You are on page 1of 87

‫ﺗﮭﺎﻓﺖ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‬

‫ﻟﻺﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ‬
‫ﺑﻌد أن أﻟف اﻟﻐزاﻟﻲ " ﻣﻘﺎﺻد اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ " ﺷرح ﻓﯾﮭﺎ أﻗوال اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ‪ ،‬أﻟف ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻟﯾﺑﯾن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﻟﯾس‬
‫اﻟﺧﻼف ﻓﯾﮭﺎ ﺑﯾن اﻟﻌﻘﯾدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻟﻔظﯾﺎ ً ﺑل ﻣﺎ ﯾﺳﺑب ﺑدﻋﺔ أو ﻛﻔراً‪ ،‬وﻗد ﻧﺎﻗش ﻋﺷرﯾن ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﺛل أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وأﺑدﯾﺗﮫ‬
‫واﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ وﺟود ﷲ وﻋﻠﻣﮫ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟزﺋﯾﺎت وﺧرق اﻟﻌﺎدات وﻓﻧﺎء اﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ وﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد وﻏﯾرھﺎ‪ .‬واﻋﺗﺑر‬
‫اﻟﻌﻠﻣﺎء ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺿرﺑﺔ ﻗﺎﺿﯾﺔ ﻻﺳﺗﻛﺑﺎر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وادﻋﺎﺋﮭم اﻟﺗوﺻل إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻐﯾﺑﯾﺔ ﺑﻌﻘوﻟﮭم‪ ،‬وھو ﺗراث ﻓﻠﺳﻔﻲ‬
‫ﻋظﯾم ﻓﺿﻼً ﻋن أﻧﮫ ﺗراث ﺑﻘﻠم ﺣﺟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﻐزاﻟﻲ‬
‫**‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم ﺑﻘدم اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻣذھب اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‬
‫ﺗﻔﺻﯾل اﻟﻣذھب‪ :‬اﺧﺗﻠﻔت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﺎﻟذي اﺳﺗﻘر ﻋﻠﯾﮫ رأي ﺟﻣﺎھﯾرھم اﻟﻣﺗﻘدﻣﯾن واﻟﻣﺗﺄﺧرﯾن‬
‫اﻟﻘول ﺑﻘدﻣﮫ وأﻧﮫ ﻟم ﯾزل ﻣوﺟوداً ﻣﻊ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻣﻌﻠوﻻً ﻟﮫ وﻣﺳوﻗﺎ ً ﻟﮫ ﻏﯾر ﻣﺗﺄﺧر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﻣﺳﺎوﻗﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﻠول ﻟﻠﻌﻠﺔ وﻣﺳﺎوﻗﺔ اﻟﻧور ﻟﻠﺷﻣس‪ ،‬وأن ﺗﻘدم اﻟﺑﺎري ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﻘدم اﻟﻌﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻠول‪ ،‬وھو ﺗﻘدم ﺑﺎﻟذات‬
‫واﻟرﺗﺑﺔ ﻻ ﺑﺎﻟزﻣﺎن‪ .‬وﺣﻛﻲ ﻋن أﻓﻼطن أﻧﮫ ﻗﺎل‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻛون وﻣﺣدث‪ .‬ﺛم ﻣﻧﮭم ﻣن أول ﻛﻼﻣﮫ وأﺑﻰ أن ﯾﻛون‬
‫ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻌﺗﻘداً ﻟﮫ‪ .‬وذھب ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻓﻲ آﺧر ﻋﻣره ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي ﺳﻣﺎه "ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘده ﺟﺎﻟﯾﻧوس رأﯾﺎ ً" إﻟﻰ‬
‫اﻟﺗوﻗف ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‪ .‬وأﻧﮫ ﻻ ﯾدري اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم أو ﻣﺣدث‪ .‬ورﺑﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف وأن ذﻟك‬
‫ﻟﯾس ﻟﻘﺻور ﻓﯾﮫ ﺑل ﻻﺳﺗﻌﺻﺎء ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘول‪ ،‬وﻟﻛن ھذا ﻛﺎﻟﺷﺎذ ﻓﻲ ﻣذھﺑﮭم وإﻧﻣﺎ ﻣذھب‬
‫ﺟﻣﯾﻌﮭم أﻧﮫ ﻗدﯾم وأﻧﮫ ﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ أﺻﻼً‪.‬‬
‫اﺧﺗﯾﺎر أﺷد أدﻟﺗﮭم وﻗﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧﻔس‬
‫إﯾراد أدﻟﺗﮭم‪ .‬ﻟو ذھﺑت أﺻف ﻣﺎ ﻧﻘل ﻋﻧﮭم ﻓﻲ ﻣﻌرض اﻷدﻟﺔ وذﻛر ﻓﻲ اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻟﺳودت ﻓﻲ ھذه‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ أوراﻗﺎً‪ ،‬وﻟﻛن ﻻ ﺧﯾر ﻓﻲ اﻟﺗطوﯾل‪ .‬ﻓﻠﻧﺣذف ﻣن أدﻟﺗﮭم ﻣﺎ ﯾﺟري ﻣﺟرى اﻟﺗﺣﻛم أو اﻟﺗﺧﯾل اﻟﺿﻌﯾف‬
‫اﻟذي ﯾﮭون ﻋﻠﻰ ﻛل ﻧﺎظر ﺣﻠﮫ‪ .‬وﻟﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ إﯾراد ﻣﺎ ﻟﮫ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻧﮭض ﻣﺷﻛﻛﺎ ً‬
‫ﻟﻔﺣول اﻟﻧظﺎر‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺷﻛﯾك اﻟﺿﻌﻔﺎء ﺑﺄدﻧﻰ ﺧﺑﺎل ﻣﻣﻛن‪.‬‬
‫وھذا اﻟﻔن ﻣن اﻷدﻟﺔ ﺛﻼﺛﺔ‪ :‬اﻷول ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻗوﻟﮭم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم‬
‫ﻣطﻠﻘﺎً‪ ،‬ﻷﻧﺎ إذا ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﻘدﯾم وﻟم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺛﻼً ﻓﺈﻧﻣﺎ ﻟم ﯾﺻدر ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠوﺟود ﻣرﺟﺢ ﺑل ﻛﺎن‬
‫وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً إﻣﻛﺎﻧﺎ ً ﺻرﻓﺎً‪ ،‬ﻓﺈذا ﺣدث ﺑﻌد ذﻟك ﻟم ﯾﺧل إﻣﺎ أن ﺗﺟدد ﻣرﺟﺢ أو ﻟم ﯾﺗﺟدد‪ ،‬ﻓﺈن ﻟم ﯾﺗﺟدد‬
‫ﻣرﺟﺢ ﺑﻘﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ اﻹﻣﻛﺎن اﻟﺻرف ﻛﻣﺎ ﻗﺑل ذﻟك‪ ،‬وإن ﺗﺟدد ﻣرﺟﺢ ﻓﻣن ﻣﺣدث ذﻟك اﻟﻣرﺟﺢ؟ وﻟم ﺣدث‬
‫اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻣن ﻗﺑل؟ واﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺣدوث اﻟﻣرﺟﺢ ﻗﺎﺋم‪ .‬وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﺄﺣوال اﻟﻘدﯾم إذا ﻛﺎﻧت ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻓﺈﻣﺎ أن‬
‫ﻻ ﯾوﺟد ﻋﻧﮫ ﺷﻲء ﻗط وإﻣﺎ أن ﯾوﺟد ﻋﻠﻰ اﻟدوام‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ أن ﯾﺗﻣﯾز ﺣﺎل اﻟﺗرك ﻋن ﺣﺎل اﻟﺷروع ﻓﮭو ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻟم ﻟم ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ؟ ‪...‬‬
‫وﺗﺣﻘﯾﻘﮫ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟم ﻟم ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ؟ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﻋﺟزه ﻋن اﻷﺣداث وﻻ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‬
‫اﻟﺣدوث‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘﻠب اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻌﺟز إﻟﻰ اﻟﻘدرة واﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن‪،‬‬
‫وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﺣﺎﻻن‪ .‬وﻻ أﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟم ﯾﻛن ﻗﺑﻠﮫ ﻏرض ﺛم ﺗﺟدد ﻏرض‪ ،‬وﻻ أﻣﻛن أن ﯾﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﻓﻘد آﻟﺔ ﺛم‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ‪ ،‬ﺑل أﻗرب ﻣﺎ ﯾﺗﺧﯾل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟم ﯾرد وﺟوده ﻗﺑل ذﻟك‪ .‬ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺣﺻل وﺟوده ﻷﻧﮫ ﺻﺎر‬
‫ﻣرﯾداً ﻟوﺟوده ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣرﯾداً‪ ،‬ﻓﯾﻛون ﻗد ﺣدﺛت اﻹرادة‪.‬‬
‫أو ﻗﺑل ﺣدوث اﻹرادة؟‬
‫وﺣدوﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺣل اﻟﺣوادث‪ ،‬وﺣدوﺛﮫ ﻻ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾﺟﻌﻠﮫ ﻣرﯾداً‪.‬‬
‫وﻟﻧﺗرك اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﺣل ﺣدوﺛﮫ‪ .‬أﻟﯾس اﻹﺷﻛﺎل ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﻓﻲ أﺻل ﺣدوﺛﮫ! وأﻧﮫ ﻣن أﯾن ﺣدث؟ وﻟم ﺣدث اﻵن وﻟم‬
‫ﯾﺣدث ﻗﺑﻠﮫ؟ أﺣدث اﻵن ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ ﷲ؟ ﻓﺈن ﺟﺎز ﺣﺎدث ﻣن ﻏﯾر ﻣﺣدث ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻻ ﺻﺎﻧﻊ ﻟﮫ‪ ،‬وإﻻ‬
‫ﻓﺄي ﻓرق ﺑﯾن ﺣﺎدث وﺣﺎدث؟ وإن ﺣدث ﺑﺈﺣداث ﷲ ﻓﻠم ﺣدث اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻣن ﻗﺑل؟ أﻟﻌدم آﻟﺔ أو ﻗدرة أو‬
‫ﻏرض أو طﺑﯾﻌﺔ؟ ﻓﻠﻣﺎ أن ﺗﺑدل ذﻟك ﺑﺎﻟوﺟود وﺣدث ﻋﺎد اﻹﺷﻛﺎل ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ .‬أو ﻟﻌدم اﻹرادة؟ ﻓﺗﻔﺗﻘر اﻹرادة إﻟﻰ‬
‫إرادة وﻛذى اﻹرادة اﻷوﻟﻰ‪ ،‬وﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻏﯾر ﺗﻐﯾر‪...‬‬
‫ﻓﺈذن ﻗد ﺗﺣﻘق ﺑﺎﻟﻘول اﻟﻣطﻠق أن ﺻدور اﻟﺣﺎدث ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻣن ﻏﯾر ﺗﻐﯾر أﻣر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻓﻲ ﻗدرة أو آﻟﺔ أو‬
‫وﻗت أو ﻏرض أو طﺑﻊ ﻣﺣﺎل‪ ،‬وﺗﻘدﯾر ﺗﻐﯾر ﺣﺎل ﻣﺣﺎل‪ ،‬ﻷن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺣﺎدث ﻛﺎﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﻏﯾره‬
‫واﻟﻛل ﻣﺣﺎل‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟوداً واﺳﺗﺣﺎل ﺣدﺛﮫ ﺛﺑت ﻗدﻣﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫وھذا أﻗوى أدﻟﺗﮭم‬
‫ﻓﮭذا أﺧﺑل أدﻟﺗﮭم‪ .‬وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻛﻼﻣﮭم ﻓﻲ ﺳﺎﺋر ﻣﺳﺎﺋل اﻹﻟﮭﯾﺎت أرك ﻣن ﻛﻼﻣﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‪ ،‬إذ ﯾﻘدرون‬
‫ھﺎھﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻧون ﻣن اﻟﺗﺧﯾﯾل ﻻ ﯾﺗﻣﻛﻧون ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﯾرھﺎ‪ .‬ﻓﻠذﻟك ﻗدﻣﻧﺎ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻗدﻣﻧﺎ أﻗوى أدﻟﺗﮭم‪.‬‬
‫ﻟﻣﺎذا ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ؟‬
‫اﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن‪:‬‬
‫أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إن اﻟﻌﺎﻟم ﺣدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ اﻗﺗﺿت وﺟوده ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي وﺟد‬
‫ﻓﯾﮫ‪ ،‬وأن ﯾﺳﺗﻣر اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻣر إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬وأن ﯾﺑﺗدئ اﻟوﺟود ﻣن ﺣﯾث اﺑﺗدأ‪ ،‬وأن اﻟوﺟود ﻗﺑﻠﮫ ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﻣراداً ﻓﻠم ﯾﺣدث ﻟذﻟك‪ ،‬وأﻧﮫ ﻓﻲ وﻗﺗﮫ اﻟذي ﺣدث ﻓﯾﮫ ﻣراد ﺑﺎﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﺣدث ﻟذﻟك‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻟﮭذا اﻻﻋﺗﻘﺎد‬
‫وﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻟﻛل ﺣﺎدث ﺳﺑب‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذا ﻣﺣﺎل ﺑﯾن اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻷن اﻟﺣﺎدث ﻣوﺟب وﻣﺳﺑب‪ .‬وﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣﺎدث ﺑﻐﯾر ﺳﺑب وﻣوﺟب‪،‬‬
‫ﯾﺳﺗﺣﯾل وﺟود ﻣوﺟب ﻗد ﺗم ﺑﺷراﺋط إﯾﺟﺎﺑﮫ وأرﻛﺎﻧﮫ وأﺳﺑﺎﺑﮫ ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺑق ﺷﻲء ﻣﻧﺗظر اﻟﺑﺗﺔ ﺛم ﯾﺗﺄﺧر اﻟﻣوﺟب‪،‬‬
‫ﺑل وﺟود اﻟﻣوﺟب ﻋﻧد ﺗﺣﻘق اﻟﻣوﺟب ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ ﺿروري وﺗﺄﺧره ﻣﺣﺎل ﺣﺳب اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﺟود اﻟﺣﺎدث‬
‫اﻟﻣوﺟب ﺑﻼ ﻣوﺟب‪ .‬ﻓﻘﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن اﻟﻣرﯾد ﻣوﺟوداً واﻹرادة ﻣوﺟودة وﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻣراد ﻣوﺟودة وﻟم‬
‫ﯾﺗﺟدد ﻣرﯾد وﻟم ﯾﺗﺟدد إرادة وﻻ ﺗﺟدد ﻟﻺرادة ﻧﺳﺑﺔ ﻟم ﺗﻛن‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل ذﻟك ﺗﻐﯾر ﻓﻛﯾف ﺗﺟدد اﻟﻣراد وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ‬
‫ﻣن اﻟﺗﺟدد ﻗﺑل ذﻟك؟ وﺣﺎل اﻟﺗﺟدد ﻟم ﯾﺗﻣﯾز ﻋن اﻟﺣﺎل اﻟﺳﺎﺑق ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣن اﻷﺷﯾﺎء وأﻣر ﻣن اﻷﻣور وﺣﺎل ﻣن‬
‫اﻷﺣوال وﻧﺳﺑﺔ ﻣن اﻟﻧﺳب‪ ،‬ﺑل اﻷﻣور ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ‪ .‬ﺛم ﻟم ﯾﻛن ﯾوﺟد اﻟﻣراد‪ ،‬وﺑﻘﯾت ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت‪،‬‬
‫ﻓوﺟد اﻟﻣراد ﻣﺎ ھذا إﻻ ﻏﺎﯾﺔ اﻹﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫وذﻟك ﻓﻲ اﻷﻣور اﻟوﺿﻌﯾﺔ أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﻓﻲ اﻟطﻼق ﻣﺛﻼً وﻟﯾس اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا اﻟﺟﻧس ﻓﻲ اﻟﻣوﺟب واﻟﻣوﺟب‬
‫اﻟﺿروري اﻟذاﺗﻲ ﺑل وﻓﻲ اﻟﻌرﻓﻲ واﻟوﺿﻌﻲ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟرﺟل ﻟو ﺗﻠﻔظ ﺑطﻼق زوﺟﺗﮫ وﻟم ﺗﺣﺻل اﻟﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣﺎل ﻟم ﯾﺗﺻور أن ﺗﺣﺻل ﺑﻌده ﻷﻧﮫ ﺟﻌل اﻟﻠﻔظ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺣﻛم ﺑﺎﻟوﺿﻊ واﻻﺻطﻼح‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﻌﻘل ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻌﻠول إﻻ‬
‫أن ﯾﻌﻠق اﻟطﻼق ﺑﻣﺟﻲء اﻟﻐد أو ﺑدﺧول اﻟدار‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻟﻛن ﯾﻘﻊ ﻋﻧد ﻣﺟﻲء اﻟﻐد وﻋﻧد دﺧول اﻟدار‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﺟﻌﻠﮫ ﻋﻠﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻧﺗظر‪ .‬ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺣﺎﺿراً ﻓﻲ اﻟوﻗت‪ ،‬وھو اﻟﻐد واﻟدﺧول‪ ،‬ﺗوﻗف ﺣﺻول‬
‫اﻟﻣوﺟب ﻋﻠﻰ ﺣﺿور ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺣﺎﺿر‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﺣﺻل اﻟﻣوﺟب إﻻ وﻗد ﺗﺟدد أﻣر وھو اﻟدﺧول وﺣﺿور اﻟﻐد‪،‬‬
‫ﺣﺗﻰ ﻟو أراد أن ﯾؤﺧر اﻟﻣوﺟب ﻋن اﻟﻠﻔظ ﻏﯾر ﻣﻧوط ﺑﺣﺻول ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺣﺎﺻل‪ ،‬ﻟم ﯾﻌﻘل‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮫ اﻟواﺿﻊ وأﻧﮫ‬
‫اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل اﻟوﺿﻊ‪ .‬ﻓﺈذا ﻟم ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ وﺿﻊ ھذا ﺑﺷﮭوﺗﻧﺎ وﻟم ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻛﯾف ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻲ اﻹﯾﺟﺎﺑﺎت اﻟذاﺗﯾﺔ‬
‫اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺿرورﯾﺔ؟‬
‫اﻟﻣﻘﺻود ﻓﻌﻠﮫ ﻻ ﯾﺗﺄﺧر إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ‬
‫وأﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات ﻓﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﻘﺻدﻧﺎ ﻻ ﯾﺗﺄﺧر ﻋن اﻟﻘﺻد‪ ،‬ﻣﻊ وﺟود اﻟﻘﺻد إﻟﯾﮫ‪ ،‬إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻘﺻد‬
‫واﻟﻘدرة وارﺗﻔﻌت اﻟﻣواﻧﻊ ﻟم ﯾﻌﻘل ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻘﺻود‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺻور ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌزم ﻷن اﻟﻌزم ﻏﯾر ﻛﺎف ﻓﻲ وﺟود‬
‫اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﺑل اﻟﻌزم ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻻ ﯾوﻗﻊ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻟم ﯾﺗﺟدد ﻗﺻد ھو اﻧﺑﻌﺎث ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺗﺟدد ﺣﺎل اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ﻛﺎﻧت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﻛم ﻗﺻدﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻌل ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻘﺻود إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻘدم اﻟﻘﺻد‪،‬‬
‫ﻓﻼ ﯾﻌﻘل ﻗﺻد ﻓﻲ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻗﯾﺎم ﻓﻲ اﻟﻐد إﻻ ﺑطرﯾق اﻟﻌزم‪ .‬وإن ﻛﺎﻧت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﻛم ﻋزﻣﻧﺎ ﻓﻠﯾس‬
‫ذﻟك ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ وﻗوع اﻟﻣﻌزوم ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﺑل ﻻ ﺑد ﻣن ﺗﺟدد اﻧﺑﻌﺎث ﻗﺻدي ﻋﻧد اﻹﯾﺟﺎد‪ ،‬وﻓﯾﮫ ﻗول ﺑﺗﻐﯾر اﻟﻘدﯾم‪.‬‬
‫ﻟﻣﺎذا ﯾﺣدث اﻟﻘﺻد؟‬
‫ﺛم ﯾﺑﻘﻰ ﻋﯾن اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ أن ذﻟك اﻻﻧﺑﻌﺎث أو اﻟﻘﺻد أو اﻹرادة أو ﻣﺎ ﺷﺋت ﺳﻣﮫ ﻟم ﺣدث اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻗﺑل‬
‫ذﻟك؟ ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺑﻘﻰ ﺣﺎدث ﺑﻼ ﺳﺑب أو ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬ورﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻛﻼم إﻟﻰ أﻧﮫ وﺟد اﻟﻣوﺟب‬
‫ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ وﻟم ﯾﺑق أﻣر ﻣﻧﺗظر‪ ،‬وﻣﻊ ذﻟك ﺗﺄﺧر اﻟﻣوﺟب وﻟم ﯾوﺟد ﻓﻲ ﻣدة ﻻ ﯾرﺗﻘﻲ اﻟوھم إﻟﻰ أوﻟﮭﺎ ﺑل‬
‫آﻻف ﺳﻧﯾن ﻻ ﺗﻧﻘص ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﺛم اﻧﻘﻠب اﻟﻣوﺟب ﺑﻐﺗﺔ ﻣن ﻏﯾر أﻣر ﺗﺟدد وﺷرط ﺗﺣﻘق‪ ،‬وھو ﻣﺣﺎل ﻓﻲ‬
‫ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن أﯾن ﺗﻌرﻓون اﻷﻣر؟ ‪...‬‬
‫واﻟﺟواب أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﺣداث ﺷﻲء أي ﺷﻲء ﻛﺎن‪ ،‬ﺗﻌرﻓوﻧﮫ ﺑﺿرورة اﻟﻌﻘل أو‬
‫ﻧظره؟ وﻋﻠﻰ ﻟﻐﺗﻛم ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﺗﻌرﻓون اﻻﻟﺗﻘﺎء ﺑﯾن ھذﯾن اﻟﺣدﯾن ﺑﺣد أوﺳط أو ﻣن ﻏﯾر ﺣد أوﺳط‪ .‬ﻓﺈن‬
‫ادﻋﯾﺗم ﺣداً أوﺳط وھو اﻟطرﯾق اﻟﻧظري ﻓﻼ ﺑد ﻣن إظﮭﺎره‪ ،‬وإن ادﻋﯾﺗم ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺿرورة ﻓﻛﯾف ﻟم‬
‫ﯾﺷﺎرﻛﻛم ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺗﮫ ﻣﺧﺎﻟﻔوﻛم واﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻣﻌﺗﻘدة ﺑﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﯾﺣﺻرھﺎ ﺑﻠد وﻻ ﯾﺣﺻﯾﮭﺎ ﻋدد؟‬
‫وﻻ ﺷك ﻓﻲ أﻧﮭم ﻻ ﯾﻛﺎﺑرون اﻟﻌﻘول ﻋﻧﺎداً ﻣﻊ اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﻗﺎﻣﺔ ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ ﺷرط اﻟﻣﻧطق ﯾدل ﻋﻠﻰ‬
‫اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك‪ ،‬إذ ﻟﯾس ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه إﻻ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد واﻟﺗﻣﺛﯾل ﺑﻌزﻣﻧﺎ وإرادﺗﻧﺎ وھو ﻓﺎﺳد‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﺿﺎھﻲ‬
‫اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﻘﺻود اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد اﻟﻣﺟرد ﻓﻼ ﯾﻛﻔﻲ ﻣن ﻏﯾر ﺑرھﺎن‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻣن ﺿرورة اﻟﻌﻘل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻧﺣن ﺑﺿرورة اﻟﻌﻘل ﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻣوﺟب ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣوﺟب‪ ،‬وﻣﺟوز ذﻟك ﻣﻛﺎﺑر‬
‫ﻟﺿرورة اﻟﻌﻘل‪.‬‬
‫ﺧﺻوﻣﻛم ﯾﻘوﻟون اﻟﻘول ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﺧﺻوﻣﻛم إذا ﻗﺎﻟوا ﻟﻛم‪ :‬إﻧﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم إﺣﺎﻟﺔ ﻗول ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إن ذاﺗﺎ ً واﺣداً‬
‫ﻋﺎﻟم ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻣن ﻏﯾر أن ﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة وﻣن ﻏﯾر أن ﯾﻛون اﻟﻌﻠم زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟذات وﻣن ﻏﯾر أن‬
‫ﯾﺗﻌدد اﻟﻌﻠم ﻣﻊ ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم‪ ،‬وھذا ﻣذھﺑﻛم ﻓﻲ ﺣق ﷲ‪ ،‬وھو ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻧﺎ وإﻟﻰ ﻋﻠوﻣﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻹﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﻟﻛن‬
‫ﺗﻘوﻟون‪ :‬ﻻ ﯾﻘﺎس اﻟﻌﻠم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻟﺣﺎدث‪ .‬وطﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﻛم اﺳﺗﺷﻌروا ﺣﺎﻟﺔ ھذا ﻓﻘﺎﻟوا‪ :‬إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓﮭو‬
‫اﻟﻌﺎﻗل وھو اﻟﻌﻘل وھو اﻟﻣﻌﻘول واﻟﻛل واﺣد‪ .‬ﻓﻠو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬اﺗﺣﺎد اﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول ﻣﻌﻠوم اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬إذ ﺗﻘدﯾر ﺻﺎﻧﻊ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻌﻠم ﺻﻧﻌﮫ ﻣﺣﺎل ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬واﻟﻘدﯾم إذا ﻟم ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ‪ -‬ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن‬
‫ﻗوﻟﻛم وﻋن ﻗول ﺟﻣﯾﻊ اﻟزاﺋﻐﯾن ﻋﻠواً ﻛﺑﯾراً ‪ -‬ﻟم ﯾﻛن ﯾﻌﻠم ﺻﻧﻌﮫ اﻟﺑﺗﺔ‪ .‬ﺑل ﻻ ﻧﺗﺟﺎوز إﻟزاﻣﺎت ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‪.‬‬
‫دورات اﻟﻔﻠك إن ﻛﺎن ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ‪ ،‬ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ أﻗﺳﺎم‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﺧﺻوﻣﻛم إذ ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﯾؤدي إﻟﻰ إﺛﺑﺎت دورات ﻟﻠﻔﻠك ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ‬
‫ﻷﻋدادھﺎ وﻻ ﺣﺻر ﻵﺣﺎدھﺎ‪ ،‬ﻣﻊ أن ﻟﮭﺎ ﺳدﺳﺎ ً ورﺑﻌﺎ ً وﻧﺻﻔﺎً‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﻠك اﻟﺷﻣس ﯾدور ﻓﻲ ﺳﻧﺔ وﻓﻠك زﺣل ﻓﻲ‬
‫ﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ‪ ،‬ﻓﺗﻛون أدوار زﺣل ﺛﻠث ﻋﺷر أدوار اﻟﺷﻣس‪ ،‬وأدوار اﻟﻣﺷﺗري ﻧﺻف ﺳدس أدوار اﻟﺷﻣس‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾدور ﻓﻲ اﺛﻧﻲ ﻋﺷر ﺳﻧﺔ‪ .‬ﺛم ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋداد دورات زﺣل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋداد دورات اﻟﺷﻣس ﻣﻊ أﻧﮫ ﺛﻠث‬
‫ﻋﺷره‪ ،‬ﺑل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷدوار ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب اﻟذي ﯾدور ﻓﻲ ﺳﺗﺔ وﺛﻼﺛﯾن أﻟف ﺳﻧﺔ ﻣرة واﺣدة‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺷرﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﻠﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﯾوم واﻟﻠﯾﻠﺔ ﻣرة‪ .‬ﻓﻠو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬ھذا ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻠم اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﺿرورة‪ ،‬ﻓﺑﻣﺎذا‬
‫ﺗﻧﻔﺻﻠون ﻋن ﻗوﻟﮫ؟ ﺑل ﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬أﻋداد ھذه اﻟدورات ﺷﻔﻊ أو وﺗر‪ ،‬أو ﺷﻔﻊ ووﺗر ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬أو ﻻ ﺷﻔﻊ وﻻ‬
‫وﺗر‪.‬‬
‫وﻻ ﺗﻛون ﺷﻔﻊ أو وﺗر ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﺷﻔﻊ ووﺗر ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬أو ﻻ ﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر‪ ،‬ﻓﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرور ًة‪ .‬وإن ﻗﻠﺗم‪:‬‬
‫ﺷﻔﻊ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺷﻔﻊ ﯾﺻﯾر وﺗراً ﺑواﺣد‪ ،‬ﻓﻛﯾف أﻋوز ﻣﺎ ﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ واﺣد؟ وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬وﺗر‪ ،‬ﻓﺎﻟوﺗر ﯾﺻﯾر ﺑواﺣد ﺷﻔﻌﺎً‪،‬‬
‫ﻓﻛﯾف أﻋوز ذﻟك اﻟواﺣد اﻟذي ﺑﮫ ﯾﺻﯾر ﺷﻔﻌﺎً؟ ﻓﯾﻠزﻣﻛم اﻟﻘول ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺗﻧﺎھﻲ وﺣده ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﻧﻣﺎ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر اﻟﻣﺗﻧﺎھﻲ‪ ،‬وﻣﺎ ﻻ ﯾﺗﻧﺎھﻰ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﺗﻛون ھﻧﺎك ﺟﻣﻠﺔ آﺣﺎد‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﺟﻣﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻣن آﺣﺎد ﻟﮭﺎ ﺳدس وﻋﺷر ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﺛم ﻻ ﺗوﺻف ﺑﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر ﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرورة ﻣن‬
‫ﻏﯾر ﻧظر‪ ،‬ﻓﺑﻣﺎذا ﺗﻧﻔﺻﻠون ﻋن ھذا؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻟﯾﺳت ھﻧﺎﻟك ﺟﻣﻠﺔ آﺣﺎد‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻣﺣل اﻟﻐﻠط ﻓﻲ ﻗوﻟﻛم أﻧﮫ ﺟﻣﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻣن آﺣﺎد‪ ،‬ﻓﺈن ھذه اﻟدورات ﻣﻌدوﻣﺔ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻓﻘد اﻧﻘرض‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻓﻠم ﯾوﺟد‪ ،‬واﻟﺟﻣﻠﺔ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣوﺟودات ﺣﺎﺿرة‪ ،‬وﻻ ﻣوﺟود ھﺎھﻧﺎ!‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺑﺄس‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﻌدد ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ اﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر وﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺧرج ﻋﻧﮫ ﺳواء ﻛﺎن اﻟﻣﻌدود ﻣوﺟوداً ﺑﺎﻗﯾﺎ ً أو ﻓﺎﻧﯾﺎ ً‪ .‬ﻓﺈذا‬
‫ﻓرﺿﻧﺎ ﻋدداً ﻣن اﻷﻓراس ﻟزﻣﻧﺎ أن ﻧﻌﺗﻘد أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠو ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺷﻔﻌﺎ ً أو وﺗراً‪ ،‬ﺳواء ﻗدرﻧﺎھﺎ ﻣوﺟودة أو‬
‫ﻣﻌدﻣﺔ‪ .‬ﻓﺈن اﻧﻌدﻣت ﺑﻌد اﻟوﺟود ﻟم ﺗﺗﻐﯾر ھذه اﻟﻘﺿﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣر ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﻧﻘول ﻟﮭم‪ :‬ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻣوﺟودات ﺣﺎﺿرة ھﻲ آﺣﺎد ﻣﺗﻐﺎﯾرة ﺑﺎﻟوﺻف وﻻ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھﻲ ﻧﻔوس اﻵدﻣﯾﯾن اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﺑﺎﻟﻣوت‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻣوﺟودات ﻻ ﺗوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر‪ ،‬ﻓﺑم‬
‫ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬ﺑطﻼن ھذا ﯾﻌرف ﺿرورة‪ ،‬وھذا اﻟرأي ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ھو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ وﻟﻌﻠﮫ‬
‫ﻣذھب رﺳطﺎﻟﯾس‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻧﻔس واﺣدة‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﺎﻟﺻﺣﯾﺢ رأي أﻓﻼطن‪ ،‬وھو أن اﻟﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ وھﻲ واﺣدة وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻷﺑدان‪ ،‬ﻓﺈذا ﻓﺎرﻗﺗﮭﺎ‬
‫ﻋﺎدت إﻟﻰ أﺻﻠﮭﺎ واﺗﺣدت‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻣﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف ﺿرورة اﻟﻌﻘل‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﮭذا أﻗﺑﺢ وأﺷﻧﻊ وأوﻟﻰ ﺑﺄن ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ً ﻟﺿرورة اﻟﻌﻘل‪ .‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻧﻔس زﯾد ﻋﯾن ﻧﻔس ﻋﻣرو أو ﻏﯾره‪،‬‬
‫ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل واﺣد ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻟﯾس ھو ﻧﻔس ﻏﯾره‪ .‬وﻟو ﻛﺎن ھو‬
‫ﻋﯾﻧﮫ ﻟﺗﺳﺎوﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺻﻔﺎت ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔوس داﺧﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻧﻔوس ﻓﻲ ﻛل إﺿﺎﻓﺔ‪ .‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻏﯾره‬
‫وإﻧﻣﺎ اﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬واﻧﻘﺳﺎم اﻟواﺣد اﻟذي ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋظم ﻓﻲ اﻟﺣﺟم وﻛﻣﯾﺔ ﻣﻘدارﯾﺔ ﻣﺣﺎل ﺑﺿرورة‬
‫اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﺻﯾر اﻟواﺣد اﺛﻧﯾن ﺑل أﻟﻔﺎ ً ﺛم ﯾﻌود وﯾﺻﯾر واﺣداً؟ ﺑل ھذا ﯾﻌﻘل ﻓﯾﻣﺎ ﻟﮫ ﻋظم وﻛﻣﯾﺔ ﻛﻣﺎء اﻟﺑﺣر‬
‫ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﺟداول واﻷﻧﮭﺎر ﺛم ﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﺑﺣر‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻛﻣﯾﺔ ﻟﮫ ﻓﻛﯾف ﯾﻧﻘﺳم؟ وﻟذا ھم ﻣﻔﺣﻣون واﻟﻣﻘﺻود ﻣن‬
‫ھذا ﻛﻠﮫ أن ﻧﺑﯾن أﻧﮭم ﻟم ﯾﻌﺟزوا ﺧﺻوﻣﮭم ﻋن ﻣﻌﺗﻘدھم ﻓﻲ ﺗﻌﻠق اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑﺎﻷﺣداث إﻻ ﺑدﻋوى‬
‫اﻟﺿرورة وأﻧﮭم ﻻ ﯾﻧﻔﺻﻠون ﻋﻣن ﯾدﻋﻲ اﻟﺿرورة ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﻌﺗﻘدھم‪ ،‬وھذا ﻻ‬
‫ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إن ﷲ ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ أن ﷲ ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠق ﺑﻘدر ﺳﻧﺔ أو ﺳﻧﺗﯾن ‪ -‬وﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ‬
‫ﻟﻘدرﺗﮫ ‪ -‬ﻓﻛﺄﻧﮫ ﺻﺑر وﻟم ﯾﺧﻠق ﺛم ﺧﻠق‪ ،‬وﻣدة اﻟﺗرك ﻣﺗﻧﺎه أو ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻣﺗﻧﺎه‪ ،‬ﺻﺎر وﺟود اﻟﺑﺎري‬
‫ﻣﺗﻧﺎھﻲ اﻷول‪ ،‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه‪ ،‬ﻓﻘد اﻧﻘﺿﻰ ﻣدة ﻓﯾﮭﺎ إﻣﻛﺎﻧﺎت ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ‪.‬‬
‫راﺟﻊ اﻟدﻟﯾل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﻣدة واﻟزﻣﺎن ﻣﺧﻠوق ﻋﻧدﻧﺎ‪ .‬وﺳﻧﺑﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺟواب ﻋن ھذا ﻓﻲ اﻻﻧﻔﺻﺎل ﻋن دﻟﯾﻠﮭم‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز وﻗﺗﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻋﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ وﻋﻣﺎ ﺑﻌده؟‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺗرك دﻋوى اﻟﺿرورة وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮫ آﺧر وھو أن اﻷوﻗﺎت ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺟواز ﺗﻌﻠق اﻹرادة ﺑﮭﺎ؟ ﻓﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز وﻗﺗﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻋﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ وﻋﻣﺎ ﺑﻌده وﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً أن ﯾﻛون اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر‬
‫ﻣراداً؟ ﺑل ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺎض واﻟﺳواد واﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺳﻛون ﻓﺈﻧﻛم ﺗﻘوﻟون‪ :‬ﯾﺣدث اﻟﺑﯾﺎض ﺑﺎﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟﻣﺣل ﻗﺎﺑل‬
‫ﻟﻠﺳواد ﻗﺑوﻟﮫ ﻟﻠﺑﯾﺎض‪ ،‬ﻓﻠم ﺗﻌﻠﻘت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑﺎﻟﺑﯾﺎض دون اﻟﺳواد؟ وﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز أﺣد اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن ﻋن اﻵﺧر‬
‫ﻓﻲ ﺗﻌﻠق اﻹرادة ﺑﮫ؟ وﻧﺣن ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم أن اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﻣﺛﻠﮫ إﻻ ﺑﻣﺧﺻص‪ ،‬وﻟو ﺟﺎز ذﻟك ﻟﺟﺎز‬
‫أن ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وھو ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟﻌدم‪ ،‬وﯾﺗﺧﺻص ﺟﺎﻧب اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﺎﺛل ﻟﺟﺎﻧب اﻟﻌدم ﻓﻲ‬
‫اﻹﻣﻛﺎن ﺑﻐﯾر ﻣﺧﺻص‪.‬‬
‫‪ ..‬وﻣﺎ اﻟذي ﺧﺻص اﻹرادة؟‬
‫وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻹرادة ﺧﺻﺻت‪ ،‬ﻓﺎﻟﺳؤال ﻋن اﺧﺗﺻﺎص اﻹرادة وأﻧﮭﺎ ﻟم اﺧﺗﺻت‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻟﮫ‪،‬‬
‫ﻟم؟ ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً وﻻ ﯾطﻠب ﺻﺎﻧﻌﮫ وﺳﺑﺑﮫ‪ ،‬ﻷن اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ‪ :‬ﻟم‪ .‬ﻓﺈن ﺟﺎز ﺗﺧﺻص اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق‬
‫ﺑﺄﺣد اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن ﻓﻐﺎﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺧﺻوص ﺑﮭﯾﺋﺎت ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﻛﺎن ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺎت‬
‫أﺧرى ﺑدﻻً ﻋﻧﮭﺎ‪ .‬ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬وﻗﻊ ﻛذﻟك اﺗﻔﺎﻗﺎ ً ﻛﻣﺎ ﻗﻠﺗم‪ :‬اﺧﺗﺻت اﻹرادة ﺑوﻗت دون وﻗت وھﯾﺋﺔ دون ھﯾﺋﺔ اﺗﻔﺎﻗﺎ ً‪.‬‬
‫وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن ھذا اﻟﺳؤال ﻏﯾر ﻻزم ﻷﻧﮫ وارد ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﯾرﯾده وﻋﺎﺋد ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻘدره‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﺑل ھذا‬
‫اﻟﺳؤال ﻻزم ﻷﻧﮫ ﻋﺎﺋد ﻓﻲ ﻛل وﻗت وﻣﻼزم ﻟﻣن ﺧﺎﻟﻔﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻛل ﺗﻘدﯾر‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻹرادة ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬إﻧﻣﺎ وﺟد اﻟﻌﺎﻟم ﺣﯾث وﺟد وﻋﻠﻰ اﻟوﺻف اﻟذي وﺟد وﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن اﻟذي وﺟد ﺑﺎﻹرادة‪ ،‬واﻹرادة ﺻﻔﺔ ﻣن‬
‫ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬وﻟوﻻ أن ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻟوﻗﻊ اﻻﻛﺗﻔﺎء ﺑﺎﻟﻘدرة‪ .‬وﻟﻛن ﻟﻣﺎ ﺗﺳﺎوى ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻘدرة إﻟﻰ‬
‫اﻟﺿدﯾن وﻟم ﯾﻛن ﺑد ﻣن ﻣﺧﺻص ﯾﺧﺻص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻘﯾل‪ :‬ﻟﻠﻘدﯾم وراء اﻟﻘدرة ﺻﻔﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﻟم اﺧﺗﺻت اﻹرادة ﺑﺄﺣد اﻟﻣﺛﻠﯾن‪ ،‬ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﻟم اﻗﺗﺿﻰ اﻟﻌﻠم‬
‫اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﮫ؟ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻷن اﻟﻌﻠم ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻﻔﺔ ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻛذى اﻹرادة ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻﻔﺔ‬
‫ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ‪ ،‬ﺑل ذاﺗﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻷﻣرﯾن ﺗﻧﺎﻗض‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﺑل ھو ﻣﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬ﻓﺈن ﻛوﻧﮫ ﻣﺛﻼً ﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻻ‬
‫ﺗﻣﯾز ﻟﮫ‪ ،‬وﻛوﻧﮫ ﻣﻣﯾزاً ﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺛﻼً‪ ،‬وﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾظن أن اﻟﺳوادﯾن ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﻣن ﻛل وﺟﮫ‬
‫ﻷن ھذا ﻓﻲ ﻣﺣل وذاك ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر‪ ،‬وھذا ﯾوﺟب اﻟﺗﻣﯾز‪.‬‬
‫وﻻ اﻟﺳوادان ﻓﻲ وﻗﺗﯾن ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻷن ھذا ﻓﺎرق ذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻗت‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﺳﺎوﯾﮫ ﻣن ﻛل‬
‫وﺟﮫ‪ .‬وإذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﺳوادان ﻣﺛﻼن‪ ،‬ﻋﻧﯾﻧﺎ ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﺳوادﯾﺔ ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص ﻻ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق‪ ،‬وإﻻ ﻓﻠو‬
‫اﺗﺣد اﻟﻣﺣل واﻟزﻣﺎن وﻟم ﯾﺑق ﺗﻐﺎﯾر ﻟم ﯾﻌﻘل ﺳوادان وﻻ ﻋﻘﻠت اﻹﺛﻧﯾﻧﯾﺔ أﺻﻼً‪.‬‬
‫اﻟﻌطﺷﺎن‬
‫إذا ﻛﺎن ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﻗدﺣﺎن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺧذ أﺣدھﻣﺎ ﺑدون ﺗﻣﯾﯾز ﯾﺣﻘق ھذا أن ﻟﻔظ اﻹرادة ﻣﺳﺗﻌﺎرة ﻣن‬
‫إرادﺗﻧﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﻣﻧﺎ أن ﻧﻣﯾز ﺑﺎﻹرادة اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ﺑل ﻟو ﻛﺎن ﺑﯾن ﯾدي اﻟﻌطﺷﺎن ﻗدﺣﺎن ﻣن اﻟﻣﺎء‬
‫ﯾﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏرﺿﮫ‪ ،‬ﻟم ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺧذ أﺣدھﻣﺎ‪ ،‬ﺑل إﻧﻣﺎ ﯾﺄﺧذ ﻣﺎ ﯾراه أﺣﺳن أو أﺧف‬
‫أو أﻗرب إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﯾﻣﯾﻧﮫ‪ ،‬إن ﻛﺎن ﻋﺎدﺗﮫ ﺗﺣرﯾك اﻟﯾﻣﯾن أو ﺳﺑب ﻣن ھذه اﻷﺳﺑﺎب إﻣﺎ ﺧﻔﻲ وإﻣﺎ ﺟﻠﻲ‪ ،‬وإﻻ‬
‫ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﺑﺣﺎل‪.‬‬
‫إﻧﻛﺎر اﻷﻣر ﻓﻲ ﺣق ﷲ‪...‬‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬اﻷول أن ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ھذا ﻻ ﯾﺗﺻور‪ ،‬ﻋرﻓﺗﻣوه ﺿرورة أو ﻧظراً؟ وﻻ ﯾﻣﻛن دﻋوى‬
‫واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ‪ ،‬وﺗﻣﺛﯾﻠﻛم ﺑﺈرادﺗﻧﺎ ﻣﻘﺎﯾﺳﺔ ﻓﺎﺳدة ﺗﺿﺎھﻲ اﻟﻣﻘﺎﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم‪ ،‬وﻋﻠم ﷲ ﯾﻔﺎرق ﻋﻠﻣﻧﺎ ﻓﻲ أﻣور‬
‫ﻗررﻧﺎھﺎ‪ ،‬ﻓﻠم ﺗﺑﻌد اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻹرادة ﺑل ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ذات ﻣوﺟودة ﻻ ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم وﻻ داﺧﻠﮫ وﻻ ﻣﺗﺻﻼً‬
‫وﻻ ﻣﻧﻔﺻﻼً ﻻ ﯾﻌﻘل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ‪ .‬ﻗﯾل‪ :‬ھذا ﻋﻣل ﺗوھﻣك‪ ،‬وأﻣﺎ دﻟﯾل اﻟﻌﻘل ﻓﻘد ﺳﺎق اﻟﻌﻘﻼء إﻟﻰ‬
‫اﻟﺗﺻدﯾق ﺑذﻟك‪ ،‬ﻓﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬دﻟﯾل اﻟﻌﻘل ﺳﺎق إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء‬
‫ﻋن ﻣﺛﻠﮫ؟ ﻓﺈن ﻟم ﯾطﺎﺑﻘﮭﺎ اﺳم اﻹرادة ﻓﻠﺗﺳم ﺑﺎﺳم آﺧر‪ ،‬ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء‪ .‬وإﻧﻣﺎ أطﻠﻘﻧﺎھﺎ ﻧﺣن ﺑﺈذن‬
‫اﻟﺷرع‪ ،‬وإﻻ ﻓﺎﻹرادة ﻣوﺿوﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻟﺗﻌﯾﯾن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻏرض‪ ،‬وﻻ ﻏرض ﻓﻲ ﺣق ﷲ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻘﺻود‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ دون اﻟﻠﻔظ‪.‬‬
‫‪ ..‬وﻓﻲ ﺣق اﻹﻧﺳﺎن‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﮫ إذا ﻛﺎﻧت ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﺗﻣرﺗﯾن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺗﯾن‪ ،‬ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ ﻻ ﻧﺳﻠم أن ذﻟك ﻏﯾر ﻣﺗﺻور‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻔرض ﺗﻣرﺗﯾن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺗﯾن ﺑﯾن ﯾدي اﻟﻣﺗﺷوف إﻟﯾﮭﻣﺎ‬
‫اﻟﻌﺎﺟز ﻋن ﺗﻧﺎوﻟﮭﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ .‬وﻛل ﻣﺎ‬
‫ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟﻣﺧﺻﺻﺎت ﻣن اﻟﺣﺳن أو اﻟﻘرب أو ﺗﯾﺳر اﻷﺧذ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘدر ﻋﻠﻰ ﻓرض اﻧﺗﻔﺎﺋﮫ‪ ،‬وﯾﺑﻘﻰ إﻣﻛﺎن‬
‫اﻷﺧذ‪ .‬ﻓﺄﻧﺗم ﺑﯾن أﻣرﯾن‪ :‬إﻣﺎ إن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور اﻟﺗﺳﺎوي ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻏراﺿﮫ ﻓﻘط‪ ،‬وھو ﺣﻣﺎﻗﺔ وﻓرﺿﮫ‬
‫ﻣﻣﻛن‪ ،‬وإﻣﺎ إن ﻗﻠﺗم‪ :‬اﻟﺗﺳﺎوي إذا ﻓرض ﺑﻘﻲ اﻟرﺟل اﻟﻣﺗﺷوف أﺑداً ﻣﺗﺣﯾراً ﯾﻧظر إﻟﯾﮭﻣﺎ ﻓﻼ ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ‬
‫ﺑﻣﺟرد اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣﻧﻔك ﻋن اﻟﻐرض‪ ،‬وھو أﯾﺿﺎ ً ﻣﺣﺎل ﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرور ًة‪ .‬ﻓﺈذن ﻻﺑد ﻟﻛل ﻧﺎظر‬
‫ﺷﺎھداً أو ﻏﺎﺋﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻔﻌل اﻻﺧﺗﯾﺎري ﻣن إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻟﻣﺎذا اﺧﺗص اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺑﻌض اﻟوﺟوه؟‪...‬‬
‫اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻻﻋﺗراض ھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬أﻧﺗم ﻓﻲ ﻣذھﺑﻛم ﻣﺎ اﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻟﻌﺎﻟم وﺟد ﻣن ﺳﺑﺑﮫ اﻟﻣوﺟب ﻟﮫ ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺎت ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﺗﻣﺎﺛل ﻧﻘﺎﺋﺿﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠم اﺧﺗص ﺑﺑﻌض اﻟوﺟوه؟ واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻌل أو ﻓﻲ اﻟﻠزوم ﺑﺎﻟطﺑﻊ أو ﺑﺎﻟﺿرورة ﻻ ﺗﺧﺗﻠف‪.‬‬
‫‪ ..‬ﻗوﻟﮭم ﺑﺿرورة اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ‬
‫ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي وﺟد‪ ،‬وإن اﻟﻌﺎﻟم ﻟو ﻛﺎن أﺻﻐر أو أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو‬
‫اﻵن ﻋﻠﯾﮫ ﻟﻛﺎن ﻻ ﯾﺗم ھذا اﻟﻧظﺎم‪ ،‬وﻛذا اﻟﻘول ﻓﻲ ﻋدد اﻷﻓﻼك وﻋدد اﻟﻛواﻛب‪ .‬وزﻋﻣﺗم أن اﻟﻛﺑﯾر ﯾﺧﺎﻟف‬
‫اﻟﺻﻐﯾر واﻟﻛﺛﯾر ﯾﻔﺎرق اﻟﻘﻠﯾل ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾراد ﻣﻧﮫ ﻓﻠﯾﺳت ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﺑل ھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬إﻻ أن اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺗﺿﻌف ﻋن‬
‫درك وﺟوه اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ وﺗﻔﺎﺻﯾﻠﮭﺎ وإﻧﻣﺎ ﺗدرك اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻛﺎﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﯾل ﻓﻠك اﻟﺑروج ﻋن‬
‫ﻣﻌدل اﻟﻧﮭﺎر واﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ اﻷوج واﻟﻔﻠك اﻟﺧﺎرج اﻟﻣرﻛز‪ ،‬واﻷﻛﺛر ﻻ ﯾدرك اﻟﺳر ﻓﯾﮭﺎ وﻟﻛن ﯾﻌرف اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ‪،‬‬
‫وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﺧﻼﻓﮫ ﻟﺗﻌﻠق ﻧظﺎم اﻷﻣر ﺑﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻷوﻗﺎت ﻓﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻗطﻌﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن‬
‫وإﻟﻰ اﻟﻧظﺎم‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾدﻋﻲ أﻧﮫ ﻟو ﺧﻠق ﺑﻌد ﻣﺎ ﺧﻠق أو ﻗﺑﻠﮫ ﺑﻠﺣظﺔ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور اﻟﻧظﺎم‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﻣﺎﺛل اﻷﺣوال‬
‫ﯾﻌﻠم ﺑﺎﻟﺿرورة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ‪ .‬ﻣﺛﻼن‪...‬‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻧﺣن وإن ﻛﻧﺎ ﻧﻘدر ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎرﺿﺗﻛم ﺑﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻷﺣوال إذ ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻠون‪ :‬ﺧﻠﻘﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻛﺎن‬
‫اﻷﺻﻠﺢ اﻟﺧﻠق ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑل ﻧﻔرض ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﺗﺧﺻﺻﺎ ً ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﯾن ﻻ ﯾﻣﻛن‬
‫أن ﯾﻘدر ﻓﯾﮫ اﺧﺗﻼف‪ :‬أﺣدھﻣﺎ اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ واﻵﺧر ﺗﻌﯾن ﻣوﺿﻊ اﻟﻘطب ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻋن اﻟﻣﻧطﻘﺔ‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻣﺛل اﻟﻘطب اﻟﺷﻣﺎﻟﻲ واﻟﻘطب اﻟﺟﻧوﺑﻲ‬
‫أﻣﺎ اﻟﻘطب ﻓﺑﯾﺎﻧﮫ أن اﻟﺳﻣﺎء ﻛرة ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗطﺑﯾن ﻛﺄﻧﮭﻣﺎ ﺛﺎﺑﺗﺎن‪ ،‬وﻛرة اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء ﻓﺈﻧﮭﺎ‬
‫ﺑﺳﯾطﺔ‪ ،‬ﻻ ﺳﯾﻣﺎ اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ اﻟذي ھو اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻓﺈﻧﮫ ﻏﯾر ﻣﻛوﻛب أﺻﻼً‪ ،‬وھﻣﺎ ﻣﺗﺣرﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻗطﺑﯾن ﺷﻣﺎﻟﻲ و‬
‫ﺟﻧوﺑﻲ‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻣﺎ ﻣن ﻧﻘطﺗﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﯾن ﻣن اﻟﻧﻘط اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻧدھم إﻻ وﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ھو اﻟﻘطب‪.‬‬
‫ﻓﻠم ﺗﻌﯾﻧت ﻧﻘطﺗﺎ اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب ﻟﻠﻘطﺑﯾﺔ واﻟﺛﺑﺎت؟ وﻟم ﻟم ﯾﻛن ﺧط اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﺎراً ﺑﺎﻟﻧﻘطﺗﯾن ﺣﺗﻰ ﯾﻌود اﻟﻘطب‬
‫إﻟﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘدار ﻛﺑر اﻟﺳﻣﺎء وﺷﻛﻠﮫ ﺣﻛﻣﺔ ﻓﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز ﻣﺣل اﻟﻘطب‬
‫ﻋن ﻏﯾره ﺣﺗﻰ ﺗﻌﯾن ﻟﻛوﻧﮫ ﻗطﺑﺎ ً دون ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء واﻟﻧﻘط‪ ،‬وﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧﻘط ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ وﺟﻣﯾﻊ أﺟزاء اﻟﻛرة‬
‫ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ؟ وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻟﻌل ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﯾﻔﺎرق ﻏﯾره ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل ﻟﻌل اﻟﻣوﺿﻊ اﻟذي ﻋﻠﯾﮫ ﻧﻘطﺔ اﻟﻘطب ﯾﻔﺎرق ﻏﯾره ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﻧﺎﺳب ﻛوﻧﮫ ﻣﺣﻼً ﻟﻠﻘطب ﺣﺗﻰ ﯾﺛﺑت‪،‬‬
‫ﻓﻛﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﺎرق ﻣﻛﺎﻧﮫ وﺣﯾزه ووﺿﻌﮫ أو ﻣﺎ ﯾﻔرض إطﻼﻗﮫ ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﻷﺳﺎﻣﻲ‪ ،‬وﺳﺎﺋر ﻣواﺿﻊ اﻟﻔﻠك ﯾﺗﺑدل‬
‫ﺑﺎﻟدور وﺿﻌﮭﺎ ﻣن اﻷرض وﻣن اﻷﻓﻼك واﻟﻘطب ﺛﺎﺑت اﻟوﺿﻊ‪ ،‬ﻓﻠﻌل ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﻛﺎن أوﻟﻰ ﺑﺄن ﯾﻛون ﺛﺎﺑت‬
‫اﻟوﺿﻊ ﻣن ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﺗﻘوﻟون ﺑﺗﺷﺎﺑﮫ اﻟﺳﻣﺎء‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﻔﻲ ھذا ﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺗﻔﺎوت أﺟزاء اﻟﻛرة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ وأﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء‪ ،‬وھو ﻋﻠﻰ ﺧﻼف‬
‫أﺻﻠﻛم‪ ،‬إذ أﺣد ﻣﺎ اﺳﺗدﻟﻠﺗم ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻟزوم ﻛون اﻟﺳﻣﺎء ﻛرى اﻟﺷﻛل أﻧﮫ ﺑﺳﯾط اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ ﻻ ﯾﺗﻔﺎوت‪ ،‬وأﺑﺳط‬
