Professional Documents
Culture Documents
إرﻫﺎﺻ ــﺎت
ﻋﻠﻲ ﻣﻧﺻوري.د
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧـــﺔ
:ﻣﻠﺧـص
ﺗﻬدف ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ إﻟﻰ ﺗﺗﺑﻊ اﻟﻣراﺣل اﻟﺗﻲ ﻣر ﺑﻬﺎ "اﻟﺑطل اﻟرواﺋﻲ" ﻗﺑل ﺗﺷﻛﻠﻪ
واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺳﺎﺋدة إﻟﻰ ﻧظم ﻏﯾرﻫﺎ ﺗﺧﻠﺧل وﺗﻬز اﻟﻧظﺎم اﻟﻘﯾﻣﻲ اﻟﺳﺎﺋد ﻣﺎ أﺛر ﻋﻠﻰ ﺻورة
Résumé :
Cette étude vise à retracer les étapes subies par le Hero du roman
Avant qu’il soit constituer, et ses lien avec les périodes de
transformation qui s'opère dans la communauté européenne, des
systèmes politiques, économique et sociale a d'autre system qui
secouant les valeurs en vigueur ce qui a influer sur l’image d’héro et de
s’intéresser a l’homme simple, ces problèmes et préoccupations.
83
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻣﻘدﻣــــﺔ:
إن اﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﺗطور ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺑطوﻟﺔ واﻷﺑطﺎل ﻓﻲ اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ وﺧﺎﺻﺔ
اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ –ﯾﺻل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻣؤداﻫﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﺣﻠﻘﺎت ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ وﻣﺗراﺑطﺔ ﺑﺣﯾث ﺗﻣﻬد ﻛل
ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣراﺣل ﻷﺧرى ﻓﻲ ﺗﺳﻠﺳل ﺗﺻﺎﻋدي ﻋﺟﯾب ﺑﺣﯾث ﻣﻬدت ﻛل ﺣﻠﻘﺔ
ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺣﻠﻘﺎت ﻟﻠﺗﻲ ﺗﻠﯾﻬﺎ.
اﻹﺷﻛﺎﻟﯾـــﺔ:
ﺗﺗﻣﺛل إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻫذا اﻟﺑﺣث ﻓﻲ إﺑراز اﻟﻣراﺣل واﻟﺣﻠﻘﺎت اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻬﺎ ﻓﻛرة
اﻟﺑطوﻟﺔ ﻓﻲ اﻵداب اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،وﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺣطﺎت اﻟﺑﺎرزة واﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﻛل ﻣرﺣﻠﺔ؟
ﺛم ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻌواﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة واﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻷﺛر ﻓﻲ
ﺗﺷﻛّل اﻟﺑطل؟.
ﺗَﺧﻠﺧل
إذ ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﯾﺣدث ﻓﻲ ﻓﺗرات اﻟﺗﺣول اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ إﻟﻰ ﻧظم ﻏﯾرﻫﺎ َ
واﻫﺗزاز ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﻘﯾﻣﻲ اﻟﻘدﯾم .ﻣﺎ ﻣدى ﺻﺣﺔ ﻣﻘوﻟﺔ" :إن اﻟﺑطل اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠواﻗﻊ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﻪ َﯾﻌد ﺧﻠﻘﺎ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ﺑﺣﺗﺎ"؟ ﻫل إن ﻓﻛرة "اﻟﺑطل" ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ
اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻛرة ﺑرﺟوازﯾﺔ؟ وﻫل ﻣﻌﻧﻰ ذﻟك أن ظﻬور اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ ﻣرﺗﺑط ﺑظﻬور
اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ؟
ﻟﻣﺎذا ﻛﺎﻧت اﻟرواﯾﺔ – ﻣن ﺑﯾن اﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ -ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدم ﻟﻧﺎ أﻋﻣق
ﺻورة وأﺻﻔﺎﻫﺎ ﻋن اﻟﺑطل وﻋن "ﻣﻔﻬوم اﻟﺑطوﻟﺔ".؟
84
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾـــﺔ:
ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻟﻌﺎم ﻫو اﻟوﺳﯾﻠﺔ أو اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﺻﻠﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻬدف
اﻟﻣﺳطر وﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻟﺧﺎص ﻣﺳﻠك اﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،وﻛﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﺧﺗﯾﺎر
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣوﻓﻘﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣﺗوﺧﺎة ﺳﻠﯾﻣﺔ.
إن أﻗرب ﻣﻧﻬﺞ ﻟﻬذا اﻟﺑﺣث –ﻣن ﺧﻼل اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ -ﻫو اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر اﻷدب واﻟﻔن ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ظﺎﻫرة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ ﻣﺎ ﻫو
ﺳﺎﺋد ﻣن ﻧظم ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻫو اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟدﻻﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻠﻔن وﻣن ﺑﯾﻧﻪ
اﻷدب ،إذ ﻫﻧﺎك ﺗﻧﺎﺳﻘﺎ وﺗواﻓﻘﺎ ﺑﯾن اﻟﻘﯾم واﻟﻣﺛل اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻹﻧﺗﺎج وﻗوى
اﻹﻧﺗﺎج ﻣن ﺟﻬﺔ واﻟﻣﺛل واﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﺗراءى وﺗﺗرﺳم ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج اﻷدﺑﻲ )ﻷن اﻷدب
اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠواﻗﻊ( وﻫذا ﻣﺎ ﻧﻼﺣظﻪ ﻓﻲ ﺳﻠوﻛﺎت وﺗﺣرﻛﺎت ﺑطل اﻟرواﯾﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ.
اﻟﻣدﺧـــل:
إذا ﻣﺎ رﺑطﻧﺎ ﺣﻠﻘﺎت "اﻷﺑطﺎل" ﺑدءا ﺑﺎﻟﺑطل اﻷﺳطوري اﻟذي ﻛﺎن إﻟﻪ أو ﺷﺑﻪ إﻟﻪ
ﯾﺗوﻟﻰ ﻧﯾﺎﺑﺔ ﻋن اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻬﻣﺔ اﻟﺻراع إﺣﺳﺎﺳﺎ ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺿﻌﻔﻪ أﻣﺎم اﻟﺻﻌوﺑﺎت
اﻟﻛﺑﯾرة اﻟﺗﻲ وﺟدﻫﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛون ،ﻣرو ار ﺑﺎﻟﺑطل اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ اﻟذي ﺗﺗﺟﻠﻰ ﻣﻼﻣﺣﻪ ﻓﻲ ﻗوة
اﻟﺟﺳد وﻛﻣﺎﻟﻪ وﺟﻣﺎﻟﻪ ﻣﻛﺎن اﻹﻧﺳﺎن وﻓﺧ ار ﺑﺳﯾﺎدﺗﻪ ،ﺣﯾث ﻋﻛس ﻫذا اﻟﺑطل رﻏﺑﺔ
اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟوﻗوف أﻣﺎم اﻟطﺑﯾﻌﺔ وﺗﺣدﯾﻬﺎ ﺑﻘوﺗﻪ اﻟﺟﺳدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻓﻲ أﻣس اﻟﺣﺎﺟﺔ
إﻟﯾﻬﺎ اﻧﺳﺟﺎﻣﺎ ﻣﻊ واﻗﻊ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻣر ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎن.
إن ﺑطل اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ورث اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻼﻣﺢ ﺑطل اﻷﺳطورة ،وظل ﯾﻣﺛل ﻣرﺣﻠﺔ
وﺳطﻰ ﺑﯾن اﻹﻟﻪ واﻹﻧﺳﺎن ،إﻻ أﻧﻪ ﻣﻬد ﺑدورﻩ ﻷﺑطﺎل ﯾﻘﺗرﺑون ﻣن واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن،
وﯾﺑﺗﻌدون ﻋن ﺧوارق اﻵﻟﻬﺔ وﻗدراﺗﻬم ﻏﯾر اﻟﻣﺣدودة.
85
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﻠﺑطل "اﻟﺗراﺟﯾدي" دور ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﺗﻘرﯾب اﻟﻣﺄﺳﺎة ﻣن طﺎﺑﻌﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ
اﻟﻌﺎم ،إذ ﺗطورت ﻋﻧﺎﺻر ﻣن اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻣﻬدت ﻟﻠﺑطل ﻓﻲ اﻟﻘﺻص اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ واﻟروﻣﺎﻧﻲ
اﻟﻘدﯾم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ أﺷﻌﺎر اﻟرﻋﺎة وﺣﻛﺎﯾﺎت اﻟرﺣﺎﻟﺔ ﻋن اﻻﺳﻛﻧدر اﻷﻛﺑر ،وﻓﻲ اﻷدب
اﻟروﻣﺎﻧﻲ ظﻬر "أﺑوﻟﯾوس" "اﻟﺟزاﺋري اﻷﻣﺎزﯾﻐﻲ" ﻓﻲ "ﺣﻣﺎرﻩ اﻟذﻫﺑﻲ" ﻣرو ار ﺑﻘﺻص
اﻟﻔروﺳﯾﺔ وأﺑطﺎﻟﻬﺎ اﻟذﯾن ﻻ ﯾﺧﺗﻠﻔون ﻛﺛﯾ ار ﻋن أﺑطﺎل ﻣﻼﺣم اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ وﺑطﻠﻬﺎ
ﻣﺛل اﻟﻔﺎرس اﻟﻛﺎﻣل ،وﯾﻌﯾش ﻫذا اﻟﻔﺎرس ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺣﯾث ﺗﺣﻣﯾﻪ ﻗوى ﻏﯾﺑﯾﺔ،
وﻟﻠروﻣﺎﻧس دور ﻫﺎم ﻓﻲ ﺗطوﯾر ﻓﻛرة اﻟﺑطل رﻏم ﻣﺛﺎﻟﯾﺔ ﺗﻧﺎوﻟﻪ ﻟﻸﺣداث واﻷوﻫﺎم اﻟﺗﻲ
ﻛﺎن ﯾﻌﯾش ﻣن أﺟﻠﻬﺎ ﻣﻣﺛﻼ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﻗطﺎﻋﻲ.
إن ﻫذﻩ اﻟﺣﻠﻘﺎت اﻟﻣﺗﺻﻠﺔ ﻣن اﻷﺑطﺎل -واﻟﺗﻲ ﺑدأت ﺑﺎﻟﺑطل اﻷﺳطوري -ﻣﻬدت
ﻟﺑطوﻟﺔ ﻣن ﻧوع ﺟدﯾد ﻫﻲ ﺑطوﻟﺔ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺎدي وﻫو اﻟﺑطل "اﻟرواﺋﻲ".
إن اﻟﻣﻘﺻود "ﺑﺎﻟﺑطل اﻟرواﺋﻲ" –ﻣﻧذ اﻵن -اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ،ﻓﺈن اﺳﺗﻌﻣﺎل
ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﺑطل" إذا ﻻ ﯾرد ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﺑطوﻟﺔ "اﻟﻔروﺳﯾﺔ" وﻟﻛن ﺑﻣﻌﻧﺎﻩ اﻟﻔﻧﻲ ،أي
اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ.
- 1روﻧﻲ وﯾﻠك ،أﺳﺗﯾن وا ارن :ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺻﺑﺣﻲ ،د .ﺣﺳﺎم اﻟﺧطﯾب،
،PENGUIN BOOKSﺑدون ﺗﺎرﯾﺦ ،ص .275
* -ﻫو ﻋﻧوان ﻛﺗﺎب ﻟﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش.
