You are on page 1of 38

‫الجمهورية العربية السورية‬

‫جامعة البعث‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫قسم اللغة العربية‬
‫شعبة الدراسات العليا‬
‫الدراسات األدبية‬

‫فؤاد كحل شاعرًا‬

‫إشراف ‪ :‬الدكتور عبد الكافي‬


‫المرعب‬

‫إعداد الطالبة ‪ :‬أماني العبد‬

‫العام الدراسي ‪2010‬م‬

‫‪1‬‬
‫فؤاد كحل شاعرًا‬
‫مقدمة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تمهيد ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أوًال ‪ :‬في دائرة الوطن ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬التمرد ‪.‬‬

‫‪ -2‬تصوير الواقع والمقاومة ‪.‬‬

‫‪ -3‬الشعور باليأس وضياع المصير ‪.‬‬

‫‪ -4‬الثورة والكفاح‪.‬‬

‫‪ -5‬انبثاق األمل وعودة الحياة ‪.‬‬

‫‪ -6‬حديثه للوطن ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬الوطن والمرأة ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬العشق في شعره ‪.‬‬

‫‪ -2‬الهروب من الواقع إلى المرأة ‪.‬‬

‫‪ -3‬األنثى في شعره‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الدراسة الفنية ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬الصورة ‪.‬‬

‫‪ -2‬االنحراف الداللي ( االنزياح ) ‪.‬‬

‫‪ -3‬الرمز ‪.‬‬

‫الخاتمة ونتائج البحث ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫يع د الش عر الح ديث نقل ة جدي دة في األدب ‪ ،‬فطالم ا درس نا الش عر الق ديم على اختالف عص وره ‪،‬‬
‫وتوقفنا عند خصائصه و سماته ‪ ،‬ليكون الشعر الحديث على النقيض ‪ ،‬فإذا به يشكل نقط ة محوري ة‬
‫وحلق ة فاص لة ‪ ،‬وجب علين ا الوق وف عن دها ملي ًا ‪ ،‬واإلحاط ة به ا علم ًا ‪ ،‬ولملم ة ش تات اآلراء‬
‫واإلصرار على الدخول في خضم هذا الفن والعيش في أجوائه ‪ ،‬والتعرف على سماته وأعالمه ‪.‬‬
‫على أن هذا لن يكون إّال بتناول أحد شعرائه دراسًة وتمحيصًا و نقدًا ‪.‬‬

‫لك ل م ا تق ّد م من أس باب اخ ترت الش اعر ( ف ؤاد الكح ل) ليك ون ش عره موض وع دراس تي ‪ .‬وه و‬
‫شاعر معاصر له دواوين كثر ‪ ،‬انتقيت خمسة منها ‪ ،‬كان كتبها في فترات زمنية مختلفة و هي ‪:‬‬

‫( حص ار الحب والم وت ‪ ،‬العش ق في ال زمن الفح ل ‪1976 /‬م) والل ذان يعي دان البداي ة بالنس بة‬
‫للشاعر ‪.‬‬

‫( هذا الدم ‪....‬ذاك الفرح ‪1989 /‬م) والذي مثل منتصف التجربة الشعرية ‪.‬‬

‫( ليكون ختامها آخر إصداراته ( أشجار تتهاوى قصائد تحترق ‪2000 /‬م ‪ ،‬مكاشفات عابر سبيل‬
‫‪2002 /‬م ) ‪.‬‬

‫حاولت من خالل هذه المجموعة اإلحاطة بتجربة الشاعر الفنية من ذ البدايات حتى آخر ما كتب ‪،‬‬
‫مس ّلطة الض وء على األفك ار ال تي تناوله ا الش اعر في ه ذه ال دواوين ‪ ،‬والخص ائص الفني ة ال تي‬
‫اتسمت بها ‪.‬‬

‫على أن العقبة الوحيدة التي واجهتها هي ولوجي في هذا الفن ألول مرة ‪ ،‬واقفة عليه وقفة نقدية ‪،‬‬
‫ولكونها التجربة األولى كان علّي توسيع ثقافتي حول هذا الشعر بالعودة إلى الكثير من الكتب التي‬
‫وض عت ش به دع ائم ت بين من خالله ا مقوم ات ه ذا األدب و س ماته واتجاهات ه ‪ ،‬وكيفي ة نظم ه ‪،‬‬
‫وإ يجابيات ه و س لبياته وأس تطيع أن أق ول إني ق د أحطت ب ه إحاط ة جي دة ‪ ،‬تلمس ت من خالل ه ذه‬
‫القراءات طريقًا واضحة ‪ ،‬سلكتها في بحثي ‪.‬‬

‫ومما استوقفني أيضًا تداخل اآلراء ‪ ،‬واختالفها بين النقاد و األدباء أنفسهم في بعض األساسيات أو‬
‫حتى في الشكليات كالمصطلحات مثًال ‪ .‬إّال أنني لم أتحّي ز لهذا أو ذاك ‪ ،‬وإ نما تبينت من اآلراء ما‬
‫وجدته عين الصواب ‪ ،‬كما أنني ال أضمن لهذه اآلراء الديمومة واالستمرار ‪.‬فقد تتغير في ضوء‬
‫قراءات جديدة ‪.‬‬

‫وقام البحث على فقرتين ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫األولى ‪ :‬تص ب في ( دائ رة ال وطن ) وان درجت تحته ا س تة عن اوين ( التم ّر د – تص وير الواق ع‬
‫والمقاوم ة – الش عور بالي أس و ض ياع المص ير – الث ورة والكف اح – انبث اق األم ل و ع ودة الحي اة‪-‬‬
‫حديثه للوطن ) ‪.‬‬

‫أم ا الثاني ة ‪ :‬فهي ( ال وطن والم رأة ) و ش ملت ثالث عن اوين ‪ ( :‬العش ق في ش عره – اله روب من‬
‫الواقع إلى المرأة – األنثى في شعره )‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ( الدراسة الفنية ) انتهاًء بالخاتمة وأهم النتائج التي توصلت إليها خالل مسيرتي في‬
‫البحث ‪.‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬
‫إن الش عر وس يلة من وس ائل التعب ير فليس غريب ًا إذن أن تتب دل موض وعات الش عر وفنون ه‬
‫وأغراضه العامة و معانيه الجزئية بين عصر و عصر ‪ ،‬ما دام هذا الشعر أسلوبًا نعالج به مظاهر‬
‫حياتنا الطبيعية و النفسية كما نعالج التاريخ والحروب ‪.1‬‬

‫‪ 1‬فروخ ‪ ،‬عمر ‪ :‬هذا الشعر الحديث ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪4‬‬
‫إن التحول الكلي في ماهية األدب و تذوقه ‪ ،‬ومستوى جمهوره لم يقع إّال بعد أن أثقلت ثقافة األدباء‬
‫‪ ،‬أو ق ل إن األم ة شاءت بداعي التطور أن تسبر ذاتها وتستكنه حقيقتها ‪ ،‬وتعيش ارتفاع سمتها ‪،‬‬
‫فتب دل معنى النظ ر إلى حرك ة الحي اة ‪ ،‬ومب ادئ الوجود ‪ ،‬ورف د العقل عنص ر الخي ال ف ازيّن الفكر‬
‫ب ألوان المج از ‪ ،‬واتح دت الص ورة برمزه ا الفك ري ‪ ،‬فمّج األدب الس طوح القريب ة المن ال ‪ ،‬وراح‬
‫يصطادها في ظاللها الهاربة ‪.1‬‬

‫هك ذا يق وم األديب نتاج ه على أن ه كش ف لإلنس ان و مجتمع ه وللك ون من حول ه ‪ ،‬ولكن من خالل‬
‫انفعاالته و إحساسه الجمالي‪،‬وذلك أننا نتعرف إلى ما في العالم و نتمكن من إحكام الصلة به‪.2‬‬

‫إن أيديولوجية الشاعر أصبح لها دور متعاظم ‪ ،‬وأصبحت أكثر من أي وقت مضى تسعى لتفسير‬
‫الكون والحياة ‪ ،‬أي تجعل الحياة أفضل اإلنسان أكثر إنسانية ‪ ،‬يقول الشاعر الروسي ‪:‬‬

‫" بوسعك أن ال تكون شاعرًا ‪...‬لكن يجب أن تكون مواطنًا و هذا يعني أن اإلنسان مواطن قبل أي‬
‫ش يء ‪ ،‬مم ا يع ني االل تزام ب المجتمع وقض اياه ‪ ،‬والرؤي ة السياس ية لألح داث هي رم ز االل تزام‬
‫‪.3"......‬‬

‫والشاعر ( فؤاد كحل ) شاعر ملتزم بقضايا وطنه ‪ ،‬فهو واقعي اشتراكي يتبدى لي في قول حنا‬
‫عبود ‪ " :‬إن ممارسة األدب ممارسة ثورية ‪ ،‬إنها عمل انقالبي يهدف إلى تثوير الجماهير الشعبية‬
‫‪ ،‬لتعي ذاتها و تعرف دورها ‪ ،‬و قد تحير أسلوب هؤالء بلهجة خطابية أي المباشرة في األداء " ‪.4‬‬

‫إذن فكحل شاعر ملتزم ‪ ،‬ويمكن أن ندرس شعره ضمن معطيات المنهج الواقعي ‪.‬‬

‫فؤاد كحل ‪:‬‬

‫" هو جندي باسل مقاتل في سرايا جيشنا الباسل استطاع عبر معاناته في حرب تشرين التحريرية‬
‫أن يع رف فمن الحي اة وقدس يتها ‪ ،‬من خالل األض احي ال تي ق دمها رفاق ه ال ذين س الت دم اؤهم على‬
‫تربة الجوالن و جبل الشيخ ‪.‬‬

‫فهم ف ؤاد قض ية الش عر ‪ ،‬ومن ه ذا المنطل ق ع بر عنه ا بص دق وإ خالص في مجموعت ه ال تي ق ام‬


‫بطباعته ا اتح اد الكت اب الع رب في س ورية العربي ة ‪ .....‬إنه ا وع د على ال درب الطويل ة و ثم رة‬
‫عينية من بستان قادر على العطاء األكثر و األجود ‪ ،‬واألطيب "‪. 5‬‬

‫‪ 1‬كرم ‪ ،‬أنطون غطاس ‪ :‬مالمح األدب العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪ 2‬الداية ‪ ،‬فايز ‪ :‬جماليات األسلوب ‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ 3‬الشريف‪ ،‬جالل فاروق ‪ :‬الشعر العربي الحديث ‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 4‬عبود ‪ ،‬حنا ‪ :‬المدرسة الواقعية في النقد العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪ 5‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪5‬‬
‫أوًال ‪ :‬في دائرة الوطن ‪:‬‬
‫التمّر د ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إن النفس الشاعرة نزاعة إلى التمرد والوثوب على األوضاع و تغيير الواقع الفاسد والحلم بمس تقبل‬
‫تسوده قيم روحية وإ نسانية ترتسم في خطوطها حياة هنيئة يسعى إليها اإلنسان و ينزع إليها باحث ًا‬
‫عن نفسه و عن مجتمعه الذي يعد قطعة منه ‪.‬‬

‫أن ه الش اعر ف ؤاد كح ل ال ذي ك ان يعيش مفارق ات ص عبة في ظ ل أوض اع سياس ية مض طربة وه و‬
‫موجود في خضمها يتأرجح بين التأييد والرفض ‪ ،‬بين القسوة واللين بين الوجود والالوجود ‪.‬‬

