Professional Documents
Culture Documents
الشاعر فؤاد كحل
الشاعر فؤاد كحل
جامعة البعث
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
قسم اللغة العربية
شعبة الدراسات العليا
الدراسات األدبية
1
فؤاد كحل شاعرًا
مقدمة . -
-1التمرد .
-4الثورة والكفاح.
-3األنثى في شعره.
-1الصورة .
-3الرمز .
2
مقدمة :
يع د الش عر الح ديث نقل ة جدي دة في األدب ،فطالم ا درس نا الش عر الق ديم على اختالف عص وره ،
وتوقفنا عند خصائصه و سماته ،ليكون الشعر الحديث على النقيض ،فإذا به يشكل نقط ة محوري ة
وحلق ة فاص لة ،وجب علين ا الوق وف عن دها ملي ًا ،واإلحاط ة به ا علم ًا ،ولملم ة ش تات اآلراء
واإلصرار على الدخول في خضم هذا الفن والعيش في أجوائه ،والتعرف على سماته وأعالمه .
على أن هذا لن يكون إّال بتناول أحد شعرائه دراسًة وتمحيصًا و نقدًا .
لك ل م ا تق ّد م من أس باب اخ ترت الش اعر ( ف ؤاد الكح ل) ليك ون ش عره موض وع دراس تي .وه و
شاعر معاصر له دواوين كثر ،انتقيت خمسة منها ،كان كتبها في فترات زمنية مختلفة و هي :
( حص ار الحب والم وت ،العش ق في ال زمن الفح ل 1976 /م) والل ذان يعي دان البداي ة بالنس بة
للشاعر .
( هذا الدم ....ذاك الفرح 1989 /م) والذي مثل منتصف التجربة الشعرية .
( ليكون ختامها آخر إصداراته ( أشجار تتهاوى قصائد تحترق 2000 /م ،مكاشفات عابر سبيل
2002 /م ) .
حاولت من خالل هذه المجموعة اإلحاطة بتجربة الشاعر الفنية من ذ البدايات حتى آخر ما كتب ،
مس ّلطة الض وء على األفك ار ال تي تناوله ا الش اعر في ه ذه ال دواوين ،والخص ائص الفني ة ال تي
اتسمت بها .
على أن العقبة الوحيدة التي واجهتها هي ولوجي في هذا الفن ألول مرة ،واقفة عليه وقفة نقدية ،
ولكونها التجربة األولى كان علّي توسيع ثقافتي حول هذا الشعر بالعودة إلى الكثير من الكتب التي
وض عت ش به دع ائم ت بين من خالله ا مقوم ات ه ذا األدب و س ماته واتجاهات ه ،وكيفي ة نظم ه ،
وإ يجابيات ه و س لبياته وأس تطيع أن أق ول إني ق د أحطت ب ه إحاط ة جي دة ،تلمس ت من خالل ه ذه
القراءات طريقًا واضحة ،سلكتها في بحثي .
ومما استوقفني أيضًا تداخل اآلراء ،واختالفها بين النقاد و األدباء أنفسهم في بعض األساسيات أو
حتى في الشكليات كالمصطلحات مثًال .إّال أنني لم أتحّي ز لهذا أو ذاك ،وإ نما تبينت من اآلراء ما
وجدته عين الصواب ،كما أنني ال أضمن لهذه اآلراء الديمومة واالستمرار .فقد تتغير في ضوء
قراءات جديدة .
3
األولى :تص ب في ( دائ رة ال وطن ) وان درجت تحته ا س تة عن اوين ( التم ّر د – تص وير الواق ع
والمقاوم ة – الش عور بالي أس و ض ياع المص ير – الث ورة والكف اح – انبث اق األم ل و ع ودة الحي اة-
حديثه للوطن ) .
أم ا الثاني ة :فهي ( ال وطن والم رأة ) و ش ملت ثالث عن اوين ( :العش ق في ش عره – اله روب من
الواقع إلى المرأة – األنثى في شعره ).
باإلضافة إلى ( الدراسة الفنية ) انتهاًء بالخاتمة وأهم النتائج التي توصلت إليها خالل مسيرتي في
البحث .
تمهيد :
إن الش عر وس يلة من وس ائل التعب ير فليس غريب ًا إذن أن تتب دل موض وعات الش عر وفنون ه
وأغراضه العامة و معانيه الجزئية بين عصر و عصر ،ما دام هذا الشعر أسلوبًا نعالج به مظاهر
حياتنا الطبيعية و النفسية كما نعالج التاريخ والحروب .1
هك ذا يق وم األديب نتاج ه على أن ه كش ف لإلنس ان و مجتمع ه وللك ون من حول ه ،ولكن من خالل
انفعاالته و إحساسه الجمالي،وذلك أننا نتعرف إلى ما في العالم و نتمكن من إحكام الصلة به.2
إن أيديولوجية الشاعر أصبح لها دور متعاظم ،وأصبحت أكثر من أي وقت مضى تسعى لتفسير
الكون والحياة ،أي تجعل الحياة أفضل اإلنسان أكثر إنسانية ،يقول الشاعر الروسي :
" بوسعك أن ال تكون شاعرًا ...لكن يجب أن تكون مواطنًا و هذا يعني أن اإلنسان مواطن قبل أي
ش يء ،مم ا يع ني االل تزام ب المجتمع وقض اياه ،والرؤي ة السياس ية لألح داث هي رم ز االل تزام
.3"......