86
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
ﺳﺑق –وﻟﻛن ﻻ ﯾﻣﻛن إﻏﻔﺎل اﻟﻣﯾراث اﻟﺣﺿﺎري ﻟﻠﺷﺧﺻﯾﺔ ،وﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ ذاﺗﻬﺎ ﺑﻛل ﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ
ﻣن ﺗﻌﻘﯾد ،ﻓﺈن ﻓﻛرة "اﻟﺑطل" ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻛرة ﺑرﺟوازﯾﺔ ،و"ﻣﻌﻧﻰ ذﻟك إن ظﻬور
اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ ﻣرﺗﺑط ﺑظﻬور اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ
واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ" 1،واﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﺗطور "اﻷﺑطﺎل اﻟرواﺋﯾﯾن" ﻋﺑر اﻟﻣﺳﺎر اﻟزﻣﺎﻧﻲ واﻟظرﻓﻲ
ﯾﻼﺣظ ﺗﻧﺎﺳﻘﺎ وﺗواﻓﻘﺎ ﺑﯾن اﻟﻘﯾم واﻟﻣﺛل اﻟﺳﺎﺋدة اﻟﺗﻲ ﻫﻲ:
إن اﻟرواﯾﺔ ﻫﻲ اﻟﻧوع اﻷدﺑﻲ اﻟﻣرﺗﺑط ﻓﻲ ﻧﺷﺄﺗﻪ وﻧﺿﺟﻪ ﺑﺑروز دور اﻟطﺑﻘﺔ اﻟوﺳطﻰ
وﻧﺿﺞ ﻣﺛﺎﻟﻬﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ...ﻓﻬذا اﻟﻧوع اﻷدﺑﻲ ﯾﺳﺗﻠﻬم ﻣﻼﻣﺢ أﺑطﺎﻟﻪ ﻣن ﺻﻔﺎت أوﺳﺎط
3
اﻟﻧﺎس أو ﻣن اﻟﻌﺎدﯾﯾن .ﻷن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺎدي "ﻣن اﻛﺗﺷﺎف اﻟطﺑﻘﺔ اﻟوﺳطﻰ".
ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ظﻬر اﻻﻋﺗداد ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺎدي اﻟﻔرد اﻋﺗدادا ﻋظﯾﻣﺎ ﻷول ﻣرة
ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،وﺣﯾث ﯾﺗوﺟﻪ اﻟﻧظر إﻟﻰ إﺑراز "ﺷﺧﺻﯾﺔ" ﻫذا اﻹﻧﺳﺎن ﺣرة ،ﻣرﯾدة ،ﺛرﯾﺔ،
ﺧﺎﻟﻘﺔ ،ﺣﺎﻟﻣﺔ ﺑﻐد أﻓﺿل ،وأﻋﻠت ﻣن ﺷﺄﻧﻪ وﻣﺷﯾﺋﺗﻪ وﻛراﻣﺗﻪ ،وﻋﻘﻠﻪ ،ﺑرز اﻟﻔرد ﻷول
ﻣرة وﺗﺣددت ﻟﻪ "ﺷﺧﺻﯾﺔ" إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﻧﺷﺄت اﻟرواﯾﺔ ﺑﻧﺷﺄة ﻫذﻩ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻧوع
اﻷدﺑﻲ اﻟﺻﺎﺋﻎ ﻟﻬﺎ.
- 1أﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،دار اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،ﺑﻐداد،1976 ،
ص .08
- 2اﻟﻣﻧﺻف وﻧﺎس :أﺷﻛﺎل وﺻﯾﻎ ﺷﺧﺻﯾﺎت اﻷﺑطﺎل ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ ،اﻟﺳﻧﺔ 26اﻟﻌدد 10
ﺟوﯾﻠﯾﺔ ،1981ص .94
- 3د .ﻋﺑد اﻟﻣﻧﻌم ﺗﻠﯾﻣﺔ :ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،دار اﻟﻌودة ،ﺑﯾروت ،ط ،1983 ،02ص .143
87
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻛﻣﺎ ﺳﻧرى ﺑﻌد ﺣﯾن ،ﻋﻧد اﻟﺣدﯾث ﻋن "ﻓﻘدان" اﻟﺑطوﻟﺔ وﺗﻼﺷﻲ "اﻟﺑطل" ﻟﻌدم
ﺗﻼؤﻣﻪ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ – ...ﻏﯾر أن "اﻟرواﯾﺔ" -ﻣن ﺑﯾن اﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ – ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدم
ﻟﻧﺎ أﻋﻣق ﺻورة وأﺻﻔﺎﻫﺎ ﻋن اﻟﺑطل وﻋن "ﻣﻔﻬوم اﻟﺑطوﻟﺔ" ذﻟك أن ﺑﻧﯾﺗﻬﺎ وﻧظﺎم اﻟﻘﯾم
اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻪ" ،ﺗﻌطﻲ ﻟﻠﺑطل وﺟودا ﻣﺗﻣﯾ از وﻗﯾﻣﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ" 2،وﺗﺣﯾطﻪ ﺑﺟﻣﻠﺔ
ﻣﻛوﻧﺎت وأطر ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ وﻓﻛرﯾﺔ ﺗﺻﻧﻊ ﻋﺎﻟﻣﻪ وأﻓﻘﻪ اﻟواﻗﻌﯾن ،ﻟﻘد ﺗﺧﻠﺻت اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ
ﻣن ﺗﺿﺧم وأﺳطورﯾﺔ اﻟﺑطل وﺟﺑروﺗﻪ وﻗوﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻘﻬر واﻧﺗزﻋت ﻧﻔﺳﻬﺎ و"ﺑطﻠﻬﺎ" ﻣن
زﺧﺎم اﻟﻣﻐﺎﻣرات ...
اﻟﺑطــل اﻟﭘﯾروﻧﻲ:
وﻟﻘد ﺗطور "اﻟﺑطل اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ" ﺣﺗﻰ وﺻل ﻧﻣوذﺟﻪ اﻷﻋﻠﻰ ،ﺷﺧﺻﯾﺔ "اﻟﺑطل
اﻟﭘﯾروﻧﻲ" اﻟذي ﻗدﻣﻪ "ﭘﯾرون" ﻟﻸدب ،وﻟﯾس ﻣن ﺷك ﻓﻲ أن "ﺑﯾرون" ﻗد أظﻬر ﺗﺄﺛﯾ ار
ﺑﻌﯾد اﻟﻣدى ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺻرﯾﻪ "وﻟﻘد ﻛﺎن أﻛﺛرﻫم أﺻﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻹطﻼق إذ ﻛﺎن أﻛﺛر
ﻧﺟﺎﺣﺎ ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﺛﺎل اﻟﺟدﯾد ﻟﻠﺷﺧﺻﯾﺔ 1.ﺗﻣﺛﻠت ﻋﻼﻗﺔ "اﻟﺑطل اﻟﺑﯾروﻧﻲ" ﺑﻣﺟﺗﻣﻌﻪ
ﺑﺎﻟﺗﻌﻘﯾد واﻟﺗﻘﻠب واﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻷﻟم واﻟذﻧب ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﻌﺟز ﻋن اﻻﻧﺗﻣﺎء ،وﻋﻧد "ﺑﯾرون" ﻓﻘد
ﺗﺣول اﻟﺑطل إﻟﻰ اﻟﺧﺎرج ،ﻣﺗﻬﻣﺎ ﺑﺎﻻﻛﺗﺋﺎب ،وﻗد "ﺧﻠد ﺑﯾرون اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟروﺣﯾﺔ
ﻟﻠروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ وﻗﻠل ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ أﺻﺑﺢ اﻟﻘﻠق اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ،وﺿﯾﺎع اﻟﻬدف وﺑﺎء
2
اﻟﻌﺻر".
ﻟﻘد أﺻﺑﺢ اﻟﺑطل إﻧﺳﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣردا ،ﻣﺳﺗﻬﺗرا ،ﺑﻌد أن ﻛﺎن إﻧﺳﺎﻧﺎ ﻋطوﻓﺎ ﻓﻲ "ﺳﺎن
ﺑﯾرو" )ﺑطل إﻟوﯾز اﻟﺟدﯾدة ﻟﺟﺎن ﺟﺎك روﺳو( اﻟﺣﺎﻟم اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن اﻹﺷﻔﺎق ﻋﻠﻰ
اﻟذات و"اﻟﺑطل اﻟﺑﯾروﻧﻲ" إﻧﺳﺎن ﻏﺎﻣض ،ﻓﻲ ﻣﺎﺿﯾﻪ ﺳر ،ﯾﻌﯾش ﺑﻣﻌزل ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ،
ﻣﻧﻔرد ،ﺻﺎﻣت ﻻ أﺣد ﯾﻘﺗرب ﻣﻧﻪ ،اﻟدﻣﺎر واﻻﻧﻬﯾﺎر ﯾﻧﺑﻌﺛﺎن ﻣﻧﻪ ،ﺳﺎﺧر ﻣن اﻟﺣﯾﺎة
واﻷﺣﯾﺎء 3،ﻻ ﯾرﺣم ﻧﻔﺳﻪ وﻻ اﻵﺧرﯾن وﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻌرف اﻷﺳف ،ﻓﻬو ﻻ ﯾطﻠب اﻟﻌﻔو،
ﺳواء ﻣن ﷲ أو ﻣن اﻟﻧﺎس وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺣﯾﺎﺗﻪ اﻟﻣدﻣرة ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾرﻏب ﻓﻲ أن ﯾﻔﻌل
- 1إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،دار اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،ﺑﻐداد ،1976 ،ص
.32
- 2اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ،ص .32
- 3ﺷﻛري ﻣﺣﻣد ﻋﯾﺎد :اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻷدب واﻷﺳﺎطﯾر ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .157
89
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
أي ﺷﻲء ﯾﻐﺎﯾر ﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﯾﻪ وﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ ،وﻫو "زاﺋد ﻋن اﻟﺣﺎﺟﺔ"" ،ﯾﻣﺗﺎز ﻋﻣن ﺣوﻟﻪ
1
ﺑﻣواﻫﺑﻪ وطﻣوﺣﻪ وﻗوة إرادﺗﻪ وﻟﻛﻧﻪ ﻣﻊ ذﻟك ﻣﺟرد ﻋن أي ﻫدف أو أي ﻣﻧﻬﺞ".
إن اﻟﺑطل اﻟﺑﯾروﻧﻲ ﯾﻌد ﺗﻌﺑﯾ ار ﻓﻧﯾﺎ وﺛﻣرة ﻣﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﺻﺎﻋدة،
وﺑﻌﺑﺎرة أﺧرى ﯾﻌد ﻧﻣطﺎ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ داﻻ ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣن ﺗطور اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ.
اﻟﺑطل اﻟواﻗﻌﻲ:
إن اﻟطرف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ –أﻋﻧﻲ اﻟواﻗﻌﯾﺔ -ﻓﻘد اﻋﺗﻣد ﻋﻠﻰ
إﯾﻣﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ وﺑﻧت ﻧﺟﺎﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎل ،واﻟﻣﺎل ﻻ ﯾﺻﻧﻊ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻧﺑﻪ ﻟﻣﺎ ﯾﺟري
ﺣول اﻟﻣرء ﻣن أﻣور وﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﺟرﯾﺎن ﻫذﻩ اﻷﻣور ،وﻗد أﻧﺗﺟت اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺗوﺳطﺔ ﻓﻲ
ﻋﻧﺎﯾﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟواﻗﻊ ،اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت اﻟوﺿﻌﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ أﻧﺗﺟت ﺗﻘدﻣﺎ ﻋﻠﻣﯾﺎ ﺑﺎﻫ ار ﻓﻲ ﺷﺗﻰ اﻟﻣﯾﺎدﯾن"،
وﻛﺎﻧت ﺟرﯾﺋﺔ –ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص -ﻓﻲ اﺗﺧﺎذﻫﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻧﻔﺳﻪ ﻣوﺿوﻋﺎ ﻟﺑﺣﺛﻬﺎ اﻟﻌﻠﻣﻲ
اﻟﺗﺟرﯾﺑﻲ ،ﻻ ﺟﺳم اﻹﻧﺳﺎن وﺣدﻩ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ "اﻟطب" ﺑل "روﺣﻪ" أﯾﺿﺎ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻠم
اﻻﺟﺗﻣﺎع وﻋﻠم اﻟﻧﻔس وﻫﻛذا ﻟم ﯾﻌد اﻹﻧﺳﺎن ﺻورة ﻟﻺﻟﻪ ،وﻟم ﯾﻌد ﻋﻘﻠﻪ ﻫو اﻟﻣﺻدر
اﻷﺧﯾر ﻟﻠﺣﻘﺎﺋق ﻛﻠﻬﺎ.
وﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻠﻘف اﻷدب اﻟواﻗﻌﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﺄراد "ﺑﻠزاك" أن ﯾﺻﻧف اﻷﺷﯾﺎء
ﻛﻣﺎ ﺗﺻﻧف ﻋﻠوم اﻷﺣﯾﺎء اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت اﻟﺣﯾﺔ اﻷﺧرى ،ﻣﺑﯾﻧﺔ ﺗﺄﺛﯾر اﻟﺑﯾﺋﺔ ﻓﻲ طﺑﺎﻋﻬﺎ ،وأراد
"زوﻻ" أن ﯾﺟري ﻋﻠﻰ اﻟﻌواطف اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻧوع اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺟري ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻣل
ﻟﯾﺻل ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﺣﺳب رأﯾﻪ إﻟﻰ –اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ -ﻟﯾطﺑق ﺑﻌد ذﻟك ﻣﺑدأ "اﻟوراﺛﺔ" ﻓﻲ
رواﯾﺎﺗﻪ ،إوذا ﻛﺎﻧت اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ﻗد أﻧﺗﺟت أﺑطﺎﻻ ﻣﺳرﻓﯾن ﻓﻲ ذاﺗﯾﺗﻬم ﺣﺗﻰ ﯾﻣﺛﻠون ﺣﺎﻟﺔ
-أﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .32 1
90
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
ﻣرﺿﯾﺔ ،ﻓﻘد ﻛﺎن طﺑﯾﻌﯾﺎ أن ﻻ ﺗﻧﺗﺞ اﻟواﻗﻌﯾﺔ أﺑطﺎﻻ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق .ﻓﺎﻟﺑطوﻟﺔ ﻣﻬﻣﺎ
ﯾﺗﻧوع ﻣدﻟوﻟﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﻔق ﻣﻊ اﻟﺣﺗﻣﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ.
إن اﻟواﻗﻌﯾﺔ –ﻟو وﺟدت -ﻛﻣﺎ ﺑﺷر ﺑﻬﺎ ﺑﻠزاك أو زوﻻ -ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت أدﺑﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﺧﺎطب ﻓﯾﻧﺎ ﺷﯾﺋﺎ ﻏﯾر اﻟﻌﻘل ،وﻟﻬذا ﻓﻬﻲ ﺑﻌﯾدة ﻋن وظﯾﻔﺔ اﻷدبٕ ،واﻣﺎ وﺟدت درﺟﺎت
ﻣن اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،وﻓﻲ أوﻏل ﻫذﻩ اﻟدرﺟﺎت ﺧﻠﻰ اﻷدب ﺧﻠوا ﺗﺎﻣﺎ ﻣن اﻷﺑطﺎل وﺣﻔل ﺑـ:
"اﻟﻧﻣﺎذج" أو اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺑﺷرﯾﺔ.
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻟﻧﻣﺎذج اﻷدﺑﯾﺔ ﻋﻧد "ﺗﯾن" ﺗﺳﯾر – طﺑﻘﺎ ﻟﻧظرﯾﺗﻪ "ﻣن اﻟواﻗﻊ إﻟﻰ
اﻟﻣﺛﺎل" ،-إذ أن ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ "اﻟﻔﻧﻲ" إﻧﻣﺎ ﻫو "اﻟﻛﺷف ﻋن ﺧﺎﺻﯾﺔ ﺟوﻫرﯾﺔ أو
1
ﺑﺎرزة ﺑطرﯾﻘﺔ أﻛﻣل وأوﺿﺢ ﻣﻬﻣﺎ ﺗﻘوم ﺑﻪ اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ".
ﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﻠدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ أﺿﺎﻓﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳوﯾﺳري "ﻛﺎرل ﯾوﻧﺞ" ﺣول ﻣﻔﻬوم
اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ودراﺳﺗﻬﺎ ﻣن اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﺗﺄﺛﯾرﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻠورة اﻟﻧﻣﺎذج اﻷدﺑﯾﺔ ،واﻟﻧﻣوذج ﻋﻧدﻩ
2
ﻫو" :اﻟﻣﺛﺎل أو اﻟﻧﻣط اﻟذي ﯾﻌﻛس ﺑطرﯾﻘﺔ ﻣﺗﻣﯾزة ﺧواص ﻧوع ﻣﺎ".
واﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟدﻗﯾق ﻟﻬذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻫو اﻟﻧﻣط اﻟﻣﻣﯾز ﻻﺳﺗﻌداد ﻋﺎم ﯾﻼﺣظ ﻓﻲ
اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻔردﯾﺔ أي ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر اﻟﻌﻼﻗﺔ :ﺑﯾن اﻟﺧﺎص واﻟﻌﺎم.
إن ﻫﻧﺎك ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻣن ﻋﺎرض ﻓﻛرة "اﻟﻧﻣوذج اﻷدﺑﻲ" ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ رواﺟﻪ وﻫو
اﻟﻧﺎﻗد اﻹﯾطﺎﻟﻲ "دي ﺳﺎﻧﯾﻛﯾﺗس" اﻟذي ﯾﻘول" :ﻟﯾس ﻣن اﻟدﻗﺔ ﻓﻲ ﺷﻲء اﻟﻘول ﺑﺄن "أﺧﯾل""
- 1ﺻﻼح ﻓﺿل :ﻣﻧﻬﺞ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،1978 ،ص
.150
- 2اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ،ص .153
91
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻛﺎن ﻧﻣوذج اﻟﻘوة واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ،وأن "ﺗﯾرﯾس" ﻛﺎن ﻧﻣوذج اﻟﺟﺑن " . 1ﻓﺄﺧﯾل ﻫو "أﺧﯾل"
وﺗﯾرﯾس ﻫو "ﺗﯾرﯾس" ،وﻣن اﻟطرﯾف أن ﺑﻌض ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻓﻲ إﯾطﺎﻟﯾﺎ –اﻵن ﻻ
ﯾزاﻟون ﯾرون ﻧﻔس اﻟرأي إذ ﯾﻌﺗﻘدون أن اﻟﻧﻣوذج ﻟﯾس إﻻ ﺷﯾﺋﺎ ﻣﺟردا ﻓﻬﻧﺎك رﺟل ﺷﻛﺎك
ﻟﻛﻧﻪ ﻟﯾس "ﻋطﯾﻼ" وآﺧر ﻣﺗردد ﺣﺎﻟم وﻟﻛﻧﻪ ﻟﯾس "ﻫﺎﻣﻠت" ،وﻟﻠﻧﻣذﺟﺔ ﺷروط ﻛﺛﯾرة –ﻟﯾس
ﻫﻧﺎ ﻣﺟﺎل ﺳردﻫﺎ -ﻓﻣﻧﻬﺎ ﻣﺛﻼ:
ﻟﻘد ﺗﻌددت اﻟدراﺳﺎت اﻟﻣﺧﺻﺻﺔ ﻟﻠﻧﻣوذج اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ روﺳﯾﺎ أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﺣﺎﻟﻲ،
وارﺗﺑطت ﻫﻧﺎك ﺑﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺗﻘﻠﯾدﯾﺎ ﺑـ":اﻟﺑطل اﻹﯾﺟﺎﺑﻲ".-
ﻟﻘد وﺟد إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺑطل اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ اﻟﺑﯾروﻧﻲ ﻛﺗﺎب رﻓﻌوا "اﻟﻧﻣوذج" اﻟواﻗﻌﻲ
إﻟﻰ ﺻورة اﻟﺑطل أو ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣﻧﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ أن ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻷﺑطﺎل ،ﻛﺎد ﯾﺧﺗم ﺳﻠﺳﻠﺔ
اﻷﺑطﺎل ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟواﻗﻌﯾﺔ واﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﻠم ﯾﺑق ﺑﻌد ذﻟك إﻻ ﺑطﻼ واﺣدا ،اﻟﺑطل اﻟذي
ﯾﻠﺧص ﺗﺟﺎرب ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ.
إن اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺗوﺳطﺔ ﻟم ﺗﻌد ﺗﺳﺗطﯾﻊ ﺗﻘدﯾم ﺑطل ﺛوري ،ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ
ﺗﺛور ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻬﺎ وﺗﻧﺗﻘد ﻧﻔﺳﻬﺎ ،إذ ﻟم ﯾﻛن ﺛﻣﺔ ﺧطر ﺣﻘﯾﻘﻲ ﻣن ﻋدو ﻣﺗرﺑص ،أﻣﺎ اﻵن
ﻓﻠم ﺗﻌد اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺗوﺳطﺔ ﺗﺣﺗﻣل اﻟﻧﻘد ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺑﺻر أﻛﻔﺎﻧﻬﺎ ﺗﻌد.
-اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ،ص ص .167 ،166 ،165 ،164 ،163 ،162 2
92
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
إن اﻟذي ﺣدث ﻟﻠﺑرﺟوازﯾﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﯾﺗﻣﺎﺷﻰ ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﻛرة اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﻠﻘد اﺧﺗﻔت
"اﻟﻔردﯾﺔ" ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗﻐﯾر طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻣن اﻗﺗﺻﺎد ﺗﻧﺎﻓﺳﻲ ﻟﯾﺑراﻟﻲ ﯾﻣﺟد اﻟﻔرد
واﻟﻔردﯾﺔ وﯾطﻠق ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻧﺎن إﻟﻰ اﻗﺗﺻﺎد اﺣﺗﻛﺎري ،ﻟﻬذا ط أر ﺗﺣول ﻣﻣﺎﺛل ﻋﻠﻰ ﺻورة
اﻟﺑطل ،أدى إﻟﻰ ﻋدم اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ ﻛﺑطل ﺛم اﺧﺗﻔﺎﺋﻬﺎ ،ﻟﯾظﻬر اﻻﻫﺗﻣﺎم
ﺑﺎﻟرﺟل اﻟﻌﺎدي وﻣﺷﺎﻛﻠﻪ وﻫﻣوﻣﻪ ،ﻋﻠﻰ أن اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟرﺟل اﻟﻌﺎدي "ﻟم ﯾظﻬر إﺑﺎن
ﻋﻧﻔوان اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ظﻬر إﺑﺎن ﺗﺄزﻣﻬﺎ" 1.ﻓﻛﺎن طﺑﯾﻌﯾﺎ أن ﻧﺟد ﻓﻲ
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺟدﯾدة ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟرﺟل اﻟﻌﺎدي.
وﻟﻛن أزﻣﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ ﻫذﻩ وﺗﺣول ﺷﻛﻠﻬﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدي أدى إﻟﻰ اﻟﺗﻐﯾر ﻓﻲ
اﻷﺳﺎس اﻟﻣﺎدي واﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗطور ﺻورة اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻷدب ﻣﻊ "ﺣدوث ﺗﺣول
ﻣوازي ﻓﻲ اﻟﺷﻛل اﻟرواﺋﻲ ﺑﻠﻎ ذروﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﺣﻠل ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺑطل" 2ﺛم ﺗﻼﺷﯾﻬﺎ اﻟﻧﻬﺎﺋﻲ ﻋﻧد
"ﻛﺎﻓﻛﺎ" ﺛم ﻓﻲ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺳب إﻟﻰ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة وﻛون اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ
اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة إﻧﺳﺎﻧﺎ ﻋﺎدﯾﺎ ﺟﻌل اﻟﻧﻘﺎد ﯾطﻠﻘون ﻋﻠﯾﻪ" :اﻟﺑطل ﻏﯾر اﻟﺑطوﻟﻲ".
- 1أﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .36
- 2إﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ﺑﯾن اﻻﻏﺗراب واﻻﻧﺗﻣﺎء ،ﻣﺟﻠﺔ ﻓﺻول ،اﻟﻣﺟﻠد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،اﻟﻌدد
اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﺟﺎﻧﻔﻲ ﻓﯾﻔري ،ﻣﺎرس ،1982 ،ص .91
93
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻷن اﺳﺗﺣواذ اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻛﺎﺗب اﻟرواﺋﻲ ﻛﺎن ﻣن ﺑﯾن :اﻟﻣﻧظﻣﯾن
اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن أو اﻟﻧﻘﺎﺑﯾن أو اﻟﻣﺻﻠﺣﯾن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﯾن ،وﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺗﺣول اﻟﻔرد إﻟﻰ" :ﻣﺗﺳﻠق"
اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،طﻣوح ،ﻣﻛﺎﺑر ،ﻣﻐرور ،واﻧﺗﻬﺎزي ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻔﻘد ﺻﻔﺔ اﻟﺑطوﻟﺔ وﯾﺻﺑﺢ ﻋدوا
ﻟﻠﺑطل ) (Anti-Herosورذﯾﻼ ".1"Villain
إن اﺧﺗﻔﺎء اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟذاﺗﻲ ﻟﻸﺷﯾﺎء ﺑﻌﯾدا ﻋن إرادة اﻹﻧﺳﺎن،
ﻓﺗﺗﻘﻠص أﻫﻣﯾﺔ اﻟﻔرد وأﻫﻣﯾﺔ ﺣﯾﺎﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ داﺧل اﻟﺑﻧﯾﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة ،وﻣن ﺛم
ﺗﻧﻛﻣش ﻓﻌﺎﻟﯾﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﺷﻛل ﻋﺎم.