‫اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻛرة‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺗرﺑﯾﻊ واﻟﺗﺳدﯾس وﻏﯾرھﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺧروج زواﯾﺎ وﺗﻔﺎوﺗﮭﺎ‪ ،‬وذﻟك ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺄﻣر زاﺋد‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﻊ اﻟﺑﺳﯾط‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻣن أﯾن ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ؟‬
‫وﻟﻛﻧﮫ وإن ﺧﺎﻟف ﻣذھﺑﻛم ﻓﻠﯾس ﯾﻧدﻓﻊ اﻹﻟزام ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﻗﺎﺋم‪ ،‬إذ ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ھل ﻛﺎن‬
‫ﻗﺎﺑﻼً ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا ﻧﻌم‪ ،‬ﻓﻠم اﺧﺗﺻت اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﻣن ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎت ﺑﺑﻌﺿﮭﺎ؟ وإن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻟم ﯾﻛن‬
‫ذﻟك إﻻ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ وﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ﻻ ﺗﻘﺑﻠﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ﻣن ﺣﯾث أﻧﮭﺎ ﺟﺳم ﻗﺎﺑل ﻟﻠﺻور‬
‫ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬وﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺣﻘﮭﺎ ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً وﻻ ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ ﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﯾﺷﺎرﻛﮫ ﻓﯾﮫ ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﺗﺧﺻﯾﺻﮫ ﺑﮫ ﺑﺗﺣﻛم أو ﺑﺻﻔﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬وإﻻ ﻓﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﮭم ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻷﺣوال ﻓﻲ ﻗﺑول وﻗوع اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ‪،‬‬
‫ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﺧﺻوﻣﮭم أن أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﻷﺟﻠﮫ ﺻﺎر ﺛﺑوت اﻟوﺿﻊ أوﻟﻰ ﺑﮫ ﻣن ﺗﺑدل اﻟوﺿﻊ‬
‫ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ‪ ،‬وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﺳﺑب ﺗﺑﺎﯾن ﺣرﻛﺎت اﻟﺳﻣﺎء؟‬
‫اﻹﻟزام اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻷﻓﻼك ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب وﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻛس‪ ،‬ﻣﻊ ﺗﺳﺎوي‬
‫اﻟﺟﮭﺎت‪ ،‬ﻣﺎ ﺳﺑﺑﮭﺎ وﺗﺳﺎوي اﻟﺟﮭﺎت ﻛﺗﺳﺎوي اﻷوﻗﺎت ﻣن ﻏﯾر ﻓرق؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟو ﻛﺎن اﻟﻛل ﯾدور ﻣن ﺟﮭﺔ واﺣدة ﻟﻣﺎ ﺗﺑﺎﯾﻧت أوﺿﺎﻋﮭﺎ وﻟم ﺗﺣدث ﻣﻧﺎﺳﺑﺎت اﻟﻛواﻛب ﺑﺎﻟﺗﺛﻠﯾث‬
‫واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ وﻏﯾرھﺎ وﻟﻛﺎن اﻟﻛل ﻋﻠﻰ وﺿﻊ واﺣد ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻗط‪ ،‬وھذه اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻟم اﻟﻌﻛس ﺑﺎﻟﻌﻛس؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻟﺳﻧﺎ ﻧﻠزم اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ ﺑل ﻧﻘول‪ :‬اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ ﯾﺗﺣرك ﻣن اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب واﻟذي ﺗﺣﺗﮫ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻛس‪ ،‬وﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﺑﮭذا ﯾﻣﻛن ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﺑﻌﻛﺳﮫ وھو أن ﯾﺗﺣرك اﻷﻋﻠﻰ ﻣن اﻟﻣﻐرب إﻟﻰ اﻟﻣﺷرق‬
‫وﻣﺎ ﺗﺣﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺗﮫ ﻓﯾﺣﺻل اﻟﺗﻔﺎوت‪ ،‬وﺟﮭﺎت اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﻌد ﻛوﻧﮭﺎ دورﯾﺔ وﺑﻌد ﻛوﻧﮭﺎ ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻠم‬
‫ﺗﻣﯾزت ﺟﮭﺔ ﻋن ﺟﮭﺔ ﺗﻣﺎﺛﻠﮭﺎ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﮭﺗﺎن ﻣﺗﺿﺎدﺗﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬اﻟﺟﮭﺗﺎن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﺎن ﻣﺗﺿﺎدﺗﺎن ﻓﻛﯾف ﯾﺗﺳﺎوﯾﺎن؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ واﻷوﻗﺎت!‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھذا ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر ﻓﻲ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﯾﺗﺿﺎدان ﻓﻛﯾف ﯾدﻋﻲ ﺗﺷﺎﺑﮭﮭﻣﺎ؟ وﻟﻛن زﻋﻣوا أﻧﮫ ﯾﻌﻠم‬
‫ﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷوﻗﺎت ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود وإﻟﻰ ﻛل ﻣﺻﻠﺣﺔ ﯾﺗﺻور ﻓرﺿﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﯾﻌﻠم ﺗﺳﺎوي‬
‫اﻷﺣﯾﺎز واﻷوﺿﺎع واﻷﻣﺎﻛن واﻟﺟﮭﺎت ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻗﺑول اﻟﺣرﻛﺔ وﻛل ﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﮭﺎ‪ .‬ﻓﺈن ﺳﺎغ ﻟﮭم دﻋوى‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﻣﻊ ھذا اﻟﺗﺷﺎﺑﮫ ﻛﺎن ﻟﺧﺻوﻣﮭم دﻋوى اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻷﺣوال واﻟﮭﯾﺋﺎت أﯾﺿﺎ ً‪.‬‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﺻل دﻟﯾﻠﮭم أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﺳﺗﺑﻌدﺗم ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم‪ ،‬وﻻ ﺑد ﻟﻛم ﻣن اﻻﻋﺗراف ﺑﮫ‬
‫ﻓﺈن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺣوادث وﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب‪ .‬ﻓﺈن اﺳﺗﻧدت اﻟﺣوادث إﻟﻰ اﻟﺣوادث إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل‪ ،‬وﻟﯾس ذﻟك‬
‫ﻣﻌﺗﻘد ﻋﺎﻗل‪ .‬وﻟو ﻛﺎن ذﻟك ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻻﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ وإﺛﺑﺎت واﺟب وﺟود ھو ﻣﺳﺗﻧد اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت‪.‬‬
‫وإذا ﻛﺎﻧت اﻟﺣوادث ﻟﮭﺎ طرف ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﮫ ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ ﻓﯾﻛون ذﻟك اﻟطرف ھو اﻟﻘدﯾم‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد إذن ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم ﻣن‬
‫ﺗﺟوﯾز ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد وﺣﺿور اﻟوﻗت‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻧﺣن ﻻ ﻧﺑﻌد ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم أي ﺣﺎدث ﻛﺎن‪ ،‬ﺑل ﻧﺑﻌد ﺻدور ﺣﺎدث ھو أول اﻟﺣوادث ﻣن‬
‫اﻟﻘدﯾم‪ ،‬إذ ﻻ ﯾﻔﺎرق ﺣﺎل اﻟﺣدوث ﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ ﻓﻲ ﺗرﺟﺢ ﺟﮭﺔ اﻟوﺟود‪ ،‬ﻻ ﻣن ﺣﯾث ﺣﺿور وﻗت وﻻ آﻟﺔ وﻻ ﺷرط‬
‫وﻻ طﺑﯾﻌﺔ وﻻ ﻏرض وﻻ ﺳﺑب ﻣن اﻷﺳﺑﺎب‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ إذا ﻟم ﯾﻛن ھو اﻟﺣﺎدث اﻷول ﺟﺎز أن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻋﻧد‬
‫ﺣدوث ﺷﻲء آﺧر ﻣن اﺳﺗﻌداد اﻟﻣﺣل اﻟﻘﺎﺑل وﺣﺿور اﻟوﻗت اﻟﻣواﻓق أو ﻣﺎ ﯾﺟري ھذا اﻟﻣﺟرى‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻣن أﯾن ذﻟك؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﺎﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد وﺣﺿور اﻟوﻗت وﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻗﺎﺋم‪ ،‬ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ أو‬
‫ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻗدﯾم ﯾﻛون أول ﺣﺎدث ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم وﺟود اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﻣواد اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺻور واﻷﻋراض واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت ﻟﯾس ﺷﻲء ﻣﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺎ ً واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ھﻲ ﺣرﻛﺔ‬
‫اﻷﻓﻼك‪ ،‬أﻋﻧﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻣن اﻷوﺻﺎف اﻹﺿﺎﻓﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﺗرﺑﯾﻊ‪ ،‬وھﻲ‬
‫ﻧﺳﺑﺔ ﺑﻌض أﺟزاء اﻟﻔﻠك واﻟﻛواﻛب إﻟﻰ ﺑﻌض وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻷرض‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻟطﻠوع واﻟﺷروق‬
‫واﻟزوال ﻋن ﻣﻧﺗﮭﻰ اﻻرﺗﻔﺎع واﻟﺑﻌد ﻋن اﻷرض ﺑﻛون اﻟﻛوﻛب ﻓﻲ اﻷوج‪ ،‬واﻟﻘرب ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺣﺿﯾض‬
‫واﻟﻣﯾل ﻋن ﺑﻌض اﻷﻗطﺎر ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب‪ ،‬وھذه اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻻزﻣﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة‬
‫ﻓﻣوﺟﺑﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ‪.‬‬
‫وھﻲ ﺳﺑب اﻟﺣوادث ﻓﻲ اﻟﻌﻧﺎﺻر‪...‬‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺣوادث ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺣوﯾﮫ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر‪ ،‬وھو اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺑﻣﺎ ﯾﻌرض ﻓﯾﮭﺎ ﻣن ﻛون وﻓﺳﺎد واﻣﺗزاج واﻓﺗراق‬
‫واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻣن ﺻﻔﺔ إﻟﻰ ﺻﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻛل ذﻟك ﺣوادث ﻣﺳﺗﻧد ﺑﻌﺿﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻌض ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل طوﯾل‪ ،‬وﺑﺎﻵﺧرة ﺗﻧﺗﮭﻲ‬
‫ﻣﺑﺎدئ أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻧﺳب اﻟﻛواﻛب ﺑﻌﺿﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻌض أو ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻷرض‪.‬‬
‫‪ ...‬وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ‪...‬‬
‫ﻓﯾﺧرج ﻣن ﻣﺟﻣوع ذﻟك أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟداﺋﻣﺔ اﻷﺑدﯾﺔ ﻣﺳﺗﻧد اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ وﻣﺣرك اﻟﺳﻣﺎء ﺣرﻛﺗﮭﺎ‬
‫اﻟدورﯾﺔ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺣﯾﺔ ﻧﺎزﻟﺔ ﻣﻧزﻟﺔ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﺑداﻧﻧﺎ‪ ،‬وﻧﻔوﺳﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺟرم اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟدورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣوﺟﺑﮭﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻗدﯾﻣﺔ‪ .‬وﻟﻣﺎ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﻧﻔس ﻟﻛوﻧﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﺣرﻛﺎت أي ﻛﺎﻧت‬
‫داﺋرة أﺑداً‪.‬‬
‫وﻟﮭﺎ أﺟزاء ﺣﺎدﺛﺔ‬
‫ﻓﺈذن ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر اﻟﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم إﻻ ﺑواﺳطﺔ ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ أﺑدﯾﺔ ﺗﺷﺑﮫ اﻟﻘدﯾم ﻣن وﺟﮫ ﻓﺈﻧﮫ داﺋم أﺑداً‪،‬‬
‫وﺗﺷﺑﮫ اﻟﺣﺎدث ﻣن وﺟﮫ ﻓﺈن ﻛل ﺟزء ﯾﻔرض ﻣﻧﮫ ﻛﺎن ﺣﺎدﺛﺎ ً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن‪ ،‬ﻓﮭو ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث ﺑﺄﺟزاﺋﮫ‬
‫وإﺿﺎﻓﺎﺗﮫ ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث‪ ،‬وﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ أﺑدي ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال ﺻﺎدر ﻋن ﻧﻔس أزﻟﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﺣوادث ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺣوادث‪ ،‬ﻓﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻷﺑدﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻛﻼم ﺑﺎطل! إذ ﻻ ﺑد ﻣن ﺳﺑب آﺧر‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھذا اﻟﺗطوﯾل ﻻ ﯾﻐﻧﯾﻛم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺳﺗﻧد ﺣﺎدث أم ﻗدﯾم؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻓﻛﯾف ﺻﺎر‬
‫ﻣﺑدأ ﻷول اﻟﺣوادث؟ وإن ﻛﺎن ﺣﺎدﺛﺎ ً اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺣﺎدث آﺧر وﺗﺳﻠﺳل‪ .‬وﻗوﻟﻛم‪ :‬إﻧﮫ ﻣن وﺟﮫ ﯾﺷﺑﮫ اﻟﻘدﯾم وﻣن‬
‫وﺟﮫ ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺣﺎدث‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﺛﺎﺑت ﻣﺗﺟدد أي ھو ﺛﺎﺑت اﻟﺗﺟدد ﻣﺗﺟدد اﻟﺛﺑوت‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬أھو ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻣن ﺣﯾث‬
‫أﻧﮫ ﺛﺎﺑت أو ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺗﺟدد؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺛﺎﺑت ﻓﻛﯾف ﺻدر ﻣن ﺛﺎﺑت ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال ﺷﻲء ﻓﻲ‬
‫ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت دون ﺑﻌض؟ وإن ﻛﺎن ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺗﺟدد ﻓﻣﺎ ﺳﺑب ﺗﺟدده ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ؟ ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺳﺑب آﺧر‬
‫وﯾﺗﺳﻠﺳل‪ ،‬ﻓﮭذا ﻏﺎﯾﺔ ﺗﻘرﯾر اﻹﻟزام‪.‬‬
‫ﺳﯾﺄﺗﻲ اﻟﻛﻼم ﻋن ذﻟك وﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﺧروج ﻋن ھذا اﻹﻟزام ﻧوع اﺣﺗﯾﺎل ﺳﻧورده ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻣﺳﺎﺋل ﺑﻌد ھذه ﻛﯾﻼ‬
‫ﯾطول ﻛﻼم ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺑﺎﻧﺷﻌﺎب ﺷﺟون اﻟﻛﻼم وﻓﻧوﻧﮫ‪ .‬ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻻ ﯾﺻﻠﺢ أن ﺗﻛون‬
‫ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث وأن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻣﺧﺗرﻋﺔ اﺑﺗداءً‪ ،‬وﻧﺑطل ﻣﺎ ﻗﺎﻟوه ﻣن ﻛون اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾواﻧﺎ ً ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً‬
‫ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﺣرﻛﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻛﺣرﻛﺎﺗﻧﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ﷲ ﻣﺗﻘدﻣﺎ ً ﺑﺎﻟذات ﻓﻘط‪...‬‬
‫زﻋﻣوا أن اﻟﻘﺎﺋل ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺗﺄﺧر ﻋن ﷲ وﷲ ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﯾﮫ ﻟﯾس ﯾﺧﻠو إﻣﺎ أن ﯾرﯾد ﺑﮫ أﻧﮫ ﻣﺗﻘدم ﺑﺎﻟذات ﻻ‬
‫ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﻛﺗﻘدم اﻟواﺣد ﻋﻠﻰ اﻻﺛﻧﯾن‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻟزﻣﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻛﺗﻘدم اﻟﻌﻠﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻠول ﻣﺛل ﺗﻘدم ﺣرﻛﺔ اﻟﺷﺧص ﻋﻠﻰ ﺣرﻛﺔ اﻟظل اﻟﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ وﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﺧﺎﺗم وﺣرﻛﺔ اﻟﯾد‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻌﻠول‪ ،‬إذ ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺗﺣرك اﻟظل‬
‫ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺷﺧص وﺗﺣرك اﻟﻣﺎء ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻓﻲ اﻟﻣﺎء‪ ،‬وﻻ ﯾﻘﺎل ﺗﺣرك اﻟﺷﺧص ﻟﺣرﻛﺔ اﻟظل وﺗﺣرك اﻟﯾد‬
‫ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء‪ ،‬وإن ﻛﺎﻧت ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈن أرﯾد ﺑﺗﻘدم اﻟﺑﺎري ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ھذا ﻟزم أن ﯾﻛوﻧﺎ ﺣﺎدﺛﯾن أو ﻗدﯾﻣﯾن‬
‫واﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﻛون أﺣدھﻣﺎ ﻗدﯾﻣﺎ ً واﻵﺧر ﺣﺎدﺛﺎ ً‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ ﺑﺎﻟزﻣﺎن‬
‫وإن أرﯾد ﺑﮫ أن اﻟﺑﺎري ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن ﻻ ﺑﺎﻟذات ﺑل ﺑﺎﻟزﻣﺎن‪ ،‬ﻓﺈذن ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن زﻣﺎن‬
‫ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮫ ﻣﻌدوﻣﺎً‪ ،‬إذ ﻛﺎن اﻟﻌدم ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود وﻛﺎن ﷲ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﺑﻣدة ﻣدﯾدة ﻟﮭﺎ طرف ﻣن ﺟﮭﺔ اﻵﺧر‬
‫وﻻ طرف ﻟﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻷول‪ .‬ﻓﺈذن ﻗﺑل اﻟزﻣﺎن زﻣﺎن ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬وﻷﺟﻠﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل اﻟﻘول‬
‫ﺑﺣدوث اﻟزﻣﺎن‪ .‬وإذا وﺟب ﻗدم اﻟزﻣﺎن‪ ،‬وھو ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻗدر اﻟﺣرﻛﺔ‪ ،‬وﺟب ﻗدم اﻟﺣرﻛﺔ ووﺟب ﻗدم اﻟﻣﺗﺣرك‬
‫اﻟذي ﯾدوم اﻟزﻣﺎن ﺑدوام ﺣرﻛﺗﮫ‪.‬‬
‫اﻋﺗراض‬
‫ﻟﯾس ﻗﺑل اﻟﺧﻠﯾﻘﺔ زﻣﺎن‪ :‬اﻟﻘول ﺑﺄن "ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم" ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ أﻣرﯾن‪...‬‬
‫اﻻﻋﺗراض ھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟزﻣﺎن ﺣﺎدث وﻣﺧﻠوق وﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ زﻣﺎن أﺻﻼً‪ ،‬وﻧﻌﻧﻲ ﺑﻘوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫واﻟزﻣﺎن إﻧﮫ ﻛﺎن وﻻ ﻋﺎﻟم ﺛم ﻛﺎن وﻣﻌﮫ ﻋﺎﻟم‪ .‬وﻣﻔﮭوم ﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻛﺎن وﻻ ﻋﺎﻟم‪ ،‬وﺟود ذات اﻟﺑﺎري وﻋدم ذات‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻘط‪ ،‬وﻣﻔﮭوم ﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻛﺎن وﻣﻌﮫ ﻋﺎﻟم‪ ،‬وﺟود اﻟذاﺗﯾن ﻓﻘط‪ .‬ﻓﻧﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺗﻘدم اﻧﻔراده ﺑﺎﻟوﺟود ﻓﻘط‪ ،‬واﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻛﺷﺧص واﺣد‪ .‬وﻟو ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﯾﺳﻰ ﻣﺛﻼً ﺛم ﻛﺎن وﻋﯾﺳﻰ ﻣﻌﮫ ﻟم ﯾﺗﺿﻣن اﻟﻠﻔظ إﻻ وﺟود ذات وﻋدم‬
‫ذات ﺛم وﺟود ذاﺗﯾن‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن ﺿرورة ذﻟك ﺗﻘدﯾر ﺷﻲء ﺛﺎﻟث‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻻ ﯾﺳﻛن ﻋن ﺗﻘدﯾر ﺛﺎﻟث ﻓﻼ‬
‫اﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ أﻏﺎﻟﯾط اﻷوھﺎم‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻗوﻟﮭم ﻻ‪ ،‬ﺑل ﻋﻠﻰ أﻣر ﺛﺎﻟث‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل ﻟﻘوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ ،‬ﻣﻔﮭوم ﺛﺎﻟث ﺳوى وﺟود اﻟذات وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻛﺎن وﺟود ذات وﻋدم ذات ﺣﺎﺻﻼً وﻟم ﯾﺻﺢ أن ﻧﻘول‪ :‬ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ ،‬ﺑل اﻟﺻﺣﯾﺢ أن ﻧﻘول‪:‬‬
‫ﯾﻛون ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ .‬وﻧﻘول ﻟﻠﻣﺎﺿﻲ‪ :‬ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ .‬ﻓﺑﯾن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻛﺎن" و "ﯾﻛون" ﻓرق‪ ،‬إذ ﻟﯾس ﯾﻧوب‬
‫أﺣدھﻣﺎ ﻣﻧﺎب اﻵﺧر‪ .‬ﻓﻠﻧﺑﺣث ﻋن ﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﮫ اﻟﻔرق‪ :‬وﻻ ﺷك ﻓﻲ أﻧﮭﻣﺎ ﻻ ﯾﻔﺗرﻗﺎن ﻓﻲ وﺟود اﻟذات وﻻ ﻓﻲ‬
‫ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﺑل ﻓﻲ ﻣﻌﻧﻰ ﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ ﻟﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل‪ :‬ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ ،‬ﻗﯾل ﻟﻧﺎ‪ :‬ھذا ﺧطﺄ ﻓﺈن‬
‫"ﻛﺎن" إﻧﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﺎض‪ ،‬ﻓدل أن ﺗﺣت ﻟﻔظ "ﻛﺎن" ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﺛﺎﻟﺛﺎ ً وھو اﻟﻣﺎﺿﻲ‪ ،‬واﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑذاﺗﮫ ھو اﻟزﻣﺎن‪،‬‬
‫واﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑﻐﯾره ھو اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻣﺿﻲ ﺑﻣﺿﻲ اﻟزﻣﺎن‪ .‬ﻓﺑﺎﻟﺿرورة ﯾﻠزم أن ﯾﻛون ﻗﺑل اﻟﻌﺎﻟم زﻣﺎن ﻗد‬
‫اﻧﻘﺿﻰ ﺣﺗﻰ اﻧﺗﮭﻰ إﻟﻰ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ھو إﻻ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻧﺎ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﻣﻔﮭوم اﻷﺻﻠﻲ ﻣن اﻟﻠﻔظﯾن وﺟود ذات وﻋدم ذات‪ .‬واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻓﺗراق اﻟﻠﻔظﯾن ﻧﺳﺑﺔ ﻻزﻣﺔ‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﻧﺎ‪ ،‬ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﺛم ﻗدرﻧﺎ ﻟﻧﺎ ﺑﻌد ذﻟك وﺟوداً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻟﻛﻧﺎ ﻋﻧد ذﻟك ﻧﻘول‪:‬‬
‫ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم‪ .‬وﯾﺻﺢ ﻗوﻟﻧﺎ‪ ،‬ﺳواء أردﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻌدم اﻷول أو اﻟﻌدم اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ھو ﺑﻌد اﻟوﺟود‪ ،‬وآﯾﺔ أن ھذه‬
‫ﻧﺳﺑﺔ‪ ،‬أن اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﺑﻌﯾﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﺻﯾر ﻣﺎﺿﯾﺎ ً ﻓﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﻠﻔظ اﻟﻣﺎﺿﻲ‪.‬‬
‫ﻗﺑل اﻟﻣﺑﺗدأ ﻧﺗوھم "ﻗﺑﻼً" ‪...‬‬
‫وھذا ﻛﻠﮫ ﻟﻌﺟز اﻟوھم ﻋن ﻓﮭم وﺟود ﻣﺑﺗدأ إﻻ ﻣﻊ ﺗﻘدﯾر "ﻗﺑل" ﻟﮫ‪ ،‬وذﻟك "اﻟﻘﺑل" اﻟذي ﻻ ﯾﻧﻔك اﻟوھم ﻋﻧﮫ ﯾظن‬
‫أﻧﮫ ﺷﻲء ﻣﺣﻘق ﻣوﺟود ھو اﻟزﻣﺎن‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻛﻣﺎ ﻧﺗوھم وراء اﻟﻌﺎﻟم "ﻓوﻗﺎ ً"‬
‫وھو ﻛﻌﺟز اﻟوھم ﻋن أن ﯾﻘدر ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺟﺳم ﻓﻲ ﺟﺎﻧب اﻟرأس ﻣﺛﻼً إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳطﺢ ﻟﮫ ﻓوق‪ ،‬ﻓﯾﺗوھم أن وراء‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻛﺎﻧﺎ ً إﻣﺎ ﻣﻼء وإﻣﺎ ﺧﻼء‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻟﯾس ﻓوق ﺳطﺢ اﻟﻌﺎﻟم ﻓوق وﻻ ﺑﻌد أﺑﻌد ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻛﺎع اﻟوھم ﻋن‬
‫اﻹذﻋﺎن ﻟﻘﺑوﻟﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ إذا ﻗﯾل‪ :‬ﻟﯾس ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل" ھو وﺟود ﻣﺣﻘق‪ ،‬ﻧﻔر ﻋن ﻗﺑوﻟﮫ‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﺟﺎز أن‬
‫ﯾﻛذب اﻟوھم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾره ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء ھو ﺑﻌد ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ‪ ،‬ﺑﺄن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ‪ :‬اﻟﺧﻼء ﻟﯾس ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وأﻣﺎ‬
‫اﻟﺑﻌد ﻓﮭو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺟﺳم اﻟذي ﺗﺗﺑﺎﻋد أﻗطﺎره‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎ ً ﻛﺎن اﻟﺑﻌد اﻟذي ھو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎً‪ ،‬واﻧﻘطﻊ‬
‫اﻟﻣﻼء واﻟﺧﻼء ﻏﯾر ﻣﻔﮭوم ﻓﺛﺑت أﻧﮫ ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻻ ﯾذﻋن ﻟﻘﺑوﻟﮫ‪.‬‬
‫وﻟﻛن ذﻟك وھم‬
‫ﻓﻛذﻟك ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺑﻌد اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺟﺳم ﻓﺎﻟﺑﻌد اﻟزﻣﺎﻧﻲ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺣرﻛﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ اﻣﺗداد اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ أن ذﻟك‬
‫اﻣﺗداد أﻗطﺎر اﻟﺟﺳم وﻛﻣﺎ أن ﻗﯾﺎم اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎھﻲ أﻗطﺎر اﻟﺟﺳم ﻣﻧﻊ ﻣن إﺛﺑﺎت ﺑﻌد ﻣﻛﺎﻧﻲ وراءه‪ .‬ﻓﻘﯾﺎم اﻟدﻟﯾل‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻣن طرﻓﯾﮫ ﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﺗﻘدﯾر ﺑﻌد زﻣﺎﻧﻲ وراءه‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻣﺗﺷﺑﺛﺎ ً ﺑﺧﯾﺎﻟﮫ وﺗﻘدﯾره وﻻ‬
‫ﯾرﻋوى ﻋﻧﮫ‪ .‬وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﺑﻌد اﻟزﻣﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﻧﻘﺳم اﻟﻌﺑﺎرة ﻋﻧﮫ ﻋﻧد اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﻗﺑل" و "ﺑﻌد" وﺑﯾن اﻟﺑﻌد‬
‫اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﻧﻘﺳم اﻟﻌﺑﺎرة ﻋﻧﮫ ﻋﻧد اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓوق وﺗﺣت‪ .‬ﻓﺈن ﺟﺎز إﺛﺑﺎت "ﻓوق" ﻻ "ﻓوق" ﻓوﻗﮫ ﺟﺎز‬
‫إﺛﺑﺎت "ﻗﺑل" ﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ "ﻗﺑل" ﻣﺣﻘق‪ ،‬إﻻ ﺧﯾﺎل وھﻣﻲ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻔوق‪ .‬وھذا ﻻزم ﻓﻠﯾﺗﺄﻣل‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭم اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أﻧﮫ‬
‫ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻟﯾس ھﻧﺎك ﻣوازﻧﺔ‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻓوق" إﻻ ﺑﺎﻻﺳم اﻹﺿﺎﻓﻲ اﻟﻣﺗﺑدل‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ ﻣﻌوﺟﺔ ﻷن اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻓوق" وﻻ "ﺗﺣت" ﺑل ھو ﻛري‪ ،‬وﻟﯾس ﻟﻠﻛرة "ﻓوق" و‬
‫"ﺗﺣت"‪ ،‬ﺑل إن ﺳﻣﯾت ﺟﮭﺔ "ﻓوﻗﺎ ً" ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻠﻲ رأﺳك واﻵﺧر "ﺗﺣﺗﺎ ً" ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻠﻲ رﺟﻠك‪ ،‬ﻓﮭو اﺳم‬
‫ﺗﺟدد ﻟﮫ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾك‪ ،‬واﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ "ﺗﺣت" ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾك "ﻓوق" ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﯾرك‪ ،‬إذا ﻗدرت ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﻣن ﻛر ة اﻷرض واﻗﻔﺎ ً ﯾﺣﺎذي أﺧﻣص ﻗدﻣﮫ أﺧﻣص ﻗدﻣﯾك‪ ،‬ﺑل اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدرھﺎ ﻓوﻗك ﻣن‬
‫أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء ﻧﮭﺎراً ھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺗﺣت اﻷرض ﻟﯾﻼً‪ ،‬وﻣﺎ ھو ﺗﺣت اﻷرض ﯾﻌود إﻟﻰ ﻓوق اﻷرض ﻓﻲ اﻟدور‪.‬‬
‫وأﻣﺎ اﻷول ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻧﻘﻠب آﺧراً‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺛل اﻟﺧﺷﺑﺔ‬
‫وھو ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﺧﺷﺑﺔ أﺣد طرﻓﯾﮭﺎ ﻏﻠﯾظ واﻵﺧر دﻗﯾق واﺻطﻠﺣﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺳﻣﻲ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻲ اﻟدﻗﯾق‬
‫ﻓوﻗﺎ ً إﻟﻰ ﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ واﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﺗﺣﺗﺎً‪ ،‬ﻟم ﯾظﮭر ﺑﮭذا اﺧﺗﻼف ذاﺗﻲ ﻓﻲ أﺟزاء اﻟﻌﺎﻟم ﺑل ھﻲ أﺳﺎﻣﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫ﻗﯾﺎﻣﮭﺎ ﺑﮭﯾﺋﺔ ھذه اﻟﺧﺷﺑﺔ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟو ﻋﻛس وﺿﻌﮭﺎ اﻧﻌﻛس اﻻﺳم واﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾﺗﺑدل ‪ .‬ﻓﺎﻟﻔوق واﻟﺗﺣت ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺣﺿﺔ‬
‫إﻟﯾك ﻻ ﺗﺧﺗﻠف أﺟزاء اﻟﻌﺎﻟم وﺳطوﺣﮫ ﻓﯾﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻌدم اﻟﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟوﺟوده ذاﺗﻲ ﻻ‬
‫ﯾﺗﺻور أن ﯾﺗﺑدل ﻓﯾﺻﯾر آﺧراً‪ ،‬وﻻ اﻟﻌدم اﻟﻣﻘدر ﻋﻧد إﻓﻧﺎء اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ھو ﻋدم ﻻﺣق ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻﯾر ﺳﺎﺑﻘﺎ‪ً.‬‬
‫ﻓطرﻓﺎ ﻧﮭﺎﯾﺔ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي أﺣدھﻣﺎ أول واﻟﺛﺎﻧﻲ آﺧر طرﻓﺎن ذاﺗﯾﺎن ﺛﺎﺑﺗﺎن ﻻ ﯾﺗﺻور اﻟﺗﺑدل ﻓﯾﮫ ﺑﺗﺑدل‬
‫اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﺑﺗﺔ ﺑﺧﻼف اﻟﻔوق واﻟﺗﺣت‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل"‬
‫ﻓﺈذن أﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﻘول‪ :‬ﻟﯾس ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻓوق وﻻ ﺗﺣت وﻻ ﯾﻣﻛﻧﻛم أن ﺗﻘوﻟوا‪ :‬ﻟﯾس ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل" وﻻ "ﺑﻌد"‪.‬‬
‫وإذا ﺛﺑت اﻟﻘﺑل واﻟﺑﻌد ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠزﻣﺎن ﺳوى ﻣﺎ ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﻘﺑل واﻟﺑﻌد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻣﺎ أن اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﺧﺎرج"‪ ،‬ﻛذﻟك ﻟﯾس ﻟﮫ ﻗﺑل‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﻓرق ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﻏرض ﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﻟﻔظ اﻟﻔوق واﻟﺗﺣت‪ ،‬ﺑل ﻧﻌدل إﻟﻰ ﻟﻔظ اﻟوراء واﻟﺧﺎرج وﻧﻘول‪ :‬ﻟﻠﻌﺎﻟم‬
‫داﺧل وﺧﺎرج‪ ،‬ﻓﮭل ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء ﻣن ﻣﻼء أو ﺧﻼء؟ ﻓﺳﯾﻘوﻟون‪ :‬ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء‪ .‬وإن‬
‫ﻋﻧﯾﺗم ﺑﺎﻟﺧﺎرج ﺳطﺣﮫ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻠﮫ ﺧﺎرج‪ ،‬وإن ﻋﯾﻧﺗم ﻏﯾره ﻓﻼ ﺧﺎرج ﻟﮫ‪ .‬ﻓﻛذﻟك إذا ﻗﯾل ﻟﻧﺎ‪ :‬ھل ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم‬
‫"ﻗﺑل"؟ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬إن ﻋﻧﻲ ﺑﮫ‪ :‬ھل ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﺑداﯾﺔ أي طرف ﻣﻧﮫ اﺑﺗدأ‪ ،‬ﻓﻠﮫ "ﻗﺑل" ﻋﻠﻰ ھذا ﻛﻣﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺧﺎرج ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﺄوﯾل أﻧﮫ اﻟطرف اﻟﻣﻛﺷوف واﻟﻣﻧﻘطﻊ اﻟﺳطﺣﻲ‪ .‬وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﻘﺑل ﺷﯾﺋﺎ ً آﺧر‪ ،‬ﻓﻼ "ﻗﺑل" ﻟﻠﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ إذا ﻋﻧﻲ‬
‫ﺑﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء ﺳوى اﻟﺳطﺢ ﻗﯾل‪ :‬ﻻ ﺧﺎرج ﻟﻠﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣﺑﺗدأ وﺟود ﻻ "ﻗﺑل" ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬وﻻ‬
‫ﯾﻌﻘل ﻣﺗﻧﺎھﻰ وﺟود ﻣن اﻟﺟﺳم ﻻ ﺧﺎرج ﻟﮫ‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠت‪ :‬ﺧﺎرﺟﮫ ﺳطﺢ اﻟذي ھو ﻣﻧﻘطﻌﮫ ﻻ ﻏﯾر‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻗﺑﻠﮫ ﺑداﯾﺔ‬
‫وﺟوده اﻟذي ھو طرﻓﮫ ﻻ ﻏﯾر‪.‬‬
‫ﻧﺳﺑﺔ ذﻟك ﻟﻠﻣﻛﺎن واﻟزﻣﺎن ﻣن ﻋﻣل اﻟوھم‪...‬‬
‫ﺑﻘﻲ أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬وﺟود وﻻ ﻋﺎﻟم ﻣﻌﮫ‪ .‬وھذا اﻟﻘدر أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾوﺟب إﺛﺑﺎت ﺷﻲء آﺧر‪ ،‬واﻟذي ﯾدل ﻋﻠﻰ أن ھذا‬
‫ﻋﻣل اﻟوھم أﻧﮫ ﻣﺧﺻوص ﺑﺎﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﺈن اﻟﺧﺻم‪ ،‬وإن اﻋﺗﻘد ﻗدم اﻟﺟﺳم‪ ،‬ﯾذﻋن وھﻣﮫ ﻟﺗﻘدﯾر ﺣدوﺛﮫ‪.‬‬
‫وﻧﺣن‪ ،‬وإن اﻋﺗﻘدﻧﺎ ﺣدوﺛﮫ‪ ،‬رﺑﻣﺎ أذﻋن وھﻣﻧﺎ ﻟﺗﻘدﯾر ﻗدﻣﮫ‪ .‬ھذا ﻓﻲ اﻟﺟﺳم‪ .‬ﻓﺈذا رﺟﻌﻧﺎ إﻟﻰ اﻟزﻣﺎن‪ ،‬ﻟم ﯾﻘدر‬
‫اﻟﺧﺻم ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﺣدوث زﻣﺎن ﻻ "ﻗﺑل" ﻟﮫ‪ ،‬وﺧﻼف اﻟﻣﻌﺗﻘد ﯾﻣﻛن وﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوھم ﺗﻘدﯾراً وﻓرﺿﺎ ً‪ .‬وھذا‬
‫ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن وﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوھم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬ﻓﺈن ﻣن ﯾﻌﺗﻘد ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺟﺳم وﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﻛل واﺣد ﯾﻌﺟز ﻋن‬
‫ﺗﻘدﯾر ﺟﺳم ﻟﯾس وراءه ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء‪ ،‬ﺑل ﻻ ﯾذﻋن وھﻣﮫ ﻟﻘﺑول ذﻟك‪.‬‬
‫وھذا ھو ﺳﺑب اﻟﻐﻠط‬
‫وﻟﻛن ﻗﯾل‪ :‬ﺻرﯾﺢ اﻟﻌﻘل إذا ﻟم ﯾﻣﻧﻊ وﺟود ﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎه ﺑﺣﻛم اﻟدﻟﯾل ﻻ ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ اﻟوھم‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﺻرﯾﺢ اﻟﻌﻘل ﻻ‬
‫ﯾﻣﻧﻊ وﺟوداً ﻣﻔﺗﺗﺣﺎ ً ﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ ﺷﻲء‪ .‬وإن ﻗﺻر اﻟوھم ﻋﻧﮫ ﻓﻼ ﯾﻠﺗﻔت إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻷن اﻟوھم‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺄﻟف ﺟﺳﻣﺎ ً ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎ ً‬
‫إﻻ وﺑﺟﻧﺑﮫ ﺟﺳم آﺧر أو ھواء ﺗﺧﯾﻠﮫ ﺧﻼء‪ ،‬ﻟم ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻐﺎﺋب‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﻟم ﯾﺄﻟف اﻟوھم ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻻ ﺑﻌد‬
‫ﺷﻲء آﺧر‪ ،‬ﻓﻛﺎع ﻋن ﺗﻘدﯾر ﺣﺎدث ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻗﺑل" ھو ﺷﻲء ﻣوﺟود ﻗد اﻧﻘﺿﻰ‪ .‬ﻓﮭذا ھو ﺳﺑب اﻟﻐﻠط‪ ،‬واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‬
‫ﺣﺎﺻﻠﺔ ﺑﮭذه اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ‪.‬‬
‫ﺻﯾﻐﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻟﮭم ﻓﻲ إﻟزام ﻗدم اﻟزﻣﺎن‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗﺑل أن ﺧﻠﻘﮫ ﺑﻘدر ﺳﻧﯾن‪...‬‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ ﺷك ﻓﻲ أن ﷲ ﻋﻧدﻛم ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل أن ﺧﻠﻘﮫ ﺑﻘدر ﺳﻧﺔ وﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ وأﻟف ﺳﻧﺔ‪،‬‬
‫وإن ھذه اﻟﺗﻘدﯾرات ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻘدار واﻟﻛﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﺛﺑﺎت ﺷﻲء ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﺗد ﻣﻘدر ﺑﻌﺿﮫ أﻣد‬
‫وأطول ﻣن اﻟﺑﻌض‪.‬‬
‫‪ ...‬أو أن ﯾﺧﻠق ﻗﺑﻠﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣﺛﻠﮫ‬
‫ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ھذا ﺑﻘدر ﻋدد أﻛﺛر ﻣن اﻟدورات وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻻ ﯾﻣﻛن إطﻼق ﻟﻔظ ﺳﻧﯾن إﻻ ﺑﻌد ﺣدوث‬
‫اﻟﻔﻠك ودوره ﻓﻠﻧﺗرك ﻟﻔظ ﺳﻧﯾن وﻟﻧورد ﺻﯾﻐﺔ أﺧرى ﻓﻧﻘول‪ :‬إذا ﻗدرﻧﺎ أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن أول وﺟوده ﻗد دار ﻓﻠﻛﮫ‬
‫إﻟﻰ اﻵن ﺑﺄﻟف دورة ﻣﺛﻼً‪ ،‬ﻓﮭل ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻗﺑﻠﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣﺛﻠﮫ ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ھذا‬
‫ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻓﻛﺄﻧﮫ اﻧﻘﻠب اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻌﺟز إﻟﻰ اﻟﻘدرة أو اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬وﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻓﮭل ﻛﺎن ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻟﺛﺎ ً ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ‬
‫دورة؟ وﻻ ﺑد ﻣن ﻧﻌم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﮭﻧﺎك ﻣﻘدار ﻣﻌﻠوم‪...‬‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ھذا اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺑﺣﺳب ﺗرﺗﯾﺑﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻘدﯾر ﺛﺎﻟﺛﺎً‪ ،‬وإن ﻛﺎن ھو اﻷﺳﺑق‪ ،‬ﻓﮭل أﻣﻛن ﺧﻠﻘﮫ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻟذي ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺛﺎﻧﯾﺎ ً وﻛﺎن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ دورة واﻵﺧر ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة وھﻣﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻓﻲ ﻣﺳﺎﻓﺔ‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ وﺳرﻋﺗﮭﺎ؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺗﺳﺎوى ﺣرﻛﺗﺎن ﻓﻲ اﻟﺳرﻋﺔ واﻟﺑطء ﺛم ﺗﻧﺗﮭﯾﺎن‬
‫إﻟﻰ وﻗت واﺣد‪ ،‬واﻷﻋداد ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ‪ .‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ دورة ﻻ ﯾﻣﻛن أن‬
‫ﯾﺧﻠق ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة‪ ،‬ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺧﻠﻘﮫ ﻗﺑﻠﮫ ﺑﻣﻘدار ﯾﺳﺎوي اﻟﻣﻘدار اﻟذي‬
‫ﺗﻘدم اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻷول‪ ،‬وﺳﻣﯾﻧﺎ اﻷول ﻣﺎ ھو أﻗرب إﻟﻰ وھﻣﻧﺎ‪ ،‬إذ ارﺗﻘﯾﻧﺎ ﻣن وﻗﺗﻧﺎ إﻟﯾﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘدﯾر‪،‬‬
‫ﻓﯾﻛون ﻗدر إﻣﻛﺎن ھو ﺿﻌف إﻣﻛﺎن آﺧر‪ ،‬وﻻ ﺑد ﻣن إﻣﻛﺎن آﺧر ھو ﺿﻌف اﻟﻛل‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻓﮭﻧﺎك زﻣﺎن‬
‫ﻓﮭذا اﻹﻣﻛﺎن اﻟﻣﻘدر اﻟﻣﻛﻣم اﻟذي ﺑﻌﺿﮫ أطول ﻣن اﻟﺑﻌض ﺑﻣﻘدار ﻣﻌﻠوم ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ إﻻ اﻟزﻣﺎن‪ ،‬ﻓﻠﯾﺳت ھذه‬
‫اﻟﻛﻣﯾﺎت اﻟﻣﻘدرة ﺻﻔﺔ ذات اﻟﺑﺎري ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن اﻟﺗﻘدﯾر وﻻ ﺻﻔﺔ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬إذ اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺷﯾﺋﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻘدر‬
‫ﺑﻣﻘﺎدﯾر ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬واﻟﻛﻣﯾﺔ ﺻﻔﺔ ﻓﺗﺳﺗدﻋﻰ ذا ﻛﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻟﯾس ذﻟك إﻻ اﻟﺣرﻛﺔ‪ ،‬واﻟﻛﻣﯾﺔ إﻻ اﻟزﻣﺎن اﻟذي ھو ﻗدر‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ‪ .‬ﻓﺈذن ﻗﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدﻛم ﺷﻲء ذو ﻛﻣﯾﺔ ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ وھو اﻟزﻣﺎن‪ .‬ﻓﻘﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدﻛم زﻣﺎن‪.‬‬
‫اﻋﺗراض وﻛذﻟك‪ ،‬ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء أو ﻣﻼء‪...‬‬
‫اﻻﻋﺗراض أن ﻛل ھذا ﻣن ﻋﻣل اﻟوھم‪ ،‬وأﻗرب طرﯾق ﻓﻲ دﻓﻌﮫ اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠزﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ھل ﻛﺎن‬
‫ﻓﻲ ﻗدرة ﷲ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺳﻣﻛﮫ أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ﺧﻠﻘﮫ ﺑذراع؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻓﮭو ﺗﻌﺟﯾز‪ .‬وإن ﻗﺎﻟوا‪:‬‬
‫ﻧﻌم‪ ،‬ﻓﺑذراﻋﯾن وﺛﻼﺛﺔ أذرع‪ ،‬وﻛذﻟك ﯾرﺗﻘﻲ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬وﻧﻘول‪ :‬ﻓﻲ ھذا إﺛﺑﺎت "ﺑﻌد" وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻟﮫ ﻣﻘدار‬
‫وﻛﻣﯾﺔ‪ ،‬إذ اﻷﻛﺑر ﺑذراﻋﯾن ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺷﻐل ﻣﺎ ﯾﺷﻐﻠﮫ اﻷﻛﺑر ﺑذراع‪ ،‬ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺣﻛم ھذا ﻛﻣﯾﺔ ﻓﺗﺳﺗدﻋﻲ ذاﻛم‬
‫وھو اﻟﺟﺳم أو اﻟﺧﻼء‪ .‬ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء أو ﻣﻼء‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﺟواب ﻋﻧﮫ؟‬
‫‪ ...‬ﻓﯾﻛون اﻟﺧﻼء ﻣﻘداراً‬
‫وﻛذﻟك ھل ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻛرة اﻟﻌﺎﻟم أﺻﻐر ﻣﻣﺎ ﺧﻠﻘﮫ ﺑذراع ﺛم ﺑذراﻋﯾن؟ وھل ﺑﯾن اﻟﺗﻘدﯾرﯾن‬
‫ﺗﻔﺎوت ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﺗﻔﻲ ﻣن اﻟﻣﻼء واﻟﺷﻐل ﻟﻸﺣﯾﺎز؟ إذ اﻟﻣﻼء اﻟﻣﻧﺗﻔﻲ ﻋﻧد ﻧﻘﺻﺎن ذراﻋﯾن أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﻧﺗﻔﻲ ﻋﻧد‬
‫ﻧﻘﺻﺎن ذراع‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﺧﻼء ﻣﻘدراً‪ ،‬واﻟﺧﻼء ﻟﯾس ﺑﺷﻲء‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﻘدراً؟ وﺟواﺑﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺧﯾﯾل اﻟوھم ﺗﻘدﯾر‬
‫اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟزﻣﺎﻧﯾﺔ ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺟواﺑﻛم ﻓﻲ ﺗﺧﯾﯾل اﻟوھم ﺗﻘدﯾر اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟﻣﻛﺎﻧﯾﺔ وراء وﺟود اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻻ‬
‫ﻓرق‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛون اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر أو أﺻﻐر ﻣﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻧﺣن ﻻ ﻧﻘول‪ :‬إن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻓﮭو ﻣﻘدور‪ ،‬وﻛون اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ وﻻ أﺻﻐر ﻣﻧﮫ ﻟﯾس‬
‫ﺑﻣﻣﻛن ﻓﻼ ﯾﻛون ﻣﻘدوراً‪.‬‬
‫وﻟﻣﺎذا؟‬
‫وھذا اﻟﻌذر ﺑﺎطل ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﮫ‪ :‬أﺣدھﺎ أن ھذا ﻣﻛﺎﺑرة اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر أو أﺻﻐر ﻣﻣﺎ‬
‫ﻋﻠﯾﮫ ﺑذراع ﻟﯾس ھو ﻛﺗﻘدﯾره اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض واﻟوﺟود واﻟﻌدم‪ ،‬واﻟﻣﻣﺗﻧﻊ ھو اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ‬
‫واﻹﺛﺑﺎت‪ ،‬وإﻟﯾﮫ ﺗرﺟﻊ اﻟﻣﺣﺎﻻت ﻛﻠﮭﺎ ﻓﮭو ﺗﺣﻛم ﺑﺎرد ﻓﺎﺳد‪.‬‬
‫وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﯾﻛون واﺟﺑﺎ ً!‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ إذا ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون أﻛﺑر ﻣﻧﮫ وﻻ أﺻﻐر‪ .‬ﻓوﺟوده ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ‬
‫واﺟب ﻻ ﻣﻣﻛن‪ ،‬واﻟواﺟب ﻣﺳﺗﻐن ﻋن ﻋﻠﺔ‪ .‬ﻓﻘوﻟوا ﺑﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ اﻟدھرﯾون ﻣن ﻧﻔﻲ اﻟﺻﺎﻧﻊ وﻧﻔﻲ ﺳﺑب ھو ﻣﺳﺑب‬
‫اﻷﺳﺑﺎب‪ ،‬وﻟﯾس ھذا ﻣذھﺑﻛم‪.‬‬
‫ووﺟوده ﻗﺑل اﻟوﺟود ﻏﯾر ﻣﻣﻛن!‬
‫اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ھذا اﻟﻔﺎﺳد ﻻ ﯾﻌﺟز اﻟﺧﺻم ﻋن ﻣﻘﺎﺑﻠﺗﮫ ﺑﻣﺛﻠﮫ‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬إﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل وﺟوده ﻣﻣﻛﻧﺎ ً‬
‫ﺑل واﻓق اﻟوﺟود اﻹﻣﻛﺎن ﻣن ﻏﯾر زﯾﺎدة وﻻ ﻧﻘﺻﺎن‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻓﻘد اﻧﺗﻘل اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻘدرة إﻟﻰ اﻟﻌﺟز‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ‪،‬‬
‫ﻷن اﻟوﺟود ﻟم ﯾﻛن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻛن ﻣﻘدوراً‪ ،‬واﻣﺗﻧﺎع ﺣﺻول ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺟز‪ .‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ‬
‫ﻛﯾف ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻓﺻﺎر ﻣﻣﻛﻧﺎً؟ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺎل‪ ،‬ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺎل؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬اﻷﺣوال‬
‫ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﻗﯾل ﻟﻛم‪ :‬واﻟﻣﻘﺎدﯾر ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﻘدار ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وأﻛﺑر ﻣﻧﮫ أو أﺻﻐر ﺑﻣﻘدار ظﻔر ﻣﻣﺗﻧﻌﺎً؟ ﻓﺈن‬
‫ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ذﻟك ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ھذا‪ .‬ﻓﮭذا طرﯾﻘﺔ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ‪.‬‬
‫إن ﷲ إذا أراد ﻓﻌل‬
‫واﻟﺗﺣﻘﯾق ﻓﻲ اﻟﺟواب أن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﺗﻘدر اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠم أن ﷲ ﻗدﯾم ﻗﺎدر ﻻ ﯾﻣﺗﻧﻊ‬
‫ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻔﻌل أﺑداً ﻟو أراد‪ ،‬وﻟﯾس ﻓﻲ ھذا اﻟﻘدر ﻣﺎ ﯾوﺟب إﺛﺑﺎت زﻣﺎن ﻣﻣﺗد إﻻ أن ﯾﺿﯾف اﻟوھم ﺑﺗﻠﺑﯾﺳﮫ إﻟﯾﮫ ﺷﯾﺋﺎ ً‬
‫آﺧر‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻟث‬
‫ﻗوﻟﮭم إﻣﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن ﻣوﺟوداً‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم أﯾﺿﺎ ً ﻛﺎن ﻣوﺟوداً‬
‫ﺗﻣﺳﻛوا ﺑﺄن ﻗﺎﻟوا‪ :‬وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛن ﻗﺑل وﺟوده‪ ،‬إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﺛم ﯾﺻﯾر ﻣﻣﻛﻧﺎً‪ ،‬وھذا اﻹﻣﻛﺎن‬
‫ﻻ أول ﻟﮫ‪ ،‬أي ﻟم ﯾزل ﺛﺎﺑﺗﺎ ً وﻟم ﯾزل اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟوده‪ ،‬إذ ﻻ ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺻف اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮫ‬
‫ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟوﺟود‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل ﻓﺎﻟﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن أﯾﺿﺎ ً ﻟم ﯾزل‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻧﺎ أﻧﮫ‬
‫ﻣﻣﻛن وﺟوده أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟوده أﺑداً ﻟم ﯾﻛن ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده أﺑداً‪ ،‬وإﻻ ﻓﺈن ﻛﺎن‬
‫ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده أﺑداً ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻣﻣﻛن وﺟوده أﺑداً‪ ،‬وإن ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻣﻣﻛن وﺟوده أﺑداً ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إن‬
‫اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل‪ ،‬وإن ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل ﺻﺢ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻹﻣﻛﺎن ﻟﮫ أول‪ ،‬وإذا ﺻﺢ أن ﻟﮫ أوﻻً ﻛﺎن‬
‫ﻗﺑل ذﻟك ﻏﯾر ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﻓﯾؤدي إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺣﺎل ﻟم ﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﻻ ﻛﺎن ﷲ ﻋﻠﯾﮫ ﻗﺎدراً‪.‬‬