والشاعر ( فؤاد كحل ) شاعر ملتزم بقضايا وطنه ،فهو واقعي اشتراكي يتبدى لي في قول حنا
عبود " :إن ممارسة األدب ممارسة ثورية ،إنها عمل انقالبي يهدف إلى تثوير الجماهير الشعبية
،لتعي ذاتها و تعرف دورها ،و قد تحير أسلوب هؤالء بلهجة خطابية أي المباشرة في األداء " .4
إذن فكحل شاعر ملتزم ،ويمكن أن ندرس شعره ضمن معطيات المنهج الواقعي .
" هو جندي باسل مقاتل في سرايا جيشنا الباسل استطاع عبر معاناته في حرب تشرين التحريرية
أن يع رف فمن الحي اة وقدس يتها ،من خالل األض احي ال تي ق دمها رفاق ه ال ذين س الت دم اؤهم على
تربة الجوالن و جبل الشيخ .
أن ه الش اعر ف ؤاد كح ل ال ذي ك ان يعيش مفارق ات ص عبة في ظ ل أوض اع سياس ية مض طربة وه و
موجود في خضمها يتأرجح بين التأييد والرفض ،بين القسوة واللين بين الوجود والالوجود .
وتحت هذا العنوان سنجد عينان قلقتان تبحثان عن شاطئ ال يلب ثان يصبح سرابًا لتغوص اآلمال
في رمال متحركة تفقد األمل وتسحب اإلنسان إلى نزوع قاتل عن هذه الحياة .
6
لقد كان كحل مقاتًال في الجيش السوري كان يعيش األحداث السياسية واألوضاع المضطربة فنراه
نزاع ًا للتم رد على ه ذه األوض اع و على ه ذا الواق ع ،فيع زف قيث ارة ال تلبث أن تبل غ في ألحانه ا
أعتاب الوطن المضطهد ،يقول:1
تبدئن من الحزن
وأحارب
لقد ضاقت األنفاس حين أغلقتها الحيرة ،إذ ادّلهم الليل و أحلك في سواده الذي خيم بالحزن مبدو
من بحث عن طريق النجاة .
إذ يدعو الشاعر إلى التمرد على الواقع رافضًا ذاك الجرح العربي مصممًا على الثبات في ساحات
القتال ،صامدًا في وجه األعداء ،ولكن متى ؟؟ عندما تصير الحرب مهزلة ال جدوى من النصر
فيها ،لينطلق صوته لحنًا :2
تولدين
باقية تعشقين
يجد الشاعر متنفسًا في الغناء ،فهو صوت شجي يحمل العاطفة والمعنى ويعّب ر عن خلجات نفس
تريد االنبثاق في سماء صافية تسبح فيها روح النضال والتمرد ،لتتحد لحظة الموت ولحظة الحب
فتكون بداية الحرب والنضال بحثًا عن معركة المصير .
لينتقل إلى وصف الواقع داعيًا من خالله إلى الرفض والتمرد :1
يرس م الش اعر لنفس ه خطوط ًا يع دها انطالق ًا لثورت ه على ه ذه األوض اع ،إذ الج وع والب ؤس يخيم
على ال وطن ،لي نزاح في المع نى بقول ه ( جلي د الص حراء ) .وه و هن ا يغ رد للحنط ة والعش ق أي
يبحث عن حياة كريمة حرة يكون الحب فيها عشقًا للحياة نفسها .ثم يرمز لالحتالل بصحراء ليل
تخيم فوق البالد ليعود باالنزياح في قوله ( كثبان النار ) طالب ًا ثورة تجلو هذا الليل الذي يسيطر
على البالد ليس ( كأسراب جراد ) بل ( بحور جراد ) صاعدًا بالمعنى إلى مبالغة شديدة ،هادف ًا
من ورائها تحقيق غايته وهي التمرد والثورة التي يراها نصب عينيه في قوله:2
هي الحرب
في هذا المقطع يرى الحرب قد بدأت تضع أوزارها ( ترحل متخمة بالهموم ) وإ ن انتهت ف الطريق
طويل ،كي نعود من جديد ،شعبًا حرًا وسيادة عادلة ،وهنا تكون المواجهة أشد والصراع ألد .
يحرق كل قصائدها
ويدمر كل معابدها
ويقصقص كل ضفائرها
فالش اعر ينطل ق من الحب ال ذي يبعث الحي اة في الرج ال ليكون وا ق ادرين على الص مود في وج ه
الغزاة ،طالبين الحرية والعدل والحياة الطاهرة ،فهل سيتحقق هذا النداء وهذا النضال في يوم من
األيام ؟ أم أننا سنكون كمن سبقنا أيام هوالكو الذي استباح بغداد فهرب الرجال قبل النساء ،عبروا
عن حزنهم ذرفوا دموعهم ،لكنهم لم يسكبوا دماءهم حفاظ ًا على كرامتهم ،يرمز هنا إلى الدمار
بكل أشكاله وعلى كل صعيد ،ثقافيًا ،اجتماعيًا ،جماليًا ،دينيًا ....إلخ.