‫وتحت هذا العنوان سنجد عينان قلقتان تبحثان عن شاطئ ال يلب ثان يصبح سرابًا لتغوص اآلمال‬
‫في رمال متحركة تفقد األمل وتسحب اإلنسان إلى نزوع قاتل عن هذه الحياة ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫لقد كان كحل مقاتًال في الجيش السوري كان يعيش األحداث السياسية واألوضاع المضطربة فنراه‬
‫نزاع ًا للتم رد على ه ذه األوض اع و على ه ذا الواق ع ‪ ،‬فيع زف قيث ارة ال تلبث أن تبل غ في ألحانه ا‬
‫أعتاب الوطن المضطهد ‪ ،‬يقول‪:1‬‬

‫تبدئن من الحزن‬

‫أبدًا من رفضي المتراكم‬

‫نبدأ من جرحنا العربي حيارى‬

‫فما زلت أحمل أعتدتي‬

‫وأحارب‬

‫أرفض مهزلة الحرب حين تصير انتصارًا‬

‫وما زلت لحنًا‬


‫أغني بساح الهوى وأغني‪.‬‬

‫لقد ضاقت األنفاس حين أغلقتها الحيرة ‪ ،‬إذ ادّلهم الليل و أحلك في سواده الذي خيم بالحزن مبدو‬
‫من بحث عن طريق النجاة ‪.‬‬

‫إذ يدعو الشاعر إلى التمرد على الواقع رافضًا ذاك الجرح العربي مصممًا على الثبات في ساحات‬
‫القتال ‪ ،‬صامدًا في وجه األعداء ‪ ،‬ولكن متى ؟؟ عندما تصير الحرب مهزلة ال جدوى من النصر‬
‫فيها ‪ ،‬لينطلق صوته لحنًا ‪:2‬‬

‫وما زلت لحنًا‬


‫أغني بساح الهوى وأغني‬

‫وما بين أغنية ورفيقتها تشرقين‬

‫وفي لحظة الموت تشرقين‬

‫أو لحظة الحب أبدأ حربي‬

‫ومن بين معركة وقرينتها‬

‫تولدين‬

‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ :‬ص ‪.21‬‬


‫‪ 2‬حصار الحب والموت |‪ ،‬ص ‪.22-21‬‬
‫‪7‬‬
‫وإ ذاك اعرف أنك وحدك‬

‫باقية تعشقين‬

‫يجد الشاعر متنفسًا في الغناء ‪ ،‬فهو صوت شجي يحمل العاطفة والمعنى ويعّب ر عن خلجات نفس‬
‫تريد االنبثاق في سماء صافية تسبح فيها روح النضال والتمرد ‪ ،‬لتتحد لحظة الموت ولحظة الحب‬
‫فتكون بداية الحرب والنضال بحثًا عن معركة المصير ‪.‬‬

‫لينتقل إلى وصف الواقع داعيًا من خالله إلى الرفض والتمرد ‪:1‬‬

‫أرسم خارطة البؤس‬

‫وأراقصها فوق رغيف الجوع‬

‫المتراكم حولي كجليد الصحراء‬

‫وأغرد للحنطة والعشق‬

‫يرس م الش اعر لنفس ه خطوط ًا يع دها انطالق ًا لثورت ه على ه ذه األوض اع ‪ ،‬إذ الج وع والب ؤس يخيم‬
‫على ال وطن ‪ ،‬لي نزاح في المع نى بقول ه ( جلي د الص حراء ) ‪ .‬وه و هن ا يغ رد للحنط ة والعش ق أي‬
‫يبحث عن حياة كريمة حرة يكون الحب فيها عشقًا للحياة نفسها ‪ .‬ثم يرمز لالحتالل بصحراء ليل‬
‫تخيم فوق البالد ليعود باالنزياح في قوله ( كثبان النار ) طالب ًا ثورة تجلو هذا الليل الذي يسيطر‬
‫على البالد ليس ( كأسراب جراد ) بل ( بحور جراد ) صاعدًا بالمعنى إلى مبالغة شديدة ‪ ،‬هادف ًا‬
‫من ورائها تحقيق غايته وهي التمرد والثورة التي يراها نصب عينيه في قوله‪:2‬‬

‫هي الحرب‬

‫ترحل متخمة بالهموم‬

‫فيا وطني ‪........‬‬

‫عبئ الجعبة العربية وابدأ لهيبك‬

‫ولتنكشف لعبة القائمين‬

‫في هذا المقطع يرى الحرب قد بدأت تضع أوزارها ( ترحل متخمة بالهموم ) وإ ن انتهت ف الطريق‬
‫طويل ‪ ،‬كي نعود من جديد ‪ ،‬شعبًا حرًا وسيادة عادلة ‪ ،‬وهنا تكون المواجهة أشد والصراع ألد ‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.39‬‬


‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫‪8‬‬
‫ثم يجعل من التمرد نقطة بدء وانطالق‪: 3‬‬

‫سوف نأتي من العشق‬

‫بعض رجاٍل نرد الغزاة‬

‫تحت الفتة الطهر‬

‫نصرخ فيهم ‪:‬‬

‫قفوا نحن عشاقها في زمان قديم‬

‫سنعود لنشهر كل الكؤوس المليئة بالدم ‪،‬‬

‫كي يرجع المستبد‬

‫ولكن هوالكو يبقى ببغداد‬

‫يحرق كل قصائدها‬

‫ويدمر كل معابدها‬

‫ويقصقص كل ضفائرها‬

‫فالش اعر ينطل ق من الحب ال ذي يبعث الحي اة في الرج ال ليكون وا ق ادرين على الص مود في وج ه‬
‫الغزاة ‪ ،‬طالبين الحرية والعدل والحياة الطاهرة ‪ ،‬فهل سيتحقق هذا النداء وهذا النضال في يوم من‬
‫األيام ؟ أم أننا سنكون كمن سبقنا أيام هوالكو الذي استباح بغداد فهرب الرجال قبل النساء‪ ،‬عبروا‬
‫عن حزنهم ذرفوا دموعهم ‪ ،‬لكنهم لم يسكبوا دماءهم حفاظ ًا على كرامتهم ‪ ،‬يرمز هنا إلى الدمار‬
‫بكل أشكاله وعلى كل صعيد ‪ ،‬ثقافيًا ‪ ،‬اجتماعيًا ‪ ،‬جماليًا ‪ ،‬دينيًا ‪....‬إلخ‪.‬‬

‫على أن التمرد وطلب الحرية لن يكون لقمة سائغة فيقول ‪:2‬‬

‫لماذا تقفلين عينيك أيتها المدينة ؟‬

‫لماذا تحملين قيودك أيتها المرأة ؟‬

‫لماذا تلتصق بالتقاليد أيها الشاب ؟‬

‫ألم تعلموا جميعًا‬


‫أن أوسمة العبودية‬

‫‪ 3‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬العشق في الزمن الفحل ‪ ،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ 2‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬هذا الدم ذاك الفرح ‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪9‬‬
‫هذه الوحوش النقدية اللماعة ‪!.....‬‬

‫ف يرى كح ل في دعوت ه إلى التم رد كيان ًا ك امًال ال ب د من تغي يره فيب دأ بالمدين ة جمع اء ثم الش باب ثم‬
‫المرأة ‪ .‬لتكتمل هذه الصورة يقول ‪:1‬‬

‫كالهطول من نافذة الدم تمامًا‬


‫كالهبوط إلى متاهة التراب تمامًا‬
‫وفي الفضاء الالنهائي‬
‫تتمرد ‪......‬وتبحث‬
‫تنمو ‪......‬وتصعد‬
‫حتى بدايات اللغة‬
‫ونهايات التكون‬
‫علها تلفت انتباه العابرين‬
‫وهم يمرون مع إيقاعات الزمن األبدي‬
‫وشواطئ المكان الفوار‬
‫ترتسم في ذهنه صورة تمرد اإلنسان ‪ ،‬باعثًا الحياة التي يسعى فهو هطول ليس من السماء بل من‬
‫النافذة التي تسكب الدماء ؛أي الفداء و التضحية ‪ ،‬ليرتفع مستوى األمل لديه ممتدًا به إلى فضاء ال‬
‫نه ائي ليك ون ه ذا التم رد إي ذانًا بالبداي ة و النهاي ة مع ًا ‪ ،‬بداي ة الحي اة ال تي يس عى إليه ا ونهاي ة الظلم‬
‫والبؤس ‪ ،‬فتغدو الحياة انبعاثًا ولحنًا يعزفه الشاعر على شاطئ المكان الصاخب بالحياة والتمرد ‪،‬‬
‫ثم يقول‪: 2‬‬

‫هنا ‪ :‬حيث األعاصير تلفنا بظالمها البارد‬

‫والنيازك بوحشتها المحايدة ‪..........‬‬

‫الزالزل بعبثيتها المدّم رة‬

‫والفصول برياحها الجافه‬

‫وحيث الليل والنهار‬

‫يرتعدان مثل كوكبين‬

‫خرجا عن مدارهما في مجرة نائيه ‪.......‬‬

‫‪ 1‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬مكاشفات عابر سبيل ‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪10‬‬
‫يحي ل الش اعر الحق ائق الكوني ة والظ واهر الطبيعي ة أم ورًا تنقلب على نظمه ا مش يرًا ب ذلك إلى م ا‬
‫حدث من وعود وأماٍن كان يطالب بها ‪ ،‬وهنا ال بد أن نأخذ بعين االعتبار تاريخية هذه النصوص ‪،‬‬
‫أي الوضعية االجتماعية للكاتب ‪ ،‬موقعه بالنسبة لمجموعة من معايير االحتجاج والسلوك المعتمد‬
‫في عصره واالختيار الذي يتبناه من بين الوسائل التي تمليها الظروف بالنظر إلى الجمهور الذي‬
‫وجه إليه النص ‪.1‬‬

‫تصوير الواقع والمقاومة ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫يؤكد الشاعر دعوته للتمرد والثورة ‪ ،‬طالبًا المقاومة من خالل تصويره الواقع المرير الذي يعيشه‬
‫الشعب في غياهب الظلم و البؤس فيقول ‪:2‬‬

‫يا رغيف الخبز ‪ ،‬يا حلمًا‬


‫زرعناه بآالم جميع البؤساء‬

‫أيها المسروق من أفواه كل الفقراء‬

‫أنت كاألطفال‬

‫كالزهر ‪ ،‬كعشق الشعراء‬

‫سوف نأتيك من الشفق‬

‫سوف نأتي أنبياء‬

‫ين دد الش اعر باألوض اع الفاس دة ‪ ،‬وي رى في العيش و|إدراك رغي ف الخ بز حلم ًا يعتص ر ألم ه في‬
‫قلوب الفقراء ‪ ،‬أولئك البؤساء الذين ينادون صمت الجبناء ‪ :‬علنا ندرك العيش ‪ ،‬علنا ندرك الخبز‬
‫!!‬

‫هكذا يستطيع األديب إجمال مشكالت الواقع التي تنقلب أمامه إلى معاناة و مثبطات ت ؤثر س لبًا على‬
‫اإلنسان و تمنعه من استشعار الحرية واستعمالها ‪ ،‬ومن اإلحساس بالسعادة ‪ ،‬ومن مباشرة العمل‬
‫بإيجابي ة ‪ ،‬واإلقب ال على العيش بف رح ‪ ،‬وبث الموثب ات في جنب ات ال روح فه و مع ني بخالص ات و‬
‫نتائج ما ينعكس على اإلنسان و الحياة‪ 3‬لتكون الصورة الثانية حزنًا يسيطر على الوطن ‪:4‬‬

‫إنه الحزن‬

‫‪ 1‬خمري ‪ ،‬حسين ‪ :‬الظاهرة الشعرية العربية ‪ ،‬ص ‪.30‬‬


‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 3‬المصري ‪ ،‬علي ‪ :‬في رحاب الفكر واألدب ‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 4‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪11‬‬
‫يهطل موتًا على أرض هذا التالحم‬