ﻟﻘد ﺻﺎر "أﺑطﺎل اﻟرواﯾﺎت" ﯾﺟﺎﺑﻬون اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺑﺗذل اﻟذي ﯾﻘﯾم اﻟﻌﻘﺑﺎت ﻓﻲ
وﺟوﻫﻬم وﯾرﻏﻣﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺿوع ﻟﻣواﺿﻌﺎت اﻷﺳرة ،واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ واﻟدوﻟﺔ واﻟﻘواﻧﯾن،
وﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻣﻬﻧﺔ "إن أﺑطﺎل اﻟرواﯾﺔ ﯾﺟدون ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻘﯾود واﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت اﻋﺗداء ﻋﻠﻰ
ﺣﻘوﻗﻬم ،وﻣن ﺛم ﯾﻐدو اﻟﺻراع ﻣﻊ ﻫذا اﻟواﻗﻊ ﺻراﻋﺎ ﺑﯾن اﻟﺑطل/اﻟﻔرد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻟﺗﻐﯾﯾر
2
اﻟﻌﺎﻟم".
ﻷن ﺑطل اﻟرواﯾﺔ ﯾﺳﻌﻰ ﻹﯾﺟﺎد اﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذي ﻫو ﻋﺿو ﻓﯾﻪ وﻗد
وﺟد اﻟﺑطل اﻟرواﺋﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻣﺣﺻو ار ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧزاع اﻟذي ﯾرﯾد أن ﯾﺣﻠﻪ وﻟو ﺑﻣوﺗﻪ "وﻟذا
ﻓﺳﯾﻛون إﺷﻛﺎﻟﯾﺎ" " 3"Problématicﻣﺄزوﻣﺎ.
- 1ﻣﺣﺳن ﺟﺎﺳم اﻟﻣوﺳوي :ﺣول ﻣﻔﻬوﻣﻲ اﻟﺑطوﻟﺔ واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣوﻗف
اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻌدد ،105-104ﻛﺎﻧون اﻷول ،ﻛﺎﻧون اﻟﺛﺎﻧﻲ ،1980-1979ص .172
- 2ﻣﯾﺧﺎﺋل ﺑﺎﺧﺗﯾن :اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺑرادة ،دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ،
ط ،01:اﻟﻘﺎﻫرة،1987 ،ـ ص .09
3
- George Lukacs : La Théorie du Roman, édition Gonthier, 1979 , pp 60,73
94
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
اﻟﺑطل اﻹﺷﻛﺎﻟﻲ:
وﻟﺋن ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك وﺣدة ﻧﺳﺑﯾﺔ ﻣﺎ ﺗزال ﺗرﺑط ﻫذا اﻟﺑطل اﻟﺟدﯾد ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ –إذ ﻻ
ﺗﻛون أﯾﺔ ﺣﻛﺎﯾﺎت ﻣﻣﻛﻧﺔ ﺑدوﻧﻬﺎ -ﻓﺈﻧﻬﺎ وﺣدة ﺗدﻫور " "Dégradationوﺿﯾﺎع ﻟﻠﻣﻌﻧﻰ،
إذ "ﯾﺗﻌﺎرض ﻫذا اﻟﺑطل ﻣﻊ اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛوﻧﻪ ﯾﺣس ﻋﻣﻘﺎ ﺑﻬذا
اﻟﺿﯾﺎع ،ﺿﯾﺎع ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﯾﺎة ،وﻓﻲ ﻛوﻧﻪ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻫذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻣﺎ دام
ﯾرﻓض اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﯾرﺿﻰ اﻵﺧرون" 1،ﻟﻛن ﻫذا اﻟﺑﺣث ﯾﺗﺧذ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺷﻛل اﻟوﻫم،
أﻣﺎ اﻟﺑطل اﻟﺑﺎﺣث ﻋن ﻗﯾم ﻻ إﺳم ﻟﻬﺎ وﻻ واﻗﻊ ﻓﯾﺑدو وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺟﻧوﻧﺔ أو
"إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ".
إن ﺑطل اﻟرواﯾﺔ ﺑﻌد ذﻟك ﻓﻲ ﻧظر "ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش" ﻫو "ﺷﺧص ""إﺷﻛﺎﻟﻲ،
ﻣﺟﻧون أو ﻣﺟرم ﻷﻧﻪ ﯾﺑﺣث داﺋﻣﺎ ﻋن ﻗﯾم ﻣﺟردة دون أن ﯾﻌرﻓﻬﺎ وﯾﻌﯾﺷﻬﺎ ﻛﻠﯾﺔ وﺑدون
ﻋرﻓﻬﺎ
ﺳﻠطﺔ ،ودون اﻻﻗﺗراب ﻣﻧﻬﺎ ،ﺑﺣث ﯾراوح ﻣﻛﺎﻧﻪ داﺋﻣﺎ دون أن ﯾﺗﻘدم" ،ﺣرﻛﺔ ّ
"ﻟوﻛﺎﺗش" ﺑﺎﻟﻌﺑﺎرة اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ"Les chemin est fini le voyage est commencé" :
"اﻟطرﯾق اﻧﺗﻬﻰ ،اﻟرﺣﻠﺔ ﺑدأت" .2ﻓﺎﻟﻌﻠﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ وراء إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺑطل اﻟرواﺋﻲ ،ﻫﻲ ﻟﺣظﺔ
اﻧﻔﺻﺎم اﻷﻓﻛﺎر ﻋن اﻟﻌﺎﻟم ،وﺗﺣوﻟﻬﺎ –داﺧل اﻹﻧﺳﺎن -إﻟﻰ أﺣداث ﻧﻔﺳﯾﺔ أي إﻟﻰ ﻣﺛل
ﻋﻠﯾﺎ ،ﻋﻧدﺋذ ﺗﻔﻘد اﻟﻔردﯾﺔ " ."Individualitéطﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻌﺿوي اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺟﻌل ﻣﻧﻬﺎ
واﻗﻌﺎ ﻏﯾر إﺷﻛﺎﻟﻲ .وﻣن ﻫﻧﺎ ﺗﺻﺑﺢ اﻟرواﯾﺔ "ﻗﺻﺔ ﺑﺣث اﻟﺑطل ﻋن ﻗﯾم إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ﺗﺗﯾﺢ ﻟﻪ
أن ﯾﻌﺎﻟﺞ اﻟﺻدع اﻟذي ﺣدث ﺑﯾن اﻟذات واﻟﻌﺎﻟم ﻧﺗﯾﺟﺔ رﻓﺿﻪ ﻟﻠﻘﯾم اﻟﺳﺎﺋدة ،وﻟﻛن ذﻟك
- 1ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﯾن :ﻟوﺳﯾﺎن ﻗوﻟدﻣﺎن وآﺧرون ،اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣؤﺳﺳﺔ اﻷﺑﺣﺎث
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،راﺟﻊ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺳﺑﯾﻼ ،1984 ،ص .104
2
- George Lukacs : La théorie du Roman. Op cit, p 176.
95
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
اﻟﺑﺣث ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺳوى ﺑﺣث ﻣﺗدن ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﺗﺳودﻩ ﻗﯾم ﻣﺗدﻧﯾﺔ ،إون ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻣﺎ
1
ﻣﺗﻘدﻣﺎ ﺑﺎﻟﻣﻘﯾﺎس اﻟﻣﺎدي".
إن اﻻﻧﺳﺟﺎم اﻟﺗﺎم اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺳود اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ –وﺑﺎﻟرﻏم ﻣن
ﻋﻧﻔﻬﺎ -ﺗﻣﺟد ﺑطﻼ ﻣﻧﺳﺟﻣﺎ وﺛﺎﺑﺗﺎ دون أن ﯾﻛون ﻛﺎﻣﻼ؛ واﻟﺑطل –وﻫو ﻓﻲ ﻛل ﻫذا
ﯾﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟرواﺋﯾﺔ -ﻻ ﯾﺗﻐﯾر ﻓﻬو ﯾﺑﻘﻰ ﺑﺛﺑﺎت ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى ﻣﺛﺎﻟﻲ واﺣد ،ذﻟك
أن اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﺗﻧزع إﻟﻰ ﺗﺻوﯾر اﻟﺣﯾﺎة ﺗﺻوﯾ ار ﻛﻠﯾﺎ وﻛذﻟك اﻟرواﯾﺔ ،ﻏﯾر أن ﻛﻠﯾﺔ اﻟرواﯾﺔ
ﻫﻲ ﻛﻠﯾﺔ ﻣﺻدوﻋﺔ ،وﺗﺣﻘﻘﻬﺎ ﯾﻌد أﻣ ار وﻫﻣﯾﺎ ،ﺑﯾﻧﻣﺎ "ﺗﺻور اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻋﺎﻟﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﯾﻪ
اﻟﺑطل واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،واﻟﻧﺎس واﻷﺷﯾﺎء واﻟﺣﯾﺎة وﻣﻌﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ وﻓﺎق ﻣﺑدﺋﯾﺔ" ،2وﺑﺎﻟرﻏم
ﻣن "ﻣﻠﺣﻣﯾﺔ" اﻟرواﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺑذﻟك ﻛﺗﺎب ﻛﺛﯾرون إﻻ أﻧﻬﺎ ﺗﺑدو ﻓﻲ وﺣدﺗﻬﺎ وﺷﻣوﻟﯾﺗﻬﺎ
ﻣﻔﻛﻛﺔ وﻣﺟزوءة ،إذ ﯾﺻﺑﺢ اﻟﺑطل ﻓردا وﯾﺗﺣول اﻟﻣﺻﯾر أو اﻟﻣﺻﺎﺋر إﻟﻰ ﺗدوﯾن داﺧل
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،ﻛﻣﺎ أن ﻋﻼﻗﺔ اﻷﺷﯾﺎء ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن ﺗﺑدو واﻫﯾﺔ ،إذ ﺗﺻﺑﺢ إطﺎ ار ﺧﺎرﺟﯾﺎ ﺟﺎﻣدا.
ﻷﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻻ ﯾﺷك ﻓﻲ "ﺑطوﻟﺔ" اﻟﺑطل ،وﻷن اﻵﻟﻬﺔ واﻷﻗدار ﻟﻬﺎ دور ﻓﻲ
ﺣﯾﺎة اﻟﺑطل ،أﻣﺎ "اﻟرواﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﻠﺣﻣﺔ ﻋﺎﻟم ﺑدون آﻟﻬﺔ ،وأن ﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺑطل اﻟرواﺋﻲ
ﺷﯾطﺎﻧﯾﺔ" ،3وﯾرى "ﻟوﻛﺎﺗش" أن ﻋﺎﻟم اﻟرواﯾﺔ أﺿﺎع آﻟﻬﺗﻪ وأن اﻟﺑطوﻟﺔ ﻗوة ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻠﻰ
- 1اﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ،ﻣﺟﻠﺔ ﻓﺻول ،اﻟﻣﺟﻠد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،اﻟﻌدد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص
.92
-أﻧظر ﻛذﻟك :اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻟدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص ص .19-18
-واﻧظر أﯾﺿﺎ :اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ﻟﻣﺧﺎﺋﯾل ﺑﺎﺧﺗﯾن ،ص ص .13-12
-واﻧظر :اﻷدب واﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ،ص ص .146-145
- 2ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﯾن :ﻟوﺳﯾﺎن ﻗوﻟدﻣﺎن وآﺧرون ،اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق،
ص .104
3
- George Lukacs : La Théorie du roman. Op cit. p 84.