ف يرى كح ل في دعوت ه إلى التم رد كيان ًا ك امًال ال ب د من تغي يره فيب دأ بالمدين ة جمع اء ثم الش باب ثم
المرأة .لتكتمل هذه الصورة يقول :1
أنت كاألطفال
ين دد الش اعر باألوض اع الفاس دة ،وي رى في العيش و|إدراك رغي ف الخ بز حلم ًا يعتص ر ألم ه في
قلوب الفقراء ،أولئك البؤساء الذين ينادون صمت الجبناء :علنا ندرك العيش ،علنا ندرك الخبز
!!
هكذا يستطيع األديب إجمال مشكالت الواقع التي تنقلب أمامه إلى معاناة و مثبطات ت ؤثر س لبًا على
اإلنسان و تمنعه من استشعار الحرية واستعمالها ،ومن اإلحساس بالسعادة ،ومن مباشرة العمل
بإيجابي ة ،واإلقب ال على العيش بف رح ،وبث الموثب ات في جنب ات ال روح فه و مع ني بخالص ات و
نتائج ما ينعكس على اإلنسان و الحياة 3لتكون الصورة الثانية حزنًا يسيطر على الوطن :4
إنه الحزن
بالدي لك الحب
إنها رؤية الشاعر فيصور حزن البالد موت ًا يهطل ،والتي ستثور إن أدركت المأساة ،ويرفع من
شأن بالده و لكن إذا قاومت المحتل ،ال أن تحتمي في المالجئ .
فيتح دث باس م الجمي ع ح امًال س الحه مق دمًا دم ه متح ديًا األع داء ،رام زًا لالحتالل بالنظ ام ،وم ا
ينطوي فيه من صمت وخوف وحزن ،لتعود نفسه ،وينطلق عنان الكبرياء فرس ًا مجنح ًا يكسر
بحافره واقع الغزاة ،فيقول: 1
فارتسمي في جراحي
يعود هنا لتصوير الواقع تحت براثم االحتالل و المجتمع بما فيه من خونة وتجار تكالبوا على هذا
الوطن ،فغدروا بالعباد ،وجلبوا العار ألرض العزة واألمجاد ،وفي قوله الدم المتعفن إشارة إلى
أن الفساد يسري في الوطن كالدم المتعفن في الجسد ،وهذا واقع الحال المتردي -كما صوره –
قد شمل كل شيء بأن قال ( :قصر وبئر ) .
والش اعر ذو موق ف أي ديولوجي ذل ك أن ه يكتب من قناع ات فكري ة و اجتماعي ة معين ة ،ال ينق ل لن ا
الواقع من كل جوانبه ،بل يعرض علينا ما يريد تبليغه ،وهو بهذا االختيار االجتزاء يقدم لنا رؤية
ليعود كل شيء إلى مساره بعد سؤال طويل استمرت خالله رحلة الشقاء لتتوج الزهرة بشذاها ،كما
الحياة بحريتها ،فتنجلي غمامة االحتالل ،وتشرق البهجة على األوطان ،يقول :2
هنا نلحظ ارتفاع األمل بوصف الواقع وصفًا يختلف عما سبق من األبيات ،إذ األن وار واألزه ار و
عودة األحرار ،إلى وطن عانى االستعمار ،لتأتي فرحة االنتصار شذًا يتوج شفاه األزهار .
وليس مطلوبًا من األديب أن يقف على الصعوبات التي تتعرض حل كل مشكلة ،و لذلك فهو حين
ين اقش ،أو يع ترض ،أو يص ور أو يحلم ،فإن ه إنم ا يس تفيد من تجربت ه اإلنس انية الفني ة ومعرفت ه
بالنفس البشرية ،ومن قدرته على سبر أغوار النفس و الواقع ،واستخالص نتائج قابلة للتعميم من
ذلك الواقع ،بما يملكه من حٍس سليم و بصيرة ثاقبة و مالحظة دقيقة .
للبالد القديمة
تبدو على الشاعر نغمة من الحزن ،فكأنه حقيبة يحملها قاصدًا خارطة البالد ،هو ال يدري أيقصد
البالد القديم ة أو البالد الجدي دة ،وه و طريق ه إلى درب الخالص كأن ه أراد بالرم اح ال تي تلت وي
تراجعًا و إخفاقًا في القتال .
إّال أن ه ذا الح زن ال يلبث أن يتح ول إلى ع برات تغ ادر جفن الش اعر معلن ة زوال األم ل و مس ّلمة
باليأس ،فيقول :1
فالمدن العربية تشاركه أحزانه ،والتي تشهد مأساة األمة ،وتحن إلى ماضيها الذي ينكر حاضرها
،فيثور الحاضر معلنًا نهاية اليأس ،مبلغًا الزمان بالبداية التي ستقتلع ظلم النهاية ،يقول أيضًا :2
توقع دائمًا
أن تسرق الزهرة من بستانك !......
يستخدم الشاعر كلمة ( آخر) أكثر من مرة ،فكأنه يرى في هذا الواقع البائس نهاية الحياة ،نهاية
الحب ،نهاي ة األلم ،فال يتوق ع أن يعيش بؤس ًا أك ثر من ه ذا ،وم ع ذاك تنس اب الحي اة كأنه ا لحظ ة
وداع أخير ،لينقضي الزمن كما الثواني ،وترتحل الجبال مع سير الغيوم ،واإلنسان جزء من هذا
الوداع و النهاية التي يتوقعها الشاعر ،ومع هذا تؤلمه أيما إيالم مسلمًا باحتالل الوطن منكس ًا علم
النص ر مش هرًا راي ة االستس الم ،حين يجع ل الحري ة زه رة تن ير الحي اة ،في أتي مغتص ب يقتطفه ا
دونما انتباه !!!
