Professional Documents
Culture Documents
أثر السجن في شعر المعتمد بن عباد
أثر السجن في شعر المعتمد بن عباد
جامعة البعث
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
قسم اللغة العربية
شعبة الدراسات العليا
شعبة الدراسات األدبية
مقّدمة :
2
متّيز األدب األندلسQي عن غQريه من العصQور األدبّي ة متيزًا جعلQه يسQتقطب حمّبيQه املتعطشQني لدراسQته ،
والغوص يف أعماقه وكشف مكانته .
وحلسن احلظ كنت من هQؤالء احملبني ،فللشQعر األندلسQي نكهQة خاصQة جQذبتين إليQه .ولعّQل أكQثر مQا
يلفتين فيه مواقف الQوداع و الفQراق والشQكوى واحلنني .لQذا فقQد كتبت حبثًQا يف أثQر السQجن يف شQعر
املعتمQQد بن عبQQاد الQQذي كQQان مق ّQد مًا يف هQQذا امليQQدان بعQQد النكبQQة الQQيت أصQQابته فخلQQع و نفي ،وقQQد متّي ز
باحلس املرهف ورقة الشعور .
وقQQد قمت بتقسQQيم قصQQائده و مقطوعاتQQه الشQQعرية الQQيت قاهلا يف منفQQاه وراء القضQQبان إىل حماور متعQQددٍة
لتسهيل تناوهلا وقراءهتا يف الوقت نفسه .
ومن خالل دراسة هذه احملاور ذات املوضوعات املتعددة تبني احنراف مساره الشQQعري يف هQQذه الفQQرتة
من حياته عّم ا كان عليه من قبل ،إذ ساده جو البؤس والشقاء واحلرمQان واألسQى واألمل وغQري ذلQك
مما كان يعانيه ويكابده يف سجنه ،فقد صور وقع حادثة األسQر يف نفسQه و يف نفQQوس حمّبيQه ووصQQف
حالQQه يف السQQجن و حQQال أسQQرته من بعQQده ،كمQQا راسQQل بعض الشQQعراء املق ّQر بني إليQQه بقصQQائد شQQعرية
حتكي قصة معاناته و حالته النفسّية من حنني و شوق وذكرى وأسى ...فرأى أن الدهر انقلب عليه
وأذاقQQه طعم املرارة من جّQر اء اخلطQQوب الQQيت أمطQQره هبا ،فأطQQال التأمQQل يف تقلبQQات الQQدهر فأخQQذ العQQربة
من أسالفه وسّلم األمر هلل و حلكمته ولقي مصريه صابرًا حمتسبًا إىل أن وافته املنية يف أسره .
وبع QQد الوق QQوف على أهم املوض QQوعات ال QQيت تناوهلا الش QQاعر ،قمت بدراس ٍQة فني ٍQة أتتب QQع من خالهلا أث QQر
السQQجن يف شQQكل القصQQيدة و بنيتهQQا و أسQQلوهبا يف شQQعره .ومن مث خلصQQت بQQالبحث إىل النتQQائج الQQيت
توص QQلت إليه QQا ،ويف احلقيق QQة أن QQين مل أس QQتطع إجناز ه QQذا البحث على ه QQذه الص QQورة ل QQوال توجيه QQات
األس QQتاذة املش QQرفة ال QQيت أخ QQذت بي QQدي وأم QQدتين ب QQأهم املص QQادر ال QQيت ك QQانت عم QQاد ه QQذا البحث ،فله QQا
خالص االحرتام والتقدير .
3
تمهيد :المعتمد بمن عباد: 1
هو ابن املعتضد العبادي صاحب إشبيلية ،ولQد يف مدينQة باحQة سQنة 431هـ ،وعQاش يف كنQف
أبيQQه املعتضQQد ،وقQQد دّر بQQه أبQQوه على أمQQور احلكن وقيQQادة اجليQQوش ،وتفّتحت مواهبQQه األدبيQQة مبكQQرًة ،
فق QQد رزق حسًQ Qا فنيًQ Qا مرهفًQ Qا ،وأويت حظًQ Qا من الثقاف QQة واس QQعًا ،و اطل QQع على عل QQوم اللغ QQة واألدب
فأحسQQن االطالع و حفQQظ من روائQQع املنظQQوم واملنثQQور ،وأجQQاد الكتابQQة وبQQرع يف قQQول الشQQعر ،وبلQQغ
مرتبًة عاليًة يف التذوق والنقد .
