Professional Documents
Culture Documents
عادل األسطة
ترمي هذه الورقة إلى مقاربة تأثير الرواية الفلسطينية بالرواية الغربية ،وذلك من خالل تتبع آراء
-روائي أوالروائيين الفلسطينيين في هذا الجانب ،وتتبع دراسات الدارسين الذين توقفوا أمام هذا ال-
-ة
-وص روائي- -ة نص- ذاك ،لتبيان صلة نصه بنص أوروبي أو أمريكي ،وأخيرًا من خالل مقارن-
فلسطينية تمت بصلة للرواية الغربية ومقارنتها بالنصوص التي تأثرت بها.
في المقدمة التي صدر بها صاحب أول رواية فلسطينية مجموعته القصصية األولى والوحيدة
أتى خليل بيدس على صلة الرواية العربية بالرواية الغربية ،فالرواية في الشرق ،بالصورة ال--تي
نعرفها اآلن ،ظهرت منذ عهد غير طويل ،وكان أكثرها منقوال عن اللغ--ات الغربي--ة .ورأى أن
-ات -بقونا بالرواي-
المهتمين ،في الشرق ،بهذا أجادوا وأفادوا ،واقر بأن الروائيين في الغرب قد س-
-اتذة
الطافحة بالحسنات بمراحل كثيرة ،ففي الغرب من الروائيين ،المتفننين مئات وألوف "وهم أس-
-ا
الفن بال جدال ،فإذا نقلنا عنهم أو نزعنا إلى أسلوبهم ،فإنما نزيد آدابنا ثروة وجماال ،ونزيد كتابن-
أسلوب وإطالعا وفنًا"[.]1
وبيدس الذي كانت له جهود كبيرة في تأسيس فن الرواية في فلسطين ،وهي جهود متنوعة ،إذ
تراوحت بين التأليف والترجمة والتنظير ،أفاد ال شك من الرواية التي قرأها وترجمها .كان بيدس
-ه-ج روايت--ه نس-
يتقن اللغة الروسية ،ومنها نقل إلى العربية العديد من الروايات ،وغير بعيد ان-
"الوارث" على منوالها ،أن لم يكن في الموضوع ،ففي األسلوب.
وقد التفت حسام الخطيب في كتابه "حركة الترجمة الفلسطينية" ( )1995إلى األثر الذي تركته
حركة ترجمة الرواية الغربية على الرواية الفلسطينية في غير مكان ،فكتب:
"منذ البدء كانت الرواية هي المفضلة لدى المترجم الفلسطيني األول خليل بيدس" ورأى الخطيب
أن الرواية حتى اليوم تحظى باألفضلية األولى لدى المترجمين ،وان لم تص-ل ترجم-ة الرواي-ة
واحتفاظها باألولوية إلى درجة المبالغة والشطط .وأما لماذا حظيت الرواية باألفضلية األولى ،فان
الخطيب يرى ذلك "تجاوبا مع طبيعة المرحلة عربيا وإرضاًء ،ألذواق القراء"[.]2
-ةال يختلف غسان كنفاني ،حين ُيسأل عن روايته "ما تبقى لكم" وتأثره في أثناء كتابتها برواي-
(وليم فوكنر) "الصخب والعنف" ( )1929ال يختلف كثيرا عن بيدس ،فهو –أي كنفاني -يعبر عن
-ف"،-خب والعن- إعجابه بأسلوب (فوكنر) وبروايته" :بالنسبة لفوكنر أنا معجب جدا بروايته" "الص-
-ا
-أثرا ميكانيكي--ت ت- وأنا اعتقد أن هذا صحيح ..انأ متأثر جدًا بفوكنر ..ولكن "ما تبقى لكم" ليس-
بفوكنر ،بل هي محاولة لالستفادة من األدوات الجمالية واالنجازات الفنية ال--تي حققه--ا فوك--نر
لتطوير األدب الغربي[.]3
وإذا كان بيدس أشار إشارة عامة إلى تأثر الرواية في الشرق بالرواية الغربية ،دون أن يقارن
-ا
بين روايته وروايات غربية ،ودون أن يفصح في المقارنة عن النصوص التي تأثر بها ،وهذا م-
-عيد أبي النحس-اء س- -ة في اختف- بدا في قول كنفاني ،فان إميل حبيبي في روايته "الوقائع الغريب-
المتشائل" ( )1974يعقد فصال يقارن فيه بين بطله سعيد وبطل رواية (فولتير) الكاتب الفرنس--ي
"كنديد" ،وعنوان الفصل "الشبه الفريد بين سعيد وكنديد" ،ويشير في الهامش إلى ترجمة النابلس--ي
عادل زعيتر لرواية (فولتير)[ .]4وفي المقابالت المتأخرة مع إميل حبيبي يفصح علنا عن ت--أثره
-فيك" و-دي الطيب ش- -يك) "الجن--الف هاتش- -ا (ياروس- بروايات أوروبية عديدة ،أبرزها روايت-
-ارف" (سرفانتيس)" :دون كيشوت" .وفي المقابلة األخيرة التي أجريت معه ونشرت في مجلة "مش-
-انية
-ة اإلنس-
يذكر حبيبي هذا بالحرف" :كما وجدت أن ظاهرة الضعف اإلنساني المتمثل باالتكالي-
-تي-ل ال-
ليست ظاهرة أو مميزا خاصا لشعبنا ،وإنما لكل الشعوب .وما من شعب مر بمرحلة مث-
مررنا بها إال وكان له سعيده أبو النحس المتشائل .الجندي "شفيك" مثال .وفي نواٍح معينة ،وربما
عكسية ،انأ متأثر برواية "دون كيشوت" "لسرفانتيس"[.]5
-وال-يرا عن أق- وال يبتعد أحمد حرب أستاذ األدب المقارن في جامعة بير زيت في أقواله كث-
كنفاني وحبيبي ،فهو حين يتحدث عن الروايات التي كتبها ،يقر بتأثره بروايات كتاب آخرين قرأها
باللغة االنجليزية ،وان لم يكونوا غريبين ،لكنهم كتبوها باالنجليزية .وإذا ما اعتبرنا اللغة معي--ارا
لتحديد هوية أدب ما ،اعتبرنا هذه الروايات غربية ،فلغتها انجليزية .يقول حرب:
-اب"-ان كش--ورة الفن-"من اآلداب الكالسيكية العالمية فقد استعملت بشكل خاص روايات "ص-
-اقط"
لالنجليزي جيمس جويس" ،لماذا نحن مباركون" للكاتب الغاني أبي كوني أرمة" ،األشياء تتس-
للكاتب النيجيري "تشينو تشيبي"" ،حبوب القمح" للكاتب الكيني جيمس نقوفي" ،ش--رق الف--ردوس
