
نظرية تكلفة العمل244 .............................................................
الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية 252 ..............................................
الفصل األول ُمقاربة مفاهيمية حول اإلشكال اإلقتصادي 252 .............................
فلسفة اإلشكال اإلقتصادي 252 .....................................................
ماهية المشكلة اإلقتصادية 253 .....................................................
ُمشكلة الفقر اإلقتصادي 255 .......................................................
المشكلة اإلقتصادية 259 ...............................................
نظرية عالج ُ
مناقشة أدبيات المشكلة اإلقتصادية 263 .............................................
الفصل الثاني قراءة أكرونولوجية لتحوالت الفجوة العالمية للتنمية والتخلف 266 .............
جذور التخلف بالدول النامية وتحديات الفجوة الخامسة266 ...........................
الماركنتيلية والفجوة األولى 267 .....................................................
الثورة الصناعية والفجوة الثانية 269 .................................................
اإلمبريالية والفجوة الثالثة 270 .......................................................
الثورة الصناعية الثالثة والفجوة الرابعة 272 ...........................................
ماديسون وتحليل عوامل التنمية الغربية 275 .........................................
نشأة مصطلح التخلف وتصاعد اهتمام المجتمع الدولي بحل إشكالية التخلف 278 .....
الفصل الثالث نظرية تفسير التخلف اإلقتصادي بين التبعية والتحديث 283 .................
اإلتجاه األساسية لنظرية تفسير التخلف اإلقتصادي283 ..............................
نظرية التحديث 289 ................................................................
نظرية التبعبة301 ..................................................................
السببة التراكمية والدائرية 312 .......................................................
الفصل الرابع الثورة الصناعية الرابعة وتحديات الفجوة الخامسة 323 .......................
الذكاء الصناعي325 ...............................................................
ت
إنترنت األشياء 329 ................................................................
أنظمة الواقع الوهمي-المادي 330 ...................................................
تقنية الواقع المعزز 331 ............................................................
الداتا الكبيرة 332 ...................................................................
الحوسبة الكمومية 333 .............................................................
تكنولوجيا النانو 335 ...............................................................
الروبوتات 336 .....................................................................
المركبات الذاتية 339 ...............................................................
الهولوجرام 339 .....................................................................
الطباعة المجسمة 340 .............................................................
التقنية الحيوية 342 .................................................................
التقنيات الفضائية 344 .............................................................
علم المواد346 .....................................................................
تخزين الطاقة 347 .................................................................
تعليق ختامي حول الباب الثالث 349 ...................................................
الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية 359 ................................................
الفصل األول نشأة وتطور نظرية التنمية اإلقتصادية 359 .................................
تاريخ مصطلح التنمية ونشأته 360 ..................................................
الجذور المفاهيمية لمصطلح التنمية 361 ............................................
المنهجية الرياضية363 .............................................................
توسع عوامل اإلنتاج 365 ...........................................................
محصلة الخمسينات 368 ...........................................................
التنمية وعالقات التوزيع372 ........................................................
قضية الفقر وهدف النمو الموجه 373 ...............................................
حوار التنمية بين الشمال والجنوب بالعقدين األول والثاني 377 ........................
التواصل البيئي :األرض على طاولة المناقشات مرة أخرى 382 .......................
الفصل الثاني عالقات وهياكل التحول التنموي 388 ......................................
ث
المبحث األول العالقات اإلقتصادية التنموية 388 ....................................
أوالً العالقات التنموية وفقًا لمعدالت التغير (فترة النمو) 392 .......................
ثانيا العالقات التنموية وفقًا لدرجة الثبات (اإلستاتيكية والديناميكية) 401 ............
ً
ثالثًا العالقات التنموية وفقًا إلتجاه التغيير وأنماط التدخل 402 .....................
الوظيفية اإلقتصادية والتدخل المتوازن 404 .......................................
اإلتجاهات البنيوية باإلقتصاد والتدخل غير المتوازن 406 ..........................
البنيوية الوظيفية اإلقتصادية 411 ................................................
المبحث الثاني الهياكل اإلقتصادية التنموية 413 .....................................
أوالً هيكل خلق العرض (اإلنتاج) 415 ............................................
مزيجي عوامل اإلنتاج (هيكل عوامل اإلنتاج) 416 .............................
المزيج الوظيفي لقطاعات اإلنتاج (هيكل قطاعات اإلنتاج)420 .................
المزيج الحجمي لوحدات اإلنتاج (الهيكل الحجمي ألجزاء اإلنتاج) 422 ..........
مزيج التوزيع المكاني (هيكل أقاليم اإلنتاج) 426 ...............................
ثانياً هيكل التوزيع (الدخل) 431 ..................................................
ثالثًا هيكل الطلب (التبادل) 434 .................................................
ابعا هيكل اإلستهالك (الرفاهية) 437 ............................................
رً
خامسا هيكل التراكم (اإلستثمار) 444 ............................................
ً
الخاتمة 450 .............................................................................
المراجع العربية452 ......................................................................
470 ................................................................ WORKS CITED
ج
مقدمة
البحوث
مع أوائل عشريات القرن الواحد والعشرين وأخذت في كتابة مجموعة من ُ
والمقاالت تحت عنوان "فلسفة علم الثروة" تناولت خاللها النظرية العلمية ألصول
خلق الثروة موضوع األساس باإلقتصاد السياسي في سياق مناقشة فلسفية
لحيثياتها ،ومع اتساع النطاق والعمق البحثي وتراكم مخرجاته كانت المناسبة
بعنونة المؤلف "أبحاث في اإلقتصاد السياسي – النظرية اإلقتصادية عرض
ومناقشة" إلتساع وشمول أبعاد علم اإلقتصاد السياسي عن اصطالح الثروة كما
المؤلف ،علم اإلقتصاد السياسي ُيمكن وصف وظيفته سيتبين بأدبيات هذا ُ
إجماالً بعلم قرار خلق المال ،وفق منهجية تحليلية تمتد بعمق الجذور التاريخية
وصوالً للمعاصرة متنبئة بالمستقبل ،تنطلق من الخصوصية اإلجتماعية
والسياسية لمحل اإلقتصاد وتمتد لعالقاته وتفاعالته غير المحلية ،فهو العلم
المعني بدراسة تطور القوانين التي تحكم عالقات إنتاج وتوزيع األموال والتي
يمكن من خاللها التحكم بتلك العالقات ،ولذلك فاإلقتصاد السياسي ليس علم
القوالب الجاهزة لخلق المال وانما علم فهم الخصوصية وتفصيل القرار ،
اإلقتصاد السياسي ليس مرادفًا لفروع اإلقتصاد الجمعية كاإلقتصاد الدولي
واإلقتصاد ال ُكلي ،وانما اإلطار العام الذي يجمع في بحثه لعالقات الظاهرة
اإلقتصادية المستويات الجزئية والكلية والدولية ،لقد تضمن هذا المؤلف أربع
أبواب رئيسية هي ،أوالً تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي ،ثانياً نظرية اإلنتاج
ونظرية التوزيع ،ثالثًا نظرية المشكلة اإلقتصادية ،رابعاً نظرية التنمية
اإلقتصادية.
المؤلف
2017/03/31
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
المقدمة هي واجهة الشئ والجهة التي ٌيمكن من خاللها التعرف عليه ،أما
ُ
المعنونة
المقاربة لجسد العلم ُ
المدخل فهو جهة الوصول إليه ،وعليه فالمؤلفات ُ
ب ُمقدمة العلم هي تلك المؤلفات المعنية بتقريب موضوعه وفروعه األساسية ،
المنتسبة إلى مباحث موضوعه
والتي بإدراكها ُيمكن التمييز ما بين المعرفة ُ
األساسية عن غيرها ،أما مدخل العلم فهو جهة الوصول إليه بتناول موضوعه
والتأكيد على مناهج الوصول إليه ،والمنهج هو طريقة إثبات معرفي بمنطق
موضوعه ،تكتسب بموجبه المعرفة صفة العلمية ،وهي الصحة التي تتدرج من
حيث درجة الثبوتية من نظرية إلى قانون ثم قاعدة ثم مبدأ ثم تعميم ثم حقيقة ،
النظرية رؤية وصفية تفسيرية لكائن معنوي يقوم إثباتها على مبدأ السببية ،
وبتتابع إختبار وتكرار ثبوت نفس النتائج تكتسب النظرية صفة القانون العلمي ثم
المبدأ العلمي ،وهو الرؤية الذهنية لكائن معنوي شبه ُمتفق على صحتها بين
ذوي نفس المناطق العلمية بتغير ثقافاتهم ،ولذلك فالمبادئ والقوانين العلمية
ميراث إنساني عام غير مرتبط بمجتمع أو وطن وغير موصوف إال بالمنهجية
العلمية والتخصص نفسه ،ال يصح ن ْسُبه آليديولوجيه أو فلسفة معينة كان ألحد
معتنقيها سبق الكشف فهو وليد المنطق العلمي ال األيديولوجية أو الثقافة ،
بخالف النظريات فلسفية المنهجية التي ترتبط نشأتها وتبنيها بأيديولوجيات
المعنونة بمبادئ العلم ال تُشير
ناء عليه فالمؤلفات العلمية ُ
وب ً
وفلسفات معينة ُ ،
المؤلف على تلك القوانين التي
في مفهومها إلى تبسيط األوليات وانما إلى تركيز ُ
اكتسبت صفة المبدأ العلمي فاشتهر اإلتفاق عليها بين أهل التخصص ،تقوم
هذه المقاربات بشكل عام على اإلسترسال في السرد غير ُمفصل اإلقتباس ثم
اإلحالة بنهاية جسد النص إلى ُجملة المراجع التي تشمل ما تم عرضه من
1
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
األنطولوجيا بشكل عام هي علم الوجود ،أو الفلسفة التي تبحث في أصل
الوجود الكوني ،والذي ينقسم إلى بيئة طبيعية ()Natural environment
2
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
3
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
سيون
المنظرين األوائل الفيزوقراط والكالسيك وحتى المارك ُ
لقد ظل ثابتًا لدى ُ
اعتبار كائن المنفعة ذات القيمة اإلقتصادية الموضوع بالكون اإلجتماعي
موصوف كعالقات اجتماعية بين األفراد ،على خالف بين الفيزوقراط
والكالسيك الذين وصفوها باإلستاتيكية وبين الماركسيين الذين اعتبروها ديناميكية
،أما النيوكالسيك بريادة مارشال فرؤيتهم من منظور المنفعة قادتهم إلى اعتبار
العالقات اإلقتصادية سيكولوجية بين األفراد واألشياء وليست اجتماعية بين
4
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
األفراد واألفراد ،فهي عالقات تبدأ من شعور الفرد بالحاجة تجاه المنفعة التي
يتضمنها الشئ ،ومن ثم تصاعد مفهوم الشخصية اإلقتصادية كنمط سلوكي
معين للفرد تجاه المنافع اإلقتصادية ،أما روبنز فقد عكس نفس الرؤية
السيكولوجية واعتبرها تبدأ من خاصية الندرة بالشئ تجاه الفرد وحاجته ،
الكالسيك كانت رؤيتهم السوسيولوجية للعالقات اإلقتصادية من جانب العرض
كتدخل اجتماعي تكتسب بموجبه الموارد صفة األموال ،بينما النيوكالسيك كانت
رؤيتهم السيكولوجية للعالقات اإلقتصادية من جانب الطلب والذي يمثل دافع تلك
التدخالت ،وبدمج المنظورين يتضح موضع تقاطع الكائن اإلقتصادي بين
العالقات اإلجتماعية والعالقات الشخصية ببئية العلوم اإلجتماعية.
واذا كانت هذه الكائنات فوق العضوية غير حسية أي ال ُيمكن إدراكها بالحواس
الخمسة (السمع ،البصر ،اللمس ،التذوق ،اإلستنشاق) إال أنه ُيمكن اإلستدالل
عليها بمنطق حسي ،فالفرد الذي يذهب إلى المصنع ألداء دور إنتاجي يربطه
بتلك الوحدة عالقة عمل ،أي أن العالقات اإلقتصادية وان كانت كائنات معنوية
غير موصوفة حسياً إال أنه ُيمكن تكوين تصور ذهني لها فيما ُيعرف "بالنظرية"
( )theoryوالتي تُقابل في مفهومها الصورة الحسية الناتجة عن نظرة حسية
وبناء عليه فالنظرية اإلقتصادية ال ُكلية ()Economic theory
ً لكائن مادي ،
هي ُنسق علمي لجملة المعرفة العلمية اإلقتصادية من نظريات وقواعد وقوانين
ومبادئ ومفاهيم ،والتي تكشف في مجموعها طبيعة ظاهرة عالقات إنتاج
وتوزيع األموال النفعية (القابلة للتبادل) ،أي كيف يتم خلق المال؟ وكيف يحوزه
األفراد؟ ،فعلم "اإلقتصاد السياسي" على خالف علم المحاسبة الذي يهتم بحصر
أو تقدير قيمة عوائد عوامل اإلنتاج وتناسبها مع قيمة األصل ،يهتم ببحث
عالقات عوامل اإلنتاج وعوائدها من حيث التغير وفقاً لسياق تطورها التاريخي ،
أو علم القرار بشأن الثروة والمبني على رؤية نظرية بغرض التأثير في متغيراتها
5
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
،ومن هنا كان وصف الكالسيك له بعلم الثروة ،باعتبار الثروة الموضوع الذي
تُبحث عالقاته ،أما النيوكالسيك فكانت رؤيتهم من منظور الغرض من تلك
الثروة ،فالنشاط اإلنساني الذي يهدف لخلق تلك األموال ال يهدف لخلقها إال
لغير لغرض إشباع الحاجات وصوالً للرفاهية ،فاإلقتصاد الذي لم تُحقق ثروته
أو إنتاجه رفاهية سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي اليزال يتسم باإلشكال
بقدر انخفاض مستوى الرفاهية المتحققة ،ويظل حينها البحث اإلقتصادي
منصب حول كيف ُيمكن الوصل إلى تحقق تلك الرفاهية ،ومن ثم فاإلقتصاد
هو علم الوصول إلى ذلك الجزء من الرفاهية التي تتحقق من خالل الناتج
التبادلي ،وعلى ذلك اإلتجاه عرفه "بيجو" ( )Pigouبأنه العلم الذي يدرس
الرفاهية االقتصادية ،باعتبارها ذلك الجزء من الرفاهية العامة الذي يمكن إيجاد
عالقة مباشرة أو غير مباشرة بينه وبين مقياس النقود ،كما عرفه "أودين كانان"
( )Cananفي كتابه "اقتصاد الرفاهية" المنشور عام 1920بأنه "العلم الذي
يدرس الجانب المادي من السعادة اإلنسانية أو الرفاهية المادية" ،إال أن ذلك
المفهوم سيتم انتقاده فيما بعد من مدخل الندرة وتقييده بالتواصل ،كما ستظهر
وجة نظر جديدة مع سامويلسون بكونه علم اتجاه العالقات البشرية لخلق وحيازة
الثروة بغرض تحقيق الرفاهية.
أما مناسبة اصطالح "اإلقتصاد السياسي" لذلك المفهوم فترجع جذورها لعام 362
ق.م عندما ظهر مصطلح (إيكونوميك) ألول مرة بمؤلف الفليسوف اإلغريقي
زينوفون 354 – 430ق.م ( ، )Xenophonبكتابه المعنون بـ "إيكونوميك"
وهو مصطلح يوناني ( )Oikonomikos( - )Οικονομικόςصاغه للداللة
على موضوع "إدارة المنزل" من الكلمة "أويكوس" ( )oikosبمعنى العائلة ،
وكلمة "نوموس" ( )nomosبمعنى القواعد أو القوانين ،بحيث يشير المعنى
اإلجمالي للمصطلح ( )oikonomiaإلى قواعد أو قوانين إدارة المنزل ،لتنتقل
6
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
7
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
8
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
لقد كانت تلك المواضيع التي يتناولها علم اإلقتصاد السياسي من خلق وتوزيع
بدء من القرن الثامن الميالدي
الثروة تُدرج بالكتابات العربية اإلسالمية األولى ً
تحت عنوان "المال" وليس اإلقتصاد أو اإلقتصاد السياسي ،كما في كتاب
"اإلكتساب في األرزاق" لمحمد بن الحسن الشيباني (131ه749/م –
189ه805/م) ،وكتاب "األموال" ألبي القاسم عبيد بن سالم ( 157هـ 774/م
224هـ 838/م) ،وكتاب "إصالح األموال" ألبي بكر بن أبي الدنيا -
(208ه823/م – 281ه894/م) ،أما ظهور نفس الموضوع تحت مصطلح
(اقتصاد أو اقتصاد سياسي) بالكتابات العربية واإلسالمية بتعريب ُمصطلح
( )political economyفيرجع تاريخه إلى الحركة العلمية في عهد محمد علي
باشا والي مصر وارساله البعثات العلمية لنقل علوم الغرب ،وحيث كان أفراد
تلك البعثات من خلفيات تعليم ديني اسالمي كان الربط ما بين مصطلح
( )political economyوالذي ُيشير مفهومه إلى عالقات وسياسات خلق
وتوزيع األموال وما بين تعريبه "باإلقتصاد السياسي" ،إلستقرار اإلرتباط بالثقافة
العربية واإلسالمية ما بين لفظ "اإلقتصاد" من القصد والترشيد وسياسة األموال ،
إال أن أفراد تلك البعثات لم يقم منهم أحد بتأليف أو ترجمة أي كتاب حول ذلك
العلم واقتصر األمر في البداية على تطبيق تلك النظريات والمعارف في الحياة
العملية والدواوين ،أي أن ُمصطلح اإلقتصاد السياسي العملي ُعرف واستقر في
مصر قبل ُمصطلح اإلقتصاد السياسي النظري (علم اإلقتصاد السياسي) ،
واستمر ذلك الوضع حتى قررت و ازرة المعارف إدخاله في مدرسة الحقوق والتي
تم إنشائها في عهد الخديوي إسماعيل (فترة حكمه 1879-1863م) عام
9
**نظرية اإلقتصاد السياسي ُمقاربة تأصيلية**
10
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
11
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
تنقسم الحاجات البشرية إلى حاجات يمكن إشباعها من خالل منافع قابلة للتعبئة
والتبادل وأخرى غير قابلة ،اإلقتصاد كفكر يختص بتلك المنافع القابلة للمبادلة
ويطلق على تلك المنافع تبادلية القابلية أموالً سواء
والحاجات التي تُشبعها ُ ،
أكانت مادية أو معنوية خالفاً للحصر المادي الكالسيكي كما سيأتي الحقاً ،
يعمل الفكر اإلقتصادي في بحث ظاهرة حركة اإلنسان من حيث خلق وحيازة
تلك المنافع وأثر تلك الحركة على حاجاته ،في المرحلة البدائية وعصور ما قبل
التاريخ كانت حركة المعاش اإلنساني تتم وفق نظام المشاعية اإلقتصادية والتي
لم تعرف الملكية الفردية ،ولم يرتبط نشاط اإلنسان في اشباع حاجاته
اإلقتصادية بقدر كبير من المهارة الحرفية وانما اعتمد على الصيد وجمع الثمار
إلشباع حاجاته والتي لم تكن معقدة هي األخرى (العربية ، )1981 ،إال أن
تطور للحاجات
اً تطور التحديات الطبيعية واإلجتماعية التي واجهها فرضت
استلزم تضافر الجهود المجتمعية إلشباعها مما أفرز نمط الحياة القبلية والقروية
(والعلو ، )1973 ،وخالل الفترة التي سادت فيها الحياة القبلية كان اقتصاد
القبيلة يدور بصورة مشتركة لتأمين حاجات القبيلة عن طريق إقامة عالقات
إنتاجية قائمة على الملكية االجتماعية المشاعية للقبيلة لوسائل اإلنتاج ،أما
بالنسبة لتوزيع المنتجات فكان يتم ضمن كميات متساوية وقليلة للحفاظ على
البقاء وبالتالي فلم تكن هناك حاجة للنقود واألسواق للمبادلة (ساقور، )2004 ،
ومع اتساع المجتمعات وتراكم الفوائض اإلقتصادية بدأت تظهر المدن القديمة
التي عرفت قد اًر أكبر من التنظيم بمصر وبابل وفارس والهند والصين واليونان
وروما ،وبشكل عام اعتمد النشاط اإلقتصادي بتلك الحقبة على الزراعة وتربية
الماشية وكانت األرض بمثابة المظهر الرئيسي للثروة ،باإلضافة إلى األنشطة
12
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الحرفية والتجارة التي اعتمدت بشكل كبير على الناتج الزراعي والصناعات
الحرفية (العربية ، )1981 ،والتي صاحبها أنشطة تجارية لتبادل فوائض اإلنتاج
بين الوحدات اإلنتاجية (موسى، )1998 ،
13
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
منذ ثالثين قرناً قبل الميالد (تقريباً) بدأت تظهر الدول الموحدة حول األنهار
بمصر والشام والعراق وفارس والهند والصين… والتي اتسمت بالنظام المركزي
الشمولي الذي تملك فيه الدولة متمثلة في رأسها (الحاكم) كافة عناصر اإلنتاج
الحكم باعتباره
وينتقل ذلك الملك إلى الحاكم الجديد ال بصفة اإلرث وانما بصفة ُ
رأساً للدولة ،وسلطته فيها مطلقة وال تفريق بين حاجات الحاكم الخاصة
والحاجات العامة (الكفري ، )2004 ،وان كان اإلختالف في مصر هو ازدواجية
مصدر حق الملكية ما بين المصدر السياسي والديني الذي عزز ذلك الحق
للملك ،فالملك كان إلهاً بالمعنى الدقيق للكلمة ،لم يكن ممثالً لإلله أو صورة
صلبه فهو بن اإلله
من صور اإلله على األرض بل هو اإلله تماماً ومنحدر من ُ
رع ،وهو إلهاً في الدنيا والهاً بعد الموت حيث يتحول إلى اإلله أوزوريس ويبقى
في جنة العالم اآلخر بصفة اإلله الحاكم للموتى (الماجدي ،1999 ،صفحة
، )139وأن ازدهار األرض ورخائها يرتبط باإلله أو الملك الحاكم الذي يمثل
جزء ال يتج أز من النظام الكوني (موسى ،1998 ،صفحة )103فتشكلت في
مصر القديمة ثقافة األرض لإلله ،واجماالً فالملكية في مصر القديمة كانت
تتمثل في أن األرض كلها لإلله (الحاكم) الذي يهب األفراد حق اإلنتفاع بها ،
أما في سائر الدول التي نشأت حول األنهار فلم يكن للحاكم نفس الصفة الدينية
الملك.
وان كان له نفس الحق في ُ
ساد في تلك الدول نمط إنتاج وصفه مـاركس (مسودات )1875بنمط اإلنتاج
اآلسيوي ( ، *)Asiatic mode of productionوهو نمط إنتاج قائم على
*
هذا النمط إشكالي ،Problematicسواء بالكتابات المؤسسـة له عند مـاركس (مسودات )1875أو عند انجلز
(األعمال الكاملة) أو بتوسعات كارل فيتفوجل ،وماكس فيبر ،أو بتحفظات بيرى أندرسون من ناحية ،ومن أخرى
14
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
المجال الزراعي بالري الصناعي ،تقوم فيه الدولة المركزية بتنظيم الري (بناء
السدود وشق القنوات) وفرض نفوذها على األرض ومصادر المياه بحيث تصبح
األرض كلها ملكاً للدولة متمثلة في الملك بصفته (وقد استمر ذلك النظام في
مصر حتى عهد محمد علي) ثم تقوم بتقطيعها واعادة توزيعها على األمراء
والملتزمين والمعابد (حق اإلله) فيما ُيسمى "بالروك" (موسى ، )1998 ،وهو
توزيع يقتصر على التصرف اإلداري ويمتنع معه الظهور عليها بصفة الملك ،
بحيث يقوم الملتزمون بتعبئة الفائض إلى الدولة المركزية (مركزة الفائض) من
خالل مندوبين (شيخ القرية) بكل وحدة إنتاجية (القرية) ،أما الفالح فكان تابعاً
للم ْقطع له ولم يكن ُمستعبد ( )Helotsوانما يعمل على زراعتها مقابل
للدولة ال ُ
نصيب من الناتج بحد الكفاف ،وكما أن القرية كانت الوحدة اإلنتاجية التي
تفرض عليها الضريبة ومن ثمة يتضامن أفرادها فيما بينهم على تأديتها لمندوب
الدولة فبالمثل كانت طوائف الحرف المهنية بمثابة الوحدة التي تجبى منها
الضريبة ال من أفرادها ،وتخضع تلك الطوائف إلشراف وتنظيم ورقابة الدولة ،
ولذلك فالنمط اآلسيوي (أو الخراجي) يختلف عن النمط اإلشتراكي وان اختفت
فيه الملكية الفردية لوسائل اإلنتاج ألن الدولة فيه ال تساهم في عملية اإلنتاج
وانما تقوم بدور إنشاء األشغال العامة والحماية (خاصة من هجمات جماعات
البدو في مصر) ،كما يختلف عن النظام العبيدي اإلغريقي والنظام اإلقطاعي
ألن الفالحين يكونون أح ار اًر بالمعنى القانوني ولهم الحرية في ممارسة الزراعة
المقطع له ال يورث ذلك الحق وال يظهر عليه بمظر المالك ،من عدمها كما أن ُ
أما التجارة الخارجية والتعدين فكانت احتكا اًر حتمياً للحاكم كما كانت مزدهرة
وضخمة وعينية فلم تكن النقود قد إكتُشفت بعد (اإلخناوي ، )1993 ،وعلى
بمعارضات فاليرى شتاين ،وأندريه جوندر فرنك وسمير أمين ،وآلنه يرتبط ببعض الحضارات القديمة بالغرب
لذلك اعتبره البعض أن داللته الجغرافية تضيق عن استيعاب األنماط الشبيهة.
15
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الجانب السياسي والديني فقد اتسمت تلك الحضارات بالمركزية والنفوذ الديني
والسياسي وكانت هناك دوماً أيديولوجية حاكمة ومصاحبة (على اختالف
تعاقبها) تعمل على تأصيل حق مركزة الفائض ،وكان توسع تلك األنظمة يقوم
على فرض الضرائب والمصادرة وأعمال السخرة (المهايني ، )2014 ،إال أن
هناك رأي آخر يذهب إلى أن األفراد كان لهم حق الملكية الفردية على األراضي
الزراعية وأن األراضي لم تكن كلها مملوكة للملك وهناك الكثير من األدلة التي
السخرة وليس أدل
تؤيد هذا الرأي ،فضالً عن أن األعمال لم تتم كلها بصورة ُ
على ذلك من اإلبداع الهندسي والفني الذي ظهر بشواهد تلك الحضارات والذي
السخرة على طول الخط ،ولو أن العامة كانوا قد شعروا
يتعذر معه قبول فرضية ُ
بأنهم ضحية ظلم وجبروت ملوكهم لما حرصوا على بناء قبورهم حول أهرامات
الجيزة وتبركوا به عدة قرون بعد أن انتقل إلى جوار رع ،بل إن الملك فتح
المجال للثراء والترقي في المناصب الكبيرة للنابهين من أفراد شعبه خاصة في
الدولة الوسطى والتي تصنف كعصر رخاء إقتصادي (موسى ،1998 ،صفحة
، )100وليس أدل على وجود صور للملكية الفردية بالعصور الفرعونية من
تضمين القوانين الفرعونية ألول سياسة اقتصادية ُعرفت في التاريخ حول سعر
الفائدة بقانون "حور محب" عام 1330ق.م ،بالنص على عدم جواز أخذ
سعر فائدة سنوي أعلى من ثلث قيمة المال ،وعدم جواز مطالبة المدين بأكثر
المركبَّة (الصادق،
من ضعف الدين مهما طالت مدة التأخير ،بمنع الفائدة ُ
،2014صفحة .)11
إال أن عموم الرأي على أن النمط اآلسيوي (أو الخراجي) هو النمط الذي ساد
في مصر ُمنذ العصور الفرعونية الذي اعتمد بشكل كبير على ملكية الدولة
لوسائل اإلنتاج حتى وان تضمن نظام اإلقتصاد السياسي أشكاالً أخرى من
الملكية الفردية ،وهو نمط إنتاجي تابع لقوة الدولة المركزية ويعمل على تقويتها
16
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
،لكونه قائم على الري الصناعي الذي تقوم الدولة على تنظيمه واإلنفاق عليه
من ناحية ،وحماية الثروة من ناحية أخرى ،ولذلك كان النشاط اإلقتصادي
يزدهر بقوة الدولة ويضمحل بضعفها كما تقوى الدولة بازدهاره وتضعف بتدهوره
،كانت هذه العالقة الوثيقة بين اإلقتصاد والسياسة أحد أهم األسباب التي دعت
إلى تضمين القوانين المصرية القديمة (قانون الملك "حور محب" الصادر في
1330ق.م ،ومن قبله قانون اإلله تحوت "توت" عام 4241ق.م) لنصوص
واضحة حول تجريم الرشوة والفساد من قبل الموظفين العموميين والعقوبات
المقررة إزائها (الصادق ،2014 ،صفحة ، )11ولكون الفائض يتم تعبأته
لصالح الدولة المركزية فهو نمط إنتاجي قائم على استنزاف المجتمع لصالح
تقوية الدولة ال األفراد ،فالوفرة لم تتحقق ألفراد المجتمع (بخالف الحاكم) بل
كان النظام قائماً على تفقير المجتمع بما يحصلون عليه من الكفاف مقابل
مساهمتهم في عمليات اإلنتاج ،والذي انعكس بدوره على انخفاض مستوى
المعيشة وانخفاض أعداد السكان ،والتي بلغت نحو 1,61مليون نسمة بالدولة
القديمة ( 2181-2686ق.م) ،و 1,96مليون نسمة بالدولة الوسطى (-2055
1650ق.م) ،و 2,88مليون نسمة بالدولة الحديثة ( 1069-1550ق.م)
(اإلخناوي ، )1993 ،والى 4ماليين نسمة عام 1ميالدي بنسمة %25من
سكان أفريقيا ( 16,5مليون) و %1,7من سكان العالم ( 230مليون) ،و5
ماليين نسمة عام 1000بنسبة %15سكان أفريقيا ( 33مليون) وبنسبة %1,9
من سكان العالم ( 268مليون) ،و 4ماليين نسمة عام 1500بنسبة %8,6
من سكان أفريقيا ( 46مليون) و %0,9من سكان العالم ( 437مليون) ،و4,5
مليون نسمة عام 1700بنسة %6,5من سكان أفريقيا ( 61مليون) و%0,7
من سكان العالم ( 603مليون) ،و 4,195مليون نسمة عام 1820بنسبة
%5,4من سكان أفريقيا ( 74مليون) و %0,4من سكان العالم ( 1,04مليار
17
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
*
دوالر دولي بتعدل القوى الشرائية PPPباألسعار الثابته لعام 1990
18
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
19
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ظهر متاخماً للدولة الحديثة رافداً فكرياً كان له أثر بمكان ال يمكن تجاهله في
الفكر اإلقتصادي والشأن السياسي بعد ذلك وهو نشأة الديانة اليهودية بين قبائل
بني يعقوب بأرض كنعان ،فعندما نشأة الدولة المصرية القديمة حول وادي النيل
كان الكنعانيون ُينشئون حضارتهم بأرض كنعان الممتدة ما بين نهر األردن
والساحل الشرقي للبحر المتوسط ،إال أنها كانت حضارة محدودة لم تبلغ من
القدرة التصدي لنزاعاتهم المتكررة مع العبرانيين ،وقد كان العبرانيون بدو ُرحل
وخليط من شعوب آسيوية على خالف الكنعانيين والذين اضطروا لإلستعانة
بالفراعنة لصد هجمات العبرانيين المتكررة ُمقابل أموال عينية ،استقر العبرانيون
بجوار الكنعانيون وانحدر منهم شخصيات إبراهيم ويعقوب "إسرائيل" واسحاق
وموسى والذين اشتهروا بلقب "بني إسرائيل" (شوفاني )1996 ،ال ُيعلم تحديداً
ميالد موسى ( )mosesأو نشأة اليهودية فضالً عن وجود دليل تاريخي على
وجود موسى مما دعا البعض إلعتباره شخصية أُسطورية ضمن شخصيات
اليهود األسطورية (فرويد ، )1986 ،بينما رجح فرويد في كتابه "موسى والتوحيد"
أنه "راع مو از" ( )Ramosesوزير اخناتون 1336 – 1353ق .م باألسرة
الثامنة عشر ،وأن الفكر اليهودي انحدر عن االتونية (عقيدة التوحيد الجديدة
التي حاول إخناتون نشرها في مصر القديمة) ،خاصة وأن إسم موسى تكرر
كثي اًر باالسرة الثامنة عشر (كامو از ،رامو از ،أعحمو از ،أحمس ،تحوت-موسي
"تحتمس") ،وأن وزير اخناتون (رع موسي) لم يدفن في مقبرته وال يعرف كيف
المتعمد ،مما يرجح حدوث ثورة من انتهي أمره وأن مقبرته تعرضت للتخريبب ُ
قبل الكهنه ضد اخناتون وقتله إلعاده الوضع الديني لسابق عهده ،أما وزيره رع
موسى فكان أحد هؤالء الفارين بعد مقتل إخناتون ضمن مجموعة أصرت على
20
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
االحتفاظ بدين التوحيد االخناتوني حتي بعد مقتله ،وأنه بشكل طبيعي حاول
الهرب من القمع والمالحقة ضد ديانة التوحيد الجديدة مع بعض المؤمنين بها
وتوجه بهم الى سيناء ومن بعد سيناء حاولوا التوجه الي فلسطين ،وألن
جذور حقيقة فقد أخذت
اً المعتقدات الجديدة كانت في طور التكوين ولم يكن لها
تتطور بشكل عشوائي منفصل ،خاصه أنها لم تكن مدونه عند الهاربيين ،وأن
الوزير (رع موسي) الهارب بهم ربما كان الوحيد بينهم الذي يمتلك القدرة على
الكتابة ،وكان بالطبيعة أعلمهم بالدين الجديد بحكم كونه وزي ار سابقا عند
إخناتون فهذا جعله ياخذ موقع النبي في نظرهم والمرسل المباشر لهم من اإلله
الواحد ،والذي يدعم هذا التصور هو أن نشيد اخناتون هو نفسه المزمور رقم
104من مزامير داوود المدونه في العهد القديم بل إن التشابهات بين العهد
القديم والميثولوجيا المصرية تتخطي هذا بكثير (فرويد ، )1986 ،رفض هذه
الفرضية بعض األثريين الذين أكدوا عودة رعمو از بعد فترة من هروبه بعد توبته
عن الهرطقة ،كما أن اتجاهً آخ اًر من المؤمنين برسالته رفض تماماً هذه الفكرة
ودافع عن الوجود الحقيقي لشخصيته ورسالته وقارب ألن تكون فترة النشاط
الموسوي ما بين 1271 – 1391قبل الميالد ،كما رجح آخرون ألن يكون
خالل الفترة ما بين 1205 – 1320قبل الميالد بالتزامن مع األسرة التاسعة
عشر ،تحديدا خالل حكم رمسيس الثاني 1213 – 1303قبل الميالد ،والذي
خرج بجيشه إلى آسيا ثالث مرات الثانية منهم كانت للقضاء على ثورة ضد
الحكم المصري بفلسطين (مسعود ج ،1991 ،.صفحة )345مما ولد عداء
اتجاها آخر رفض تلك الفرضية واعتبر أنه لم ً تجاه الحاكم المصري ،إال أن
يكن هناك إشكالية ما بين رمسيس الثاني وما بين العبرانيين أو الكنعانيين وانما
كانت حروبه مع الحيثيين بالرغم من وقوع إحداها على أرض فلسطين.
21
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
كان اليهود األوائل يعبدون اهلل مع تقديسهم لبعض األصنام وطائفة أخرى تقدس
الكهنة واألشراف والملوك بتأثر من الديانة المصرية القديمة ،أما اليهود
الموحدون فكانوا قلة ولكنهم بدأو في الزيادة شيئاً فشيئاً (أبوذؤيب، )1927 ،
ويبقى أن الثابت تاريخياً هو أن الفكر اليهودي انتشر خالل القرن الثالث عشر
قبل الميالد ،وبدأ بسلسلة من الهجرات بداية من حكم الملك حازقياه – 717
الحكام لهم ثم
690ق.م نحو قلب الجزيرة العربية على إثر استبداد واضطهاد ُ
الغزو اإلغريقي والروماني بعد ذلك (أبوذؤيب ، )1927 ،حتى بلغت الهجرة
أشدها بعد حرب اليهود والرومان سنة 70ق .م ،ليصبح اليهود أول من
استوطن يثرب (المدينة المنورة) وخيبر (شاهين ، )2004 ،وكانت المدن المقامة
على الطريق البري ما بين الشام واليمن تمثل محطات تجارية وان كانت يثرب
قائمة على النشاط الزراعي والصناعي على خالف مكة التي اشتهرت بالنشاط
التجاري.
أما من جانب السياسات اإلقتصادية فقد تضمنت الشريعة اليهودية والتي تأثرت
صياغتها بالحضارة المصرية من جانب ومن جانب آخر طبيعة العالقات القبلية
المغلقة ألبناء يعقوب والتي أفرزت بدورها لوناً عنصرياً تمثل في منع أخذ فائدة
ُ
أو ربح أو زيادة (ربا) عن قرض ما بين اإلخوة (اليهود) ،وان كانت الشريعة
اليهودية لم تعتبره رذيلة بحد ذاته وانما ربحاً مشروع وأم اًر اعتيادياً لدى
المجتمعات القديمة والذي قيده القانون المصري القديم (الفرعوني) بحد أقصى
نسبة %33من المال بالسنة ،ولذلك أباحت التعامل به مع الغير وانما منعت
المجتمعي* ،أما الملكية
التعامل به ما بين اليهود كنوع من أنواع التضامن ُ
*
في العهد القديم "إذا أقرضت ماالً ألحد من أبناء شعبي ....فال تقف منه موقف الدائن :ال تطلب منه ربحاً
لمالك" ( 25من الفصل 22من سفر الخروج) ( ،ال تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما
تعرض بربا) (سفر التثنية -اإلصحاح .)23
22
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
فبتأثر من العقيدة المصرية القديمة بأن األرض ملك لإلله يهب اإلنتفاع بها لمن
يشاء من األفراد ينتقل المبدأ نفسه للشريعة اليهودية وان كان اإلله هذه المرة لم
يكن الحاكم بن رع وانما اإلله الذي في السماء الذي ُيرسل أوامره برسائل إلى
المجتمع من خالل موسى الرسول ،فاألرض ملك اإلله والذي سمح لهم بالملكية
الفردية (غير مباشرة) كوكالء عليها لإلنتفاع بها ،أما األراضي والموارد ذات
المنافع العامة فغير مسموح لألفراد بتملكها وتُتزع ملكيتها للمصلحة العامة بصفة
السيادة اإللهية التي ُيطبقها الحاكم أو الدولة وفقا لما يترائى له وبشكل مناسب ما
هو ضروري للمجتمع ) ، (Kaiser, 2012أما فيما يتعلق بالمشكلة اإلقتصادية
فكانت المجتمعات القديمة تُحد من وطئتها بدمج الظاهرة اإلقتصادية بالظاهرة
اإلجتماعية والتضامن إلكفاء ذوي الحاجة والفقراء ،والذي كان يتم عادةً إما
بدافع قبلي ومسؤلية جماعية أو ميثولوجي و ُسلطة غيبية ،ففي العهد القديم قدم
إبراهيم (والذي ترجع والدته بأرض كنعان وفقاً للتوراة لعام 1900ق.م)
الع ُشور لملكي صادق كما أن حفيده يعقوب وعد اهلل بأن يقدم له العشور ،
ُ
المجتمع ،
وعلى نفس المسار كانت الشريعة اليهودية في معالجة ظاهرة فقراء ُ
العشور وهي ُعشر الناتج السنوي كل ثالث سنوات مرة أي بمعدل والتي فرضت ُ
%3.3سنوياً ،والت ْق ُدمة وهي ما يتم التنازل عليه من أفضل األموال وتقديمه
للرب ،والباكوره وهي أول الناتج من العمل أو األرض أو الماشية ،...والنذور
من األموال التي يتم نذرها للرب ،ويتم جمع هذه األموال في ببيت الرب لتصبح
تحت تصرف الكهنة في توزيعها (األديب.)2014 ،
كما أقرت الشريعة اليهودية حق التجارة الخارجية لألفراد ،والتي كانت ما تزال
في طور المقايضة السلعية (فلم تكن النقود المعدنية قد اكتُشفت بعد) ،وتدريجياً
مال التُجار إلى حمل المعادن النفيسة لغرض المبادلة لصغر حجمها وارتفاع
المبادالت التجارية ،وبجوارها
قيمتها كالذهب والفضة لتصبح بعد ذلك أساس ُ
23
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
كانت تُستخدم أمواالً معدنية ُمساعدة كالحديد والنحاس والبرونز لكونها أقل قيمة
،كانت تلك المبادالت في بدايتها تتم من خالل وزن المعدن مع كل عملية بيع
،والذي كان في صورة أشكال وأحجام وخواص متباينة ،ثم تطورت تلك القطع
المعدنية لتصبح في شكل قطع صغيرة منقوش عليها وزنها وعيارها لتخطي
عملية الوزن وتسهيل التبادل ،وكان الصيارفة يقومون بصك النقود الخاصة بهم
بمعرفتهم ،فإذا ما اشتهر أحدهم بالصدق مال األفراد للتعامل بنقوده ،إال أن
كثرة ممارسة الغش باألوزان واألعيرة المصكوكة حال دون استمرار ترك تلك
العملية للعامة ،فتدخلت الدولة باحتكار صك النقود بوحدات متساوية الوزن
ومختومة بختم رسمي يتضمن وزنها وعيارها وقابليتها للتداول كما وصفتها
بأسماء كالدينار ،إال أن التعامل بالنقود الغير مصكوكة من خالل الوزن ظل
متاحاً ،وترجع أقدم عملة قامت الدولة بسكها إلى القرن السابع قبل الميالد بدولة
ليديا بتأثر من بسكان العراق القديم خاصة سكان الشمال (اآلشوريون) والذين
ظهر لديهم أقدم قطعة معدنية مسكوكة الوزن في عهد الملك سنحاريب -681
704ق.م ،والتي ُعرفت باسم "الشيقل" وكان ُيعادل 4,71جم (ما يعادل 80
حبة) وذلك بهدف تسهيل المعامالت التجارية (الشيخ ، )2012 ،ومن اآلشوريين
شرقاً إلى الليديين غرباً سكان آسيا الصغرى (غرب تركيا) والذين استلهموا الفكرة
من اآلشوريين ليقوموا بسك أول عملة في التاريخ بعهد الملك أرديس – 652
625ق.م من اإللكتروم (خليط من الذهب والفضة) ومنقوش عليها أسد فاتح
فاه ،باإلضافة إلى خاتم باسم ملك ليديا كضامن لها ولقيمتها الموحدة
(عبدالرحمن ، )2009 ،أما أقدم عملة ليدية جيدة فيرجع للقرن السادس قبل
الميالد بعهد الملك كرويسيوس 546 – 561ق .م (والمعروف لدى العرب باسم
قارون) ،وفي النصف الثاني من القرن السادس قبل الميالد قام المالك الليدي
كرويسوس بضرب مسكوكة ذهبية وفضية ونحاسية خالصة بدالً من معدن
24
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اإللكتروم ،كما ظهرت على المسكوكات صور الملك (حسين إ،2012 ،.
صفحة ، )315ومن ليديا إلى اإلخمينيين ببالد الفرس ومن بعدهم الساسانيين
شرقاً ،والى اإلغريق باليونان ومن بعدهم بيزنطيين روما غرباً انتقلت فكرة
العمالت المعدنية المسكوكة ،حيث ظهرت أول عملة آلثينا بالقرن الخامس قبل
الميالد والتي توسع فيها اإلغريق وأطلقوا على المسكوكة الزهبية اسم ديناريوس
( )δηνάριονوكان ُيعادل 4,25جم ذهب ،والذي ُعرف لدى العرب باسم
الدينار البيزنطي* (الروماني) وقد كان للثروات المعدنية التي استولت عليها
اإلمبراطورية اإلغريقية على إثر غزواتها بالشرق (بالقرن الرابع قبل الميالد) دو اًر
هاماً في انتشار النقود حيث قامت بسك تلك األموال في صورة نقود معدنية مما
عزز انتشارها وشاع التبادل بها (عبدالرحمن.)2009 ،
* [[أما اللاير فتسمية متأخرة ُمقتبسة لدى العرب من كلمة ُرويال بمعنى ملكي ( )Royalوكان األسبان أول من
تداولوا هذا النقـد في األسواق التجارية ،بينما القرش والذي شاع استعماله في عهد محمد علي فقد انتقل إلى
العرب من خالل الكلمة األلمانية جروشن]]
25
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
في الفترة التي كان قد ظهر بها الفكر اليهودي بأرض كنعان عام 1200قبل
الميالد كانت الحضارة الفرعونية حول وادي النيل قاربت على الغروب وانتهاء
عصر الدولة الحديثة ( 1069 – 1550ق.م) ،وبالمثل بشمال المتوسط حيث
كانت الحضارة الميسينية ( 1150 – 1450ق.م) هي األخرى قد قاربت على
الغروب ببالد اليونان لتظهر بعقبها الحضارة اإلغريقية لمدة عشر قرون تقريبا
خالل الفترة ما بين عام 1100إلى 146ق.م (العصور المظلمة اليونانية عام
750 - 1100ق.م ،والعصر القديم عام 480 - 750ق.م ،والعصر
الكالسيكي 323 - 500ق.م ،وأخي اًر العصر الهلينسى 146-323ق.م ،
والذي بدأ بوفاة ألكسندر وانتهى بالغزو الروماني) أما من حيث النشاط
اإلقتصادي بشمال المتوسط فكان اإلنتقال من المشاعية البدائية إلى إقرار
الملكية الفردية ثم نظام الرق بخالف النمط اآلسيوي بآسيا وحول حوض النيل ،
ويرجع ظهور نظام الرق إلى التطور الذي لحق وسائل اإلنتاج بالعصر القديم
( 480 – 750ق.م) والكالسيكي ( 323 – 500ق.م) خاصة اإلنتاج الزراعي
والذي أدى إلى تزايد الحاجة على عنصر العمل ،والتي لجأ المجتمع إلى
تكميلها بالتوسع في نظام الرق (( )Slaveryالعربية ، )1981 ،وكانت العبودية
في مراحلها األولى تعرف بالعبودية األبوية والتي كان فيها السيد يعمل في
األرض مع أرقائه ،إال أن العبودية اتسعت وتطورت حتى نظام الرق حتى
أصبح هو السائد في عملية اإلنتاج ،وأصبح المجتمع ينقسم إلى طبقة األسياد
والذين اختصوا بالعمل الذهني كالشعر واألدب والفن والفلسفة والحكم ،وطبقة
العبيد واختصوا بالعمل البدني واألعمال الزراعية وتربية الماشية ،وطبقة األحرار
كالحرفيين وصغار الفالحين والتجار والمرابين ،وفي ظل المجتمع العبودي
26
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
شكلت طبقة العبيد األساس االقتصادي لعملية اإلنتاج وأساس تكوين الثروة أو
الفائض لطبقة األسياد والذي تمثل بشكل رئيسي في اإلنتاج الزراعي والحيواني
والذي ساهم في رواج تبادل فائضه اكتشاف العملة (ساقور ،2004 ،صفحة
، )45وبتأثر من القانون المصري القديم "الفرعوني" أصدر الملك صولون 640
– 560ق.م ( )solonحاكم آثينا عام 600ق.م (والذي حضر إلى مصر عام
559ق.م) قانون بتحريم الربا الفاحش وتحديد سعر الفائدة عند حد أقصى
المدين وتدخل لتحرير بعض العبيد واسقاط
، %12كما قام بتحريم استرقاق َّ
ديون المدينين (الصادق ،2014 ،صفحة )13للتخفيف من األعباء اإلقتصادية
على المواطنين.
ولعل أهم ما قدمته تلك الحضارة بالمجال اإلقتصادي هو بداية عهد تنظير الفكر
اإلقتصادي والذي ظهر في كنف الفلسفة اإلغريقية القديمة ،وألول مرة ظهر
مؤلف الفليسوف اإلغريقي زينوفون 354 – 430ق.م ( )Xenophonعام
362ق .م ،بعنوان "إيكونوميك" ( )Oikonomikosوهو مصطلح يوناني
( )Οικονομικόςصاغه للداللة على موضوع "إدارة المنزل" من الكلمة
"أويكوس" ( )oikosبمعنى العائلة ،وكلمة "نوموس" ( )nomosبمعنى القواعد
،بحيث يشير المعنى اإلجمالي للكلمة ( )oikonomiaإلى قواعد إدارة المنزل
لتنتقل بعد ذلك إلى اإلنجليزية بصيغة ( - ، )economicsمما ُيشير إلى أن
بداية التحليل اإلقتصادي بدأ بجانب التحليل الجزئي مع أعمال زينوفون -وقد
تناول زينوفون في مؤلفه واجبات الزوج والزوجة بالمنزل والمزرعة ،كمحاولة
للتفريق ما بين األعمال الفنية والدينية وغيرها من أعمال المعاش.
وحيث كانت تلك المجتمعات قائمة على الرق فقد كان الفكر اإلقتصادي بتلك
الفترة يرى أن األعمال اليدوية والتي كانت محل احتقار "بإستثناء الزراعة" يجب
27
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أن تترك للعبيد الذين ال يتقاضون أج اًر ،ولذلك خال الفكر اإلقتصادي خالل تلك
الفترة من تناول ظاهرة األجور ،وقد اعتبر أفالطون 347 – 427ق.م
( )Platoالعبيد عنصر دائم في البشرية ال يمكن اإلستغناء عنه وأفضلهم ما تم
اإلستيالء عنه في الحروب من األجانب ،كما قسم أفالطون المجتمع إلى طبقة
الحكام والنبالء والمحاربون وطبقة المحكومين المنتجين والتي تتضن العمال
اليدويين والزراعيين والصناع ،وبالرغم من ذلك التقسيم الطبقي إال أنه عرف
عن أفالطون ميله للشيوعيه ورفض الملكية الفردية والذي يتضح من خالل
نموذج الدولة المثالية الذي قدمه ،وان لم تكن شيوعية بالمعنى الحقيقي ألنها
تميز بشكل واضح بين الحاكمين والمحكومين ،دعا أفالطون إلى تقسيم العمل
والتخصص بناءاً على اختالف المواهب الطبيعية ،وعلى خالف اليهود فقد
استنكر أفالطون الربا بعمومه من باعث أخالقي واعتبره استغالل األغنياء
للفقراء ذوي الحاجة ،وتقسيم للمجتمع إلى طبقتين متكارهتين من األغنياء
والفقراء (ميلز و بريسلي ،2014 ،صفحة )198باإلضافة إلى رفضه من
الجانب اإلقتصادي إلعتباره أن النقود عقيمة فهي ليست منتجة في حد ذاتها
كاألرض أو العمل ومن ثم فالربا أياً كان مقداره فهو كسب غير طبيعي ،وقد
نص في كتابه القانون "ال يحل لشخص أن يقرض ربا" (أبوزهرة ،1986 ،صفحة
)8ومع ذلك فإن األفكار الفلسفية لمنع الربا لم ترقى لحد اإللزام الذي بلغته
الشرائع الدينية أو المنع القانوني ،فكان المجتمع يتعامل بالربا الذي أجازه
القانون بتقييد وان كانت تلك األفكار قد أثرت بشكل أو بآخر في نظرة المجتمع
المرابون ُمدانون في المجتمع اإلغريقي.
الدونية للظاهرة ،ولذلك فكان ُ
أما أفكار أرسطو 322 – 384ق.م ( )Aristotleفي اإلقتصاد فكانت بمثابة
أقدم أفكار اقتصادية يمكن أن تشكل في مجموعها نظرية إقتصادية ،واذا كان
أفالطون قد عرف عنه ميله للشيوعية فعلى العكس تلميذه أرسطو الذي أكد على
28
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
29
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أما الفكر الروماني فقد اتسم بالضحالة الفلسفية بشكل عام والتبعية للفكر
اليوناني ،وتركزت مساهمة الفكر الروماني اإلقتصادية حول موضوع "القانون
الطبيعي" ويقوم على حرية النشاط اإلقتصادي وعلى حرية التصرف المطلقة
بالملكية الفردية ،والتي حسمها الفكر الروماني بتحديد مجاالتها ونقلها من الحق
العرفي إلى الحق القانوني الذي تحميه الدولة ،وترجع تحديداً إلى جهود
ُ
تيبريوس سيمبرونيوس جراكوس 162 – 133ق.م (Tiberius Sempronius
) Gracchusوهو سياسي روماني اعتبره أهل روما محامي الشعب ،وقد تمثلت
جهوده اإلصالحية في الدعوة إلى تقنين حدود الملكية الخاصة ،حيث دعا عام
133ق.م إلى إلى تشريع قانوني يحدد أقصى ملكية لألفراد إلى حوالي 330
فدان وتوزيع ما يزيد على ذلك من ملكيات األغنياء على الفقراء مما أثار غضب
األغنياء والذي أدى لقتله بنفس العام ،ليستكمل دعوته من بعده أخوه جايوس
جراكوس 121 – 154ق.م ( )Gaius Sempronius Gracchusإلى صدور
أول تشريع قانوني حدد حقوق الملكية الخاصة والعامة وهو القانون العقاري
لروما ( )Agrarian Lawعام 111ق.م ،والذي حدد نطاق الملكية الخاصة
( )private land domainوملكية مشتركة "المراعي والغابات" ( common
)pasture domainوملكية عامة "كالطرق واألشغال العامة" ،وقد منح
القانون حائز الدومين الخاص حقوق الملكية الشاملة سواء بحسن أو سوء
اإلستعمال والتعهد بحمايتها من اإلنتهاك من اآلخرين أو من الدولة ،أي أن أول
تشريع حدد نطاق الملكية بروما كان بالجمهورية الرومانية ( 27 – 509ق.م)
قُبيل ظهور اإلمبراطورية الرومانية ( 27ق.م – 1453م) ( public land
(Johnson, Coleman-Norton, Bourne, & Pharr, 2009, )domain
30
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
كما تدخلت السياسة اإلقتصادية الرومانية في تحديد األسعار على غرار ما ظهر
بالعراق القديم من خالل قانون أشنونا الذي أصدره الملك "بالالما" عام 1950
ق.م والذي حدد فيه أسعار بعض السلع واإليجار والقروض ،ومن بعده قانون
حامورابي عام 1790ق.م والذي تضمن تحديد أثمان السلع وأتعاب األطباء
والجراحين وأجور البنائين والنجارين والبحارين والرعاة ،وان كانت السياسة
اإلقتصادية هذه المرة كانت أكثر حدة عن سابقتها بالعراق القديم ،حيث نص
"قانون األلواح اإلثنى عشر" لروما والذي استمر لنحو ألف عام (خالل الفترة ما
بين عامي 450ق.م و 529م) على تنظيم تموين البالد بالسلع الغذائية ومنع
اإلحتكار والحد من ارتفاع األسعار والزام التجار بالسياسات السعرية التي
تحددها الدولة للسلع ،وأقر نسبة %12سنوياً والتي حددها صولون (600
ق.م) كحد أقصى للفائدة على القروض ،وقد أنشئوا من أجل إنفاذه وظيفة
مراقب األسواق واألسعار أو حاكم السوق ،وقد نص القانون على عقوبات رادعة
على المخالفة تفاوتت ما بين الغرامة ومصادرة الذمة المالية والمنع من مزاولة
التجارة واألشغال الشاقة واإلعدام في بعض الحاالت (الصادق ،2014 ،صفحة
، )13أما اإلمبراطور جيستينيان 565 – 482م ( )Justinian Iفقد فرق ما
بين الفائدة على القروض التجارية والتي أقر نسبة %12كحد أقصى لها ،وما
بين الفائدة على القروض ما بين النبالء بحد أقصى للفائدة السنوية ، %4كما
ش َّرع فسخ العقد إذا كان هناك غبن فاحش (وهبة ، )1980 ،أما موقف الفالسفة
الرومان فقد تفاوت ما بين اإلتفاق مع الفالسفة اإلغريق فيما ذهبوا إليه من
31
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
32
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وعودة إلى الشرق بأرض كنعان والتي كانت تحت ُحكم اإلمبراطورية الرومانية
آنذاك والتي ستشهد حدثاً خالل تلك الفترة سُيحدث أث اًر بالغاً على امبراطوريات
وشعوب العالم القديم وهو ميالد يسوع ( 1)Jesusبالمجتمع اليهودي ليبدأ العام
الميالدي األول ،وكما تأثرت الفلسفة الرومانية باإلغريقية وكانت امتداداً لها ،
فبالمثل كانت المسيحية امتداداً لليهودية واستكماالً لها ، 2فكما عالجت اليهودية
(العهد القديم) المشكلة اإلقتصادية من خالل مفاهيم العشور والتقدمة والباكورة
والنذور ،فالمسيحية (العهد الجديد) سارت على نفس اإلتجاه واستكملته بتأكيد
مفهوم الوكالة (أي أن اإلنسان وكيل علي كل ما يمتلكه وعليه أن يتبرع بسرور
وانتظام ونسبية وطوعية) (األديب ، )2014 ،فاألموال في عمومها هي ملكاً
للرب (وهو تأصيل ال تخلو منه أي عقيدة دينية لتقييد حقوق الملكية بسلطة
الشريعة) واألفراد وكالء عليها بملكيتهم لها التي هي بمثابة هدية من الرب
تستحق الشكر ، 3كما أكدت الشريعة المسيحية على إثبات حقوق الملكية بالكتابة
واإلشهاد في العقود العقارية ) ، (Geoffrey P. M., 2013, p. 445وبجانب
الملكية الفردية أقرت أيضاً المسيحية الملكية العامة والمشتركة للمجتمع كما سبق
1
ترجع تسمية يسوع أو"يشوع" بعيسى إلى اليهود الذين رفضوا دعوته وأطلقوا عليه لقب عيسى أو عيسو تشبيهاً
بعيسو أخو يعقوب الذي كان مرفوضاً من اإلله لمخالفته وصايا الرب.
2
"ال تظنوا اني جئت النقض الناموس او االنبياء ما جئت النقض بل الكمل ،فاني الحق اقول لكم الى ان
تزول السماء و االرض ال يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ،فمن نقض احدى
هذه الوصايا الصغرى وعلم النا س هكذا يدعى اصغر في ملكوت السماوات و اما من عمل وعلم فهذا يدعى
عظيما في ملكوت السماوات ،فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة و الفريسيين لن تدخلوا ملكوت
السماوات " ( مت 17 : 5ـ ) 20
3
"للرب األرض وملؤها .المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 1 :24و ، )2وقال" :إذا كنتم غير أمناء فيما هو
للغير فمن يعطيكم ما هو لكم" .والغير هنا هو الرب.
33
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
بالعهد القديم ) ، (Small, 2005, p. 9وحيث كان حواريي يسوع أغبهم من
خلفيات متواضعة إقتصادياً فقد سارت المسيحية باتجاه محاباة الفقراء واعتبرت
أن لهم فضيلة روحية خاصة ،ودعت إلى إلغاء األفضلية الطبقية التي أفرزتها
العبودية التي أقرها يسوع وأمره للعبيد بطاعة
المجتمعات القديمة (بخالف ُ
سادتهم) فال حق ُمقدس لألثرياء بل إن السلطان من الممكن أن يكون للذين
يعملون بأيديهم ،فالجميع هم أبناء اهلل ومتساوون جميعاً في أخوة اإلنسان ،ووفقا
لهذه الوصية كانت هناك شبهة حتمية في الثروة باعتبارها تمييز بين اإلخوة ،
والتي حاولت معالجتها النصوص الواضحة التي ح َّرمت اإلكتناز وذ َّمت السعي
وراء الدنيا وتحقيق الثروات ، 1أقر يسوع ما ذهب إليه الفالسفة اإلغريق برفض
وادانة الربا بعمومه بخالف ما ذهب إليه موسى بالعهد القديم من رفض للربا ما
بين اإلخوة فقط ،وذلك لرفضه للمبدأ بشكل عام واعتباره استغالل من الغني
األكثر حظاً للفقير األقل حظاً ) ، (Olechnowicz, 2011لينتقل بذلك مفهوم
المحدد ،
المحدد إلى ربح المشاركة غير ُعائد رأس المال بعملية اإلنتاج من الربا ُ
أما فيما يتعلق بعنصر العمل فقد أكد العهد الجديد على أهمية العمل واتقانه كما
لو كان الفرد سيؤدي ذلك العمل للرب ، 2كما أمر أرباب األعمال بالمعاملة
العادلة للعاملين واألجراء ).(John , Mason, & Schaefer, 1999, p. 6
1
إنجيل متى ( : 21 – 19إن أردت أن تكون كامال فاذهب وبع أمالكك واعط الفقراء ,فيكون لك كنز في
السماء وتعال فاتبعني ) ،وفي العدد ( ( :) 24ان مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من دخول غني الى ملكوت
اهلل ) ،وانجيل متى ( 19 – 6التكنزوا لكم كنو از على االرض)" ، .إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما" (1تي
مغموما ألنه
ً مكتئبا
ً قصر من العاج إال أنه كان ، .)8 :6ويقول بولس "وآخاب الملك الشرير رغم كل غناه ،بنى ًا
كان يريد قطعة أرض أخرى ليزرعها بستان" (1مل 2 :21و.)4
ف ور ْعد ٍة ،في بساطة قُلُوب ُك ْم كما لْلمسيح ال بخ ْدمة اْلع ْين كم ْن
يد ،أطيعوا سادت ُكم حسب اْلجسد بخو ٍ
ْ ْ ُ "أيُّها اْلعب ُ
2
ومما سبق يتبين أن األفكار اإلقتصادية بالفكر المسيحي سارت بنفس اتجاه
البعد اإلجتماعي
الفكر اليهودي من حيث عالج المشكلة اإلقتصادية بدمج ُ
بالبعد اإلقتصادي اإلنتاجي ،واتجاه الفلسفة اإلغريقية من حيث ربط
التضامني ُ
تحليل الظاهرة اإلقتصادية بالمنطق األخالقي وان كانت أكثر تطو اًر أخالقياً هذه
المرة بما تضمنته من نصوص دينية واضحة حول إلغاء التفاوت الطبقي تتمتع
بقوى روحية إلزامية ).(Kahan, 2010, p. 42
يعوا في ُكل ش ْي ٍء سادت ُك ْم حسب اْلجسد ،ال بخ ْدمة اْلع ْين كم ْن يُ ْرضي النَّاس ،ب ْل ببساطة اْلقْلب، يد ،أط ُ " أيُّها اْلعب ُ
اعملُوا من اْلقْلب ،كما للرَّب ل ْيس للنَّاس ،عالمين أَّن ُك ْم من الرَّب ستأ ُ
ْخ ُذون جزاء ُّ
َّب .و ُكل ما فعْلتُ ْم ،ف ْ خائفين الر َّ
َّ
َّب اْلمسيح .وأ َّما الظال ُم فسينا ُل ما ظلم به ،ول ْيس ُمحاباةٌ ".كولوسي – 25 -22 :3 اْلميراث ،ألَّن ُك ْم ت ْخد ُمون الر َّ
أي مهما نفعله ،علينا أن نفعله من القلب ،كما لو كنا سنفعله للرب! ونرى نفس الكالم مرة أخرى في بداية هذه
الفقرة إذ قال أنه علينا أن نطيع سادتنا حسب الجسد.
35
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
بكفاءه على اإلمبراطورية الرومانية ،أما االمبراطور ثيودوسيوس األول فقد أعلن
عام 391م أن المسيحية الدين الوحيد لإلمبراطورية الرومانية وأبطل الديانات
الوثنية رسمياً ،كما قسم اإلمبراطورية الرومانية بين ولديه آكاديوس
باإلمبراطورية الشرقية ،وهونوريوس باإلمب ارطورية الغربية ،إال أنها انفصلت بعد
وفاته رسميا إلى شرقية وغربية عام 395م ،وفي عام 476م سقطت
اإلمبراطورية الرومانية الغربية والتي كانت تحت قيادة آخر إمبراطور لها
"رومولوس أوغستولوس" على يد القائد الجرماني "أودكر" وتفككت اإلمبراطورية
الغربية ،في حين ظلت اإلمبراطورية الرومانية الشرقية (اإلمبراطورية البيزنطية)
والتي كانت تضم أقاليم الشام ومصر (دون جزيرة العرب) متماسكة تحت حكم
اإلمبراطور "زينون" (491 -474م).
36
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
بسقوط اإلمبراطورية الرومانية عام 476م رجعت األمور إلى ما كانت عليه في
العصور القديمة من التفكك ،وتشكلت الوحدات السياسية الصغيرة والتي اتخذت
في هذه المرحلة شكالً ُمغاي اًر عن العصور القديمة ُعرفت باإلقطاعيات ،والتي
نشأت كمحصلة تفاعل عالمان طالما كانا متجاورين قبل تلك األحداث وهما عالم
القبائل الجرمانية الغازية (قبائل ترجع أصولها لشمال أوروبا) والعالم الروماني ،
ولذا تبدو بعض أصول اإلقطاعية الغربية رومانية وبعضها اآلخر مما احتفظت
به القبائل الغازية ،وقد ساهم في صياغة النظام اإلقطاعي عاملين أساسيين
وهما اإللجاء أو اإلستتباع والتنصيب ،فقد أعقب تهاوي المقاطعات الرومانية
في أيدي الغزاة الجرمان وسحب الفيالق الحربية من أطراف اإلمبراطورية البعيدة
للتصدي للغزاة الذين وصلوا إلى بوابات روما ،أن شعر سكان القرى بالخطر
على حياتهم (الكردي ،2011 ،صفحة )157فالتف أقنان األرض والفالحين
ذوي الحيازات الصغيرة حول النبالء أصحاب األمالك الواسعة والنفوذ لتشملهم
مظلة الحماية مقابل ما يقدمونه من عمل بزراعة أمالك النبالء باإلضافة إلى
التزامات أخرى (الرفاعي ، )1928 ،أما الملوك الجرمان فقد قامو بتنصيب قادة
جيوشهم (الدوقات) ُحكاما لألقاليم والمقاطعات ،كمحاولة لتأسيس ُسلطة مركزية
على غرار اإلمبراطورية الرومانية إال أنهم لم يتمكنوا من ذلك ،حيث استقل
هؤالء الحكام مع الوقت واصبح والئهم للملوك واألباطرة شكلي فقط ،حيث
تحولوا إلى جمع الضرئب لحسابهم الخاص كما قاموا بإنشاء المحاكم اإلقطاعية
وتكوين الجيوش الخاصة باإلقطاعية واصدار النقود بأسمائهم وبدت اإلقطاعية
وكأنها وحدة اقتصادية وسياسية ُمستقلة (عبد اهلل و رابح ، )2009 ،والتي ساهم
في استقاللها اإلقتصادي والسياسي طبيعة عالقات اإلنتاج باإلقطاعية كوحدة
37
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اقتصادية تميل إلى تحقيق االكتفاء الذاتي واإلعتماد على النشاط الزراعي بشكل
أساسي (عبد اهلل و رابح.)2009 ،
السلطة
وبالرغم من التفكك السياسي الذي لحق اإلمبراطورية الغربية إال أن ُ
الدينية ظلت متماسكة وتابعة لروما ،حيث ظلت كنائس غرب أوروبا تابعة
لكنائس روما وتوغل الفكر الديني وازداد اختالطه بالحياة اإلقتصادية
واإلجتماعية والسياسية ،حيث تناول الفكر اإلقتصادي في تلك الفترة المدرسين
اإلسكوالئيين (الالهوتيين) والذين اعتمد فكرهم بشكل أساسي على التعاليم
المسيحية مع تأثرهم بالفلسفة اليونانية القديمة ،ومن أبرزهم القس توما األكويني
1274 – 1225م ( )seut Tomasوالذي فسر أجر األقنان بمستوى الكفاف
( )Subsistence minimumواعتبره سعر عادل ،فالسعر العادل في نظره
هو كل سعر ال يقوم على الممارسات اإلحتكارية واإلحتيالية ،أما األسعار غير
العادلة أو غير طبيعية فهي ُمح َّرمة ويستحق صاحبها اإلدانة من المجتمع
واإلدانة في العالم اآلخر ،كما فرق توما األكويني ما بين التجارة بغرض تلبية
احتياجات الحياة والتجارة لغرض الكسب والثراء ،واعتبر األخيرة عمل ُمدان
ومرفوض ،لينضم التجار إلى المرابين من حيث اإلدانة من وجهة نظر المجتمع
،واستمر ذلك الفكر الذي مثله بريادة توما اإلكويني حتى نهاية الحروب
38
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الصليبية عام 1270م ،والتي كان من أبرز توابعها أن نبهت مجتمعات غرب
أوروبا إلى أهمية التجارة الدولية ،وتغيرت النظرة نحو األعمال التجارية والتي
كان ُيحرمها الفيلسوف الديني طالما كانت بغرض الربح وليس إلشباع حاجة
ضرورية ،وانتهى األمر إلى اعتبار األعمال التجارية أعماالً شرعية ،كما
تغيرت النظرة التحريمية تجاه الربا تدريجياً والتي سيسمح بها البابا ليون العاشر
(1521-1457م) من هيئات معينة (بنوك التسليف) بالفترة الماركنتيلية الالحقة
(الرفاعي ،1928 ،صفحة .)78
وبذلك فإن أوروبا بسقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية بأواخر القرن الخامس
الميالدي شهدت نظامين مختلفين ،ففي حين كانت الملكية في اإلمبراطورية
السلطة
البيزنطية بالشرق تقوم على الدومين الذي ينظمه القانون وتمنح بموجبه ُ
المركزية لمالك العقار حق التصرف المطلق بحيازته ،ففي الغرب لم تكن ثم
ُسلطة مركزية تمنح اإلقطاعي حق اإلقطاع ( )Feudal Systemوالذي كان
يتوارثه بأصل إلجاء أو التنصيب ،وان كان اللوردات والدوقات (جمع دوق)
والكونتات (مفرد كونت) ويليهم البارونات ثم األساقفة يجمعهم الوالء لبالط
اإلمبراطور أو الملك كنوع من التكتل لضمان الحماية ،كان العمل في
اإلمبراطورية البيزنطية قائماً على العبيد مع اإلتجاه تدريجياً لعدم اإلعتماد عليهم
بسبب تراجع غزوات اإلمبراطورية ضد قبائل البربر وضعف القدرة على الوفاء
بالعبيد منخفضي التكلفة ،أما في النظام اإلقطاعي بغرب أوروبا فقام العمل
بشكل أساسي على أقنان األرض والذي إن لم يكونوا عبيداً بالمعنى القانوني إال
وسلطته عليهم والذي كان بمثابة
أنهم ورثوا اإلرتباط باألرض والتبعية لإلقطاعي ً
وضع متدهور أشبه باإلستعباد ،وفي حين كان الطابع اإلقتصادي العام في
اإلمبراطورية البيزنطية يتسم بالمدنية وسيادة المدينة على القرية واإلهتمام
بالصناعة والتجارة داخل أقاليم اإلمبراطورية باإلضافة إلى التجارة الخارجية
39
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
بجانب الزراعة ،فإن النظام اإلقتصادي في بالنظام اإلقطاعي كان قائماً على
العكس بسيادة القرية على المدينة واإلعتماد بشكل أساسي على الزراعة وكانت
القرية بمثابة وحدة إنتاجية ًمغلقة تعمل على إشباح حاجاتها ذاتياً ومن ثم ضعف
التبادل التجاري ،والذي أصل لضعفه عدم استحبابه بالفكر الكنسي الذي حرم
الربا ،في حين أن قانون اإلمبراطورية البيزنطية كان قد أقره بحد أقصى %12
،ولذا ُيمكن القول بأن النظام السياسي في اإلمبراطورية البيزنطية كان بمثابة
نظام مركزي قوي مدني الطابع يميل للنشاط التجاري ،أما في غرب أوروبا فكان
بمثابة نظام ُحكم محلي ريفي الطابع يميل للنشاط الز ارعي.
40
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
كانت هجرة طائفة اليهود لجزيرة العرب قد بدأت ُمبكرة بالقرن السابع قبل الميالد
والتي على إثرها أسسوا مدينتي يثرب وخيبر وخالطوا بطون العرب بما أحدث
تبادالً ثقافياً بين المجتمعين ،وبعد مرور تلك القرون السبعة بدأت تظهر
المسيحية بجزيرة العرب وتنتشر لمدة ستة قرون بعد الميالد (وحتى ظُهور
الرسول محمد) كرافداً إضافياً أثرى الحياة الثقافية بجزيرة العرب بجانب اليهودية
واألديان األخرى ،إال أن دولةً لم تكن قدر ظهرت بعد بجزيرة العرب لتتبنى
ديانة معينة ديناً رسمياً لها على غرار اإلمبراطورية الرومانية التي عممت الديانة
المسيحية كديانة رسمية على اإلمبراطورية الشرقية والغربية عام 391م وألغت
الديانات الوثنية بها ،كانت اإلمبراطورية الرومانية الغربية قد سقطت عام 476م
وظلت اإلمبراطورية الشرقية متماسكة تبسط نفوذها على أقاليم الشام ومصر
والساحل اإلفريقي ،إال أنها لم تتوسع بجزيرة العرب والتي ستشهد عام 571م
لمجرىات التاريخ ُمنذ ذلك العصر وحتى واقعنا
حدثاً يعد األكثر أهمية وتغيي اًر ُ
المعاصر وهو ميالد النبي محمد (632 – 571م) رسول ديانة اإلسالم ،والتي ُ
سيبدأ الدعوة إليها عام 610م كامتداداً متوسطاً للفكر اليهودي والمسيحي
واألعراف العربية* ،وان كانت قد اتسمت بكونها أكثر إب ار ًاز لبعض األفكار
*
الحكم بأحكام شرع من قبلنا ما لم تنسخها أحكام الشريعة اإلسالمية وما لم تُخالف ذهب الجمهور إلى األخذ و ُ
َّ َّ
المختار عند الحنفية والمالكية ،واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (أُولئك الذين هدى اللهُ الشريعة اإلسالمية كما هو ُ
الن ْفس َّ
اه ُم ا ْقتد ْه) ،وبقوله تعالى (ثَُّم أ ْوح ْينا إل ْيك أن اتَّب ْع ملة إ ْبراهيم حنيفاً) وقوله تعالى( وكت ْبنا عل ْيه ْم فيها أ َّن َّ
فبهُد ُ
ب َّ
الن ْفس واْلع ْين باْلع ْين و ْاأل ْنف ب ْاأل ْنف و ْاألُ ُذن ب ْاألُ ُذن والس َّن بالسن واْل ُج ُروح قص ٌ
اص) ،وقال تعالى( :قل ما كنت
بدعا من الرسل) ( ،ومبش ار برسول من بعدي ايمه أحمد) ،وبقوله تعالى ( :شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً
41
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اإلقتصادية السابقة ،وفي العام نفسه (610م) كان هرقل ُيتوج إمبراطو اًر على
اإلمبراطورية البيزنطية وحتى وفاته عام 641م ،وقد تزامنت عدة أحداث هامة
ما بين اإلمبراطورية الرومانية والوقائع اإلسالمية ،ففي عام 613م هاجمت
اإلمبراطورية الساسانية (الفارسية) الحاميات البيزنطية في سوريا واستولت على
دمشق عام 613م ومصر عام 621م ،وقد ت ازمن استيالئها على مصر مع
هجرة الرسول ُمحمد إلى يثرب عام 622م وبداية تأسيس الدولة اإلسالمية بها ،
والتي تحول اسمها بعد ذلك إلى المدينة المنورة ،وفي عام 627م حرك هرقل
جيوشه إلعادة نفوذه على أقاليم الشام ومصر ،والتي تمكنت من طرد
الساسانيين واستعادتهما (أراضي الشام ومصر) عام 629م ،والذي تزامن بدوره
مع فتح مكة (عام 629م) (الطبري ،1960 ،صفحة )60وتلوها قبائل العرب
لتبسط الدولة اإلسالمية نفوذها على جزيرة العرب وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخها
السياسي ببسط نفوذها على األراضي الواقعة تحت سيطرت اإلمبراطوريتان
البيزنطية والساسانية السيما عام 636م والذي شهد معركتي اليرموك باألردن
والقادسية بالعراق ثم غزو العرب لمصر عام 640م ،لتتوالى بعد ذلك سلسلة
من الحروب التي على إثرها اتسعت الدولة العربية اإلسالمية.
وعلى الجانب اإلقتصادي فقد بدأ التطبيق العملي للفكر اإلسالمي اإلقتصادي
بدءاً من السنة األولى من الهجرة بتأسيس الدولة اإلسالمية في يثرب عام 622م
وبداية التأريخ اإلسالمي ،وان كانت محاوالت التنظير والكشف عن نظرية
1
كسائر الحضارات التي مارست سياسة اإلسالم لإلقتصاد بدأت ُمتأخرة
والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين والتتفرقوا فيه) ،وبقوله تعالى( :إنا أنزلنا
التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون واألحبار)..
1
حيث ظهر مصطلح اإلقتصاد اإلسالمي باألربعينات من القرن العشرين بالهند مع كتابات المفكر االسالمي
الهندي أبو األعلى المودودي أبو األعلى المودوي ( 1979 – 1903م) من خالل إصدار كتاب "معضالت
42
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اقتصادية ُمعينة وفقاً لنظريتها للظاهرة ولم يلقى تنظيرها نفس القدر من أهمية
ُممارستها ،وقد اعتمدت المعامالت اإلقتصادية في تلك الفترة إما على المقايضة
العمالت األجنبية ،فلم يكن هناك ُعملة عربية (ولنحو ألف عام منذ أو على ُ
ظهور النقود وحتى حركة أسلمة النقود) كما لم يكن هناك إشكالية من التعامل
بالنقود المعدنية األجنبية بأي مجتمع من المجتمعات القديمة ألن المعدن كان
يحمل قيمته ،واستمر الوضع بالتعامل بالعمالت األجنبية بعد ظهور اإلسالم
وكان من أبرزها الدراهم الفضية الساسانية "الفارسية" ( 3جم تقريباً) والدنانير
الذهبيه البيزنطية "الرومية" ( 4.8جم تقريبا) والتي كانت تحمل صور وأسماء
ُحكام الفُرس والروم ،إلى أن بدأت حركة أسلمة النقود في عهد الخليفه عمر بن
الخطاب (23-13هـ644-634 /م) بإضافة كلمات عربية على طوق النقود
اإلنسان االقتصادية وحلها في اإلسالم" وكتاب "أسس االقتصاد بين اإلسالم والنظم المعاصرة" كانعكاس لصعود
شعار "اإلسالم هو الحل" في تلك الفترة ،وهو ُمفكر إسالمي وصحفي هندي أقام بالهند وباكستان وتأثر بحسن
البنا وأثر في سيد قطب ويوسف القرضاوي ،وفي عام 1987م ُمنح جائزة الملك فيصل لمساهماته في خدمة
اإلسالم ،وحكم عليه عام 1979م باإلعدام بتهمة التأجيج الطائفي ،في حين أن البعض اآلخر ُيرجع الظهور
الحقيقي لمصطلح "إلقتصاد اإلسالمي" لعام 1959م بالعراق مع ظهور كتاب المفكر العراقي محمد باقر الصدر
"اقتصادنا" والذي انتشر على إثره بعد ذلك الكتابات حول موضوع "اإلقتصاد اإلسالمي" ،وقد أشارت بعض
الدراسات الى ّأنه خالل المدة 1979-1950م نُشر حوالي 700عنوان حول االقتصاد االسالمي ،وبعد نشوء
المصارف االسالمية في نهاية السبعينات من القرن الماضي أضيفت أعداد ضخمة أخرى لهذه العناوين ،وفي
البداية كانت المواضيع التي تطرح في الغالب إما لتأكيد أن أسس المفاهيم االقتصادية الغربية ظهرت بالحضارة
االسالمية قبل الغرب بقرون عديدة ،من خالل العديد من مفكري اإلسالم القدماء مثل الشيباني والمقريزي وابن
خلدون الذين مهدوا السبيل اليها واما أنها تُطرح كبديل إسالم في إطار نقدي للرأسمالية والشيوعية ،ثم تطورت
بعد ذلك من مجرد النقد إلى محاولة التنظير لنهج اقتصادي مستقل ،إال أن القاسم المشترك بين معظم األدبيات
ّأنها تعاملت مع االقتصاد الغربي بوصفه مرجعية مختفية قد ال نراها ولكن نلحظ آثارها( .الخاقاني و الزبيدي،
، )2014كما أن الكتابات حول موضوع اإلقتصاد اإلسالمي كانت تدور حول إبراز أحكام الشريعة حول
التعامالت اإلقتصادية ،حتى أن بعض الباحثين اإلسالميين اعتبر أن اإلقتصاد اإلسالمي هو حكم اهلل في
المسائل االقتصادية ،أو هو طرق اإلنتاج الحالل والتوزيع الذي ُيحقق مصالح األمة اإلسالمية (يسري ،دراسات
في علم اإلقتصاد اإلسالمي .)2001 ،
43
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الساسانية الفضية مثل (بسم اللـه) لكنها بقيت حاملة صورة كسرى الثاني ،
المعربة) ،وفي عهد الخليفة
وسميت هذه النقود الفضيه (بالمسكوكات الساسانية ُ
علي بن أبي طالب أضيفت كلمات عربية مثل (بسم اهلل ربي) و (محمد) ،أما
في عهد الدولة االموية (132-41هـ749-661 /م) ف ُكتب مكان إسم كسرى
(معاوية أمير أوروشنكان) أي (معاوية أمير المؤمنين) ،حتى حدث التعريب
الجذري للنقــود في عهــد الخليفة عبد الملك بن مروان سنة (86-65هـ-684/
705م) والذي قرر تعريب السكة وتخليصها من الشعارات االجنبية ،وسك
دنانير ودراهم عليها صورة التوحيد وذكر الرسول بوجه وباآلخر ذكر البلد والسنة
وأمر بتعميمها بالدولة اإلسالمية وقتل من يتعامل بغيرها ،وفي سنة
(77هـ696/م) عرب الخليفة عبد الملك النقود الفضية (الشيخ.)2012 ،
في عملية اإلنتاج بتحديد ُمسبق وبالتراضي (وفقاً للعرض والطلب) بغير تحديد
من الدولة (خليل م ،1982 ،.صفحة )228طالما لم يتضمن تغرير وال غ ْبن أو
رفع للسعر بسبب احتكار أو استغالل أو خفضه بدون داعي ،واال فالدولة
تتدخل لتعديل األثمان إلى األثمان العادلة (النجار ،1983 ،صفحة )101أما
المسبق للثمن ويجب عدم تحديد ثمنه فيستثنى من اإلتفاق ُ
ُعنصر رأس المال ُ
(والذي وصفته بالربا) نظير مساهمته في العملية اإلنتاجية على شرط اإللزام
ويلحق بعنصر التنظيم تحت مسمى الربح ،وان كان يسوع قد حرم الربا بعمومه
) (Olechnowicz, 2011فإن النبي ُمحمد قد شد َّد في تحريمه (أبو زهرة،
، )1986لم تستحب النظرية اإلسالمية مبدأ اإلدخار 1والتراكم واإلكتناز بشكل
عام (شلبي أ ،1990 ،.صفحة )43وافترضت أن التنمية اإلقتصادية تحدث مع
ترشيد اإلنفاق واإلستثمار وعدم اإلكتناز (األهدن ،1994 ،صفحة ، )89كما لم
تتضمن رؤية صريحة تجاه تشكيل الهيكل اإلقتصادي بأفضلية أي من األنشطة
الزراعية أو الصناعية أو التجارية على اآلخر ،بخالف نمطي اإلنتاج اآلسيوي
والعبودي واللذين تضمنا أفضلية هيكلية للنشاط الزراعي على ما دونه من
األنشطة اإلقتصادية أو تفضيل الماركنتيليين للتجارة كما سيأتي الحقاً.
أما من جانب الطلب فإن النظرية اإلسالمية تنص على أن الحاجات اإلقتصادية
محدودة بحدود الشريعة (بخالف النظرية الليبرالية بكون الحاجات غير محدودة)
بما ُيحقق الحياة الكريمة وعمارة األرض وما دونها فحاجات خبيثة ورغبات آثمة
(األهدن ،1994 ،صفحة ، )94ال يحل باإلستهالك اإلسراف وال التبذير أو
اإلكتناز كما ال تحل سلع وخدمات نصت الشريعة على تحريمها بعينها ،
كال ُخمور إنتاجاً واستهالكاً وتجارةً والرغبة بها رغبة آثمة ،في حين أنها لم تكن
1
عن أبي هريرة قال قال رسول اهلل (ما من يوم يصبح العباد فيه إال ملكان ينزالن فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا
خلفا ويقول اآلخر اللهم أعط ممسكا تلفا) رواه مسلم رقم 1010
45
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ُمحرمة بإطالقها في العهدين القديم والجديد وانما كان ُمحرماً اإلستخدام السئ لها
السكر والعربدة (شنودة ، )1990 ،كما أكدت على تحريم باإلكثار منها وحاالت ُ
الدعارة والتي وان حرمها العهدين السابقين إال أنها لم تكن ُمحرمة بين خدمات ِ
العرب قبل ذلك بل كانت نشاطاً اقتصادياً ُمزده اًر له بيوت خاصة تُرفع فوقها
رايات حمراء ومنها أُطلق على من تمتهن البغاء نساء الرايات أو المساعية
لكونها تدفع ضريبة إلى سيدها من كسبها وسعيها (الترمانيني ،1984 ،صفحة
)23وكانت العرب تجني من هذا النشاط ربحاً كبي اًر لدرجة أن قبيلة ثقيف وقبيلة
ُهزيل اشترطت على النبي محمد إباحة الزنا للدخول في اإلسالم وقبول دعوته
الحكم بتحريمه في اإلسالم (الترمانيني ،1984 ،صفحة
إال أنه رفض واستقر ُ
.)38
وبشكل عام فإن الفكر اإلقتصادي اإلسالمي يرى أن في ضوء نظريته لإلقتصاد
المنزلة من اإلله بقدر الحاجات التي حددتها الشريعة ،فإن
بتناسب الموارد ُ
المقيد بالسياسات
المشكلة اإلقتصادية قابلة للحل وذلك من خالل العمل ُ
الحرية المقيدة وفق اإلطار العام للشريعة
اإلسالمية الثالثة اإلقتصاد والتدخل و ُ
باتباع أوامر اإلله وعبادته وتجنب سخطه (األهدن ،1994 ،صفحة ، )98فعلى
غرار العهدين السابقين فإن الرسالة اإلسالمية هي رسالة اهلل اإلله الواحد الذي
سيبلغها للناس من خالل الرسول ُمحمد ،بأن األرض وما عليها ملك اإلله "اهلل"
ُ
مع إقرار الملكية الفردية واختالف لفظي من الوكالة إلى اإلستخالف ،فالمال
مال اإلله الذي جعل األفراد ُمستخلفين فيه وفقاً لشريعته ولذلك فحريتهم في
التصرف في تلك األموال ُمقيدة بما شرعه اإلله (كمال ،1990 ،صفحة )154
،أما الملكية العامة فكانت أكثر تحديداً ووضوحاً من العهدين السابقين بعدم
جواز تملُك المنافع العامة والتي حددها "بالماء والنار والكأل" وقياساً عليهما كل
ما كان منفعة ضرورية للمجتمع (الصدر )1981 ،وبذلك فقد استقرت مع
46
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اإلسالم مفهوم الملكية الخاصة والملكية العامة فيما ُيصطلح عليه "بنظرية
(Johnson, الملكية المزدوجة" والتي سبق وأقرها القانون البيزنطيِ
) ، Coleman-Norton, Bourne, & Pharr, 2009أما السياسة الثانية
فهي سياسة التدخل إلعادة توزيع الدخول على أفراد المجتمع بتجميع الزكاة
والصدقات والغنيمة والفئ والخراج والجزية 1ببيت المال ثم إعادة توزيعها مرة
أخرى وفق المصارف الشرعية وأهمها الفقراء ،وتُمثل هذه السياسة توافق مع
العهدين القديم والجديد حول مبدأ دمج العالقات اإلقتصادية بالعالقات التضامنية
لمشكلة اإلقتصادية ،والذي ظهر مع العهد القديم بتأثر ُمزدوج ما بين
للحد من ا ُ
نظام التضامن القبلي والمركزة بالنمط اآلسيوي في صورة مركزة حق اإلله ببيت
العشور والتقدمة والبكور والنذور) والذي يتولى الكاهن إنفاقه
الرب (وفق مفاهيم ُ
على الفقراء (األديب ، )2014 ،أما في اإلسالم فقد انتقلت الفكرة وفق مفاهيم
الزكاة التي تُمثل حق اإلله الفرض والصدقات التي تمثل تطوعاً ُمستحباً
باإلضافة إلى المصادر األخرى والتي تُجمع في بيت المال تحت تصرف الحاكم
المشكلة
أو الخليفة ُلينفقها في مصارفها الشرعية والتي من أهمها الحد من ُ
اإلقتصادية والفقر (القرضاوي ،2001 ،صفحة ، )21والفارق الجوهري ما بين
نمطي المركزة بالنمط اآلسيوي ونمط األديان اإلبراهيمية هو أن المركزة باألديان
1الزكاة هي حق اإلله الواجب في أموال المسلمين %2,5سنوياً على األموال التي بلغت النصاب ( 85جم من
الذهب) أما زكاة الزروع %5على ناتج األرض التي تم ريها صناعياً و %10على األرض التي تروى طبيعياً
متى تعدى الناتج في أي منهما 610كجم وتخرج من جنس الناتج يوم الحصاد (اإلفتاء المصرية ،رق الفتوى
، )10448الصدقات أموال يدفعها المسلمون طواعية هلل ،الغنيمة ما استولى عليه المسلمون بقتال الكفار ،
الفيئ ما استولى عليه المسلمون من الكفار بغير قتال بجالء أو هروب أو صلح ،الخراج فهو ضريبة شرعها
عمر بن الخطاب تفرض على ناتج أرض الكفار التي سيطر عليها المسلمون ويحدد مقدا ار اإلمام ما بين الثلث
والربع ال تسقط بإسالم صاحبها ويضاف عليها %10من الناتج ويسقط بإسالمه ،الجزية تفرض على الكافر
باألراضي التي استولى عليها المسلمون ويدفعها كل عام وأقلها دينار ذهب ( 4,8جم) أو يزيدها الحاكم كما يرى
وتسقط بإسالم الكافر.
47
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
1
وفي الحديث( :إن اهلل يبغض كل جعظري جواظ صخاب باالسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بالدنيا
جاهل باالخرة ).رواه البيهقي وبن حبان وصححه األلباني
2ع ْن ْابن ُعمر عن ر ُسول اللَّه( :إذا تباي ْعتُ ْم باْلعينة ،وأخ ْذتُ ْم أ ْذناب اْلبقر ،ورضيتُ ْم ب َّ
الزْرع ،وترْكتُ ْم اْلجهاد ،
سلَّط اللَّهُ عل ْي ُك ْم ُذ ًّال ال ي ْنز ُعهُ حتَّى ت ْرج ُعوا إلى دين ُك ْم) هذا الحديث رواه أحمد ( )4987وأبو داود ()3462
وصححه األلباني في صحيح أبي داود
وقوله تعالى( :ي ا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اهلل اثاقلتم إلى األرض أرضيتم بالحياة الدنيا
من اآلخرة فما متاع الحياة الدنيا في اآلخرة إال قليل) التوبة
48
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
{السمت الصالح والهدي الصالح واإلقتصاد جزء من خمسة وعشرية جزء من
2 1
الزهد
النبوة} وقوله {ما عال من اقتصد} ،واذا كان اإلقتصاد واجب فإن ُ
ُمستحب ،وهو ُمصطلح بالشريعة اإلسالمية يدعو إلى استحباب الترفع عن
الفضل من منافع الدنيا الفانية طالما لم يكن لها حاجة ضرورية وتركها طواعية
3
العمر
هلل ،وعلى غرار المسيحية نهى عن حب المال واإلنسياق وراءه وافناء ُ
في طلبه ،واألصل هو التوسط فالمال ليس مكرمة وانما كثرته وقلته ابتالء من
اإلله (حردان ،1999 ،صفحة ، )19ولذلك فالسياسة اإلسالمية تجاه األموال
انتاجاً واستهالكاً هي سياسة اإلقتصاد( 4أبي بكر ،1990 ،صفحة .)301
الحرية
وفقاً للنظرية اإلسالمية فإن ضبط منظومتي اإلنتاج والتوزيع بسياسات ُ
المقيدة واإلقتصاد والتدخل وفق اإلطار العام للشريعة سيؤدي حتماً إلى إنهاء
المشكلة اإلقتصادية ،وبالرغم من ذلك يوجه انتقاد للفكر اإلسالمي نظريةً
ُ
وسياسة أن تطبيقه العملي لم ُيمكن من حل المشكلة اإلقتصادية في أزهى
عصور الفكر اإلسالمي وهو فترة الرسالة ،والتي شهدت حالة من الحرمان
والتدهور اإلقتصادية ،جسدتها العديد من المظاهر كتشريع زكاة الفطر والتي
تفرض على كل من كان يملك قوت يومه توزيع قدر من الطعام على الفقراء ،
عالوة على أن السياسة اإلسالمية في ُمجملها نحو اإلنتاج واإلستهالك سياسة
انكماشية ال تدعو للتوسع إال إذا كان له حاجة شرعية ال للتوسع بحد ذاته ،
والتأكيد على أن رفاهة اإلنسان ال تعتمد على تعظيم الثروة واالستهالك ،بل
تتطلب توازًنا بين حاجات البشر الروحية والمادية التي تحددها الشريعة ،مما
1
أخرجه البخاري في األدب المفرد ، 347باب الهدي والسمت الحسن.