‫هذا هو البدء يصرخ‬

‫في وجه كل الغزاة‬

‫جميع المدائن حطت رحال السفر‬

‫بالدي لك الحب‬

‫في خندق الموت ‪ ،‬ال في المالجئ‬

‫إنها رؤية الشاعر فيصور حزن البالد موت ًا يهطل ‪ ،‬والتي ستثور إن أدركت المأساة ‪ ،‬ويرفع من‬
‫شأن بالده و لكن إذا قاومت المحتل ‪ ،‬ال أن تحتمي في المالجئ ‪.‬‬

‫فيتح دث باس م الجمي ع ح امًال س الحه مق دمًا دم ه متح ديًا األع داء ‪ ،‬رام زًا لالحتالل بالنظ ام ‪ ،‬وم ا‬
‫ينطوي فيه من صمت وخوف وحزن ‪ ،‬لتعود نفسه ‪ ،‬وينطلق عنان الكبرياء فرس ًا مجنح ًا يكسر‬
‫بحافره واقع الغزاة ‪ ،‬فيقول‪: 1‬‬

‫فقد صرت أبدأ بالرفض‬

‫فارتسمي في جراحي‬

‫كل الذين يقولون غيمك أمطر‬

‫فوق السهول سماسرة‬

‫والذين يقولون ‪ :‬صرنا نجيد السباق برابرة‬

‫فالدّم المتعفن في كل قصر وبئر‬

‫والفتة صار ماء‬

‫يعود هنا لتصوير الواقع تحت براثم االحتالل و المجتمع بما فيه من خونة وتجار تكالبوا على هذا‬
‫الوطن ‪ ،‬فغدروا بالعباد ‪ ،‬وجلبوا العار ألرض العزة واألمجاد ‪ ،‬وفي قوله الدم المتعفن إشارة إلى‬
‫أن الفساد يسري في الوطن كالدم المتعفن في الجسد ‪ ،‬وهذا واقع الحال المتردي ‪ -‬كما صوره –‬
‫قد شمل كل شيء بأن قال‪ ( :‬قصر وبئر ) ‪.‬‬

‫والش اعر ذو موق ف أي ديولوجي ذل ك أن ه يكتب من قناع ات فكري ة و اجتماعي ة معين ة ‪ ،‬ال ينق ل لن ا‬
‫الواقع من كل جوانبه ‪ ،‬بل يعرض علينا ما يريد تبليغه ‪ ،‬وهو بهذا االختيار االجتزاء يقدم لنا رؤية‬

‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪12‬‬
‫أيديولوجي ة له ذا الواق ع وال ذي يع د ممن يوج د في قلب ه ‪ ،‬ومن ثم نلح ظ تب دل الرؤي ة في كتابات ه‬
‫األخيرة فيقول في ( أشجار تتهاوى ) ‪:1‬‬

‫فتبحث المعرفة عن قلبها ودربها‬

‫والذرة عن مسارها ومداها‬

‫والزهرة عن زمنها وشذاها‬

‫والخاليا عن أمدائها الخالدة‬

‫في المساء المزدهر للخلود ‪....‬‬

‫ليعود كل شيء إلى مساره بعد سؤال طويل استمرت خالله رحلة الشقاء لتتوج الزهرة بشذاها‪ ،‬كما‬
‫الحياة بحريتها ‪ ،‬فتنجلي غمامة االحتالل ‪ ،‬وتشرق البهجة على األوطان ‪،‬يقول ‪:2‬‬

‫فنضيء ليل الغموض‬

‫بالكوكب المشرق للوضوح‬

‫باالشتعال الرائع للرؤيا‬

‫هنا نلحظ ارتفاع األمل بوصف الواقع وصفًا يختلف عما سبق من األبيات ‪ ،‬إذ األن وار واألزه ار و‬
‫عودة األحرار ‪ ،‬إلى وطن عانى االستعمار ‪ ،‬لتأتي فرحة االنتصار شذًا يتوج شفاه األزهار ‪.‬‬

‫وليس مطلوبًا من األديب أن يقف على الصعوبات التي تتعرض حل كل مشكلة ‪ ،‬و لذلك فهو حين‬
‫ين اقش ‪ ،‬أو يع ترض ‪ ،‬أو يص ور أو يحلم ‪ ،‬فإن ه إنم ا يس تفيد من تجربت ه اإلنس انية الفني ة ومعرفت ه‬
‫بالنفس البشرية ‪ ،‬ومن قدرته على سبر أغوار النفس و الواقع ‪ ،‬واستخالص نتائج قابلة للتعميم من‬
‫ذلك الواقع ‪ ،‬بما يملكه من حٍس سليم و بصيرة ثاقبة و مالحظة دقيقة ‪.‬‬

‫الشعور باليأس وضياع المصير ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫يرتسم في كلمات الشاعر يأس ال يلبث أن يشعر القارئ بضياع المصير و التذبذب إلى فراغ قاتل‬
‫يبحث من خالله عن الذات الحرة والجمال اإلنساني ‪ ،‬فيقول ‪:3‬‬

‫تستحيل الرصاصات حلمًا جميًال‬


‫تواريخ تائهة‬

‫‪ 1‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬أشجار تتهاوى ‪ ،‬ص ‪.68‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ 3‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪13‬‬
‫فأحمل زن وأرسم خارطة‬

‫للبالد القديمة‬

‫أو للبالد الجديدة‬

‫فيها الوجوه تناسل‬

‫تبدو على الشاعر نغمة من الحزن ‪ ،‬فكأنه حقيبة يحملها قاصدًا خارطة البالد ‪ ،‬هو ال يدري أيقصد‬
‫البالد القديم ة أو البالد الجدي دة ‪ ،‬وه و طريق ه إلى درب الخالص كأن ه أراد بالرم اح ال تي تلت وي‬
‫تراجعًا و إخفاقًا في القتال ‪.‬‬

‫إّال أن ه ذا الح زن ال يلبث أن يتح ول إلى ع برات تغ ادر جفن الش اعر معلن ة زوال األم ل و مس ّلمة‬
‫باليأس ‪ ،‬فيقول ‪:1‬‬

‫ستبكي المدائن حين ترانا‬

‫نغّر د للعشق حزنًا و خوفًا‬


‫ستبكي حنينًا حين لتجمعنا في خلو عن األعين النهمية‬

‫هل المراكب تنذر بالبدء‬

‫هيا ‪ ،‬يكاد يضيعنا المركب‬

‫هيا ‪ ،‬نجابه هذا الزمان‬

‫فالمدن العربية تشاركه أحزانه ‪ ،‬والتي تشهد مأساة األمة ‪ ،‬وتحن إلى ماضيها الذي ينكر حاضرها‬
‫‪ ،‬فيثور الحاضر معلنًا نهاية اليأس ‪ ،‬مبلغًا الزمان بالبداية التي ستقتلع ظلم النهاية ‪ ،‬يقول أيضًا ‪:2‬‬

‫في آخر كوكب‬

‫انتظرا مناديل العاشقين‬

‫في آخر قناديل الزائرين‬

‫في آخر بكاء‬

‫استقبل غناء األعراس‬

‫أيها المسافر أبدًا ‪:‬‬

‫‪ 1‬العشق في الزمن الفحل ‪ ،‬ص ‪.29-27‬‬


‫‪ 2‬هذا الدم ذاك الفرح ‪ ،‬ص‪. 103‬‬
‫‪14‬‬
‫هي الحياة ‪ ،‬لحظة وتمر ‪.....‬‬

‫هي األشياء ‪ ،‬عمرها و تمر ‪......‬‬

‫هو الزمان ‪ ،‬عيشنا ويمر ‪.....‬‬

‫توقع أشياء أكثر مما يجب‬

‫توقع دائمًا‬
‫أن تسرق الزهرة من بستانك ‪!......‬‬

‫يستخدم الشاعر كلمة ( آخر) أكثر من مرة ‪ ،‬فكأنه يرى في هذا الواقع البائس نهاية الحياة ‪ ،‬نهاية‬
‫الحب ‪ ،‬نهاي ة األلم ‪ ،‬فال يتوق ع أن يعيش بؤس ًا أك ثر من ه ذا ‪ ،‬وم ع ذاك تنس اب الحي اة كأنه ا لحظ ة‬
‫وداع أخير ‪ ،‬لينقضي الزمن كما الثواني ‪ ،‬وترتحل الجبال مع سير الغيوم‪ ،‬واإلنسان جزء من هذا‬
‫الوداع و النهاية التي يتوقعها الشاعر ‪ ،‬ومع هذا تؤلمه أيما إيالم مسلمًا باحتالل الوطن منكس ًا علم‬
‫النص ر مش هرًا راي ة االستس الم ‪ ،‬حين يجع ل الحري ة زه رة تن ير الحي اة ‪ ،‬في أتي مغتص ب يقتطفه ا‬
‫دونما انتباه !!!‬

‫الثورة و الكفاح ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫إن هذا اليأس ال يلبث أن ينجلي بتطلع الشاعر إلى بواكير ثورة تنطلق على أكف األحرار ‪ ،‬إيذانًا‬
‫بالحياة التي يهتف بها الشاعر ‪ ،‬فيقول ‪:1‬‬

‫الرماح ستلمع بالحرب والنصر‬

‫كل السيوف تكسر‬

‫أشياءها المستباحة‬

‫ترسم عاصفة الصمت‬

‫والموت يلهب حربًا مخبأ في السكينة‬

‫يعلن الشاعر الثورة فتبدأ انطالقًا من الصمت الذي يتفجر معلنًا بداية حرب تصير فيها البالد مرآة‬
‫للموت أو للحرية مكبرًا شأن الفداء والتضحية ‪ ،‬جاعًال منها نورًا يغشى الدروب الضيقة‪ ،‬لتتسع‬
‫فيها اآلمال واآلفاق كما يراها الشاعر ثوبًا يكلل مسيرة الوطن يقول ‪:2‬‬

‫أنمو كالعشب الشامخ في حزنك‬


‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪15‬‬
‫يا وطن الفقراء‬

‫أطفو مثل البؤس الطالع من بعض األسماء‬

‫لكن حين أصير نداء‬

‫في الزمن الوهمي‬

‫يلتهب الحب النوراني بأعراقي‬

‫كالثورة في عري البؤساء‬

‫الوطن يعاني الفقر والحرمان فهو بحاجة إلى دعوة الحياة ‪ ،‬وطلوع العشب والحب ليكتمل معهما‬
‫األمل بانطالق ثورة تكون رداًء للبؤساء بعد عري الغزاة ‪ ،‬وهتك أستار األبرياء ‪.‬‬

‫على مستوى النظر والتأمل التجريدي ‪ ،‬إذا رجعنا إلى الواقع الشعري ‪ ،‬فإننا نجد هاتين الصيغتين‬
‫تتداخالن ( تداخل العالم الذاتي بالعالم الموضوعي ) ‪ ، 1‬يقول‪: 2‬‬

‫إالم يا حبيبتي‬

‫تهاجم الشفاه شاطئ العطش‬

‫أحبكم ‪ ،‬أحبكم تلتهبون كالحريق‬

‫و تنهضون من ظالم البؤس و الجراح‬

‫أحبكم ‪ ،‬في كل ذرة من التراب تكتبون‬

‫قصة الغضب ‪ ،‬فحينها ‪....‬‬

‫يرتحل المحل من الصحراء‬

‫ينتهي النواح‬

‫يح رض الش اعر أبن اء وطن ه للث ورة منطلق ًا بعاطف ة وطني ة ‪ ،‬لتهب ال ريح على عاص فة االحتالل و‬
‫الغزو ‪ ،‬فتنقشع سحابة البؤس و الحزن ‪ ،‬ولكن النهوض سيشعل كل ذرة من تراب الوطن غضبًا‬
‫على غضب عندها فقط يعود الخصب للبالد ‪.‬‬