خلف أباه املعتضد يف حكم إشبيلية سنة 461هـ وكان يف حنو الثالثني من عمره ،تلّقب باملعتمQQد و
الظQQافر واملؤيQQد ،وُع ِر ف بالسQQخاء والشQQجاعة و االرتيQQاح لألدب والشQQعر ،فقصQQده األدبQQاء والشQQعراء
والعلمQQاء حQQىت أصQQبحت إشQQبيلية كعبQQة الوافQQدين ،و هنج املعتمQQد يف توسQQيع سQQلطانه هنج أبيQQه ،فضQQم
قرطبة إىل حكمه عام 462هـ و نفى عنهQا اجلهQاورة و حكامهQا السQابقني ونQازل الQربابرة يف غرناطQة،
واستوىل على ُم رسية ،واستفحل أمره بغرب األندلس ،وعلت يQده على من كQان هنالQك من ملQوك
الطوائQف ،فكQانوا خيطبQون على سQلمه ،ويغلQون يف مرضQاته وأدت اخلصQQومة املسQتعرة بني املعتمQد و
بين ذي النون ملوك طليطلة إىل الكارثة الين زلزلت األندلس باحتالل ألفونس السQQادس ( األذفQQونش
) مدينQة طليطلQة عQام 478هـ ،وكأمنا كQان سQقوطها النQذير باملسQتقبل املظلم الQذي ينتظQر األندلسQيني
وأدرك األندلس QQيون أّن ال طاق QQة هلم ب QQرّد ألف QQونس عن بالدهم ،فاس QQتغاثوا بيوس QQف بن تاش QQفني مل QQك
املرابطني باملغرب فأغاثهم ،و سارع إىل جندهتم واجتاز البخر إىل األنQدلس ،وكQانت موقعQة الزالقQة
479هـ الQQيت انتصQQر فيهQQا املرابطQQون واألندلسQQيون ،وأوقفQQوا الزحQQف القQQادم من الشQQمال ،2و ا عQQاد
ّمل
مل QQوك الطوائ QQف إىل م QQا ك QQانوا في QQه من العبث والله QQو وظه QQر هتاوهنم وعج QQزهم ،حّض األندلس QQيون
يوس QQف بن تاش QQفني على أخ QQذ األن QQدلس ،وأفت QQاه علم QQاؤهم " جبواز خل QQع املعتم QQد و غ QQريه من مل QQوك
1البيان المغرب ، 273 : 3الذخيرة ، 13 : 2نفح الطيب ، 158 : 8 :وفيات األعيان ،39-21 :5الوافي بالوفيات -183 : 3
،188المعتمد بن عباد :علي أدهم :ص 8وما بعدها ،األعالم :الزركلي ، 51 -50 :7المعتمد بن عباد اإلشبيلي ،:صالح
خالص:ص ،مالمح الشعر األندلسي ،عمر الدقاق .179 -165 :
2البيان المغرب ، 273 : 3الذخيرة ، 13 : 2نفح الطيب ، 158 : 8 :وفيات األعيان ،39-21 :5الوافي بالوفيات -183 : 3
،188المعتمد بن عباد :علي أدهم :ص 8وما بعدها ،األعالم :الزركلي ، 51 -50 :7المعتمد بن عباد اإلشبيلي ،:صالح
خالص:ص ،مالمح الشعر األندلسي ،عمر الدقاق ،179 -165 :شعراء وراء القضبان ،حسن سليم نعيسة ،ص ،167دول الطوائف
،محمد عبد هللا عنان ،ص .77:
4
الطوائ QQف ،وبقت QQاهلم إن امتنع QQوا " ،وجّه ز يوس QQف بن تاش QQفني العس QQاكر إىل األن QQدلس فقض QQوا على
ملQQوك الطوائQQف ،واسQQتولوا على إشQQبيلية سQQنة 484هـ واقتQQادوا املعتمQQد بن عّب اد أسQQريًا ،و سQQاقوه و
أهله ليسجن يف أغمات .