أشياءها المستباحة
يعلن الشاعر الثورة فتبدأ انطالقًا من الصمت الذي يتفجر معلنًا بداية حرب تصير فيها البالد مرآة
للموت أو للحرية مكبرًا شأن الفداء والتضحية ،جاعًال منها نورًا يغشى الدروب الضيقة ،لتتسع
فيها اآلمال واآلفاق كما يراها الشاعر ثوبًا يكلل مسيرة الوطن يقول :2
الوطن يعاني الفقر والحرمان فهو بحاجة إلى دعوة الحياة ،وطلوع العشب والحب ليكتمل معهما
األمل بانطالق ثورة تكون رداًء للبؤساء بعد عري الغزاة ،وهتك أستار األبرياء .
على مستوى النظر والتأمل التجريدي ،إذا رجعنا إلى الواقع الشعري ،فإننا نجد هاتين الصيغتين
تتداخالن ( تداخل العالم الذاتي بالعالم الموضوعي ) ، 1يقول: 2
إالم يا حبيبتي
ينتهي النواح
يح رض الش اعر أبن اء وطن ه للث ورة منطلق ًا بعاطف ة وطني ة ،لتهب ال ريح على عاص فة االحتالل و
الغزو ،فتنقشع سحابة البؤس و الحزن ،ولكن النهوض سيشعل كل ذرة من تراب الوطن غضبًا
على غضب عندها فقط يعود الخصب للبالد .
والسيف زندك
والعشق قلبك
يخطب كح ل المقات ل الع ربي ،ف يرى في عيني ه روح التم رد و الث ورة و الكف اح ض د االس تعمار،
والتح رر من س جن النفس و الخ وف ،وت رك ذن وب التخ اذل لتك ون الش هادة ب دء انطالق الث ورة و
كأنها الريح تلّف سفح الجبل بل قمته ،لينطلق المجد والنصر من وجهه ،ويطلق سيف الحرية من
زند السالح و هنا انزياح ،وأخيرًا ال بد أن يفيض العشق من القلب الحر مشتعًال بنور الثورة و نار
الكفاح .
يق ول كح ل " :هك ذا ال يع ود بإمك اني إّال الب وح ب الروح والجس د ،بالمعرف ة والجه ل ،ب الغموض
ال ذي يكتن ف ال وردة حين تص بح رم ز الوج ود ،والنه ر ال ذي يص بح دلي ل النش وء ،والقلب ال ذي
1
يصبح منارة ما أنجزه التاريخ بي من لهب و انتشار "......
على أن الث ورة ال تي ي دعو إلي ه الش اعر تحت اج من الش عب الوث وب والنهض ة ،والتحلي ق في س ماء
الحرية ونشرها على أرض االحتالل والعبودية ،فيقول :2
بجناحيها تطير
يعود الشاعر إلى طريق الثورة الذي سيبدأ بخطوة ،لتكون الثورة حصادًا لكلمة يجتمع عليها أبناء
ال وطن وتتعاض د علي ه أك ف المناض لين ،وعم ل دؤوب يجس د االتح اد والمث ابرة ،لبل وغ الحي اة
الكريم ة ،يس ودها الع ّز ويغمره ا الكبري اء ال ذي يرتس م على جب اه أبنائه ا كم ا الن ور ي زين ص فحة
النجم ،وعندها يترافق الكفاح مع الحياة حياة العشق التي يبحث عنها الشاعر بين صفحات شعره .
يجس د الش اعر ص ورة ال وطن بع د الث ورة و الكف اح ،كي ف ع ادت الحي اة لتحم ل في طياته ا ن ورًا
يض اهي ض وء الش مس المنح در على الس هول ال تي ب ات يغمره ا ( الخص ب ) أي أس اس الحي اة
وجوهرها وسبيل عيشها .
نرى كل ما في الشاعر ثائر ،دماؤه ،يداه ،و نفسه المتأججة ،والتي تشحذ بالثورة كل الشعب
تطلب العيش والحرية ،يقول :1
قطرة الربيع
حزمة الشعاع
لقد بلغ الشاعر بثورته التي نادى بها حياًة يواصلها بطريق صعبة ،فيصور حياته السابقة بقصيدة
مخاض ،لما كانت تحمل من آالم فتكون الحرية على ضفة نهر يعبره على مركب الكفاح الس ابق ،
فيبلغ واقعًا يملؤه التناقض ( حب ،فرح ،بكاء ) ،ثم التجانس ( النشوة ،الشفاه ،قطرة الربيع ) ،
لتكون القبلة بداية الطريق و نهاية النضال .يقول أيضًا :2
في ه ذا المقط ع يش به الحي اة واألم ل بالقن ديل ال ذي ين ير الطري ق ،إن ه قن ديل اس تمد الوق ود من
التضحية ،واشتعل بنور يغمر األرض والحياة ،وها هو بنوره يغدو مجاًال يسيطر على المدينة و
يغشاها ،وال يزال يستخدم النور والضياء ليعبر عن الحرية واألمل بعودة الحياة :1
وشعشعت المجرات
أراد بالص باح الغ امض أي ام االحتالل ال تي انتهت بإش راقة الث ورة كوكب ًا متوهج ًا ،ليك ون انطالق
األمل من ( ينابيع النبض ) أي من إحساس باألمل و عمل على بعث الحياة الحرة ،لتنقلب األزمان
واألماكن ،فيعود النور بضيائه ( شعشعت ) .مريدًا ( بالسماء الخاصة لقلوبنا) وطنه الذي ضمه
بين جنبات شعره ،كالقلب بين ضلوع صدره .