‫ثم ينتقل من الخطاب الجماعي إلى الفردي ‪:3‬‬

‫وأنت كما انطلق الفارس‬


‫‪ 1‬خمري ‪ ،‬حسين ‪ :‬الظاهرة الشعرية العربية ‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪16‬‬
‫العربي من السجن كي يغسل‬

‫الذنب في ساحة التضحية انطلقت‬

‫وطفت على السطح مثل الرياح‬

‫تركت السجون الكثيرة‬

‫فامتشق المجد وجهك‬

‫والسيف زندك‬

‫والعشق قلبك‬

‫ثم اقتحمت مع النار والبرد رغم الجراح‬

‫يخطب كح ل المقات ل الع ربي ‪ ،‬ف يرى في عيني ه روح التم رد و الث ورة و الكف اح ض د االس تعمار‪،‬‬
‫والتح رر من س جن النفس و الخ وف ‪ ،‬وت رك ذن وب التخ اذل لتك ون الش هادة ب دء انطالق الث ورة و‬
‫كأنها الريح تلّف سفح الجبل بل قمته ‪ ،‬لينطلق المجد والنصر من وجهه ‪ ،‬ويطلق سيف الحرية من‬
‫زند السالح و هنا انزياح ‪ ،‬وأخيرًا ال بد أن يفيض العشق من القلب الحر مشتعًال بنور الثورة و نار‬
‫الكفاح ‪.‬‬

‫يق ول كح ل ‪ " :‬هك ذا ال يع ود بإمك اني إّال الب وح ب الروح والجس د ‪ ،‬بالمعرف ة والجه ل ‪ ،‬ب الغموض‬
‫ال ذي يكتن ف ال وردة حين تص بح رم ز الوج ود ‪ ،‬والنه ر ال ذي يص بح دلي ل النش وء ‪ ،‬والقلب ال ذي‬
‫‪1‬‬
‫يصبح منارة ما أنجزه التاريخ بي من لهب و انتشار ‪"......‬‬

‫على أن الث ورة ال تي ي دعو إلي ه الش اعر تحت اج من الش عب الوث وب والنهض ة ‪ ،‬والتحلي ق في س ماء‬
‫الحرية ونشرها على أرض االحتالل والعبودية ‪ ،‬فيقول ‪:2‬‬

‫ليس للطيور وحدها أجنحة !‬

‫اسألوا مقعدًا يوحد بين غريبين‬

‫شجرة تظلل أوالدًا يلعبون‬

‫منزل يبدعه أب وأم مكافحان‬

‫قرية يصبح نصف حلمها وراء البحار‬

‫وعواصم تبدأ أوقاتها باالرتعاش‪....‬‬


‫‪ 1‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬منازل كوكب أزرق ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 2‬كحل ‪ ،‬فؤاد ‪ :‬أشجار تتهاوى ‪......‬قصائد تحترق ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪17‬‬
‫لقد آن األوان لتعود للحياة بهجتها ‪ ،‬وتتلمس طريقها المنير ‪ ،‬وتستجيب الكائنات لكينونتها ‪ ،‬وتسير‬
‫الطبيع ة بمقتضى حلمها ‪ ،‬فالحري ة حق لإلنسان قبل تلك الطيور التي تحلق دونما قي ٍد ‪ ،‬فلإلنسان‬
‫حريت ه أيض ًا ‪ ،‬وال تي يحنيه ا بأجنح ة تخف ق لتهب على إثره ا ن ار الث ورة ‪ ،‬فيعم الس الم و األم ان ‪،‬‬
‫الجماد واإلنسان ‪ ،‬تكتمل حياة أحدهما باآلخر ‪ ،‬جاعًال االرتعاش بداية االنتفاض ‪.‬‬

‫فتقدم الثورة بخفقة ال بل بكلمة ‪ ،‬فيقول ‪:1‬‬

‫ليس للطيور وحدها أجنحة !‬

‫بجناحيها تطير‬

‫الكلمة خارجة من شفتين جريئتين‬

‫الركض صعودًا و هبوطًا على التالل‬

‫الرغيف تقطفه يدان جائعتان‬

‫والنجم يتألق في عينين عامرتين‬

‫بالعشق والكفاح ‪.......‬‬

‫يعود الشاعر إلى طريق الثورة الذي سيبدأ بخطوة ‪ ،‬لتكون الثورة حصادًا لكلمة يجتمع عليها أبناء‬
‫ال وطن وتتعاض د علي ه أك ف المناض لين ‪ ،‬وعم ل دؤوب يجس د االتح اد والمث ابرة ‪ ،‬لبل وغ الحي اة‬
‫الكريم ة ‪ ،‬يس ودها الع ّز ويغمره ا الكبري اء ال ذي يرتس م على جب اه أبنائه ا كم ا الن ور ي زين ص فحة‬
‫النجم ‪ ،‬وعندها يترافق الكفاح مع الحياة حياة العشق التي يبحث عنها الشاعر بين صفحات شعره ‪.‬‬

‫انبثاق األمل وعودة الحياة ‪:‬‬ ‫‪-5‬‬


‫على أن أنوار الثورة تمتد إلى روح الشاعر ‪ ،‬فتبعث فيها أمًال يعيد الحياة للوطن من عودة الحرية‬
‫المنشودة ‪ ،‬واسترجاع األرض المسلوبة ونصر األمة المظلومة التي ستعيد مجدها بيديها ‪ ،‬فتشرق‬
‫عليها شمس الحرية معلنة بداية البشرية ‪ ،‬فيقول ‪:2‬‬

‫مّد ي يا شمس ضياءك فوق السهل‬

‫فخيالي يستقبل فصل الخصب‬

‫و دمائي تتأهب للرقص العلني‬

‫ويدي صارت أصلب من كل األعواد‬


‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪18‬‬
‫كادت تبدأ باإلنشاد‬

‫يجس د الش اعر ص ورة ال وطن بع د الث ورة و الكف اح ‪ ،‬كي ف ع ادت الحي اة لتحم ل في طياته ا ن ورًا‬
‫يض اهي ض وء الش مس المنح در على الس هول ال تي ب ات يغمره ا ( الخص ب ) أي أس اس الحي اة‬
‫وجوهرها وسبيل عيشها ‪.‬‬

‫نرى كل ما في الشاعر ثائر ‪ ،‬دماؤه ‪ ،‬يداه ‪ ،‬و نفسه المتأججة ‪ ،‬والتي تشحذ بالثورة كل الشعب‬
‫تطلب العيش والحرية ‪ ،‬يقول ‪:1‬‬

‫أعبر فيك يا قصيدة المخاض‬

‫نحو ضفة الفرح‬

‫واحمل الحب والبكاء‬

‫النشوة ‪ ،‬الشفاه ‪،‬‬

‫قطرة الربيع‬

‫أحمل األطفال واألسوار والنساء بيرقًا‬

‫وأفتح الفؤاد عاشقًا‬


‫أرتشف القبلة منك‬

‫حزمة الشعاع‬

‫لقد بلغ الشاعر بثورته التي نادى بها حياًة يواصلها بطريق صعبة ‪ ،‬فيصور حياته السابقة بقصيدة‬
‫مخاض ‪ ،‬لما كانت تحمل من آالم فتكون الحرية على ضفة نهر يعبره على مركب الكفاح الس ابق ‪،‬‬
‫فيبلغ واقعًا يملؤه التناقض ( حب ‪ ،‬فرح ‪ ،‬بكاء ) ‪ ،‬ثم التجانس ( النشوة ‪ ،‬الشفاه ‪ ،‬قطرة الربيع ) ‪،‬‬
‫لتكون القبلة بداية الطريق و نهاية النضال ‪ .‬يقول أيضًا ‪:2‬‬

‫رأيت القنديل يتدلى من الدالية‬

‫رأيت القنديل يضيء على األكتاف‬

‫رأيته ينضج في التنور‬

‫و على صدر الصبية الشامخة‬

‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪ 2‬هذا الدم ‪....‬ذاك الفرح ‪ ،‬ص ‪.17-16‬‬
‫‪19‬‬
‫يصبح خابتين‬

‫شعت الحالوة ‪ ،‬والضحكة ‪ ،‬واللذة ‪.‬‬

‫والنعومة ‪ ....‬في أعماق المدينة ‪.‬‬

‫في ه ذا المقط ع يش به الحي اة واألم ل بالقن ديل ال ذي ين ير الطري ق ‪،‬إن ه قن ديل اس تمد الوق ود من‬
‫التضحية ‪ ،‬واشتعل بنور يغمر األرض والحياة ‪ ،‬وها هو بنوره يغدو مجاًال يسيطر على المدينة و‬
‫يغشاها ‪ ،‬وال يزال يستخدم النور والضياء ليعبر عن الحرية واألمل بعودة الحياة ‪:1‬‬

‫ذات صباح غامض‬

‫بين بزوغ الكوكب األول للثورة‬

‫واشتعال الفجر الخائف للحرية‬

‫ابتدأ أملنا الخاص‬

‫من ينابيع نبضنا‬

‫فارتعشت األزمنة واألمكنة‬

‫وشعشعت المجرات‬

‫في السماء الخاصة لقلوبنا ‪.‬‬

‫أراد بالص باح الغ امض أي ام االحتالل ال تي انتهت بإش راقة الث ورة كوكب ًا متوهج ًا ‪ ،‬ليك ون انطالق‬
‫األمل من ( ينابيع النبض ) أي من إحساس باألمل و عمل على بعث الحياة الحرة ‪ ،‬لتنقلب األزمان‬
‫واألماكن ‪ ،‬فيعود النور بضيائه ( شعشعت ) ‪ .‬مريدًا ( بالسماء الخاصة لقلوبنا) وطنه الذي ضمه‬
‫بين جنبات شعره ‪ ،‬كالقلب بين ضلوع صدره ‪.‬‬

‫ليعبر عن فرحة النصر والجالء ‪ ،‬بقوله ‪:2‬‬

‫أية فرحة مدهشة‬

‫طيرت عصافيرها في أرواحنا‬

‫أي حلم ربيعي أضاء حياتنا‬

‫أية مفاجأة أحسسنا بإبداعها ‪......‬؟‬

‫‪ 1‬أشجار تتهاوى ‪.....‬قصائد تحترق ‪ ،‬ص ‪. 89‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪20‬‬
‫يغلب على الش اعر أن يرب ط آمال ه بالطبيع ة و عناص رها ‪ ،‬وال س يما الطي ور ف يرى فيه ا فرح ًا و‬
‫حرية ‪ ،‬وحياة أبدية ‪ ،‬تزهر بحلة ربيعية ‪ ،‬لتعود بضيائها إلى نفس الشاعر التي طالما بحثت عن‬
‫الن ور في الش مس و القم ر و القن ديل ثم م ا لبثت أن ش اهدته أحيان ًا ‪ ،‬وأحس ته إب داعًا أه داها لؤل ؤًا‬
‫أشرقت به هذه النفس ‪ ،‬فأزهرت قطوفًا جناها األمل ‪ ،‬وطرزتها الحياة برونقها البديع ‪.‬‬

‫ه ذا ه و األدب أمًال ومعين ًا و ن ورًا ‪ ،‬محرض ًا وباني ًا و ث ائرًا ‪ ،‬ممتع ًا و مح ررًا مث يرًا‪ ،‬يفتح آف اق‬
‫الحري ة و الج دة ‪ ،‬ويعي د اكتش اف الع الم وكن وز الس عادة في ه لإلنس ان ‪ ،‬فيم ده ب دفق حيوي ة وحري ة‬
‫وشجاعة ليواجه الحياة والبؤس والطغيان ‪.1‬‬