و"القمر كئيب للكاتب األمريكي جون شتاينبك"[.]6
ربما كانت روايات غسان كنفاني هي األوفر حظا في الروايات الفلسطينية التي حظيت بالمقارنة
مع روايات أوروبية .ولعل الدارس يثير سؤاال مهما هنا هو :لماذا؟
وحتى استشهاد غسان كنفاني لم يبرز روائي فلسطيني واحد ثابر على كتابة الرواية وتطويرها
وإثارة أسئلة حول شكلها الفني .حقا أن بيدس ترجم الروايات وكتب رواية واحدة ونظر لهذا الفن،
لكن رواية واحدة لم تجعل منه روائيا ،عدا أن روايته "الوارث" ( )1920لم تكن متوفرة دائما بين
أيدي الدارسين ولم تتوفر معها الروايات التي ترجمها ،ليقارن الدارسون بين المترجم والمؤلف –
-ا ،فليس بينهم منأي بين ما ترجمه بيدس وما ألفه .ولم يكن الروائيون الذين ألفوا بعده أوفر حظ-
كتب غير رواية .ألف هؤالء رواية ،وفي أحسن األحوال ،روايتين ،ولكن الفن الروائي لم يشغلهم
-تىبالدرجة التي شغل بها بيدس .ويرى دارسون كثر أن كنفاني هو الروائي الفلسطيني األبرز ح-
تاريخ استشهاده ،فإلى جانب كتابته رواية فنية تعالج الموضوع الفلسطيني ،أنجز أربع رواي--ات،
وشرع في كتابة ثالث أخرى استشهد قبل أن يكملها ،هذا إذا غضضنا النظر عن روايت--ه ال--تي
-ل-ة :من قت- كتبها ونشرها على حلقات ،ثم جمعت وصدرت في كتاب بعد استشهاده ،وهي رواي-
-د أتى-ين ،وق-ليلى الحايك .وقد حظي كنفاني ألسباب عديدة أبرزها األنفة الذكر ،باهتمام الدارس-
هؤالء على مقارنة رواياته بالروايات األوروبية ،فقد قارنوا بين رواياته وروايات (وليم فوك--نر)
"الصخب والعنف" ورواية (مكسيم جوركي) "األم" ،كما قارنوا بين رواياته ،وتحديدا روايته "عائد
إلى حيفا "ومسرحية (برتولد بريخت)" دائرة الطباشير القوقازية ،ومسرحية (ت.س اليوت)" :كاتم
السر"[.]7
كانت رضوى عاشور في كتابها "الطريق إلى الخيمة األخرى " دراسة في أعم--ال "غس--ان
كنفاني" ( )1977رائدة في هذا المجال .وجّل الدراسات التي جاءت بعدها ،أو ما كتب عن غسان
وبعض رواياته ،اعتمد عليها ،وان أضافت بعض الدراسات إليها الشيء القليل[.]8
قارنت رضوى عاشور بين "الصخب والعنف" و "ما تبقى لكم" وأتت على ما قاله كنفاني عن
عالقته بـ(وليم فوكنر) وتأثره به.
كتبت عاشور:
"إلى جانب تأثر غسان بالتكنيك الكلي لرواية فوكنر ،وهو تداخل تيارات الشعور والماض--ي
بالحاضر ،فإن "ما تبقى لكم" تحمل أصداء واسعة من الفصل الثاني بالذات من "الصخب والعنف"،
-ه -ادي وارتباط-
-ه ك-وهو الفصل الذي يقدم لنا تيار شعور كوينتين األخ .أن عالقة كوينتين بأخت-
الشديد بها واشتهاءه لها ،وحمل األخت بوليد غير شرعي من صديق يحتقره األخ ،نجدها جميعً--ا
وبدرجات متفاوتة في عالقات حامد ومريم ومريم وزكريا وحامد وزكريا .كذلك ي--دين غس--ان
لفوكنر بصورة الساعة التي ترمز للزمن"[.]9
وتفصل عاشور أوجه االقتراب وأوجه االختالف بين دال الساعة في الروايتين[ .]10وتخلص
إلى ما يلي:
"أن الرؤية لدى كل من غسان كنفاني وويليام فوكنر مختلفة اختالفا جوهريًا .أما التأثر فهو تأثر
شكلي بحت .لقد قرأ غسان رواية فوكنر وسحر بها واستعار منها العديد من انجازاتها الش--كلية،
ولكنه اخذ يطوع هذه االنجازات من اجل التعبير عن موضوع له خصوصيته الفلسطينية"[.]11
-ل النقيب
ويبدو أن تأثر كنفاني بـ(وليم فوكنر) كان االكثر دراسه ،فقد اتي عليه كل من فض-
وعز الدين المناصرة وفيحاء عبد الهادي وحبيب بولص( *.انظر هامش 7من هذه الدراسة).
وهناك جانب آخر في أدب كنفاني يتمثل في تأثره باألدب الصهيوني المكتوب باللغة االنجليزية
أو المترجم إليها .وهذا الجانب لم يلتفت إليه الدارسون إال ما ندر ،علما بأن كنف--اني درس األدب
-ات-ه درس رواي- -هيوني" ( )1966وفي-
الصهيوني واصدر عنه كتابه المشهور "في األدب الص-
مشهورة مثل رواية "لصوص في الليل" لـ(آرثر كوستلر) و "نجمة في الريح" لـ(روبرت ناثان)
و "اكسودس" لـ(ليون أوريس) و "ارض قديمة جديدة" لـ(هرتسل) .وربما كنت الدارس الوحي--د
الذي عقد مقارنة بين رواية "عائد إلى حيفا" وصورة الذات واألخر فيها على ضوء ص--ورتها في
رواية "الخروج /اكسودس" لـ(ليون أوريس)[.]12
يلي كنفاني أهمية في هذا المجال الروائي إميل حبيبي ،بخاصة روايته "الوقائع الغريب--ة" في
اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل ( ،)1974الرواية التي حظيت بدراسات كثيرة عن التناص فيها،
-فيك" و-دي الطيب ش- -وت" و "الجن- ولكن حظها من الدراسات التي تقارن بينها وبيني "دون كيش-
"كنديد" كان قليًال .وإذا كان الدارسون قارنوا بينها وبين كنديد ،وهي مقارنة بدت أصال في الرواية
نفسها –أي رواية المتشائل -فإنني ال اعرف دراسات قارنت بينها وبين "دون كيشوت" و "الجندي
الطيب شفيك" ،علما بأن حبيبي كما رأينا ذكر بأنه قرأ هاتين الروايتين.