2
أخرجه اإلمام أحمد في مسنده 447\1من طريق المصنف.
3
(ما نقض مال من صدقة) رواه الترمذي – حديث صحيح
4
ومنها كان تعريب كلمة ( )economicsبكلمة "اإلقتصاد" أو علم اإلقتصاد ،كما سبق ذكره بالمقدمة.
49
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ويفقده
المؤمنة به ُ
يجعل من الفكر اإلسالمي اإلقتصادي فك اًر ُمنغلقاً على الطائفة ُ
القابلية للعولمة.
لم يمضي قرن من الزمان حتى استقر للدولة اإلسالمية بسط نفوذها على بالد
الشام والعراق ووادي النيل والساحل اإلفريقي والتي باستقرارها تطورت الحياة
الثقافية والسياسية واإلقتصادية نحو درجة أعلى من التنظيم واإلنتظام ،وقد
المفكرين اإلسالميين الذين عالجوا ظاهرة
صاحب تلك المرحلة ظهور عدد من ُ
األموال إنتاجاً واستهالكاً من جانب الرؤية النظرية والتدخل السياسي ،وبالرغم
من أن هؤالء المفكرين إلتزموا األفكار اإلسالمية األرثوذكسية أو الكالسيكية تجاه
ظاهرة اإلقتصاد أو األموال إال أنهم تبنوا منهجاً ُمغاي اًر للمنهج األرثوذكسي
باإلعتماد على اإلستنباط المنطقي واإلستقراء الواقعي ،ولذلك اتخذت نظرية
الجدد مسا اًر ُمغاي اًر لألفكار اإلسالمية الكالسيكية اتسم بعمق التحليل
اإلسالميون ُ
النظري والتطور السياسي ،ولذلك فأفكار هذه المدرسة ال توصف بالمدرسة
اإلسالمية وحسب بالرغم من التزامها األفكار التقليدية اإلسالمية (كالرؤية
اإلنتاجية لمتنوع النشاط اإلقتصادي الزراعي والصناعي والتجاري وفعالية عنصر
العمل والتأكيد عليه وحرية السوق وعدم تدخل الدولة في اإلنتاج وسياسات
االقتصاد والملكية المقيدة بالشرع والتدخل في توزيع الدخل) ،ألن إضافاتها
اإلقتصادية الجديدة لم تكن ُمستنبطة من نصوص ُمقدسة لتحميلها الصفة
المقدسة) ،وانما
المفكرين ربطها بتحايل بالنصوص ُ
اإلسالمية (حاول بعض ُ
كانت استنباطات لقواعد منطقية كان يتم التقديم لها ،واستقراء لمشاهدات
ُمعاصرة بعدة مجتمعات إسالمية وغير اسالمية ،ولذلك فهي إضافات جديدة
تُنسب لذلك اإلتجاه التجديدي ال لإلتجاه األرثوذكسي ،فالفكر ُينسب إلى منهجه
50
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
51
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
52
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
المنشأ إلى النهاية (يسري ،إسهام عبد الرحمن بن خلدون في الفكر اإلقتصادي،
،2006صفحة .)32
وبذلك فقد اتسمت أفكار بن خلدون كالتحليل ال ُكلي واإلهتمام بالمدنية والتصنيع
والربط ما بين التخصص وتقسيم العمل والتعليم والتدريب وما بين جودة اإلنتاج
الحر وعدم التدخل وتخفيض الضرائب وزيادة وفرته باإلضافة إلى سياسة السوق ُ
بالسبق للعديد من المدارس الالحقة كالرؤية ال ُكلية لإلقتصاد القومي التي ظهرت
الحقاً مع الماركنتيليين ،واإلهتمام بالتصنيع والحرية اإلقتصادية وتقسيم العمل
وأثر التدريب والتعليم عليه التي قدمها الكالسيك بريادة سميث عام 1776م ،
ولذلك يصف البعض "بن خلدون" بكون مؤسس علم اإلقتصاد ،إال أن ذلك
المبالغة بشبيهه الذي يتجاهل إضافاته ،لكون بن
الوصف ال يخلو عن قدر من ُ
خلدون لم يطرح "المقدمة" ككتاب اقتصادي وأن ما تضمنته المقدمة من أفكار
اقتصادية لم تأخذ نفس القدر من المنهجية والتنظيم والتكتل الذي قدمه آدم
سميث بكتابه المتخصص "ثروة األمم" فضالً عن كون أفكار بن خلدون ظلت
أفكا اًر حبيسة غير مشهورة حتى العصر الحديث مع عدم ُحجية واثبات فرضية
تأثر سميث بن خلدون واطالعه على "المقدمة" ،بينما أطروحة سميث تميزت
بكونها أكثر تجميعاً وتلخيصاً لألدبيات اإلقتصادية السابقة ككتلة واحدة وجسد
ُمنظم للعلم وضبطه بالمنهجية العلمية معتمداً على اإلستنباط العلمي فضالً عن
انتشارها وشهرتها ووصلها بالحياة النظرية والعملية.
53
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
54
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
القُسطنطينية عام 1453م والتي أطلقوا عليها إسم "إسالمبول" (تغير عام 1930
إلى إسطانبول) ،ومنذ تلك الفترة بدأت تشهد أوروبا مزيجاً من التغيرات الثقافية
والسياسية واإلقتصادية اختلفت كثي اًر عن الفترات السابقة ،حيث تصاعدت
المصلح
األصوات الناقدة إلنحراف الكنيسة على تعاليم الكتاب المقدس بداية من ُ
الديني التشيكي "جان هس" والذي تم إعدامه عام 1415م ،وحتى ُمطلق عصر
اإلصالح الديني في أوربا القس األلماني "مارتن لوثر" ( )1546-1483والذي
رفض سيطرت كنائس روما على الكنائس األلمانية ورفض إرسال أموال ألمانيا
إليطاليا واعتبرها سرقة وضياع للثروة القومية ،كما أثار الشكوك حول شكل
الملكية الخاصة القائم آنذاك والذي كان قائماً على اإلقطاع واعتبره من السيئات
التي يجب أن يتخلص منها المجتمع ،رفض لوثر صكوك الغفران وفرض
الكتاب المقدس باللغة الالتينية واحتكار الكنيسة لتفسيره ،وقد أدت دعوته
لظهور المذهب البروتستانتي عام 1517م ،وقد أدانته اإلمبراطورية المقدسة وتم
عزله بقلعة فرتبرغ عام 1521م والتي قام خاللها بترجمة العهد الجديد من
الالتينية إلى األلمانية ،إال أن تعاطف الفالحين معه قادهم إلى إحداث ثورة
(اللوثرية) عام 1525م والتي لم تلقى تأييداً منه لما أحدثته من أعمال ُعنف
وشغب ،كانت تلك األحداث صورة ُمصغرة من مالمح الحياة الثقافية خالل تلك
الفترة ،ومدى تغير النظرة المجتمعية تجاه نفوذ الكنيسة والتطلع إلى تغيير نمط
الحياة الثقافية والدينية.
أما على المستوى الحياة السياسية فقد ظهرت الدولة كوحدة سياسية وكان أول
ظهورها في فرنسا وعلى رأسها الملك لويس الحادي عشر (1483-1423م) ،
ثم هنري الثامن في انجلت ار (1547-1491م) والذي ظهرت في عهده انجلت ار
ألول مرة كدولة قوية ذات أثر على الساحة األوروبية السياسية ،وقد أدى
الصدام بينه وبين روما إلى انفصال الكنيسة اإلنجليزية عن الكنيسة الكاثوليكية
55
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
كان للتغيرات الثقافية والسياسية التي صحبت تلك الفترة بمحاوالت التحرر
الجزئي من الفكر الكنسي والموروثات الفلسفية ،والحروب الصليبية التي نبهت
أوروبا ألهمية التجارة واألسواق الجديدة ،ونشأة الدول القومية ( Etat
)nationalذات السيادة أثرها المباشر على الحياة اإلقتصادية ،والذي انعكس
في صورة مرحلة اقتصادية جديدة وصفها سميث بالمرحلة الماركنتيليية
(التجارية) أو الرأسمالية الماركنتيلية ( )Mercantilism Capitalisticوالتي
تزامنت مع عصر النهضة والتغيرات الثقافية (من القرن الرابع عشر إلى القرن
56
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
السابع عشر) وفترة محاكم التفتيش (نشطت بالقرنين الخامس والسادس عشر)
والتي انتهت بانتصار للعلم والحرية والعمل على القمع واألفكار الدينية واإلقطاع.
تُمثل المرحلة الماركنتيلية بداية التحول من الريف إلى المدينة ومن اإلقطاع
المدرسين الفكري في معالجة المسائل
الزراعي إلى التوسع التجاري ،توارى دور ُ
اإلقتصادية ليحل محله التُجار والسياسيين وكبار الموظفين ،اللذين صاغوا
األفكار والسياسات اإلقتصادية لتلك الفترة (جالبريت ، )2000 ،وبالطبع اختلفت
نظرة التجار إلى الثروة والتي كانت في نظرهم تُمثل الذهب والفضة على خالف
نظرة اإلقطاع للثروة باعتبارها األرض والناتج الزراعي ،كان الثراء والسعي إليه
مذموماً ومحل إدانة دينية واجتماعية ،ولكن أصبح في تلك الفترة أم اًر مشروعاً ،
وصاحب تلك النظرة ظهور التاجر ألول مرة بمظهر مقبول بالمجتمع (بداية
ظهور البرجوازية) وان كان التفوق اإلجتماعي ظل مقصو اًر على الطبقات
صاحبة األرض ورثة البارونات اإلقطاعيين ،أما الربا الذي ظل محل إدانة
بالعصور السابقة فقد فرضه الواقع التجاري الجديد بما يستلزمه من التوسع في
عمليات اإلقراض ،والذي تم حسمه بسماح البابا "ليون العاشر" (-1457
1521م) به ألغراض التجارة طالما كان التعامل به من خالل هيئات معينة
(بنوك التسليف) (الرفاعي ،1928 ،صفحة ، )78وأصبح تمويل العمليات
التجارية بأموال مقترضة بفائدة عمال مشروعاً ،بعد أن كان عمالً محرماً يحرم
التجار من دخول الجنة (طلبة ،2007 ،صفحة ، )36انعكس شعار "الغاية
تبرر الوسيلة" على الحياة اإلقتصادية أيضاً والتي قادها التجار بتأييد من الدولة
من خالل مظاهر اإلحتكار وافقار الجار والتي تراجع معها مفهوم السعر العادل
،كما اعتبروا أن زيادة السكان سبب في الثروة اإلقتصادية ألنها تسهل الحصول
ثم زيادة األرباح والثروة للرأسماليين (حبيب م،.
على يد عاملة رخيصة ومن ّ
.)2006
57
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أدت هذه التحوالت التي نقلت ظاهرة اإلقتصاد من محدودية عالقات اإلنتاج
الزراعية والحرفية إلى عالقات اإلنتاج القائمة على الزراعة والصناعة والتجارة ،
وتوسع موضوع اإلقتصاد من مجرد إشباع الحاجات األساسية لألفراد وتحقيق
فوائض اإلقطاع إلى موضوع تراكم الثروة والتي تغيرت من مفهوم األرض والناتج
الزراعي إلى مفهوم الذهب والفضة ،ومن عالقات اإلنتاج بالنطاقات الضيقة
لألسرة واإلقطاعيات المغلقة إلى عالقات اإلنتاج داخل النطاق السياسي للدول
القومية ،والتي ظهرت فيها الدول القومية كفاعل سياسي يعمل على دفع
العالقات اإلقتصادية لصالحها فقط وتحقيق التراكم الداخلي للثروة ومنع خروجها
،إلى ظهور مصطلح "اإلقتصاد السياسي" على يد الكاتب الفرنسي أنطوان دي
مونكريتيان والذي وصف علم اإلقتصاد ألول مرة باإلقتصاد السياسي بكتابه
"بحث في اإلقتصاد السياسي" عام 1615م ،ليشير إلى ذلك العلم الذي يهدف
إلى تحديد معالم السياسة التي يجب أن تتبعها الدولة لزيادة ثرواتها بهدف
استقرارها وبقاءها أو قوانين اقتصاد الدولة (دويدار ، )2003 ،وبشكل عام ظهر
مع الماركنتيليين التحليل ال ُكلي لإلقتصاد القومي والرؤية ال ُكلية والتي ترجع
بوادرها ألعمال بن خلدون بالمقدمة ،حيث كان رجل دولة من الطبقة الحاكمة ،
ولذلك كان تحليله يتسم بالطابع ال ُكلي لإلقتصاد القومي ،إال أن الفارق الجوهري
ما بين تحليله وما بين تحليل الماركنتيليين أن بن خلدون حاول من خالل كتاباته
تقديم أفكا اًر يتحقق معها نمو الناتج المحلي بهدف رفع معدالت واإلشباع لدى
األفراد (الرعية) وتحقيق التوازن ،أما تحليل الماركنتيليين الكلي كان يهدف
أساساً لثراء الرأسماليين واألمير من خالل تعظيم تراكم الثروة لديهم.
وحيث كانت الثروة تُشير إلى الذهب والفضة محدودي الكمية والتواجد ،فقد
سيطرت فكرة أن ثراء الدولة ال يقوم إال على إفقار الدول األخرى من خالل
تبادل الفوائض اإلنتاجية بما لديها من ذهب وفضة ،ولذلك اتصف الفكر
58
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اإلقتصادي خالل تلك الفترة بتبني سياسة إفقار الجار (ايفانز و نوينهام)2000 ،
،وقد اقتضت هذه السياسة اإلهتمام بالصناعة (صناعة السفن ،و السكك
الحديدية لنقل المواد و السلع التجارية) وتطوير وسائل التبادل التجاري والتوسع
في إنشاء الشركات التجارية ،كما وضعوا قوانين وسياسات اقتصادية اتسمت
بالتدخل الشامل في كافة أوجه النشاط اإلقتصادي بالدولة بهدف لتعزيز دور
التبادل التجاري الدولي في تحقيق فوائض من الذهب والفضة لصالح الدولة ،
ومن تلك السياسات فرض الضرائب على الواردات واعتبر التجاريون إن بيع
البضائع لآلخرين يكون دائما أفضل من شراء البضائع من اآلخرين (طلبة،
،2007صفحة ، )36وضرورة اتباع سياسة الحماية الجمركية والسيما تطبيق
سياسة منع االستيراد لتوفير ميزان تجاري رابح يشكل فائضه مصد اًر للثروة وهو
ما قادهم إلى وضع نظرية الميزان التجاري (حبيب م ، )2006 ،.باإلضافة إلى
التوسع في رحالت الكشف عن األراضي واألسواق الجديدة للتوسع في التبادل
التجاري واكتشاف المناجم الجديدة للمعادن النفيسة وتكوين المستعمرات ،وقد
بدأت تلك الرحالت بداية من عام 1492م برحالت كريستوفر كولمبوس باإلتفاق
مع ملوك إسبانيا (عقب سقوط غرناطة مباشرة آخر إمارة إسالمية باألندلس)
والتي كانت تهدف باألساس إلى اكتشاف طريق جديد للهند غير الطريق الذي
يمر ببالد المحمديين وقد انتهى برحلته الثانية عام 1494إلكتشاف القارة
األمريكية ظاناً منه أنها الهند الغربية ومن هنا كان ُيطلق على ُسكانها الهنود ،
ورحلة "فاسكو دي جاما" عام 1497إلستكشاف طريق رأس الرجاء الصالح
ألوربا الموصل إلى الهند لتجنب المرور من بالد المحمديين "على حد تعبيرهم" ،
وقد نتج عنها تدفق سلع جديدة وغير مألوفة من تلك البالد إلى أوروبا باإلضافة
إلى تدفق سيل الذهب والفضة من مناجم العالم الجديد إلى أوروبا ،والذي أدى
وفقاً لتحليل "جان بودان" 1596-1530م ( )Jean Bodinإلى ظاهرة ارتفاع
59
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
األسعار بأسبانيا خالل القرن السادس عشر نحو خمس أضعاف ثم انتقال تلك
الظاهرة إلى جميع أنحاء أوروبا ،باإلضافة إلى الممارسات اإلحتكارية التي
ساهمت في ارتفاع األسعار.
واذا كان االتفاق بين التجاريين على أن السياسة االقتصادية العامة هي زيادة
الثروة االقتصادية للدولة ،فقد اختلفوا في السياسات الفرعية التي يجب أن تتبع
من أجل تحقيقها باختالف طبيعة وظروف كل دولة (الببالوي ،1995 ،صفحة
، )37ففي إسبانيا ظهر المذهب التجاري المعدني ( )Bullionismeوالذي
يمثل جوهر الفكر التجاري من حيث تبني سياسة التجارة الخارجية وفرض القيود
السياسية المعززة لتدفق النقود المسكوكة من الذهب والفضة داخل الدولة ومنع
تسربها ،إال أنه لم يتضمن نظرية إنتاجية واضحة المعالم وانما ركز على
سياسات منع خروج النقود المسكوكة والسبائك وفرض الحماية الجمركية للحد من
االستيراد ،وألزم البواخر التي تحمل البضائع المصدرة تسليم الدولة قيمتها
بالذهب والفضة مقابل السندات القابلة للدفع لحاملها ،ومنع التجار األجانب
الذين يبيعون سلعهم داخل إسبانية من إخراج الذهب والفضة وألزمهم شراء سلع
إسبانية مقابلها (حبيب م ، )2006 ،.ومن هنا ظهر الدور النقدي للدولة وبداية
ظهور فكرة البنكنوت الذي تحتكر الدولة إصداره ،وان كانت فكرة البنكنوت تعود
للصين في عهد ساللة الملك تانغ ( 907 – 618م) حيث ظهرت تلك الفكرة
كوسيلة لحماية التجار الذين يتنقلون من بلد إلى بلد بكميات كبيرة من النقود
الذهبية التي كانت ُمعرضة لمخاطر الضياع والسرقة ،فيقوم التاجر بدفع تلك
الوثيقة المضمونة من هيئة إصدارها مقابل البضائع التي يتسلمها ليقوم حامل
الوثيقة بعد ذلك بيتسلّم المبلغ المثبت على هذه الورقة من الشخص المودع عنده
مال التاجر المشتري ،ثم تطور استعمال هذه األوراق فصار باإلمكان دفعها إلى
أي بائع أو مشتري بشكل متداول ليكون المرجع النهائي في القبض هو المركز
60
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أما في فرنسا فقد ظهرت أوراق البنكنوت متأخرة عام 1800م ،وقد اتخذت
الماركنتيلية بفرنسا اتجاها صناعياً ( )Industrialismeعلى غرار الماركنتيلية
اإلنجليزية ،حث اعتبرت أن ثراء الدولة يتحقق من خالل تشجيع الصناعات
المحلية لزيادة حجم الصادرات ألن المنتجات الصناعية أقدر على تحقيق التوسع
في التبادل الدولي من المنتجات الزراعية ،ومن أبرز مفكري الماركنتيلية
الفرنسية وزير المالية كولبير ( )Colbertوالذي كان يعتقد أن وفرة المعادن
الثمينة في الدولة دليل على قدرتها وقوتها ،وأن تلك الزيادة ال تتحقق إال على
حساب الدول األخرى أل ّن كمية المعادن الثمينة التي تدور في أوروبا محدودة ،
61
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ولذا ال يمكن زيادة النقود في فرنسا إال بأخذ الكمية نفسها من دول مجاورة ،
وفي سبيل تحقيق تلك الغاية اتبع سياسة تصنيعية ووضع قواعد لتنظيم اإلنتاج
تضمن تحسين جودته وزيادة قدرته على المنافسة ،حيث منح المساعدات
واإلعفاءات الضريبية للمصانع ،وفرض أسعار متدنية على المواد الغذائية ومنع
تصديرها لتوفير يد عاملة رخيصة ،وفرض الحماية الجمركية لمصلحة اإلنتاج
الوطني ،باإلضافة إلى إعفاء المواد األولية الالزمة للصناعة الوطنية من
الضرائب ،كما عمل على توسيع األسطول وتأسيس شركات تجارية كبيرة
لتصريف المنتجات الصناعية في الخارج.
نتج عن تبني استراتيجية تراكم الثروة من الذهب والفضة داخل الدول األوروبية
والعمل على منع تسربها لفترات طويلة زيادة المعروض من الذهب والفضة داخل
تلك الدول مقابل السلع والخدمات وهو ما أدى بدوره إلى ظاهرة ارتفاع األسعار
في القرن السادس عشر والتي بدأت في اسبانيا ثم انتقلت إلى كافة الدول
األوروبية ،وهو ما قاد "جان بودان" 1596-1530م ( )Jean Bodinإلى تقديم
"القانون الكمي في النقود" والذي فسر من خالله أن زيادة األسعار يعزى لسياسة
تراكم الذهب والفضة ودخول الذهب إلى أوروبا بكميات كبيرة (والعلو،1973 ،
صفحة ، )95إال أن المقريزي (845-764هـ1442-1364/م) كان قد سبقه
لنفس النتيجة ،حيث اعتبر أن ظاهرة إرتفاع األسعار قد ترجع ألحد ثالثة
أسباب أو أكثر؛ إما سبب نقدي وهو زيادة عرض النقود واسراف الدولة في سك
العملة ،واما سبب سياسي وهو انتشار الرشوة والفساد وزيادة معدالت الضرائب
،واما لسبب اقتصادي كاإلحتكار.
62
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ومن رواد الفكر الماركنتيلي اإلنجليز "توماس من" 1571 – 1641م ( Tomas
، )Munوجون تشايلد 1630 - 1699م ( ، )John Childووليام تمبل
، )Sir William Temple( 1699-1628وويليام بيتي 1687-1623م ( Sir
)William Pettyوالذي نشر كتابه "بحث في الرسوم والضرائب" عام 1622م ،
وقد مال إلى اعتبار أن األرض والعمل ثروة أهم من الذهب والفضة ،ومن
إيطاليا برز "انطونيو سي ار" والمولود عام 1568م ( ، )Antonio Serraومن
الماركنتيلين بأسبانيا دوق أوليفارس غاسبار دي غوزمان 1645-1587م
( )Gaspar de Guzmánوالذي شغل منصب رئيس الوزراء خالل الفترة ما
بين (1643-1621م) ،وكانت سياساته سبباً رئيسياً في حروب الثالثين عاماً ،
ومن ألمانيا برز اإلقتصادي "فيليب ويلهيلم فون هورنيك" 1712-1638م
(.)Philipp Wilhelm von Hornick
63
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أدت السياسة الماركنتيلية إلى تراكم الذهب والفضة في الدول األوروبية بمعدالت
فاقت معدالت اإلنتاج مما أدى إلى ظاهرة ارتفاع األسعار واإلضمحالل
اإلقتصادي ،واذا كانت النقود المعدنية قد تراكمت لدى األمير والتجار ففي
الجانب اآلخر كان السواد األعظم من المجتمع من الطبقة الكادحة والتي عانت
من سياسة الماركنتيليين نحو تفقير المجتمع لتوفير عمالة رخيصة ومن ثم زيادة
األرباح وهو اإلتهام الذي ُوجه بشكل أساسي إلى كولبير وزير المالية الفرنسي ،
وقد أدت هذه الظروف إلى حالة من الرفض تجاه سياسة التصنيع والتجارة
والدعوة للعودة إلى األرض الزراعية.
أدت هذه التطورات إلى ظهور تيار من المفكرين اإلقتصاديين (بفرنسا) والذين
وصفوا بالطبيعيين أو الفيزوقراط (1775-1750( )Physiocratsم) والذين
اعتبروا أن الظاهرة اإلقتصادية تحكمها قوانين طبيعية بنفس منطق الظواهر
الطبيعية ،والتي يجب كشفها بمنهجية علمية بعيداً عن التحليل األخالقي
64
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
المفكرين
والفلسفي (الببالوي ،1995 ،صفحة ، )45وكان من أبرز هؤالء ُ
االقتصادي الفرنسي الطبيب فرانسوا كيناي1774-1694 م ( Francois
)Quesneyالذي وضع أسس المدرسة الفيزيوقراطية بإصداره كتابه الشهير
"الجداول االقتصادية" سنة 1750م (أيوب ،1978 ،صفحة ، )128والذي
المفكرين اإلقتصاديين كالفرنسيين مثل "آن روبير
انضم تحت رايته عدد من ُ
جاك تيرجو" 1781-1727م ( ، )Anne Robert Jacques Turgotوالكونت
"دي ميرابو" 1791 – 1749م ( )Mirabeauو"ديبون دي نيمور" ( Dupont
)de Nemoursوالذي أطلق على ذلك اإلتجاه الفكري مصطلح الفيزوقراطي
( )Physiocracyأو الطبيعي عام 1767م ،و"مرسييه دي الفيير" – 1719
1801م ( ، )Mercier de la Riviereوعلى خالف الماركنتيلية التي صاغ
أفكارها التجار والسياسيين فإن الطبيعية صاغها مجموعة من العلماء والمالك
الزراعيين بفرنسا واستمرت هيمنة تلك األفكار اإلقتصادية بفرنسا حتى قيـام الثورة
الفرنسية عام 1789م.
اعتبر الفيزوقراط أن اإلقتصاد ظاهرة طبيعية تحكمها قوانين ثابته بنفس منطق
الظواهر الطبيعية ،وينبغي البحث عنها بمنهجية علمية بعيداً عن الفلسفة
واألخالق والدين ،وحيث أن الظاهرة اإلقتصادية يحكمها قوانين طبيعية فيتعين
على الدولة عدم التدخل في النشاط اإلقتصادي ،وأن تدخل الدولة السياسي في
اإلقتصاد من شأنه أن يفسد المنظومة اإلقتصادية الطبيعية أو يعرقل حركتها ،
ولذلك على الدولة أال تتدخل في اإلقتصاد إال بأقل درجة ممكنة وأن يقتصر
دورها على الحماية والتأكيد على مبدأ الحرية اإلقتصادية والملكية الفردية ،
فرانسوا كيناي كان طبيب العائلة المالكة ،و عضو المجالس الفكرية التي كانت تجمع األدباء و الفنيين و
الفالسفة في دور البورجوازية األوربية ،و اهتم كثي ار بالمشاكل الفالحية ،و شارك في وضع منجد "دائرة المعارف"
حيث شرح كلمتي "مزارع" و "بذار".
65
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وبالرغم أن هذه األفكار ظهرت ككتلة فكرية بفترة زمانية ومكانية متقاربة مما
سوغ إلنتشارها ،إال أن نفس الفكرة والدعوة إلى تحرير األسواق وعدم تدخل
الدولة في اإلقتصاد قد ظهرت جلية بمقدمة بن خلدون* عام 1377م أي قبل
نحو أربعة قرون من ظهور الفيزوقراط ،حيث اعتبر بن خلدون أن خفض
العبء الضريبي يؤدي إلى تحفيز اإلنتاج ،ودعا لعدم تدخل الدولة في النشاط
اإلقتصادي كممارستها للتجارة ،كما دعا إلى عدم فرض مكوس (ضرائب) على
اإلنتاج فضالً عن تكسب الحاكم منها (سكينة ،2015 ،صفحة .)91
أكد الفيزوقراط على الملكية الفردية ودور الدولة على حمايتها ،والتي تنقسم إلى
الملكية الشخصية (الملكات الذهنية والعضلية) والملكية المنقولة والملكية العقارية
،وذلك باعتبار أن المصلحة الذاتية ال تتعارض مع المصلحة العامة ،منها
صاغ اإلقتصادي فانسون كورني عبارة "دعه يعمل دعه يمر" ( laiser faire
)laiser passerوالتي تبناها الحقا "آدم سميث" كأساس لفكره االقتصادي.
*
المفكر العربي اإلسالمي "عبد الرحمن بن خلدون" (808-732هـ1406-1332/م) ولد بتونس وله أصول ُ
حضرمية ثم أندلسية ،كان من عائلة مرموقة من الطبقة الحاكمة وكان رجل دولة ُعين وزي اًر بمنطقة بجاية
بالجزائر واستعان به أهل دمشق لطلب األمان من القائد المغولي تيمور النك ،قدم إلى مصر عام 1384م
ودفن بها.
وتولى القضاء المالكي بمصر إلى أن توفي بالقاهرة ُ
66
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أما على مستوى التوزيع فكان الفيزوقراط أول من قدم محاولة لوضع نظرية
لتوزيع الدخل على المستوى الكلي ،حيث اعتبر الطبيب الفرنسي فرانسوا كيناي
عملية توزيع اإلنتاج في اإلقتصاد القومي أشبه بعملية تدفق الدم داخل جسم
اإلنسان بالدورة الدموية ،ومنها صاغ فكرة الجدول االقتصادي حيث قسم
المجتمع إلى ثالثة طبقات هي :الطبقة المنتجة من العمال الزراعيين ،وطبقة
المالك العقاريين ،والطبقة العقيمة وتشمل ذوي الحرف األخرى غير الزراعة ،
وحاول أن يبين من خالل ذلك الجدول كيف تنتقل الثروة من الطبقة المنتجة
الزراعية إلى الطبقة العقيمة ،ثم كيف تعود هذه الثروة إلى نفس الطبقة التي
انطلقت منها مرة أخرى ،ويتضح مما سبق أن وضع أسس االقتصاد الليبرالي
من حرية السوق واقرار مبدأ الملكية الخاصة يرجع إلى الطبيعيين بريادة فرانسوا
كينيه ،والتي تعتبر من أهم المبادئ التي قام على أساسها الفكر اإلقتصادي
الكالسيكي بريادة آدم سميث.
67
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
68
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أساسي على توزيع الثروة لصالح الرأسماليين بينما الطبيعيون حاولوا معالجة
قضية التوزيع من خالل الجدول اإلقتصادي بتقسيم المجتمع إلى طبقة المنتجين
والمالك العقاريين والطبقة العقيمة ،إال أن نظرية الطبيعيين كانت بمثابة محاولة
لم تكتمل لقصور نظريتهم لإلنتاج ،أما الكالسيك فقد انصب اهتمامهم حول
خلق الثروة.
أقر الكالسيك الفيزوقراط في اعتبار الذهب والفضة ليس الثروة وانما مقياس
للثروة إال أنهم انتقدوا حصر مفهوم الثروة في الناتج الزراعي فقط ،حيث انتقد
سميث نظرية الريع الصافي وحصر الطبيعيين لإلنتاج في صورة المنتج الزراعي
واعتبر أن اإلنتاج هو كل سلعة مادية سواء أكانت زراعية أو صناعية باعتبار
أن الزراعة كالصناعة مجرد تحويل لمواد بالطبيعة من صورة ألخرى ،إال أنه
رفض اعتبار المنافع الخدمية ضمن مفهوم اإلنتاج ألنها تفنى فور استعمالها
وبالتالي فهي ال تضيف إلى الثروة المادية للمجتمع ،وكان من أثر هذه النتيجة
رفض نظرية "األرض الثروة" واستبدالها بنظرية "الثروة العمل" حيث اعتبر أن
العمل هو مصدر الثروة وأساس خلق القيمة وليس األرض باإلضافة إلى تكلفة
رأس المال وتأثر القيمة النهائية بالعرض الطلب ،وبذلك فقد انتهى سميث إلى
نظرية "نفقة اإلنتاج" والتي تأخذ إلى جانب األجر كالً من الربح والريع لتحديد
قيمة السلعة ،ومن هذه األفكار توسع ريكاردو في كتابه “مبادئ في السياسة
اإلقتصادية والضريبة “( Principles of Political Economy and
) Taxationسنة 1817في نظريته "القيمة العمل" والتي اعتبر فيها أن قيمة
البضاعة المنتجة والمباعة تحت ظروف تنافسية تميل للتناسب مع كلفة العمل
الالزمة إلنتاجها (التوازن الطبيعي) ،وانطالقاً من اهتمام الكالسيك بموضوع
خلق الثروة واعتبارهم أن العمل أساسه فقد توصل التحليل الكالسيكي إلى نظرية
األجور ( )The Wagesبأن العمل يحصل على األجر مقابل بيعه لقوة عمله ،
70
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
والذي يتحدد على أساس عدد الساعات الالزمة إلنتاج السلعة ،والتي تتحدد
التي يحتاجها العامل لحفظ حياته أو تكلفتها بكمية السلع الغذائية الضرورية
ما يسمى بحد الكفاف ،وترتفع إنتاجية وحدة العمل ومعها تكلفته بتقسيمه ،
والذي يتوقف على مدى سعة السوق من ناحية وعلى كمية رأس المال من ناحية
أخرى ،وبالتالي فكلما زاد حجم السوق كلما أمكن التوسع في تقسيم العمل
وبالتالي زيادة اإلنتاجية ،أما ميل فقد فرق ما بين العمل المنتج (الذي يؤدي إلى
سلعة مادية) والعمل غير المنتج (الذي يؤدي إلى خدمة) واعتبر أن التعليم
والتدريب دالة إلنتاجية العمل ،أما دخل المالك العقاريين فقد فسره الكالسيك من
خالل نظرية الريع ( )The Rentباعتباره المقابل الذي يحصل عليه مالك
األراضي مقابل سماحهم باستخدام األرض ،رفض ريكاردو مبدأ الريع المطلق
وأرجع تفاوت الريع إلى "الريع التفاضلي" إلرتفاع خصبة أرض عن أخرى ،
و"ريع الندرة" وهو الريع الذي يرجع لندرة األرض الزراعية (لقربها من األسواق)
وصعوبة زيادة مساحتها.
وامتداداً للفكر الحر لدى الطبيعيين وعلى عكس التجاريين الذين اعتبروا أن
مصلحة الدولة تتحقق بتقييد حرية األفراد فإن سميث (نظ اًر لمعاصرته لفلسفة
مجدت العمل
التنوير التي دافعت عن حرية الفكر والتصرف والبروتستانتية التي ّ
والحرية) أكد على أن مصلحة الدولة ال تتعارض مع مصلحة األفراد ،بل على
العكس في ظل النظام الحر والمنافسة الكاملة وعدم تدخل الدولة فإن كل فرد
يعمل على تحقيق مصالحه الخاصة مما سيعود بالنفع على النظام بأكمله ،لم
يتبع الكالسيك مبدأ حرية السوق بنفس مفهوم الفيزوقراط والحياد التام للدولة ،
بينما دعوا إلى تبني الدولة للمرافق األساسية والتي تدعم اإلقتصاد وتعود على
المجتمع بالصالح العام بجانب تحرير األسواق وعدم وضع قيوم سياسية على
األسواق وتركها لتتفاعل بشكل طبيعي والذي وصفه سميث باليد الخفية ( The
71
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أولى الكالسيك للعمل عناية خاصة واعتبروه أساس خلق الثروة في ظل اقتصاد
ُحر ،إال أنهم الحظوا أن زيادة عنصر العمل في اإلقتصاد الكلي مع ثبات
الموارد تؤدي إلى زيادة في الناتج ،ومع استمرار هذه زيادة ذلك العنصر فإن
72
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الزيادة في الناتج ال تستمر بنفس المعدل مع زيادة عنصر العمل وثبات األرض
(وهو ما يمكن وصفه ببوادر إشكالية من جانب العرض بخالف ما أقره قانون
ساي) ،وهو ما قادهم إلى قانون تناقص الغلة ( Law of Diminishing
)Returnsوالذي ترجع أفكاره إلى كتابات الفيزوقراطي الفرنسي آن تيرجو
( )Anne Robert Jacques Turgotوالتي طورها األسكتلندي جيمس
ستيوارت ( )James Steuartليتوصل إلى أفكار هامة تجاه بلورة القانون بكتابه
(مبادئ االقتصاد السياسي) عام 1767م باإلضافة إلى أعمال ريكاردوا في
صياغة القانون ،وينص القانون على أنه "باستعمال وحدات متتالية متساوية من
عناصر اإلنتاج على قطعة محددة من األرض ،فإن الناتج النهائي يتزايد في
أول األمر حتى يصل إلى مرحلة معينة يأخذ في التناقص بعدها" ،ووفقاً لهذا
القانون فإن زيادة عنصر من عناصر اإلنتاج مع ثبات سائر العناصر سيؤدي
باإلنتاج إلى منطقة تزايد الغلة ( ، )Increasing return of scaleثم منطقة
ثبات الغلة ( )Constant return of scaleأي تصبح زيادة اإلنتاج ثابته
نسبياً مع زيادة ذلك العنصر ،ثم منطقة تناقص الغلة ( Decreasing return
)to scaleوالتي تؤدي فيها زيادة ذلك العنصر إلى زيادة الناتج بدرجة أقل من
الزيادة التي كانت تحدثها اإلضافة السابقة للعنصر ،وبذلك فإن قانون الغلة كان
بداية النتائج التشاؤمية التي أضعفت من فرضية التشغيل الكامل في ظل النظام
الحر مع تزايد السكان ومحدودية الموارد ،وهو ما صاغه توماس مالتس في
كتابه "مبادئ السكان" عام 1798فيما يعرف بنظرية مالتس للسكان ،والتي
اعتبر فيها أن الموارد الطبيعية تتزايد بتوالية عددية بينما السكان يزدادون بمتوالية
هندسية ،مما يؤدي إلى حدوث ضغط على الموارد يترتب عليه انتشار الفقر
والمشكالت اإلقتصادية ،وأن الموانع التي ت ُحول دون حدوث هذا الخلل بالحد
من الزيادة السكانية تنقسم إلى موانع موجبة (قهرية) كالكوارث الطبيعية والحروب
73
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
74
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
لم يلتفت الكالسيك وال غيرهم من المفكرين اإلقتصاديين رواد الحقب التاريخية
السابقة لألحوال المعيشية الصعبة وحالة البؤس التي صاحبت طبقة صغار
الفالحين والحرفيين والعمال منذ العصور القديمة وحتى تلك الفترة بالقدر الكافي
،فيما عدا بعض األفكار اإلشتراكية التي ظهرت متاخمة لإلتجاه العام لتلك
الفترات والتي نادت بتحقيق عدالة اجتماعية كجذور لفكر اشتراكي ،حيث كان
اإلتجاه العام لفكر الفالسفة اليونان أرسطو وأفالطون أن األقنان عنصر دائم في
البشرية ومهم في اإلنتاج ،وقد أقر وجودهم الفكر الديني المسيحي واإلسالمي
والذي حاول كالً منهما أن يجعل للفقراء فضيلة روحية خاصة ،أما الماركنتيليين
فكان موقفهم من الفقراء األسوء باعتبارهم أن فقر الطبقة العاملة مهم لصالح
تراكم الثروة حيث تنخفض أجور العمالة وتزداد األرباح وهو ما اتضح من سياسة
كولبير لتفقير البالد ،لم يختلف الطبيعيون في فرنسا كثي اًر عندما حاولوا تبرير
ريع المالك العقاريين في حين قدموا نظرية نظرية الحد األدنى لمستوى المعيشة
من خالل الفرنسي تورغو والتي تفسر أجر الكفاف الذي يحصل عليه العمال
وصغار الفالحين بقيمة كمية السلع الغذائية الضرورية التى يحتاجها العامل
لحفظ حياتة (حبيب م ، )2010 ،.وبالرغم من أن الفكر الكالسيكي كان بمثابة
مرحلة تمرد على األوضاع اإلقتصادية استكماالً إلتجاه الفيزوقراط حيث عاب
ريكاردو على دخول المالك العقاريين الذين يزدادون غنى بدون تحمل لجهد أو
عبء بالرغم من كونه أحد المالك العقاريين ،ومعارضة سميث لمصالح الطبقة
الحاكمة والرأسماليين بمهاجمة اإلحتكار وانتقاد محاوالت الرأسماليين المستمرة
للتآمر على الجمهور ورفع األسعار ،والدعوة للحد من الدور اإلقتصادي للدولة
والتشكك في أداء السياسيين وتبديدهم ألموال الضرائب (الببالوي ، )1995 ،إال
75
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أن الكالسيك لم يهتموا بالقدر الكافي بمشكلة الفقر أيضاً ،وانتهى مالتس في
تحليله أن حل المشكلة اإلقتصادية في ظل نظام حر هو الحد من الزيادة
السكانية.
األغنياء على الفقراء ،وتحريم اكتناز الذهب والفضة والحث على إنفاقها في
سبيل اهلل ،وأمره بجعل الماء والنار والكأل شركة عامة بين الناس ،وانفاق
المسلمون األوائل قبل الهجرة ُجل أموالهم على المضطرين من فقراء المسلمين
المستعبدين لتحريرهم ،وحركة اإلخاء ما بين المهاجرين واألنصار وتقاسم
الصفة بالمسجد ليبيت به من
األنصار أموالهم مع المهاجرين ،وتقنينه موضع ُ
لم يجد مكاناً يؤيه من فقراء المسلمين ،أما الخليفة أبو بكر فكان يرى على
خالف من لحقه أن يقسم الفائض من أموال الدولة بالتساوي بين المسلمين بدون
تمييز ما بين األحرار والعبيد ،أما الخليفة عمر بن الخطاب فقد أمر قائده سعد
المقاتلين
بن أبي وقاص أال يوزع األراضي التي تم استولى عليها بالغزو على ُ
وأن تؤول ملكيتها للدولة لتوفير ريعاً للمجتمع بشكل متواصل (هيكل، )2014 ،
أما أبو ذر الغفاري وعـدد مـن أصحاب محمد كعلـي بـن أبي طالـب وعبـد ااهلل بـن
عمـر كانوا يعتقدون أن الزكاة ليست كل الواجب ،ولكنهم يختلفون في تحديد
المقدار الذي يجب بعد أداء الزكاة ،حيث ذهب علي أنه للفقراء في أموال
األغنياء ما يكفل لهم حياة خاليـة مـن الجـوع والحرمـان ،أمـا أبـو ذر فرأى إنفاق
الفضل كله ،وقد دعا إلى ذلك المذهب في الشام وانضم إليه عدد من الفقراء
الذين طالبوا األغنياء بالفعل بتطبيقها ،فاستدعاه الخليفة عثمان إلى المدينة
وراجعه في ذلك الرأي فأصر أبو ذر على رأيه فقام الخليفة عثمان بنفيه حتى
توفى (اللبان ، )1971 ،وهو ما دعا جمال الدين االفغانى ()1897 - 1838
إلعتبار أن االشتراكية اإلقتصادية التي دعا إليها ماركس منبعها اإلسالم كثقافة
ودين ،وأن الدولة العربية اإلسالمية األولى في عهد النبي وخليفتيه أبو بكر
وعمر كانت بمثابة تجربة اشتراكية (األفغاني.)1979 ،
77
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وبحلول القرن الرابع عشر بأواخر العصور الوسطى 1كانت تلك األفكار قد
تطورت لتظهر أولى بوادرها التطبيقية بالغرب من خالل القس اإلنجليزي جون
بول )John Ball( 1381–1338أحد رواد ثورة الفالحين بانجلت ار على
اإلقطاعيين والتي دعا فيها إلى إلغاء القنانة وجعل جميع البشر متساوين ،
واعتبر أن الذين يسمون باألسياد يستهلكون ما ينتجه الفالحون ،وأن ترفهم ناتج
عن كدح الفالحين (ماندل )1974 ،وقد أعدم على إثر تلك التصريحات عام
، 1381كما احتج القس األلماني مارتن لوثر (ُ )1546-1483مطلق عصر
اإلصالح الديني في أوربا ورفض سيطرت كنائس روما على الكنائس األلمانية
واحتكار الكنيسة لحق التفسير الديني ،وقد أدت دعوته لظهور المذهب
البروتستانت عام 1517والتي قامت على رفض صكوك الغفران ورفض إرسال
أموال ألمانيا إليطاليا ألنها سرقة وضياع للثروة القومية ،كما أثار الشكوك حول
وعدها من السيئات التي يجب أن يتخلص منها المجتمع ،وفي
الملكية الخاصة ّ
عام 1516كتب القس اإلنكليزي "توماس مور" Sir ( 1535 – 1478
)Thomas Moreكتاب اليوتوبيا (اليوطوبيا) أو المدينة الفاضلة وهو قصة
خيالية في شكل حوار مع رحالة برتغالي حول جزيرة غير معروفة كان قد مر
عليها يطبق فيها النظام الشيوعي بصفة جيدة ويسود فيها العدل والمساواة ،
ولذلك فينسب إلى توماس مور فكرة االشتراكية المثالية أو الطوباوية (الخيالية) ،
ومع نهايات القرن الثامن عشر قُبيل إرهاصات الثورة الفرنسية تواتر ظهور
األفكار اإلشتراكية لدى جملة من المفكرين الفرنسيين مثل الفرنسي فرانسوا نويل
بابوف )François-Noël Babeuf( 1797 – 1760أحد رجال الثورة
1
العصور الوسطى أو المظلمة -بداية من سقوط اإلمبراطورية الرومانية الغربية عام يد القائد الجرماني اودكر
عندما احتل مدينة روما في عام 476م وكان آخر األباطر فيها هو اإلمبراطور رومولوس أغسطس ويعتبر هذا
التاريخ نهاية التاريخ الروماني وحتى سقوط القسطنطينية عاصمة اإلمبراطورية الرومانية الشرقية والتي عرفت
بإسم اإلمبراطورية البيزنطية عام 1453على يد محمد الفاتح
78
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الفرنسية إلى جملة من األفكار الشيوعية وحكم عليه باإلعدام ،أما المفكر
الفرنسي شارل فرانسوا فورييه 1837-1772م ( François Marie Charles
)Fourierفقد اعتبر أن المشاركة وحدها هي التي ستؤدي الى الحرية واإلخاء
والمساواة ،وكفالة حق العمل للجميع باعتباره أساس حقوق اإلنسان ،أما
الفيلسوف األنجليزي دوربوت أوين ( )1858-1771فقد رفض أن تقوم وظيفة
الدولة عند حد الدولة الحارسة ،بل عليها أن تتدخل إيجابياً لتحسين أوضاع
المواطنين المادية والمعنوية (العام ، )2006 ،أما الفرنسي كونت كلود هنري دي
سان سيمون )Saint Simon( 1825 – 1760والذي ينسب إليه تأسيس
اإلشتراكية الطوباوية فهو أول من صاغ مصطلح اشتراكي ( ، )socialismeأما
اإلشتراكي الفرنسي شارل فورييه )Charles Fourier( 1835 -1772فقد دعا
إلى االشتراكية التعاونية (التشاركية) والتي تقوم على التعاون اإلختياري بين
العمال وأصحاب العمل كإنشاء تعاونيات قائمة على أساس المشاركة الحرة
واإلرادة الطوعية لألفراد للقضاء على المنافسة الشديدة وسيطرة األقوياء على
الضعفاء ،هذه االشتراكية ال تدعو إلى تدخل الدولة وانما التعاونيات هي من
تتولى توزيع اإلنتاج والتنظيم ،وفي انجلت ار دعا إلى نفس اإلتجاه وروبرت اوين
، )Robert Owen( 1858-1771سنة 1844تعتبر نقطة تحول في تاريخ
الحركة التعاونية عالمياً حيث أسست اول جمعية تعاونية ناجحة في العالم هي
جمعية رواد روتشديل التعاونية في مقاطعة النكشاير بانجلت ار.
إلى إنشاء مصانع وطنية لتشغيل العمال على أن ينتخب هؤالء العمال رؤوسائهم ،
ويقتصر تدخل الدولة في بداية تأسيس هذه المصانع على تقديم المعونات
المادية الالزمة له ،وبشكل عام كان للتغير الثقافي الذي َّ
جد على المجتمعات
األوروبية منذ مطلع القرن الثامن عشر وحتى نهاية التاسع عشر تغي اًر هيكلياً
بالتبعية بمنظومة الوعي المجتمعي للطبقات الكادحة ،والذي اتسم بحالة من
اإلحتقان الثوري ضد حالة البؤس وارادة للتغيير ،والتي أفرزت بدورها ذلك
التدفق من تيار الفكر اإلشتراكي ، )Socialistic System( 1880-1820
والذي عمل على تطويره عالم االجتماع واالقتصاد األلماني كارل ماركس
)Karl Heinrich Marx( 1883-1818من خالل تنسيق موضوعه وصياغته
بمنهجية علمية فيما يعرف باالشتراكية العلمية (الماركسية) والتي ضمنها بواحد
من أهم أعماله كتابه نقد اإلقتصاد السياسي عام 1859باإلضافة إلى كتاب
رأس المال سنة ، 1867ولذلك لم تكن ُجل األفكار اإلشتراكية نتاج فكر ماركس
وحده وانما كانت نتاج فكري تمتد جذوره إلى حقبة الفالسفة اليونان هيأت الظرف
واألحوال المجتمعية لظهورها خالل تلك الحقبة ،أما الشيوعية فهي المرحلة
المتقدمة من اإلشتراكية والتي تزداد فيها معدالت اإلنتاج بما يسمح من التوزيع
الذي يقوم على إشباع جميع الحاجات بحيث ال يصبح فرد أفضل من فرد وتقوم
الشيوعية على مبدأ "من كل فرد حسب قدرته ولكل فرد حسب حاجته" ،وعلى
خالف كلمة اإلشتراكية التي كانت محل احترام في القارة األوروبية ،فإن كلمة
شيوعية ( )Communismلم تكن مقدرة بالقارة األوروبية حيث ارتبطت بمفهوم
اإللحاد ،أما فالديمير أوليانوف لينين Vladimir Ilyich ( 1924-1870
)Ulyanov Leninفقد طور نظريات ماركس وانجلز وصاغها في إطار نظام
شامل عرف بالماركسية اللينينة والتي استطاع تطبيقها فعليا بعد أن أصبح أول
80
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
رئيس لإلتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية عام 1917ضد النظام اإلمبراطوري
الروسي.
الحر بمثابة ثورة على السياسة اإلقتصادية ضد مصالح الطبقاتواذا كان الفكر ُ
الحاكمة والرأسماليين ،فإن الفكر اإلشتراكي الماركسي كان بمثابة ثورة على تلك
الثورة لصالح الطبقات الكادحة (البروليتاريا) حيث رفض مبدأ حرية السوق
والدولة المحايدة والملكية الخاصة ،كما رفض مبدأ التوريث القرابي وحصول
الفرد فيما لم يتعب في تحصيله (صليحة ، )2006 ،ودعا إلى الدولة المالكة
لعوامل اإلنتاج والمخططة لإلقتصاد لتحقيق عدالة التوزيع ،حيث اقترح ماركس
أن يقوم المخططون بتحديد سلم التفضيل االجماعي للحاجات ،ثم تحديد
الكميات التي يجب انتاجها وتوزيع االهداف االنتاجية علي جميع المشروعات ،
ثم عرض الناتج للبيع من خالل المحالت العامة بالطرق التي تحددها الدولة
سواء بالنقود أو بالبطاقات وفق مبدأ "من كل فرد حسب قدرته ولكل فرد حسب
جهده" (حسنين.)2000 ،
81
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الماركنتيليين للمفهوم ،وال قوانين طبيعية تُسيره ذات طبيعة استاتيكية جامدة
كالمفهوم المتكون لدى الطبيعيون والكالسيك ،وانما قوانين اجتماعية ذات طبيعة
ديناميكية مرحلية تُفرزها العالقات اإلجتماعية المادية القائمة كتطور إلشكال
العالقات المادية السابقة والتي تستمر في تطورها الدياليكتك فالظاهرة اإلجتماعية
تتطور وبالتالي تتطور قوانينها ،أي أن علم اإلقتصاد السياسي تطور لدى
ماركس إلى علم تطور القوانين اإلجتماعية التي تحكم العالقات المادية بالمجتمع
(زكي م)2016 ،.
بدعوى إغتصاب أجدادهم لها فال تقم له ُحجة عامة ،فلربما تم التوافق ما بين
المجتمع على إقرار تلك الملكية ولربما بذل الشخص قيمة من العمل تعادل تلك
الملكية وليس كل إرث تم من خالل الغصب والنهب ،بل إن إغفال ما بذله
األفراد وأسالفهم من ُجهد متجسد للحصول على ملكيات ونزعه براديكالية عدوانية
أفرزت شمولية ال تقل عن نهب السلطوية لحقوق األفراد بالمجتمع ،هذه
الشمولية التي ستراهن على دعم البروليتاريا الساحقة ستكون أولى تحدياتها هي
تمرد البروليتاريا في ظل نمو الحاجات بعالم متنامي محصورة ما بين ضعف
قدرة الدولة على اإلشباع الحقيقي من ناحية واعاقتها عن تنمية قدرتها اإلشباعية
من ناحية أخرى.
83
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
توصل الكالسيك إلى نظرية القيمة العمل وقد جادل سميث في ذلك بأن منفعة
الخبز أكبر كثي اًر من منفعة الماس ومع ذلك فإن قيمة الخبز أقل من قيمة الماس
ألن حجم العمل المطلوب إلنتاج الماس أكبر بكثير ،وعلى نفس اإلتجاه أقرهم
الماركسيين ،ومن ثم فعالقات اإلنتاج عالقات اجتماعية (فرد يعرض عمله وفرد
آخر يطلبه) ،إال أن الخالف نشأ بينهم حينما اعتبر الكالسيك أن القوانين التي
تحكم عالقات اإلنتاج هي قوانين استاتيك ثابته وطبيعية ال يجب أن تقتحم
خصوصيتها السياسة اإلقتصادية فتقيد أو تحتكر عرض أو طلب على عمل ،
بينما ديالكتيكية ماركس المادية والتي أسسها على الدياليكتية الهيجيلة دعته إلى
رفض نظرية الكالسيك اإلستاتيكية والقول بالديناميكية التاريخية لعالقات اإلنتاج
اإلجتماعية فعنده العالقات المادية في تغير مستمر وبالتالي فالقوانين اإلقتصادية
ال تعدو أن تكون قوانين المرحلة ،إال أن تيار آخر ُمتجذر في القدم كسابقيه
جادل بأن القيمة المنفعة وبذلك سيتحول موضوع عالقات اإلنتاج من العالقات
اإلجتماعية (بين األفراد) إلى العالقات اإلنسانية (بين اإلنسان والشئ) ،إذا كان
الفكر اإلشتراكي تمتد جذوره لفلسفة أفالطون فإن الفكر الحدي تمتد جذوره لفلسفة
أرسطو والذي اعتبر أي شئ طبيعته نافعه عندما يزداد بشكل كبير يتحول إلى
شئ ضار ) ، (Kauder, 1953وفي إيطاليا ظهر مجموعة من المفكرين
الماركنتيليين المتأخرين بالقرن الثامن عشر اعتبروا أن القيمة تتحدد ما بين
المنفعة والندرة إال أنهم لم يتوصلوا إلى كيفية التفاعل بينهم تحديداً ،مثل
اإليطالي أنطونيو جينوفيزي )Antonio Genovesi( 1769 – 1713والقس
اإليطالي جاميري أورتس )Giammaria Ortes( 1790 – 1713واإليطالي
بيترو فيري )Pietro Verri( 1797 – 1728واإليطالي سيزاري بيكاريا 1738
84
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
85
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الثروة ،وهو اول من أدخل منحنى الطلب بين الثمن والكمية ،كما قام بتحليل
حاالت اإلحتكار الفردية والثنائية وتوصل إلى وضع "نموذج كورنت لإلحتكار" ،
إال أنه لم يتمكن من تصريف نسخه واحدة من طبعته األولى حتى اضطر إلى
طبعه طبعة ثانية خالية من الجبر ومع ذلك ظلت أعماله مجهولة حتى وفاته
إلى أن أعاد اكتشافها كال من اإلنجليزي جيفونز والفرنسي والراس (الببالوي،
، )1995أما المهندس الفرنسي جول دبويه )Jules Dupuit( 1804 - 1866
فبالرغم من أن تخصصه كان بعيداً عن الحقل اإلقتصادي إال أن انشغاله
البحثي باألحوال والمنافع العامة دعاه إلى نشر كتابه عام " 1844قياس منفعة
األعمال العامة" ( On the measurement of the utility of public
)worksوالذي قدم من خالله نتائج هامة تتعلق بالمنفعة الحدية والتكلفة الحدية
والربط بينهما وبين منحنى الطلب (األشوح ، )1997 ،وفي عام 1850أصدر
األلماني يوهان هينريش فون ثونين Johann Heinrich ( 1850 - 1783
)von Thünenالجزء الثاني من كتابه "الدولة المنعزلة" ( The Isolated
( )Stateكان قد أصدر الجزء األول منه عام )1826والذي قدم من خالله
نتائج هامة فيما يتعلق بتناقص األجور واإلنتاجية الحدية في التوزيع ،وقد
منحته جامعة روستوك الدكتو ار الفخرية عام 1830لنظ ار لمجهوداته ومساهماته
العلمية ،وفي عام 1854قدم األلماني هيرمان هينرش جوسن 1858 - 1810
( )Hermann Heinrich Gossenكتابه "تطوير قوانين العالقات اإلنسانية
وقواعد السلوكيات الناتجة" ( The Development of the Laws of
Human Intercourse and the Consequent Rules of Human
)Actionوقد قدم ضمنه أيضاً نتائج هامة تتعلق بالتحليل الحدي ،إال أن
نتائجه ظلت مجهولة حتى أعاد والراس وجيفونز إكتشافها وتقديمها للمجتمع
العلمي باعتبارها من أهم المساهمات األولى المقدمة بالتحليل الحدي ،إال أن
86
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الثورة الحدية ارتبطت بعام 1871لتنشأ مدرسة جديدة ُعرفت بالمدرسة الحدية
( ، )Marginal Schoolأي نشأة متزامنة مع نشأة الماركسية ،ولذلك فالثورة
رد فعل ُبرجوازي على أفكار ماركس وانما الحدية لم تكن كما اعتبرها البعض ّ
تطور لألفكار التقليدية (البكري ، )2006 ،وقد ارتبطت الثورة الحدية بذلك العام
تحديداً 1871والذي ظهر فيه نفس النتائج اإلقتصادية ألبحاث ثالثة اقتصاديين
بأماكن مختلفة دون سابق معرفة بين بعضهم البعض وهم جيفونز بانجلت ار
ومنجر بالنمسا وفالراس بفرنسا ،وهم اإلنجليزي ويليام ستانلي جيفونز 1855
– )Jevon( 1885أستاذ اإلقتصاد السياسي بجامعة كامبريدج بانجلت ار والذي
نشر كتابه "نظرية عن اإلقتصاد السياسي" عام 1871والذي اعتمد فيه على
التحليل الرياضي والمبدأ الحدي ويمثل الحدية المنفعية ،اعترض جيفونز على
المثل الذي طرحه سميث بالعمل المبذول في حالة الخبز والماس لإلحتجاج بأن
القيمة العمل ،ورد بأن الصياد الذي يقضي وقتاً إلصطياد سمكة فيفاجأ بقطعة
من اللؤلؤ عوضاً عن السمكة قد بذل نفس العمل ،حتى وان تكرر نفس العمل
لعدة محاوالت لن تتغير قيمة الناتج ،ولكن قيمة الناتج اختلفت تبعاً لمنفعة الشئ
وندرته وحاجة اإلنسان ،أي أن القيمة ال تتأثر بحجم العمل بل بالمنفعة وتحديداً
بالمنفعة الحدية ،وفي نفس العام 1871بالنمسا نشر اإلقتصادي كارل منجر
)Menger( 1921 – 1840كتابه "أساسيات اإلقتصاد السياسي" والذي يعتمد
على تحليل الظواهر اإلقتصادية على أساس المبدأ الحدي ()Marginalism
ويمثل الحدية السيكولوجية ،أما الفرنسي فان ليون والراس 1910 – 1834
( )Léon Walrasأستاذ اإلقتصاد السياسي بجامعة لوزان بسويس ار فقد نشر
نفس النتائج بكتابه "عناصر اإلقتصاد السياسي" عام 1874والذي اعتمد على
نفس المبدأ الحدي التحليلي ويمثل الحدية الرياضية (البرعي و مصطفى،
، )2006واذا كان اإلتجاه الحدي يقوم على رفض نظرية القيمة العمل لدى
87
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الكالسيك والماركسيين واستبدالها بنظرية القيمة المنفعة إال أنه ليس اتجاها
المقيد لدى
معاكساً للفلسفة العامة للسوق لدى الكالسيك أو على األقل السوق ُ
الماركنتيليين ألنه يقوم على تفاعل السوق ،في حين أنه ال يستقيم مع فلسفة
السوق المخطط لدى الماركسيين والذي يقوم فيه المخططون بتحديد الحاجات
وحدود إشباعها ) ، (Clarke, 1991سيترتب على تأسيس تلك النظرية في
القيمة اختالف جوهري بموضوع عالقات اإلنتاج من العالقات اإلجتماعية بين
األفراد اإلستاتيك لدى الكالسيك والديناميك لدى الماركسيين إلى العالقات
السلوكية بين اإلنسان واألشياء ،والذي سيقود بدوره التحليل الحدي إلى الوحدوية
أو التحليل الجزئي ( )microeconomicفالتحليل سينتقل بدوره من تحليل
عالقات الكل المجتمعي ( )macroeconomicإلى تحليل عالقات العنصر
المفرد ،وسلوك الفرد الرشيد (الفرد اإلقتصادي*) فيما يتعلق باإلنتاج واإلستهالك
إلستنتاج قوانين ثابتة ومن هنا كانت سقطة الحديين ،فقد أظهرت التحليلالت
السلوكية تجاه المنفعة فيما بعد تفاوتاً وتضارباً كبي اًر بين النتائج بحيث ال يمكن
اإلنتقال من مجال التوازن على مستوى الفرد إلى التوازن على مستوى المجتمع
(البرعي و مصطفى ،2006 ،صفحة ، )588وقد ترتب على اعتبار الحديين
أن موضوع العالقة اإلقتصادية عالقة مع السلع أن تصبح المشكلة اإلقتصادية
مشكلة ندرة ،مما يمثل خلطاً ما بين المشكلة اإلقتصادية للمجتمع اإلنساني
بصفة عامة والمشكلة اإلقتصادية لمجتمع معين ،وتفريغ للعالقات اإلقتصادية
من محتواها اإلجتماعي من ناحية أخرى ،األمر الذي يعني أن الظواهر
اإلقتصادية في نظر الحديين ظواهر أبدية ال تتغير (دويدار)2003 ،
*
الفرد اإلقتصادي هو فرد ذو طبيعة تسعى إلى تحقيق اللذة ،فهو الفرد الذي يسعى إلى تحقيق أقصى لذة وأقل
ألم ..ولكن مع الجيل الثاني من الحديين اكتشفوا ان الفرد الحقيقي ليس كالفرد اإلقتصادي .دويدار
88
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
89
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
90
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
أما فيما يتعلق بالتحليل النقدي وأثره على توازن األسواق لدى الكالسيك أو ما
يعرف بمتطابقة فيشر ( )Fisherأو معادلة التبادل ،وهي أن كمية النقود
المتداولة في االقتصاد خالل فترة زمنية معينة البد وأن تتساوى مع القيمة النقدية
للسلع والخدمات ،بحيث تتأثر األسعار بشكل ديناميكي مع كمية المعروض
النقدي ،وأن الطلب على النقود يتشكل بناءا على وظيفة واحدة للنقود وهي
لكونها وسيط للتبادل فقط ،فقد طور ذلك التحليل النيوكالسيك من خالل نظرية
األرصدة النقدية ( ، )Cash Balances Theoryوالتي أقروا فيها العالقة
التقليدية بين المعروض من النقود واإلسعار بينما اختلفوا معهم من حيث األثر
المباشر ،حيث أضاف مارشال وظيفة جديدة للنقود كمخزن للقيمة واعتبر أن
النسبة التي يحتفظ بها األفراد على شكل نقدي كمخزن للقيمة تؤثر على حجم
اإلنتاج وحجم الدخل وأخي ار على المستوى العام لألسعار ،وبذلك فإن التحليل
النيوكالسيكي يعتبر إمتداد للتحليل الكالسيكي إال أن فيشر يقرر أن التأثير
مباشر بينما أرصدة النقود لمارشال تعتبره تأثير غير مباشر من خالل التغيير
في حجم الناتج (الشمري ،1999 ،صفحة .)250
92
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
93
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
رفض كينز قانون ساي بكون كل عرض يخلق طلبه حيث اعتبر أن من
المحتمل أن ينفق القطاع العائلي جزء من دخله ويدخر الجزء اآلخر مما يعني
قصور الطلب مما يجعل المنتجين يخفضون استثماراتهم وانتاجهم وتحدث
البطالة وتنخفض الدخول ،وفي هذه الحالة يتعين على الدولة اإلقتراض واإلنفاق
94
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
إلستكمال تدفق الطلب ،وبذلك تراجعت موضوعات القيمة والتوزيع وغيرها من
الموضوعات التي ركز عليها النيوكالسيك بوصفها بالتحليل اإلقتصادي الجزئي
( )microeconomicليتصدر في اإلهتمام تحليل الطلب الكلي والذي صاحبه
ظهور مفهوم التحليل اإلقتصادي الكلي (( )macroeconomicجالبريت،
،2000صفحة )91والذي ظهر على أثره مفهوم اقتصاديات الدخل القومي
والحسابات القومية (الببالوي ،1995 ،صفحة ، )134وقد رأى كينز أن
اإلقتصاد ال يجد بالضرورة توازنه في العمالة الكاملة بل قد يتوازن في وجود
بطالة وحاالت الكساد فيما أسماه بتوازن العمالة الناقصة ،ولذلك فالحكومة
ينبغي أن تتخذ خطوات للتغلب على ذلك الوضع بالتدخل بأدوات السياستين
المالية والنقدية لرفع معدالت التشغيل والطلب ،وبذلك ظهرت الدولة المتدخلة أو
المعوضة والتي تتداخل مع القطاع الخاص في المجال اإلنتاجي بهدف تحقيق
الصالح العام ،وبذلك يمكننا التمييز ما بين الدولة المنظمة بالفكر التجاري ،
والدولة الحارسة بالفكر الحر ،والدولة المنتجة بالفكر اإلشتراكي ،والدولة
المتداخلة بالفكر المختلط ( ، )Mixed Systemومع ذلك كانت الرؤية
الكالسيكية بريادة سميث وريكاردو (بإستثناء مالتس) تمثل في تلك الفترة تيا اًر
معارضاً لألفكار الكينزية ولعل من أبرز ممثليها المؤرخ اإلقتصادي التشيكي
جوزيف شومبيتر )Joseph Alois Schumpeter( 1950 – 1883أستاذ
اإلقتصاد بجامعة هارفرد ،وليونيل روبنز Lionel ( 1984 – 1898
)Robbinsأستاذ اإلقتصاد بجامعة لندن ،حيث دعا كالً من هما إلى عدم فعل
شئ وأن يترك الكساد حتى ينتهي من تلقاء نفسه وهذا هو العالج الوحيد
فاإلنتعاش يجب أن يأتي من تلقاء نفسه وأنه سيحدث حتماً (جالبريت، )2000 ،
إال أن األفكار التي طرحها كينز باعتبارها تأصيالً نظرياً شكلت السياسات
العامة التي اتبعتها حكومات الدول الصناعية وحتى نهاية السبعينيات ،وقد
95
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
باإلضافة إلى ذلك عارض كينز ما اتفق عليه الكالسيك والنيوكالسيك على حياد
النقود اإلقتصادي وكونها ال تعدى سوى ذات أثر متغير على اإلقتصاد الحقيقي
تبعاً لكمياتها ،فالنقود لدى كينز ليست ستا اًر بل لها دور مؤثر في اإلقتصاد وال
يمكن فصل اإلقتصاد العيني عن اإلقتصاد النقدي (الببالوي ، )1995 ،ومن
أهم األفكار التي أبرزها كينز فكرة المضاعف والتي قد سبق إليها اإلنجليزي
ريتشارد كاهن )Richard Kahn( 1989 – 1905والتي نشرها في مقال له
عام 1931بعنوان "العالقة ما بين اإلستثمار والبطالة" ( The Relation of
( )Home Investment to Unemploymentعمر ح ،1989 ،.صفحة
، )778وتقوم فكرة مضاعف االستثمار على أساس ان كل تشغيل جديد يخلق
دخالً إضافياً ألفراد وهم الشك سيوجهون هذه الزيادة الجديدة فى الدخل الى
االنفاق على شراء سلع وخدمات بمعنى أنهم بدورهم سخلقون دخالً للمشروعات
التى باعت لهم هذه السلع والخدمات وكل دخل جديد فى دوره من الدورات
سينفق منه جزء طبقاً للميل الحدى لالستهالك يتدفق فى الدورة الثانية الى
مجموعة من األفراد .....وهكذا.
96
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
97
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
98
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
99
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
بـ ــالرغم مـ ــن أن التعـ ــامالت اإلقتصـ ــادية الدوليـ ــة ظهـ ــرت منـ ــذ العصـ ــور القديمـ ــة
ونش ــطت عق ــب العص ــور الوس ــطى بالحقب ــة الماركنتيلي ــة والت ــي ظه ــر عل ــى إثره ــا
مفهـــوم اإلقتصــــاد الــــدولي ،والـ ــذي حـ ــاول الم ــاركنتيليون جعلـ ــه ذو اتجـ ــاه واحـ ــد
لمصــلحة الدولــة ممــا تســبب فــي مزيــد مــن الص ـراعات واإلحتقــان مــا بــين الــدول ،
أصـ ــل الطبيعيـ ــون لرفضـ ــه وتـ ــبعهم الكالسـ ــيك ،ودع ـ ـوا لتـ ــرك التعـ ــامالت
حتـ ــى َّ
اإلقتصــادية الداخليــة والخارجيــة لتــتم بحريــة دون تــدخل سياســي مــن الدولــة ،فــي
حــين أن تلــك الحريــة التــي أوصــى بهــا المــذهب الحــر أدت إلــى فوضــى اقتصــادية
انتهــت بأزمــة الكســاد الكبيــر ،ومــن تلــك الحيثيــات انطلــق العــالم لتصــميم نظــام
عــالمي للسياســات اإلقتصــادية يقــوم علــى تجنــب والــويالت ويمنــع الفوضــى ،كــان
ذلك النظام اإلقتصادي المنشود مجرد قطاع من نظام أكبر عهد المجتمـع الـدولي
على تدشينه بنهاية الحرب العالمية الثانية تحت مسـمى النظـام دولـي والـذي يقـوم
علــى تنظــيم قواعــد وأســس تفاعــل دول العــالم مــن خــالل نظــام شــامل يقــوم علــى
تقســيم العمــل الــدولي والخضــوع لــبعض التنظيمــات والمنظمــات الدوليــة ،والــذي تــم
تفعيله بإنشاء منظمة األمم المتحدة ،كان النظام االقتصادي العالمي الجديد أحد
أبــرز مجــاالت ذلــك النظــام الــدولي ،وهــو ُيشــير إلــى مجموعــة القواعــد والترتيبــات
التي وضعت في أعقـاب الحـرب العالميـة الثانيـة لضـبط قواعـد السـلوك فـي مجـال
العالقــات االقتصــادية بــين الــدول ،والتــي بــدأت تتبلــور مالمحهــا منــذ الثمانينــات
وتتحـــدد بوضـــوح مـ ــع بدايـــة التسـ ــعينات ،وت ــنظم ه ــذه القواعـ ــد ســـير التفـ ــاعالت
اإلقتصــادية الدوليــة بــين الــدول كفــاعلين رســميين وبــين الفــاعلين غيــر الرســميين
كالمؤسســات الدوليــة أو العالميــة والشــركات المتعــددة الجنســيات العالميــة النشــاط،
والتكتالت االقتصادية العالمية ،واذا كانت الليبرالية الكالسيكية دعت إلى سياسة
100
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
تحرير األسواق الداخلية ففـي هـذه المـرة عـودة لـنفس السياسـة بشـمول عـالمي فيمـا
ُيعـرف بالعولمـة اإلقتصـادية ( ، )Economic globalizationوالتـي تقـوم علـى
تنمــيط ( )standardizationاإلقتصــاد العــالمي تجــاه نمــط الســوق الحــر وتــذويب
الفوارق والعوائق السياسية بين عناصر السوق العالمي وتوحيد السياسات العالمية
الدولية ،وبشكل عام أصبح النظام االقتصادي العالمي الجديـد يتسـم بالديناميكيـة
والقطبيـة ،والثـورة العلميـة فـي المعلومـات واالتصـاالت والتكنولوجيـا ،تعــاظم دور
الشــركات متعديــة الجنســيات والتكــتالت االقتصــادية (محمــود ، )2009 ،ويمكــن
تقسيم مراحل تطور النظام االقتصادي العالمي الجديد كالتالي:
مرحلة أولى ممتدة من نهاية الحرب العالميـة الثانيـة وحتـى عـام ، 1973وقـد
شــهدت هــذه المرحلــة بدايــة تكــون النظــام االقتصــادي العــالمي ،والــذي تكــون مــن
ثـالث أنظمـة فرعيـة تـديرها ثـالث منظمــات كالتـالي؛ النظـام النقـدي العـالمي نقديــة
(يـ ــديره صـــندوق النقـ ــد الـــدولي) والنظـ ــام المـــالي العـــالمي (يـ ــديره مجموعـــة البنـ ــك
ال ــدولي) والنظ ــام التج ــاري الع ــالمي (ي ــديره منظم ــة التج ــارة العالمي ــة) ،بداي ــة م ــن
اتفاقية برتون وودز عام 1944والتي تضمنت إقامة نظام أسعار الصرف الثابتة
لتحقيــق اســتقرار التجــارة الدوليــة ،وامكانيــة اســتبدال غطــاء الــذهب المباشــر للعملــة
المحليــة بغطــاء غيــر مباشــر مــن الــدوالر المغطــى بالكامــل ،إال أن ذلــك النظــام
)Nixonع ــام 1971عن ــدما أعل ــن رئ ــيس انه ــار بص ــدمة نيكس ــون (shock
الواليــات المتحــدة نيكســون أن الواليــات المتحــدة لــن تُســلم حــاملي الــدوالر مــا يقابلــه
من ذهـب وأن الـدوالر سـوف ُي َّعـوم ويتحـدد سـعره وفقـاً للعـرض والطلـب ،وبالتـالي
انتقــل ســعر الصــرف لمرحلــة جديــدة اختلفــت جــذرياً عــن المرحلــة الســابقة ،كمــا
صــاحب هــذه المرحلــة الممتــدة مــا بــين نهايــة الحــرب العالميــة الثانيــة وحتــى عــام
1973والتــي تُصــنف كمرحلــة تأســيس للنظــام اإلقتصــادي العــالمي إظهــار تفاوت ـاً
كبي ـ ـ اًر فـ ــي المسـ ــتوى اإلقتصـ ــادي مـ ــا بـ ــين الـ ــدول باإلضـ ــافة إلـ ــى مجموعـ ــة مـ ــن
101
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
المرحلة ثانية خـالل الفتـرة مـن 1974إلـى 1990والتـي تبـدأ منـذ عقـد مـؤتمر
القمة الرابع لدول عدم االنحياز في عاصمة الجزائر عام 1973والذي أسفر عن
إع ــالم نظ ــام اقتص ــادي دول ــي جدي ــد ب ــالقرار رق ــم ( 3201عب ــداهلل ، )1977 ،ث ــم
إعالن ليمـا (عاصـمة بيـرو) وخطـة العمـل للتنميـة الصـناعية الـذي انعقـد فـي ليمـا
فــي عــام ،1975وقــد أوصــى اإلعــالن بضــرورة رفــع نصــيب الــدول الناميــة فــي
اإلنتاج الصناعي عام 2000إلى %25من اإلنتاج الصناعي العالمي بدالً مـن
%7ع ــام ، 1974إال أن تل ــك المرحل ــة ل ــم تُس ــفر إل ــى عل ــى مزي ــد م ــن األعب ــاء
اإلقتصــادية والــديون علــى الــدول الناميــة ،حتــى تفاقمــت مشــكلة الــديون الخارجيــة
للدول النامية عام 1982لتعلن بعض الدول عدم قدرتها على دفع أقسـاط ديونهـا
الخارجيــة ،والــذي صــاحبه عــدة ضــغوط وتــدخالت علــى السياســات اإلقتصــادية
لتلك الدول لتظهر مرحلة جديدة لإلقتصاد العالمي نحو مزيد من تنميط السوق.
102
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
المرحلــة الثالثــة منــذ عــام 1991وحتــى عــام ، 1999وقــد بــدأت تحديــداً منــذ
إعـ ــالن ال ـ ـرئيس األمريكـ ــي جـ ــورج بـ ــوش ( )1993 - 1989فـ ــي خطابـ ــه أمـ ــام
الكونغرس األمريكي في مارس 1991أن حرب الخليج كانت المحك األول لقيـام
نظـ ــام عـ ــالمي جديـ ــد ،والـ ــذي ص ـ ـاحبه انهيـ ــار اإلتحـ ــاد السـ ــوفيتي وبالتـ ــالي غلبـ ــة
الليبراليــة ال أرســمالية ،والتــي دعــت بــدورها إلــى التحــول نحــو الخصخصــة والتخلــي
تدريجياً عن اقتصاد األوامر والتخطيط المركزي والقطاع العام إلى اقتصاد السوق
والقطــاع الخــاص والتخطــيط التــأثيري ،واعــادة هيكلــة النظــام االقتصــادي العــالمي
علــى أس ــاس تكنولــوجي ،إال أن تل ــك المرحلــة انته ــت بفشــل م ــؤتمر ســياتل ع ــام
1999الخــاص بمنظمــة التجــارة العالميــة وهــو المــؤتمر الــوزاري الثالــث منــذ نشــأة
منظمــة التجــارة العالميــة ،بســبب تصــاعد الخــالف بــين الواليــات المتحــدة واالتحــاد
األوروبي علـى موضـوع الـدعم المقـدم مـن األخيـرة للمنتجـات الزراعيـة ،والخـالف
ب ــين الوالي ــات المتح ــدة والياب ــان ح ــول دع ــوة الياب ــان الوالي ــات المتح ــدة إل ــى إع ــادة
مراجع ــة القـ ـوانين األمريكي ــة لمكافح ــة اإلغــراق ،والخ ــالف ب ــين الوالي ــات المتح ــدة
والدول النامية حول قضايا صادرات المنسوجات والمالبس الجاهزة وفـتح األسـواق
فيم ــا يتعل ــق بتل ــك الس ــلع ،باإلض ــافة إل ــى إنض ــمام الص ــين إل ــى منظم ــة التج ــارة
العالميـة كقــوة إقتصـادية كبيـرة بمـا يـرتبط بهـا مــن مفاوضـات شــاقة وصـعبة ،ممــا
مهــد لمرحلــة جدي ــدة تتضــمن عــدة كيان ــات دوليــة قــادرة عل ــى التــأثير فــي تش ــكيل
النظام العالمي ضد الهيمنة القطبية.
المرحلة الرابعة والممتدة من فشل مؤتمر سياتل عام 1999وحتى أحداث 11
سبتمبر عام 2001وفي هذه المرحلة جائت الدعوة إلـى نظـام اقتصـادي عـالمي
جديد من كل من الدول النامية والدول المتقدمة عدا الواليات المتحـدة األمريكيـة ،
103
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
إال أن تلــك المرحلــة انتهــت منــذ أحــداث الحــادي عشــر مــن ســبتمبر عــام 2001
والتــي تبعهــا تفــاقم اآلثــار اإلقتصــادية الســلبية بســبب موجــة المخــاوف التــي ســادت
على العالم والتي صاحبها تراجع معدالت النمو العـالمي بشـكل كبيـر لتبـدأ مرحلـة
جديدة للعمل نحو إصالح جذري (محمود.)2009 ،
أوالً النظام النقدي الدولي وهو ذلك النظام الذي يحكم ويضبط قواعد السلوك
في كل ما يتعلق بإدارة النظام النقدي الدولي بما يحقق االستقرار النقدي ،ويعمل
على عالج العجز المؤقت في موازين المدفوعات والميزانيات الحكومية واستقرار
أسعار الصرف للدول األعضاء ،وذلك من خالل ما يقدمه من سياسات نقدية
تصحيحية وتمويل العجز (الحميد ، )2003 ،ويعتبر صندوق النقد الدولي والذي
تم إنشائه في 25ديسمبر عام 1945من حوالي 45دولة هو الجهة اإلدارية
104
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
القائمة على إدارة النظام النقدي العالمي ،والذي تتكون إدارته من مجلس
المحافظين من الدول األعضاء والمجلس التنفيذي ،ويتحدد وزن التصويت لكل
عضو على ق اررات الصندوق بمقدار حصته في الصندوق (ليريتو)1993 ،
ويشترط الصندوق مجموعة من السياسات اإلصالحية (المالية والنقدية) على
الدول المدينة من أجل إعادة ديونها في إطار برنامج التثبيت والتصحيح
والهيكلي ،ومن الشروط التي تتعلق بالسياسة المالية :العمل على القضاء على
العجز في ميزان المدفوعات وعجز الموازنة العامة ،تخفيض القيمة الخارجية
للعملة المحلية ،إلغاء الرقابة على الصرف األجنبي ،تحرير االستيراد ،إلغاء
االتفاقيات التجارية الثنائية ،زيادة موارد الحكومة عن طريق زيادة الضرائب غير
المباشرة وزيادة أسعار منتجات القطاع العام وأسعار الطاقة وزيادة رسوم خدمات
المرافق العامة ،وتقليل معدالت اإلنفاق العام بإلغاء الدعم على المواد التموينية
،وخصخصة القطاع العام وتشجيع اإلستثمار األجنبي ،أما الشروط التي تتعلق
بالسياسة النقدية فهي كالحد من نمو عرض النقود وتنمية السوق النقدي المالي ،
تطوير قوانين البورصات ،وتكوين احتياطي نقدي دولي مناسب ،وزيادة أسعار
الفائدة ،وهي في مجملها سياسات إنكماشية اعتبرها البعض محل نقد (الحميد،
، )2003إال أن قروض صندوق النقد أخفقت واقعياً في تحقيق ذلك الدور
اإليجابي المنشود بل على العكس تسببت بشكل أو بآخر في أزمة ديون خارجية
بالدول النامية تفاقمت حدتها بمطلع الثمانينات حتى أعلنت بعض الدول عن
عدم قدرتها على سداد أقساط الديون عام ، 1982وهو ما دعا الصندوق للتشدد
إلى حد كبير في عملية اإلقراض والتمويل من خالل ما يعرف بـ (وصفة
صندوق النقد الدولي) وهي بمجملها تؤكد على خفض سعر صرف العملة
الوطنية والغاء الدعم وتحرير األسعار وتشجيع الصادرات ،وهي إجراءات من
شأنها التسبب في آثار اجتماعية مرتفعة التكاليف وعبئاً إجتماعياً خاصة على
105
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ثانياً النظام المالي الدولي وهو ذلك النظام الذي يحكم قواعد السلوك في كل ما
يتعلق بالتحركات أو االنتقاالت الدولية لرؤوس األموال سواء في صورة
مساعدات أجنبية أو قروض خارجية سواء كانت رسمية أو تجارية أو في صورة
استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة باإلضافة إلى مساعدة الدول على
اإلعمار وتحقيق التنمية اإلقتصادية ،ويقوم البنك الدول بمفهومه الشامل (البنك
الدولي لإلنشاء والتعمير ، IBRDمؤسسة التنمية الدولية ، IDAمؤسسة
التمويل الدولية ، IFCالوكالة المتعددة األطراف لضمان االستثمار ، MIGA
المركز الدولي لتسوية منازعات اإلستثمار )ICSIDوالذي تم إنشائه بموجب
اتفاقية بيتون وودز عام 1944وممارسة أعماله في 1946بإدارة النظام المالي
الدولي ،ويتولى إدارة البنك مجلس المحافظين من الدول األعضاء ،والمديرون
التنفيذيون ويقومون باألعمال اليومية ،وعلى عكس صندوق النقد الذي يهتم
باإلصالحات السياسية قصيرة األجل والقروض قصيرة األجل ،فإن البنك الدولي
يهتم بتحركات رؤوس األموال على المستوى الدولي على المدى الطويل وتقديم
قروضاً طويلة األجل أو استثمارات مباشرة أو غير مباشرة بغرض رفع مستويات
التنمية االقتصادية ،وهو المؤسسة التوأم لصندوق النقد بدور تكميلي يحكمهما
نفس السياسات الشرطية ،فيشترط تخفيض معدل التضخم وتقليل عجز الموازنة
وتصحيح سعر الصرف ،باعتبارها شروط تمهيدية لكي تنجح عمليات التكييف
الهيكلي في األجل المتوسط والطويل (الحميد ، )2003 ،وقد أخذ البعض على
نظام كالً من صندوق النقد والبنك الدولي القائم على تمركز السلطة لدى
األعضاء األعلى حصة أن ذلك من شانه توجيه الدعم التمويلي لصالح الدول
106
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
الغنية على حساب الدول النامية ،كما يؤخذ على البنك الدولي تركيزه على
تمويل المشروعات الزراعية بالدول النامية على حساب المشروعات الصناعية
والخدمية.
ثالثاً النظام التجاري الدولي وهو النظام الذي يحكم قواعد السلوك في كل ما
يتعلق بحركة األموال التجارية وتصدير واستيراد السلع ،ويقوم على تحرير
التجارة العالمية لزيادة التبادل الدولي وخلق وضع تنافسي دولي في التجارة يعتمد
على الكفاءة االقتصادية في تخصيص الموارد ،وتعظيم الدخل القومي العالمي
مع تحقيق االستخدام األمثل للموارد ،وقد تبنت تسيير ذلك النظام سكرتارية
الجات ( GATTاالتفاقيات العامة للتعريفات والتجارة) والتي تم إنشائها عام
1947إلى أن قامت منظمة التجارة العالمية WTOعلى أثر جولة أوروغواي
للمفاوضات التجارية متعددة األطراف عام 1993لتحل محل سكرتارية الجات
في إدارة النظام التجاري الدولي اعتبا اًر من بداية عام ، 1995وظلت الموافقة
على الجات شرطاً للحصول على عضوية المنظمة ،والتي تتم من خالل تقديم
الدولة لوثيقة تفاهم تتضمن وصفاً دقيقاً وشامالً لنظامها التجاري االقتصادي
القائم ،وعلى أساسها تفرض المنظمة على تلك الدولة اتخاذ اإلجراءات الالزمة
لتعديل تشريعاتها الوطنية لتتفق مع قواعد االتفاقيات متعددة األطراف ،ويتعهد
على كل دولة ترغب باالنضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية أن توفق
أوضاعها بما يتوافق مع شروط كل االتفاقات التجارية متعددة األطراف والموافقة
عليها ،فليس ممكناً عدم االنضمام إلى أي من االتفاقيات (شرك االنتقاء)
فالدول الراغبة في االستفادة من اتفاق تجارة البضائع مثالً يجب أن تنضم أيضاً
إلى اتفاق تجارة الخدمات واتفاق حماية الملكية الفكرية وغيرها.
107
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وقد تنامي دور منظمة التجارة بالنظام التجاري الدولي لتشمل مجاالت أوسع مثل
تجارة الخدمات (االتفاقية العامة للتجارة في الخدمات )CATSوحقوق الملكية
الفكرية (االتفاق حول القضايا المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية )TRIPS
وقوانين واجراءات االستثمار ذات األثر على التجارة الدولية (االتفاق حول
القضايا المتعلق باالستثمارات األجنبية ( )TRIMSالسالم ف، )1995 ،.
وتتكون أجهزة المنظمة من المؤتمر الوزاري والذي يتكون من جميع األعضاء
في المنظمة (طبقاً لمبدأ المساواة في التصويت وله سلطة اتخاذ الق اررات في
المنظمة مثل منح العضوية على خالف نظام التصويت بالصندوق والبنك) ،
والمجلس العام ويحل محل المؤتمر الوزاري ويقوم بمهامه في الفترة ما بين
دورات انعقاده ويتألف من ممثلي جميع الدول األعضاء ،وجهاز فض
المنازعات ،وجهاز مراجعة السياسات التجارية ،والمجالس المتخصصة ،
وتمثل أهم المطالب الرئيسية من الدول الراغبة في العضوية التعهد باستخدام
التعريفة الجمركية بطريقة غير تمييزية والتخلي عن الحماية ودعم الصادرات
وااللتزام بخيار التحرير التجاري والتعهد بتجنب سياسات اإلغراق ،وقد قوبلت
تلك السياسات بتحفظ من بعض الدول حيث اعتبرت الدول المتقدمة والصناعة
أن اإللغاء التدريجي للدعم الذي تقدمه للمنتجين الزراعيين من شأنه أن يزيد
أسعار الواردات الغذائية ،أما الدول النامية فاعتبرت أن تحرير أسواقها أمام
المنتجات المستورة يمثل تحدياً لصعوبة منافسة منتجات الدول المتقدمة صناعياً
األمر الذي يؤدي إلى زيادة معدالت البطالة وانخفاض الدخل ،كما أن تخفيض
رسومها الجمركية من شانه زيادة عجز الموازنة العامة.