‫اﻋﺗراض اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾزل ﻣﻣﻛن اﻟﺣدوث‬
‫اﻻﻋﺗراض أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾزل ﻣﻣﻛن اﻟﺣدوث‪ ،‬ﻓﻼ ﺟرم ﻣﺎ ﻣن وﻗت إﻻ وﯾﺗﺻور أﺣداﺛﮫ ﻓﯾﮫ‪ ،‬وإذا ﻗدر‬
‫ﻣوﺟوداً أﺑداً ﻟم ﯾﻛن ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻛن اﻟواﻗﻊ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن ﺑل ﺧﻼﻓﮫ‪ .‬وھذا ﻛﻘوﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن وھو أن ﺗﻘدﯾر‬
‫اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو‪ ،‬أو ﺧﻠق ﺟﺳم ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛن‪ ،‬وﻛذى آﺧر ﻓوق ذﻟك اﻵﺧر‪ ،‬وھﻛذا إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬ﻓﻼ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻹﻣﻛﺎن اﻟزﯾﺎدة وﻣﻊ ذﻟك ﻓوﺟود ﻣﻼء ﻣطﻠق ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ﻏﯾر ﻣﻣﻛن‪ .‬ﻓﻛذﻟك وﺟود ﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ طرﻓﮫ ﻏﯾر‬
‫ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﺑل ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل اﻟﻣﻣﻛن ﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺳطﺢ وﻟﻛن ﻻ ﺗﺗﻌﯾن ﻣﻘﺎدﯾره ﻓﻲ اﻟﻛﺑر واﻟﺻﻐر‪ ،‬ﻓﻛذﻟك اﻟﻣﻣﻛن‬
‫اﻟﺣدوث وﻣﺑﺎدئ اﻟوﺟود ﻻ ﺗﺗﻌﯾن ﻓﻲ اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر وأﺻل ﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻣﺗﻌﯾن ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﻣﻛن ﻻ ﻏﯾر‪.‬‬
‫اﻟراﺑﻊ‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛل ﺣﺎدث ﺗﺳﺑﻘﮫ ﻣﺎدة‪...‬‬
‫وھو أﻧﮭم ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻛل ﺣﺎدث ﻓﺎﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮫ ﺗﺳﺑﻘﮫ‪ ،‬إذ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ اﻟﺣﺎدث ﻋن ﻣﺎدة‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻛون اﻟﻣﺎدة ﺣﺎدﺛﺔ‬
‫وإﻧﻣﺎ اﻟﺣﺎدث اﻟﺻور واﻷﻋراض واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻣواد‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻟﮫ‬
‫وﺑﯾﺎﻧﮫ أن ﻛل ﺣﺎدث ﻓﮭو ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود أو ﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟوﺟود أو واﺟب اﻟوﺟود‪،‬‬
‫وﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻷن اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾوﺟد ﻗط‪ ،‬وﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود ﻟذاﺗﮫ ﻓﺈن اﻟواﺟب‬
‫ﻟذاﺗﮫ ﻻ ﯾﻌدم ﻗط‪ ،‬ﻓدل أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﺈذن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺣﺎﺻل ﻟﮫ ﻗﺑل وﺟوده‪ ،‬وإﻣﻛﺎن اﻟوﺟود‬
‫وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﻗوام ﻟﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻣﺣل ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪ ،‬وﻻ ﻣﺣل إﻻ اﻟﻣﺎدة ﻓﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻧﻘول‪:‬‬
‫ھذه اﻟﻣﺎدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺣرارة واﻟﺑرودة أو اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض أو اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺳﻛون‪ ،‬أي ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ ﺣدوث ھذه اﻟﻛﯾﻔﯾﺎت‬
‫وطرﯾﺎن ھذه اﻟﺗﻐﯾرات‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن وﺻﻔﺎ ً ﻟﻠﻣﺎدة‪ .‬واﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﻣﺎدة‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣدث‪ ،‬إذ ﻟو‬
‫ﺣدﺛت ﻟﻛﺎن إﻣﻛﺎن وﺟودھﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ وﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﺷﻲء‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮫ‬
‫وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫ﻣﻌﻧﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻘدوراً‪...‬‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل إن ﻣﻌﻧﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻘدوراً وﻛون اﻟﻘدﯾم ﻗﺎدراً ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌرف ﻛون‬
‫اﻟﺷﻲء ﻣﻘدوراً إﻻ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ھو ﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻣﻣﻛن‪ ،‬وﻟﯾس ﺑﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ‪:‬‬
‫ھو ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ أﻧﮫ ﻣﻘدور‪ ،‬ﻓﻛﺄﻧﺎ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھو ﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻣﻘدور وﻟﯾس ﺑﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻘدور‪ ،‬وھو‬
‫ﺗﻌرﯾف اﻟﺷﻲء ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬ﻓدل أن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻗﺿﯾﺔ أﺧرى ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ظﺎھرة ﺑﮭﺎ ﺗﻌرف اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وھو ﻛوﻧﮫ‬
‫ﻣﻘدوراً‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً‬
‫وﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾرﺟﻊ ذﻟك إﻟﻰ ﻋﻠم اﻟﻘدﯾم ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎً‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً‪ .‬ﻓﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌﻠوم ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﻻ‬
‫ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬ﺛم ھو وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻓﻼ ﺑد ﻣن ذات ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪ ،‬وﻟﯾس إﻻ اﻟﻣﺎدة‪ .‬ﻓﻛل ﺣﺎدث ﻓﻘد ﺳﺑﻘﮫ ﻣﺎدة‪ ،‬ﻓﻠم ﺗﻛن‬
‫اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﺣﺎدﺛﺔ ﺑﺣﺎل‪.‬‬
‫اﻋﺗراض اﻹﻣﻛﺎن ھو ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل وھو ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً‪...‬‬
‫اﻻﻋﺗراض أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻹﻣﻛﺎن اﻟذي ذﻛروه ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل‪ .‬ﻓﻛل ﻣﺎ ﻗدر اﻟﻌﻘل وﺟوده ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﺗﻘدﯾره ﺳﻣﯾﻧﺎه ﻣﻣﻛﻧﺎً‪ ،‬وإن اﻣﺗﻧﻊ ﺳﻣﯾﻧﺎه ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﻋدﻣﮫ ﺳﻣﯾﻧﺎه واﺟﺑﺎ ً‪ .‬ﻓﮭذه ﻗﺿﺎﯾﺎ‬
‫ﻋﻘﻠﯾﺔ ﻻ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣوﺟود ﺣﺗﻰ ﺗﺟﻌل وﺻﻔﺎ ً ﻟﮫ‪ .‬ﺑدﻟﯾل ﺛﻼﺛﺔ أﻣور‪:‬‬
‫‪ ...‬ﻛذﻟك اﻻﻣﺗﻧﺎع‬
‫أﺣدھﺎ أن اﻹﻣﻛﺎن ﻟو اﺳﺗدﻋﻰ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ وﯾﻘﺎل إﻧﮫ إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻻﺳﺗدﻋﻰ اﻻﻣﺗﻧﺎع ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﯾﻘﺎل‬
‫إﻧﮫ اﻣﺗﻧﺎﻋﮫ‪ ،‬وﻟﯾس ﻟﻠﻣﻣﺗﻧﻊ وﺟود ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻻ ﻣﺎدة ﯾطرى ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻣﺣﺎل ﺣﺗﻰ ﯾﺿﺎف اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة‪.‬‬
‫إﻣﻛﺎن اﻟﺳواد‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﯾﻘﺿﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﯾﮭﻣﺎ ﻗﺑل وﺟودھﻣﺎ ﺑﻛوﻧﮭﻣﺎ ﻣﻣﻛﻧﯾن‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ھذا اﻹﻣﻛﺎن ﻣﺿﺎﻓﺎ ً‬
‫إﻟﻰ اﻟﺟﺳم اﻟذي ﯾطرﯾﺎن ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل ﻣﻌﻧﺎه إن ھذا اﻟﺟﺳم ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳود وأن ﯾﺑﯾض‪ ،‬ﻓﺈذن ﻟﯾس اﻟﺑﯾﺎض‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﻻ ﻟﮫ ﻧﻌت اﻹﻣﻛﺎن‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻣﻛن اﻟﺟﺳم واﻹﻣﻛﺎن ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻣﺎ ﺣﻛم ﻧﻔس اﻟﺳواد‬
‫ﻓﻲ ذاﺗﮫ أو ھو ﻣﻣﻛن أو واﺟب أو ﻣﻣﺗﻧﻊ‪ ،‬وﻻ ﺑد ﻣن اﻟﻘول ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﻓدل أن اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻘﺿﯾﺔ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﻻ‬
‫ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ وﺿﻊ ذات ﻣوﺟود ﯾﺿﯾف إﻟﯾﮫ اﻹﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫إﻣﻛﺎن اﻟﻧﻔوس‬
‫واﻟﺛﺎﻟث أن ﻧﻔوس اﻵدﻣﯾﯾن ﻋﻧدھم ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻣﺎدة وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﻣﺎدة‪ .‬وھﻲ ﺣﺎدﺛﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻣﺣﻘﻘون ﻣﻧﮭم‪ ،‬وﻟﮭﺎ إﻣﻛﺎن ﻗﺑل ﺣدوﺛﮭﺎ وﻟﯾس ﻟﮭﺎ ذات وﻻ ﻣﺎدة‪ .‬ﻓﺈﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﺻف‬
‫إﺿﺎﻓﻲ وﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر وإﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬ﻓﺈﻟﻰ ﻣﺎذا ﯾرﺟﻊ؟ ﻓﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﮭم ھذا اﻹﺷﻛﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻹﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﺑﻘﺿﺎء اﻟﻌﻘل‬
‫ﻓﺈذا ﻗدر ﻋدم اﻟﻘﺿﺎء‪ ،‬ﻟم ﯾزل اﻹﻣﻛﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬رد اﻹﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل ﻣﺣﺎل‪ ،‬إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘﺿﺎء اﻟﻌﻘل إﻻ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﺎﻹﻣﻛﺎن ﻣﻌﻠوم وھو‬
‫ﻏﯾر اﻟﻌﻠم‪ ،‬ﺑل اﻟﻌﻠم ﯾﺣﯾط ﺑﮫ وﯾﺗﺑﻌﮫ وﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو‪ ،‬واﻟﻌﻠم ﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮫ ﻟم ﯾﻧﻌدم اﻟﻣﻌﻠوم‪ .‬واﻟﻣﻌﻠوم‬
‫إذا ﻗدر اﻧﺗﻔﺎؤه اﻧﺗﻔﻰ اﻟﻌﻠم‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌﻠوم أﻣران اﺛﻧﺎن أﺣدھﻣﺎ ﺗﺎﺑﻊ واﻵﺧر ﻣﺗﺑوع‪ .‬وﻟو ﻗدرﻧﺎ إﻋراض‬
‫اﻟﻌﻘﻼء ﻋن ﺗﻘدﯾر اﻹﻣﻛﺎن وﻏﻔﻠﺗﮭم ﻋﻧﮫ ﻟﻛﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻻ ﯾرﺗﻔﻊ اﻹﻣﻛﺎن ﺑل اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻓﻲ أﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬وﻟﻛن اﻟﻌﻘول‬
‫ﻏﻔﻠت ﻋﻧﮭﺎ أو ﻋدﻣت اﻟﻌﻘول واﻟﻌﻘﻼء‪ .‬ﻓﯾﺑﻘﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻼﻣﺗﻧﺎع ﻣوﺿوع‪...‬‬
‫وأﻣﺎ اﻷﻣور اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻓﻼ ﺣﺟﺔ ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻻﻣﺗﻧﺎع أﯾﺿﺎ ً وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣوﺟوداً ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪ .‬وﻣﻌﻧﻰ‬
‫اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺿدﯾن‪ ،‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻣﺣل أﺑﯾض ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺳود ﻣﻊ وﺟود اﻟﺑﯾﺎض‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن‬
‫ﻣوﺿوع ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮫ ﻣوﺻوف ﺑﺻﻔﺔ‪ .‬ﻓﻌﻧد ذﻟك ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺿده ﻣﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻻﻣﺗﻧﺎع وﺻﻔﺎ ً إﺿﺎﻓﯾﺎ ً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً‬
‫ﺑﻣوﺿوع ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟوﺟوب ﻓﻼ ﯾﺧﻔﻰ أﻧﮫ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟوﺟود اﻟواﺟب‪.‬‬
‫وﻹﻣﻛﺎن اﻟﺳواد ﻣوﺿوع‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬وھو ﻛون اﻟﺳواد ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎً‪ ،‬ﻓﻐﻠط‪ .‬ﻓﺈﻧﮫ إن أﺧذ ﻣﺟرداً دون ﻣﺣل ﯾﺣﻠﮫ ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻻ‬
‫ﻣﻣﻛﻧﺎ ً‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﯾﺻﯾر ﻣﻣﻛﻧﺎ ً إذا ﻗدر ھﯾﺋﺔ ﻓﻲ ﺟﺳم‪ .‬ﻓﺎﻟﺟﺳم ﻣﮭﯾﺄ ﻟﺗﺑدل ھﯾﺋﺔ‪ ،‬واﻟﺗﺑدل ﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺳم‪ ،‬وإﻻ‬
‫ﻓﻠﯾس ﻟﻠﺳواد ﻧﻔس ﻣﻔردة ﺣﺗﻰ ﯾوﺻف ﺑﺈﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫وﻹﻣﻛﺎن اﻟﻧﻔوس ﻣوﺿوع‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬وھو اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻗدﯾﻣﺔ ﻋﻧد ﻓرﯾق وﻟﻛن ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ھذا‪ .‬وﻣن ﺳﻠم‬
‫ﺣدوﺛﮫ ﻓﻘد اﻋﺗﻘد ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم أﻧﮫ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻣزاج‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ دل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﻼم ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻓﻲ ﺑﻌض‬
‫اﻟﻣواﺿﻊ‪ ،‬ﻓﺗﻛون ﻓﻲ ﻣﺎدة وإﻣﻛﺎﻧﮭﺎ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻣﺎدﺗﮭﺎ‪ .‬وﻋﻠﻰ ﻣذھب ﻣن ﺳﻠم أﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺔ وﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻣﻌﻧﺎه أن اﻟﻣﺎدة ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ أن ﯾدﺑرھﺎ ﻧﻔس ﻧﺎطﻘﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن اﻟﺳﺎﺑق ﻋﻠﻰ اﻟﺣدوث ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﮭﺎ وإن ﻟم ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﻓﻠﮭﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﮭﺎ إذ ھﻲ اﻟﻣدﺑرة واﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن راﺟﻌﺎ ً إﻟﯾﮭﺎ ﺑﮭذا‬
‫اﻟطرﯾق‪.‬‬
‫اﻟﺟواب‬
‫اﻹﻣﻛﺎن ھو ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺻرح ﺑﺄن اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻣوﺟودة‬
‫واﻟﺟواب أن رد اﻹﻣﻛﺎن واﻟوﺟوب واﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻋﻘﻠﯾﺔ ﺻﺣﯾﺢ‪ ،‬وﻣﺎ ذﻛر ﺑﺄن ﻣﻌﻧﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل ﻋﻠم‬
‫واﻟﻌﻠم ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً‪ .‬ﻓﻧﻘول ﻟﮫ‪ :‬ﻣﻌﻠوم ﻛﻣﺎ أن اﻟﻠوﻧﯾﺔ واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ وﺳﺎﺋر ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻋﻧدھم‪،‬‬
‫وھﻲ ﻋﻠوم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻻ ﻣﻌﻠوم ﻟﮭﺎ‪ ،‬وﻟﻛن ﻻ وﺟود ﻟﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﺻرح اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن اﻟﻛﻠﯾﺎت‬
‫ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷذھﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن‪ .‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن ﺟزﺋﯾﺎت ﺷﺧﺻﯾﺔ وھﻲ ﻣﺣﺳوﺳﺔ ﻏﯾر‬
‫ﻣﻌﻘوﻟﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺳﺑب ﻷن ﯾﻧﺗزع اﻟﻌﻘل ﻣﻧﮭﺎ ﻗﺿﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻋﻘﻠﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈذن اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻗﺿﯾﺔ ﻣﻔردة ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻘل ﺳوى اﻟﺳوادﯾﺔ واﻟﺑﯾﺎﺿﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻟون ﻟﯾس ﺑﺳواد وﻻ ﺑﯾﺎض وﻻ ﻏﯾره ﻣن اﻷﻟوان‪،‬‬
‫وﯾﺛﺑت ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﺻورة اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻣن ﻏﯾر ﺗﻔﺻﯾل‪ ،‬وﯾﻘﺎل‪ :‬ھﻲ ﺻورة وﺟودھﺎ ﻓﻲ اﻷذھﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن‪ .‬ﻓﺈن‬
‫ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ ھذا ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه‪.‬‬
‫ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﻌﺎﻗل‪...‬‬
‫وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﻌﻘﻼء أو ﻏﻔﻠﺗﮭم ﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﯾﻧﻌدم‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬وﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮭم ھل ﻛﺎﻧت اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ‬
‫اﻟﻛﻠﯾﺔ وھﻲ اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع ﺗﻧﻌدم؟ ﻓﺈذا ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ إﻻ ﻗﺿﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘول‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻹﻣﻛﺎن‪ ،‬وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﺑﺎﺑﯾن‪ .‬وإن زﻋﻣوا أﻧﮭﺎ ﺗﻛون ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ اﻹﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﺎﻹﻟزام واﻗﻊ‬
‫واﻟﻣﻘﺻود إظﮭﺎر ﺗﻧﺎﻗض ﻛﻼﻣﮭم‪.‬‬
‫اﻣﺗﻧﺎع وﺟود ﺷرﯾك‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻌذر ﻋن اﻻﻣﺗﻧﺎع ﺑﺄﻧﮫ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة اﻟﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺷﻲء إذ ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﺿده‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻛل ﻣﺣﺎل ﻛذﻟك‬
‫ﻓﺈن وﺟود ﺷرﯾك ﻣﺣﺎل‪ ،‬وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎدة ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ اﻻﻣﺗﻧﺎع‪ .‬ﻓﺈن زﻋﻣوا أن ﻣﻌﻧﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷرﯾك أن‬
‫اﻧﻔراد ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑذاﺗﮫ وﺗوﺣده واﺟب واﻻﻧﻔراد ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻟﯾس واﺟب‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟود ﻣﻌﮫ ﻓﻠﯾس‬
‫ﻣﻧﻔرداً‪ .‬ﻓﺈن زﻋﻣوا أن اﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر واﺟب وﻧﻘﯾض اﻟواﺟب ﻣﻣﺗﻧﻊ‪ ،‬وھو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻧﻌﻧﻲ أن‬
‫اﻧﻔراد ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ﻟﯾس ﻛﺎﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر‪ ،‬ﻓﺈن اﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر واﺟب واﻧﻔراده ﻋن اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻏﯾر‬
‫واﺟب‪ ،‬ﻓﻧﺗﻛﻠف إﺿﺎﻓﺔ اﻹﻣﻛﺎن إﻟﯾﮫ ﺑﮭذه اﻟﺣﯾﻠﺔ ﻛﻣﺎ ﺗﻛﻠﻔوه ﻓﻲ رد اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ ذاﺗﮫ ﺑﻘﻠب ﻋﺑﺎرة اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ‬
‫اﻟوﺟوب ﺛم ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ اﻻﻧﻔراد إﻟﯾﮫ ﺑﻧﻌت اﻟوﺟوب‪.‬‬
‫اﻟﺳواد ھو ﻓﻲ اﻟﻌﻘل‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻌذر ﻋن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻧﻔس ﻟﮫ وﻻ ذات ﻣﻧﻔرداً‪ ،‬إن ﻋﻧﻲ ﺑذﻟك ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻓﻧﻌم‪ ،‬وإن ﻋﻧﻲ‬
‫ﺑذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﻼ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﯾﻌﻘل اﻟﺳواد اﻟﻛﻠﻲ وﯾﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫وھو ﻓﻲ اﻟﺣق ﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل وإﻟﻰ اﻟﻣﺎدة‬
‫ﺛم اﻟﻌذر ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻓﺈن ﻟﮭﺎ ذواﺗﺎ ً ﻣﻔردة وإﻣﻛﺎﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدوث‪ ،‬وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎ ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻟﻣﺎدة ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ أن ﯾدﺑرھﺎ اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﻓﮭذه إﺿﺎﻓﺔ ﺑﻌﯾدة‪ .‬ﻓﺈن اﻛﺗﻔﯾﺗم ﺑﮭذا ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣﻌﻧﻰ‬
‫إﻣﻛﺎن اﻟﺣﺎدث أن اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﯾﮭﺎ ﯾﻣﻛن ﻓﻲ ﺣﻘﮫ أن ﯾﺣدﺛﮭﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻛون إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﯾﮫ‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ أﻧﮫ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺑدن اﻟﻣﻧﻔﻌل‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮫ‪ .‬وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل واﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻔﻌل‬
‫إذا ﻟم ﯾﻛن اﻧطﺑﺎع ﻓﻲ اﻟﻣوﺿﻌﯾن‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻗﺎﺑﻠﺗم اﻹﺷﻛﺎﻻت ﺑﺎﻹﺷﻛﺎﻻت‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﻘد ﻋوﻟﺗم ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻻﻋﺗراﺿﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻹﺷﻛﺎﻻت ﺑﺎﻹﺷﻛﺎﻻت وﻟم ﺗﺣﻠوا ﻣﺎ أوردوه ﻣن‬
‫اﻹﺷﻛﺎل‪،‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺑﯾن ﻓﺳﺎد اﻟﻛﻼم‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺑﯾن ﻓﺳﺎد اﻟﻛﻼم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﯾﻧﺣل وﺟﮫ اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ واﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ‪ .‬وﻧﺣن ﻟم‬
‫ﻧﻠﺗزم ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب إﻻ ﺗﻛدﯾر ﻣذھﺑﮭم واﻟﺗﻐﺑﯾر ﻓﻲ وﺟوه أدﻟﺗﮭم ﺑﻣﺎ ﻧﺑﯾن ﺗﮭﺎﻓﺗﮭم‪ .‬وﻟم ﻧﺗطرق اﻟذب ﻋن‬
‫ﻣذھب ﻣﻌﯾن ﻓﻠم ﻧﺧرج ﻟذﻟك ﻋن ﻣﻘﺻود اﻟﻛﺗﺎب‪ ،‬وﻻ ﻧﺳﺗﻘﺻﻲ اﻟﻘول ﻓﻲ اﻷدﻟﺔ اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدث إذ ﻏرﺿﻧﺎ‬
‫إﺑطﺎل دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻘدم‪.‬‬
‫إﺛﺑﺎت اﻟﻣذھب اﻟﺣق ﯾﻛون ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻗواﻋد اﻟﻌﻘﺎﺋد‬
‫وأﻣﺎ إﺛﺑﺎت اﻟﻣذھب اﻟﺣق ﻓﺳﻧﺻﻧف ﻓﯾﮫ ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﺑﻌد اﻟﻔراغ ﻣن ھذا إن ﺳﺎﻋد اﻟﺗوﻓﯾق إن ﺷﺎء ﷲ وﻧﺳﻣﯾﮫ ﻗواﻋد‬
‫اﻟﻌﻘﺎﺋد‪ ،‬وﻧﻌﺗﻧﻲ ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻹﺛﺑﺎت ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻧﯾﻧﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺎﻟﮭدم‪ ،‬وﷲ أﻋﻠم‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ أﺑدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن واﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓرع اﻷوﻟﻰ‪...‬‬
‫ﻟﯾﻌﻠم أن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓرع اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدھم ﻛﻣﺎ أﻧﮫ أزﻟﻲ ﻻ ﺑداﯾﺔ ﻟوﺟوده ﻓﮭو أﺑدي ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻵﺧره‪،‬‬
‫وﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﺳﺎده وﻓﻧﺎؤه ﺑل ﻟم ﯾزل ﻛذﻟك وﻻ ﯾزال أﯾﺿﺎ ً ﻛذﻟك‪.‬‬
‫واﻷدﻟﺔ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرت ﻻ ﺗزال ﺟﺎرﯾﺔ‬
‫وأدﻟﺗﮭم اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎھﺎ ﻓﻲ اﻷزﻟﯾﺔ ﺟﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﺑدﯾﺔ‪ ،‬واﻻﻋﺗراض ﻛﺎﻻﻋﺗراض ﻣن ﻏﯾر ﻓرق‪ .‬ﻓﺈﻧﮭم‬
‫ﯾﻘوﻟون‪ :‬إن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻌﻠول ﻋﻠﺗﮫ أزﻟﯾﺔ أﺑدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻛﺎن اﻟﻣﻌﻠول ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ‪ .‬وﯾﻘوﻟون‪ :‬إذا ﻟم ﺗﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠﺔ ﻟم ﯾﺗﻐﯾر‬
‫اﻟﻣﻌﻠول‪ .‬وﻋﻠﯾﮫ ﺑﻧوا ﻣﻧﻊ اﻟﺣدوث‪ ،‬وھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺟﺎر ﻓﻲ اﻻﻧﻘطﺎع‪ .‬وھذا ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻷول‪.‬‬
‫اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫وﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﻌﺎﻟم إذا ﻋدم ﻓﯾﻛون ﻋدﻣﮫ ﺑﻌد وﺟوده‪ ،‬ﻓﯾﻛون ﻟﮫ ﺑﻌد ﻓﻔﯾﮫ إﺛﺑﺎت اﻟزﻣﺎن‪.‬‬
‫اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻟث‬
‫وھو ﻓﺎﺳد ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺑﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟم أﺑداً‪ :‬وﯾﻌرف اﻟواﻗﻊ ﻣن اﻟﺷرع‬
‫وﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻟث إن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻻ ﯾﻧﻘطﻊ‪ .‬ﻓﻛذﻟك اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﻛن ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن‪ .‬إﻻ أن‬
‫ھذا اﻟدﻟﯾل ﻻ ﯾﻘوى‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون أزﻟﯾﺎ ً وﻻ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون أﺑدﯾﺎ ً ﻟو أﺑﻘﺎه ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺑد‪ ،‬إذاً ﻟﯾس ﻣن‬
‫ﺿرورة اﻟﺣﺎدث أن ﯾﻛون ﻟﮫ آﺧر‪ ،‬وﻣن ﺿرورة اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎ ً وأن ﯾﻛون ﻟﮫ أول‪ .‬وﻟم ﯾوﺟب أن‬
‫ﯾﻛون ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ آﺧر إﻻ أﺑو اﻟﮭذﯾل اﻟﻌﻼف‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻗﺎل‪ :‬ﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ دورات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‬
‫ﻓﻛذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل‪ ،‬وھو ﻓﺎﺳد ﻷن ﻛل اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻗط ﻻ ﯾدﺧل ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻻ ﻣﺗﻼﺣﻘﺎ ً وﻻ ﻣﺗﺳﺎوﻗﺎً‪ ،‬واﻟﻣﺎﺿﻲ‬
‫ﻗد دﺧل ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻣﺗﻼﺣﻘﺎ ً وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﺗﺳﺎوﻗﺎ ً‪ .‬وإذا ﺗﺑﯾن أﻧﺎ ﻻ ﻧﺑﻌد ﺑﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟم أﺑداً ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﻘل ﺑل‬
‫ﻧﺟوز ﺑﻘﺎءه وإﻓﻧﺎءه‪ ،‬ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﻌرف اﻟواﻗﻊ ﻣن ﻗﺳﻣﻲ اﻟﻣﻣﻛن ﺑﺎﻟﺷرع ﻓﻼ ﯾﺗﻌﻠق اﻟﻧظر ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻟﻣﻌﻘول‪.‬‬
‫اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟراﺑﻊ‬
‫وأﻣﺎ ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟراﺑﻊ ﻓﮭو ﺟﺎر‪ ،‬ﻷﻧﮭم ﯾﻘوﻟون‪ :‬إذا ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻘﻲ إﻣﻛﺎن وﺟوده‪ ،‬إذ اﻟﻣﻣﻛن ﻻ ﯾﻧﻘﻠب ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً‪،‬‬
‫وھو وﺻف إﺿﺎﻓﻲ‪ .‬ﻓﯾﻔﺗﻘر ﻛل ﺣﺎدث ﺑزﻋﻣﮭم إﻟﻰ ﻣﺎدة ﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬وﻛل ﻣﻧﻌدم ﻓﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻣﺎدة ﯾﻧﻌدم ﻋﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻣواد واﻷﺻول ﻻ ﺗﻧﻌدم وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﻌدم اﻟﺻور واﻷﻋراض اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺟواب ﻣﺎ ﺳﺑق‪ ،‬وﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ دﻟﯾﻼن آﺧران‬
‫واﻟﺟواب ﻋن اﻟﻛل ﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫وإﻧﻣﺎ أﻓردﻧﺎ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻷن ﻟﮭم ﻓﯾﮭﺎ دﻟﯾﻠﯾن آﺧرﯾن‪:‬‬
‫اﻷول دﻟﯾل ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻻ ﯾظﮭر أن اﻟﺷﻣس ﻻ ﺗﻘﺑل اﻻﻧﻌدام‬
‫ﻣﺎ ﺗﻣﺳك ﺑﮫ ﺟﺎﻟﯾﻧوس إذ ﻗﺎل‪ :‬ﻟو ﻛﺎن اﻟﺷﻣس ﻣﺛﻼً ﺗﻘﺑل اﻻﻧﻌدام ﻟظﮭر ﻓﯾﮭﺎ ذﺑول ﻓﻲ ﻣدة ﻣدﯾدة‪ ،‬واﻷرﺻﺎد‬
‫اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘدارھﺎ ﻣﻧذ آﻻف ﺳﻧﯾن ﻻ ﺗدل إﻻ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻣﻘدار‪ ،‬ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﺗذﺑل ﻓﻲ ھذه اﻵﻣﺎد اﻟطوﯾﻠﺔ دل أﻧﮭﺎ ﻻ‬
‫ﺗﻔﺳد‪.‬‬
‫اﻻﻋﺗراض ﻣن اﻟوﺟﮫ اﻷول ﻟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻔﺳد ﺑﻐﯾر طرﯾق اﻟذﺑول ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺑﻐﺗﺔ اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟوه‪:‬‬
‫اﻷول إن ﺷﻛل ھذا اﻟدﻟﯾل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إن ﻛﺎن اﻟﺷﻣس ﺗﻔﺳد ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻠﺣﻘﮭﺎ ذﺑول‪ ،‬ﻟﻛن اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺎﻟﻣﻘدم‬
‫ﻣﺣﺎل‪ ،‬وھو ﻗﯾﺎس ﯾﺳﻣﻰ ﻋﻧدھم اﻟﺷرطﻲ اﻟﻣﺗﺻل‪ ،‬وھذه اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﻏﯾر ﻻزﻣﺔ ﻷن اﻟﻣﻘدم ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺎ ﻟم‬
‫ﯾﺿف إﻟﯾﮫ ﺷرط آﺧر وھو ﻗوﻟﮫ‪ :‬إن ﻛﺎن ﺗﻔﺳد ﻓﻼ ﺑد وأن ﺗذﺑل‪ ،‬ﻓﮭذا اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻠزم ھذا اﻟﻣﻘدم إﻻ ﺑزﯾﺎدة ﺷرط‬
‫وھو أن ﻧﻘول‪ :‬إن ﻛﺎن ﺗﻔﺳد ﻓﺳﺎداً ذﺑوﻟﯾﺎ ً ﻓﻼ ﺑد وأن ﺗذﺑل ﻓﻲ طول اﻟﻣدة‪ .‬أو ﯾﺑﯾن أﻧﮫ ﻻ ﻓﺳﺎد ﺑطرﯾق اﻟذﺑول‬
‫ﺣﺗﻰ ﯾﻠزم اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻟﻠﻣﻘدم‪ .‬وﻻ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﺳد اﻟﺷﻲء إﻻ ﺑﺎﻟذﺑول‪ ،‬ﺑل اﻟذﺑول أﺣد وﺟوه اﻟﻔﺳﺎد‪ .‬وﻻ ﯾﺑﻌد أن‬
‫ﯾﻔﺳد اﻟﺷﻲء ﺑﻐﺗﺔ وھو ﻋﻠﻰ ﺣﺎل ﻛﻣﺎﻟﮫ‪.‬‬
‫اﻻﻋﺗراض ﻣن اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻔﺳﺎد ﻻ ﯾظﮭر ﻟﻠﺣس اﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﻟو ﺳﻠم ﻟﮫ ھذا وأﻧﮫ ﻻ ﻓﺳﺎد إﻻ ﺑﺎﻟذﺑول‪ ،‬ﻓﻣن أﯾن‬
‫ﻋرف أﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌﺗرﯾﮭﺎ اﻟذﺑول؟ وأﻣﺎ اﻟﺗﻔﺎﺗﮫ إﻟﻰ اﻷرﺻﺎد ﻓﻣﺣﺎل ﻷﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌرف ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘرﯾب‪.‬‬
‫واﻟﺷﻣس اﻟﺗﻲ ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻷرض ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺑﻌﯾن ﻣرة أو ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣﻧﮫ ﻟو ﻧﻘص ﻣﻧﮭﺎ ﻣﻘدار ﺟﺑﺎل ﻣﺛﻼً ﻟﻛﺎن ﻻ‬
‫ﯾﺑﯾن ﻟﻠﺣس‪ ،‬ﻓﻠﻌﻠﮭﺎ ﻓﻲ اﻟذﺑول‪ ،‬وإﻟﻰ اﻵن ﻗد ﻧﻘص ﻣﻘدار ﺟﺑﺎل وأﻛﺛر‪ .‬واﻟﺣس ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾدرك ذﻟك ﻷن‬
‫ﺗﻘدﯾره ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻣﻧﺎظر ﻟم ﯾﻌرف إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘرﯾب وھذا ﻛﻣﺎ أن اﻟﯾﺎﻗوت واﻟذھب ﻣرﻛﺑﺎن ﻣن اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻋﻧدھم‬
‫وھﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﺳﺎد‪ ،‬ﺛم ﻟو وﺿﻊ ﯾﺎﻗوﺗﮫ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻧﻘﺻﺎﻧﮫ ﻣﺣﺳوﺳﺎً‪ ،‬ﻓﻠﻌل ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ﯾﻧﻘص ﻣن اﻟﺷﻣس ﻓﻲ‬
‫ﻣدة ﺗﺎرﯾﺦ اﻷرﺻﺎد ﻛﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ﯾﻧﻘص ﻣن اﻟﯾﺎﻗوت ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ‪ .‬وذﻟك ﻻ ﯾظﮭر ﻟﻠﺣس ﻓدل أن دﻟﯾﻠﮫ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ‬
‫اﻟﻔﺳﺎد‪.‬‬
‫وﺑﺎﻗﻲ اﻷدﻟﺔ ﻟﯾﺳت أﻛﺛر ﻗوة‬
‫وﻗد أﻋرﺿﻧﺎ ﻋن إﯾراد أدﻟﺔ ﻛﺛﯾرة ﻣن ھذا اﻟﺟﻧس ﯾﺳﺗرﻛﮭﺎ اﻟﻌﻘﻼء وأوردﻧﺎ ھذا اﻟواﺣد ﻟﯾﻛون ﻋﺑرة وﻣﺛﺎﻻً ﻟﻣﺎ‬
‫ﺗرﻛﻧﺎه واﻗﺗﺻرﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷدﻟﺔ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﻛﻠف ﻓﻲ ﺣل ﺷﺑﮭﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟدﻟﯾل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻻ ﯾﻌﻘل ﺳﺑب ﻣﻌدم‪ ...‬ﻟﮭم ﻓﻲ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم أن ﻗﺎﻟوا‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺗﻧﻌدم ﺟواھره ﻷﻧﮫ ﻻ‬
‫ﯾﻌﻘل ﺳﺑب ﻣﻌدم ﻟﮫ‪ ،‬وﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧﻌدﻣﺎ ً ﺛم اﻧﻌدم ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﺑﺳﺑب‪ ،‬وذﻟك اﻟﺳﺑب ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ ﻣن أن‬
‫ﯾﻛون إرادة اﻟﻘدﯾم‪ ،‬وھو ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﻛن ﻣرﯾداً ﻟﻌدﻣﮫ ﺛم ﺻﺎر ﻣرﯾداً ﻓﻘد ﺗﻐﯾر‪ ،‬أو ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون‬
‫اﻟﻘدﯾم وإرادﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﻌت واﺣد ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺣوال‪ ،‬واﻟﻣراد ﯾﺗﻐﯾر ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود ﺛم ﻣن اﻟوﺟود إﻟﻰ‬
‫اﻟﻌدم‪ .‬وﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻣن اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﺟود ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌدم‪.‬‬
‫وﻻ ﻓﻌﻠﮫ ﻓﺈن اﻷﻗوال ﺑﮭذا اﻷﻣر ﺑﺎطﻠﺔ‬
‫ً‬
‫وﯾزﯾد ھﺎھﻧﺎ إﺷﻛﺎل آﺧر أﻗوى ﻣن ذﻟك‪ ،‬وھو أن اﻟﻣراد ﻓﻌل اﻟﻣرﯾد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﻛل ﻣن ﻟم ﯾﻛن ﻓﺎﻋﻼ ﺛم ﺻﺎر‬
‫ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺈن ﻟم ﯾﺗﻐﯾر ھو ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﺻﯾر ﻓﻌﻠﮫ ﻣوﺟوداً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣوﺟوداً‪ .‬ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﺑﻘﻲ ﻛﻣﺎ ﻛﺎن‬
‫إذ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻓﻌل‪ ،‬واﻵن أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﺈذن ﻟم ﯾﻔﻌل ﺷﯾﺋﺎ ً‪ .‬واﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻓﻌﻼً؟ وإذا أﻋدم‬
‫اﻟﻌﺎﻟم وﺗﺟدد ﻟﮫ ﻓﻌل ﻟم ﯾﻛن‪ ،‬ﻓﻣﺎ ذﻟك اﻟﻔﻌل؟ أھو وﺟود اﻟﻌﺎﻟم؟ وھو ﻣﺣﺎل إذا اﻧﻘطﻊ اﻟوﺟود‪ ،‬أو ﻓﻌﻠﮫ ﻋدم‬
‫اﻟﻌﺎﻟم؟ وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻓﻌﻼً‪ ،‬ﻓﺈن أﻗل درﺟﺎت اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﻣوﺟوداً وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس‬
‫ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل‪ :‬ھو اﻟذي ﻓﻌﻠﮫ اﻟﻔﺎﻋل وأوﺟده اﻟﻣوﺟد‪.‬‬
‫وﻹﺷﻛﺎل ھذا زﻋﻣوا‪ :‬اﻓﺗرق اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون ﻓﻲ اﻟﺗﻘﺻﻲ ﻋن ھذا أرﺑﻊ ﻓرق وﻛل ﻓرﻗﺔ اﻗﺗﺣﻣت ﻣﺣﺎﻻً‪.‬‬
‫ﻗول اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﺑﺧﻠق اﻟﻔﻧﺎء‪...‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻓﺈﻧﮭم ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻓﻌﻠﮫ اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣوﺟود وھو اﻟﻔﻧﺎء‪ ،‬ﯾﺧﻠﻘﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﯾﻧﻌدم ﻛل اﻟﻌﺎﻟم دﻓﻌﺔ واﺣدة‪،‬‬
‫وﯾﻧﻌدم اﻟﻔﻧﺎء اﻟﻣﺧﻠوق ﺑﻧﻔﺳﮫ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻓﻧﺎء آﺧر‪ ،‬ﻓﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬وھو ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟوده‬
‫أﺣدھﺎ أن اﻟﻔﻧﺎء ﻟﯾس ﻣوﺟوداً ﻣﻌﻘوﻻً ﺣﺗﻰ ﯾﻘدر ﺧﻠﻘﮫ‪ ،‬ﺛم إن ﻛﺎن ﻣوﺟوداً ﻓﻠم ﯾﻧﻌدم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﻌدم‪ ،‬ﺛم ﻟم‬
‫ﯾﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺈﻧﮫ إن ﺧﻠق ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم وﺣل ﻓﯾﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷن اﻟﺣﺎل ﯾﻼﻗﻲ اﻟﻣﺣﻠول‪ ،‬ﻓﯾﺟﺗﻣﻌﺎن وﻟو ﻓﻲ‬
‫ﻟﺣظﺔ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺟﺎز اﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺿداً ﻓﻠم ﯾﻔﻧﮫ‪ .‬وإن ﺧﻠﻘﮫ ﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم وﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﻣن أﯾن ﯾﺿﺎد وﺟوده‬
‫وﺟود اﻟﻌﺎﻟم؟ ﺛم ﻓﻲ ھذا اﻟﻣذھب ﺷﻧﺎﻋﺔ أﺧرى وھو أن ﷲ ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ إﻋدام ﺑﻌض ﺟواھر اﻟﻌﺎﻟم دون‬
‫ﺑﻌض‪ ،‬ﺑل ﻻ ﯾﻘدر إﻻ ﻋﻠﻰ إﺣداث ﻓﻧﺎء ﯾﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻛﻠﮫ‪ ،‬ﻷﻧﮭﺎ إذا ﻟم ﺗﻛن ﻓﻲ ﻣﺣل ﻛﺎن ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻛل ﻋﻠﻰ‬
‫وﺗﯾرة‪.‬‬
‫وﻗول اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﺑﺈﺣداث اﻹﻋدام ﻓﻲ اﻟذات‪...‬‬
‫اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﺣﯾث ﻗﺎﻟوا‪ :‬إن ﻓﻌﻠﮫ اﻹﻋدام‪ ،‬واﻹﻋدام ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣوﺟود ﯾﺣدﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻓﯾﺻﯾر اﻟﻌﺎﻟم ﺑﮫ ﻣﻌدوﻣﺎ ً‪ .‬وﻛذﻟك اﻟوﺟود ﻋﻧدھم ﺑﺈﯾﺟﺎد ﯾﺣدﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻓﯾﺻﯾر اﻟﻣوﺟود ﺑﮫ ﻣوﺟوداً‪.‬‬
‫وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻓﺎﺳد إذ ﻓﯾﮫ ﻛون اﻟﻘدﯾم ﻣﺣل اﻟﺣوادث‪ ،‬ﺛم ﺧروج ﻋن اﻟﻣﻌﻘول إذ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣن اﻹﯾﺟﺎد إﻻ وﺟود‬
‫ﻣﻧﺳوب إﻟﻰ إرادة وﻗدرة‪ .‬ﻓﺈﺛﺑﺎت ﺷﻲء آﺧر ﺳوى اﻹرادة واﻟﻘدرة ووﺟود اﻟﻣﻘدور وھو اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻌﻘل‪ ،‬وﻛذى‬
‫اﻹﻋدام‪.‬‬
‫وﻗول اﻷﺷﻌرﯾﺔ ﺑﻌدم ﺧﻠق اﻟﺑﻘﺎء‪...‬‬
‫اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ اﻷﺷﻌرﯾﺔ إذ ﻗﺎﻟوا‪ :‬أﻣﺎ اﻷﻋراض ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﺑﻘﺎءھﺎ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻟو ﺗﺻور ﺑﻘﺎءھﺎ‬
‫ﻟﻣﺎ ﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ ﻟﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﺟواھر ﻓﻠﯾﺳت ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﺑﻘﺎء زاﺋد ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا‬
‫ﻟم ﯾﺧﻠق ﷲ اﻟﺑﻘﺎء اﻧﻌدم ﻟﻌدم اﻟﻣﺑﻘﻰ‪ .‬وھو أﯾﺿﺎ ً ﻓﺎﺳد ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﻣﻧﺎﻛرة اﻟﻣﺣﺳوس ﻓﻲ أن اﻟﺳواد ﻻ ﯾﺑﻘﻰ‬
‫واﻟﺑﯾﺎض ﻛذﻟك وأﻧﮫ ﻣﺗﺟدد اﻟوﺟود‪ ،‬واﻟﻌﻘل ﯾﻧﺑوا ﻋن ھذا ﻛﻣﺎ ﯾﻧﺑوا ﻋن ﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬إن اﻟﺟﺳم ﻣﺗﺟدد اﻟوﺟود‬
‫ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻘل اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﺄن اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻋﻠﻰ رأس اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﯾوم ھو اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣس ﻻ ﻣﺛﻠﮫ‬
‫ﯾﻘﺿﻲ أﯾﺿﺎ ً ﺑﮫ ﻓﻲ ﺳواد اﻟﺷﻌر‪ .‬ﺛم ﻓﯾﮫ إﺷﻛﺎل آﺧر وھو أن اﻟﺑﺎﻗﻲ إذا ﺑﻘﻲ ﺑﺑﻘﺎء ﻓﯾﻠزم أن ﺗﺑﻘﻰ ﺻﻔﺎت ﷲ‬
‫ﺑﺑﻘﺎء‪ .‬وذﻟك اﻟﺑﻘﺎء ﯾﻛون ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺑﻘﺎء آﺧر‪ ،‬وﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻗول اﻟﻔرﻗﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﺑﻌدم ﺧﻠق اﻟﺣرﻛﺔ أو اﻟﺳﻛون‬
‫واﻟﻔرﻗﺔ اﻟراﺑﻌﺔ طﺎﺋﻔﺔ أﺧرى ﻣن اﻷﺷﻌرﯾﺔ إذ ﻗﺎﻟوا‪ :‬إن اﻷﻋراض ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﺟواھر ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄن‬
‫ﻻ ﯾﺧﻠق ﷲ ﻓﯾﮭﺎ ﺣرﻛﺔ وﻻ ﺳﻛوﻧﺎ ً وﻻ اﺟﺗﻣﺎﻋﺎ ً وﻻ اﻓﺗراﻗﺎً‪ ،‬ﻓﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺑﻘﻰ ﺟﺳم ﻟﯾس ﺑﺳﺎﻛن وﻻ ﻣﺗﺣرك‬
‫ﻓﯾﻧﻌدم‪ .‬وﻛﺄن ﻓرﻗﺗﻲ اﻷﺷﻌرﯾﺔ ﻣﺎﻟوا إﻟﻰ أن اﻹﻋدام ﻟﯾس ﺑﻔﻌل‪ ،‬إﻧﻣﺎ ھو ﻛف ﻋن اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻘﻠوا ﻛون‬
‫اﻟﻌدم ﻓﻌﻼً‪.‬‬
‫وإذا ﺑطﻠت ھذه اﻟطرق ﻟم ﯾﺑق وﺟﮫ ﻟﻠﻘول ﺑﺟواز إﻋدام اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫وﻗوﻟﮭم ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌدام اﻟﻧﻔس اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪...‬‬
‫ھذا ﻟو ﻗﯾل ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭم ﻣﻊ ﺗﺳﻠﯾﻣﮭم ﺣدوث اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾدﻋون اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌداﻣﮭﺎ ﺑطرﯾق ﯾﻘرب‬
‫ﻣﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه‪.‬‬
‫وﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌدام ﻛل ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋﻧدھم ﻛل ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻻ ﯾﺗﺻور اﻧﻌداﻣﮫ ﺑﻌد وﺟوده‪ ،‬ﺳواء ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ أو ﺣﺎدﺛﺎ‪ .‬وإذا ﻗﯾل‬
‫ﻟﮭم‪ :‬ﻣﮭﻣﺎ أﻏﻠﻲ اﻟﻧﺎر ﺗﺣت اﻟﻣﺎء اﻧﻌدم اﻟﻣﺎء‪ ،‬ﻗﺎﻟوا ﻟم ﯾﻧﻌدم وﻟﻛن اﻧﻘﻠب ﺑﺧﺎراً ﺛم ﻣﺎء‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺎدة وھﻲ اﻟﮭﯾوﻟﻰ‬
‫ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﮭواء وھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻟﺻورة اﻟﻣﺎء‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺧﻠﻌت‪ ،‬اﻟﮭﯾوﻟﻰ ﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ وﻟﺑﺳت ﺻورة‬
‫اﻟﮭواﺋﯾﺔ‪ .‬وإذا أﺻﺎب اﻟﮭواء ﺑرد ﻛﺛف واﻧﻘﻠب ﻣﺎء‪ ،‬ﻻ ﻣن ﻣﺎدة ﺗﺟددت ﺑل اﻟﻣواد ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر‪ ،‬وإﻧﻣﺎ‬
‫ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺻورھﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺟواب اﻹﻋدام ﺑﺈرادة ﷲ اﻟذي أﺟد اﻟﻌدم‬
‫واﻟﺟواب‪ :‬أن ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻷﻗﺳﺎم وإن أﻣﻛن أن ﻧذب ﻋن ﻛل واﺣد وﻧﺑﯾن أن إﺑطﺎﻟﮫ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻻ ﯾﺳﺗﻘﯾم‬
‫ﻻﺷﺗﻣﺎل أﺻوﻟﻛم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻣن ﺟﻧﺳﮫ‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧطول ﺑﮫ وﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻗﺳم واﺣد وﻧﻘول‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣن ﯾﻘول‪ :‬اﻹﯾﺟﺎد واﻹﻋدام ﺑﺈرادة اﻟﻘﺎدر؟ ﻓﺈذا أراد ﷲ أوﺟد وإذا أراد أﻋدم‪ ،‬وھذا ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻛﻣﺎل‪ ،‬وھو ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ذﻟك ﻻ ﯾﺗﻐﯾر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﻐﯾر اﻟﻔﻌل‪ .‬وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن اﻟﻔﺎﻋل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‬
‫ﻓﻌل‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ؟ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣﺎ ﺗﺟدد وھو اﻟﻌدم‪ ،‬إذ ﻟم ﯾﻛن ﻋدم ﺛم ﺗﺟدد اﻟﻌدم‪ ،‬ﻓﮭو اﻟﺻﺎدر ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء‬
‫ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﺻدر ﻣﻧﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھو واﻗﻊ ﻓﮭو ﻣﻌﻘول‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وھو ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف وﻗﻊ؟ وﻟﯾس ﻣﻌﻧﻰ ﺻدوره ﻣﻧﮫ إﻻ أن ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻗدرﺗﮫ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻋﻘل‬
‫وﻗوﻋﮫ ﻟم ﻻ ﺗﻌﻘل إﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﻘدرة؟ وﻣﺎ اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﮭم وﺑﯾن ﻣن ﯾﻧﻛر طرﯾﺎن اﻟﻌدم أﺻﻼً ﻋﻠﻰ اﻷﻋراض‬
‫واﻟﺻور وﯾﻘول‪ :‬اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﯾطرى وﻛﯾف ﯾوﺻف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن واﻟﺗﺟدد؟ وﻻ ﻧﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻌدم‬
‫ﯾﺗﺻور طرﯾﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻷﻋراض‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن ﻣﻌﻘول وﻗوﻋﮫ ﺳﻣﻰ ﺷﯾﺋﺎ ً أو ﻟم ﯾﺳم‪ ،‬ﻓﺈﺿﺎﻓﺔ ذﻟك‬
‫اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻌﻘول إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر أﯾﺿﺎ ً ﻣﻌﻘول‪.‬‬
‫ﻻ ﯾﻘﻊ اﻟﻌدم‪ ،‬ﺑل أﺿداد اﻟطرﯾﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ﻣذھب ﻣن ﯾﺟوز ﻋدم اﻟﺷﻲء ﺑﻌد وﺟوده‪ ،‬ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮫ‪ :‬ﻣﺎ اﻟذي طرى؟ وﻋﻧدﻧﺎ ﻻ‬
‫ﯾﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﻣوﺟود‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻧﻌدام اﻷﻋراض طرﯾﺎن أﺿدادھﺎ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣوﺟودات ﻻ طرﯾﺎن اﻟﻌدم‬
‫اﻟﻣﺟرد اﻟذي ﻟﯾس ﺑﺷﻲء‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻛﯾف ﯾوﺻف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن؟ ﻓﺈذا اﺑﯾض اﻟﺷﻌر ﻓﺎﻟطﺎري ھو اﻟﺑﯾﺎض‬
‫ﻓﻘط وھو ﻣوﺟود‪ ،‬وﻻ ﻧﻘول اﻟطﺎري ھو ﻋدم اﻟﺳواد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘﻊ اﻟﻌدم‬
‫وھذا ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن طرﯾﺎن اﻟﺑﯾﺎض ھل ﺗﺿﻣن ﻋدم اﻟﺳواد أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻓﻘد ﻛﺎﺑروا‬
‫اﻟﻣﻌﻘول‪ .‬وإن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺗﺿﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺗﺿﻣن أم ﻋﯾﻧﮫ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ھو ﻋﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻛﺎن ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎ ً إذ اﻟﺷﻲء ﻻ‬
‫ﯾﺗﺿﻣن ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وإن ﻗﺎﻟوا ﻏﯾره‪ ،‬ﻓذﻟك اﻟﻐﯾر ﻣﻌﻘول أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﺑم ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﻣﺗﺿﻣن؟ واﻟﺣﻛم‬