كان احمد حرب أستاذ األدب المقارن في جامعة بير زيت أول من قارن دراسًة بين"المتشائل" و
-ائل"
-ة "المتش
-زء األول من رواي
-راء الج
-ا بعض ق-فوية أجراه-ة ش
-اك مقارن -انت هن "كنديد"[ ]13وان ك
حين نشره إميل في مجلة الجديد في العام .1972فقد أتى حين كتب بقية أجزاء الرواية على هذا،
وكتب فصال عنوانه "الشبه الفريد بين سعيد وكنديد"[ ،]14كأنما يرد فيه على أولئك الذين ذهب--وا
إلى انه لم يأت بجديد فيما كتبه.
-برا فيثمة كاتب ثالث حظيت أعماله بدراسات مقارنة ،هو جبرا إبراهيم جبرا ،وقد درس ج-
-لالغرب وقرأ األدب الغربي باللغة االنجليزية التي أتقنها وكتب فيها وترجم عنها .وقد التفت خلي-
-رى" ( -رف األخ- -ة "الغ-
الشيخ إلى صلة جبرا بأدباء غربيين ،وأنجز دراسة قارن فيها بين رواي-
)1986ورواية (فرانز كافكا) "المحاكمة"( ،)1925وقد التفت الشيخ إلى إشارات جبرا المبك--رة
ألعمال (كافكا) علمًا بأنه –أي جبرا -لم يتقن األلمانية التي كتب بها (كافكا) .وأوضح الش--يخ أن
-ا
-تي كتبه- صلة جبرا بـ(كافكا) تعود إلى فترة مبكرة ،وتحديدا في مقالته عن (جورج أوريل) ال-
سنة 1960محلال روايته الشهيرة .1984وتتكرر إشارات جبرا إلى (كافكا) في رواية "السفينة"
-رى" ([)1992 ( )1970وفي مقاالت الحقة "أقنعة الحقيقة والخيال" و "معايشة النمرة وأوراق أخ-
.]15
ويرى الشيخ أن الفاصل الزمني بين "المحاكمة" ( )1925و "الغرف األخرى" ( )1986ال يلغي
-ير
-ذ س- -ة ،ص -130ص )133ويتخ- مشروعية المقارنة بينهما( .انظر :الشيخ ،دوائر المقارن-
-ة .1-اور التالي-
-ا من خالل المح-
المقارنة بين الروايتين مسارا يسعى إلبراز الرؤية الكلية فيهم-
الورطة .2مجابه الورطة .3نهاية المجابهة[.]16
كما التفت سمير فوزي حاج في كتابه "مرايا جبرا إبراهيم جبرا والفن الروائي" (]17[)2005
إلى تأثر جبرا بالرواية الغربية .لقد أتى ،مثلما فعل الشيخ ،على تأثر جبرا بـ(كافكا) ،وأشار إلى
األسلوب لدى كليهما –وال ادري لماذا لم يشر إلى الشيخ .-غير أن دراسة حاج ال تقتص--ر عن
-ة بين
-د مقارن-إجراء المقارنة بين جبرا وكافكا ،فهي ال تهدف إلى هذا فقط ،وإنما ترمي إلى عق-
أساليب جبرا في رواياته وأساليب (كافكا) و(دوستوفسكي) و(فوكنر) و(جويس) وآخرين.
ميزة أخرى بينتها هذه الدراسة ،هي إتباع أسلوب كافكا في رسم شخصية لمى من خالل رسائل
فالح :إذ أن فالح ،أشار إلى لمي بحرف "الالم" ،كما رمز كافكا في روايته إلى الشخصية الرئيسية
بحرف "الكاف" "].K"[18
هذه هي ابرز الدراسات العربية المقارنة لصلة الرواية الفلسطينية بالرواية الغربية وتأثرها بها.
-ا
-ة ،ربم- -ير العربي-وقد تكون هناك دراسات أخرى كتبها دارسون عرب وغير عرب بلغات غ-
يكشف عنها دارسون آخرون غيري[.]19
سوف أتوقف أمام ثالث روايات غربية ،بإيجاز ،كان لها تأثيرها في الرواية الفلسطينية وهي:
صدرت هذه الرواية باللغة األلمانية في بدايات ق ،20وقد نقلت إلى العربية في العام ،1962
وقد تركت اثرا واضحا في بعض روايات غسان كنفاني ورواية إميل حبيبي "المتشائل" ومن خالل
قراءة كتاب كنفاني "في األدب الصهيوني" يلحظ اطالعه عليها ،فقد اقتبس منها بعض الفق--رات.
وال يدري المرء أن كان كنفاني ،اطلع على الترجمة االنجليزية لها – إن ترجمت إلى االنجليزية،
أو اطلع على ترجمتها إلى العربية التي أشار إليها[.]20
وقد توقف كنفاني أمام رأي (هرتسل) حول هدف روايته ،وهو "هدف" لم يكن فنبا ،ولكنه كان
-ات-ال الرواي-
-ف عن أبط- هدفا دعاويا[ .]21ويرى كنفاني أن بطل "ارض قديمة جدي-
-دة" يختل-
الصهيونية التي أنجزت قبلها ،مثل روايات (دانييل ديروندا) و (دافيد آلروي) ومثل بطل مسرحية
-ل" وعن-لوب للعم-"اليهودي األزلي" ،فإذا كان أبطال هذه الروايات مجرد دعاة يتحدثون عن أس-
خطة الستعمار فلسطين فان بطل "األرض القديمة الجديدة" قد شرع في العمل[ .]22وال يختل--ف
أبطال الروايات الصهيونية الالحقة ،مثل رواية (ارثر كوستلر) "لصوص في الليل" ورواية (ليون
اوريس) "اكسودس" ،عن بطل "أرض قديمة جديدة".