108
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
نظر
وصفته بعض المؤسسات اإلقتصادية المعاصرة بتسونامي اإلقتصاد القادم ًا
لتصاعد مساهمة ذلك النمط بعالقات اإلقتصاد العالمي ،ترجع جذور المفهوم
الحديث لإلقتصاد التشاركي إلى أفكار اإلقتصاد التضامني التي نشأت في كنف
الفلسفة اإلشتراكية المثالية أو الطوباوية والتي ظهرت بالعقود األولى للقرن التاسع
عشر بريادة اإلنجليزي روبرت أوين ( )1858-1771والفرنسي شارل فورييه
( )1827-1772كرد فعل عن الخلل اإلجتماعي الحادث عن تراكم الثروة لدى
الرأسماليين وتدهور أحوال العمال بهدف تحسين أحوال الطبقة الكادحة ،وقد
تلخصت أفكار تلك المدرسة في بناء مجتمعات تشاركية تقوم على تأمين
اإلكتفاء الذاتي وتحسين البيئة المعيشية لطبقة الكادحين ،وفي عام 1844ظهر
أول نموذج تعاوني استهالكي ناجح قائم على أفكار روبرت أوين في منطقة
روتشديل بانجلت ار بإنشاء أول جمعية تعاونية وهي جمعية "رواد روتشديل
المنصفين" ( )Rochdale Equitable Pioneersبإنشاء متجر بمساهمات
العمال لتوفير مجموعة متنوعة من السلع ألسرهم بأسعار الجملة مضاف إليها
هامش ربح منخفض يتم توزيعه على المساهمين ،أعقب تلك التجربة ظهور
التعاون االنتاجي الحرفي في فرنسا والتعاون اإلئتماني في ألمانيا بإنشاء أول
جمعية تعاونية للتسليف ،وفي عام 1935أنشأت حكومة روزفيلت بالواليات
المتحدة إدارة كهرباء الريف ()the Rural Electrification Administration
لتوفير الكهرباء لسكان الريف على أساس غير ربحي ،وفي عام 1941أطلقت
حكومة روزفيلت مبادرة لتقاسم ركوب الخيل عوضاً عن السيارات ضمن تداعيات
تخفيض استهالك النفط أثناء الحرب العالمية الثانية (Credit Suisse, The
109
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
110
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
111
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وفي عام 1991تم اطالق تجربة محدودة لإلقتصاد التشاركي تم تطبيقها في
كبير مما شجع اليونسكو إلى عقد ندوة بمقرها في باريس
نجاحا ًا
ً الب ارزيل أثبتت
عام 2001لقادة األعمال من قطاعات مختلفة لالنضمام إلى هذه المبادرة ،
وفي فبراير عام 2008أدرجت اليونسكو في برنامجها معظم المبادرات
االجتماعية لإلئتمانات الصغيرة في االقتصاد التشاركي (Van de Blind,
) ، 2013ومع انتشار اإلنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل اإلجتماعي
بعشريات القرن الواحد والعشرين انتشر المفهوم بشكل أوسع بالحقل العلمي
والعملي وأصبح المجتمع أكثر تقبالً للفكرة ) (Nguyen, 2014, p. 18فوفقا
إلستقصاء أجرته مبادرة نشر نمط الحياة المستدامة عام ، 2050فإن %78من
المستجيبين اعتبروا أن تفاعلهم عبر شبكات التواصل اإلجتماعي جعلتهم أكثر
تقبالً لفكرة المشاركة ) ، (Cognizant , 2016, p. 6إال أن استعداد األفراد
لمشاركة أصولهم المادية أو المعنوية ومواردهم يختلف وفقا لطبيعة وماهية
المشاركة ،حيث يبلغ المعدل العالمي لألفراد الذين لديهم استعداد لمشاركة
أصولهم كالتالي :منازلهم ، %15األثاث ،%17السيارات ،%21أدوات
ومعدات ،%23تعليم وخدمات ،%26األجهزة اإللكترونية (Credit %28
Suisse, The sharing economy - New opportunities, new
).questions, 2015, p. 15
لم تنتهي العشريات األولى للقرن الواحد والعشرين حتى تم تأسيس مزيج متنوع
من الشركات الرائدة في مجال اإلقتصاد التشاركي ،والتي بدأت بإنشاء أول
منصة إلكترونية قائمة على نظام اإلقتصاد التشاركي وهي منصة "أب ورك"
( )Upworkعام 1998لمشاركة العمل والخبرات والمهارات عبر 180دولة
بحركة تداول إجمالية بلغت 1مليار دوالر بعام ، 2015وفي عام 2005تم
112
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
إنشاء ثاني منصة تشاركية بمجال مشاركة المنازل ،وهي منصة "هوم أواي"
( )HomeAwayوالتي بلغ حجم تداولها عام 2015إجمالي 15مليار دوالر ،
ثم منصة إيربنب ( )Airbnbبمجال تأجير المساحات (منازل/مكاتب) عام
، 2008ثم اوبر ( )Uberبمجال النقل والمواصالت لمشاركة السيارات عام
، 2009ومنصة "ليكود سبيس" ( )LiquidSpaceلتأجير المساحات عام
، 2010ومنصة "ليفت" ( )Lyftلمشاركة السيارات عام (Cognizant , 2012
) ، 2016وبحلول عشرينات القرن الواحد والعشرين انطلق اإلقتصاد التشاركي
ورسوخا مع تسارع اإلستثمار في مجال تأسيس منصات
ً تقدما
إلى مرحلة أكثر ً
اإلقتصاد التشاركي ،حيث ارتفعت معدالت اإلستثمار العالمي في مجال إنشاء
شركات (منصات) لتسهيل أنشطة اإلستهالك التشاركي من 100مليون دوالر
عام 2007بتأسيس 15منشأة ،إلى 3.4مليار دوالر عام 2010بتأسيس
55مؤسسة ،إلى 0.8مليار دوالر عام 2012بتأسيس 156مؤسسة ،إلى
1.8مليار دوالر عام 2013وتأسيس 156منشأة ،إلى 8.49مليار دوالر
عام 2014وتأسيس 200منشأة ،إلى 12.89مليار دوالر عام 2015
وتأسيس نحو 63منشأة ) ، (Cognizant , 2016, p. 6وبحلول عام 2015
كان هناك أكثر من 800مؤسسة حول العالم تعمل في مجال االقتصاد
التشاركي ،بإنشاء مشروعات تقوم على تنظيم وتسهيل تبادل الخدمات والمنتجات
على أساس النمط التشاركي مقابل نسبة معينة أو قدر من الرسوم
) ، (NECSTouR, 2016وبشكل عام تركز نشاط اإلقتصاد التشاركي بالدول
المتقدمة السيما الدول األوروبية ،ففي عام 2013كان %84من السوق
األلماني يقوم باستخدام التطبيقات اإللكترونية التي تقوم على أساس اإلقتصاد
التشاركي ) (Van de Blind, 2013أما السوق اإلسترالي فبالرغم من أن نسبة
المهتمين بتلك التطبيقات لم تبلغ تلك النسبة إال أنها كانت نسبة مرتفعة وفي نمو
113
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
114
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
وضع معايير إرشادية لمقابلة أية تهديدات قائمة أو محتملة وفق سياسات واسعة
النطاق ) (johal & zon, 2015, p. 14كما أوصت دراسة أخرى بعنوان
"إطالق العنان لإلقتصاد التشاركي" بضرورة إقرار أنظمة اإلقتصاد التشاركي
واعداد الحكومات للوائح تنظيمية تختص بتسهيل حساب وخصم الضرائب
إلكترونيا ألنشطة اإلقتصاد التشاركي ،كما أوصت بضرورة اإلهتمام الحكومي
ً
والبحثي بمصطلح حديث وهو مصطلح "المدن التشاركية" والتي تقوم على فكرة
المشاركة التي تمتد لكافة المقومات المادية والمعنوية بالمدينة (Wosskow,
).2014, pp. 21,38
المنتج
يتضح مما سبق أن اإلقتصاد التشاركي ليس مجرد قناة تسويق تصل ُ
بالمستهلك عبر تطبيقات إلكترونية ،أو مجرد تنظيم لعامل من عوامل اإلنتاج ،
معا يقوم على مبدأ
وانما نظام اقتصادي يمتد في معناه ليشمل العرض والطلب ً
المشاركة سواء مشاركة مستهلك مستهلك آخر في استهالكه أو مشاركة ُمنتج
ُمنتج آخر في عامل أو أكثر من عوامل إنتاجه ،فالنظام اإلقتصادي هو نمط
معين لطريقة ملكية واستغالل عوامل اإلنتاج وتوزيع الناتج ،يختلف عن النظم
السابقة كالنظام اآلسيوي والعبيدي واإلقطاعي والرأسمالي واإلشتراكي والشيوعي
والمختلط وأخي اًر النظام العالمي الذي يقوم على أساس تدويل عمليات اإلنتاج
والذي يتضح فيه اإلنفصال ما بين رأس المال والتنظيم بالوحدات اإلقتصادية
التي تتسم بالضخامة ويشترك في ملكيتها أعداد ضخمة من المساهمين ،أما
النظام التشاركي فبالرغم من أن جذوره تعود للطوباوية إال أنه يقوم على فلسفة
التحرير مع العودة مرة أخرى للدمج ما بين رأس المال والتنظيم بوحدات
اقتصادية متناهية الصغر ،ففي ذلك النظام ال يمتلك الفرد (المستهلك المنتج)
قيمة مالية رأسمالية بوحدة إنتاجية ضخمة ذاتية التنظيم ،وانما يمتلك أصل
115
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
اقتصادي يقوم على تنظيمه بنفسه إلنتاج استهالكه ومشاركته ببيع القدر الزائد
تنظيما
ً عن استهالكه ،ليتحول التنظيم المتعلق بإنتاج القدر الذي يتم مشاركته
أسماليا ،حيث يقوم النظام اإلقتصادي التشاركي على أشخاص لديهم قدرة زائدة
ر ً
عن حاجتهم لتوفير شيء ذي قيمة اقتصادية لآلخرين بوساطة مؤسسات
اقتصادية كونية مقابل عموالت محددة ،تتسم هذه المؤسسات بالشفافية
والمحاسبة الشعبية المباشرة وذلك من خالل التقييم المباشر والمستمر سواء
المنتج نفسه ،وبذلك يتسم ذلك النظام بترشيد اإلنفاق
للمنتج أو المستهلك أو ُ
ُ
اإلستثماري واعادة هيكلة التوزيع لصالح المواطن بتوجيه تدفقات العوائد
عوضا عن
ً اإلقتصادية بشكل مباشر ومستمر تجاه المواطنين فور تقديم المنتج ،
المنظم.
توجيهها تجاه حملة األسهم خالل دورات اقتصادية وفق محددات ُ
116
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
117
**الباب األول تاريخ تطور الفكر اإلقتصادي**
ومن أبرز مجاالت اإلقتصاد التشاركي مشاركة األوقات (عنصر العمل) ،والتي
تعمل على تسهيلها منصات متخصصة في عرض وتشارك أوقات العمل سواء
المهاري (أصحاب المهارات والخبرات في تخصصات ومجاالت معينة) أو غير
المهاري ،ومن تلك المنصات بنوك األوقات ( )Time bankingهو مصطلح
يشير منصات تعمل بنظام ساعة مقابل ساعة ( )an hour for an hourحيث
يقوم األفراد بعرض أوقاتهم المتاحة لبذل مهارتهم وخبراتهم الخاصة بتلك
المنصات ،وحينما يقوم الفرد بدفع ساعة عمل سواء عمل يمكن دفعه إلكترونيا
(كأعمال الترجمة والتصميم )...أو عمل يتم دفعه بشكل مادي (كاألعمال
المنزلية والحرفية )...يصبح من حقه الحصول على ساعة عمل من أي
التخصصات المعروضة على المنصة ،أو إيداعها برصيده وصرفها بساعات
عمل أخرى في أي وقت آخر ،فيما يطلق عليه بنك األوقات (Wosskow,
).2014, p. 30
118
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الثروة وفرة المال وبموجبها يتحقق الرفاه غاية اإلقتصاد ،الثروة هي المهمة التي
يبحث علم اإلقتصاد تحقيقها وفق مباحث ماهية المال وكيف يمكن خلقه؟ ،أما
الرفاه فهو الغاية التي يبحثها وفق مباحث ماهية ما هو قدر وكيف ذلك المال
بدءا من القرن الخامس عشر اعتبر الماركنتيليون أن الثروة
وكيف يتم توزيعه؟ ً ،
هي الذهب والفضة ،ومصدرها هو التجارة ،فالتاجر الماهر يمكنه الحصول
على قدر من الناتج أعلى من قدر نصيب أي مماً ساهموا في إنتاجه والذي
يتمثل في مظهر الذهب والفضة ،تطرف بعض فالسفة الحقبة الماركنتيلية حتى
سوغ التوسع اإلستعماري في سبيل الحصول على الثروة ،ومع أواخر القرن
السابع عشر كانت العديد من دول غرب أوروبا قد اتبعت بالفعل سياسات
استعمارية من أجل السيطرة على ثروات األمم ،وبات لدى الدول المستعمرة
مساحات واسعة من األراضي الزراعية ولدت فوائض إنتاج زراعي كبيرة مما مهد
لتغير المفهوم الماركنتيلي الضيق للثروة ،ظهرت مدرسة الطبيعيين والتي
صاحب ظهورها تأثرها بالتغيرات العلمية والثقافية التي صاحبت عصر النهضة
،وقد اعتبرت تلك المدرسة أن الثروة الحقيقية هي الناتج الزراعي ومصدرها
األرض ،بينما الذهب والفضة مجرد تعبير نقدي عن قيمة الثروة ،ومع نهايات
القرن الثامن عشر وظهور الثورة الصناعية بانجلت ار وانتشارها بأوروبا الغربية
وتزايد الحاجة على العمل ظهرت المدرسة الكالسيكية على يد آدم سميث
( ، )1776والذي اختلف مع المركانتيليين والفيزيوقراط باعتباره أن المصدر
األساسي للثروة ليس التجارة أو األرض ،بل كل ناتج المادي ومصدرها
األساسي هو العمل بصورتيه الطبيعية والمتجسده أو العمل المباشر والغير
مباشر ،فالتجارة تتعامل في سلع جاهزة فهي ال تخلق المنفعة ،كما أن األرض
119
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ليست هي المصدر األساسي للثروة ألن األرض ال تنتج خيراتها من ذاتها تلقائيا
بل تحتاج إلى من يزرعها ،واعتبر سميث العمل هو المصدر األساسي للثروة ،
وبناء عليه فثروة األمم تقاس بقدرة العمل اإلنتاجية لديها وبحجم إنتاجها من
ً
السلع المادية ،وأصبح مقياس الثروة لديه هو إنتاجية العمل التي تتضاعف
أضعافا كثيرة إذا ما تم تقسيم العمل ،أما الكالسيكي ساي فهو أول من اعتبر
اإلنتاج هو كل منفعة مادية أو معنوية تؤدي إلى إشباع حاجات األفراد بغض
النظر عن كونها مادية أو معنوية ) ، (Say, 1836, p. 62قدم الكالسيكيون
نظرية الطبقات والتي تربط ما بين فئات المجتمع وملكية عوامل اإلنتاج والتي
اعتبرت أن تلك الفئات نشأت نتيجة لملكيتها لتلك العوامل فيما عرف بالحتمية
اإلقتصادية ،والتي اكتشفت ايضاً وجود تعارض بين مصالح الطبقات المختلفة
مما مهد لظهور مفهوم الصراع الطبقي الذي سيتطور على يد ماركس والذي
سيبقي على مفهوم العمل كمصر أساسي للثروة مع اعطاء أهمية خاصة للعمل
احدا من
المباشر دون المتجسد (منصور ، )2006 ،وهكذا ظل مصطلح الثروة و ً
أكثر المصطلحات جدالً وبحثاً بالمدارس اإلقتصادية باعتباره موضوع علم
اإلقصاد ،أما مصدرها فهو عوامل خلق ذلك القدر من الناتج الذي يتحقق
بموجبه الرفاه ،ولرفاه متواصل فهي العوامل المستديمة لخلقها ،إال أن اإلهتمام
بموضوع الثروة كمحور لعلم اإلقتصاد السياسي بدء يفقد أهميته تدريجياً مع
الجدد بريادة ألفريد مارشال وتحول موضوع اإلقتصاد من ظهور الكالسيكيون ُ
الثروة إلى موضوع الرفاه أو الرفاهية التي تتحقق من خالل تلك الثروة ،والذي
سيتغير مرة أخرى بريادة لورد روبين ( )Robbinsإلى موضوع الندرة ،ثم إلى
موضوع اتجاه النشاط البشري في خلق وحيازة الثروة التي تحقق الرفاة بريادة
بمعنى أبسط ما هي األنشطة التي يربح
ً سامويلسون (، )Samuelson
كثيرا؟.
أصحابها ً
120
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المشكلة اإلقتصادية باعتبارها حالة ما بين الحاجة واإلشباع ،أحد شقي حلها
هو كيف يمكن خلق تلك المنفعة التي تُشبع الحاجة (اإلنتاج) ،والشق الثاني هو
كيف يمكن حيازة تلك المنفعة (التوزيع) ،لقد توجه الفكر الرأسمالي في سبيل
عالج تلك اإلشكالية من مدخل امتالك األفراد لعوامل خلق الثروة وخلقها ،أما
في الفكر اإلشتراكي فاعتبر أن عالجها يكون بامتالج الدولة لعوامل خلقا وتنظيم
الرشد وعدالة التوزيع ،أما في الفكر اإلسالمي
األفراد نحو إنتاجها لضمان ُ
فعالجها لديه يكون بتحديد الحاجات وكفاءة اإلستخدام ووساطة الدولة إلعادة
التوزيع ،وبذلك فكانت سياسات حيازة المنفعة بجانب خلقها المحور األساسي
لحل المشكلة اإلقتصادية بالفكر اإلقتصادي على اختالف مذاهبه.
حيازة المنافع بشكل عام (سواء أكانت في صورة دخل أو رصيد) يكون لتحقيق
حاجات (مطالب) رئيسية ثالثة وهي :اإلستهالك (اإلنفاق) والتوسع (اإلستثمار)
والضمان (اإلدخار) ،ويتم من خالل أربع اتجاهات فلسفية مختلفة وهي أوالً
الفلسفة اإلنتاجية الخالقة العصامية بتسخير قوى الذات لخلق المنفعة أو غير
العصامية بتسخير الغير ،ثانياً الفلسفة اإلعتمادية التواكلية والتي تعتمد على
حيازة المنفعة من خالقها عن طريق الرباط العاطفي أو التطفل ،ومن صور
الرباط العاطفي التضامن اإلجتماعي والشعور بالمسؤلية تجاه ذوي القرابة
والنسب ،واعانات البطالة وذوي الحاجة غير القادرين على الكسب ،ثالثاً
الفلسفة اإلحتيالية وهي فلسفة حيازة المنفعة من خالقها برضائه باإلحتيال عليه ،
رابعاً الفلسفة العدوانية المغتصبة وهي فلسفة حيازة المنفعة من خالقها بالغصب
بأدوات القوة ومن أمثلتها الفكر اللصوصي واإلستعماري.
121
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
أي من تلك اإلتجاهات األربعة تتبعها الكائنات بشكل عام لحيازة منفعتها سواء
أكان اتجاه خالص أو متداخل مع آخر ،الفلسفه اإلقتصادية الخالقة (اإلنتاج)
تُشير إلى أنه لحيازة المنفعه البد من خلقها( 1بإستثناء المنفعه الغير إقتصاديه)
أو خلق القيمة المكافئة لها ،ومن ثم فإن كم ما يمكن لذات حيازته من المنافع
يتوقف على ما يمكن للذات خلقه (خلق المنفعه إشارة إلى إمتالك فاعل المنفعه)
،أما الفلسفه التواكليه التطفليه فهي ال تقوم على مبدأ خلق المنفعه عبر حيازة
الفاعل وانما الحصول على المنفعه باإلعتماد على مالك من الغير للفاعل بدون
إجبار له ،الفلسفة اإلحتيالية تقوم على أساس سلب منافع الغير بمدخل الغبن
المالك بدون دفع قيمة ُمكافئة ،بينما تتطرف الفلسفه العدوانيه لحيازة
واستغفال ُ
المنفعه بإغتصابها من الغير بالقوة الجبرية ،الفلسفة العصامية الخالقة لحيازة
المنفعة اإلقتصادية (اإلنتاج) تمثل أحد المواضيع المركزية بعلم اإلقتصاد
باعتبارها أساس النشأة وهو موضوع اإلنتاج ،والذي يتكامل بتبني سياسات
حصار دوائر الفكر العاطفي واإلحتيالي واللصوصي إلى الحد األدنى ودمجهم
بالفكر اإلنتاجي ،الفكر اإلنتاجي يتعدى مجرد التشغيل الشكلي العام ،والذي
المقنعة ،فالفكر اإلنتاجي معني باألساس
تنخفض معه اإلنتاجيه وتظهر البطالة ُ
برفع اإلنتاجية الحقيقية مع تحقيق أعلى تشغيل ممكن.
ومع ذلك فإن التكوين الفكري والخلفيات األيديولوجية لرواد الفكر اإلقتصادي
بالمجتمعات المختلفة وتوصيفهم ألسباب المشكلة اإلقتصادية قد يساهم بشكل أو
بآخر في الدمج ما بين فلسفة إنتاج المنفعة باعتبارها الفلسفة اإلقتصادية
المحضة وما بين الفلسفات اإلعتمادية واإلحتيالية وحتى العدوانية بنسب متفاوته
واقحامها بالفكر اإلقتصادي باعتبارها خيارات لحل المشكلة اإلقتصادية ،
1
جدير بالذكر أنه ال تعارض ما بين لفظ الخلق والذي هو بمعنى الصنع واإلبداع والثقافة اإلسالمية ،ففي
اإلسالم الخلق ليس مقصو اًر على اإلله كما في القرآن "وت ْخلُقُون إ ْفكاً " أي :تُقد ُرون كذباً.
122
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
كالفلسفة الماركنتيلية التي حاولت الدمج ما بين الفلسفة العدوانية وفلسفة خلق
المنفعة ،والفكر اإلسالمي الذي حاول التوفيق ما بين الفلسفات الثالثة لحل
المشكلة اإلقتصادية كخلق المنفعة (اإلعمار) أو الفلسفة اإلنتاجية ،واإلعتماد
على الغير (الزكاة والصدقات) كفلسفة تضامنية غير إنتاجية ،وغصب الغير
(الجزية والسبي والغنائم) وهو ما يجعل من الفكر اإلسالمي ليس اقتصادياً
محضاً ،فضالً عن خصوصيته وعدم قابليته للعولمة والتعميم ألن قبوله يرتبط
بشكل كبير باإليمان بمبادئه ،أما سائر الفكر اإلقتصادي فينطلق من فلسفة
خلق المنفعة وفق إتجاهات نظرية متباينة ،ترتبط برؤيته لماهية الثروة والحاجة
والمشكلة اإلقتصادية.
123
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
نظرية الطلب
نظرية الحاجة
اإلنسان كوحدة كونية يتكون من جسد مادي يمكن إدراكه بالحواس الخمسة
وجسد المادي يمثل مجموع الغرائز والرغبات واألفكار التي تحكم حركته الحياتيه
،العالقة ما بين الجسد المادي والالمادي هي عالقة جدلية بمعنى أن كالً منهما
مؤثر ومتأثر باآلخر ،فالحركة الحياتية تنشأ وتستمر بدفع متبادل ما بين الجسد
الالمادي بفعل الرغبات والجسد المادي المصاحب تجاه خبرات شعوريه معينة
عبر مسار من الزمكان (ولذلك فكلما زادت دوافع الرغبات كلما زادت سرعة
التحريك) ،الرغبة كفاعل الدفع األساسي هي طلب مكون معنوي بكائن (فاعل
أو منفعل) لخبرة معنوية 1عبر سلوك( 2سلوك الحسي فسلوك حسي) ،ولذلك
فالمرتبة العليا من الرغبة هي الخبرة ،والوسطى هي السلوك ،والدنيا أداة
السلوك ،الخبره هي مفعول السلوك على المعالج ، 3أما السلوك فهو فعل لفاعل
بيولوجي بإتجاه الداخل أو الخارج ، 4مقترن بعيني (طبيعي أو مختلط) أو مجرد
،ومن ثم فالرغبه هي منظومة شعور (متباين اإلتجاه) مرحلية ببيئة الكائن
(تتكون من الفاعل البيولوجي ،والفعل وهو الحركة الداخلية أو الخارجيه ،
1
وقد يكون المكون المعنوي أو الخبرة المطلوبة (الرغبة) عبارة عن قبول أو عدم التأثير أو رفض مادة أو المادة
،عبر ممارسة سلوك بالنفع أو عدم التأثير أو ضرر بالذات أو الغير ،كأن ترغب الذات في تحقيق نفع أو عدم
أو ضرر على الذات أو الغير ،وبذلك تمثل الرغبة وهي أي نقطة في تلك المنطقة المحصورة ما بين الرغبة
والرفض (سواء أكانت طلب أو ال مباالة أو رفض) إلى أقصى النفع في منطقة تأثير السلوك.
2
السلوك الحسي قناة تربط ما بين الواقع والخبرة المعنوية مرو اًر بالسلوك االحسي.
3
حيث ان كل فعل هو مفعول ناتج ،كحركه الموجات داخل الجسم فهو مفعول ناتج ،ثم إصطدامها بالمعالج
فهو مفعول ناتج يمثل جوهر الرغبه.
4
كالسلوك الداخل (سمع ،بصر ،حس ،تذوق ،شم) والسلوك الداخلي كالسلوك المعنوي (المعرفي أو
الشعوري) ،أما السلوك الخارج (الكالم ،الحركة)
124
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
والمفعول على المعالج وهو ناتج الفعل ،والمادة محل الفعل في حالة الرغبة
المقترنة بمفعول به أو مفعول فيه) ،تبدأ بمكون معنوي (دافع) منعطف نحو
آخر مستهدف ومنعطف إليها ومحصلتها الخبره ،ويتضح ظهورها في صورة
الحلقة المفتفد فاعل إشباعها من المنظومة (المنفعه) ،واصطالحاً فإن الحاجة
والرغبة تشيران إلى شعور قائم بالطلب لعنصر (منفعه) مادي أو معنوي
بمنظومة الرغبة ُمفقدة حيازته ،نتج ذلك الشعور عن معرفه موروثه أو مكتسبه
بالمكون المعنوي المصاحب للكائن ،ولذلك فيفرق ما بين الحاجة كشعور
بالطلب يغلب عليه المكون الموروث وما بين الرغبة كاتجاه إجتماعي للحاجة
المكتسب ،والطلب (الحاجة والرغبة) إما قاصر أو متعدي
يغلب عليه الجانب ُ
(يتعلق بالغير) ،ممكن( 1وهو كل طلب يمكن إمتالك منفعته ويمكن تفعيله) أو
الممكن 2بإتجاه القبول أو الرفض أو الثبات ،أما الخبرة فهي محصلة إنعطاف
شعورين (الدافع والمدفوع إليه) نحو نفس اإلتجاه ،وبتطابق العاطفتين تتولد خبرة
متعة تتحقق بموجبها الرفاهية والسعادة أما بتضادهما فتتولد خبرة ألم ،وبقدر
تحقيق الكائن لرغباته (والتي تتدرج من مستوى الرغبات الغريزية والمتفرعة عن
غريزتي البقاء والفناء ،إلى مستوى الرغبات الموروثة فالمكتسبة) بقدر ما يشعر
باللذة والتي هي مقياس السعادة ،وبقدر إخفاقه في مقابلة الرغبة بقدر ما تتولد
خبرة األلم والتي هي مقياس التعاسة.
1
الرغبات الممكن تفعيلها هي كل رغبة تقع منافعتها في إطار الممكن إمتالكه
2
الالممكن إقتصاديا وال غير إقتصادياً هو العمل الخارق البدني أو المعنوي كالمعرفة الغيبية ،أو األعمال
تجاه تجاه المواد الفانية أو إسترجاعها ،الماضي أو المستقبل.
125
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المكون األولي من منظومة الطلب هو الشعور الدافع ،وهو شعور حول معرفه
منعطف نحو شعور آخر منعطف إليه من تلك المعرفه ،وشعور دافع الرغبة
هو رأي إكتسب إرادة ،والرأي هو معرفة إكتسبت توجه شعوري ،أما المعرفة
فهي مفهوم الرؤية ،والرؤيه إما واقعيه (وهي الصوره الناتجة عن النظر الحسي
للشئ) واما غير واقعيه تقريبيه وهي التصور الذهني والذي تورثه النظرية (وال
يشترط أن تكون الحقيقه أيا من الصورة أو التصور) ،وتنشأ الصور عن الفهم
وهو تحليل وربط المفردات المعلوماتيه الكلية للصورة (الصورة السمعيه أو
البصرية أو الملموسه ...أو الكليه) وفق المخزون الفكري للكائن وطبيعة
المعالج ،وتتكون الرؤيه من المعلومات المتدفقه (من الداخل أو الخارج) للمعالج
الذهني ،والمعلومات هي كل منظم من البيانات له معنى ،أما البيانات فهي
حقائق خام كميه أو كيفيه ليس لها معنى ،وبذلك فإن أطوار نشأة دافع الرغبه
هي البيانات ثم المعلومات ثم الرؤيه ثم المعرفة ثم الرأي ثم الدافع ،وتمثل تلك
األطوار أنماط المكون الالمادي بوعي كل كائن ،فالوعي هو ما يعيه ذهن
الكائن من مكون المادي ،وينتقل المكون الالمادي من وعي آلخر عبر أي
نمط من تلك األنماط ،ويتفاوت نسبياً وعي كائنات نفس النوع إلختالف المكون
المعنوي المتدفق إلى الوعي والمكون المعنوي المذكور بالوعي واإلختالفات
النسبيه في إعمال المعالج الذهني ،ووفقاً لذلك تختلف ماهية الرؤيه (الصورة أو
التصور) لنفس الشئ فيما يعرف بإختالف جهة النظر للشئ واختالف األذواق ،
ويترتب عليه اختالف في مفهوم الرؤيه وهي المعرفة ،أما الرأي فهو هالة من
126
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الشعور المنعطف تجاه القبول أو الرفض والمتكونه حول تلك المعرفة الناتجه ،
ويتحدد اتجاه إنعطاف الشعور على حجم ما يعيه الوعي من فكر بالشئ ُمعرف
بشعور منعطف تجاه القبول أو الرفض ،ثم يتركب على الرأي شعور باإلراده
بنفس الدرجة ولنفس اإلتجاه وهو ما يعرف بدافع الرغبة واختصا اًر الرغبة ،
ويتدرج الشعور الذي يصاحب المعرفه لتكوين الرأي وما يتركب عليه من شعور
باإلرادة وتكوين دافع الرغبة وفقا لمتغيري المكون والمعالج من (صدمة رفض و
رغبة برفض مطلق -رفض شديد و رغبة برفض شديد -رفض و رغبة رفض
-قبول ورغبة بالالمباالة -إستحسان و رغبة طلب -إستحسان بشدة ورغبة
طلب شديد -إدمان بالقبول و رغبة طلب مطلق) ،فكالً من المكون الالمادي
بالوعي والمعالج الذهني متغيرين مستقلين لمتغيرين تابعين وهما الرأي والدافع ،
وبناء عليه يتبين مدى تعذر التسليم بفرضية الشخصية اإلقتصادية بإطالقها.
ً
التوازن ال ُكلِي للدوافع
يتركب على الرأي شعور باإلراده بنفس درجة شعور الرأي بالمعرفه مكوناً بذلك
دافع الحاجة ودافع الرغبه كمكون أولي بمنظومة الرغبه ،هذه الدرجة إلرادة دافع
الرغبة تتبع بعالقة طردية تامة درجة الرأي ما بين الطلب الشديد والرفض
الشديد ،مع ثبات درجة اإلجبار صفرياً كمتغير ضابط ،أما بتغير درجة اإلجبار
تتغير اإلرادة طرديا تبعا لها ويتغير الرأي وظهوره عكسياً تبعاً لإلرادة المتولدة ،
واذا كان الرأي (كبنية تحتية للدافع) متفاوت حول الشئ الواحد (السلعة أو
الخدمة) ما بين القبول والرفض بشكل معين فإن درجة دافع الطلب ودرجة إرادة
الطلب ستتبعه بنفس التفاوت.
127
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
إذا كان الرأي بنية تحتبة للدافع فإن الفكرة بنية تحتية للرأي ،الفكرة هي المعرفة
الناتجة عن إعمال الفكر بالرؤيه ،1ولذلك يختلف الرأي وفقاً إلختالف مكون
رصيد الوعي من الالماده والتفاوت النسبي لقدرات نشاط المعالج الذهني من
كائن آلخر من حيث السرعة 2والدرجة 3واإلستم اررية ،4بحيث ينتج ما يمكن
تسميته بالتوزيع الطبيعي لمجتمع المعرفه ،5بحيث يتوزع الرأي نحو إتجاهين
متضادين 6في اإلتجاه ومتساويين في المقدار 7بحيث يتوازن حجم القبول مع
الرفض ويتوسطهم الالمباالة ،فالمعلومة الواحدة يختلف عليها مجتمع المعرفة
بنفس النسب ما بين نافع وضار وعبثي ،فتصبح اآلراء داخل مجتمع المعرفة
متضاده ومتوازنة 8بما يتبعها من رغبات وسلوكيات فكرية ،9وما تمتلكه من
1
المعرفة ه ي المتصور (المفهوم) من معلومات ما ،والمعلومات هي البيانات المرتبة لتلبية إحتياج معين.
2
سرعة تولد الفكرة ما بين تصور سريع التولد ،تصور متوسط سرعة التولد ،تصور بطئ سرعة التولد.
3
درجة التأثير أو درجة اإلنفعال المتولد نحو اإلتجاه (ضعيف هوائي ،متوسط مائع ،قوي صلب).
4
درجة إستم اررية الفكرة بالذاكرة وبالتالي إستم اررية التأثير المتولد عن اإلنفعاالت الناتجة عن تلك األفكار،
وتكون إما أفكار ال تتعدى الذاكرة الحسية ويتولد عنها إنفعاالت حسية (حالة حسية) ،أو أفكار بالذاكرة القصيرة
يتولد عنها إنفعاالت شعورية (حالة ش عورية) ،او أفكار ترتبط بالذاكرة الطويلة يتولد عنها إنفعاالت إنطباعية
(حالة إنطباعية) ،أو أفكار ترتبط بالموروثات الجينية يتولد عنها إنفعاالت أزلية (طبع موروث) ،ومن ثم فدرجة
اإلستم اررية هي إما حسي ،شعوري ،إنطباعي ،أزلي.
5
مجتمع المعرفة :هو المجتمع الذي لد يه معرفه حول معلومة ما ،سواء أكانت تلك المعرفة مدعومة بالقبول أو
الرفض.
6
إتجاه الرأي ما بين القبول أو الالمباالة أو الرفض لمعلومة ما
7
يتبين من الشكل الدائري لتوزيع إتجاهات الرأي المتضادة كون الرأي المتطرف يكون األقل حجما بينما تزداد
شريحة الرأي كلما إتجهنا تجاه الوسط
8
أي نسبة القبول جدا جدا سوف تساوي نسبة الرفض جدا جدا ،ونسبة القبول جدا سوف تساوي نسبة الرفض
جدا ،ونسب القبول الكلية سوف تتساوى مع مجموع نسب الرفض الكلية وهكذا ...ولذلك فإن نتائج أي إستطالع
لرأي مجتمع معرفة تحيد عن التوازن فإن ذلك يكون بقدر حيادها عن الوصول الحقيقي وبقدر تأثير سلطات
ماديه أو معنويه على تحييد أو تزييف ظهور إحدى المتضادين،
9
السلوك الفكري :هي األوامر الفكرية التي تتكون بالمخ لمقابلة التصورات ،ويمثل السلوك المادي إنعكاس
للسلوك الفكري أي السلوك في مرحلة الفكر .وعندما تتضاد التصورات حول معرفة ما نحو إتجاهين القبول
128
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
محفظة السلطة ،1إال أن شيوع رأي وندرة آخر يمكن تفسيره في ضوء تصارع
سلطات الرأي والتي ُيفترض تعادلها وتفاوت القدرة على إدارتها ،2أما في حالة
تكافؤ القدرة على تنظيم سلطة الرأي ما بين اإلتجاهات المتضادة فيظهر التوازن
الطبيعي لمجتمع الرأي.
في حالة حظر رأي بمنفعة معرفة ما بما يترتب عليه من حظر حيازتها ،فإن
محصلة الخبرة الناتجة لمجتمع ذلك الرأي هي اإلشكال ،وهو شعور ذات
بضرر أو تهديد كرد فعل تجاه أثر 3مرفوض لسلوك قصدي أو متعدي 4من
الغير أو الذات ،أي أن اإلشكال قد ينشأ من خالل صورتان مصدرهم الذات ال
دخل فيهم للرأي المضاد (غياب األهلية أو الخطأ الطبيعي) ،وصورتان مصدرهم
والرفض فإن السلوك المتكون لكالهما يأخذ نفس اإلتجاه سلوك بالقبول وسلوك بالرفض ،ويفترض التوزيع
المت وازن أن السلوك باإلتجاه الواحد (أي السلوكيات بإتجاه الرفض ،او السلوكيات بإتجاه القبول) يتوزع توزيع
متوازن ما بين البناء والعدوان ويتوسطهما اإلعتماد ،فالبناء ال يتعمد اإلضرار بالرأي اآلخر بينما العدوان يتعمد
اإلضرار بالرأي اآلخر
1
لكل رأي محفظة سلطة وهي ثروة الرأي والتي تمثل قدرة الرأي على تفعيل السلوك ،ويكون مزيج السلطة من
مادة والمادة ،فالسلطة المادية مثل األدوات العسكرية واإلقتصادية والبدنية ،أما السلطة الالمادية مثل السلطة
العلمية ،والسلطة الروحية وتشمل العقائد والفنون ،والسلطة اإلجتماعية كالهويات والعالقات اإلجتماعية والعادات
والتقاليد والشهرة..
2
واذا اعتبرنا أن لكل رأي مزيج من السلطة مساوي لمزيج الرأي اآلخر ،فإن ظهور رأي على رأي يعتمد على
إدارته لذلك المزيج من خالل عمليات اإلتصال والتكتل والتنظيم والتوجيه ،ويمارس الرأي األكثر قدرة على اإلدارة
لسلطته فرضاً لرأيه وحظ اًر لآلخر بقدر غياب عنصر إدارة سلطة الرأي اآلخر.
3
إن ذلك األثر المرفوض هو األثر الذي تدركه الذات من خالل إحدى الحواس الخمس كالبصر والشم والسمع
والتذوق واللمس ،ويكون الضرر برفض أثر بصري ،الشعور بالضرر لرؤية الغير بهيئة معينة أو لعدم رؤية
ا لغير بهيئة معينة ،كما قد يكون ضرر بأثر إستنشاقي كالشعور بالضرر لشم رائحة غير مرغوبة من الغير أو
الشعور بالضرر إلفتقاد رائحة معينة مفتقدة بسبب الغير ،وهكزا..
4
السلوك القصدي هو السلوك الموجه نحو الذات ،أما المتعدي فهو ذلك السلوك الذي يقصد الغير ثم يتعدى
منها إلى الذات ،سواء أكان ذلك السلوك مصدره الذات أو الغير
129
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
رأي الغير المضاد وهما القصدي والغير قصدي ،أما الدعم فهو الشعور بأثر
مقبول لسلوك قصدي أو متعدي من الذات أو الغير.
ويؤدي حظر رأي بمنفعة ما إلى رؤية مجتمع ذلك الرأي تهديداً لكيانه المادي أو
المعنوي ،بينما يؤدي قبوله إلى رؤيته دعماً لكيانه المادي أو المعنوي تؤدي إلى
تجاذب وجداني ومادي ثرائي ،ولذلك فإن حظر التهديد القصدي يكون بقصر
اإلرادة المرفوضه تجاه الذات وهو أقل إشكاليه من الغير قصدي لكونه سلوك
موجه لمنفعة الذات وغير موجه تجاه الغير ومع ذلك قد يؤدي إلى ضرر مادي
أو أدبي 1بالغير ،وهنا يراعي شبهة التعسف (تعمد اإلضرار بالغير) في إستخدام
الحق ،2واشكاليه القياس والموازنه بين حجم النفع والضرر الناتج ،حيث تمنع
اإلراده الذاتيه إذا ترتب عليا أهمية قليله للذات بحيﺙ ال تتناسﺏ ﺍلبته مع ما
يصيﺏ ﺍلغيﺭ مﻥ ضﺭﺭ.3
الحاجة أو الرغبة كصور للشعور المتولد بوعي الفرد بالحرمان وعدم الرضا هي
الدافع الداخلي للفرد لطلب وسيلة إلشباع ذلك الشعور ونفي ألم الحرمان ،يحمل
هذا الدافع الصفة اإلقتصادية إذا كانت وسيلة إشباعه ذات قيمة اقتصادية (قابلة
للتداول أو البيع والشراء) وفي هذه الحالة تعرف هذه الوسيلة بالمنفعة اإلقتصادية
1
الضرر األدبي هو التعدي على الحقوق األدبية التي يحميها القانون (كالحق في الحياة والسالمة والحرية).
2
الحق بأنه ميـﺯﺓ يقﺭﺭهـا ﺍلقانﻭﻥ لشخﺹ ما ،ﻭيحميها بالﻁﺭﻕ ﺍلقانﻭنية
3
فالضرر الذي يقع بعد المنطقة الصفرية (الالمباالة) إلى 0.25-فهو أثر يمكن تقبله والتعايش معه ،بينما
أثر الضرر الذي يقع حول المنطقة 0.5-فهو الضرر الذي يتعذر مخالطته ويكتفى بعزله عن المتضرر (إنشاء
مجتمعات ذات طبيعة خاصة) ،بينما األثر البالغ للضرر هو ما قبل 1-وهو الذي ال يمكن تقبله ،ويلعب تغير
التصور الفكري دو ار في تحديد درجة أثر الضرر كتابع لدرجة رفض أو قبول ناتج السلوك ،والذي يتفاوت ما بين
شخص وآخر (راجع األشكال).
130
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
131
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المنفعة اإلقتصادية
1
الشرقاوى ،أحمد عبد العزيز :2011 ،المدخل لدراسة اإلقتصاد ،قسم االقتصاد ،جامعة المنوفية.
2
تنكير الوعي يشير إلى شخصنة المنفعه فهي صفة نسبية لنفس الشئ ما بين أقصى نفعية لشخص إلى إنتفاء
المنفعة كلياً لشخص آخر
132
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ووفقاً لتقسيم أوسلو فإن المنافع التي تلبي الحاجات الفسيولوجية تمثل أهم المنافع
وفقدانها يمثل أفدح الضرر ،إال أن المنفعة بشكل عام تمثل صفة ترتبط بمتغير
التقدير الشخصي والذي قد يصف نفس العمل بالنفع أو الضرر أو العبث فيما
يعرف بشخصنة المنفعة ،ومتغير البيئة فيما يعرف بنسبية المنفعة ،فتقدير
منفعة األموال يختلف باختالف الزمان والمكان واألشخاص ،فالمالبس الصوفية
تزيد منفعتها فى الشتاء عن منفعتها فى الصيف.
ولذلك فالمنفعة صفة يضفيها الوعي على الكائن بناء على رغبة بداخله ،هذا
الكائن أنتولوجيا إما مادة أو المادة ،ونوعياً وفقاً للخصائص المحورية التي تميز
بيئات الكائنات عن بعضها إما طبيعي أو إنساني (واجتماعي) أو مختلط (وهو
كل ما نتج عن دمج ما بين عنصر اإلنسان والطبيعه) ،هذا التصنيف النوعي
ما هو إال إنعكاس ثالث صور متباينه لتحوالت ماده واحده (بما يصحبها من
مكون المادي يختلف بإختالفها) بالبيئة الكليه بين تلك الصور الثالثه ،حيث
يؤدي التفاعل المستمر بينهم إلى تحوالت في حجم كل ماده بالزياده أو النقصان
(فالماده ال تفنى وال تستحدث وانما تتحول من صوره إلخرى) ،فالزيادة هي ناتج
موجب مضاف للحجم األصلي للمادة ،مفعول لفاعله األم (وهو جنس الماده)
133
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المنفعة اإلقتصادية
هي كل كائن مجرد أو مقترن بعيني (سواء أكان مباح أو مقيد أو محظور
اجتماعياً) يتضمن صفة تجله قادر على إشباع حاجة أو رغبة يمكن حيازته
(فالحيازة شرط لإلنتفاع) وتبادله (سواء بدفع قيمة اقتصادية أو بدونها) ،فالمنافع
إما اقتصادية وهي كل ما يمكن بيعه ،أو غير اقتصادية وهي المنافع الحرة التي
ال تستلزم أي قيمة كالهواء والشمس ،أو الإقتصادية وهي المنافع الغير ممكن
حيازتها من خالل قيمة اقتصادية وتستلزم دفع قيمة ال اقتصادية كالمشاعر
اإلنسانية ،وبالتالي فالواقع من المنافع في إطار الممكن امتالكه يمكن ترتيبه
من حيث مجاالت الملكية إلى وسط وطرفان ، 1في أقصى اليمين المنافع
الممكنة من خالل سلوك الإقتصادي فقط ،وفي أقصى اليسار المنافع الممكنة
من خالل سلوك إقتصادي فقط ،وفي الوسط المنافع الممكنة من خالل سلوك
غير إقتصادي.
المنافع اإلقتصادية تنقسم إلى منافع قابلة للتأجيل أو التحكم في تدفقها سواء
أكان التأجيل ممكن لفترة طويلة كالسلع اإلستهالكية طويلة الصالحية ،أو منافع
يمكن تأجيلها لفترة قصيرة كالمنافع المتولدة عن األغذية القابلة للحفظ واعادة
1
وفقا لمجاالت إمتالك المنفعةـ من خالل إقتصادي سلوك مادي أو سلوك إجتماعي معنوي
134
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
إذا كانت المنفعة هي غاية الطلب وعنايته فإن القيمة هي غاية العرض وحافزه
وباألخص فائض القيمة هو محور اإلنتاج وعموده الذي يقوم عليه ،القيمة هي
تقييم لمقدار صفة اإلقتصادية بالمنفعة ،واإلقتصادية هي صفة مشروطة
بقابلية الحيازة والتداول للشئ النافع محل الصفة (ناشد ، )2010 ،والذي إما
أن يكون عمل طبيعي أو إنساني أو مختلط ،سواء أكان مجرد (أي معنوي) أو
مقترن بعيني (عمل مختزن في صورة مادية) ،فالعمل أياً كانت طبيعته يتفاوت
من حيث القابلية للملكية ما بين المملوك حتماً والممكن إمتالكه والالمملوك
حتماً ، 1دائرة الممكن هي تلك الدائرة التي يقع بنطاقها الكائنات القابلة لحمل
صفة اإلقتصادية والتي يمكن تصنيفها إلى اقتصادية (موجبة أو سالبة) وغير
اقتصادية وفقاً للمتغيرات التي تحكم الصفة ،أما الكائنات الحتمية فهي كائنات
الاقتصادية بطبيعتها سواء أكانت محل منفعة أم ال ،ومن صور العمل اإلنساني
المادي الالاقتصادي الذي ال يمكن تداوله حتماً اآلباء واألبناء وبصمات الجسد ،
1
المنفعة قد تكون +2مملوكة بشكل غرائزي حتمي \ 1+مملوكة ال إراديا بفعل التوارث \ 0مملوكة بسلوك
مكتسب \ 0غير مملوكة يسعى لإلكتسابها \ 1-غير مملوكة ال يسعى لإلكتسابها وقابلة لإلكتساب \ 2-غير
مملوكة وال يسعى لإلكتسابها وال يمكن إكتسابها حتميا
135
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
أما العمل اإلنساني المعنوي الالاقتصادي فمن صوره اإلهداء والذي ال يمكن
تداوله بالقيمة اإلقتصادية وانما بقيم الاقتصادية ،واألعمال الحسية (كاأللم
والراحة) والعقلية (كالفهم واإلدراك) والشعورية (كالحزن والسعادة) ، 1فهي من
األعمال التي تدخل ضمن نطاق المملوك أو الالمملوك حتماً ،وان كانت ترتبط
بأعمال تدخل ضمن نطاق األعمال اإلقتصادية والغير اقتصادية ،أما األعمال
الطبيعية الغير مملوكة حتماً الالاقتصادية فمن أمثلتها األجرام والكواكب.
السلع والخدمات هي مصطلح ُيشير إلى الكائنات اإلقتصادية بما تتضمنه من
قيمة اقتصادية تمثل محفظة تم تعبئتها خالل لحظة معينة بقيمة اقتصادية معينة
،هذه القيمة متغيرة تبعاً للمتغيرات الزمانية والمكانية التي ترتبط بطبيعة عمر
المنفعة وتغير الحاجات وتغير المناخ اإلقتصادي واإلجتماعي والسياسي والبيئي
،أما النقود فهي أوراق إئتمانية رسمية بقيمة معينة يمكن من خاللها تقدير وخزن
1
الشعور إما موضوعي يرتبط بتفاعل مزيج من اإلنفعاالت الحسية ال تؤدي إلى إنعطاف األفكار عن مجراها
الموضوعي ،واما شعور عاطفي (العاطفة) ،أي إنفعاالت داخلية منعطفة نحو اتجاه معين غير موضوعي
وتؤدي إلى إنعطاف الفكر والسلوك تجاه نفس الشئ.
136
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
القيمة لتسهيل تداول المنافع وحفظ القيمة ،وللنقد دور أساسي في عملية اإلنتاج
،حيث يجب أن يتوافر اإلئتمان بالقدر الذي يسمح بتسييل القيمة ألن ندرة أوراق
اإلئتمان عن القدر الالزم يترتب عليها تعذر إشتقاق القيمة (اإلنتاج) ،بينما
زيادة اإلئتمان عن القدر االزم يؤدي إلى ضياع القيمة المختزنة سابقاً بتسربها
إلى تلك الكمية الزائدة.
األموال اإلقتصادية
وعليه فأي كائن مادي أو معنوي طبيعي (بغير تدخل بشري) أو بشري (الطاقات
الذهنية والجسدية لإلنسان) أو مختلط (كل عمل إنساني مختلط بعمل طبيعي أو
نسُبه إلى صفة اإلقتصادية فهو
متجسد) (بولرباح و عبد الباقي )2012 ،تم ْ
وعاء لها أياً كان تصنيفه وفقاً لمعيار ط ْور المنفعة اإلقتصادية التي يتضمنها ،
والذي يتدرج من المصدر اإلقتصادي وهو كل ما أدرك اإلنسان منفعته
اإلقتصادية قبل اإلستغالل ،إلى المورد اإلقتصادي وهو ذلك الجزء من
المصادر اإلقتصادية التي يمكن إعدادها فعلياً للدخول في دائرة اإلستغالل
اإلقتصادي أو هي مواطن إيراد القيمة اإلقتصادية بالمصدر ،ولذلك فالمورد هو
األصل الذي ترد منه المنفعة ،أما عامل اإلنتاج فهو ذلك الجزء من الموارد
االقتصادية الذي تم امتالكه (أصبح مال) واعداده فعال للمساهمة في عملية
اإلنتاج (أصبح رأس مال) (إبراهيم م ، )2016 ،.فالمال ووفرته الثروة وفق
المفهوم اإلقتصادي هو كل كائن مادي أو معنوي مملوك (ملكية عامة أو
خاصة) يتضمن منفعة اقتصادية ،سواء أكان في صورة مصدر أو مورد أو
مال (منفعة استهالكية) أو رأس مال (منفعة إنتاجية) (حبيب م، )2010 ،.
وينقسم المال اإلقتصادي سواء أكان رأسمالي أو استهالكي وفقاً لمعيار الديمومة
إلى أموال ُمستهلكة أي تفنى عند استعمالها مرة واحدة كالطعام والوقود ،وأموال
137
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ُمعمرة أي ُينتفع بها لألكثر من مرة مثل السيارة واألثاث ومعدات اإلنتاج
الرأسمالية ،وأموال أبدية ال تفنى باالستعمال أبداً مثل األرض.
واذا كان المال اإلقتصادي هو األصل في حفظ القيمة وتداولها (النقود السلعية)
إال أن التطورات التي لحقت عمليات التبادل اإلقتصادي مكنت من طرق تعبئة
وتبادل للقيمة اإلقتصادية بمعزل عن منفعتها ،فيما يعرف بالنقود اإلئتمانية
بأشكالها (كالبنكنوت والعمالت المساعدة والصكوك الحكومية والشيكات التجارية
والنقود األلكترونية) والتي تمثل دين على الدولة (أو جهة إصدارها) مقابل منفعة
حصلت عليها قابل للتداول بقوة القانون ،باإلضافة إلى األوراق التجارية
(كاألسهم والسندات) التي تمثل ديناً على التجار قابل للتداول (بصفة الثقة
والسمعة التجارية) ،وبذلك فإن النقود اإلئتمانية واألوراق التجارية م َّكنت من
مرحلة جديدة لحفظ وتبادل القيمة اإلقتصادية مختلفة عن مرحلة المبادلة بالنقود
السلعية ،وبشكل عام ترتبط كفائة األموال المباشرة أو الغير مباشرة وجودتها
بوظيفة حفظ القيمة بقدرتها على اإلحتفاظ بما تتضمنه من قيمة اقتصادية أطول
1
قانون المعامالت المدنية ،الكتاب الثالث الحقوق العينية األصلية/الباب االول حق الملكية ،الفرع الثامن
الحيازة ،المادة - 1307مفهوم الحيازة وصحتها
138
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
فترة ممكنة أو زيادتها ومدى مقاومتها لعوامل تسرب القيمة كاإلهالك وتضخم
وتغير الطلب.
هو كل مال اقتصادي إكتسب صفة إنتاجية ،ويرجع أول إستخدام لكلمة رأس
المال كانت في القرن السابع عشر ،كصفة للمخزون الرئيسي أو للمال األصلي
للتاجر ،ولقد تحدث بتي في كتابه "الحساب السياسي" الصادر سنة 1669عن
"رؤوس األموال الهولندية في شركة الهند الشرقية" ،وعند التجاريين كان معنى
الكلمة هو مبلغ النقود الذي أقرض أو الذي يحتفظ به من أجل اإلقراض أي
"أصل الدين" ،ثم استخدم مصطلح رأس المال ليعنى الثروة التي تنتج ربحاً
بتداء من تيرجو بمعتى "القيم المتراكمة" ،وأصبح
معيناً ،واستخدمها الطبيعيون ا ً
1
الحناوي ،حمد صالح ( .)2005تحليل وتقييم األسھم والسندات ،مؤسسة النشر الجامعية ،مصر ،ص.267
139
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
تعبير رأس المال يستعمل للداللة على المصانع والمباني واآلالت أي تلك
األموال التي تستخدم لإلنتاج كرأس مال ثابت وظهر مصطلح رأس المال العامل
للداللة على السلع والخدمات التي تدخل في اإلنتاج مرة واحدة وتنقل قيمتها إلى
المنتج الجديد ،وهو ما أدى إلى اعتبار آدم سميث أن رأس المال يمعنى رصيد
التاجر ،والذي قام بتقسيمه إلى رأس مال جاري ورأس مال ثابت ،حتى عرفه
ريكاردو بأنه ذلك الجزء من الثروة المعد والمستخدم بغرض اإلنتاج والذي يتكون
من الطعام والمالبس واألدوات والمواد األولية واآلالت وغيرها ،الضرورية من
أجل العمل ،ثم استخدم ماركس كلمة رأس المال بمعنى جديد وهو كل منتج
مادي ذو عالقة انتاج ويؤدي إلى زيادة القيمة اإلقتصادية أو فائض اإلنتاج
اإلقتصادي ،سواء أكان نقود أو آالت أو مباني أو مواد خام أو منتجات،...
فرأس المال هو قيمة تأتي بفائض قيمة ، 1وبذلك فقد اتخذ مصطلح رأس المال
مفهوماً أشمل مع الماركسيين من ذلك المفهوم الكالسيكي والذي كان يقتصر
على العمل المتجسد في اآلالت والمعدات ،ليشمل كافة عوامل اإلنتاج المادية
بتفريعاتها المختلفة تبعاً لطبيعة االستخدام ومجاالت العمل ، 2ثم اتسع بعد ذلك
ليشمل المنتجات المادية والمعنوية التي تستخدم في عملية اإلنتاج كرأس المال
االجتماعي والثقافي والفكري والبشري والنفسي والتنظيمي والذي يؤدي إلى تولد
قيمة مضافة.
1
غازي الصوراني ( .) 2013مقتطفات من كتاب رأس المال لفؤاد مرسي :1991 ،رأس المال لكارل ماركس،
دار الثقافة الجديدة ،الطبعة الثالثة ،القاهرة.
2
حبيب ،مطانيوس :1997 ،االقتصاد السياسي ،الطبعة األولى ،جامعة دمشق.
140
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
141
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
النظرية األولى تعرف باسم نظرية القيمة العمل وتُفسر القيمة اإلقتصادية من
جانب العرض أو وفقاً لمقدار ما بذل في المنتج من عمل مباشر ومتجسد ،
فقيمة السلعة اإلقتصادية تتحدد بكمية العمل الذي بذل في عملية إنتاجها ،وهو
اإلتجاه الذي ساد لدى الماركنتاليين والكالسيك والماركسيين (رزق ، )2010 ،إال
أن الماركسيين لم يعطوا العمل الغير مباشر (المتجسد في اآلالت) نفس القدر
من المرجعية ،فما العمل المتجسد إال صورة متحولة من العمل الحي وبالتالي
فإن أصل القيمة هو العمل المباشر بتحوالت صورته ،وهو العنصر الحاسم في
خلق القيمة واألحق بفائضها ،إال أنه ال يبدو مبرر لهذا التفريق فاألصل
الرأسمالي والمقدر بالعمل المتجسد ناتج عن تراكمات من العمل الحي تمتد خالل
بعد تاريخي ،ووفقاً لهذه النظرية فإن الطبيعة ال توصف بأنها مال إال إذا
تضمنت قد اًر من العمل لتصبح ذات قيمة ،فالثمرة على الشجرة ليس لها قيمة
حتى يضاف إليها عمل بشري وهو اإللتقاط ،كما أن الموارد المعدنية ال توصف
وفقاً لهذه النظرية بالمال مالم يتم استخراجها.
انتقد الحديون وليام ستانلى جفونز ،وليون فالراس ،وكارل منجر هذه النظرية ،
واعتبروا أن العكس هو الصحيح فالعمل المبذول له قيمة ألن له منفعة وله
حاجة ،والحاجة شعور متغير تبعاً للعوامل النفسية واإلجتماعية ،وتعرف هذه
النظرية بنظرية القيمة المنفعة ،وتفسر القيمة من جانب الطلب ،وقد فرقت
هذه النظرية ما بين القيمة السائدة بالمجتمع (قيمة السوق) والتي يحددها الطلب
المجتمعي ،وما بين القيمة اإلستعمالية للفرد (القيمة اإلستهالكية أو القيمة
التجارية) كتقويم شخصي لقيمة المنفعة يتوقف على مدى حاجة الفرد وحالته
المادية والنفسية والتي تختلف من شخص آلخر ومن وقت آلخر.
142
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
التقييم من جانب العقل اإلقتصادي لتقدير النفعية هو حكم عقلي بمقدار صفة
النفع اإلقتصادي التي يتضمنها الكائن المادي أو المعنوي ،والتقييم هو لفظ
وقوم الشيء أعطاه قيمة وتقدي اًر ،إذا نسبنا تلك الصفة
قوم َّ ،
مشتق من الفعل َّ
إلى العقل محل الحكم لتصنيف مجموع الصفات محل الحكم فيمكننا التمييز ما
بين صنفين من القيم تبعا لصنفي العقول الحاكمة اإلنساني والجمعي للمجتمع
اإلنساني ،وهما القيم اإلنسانية والقيم اإلجتماعية ،بحيث تشير القيم اإلنسانية
إلى تلك الصفات التي تحكم عليها النفس البشرية بطبيعتها بالقيمة سواء أكانت
طبيعة عامة أو منفردة ،باعتبار أن الظاهرة اإلنسانية تشير إلى النفس البشرية
أو المكون المعنوي باإلنسان من حيث الصفات الطبيعية المشتركة أو الفريدة ،
وهي تختلف بشكل كبير عن الظاهرة اإلجتماعية وهي ذلك المكون المعنوي
الذي ينشأ تبعاً إلجتماع مجموعة من البشر ويتبعه عدة ظواهر كالعقل الجمعي
،ووفقاً لذلك التصنيف فإن القيم اإلقتصادية اإلنسانية هي تلك الصفات بكائن
مادي أو معنوي والتي حكم عليها العقل اإلنساني بطبيعته بالقيمة اإلقتصادية
(كالذهب) ،أما القيم اإلقتصادية اإلجتماعية فهي تلك الصفات بكائن مادي أو
معنوي والتي حكم عليها عقل جمعي بالقيمة اإلقتصادية ،وكما أن العقل
اإلقتصادي اإلنساني أو المجتمعي ُيقيم الكائنات المادية والمعنوية ،فإن العقل
الطبيعي واإلنساني والصناعي والعلمي ...سواءاً اإلنساني أو المجتمعي يقوم
بتقييم الكائنات أيضاً وفقاً لطبيعة الصفة محل التقييم والتي قد تتقاطع أو ال
تتقاطع مع تقييم العقل اإلقتصادي
طور النيوكالسيك على بداية من أعمال مارشال نظرية المنفعة وأضافوا إليها
دور العمل فيما ُيعرف بنظرية اإلزدواج في القيمة وهي النظرية التي تفسر قيمة
الصفة اإلقتصادية بالكائن من جانبي العرض والطلب ،حيث ذهب إلى الجمع
ما بين نفقة االنتاج والمنفعة لتفسير القيمة ،فقد اعتبر أنه من غير المنطقي أن
143
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
تتحدد القيمة اإلقتصادية وفقاً للتكلفة بمعزل عن الطلب ،ألن تحديد تكلفة إنتاج
السلعة يرتبط بتحديد حجم الطلب عليها وقدر اإلنتاج ،كما أن المنفعة من
جانب الطلب تمثل شرطاً للقيمة ،ولذلك فجانبي العرض والطلب بمثابة حدي
مقص ال يمكن ألحدهما وحده أن يقوم بعملية التقييم (عمر ح. )1992 ،.
إال أن المنفعة والتكلفة فقط ال يمكن في ضوئهما تفسير قيمة الموارد المعدنية
التي لها قيمة كبيره نظ ار منفعتها الكبيرة ،والتي كان من الممكن أن تفقد قيمتها
كليةً لو أنها كانت تتوافر بكثر كالمياه بالرغم من منفعتها ،وهو ما مهد لنظرية
الندرية النسبية لتفسير أشمل للقيمة اإلقتصادية ،ومن أهم االقتصاديين الذين
فسروا القيمة اإلقتصادية بالندرة "كاسل ودوبنز" والذي اعتبر أن المنافع تكون لها
قيمة اقتصادية ألن لها ندرة نسبية ،وعليه فإن مبحث الندرة هو محور علم
اإلقتصاد ،بينما المنافع المتوفرة كالهواء والشمس ليست منافع اقتصادية ،
وبذلك فالحاجة شرط للمنفعة ،والمنفعة شرط لصفة اإلقتصادية والتي تتحدد
قيمتها بمقدار العمل والندرة النسبية للموارد.
144
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الندرة كمتغير قد ُيعزى ألسباب تتعلق بطبيعة المنفعة ،كدرجة توافر موارد
المنفعة (موارد حرة :وهي الموارد التي ال يتطلب الحصول عليها بذل الجهد أو
المال مثل االكسجين وضوء الشمس ،وموارد اقتصادية :هي الوارد التي يتطلب
اء أكان مورد
الحصول عليها بذل المال) ومدى صعوبة الحصول عليها ،سو ً
طبيعي أو بشري أو صناعي ، 1كما قد ُيعزى ألسباب اجتماعية تتعلق برؤية
المجتمع البشري لتلك المنفعة ما بين الحظر والتقييد واإلباحه ،والتي بتفعيلها
وفقاً لمتغير سلطة الرأي السائد ،تزداد الندرة النسبية بالنسبة للمنافع المقيدة
وبدرجة أعلى بالنسبة للمحظورة ،حتى تختفي تلك األخيرة نهائياً من الحسابات
القومية للمنافع ،وهي تختلف عن تلك المنافع الغير رسمية والتي ال تظهر أيضاً
بالحسابات القومية ولكنها تظل مشروعة اجتماعياً ، 2أما التقييد اإلجتماعي فقد
يأخذ عدة صور كالقيود التشريعية والسياسية والمجتمعية ،ولذلك فالعامل
اإلجتماعي يسهم في بعض الحاالت في ندرة العمل كما تتحكم عوامل أخرى في
الندرة كالعوامل المتعلقة بطبيعية المنفعة.
واجمال يمكن القول بأن القيمة اإلقتصادية صفة متغيرة بأي شئ مادي أو
معنوي قابل للتداول بتغير ثالثة عوامل وهي التكلفة (المباشرة والغير مباشرة)
والنفع والندرة أي من جهتي العرض والطلب ،فإذا كانت أجرة سيارة (عنصر
1
فالمنفعة الطبيعية قد تكون نادرة لندرة مواردها بالطبيعة ،كما أن النفعة الصناعية قد تكون نادرة لندرة موردها
الصناعي كالمنفعة المتحققة من الشواهد األثرية النادرة ،والمنفعة البشرية قد تكون نادرة لندرة المورد البشري
المولد لها كمعرفة أو خبرة تتوافر لدى عدد قليل من الموارد البشرية ،كما أن الندرة ترتبط بدرجة الصعوبة في
الحصول على المنفعة فبعض المنافع الط بيعية تستلزم مجهود شاق للحصول عليها من مواردها الطبيعية ،أما
المنافع المتولدة عن موارد صناعية فتؤثر الصعوبات المتعلقة بإنتاجها واستخدامها على درجة ندرتها ،كما أن
المنفعة من المورد البشري قد تتسم بالندرة لصعوبة الحصول عليها كالدرجات العلمية العالية.
2
ا لناتج الغير رسمي هو ناتج أنشطه غير محظوره ولكن لم يتم إدراجها بالحسابات القوميه لقصور الحصر أو
التهرب ،أما الناتج المحظور فهو ناتج لمنافع محظور تداولها في اإلقتصاد الوطني.
145
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
رأس المال) قيمة معينة فإن جزء من تلك القيمة ُمشتق من جهة العرض ويمثل
قيمة مدخالت التشغيل أو قيمة اإلستهالك التشغيلي وتعرف بالتكلفة المباشرة ،
وجزء آخر ُمشتق من جهة العرض أيضاً ولكن من قيمة األصل نفسه وهو مقدار
ويعرف بالتكلفة غير المباشرة
اإلنخفاض في قيمة األصل أو قيمة اإلهالك ُ
(بتراكمها يتم استراداد القيمة الرأسمالية لعنصر اإلنتاج) ،وقيمة إضافية ُمحدثة
تُعرف بفائض القيمة ُيضيفها الطلب وفق درجة حاجته للمنفعة ووفق ندرتها ،
هذه العناصر الثالثة لقيمة المساهمة قيمة المدخالت والقيمة المشتقة وفائض
القيمة عناصر غير مشروطة ،بمعنى أنه قد يتم إنتاج عمل ال تتضمن قيمته
السوقية فائض قيمة أو القيمة التي تم إهالكها ألن الحاجة إلى منفعته منخفضة
أو لوفرتها وهي اإلشكالية التي تواجه العمل غير الماهر فيما ُيطلق عليه بأجر
الكفاف ،أ و ال يتضمن أي قيمة إلنعدام منفعته بالرغم من تكلفته وذلك ألسباب
بيئية أو اجتماعية أو سياسية ،والعكس فقد ترتفع القيمة المضافة (أو الزائدة أو
فائض القيمة أو الربح اإلقتصادي) لعامل إنتاج إلى درجة كبيرة بالرغم من
انخفاض قيمة تكلفته أو انعدامها كتأجير أرض متجددة الخصوبة طبيعياً وتتمتع
بندرة نسبية وحاجة كبيرة.
وبذلك فالنظريات التي حاولت تفسير القيمة بالمنتج اتجاه منها اعتبر أن منشأ
القيمة يرجع لما تضمنته من تكلفة فسعر البيع يتحدد بما تكلفه المنتج ،وعلى
العكس اعتبرت نظرية أخرى أن القيمة تتحدد بما تتضمنه من منفعة واحتياج
السوق لها ،فكلما ازدادت حاجة المستهلك لمنتج معين يرتفع الطلب على ذلك
المنتج وترتفع معه قيمته بغض النظر عن تكلفته ،اتجاه آخر أضاف ذلك البعد
المتعلق بحجم المعروض وتناسبه مع حجم الطلب عليه ،فازدياد الطلب على
منتج معين لن يؤثر على السعر في حالة زيادة وفرته بنفس قدر زيادة الطلب
عليه ،إال أن ُشح الموارد لتلبية تزايد الطلب قد يكون العامل الحاسم في رفع
146
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
القيمة ،وأخي اًر يجب التفريق ما بين تغير القيمة التي تتضمنها المنفعة وما بين
تغير القيمة التي تتضمنها وحدات التقييم كالنقد المحلي ،ففي حالة ثبات معادلة
وحدة من اإلنتاج بوحدة من نقد أجنبي مع تغير تقييمها بوحدات النقد المحلي
باإلرتفاع (التضخم) الذي يصحبه انخفاض معامل تعادل القوة الشرائية ، PPP
ففي هذه الحالة فإن اإلنتاج لم ترتفع قيمته حقيقةً وانما انخفضت القيمة التي
كانت تتضمنها وحدات النقد المحلي ،فيرتفع المستوى العام لألسعار على
المستوى القومي بالرغم من عدم التغير الحقيقي لقيمة المنفعة التي يتضمنها
المنتج.
147
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
نظرية اإلنتاج
مقدمة
نظرية اإلنتاج هي الرؤية العلمية الوصفية والتفسيرية لظاهرة خلق المال من
حيث ماهيته ()What is the production؟ وعناصر أو عوامل خلقه
()Production factors؟ والعالقات بينها ()Production relationship؟
وأثر تغير تلك العوامل على الناتج أو دوال اإلنتاج ()Production function؟
ومقداره ()What to produce؟ وكيف يمكن تحقيقه ()How to produce؟
،وبالرغم من أن ظاهرة خلق وتوزيع األموال اإلقتصادية قديمة بقدم اإلنسان ،
ويرجع ظهورها ألول تدخل بشري لإلنتفاع بالموارد إال أن محاوالت نظر تلك
وتفسير (تنظيرها) بات ُمتأخ اًر من ُعمر البشرية ،وقد اتسمت
ًا العالقات وصفاً
بدء من أعمال الفالسفة اليونان
المحاوالت في بدايتها بقدر كبير من اإلختزال ً
مرو اًر باإلسكوالئيين ثم الماركنتيليين وحتى الفيزوقراط لتبدأ معهم أولى محاوالت
المتعمق للظاهرة وسبر أغوار بنيتها ،والتي ُسيكملها ويضعها في شكل
التنظير ُ
ويثري تفاصيلها المدارس الالحقة ،
ُمنظم من العلم الكالسيك بريادة آدم سميث ُ
ففي حين أن الماركنتيليين كانوا يعتبرون أن المال هو الذهب والفضة فإن
الطبيعيين رفضوا تلك الفكرة واعتبروا أن الذهب والفضة مجرد تعبير عقيم عن
قيمة المنفعة بالمال وهو السلع المادية النافعة ،كما اعتبروا أن الزراعة فقط هي
النشاط اإلنتاجي الوحيد ألنه النشاط الوحيد القادر على الخلق ،أما الصناعة
فتحويل المنتج من صورة ألخرى والتجارة نقل للمنتج وبالتالي فهي ليست أنشطة
إنتاجية بل أنشطة عقيمة وان كانت تُقدم منافع ،عارض الكالسيك بريادة آدم
سميث فكرة فصل ناتج الصناعة عن مفهوم اإلنتاج بافتراض أن الزراعة هي
النشاط الخالق الوحيد ،واعتبرو أن الزراعة شأنها شأن الصناعة تحويل
148
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
لمدخالت من صورة ألخرى وان كان ذلك التحويل يعتمد باألساس على األرض
بينما التحويل في الصناعة يعتمد على اآلالت ،وبالتالي فكل منتج مادي
يتضمن منفعة يدخل تحت مظلة اإلنتاج ،أما الخدمات فال تُعد إنتاجاً أو أمواالً
ألنها ال تُضيف إلى الثروة وانما تفنى فور استخدمها ،أما جون استيورت ميل
فدعا إلى اعتبار المنافع الخدمية اللصيقة بالسلع المادية دون المنفصلة عنها
المنتج المادي الذي
ضمن مفهوم اإلنتاج لكونها تسهم بشكل مباشر في تكوين ُ
ُيمثل إضافة للثروة ،وهو تفريق رفضه أيضاً جان باتيست ساي واعتبر أن أي
اءا تضمنها شئ مادي أو خدمي إنتاجاً ،وهو ما استقر عليه الفكر منفعة سو ً
إنتاجا إقتصادياً أو أمواالً
اإلقتصادي المعاصر بإعتبار كالً من السلع والخدمات ً
اقتصادية.
149
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
150
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وصناعة الثروات ،أما ويليام بيتي ( )William Pettyفقد اعتبر العمل أب
الثراء واألرض هي أمه.
وبحلول منتصف القرن الثامن عشر ظهر فكر اقتصادي جديد قُبيل الثورة
الفرنسية وهو الفكر اإلقتصادي الليبرالي للطبيعيين ( )Physiocratesبريادة
فرانسوا كينييه ( )François Quesnayوالذي دعا إلى تحرير السوق من كافة
القيود وقدم أول محاولة لوضع نظرية واضحة حول مفهوم اإلنتاج ،رفض
الفيزوقراط نظرية الماركنتيليين للمال بأنه الذهب والفضة والذي بوفرته تتحقق
الثروة ،واعتبروا المال هو السلع المادية بما تحققه من منفعة فالذهب والفضة
أموال عقيمة باعتبارها مقياس للقيمة ،واإلنتاج هو الخلق واإلضافة والذي ال
يتحقق إال من خالل الزراعة فهي النشاط الوحيد القادر على المضاعفة والزيادة
،فاألرض قادرة على مضاعفة وزن معين من الحبوب إلى أوزان ُمضاعفة ولذلك
فهي عامل اإلنتاج الوحيد (الطويل ،2010 ،صفحة ، )90أما الصناعة فهي
مجرد تحويل للناتج من صورة ألخرى والتجارة مجرد نقل لذلك الناتج ،ولذلك
فاألنشطة الصناعية والتجارية ال تُعد إنتاجاً وان كانت تُضيف منفعة لألموال ،
وبذلك فقد اعتبر الفيزوقراط أن كل مال يتضمن منفعة اقتصادية (الزراعة فقط
هي القادرة على إنتاج المال ألن األرض فقط القادرة على اإلضافة ،أما
الصناعة فتحول المال من صورة ألخرى والتجارة تنقله من مكان آلخر) ولكن
األموال مادية فقط أما الخدمات فليست أموال حتى وان كانت منفعة ذات قيمة
اقتصادية.
151
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
لم يلبث مرور ربع قرن على فكر الطبيعيين حتى ظهر آدم سميث والذي قبل ما
طرحه الفيزوقراط كون المال هو المنتجات المادية فقط ،ومبدأ فصل الخدمات
عن مفهوم المال ألنها ال تُضيف ثروة وتفنى فور استخدامها ،إال أن عارض
فكرة قصر مفهوم اإلنتاج على النشاط الزراعي فقط وأن األرض هي العنصر
الفعال في اإلنتاج واستبدلوه بالعمل ،فالزراعة هي األخرى تمثل تحويل
لمجموعة مدخالت من شكل آلخر شأنها شأن الصناعة ،ومن ثم فمن غير
المنطقي الفصل بين مخرجات النشاط الزراعي ومخرجات النشاط الصناعي من
حيث مفهوم اإلنتاج ،وبذلك فقد اعتبر سميث اإلنتاج هو السلع المادية فقط ،
قادت نتائج سميث بضم مخرجات الصناعة لمفهوم اإلنتاج ستيورت ميل ( John
)Stuart Millلضم الخدمات اللصيقة بالسلع المادية لمفهوم اإلنتاج حيث اعتبر
أن الخدمات اللصيقة بإنتاج السلع المادية وال يمكن فصلها عنها من قبيل اإلنتاج
(كالنقل والتخزين) ،أما الخدمات األخرى التى يمكن فصلها عن السلع المادية
(خدمات المهن الحرة) فهي ليست من قبيل اإلنتاج )، (Lange, 1963, p. 6
أما الكالسيكي جان باتيست ساي ( )Jan- Paptiste sayفقد اعتبر أن خلق
أي منفعة هو من قبيل اإلنتاج سواء أكانت خدمات لصيقة باإلنتاج المادي
كالتخزين والنقل أو منفصلة كخدمات األطباء والمعلمين وقد أقره على ذلك الفكر
اإلقتصادي المعاصر ،وبذلك فاإلنتاج هو كل عمل نافع يؤدي إلى اشباع
حاجات األفراد سواء أكان مادي أو خدمي ) ، (Say, 1836, p. 62وهو
أيضاً من أوائل من نادوا بالفصل ما بين المنظم والرأسمالي (الشرقاوي.)2015 ،
وبعد مائة عام مما طرحه سميث سظهر ماركس الذي سيتفق معه كون اإلنتاج
مادي فقط وأن عنصر العمل هو العنصر الفعال في خلق القيمة بين عوامل
152
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اإلنتاج األرض والعمل ورأس المال والتي سيستبدل أحياناً وصفها بلفظ قوى
اإلنتاج بدالً من عوامل أو عناصر اإلنتاج ،إال أن نظرية ماركس حول اإلنتاج
ركزت على تغليب أهمية عنصر العمل المباشر على العمل المتجسد (اآلالت
والمعدات) واعتبرته األحق بفائض القيمة دون المتجسد (Marx, 1867, p.
).199
153
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
لقد بات التيار العام للفكر اإلقتصادي وحتى الماركسية بأواخر التاسع عشر على
تفسير ظاهرة خلق المال (اإلنتاج) بمجموعة من العالقات اإلجتماعية التي تؤدي
إلى إضافة منفعة ذات قيمة ،فهي مجموعة من العالقات ما بين األفراد الذين
يملكون عوامل اإلنتاج تعمل هذه العالقات من أجل إضافة منفعة (بتحويل
الموارد من صورتها األصلية إلى صورة نافعة) ذات قيمة تتحدد بتكلفة تلك
العوامل ،فيما ُيطلق عليه بقيمة التكلفة ،هذه القيمة المضافة ال ترتبط بضرورة
تلك المنفعة المضافة ،فقد تكون قيمة التكلفة المضافة صغيرة بينما منفعتها
المضافة ذات ضرورة كبيرة ،ومن جانب آخر قد تكون قيمة التكلفة المضافة
كبيرة بينما ضرورية المنفعة المضافة صغيرة ،وعلى ذلك اإلتجاه إلجتماعية
عالقات اإلنتاج بادر الفيزوقراط ونظر الكالسيك وأكد الماركسيون ،مع
اإلختالف ما بين الفيزوقراط والكالسيك الذين اعتبروا أن العالقات اإلجتماعية
لعوامل اإلنتاج عالقات استاتيكية ذات ثبوت قانوني مهمة البحث اإلقتصادي
الكشف عنها ،وما بين الماركسيون الذين اعتبروها عالقات ديناميكية ،
فالفيزوقراط والكالسيك اعتبروا أن العالقات اإلقتصادية عالقات اجتماعية
تحكمها قوانين ثابته بنفس منطق القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية وبالتالي
تُفسدها التدخالت السياسية ،وتوصل الكالسيك في نظريتهم لتلك القوانين إلى
الحرة تؤدي إلى التشغيل الكامل والذي يتوازن مع الطلب
أن عالقات اإلنتاج ُ
لكون كل عرض يخلق طلبه ،عارض ذلك اإلتجاه اإلستاتيكي التيار الماركسي
بالرغم من اتفاقه على اجتماعية عالقات اإلنتاج إال أنه وصف تلك العالقات
بالديناميكية وعدم الثبات تبعاً لتغير المجتمعات ،وهو ما حدث بالفعل مع تغير
عالقات اإلنتاج مع حلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتراكم فوائض
154
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اإلنتاج الصناعي وبالتالي تحول المشكلة من جانب العرض (والقدرة على خلق
المال) إلى جانب الطلب (القدرة على البيع) ،والذي مهد لرؤية جديدة لهذه
المضافة والنفعية
العالقات مع النيوكالسيك بريادة مارشال من منظور المنفعة ُ
المكتسبة ،حيث اعتبر أن عالقات اإلنتاج ليست اجتماعية وانما عالقات ُ
سيكولوجية مع تأكيد اإلستاتيكية الكالسيكية ،فهي عالقات ما بين األفراد
واألشياء (عوامل اإلنتاج نفسها) أو ما بين حاجة الفرد والمنفعة التي يتضمنها
الشئ ،فهي عالقة سيكولوجية تبدأ من الفرد وشعوره بالحاجة وتنتهي بالمنفعة
المنتج ،والتي تُمثل العامل األساسي في تحديد القيمة ال ما
المضافة إلى ُُ
تتضمنه من تكلفة ،وبذلك فقد نقل مارشال بؤرة اإلهتمام من موضوع خلق المال
إلى موضوع المنفعة التي تتحقق من المال ،وبتسارع معدالت اإلنتاج
واإلستهالك بالقرن العشرين عادت المشكلة إلى جانب العرض مرة أخرى ولكن
في صورة ُندرة عوامل اإلنتاج ،مما أتاح لروبنز رؤية أخرى لعالقات الظاهرة
الندرة ،فبالرغم من اعتباره لها أنها عالقات سيكولوجية إال أنه
من جانب ُ
اعتبرها ليست من حاجة الفرد تجاه منفعة الشئ ،وانما تنشأ من ندرة المنفعة
تجاه حاجة الفرد وعلى أساسها تتحدد القيمة ،لقد ظلت العالقة مع روبنز
سيكولوجية ولكنها هذه المرة بعكس اتجاه عالقة مارشال والتي بدأت من الفرد
وشعوره بالحاجة تجاه منفعة الشئ ،لتبدأ من جانب خاصية الندرة بالشئ إلى
الندرة ،أضاف
الفرد وحاجته لتنتقل بؤرة اإلهتمام مع روبنز من النفعية إلى ُ
سامويلسن بعد ذلك مفهوم كفاءة اتجاه تلك العالقة الهادفة نحو خلق وحيازة
الندرة إلى مفهوم
المال ،وبذلك نقل سامويلسن عناية علم اإلقتصاد من مفهوم ُ
اتجاه العالقة وكفائة خلق المال من الموارد النادرة وكفاءة النشاط المبذول
لحيازته ،والذي عبر عنه بتساؤل "بكيف يمكن لألفراد الحصول على قدر مما
أنتجه آخرين؟".
155
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
156
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
صفحة ، )108إال أن تقسيم سميث الثالثي لعوامل اإلنتاج شهد جدالً واسعاً
بين اإلقتصاديين حيث اعتبرت المدرسة اإلنجليزية أن رأس المال هو ما قد سبق
انتاجه وأنه ال يدخل ضمن نطاقه الموارد الطبيعية (حشيش ،1998 ،صفحة
، )279أما المدرسة الفرنسية فقد اعتبرت أن رأس المال ما ينتج عن مساهمته
الزيادة فى الناتج القومى عن االستهالك القومى وهو األرض والصور المتحولة
لها المتضمنة عمل متجسد ،و أروا أنه من الصعوبة التمييز ما بين األرض
ورأس المال واعتبروا أن التقسيم األصح لعوامل اإلنتاج هو عاملين فقط العمل
ورأس المال بما يشمله المعنى من األرض واآلالت والمعدات (Hicks, 1960,
) ، p. 74كما اعتبرت المدرسة النمساوية – أو المدرسة الحدية –أن رأس المال
يمكن أن يكون شيئاً من الطبيعة لم يتدخل اإلنسان في انتاجه (يوسف ع،.
،1987صفحة ، )119أما البريطاني الفريد مارشال فقد انتقد تقسيم الكالسيك
واعتبر أن عوامل اإلنتاج هي األرض والعمل ،فاآلالت والمعدات في األصل
هي عناصر من الطبيعة أو األرض متحولة لصورة أخرى بفعل العمل ،وبالتالي
فعوامل اإلنتاج هي األرض بصورها المتعدده والعمل ،ثم فصل التنظيم عن
العمل وهو الدور الذي كان يقوم به الرأسمالي من تجميع عوامل اإلنتاج وتحمل
المخاطرة واعتبره كعامل مستقل ألول مرة ) ، (Marshall, 1890كما اعتبره
ومن بعده شومبيتر القوة المحركة في إنتاج الثروة ،وأن دوره يختلف عن غيره
من العوامل األخرى ذات الدور السلبى فى تحقيق اإلنتاج ،أما المنظم فهو
صاحب الدور الريادي واإليجابي فى تنظيم عوامل اإلنتاج إلنجاز العملية
اإلنتاجية ) ، (Hanson, 1967, p. 44ويوجه إلى ذلك الرأي أن التنظيم شأنه
شأن سائر العوامل في حالة عدم اكتمال سائر العناصر اليمكن لعنصر أن
يكون له دور إيجابي (عبد اهلل و وآخرون ، )2014 ،رفض بعض اإلقتصاديين
هذه التفرقة بين العمل والتنظيم كمارتن ميللر ( )Merton H. Millerوالذي
157
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اعتبرها أنسب إلى العصور الوسطى ورأى أن التنظيم جزء ال يتج أز من عنصر
العمل غاية األمر أن العامل تابع ال يتحمل المخاطرة ،وأن المنظم
( )entrepreneurيعمل فى المشروع متحمالً مخاطره ) ، (Miller, 2014وفي
عام 1956ظهر مصطلح رأس المال البشرى ( )Human Capitalألول مرة
فى مقال ألحد االقتصاديين المنتمين إلى مدرسة شيكاغو ()Jacob Mincer
بعنوان ( )investment in Human Capitalالمنشور فى مجلة االقتصاد
السياسى ( )Journal of Political Economyعام ، 1956ثم طور المفهوم
بالتعاون مع بيكر ( )Gary Beckerبكتابهما الصادر بعنوان ( Human
)Capitalعام ، 1964كما ظهرت بعض األفكار اإلقتصادية بإضافة رأس
المال اإلجتماعي (العالقات اإلجتماعية) ورأس المال الثقافي ورأس المال النفسي
ورأس المال السياسي والتشريعي (الدولة) ضمن العوامل التي تسهم في عملية
اإلنتاج (بخالف التراخيص والتصاريح الرسمية التي تدخل ضمن رأس المال
الفكري) (السعيد و وآخرون ،1975 ،الصفحات ، )52-48كما دعا بعض
اإلقتصاديين إلى اعتبار التكنولوجيا عامل إنتاج مستقل عن رأس المال
الصناعي كما سيتبين تفصيله.
158
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
159
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
سياسات الدولة بعمومها تنبع بشكل أساسي من الفلسفة العامة للدولة ،وهي
ناء عليها غاية في
المبادئ والقواعد والمسلمات التي تؤمن بها الدولة فتُشكل ُب ً
وبناء عليه فتتشكل سياسات
ً ذاتها وجهد ترتضي بذله للوصول لتلك الغاية ،
الدولة كقواعد عامة ومرشدة تضعها الدولة لتذليل نهج المهمة الموضوعة واتمام
وبناء عليه فليس كل ما تعتنقه الدولة من مبادئ ُيصطلح بالسياسة ،
ً مسيرتها ،
فالفلسفة العامة للدولة (فلسفة الرؤية المستهدفة) هي مبادئ وقيم غائية (إستاتيك)
،أما السياسات العامة للدولة (سياسات المهمة أو الرسالة) فهي مبادئ وقيم
وصولية (ديناميك) ،الدولة التي تعتنق مبادئ وقيم دينية غايتها الوصولية
ستكون نقطة داخل إطار إقامة الدين ،أما الدولة التي تعتنق مبادئ وقيم مدنية
فستكون رؤيتها نقطة داخل إطار المدنية ،الرؤية يجب أن ُيكافئها جهد مبذول
للوصول لغايتها وهي المهمة أو الرسالة ،والتي تشترك مع الرؤية من حيث القيم
التي تدفع للقبول بها ،وتنفرد بالقيم الوصولية التي تُمكن من أدائها ،المهمة في
سبيل إتمامها يتم ترجمتها إلى أهداف التحرك ،سواء أكانت أهداف مرحلية أو
غير مرحلية ،متداخلة أو منفصلة ،أهداف الدولة هي ذلك المسار المرسوم
بخريطة زمنية للربط ما بين نقطة الوضع الحالي ونقطة الوضع المستهدف ،
ُمستقيماً (أهداف ُمباشرة) ،أو مسا اًر غير م ٍ
باشر ُملتفاً حول سواء أكان مسا اًر
لحواجز وأغوار (أهداف استراتيجية-غير مباشرة) ،خريطة عقبات ومتخطياً
المرشدة
التسيير) إن لم تكن ُمنقحة المسارات بالقواعد الصحيحة ُ
ّ السير (أو
للسير (السياسات) وبشكل واضح ،فإن مهمة الوصول عملياً ستكون من
الصعوبة بمكان ،فإن كانت القواعد غائبة أو غير مناسبة أو غير واضحة أو
متضاربة أو غير مرنة أو غير مقبولة ،فإن ذلك ال يعني سوى تبديد جزء كبير
من جهود الدولة وجعل الوصول أم اًر غاية في الصعوبة.
160
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
161
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المرفق محل العناية ،بحيث يتقاطع بالقانون ُبعد عمق التدخل التنظيمي
لألشخاص العامة (شخص الدولة واألشخاص العامة التابعة لها) مع إطاري
المسموح والمحظور لتنشأ نطاقات يظهر بها أقصى تدخل تنظيمي وأخرى بها
تدخل معتدل وأخيرة بها أقل تدخل ممكن بإطاري المرفق محل العناية ،فعلى
سبيل المثال األمن كدور نوعي أو التشريع كدور شكلي ،تمارسهما أغلب الدول
حص اًر بصفة السيادة ،فتحتكر تشريع وتحكيم وتنفيذ حق األمن ،وتحتكر حق
إصدار القواعد القانونية العامة الملزمة بشكل عام ،أما مرفق اإلنتاج أو التعليم
أو الصحة ،..كدور نوعي فعادة ال تمارسه أغلب الدول بصفة السيادة ،وان
كانت تجعله محل عناية كموضوعات خاصة ،أي وان مارست الدولة أنشطتها
ال تمارسها بصفة السيادة وانما بصفة خاصة.
أوالً السياسات العامة للدولة
السياسات المباشرة وغير المباشرة تشكل بمجموعها مزيج عمل رأس المال
السياسي ،أما اصطالح السياسة العامة أو الحكم فيستخدم عادة للداللة على
السياسات السيادية الغير مرتبطة بشكل مباشر بالمجال اإلقتصادي والمرتبطة
السلطة ووضع الحريات خاصة المتعلقة بالفكر والرأي والصحافة
بانتقال وتشارك ُ
وانفاذ القانون والكفاءة اإلدارية لجهاز الدولة ،وقد وضعت بعض المؤشرات
لقياسها كمؤشر اإليكونوميست للديموقراطية ومؤشر البنك الدولي إلدارة الحكم.
أوالً مؤشر اإليكونوميست للديموقراطية
مجموعة اإليكونوميست ( )The Economist Groupهي شركة إعالمية
متعددة الجنسيات مقرها الرئيسي في لندن ببريطانيا تتبع قطاع األعمال الخاص
،أسسها "جيمس ويلسون" ( )James Wilsonعام ، 1843أبرز إصداراتها
"مجلة اإليكونوميست" ( )The Economistاإلسبوعية والتي تمثل واحدة من
أبرز مصادر المعرفة اإلقتصادية والتي يهتم بها العديد من التنفيذيين وواضعي
162
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
163
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
164
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
165
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
166
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
167
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وبتوزيع نسبة متوسط دخل الفرد لعام 2015إلى المتوسط دخل الفرد بالدول
الغنية بيانيا مع متوسط قيمة المؤشرات العالمية إلدارة الحكم يتضح مدى
اإلرتباط ما بين المتغيرين كما هو ُموضح بالشكل التالي:
شكل بياني يوضح العالقة ما بين مستوى الدخل وما بين مستوى جودة الحكم
بفحص توزيع البيانات بالشكل السابق يتضح طبيعة البنائية الوظيفية للعالقة ما
بين المتغيرين ،أو اتجاه التأثير ما بين المتغيرين ومن يقود تغيير من؟ ،حيث
يتضح من التوزيع السابق أن مستوى الحكم الجيد يكون أعلى من مستوى الدخل
بالدول التي تتسم بشكل عام بانخفاض المستويين ،وبارتفاع مستوى جودة الحكم
إلى المستوىات المتوسطة يرتفع معه مستوى الدخل إلى المستوىات المتوسطة ،
ولكن يظل مستوى الحكم أعلى وبتفاوت بين المتغيرين أقل من التفاوت بمجموعة
الدول منخفضة المستويين ،ولكن عقب تلك المرحلة تنعكس طبيعة تلك العالقة
ليصبح بالدول التي تتسم بشكل عام بارتفاع مستوى الدخل وجودة الحكم بارتفاع
مستوى الدخل عن مستوى جودة الحكم ،ومما سبق يمكن استنتاج أن جودة
الحكم تقود التقدم اإلقتصادي بدرجة كبيرة في الدول النامية والمتخلفة وفق عالقة
بنائية تكون فيها السياسة بنية تحتية لإلقتصاد كبنية فوقية ،بينما بارتفاع
مستويات جودة الحكم والدخل تنعكس تلك الطبيعة البنيوية ليقود اإلقتصاد جودة
الحكم إلى مستويات أعلى وفق عالقة بنيوية يكون فيها اإلقتصاد بنية تحتية
168
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
والسياسة بنية فوقية ،إن اختبار العالقة ما بين بيانات المتغيرين السابقين
بمجتمع الدراسة يؤكد العالقة البنائية الوظيفية المنعكسة ما بين المستويين األدنى
واألعلى ،وهي عالقة ما بين تركيز صفتين وهما الحكم الراشد والقيمة
اإلقتصادية ،حيث يقود الحكم الراشد اإلقتصاد بالدول النامية بينما يقود
اإلقتصاد السياسة إلى مزيد من الحكم الراشد بالدول المتقدمة ،هذه العالقة قد
تحيد عن ذلك الشكل بتأثير متغيرات دخيلة تختلف من دولة ألخرى فيختلف
معها شكل العالقة ما بين المتغيرين ،فعلى سبيل المثال الدول مرتفعة الدخل
التي ينخفض بها مستوى جودة الحكم إلى مستوى يقترب من المتوسط ثالث دول
فقط وهي اإلمارات 0,57والكويت 0,43والسعودية ، 0,44فيما عدا ذلك فإن
كل الدول مرتفعة الدخل تتمتع بدرجات مرتفعة من جودة الحكم ،ويمكن تفسير
تلك العالقة بأن الدخل المرتفع المتولد في تلك الدول لم يتكون بشكل أساسي
نتيجة لتأثير مستوى جودة الحكم على القطاع الخاص ،وانما يتكون أغلبه بفعل
الموارد الطبيعية المملوكة للقطاع العام كما هو الحال بالمملكة السعودية والتي
ُيمثل مجموع إيرادات الموارد الطبيعية نحو %48من ناتجها اإلجمالي ،كما أن
اإلقتصاد في تلك الدول لم يقود مستوى الحكم إلى مزيد من الرشد على غرار
الدول مرتفعة المستوى اإلقتصادي ،وذلك إلنخفاض مستوى الثقافة العلمانية
ألدنى حد ممكن كدول ذات ديانة رسمية ال تنص دساتيرها على إقرار الثقافة
العلمانية ،مما يمثل عائقًا جوهرًيا نحو تأثير اإلقتصاد لرفع مستوى جودة الحكم
بتلك الدول ،وفي المقابل فإنه ال توجد دولة واحدة منخفضة الدخل يرتفع فيها
مستوى جودة الحكم إلى مستويات مرتفعة ،وانما ينخفض مستوى متوسط الدخل
الفردي بجميع الدول ذات الحكم السئ أو التي ينخفض بها مستوى جودة الحكم
عن المتوسط ،ومع ذلك فإننا نلحظ أن دولة كإيران منخفضة مستوى الحكم
الجيد إلى مستوى 0,26ومع ذلك يرتفع متوسط الدخل الفردي بها إلى مستوى
169
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
170
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
171
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الكينزية نادت بالتدخل التعويضي وطرحت أداة عجز الموازنة عالجاً للركود
إلستعادة التوظيف الكامل ،وفي المقابل فإن المدرسة النمساوية (كارل منجر)
معارضي "الحكومة الكبيرة" اعتبرت أن التدخل الحكومي في اإلقتصاد بشقيه
العام والخاص هو السبب الحقيقي في الركود ،وتوصي بتخفيض التدخل
الحكومي في اإلقتصاد وتخفيض الضرائب وتقليل اإلنفاق (ميرفي،2013 ،
صفحة ، )32أما التدخل التنظيمي لمنع تدهور العالقات اإلقتصادية وحماية
األداء اإلقتصادي فمن أبرز النظريات التي دعت إليه نظرية "قارب النجاة" والتي
ترى أن الدول الغربية الغنية تعيش اآلن داخل قارب نجاة مزدحم ،أما بقية
سكان األرض فإنهم يغرقون في بحر من الجوع والفقر ،ولو سمح أصحاب
قارب النجاة لآلخرين بالتشبث بالقارب لغرقوا جميعا (الحسن ،2010 ،صفحة
، )42وهو ما يفسر سبب ميل الدول الغربية إلى سياسة الحرية اإلقتصادية وفي
نفس الوقت تمارس سياسات تتعارض تماما مع سياسة الحرية كفرض قيود على
حرية حركة العمالة وتدفقات اإلنتاج.