‫حديثه للوطن ‪:‬‬ ‫‪-6‬‬


‫ب رز ل دى الش اعر األس لوب المباش ر من خالل خطاب ه لل وطن ‪ ،‬فيق ف ش امخًا ح امًال راي ة الكف اح‬
‫مخاطبًا وطنه كما في قوله ‪:2‬‬

‫أوقف النزف يا وطني‬

‫هل توهجت بعد انطفاء طويل‬

‫أوقف الخوف‬

‫هذا التناسل يبدأ بالنار والماء‬

‫والخوض في العشق‬

‫والزمن البيدري‬

‫قرأت ارتحالك في كتب الفقراء‬

‫و في األمل المتفجر فينا‬

‫ف يرى الح رب دم اًء و أرواح ًا تزه ق ليك ون نتاجه ا ث ورة تلتهب فيبتل ع س عيرها الظلم واالحتالل‪،‬‬
‫على أنه ال يغفل العشق فال حياة بدونه ‪ ،‬وكأنه يرى مسيرة الوطن في شفاه الفقراء التي سيطرت‬
‫بالمعاناة واأللم و البؤس ‪ ،‬لنلمح عنده ثورة اجتماعية للنهوض بالشعب والوطن معًا‪.‬‬

‫ليس هذا فحسب بل نراه ينسب الوطن للفقراء ‪ ،‬فيقول ‪:3‬‬

‫فيا وطن الفقراء ‪ ،‬القتال ‪ ،‬المدائن‬

‫‪ 1‬المصري ‪ ،‬علي ‪ :‬في رحاب األدب والفكر ‪ ،‬ص ‪.77‬‬


‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 3‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪21‬‬
‫كن في فصولك لحنًا‬
‫فعشق الجنود تحول سيًال من النار والحب‬

‫يا وطن الجند والعشق‬

‫آٍت من الليل أحمل نزف الجراح‬

‫يط الب الش اعر وطن ه ب النهوض ‪ ،‬ورفض ال ذل ‪ ،‬وابتع اث الحي اة ال تي جعله ا لحن ًا ‪ُ ،‬يع زف على‬
‫أوتار الشهداء ‪ ،‬ليكون صداه روحًا تنعش األحياء ‪ ،‬ويجعل الحب أساس الحياة ‪ ،‬والذي يعد محرك ًا‬
‫ألولئك الجنود ‪ ،‬أمل الكفاح وشعلة النجاة ‪ ،‬كيف ال وها هو برجع نسب الوطن إليهم ويعشقهم أي‬
‫ل دافعهم و حي اتهم ‪ ،‬ه ذا العش ق ال ذي ال ينف ك ي زاوج بين ه وبين الكف اح ال ب ل الحي اة ‪ ،‬بم ا فيه ا من‬
‫جراح ليكون هو وثورته التآمًا ونجاحًا و نجاة ‪.‬‬

‫ليعود إلى الخطاب العام والصريح ‪ ،‬فيقول ‪:1‬‬

‫أيها الوطن العربي‬

‫أكاد أرى السيف يرجع للغمد‬

‫والدم يصبح أبيض‬

‫والسيل يرشح عبر السراديب‬

‫آه من الدم !‬

‫هل يتوقف عن رحلة المد والجزر‬

‫هل كل هذي الجراح ارتمت‬

‫جثة في حقول التخوف ال ‪ ،‬شاهدوا جثتي بينكم‬

‫شاهدوا كفني ‪ ،‬بصمتي‬

‫قطرات دمي البيدري على قحطكم‬

‫تعل و أنف اس الش اعر بن داء ال وطن الع اثر ‪ ،‬ف يرى – أو يك اد – ( الس يف ُيغم د ) فيتح ول األم ل إلى‬
‫يأس ‪ ،‬والنجاة إلى موت ‪ ،‬والدم إلى ماء ‪ ،‬ربما أراد أن الثورة والحرب قد مرت بحقب ة ُأركست‬
‫فيها النفوس واغرورقت فيها الدموع ‪ ،‬و لكنه يعود ليرى في كل جرح و قطرة دم أمًال صاعدًا كم ا‬
‫كانت حرب تشرين هزيمًة فنصرًا ‪ ،‬ويبتعد بالصورة عن المألوف طالب ًا المبالغة في قوله ( حقول‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.54‬‬


‫‪22‬‬
‫التخوف ) جاعًال من ذاك الشعور الدفين حقوًال مترامية ‪ ،‬ليستنهض الهمة بقوله ( ال) مقدمًا دمه‬
‫فداء يسقي به ظمأ النهضة ‪.‬‬

‫ليتردد نداء الوطن في طيات الشعر و هو في كل نداء وطن مخصوص بشيء ما فيقول ‪:1‬‬

‫لم الدم يا حلم الفقراء‬

‫وحلم الدراويش‬

‫يا وطن الموت والموت و الموت‬

‫إني أراك كسيزيف يا أيها الوطن الحلم‬

‫تحمل بؤس العراة الجياع‬

‫ستبقى بأفئدة الناس‬

‫أغنية من شعاع‬

‫نالحظ في هذا المقطع استخدامه لألسطورة ‪ ،‬يقول خليل الموسى ‪ " :‬األسطورة لغة تقوم بإيصال‬
‫الفكرة والمتع ة الش عريتين ‪ ،‬وإ ّن اس تلهامها يثري العم ل الفني و ق د قي ل ‪ :‬الحداث ة هي في معالج ة‬
‫األسطورة " ‪.2‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬الوطن والمرأة ‪:‬‬


‫لع ل أب رز م ا يتجّلى في ش عر ف ؤاد كح ل ‪ ،‬ه و مزاوجت ه بين الم رأة وال وطن فيجس د ال وطن ام رأة‬
‫يبحث عن جماله ا و حريته ا ‪ ،‬يحتاجه ا و ين و إليه ا يعش قها كم ا يعش ق الحري ة ‪ ،‬فمن خالله ا يحس‬
‫باإلنسانية ‪ ،‬فيبثها حبه ولواعج نفسه ‪ ،‬لتكون متنفسًا له ‪ ،‬وحلمًا طال انتظاره ‪.‬‬

‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ ،‬ص ‪.61‬‬


‫‪ 2‬الموسى ‪ ،‬خليل ‪ :‬الحداثة في حركة الشعر العربي الحديث ‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪23‬‬
‫ثم ال يلبث أن يتح د االثن ان ( ال وطن والم رأة ) ح تى يخي ل للق ارئ أنهم ا ش يء واح د ‪ ،‬ف إن تراج ع‬
‫الوطن كانت المرأة أسمى ‪ ،‬فتتردد في شعره حبيبته و ملجأ روحه ‪ ،‬وطفل ًة يراها تنبض بالحياة و‬
‫الحب و أمًا تحتضنه بعد معاناة و جهد‪.‬‬

‫العشق في شعره ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫يتخذ الشاعر المرأة جسرًا إلى الحير الوطني والقومي ‪ ،‬ثم تحوله إلى البعد اإلنساني الذي يحتضن‬
‫ع ذابات الك ل ‪ ،‬فهي المع ادل آلالم اآلخ رين و أت راحهم ‪ ،‬و هي من ه ذا المنظ ار ال وطن ض من‬
‫معادلة تبادلية متوازنة ‪.1‬‬

‫لذا نرى شاعرنا عاشقًا هائم ًا في أرجاء حب متالطم األمواج يعيش افتقارًا لالستقرار و نزاع ًا من‬
‫أرض الواق ع ‪ ،‬يعكس نزاع ًا في نفس هائم ة يبحث عن الحب كم ا الحري ة ‪ ،‬ف ا انفص ال بينهم ا ‪ ،‬إذ‬
‫تندمج لديه لحظات يغدو فيها الكفاح انتصارًا للوطن ال بل للحب و العشق ‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫و الشوق في جسدي حربة‬

‫عانقت شفة الموت‬

‫ما أكبر الحب في لحظة الموت‬

‫ما أعظم الموت في لحظة الحب‬

‫هذي جراحي و عشقي و سيفي‬

‫عرفتك جرحًا و عشقًا و سيفًا‬


‫وما بين موتي و حبك‬

‫أورع عشقك بعد القتال‬

‫نداء من الوجد‬

‫يا امرأة ترسم العنصر في جسد الليل‬

‫أعشق حبي ‪ ،‬يموج على رقصة الموت‬

‫تتأّج ج لواعج صدر الشاعر فيبثها أنين ًا ال يدري مصدره ‪ ،‬أهو الحب أو الحرب ‪ ،‬وال يرى حياته‬
‫سوى امتدادًا بين نقطتين (الموت والحب ) ليتجلى عشقه لتلك المرأة التي ستكون دافعه‪ ،‬و محرك‬
‫شعوره ونضاله ‪ .‬ثم ال يلبث أن يصرخ بحبه و يمأل أرجاء الوطن بعشقه ‪ ،‬فيقول ‪:2‬‬
‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ :‬ص ‪. 10 – 9‬‬
‫‪ 2‬حصار الحب والموت ‪ :‬ص ‪.10‬‬
‫‪24‬‬
‫أهواك ‪..........‬‬

‫أفني حياتي بموتك‬

‫أنت النداء الذي استصرخ الحرب‬

‫يا امرأة من هديل الحمام أنت‬

‫و انشطار القنابل‬

‫هيا اعشقيني ‪.......‬عشقك قاتل ‪.‬‬

‫فها هو حبه وعشقه ولد في خضم الحرب ‪ ،‬و شاركه في القتال و لم يكن أمامه سوى هذا الهوى ‪،‬‬
‫ليسمع و يرى ويدرك حقيقة الفوضى ‪ ،‬التي عاشها وهو يسعى نضاًال و كفاح ًا ‪ ،‬حرب ًا فانتصارًا ‪،‬‬
‫تراءت له من خلف الدخان و الرصاص ‪ .‬و الجمال فكانت عشقًا ‪ .‬يقول أيضًا ‪:1‬‬

‫كوني في قلبي كالضوء‬

‫وليمطر حبك شوقًا في جسدي‬

‫و انزرعي في كل جراحي‬

‫ينذر موج العشق األخضر‬

‫كوني لي يا وهج صباحي‬

‫كي تلتهب الصرخة أكثر‬

‫وال ي زال يس تمد ق واه من عش قه ‪،‬ويح رك زن اد القت ال ب دافع من حب ه ‪ ،‬ه ذا الحب ال ذي يض يء ل ه‬


‫درب الجهاد والنضال ‪ ،‬ويسيطر عليه ‪ ،‬هذا الحب الذي يتراءى له كالمطر يبلل أرض ًا عطشى ‪،‬‬
‫ال تلبث أن تنبت كبذور حياة تغدو بستانًا مخضرًا بالعشق ال بالعشب و ها هو يعود للمزج والدمج‬
‫‪2‬‬
‫ونقل القارئ إلى أجواء اتحاد والتحام ‪:‬‬

‫غردي في دمي‬

‫كالبالبل في زهر اللوز‬

‫ولتدخلي عصبي ‪.......‬غردي‬

‫العشق في زمن الحزن أصبح وهم التعانق‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪. 42‬‬