و ق QQد أش QQجاه احلزن ،وأض QQناه اهلّم ،فق QQال أش QQعارًا يفيض أس ًQى و حس QQرًة ،تص QQف ل QQواعج نفس QQه و
تصّو ر ما نزل به من تعاسة و شقاء .وظّل يف حمبسQه يتجّQر ع غصQص األسQر ،ويعQاين مضQض الغربQة
حىت وافاه األجل عام 488هـ ،وقد أوصى بأن يكتب على قربه :
حّق ًا ظفرَت بأشالِء ابن ع ــاِد قبَر الغريِب سقاَك الّر ائح الغادي
ّب
مل يكن املعتمQQ Qد بن عبQQ Qاد رجQQ Qل علٍم وأدب ،وصQQ Qاحب مل ٍQ Qك ونعيم فحسQQ Qب ،بQQ Qل كQQ Qان يتصQQ Qف
بالشجاعة واألنفة العربية اليت تأىب اخلضوع واالستعطاف أو اخلنوع واالعرتاف باهلزمية أمQQام خصQQومه
بغيQة اسQتعطافهم ،وهQQو يQرفض هQQذا النQوع من السياسQة لQذلك مل يتنQازل عن ملكQه بسQهولة ،فQرفض
نصح وزرائQه ومن حولQه ،فهّب يQذود عن سQلطانه مسQتميتًا ،ولكن شQاءت األقQدار أن يسQاق أسQريًا
شاخمًا ال تابعًا ذليًال ......يقول يف وصف هذه احلادثة :
فوقQع املصQQيبة صQQدع قلب الشQاعر إّال أنQه بقي صQQامدًا ،ومل جيعQQل دموعQQه تسQيطر عليQه ،ووقQف أمQQام
خص QQومه نّQ Qدًا قويًQ Qا يفّض ل املوت على التن QQازل ،فه QQو يتحّلى بالش QQرف والكرام QQة ال QQيت جعلت QQه يقات QQل
ويطلب املوت ويفضله على االستسالم ،متفاخرًا بشيمه و كرامته اليت ورثها عن أجداده ،وبرهQQان
ذلك أن الفروع تتبع األصول .
بكى على أثر غزالن و آسـاِد بكى المبارك 1في إثر ابن عبــاِد
والنهر والتاج كٌّل ذّله بـادي بكى الوحيد ،بكى الزاهي وقّبته
2 يا ل ة البحر دومي ذات إزباِد
ّج ماء السماء على أبنائــه درٌر
فيم QQا يب QQدو أن الش QQاعر يف ه QQذه األبي QQات يش QQخص اجلم QQادات من قص QQور وح QQدائق ،ويض QQفي عليه QQا
صفات احلزن والكآبة لفراق حمبوبيهQQا ومؤنسQيها من حسQناوات وقQادٍة أشQاوس ،و هQQؤالء هم عائلتQه
ال QQيت ف QQارقت ملكه QQا املهيب ،فب QQدا ذليًال خمذوًال .وينتهي ب QQالفخر بنس QQبه العري QQق ،وذك QQر ج QQده م QQاء
السماء و يؤكد على أن ألبنائه درٌر غزيرٌة ال ينقطع جودها مثل زبد البحر مهمQQا تكQQاثرت اخلطQQوب
.
هQQذا و قQQد كQQان املعتمQQد ملك ًQا حمبوب ًQا من قبQQل الكثQQريين يف لسQQالف أياديQQه ،وقQQدمي إحسQQانه ،وسQQابغ
كرمه ،وهو يعلم أن أخبQار أسQره ومQا حّQل بQه سQيكون هلا أثٌQر بQالٌغ يف نفQوس العامQة وقQد عرّب عن أثQر
الصدمة املفجعة يف أبيات نذكر منها :
بل قد عممن جهات األرض إقالقا أبناُء أسرك قد طّبقن آفـاق ــا
حتى أتت شرقها تنعاك إشراقــا سرت من الغرب ال ُتطوى لها قدٌم
فأغرق الدمع آماقًا وأحداق ــا فأحرق الفجه أكبادًا وأفئ ــدًة
وقيل :إن عليك القيد قد ضاقـا قد ضاق صدر المعالي إذ ُنعيـَت لها
1المبارك والثريا والوحيد والزاهي :أسماء لقصور المعتمد في األندلس " .ال ُغ مت كواكبها " ( فيها دعاء لها بأن يحول بينها وبين
كواكبها المجازية أي الشبيهة بالكواكب من جواريه و بناته وبنيه حائل و ( ُغ ّم) الهالل :بالضم أي حال دونه غيٌم رقيق .