172
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وفي شأن هذا الصدد تم إنشاء الجامعة العربية عام 1945م ،وانشاء "المجلس
االقتصادي العربي" عام 1950للنهوض باقتصادات البالد العربية ،وفي عام
1953وقعت الدول العربية "اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة
الترانزيت" ،وفي أواخر الخمسينيات أعدت اللجنة االقتصادية للوزراء العرب
مشروعاً كامالً للتعاون االقتصادي انبثق منه "مجلس الوحدة االقتصادية العربية"
الذي أقرته اتفاقية "اتفاقية الوحدة االقتصادية" يونيو ، 1962وفي عام 1964تم
إقرار اإلتفاقية والتي نصت على ضمان حرية التنقل لعناصر االنتاج
(األشخاص ،الرساميل ،وحرية اإلقامة والعمل) ،وعلى جعل الدول األعضاء
منطقة جمركية واحدة ،وتوحيد سياسات االستيراد والتصدير وأنظمة النقل
والترانزيت وتنسيق السياسات االقتصادية (المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة
الداخلية) والنقدية والمالية .ومن جهة أخرى ،تعهدت األطراف الموقعة "بأن ال
تصدر ف ي أراضيها أية قوانين أو أنظمة أو ق اررات إدارية تتعارض في حكمتها
مع هذا االتفاق أو مالحقه" ،كما تم إنشاء "السوق العربية المشتركة" عام
1964من أجل تحقيق أهداف اتفاقية الوحدة االقتصادية ،وفي عام 1968تم
إنشاء "الصندوق العربي لإلنماء االقتصادي واالجتماعي" بهدف بمنح القروض
والمساعدات بأولوية للمشروعات العربية المشتركة والمشروعات االقتصادية
الحيوية للكيان العربي ،وفي عام 1970أنشئت "المنظمة العربية للتنمية
الزراعية" ،وفي عام 1976وقع 13بلداً عربياً على اتفاقية إنشاء "الهيئة العامة
لالستثمار واإلنماء الزراعي" ،وفي عام 1980أقر مؤتمر القمة العربية ميثاق
العمل االقتصادي القومي العربي ،والذي تضمن التزاماً بمبادئ التكامل
االقتصادي القومي واالعتماد الجماعي على الذات ،وتحييد العمل االقتصادي
المشترك عن الخالفات العربية وابعاده عن الهزات والخالفات السياسية الطارئة.
173
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
174
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
175
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
والذي يجيب على تساؤل "من الذي نعرفه؟" (?(KAPLAN )who we know
) ، & BİÇKES, 2013, p. 234ويبقى التساؤل ما هو أثر تغير هيكل العوامل
الجسدية والمتجسدة في عنصر العمل على اإلنتاجية من المنظور الجزئي
( )Microوعلى نمو اإلقتصاد القومي من المنظور الكلي ()Macro؟ هل
إلختالف العوامل الجسدية كلون البشرة والطول والوزن وسمة الشكل أثر على
نمو الناتج القومي؟ ما هو أثر تغير العوامل الديموغرافية (العمر ،النوع ،التعليم،
المهنة ،الثقافة ،العالقات اإلجتماعية) على اإلنتاجية أو على نمو اإلقتصاد
القومي؟.
العوامل الجسدية والمتجسدة بالفرد مجتمعة تُمثل في مجموعها رأس مال عنصر
العمل ، )Labor Capital( LCوالذي ُيمثل دخله تكلفة مساهمته في عملية
اإلنتاج أو قيمة إضافته باإلنتاج ،أما قيمة األصل الرأسمالي فيمكن حسابها
بشكل جزئي (ألصل واحد من عنصر العمل) أو ُكلي (لكل أصول العمل
الجسدية والمتجسدة) وفقًا لثالث أصناف من القيم وهي :قيمة التكلفة والقيمة
السوقية والقيمة التجارية ،قيمة تكلفة اإلنتاج ()Labor Production Cost
هي مجموع ما تم إنفاقه على الفرد إلكسابه العوامل المادية والمعنوية التي ال
يمكن أن تنفصل عنه والتي تسهم في صناعة دخله وانتاجيته ،أما القيمة
السوقية للعمل كأصل ( )Labor Market Costفهي تقدير السوق الحالي
لقيمته ،والتي يمكن حسابها من خالل القيمة السوقية إليجاره السنوي (مجموع
دخول عنصر العمل خالل السنة) ،وذلك من خالل قسمة متوسط سعر الفائدة
( )rمقابل الودائع على األجر أو الدخل السنوي للعمل ( )yكاآلتي:
𝑟
= 𝐶𝑀𝐿
𝑦
176
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
177
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ُيعد التوظيف أو توازن عنصر العمل أحد أبرز المشكالت اإلقتصادية العالمية
التاريخية والمعاصرة ،لدى كالً من الدول الغنية والمتقدمة والدول النامية
والمتخلفة ،وهي اإلشكالية التي يمكن تلخيصها في تساؤل رئيسي وهو لماذا ال
تتوافر فرص عمل بدخول جذابة لكافة القوى العاملة المتاحة باإلقتصاد القومي؟
،هل السبب انخفاض رأس المال الصناعي أو الطبيعي المتاح باإلقتصاد عن
مستوى حجم القوى العاملة المتاحة؟ إذا كان األمر كذلك فإن معدل التوظيف
بالمشروع الصغير يجب أن يتساوى مع معدل التوظيف بالمشروع الكبير ،
وكذلك تتساوى القطاعات اإلقتصادية في معدالت التوظيف مع ثبات متغيرات
رأس المال الطبيعي والصناعي ،كما يتساوى معدل التوظيف لرأسمال بتكنولوجيا
متواضعة مع رأس مال بنفس القيمة بدرجة تكنولوجيا أعلى ،وهو ما تؤكد خالفه
األدبيات اإلقتصادية ،وبناء عليه فإن اإلشكالية تكمن في هيكل اإلنتاج الكلي
(المصانع ،المزارع ،الشركات )...بتفاوته القطاعي والمؤسسي والتكنولوجي، ..
مضافًا إليه تفاوت البيئة الحكومية والتي يتفاوت تأثيرها من التحفيز لنفس القدر
وبناء
ً تماما ،
من رأس المال ألداء اقتصادي بطاقته القصوى إلى حظر أداءه ً
عليه فيمكن صياغة دالة توازن العمل لوصف العالقة ما بين رأس المال
والتوظيف كاآلتي( :العمل = رأس المال × معامل التأثير) ،أي في اقتصاد
معين تتولد فرصة مع كل إضافة برأس المال بمقدار (س) ،هذا المقدار يتفاوت
ما بين اقتصاد وآخر بمعامل خاص (م) وهو نمط الهيكلة اإلنتاجية لذلك القدر
أخير فمن الممكن أن يتولد طلب
من رأس المال والمناخ السياسي للتوطين ،و ًا
على عنصر العمل يعادل حجم القوى العاملة المتاحة في اإلقتصاد ومع ذلك
تظل مشكلة البطالة قائمة من جانب العرض ويظل الطلب قائم من جانب هيكل
اإلنتاج ،ذلك ألن فعالية التوظيف ترتبط بجانب معدل الطلب بمدى توافر
المهارة المطلوبة ،باإلضافة إلى متوسط نصيب الفرد من اإلنتاج بتعادل القوى
178
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الشرائية ،فإن ضعف األداء اإلقتصادي للوحدة اإلنتاجية ألسباب مباشرة أو
غير مباشرة سوف يخفض إنتاجية الفرد وبالتالي يضعف عرضه ،كما أن نظام
التوزيع السائد قد يرفع أو يخفض من متوسط نصيب الفرد ألسباب تتعلق بنظام
السوق القائم أو ألسباب احتكارية ،وبمعادلة نصيب الفرد من الناتج بالمستوى
السائد لألسعار تتحدد درجة اإلستجابة للطلب المتاح.
حجم الطلب على العمل = حجم رأس المال بتعادل القوى الشرائية × { التنوع
القطاعي × التنوع المؤسسي × درجة التكنولوجيا × درجة المعرفة × درجة األداء
1
الحكومي × درجة التنافسية }
𝑃𝑃𝑃𝐾 ∫ = 𝐿
معدل الطلب على العمل = الطلب على العمل /حجم القوى العاملة
𝐿
= 𝐿∆
𝐹𝑊
فعالية التوظيف = معدل الطلب على العمل × درجة توافر المهارة والكفاءة
المطلوبة ( × )SLالتناسب الثقافي ( × )CLمعدل اإلنتاج الفردي بتعادل القوى
الشرائية (نصيب العامل من االنتاج) ()y
𝑝𝑝𝑝𝑦∆ 𝐸𝐿 = ∆𝐿, 𝑆𝑙, 𝐶𝑙,
1
حيث Lالعمل K ، Laborتشير إلى ، capital stockأما ISفتشير إلى Institutional structure
الهيكل المؤسسي لتوزيع رأس المال ،بينما FSفتشير إلى Sector Structureالهيكل القطاعي A ،درجة
التكنولوجيا ،درجة التنافسية P ، Competitiveدرجة األداء الحكومي أو السياسي Political
179
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
180
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
عليه "الرغبات اإلنسانية" ،النفس اإلنسانية جسد معنوي معقد يرتبط تكوينه
بالمعلومات الواعية والمستويات الالواعية متوغلة العمق ،فكما أن الجسد
اإلنساني يمكن تمييز مالمحه وبصمته المميزة برؤية بصرية ،إال أن تكوينه
الداخلي أو تشخيص مدى وجود خلل في بنيانه المادي قد يتعذر على اإلنسان
نفسه معرفته ويستلزم منظار أو تحليل طبي متخصص ،فبالمثل بالنسبة للجسد
اإلنساني المعنوي النفسي والمعقد من أعمق المستويات الالواعية إلى أظهر
المستويات الواعية فإن مالمحه وبصمته المميزه يمكن تمييزها من خالل رؤية
عامة لسلوك الشخصية ،إال أن التكوين الداخلي متوغل العمق للجسد النفسي
فيستلزم معرفته نفس الدرجة من دقة األدوات والتخصص إلستكشافه أو
تشخيصه ،الجسد اإلنساني المعنوي ُكل مترابط له طاقة وقدرة بنفس منطق
الجسد اإلنساني المادي ،والذي قد يؤدي خلل أو عدم إلتئام جرح غائر به إلى
تعطل الجسد كله وموته ،فبالمثل فإن الجسد اإلنساني المعنوي يتألم في حالة
الخلل النفسي أو الجراح النفسية والتي تؤدي اإلصابات والصدمات الخطيرة منها
إلى هالك الجسد اإلنساني المعنوي أو النفسي فيما ُيصطلح عليه بحاالت
تعبير عن فقد النفس.
الجنون أو فقد العقل ًا
181
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
182
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ذلك فالعديد من الدراسات األخرى ركزت على عوامل نفسية أخرى كمكونات
أيضا برأس المال النفسي كالصحة النفسية والتعلق بالعمل والذكاء
ً أساسية
العاطفي والشجاعة التسامح )(Çetin & Basım, March 2012, p. 162
والرغبة في اإلبداع والشعور باإلمتنان ويقظة العقل والدقة والتحقق (Luthans,
).Carolyn , & Morgan, 2015
183
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
184
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المال البشري فيرجع إلى أعمال بيكر (مصطيفى و بن سانية ،2014 ،صفحة
)108بداية من كتابه "رأس المال البشري" المنشور عام 1964والذي أكد به
على أن اإلستثمار في رأس المال البشرى يكون من خالل التعليم والتدريب
وتكوين القيم التي ال يمكن أن تنفصل عن األفراد باإلضافة إلى الرعاية الطبية ،
وأن معدل العائد عليه ُيمثل نسبة الزيادة في الناتج إلى قيمة اإلستثمار ،وعلى
هذا اإلتجاه بدأ النظر لإلستهالك أو اإلنفاق على األفراد على أنه بمثابة استثمار
فى رأس المال البشرى وليست قيم ضائعة ،فالطفل الذى الينفق عليه بشكل جيد
(استهالك) ال نتوقع أو ننتظر منه مردوداً كبي اًر (فاالستهالك الشخصى استثمار
فى رأس المال البشرى) وهو نفس اتجاه نظريات الحاجات األساسية ،وبذلك فمع
أبحاث بيكر تصاعد اإلتجاه الذي يؤكد تضمين الخدمات الصحية ضمن مقاييس
ومؤشرات رأس المال البشري ،باعتبار أن الحالة الصحية واللياقة البدنية تؤثر
كميا عن طريقة تخفيض الوفيات ،ونوعًيا عن طريق في رأس المال البشري ً
التأثير في مقاومة األفراد لآلالم وزيادة حيوية العنصر البشري وكفاءته وانتاجيته
) ، (Woodhall, M., 1987شولتز ( )1979اعتبر أن رأس المال البشري هو
كل ما يمكن امتالكه واإلستثمار فيه من عوامل معنوية داخل األفراد كالتعليم
والتدريب والتي تؤثر إيجابيا على تحسين أداء العمل ،وفي عام ( )1981أكد
شولتز بكتابه "اإلستثمار في البشر" على أثر العوامل الذاتية والفطرية على
تكوين رأس المال البشري ( Take into account the innate and
acquired skills. Those are important and may invest to
، )expand, will form the human capitalوأكد بشكل خاص على
ارتباط رأس المال البشري بالقدرات الذاتية على التكيف مع صعوبات واشكاالت
واختالالت العمل ((Joseph & Aibieyi, 2014, pp. )disequilibrium
) 56-57وهو ما أطلق عليه علماء رأس المال النفسي "المرونة" ،في نفس العام
185
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
186
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
بين العوامل النفسية وما بين رأس المال البشري ظهر اإلتجاه الذي اعتبر رأس
المال النفسي النواة األساسية لرأس المال البشري ،حيث اعتبر "دافنورت"
( )Davenportعام ( )1998أن المكون األساسي في رأس المال البشري هو
المهارات والقدرات والسلوكيات والطاقات الفردية التي تُمكن األفراد من خلق رأس
المال البشري المعرفي الذي يقدموه في مكان العمل ،أما "كوهارشيكوفا" 2011
( )Kucharcikovaفقد اعتبر أيضا أن رأس المال البشري هو مجموع المهارات
الخلقية والمكتسبة ،والمعارف والخبرات التي ترتبط بعمليات اإلنتاج (Joseph
) ، & Aibieyi, 2014, p. 58وحول ذلك المفهوم تواترت التعريفات حول
مصطلح "رأس المال البشري" كتعريفه بأنه "المعلومات والمهارات والمواهب
اإلنتاجية لألفراد" ،وتعريفه بأنه "رصيد من الثروة المتجسدة داخل األفراد والتي
ال يمكن أن تنفصل عنهم أو بيعها آلخرين" & (Stroombergen, Rose,
) ، Nana, 2002وتعريف برنامج األمم المتحدة اإلنمائي بأنه "كل ما يزيد من
إنتاجية العمال والموظفين من خالل المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها من
خالل العلم والخبرة" (المصبح ، )2006 ،وتعريف منظمة التعاون اإلقتصادي
والتنمية ( )OECD, 2011بأنه "المعرفة والمهارات والكفاءات وغيرها من
الصفات المتجسدة في األفراد والجماعات والتي يكتسبونها خالل فترة حياتهم
والتي تستخدم في انتاج السلع والخدمات" ) ، (Fernando, 2011وفي تعريف
آخر لها (" )OECDهو المعرفة والمهارات والكفاءات والسمات المتجسدة في
األفراد ،والتي تُسهل خلق الرفاهية اإلجتماعية واإلقتصادية لألفراد"
) ، (Stroombergen, Rose, & Nana, 2002كما يعرف بأنه "المكونات
التعليمية التي تسهم في إنتاجية األفراد العاملين وتحقيق دخولهم" ،ويعرف بأنه
"قدرة وكفاءة األفراد على تحويل المواد الخام واالالت إلى سلع وخدمات"
) ، (Hyun, 2010ويعرف بأنه "مجموعة القدرات والخبرات والمهارات البشرية
187
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
المتراكمة التي يملكها األفراد العاملين" ،ويعرف بأنه "كل ما يزيد من إنتاجية
العمال والموظفين من خالل المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها من خالل
التعليم والخبرة" ،ويعرف بأنه "المعرفة المحفوظة في ذهن الفرد العامل والتي ال
تملكها المنظمة بل هي مرتبطة بالفرد من قدرات وخبرات ،فهو ما يملكه الفرد
من قدرات ومهارات وخبرات وتكون في ذهن العامل أي ليس ملك للمنظمة
ويمثل مصدر لالبتكار والتحسين" (وهيبة ،2012 ،صفحة ، )4وبذلك فإن رأس
المال البشري هو رصيد المكون المعنوي بعنصر العمل الفعال والمرتبط ارتباطا
مباش ار بعملية اإلنتاج ،حيث أن صفة الرأسمالية صفة تُطلق على المال
المستغل فقط في عمليات اإلنتاج ،وهو ما يمكن تنميته
المستثمر أي ُ ُ
باإلستثمار فيه وله عائد إقتصادي ).(KWON, 2009, p. 3
188
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وبين النمو اإلقتصادي ،بينما التعليم اإلبتدائي وتعليم اإلناث جاءت نتئج
الدراسة بأنه ال يلعب دو ار معنويا في النمو اإلقتصادي (مصطيفى و بن سانية،
،2014صفحة ، )108وبالرغم من أن تلك الدراسات كانت تتناول متوسط عدد
سنوات التعليم كمؤشر للإلستثمار في رأس المال البشري إال أن العديد من
الدراسات أغفل معايير جودة التعليم وجودة المدارس والجامعات التي يتلقى فيها
األفراد تعليمهم ،باإلضافة إلى ماهية التدريب والخبرات المكتسبة من خالل
العمل ) ، (Acemoglu & Autor, 2011, p. 7وبالرغم من تواتر النظريات
التي تُثبت العالقة ما بين التعليم ورأس المال البشري ،إال أن تقرير بنك التنمية
اآلسيوي ( )ADMلعام 2010أثار ضعف العالقة ما بين التعليم وارتفاع
اإلنتاجية على المستوى القومي بالتطبيق على حالة الفلبين (، )2003-1997
فبالرغم من ارتفاع مستوى التعليم العالي إال أن األفراد ذوي التعليم العالي كانوا
ينافسون األفراد ذوي التعليم المنخفض في سوق العمل الذي ال ترتبط إنتاجيته
بالمستويات المرتفعة من التعليم كمهن السائقين والحرفيين والمزارع ،..وبذلك فإن
اإلستثمارات التي تم انفاقها على التعليم لم تسهم في رفع إنتاجية هذه العمالة
).(Hyun, 2010
في عام 2013أصدر المنتدى اإلقتصادي العالمي أول تقرير لمؤشر رأس المال
البشري ( )Human Capital Indexحول 122دولة بالعالم ،وهو مؤشر
يتضمن 51مؤشر فرعي موزعة على أربع ركائز ( )pillarsوهي :التعليم
( )Educationوذلك من ناحية الكمية والكيفية من خالل 12مؤشر ،والصحة
( )Health and Wellnessوتشمل الصحة الجسدية والنفسية من خالل 14
مرشر ،والقوى العاملة التوظيف ( )Workforce and Employmentوهو
مؤشر معني بقياس تركيز الخبرات والمهارات والمعارف بالقوى العاملة من خالل
16مؤشر ،والبيئة المواتية ( )Enabling Environmentوهي العوامل التي
189
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
تمكن من تحقق عائد على رأس المال البشري ويتم قياسها من خالل 9
مؤشرات.
الركيزة األولى وهي التعليم تتضمن ثالث ركائز فرعية ( )Sub–pillarوهي :أوال
الوصول إلى التعليم ،ويتضمن ثالث مؤشرات وهي معدل اإللتحاق بالتعليم
اإلبتدائي ومعدل اإللتحاق بالتلعيم الثانوي ومعدل اإللتحاق بالتعليم العالي وأخي ار
الفجوة التعليمية ما بين الذكور واإلناث ،ثانيا جودة التعليم وأثرها على القوى
العاملة بالمستقبل ،ويتم قياسها من خالل خمس ومؤشرات وهي معدل إتصال
المدارس والفصول باإلنترنت ،جودة النظام التعليمي ،جودة المدارس اإلبتدائية
،جودة تعليم الرياضيات والعلوم الطبيعية ،جودة إدارة المدارس ،ثالثا معدالت
التعليم لمن هم بالفعل ضمن شريحة القوى العاملة ،ويتم قياسه من خالل ثالث
مؤشرات وهي معدل الحصول على شهادة اإلبتدائية لمن هم أكبر من 25سنة
من السكان ،ومعدل الحصول على الشهادة الثانوية ،ومعدل الحصول على
شهادة تعليم عالي ،الركيزة الثاني هي الصحة الجسدية والنفسية وتشمل أربع
ركائز فرعية وهي :أوال معدل الحياة ويتم قياسه من خالل ثالثة مؤشرات وهي
معدل وفيات األطفال حديثي الوالدة ومتوسط فترة العمر المتوقعة وأخي ار فجوة
العمر بين الذكور واإلناث ،ثانيا الصحة الجسدية ويتم قياسه من خالل ستة
مؤشرات وهي معدل التقزم والهزال بين األطفال األقل من 5سنوات ،نسبة
فترات المرض واإلشكاالت الصحية إلى العمر ،نسبة الوفيات األقل من 60
عام بسبب أمراض غير معدية ،نسبة السمنة بين البالغين "أكبر من ، "%30
نسبة األعمال التي تتسبب في أمراض غير معدية ،نسبة األعمال التي تتسبب
في أمراض معدية ،الركيزة الفرعية الثالثة هي الصحة النفسية ويتم قياسها من
خالل مؤشرين وهما نسبة الضغط العصبي ونسبة اإلكتئاب ،الركيزة الفرعية
الرابعة واألخيرة هي معدل الخدمات الصحية ويتم قياسها من خالل ثالثة
190
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مؤشرات وهي معدل اتصال السكان بالمياه النظيفة والصرف الصحي ومستوى
النظافة بالمناطق السكنية ،جودة الخدمات الطبية ،وأخي ار معدل اتصال السكان
بالخدمات الطبية ،الركيزة الثالثة القوى العاملة ويتم قياسها من خالل ثالثة
ركائز فرعية وهي :أوالً المشاركة أو معدالت التوظيف ويتضمن خمس مؤشرات
هي معدل التوظيف لمن تتراوح أعمارهم ما بين 15و 65عام ،معدل التوظيف
لمن تزيد أعمارهم على 65عام ،فجوة التوظيف بين الجنسين ،معدل البطالة ،
ومعدل البطالة للشباب ،ثانياً الموهبة ويتم قياسها من خالل تسع مؤشرات وهي:
قدرة الدولة على جذب المواهب ،قدرة الدولة على اإلحتفاظ بالمواهب ،سهولة
الحصول على العمالة الماهرة ،ارتباط األجور باإلنتاجية ،القدرة على التجديد
واإلبتكار ،المؤشر اإلقتصادي المركب ،معدل إستيعاب الشركات للوظائف
المح َّكمة بمجاالت التكنولوجيا
المرتبطة بالتكنولوجية ،معدل المجالت العلمية ُ
والعلوم الطبيعية ،متوسط أعمال العاملين ،ثالثًا التدريب ويتم قياسه من خالل
مؤشرين وهما التدريب الشخصي والذي يقدم عليه الفرد بنفسه ،وخدمات
التدريب المقدمة لألفراد من الجهات التي يعملون بها ،الركيزة الرابعة البيئة
المواتية وتتضمن أربع ركائز فرعية وهي :أوال البنية التحتية المواتية لألعمال
وتشمل ثالثة مرشرات وهي نسبة مستخدمي الموبايل من السكان ،ونسبة
المتصلين باإلنترنت ،وجودة شبكة الطرق الداخلية ،ثانيا التعاون ما بين قطاع
الصناعة والقطاع التعليمي ويتم قياسه من خالل مرشرين وهما حالة مجموعات
التنمية ومدى التعاون ما بين قطاع األعمال والجامعات ،ثالثا اإلطار القانوني
ويتم قياسه من خالل ثالثة مرشرات وهي ؤشر سهولة األعمال ،معدل األمن
اإلجتماعي ،وضع حماية حقوق الملكية والحقوق الفكرية ،رابعا الحراك
اإلجتماعي ويقصد به الحراك في الثقافات اإلجتماعية ،فبعض العادات والتقاليد
بالثقافات التقليدية قد تحول بين األفراد بالمجتمع وبين اإلستفادة من اإلستثمارات
191
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
التي تنفقها الدول في مجال رأس المال البشري ،ومع ذلك فإن معدل حراك
الثقافات اإلجتماعية التقليدية من شأنه أن يكون ل دور بارز في رفع مستوى
رأس المال البشري.
الدول التي تزيد نسبة البيانات المفقودة بها عن %30يتم إسقاطها من المؤشر
والذي يعطي وزن نسبي لكل ركيزة من ركائز التعليم والصحة والقوى العاملة
والبيئة المواتية %25وبذلك يختلف الوزن النسبي للركائز الفرعية من %2.08
بركائز التعليم الفرعية ،و %1.79بركائز الصحة الفرعية ،و %1,56بركائز
القوى العاملة ،و %2,78بركائز البيئة المواتية ،مؤشر رأس المال البشري
يعتمد مقياس "الدرجات الزائية" ( )Z–scoresللقياسات الفرعية والرئيسية للمؤشر
،الدراجات الزائية ( )Z–scoresهي درجات معيارية لتوزيع معين ،متوسطه
الحسابي صفر وانحرافه المعياري واحد صحيح ،الدرجة المعيارية 1بمؤشر
رأس المال البشري تعني منطقة %34.13من مسافة اإلنحرافات المعيارية ،
بحيث تُشير الدرجة الموجبة إلى اإلنحراف المعياري تجاه الصفة وتُشير الدرجة
السالبة إلى إلى اإلنحراف نحو ضعف الصفة ،أما الدرجة المعيارية 2فتشير
إلى منطقة %47.72من اإلنحراف المعياري عن المتوسط ( )%50سواء
الموجبة باتجاه الصفة (أي )%97.72 = 2أو السالبة نحو انخفاضها أي (2-
(World Economic Forum, Prepared in = )%97.72-
)collaboration with Mercer, 2013
في عام 2015تصدرت فنلندا دول العالم بمؤشر رأس المال البشري بدرجات
تعادل %86ثم على الترتيب النرويج وسويس ار وكندا واليابان 14 ،دولة تخطت
مستوى ال %80من المؤشر 38 ،دولة تراوحت درجاتها ما بين 70إلى %80
من المؤشر 40 ،دولة تراوحت درجاتها ما بين 70إلى 23 ، %60دولة
تراوحت درجاتها ما بين 60إلى ، %50و 9دول أقل من ، %50وفي عام
192
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
2016ظلت المراكز الثالثة األولى من حيث وضع راس المال البشري بالسكان
(إمكانات رأس المال البشري واإلستفادة منه) كما هي بالعام السابق ()2015
على الترتيب فنلندا ثم النرويج ثم سويس ار ،بينما ارتفعت اليابان إلى الترتيب
الرابع ثم السويد ثم نيوذيالندا ثم الدانمارك ثم السويد ثم كندا ثم بلجيكا ،
اقتصادات كبيرة جاءت في مراتب الحقة كالمملكة المتحدة بترتيب 19والواليات
المتحدة بترتيب ، 24أما اإلمارات العربية فتصدرت دول الشرق األوسط بترتيب
، 69أما الصين فبلغ ترتيبها 71يليها اندونيسيا بترتيب 72ثم تركيا بترتيب
، 73الب ارزيل أكبر اقتصاد بأمريكا الالتينية احتلت الترتيب ، 83أما مصر
فارتفعت إلى الترتيب 86بتحسن ملحوظ عن عام 2013والذي بلغ ترتيبها به
111من 122دولة وذلك نتيجة للتحسن في فرص التوظيف ،يليها المملكة
السعودية بترتيب 87وذلك إلرتفاع تصنيفها من حيث الجودة الشاملة للتعليم إلى
ترتيب 42والذي ُيمثل أعلى بكثير من ترتيب مصر من حيث جودة التعليم
والذي بلغ ترتيب 126من 130دولة ،إال أن كال الدولتين تعانيا من ارتفاع
مستوى البطالة بين الشباب وفجوة في التوظيف بين الجنسين لصالح الذكور ،ثم
جنوب أفريقيا بترتيب ، 88أما أبرز الدول التي سجلت ترتيبات متأخرة فكانت
بنجالدش بترتيب ، 104وباكستان بترتيب ، 118ونيجيريا بترتيب ، 127أما
اليمن فكان ترتيبها 129قبل األخير ،وبالمستوى األخير موريتانيا بترتيب 130
19 ،دولة هي التي ارتفع مستوى مؤشر رأس المال البشري بها عن %80من
درجات المؤشر ،و 40دولة تراوح مؤشرها ما بين 80و ، %70و 38دولة ما
بين 70و 28 ، %60دولة ما بين 70و ، %60و 5دول أقل من %50
بارتفاع 4دول بعام 2015عن مستوى (World Economic Forum, %50
)Insight Report, 2016
193
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
أما مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج التنمية لألمم المتحدة فيختلف عن
مؤشر رأس المال البشري للمنتدى اإلقتصادي من حيث أن األول يهدف إلى
قياس مستوى ثراء حياة األفراد اإلقتصادية واإلجتماعية من خالل مؤشرات
الصحة والتعليم والدخل ،بينما األخير (مؤشر المنتدى اإلقتصادي) يقيس
مستوى رأس المال البشري باألفراد ومدى امكانية استغاللها داخل اإلقتصاد ،
واذا كانت أغلب تعريفات رأس المال البشري تركز على العالقة ما بين
المضامين المعرفية والمهارية وما بين العائد اإلقتصادي ،بينما نظرية منظمة
التعاون اإلقتصادي والتنمية ( )OECD, 2011لرأس المال البشري أكدت على
معا
العالقة ما بين تلك المضامين وبين الرفاهية اإلقتصادية واإلجتماعية ً
بتعريفها لرأس المال البشري على أنه "المعرفة والمهارات والكفاءات والسمات
المتجسدة في األفراد ،والتي تُسهل خلق الرفاهية اإلجتماعية واإلقتصادية لألفراد"
) ، (Stroombergen, Rose, & Nana, 2002وهي النظرية التي اعتمدها
برنامج األمم المتحدة للتنمية ( )UNDPفي تعريفه للتنمية البشرية ضمن تقريره
السنوي للتنمية البشرية ،حيث عرف التنمية البشرية ( )2015بأنها "توسيع
خيارات وقدرات األفراد المتعلقة بثراء حياتهم بشكل عام وليس فقط الثراء
اإلقتصادء" ،وقد اعتبر التقرير أن التحسين المباشر لقدرات األفراد يكون من
خالل دعم المعرفة وتحسين الرعاية الصحية ومستويات المعيشة ،باإلضافة إلى
تحسين مناخ التنمية البشرية من خالل تعزيز المشاركة السياسية واألمن وحقوق
اإلنسان وسيادة القانون والعدالة اإلجتماعية باإلضافة إلى البيئة الصحية ،ولذلك
فمفهوم التنمية البشرية ال يهدف فقط إلى تعزيز قدرات األفراد المتعلقة بالعمل
ونمو الدخول التي يحصلون عليها ،وانما يعد ذلك أحد أهدافها باإلضافة إلى
تعزيز جودة المناخ اإلجتماعي والثقافي والسياسي والبيئي من أجل ومستويات
اءا وحياة أفضل للبشرية ،والتي تتحدد بشكل أساسي بتسهيل
معيشية أكثر ثر ً
194
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
واتاحة الفرص لألفراد للوصول لرغباتهم ،وقد تضمن تقرير برنامج التنمية
المؤشر السنوي للتنمية البشرية ( )Human Development Indexلقياس
مستوى التنمية البشرية لـ 188دولة حول العالم من خالل ثالث مقاييس وهي:
مستوى التعمير أو متوسط فترة العمر المتوقع للمواليد ،ثانيا التعليم من خالل
مقياسين أحدهما عدد سنوات التعليم المتوقعة أو المعتادة للفرد داخل الدولة ،
والثاني هو متوسط عدد سنوات التعليم التي حصل عليها األفراد الذين يتعدى
سنهم 25عام داخل الدولة ،المقياس الثالث واألخير هو متوسط نصيب الفرد
من الناتج المحلي ،وهو مقياس تتراوح قيمتهما بين الصفر وتمثل أدنى قيمة وما
بين الواحد الصحيح ويمثل أعلى مستوى للتنمية البشرية ،وفق أربع فئات وهي
مستوى تنمية منخفض وهو المستويات األقل من ، 0,55ومستوى تنمية متوسط
وتتراوح قيمته ما بين 0,55و ، 0,699ومستوى تنمية مرتفع وتتراوح قيمته ما
بين 0,700و ، 0,799وأخي ار مستوى تنمية بشرية مرتفع جدا وهو المستويات
األعلى من ، 0,800ووفقا لتقرير عام 2015فإن عدد الدول التي ارتفع مؤشر
التنمية البشرية بها لعام 2014إلى فئة المرتفع جدا كانت 49دولة بنسبة %29
وبمتوسط عام ، 0,89أما الدول مرتفعة التنمية البشرية فكانت 56دولة بنسبة
%30وبمتوسط ، 0,744والدول متوسطة التنمية البشرية 38دولة بنسبة
%20وبمتوسط ، 0,63وأخي اًر الدول منخفضة التنمية البشرية فكانت 45دولة
بنسبة %24وبمتوسط 0,505درجة ،الدول العربية سجلت متوسط 0,68
نقطة بالفئة المتوسطة وهي نفس الفئة التي تضمنت دول جنوب الصحراء
األفريقية ودول جنوب آسيا ،أما دول شرق آسيا والباسيفك ودول شرق أوروبا
ووسط آسيا باإلضافة إلى دول أمريكا الالتينية والبحر الكاريبي فقط ارتفعت
(UNDP, Work for متوسطاتها إلى فئة المستوى المرتفع للتنمية البشرية
).Human Development, 2015
195
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
له دور في البيئة االجتماعية" (عكاشة ، )2008 ،كما عرفها "البرغوثي" بأنها
"نظرية في المعرفة ومنهجا في السلوك ،ومنهجية في العمل والبناء" (البرغوثي،
، )1993وعرفها "مالك بن نبي" بأنها "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم
االجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ والدته ،وتصبح الشعوريا العالقة التي تربط
سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه ،فهي على هذا األساس المحيط
الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته والذي يعكس حضارة معينة" (بن نبي،
، )1959كما تعرف بأنها "ثمرات الفكر من علم وفن وقانون وأخالق ومبادئ
والمنعكسة على حضارة أمة معينة" (الدبسي ، )2008 ،كما تعرف بأنها ذلك
القدر من المعرفة المتكاملة من مصادرها المختلفة والتي يكتسبها الفرد باإلضافة
إلى إتقان العديد من المهارات التي تمكنه من اتخاذ مواقف ووجهات نظر شخصية
تعبر عن ذاته ،مما يساعده على التفسير والتنبؤ واتخاذ القرار المناسب بشأن ما
يواجهه من مواقف ومشكالت في مجتمع دائم التغير في جميع مناحي الحياة ،
ومجاالت النشاط اإلنساني المختلفة (حكمي ، )2008 ،كما تعتمد اليونسكو هذا
اإلتجاه في تعريفها للثقافة ( )1982على أنها "جـمـيـع الـسـمـات الـروحـيــة والـمـاديــة
والـفـكـريــة والـعـاطـفـيــة الـتــي تـمـيـز مـجـتـمـعـا بـعـيـنـه وتـشـمـل الـفـنـون واألداب
وطـ ارئـق الـحـيـاة والـحـقـوق األساسية لإلنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات
وبناءا عليه فإن الثقافة هي الكل المعنوي غير ً (اليونسكو، )1989 ،
المتخصص من المعارف والقيم والمعتقدات المتراكمة والمتغيرة داخل األفراد
والمجتمعات والمتفاوت كميا ونوعيا وفقا للتأثر بالعوامل اإلجتماعية والبيئية
ويتحدد على أساسه سلوك األفراد وأسلوب حياتهم وينطبع على حضارتهم وتراثهم
المادي والمعنوي فيتحدد على أساسه ويختلف مجتمع عن غيره ،الثقافة درجة
ٍ
مجال معين ، من المعرفة ال يرتقي صاحبها إلى مستوى المتخصص أو العالم في
مدمجا ،فهناك الثقافة العلمية والثقافة المعاصرة
ً الثقافة ليست وصفًا نوعي
197
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
والثقافة الشعبوية ،بعض التخصص العلمي يستلزم عادة ثقافة بالعلوم المتاخمة
على قدر ارتباطها بالتخصص ،وفي ضوء هذه المفاهيم يتضح أن الفالح
األمي في قرية نائية ال يوصف بكونه منعدم الثقافة بل ملم بالثقافة التي أفرزتها
بيئته المكانية والوظيفية والتاريخية وفي نفس الوقت يجهل بالثقافة العامة والحد
األدنى من المعرفة العامة ،نفس األمر ينطبق على أصحاب التوجهات العقائدية
المنعزلة والمتفاوتون في اإللمام بالثقافات المتعلقة بمجتمعهم الخاص ،يتضح
من ذلك تعدد أقسام الثقافة وفقا لمنهج التقسيم فمن ناحية الحقول المعرفية يمكن
تقسيمها إلى (ثقافة علمية ،وثقافة أدبية وثقافة فنية )...ومن النواحي
األيديولوجيه والعقائدية (ثقافة دينية إسالمية ،ثقافة يهوديه ،ثقافة مسيحية ؛
بوذية وكونفوشيوسية والطاوية والبراهمية ، ...وثقافة الدينية) ومن الناحية
اإلقليمية (ثقافة مصرية ،ثقافة عربية ،ثقافة أوروبية ،ثقافة عالمية ، )...
وكميا يستلزم اكتسابه كنعت مجتمعي مستوى معين من
فالثقافة نسق نسبي نوعيا ً
المعارف النوعية والمتغيرة بتغير المجتمعات وأزمانها بدون تلك الحدود الكمية
والكيفية ال يرتقي الفرد أو المجتمع لمستوى الثقافة كنعت ،فهناك حد أدنى من
الثقافة الذي يجب على الفرد اكتسابه لتسهيل تفاعله داخل المجتمع ،كما هناك
حد أدنى من الثقافة المجتمعية للمجتمع لتسهيل تفاعله مع المجتمعات األخرى
وحد أدنى لثقافة الدول لتسهيل تفاعلها بالمجتمع الدولي (الزغبي )2012 ،الثقافة
بمعناه الواسع تمثل المحرك األساسي لسلوكيات األفراد داخل المجتمع وسمة
إنتاجهم اإلقتصادي وحجمه ،فهي عامال جوهرًيا في دفع عجلة التنمية
االقتصادية واالجتماعية (شروق للدراسات )2011 ،فهناك مفاهيم وعناصر
ثقافية محفزة للنهوض المجتمعي والتنمية اإلقتصادي كتقديس العمل والتناسب
بين اإلدخار واإلستهالك واحترام اآلخرين وترشيد استغالل الموارد ونبذ الفساد ،
بينما هناك عناصر ثقافية أخرى مثبطة ومعيقة للنهوج المجتمعي والتنمية
198
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
199
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مؤشر جيني تنازلي العدالة يمثل الرقم 0بالمؤشر العدالة التامة بينما يمثل الرقم ( 1أو )100عدم العدالة
*
التامة ،فقد قمنا بحساب معكوس الرقم للداللة على العدالة بمؤشر إيجابي القيمة ،مع معالجة البيانات
المنقوصة بوضع قيمة متوسط 50من 100للدول التي لم تتضمن أي بيانات لرقم جيني بافتراض أن عدالة
التوزيع تميل لسوء العدالة بالدول التي لم تتضمن بياناتها أي رقم لعدالة التوزيع
200
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
1.20
1.00
0.80
0.60
0.40
0.20
-
200 150 100 50 0
أما فيما يتعلق بأثر تفاعل الحكم الراشد والثقافة العلمانية على الوضع
اإلقتصادي فكانت اكثر ارتباطًا ،فوفقا لبيانات مؤشر الحكم الجيد أو الراشد
الصادرة عن إدارة الحكم بمعهد البنك الدولي لعام ، 2015فقد تم حساب
المتوسط الحسابي للستة مؤشرات الفرعية التي يتضمنها المؤشر والتي تشمل
مؤشر الديمقراطية بقياس حرية الرأي ومسائلة الحكام ،ومؤشر اإلستقرار
السياسي وغياب العنف ،ومؤشر فاعلية الحكومة ،ومؤشر الجودة التنظيمية ،
ومؤشر سيادة القانون ،ومؤشر السيطرة على الفساد .
وقد أثبتت نتائج فحص 178حالة (دولة) وجود عالقة ارتباط طردية بقيمة
0.593بنسبة ثقة %99بين الوضع اإلقتصادي متمثالً في مستوى متوسط
الدخل وعدالة التوزيع وبين الوضع اإلجتماعي الثقافي والسياسي متمثالً في
مستوى انتشار الفكر العلماني بالمجتمع ومستوى الحكم الجيد للدولة ،حيث
201
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
أثبتت النتائج أنه كلما انتشر الفكر العلماني بالمجتمع وكلما تحسن الحكم من
قبل الدولة كلما تقدم الوضع اإلقتصادي متمثالً في ارتفاع متوسط دخل الفرد
نسبة إلى متوسط الدخل بالدول مرتفعة الدخل وكلما ازدادت عدالة توزيع الدخل
(راجع الشكلين 1و ، )2كما أثبتت النتائج أن البنية اإلقتصادية بنية فوقية تابعة
للبنية الفكرية اإلجتماعية الثقافية والسياسية كبنية تحتية ،حيث أظهرت النتائج
اقتصاديا يكون لديها مستوى الوضع اإلجتماعي الثقافي
ً أن الدول المتخلفة
اقتصاديا
ً والسياسي أدنى من مستوى الوضع اإلقتصادي ،بينما بالدول المتقدمة
يكون مستوى الوضع اإلجتماعي السياسي أعلى من مستوى الوضع اإلقتصادي
،وبالعكس يكون مستوى الوضع اإلقتصادي أعلى من مستوى الوضع
اديا ،ويكون مستوى الوضع اإلقتصادي أدنى
اإلجتماعي بالدول المتخلفة اقتص ً
اقتصاديا (راجع الشكلين 3و)4
ً من مستوى الوضع اإلجتماعي بالدول المتقدمة
،مما ُيثير الشك حول اإلنطباع المتعلق بمجتمع الدول المتقدمة كونه يهتم
بالجانب اإلقتصادي بشكل أعلى من الجانب اإلجتماعي الثقافي والسياسي كون
مركزه يكون أعلى عادةً من الوضع اإلقتصادي ،أو أن المجتمع بالدول
اقتصاديا يهتم باإلصالح الثقافي والسياسي بشكل أعلى من اهتمامه
ً المتخلفة
بالوضع اإلقتصادي ،كما تُشير تلك النتائج إلى أن مستوى الوضع اإلجتماعي
إلى اإلقتصادي ذو دور مؤثر وفعال في التحول من التخلف إلى التقدم
اإلقتصادي ،حيث أن ارتفاع مستوى الوضع اإلجتماعي الثقافي والسياسي فوق
مستوى الوضع اإلقتصادي يقود المجتمع تجاه التقدم اإلقتصادي ،والعكس فإن
انخفاض مستوى الوضع اإلجتماعي الثقافي والسياسي عن مستوى الوضع
202
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اإلقتصادي في الدولة فإنه يقود المجتمع تجاه التخلف اإلقتصادي ،كما يمكن
اعتبار اإلنفتاح دالة إلرتفاع المستوى اإلجتماعي السياسي ،وأن سياسات العزلة
التي تفرضها الدول المتقدمة على الدول النامية وتقييد تدفق سكان الدول النامية
إليها ساهم بشكل أو بآخر في تعميق تخلف دول العالم الثالث.
النتائج
وقد أثبتت نتائج فحص بيانات 178دولة وجود عالقة ارتباط طردية بين الوضع
قاسا بمستوى متوسط الدخل وعدالة التوزيع وبين الوضع اإلجتماعي
اإلقتصادي ُم ً
قاسا بمستوى انتشار الفكر العلماني بالمجتمع ومستوى الحكم
الثقافي والسياسي ُم ً
الجيد للدولة.
كلما انتشر الفكر العلماني بالمجتمع وكلما تحسن الحكم من قبل الدولة ،كلما
تقدم الوضع اإلقتصادي متمثالً في ارتفاع متوسط دخل الفرد نسبة إلى متوسط
الدخل بالدول مرتفعة الدخل وكلما ازدادت عدالة توزيع الدخل
البنية اإلقتصادية بنية فوقية تابعة للبنية الفكرية اإلجتماعية الثقافية والسياسية
اقتصاديا يكون لديها
ً كبنية تحتية ،حيث أظهرت النتائج أن الدول المتخلفة
مستوى الوضع اإلجتماعي الثقافي والسياسي أدنى من مستوى الوضع
اقتصاديا يكون مستوى الوضع اإلجتماعي
ً اإلقتصادي ،بينما بالدول المتقدمة
السياسي أعلى من مستوى الوضع اإلقتصادي
203
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مستوى الوضع اإلجتماعي إلى اإلقتصادي ذو دور مؤثر وفعال في التحول من
التخلف إلى التقدم اإلقتصادي ،حيث أنه كلما ارتفع مستوى الوضع اإلجتماعي
الثقافي والسياسي فوق مستوى الوضع اإلقتصادي فإن ذلك يقود المجتمع تجاه
التقدم اإلقتصادي ،والعكس فإن انخفاض مستوى الوضع اإلجتماعي الثقافي
والسياسي عن مستوى الوضع اإلقتصادي في الدولة فإن ذلك يقود المجتمع تجاه
التخلف اإلقتصادي.
ا إلنفتاح دالة إلرتفاع المستوى اإلجتماعي السياسي ،وأن سياسات العزلة التي
تفرضها الدول المتقدمة على الدول النامية وتقييد تدفق سكان الدول النامية إليها
ساهم بشكل أو بآخر في تعميق تخلف دول العالم الثالث.
204
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
شكل يوضح اإلرتباط ما بين مؤشر الوضع اإلقتصادي ومؤشر الوضع اإلجتماعي السياسي
2.50
2.00
1.50
1.00
0.50
-
200.00 150.00 100.00 50.00 -
205
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
شكل يوضح مستوى الوضع السياسي إلى الوضع اإلقتصادي وفقا لمتغير التقدم اإلقتصادي
مستوى الوضع اإلجتماعي السياسي إلى الوضع اإلقتصادي وفقا لمتغير التقدم
اإلقتصادي
3.50
3.00
2.00
1.50
1.00
0.50
-
200.00 150.00 100.00 50.00 -
178دولة
شكل يوضح مستوى الوضع اإلجتماعي إلى الوضع اإلقتصادي وفقا لمتغير التقدم اإلقتصادي
206
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
207
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مال اجتماعي تنشأ نتيجة للتعامالت ينشأ بموجبها الثقة واإللتزامات بين األفراد
فتنشأ العالقات التي يمكن استثمارها وقت الحاجة ،وفي ضوء اإللتزامات
المعاملية عبر المجتمع ،فإنه يمكن الحصول على رأس مال معمم ،وهو ما
أكدته نظرية بوتنام ( )Putnam, 2000حول رأس المال اإلجتماعي والذي
اعتبر أن رأس المال اإلجتماعي يتشكل من خالل ثالث مكونات رئيسية وهي:
الثقة ( )Trustوالتي تمثل نواة رأس المال اإلجتماعي باإلضافة إلى القيم
اإليجابية ،واإللتزامات األخالقية والتي تنشأ بموجبها الثقة ،والشبكات
اإلجتماعية خاصة الجمعيات التطوعية ( )groups and networksوالتي
تخلق قنوات اتصال وبيئة للتفاعالت اإلجتماعية (حمد ،2015 ،صفحة ، )143
وتعرف منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ( )OECDرأس المال االجتماعي
يأنه "مفهوم متعدد األبعاد ،يمثل "الشبكات االجتماعية والقيم والتفاهمات
والمعايير المشتركة التي تسهّل التعاون داخل المجموعات وبينها" ،أما البنك
الدولي فيعرفه بأنه "المؤسسات والعالقات والمعايير التي تشكل نوعية وكمية
التفاعالت اإلجتماعية في المجتمع" ،ويعتبر البنك الدولي أن الشبكات
اإلجتماعية تلعب دو ار حاسما في اإلزدهار اإلقتصادي ولها أثر فعال في زيادة
اإلنتاج (نصر و هالل ،2007 ،صفحة ، )17ويعرفه "بريست" ( )Priestبأنه
"الشبكات والقيم والفهم المشترك بين الناس ،والذي يمكن األفراد والجماعات في
أن يثق كل منهم في اآلخر ويعمل سويا ،كما يشمل الروابط والعالقات
والشبكات بين المنظمات والمؤسسات واألمم" ،ويميل اتجاه في نظرية رأس
المال اإلجتماعي إلى تضمين الشبكات اإلجتماعية كمكون اساسي ضمن
المفهوم باعتبارها البيئة التي ينشأ خاللها رأس المال اإلجتماعي (حوالة و
الشوربجي ،2014 ،صفحة ، )514وقد تم تحديد ثالثة عناصر أساسية تكون
راس المال اإلجتماعي :وهي عدد األشخاص ،وقوة العالقة ،والموارد التي
208
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وبناء عليه فإن رأس المال اإلجتماعي هو رصيد متسع ومتراكم من شبكة ً
العالقات اإلجتماعية التي يمكن استثمارها اقتصاديا وقت الحاجة إليها ،والتي
تنشأ نتيجة تفاعالت إلتزامية عبر قنوات اتصال وشبكات اجتماعية يترتب عليها
رصيد من الثقة المتبادلة بين أطراف العالقة كنواة لرأس المال اإلجتماعي ،ولذا
فإن اإلهتمام بتنمية القيم األخالقية المحفزة لتكوين رأس المال اإلجتماعي مدخل
رئيسي لتنمية رأس المال اإلجتماعي ،كما أن رأس المال اإلجتماعي وفقًا لذلك
أساسيا ضمن عوامل التنمية اإلقتصادية بمفهومها الدولي
ً المفهوم ُيعد عامالً
المعاصر ،والذي يقوم على أساس من الشراكة والتفاعل ما بين المؤسسات
الرسمية وغير الرسمية واألفراد داخل المجتمع ،فإذا انخفض رصيد رأس المال
اإلجتماعي لدى تلك األطراف تجاه األطراف األخرى فإن ذلك يعني أن التنمية
بمفهومها المعاصر ،وسيتوقف إخفاقها بقدر اإلثتصادية ال يمكن أن تتم
اإلنخفاض الحاصل برصيد رأس المال اإلجتماعي لدى تلك األطراف ،ولذلك
فإن خلق قنوات اإلتصال والمعامالت اإللتزامية ورصيد الثقة مكونات أساسية
209
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
لرفع مستوى رصيد رأس المال اإلجتماعي على المستوى الجمعي ومن ثم تحقق
التنمية.
واذا كان كالً من رأس المال النفسي والبشري عوامل ال تنفصل عن األفراد
كأشخاص طبيعيين فإن رأس المال اإلجتماعي شأنه شأن رأس المال الثقافي
والفكري أو المعرفي على خالف ذلك ينشأ داخل األفراد كأشخاص طبيعيين
باإلضافة إلى األشخاص اإلعتباريين أو المعنويين كالمجتمعات والدول
والمؤسسات والمنظمات والشركات ،سواء عالقات مع أشخاص اعتباريين أو
طبيعيين ،هذه العالقات ال تشمل فقط عالقات المنظمة مع موردي عوامل
أيضا عالقتها مع سوق الطلب والتي تُمثل رصيد المنظمة
اإلنتاج وانما تشمل ً
من الثقة لدى األفراد من العمالء الحاليين والمحتملين والذي ينشأ كرد فعل
لمستوى اإللتزامات التعاملية بالقيم المشتركة المتحققة ،وعلى قدر قوة عالقات
رأس المال اإلجتماعي بجانبي العرض والطلب تتحقق الوفورات والفوائض
اإلنتاجية ،فالعالقات القوية والوالء تجاه أشخاص طبيعية أو معنوية قد يدفع
بعض مالك عوامل اإلنتاج للتخلي الجزئي بتفضيل عائد أقل أو التخلي الكلي
عن تكلفة عملهم أو مساهمتهم بالطاقة اإلنتاجية كما هو الحال باألعمال
التطوعية ،كما أن قوة تلك العالقات تُحقق وفورات من جانب الطلب حينما
يتجه العمالء ترتفع قيمته عن منتج آخر (سلعة أو خدمة) منافس له يتقارب إلى
حد التماثل ،كما ُيمكن ضمن العالقات التضامنية ضمن رأس المال اإلجتماعي
كعامل يمنح الفرد على الحصول على قدر من إنتاج آخرين.
وبناء عليه فإن رأس المال اإلجتماعي كعامل إنتاج يساهم تناسبه مع سائر ً
عوامل اإلنتاج بالطاقة اإلجمالية لوحدة اإلنتاج في تحديد األبعاد الكمية والنوعية
للناتج ،وفي حالة إغفال هذا التناسب فإما سيترتب عليه تعطل عوامل اإلنتاج
210
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وبالتالي تفويت فرصة استثمارها ،أو إنهاكها وتفويت فرص إنتاجية ،ولذا فإن
القرار اإلستثماري الذي ال يأخذ في اإلعتبار مدى تناسب رأس المال اإلجتماعي
بجانبي العرض والطلب باستثمار قدر كبير من رأس المال الصناعي والطبيعي
والعمل كعوامل إنتاج بجانب قدر محدود من رأس المال اإلجتماعي ال يتناسب
مع حجم اإلستثمار بسائر عوامل اإلنتاج األخرى قرار غير اقتصادي لعدم
تناسب العوائد اإلنتاجية مع األصول المستثمرة ،رأس المال اإلجتماعي ينشأ
كرصيد داخل األفراد والمنظمات نتيجة للثقة المتولدة عن التعامالت اإللتزامية مع
أطراف أخرى عبر الشبكات اإلجتماعية المتاحة عبر متغير الزمن ،ولذلك فإن
عامل الزمن يلعب دور أساسي في تراكم رصيد رأس المال اإلجتماعي يجب
اإلسترشاد على أساسه لخلق مزيج الطاقة اإلنتاجية ،رأس المال اإلجتماعي
تجاه الطلب كرصيد المنظمة من العالقات اإليجابية مع العمالء الحاليين
والمحتملين أو ما ُيمكن وصفه بالشهرة أو السمعة التجارية أو الصورة اإليجابية
للمنظمة أصل من أصول المنظمة والذي يمكن تقدير قيمته كجزء هام وأساسي
من الفارق ما بين القيمة الدفترية والقيمة السوقية للمنظمة ،وعلى المستوى
الفردي فإن رأس المال اإلجتماعي كرصيد إيجابي للفرد بسوقي العرض والطلب
ُيمثل عامالً جوهريا في صناعة دخول األفراد خاصة في المجاالت اإلعالمية
والمهن الحرة.
211
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
األولى تعرف بنظرية رأس المال التنظيمي المتجسد في األفراد ،وتعتبر أن رأس
المال التنظيمي عبارة عن المعلومات والمهارات متجسدة في األفراد والتي تعمل
على توزيع وتنسيق األفراد على مهام العمل وتكوين هياكل فرق العمل ودعم
رأس المال البشري من خالل التدريب ،وهي وجهة نظر "بريسكوت وفيشالر"
( )1980حيث فصلها كال من ( )Black and Lynch, 2005إلى ثالث
212
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
عناصر وهي التدريب ومشاركة العمالة في القرار وتصميم العمل " ،كارلن
وآخرون" ( )Carlin et, 2012اعتبروا أن رأس المال التنظيمي هو تلك المعرفة
التي ترفع العامل من أقل درجة في الهرم الوظيفي ألعلى درجة " ،أيسفيلد
وبابانيكوال" ( )Eisfeldt and Papanikolau, 2013اعتب ار أن رأس المال
البشري يتجسد في عنصر الموهبة المملوك لوحدات اإلنتاج.
الوجهة الثانية أن رأس المال التنظيمي يتجسد في رؤية والتزامات الشركة وقيم
وأعراف وحدة اإلنتاج ،اعتبر "تومر" ( )Tomer, 1998أن رأس المال
التنظيمي هو التناسب ما بين قيم وأعراف وحدة اإلنتاج وما بين تمسك العاملين
بها في الحاضر والمستقبل " ،يوفانوفيتش وروسو" ( Jovanovic and
)Rousseau, 2001اعتب ار أن رأس المال التنظيمي يتضح في التزام وحدة
اإلنتاج بالرؤية والقيم وأثر ذلك التمسك على أصولها المادية والمعنوية.
213
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
215
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ترتب على اختالف الوجهات النظرية حول تجسد "رأس المال التنظيمي" ثالث
وجهات نظرية أساسية لقياس رأس المال التنظيمي وهي :أول منظور ميدان
العمل ( )SURVEY-BASEDلقياس رأس المال التنظيمي ويقوم على نظرية
رأس المال التنظيمي المتجسد في العمل ،ويقوم على قياس رأس المال التنظيمي
من خالل قياس مستوى التدريب ومشاركة القوى العاملة في اتخاذ القرار وتصميم
العمل ،ثانيا المنظور الداخلي ( )INPUT-BASEDوالذي يعتمد منهجه في
قياس رأس المال التنظيمي على عوامل داخليه ،ويقوم على نظرية رأس المال
التنظيمي المتجسد في النظم ،ويعتمد في قياسه على عوامل داخلية كحجم
اإلنفاق على تكنولوجيا المعلومات ITواألبحاث والتطوير R&Dوالتسويق
واإلدارة ،حيث أثبتت دراسة "ميجاوا وكيم" ()Miyagawa and Kim, 2008
عالقة ارتباط ما بين رأس المال التنظيمي وما بين إدارة األبحاث والتطوير
والتسويق ) ، (Roman & Jana, 2012, p. 124ثالثا المنظور الخارجي
( )OUTPUT-BASEDوالذي تقوم منهجيته القياسية على معيار نسبة
المخرجات إلى األصول المادية والبشرية ،وتقوم على نظرية رأس المال
& (Lev, Radhakrishnan, التنظيمي المتجسد في الهياكل والعمليات
Peter, Measuring and Managing Organizational Capital
). Series No. 1, 2016, pp. 11-15
وبناء عليه يتضح أن اصطالح "رأس المال التنظيمي" ُيشير مفهومه إلى عامل
ً
إنتاج معنوي ضمن رأس المال الفكري يختلف عن رأس المال البشري ورأس
المال اإلجتماعي ،إال أنه يعتبر أحد عناصر رأس المال الفكري التي ال تظهر
في ميزانية الوحدات اإلقتصادية ) ، (Roman & Jana, 2012قد يتجسد في
عنصر العمل أو في ذاكرة وحدة اإلنتاج ،ويتسم بالقابلية للحفظ والتراكم
والمشاركة ،وهو العنصر الحاسم في تحفيز التفاعل ما بين عوامل اإلنتاج ،
216
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
فالمعدات والتكنولوجيا التي يستخدمها التنظيم في إتمام مهامه ليست مفكرة أو
نشطة بحد ذاتها وانما عناصر خاملة بطبيعتها ومثلها في ذلك رأس المال
البشري ،بخالف عنصر التنظيم والذي يتميز بالفاعلية ،وان كان رأس المال
البشري خاصة ما يتضمنه من موهبة هو العامل األساسي في خلق رأس المال
(Lev, Radhakrishnan, & Peter, Measuring and التنظيمي
)، Managing Organizational Capital Series No. 1, 2016, p. 4
وقد أكدت العديد من الدراسات القياسية العالقة اإليجابية القوية ما بين مستوى
رأس المال التنظيمي وما بين مستوى أداءات المنظمة ،كالعالقة اإليجابية مع
األداء المالي على المدى الطويل والقصير ( ، )Huselid, 1995والعالقة ما
بين ممارسات إدارة الموارد البشرية وما بين أداءات الشركة ( Delaney and
، )Huselid, 1996والعالقة القوية ما بين ممارسات إدارة الموارد البشرية وما
بين اإلنتاجية ( ، )Ichniowski, Shaw and Prennushi, 1997كما أن
اإلبتكار في ممارسات إدارة الموارد البشرية كان له أثر في تحسن اإلنتاجية
بنسبة %7في دراسة أجريت على الشركات اليابانية ( Ichniowski and
)Shaw, 1999راجع ) ، (Roman & Jana, 2012, p. 125وأن مرونة
أثر عامل التنظيم على اإلنتاجية أعلى من غيرها من العوامل كرأس المال
المادي أو رصيد البحوث والتطوير على اإلنتاجية (Tronconi & Marzetti,
) ، 2010, p. 4كما أن هناك عالقة معنوية ما بين رأس المال التنظيمي وما
بين العائد على األصول والعائد على حقوق الملكية (Roman & Jana,
). 2012
217
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
218
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اإلقتصادية والسياسات العامة على المستوى القومي مما يشكل تداخل مع مفهوم
رأس المال السياسي ) ، (Huang & Cao, 2016, p. 96وبشكل عام فإن
رأس المال المؤسسي يتجسد بالشخصيات اإلعتبارية دون الطبيعية ،وتنقسم
األشخاص اإلعتبارية من حيث التبعية السياسية إلى ثالث قطاعات أساسية:
قطاع حكومي وقطاع عام وقطاع أعمال سواء أكانت وطنية أو أجنبية ،ومن
حيث الشكل الوظيفي إلى أشخاص اعتبارية تجارية وتنقسم إلى (منشآت فردية ،
شركات أشخاص ،شركات أموال) ،وأشخاص اعتبارية مدنية وتشمل
(الجمعيات المدنية) ،وأشخاص اعتبارية سياسية وتشمل (الحكومات واألحزاب
السياسية).
219
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
220
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
221
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الفكري" لتحقيق أو الحفاظ على ميزة تنافسية متواصلة & (Alcaniz, Bezares,
) ، Roslender, 2010, p. 3حيث عرف "بروكينج" ()Brooking , 1997
رأس المال الفكري على أنه "مصطلح يطلق للجمع بين عناصر رأس المال غير
الملموس" أما كالً من ""ادفينسون ومالون" ( Edvinsson and Malone
),1997فقد عرفا رأس المال الفكري على أنه "مزيج من المعرفة ،االبتكارات ،
المهارات وقدرات الموظفين الفردية بالشركة" ،وعرفه "ستيورت" ( Stewart ,
)1997بأنه "حزمة مفيدة من المعرفة تتضمن عمليات المنظمة ،التكنولوجيا ،
براءات االختراع ،مهارات الموظفين ،المعلومات عن العمالء والموردين
وأصحاب المصلحة بالشركة" (مقلد ، )2010 ،كما عرفه ( )Stewart 98بأنه
"المادة المعرفية الفكرية ،المعلومات ،الملكية الفكرية ،الخبرة التي يمكن وضعها
(Stewart, Intellectual Capital: The في االستخدام لتنشئ الثروة"
) ، Wealth of Organizations, 1998كما يعرف بأنه مجموع المعرفة ذات
القيمة اإلقتصادية للمنظمة والتي تتكون بشكل أساسي من رأس المال البشري
ورأس المال الهيكلي ورأس المال الزبوني ) ، (Bassi, 1997وعرفه "ميرتن
وآخرون" ( )Mertins et al , 2001على أنه "مجموعة العناصر التي تشمل
الحقوق الفكرية والعالقات مع العمالء والصورة العامة للمنظمة والمعرفة المصنفة
(براءات االختراع وحقوق الطبع) والماركات المسجلة والجهود اإلبتكارية والبنية
التحتية" (مقلد ، )2010 ،ويعرف على أنه "مجموعة من القدرات المعرفية
والتنظيمية التي يتمتع بها العاملون والتي تمكنهم من إنتاج األفكار الجديدة أو
تطوير أفكار قديمة تسمح للمنظمة بتوسيع حصتها السوقية وتعظيم نقاط قوتها"
(المفرجي و صالح ،2003 ،صفحة ، )18كما عرفته دراسة (مرسى ،سوسن ،
)2008بأنه "مجموعة من األصول المعرفية المتفردة والمعتمدة على العقول
البشرية المبدعة ومتطلبات ونظم العمل والعالقة مع العمالء والتي تؤدى إلى
222
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اإلنتاج المستمر لألفكار واألساليب الجديدة التي تحقق قيمة مضافة للمنظمة
وتدعم قدرتها التنافسية" ،كما يعرف ( )Hamel & Prohaladعلى أنه "قدرة
ومهارة متفردة تتفوق بها المنظمة على جميع المنافسين في زيادة القيمة المقدمة
للمستثمرين وهى مصدر من مصادر الميزة التنافسية" (مقلد.)2010 ،
وبشكل عام فإن مضامين رأس المال الفكري يتم تصنيفها إلى ثالث عناصر
رئيسية وهي :رأس المال البشري ( ، )human capitalورأس المال الزبوني أو
رأس مال العالقات ( )customer or relational capitalورأس المال
التنظيمي أو الهيكلي ((Wall, )organisational or structural capital
) ، 2005, p. 4رأس المال التنظيمي ليس نسبة إلى الهيكل التنظيمي وحسب ،
وانما اصطالح يشمل مفهومه مجموع المعارف والنظم والمهارات التي ترتبط
نشاتها وملكيتها ووجودها بذلك الهيكل التنظيمي لعوامل اإلنتاج ،فكما أن
المضمون المعرفي داخل البشر والذي يسهم في صناعة دخولهم تم اإلصطالح
عليه بالبشري ،فبالمثل بالنسبة لرأس المال الهيكلي أو التنظيمي فهو المعرفة
التي ال تنفصل عن المنظمة أو عن ذلك الهيكل اإلنتاجي وال يمكن للعاملين
العودة بها إلى منازلهم ،وبذلك فإن رأس المال البشري ُيمثل أحد مكونات رأس
المال فكري بمفهومه العام ،وهو أحد أبرز هذه المكونات بما يتضمنه من قدرات
ومهارات التفكير واإلبداع واالبتكار ( ،وهيبة ،2012 ،صفحة )4فهو النوا ة
الصلبة لرأس المال المعرفي (المصبح.)2006 ،
لقد قسم "سيفبي" ( )Sveibyرأس المال الفكري إلى ثالثة أقسام وهي :أوالً رأس
ثانيا رأس المال الهيكلي الداخلي ( Internal
المال البشري (ً ، )HC
)structureأو رأس المال التنظيمي ( )Organisational capitalويشمل
البيانات المملوكة للشركة والبرمجيات والنظم الداخلية ،ثالثًا أرس المال الهيكلي
223
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
224
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وملكية قواعد البيانات (مقلد ، )2010 ،كما أن هناك مدخل يقوم بتصنيف رأس
المال الفكري على أساس معيار إمكانية التقدير المحاسبي ،حيث يصنف
مكونات رأس المال الفكري إلى أصول معنوية محسوبة القيمة كرصيد ضمن
أصول المنظمة وهي األصول الفكرية ( )Intellectual Assetsوتشمل براءات
اإلختراع والعالمة التجارية وحقوق النشر والتصاميم ،وأصول معنوية غير
محسوبة وهي الموارد الفكرية ( )Intellectual Resourcesوتشمل المعرفة
الضمنية ،والعالقات ،والمهارات والخبرات ،والمقدرة اإلبتكارية (يوسف ع،.
وبناء عليه فإن مفهوم رأس المال الفكري هو مجموع ً ،2005صفحة ، )4
المضامين الفكرية التي يملكها األفراد والمنظمات التي يعملون بها والتي تسهم
في ظهور اإلنتاج ،والذي ينقسم إلى رأس مال بشري ال يكون إال داخل األفراد
ورأس مال هيكلي ال يكون إال داخل المنظمات ،ورأس مال اجتماعي ويشمل
عالقات األفراد وعالقات المنظمة مع الموردين والعمالء ،ورأس مال ثقافي
ويشمل ثقافة األفراد والمنظمات التي يعملون بها.
225
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
226
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
رأس المال الصناعي هو الطبيعة التي يتجسد بها فكر البشر ،ولذلك فهو تابع
لمتغيرين داخل اإلقتصاد وهما حجم وكيف الموارد الطبيعية المتاحة وحجم وكيف
الناتج الفكري للبشر داخل اقتصاد معين اإلقتصاد بشكل أولي وبشكل ثانوي تابع
العنصرين ،لقد ربطت العديد من
ألثر العالقات الخارجية حول تراكم هاذين ُ
الدراسات ما بين التصنيع وما بين النمو اإلقتصادي بالتطبيق على قفزات النمو
اإلقتصادي بدول الكتلة الغربية عقب الثورة الصناعية األولى والثانية ،أو ما بين
اإلنتقال من الزراعة إلى الصناعة وما بين النمو اإلقتصادي (نصر ر،2010 ،.
صفحة ، )3كما اعتبرت بعض الدراسات الحديثة التصنيع مرادف للتنمية
لإلقتصادية لما بين التنمية وكثافة رأس المال الصناعي وعمليات التصنيع من
ارتباط وثيق (زوزي ، )2010 ،وان كانت هذه العالقة تشمل في معناها ما هو
أبعد من مفهوم العالقة ما بين المزيج القطاعي والنمو اإلقتصادي إلى مفهوم
العالقة ما بين مستوى رأس المال الصناعي باإلقتصاد وبين النمو اإلقتصادي ،
فعندما يرتبط النمو اإلقتصادي بارتفاع مستوى التصنيع باإلقتصاد فإن ذلك يعني
أن النمو يتحقق بدرجة أكبر من خالل المنتج الذي يتضمن مستوى أعلى من
رأس المال الصناعي ،فالمنتج كثيف رأس المال الصناعي يكون أقدر على
تحقيق النمو من المنتج المتضمن مستوى بسيط من رأس المال الصناعي ،
وبالتالي فإن النمو اإلقتصادي يرتبط بإرتفاع مستوى رأس المال الصناعي إلى
227
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مستوى العمل ،ذلك المستوى الذي يتحدد بمقدار ما يتضمنه رأس المال
الصناعي من تكنولوجيا وما يتضمنه العمل من رأس مال بشري ،فبزيادة
التكنولوجيا برأس المال الصناعي ينخفض مستوى رأس المال الصناعي إلى
العمل (إرتفاع اإلنتاجية الحدية لرأس المال) ،أي بإنخفاض التكنولوجيا يستوعب
العمل قدر عالي من رأس الم الصناعي والعكس ،فبارتفاع التكنولوجيا يتطلب
رأس المال الصناعي مستوى منخفض من العمل ،وهو ما دعا "ريبيلو"
( )Rebeloرفض افتراض عالقة تناقص اإلنتاجية الحدية لرأس المال K
بنموذجه AKلعام ( ، )1991حيث اعتبر أن وفورات رأس المال ستؤدي إلى
تحسين المستوى التكنولوجي Aمما سيؤدي إلى تعويض تناقص العوائد الحدية
لرأس المال ،في حين أرجع ذلك التعويض أستاذ اإلقتصاد بجامعة شيكاغو
"كينيث آرو" – 1921معاصر ( )Kenneth Arrowللتحسن في المستوى
التكنولوجي وليس لوفورات رأس المال ،والذي اعتبره ينمو بالممارسة والتمرن
التي يكتسبها العمل مع الوقت خالفًا للوفور الرأسمالية لدى ريبيلو باإلضافة
لرفضه لنظرية رأس المال البشري للوكاس والذي اعتبر أن التعليم دالة في زيادة
اإلنتاجية (أحمد ، )2012 ،معنى ذلك أن التراكم في رأس المال الصناعي لن
يؤدي إلى استيعاب فائض العمل لرتفاع مضامينها التكنولوجية ،فالعالقة
عكسية ما بين ارتفاع المستوى التكنولوجي وبين قدرة رأس المال الصناعي على
استيعاب العمل ،مما دعا بعض الدراسات التنبؤية لتوقع معدالت غير مسبوقة
لبطالة العمل مع التطورات التكنولوجية المتوقع انتشارها مع أواخر القرن الواحد
والعشرين ،وترسيخ التناقض التاريخي بين العمل ورأس المال الصناعي.
فالعالقة ما بين مستوى العمل ومستوى رأس المال الصناعي يحكمها تناقض
تاريخي بانخفاض مستوى رأس المال الصناعي عن مستوى العمل مما يؤدي إلى
ظهور بطالة العمل وتعطل استغالل موارد طبيعية متاحة ،فبجانب تأثير التراكم
228
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
التكنولوجي على تخفيض طاقة رأس المال الصناعي إلستيعاب العمل فإن ذلك
التناقض يرجع باألساس لطبيعة دافع عملية اإلنتاج اإلستهالكي والذي أدى إلى
حلقة تواصل ارتفاع الميل الحدي لإلستهالك عن الميل الحدي لإلدخار ،فالبشر
يعملون في األساس بغرض اإلستهالك ال بغرض تكوين رأس مال مادي حتى
وان تضمن التراكم والتثمير المادي أحد أهدافهم إال أنه ينبع في األساس من
غرض توسعة قدراتهم اإلستهالكية وتأمين توسع استهالكهم المستقبلي ،وبالتالي
فإن طبيعة ذلك الدافع للعمل البشري جعل استهالك البشر مما ُينتجونه أعلى من
ذلك القدر الذي يتخلون عن إستهالكه من ذلك اإلنتاج بهدف إضافته إلى الطاقة
اإلنتاجية المادية ،أما من جانب العمل فإن زيادة معدل السكان بقدر أعلى من
معدل تراكم رأس المال الصناعي يؤدي هو اآلخر إلى توسعة هذا التناقض ،
فالميل الحدي لإلستهالك والتراكم التكنولوجي يؤديان إلى تخفيض مستوى رأس
المال الصناعي من جانب ،في حين أن زيادة معدل النمو السكاني يؤدي إلى
رفع مستوى العمل في الجانب المقابل ،ليتواصل التناقص كحلقة مفرغة التي ال
تكسرها إال نشأة تراكمية سببية صناعية تؤدي إلى خلق تراكمات صناعية تفوق
معدل نمو العمل ،والذي يتوقف على انخفاض معدل النمو السكاني بجانب
سياسات تقييد لتدفق العمل داخل اإلقتصاد ،بحيث ينتقل البشر من وضع
العمل من أجل الناتج إلى عمل الناتج من أجل البشر.
229
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
ستكون أكثر مالئمة إلستحواذ التكنولوجيا البالية مما سيؤدي إلى تواصل حالة
وبناء عليه ُيصبح النمو اإلقتصادي مرتبط بالخلق المحلي للتكنولوجيا
ً التخالف ،
المتقدمة ،والذي سيقتضي سياسات توزيع خاصة لتجنب اإلنخفاض في عنصر
العمل باإلقتصاد ،وهو ما أكدته نظرية التراكمية السببية ليونغ ، CCYوالتي
أشار خاللها لكون السببية التراكمية للتقدم اإلقتصادي تنشأ بالريادة التكنولوجية
وتبني سياسات التصنيع والتي تعمل كآلية ذاتية دائرة للتراكم فيما يعرف بالسببية
التراكمية ليونغ ( progressive and propagates itself in a
(Fujita, 2004) )cumulative way
231
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
232
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
233
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
234
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
235
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
حيث أدت اإلستخدامات غير المسؤلة إلى اختالل النظام البيئي كالتغيرات
المناخية الناتجة عن ظاهرة اإلحتباس الحراري ،وهي ظاهرة زيادة تركيز الغازات
الحابسة للح اررة في الجو (ثاني أكسيد الكربون ،الميثان ،أكسيد النيتروز)...،
، Invalid source specified.مما أدى إلى ارتفاع درجة ح اررة األرض
وزيادة معدالت ذوبان الجليد بقطبي األرض مما ُيشكل تهديد بالغ على العديد
من السواحل بالغرق ( ، )Sea Level Riseفعلى سبيل المثال ُيقدر ارتفاع
مستوى سطح البحر بنحو مت اًر واحداً خالل القرن العشرين ،ويقدر معدل
Invalid source اإلرتفاع الحالي في منسوب السواحل 4ملمم بالعام
، specified.كما يترتب على تآكل الشواطئ العديد من الظواهر األخرى
كتغيرات بالقشرة األرضية تؤدي إلى هبوط األرض ()Land Subsidence
ببعض المناطق نظ اًر إلرتفاع المياه الجوفية ،أدت تلك التهديدات إلى عدة
تحركات للمجتمع الدولي للحد من التصرفات غير المسؤلة تجاه البيئة والتي
تُمثل خط اًر عالميا على المجتمع البشري بأكمله ومن أهمها اتفاقية األمم المتحدة
اإلطارية لتغير المناخ لعام (UNFCCC Framework Convention 1992
)( on Climate Changeاألمم المتحدة ،اتفاقية األمم المتحدة اإلطارية بشأن
تغير المناخ، )1992 ،
237
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
نظرية التوزيع
إذا كانت النظرية ال ُكلية لإلنتاج تبحث في عالقات خلق المال ،فإن توأمها الذي
تكتمل معه النظرية اإلقتصادية ال ُكلية هي نظرية التوزيع ،كيف يتم توزيع المال
الناتج بين ُمالك عوامل اإلنتاج وما هي حصة كل عامل من عوامل اإلنتاج
ولماذا؟ ،لماذا تنخفض األجور أو ترتفع؟ لماذا ترتفع أرباح المنظم أو تنخفض؟
،نظرية التوزيع ( )Theory of distributionهي المعرفة العلمية التي تفسر
وتحكم توزيع المنافع الناتجة ذات القيمة اإلقتصادية بين عوامل اإلنتاج مقابل
مساهمتها في عملية اإلنتاج والتي تمثل تكلفة أو أثمان عوامل اإلنتاج ولذلك
فتعرف أيضا بنظرية أثمان عوامل اإلنتاج ( )Theory of factor pricesأو
تكلفة عوامل اإلنتاج ،والتي تطرح الرؤية التفسيرية لتوزيع ذلك اإلنتاج على
المجتمع مع بيان السياسات التوزيعية التي يقل معها حدة المشكلة اإلقتصادية
( ، )For whom to produceوان كان ذلك التوزيع على غير أساس من
المساهمة في اإلنتاج ،وبذلك فإن مفهوم نظرية التوزيع كتوزيع للمنافع على
عوامل اإلنتاج خالل وسيط نقدي عبر عملية تبادل للتسييل هو ما ُيعرف
بالتوزيع الوظيفي ( ، )Functional distributionأما التوزيع الشخصي
( )Personal distributionفهو توزيع الدخول أو المنافع الناتجة على
األشخاص بغض النظر عن ماهية عوامل اإلنتاج التي يمتلكونها من عدم
ملكيتها وهو ما يدخل ضمن نطاقه التوزيع على غير أساس إنتاجي (تضامني)
،واذا كانت نظرية التوزيع تحاول تفسير ظاهرة التوزيع ،فإنها تتطرق أيضاً
لسياسات التوزيع األمثل الذي تقل معه حدة المشكلة اإلقتصادية.
238
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وبشكل عام تمثل نظرية التوزيع واحدة من أشهر النظريات التي قدمها الطبيعيون
في دراساتهم االقتصادية وركزوا من خاللها على دراسة االقتصاد وفق نظرية
شمولية تدرس الدخل على المستوى الوطني وليس وفق نظرية جزئية ترتكز على
دخل الفرد كوحدة للتحليل ،حيث فسر الطبيعيون توزيع الدخل على أساس
تقسيم المجتمع إلى ثالث طبقات ،الطبقة المنتجة وتشمل العمال الزراعيين
الذين يقومون بخدمة األرض ويخلقون الناتج الصافي ،وطبقة المالك العقاريين
وهم طبقة وسط ما بين الطبقة المنتجة والطبقة العقيمة والتي تشمل الحرف
األخرى غير الزراعية ،اعتبر فرانسوا كينيه الريع هو صافى الناتج الزراعي بعد
خصم تكاليف اإلنتاج من قيمة البذور واألجور ،أما آدم سميث فقد إنتقل بمفهوم
اإلنتاج من الحصر الزراعي إلى الحصر الزراعي الصناعي وتضمين الطبقة
العقيمة لدى الطبيعيون ضمن الطبقة المنتجة ،لذا طرح نظرية مغايرة للتوزيع ما
بين طبقة عقيمة ومنتجة إلى التوزيع ما بين مالك عوامل اإلنتاج األرض ورأس
المال والعمل وأن عوائدهم من المساهمة في اإلنتاج هي الريع والربح واألجر ،
واعتبر الريع العائد الذي يحصل عليه مالك االرض بسبب ملكيته لها دون بذل
جهد ،أما ريكاردو فقد فرق ما بين الريع المطلق وهو الدخل الثابت المرتبط
باستغالل االرض ،والريع الفرقى والتفاضلي والذي يتحدد علي أساس تفاوت
درجة خصوبة أو مدى قربها أو بعدها عن االسواق فيما يعرف بكرم األرض ،
كما لم يفرق الكالسيك ما بين المنظم الذى يدير المشروع ويتحمل مخاطره وما
بين ال أرسمالى الذى يقوم بإقراض أرس المال مقابل الحصول علي ثمن هو
الفائدة وبالتالى لم يفرقوا بين الربح والفائدة ،أما ألفريد مارشال فقد اعتبر الربح
هو دخل المنظم الذى يتحمل المخاطر وبالتالى يتحمل الربح والخسارة بحسب
النتائج االقتصادية للمشروع ،بينما الفائدة هى دخل الرأسمالى والذي يقوم
بإقراض رأسماله ،وانطالقاً من حالة البؤس والمعاناة التي طالما لحقت فئة
239
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
العمال والفالحين أسفرت تحليالت ماركس للتأكيد على وأحقية العمل في الربح
(فائض القيمة) بجانب األجر ،وأحقية رأس المال على الفائدة فقط ،كما رفض
فكرة الريع الفرقي والتفاضلي واعتبر أن الريع مطلق فقط.
الفلسفة اليونانية لم تتطرق إلى تحليل األجور حيث كان نظام اإلنتاج السائد
آنذاك يعتمد على اإلنتاج المنزلي وعلى نظام الرق ،بينما تطرقت إلى دخل
الرأسمالي وأنكرت الربا والذي ظل محل إدانة وحتى نهاية فترة اإلسكوالئيين ،
ومع ظهور عصر التُجار وبدء انهيار اإلقطاع وضعف سيطرة الكنسية اختلفت
عالقات التوزيع باختالف هياكل اإلنتاج ،حيث انتقل النظام اإلقتصادي من
التركيز على اإلنتاج الزراعي إلى التركيز على التجارة الدولية ،وفرض الواقع
التجاري والتغير الثقافي التعامل بالربا وقبول الفائدة على القروض والتي تُمثل
دخل رأس المال ،أما دخل العمالة فقد اتجهت عالقات التوزيع خالل تلك الفترة
بدفع سياسي نحو تخفيض األجور وتفقير العمالة لتوجيه فائض القيمة نحو دخل
المنظم والرأسمالي ،وقد أدت تلك السياسات إلى حالة غضب اجتماعي وتوجه ُ
الفكر اإلقتصادي للدعوة إلى العودة لألرض مرة أخرى وانتهت ُحقبة التجار ليحل
الحر ،دعا الفيزوقراطيين إلى التخلي عن سياسات
محلها الفكر الفيزوقراطي ُ
التصنيع والعودة إلى األرض وتحرير التوزيع من أية سياسات تقييد أو دعم
وتركها لقوى العرض والطلب واقتصار دور الدولة على حماية الحريات فقط ،
حيث رفضوا تعدد الضرائب واقترحوا ضريبة وحيدة على األرض وتخفيضها
ورفضوا اإلحتكار سواء بفعل سياسي أو تكتل نقابي كما رفضوا التسعير
اإلجباري ،اعتبر الفيزوقراط أن الريع هو ناتج صافي (أشبه بفائض القيمة)
مقابل لكرم األرض فاألرض فقط هي القادرة على اإلضافة أو اإلنتاج أما
240
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
األنشطة األخرى فتحويل للناتج من صورة ألخرى ،وهنا تظهر إشكالية كون
الفيزوقراط دعوا إلى ُحرية السوق والتخلي عن سياسة التجارة والتصنيع وبنفس
الوقت تبنوا دعوة إلى سياسة الزراعة.
اهتم الكالسيك بالتوزيع الوظيفي دون الشخصي لعوامل اإلنتاج ،فاألجر دخل
العمل والريع دخل األرض والربح دخل رأس المال ،وبذلك لم يفرق الكالسيك ما
بين دخل التنظيم ودخل رأس المال ،وعلى عكس الفيزوقراط الذين اعتبروا أن
الريع مقابل لكرم األرض فقد فسره ريكاردوا بعكس ذلك فاعتبره مقابل ل ُشح
األرض (الندرة) ،كما فرق ريكاردو ما بين الثمن الطبيعي والذي يعادل التكلفة
وما بين ثمن السوق والذي قد يزيد أو يقل ،وقد فسر أجر الكفاف بالثمن
الطبيعي أو العادل لعنصر العمل (العادل أي سعر السوق) ،فهو السعر الذي
يحدده السوق لتكلفة العمل غير الماهر بما يكفي لضروريات الحياة ،والذي
يتحقق عنده التوازن (التوازن ما بين عرض وطلب العمل) بينما أي تدخل
سياسي الرتفاع أو انخفاض لثمن السوق لتكلفة العمل عن تلك النقطة سيؤدي
إلى اختالل التوازن والذي سرعان ما سيستعيد توازنه فور غياب ذلك التدخل ،
ففي حالة زيادة األجر عن حد الكفاف سيزداد العرض (العمل) فينخفض األجر
وبنقصانه سينخفض العرض (العمل) فيرتفع األجر ،وبذلك فاألجر دائماً سيتجه
ناحية نقطة التوازن والثمن العادل والذي يتحدد بأجر الكفاف وهو ما أطلق عليه
السال القانون الحديدي لألجور ،لما يؤكده من حتمية وضع الكفاف للعمل غير
الماهر.
لم تتحسن أحوال أجراء الكفاف بنداءات التحرير للفيزوقراطية الفرنسية كما لم
تتحقق نبوؤة الكالسيك بالتشغيل الكامل فضال عن نظرية حتمية أجر الكفاف
التشاؤمية التي أحبطت آمال العمال في تحسن أحوالهم ،بل وتصاعدت حالة
241
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
البؤس والحرمان بتصاعد معدالت تدفق وتنوع اإلنتاج ،مما دفع ماركس لشن
الحرية الكالسيكية وما خلفته من
هجمة شرسة على الرأسمالية الماركنتيلية و ُ
تفاوت طبقي كبير بين أرباب العمل والعمال ،واقرارها لسوق عالقات التوزيع
التي صاحبتها إجحاف وتدهور ألوضاع العمال بحجة السوق ،واعتبر أن توزيع
فائض القيمة أو الربح هو حق أصيل لعنصر العمل ال رأس المال وأن رأس
المال دخله يجب أن يتحدد بالفائدة ،فالعمل هو العنصر الفعال في عملية
اإلنتاج ولذلك فالربح هو حق العمل كمكافأة نظير كفائته اإلنتاجية.
كفايات للبطالة والعاجزين ،وبذلك فقد ظهرت سياسة التدخل لتوزيع قدر من
دخول مالك عوامل اإلنتاج (التوزيع الوظيفي) لغير مالك عوامل اإلنتاج أو
مالك العوامل منخفضة الدخل والتي ظهر معها فكرة (التوزيع الشخصي) ،أي
أن التوزيع الكنزي اتخذ دفعاً سياسياً تجاه الطبقات المنخفضة ،مما مهد إلنتشار
نمط األجور المنظمة وهي األجور التي تتحدد خالل موقف تفاوضي متعادل
المركز ما بين العمال متمثلين في النقابات وما بين أرباب العمل متمثلين في
منظمات أرباب العمل بتدخل من الدولة كطرف ثالث محايد ومنظم وضامن
للتوافق ،الفكر المختلط دعا إلى تدخل الدولة السياسي المباشر والغير مباشر
إلعادة توزيع وتوجيه تدفق عوائد عوامل اإلنتاج بما يحقق أهداف التنمية وعالج
المشكلة اإلقتصادية ،واستبعدوا أن تتحقق التنمية اإلقتصادية بليبرالية يقتصر
فيها دور الدولة على الحماية ،واعتبروا أن تخلي الدولة عن دورها السياسي في
التوزيع سيؤدي إلى تدخل سياسي غير رسمي ألطراف أخرى ينتهي بفوضى ،
وبالرغم من ذلك إال أن تدخل الدولة السياسي إلعادة توزيع دخول عوامل اإلنتاج
لم يسفر في كثير من األحوال سوى عن عرقلة اإلنتاج بتقديم دعم بغير استحقاق
مبذول أو بتغريم ُمقيد لتوسع مأمول ،ولذلك فيجب أن يكون األصل في التوزيع
عدم التدخل وأن يقتصر التدخل السياسي على أضيق الحدود ،مع التأكيد على
أن الفقير له الحق في الحياة الكريمة وان لم يعمل ،والمجتهد له الحق في الثراء
والتوسع بقدر إجتهاده.
243
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
كان النشاط اإلقتصادي باليونان عائلياً ولذلك عرف اإلقتصاد آنذاك بأنه علم
إدارة المنزل ،وحيث كانت تلك المجتمعات قائمة على الرق فقد كان الفكر
اإلقتصادي بتلك الفترة يرى أن األعمال اليدوية يجب أن تترك للعبيد ،وقد
اعتبرهم أفالطون عنصر دائم في البشرية ال يمكن اإلستغناء عنه وأفضلهم ما تم
اإلستيالء عنه في الحروب من األجانب ،ولذلك كانت تنظر الفلسفة اليونانية
إلى األعمال اليدوية -باستثناء الزراعة -على أنها محل احتقار ،كما قسم
أفالطون المجتمع إلى طبقة الحكام والنبالء والمحاربون وطبقة المحكومين والتي
تتضن العمال اليدويين والزراعيين والصناع ،كما دعا إلى تقسيم العمل ،أما
الفكر الروماني فقد اتسم بالضحالة الفلسفية بشكل عام والتبعية للفكر اليوناني ،
ولذلك لم يحسر الفكر الروماني عن نظرية اقتصادية مستقلة ،وبسقوط
اإلمبراطورية الرومانية وبداية عصر اإلقطاع والذي اتسم بسيطرة الكنيسة ظهرت
مرحلة جديدة للتحليل اإلقتصادي تعرف بفكر السكوالئيين والذين اعتمد فكرهم
بشكل أساسي على األفكار المسيحية مع تأثرهم بالفلسفة اليونانية ،بسقوط روما
وتوزيع اإلقطاعيات الكبيرة على الحكام والنبالء مع تطور أدوات اإلنتاج ظهر
نمط اإلنتاج الكبير والذي سمح بتحول اليد العاملة المنزلية إلى أعمال الفالحة
بجانب األقنان ،وبذلك اتسع مفهوم اإلقتصاد من علم إدارة المنزل ليشمل
اإلنتاج اإلقطاعي ،وقد ظهر في تلك الفترة ألول مرة مصطلح حد الكفاف
( )Subsistence minimumالذي يمنحه اإلقطاعي للفالح بالقدر الذي يكفي
احتياجاته الضرورية ،والذي وصفه توماس األكويني ( )seut Tomasبالثمن
الطبيعي أو األجر العادل ،وبسقوط القسطنطينية وانتهاء فترة اإلقطاع وسيطرت
الفكر الكنسي انتقل الفكر اإلقتصادي إلى مرحلة الماركنتيليين والذين كانت
244
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
قضيتهم األساسية ثراء األمير من خالل التجارة الخارجية وجلب المعدن النفيس
ولذلك لم يركز الفكر اإلقتصادي خالل تلك المرحلة على ظاهرة األجر ،وبنهاية
حكم لويس الخامس عشر بفرنسا بمنتصف القرن الثامن عشر ظهرت مدرسة
الفيزوقراط والتي اتسمت باتجاه مختلف عن المراحل السابقة وهو الليبرالية
اإلقتصادية وتحرير األسواق من القيود السياسية وترك تفاعالتها للقوانين
الطبيعية التي تحكمها ،ولذلك رفض فرانسوا كيناي ( )Quesnay. Fفرض
ضريبة على األجور وعلل ذلك بأنها ستقع في النهاية على مالك األرض ،مما
سيؤدي إلى انخفاض األجور عن حد الكفاف ومزيد من البؤس والشقاء والحرمان
للطبقة العاملة ،والذي سينتهي بضعف قدرة اإلنتاج بشكل عام ،وقدم الفرنسي
تورغو ( )Turgotنظرية الحد األدنى لمستوى المعيشة والذي فسر من خاللها
حد الكفاف بقيمة كمية السلع الغذائية الضرورية التى يحتاجها العامل لحفظ
حياتة (حبيب م ، )2010 ،.كما اهتم بحد الكفاف من الفيزوقراط كالً من
ودوالرفيير ( )Rivière la de. Mوويليام بيتي الصغير 1806 – 1759
( )William Pitt the Youngerوريتشارد كانتيلون ()Richard Cantillon
(إدريوش ،)2013 ،وبحلول الكالسيك بريادة آدم سميث بالربع األخير من القرن
الثامن عشر والذين تبنوا نفس اإلتجاه الليبرالي للفيزوقراط اتخذ التحليل
اإلقتصادي مسا اًر أكثر عمقاً وتكامالً ،حاول آدم سميث تفسير حد الكفاف في
ضوء قوى العرض والطلب في السوق على وحدات العمل ،والذي اعتبره يتحدد
بساعات العمل وعلى أساسها يتحدد األجر ،وبخالف تورغو الذي فسر األجر
بكمية السلع الضرورية الالزمة للحياة ،فقد فسره كالً من آدم سميث وجان
باتيست ساي ( )Jean- Baptiste Sayباإلنتاجية المنخفضة ،ولذلك
اعتبروا أن زيادة إنتاجية العامل يجب أن يتبعها زيادة في األجر ،واعتبر دافيد
ريكاردو ( )Ricardo Davidأن حد الكفاف يمثل توازن األجور بالسوق ،حيث
245
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
اعتبر أن نقطة التوازن ما بين عرض وطلب العمل هي تعادل مستوى األجور
مع الحد األدنى الضروري للحياة ،وانطالقا من نظرية ريكاردو هذه صاغ
اإلشتراكي السال ( )Lassalle. Fقانون األجور الحديدي أو نظرية القانون
الحديدي ،لما يلحق العامل فيها من إجحاف وحتمية في تحديد أجره ،أما
مالتس ( )Thomas Robert Malthusفقد انطلق من نظريته للسكان للتأكيد
على حد الكفاف لمواجهة الزيادة السكانية التي تتماشى مع زيادة الموارد ،
واعتبر أن ضروريات العامل هي ما تتوقف على أجره وليس العكس ،مما سبق
الحر ،يتحدد في
يتضح أن أجر الكفاف هي ظاهرة قديمة ومتواصلة بالسوق ُ
ضوئها أجر العمل غير الماهر (العمل الذي يستطيع تأديته أي فرد أو يمكن
اكتساب مهارته بسهولة هذه السهولة يحددها خصوصية الواقع اإلجتماعي)
بمستوى الكفاف المتعلق بالمجتمع ،وأن تفسير ظاهرة إنتقال عمالة الكفاف من
إقليم إلى آخر وقدرتها على اإلدخار وتحقيق قدر من التراكم باإلقليم الجديد
يرتبط بقدرتها على التأقلم والتعايش باإلقليم الجديد بمستوى أدنى من مستوى
الكفاف السائد بذلك اإلقليم الجديد لتحقيق فائض وتكوين تراكم مالي يكافئ وفقًا
لوجهة نظرهم التضحية باإلنتقال.