-ا" في
-د إلى حيف- هذا البطل الصهيوني الذي شرع يعمل يتجسد في رواية غسان كنفاني "عائ-
شخصية (دوف) ودوف هو االبن البيولوجي لبطل الرواية العربي س-عيد .س .ك-ان س-عيد .س
وزوجته صفية في أثناء حرب العام 1948غادرا مدينتهما حيفا هربا من العنف الصهيوني ،وقد
نسيا في أثناء هربهما ابنهما خلدون في البيت ،ولم يرياه إال بعد هزيمة حزيران في العام .1967
-ر-ق الفك--ذا اعتن-
-هيونية ،وهك--ة ص- وما بين 1948و 1967تبنته عائلة يهودية وربته تربي-
الصهيوني وآمن به ،وأخذ ينظر إلى العرب من خالله .وحين حاوره والده البيولوجي س--عيد .س
آمال أن يعود معه ومع أمه يرفض ،ويرى أن العرب عاجزون ال يجيدون سوى االنتظار والبكاء.
ولو كان هو مكانهما لحمل السالح وحارب من اجل إعادة ابنه إليه .وفي مقوالته ما يجسد النتيجة
التي توصل إليها كنفاني حول اختالف بطل ارض قديمة جديدة عن بطل الرواية الصهيونية التي
أنجزت قبلها.
هل كان كنفاني سينجز روايته "عائد إلى حيفا" التي تحفل بالفكر الصهيوني على لسان (دوف)،
-ذكورة
-ل) الم-
وقد أراد كنفاني نقضه ،على النحو الذي برزت عليه لو لم يكن قرأ رواية (هرتس-
والروايات التي سارت في فلكها؟
-ده
وإذا كانت رواية "ارض قديمة جديدة" أبرزت يهودي المنفى متسوال وشحاذًا ،وهو ما تجس-
شخصية (ديفيد لوتفيك) ،وان هذا المتسول الشحاذ لن يغدو ذا كرامة ومكان--ة إال إذا ه--اجر إلى
فلسطين وأقام فيها وطنه القومي ،فان روايات كنفاني كلها من "رجال في الشمس" حتى "أم س--عد"
-د
-رج الوحي- -ة ،وان المخ--اة ذليل-
-ية وحي-تصور حياة الفلسطيني في المنفى على أنها حياة قاس-
-طين ،ال في-ودة إلى فلس- للفلسطيني من مشاكله التي نجمت عن خروجه من وطنه يتمثل في الع-
-ا
-ه ،م-االبتعاد عنها .هل أدرك كنفاني هذا باجتهاده الشخصي أم انه كان يضع وهو يكتب روايت-
وضعه (هرتسل) نصب عينيه وهو يكتب روايته؟
-ل-و إمي-والكاتب الثاني الذي يمكن عقد مقارنة بين روايته ورواية "ارض قديمة -جديدة" ه-
حبيبي .لم يشر حبيبي في المقابالت التي أجريت معه إلى قراءته رواية (هرتسل) ،وكانت قراءتها
متوفرة لديه من خالل لغته العربية أوال ومن خالل إتقانه اللغة العبرية ثانيا ،وإذا كانت الرواي--ة
ترجمت إلى العربية ،فما ال شك فيه أنها نقلت إلى العبرية ،وفوق هذا كله ف--إن سياس--ة دول--ة
إسرائيل منذ تأسيسها إن هي إال تجسيد ألطروحات (هرتسل) في كتابه "الدول--ة اليهودي--ة" وفي
-كل،-أثيرا في الش- -ائل" ليس ت-
روايته المذكورة .إن تأثير "أرض قديمة-جديدة" في رواية "المتش-
ويمكن قول الشيء ذاته عن تأثيرها في روايات كنفاني ،وإنما هو تأثير في الطروحات ،إذ برزت
أطروحاتها في أعمال الكاتبين على لسان شخصيات صهيونية ،ولكن لدحضها ،ال لتبنيها.
يحاول (هرتسل) ،من خالل روايته ،أن يبرهن أن فلسطين ارض خربة بائس--ة تحت--اج إلى من
-ا
-ل ياف-
-طين ،مث-يعتني بها ويبنيها ويعيد إليها الروح من جديد ،فحين زار بطلها المدن في فلس-
والقدس ،وحين زار ريفها ،الحظ مقدار البؤس الذي يسود فيها ،وهو جزء من بؤس الشرق الذي
يحتاج إلى استعمار غربي لينقذه منه .ويتخيل (هرتسل) في روايته ،من خالل بطله ،كيف تغ--دو
فلسطين ،بعد عشرين عاما من سيطرة الصهيونية عليها :قطارات كهربائي--ة وارض زراعي--ة،
ومبان حديثة يعلوها القرميد ،وشوارع نظيفة .أن التغير الذي ألم ببطلها (ديفيد لوتفي--ك) ش--حاذ
النمسا وفيينا ،حيث غدا في فلسطين ثريا وقائدا ،يصيب األرض الفلسطينية وم--دنها .وسيش--عر
-رك
-د ت-
-طين بع-
االسرائيليون بأنهم عمروا األرض التي خربها العرب حين سيطروا على فلس-
اليهود لها قبل ألفي عام.
في رواية إميل حبيبي "المتشائل" تطالعنا شخصيات يهودية تشعر بالتفوق والتميز ،وترى أنها
هي من أعاد الحياة إلى ارض فلسطين ،فحيثما حل اليهود ظهر الخضار والعمار وحيثم--ا ك--ان
العرب كان الخراب .وسيقول معلم سعيد ،والمعلم هو شخصية يهودية ،سيقول له هذا ،وهذا م--ا
يبرز في الفقرة التالية:
وكان يقول ،وأنا أمشئل :الخضرة ،الخضرة على يمينك وعلى يسارك وفي كل مكان .أحيينا
-ط الموت وامتنا الحيات (وكان يعني األفاعي) .ولذلك أطلقنا على حدود إسرائيل القديمة اسم "الخ-
-رارات -ا ج--ا أقبلي ي--راء تنادين-
األخضر" .فما بعدها جبال جرداء وسهول صحراء وارض قف-
المدينة".
-رب، -طين وبين الع-ويواصل معلم سعيد قوله ،مبرزا الفارق بين اليهود الذين استوطنوا فلس-
-اء-ون إال البك-
-حراء ال يعرف- -اء الص-
األولون عمروا وبنوا وأصلحوا األراضي ،واآلخيرون أب-
والخراب .وقد بدا هذا الشيء واضحًا ،من قبل ،في رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" ،إذ أبدت
صفية زوجة سعيد .س إعجابها بما غدت عليه حيفا بعد عشرين عاما من سيطرة اليهود عليه--ا.