فهو يدرك حّQق اإلدراك املكانQة العاليQة الQيت يتبوأهQا عنQد أهQل األنQدلس فقQد كQان أهم ملQوك الطوائQف
يف حين QQه ،وك QQانت أخب QQاره تنتق QQل بني الش QQرق والغ QQرب ،ففجعت هزميت QQه نف QQوس حمبي QQه يف الش QQرق
والغQQرب وجQQاؤوا مQQع شQQروق الشQQمس ينعQQون ملكQQه الزائQQل و يQQذرفون على فراقQQه دموعًQا حراقQQة ،ألن
املعQQايل واملكQQارم ُفقQQدت مQQع صQQاحبها ويتخيQQل الشQQاعر التسQQاؤل الQQذي يQQدور يف قلQQوب هQQؤالء ،كيQQف
نال منه عدوه ،ومتّك ن من أسره مع أنه كان صاحب الغلبة و السبق والنصQQر املظّف ر على مّQر الزمQQان
.
فيجيب على ذل QQك ب QQأن املص QQائب و اخلط QQوب ت QQرتّبص ب QQه ،وق QQد ك QQان من قب QQل ي QQرتّبص بأعدائ QQه و
يف QQاجئهم ،ف QQدارت علي QQه ال QQدوائر ألن ص QQروف ال QQدهر حّلت عزائم QQه ووقفت عاتق ًQا بين QQه وبني إرادت QQه
الصQQلبة و خطفتQQه على حني غ ّQر ة ،فمضQQى أسQQريًا إىل أغمQQات ،وقQQد وصQQف لنQQا حالQQه ودموعQQه أثنQQاء
رحلته من إشبيلية إىل أغمات حيث وصل إىل موضQQع ،وأهQQل البلQد خQارجون لالستسQقاء ،فقQQال لQه
:دمعي يغنيكم عن املطر ،لكنهم قالوا له :حقًا إن دموعك الغزيرة مقنعًا ،ولكنها ممزوجQQة بالQQدماء
،يقول املعتمد :
" كما صور املعتمد حاله أثناء رحلته ،وقد أطّل على جبQال درٍن بالعQدوة فأصQاب قلبQه منهQا درن ،
ومتىّن ل QQو ،أهنا مل ت QQره ومل يره QQا وختي QQل أهنا ختربه بأهنا س QQتقربه ،وق QQد ص QQدق حدس QQه فق QQد م QQات يف
أغمات باملغرب ".3
1المصدر نفسه ،ص.110 :
لقد كQان موقQف املعتمQد من ابن تاشQفني موقفًQا ينم عن كQرم أخالقQه ،وعQدم نكرانQه للجميQل ،فقQد
كان مقدرًا لفضل يوسف عليه يف يوم العروبة ،ومل تقف قضية أسره ونفيه إىل أغمات أمام تقQQديره
واحرتامه لوفاء هذا الرجل الذي اجتاز البحر ليغيث مملكة املعتمد يف يوم من األيQQام ،لكنQQه حيمQQل يف
قلبه عتبًا شديدًا يظهر جليًا يف القصيدة اليت نظمهQQا حني قدومQQه إىل أغمQات ،حيث طلب من حQواء
بنت تاشQQفني خبQQاء عاريQQة ،فاعتQQذرت بأنQQه ليس عنQQدها خبQQاء ،فكQQرب ذلQQك على نفس املعتمQQد فأنشQQد
هذه األبيات .وقد أشار فيها إىل ذكر يوسف و يوم العروبة قائًال :
أطالوا بها في حشاك استع ــارا هم أوقدوا بين جنبيك نـارا
وحنينًا إليهم وخضت البح ــارا تراهم نسوا حين جزت الِق فا
إذا حاد من حاد عنها و جــارا بعهد لزوٍم لُس بل الوف ــا
1
فلوال الضلوُع عليه لطـ ــارا وقلبي نزوٌع إلى يوســف