وبذلك فإن أجر الكفاف هو كل أجر يكفي بالكاد الحاجات األساسية للعامل ،
وهو الثمن العادل لتكلفة العمل غير الماهر ،ليس المقصود بالعدالة كفايته
لحاجاته األساسية وانما الحق الذي يمنحه سعر السوق للعمل غير الماهر وهو
كل عمل يسهل اكتساب خبرته ،ففي ظل سوق حر تؤدي السهولة إلى الوفرة
وانخفاض األجر للحد األدنى ،وهو أقل ما يكفي لمستوى اإلعاشة وفق
الخصوصية اإلجتماعية والسياسية التي يتحدد في إطارها ،بينما تؤدي صعوبة
اكتساب تلك المهارة إلى ندرة العمل ومع ارتفاع الطلب عليه يرتفع األجر ،قد
ترتبط الصعوبة بمتغيرات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية احتكارية أو
246
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مع بدايات القرن التاسع عشر وزيادة طلب المشروعات الصناعية والتجارية على
رؤوس األموال بالتزامن مع ظهور الضغوط التشريعية والنقابية لزيادة أجور
العمال ظهرت نظرية رصيد األجور أو مخصص األجور في انجلت ار على يد
جون ستيوارت ميل ( ، )John Stuart Millوالتي رفضت في عمومها تلك
الضغوط لرفع أجور العمل واتخذت نفس مسار الكالسيك في أهمية عدم زيادة
األجور عما يخصصه أرباب العمل من حصص لألجور واعتبارها نقطة توازن
سوق العمل ،حيث افترضت أنه في ظل توازن العرض والطلب على العمل
تستقر األجور عند حد الكفاف وهو القدر الذي يخصصه أرباب العمل لدفع
األجور ،ويظل ذلك المستوى ثابتاً ما دامت كمية األموال التي يخصصها
المنتجون لدفع األجور تبقى ثابتة ومادام عدد العمال لم يتغير ،وأن الضغوط
تشريعية أو النقابية لرفع أجور العمال عن ذلك المخصص يؤدي إلى انخفاض
مخصصات عوامل اإلنتاج األخرى مما يؤدي إلى انخفاض اإلنتاجية وانخفاض
األرباح فتنخفض األجور إلى ما كانت عليه والعكس ،رفض ماركس نظرية
247
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
الكالسيك لحد الكفاف ودعا في مجمل نظريته إلى إلغاء التفاوت الشديد في
الدخل ما بين أرباب العمل والعمال وما بين العمالة الماهرة وغير الماهرة ،وفي
أواخر القرن التاسع عشر قدم الفرنسي لو ار بوليو واالقتصادي األمريكي ولكر
نظرية إنتاجية العمل والتي وضع أساسها آدم سميث وجان باتيست ساي ،وهي
أن أجر العامل يتقرر بناء علي إنتاجيته فكلما زادت زاد أجره (إدريوش)2013 ،
،أما ألفريد مارشال فقد اعتبر أن أجره يتحدد بإنتاجيته الحدية ،وبحلول القرن
العشرين طور عدد من االقتصاديين النيوكالسيك نظرية إنتاجية العمل إلى
نظرية اإلنتاجية الحدية للعمل ()Theory of Marginal Productivity
خاصة كالرك ( )Clark Bates Johnوفون فيزر ( Friedrich Von
، )Wieserوقد توصلت هذه النظرية إلى أن ما يحدد مستوى أجر العمل
بالسوق ليس إنتاجية العمل بصورة مطلقة ،وانما إنتاجية وحدة العمل األخيرة أو
اإلنتاجية الحدية ،إذ يتزايد اإلنتاج بزيادة معدالت العمل إلى أن تبدأ معدالت
اإلنتاجية تتزايد بدرجة أقل من تزايد وحدات العمل ،فتتحدد قيمة العمل على
أساس إنتاجية وحدة العمل األخيرة ،كما فرق النيوكالسيك ما بين التوزيع
الوظيفى للدخل على أساس ملكية عوامل االنتاج والتوزيع الشخصى وهو دخول
االفراد بغض النظر عن ملكيتهم لعوامل اإلنتاج ،ومن التحليل الجزئي للعمل
ينتقل كينز ( )John Maynard Keynesإلى التحليل الكلي للعمل ،والذي
رأى أن توازن سوق العمل عند حد الكفاف يرتبط بالضرورة بظاهرة البطالة
وينتهي بأزمة باإلقتصاد الكلي ،ولذلك فقد دعا للدمج ما بين فكر مدارس
الليبرالية اإلقتصادية (الفيزوقراط والكالسيك والنيوكالسيك) والتخطيط اإلقتصادي
(اإلشتراكية) ،والتخلي عن سياسة تحرير السوق بشكل كامل والتوازن عند حد
الكفاف ،والتي يترتب عليها التشغيل غير الكامل وانخفاض الطلب الكلي عن
الطلب الفعال مما يؤدي إلى انخفاض اإلنتاج وبالتالي انخفاض أعداد العمال
248
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
مما سبق يتضح أن نظريات األجور حاولت تفسير أساب قيمة األجر في ظل
بدء من األجر المتحدد على أساس كفاف المعيشة إلى تحديد
ظروفها المعاصرة ً
األجر باإلنتاجية في ظل حرية السوق ثم تفسيره على أساس اإلنتاجية الحدية
وأخي اًر األجر الذي يتم تنظيمه باإلتفاق ما بين أصحاب العمل والعمل بتدخل من
الدولة لإلتفاق حول أجر اإلنتاجية الحدية ،أما ماركس فقد اعتبر أن اإلستثمار
الرأسمالي وانتشار تكنولوجيا اإلنتاج يمثل تهديد لعنصر العمل إال أنه لم يقدم
تحليل مناسب لعالج تلك اإلشكالية سوى المطالبة بعدالة توزيع ،كما طالب
بعدم التفرقة ما بين العمل الماهر والعمل غير الماهر مما يصب في تدهور قوة
العمل الماهر وبالتالي تدهور اإلنتاج ،بل يجب أن تتجه سياسات التوزيع في
صالح تنمية اإلنتاج ،بتنمية العمل الماهر ذو الكفاءة اإلنتاجية والتي يتحدد
على أساسها األجر.
249
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
وتبقى مالحظات على نظرية ماركس التي تعدت تفسير التوزيع إلى طرح سياسة
توزيع موالية للعمل بأحقية العمل عن رأس المال بفائض القيمة ،وتكمن جودة
هذه النظرية أنها تصب في مصلحة الرأسمالي قبل العامل ،باعتبار أن العمل
بمستوياته اإلدارية والمهنية الماهرة وغير الماهرة يتوقف عليه بشكل أساسي
كفاءة المنظمة وانتاجيتها وذلك بالتوازي مع جودة رأس المال من مواقع ومنشآت
وآالت إنتاج (وهو ما أهمل دوره ماركس) ،ولذلك فكان من المنطق أن يتقاسم
فائض القيمة كالً من العمل ورأس المال ال يقل أحدهما عن اآلخر في تحقيق
اإلنتاجية* ،وأنه في حالة قصور أحدهما فإن اإلنتاج الكلي سيلحقه قصور
بنفس الدرجة (فشل إدارة القطاع العام أقرب مثال) ،ولذلك استحق كالً من
العمل ورأس المال فائض القيمة بالتساوي كمكافأة إنتاج عالوة على تكلفة العمل
التي تتحدد باألجر وتكلفة رأس المال التي تتحدد بالفائدة (شريطة حرية رأس
وحرية العمل في اختيار رأس المال) ،بحيث تقترب المال في اختيار العمل ُ
إنتاجية العمل من الكفاءة كلما اقتربت نسبة نصيب العمل من األرباح إلى قيمته
الرأسمالية من نسبة متوسط تكلفة الهيكل التمويلي لرأس المال على مستوى
الوحدة اإلنتاجية ،وتتحدد القيمة الرأسمالية لعنصر العمل أو القيمة اإلقتصادية
لحجم العمل الكلي الذي يتضمنه الفرد بمجموع القيم الحقيقية لحجم وكيف العمل
الذي يتضمنه الفرد خالل عمره اإلفتراضي مخصوماً منها حد الكفاف ،ومجموع
القيمة الحقيقية هي مجموع قيمة التدفقات السنوية المستقبلية ( In flow Future
)Valueلعنصر العمل ،والتي تتحدد لكل سنة من خالل ضرب القيمة الحالية
للسنة ( )PVفي معامل الفائدة المركبة لتلك السنة والذي يساوي ( +1معدل
*
طُبقت هذه السياسة في مصر في الستينيات حيث نص القانون رقم 111لسنة 1961بتعديل القانون رقم 26
لسنة 1954الخاص بالشركات المساهمة هذا الحق فقرر :أن توزع من األرباح نسبة %35تخصص للموظفين
والعمال عند توزيع األرباح على المساهمين.
250
**الباب الثاني نظرية اإلنتاج ونظرية التوزيع**
السنة
،وذلك باعتبار أن معدل الفائدة هي متوسط معدل الزيادة الحقيقية الفائدة)
للدخل السنوي ،والذي يمكن حسابه من خالل خصم متوسط معدل التضخم من
بناء على التراكم المهاري ،بحيث تمثل
متوسط معدل الزيادة السنوي في األجر ً
القيمة الرأسمالية لعنصر العمل مجموع قيم التدفقات المستقبلية السنوية مخصوم
منها حد الكفاف والذي يمثل نسبة اإلستهالك الالزمة إلشباع الحاجات
الضرورية للفرد ،بينما القيمة الناتجة تمثل اإلهالك المتراكم أو قيمة األصل
المستردة ،أي أن إسترداد رأس المال البشري يعادل مجموع القيم المستقبلية
اإلهالكية بعد خصم القيم اإلستهالكية من إجمالي التدفق ،وبمقارنة نسبة
نصيب العمل من فائض القيمة بقيمته الرأسمالية إلى نسبة تكلفة الهيكل التمويلي
لرأس المال يتحدد مؤشر الكفاءة اإلنتاجية الذي يرتفع كلما اقتربت النسب
وينخفض كلما تباعدت فيما يمكن تسميته بنظرية كفاءة إنتاجية القيمة
الرأسمالية للعمل ،أما القيمة المتوسطة لوحدة العمل فتتحدد بنقطة التوازن والتي
يتقاطع فيها متغير الحجم الكلي لوحدات العمل مع متغير قيمة وحدات العمل
من خالل عالقة عكسية على محور الزمن ،حيث ينخفض حجم وحدات العمل
التي يمتلكها الفرد مع الزمن إلنخفاض عمره اإلفتراضي ،بينما ترتفع القيمة
الحدية لوحدات العمل التي يمتلكها الفرد مع الزمن لزيادة خبراته ومهارته ،هذه
النظرية تفسر قيمة أعلى للتكلفة الرأسمالية لعنصر العمل وتدعوا لتواصل حفظ
تلك القيمة من خالل تراكم تكلفة اإلنتاج طوال فترة التشغيل بما يضمن عائد
أعلى من المستويات المعاصرة للتأمين اإلجتماعي ،والذي ينتهي بتنمية القدرات
اإلنتاجية بمتوالية هندسية.
251
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
1
الطلب المتعدي هو الطلب المتعلق بالغير ،أما الطلب الممكن فهو كل ما يمكن تفعيله بامتالك منفعته وهو
كل رغبة تقع منافعتها في إطار الممكن إمتالكه ،أما الطلب الغير ممكن الالممكن إقتصاديا وال غير إقتصادياً
هو العمل الخارق البدني أو ال معنوي كالمعرفة الغيبية ،أو األعمال تجاه تجاه المواد الفانية أو إسترجاعها ،
الماضي أو المستقبل
252
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
أما الخبرة فهي محصلة إنعطاف شعوري الطلب والتجربة ،أو محصلة شعورية
لمقابلة شعور التجربة بشعور الطلب (الحاجات والرغبات) ،بحيث تتحقق
الرفاهية وأقصى متعة بتطابق العاطفتين أي تكون التجربة مطابقة للرغبة ،بينما
يتحقق أقصى إشكال وألم بالتضاد التام بين التجربة والرغبة ،وبقدر تحقيق
الكائن لحاجاته ورغباته 1بقدر ما يشعر باللذة والتي هي مقياس السعادة ،وبقدر
إخفاقه في مقابلة الرغبة بقدر ما تتولد خبرة األلم والتي هي مقياس التعاسة ،
بحيث يمكن تقسيم بيئة شعور الخبرة إلى منطقتين ،األولى منطقة اإلشباع
ويلغب بها الرغبات ما بين نقطة اإلشباع التام بنسبة %100وخبرة الرفاهية
التامة بتطابق الطلب والتجربة ،وفي المنتصف نقطة اإلحباط والفقر التام ألي
قدر من التجربة محل الطلب بنسبة ، %0المنطقة الثانية المقابلة لألولى هي
منطقة الحرمان وتبدأ من نقطة المنتصف ويغلب بها الحاجات من نقطة اإلحباط
والفقر التام للتجربة محل الطلب إلى أقصى ألم ممكن والتضاد التام ما بين
التجربة والطلب بنسبة ، %100-وما بين اإلشباع التام والتضاد التام يقع
اإلشكال والذي تخف حدته بمنطقة اإلشباع كلما اقتربنا من نقطة التطابق التام ،
وتتأزم حدته بمنطقة الحرمان كلما اقتربنا من نقطة التضاد التام ،ولذلك
فمحصلة الخبرة الشعورية دائماً نسبة بمنطقة اإلشكال.
1
والتي تتدرج من مستوى الرغبات الغريزية والمتفرعة عن غريزتي البقاء والفناء إلى مستوى الرغبات الموروثة
فالمكتسبة
253
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
تلك الحاجات كمالية معاصرة يتحقق معها الرفاهية فالمشكلة اإلقتصادية ُمشكلة
تواضع منافع وتأخر في مواكبة الرفاهية المعاصرة ،مفهوم المنافع الضرورية
ومنافع الرفاهية مفهوم فضفاض ومرن بشكل مستمر ومتغير مكانيا بما ال يمكن
تحديده بدقة إال بشكل خاص وفق حدود زمانية ومكانية معينة ،فالمنزل
المعاصر الالئق والسيارة الالئقة أو بعض الخدمات كالتعليم أو اإلتصاالت ُربما
كانت رفاهية في أزمان ماضية بالمجتمعات الحضرية ،بينما باألزمان المعاصرة
فقد باتت ضرورة بنفس المجتمعات ،بل إن السياحة الدينية قد تكون ضرورة
إجتماعية لمجتمع معين في حين أن السياحة الترفيهية تكون لديه رفاهية
ُمستهجنة ،وعلى العكس من ذلك قد تكون السياحة الترفيهية ضرورة لنفس
المجتمع في فترات الحقة أو لمجتمع آخر معاصر بينما السياحة الدينية تكون
عادة مهجورة ،وبالتالي فإن نمط الحياة البسيط المتحقق من منافع متواضعة
يتحقق معها رفاهية مجتمع حضري بخمسينات القرن العشرين ،قد ال يتحقق مع
وال بضعفه اإلشباع األساسي لنفس المجتمع بأواخر القرن العشرين ،وذلك لتغير
نمط وأسلوب الحياة ومحددات الضرورة والرفاهية من حيث حجم وكيف الحاجات
والمنافع الالزمة إلشباعها لتغير منظومة الطلب بالوعي المجتمعي.
غياب الكفاءة اإلقتصادية من الجانب اإلنتاجي وخلل عالقات اإلنتاج فيما ُيعرف
بالتخلف اإلقتصادي اإلنتاجي أحد شقي التخلف اإلقتصادي العام ،وهو خلل
254
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
هيكلي بمنظومة اإلنتاج اإلقتصادي لسوء إدارة عنصر (بهدر أو تعطيل) أو
أكثر من عناصر اإلنتاج يترتب عليه أزمة في وفاء اإلنتاج بالحاجات والرغبات
،هذا السوء اإلداري قد يتخذ صورة بطالة وهي ضعف القدرة على توظيف واحد
أو أكثر من عوامل اإلنتاج سواء أكانت بطالة في عنصر العمل أو عنصر
التنظيم أو أي عناصر أخرى ،أو قد يتخذ هذا السوء اإلداري صورة الهدر وهي
إستنزاف جائر لعنصر أو أكثر من عناصر اإلنتاج بما ال يتحقق معه كفاءة
إنتاجية تفي بالحاجات فضالً عما يخلفه من إهدار المورد ،وبذلك فإن عالج
مشكلة التخلف اإلنتاجي يبدأ مع الوصف الدقيق لواقع عالقات اإلنتاج لبيان ثغرة
اإلختالل ومن ثم العمل نحو اتجاه اصالحها ،ولذلك اختلفت نظريات اإلقتصاد
السياسي من حيث التوصية بالتركيز على عنصر معين من عناصر اإلنتاج
كمدخل للنمو اإلنتاجي ،ففي حين ركز الكالسيك على عنصر العمل
والتخصص ورأس المال ركز النيوكالسيك على التنظيم كمدخل لتحقق كفاءة
اإلنتاج ،أما الماركسيين فقد اعتبروا أن الكفاءة تتحقق عندما يكون التنظيم
والتوزيع من جانب الدولة بملكيتها لعوامل اإلنتاج ،ستميل بعض النظريات
األخرى إلى أولوية عوامل أخرى كمداخل لرفع مستوى الكفاءة اإلنتاجية كرأس
أخير
المال السياسي واإلجتماعي والثقافي والسيكولوجي واأليكولوجي ،ويبقى ًا
ومتأثر ،الخلل بعامل يؤدي إلى خلل بعامل
التأكيد على أن ال ُكل متصل ُمؤثر ُ
آخر ،تشوه عالقات اإلنتاج ينعكس على تشوه عالقات التوزيع والعكس ،ولذلك
فعندما تُصبح المنظومة بالكامل خربة ال تُحدثني عن مدخل رئيسي للتنمية.
الفقر هو ُندرة المال الذي ال يتحقق معه اإلشباع وتظل الحاجة ُملحة ،ووفرته
بالثراء الذي يتحقق معه الرفاهية ،ولذلك فالفقر والثراء مؤشرات وصفية متضادة
255
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وال نهائية لمتغير المال وفقاً لمعيار القيمة ،أما التخلف فهو تواصل حالة الفقر
واتساع الفجوة مع مستويات الرفاهية المعاصرة لخلل بالعالقات اإلقتصادية يرجع
المعاصر (التكنولوجيا
باألساس لعدم القدرة على اللحاق بفنون اإلنتاج ُ
المعاصرة).
الفقر باللغة ُيطلق على شدة الحاجة أي على الحالة التي تنتج عن الندرة ،فيقال
فقير أي نزعت فقره من ظهره فانقطع صلبه من شدة فقره أو الفقير المكسور
الفقار ،وأصبح مثال لكل ضعيف (بن منظور لسان العرب) ،وفي االنجليزية
الفقر ( )povertyتعني الحرمان ( )privationوالحاجة ( ، )needinessأما
الفقر في اإلصطالح اإلقتصادي فهو ندرة المال التي يصحبها حالة من الحرمان
،والفقر كندرة للمال قد يقع في التدفقات الداخلة (الدخل) أو التراكم (الرصيد) ،
كما يقع في المال بوصفه المباشر أو غير المباشر اإلستهالكي أو اإلنتاجي
(رأس مال) بفقر كمي أو كيفي كفقر عنصر العمل والذي ُيمثل إفتقار العامل
للمهارات المهنية الخاصة بحيث تتركز مقوماته على جهده البدني.
ويمثل فقر الدخل واحد من أهم المقاييس الستخدمة في قياس حالة الحرمان ،
والتي تتجلى في ضعف القدرة على اشباع الحاجات األساسية كالغذاء وتدني
األوضاع الصحية والمستوى التعليمي وتدني األحوال المعيشية والحياة الكريمة
بشكل عام (األمم المتحدة ،الفقر في عربي آسيا منظور اجتماعي،1997 ،
صفحة ، )6كما عرفه البنك الدولي بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد األدنى من
مستوى المعيشة (البنك الدولي ،تقرير عن التنمية في العالم :الفقر،1990 ،
الصفحات ، )41-42ويختلف الفقر المطلق والذي يمثل حالة من الحرمان
وضعف القدرة على تلبية أبسط ضروريات الحياة (ويتحدد وفقاً لمعيار دولي أو
وطني) والذي اعتبره المجتمع الدولي عام 1995بالقمة الدولية للتنمية
256
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
االجتماعية بكوبنهاجن إهانة لشرف اإلنسانية وعقد العزم على محاربته ( ;G8
)CNUCED Conference at Bangkok, 2002عن الفقر النسبي والذي
ُيمثل التفاوت النسبي لمستوى المعيشة بين أفراد المجتمع بغض النظر عن مدى
اشباع الحاجات األساسية والضرورية (يتحدد وفقاً لمعامل جيني ، )1أما الفقر
الذاتي فهو درجة الفقر من منظور الفرد نفسه ومدى شعوره الفرد بأنه يحصل
على ما يحتاج إليه أم ال ،بغض النظر عن طريقة تحديده الحتياجاته األساسية
،وفي دراسة لألمم المتحده عن الفقر الذاتي بالدول النامية أثبتت أن لشعور
الفرد بالرضا عن حياته يزداد في الريف ،وأن من أسباب رضا الفقراء عن
أوضاعهم في الريف االقتناع بأن كل شيء من عند اهلل (UNDP, Subjective
Poverty and Social Capital, Toward a Comprehensive
).Strategy to Reduce Poverty, 2003
وعلى العكس من الفقر كندرة تتسبب في حاجة ُملحة ،فإن الثراء هو وفرة المال
والذي تتحقق معه الرفاهية ،الثروة في اإلنجليزية ( )wealthمصدرها كلمة
انجليزية قديمة ( )wealوالتي تعني الرفاهية ( )well-beingوالتي اضيف لها
حرفي ( )thبمعنى شرط تحقق الرفاهية ،ليصبح المصطلح ( )wealthمعب اًر
عن الثروة التي هي شرط الرفاهية ) ، (Anielski, 2003وفي اللغة العربية
الثراء هو كثرة المال ،حيث يقصد بذو ثروة وذو ثراء أي أنه ذو عدد وكثرة مال
وأثرى الرجل إذا كثرت أمواله ،وبالرغم من اإلختالف التاريخي للفكر
اإلقتصادي حول ماهية المال إال أن الفكر اإلقتصادي المعاصر ُمستقر حول
كون المال هو كل سلعة أو خدمة ينتج عنها منفعة اقتصادية ،وتمثل التدفقات
أساسيا لقياس درجة الغنى ( )Richالذي يتحقق للفرد ،
ً معيار
ًا الداخلة (الدخل)
أم التراكم (الرصيد) فهو المعيار األساسي لقياس الثروة ،حيث تُشير الثروة
1
يختلف بين 0و ،1حيث يدل الصفر على المساواة التامة والواحد على التفاوت االجتماعي التام.
257
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
( )Wealthإلى الرصيد اإلقتصادي المتراكم للمالك خالل لحظة معينة ،وعليه
فإن الناتج القومي اإلجمالي ليس ثروة قومية وانما داالً على الفقر أو الغنى
القومي ،بينما مجموع عوامل اإلنتاج التي تخلق ذلك الدخل واألصول غير
الرأسمالية المملوكة هي الثروة القومية ،وقد عرفت األمم المتحدة الثروة القومية
بأنها مجموع األصول الطبيعية والبشرية والمادية الصناعية (UNU-IHDP,
) ، 2012كما تُعرف الثروة بأنها "كل مايملكه البلد من الثروات الطبيعية المادية
والزراعية والحيوانية ومن الطاقات البشرية المنتجه" (خنسي ، )2007 ،وهي
"قيمة كل ما يمتلكه الفرد أو المجتمع في لحظة معينة من أصول منقولة وغير
منقولة وأدوات ملكية مختلفة بعد خصم ما عليه من ديون" (العمر، )2009 ،
وتعرف على أنها قيمة الموجودات المالية المملوكة من قبل فرد أو مشروع في
لحظة زمنية معينة وتعرف بمحفظة الثروة ( ، )Wealth Portfoliosكما
تعرف بأنها كل ما يمكن من خالله سد حاجات المجتمع من منتجات مادية أو
أعمال معنوية (رضا ، )1989 ،وعليه فالمجتمع الذي يملك أرصدة ال تمكنه من
دخول يمكن من خاللها تحقيق الرفاهية ال توصف أرصدته بالثروة مهما
تضخمت أرقام قيمتها ،ولذلك اتجهت بعض التعريفات للتفريق ما بين األرصدة
سهلة التسييل ذات القدرة على الوفاء باإلحتياجات واألرصدة صعبة التسييل ،
حيث اعتبرت أن مصطلح الثروة بمفهومه العام يشير إلى القيمة الصافية
لمجموع األصول السائلة (النقود وكافة األصول سهلة التسييل) والغير سائلة
(كافة األصول صعبة التسييل) بعد خصم قيمة الديون خالل فترة معينة ،أما
مفهوم الثروة بمعناه الضيق فهو مجموع قيمة األصول السائلة وسهلة التسييل
ذات القدرة على المواجهة السريعة ألي تقلبات مفاجئة في الدخل & (Thomas
) ، Cormac , 2010إال أن مؤسست كريديت سويس ألبحاث الثروات بالعالم
258
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
مخصوما منها
ً اعتبرت أن الثروة هي مجموع أي أرصدة مالية أو غير مالية
الديون سواء تحققت معها الرفاهية أم ال.
واذا كان الفقر هو وصف إستاتيكي فإن التخلف وصف ديناميكي لحالة تواصل
الفقر ،والذي يرجع باألساس إلختالل العالقات اإلقتصادية وتدني المستوى
التكنولوجي عن المستويات المعاصرة ،والذي يؤدي إلى تواصل عدم القدرة على
النمو والنضج (تقزم وظيفي متواصل) ،كالتخلف اإلنتاجي بعدم تناسب الثروة
الناتجة مع مقومات العرض ،لضعف قدرة توظيف (تعطيل) أو انخفاض كفاءة
(هدر) ،أو عدم تناسبها مع طبيعة الطلب المعاصر لتدني مستويات تكنولوجيا
اإلنتاج ،أو قد يحدث التخلف بجانب التوزيع وذلك بالتناسب الكمي والكيفي
للثروة الناتجة مع اختالل عالقات التوزيع وتسرب الناتج خارج اإلقتصاد بما ال
يتحقق معه الرفاهية (لسياسات اختيارية أو جبرية).
المشكلة اإلقتصادية
نظرية عالج ُ
259
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
للحد األدنى وتحقيق أقصى رفاهية ممكنة بتحقيق أقصى ثروة ممكنة سواء على
المستوى الفردي أو الجماعي ،وقد عبر عن ذلك المفهوم جيفونز بإشباع
الحاجات ألقصى حد بأقل جهد (زكي ر ،.اإلقتصاد السياسي للبطالة تحليل
ألخطر مشكالت الرأسمالية المعاصرة ، )1998 ،اقتصاديوا السوق الحر ُيعزون
سبب المشكلة اإلقتصادية بشكل عام إلى ًشح الموارد اإلقتصادية أو الندرة
النسبية ( )relative scarcityللموارد االقتصادية مقارنةً بالحاجات اإلنسانية
المتعددة والمتجددة باستمرار ،فمشكلة عدم القدرة على اشباع جميع اإلحتياجات
البشرية من السلع والخدمات ُيعزى لكون الحاجات غير محدودة ومتزايدة
ومتجددة ومتداخلة من جانب (سليمان و وآخرون )1999 ،ومن جانب آخر
لندرة الموارد ووسائل األنتاج (السريتي و غزالن ، )2010 ،وقد فسر الكالسيك
ندرة الموارد بعدم كفاءة استخدامها (حشيش ، )1998 ،أما مالتوس ()Malthus
فقد فسر الندرة بزيادة السكان والتي صاغها في شكل نظرية لعالقة ما بين
السكان والموارد بالزيادة السكانية بنسب تفوق الزيادة في زيادة الموارد ،واعتبر
أن الزيادة السكانية تتم بمتوالية هندسية ( ، )32 ، 16 ، 8 ، 4 ، 2بينما تميل
الموارد إلى الزيادة بحسب متوالية حسابية (( )10 ، 8 ، 6 ، 4 ، 2عبد الرحمن
إ ،.مفاهيم ونظم اقتصادية التحليل الكلي والجزئي ، )2004 ،مما يعني اتساع
الفجوة مع الزمن ما بين الحاجات والموارد النادرة ،والتي يترتب عليها مظهر من
مظاهر المشكلة اإلقتصادية يتمثل في حتمية اإلختيار ،وهو أن هذه الموارد لها
عدة استخدمات إلشباع حاجات متفاوته وعلى الفرد أن يختار استخدام من
ضمن تلك اإلستخدامات ويضحي باإلستخدامات األخرى ،وهو ما يسمى
بمشكلة اإلختيار والتي يترتب عليها ما يعرف باسم تكلفة الفرصة البديلة
( )opportunity costوهي التضحية التي يتحملها الفرد أو المجتمع للحصول
على بديل معين وذلك بتركه بديالً آخر أقل منه إشباعاً للحاجة (الوزني و
260
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
261
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
1
فال يجوز ألي فرد من أفراد المجتمع أن يستولي على نصيب من األرض أكبر من تلك التي يخصصها له
المجتمع إلشباع حاجاته ،وال يجوز له أن يكون إالمنتفعا باستخدام هذه األرض
262
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وتراكم الثروته الرأسمالية واختلف معه في حرية الفرد المطلقة بثروته ،واعتبر
أن حريته مقيدة بأوامر إلهية تقضي عليه بتحريم الحاجة للترف واإلسراف
واإلكتناز وهي حاجات أقرها الفكر الرأسمالي ،في حين اتفق الفكر اإلسالمي
مع اإلشتراكي من حيث مبدأ ضروروة تقييد حاجات األفراد واختلف معه من
حيث تطبيق المبدأ ،فالتحديد بالفكر اإلشتراكي يكون من خالل جهاز التخطيط
المركزي بالدولة وبناء على حجم الموارد المتاحة ،أما بالفكر اإلسالمي فإن
بناء على أوامر اإلله (الكبسي ، )2016 ،وهو ما يجعل منالتقييد يكون ً
اإلقتصاد اإلسالمي اقتصاد خاص بالمسلمين ألن قبوله يتوقف بشكل كبير على
اإليمان بمبادئه بغض النظر عن اخضاعها ألي منطق علمي من عدمه ،
ويبقى التساؤل وفقاً لما طرحه الفكر اإلشتراكي المختلط وفي ظل التطور
المعاصرة ،هل يمكن أن يصل المجتمع إلى عصر
المتنامي للفنون التكنولوجية ُ
يمتلك فيه عوامل إنتاج من العمل المتجسد المتراكم تكاد تخلو من العمل المباشر
،بحيث تكون هذه العوامل قادرة على خلق وتوزيع متكافئ لإلنتاج يتحقق مع
إشباع الحاجات األساسية للمجتمع وقدر جيد من الرفاهية فتنتهي المشكلة
اإلقتصادية اإلجتماعية عند ذلك الحد؟ ،ويبقى التساؤل ماذا سيكون نشاط ذلك
المجتمع؟ ومدى تأثر البيئة اإلجتماعية والثقافية والسياسية بذلك التغير بالبيئة
اإلقتصادية.
المشكلة هي العجز عن إدراك غاية ،وتكون المشكلة اقتصادية إذا كانت الغاية
منفعة ذات قيمة اقتصادية تُشبع حاجة أو رغبة فردية أو اجتماعية ،المشكلة
اإلقتصادية (ُ )economic problemيمكن تلخيصها في تساؤل كيف ُيمكن
للفرد أو المجتمع أن يحصل على الثروة؟ ،وهي األموال الوفيرة التي يتحقق
263
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
معها الرفاهية بإشباع أكبر قدر ممكن من حاجاته ورغباته ،هذه المشكلة قد
تكون من جانب العرض ،سواء مشكلة تتعلق باإلنتاج بضعف القدرة على خلق
المال لفقد عنصر مباشر أو غير مباشر أو كفاءة إدارته ،أو تتعلق بتوزيع ذلك
الناتج ،وفي هذه الحالة يتمكن الفرد أو الجماعة من خلق أموال وفيرة إال أن
المشكلة تظهر في تراكم األموال الناتجة في حيازة جانب وتندر حيازتها في
جانب آخر سواء على المستوى الوحدي أو الكلي ،أو قد تتعلق المشكلة بجانب
الطلب والقدرة على التبادل الذي يتحقق معه اإلشباع ،سواء بسبب ضعف
الدافع أو القدرة لدى الطلب.
إن أسباب إختالف نظريات وصف وتفسير المشكلة اإلقتصادية ترجع لطبيعتها
األنطولوجية كظاهرة معنوية تظهر بالبيئة المعنوية فوق العضوية اإلجتماعية
واإلنسانية سريعة التغير بخالف البيئة الطبيعية المادية المستقرة نسبيا ،على
264
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
سبيل المثال اإلنسان ككيان مادي ُيمثل ظاهرة مستقرة نسبياً نظرية اليوم تنطبق
على ظاهرة اليوم واألمس ،بمعنى أن أدبيات الطب اليوم من الممكن أن تعالج
اإلنسان بعصر الفراعنة أو ما قبله ،بخالف اإلنسان ككيان معنوي كنفس فاعلة
(غرائز وطباع موروثه) وشخصية ُمنفعلة (توجهات اجتماعية مكتسبة) ،فهو
متغير زمانياً نسبيا بمعنى أن شخصية المصري اليوم مختلفة عن شخصيته منذ
مائة عام مضت مختلفة عن شخصيته بعصور كيمت القديمة (الفرعونية) ،كما
أن شخصية الفرد بقارة أفريقيا تختلف عن شخصيته بقارة أوروبا ...وهكذا ،فإن
نسبيا والعالقات التي تنشأ عن اجتماع تلك الوحدةالوحدة المعنوية للفرد متغيرة ً
بأخرى متغيرة زمانياً ومكانياً ،وبالتالي فالظاهرة اإلقتصادية التي تنشأ بالبيئة
اإلجتماعية (باعتبارها خلق وتوزيع األموال ألغراض اإلستهالك والتوسع
واإلدخار) مختلفة باستمرار زمانياً ومكانياً ،ففي حين أن مجتمع سينظر لكائن
معين على أنه يتضمن منفعة ذات قيمة اقتصادية ،فإن مجتمع آخر لن يراه
يتضمن منفعة أو منفعته غير اقتصادية ،وفي حين سيزداد الطلب عليه بمجتمع
بدرجة كبيرة سيقل بمجتمع آخر بدرجة كبيرة ،ذلك من جانب الطلب أما من
جانب العرض فقد يؤثر تغير البيئة اإلجتماعية على مدى القدرة على خلق المال
فالبيئة اإلجتماعية والطبيعية قد تكون حافزة جاذبة لخلق ونمو عوامل اإلنتاج ،
بينما قد تكون بيئة اجتماعية وطبيعية أخرى ُمثبطة طاردة لها ،أما من جانب
التوزيع فقد تؤثر البيئة اإلجتماعية بشكل كبير على توزيع األموال ففي حين أن
طبيعة بيئة اجتماعية معينة ستقرر مركزة األموال الناتجه فإن بيئة اجتماعية
أخرى ستقرر شيوعية توزيع األموال الناتجة ..وهكذا ،ولذلك فكانت محاوالت
اإلقتصاد السياسي دوما لتنظير المشكلة اإلقتصادية تنطلق من الخصوصية
التاريخية وعالقاتها اإلقليمية.
265
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
لم تزل األنساق الطبقية للكائنات اإلقتصادية الجمعية تتسم بالتجانس باألقاليم
المختلفة بالعالم القديم وحتى القرن الخامس عشر ،حيث لم يكن قبل تلك الفترة
هناك فجوة َّترُكز طبقي بالكائنات الجمعية ذات داللة معنوية ،ويرجع ذلك إلى
المشترك لألموال واألداء
األداء اإلقتصادي المتقارب والذي كان يرتبط بالمفهوم ُ
الممكن ذاتياً ،لبساطة مفهوم اإلنتاج وبساطة عوامل إنتاجه وبالتالي
اإلنتاجي ُ
سهولة خلقها وتداولها بين اإلقتصادات المختلفة ،فمفهوم األموال كان يرتبط
باإلنتاج الزراعي والصناعي الذي يتزاوج فيه التقنيات غير المعقدة لرأس المال
وعنصر العمل البشري محدود القدرة ،وبالتالي فالثروة يمكن تخليقها محلياً داخل
أي وحدة إقتصادية (والذي تمثل في ظهور نمط اإلقطاعيات المغلقة بالشرق
نظر
والغرب القادرة على تحقيق اإلكتفاء الذاتي) ،باإلضافة إلى التجانس الكمي ًا
إلرتباط إلنتاج في كافة أنحاء العالم القديم بعوامل األرض والعمل شبه ثابتة
اإلنتاجية مع التغير الجغرافي والزمني باإلضافة إلى تقنيات بدائية متقاربة ،
ولذلك فوفقاً لبيانات المؤرخ اإلقتصادي البريطاني واألستاذ بجامعة جونينج
"أنجوس ماديسون" 1)Angus Maddison( 2010 – 1926ققد ظل متوسط
إنتاج الفرد بكافة اإلقتصادات القديمة وحتى القرن الخامس عشر يرتبط بمستوى
444دوالر (بتعادل القوى الشرائية لسعر الدوالر الثابت لعام )1990ففي كالً
1وفي مارس ( 2010قُبيل وفاة ماديسون) بدء مشروع قاعدة بينات ماديسون ( )Maddison Projectوالذي
أطلقه مجموعة من زمالئه بهدف التعاون بين العلماء لمواصلة عمل ماديسون في قياس األداء اإلقتصادي
لمختلف المناطق والفترات الزمنية ،والتي اعتمدت على التقديرات األصلية لماديسون ،ثم تضمنت اإلصدارات
االحقة بجانب تقدي ارت ماديسون تقديرات أخرى.
266
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
من أوروبا وأمريكا متوسط إنتاج الفرد 400دوالر وفي أمريكا الالتينية 400
دوالر وفي آسيا وفي آسيا 450دوالر وفي أفريقيا 416دوالر (Maddison,
) ، 2001, p. 264وظلت الحاجات ترتبط كيفياً بالزراعة والصناعة التقليدية
وكمياً بمستويات متقاربة سائدة بتحققها يتحقق اإلشباع والرفاهية.
وبالرغم من ذلك التجانس في مستوى الدخل بين أقاليم العالم القديم إال أن الجزء
األكبر من الدخل العالمي كان يتم خلقه في قارة آسيا لصدارتها من حيث التركز
السكاني والذي بلغ عام 1من الميالد 178مليون نسمة بنسبة %78من سكان
العالم البالغ عددهم 227مليون نسمة ،أما أفريقيا فكان إجمالي سكانها 17
مليون ،وأوروبا 25مليون ،واألمريكتين 7مليون ،ولذلك ففي عام 1من الميالد
تشكل %76من الدخل العالمي والبالغ 105مليار دوالر بقارة آسيا بقيمة 80
مليار دوالر (باألسعار الثابته لعام ، )90في حين أن الدخل المتكون بنفس
العام بأفريقيا كان قد بلغ 8مليار دوالر ،وبأوروبا 14مليار دوالر ،وباألمريكتين
2.5مليار دوالر.
نمت تلك المؤشرات بنسب بسيطة خالل األلف عام األولى بعد الميالد حيث
عاما األول بمتوسط معدل نمو %0.02ارتفع عدد سكان العالم خالل األلف ً
ليبلغ 267مليون نسمة عام %73 ، 1000منهم تركز بقارة آسيا بإجمالي
196مليون نسمة يصنعون %75من الدخل العالمي والذي ارتفع إلى 121
مليار دوالر ،لتمثل إجمالي مساهمة قارة آسيا 91مليار دوالر ،وأفريقيا 13.7
مليار ،وأوروبا 10.9مليار ،واألمريكتين 5.2مليار.
بظهور الرأسمالية في مرحلتها الماركنتيلية األولى ظهر أول تباين جمعي وتجذر
للتخلف بجسد اإلقتصاد العالمي ،والذي كان يتسم بكائنات جمعية متجانسة قبل
267
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
تلك الفترة وجسد دولي منتظم ،ليتحول مع الفجوات الرأسمالية المتتالية لمسخ
متخلف غير منتظم البنية الشكلية والوظيفية يتألف من خاليا متواصلة التقزم
غير قادرة على النمو تتصل مكونة أنسجة ضامرة بالجسد العالمي ،وأخرى
متسارعة النمو بمعدالت غير مسبوقة تتصل مكونة أنسجة ُمتورمة بالجسد
العالمي ،تتفاعل تلك الطبقات النسيجية بشكل غير متكافئ تتواصل معه ظاهرة
التخلف.
لقد ظهر أول تباين ما بين اإلقتصادات الجمعية بظهور الرأسمالية الماركنتيلية
بأوروبا بمنتصف القرن الخامس عشر والتي عملت على تكوين تراكمات من
الثروة داخل الوحدات الجمعية من خالل أدوات التجارة والتوسع الزراعي
تبعا لذلك اختالف التكوين الطبقي بأقاليم
والصناعي واإلستعماري ،فظهر ً
الغرب عن سائر األقاليم من حث ارتفاع المستويات وتغير التركيز ،ومع نهاية
القرن الخامس عشر اتضح الفارق بين متوسط دخل الفرد في أوروبا ومتوسط
دخل الفرد في المناطق األخرى من العالم ،فقد بلغ متوسط دخل الفرد في أوروبا
عام 1500نحو 774دوالر بينما ظل يتوسط بالمناطق األخرى من العالم حول
مستوى 450دوالر ،وبالرغم من ذلك التفاوت بين مستويي المتوسط الطبقي إال
أن معظم الدخل ظل يتشكل بآسيا إلستمرار التركز السكاني العالمي بها ،لقد
ارتفعت أعداد السكان خالل الفترة من عام 1000إلى عام 1500بمتوسط
معدل نمو أعلى من األلف األولى بلغ %0.13ليبلغ إجمالي سكان العالم
438.4مليون نسمة ،يصنعون دخالً تقدر قيمته بـ 248مليار دوالر %71 ،
من ذلك الدخل بقيمة 177مليار دوالر يذهب لـ %72من سكان العالم بإجمالي
314مليون نسمة ُيقيمون بآسيا ،بينما يحصل 47مليون نسمة في أفريقيا على
19.3مليار ،وبأوروبا 57مليون نسمة بإجمالي دخل 44.2مليار،
وباألمريكتين 8.2مليون بإجمالي نسمة إجمالي دخلهم 21مليار دوالر ،أي أن
268
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
ثالثة أرباع سكان العالم وثالثة أرباع الثروة العالمية ظلت تتركز في آسيا ولذلك
فقد كانت آسيا أبرز ما توجهت إليه أنظار التجار.
وبالرغم من الجهود التي بذلها التجار في أوروبا طيلة ثالثة قرون من الخامس
عشر إلى الثامن عشر والتي ساهمت في زيادة تفوق متوسط دخل الفرد
األوروبي عن متوسط دخل الفرد غير األوروبي ،إال أنه لم يتحقق ذلك الفارق
الضخم ما بين إنتاجية الفرد في أوروبا وانتاجيته في سائر اإلقتصادات بالعالم ،
فمع نهايات الحقبة الماركنتيلية كان دخل الفرد في أوروبا قد بلغ ضعف دخل
الفرد بالمناطق األخرى ،حيث سجل دخل الفرد عام 1700نحو 1024دوالر
بينما متوسط دخل الفرد في أفريقيا 400دوالر وفي آسيا 571دوالر وأمريكا
473دوالر ) ، (Maddison, 2001, p. 264كانت هذه هي الفجوة األولى
التي تحققت خالل الحقبة الماركنتيلية والتي استمرت طيلة ثالثة قرون ،والتي
تباينت اإلقتصادات الجمعية على مستوى العالم على إثرها وظهرت األمم الثرية
واألمم الفقيرة ،فبتقدم دخل الفرد األوروبي تولدت الحاجة للحاق بذلك التقدم
فتحولت اإلقتصادات بالبيئة الكلية من استقرار النضج إلى النمو نحو النضج.
وباختراع اإلنجليزي جيمس واط المحرك البخاري عام 1769بدأ عصر الثورة
الصناعية األولى "الثورة الصناعية" في بريطانيا والتي انتشرت إلى أوروبا الغربية
وأمريكا الشمالية ،وقد ارتبطت الثورة الصناعية بتطور تطبيقات اآلالت البخارية
وصناعة المنسوجات والحديد واستمرت حتى الفترة ما بين 1820و ، 1840
وقد أدت هذه الثورة إلى ارتفاع متوسط دخل الفرد بأوروبا إلى 1232دوالر
بنهاية عام ، 1820وفي أمريكا الشمالية 1201دوالر ،بينما ظل متوسط دخل
269
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وبقيام الثورة الصناعية الثانية عام 1870انتقلت الرأسمالية إلى مرحلة اإلمبريالية
الجديدة أو الرأسمالية اإلمبريالية والتي اتسمت بزيادة نشاط التوسع اإلستعماري
للدول األوروبية وتكوين المستعمرات بدول العالم الثالث ،كنتيجة إلتسارع
معدالت اإلنتاج وزيادة الحاجة للمواد الخام واألسواق الخارجية لتصريف اإلنتاج
،وقد ظهرت الثورة الصناعية الثانية "الثورة التكنولوجية" عام 1870تقريبا في
أوروبا الغربية (انجلت ار وألمانيا وفرنسا) وأمريكا واليابان وامتدت حتى بداية الحرب
العالمية األولى عام ، 1914ففي عام 1867استطاع اإلنجليزي السير هنري
بسمر تطوير صناعة الصلب والذي أدى للتوسع في إمداد السكك الحديدية
ووسائل النقل ،واكتشاف النفط عام 1859إال أن صناعته بدأت تتطور بأواخر
القرن التاسع عشر مع اختراع محركات اإلحتراق الداخلي ،باإلضافة إلى انتقال
270
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
لقد انتهت المرحلة اإلمبريالية بفجوة أكبر من سابقتيها حيث ارتفع متوسط دخل
الفرد األوروبي من بأوروبا 1974دوالر عام ، 1870إلى 4594دوالر عام
، 1950وارتفع متوسط دخل الفرد في أمريكا من 2431دوالر عام ، 1870
إلى 9561دوالر عام ، 1950وبالرغم من تضاعف متوسط دخل الفرد في
أفريقيا من 444دوالر عام 1870إلى 853دوالر عام 1950إال أن الفجوة
اتسعت بشكل أكبر من أي مرحلة سابقة لتبلغ مع المتوسط األمريكي نحو عشر
أضاف متوسط دخل الفرد األفريقي ،أما في آسيا (الصين والهند وباقي الدول
اآلسيوية) فقد ارتفع متوسط دخل الفرد من 543دوالر عام 1870إلى 635
دوالر عام 1950مما يدل على أن الفجوة اآلسيوية كانت األسوء بمنتصف
القرن العشرين ،أما أمريكا الالتينية فقد ارتفع متوسط دخل الفرد بها من 698
دوالر عام 1870إلى 2554عام 1950مما يدل على أنها كانت الفجوة
األفضل حاالً بمنتصف القرن العشرين.
أما من حيث خريطة تكون الثروة فقد اختلفت كثي اًر عن النمط التقليدي بتكون من
ثلثي إلى ثالثة أرباع الدخل بآسيا ،فبالرغم من استمرار تركز السكان بآسيا
والذي بلغ عام 1950نحو %65من سكان العالم بإجمالي 1.6مليار نسمة
بآسيا إال أن دخلهم اإلجمالي انخفضت نسبته إلى %33من الدخل العالمي
بقيمة إجمالية 1.76تريليون دوالر ،وفي المقابل برزت أمريكا كقوة اقتصادية
عظمى يسكنها %1من سكان العالم يمثلون 176مليون نسمة دخلهم اإلجمالي
1.5تريلون دوالر بنسبة %29من الدخل العالمي ،و %13من سكان العالم
بأوروبا يمثلون 305مليون نسمة دخلهم اإلجمالي 1.39تريلون دوالر بنسبة
271
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
%26من الدخل العالمي ،أي أصبح نحو %55من الدخل العالمي يشكله
%14من سكان العالم بأوروبا وأمريكا الشمالية ،في حين أن %33من الدخل
يشكله %65من السكان بقارة آسيا (آسيا الصغرى واإلتحاد السوفيتي والصين
والهند ودول جنوب آسيا).
وفي المقابل فإن %9من سكان العالم يسكنون أفريقيا يمثلون 228مليون نسمة
دخلهم اإلجمالي 202مليون دوالر بنسبة %4من الدخل العالمي ،و %2من
سكان العالم يمثلون 166مليون نسمة بأمريكا الالتينية دخلهم اإلجمالي 415
مليون دوالر بنسبة %8من الدخل العالمي.
لقد أدت الفجوة اإلمبريالية إلى ظهور التخلف كظاهرة تؤرق المجتمع الدولي ،
باتساع الفجوة بشكل كبير ما بين دول العالم األول والعالم الثالث ،والتي كانت
ترتبط أسبابها بضعف امتالك الدول النامية للتكنولوجيا المعاصرة وتسرب
فوائضها بسبب العالقات اإلقتصادية الالمتكافئة ،وعلى عكس ما افترضت
أطروحت ماركس بأن اختالط الرأسمالية الصناعية بدول العالم الثالث من شأنه
تحديث ٌنظم اإلنتاج البدائية ومن ثم تسارع معدالت اإلنتاج ،إال أن التكنولوجيا
العصرية التي نقلتها الرأسمالية الصناعية إلى مستعمراتها كانت موجهة باألساس
لخدمة الرأسمالية اإلمبريالية.
272
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
لقد ارتبطت الثورة الصناعية الثالثة بانتشار أجهزة الكومبيوتر وشبكة اإلنترنت
والتي ظهرت بالدول الرأسمالية الغنية خاصة أمريكا ثم انتقلت إلى أوروبا الغربية
ثم باقي دول العالم ،وبالرغم من أن هذه الفترة تخلت فيها الدول الرأسمالية عن
السياسات اإلمبريالية إال أن الفجوة التي تحققت خالل خمسين عاماً بالنصف
الثاني من القرن العشرين تعادل أربع أضعاف الفجوة التي تحققت منذ القرن
الخامس عشر وحتى منتصف القرن العشرين ،حيث بلغ متوسط دخل الفرد
األوروبي عام 1998نحو 17921ألف دوالر ،ومتوسط دخل الفرد في أمريكا
26146ألف دوالر ،بينما أصبح متوسط دخل الفرد في أفريقيا عام 1998نحو
1368دوالر ،وفي آسيا 2936دوالر ،وفي أمريكا الالتينية 5795دوالر ،
لقد كانت نسبة دخل الفرد في أفريقيا إلى دخل الفرد في أوروبا عام 1700نحو
%39وفي عام 1950انخفضت إلى ، %26بينما في عام 1998أصبحت
273
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
، %8مما أدى إلى تعمق وتواصل حالة النمو بدول العالم الثالث بالنصف
الثاني من القرن العشرين بخالف ما عزم عليه المجتمع الدولي ببداية النصف
الثاني من القرن العشرين.
أما على مستوى خريطة تكوين الثروات اإلجمالية حول العالم فقد تحسن الوضع
اآلسيوي بنهاية القرن العشرين فبحلول عام 2000كان %66من سكان العالم
بآسيا يشكلون 4مليار نسمة يساهمون في تحقيق %44من اإلنتاج العالمي
بقيمة إجمالية 16.1تريلون دوالر ،بينما %45من اإلنتاج العالمي بقيمة
16.2تريلون يتشكل بالكتلة الغربية بنسبة %21ألوروبا و %24ألمريكا
الشمالية ،مع األخذ في اإلعتبار التفاوت الضخم ما بين نسبة السكان في الكتلة
اآلسيوية بـ %66وما بين نسبة السكان في الكتلة الغربية والتي شكلت %11من
السكان بالعالم ،بواقع 313مليون نسمة بأمريكا الشمالية يمثلون ، %5و393
مليون نسمة بأوروبا الغربية يمثلون %6من سكان العالم.
أما أفريقيا فقد بلغ سكانها %13من سكان العالم بإجمالي 811مليون نسمة
يشكلون دخل إجمالي 1.17تريلون دوالر بنسبة مساهمة %3من الدخل
العالمي ،كان الوضع أفضل حاالً في أمريكا الالتينية والتي بلغ سكانها %9
من سكان العالم بإجمالي 520مليون نسمة ،دخلهم اإلجمالي 3تريليون دوالر
بنسبة مساهمة %8من الدخل العالمي.
كما اتضحت بنهاية القرن العشرين فجوة تركيز الثروات بين باإلقتصادات
العالمية ،فبحلول عام 2000بلغت ثروات العالم (إجمالي قيمة رصيد األصول
المالية وغير المالية) 126تريليون دوالر باألسعار الثابتة لعام 2000يتركز
%34منهم بأمريكا الشمالية بقيمة 42.7تريليون دوالر ،و %34منهم بأوربا
بقيمة 43تريليون دوالر ،أي أن الكتلة الغربية استحوذت على %68من
274
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
أرصدة الثروات وأثرياء العالم ،أما آسيا فقد بلغت ثرواتها 37تريليون دوالر
تمثل %29من الثروة العالمية ،أي بالرغم من تقارب وضع آسيا مع الكتلة
الغربية بنهاية القرن العشرين من حيث صناعة الدخل إال أن تركز الثروة بالكتلة
الغربية تعدى ضعف الثروة المملوكة آلسيا ،أما أفريقيا فبلغت ثروتها 1تريليون
دوالر بنسبة ، %8وأمريكا الالتينية 2.7تريليون دوالر بنسبة %2.1من الثروة
العالمية.
275
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وانتشار الفكر العلماني ،وعوامل إقتصادية وتشمل نشر وتدعيم أنشطة التمويل
والمصارف وتقديم الدعم المالي للمنظمين ،تدعيم التعاون الدولي وسياسات
تحرير التجارة العالمية ،نشر التكنولوجيا الحديثة في كافة المناطق وتدعيم البنية
األساسية ،تطور وسائل النقل.1
ففي القرن الحادي والثاني عشر ظهرت حقوق الشعوب في الحكم الذاتي في
شمال ايطاليا واقليم فالندر ببلجيكا وأجزاء من أوروبا وقد ترتب على ذلك إلغاء
القيود االقطاعية وتعزيز نفاذ العقود وظهور المؤسسات المالية والمصرفية،
مكنت هذه المؤسسات المصرفية المنظمين من الحصول على اإلئتمان والتأمين
وترتب على ذلك ظهور أعمال تجارية كبيرة الحجم في جميع أنحاء أوروبا
الغربية في وقت مبكر وارتفع عدد المدن االوروبية التي يزيد عدد سكانها عن
10االف نسمة من 4إلى 364بحلول عام .1800
ومع انتشار الطباعة بغرب أوروبا منذ القرن الخامس عشر وانتشار الكتب
والمطبوعات تطورت المعرفة والنشر المنهج التجريبي وظهر الفكر العلماني
والذي كان سبباً اساسيا للتنمية التكنولوجية ،أُنشئت أول جامعة في أوروبا في
Bolognaعام 1080ومنذ تلك الفترة وبدأت األكاديميات العلمية والجامعات
في االنتشار حتى بلغت 184بحلول عام ، 1800وقد أدت اإلكتشافات
واإلبتكارات التكنولوجية في قطاع معين إلى رفع إنتاجية قيمة رأس المال في
ذلك القطاع عن غيره من القطاعات اإلقتصادية مما أدى إلى تغيرات هيكلية في
اإلقتصاد بتحول رأس المال إلى قطاع الصناعة والذي أصبح أعلى إنتاجية
والذي ترتب عليه تحقيق قيمة مضافة بدرجة أكبر تؤدي في النهاية إلى زيادة
التراكم في رأس المال.
1
WORLD ECONOMICS • Vol. 9 • No. 4 • October–December 2008
276
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
أما من الناحية اإلجتماعية فإن النزعة الفردية لدى األفراد والتي أكدتها قوانين
الكنيسة الصارمة والتي كانت تحرم التعدد أو التبني وتنفر من الزواج من األرامل
واقتصار الميراث على أفراد األسرة فقط أدت تلك العوامل وغيرها إلى تنمية
النزعة الفردية بعكس مجتمعات الشرق والتي كانت تسمح بتعدد الزوجات في
المجتمعات االسالمية ونظام األسرة الممتدة في الصين والهند.
ساهم التقدم التكنولوجي في النقل البحري وصناعة السفن والتقنيات المالحية إلى
إكتشاف األمريكتين واكتشاف طرق نقل جديدة حول افريقيا إلى آسيا أدت إلى
ظهور المرحلة الماركنتيلية رأس ورأس المال التجاري والذي صاحبه فترات
اإلستعمار والذي إستخدم العبيد ورأس المال التجاري لتحويل اإلقتصاد األمريكي
إلى أوروبا ،باألضافة إلى األرباح المحققة من خالل التجارة مع آسيا.
أدى ظهور الدول القومية في أوروبا الى ظهور عالقات هامة من التبادل الفكري
والتجاري وبالرغم من االختالفات اللغوية ،وقد أدى ذلك الشكل الجديد للتنظيم
الدولي إلى ظهور أمرين هامين تعزيز المنافسة بين الدول وتشجيع اإلبتكار ،
فتح آفاق الهجرة واستقطاب العقول المغامرة والمجدده ،وقد أدى ذلك إلى جعل
التقدم اإلقتصادي منسجماً إلى حد ما في أوروبا.
أما تسارع النمو الذي حدث بشكل خاص خالل الفترة من عام 1820وحتى عام
1950فيرجع بشكل رئيسي إلى توقفت معظم الدول األوروبية عن سياسة تكوين
الثروات من خالل تحويل ثروات جيرانها إليها ()beggar-your-neighbour
وبحلول عام 1820كانت أغلب الدول األوروبية قد فقدت مستعمراتها في أمريكا
،ولكن توسعاتها اإلمبريالية بدأت تتجه نحو آسيا ثم أفريقيا وقد ساهمت تلك
التوسعات االستعمارية بشكل كبير في إزدهار إقتصاد الدول المستعمره بينما
أضر بشكل بالغ الدول المستعمره.
277
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
نشأة مصطلح التخلف وتصاعد اهتمام المجتمع الدولي بحل إشكالية التخلف
278
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
لقد ظهر المصطلح ألول مرة عام 1942من خالل "ويلفريد بنسون" ( Wilfred
)Bensonعضو أمانة منظمة العمل الدولية ( the International Labour
)Organizationبمقاله األساس اإلقتصادي للسالم ( economic basis for
)peaceإال أن المصطلح لم يحظى بأهمية وانتشار إال حينما "هاري ترومان"
)Harry Truman( 1972 – 1884في خطاب تنصيبه كرئيساً للواليات
المتحدة "الرئيس رقم "33لفترة ثانية عام ، (Kutor, 2014, p. 15) 1949
ففي عام 1945انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء والذي ضم فرنسا
والمملكة المتحدة ودول الكومنولث وانضم إليهم كالً من الواليات المتحدة واإلتحاد
السوفيتي والصين عام 1941ضد دول المحور والتي شملت ألماني وايطاليا
واليابان ،وبالرغم من أن كالً من المعسكرين األمريكي واإلتحاد السوفيتي كانا
حلفاء بالحرب العالمية الثانية ،إال أن اختالفهما حول كيف تُدار األمور
السياسية عقب الحرب أدى إلى نشأة حرب باردة بينهما ،اتبعت الواليات
المتحدة استراتيجية اإلحتواء العالمي لبسط نفوذها ،وفي 22يناير 1949قدم
الرئيس الثالث والثالثين " "33للواليات المتحدة "ترومان" ( )Trumanخطابه
الذي أعلن فيه السياسة الجديدة للواليات المتحدة ،حيث أعلن عن برنامج إتاحة
التقدم العلمي بالواليات المتحدة للعالم لتحسين وضع المناطق المتخلفة
( )underdeveloped areasوالتخلي التام عن السياسات اإلمبريالية
( ، )imperialismوأن برنامجه للتنمية ( )developmentيقوم على أساس
التعامل الديموقراطي العادل مع الجميع ) ، (Sachs, 2010, p. 1وبذلك نشأ
مع خطاب "ترومان" مصطلح التخلف ( )underdevelopmentكمفوم مضاد
للتنمية ( )developmentالتي تُشير إلى النمو اإلقتصادي ،وان كان
279
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
مصطلح التخلف في البداية كان ُيشير إلى الدول التي ينخفض بها متوسط دخل
الفرد ،إال أن المفهوم تطور بعد ذلك ليشمل معاني التبادل الدولي الغير متكافئ
والتبعية والفساد وغياب الديموقراطية وصعوبة التسويق وضعف روح المبادرة ،
وقد تقبل المجتمع الدول المصطلحين بالقبول واإلهتمام منذ ذلك الخطاب
) ، (Kutor, 2014وفي ابريل من نفس العام 1949قامت الواليات المتحدة
على إثر سياسة اإلحتواء والحرب الباردة بينها وبين اإلتحاد السوفيتي بتوقيع
معاهدة حلف شمال األطلسي "الناتو" بين الواليات المتحدة وكندا ودول أوروبا
الغربية ،وفي المقابل عزز اإلتحاد السوفيتي سيطرته على دول أوروبا الشرقية
وأنشأ حلف وارسو في مايو 1955مع دول أوروبا الشرقية وقدم نفسه على أنه
مخلص الدول النامية من األطمال الرأسمالية ،وان كان قد انحل حلف وراسو
رسمياً بتفكك اإلتحاد السوفيتي عام ، 1991وعلى إثر تلك الحرب الباردة
الحادثة بين المعسكرين نشأت حركة عدم اإلنحياز بدعوة من رئيس الوزراء
الهندي والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسالفي عام 1955
بين الدول التي كانت ُمستعمرة سابقاً ونالت استقاللها لعدم اإلنحياز ألي من
المعسكرين في الحرب الدائرة بينهما (وقد شملت جميع الدول اإلفريقية والعربية
والهند وايران ودول جنوب شرق آسيا) ،وقد تُفسر مبادرة الزعيم المصري جمال
عبد الناصر بالدعوة لعدم اإلنحياز بالرغم من التبعية المصرية الروسية في ذلك
الوقت أنها كانت كمحاولة لعرقة آمال أمريكا التوسعية وحلف الناتو ،وأصبح
منذ ذلك الوقت مصطلح العالم األول ُيشير إلى الواليات المتحدة وحلف شمال
األطلسي واليابان ،ومصطلح العالم الثاني ُيشير إلى اإلتحاد السوفيتي والكتلة
الشرقية ،بينما ُيشير مصطلح العالم الثالث إلى تلك الدول التي كانت ُمستعمرة
سابقاً من دول العالم األول (وليس دول عدم اإلنحياز) ،وان كان مصطلح دول
العالم الثالث ترجع صياغته لعام 1952من خالل الفرنسي "الفريد سوفاي"
280
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وكما نرى فإن مصطلحات التخلف والدول النامية ودول العالم الثالث يرجع
نشأتها باألصل للحقل السياسي لإلشارة إلى المناطق التي ينخفض بها متوسط
دخل الفرد عن مناطق العالم األول ،ثم اتنتقل كالً من مصطلحي التنمية
وتحديدا ،فكان
ً والتخلف الحقاً للحقل اإلقتصادي ليشمال عدة أبعاد أكثر دقة
ذلك الصقل اإلصطالحي بين مفهومي التنمية اإلقتصادية والتخلف اإلقتصادي
باعتبارهما متضادين ،حيث اكتسب مصطلح التنمية اإلقتصادية ( Economic
)developmentمفهوم النمو اإلرتقائي المستهدف التابع لتنظيم هيكلي معين
Economic ( اإلقتصادي التخلف مصطلح أصبح وبالتالي ،
)underdevelopmentكمضاد التنمية ُيشير إلى التأخر في النمو الناتج عن
اختالل هيكلي في العالقات اإلقتصادية ،أو لمناخ غير داعم لعمليات التنمية ،
وهنا يجب التفريق ما بين األسباب التي تؤدي إلى وجود الظاهرة ،وبين الماهية
الخاصة للظاهرة وخصائص المفهوم ،وما بين المظاهر التي تمثل عالمات أو
متغيرات دالة على وجود الظاهرة ،حيث يشيع الخلط باألدبيات التي تتناول
ظاهرة التخلف اإلقتصادي ما بين األسباب والماهية والمظاهر ،فالتخلف
اإلقتصادي هو حالة اختالل للعالقات اإلقتصادية تحول دون تضييق فجوة
متوسط الدخل الفردي بين الدول وتحقيق الرفاهية المجتمعية ،مما دعا بعض
الباحثين إلعتباره فشل مؤسسي ) (Bardhan, 1999أو إخفاقات تنظيمية غير
مقصودة تؤدي إلى عرقلة جهود التنمية )، (Been & Josiah , 2009, p. 1
هذه الحالة تنعكس في مظاهر عجز الميزان التجاري وضعف مستوى تكنولوجيا
رأس المال والتصنيع وانخفاض القدرات التمويلية والتسويقية ،ضعف أنظمة
النقل واإلتصاالت ،والطابع الريفي وارتفاع معدالت الزيادة السكانية مع صعوبة
281
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
استغاللها والتي تؤدي في مجملها لتعميق فجوة الفقر ،مما دعا األمم المتحدة
إلعتبار أن الدول المتخلفة هي الدول التي ينخفض فيها متوسط دخل الفرد
بشكل كبير عن متوسط دخل الفرد بالدول المتقدمة كالواليات المتحدة وكندا
وانجلت ار وفرنسا ، (Fernando, 2011, p. 182) ،..أما أسباب الظاهرة فهناك
اتجاهان شهيران في تفسيرها وهما اتجاه التحديث والذي ُيحيل التخلف لعوامل
داخلية كالسياسات اإلقتصادية والعوامل الثقافية النفسية واإلجتماعية ،واتجاه
التبعية الذي ُيحيل التخلف لعوامل خارجية واستغالل الدول المتقدمة لها ،وبذلك
فالتخلف كعالقات اقتصادية ُمشوهة ( )Distortedيختلف عن األسباب التي
أدت إلى تلك العالقات سواء أكانت داخلية أم خارجية ،يختلف عن ناتج ذلك
اإلختالل والذي يظهر في صورة فقر كما تعرفه القواميس اإلقتصادية باعتباره
حالة الفقر تُعزى بشكل أساسي للتخلف الصناعي ،فتدني مستوى المعيشة
وانخفاض متوسط دخل الفرد مظهر من مظاهر التخلف وعالمة دالة عليه ،أما
التخلف اإلقتصادي فهو اإلختالل الهيكلي لعالقات اإلنتاج والتوزيع ،والتي قد
تجعل من معدالت نمو الدخل غير كافية لتضييق الفجوة المتسعة مع الدول
المتقدمة ،أو تكوين هياكل توزيع غير قادرة على تحقيق الرفاهية للمجتمع ،
فتعريف التخلف بكونه مجرد حالة اختالل العالقات اإلقتصادية التي ينتج عنها
تأخر النمو اإلقتصادي غير كافية إلبانة ماهية الظاهرة ،ألن العديد من الدول
النامية تحقق معدالت نمو مرتفعة بينما الدول المتقدمة تحقق معدالت نمو
منخفضة وبالرغم من ذلك تتسع الفجوة ،والسب في ذلك أن دخل الفرد بالدول
المتقدمة قد يعادل عشر أضعاف دخل الفرد بالدول النامية وبالتالي فإن نمو
دخل الفرد بالدول النامية بنسبة %10يؤدي إلى زيادة دخله بقيمة تعادل نمو
دخل الفرد بالدول المتقدمة بنسبة %1وبالتالي ففي حالة نمو دخل الفرد في
الدول المتقدمة بنسبة %2فإن الفجوة ستتسع أيضاً.
282
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
بدأت ظاهرة فجوة الدخل بين الدول تتسارع منذ مطلع القرن التاسع عشر مما
لفت األنظار لبحث الظاهرة وسبر أغوارها ،لقد فسر الكالسيك ظاهرة نمو
الدخل بالدول المتقدمة عن غيرها من مداخيل اقتصادية كمدى إتاحة رأس المال
الصناعي ومهارة عنصر العمل شريطة ُحرية السوق ،ولذلك تركز تحليلهم للنمو
اإلقتصادي على كيفية اإلرتقاء بعنصر العمل والتراكم الرأسمالي ،أضاف جون
ستيورت ميل التأكيد على اإلرتباط ما بين النمو اإلقتصادي والتراكم الرأسمالي
(الزيادة الكمية والكيفية لآلت والمعدات باإلقتصاد) والناتج عن دمج عنصري
العمل واألرض ،واعتبر أن ذلك التراكم ينتج عن زيادة اإلنتاج المادي وزيادة
األرباح وانخفاض األجور ،أما شومبيتر فاعتبر أن العنصر الحاسم في نمو
الدخل بمناطق وانخفاضه في مناطق أخرى هو التنظيم.
ومن اإلتجاهات التي ظهرت بأواخر القرن التاسع عشر لتفسير تباين الوضع
اإلقتصادي ما بين الشمال والجنوب الحتمية الجغرافية ( Geographie
)Determinismأو البيئية ( )Environmentalismوالتي تقوم فرضيتها
على أن البيئة تتحكم إلى حد كبير في حياة اإلنسان ونشاطه وسلوكه ،وأن
البيئة الحارة ُمثبطة للدافعية نحو اإلنتاج بخالف البيئة البادرة الدافعة لإلنتاجية
وهو السبب وراء فارق الدخل بين سكان الشمال والجنوب (خليل ط، )1989 ،.
ترجع جذور تلك النظرية إلى أفكار هيبوقراط وأفالطون وأرسطو ثم بن خلدون
والذي أكد في مقدمته على العالقة ما بين المناخ والنشاط اإلقتصادي ،ثم
ظهرت كتابات يودان بأوروبا بالقرن السادس عشر الذي أكد على نفس األفكار ،
1755 – 1689 مونتسكيو الفرنسي أعمال مع تبلورت والتي
283
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
284
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
أما نظرية التفاوت في مستويات الذكاء ما بين سكان الشمال والجنوب ودوره في
التخلف اإلقتصادي ،فيوجه لها انتقاد بأن التقدم اإلقتصادي والعلمي يتوقف
على عامل الفروق الفردية في مستويات األنشطة الذهنية بقدر توقفه على
المثابرة التي تُفرزها البيئة اإلجتماعية والمناخ المواتي الداعم ،فبعض األطفال
في مراحل عمرهم األولى تظهر لديهم دالئل تفوق ذهني إال أنهم قد ال يصلون
إال ما حققه من هو أدنى منهم فيما يتعلق بمستويات األنشطة الذهنية لغياب
المثابرة والمناخ المواتي.
اختلف الوضع كثي اًر عقب الحب العالمية الثانية والتي اتضح معها فارق الدخل
الكبير بين دول العالم األول ودول العالم الثالث والتي تحولت إلى مشكلة تؤرق
المجتمع الدولي ،وفي عام 1949ظهر مصطلحي التنمية والتخلف في خطان
تنصيب الرئيس األمريكي ترومان والذي اعلن خالله السياسة الجديدة للواليات
المتحدة لتنمية دول العالم الثالث ،ومنذ ذلك الوقت تواترت النظريات التي
تحاول تفسير أسباب تخلف دول العالم الثالث عن دول العالم األول والتي كانت
بمثابة انعكاس للتغيرات السياسية الجديدة في تلك الفترة ،ظهر اتجاه الحداثة أو
285
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وعلى الجهة المقابلة فقد ظهر بحثين عام 1949األول لرؤول بريبش باألرجنتين
والثاني لهانس سنجر بألمانيا اعتب ار أن تخلف الدول النامية ال يرجع لعوامل
داخلية وانما يرجع للهيمنة اإلقتصادية لدول العالم األول على دول العالم الثالث
واستنزاف فائضها اإلقتصادي بشكل مستمر ومن ثم فإن عالج التخلف ال يكون
إال بقطع تلك العالقات فيما ُيعرف بنظرية التبعية ( )Dependencyأو العزو
ويمثل ذلك اإلتجاه
الذي اعتبره بارسونز من خصائص المجتمعات النامية ُ ،
ميردال ،وبريبتش ،وسنجر ،وآرثر لويس.
286
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
287
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
288
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
نظرية التحديث
يرى اتجاه التحديث أن أسباب التخلف االقتصادي ترجع بشكل مباشر لعوامل
داخلية وأن العوامل الخارجية ليس لها عالقة أو على األقل أثرها ال يقارن
بالعوامل الداخلية ،وأن عملية التنمية تشترط تحديث البيئة المحلية وتقليد النمط
الغربي للحداثة ،وتتضمن نظرية التحديث أربعة إتجاهات إجتماعي واقتصادي
وسياسي ومكاني ،وترجع جذور نظرية التحديث إلى أفكار عالم اإلجتماع
األلماني "ماكس فيبر" )Max Weber( 1864-1920في دراسته حول "دور
العقالنية والالعقالنية في اإلنتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث"
حيث ربط الحداثة والمجتمعات الغربية المتقدمة بالعقالنية ،وعدم الحداثة
والمجتمعات الغير غربية التقليدية بالالعقالنية ،انتقلت بعد ذلك أفكار فايبر إلى
اإلنجليزية من خالل ترجمة عالم اإلجتماع األمريكي "تالكوت بارسونز" 1902
– )Talcot parsons( 1979ألفكاره بفترة الثالثينات ،والذي قام بتطويرها
بفترة الخمسينيات في إطار مفهوم التنمية والتخلف ،فاعتبر أن األفكار التقيدية
هي سبب التخلف بالدول النامية ،وان وتنمية تلك الدول يتوقف على انتقالها
للحداثة بتبني أفكار المجتمع الغربي ،وقد القت قبوالً واسعاً بفترة الخمسينيات
فيما يعرف بالمدرسة البارسونزية ((Jeremiah, 2006, )Parsonian shcool
) ، p. 20ففي عام 1951قدم بارسونز نظرية في ضوء البنائية الوظيفية عرفت
بنظرية "النسق اإلجتماعي" ( )The Social Systemوالتي قام بدمج أبعادها
مع نظرية الفعل اإلجتماعي التي قدمها عام 1937بعنوان "بناء الفعل
اإلجتماعي" ( ، )Theory of Actionحيث اعتبر خاللها أن النسق اإلجتماعي
العام هو محصلة أربعة أنساق رئيسية وهي النسق العضوي ،ونسق الشخصية،
ونسق المجتمع ،ونسق الثقافة ،ونسق المجتمع بدوره ينقسم إلى أربعة أنساق
289
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
فرعية وهي :نسق االقتصاد ونسق السياسة ونسق الروابط المجتمعية ونسق نظم
التنشئة االجتماعية ،هذا النسق العام يعمل بآلية وفق أربع وظائف رئيسية ينتج
عنها الفعل اإلجتماعي العام وهي التكامل الوظيفي ( )Integrationوالمحافظة
على معايير النسق ( )Pattern Maintenanceالتكيف اإلجتماعي
( )Adaptationوتحقيق الهدف ( ، )Goal attainmentويقصد بهذا األخير
أن طريقة تحقيق الفاعل اإلجتماعي لنفس األهداف تختلف ما بين اتجاهين أو
نمطين أساسيين للفاعلين ،بحيث يقابل كل نمط بديل آخر بالنمط المقابل وقد
لخص تلك البدائل في خمس بدائل لنمطين أطلق عليها المتغيرات النمطية
لنمطي التخلف والتقدم ،حيث تعمل البدائل نمط التخلف لدفع المجتمع تجاه
الفعل المتخلف بينما تعمل بدائل التقدم لدفع المجتمع تجاه الحداثة والتقدم ،هذه
البدائل هي"( :الوجدانية /الحياد الوجداني" " ،المصلحة الجمعية /المصلحة
الذاتية" " ،الخصوصية /العمومية" " ،العزو /األداء" " ،اإلنتشار /
التخصص") ،فالمجتمعات المتخلفة يسود بها طغيان الوجدانية سواء ألفكار أو
أيديولوجيات معينة أو رموز اجتماعية أو على مستوى العالقات الشخصية،..
بينما في المجتمعات المتقدمة يسود الحياد الوجداني ،كما أن المجتمعات
المتخلفة يسود لدى أفراداها اإلهتمام بالمصلحة الجمعية وشئون اآلخرين بينما
في المجتمعات المتقدمة يهتم أفرادها أكثر بمصلحتهم الذاتية فقط ،في
المجتمعات المتخلفة يغلب نمط الخصوصية المتمثل في األسرة الممتدة والقبيلة
البدائية والمجتمع الشعبي ،بينما في المجتمعات المتقدمة يغلب نمط العمومية ،
فالمجتمعات المتقدمة تتصف باألداء واإلنجاز بينما المجتمعات المتخلفة تتصف
بالعزو نسبة أسباب الفشل إلى الغير ،وأخي اًر يسود بالمجتمعات المتقدمة
التخصص بينما يسود بالمجتمعات المتقدمة اإلنتشار وتشتت الدور.
290
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وفي نفس اإلتجاه السيكولوجي للحداثة كانت نظرية أستاذ علم النفس والعالقات
اإلجتماعية بجامعة هارفرد "دافيد ماكليالند" David ( 1998 – 1917
)Clarence McClellandوالتي جائت بالتركيز على زاوية سيكولوجية أخرى
غير تلك التي طرحها هايجن حول نمط الشخصية ،ففي حين ركز هايجن في
طرحه (عام )1957على أن التغير المطلوب هو التحول من نمط الشخصية
الغير خالقة إلى نمط الشخصية الخالقة ،بما يتضمنه ذلك الطرح من تجنب
سلوكيات الشغف بالتسلط والفهلوة "التشاطر" والمحاكاة واإلعتمادية وعزو أسباب
الفشل على الغير ،..فإن رؤية ماكليالند السيكولوجية جاءت مغايرة بالتركيز
على حقيقة الحاجة والرغبة في التفوق والتميز لدى تلك المجتمعات ودرجة
الدافعية التي تنتج عن إثارتها ،هل هو بحد كافي لدفعها للتغير؟ وما أثر ذلك
التفاوت على التنمية اإلقتصادية؟ ،وكأن أطروحة هايجن أنه إذا كان لدى كالً
من الشخصية الخالقة وغير الخالقة دافع قوي للتميز فإن نمط الشخصية
الخالقة فقط هي من ستتمكن من التغيير أما الغير خالقة فستخفق محاوالتها ،
بينما نظرية ماكليالند تنص على أن األمر ال يقتصر على طبيعة الشخصية
الخالقة (شخصية العمل) وحسب ،بل وعلى مقدار ما لديها من دافعية للتفوق
دائما.
والتميز وألن تصبح األفضل ً
لقد صاغ ماكليالند فرضيته باإلعتماد على نظرية الحاجات النفسية والتي تنص
على أن لإلنسان أربع حاجات نفسية أساسية وهي الحاجة للقوة (كسب المركز
والسلطة) والحاجة لإلنجاز (تخطي العوائق للوصول لألهداف وتحقيق التفوق)
والحاجة لالنتماء (تكوين عالقات اجتماعية جديدة وباستمرار) والحاجة
لإلستقالل (الحرية وعدم الشعور بالسيطرة والتسلط من الغير) (زوانـي و نزلـي،
،2013صفحة ، )20لقد كان تساؤله الرئيسي ما مدى تأثير الدافعية المتولدة
عن تلك الحاجات في إحداث التغيير والنمو اإلقتصادي؟ ،وباختباره العالقة ما
291
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
بين الدافعية المتولدة عن تلك الحاجات والتنمية اإلقتصادية توصل لوجود عالقة
مهمة ما بين تلك الحاجات النفسية والنمو اإلقتصادي ،وان كانت العالقة
األقوى كانت بين الحاجة لإلنجاز ( )Achievement Needوما ينتج عنها من
دافعية سواء لدى األفراد والمجتمعات وبين النمو اإلقتصادي ،إن الحاجة
لإلنجاز تُمثل مفهوم مركب يشمل الرغبة في تذليل العقبات والصعاب للوصول
لألهداف بقوة و مثابرة و إستقاللية في أقرب وقت ممكن ،والوصول باألداء
أيضا الحاجة
لمستوى اإلمتياز والتفوق وتحقيق التميز بشكل مستمر ،وهي ً
للقيام بالمهام على وجه أفضل مما سبق بجهد أقل وجودة أفضل ،إن الحاجة
لإلنجاز هي الحاجة التي تميز اإلنسان عن غيره من الكائنات الحية بالسعي
للتفوق والتميز ،بخالف حاجات القوة واإلنتماء والحرية التي تشترك بها العديد
من الكائنات الحية األخرى (نبيلة ،2007 ،صفحة .)122
لقد ضمن ماكليالند نتائجه بكتابه الشهير "دافع اإلنجاز" عام 1953
)( (McClelland D. , 1953وهو نفس العام الذي بدأ ينشغل فيه هايغن ببحث
أيضا من المنظور السيكولوجي) ثم كتابه المتوسع "مجتمع
ً تلك اإلشكالية
اإلنجاز" عام ، (McClelland D. C., 1961) 1961وتوصل في نتائجه إلى
أن مضامين وجدانية عميقة فاعلة ومنفعلة األصل يترتب عليها سمات
الشخصية ،وهي التي يتكون على أساسها مستوى الحاجات النفسية والتي تظل
ساكنة حتى يقوم ُمحفز (أو حافز) بإثارتها فتتولد الدافعية نحو تحقيق الهدف
بنفس مقدار مستوى الحاجة لدى الشخصية (شبلي ،2011 ،صفحة ، )8إن
تحديدا من الدافعية لإلنجاز لدى الفرد أو المجتمع
ً اختالف المقدار المتولد
(والتي تعني الرغبة في التحسين المستمر لوضعه اإلجتماعي واإلقتصادي
والتميز والتفوق وأن يصبح أفضل من غيره) هو ما يمكن أن ُيعزى إليه بشكل
رئيسي اختالف مؤشرات ومعدالت النمو اإلقتصادي ما بين فرد وآخر وما بين
292
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
مجتمع وآخر عند تشابه الظروف األخرى (شلبي ث ،1999 ،.صفحة ، )54
لقد اعتبر ماكليالند أن سبب تخلف المجتمعات النامية يرجع باألساس إلى تراجع
نظر لما تتضمنه من أنساق قيم وثقافات
الدافع لإلنجاز لدى تلك المجتمعات ًا
ومثبطة لإلنجاز ،والتي تدفع بشكل مباشر أو غير مباشر لتثبيط
تقليدية ُمحبطة ُ
همم التميز وتدفع نحو أداءات اعتيادية شعبوية للمهمات وتقزيم الذات
واإلستسالم للقدر ،واعتبر أن التنمية بتلك المجتمعات تتوقف على استبدال القيم
المجتمعية التقليدية المثبطة لدافعية األفراد نحو اإلنجاز والتميز بقيم إيجابية
أخرى تدفع نحو تدعيم الدافعية لإلنجاز والتميز ،ولعل ذلك ما يفسر تغير
سلوك الفرد من بيئة ُمحبطة إلى بيئة دافعة نحو التفوق والتميز أو العكس.
293
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
294
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
التنمية واألفضل ترك تلك المجتمعات المتخلفة وبناء مجتمعات جديدة بأنظمة
اجتماعية حديثة ،وقد ظهرت تلك النظرية عام 1953من خالل الهوالندي
"يوليوس هيرمان بويك" )Julius Herman Boeke( 1956 - 1884بدراسته
"اإلقتصاد والسياسات اإلقتصادية بالمجتمعات الثنائية" ( Economics and
، )Economic Policy of Dual Societiesوالتي اعتبرت أن مجتمعات
الدول النامية تتصف بحالة من اإلزدواد اإلجتماعي هي السبب الرئيسي في
تخلفها ،حيث يوجد داخل تلك المجتمعات قطاعان متنافران هما القطاع التقليدي
ويمثل النظام األصيل في المجتمع والقطاع الرأسمالي المتطور ويمثل النظام
الحديث المستورد ،يحدث بين القطاعين صراع حيث ُيصر األول على اتباع
األنظمة المتخلفة بينما الثاني ُيصر على الحداثة ،يؤدي ذلك الصراع في
النهاية إلى تشتيت جهود التنمية وتواصل التخلف ،ومن صور تلك الثنائية
الثنائية الكالسيكية ما بين الزراعة والصناعة ،والثنائية التكنولوجية لوسائل
اإلنتاج ،والثنائية االجتماعية ،والثنائية التنظيمية ،ويقترح أصحاب هذه النظرية
ترك المجتمعات المتخلفة ألنها غير قابلة للتنمية.
أما نظريات اإلتجا السياسي فترى أن سبب التخلف ال يرجع باألساس إلى
موارد محدودة وانما يرجع إلى سياسات إقتصادية غير رشيدة وسوء تنظيم للموارد
الحر إلى أن أسباب التخلف ترجع باألساس إلى
المتاحة ،سيذهب اتجاه السوق ُ
سياسات تدخل الدولة في اإلقصاد والحماية الجمركية التي تؤدي إلى اعتراض
وبناء عليه فإن عالج مشكالت التخلف االقتصادي
ً عملية تقسيم العمل الدولي ،
هو أمر مرهون بالتحول الجاد نحو اقتصاد السوق الحر واتباع سياسات
الخصخصة ،وعلى العكس من ذلك فإن اإلتجاه اإلشتراكي الذي ُيفسر التخلف
بالسياسات اإلقتصادية الغير مناسبة ،فيرى أن سبب التخلف اإلقتصادي هو
الحر وضعف التخطيط المركزي التشابكي للسوق وعدم التوافق
سياسات السوق ُ
295
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
البعد
والترابط ما بين البرامج القطاعية واقتصادياً وثقافياً ،عالوةً على اختفاء ُ
اإلقليمي في الخطط التنموية القُطرية ،والذي يجعل من عمليات التنمية محدودة
النتائج والتأثيرات ،ومن ثم فإن عملية التنمية مرهونة بتعظيم دور الدولة
اإلقتصادي من حيث اإلنتاج والتوزيع والربط التخطيطي التشابكي على المستوى
القومي واإلقليمي (الجراد ،1998 ،صفحة .)99
296
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وبذلك فإن هذا اإلتجاه يعتبر أن السبب الرئيسي في التخلف اإلقتصادي بالدول
النخب
المبتسرة وسيطرت ُالحريات ُ
النامية يرجع للسياسات التعسفية واإلستبداد و ُ
العسكرية على الحكم وتخلف المشاركة السياسية للمجتمع المحلي وانتشار ظاهرة
اإلنتخابات المزورة والفساد السياسي والذي قد يتمثل في غياب أو ضعف دور
الحماية من ناحية ومن ناحية أخرى استغالل النفوذ للتربح من السلطة ،مما
تؤدي في النهاية هذه السياسات الغير راشدة إلى تسرب رؤس األموال المحلية
خارج اإلقتصاد وعرقلة دخول رؤس األموال األجنبية )، (Awung, 2011
ضف إلى ذلك الفساد المؤسسي وغياب الشفافية وسيادة القانون وطول وتعقد
297
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وبالرغم من ربط البعض تحيز نظرية التحديث للغرب في ضوء نشأتها األمريكية
بالحرب الباردة كنوع من الهيمنة األمريكية ) ، (Ekbladh, 2012إال أنها كانت
السوسيولوجي اتجاها قويا نشأ بأوائل الخمسينات فيما ُيعرف باإلتجا
ً
والسيكولوجي للتحديث ثم اتخذ عدة اتجاهات تطورية بعد ذلك ،وبشكل عام
فإن اإلتجاه السوسيولوجي السيكولوجي للحداثة ال يرى أن السبب الرئيسي في
تخلف الدول النامية هو ضعف الموجودات اإلقتصادية أو المناخ السياسي الغير
مواتي وان كان يعترف بتأثيرها وانما يعتبر أن العامل األساسي الحاسم في
وتحديدا العوامل الثقافية
ً مسألة التخلف هو األفراد أنفسهم وطبيعة المجتمع ،
واإلجتماعية والشخصية واألفكار التي تُسيطر على تلك المجتمعات وتتحكم في
نشاطاتها ،والتي إما أن تدفع الفرد نحو تحسين نمط ومستوى حياته ووضعه
اإلقتصادي واما أن تكون عامالً ُمثبطاً له وتدفعه بشكل أو بآخر نحو تدهور
نمط ومستوى الحياة أي أن البنية الثقافية واإلجتماعية بنية تحتية للبنية
298
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
299
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
300
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
نظرية التبعبة
إتجاه آخر سيرى أن التخلف اإلقتصادي بالدول النامية يرجع باألساس لعوامل
خارجية بالرغم من اعترافه بوجود عوامل داخلية ،إال أنه يعتبر تأثيرها ال يقارن
بتأثير العوامل الخارجية وهو اتجاه مدرسة التبعية ( ، )Dependencyفالتخلف
ليس مضاد للتنمية وانما كالهما نتاج عملية واحدة تقوم على تعبئة فوائض الدول
النامية وتراكمها بالدول المتقدمة ،فال دول متخلفة بدون دول متقدمة أو العكس
،وليس أدل على ذلك بأنه قبل ظهور التنمية لم يكن هناك تخلف اقتصادي
بدول العالم الثالث بالرغم من وجود فقر ) (Singh, 2010, p. 155وبالتالي فإن
هذا اإلتجاه يقوم على تفسير حالة التخلف باإلستغالل وتحديداً إلقاء اللوم على
الرأسمالية ،ولذلك فالتبعية ترجع جذورها لروح لماركسية الكالسيكية ،وان كانت
أفكارها تتناقض حقيقة مع الماركسية الكالسيكية في تفسيرها للتخلف ،فبالرغم
من أن الماركسية أكدت على أن الرأسمالية هي سبب النزاع ما بين طبقتي
البروليتاريا والبورجوازية الرأسمالية داخل الدولة ،والسبب األساسي للنزاعات
الدولية بين الدول الرأسمالية وبينها وبين الدول الفقيرة ،إال أنه افترض أن
اصطدام الرأسمالية الصناعية بنظم اإلنتاج المتخلفة بالدول الفقيرة سيؤدي إلى
تحولها إلى التصنيع وتحسين وتطوير تلك النظم ،كما أنه افترض تناغم مصالح
العمال على الصعيد العالمي وهو ما استدرجته الماركسية اللينينية فيما بعد ،
ولذلك فالتبعية تُمثل قطيعة نظرية مع الماركسية الكالسيكية باعتبارها ترى أن
الرأسمالية الصناعية رسخت التخلف بالدول النامية ولم تسهم في تحسين وضع
تلك الدول ،ولعل السبب في ذلك أن ماركس لم يتسنى تحليل واقع المجتمعات
غير األوروبية ،وقدا اعتبر االقتصادي األمريكي ( )Paul Baranأن الرأسمالية
االحتكارية في أواسط القرن العشرين لم تقوم بأي دور تقدمي بالدول النامية ،
301
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وبدال من ذلك فقد قامت بإعاقة التصنيع في بقية العالم غير الرأسمالي للمحافظة
على األرباح االحتكارية في المركز الرأسمالي (حمشي.)2011 ،
تزامنت الثورة الصناعية الثانية بأوروبا عام 1870مع ظهور مرحلة اإلمبريالية
الجديدة ( )1914-1870والتي اتسمت بزيادة حدة المنافسة بين الدول األوروبية
على التوسع اإلستعماري خاصة ما بين إنجلت ار وفرنسا من جهة وما بين ألمانيا
من جهة أخرى ،حيث شعرت األخيرة بأن انجلت ار وفرنسا كان لهما السبق في
اقتسام أغنى المستعمرات من حيث المواد الخام وحجم األسواق لتصريف الفائض
،مما أدى إلى اشتعال الحرب العالمية األولى خالل الفترة ()1918 – 1914
والتي انتهت بانتصار الحلفاء (انجلت ار وفرنسا واإلمبراطورية الروسية) ،
وبانتصار الحلفاء تفككت اإلمبراطورية األلمانية واإلمبراطورية العثمانية وتم
تقاسم مستعمراتهما بين الحلفاء ،بل أصبحت أفريقيا بالكامل مستعمرات تابعة
لدول الحلفاء باإلضافة إلى الهند وجنوب شرق آسيا ،وبالرغم من أن
اإلمبراطورية الروسية كانت ضمن دول الحلفاء المنتصرة إال أنها انسحبت من
الحرب عام 1917لقيام الثورة البلشيفية بقيادة فالدمير لينين مما أدى إلى انتهاء
اإلمبراطورية الروسية ،لقد وصف فالدمير لينين هذه المرحلة الممتدة من أواخر
التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين بالرأسمالية اإلمبريالية (Imperialism
( )Capitalismاإلمبريالية هي استخدام دولة القوة العسكرية للسيطرة على دول
أخرى) بمعنى الهيمنة اإلقتصادية ،كما توصف أيضاً بالرأسمالية اإلحتكارية
(( )Monopoly Capitalismالهيمنة على األسواق خارج حدود الدولة عن
طريق الشركات متعددة الجنسيات) أو الرأسمالية المالية (استثمار البنوك ألموالها
في مختلف األنشطة االقتصادية) وذلك عام 1917بكتيبه "اإلمبريالية أعلى
مراحل الرأسمالية" ()Imperialism: the Highest Stage of Capitalism
حيث قدم لينين "نظرية االمبريالية" ( )Imperialism theoryكرؤية بنيوية
302
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
للعالقات اإلقتصادية الدولية تقوم على عالقات األطراف والمركز ،قسم من
خاللها اإلقتصاد العالمي إلى بنية ثنائية تتكون من مركز مهيمن يستغل
المجموعات الطرفية الموجودة على هامش البنية ،وقد اعتبر لينين أن
اإلمبريالية اإلقتصادية هي أعلى مراحل الرأسمالية ونهايتها ،كما الحظ أن
تحول الفائض لدول المركز أدى إلى تحسن أوضاع البروليتارية بدول المركز
عن وضع البروليتاريا بدول األطراف مما أعاد النظر في نظرية ماركس بتناغم
مصالح العمال على المستوى العالمي.