ه ذا ه و األدب أمًال ومعين ًا و ن ورًا ،محرض ًا وباني ًا و ث ائرًا ،ممتع ًا و مح ررًا مث يرًا ،يفتح آف اق
الحري ة و الج دة ،ويعي د اكتش اف الع الم وكن وز الس عادة في ه لإلنس ان ،فيم ده ب دفق حيوي ة وحري ة
وشجاعة ليواجه الحياة والبؤس والطغيان .1
أوقف الخوف
والخوض في العشق
والزمن البيدري
ف يرى الح رب دم اًء و أرواح ًا تزه ق ليك ون نتاجه ا ث ورة تلتهب فيبتل ع س عيرها الظلم واالحتالل،
على أنه ال يغفل العشق فال حياة بدونه ،وكأنه يرى مسيرة الوطن في شفاه الفقراء التي سيطرت
بالمعاناة واأللم و البؤس ،لنلمح عنده ثورة اجتماعية للنهوض بالشعب والوطن معًا.
يط الب الش اعر وطن ه ب النهوض ،ورفض ال ذل ،وابتع اث الحي اة ال تي جعله ا لحن ًا ُ ،يع زف على
أوتار الشهداء ،ليكون صداه روحًا تنعش األحياء ،ويجعل الحب أساس الحياة ،والذي يعد محرك ًا
ألولئك الجنود ،أمل الكفاح وشعلة النجاة ،كيف ال وها هو برجع نسب الوطن إليهم ويعشقهم أي
ل دافعهم و حي اتهم ،ه ذا العش ق ال ذي ال ينف ك ي زاوج بين ه وبين الكف اح ال ب ل الحي اة ،بم ا فيه ا من
جراح ليكون هو وثورته التآمًا ونجاحًا و نجاة .
آه من الدم !
تعل و أنف اس الش اعر بن داء ال وطن الع اثر ،ف يرى – أو يك اد – ( الس يف ُيغم د ) فيتح ول األم ل إلى
يأس ،والنجاة إلى موت ،والدم إلى ماء ،ربما أراد أن الثورة والحرب قد مرت بحقب ة ُأركست
فيها النفوس واغرورقت فيها الدموع ،و لكنه يعود ليرى في كل جرح و قطرة دم أمًال صاعدًا كم ا
كانت حرب تشرين هزيمًة فنصرًا ،ويبتعد بالصورة عن المألوف طالب ًا المبالغة في قوله ( حقول
ليتردد نداء الوطن في طيات الشعر و هو في كل نداء وطن مخصوص بشيء ما فيقول :1
وحلم الدراويش
أغنية من شعاع
نالحظ في هذا المقطع استخدامه لألسطورة ،يقول خليل الموسى " :األسطورة لغة تقوم بإيصال
الفكرة والمتع ة الش عريتين ،وإ ّن اس تلهامها يثري العم ل الفني و ق د قي ل :الحداث ة هي في معالج ة
األسطورة " .2
لذا نرى شاعرنا عاشقًا هائم ًا في أرجاء حب متالطم األمواج يعيش افتقارًا لالستقرار و نزاع ًا من
أرض الواق ع ،يعكس نزاع ًا في نفس هائم ة يبحث عن الحب كم ا الحري ة ،ف ا انفص ال بينهم ا ،إذ
تندمج لديه لحظات يغدو فيها الكفاح انتصارًا للوطن ال بل للحب و العشق ،فيقول:
نداء من الوجد
تتأّج ج لواعج صدر الشاعر فيبثها أنين ًا ال يدري مصدره ،أهو الحب أو الحرب ،وال يرى حياته
سوى امتدادًا بين نقطتين (الموت والحب ) ليتجلى عشقه لتلك المرأة التي ستكون دافعه ،و محرك
شعوره ونضاله .ثم ال يلبث أن يصرخ بحبه و يمأل أرجاء الوطن بعشقه ،فيقول :2
1حصار الحب والموت :ص . 10 – 9
2حصار الحب والموت :ص .10
24
أهواك ..........