لكن كنفاني ،وبعده حبيبي ،ينقضان المزاعم الصهيونية ،فكنفاني قال على لسان بطله :كان بإمكاننا
أن نجعلها أحسن بكثير ،وحبيبي جعل بطله يقول :أن ذلك بفضل أيادينا أي أيادي العمال العرب،
فهم من بنوا الدولة العبرية [.]23
-ة "ارض
ويمكن القول أن روايات "لصوص في الليل" و "اكسودس" خرجت من معطف رواي-
قديمة جديدة" .وان رد كنفاني وحبيبي هو رد عليها أيضا.
في المقابالت المبكرة التي أجريت مع إميل حبيبي حول روايته المتشائل يذكر انه قبل أن يشرع
في كتابتها قرأ كتب تراث عربي وبعض كالسيكيات األدب العالمي ،ولم يعين بالضبط أسماء تلك
الكالسيكيات ،وان أتى في الرواية ،على لسان بطله سعيد صاحب الرسائل ،على (فولتير) وروايته
"كندديد"[ ]24وبعض مسرحيات (شكسبير) مثل "عطيل" و "يوليوس قيصر"[.]25
وقد اقتبس محمد بكر البوجي ،وهو يتحدث عن مصادر رواية المتشائل ،فقرة من مقابلة أجريت
-ربي،-التراث الع-
-ل ب-مع إميل حبيبي في العام ،]26[1974عن مصادر الكتاب تظهر تأثر إمي-
واضاف البوجي" :وقد أشار الكاتب أيضا في ثنايا روايته إلى انه قرأ كنديد "لفولتير" ،وضمن إميل
روايته بعضا من أحداث كنديد"[.]27
-أثره
ومثل أكثر الدارسين العرب الذين كتبوا عن تمثل إميل للتراث العربي ،ولم يلتفتوا إلى ت-
-انب،
-ذا الج
-ام ه
-وال أم
-ف مط
-وجي لم يتوق
-إن الب
-ا ،ف
-يكياته ،وتمثله بالتراث الغربي[ ،]28بخاص
-ة كالس
/بل اكتفى بإشارة عابرة هي التي أوردتها .وكما الحظنا فان إميل أشار ،في متن روايت--ه ،إلى
-نين إلى
-ين اث- "كنديد" والى الشبه الفريد بين بطلها كنديد ،وبطل المتشائل سعيد .وهذا دفع بدارس-
-يكيات األدب تتبع أوجه الشبه بين الروايتين ،وتأثر إميل بكنديد .ولم يشر إميل بالتحديد إلى كالس-
العالمي إال في فترة متأخرة على ما يبدو وإال كان دارسون مقارنون آخرون قارنوا بين "المتشائل"
وتلك الكالسيكيات ،بخاصة إذا كانوا قرأوها.
في العام ،1996في المقابلة األخيرة معه ،وقد أتيُت على هذا ،قال إميل أن لكل شعب سعيده،
وذكر "دون كيشوت" و "الجندي الطيب شفايك" ،وفي حدود ما قرأت من دراسات عن المتش--ائل،
بالعربية ،لم أقرأ دراسات مقارنة بين "المتشائل" وتلك الروايتين اللتين نقلتا إلى العربية .ونقلهم--ا
إلى العربية يدفع المرء إلى إثارة أسئلة عديدة :متى "ترجمتا إلى العربية أصال؟ وهل قرأهما إميل
بها أم باالنجليزية أم بالعبرية؟ لقد أشار وهو يظهر الشبه الفريد بين سعيد وكندي--د إلى ترجم--ة
عادل زعيتر لها ،ولكنه لم يفصح في المقابالت التي أجريت معه واطلعت عليها عن اللغات التي
-زب -ذي انتمى إلى الح- -و ال--ه ه- قرأ بها (سرفانتيس) و (ياروسالف هاتشيك) .وما من شك ان-
الشيوعي اإلسرائيلي حتى العام ،1989ما من شك انه زار (براغ) ،بل انه أقام فيها فترة ،واطلع
على قصة (شفيك) وزار تمثاله الشهير فيها.
لماذا أذن لم يجر الدارسون العرب دراسات مقارنة بين "المتشائل"و "الجندي الطيب شفيك" و
-وام ( )1986و(]29[)1998 "دون كيشوت"؟ الترجمات التي املكها لهذين الكتابين تعود إلى األع-
وال اعرف الطبعات األولى لها ،وال اعرف متى تمت الترجمة ،وال اعرف أيضا أن كانت نشرت
على حلقات في صحف ومجالت عربية ،قد يكون إميل اطلع عليها.وإذا كانت إش--ارة إمي--ل في
روايته إلى وجه الشبه بين سعيد و "كنديد" هي التي دفعت بعض الدارسين إلى المقارن--ة ،وق--د
كانت تلك اإلشارة في فترة مبكرة ،فان إشارة حبيبي إلى "شفايك"و "دون كيشوت" جاءت متأخرة ،
-ا
-ة كتبه- -ائل علمي- وقد يكون أكثر الدارسين الذين أنجزوا كتبا عن إميل ،وهي في أكثرها رس-
باحثون شباب ،وقد يكون هؤالء لم يقرأوا العملين الكالسيكيين المشار إليهما ،ولهذا غ--ابت عن
كتبهم ودراساتهم الدراسة المقارنة ،بل أن هؤالء أيضا لم يعقدوا مقارنة بين "المتشائل "و"كندي--د"
ومن عقدها ،ابتداء ،وهو الدكتور أحمد حرب ()1980كان قرأ "كنديد" باالنجليزية ال بالعربي--ة،
-وامش فيما اعتمدت شخصيا على ترجمة عادل زعيتر التي وردت اإلشارة إليها في هامش من ه-
المتشائل .
فما هي أوجه الشبه بين " شفيك" و"سعيد"أي بين "الجندي الطيب "و"الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد
أبي النحس المتشائل؟
هناك تشابه بنائي بين الروايتين يتمثل في شكل الرواية ،تكونها من أجزاء وكتب ،وتكون ك--ل
جزء/كتاب من مقاطع لكل مقطع عنوان فرعي .