في حين أن نظرية اإلمبريالية اللينينية ركزت على فهم طبيعة المرحلة التي
انتقلت إليها الرأسمالية الصناعية بالدول الغنية ووصفتها بمرحلة اإلمبريالية
واعتبرتها أعلى مستوياتها وآخر مراحلها (تعمل فيها الرأسمالية على تعبئة
فوائض دول األطراف وتحويلها إلى دول المركز) إال أنها لم تركز بنفس القدر
على تحليل مرحلة التخلف بدول األطراف والتي اعتبرتها نتاج تاريخي ال نتاج
إمبريالي ،بل على العكس تبنت رؤية ماركس بكون اصطدام الرأسمالية
الصناعية بنظم اإلنتاج المتخلفة من شأنه تحسين تلك النظم ،ومن هنا كانت
النظرية اللينينية للبنية الثنائية ما بين الطرف والمركز مجرد تمهيد للتبعية الحقاً.
لم يمضي ع ْقد من الزمن على نظرية اإلمبريالية ( )1917حتى ظهرت أزمة
الكساد الكبير ما بين عامي 1929و ، 1939والتي لفتت األنظار إلى األثر
اإلقتصادي الذي يلحق بدول األطراف في حالة تأثر دول المركز ،وما أن
إنتهى الكساد الكبير حتى تورط العالم في الحرب العالمية الثانية عام 1939
والتي استمرت حتى عام 1945والتي أدت هي األخرى إلى تبعات اقتصادية
ضخمة على دول األطراف تبعاً لما لحق بدول المركز الرأسمالية ،ساهمت تلك
التغيرات في توجيه الفكر اإلقتصادي نحو تحليل اآلثار الفعلية للدول الرأسمالية
303
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وهي دول المركز على الدول النامية دول األطراف ،فظهر عقب الحرب
العالمية الثانية تيار من اإلقتصاديين البنيويين الذين عملوا على تفسير ظاهرة
التخلف بالدول الفقيرة والمتأخرة والتي أطلقوا عليها دول العالم الثالث ،حيث
رفضوا نظرية ماركس ولينين بكون اصطدام الرأسمالية الصناعية بالدول الفقيرة
سيؤدي إلى تحديث ُنظم اإلنتاج بها ألنها لم تتسق مع معطيات الواقع ،إال أنهم
بنو نظريتهم في تفسير التخلف على البنية التي قدمتها نظرية اإلمبريالية اللينينية
المركز واألطراف حيث اعتبروا أن تلك العالقة هي السبب الرئيسي في تخلف
الدول النامية ،وبذلك تحولت اإلمبريالية من وسيلة لفهم مراحل الرأسمالية إلى
وسيلة لفهم التخلف.
ظهرت نظرية التبعية ألول مرة عام 1949وانتشرت بالخمسينات ،وقد وصفت
التبعية التي ُعرفت في تلك الفترة فيما بعد "بالتبعية الكالسيكية" ( Classical
)Dependenceوالتي قل النشاط البحثي حولها بالستينيات بسبب المناخ
الثوري الذي ساد دول العالم الثالث ،ليتسارع النشاط البحثي حولها مرة أخرى
بالسبعينيات والثمانينيات وينقلها إلى طور جديد ،خاصة مع أعمال فوستر
كارتر - 1947معاصر ( )Foster Carterوالذي قدم التبعية في قالب جديد
ميزه عن التبعية الكالسيكية ُعرف بالتبعية الجديدة ( )New Dependencyأو
"الماركسية الحديثة" ( )Neo-Marxismوذلك من خالل دراسة قدمها عام
1973بعنوان "االتجاه الماركسي المحدث في التنمية والتخلف" والذي اعتبر فيها
أن العالم وحده كليه وأن التنميه يجب أن تنبع من أهداف قوميه (Foster ,
).1973
ظهرت نظرية التبعية ألول مرة عام 1949بنشر بحثين ُمستقلين لكالً من
اإلقتصادي األرجنتيني راؤول بريبش )Raúl Prebisch( 1986 – 1901
304
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
رئيس مدرسة الوكالة اإلقتصادية ألمريكا الالتينية التابعة لألمم المتحدة ECLA
( United Nations Economic Commission for Latin America
، )and the Caribbeanواإلقتصادي األلماني هانس سينجر – 1910
" )Hans Singer( 2006تلميذ كينز" بجامعة كامبريدج والمدير اإلقتصادي
بمنظمة التنمية الصناعية التابعة لألمم المتحدة ( ، )UNIDOفيما ُيعرف
بأطروحة سينجر بريبش ( )Prebisch–Singer thesisأو نظرية "التبعية
الكالسيكية" ( ، )Classical dependency theoryحيث الحظ كالً منهما أن
معدالت التبادل التجاري بين الدول المتقدمة والدول النامية تدهورت مع مرور
الزمن ) ، (Olanike, 2012, p. 20اعتبر راؤول بريبش أن التجارة الدولية بين
دول المركز واألطراف تعمل على تعطيل التنمية الصناعية في المحيط لصالح
المركز ( ، )COREوذلك بدفع دول المحيط ( )Peripheryفي التخصص في
إنتاج المواد األولية وتصديرها بأثمان قليلة لدول المركز ثم مقايضتها بالمواد
المصنعة بالمركز بأثمان باهظة مما يعمل على تواصل تدفق المنافع من المحيط
للمركز والذي يؤدي في النهاية إلى التخلف اإلقتصادي بدول المحيط ،وقد
اقترح بريبش سياسة تصنيع احالل الواردات.
أما التبعية الحديثة أو النيو ماركسية فقد ظهرت أفكارها وألول مرة مع كتابات
اإلقتصادي األوكراني األمريكي الماركسي "بول باران" Paul ( 1964 – 1909
)Baranوالذي وضع التبعية الكالسيكية بقالب ماركسي ،وذلك من خالل كتبه
"اإلقتصاد السياسي للتخلف" عام ، 1952واإلقتصاد السياسي للنمو عام 1957
) ، (Olanike, 2012, p. 20حيث طرح باران أن التخلف هو نتاج للرأسمالية
نفسها ،وليس نتاج ألنماط اإلنتاج ما قبل الرأسمالية التي كانت تهيمن في
البلدان المتخلفة ،وقدم إلى ذلك بمقدمة مفادها أن استغالل الدول النامية لم
ينتهي باستقاللها وانتهاء الحكم اإلستعماري ،بل إن اإلستقالل في أغلب
305
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
األحوال لم يكن سوى تغيير للحكام الغربين مع بقاء تبعيتها للدول الرأسمالية
والتي ظلت تتحكم بها من الناحية االقتصادية من خالل الشركات المتعددة
الجنسية والتي قامت بفتح فروع لها داخل دول العالم النامي مستغله رخص
االيدي العامله وتوفر المواد الخام لتصبح هي المسيطرة على اقتصاد تلك
المجتمعات ،وأن الرأسمالية عندما اصطدمت بالمجتمعات الفقيرة لم تعمل على
تحديث نظم اإلنتاج المتخلفة كما افترض ماركس ،بل عملت على ترسيخ
التخلف واعاقة التصنيع والذي أفرز بدوره عالقة تبادل المتكافئ كآلية
إلمتصاص فوائض القيمة من الدول الرأسمالية الفقيرة لصالح الدول الرأسمالية
الغنية (عودة ،2014 ،صفحة ، )61وبذلك فقد اعتبر أن تطور الرأسمالية قد
أدى إلى انشطار العالم إلى شطرين وهما؛ الدول الرأسمالية المتقدمة بالمركز
والدول الرأسمالية المتخلفة باألطراف ،والتفاعل بين هذين الشطرين يتم على
ثالثة مستويات وهي التجارة وحركة الفائض والهيمنة السياسية ،وقد اعتبر أن
الطريق تحقيق التنمية هو التخلي عن السياسات الرأسمالية في الدول المتخلفة
وتبني سياسات التخطيط اإلقتصادي الشامل ،إال أن ذلك التخطيط ال يمكن
القيام به في ظل مجتمع تسيطر عليه القوى اإلستهالكيه ،وبذلك فقد أضفى
بدء
باران على التبعية الكالسيكية الجانب الماركسي كتمهيد لإلضافات الالحقة ً
من أعمال كاردوسو وفاليتو.
ففي عام 1965ظهر بحث مشترك بعنوان "التبعية والتنمية بأمريكا الالتينية"
( )Dependency and Development in Latin Americaبين عالم
رزيلي فرناندو هنريك كاردوسو ( Fernando Henrique
اإلجتماع الب ا
)Cardosoأستاذ العلوم السياسية واإلجتماعية في جامعة ساوبولو والذي أصبح
رئيساً للب ارزيل خالل الفترة من 1995وحتى ، 2003والمؤرخ الشيلى أينزو
فاليتو ، (Cardozo & Enzo , 1979) )Enzo Faletto( 2003 – 1935
306
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وقد رفض البحث اإلتجاه الكالسيكي البنيوي لمفهوم التبعية على أنها مجرد
عالقة ما بين إقتصادين أحدهما تابع واآلخر ُمسيطر ،واعتبر التبعية تعبي ار عن
مجموعة من األنساق التي تخدم أهداف السيطرة الرأسمالية بالتوافق ما بين
مصالح الرأسمالية المحلية والدولية والتي يتحداها من الجهة األخرى الطبقات
الواقعة تحت السيطرة (كاردوسو.)1972 ،
وفي عام 1967نقل المؤرخ اإلقتصادي األلماني األمريكي أندريه غوندر فرانك
)Andre Gunder Frank( 2005 – 1929نظرية التبعية إلى عالم
اإلنجليزية ،لتصبح كتابات فرانك السبب الرئيسي في نقل نظرية التبعية من
بدء
أمريكا الالتينية إلى أمريكا األنجلوساكسونية وشهرتها باألوساط اإلنجليزية ً
من السبعينيات ) ، (Philip & David , 2009, p. 87وقد اعتبر فرانك بكتابه
"الرأسمالية والتخلف فى أمريكا الالتينية" الصادر عام ، 1969أن العالم الثالث
محكوم عليه بالركود ألن الفوائض التى يحققها تستأثر بها الدول الرأسمالية
المتقدمة من خالل مؤسسات مثل الشركات المتعددة القوميات ،ليشكل ذلك
التسرب المتواصل من الفائض تشوهاً متنامياً في اقتصاديات الدول التابعة فيما
أطلق عليه بـ (تنمية التخلف) ،وأنه لن يتحقق النمو بتلك الدول إال إذا قطعت
صالتها بالرأسمالية وتبنت استراتيجيات اشتراكية للتنمية خاصة بها ،فالنظام
الرأسمالي أسهم في احداث التنميه في مناطق واحداث التخلف في مناطق أخرى
،فالبالد األمريكية الالتينية كانت نامية ولكنها لم تكن متخلفة ،فالتخلف يشير
الى خصائص هيكلية معينة بدأت مع الدمج العنيف لهذه الدول في السوق
الرأسمالي العالمي ،والذي ترتب عليه تقدم البلدان الصناعية وتخلف الدول
النامية.
307
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وفي السبعينيات بدأت تظهر الكتابات العربية بمدرسة التبعية بريادة أستاذ
اإلقتصادي السياسي المصري ذو التوجه الشيوعي سمير أمين (- 1931
معاصر) وذلك من خالل كتاب "التراكم على الصعيد العالمي" عام ، 1973
وكتاب "التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة" عام ، 1974وكتاب "التطور
الالمتكافئ" عام ، 1974باإلضافة إلى أستاذ اإلقتصاد السياسي المصري ذو
التوجه الماركسي فؤاد مرسي ، 1990 – 1925والذي طرح في كتبه "المشاركة
كشكل من أشكال اإلستعمار الجديد" عام ، 1974وكتاب "التخلف والتنمية –
دراسة في التطور اإلقتصادي" عام 1984فكرة تطور الرأسمالية من مرحلة
الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية الصناعية ثم الرأسمالية المالية أو اإلمبريالية
كما وصفها لينين واعتبرها آخر مراحل الرأسمالية إال أنها تطورت إلى مرحلة
جديدة أطلق عليها مرحلة الرأسمالية ما بعد الصناعية أو الرأسمالية المعلوماتية
والتي يتسم اإلنتاج بها باإلعتماد بشكل كثيف على المعلومات ومنافسة العمل
المتجسد في التكنولوجيا للعمل الحي ،لقد اعتبر فؤاد مرسي أن الرأسمالية
اس تطاعت أن تجدد نفسها وتنتقل إلى مرحلة جديدة انتقلت فيها من أساليب
اإلستعمار القديم إلى أساليب اإلستعمار الحديث ،وظلت عالقة التبعية موصولة
بتشكيلها لمجتمع اإلستهالك بالدول التابعة.
وفي عام 1977أضاف أستاذ الجغرافيا السياسية الفرنسي جيرار تشالياند 1934
– معاصر ( )Gérard Chaliandفي كتابه "ثورة في العالم الثالث"
( )Revolution in the Third Worldمفهوم "تقسيم العمل الدولي" لتفسير
التبعية بالدمج ما بين نتائج بول باران حول الربط ما بين اإلستعمار والتخلف
وبين نتائج فرانك بكون دول العالم الثالث لم تكن متخلفة قبل اإلستعمار ،حيث
اعتبر جيرار أن استعمار الدول الرأسمالية األوروبية قد أدى إلى ترسيخ هيكلي
لتقسيم المتكافئ للعمل ما بين دول المركز وما بين مستعمراتها بتخصيص
308
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
309
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
بنيوياً اجتماعياً دولياً ،تتخذ فيه الدول أوضاعاً ترتيبية وفقاً لما تتمتع به من
درجة الريادة التكنولوجية ومستوى المعيشة والتي بانخفاضها تنخفض المكانة
الدولية ،فيما ُيعرف "بنظرية المكانة الدولية" والتي طرح أفكارها في العديد من
مؤلفاته السيما كتابه "أمريكا الالتينية :بعض الحقائق اإلقتصادية المعاصرة
وقدرتها التفاوضية" عام ، 1980وكتابه "البنية التحتية والتنمية" عام .1996
وفي عام 1990قدم فؤاد مرسي بكتابه "الرأسمالية تجدد نفسها" التطور الذي
لحق مرحلة تقسيم العمل الدولي حيث انتقلت الرأسمالية لمرحلة جديدة وهي
مرحلة "تدويل العمل الدولي" والذي أصبحت عملية اإلنتاج بها شركة ما بين عدة
دول ،فلم تعد عالقة تبادل المواد الخام من األطراف والمواد المصنعة من
المركز كما الماضي ،وانما اتجه التبادل إلى تقليل اإلعتماد على المواد األولية
وتكثيف تبادل المواد المصنعة بإضافة العمل ورأس المال ال سيما العمل
المتجسد بالتكنولوجيا ،إن المرحلة الجديدة التي انتقلت إليها الرأسمالية (وهي
مرحلة ما بعد الصناعية أو مرحلة الثورة التكنولوجية والعلمية) أدت إلى تغيرات
في الهيكل اإلقتصادي العالمي بتكثيف البحث العلمي نحو تقليل اإلعتماد على
المواد األولية وترشيد استخدام الطاقة وايجاد بدائل لموارد الطاقة التقليدية وزيادة
المصنعة ،وبالتالي تراجع الطلب على المواد األولية من
اإلعتماد على المواد ُ
الدول النامية ،كما اتسمت تلك المرحلة بنشر الصناعة المريضة جنوباً وهي
الصناعة التي تعتمد على العمالة الكثيفة وتؤدي إلى تلويث البيئة ،باإلضافة
إلى الصناعة غير الحيوية والمعدات الصناعية البالية التي تجد لها أسوقاً بالدول
النامية ،ونشر الزراعة الحديثة شماالً وهي الزراعة كثيفة رأس المال والتي تعتمد
على التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية "مزرعة المصنع" ،وبذلك فقد عملت
الرأسمالية في مرحلتها الجديدة وهي مرحلة التدويل على إدماج الدول النامية في
إطار السوق الرأسمالية بتبعية جديدة اختلفت عن الشكل القديم للتبعية ،لتستمر
310
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
معه العالقة الالمتكافئة (نظ اًر لضعف قدرة الدول النامية على تطوير قواها
اإلنتاجية) التي يتواصل معها تشويه الهيكل اإلقتصادي للدول النامية وتواصل
التخلف اإلقتصادي (مرسي ،1990 ،صفحة .)123
311
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
312
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
313
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
314
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
315
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
316
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
317
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
318
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
،وفي عام 1955وأثناء عمل ميردال باألمم المتحدة تمت دعوته من قبل
الحكومة المصرية إللقاء محاضرة شهيرة بالبنك األهلي المصري ،قام البنك
بنشرها عام ، 1956ثم قام ميردال باإلتفاق مع البنك األهلي المصري بإعادة
تنقيحها ونشرها عام 1957بكتابه المعنون بـ "النظرية اإلقتصادية والدول النامية"
أو "النظرية اإلقتصادية والمناطق المتخلفة" ( Economic Theory and
(Myrdal, 1957) )Underdeveloped Regionsوالتي تناول خاللها للمرة
الثانية مصطلح "السببية التراكمية والدائرية" وان كان هذه المرة قد تناوله وفق ُبعد
معارضا قوياً لنظام السوق
ً إقليمي وبتأثر من كالدور ويونغ ،لقد كان ميردال
الحر اعتبره بكتابه "النظرية اإلقتصادية بالمناطق المتخلفة" ( )1957بمثابة آلية
ُ
تعمل بشكل مستمر على تراكم الثروة باألقاليم والطبقات الغنية وترسيخ الفقر
والتخلف باألقاليم والطبقات الفقيرة ،لقد أصَّل ميردال لفكرة أنه في ظل قوى
الحر فإن رأس المال المادي والبشري ُيهاجر من المناطق الفقيرة إلى السوق ُ
المناطق الغنية ومن أيدي الفقراء إلى األغنياء ،وبالتالي ففي ظل تلك اآللية فإن
األغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقر ،لقد تبنى ميردال اتجاه الثورة على
البعد المحلي والوظيفي للتبعية وما تُخلفه من
التبعية ،وان كانت اضافته هاهنا ُ
عالقات المتكافئة ،لقد اعتبر ميردال أن نفس العالقة الالمتكافئة التي تحدث
محليا بين
ً دوليا ما بين دول المركز ( )centerوالهامش ( )peripheryتحدثً
أقاليم نفس الدولة ،باإلضافة لمناقضته للمادية الجدلية الماركسية وعالقتها
البنيوية وأخذه بالنظرية الوظيفية ،فإذا ماركس قد اعتبر أن العالقة ما بين البنية
ُ
اإلقتصادية والفكرية عالقة بنيوية ،تبدأ من البنية اإلقتصادية كقاعدة والتي
يترتب عليها البنية الفكرية اإلجتماعية الثقافية والسياسية كنتيجة ،أما ميردال
فأخذ بالنظرية الوظيفي والعالقة تبادلية التأثير ما بين المكونين ،إن نظرية
ميردال حول التنمية اإلقليمية "السببية التراكمية والدائرية" لتفسير ذلك الالتكافؤ
319
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
320
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
لنقص العمالة في مجال التصنيع وعدم اإلستفادة من فائض العمالة الريفية ،وان
كان قد غير رأيه الحقا وأرجع أسباب تأخر النمو ألسباب تتعلق بميزان
المدفوعات ) ، (Thirlwall, 2013لقد كان كالدور بحكم صداقته بميردال من
أكثر الملمين بأفكاره حول نظرية "السببية التراكمية والدائرية" والتي عمل على
تطويرها خالل أعماله المنشورة باألعوام (, 1978 ,1972 ,1970 ,1966
)1985, 1981, 1979لتفسير أسباب بطء معدالت النمو اإلقتصادي اإلقليمي
،أو األسباب الذاتية التي تؤدي إلى تواصل واستمرار حالة بطء معدالت النمو
اإلقتصادي بأقاليم وتسارعها بأقاليم أخرى ،ففي عام 1970قدم نموذجه للنمو
اإلقتصادي اإلقليمي فيما يعرف بنظرية كالدور للسببية التراكمية ( )CCKللجمعية
اإلقتصادية اإلسكتلندية وصف خالله أفكار ميردال حول السببية التراكمية
والدائرية بأنها ما هي إال تزايد اإلنتاجية ( what Myrdal called the
principle of ‘circular and cumulative causation’ [. . .] is
)nothing else but the existence of increasing returns to scale
،وفي دراسة أخرى له بعام 1972اعتبر أن مبدأ ميردال للسببية التراكمية
والدائرية يتحقق عندما يصبح التغير في العوائد نحو التقدم والنمو متراكم بشكل
ذاتي ( with increasing returns change becomes progressive
(Berger, )and propagates itself in a cumulative way. Myrdal
Circular Cumulative Causation (CCC) à la Myrdal and Kapp -
Political Institutionalism for Minimizing Social Costs, 2008, p.
) ، 6وبشكل عام فإن نظرية السسبية التراكمية والدائرية للتنمية والتخلف تتضمن
بعدين أساسيين وهما :اإلستقطاب أو اآلثار العكسية السالبة ( polarized or
)back-wash effectsويقصد به الهجرة المنتقاة ( )selectiveلأليدي العاملة
ورؤس األموال والبضائع من المناطق الريفية إلى المدي أو المركز والسبب في
هذه الهجرة يرتبط بوجود عوامل جذب في المركز وعوامل طرد في الهامش ،
321
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
322
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
إذا كانت الثورة الصناعية الثانية قد استبدلت جزء العمل البشري المادي باآلالت
فإن الثورة الصناعية الرابعة ستستبدل الجزء المتبقي من العمل المادي والعمل
الذهني بالذكاء الصناعي ( ، )AIظهر مصطلح "الثورة الصناعية الرابعة"
( )Fourth Industrial Revolutionأو الثورة اآللية ()automation
بمعرض هانوفر ( )Hanover Fairلعام - 2011معرض صناعي عالمي يقام
بشهر إبريل من كل عام بوالية ساكسونيا السفلى بألمانيا– وذلك من خالل مبادرة
للحكومة األلمانية بتشكيل فريق عمل لدراسة الثورة الصناعية الرابعة ( the
)Working Group on Industry 4.0وزيادة القدرة التنافسية للصناعات
وبحث آثار الدمج المتزايد لـتقنية األنظمة االلكترونية المادية في عملية التصنيع
( ، )cyber-physical systemsوفي عام 2012قدمت مجموعة العمل تقرير
مبدئي للحكومة األلمانية اإلتحادية تضمن مجموعة من التوصيات حول الثورة
الصناعية الرابعة ،وفي ابريل 2013قدمت اللجنة بمعرض هانوفر تقريرها
النهائي حول الثورة الصناعية الرابعة ) ، (FM-EAE, 2017وفي قمة األجندة
العالمية ( )World Economic Forumلعام 2015طرح كالوس شواب عدة
أفكار في صورة تساؤالت وهي انتقال العالم بحلول عام 2025إلى مرحلة جديدة
بانتشار مجموعة من التقنيات التي ستغير شكل العالقات البشرية منها انتشار
تداول الطباعة ثالثية األبعاد ،والصيدلي اآللي الذي يمكنه صرف الوصفات
الطبية ،والهاتف القابل للزرع في الجسد ،وتخليق األعضاء البشرية وزراعتها
في الجسد ،باإلضافة إلى اتصال العقل البشري بشبكة اإلنترنت وقدرة اآللة على
قراءة األفكار ،وفي يناير 2016عقدت الدورة رقم 46للمنتدى اإلقتصادي
323
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
العالمي 1بدافوس بعنوان "الثورة الصناعية الرابعة" والتي وصفها كالوس شواب
بالتسونامي المقبل التي تعمل على طمس الحدود الفاصلة بين المجاالت المادية
والرقمية والبيولوجية.
ترجع ارهاصات الثورة الرابعة إلى أوائل تسعينات القرن العشرين وانتقال الشبكات
إلى مرحلة جديدة وهي المرحلة الهوائية الالسلكية ،حيث ظهر النظام العالمي
التصاالت الهاتف النقال Global System for Mobile ( GSM
)Communicationsعام 1991والذي أصبح بنهاية عام 1997متاحاً في
أكثر من 100دولة ،كما ظهرت تقنية Wi-Fiعام 1990لينتقل معها
اإلتصال بشبكة اإلنترنت من المرحلة السلكية إلى المرحلة الالسلكية ،وتقنية
1
في عام 1971قام كالوس شواب بتنظيم ندوة اإلدارة األوروبية ( Symposium (European
Managementاألولى في منتجع للتزلج في جبال األلب السويسرية دافوس على حسابه المالي الخاص ،وبعد
جهود لجمع األموال .وباستخدام الفائض المالي من الحدث ،أنشأ شواب المنتدى األوروبي إلدارة األعمال
( ،) European Managment Forumوهي جمعية غير ربحية لتعزيز الحوار حول القضايا السياسية
واالقتصادية في أوروبا ،وفي عام ،1972عين كالوس شواب أستا ًذا للسياسة التجارية في جامعة جنيفا حتى
عام ، 2003عمل شواب على بناء وتوسيع المنظمة ،ومع وجود الحرب العربية اإلسرائيلية في عام 1973
ووقوع اتفاقية سعر الصرف الثابت تم توسيع رؤية “المنتدى األوروبي إلدارة األعمال” من مجرد “إدارة األعمال”
إلى القضايا “االقتصادية واالجتماعية“ .وفي عام ،1974كانت أول مرة أن يدعو المؤتمر القادة السياسيين .بعد
ذلك بعامين ،وضعت المنظمة نظام العضوية “ألكبر ألف شركة في العالم” ،وعندما نشر تقرير التنافسية
مركز للمعرفة كذلك .في عام ،1987عندما تغيرت “إدارة
العالمية في عام 1979جعل المنظمة تتوسع لتصبح ًا
المنتدى األوروبي لتصبح “المنتدى االقتصادي العالمي” ( ،)World Economic Forumسعت إلى توسيع
نطاق الرؤية لتشمل توفير منبر للحوار.
وكان من أبرز ما حققته المنظمة خالل هذه الفترة هي “إعالن دافوس” في عام 1988وهي اتفاقية تم توقيعها
من قبل اليونان وتركيا ،وكانت بمث ابة شهادة انتهاء الحرب بينهما ،بينما في عام ،1989عقدت كوريا الشمالية
وكوريا الجنوبية أول اجتماع على المستوى الوزاري في دافوس .وفي السنة نفسها ،التقى رئيس وزراء شرق ألمانيا
هانز مودرو المستشار األلماني هلموت كول لمناقشة إعادة توحيد ألمانيا .أما في عام ،1992التقى الرئيس
الجنوب أفريقي نيلسون مانديال مع رئيس مانجوسوثو بوتيليزي في االجتماع السنوي وكان أول ظهور مشترك
لهما خارج جنوب أفريقيا ،وكانت عالمة فارقة في التحول السياسي في البالد .في عام ،2015تم االعتراف
رسميا بالمنتدى بصفته منظمة دولية.
324
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
إنف ارريد ( )Infraredعام 1993للنقل الالسلكي عبر األشعة تحت الحمراء ،
وتقنية البلوتوث ( )Bluetoothعام 1998وهي تقنية راديوية لنقل المعلومات
في مسافات قصيرة ال تتعدى العشرة أمتار ،ثم تقنية ( )WiMAXعام 2001
امتداد لتقنية ( )Wi-Fiوان كانت تتفوق عليها بنقل البيانات بكميات
ً والتي تعتبر
وسرعات أكبر.
الذكاء اإلصطناعي
325
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
كانت البداية مع أالن تورينج عالم الرياضيات اإلنجليزي عام 1937عندما طرح
فكرة اآلالت التي لها قدرة على التفكير تحاكي تفكير اإلنسان ،أما مصطلح
الذكاء االصطناعي ( )artificial intelligenceفترجع صياغته إلى عالم
الحاسوب األميركي جون مكارثي ( )2011 -1927الذي صاغه عام 1956
خالل مؤتمر كلية دارتموث األميركية حول إمكانية تصميم آلة ذكية قادرة على
تقليد ومحاكاة عمل البشر ،ويعتبر كتاب "أجهزة الكومبيوتر والفكر"
( Edward وفيلدمان لفيجنباوم ()Computers and Thought
)Feigenbaum and Julian Feldmanوالمنشور عام 1963أول كتاب
مرجعي في علم الذكاء اإلصطناعي ،وفي عام 1977قدم البروفيسور
فايجنباوم ( )faygenbaumخبير الذكاء االصطناعي في جامعة ستانفورد ورقة
بحثية لمؤتمر الذكاء االصطناعي العالمي طرح خاللها فكرة اعتماد قوة أنظمة
الخبراء بشكل أساسي من المعرفة ( )Knowledgeالتي تختزنها وليس من
قدرتها على تمثيل البيانات والعمليات اإلستنتاجية ،ومن ثم ركزت األبحاث
الجديدة على استخالص المعرفة من الخبراء عوضاً عن التركيز على الطرق
المختلفة للتمثيل والعمليات االستنتاجية المعقدة ،وفي عام 1980تأسست
الجمعية األمريكية للذكاء اإلصطناعي والتي دفعت البحث العلمي بمجال الذكاء
اإلصطناعي بقدر هام من المؤتمرات واألوراق البحثية بمجال الذكاء
اإلصطناعي ) ، (Bruce, 2005, p. 56وفي عام 2005توصل "راى كرزويل"
( )Ray Kurzweilباستخدام قانون مور إلى أن الكمبيوتر سوف يكون له نفس
قوة المعالجة لدى العقول البشرية بحلول سنة ،2029وبحلول عام 2045سوف
326
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
يصل الذكاء االصطناعي إلى نقطة يصبح عندها قاد ار على تحسين نفسه
بمعدل يتجاوز كل ما يمكن تصوره في الماضي.
واذا كانت تطبيقات الذكاء اإلصطناعي من حيث أثرها على عالقات اإلنتاج
تقوم بإحالل اآللة محل عنصر العمل الماهر كبرامج الطبيب اآللي والمعلم اآللي
والتاجر اآللي ورجل الدين اآللي ،...فإن األثر اإلقتصادي لتلك التطبيقات قد
يتعدى تغير عالقات اإلنتاج إلى تغير فهم عالقات اإلنتاج أو نظرية اإلنتاج
أيضا ،من خالل تطوير أنظمة الخبراء اإلقتصاديين الذكية إلعادة فحص
ً
النظرية اإلقتصادية من خالل تلك األنظمة اآللية ،ففي عام 2013وضع
"مارواال" ( )Marwalaنموذج باإلعتماد على تطبيقات الذكاء اإلصطناعي
لتحليل أسواق األسهم وتقديم قرارت ذكية بشأن تعامالت األسهم ،مما سيفتح
المجال بالمستقبل لخلق أنظمة ذكية تسمح بإعادة قراءة النظرية اإلقتصادية
بطريقة أكثر إد ار ًكا إستيعابا وأعمق تحليالً ربما يتغير معها مفهومنا للنظرية
اإلقتصادية ) ، (Marwala, 2016كما أكد بعض الباحثين أن تطبيقات الخبراء
اإلقتصاديين الذكية من الممكن أن تقدم حلوالً دقيقة إلشكالية قصور التخطيط
اإلقتصادي التي أدت إلى إخفاق التجارب اإلشتراكية السابقة ومن ثم إعادة
إحيائها مرة أخرى ،وذلك من خالل التقديرات الذكية الحالية والمستقبلية لألنماط
اإلستهالك واإلنتاج ،ومن ثم إمكانية تحقيق التوازن على مستوى اإلقتصاد
القومي بأكمله ،خاصة مع اندماجها مع تقنيات الحواسيب الكمومية
) ، (Cockshott, 1990وفي تقرير لشركة ( )Accentureالرائدة في مجال
الخدمات اإلستشارية لقطاع األعمال حول األثر المستقبلي للذكاء اإلصطناعي
على النمو اإلقتصادي ،اعتبرت أن معدل النمو اإلقتصادي في المستقبل
(بحلول عام )2035ألكبر عشر اقتصادات متقدمة حاليا سوف يتضاعف
تقريبا بتأثير تطبيقات الذكاء اإلصطناعي ،إال أن ذلك النمو لن يتحقق بإحالل
327
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
اآلالت الذكية محل اآلالت الحالية وعنصر العمل وانما من المنتجات المبتكرة
التي ستعتمد على تقنيات الذكاء اإلصطناعي كالمركبات ذاتية القيادة التي
سينخفض معها معدل الحوادث مع تسهيل الحركة لذوي اإلعاقة باإلضافة إلى
أن السيارات الخاصة ستصبح مالئمة للسفر عبر المسافات البعيدة ،باإلضافة
إلى نمو مبيعات الهواتف وأجهزة الحاسب الذكية (Purdy & Daugherty,
) ، 2016, pp. 15-16ويقدر األثر اإلقتصادي العالمي التراكمي المتوقع للذكاء
اإلصطناعي بالعشر سنوات المقبلة (حتى )2025أن يتراوح ما بين 1,49إلى
2,95تريليون دوالر ،وزيادة في الناتج المحلي اإلجمالي للدول المتقدمة تتراوح
ونظر
ًا ما بين 296,5إلى 657,7مليار دوالر )، (Chen & el, 2016
للتأثيرات الهائلة المرتقبة لتقنيات الذكاء اإلصطناعي على التوظيف وقوى
العاملة ناقش تقرير المكتب التنفيذي للبيت األبيض بالواليات المتحدة لعام
2016األثر اإلقتصادي للذكاء اإلصطناعي على مستقبل العمل والتوظيف ،
حيث اعتبر أنه ينبغي الترحيب بشكل عام بتطبيقات الذكاء اإلصطناعي ،وأن
تأثير التكنولوجيا على مستقبل العمل سوف يسير في اتجاهين ،حيث سيؤدي
إلى رفع انتاجية بعض األعمال ،ومن جانب آخر سيؤدي إلى اندثار أنماط
معينة من العمل والتي يقدر تراوحها ما بين 9إلى ، %47مما يعني تغير
وتفاوت في أنماط توزيع الدخل وعدم المساواة ،مما يلزم تبني سياسات معينة
لمواجهة ذلك التحدي واستعادة تكيف اإلقتصاد مع أنماط اإلنتاج الجديدة ،والتي
قد أوصى التقرير بتبني ثالث إستراتيجيات وهي :أوال إستراتيجية دعم تقنيات
الذكاء اإلصطناعي لتحظى الواليات المتحدة بالريادة في ذلك المجال ،ثانيا
إستراتيجية دعم وتوجيه التعليم والتدريب تجاه وظائف المستقبل المرتبطة بتقنيات
الذكاء اإلصطناعي ،ثالثا إستراتيجية اإلغاثة في المرحلة اإلنتقالية للعمال
328
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
والباحثين عن العمل لضمان النمو المشترك لعنصر العمل على نطاق واسع
)(USA Executive Office of the President, 2016
إنترنت األشياء
لم تكتمل فترة التسعينات حتى ظهرت تقنية إنترنت األشياء IoTوالتي أصبح
بمقتضاها يمكن لعدد كبير من األجهزة اإلتصال بشبكة اإلنترنت بعد أن كان
اإلتصال ُمقتص اًر على أجهزة الكومبيوتر فقط ،والتي بتكاملها مع تقنية اإلتصال
الالسلكي ( )Wi-Fiأصبح من الممكن ربط األجهزة النقالة بشبكة اإلنترنت ،
وترجع تقنية IoTلعام 1982من خالل ورقة بحثية بجامعة كارنيجي ميلون
األمريكية ( )Carnegie Mellon Universityلتطوير آلة الكوال بحيث تُصبح
من خالل اتصالها باإلنترنت قادرة على إرسال التقارير حول موجوداتها من
المشروبات ،وفي عام 1991قدم مارك ويزر ( )Mark Weiserورقة بحثية
بعنوان كمبيوتر القرن الـواحد والعشرون ( The Computer of the 21st
)Centuryوالتي قدم فيها الرؤية المعاصرة لمفهوم انترنت األشياء ،وبحلول
عام 1999ظهر مصطلح انترنت األشياء )the internet of things( IoT
بمفهومه المعاصر من خالل عرض قدمه البريطاني كيڤن آشتون ( Kevin
)Ashtonالمشارك والمؤسس لمعهد "أوتو آي دي" التابع لمعهد مساتشوستس
( )Auto-ID Center at MITالمتخصص في التحديد اآللي للهوية من خالل
الموجات الراديو وأجهزة اإلستشعار ،بحيث اصبحت تقنية IoTتعني امكانية
اتصال عدد كبير من األشياء بشبكة اإلنترنت بدالً اقتصار عملية الدخول على
اإلنترنت بأجهزة الكومبيوتر فقط ،وبالتالي تتحول شبكة اإلنترنت من شبكة
تصل بين أجهزة كومبيوتر فقط إلى شبكة تصل بين عدد كبير من األجهزة الغير
329
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
330
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
331
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
الداتا الكبيرة
بدءا من عام 1991وتواتر التقنيات التي عززت منترتب على انتشار اإلنترنت ً
استخدام الشبكة كتقنية انترنت األشياء IoTعام ، 1999ثم تقنية الواقع المادي
الوهمي CPSعام ، 2006وتقنية الواقع المعزز بأجهزة اإلتصاالت النقالة عام
،.. 2008إلى تسارع معدالت البيانات والمعلومات التي يتم انتاجها وتبادلها
بمعدالت عالية غير مسبوقة [مع التفريق ما بين البيانات ( )Dataوالتي تمثل
مشاهدات خام في صورتها األولية قبل المعالجة ،وما بين المعلومات
( )Informationوالتي تمثل البيانات التي تمت معالجتها بحيث يمكن
األستفاده منها واتخاذ القرار] ليظهر مصطلح البيانات الضخمة أو "الداتا
الكبيرة" ( ، )Big Dataوالذي يرجع أول استخدام له للكاتب الصحفي األمريكي
إيريك الرسون ( )Erik Larsonعام 1989بمجلة هاربرز ( Harpers
)Magazineحول استخدام رجال اإلعالن للبيانات في الوصول إلى العمالء
المستهدفين ،وفي عام 1999ظهر أول استخدام للمصطلح بورقة بحثية نشرتها
جمعية الحوسبة اآللية ()Association for Computing Machinery
بعنوان "اإلستكشاف البصري للبيانات في وقتها الحقيقي" ( Visually
، )Exploring Gigabyte Datasets in Real Timeوفي عام 2001قدم
األمريكي "دوغ الني" ( )Doug Laneyورقة بحثية بعنوان "إدارة البيانت ثالثية
األبعاد" (D Data Management: Controlling Data Volume, 3
)Velocity and Varietyقدم من خاللها ثالثة شروط ( )3Vإلعتبار البيانات
ضخمة واطالق عليها مصطلح "البيانات الضخمة" ( )Big dataوهي الحجم
الكبير ( )Volumeوسرعة التولد ( )Velocityوالتنوع ( ، )Varietyليصبح
مصطلح البيانات الضخمة يشير إلى كمية كبيرة من البيانات المتنوعة والتي
332
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
تصدر بشكل متواتر سريع ،بحيث يصعب معالجتها بالوسائل التقليدية (Marr,
) ، 2015وفي عام 2003تم تقدير حجم البيانات التي ولدها البشر منذ بداية
التاريخ وحتى عام 2003بما قدره 5إكسابايت ،والذي تضاعف في السنوات
الالحقة بمعدالت غير مسبوقة لتبلغ حجم البيانات التي ولدها البشر خالل عام
2007فقط بـ 281إكسابايت (لم يبلغ 1زيتا بايت حتى عام )2010
) ، (Graham, 2011مما مهد لشهرة مصطلح "البيانات الضخمة" ( Big
)dataواإلهتمام به جماهيرياً ،والذي يرجع لمبادرة مجلة "وايرد" األمريكية
( ، )Wiredوالتي قدمته عام 2007بمقال بعنوان "نهاية النظرية العلمية:
طوفان البيانات يجعل النظرية العلمية عفا عنها الزمن" ( The End of
Theory: The Data Deluge Makes the Scientific Method
، (Marr, 2015) )Obsoleteويمثل التحدي المستقبلي فيما يتعلق بالبيانات
الضخمة في التكنولوجيا التي ستستوعب ذلك القدر المتنامي من البيانات بشكل
ضخم والكفاءات التي ستقوم على معالجة تلك البيانات.
الحوسبة الكمومية
في عام 1941تم إنشاء أول حاسبوب وكان مكون من عدة طوابق ومئات
اآلالف من األنابيب المفرغة ( )Vacuum Tubesكتقنية لقراءة البيانات ،كان
تحديدا عام 1936قد قام تورينج بنشر بحث نظري حول فكرة
ً قبل تلك الفترة
إنشاء شريط مغناطيسي طويل يجرى عليه عدد من الرموز لبيانات ومعلومات
معينة ،وفي عام 1952طور جون فون نيومان الحاسب اآللي بنفس فكرة آلة
تورينج ولكن استبدل الشريط المغناطيسي بذاكرة عشوائية ،تطور األمر بعد ذلك
إلى استخدام الترانسترات في معالجة البيانات ،والتي تقوم بتخزين البيانات بنظام
األكواد الثنائية صفر أو واحد فيما يعرف بالبيت ، bitواصبحت الترانزستورات
333
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
هي الوحدات األساسية التي يصنع منها الذواكر والمعالجات ،والتي كانت
تتطور باستمرار وتصغر أحجامها بقدر كبير ،مما دعا إلى ظهور قانون مور
( )Gordon mooreالذي اعتبر خالله أن حجم الترانزستورات تصغر كل 18
شهر ،ومن ثم ثارت منذ السبعينات إشكالية وصول تلك الترانزستورات إلى
الحجم الذري ،حيث أن وصول حجم الترانزستور إلى المستوى الذري أو صغره
دون المستوى الذري ستصبح القوانين الفيزيائية المعمول بها في تطوير
الت ارنزستورات الحالية غير قادرة على التعامل مع المستوى الذري وسننتقل إلى
حقل جديد وهو مبادئ النظرية الكمومية في الفيزياء ،وفي عام 1982قدم
ريتشارد فيونمان بحث عرض خالله موديل جديد للترانستورات القائمة على
مبادئ الكم ،واستخدم ألول مرة مصطلح الحاسبة الكمية أو الحوسبة الكمومية
( ، )quantum computingفي العام 1994قدم عالم الرياضيات بيتر شور
بحثه الشهير حول خوارزمية لتحليل األرقام إلى مكوناتها األولية بواسطة آلة
حاسوبية تقوم على أسس فيزياء الكم ،واذا كانت قدرة المعالجات بالحواسيب
التقليدية تتوقف على عدد الترانزستورات الموجودة بشريحة المعالج ،والتي تجعل
من قدرة وسرعة تلك الحواسيب على المعالجة محدودة بقدرات وسرعات معينة ،
فإن اإلنتقال إلى المعالجات الكمومية سيفتح آفاقًا جديدة لقدرات خارقة في
المعالجة بسرعات فائقة ،في الحاسوب التقليدي البت إما يقوم بتخزين الصفر أو
الواحد ،أما البت الكمومي (الكيوبت أو الكوانتم بت) والذي يتعامل مع ما دون
المستوى الذري فبإمكانه تخزين األكواد حسب دوران اإللكترون بصيغة الصفر أو
الواحد أو كليهما أو أي عدد من القيم الالنهائية التي تقع بين الصفر والواحد ،
فبينما يقوم الحاسوب المكتبي بعمل عملية حسابية واحدة ،يمكن للحاسوب الكمي
أن يعمل ماليين الحسابات في نفس الوقت ،ولذلك فإن التطورات المتوقعة
بتقنية الحوسبة الكمومية ستتيح آفاقًا واسعة للتطبيقات اإللكترونية في مجال
334
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
تكنولوجيا النانو
335
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وأعلى من النحاس في توصيل الح اررة ،كما يمكن أن تكون شبه موصلة وفقا
لطريقة تصنيعها ،العقبة اإلقتصادية حاليا في التوسع في استخدام تقنية
األنابيب النانوية هو تكلفة انتاجها المرتفعة ،ولكن مع التوسع في البحوث حول
تلك التقنية وانخفاض تكلفة إنتاجها ستؤدي إلى ثورة ضخمة في مجال التصنيع
ومفهوم الندرة للموارد الطبيعية المعاصرة (صالح م)2009 ،.
الروبوتات
1وتدور أحداثها حول بروفيسور بعلم البيولوجي ُيدعى روسوم يسافر إلى جزيرة نائية ويحاول لسنوات تصنيع
كائنات حية إلى أن يستطيع بمساعدة "هيالنة" تصنيع بشر آليين من لحم صناعي بالمصانع بكميات كبيرة
وبسرعة ،لينتشر منتجه الجديد بشكل كبير في العالم كله والذي سوف تستخدمه المصانع كعمالة رخيصة ،
ستبدي هذه الروبوتات سعادة بالعمل لدى البشر في البداية إال أنهم سيتحولون إلى التمرد على البشر واحداث
شغب وستقوم هيالنة "بحرق سر روسوم لتصنيع الروبوتات" ،سيقوم الروبوتات بالقيام بثورة يتمكنون من خاللها
القضاء على كافة البشر والسيطرة على األرض باستثناء رجل يدعى "ألكويست" ( )Alquistألعتقادهم بكونه
روبوت ،وبعد سنوات ستبدأ الروبوتات تبلى وتموت مع محاوالتهم غير المجدية إلكتشاف السر الذي يحفظ
حياتهم والذي حرقته هيالنة ،سيعمل "ألكويست" على اعادة تخليق هيالنة ( )Helenaمرة أخرى إلى أن يتمكن
من ذلك ولكن ستكون كافة الروبوتات قد ماتت.
336
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
عضوية وليست مواد غير عضوية (معادن) ولذلك فالمفهوم القديم للمصطلح
يختلف عن المفهوم الحديث والذي يعني اآللة التي تُحاكي ووظائف يقوم بها
اإلنسان أو تؤدي وظائف تفوق قدراته (منظومة ميكانيكية) ،ويرجع أول
استخدام للفظ "روبوت" ( )robotوفقاً لذلك المعنى إلى كاتب الخيال العلمي
"اسحاق اسيموف" ( )Isaac Asimovعام ، 1941أما أول محاولة فعلية
لتصنيع روبوت فكانت عام 1948من خالل البريطاني "ويليام غراي"
( )William Greyوكان الروبوت حينها يتصف ببطء شديد ،وفي عام 1954
ظهر أول روبوت تم تصميمه ألغراض تجاريه من خالل األمريكي "جورج
ديفول" " )George Devol ( 2011 – 1912والذي لم يحصل على تعليم
جامعي في الهندسة وانما اعتمد على التعليم الذاتي" إال أن أول استخدام فعلي
للروبوت بأغراض صناعية كان عام (Richard & Zexiang , 2014) 1961
وبدءا من عام 1973انتقلت صناعة الروبوتات إلى مرحلة روبوتات الجيل
ً ،
األول القابلة للبرمجة كصناعية "األذرع الروبوتية" من خالل شركة كيوكا
األلمانية ( ، )KUKAباإلضافة إلى تصنيع أول روبوت له القدرة على الرؤية
والتحدث بقدرة عقلية تعادل طفل عمره 18شه اًر وهو روبوت ( ، )WABOTثم
تسارعت معدالت تطور الروبوتات بعد ذلك خاصة بفترة الثمانينات والتسعينات ،
حيث تم تطوير أول روبوت قادر على المشي عام 1981بجامعة واسيدا
بطوكيو ،وفي عام 1985ظهرت روبوتات الجيل الثاني "التكيفية" القادرة على
تكيف نفسها باستاللية مع ظروف البيئة المحيطة ،وذلك عن طريق تزويدها
بأجهزة استشعار متعددة كأجهزة استشعار لألشعة تحت الحمراء واألصوات
البعيدة وتسجيلها ،وفي عام 1996قام معهد ماساتشوستس بتطوير روبوت
على هيئة سمكة تونة إلستكشاف أعماق البحار والحياة البحرية ،كما قامت
شركة هوندا عام 1996بتصنيع روبوت )ASIMO( P2بقدرات تنظيمية عالية ،
337
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وفي عام 1997قدمت شركة هوندا روبوت )ASIMO( P3والذي يمثل أول
إنسان آلي بتحكم ذاتي ( ، )Autonomous Mobile Robotsوفي عام
2000ظهرت روبوتات الجيل الثالث الذكية والتي تمتلك القدرة على معالجة
المعلومات واتخاذ القرار ،حيث طورت شركة سوني عام 2000روبوت ()SDR
والذي كان قاد اًر على التعرف على عشرة أنواع من تعبيرات الوجه والمشي على
األسطح غير المنتظمة ،وفي عام 2002طورت هوندا الجيل الجديد من
روبوت ( )ASIMOوالذي كان قاد ار على التعرف على صاحبه من خالل الوجه
والصوت والقيام بالعديد من المهام المعقدة ) ، (RobotShop, 2008وفي عام
2006طرحت شركة "ليجو ميندستورم" ( )LEGO MINDSTORMSالروبوتات
بشكل تجاري باألسواق ،وفي عام 2013قدمت وكالة الفضاء األمريكية ناسا
روبوت "فالكيري" ( )Valkyrieوالذي يتميز بقدرات عالية على اإلدراك
والتصرف ،تتميز روبوتات الجيل الثالث بنظام بصري مزود بكاميرات دقيقة
فائقة القدرة على نقل وتسجيل الصورة تصل إلى رؤية الفضاء الخارجي ،
باإلضافة لنظام سمعي بتقنية متطورة قادرة على تمييز وتحليل الموجات الصوتيه
البعيدة والمتداخلة بكافة اللغات التي يتم برمجتها بها ومحاكاتها بتقنيات ناطقة ،
باإلضافة إلى المستشعرات التي تمكنه من قياس التغيرات المناخية وتحديد
الموقع الجغرافي وتحليل وقياس الموجات الضوئية وفوق وتحت الضوئية ،إن
الروبوتات في المرحلة القادمة ستكون قادرة على القيام بكافة األعمال البدنية
والذهنية التي كان يقوم بها اإلنسان بقدرة وكفاءة أعلى وتكلفة أقل ،وبالتالي
سيصبح اإلنسان في مواجهة تحدي قوي ومنافسة شرسة مع اآللة وصراع حول
الوجود!
338
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
المركبات الذاتية
الهولوجرام
339
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وعمق واقعي لعام 1962من قبل أستاذ الفيزياء والعلوم الرياضية السوفيتي
"يوري دانسيك" ( )Yuri Denisyukباإلتحاد السوفيتي ،وبنفس العام أيضاً
بجامعة ميتشجان األمريكية من قبل الفيزيائي األمريكي جيوريس أوبتنيكس
- 1936معاصر ( )Juris Upatnieksوأستاذ الهندسة اإللكترونية األمريكي
ايميت ليث ، )Emmitt Leith( 2005 -1927إال أن تلك الصورة كانت
ثابته ولم تظهر الصورة المتحركة للهولوجرام إال بعد عشر سنوات بعام ، 1972
وفي عام 2000تطورت تقنية منخفضة التكلفة للتصوير التجسيمي ،وأصبحت
تقنية الهولوجرام متاحة للهواة بتكلفة منخفضة ،وفي عام 2008قدمت قنوات
CNNتقنية الهولوجرام للجمهور ألول مرة ،والذي كان سبباً في شهرة التقنية
بين الجمهور بعد ذلك ،وفي عام 2013قامت شركة سامسونج بتسجيل براءة
اختراع لهاتف محمول يعمل بتقنية الهولوجرام إستعداداً إلنتاجه في السنوات
الالحقة ،وفي ابريل عام 2015ظهر بمدريد أول تظاهر احتجاجي بتقنية
الهولوجرام على القانون األسباني الذي يحظر التظاهر في األماكن العامة بعنوان
"الهولجرام من أجل الحرية" ( )Holograms for Libertyوالذي استطاع أن
يجمع حشداً ضخماً من المحتجين بصور واقعية بالميادين ،إن تقنية الهولوجرام
بدمجها مع تقنيات محاكاة الشخصية (والتي يتم تزويدها بالمعلومات التاريخية
حول الشخص واختياراته وطباعه وصوته ..ومن ثم تقوم بتوليد ردود أفعال
الشخص بدرجة دقة كبيرة) ستؤدي إلى محاكاة األشخاص بدرجة كبيرة والتغلب
على العوائق المكانية والزمانية بل وقدر كبير من وحشة الموت!
الطباعة المجسمة
ظهرت الطباعة المجسمة ألول مرة عام 1980من خالل تقنية "النماذج األولية
السريعة" ( ، )RP( )Rapid Prototypingوفي عام 1984قدم اإلمريكي
340
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
341
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
التقنية الحيوية
342
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
في ثالثينيات القرن العشرين وصاغ المصطلح األمريكي "وارن ويفر" – 1894
)Warren Weaver( 1978عام ، 1938والتي تهتم بفهم آليات الحياة على
مستوى الجزئيات الحيوية والتفاعل بينها ،ومرحلة بيولوجيا الخلية ( Biology
)Cellوالتي تهتم بد ارسـة العالقـات داخل الخاليا وبينها وبين بعض ،ومرحلة
علم الغدد الصماء العصبية ( )endocrinology-Neuroوالتي تهتم بدراسة
العالقات بين األعضاء والجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء ،أما المرحلة
الرابعة للتقنية الحيوية فظهرت منذ أوائل السبعينات ويطلق عليها مرحلة ثورة
الهندسة الوراثية ( )Engineering Geneticأو تكنولوجيا دنا ( DNAالحمض
الريبوزي النووي المنقوص األوكسجين) والتي أصبح من خاللها يمكن إعادة
تشكيل األحماض النووية (الجينات) التي تمثل الشفرة الوراثية والتي بإدخالها في
خاليا الميكروبات تتحول الميكروبات إلى ما يشبه المعامل التحويلية التي تعمل
على تخليق العديد من المواد ذات القيمة واألهمية لإلنسان كالبروتينات والمواد
الغذائية والصناعية ،كتخليق بروتين وحيد الخلية من النفايات البترولية بإستخدام
ميكروبات معدلة وراثياً ،ولذلك فتقنية البيوتكنولوجيا الحديثة تعتمد أساساً على
الميكروبات المهندسة وراثياً التي يستخدمها علماء البيولوجيا لتحويلها إلى
مصانع غاية في الدقـة إلنتـاج الغذاء والكيماويات والعقاقير والوقود (قنديل،
، )2007وفي عام 1985اكتشف العلماء أصابع الزنك ()Zinc fingers
بعوامل النسخ -بروتينات )Transcription factors( -هذه األصابع عبارة
نتوئات من أحماض أمينية تتعرف على الجزء الخاص من الجين المسؤل عن
تنشيطه ،وفي عام 1986تمكن العلماء من نقل جين النمو إلى الخنازير ونقل
جين األنسولين البشري إلى البكتريا ،وفي عام 1990أجريت أول عملية للعالج
الجيني ،وبحلول عام 1995كان هناك أكثر من مائة عملية قد أجريت لعالج
بعض األمراض الوراثية بالعالج الجيني (عبيدة و أحمد.)2008 ،
343
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
التقنيات الفضائية
344
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
345
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
علم المواد
إذا كان علم الموارد الطبيعية يتداخل بشكل أساسي مع علم الجغرافيا والجيولوجيا
فإن تخصص علم المواد ( )materials scienceيتداخل بشكل أساسي مع
الفيزياء التطبيقية والكيمياء والهندسة الكيميائية والهندسة الصناعية والهندسة
الميكانيكية ،الهندسة المدنية والهندسة الكهربائية ويقوم على أساس البحث في
خواص المادة وفهمها بهدف إنشاء مواد جديدة لها الخصائص المطلوبة بدالً من
البحث بطريقة عشوائية عن خواص المواد المتاحة ،ويهتم علم المواد بالمواد
الهندسية التطبيقية التي يمكن تقسيمها إلى مواد معدنية ومواد خزفية ومواد
بوليمرية (علم المواد )2008 ،والتي ترتبط بالتطبيقات التكنولوجية العصرية ،
أي أن علم المواد يهتم بحل مشكالت المواد من الناحية الهندسية التطبيقية
بهدف فهم العالقة بين خصائص المواد وتطبيقاتها ،لقد ساهمة التطبيقات
الحديثة لعلم المواد من تخليق مواد جديدة ذات خواص فريدة مكنت من أداءات
أفضل لإلنتاج ،فعلى سبيل المثل تطورت صناعة السيارات إلى إنتاج سيارات
أقل وزنا وبالتالي زيادة سرعتها وزيادة كفاءة استهالك الوقود ،باإلضافة إلى
تطبيقات تتعلق بصناعة الطائرات والمركبات الفضائية من خالل مواد تتوافق
خصائصها مع الطبيعة الوظيفية لتلك المنتجات ،إن التقنيات المتعلقة بتطور
علم المواد سوف تؤدي في المستقبل إلى تغير المفهوم المعاصر للموارد النادرة
باحالل بدائل أكثر كفاءة لمواد اقتصادية يعتمد انتاجها على موارد طبيعية
تختلف عن الموارد الحالية ،مع امكانية تخليق مواد يمكنها من الوفاء
باحتياجات تعجز المواد الحالية عن الوفاء بها (Department of Energy,
)2003
346
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
تخزين الطاقة
تنقسم الطاقة كقدرة للقيام بشغل إلى طاقة وضع كامنة كطاقة الجاذبية والطاقة
الكيميائية والطاقة الكهربائية ،وطاقة حركية كالطاقة الح اررية ،أو مزيج بينهما
والذي يبحثه علم الديناميكا الح اررية ،ولكون الطاقة هي مصدر الفعل لرأس
المال الصناعي من آالت ومعدات ،فإن آفاق تطور رأس المال الصناعي يرتبط
بابتكار تقنيات خزن وتحويل الطاقة ،وبالرغم من أن المحاوالت البحثة حول
تخزين الطاقة ( )energy storageترجع لعام 1700أي قبل قرن من انتشار
الكهرباء ،إال أنها بالقرن العشرين أصبحت واحدة من أبرز اإلشكاليات البحثية
الهندسية التي تواجه العالم لتعاظم الحاجة إلى الطاقة وتعظيم اإلستفادة من
التدفقات الهائلة للطاقة النظيفة والمتجددة ،خاصة للتوسع في نشر الطاقة
بالمناطق النائية والبعيدة عن الشبكات الكهربائية ،والتي يفتقر بها نحو 1.2
مليار نسمة لإلتصال بالطاقة الكههربائية وفق تقديرات مؤسسة التمويل الدولية
التابعة للبنك الدولي ،لقد ظهرت منذ السبعينات عدة محاوالت لتخزين الطاقة
أخذت في التطور من خالل تقنيات تفكيك الماء أو الهواء المضغوط (محطة
هانتوف األلمانية) وباإلضافة إلى تخزينها في الملح والرمال الصحراوية ،في
عام 1980تم تطوير بطاريات الفانديوم الالعضوية ،باإلضافة إلى بطارية
"الصوديم-كبريت" NaSالتي تخزن الكهرباء بالتحلل الكيميائي للصوديوم
المتعدد الكبريت ( ، )sodium polysulphideوبطاريات الليثيوم أيون ،إال
أن اإلشكالية التي تحول دون التوسع في استخدام بتلك التقنيات تكمن في ارتفاع
تكلفتها اإلقتصادية ،العديد من األبحاث المعاصرة تتجه نحو البحث حول حلول
لتخزين الطاقة بالمعدن السائل باإلضافة إلى تقنيات النانو ،فقد أظهرت
األبحاث أن ألواح الخاليا الشمسية المصنوعة من شرائح من المواد النانويه
347
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
المتطورة والمطعمة بنقاط تعمل بتقنيات الفيزياء الكمومية (نقاط الكوانتم )QD
تضاعف ما تنتجه األلواح الشمسية من الكهرباء (مصبح ،2013 ،صفحة
، )666لقد أصبحت توربينات الرياح الحديثة تنتج طاقة كهربائية أكثر بمقدار
خمسة عشر ضعفًا مقارنة بتوربينات الرياح التقليدية التي كانت تستخدم في
التسعينيات من القرن الماضي ،كما أنه من المتوقع انخفاض تكلفة تقنيات
تخزين الطاقة إلى 100دوالر لكل كيلو واط في الساعة خالل الخمس سنوات
القادمة ،مقارنة مع 250دوالر في الوقت الحالي (تقرير كامبريدج وبرايس
وواترهاوس )2015 ،إن تكثيف البحث بالسنوات القادمة حول تقنيات تخزين
الطاقة من المتوقع أن يقدم حلوالً مبتكرة تضاعف القدرة على تخزين الطاقة
بتكاليف أقل مما سيمهد لفتح آفاق جديدة لتنمية رأس المال الصناعي وتغير
الطلب نحو الوقود التقليدي.
348
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945ظهرت عدة متغيرات سياسية
انعكست على الواقع اإلقتصادية ،أبرز تلك المتغيرات السياسية تمثلت في نشأة
األمم المتحدة عام ، 1945والحرب البارده بين المعسكرين األمريكي وكتلة
الناتو من جانب واإلتحاد السوفيتي وكتلة وارسو من جانب آخر ،والتي قوبلت
من الدول النامية بحركة عدم اإلنحياز ،فبنشأة األمم المتحدة وتحديد أهدافها
بتنظيم العالقات الدولية ونشر السالم وحقوق اإلنسان ظهرت قضية فجوة الدخل
بين دول العالمين األول والثالث كقضية تؤرق إنسجام المجتمع الدولي وتتعارض
مع أهداف اإلخاء العالمي ،بادرت الواليات المتحدة األمريكية بخطاب تنصيب
رئيسها الثالث وثالثون هاري ترومان لدورة ثانية عام 1949والذي أعلن خالله
سعي الواليات المتحدة لتنمية دول العالم الثالث المتخلفة ،وقد تبع ذلك الخطاب
ظهور المدرسة الباروسنزية للتحديث والتي تركزت بالكتلة األنجلوساكسونية والتي
قدمت دول العالم األول على أنها النموذج الذي يجب ُيحتذى ،وظهور مدرسة
التبعية مع أعمال بريبش والتي تركزت بالكتلة الالتينية والتي حذرت دول العالم
الثالث من عالقتها بدول العالم األول ،وهو ما دعا البعض للربط ما بين دعم
اتجاه التحديث وسياسات الهيمنة األمريكية وما بين دعم التبعية والرد السوفيتي ،
ويرد على ذلك بأن تركز رواد أي من اإلتجاهين بكتلة ال ينفي انتشارهم ،
ُ
وبالرغم من أن نظريات الحداثة والتبعية حاولت البحث عن العامل األساسي
والمحوري في تغير ظاهرة التخلف وليس حصر كافة العوامل المؤثرة ،إال أنها
قوبلت بانتقاد مفاده التشيع إلتجاه واغفال اآلخر أو تبريره في تفسير ظاهرة
المخل.
متشابكة بدرجة يصعب معها ذلك اإلختزال ُ
349
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
وبالرغم من أنه ال ُيمكن إنكار أثر العالقات الالمتكافئة التي مارسها االستعمار
ثم الرأسمالية في ثوبها اإلمبريالي والتي أدت إلى تواصل حركة التدفقات الدولية
الالمتكافئة للقيمة ،برفع الميل الحدي للطلب وقصور العرض المحلي ،والذي
يرجع باألساس إلى ضعف البنية التكنولوجية ،وتحول الدول النامية إلى وضع
عجز مستمر واستنزاف للقيمة ُمقابل التراكم المترامي بدول العالم األول ،إال أن
تراكم القيمة بدول العالم األول ال يرجع باألساس إلى عالقتها بالدول النامية ،
ألن التدويل المعاصر لإلنتاج واإلستهالك يرتبط باألساس بدول العاالم األول
والتي تتم في إطار تبادلي متكافئ ،إال أن العالقة الالمتكافئة بينها وبين الدول
النامية لم تكن لتنشأ دون بيئة حاضة وخلل داخلي.
إن التبعية تعجز عن تفسير حالة التخلف اإلقتصادي في تركيا التي كانت دولة
ُمستعمرة تستنزف فوائض مستعمراتها بآسيا وأفريقيا لقرون عديدة وبالرغم من ذلك
لم تنفك عنها حالة التخلف اإلقتصادي ،كما تعجز عن تفسير حالة التخلف
ببعض دول الخليج واإلختالالت الهيكلية بعالقات اإلنتاج والتوزيع بها ،بالرغم
من تدفقات القيمة وتراكم الفوائض التي شهدتها بالنصف الثاني من القرن
العشرين وتفوق متوسط دخل الفرد بها عن دول العالم األول ،إال أنها لم تتمكن
من تحقيق الكفاءة في توظيف الموارد المحلية وخلق هياكل إنتاجية محلية قادرة
على تحقيق الشراكة العالمية في خلق التكنولوجيا المعاصرة بكوادر وطنية
وانخفضت نسبة التكنولوجيا الوطنية بصادراتها ،باإلضافة إلى تخلف عالقات
التوزيع وسوء توزيع الدخل.
كما تعجز عن تفسير حالة التقدم التي شهدتها عدة مستعمرات عقب استقاللها
بغير انقطاع لعالقاتها اإلقتصادية بدول العالم األول كالواليات األمريكية التي
ظلت ُمستنزفة من اإلحتالل البريطاني طيلة مائة عام وكانت قيمة متوسط دخل
350
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
الفرد بها بالقرن الثامن عشر 527دوالر ،بينما متوسط دخل الفرد بالمملكة
المتحدة المستعمرة لها 1250دوالر ،وبحصولها على استقاللها بأواخر القرن
الثامن عشر (حرب اإلستقالل )1783 - 1775لم تمضي أربعة عقود حتى
ارتفع متوسط دخل الفرد بها إلى 1257دوالر عام ، 1820لتبدأ مرحلة التفوق
بدءا من عام 1913والذي ارتفع العالمي على أسس من الريادة التكنولوجية ً
متوسط دخل الفرد األمريكي فيه إلى 5301دوالر بينما في المملكة المتحدة كان
قد ارتفع متوسط دخل الفرد إلى 4921دوالر )(Maddison, 2001, p. 264
،باإلضافة إلى حالة النمور اآلسيوية (تايوان ،سانغافورة ،هونج كونج ،كوريا
الجنوبية) والتي تزامنت فترات احتاللها واستقاللها مع العديد من دول العالم
الثالث بأفريقيا وآسيا ،التي استطاعت عقب استقاللها بالنصف الثاني من القرن
العشرين التحول من حالة التخلف إلى حالة التقدم ،وبالتالي فإن اإلستعمار لم
يكن دائماً عامالً حاسماً في تواصل التخلف اإلقتصادي ،بل أن هناك متغيرات
داخلية قد تؤدي إلى تعزيز التبعية بمناطق أو التقدم بمناطق أخرى مما ُيفضي
إلى قبول نظرية التحديث بعزو التخلف بدرجة أهم لخلل اجتماعي سياسي.
كانت أبرز مظاهر اإلختالل "اإلجتماعي السياسي" وفقاً لتشخيص الحداثة هي
الثقافة التقليدية وضعف الدافعية والحكم السئ والتدين ،ففي دراسة لمعهد جالوب
العالمي ( )Galloupحول العالقة ما بين التدين ومتوسط الدخل عام 2009
أقيمت بـ 114دولة حول العالم أظهرت النتائج بها أن هناك عالقة ما بين
ارتفاع نسبة التدين بالدولة وما بين انخفاض متوسط الدخل ،فالدول التي
ارتفعت بها نسبة من اعتبروا أن الدين أمر مهم في حياتهم كانت دول ذات
متوسطات دخول منخفضة ،وعلى العكس بالنسبة للدول التي اعتبرت األغلبية
أمر ذو أهمية بحياتهم فقد كانت دول ذات متوسطات بها أن الدين ال ُيمثل ًا
دخول مرتفعة ،مع وجود بعض اإلستثناءات التي ال تنفي القاعدة بنسبة ثقة
351
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
ولذلك يؤخذ على نظرية الحداثة تجاوزها بإسلوب الثنائيات السياق التاريخي
لتطور البنى الثقافية ونشأة الحداثة متجذرة بالتربة الغربية متمثلة في اإلتجاه
البعد التاريخي) ،
العلماني والليبرالي (على خالف التبعية التي غالت في تأثير ُ
حيث افترضت قابلية عزل وتصدير تلك البدائل الثقافية للدول النامية وهو ما لم
يتحقق في الكثير من التجارب ،بل حدثت حالة من التنافر الثنائي ما بين
األنساق التقليدية واألنساق الغربية أدى إلى تشتيت جهود التنمية ،إن اتجاه
الحداثة لم يأخذ في اإلعتبار مدى إمكانية وقدرة الدول النامية على خلق أنساق
إجتماعية وسياسية متطورة تتالئم مع طبيعتها المحلية ،وعمل في المقابل على
352
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
ترسيخ مفهوم التقليد بوجدان الدول النامية بتقديم دول العالم األول باعتبارها
ٍ
بشكل أو "عقدة الخواجة" ،والذي أسهم
المحتذى للعبور للرفاه ُ
النموذج األمثل ُ
بآخر في إضعاف ثقة تلك المجتمعات في قدرتها على اإلبداع وخلق تنمية ذاتية
(والذي كان أحد أهم تخليق عوامل الحداثة وتطور البنى الثقافية الغربية) فال هي
استطاعت تحقيق التكيف وال عملت على تطوير أنماط تنموية ذاتية مواتية
(تمكينية) وتحولت إلى بيئات ُم ْحبطة ُم ْحبطة.
الفقر هو عدم قدرة اإلقتصاد على تحقيق الرفاه أما التخلف فهو تواصل عدم
القدرة على تحقيق الرفاه لخلل بالعالقات اإلقتصادية يرجع بشكل أساسي لضعف
المستوى التكنولوجي المعاصر والحداثة ،وعلى العكس فإن التقدم هو قدرة
اإلقتصاد على تحقيق الرفاه من خالل عالقات إنتاج وتوزيع منتظمة ترتبط
بشكل أساسي بارتفاع المستوى التكنولوجي والحداثة ،تكاد ال تخلو أي نقطة
جمعية بالعالم من ظاهرة متاخمة النسقين (التخلف والتقدم) بتركيزات متفاوته ما
بين أعلى تركيز ممكن ألحدها وأقل تركيز ممكن لآلخر والعكس ،إال أن تفاعل
تلك المتاخمة ما بين النسقين ال يسير تجاه التعايش وانما تجاه التنافر والطرد
المتبادل لآلخر ،فالنسق الغالب في كل نقطة يعمل على طرد اآلخر (التخلف
يطرد التقدم والتقدم يطرد التخلف) وبالتالي فإن غلبة نسق التخلف يساهم في
تعم يق التخلف وضعف االقتصاد ،وغلبة نسق التقدم يساهم في تسارع التقدم ،
فتوصف النقاط واألقاليم الجمعية التي يغلب على تركيزها نسق التقدم بالدول
المتقدمة ،والتي يغلب عليها نسق التخلف بالدول المتخلفة ،والتي يتقارب بها
النسقين بالدول بالدول المتوسطة ،أما على المستوى األفقي فتميل األنساق
المتقاربة لإلتصال والتكامل بحيث يمكننا أن نلحظ نسقين أساسيين على المستوى
العالمي نسق التخلف ونسق التقدم ،يعمل كل منهما على اإلنتشار وتعزيز
وجوده وطرد اآلخر.
353
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
إن الفجوة اإلقتصادية الرابعة والتي أظهرت التخلف بشكل غير مسبوق والتي
أحدثتها الثورة الصناعية الثالثة بالنصف الثاني من القرن العشرين تختلف عن
الفجوة الماكنتيلية األولى التي كانت ترجع لسياسات تفقير الجار والتراكم الداخلي
،وعن الفجوة الثانية التي ارتبطت بالثورة الصناعية األولى والتي أدت إلى
التحفيز الكمي والكيفي إلنتاج نفس األموال ،كما اختلفت عن الفجوة اإلمبريالية
الثالثة التي بنت عالقات الطرف والمركز الالمتكافئة ،فالفجوة الرابعة هي فجوة
عولمة األموال الجديدة ،لقد تغير مفهوم المال عن ذلك الذي كان يتم إنتاجه من
قبل ،ونشأ مفهوم مختلف ارتبط إنتاجه بالتكنولوجيا الحديثة وتدويل عالقات
اإلنتاج ،فقد أصبح المنتج الواحد يشترك فيه العديد من الدول حول العالم
بإضافة قدر معين من التكنولوجيا الحديثة ،وأصبحت تلك الدول هي الدول
القادرة على خلق القيمة وبالتالي سيطرت على الجانب األكبر من التبادالت
اإلقتصادية ،واقتصرت تبادالتها مع الدول الغير قادرة على خلق القيمة على
تصدير التكنولوجيا البالية مقابل الموارد التي تفتقدها الدول المتقدمة ،لقد أدت
الفجوة الرابعة إلى ترسيخ حالة التخلف باإلقتصاد العالمي بتعاظم الفجوة ما بين
354
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
الدول النامية والمتقدمة ،لقد تشكل نسيج عالمي متسارع اإلختالل بين الطبقات
النامية المصابة بالفقر كما الحال بين الطبقات المتقدمة الموسومة بالثراء.
انتهى القرن العشرين وبذاكرة ثلثه األخير أحداث الثورة الصناعية الثالثة أو
الرقمية والتي مهدت لمرحلة جديدة بدأت مع بدايات القرن الواحد والعشرين وهي
الثورة الصناعية الرابعة أو ثورة الذكاء الصناعي ،والتي ستنقل النشاط
اإلقتصادي إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة التشغيل اآللي والتلقائي للوحدات
اإلنتاجية والتفاعل المباشر مع العمالء لتفصيل المنتجات وفق أذواقهم بشكل
مباشر ،بحيث تقوم الوحدة اإلنتاجية تلقائيا بالتواصل مع كل عميل وتفصيل
المنتج الذي يتوافق مع أذواقه بشكل خاص وتوصيله له آليا ،ثم تتواصل مع
ذلك المنتج باستمرار خالل دورة حياته لمعرفة المردود حول المنتج وتطويره آليا
،بمعنى آخر فإن عملية التغذية الراجعة الخاصة بالمنتجات المصنعة ستكون
ذاتية مما يساعد المصنع بشكل تلقائي على تطوير طريقة تصنيعه ،ستتمكن
الوحدة اإلنتاجية أيضاً من تطوير نفسها وصيانتها واصالح المشكالت التي
تحدث داخلها بشكل ذاتي وتلقائي وبدون تدخل العنصر البشري ،وبذلك فإن
عنصر التنظيم سينتقل دوره من خلق وتكوين شبكة من اآلالت ذات كفاءة عالية
مع رأس المال البشري المناسب ،إلى خلق شبكة من اآلالت التي تعمل مستقلة
عن العنصر البشري بشكل كامل ،وتتمتع بقدرة ذاتية على التواصل مع
الموردين والعمالء تغيير بشكل مستقل وذاتي أنماط االنتاج وفقاً للمدخالت
الخارجية وحاجات العمالء.
وبالرغم من ذلك التسونامي القادم إال أنه مازالت هناك فرصة أمام الدول النامية
خالل العقود القليلة القادمة إلعادة قراءة حيثيات الواقع والمستقبل وصياغة
سياسات لحاق بأموال الغد قبل توغل مرحلة ثورة الذكاء الصناعي وحلول الفجوة
355
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
الخامسة ،فمازال هناك طلب على عنصر العمل تستطيع الدول النامية إستثماره
المستقبل
للمساهمة في الخلق المحلي لرأس مال فكري وتكنولوجي متطور ،إن ُ
ٌينذر بتحول تكنولوجيا اإلنتاج نحو مرحلة اإلنتاج الذاتي ()Automation
(والتي تقوم فيها اآللة باإلنتاج بشكل متكامل) والتي سيختفي معها الطلب على
عنصر العمل تقريبا (والتي سيحتكرها ثالث جهات أساسية يرتبط الرفاه بالقدرة
على اإللتحاق بها وهي :األجهزة السيادية والعسكرية التابعة للدول والجامعات
والجهات البحثية والشركات الدولية) لتنتقل معها الرأسمالية إلى مرحلة توحش
اآللة ،فكافة السلع والخدمات توفرها اآللة القادرة على تطوير نفسها بدون تدخل
بشري وقادرة على اإلنتاج السلعي والخدمي بجودة مرتفعة وأسعار منخفضة عن
تلك التي تقدمها تكنولوجيا اإلنتاج الهجينة مع العمل البشري ،ستختفي العديد
من المهن كقيادة المركبات وأعمال البناء والعمل داخل المصانع والمزارع ومهنة
التعليم والمحاسبة ،..وبالرغم من أنه سيزداد في المقابل الطلب على المهن التي
النظم إال أنها هي األخرى ُمهددة باإلستغناء تقوم على معالجة البيانات وتطوير ُ
في المستقبل القريب وليس البعيد! ،ستقدم اآللة الذاتية إنتاجاً أوفر وأقل تكلفة
مما سيجعل من تكنولوجيا اإلنتاج الهجينة مع العمل البشري غير ُمجدية
اقتصادياً ،فماذا سيقدم عنصر العمل البشري حينها للحصول على جزء من
الثروة؟ وماذا ستقدم الطبقات النامية؟ ستؤدي هذه المرحلة إلى انحراف غير
مسبوق في اختالل عالقات التوزيع ،حيث ستتحول الرأسمالية اآللية إلى ثقب
أسود يبتلع كافة المدخرات والفوائض التي تمتلكها الطبقات النامية التي ال تمتلك
اآللة الحديثة ،فالتبادل يسير باتجاه الرأسمالية اآللية والتي ستسيطر على
الجانب األغلب من اإلنتاج ولن تدع للطبقة النامية سوى الفتات.
أضف إلى ذلك التطور الذي سيشهده تغير نمط الحياة وماهية الحاجات
والرغبات والتي ستعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي ،فامتالك التكنولوجيا
356
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
الحديثة التي نراها في أفالم الخيال العلمي اليوم لن يصبح بعد مرحلة ما رفاهية
وانما ضرورة من ضروريات الحياة ،فليس فقط الطباخ اآللي والمركبة الطائرة
على وسائد هوائية ذاتية القيادة ستصبح ضرورة ال تستقيم الحياة بدونها ،بل
سيصل األمر إلى أن يصبح امتالك نانو روبوت ال يمكن رؤيته بالعين المجردة
ضرورة من ضروريات الحياة!.
التفاعل اإلقتصادي الطبقي سيتحول إلى صراع ما بين الرأسمالية التي تمتلك
اآللة والتي تمتص بتوحش فوائض ومدخرات الطبقات النامية ،وما بين الطبقات
النامية التي تسعى إلمتالك اآللة والنواتج الحديثة ولكن ال تجد ما تقدمه
لإلقتصادات المتقدمة ،الجانب األكبر من الرأسماليات اآللية سيتجه لتحقيق
تكامل إنتاجي يحقق مصالحه المتبادله ،يتم التبادل فيه على مستويات من
القيمة تفوق قدرات الطبقات النامية ،أما اإلقتصاد النامي فسيتكامل عالمياً لينشأ
إقتصاد نامي عالمي يعتمد على تكنولوجيا بالية لتقديم إنتاج متواضع اإلشباع ال
يخلو من منافسة شرسة مع الرأسمالية اآللية ،ستتجه الدول الغير قادرة على بيع
التكنولوجيا لمحاوالت اإلعتماد على فُتات الزيارات السياحية والتحويالت القائمة
على روابط اجتماعية والمساعدات التنموية من أجل شراء هوالك التكنولوجيا
البالية ،السياحة ستُصبح بالنسبة ألنساق التقدم ضرورة من ضروريات الحياة
نعم (لتقلص أوقات العمل إلى الحد األدنى وزيادة أوقات الفراغ وزيادة الدخول
بشكل أكبر) إال أنها ستتوجه بشكل أساسي للدول الغنية والمتقدمة لكونها مناطق
آمنة ،وبيئة مشتركة تصلح إلقامة تفاهمات وتستطيع توفير اإلحتياجات النفسية
والمادية للسائح والذي لن يهتم كثي اًر بإنخفاض تكلفة الرحلة طالما ال ترقى
لمستوى تطلعاته ،أما الدول النامية فلن تكون دوالً مشجعة للسائحين لضعف
المستوى التكنولوجي وبالتالي ضعف مستوى الخدمة ،ولضعف المستوى الثقافي
واحترام االخرين وبالتالي فسيصبح ُمجتمع غير مرحب به وبخدماته ،سيتجه
357
**الباب الثالث نظرية المشكلة اإلقتصادية**
العالم الثالث لتكوين تحالفات سياحية إستراتيجية بينية وقارية ،فالدول التي
تتركز بها أنساق التخلف بقارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية ،ستتجه لتكوين
نسبيا إلى الحركة العالمية.
تحالفات سياحية مشتركة وفق تعامالت هزلة ً
كما أن القبائل األفريقية اآلن ليس لديها ما تقدمه لسكان الحضر للحصول على
جزء من إنتاجها ،فإن العالقات اإلقتصادية اآلن تتجه ألن تجعل وضع العالم
الثالث بالمستقبل أشبه بوضع قبائل الغابات ،وألن العالم الثالث لن يصبح لديه
ما يقدمه للعالم األول ستُفرض عليه ُعزلة شبه كاملة ،إن الحل المطروح اآلن
هو تبني العالم الثالث لسياسات جادة تضمن المساهمة المحلية في خلق وتطوير
التكنولوجيا المعاصرة بكفاءة وفاعلية ،وأن تكف عن سياسات المساهمة الوطنية
غير المحلية بتصدير الكفاءات للمشاركة في التطوير العالمي مقابل الحصول
على عوائد التحويل السريعة ،فتلك السياسة تمثل تجريف للتربة اإلقتصادية
للوطن الصالحة لإلستثمار.
358
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
يبحث علم اإلقتصاد السياسي قوانين خلق وتوزيع الثروة بما يحقق الرفاهية
المجتمعية وفق سياق تاريخ الخصوصية المحلية وتأثير العالقات الخارجية ،
نظرية اإلنتاج تبحث في ماهية العوامل التي تؤدي إلى خلق اإلنتاج وهي
العناصر التي تدخل تكوين المنتج ( )Inputsوما بينها من عالقة ،أما نظرية
التوزيع فتبحث في توزيع ذلك الناتج على العوامل التي ساهمت في خلقه ،لكي
يتحقق نمو الناتج فإنه يلزم نمو عوامل خلقه ،ذلك النمو الذي يتحقق باستغناء
العوامل عن استهالك قدر من ذلك الناتج وتثميره بضمه إلى طاقة عامل اإلنتاج
،يتعزز هذا التراكم حينما يتجه ميكانزم التوزيع لزيادة نصيب عامل من الناتج
عن عامل آخر فيرتفع التراكم لدى ذلك العامل وبالتالي ينمو العائد عليه ،في
حين أن اتجاه ميكانزم التوزيع نحو العدالة بالرغم من أنه يؤدي إلى إشباع
استهالكي أعمق لمالك عوامل اإلنتاج إال أنه يؤدي إلى انخفاض قدرة العوامل
على التراكم وبالتالي انخفاض معدالت النمو ،ومن هذه الحيثية تظهر إشكالية
معا ،فإذا كانت
التنمية كونها تستهدف رفع مستويات النمو واإلشباع اإلقتصادي ً
نظرية النمو اإلقتصادي تبحث في رفع الناتج اإلقتصادي ،فإن نظرية التنمية
اإلقتصادية تبحث حول الدمج ما بين النمو اإلقتصادي والتوزيع األمثل ،والتي
تمثل أبرز مؤشراتها ارتفاع متوسط الدخل الفردي ،مع زيادة عدالة التوزيع
بحيث تتقلص فجوة الفقر إلى الحد األدنى وترتفع معه درجة الرفاهية المجتمعية.
359
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
إذا كان التخلف اإلقتصادي هو ذلك اإلختالل الهيكلي الذي تتواصل وتتسع معه
فجوة الدخل ،فإن التنمية هي مضاد ذلك المفهوم فهي التغييرات الهيكلية
للعالقات اإلقتصادية التي يرتفع معها المستوى العام للدخول بما يتحقق معه
الرفاهية المجتمعية ،ويرجع تاريخ مصطلح "التنمية" ( )developmentلكلمة
( )développerالفرنسية بمعنى تطوير والتي انتقلت إلى اإلنجليزية بصيغة
( )developعام 1650والتي اشتق منها كلمة ( )developmentعام 1756
للداللة على ثراء الملكية وعلو الشأن وارتقاء المكانة ،ثم انتقلت إلى األمريكية
عام 1816للداللة على التحسينات التي لحقت األراضي الجديدة والتشييدات
التي شهدتها ،وفي عام 1836لحق اللفظ مفهوم التطور اإلرتقائي ،وفي عام
1902أصبح اللفظ يستخدم للداللة على على حالة التقدم اإلقتصادي
) ، (Harper, 2010وفي عام 1911نشر شومبيتر كتابه "نظرية التنمية
اإلقتصادية" والذي أعطى خالله أهمية خاصة للمنظم ،وفي عام 1922نشر
الزعيم الصيني صن يات سين ( )Sun Yat-senكتاب بعنوان التنمية الدولية
للصين ( )The International Development of Chinaوالذي اقترح فيه
خما لتنمية الصين يعتمد على التصنيع من خالل رؤوس أموال نامجا ض ً
بر ً
أجنبيه كدفعة قوية للتنمية ،وفي عام 1939تناول المصطلح أستاذ اإلقتصاد
بجامعة شيكاغو "يوجين ستالي" ( )eugene staleyبشكل أوسع حينما اقترح
خطة لتنمية العالم ) ، (Bhagwati & Richard , 2011, p. 26أما
مصطلح التخلف اإلقتصادي ( )underdevelopedفيعتبر سكرتير منظمة
العمل الدولية "ويلفرد بنسون" ( )Wilfred Bensonأول من تناوله عام 1942
،لقد ظل المصطلح التنمية ( )Developmentغير متداول إلى أن ظهر عام
360
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
يتضح مما سبق أن مفهوم مصطلح التنمية ظهر للداللة على حالة النمو
اإلقتصادي السريع الذي يتحقق معه تقارب األحوال العيشية للدول النامية مع
الدول المتقدمة ،ولذلك فالجذور المفاهيمية لمصطلح التنمية تمتد لما قبل النشأة
اإلصطالحية إلى بداية التنظير حول موضوع النمو اإلقتصادي والذي ظهر
بالمرحلة "الماركنتيلية" منذ مطلع القرن الخامس عشر بالرغم من كون تلك
الجهود البحثية كانت تتمحور حول ثراء طبقة معينة دون سائر المجتمع من
خالل تراكم المعدن النفيث ،وقد توصل ذلك الفكر إلى أن السبيل لتحقيق الثروة
هو الهيكل اإلقتصادي الذي يغلب عليه الجانب التجاري ،ومع بداية النصف
الثاني للقرن الثامن عشر ظهر الفكر الفيزوقراطي الذي أكد على أن الثروة ليست
الذهب والفضة وانما هي ناتج األرض فقط "اإلنتاج الزراعي" وبالتالي فاألرض
هي العامل الفعال في عملية النمو اإلقتصادي ،وبالتالي فإن سبيل تحقيق الثروة
361
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
القومية هو تكوين هيكل اقتصادي يغلب عليه الجانب الزراعي والتوسع في
استصالح األراضي الزراعية ،ومع ظهور الكالسيك بالربع األخير من القرن
الثامن عشر مع أطروحة آدم السميث انتقل مفهوم الثروة إلى اإلنتاج المادي
بتنوعه الزراعي والصناعي ،وارتبط مفهوم خلقها بعوامل األرض والعمل ورأس
المال ،والتي تعمل في ظل سوق حر على نمو الثروة بشكل تلقائي ومتوازن ،
حيث كل عرض يخلق طلبه ،معدالت اإلدخار واإلستثمار واإلبتكار دالة لرأس
المال ،أما التخصص وتقسيم العمل والتدريب دالة لعنصر العمل ،ريكاردوا
بحث دالة النمو من جانب مزيج عوامل اإلنتاج ،بفحص العالقة ما بين النمو
اإلقتصادي وبين نسب عوامل اإلنتاج "العمل ورأس المال واألرض" فيما ُيعرف
بقانون العوائد (تناقص ،تزايد) ،وبالتالي فإن نظرية الكالسيك في النمو
اإلقتصادي يمكن تلخيصها في أن نمو اإلنتاج القومي (العرض) يتحقق من
خالل التراكم الكمي والكيفي لرأس المال والعمل والذي سينمو معه الطلب بصورة
تلقائية في ظل سوق حر فيتحقق التوازن الذي ينمو معه اإلقتصاد القومي ،
اعتبر الكالسيك أن العنصر الفعال في خلق الثروة هو عنصر العمل وسبيل
تحقيقها هو هيكل اقتصادي يغلب عليه جانب التصنيع ،إال أن نظرية الكالسيك
وجه لها انتقاد بأنها تصب في صالح الرأسمالية الصناعية البرجوازية وال تهتم
بقضية عدالة التوزيع ،وكان من أبرز رواد ذلك التيار النقدي ماركس الذي اتفق
مع أطروحة الكالسيك من حيث الطبيعة المادية للثروة وعوامل خلقها (األرض
المقدس واألهمية النسبية لعنصر
والعمل ورأس المال) والتي أطلق عليها الثالوث ُ
العمل ،والتي زادها بتأكيده على أحقيتها بفائض القيمة ليعالج قضية التراكم من
منظور مختلف ،حيث تراكم فائض القيمة لدى عنصر العمل سيؤدي إلى تحول
الرأسمالي من الدور التمويلي إلى الدور التنظيمي باقتراض تلك الفوائد مقابل ثمن
الفائدة العادل ،وهو ما سيقود شومبيتر )Schumpeter( 1950 – 1883
362
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
للتأكيد الجوهري بكتابه "نظرية التطور اإلقتصادي" عام 1911على الفصل ما
بين التنظيم ورأس المال والعمل ،وزيادة التنظيم كعنصر رابع على عناصر
اإلنتاج الكالسيكية الثالثة األرض ورأس المال والعمل ،كما اعتبر أن المنظم
( )Entrepreneurهو العنصر الفعال في عملية اإلنتاج والنمو اإلقتصادي ،
بخالف النظرية الكالسيكية بفاعلية العمل (جالبريت ،2000 ،صفحة .)198
المنهجية الرياضية
مع تصاعد الكساد الكبير بثالثينات القرن العشرين وظهور كتابات كينز -
النظرية العامة -1936والتي دعا خاللها أنه حان الوقت للتخلي عن نبوءة
الكالسيك بتحقق التوازن في ظل سوق حر بشكل كامل والتي لم تتسق مع
معطيات الواقع ،وأنه لتحقيق نمو اقتصادي في سياق التوازن يجب التخلي عن
جزء من حرية السوق بتدخل الدولة اإلقتصادي لتعويض النقص في الطلب ورفع
مستوى الطلب الكلي لمستوى الطلب الفعال ،لقد قام كينز بمعالجة نظريته
معتمدا فيها على األساليب الرياضية ،لينقل بذلك العمل التحليل
ً بمنهجية قياسية
اإلقتصادي والبحث في نظرية النمو اإلقتصادي من مرحلة التحليل النظري إلى
مرحلة التحليل الرياضي والقياسي ،والتي يرتبط فيها البرهان بالنتائج الرقمية ،
وان كان التحليل اإلقتصادي القياسي تمتد جذوره لما قبل الثورة الكينزية ،حيث
استخدمه جماعة من اإلقتصاديين كـ "وليام بيتي" بالقرن السابع عشر و"شيفا"
بالقرن الثامن عشر ( )1770و"كورنو" بالقرن التاسع عشر ( )1828ثم رواد
المدرسة الحدية جيفونز ومنجر وفالراس بأواخر التاسع عشر (الجواري)2011 ،
،كما كان يستخدمه المعاصرون لكينز كشومبيتر خاصة بكتابه الدورات
اإلقتصادية ( )Business cyclesعام 1939والذي اعتبر فيه أن النمو
اإلقتصادي يحدث خالل قفزات متقطعة من النمو بينها فترات من الركود قصيرة
363
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
األجل (بخاري ، )2009 ،ولعل من أوائل النماذج الرياضية التي قُدمت لقياس
النمو اإلقتصادي النموذج الذي قدمه كالً من هنري هارود 1978 – 1900
( )Henry Roy Forbes Harrodوافسي دومار Evsey ( 1997 – 1914
)Domarعام 1947لقياس العالقة ما بين اإلستثمار والنمو والذي عرف
بنموذج هارود-دومار ( ، )Harrod-Domarحيث افترض النموذج أن
اإلستثمار يساوي اإلدخار وأن هناك معامل ثابت بين رأس المال واإلنتاج ،
بمعنى أن كل اضافة إلى رأس المال يقابلها زيادة في اإلنتاج بنسبة معينة
وبالتالي تم صياغة النموذج باعتبار أن النمو اإلقتصادي يساوي نسبة مقدار
الزيادة في اإلدخار إلى الدخل القومي على معامل رأس المال إلى الناتج ،والذي
كلما انخفض كلما ارتفعت اإلنتاجية والعكس ،وبذلك فإن معامل رأس المال ُيمثل
وبناء عليه فإن نمو اإلقتصاد بمقدار
ً مقياس إلنتاجية االستثمار أو رأس المال ،
%1يتحقق بمعدل ادخار بمقدار %3إذا كان معدل رأس المال إلى الناتج
يساوي 3وبالتالي فإذا كان معدل اإلدخار هو %1فعلى الدولة تعويض ذلك
النقص في المعدل المطلوب لنمو رأس المال من خالل التدفقات األجنبية
الرأسمالية المباشرة ،إال أن النموذج وجه له العديد من اإلنتقادات أبرزها أن
النموذج قد يتناسب مع الدول األوروبية لرفع معدالت النمو االقتصادي ،إال أنه
ال يتناسب مع دول العالم الثالث والتي تتضاءل فيها نسبة ما يوجه لالدخار ومن
ثم لإلستثمار ،فالدول النامية تعاني بشكل أساسي ومستمر من نقص معدالت
اإلدخار ،باإلضافة إلى اختالف معامل رأس المال إلى اإلنتاج بالدول المتخلفة
عن الدول النامية فضالً عن صعوبة تقديره بالدول المتخلفة ،كما أن فرضية
تعادل اإلدخار مع اإلستثمار أمر محل نظر (مصطفى و أحمد ،النماذج
الرياضية للتخطيط والتنمية االقتصادية ،1999 ،صفحة ، )20وفي عام 1949
قدم عالم اإلقتصاد الهولندي "بيتروس يوهانس فيردون" ( Petrus Johannes
364
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
عودة مرة أخرى إلى عام 1949وانتشار مصطلح التنمية مع خطاب الرئيس
األمريكي الثالث والثالثين "هاري ترومان" والذي اتجه معه الفكر اإلقتصادي
لتكثيف البحث حول موضوع التنمية والتي كانت تعني تحقق نمو سريع تتحول
معه الدول النامية من وضع التخلف إلى وضع التقدم ،حيث عرفتها األمم
المتحدة عام 1955بأنها "العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه اقتصاديا
واجتماعيا اعتمادا على اشتراك المجتمع المحلي ومبادأته" (مركز شمس،
، )2005لقد كانت القاعدة النظرية للنمو اإلقتصادي والتي تشكلت بالنصف
365
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
األول من القرن العشرين األساس الذي انطلقت منه نظرية الخمسينات ،حيث
ظلت العالقة ما بين النمو والهيكلية اإلنتاجية التي يغلب عليها التصنيع ،والتي
أكدها كالً من آرثر لويس 1954وكوزنتز 1955بالتحوالت الهيكلية (نصر ر،.