اﻧظر ﻛذﻟك :اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ﻟﺑﺎﺧﺗﯾن ،ص .12
أﻧظر أﯾﺿﺎ :ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ﻟﺟﻣﺎل ﺷﺣﯾد ،ص .98
96
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
إرادﺗﻬم ،ﻷن ﻧظﺎم اﻟﻛون ﻛﻣﺎ ﺗﺻورﻩ اﻟرواﯾﺔ ﻗد اﺧﺗل وﻓﻘد ﺗوازﻧﻪ ﻓﺗﺗﻌﺎرض رؤﯾﺔ اﻟﺑطل
اﻟرواﺋﻲ ﻣﻊ رؤﯾﺔ اﻟﺷﺧوص اﻵﺧرﯾن اﻟﻣﺣﯾطﯾن ﺑﻪ ،ﻷﻧﻪ ﯾرﻓض اﻟﻘﯾم اﻟﻣﺻطﻧﻌﺔ
)ﺑﻧظرﻩ( واﻟﺗﻲ ﺗﺳﯾر ﻋﺎﻟﻣﻬم ،ﻓﯾﻧﻌزل ﻋﻧﻬم وﯾﻔﺗش ﻋن طرﯾق ﺟدﯾد ﺧﺎص ﺑﻪ ،ﻓﯾﺗﺧﺑط
ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺟدﯾد ،وﯾﻌﯾش ﻋﻠﻰ أوﻫﺎم ﻛﺛﯾرة وﺗﻧﺎﻗﺿﯾن ﻫﺎﻣﯾن ﻫﻣﺎ :إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑﻌدم
ﺟدوى اﻟوﺟود وﻓﻲ ﺑﻼدة اﻟﺣﯾﺎة وﺣﻣﺎﻗﺔ اﻟﺻراع اﻟﻣﺳﺗﺣﯾل :ﻓﻼ وﺟود ﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻧﻬﺎﺋﯾﺔ أو
ﺣل ﻟﻠﻣﻌﺿﻼت" .إن اﻟﺑطل ﯾدرك ﺗﻔﺎﻫﺔ ﻣﺣﺎوﻟﺗﻪ ،ﻟﻛن دون أن ﯾﻧﻔﻲ ﻋﻧﻬﺎ ﻛل ﻗﯾﻣﺔ،
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻣﺣﺎوﻟﺗﻪ ﯾدون ﻫدف ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻬﺎ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻛﺎن ﯾﺟدر اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻬﺎ ". 1
ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﻪ ﯾﺗﺎﺑﻊ ﻣﺳﯾرﺗﻪ )وﻫذا ﻫو اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﺛﺎﻧﻲ( ﻷﻧﻬﺎ اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟوﺣﯾدة اﻟﻣﺗﺑﻘﯾﺔ ﻟﻪ.
-ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﯾن :ﻟوﺳﯾﺎن ﻗوﻟدﻣﺎن وآﺧرون ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .104 1
2
- George Lukacs : la théorie du Roman, Op-cit, p 85.
97
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
-1رواﯾﺔ اﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺟردة :ﯾﻛون ﻓﯾﻬﺎ وﻋﻲ اﻟﻔرد اﻹﺷﻛﺎﻟﻲ ﺿﯾﻘﺎ ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس
إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ وﺗﻌﻘﯾداﺗﻪ ،ﻓﯾﺗﻌذر ﻋﻠﯾﻪ إﻧﺟﺎز ﻣﺛﻠﻪ اﻷﻋﻠﻰ ،ﺧﺎﺻﺔ وأن اﻟرﻏﺑﺔ
ﻋﺎرﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﯾﺎة ﻣﺛﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ،إودراك ﯾﺎﺋس ﻓﻲ ﻧﻔس
اﻟوﻗت ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺗﺣﻘق اﻟذات ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم ،وﻣن ﻫﻧﺎ "ﺗﺗﺿﺧم اﻟذات
وﺗﺻﺑﺢ ﻣﻌﺎدﻟﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ،وﺗﻧﺗﻔﻲ ﻛل ﻋﻼﻗﺔ إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم
اﻟﺧﺎرﺟﻲ" ،1واﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻻﻛﺗﻔﺎء اﻟذاﺗﻲ اﻟذي ﻫو وﺳﯾﻠﺔ ﯾﺎﺋﺳﺔ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن
اﻟﻧﻔس ،ﻟذﻟك ﯾﺿطر إﻟﻰ اﻟﺗﻛﯾف ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ واﻟﺗﻧﺎزل ﻋن ﻗﯾﻣﺔ
اﻟﻣطﻠﻘﺔ" ،ﻷﻧﻪ ﯾﻌرف ﺗدﻫور اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻛﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺄن ﺑﺣﺛﻪ
2
وﻣﻐﺎﻣراﺗﻪ ﻻ ﺗﺟدي ﻧﻔﻌﺎ ﺑل ﺗﺣوﻟﻪ إﻟﻰ أﺿﺣوﻛﺔ".
واﻟﻌﻣل اﻟرواﺋﻲ اﻟذي ﯾﺻﻠﺢ ﻧﻣوذﺟﺎ ﻟﻬذا اﻟﻧوع ﻫو" :دون ﻛﯾﺷوت" ﻟﺳرﻓﺎﻧﺗس،
وﻛذﻟك "اﻷﺣﻣر واﻷﺳود" ﻟﺳﺗﺎﻧدال.
- 1اﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ،ﻣﺟﻠﺔ ﻓﺻول ،اﻟﻣﺟﻠد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،اﻟﻌدد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص
.92
- 2ﻣﺣﻣد ﺻﺎري :اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﯾروت ،ط ،1984 ،1ص .22
98
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
ﻟﻘد ﺧﺎض "دون ﻛﯾﺷوت" أول ﻣﻌرﻛﺔ ﻋظﯾﻣﺔ ﻟﻺﯾﻣﺎن اﻟداﺧﻠﻲ ﺑﺎﻟﻣﺛل اﻟﻌﻠﯾﺎ ﺿد
ﺳوﻗﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،وﻧﺟﺢ إﯾﻣﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻫزﯾﻣﺗﻪ اﻟﻧﻬﺎﺋﯾﺔ ،واﻟﺳﺧرﯾﺔ
اﻟﻣﺿﻣرة ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻟرواﺋﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻪ ،ﻓﻲ أن ﯾﺣﺗﻔظ ﺑﻧﻘﺎﺋﻪ ﻛﺎﻣﻼ.
"إن )دون ﻛﯾﺷوت( ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ" ،ﺑطل إﯾﺟﺎﺑﻲ" ﻛﻣﺎ أن اﻟﻘﯾﻣﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻛﻣن
ﻓﻲ اﻟﺑطل وﻓﻲ "إﺧﻔﺎﻗﻪ اﻟراﺋﻊ" .1وﻣن ﻫﻧﺎ ﯾﺻﺑﺢ ﻫدف اﻟﺑطل ﻟﯾس ﻫو اﻟوﺻول إﻟﻰ
اﻟﻬدف أو اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ،إوﻧﻣﺎ ﻫو "ﺗﺣﻘق اﻟذات" ﺑواﺳطﺔ "اﻟﻔﻌل" ،اﻟﻌﻣل –ﺣﺗﻰ
وﻟو ﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﺣﯾﺎﺗﻪ أي ﺑﻣوﺗﻪ" ،ﻷن ﻣوت اﻟﺑطل ﻻ ﯾﻌﻧﻲ أن ﻣﺟرى اﻟﻌﺎﻟم
ﻗد ﺗﺟﻣد" ،2وطﺎﻟﻣﺎ أن اﻟذات ﻗد ﺗﺣﻘﻘت ﻓﺈن "اﻹﺧﻔﺎق" ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ "راﺋﻊ".
- 1ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﯾن :ﻟوﺳﯾﺎن ﻗوﻟدﻣﺎن وآﺧرون ،اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص
.105
- 2ﺣﺳﯾن ﺧﻣري :أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻧﻘد ،ﺗﻌطﯾل اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة ،ﺟرﯾدة اﻟﻧﺻر ،اﻟﺻﻔﺣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ.1989 ،
99
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
اﻟرواﯾﺔ ﯾﺟب أن ﯾﻧﺗﻬﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻬﺎﯾﺔ ﺳﯾﺋﺔ " . 1أﻣﺎ "ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش"
ﻓﯾرﻓض أن ﺗﻧﺗﻬﻲ اﻟرواﯾﺔ ﻧﻬﺎﯾﺔ "ﺳﯾﺋﺔ" ﻷن اﻟرواﯾﺔ ﻋﻧدﻩ ﻻ ﺗﻌﺟز دوﻣﺎ
ﻋن إﻋﺎدة ﺑﻧﺎء "اﻟﻛﻠﯾﺔ" " "Totalitéاﻷﺳطورﯾﺔ اﻟﻣﻔﻘودة ،ﻓﻘد اﺳﺗطﺎع
"ﺗوﻟﺳﺗوي" و"دوﺳﺗوﯾوﻓﺳﻛﻲ" ﺧﻠق أﺷﻛﺎل ﻣﺗﺟددة ﻟﻠﻣﻼﺣم اﻟﻛﺑرى.
إن اﻟﺑطل اﻹﺷﻛﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ،ﯾﺗوﻓر ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻣﻪ اﻟﺧﺎص اﻟﻘﺎﺋم داﺧل
ﺳرﯾرﺗﻪ ،وﻣن ﺧﻼﻟﻪ ،ﯾواﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ اﻟذي ﯾﺟﺳدﻩ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺑرﺟوازي ﻓﻲ اﻟﻘرن
اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﻘواﻋد واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻐرﯾﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻔرد.
إن ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﻣن اﻷﺑطﺎل ﯾﺟﺳد وﻋﻲ اﻟذات ﺑﺄﻫﻣﯾﺗﻬﺎ واﻟﺗوﺟﻪ إﻟﻰ اﻹﻋﻼء
ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻋن طرﯾق اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻻﺿطﻼع ﺑﺄي دور داﺧل اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺧﺎرﺟﻲ –اﻟﻌﺎﻟم
اﻟﺧﺎرﺟﻲ" -إن ﻫزﯾﻣﺔ اﻟﻔرد ،ﻫﻲ اﻟﺷرط ﻧﻔﺳﻪ ﻟﻘﯾﺎم اﻟذاﺗﯾﺔ".2
ﻟم ﯾﺑق ﻫﻧﺎﻟك ﺻراع ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟرواﯾﺎت ،ﺑل اﻛﺗﻔت اﻟﻧﻔس ﺑﻌﺎﻟﻣﻬﺎ
اﻟداﺧﻠﻲ ﻣﺳرورة وﺳﻌﯾدة ﺑذاﺗﻬﺎ.
إذ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟرواﯾﺎت ﯾﺗﺣرك ﺑطل ﺳﻠﺑﻲ ذﻛﻲ ﯾﻌﻲ أن ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻔﻘﯾر اﻟﺿﯾق
أﺻﻐر ﻣن طﻣوﺣﺎﺗﻪ ،وﺗﻧﺣدر إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﻣن ﺿﻌﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﻣواﺟﻬﺔ واﻟﺳﯾطرة
ﻋﻠﻰ واﻗﻊ ﻗوي وﻣرﻓوض أﺻﻼ ،وﺗﺗﺟﻠﻰ اﻟﻣﺣﺻﻠﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻣﺛل ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﻓﻲ ﺗﺣﻠل
- 1ﻧﺧﺑﺔ ﻣن اﻷﺳﺎﺗذة :اﻷدب واﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ طﺎﻫر ﺣﺟﺎر ،طﻼس ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﺗرﺟﻣﺔ
واﻟﻧﺷر ،ط ،1985 ،01ص 147وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ.
- 2ﻣﯾﺧﺎﺋل ﺑﺎﺧﺗﯾن :اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .13
أﻧظر ﻛذﻟك :اﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن ،اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .92
أﻧظر أﯾﺿﺎ :ﻣﺣﻣد ﺳﺎري :اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻟدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .23
100
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
اﻟﻘﯾم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻓﺔ واﻟﻛﺷف ﻋن ﺑطﻼﻧﻬﺎ اﻟﻧﻬﺎﺋﻲ ،وﺳﯾطرة ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺷﺎؤﻣﯾﺔ ﻋﻘﯾﻣﺔ ﺗؤدي
إﻟﻰ ﺗﺣﻠل اﻟﺷﻛل ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ.
ﺗﻣﺛل ﺷﺧﺻﯾﺔ "أﺑﻠوﻣوف" ﻓﻲ رواﯾﺔ اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻌﺎطﻔﯾﺔ ﻟﻔﻠوﺑﯾر ،ﻫذا اﻟﻧﻣوذج أﺣﺳن
ﺗﻣﺛﯾل.