-ير
-دد ،يس-وهناك تشابه أخر ،بنائي أيضا ،يتمثل في أن (شفيك) يكون غالبا وصيفا آلخر يتع-
معه وينفذ أوامره بدقه ويكون مطيعا له وهذا يوقعه في مأزق ،وسعيد يكون أيضا تابعا لمعلم--ه
يعقوب ينفذ أوامره ويطيعه طاعة عمياء .وهذا يقود إلى ما سماه فاروق وادي في أثناء دراس--ته
-ه دون أن
-ا يطلب من- للسخرية في رواية "المتشائل" بتلقائية االستجابة وسرعتها (.ينفذ شفيك ) م-
-ا .ويمكن
-ه أيض-
-عيد عن-
يفكر فيه ،حتى لو جر عليه متاعب هو في غنى عنها ،وال يختلف س-
التمثيل على ذلك في رواية "الجندي الطيب شفايك" بالمقطع الرابع[.]30
يكون (شفيك) وصيفا في بيت المالزم (لوكاش) ،وحين يذهب األخير إلى عمله ،تزوره في منزله
سيدة ،يرفض( شفيك) استقبالها بناًء على أوامر (لوكاش) ،وحين تذهب إلى األخ--ير في مك--ان
عمله وتخبر (لوكاش)بما فعله معها (شفيك) ،يطلب (لوكاش) منه أن ينفذ أوامرها ويفعل.وت--دخل
إلى شقة (لوكاش) وتمارس حياتها ،وحين يتأخر تستحم وتجلس على السرير في وضع مغر وقد
اتكأت على الوسائد ،وهنا تطلب من شفايك أن يدخل و"سار شفايك نحو السرير .وبابتسامة عجيبة
قاست بعينيها جسده القصير الممتلئ وفخذيه المتينين ،أزاحت جانبا القماش الرقيق ال--ذي ك--ان
يخفي ويكشف كل شيء ،قالت بحزم وشده ":اخلع حذاءك وبنطالك ,تعال إلى هن--ا! "...وهك--ذا
-ا يلي ":
-ة بم- -اد من الثكن-
حدث أن الجندي الطيب شفيك استطاع أن يبلغ المالزم األول حين ع-
أبلغكم بتواضع ياسيدي إني نفذت كل رغبات السيدة وخدمتها على نحو الئق وفقا ألوام--رك "-
أجاب المالزم األول -:شكرا ياشفيك ،وهل كانت رغباتها كثيرة ؟ -حوالي ست رغبات ،واآلن
هي تنام وكأنها تعبة تماما من الركوب ،ولقد أطعت كل رغباتها بالفعل وكنت طوع بنانها تمام--ا
ياسيدي"[.]31
وسعيد في رواية "المتشائل" ينفذ أوامر معلمه يعقوب بسرعة دون أن يفكر ولو قليال فيها.فإذا
-رعة -ه أن ينكتم انكتم بس--ا طلب من-
-رعة ،وإذا م-ما طلب معلمه يعقوب منه أن يقوم قام بس-
وهكذا.انه مثل شفيك يبدو مطيعا طاعة عمياء ،وسيسبب له هذا كما سبب لشفيك إشكاالت عديدة.
على أن أهم ما يميز االثنين هو التغابي .هل كان شفيك غبيا أم متغابيا؟ وكيف كان المالزم ينظر
إليه؟ والسؤال نفسه يثار حول سعيد :هل كان غبيا أم متغابيا وكيف كان معلمه الكبير ينظر إليه؟
أن التظاهر بما ليس في الواقع هو سمة أساسية في النصين ،ما يعني بالفعل أن حبيبي متأثر في
هذا الجانب ب "الجندي الطيب شفيك" .
"أنا على قناعة ياشفيك من أن نهايتك ستكون وخيمة ،مازلت ال اعرف أن كنت تتظاهر بأنك بغل
أم انك ولدت بغال.ما الذي كان في الحقيبة؟"
يحفل الكتاب الثالث "يعاد الثانية" في أجزائه األربعة األولى بإشارات تغابي سعيد وموقف معلم--ه
منه:
وحين يتظاهر سعيد بالجهل بالجيوبوليتيكا ويقول متهكما " :هانحن خرجنا عن الخ--ط األخض--ر
ودخلنا في خط العرب األغبر ،الذين تركوا أراضيهم أنتيكا يزجره يعقوب ويقول ":كنت أحس--بك
حمارا فإذا أنت احمر[.]33
كان إميل أشار أيضا إلى (دون كيشوت) وتأثره بها .والالفت أن (الجندي الطيب شفيك) متأثرة ب
(دون كيشوت ) وقد ورد هذا في الرواية نفسها .في المقطع الثاني من الفصل الرابع الذي عنوانه
"شفيك وصيفا للمالزم األول لوكاش " نقرأ مايلي:
"أن مؤسسة وصيف الضباط مؤسسة عريقة جدا ،إذ يبدو انه حتى االسكندر الكبير ك--ان لدي--ه
وصيف .الشيء المؤكد ،على أية حال ،انه في عهد اإلقطاع كان مرتزقة الفارس يلعبون ال--دور
نفسه ،وما يكون سانشوبانزا لدون كيشوت أذن؟ []34
-يفا
-فيك) وص-
-اك (ش-
-فيك" هن-
في (دون كيشوت ) هناك (سانشوبانزا) ،وفي "الجندي الطيب ش-
لـ(لوكاش) ،وفي "المتشائل" هناك سعيد وصيفا ليعقوب.