‫ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺗﺿﻣﻧﺎ ً اﻋﺗراف ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻘوﻻً‪ .‬وإن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬ﻓذﻟك اﻟﻣﺗﺿﻣن اﻟﻣﻌﻘول وھو ﻋدم اﻟﺳواد ﻗدﯾم أو‬
‫ﺣﺎدث‪ .‬ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻗدﯾم‪ ،‬ﻓﮭو ﻣﺣﺎل‪ .‬وإن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﺣﺎدث‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟﺣدوث ﻛﯾف ﻻ ﯾﻛون ﻣﻌﻘوﻻً؟ وإن ﻗﺎﻟوا‪:‬‬
‫ﻻ ﻗدﯾم وﻻ ﺣﺎدث‪ ،‬ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﻗﺑل طرﯾﺎن اﻟﺑﯾﺎض ﻟو ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺳواد ﻣﻌدوم‪ ،‬ﻛﺎن ﻛذﺑﺎً‪ ،‬وﺑﻌده إذا ﻗﯾل‪ :‬إﻧﮫ‬
‫ﻣﻌدوم‪ ،‬ﻛﺎن ﺻدﻗﺎ ً ﻓﮭو طﺎر ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ .‬ﻓﮭذا اﻟطﺎري ﻣﻌﻘول ﻓﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣﻧﺳوﺑﺎ ً إﻟﻰ ﻗدرة ﻗﺎدر‪.‬‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ وﻣﺎ إﻟﯾﮭﺎ ﺗﻧﻌدم دون وﻗوع أﺿدادھﺎ‬
‫اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻣن اﻷﻋراض ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﻋﻧدھم‪ ،‬ﻻ ﺑﺿده ﻓﺈن اﻟﺣرﻛﺔ ﻻ ﺿد ﻟﮭﺎ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﺗﻘﺎﺑل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ وﺑﯾن‬
‫اﻟﺳﻛون ﻋﻧدھم ﺗﻘﺎﺑل اﻟﻣﻠﻛﺔ واﻟﻌدم‪ ،‬أي ﺗﻘﺎﺑل اﻟوﺟود واﻟﻌدم‪ ،‬وﻣﻌﻧﻰ اﻟﺳﻛون ﻋدم اﻟﺣرﻛﺔ‪ .‬ﻓﺈذا ﻋدﻣت‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ ﻟم ﯾطر ﺳﻛون ھو ﺿده ﺑل ھو ﻋدم ﻣﺣض‪ ،‬وﻛذﻟك اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣن ﻗﺑﯾل اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﻛﺎﻧطﺑﺎع‬
‫أﺷﺑﺎح اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻓﻲ اﻟرطوﺑﺔ اﻟﺟﻠﯾدﯾﺔ ﻣن اﻟﻌﯾن‪ ،‬ﺑل اﻧطﺑﺎع ﺻور اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ‬
‫اﺳﺗﻔﺗﺎح وﺟود ﻣن ﻏﯾر زوال ﺿده‪ ،‬وإذا ﻋدم ﻛﺎن ﻣﻌﻧﺎھﺎ زوال اﻟوﺟود ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﻌﻘﺎب ﺿده‪ .‬ﻓزواﻟﮭﺎ‬
‫ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻋدم ﻣﺣض ﻗد طرى‪ ،‬ﻓﻌﻘل وﻗوع اﻟﻌدم اﻟطﺎري وﻣﺎ ﻋﻘل وﻗوﻋﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﻛن ﺷﯾﺋﺎ ً ﻋﻘل أن‬
‫ﯾﻧﺳب إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر‪.‬‬
‫ﻗدرة اﻟﻘﺎدر ﻓﻲ إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ أن ﺗﺣدث اﻟﻌدم ﻛﻣﺎ ﺗﺣدث اﻟوﺟود‪.‬‬
‫ﻓﺗﺑﯾن ﺑﮭذا أﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺻور وﻗوع ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻟم ﯾﻔﺗرق اﻟﺣﺎل ﺑﯾن أن ﯾﻛون اﻟواﻗﻊ ﻋدﻣﺎ ً أو وﺟوداً‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﺗﻠﺑﯾﺳﮭم ﺑﻘوﻟﮭم إن ﷲ ﻓﺎﻋل اﻟﻌﺎﻟم وﺻﺎﻧﻌﮫ‬
‫وأن اﻟﻌﺎﻟم ﺻﻧﻌﮫ وﻓﻌﻠﮫ وﺑﯾﺎن أن ذﻟك ﻣﺟﺎز ﻋﻧدھم وﻟﯾس ﺑﺣﻘﯾﻘﺗﮫ‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق أﺻﻠﮭم أن ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ‬
‫وﻗد اﺗﻔﻘت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺳوى اﻟدھرﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وأن ﷲ ھو ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم وﻓﺎﻋﻠﮫ وأن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻠﮫ‬
‫وﺻﻧﻌﮫ‪ ،‬وھذا ﺗﻠﺑﯾس ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم‪ .‬ﺑل ﻻ ﯾﺗﺻور ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق أﺻﻠﮭم أن ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ‪ ،‬ﻣن ﺛﻼﺛﺔ‬
‫أوﺟﮫ‪ :‬وﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل ووﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻌل ووﺟﮫ ﻓﻲ ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻔﻌل واﻟﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫ﺧﺑﺎﻟﮭم ﻣن ﺛﻼﺛﺔ وﺟوه‬
‫أﻣﺎ اﻟذي ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل ﻓﮭو أﻧﮫ ﻻ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻣرﯾداً ﻣﺧﺗﺎراً ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾرﯾده‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً ﻟﻣﺎ ﯾرﯾده‪ .‬وﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻧدھم ﻟﯾس ﻣرﯾداً ﺑل ﻻ ﺻﻔﺔ ﻟﮫ أﺻﻼً‪ ،‬وﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎ ً‪ .‬واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗدﯾم واﻟﻔﻌل ھو اﻟﺣﺎدث‪ .‬واﻟﺛﺎﻟث أن ﷲ واﺣد ﻋﻧدھم ﻣن ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬واﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻋﻧدھم إﻻ واﺣد ﻣن‬
‫ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬واﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛب ﻣن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ؟ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل‪ :‬ﺗﻘوﻟون أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﷲ ﺑﺎﻟﻠزوم‪...‬‬
‫وﻟﻧﺣﻘق وﺟﮫ ﻛل واﺣد ﻣن ھذه اﻟوﺟوه اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣﻊ ﺧﺑﺎﻟﮭم ﻓﻲ دﻓﻌﮫ‪.‬‬
‫اﻷول ﻓﻧﻘول‪ :‬اﻟﻔﺎﻋل ﻋﺑﺎرة ﻋﻣن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻣﻊ اﻹرادة ﻟﻠﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺧﺗﯾﺎر وﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد‪.‬‬
‫وﻋﻧدﻛم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﷲ ﻛﺎﻟﻣﻌﻠول ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﯾﻠزم ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎً‪ ،‬ﻻ ﯾﺗﺻور ﻣن ﷲ دﻓﻌﮫ‪ ،‬ﻟزوم اﻟظل ﻣن‬
‫اﻟﺷﺧص واﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس‪ ،‬وﻟﯾس ھذا ﻣن اﻟﻔﻌل ﻓﻲ ﺷﻲء‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻘﺎل اﻟﻔﺎﻋل ﻓﺎﻋﻼً إﻻ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر‬
‫ﺑل ﻣن ﻗﺎل إن اﻟﺳراج ﯾﻔﻌل اﻟﺿوء واﻟﺷﺧص ﯾﻔﻌل اﻟظل ﻓﻘد ﺟﺎزف وﺗوﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺗﺟوز ﺗوﺳﻌﺎ ً ﺧﺎرﺟﺎ ً ﻣن‬
‫اﻟﺣد واﺳﺗﻌﺎر اﻟﻠﻔظ اﻛﺗﻔﺎء ﺑوﻗوع اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺗﻌﺎر ﻟﮫ واﻟﻣﺳﺗﻌﺎر ﻋﻧﮫ ﻓﻲ وﺻف واﺣد‪ ،‬وھو أن اﻟﻔﺎﻋل‬
‫ﺳﺑب ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ واﻟﺳراج ﺳﺑب اﻟﺿوء واﻟﺷﻣس ﺳﺑب اﻟﻧور‪ .‬وﻟﻛن اﻟﻔﺎﻋل ﻟم ﯾﺳم ﻓﺎﻋﻼً ﺻﺎﻧﻌﺎ ً ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ‬
‫ﺳﺑﺑﺎ ً ﺑل ﺑﻛوﻧﮫ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻣﺧﺻوص‪ ،‬وھو ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟو ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬اﻟﺟدار ﻟﯾس‬
‫ﺑﻔﺎﻋل واﻟﺣﺟر ﻟﯾس ﺑﻔﺎﻋل واﻟﺟﻣﺎد ﻟﯾس ﺑﻔﺎﻋل وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل ﻟﻠﺣﯾوان‪ ،‬ﻟم ﯾﻧﻛر ذﻟك وﻟم ﯾﻛن ﻗوﻟﮫ ﻛﺎذﺑﺎ ً‪ .‬وﻟﻠﺣﺟر‬
‫ﻓﻌل ﻋﻧدھم وھو اﻟﮭوى واﻟﺛﻘل واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻣرﻛز‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﻟﻠﻧﺎر ﻓﻌﻼً وھو اﻟﺗﺳﺧﯾن‪ ،‬وﻟﻠﺣﺎﺋط ﻓﻌل وھو اﻟﻣﯾل‬
‫إﻟﻰ اﻟﻣرﻛز ووﻗوع اﻟظل‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل ذﻟك ﺻﺎدر ﻣﻧﮫ‪ ،‬وھذا ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻔﻌل ﺟﻧﺳﺎن‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻛل ﻣوﺟود ﻟﯾس واﺟب اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ ﺑل ھو ﻣوﺟود ﺑﻐﯾره‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺳﻣﻲ ذﻟك اﻟﺷﻲء ﻣﻔﻌوﻻً وﻧﺳﻣﻲ‬
‫ﺳﺑﺑﮫ ﻓﺎﻋﻼً وﻻ ﻧﺑﺎﻟﻲ ﻛﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﺎﻋﻼً ﺑﺎﻟطﺑﻊ أو ﺑﺎﻹرادة‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻛم ﻻ ﺗﺑﺎﻟون أﻧﮫ ﻛﺎن ﻓﺎﻋﻼً ﺑﺂﻟﺔ أو ﺑﻐﯾر آﻟﺔ‪.‬‬
‫ﺑل اﻟﻔﻌل ﺟﻧس وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺂﻟﺔ وإﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﻐﯾر آﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ھو ﺟﻧس وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺎﻟطﺑﻊ وإﻟﻰ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر‪.‬‬
‫وﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺧﺗﯾﺎر‬
‫ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻟم ﯾﻛن ﻗوﻟﻧﺎ "ﺑﺎﻟطﺑﻊ" ﺿداً ﻟﻘوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل"‪ ،‬وﻻ دﻓﻌﺎ ً وﻧﻘﺿﺎ ً ﻟﮫ ﺑل ﻛﺎن ﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﻧوع‬
‫اﻟﻔﻌل ﻛﻣﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﻣﺑﺎﺷرة ﺑﻐﯾر آﻟﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻧﻘﺿﺎ ً ﺑل ﻛﺎن ﺗﻧوﯾﻌﺎ ً وﺑﯾﺎﻧﺎ ً‪ .‬وإذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﺗﻛراراً ﻣﺛل ﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﺣﯾوان إﻧﺳﺎن‪ ،‬ﺑل ﻛﺎن ﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﻧوع اﻟﻔﻌل ﻛﻘوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺂﻟﺔ‪ .‬وﻟو ﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﯾﺗﺿﻣن‬
‫اﻹرادة وﻛﺎﻧت اﻹرادة ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻔﻌل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻓﻌل ﻟﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎ ً ﻛﻘوﻟﻧﺎ ﻓﻌل وﻣﺎ ﻓﻌل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺟﻣﺎد ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھذه اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﻓﺎﺳدة وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺳﻣﻰ ﻛل ﺳﺑب ﺑﺄي وﺟﮫ ﻛﺎن ﻓﺎﻋﻼً وﻻ ﻛل ﻣﺳﺑب ﻣﻔﻌوﻻً‪ .‬وﻟو ﻛﺎن‬
‫ﻛذﻟك ﻟﻣﺎ ﺻﺢ أن ﯾﻘﺎل اﻟﺟﻣﺎد ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل ﻟﻠﺣﯾوان‪ ،‬وھذه ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﺷﮭورة اﻟﺻﺎدﻗﺔ‪.‬‬
‫إﻻ ﺑﺎﻻﺳﺗﻌﺎدة‬
‫ﻓﺈن ﺳﻣﻰ اﻟﺟﻣﺎد ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺑﺎﻻﺳﺗﻌﺎرة ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﻣﻰ طﺎﻟﺑﺎ ً ﻣرﯾداً ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬إذ ﯾﻘﺎل اﻟﺣﺟر ﯾﮭوى ﻷﻧﮫ‬
‫ﯾرﯾد اﻟﻣرﻛز وﯾطﻠﺑﮫ‪ ،‬واﻟطﻠب واﻹرادة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد اﻟﻣطﻠوب‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﻣن‬
‫اﻟﺣﯾوان‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻔﻌل ﯾﺗﺿﻣن اﻹرادة‬
‫وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﻋﺎم وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻟطﺑﻊ وإﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻹرادة‪ ،‬ﻏﯾر ﻣﺳﻠم وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪:‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ "أراد" ﻋﺎم وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣن ﯾرﯾد ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد وإﻟﻰ ﻣن ﯾرﯾد وﻻ ﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾرﯾد‪ ،‬وھو ﻓﺎﺳد‪ ،‬إذ اﻹرادة‬
‫ﺗﺗﺿﻣن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻓﻛذﻟك اﻟﻔﻌل ﯾﺗﺿﻣن اﻹرادة ﺑﺎﻟﺿرورة‪.‬‬
‫"اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻟطﺑﻊ" اﺳﺗﻌﺎرة‬
‫وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻟﯾس ﺑﻧﻘض ﻟﻸول‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ ﻧﻘض ﻟﮫ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ﻻ‬
‫ﯾﺳﺑق إﻟﻰ اﻟﻔﮭم اﻟﺗﻧﺎﻗض وﻻ ﯾﺷﺗد ﻧﻔور اﻟطﺑﻊ ﻋﻧﮫ ﻷﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺟﺎزاً‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن ﺳﺑﺑﺎ ً ﺑوﺟﮫ ﻣﺎ واﻟﻔﺎﻋل‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﺳﺑب ﺳﻣﻲ ﻓﻌﻼً ﻣﺟﺎزاً‪.‬‬
‫اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﺣﻘﯾﻘﺔ ھو ﻓﻌل ﺣﻘﯾﻘﻲ‬
‫وإذا ﻗﺎل "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﮭو ﺗﻛرﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ﻛﻘوﻟﮫ "أراد" وھو ﻋﺎﻟم ﺑﻣﺎ أراده‪ .‬إﻻ أﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور أن‬
‫ﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" وھو ﻣﺟﺎز وﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" وھو ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟم ﺗﻧﻔر اﻟﻧﻔس ﻋن ﻗوﻟﮫ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر وﻛﺎن ﻣﻌﻧﺎه ﻓﻌل‬
‫ﻓﻌﻼً ﺣﻘﯾﻘﯾﺎ ً ﻻ ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﺗﻛﻠم ﺑﻠﺳﺎﻧﮫ وﻧظر ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺟﺎز أن ﯾﺳﺗﻌﻣل اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻣﺟﺎزاً‬
‫واﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﺗﺣرﯾك اﻟرأس واﻟﯾد ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل ﻗﺎل ﺑرأﺳﮫ أي ﻧﻌم‪ ،‬ﻟم ﯾﺳﺗﻘﺑﺢ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻗﺎل ﺑﻠﺳﺎﻧﮫ وﻧظر ﺑﻌﯾﻧﮫ‪،‬‬
‫وﯾﻛون ﻣﻌﻧﺎه ﻧﻔﻲ اﺣﺗﻣﺎل اﻟﻣﺟﺎز‪ .‬ﻓﮭذا ﻣزﻟﺔ اﻟﻘدم‪ ،‬ﻓﻠﯾﺗﻧﺑﮫ ﻟﻣﺣل اﻧﺧداع ھؤﻻء اﻷﻏﺑﯾﺎء‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﻘﺎل اﻟﻧﺎر ﺗﺣرق‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟﻔﺎﻋل ﻓﺎﻋﻼً إﻧﻣﺎ ﯾﻌرف ﻣن اﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬وإﻻ ﻓﻘد ظﮭر ﻓﻲ اﻟﻌﻘل أن ﻣﺎ ﯾﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻛون ﻣرﯾداً وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون‪ .‬ووﻗﻊ اﻟﻧزاع ﻓﻲ أن اﺳم اﻟﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻰ اﻟﻘﺳﻣﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ أم ﻻ؟ وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ‬
‫إﻧﻛﺎره‪ ،‬إذ اﻟﻌرب ﺗﻘول‪ :‬اﻟﻧﺎر ﺗﺣرق واﻟﺳﯾف ﯾﻘطﻊ واﻟﺛﻠﺞ ﯾﺑرد واﻟﺳﻘﻣوﻧﯾﺎ ﺗﺳﮭل واﻟﺧﺑز ﯾﺷﺑﻊ واﻟﻣﺎء ﯾروي‪.‬‬
‫وﻗوﻟﻧﺎ "ﯾﺿرب" ﻣﻌﻧﺎه ﯾﻔﻌل اﻟﺿرب‪ ،‬وﻗوﻟﻧﺎ "ﺗﺣرق" ﻣﻌﻧﺎه ﺗﻔﻌل اﻻﺣﺗراق‪ ،‬وﻗوﻟﻧﺎ "ﯾﻘطﻊ" ﻣﻌﻧﺎه ﯾﻔﻌل‬
‫اﻟﻘطﻊ‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن ﻛل ذﻟك ﻣﺟﺎز ﻛﻧﺗم ﻣﺗﺣﻛﻣﯾن ﻓﯾﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﺳﺗﻧد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن أﻟﻘﻰ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻧﺎر ﻓﻣﺎت ھو اﻟﻘﺎﺗل دون اﻟﻧﺎر‪...‬‬
‫واﻟﺟواب أن ﻛل ذﻟك ﺑطرﯾق اﻟﻣﺟﺎز وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻣﺎ ﯾﻛون ﺑﺎﻹرادة‪ .‬واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أﻧﺎ ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ ﺣﺎدﺛﺎ ً‬
‫ﺗوﻗف ﻓﻲ ﺣﺻوﻟﮫ ﻋﻠﻰ أﻣرﯾن أﺣدھﻣﺎ إرادي واﻵﺧر ﻏﯾر إرادي‪ ،‬أﺿﺎف اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌل إﻟﻰ اﻹرادي‪ .‬وﻛذى‬
‫اﻟﻠﻐﺔ ﻓﺈن ﻣن أﻟﻘﻰ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻧﺎر ﻓﻣﺎت ﯾﻘﺎل‪ :‬ھو اﻟﻘﺎﺗل دون اﻟﻧﺎر‪ ،‬ﺣﺗﻰ إذا ﻗﯾل‪ :‬ﻣﺎ ﻗﺗﻠﮫ إﻻ ﻓﻼن‪ ،‬ﺻدق ﻗﺎﺋﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻷﻧﮫ ﻣﺧﺗﺎر‬
‫ﻓﺈن ﻛﺎن اﺳم اﻟﻔﺎﻋل ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﯾد وﻏﯾر اﻟﻣرﯾد ﻋﻠﻰ وﺟﮫ واﺣد ﻻ ﺑطرﯾق ﻛون أﺣدھﻣﺎ أﺻﻼً وﻛون اﻵﺧر‬
‫ﻣﺳﺗﻌﺎراً ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﺿﺎف اﻟﻘﺗل إﻟﻰ اﻟﻣرﯾد ﻟﻐﺔ وﻋرﻓﺎ ً وﻋﻘﻼً؟ ﻣﻊ أن اﻟﻧﺎر ھﻲ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘرﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺗل‪ ،‬وﻛﺄن‬
‫اﻟﻣﻠﻘﻰ ﻟم ﯾﺗﻌﺎط إﻻ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﻧﺎر‪ .‬وﻟﻛن ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن اﻟﺟﻣﻊ ﺑﺎﻹرادة وﺗﺄﺛﯾر اﻟﻧﺎر ﺑﻐﯾر إرادة ﺳﻣﻲ ﻗﺎﺗﻼً‬
‫وﻟم ﺗﺳم اﻟﻧﺎر ﻗﺎﺗﻼً إﻻ ﺑﻧوع ﻣن اﻻﺳﺗﻌﺎرة‪ .‬ﻓدل أن اﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺻدر اﻟﻔﻌل ﻋن إرادﺗﮫ‪ ،‬وإذا ﻟم ﯾﻛن ﷲ ﻣرﯾداً‬
‫ﻋﻧدھم وﻻ ﻣﺧﺗﺎراً ﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وﻻ ﻓﺎﻋﻼً إﻻ ﻣﺟﺎزاً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون ﷲ ﻓﺎﻋﻼً أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗواﻣﮫ ﺑﮫ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻧﺣن ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون ﷲ ﻓﺎﻋﻼً أﻧﮫ ﺳﺑب ﻟوﺟود ﻛل ﻣوﺟود ﺳواه وأن اﻟﻌﺎﻟم ﻗواﻣﮫ ﺑﮫ‪ ،‬وﻟوﻻ وﺟود‬
‫اﻟﺑﺎرئ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور وﺟود اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﺑﺎرئ ﻻﻧﻌدم اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﺷﻣس ﻻﻧﻌدم اﻟﺿوء‪.‬‬
‫ﻓﮭذا ﻣﺎ ﻧﻌﻧﯾﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﺧﺻم ﯾﺄﺑﻰ أن ﯾﺳﻣﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﻌد‬
‫ظﮭور اﻟﻣﻌﻧﻰ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺗﻘوﻟوا إن ﷲ "ﺻﺎﻧﻊ" اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻏرﺿﻧﺎ أن ﻧﺑﯾن أن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻻ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً وﺻﻧﻌﺎً‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻔﻌل واﻟﺻﻧﻊ ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋن‬
‫اﻹرادة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ‪ .‬وﻗد ﻧﻔﯾﺗم ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل وﻧطﻘﺗم ﺑﻠﻔظﮫ ﺗﺟﻣﻼً ﺑﺎﻹﺳﻼﻣﯾﯾن‪ ،‬وﻻ ﯾﺗم اﻟدﯾن ﺑﺈطﻼق اﻷﻟﻔﺎظ‬
‫اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻋن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‪ .‬ﻓﺻرﺣوا ﺑﺄن ﷲ ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺿﺢ أن ﻣﻌﺗﻘدﻛم ﻣﺧﺎﻟف ﻟدﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ .‬وﻻ ﺗﻠﺑﺳوا‬
‫ﺑﺄن ﷲ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم وأن اﻟﻌﺎﻟم ﺻﻧﻌﮫ ﻓﺈن ھذه ﻟﻔظﺔ أطﻠﻘﺗﻣوھﺎ وﻧﻔﯾﺗم ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ‪ ،‬وﻣﻘﺻود ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻛﺷف‬
‫ﻋن ھذا اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻘط‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫ً‬
‫إن ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟودا ﻓﻼ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده‬
‫ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم ﺑﺷرط ﻓﻲ اﻟﻔﻌل‪ ،‬وھو أن اﻟﻔﻌل ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻷﺣداث‪ ،‬واﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدھم‬
‫ﻗدﯾم وﻟﯾس ﺑﺣﺎدث‪ ،‬وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل إﺧراج اﻟﺷﻲء ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود ﺑﺈﺣداﺛﮫ‪ .‬وذﻟك ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم إذ‬
‫اﻟﻣوﺟود ﻻ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده‪ .‬ﻓﺈذن ﺷرط اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎً‪ ،‬واﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم ﻋﻧدھم‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟوﺟود ﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﺎدث ﻣوﺟود ﺑﻌد ﻋدم‪ ،‬ﻓﻠﻧﺑﺣث أن اﻟﻔﺎﻋل إذا أﺣدث ﻛﺎن اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ اﻟوﺟود‬
‫اﻟﻣﺟرد أو اﻟﻌدم اﻟﻣﺟرد أو ﻛﻼھﻣﺎ‪ .‬وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إن اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ اﻟﻌدم اﻟﺳﺎﺑق إذ ﻻ ﺗﺄﺛﯾر ﻟﻠﻔﺎﻋل ﻓﻲ اﻟﻌدم‪،‬‬
‫وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛﻼھﻣﺎ إذ ﺑﺎن أن اﻟﻌدم ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ أﺻﻼً‪ ،‬وأن اﻟﻌدم ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻋدﻣﺎ ً ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻓﺎﻋل اﻟﺑﺗﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺑﻘﻲ أﻧﮫ ﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣوﺟود‪ ،‬وأن اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣﺟرد اﻟوﺟود‪ ،‬وأﻧﮫ ﻻ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ إﻻ اﻟوﺟود‪ .‬ﻓﺈن‬
‫ﻓرض اﻟوﺟود داﺋﻣﺎ ً ﻓرﺿت اﻟﻧﺳﺑﺔ داﺋﻣﺔ‪ ،‬وإذا داﻣت ھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻛﺎن اﻟﻣﻧﺳوب إﻟﯾﮫ أﻓﻌل وأدوم ﺗﺄﺛﯾراً ﻷﻧﮫ ﻟم‬
‫ﯾﺗﻌﻠق اﻟﻌدم ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﺑﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻻ ﺳﺑق اﻟﻌدم‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣﺷﺗرطﺎ ً ﺑﮫ‬
‫ﻓﺑﻘﻲ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮫ ﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث‪ ،‬وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻻ أﻧﮫ وﺟود ﺑﻌد ﻋدم‪ ،‬واﻟﻌدم ﻟم‬
‫ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﺟﻌل ﺳﺑق اﻟﻌدم وﺻف اﻟوﺟود وﻗﯾل‪ :‬اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ وﺟود ﻣﺧﺻوص ﻻ ﻛل وﺟود وھو وﺟود‬
‫ﻣﺳﺑوق ﺑﺎﻟﻌدم‪ ،‬ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﺎﻟﻌدم ﻟﯾس ﻣن ﻓﻌل ﻓﺎﻋل وﺻﻧﻊ ﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻟوﺟود ﻻ ﯾﺗﺻور‬
‫ﺻدوره ﻣن ﻓﺎﻋﻠﮫ إﻻ واﻟﻌدم ﺳﺎﺑق ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وﺳﺑق اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل‪ .‬ﻓﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوق اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﻔﻌل‬
‫اﻟﻔﺎﻋل ﻓﻼ ﺗﻌﻠق ﻟﮫ ﺑﮫ‪ .‬ﻓﺎﺷﺗراطﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً اﺷﺗراط ﻣﺎ ﻻ ﺗﺄﺛﯾر ﻟﻠﻔﺎﻋل ﻓﯾﮫ ﺑﺣﺎل‪ .‬وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن اﻟﻣوﺟود‬
‫ﻻ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده‪ ،‬إن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﮫ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻟﮫ وﺟود ﺑﻌد ﻋدم ﻓﺻﺣﯾﺢ‪.‬‬
‫ﻻ إﯾﺟﺎد إﻻ ﻟﻣوﺟود‬
‫وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﮫ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً ﻻ ﯾﻛون ﻣوﺟداً‪ ،‬ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﯾﻛون ﻣوﺟداً ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً ﻻ‬
‫ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣﻌدوﻣﺎ ً‪ .‬ﻓﺈﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻣوﺟداً إذا ﻛﺎن اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً‪ ،‬وﻻ ﯾﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً ﻓﻲ ﺣﺎل‬
‫اﻟﻌدم ﺑل ﻓﻲ ﺣﺎل وﺟود اﻟﺷﻲء ﻣﻧﮫ‪ .‬واﻹﯾﺟﺎد ﻣﻘﺎرن ﻟﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً وﻛون اﻟﻣﻔﻌول ﻣوﺟداً ﻷﺗﮫ ﻋﺑﺎرة‬
‫ﻋن ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣوﺟد إﻟﻰ اﻟﻣوﺟد‪ ،‬وﻛل ذﻟك ﻣﻊ اﻟوﺟود ﻻ ﻗﺑﻠﮫ‪ .‬ﻓﺈذن ﻻ إﯾﺟﺎد إﻻ ﻟﻣوﺟود إن ﻛﺎن اﻟﻣراد ﺑﺎﻹﯾﺟﺎد‬
‫اﻟﻧﺳﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً واﻟﻣﻔﻌول ﻣوﺟداً‪.‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ أزﻻً وأﺑداً‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬وﻟﮭذا ﻗﺿﯾﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ أزﻻً وأﺑداً‪ ،‬وﻣﺎ ﻣن ﺣﺎل إﻻ وھو ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻷن اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل اﻟوﺟود‪،‬‬
‫ﻓﺈن دام اﻻرﺗﺑﺎط دام اﻟوﺟود‪ ،‬وإن اﻧﻘطﻊ اﻧﻘطﻊ ﻻ ﻛﻣﺎ ﺗﺧﯾﻠﺗﻣوه ﻣن أن اﻟﺑﺎرئ ﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮫ ﻟﺑﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬إذ‬
‫ظﻧﻧﺗم أﻧﮫ ﻛﺎﻟﺑﻧﺎء ﻣﻊ اﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻧﻌدم وﯾﺑﻘﻰ اﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬ﻓﺈن ﺑﻘﺎء اﻟﺑﻧﺎء ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺑﺎﻧﻲ ﺑل ھو ﺑﺎﻟﯾﺑوﺳﺔ اﻟﻣﻣﺳﻛﺔ‬
‫ﻟﺗرﻛﯾﺑﮫ‪ ،‬إذ ﻟو ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﮫ ﻗوة ﻣﺎﺳﻛﺔ ﻛﺎﻟﻣﺎء ﻣﺛﻼً ﻟم ﯾﺗﺻور ﺑﻘﺎء اﻟﺷﻛل اﻟﺣﺎدث ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻔﻌل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث ﺣدوﺛﮫ‪?...‬‬
‫واﻟﺟواب‪ :‬إن اﻟﻔﻌل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث ﺣدوﺛﮫ ﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻋدﻣﮫ اﻟﺳﺎﺑق وﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً‬
‫ﻓﻘط‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻓﻲ ﺛﺎﻧﻲ ﺣﺎل اﻟﺣدوث ﻋﻧدﻧﺎ وھو ﻣوﺟود‪ ،‬ﺑل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣدوﺛﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ‬
‫ﺣدوث وﺧروج ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﺈن ﻧﻔﻰ ﻣﻧﮫ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣدوث ﻟم ﯾﻌﻘل ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً وﻻ ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﺳﺑق اﻟﻌدم‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ﺑﺎﻟﻌدم وﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ﺑﺎﻟﻌدم‪ ،‬ﻟﯾس ﻣن ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل وﺟﻌل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اﻟﺟﺎﻋل ﻓﮭو ﻛذﻟك‪ ،‬ﻟﻛﻧﮫ ﺷرط ﻓﻲ ﻛون اﻟوﺟود ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬أﻋﻧﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﺎﻟﻌدم‪ .‬ﻓﺎﻟوﺟود اﻟذي ﻟﯾس‬
‫ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﻌدم ﺑل ھو داﺋم ﻻ ﯾﺻﻠﺢ ﻷن ﯾﻛون ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬وﻟﯾس ﻛل ﻣﺎ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ ﻛون اﻟﻔﻌل ﻓﻌﻼً ﯾﻧﺑﻐﻲ أن‬
‫ﯾﻛون ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬ﻓﺈن ذات اﻟﻔﺎﻋل وﻗدرﺗﮫ وإرادﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﺷرط ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ وﻟﯾس ذﻟك ﻣن أﺛر اﻟﻔﻌل وﻟﻛن ﻻ‬
‫ﯾﻌﻘل ﻓﻌل إﻻ ﻣن ﻣوﺟود‪ ،‬ﻓﻛﺎن وﺟود اﻟﻔﺎﻋل ﺷرطﺎ ً وإرادﺗﮫ وﻗدرﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﻟﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣن أﺛر‬
‫اﻟﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﻛﺎﻟﻣﺎء ﻣﻊ اﻟﯾد ﻓﻲ ﺗﺣرﯾك اﻟﻣﺎء‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إن اﻋﺗرﻓﺗم ﺑﺟواز ﻛون اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﻏﯾر ﻣﺗﺄﺧر ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎ ً إن ﻛﺎن‬
‫اﻟﻔﺎﻋل ﺣﺎدﺛﺎً‪ ،‬وﻗدﯾﻣﺎ ً إن ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ ً‪ .‬وإن ﺷرطﺗم أن ﯾﺗﺄﺧر اﻟﻔﻌل ﻋن اﻟﻔﺎﻋل ﺑﺎﻟزﻣﺎن‪ ،‬ﻓﮭذا ﻣﺣﺎل إذ ﻣن ﺣرك‬
‫اﻟﯾد ﻓﻲ ﻗدح ﻣﺎء ﺗﺣرك اﻟﻣﺎء ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻻ ﻗﺑﻠﮫ وﻻ ﺑﻌده‪ ،‬إذ ﻟو ﺗﺣرك ﺑﻌده ﻟﻛﺎن اﻟﯾد ﻣﻊ اﻟﻣﺎء ﻗﺑل ﺗﻧﺣﯾﮫ‬
‫ﻓﻲ ﺣﯾز واﺣد‪ ،‬وﻟو‪ ،‬ﺗﺣرك ﻗﺑﻠﮫ ﻻﻧﻔﺻل اﻟﻣﺎء ﻋن اﻟﯾد‪ ،‬وھو ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﮫ ﻣﻌﻠوﻟﮫ وﻓﻌل ﻣن ﺟﮭﺗﮫ‪ .‬ﻓﺈن‬
‫ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﯾد ﻗدﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء أﯾﺿﺎ ً داﺋﻣﺔ وھﻲ ﻣﻊ دواﻣﮭﺎ ﻣﻌﻠوﻟﺔ وﻣﻔﻌوﻟﺔ‪ .‬وﻻ‬
‫ﯾﻣﺗﻧﻊ ذﻟك ﺑﻔرض اﻟدوام‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ ﷲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎ ً?! وﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻣﻌﻠول‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﺑﻌد ﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎً‪ ،‬ﻛﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺔ ﻋن ﻋدم‪ ،‬ﻓﺟﺎز أن‬
‫ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ﺛم ﺳواء ﻛﺎن ﻣﺗﺄﺧراً ﻋن ذات اﻟﻔﺎﻋل أو ﻣﻘﺎرﻧﺎ ً ﻟﮫ‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﻧﺣﯾل اﻟﻔﻌل اﻟﻘدﯾم ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻋن‬
‫ﻋدم ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻓﻌﻼً ﻣﺟﺎز ﻣﺟرد ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻣﻌﻠول ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﺟوز أن ﯾﻛوﻧﺎ ﺣﺎدﺛﯾن وأن ﯾﻛوﻧﺎ ﻗدﯾﻣﯾن‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل‪ :‬إن اﻟﻌﻠم اﻟﻘدﯾم ﻋﻠﺔ ﻟﻛون اﻟﻘدﯾم ﻋﺎﻟﻣﺎً‪ ،‬وﻻ ﻛﻼم ﻓﯾﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً‪ ،‬وﻣﻌﻠول اﻟﻌﻠﺔ ﻻ‬
‫ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌل اﻟﻌﻠﺔ إﻻ ﻣﺟﺎزاً‪ ،‬ﺑل ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً ﻓﺷرطﮫ أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻋن ﻋدم‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺟوز ﻣﺗﺟوز ﺑﺗﺳﻣﯾﺔ‬
‫اﻟﻘدﯾم اﻟداﺋم اﻟوﺟود ﻓﻌﻼً ﻟﻐﯾره ﻛﺎن ﻣﺗﺟوزاً ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة‪.‬‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ داﺋﻣﺔ اﻟﺣدوث‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﺣرﻛﺔ اﻹﺻﺑﻊ ﻣﻊ اﻹﺻﺑﻊ ﻗدﯾﻣﺎ ً داﺋﻣﺎ ً ﻟم ﯾﺧرج ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً‪ ،‬ﺗﻠﺑﯾس‪ ،‬ﻷن‬
‫اﻹﺻﺑﻊ ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﺎﻋل ذو اﻹﺻﺑﻊ وھو اﻟﻣرﯾد‪ ،‬وﻟو ﻗدر ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻟﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺔ اﻹﺻﺑﻊ ﻓﻌﻼً ﻟﮫ ﻣن ﺣﯾث‬
‫أن ﻛل ﺟزء ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺣﺎدث ﻋن ﻋدم‪ ،‬ﻓﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻛﺎن ﻓﻌﻼً وأﻣﺎ ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻓﻘد ﻻ ﻧﻘول أﻧﮫ ﻣن ﻓﻌﻠﮫ‬
‫ﺑل ھو ﻣن ﻓﻌل ﷲ‪ .‬وﻋﻠﻰ أي وﺟﮫ ﻛﺎن ﻓﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ داﺋم اﻟﺣدوث وھو ﻓﻌل ﻣن‬
‫ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗﺳﻣﻲ ھذا ﻓﻌﻼً ﺑل ﻣﻌﻠوﻻً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﺈذا اﻋﺗرﻓﺗم ﺑﺄن ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻔﻌل إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻛﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣﻌﻠول إﻟﻰ اﻟﻌﻠﺔ ﺛم ﺳﻠﻣﺗم‬
‫ﺗﺻور اﻟدوام ﻓﻲ ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻧﺣن ﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً إﻻ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً داﺋم اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺈن ﻟم‬
‫ﺗﺳﻣوا ھذا ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﻣﺿﺎﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺳﻣﯾﺎت ﺑﻌد ظﮭور اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻛم ﻟﻔظﺔ "ﻓﻌل" ﻣﺟﺎز‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻻ ﻏرض ﻣن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ إﻻ ﺑﯾﺎن أﻧﻛم ﺗﺗﺟﻣﻠون ﺑﮭذه اﻷﺳﻣﺎء ﻣن ﻏﯾر ﺗﺣﻘﯾق وأن ﷲ ﻋﻧدﻛم ﻟﯾس‬
‫ﻓﺎﻋﻼً ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ً وﻻ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻠﮫ ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ً وأن إطﻼق ھذا اﻻﺳم ﻣﺟﺎز ﻣﻧﻛم ﻻ ﺗﺣﻘﯾق ﻟﮫ‪ ،‬وﻗد ظﮭر ھذا‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻟث ﻻ ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ إذا ﻻ ﯾﺻور ﻣن اﻟواﺣد إﻻ ﺷﻲء واﺣد ﻓﻲ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً ﻋﻠﻰ‬
‫أﺻﻠﮭم ﺑﺷرط ﻣﺷﺗرك ﺑﯾن اﻟﻔﺎﻋل واﻟﻔﻌل‪ ،‬وھو أﻧﮭم ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟواﺣد إﻻ ﺷﻲء واﺣد‪ ،‬واﻟﻣﺑدأ واﺣد‬
‫ﻣن ﻛل وﺟﮫ واﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛب ﻣن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ﺑﻣوﺟب أﺻﻠﮭم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﺑطرﯾق اﻟﺗوﺳط‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺟﻣﻠﺗﮫ ﻟﯾس ﺻﺎدراً ﻣن ﷲ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ‪ ،‬ﺑل اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣوﺟود واﺣد ھو أول اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت‬
‫وھو ﻋﻘل ﻣﺟرد‪ ،‬أي ھو ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻣﺗﺣﯾز ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرف ﻣﺑدأه وﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﻟﺳﺎن اﻟﺷرع‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻠك‪ ،‬ﺛم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﺛﺎﻟث وﻣن اﻟﺛﺎﻟث راﺑﻊ وﺗﻛﺛر اﻟﻣوﺟودات ﺑﺎﻟﺗوﺳط‪.‬‬
‫ﻋن أﺳﺑﺎب اﻟﻛﺛرة‬
‫ﻓﺈن اﺧﺗﻼف اﻟﻔﻌل وﻛﺛرﺗﮫ إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻻﺧﺗﻼف اﻟﻘوى اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻛﻣﺎ أﻧﺎ ﻧﻔﻌل ﺑﻘوة اﻟﺷﮭوة ﺧﻼف ﻣﺎ ﻧﻔﻌل ﺑﻘوة‬
‫اﻟﻐﺿب‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻻﺧﺗﻼف اﻟﻣواد ﻛﻣﺎ أن اﻟﺷﻣس ﺗﺑﯾض اﻟﺛوب اﻟﻣﻐﺳول وﺗﺳود وﺟﮫ اﻹﻧﺳﺎن وﺗذﯾب‬
‫ﺑﻌض اﻟﺟواھر وﺗﺻﻠب ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬وإﻣﺎ ﻻﺧﺗﻼف اﻵﻻت ﻛﺎﻟﻧﺟﺎر اﻟواﺣد ﯾﻧﺷر ﺑﺎﻟﻣﻧﺷﺎر وﯾﻧﺣت ﺑﺎﻟﻘدوم وﯾﺛﻘب‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺛﻘب‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﺗﻛون ﻛﺛرة اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﺑﺄن ﯾﻔﻌل ﻓﻌﻼً واﺣداً ﺛم ذﻟك اﻟﻔﻌل ﯾﻔﻌل ﻏﯾره ﻓﯾﻛﺛر اﻟﻔﻌل‪.‬‬
‫واﻟﺗوﺳط وﺣده ﻣﻣﻛن وھذه اﻷﻗﺳﺎم ﻛﻠﮭﺎ ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول إذ ﻟﯾس ﻓﻲ ذاﺗﮫ اﺧﺗﻼف واﺛﻧﯾﻧﯾﺔ وﻛﺛرة‪ ،‬ﻛﻣﺎ‬
‫ﺳﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ أدﻟﺔ اﻟﺗوﺣﯾد‪ ،‬وﻻ ﺛم اﺧﺗﻼف ﻣواد ﻓﺈن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول واﻟذي ھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻣﺛﻼً‪ ،‬وﻻ‬
‫ﺛم اﺧﺗﻼف آﻟﺔ إذ ﻻ ﻣوﺟود ﻣﻊ ﷲ ﻓﻲ رﺗﺑﺗﮫ‪ .‬ﻓﺎﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﺣدوث اﻵﻟﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﺑق إﻻ أن ﺗﻛون اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﺻﺎدرة ﻣن ﷲ ﺑطرﯾق اﻟﺗوﺳط ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛﺑﺎت‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﯾﻠزم ﻣن ھذا أن ﻻ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء واﺣد ﻣرﻛب ﻣن أﻓراد‪ ،‬ﺑل ﺗﻛون اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ آﺣﺎداً وﻛل‬
‫واﺣد ﻣﻌﻠول ﻟواﺣد آﺧر ﻓوﻗﮫ وﻋﻠﺔ ﻵﺧر ﺗﺣﺗﮫ إﻟﻰ أن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻣﻌﻠول ﻻ ﻣﻌﻠول ﻟﮫ ﻛﻣﺎ اﻧﺗﮭﻰ ﻓﻲ ﺟﮭﺔ‬
‫اﻟﺗﺻﺎﻋد إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‪ .‬وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﺟﺳم ﻋﻧدھم ﻣرﻛب ﻣن ﺻورة وھﯾوﻟﻰ وﻗد ﺻﺎر ﺑﺎﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ‬
‫ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً‪ .‬واﻹﻧﺳﺎن ﻣرﻛب ﻣن ﺟﺳم وﻧﻔس ﻟﯾس وﺟود أﺣدھﻣﺎ ﻣن اﻵﺧر ﺑل وﺟودھﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﺑﻌﻠﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫واﻟﻔﻠك ﻋﻧدھم ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ ﺟرم ذو ﻧﻔس‪ ،‬ﻟم ﺗﺣدث اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻟﺟرم وﻻ اﻟﺟرم ﺑﺎﻟﻧﻔس ﺑل ﻛﻼھﻣﺎ ﺻدرا ﻣن ﻋﻠﺔ‬
‫ﺳواھﻣﺎ‪.‬‬
‫ﺣﯾث ﯾﻘﻊ اﻟﺗﻘﺎء اﻟواﺣد واﻟﻣرﻛب ﯾﺑطل اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد ﻓﻛﯾف وﺟدت ھذه اﻟﻣرﻛﺑﺎت؟‬
‫أﻣن ﻋﻠﺔ واﺣدة؟ ﻓﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟواﺣد إﻻ واﺣد‪ ،‬أو ﻣن ﻋﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ؟ ﻓﯾﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺗرﻛﯾب‬
‫اﻟﻌﻠﺔ إﻟﻰ أن ﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣرﻛب ﺑﺑﺳﯾط‪ .‬ﻓﺈن اﻟﻣﺑدأ ﺑﺳﯾط وﻓﻲ اﻷواﺧر ﺗرﻛﯾب وﻻ ﯾﺗﺻور ذﻟك إﻻ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻘﺎء‪ ،‬وﺣﯾث ﯾﻘﻊ اﻟﺗﻘﺎء ﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم إن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻣذھﺑﻧﺎ ﻓﻲ اﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣوﺟودات‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إذا ﻋرف ﻣذھﺑﻧﺎ اﻧدﻓﻊ اﻹﺷﻛﺎل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣوﺟودات ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻓﻲ ﻣﺣﺎل ﻛﺎﻷﻋراض واﻟﺻور‬
‫وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻟﯾﺳت ﻓﻲ ﻣﺣﺎل‪ ،‬وھذا ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻣﺣﺎل ﻟﻐﯾرھﺎ ﻛﺎﻷﺟﺳﺎم وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻟﯾﺳت ﺑﻣﺣﺎل ﻛﺎﻟﻣوﺟودات‬
‫اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬وھﻲ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾؤﺛر ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم وﻧﺳﻣﯾﮭﺎ ﻧﻔوﺳﺎ ً وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﻲ‬
‫اﻷﺟﺳﺎم ﺑل ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس وﻧﺳﻣﯾﮭﺎ ﻋﻘوﻻً ﻣﺟردة‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻣوﺟودات اﻟﺗﻲ ﺗﺣل ﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎل ﻛﺎﻷﻋراض ﻓﮭﻲ ﺣﺎدﺛﺔ‬
‫وﻟﮭﺎ ﻋﻠل ﺣﺎدﺛﺔ وﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻣﺑدأ ھو ﺣﺎدث ﻣن وﺟﮫ داﺋم ﻣن وﺟﮫ‪ ،‬وھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ‬
‫وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻷﺻول اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣﺎل وھﻲ ﺛﻼﺛﺔ‪ :‬أﺟﺳﺎم وھﻲ أﺧﺳﮭﺎ‪ ،‬وﻋﻘول ﻣﺟردة وھﻲ‬
‫اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾﺔ وﻻ ﺑﺎﻻﻧطﺑﺎع ﻓﯾﮭﺎ وھﻲ أﺷرﻓﮭﺎ‪ ،‬وﻧﻔوس وھﻲ أوﺳطﮭﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﻌﻠق‬
‫ﺑﺎﻷﺟﺳﺎم ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗﻌﻠق وھو اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﻔﻌل ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻣﺗوﺳطﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرف ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﺄﺛر ﻣن اﻟﻌﻘول وﺗؤﺛر ﻓﻲ‬
‫اﻷﺟﺳﺎم‪ .‬ﺛم اﻷﺟﺳﺎم ﻋﺷرة ﺗﺳﻊ ﺳﻣوات واﻟﻌﺎﺷر اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺣﺷو ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر‪ ،‬واﻟﺳﻣوات اﻟﺗﺳﻊ‬
‫ﺣﯾواﻧﺎت ﻟﮭﺎ أﺟرام وﻧﻔوس وﻟﮭﺎ ﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ ﻧذﻛره‪.‬‬
‫ﺗرﺗﯾب اﻟﺻدور‪...‬‬
‫وھو أن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﺎض ﻣن وﺟوده اﻟﻌﻘل اﻷول‪ ،‬وھو ﻣوﺟود ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﺟﺳم‪،‬‬
‫ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرف ﻣﺑدأه‪ ،‬وﻗد ﺳﻣﯾﻧﺎه اﻟﻌﻘل اﻷول وﻻ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺳﻣﻲ ﻣﻠﻛﺎ ً أو ﻋﻘﻼً أو ﻣﺎ أرﯾد‪.‬‬
‫وﯾﻠزم ﻋن وﺟوده ﺛﻼﺛﺔ أﻣور‪ :‬ﻋﻘل وﻧﻔس اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وھﻲ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ وﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ‪ .‬ﺛم ﻟزم‬
‫ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻘل ﺛﺎﻟث وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب وﺟرﻣﮫ‪ ،‬ﺛم ﻟزم ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟﺛﺎﻟث ﻋﻘل راﺑﻊ وﻧﻔس ﻓﻠك زﺣل‬
‫وﺟرﻣﮫ‪ ،‬وﻟزم ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟراﺑﻊ ﻋﻘل ﺧﺎﻣس وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻣﺷﺗري وﺟرﻣﮫ‪ ،‬وھﻛذى ﺣﺗﻰ اﻧﺗﮭﻰ إﻟﻰ اﻟﻌﻘل اﻟذي‬
‫ﻟزم ﻣﻧﮫ ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وﺟرﻣﮫ‪.‬‬
‫وأﺧﯾراً اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌﺎل واﻟﻣﺎدة اﻟﺦ‪.‬‬
‫واﻟﻌﻘل اﻷﺧﯾر ھو اﻟذي ﯾﺳﻣﻰ اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌﺎل‪ ،‬وﻟزم ﺣﺷو ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻛون واﻟﻔﺳﺎد ﻣن اﻟﻌﻘل‬
‫اﻟﻔﻌﺎل وطﺑﺎﺋﻊ اﻷﻓﻼك‪.‬‬
‫ﺛم إن اﻟﻣواد ﺗﻣﺗزج ﺑﺳﺑب ﺣرﻛﺎت اﻟﻛواﻛب اﻣﺗزاﺟﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻣﻌﺎدن واﻟﻧﺑﺎت واﻟﺣﯾوان‪ ،‬وﻻ‬
‫ﯾﻠزم أن ﯾﻠزم ﻣن ﻛل ﻋﻘل ﻋﻘل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬ﻷن ھذه اﻟﻌﻘول ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻷﻧواع‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﺛﺑت ﻟواﺣد ﻻ ﯾﻠزم‬
‫ﻟﻶﺧر‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﺛﻼﺛﺔ أﺷﯾﺎء‬
‫ﻓﺧرج ﻣﻧﮫ أن اﻟﻌﻘول ﺑﻌد اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﺷرة واﻷﻓﻼك ﺗﺳﻌﺔ وﻣﺟﻣوع ھذه اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﺑﻌد اﻷول ﺗﺳﻌﺔ‬
‫ﻋﺷر‪ ،‬وﺣﺻل ﻣﻧﮫ أن ﺗﺣت ﻛل ﻋﻘل ﻣن اﻟﻌﻘول اﻷول ﺛﻼﺛﺔ أﺷﯾﺎء‪ :‬ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك وﺟرﻣﮫ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد وأن‬
‫ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﺑدﺋﮫ ﺗﺛﻠﯾث ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور ﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول إﻻ ﻣن وﺟﮫ واﺣد وھو أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻣﺑدأه‬
‫وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻷن وﺟوب وﺟوده ﺑﻐﯾره ﻻ ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھذه ﻣﻌﺎن ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫واﻷﺷرف ﻣن اﻟﻣﻌﻠوﻻت اﻟﺛﻼﺛﺔ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺳب إﻟﻰ اﻷﺷرف ﻣن ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻌﻘل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ‬
‫ﯾﻌﻘل ﻣﺑدأه‪ ،‬وﯾﺻدر ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وﯾﺻدر ﺟرم اﻟﻔﻠك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود‬
‫ﺑذاﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻟزوﻣﺎ ً إﻻ واﺣد‬
‫ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ھذا اﻟﺗﺛﻠﯾث ﻣن أﯾن ﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وﻣﺑدؤه واﺣد؟ ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول‬
‫إﻻ واﺣد وھو ذات ھذا اﻟﻌﻘل اﻟذي ﺑﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وﻟزﻣﮫ ﺿرورة ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ إن ﻋﻘل اﻟﻣﺑدأ‪ ،‬وھو ﻓﻲ‬
‫ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﻟﯾس ﻟﮫ اﻹﻣﻛﺎن ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﺑل ھو ﻟذاﺗﮫ‪ .‬وﻧﺣن ﻻ ﻧﺑﻌد أن ﯾوﺟد ﻣن اﻟواﺣد واﺣد‬
‫ﯾﻠزم ذﻟك اﻟﻣﻌﻠول‪ ،‬ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ‪ ،‬أﻣور ﺿرورﯾﺔ إﺿﺎﻓﯾﺔ أو ﻏﯾر إﺿﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬ﻓﯾﺣﺻل ﺑﺳﺑﮫ ﻛﺛرة وﯾﺻﯾر‬
‫ﺑذﻟك ﻣﺑدأ ﻟوﺟود اﻟﻛﺛرة‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻠﺗﻘﻲ اﻟﻣرﻛب ﺑﺎﻟﺑﺳﯾط إذ ﻻ ﺑد ﻣن اﻻﻟﺗﻘﺎء‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ‬
‫ﻛذﻟك ﻓﮭو اﻟذي ﯾﺟب اﻟﺣﻛم ﺑﮫ‪ .‬ﻓﮭذا ھو اﻟﻘول ﻓﻲ ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮭﺎ ﺗرھﺎت! واﻻﻋﺗراﺿﺎت ﻻ ﺗﻧﺣﺻر‪ ،‬وإﻟﯾﻛم ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﺗﺣﻛﻣﺎت وھﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق‬
‫ظﻠﻣﺎت ﻓوق ظﻠﻣﺎت‪ ،‬ﻟو ﺣﻛﺎه اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ﻣﻧﺎم رآه ﻻﺳﺗدل ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﺳوء ﻣزاﺟﮫ‪ ،‬أو أورد ﺟﻧﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﮭﯾﺎت‬
‫اﻟﺗﻲ ﻗﺻﺎرى اﻟﻣطﻠب ﻓﯾﮭﺎ ﺗﺧﻣﯾﻧﺎت ﻟﻘﯾل أﻧﮭﺎ ﺗرھﺎت ﻻ ﺗﻔﯾد ﻏﻠﺑﺎت اﻟظﻧون‪.‬‬