‫‪ 2‬العشق في الزمن الفحل ‪ :‬ص ‪.19-18‬‬
‫‪25‬‬
‫هيا‪......‬وجودك يختصر الكون‬

‫يختصر الجوع ‪.......‬يختصر األلم الوطني‬

‫تج اوز عش قه البس تان ‪ ،‬ليك ون طيورًا ترسم لحن ًا يزيد في ش ذى األزهار ‪ ،‬وكم ا حب ه يزيد حيات ه‬
‫عشقًا للحياة ‪ ،‬وإ صرار على النضال ‪ ،‬في وقت يسيطر فيه األلم ‪ ،‬فال يترك مكان ًا للعشق ‪ ،‬ولكنها‬
‫وحدها حبيبته قادرة على أن تكون وجودًا ‪ ،‬وتبعث فيه أمًال يستطيع من خالله تجاوز محنة في رب ا‬
‫وطن ال بد و أن ينهض ‪ .‬ثم يقول في كلمات تسطر عشقه ‪:1‬‬

‫سأبقى أحبك‬

‫هيا ‪ ،‬دعيني أحبك‬

‫قلت ‪ :‬اشربي ما تبقى من النبض‬

‫كاد يذوب كما ذاب حبك في سفن‬

‫الساقطين على طرق العشق‬

‫استحمي بنبض العروق‬

‫استحمي بعشقي‬

‫الشواطئ ال ذلت من التيه باالنتظار‬

‫يخاطب الشاعر حبيبته التي يرها دومًا امتدادًا لوطنه و عشقه امتدادًا لحريته ‪ ،‬وهو ليس محب ًا فقط‬
‫ب ل مض حيًا ‪ ،‬مانح ًا حيات ه ف داء لعش قه ال ذي يع ّد افت داًء ال ب د أن يك ون ‪ ،‬ومهم ا تماس ك في وج ه‬
‫الص عاب ف إن ك ثرة الج راح ال تف تر أن تزع زع أقدام ه ‪ ،‬ليع ود فيغرس ها في ترب ة عش قه فيك ون‬
‫االلتحام مرة أخرى حبيبته ووطنه ‪ ،‬عشقه و ألمه ‪ ،‬كما وحد وجسده ثم يقول متسائًال‪:2‬‬

‫كم عاشقًا على هذه الشجرة ؟‬

‫كم أغنية في أفواه هذه الحجارة ؟‬

‫ضعي قلبك على هذه الصخرة‬

‫واسمعي دقاتها‬

‫ضعي خدك الوردي على هذا االسمنت‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.21‬‬


‫‪ 2‬هذا الدم ‪......‬ذاك الفرح ‪ :‬ص ‪.120-119‬‬
‫‪26‬‬
‫وتحسسي دفأه‬

‫ضعي أناملك الفضية على هذا التراب‬

‫يخبرك عذابه‬

‫فيتساءل عن العشاق فوق الشجرة ال تحتها ‪ ،‬عن األغاني ‪ ،‬تنطلق من الصمت والجماد ‪ ،‬بما في‬
‫ذلك قلبه الذي يحس به صخرة ولكنها ال زالت تنبض ‪ ،‬فيجعل من جسده حكاية الوطن واالحتالل‬
‫واالستقالل ‪ ،‬لتكتمل الصورة بوجود الحبيبة ‪.‬‬

‫الهروب من الواقع إلى المرأة ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫طالما وجد الشعراء في المرأة مالذًا ‪ ،‬و في جسدها مواساة ‪ ،‬فيهرعون إليها طلب ًا للحياة ‪ ،‬وحرب ًا‬
‫من آالم حاض ٍر يقاس ونه ‪ ،‬فتك ون الم رأة الملج أ األمين و حض نها الحص ن الحص ين ‪ ،‬حيث يج د‬
‫الشاعر في قربه منها نجاًة واستمرارًا في العيش ‪:1‬‬

‫حلمت بأن كروم الهوى‬

‫أينعت خضرة وسيوفًا‬


‫وفي جعبة الحرب عبأت حزن السنين‬

‫ومن ثغرك األرجواني لونت ليلي‬

‫ها هو الشاعر يطوف في أرجاء خياله ‪ ،‬فيحلم بكروم من الهوى قد أنتجت حياًة وموتًا ‪ ،‬وهو يعيش‬
‫هذه الحرب ‪ ،‬التي أثقلت كاهله فكأنها جراح سنين مضت ‪ ،‬و لكن هذا الواقع السوداوي ال يلبث أن‬
‫يغدو قصة لحن ملونة ‪ ،‬ولكن بم ؟ بالطبع بوجود الحبيبة ‪ ،‬ففي ثغرها ينجو من الواقع أي الموت ‪.‬‬

‫وق د أدرك ال وعي اإلنس اني أن المعض لة األساس ية غ ير قابل ة للح ل ‪ ،‬فلج أ إلى الحلم ‪ ،‬مم ا أف رز‬
‫مرحلتي المعرفة الخرافية والمثالية للكون و الحياة ‪ ،‬والحلم هبة الطبيعة للبشر كي يؤسسوا توازن ًا‬
‫لحياتهم خيال الواقع لمرير ‪ ،‬يتميز الحلم البشري بالتفاوت الحاد مع الواقع الموضوعي والتماثل‬
‫م ع الج وهر ‪ ،‬كم ا يتم يز الج و ال ذي يخلق ه تشخيص ه الخي الي بالس عي أث ر الج وهري في حيات ه ‪،‬‬
‫عندها ينطلق الخيال بحيث يؤدي إلى الشفافية الشعرية المجنحة‪. 2‬‬

‫ثم يخاطب امرأته بأعلى صوته ‪:3‬‬

‫أتيِت ‪....‬تواريُت‬
‫‪ 1‬حصار الحب والموت ‪ :‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 2‬بنحلون ‪ ،‬العربي ‪ :‬تيار الوعي في األدب المغربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪.85-84‬‬
‫‪ 3‬العشق في الزمن الفحل ‪ :‬ص ‪.13‬‬
‫‪27‬‬
‫جئُت ‪........‬تواريِت‬

‫كيف تقولين سبع سنين عجاف‬

‫و ينزاح عن حبنا الوهم‬

‫إذن عانقيني‬

‫فنقتل غربتنا الموحشة‬

‫ويصبح هذا التالحم أغنية السائرين‬

‫على طرق الليل‬

‫إن ه يعيش لكن اله وى تش وبه األح داث ال تي تعك ر ص فو الت آلف بينهم ا ‪ ،‬لتك ون هي ملج أه وه و‬
‫ملجاؤه ا وباتحادهم ا ينس ى الواق ع وغربت ه وحرب ه ‪ ،‬ليكون ا ش علة متق دة في درب ال وطن ‪ ،‬وه داة‬
‫للس ائرين وراءهم ا ( فط رق اللي ل ) هي الح رب ال تي عاش ها ‪ ،‬و ه ا ه و يس ير في طريق ه ليقك ع‬
‫دهاليزها ‪ .‬ونجد في هذا المقطع تناصًا مع القرآن الكريم ‪ ،‬في قوله ( سبع سنين عجاف ) ‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى ‪( :‬سبع بقرات عجاف ) ‪ ،‬يقول أيضًا ‪:1‬‬

‫يا عشيقي – يا وطني‬

‫أسر لك – وبدون تردد –‬

‫أنني حينما أكون بجانبك‬

‫أصبح أقوى من كل شيء‬

‫وأقتلك جبروت البحر ‪ ،‬وقوة العاصفة‬

‫يصبح جسدك بطاقة العبور إلى الجهة األخرى‬

‫ومفتاحًا ‪.....‬أفك به رموز العالم‬

‫حرية ‪ ،‬وبقاء‬

‫في هذا المقطع نلحظ شدة العاطفة التي تثور في صدر الشاعر ‪ ،‬عاطفة حب صادق قوي ‪ ،‬يلهمه‬
‫اإلحساس بالحياة ‪ ،‬واإلصرار على الجمود والصمود فيزاوج بين عشقه ووطنه ‪ ،‬فكما ال يستطيع‬
‫العيش إّال على ثراه ‪.‬‬

‫‪ 1‬العشق في الزمن الفحل ‪ :‬ص ‪.54-53‬‬


‫‪28‬‬
‫كذلك نراه مع حبيبته يمتلك الوطن بل العالم و يكتسب قوة وجبروت ًا يفوق العاصفة والبحر ‪ ،‬بما‬
‫يحمالنه من ثوران و هيجان ‪ ،‬يقتلع الحاضر وما فيه من آالم ‪ ،‬ويجعل جسدها جسرًا يعبر به إلى‬
‫العالم أي ينفلت من إسار نفسه إلى ثورة الحب والحياة ‪ ،‬طالبًا الحرية رافضًا الدموية ‪.‬‬

‫وم ع ك ل م ا س بق ن راه في ه ذا المقط ع يخ ر ص ريعًا ‪ ،‬ولكن ليس هزيم ة ب الحرب ب ل بالعش ق ‪ ،‬إذ‬
‫يرضى أن يموت بالهوى ال بالرصاص ‪:1‬‬

‫سيفي اآلن ينتظر الهجمة الثانية‬

‫ليغير كل الطقوس‬

‫ويخلق زهر التوحد فيك ‪ ،‬اصطفيتك أنت‬

‫بكل عذابي وجوعي و بؤسي المشّو ه‬

‫قلت سآتي إليك بحزني ‪ ،‬وقهري‬

‫لقد مارسو بربريتهم‬

‫حاصروني وذروا الرماد بعيني‬

‫وساقوا بقاياي نحو المقاصل‬

‫دقوا عظامي لتصبح نسوتهم‬

‫حاصروني وشادوا المشانق‬

‫واعتصروا دمي الطفل‬

‫إني سأصرخ‬

‫يا امرأة القهر سوف أحبك‬

‫و ليحرقوني ‪ ،‬أحبك و ليشنقوني‬

‫أحبك و ليجعلوا جسدي موقدًا‬


‫يرغب الشاعر بأن يجعل موته بداية الحياة وأن تكون امرأته عزاء حياته الصعبة ‪ ،‬فمن دونها ال‬
‫يق وى ح تى على اله وى ‪ ،‬ثم يفّص ل في مأس اته ‪ ،‬يرم ز به ا لوطن ه ال ذي حوص ر و احت ل ‪ .‬ونت ابع‬
‫ص ور يع بر من خالله ا عن مبالغ ة في المعان اة ( ذروا الرم اد ‪ ،‬دق وا عظ امي ‪ ،‬حاص روني ‪)....‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪. .61-60‬‬


‫‪29‬‬
‫وبعد كل هذا يعلو صوته ( يا امرأة) مصممًا على حبه ليكون عشقه بوابة الخص ب في زمن القحط‬
‫كما ( العشق في الزمن الفحل )‪.‬‬

‫في الفترات التي تسود فيها النضاالت الوطنية تبرز قيمة نضالية ‪ ،‬يتسابق الشعراء إلى زخرفتها و‬
‫جعلها قمة القمم و رمز الشمم ‪ ،‬ويربطون بين الموت والحب ‪.1‬‬

‫األنثى في شعره ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫اتصلت صورة المرأة بالحلم والثورة والحرية والحياة ‪ ،‬فامتزجت بهذه الموضوعات امتزاج ًا كلي ًا‬
‫‪ ،‬حتى إن الدارس ال يجد قصيدة أو مقطع ًا أو صورة دون أن يجد فيها صورة المرأة أو الحب أو‬
‫مال ه عالق ة بهم ا مهم ا يكن الموض وع الش عري سياسيًا أو قومي ًا أو غير ذلك ‪ ،‬فهي المالذ األخ ير‬
‫للشاعر والمصدر الكوني الكفيل بإنقاذ العالم من الدمار ‪ ،‬وهي مصدر الثورة ألن الحب والكراهية‬
‫ال يجتمعان ‪ ،‬كما هي مصدر الحرية والحياة ‪ ،‬ألن الحياة نقيض الموت‪.2‬‬