و انشطار القنابل
فها هو حبه وعشقه ولد في خضم الحرب ،و شاركه في القتال و لم يكن أمامه سوى هذا الهوى ،
ليسمع و يرى ويدرك حقيقة الفوضى ،التي عاشها وهو يسعى نضاًال و كفاح ًا ،حرب ًا فانتصارًا ،
تراءت له من خلف الدخان و الرصاص .و الجمال فكانت عشقًا .يقول أيضًا :1
و انزرعي في كل جراحي
غردي في دمي
تج اوز عش قه البس تان ،ليك ون طيورًا ترسم لحن ًا يزيد في ش ذى األزهار ،وكم ا حب ه يزيد حيات ه
عشقًا للحياة ،وإ صرار على النضال ،في وقت يسيطر فيه األلم ،فال يترك مكان ًا للعشق ،ولكنها
وحدها حبيبته قادرة على أن تكون وجودًا ،وتبعث فيه أمًال يستطيع من خالله تجاوز محنة في رب ا
وطن ال بد و أن ينهض .ثم يقول في كلمات تسطر عشقه :1
سأبقى أحبك
استحمي بعشقي
يخاطب الشاعر حبيبته التي يرها دومًا امتدادًا لوطنه و عشقه امتدادًا لحريته ،وهو ليس محب ًا فقط
ب ل مض حيًا ،مانح ًا حيات ه ف داء لعش قه ال ذي يع ّد افت داًء ال ب د أن يك ون ،ومهم ا تماس ك في وج ه
الص عاب ف إن ك ثرة الج راح ال تف تر أن تزع زع أقدام ه ،ليع ود فيغرس ها في ترب ة عش قه فيك ون
االلتحام مرة أخرى حبيبته ووطنه ،عشقه و ألمه ،كما وحد وجسده ثم يقول متسائًال:2
واسمعي دقاتها
يخبرك عذابه
فيتساءل عن العشاق فوق الشجرة ال تحتها ،عن األغاني ،تنطلق من الصمت والجماد ،بما في
ذلك قلبه الذي يحس به صخرة ولكنها ال زالت تنبض ،فيجعل من جسده حكاية الوطن واالحتالل
واالستقالل ،لتكتمل الصورة بوجود الحبيبة .
ها هو الشاعر يطوف في أرجاء خياله ،فيحلم بكروم من الهوى قد أنتجت حياًة وموتًا ،وهو يعيش
هذه الحرب ،التي أثقلت كاهله فكأنها جراح سنين مضت ،و لكن هذا الواقع السوداوي ال يلبث أن
يغدو قصة لحن ملونة ،ولكن بم ؟ بالطبع بوجود الحبيبة ،ففي ثغرها ينجو من الواقع أي الموت .
وق د أدرك ال وعي اإلنس اني أن المعض لة األساس ية غ ير قابل ة للح ل ،فلج أ إلى الحلم ،مم ا أف رز
مرحلتي المعرفة الخرافية والمثالية للكون و الحياة ،والحلم هبة الطبيعة للبشر كي يؤسسوا توازن ًا
لحياتهم خيال الواقع لمرير ،يتميز الحلم البشري بالتفاوت الحاد مع الواقع الموضوعي والتماثل
م ع الج وهر ،كم ا يتم يز الج و ال ذي يخلق ه تشخيص ه الخي الي بالس عي أث ر الج وهري في حيات ه ،
عندها ينطلق الخيال بحيث يؤدي إلى الشفافية الشعرية المجنحة. 2
أتيِت ....تواريُت
1حصار الحب والموت :ص .13
2بنحلون ،العربي :تيار الوعي في األدب المغربي المعاصر ،ص .85-84
3العشق في الزمن الفحل :ص .13
27
جئُت ........تواريِت
إذن عانقيني
إن ه يعيش لكن اله وى تش وبه األح داث ال تي تعك ر ص فو الت آلف بينهم ا ،لتك ون هي ملج أه وه و
ملجاؤه ا وباتحادهم ا ينس ى الواق ع وغربت ه وحرب ه ،ليكون ا ش علة متق دة في درب ال وطن ،وه داة
للس ائرين وراءهم ا ( فط رق اللي ل ) هي الح رب ال تي عاش ها ،و ه ا ه و يس ير في طريق ه ليقك ع
دهاليزها .ونجد في هذا المقطع تناصًا مع القرآن الكريم ،في قوله ( سبع سنين عجاف ) ،وقوله
تعالى ( :سبع بقرات عجاف ) ،يقول أيضًا :1
حرية ،وبقاء
في هذا المقطع نلحظ شدة العاطفة التي تثور في صدر الشاعر ،عاطفة حب صادق قوي ،يلهمه
اإلحساس بالحياة ،واإلصرار على الجمود والصمود فيزاوج بين عشقه ووطنه ،فكما ال يستطيع
العيش إّال على ثراه .