لقQQد حQز يف نفس املعتمQد مQQا كQان من ابنQة تاشQفني ،وتQأّثر هبذا املوقQف الQذي أرادت بQه إذالل امللQك
املخلوع و عائلتQه والتشQهري بQه ،وإبQرازه للنQاس بال خبQاء مينQع عنQه أعني التصQغري واملذّلة واهلوان ،فلم
تكرم عيين املعتمد وتليب طلبه بل أرادت أن يراه الناس عينًQا بعني إشQعارًا بنصQر أخيهQا ،فيعQود املعتمQد
ليسأل عن سبب هذه املعاملة فهل نسوا آل تاشفني هلفتهم عليه ،وعلى ملكQه وإغاثتQه هلم ووقQوفهم
إىل جانب QQه ،ف QQإن ك QQانوا ق QQد نس QQوا ف QQإن املعتم QQد مل ينَس فض QQل يوس QQف بن تاش QQفني علي QQه حني خ QQاض
البحار ولىّب النجدة وقطع العهود بالوفاء ألخيه املعتمQد الQذي محل يف قلبQه حمبتQه وأشQواقه الQيت ال هتدأ
و نراه ها هنا يعQرتف بالفضQل الكبQري ليوسQف بن تاشQفني يف إنقQاذ اجلزيQرة اخلضQراء من اخلطQر احملدق
هبا يف تلQQك اآلونQQة فيسرتسQQل مبدحQQه و اإلشQQادة ببطولتQQه ،وجنده يصQQف ضQQراوة املعQQارك الQQيت خاضQQعا
يوسQQف على عQQادة الشQQعراء يف مQQدح الفرسQQان ،وجنده أيض ًQا يتQQأثر بالشQQعر الQQذي حيفظQQه فيسQQتقي من
صوره و يتضح ذلك يف البيت الرابع الذي يذكرنا ببيت بشار بن برد الذي يقول فيه :
2
وأسيافنا ليٌل تهاوى كواكبه كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
ويتQQابع املعتمQQد تصQQويره جملريQQات املعركQQة مQQربزًا بطولQQة ابن تاشQQفني و بسQQالته الQQيت زادتQQه شQQهرة ملا كQQان
منه من إقدام وشجاعة يقول فيها :
سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري يقولون :صبرًا ،ال سبيل إلى الصبر
يزيد فهل عند الكواكب من خـبِر هوى الكوكبان :الفتح ثم شقيقه
تخّم س لهفًا وسطه صفحة البــدِر ترى زهرها في مأتٍم ك ليل ـٍة
ّل
وأصبر ما للقلب في الصبر من عذِر ينحن على نجمين ،أثكلُت ذا وذا
حتمل هذه األبيات فاجعة األب بفقد أوالده فلذات كبده فال سبيل يرشده إىل الصQQرب ،وال سQلوان
ل QQه إال البك QQاء عليه QQا طيل QQة حيات QQه .فيش QQبهها بالكوكب QQان الل QQذان س QQقطا من عليائهم QQا ،ويتخّي ل بك QQاء
أخواهتما عليهما يف مأمت يقمنه كل ليلة خيمشن فيQه وجQوههن القمريQة من هQول الفاجعQة .فQأىن لقلب
املعتمد املفطور أن يصرب بعد فقدمها .
كQQذا كQQانت أسQQرة املعتمQQد بني مقتQQول ومQQذلول بعQQد أن هتاوت أركQQان ملQQك أبيهم ،وهQQو يقبQQع وراء
القضبان يتأمل ويتفّج ع ويبث آالمهم بتلك القصائد اخلالدة .