‫وﻣداﺧل اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ﻣﺛﻠﮫ ﻻ ﺗﻧﺣﺻر وﻟﻛﻧﺎ ﻧورد وﺟوھﺎ ً ﻣﻌدودة‪.‬‬
‫إن ﺟﺎز ﺻدور اﻟﻛﺛرة ﻋن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود‪ ،‬ﺟﺎز ﺻدورھﺎ ﻋن وﺟوب اﻟوﺟود اﻷول ھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ادﻋﯾﺗم أن‬
‫أﺣد ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻋﯾن وﺟوده أو ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﻼ ﯾﻧﺷﺄ ﻣﻧﮫ ﻛﺛرة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﮭﻼ ﻗﻠﺗم‪ :‬ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻛﺛرة‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻣوﺟود وھو ﻣﻊ ذﻟك‬
‫واﺟب اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓوﺟوب اﻟوﺟود ﻏﯾر ﻧﻔس اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻠﯾﺟز ﺻدور اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻣﻧﮫ ﻟﮭذه اﻟﻛﺛرة‪ .‬وإن ﻗﯾل‪ :‬ﻻ‬
‫ﻣﻌﻧﻰ ﻟوﺟوب اﻟوﺟود إﻻ اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻹﻣﻛﺎن اﻟوﺟود إﻻ اﻟوﺟود‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ‬
‫ﻣوﺟوداً وﻻ ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﮭو ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻛذا واﺟب اﻟوﺟود ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف وﺟوده وﻻ ﯾﻌرف وﺟوﺑﮫ إﻻ‬
‫ﺑﻌد دﻟﯾل آﺧر ﻓﻠﯾﻛن ﻏﯾره‪ .‬وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ اﻟوﺟود أﻣر ﻋﺎم ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ واﺟب وإﻟﻰ ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﺻل أﺣد‬
‫اﻟﻘﺳﻣﯾن زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎم ﻓﻛذى اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ وﻻ ﻓرق‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟوﺟود ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻟﮫ ﻣن ذاﺗﮫ ووﺟوده ﻣن ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﺎ ﻟﮫ‬
‫ﻣن ذاﺗﮫ وﻣﺎ ﻟﮫ ﻣن ﻏﯾره واﺣداً؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛذﻟك وﺟوب اﻟوﺟود‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻛﯾف ﯾﻛون وﺟوب اﻟوﺟود ﻋﯾن اﻟوﺟود وﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﻔﻰ وﺟوب اﻟوﺟود وﯾﺛﺑت اﻟوﺟود؟ واﻟواﺣد اﻟﺣق‬
‫ﻣن ﻛل وﺟﮫ ھو اﻟذي ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻟﻠﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣوﺟود وﻟﯾس ﺑﻣوﺟود أو واﺟب اﻟوﺟود‬
‫وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود‪ ،‬وﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣوﺟود وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣوﺟود وﻟﯾس‬
‫ﺑﻣﻣﻛن اﻟوﺟود‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﯾﻌرف اﻟوﺣدة ﺑﮭذا ﻓﻼ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﺗﻘدﯾر ذﻟك ﻓﻲ اﻷول إن ﺻﺢ ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن أن إﻣﻛﺎن‬
‫اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﻛن‪.‬‬
‫إن ﺟﺎز ﺻدور اﻟﻛﺛرة ﻋن ﻗوة اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﺟﺎز ﺻدورھﺎ ﻋن اﻟﻣﺑدأ اﻷول‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻧﻘول‪ :‬ﻋﻘﻠﮫ ﻣﺑدأه ﻋﯾن وﺟوده وﻋﯾن ﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ أم ﻏﯾره؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﻼ ﻛﺛرة ﻓﻲ‬
‫ذاﺗﮫ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎرة ﻋن ذاﺗﮫ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﮭذه اﻟﻛﺛرة ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷول ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ وﯾﻌﻘل ﻏﯾره‪ .‬ﻓﺈن‬
‫زﻋﻣوا أن ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ وﻻ ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻘل أﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻐﯾره‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﯾطﺎﺑق اﻟﻣﻌﻘول ﻓﯾﻛون‬
‫راﺟﻌﺎ ً إﻟﻰ ذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬واﻟﻣﻌﻠول ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻋﻘل ﺑﺟوھره ﻓﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬واﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل‬
‫واﻟﻣﻌﻘول ﻣﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً واﺣد‪ .‬ﺛم إذا ﻛﺎن ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﻠﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ ﻣﻌﻠوﻻً ﻟﻌﻠﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻛذﻟك‪ ،‬واﻟﻌﻘل ﯾطﺎﺑق‬
‫اﻟﻣﻌﻘول ﻓﯾرﺟﻊ اﻟﻛل إﻟﻰ ذاﺗﮫ ﻓﻼ ﻛﺛرة إذن‪ .‬وإن ﻛﺎﻧت ھذه ﻛﺛرة ﻓﮭﻲ ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷول‪ ،‬ﻓﻠﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‬
‫اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت‪ .‬وﻟﻧﺗرك دﻋوى وﺣداﻧﯾﺗﮫ ﻣن ﻛل وﺟﮫ إن ﻛﺎﻧت اﻟوﺣداﻧﯾﺔ ﺗزول ﺑﮭذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﻛﺛرة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ذاﺗﮫ ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ذاﺗﮫ وﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ھو ﻋﯾن ذاﺗﮫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل‬
‫واﻟﻣﻌﻘول واﺣد وﻻ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ‬
‫واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن‪:‬‬
‫أﺣدھﻣﺎ أن ھذا اﻟﻣذھب ﻟﺷﻧﺎﻋﺗﮫ ھﺟره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ وﺳﺎﺋر اﻟﻣﺣﻘﻘﯾن وزﻋﻣوا أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻔﯾﺿﺎن ﻣﺎ‬
‫ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ وﯾﻌﻘل اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﺑﺄﻧواﻋﮭﺎ ﻋﻘﻼً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﺟزﺋﯾﺎً‪ ،‬إذ اﺳﺗﻘﺑﺣوا ﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ‬
‫ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ ﻋﻘل واﺣد ﺛم ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‪ ،‬وﻣﻌﻠوﻟﮫ ﻋﻘل وﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك وﺟرم ﻓﻠك‬
‫وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ اﻟﺛﻼث وﻋﻠﺗﮫ وﻣﺑدأه‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﻣن ﺣﯾث أن اﻟﻌﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﺎض ﻣﻧﮭﺎ‬
‫إﻻ واﺣد‪ .‬وﻗد ﻓﺎض ﻣن ھذا ﺛﻼﺛﺔ أﻣور‪ ،‬واﻷول ﻣﺎ ﻋﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھذا ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻧﻔس اﻟﻣﺑدأ وﻧﻔس‬
‫اﻟﻣﻌﻠوﻻت‪ .‬وﻣن ﻗﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻗوﻟﮫ ﻓﻲ ﷲ راﺟﻌﺎ ً إﻟﻰ ھذه اﻟرﺗﺑﺔ ﻓﻘد ﺟﻌﻠﮫ أﺣﻘر ﻣن ﻛل ﻣوﺟود ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‬
‫وﯾﻌﻘﻠﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﺎ ﯾﻌﻘﻠﮫ وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ أﺷرف ﻣﻧﮫ إذا ﻛﺎن ھو ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫أﻧزﻟوا ﷲ ﻣﻧزﻟﺔ اﻟﺟﺎھل! ھﻛذا ﯾﻌﺎﻣل ﷲ اﻟﻣﺗﻛﺑرﯾن‬
‫ﻓﻘد اﻧﺗﮭﻰ ﻣﻧﮭم اﻟﺗﻌﻣق ﻓﻲ اﻟﺗﻌظﯾم إﻟﻰ أن أﺑطﻠوا ﻛل ﻣﺎ ﯾﻔﮭم ﻣن اﻟﻌظﻣﺔ وﻗرﺑوا ﺣﺎﻟﮫ ﻣن ﺣﺎل اﻟﻣﯾت اﻟذي ﻻ‬
‫ﺧﺑر ﻟﮫ ﻣﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻓﺎرق اﻟﻣﯾت ﻓﻲ ﺷﻌوره ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻘط‪ .‬وھﻛذى ﯾﻔﻌل ﷲ ﺑﺎﻟزاﺋﻐﯾن ﻋن ﺳﺑﯾﻠﮫ‬
‫واﻟﻧﺎﻛﺑﯾن ﻟطرﯾق اﻟﮭدى اﻟﻣﻧﻛرﯾن ﻟﻘوﻟﮫ‪" :‬ﻣﺎ أﺷﮭدﺗﮭم ﺧﻠق اﻟﺳﻣوات واﻷرض وﻻ ﺧﻠق أﻧﻔﺳﮭم"‪" ،‬اﻟظﺎﻧﯾن‬
‫ﺑﺎ ظن اﻟﺳوء"‪ ،‬اﻟﻣﻌﺗﻘدﯾن أن اﻷﻣور اﻟرﺑوﺑﯾﺔ ﯾﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ اﻟﻘوى اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻣﻐرورﯾن ﺑﻌﻘوﻟﮭم‬
‫زاﻋﻣﯾن أن ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧدوﺣﺔ ﻋن ﺗﻘﻠﯾد اﻟرﺳل وأﺗﺑﺎﻋﮭم‪ .‬ﻓﻼ ﺟرم اﺿطروا إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﺄن ﻟﺑﺎب ﻣﻌﻘوﻻ‬
‫رﺟﻌت إﻟﻰ ﻣﺎ ﻟو ﺣﻛﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﺎم ﻟﺗﻌﺟب ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻌﻘل اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻏﯾره‬
‫اﻟﺟواب اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻣن ذھب إﻟﻰ أن اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ إﻧﻣﺎ ﺣﺎذر ﻣن ﻟزوم اﻟﻛﺛرة‪ ،‬إذ ﻟو ﻗﺎل ﺑﮫ ﻟﻠزم‬
‫أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻋﻘﻠﮫ ﻏﯾره ﻏﯾر ﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وھذا ﻻزم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻟو ﻋﻘل‬
‫اﻷول أو ﻏﯾره ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻏﯾر ذاﺗﮫ وﻻﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻏﯾر ﻋﻠﺔ ذاﺗﮫ‪ ،‬وﻻ ﻋﻠﺔ إﻻ ﻋﻠﺔ ذاﺗﮫ وھو اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪،‬‬
‫ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ذاﺗﮫ‪ ،‬وﺗﺑطل اﻟﻛﺛرة اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺄت ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﻌﻘل اﻟﻣﺑدأ ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟﻣﺎ وﺟد وﻋﻘل ذاﺗﮫ ﻟزﻣﮫ أن ﯾﻌﻘل اﻟﻣﺑدأ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﻠزﻣﮫ ذﻟك ﺑﻌﻠﺔ وﺟوده‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻟزﻣﮫ ذﻟك ﺑﻌﻠﺔ أو ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﺑﻌﻠﺔ ﻓﻼ ﻋﻠﺔ إﻻ اﻟﻣﺑدأ اﻷول وھو واﺣد‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر‬
‫ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد وﻗد ﺻدر وھو ذات اﻟﻣﻌﻠول‪ ،‬ﻓﺎﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﯾف ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ؟ وإن ﻟزم ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ ﻓﻠﯾﻠزم وﺟود اﻷول‬
‫ﻣوﺟودات ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻛﺛﯾرة وﻟﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻛﺛرة‪ .‬ﻓﺈن ﻟم ﯾﻌﻘل ھذا ﻣن ﺣﯾث أن واﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﯾﻛون إﻻ واﺣداً‬
‫واﻟزاﺋد ﻋﻠﻰ اﻟواﺣد ﻣﻣﻛن واﻟﻣﻣﻛن ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ‪ ،‬ﻓﮭذا اﻟﻼزم ﻓﻲ ﺣق اﻟﻣﻌﻠول‪ .‬إن ﻛﺎن واﺟب اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ‬
‫ﻓﻘد ﺑطل ﻗوﻟﮭم‪ :‬واﺟب اﻟوﺟود واﺣد‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻋﻠﺔ وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﻌﻘل وﺟوده‪.‬‬
‫وﻻ ﺑﻌﻠﺔ إﻣﻛﺎن وﺟوده‬
‫وﻟﯾس ھو ﻣن ﺿرورة اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻟﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻓﺈن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺿروري ﻓﻲ ﻛل ﻣﻌﻠول‪ .‬أﻣﺎ‬
‫ﻛون اﻟﻣﻌﻠول ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ وﺟود ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ أن ﻛون اﻟﻌﻠﺔ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ‬
‫وﺟود ذاﺗﮫ‪ .‬ﺑل ﻟزوم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول أظﮭر ﻣن ﻟزوم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺑﺎن أن اﻟﻛﺛرة اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻣن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ‬
‫ﻣﺣﺎل ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﻣﺑدأ ﻟﮫ وﻟﯾس ھو ﻣن ﺿرورة وﺟود ذات اﻟﻣﻌﻠول‪ ،‬وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﻛﺛر ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ﻋﻘل اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ذات ﻧﻔﺳﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أو ﻏﯾره‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷن‬
‫اﻟﻌﻠم ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠوم‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﻛﺛرة وﯾﻠزم ﻓﯾﮫ ﺗرﺑﯾﻊ ﻻ ﺗﺛﻠﯾث‬
‫ﺑزﻋﻣﮭم‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ذاﺗﮫ وﻋﻘﻠﮫ ﻣﺑدأه وإﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ‪ .‬وﯾﻣﻛن أن ﯾزاد أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره ﻓﯾظﮭر‬
‫ﺗﺧﻣﯾس‪ ،‬وﺑﮭذا ﯾﺗﻌرف ﺗﻌﻣق ھؤﻻء ﻓﻲ اﻟﮭوس‪.‬‬
‫اﻟﺗﺛﯾﻠث ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ ﺟرم اﻟﺳﻣﺎء اﻷول اﻻﻋﺗراض اﻟراﺑﻊ أن ﻧﻘول‪ :‬اﻟﺗﺛﻠﯾث ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﺈن‬
‫ﺟرم اﻟﺳﻣﺎء اﻷول ﻟزم ﻋﻧدھم ﻣن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﻣن ذات اﻟﻣﺑدأ وﻓﯾﮫ ﺗرﻛﯾب ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﮫ‪ :‬ﻻ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﺻورة‬
‫وھﯾوﻟﻰ أﺣدھﺎ أﻧﮫ ﻣرﻛب ﻣن ﺻورة وھﯾوﻟﻰ وھﻛذى ﻛل ﺟﺳم ﻋﻧدھم‪ .‬ﻓﻼ ﺑد ﻟﻛل واﺣد ﻣن ﻣﺑدأ إذ اﻟﺻورة‬
‫ﺗﺧﺎﻟف اﻟﮭﯾوﻟﻰ‪ .‬وﻟﯾﺳت ﻛل واﺣدة ﻋﻠﻰ ﻣذھﺑﮭم ﻋﻠﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻟﻸﺧرى ﺣﺗﻰ ﯾﻛون أﺣدھﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻵﺧر ﻣن‬
‫ﻏﯾر ﻋﻠﺔ أﺧرى زاﺋدة ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫وﻣﻘدار‪...‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻠﻰ ﺣد ﻣﺧﺻوص ﻓﻲ اﻟﻛﺑر‪ .‬ﻓﺎﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑذﻟك اﻟﻘدر ﻣن ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻟﻣﻘﺎدﯾر زاﺋد‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟود ذاﺗﮫ إذ ﻛﺎن ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً أﺻﻐر ﻣﻧﮫ وأﻛﺑر ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻣﺧﺻص ﺑذﻟك اﻟﻣﻘدار زاﺋد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ‬
‫اﻟﺑﺳﯾط اﻟﻣوﺟب ﻟوﺟوده‪ ،‬ﻻ ﻛوﺟود اﻟﻌﻘل ﻓﺈﻧﮫ وﺟود ﻣﺣض ﻻ ﯾﺧﺗص ﺑﻣﻘدار ﻣﻘﺎﺑل ﻟﺳﺎﺋر اﻟﻣﻘﺎدﯾر‪ .‬ﻓﯾﺟوز‬
‫أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻻ إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﺑﺳﯾطﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﻏﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻧظﺎم ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﺳﺑﺑﮫ أﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن أﻛﺑر ﻣﻧﮫ ﻟﻛﺎن ﻣﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل‬
‫اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ‪ ،‬وﻟو ﻛﺎن أﺻﻐر ﻣﻧﮫ ﻟم ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻣﻘﺻود‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻧظﺎم ﻟﯾس ھو ﻛﺎف‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬وﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ اﻟﻧظﺎم ھل ھو ﻛﺎف ﻓﻲ وﺟود ﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻧظﺎم أم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻣوﺟدة؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻘد‬
‫اﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن وﺿﻊ اﻟﻌﻠل‪ ،‬ﻓﺎﺣﻛﻣوا ﺑﺄن ﻛون اﻟﻧظﺎم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣوﺟودات اﻗﺗﺿﻰ ھذه اﻟﻣوﺟودات ﺑﻼ ﻋﻠﺔ‬
‫زاﺋدة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ذﻟك ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﺑل اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻓذﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻟﻼﺧﺗﺻﺎص ﺑﺎﻟﻣﻘﺎدﯾر ﺑل ﯾﺣﺗﺎج أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ‬
‫ﻋﻠﺔ اﻟﺗرﻛﯾب‪.‬‬
‫ﺧواص اﻟﻘطب اﻟﺛﺎﻟث أن اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ اﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ھﻣﺎ اﻟﻘطﺑﺎن وھﻣﺎ ﺛﺎﺑﺗﺎ اﻟوﺿﻊ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﺎن‬
‫وﺿﻌﮭﻣﺎ‪ .‬وأﺟزاء اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﯾﺧﺗﻠف وﺿﻌﮭﺎ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا أﻣﺎ إن ﻛﺎن ﺟﻣﯾﻊ أﺟزاء اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎً‪ ،‬ﻓﻠم ﻟزم‬
‫ﺗﻌﯾن ﻧﻘطﺗﯾن ﻣن ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻟﻧﻘط ﻟﻛوﻧﮭﻣﺎ ﻗطﺑﯾن؟ أو أﺟزاؤھﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺧواص ﻟﯾﺳت ﻓﻲ اﻟﺑﻌض‪،‬‬
‫ﻓﻣﺎ ﻣﺑدأ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت؟ واﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻟم ﯾﺻدر إﻻ ﻣن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﺑﺳﯾط‪ ،‬واﻟﺑﺳﯾط ﻻ ﯾوﺟب إﻻ ﺑﺳﯾطﺎ ً‬
‫ﻓﻲ اﻟﺷﻛل وھو اﻟﻛرى وﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ وھو اﻟﺧﻠو ﻋن اﻟﺧواص اﻟﻣﻣﯾزة‪ ،‬وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻟﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ أﻧواﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻛﺛرة ﻻزﻣﺔ ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ أﻧواﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻛﺛرة‬
‫ﻻزﻣﺔ ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ظﮭر ﻟﻧﺎ ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ واﻟﺑﺎﻗﻲ ﻟم ﻧطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وﻋدم ﻋﺛورﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﯾﻧﮫ ﻻ‬
‫ﯾﺷﻛﻛﻧﺎ ﻓﻲ أن ﻣﺑدأ اﻟﻛﺛرة ﻛﺛرة وأن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻛﺛﯾر‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﺗﻛون ﺻﺎدرة ﻋن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول‪...‬‬
‫ً‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﺈذا ﺟوزﺗم ھذا ﻓﻘوﻟوا‪ :‬إن اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺛرﺗﮭﺎ وﻗد ﺑﻠﻐت آﻻﻓﺎ ﺻدرت ﻣن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﯾﺣﺗﺎج أن ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﺑل ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻗد ﺻدر ﻣﻧﮫ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ‬
‫واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟﺳﺎم اﻷرﺿﯾﺔ واﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺄﻧواع ﻛﺛرة ﻻزﻣﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﻟم ﯾطﻠﻌوا ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﯾﻘﻊ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول اﻷول‪.‬‬
‫ﻻ ﺑل ﻋن اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‬
‫ﺛم ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ إذا ﺟﺎز ﺗوﻟد ﻛﺛرة ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻻزﻣﺔ ﻻ ﺑﻌﻠﺔ ﻣﻊ أﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﺿرورﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ وﺟود اﻟﻣﻌﻠول اﻷول‪ ،‬ﺟﺎز أن ﯾﻘدر ذﻟك ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ وﯾﻛون وﺟودھﺎ ﻻ ﺑﻌﻠﺔ وﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮭﺎ ﻟزﻣت وﻻ‬
‫ﯾدرى ﻋددھﺎ‪ ،‬وﻛﻠﻣﺎ ﺗﺧﯾل وﺟودھﺎ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻊ اﻷول ﺗﺧﯾل ذﻟك ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﺑل ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻣﻊ‬
‫اﻷول واﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬إذ ﻟﯾس ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ زﻣﺎن وﻻ ﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﮭﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺎن وزﻣﺎن وﯾﺟوز أن ﯾﻛون‬
‫ﻣوﺟوداً ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻟم ﯾﺧﺗص أﺣدھﻣﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﺑﻌد أن ﯾﺑﻠﻎ اﻷﻟف ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟﻘد ﻛﺛرت اﻷﺷﯾﺎء ﺣﺗﻰ زادت ﻋﻠﻰ أﻟف‪ ،‬وﯾﺑﻌد أن ﺗﺑﻠﻎ‬
‫اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول إﻟﻰ ھذا اﻟﺣد‪ ،‬ﻓﻠذﻟك أﻛﺛرﻧﺎ اﻟوﺳﺎﺋط‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻟﻣﺎذا؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪" :‬ﯾﺑﻌد" ھذا رﺟم ظن ﻻ ﯾﺣﻛم ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻻ أن ﯾﻘول‪ :‬إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل؟‬
‫وﻣﺎ اﻟﻣرد واﻟﻔﯾﺻل ﻣﮭﻣﺎ ﺟﺎوزﻧﺎ اﻟواﺣد واﻋﺗﻘدﻧﺎ أﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﻠزم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول‪ ،‬ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻌﻠﺔ‪ ،‬ﻻزم‬
‫واﺛﻧﺎن وﺛﻠث؟ ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻷرﺑﻊ وﺧﻣس وھﻛذى إﻟﻰ اﻷﻟف؟ وإﻻ ﻓﻣن ﯾﺗﺣﻛم ﺑﻣﻘدار دون ﻣﻘدار؟ ﻓﻠﯾس ﺑﻌد‬
‫ﻣﺟﺎوزة ﻣرد‪ ،‬اﻟواﺣد‪ ،‬وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻗﺎطﻊ‪.‬‬
‫ﻋن ﺗﻠك اﻟﻛواﻛب ﺻدر اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ‪...‬‬
‫ﺛم ﻧﻘول‪ :‬ھذا ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﺈﻧﮫ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب وﻓﯾﮫ أﻟف وﻧﯾف وﻣﺋﺗﺎ ﻛوﻛب‪ ،‬وھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫اﻟﻌظم واﻟﺷﻛل واﻟوﺿﻊ واﻟﻠون واﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﻧﺣوﺳﺔ واﻟﺳﻌﺎدة‪ ،‬ﻓﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻟﺣﻣل واﻟﺛور واﻷﺳد‬
‫وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وﯾﺧﺗﻠف ﺗﺄﺛﯾرھﺎ ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻣن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺑرﯾد واﻟﺗﺳﺧﯾن‬
‫واﻟﺳﻌﺎدة واﻟﻧﺣوس‪ ،‬وﺗﺧﺗﻠف ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻔﯾﮫ أﻧواع ﻣن اﻟﻌﻠل‬
‫ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻛل ﻧوع واﺣد ﻣﻊ ھذا اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬وﻟو ﺟﺎز ھذا أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛل أﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﻧوع واﺣد ﻓﻲ‬
‫اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻓﯾﻛﻔﯾﮭﺎ ﻋﻠﺔ واﺣدة‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن اﺧﺗﻼف ﺻﻔﺎﺗﮭﺎ وﺟواھرھﺎ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ دل ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ ﻓﻛذى اﻟﻛواﻛب‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﯾﻔﺗﻘر ﻛل واﺣد إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻟﺻورﺗﮫ وﻋﻠﺔ ﻟﮭﯾوﻻه وﻋﻠﺔ ﻻﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑطﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﺳﺧﻧﺔ أو‬
‫اﻟﻣﺑردة أو اﻟﻣﺳﻌدة أو اﻟﻣﻧﺣﺳﺔ وﻻﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑﻣوﺿﻌﮫ ﺛم ﻻﺧﺗﺻﺎص ﺟﻣﻠﮭﺎ ﺑﺄﺷﻛﺎل اﻟﺑﮭﺎﺋم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬وھذه‬
‫اﻟﻛﺛرة إن ﺗﺻور أن ﺗﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﺻور ﻓﻲ اﻷول ووﻗﻊ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء‪.‬‬
‫إن ﺑﯾﺎن اﻟﻌﻠل اﻟﺗﻲ ذﻛرﺗﻣوھﺎ ﻟﻣﻣﺎ ﯾﺿﺣك ﻣﻧﮭﺎ‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺧﺎﻣس ھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﺳﻠﻣﻧﺎ ھذه اﻷوﺿﺎع اﻟﺑﺎردة واﻟﺗﺣﻛﻣﺎت اﻟﻔﺎﺳدة وﻟﻛن ﻛﯾف ﻻ ﺗﺳﺗﺣﯾون ﻣن‬
‫ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﻛون اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود اﻗﺗﺿﻰ وﺟود ﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ ﻣﻧﮫ‪ ،‬وﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ اﻗﺗﺿﻰ‬
‫وﺟود ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻣﻧﮫ‪ ،‬وﻋﻘﻠﮫ اﻷول ﯾﻘﺗﺿﻲ وﺟود ﻋﻘل ﻣﻧﮫ؟ وﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾن ھذا وﺑﯾن ﻗﺎﺋل ﻋرف وﺟود‬
‫إﻧﺳﺎن ﻏﺎﺋب وأﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وأﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﺻﺎﻧﻌﮫ ﻓﻘﺎل‪ :‬ﯾﻠزم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﺟود ﻓﻠك؟‬
‫ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬وأي ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﺑﯾن وﺟود ﻓﻠك ﻣﻧﮫ؟ وﻛذﻟك ﯾﻠزم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً ﻟﻧﻔﺳﮫ وﻟﺻﺎﻧﻌﮫ‬
‫ﺷﯾﺋﺎن آﺧران‪ .‬وھذا إذا ﻗﯾل ﻓﻲ إﻧﺳﺎن ﺿﺣك ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻛذى ﻓﻲ ﻣوﺟود آﺧر إذ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻗﺿﯾﺔ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف‬
‫ﺑﺎﺧﺗﻼف ذات اﻟﻣﻣﻛن إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻛﺎن أو ﻣﻠﻛﺎ ً أو ﻓﻠﻛﺎ ً‪ .‬ﻓﻠﺳت أدري ﻛﯾف ﯾﻘﻧﻊ اﻟﻣﺟﻧون ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻣﺛل ھذه‬
‫اﻷوﺿﺎع ﻓﺿﻼً ﻣن اﻟﻌﻘﻼء اﻟذﯾن ﯾﺷﻘون اﻟﺷﻌر ﺑزﻋﻣﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت‪.‬‬
‫اﻋﺗراض ﻓﻣﺎذا ﺗﻘوﻟون أﻧﺗم؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬ﻓﺈذا أﺑطﻠﺗم ﻣذھﺑﮭم ﻓﻣﺎذى ﺗﻘوﻟون أﻧﺗم؟ أﺗزﻋﻣون أﻧﮫ ﯾﺻدر ﻣن اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻣن ﻛل وﺟﮫ‬
‫ﺷﯾﺋﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن‪ ،‬ﻓﺗﻛﺎﺑرون اﻟﻣﻌﻘول؟ أو ﺗﻘوﻟون‪ :‬اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة‪ ،‬ﻓﺗﺗرﻛون اﻟﺗوﺣﯾد؟ أو ﺗﻘوﻟون ﻻ ﻛﺛرة‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺗﻧﻛرون اﻟﺣس؟ أو ﺗﻘوﻟون‪ :‬ﻟزﻣت ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط‪ ،‬ﻓﺗﺿطرون إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﻣﺎ ﻗﺎﻟوه؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻘول أن ﯾﺻدر اﺛﻧﺎن ﻣن واﺣد‬
‫وھذا ﻣﺎ ورد ﺑﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻧﺣن ﻟم ﻧﺧض ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺧوض ﻣﻣﮭد‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻏرﺿﻧﺎ أن ﻧﺷوش دﻋﺎوﯾﮭم وﻗد ﺣﺻل‪ .‬ﻋﻠﻰ أﻧﺎ‬
‫ﻧﻘول‪ :‬وﻣن زﻋم أن اﻟﻣﺻﯾر إﻟﻰ ﺻدور اﺛﻧﯾن ﻣن واﺣد ﻣﻛﺎﺑرة اﻟﻣﻌﻘول أو اﺗﺻﺎف اﻟﻣﺑدأ ﺑﺻﻔﺎت ﻗدﯾﻣﺔ‬
‫أزﻟﯾﺔ ﻣﻧﺎﻗض ﻟﻠﺗوﺣﯾد‪ ،‬ﻓﮭﺎﺗﺎن دﻋوﺗﺎن ﺑﺎطﻠﺗﺎن ﻻ ﺑرھﺎن ﻟﮭم ﻋﻠﯾﮭﻣﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺻدور اﻻﺛﻧﯾن‬
‫ﻣن واﺣد ﻛﻣﺎ ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻟﺷﺧص اﻟواﺣد ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﺿرورة وﻻ‬
‫ﺑﺎﻟﻧظر‪ .‬وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﺎﻟم ﻗﺎدر ﻣرﯾد ﯾﻔﻌل ﻣﺎ ﯾﺷﺎء وﯾﺣﻛم ﻣﺎ ﯾرﯾد ﯾﺧﻠق اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت‬
‫واﻟﻣﺗﺟﺎﻧﺳﺎت ﻛﻣﺎ ﯾرﯾد وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾرﯾد؟ ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا ﻻ ﯾﻌرف ﺑﺿرورة وﻻ ﻧظر‪ ،‬وﻗد ورد ﺑﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء‬
‫اﻟﻣؤﯾدون ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزات ﻓﯾﺟب ﻗﺑوﻟﮫ‪.‬‬
‫اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﻣن اﻟﻔﺿول وأﻣﺎ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺻدور اﻟﻔﻌل ﻣن ﷲ ﺑﺎﻹرادة ﻓﻔﺿول وطﻣﻊ ﻓﻲ ﻏﯾر‬
‫ﻣطﻣﻊ‪ .‬واﻟذﯾن طﻣﻌوا ﻓﻲ طﻠب اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ وﻣﻌرﻓﺗﮫ رﺟﻊ ﺣﺎﺻل ﻧظرھم إﻟﻰ أن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ‬
‫ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻠك‪ ،‬وﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻧﻔس اﻟﻔﻠك‪ ،‬وھذه ﺣﻣﺎﻗﺔ ﻻ إظﮭﺎر ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﺗﺗﻘﺑل ﻣﺑﺎدئ ھذه اﻷﻣور ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء! ﻓﻠﺗﺗﻘﺑل ﻣﺑﺎدئ ھذه اﻷﻣور ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء وﻟﯾﺻدﻗوا ﻓﯾﮭﺎ إذ اﻟﻌﻘل ﻻ‬
‫ﯾﺣﯾﻠﮭﺎ‪ ،‬وﻟﯾﺗرك اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ واﻟﻛﻣﯾﺔ واﻟﻣﺎھﯾﺔ‪ .‬ﻓﻠﯾس ذﻟك ﯾﺗﺳﻊ ﻟﮫ اﻟﻘوى اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺻﺎﺣب‬
‫اﻟﺷرع‪ :‬ﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ﺧﻠق ﷲ وﻻ ﺗﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ذات ﷲ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﻋﺟزھم ﻋن اﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ وﺟود اﻟﺻﺎﻧﻊ ﻟﻠﻌﺎﻟم‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘوﻟون إن ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬اﻟﻧﺎس ﻓرﻗﺗﺎن‪ :‬ﻓرﻗﺔ أھل اﻟﺣق وﻗد رأوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث وﻋﻠﻣوا ﺿرورة أن اﻟﺣﺎدث ﻻ ﯾوﺟد ﺑﻧﻔﺳﮫ‬
‫ﻓﺎﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬ﻓﯾﻌﻘل ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘول ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬وﻓرﻗﺔ أﺧرى ھم اﻟدھرﯾﺔ وﻗد رأوا اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ھو‬
‫ﻋﻠﯾﮫ وﻟم ﯾﺛﺑﺗوا ﻟﮫ ﺻﺎﻧﻌﺎً‪ ،‬وﻣﻌﺗﻘدھم ﻣﻔﮭوم وإن ﻛﺎن اﻟدﻟﯾل ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼﻧﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻘد رأوا أن اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗدﯾم ﺛم أﺛﺑﺗوا ﻟﮫ ﻣﻊ ذﻟك ﺻﺎﻧﻌﺎً‪ ،‬وھذا اﻟﻣذھب ﺑوﺿﻌﮫ ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻻ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﯾﮫ إﻟﻰ إﺑطﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ھو اﻟﻣﺑدأ اﻷول‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻧﺣن إذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻊ‪ ،‬ﻟم ﻧرد ﺑﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻣﺧﺗﺎراً ﯾﻔﻌل ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻔﻌل ﻛﻣﺎ ﻧﺷﺎھد ﻓﻲ أﺻﻧﺎف‬
‫اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻣن اﻟﺧﯾﺎط واﻟﻧﺳﺎج واﻟﺑﻧﺎء‪ ،‬ﺑل ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮫ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟم وﻧﺳﻣﯾﮫ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ‬
‫ﻟوﺟوده وھو ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﺈن ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺻﺎﻧﻌﺎ ً ﻓﺑﮭذا اﻟﺗﺄوﯾل‪.‬‬
‫ﻷﻧﮫ ﻣن اﻟﻣﺣﺎل أن ﺗﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺛﺑوت ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺑرھﺎن اﻟﻘطﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﻗرب‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬اﻟﻌﺎﻟم وﻣوﺟوداﺗﮫ إﻣﺎ أن‬
‫ﯾﻛون ﻟﮫ ﻋﻠﺔ أو ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺗﻠك اﻟﻌﻠﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ أم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ؟ وﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻠﺔ‪ :‬ﻓﺈﻣﺎ‬
‫أن ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وھو ﻣﺣﺎل‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ طرف ﻓﺎﻷﺧﯾر ﻋﻠﺔ أوﻟﻰ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟودھﺎ‪ ،‬ﻓﻧﺳﻣﯾﮫ‬
‫اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪ .‬وإن ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟوداً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻘد ظﮭر اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ ﻣوﺟوداً ﻻ ﻋﻠﺔ‬
‫ﻟﮫ‪ ،‬وھو ﺛﺎﺑت ﺑﺎﻟﺿرورة‪.‬‬
‫اﻟﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻏﯾر ھذه‬
‫ﻧﻌم ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون اﻟﻣﺑدأ اﻷول ھﻲ اﻟﺳﻣوات ﻷﻧﮭﺎ ﻋدد‪ ،‬ودﻟﯾل اﻟﺗوﺣﯾد ﯾﻣﻧﻌﮫ ﻓﯾﻌرف ﺑطﻼﻧﮫ ﺑﻧظر ﻓﻲ‬
‫ﺻﻔﺔ اﻟﻣﺑدأ‪ ،‬وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﺳﻣﺎء واﺣد أو ﺟﺳم واﺣد أو ﺷﻣس أو ﻏﯾره ﻷﻧﮫ ﺟﺳم واﻟﺟﺳم ﻣرﻛب ﻣن‬
‫اﻟﺻورة واﻟﮭﯾوﻟﻰ‪ ،‬واﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣرﻛﺑﺎً‪ ،‬وذﻟك ﯾﻌرف ﺑﻧظر ﺛﺎن‪ .‬واﻟﻣﻘﺻود أن ﻣوﺟوداً ﻻ‬
‫ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﺛﺎﺑت ﺑﺎﻟﺿرورة واﻻﺗﻔﺎق‪ .‬وإﻧﻣﺎ اﻟﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وھو اﻟذي ﻧﻌﻧﯾﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ اﻷول‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻷﺟﺳﺎم ﺗﻛون ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ‬
‫واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أﻧﮫ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم أن ﺗﻛون أﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺔ‪ ،‬ﻛذﻟك ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﺑطﻼن ذﻟك ﯾﻌﻠم ﺑﻧظر ﺛﺎن ﻓﺳﯾﺑطل ذﻟك ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗوﺣﯾد وﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﺑﻌد ھذه‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‪.‬‬
‫ﺗﻠك اﻟﻌﻠل ﺗﻛون إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو اﻟﺧﺎص ﺑﮭذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺛﺑت ﺗﻘدﯾراً أن ھذه اﻟﻣوﺟودات ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﻟﻛن ﻟﻌﻠﺗﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﻟﻌﻠﺔ‬
‫اﻟﻌﻠﺔ ﻋﻠﺔ‪ ،‬ﻛذﻟك وھﻛذى إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﻘوﻟون إﻧﮭﺎ ﺣوادث ھﻛذا‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل إﺛﺑﺎت ﻋﻠل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻻ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻣﻧﻛم‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻋرﻓﺗم ذﻟك ﺿرورة ﺑﻐﯾر وﺳط أو‬
‫ﻋرﻓﺗﻣوه ﺑوﺳط‪ ،‬وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ دﻋوى اﻟﺿرورة‪ .‬وﻛل ﻣﺳﻠك ذﻛرﺗﻣوه ﻓﻲ اﻟﻧظر ﺑطل ﻋﻠﯾﻛم ﺑﺗﺟوﯾز ﺣوادث‬
‫ﻻ أول ﻟﮭﺎ‪ .‬وإذا ﺟﺎز أن ﯾدﺧل ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ﻓﻠم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺑﻌض‪ ،‬وﯾﻧﺗﮭﻲ ﻣن‬
‫اﻟطرف اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﻣﻌﻠول ﻻ ﻣﻌﻠول ﻟﮫ‪ ،‬وﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ ﻣن اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن اﻟزﻣﺎن‬
‫اﻟﺳﺎﺑق ﻟﮫ آﺧر وھو اﻵن اﻟراھن وﻻ أول ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﺣﺗﻰ اﻟﻣوﺟودة ﻣﻌﺎً‪ ،‬ﻛﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ‬
‫ﻓﺈن زﻋﻣﺗم أن اﻟﺣوادث اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣوﺟودة ﻣﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻻ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال واﻟﻣﻌدوم ﻻ ﯾوﺻف‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻧﺎھﻲ وﻋدم اﻟﺗﻧﺎھﻲ‪ ،‬ﻓﯾﻠزﻣﻛم اﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻔﻧﻰ ﻋﻧدﻛم‪ ،‬واﻟﻣوﺟود اﻟﻣﻔﺎرق‬
‫ﻟﻠﺑدن ﻣن اﻟﻧﻔوس ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ‪ ،‬إذ ﻟم ﺗزل ﻧطﻔﺔ ﻣن إﻧﺳﺎن وإﻧﺳﺎن ﻣن ﻧطﻔﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ .‬ﺛم ﻛل إﻧﺳﺎن‬
‫ﻣﺎت ﻓﻘد ﺑﻘﻲ ﻧﻔﺳﮫ وھو ﺑﺎﻟﻌدد ﻏﯾر ﻧﻔس ﻣن ﻣﺎت ﻗﺑﻠﮫ وﻣﻌﮫ وﺑﻌده‪ ،‬وإن ﻣﻛﺎن اﻟﻛل ﺑﺎﻟﻧوع واﺣداً ﻓﻌﻧدﻛم ﻓﻲ‬
‫اﻟوﺟود ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎل ﻧﻔوس ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗرﺗﯾب ﻟﮭﺎ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﻧﻔوس ﻟﯾس ﻟﺑﻌﺿﮭﺎ ارﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺑﻌض وﻻ ﺗرﺗﯾب ﻟﮭﺎ ﻻ ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﻻ ﺑﺎﻟوﺿﻊ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻧﺣﯾل ﻧﺣن‬
‫ﻣوﺟودات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ إذا ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟوﺿﻊ ﻛﺎﻷﺟﺳﺎم ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣرﺗﺑﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓوق اﻟﺑﻌض‪ ،‬أو ﻛﺎن ﻟﮭﺎ‬
‫ﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻛﺎﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﻧﻔوس ﻓﻠﯾﺳت ﻛذﻟك‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﯾﻛﻔﻲ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وھذا اﻟﺣﻛم ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ ﻟﯾس طرده ﺑﺄوﻟﻰ ﻣن ﻋﻛﺳﮫ‪ ،‬ﻓﻠم أﺣﻠﺗم أﺣد اﻟﻘﺳﻣﯾن دون اﻵﺧر؟ وﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن‬
‫اﻟﻣﻔرق؟ وﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إن ھذه اﻟﻧﻔوس اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻻ ﺗﺧﻠوا ﻋن ﺗرﺗﯾب إذ وﺟود ﺑﻌﺿﮭﺎ‬
‫ﻗﺑل اﻟﺑﻌض؟ ﻓﺈن اﻷﯾﺎم واﻟﻠﯾﺎﻟﻲ اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬وإذا ﻗدرﻧﺎ وﺟود ﻧﻔس واﺣد ﻓﻲ ﻛل ﯾوم وﻟﯾﻠﺔ ﻛﺎن‬
‫اﻟﺣﺎﺻل ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻵن ﺧﺎرﺟﺎ ً ﻋن اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ واﻗﻌﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟوﺟود أي ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻌد اﻟﺑﻌض‪ .‬واﻟﻌﻠﺔ‬
‫ﻏﺎﯾﺗﮭﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮭﺎ ﻗﺑل اﻟﻣﻌﻠول ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻓوق اﻟﻣﻌﻠول ﺑﺎﻟذات ﻻ ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﺈذا ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ذﻟك ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘﺑل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ اﻟزﻣﺎﻧﻲ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟﻘﺑل اﻟذاﺗﻲ اﻟطﺑﻌﻲ‪ .‬وﻣﺎ ﺑﺎﻟﮭم ﻟم ﯾﺟوزوا أﺟﺳﺎﻣﺎ ً ﺑﻌﺿﮭﺎ‬
‫ﻓوق اﻟﺑﻌض ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وﺟوزوا ﻣوﺟودات ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻗﺑل اﻟﺑﻌض ﺑﺎﻟزﻣﺎن إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ؟ وھل ھذا‬
‫إﻻ ﺗﺣﻛم ﺑﺎرد ﻻ أﺻل ﻟﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠل‪ ،‬إن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ‪ ،‬اﻓﺗﻘرت إﻟﻰ ﻋﻠﺔ زاﺋدة‪.‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺑرھﺎن اﻟﻘﺎطﻊ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛل واﺣد ﻣن آﺣﺎد اﻟﻌﻠل ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ‬
‫أو واﺟﺑﺔ‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ ﻓﻠم ﺗﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ‪ ،‬وإن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻓﺎﻟﻛل ﻣوﺻوف ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن‪ ،‬وﻛل ﻣﻣﻛن ﻓﯾﻔﺗﻘر‬
‫إﻟﻰ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻔﺗﻘر اﻟﻛل إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻧﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛل واﺣد ﻣﻣﻛن‪ ،‬واﻟﻛل ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن‪.‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻟﻔظ اﻟﻣﻣﻛن واﻟواﺟب ﻟﻔظ ﻣﺑﮭم‪ ،‬إﻻ أن ﯾراد ﺑﺎﻟواﺟب ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﯾراد ﺑﺎﻟﻣﻣﻛن ﻣﺎ ﻟوﺟوده ﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫وإن ﻛﺎن اﻟﻣراد ھذا ﻓﻠﻧرﺟﻊ إﻟﻰ ھذه اﻟﻠﻔظﺔ ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻛل واﺣد ﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ‪،‬‬
‫واﻟﻛل ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻧﮫ‪ .‬وإن أرﯾد ﺑﻠﻔظ اﻟﻣﻣﻛن ﻏﯾر ﻣﺎ‬
‫أردﻧﺎه ﻓﮭو ﻟﯾس ﺑﻣﻔﮭوم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻓﮭذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺗﻘوم واﺟب اﻟوﺟود‬
‫ﺑﻣﻣﻛﻧﺎت اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﮭذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺗﻘوم واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻣﻣﻛﻧﺎت اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﺗﻘوم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻷواﺋل‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬إن أردﺗم ﺑﺎﻟواﺟب واﻟﻣﻣﻛن ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻓﮭو ﻧﻔس اﻟﻣطﻠوب‪ .‬ﻓﻼ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻣﺣﺎل وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﯾﺳﺗﺣﯾل‬
‫أن ﯾﺗﻘوم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻟﺣوادث‪ ،‬واﻟزﻣﺎن ﻋﻧدھم ﻗدﯾم‪ ،‬وآﺣﺎد اﻟدورات ﺣﺎدﺛﺔ وھﻲ ذوات أواﺋل‪ ،‬واﻟﻣﺟﻣوع ﻻ أول‬
‫ﻟﮫ‪ .‬ﻓﻘد ﺗﻘوم ﻣﺎ ﻻ أول ﻟﮫ ﺑذوات أواﺋل وﺻدق ذوات اﻷواﺋل ﻋﻠﻰ اﻵﺣﺎد وﻟم ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﻣوع‪ .‬ﻓﻛذﻟك‬
‫ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد‪ :‬إن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟﻠﻣﺟﻣوع ﻋﻠﺔ وﻟﯾس ﻛل ﻣﺎ ﺻدق ﻋﻠﻰ اﻵﺣﺎد ﯾﻠزم أن ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻣﺟﻣوع‪ ،‬إذ ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد أﻧﮫ واﺣد وأﻧﮫ ﺑﻌض وأﻧﮫ ﺟزء وﻻ ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﻣوع‪ .‬وﻛل ﻣوﺿوع‬
‫ﻋﯾﻧﺎه ﻣن اﻷرض ﻓﺈﻧﮫ ﻗد اﺳﺗﺿﺎء ﺑﺎﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎر وأظﻠم ﺑﺎﻟﻠﯾل‪ .‬وﻛل واﺣد ﺣﺎدث ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن أي ﻟﮫ‬
‫أول‪ .‬واﻟﻣﺟﻣوع ﻋﻧدھم ﻣﺎ ﻟﮫ أول‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﺳﺑﯾل ﻟﮭم إﻟﻰ اﻟوﺻول إﻟﻰ إﺛﺑﺎت اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﺗﺑﯾن أن ﻣن ﯾﺟوز ﺣوادث ﻻ أول ﻟﮭﺎ‪ ،‬وھﻲ ﺻور‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ واﻟﻣﺗﻐﯾرات‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺗﻣﻛن ﻣن إﻧﻛﺎر ﻋﻠل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬وﯾﺧرج ﻣن ھذا أﻧﮫ ﻻ ﺳﺑﯾل ﻟﮭم إﻟﻰ‬
‫اﻟوﺻول إﻟﻰ إﺛﺑﺎت اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻟﮭذا اﻹﺷﻛﺎل‪ ،‬وﯾرﺟﻊ ﻓرﻗﮭم إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻛم اﻟﻣﺣض‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟدورات ﻟﯾﺳت ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻻ ﺻور اﻟﻌﻧﺎﺻر وإﻧﻣﺎ اﻟﻣوﺟود ﻣﻧﮭﺎ ﺻورة واﺣدة ﺑﺎﻟﻔﻌل‪،‬‬
‫وﻣﺎ ﻻ وﺟود ﻟﮫ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺗﻧﺎھﻲ وﻋدم اﻟﺗﻧﺎھﻲ إﻻ إذا ﻗدر ﻓﻲ اﻟوھم وﺟودھﺎ‪ ،‬وﻻ ﯾﺑﻌد ﻣﺎ ﯾﻘدر ﻓﻲ اﻟوھم‬
‫وإن ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻘدرات أﯾﺿﺎ ً ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻼً ﻟﺑﻌض ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾﻔرض ذﻟك ﻓﻲ وھﻣﮫ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣوﺟود‬
‫ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷذھﺎن‪.‬‬
‫ﻧﻔوس اﻷﻣوات ﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮭﺎ ﻋدد‬
‫ﻻ ﯾﺑﻘﻲ إﻻ ﻧﻔوس اﻷﻣوات‪ .‬وﻗد ذھب ﺑﻌض اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت واﺣدة أزﻟﯾﺔ ﻗﺑل اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان وﻋﻧد‬
‫ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻷﺑدان ﺗﺗﺣد ﻓﻼ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻋدد‪ ،‬ﻓﺿﻼً ﻣن أن ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬وﻗﺎل آﺧرون‪ :‬اﻟﻧﻔس ﺗﺎﺑﻊ‬
‫ﻟﻠﻣزاج وإﻧﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت ﻋدﻣﮭﺎ وﻻ ﻗوام ﻟﮭﺎ ﺑﺟوھرھﺎ دون اﻟﺟﺳم‪ .‬ﻓﺈذن ﻻ وﺟود ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس إﻻ ﻓﻲ ﺣق‬