،2010صفحة ، )3كما ظلت إضافة كينز المتعلقة بارتباط النمو بالهيكل
المؤسسي الذي تتداخل فيه الدولة بدورها التعويضي ،إال أن البعد الهيكلي
الجديد ظهر مع أقطاب النمو لفرنسوا بيرو 1950فيما ُيعرف بالهيكلية المكانية
التي تبحث العالقة ما بين النمو والتوزيع المكاني لمراكز التنمية (عبد العال،
.)2012
أما فيما يتعلق بفاعلية عوامل اإلنتاج فقد تحولت النظرية من فعالية عنصر
التنظيم إلى فاعلية عوامل جديدة تم الكشف عنها بتلك المرحلة ،حيث اتسمت
مرحلة الخمسينات بالكشف عن عدة عوامل إنتاج جديدة لم تكن ُمكتشفة من قبل
ظهرت كنتيجة لتكثيف البحث حول موضوع النمو اإلقتصادي من جانب
عالقات اإلنتاج ،اتسمت تلك العوامل في ُمجملها بالمعنوية واشكالية التوزيع ،
كرأس المال التكنولوجي (التكنولوجيا) ،ورأس المال الثقافي (القيم) ،ورأس المال
السياسي والتشريعي والجهاز اإلداري الحكومي باإلضافة درجة اإلنفتاح
والعالقات الدولية (اإلنفتاح) (الدولة أو الحكومة) ( ،السعيد و وآخرون،1975 ،
الصفحات ، )52-48ورأس المال الفكري (المعلومات والخبرات) ،ورأس المال
اإلجتماعي (كالصورة اإليجابية وثقة العمالء والموردين) ،لقد اتجه الفكر
اإلقتصادي بالخمسينات لفك تكتل العوامل المعنوية الالمتجانسة (كالقيم عن
عنصر العمل -والدولة عن التنظيم – والتكنولوجيا عن رأس المال) بهدف
الوصول إلى قياسات أكثر دقة حول أثرها اإلنتاجي وضبط معدالت اإلنتاجية
المستهدفة ،إال أن اإلشكالية التي تعلقت بتلك العناصر هي عالقة التوزيع الغير
منيا
مباشرة ،فعوائد التكنولوجيا نظير ما تضيفه من قيمة بعملية اإلنتاج تنتقل ض ً
366
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
ضمن عوائد عنصر رأس المال باعتبار التكنولوجيا عنصر ضمني برأس المال
،أما عوائد ُعنصر القيم المجتمعية فتنتقل إلى المجتمع من جانب العرض
كفوائض أو وفورات إنتاج ،ومن جانب الطلب كفوائض أو وفورات إستهالك ،
لكون القيم والثقافات كائن معنوي ضمني بالمجتمع الكلي.
لقد ظهرت تلك العوامل الجديدة في سياق البحث من جانب العرض عن
العالقات التي من شأنها تسريع عملية اإلنتاج وتحقيق النمو السريع ،ولعل من
أوائل عوامل اإلنتاج المعنوية التي تم الكشف عنها بحقبة الخمسينات عامل رأس
المال السيكولوجي ،وذلك من خالل مجموعة من علماء النفس واإلجتماع
األمريكان بفحص العالقة ما بين القيم المجتمعية واإلنتاجية ،فتبين عالقة
إيجابية قوية بينها وبين معدالت اإلنتاج والنمو اإلقتصادي ،حيث ظهرت نظرية
بدائل بارسونز عام ، 1951ومجتمع اإلنجاز لماكليالند عام ، 1953والثنائية
اإلجتماعية لبوريك عام ، 1953ونمط الشخصية لهايجن عام ، 1957والثقافة
العلمانية لدانيال ليرنر عام ، 1958ويشير ذلك اإلتجاه في مجموعه إلى كون
القيم عامل إنتاج مستقل يتسم بالفاعلية اإلنتاجية ،بل اعتبرته المدرسة
السيكولوجية أبرز عوامل اإلنتاج فاعلية في عملية النمو اإلقتصادي لكونه
الموجه األساسي للعنصر البشري بعمومه ،ولقد ظهرت تلك النظرية بوضوح في
تعريف األمم المتحدة للتنمية عام ( )1956بأنها "العمليات التى بمقتضاها توجه
الجهود لكل من األهالى والحكومة بتحسين األحوال االقتصادية واالجتماعية
والثقافية فى المجتمعات المحلية لمساعدتها على االندماج فى حياة األمم
واإلسهام فى تقدمها بأفضل ما يمكن" (مركز شمس ، )2005 ،حيث ركز
التعريف على تحسين العوامل االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
367
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وفي عام 1956قدم سولو نموذج قياسي أثبت من خالله عالقة قوية ما بين
التكنولوجيا كعامل إنتاج مستقل وما بين النمو اإلقتصادي ،بل واعتبر العامل
التقني هو العامل الحاسم في النمو اإلقتصادي وتحقيق التنمية ،إال أنه لم
يتمكن من تحديد المتغيرات التي تضبط ذلك العامل واعتبرها ترتبط بعوامل
خارجية ،لكون التكنولوجيا ال ترتبط ببلد المنشأ بخالف األرض وحجم العمالة
المحلية ورأس المال المتوطن ،فالتكنولوجيا والمعرفة الحديثة تنشأ بدولة وتنتقل
بنفس الوقت إلى العالم بأكمله فهي ناتج وميراث إنساني ُمشترك ،ولذلك عرفت
نظريته بنظرية النمو الخارجي ،وفي عام 1986قدم رومر نموذج حاول من
خالله ربط التكنولوجيا بمتغيرات داخلية عرف بنظرية النمو الداخلي ،والذي
حاول من خالله تعديل دالة سولو للنمو اإلقتصادي.
وفي عام 1959قدم مارتن ليبست نظرية الديموقراطية والتنمية والتي اثبت من
خاللها العالقة ما بين الديموقراطية والتنمية اإلقتصادية ،وان كان البحث حول
تلك العالقة يمتد لفترات سابقة حيث قدم ميردال عام 1930بحث حول نفس
الموضوع ،إال أن مرحلة تواتر تلك الدراسات ارتبطت بشكل أساسي بفترة
التسعينات ،حيث تواترت بتلك الفترة الدراسات التي تؤكد العالقة ما بين الحكم
الجيد بمفهومه الواسع (الحكومة أو الدولة) وليس الديموقراطية فقط بمفهومها
الضيق وما بين النمو اإلقتصادي ،كدراسات كلود أكي ودانيال كوفمان وسيريل
أنيلي ،..فالعديد من الدول التي ال تتبنى أنظمة ديموقراطية استطاعت تحقيق
معدالت نمو جيدة وان كان النمو اإلقتصادي يرتبط بأداء الدولة بمفهومه العام.
محصلة الخمسينات
لقد كانت قضية دخل العمل من القضايا البارزة بالفكر اإلقتصادي بعمقه
التاريخي ،وان كان تبلور مالمحلها النظرية ارتبط بأعمال الكالسيك والتي مالت
368
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
إلى التشاؤمية ،والتي عرفت بنظرية حتمية أجر الكفاف للعمل غير الماهر
باإلقتصاد في ظل سوق حر بأي مجتمع سواء أكان مجتمع غني "تتركز به
رؤوس األموال" أو غير غني ،فكانت تلك اإلشكالية هي التحدي األكبر الذي
الحقبة الكالسيكية دون أن تجد حالً له ،ففي ظل أي سوق ُحر سيتحدد
انتهت ُ
أجر العمل غير الماهر -أو العمل الذي يمكن اكتساب مهارته بسهولة -بحد
الكفاف المجتمعي ،وهو القدر من الدخل الذي يكفي بالكاد إلشباع الحاجات
الضرورية واألساسية المتعلقة بذلك المجتمع ،لقد انطلق الكالسيك في سبيل
عالجهم لتلك اإلشكالية وتنمية اإلنتاجية ورفع الدخل من مدخل عنصر العمل
نفسه ،فطالما أن أجر الكفاف يرتبط بالمستوى المهاري المنخفض فإن سبيل
رفع األجر على ذلك الحد هو تنمية مهارة العمل والتي تتم من خالل التخصص
وتقسيم العمل ،إال أن نتائجهم النهائية مالت إلى التشاؤمية ،فمع تحقق
الفوائض لدى عنصر العمل وتحسن أحوالهم المعيشية سيزداد حجم العمل مرة
أخرى فيزداد العرض المهاري فتتغير مفهوم المهارية وينخفض مع ذلك العرض
الطلب فتنخفض األجور مرة أخرى إلى حد الكفاف ،إلى أن طرح شومبيتر
مدخل التنظيم لعالج تلك اإلشكالية برفع الطلب على العمل ،فما الفائدة حتى
من عمل ماهر ال يجد اإلطار المؤسسي الجيد الذي يمكن من خالله توظيف
مهارته الخاصة على الوجه األمثل فترتفع اإلنتاجية ويرتفع الدخل؟ ،إن عنصر
التنظيم وتوفير اإلطار المؤسسي الجيد هو العنصر المحوري في رفع مستوى
الطلب على العمل وتوظيف العمل الماهر ورفع مهارة العمل غير الماهر بشكل
مقتصر فقط على توظيف
ًا عام ومن ثم زيادة اإلنتاجية والدخل ،وليس األمر
عنصر العمل وحسب وانما يتعلق بتوظيف كافة عناصر اإلنتاج ،إن األمر
يبدوا جيدا على مثل هذا النحو فمع ارتقاء عنصر التنظيم سترتقي مهارة عنصر
العمل وترتفع إنتاجيته وانتاجية سائر عوامل اإلنتاج ،إال أن ذلك ال يفسر إرتفاع
369
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
370
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وبناء عليه فقد أضاف شومبيتر إلى الثالوث المقدس عنصر التنظيم وأضافت
ً
نظرية الخمسينات عدة عوامل جديدة وهي التكنولوجيا والقيم والحكومة ورأس
المال البشري ،ثم رأس المال اإلجتماعي بالسبعينات ورأس المال التنظيمي
بالثمانينات ورأس المال الفكري بالتسعينات ،إال أن أغلب النماذج التي تمت
صياغتها وفق تلك النظريات كانت تتناول النمو اإلقتصادي بعمومه ،كيف
يمكن أن يحدث نمو لمتوسط الدخل القومي بشكل عام -وبغير اإللتفات لطريقة
توزيع الدخل -وليس نمو لمتوسط الدخل القومي الذي يحدث من خالل نمو
دخول الطبقات الفقيرة والمتوسطة ،فمع تحسين المستوى التكنولوجي وجودة
الحكم وارتقاء الثقافة من الممكن أن يحدث النمو القومي ولكن من خالل نمو
اء ،وتظل دخول الطبقات الفقيرة تتحدد مع المستوى الجديد
الطبقات األكثر ثر ً
للكفاف وان ارتفع دخلها الحقيقي ،أو تعجز بشكل متواصل عن اإلدخار والنمو
371
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
لتتسرب فوائضها بشكل أو بآخر إلى الرأسمالية المحلية أو األجنبية وهو مالم
تقصده نظرية التنمية ببحثها عوامل النمو ،فهي تبحث باألساس النمو
اإلقتصادي الذي يتحقق من خالل نمو الطبقات الفقيرة والمتوسطة مع تعزيز
قدراتها على النمو اإلقتصادي في المستقبل ،وارتقاء مستوياتها المعيشية لمحاكاة
األوضاع المعيشية بالدول المتقدمة وتحقيق الرفاهية المجتمعية وهو ما ستعود
لتأكيده والنص عليه بالستينات.
وبالتزامن مع ذلك اإلتجاه الذي عمل على فحص عوامل النمو من الجانب
اإلنتاجي ظهر اتجاه آخر -الخمسينات -عمل على فحص عوامل النمو من
جانب التوزيع ،وذلك بفحص أثر عالقات التوزيع على النمو اإلقتصادي ُعرف
باتجاه الثورة على التبعية ،لقد أكد ذلك اإلتجاه على أن سبب تخلف النمو
بالدول النامية وتسارع معدالت النمو بالدول المتقدمة هو اختالل عالقات التوزيع
ما بين تلك الدول والتي تعمل على استنزاف فوائض الدول النامية وتراكمها
بجانب الدول المتقدمة ،وذلك بصياغة عالقات دولية تجعل من الدول النامية
تابعة باستمرار للدول المتقدمة لتواصل تلك العالقات الالمتكافئة ،لقد ظهرت
التبعية الكالسيكية عام 1949مع بحثي سينجر وبريبش بتطوير عالقة
األطراف والمركز إلمبرالية لينين عام ، 1917وفي عام 1957ظهرت "التبعية
النيوماركسية" مع األوكراني بول باران والذي اعتبر أن التخلف هو نتاج
الرأسمالية نفسها ،ودعا إلى تبني سياسات التخطيط اإلقتصادي الشامل.
372
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أسفرت تجربة الخمسينات عن تحقق معدالت نمو قومية جيدة بالدول النامية
(كان متوسطه يدور حول 4.5بالمائة سنويا) وانتعاشا في حركة تراكم رأس
المال ،و انخفضت معدالت التضخم ولم تزد عن ، %3وبشكل عام تمت
السيطرة على الدورات االقتصادية فأصبحت أقصر أمدا وأقل حدة (محمد،
،2006صفحة )13وبالرغم من ذلك فإن األوضاع المجتمعية ظلت متدهورة
لسوء التوزع ،وظلت شرائح واسعة من تلك المجتمعات تعاني من الفقر والبطالة
،مما دعا إلى مزيد من األبحاث التي حاولت الكشف عن العالقة ما بين
معدالت النمو وبين عدالة التوزيع في المراحل المختلفة لعملية التنمية ،كان من
أبرز تلك الدراسات الدراسة التي قدمها سيمون كوزنتس 1985 – 1901
( )Simon Smith Kuznetsعام 1955والتي عرفت بأطروحة كوزنتز في
العالقة ما بين التنمية وعدم عدالة التوزيع والشهيرة بمنحنى كوزنتس ( Kuznets
، )curveوالتي أثبت خاللها أنه في المراحل األولى من التنمية بالدول النامية
تكون العالقة طردية ما بين النمو اإلقتصادي وما بين عدم عدالة التوزيع ،أي
كلما ازداد النمو اإلقتصادي كلما ازداد عدم عدالة التوزيع (والتفاوت ما بين
الطبقات) وذلك إلى أن تصل عدم الدالة إلى نهاية عظمى عند مستوى الدخل
المتوسط تبدأ بعدها عدم عدالة التوزيع في اإلنخفاض مع زيادة الدخل (ميلـود،
،2014صفحة ، )13أي أن كوزنتس أراد أن يثبت أن عدم عدالة التوزيع
واستمرار حالة الفقر التي شهدتها الدول النامية بالرغم من النمو اإلقتصادي كان
هو وضع طبيعي في المراحل األولى للتنمية بالدول النامية ،وأن ذلك الوضع
سرعان ما سيختفي في المراحل المتقدمة للتنمية بهذه الدول ويميل نحو العدالة
باستمرار الدخل في النمو طويل األجل ،وبالرغم من شهرة منحنى كوزنتس إال
373
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أنه تعرض للعديد من اإلنتقادات وضعف استنادها على الدالئل التجريبية ،كما
أن التجربة المعاصرة للدول الغنية األوروبية مرتفعة الدخل والتي التزال تعاني
بشكل كبير من عدم عدالة التوزيع يجعل من فرضيته محل نظر.
التنمية باألساس تهدف إلى إلغاء تفاوت مستويات الدخل (فجوة الفقر) ما بين
الطبقات الفقيرة والغنية سواء على المستوى الفردي أو القومي ،فمنذ استخدام
المصطلح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ،كان المصطلح يشير بشكل
رئيسي إلى العملية التي يمكن من خاللها نمو سريع للدخل القومي بهدف زيادة
متوسط الدخل الفردي بالدول النامية بما يتقارب مع متوسط الدخل الفردي بالدول
المتقدمة ،فهي تهدف باألساس إلى التقارب ما بين مستويات الدخول والغاء
فجوة الفقر ،ولذلك فعندما يحدث النمو القومي بنمو دخول الطبقات الغنية
الصغيرة بالدول النامية فيرتفع متوسط الدخل الفردي ففي الحقيقة لم تحدث سوى
تنمية إسمية ،ألنه لم يرتفع متوسط دخل الفرد في الحقيقة ،وانما تم افتراض
374
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
إسميا تحميالً على اإلرتفاع الذي الحدث في دخل نسبة محدودة هي
ً ارتفاعه
اء ،
األكثر ثر ً
وبذلك انتقل الفكر اإلقتصادي بالستينات من بحث عوامل تسريع النمو
اإلقتصادي القومي (كمرادف للتنمية) إلى بحث عوامل تحقيق ذلك النمو
اإلقتصادي القومي من خالل نمو دخول الطبقات الفقيرة والمتوسطة –وليس من
خالل نمو دخول الطبقات الغنية باألساس -بهدف إلغاء الفقر وتضييق الفجوة
بين األغنياء والفقراء وتوسيع فرص العمل ،أي النمو الموجه لصالح الطبقات
ومردودا ،وأصبح التساؤل الرئيسي هو كيف يمكن أن
ً محدودة الدخل مساهمةً
يتحقق ذلك النمو السريع من خالل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بحيث تكون هي
الفاعل األساسي والمستفيد األكبر من ذلك النمو؟ ،إن اإلشكالية التي واجهت
الفكر اإلقتصادي هي كيف يمكن أن يحدث ذلك الهدف في ظل محدودية
القدرات الرأسمالية لتلك الطبقات وباإلضافة إلى ضعف القدرات التمويلية
والرأسمالية لتلك الدول؟ ،ومنذ تلك الفترة واتجهت البوصلة اإلقتصادية من النمو
اإلقتصادي السريع إلى النمو الذي يتحقق معه عدالة التوزيع والرفاهية المجتمعية
،وتوجهت سياسات النمو اإلقتصادي بالدول النامية من أجل تحقيق ذلك الهدف
إلى ا تجاه سياسات المعونات والقروض الخارجية والتجارة الدولية ،وذلك بهدف
توجيه النمو اإلقتصادي لصالح الطبقات محدودة الدخل (حمدان،2012 ،
صفحة .)11
ووفقا لذلك التوجه اإلجتماعي للتنمية فقد عرفها المؤتمر العلمى السنوى الثانى
لالقتصاديين المصريين على أنها "انبثاق ونمو كل اإلمكانيات والطاقات الكامنة
في كيان معين بشكل كامل وشامل ومتوازن سواء كان هذا الكيان فردا أو جماعة أو
مجتمعا" (شلبي ث ،1999 ،.صفحة ُ )15يشير هذا التعريف إلى أن التنمية
375
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
هي حالة التشغيل الكامل والذي يعتمد على دفعة قوية تنبع من الداخل موجهة
للداخل إلحداث نمو متوازن ،ولذلك فنظرية هذا التعريف ال تتبنى اإلتجاه غير
المتوازن في التنمية ،كما ُيشير إلى أن التنمية عملية ارتقاء ديناميكية مستمرة
(ليست حالة ثابتة أو جامدة) تنبع من قيم المجتمع للتطوير مع تحقيق المشاركة
والرضا األمثل لكافة األطراف ،كي تكون معززة بقوى من داخل المجتمع تريد
النهوض به ،وتتشارك عملية التنمية داخل إطار مؤسسي يحظى بالقبول العام
ويسمح باستمرار التنمية ،لذلك فإنه من الصعب تصور تنمية إقتصادية مع
وجود تخلف إداري أو سياسي أو اجتماعي أوثقافي ،بينما أشار إليها آخرون
إلى أنها "عملية معقدة شاملة تضم في جوانبها الحياة االقتصادية والسياسية
واالجتماعية والثقافية والفكرية (أبو خيران ،2011 ،صفحة ، )19و قد علق
جامع ( )2010على هذا التعريف بأنه يركز على قضية العدالة وتفجير الطاقات
البشرية الكامنة لدى أفراد المجتمع من خالل الالمركزية والحد من المركزية
الحكومية الطاغية ،ويصاحب هذا التعريف شرطان أساسيان األول إزاحة كل
العوائق التي تحول دون انبثاق اإلمكانيات الذاتية الكامنة داخل الكيان المعين ،
والشرط الثاني هو توفير الترتيبات المؤسسية التي تساعد على نمو هذه
اإلمكانيات الذاتية إلى حدودها المثلى ،وقد عرف جامع التنمية بأنها "حركة
التغيير االرتقائي الجذري المستمر المخطط في بناء ومهام األجهزة أو النظم
االقتصادية واالجتماعية والسياسية والثقافية ،وذلك من خالل مركب األنشطة
التنموية المتناسقة والمتكاملة والشاملة والمتوازنة حكوميا وأهليا ،والذي يتمثل في
االستغالل األمثل للموارد الطبيعية والمادية والبشرية دون إخالل بالتوازن البيئي
لتحقيق العدالة (جامع ،علم اإلجتماع الريفي والتنمية الريفية.)2010 ،
376
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
لقد تغيرت خريطة العالقات اإلقتصادية الدولية عقب إنتهاء الحرب العالمية
الثانية ،والتي بدأت بمرحلة التخلص من اإلستعمار الكولونيالي (من 1945إلى
المستعمرة ،وبنهاية
)1960والذي كان يتحكم بأدوات السلطة باألسواق ُ
الخمسينات كانت أغلب دول العالم الثالث قد نالت استقاللها وسارت في طريق
التنمية ،إال أن تجربة الخمسينات –بالنسبة للدول التي قد نالت استقاللها -لم
تُسفر عن تحسن ُيذكر فيما يتعلق باألوضاع المجتمعية بالرغم من معدالت
النمو التي شهدتها تلك الدول ،وقد فسرت التبعية ذلك اإلخفاق بأن دول العالم
الثالث لم تتحرر بشكل حقيقي عالقات استنزاف فوائضها ،وانتقلت من مرحلة
بدء
الحر ،واستمرت التبعية ً
التحكم العسكري إلى مرحلة التحكم بأدوات السوق ُ
من عقد التنمية األول (الستينات) في التأكيد على ضرورة إعادة صياغة
العالقات الدولية بشكل أكثر عدالة طالما كان المجتمع الدولي يهدف إلى حل
مشكلة الدول النامية بشكل جاد ،ففي عام 1965ظهر بحث مشترك لكاردوسو
–رئيس الب ارزيل الحقاً -والتشيلي فاليتو قدم التبعية في إطار وظيفي كمجموعة
من األنساق التي تؤدي إلى العالقات الالمتكافئة ،وفي عام 1968دعا غوندر
فرانك إلى قطع الدول النامية عالقاتها بالشركات الدولية ومتعددة القوميات والتي
تمثل الرأسمالية العالمية والتي تعمل على استنزاف فوائض تلك الدول تعبئته
خارج المحل القومي ومن ثم وتواصل تخلفها اإلقتصادي فيما أطلق عليه بـ
(تنمية التخلف) ،وبالسبعينات برزت إضافات المصريان سمير أمين ()1973
وفؤاد مرسي ( )1990 ، 1984 ، 1974لتؤكد تحول التبعية إلى أشكال جديدة
تستمر معها العالقات الالمتكافئة واستنزاف فوائض الدول النامية وضرورة
التخطيط لتعديل مسار تلك العالقات.
377
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أيضا -السبعينات -شهدت ظهور تيار جديد -بدول الشمال- إال أن تلك الفترة ً
مضاد للثورة على التبعية وهو تيار اإلنفتاح ،فإذا كانت التبعية تدعو إلى
الحماية والتخطيط فإن نظرية اإلنفتاح على العكس من ذلك ،جاءت لتؤكد على
حرية األسواق والعالقة ما بين النمو اإلقتصادي واإلنفتاح وتحرير العالقات
اإلقتصادية الداخلية والخارجية ،كدراسة الكندي ماكينون ( Ronald Ian
)1973( )McKinnonواألمريكي إدوارد شو ()1973( )Edward Shaw
(السواعي ،2015 ،صفحة )19واألمريكي شيرمان ربنسون ( Sherman
)Robinsonواليابانية ميكو نيشميزو –والتي عملت كنائب لرئيس البنك الدولي
حتى عام ، )1984( )Mieko Nishimizu( -2003والمجري بيال بالشا
( )1985( )Béla Balassaواألمريكي هوليس تشينري ( Hollis Burnley
)1986( )Cheneryواألمريكي هوارد وباك ()Howard Meade Pack
( )1988وغيرها من الدراسات (طالب ،2015 ،صفحة .)139
لقد كانت الترجمة الواقعية لتلك األدبيات ما عاصره المجتمع الدولي خالل فترة
الستينات والسبعينات من محاوالت إجراء حوار بين الشمال والجنوب لإلتفاق
على صياغة مشتركة لنظام عالمي جديد ،إال أن تلك المحاوالت لم تُسفر في
الحقيقة عن أية نتائج جوهرية ،لقد بدأت تلك المحاوالت مع الدورة السادسة
عشرة لألمم المتحدة والتي أعلنت جمعيتها العامة بالجلسة المنعقدة في (19
ديسمبر )1961مبدأ العمل على إقامة برنامج تعاوني اقتصادي دولي يأخذ
التطور االقتصادي باتجاه النمو الذاتي
ّ بعين االعتبار ضرورة تسريع
لإلقتصادات النامية ،كما طالبت الدول األعضاء بتسهيل إمكانية بيع سلع دول
مستقرة ،وفي عام 1964انعقد بجنيف مؤتمر األمم
ّ العالم النامي بأسعار
المتحدة األول للتجارة والتنمية أو ما يعرف بمنظمة األونكتاد ()UNCTAD
كهيئة حكومية دائمة معنية بمناقشة قضايا التنمية والتخلف وموالية للدول النامية
378
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
،لذلك كانت أهم القررات المؤيدة للدول النامية إنما تمت برعاية "األونكتاد" التي
عادة ما تعرف بمنظمة معاكسة التجاه منظمة "الجات" المدافعة عن مصالح
الدول الغنية ،وقد أقرت األونكتاد في دورتها األولى مبادئ العالقات التجارية
الدولية ( 15مبدأ عام و 13مبدأ متخصص) ،وفي عام 1968انعقد مؤتمر
األونكتاد الثاني لدعم مقررات المؤتمر األول.
379
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
والذي يرتفع سنويا بمتوسط أعلى من ، %2فهل هذه النسبة فعالً قادرة على
تضييق الفجوة بين العالمين؟.
بحلول السبعينات بدأ الحوار ما بين الدول المتقدمة والنامية أو ما بين دول
الشمال والجنوب ينتقل إلى مرحلة جديدة أكثر جدية ومواجهة ،فمع صدمة
نيكسون عام 1971وانهيار نظام بريتون وودز ،ومناقشة األونكتاد الثالث عام
1972للعالقات االقتصادية الدولية ومسألة التراكم وتمويل التنمية والحد من
تسرب رؤس األموال من الدول النامية ،والثورة النفطية األولى عام ، 1973
أدت تلك األحداث إلى انتقال الحوار حول إقامة نظام اقتصادي دولي جديد إلى
مرحلة أكثر مواجهة تحت شعار حوار الشمال والجنوب ،والتي بدأت مع وزير
الخارجية الفرنسي ميشال جوبير في حكومة الرئيس جورج بومبيدو (- 1969
)1974بدعوة إلى الحوار العربي األوروبي عقب حرب ، 1973ثم إعالن
الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان ( )1981 - 1974الدعوة للحوار بين
الشمال والجنوب عام ، 1974وهو نفس العام ( )1974الذي شهد إعالن
الجمعية العامة لألمم المتحدة في دورتها التاسعة والعشرين حول العمل على
إقامة نظام عالمي على أساس من العدالة والمساواة "نحن نعلن عن ق اررنا بالعمل
على إقامة النظام العالمي على أساس من العدالة والمساواة والتكامل والمنفعة
المشتركة والتعاون بين جميع الدول" ،وفي عام 1975انعقد مؤتمر "الحوار بين
الشمال والجنوب" بباريس -خارج أروقة األمم المتحدة -بدعوة الرئيس الفرنسي
جيسكار ديستان (– )1974وعدم استحسان من الواليات المتحدة -وبحضور
سبع وعشرين دولة ممثلة على المستوى الوزاري من الجانبين (الشمال والجنوب)
تشكلت من ( 8دول من منظمة التعاون االقتصادي االوروبي ،و 6دول من
أميركا الالتينية ،و 6دول من آسيا ،و 7دول من افريقيا) بهدف اإلتفاق على
إقرار نظام إقتصادي عالمي يقوم على أساس من العدالة والمساواة والتكامل ،
380
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وقد إستمرت المناقشات نحو عامين تمسك خاللها كل طرف بمواقفه الثابتة
والمتعارضة مع الطرف اآلخر وانتهت المناقشات إلى طريق مسدود ،وانعقد
المؤتمر الوزاري الختامي ( 30مايو و 2يونيو من عام )1977الذي تضمن
أن األطراف المجتمعة لم تتوصل إلى أي اتفاق حول عدد من بيانه الختامي ّ
األمور واإلجراءات (كتحديد األسعار وتثبيت القوة الشرائية لموارد تصدير الطاقة،
والتراكمات النفطية ،والمساعدات المالية المتعلقة بحل مشاكل المدفوعات
الخارجية للبالد المستوردة للنفط وحول متابعة المشاورات والتبادل التجاري ولم
يتوصل المؤتمر إلى أي اتفاق حول تسوية المشكالت المتعلقة بمديونية الدول
صنعة ،باإلضافة إلى أوضاع الشركات
الم ّ
النامية ،والدخول إلى أسواق الدول ُ
المتعددة الجنسية) ،ولعل السبب في فشل مفاوضات الشمال والجنوب كان
غياب التكافؤ والتماثل في القدرات.
وفي عام 1979شهد العالم الصدمة النفطية الثانية ،والتي حركت قضية حوار
الشمال والجنوب من جديد لتتم مناقشتها هذه المرة داخل أروقة األمم المتحدة ،
كما ناقشها المؤتمر الخامس لألونكتاد ( )1979والمنعقد في مانيال بالفيليبين ،
كما عقدت مجموعة الـ( 77الدول النامية باألمم المتحدة) بعام 1982مؤتمر
كراكاس (فنزويال) لوضع برنامج "التعاون اإلقتصادي للدول النامية" ،وبالرغم
من أنها نجحت في التجمع حول هدف إقامة نظام عالمي جديد وصياغة برنامج
تعاوني ،إال أنها لم تنجح في دفع الشمال لإلستجابة لهذه المطالب واألهداف ،
لقد تزامنت تلك اإلخفاقات حول إيجاد صيغة اتفاق مشترك بين الشمال والجنوب
مع أزمة الديون الخارجية للدول النامية بعام 1982واعالن بعض الدول النامية
عدم قدرتها على دفع تلك الديون ،والتي صاحبها عدة ضغوط وتدخالت
سياسية مما دى إلى عرقلة المفاوضات مرة أخرى ،وتواصلت حالة التخلف
بالدول النامية والتي فسرتها التبعية بالعالقات الالمتكافئة ،بينما فسرها السوق
381
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
الحر بالتدخل المفرط للحكومة في اإلقتصاد ،والتي أكدت على ضرورة تحرير
األسواق واتباع سياسة الخصخصة لتنمية الدول المتخلفة.
مرة أخرى تعود األرض على طاولة المناقشات التنموية بعد غياب استمر قرنين
من الزمان ،وذلك بسبعينات القرن العشرين بعد غيابها مع الفكر الطبيعي منذ
سبعينات القرن الثامن عشر والذي اعتبرها محور النمو اإلقتصادي ،وبالرغم
من أن التوجه العام واحد وهو أهمية عنصر األرض ودورها المحوري في عملية
اإلنتاج ،إال أن العودة هاهنا لم تأخذ نفس نظرية الفكر الطبيعي من حيث
اإلنتاج القائم على إستغالل األرض ،وانما اإلنتاج القائم على المحافظة على
األرض ،لقد ظلت األرض خالل تلك الفترة تحتل حيز ضيقًا من المناقشات
التنموية مقابل صدارة تثمير رأس المال الصناعي والبشري ،والذي صاحبه
توسع في عمليات التصنيع واستغالل الموارد الطبيعية ،مما أدى إلى تدهور تلك
الموارد واثارة مخاوف تتعلق بمدى القدرة على تواصل عملية التنمية في حالة
تدهور األرض ،وكان التساؤل الرئيسي الذي أثار تحركات المجتمع الدولي هل
من الممكن أن تتواصل عملية التنمية إذا تبددت موارد األرض؟ ،لقد بدأ العالم
مرور بالسبعينات أهمية البيئة الطبيعية ،وأن دولة الرفاه
بدء من الستينات ًا
يدرك ً
التي كان يستهدفها بإطالق وبغير اكتراث بالبيئة الطبيعية يجب أن تتقيد بالحدود
التي يتم معها المحافظة على البيئة وصيانتها واستمرارها ،وبذلك انتقل مفهوم
التنمية من الرفاهية المجتمعية إلى مفهوم الرفاهية المجتمعية التي تتحقق مع
المحافظة المتواصلة على البيئة الطبيعية بل والعمل على صيانتها وتحسينها فيما
ُيعرف بـ (التواصل البيئي).
382
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
ولعل أول ظهور بالقرن العشرين لفكرة االهتمام بدور البيئة في عمليات التنمية
كان عندما أنشئ نادي روما سنة ( ، )1968والذي ضم عدد من العلماء
والمفكرين واالقتصاديين وكذا رجال أعمال من مختلف أنحاء العالم ،دعى هذا
النادي الى ضرورة إجراء أبحاث تخص مجاالت التطور العلمي لتحديد حدود
النمو في الدول المتقدمة ،وفي سنة ( )1972نشر نادي روما تقري ار مفصال
حول تطور المجتمع البشري وعالقة ذلك باستغالل الموارد االقتصادية ،
وتوقعات ذلك حتى سنة ( ، )2100ولعل من أهم نتائجه ،هو أنه تنبأ بحدوث
خلال بيئياً خالل القرن الواحد والعشرين بسبب التلوث واستتراف الموارد الطبيعية
وتعرية التربة وغيرها (عمار ، )2008 ،وفي نفس العام ( )1972انعقدت قمة
األمم المتحدة حول البيئة في ستوكهولم ،والتي أكدت على على ضرورة أن
يكون للدول النامية األولوية في التنمية إذا أريد تحسين البيئة وتفادي التعدي
عليها ،وبالتالي ضرورة تضييق الفجوة ما بين الدول الغنية والفقيرة.
وبأواخر السبعينات وبداية الثمانينات طغت على المناقشة نظريات تنموية أكثر
عمقا وشموال بالنسبة للنمو والتنمية اإلقتصادية وأثرها على المسائل االجتماعية
والبيئية ،مثل الفقر والتوزيع ضمن الجوانب االجتماعية ،ونضوب الموارد
االقتصادية والتلوث ضمن الجوانب البيئية ،وفي عام ( )1980ظهر أول
مصطلح يدمج البعد البيئي بعملية التنمية وهو مصطلح "التنمية المستدامة"
( )Sustainable developmentبتقرير لناشطين بجمعية "الصندوق العالمي
للحياة البرية" ( ، )world wildlife fundوقد ترجم المصطلح إلى العربية بعدة
مسميات كالتنمية القابلة لإلدامة ،لالستمرار ،الموصولة ،المطردة ،المتواصلة
،البيئية ،المحتملة ،والمسئولة ،وغيرها ،..وفي ( 28اكتوبر )1982أقرت
الجمعية العامة لألمم المتحدة الميثاق العالمي للطبيعة والذي كان يهدف الى
توجيه وتقويم أي نشاط بشري من شانه التأثير على الطبيعة ،والزام األخذ بعين
383
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
االعتبار النظام الطبيعي عند وضع الخطط التنموية ،وفي عام 1987ظهر
مصطلح "التنمية المستدامة" ( )Sustainable developmentبشكل رسمي
ألول من خالل تقرير أصدرته الجنة الدولية للبيئة والتنمية التابعة لألمم المتحدة
برئاسة رئيسة وزراء النرويج "غرو هارلم برونتالند" ( Gro Harlem
)Bruntlandبعنوان "مستقبلنا المشترك" ،ولذلك فهو يعرف بتقرير اللجنة
الدولية للبيئة والتنمية أو تقرير "بورنتالند" ،وقد أظهر التقرير فصال كامال عن
التنمية المستدامة ،وتم بلورة تعريف دقيق لها للتعبير عن السعي لتحقيق نوع
من العدالة والمساواة بين األجيال الحالية والمستقبلية ،وقد عرف التقرير التنمية
المستدامة بأنها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون اإلخالل بقدرة
األجيال القادمة على تلبية احتياجاتها" (عمار.)2008 ،
وفي عام ( )1992وبعد عشرون عاماً من مؤتمر البيئة األول باستوكهولم قامت
األمم المتحدة بمشاركة 172دولة بعقد مؤتمر عالمي بشأن البيئة والتنمية
United Nations Conference on Environment and (
)Developmentفي ريو دي جانيرو -الب ارزيل -فيما يعرف بقمة ريو أو قمة
األرض ( ، )Earth Summitوالذي يعد الحدث األضخم بمجال شئون البيئية
نسبة إلى المؤتمرات البيئية األخرى من حيث الحجم ومجال اإلهتمام ،وقد
تضمن 27مادة تشكل معلما قانونيا رئيسيا في مجال البيئة توكد على مبادئ
استكهولم ال 26والتي أخذت في النضج خالل الفترة ما بين استكهولم وريو ،
حيث أكدت المبادئ على ضرورة المحافظة على البيئة الطبيعية ومنع التلوث
البيئي والمحافظة على الموارد الطبيعية من أجل األجيال القادمة (األمم المتحدة،
اتفاقية األمم المتحدة اإلطارية بشأن تغير المناخ ، )1992 ،ويعتبر كالً من
اعالن استوكهولم وريو دي جانيروا لمؤتمري البيئة بمثابة إنجازين مرموقين في
مجال إيضاح وتأصيل مفاهيم التنمية التي تراعي الجوانب البيئية واإلجتماعية.
384
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
385
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
األجيال القادمة كما أكد على مبادي استوكهولم وريو وضرورة تفعيل التنمية
المسئولة التي تراعي البعد البيئي واإلجتماعي حيث أن إهمال البعدين في
الخطط التنموية أدى إلى تفاقم مشكلة التدهور البيئي ،وبداية اصطدام مطالب
حماية البيئة بمطالب التنمية االقتصادية التي لم تأخذ بعين االعتبار حاجات
األجيال المستقبلية وال االعتبارات البيئية ،مثل التسخين الحراري للجو وفقدان
طبقة األوزون ،ونقص المساحات الخضراء ،األمطار الحمضية وفقدان التنوع
البيولوجي واتساع نطاق التصحر وما الى ذلك من مشاكل بيئية تعدت الحدود
الجغرافية للدولة الواحدة (األمم المتحدة ،تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية
المستدامة ، )2002 ،وفي يونيه 2012عقدت قمة األرض الرابعة للتنمية
المستدامة بمدينة ريو أو ما ُيعرف بـ (ريو )20+بهدف الحد من مشكلة الفقر
وتعزيز العدالة اإلجتماعية وحماية البيئة الطبيعية ،وقد جددت قمة ريو التأكيد
على تعزيز "اقتصاد اخضر" يحافظ على الموارد الطبيعية ويقضي على الفقر ،
وبذلك فقد انتقل مفهوم التنمية تدريجيا من دولة الرفاه بأوائل الستينات إلى ُبعد
مرور بالسبعينات ،والذي أكد على أن إشباع
ًا التواصل مع نهاية الثمانينات
حاجات الحاضر واالرتقاء بالرفاهية االجتماعية ال يمكن أن يكون على حساب
قدرة األجيال القادمة في تلبية احتياجاتها المادية والروحية وذلك بالعمل على
حفظ قاعدة الموارد الطبيعية بل زيادتها ،وتغيير كافة أنماط االستهالك واإلنتاج
غير المستدامة وغير المسئولة ،والتغلب على المشكالت المتعلقة بالصحة
العامة.
وهكذا فقد أصبحت خالل حقبة التسعينات مفاهيم التواصل البيئي وعدالة التوزيع
والقضاء على الفقر وارتفاع المستوى المعايشي مفاهيم مقترنة بشكل رئيسي
بمصطلح التنمية ،حيث أكد مايكل تودارو عام 1994بكتابه "التنمية
االقتصادية في العالم الثالث" أن التنمية االقتصادية هي عملية متعددة الجوانب
386
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
387
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
اإلقتصاد هو كائن معنوي ينشأ ببيئة المجتمع اإلنساني هدفه الوظيفي هو تحقيق
اقتصادا
ً الرفاهية اإلقتصادية للمجتمع ،فإذا أخفق في تحقيق ذلك الهدف كان
متخلفًا ،ذلك ألن عدم قدرة اإلقتصاد عل تحقيق وظائفه يعني وجود ٍ
خلل ما
بهياكل الجسد اإلقتصادي (العرض والطلب) ،وهنا يصبح الهدف األولي للتنمية
قادر
هو تقويم وتصحيح ذلك الخلل الهيكلي بحيث يصبح الجسد اإلقتصادي ًا
على تحقيق الهدف الثاني وهو الرفاهية المجتمعية ويوصف حينها الهيكل
اإلقتصادي وناتجه بالتنموي.
كما أو يزيد فيه متوسط نصيب الفردالناتج التنموي هو ذلك الناتج الذي يقارب ً
من الناتج المحلي مستوى متوسط نصيب الفرد بالدول الغنية والمتقدمة ،على
أن يكون ذلك القدر المتحقق من الناتج يعتمد بشكل أساسي على مستويات
متطورة من التكنولوجيا المعاصرة (وليس الريع أو اإلنتاج البدائي) ،ذلك ألن
الناتج التنموي ليس ذلك الكم فقط من الناتج الذي يرتفع قدره إلى مستويات
أيضا هو ارتقاء كيفي لعوامل اإلنتاج وناتجها وأنماط
اإلقتصادات الغنية ،وانما ً
اإلستهالك والمستوى المعيشي بشكل متقارب مع مستويات الدول الغنية ،
باإلضافة إلى قدر من عدالة توزيع الناتج اإلجمالي يختفي معه مظاهر الفقر
المجتمعي والشعور بالحرمان.
وبذلك فالتنمية هي عملية تقويم واصالح وارتقاء بهياكل الجسد اإلقتصادي من
كما وكيفًا فترتقي معه أنماط
جانبي العرض والطلب ،بحيث يرتفع الناتج ً
اإلستهالك والمستويات المعيشية إلى مستويات الثراء الدولي المعاصر ،بجانب
388
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
ارتفاع جودة التوزيع بما يحقق الرفاهية اإلقتصادية المجتمعية واختفاء مظاهر
الفقر.
وبذلك فإن عملية التنمية ال يمكن أن تتم بغير تحديد دقيق لطبيعة المهمة
التنموية وماهية الهياكل التنموية التي ينبغي تحقيقها ،إذ أن الرؤية التنموية
وحدها ال تكفي بغير مهمة مكافئة.
وما هي ُسبل الوصول إلي تلك الهياكل التنموية (المهمة)؟ أو كيف يمكن
اإلنتقال بالهيكل اإلقتصادي العام من الوضع المتخلف إلى الوضع التنموي؟ وهو
ما يمكن التعبير عنه باإلستراتيجيات التنموية للتحول أو التغيير (األهداف –
السياسات – المبادرات – التنفيذ – التقييم والمتابعة).
وما هي طبيعة العالقات التنموية ما بين الوضع الحالي والمهمة والرؤية ،أو
بمعنى آخر ما هي طبيعة العالقة ما بين الوضع الحالي للهياكل اإلقتصادية وما
بين الوضع المستهدف لها؟ وهي طبيعة العالقة ما بين الهياكل المستهدفة
والناتج التنموي؟ هل هي من حيث الثبات عالقات استاتيكية ثابته أم ديناميكية
متغيرة؟ ومن حيث األثر بنائية أم وظيفية؟ ومن حيث الزمن فورية أم تطورية؟.
389
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أما من حيث تبادلية األثر فبعض النظريات تذهب إلى أن العالقات بنيوية األثر
ذات اإلتجاه الواحد ما بين الظاهرتين ،أي أحدهما يمثل بنية تحتية
( )substructureواآلخر بنية فوقية ( )superstructureمترتبة عليه ،
وبمعنى آخر أي أن الطابق السفلي للبناء الزم لوجود الطابق العلوي بينما
الطابق العلوي وجوده ليس الزما لوجود السفلي ،بينما نظريات أخرى تذهب إلى
وظيفية العالقة ما بين الظواهر ،أي أن العالقة ما بين تلك الظواهر وظيفية
عضوية تشبه التكامل الوظيفي بين أعضاء الجسد الواحد تنشأ نشأة واحدة وتنمو
وظيفيا وفق أثر متبادل بينها ،أم أن طبيعة العالقة
ً بتوازي نسبي وتتكامل
وظيفية بنائية؟ ،في الحالة األولى ستصبح عملية التنمية مشروطة بتغيرات
هيكلية أولية ذات أهمية وأولوية على غيرها ،ويصبح تغير الهياكل األقل أولوية
مرهون باإلصالح المتعلق بالهياكل األكثر أولوية ،أما في الحالة الثانية فإن
1
الكرونولوجيا ( )chronologyهي علم التسلسل الزمني أو الفترات الزمنية االزمة لإلنتقال المرحلي من وضع
آلخر ،ويقصد بكرونولوجيا التنمية اإلقتصادية طبيعة التسلسل المرحلي الالزم لإلنتقال من مرحلة التخلف إلى
التقدم وحتى ظهور ثمرة التنمية.
390
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
عملية التغير الهيكلي التنموي إما أن يتم في إطار النمو المتوازن أو النمو غير
نظر
المتوازن الذي يقود بدوره إلى تحفيز النمو العام واحداث حالة التوازن ًا
لطبيعة العالقة تبادلية األثر ما بين الهياكل اإلقتصادية.
أخير ما مدى ثبات العالقة ما بين الظواهر والمتغيرات اإلقتصادية ،هل و ًا
طا والبد أن
العالقات التنموية استاتيكية بمعنى أن كل مقدمات أدت إلى نتائج شر ً
تؤدي إلى نفس النتائج ،أم أنها عالقة ديناميكية متغيرة بمعنى أن النتائج قد
تختلف لنفس المقدمات؟ ،هل العالقة ما بين الهيكل اإلقتصادي والناتج عالقة
ثابته أم متغيرة؟ هل زيادة الدخل القومي البد أن تؤدي إلى زيادة اإلنفاق القومي
أم ال يشترط؟ هل العالقة ما بين الهياكل التنموية والناتج التنموي ثابتة أم قد
تتغير؟
وبذلك فنحن في هذا الفصل بصدد اإلجابة على تساؤلين وهما ما هي الهياكل
اإلقتصادية التي حققت أو يمكن أن تحقق الناتج التنموي؟ وما هي هي طبيعة
العالقة ما بين الهياكل المتخلفة وتلك الهياكل التنموية من ناحية ،ومن ناحية
أخرى ما هي طبيعة العالقة ما بين تلك الهياكل التنموية وناتجها التنموي ،وهي
العالقة ما بين تغير تشكيل هياكل اإلنتاج وما بين تغير الناتج كما وكيفا ،كيف
يؤثر شكل هياكل العرض (اإلنتاج والتوزيع) وتغير شكل هياكل الطلب على
تغير كمية وكيفية الناتج؟ وهل تغير كمية الناتج يؤثر على تغير تلك الهياكل؟
هل الناتج التنموي يمكن أن يصل بالهياكل اإلقتصادية لمرحلة السببية التراكمية؟
أي تكون قادرة على مواصلة اإلرتقاء الكمي والكيفي بشكل ذاتي؟
391
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
يكاد يتفق اإلقتصاد السياسي على أن عملية اإلنتقال من اإلقتصاد المتخلف إلى
اإلقتصاد التنموي المتقدم هي عملية تطورية مرحلية تتم من خالل مراحل ينتقل
خاللها اإلقتصاد من البدائية والتي يغلب عليها النشاط الزراعي وطرق اإلنتاج
تقدما تتسم بشيوع التصنيع والتجارة وكثافة رأس المال
البدائية إلى مراحل أكثر ً
الصناعي والتكنولوجي ،اتجاه سيؤكد على أن عملية التحول مرحلية بطيئة تنتقل
خاللها اإلقتصادات من مرحلة إلى أخرى خالل فترات طويلة المدى ونمو بطئ
تطبيقا على عدة أنماط للتحوالت الهيكلية ،حيث ترى كل نظرية أن التحول
بنمط هيكلي معين هو محور األساس والسمة المرحلية للتحول التنموي العام ،
بينما اتجاه آخر سيرفض المدى البعيد للتحول والتراكم البطئ وسيؤكد على أن
التحول واإلنتقال من مرحلة إلى أخرى يتم بشكل ثوري يؤدي إلى التحول السريع.
392
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
فالتنمية تتم بشكل مرحلي بطئ من خالل التحول بشكل أساسي في الهيكل
الثقافي (الالهوتي ،الميتافيزيقي ،الوضعي) لدى سان سيمون ،وبالتحول
بالهيكلي الوظيفي (الرعي ،الزراعة ،الزراعة والصناعة ،الزراعة والصناعة
والخدمات) لدى فردريك ليست ،وبالتحول بهيكل األهمية النسبية لعوامل اإلنتاج
األساسية (اقتصاد الطبيعة ،اقتصاد العمل ،اقتصاد رأس المال) لدى وليام روشر
،وبالتحول بالهيكل المكاني لعالقات وحدات وعوامل اإلنتاج (اإلقتصاد المنزلي،
اقتصاد المدينة ،اإلقتصاد القومي والدولي) لدى كال من برونو هيلدبراند وكارل
بوشر ،ماركس ( )1850جاء بمراحله المؤسسية (البدائية ،اإلقطاع ،الرأسمالية،
اإلشتراكية فالشيوعية) ولكن بفكر ثوري فاعتبر أن التحول هو عملية بنائية ثورية
وليست نمو عضوي ،وهو ما أكد عكسه تمام هربرت سبنسر ( )1850تطبيقا
على الهيكل الثقافي (المجتمع المتجانس ،المجتمع الالتجانس) حيث اعتبر أن
نمو اإلقتصاد أشبه بنمو الكائن الحي ال يتم في صورة قفزات ،روزنشتاين
( )1941رفض عضوية سبنسر ودعا إلى القفزة الرأسمالية واختصر التنمية في
تطور هيكل عالقات عوامل ووحدات اإلنتاج (من اإلقتصاد محدود رأس المال
غير المتكامل ،إلى اإلقتصاد كثيف رأس المال متكامل الوحدات والعوامل
اإلنتاجية) واعتبر جوهر التنمية هو إحداث ثورة متكاملة في هيكل رأس المال
بضخ كمية كبيرة من رأس المال فيرتفع اإلنتاج بالتكامل مع الطلب ويرتفع الميل
الحدي لإلدخار واإلستثمار ،ولكن حينما اختصر روستو ( )1961التنمية في
التحول بالهيكل الوظيفي (اإلقتصاد الزراعي ،ظهور الصناعة ،الزراعة
والصناعة والخدمات ،اإلنتاج التكنولوجي وتميز التنظيم ،اإلنتاج الوفير والوعي
البيئيي) أكد مرة أخرى على التطور التنموي البطئ وعالقات التحول العضوية.
394
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
خالل تلك الفترة كان قد بدأ يظهر إتجاه كارل ماركس Karl ( 1883 – 1818
)Marxالثوري في اإلنتقال المرحلي ،والذي رفض نظرية التغير الطبيعي
واعتبر أن التطور هو عملية ثورية تحدث بالعالقات اإلقتصادية فينتقل اإلقتصاد
395
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
من مرحلة إلى أخرى ويتبعها تغيير في البنية الفكرية ،وقد ظهر ذلك اإلتجاه
بالعديد من مؤلفاته السيما أجور العمل ورأس المال ( )1847الصراعات الطبقية
في فرنسا ( )1850نقد اإلقتصاد السياسي ( )1859ورأس المال (، )1867
فعملية التطور المرحلي هي عملية تغيير بنائي ثوري ()Social revolution
فالمجتمعات من ناحية العالقات اإلقتصادية تمر بخمس مراحل أساسية هي:
أخير
المرحلة البدائية ثم مرحلة الرق ثم مرحلة اإلقطاع ثم المرحلة الرأسمالية و ًا
المرحلة اإلشتراكية والتي تنتهي بالوصول للشيوعية التي يستطيع فيها الفرد
إشباع حاجاته األساسية بغض النظر عن نوع أو كم العمل الذي يقوم به ،
ويكون انتقال المجتمعات من مرحلة إلى مرحلة من خالل حراك ثوري في بنية
العالقات اإلقتصادية والتي تقود بدورها التغير في بنية العالقات الثقافية
واأليديولوجية ،أي أن الثقافة المجتمعية والسياسة العامة بنية فوقية تابعة
ومترتبة على اإلقتصاد كبنية تحتية (عالقات اإلنتاج) ( نابي ، )2014 ،لقد
مرحليا يدمج ما بين الهيكل السياسي
ً هيكليا
ً يجا
كانت نظرية ماركس التنموية مز ً
(نمط السياسة اإلقتصادية والتي يتحدد على أساسها حرية عوامل اإلنتاج ونمط
السلطة العامة) والهيكل الثقافي (الثقافة المجتمعية والعادات والتقاليد والسلوكيات
السائدة بالمجتمع) والهيكل المؤسسي (والذي يتحدد على أساسه توزيع ملكية
عوامل اإلنتاج ما بين القطاع الخاص والعام) ،حيث اعتبر أن التنمية هي
هيكل اإلنتاج المؤسسي الذي يسوده أو يشمله بعمومه القطاع العام ،أما من
حيث متغير زمن عالقات التغيير أو التحول فقد اعتبره تطوري مرحلي ،إال أنه
تب نى خط التغيير الثوري في تفسيره اإلنتقال المرحلي من مرحلة ألخرى ،وبذلك
فالتنمية (التي يتحقق معها الرفاه العام) لدى ماركس هي تغير هيكلي مؤسسي
(لصالح القطاع العام) من حيث متغير زمن عالقات التحول تطوري يحدثه
التغيير الثوري بعالقات اإلنتاج (عالقات رأس المال الصناعي والعمل واألرض)
396
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
فتنتقل من مرحلة إلى أخرى ،ومن حيث اتجاه أثر العالقة فبنائي حيث يتبع
تغير البنية اإلقتصادية تغير البنية الفكرية بمضامينها السياسية والثقافية من
مرحلة ألخرى ،لم يصف ماركس البنية الفكرية كمكون اقتصادي أو عامالً
إنتاجيا ،وانما اعتبرها بنية منفصلة عن بنية اإلقتصاد تابعة له ،كما أنه لم
يتطرق للهيكل الوظيفي كما ستتبناه الحقًا التطورية الجديدة.
ومن ألمانيا إلى انجلت ار حيث سيقوم عالم اإلجتماع واإلقتصاد اإلنجليزي هربرت
سبنسر )Herbert Spencer( 1903 – 1820بإعادة صياغة أفكار المدرسة
األلمانية التطورية بتطويع أفكار اإلنجليزي تشارلز داروين اجتماعيا (الداروينية
اإلجتماعية) والتأكيد على أن عالقات التحول المرحلي هي عالقات نمو طبيعية
بعكس ما أتى به ماركس ،ففي عام 1850نشر سبنسر أول كتاب له بعنوان
"اإلستاتيكيا اإلجتماعية" والذي انكر فيه ضرورة وأهمية التغيير اإلجتماعي
الثوري ،وشبه تطور المجتمع بفكرة نمو الكائن الحي وتطور أعضاءه (العالقة
الوظيفية العضوية) وربط ما بين تطور المجتمع وانتقاله من مرحلة التجانس إلى
مرحلة الالتجانس (تطور الهيكل الثقافي) ،واعتبر أن التطور االجتماعي
( )Social Evolutionهو النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحوالت
منتظمة ومتالحقة ،تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة الحقة بالمرحلة
السابقة ،دون طفرات في التقدم والتطور ،وبذلك فقد كانت نظرية سبنسر
التطورية تتلخص في التغير التطوري (غير الثوري) الذي يلحق بالهيكل الثقافي
المجتمعي ،والذي تتسم فيه عالقات التحول من حيث اتجاه التأثير بالوظيفية
(بالتفاعل المتبادل) ومن حيث متغير الزمن بطول المدى ،رفض هذه النظرية
(تماثل التطور بين الكائنات الحية والتطور االجتماعي) العديد من العلماء كوليم
أوجبرن ،وجوردون تشايلد ،وجوليان ستيورد ،...ـمؤكدين على أن التطور
البيولوجي في الكائنات الحية هو أمر حتمي ويسير في خط مستقيم ال يمكن
397
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
تخطيطه أو تسريعه أو تهدئته ،في حين التطور االجتماعي أيضا حتمي ولكنه
مخطط ،وسريع أوهادئ أو شامل أو جزئي ...الخ ،تشبيه النمو اإلجتماعي
بالنمو الحيوي أمر فيه نظر ،ذلك ألن الكائن الحيوي يمر بمراحل النشأة
والنضج والتقدم بالعمر ثم الشيخوخة وهو أمر ال ينطبق على النمو اإلقتصادي ،
فنمو الكائن اإلقتصادي ال ينتهي بشكل حتمي بالشيخوخة والوفاة ،بل قادر
على النمو والتوسع والتراكم الالنهائي بخالف نمو الكائن الحيوي ،أما الكائنات
اإلقتصادية التي يمكن تشبيهها بشيخوخة الكائن الحي فهي تلك الكائنات التي
تتوقف قدرتها على التطوير والنمو.
كامل ،وذلك بهدف رفع مستويات الدخول فيرتفع الميل الحدي لإلدخار
واإلستثمار ،ولكي تحدث تلك العملية التي يخرج خاللها االقتصاد من دائرة
الفقر والتخلف ال بد أن تكون برامج التنمية ضخمة متالحقة حتى يمكن التغلب
على القصور الذاتي لالقتصاد الراكد ودفعه نحو مستويات أعلى لإلنتاج والدخل،
وأن يكون للحكومة دو ار أساسيا في إعداد مشروعات التنمية لضمان زيادة الدخل
بقدر يكفل زيادة الطلب الفعال ،ومن ثم نجاح المشروعات في مجموعها ،ويؤكد
روزنشتاين رودان من أجل نجاح نموذجه على ضرورة توافر رؤوس األموال من
مصادر داخلية وخارجية ،وهو أول ما يؤخذ على نظرية الدفعة الكبيرة أن
اإلشكالية الرئيسية للدول النامية هي ضعف قدرتها على ضخ استثمارات ضخمة
عمليا ،
سواء من مصادر محلية أو أجنبية ولذلك فهي تقدم حالً يصعب تطبيقه ً
النقد الثاني الذي يمكن أن يوجه إلى هذه النظرية أنها تقوم على أساس ضخ
استثمارات ضخمة إلنشاء هيكل إنتاجي متقدم ومتكامل ،ولم تقم على أساس
تطوير هياكل اإلنتاج المتخلفة ولذلك فهي تبقى على إشكالية إزدواجية القطاعين
المتقدم والمتخلف وتزيد من تعميق الهوة بينهما.
وبعد عقدين من الزمان تقريبا على نظرية الدفعة القوية لروزنشتاين قام أستاذ
اإلقتصاد األمريكي بمعهد ماستشوستس ( )Massachusettsبمدينة كامبريدج
بوالية ماستشوستس بالواليات المتحدة "والت روستو" Walt ( 2003 - 1916
)Whitman Rostowبإعادة إحياء نظرية الكالسيك التطورية مرة أخرى
ولذلك تعرف نظريته بالتطورية الجديدة ،والتي قدمها بحثه الشهير والمنشور عام
1960والمعروف "بنظرية مراحل النمو اإلقتصادي" ( The Stages of
، )Economic Growth: A non-communist manifestoوقد ُعين
مستشار للسياسات اإلقتصادية للرئيس األمريكي جون كيندي عام
ًا على إثرها
1961مما ساهم في انتشار نموذجه لمراحل التنمية بشكل كبير ،لقد روستو
399
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
رفض الخط الثوري لتطور هياكل اإلنتاج وتبنى خط التطور التدريجي لسبنسر ،
حيث اعتبر أن عملية التنمية اإلقتصادية بالدول النامية تتم من خالل تحول
تدريجي بهياكل اإلنتاج الوظيفية عبر خمس مراحل أساسية وهي :أوًال مرحلة
المجتمع التقليدي وهي المرحلة التي يسودها اقتصاد شديد التخلف ويغلب عليها
ثانيا "مرحلة التهيؤ لإلقالع" ويتم في هذه
الطابع الزراعي منخفض اإلنتاجية ً ،
المرحلة تدفق اإلستثمارات في البنى التحتية وظهور القطاع الصناعي الذي تبدأ
العمالة في اإلنتقال إليه من القطاع الريفي ،ثالثًا "مرحلة اإلقالع" وتتسم هذه
المرحلة باالهتمام بشكل كبير بكافة القطاعات اإلقتصادية الزراعية والصناعية
ابعا "مرحلة النضوج" وهي المرحلة التي
والتجارية وتحقيق العدالة االجتماعية ،ر ً
اقتصاديا بإستكمال نمو كافة القطاعات االٌقتصادية
ً تصبح خاللها الدولة متقدمة
تطور وتصبح الصناعة قادرة على المشاركة
ًا بالدولة ،حيث يصبح الريف أكثر
في خلق التكنولوجيا الحديثة ويتضح خاللها االنفصال البين بين دور الرأسمالي
خامسا "مرحلة االستهالك
ً الذي يملك وال ُيدير وبين المنظم الذي يدير وال يملك ،
الوفير" وهي المرحلة التي يتحقق خاللها الرفاهية اإلجتماعية واإلقتصادية ،
ويتحول اهتمام المجتمع خاللها نحو تحسين نوعية الحياة والمحافظة على البيئة ،
ويؤخذ على نظرية روستو أن هذه المراحل لم تثبت تاريخيا ،كما أنه لم يوضح
كيفية اإلنتقال من مرحلة ألخرى ،باإلضافة إلى البناء البنيوي لعالقات اإلنتقال
من مرحلة إلى أخرى ،فقد افترض أن اإلنتقال إلى المرحلة التالية يستلزم ضرورة
المرور على المرحلة السابقة وهو مالم يحدث في كثير من حاالت التحول
التنموي بالوقع العملي.
400
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
عملية التنمية تتحقق من خالل النمو المتوازن على المدى الطويل والذي يحدث
خالله تراكم وتكثيف مستمر في رأس المال والمستوى التكنولوجي والمعرفي.
لقد كانت دائما الرؤية المتعلقة بجوهرية هياكل التحول مرتبطة وبشكل مباشر مع
معدل التغير ،ففي حين ارتبطت الهياكل الوظيفية والثقافية والمعرفية وهياكل
العالقات المكانية لعوامل ووحدات اإلنتاج بنظريات التغير طويل المدى ألنها
ترتبط بعملية تحول بالمنظومة الفكرية المجتمعية والتي ترتبط عادة بفترات طويلة
المدى ،فإن التنمية التي تم محورتها حول تطور الهياكل المؤسسية والرأسمالية
ارتبطت بنظريات التحول الثوري السريع نظ ار لطبيعة تلك العوامل والتي يمكن
تعبئتها وفق عملية ثورية بشكل سريع ،ولذلك فمعدل التحول الهيكلي التنموي
أمر معقدا يرتبط بشكل كبير بوضع متغيرات اإلقتصاد الداخلية والخارجية ًا
والتوصيف الكمي والكيفي للفجوة التنموية.
401
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
العكسية ما بين الكمية المستهلكة وما بين منفعة اإلستهالك ،وقانون الغلة
بالعالقة غير الخطية بين تغير عامل من عوامل اإلنتاج مع ثبات العوامل
األخرى وبين اإلنتاج الحدي ،والتي تبدأ بعالقة طردية ثم تتحول بعد نقطة
معينة ينعدم فيها اإلنتاج الحدي إلى عالقة عكسية بين المتغيرين ،...وبالرغم
من أن تلك العالقات بالفعل تواتر إثباتها العلمي إال أن العالقة في النظام
اإلقتصادي ما بين متغيرين ال تنشأ بمعزل ،وانما تكون محكومة بهيكل من
العالقات المتشابكة بين كافة عناصر النظام ،والذي تكون فيه هذه العناصر
وعالقاتها في حراك وتغير مستمر ،ومن ثم فهي عالقة محكومة بهيكلية معينة
متغيرة بتغيرها ،وبالمثل بالنسبة للعالقة التنموية وهي العالقة بين ما بين هيكل
اقتصادي سواء من جانب العرض (كهياكل عوامل اإلنتاج) أو من جانب الطلب
(كهياكل أسواق الطلب) أو كليهما (كهيكل السياسة اإلقتصادية العامة أو دور
الدولة اإلقتصادي) وبين الناتج التنموي ،أو أثر هيكل إقتصادي معين على
تحقيق الناتج الوفير مع حسن توزيعه ،فهي األخرى عالقة محكومة بالهيكلية
العامة لإلقتصاد ،ولذلك فالعالقة التنموية المثبته لهيكل ما باقتصاد معين ،قد
ال تظهر بنفس األثر باقتصاد آخر ،حيث يتوقف تطابق األثرين على مدى
التوافق الهيكلي العام ما بين اإلقتصادين
402
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
(يترتب وجود الطابق الثاني على وجود الطابق األول – كما يترتب وجود
الحيوان على وجود النبات ويترتب وجود النبات على وجود الماء)،...؟ أي أن
العالقة تسير في اتجاه واحد وليس اإلتجاه وعكسه ،كالعالقة ما بين الدخل
واإلستهالك مع ثبات العوامل األخرى ،فزيادة الدخل تؤدي إلى زيادة اإلستهالك
وليس العكس ،كما أن زيادة كمية النقود (مع ثبات سائر العوامل) تؤدي إلى
زيادة التضخم وليس العكس ،فحدوث التضخم (بغير زيادة كمية النقود) ال يعني
طا وفرة النقود ،وفي هذه الحالة فإن التحول التنموي يبدأ بالتحرك الفوري
شر ً
تجاه البنية التحتية والتي يترتب عليها تغير العنصر الذي يمثل بنية فوقية
مترتبة.
أم تقوم على عالقة وظيفية بنيوية؟ فالعالقة ما بين أعضاء جسد الكائن الحي
هي عالقة وظيفية ،بحيث يقوم كل عضو بوظيفة معينة وتؤثر وظيفة كل
عضو على نمو وأداء اآلخر بعالقة متبادلة ،وبنفس الوقت فإن اكتمال نمو تلك
األعضاء بنائي ،بمعنى أن ارتقاء نمو عضو لمستوى معين يتبعه اكتمال نمو
عضو آخر لذلك المستوى بمتتالية ترتيبية تشترط وصول األول لذلك المستوى
من النمو فالذي يليه وكذا ،..بينما في حالة وجود إعاقة تحول دون وصول
عضو إلى مستوى معين من النمو فإن األعضاء التي تليه لن تصل إلى ذلك
المستوى من النمو حتى يتم إزالة تلك اإلعاقة ،وبالمثل فهل العالقات
الرتبية؟ ،وبالتالي
اإلقتصادية الوظيفية ذات ُبعد بنيوي ُرتبي النمو؟ وما هي تلك ُ
فإن تتبع اتجاهات العالقات اإلقتصادية الزم لتحديد من أين يبدأ النمو وأين
ينتهي ،ومن ثم تحديد موضع التدخل للتحول التنموي واتجاه األثر المترتب (من
أين نبدأ؟).
403
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
استكماال لإلتجاه الطبيعي الذي ظهر في حقل العلوم اإلجتماعية وتأثرها بالعلوم
الطبيعية ظهر اإلتجاه الوظيفي في حقل علم اإلجتماع خالل الفترة (– 1879
)1950على يد كالً من "ماكس فيبر" و"إميل دوركايم" و"وليم كراهام" ،وقد
اتضح ذلك اإلتجاه فى أعمال فالسفة اإلقتصاد االسكتلنديين "كآدم سميث"
و"ديفيد هيوم" ،ويرى هذا اإلتجاه أن المجتمع عبارة عن مجموعة من األنساق
اإلجتماعية واإلقتصادية والسياسية ،..والتي تشبه األعضاء بالجسد الواحد التي
معا بشكل تكاملي ،حيث تنشأ بينها عالقات تبادلية ضرورية ،وأن أي
تعمل ً
خلل وظفي بعضو منها سيترتب عليه خلل وظفي بباقي األعضاء أو األنساق ،
ولهذا البد أن تتم التنمية بشكل شمولي ومتوازن بين سائر األنساق.
العالقة الوظيفية العضوية هي العالقة التبادلية التي تقوم ما بين عناصر يؤدي
كل منها وظيفة مختلفة ،كالعالقة ما بين أعضاء جسد الكائن الحي ،حيث
لكل منها وظيفة معينة ومع ذلك تؤثر وظيفة كل عضو على أداء العضو اآلخر
،ولذلك فإن سالمة أداء الجسد ونموه يرتبط بعمل كافة األعضاء بشكل مترابط
ومتوازن ،وفي هذه الحالة فإن النمو اإلقتصادي إما أن يتطلب دفع متوازن كما
تؤدي التغذية في الكائن الحي إلى نمو أعضاءه بشكل متوازن ،وهو ما يعرف
باتجاه النمو اإلقتصادي المتوازن ،كما أن إصابة عضو بخلل قد يترتب عليه
إصابة عضو آخر والذي بدوره ستؤثر إصابته بالضرر على األول وهكذا بعالقة
متبادلة التأثر والتأثير ،وعلى الحالة اإلقتصادية فإن اختالل هيكل اقتصادي
معين سيترتب عليه اختالل آخر واعتالل الجسد اإلقتصادي بأكمله ،وفي هذه
الحالة فإن اإلتجاهات الوظيفية للعالج إما أن يتم تشخيص موطن الداء األساس
والبدء بإصالحه ،مع إصالح سائر الهياكل بأولوية تدخل تاريخية أو وفقًا لحجم
الخلل ،فتبدأ الهياكل في التحسن واإلنتظام الطبيعي مرة أخرى ،واما أن يتم
404
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
التدخل اإلصالحي بشكل متوازن بكافة الهياكل المعتلة ،أو البدء بالهياكل
األخرى لكونها أصبحت أكثر إعتالال من المسبب األساسي بتوجيه جرعات
مكثفة من اإلصالحات للهياكل األكثر اعتالالً وبإصالحها تبدأ في التأثير على
تحسن اإلعتالل األساسي ،بإحداث تأثير إصالحي متبادل إلى أن يتسق الجسد
اإلقتصادي بعمومه.
تقوم الوظيفية على أساس النمو الطبيعي للوظائف اإلقتصادية ،والتي يجب أن
يتم نموها بشكل تدريجي وطبيعي على المدى الطويل كما هو الحال بالنسبة
لنمو الكائن الحي ،وأن أي تدخل إلحداث نمو غير طبيعي فهو ضار بالجسد
اإلقتصادي ،ولذلك فإن التدخل التنموي وفقًا لتلك النظرية يكون بإزالة عوائق
النمو الطبيعي والتغذية المتوازنة والتدريجية لكافة هياكل اإلنتاج لتتطور بشكل
تدريجي ،رفض ذلك المنطق الذي يقوم على التطويل "روزنشتاين" ودعا إلى
دفعة نمو قوية لتسريع نمو الكائن اإلقتصادي فيما ُيعرف بنظرية "الدفعة القوية"
أو "الدفعة الكبيرة" ( ، )Big Pushوالتي تقوم على فرضية تكامل أو عدم قابلية
التجزئة لكالً من دالة اإلنتاج ودالة الطلب ودالة اإلدخار (مندور،2015 ،
صفحة ، )46الحقًا قام "نيركسه" بتطوير نظرية الدفعة القوية إلى نظرية النمو
المتوازن ( ، )Balanced Growthوالتي تقوم على التدخل بدفع استثمارات
ضخمة بشكل متوازن في كافة القطاعات اإلقتصادية مع ضرورة تحقيق التوازن
بين الصناعة والزراعة حتى ال يكون تخلف أحدهما عقبة في تقدم اآلخر (أحمد،
،2012صفحة .)64
405
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
406
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
الثقافات العالمية كمنصة إيربنب للتأجير التشاركي ،وبتغير الثقافة نحو العولمة
فإن السياسة تتبعها هي األخرى نحو التكتل واإلنتظام الدولي ،في المستقبل
سينتقل نمط اإلنتاج إلى نمط اإلنتاج اآللي بشكل كامل من خالل الروبوتات
بدون تدخل بشري لتفصيل سلع وخدمات وفق رغبات كل عميل ،ربما يؤدي
ذلك النمط إلى تحول الثقافة المجتمعية إلى رفض التابوهات الثقافية المغلقة
ومنطقة الالتفكير والالاعتراض وسينتقل المجتمع معها إلى منطقة ثقافية مختلفة
وسياسة مختلفة أيضاً.
أصَّل لنفس اإلتجاه تقريبا (العالقة البنيوية ما بين اإلقتصاد كبنية تحتية
والسياسة كبنية فوقية) بارينغتون مور ( )Barrington S. Moore, Jrفي كتابه
المنشور عام " 1966األصول اإلجتماعية للدكتاتورية والديموقراطية" ( Social
، )Origins of Dictatorship and Democracyوالذي اعتبر أن طبيعة
عالقات اإلنتاج وما تفرزه من طبقات اجتماعية هي البنية التحتية التي تؤدي
بدورها إلى تكوين النظام السياسي في الدولة والتي تمثل بنية فوقية ،درس مور
تحوالت النظام السياسي في سبع دول حتى منتصف القرن العشرين ،واإلنتقال
اعي إلى األنماط الصناعية وأثر ذلك التحول على تكوينمن نمط اإلنتاج الزر ّ
إن بنى
السياسي في الدولة ،فحسب مور ّ
ّ الطبقات اإلجتماعية ونمط النظام
كالفاشية في
ّ ودينامياتها الطبقية هو ما أنتج أنظمة دكتاتورية
ّ االنتاج المختلفة
حرة
اطية ّ
روسيا والصين ،كما أنتج أنظمة ديمقر ّ
ّ ألمانية واليابان ،والشيوعية في
يكية ،ففي انجلت ار وفرنسا والواليات
في بريطانيا وفرنسا والواليات المتّحدة األمر ّ
المتحدة أدت التحوالت الهيكلية من النمط الزراعي إلى الصناعي إلى نمط من
بنى اإلنتاج أدى بدوره المسار الديمقراطي الليبرالي ،بينما ترتب على بنى
اإلنتاج في اليابان وألمانيا اإلنتقال إلى مسار الفاشية ،أما في روسيا والصين
فقد انتقلت إلى مسار الثورة الشيوعية ،وذلك خالل عملية التحول التاريخي
407
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
فاإلتجاه البنيوي الذي يعكس البنيوية الماركسية بأسبقية البنية الفكرية للبنية
اإلقتصادية يرى أن البنيوية الماركسية "المادية التأريخية" تقف عاجزة عن تفسير
التطور الفكري دون أسبقية بتطور اقتصادي بانتصار االشتراكية في بلدان
زراعية متخلفة يسودها النظام االقطاعي (مثل الصين وكوبا وكوريا وفيتنام
408
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
409
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
افترضت البنيوية أن قاعدة يترتب عليها بناء ،وأن تطور عنصر يقود تطور
عنصر آخر ،ومن تلك الفلسفة انبثقت نظرية التدخل التنموي غير المتوازن
ألستاذ اإلقتصاد السياسي األمريكي "ألبيرت أوتو هيريشمان" 2012 – 1915
( )Albert Otto Hirschmanفي ،حيث اعتبر "هيرشمان" أن الفلسفة البنائية
تنطبق على المزيج القطاعي في اإلقتصاد ،وأن هناك قطاعات رائدة تُمثل
القاعدة األساسية والتي تقود بدورها عملية النمو االقتصادي في االقتصاد القومي
ككل كالصناعات الثقيلة والطاقة والنقل ،والتي يترتب على وجودها تكتل
تدريجي لسائر قطاعات اإلنتاج ،وبذلك فإن التدخل بإحداث نمو غير متوازن
بتكثيف كمية ضخمة من اإلستثمارات في تلك القطاعات الرائدة سيترتب عليه
تحفيز الحق لسائر القطاعات اإلقتصادية ،كما يبرر هيرشمان التدخل غير
اقعيا ،حيث يتطلب النمو المتوازنالمتوازن بعدم امكانية التدخل المتوازن و ً
استثمارات ضخمة هو فوق طاقة البلدان المتخلفة ،حتى أن البلدان الرأسمالية
المتقدمة انطلقت بداية من بعض األنشطة والقطاعات التي حفزت أنشطة
قطاعات أخرى ،ولذلك يجب إحداث اختالل متعمد في اإلقتصاد بتركيز الجهود
اإلنمائية على عدد محدود من القطاعات الرائدة والتي تُحفز نمو سائر القطاعات
اإلقتصادية ،وبالمثل فإن نظرية النمو غير المتوازن تصلح كفلسفة للتدخل
الهيكلي بسائر الهياكل اإلقتصادية سواء الهياكل القطاعية أو المزيجية
(كالمكانية ،والسياسية ،والتنظيمية ،والبشرية.)...،
ومن ضمن مداخل التدخل غير المتوازن نظرية "الحاجات األساسية" والتي
تعثر (الفقراء) نحو
ًا تفترض أن دعم أفراد المجتمع خاصة الشرائح األكثر
استهالك أوفر سوف يؤدي إلى رفع مستوى رأس المال البشري باإلقتصاد القومي
410
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وبالتالي رفع اإلنتاجية ،وبالتالي فإن الجهود التنموية يجب أن تتوجه بشكل
أساسي نحو توفير استهالك أوفر تجاه المجتمع خاصة الفقراء خاصة الحاجات
األساسية والضرورية مع العمل على زيادتها وتحسينها باستمرار ،بشرط اشراك
الفقراء في اتخاذ الق اررات المتعلقة بكيفية إشباع احتياجاتهم وأن يكون الدعم المقدم
معبر بشكل واقعي عن حاجاتهم ورغباتهم وذو تأثير جوهري ،توفير
من الدولة ًا
الحد األدنى من السلع والخدمات األساسية للفقراء ،تمكين الفقراء من الحصول
خدمات عامة جيدة ،إتاحة الفرصة للفقراء للكسب ودعم خبراتهم وتأمين أعمالهم
،ويوجه انتقاد إلى تلك النظرية أن دعم الفقراء يحول دون تحقيق نمو اقتصادي
سريع بتوجيه موارد الدولة تجاه اإلستهالك عوضا عن اإلستثمار لمضاعفة
الناتج ،وأن األولى هو "تكبير الكعكة" االقتصادية قبل توزيعها ،وأن تكبيرها إنما
يتم بتحقيق نمو اقتصادي سريع بزيادة االستثمارات المحلية فضال عن االستثمارات
الخارجية ،أما توزيع الدخل بعدالة أكبر وتلبية االحتياجات اإلنسانية األساسية
فيجب أن يكون مرحلة الحقة من عملية النمو لكونه أم ار حتميا يحدث تلقائيا ،أما
تبديد الموارد في األمد القصير على اإلستهالك فإنه يفوت على المجتمع فرصة
تنمية الطاقة اإلنتاجية والتي تمكن في النهاية من رفع مستوياتهم المعيشية في
المدى الطويل ،ولكن يرد على هذا النقد بأن اإلنفاق على الحاجات األساسية على
الطبقات الفقيرة بالمجتمع بمكن أن يتم بالتوازي مع برنامج استثماري رشيد وأن
اإلنفاق اإلستهالكي الموجه لصالح الطبقات الفقيرة هو من قبل االستثمار المباشر
في الموارد البشرية ،والذي يترتب عليه حتما زيادة القدرة اإلنتاجية.
ظهرت البنيوية الوظيفية بعلم اإلجتماع نتيجة لتصاعد اإلتجاه الوضعي بداية من
القرن التاسع عشر وانحسار الميتافيزيقا بالتحليل اإلجتماعي وتأثره بتحليل العلوم
411
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
الطبيعية خاصة علم األحياء ،وقد ظهرت البنيوية الوظيفية بنهايات القرن
التاسع عشر على يد عالم االجتماعي البريطاني "هربرن سبنسر" والذي شبه
المجتمع من حيث البناء والوظيفة بالكائن الحي من حيث النمو والتطور كما
ينمو ويتطور الكائن الحي بشكل تام ،ثم انتشرت بأمريكا فطورها كل من
"تالكوت بارسونز" و"روبرت ميرتون" و"هانز كيرث" ،وتعتبر البنيوية الوظيفية
أن العناصر المكونة للظاهرة اإلجتماعية الكلية تنتظم في بناء رأسي مع وجود
عالقات وظيفية مباشرة أو غير مباشرة ما بين كل عنصر واآلخر ،فالعالقة
البنيوية هاهنا ليست كالعالقة ما بين الطابق السفلي والطابق العلوي الذي بإزالته
يظل وجود الطابق السفلي بينما ال يمكن أن يوجد الطابق العلوي لوال وجود
الطابق السفلي ،وانما كالعالقة ما بين الرأس والجسد إذا زال الرأس انهار الجسد
،ويشبه ذلك المدخل الظاهرة اإلجتماعية بالكائن الحي حيث يتدفق تركيز
التغذية في كل مرحلة من مراحل النمو المختلفة بالكائن نحو نمو عضو معين
بشكل يزيد عن أعضاء أخرى فينمو بشكل أسرع من سائر األعضاء ،ولكن
يؤدي نمو ذلك العضو إلى نمو األعضاء األخرى في المرحلة التالية وهكذا ،
وبذلك فإن البنيوية الوظيفية تعترف بأن لكل مجتمع بناء رأسي من عناصر
تكوينية لكل منها وظيفة تساعد على نمو وديمومة البناء ككل (المجتمع) ،
بحيث يقوم تكامل ما بين الجانب البنيوي والجانب الوظيفي ،فالبناء يكمل
الوظيفة والوظيفة تكمل البناء بحيث ال يمكن الفصل مطلقا ما بين البناء
والوظيفة ،ووفقًا لذلك اإلتجاه فإن مضامين الظاهرة اإلقتصادية تنتظم في بناء
رأسي ُرتبي (وجود عنصر سابق لوجود آخر) ،ومع ذلك فإن بين تلك العناصر
عالقات متبادلة التأثير الرتبي على اآلخر من حيث األداء النمو.
412
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
413
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
فإن "الهيكلة التنموية" تبحث في التشكيل أو المزيج الهيكلي األمثل الذي يتحقق
معه أفضل أداء اقتصادي ،وهو ما ُيمكن أن ُيطلق عليه "التوازن الهيكلي" ،
والذي ال ُيقصد به بالقطع التساوي النسبي ما بين الهياكل الرئيسية والتفصيلية ،
كأن تتساوى بالهيكل القطاعي نسب مساهمة القطاع الزراعي مع القطاع
الصناعي مع القطاع الخدمي باإلقتصاد القومي ،وانما النسب الهيكلية ألداء
اقتصادي أمثل ،والتي باختاللها يتدهور األداء اإلقتصادي الكلي.
414
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
415
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وبذلك فإن مستوى اإلستخدام األمثل لعوامل اإلنتاج والذي يؤدي إلى تعظيم
اإلنتاج الكلي ( )maximize total productionيحدث عندما يتساوى اإلنتاج
الحدي لعوامل اإلنتاج مع الصفر ، MPy = MPX = 0فاإلنتاج الحدي MP
( )Marginal Productهو الزيادة في اإلنتاج ال ُكلي نتيجة زيادة عامل اإلنتاج
416
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وحدة واحدة ،أي أن أعلى كفاءة إنتاجية لعوامل اإلنتاج تكون مع كمية الناتج
الذي يكون معه الميل الحدي لعوامل اإلنتاج مساوياً للصفر.
أدت هذه اإلستنتاجات إلى محاوالت لنمذجة هذه العالقات في صور خطية
المثلى لعوامل اإلنتاج والتي يتحقق معها
ورياضية كمحاولة للتوصل إلى النسب ُ
أعلى إنتاجية ،حيث تم صياغة دالة اإلنتاج ()Production Function
كالعالقة رياضية بين عوامل اإلنتاج (كمتغير مستقل) وحجم اإلنتاج (كمتغير
تابع) وفق الصيغة التالية ، Q = F (X,Y,….) :حيث = Qأقصى كمية ممكنة
من اإلنتاج ،و Fنوعية العالقة العالقة الرياضية التي تربط مدخالت اإلنتاج X ,
Y….بمخرجات اإلنتاج ( Qالرويس.)2012 ،
417
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
ومن خالل هذه الخريطة ُيمكن استنتاج إمكانية إحالل كمية محددة من عنصر
ما مكان عنصر آخر.
كما يمكن حساب العالقة بدالة سواء اإلنتاج ما بين المتغيرين رياضياً من خالل
Marginal Rate of معادلة المعدل الحدي لإلحالل الفني ()MRTS
، Technical Substitutionوهي المعادلة التي يمكن من خاللها معرفة
مقدار عدد الوحدات الالزمة من المتغير Xلتحل محل المتغير Yمع ثبات كمية
اإلنتاج وفي هذه الحالة يمكن كتابة المعدلة من خالل الصيغة التالية:
X
MRTS
x, y
Y فيكون Y = )MRTS( X
أما في حالة معرفة عدد الوحدات الالزمة من المتغير Yالالزمة لتحل محل
وحدة واحدة من المتغير Xفيتم كتابة المعادلة من خالل الصيغة التالية:
Y
MRTS
y, x X
418
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
إال أن هذه العالقة لدالة سواء اإلنتاج لها معدل معين لإلحالل تفقد بعدها عالقة
تساوي اإلنتاج فيما يعرف بالمعدل الحدي لإلحالل الفني ،فعلى سبيل المثال
عندما يتم استبدال األرض بالعمل فإنه يمكن أن تصل إلى مستوى يستحيل عنده
إضافة أي عامل ،ويمكن حساب المعدل الحدي لإلحالل الفني من خالل
الصيغة التالية ، MRTS 1 MPX / MPY :حيث MPاإلنتاج الحدي.
أما دالة بدائل عوامل اإلنتاج فهي العالقة التي تصف إحالل بدائل لنفس عامل
اإلنتاج ( )Substituting Input Factorلتعطي نفس اإلنتاجية ،فعنصر
العمل أو رأس المال أو المواد الخام قد يكون ألي منها عدة بدائل مختلفة القيمة
قد تؤدي إلى نفس اإلنتاجية ،في هذه الحالة تتحدد العالقة بين البديلين إلنتاج
مع نفس كمية المنتج.
419
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
لقد وجهت عدت انتقادات نحو قابلية التحوالت الهيكلية للتعميم ،فعلى خالف
السياق التاريخي للدول النامية التي ارتبطت بسياسات مركزة واستنزاف فوائضها
420
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
فإن الحقبة الماركنتيلية بالنمط الغربي مكنت من خلق رؤس أموال تم دفعها في
سبيل التحول الصناعي ،والتي شكلت بدورها قاعدة أساسية لخلق عوامل إنتاج
الناتج الخدمي ،وهو التحدي األبرز تجاه الدول النامية عدم تكامل عوامل إنتاج
الناتج الصناعي والخدمي ،مما يؤدي إلى توجيه المدخرات المحلية إما
لإلستثمار الخارجي أو لإلستثمار الداخلي بقطاعات تتناسب مع الطبيعة المحلية
لمستويات عوامل اإلنتاج ،ولذلك فإن تبني سياسات لرفع مستويات التصنيع
والناتج الخدمي بالهيكل اإلنتاجي مع إغفال موجودية عوامل اإلنتاج المتاحة
باإلقتصاد من الممكن أن يؤدي إلى ناتج صناعي أو خدمي بالفعل ولكنه لن
يكون قادر على تحقيق التراكم الذي يرفع من مستويات عوامل اإلنتاج إلى
مستويات اإلقتصادات المتقدمة ،قد تتمكن دولة نامية من رفع مستوى الخدمات
بها إلى مستوى الناتج الخدمي بهياكل الدول المتقدمة ،ولكن ما طبيعة وقيمة
كثير على نمو الناتج
تلك الخدمات التي تقدمها كل دولة؟ قد ال يؤثر األمر ًا
القومي طالما أن طبيعة الخدمات مختلفة إلختالف موجودية عوامل خلق الناتج
الخدمي ما بين اإلقتصادين ،فالخدمات بالدول المتقدمة تتم بوساطة رأس مال
صناعي ضخم كثيف التكنولوجيا تم إنتاجه باإلعتماد على قاعدة ضخمة من
هياكل التصنيع ليتكامل مع رأس مال بشري موازي الكثافة تم إنتاجه باإلعتماد
على مؤسسات علمية ضخمة ،أما في الدول النامية التي ال تمتلك تلك القاعدة
لخلق عوامل خلق اإلنتاج الخدمي فإن األمر لن يتعدى الهيكلة الشكلية التي
تختلف معها التأثير القيمي ،فالعبرة في تحقيق النمو إ ًذا تكمن في الناتج وفق
عوامل اإلنتاج المتاحة والذي يمكن من خالله تحقيق أعلى تراكم ممكن
لمستويات عوامل اإلنتاج.