فما ُيرتجى للجود بعد نشـُر إذا قيل في أغمات قد مات جوده
وأصبح عنه اليوم وهو نفـوُر مضى زمن والملك يستأنس بــه
2
متى صلحت للصالحين دهوُر برأي من الدهر المضّلل فاســد
ورد عليه ابن محديس بقصيدة من البحر والقافية وحرف الروي نفسه يقول :
3
وجارز زماٌن كنت فيه تجوُر جرى بك جّد بالكرام ممثور
فقد رمى احلظ العاثر باملعتمد هذا املرمى ودارت عليه الدوائر وجQار عليQه الزمQان كمQا فعQل هQو من قبQل فقQد كQان سQلطان زمانQه ،إّال أ ،ابن محديس
يقوي عزمية املعتمد يف أسره ويذكره بأن النجوم تدور وال تستقر على حQال ،وال بQد من مQزج بعQد هQذا الضQيق ،ويعQود ليQذكره مبكارمQه وشQجاعته
يف سQQبيل ال QQدفاع عن ال QQدين وحفاظQQه علي QQه ،وق QQد كQQان حلدث نفي QQه ب QQالغ األث QQر على أرض األن QQدلس حQQىت ب QQدت اجلب QQال وكأهنا تري QQد أن هتاجر مكاهنا
وترحل مع املعتمد ،وتلك آية من آيات اهلل يوم القيامة كما يرى ابن محديس إذ يقول :
وُقلقل رضوى منكم وبثي ـُر ولما رحلتم بالندى أُك فّك ــم
4
أّال فانظروا وهذي الجبال تسيُر رفعت لساني بالقيامة قد دنت
5وردت في تاج العروس :6/3السميذع :صرح بعضهم بأن إعجام ذا له خطأ ،السميذع :الشجاع ،األسد ،الرئيس
سوارح ال سجٌن يعوق وال كبُل بكيُت إلى سرب القطا إذ مررن بي
وال ذاق منها البعد من أهلها أه ـُل هنيئًا لها أن لم يفّر ق جميعها
1
إذا اهتز باب السجن أو صلصل القفُل وأن لم تبْت مثلي تطير قلوبها
فالشQQاعر يQQدرك متام ًQا أن ذلQQك كQQان قضQQاؤه وقQQدره ،ومل يكن ليحسQQد سQQرب القطQQا بشQQيء ،ولكن
أراد أن يصف تطلع اخلالئق كلها إىل احلرية اليت منحها اهلل هلا .
واملوت أهون عليه من حياة السجون والقيود هذه بعيدًا عن بناته وصغاره الذين يعانون شظف العيش من بعد سجنه فيقول :
وصفُت الذي في ِج بلة الخلق من قبِل وما ذاك مما يعتريني وإنمــا
سواي يحب العيش في ساقه حجـُل لنفسي إلى لقيا الحمام تشّو ٌق
2
فإن فرخي خانها الماء والظ ـ ـُّل أال عصم اهلل القطا في فراخها
ومن مجي QQل ش QQعره يف احلنني م QQا كتب QQه إىل ابن محديس حيكي ل QQه آالم الغرب QQة والس QQجن وه QQو أس QQري يأس QQى
على قصQQ Qوره وهQQ Qو يرسQQ Qخ حتت نQQ Qري السQQ Qجن ال حQQ Qول وال قQQ Qوة لQQ Qه ،فيحّن أليامQQ Qه يف تلQQ Qك القصQQ Qور
والرياض ويتمىن لو يعود ذلك الزمان قائًال:
أمامي وخلفي روضٌة وغديُر ؟! فيا ليت شعري هل أبيتن ليل ـًة
تغني قياٌن أو ترّن طي ــوُر بمنبتة الزيتون موروثة الع ــال
أال كّل ما شاء اإلله يسي ـُر تراه عسيرًا أم يسرًا منالـ ــه
3
هنالك منا للنشور قب ــوُر قضى اهلل في حمص الحمام وبعثرت
يبّث الشQQاعر يف هQQذه األبيQQات أشQQواقه وأمانيQQه بQQأن تعQQود أيQQام الصQQفاء واألنس يف قصQQوره املطلQQة على
بعضQQها ،بني أشQجار الزيتQون واألزاهQQري والغQQدائر ،يف جمالس الغنQاء وتQرنيم الطيQور وهQQو يتسQاءل هQQل
والشوك ينبت فيه الورد واألُس من يصحب الدهر لم يعدم تقّلبه
1
فقلما جرحت إّال انثنت تاسو يمّر حينًا وتحلو لي حوادث ــه
يQQرى املعتمQد أن تقّلب الQQدهر أمٌQر طQبيعي كمQا أن األس والQQورد منبتQQه الشQوك فالQQدهر يصQفو مQرة ويتعكQر أخQرى إّال أنQQه ال يQQداوي من جرحQه ،فيلقي
املعتمد بعتبه على دهره الذي اقرتف ذنبًا حبقه ،ويؤكد له أنه خسر بطًال يستهني بالصعاب فيقول :
وأن يمحو الذنب الذي كان قّد ما أبى الدهر أن يقني الحياء ويندما
بعذٍر يغشي صفحتيه لتذمــما وأن يتلّق ى وجه عتيب وجهـه
2
إلى كل صعٍب من مراقيك ُس ّلما ستعلم بعدي من تكون سيوفه
ويبدو كأنه يعاتب صاحبًا غدر به ومل خيجل لفعله الذميم الذي خسر فارسًا مقدامًا غلب املصائب
و احملن اليت رماه الدهر هبا من قبل دون خوف أو وجل .