‫اﻷﺣﯾﺎء‪ ،‬واﻷﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺟودون ﻣﺣﺻورون وﻻ ﺗﻧﺗﻔﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ ﻋﻧﮭم‪ ،‬واﻟﻣﻌدﻣون ﻻ ﯾوﺻﻔون أﺻﻼً ﻻ ﺑوﺟود‬
‫اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ وﻻ ﺑﻌدﻣﮭﺎ‪ ،‬إﻻ ﻓﻲ اﻟوھم إذا ﻓرﺿوا ﻣوﺟودﯾن‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻣﺎ أوردﻧﺎه ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ اﻟﺦ‪.‬‬
‫واﻟﺟواب‪ :‬إن ھذا اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس أوردﻧﺎه ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ واﻟﻣﺣﻘﻘﯾن ﻣﻧﮭم إذ ﺣﻛﻣوا ﺑﺄن اﻟﻧﻔس‬
‫ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وھو اﺧﺗﯾﺎر أرﺳطﺎﻟﯾس واﻟﻣﻌﺗﺑرﯾن ﻣن اﻷواﺋل‪.‬‬
‫وﻧﻘول ﻟﻐﯾرھم ﻋوض اﻟﻧﻔس ﻗدروا أي ﺣﺎدث ﻻ ﯾﻧﻘﺿﻲ‪ .‬وﻣن ﻋدل ﻋن ھذا اﻟﻣﺳﻠك ﻓﻧﻘول ﻟﮫ‪ :‬ھل ﯾﺗﺻور أن‬
‫ﯾﺣدث ﺷﻲء ﯾﺑﻘﻰ أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﻓﮭو ﻣﺣﺎل‪ ،‬وإن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻧﻌم‪ ،‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﺈذا ﻗدرﻧﺎ ﻛل ﯾوم ﺣدوث ﺷﻲء وﺑﻘﺎءه‬
‫اﺟﺗﻣﻊ إﻟﻰ اﻵن ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻣوﺟودات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟدورة وإن ﻛﺎﻧت ﻣﻧﻘﺿﯾﺔ ﻓﺣﺻول ﻣوﺟود ﻓﯾﮭﺎ ﯾﺑﻘﻲ وﻻ‬
‫ﯾﻧﻘﺿﻰ ﻏﯾر ﻣﺳﺗﺣﯾل‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﺗﻘدﯾر ﯾﺗﻘرر اﻹﺷﻛﺎل‪ .‬وﻻ ﻏرض ﻓﻲ أن ﯾﻛون ذﻟك اﻟﺑﺎﻗﻲ ﻧﻔس آدﻣﻲ أو ﺟﻧﻲ‬
‫أو ﺷﯾطﺎن أو ﻣﻠك أو ﻣﺎ ﺷﺋت ﻣن اﻟﻣوﺟودات‪ .‬وھو ﻻزم ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣذھب ﻟﮭم‪ ،‬إذ أﺛﺑﺗوا دورات ﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن ﷲ واﺣد‬
‫وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺟوز ﻓرض اﺛﻧﯾن واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‬
‫ﻗوﻟﮭم وﺟوب وﺟود ﷲ إﻣﺎ ﻟذاﺗﮫ وإﻣﺎ ﻟﻌﻠﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻣﺳﻠك اﻷول ﻗوﻟﮭم‪ :‬إﻧﮭﻣﺎ ﻟو ﻛﺎﻧﺎ اﺛﻧﯾن ﻟﻛﺎن ﻧوع وﺟوب اﻟوﺟود ﻣﻘوﻻً ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ‪ .‬وﻣﺎ ﻗﯾل ﻋﻠﯾﮫ‬
‫أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون وﺟوب وﺟوده ﻟذاﺗﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻟﻐﯾره‪ ،‬أو وﺟوب اﻟوﺟود‬
‫ﻟﮫ ﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﻛون ذات واﺟب اﻟوﺟود ﻣﻌﻠوﻻً‪ ،‬وﻗد اﻗﺗﺿت ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﺟوب اﻟوﺟود‪ .‬وﻧﺣن ﻻ ﻧرﯾد ﺑواﺟب اﻟوﺟود‬
‫إﻻ ﻣﺎ ﻻ ارﺗﺑﺎط ﻟوﺟوده ﺑﻌﻠﺔ ﺑﺟﮭﺔ ﻣن اﻟﺟﮭﺎت‪.‬‬
‫زﯾد ھو ﻣﻌﻠول ﻷﻧﮫ ﻟﯾس وﺣده إﻧﺳﺎﻧﺎ ً‬
‫وزﻋﻣوا أن ﻧوع اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻘول ﻋﻠﻰ زﯾد وﻋﻠﻰ ﻋﻣرو‪ .‬وﻟﯾس زﯾد إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻟذاﺗﮫ إذ ﻟو ﻛﺎن إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻟذاﺗﮫ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن‬
‫ﻋﻣرو إﻧﺳﺎﻧﺎً‪ ،‬ﺑل ﻟﻌﻠﺔ ﺟﻌﻠﮫ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً‪ .‬وﻗد ﺟﻌل ﻋﻣراً أﯾﺿﺎ ً إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﺗﻛﺛرت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺗﻛﺛر اﻟﻣﺎدة اﻟﺣﺎﻣﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وﺗﻌﻠﻘﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺎدة ﻣﻌﻠول ﻟﯾس ﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﺛﺑوت وﺟوب اﻟوﺟود ﻟواﺟب اﻟوﺟود إن ﻛﺎن ﻟذاﺗﮫ ﻓﻼ‬
‫ﯾﻛون إﻻ ﻟﮫ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻟﻌﻠﺔ ﻓﮭو إذن ﻣﻌﻠول وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود‪ ،‬وﻗد ظﮭر ﺑﮭذا أن واﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﺑد وأن‬
‫ﯾﻛون واﺣداً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻻ ﯾطﺑق ﻋﻠﻰ اﻟذي ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‪ ...‬ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻗوﻟﻛم‪ :‬ﻧوع وﺟوب اﻟوﺟود ﻟواﺟب اﻟوﺟود ﻟذاﺗﮫ أو‬
‫ﻟﻌﻠﺔ ﺗﻘﺳﯾم ﺧطﺄ ﻓﻲ وﺿﻌﮫ‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻟﻔظ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓﯾﮫ إﺟﻣﺎل‪ ،‬إﻻ أن ﯾراد ﺑﮫ ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻠﺗﺳﺗﻌﻣل‬
‫ھذه اﻟﻌﺑﺎرة‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺛﺑوت ﻣوﺟودﯾن ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﻣﺎ وﻟﯾس أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻶﺧر؟ ﻓﻘوﻟﻛم‪ :‬إن اﻟذي ﻻ‬
‫ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﺳﺑب ﺗﻘﺳﯾم اﻟﺧطﺄ‪ ،‬ﻷن ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ واﺳﺗﻐﻧﺎء اﻟوﺟود ﻋن اﻟﻌﻠﺔ ﻻ ﯾطﻠب ﻟﮫ ﻋﻠﺔ‪ .‬ﻓﺄي‬
‫ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬إن ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ؟ إذ ﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‪ ،‬ﺳﻠب ﻣﺣض‪ ،‬واﻟﺳﻠب‬
‫اﻟﻣﺣض ﻻ ﯾﻛون ﻟﮫ ﺳﺑب‪ .‬وﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ‪ :‬إﻧﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻻ ﻟذاﺗﮫ‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود‬
‫وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑوﺟوب اﻟوﺟود وﺻﻔﺎ ً ﺛﺎﺑﺗﺎ ً ﻟواﺟب اﻟوﺟود ﺳوى أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده‪ ،‬ﻓﮭو ﻏﯾر ﻣﻔﮭوم ﻓﻲ‬
‫ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬واﻟذي ﯾﻧﺳﺑك ﻣن ﻟﻔظﮫ ﻧﻔﻰ اﻟﻌﻠﺔ ﻟوﺟوده‪ ،‬وھو ﺳﻠب ﻣﺣض ﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ‪ :‬إﻧﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻧﻰ‬
‫ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻏرض‪ ،‬ﻓدل أن ھذا ﺑرھﺎن ﻣن ﺧرف ﻻ أﺻل ﻟﮫ‪ .‬ﺑل ﻧﻘول‪ :‬ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود‬
‫أﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻛوﻧﮫ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ‪ ،‬وﻟﯾس ﻛوﻧﮫ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻌﻠﻼً أﯾﺿﺎ ً ﺑذاﺗﮫ ﺑل ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﻻ ﻟﻛوﻧﮫ‬
‫ﺑﻼ ﻋﻠﺔ أﺻﻼً‪.‬‬
‫وﻻ ﯾطﺑق ﻋﻠﻰ اﻷﺳود ﻓﮭل اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻟذاﺗﮭﺎ أم ﻟﻌﻠﺔ؟‬
‫ﻛﯾف وھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻻ ﯾﺗطرق إﻟﻰ ﺑﻌض ﺻﻔﺎت اﻹﺛﺑﺎت ﻓﺿﻼً ﻋﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺳﻠب‪ ،‬إذ ﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬اﻟﺳواد‬
‫ﻟون ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ‪ :‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟذاﺗﮫ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﺗﻛون اﻟﺣﻣرة ﻟوﻧﺎ ً وأن ﻻ ﯾﻛون ھذا اﻟﻧوع أﻋﻧﻲ اﻟﻠوﻧﯾﺔ إﻻ‬
‫ﻟذات اﻟﺳواد‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﻟﺳواد ﻟوﻧﺎ ً ﻟﻌﻠﺔ ﺟﻌﻠﺗﮫ ﻟوﻧﺎ ً ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻘل ﺳواد ﻟﯾس ﺑﻠون أي ﻟم ﺗﺟﻌﻠﮫ اﻟﻌﻠﺔ ﻟوﻧﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﺈن ﻣﺎ ﯾﺛﺑت ﻟﻠذات زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟذات ﺑﻌﻠﺔ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾر ﻋدﻣﮫ ﻓﻲ اﻟوھم‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﺗﺣﻘق ﻓﻲ اﻟوﺟود‪ .‬وﻟﻛن ﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﺧطﺄ ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻘﺎل ﻟﻠﺳواد‪ :‬إﻧﮫ ﻟون ﻟذاﺗﮫ‪ ،‬ﻗوﻻً ﯾﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﯾر ذاﺗﮫ‪ .‬وﻛذﻟك ﻻ‬
‫ﯾﻘﺎل‪ :‬إن ھذا اﻟﻣوﺟود واﺟب ﻟذاﺗﮫ أو ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ‪ ،‬ﻗوﻻً ﯾﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﯾر ذاﺗﮫ ﺑﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﯾﺑطل ﺗﻌددھﻣﺎ‪...‬‬
‫ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻟﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ أو ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن‬
‫ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻓﻼ ﯾﻌﻘل اﻟﺗﻌدد واﻻﺛﻧﯾﻧﯾﺔ إذ اﻟﺳوادان ھﻣﺎ اﺛﻧﺎن إذا ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن أو ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد‪ ،‬وﻟﻛن ﻓﻲ‬
‫وﻗﺗﯾن إذ اﻟﺳواد واﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻓﻲ وﻗت واﺣد ھﻣﺎ اﺛﻧﺎن ﻻﺧﺗﻼف ذاﺗﯾﮭﻣﺎ‪ .‬أﻣﺎ إذا ﻟم ﯾﺧﺗﻠف اﻟذاﺗﺎن‬
‫ﻛﺎﻟﺳوادﯾن ﺛم اﺗﺣد اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬ﻟم ﯾﻌﻘل اﻟﺗﻌدد وﻟو ﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻓﻲ وﻗت واﺣد ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد‪ :‬ﺳوادان‪،‬‬
‫ﻟﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ﺣق ﻛل ﺷﺧص‪ :‬إﻧﮫ ﺷﺧﺻﺎن‪ ،‬وﻟﻛن ﻟﯾس ﯾﺑﯾن ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﻐﺎﯾرة‪.‬‬
‫وإن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن‪ ،‬ﯾﻛوﻧﺎ ﻣﺗرﻛﺑﯾن‪...‬‬
‫وإذا اﺳﺗﺣﺎل اﻟﺗﻣﺎﺛل ﻣن ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬وﻻ ﺑد ﻣن اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬وﻟم ﯾﻣﻛن ﺑﺎﻟزﻣﺎن وﻻ ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟذات‪ .‬وﻣﮭﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن اﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء أو ﻟم ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء‪ .‬ﻓﺈن ﻟم‬
‫ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻠزم أن ﻻ ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ اﻟوﺟود وﻻ ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود وﻻ ﻓﻲ ﻛون ﻛل واﺣد‬
‫ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع‪ .‬وإذا اﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء واﺧﺗﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ اﻻﺷﺗراك ﻏﯾر ﻣﺎ ﻓﯾﮫ‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﻓﯾﻛون ﺛم ﺗرﻛﯾب واﻧﻘﺳﺎم ﺑﺎﻟﻘول‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻣن اﻟﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود ﻣرﻛﺑﺎ ً‬
‫وواﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻓﻼ ﯾﻧﻘﺳم أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﻘول اﻟﺷﺎرح إذ ﻻ ﯾﺗرﻛب ذاﺗﮫ ﻣن‬
‫أﻣور ﯾدل اﻟﻘول اﻟﺷﺎرح ﻋﻠﻰ ﺗﻌدده ﻛدﻻﻟﺔ اﻟﺣﯾوان واﻟﻧﺎطق ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘوم ﺑﮫ ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﺣﯾوان‬
‫وﻧﺎطق‪ .‬وﻣدﻟول ﻟﻔظ اﻟﺣﯾوان ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ﻏﯾر ﻣدﻟول ﻟﻔظ اﻟﻧﺎطق‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺗرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﺟزاء ﺗﻧﺗظم‬
‫ﻓﻲ اﻟﺣد ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻷﺟزاء وﯾﻛون اﺳم اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻣﺟﻣوﻋﮫ‪ .‬وھذا ﻻ ﯾﺗﺻور‪ ،‬ودون ھذا ﻻ ﺗﺗﺻور‬
‫اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب ﻟﯾس ﻣن اﻟﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول واﻟﺟواب أﻧﮫ ﻣﺳﻠم أﻧﮫ ﻻ ﺗﺗﺻور اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ إﻻ‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻐﺎﯾرة ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ وأن اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻐﺎﯾرھﻣﺎ‪ .‬وﻟﻛن ﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ھذا اﻟﻧوع ﻣن‬
‫اﻟﺗرﻛﯾب ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪ ،‬ﺗﺣﻛم ﻣﺣض‪ .‬ﻓﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻓﻲ وﺣداﻧﯾﺔ ﷲ‬
‫وﻟﻧرﺳم ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﻟﮭﺎ ﻓﺈن ﻣن ﻛﻼﻣﮭم اﻟﻣﺷﮭور أن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻘول اﻟﺷﺎرح ﻛﻣﺎ ﻻ‬
‫ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻋﻠﯾﮫ ﯾﻧﺑﻧﻰ إﺛﺑﺎت وﺣداﻧﯾﺔ ﷲ ﻋﻧدھم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟوﺣدة ﻓﻲ ﷲ ﺗﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﺑل زﻋﻣوا أن اﻟﺗوﺣﯾد ﻻ ﯾﺗم إﻻ ﺑﺈﺛﺑﺎت اﻟوﺣدة ﻟذات اﻟﺑﺎري ﻣن ﻛل وﺟﮫ‬
‫وإﺛﺑﺎت اﻟوﺣدة ﺑﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬واﻟﻛﺛرة ﺗﺗطرق إﻟﻰ اﻟذوات ﻣن ﺧﻣﺳﺔ أوﺟﮫ‪:‬‬
‫ﻛﺛرة اﻷﺟزاء‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اﻷول ﺑﻘﺑول اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻌﻼ أو وھﻣﺎ‪ .‬ﻓﻠذﻟك ﻟم ﯾﻛن اﻟﺟﺳم اﻟواﺣد واﺣدا ﻣطﻠﻘﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ واﺣد ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل اﻟﻘﺎﺋم اﻟﻘﺎﺑل‬
‫ﻟﻠزوال ﻓﮭو ﻣﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻟوھم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ‪ .‬وھذا ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﯾﻧﻘﺳم اﻟﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻟﻰ ﻣﻌﻧﯾﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن‪ .‬ﻻ ﺑطرﯾق اﻟﻛﻣﯾﺔ ﻛﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﺳم إﻟﻰ اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة‬
‫ﻓﺈن ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮫ دون اﻵﺧر‪ ،‬ﻓﮭﻣﺎ ﺷﯾﺋﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن‬
‫ﺑﺎﻟﺣد واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪ ،‬ﯾﺣﺻل ﺑﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ ﺷﻲء واﺣد ھو اﻟﺟﺳم‪ .‬وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻔﻲ ﻋن ﷲ ﻓﻼ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون‬
‫اﻟﺑﺎري ﺻورة ﻓﻲ ﺟﺳم وﻻ ﻣﺎدة ﻓﻲ ھﯾوﻟﻰ ﻟﺟﺳم وﻻ ﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ ﻓﻠﻌﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ أﻧﮫ ﻣﻧﻘﺳم‬
‫ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﺗﺟزﺋﺔ ﻓﻌﻼً أو وھﻣﺎً‪ ،‬واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻧﮫ ﻣﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ إﻟﻰ اﻟﺻورة واﻟﮭﯾوﻟﻰ‪ ،‬وﻻ ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻷﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺻورة‪ ،‬وواﺟب اﻟوﺟود ﻣﺳﺗﻐن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻓﻼ ﯾﺟوز أن ﯾرﺗﺑط وﺟوده ﺑﺷرط آﺧر ﺳواه‪ ،‬وﻻ‬
‫ﯾﻛون ﺻورة ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﺎدة‪.‬‬
‫‪ ...‬وﺗﻧﻔﻲ أﯾﺿﺎ ً اﻟﻛﺛرة ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت‪...‬‬
‫اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻛﺛرة ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت ﺑﺗﻘدﯾر اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻹرادة‪ .‬ﻓﺈن ھذه اﻟﺻﻔﺎت إن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود ﻛﺎن وﺟوب‬
‫اﻟوﺟود ﻣﺷﺗرﻛﺎ ً ﺑﯾن اﻟذات وﯾﺑن ھذه اﻟﺻﻔﺎت وﻟزﻣت ﻛﺛرة ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود واﻧﺗﻔت اﻟوﺣدة‪.‬‬
‫‪ ...‬وﺑﺎﻟﺟﻧس واﻟﻧوع‪...‬‬
‫اﻟراﺑﻊ ﻛﺛرة ﻋﻘﻠﯾﺔ ﺗﺣﺻل ﺑﺗرﻛﯾب اﻟﺟﻧس واﻟﻧوع‪ .‬ﻓﺈن اﻟﺳواد ﺳواد وﻟون واﻟﺳوادﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺣق‬
‫اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﺑل اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﺟﻧس واﻟﺳوادﯾﺔ ﻓﺻل ﻓﮭو ﻣرﻛب ﻣن ﺟﻧس وﻓﺻل‪ ،‬واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻏﯾر اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﺈن‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﺣﯾوان وﻧﺎطق واﻟﺣﯾوان ﺟﻧس واﻟﻧﺎطق ﻓﺻل وھو ﻣرﻛب ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل‪ ،‬وھذا ﻧوع ﻛﺛرة‪.‬‬
‫ﻓزﻋﻣوا أن ھذا أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻔﻲ ﻋن اﻟﻣﺑدأ اﻷول‪.‬‬
‫‪ ...‬وﺑﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ واﻟوﺟود‬
‫واﻟﺧﺎﻣس ﻛﺛرة ﺗﻠزم ﻣن ﺟﮭﺔ ﺗﻘدﯾر ﻣﺎھﯾﺔ وﺗﻘدﯾر وﺟود ﻟﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻣﺎھﯾﺔ ﻗﺑل اﻟوﺟود‪،‬‬
‫واﻟوﺟود ﯾرد ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ‪ .‬وﻛذى اﻟﻣﺛﻠث ﻣﺛﻼً ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ وھو أﻧﮫ ﺷﻛل ﯾﺣﯾط ﺑﮫ ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻼع‪ ،‬وﻟﯾس‬
‫اﻟوﺟود ﺟزءاً ﻣن ذات ھذه اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟﮭﺎ‪ ،‬وﻟذﻟك ﯾﺟوز أن ﯾدرك اﻟﻌﺎﻗل ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن وﻣﺎھﯾﺔ اﻟﻣﺛﻠث‪،‬‬
‫وﻟﯾس ﯾدري أن ﻟﮭﻣﺎ وﺟوداً ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن أم ﻻ‪ .‬وﻟو ﻛﺎن اﻟوﺟود ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟﻣﺎھﯾﺗﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور ﺛﺑوت ﻣﺎھﯾﺗﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻘل ﻗﺑل وﺟوده‪ .‬ﻓﺎﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳواء ﻛﺎن ﻻزﻣﺎ ً ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﻛون ﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ إﻻ ﻣوﺟودة‬
‫ﻛﺎﻟﺳﻣﺎء‪ ،‬أو ﻋﺎرﺿﺎ ً ﺑﻌد ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻛﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣن زﯾد وﻋﻣرو وﻣﺎھﯾﺔ اﻷﻋراض اﻟﺻور اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪.‬‬
‫ﻓزﻋﻣوا أن ھذه اﻟﻛﺛرة أﯾﺿﺎ ً ﯾﺟب أن ﺗﻧﻔﻰ ﻋن اﻷول‪.‬‬
‫اﻟواﺟب اﻟوﺟود ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ‬
‫ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟﯾس ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﮫ ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻐﯾره‪ .‬ﻓﺎﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﺎھﯾﺔ‬
‫وﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﻠﯾﺔ وطﺑﯾﻌﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻛﻣﺎ أن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﺷﺟرﯾﺔ واﻟﺳﻣﺎﺋﯾﺔ ﻣﺎھﯾﺔ‪ ،‬إذ ﻟو ﺛﺑت ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻛﺎن اﻟوﺟود‬
‫اﻟواﺟب ﻻزﻣﺎ ً ﻟﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻏﯾر ﻣﻘوم ﻟﮭﺎ‪ ،‬واﻟﻼزم ﺗﺎﺑﻊ وﻣﻌﻠول ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﻧﺎﻗض‬
‫ﻟﻛوﻧﮫ واﺟﺑﺎ ً‪.‬‬
‫وﻣﻊ ھذا ﯾﻘوﻟون إن ﷲ ﻣﺑدأ وأول ﻣوﺟود‪...‬‬
‫وﻣﻊ ھذا ﻓﺈﻧﮭم ﯾﻘوﻟون ﻟﻠﺑﺎري‪ :‬إﻧﮫ ﻣﺑدأ وأول وﻣوﺟود وﺟوھر وواﺣد وﻗدﯾم وﺑﺎق وﻋﺎﻟم وﻋﻘل وﻋﺎﻗل‬
‫وﻣﻌﻘول وﻓﺎﻋل وﺧﺎﻟق وﻣرﯾد وﻗﺎدر وﺣﻲ وﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق ﻟذﯾذ وﻣﻠﺗذ وﺟواد وﺧﯾر ﻣﺣض‪ .‬وزﻋﻣوا أن ﻛل‬
‫ذﻟك ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﻻ ﻛﺛرة ﻓﯾﮫ‪ ،‬وھذا ﻣن اﻟﻌﺟﺎﺋب‪ .‬ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﺣﻘق ﻣذھﺑﮭم ﻟﻠﺗﻔﮭﯾم أوﻻً ﺛم ﻧﺷﺗﻐل‬
‫ﺑﺎﻻﻋﺗراض‪ ،‬ﻓﺈن اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻟﻣذاھب ﻗﺑل ﺗﻣﺎم اﻟﺗﻔﮭﯾم رﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﻣﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ ...‬وﯾردون ھذه اﻷﻣور إﻟﻰ اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ‬
‫واﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﻓﮭم ﻣذھﺑﮭم أﻧﮭم ﯾﻘوﻟون‪ :‬ذات اﻟﻣﺑدأ واﺣد وإﻧﻣﺎ ﺗﻛﺛر اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﺷﻲء إﻟﯾﮫ أو إﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﻰ‬
‫ﺷﻲء أو ﺳﻠب ﺷﻲء ﻋﻧﮫ‪ ،‬واﻟﺳﻠب ﻻ ﯾوﺟب ﻛﺛرة ﻓﻲ ذات اﻟﻣﺳﻠوب ﻋﻧﮫ‪ ،‬وﻻ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﺗوﺟب ﻛﺛرة‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫ﯾﻧﻛرون إذاً ﻛﺛرة اﻟﺳﻠوب وﻛﺛرة اﻹﺿﺎﻓﺎت‪ ،‬وﻟﻛن اﻟﺷﺄن ﻓﻲ رد ھذه اﻷﻣور ﻛﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫اﻷول واﻟﻣﺑدأ واﻟﻣوﺟود واﻟﺟوھر‪...‬‬
‫ﻓﻘﺎﻟوا‪ :‬إذا ﻗﯾل ﻟﮫ‪ :‬أول‪ ،‬ﻓﮭو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣوﺟودات ﺑﻌده‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻣﺑدأ‪ ،‬ﻓﮭو إﺷﺎرة إﻟﻰ أن وﺟود ﻏﯾره ﻣﻧﮫ‬
‫وھو ﺳﺑب ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﮭو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻣوﺟود‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه ﻣﻌﻠوم‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﺟوھر‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه اﻟوﺟود‬
‫ﻣﺳﻠوﺑﺎ ً ﻋﻧﮫ اﻟﺣﻠول ﻓﻲ ﻣوﺿوع‪ ،‬وھذا ﺳﻠب‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪:‬‬
‫‪ ...‬واﻟﻘدﯾم واﻟﺑﺎﻗﻲ‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻗدﯾم‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه ﺳﻠب اﻟﻌدم ﻋﻧﮫ أوﻻ‪ .‬وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﺑﺎق‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه ﺳﻠب اﻟﻌدم ﻋﻧﮫ آﺧرا‪ ،‬وﯾرﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻘدﯾم واﻟﺑﺎﻗﻲ‬
‫إﻟﻰ وﺟود ﻟﯾس ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﻌدم وﻻ ﻣﻠﺣوﻗﺎ ً ﺑﻌدم‪.‬‬
‫‪ ...‬وواﺟب اﻟوﺟود‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬واﺟب اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وھو ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره‪ ،‬ﻓﯾﻛون ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ إذ‬
‫ﻧﻔﻲ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﺳﻠب وﺟﻌﻠﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره إﺿﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﻌﻘل‪...‬‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻋﻘل‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة‪ ،‬وﻛل ﻣوﺟود ھذا ﺻﻔﺗﮫ ﻓﮭو ﻋﻘل أي ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ وﯾﺷﻌر ﺑﮫ‬
‫وﯾﻌﻘل ﻏﯾره‪ ،‬وذات ﷲ ھذا ﺻﻔﺗﮫ أي ھو ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة‪ ،‬ﻓﺈذن ھو ﻋﻘل وھﻣﺎ ﻋﺑﺎرﺗﺎن ﻋن ﻣﻌﺑر واﺣد‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول‪...‬‬
‫وإذا ﻗﯾل ‪ :‬ﻋﺎﻗل‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه أن ذاﺗﮫ اﻟذي ھو ﻋﻘل‪ ،‬ﻓﻠﮫ ﻣﻌﻘول ھو ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓذاﺗﮫ‬
‫ﻣﻌﻘول وذاﺗﮫ ﻋﺎﻗل وذاﺗﮫ ﻋﻘل واﻟﻛل واﺣد‪ ،‬إذ ھو ﻣﻌﻘول ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻏﯾر ﻣﺳﺗورة‬
‫ﻋن ذاﺗﮫ اﻟذي ھو ﻋﻘل‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﻛون ﺷﻲء ﻣﺳﺗوراً ﻋﻧﮫ‪ .‬وﻟﻣﺎ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻛﺎن‬
‫ﻋﺎﻗﻼً‪ ،‬وﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻌﻘوﻻً ﻟﻧﻔﺳﮫ ﻛﺎن ﻣﻌﻘوﻻً‪ ،‬وﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻘﻠﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻻ ﺑزاﺋد ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ﻛﺎن ﻋﻘﻼً‪ ،‬وﻻ ﯾﺑﻌد‬
‫أن ﯾﺗﺣد اﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻗل إذا ﻋﻘل ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً ﻋﻘﻠﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول واﺣداً‬
‫ﺑوﺟﮫ ﻣﺎ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ذﻟك ﯾﻔﺎرق ﻋﻘل اﻷول ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﻸول ﺑﺎﻟﻔﻌل أﺑداً وﻣﺎ ﻟﻧﺎ ﯾﻛون ﺑﺎﻟﻘوة ﺗﺎرة وﺑﺎﻟﻔﻌل أﺧرى‪.‬‬
‫واﻟﺧﺎﻟق واﻟﻔﺎﻋل واﻟﺑﺎرئ اﻟذي ﻋﻧﮫ ﯾﻔﯾض ﻛل ﺷﻲء‬
‫ﻟزوﻣﺎ ً ﺑﻌﻠم ﻣﻧﮫ ﻻ ﻏﻔﻠﺔ‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﺧﺎﻟق وﻓﺎﻋل وﺑﺎرئ وﺳﺎﺋر ﺻﻔﺎت اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه أن وﺟوده وﺟود ﺷرﯾف ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ وﺟود اﻟﻛل‬
‫ﻓﯾﺿﺎﻧﺎ ً ﻻزﻣﺎً‪ ،‬وإن وﺟود ﻏﯾره ﺣﺎﺻل ﻣﻧﮫ وﺗﺎﺑﻊ ﻟوﺟوده ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻧور اﻟﺷﻣس واﻹﺳﺧﺎن اﻟﻧﺎر‪ .‬وﻻ ﺗﺷﺑﮫ‬
‫ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﯾﮫ ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻧور إﻟﻰ اﻟﺷﻣس إﻻ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً ﻓﻘط‪ ،‬وإﻻ ﻓﻠﯾس ھو ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﺷﻣس ﻻ ﺗﺷﻌر‬
‫ﺑﻔﯾﺿﺎن اﻟﻧور ﻋﻧﮭﺎ وﻻ اﻟﻧﺎر ﺑﻔﯾﺿﺎن اﻹﺳﺧﺎن ﻓﮭو طﺑﻊ ﻣﺣض‪ ،‬ﺑل اﻷول ﻋﺎﻟم ﺑذاﺗﮫ وأن ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟوﺟود‬
‫ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻔﯾﺿﺎن ﻣﺎ ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﻓﻠﯾس ﺑﮫ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‪ .‬وﻻ ھو أﯾﺿﺎ ً ﻛﺎﻟواﺣد ﻣﻧﺎ إذا وﻗف ﺑﯾن‬
‫ﻣرﯾض وﺑﯾن اﻟﺷﻣس ﻓﺎﻧدﻓﻊ ﺣر اﻟﺷﻣس ﻋن اﻟﻣرﯾض ﺑﺳﺑﺑﮫ ﻻ ﺑﺎﺧﺗﯾﺎره وﻟﻛﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﮫ وھو ﻏﯾر ﻛﺎره أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣظل اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠظل ﺷﺧﺻﮫ وﺟﺳﻣﮫ واﻟﻌﺎﻟم اﻟراﺿﻲ ﺑوﻗوع اﻟظل ﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﺟﺳﻣﮫ‪ ،‬وﻓﻲ ﺣق اﻷول‬
‫ﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻋل ﻣﻧﮫ ھو اﻟﻌﺎﻟم وھو اﻟراﺿﻲ أي أﻧﮫ ﻏﯾر ﻛﺎره وأﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﺄن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ‬
‫ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﻓﯾﻛون ﻋﻠﻣﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﯾﺿﺎن ﻛل ﺷﻲء‬
‫ﺑل ﻟو أﻣﻛن أن ﯾﻔرض ﻛون اﻟﺟﺳم اﻟﻣظل ﺑﻌﯾﻧﮫ ھو اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺑوﻗوع اﻟظل وھو اﻟراﺿﻲ‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻣﺳﺎوﯾﺎ ً ﻟﻸول ﻓﺈن اﻷول ھو اﻟﻌﺎﻟم وھو اﻟﻔﺎﻋل وﻋﻠﻣﮫ ھو ﻣﺑدأ ﻓﻌﻠﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل ﻋﻠﺔ‬
‫ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧظﺎم اﻟﻣوﺟود ﺗﺑﻊ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻣﻌﻘول ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ واﻗﻊ ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻏﯾر زاﺋد ﻋﻠﻰ ﻛوﻧﮫ‬
‫ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛل إذ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛل ﻋﻠﺔ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل ﻋﻧﮫ‪ ،‬وﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛل ﻻ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ‬
‫ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠوم ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول ذاﺗﮫ وﯾﻛون اﻟﻛل ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻋﻧده ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﮭذا‬
‫ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً‪.‬‬
‫???‪ ...‬واﻟﻘﺎدر‪...‬‬
‫ً‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻗﺎدر‪ ،‬ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ ﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي ﻗررﻧﺎه وھو أن وﺟوده وﺟود ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ‬
‫اﻟﻣﻘدورات اﻟﺗﻲ ﺑﻔﯾﺿﺎﻧﮭﺎ ﯾﻧﺗظم اﻟﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟﻛل ﻋﻠﻰ أﺑﻠﻎ وﺟوه اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻛﻣﺎل واﻟﺣﺳن‪.‬‬
‫?‪ ...‬واﻟﻣرﯾد واﻟﻌﺎﻟم‪...‬‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻣرﯾد‪ ،‬ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ أن ﻣﺎ ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ ﻟﯾس ھو ﻏﺎﻓﻼً ﻋﻧﮫ وﻟﯾس ﻛﺎرھﺎ ً ﻟﮫ‪ ،‬ﺑل ھو ﻋﺎﻟم ﺑﺄن ﻛﻣﺎﻟﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل ﻋﻧﮫ‪ .‬ﻓﯾﺟوز ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ أ ن ﯾﻘﺎل‪ :‬ھو راض‪ ،‬وﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل ﻟﻠراﺿﻲ‪ :‬إﻧﮫ ﻣرﯾد‪ .‬ﻓﻼ ﺗﻛون‬
‫اﻹرادة إﻻ ﻋﯾن اﻟﻘدرة وﻻ اﻟﻘدرة إﻻ ﻋﯾن اﻟﻌﻠم وﻻ اﻟﻌﻠم إﻻ ﻋﯾن اﻟذات‪ ،‬ﻓﺎﻟﻛل إذن ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻋﯾن اﻟذات‪.‬‬
‫?‪ ...‬ﻋﻠم اﻟﻌﻠﺔ‪ ،‬ﻻ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﻠول‪...‬‬
‫وھذا ﻷن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء ﻟﯾس ﻣﺄﺧوذاً ﻣن اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬وإﻻ ﻟﻛﺎن ﻣﺳﺗﻔﯾداً وﺻﻔﺎ ً أو ﻛﻣﺎﻻً ﻣن ﻏﯾره وھو ﻣﺣﺎل ﻓﻲ‬
‫واﺟب اﻟوﺟود‪ .‬وﻟﻛن ﻋﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺳﻣﯾن‪ :‬ﻋﻠم ﺷﻲء ﺣﺻل ﻣن ﺻورة ذﻟك اﻟﺷﻲء ﻛﻌﻠﻣﻧﺎ ﺑﺻورة اﻟﺳﻣﺎء‬
‫واﻷرض‪ ،‬وﻋﻠم اﺧﺗرﻋﻧﺎه ﻛﺷﻲء ﻟم ﻧﺷﺎھد ﺻورﺗﮫ وﻟﻛن ﺻورﻧﺎه ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻧﺎ ﺛم أﺣدﺛﻧﺎه‪ .‬ﻓﯾﻛون وﺟود‬
‫اﻟﺻورة ﻣﺳﺗﻔﺎداً ﻣن اﻟﻌﻠم‪ ،‬ﻻ اﻟﻌﻠم ﻣن اﻟوﺟود‪ ،‬وﻋﻠم اﻷول ﺑﺣﺳب اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﻣﺛل اﻟﻧظﺎم ﻓﻲ ذاﺗﮫ‬
‫ﺳﺑب ﻟﻔﯾﺿﺎن اﻟﻧظﺎم ﻋن ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻟﯾس ھذا ﺷﺄﻧﻧﺎ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺣﺗﺎج ﻣﻊ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ اﻟﻘدرة‬
‫ﻧﻌم ﻟو ﻛﺎن ﻣﺟرد ﺣﺿور ﺻورة ﻧﻘش أو ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺧط ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ ﺣدوث ﺗﻠك اﻟﺻورة‪ ،‬ﻟﻛﺎن اﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻣﻧﺎ ھو اﻟﻘدرة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ واﻹرادة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ‪ .‬وﻟﻛﻧﺎ ﻟﻘﺻورﻧﺎ ﻓﻠﯾس ﯾﻛﻔﻲ ﺗﺻورﻧﺎ ﻹﯾﺟﺎد اﻟﺻورة‪ ،‬ﺑل ﻧﺣﺗﺎج ﻣﻊ‬
‫ذﻟك إﻟﻰ إرادة ﻣﺗﺟددة ﺗﻧﺑﻌث ﻣن ﻗوة ﺷوﻗﯾﺔ ﻟﯾﺗﺣرك ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎ ً اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻠﻌﺿل واﻷﻋﺻﺎب اﻵﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﯾﺗﺣرك ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﻌﺿل واﻷﻋﺻﺎب اﻟﯾد أو ﻏﯾره‪ ،‬وﯾﺗﺣرك ﺑﺣرﻛﺗﮫ اﻟﻘﻠم أو آﻟﺔ أﺧرى ﺧﺎرﺟﺔ‪ ،‬وﺗﺗﺣرك‬
‫اﻟﻣﺎدة ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﻘﻠم ﻛﺎﻟﻣﺎدة أو ﻏﯾره ﺛم ﺗﺣﺻل اﻟﺻورة اﻟﻣﺗﺻورة ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ‪ .‬ﻓﻠذﻟك ﻟم ﯾﻛن ﻧﻔس وﺟود ھذه‬
‫اﻟﺻورة ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﻗدرة وﻻ إرادة ﺑل ﻛﺎﻧت اﻟﻘدرة ﻓﯾﻧﺎ ﻋﻧد اﻟﻣﺑدأ اﻟﻣﺣرك ﻟﻠﻌﺿل‪ ،‬وھذه اﻟﺻورة ﻣﺣرﻛﺔ‬
‫ﻟذﻟك اﻟﻣﺣرك اﻟذي ھو ﻣﺑدأ اﻟﻘدرة‪ ،‬وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﺟﺳﺎم ﺗﻧﺑث اﻟﻘوى ﻓﻲ‬
‫أطراﻓﮫ‪ ،‬ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻘدرة واﻹرادة واﻟﻌﻠم واﻟذات ﻣﻧﮫ واﺣداً‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﺣﻲ‪...‬‬
‫وإذا ﻗﯾل ﻟﮫ‪ :‬ﺣﻲ‪ ،‬ﻟم ﯾرد ﺑﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﻋﻠﯾﻣﺎ ً ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ اﻟﻣوﺟود اﻟذي ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺣﻲ ھو اﻟﻔﻌﺎل‬
‫اﻟدراك‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﻣراد ﺑﮫ ذاﺗﮫ ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷﻓﻌﺎل ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي ذﻛرﻧﺎه‪ ،‬ﻻ ﻛﺣﯾﺎﺗﻧﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺗم إﻻ‬
‫ﺑﻘوﺗﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﺗﯾن ﯾﻧﺑﻌث ﻋﻧﮭﻣﺎ اﻹدراك واﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻓﺣﯾﺎﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﺟواد‪ ،‬اﻟذي ﻻ ﯾﻛﺗﺳب ﺑﺟوده ﺷﯾﺋﺎ ً‬
‫وإذا ﻗﯾل ﻟﮫ‪ :‬ﺟواد‪ ،‬أرﯾد ﺑﮫ أن ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ اﻟﻛل ﻻ ﻟﻐرض ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﮫ‪ .‬واﻟﺟود ﯾﺗم ﺑﺷﯾﺋﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻛون‬
‫ﻟﻠﻣﻧﻌم ﻓﺎﺋدة ﻓﯾﻣﺎ وھب ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻠﻌل ﻣن ﯾﮭب ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻣن ھو ﻣﺳﺗﻐن ﻋﻧﮫ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺟود‪ .‬واﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج‬
‫اﻟﺟواد إﻟﻰ اﻟﺟود ﻓﯾﻛون إﻗداﻣﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺟود ﻟﺣﺎﺟﺔ ﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻛل ﻣن ﯾﺟود ﻟﯾﻣدح أو ﯾﺛﻧﻰ ﻋﻠﯾﮫ أو ﯾﺗﺧﻠص ﻣن‬
‫ﻣذﻣﺔ ﻓﮭو ﻣﺳﺗﻌﯾض وﻟﯾس ﺑﺟواد‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﺟود اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﺑﻐﻲ ﺑﮫ ﺧﻼﺻﺎ ً ﻋن ذم وﻻ ﻛﻣﺎﻻً ﻣﺳﺗﻔﺎداً‬
‫ﺑﻣدح‪ .‬ﻓﯾﻛون اﻟﺟواد اﺳﻣﺎ ً ﻣﻧﺑﺋﺎ ً ﻋن وﺟوده ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻌل وﺳﻠب ﻟﻠﻐرض‪ ،‬ﻓﻼ ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ‬
‫ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫‪...‬واﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض‪...‬‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﺧﯾر ﻣﺣض‪ ،‬ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾراد ﺑﮫ وﺟوده ﺑرﯾﺋﺎ ً ﻋن اﻟﻧﻘص وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷر ﻻ ذات ﻟﮫ ﺑل ﯾرﺟﻊ‬
‫إﻟﻰ ﻋدم ﺟوھر أو ﻋدم ﺻﻼح ﺣﺎل اﻟﺟوھر‪ ،‬وإﻻ ﻓﺎﻟوﺟود ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ وﺟود ﺧﯾر ﻓﯾرﺟﻊ ھذا اﻻﺳم إﻟﻰ‬
‫اﻟﺳﻠب ﻹﻣﻛﺎن اﻟﻧﻘص واﻟﺷر‪ .‬وﻗد ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺧﯾر‪ ،‬ﻟﻣﺎ ھو ﺳﺑب ﻟﻧظﺎم اﻷﺷﯾﺎء‪ ،‬واﻷول ﻣﺑدأ ﻟﻧظﺎم ﻛل ﺷﻲء‪ ،‬ﻓﮭو‬
‫ﺧﯾر‪ ،‬وﯾﻛون اﻻﺳم داﻻً ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود ﻣﻊ ﻧوع إﺿﺎﻓﺔ‪.‬‬
‫‪ ...‬وواﺟب اﻟوﺟود‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬واﺟب اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه ھذا اﻟوﺟود ﻣﻊ ﺳﻠب ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وإﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﺔ ﻟﻌدﻣﮫ أوﻻً وآﺧراً‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﻌﺎﺷق واﻟﻣﻌﺷوق واﻟﻠذﯾذ واﻟﻣﻠﺗذ‬
‫وإذا ﻗﯾل‪ :‬ﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق وﻟذﯾذ وﻣﻠﺗذ‪ ،‬ﻓﻣﻌﻧﺎه ھو أن ﻛل ﺟﻣﺎل وﺑﮭﺎء وﻛﻣﺎل ﻓﮭو ﻣﺣﺑوب وﻣﻌﺷوق ﻟذي‬
‫اﻟﻛﻣﺎل وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠذة إﻻ إدراك اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣﻼﺋم‪ .‬وﻣن ﻋرف ﻛﻣﺎل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ إﺣﺎطﺗﮫ ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻟو أﺣﺎط ﺑﮭﺎ‪،‬‬
‫وﻓﻲ ﺟﻣﺎل ﺻورﺗﮫ وﻓﻲ ﻛﻣﺎل ﻗدرﺗﮫ وﻗوة أﻋﺿﺎﺋﮫ وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ إدراﻛﮫ ﻟﺣﺿور ﻛل ﻛﻣﺎل ھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ‪ ،‬ﻟو أﻣﻛن‬
‫أن ﯾﺗﺻور ذﻟك ﻓﻲ إﻧﺳﺎن واﺣد‪ ،‬ﻟﻛﺎن ﻣﺣﺑﺎ ً ﻟﻛﻣﺎﻟﮫ وﻣﻠﺗذاً ﺑﮫ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﺗﻘص ﻟذﺗﮫ ﺑﺗﻘدﯾر اﻟﻌدم واﻟﻧﻘﺻﺎن ﻓﺈن‬
‫اﻟﺳرور ﻻ ﯾﺗم ﺑﻣﺎ ﯾزول أو ﯾﺧﺷﻰ زواﻟﮫ‪ ،‬واﻷول ﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء اﻷﻛﻣل واﻟﺟﻣﺎل اﻷﺗم إذ ﻛل ﻛﻣﺎل ھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ‬
‫ﻓﮭو ﺣﺎﺿر ﻟﮫ‪ .‬وھو ﻣدرك ﻟذﻟك اﻟﻛﻣﺎل ﻣﻊ اﻷﻣن ﻣن إﻣﻛﺎن اﻟﻧﻘﺻﺎن واﻟزوال‪ .‬واﻟﻛﻣﺎل اﻟﺣﺎﺻل ﻟﮫ ﻓوق ﻛل‬
‫ﻛﻣﺎل ﻓﺈﺣﺑﺎﺑﮫ وﻋﺷﻘﮫ ﻟذﻟك اﻟﻛﻣﺎل ﻓوق ﻛل إﺣﺑﺎب واﻟﺗذاذه ﺑﮫ ﻓوق ﻛل اﻟﺗذاذ‪ ،‬ﺑل ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟذاﺗﻧﺎ إﻟﯾﮭﺎ اﻟﺑﺗﺔ‪ ،‬ﺑل‬
‫ھﻲ أﺟل ﻣن أن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻠذة واﻟﺳرور واﻟطﯾﺑﺔ‪.‬‬
‫ﻋدم وﺟود اﻟﻌﺑﺎرات اﻟﺧﺎﺻﺔ‬
‫إﻻ أن ﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻋﺑﺎرات ﻋﻧدﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻹﺑﻌﺎد ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة ﻛﻣﺎ ﻧﺳﺗﻌﯾر ﻟﮫ ﻟﻔظ اﻟﻣرﯾد‬
‫واﻟﻣﺧﺗﺎر واﻟﻔﺎﻋل ﻣﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻘطﻊ ﺑﺑﻌد إرادﺗﮫ ﻋن إرادﺗﻧﺎ وﺑﻌد ﻗدرﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﻋن ﻗدرﺗﻧﺎ وﻋﻠﻣﻧﺎ‪ ،‬وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن‬
‫ﯾﺳﺗﺑﺷﻊ ﻋﺑﺎرة اﻟﻠذة ﻓﯾﺳﺗﻌﻣل ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﷲ ﻣﻐﺑوط وھو اﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض‬
‫واﻟﻣﻘﺻود أن ﺣﺎﻟﺗﮫ أﺷرف ﻣن أﺣوال اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ وأﺣرى ﺑﺄن ﯾﻛون ﻣﻐﺑوطﺎً‪ ،‬وﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أﺷرف ﻣن‬
‫أﺣواﻟﻧﺎ‪ ،‬وﻟو ﻟم ﺗﻛن ﻟذة إﻻ ﻓﻲ ﺷﮭوة اﻟﺑطن واﻟﻔرج ﻟﻛﺎن ﺣﺎل اﻟﺣﻣﺎر واﻟﺧﻧزﯾر أﺷرف ﻣن ﺣﺎل اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‬
‫وﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻟذة‪ ،‬أي ﻟﻠﻣﺑﺎدئ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة‪ ،‬إﻻ اﻟﺳرور ﺑﺎﻟﺷﻌور ﺑﻣﺎ ﺧص ﺑﮭﺎ ﻣن اﻟﻛﻣﺎل‬
‫واﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﻻ ﯾﺧﺷﻰ زواﻟﮫ‪ .‬وﻟﻛن اﻟذي ﻟﻸول ﻓوق اﻟذي ﻟﻠﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬ﻓﺈن وﺟود اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻌﻘول‬
‫اﻟﻣﺟردة وﺟود ﻣﻣﻛن ﻓﻲ ذاﺗﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره‪ ،‬وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻧوع ﺷر وﻧﻘص‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﺷﻲء ﺑرﯾﺋﺎ ً ﻋن ﻛل‬
‫ﺷر ﻣطﻠﻘﺎ ً ﺳوى اﻷول ﻓﮭو اﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض وﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء واﻟﺟﻣﺎل اﻷﻛﻣل‪ .‬ﺛم ھو ﻣﻌﺷوق ﻋﺷﻘﮫ ﻏﯾره أو ﻟم‬
‫ﯾﻌﺷﻘﮫ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻋﺎﻗل وﻣﻌﻘول ﻋﻘﻠﮫ ﻏﯾره أو ﻟم ﯾﻌﻘﻠﮫ‪ .‬وﻛل ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ راﺟﻌﺔ إﻟﻰ ذاﺗﮫ وإﻟﻰ إدراﻛﮫ ﻟذاﺗﮫ‬
‫وﻋﻘﻠﮫ ﻟﮫ‪ ،‬وﻋﻘﻠﮫ ﻟذاﺗﮫ ھو ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻋﻘل ﻣﺟرد‪ ،‬ﻓﯾرﺟﻊ اﻟﻛل إﻟﻰ ﻣﻌﻧﻰ واﺣد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن ﺑذﻟك ﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم وﻣﺎ ھو ﻓﺎﺳد ﻓﮭذا طرﯾق ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم‪ ،‬وھذه اﻷﻣور ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺎ ﯾﺟوز اﻋﺗﻘﺎده ﻓﻧﺑﯾن أﻧﮫ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم‪ ،‬وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ اﻋﺗﻘﺎده ﻓﻧﺑﯾن ﻓﺳﺎده‪ .‬وﻟﻧﻌد إﻟﻰ اﻟﻣراﺗب‬
‫اﻟﺧﻣﺳﺔ ﻓﻲ أﻗﺳﺎم اﻟﻛﺛرة ودﻋواھم ﻧﻔﯾﮭﺎ‪ ،‬وﻟﻧﺑﯾن ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل‪ ،‬وﻟﻧرﺳم ﻛل واﺣد ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺣﯾﺎﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت‬
‫اﺗﻔﻘت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻹرادة ﻟﻠﻣﺑدأ اﻷول‪ ،‬ﻛﻣﺎ اﺗﻔﻘت اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻋﻠﯾﮫ وزﻋﻣوا أن‬
‫ھذه اﻷﺳﺎﻣﻲ وردت ﺷرﻋﺎً‪ ،‬وﯾﺟوز إطﻼﻗﮭﺎ ﻟﻐﺔ وﻟﻛن ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ ذات واﺣدة ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪ ،‬وﻻ ﯾﺟوز إﺛﺑﺎت‬
‫ﺻﻔﺎت زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺟوز ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ أن ﯾﻛون ﻋﻠﻣﻧﺎ وﻗدرﺗﻧﺎ وﺻﻔﺎ ً ﻟﻧﺎ زاﺋداً ﻋﻠﻰ ذاﺗﻧﺎ‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻷﻧﮭﺎ ﺗوﺟب اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ ﷲ‬
‫وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﯾوﺟب ﻛﺛرة‪ ،‬ﻷن ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻟو طرت ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻟﻛﻧﺎ ﻧﻌﻠم أﻧﮭﺎ زاﺋدة ﻋﻠﻰ اﻟذات إذ ﺗﺟددت‪،‬‬
‫وﻟو ﻗدر ﻣﻘﺎرﻧﺎ ً ﻟوﺟودﻧﺎ ﻣن ﻏﯾر ﺗﺄﺧر ﻟﻣﺎ ﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ زاﺋدا ﻋﻠﻰ اﻟذات ﺑﺎﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ‪ .‬ﻓﻛل ﺷﯾﺋﯾن إذا طرى‬
‫أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر وﻋﻠم أن ھذا ﻟﯾس ذاك وذاك ﻟﯾس ھذا‪ ،‬ﻓﻠو اﻗﺗرﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻋﻘل ﻛوﻧﮭﻣﺎ ﺷﯾﺋﯾن‪ ،‬ﻓﺈذن ﻻ ﺗﺧرج‬
‫ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﺑﺄن ﺗﻛون ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟذات اﻷول ﻋن أن ﺗﻛون أﺷﯾﺎء ﺳوى اﻟذات‪ ،‬ﻓﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة ﻓﻲ واﺟب‬
‫اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‪ .‬ﻓﻠﮭذا أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﺗﻛون اﻟﺻﻔﺎت ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟﻠذات؟‬
‫ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮭم‪ :‬وﺑم ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺛرة ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ‪ ،‬وأﻧﺗم ﻣﺧﺎﻟﻔون ﻣن ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺳوى اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻣﺎ‬
‫اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟ ﻓﺈن ﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬اﻟﻛﺛرة ﻣﺣﺎل ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود ﻣﻊ ﻛون اﻟذات اﻟﻣوﺻوﻓﺔ واﺣدة‪ ،‬ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ‬
‫أﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻛﺛرة اﻟﺻﻔﺎت‪ ،‬وﻓﯾﮫ اﻟﻧزاع‪ .‬وﻟﯾس اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺑرھﺎن‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إﻣﺎ أن ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻣوﺻو‬
‫ﻋن اﻵخ أو ﯾﻔﺗﻘر ﻛل واﺣد إﻟﻰ اﻵﺧر أو ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ واﺣد ﻋن اﻵخ‬
‫وﯾﺣﺗﺎج اﻵﺧر‪ :‬وﻛل ذﻟك ﻣﺣﺎل وﻟﮭم ﻣﺳﻠﻛﺎن‪ :‬اﻷول ﻗوﻟﮭم‪ :‬اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ أن ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﺻﻔﺔ‬
‫واﻟﻣوﺻوف‪ ،‬إذا ﻟم ﯾﻛن ھذا ذاك وﻻ ذاك ھذا‪ ،‬ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻛل واﺣد ﻋن اﻵﺧر ﻓﻲ وﺟوده‪ ،‬أو ﯾﻔﺗﻘر ﻛل‬
‫واﺣد إﻟﻰ اﻵﺧر‪ ،‬أو ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ واﺣد ﻋن اﻵﺧر وﯾﺣﺗﺎج اﻵﺧر‪ .‬ﻓﺈن ﻓرض ﻛل واﺣد ﻣﺳﺗﻐﻧﯾﺎ ً ﻓﮭﻣﺎ واﺟﺑﺎ وﺟود‬
‫وھو اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ وھو ﻣﺣﺎل‪ .‬وإﻣﺎ أن ﯾﺣﺗﺎج ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ إﻟﻰ اﻵﺧر ﻓﻼ ﯾﻛون واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ واﺟب‬
‫اﻟوﺟود‪ ،‬إذ ﻣﻌﻧﻰ واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻗواﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ وھو ﻣﺳﺗﻐن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻋن ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻓذك‬
‫اﻟﻐﯾر ﻋﻠﺗﮫ‪ ،‬إذ ﻟو رﻓﻊ ذﻟك اﻟﻐﯾر ﻻﻣﺗﻧﻊ وﺟوده ﻓﻼ ﯾﻛون وﺟوده ﻣن ذاﺗﮫ ﺑل ﻣن ﻏﯾره‪ .‬وإن ﻗﯾل‪ :‬أﺣدھﻣﺎ‬
‫ﯾﺣﺗﺎج دون اﻵﺧر‪ ،‬ﻓﺎﻟذي ﯾﺣﺗﺎج ﻣﻌﻠول واﻟواﺟب اﻟوﺟود ھو اﻵﺧر‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻠوﻻً اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺳﺑب‪،‬‬
‫ﻓﯾؤدي إﻟﻰ أن ﺗرﺗﺑط ذات واﺟب اﻟوﺟود ﺑﺳﺑب‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻣن ھذه اﻷﻗﺳﺎم‬