وقد صدرت طبعة لها في فلسطين المحتلة في العام 1967عن دار الكاتب لصاحبها الشاعر
اسعد األسعد في العام ، 1979وأشير في هذه إلى أن هذه الطبعة هي الثانية ،فقد صدرت األولى
في العام .1961وان لم تخني الذاكرة فقد صدرت طبعة لها عن دار الهالل في مصر بعد حرب
حزيران 1967مقترنة بمجموعة إميل حبيبي القصصية "سداسية األيام الستة"(.]36[)1968
وقد أشار إلى "صمت البحر" في مقاالتهم ومقابالتهم ،كتاب فلسطينيون كثر ،لعل أبرزهم
-ائرات
-دبابات والط- محمود شقير الذي اخذ يبتعد في قصصه عن مفردات الرصاص والدمار وال-
والمواجهات والسجن وما شابه ،العتقاده بان المرء يمكن أن يكتب أدب مقاومة مغايرا لما فهم--ه
-ة
-ا ألدب المقاوم-كثير من الكتاب ،وقد ذكر ،في إحدى المقابالت ،رواية "صمت البحر"نموذج-
الذي يمكن أن ينسج عن منواله[.]37
-ة واحتاللوالزمن القصصي /الروائي لصمت البحر هو بدايات الحرب العالمية الثاني-
ألمانيا لفرنسا – وعموما فان زمنها الكتابي وزمن السرد أيضا ال يبتعدان عن الزمن القصص--ي،
-ا
-ة لم-فقد أشار كاتبها في نهايتها إلى انه كتبها في العام .1941وملخص القصة أن ألمانيا النازي-
احتلت فرنسا فرضت على سكان البنايات ،في الريف ،أن يقيم معهم الجنود األلمان فيها .ويروى
احد سكان هذه البنايات ما الم به وبابنة أخيه ،فقد أقام معهما جندي ألماني حاول أن يقيم معهم--ا،
في أثناء إقامته ،عالقات إنسانيه .كان هذا الجندي يروي وي--روي ،وينهي كالم--ه ك--ل ليل--ة
بعبارة :أتمنى لكما ليلة سعيدة ،وهما يصمتان وال يجيبان.وتفصح الرواية عن طبيعة الجندي ،فهو
-ا
-د من أن يوم- -ه الب-كان يعتقد أن ما قامت به ألمانيا هو لصالح البلدين معا:ألمانيا وفرنسا ،وان-
-ا
سيأتي تكون فيه العالقة بين البلدين والشعبين على خير ما يرام ،وال بد من أن تؤثر ثقافة فرنس-
في روح األلمان .ويظل هذا الجندي على معتقده حتى يطلب منه ذات نهار أن يسافر إلى باريس
،فيقضي إجازته فيها ،وهناك يكتشف الحقيقة .فاأللمان يريدون إذالل الفرنسيين ،وما سمعه في
باريس أذهله:
"أن السياسة ليست حلم شاعر!لماذا ترانا أشعلنا الحرب في اعتقادك؟....أن الفرصة أمامنا للقضاء
على فرنسا ،وسنقضي عليها.ال على قوتها فقط ،ولكن على روحها أيضا سنغرر بها عن طريق
االبتسامات والمالطفات ،سوف نجعل منها كلبه زاحفة[.]38
ويقرر الجندي الذهاب إلى الجبهة ،عله يقتل فيرتاح .وكاد الراوي وابنة أخيه أن يلينا له،
بعد أن اعتقدا انه حقا موسيقي وليس نازيا ،وانه غرر به من اآللة العسكرية الجبارة .والفتاة التي
ظلت صامتة على مدى ستة أشهر مالت إلى الجندي ،وحين غادرهما وقال لهما وداعا ،أجابت--ه:
وداعا .وكلمتها هذه أدخلت السرور إلى قلب الجندي ،وابتسم ،حتى أن آخر صورة حفظتها له هي
صورة باسمة ،وأغلق الباب ،وتالشى وقع خطواته في نهاية الدار[.]39
الشاعر الذي أعاد في العام 1979طباعة "صمت البحر" ،كتب في العام 2005رواي--ة
اسمها "غياب"ال تزيد صفحاتها على التسعين من الحجم المتوسط.هل كانت "صمت البحر"ت--ركت
أثرا عميقا في نفسه وعزم على أن يكتب ،ذات يوم ،رواية مثلها[.]40
تقوم "غياب" ،وقد أدرجها صاحبها تحت جنس الرواية ،على عالقة ،في أثناء الحرب على مخيم
-ة حين-دأ العالق-
-و (وليم).تب-
جنين ،في ربيع ،2002بين صحافية فلسطينية ورجل انجليزي ه-
يعرض (وليم) على ليلى مساعدتها ونقلها من جنين إلى رام اهلل.حين تعلم ليلى انه انجليزي ويعمل
في وكالة غوث الالجئين تخبره أنها ال تحب وكالة الغوث ألنها ح--ولت ش--عبها إلى ش--حاذين،
-ؤوال
واخذوا وطنها مقابل كيس طحين وحفنة من األرز والسكر والزيت.ويعلمها هو انه ليس مس-
عن هذا فلم يكن مولودا في العام ،1948ولكنها ترى فيه شخصا من أحفاد بلفور ،فاالنجليز سبب
كل هذه المجازر التي تجري في ربيع 2002وهم أيضا سبب مصائب الفلسطينيين من--ذ ق--رن.
-طة-دينتها رام اهلل بواس-
وعلى الرغم من هذا النفور تقبل ليلى مساعدة (وليم)وتغادر جنين إلى م-
سيارة من سيارات وكالة الغوث كان (وليم)أمنها لها.
في رام اهلل تلتقي ليلى ثانية ب (وليم) في المشفى .كان والدها مريضا ويعالج ،وكانت هي
تزوره ،وقد نقل (وليم)الذي أصيب في إحدى المظاهرات إلى المشفى ،وهكذا تتواص--ل العالق--ة
-ة ،ويلخص بينهما ،وتبدأ هي تميل إليه ،وحين يخرج من المشفى معافى تزوره في بيته في المدين-
الراوي ما وصلت إليه العالقة بالعبارات التالية:
"كانت عالقتها بوليم تضغط عليها ،تحتل ذاكرتها ،فتصارع من اجل حسم األمر ،ووضع
حد لترددها ،رغم أنها لم تكن مندفعة بقدر اندفاعه..فقد تعلق بها وليم منذ التقاها في جنين ..أم--ا
هي ،فان مشاعرها لم تتعد االرتياح واالستلطاف..فقد اخفق في دفعها إلى حسم األمر..كان يدرك
-ان-ادرة إلى مك-
أن الوقت ليس في صالحه ،فقريبا ستنتهي خدمته في فلسطين..والبد له من المغ-
-ه-ول..واني ل-
-اج إلى وقت أط- أخر اليعرفه...لكنه في الوقت ذاته...يدرك أن عالقته بليلى تحت-
ذلك...وقد أزف موعد رحيله...
وإذا ما أجرى المرء مقارنة بين األحداث في الروايتين وسيرها والعالقة بين الشخوص وتطورها
ونهايتها الحظ مدى التشابه بين "صمت البحر"و "غياب".
هناك مواطن أجنبي سببت بالده إيذاء لبلد اآلخر ،دون أن يكون هو مسؤوال عن هذا ،ب--ل ان--ه
يدرك خطأ ما تقوم به بالده ،ويتمنى لو يستطيع المساعدة ،أو يحلم بها و ينشدها ،يتعرف إلى فتاة
من البالد المحتلة أرضها ،ترفض هذه بالده ،وترفضه ألجل انتمائه إلى تلك البالد ،ويحاول ه--و
-اه
-ن نواي-إقناعها بأنه ال ذنب له في هذا ،ولم يكن يفهم األمر جيدا ،وفي النهاية تقتنع الفتاة بحس-
ومقاصده ،فتميل إليه ،لكن تأزف لحظة رجيله ،ويفترقان.