وم ع ك ل م ا س بق ن راه في ه ذا المقط ع يخ ر ص ريعًا ،ولكن ليس هزيم ة ب الحرب ب ل بالعش ق ،إذ
يرضى أن يموت بالهوى ال بالرصاص :1
ليغير كل الطقوس
إني سأصرخ
في الفترات التي تسود فيها النضاالت الوطنية تبرز قيمة نضالية ،يتسابق الشعراء إلى زخرفتها و
جعلها قمة القمم و رمز الشمم ،ويربطون بين الموت والحب .1
ولعل أهم ما يبرز لنا في ثنايا شعر كحل هو المرأة ،وقد أشرت سابقًا كيف تجلت وترددت ،ال بل
سيطرت على شعره بشكل عام ،وقد تنوع ذكرها كأنثى ،فمرًة نجدها الطفلة البريئة ،وتارة األم
الحنون وأخرى المرأة الحبيبة ،معبرًا من خالل كل نموذج عن خلجات نفس و آهات فؤاد تتعالى
،لتترك بصماتها على وجدان القارئ الذي قد يجيد في فهمها و قد ال رامزًا من وراء كل نموذج
صورة ما سنكتشف حناياها من خالل بعض الشواهد ،يقول: 3
إن العيش في رأي الشاعر تضحية ،فموت على أعتاب الوطن لتولد من بعده الحياة ،حياة جميلة
كالطفل ة الجميل ة ،حي اة س عيدة ملؤه ا الحب والعش ق ويحفه ا اله وى ،لتغ دو ه ذه الحي اة انطالق
الوطن وزهوه مجسدًا إياه بالطفلة في جمالها وبدء حياتها ،هذه الطفلة التي ال تلبث أن تصبح ابنته
التي يودعها قائًال:4
ي ودع ابنت ه تارك ًا قبل ة على جبينه ا ،مبش رًا أم ه بالتح اق طري ق الف داء وعزم ه على النض ال
واس ترجاع الحري ة المس لوبة ،ولعن ا نج د أم ه مس ّطرة في كلم ات ش عره و ت اريخ حيات ه ،حامل ًة
عاطفة تتدفق في وقت يحتاج فيه لحضن أمه و لمسة منها تنير دربه وتنسيه همومه و تكون عونه
،في لحظ نزف الهموم وأنهكته الحروب ،يقول :1
من جسدي
أنزف بحرًا
ضفافه رحم أمي
ونهرًا
ينبع من صراعي
لبحر أمي
يج د أم ه امت داد روح ه وجس ده ،وانطالق آمال ه ونهاي ة حلم ه .ولكن ه ل الم واطن أٌم أيض ًا ؟ نعم
ب الطبع فكم ا يحم ل في عروق ه دماء أم ه ك ذا يحم ل في ك ل ذرة من جس ده حب وطن ه ،لتك ون األم
الوطن والوطن األم ،يعبر من خالل أح دهما عن اآلخر بعالق ة ازدواجي ة مزجيو وإ كساب األول
معنى اآلخر و هكذا .
( جميًال ،س جيًال ) كلم ات تحم ل الوق ع نفس ه ،والع زم نفس ه ،في أن يبعث الحي اة والجم ال ح تى
تغدو حبيبته نجمة وه والهالل ،أو تغدو موتًا فيقاتل دفاعًا عن مبادئه وحياته وحريته .
هكذا يمتزج الوطن باألنثى ،وتذوب األنثى ،وتذوب األنثى في تراب الوطن و مجده وعزتع و
تاريخه .1
ال عليك
يجع ل الش اعر من الحري ة ض وءًا ال ب د أن يتق د في ي وم م ا إن لم يكن ه ذا الي وم ( الطفول ة ) فغ دًا
( الشباب ) .
فالص ورة الش عرية هي محاول ة الم زج ال واعي بين الفك ر والواق ع ،فع الم األفك ار ه و غ ير واقعي
يح اول أن يص بح واقعي ًا عن طري ق تالحم ه م ع األش ياء والظه ور من خالله ا ،لكن ه ذا ال يع ني
االنتقال من عالم الخيال إلى الواقع الصرف ،بل ما يحدث هو أن الفكرة بخيالها والشيء بواقعيته
يتمازجان ليشكالن معًا ما يسمى بالصورة ،ولهذا فالصورة واقعية و غير واقعية بآٍن واحد .2
يقول :3
والدروب البائسة
وزوارق إلرادة
يجسد الشاعر لحظة شعورية ،إذ النضال والتآزر واستمرار هذا الشعور وديمومته إلى مدى معين
ثم حركة تحولية يسلك فيها اتجاهًا محددًا أو غير محدد في آٍن معًا .
هك ذا أص بحت الص ورة الجدي دة بم ا تمتلك ه من ش حنات ذهني ة والمعتم د على ( الحرك ة والص وت
واللون ) ] أرقص للحياة ،أفرق بين الدم ،طفولة الكون [ تعويضًا من السحر الموسيقي في الشعر
التقليدي .4
يصير الشاعر القمر قلب ًا تدب فيه الحياة وتسري فيه الروح ليتغلغله الفرح فيولد من هذا الحدث
واق ع جدي د يس عى إلي ه الش اعر ،و لكن م تى حين تنطل ق الث ورة ( الش مس ) من ب ذور القه ر
والحرمان ،ليغدو العالم دوحة خيال وجمال .
وقد تكون الصورة طويلة تتشكل عبر مقطع كامل معتمدة على الوسائل البالغية: 2
بربيعها الدائم !
وهنا تتكئ كل صورة على سابقتها مما يمنح المقطع تماسكًا ووحدة .
ولع ل الرم ز المس يطر ل دى الش اعر ه و الم رأة ،وفي ه ذا المج ال كغ يره من ش عراء القومي ة
والوطنية في االتكاء على المرأة والربط بينها وبين الوطن والقضية ،وفيما سبق شواهد على ذلك
.
ك ان تقلي ديًا في كث ير من رم وزه على ال رغم من اس تخدامها في ق والب حديث ة فمن األزل ك انت
الحرية شمسًا و الظلم ظالمًا ،الوردة حياتًا والسجن موتًا ،النوم تخاذًال واليقظة ثورًة .........إلخ
.