‫ھو اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر ھذا وإﻧﻛم ﻻ ﺗﻧﻔون اﻟﻘﺳم اﻷول‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻣن ھذه اﻷﻗﺳﺎم ھو اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر‪ .‬وﻟﻛن إﺑطﺎﻟﻛم اﻟﻘﺳم اﻷول وھو‬
‫اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ ﺑرھﺎن ﻟﻛم ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺑل ھذه وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺗم إﻻ ﺑﺎﻟﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة‬
‫ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ‪ .‬ﻓﻣﺎ ھو ﻓرع ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ؟ ﻛﯾف ﺗﻧﺑﻧﻰ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﯾﮫ؟ وﻟﻛن اﻟﻣﺧﺗﺎر أن ﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫اﻟذات ﻓﻲ ﻗواﻣﮫ ﻏﯾر ﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎت‪ ،‬واﻟﺻﻔﺔ ﻣﺣﺗﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻣوﺻوف ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود‬
‫ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺻﻔﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ‬
‫ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬إن أردت ﺑواﺟب اﻟوﺟود أﻧﮫ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻠم ﻗﻠت ذﻟك؟ وﻟم اﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻛﻣﺎ أن ذات‬
‫واﺟب اﻟوﺟود ﻗدﯾم ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻓﻛذﻟك ﺻﻔﺗﮫ ﻗدﯾﻣﺔ ﻣﻌﮫ وﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ؟ وإن أردت ﺑواﺟب اﻟوﺟود أن ﻻ ﯾﻛون‬
‫ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﮭو ﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗﺄوﯾل وﻟﻛﻧﮫ ﻣﻊ ھذا ﻗدﯾم ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ‪ .‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟذﻟك؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ھﻲ ﻣﻌﻠوﻟﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬واﺟب اﻟوﺟود اﻟﻣطﻠق ھو اﻟذي ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ وﻻ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈذا ﺳﻠم أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻓﻘد ﺳﻠم‬
‫ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻗطﻊ ﺗﺳﻠل اﻟﻌﻠل ﻣﻣﻛن ﺑواﺣد ﻟﮫ ﺻﻔﺎت‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟذات اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻣن اﺻطﻼﺣﻛم‪ ،‬واﻟدﻟﯾل ﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺛﺑوت واﺟب وﺟود ﺑﺣﻛم اﺻطﻼﺣﻛم‬
‫وإﻧﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت طرف ﯾﻧﻘطﻊ ﺑﮫ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت وﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻘدر‪ ،‬وﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل‬
‫ﻣﻣﻛن ﺑواﺣد ﻟﮫ ﺻﻔﺎت ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟذاﺗﮫ وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﻛون ﻣﺗﻘررة ﻓﻲ ذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﻠﯾطرح ﻟﻔظ واﺟب‬
‫اﻟوﺟود ﻓﺈﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟﺗﻠﺑس ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺑرھﺎن ﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل وﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻏﯾره اﻟﺑﺗﺔ‪ .‬ﻓدﻋوى‬
‫ﻏﯾره ﺗﺣﻛم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﻠل اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻛﻣﺎ ﯾﺟب ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ ﯾﺟب ﻗطﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ‪ ،‬إذ ﻟو اﻓﺗﻘر ﻛل ﻣوﺟود إﻟﻰ ﻣﺣل‬
‫ﯾﻘوم ﻓﯾﮫ واﻓﺗﻘر اﻟﻣﺣل أﯾﺿﺎ ً ﻟﻠزم اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻛﻣﺎ ﻟو اﻓﺗﻘر ﻛل ﻣوﺟود إﻟﻰ ﻋﻠﺔ واﻓﺗﻘرت اﻟﻌﻠﺔ أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ ﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻛﻔﻲ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﺎﻟذات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﺻدﻗﺗم‪ ،‬ﻓﻼ ﺟرم ﻗطﻌﻧﺎ ھذا اﻟﺗﺳﻠﺳل أﯾﺿﺎ وﻗﻠﻧﺎ‪ :‬إن اﻟﺻﻔﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻟﯾس ذاﺗﮫ ﻗﺎﺋﻣﺎ ﺑﻐﯾره‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﻋﻠﻣﻧﺎ‬
‫ﻓﻲ ذاﺗﻧﺎ وذاﺗﻧﺎ ﻣﺣل ﻟﮫ وﻟﯾس ذاﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺣل‪ .‬ﻓﺎﻟﺻﻔﺔ اﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳل ﻋﻠﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ ﻣﻊ اﻟذات إذ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ‬
‫ﻛﻣﺎ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﻠذات‪ ،‬ﺑل ﻟم ﺗزل اﻟذات ﺑﮭذه اﻟﺻﻔﺔ ﻣوﺟودة ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻟﺻﻔﺗﮫ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ ﻟم ﯾﻧﻘطﻊ‬
‫ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟذات‪ .‬وﻣن أﯾن ﯾﻠزم أن ﯾﻧﺗﻔﻲ اﻟﻣﺣل ﺣﺗﻰ ﺗﻧﺗﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ؟ واﻟﺑرھﺎن ﻟﯾس ﯾﺿطر إﻻ إﻟﻰ ﻗطﻊ‬
‫اﻟﺗﺳﻠﺳل‪ .‬ﻓﻛل طرﯾق أﻣﻛن ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﮫ ﻓﮭو وﻓﺎء ﺑﻘﺿﯾﺔ اﻟﺑرھﺎن اﻟداﻋﻲ إﻟﻰ واﺟب اﻟوﺟود‪.‬‬
‫واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ وإن أرﯾد ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﺷﻲء ﺳوى ﻣوﺟود ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﺣﺗﻰ‬
‫ﯾﻧﻘطﻊ ﺑﮫ اﻟﺗﺳﻠﺳل‪ ،‬ﻓﻼ ﻧﺳﻠم أن ذﻟك واﺟب أﺻﻼً‪ .‬وﻣﮭﻣﺎ اﺗﺳﻊ اﻟﻌﻘل ﻟﻘﺑول ﻣوﺟود ﻗدﯾم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده‪ ،‬اﺗﺳﻊ‬
‫ﻟﻘﺑول ﻗدﯾم ﻣوﺻوف ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻓﻲ ﺻﻔﺎﺗﮫ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﺗﻛون اﻟذات ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻠم‬
‫اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة ﻓﯾﻧﺎ ﻟﯾس داﺧﻼً ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ ذاﺗﻧﺎ ﺑل ھو ﻋﺎرض‪ .‬وإذا أﺛﺑت ھذه اﻟﺻﻔﺎت‬
‫ﻟﻸول ﻟم ﯾﻛن أﯾﺿﺎ ً داﺧﻼً ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ ذاﺗﮫ ﺑل ﻛﺎن ﻋﺎرﺿﺎ ً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ وإن ﻛﺎن داﺋﻣﺎ ً ﻟﮫ‪ .‬ورب ﻋﺎرض ﻻ‬
‫ﯾﻔﺎرق أو ﯾﻛون ﻻزﻣﺎ ً ﻟﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﯾﺻﯾر ﺑذﻟك ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟذاﺗﮫ‪ .‬وإذا ﻛﺎن ﻋﺎرﺿﺎ ً ﻛﺎن ﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﻠذات وﻛﺎن اﻟذات ﺳﺑﺑﺎ ً‬
‫ﻓﯾﮫ ﻓﻛﺎن ﻣﻌﻠوﻻً‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺗﻛون ﻋﻠﺔ‪ ،‬ﺑل ﻣﺣﻼً‬
‫وھذا ھو اﻷول ﻣﻊ ﺗﻐﯾﯾر ﻋﺑﺎرة‪.‬‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬إن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﻛوﻧﮫ ﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﻠذات وﻛون اﻟذات ﺳﺑﺑﺎ ﻟﮫ أن اﻟذات ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﻟﮫ وأﻧﮫ ﻣﻔﻌول ﻟﻠذات ﻓﻠﯾس‬
‫ً‬
‫ﻛذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ذﻟك ﻟﯾس ﯾﻠزم ﻓﻲ ﻋﻠﻣﻧﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذاﺗﻧﺎ إذ ذواﺗﻧﺎ ﻟﯾﺳت ﺑﻌﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻟﻌﻠﻣﻧﺎ‪ .‬وإن ﻋﻧﯾﺗم أن اﻟذات‬
‫ﻣﺣل وأن اﻟﺻﻔﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﺣل‪ ،‬ﻓﮭذا ﻣﺳﻠم ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ ھذا‪ .‬ﻓﺑﺄن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﺗﺎﺑﻊ أو اﻟﻌﺎرض أو‬
‫اﻟﻣﻌﻠول أو ﻣﺎ أراده اﻟﻣﻌﺑر ﻟم ﯾﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻧﻰ إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺳوى أﻧﮫ ﻗﺎﺋم ﺑﺎﻟذات ﻗﯾﺎم اﻟﺻﻔﺎت‬
‫ﺑﺎﻟﻣوﺻوﻓﺎت‪ ،‬وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﻓﻲ ذات وھو ﻣﻊ ذﻟك ﻗدﯾم وﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺈن أرﯾد ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬ﻓﻠﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﻐﯾر ﻋﺑﺎرة ﻓﻛل أدﻟﺗﮭم ﺗﮭوﯾل ﺑﺗﻘﺑﯾﺢ اﻟﻌﺑﺎرة ﺑﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟﺎﺋزاً وﺗﺎﺑﻌﺎ ً‬
‫وﻻزﻣﺎ ً وﻣﻌﻠوﻻً‪ ،‬وإن ذﻟك ﻣﺳﺗﻧﻛر‪ .‬ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬إن أرﯾد ﺑذﻟك أن ﻟﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك‪ .‬وإن ﻟم ﯾرد ﺑﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻻ‬
‫ﻓﺎﻋل ﻟﮫ وﻟﻛن ﻟﮫ ﻣﺣل ھو ﻗﺎﺋم ﻓﯾﮫ ﻓﻠﯾﻌﺑر ﻋن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﺄي ﻋﺑﺎرة أرﯾد ﻓﻼ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ھذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻷول ﻣﺣﺗﺎﺟﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎت‬
‫ورﺑﻣﺎ ھوﻟوا ﺑﺗﻘﺑﯾﺢ اﻟﻌﺑﺎرة ﻣن وﺟﮫ آﺧر ﻓﻘﺎﻟوا‪ :‬ھذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻷول ﻣﺣﺗﺎﺟﺎ ً إﻟﻰ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻓﻼ‬
‫ﯾﻛون ﻏﻧﯾﺎ ً ﻣطﻠﻘﺎ ً إذ اﻟﻐﻧﻲ اﻟﻣطﻠق ﻣن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾر ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﺑﮭﺎ ﯾﺗم ﻟﮫ اﻟﻛﻣﺎل!‬
‫وھذا ﻛﻼم وﻋظﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟرﻛﺎﻛﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل ﻻ ﺗﺑﺎﯾن ذات اﻟﻛﺎﻣل ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮫ ﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﻓﺈذا ﻟم ﯾزل وﻻ ﯾزال ﻛﺎﻣﻼً ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻟﺣﯾﺎة ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﺣﺗﺎﺟﺎً؟ أو ﻛﯾف ﯾﺟوز أن ﯾﻌﺑر ﻋن ﻣﻼزﻣﺔ‬
‫اﻟﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺔ وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬اﻟﻛﺎﻣل ﻣن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻛﻣﺎل؟ ﻓﺎﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ وﺟود ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل ﻟذاﺗﮫ‬
‫ﻧﺎﻗص ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﻛﺎﻣﻼً إﻻ وﺟود اﻟﻛﻣﺎل ﻟذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﻏﻧﯾﺎ ً إﻻ وﺟود اﻟﺻﻔﺎت‬
‫اﻟﻣﻧﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﺣﺎﺟﺎت ﻟذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﻛﯾف ﺗﻧﻛر ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﺗﺗم اﻹﻟﮭﯾﺔ ﺑﻣﺛل ھذه اﻟﺗﺧﯾﯾﻼت اﻟﻠﻔظﯾﺔ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب ﻓﻠﯾس ھو ﺟﺳﻣﺎ ً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إذا أﺛﺑﺗم ذاﺗﺎ ً وﺻﻔﺔ وﺣﻠوﻻً ﻟﻠﺻﻔﺔ ﺑﺎﻟذات ﻓﮭو ﺗرﻛﯾب‪ ،‬وﻛل ﺗرﻛﯾب ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب‪ ،‬وﻟذﻟك ﻟم‬
‫ﯾﺟز أن ﯾﻛون اﻷول ﺟﺳﻣﺎ ً ﻷﻧﮫ ﻣرﻛب‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻠﮫ ﻗدﯾم اﻟﺟﺳم ﺣﺎدث‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﻛل ﺗرﻛﯾب ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب‪ ،‬ﻛﻘوﻟﮫ‪ :‬ﻛل ﻣوﺟود ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣوﺟد‪ ،‬ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮫ‪ :‬اﻷول ﻣوﺟود‬
‫ﻗدﯾم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻣوﺟد‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﯾﻘﺎل‪ :‬ھو ﻣوﺻوف ﻗدﯾم وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟذاﺗﮫ وﻻ ﻟﺻﻔﺗﮫ وﻻ ﻟﻘﯾﺎم ﺻﻔﺗﮫ ﺑذاﺗﮫ ﺑل‬
‫اﻟﻛل ﻗدﯾم ﺑﻼ ﻋﻠﺔ‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﺟﺳم ﻓﺈﻧﻣﺎ ﻟم ﯾﺟز أن ﯾﻛون ھو اﻷول ﻷﻧﮫ ﺣﺎدث ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن‬
‫اﻟﺣوادث‪ ،‬وﻣن ﻟم ﯾﺛﺑت ﻟﮫ ﺣدوث اﻟﺟﺳم ﯾﻠزﻣﮫ أن ﯾﺟوز أن ﺗﻛون اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﺟﺳﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ﺳﻧﻠزﻣﮫ ﻋﻠﯾﻛم ﻣن‬
‫ﺑﻌد‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷدﻟﺔ ﺑﺎطﻠﺔ وﻛل ﻣﺳﺎﻟﻛﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﺧﯾﯾﻼت‪.‬‬
‫ﻻ ﯾﻘدرون رد اﻟﺟﻣﯾﻊ إﻟﻰ ﻧﻔس اﻟذات‬
‫ﺛم إﻧﮭم ﻻ ﯾﻘدرون ﻋﻠﻰ رد ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﯾﺛﺑﺗوﻧﮫ إﻟﻰ ﻧﻔس اﻟذات‪ .‬ﻓﺈﻧﮭم أﺛﺑﺗوا ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً وﯾﻠزﻣﮭم أن ﯾﻛون ذﻟك‬
‫زاﺋداً ﻋﻠﻰ ﻣﺟرد اﻟوﺟود ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮭم‪ :‬أﺗﺳﻠﻣون أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾر ذاﺗﮫ؟ وﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺳﻠم ذﻟك وﻣﻧﮭم ﻣن ﻗﺎل‪ :‬ﻻ‬
‫ﯾﻌﻠم إﻻ ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت‪ ...‬ﻓﺄﻣﺎ اﻷول ﻓﮭو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ‪ .‬ﻓﺈﻧﮫ زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻠﮭﺎ ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ ﻻ ﯾدﺧل‬
‫ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن‪ ،‬وﻻ ﯾﻌﻠم اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﯾوﺟب ﺗﺟدد اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭﺎ ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻋﻠم اﻷول‬
‫ﺑوﺟود ﻛل اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﯾن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ أو ﻏﯾره‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻘد أﺛﺑﺗم ﻛﺛرة‬
‫وﻧﻘﺿﺗم اﻟﻘﺎﻋدة‪ .‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻋﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻟم ﺗﺗﻣﯾزوا ﻋن ﻣن ﯾدﻋﻲ أن ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻐﯾره ﻋﯾن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻋﯾن‬
‫ذاﺗﮫ‪ ،‬وﻣن ﻗﺎل ذﻟك ﺳﻔﮫ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﮫ‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ وﻗﯾل‪ :‬ﺣد اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد أن ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟوھم اﻟﺟﻣﻊ ﻓﯾﮫ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﺎﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً اﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﺗوھم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻣوﺟوداً وﻣﻌدوﻣﺎً‪ ،‬وﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ﻓﻲ‬
‫اﻟوھم أن ﯾﻘدر ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻧﻔﺳﮫ دون ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره ﻗﯾل‪ :‬إن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬إذ ﻟو ﻛﺎن ھو ھو‬
‫ﻟﻛﺎن ﻧﻔﯾﮫ ﻧﻔﯾﺎ ً ﻟﮫ وإﺛﺑﺎﺗﮫ إﺛﺑﺎﺗﺎ ً ﻟﮫ‪ ،‬إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون زﯾد ﻣوﺟوداً وزﯾد ﻣﻌدوﻣﺎً‪ ،‬أﻋﻧﻲ ھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫واﺣدة‪ ،‬وﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣﺛل ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻐﯾر ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻛذى ﻓﻲ ﻋﻠم اﻷول ﺑذاﺗﮫ ﻣﻊ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره إذ‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم وﺟود أﺣدھﻣﺎ دون اﻵﺧر‪ ،‬ﻓﮭﻣﺎ إذن ﺷﯾﺋﺎن‪ .‬وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم وﺟود ذاﺗﮫ دون وﺟود ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻠو ﻛﺎن اﻟﻛل ﻛذﻟك ﻟﻛﺎن ھذا اﻟﺗوھم ﻣﺣﺎﻻً‪ .‬ﻓﻛل ﻣن اﻋﺗرف ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن اﻷول ﯾﻌرف ﻏﯾر ذاﺗﮫ ﻓﻘد أﺛﺑت‬
‫ﻛﺛرة ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛوﻧﮫ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل‬
‫ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھو ﻻ ﯾﻌﻠم اﻟﻐﯾر ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول ﺑل ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل‪ ،‬ﻓﯾﻠزﻣﮫ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ إذ ﻻ ﯾﻣﻛن‬
‫أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ إﻻ ﻣﺑدأ ﻓﺈﻧﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ذاﺗﮫ‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻐﯾره إﻻ وﯾدﺧل اﻟﻐﯾر ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑطرﯾق‬
‫اﻟﺗﺿﻣن واﻟﻠزوم‪ ،‬وﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻟذاﺗﮫ ﻟوازم‪ .‬وذﻟك ﻻ ﯾوﺟب ﻛﺛرة ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟذات وإﻧﻣﺎ ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾﻛون‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟذات ﻛﺛرة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﮫ ﺑوﺟود ذاﺗﮫ ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل‬
‫واﻟﺟواب ﻣن وﺟوه‪ :‬اﻷول أن ﻗوﻟﻛم‪ :‬إﻧﮫ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ‪ ،‬ﺗﺣﻛم‪ ،‬ﺑل ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻠم وﺟود ذاﺗﮫ ﻓﻘط‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟوﺟود ﻷن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠذات وﯾﺟوز أن ﯾﻌﻠم اﻟذات وﻻ ﯾﻌﻠم إﺿﺎﻓﺗﮫ‪ ،‬وﻟو ﻟم‬
‫ﺗﻛن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﺗﻛﺛر ذاﺗﮫ وﻛﺎن ﻟﮫ وﺟود وﻣﺑدﺋﯾﺔ وھﻣﺎ ﺷﯾﺋﺎن‪ .‬وﻛﻣﺎ ﯾﺟوز أن ﯾﻌرف اﻹﻧﺳﺎن ذاﺗﮫ وﻻ‬
‫ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم‪ ،‬ﻷن ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً إﺿﺎﻓﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ ﻋﻠﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ ﻣﻌﻠوﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻹﻟزام ﻗﺎﺋم ﻓﻲ ﻣﺟرد ﻗوﻟﮭم‪ :‬إﻧﮫ ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ إذ ﻓﯾﮫ ﻋﻠم ﺑﺎﻟذات وﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ‪ ،‬وھو اﻹﺿﺎﻓﺔ واﻹﺿﺎﻓﺔ ﻏﯾر‬
‫اﻟذات‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات ﺑﺎﻟدﻟﯾل اﻟذي ذﻛرﻧﺎه وھو أﻧﮫ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات دون اﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات دون اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات ﻷن اﻟذات واﺣدة‪.‬‬
‫ھﻧﺎك ﻣﻌﻠوﻣﺎن‪ ،‬ﻓﮭﻧﺎك ﻋﻠﻣﺎن اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻛﻼم ﻏﯾر ﻣﻌﻘول‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺣﯾطﺎ ً ﺑﻐﯾره ﻛﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑذاﺗﮫ ﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎن ﻣﺗﻐﺎﯾران وﻛﺎن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﮭﻣﺎ‪ ،‬وﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم‬
‫وﺗﻐﺎﯾره ﯾوﺟب ﺗﻌدد اﻟﻌﻠم إذ ﯾﻘﺑل أﺣد اﻟﻣﻌﻠوﻣﯾن اﻟﻔﺻل ﻋن اﻵﺧر ﻓﻲ اﻟوھم‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺣدھﻣﺎ ﻋﯾن‬
‫اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻵﺧر إذ ﻟو ﻛﺎن ﻟﺗﻌذر ﺗﻘدﯾر وﺟود أﺣدھﻣﺎ دون اﻵﺧر‪ ،‬وﻟﯾس ﺛم آﺧر ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻛل واﺣداً‪ .‬ﻓﮭذا ﻻ‬
‫ﯾﺧﺗﻠف ﺑﺄن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ‪.‬‬
‫اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻻ ﺗﺗﻧﺎھﻰ! ﺛم ﻟﯾت ﺷﻌري ﻛﯾف ﯾﻘدم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إﻧﮫ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺛﻘﺎل ذرة ﻓﻲ‬
‫اﻟﺳﻣوات وﻻ ﻓﻲ اﻷرض إﻻ أﻧﮫ ﯾﻌرف اﻟﻛل ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ‪ ،‬واﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﮫ ﻻ ﺗﺗﻧﺎھﻰ‪ ،‬ﻓﯾﻛون اﻟﻌﻠم اﻟﻣﺗﻌﻠق‬
‫ﺑﮭﺎ ﻣﻊ ﻛﺛرﺗﮭﺎ وﺗﻐﺎﯾرھﺎ واﺣداً ﻣن ﻛل وﺟﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺎﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻻ ﯾﺣﺗرز ﻣن ﻟزوم "اﻟﻛﺛرة"‬
‫وﻗد ﺧﺎﻟف اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻲ ھذا ﻏﯾره ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟذﯾن ذھﺑوا إﻟﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ اﺣﺗرازاً ﻣن ﻟزوم اﻟﻛﺛرة‪.‬‬
‫ﻓﻛﯾف ﺷﺎرﻛﮭم ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﺛم ﺑﺎﯾﻧﮭم ﻓﻲ إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻐﯾر؟ وﻟﻣﺎ اﺳﺗﺣﯾﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً أﺻﻼً‬
‫ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻘط وأﻣﺎ ﻏﯾره ﻓﯾﻌرﻓﮫ وﯾﻌرف أﯾﺿﺎ ً ﻧﻔﺳﮫ وﻏﯾره ﻓﯾﻛون ﻏﯾره أﺷرف ﻣﻧﮫ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﻠم‪.‬‬
‫ﻓﺗرك ھذا ﺣﯾﺎء ﻣن ھذا اﻟﻣذھب واﺳﺗﻧﻛﺎﻓﺎ ً ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﺛم ﻟم ﯾﺳﺗﺣﻲ ﻣن اﻹﺻرار ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﻛل وﺟﮫ‬
‫وزﻋم أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻐﯾره ﺑل وﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء ھو ذاﺗﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣزﯾد‪ ،‬وھو ﻋﯾن اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي اﺳﺗﺣﯾﺎ ﻣﻧﮫ‬
‫ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻟظﮭور اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﯾﮫ ﻓﻲ أول اﻟﻧظر‪ .‬ﻓﺈذن ﻟﯾس ﯾﻧﻔك ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم ﻋن ﺧزي ﻓﻲ ﻣذھب‪ ،‬وھﻛذى‬
‫ﯾﻔﻌل ﷲ ﺑﻣن ﺿل ﻋن ﺳﺑﯾﻠﮫ وظن أن اﻷﻣور اﻹﻟﮭﯾﺔ ﯾﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ ﺑﻧظره وﺗﺧﯾﯾﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻌﻠم ﯾﻛون ﺑﻣﻌرﻓﺔ واﺣدة ﻋﻠم اﻷب واﻻﺑن‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إذا ﺛﺑت أﻧﮫ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺑدأ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﺿﺎف واﺣد‪ ،‬إذ ﻣن ﻋرف اﻻﺑن ﻋرﻓﮫ‬
‫ﺑﻣﻌرﻓﺔ واﺣدة وﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷب وﺑﺎﻷﺑوة واﻟﺑﻧوة ﺿﻣﻧﺎً‪ ،‬ﻓﯾﻛﺛر اﻟﻣﻌﻠوم وﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم‪ .‬ﻓﻛذﻟك ھو ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ‬
‫ﻟﻐﯾره‪ ،‬ﻓﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم وإن ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم‪ .‬ﺛم إذا ﻋﻘل ھذا ﻓﻲ ﻣﻌﻠول واﺣد وإﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﯾﮫ وﻟم ﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟزﯾﺎدة ﻓﯾﻣﺎ ﻻ ﯾوﺟب ﺟﻧﺳﮫ ﻛﺛرة ﻻ ﺗوﺟب ﻛﺛرة‪.‬‬
‫اﻟﻌﻠم ﯾﻛون ﺑﻌﻠم اﻟﺷﻲء وﺑﻌﻠم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺷﻲء وﻛذﻟك ﻣن ﯾﻌﻠم اﻟﺷﻲء وﯾﻌﻠم ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺷﻲء ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻠﻣﮫ ﺑذﻟك اﻟﻌﻠم‪.‬‬
‫ﻓﻛل ﻋﻠم ھو ﻋﻠم ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ ﻓﯾﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم وﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم‪.‬‬
‫ﺗﻘوﻟون إن ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وﻋﻠﻣﮫ واﺣد وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً أﻧﻛم ﺗرون أن ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ‬
‫وﻋﻠﻣﮫ واﺣد وﻻ ﺗﺻﻔوﻧﮫ ﺑﻌﻠوم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻌدد ذات اﻟﻌﻠم ﻓﻠﯾﻛن ﻓﻲ ذات‬
‫ﷲ ﻋﻠوم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ وھذا ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ذﻟك ﻛﺛرة أﻛﺛر ﻣﻣﺎ إذا أﺿﯾف وﺟود إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻠم واﺣداً ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻟم ﯾﺗﺻور ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﻣﻌﻠوﻣﯾن‪ ،‬ﺑل ﯾﻘﺗﺿﻲ ذﻟك ﻛﺛرة ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو‬
‫وﺿﻊ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﺻطﻼﺣﮭم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻛﺛرة‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﺑﺎﻟﻐوا ﻓﻘﺎﻟوا‪ :‬ﻟو ﻛﺎن ﻟﻸول ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟوﺟود ﻟﻛﺎن‬
‫ﻟذﻟك ﻛﺛرة‪ .‬ﻓﻠم ﯾﻌﻘﻠوا ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﺛم ﯾوﺻف ﺑﺎﻟوﺟود‪ ،‬ﺑل زﻋﻣوا أن اﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫وھو ﻏرﯾﮫ ﻓﯾﻘﺗﺿﻲ ﻛﺛرة‪ .‬ﻓﻌﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾر ﻋﻠم ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻛﺛﯾرة إﻻ وﯾﻠزم ﻓﯾﮫ ﻧوع ﻛﺛرة‬
‫أﺟﻠﻰ وأﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻼزم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر وﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻘول اﻷول ﺑﺎطل‪ ...‬وأﻣﺎ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻻﺑن وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﻣﺿﺎﻓﺎت ﻓﻔﯾﮫ ﻛﺛرة‪ ،‬إذ ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﻌﻠم ﺑذات اﻻﺑن وذات‬
‫اﻷب وھﻣﺎ ﻋﻠﻣﺎن‪ .‬وﻋﻠم ﺛﺎﻟث وھو اﻹﺿﺎﻓﺔ‪ .‬ﻧﻌم ھذا اﻟﺛﺎﻟث ﻣﺿﻣن ﺑﺎﻟﻌﻠﻣﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن إذ ھﻣﺎ ﻣن ﺷرطﮫ‬
‫وﺿرورﺗﮫ وإﻻ ﻓﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم اﻟﻣﺿﺎف أوﻻً ﻻ ﺗﻌﻠم اﻹﺿﺎﻓﺔ‪ .‬ﻓﮭﻲ ﻋﻠوم ﻣﺗﻌددة ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﺷروطﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻌض‪.‬‬
‫ﻓﻛذﻟك إذا ﻋﻠم اﻷول ذاﺗﮫ ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ ﺳﺎﺋر اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﮭﺎ اﻓﺗﻘر إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ وآﺣﺎد‬
‫اﻷﺟﻧﺎس وأن ﯾﻌﻠم إﺿﺎﻓﺔ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬وإﻻ ﻟم ﯾﻌﻘل ﻛون اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﮫ‪.‬‬
‫‪ ...‬واﻟﺛﺎﻧﻲ أﯾﺿﺎ ً‪ ...‬وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن ﻣن ﻋﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً ﻋﻠم ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑذﻟك اﻟﻌﻠم ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠوم ﻣﺗﻌدداً واﻟﻌﻠم‬
‫واﺣداً‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﺑل ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻌﻠم آﺧر وﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻋﻠم ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ وﻻ ﯾﻌﻠﻣﮫ‪ .‬وﻻ ﻧﻘول‪ :‬ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ‬
‫ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬ﺑل ﯾﻧﻘطﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ وھو ﻏﺎﻓل ﻋن وﺟود اﻟﻌﻠم ﻻ ﻋن وﺟود اﻟﻣﻌﻠوم‪ ،‬ﻛﺎﻟذي ﯾﻌﻠم‬
‫اﻟﺳواد وھو ﻓﻲ ﺣﺎل ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺳﺗﻐرق اﻟﻧﻔس ﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ اﻟذي ھو ﺳواد وﻏﺎﻓل ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺳواد وﻟﯾس ﻣﻠﺗﻔﺗﺎ ً إﻟﯾﮫ‪،‬‬
‫ﻓﺈن اﻟﺗﻔت إﻟﯾﮫ اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠم آﺧر إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﻔﺎﺗﮫ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث‪ ،‬ﻓﻌﻠﯾﻛم اﻟﺑرھﺎن وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ واﻟﻌﻠم‬
‫ﻋﻧدﻛم واﺣد‪ ،‬ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻧﺣن ﻟم ﻧﺧض ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺧوض اﻟﻣﻣﮭدﯾن ﺑل ﺧوض اﻟﮭﺎدﻣﯾن اﻟﻣﻌﺗرﺿﯾن وﻟذﻟك‬
‫ﺳﻣﯾﻧﺎ اﻟﻛﺗﺎب‪ :‬ﺗﮭﺎﻓت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬ﻻ ﺗﻣﮭﯾد اﻟﺣق‪ .‬ﻓﻠﯾس ﯾﻠزﻣﻧﺎ ھذا اﻟﺟواب‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ اﻷﻣر إﺷﻛﺎل ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻔرق‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﻧﺎ ﻻ ﻧﻠزﻣﻛم ﻣذھب ﻓرﻗﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن اﻟﻔرق‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺧﻠق وﺗﺳﺗوي اﻷﻗدام ﻓﻲ‬
‫إﺷﻛﺎﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺟوز ﻟﻛم إﯾراده‪ ،‬وھذا اﻹﺷﻛﺎل ﻣﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم وﻻ ﻣﺣﯾص ﻷﺣد ﻣن اﻟﻔرق ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﻘﺻود ﺗﺷﻛﯾﻛﻛم ﻓﻲ دﻋﺎوﯾﻛم‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ‪ ،‬ﺑل اﻟﻣﻘﺻود ﺗﻌﺟﯾزﻛم ﻋن دﻋواﻛم ﻣﻌرﻓﺔ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور ﺑﺎﻟﺑراھﯾن اﻟﻘطﻌﯾﺔ وﺗﺷﻛﯾﻛﻛم ﻓﻲ دﻋﺎوﯾﻛم‪.‬‬
‫أﻧﺗم ﺗﻌﺗرﺿون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺎﻟرﺳول‪ ...‬وإذا ظﮭر ﻋﺟزﻛم ﻓﻔﻲ اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾذھب إﻟﻰ أن ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور‬
‫اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻻ ﺗﻧﺎل ﺑﻧظر اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﺑل ﻟﯾس ﻓﻲ ﻗوة اﻟﺑﺷر اﻹطﻼع ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺻﺎﺣب اﻟﺷرع‪ :‬ﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ﺧﻠق‬
‫ﷲ وﻻ ﺗﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ذات ﷲ‪ .‬ﻓﻣﺎ إﻧﻛﺎرﻛم ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻣﻌﺗﻘدة ﺻدق اﻟرﺳول ﺑدﻟﯾل اﻟﻣﻌﺟزة اﻟﻣﻘﺗﺻرة‬
‫ﻣن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻌﻘل ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت ذات اﻟﻣرﺳل اﻟﻣﺣﺗرزة ﻋن اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﺑﻧظر اﻟﻌﻘل اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ ﺻﺎﺣب‬
‫اﻟﺷرع ﻓﯾﻣﺎ أﺗﻰ ﺑﮫ ﻣن ﺻﻔﺎت ﷲ اﻟﻣﻘﺗﻔﯾﺔ أﺛره ﻓﻲ إطﻼق اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻣرﯾد واﻟﻘﺎدر واﻟﺣﻲ اﻟﻣﻧﺗﮭﯾﺔ ﻋن إطﻼق‬
‫ﻣﺎ ﻟم ﯾؤذن ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻌﺗرﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺟز ﻋن درك اﻟﻌﻘل‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻧﺣن ﻧﻌﺗرض ﻋﻠﯾﻛم! وإﻧﻣﺎ إﻧﻛﺎرﻛم ﻋﻠﯾﮭم ﺑﻧﺳﺑﺗﮭم إﻟﻰ اﻟﺟﮭل ﺑﻣﺳﺎﻟك اﻟﺑراھﯾن ووﺟﮫ ﺗرﺗﯾب اﻟﻣﻘدﻣﺎت‬
‫ﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس ودﻋواﻛم أﻧﺎ ﻗد ﻋرﻓﻧﺎ ذﻟك ﺑﻣﺳﺎﻟك ﻋﻘﻠﯾﺔ‪ .‬وﻗد ﺑﺎن ﻋﺟزﻛم وﺗﮭﺎﻓت ﻣﺳﺎﻟﻛﻛم واﻓﺗﺿﺎﺣﻛم‬
‫ﻓﻲ دﻋوى ﻣﻌرﻓﺗﻛم وھو اﻟﻣﻘﺻود ﻣن ھذا اﻟﺑﯾﺎن‪ .‬ﻓﺄﯾن ﻣن ﯾدﻋﻲ أن ﺑراھﯾن اﻹﻟﮭﯾﺎت ﻗﺎطﻌﺔ ﻛﺑراھﯾن‬
‫اﻟﮭﻧدﺳﯾﺎت؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻟم ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذا اﻹﺷﻛﺎل إﻧﻣﺎ ﻟزم ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﺣﯾث زﻋم أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾره‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺣﻘﻘون ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻗد‬
‫اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻧدﻓﻊ ھذا اﻹﺷﻛﺎل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻌﻘﻼء ﯾﻌﻠم أﺷﯾﺎء ﻛﺛﯾرة!‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻧﺎھﯾﻛم ﺧزﯾﺎ ً ﺑﮭذا اﻟﻣذھب‪ ،‬وﻟوﻻ أﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟرﻛﺎﻛﺔ ﻟﻣﺎ اﺳﺗﻧﻛف اﻟﻣﺗﺄﺧرون ﻋن ﻧﺻرﺗﮫ‪ .‬وﻧﺣن ﻧﻧﺑﮫ‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺧزي ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻓﯾﮫ ﺗﻔﺿﯾل ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬إذ اﻟﻣﻠك واﻹﻧﺳﺎن وﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻌﻘﻼء ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ‬
‫وﻣﺑدأه وﯾﻌرف ﻏﯾره‪ ،‬واﻷول ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﮭو ﻧﺎﻗص ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ آﺣﺎد اﻟﻧﺎس ﻓﺿﻼً ﻋن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬ﺑل‬
‫اﻟﺑﮭﯾﻣﺔ ﻣﻊ ﺷﻌورھﺎ ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ ﺗﻌرف أﻣوراً أﺧر ﺳواھﺎ‪ .‬وﻻ ﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻌﻠم ﺷرف وان ﻋدﻣﮫ ﻧﻘﺻﺎن‪ .‬ﻓﺄﯾن‬
‫ﻗوﻟﮭم‪ :‬إﻧﮫ ﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق ﻷن ﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء اﻷﻛﻣل واﻟﺟﻣﺎل اﻷﺗم؟ وأي ﺟﻣﺎل ﻟوﺟود ﺑﺳﯾط ﻻ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﮫ وﻻ‬
‫ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻻ ﺧﺑر ﻟﮫ ﻣﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم وﻻ ﻣﻣﺎ ﯾﻠزم ذاﺗﮫ وﯾﺻدر ﻣﻧﮫ؟ وأي ﻧﻘﺻﺎن ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﷲ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ‬
‫ھذا؟ ﺑﻠﻎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ھذا اﻟﻣﺑﻠﻎ! وﻟﯾﺗﻌﺟب اﻟﻌﺎﻗل ﻣن طﺎﺋﻔﺔ ﯾﺗﻌﻣﻘون ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﺑزﻋﻣﮭم ﺛم ﯾﻧﺗﮭﻲ آﺧر‬
‫ﻧظرھم إﻟﻰ أن رب اﻷرﺑﺎب وﻣﺳﺑب اﻷﺳﺑﺎب ﻻ ﻋﻠم ﻟﮫ أﺻﻼً ﺑﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وأي ﻓرق ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن‬
‫اﻟﻣﯾت إﻻ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ؟ وأي ﻛﻣﺎل ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣﻊ ﺟﮭﻠﮫ ﺑﻐﯾره؟ وھذا ﻣذھب ﺗﻐﻧﻲ ﺻورﺗﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻻﻓﺗﺿﺎح ﻋن اﻹطﻧﺎب واﻹﯾﺿﺎح‪.‬‬
‫اﻟذات ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﺛم ﯾﻘﺎل ﻟﮭؤﻻء‪ :‬ﻟم ﺗﺗﺧﻠﺻوا ﻋن اﻟﻛﺛرة ﻣﻊ اﻗﺗﺣﺎم ھذه اﻟﻣﺧﺎزي‬
‫أﯾﺿﺎً‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أو ﻏﯾر ذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟﻛﺛرة‪ ،‬وإن ﻗﻠﺗم‪ :‬إﻧﮫ‬
‫ﻋﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﻗﺎﺋل‪ :‬إن ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ؟ وھو ﺣﻣﺎﻗﺔ إذ ﯾﻌﻘل وﺟود ذاﺗﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻏﺎﻓل ﻋن ذاﺗﮫ ﺛم ﺗزول ﻏﻔﻠﺗﮫ وﯾﺗﻧﺑﮫ ﻟذاﺗﮫ ﻓﯾﻛون ﺷﻌوره ﺑذاﺗﮫ ﻏﯾر ذاﺗﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾطرى ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﻓﯾﻛون ﻏﯾره‬
‫ﻓﺈن ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﻌﻠم ﺑذاﺗﮫ ﻓﯾطرى ﻋﻠﯾﮫ ﻓﯾﻛون ﻏﯾره ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘدر طرﯾﺎن اﻟذات‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬اﻟﻐﯾرﯾﺔ ﻻ ﺗﻌرف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻓﺈن ﻋﯾن اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾطرى ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻲء‪ ،‬وﻏﯾر اﻟﺷﻲء‬
‫إذا ﻗﺎرن اﻟﺷﻲء ﻟم ﯾﺻر ھو ھو وﻟم ﯾﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻏﯾراً‪ .‬ﻓﺑﺄن ﻛﺎن اﻷول ﻟم ﯾزل ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ‬
‫أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ‪ ،‬وﯾﺗﺳﻊ اﻟوھم ﻟﺗﻘدﯾر اﻟذات ﺛم طرﯾﺎن اﻟﺷﻌور‪ .‬وﻟو ﻛﺎن ھو اﻟذات ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور‬
‫ھذا اﻟﺗوھم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ذاﺗﮫ ﻋﻘل وﻋﻠم‪...‬‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ذاﺗﮫ ﻋﻘل وﻋﻠم ﻓﻠﯾس ﻟﮫ ذات ﺛم ﻋﻠم ﻗﺎﺋم ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾردون ﷲ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻏراض! ‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﺣﻣﺎﻗﺔ ظﺎھرة ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﺻﻔﺔ وﻋرض ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣوﺻوﻓﺎً‪ ،‬وﻗول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ھو ﻓﻲ ذاﺗﮫ‬
‫ﻋﻘل وﻋﻠم‪ ،‬ﻛﻘوﻟﮫ‪ :‬ھو ﻗدرة وإرادة وھو ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻟو ﻗﯾل‪ :‬ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﮭو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل ﻓﻲ ﺳواد وﺑﯾﺎض‪ :‬إﻧﮫ ﻗﺎﺋم‬
‫ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وﻓﻲ ﻛﻣﯾﺔ وﺗرﺑﯾﻊ وﺗﺛﻠﯾث‪ :‬إﻧﮫ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻛذى ﻓﻲ ﻛل اﻷﻋراض‪ .‬وﺑﺎﻟطرﯾق اﻟذي ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻘوم‬
‫ﺻﻔﺎت اﻷﺟﺳﺎم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ دون ﺟﺳم ھو ﻏﯾر اﻟﺻﻔﺎت‪ ،‬ﺑﻌﯾن ذﻟك اﻟطرﯾق ﯾﻌﻠم أن ﺻﻔﺎت اﻷﺣﯾﺎء ﻣن اﻟﻌﻠم‬
‫واﻟﺣﯾﺎة واﻟﻘدرة واﻹرادة أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ وإﻧﻣﺎ ﺗﻘوم ﺑذات‪ .‬ﻓﺎﻟﺣﯾﺎة ﺗﻘوم ﺑﺎﻟذات ﻓﯾﻛون ﺣﯾﺎﺗﮫ ﺑﮭﺎ‪ ،‬وﻛذﻟك‬
‫ﺳﺎﺋر اﻟﺻﻔﺎت‪ .‬ﻓﺈذن ﻟم ﯾﻘﻧﻌوا ﺑﺳﻠب اﻷول ﺳﺎﺋر اﻟﺻﻔﺎت وﻻ ﺑﺳﻠﺑﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺳﻠﺑوه أﯾﺿﺎ ً اﻟﻘﯾﺎم‬
‫ﺑﻧﻔﺳﮫ وردوه إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻋراض واﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﻻ ﻗوام ﻟﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ ﯾﻘﯾﻣون اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً‪ ...‬وﺳﻧﺑﯾن ذﻟك ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن ﺑﻌد ھذا ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻐﯾره ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻔردة‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم أن اﻷول ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﻓﻲ ﺟﻧس‬
‫وﯾﻔﺎرﻗﮫ ﺑﻔﺻل وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺗطرق إﻟﯾﮫ اﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ ﺣق اﻟﻌﻘل ﺑﺎﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل‬
‫رأﯾﮭم‬
‫وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ھذا وﺑﻧوا ﻋﻠﯾﮫ أﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﺑﻣﻌﻧﻰ ﺟﻧﺳﻲ ﻟم ﯾﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻓﺻﻠﻲ‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﻛن ﻟﮫ‬
‫ﺣد إذ اﻟﺣد ﯾﻧﺗظم ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل‪ ،‬وﻣﺎ ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮫ ﻓﻼ ﺣد ﻟﮫ‪ .‬وھذا ﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب‪ .‬وزﻋﻣوا أن ﻗول‬
‫اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬أﻧﮫ ﯾﺳﺎوي اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً وﺟوھراً وﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﺑﺷﻲء آﺧر ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻠﯾس‬
‫ھذا ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس ﺑل ھو ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻻزم ﻋﺎم‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺟﻧس‬
‫وﻓرق ﺑﯾن اﻟﺟﻧس واﻟﻼزم ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وإن ﻟم ﯾﻔﺗرﻗﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻣوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋرف ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺟﻧس اﻟذاﺗﻲ‬
‫ھو اﻟﻌﺎم اﻟﻣﻘول ﻓﻲ ﺟواب ﻣﺎ ھو وﯾدﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﺷﻲء اﻟﻣﺣدود وﯾﻛون ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟذاﺗﮫ‪ .‬ﻓﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﺣﯾﺎ ً‬
‫داﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن أﻋﻧﻲ اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻓﻛﺎن ﺟﻧﺳﺎ ً‪ .‬وﻛوﻧﮫ ﻣوﻟوداً وﻣﺧﻠوﻗﺎ ً ﻻزم ﻟﮫ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﮫ ﻗط وﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس‬
‫داﺧﻼً ﻓﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪.‬‬
‫وإن ﻛﺎن ﻻزﻣﺎ ً ﻋﺎﻣﺎً‪ ،‬وﯾﻌرف ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﻣﻌرﻓﺔ ﻻ ﯾﺗﻣﺎرى ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إن اﻟوﺟود ﻻ ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء‪...‬‬
‫وزﻋﻣوا أن اﻟوﺟود ﻻ ﯾدﺧل ﻗط ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء ﺑل ھو ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪ :‬إﻣﺎ ﻻزﻣﺎ ً ﻻ ﯾﻔﺎرق ﻛﺎﻟﺳﻣﺎء‪،‬‬
‫أو وارداً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻛﺎﻷﺷﯾﺎء اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻟﯾس ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ ﯾدﺧل ﻓﯾﮭﺎ "ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ"‪ ...‬وأﻣﺎ ﻣﺷﺎرﻛﺗﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره ﻛﺳﺎﺋر اﻟﻌﻠل ﻓﮭو ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ إﺿﺎﻓﺔ‬
‫ﻻزﻣﺔ ﻻ ﺗدﺧل أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ واﻟوﺟود ﻻ ﯾﻘوم واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ اﻟذات ﺑل ﯾﻠزﻣﺎن اﻟذات ﺑﻌد ﺗﻘوم‬
‫اﻟذات ﺑﺄﺟزاء ﻣﺎھﯾﺗﮫ‪ .‬ﻓﻠﯾس اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮫ إﻻ ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻻزم ﻋﺎم ﯾﺗﺑﻊ اﻟذات ﻟزوﻣﮫ ﻻ ﻓﻲ ﺟﻧس‪ .‬وﻟذﻟك ﻻ‬
‫ﺗﺣد اﻷﺷﯾﺎء إﻻ ﺑﺎﻟﻣﻘوﻣﺎت‪ ،‬ﻓﺈن ﺣدث ﺑﺎﻟﻠوازم ﻛﺎن ذﻟك رﺳﻣﺎ ً ﻟﻠﺗﻣﯾﯾز ﻻ ﻟﺗﺻوﯾر ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷﻲء‪ .‬ﻓﻼ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ‬
‫ﺣد اﻟﻣﺛﻠث إﻧﮫ اﻟذي ﺗﺳﺎوي زواﯾﺎه اﻟﻘﺎﺋﻣﺗﯾن‪ ،‬وإن ﻛﺎن ذﻟك ﻻزﻣﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﻟﻛل ﻣﺛﻠث‪ ،‬ﺑل ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﺷﻛل ﯾﺣﯾط ﺑﮫ‬
‫ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻼع‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ ﯾدﺧل ﻓﯾﮭﺎ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً‪ ...‬وﻛذﻟك اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ‬
‫ﻓﻲ ﻣوﺿوع‪ ،‬واﻟﻣوﺟود ﻟﯾس ﺑﺟﻧس‪ .‬ﻓﺑﺄن ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ أﻣر ﺳﻠﺑﻲ وھو أﻧﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻓﻼ ﯾﺻﯾر ﺟﻧﺳﺎ ً‬
‫ﻣﻘوﻣﺎً‪ ،‬ﺑل ﻟو أﺿﯾف إﻟﯾﮫ إﯾﺟﺎﺑﮫ وﻗﯾل ﻣوﺟود ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻟم ﯾﺻر ﺟﻧﺳﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻌرض‪ ،‬وھذا ﻷن ﻣن ﻋرف‬
‫اﻟﺟوھر ﺑﺣده اﻟذي ھو ﻛﺎﻟرﺳم ﻟﮫ وھو أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻓﻠﯾس ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً‪ ،‬ﻓﺿﻼً أن‬
‫ﯾﻌرف أﻧﮫ ﻓﻲ ﻣوﺿوع أو ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع‪ ،‬ﺑل ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ رﺳم اﻟﺟوھر أﻧﮫ اﻟﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع أي‬
‫أﻧﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ إذا وﺟد وﺟد ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع‪ .‬وﻟﺳﻧﺎ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮫ أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻔﻌل ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺣدﯾد ﻓﻠﯾس اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮫ‬
‫ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺟﻧس‪.‬‬
‫‪ ...‬ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ھو ﻟﻸول ﻻ ﻟﻐﯾره ﺑل اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﻘوﻣﺎت اﻟﻣﺎھﯾﺔ ھﻲ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس اﻟﻣﺣوج‬