ويعQQود الشQQاعر السQQجني إىل رشQQده بعQQد أن ختبQQط يف شQQرك مصQQائب الQQدهر ليQQدُع نفسQQه كي تسQQتكني
وهتدأ ،وتقن QQع بنّص ها من ال QQدنيا ،وحيمله QQا على قب QQول م QQا ابتلي ب QQه ،وقلب QQه املص QQدوع ويبعث بعض
الطمأنينة يف نفسه الواهلة املعذبة فيقول:
25
الموسيقى : -2
وتتحق QQق املوس QQيقى يف الش QQعر من خالل الكلم QQة ال QQيت تكتب فتعطي مجالي QQة خاص QQة ،وقيم ًQا فنّي ة تبع ًQا
ملكاهنا يف الس QQياق وق QQد أج QQاد املعتم QQد يف اختي QQار ألف QQاظ ش QQعره يف الس QQجن وراوح بينه QQا يف األغ QQراض
واملواقف املختلفة ،وقد استخدم أنواعًا متعددة من البديع نذكر منها :
السجع والتصريع :فقد اهتم املعتمد فيهما وأكثر من استخدامهما يف شعره ومنه قوله : -
1
وعِّز نفسك إن فارقت أوطانا اقنع بحظك من دنياك ما كانا
الجناس :وقد استخدمه املعتمد على نطاق واسع يف شعره يف السجن ،وقQQد تناسQQب جناسQQه -
مع الصورة ،وجاء على إيقاع موسيقي حمبب ومن أمثلته قوله :
2
بسؤالهم ألحّق منهم فأعجُب سألوا العسير من األسير وإنه
رّد العجز على الصدر :جلأ إليه املعتمد إلضافة عنصر موسيقي جديQQد يلفت االنتبQQاه فتصQQغي -
إليه اآلذان والقلوب ،ومن ذلك قوله :
3
فاستحّق الجفاء إذ عاَف نزرا عاف نزري إْذ خاف تأكيد ُضِّر
البح ــور واألوزان :نظم املعتم QQد ش QQعره على أك QQثر البح QQور الش QQعرية اس QQتخدامًا من طوي QQل -
وبسيط ووافر ومتقارب و رمل ...واستخدم كQQل حبر مبا تقتضQQيه حاجاتQQه النفسQQية من دون
أن يعي ذلك .
أمـا القافيـة وحـرف الـروي :فقQQد جQQاء شQQعره على ضQQربني من القQQوايف قافيQQة مطلقQQة (رويهQQا -
متحQQرك ) وقافيQQة مقيQQدة ( رويهQQا سQQاكن) ،وبQQذلك كQQانت القافيQQة املطلقQQة أكQQثر وضQQوحًا يف
السQQجع ،وأشQQد أسQQرًا لألذن ،أمQQا املقيQQدة فهي أكQQثر غموض ًQا وإحياًء ،حQQرص الشQQاعر على
بثها يف نفوس ساجنيه لترتجم لوعته وآالمه ،كم دّل استخدامه للبحور املدّو رة على متّز ق
نفسه وانقسامها بني اليأس والرغبة يف اخلالص .