ﺗﺗﻣﯾز ﻣﺛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ﺑواﻗﻌﯾﺗﻬﺎ وﺑﻘدرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻬﺎم ﻓﻲ ﺗوﺳﯾﻊ اﻵﻓﺎق
اﻟروﺣﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔس اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻘق ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﻔﻌﺎل ﻣﻊ ﺣﻘﺎﺋق اﻟﺣﯾﺎة،
وﻟﯾس ﻣن ﺧﻼل اﻻﻗﺗﺻﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﻣل.
إن اﻟﺗﻛوﯾن اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻟﻠﺑطل ﯾﺣﺗل ﻣوﻗﻌﺎ وﺳطﺎ ﺑﯾن اﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ واﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ،إﻧﻪ ﯾﻌﺛر
ﻋﻠﻰ ﺻﯾﻐﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻣﻌﺎ ،ﻓﻬو ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن "اﻟﺣرﻛﺔ" وﻫﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﻠﻣﺛﺎﻟﯾﺔ
اﻟﺗﺟرﯾدﯾﺔ ،و"اﻟﺗﺄﻣل" وﻫو ﺟوﻫر اﻟﻣوﻗف اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ.
ﻻ ﺗﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﻗﺑول اﻟﻌﺎﻟم أو رﻓﺿﻪ ،ﺑل ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﻣﻌﺎﺷﺔ
وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻓﻬم .إن رواﯾﺔ "اﻟﺗرﺑﯾﺔ" ﺗﺳﺗﺟﯾب ﻟﺣﺎﺟﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق ﺗوازن ﺑﯾن اﻟﻔﻌل
واﻟﺗﺄﻣل.
101
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
إن ﺑطل ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﯾﻌﻲ ﺟﯾدا اﻟطﻼق ﺑﯾن اﻟﺳرﯾرة )اﻟروح( واﻟﻌﺎﻟم ،وﯾﺳﻌﻰ
إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺗوازن ﻋن طرﯾق ﻣزدوج :اﻟﺗﻼؤم ﻣﻊ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑواﺳطﺔ ﺗﻘﺑل أﺷﻛﺎل ﺣﯾﺎﺗﯾﺔ
و أﺑﻧﯾﺗﻪ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ،وﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ اﻻﻧطواء ﻋﻠﻰ اﻟذات واﻻﺣﺗﻔﺎظ داﺧل
اﻟﻧﻔس ﻋﻠﻰ ﺳرﯾرة ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣﻘق ﻣﺛﻠﻬﺎ اﻷﻋﻠﻰ إﻻ ﻓﻲ داﺧﻠﻬﺎ .وأﺣﺳن ﻣﺎ ﯾﻣﺛل ﻫذا
اﻟﻧﻣوذج رواﯾﺔ ﺟوﺗﻪ "ﺳﻧوات ﻣران وﯾﻠﻬﺎﻟم ﻣﺎ ﯾﺳﺗرز".
ﯾﻼﺣظ "ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "اﻟرواﯾﺔ ﻛﻣﻠﺣﻣﺔ ﺑرﺟوازﯾﺔ" ﻣﯾل اﻟرواﺋﯾﯾن إﻟﻰ
"اﻟﺣل اﻟوﺳﯾط" ﻋن ﺳﺑق وﻋﻲ وﺗﺄﻛﯾد وﺟود ﻫذا اﻟﺣل" ،وذﻟك رﻏﺑﺔ ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﺗرﺑﯾﺔ
اﻹﻧﺳﺎن ﻛﻲ ﯾﻘﺑل ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﺑرﺟوازي" 1،وﻫﻲ إﺷﺎرة ﻣﻧﻪ إﻟﻰ ﻋﻧوان رواﯾﺔ ﺟوﺗﻪ "ﺳﻧوات
ﻣران )ﺗرﺑﯾﺔ( وﯾﻠﻬﺎﻟم ﻣﺎﺑﺑﺳﺗرز".
إذ أن ﺟﻣﻠﺔ اﻟطواﺑﻊ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ –ﺧﺎﺻﺔ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ -ﻫو اﻧﺗﻔﺎء
ﻗدرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺻوﯾر "ﺑطل إﯾﺟﺎﺑﻲ" ﻟذﻟك ﻟﺟﺄت إﻟﻰ "اﻟﺣل اﻟوﺳﯾط".
-4ﻧﻣوذج رواﺋﻲ ﻟﺗﺟﺎوز اﻷﺷﻛﺎل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ :ﻫﻲ ﻣﺎ ﯾﻌﺑر ﻋﻧﻪ ﻛﺛﯾر ﻣن
اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺂﻓﺎق اﻟﺗﻐﯾﯾر ،إذ ﯾرى أﺣدﻫم أن "دوﺳﺗوﯾﻔﺳﻛﻲ" ﻫو "ﻫوﻣﯾروس
اﻟﺟدﯾد" إﺷﺎرة ﻣﻧﻪ إﻟﻰ ﻧظرﯾﺗﻪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺣول اﻟرواﯾﺔ ﻛوﻧﻬﺎ "ﻻ ﺗﻌﺟز ﻋن
2
إﻋﺎدة ﺑﻧﺎء اﻟﻛﻠﯾﺔ ) (Totalitéاﻷﺳطورﯾﺔ اﻟﻣﻔﻘودة ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ".
ﻛذﻟك ﻓﻌل "ﺗوﻟﺳﺗوي" ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺣﺎول ﺗﺟﺎوز اﻟرواﯾﺔ ﻧﺣو ﻣﻠﺣﻣﺔ ﺟدﯾدة ،إذ ﯾرﻓض
أﺑطﺎﻟﻪ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﺎﺋدة وﯾﺗﺟﻬون ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻋﺎﻟم آﺧر ﯾﺳود ﻓﯾﻪ اﻻﻧﺳﺟﺎم اﻟﻛﻠﻲ
- 1ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش :اﻟرواﯾﺔ ﻛﻣﻠﺣﻣﺔ ﺑرﺟوازﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺟورج طراﺑﯾﺷﻲ ،دار اﻟطﻠﯾﻌﺔ ﺑﯾروت ،اﻟطﺑﻌﺔ
اﻷوﻟﻰ ﻓﯾﻔري ،1979ص .35
- 2اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ،ص .85
102
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
ﺑﯾن اﻟﻔرد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ رواﯾﺗﻪ" :دروب اﻵﻻم" .ﻟﻛن اﻟﻧﻘد اﻟﻣوﺟﻪ ﻟﻬذﻩ اﻟﻧظرة -
ﻋﻧدﻩ -ﺑﻘﺎؤﻩ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،ﻣﺛﻠﻪ إﺗﺟﺎﻩ "ﺷوﻟوﺧوف"
ﻓﻲ رواﯾﺗﻪ" :اﻟدون اﻟﻬﺎدئ".
إن "اﻟﺑطل" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧﻣط اﻟرواﺋﻲ ﯾﺗﻐﯾر ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻣوﻗﻌﻪ اﻟﻣﺣوري ،ﻓﻬو ﻻ ﯾﺗﻣﯾز
ﻋن ﻏﯾرﻩ ﻣن أﻓراد اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺗﺳب إﻟﯾﻬﺎ وﯾﺣدو أﻓرادﻫﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ آﻣﺎﻻ ﻣﺷﺗرﻛﺔ
ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻘﻬﺎ.
إن اﻷﺳﺎس اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ وراء اﻟﺗﻐﯾﯾر اﻟﻧﺳﺑﻲ ﻟﻣوﻗﻊ اﻟﺑطل ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﻰ وﺟود ﻫدف
ﻣﺷﺗرك ،ﯾﺟﻌل ﺣﯾﺎة اﻟﺑطل ﺗﺗوازى ﻣﻊ ﺣﯾوات أﺧرى ،ﯾﺟﻣﻌﻬﺎ اﻟﺳﻌﻲ ﻧﺣو ﻧﻔس اﻵﻣﺎل
1
وﯾرﺑطﻬﺎ ﻧﻔس اﻟﻣﺻﯾر".
ﺗﻼﺷﻲ اﻷﺑطــﺎل:
اﺗﺟﻬت اﻟرواﯾﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣﺳﺎ ار ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ﺣﯾث طﻔق اﻟﻔرد ﯾﻧﻌزل روﯾدا ﻓﻲ
وﺣدﺗﻪ اﻟﻌﺑﺛﯾﺔ واﻻﻧﺗﺣﺎرﯾﺔ ،ظﻬر اﺗﺟﺎﻩ آﺧر ﻗﺎوم اﻟﺗدﻫور اﻟﻣﺳﺗﻣر ﻟﻠﻔرد داﺧل اﻟﻧظﺎم
اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ )ﻣوﺑﺳﺎن-ﻫﯾﻣﻧﺟواي-ﺟﺎك ﻟﻧدن -ﻣﺎﻟرو( .ﺷﺧﺻﯾﺎت ﺗﺑﺣر داﺧل اﻟﻧظﺎم
اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ ﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﺣﺎول اﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻟﺗدﻫور ﺳواء ﻋﻠﻰ ﺷﻛل ﻓردي وﻏﺎﻟﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻛل
ﺟﻣﺎﻋﻲ )ﻧﺿﺎل ﻧﻘﺎﺑﻲ -ﺣرب أﻫﻠﯾﺔ -ﺣرب ﻋﺻﺎﺑﺎت( وﻟﻛن ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻣﺛل
ﺷﺧﺻﯾﺎت )اﻟوﺿﻊ اﻟﺑﺷري ﻟﻣﺎﻟرو( و)ﻟﻣن ﺗﻘرع اﻷﺟراس( ﻟﻬﯾﻣﻧﺟواي.
إذا ﻛﺎﻧت "اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ" ﻣن ﻣراﺣل اﻹﻧﺗﺎج اﻟرواﺋﻲ اﻷوروﺑﻲ – ﻛﻣﺎ ﻗﺳﻣﻬﺎ
ﻛل ﻣن "ﻟوﻛﺎﺗش وﺟوﻟدﻣﺎن" -ﻗد ﺗﻣﯾزت ﺑﻧﺷﺄة "اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻠﺑﯾراﻟﯾﺔ" ،واﻧطﻼﻗﺔ اﻟﻧزﻋﺔ
-اﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ﺑﯾن اﻻﻧﺗﻣﺎء واﻻﻏﺗراب ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .93 1
103
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﻣرﺗﻛزة ﻓﻲ اﻻﻗﺗﺻﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺷرﻛﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ" ،وأﻓرزت ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل
اﻷدب رواﯾﺔ اﻟﻔرد اﻟﻣﺄزوم –اﻟﺑطل اﻟﻣﺄزوم -اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻠورت ﻋﻧد ﻓﻠوﺑﯾر ،وﺳﺗﺎﻧدال وﺟوﺗﻪ
وﺑﻠزاك...اﻟﺦ".1
إن ﺛﻣﺔ ﻋواﻣل أﺳﻬﻣت ﻓﻲ "ﺗﻼﺷﻲ" اﻟﺻورة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﺑطل ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ
ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ:
"اﻟﻌﺎﻣل اﻟﻼ ﺑطوﻟﻲ" ،"Unheroichero" ،ﻷن اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﻟﯾس ﻋﺻر اﻷﺷﺧﺎص
اﻟﻣﺗﻣﯾزﯾن ،ﺑل ﻋﺻر اﻟﻔرد اﻟﺿﺎﺋﻊ ﻓﻲ ﻏﻣﺎر اﻟﻧﺎس ،ﻋﺻر اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺎدي ،واﻟﺑطل
اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ إﻧﺳﺎن ﻋﺎدي ،وطﺎﻟﻣﺎ أن اﻷﺳﻠوب اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟروح اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻫﻲ
اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺻر ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻘد ﻗﺎﺑﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻔن ﻣذﻫب "اﻟواﻗﻌﯾﺔ".
-د .ﺟﻣﺎل ﺷﺣﯾد :ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص ص .101 ،100 1
104
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
إن اﻟﺑطوﻟﺔ وﻋﺑﺎدة اﻟﺑطل ﺗﺗطﻠب روﺣﺎ ﻣﻠﻬﻣﺔ ،وﻫذﻩ اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟﻌﻠم
ﻻ ﯾﺳﻣﺣﺎن ﺑذﻟك.
اﻟﻌﺎﻣل اﻟﺛﺎﻧﻲ – ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ -ﻛﺎن ﻟﺻﯾﻘﺎ ﺑﺎﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻧﻲ ازدﻫﺎر
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ واﻟﺗﺣﻣس أو اﻟﻐﯾرة ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺎدي.
وﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن ﻋﺎﻣل ﺛﺎﻟث ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﻌﺎظم ﻧﻔوذ اﻟدوﻟﺔ اﻷوﺗوﻗراطﯾﺔ
وذﺑول ﻓﻛرة اﻟﺣرﯾﺔ ﻣﻣﺎ ﻣﻬد ﻻﺧﺗﻔﺎء أو ﺗﻼﺷﻲ ﻓﻛرة اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ ،وﻣن اﻟرواﯾﺎت
اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻫذا اﻟﻧﻣوذج ﻧذﻛر:
أﻣﺎ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ :ﻓﺗﻣﯾزت ﺑﺗدﺧل اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻻﻗﺗﺻﺎد وﺑﺎﻟﺗﻧظﯾم اﻟذاﺗﻲ داﺧل
اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻣﻣﺎ أﻟﻐﻰ ﻛل ﻣﺑﺎدرة ﻓردﯾﺔ أو ﺟﻣﺎﻋﯾﺔ ،وﺗﺑﻠورت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ رأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ
اﻟدوﻟﺔ ورأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣوﺟﻪ ،ﻓﺄﺻﺑﺢ اﻟﻔرد ﺷﯾﺷﺎ أو رﻗﻣﺎ ،وزاﻟت ﻗﯾﻣﺗﻪ ﻛﻔرد
ﻣﻧﻔﺻل ﻋن اﻟﻧظﺎم واﻟﻣؤﺳﺳﺎت وﺑدأت ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻗﺑل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ،
وﺗﻣﯾزت ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟرواﯾﺔ ﺑـ" :زوال اﻟﺑطل" ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻋﻧد "آﻻ ﻧروب ﻏرﯾﺑﻪ"
) (Alain Robbe Grilletﻓﯾﻣﺎ ﺳﻣﻲ ﺑـ "اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة" اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺄت ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ أﺛﻧﺎء
اﻟﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت.
ﯾﻌزي ﺑﻌض اﻟدارﺳﯾن ﺗطور ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟرواﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺳﺎﺋدة ٕواﻟﻰ
ظروف اﻟﻌﺻر اﻟﻣواﻛﺑﺔ ﻟﻬﺎ ،إذ أن اﻟﺛورة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻟدور
اﻟﺑﺎرز ﻓﻲ اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﺟو اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺎم ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻔن )اﻟرواﯾﺔ ،اﻟﺑطل(.
105
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﺣﯾث وﺟﻪ "ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛس" ﻧﻘدا ﻻذﻋﺎ وﻣ ار ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺗﻔﺳﺦ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﯾﻪ
"رأس اﻟﻣﺎل" و"ﻧﻘد اﻻﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ" وﺗﻧﺑﺄ ﺑﺗداﻋﻲ اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ وﺳﯾطرة اﻟﺷﻌب ﻋﻠﻰ
أدوات اﻹﻧﺗﺎج ،وﻗدم "دارون" ﻧظرﯾﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺗطور وﻣﺎ أﺛﺎرت ﻣن ﻧزاع ﺣول ﻗﺿﯾﺔ اﻟدﯾن
واﻟﻌﻠم وﻛذﻟك ظﻬرت دراﺳﺎت "ﻓرﯾزر" ﻓﻲ اﻷﻧﺗرﺑوﻟوﺟﯾﺎ اﻟذي ﯾرى أن ﻋﺻر اﻟﻌﻠم رﺟوع
إﻟﻰ ﻋﺻر اﻟﺳﺣر ﻣن ﺣﯾث أن ﻛﻠﯾﻬﻣﺎ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻣﺎن ﺑﻧظﺎم دﻗﯾق ﻓﻲ اﻟظواﻫر
اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ.
ﺛم ﺟﺎء "ﻓروﯾد" اﻟذي ﻛﺷف اﻟﻐطﺎء ﻋن اﻟدواﻓﻊ اﻟﻐرﯾزﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم ﺳﻠوﻛﻧﺎ ﻓﻲ
ﻧظرﯾﺗﻪ ﻋن اﻟﺟﻧس ،أﺧﯾ ار "أﯾﻧﺷﺗﺎﯾن" اﻟذي ﻧﺷر ﻓﻲ ﻋﺎم ،1905ﻧظرﯾﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ﻋن
اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ.
ﻣﻣﺎ ﺗﻘدم ﯾظﻬر أن ﺳﻣﺔ اﻟﻌﺻر ﻫﻲ ﺳﻣﺔ "اﻟﺗﻔﺗﯾت" ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﯾزﯾﺎء وﻓﻲ
اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ ،...وﻣﻣﺎ ﯾﻬﻣﻧﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﺻل ﺑﻣوﺿوع اﻟدراﺳﺔ -اﻟﺑطل -أن اﻟﺷﻛل
اﻟرواﺋﻲ ﺗﺄﺛر ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟروح اﻟﺗﻲ ﺳﺎدت اﻟﻌﺻر –ﻟﻘد ﺗﻔﺗت اﻟﻧظﺎم اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻟﻠرواﯾﺔ
وﺗﺣطﻣت اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﺣﺑﻛﺔ اﻟﻘﺻﺻﺔ ،واﻧﺗﻬﻰ ﻣن اﻟرواﯾﺔ ﻋﻬد اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت
اﻟﻣﺣددة اﻟﻣﻼﻣﺢ واﻷﺧﻼق ،وأﺻﺑﺣت ﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟرواﯾﺔ ﺑﻼ ﻛﯾﺎن وﻻ ﻫدف ﺑل وﺑﻼ
أﺳﻣﺎء ،أﺻﺑﺣت ﻻ ﺷﺧﺻﯾﺎت.
اﻧﺗﻬﻰ ﻋﻬـد اﻟﻔرد ،ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧﻣط اﻟرواﺋﻲ اﻟذي أﻧزل )اﻟذات( ﻋن اﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ ﻣﻘﯾﺎس
اﻟﻛون " ،ﻓﻣﺎدة اﻟﻔن ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟذات إوﻧﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣوﺿوع" ،1.أي ﻟﯾﺳت اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ
-إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص 45 1
106
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
وﻟﻛن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﺑﻛل ﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن أﺷﯾﺎء ﻣﺎدﯾﺔ ،أو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﯾﻪ "آﻻ ن روب ﺟرﺑﯾﻪ"
"اﻟﺷﻲء" ،وﻣﻧﻪ "ﺗﺄﺛﯾرات "اﻟﺗﺷﯾؤ" ) (La réficationﻋﻠﻰ اﻟوﻋﻲ اﻟﻔردي واﻟﺟﻣﺎﻋﻲ اﻟﺗﻲ
ﺗﺳﻣﺢ ﺑﺣدوث أﺛر اﻧﻌﻛﺎﺳﻲ "أي ﻧﻘل ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﯾوﻣﯾﺔ ﻣن ظواﻫر اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
واﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ إﻟﻰ اﻷدب ﻧﻘﻼ ﻣﺑﺎﺷ ار" 1ورﺑﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻣﻘﯾﺎس ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟرواﯾﺔ ﻟﯾس
ﻓﻌل اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﺷﻲء إو ﻧﻣﺎ اﻧﻔﻌﺎﻟﻪ ﺑﻪ.
ﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﻧﺟد أن "اﻷﺑطﺎل" ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻣﻧﻔﻌﻠﯾن وﻏﯾر ﻓﺎﻋﻠﯾن ﻟﻬذا ﻛﺎﻧت
اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة "ﺗﺻدق اﻟواﻗﻊ وﻻ ﺗﻛذﺑﻪ ،ﺑل ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺗﻌﻛﺳﻪ ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ" 2.ﻟﻘد أﺻﺑﺢ
اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻐرﺑﻲ ﻋﺎطﻼ ﻋن اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ واﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،وﻣﺣﻛوﻣﺎ ﺑﺷرط
ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﯾﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻟروح أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﺗﺣﻛم اﻟروح ﻓﯾﻪ...
إن "ﻣﻔﻬوم اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﯾﺗﻼﺷﻰ ﺑﻣﻘدار ﻣﺎ ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﻰ ﻓﻛرة اﻻﺳﺗﻘﻼل
اﻟﺟوﻫري أي اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻋن ﻧﺳﯾﺞ اﻟﺗﺷﺎﺑﻪ ﻓﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﺿﻣن ﺗﻠك اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ )اﻟﻛﻧﻰ
واﻷﺳﻣﺎء( إن وﺟدت ﻟﻛﺎﻧت ﻋرﺿﺔ ﻷن ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺗﺣوﻻت ﻏرﯾﺑﺔ" 3.إﻧﻧﺎ -ﻣﺛﻼ -ﻧﻘ أر
إﺷﺎرات ﻧوﻋﯾﺔ )رﺟل ،إﻣرأة ،ﺻﺑﻲ( وﺿﻣﺎﺋر )ﻫو ،ﻫﻲ ،ﻫم(.
- 1ﻟوﺳﯾﺎن وﻟدﻣﺎن وآﺧرون :اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .106
- 2ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف :اﻟرواﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،ﻣﺟﻠﺔ اﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،اﻟﻌدد 04اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ،
ﻧﯾﺳﺎن ،1979ص .183
- 3ﺟﺎن رﯾﻛﺎردو :ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺻﯾﺎع اﻟﺟﻬﯾم ،و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻹرﺷﺎد اﻟﻘوﻣﻲ،
دﻣﺷق ،1977ص .95
107
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﯾذﻫب ﺑﺎﺣث آﺧر إﻟﻰ أن اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌﺎدﯾﺔ "ﺗﺟﻬد ﻓﻲ ﺧﻠق اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺣﯾﺔ
اﻟﻣﺗﻣﯾزة ﻋن ﺳواﻫﺎ ﺟﺳدا وﻧﻔﺳﺎ ،أﻣﺎ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺳﻌﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣﻊ ذﻟك
إﻟﻰ طﻣس اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﻔﺎرﻗﺔ ،وﻗد ﯾﺣﺗﺞ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ﻟذﻟك ﺑﺄن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﯾوم رﻗم
1
ﻣﺑﻬم ﺑﯾن أرﻗﺎم "ﻣﺑﻬﻣﺔ" ".
إن إﻟﻐﺎء اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﯾؤدي إﻟﻰ ﺗﺣطم اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﺣﺑﻛﺔ ،وأن ﯾﺣذف
ﻋﻧﺻر اﻟﺳرد ﻣن ﻣﺟﺎل اﻟرواﯾﺔ ،إن رواﯾﺔ ﻻ "ﺗﺣﺑك وﻻ ﺗﻘص" ﻫﻲ وﺣدﻫﺎ اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ
ﻧﻘل ﻣﻔﻬوم اﻟﻌطﺎﻟﺔ ووﻫن اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت.
ﻟﻘد ﺗوﺻل ﻛﺎﺗب وﻧﺎﻗد ﻣﺛل" :ﻣﯾﺷﺎل ﺑوﺗور" " "MICHEL BUTORإﻟﻰ رﻓض
"اﻟﻣوﻧوﻟوج اﻟداﺧﻠﻲ" " ،"Le monologue intérieurﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن ﯾﺳﻣﺢ ﺑﺎﻟﻐوص ﻓﻲ
ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧﻔس اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ،وﯾﺳﻣﺢ ﻛذﻟك ﺑﺎﻟﺳرد اﻟﻌﺻري ،ﻓﺈﻧﻪ ﯾطرح ﻣﺷﻛل اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،إذ أﻧﻧﺎ
"ﺣﺳب ﻗوﻟﻪ" أﻣﺎم "ﻧﻔس ﻣﻐﻠﻘﺔ" " ،"Conscience ferméeواﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن وﻟوﺟﻬﺎ إﻻ
108
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
ﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣوﺿوع أو اﻟﺷﻲء اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻫو اﻟﺑطل اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة
اﻟﺗﻲ أﺑطﻠت ﻋﻧﺻر اﻟزﻣﺎن ﻓﺄﺑطﻠت ﻣﻌﻪ اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺎﺿﻲ وأﺻﺑﺢ اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺿﺎرع ﺳﯾد
اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﺣوﯾﺔ ،ﻷن "اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﺗﻧطﻠق ﻣن ﻣﻔﻬوم "ﻫﻧﺎ واﻵن " " 2ﺣﯾث أن
"اﻟﺷﺧص اﻟﻧﺣوي – "La personne Grammaticaleﺣل ﻣﺣل "اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ) Le
"(personnageاﻟرواﺋﯾﺔ ،وﻟﯾﺷرح اﻟﻔﻛرة أﻛﺛر ﯾﺳﺗﺧدم "ﺟون رﯾﻛﺎرو" اﻟﻌﺑﺎرة اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ- :
ﻣﺗرﺟﻣﺔ ﺑﺗﺻرفLe roman n’est plus l’écriture d’une aventure, mais " 3-
1
- Roland BOUREUF et Real OUELLET. L’univers du roman, Presses
universitaires de France, 4ème édition, Janvier 1985, p 190.