‫ولعل أهم ما يبرز لنا في ثنايا شعر كحل هو المرأة ‪ ،‬وقد أشرت سابقًا كيف تجلت وترددت ‪ ،‬ال بل‬
‫سيطرت على شعره بشكل عام ‪ ،‬وقد تنوع ذكرها كأنثى ‪ ،‬فمرًة نجدها الطفلة البريئة ‪ ،‬وتارة األم‬
‫الحنون وأخرى المرأة الحبيبة ‪ ،‬معبرًا من خالل كل نموذج عن خلجات نفس و آهات فؤاد تتعالى‬
‫‪ ،‬لتترك بصماتها على وجدان القارئ الذي قد يجيد في فهمها و قد ال رامزًا من وراء كل نموذج‬
‫صورة ما سنكتشف حناياها من خالل بعض الشواهد ‪ ،‬يقول‪: 3‬‬

‫هيا نموت ‪!.........‬‬

‫هيا نولد ‪!...........‬‬

‫هيا نتعانق ‪!..........‬‬

‫هيا نرسم ظالًال للبحر‬

‫وأفقًا للطفلة الجميلة‬

‫إن العيش في رأي الشاعر تضحية ‪ ،‬فموت على أعتاب الوطن لتولد من بعده الحياة ‪،‬حياة جميلة‬
‫كالطفل ة الجميل ة ‪ ،‬حي اة س عيدة ملؤه ا الحب والعش ق ويحفه ا اله وى ‪ ،‬لتغ دو ه ذه الحي اة انطالق‬
‫الوطن وزهوه مجسدًا إياه بالطفلة في جمالها وبدء حياتها ‪ ،‬هذه الطفلة التي ال تلبث أن تصبح ابنته‬
‫التي يودعها قائًال‪:4‬‬

‫‪ 1‬عبود ‪ ،‬حنا ‪ :‬العقيدة و الجسد ‪ ،‬ص ‪.198‬‬


‫‪ 2‬الموسى ‪ ،‬خليل ‪ :‬الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ 3‬هذا الدم ‪...‬ذاك الفرح ‪ :‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.65‬‬
‫‪30‬‬
‫من خالل قلبي ‪............‬‬

‫وقبلة على جبين صغيرتي‬

‫أقول ألمي ‪ :‬سالمًا‬


‫أقول لها ‪ :‬هاأنذا أرمي بقبضتي‬

‫جدار الزعامات العنجهية‬

‫فينهار على تاريخه العفن‬

‫ي ودع ابنت ه تارك ًا قبل ة على جبينه ا ‪ ،‬مبش رًا أم ه بالتح اق طري ق الف داء وعزم ه على النض ال‬
‫واس ترجاع الحري ة المس لوبة ‪ ،‬ولعن ا نج د أم ه مس ّطرة في كلم ات ش عره و ت اريخ حيات ه ‪ ،‬حامل ًة‬
‫عاطفة تتدفق في وقت يحتاج فيه لحضن أمه و لمسة منها تنير دربه وتنسيه همومه و تكون عونه‬
‫‪ ،‬في لحظ نزف الهموم وأنهكته الحروب ‪ ،‬يقول ‪:1‬‬

‫من جسدي‬

‫أنزف بحرًا‬
‫ضفافه رحم أمي‬

‫ونهرًا‬
‫ينبع من صراعي‬

‫لبحر أمي‬

‫يج د أم ه امت داد روح ه وجس ده ‪ ،‬وانطالق آمال ه ونهاي ة حلم ه ‪ .‬ولكن ه ل الم واطن أٌم أيض ًا ؟ نعم‬
‫ب الطبع فكم ا يحم ل في عروق ه دماء أم ه ك ذا يحم ل في ك ل ذرة من جس ده حب وطن ه ‪ ،‬لتك ون األم‬
‫الوطن والوطن األم ‪ ،‬يعبر من خالل أح دهما عن اآلخر بعالق ة ازدواجي ة مزجيو وإ كساب األول‬
‫معنى اآلخر و هكذا ‪.‬‬

‫وأك ثر ت رداد األن ثى في ش عره ( حبيب ة) كم ا م ر س ابقًا في ش واهد كث يرة فرافقت ه في ك ل خط وة و‬


‫كانت له عونًا و ملجًأ سرًا وهجرًا ‪ ،‬كقوله ‪:2‬‬

‫أرسل سربًا جميًال إلى حبيبتي‬

‫وسربًا سجيًال إلى أعدائي‬


‫‪ 1‬هذا الدم ‪....‬ذاك الفرح ‪ :‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.61‬‬
‫‪31‬‬
‫فتصبح حبيبتي نجمًا من خاللي‬

‫و قبرًا من خالل سادتي‬

‫( جميًال ‪ ،‬س جيًال ) كلم ات تحم ل الوق ع نفس ه ‪ ،‬والع زم نفس ه ‪ ،‬في أن يبعث الحي اة والجم ال ح تى‬
‫تغدو حبيبته نجمة وه والهالل ‪ ،‬أو تغدو موتًا فيقاتل دفاعًا عن مبادئه وحياته وحريته ‪.‬‬

‫هكذا يمتزج الوطن باألنثى ‪ ،‬وتذوب األنثى ‪ ،‬وتذوب األنثى في تراب الوطن و مجده وعزتع و‬
‫تاريخه ‪.1‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬الدراسة الفنية ‪:‬‬


‫بين الص ورة والكلم ة والرم ز ‪ ،‬تنق ل الش عراء الس وريون بنج اح في كث ير من األحي ان ‪ ،‬منس اقين‬
‫وراء التي ارات الغربي ة الحديث ة و نظرياته ا في الص ورة على األغلب ‪ ،‬م ع مح اولتهم أن يحتفظ وا‬
‫لصورتهم بشخصيتها المحلية أو العربية ‪ ،‬ولمن هذه المحاوالت ‪ ،‬كانت كثيرًا ما تكبو بهم فيجدون‬
‫أنفسهم من جديد بين يدي الصورة العربية ‪.2‬‬

‫الصورة ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫ك انت الخط وة األولى ال تي خطاه ا الش عراء في مج ال تجدي د الص ورة هي التخلي عن الش روط‬
‫التقليدية في طرفي التشبيه ‪ ،‬كتقارب المشبه والمشبه به وواقعيتهما أو وجود شبه حقيقي بينهما‪،‬‬
‫فم ال الش عراء إلى اإليح اء بالص ورة ب دًال من ( التوض يح )‪ ،‬وق د تف اجئ بالمش به ب ه في الص ورة ‪،‬‬
‫وربما غاب وجه الشبه عن أذهاننا ألول وهلة ‪ ،‬ولكن الصورة تفتح لنا نفسها لتقدم بعد ذلك أكثر‬
‫مما تقدمه الصورة القديمة ‪ .3‬يقول ‪:4‬‬

‫ألم يضئ لك سراج الطفولة ؟‬

‫ال عليك‬

‫ستضيء لك نجوم الشباب‬

‫يجع ل الش اعر من الحري ة ض وءًا ال ب د أن يتق د في ي وم م ا إن لم يكن ه ذا الي وم ( الطفول ة ) فغ دًا‬
‫( الشباب ) ‪.‬‬

‫‪ 1‬المصري ‪ ،‬علي ‪ :‬في رحاب الفكر واألدب ‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ 2‬ساعي ‪ ،‬أحمد بسام ‪ :‬حركة الشعر الحديث في سورية ‪ ،‬ص ‪.376‬‬
‫‪ 3‬نفسه ‪ :‬ص ‪.307‬‬
‫‪ 4‬مكاشفات عابر سبيل ‪ :‬ص ‪.96-95‬‬
‫‪32‬‬
‫عن دها تكتس ب الص ورة ت أثيرًا قوي ًا ومنس قًا وإ ن ك ان ذل ك على حس اب واقعي ة الش يء و قيمت ه‬
‫األصلية ‪.1‬‬

‫فالص ورة الش عرية هي محاول ة الم زج ال واعي بين الفك ر والواق ع ‪ ،‬فع الم األفك ار ه و غ ير واقعي‬
‫يح اول أن يص بح واقعي ًا عن طري ق تالحم ه م ع األش ياء والظه ور من خالله ا ‪ ،‬لكن ه ذا ال يع ني‬
‫االنتقال من عالم الخيال إلى الواقع الصرف ‪ ،‬بل ما يحدث هو أن الفكرة بخيالها والشيء بواقعيته‬
‫يتمازجان ليشكالن معًا ما يسمى بالصورة ‪ ،‬ولهذا فالصورة واقعية و غير واقعية بآٍن واحد ‪.2‬‬

‫يقول ‪:3‬‬

‫كم أنا منعم!‬

‫ما زلت أشهق لعاشق أو عرس‬

‫وأصرخ في قلب مجزرة أو شهادة‬

‫ما زلت أرقص للحياة‬

‫في اللحظات االستثنائية‬

‫وأفّر ق بين الدم المتدفق‬

‫والدروب البائسة‬

‫ما زلت أنبت أجنحة لحلم‬

‫وزوارق إلرادة‬

‫ثم أركض إلى طفولة ‪....‬الكون الغامضة‬

‫يجسد الشاعر لحظة شعورية ‪ ،‬إذ النضال والتآزر واستمرار هذا الشعور وديمومته إلى مدى معين‬
‫ثم حركة تحولية يسلك فيها اتجاهًا محددًا أو غير محدد في آٍن معًا ‪.‬‬

‫هك ذا أص بحت الص ورة الجدي دة بم ا تمتلك ه من ش حنات ذهني ة والمعتم د على ( الحرك ة والص وت‬
‫واللون ) ] أرقص للحياة ‪ ،‬أفرق بين الدم ‪ ،‬طفولة الكون [ تعويضًا من السحر الموسيقي في الشعر‬
‫التقليدي ‪.4‬‬

‫‪ 1‬ساعي ‪ ،‬أحمد بسام ‪ :‬حركة الشعر الحديث في سورية ‪ ،‬ص ‪.323‬‬


‫‪ 2‬عبد المجيد ‪ ،‬عبد اللطيف ‪ :‬في الشعر العربي الحديث وتحليله ‪ ،‬ص ‪.161-160‬‬
‫‪ 3‬مكاشفات عابر سبيل ‪ :‬ص ‪.125 -124‬‬
‫‪ 4‬عبد المجيد ‪ ،‬عبد اللطيف ‪ :‬في الشعر العربي الحديث وتحليله ‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪33‬‬
‫نجد عند كحل الصورة التي تتشكل عبر جملة تستمد طاقتها وحيويتها من االستعارة أو التشبيه‪،‬‬
‫يقول ‪:1‬‬

‫القمر ينبض فرحًا‬


‫أيكون المكان جديدًا ؟‬

‫الشمس تنفجر قهرًا‬


‫أثغار من األشجار المزهرة ؟‬

‫يصير الشاعر القمر قلب ًا تدب فيه الحياة وتسري فيه الروح ليتغلغله الفرح فيولد من هذا الحدث‬
‫واق ع جدي د يس عى إلي ه الش اعر ‪ ،‬و لكن م تى حين تنطل ق الث ورة ( الش مس ) من ب ذور القه ر‬
‫والحرمان ‪ ،‬ليغدو العالم دوحة خيال وجمال ‪.‬‬

‫وقد تكون الصورة طويلة تتشكل عبر مقطع كامل معتمدة على الوسائل البالغية‪: 2‬‬

‫دائمًا نقف قرب الينابيع‬

‫وتقول ‪ :‬سيغادرها العشب ال ريب‬

‫دائمًا تفاجئك متدفقة‬

‫بربيعها الدائم !‬

‫وهنا تتكئ كل صورة على سابقتها مما يمنح المقطع تماسكًا ووحدة ‪.‬‬

‫االنحراف الداللي ( االنزياح ) ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫إن العالقة بين القاعدة واالنحراف هي التي تحدد العملية األسلوبية ‪ ،‬وهو يتجلى بفضل عالمات‬
‫البنية التي يتضمنها النص والسياق القائم فيه ‪ ،3‬يقول الشاعر ‪:‬‬