وذّل بني ماء السماء كثيـُر أذّل بني ماء السماء زمانهم
1
يفيض على األكباد منه بحوُر فما ماؤهم إّال بكاًء عليهم
كمQا اسQتخدم أسQلوب القسQم لتأكيQد القضQية الQيت يعQرض هلا ،ومن أمثلتQه تكQرار القسQم باهلل على أن ينفّQر واقQع الغربQان وأّال يتطرّي منهQا ،ألهنا بّش رته
بقدوم بعض نسائه وكأنه يريد بتكرار القسم أن يدفع الغرابة عنه عن سامعيه فيقول:
2
وال تطيرت للغربان بالعور واهلل واهلل ال نّف رت واقعها
وورد أيضًا أسلوب االستفهام يف شعره تعبريًا عن الدهشة ملا جرى له كما يف قوله :
3
للغالبين وللسباق سباقا أّنى ُغلبَت وكنت الدهر ذا غلٍب
29
قائمة المصادر والمراجع :
القرآن والكريم . -
-1األعالم ،خري الدين الزركلي ج ، 7ط. 3
-2البيQQان املغQQرب يف أخبQQار األنQQدلس واملغQQرب ،ابن عQQذاري املراكشQQي ،حتق بروفنسQQال ،
دار الثقافة ،بريوت ،ط1983 ،3م.
-3مجهQQرة أشQQعار العQQرب يف اجلاهليQQة واإلسQQالم ،القرشQQي ،حتق حممQQد علي البجQQاوي ،ط
، 1دار النهضة ،الفجالة ،القاهرة .
-4دول الطوائQQف منQQذ قيامهQQا وحQQىت الفتح املرابطي ،حممQQد عبQQد اهلل عنQQان ،جلنQQة التQQأليف
والرتمجة والنشر ،القاهرة ،ط1380 ، 1هـ 1960 -م.
-5ديوان بشار بن برد ،حتق حممد الطاهر بن عاشQور ،ج ، 1الشQركة التونسQية للتوزيQع،
جانفي 1976 ،م.
-6ديQQ Qوان أيب متام ،اخلطيب التQQ Qربيزي ،حتق حممQQ Qد عQQ Qزام ،مج ،1ط ،4دار املعQQ Qارف
مبصر.1967 ،
-7ديوان مجيل بثينة ،دار صادر ،بريوت 1966 ،م.
-8ديوان ابن محديس ،حتق إحسان عباس ،دار صادر ،بريوت .
-9ديQQوان املعتمQQد بن عبQQاد ملQQك إشQQبيلية ،حتق د .حامQQد عبQQد احلميQQد ،أمحد أمحد بQQدوي ،
دار الكتب املصرية بالقاهرة ،ط.1997 ، 2
-10الQQ Qذخرية يف حماسQQ Qن أه QQ Qل اجلزيQQ Qرة ،ابن بسQQ Qام الشQQ Qنرتيين( 542هـ) ،مطبعQQ Qة جلنQQ Qة
التأليف والرتمجة والنشر ،القاهرة 1942م.
30
-11شعر األسر والسجن يف األندلس ،بسيم عبد العظيم ،عبد القادر إبراهيم ،مكتبة
اخلاجني ،القاهرة ،ط1416 ،1هـ 1995 -م.
-12شعر وراء القضبان ،حسن سQQليم نعيسQQة ،دار احلقQQائق ،ط1986 ،1م ،دمشQQق
سورية .
-13املعتمد بن عباد اإلشبيلي ،صاحل خالص ،دار األخبار بغداد 1958 ،م.
-14املعتمد بن عباد ،علي أدهم ،دار القدس ،بريوت لبنان .
-15مالمح الشعر األندلسي ،د .عمر الدقاق ،دار الشرق ،بريوت 1975 ،م.
-16نفح الطييب من غصن األندلس الرطيب ،املقري (ت 1014هـ) مج ،4حتق حممد
حمي الدين العبد احلميد ،دار الكتاب العريب ،بريوت لبنان .
-17ال QQوايف بالوفي QQات ،ص QQالح ال QQدين خلي QQل بن أبي QQك الص QQفدي هلم QQوت وي QQرت ،ج، 3
فرانز شتايز بفيسبادون ،ط1318 ،2هـ1961 -م.
31