-ﻧﺧﺑﺔ ﻣن اﻷﺳﺎﺗذة ،اﻷدب واﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .196 2
3
- Roland BOUREUF et Real OUELLET. L’univers du roman, Op-cit, p 207.
109
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ذﻟك ﻣن ﻛﺎﺋﻧﺎت ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ دﺣر اﻟروح إﻟﻰ اﻟﻣرﺗﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،وأن "ﺗﺗﺻدر اﻷﺷﯾﺎء
ﺑطوﻟﺔ اﻟرواﯾﺔ" ،1ﻫذا ﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺻﻌوﺑﺔ اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻧﻔﺳﻪ ﺑﻌدﻣﺎ دﻓﻌوﻩ إﻟﻰ
ﻫذﻩ اﻟﻣرﺗﺑﺔ ،رﻏم اﻫﺗﻣﺎم ﺑﻌض اﻟرواﺋﯾﯾن اﻟﺟدد ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن -وﺑذﻟك ﻧﺗﺞ ﻧوع ﻣن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
ﺳﻣﻲ "اﻟﻼرواﯾﺔ" وأﺣﯾﺎﻧﺎ "اﻟﻼأداب" وﺑذﻟك ﺗﻌﻘﻣت اﻟرواﯾﺔ ﻣن أﯾﺔ وظﯾﻔﺔ ﺗﺷﺧﯾﺻﯾﺔ أو
إﺷﺎرﯾﺔ ،وﺣق ﻷﻻن روب ﺟرﯾﯾﻪ أن ﯾﻘول":اﻟرواﯾﺔ اﻟﯾوم آﯾﻠﺔ ﻟﻠﺳﻘوط ،ﻓﻘد ﺗﺧﻠﻰ ﻋﻧﻬﺎ
ﺳﻧدﻫﺎ اﻟﻛﺑﯾر :اﻟﺑطل " ، 2وﻟﯾس "اﻟﺑطل" وﺣدﻩ ﻫو اﻟذي ﯾﻣر ﻓﻲ أزﻣﺔ وﺟود إوﻧﻣﺎ
"اﻟﺣدث" ﺑﺣد ذاﺗﻪ ﻓﻣرة ﻧراﻩ ﯾﺗﻛرر ﺑرﺗﺎﺑﺔ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ "ﯾوﻟﯾزﯾس-ﻋوﻟﯾس" ﻟﺟﯾﻣس
ﺟوﯾس وﻣرة ﻻ ﯾظﻬر اﻟﺑﺗﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،وﻛذﻟك ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺑداﯾﺔ
ﻛﺎن ﯾﺑدو ﻣﻧﻘوﺻﺎ ﯾﺑﻌث إﻟﻰ اﻟﻘﻠق واﻟﺣﯾرة وﺣب اﻻﻛﺗﺷﺎف )اﻟﻘﺻر ﻟﻛﺎﻓﻛﺎ ،واﻟﻐﺛﯾﺎن
ﻟﺳﺎرﺗر ﻣﺛﻼ( ،وأﺻﺑﺢ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻏﺎﺋﺑﺎ وﺛﺎﻧوﯾﺎ ،وﺗزاﻣﻧت ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج اﻟرواﺋﻲ
ﻣﻊ اﺳﺗﻘرار اﻟﻧظﺎم اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ اﻗﺗﺻﺎدﯾﺎ وﺳﯾﺎﺳﯾﺎ.
"أﻣﺎ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻓﻛﺎﻧت ﺗﺎرﯾﺧﺎ ﺑدون ﺑﺷر ،وﺑﺷر ﺑدون ﺗﺎرﯾﺦ" .3وﻋﻠﻰ اﻋﺗﺑﺎر
أن -اﻟﻔردﯾﺔ -ازدﻫرت أﻛﺛر ﻣﺎازدﻫرت ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺑرﺟوازي إﻻ أﻧﻬﺎ ﺑدت وﻛﺄﻧﻬﺎ
ﻣرﺣﻠﺔ ﻋﺑور ﺑﯾن ﻧﻣطﯾن ﻣن اﻟﺗﻧظﯾم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،اﻟﻧظﺎم اﻟﻘدﯾم ﺑﻣﺎ ﯾﺳودﻩ ﻋن ﺣرﯾﺔ
ﻟﯾﺑﯾراﻟﯾﺔ ﻓردﯾﺔ ،واﻟﻧظﺎم اﻟﺟدﯾد واﻟذي ﺗﻛون ﺷﯾﻣﺗﻪ اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ﻫﻲ "اﻟﺟﻣﺎﻋﯾﺔ" ،ﺑل ﻟﻘد
ظﻬر أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺣﺎﺿرة ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻟم ﺗﻌد ﺗﺳﻣﺢ ﺑﻘدر ﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ إﻻ
ﻟﻠﻘﻠﺔ اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ ﻣن اﻟﻧﺎس ،ﺑﺷرط أﻻ ﯾﺳﻲء ذﻟك إﻟﻰ ﻧظﺎم اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻧظﺎم
- 1ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف :اﻟرواﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،ﻣﺟﻠﺔ اﻵداب اﻷدﺑﯾﺔ ،اﻟﻌدد ،4اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ،ﻧﯾﺳﺎن
،1979ص .187
- 2اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ،ص .188
- 3ﺟﻣﺎل ﺷﺣﯾد :ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ،دراﺳﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﻬﺞ ﻟوﺳﯾﺎن ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص ص .104-103
110
د .ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮري إرﻫﺎﺻ ــﺎت..
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،وذﻟك ﺑﻌد اﻧﺷطﺎر اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ ﻛﺗﻠﺗﯾن ﻣﺗﺻﺎرﻋﺗﯾن ،وﻣﺎ ﻧﺗﺞ ﻋن ذﻟك ﻣن
اﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺑﺷري إﻟﻰ ﻣﻌﺳﻛرﯾن ﺷرﻗﻲ وآﺧر ﻏرﺑﻲ ،وأﺳﺎس ﻫذا اﻟﺻراع ﻫو
ﻣوﻗف ﻛل ﻣن اﻟﻛﺗﻠﺗﯾن ﻣن اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻟوﺳﺎﺋل اﻹﻧﺗﺎج.
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ :ﺑﺈﻣﻛﺎن اﻟﻘﺎرئ أن ﯾﺗﺑﯾن اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ ﻣن ﻫذا اﻟﺑﺣث ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣﺣﺎور اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
ذﻟك أﻧﻬﺎ ﻣﺗﺿﻣﻧﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﻛل ﻓﺻل ﻟذﻟك وﺟب اﻟﺗﻣﻌن ﻓﻲ اﻷﻣﺛﻠﺔ اﻟﻣﻌطﺎة ﺿﻣن
ﻛل ﻓﻛرة ﻣن اﻷﻓﻛﺎر اﻟواردة ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺑﺣث إذ ﻻ ﯾﺧﻠو ﻣن أﻣﺛﻠﺔ ﻛﺛﯾرة ﻣن أﻏﻠب
اﻟرواﯾﺎت اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟﺣدﯾﺛﺔ.
111
اﻟﻌﺪد 28ﺟﻮان 2013 ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ
ﻗﺎﺋﻣﺔ اﻟﻣراﺟﻊ:
أ-ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ:
-1أﺣﻣد إﺑراﻫﯾم اﻟﻬواري :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،دار اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،ﺑﻐداد،
1976.
-2إﻋﺗدال ﻋﺛﻣﺎن :اﻟﺑطل اﻟﻣﻌﺿل ﺑﯾن اﻻﻏﺗراب واﻻﻧﺗﻣﺎء ،ﻣﺟﻠﺔ ﻓﺻول ،اﻟﻣﺟﻠد اﻟﺛﺎﻧﻲ،
اﻟﻌدد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﺟﺎﻧﻔﻲ ﻓﯾﻔري ،ﻣﺎرس1982. ،
-3أﺣﻣد اﻟﻣدﯾﻧﻲ :ﻓن اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب ،ﻓﻲ اﻟﻧﺷﺄة واﻟﺗطور واﻻﺗﺟﺎﻫﺎت ،دار
اﻟﻌودة ،ﺑﯾروت ،ﺑدون ﺗﺎرﯾﺦ.
-4اﻟﻣﻧﺻف وﻧﺎس :أﺷﻛﺎل وﺻﯾﻎ ﺷﺧﺻﯾﺎت اﻷﺑطﺎل ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ ،اﻟﺳﻧﺔ 26
اﻟﻌدد 10ﺟوﯾﻠﯾﺔ 1981.
-5ﺟﺎن رﯾﻛﺎردو :ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺻﯾﺎع اﻟﺟﻬﯾم ،و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻹرﺷﺎد
اﻟﻘوﻣﻲ ،دﻣﺷق ،1977ص 95.
-6ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش :اﻟرواﯾﺔ ﻛﻣﻠﺣﻣﺔ ﺑرﺟوازﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺟورج طراﺑﯾﺷﻲ ،دار اﻟطﻠﯾﻌﺔ ﺑﯾروت،
اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﯾﻔري ،1979ص 35.
-7ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﯾن :ﻟوﺳﯾﺎن وﻟدﻣﺎن وآﺧرون ،اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣؤﺳﺳﺔ
اﻷﺑﺣﺎث اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،راﺟﻊ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺳﺑﯾﻼ1984. ،
-8ﺣﺳﯾن ﺧﻣري :أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻧﻘد ،ﺗﻌطﯾل اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة ،ﺟرﯾدة اﻟﻧﺻر ،اﻟﺻﻔﺣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ1989. ،
-9روﻧﻲ وﯾﻠك ،أﺳﺗﯾن واران :ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺻﺑﺣﻲ ،د .ﺣﺳﺎم اﻟﺧطﯾب،
،PENGUIN BOOKSﺑدون ﺗﺎرﯾﺦ.
-10ﺷﻛري ﻣﺣﻣد ﻋﯾﺎد :اﻟﺑطل ﻓﻲ اﻷدب واﻷﺳﺎطﯾر ،دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ط ،02:ﻓﯾﻔري 1971.
-11ﺻﻼح ﻓﺿل :ﻣﻧﻬﺞ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب.1978 ،
12ﻋﺑد اﻟﻣﻧﻌم ﺗﻠﯾﻣﺔ :ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،دار اﻟﻌودة ،ﺑﯾروت ،ط ،2،1983ص .143
-13ﻣﺣﺳن ﺟﺎﺳم اﻟﻣوﺳوي :ﺣول ﻣﻔﻬوﻣﻲ اﻟﺑطوﻟﺔ واﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ
اﻟﻣوﻗف اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻌدد ،105-104ﻛﺎﻧون اﻷول ،ﻛﺎﻧون اﻟﺛﺎﻧﻲ 1980.-1979
-14ﻣﺣﻣد ﺻﺎري :اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﯾروت ،ط1984. ،1
-15ﻣﯾﺧﺎﺋل ﺑﺎﺧﺗﯾن :اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺑرادة ،دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر
واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﻘﺎﻫرة.1987 ،
-16ﻧﺧﺑﺔ ﻣن اﻷﺳﺎﺗذة :اﻷدب واﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ طﺎﻫري ﺣﺟﺎر ،طﻼس ﻟﻠدراﺳﺎت
واﻟﺗرﺟﻣﺔ واﻟﻧﺷر.1985 ،
-17ﯾوﺳف اﻟﯾوﺳف :اﻟرواﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،ﻣﺟﻠﺔ اﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،اﻟﻌدد 04اﻟﺳﻧﺔ
اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ،ﻧﯾﺳﺎن ،1979ص .183