[ ]1انظر :خليل بي دس ،مقدم ة الطبع ة األولى لمجموع ة مس ارح األذه ان القصص ية ،وق د وردت في كت اب جه اد
صالح :خليل بيدس رائد القصة القصيرة الحديثة في فلسطين ،رام اهلل.2005،ص 125وما بعدها.
[ ]2صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،1995 ،انظر ص 120و ص .123
[ ]3انظر :رضوى عاشور :الطري ق إلى الخيم ة األخ رى ،دراس ة في أعم ال غس ان كنف اني ،دار األس وار ،عك ا،
.1977
[ ]4انظر :اميل حبيبي :الوقائع الغربية في اختفاء سعيد أبي النحس المتش ائل ،حيف ا دار االتح اد للطباع ة والنش ر.
.1985ط ،7ص 117ونقل اميل فقرات من "كنديد" من ترجمة عادل زعيتر.
[ ]6انظر مقالته:الوعي والتجربة الروائي ة المنش ورة في كت اب"دراس ات نقدي ة في األدب الفلس طيني المحلي"ال ذي
أعده عزت الغزاوي،وصدر في القدس في العام .1993ص 137وما بعدها.
ويش ار إلى كت اب فض ل النفيب :هك ذا تنتهي القص ص-هك ذا تب دأ:انطباع ات شخص ية عن حي اة غس ان كنف اني وباس ل 3.
الكبيسي ،القدس،مؤسسة وسام للطباعة والنشر،ط ،1988 ،2ص .82-74وانظر مقالتي :هل سرق غسان كنفاني (فوكنر)؟،
.األيام الفلسطينية2000-3-28 ،
4. .وانظر أيضا فيحاء عبد الهادي :غسان كنفاني :الرواية والقصة القصيرة،القدس.1990،ص 85وما بعدها
[ ]8انظر:فيحاء عبد الهادي،غسان كنفاني،ص .126وهناك دارسون اغفلوا الدراسات المقارنة السابقة لهم ولم يأتوا عليها مثل المناصرة
وب ولس .اغف ل المناص رة اإلش ارة إلى دراس ة عاش ور،واغف ل ب ولس اإلش ارة إلى دراس ة المناص رة،وكالهم ا لم يش ر إلى كت اب فض ل
النقيب،ما يجعل كثيرا من الدراسات تكرارا لسابقاتها دون إضافة نوعية تذكر .
وفي الع ام 1991اق ترحت على طالب ة ألماني ة وهي (كريس تينا كليم ان) أن تكتب رس الة الماجس تير في الموض وع ،وق د أنج زت دراس ة
مازالت مخطوطة في جامعة بون عنوانها:تصور الصراع الفلسطيني في األدبين الصهيوني والفلسطيني:دراسة مقارنة.
[ ]13نشر دراسته في كتاب "مهرجان األدب الوطني الفلسطيني األول"،القدس.1980 ،وحول دراسته انظر دراستي:اثر ترجمة عادل
زعيتر لرواية (فولتير)"كنديد في األدب الفلسطيني.
[ ]14انظر:إميل حبيبي،المتشائل ،ص ،117وانظر دراستي المذكورة في الهامش السابق .وهي منشورة في أكثر
من موقع على االنترنت.
[ ]15انظر :خليل الشيخ ،دوائر المقارنة :دراسات نقدية في العالقة بين الذات واألخر ،عمان و بيروت ،المؤسسة
العربية للدراسات والنشر ،2000،ص 125وما بعدها.
[ ]19وأن ا انظ ر في ه وامش كت اب حفن اوي بعلي :م دخل في نظري ة النق د الثق افي المق ارن،منش ورات االختالف،
2007الحظت في قائم ة كتب ه أن ل ه كتاب ا عنوان ه "ج برا إب راهيم ج برا في ض وء الم ؤثرات االنجل و أمريكي ة "ولم
اطلع عليه.
[ ]20انظر كتابه المذكور:في األدب الصهيوني،اآلثار الكاملة،الدراسات األدبية،مجلد ،4وفي هامش ،2ص 569نقرا مايلي "راجعAlt-
"neulandمنش ورات ه انس ف يرالغ بالتع اون م ع الش ركة المح دودة للنش ر في حيف ا -1962بإش راف "لجن ة هرت زل" في الق دس( .غس ان
كنفاني ،ط ،1998مؤسسة األبحاث العربية)
[ ]23دراس ة مفص لة ح ول نقض إمي ل حبي بي للفك ر الص هيوني أنجزته ا في الع ام 2009لم ؤتمر جامع ة الب تراء
األردنية المنعقد في 4و .5/11/2009انظر :عادل األسطة ،اميل حبيبي ،أديبا ومفكرا.
[ ]26انظر :محمد بكر البوجي :إميل حبيبي بين السياسة واإلبداع األدبي ،غزة ،2000 ،ص.101
[ ]28انظر مثال دراسة نادر قاسم :إميل حبيبي :التجربة القصصية والروائية ،الخليل.2000،
[ ]29انظر :ياروسالف هاتشيك ،الجندي الطيب شفيك وم ا ج رى ل ه في الح رب العالمي ة ،ترجم ة توفي ق االس دي،
سلس لة رواي ات عالمي ة ،دمش ق ،1986منش ورات وزارة الثقاف ة في الجمهوري ة العربي ة الس ورية .والترجم ة عن
االنجليزية أصال .وانظر :ثربانتيس ،دون كيشوت ،ترجمة عبد الرحمن بدوي ،أعمال خالدة ،وقد صدرت عن دار
المدى في سورية ،ومن خالل مقدمة المترجمة يتضح انه نقلها إلى العربية في العامين .1956-1955
[ ]35فيركور ،صمت البحر ،ترجمة وحيد النقاش ،حزيران /1979ط ،2المقدمة من ص -5ص .13
[ ]36انظر مقالي :قراءة في قصة إميل حبيبي :حين سعد مسعود بان عمه ،وقد نشرت في موقع مؤسسة فلس طين
للثقافة ،بتاريخ .8/10/2007
[ ]37ح ول ذل ك انظ ر مق الي :محم ود ش قير واحتم االت طفيف ة :الكتاب ة كتاب ة على الكتاب ة ،موق ع دي وان الع رب،
،22/11/2006وأيضا موقع الكاتب الفلسطيني محمود شقير.
[ ]40اسعد األسعد ،غياب رام اهلل ،منشورات دار الماجد.2005 ،
[ ]41السابق ،ص.88