421
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
422
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
ماليين جنيه بالنسبة للمنشآت الصناعية ،وحتى 3ماليين جنيه لغير الصناعية
،وايراداتها السنوية تتراوح ما بين 10إلى 20مليون جنيه ،وحجم عمالة أقل
من 200فرد ،أما الفئة (ب) المتوسطة فيشار إلى المتوسطة األدنى
باإلستثمارات التي يتراوح رأسمالها المدفوع ما بين 5إلى 10ماليين جنيه ،
وقيمة مبيعاتها السنوية ما بين 20إلى 100مليون جنيه ،وعدد العمالة من
200عامل وحتى ، 499أما الشريحة المتوسطة األعلى فهي اإلستثمارات التي
يتراوح رأسمالها المدفوع من 10ماليين وحتى 50مليون ،مع نفس أعداد
العمالة السابقة ،أما الفئة (أ) فئة المشروعات الكبيرة ،فتتضمن شريحة
اإلستثمارات الكبيرة والتي يزيد رأسمالها المصدر عن 100مليون جنيه ورأسمالها
المدفوع عن 50مليون جنيه ،والتي يزداد حجم العمالة بها عن 500عامل
(منتدى البحوث اإلقتصادية ، )2003 ،أما المشروعات الكبيرة جداً أو العمالقة
فهي المشروعات التي تزداد تكلفتها عن مليار دوالر ،وبالطبع تختلف المعايير
التصنيفيه السابقة للتمييز ما بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من
دولة ألخرى ومن اقتصاد آلخر ،خاصة ما بين الدول المتقدمة والنامية ،
ويعتبر البنك الدولى أن وحدات اإلنتاج أو المشروعات التى يعمل بها أقل من
عشرة عمال مشروعات بالغة أو متناهية الصغر (، )Micro enterprises
والمشروعات التى يعمل فيها ما بين عشرة عمال إلى خمسين عامالً مشروعات
صغيرة ،أما التى يزيد عدد العمال فيها عن خمسين عامالً وحتى مائة عامل
مشروعات متوسطة ( ، )Medium enterpriseأما منظمة األمم المتحدة
للتنمية الصناعية ( اليونيدو) فتعرف المشروعات الصغيرة ( Small
)enterprisesبأنها المشروعات التى يديرها مالك واحد ويتكفل بكامل
المسئولية بأبعادها فى األجلين القصير والطويل لعمر المشروع ،ويتراوح عدد
العاملين فى هذه المشروعات ما بين عشرة عمال إلى خمسين عامالً (UNDP,
423
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وبشكل عام تنقسم اإلتجاهات التي تتناول أثر حجم وحدات األعمال على النمو
والتنمية اإلقتصادية إلى اتجاه يؤكد الدور الريادي لإلنتاج الكبير والحكومة
المركزية كالماركسيين ،واتجاه آخر يؤكد على األهمية النسبية للمؤسسات
الصغيرة والمشاركة الديمقراطية والالمركزية ومرونة التمويل على التنمية
اإلقتصادية مثل "راي بروملي" (( )Bromley Rayزوبير و سعاد ،2013 ،
صفحة ، )7فعلى سبيل المثال أثبتت العديد من الدراسات أن معدالت الربحية
في الشركات الصغيرة تكون أعلى منها في الشركات الكبيرة & (Prescott
) ، Visscher, 1980, p. 460وبالتالي فإن وحدات اإلنتاج الصغيرة ذات
أهمية نسبية في تحقيق النمو والتنمية اإلقتصادية ،ولتحقيق التنمية ينبغي تكوين
هيكل لوحدات اإلنتاج على المستوى القومي يغلب عليه نسبة وحدات اإلنتاج
الصغيرة والتي اقترح بعض الخبراء أن تصل إلى ، %80وسبيل ذلك الصدد
يجب تبني سياسات لتفعيل حاضنات األعمال ( )business incubatorsوهي
مؤسسات مهنية عالية الكفاءة والفاعلية سواء أكانت مؤسسات عامة أو خاصة
منوطة بتنمية وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير مجموعة متكاملة
من آليات الدعم للمشروعات الصغيرة ،إلى أن يتم تخرجها من الحاضنات
ومواجهة واقع السوق متسلحة بالخبرات والمهارات الالزمة الستمرارها ونجاحها
(السالم ط.)2005 ،.
إال أن نظريات صغار المنتجين يوجه لها انتقاد أنه ليس في كل األحوال تكون
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قادرة على قيادة التنمية اإلقتصادية ،حيث تواجه
تلك المؤسسات في كثير من األحوال العديد من العراقيل الطبيعية والمصطنعة
424
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
التي تحد من قدرتها على البقاء والنمو كمزايا وفورات الحجم الكبير عند شراء
المواد المواد الخام والمعدات وتنافسية المنتج ،باإلضافة إلى ضعف قدرات
التمويل والخدمات االستشارية التي تواجه المؤسسات الصغيرة ،باإلضافة إلى
العولمة اإلجتياحية والتي تعني صعوبة نفاذ تلك المؤسسات لألسواق العالمية أو
العكس ،أما المعوقات المصطنعة فتشمل الرشوة والفساد اإلداري وعدم تطور
التمويل والتي تمثل تحديا بار از لدى المؤسسات الصغيرة عن المؤسسات الكبيرة
(زوبير و سعاد ،2013 ،صفحة .)7
425
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
البداية ترجع إلى أعمال النيوكالسيك خاصة مارشال ( )1890والتي أكد خاللها
أن أي تجمع صناعي أو نشاط إنتاجي معين يتيح له التخصص وتحقيق ميزة
تنافسية وانخفاض في تكاليف النقل والمواد األولية ومن ثم تحقيق فرصة أعلى
للنمو اإلقتصادي (داي ،2016 ،صفحة ، )144ومع انتشار الكتابات
النيوكالسيكية ونظريات مرونة التخصص ( )flexible specializationوأثرها
على النمو ظهرت فكرة نظرية األماكن المركزية ،والتي كانت تستهدف في
المقام األول وصف المكان األمثل لتوطين الصناعة الذي تنخفض معه التكاليف
للحد األدنى وترتفع معه األرباح للحد األعلى باإلعتماد على النماذج الرياضية
) ، (Casey , 2003, p. 135أول هذه النماذج طورها عالم اإلقتصاد األلماني
"ألفريد ويبر" )Alfred Weber( 1958 – 1868عام 1909وهي "نظرية
426
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
427
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أو أقطاب للتنمية لتحقيق وفورات التكتل ،بحيث يتشكل القطب من مجموعة من
الصناعات المتحلقة حول صناعة رئيسية تتمتع بأثر كبير في خلق فرص لتكامل
اإلنتاج ،وبالرغم من الجاذبية التي حظيت بها أقطاب النمو في الستينات إال
أنها كسياسة شهدت تراجعا في الثمانينات لصالح نظرية التوازن لعجزها عن حل
مشاكل إعادة التوازن اإلقليمي واغفالها للسلبيات السلوكية واإلجتماعية التي
يخلفها قطب النمو (داي ، )2016 ،فتقدمت نظرية التخطيط اإلقليمي المتوازن
التي ترفض نظرية األقطاب المكانية ونظريات المركزة لما تحدثه من ظاهرة
اإلقتصاد المزدوج وهوة تنموية بين المناطق الهامشية ( )Peri-phetalوالمناطق
المتطورة ( )Developed Regionsقد تؤدي في حد ذاتها إلى إعاقة التنمية
القومية بأسرها ،وفي عام 1957قام ميردال ( )Myrdalبتعديل أقطاب بيرو
وفق إطار نظرية السببية التراكمية ،واعتبر هيرشمان ()Hirschman, 1986
أن عدم اإلتزان الناتج عن اإلستقطاب والمركزة سرعان ما سيؤدي إلى اإلتزان
التنموي بالمستقبل ،فالنمو يحدث عبر سلسلة من التفاعالت غير المتوازنة
والتي تؤدي في النهاية إلى انتشار التنمية من المركز إلى األقاليم المتخلفة ،
وفي عام 1965قدم "كارل فوكس" ( )Karl Foxمفهوم "الوظيفة اإلقتصادية
للمساحة" ( )functional economic areaوالتي تفسر تكوين المدن المركزية
بما يحيط بها من مساحة واسعة تجتذب منها العمالة ،بحيث تعمل الوظيفة
اإلقتصادية كآلية للجذب والتركيز اإلقتصادي من المساحة المحيطة (كامل،
،2001صفحة ، )41وفي عام " 1966جون فريدمان" نظرية مراكز النمو ،
أما أول ظهور لمصطلح "اإلقتصاد اإلقليمي" ( )regional economicsكفرع
متخصص من العلم فيرجع لعالم اإلقتصاد األمريكي "والتر إيزارد" – 1919
)walter isard( 2010والذي طرح المصطلح ألول مرة عام 1984ببحث
قدمه بالمؤتمر السنوي للجمعية األمريكية لإلقتصاد "بنظرية الموقع والتنمية
428
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
429
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
430
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
هيكل التوزيع هو الهيكل الذي يصف اتجاهات تدفق الناتج تجاه شرائح السكان ،
من حيث شرائح طبقات الدخل ،من يقوم بصنع أغلب الناتج أو أين يتوجه
أغلب الدخل القومي إلى األغنياء أم الفقراء؟ الشباب أم الناضجين أم كبار
السن؟ األجانب أم الوطنيين؟ القطاع الخاص أم الحكومي؟ ما هو نصيب
الرجال والنساء من الدخل القومي؟ ما هو مقدار توزيع الناتج وفقا لمراحل
التعليم؟ هل إجمالي حجم الناتج الموجه لغير المتعلمين أكبر أم الموجه تجاه
431
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
المتعلمين؟ ،مبحث هيكل التوزيع التنموي يبحث العالقة ما بين تدفق الناتج وفق
المتغيرات السابقة وبين نمو الناتج القومي خاصة ذلك النمو القومي الذي يتحقق
من خالل نمو الطبقات الفقيرة.
الفترة كانت هذه الدول فعال تحقق مستويات متدينة من التفاوت في الدخل قبل
أن تبدأ في الزيادة بعد ذلك ،أما دراسة خرابشه ( )2001حول العوامل المؤثرة
في تفاوت الدخل في األردن فقد أثبتت عالقة طردية بين متوسط الدخل
وانخفاض حجم األسرة وبين متوسط الدخل ونسبة التحضر (سكيك،2015 ،
الصفحات )11-8
433
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
434
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وهنا تقف القوة التبادلية للمنتج النهائي (الحاجة والمركز التنافسي) متفاعلة مع
ندرة الخام كمحدد داخلي لتدفق سلسلة اإلمداد ،حيث تزداد سيولة التدفق بزيادة
القوة التبادلية للمنتج النهائي ووفرة الخام وتنخفض بانخفاضهما كمحدد داخلي
لسيولة التدفق ،أما المحدد الخارجي لتدفق السلسلة فهو القدرة التبادلية للمنتج
والذي يتحدد بتقاطع القوة التبادلية مع مستوى التدفق بسالسل اإلمداد األخرى
المتفاعلة مع ميكانزم التبادل ،وبذلك فإن المحددات الداخلية هي القوة التبادلية
من نفعية وتنافسية بجانب ندرة الخام ،أما المحددات الخارجية لتدفق سلسلة
اإلمداد فهي القدرة التبادلية كمحصلة تفاعل القوة التبادلية مع سيولة التدفق
بالسالسل األخرى المتفاعلة ،عندما تتدهور النفعية أو التنافسية تنخفض القوة
التبادلية ،أما في حالة عرقلة تفاعالت التبادل مع السالسل األخرى ،أو حدوث
اختناقات داخلية في سيولة تدفقاتها اإلنتاجية تنخفض القدرة التبادلية ،تدهور
النفعية يرتبط بتغير مفهوم الحاجات لدى الطلب (تغير أنماط اإلستهالك) ،أما
تدهور التنافسية فيرتبط إما بإنخفاض الجودة أو ارتفاع جودة المنافسين (تغير
منظومة اإلنتاج) ،الندرة ترتبط بتغير رصيد الموارد أو تغير تدفق وظائف
أخير فإن اختناقات السالسل
الطبيعة ،عرقلة التفاعالت أسبابها (سياسية) ،و ًا
األخرى ترتبط بكافة العوامل السابقة ،بحيث تعمل اختناقات السالسل كدائرية
سببية محددة للمستوى العام لنمو الناتج الكلي ،بجانب محددات أنماط
اإلستهالك ومنظومة اإلنتاج ومنظومة الندرة ،يتضح مما سبق أن آلية التبادل
محصلة لتفاعل أنماط الحاجة والتنافسية والندرة والمستوى العام لسيولة تدفق
اإلنتاج الكلي ،كما أن المستوى العام لسيولة تدفق اإلنتاج الكلي يتحدد بمستوى
التبادل الكلي كمحصلة للقوة التبادلية والقدرة التبادلية للناتج ،يتضح مما سبق
أن قدرة التبادل تؤدي إلى تدفق اإلنتاج برفع إنتاجية طاقة اإلنتاج القائمة إلى
المعطلة لطاقات اإلنتاج وتحقيق التشغيل الكامل
معدالتها القصوى وضم العوامل ُ
435
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
،كما أن التدفق الكمي (فائض الحجم) والكيفي (الجودة واإلبتكار) لإلنتاج يؤدي
إلى رفع قدرة التبادل ،التبادل هو اآللية التي يتم بموجبها تقوم المنظمة ببيع
نصيب عامل اإلنتاج من الناتج ودفع قيمته بصورة نقدية ليقوم بإستبدال تلك
القيمة بأشكال اخرى من االلسلع والخدمات التي تفي باحتياجاته ورغباته ،وألن
نصيب الفرد من الناتج ال يتدفق إليه في صورة الناتج الفعلي الذي ساهم في
إنتاجه وانما بتلك القيمة النقدية التي تعبر عن نصيبه من ذلك الناتج والتي ال
يمكن الحصول عليها إال عبر آلية التبادل ،فإن عملية التبادل هي المحرك
الجوهري لتدفق اإلنتاج ،وهنا يجدر التساؤل هل هناك عالقة ما بين هياكل
الطلب القومية في دفع عمليتي التبادل واإلنتاج؟ وهي (هيكل الطلب القومي)
شرائح المستهلكين النهائيين للناتج القومي وفقًا للعوامل الديموغرافية كالعمر
والنوع ومستوى الدخل واإلقليم والشخصية القانونية ،بمعنى آخر هل توجه
اإلنتاج القومي لتلبية هيكل معين من الطلب يؤدي إلى رفع معدالت النمو
اإلقتصادي ،هل اإلنتاج ينمو بمعدالت أسرع عندما يتوجه لتلبية طلب األغنياء
أم متوسطي الدخل أم الفقراء؟ ،هل إنشاء وحدة إنتاجية إلنتاج سيارة باهظة
التكلفة سيتحقق معه نمو بشكل أكبر من إنشاء وحدة إنتاجية إلنتاج سيارة
منخفضة التكاليف أم العكس؟ ،هل توجيه اإلنتاج لتلبية طلب السوق األوروبي
سيتحقق معه نمو أكبر لإلنتاج أم لتلبية طلب السوق الروسي وأسواق شرق
آسيا؟ أم ال توجد عالقة لتغير عامل اإلقليم مع معدالت النمو؟ ،هل
المشروعات التي تقوم على أساس تلبية حاجات صغار السن تحقق معدالت
أكبر من الدخل من المشروعات الموجهة للشباب أم للناضجين أو كبار السن؟
أم ال توجد عالقة على معدالت الدخل والنمو.
436
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
اإلستهالك لغرض غير إنتاجي بحد ذاته ال يمثل فناء للقيمة وانما تحويلها من
صورة إلى أخرى ،فالمنافع التي يستهلكا أو ُيهلكها اإلنسان إلشباع حاجاته
ورغباته تتحول إلى خبرات مادية ومعنوية متجسدة ،فاإلنفاق على األفراد يتجسد
كخبرات مادية ومعنوية تسهم في نموهم الجسدي والنفسي والمعرفي فترتقي
ذواتهم ويصبحون أفراداً أكثر قدرة إنتاجية وأكثر قدرة على اإلستمتاع بالحياة ،
437
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
أما تدني تدفق المنافع لدون مستوى الحاجات األساسية فمن شانه تكوين أفراد
تنخفض قدراتهم وامكانياتهم وأدائهم سواء على المستوى اإلنتاجي أو غير
اإلنتاجي ،ولذلك فالطفل الذي ال يتم اإلنفاق عليه بشكل جيد على حاجاته
كبير
ًا المادية والمعنوية النفسية والمعرفي منذ صغره ال يتوقع منه مردودا
بالمستقبل بخالف الطفل الذي يحظى بإنفاق أكبر ،ومن هذا المنطلق طور
البنك الدولي مجموعة مؤشرات من إجمالي 1450مؤشر تتعلق بمعدالت
إستهالك المنتجات والخدمات األساسية لتقييم أداء اإلقتصادات المحلية، 1
وبشكل عام يمكن تقسيم اإلستهالك المعيشي إلى عشر قطاعات أساسية هي:
قطاع اإلسكان والمرافق واألمن وقطاع المواصالت وقطاع الغذاء وقطاع الكساء
وقطاع الصحة وقطاع الزواج والحاجات اإلجتماعية وقطاع التعليم والمعرفة
وقطاع التكنولوجيا واإلتصاالت وقطاع الفنون والترفيه وقطاع اإلنفاق الديني
والتطوعي ،بحيث يتشكل هيكل اإلستهالك من هو حجم ونمط ونسب إنفاق
األسر على تلك القطاعات السابقة ،الحجم هو مقدار اإلنفاق والذي يمكن تقديره
للمقارنات الدولية بتعادل القوى الشرائية ،أما النمط فهو اإلختيارات النوعية
والتفضيالت والرغبات لخواص المنفعة والتي تتفاوت بين المجتماعت وداخل
نصيب الفرد من النفقات النهائية الستهالك األسر المعيشية ،استهالك الطاقة الكهربائية (متوسط نصيب الفرد
1
من االستهالك بالكيلو وات ساعة) ،عدد مرات انقطاع الكهرباء بالشركة خالل الشهر ،نصيب الفرد من
استهالك البنزين ووقود الديزل ،معدل توافر مصدر محسن لمياه الشرب (نسبة السكان الذين تتاح لهم سبل
الحصول على مياه الشرب) ،نصيب الفرد من الموارد المائية العذبة الداخلية المتجددة (أمتار مكعبة) ،معدل
انتشار المراحيض الخاصة ،معدل انتشار مرافق الصرف الصحي المحسنة ،نصيب الفرد من اإلنفاق على
الرعاية الصحية ،وفقا لتعادل القوة الشرائية (باألسعار الثابتة للدوالر الدولي في عام ، )2011اإلنفاق العام على
التعليم ،سواء معدل اإلنفاق العام أو اإلنفاق الحكومي على التعليم ،نسبة خطوط الموبايل من إجمالي السكان ،
مستخدمو اإلنترنت (لكل 100شخص) ،مشتركو اإلنترنت الثابت عريض النطاق (لكل 100شخص) ،
خطوط هاتفية (لكل 100شخص) ،االشتراكات في خدمات الهاتف المحمول (لكل 100فرد) ،متوسط نصيب
الفرد من الحبوب
438
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
المجتمعات ،أما النسب فهو نسبة إنفاق األسرة على كل قطاع إلى إجمالي
وبناء عليه فإن هيكل اإلنفاق المعيشي لألسر من المنظور اإلنتاجي
ً إنفاقها ،
تراكم مادي ومعنوي باألفراد يتغير بتغيره نمو وتوزيع اإلنتاج ،وهو ما يتطلب
دراسات مقارنة للوقوف على العالقة بين الهياكل اإلستهالكية ومعدالت التنمية
من حيث متوسط الدخل وعدالة التوزيع ،من حيث أثر تغير هياكل اإلستهالك
على تغير التنمية.
وبناء عليه فالرفاهية تسهم في رفع معدالت النمو والتنمية اإلقتصادية ،كما أن
ً
مستوى الرفاهية المتحققة والشعور بالسعادة المتولد عنها هو مؤشر لألداء العام
لإلقتصاد والتنمية المتحققة ،ومع بدايات القرن الواحد والعشرين ظهرت أولى
محاوالت قياس مستويات السعادة بدول العالم مع مركز جالوب لألبحاث ،
"منظمة جالوب" ( )The Gallup Organizationهي شركة خاصة تعمل في
مجال اإلستشارات اإلدارية والبحوث اإلحصائية قام "جورج جالوب" ( George
)Horace Gallupبتأسيسها بواشنطن بالواليات المتحدة عام ، 1958فيما بعد
أصبحت تمتلك الشركة أربعين مكتب حول العالم وانقسمت أعمالها إلى أربع
أقسام وهي ،غالوب الستطالعات الرأي ،وغالوب االستشارية ،وجامعة غالوب،
وغالوب الصحفية ،وفي عام 2005أطلقت جالوب استقصاء سنوي بعنوان
"أسعد وأتعس البلدان بالعالم" ( The Happiest and Unhappiest
)Countries in the Worldشامالً 160دولة حول العالم ونحو %99من
سكان العالم ،وذلك باإلعتماد على مقابالت تليفونية بالدول التي يتعدى تغطية
خطوط الهاتف بها %80من السكان ،وذلك بسؤال تليفوني لعينة عشوائية من
السكان بتقييم حياتهم وفق مقياس يتراوح ما بين 0وهو أسوء حياة ممكنة و10
كأفضل حياة ممكنة ) ، (Gallup, 2017وفي عام 2006قام مركز أبحاث
الرفاهية ( )Centre for wellbeingالتابع لمؤسسة اإلقتصاد الجديد nef
439
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
440
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
442
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
قطاع األعمال الخاص؟ ،ووفقا لذلك التقرير فإن مستويات السعادة ستختلف
كثير تقديرات ، nefحيث ستتركز أعلى مستويات السعادة لعام 2017بدول ًا
أوروبا الشمالية النرويج والدانمارك وأيسلندا وفلندا وهولندا ،وكندا واستراليا ثم
أمريكا بالترتيب الرابع عشر ،كما سترتفع مستويات السعادة بالدول العربية التي
يرتفع بها متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي والتي يحرص أفرادها على
وبناء عليه فخالفًا لمؤشر نيف ارتفع مؤشر سدنس باإلمارات
ً النفقات التطوعية ،
العربية لتحتل الترتيب رقم 21وقطر الترتيب رقم 35السعودية الترتيب رقم 37
،أما مصر فسينخفض ترتيبها إلى ، 104والهند ، 122وأكرانيا ، 132أما
سوريا فستحتل مرتبة متأخرة جدا 152من 155دولة ،وهو نفس ترتيب مؤشر
جالوب تقريبا بالرغم من تضمن مؤشر نيف لمؤشر جالوب وعدم تضمن مؤشر
سدسن له (Helliwell, Layard, & Sachs, World Happiness Report,
) ، 2017, p. 17جدير بالذكر أنه يوجد العديد المؤشرات لقياس مستويات
السعادة العالمية بشكل أثر تخصص ،كالمؤشر العالمي لسعادة الشباب ،
ومؤشر ( )Universumالعالمي لسعادة القوى العاملة ( Universum Global
)Workforce Happiness Indexب 55دولة ).(Universum, 2016
443
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
يمكن تحقيقها من إشباع إستهالك حالي ،وذلك بقصد الحصول على منفعة
مستقبلية أكبر يمكن تحقيقها من إشباع استهالك مستقبلي" (حربوش وأورشيد,
:1996ص ، )23كما عرفه ألزيدانين ( :1999ص )12بأنه " التضحية
بأموال يمتلكها الفرد في لحظة معينة ولفترة زمنية معينة قد تطول أو تقصر
وربطها بأصـل أو أكثر من األصول التي يحتفظ بها لتلك الفترة الزمنية بقصد
الحصول على تدفقات مالية مستقبلية تعوضه عن ذلك ،كما يعرفه عبد الرحمن
وموسى ( :1999ص )24على أنه "عبارة عن جزء من الدخل ال يستهلك وانما
يعاد إستخدامه في العملية اإلنتاجية ويهدف إلى زيادة اإلنتاج أو المحافظة عليه
مع األخذ في اإلعتبار اإلضافة إلى المخزون السلعي" (عبد الرحمن و عريقات ،
مفاهيم أساسية في علم االقتصاد .)1999 ،
ويعد أثر اإلستثمار على اإلقتصاد القومي أثر إيجابي مضاعف ،وهو ما يعرف
بمضاعف اإلستثمار ،وهو العالقة بين تغير اإلستثمار وتغير الدخل ،حيث أن
اإلنفاق اإلستثماري سيؤدي إلى زيادة الدخل بشكل مباشر لشريحة من أصحاب
عوامل اإلنتاج ،هذا الدخل سيتم انفاقه مع ادخار نسبة معينة ،والذي يمثل
بدوره دخوال جديدة لعمال أخرين ،ويقوم هؤالء أيضا بإنفاق معظم دخولهم وهكذا
تستثمر هذه العملية حتى تبلغ الزيادة في الدخل والعمالة أضعافا معينة للزيادة
األولية لإلستثمار ويسمى هذا بمضاعف اإلستثمار ،ويتوقف حجم المضاعف
على حجم الميل الحدي لإلستهالك أو اإلدخار ،فكلما كبر حجم الميل الحدي
لإلدخار كلما قل اإلنفاق الذي يقوم به ذوي الدخول الجيدة والتي ولدت نتيجة
للزيادة األولية في اإلستثمار ومن ثم قلت الزيادة النهائية في الدخل (الحاج،
، )1998ويقاس مضاعف اإلستثمار من خالل المعادلة التالية :مضاعف
اإلستثمار= – 1 ( / 1الميل الحدي لإلستهالك ) (،عبد الرحمن وموسى ,
.)1999
445
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وفقاً لمعيار التغير في الطاقة اإلنتاجية ينقسم اإلستثمار إلى إستثمار حقيقي ،
وهو اإلستثمار الذي يترتب عليه خلق طاقة إنتاجية جديدة ،واستثمار مالي
(شراء األوراق المالية كاألسهم والسندات وشهادات اإليداع) وهو اإلستثمار الذي
ال يترتب عليه خلق طاقة إنتاجية جديدة ،وانما تستهدف الفائدة من خالل
المضاربة على القيمة السوقية لطاقات إنتاج قائمة ،ويعتبر اإلستثمار الحقيقي
العامل األساسي لتحقيق معدل سريع في النمو اإلقتصادي حيث يؤدي إلى خلق
طاقة إنتاجية جديدة وتعزيز إضافة القيمة (عمر .)1991 ,
وفقاً لمعيار مباشرة األعمال استثمار مباشر وهو اإلستثمار الذي يكون فيه
المستثمر مرتبطاً بإدارة األعمال كالشركاء واألعضاء المؤسسين وأصحاب أغلبية
األسهم بشركات األموال ،واستثمار غير مباشر وهو اإلستثمار الذي الذي ال
يرتبط فيه المستثمر بإدارة األعمال كالمقرضين والممولين للمشروعات
اإلستثمارية.
446
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وفقاً لمعيار نوع عامل اإلنتاج محل اإلستثمار إستثمار عقاري (وهو كل أصل
إنتاجي ال يمكن نقله من موطنه كاألراضي والمنشآت والمواقع األثرية والشواطئ
والمحميات الطبيعية) أو رأس مال منقول (وهي كافة صور األموال التي يمكن
أن تساهم في خلق اإلنتاج ويمكن نقلها من موقع آلخر) ،أو بشري أو تنظيمي
،ويعتمد تثمير عنصر العمل أو التنظيم على التراكم المتوازن للبنية الكلية للعمل
المادية والمعنوية ،حيث يتكون عنصر العمل من مكون فكري وجسدي بحيث
يؤثر كالً منهما في اآلخر ،البنية الفكرية للعمل تمثل منظومة العناصر الفكرية
التي تؤثر على العمل والتي تتنوع ما بين بنية ثقافية وبنية تخصصية ،حيث
تؤثر البنية الثقافية وهي األفكار التي ال تتعلق بالعمل بشكل مباشر على العمل
بشكل غير مباشر ،يعرفها مايكل بورتر ()MICHAEL E. PORTER, 2000
بأنها المعتقدات واالتجاهات والقيم التي تؤثر على ماله عالقة باألنشطة
االقتصادية لألفراد والمنظمات والمؤسسات األخرى ).(Michael E. , 2000
وفقاً لمعيار البنية استثمارات في البنية المادية التحتية (ويشار إليها بجميع
اإلنشاءات التي تتم أسفل الرصيف كالطرق واألنفاق وامدادات المرافق) ،
واستثمارات البنية الفوقية والتي تمثل المنشآت الخدمية المختلفة.
وفقاً لمعيار حجم (قيمة) اإلستثمار ينقسم اإلستثمار وفقًا للحجم إلى إستثمارات
صغيرة ومتوسطة وكبيرة.
447
**الباب الرابع نظرية التنمية اإلقتصادية**
وفقا للعالقة ما بين الطاقة اإلنتاجية إستثمارات مانعة بالتبادل " Mutually
( "Exclusive Projectsوهي اإلستثمارات البديلة لألخرى ،بحيث يمنع البديل
إقامة البديل اآلخر ،أي ال يمكن إقامة اإلثنين معاً ،كإقامة منتجع سياحي
بمنطقة ما أو إقامة قرية سياحية بنفس المنطقة) فالبد من إلقامة أحدهما
والتخلي عن اآلخر ،واستثمارات الزمة للتكامل " Interdependent
( "Projectsوهي اإلستثمارات التي يلزم إقامة أحدها إقامة اآلخر ،أي البد من
إقامة اإلثنين معاً ،ومثال على ذلك في حالة إقامة مدينة سياحية البد من إقامة
طريق يصلها بالشبكة القومية للطرق) أي أن هذا النوع من المشروعات عكس
األولى فالبد من إقامتها مجتمعة ،أما النوع الثالث من اإلستثمارات فهو
اإلستثمارات المستقلة "( "Independent Projectsعبد القادر )2000 ،الغير
مانعة بالتبادل أو الزمة للتكامل ،فيمكن إقامتها مجتمعه (متى توفرت القدرات
الالزمة) أو إقامة أحدها (في حالة نقص الموارد أو اخفاض الطلب) ،ويدخل
ضمن هذه الطائفة اإلستثمارات البديلة الغير مانعة بالتبادل ،والتي تقدم إنتاجاً
بديالً يغني أحده عن اآلخر (كإقامة مجموعة من الشاليهات السياحية وبجانبها
إقامة فندق سياحي) ،فهذه النوع من اإلستثمار ال يمنع أحده إقامة اآلخر ،
واإلستثمارت المتكاملة بشكل غير الزم ،وهي اإلستثمارات التي تكمل بعضها
اآلخر بشكل غير الزم فال يلزم من إقامة أحدها إقامة اآلخر (كإقامة قرية
سي احية وبجانبها منطقة ترفيهية وتسويقية) ،واإلستثمارات المنافسة ،سواء التي
تقدم نفس الخدمات (منافسة مباشرة) أو جزء منها (منافسة غير مباشرة) ،
واإلستثمارات المختلفة التي اليلزم من أحدها إقامة اآلخر وال يمنع من إقامته
(كإقامة مستشفى وبجانبها إقامة مدرسة).
واستثمار الربحية العامة أو المنفعة العامة ،والذي يهدف إلى تحقيق منفعة
عامة تعود علي االقتصاد القومي (العظيم ،1999 ،صفحة .)17
وفقاً لمعيار فترة اإلستثمار إلى إستثمار طويل األجل (كاإلستثمار في األسهم
والسندات) ،واستثمار قصير األجل (كاإلستثمار في أذونات الخزينة والقبوالت
وفق لمعيار فترة العمر اإلنشائي
البنكية) ،ويالحظ أن اإلستثمار يمكن تصنيفه ً
أو اإلفتراضي للطاقة المضافة ،ال يمكن تصنيفه وفقاً لعامل الزمن ألنه يتم في
زمن واحد وهو المستقبل.
وفقا لجنسية رأس المال إلى إستثمار وطني (وهو اإلستثمار الذي يتم من خالل
رأس مال وظني) ،واستثمار أجنبي (وهو اإلستثمار الذي يتم من خالل رأس
مال أجنبي).
وفقا لمعيار عالقة اإلستثمار بالدخل إلى إستثمار مستقل (األساس في زيادة
الدخل) واستثمار محفز (وهو الذي يأتي نتيجة لزيادة الدخل) والعالقة بينهما
طردية ( ،الغرفة التجارية بالقاهرة :1998 ,ص.)6
وفقاً للمعيار الوظيفي يمكن تقسيم اإلستثمار وفقاً لمعيار المجال الوظيفي الذي
يتم خلق الطاقة اإلنتاجية به وممارسة اإلنتاج ،كاإلستثمار الزراعي والصناعي
واإلسكاني والتكنولوجي والتعليمي والصحي والسياحي.
449
**الخاتمة**
الخاتمة
الصراع التاريخي بين من يملكون ومن اليملكون حول الحق في الملك واإلنتفاع
يجب أن يتخطاه الفكر المعاصر بحسم قضية الحق في الملك والحق في الحياة
،إذا كان النظام اإلشتراكي يقوم على إجحاف فرضية نزع األفراد من ملكياتهم
الخاصة وتقييد ُحرياتهم ،فإن النظام الرأسمالي يقوم على إنتهاك قداسة اإلنسانية
بحرمان من ال يملك عامل إنتاج من حق الحياة ،حينما نصف أنه لم تكن كل
السياسات اإلقتصادية التي تم التنظير لها مصحوبة بشبهات انتفاعيه ،فإن ذلك
يعني أن قدر كبير من تلك النظريات كان مصحوبا بشبهات إنتفاعيه وميول
المنظرين كانوا ينتسبون إلى
أيديولوجية ،ومع ذلك فالعديد من الفالسفة والعلماء ُ
فريق ومالوا إلى أحقية الفريق الثاني وهو ليس دليال على الصحة بقدر التأكيد
جهودا جادة قامت على الفحص العلمي الحيادي حول تلك اإلشكالية.
ً على أن
إن اإلقتصاد العالمي المعاصر كل واحد معقد متفاعل يصعب معه تخيل حدوث
تنمية إلقتصاد بمعزل ،وبالرغم من أن التفاعالت اإلقتصادية ترتبط بقدر كبير
بحتمية بيئية ،فالتقارب البيئي يؤدي إلى التقارب اإلجتماعي ،واإلنسجام
اإلجتماعي يمهد للتحالف السياسي ،والتحالف السياسي يترتب عليه توسيع
التفاعل اإلقتصادي ،إال أن التقنيات الحديثة يمكنها التغلب على قدر كبير من
تلك الحتمية البيئية ،وهنا يجب التأكيد على مرتقب جسيم ،فإذا كانت نظرية
قارب النجاة ترى أن أمن العالم المتقدم في عدم السماح لمن يصارعون الغرق
في الفقر بصعود ذلك القارب ،فإن واقع القوارب غير الشرعية يؤكد أن غرق
بمنأى بعيد ،إن هوة التنمية المتسعة بين الشمال والجنوب
ً قارب األثرياء ليس
مع اإلرتفاعات المتوقعة لثراء غير مسبوق للشمال وزيادة غير مسبوقة ألعداد
فقراء الجنوب ربما تُنبئ بتسونامي يزحف من الجنوب تجاه الشمال قد يؤدي
450
**الخاتمة**
بالفعل لغرق قارب نجاة األثرياء ،المسؤلية تقع على دول الشمال بالمساوة مع
دول الجنوب في تبني سياسات مشتركة وجادة لخلق بيئات آمنة بدول الجنوب
تُشكل نقاط جذب وأقطاب تنموية تنبع بشكل أساسي من منطق أخالقي قبل
المناطق األمنية واإلجتماعية واإلقتصادية ،وبالتوازي تبني سياسات جادة نحو
تجفيف مصادر تغذية أنساق التخلف حتى فنائها ،هذه البيئات اآلمنة يجب
تصميمها وفق سياسات تنموية خاصة بكل محل تراعي خصوصية السياق
التاريخي بأبعاده اإلجتماعية والسياسية لعالقات اإلنتاج والتوزيع يقوم على
إعدادها بشكل أساسي كوادر محلية طنية وليس منظمات عالمية لضمان
المواءمة.
451
**المراجع العربية**
المراجع العربية
إبراهيم ,م .ع . (2016).إقتصاديات الموارد .السعودية :جامعة المجمعة.
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري .)1960) .تاريخ الرسل والملوك )المجلد الجزء الثالث)) .محمد
أبو الفضل ابراهيم ،المحرر) القاهرة :دار المعارف.
أبوذؤيب ,إ .و . (1927).تاريخ اليهود في بالد العرب في الجاهلية وصدر اإلسالم( .ت .ط .حسين ,
)Ed.القاهرة ,مصر :مطبعة اإلعتماد بشارع حسن األكبر.
أحمد بورزان .)2013) .سوريا ونظريات التحوّ ل الديمقراطي .تم االسترداد من
?http://aljumhuriya.net/12781
أحمد سليمان البشايرة .)2009) .ظاهرة الرق قضية إنسانية وعالج قرآني .مجلة البحوث والدراسات
القرآنية ،العدد العاشر -السنة الخامسة والسادسة.178 - 105 ،
أحمد عبد العزيز الشرقاوي .)2015) .المدخل لدراسة اإلقتصاد .المنوفية :قسم االقتصاد ،كلية
التجارة ،جامعة المنوفية.
أحمد محمد عبد العال .)2012) .أقطاب ومراكز النمو في التخطيط االقليمي .الفيوم .تاريخ االسترداد
،2016 ,10 27من
http://www.fayoum.edu.eg/arts/Geography/pdf/01.pdf
ادجار هوفر .)1974) .النظرية المكانية في اختيار المكان المناسب للنشاط اإلقتصادي )المجلد
األولى)) .عزت عيسى غوراني ،المترجمون) بيروت :دار اآلفاق الجديدة.
إسعاف حمد .)2015) .رأس المال االجتماعي :مقاربة تنموية .مجلة جامعة دمشق.)3)31 ،
أسعد محمد عكاشة .)2008) .أثر الثقافة التنظيمية على مستوى األداء الوظيفي في فلسطين .غزة:
رسالة ماجستير مقدمة لقسم إدارة األعمال ،كلية التجارة ،عمادة الدراسات العليا ،
الجامعة اإلسالمية بغزة.
إسماعيل عبد الرحمن .)2004) .مفاهيم ونظم اقتصادية التحليل الكلي والجزئي .عمان :دار وائل
ط.1
إسماعيل عبد الرحمن ،و حربي عريقات .)1999) .مفاهيم أساسية في علم االقتصاد .عمان -
األردن :دار وائل للطباعة والنشر.
452
**المراجع العربية**
أشرف بن خليل سكيك .)2015) .محددات تفاوت توزيع الدخل في االقتصاد الفلسطيني) .خليل بن
أحمد النمروطي ،و سمير بن خالد صافي ،المحررون) غزة ،فلسطين :رسالة ماجستير
قدمة لقسم اقتصاد التنمية كلية التجارة في الجامعة اإلسالمية بغزة.
اإلخناوي ,ف . (1993).مصر الفرعونية بين الماضي والحاضر (األول ed.).القاهرة ,مصر :دار
الثقافة الجديدة.
األشوح ,ز .ص . (1997).اإلقتصاد الوضعي واإلقتصاد اإلسالمي نظرة تارخية مقارنة .القاهرة :
عين للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية.
األفغاني ,ج .ا . (1979).األعمال الكاملة لجمال الدين األفغاني (األول ed., Vol.األول( ).م .عمارة ,
)Ed.القاهرة ,مصر :المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
األكاديمية العربية البريطانية .)2013) .مبادئ تكوين الثروة .األكاديمية العربية البريطانية للتعليم
العالي .تم االسترداد من http://www.abahe.co.uk/economics-and-
investment-enc/82456-principles-of-wealth-creation.html
األمم المتحدة .)1986) .تقرير الحق في التنمية .الجمعية العامة لألمم المتحدة -الدورة الحادية
واألربعين .تاريخ االسترداد - 2016أكتوبر ،من https://documents-dds-
?ny.un.org/doc/RESOLUTION/GEN/NR0/492/13/IMG/NR049213.pdf
OpenElement
األمم المتحدة .)1992) .اتفاقية األمم المتحدة اإلطارية بشأن تغير المناخ .نيويورك .تاريخ االسترداد
،2017 ,3 17من
http://unfccc.int/resource/docs/convkp/convarabic.pdf
األمم المتحدة .)1997) .الفقر في عربي آسيا منظور اجتماعي .نيويورك :اللجنة االقتصادية
واالجتماعية لعربي آسيا - ،االمم المتحدة.
األمم المتحدة .)2000) .إعالن األمم المتحدة بشأن األلفية .نيويورك :الجمعية العامة .تم االسترداد
من
http://www.unesco.org/new/fileadmin/MULTIMEDIA/HQ/ED/ED_ne
w/pdf/Standards_and_Norms/UN_Mill_Ara_.pdf
األمم المتحدة . (2002).تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة .نيويورك. doi:02-63691
آالن بونيه .)1993) .الذكاء الصناعي) .علي صبري فرغلي ،المترجمون) الكويت :عالم المعرفة -
المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب .تاريخ االسترداد ،2017 ,3 22من
http://a.amaaz.free.fr/portail/downloads/Issue-172.pdf
453
**المراجع العربية**
البابا الثالث شنودة .)1990) .سنوات مع أسئلة الناس )اإلصدار الطبعة األولى ،المجلد الجزء
الثالث) .القاهرة ،مصر :مطبعة األنبا رويس األوفسيت -الكتدرائية -العباسية.
الببالوي ,ح . (1995).دليل الرحل العادي للتعبير االقتصادي .القاهرة :دار الشروق.
البرعي ,ع .ع & .,مصطفى ,ح .م . (2006).مبادئ اإلقتصاد السياسي .المنوفية :كلية الحقوق جامعة
المنوفية.
البكري ,ج .ك . (2006).دورات األعمال في المدرسة النمساوية -مع اشارة إلى نموذج قائمة الكلف
الصغيرة .الغري للعلوم اإلقتصادية واإلدارية, 144.
البنك الدولي .)2006) .مؤشرات التنمية :مؤشر التنوع البيولوجي .مجموعة البنك الدولي.
البهي ,م . (1981).اإلسالم واإلقتصاد (الطبعة الثانية ed.).القاهرة :دار التضامن للطباعة -مكتبة
وهبة للنشر للنشر والتوزيع.
الحميد ,ع .ا . (2003).النظام اإلقتصادي العالمي الجديد وآفاقه المستقبلية .القاهرة :مجموعة النيل
العربية.
السريتي ,ا .م & .,غزالن ,م .ع . (2010).مبادئ اإلقتصاد الجزئي .األسكندرية :مؤسسة رؤية
للطباعة والنشر والتوزيع.
السقا ,م .ا . (2012).التطبيقات الحديثة لفرضية التوقعات الرشيدة : 1990-1995.القاهرة :كلية
التجارة وادارة االعمال -جامعة حلوان.
السالم ,ف .م . (1995).المستجدات العالمية (الجات وأوروبا الموحدة )وتأثيراتها على تدفقات رؤوس
األموال والعمالة والتجارة السلعية والخدمية (Vol. 99).القاهرة :معهد التخطيط القومي.
الشمري ,ن .م . (1999).النقود والمصارف والنظرية النقدية (األول ed.).عمان :دار زهران للنشر
والتوزيع.
الصوت الشيوعي .)2017) .فوائد عكس مفهوم ماركس للبنى الفوقية والبنى التحتية .تاريخ
االسترداد ،2017 ,1 21من
454
**المراجع العربية**
https://www.sites.google.com/site/communistvoice/historical-
materialism/issue-6
الطيب البرغوثي .)1993) .موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي
)اإلصدار األولى) .الجزائر :سلسلة :لبنات في المسار الحضاري ،دار الينابيع للنشر
واإلعالم.
العام ,ر . (2006).الحرية الفردية في المذهب اإلشتراكي واإلجتماعي .مجلة العلوم اإلنسانية(العدد
العاشر).
العربية ,ا . (1981).األنظمة االقتصادية (Vol.الرابع ).دمشق ,سوريا :هيئة الموسوعة العربية -
رئاسة الجمهورية العربية السورية.
العمر ,م . (2009).أنواع النظم الضريبية .الكويت :قسم اإلقتصاد ،كلية إدارة األعمال ،جامعة
الكويت.
الغنيمي ,إ .ح . (2001).أنماط الحيازة وتأثيرها في تطوير وتحسين حالةا لسكان بالمناطق العشوائية .
مؤتمر تأمين الحيازة -اإلدارة الحضرية الجديدة :محور لتحقيق عدالة اجتماعية في المدينة
.األسكندرية :كلية الفنون الجميلة -جامعة األسكندرية.
الفاو .)2016) .صون حقوق حيازة األراضي في سياق االستثمار الزراعي .روما :منظمة األغذية
والزراعة لألمم المتحدةdoi:ISBN 978-92-5-608895-6 .
الكفري ,م .ا . (2004).األفكار االقتصادية والنشاط االقتصادي لدى الفراعنة .الحوار المتمدن(894).
اللبان ,إ . (1971).حق الفقراء في أموال األغنياء .مجلة التوصية اإلجتماعية في اإلسالم.
الياس شوفاني .)1996) .الموجز في تاريخ فلسطين السياسي منذ فجر التاريخ حتى سنة 1949م.
فلسطين :مؤسسة الدارسات الفلسطينية.
اليونسكو .)1989) .تقرير المؤتمر الدولي للسياسات الثقافية .المكسيك :منظمة اليونسكو.
ايفانز ,غ & .,نوينهام ,ج . (2000).المركنتلية في قاموس بنغوين للعالقات الدولية (الطبعة الثانية
( ed.).ترجمة مركز الخليج لألبحاث ), Trans.بنغوين للنشر.
إيمان لفتة حسين .)2012) .مملكة ليديا تاريخها وحضارتها .مـجلة مركز بابل للدراسات اإلنسانية،
المجلد الرابع )العدد الثالث)2895-2227 / 0059-2313 :doi .307 ،
455
**المراجع العربية**
بخاري ,ع .ع . (2009).التنمية والتخطيط االقتصادي :نظريات النمو والتنمية االقتصادية (الطبعة
األولى ed.).جدة :كلية االقتصاد واإلدارة -جامعة الملك عبدالعزيز.
بدر شحدة سعيد حمدان .)2012) .تحليل مصادر النمو في اإلقتصاد الفلسطيني) .سمير مصطفى
أبومدهلل ،المحرر) غزة -فلسطين :رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة األزهر – غزة -
عمادة الدارسات العليا والبحث العلمي -كلية االقتصاد والعلوم االدارية -قسم االقتصاد.
بلقاسم ,ن . (2011).التنمية والتغير في نسق القيم االجتماعية( .ع .بوعناقة ), Ed.قسنطينة ,الجزائر :
أطروحة دكتوراه مقديمة لجامعة منتوري قسنطينة -كلية العلوم االجتماعية والعلوم
اإلنسانية -قسم علم االجتماع . Retrieved 10 11, 2016, from
http://bu.umc.edu.dz/theses/sociologie/ATOI3159.PDF
بلقاسم ,ن . (2011).التنميو والتغير في نسق القيم االجتماعية( .ع .بوعناقة ), Ed.قسنطينة ,الجزائر :
أطروحة دكتوراه مقديمة لجامعة منتوري قسنطينة -كلية العلوم االجتماعية والعلوم
اإلنسانية -قسم علم االجتماع . Retrieved 10 11, 2016, from
http://bu.umc.edu.dz/theses/sociologie/ATOI3159.PDF
بن أبي الدنيا أبي بكر .)1990) .إصالح المال ألبي بكر بن أبي الدنيا )اإلصدار الطبعة األولى).
)مصطفى مفلح القضاة ،المحرر) المنصورة :دار الوفا للطباعة والنشر والتوزيع.
بن سانية عبد الرحمن .)2013) .االنطالق االقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية.
)محمد بن بوزيان ،المحرر) الجزائر :أطروحة دكتورا مقدمة إلى جامعة أبي بكر بلقايد -
تلمسان -كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير والعلوم التجارية.
بول ميلز ،و جون بريسلي .)2014) .التمويل اإلسالمي النظرية والتطبيق .الرياض :كرسي سابك
لدراسات األسواق المالية اإلسالمية -جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية.
بووذن نبيلة .)2007) .محددات الرضا الوظيفي لدى العامل الجزائري في إطار نظرية دافيد
ماكليالند للدافعية) .العايب رابح ،المحرر) قسنطينة ،الجزائر :رسالة ماجستير مقدمة
لجامعة محمود منتوري قسنطينة -كلية العلوم اإلنسانية و العلوم االجتماعية قسم علم
النفس و علوم التربية واألرطوفونيا .تاريخ االسترداد ،2016 ,11 2من
http://bu.umc.edu.dz/theses/psychologie/ABOU2296.pdf
بويلي سكينة .)2015) .الفكر اإلقتصادي عند بن خلدون والمقريزي) .سعيد فكرة ،المحرر) الجزائر:
أطروحة دكتورا مقدمة لقسم اإلقتصاد اإلسالمي -كلية العلوم اإلسالمية -جامعة الحاج
لخضر باتنة.
بيوار خنسي .)2007) .الثروات الطبيعية في كردستان والعراق .العراق ،كردستان :دار آراس
للطباعة والنشر ،الطبعة األولى:doi .رقﻢ اإليﺪاع في المكتبة العامة في اربﻴﻞ٢٩٥/٢٠٠٧
456
**المراجع العربية**
تامر البطراوي .)2016) .فلسفة علم السياحة )اإلصدار الطبعة األولى) .األسكندرية ،مصر :دار
السالم.
تقرير كامبريدج وبرايس وواترهاوس .)2015) .تمويل مستقبل الطاقة .بنك أبو ظبي الوطني .تاريخ
االسترداد ،2017 ,3 19من
https://www.pwc.com/m1/en/publications/documents/financing-
the-future-of-energy-executive-summary-arabic.pdf
ثروت محمد شلبي .)1999) .تنمية اجتماعية .مركز التعليم المفتوح -كلية اآلداب -جامعة بنها .تم
االسترداد من http://www.olc.bu.edu.eg/olc/images/fart/518.pdf
جابر يوسف محمد يوسف .)2011) .التنمية البشرية ,تقرير عن التنمية وفق رؤية شمولية.
الدانمارك :األكاديمية العربية المفتوحة بالدانمارك.
جالبريت ,ج .ك . (2000).تاريخ الفكر اإلقتصادي ( (Vol. 261).إ .ص .عبدهللا & , Ed.,أ .ف .بلبع ,
)Trans.الكويت :عالم المعرفة -المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب.
جمال الدين فالح الكيالني .)2011) .تاريخ العصور الوسطى االوربية .بيروت :مكتبة الجليس.
جهاد عودة .)2014) .مقدمة في العالقات الدولية المتقدمة .القاهرة :المكتب العربي للمعارف.
doi:9772766884, 9789772766888
حازم صبحي الب ّني .)2000) .الثابت والمتحوّ ل في النظام االقتصادي العالمي .الدفاع الوطني
اللبناني ،العدد - 34تشرين األول .2000تاريخ االسترداد ،2016 ,11 23من
https://shar.es/18mHqO
حبيب ,م . (2006).الوجيز في االقتصاد السياسي .دمشق :كلية الحقوق جامعة دمشق.
حشماوي محمد .)2006) .االتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة االقتصادية) .عبد
المجيد قدي ،المحرر) الجزائر :أطروحة لنيل دكتوراه دولة في العلوم االقتصادية لكلية
العلوم االقتصادية و علوم التسيير جامعة الجزائر.
457
**المراجع العربية**
حمدي عبد العظيم .)1999) .دراسات الجدوى االقتصادية وتقييم المشروعات )اإلصدار الطبعة
الثانية) .القاهرة :مكتبة النهضة المصرية.
حميد ناصر الزري .)1998) .مفهوم العمل ف اإلسالم وأثره في التربية اإلسالمية )اإلصدار الطبعة
األولى) .الشارقة :دار الثقافة واإلعالم.
حنان محمد عبد المجيد .)2011) .التغير االجتماعي في الفكر االسالمي الحديث )اإلصدار األول).
بيروت -لبنان :المعهد العالمي للفكر اإلسالمي.
خالد بن نهار الرويس .)2012) .محاضؤات في اقتصاديات اإلنتاج الزراعي .السعودية :جامعة
الملك سعود كلية علوم األغذية والزراعة -قسم اإلقتصاد الزراعي.
خالد محمد السواعي .)2015) .أثر تحرير التجارة والتطور المالي على النمو االقتصادي :دراسة
حالة األردن .المجلة األردنية للعلوم اإلقتصادية ،المج ّلد )2العدد ،)1ص .18:تاريخ
االسترداد ،2016 ,11 17من
https://journals.ju.edu.jo/JJES/article/download/8088/5596
خالد واصف الوزني ،و أحمد حسين الرفاعي .)2014) .مبادئ االقتصاد الكلي .عمان -األردن:
دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع.
خباية عبد هللا ،و بوقرة رابح .)2009) .تاريخ الوقائع االقتصادية -العولمة اإلقتصادية -التنمية
المستدامة .الجزائر :مؤسسة شباب الجامعة.
ّ
والتأخر وآفاق التكامل والتطـوّ ر .اتحاد الكتاب خلف محمد الجراد .)1998) .مُعضالت التجزئة
العرب.
دليلة طالب .)2015) .قياس أثر االنفتاح التجاري على النمو االقتصادي في الجزائر خالل الفترة
.2012-1980ملفات األبحاث في اإلقتصاد وعلوم التسيير ،العدد الرابع)الجزء الثاني)،
ص .136 :تاريخ االسترداد ،2016 ,11 17من
http://www.redoreg.com/Tcomplet/Taleb%20N4V2.pdf
دويدار ,م . (2003).كتاب مبادئ اإلقتصاد السياسي (الثاني ed.).األسكندرية :دار الفتح.
راوية حسن .)2002) .مدخل استراتيجي لتخطيط وتنمية الموارد البشرية .األسكندرية :الدار
الجامعية.
458
**المراجع العربية**
ربيع نصر .)2010) .التحول الهيكلي في االقتصاد السوري .دمشق :جمعية العلوم االقتصادية
السوري .تاريخ االسترداد ،2016 ,10 31من
http://www.mafhoum.com/syr/articles_10/nasr.pdf
رحماني محمد إدريوش .)2013) .إشكالية التشغيل في الجزائر محاولة تحليل .،تلمسان ،الجزائر:
أطروحة دكتوراه في العلوم االقتصادية ،قسم اقتصاد التنمية ،كلية العلوم االقتصادية وعلوم
التسيير ،جامعة أبوبكر بلقايد.
رضا ,ي .م . (1989).دراسات في االقتصاد السياسي .بيروت -لبنان :منشورات المكتبة العصرية.
رواء زكي الطويل .)2010) .محاضرات في اإلقتصاد السياسي )اإلصدار الطبعة األولى) .عمان،
األردن :دار زهران للنشر والتوزيع.
روبرت ميرفي .)2013) .دروس مبسطة في االقتصاد )اإلصدار األول)) .شيماء عبد الحكيم طه،
المحرر ،و رحاب صالح الدين ،المترجمون) القاهرة :دار كلمات عربية للترجمة والنشر.
:doiرقم ) ISBNالرقم الدولي المعياري للكتاب) 9789775171283 ,9775171288
رياض مصطفى أحمد شاهين .)2004) .النشاط االقتصادي لليهود بالحجاز في الجاهلية وفي عصر
الرسول )المجلد الثاني) .غزة ،فلسطين :مجلة الجامعة اإلسالمية )سلسلة الدراسات
اإلنسانية).
زكي محمد بيومي ،و وآخرون .)1994) .مبادئ اإلقتصاد .الوالء للطبع والتوزيع.
زكي ,ر . (1984).المشكلة السكانية (األول ed.).الكويت :عالم المعرفة -المجلس الوطني للثقافة
والفنون واآلداب.
زكي ,ر . (1998).اإلقتصاد السياسي للبطالة تحليل ألخطر مشكالت الرأسمالية المعاصرة .الكويت :
عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت.
زكي ,م .ع . (2016).نقد اإلقتصاد السياسي (الخامسة ed.).األسكندرية :دار الفتح.
زوانـي ,و & .,نزلـي ,ع . (2013).األنماط القيادية ودورها في تنمية كفاءات العاملين ( .ر .
مناصرية ), Ed.الجزائر :رسالة ماجستير مقدمة لجامعـة قاصدي مرباح -ورقلة -كلية
العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير -قسم علوم التسيير . Retrieved 11 2,
2016, from http://dspace.univ-
ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/4371/1/zwani_nezli.pdf
ساطور ,م .ر . (2010, 1431 -محرم ).أسباب الغفلة .مجلة التوحيد ,العدد 457 -السنة التاسعة
والثالثون, 66 - 69.
459
**المراجع العربية**
ساقور ,ع .ا . (2004).اإلقتصاد السياسي .عنابة ,الجزائر :دار العلوم للنشر والتوزيع. doi:7-57-
805-9961
سامية إدريس .)2009) .المخيال المغاربي في الخطاب الجزائري .مجلة الخطاب دورية أكاديمية
محكمة تعنى بالدراسات والبحوث العلمية في اللغة واألدب منشورات مخبر تحليل
الخطاب.
ستيف باركر .)1434) .وسائل النقل في المستقبل عبر الفضاء )اإلصدار الطبعة األولى)) .جمال عبد
الرحيم ،المترجمون) الرياض ،السعودية :المجلة العربية -كتاب العربية - 79دار المؤلف
للتوزيع:doi .ردمك 978-603-8086-62-9 :
سعد غالب ياسين .)2007) .إدارة المعرفة .األردن :دار المناهج للنشر والتوزيع.
سعدون حمود جثير ،و عباس الربيعاوي .)2015) .رأس المال الفكري )اإلصدار األول) .بغداد :دار
المنهلdoi:9796500181585 .
سالم عبد الرزاق ،و بوسهوة نذير .)2012) .مداخلة بعنوان :دور رأس المال الفكري في تحقيق
الميزة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة .ملتقى حول :استراتيجيات التنظيم
ومرافقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر أيام 18و 19أفريل - 2012المحور
الثاني :الروح المقاوالتية ،الحس الريادي واالبداع .الجزائر :جامعة قاصدي مرباح ورقلة
-كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير.
سليمان ,ي & .,وآخرون . (1999).مبادئ االقتصاد الجزئي .عمان :دار المسيرة.
سميح مسعود .)2010) .تحديات التنمية العربية )اإلصدار اإلصدار األول) .عمان ،األردن :دار
الشروق للنشر والتوزيعdoi:9796500006871 .
سمير عبد هللا ،و وآخرون .)2014) .سياسات النهوض بريادة األعمال في فلسطين .فلسطين :معهد
أبحاث السياسيات اإلقتصادية الفلسطيني.
سهير محمد حوالة ،و هند سيد أحمد الشوربجي) .يوليو .)2014 ,رأس المال اإلجتماعي بالتعليم:
مقوماته ومعوقاته -دراسة تحليلية .مجلة العلوم التربوية ،)3)2 ،ص.546-508
سوزي عدلي ناشد .)2010) .مبادئ اإلقتصاد .األسكندرية :كلية الحقوق -جامعة األسكندرية.
سيغموند فرويد .)1986) .موسى والتوحيد -ذاك الرجل موسى والديانة )اإلصدار الرابع)) .جورج
طرابيشي ،المترجمون) بيروت :دار الطليعة.
460
**المراجع العربية**
شادية سعودي كمال مندور .)2015) .التجارة الخارجية اليابانية ..دور التجارة الخارجية على التنمية
االقتصادية في اليابان ) .)1990 - 1950بيروت :العربية للنشر والتوزيع.
doi:9773192024, 9789773192020
شبلي ,خ . (2011).دافعية اإلنجاز وعالقتها بمستوى إتقان المهارات العملية دراسة ميدانية على عينة
من طالب الثانويات الصناعية في محافظتي دمشق وريف دمشق( .ص .بريك ), Ed.
دمشق :رسالة ماجستير مقدمة لقسم علم النفس -كلية التربية -جامعة دمشق . Retrieved
11 2, 2016, from
https://theses.ju.edu.jo/Original_Abstract/JUA0707645/JUA0707645
.pdf
شروق للدراسات . (2011).مقدمة عامة حول التنمية .رام هللا ،القدس .:مركز شروق للدراسات
اإلستراتيجية.
شلبي ,أ . (1990).اإلقتصاد في الفكر اإلسالمي (الطبعة الثامنة ed.).القاهرة ,مصر :مكتبة النهضة
المصرية.
صالح عبد الحميد قنديل .)2007) .التقنية الحيوية في حياتنا المعاصرة .السعودية :قسم علم الحيوان
– كلية العلوم – جامعة الملك سعود -إدارة النشر العلمي والمطابع :doi .فهرسة مكتبة
الملك فهد الوطنية أثناء النشر 2-169-55-9960_978 - 1428/4671
صالح ,أ . (2008).قراءة في تاريخ وحضارة أوربا العصور الوسطى (الطبعة األولى ed.).بيروت :
شركة الكتاب اإللكتروني العربي.
صدام عبد القادر حسين .)2003) .بيع الذهب والفضة وتطبيقاته المعاصرة في الفقه اإلسالمي.
األردن :رسالة ماجستير -كلية الدراسات العليا -الجامعة األردنية.
صليحة ,ب .ع . (2006).نظرية الملكية بين التشريع اإلقتصادي اإلسالمي والقانون .مجلة العلوم
اإلنسانية.
صياد الصادق .)2014) .حماية المستهلك في ظل القانون الجديد رقم 03/09ال متعلق بحماية
المستهلك وقمع الغش) .طاشور عبد الحفيظ ،المحرر) الجزائر :قسم العلوم القانونية
واإلدارية -كلية الحقوق -جامعة قسنطينة .تم االسترداد من
http://bu.umc.edu.dz/theses/droit/ASAI3972.pdf
طارق الحاج .)1998) .علم االقتصاد ونظرياته .االردن ,عمان :دار صفاء للنشر والتوزيع.
طاهر حيدر حردان .)1999) .اإلقتصاد اإلسالمي :المال -الربا -الزكاة )اإلصدار الطبعة األولى).
عمان :دار وائل للنشر.
461
**المراجع العربية**
طبشي وهيبة .)2012) .اإلستثمار في رأس المال البشري ودوره في تحقيق الميزة التنافسية لدى
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة) .مرزوقي مرزوقي ،المحرر) الجزائر :رسالة ماجستير
مقدمة لكلية العلوم اإلقتصادية والتجارية -جامعة قاصدي مرباح ورقلة.
طالل حامد خليل .)1989) .العوامل والقوى المؤثرة في تخلف وتنمية دول العالم الثالث .بيروت:
دار طالل.
طلبة ,م .ع . (2007).مقدمة في المشكلة االقتصادية .القاهرة ,مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح.
عابدين أحمد سالمة) .السنة األولى .)1984 ,الحاجات األساسية وتوفيرها في الدولة اإلسالمية .مجلة
أبحاث اإلقتصاد اإلسالمي ،المجلد األول)العدد الثاني) ،ص .71 - 43
عادل أحمد حشيش .)1998) .أصول االقتصاد السياسى .األسكندرية :مؤسسة الثقافة الجامعية.
عادل حرحوش المفرجي ،و أحمد علي صالح .)2003) .رأس المال الفكري .القاهرة :المنظمة
العربية للتنمية اإلدارية.
عامر عوديش بولص .)1989) .قرارات اإلستثمار وأثرها على التنمية المالية لنشاط قطاع السياحة
المختلط .رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية اإلدارة واإلقتصاد الجامعة المستنصرية.
عبد الحكيم عمار نابي .)2014) .اتجاهات التنمية ونظرياتها ومدى مالئمتها للتطبيق على دول العالم
الثالث .المجلة الجامعة ،المجلد األول)العدد السادس عشر ) ،ص .227
عبد الرحمن يسري .)2001) .دراسات في علم اإلقتصاد اإلسالمي .األسكندرية :الدار الجامعية
للطباعة والنشر والتوزيع.
عبد الرحمن يسري .)2006) .إسهام عبد الرحمن بن خلدون في الفكر اإلقتصادي عرض وتقويم.
دراسات اقتصادية اسالمية ،المجلد )12العدد .)2
عبد الستار حسين يوسف .)2005) .دراسة وتقييم رأس المال الفكري في شركات األعمال .عمان:
قسم إدارة األعمال -كلية اإلقتصاد والعلوم اإلدارية -جامعة الزيتونة األردنية.
عبد السالم الترمانيني .)1984) .الزواج عند العرب في الجاهلية واإلسالم دراسة مُقارنة .الكويت:
عالم المعرفة -المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب.
عبد السالم زهير .)2012) .الثقافة في الرؤية الوجودية التوحيدية .مجلة العلوم اإلنسانية و
االجتماعية)السابع).
462
**المراجع العربية**
عبد السالم زوهير .)2012) .الثقافة في الرؤية الوجودية التوحيدية .مجلة العلوم اإلنسانية و
االجتماعية)السابع).
عبد اللطيف مصطيفى ،و عبد الرحمان بن سانية .)2014) .دراسات في التنمية االقتصادية .بيروت
-لبنان :مكتبة حسن العصريةdoi:9796500148816 .
عبد هللا عبد العزيز عابد .)1985) .مفهوم الحاجات في اإلسالم .السعودية :جامعة الملك عبد العزيز:
المركز العالمي ألبحاث االقتصاد اإلسالمي.
عبد الهادي علي النجار .)1983) .اإلقتصاد واإلسالم .الكويت ،عالم المعرفة -المجلس الوطني
للثقافة واآلداب والفنون.
عبدهللا ,إ .ص . (1977).نحو نظام اقتصادي عالمي جديد .القاهرة :الهيئة العامة للكتاب.
عدنان الدبسي .)2008) .الثقافة السياسية .دمشق :دار العصماء للطباعة للنشر والتوزيع.
عدنان رشيد حميشو .)2012) .التخطيط اإلقليمي )البدايات -المفهوم – األبعاد -المتطلبات األساسية
لتحقيقه واألساليب) .نشرة التخطيط والتعاون الدولي ،العدد التجريبي األول.25-19 ،
علم المواد .)2008) .علم المواد .السعودية :المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني -اإلدارة
العامة لتصميم وتطوير المناهج .تاريخ االسترداد ،2017 ,3 18من
http://download-engineering-pdf-ebooks.com/2934-free-book
علي ابراهيم عبيدة ،و عبد الفتاح محمود أحمد .)2008) .أساسيات التقنية الحيوية .األسكندرية :كلية
الزراعة -سابا باشا -األسكندرية.
علي عبد القادر علي .)2001) .أسس العالقة بين التعليم وسوق العمل وقياس عوائد اإلستثمار
البشري .الكويت :المعهد العربي للتخطيط.
علي كاظم الشيخ .)2012) .المسكوكات البيزنطية والساسانية المتداولة في العراق حتى أواخر عهد
عبد الملك بن مروان .مجلة مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية ،المجلد
الثاني)العدد الثاني).
علي لطفي .)1973) .مؤشرات التخلف االقتصادية دراسة تحليلية .القاهرة :مطبعة لجنة البيان
العربى.
علي محمد الصاوي .)1997) .نظرية الثقافة .الكويت :سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة
والفنون واآلداب.
463
**المراجع العربية**
عماري عمار .)2008) .إشكالية التنمية المستدامة وابعادها .المؤتمر العلمي الدولي بعوان التنمية
المستدامة والكفائة اإلستخدامية للموارد المتاحة .سطيف ،الجزائر :جامعة فرحات عباس.
عمر عبد المجيد مصبح .)2013) .مدى مالئمة التشريعات القانونية لنانو الطاقة المتجددة الواقع
والمأمول .المؤتمر السنوي الحادي والعشرين الطاقة بين القانون واإلقتصاد .اإلمارات:
كلية القانون – جامعة اإلمارات العربية المتحدة .تاريخ االسترداد ،2017 ,3 19من
http://slconf.uaeu.ac.ae/Docs/BDF%20conf%2021/part%202/4%20o
mar%20musbeh.pdf
عناد الدين أحمد المصبح .)2006) .رأس المال البشري في سورية -قياس عائد االستثمار في رأس
المال البشري .سوريا :جمعية العلوم االقتصادية في القطر العربي السوري.
عياش زوبير ،و قوفي سعاد .)2013) .المؤسسات الصغيرة و المتوسطة في الجزائر بين إشكالية
التنمية االقتصادية و متطلبات النهوض .الملتقى الوطني :واقع وآفاق النظام المحاسبي
المالي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر .الجزائر :جـــامعة الوادي -كلية
العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير .تاريخ االسترداد ،2016 ,12 19من
http://www.univ-eloued.dz/fr/stock/com-ges-eco/pdf/5.pdf
عيسى الحسن .)2010) .اإلعالم والتنمية .القاهرة :دار المنهل للطباعة والنشر.
doi:9796500009315
عيسى عبده .)1974) .اإلقتصاد اإلسالمي مدخل ومنهاج )اإلصدار الطبعة األولى) .القاهرة :مكتبة
اإلقتصاد اإلسالمي.
غريب بولرباح ،و بضياف عبد الباقي .)2012) .سلوك المؤسسة االقتصادية تجاه الموارد القابلة
للنضوب .الجزائر :جامعة ورقلة.
غسان محمد حسن أبو خيران .)2011) .تفويض الصالحيات داخل المجتمع المدني ودوره في
تعزيز التنمية اإلدارية) .الدكتور عبد الرحمن الحاج ،المحرر) القدس :جامعة القدس -
رسالة ماجستير.
غونتر هاندل .)2012) .إعالن مؤتمر األمم المتحدة بشأن البيئة البشرية )إعالن استوكهولم) 1972
وإعالن ريو بشأن البيئة والتنمية .1992مكتبة األمم المتحدة للقانون الدولي ،األمم
المتحدة .تم االسترداد من
http://legal.un.org/avl/pdf/ha/dunche/dunche_a.pdf
464
**المراجع العربية**
فرناندو هنيريك كاردوسو .)1972) .التنمية والتبعية في أمريكا الالتينية من الحداثة إلى العولمة
)اإلصدار عدد ) .)309تيمونز روبيرتس ،المحرر ،و سمير الشيشكلي ،المترجمون)
الكويت :سلسلة عالم المعرفة -نوفمبر .2004
فرهاد محمد علي األهدن .)1994) .التنمية اإلقتصادية من منظور إسالمي )اإلصدار الطبعة
األولى) .القاهرة ،مصر :مؤسسة دار التعاون للطباعة والنشرdoi:977-229-035-9 .
فوكس ,ج . (2015).خرافة عقالنية السوق (األول ( ed.).ه .ف .سليمان & , Ed.,خ .غ .علي ,
)Trans.القاهرة ,مصر :مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
كارو ,د . (1978).صندوق النقد الدولي( .م .السيوطي ), Trans.دمشق :منشورات وزارة الثقافة.
كبداني سيدي أحمد .)2012) .أثر النمو اإلقتصادي على عدالة توزيع الدخل في الجزائر مقارنة
بالدول العربية) .بن بوزيان محمد ،المحرر) الجزائر :أطروحة دكتوراه في العلوم
االقتصادية مقدمة لكلية العلوم االقتصادية والعلوم التجارية والتسيير جامعة أبي بكر بلقايد
-تلمسان.
كريمة كريم .)1994) .الفقر وتوزيع الدخل في مصر .القاهرة :منتدى العالم الثالث ،مكتب الشرق
األوسط.
كمال توفيق حطاب .)2006) .رؤية إسالمية نحو التنمية .دراسات ،علوم الشريعة والقانون ،المج ّلد
) 33العدد ،) 2006، 2ص .372 :تاريخ االسترداد ،2016 ,12 17من
https://journals.ju.edu.jo/DirasatLaw/article/viewFile/1447/6346
كمال محمد المصري .)2016) .تمويل التنمية اإلقتصادية .السعودية :الجامعة اإلسالمية.
ليريتو ,م .ف . (1993).صندوق النقد الدولي وبلدان العالم الثالث( .ه .متولي ), Trans.دمشق :دار
طالس.
لينين . (1915).سيرة مختصرة وعرض للماركسية مقال كتبـه لينين في يوليو/نوفمبر 1914ونشر
ألول مرة عام ( 1915الطبعة السابعة ed.).الموسوعة الكبرى ,الطبعة.
مالك بن نبي .)1959) .مشكلة الثقافة )اإلصدار طبعة .)2005الجزائر :دار الفكر المعاصر للطباعة
والنشر والتوزيع.
ماندل ,أ . (1974).مدخل إلى اإلشتراكية العلمية (الطبعة األولى ed.).اليسار الثوري.
مجيد خليل حسين ،و عبد الغفور إبراهيم أحمد .)2008) .مبادئ علم اإلقتصاد )اإلصدار األول).
عمان ،األردن :دار زهران للنشر والتوزيع.
465
**المراجع العربية**
محسن خليل .)1982) .في الفكر اإلقتصادي العربي اإلسالمي -دراسة لمقولتي العمل والملكية.
العراق :دار الرشيد للنشر.
محمد إبراهيم رابوي ،و صديق ناصر عثمان .)1994) .المدخل إلى االقتصاد اإلسالمي .دبي :ندوة
الثقافة والعلوم.
محمد أبو زهرة .)1986) .بحوث في الربا .القاهرة :دار الفكر العربي.
محمد باقر الصدر .)1981) .إقتصادنا )اإلصدار الطبعة الرابعة عشر) .بيروت ،لبنان :دار المعارف
للمطبوعات.
محمد بن شاوش حكمي .)2008) .تقويم محتوى مناهج العلوم بالمرحلة االبتدائية في ضوء متطلبات
الثقافة العلمية .السعودية :رسالة ماجستير في التربية مقدمة لقسم المناهج وطرق التدريس
،عمادة الدراسات العليا ،كلية التربية ،جامعة الملك خالد ،الممللكة العربية السعودية.
محمد جاد الزغبي .)2012) .تعلم كيف تكون مثقفا )اإلصدار األولى) .القاهرة :الناشر وكالة العز
للدعاية واالعالن:doi .رقم االيداع 5328 / 2012
محمد حمشي .)2011) .االتجاه الماركسي للتنظير في العالقات الدولية .الجزائر :قسـم العلـوم
السيـاسيـة ،جامعــة باتنة.
محمد خالد المهايني .)2014) .المـالية العامة .دمشق :كلية العلوم اإلدارية ،جامعة الشام الخاصة.
محمد زوزي .)2010) .تجربة القطاع الصناعي الخاص ودوره في التنمية االقتصادية في الجزائر
دارسة حالة والية غرداية) .أحمد لعمي ،المحرر) ورقلة ،الجزائر :أطروحة مقدمة لنيل
شهادة الدكتوراه في العلوم اإلقتصادية لجامعة قاصدي مرباح -ورقلة ،كلية العلوم
اإلقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،قسم العلوم اإلقتصادية.
محمد عارف وهبة .)1980) .نظريات الفائدة )الربا) في الفكر االقتصادي )المجلد العدد .)23 :لبنان:
مجلة المسلم المعاصر.
محمد عبد القادر عبد القادر .)2000) .دراسات الجدوى التجارية واإلقتصادية واإلجتماعية مع
مشروعات )المجلد الثاني) .األسكندرية :مطبعة الدار الجامعية.
محمد محسن عوض مقلد .)2010) .نحو إطار مقترح لقياس رأس المال الفكري بمكاتب المحاسبة
والمراجعة .السعودية :كلية التجارة قسم المحاسبة والمراجعة.
466
**المراجع العربية**
محمد مدحت مصطفى .)2013) .اإلستنزاف التاريخي للفائض اإلقتصادي المصري .إسكندرية،
مصر :ليليت للنشر والتوزيع:doi .رقم االيداع – ٩٧٧ – ٩٧٨ - / ٢٠١٣ / ١٧١٤٩
٣ -- ١٥ – ٥٣١١الدولى الترقيم
محمد مدحت مصطفى ،و سهير عبد الظاهر أحمد .)1999) .النماذج الرياضية للتخطيط والتنمية
االقتصادية .االسكندرية :مكتبة اإلشعاع الفنية.
محمد نبيل جامع .)2010) .علم اإلجتماع الريفي والتنمية الريفية .األسكندرية :دار الجامعة الجديدة.
محمد نبيل جامع .)2010) .علم االجتماع الريفي والتنمية الريفية :التريف والتحضر وأنماط
االستيطان .األسكندرية :دار الجامعة الجديدة.
محمد نصر ،و جميل هالل .)2007) .قياس رأس المال االجتماعي في األراضي الفلسطينية .القدس
ورام هللا -فلسطين :معهد أبحاث السياسات االقتصادية الفلسطيني )ماس) .تم االسترداد من
http://www.pal-econ.org
محمد يحيى الكبسي .)2016) .العدالة االجتماعية في االقتصاد اإلسالمي صورتها وحدودها
ومقاربتها مع التنمية واالقتصاديات األخرى .،صنعاء ،اليمن :قسم االقتصاد اإلسالمي،
كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة اإليمان.
محمود عباس عبدالرحمن .)2009) .تطور النقود المصرية في عصر األسرة العلوية .مجلة اإلتحاد
العام لآلثاريين العرب ،العدد العاشر.383 ،
محمود محمد سليم صالح .)2009) .أنابيب الكربون النانوية . Nanotubes Carbonقسم العلوم
الطبيعية والتطبيقية -كلية المجتمع باألفالج ،السعودية .تاريخ االسترداد ،2017 ,3 18
من https://faculty.psau.edu.sa/filedownload/doc-3-pdf-
e2a95f085fcfbe679d6915921ce6603f-original.pdf
مختار بن هنية .)2008) .إستراتيجيات وسياسات التنمية الصناعية) .عبدالعزيز شرابي ،المحرر)
الجزائر :أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية العلوم اإلقتصادية جامعة منتوري ـ قسنطينة.
تاريخ االسترداد ،2017 ,1 8من
http://bu.umc.edu.dz/theses/economie/ABEN2937.pdf
مرسي ,ف . (1990).الرأسمالية تجدد نفسها .الكويت :المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب.
467
**المراجع العربية**
مركز شمس .)2005) .مفهوم التنمية .فلسطين :الشباب والتنمية -مركز إعالم حقوق اإلنسان
والديمقراطية شمس .تاريخ االسترداد ،2017 ,1 20من http://www.shams-
pal.org/wp-content/uploads/2016/researches/tanmya.pdf
مسعود ,ج .ع . (1991).أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ -تاريخ األمة المسلمة الواحدة .
المنصورة :الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع.
مصطفى جليل إبراهيم .)2009) .آليات التنمية المكانية بين النظرية والتطبيق .مجلة ديالي.40 ،
مصطفى كامل السعيد ،و وآخرون .)1975) .محاضرات فى مبادئ علم االقتصاد .القاهرة :دار
النهضة العربية.
مصطفى ,م .م . (1995).مقدمة في علم اإلقتصاد الزراعي (األول ed.).األسكندرية :مكتبة ومطبعة
اإلشعاع الفنية.
مطانيوس حبيب .)2010) .اإلقتصاد السياسي )المجلد .)14دمشق ،سورية :هيئة الموسوعة العربية
-جامعة ميتشيغان.
مناضل عباس حسين الجواري .)2011) .تقييم نقدي لمادة االقتصاد الرياضي .مجلة كلية االدارة
واالقتصاد ،العدد .1تاريخ االسترداد ،2010 ,10 26من
aId=51851&http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext
منتدى البحوث اإلقتصادية .)2003) .مشروع تنمية سياسات المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وزارة التجارة الخارجية .مصر :مركز بحوث التنمية الدولية الكندى.
منصور ,أ .ح . (2006).آدم سميث والليبرالية اإلقتصادية .األسكندرية :قسم الفلسفة كلية اآلداب،
جامعة األسكندرية.
مها سامي كامل .)2001) .منهج لتأثير العناصر اإلقليمية بالمدن المتوسطة على توجيه النمو
العمراني) .محمد طاهر الصادق ،المحرر) القاهرة :رسالة دكتوراه مقدمة لكلية التخطيط
اإلقليمي والعمراني -جامعة القاهرة .تاريخ االسترداد ،2017 ,3 20من
http://www.cpas-egypt.com/pdf/Maha_Samy_Kamel/Ph.D/final-.pdf
موسى ,أ .ر . (1998).دراسات في تاريخ مصر اإلقتصادي .الفيوم :المجلس األعلى للثقافة.
ميراندا زغلول رزق .)2010) .التجارة الدولية .الزقازيق :كلية التجارة ببنها ،جامعة الزقازيق.
468
**المراجع العربية**
ميردال ,ج . (1957).النظرية اإلقتصادية والدول النامية( .ح .الحوت & , Ed.,إ .الشيخ ), Trans.
القاهرة :الدار القومية للطباعة والنشر . Retrieved 11 3, 2016, from
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:167244
نوري عبد الرسول الخاقاني ،و حسن الزبيدي الزبيدي .)2014) .االقتصاد اإلسالمي بين العلم
والمذهب :جدل مستمر وإشكاليات قائمة .مجلة كلية االدارة واالقتصاد للدراسات
االقتصادية ،المجلد)174 :اإلصدارdoi:23127813 .107 - 80 ،)11 :
نيفين ظافر الكردي .)2011) .األوضاع الدينية والسياسية واإلقتصادية واإلجتماعية في الغرب
األوروبي من القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي عشر .غزة -فلسطين :رسالة
ماجستير مقدمة لقسم التاريخ واآلثار -الجامعة اإلسالمية -غزة .تم االسترداد من
http://library.iugaza.edu.ps/thesis/95147.pdf
هيفاء عبد الرحمن التكريتي .)2010) .آليات العولمة اإلقتصادية وآثارها المستقبلية في اإلقتصاد
العربي )اإلصدار األول) .بغداد :دار الحامد.
هيكل ,م .ح . (2014).اإلمبراطورية اإلسالمية واألماكن المقدسة( .ا .األولى ), Ed.القاهرة ,مصر :
مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
والعلو ,ف .ا . (1973).االقتصاد السياسي .البيضاء ,المغرب :دار النشر المغربية.
وسام داي .)2016) .الذكاء اإلقتصادي في خدمة تنافسية األقاليم :دراسة حالة الصناعة الصيدالنية
والبيوتكنولوجية في الجزائر) .فارس بوباكور ،المحرر) الجزائر :أطروحة دكتوراه في
علوم التسيير مقدمة إلى جامعة باتنة -كلية العلوم اإلقتصادية والتجارية وعلوم التسيير.
وعيــل ميلـود .)2014) .المحددات الحديثة للنمو االقتصادي في الدول العربية و سبل تفعيلها -حالة:
الجزائر ،مصر ،السعودية) .هـاشـم جمــال ،المحرر) الجزائر :رسالة دكتوراه في العلوم
اإلقتصادية مقدمة لكلية العلوم اإلقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التيسير بالجزائر.
يسري ,ع .ا . (2006).إسهام عبد الرحمن بن خلدون في الفكر اإلقتصادي .دراسات اقتصادية
اسالمية المجلد ،13العدد2.
يوسف القرضاوي .)2001) .دور الزكاة في عالج المُشكلة اإلقتصادية وشروط نجاحها )اإلصدار
الطبعة األولى) .القاهرة :دار الشروق.
يوسف كمال .)1990) .اإلسالم والمذاهب اإلقتصادية المُعاصرة .المنصورة :دار الوفاء للطباعة
والنشر والتوزيع.
469
** Works Cited**
Works Cited
Acemoglu, D., & Autor, D. (2011). The Basic Theory of Human Capital. In
Lectures in Labor Economics. MIT. Angrist. Retrieved 2 27, 2017, from
http://economics.mit.edu/files/4689
AG-SNY. (2014). Airbnb in the city. New York: The Office of the Attorney
General of the State of New York’s Research Department and
Internet Bureau. Retrieved 1 1, 2016, from
http://www.ag.ny.gov/pdfs/Airbnb%20report.pdf
Angelina, E. T. (2015). Americans are in the middle of the pack globally when
it comes to importance of religion. Washington: Pew Research
Center. Retrieved 10 16, 2016, from
http://www.pewresearch.org/fact-tank/2015/12/23/americans-are-
in-the-middle-of-the-pack-globally-when-it-comes-to-importance-of-
religion/
470
** Works Cited**
Been, V., & Josiah , M. (2009). Underused Lots in New York City. New York:
New York University School of Law. Retrieved from
http://furmancenter.org/files/publications/Underused_Lots_in_New
_York_City_Small.pdf
Berger, S. (2015). The Heterodox Theory of Social Costs. London & New
Yourk: Routledge. doi:ISBN 9781138775473
471
** Works Cited**
Botsman, R., & Rogers, R. (2010). What's Mine Is Yours: The Rise of
Collaborative Consumption. Paris: HEC Paris - Harper Business.
doi:ISBN 978-0-0619-6354-4
472
** Works Cited**
Chen, N., & el. (2016). Global Economic Impacts Associated with Artificial
Intelligence. Analysis Group, Inc.
Cooper, R., & Timmer, V. (2016). local Governments And Sharing Economy.
Vancouver - Canada: One Earth. Retrieved from
LocalGovSharingEcon.com
Credit Suisse . (2013). GLOBAL WEALTH REPORT 2013. UK: Credit Suisse.
Retrieved 10 20, 2016, from http://www.julliard.com.au/uploads/cs-
global-wealth-report-2013.pdf
473
** Works Cited**
Ebrey, P. B., Walthall, A., & Palais, J. (2006). East Asia a Cultural, Social, and
Political History (3rd Edition ed.). New York: Houghton Mifflin.
doi:0618133844, 9780618133840
EIU. (2016). Democracy Index 2015. London: The Economist Intelligence Unit.
Retrieved from www.eiu.com
474
** Works Cited**
Fender, V. (2012). Measuring the UK’s Human Capital Stock. London: Office
for National Statistics. Retrieved from www.ons.gov.uk
475
** Works Cited**
Geoffrey , P. M. (2013). Property in the Bible. New York : New York University
Public Law and Legal Theory Working Papers. Retrieved from
http://lsr.nellco.org/cgi/viewcontent.cgi?article=1450&context=nyu_
plltwp
Gylfason, T., & Zoega, G. (2006). Natural Resources and Economic Growth:
The Role of Investment. The World Economy, Vol. 29(No. 8), pp.
1091-1115. Retrieved 3 17, 2017, from
https://ssrn.com/abstract=917225
476
** Works Cited**
Helliwell, J., Layard, R., & Sachs, J. (2017). World Happiness Report. New
York: The Sustainable Development Solutions Network (SDSN).
doi:978-0-9968513-5-0
Helliwell, J., Layard, R., Layard, R., & Sachs, J. (2017). The World Happiness
Report. New York: The Sustainable Development Solutions Network
(SDSN). doi:978-0-9968513-5-0
Huang, M., & Cao, L. (2016). The Relationship between Institutional Capital
and Competitive Advantage: Literature Review and Future Research.
Open Journal of Business and Management,, 4, 94-104. Retrieved 3
7, 2017, from http://dx.doi.org/10.4236/ojbm.2016.41011
Ibrahim, A. A., & Cheri, L. (2013). Democracy, Political Instability and the
African Crisis of Underdevelopment. Journal of Power, Politics &
Governance, Vol. 1 (No. 1), p.59-67. Retrieved from
http://jppgnet.com/journals/jppg/Vol_1_No_1_December_2013/6.p
df
johal, S., & zon, n. (2015). Policymaking for the Sharing Economy - Beyond
Whack-A-Mole. Toronto - Canada: The Mowat Centre - independent
public policy think tank - School of Public Policy & Governance at the
University of Toronto. . Retrieved 2 6, 2017, from
https://mowatcentre.ca/wp-
content/uploads/publications/106_policymaking_for_the_sharing_e
conomy.pdf
477
** Works Cited**
John , D., Mason, C., & Schaefer. (1999). The Bible, the State, and the
Economy: A Framework for Analysis. Christian Scholar’s Review
article award, pp. 45-64. Retrieved from
https://www.calvin.edu/academic/economics/faculty/bios/Schaefer
%20docs/MasonSchaeferCSR90.pdf
Joseph, I., & Aibieyi, S. (2014). Human Capital: Definitions, Approaches and
Management Dynamics. Journal of Business Administration and
Education, 5(1), p. p55:78. doi:ISSN 2201-2958
Juul, M. (2015). The sharing economy and tourism. European Union: EPRS |
European Parliamentary Research Service.
Kahan, A. (2010). Mind Vs. Money: The War Between Intellectuals and
Capitalism. New Brunswick, USA - UK: Transaction Publishers.
Kappagoda, S., Othman, H. Z., & Alwis, G. D. (2014). Psychological Capital and
Job Performance: The Mediating Role of Work Attitudes. Journal of
478
** Works Cited**
Knight, Z., Robins, N., & Chan, W.-S. (2013). Natural Capital Identifying
implications for economies - Climate Change Global. USA: HSBC-
Global Research.
Kwang, Y., & zhang, D. (2005). INCREASING RETURNS AND THE SMITH
DILEMMA. The Singapore Economic Review, Vol. 50(Special Issue
(2005) 407–416), p.407. Retrieved 11 6, 2016, from
http://www.ntu.edu.sg/home/ykng/NgZhang2005SER.pdf
KWON, D.-B. (2009). Human capital and measurement. The 3rd OECD World
Forum on “Statistics, Knowledge and Policy”. Busan, Korea: OECD
World Forum. Retrieved from http://www.oecdworldforum2009.org
479
** Works Cited**
Lange, O. (1963). Political Economy (Vol. Vol. 1). Oxford, United Kingdom:
pergamon Press.
Leismann, K., Schmitt, M., Rohn , H., & Baedeker , C. (2013). Collaborative
Consumption: Towards a Resource-Saving Consumption Culture.
MDPI. doi:doi:10.3390/resources2030184
Lev, B., Radhakrishnan, S., & Peter, C. (2016). A CEO’s Guide to Measuring
and Managing Enterprise Intangibles Organizational Capital. The
Center for Global Enterprise.
Li, K., Qiu, B., & Shen, R. (2014). Organization Capital and Mergers and
Acquisitions. Conference on Corporate Control Mechanisms and Risk.
Luthans, F., Carolyn , M., & Morgan, Y. (2015). Psychological Capital and
Well-being. Stress and Health, 31, 180–188. doi:DOI:
10.1002/smi.2623
Manu, S. M., & Other. (2013). 3D Printed Bionic Ears. Johns Hopkins
University, Baltimore, Department of Chemical and Biomolecular
Engineering. Maryland - United States: American Chemical Society.
Retrieved from http://pubs.acs.org/doi/pdf/10.1021/nl4007744
480
** Works Cited**
Marr, B. (2015). A brief history of big data everyone should read. World
Economic Forum. Retrieved from
https://www.weforum.org/agenda/2015/02/a-brief-history-of-big-
data-everyone-should-read/
Michael , S., & Edvinsson, L. (1997). Intellectual capital. New York: Harper
business.
Miller, R. L. (2014). Economics Today: The Macro View, Student Value (18th
Edition ed.). New York City: Pearson Education. doi:9780132948906
481
** Works Cited**
Nadal, A. (2016). The natural capital metaphor and economic theory. real-
world economics review(74), 64-84. Retrieved 2 12, 2017, from
https://rwer.wordpress.com/comments-on-rwer-issue-no-74/
nef. (2016). Happy Planet Index 2016. London: New Economics Foundation.
Retrieved 3 24, 2017, from
https://static1.squarespace.com/static/5735c421e321402778ee0ce9
/t/578dec7837c58157b929b3d6/1468918904805/Methods+paper_2
016.pdf
nef-HPI. (2017). Happy Planet Index 2016. London. Retrieved 3 24, 2017,
from http://happyplanetindex.org/countries/egypt
482
** Works Cited**
https://pdfs.semanticscholar.org/6e32/34398f605c2a429bead54b52
ed8832050850.pdf
Prescott, E. C., & Visscher, M. (1980, Jun). Organization Capital. The Journal
of Political Economy, Vol. 88(No. 3), pp. 446-461. Retrieved 3 8,
2017, from http://casee.asu.edu/upload/Prescott/1980-Visscher-
JPE-Organization%20Capital.pdf
Purdy, M., & Daugherty, P. (2016). Why artificial intelligence is the future of
growth. Accenture. Retrieved 3 23, 2017, from
www.accenture.com/futureofAI
483
** Works Cited**
RISING, D. (2013). Satellite hits Atlantic — but what about next one? BERLIN :
The Seattle Times Company Network.
RIVM. (2002). Biodiversity: how much is it? The Natural Capital Index
framwork NCI. Netherland. Retrieved 3 17, 2017, from
http://www.globio.info/downloads/269/Natural%20Capital%20Inde
x%20folder.pdf
484
** Works Cited**
Starovic, D., & Marr, B. (2003). Understanding corporate value managing and
reporting intellectual capital. Chartered Institute of Management
Accountants (CIMA). Retrieved from www.cimaglobal.com
Stroombergen, A., Rose, D., & Nana, G. (2002). Review of the Statistical
Measurement of Human Capital. New Zealand: Statistics New
Zealand - Infometrics Consulting ** Business and Economic Research
Ltd.
485
** Works Cited**
Thomas , F. C., & Cormac , O. D. (2010). The wealth and saving of UK families
on the eve of the crisis. London: the Institute for Fiscal Studies.
UCS. (2016). UCS Satellite Database - In-depth details on the 1,419 satellites
currently orbiting Earth. Cambridge: Union of Concerned Scientists.
Retrieved from http://www.ucsusa.org/nuclear-weapons/space-
weapons/satellite-database#.V-tBfCF97IU
UNDP. (2015). Human Development Report 2015. New York: United Nations
Development Programme. Retrieved from http://hdr.undp.org
486
** Works Cited**
487
** Works Cited**
488