‫يطفئ القمع قنديله‬

‫فيبحر الجسد فرحًا‬


‫يكسر الجسد مراياه‬

‫فينقض القمع بوحشية‬

‫‪ 1‬مكاشفات عبر سبيل ‪ :‬ص ‪.70‬‬


‫‪ 2‬مكاشفات عابر سبيل ‪ :‬ص ‪.62‬‬
‫‪ 3‬السيد ‪ ،‬عالء الدين رمضان ‪ :‬ظواهر فنية في لغة الشعر العربي الحديث ‪ ،‬ص‪.145-142‬‬
‫‪34‬‬
‫تت ابع الص ور في ه ذا المقط ع ‪ ،‬فحين يتب دد ظالم االحتالل ‪ ،‬يتح رر الش عب ( الجس د ) من أس ره‪،‬‬
‫ليعلن ه ذا الش عب تم رده وثورت ه ‪ ،‬وفي قول ه ‪ ( :‬قن ديل القم ع ) على أن القم ع يق رن ب الظالم‬
‫والحرية بالنور ‪ ،‬كما جعل القمع هو من ينقض الوحشية ‪ ،‬ولعل المراد هو مزاوجة المعنى فكلما‬
‫انقض سابقًا فإنه لن ُيقاوم إّال أن يسلك السبيل نفسه ‪.‬‬

‫الرمز ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫إذا ك انت القص ة األساس ية للرمز هي تجس يد الشيء أو القض ية ‪ ،‬وك ان إخفاق الش عر األعظم هو"‬
‫عن دما يبقى الرم ز أدنى بم ا ال يق اس من المرم وز إلي ه " ‪ ،‬فبإمكانن ا أن نق ول إن ش عراءنا ربم ا‬
‫استطاعو أن يوازنوا برموزهم بين األشياء والمشكالت التي أرادوا أن يعبرو عنها ‪.1‬‬

‫ولع ل الرم ز المس يطر ل دى الش اعر ه و الم رأة ‪ ،‬وفي ه ذا المج ال كغ يره من ش عراء القومي ة‬
‫والوطنية في االتكاء على المرأة والربط بينها وبين الوطن والقضية ‪ ،‬وفيما سبق شواهد على ذلك‬
‫‪.‬‬

‫ك ان تقلي ديًا في كث ير من رم وزه على ال رغم من اس تخدامها في ق والب حديث ة فمن األزل ك انت‬
‫الحرية شمسًا و الظلم ظالمًا ‪ ،‬الوردة حياتًا والسجن موتًا ‪ ،‬النوم تخاذًال واليقظة ثورًة ‪.........‬إلخ‬
‫‪.‬‬

‫ومما طغى على شعره استخدام رمز الطبيعة ‪ ،‬يقول فايز الداية في ( جماليات األسلوب ) ‪:‬‬

‫" إن غنى تج ارب األديب في الحي اة و معايش ته لألح داث وللطبيع ة يجعالن ه ق ادرًا على اإلف ادة من‬
‫القدرات التخيلية ‪ ،‬وربط الحدث أو الحالة التي تشكل منطلق تجربة له بما عرف من قبل أو ببعض‬
‫الخصائص والسمات فيها "‪. 2‬‬

‫وقد يكرس أكثر من رمز كأن يرمز للحرية بالصباح ‪ ،‬بالضوء‪ ،‬بالنبض ‪ ،‬بالقمر ‪ ،‬بالشمس ‪ ،‬و‬
‫غير ذلك يستمد من الطبيعة ‪ ،‬يكثر من ذكر الربيع الحياة الخصبة بعد تحقيق الحرية التي يجسدها‬
‫بالطيور غالبًا ‪.‬‬

‫‪ 1‬ساعي ‪ ،‬أحمد بسام ‪ :‬حركة الشعر الحديث في سورية ‪ ،‬ص ‪.377‬‬


‫‪ 2‬الداية ‪ ،‬فايز ‪ :‬جماليات األسلوب ‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪35‬‬
‫ومن خالل تجوالي في دواوين ه كح ل وج دت الطبيع ة بص مات واض حة في ش عره ‪ ،‬مع أن ه ش اعر‬
‫حداثي في أسلوبه ومضمونه ‪ ،‬فقد وظف الطبيعة كعادة السابقين توظيف ًا يخدم غرضه العام ‪ ،‬أال‬
‫وه و بث قض اياه الوطني ة والمن اداة به ا على من بر الحري ة واإلش ادة به ا إش ادة دولي ة ع ّل الحق وق‬
‫ترجع في يوم ما بعد حروب متوالية كانت تثقل كاهله فغاص بها شعره ‪.‬‬

‫كم ا أن ه ذه الرموز تعكس في غالب األحي ان تفاؤًال ثوري ًا وتطلع ًا نض اليًا تجسد في نفس الش اعر‬
‫باألزه ار واألش جار والعص افير واألنه ار ولعلن ا في مج ال الرم ز نتع رض لظ اهرة الغم وض وم ا‬
‫أثير حولها من جدل ‪.‬‬

‫على أنه مستوى الشعر والشاعر يحدث في أحيان أن تكون رؤية الشاعر نفسها غامضة لم تختمر‬
‫في نفس ه بع د بم ا في ه الكفاي ة على حين يظن ه و أنه ا ق د اختم رت ‪ ،‬وأن ه ق ادر على نقله ا فينقله ا‬
‫باضطراب ‪.1‬‬

‫ظهر الغموض كفنية بنائية في صورة ثورة ضد الجمود والنمطية التي مرت بها اللغة العربية‪،‬‬
‫فج اء الرم ز كوس يلة ألداء مع نى معين ‪ ،‬بطريق ة تختل ف عن اإلفص اح واإلبان ة ‪ ،‬يف رض على‬
‫القارئ قراءة واعية ‪ ،‬يقول ناقد أمريكي ‪ ":‬الرمز يستثير المثقف دائم ًا وبالتالي فإن الشعر يصبح‬
‫أفضل القراءات "‪. 2‬‬

‫هك ذا وج دت الش عر ق د اتخ ذ منح ًا جدي دًا وفق ًا ل ه يج در بالق ارئ وال دارس والناق د أن يتخ ذ منحى‬
‫يتواءم وهذا االتجاه والذي قد يحفل باإليجابيات والسلبيات ‪ ،‬فيقصر عنه فهم بعضهم في حين يجده‬
‫بعض هم اآلخ ر مج اًال للتأم ل والتفك ير والغ وص في ع والم الخي ال ورؤي ة النص كم رآة ذات أوج ه‬
‫يعكس كل وجه نظرة جديدة على أن شيئًا ما ال يعدو هذه األوجه كلها ‪.‬‬

‫ولعل أبرز ما تردد في شعر كحل هو الجنس ‪ ،‬فكثيرًا ما جعل شعره مبنيًا عليه ‪ ،‬يقول حنا عبود ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫" إن الجنس يعني النزوع نحو البقاء ‪ ،‬ومعظم الظواهر يمكن إرجاعها إليه "‬

‫يقول كحل‪:4‬‬

‫يا عيونًا على هدأة العشق تغفو‬

‫اقطفي لهفة الجسد المتفتح‬

‫في لحظة البدء‬

‫‪ 1‬األعرجي‪ ،‬محمد حسين ‪ :‬مقاالت في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ 2‬إبراهيم ‪ ،‬حسن علي ‪ :‬تجليات الشعور في الشعر العربي ‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪ 3‬عبود ‪،‬حنا ‪ :‬القصيدة والجسد ‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪ 4‬العشق في زمن الفحل ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪36‬‬
‫لكنه ال يتوقف عند هذا الحد في الحديث عن الجسد و شهواته فيقول ‪:5‬‬

‫جسدي يتعطش ‪ ،‬يخفق‬

‫هيا اكشفي عن ثمارك‬

‫ارسميني على صدرك المرمري‬

‫العواصف حين أضحك‬

‫لكن ه ذا ال نزوع الجدي د إلى الجس د وجع ل رغبات ه م رآة لنفس الش اعر تخ ف وطأت ه في ال دواوين‬
‫األخ يرة عن اُألول ‪ .‬وربم ا ك ان ه ذا االتج اه مس يطرًا على نفس الش اعر في ش بابه ‪ ،‬ليتخلى عن ه‬
‫شيئًا ما في كبره ‪.‬‬

‫‪ 5‬المصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.43‬‬


‫‪37‬‬
‫الخاتمة ونتائج البحث ‪:‬‬
‫‪ -1‬ك ان كح ل ش اعرًا ملتزم ًا ك ّر س غ الب ش عره في الح ديث عن وطن ه وتن اول قض اياه‬
‫ومعالجته ا ووض عها على طاول ة البحث ‪ ،‬فتح دث عن أوض اع ال وطن وأح وال الش عب ‪،‬‬
‫وعن األسباب والنتائج ‪.......‬إلخ ‪.‬‬

‫‪ -2‬وصف الواقع وصفًا موضوعيًا ‪ ،‬متناوًال مختلف الشرائح من القادة إلى الفقراء ‪ ،‬على أن‬
‫األمر لم يخُل من بعض المبالغات ‪.‬‬

‫‪ -3‬ش كلت الم رأة العنص ر األس اس ال ذي ب نى علي ه ش عره ‪ ،‬وق د تن وع في تناوله ا وأج اد في‬
‫وص فها ‪ ،‬فجعله ا م رآة نفس ه التائه ة المض طربة ‪ ،‬وأس قط عليه ا األح داث في كث ير من‬
‫األحيان ‪.‬‬

‫‪ -4‬نج د نض جًا ش عريًا في دواوين ه األخ يرة عن اُألول مم ا يش ير إلى اكتم ال رؤي ة الش اعر‬
‫وتبلورها ‪.‬‬

‫‪ -5‬استباح جسد المرأة ‪ ،‬فكثيرًا ما تحدث عن العري في دواوينه ‪ ،‬إّال أن وطأة هذا االستخدام‬
‫قد تالشت شيئًا ما في إصداراته األخيرة ‪.‬‬

‫‪ -6‬غلبت على ش عره التقريري ة والخطابي ة ‪ ،‬وخال كث ير من قص ائده من ص ورة جميل ة أو‬
‫إيقاع موسيقي مميز ‪.‬‬

‫‪ -7‬أج اد في اس تخدام الرم ز ولكن س يرًا على نهج من س بقوه ‪ .‬فلم ي أِت بجدي د في الش كل أو‬
‫المضمون ‪.‬‬

‫‪ -8‬تن وع ش عره في درج ة اإليح اء ‪ ،‬بعض ه غامض ًا ‪ .‬يحت اج إلى تأم ل فتأوي ل ‪ ،‬ولكن في‬
‫الغالب اس تطاع نقل تجربته الثورية إلى الق ّر اء إذ كان هدف ه واضحًا من خالل استخدامه‬
‫رموزًا معروفة ‪.‬‬

‫‪ -9‬أجود شعره ما كان مرتبطًا بالطبيعة ‪ ،‬إذ أحسن في اسلتهامها وتوظيفها توظيفًا حسنًا‪ ،‬أدى‬
‫الغرض ولون الشعر بألوان الحياة ‪.‬‬

‫ك ان لغت ه جدي دة ‪ ،‬أس اليبه متنوع ة ‪ ،‬إذ اس تخدم االس تفهام والنفي ‪ ،‬والتعجب‪،‬‬ ‫‪-10‬‬
‫والنداء ‪........‬إلخ ‪ ،‬ولكن أسلوب هدف من خالله إيصال معنى معين ‪.‬‬

‫‪38‬‬

You might also like