ومما طغى على شعره استخدام رمز الطبيعة ،يقول فايز الداية في ( جماليات األسلوب ) :
" إن غنى تج ارب األديب في الحي اة و معايش ته لألح داث وللطبيع ة يجعالن ه ق ادرًا على اإلف ادة من
القدرات التخيلية ،وربط الحدث أو الحالة التي تشكل منطلق تجربة له بما عرف من قبل أو ببعض
الخصائص والسمات فيها ". 2
وقد يكرس أكثر من رمز كأن يرمز للحرية بالصباح ،بالضوء ،بالنبض ،بالقمر ،بالشمس ،و
غير ذلك يستمد من الطبيعة ،يكثر من ذكر الربيع الحياة الخصبة بعد تحقيق الحرية التي يجسدها
بالطيور غالبًا .
كم ا أن ه ذه الرموز تعكس في غالب األحي ان تفاؤًال ثوري ًا وتطلع ًا نض اليًا تجسد في نفس الش اعر
باألزه ار واألش جار والعص افير واألنه ار ولعلن ا في مج ال الرم ز نتع رض لظ اهرة الغم وض وم ا
أثير حولها من جدل .
على أنه مستوى الشعر والشاعر يحدث في أحيان أن تكون رؤية الشاعر نفسها غامضة لم تختمر
في نفس ه بع د بم ا في ه الكفاي ة على حين يظن ه و أنه ا ق د اختم رت ،وأن ه ق ادر على نقله ا فينقله ا
باضطراب .1
ظهر الغموض كفنية بنائية في صورة ثورة ضد الجمود والنمطية التي مرت بها اللغة العربية،
فج اء الرم ز كوس يلة ألداء مع نى معين ،بطريق ة تختل ف عن اإلفص اح واإلبان ة ،يف رض على
القارئ قراءة واعية ،يقول ناقد أمريكي ":الرمز يستثير المثقف دائم ًا وبالتالي فإن الشعر يصبح
أفضل القراءات ". 2
هك ذا وج دت الش عر ق د اتخ ذ منح ًا جدي دًا وفق ًا ل ه يج در بالق ارئ وال دارس والناق د أن يتخ ذ منحى
يتواءم وهذا االتجاه والذي قد يحفل باإليجابيات والسلبيات ،فيقصر عنه فهم بعضهم في حين يجده
بعض هم اآلخ ر مج اًال للتأم ل والتفك ير والغ وص في ع والم الخي ال ورؤي ة النص كم رآة ذات أوج ه
يعكس كل وجه نظرة جديدة على أن شيئًا ما ال يعدو هذه األوجه كلها .
ولعل أبرز ما تردد في شعر كحل هو الجنس ،فكثيرًا ما جعل شعره مبنيًا عليه ،يقول حنا عبود :
3
" إن الجنس يعني النزوع نحو البقاء ،ومعظم الظواهر يمكن إرجاعها إليه "
يقول كحل:4
لكن ه ذا ال نزوع الجدي د إلى الجس د وجع ل رغبات ه م رآة لنفس الش اعر تخ ف وطأت ه في ال دواوين
األخ يرة عن اُألول .وربم ا ك ان ه ذا االتج اه مس يطرًا على نفس الش اعر في ش بابه ،ليتخلى عن ه
شيئًا ما في كبره .
-2وصف الواقع وصفًا موضوعيًا ،متناوًال مختلف الشرائح من القادة إلى الفقراء ،على أن
األمر لم يخُل من بعض المبالغات .
-3ش كلت الم رأة العنص ر األس اس ال ذي ب نى علي ه ش عره ،وق د تن وع في تناوله ا وأج اد في
وص فها ،فجعله ا م رآة نفس ه التائه ة المض طربة ،وأس قط عليه ا األح داث في كث ير من
األحيان .
-4نج د نض جًا ش عريًا في دواوين ه األخ يرة عن اُألول مم ا يش ير إلى اكتم ال رؤي ة الش اعر
وتبلورها .
-5استباح جسد المرأة ،فكثيرًا ما تحدث عن العري في دواوينه ،إّال أن وطأة هذا االستخدام
قد تالشت شيئًا ما في إصداراته األخيرة .
-6غلبت على ش عره التقريري ة والخطابي ة ،وخال كث ير من قص ائده من ص ورة جميل ة أو
إيقاع موسيقي مميز .
-7أج اد في اس تخدام الرم ز ولكن س يرًا على نهج من س بقوه .فلم ي أِت بجدي د في الش كل أو
المضمون .
-8تن وع ش عره في درج ة اإليح اء ،بعض ه غامض ًا .يحت اج إلى تأم ل فتأوي ل ،ولكن في
الغالب اس تطاع نقل تجربته الثورية إلى الق ّر اء إذ كان هدف ه واضحًا من خالل استخدامه
رموزًا معروفة .
-9أجود شعره ما كان مرتبطًا بالطبيعة ،إذ أحسن في اسلتهامها وتوظيفها توظيفًا حسنًا ،أدى
الغرض ولون الشعر بألوان الحياة .
ك ان لغت ه جدي دة ،أس اليبه متنوع ة ،إذ اس تخدم االس تفهام والنفي ،والتعجب، -10
والنداء ........إلخ ،ولكن أسلوب هدف من خالله إيصال معنى معين .
38