‫إﻟﻰ اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺑﻌده ﺑﺎﻟﻔﺻل وﻟﯾس ﻟﻸول ﻣﺎھﯾﺔ ﺳوى اﻟوﺟود اﻟواﺟب‪ .‬ﻓﺎﻟوﺟود اﻟواﺟب طﺑﯾﻌﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ وﻣﺎھﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ھو ﻟﮫ ﻻ ﻟﻐﯾره‪ .‬وإذا ﻟم ﯾﻛن وﺟوب اﻟوﺟود إﻻ ﻟﮫ ﻟم ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﻓﻠم ﯾﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﺑﻔﺻل ﻧوﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻠم‬
‫ﯾﻛن ﻟﮫ ﺣد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ‬
‫ﻓﮭذا ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم‪ .‬واﻟﻛﻼم ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬ﻣطﺎﻟﺑﺔ وإﺑطﺎل‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﻓﮭو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ھذا ﺣﻛﺎﯾﺔ اﻟﻣذھب‪،‬‬
‫ﻓﺑم ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻓﻲ ﺣق اﻷول ﺣﺗﻰ ﺑﻧﯾﺗم ﻋﻠﯾﮫ ﻧﻔﻲ اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ؟ إذ ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺷﺎرﻛﮫ ﻓﻲ‬
‫ﺷﻲء وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺷﻲء واﻟذي ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾﺷﺎرك ﺑﮫ وﻣﺎ ﯾﺑﺎﯾن ﺑﮫ ﻓﮭو ﻣرﻛب واﻟﻣرﻛب ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫أﺑطﻠﻧﺎ إﻣﻛﺎن اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﻲ اﻷول ﻓﻧﻘول‪ :‬ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب ﻣن أﯾن ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ؟ وﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ إﻻ‬
‫ﻗوﻟﻛم اﻟﻣﺣﻛﻲ ﻋﻧﻛم ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت وھو أن اﻟﻣرﻛب ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن أﺟزاء‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﯾﺻﺢ‬
‫ﻟواﺣد ﻣن اﻷﺟزاء أو اﻟﺟﻣﻠﺔ وﺟود دون اﻵﺧر ﻓﮭو واﺟب اﻟوﺟود دون ﻣﺎ ﻋداه‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺻﺢ ﻟﻸﺟزاء‬
‫وﺟود دون اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﻻ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ وﺟود دون اﻷﺟزاء ﻓﺎﻟﻛل ﻣﻌﻠول ﻣﺣﺗﺎج‪ .‬وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وﺑﯾﻧﺎ‬
‫أن ذﻟك ﻟﯾس ﺑﻣﺣﺎل ﻓﻲ ﻗطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل‪ ،‬واﻟﺑرھﺎن ﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل‪.‬‬
‫اﻟﺑرھﺎن ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻘط ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻌظﺎﺋم اﻟﺗﻲ اﺧﺗرﻋوھﺎ ﻓﻲ ﻟزوم اﺗﺻﺎف واﺟب اﻟوﺟود ﺑﮫ‬
‫ﻓﻠم ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ دﻟﯾل‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ وﺻﻔوه ﺑﮫ وھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ ﻗواﻣﮫ إﻟﻰ‬
‫ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﻼ دﻟﯾل إذن ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت واﺟب اﻟوﺟود وإﻧﻣﺎ اﻟدﻟﯾل دل ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻘط‪ ،‬وھذا ﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺻﻔﺎت‪.‬‬
‫ﻟﯾس ﺑﯾن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺗﺎﻣﺔ وھو ﻓﻲ ھذا اﻟﻧوع أظﮭر ﻓﺈن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺷﻲء إﻟﻰ اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻟﯾس‬
‫ﻛﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣوﺻوف إﻟﻰ ذات وﺻﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺻﻔﺔ ﻏﯾر اﻟذات واﻟذات ﻏﯾر اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻧوع ﻟﯾس ﻏﯾر اﻟﺟﻧس ﻣن‬
‫ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬ﻓﻣﮭﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ اﻟﻧوع ﻓﻘد ذﻛرﻧﺎ اﻟﺟﻧس وزﯾﺎدة‪ .‬وإذا ذﻛرﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻠم ﻧذﻛر إﻻ اﻟﺣﯾوان ﻣﻊ زﯾﺎدة‬
‫ﻧطق‪ .‬ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬إن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھل ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ؟ ﻛﻘوﻟﮫ‪ :‬إن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھل ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ إذا‬
‫اﻧﺿم إﻟﯾﮭﺎ ﺷﻲء آﺧر؟ ﻓﮭذا أﺑﻌد ﻋن اﻟﻛﺛرة ﻣن اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻣوﺻوف‪.‬‬
‫إن ﻟم ﺗﻛن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل‪ ...‬وﻣن أي وﺟﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻧﻘطﻊ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻋﻠﻰ ﻋﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ ﻋﻠﺔ‬
‫اﻟﺳﻣوات واﻷﺧرى ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻧﺎﺻر أو أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻘول واﻵﺧر ﻋﻠﺔ اﻷﺟﺳﺎم ﻛﻠﮭﺎ وﯾﻛون ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ‬
‫وﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻛﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺣﻣرة واﻟﺣرارة ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد؟ ﻓﺈﻧﮭﻣﺎ ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣن ﻏﯾر أن ﻧﻔرض ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣﻣرة ﺗرﻛﯾﺑﺎ ً ﺟﻧﺳﯾﺎ ً وﻓﺻﻠﯾﺎ ً ﺑﺣﯾث ﯾﻘﺑل اﻻﻧﻔﺻﺎل‪ ،‬ﺑل إن ﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة ﻓﮭو ﻧوع ﻛﺛرة ﻻ ﯾﻘدح ﻓﻲ وﺣدة‬
‫اﻟذات‪ .‬ﻓﻣن أي وﺟﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل ھذا ﻓﻲ اﻟﻌﻠل؟ وﺑﮭذا ﯾﺗﺑﯾن ﻋﺟزھم ﻋن ﻧﻔﻲ إﻟﮭﯾن ﺻﺎﻧﻌﯾن‪.‬‬
‫إﻣﺎ أن ﯾﻛون ھذا ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود وإﻣﺎ أن ﻻ ﯾﻛون‪ ،‬وﻻ ﯾﺻﺢ ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ھذا‬
‫ﻣن ﺣﯾث أن ﻣﺎ ﺑﮫ ﻣن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﯾن إن ﻛﺎن ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾوﺟد ﻟﻛل واﺟب‬
‫وﺟود ﻓﻼ ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﻛن ھذا ﺷرطﺎ ً وﻻ اﻵﺧر ﺷرطﺎ ً ﻓﻛل ﻣﺎ ﻻ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓوﺟوده‬
‫ﻣﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ وﯾﺗم وﺟوب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﺟب اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻣوﺟود اﻟذي ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھذا ﻋﯾن ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻣﻧﺷﺄ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك ﻓﻲ ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود‪،‬‬
‫ﻓﻠﯾطرح ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻧﺳﻠم أن اﻟدﻟﯾل ﯾدل ﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود إن ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣراد ﺑﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻗدﯾم‪ ،‬وإن ﻛﺎن‬
‫اﻟﻣراد ھذا ﻓﻠﯾﺗرك ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود وﻟﯾﺑﯾن أن ﻣوﺟوداً ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻓﺎﻋل ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻌدد واﻟﺗﺑﺎﯾن وﻻ‬
‫ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ دﻟﯾل‪.‬‬
‫ﺑﻌض اﻟﺗﺑﺎﯾن ھو ﺷرط ﻓﻲ "ﻛون" اﻟﻠون ﻟوﻧﺎ ً ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن ذﻟك ھل ھو ﺷرط ﻓﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﮫ ﻋﻠﺔ؟ ﻓﮭو‬
‫ھوس ﻓﺈن ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠل ﻛوﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﺣﺗﻰ ﯾطﻠب ﺷرطﮫ‪ ،‬أو ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬إن‬
‫اﻟﺳوادﯾﺔ ھل ھﻲ ﺷرط ﻓﻲ ﻛون اﻟﻠون ﻟوﻧﺎً؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﺷرطﺎ ً ﻓﻠم ﻛﺎن اﻟﺣﻣرة ﻟوﻧﺎً؟ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﻓﻼ‬
‫ﯾﺷﺗرط واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ‪ ،‬أﻋﻧﻲ ﺛﺑوت ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل‪ ،‬وأﻣﺎ ﻓﻲ وﺟوده ﻓﺎﻟﺷرط أﺣدھﻣﺎ ﻻ ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬أي ﻻ‬
‫ﯾﻣﻛن ﺟﻧس ﻓﻲ اﻟوﺟود إﻻ وﻟﮫ ﻓﺻل‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﻣن ﯾﺛﺑت ﻋﻠﺗﯾن وﯾﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﮭﻣﺎ ﻓﯾﻘول‪ :‬ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن ﺑﻔﺻل‪،‬‬
‫وأﺣد اﻟﻔﺻول ﺷرط اﻟوﺟود ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ وﻟﻛن ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﯾن‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم وﺟوب اﻟوﺟود ﻛوﺟود اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻻ ﻛﻣﺎھﯾﺗﮫ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذا ﯾﺟوز ﻓﻲ اﻟﻠون ﻓﺈن ﻟﮫ وﺟوداً ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺟوز ﻓﻲ واﺟب‬
‫اﻟوﺟود إذ ﻟﯾس ﻟﮫ إﻻ وﺟوب اﻟوﺟود‪ ،‬وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎھﯾﺔ ﯾﺿﺎف اﻟوﺟود إﻟﯾﮭﺎ‪ .‬وﻛﻣﺎ أن ﻓﺻل اﻟﺳواد وﻓﺻل‬
‫اﻟﺣﻣرة ﻻ ﯾﺷﺗرط ﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮭﺎ ﻟوﻧﯾﺔ إﻧﻣﺎ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ وﺟودھﺎ اﻟﺣﺎﺻل ﺑﻌﻠﺔ‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﺷﺗرط‬
‫ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻓﺈن اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﻸول ﻛﺎﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻟﻠون ﻻ ﻛﺎﻟوﺟود اﻟﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻠوﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻼ‪ ،‬وﺳﯾﺄﺗﻲ اﻟﻛﻼم ﻋن اﻷﻣر‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﻧﺳﻠم‪ ،‬ﺑل ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟوﺟود ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻌده‪ .‬وﻗوﻟﮭم‪ :‬إﻧﮫ وﺟود ﺑﻼ‬
‫ﻣﺎھﯾﺔ‪ ،‬ﺧﺎرج ﻋن اﻟﻣﻌﻘول‪ .‬ورﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻛﻼم إﻟﻰ اﻧﮭم ﺑﻧوا ﻧﻔﻲ اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﺟﻧﺳﻲ‬
‫واﻟﻔﺻﻠﻲ ﺛم ﺑﻧوا ذاك ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ وراء اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻣﮭﻣﺎ أﺑطﻠﻧﺎ اﻷﺧﯾر اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻣﮭﻣﺎ أﺑطﻠﻧﺎ اﻷﺧﯾر اﻟذي‬
‫ھو أﺳﺎس اﻷﺳﺎس ﺑطل ﻋﻠﯾﮭم اﻟﻛل‪ ،‬وھو ﺑﻧﯾﺎن ﺿﻌﯾف اﻟﺛﺑوت ﻗرﯾب ﻣن ﺑﯾوت اﻟﻌﻧﻛﺑوت‪.‬‬
‫اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻷول واﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻹﻟزام وھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬إن ﻟم ﯾﻛن اﻟوﺟود واﻟﺟوھرﯾﺔ‬
‫واﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ ﺟﻧﺳﺎ ً ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﻘوﻻً ﻓﻲ ﺟواب ﻣﺎ ھو ﻓﺎﻷول ﻋﻧدﻛم ﻋﻘل ﻣﺟرد‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﺳﺎﺋر اﻟﻌﻘول اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫اﻟﻣﺑﺎدئ ﻟﻠوﺟود اﻟﻣﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﻧدھم اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻷول ﻋﻘول ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد‪ ،‬ﻓﮭذه اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫ﺗﺷﻣل اﻷول وﻣﻌﻠوﻟﮫ اﻷول ﻓﺈن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﯾﺿﺎ ً ﺑﺳﯾط ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﻲ ذاﺗﮫ إﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻟوازﻣﮫ وھﻣﺎ‬
‫ﻣﺷﺗرﻛﺎن ﻓﻲ أن ﻛل واﺣد ﻋﻘل ﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣﺎدة وھذه ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺟﻧﺳﯾﺔ‪ .‬ﻓﻠﯾس اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻣﺟردة ﻟﻠذات ﻣن اﻟﻠوازم‬
‫ﺑل ھﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ وھذه اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻷول وﺳﺎﺋر اﻟﻌﻘول‪ .‬ﻓﺈن ﻟم ﯾﺑﺎﯾﻧﮭﺎ ﺑﺷﻲء آﺧر ﻓﻘد ﻋﻘﻠﺗم اﺛﻧﯾﻧﯾﺔ ﻣن‬
‫ﻏﯾر ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ‪ ،‬وإن ﺑﺎﯾﻧﮭﺎ ﻓﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻏﯾر ﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ واﻟﻌﻘﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫وھذه اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ھﻲ ﻓﻲ ذات ﻛﻠﯾﮭﻣﺎ واﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻓﺈن اﻷول ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻋﻘل ﻏﯾره‬
‫ﻋﻧد ﻣن ﯾرى ذﻟك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻋﻘل ﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣﺎدة‪ ،‬وﻛذى اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وھو اﻟﻌﻘل اﻷول اﻟذي‬
‫أﺑدﻋﮫ ﷲ ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ ﻣﺷﺎرك ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻌﻘول اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻻت أﻧواع ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫وإﻧﻣﺎ اﺷﺗراﻛﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ واﻓﺗراﻗﮭﺎ ﺑﻔﺻول ﺳوى ذﻟك‪ ،‬وﻛذﻟك اﻷول ﺷﺎرك ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﮭم ﻓﯾﮫ ﺑﯾن‬
‫ﻧﻘض اﻟﻘﺎﻋدة أو اﻟﻣﺻﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﻘوﻣﺔ ﻟﻠذات‪ ،‬وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﺣﺎﻻن ﻋﻧدھم‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن وﺟود اﻷول ﺑﺳﯾط‬
‫أي ھو وﺟود ﻣﺣض وﻻ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﺿﺎف اﻟوﺟود إﻟﯾﮭﺎ ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﮫ ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻐﯾره‬
‫اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل‬
‫واﻟﻛﻼم ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬اﻷول اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﻋرﻓﺗم ذﻟك؟ أﺑﺿرورة أو ﻧظر؟ وﻟﯾس ﺑﺿروري‬
‫ﻓﻼ ﺑد ﻣن ذﻛر طرﯾق اﻟﻧظر‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﺣﺎل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻷﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻛﺎن اﻟوﺟود ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮭﺎ وﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﮭﺎ وﻻزﻣﺎ ً ﻟﮭﺎ واﻟﺗﺎﺑﻊ ﻣﻌﻠول ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود‬
‫اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض‪.‬‬
‫???ﻗوﻟﻧﺎ ھو ﻣﺣﺎل إذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ھذا رﺟوع إﻟﻰ ﻣﻧﺑﻊ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ إطﻼق ﻟﻔظ اﻟوﺟود اﻟواﺟب‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻣﺎھﯾﺔ وﺗﻠك اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫ﻣوﺟودة أي ﻟﯾﺳت ﻣﻌدوﻣﺔ ﻣﻧﻔﯾﺔ ووﺟودھﺎ ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬وإن أﺣﺑوا أن ﯾﺳﻣوه ﺗﺎﺑﻌﺎ ً وﻻزﻣﺎ ً ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﻌد أن ﯾﻌرف أﻧﮫ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﻠوﺟود ﺑل ﻟم ﯾزل ھذا اﻟوﺟود ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣن ﻏﯾر ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈن ﻋﻧوا ﺑﺎﻟﺗﺎﺑﻊ‬
‫واﻟﻣﻌﻠول أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك‪ ،‬وإن ﻋﻧوا ﻏﯾره ﻓﮭو ﻣﺳﻠم وﻻ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ إذ اﻟدﻟﯾل ﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل‪ ،‬وﻗطﻌﮫ ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣوﺟودة وﻣﺎھﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻣﻣﻛن ﻓﻠﯾس ﯾﺣﺗﺎج ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺳﻠب اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪.‬‬
‫?ﻗوﻟﮭم ﺗﻛون اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻓﺎﻋﻼً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﺗﻛون اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠوﺟود اﻟذي ھو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود ﻣﻌﻠوﻻً وﻣﻔﻌوﻻً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ أي أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻻ ﺗﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠوﺟود ﻓﻛﯾف ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم؟ إن ﻋﻧوا ﺑﺎﻟﺳﺑب اﻟﻔﺎﻋل ﻟﮫ وإن ﻋﻧوا‬
‫ﺑﮫ وﺟﮭﺎ ً آﺧر وھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻼ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬إﻧﻣﺎ اﻹﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل ﻓﺈذا اﻧﻘطﻊ‬
‫ﻓﻘد اﻧدﻓﻌت اﻹﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وﻣﺎ ﻋدى ذﻟك ﻟم ﺗﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ‪ .‬وﻛل ﺑراھﯾﻧﮭم‬
‫ﺗﺣﻛﻣﺎت ﻣﺑﻧﺎھﺎ ﻋﻠﻰ أﺧذ ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻟﮫ ﻟوازم وﺗﺳﻠم أن اﻟدﻟﯾل ﻗد دل ﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود‬
‫ﺑﺎﻟﻧﻌت اﻟذي وﺻﻔوه وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫?ﻣن اﻟﺿﻼل أن ﯾﻘﺎل إن ﻛل ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺟودة ﻓﻣﺗﻛﺛرة وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ دﻟﯾﻠﮭم ﻓﻲ ھذا ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ دﻟﯾل ﻧﻔﻲ‬
‫اﻟﺻﻔﺎت وﻧﻔﻲ اﻹﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﻧﺳﻲ واﻟﻔﺻﻠﻲ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ أﻏﻣض وأﺿﻌف ﻷن ھذه اﻟﻛﺛرة ﻻ ﺗرﺟﻊ إﻻ إﻟﻰ ﻣﺟرد‬
‫اﻟﻠﻔظ وإﻻ ﻓﺎﻟﻌﻘل ﯾﺗﺳﻊ ﻟﺗﻘدﯾر ﻣﺎھﯾﺔ واﺣدة ﻣوﺟودة وھو ﯾﻘوﻟون‪ :‬ﻛل ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺟودة ﻓﻣﺗﻛﺛرة إذ ﻓﯾﮫ ﻣﺎھﯾﺔ‬
‫ووﺟود‪ .‬وھذا ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺿﻼل ﻓﺈن اﻟﻣوﺟود اﻟواﺣد ﻣﻌﻘول ﺑﻛل ﺣﺎل وﻻ ﻣوﺟود إﻻ وﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ووﺟود اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ‬
‫ﯾﻧﻔﻲ اﻟوﺣدة‪.‬‬
‫وﺟود ﺑﻼ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻧﻘول‪ :‬وﺟود ﺑﻼ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول‪،‬‬
‫وﻛﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻘل ﻋدﻣﺎ ً ﻣرﺳﻼً إﻻ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣوﺟود ﯾﻘدر ﻋدﻣﮫ ﻓﻼ ﻧﻌﻘل وﺟود ﻣرﺳﻼً إﻻ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬
‫ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬ﻻ ﺳﯾﻣﺎ إذا ﺗﺑﯾن ذاﺗﺎ ً واﺣدة‪ ،‬ﻓﻛﯾف ﯾﺗﻌﯾن واﺣداً ﻣﺗﻣﯾزاً ﻋن ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ؟ ﻓﺈن ﻧﻔﻲ‬
‫اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻧﻔﻲ ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ وإذا ﻧﻔﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣوﺟود ﻟم ﯾﻌﻘل اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻛﺄﻧﮭم ﻗﺎﻟوا‪ :‬وﺟود وﻻ ﻣوﺟود‪ ،‬وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض‪.‬‬
‫ﻻ ﯾﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣن اﻟوﺟود وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ أﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ھذا ﻣﻌﻘوﻻً ﻟﺟﺎز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠوﻻت‬
‫وﺟود ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ ﯾﺷﺎرك اﻷول ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻻ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﮫ وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﻓﻲ أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ‪ ،‬واﻷول ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﻠم‬
‫ﻻ ﯾﺗﺻور ھذا ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠوﻻت؟ وھل ﻟﮫ ﺳﺑب إﻻ أﻧﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ؟ وﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺑﺄن ﯾﻧﻔﻲ‬
‫ﻋﻠﺗﮫ ﻻ ﯾﺻﯾر ﻣﻌﻘوﻻً‪ ،‬وﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻓﺑﺄن ﯾﻘدر ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻻ ﯾﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻘوﻻً‪ .‬واﻟﺗﻧﺎھﻲ إﻟﻰ ھذا اﻟﺣد ﻏﺎﯾﺔ‬
‫ظﻠﻣﺎﺗﮭم ﻓﻘد ظﻧوا أﻧﮭم ﯾﻧزھون ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻘوﻟون ﻓﺎﻧﺗﮭﻰ ﻛﻼﻣﮭم إﻟﻰ اﻟﻧﻔﻲ اﻟﻣﺟرد‪ ،‬ﻓﺈن ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻧﻔﻲ ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫وﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻻ ﻟﻔظ اﻟوﺟود وﻻ ﻣﺳﻣﻰ ﻟﮫ أﺻﻼً إذا ﻟم ﯾﺿف إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻣﺎھﯾﺗﮫ ھﻲ أﻧﮫ واﺟب‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ أﻧﮫ واﺟب وھو اﻟﻣﺎھﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠول ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﻣﺎھﯾﺔ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠواﺟب إﻻ ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ وھو ﺳﻠب ﻻ ﯾﺗﻘوم ﺑﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات‪ ،‬وﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻزم اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻠﺗﻛن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﻋدﻣﮭﺎ إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠوﺟوب إﻻ ھذا‪ .‬ﻋﻠﻰ أن‬
‫اﻟوﺟوب إن زاد ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟﻛﺛرة‪ ،‬وإن ﻟم ﯾزد ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ھو اﻟﻣﺎھﯾﺔ واﻟوﺟود ﻟﯾس ﺑﻣﺎھﯾﺔ؟‬
‫ﻓﻛذى ﻣﺎ ﻻ ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل‬
‫ﻋﻠﻰ أن اﻷول ﻟﯾس ﺑﺟﺳم‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻣﺎ اﻷﻣر إذا ﻛﺎن اﻷول ﺟﺳﻣﺎ ً ﻗدﯾﻣﺎً؟‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﻣن ﯾرى أن اﻟﺟﺳم ﺣﺎدث ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث‪ ،‬وﻛل ﺣﺎدث ﻓﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ‬
‫ﻣﺣدث‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم إذا ﻋﻘﻠﺗم ﺟﺳﻣﺎ ً ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻻ أول ﻟوﺟوده ﻣﻊ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾﻛون اﻷول‬
‫ﺟﺳﻣﺎ ً إﻣﺎ اﻟﺷﻣس وإﻣﺎ اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وإﻣﺎ ﻏﯾره؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟﻘﺳﻣﺔ واﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻣرﻛﺑﺎ ً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻷن اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً إﻟﻰ ﺟزﺋﯾن ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ وإﻟﻰ اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة ﺑﺎﻟﻘﺳﻣﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ‬
‫وإﻟﻰ أوﺻﺎف ﯾﺧﺗص ﺑﮭﺎ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺑﺎﯾن ﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم‪ ،‬وإﻻ ﻓﺎﻷﺟﺳﺎم ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ أﺟﺳﺎم وواﺟب‬
‫اﻟوﺟود واﺣد ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟﻘﺳﻣﺔ ﺑﮭذه اﻟوﺟوه‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ أﺑطﻠﻧﺎ ھذا ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑق‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻗد أﺑطﻠﻧﺎ ھذا ﻋﻠﯾﻛم وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺳوى أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إذا اﻓﺗﻘر ﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ إﻟﻰ اﻟﺑﻌض ﻛﺎن‬
‫ﻣﻌﻠوﻻً‪ .‬وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﺑﻌد ﺗﻘدﯾر ﻣوﺟود ﻻ ﻣوﺟد ﻟﮫ ﻟم ﯾﺑﻌد ﺗﻘدﯾر ﻣرﻛب ﻻ ﻣرﻛب ﻟﮫ‬
‫وﺗﻘدﯾر ﻣوﺟودات ﻻ ﻣوﺟد ﻟﮭﺎ‪ ،‬إذ ﻧﻔﻲ اﻟﻌدد واﻟﺗﺛﻧﯾﺔ ﺑﻧﯾﺗﻣوه ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب وﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ‬
‫اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳوى اﻟوﺟود وﻣﺎ ھو اﻷﺳﺎس اﻷﺧﯾر ﻓﻘد اﺳﺗﺄﺻﻠﻧﺎه وﺑﯾﻧﺎ ﺗﺣﻛﻣﻛم ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﺳم ﺑﻼ ﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً‬
‫وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻓﻧﻔﺳﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺟﺳم إن ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻓﻧﻔﺳﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﺟﺳم أوﻻً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻼ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻧﻔﺳﻧﺎ ﻟﯾس ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﺟﺳﻣﻧﺎ وﻻ ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﺑﻣﺟردھﺎ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﺟﺳﻣﮫ ﻋﻧدﻛم ﺑل ھﻣﺎ ﯾوﺟدان ﺑﻌﻠﺔ‬
‫ﺳواھﻣﺎ ﻓﺈذا ﺟﺎز وﺟودھﻣﺎ ﻗدﯾﻣﺎ ً ﺟﺎز أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﻣﺎ ﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛﯾف اﺗﻔق اﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻛﯾف اﺗﻔق اﺟﺗﻣﺎع اﻟﻧﻔس واﻟﺟﺳم؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ إذا ﻛﺎﻧﺎ ﻗدﯾﻣﯾن؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﻛﯾف اﺗﻔق وﺟود اﻷول؟ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ھذا ﺳؤال ﻋن ﺣﺎدث ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻟم ﯾزل ﻣوﺟوداً ﻓﻼ ﯾﻘﺎل‬
‫ﻛﯾف اﺗﻔق‪ .‬ﻓﻛذﻟك اﻟﺟﺳم وﻧﻔﺳﮫ إذا ﻟم ﯾزل ﻛل واﺣد ﻣوﺟوداً ﻟم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﺻﺎﻧﻌﺎً؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻷن اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﺧﻠق ﻏﯾره‬
‫واﻟﻧﻔس ﻻ ﺗﺧﻠق إﻻ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺟﺳم‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻷن اﻟﺟﺳم ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم ﻻ ﯾﺧﻠق ﻏﯾره واﻟﻧﻔس اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺟﺳم ﻻ ﺗﻔﻌل إﻻ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺟﺳم وﻻ‬
‫ﯾﻛون اﻟﺟﺳم واﺳطﺔ ﻟﻠﻧﻔس ﻓﻲ ﺧﻠق اﻷﺟﺳﺎم وﻻ ﻓﻲ إﺑداع اﻟﻧﻔوس وأﺷﯾﺎء ﻻ ﺗﻧﺎﺳب اﻷﺟﺳﺎم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أﻣر ﻻ ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ ﺑرھﺎن‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻟم ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ﻧﻔس ﺗﺧﺗص ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﺗﮭﯾﺄ ﺑﮭﺎ ﻷن ﺗوﺟد اﻷﺟﺳﺎم وﻏﯾر اﻷﺟﺳﺎم ﻣﻧﮭﺎ؟‬
‫ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻻ ﯾﻌرف ﺿرورة وﻻ ﺑرھﺎن ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ ﻟم ﻧﺷﺎھد ﻣن ھذه اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻣﺷﺎھدة وﻋدم‬
‫اﻟﻣﺷﺎھدة ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻘد أﺿﺎﻓوا إﻟﻰ اﻟﻣوﺟود اﻷول ﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﺿﺎف إﻟﻰ ﻣوﺟود أﺻﻼً‪ ،‬وﻟم ﻧﺷﺎھد‬
‫ﻣن ﻏﯾره وﻋدم اﻟﻣﺷﺎھدة ﻣن ﻏﯾره ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻣﻧﮫ ﻓﻛذى ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺟﺳم واﻟﺟﺳم‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﺳم ﯾﻘدر ﺑﻣﻘدار‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺟﺳم اﻷﻗﺻﻰ أو اﻟﺷﻣس أو ﻣﺎ ﻗدر ﻣن اﻷﺟﺳﺎم ﻓﮭو ﻣﺗﻘدر ﺑﻣﻘدار ﯾﺟوز أن ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﮫ وﯾﻧﻘص ﻣﻧﮫ‬
‫ﻓﯾﻔﺗﻘر اﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑذﻟك اﻟﻣﻘدار اﻟﺟﺎﺋز إﻟﻰ ﻣﺧﺻص ﻓﻼ ﯾﻛون أوﻻً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وھذا اﻟﻣﻘدار ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﺣﺳب ﻧظﺎم اﻟﻛل‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إن ذﻟك اﻟﺟﺳم ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﻣﻘدار ﯾﺟب أن ﯾﻛون ﻋﻠﯾﮫ ﻟﻧظﺎم اﻟﻛل وﻟو ﻛﺎن‬
‫أﺻﻐر ﻣﻧﮫ أو أﻛﺑر ﻟم ﯾﺟز؟ ﻛﻣﺎ أﻧﻛم ﻗﻠﺗم‪ :‬إن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﯾﻔﯾض اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻣﻧﮫ ﻣﺗﻘدراً ﺑﻣﻘدار وﺳﺎﺋر‬
‫اﻟﻣﻘﺎدﯾر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذات اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ وﻟﻛن ﺗﻌﯾن ﺑﻌض اﻟﻣﻘﺎدﯾر ﻟﻛون اﻟﻧظﺎم ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً ﺑﮫ‪ ،‬ﻓوﺟب‬
‫اﻟﻣﻘدار اﻟذي وﻗﻊ وﻟم ﯾﺟز ﺧﻼﻓﮫ‪ ،‬ﻓﻛذى إذا ﻗدر ﻏﯾر ﻣﻌﻠول‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ إذا أﺛﺑﺗم ﻣﺑدأ ﻟﻠﺗﺧﺻﯾص‬
‫اﺿطررﺗم إﻟﻰ ﺗﺟوﯾز اﻟﺗﺧﺻﯾص ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ‬
‫ﺑل ﻟو أﺛﺑﺗوا ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟذي ھو ﻋﻠﺔ اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻧدھم ﻣﺑدأ ﻟﻠﺗﺧﺻﯾص ﻣﺛل إرادة ﻣﺛﻼً ﻟم ﯾﻧﻘطﻊ‬
‫اﻟﺳؤال إذ ﯾﻘﺎل‪ :‬وﻟم أراد ھذا اﻟﻣﻘدار دون ﻏﯾره؟ ﻛﻣﺎ أﻟزﻣوه ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ إﺿﺎﻓﺗﮭم اﻷﺷﯾﺎء إﻟﻰ اﻹرادة‬
‫اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪ ،‬وﻗد ﻗﻠﺑﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ذﻟك ﻓﻲ ﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء وﻓﻲ ﺗﻌﯾن ﻧﻘطﺗﻲ اﻟﻘطﺑﯾن‪.‬‬
‫ﻓﻠﯾطﻠق ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠول أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻓﺈذا ﺑﺎن أﻧﮭم ﻣﺿطرون إﻟﻰ ﺗﺟوﯾز ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗوع ﺑﻌﻠﺔ ﻓﺗﺟوﯾزه ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ ﻛﺗﺟوﯾزه ﺑﻌﻠﺔ إذ‬
‫ﻻ ﻓرق ﺑﯾن أن ﯾﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺷﻲء ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟم اﺧﺗص ﺑﮭذا اﻟﻘدر؟ وﺑﯾن أن ﯾﺗوﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫وﻟم ﺧﺻﺻﮫ ﺑﮭذا اﻟﻘدر ﻋن ﻣﺛﻠﮫ؟ ﻓﺈن أﻣﻛن دﻓﻊ اﻟﺳؤال ﻋن اﻟﻌﻠﺔ ﺑﺄن ھذا اﻟﻣﻘدار ﻟﯾس ﻣﺛل ﻏﯾره إذ اﻟﻧظﺎم‬
‫ﻣرﺗﺑط ﺑﮫ دون ﻏﯾره أﻣﻛن دﻓﻊ اﻟﺳؤال ﻋن ﻧﻔس اﻟﺷﻲء وﻟم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ‪ ،‬وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ ﻓﺈن ھذا‬
‫اﻟﻣﻘدار اﻟﻣﻌﯾن اﻟواﻗﻊ إن ﻛﺎن ﻣﺛل اﻟذي ﻟم ﯾﻘﻊ ﻓﺎﻟﺳؤال ﻣﺗوﺟﮫ أﻧﮫ ﻛﯾف ﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫أﺻﻠﮭم وھم ﯾﻧﻛرون اﻹرادة اﻟﻣﻣﯾزة‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﺛﻼً ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺛﺑت اﻟﺟواز ﺑل ﯾﻘﺎل‪ :‬وﻗﻊ ﻛذﻟك ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ‬
‫وﻗﻌت اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑزﻋﻣﮭم‪.‬‬
‫راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق‬
‫وﻟﯾﺳﺗﻣد اﻟﻧﺎظر ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم ﻣﻣﺎ أوردﻧﺎه ﻟﮭم ﻣن ﺗوﺟﯾﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ وﻗﻠﺑﻧﺎ ذﻟك ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ‬
‫ﻧﻘطﺔ اﻟﻘطب وﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻠك‪.‬‬
‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ‬
‫وﺗﺑﯾن ﺑﮭذا أن ﻣن ﻻ ﯾﺻدق ﺑﺣدوث اﻷﺟﺳﺎم ﻓﻼ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻷول ﻟﯾس ﺑﺟﺳم أﺻﻼً‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وﻋﻠﺔ‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﻘﺎل ﻋن اﻟﺟﺳم اﻟﻘدﯾم أﻧﮫ ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻣن ذھب إﻟﻰ أن ﻛل ﺟﺳم ﻓﮭو ﺣﺎدث ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث ﻋﻘل ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ‬
‫ﺻﺎﻧﻊ وﻋﻠﺔ‪ .‬وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﻣﻧﻌﻛم ﻣن ﻣذھب اﻟدھرﯾﺔ وھو أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم؟ ﻛذﻟك وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﺻﺎﻧﻊ‬
‫وإﻧﻣﺎ اﻟﻌﻠﺔ ﻟﻠﺣوادث وﻟﯾس ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺟﺳم وﻻ ﯾﻧﻌدم ﺟﺳم وإﻧﻣﺎ ﺗﺣدث اﻟﺻور واﻷﻋراض‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻷﺟﺳﺎم ھﻲ اﻟﺳﻣوات وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺣﺷو ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وأﺟﺳﺎﻣﮭﺎ وﻣوادھﺎ ﻗدﯾﻣﺔ وإﻧﻣﺎ‬
‫ﺗﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻور ﺑﺎﻻﻣﺗزاﺟﺎت واﻻﺳﺗﺣﺎﻻت وﺗﺣدث اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﻧﺑﺎﺗﯾﺔ‪ ،‬وھذه اﻟﺣوادث ﺗﻧﺗﮭﻲ‬
‫ﻋﻠﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ وﻣﺻدرھﺎ ﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ ﻟﻠﻔﻠك‪ ،‬ﻓﺈذن ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻻ ﺻﺎﻧﻊ‬
‫ﻷﺟﺳﺎﻣﮫ ﺑل ھو ﻛﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻟم ﯾزل ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛذﻟك ﺑﻼ ﻋﻠﺔ أﻋﻧﻲ اﻷﺟﺳﺎم‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﮭم إن ھذه اﻷﺟﺳﺎم‬
‫وﺟودھﺎ ﺑﻌﻠﺔ وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻛل ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﮭو واﺟب اﻟوﺟود وﻗد ذﻛرﻧﺎ ﻣن ﺻﻔﺎت واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﺗﺑﯾن ﺑﮫ أن اﻟﺟﺳم ﻻ‬
‫ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﺑل ﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻓﺳﺎد ﻣﺎ ادﻋﯾﺗﻣوه ﻣن ﺻﻔﺎت واﺟب اﻟوﺟود وأن اﻟﺑرھﺎن ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ‪ ،‬وﻗد‬
‫اﻧﻘطﻊ ﻋﻧد اﻟدھري ﻓﻲ أول اﻷﻣر إذ ﯾﻘول‪ :‬ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻸﺟﺳﺎم وأﻣﺎ اﻟﺻور واﻷﻋراض ﻓﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺑﻌض إﻟﻰ‬
‫أن ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وھﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺳﺑب ﻟﻠﺑﻌض‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھو ﻣذھب اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬وﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ ﺑﮭﺎ‪ .‬وﻣن‬
‫ﺗﺄﻣل ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻋﻠم ﻋﺟز ﻛل ﻣن ﯾﻌﺗﻘد ﻗدم اﻷﺟﺳﺎم ﻋن دﻋوى ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ وﻟزﻣﮫ اﻟدھر واﻹﻟﺣﺎد ﻛﻣﺎ ﺻرح ﺑﮫ‬
‫ﻓرﯾق ﻓﮭم اﻟذﯾن وﻓوا ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﻧظر ھؤﻻء‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻷﺟﺳﺎم ﻏﯾر واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود ﻓﮭﻲ ﻣﻣﻛﻧﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن ھذه اﻷﺟﺳﺎم إﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ وﻛل ﻣﻣﻛن‬
‫ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﻟم ﻻ ﺗﻛون ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﯾﻔﮭم ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود وﻣﻣﻛن اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﻛل ﺗﻠﺑﯾﺳﺎﺗﮭم ﻣﻐﺑﺎة ﻓﻲ ھﺎﺗﯾن اﻟﻠﻔظﺗﯾن‪ .‬ﻓﻠﻧﻌدل إﻟﻰ اﻟﻣﻔﮭوم‬
‫وھو ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ وإﺛﺑﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻛﺄﻧﮭم ﯾﻘوﻟون‪ :‬ھذه اﻷﺟﺳﺎم ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ أم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﯾﻘول اﻟدھري‪ :‬ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻣﺎ‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻧﻛر؟ وإذا ﻋﻧﻲ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ھذا ﻓﻧﻘول‪ :‬إﻧﮫ واﺟب وﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن‪ .‬وﻗوﻟﮭم‪ :‬اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون واﺟﺑﺎً‪،‬‬
‫ﺗﺣﻛم ﻻ أﺻل ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إن اﻷﺟزاء ﺗﻛون ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟذات ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻻ ﯾﻧﻛر أن اﻟﺟﺳم ﻟﮫ أﺟزاء وأن اﻟﺟﻣﻠﺔ إﻧﻣﺎ ﺗﺗﻘوم ﺑﺎﻷﺟزاء وأن اﻷﺟزاء ﺗﻛون ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟذات ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺟﻣﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻛم اﻟرد ﻋﻠﻰ إﺑطﺎل اﻟﻛﺛرة‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻟﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﺗﻘوﻣت ﺑﺎﻷﺟزاء واﺟﺗﻣﺎﻋﮭﺎ وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻸﺟزاء وﻻ ﻻﺟﺗﻣﺎﻋﮭﺎ ﺑل ھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ ﻛذﻟك ﺑﻼ‬
‫ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ‪ .‬ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮭم رد ھذا إﻻ ﺑﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﻟزوم ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻋن اﻟﻣوﺟود اﻷول وﻗد أﺑطﻠﻧﺎه ﻋﻠﯾﮭم وﻻ‬
‫ﺳﺑﯾل ﻟﮭم ﺳواه‪.‬‬
‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ‬
‫ﻓﺑﺎن أن ﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﺣدوث اﻷﺟﺳﺎم ﻓﻼ أﺻل ﻻﻋﺗﻘﺎده ﻓﻲ اﻟﺻﺎﻧﻊ أﺻﻼً‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾز ﻣن ﯾرى ﻣﻧﮭم أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾره‬
‫وﯾﻌﻠم اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ دﻟﯾل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن دﻟﯾل ﺻﺣﯾﺢ‪...‬‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬أﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون‪ ،‬ﻟﻣﺎ اﻧﺣﺻر ﻋﻧدھم اﻟوﺟود ﻓﻲ ﺣﺎدث وﻓﻲ ﻗدﯾم وﻟم ﯾﻛن ﻋﻧدھم ﻗدﯾم إﻻ ﷲ وﺻﻔﺎﺗﮫ‬
‫وﻛﺎن‪ .‬ﻣﺎ ﻋداه ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻣن ﺟﮭﺗﮫ ﺑﺈرادﺗﮫ‪ ،‬ﺣﺻل ﻋﻧدھم ﻣﻘدﻣﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﺿرورة ﻻ ﺑد‬
‫وأن ﯾﻛون ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻟﻠﻣرﯾد‪ ،‬ﻓﺑﻧوا ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﻷن اﻟﻛل ﻣراد ﻟﮫ وﺣﺎدث ﺑﺈرادﺗﮫ‪ ،‬ﻓﻼ ﻛﺎﺋن إﻻ وھو‬
‫ﺣﺎدث ﺑﺈرادﺗﮫ وﻟم ﯾﺑق إﻻ ذاﺗﮫ‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت أﻧﮫ ﻣرﯾد ﻋﺎﻟم ﺑﻣﺎ أراده ﻓﮭو ﺣﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة وﻛل ﺣﻲ ﯾﻌرف‬
‫ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﮭو ﺑﺄن ﯾﻌرف ذاﺗﮫ أوﻟﻰ‪ ،‬ﻓﺻﺎر اﻟﻛل ﻋﻧدھم ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً وﻋرﻓوه ﺑﮭذا اﻟطرﯾق ﺑﻌد أن ﺑﺎن ﻟﮭم أﻧﮫ ﻣرﯾد‬
‫ﻹﺣداث اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫وأﻣﺎ أﻧﺗم‪ ،‬ﻓﻣﺎ ھو دﻟﯾﻠﻛم؟‬
‫ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﺈذا زﻋﻣﺗم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم ﻟم ﯾﺣدث ﺑﺈرادﺗﮫ ﻓﻣن أﯾن ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﯾﻌرف ﻏﯾر ذاﺗﮫ؟ ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟدﻟﯾل‬
‫ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ﯾﻌﻘل ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت‬
‫وﺣﺎﺻل ﻣﺎ ذﻛره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ذﻟك ﻓﻲ إدراج ﻛﻼﻣﮫ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻓﻧﯾن‪:‬‬
‫اﻟﻔن اﻷول‪ :‬أن اﻷول ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة‪ ،‬وﻛل ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ﻓﮭو ﻋﻘل ﻣﺣض‪ ،‬وﻛل ﻣﺎ ھو ﻋﻘل ﻣﺣض‬
‫ﻓﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣﻛﺷوﻓﺔ ﻟﮫ ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻋن درك اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻠﮭﺎ اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﺎدة واﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﮭﺎ‪ ،‬وﻧﻔس اﻵدﻣﻲ‬
‫ﻣﺷﻐول ﺑﺗدﺑﯾر اﻟﻣﺎدة أي اﻟﺑدن وإذا اﻧﻘطﻊ ﺷﻐﻠﮫ ﺑﺎﻟﻣوت وﻟم ﯾﻛن ﻗد ﺗدﻧس ﺑﺎﻟﺷﮭوات اﻟﺑدﻧﯾﺔ واﻟﺻﻔﺎت اﻟرذﯾﻠﺔ‬
‫اﻟﻣﺗﻌدﯾﺔ إﻟﯾﮫ ﻣن اﻷﻣور اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻧﻛﺷف ﻟﮫ ﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻛﻠﮭﺎ‪ .‬وﻟذﻟك ﻗﺿﻰ ﺑﺄن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻛﻠﮭم ﯾﻌرﻓون‬
‫ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت وﻻ ﯾﺷذ ﻋﻧﮭم ﺷﻲء ﻷﻧﮭم أﯾﺿﺎ ً ﻋﻘول ﻣﺟردة ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺑرھﺎن‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻗوﻟﻛم‪ :‬اﻷول ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة‪ ،‬إن ﻛﺎن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﮫ أﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ھو ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﺟﺳم ﺑل ھو ﻗﺎﺋم‬
‫ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﻏﯾر ﺗﺣﯾز واﺧﺗﺻﺎص ﺑﺟﮭﺔ ﻓﮭو ﻣﺳﻠم‪ .‬ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﻛم‪ :‬وﻣﺎ ھذا ﺻﻔﺗﮫ ﻓﮭو ﻋﻘل ﻣﺟرد‪ ،‬ﻓﻣﺎذا ﺗﻌﻧﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻘل إن ﻋﻧﯾت ﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﺳﺎﺋر اﻷﺷﯾﺎء؟ ﻓﮭذا ﻧﻔس اﻟﻣطﻠوب وﻣوﺿﻊ اﻟﻧزاع ﻓﻛﯾف أﺧذﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺎت ﻗﯾﺎس‬
‫اﻟﻣطﻠوب؟ وإن ﻋﻧﯾت ﺑﮫ ﻏﯾره وھو أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓرﺑﻣﺎ ﯾﺳﻠم ﻟك إﺧواﻧك ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ذﻟك وﻟﻛن ﯾرﺟﻊ‬
‫ﺣﺎﺻﻠﮫ إﻟﻰ أن ﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬وﻟم ادﻋﯾت ھذا؟ وﻟﯾس ذﻟك ﺑﺿروري وﻗد اﻧﻔرد ﺑﮫ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ‬
‫ﻋن ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻛﯾف ﺗدﻋﯾﮫ ﺿرورﯾﺎ ً وإن ﻛﺎن ﻧظرﯾﺎ ً ﻓﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺎدة ﻣﺎﻧﻊ ﻣن درك اﻷﺷﯾﺎء‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻷن اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن درك اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﺎدة وﻻ ﻣﺎدة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ واﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﺗﻔﻘﺎن‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻣﺎﻧﻊ وﻻ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻓﻘط‪ .‬وﯾﻧﺗظم ﻗﯾﺎﺳﮭم ﻋﻠﻰ ﺷﻛل اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺷرطﻲ وھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إن‬
‫ﻛﺎن ھذا ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﮭو ﻻ ﯾﻌﻘل اﻷﺷﯾﺎء وﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﺈذن ﯾﻌﻘل اﻷﺷﯾﺎء‪ .‬ﻓﮭذا اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم‬
‫واﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم ﻏﯾر ﻣﻧﺗﺞ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬إن ﻛﺎن ھذا إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﮭو ﺣﯾوان ﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺈﻧﺳﺎن‬
‫ﻓﺈذن ﻟﯾس ﺑﺣﯾوان‪ .‬ﻓﮭذا ﻻ ﯾﻠزم إذ رﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون إﻧﺳﺎﻧﺎ ً وﯾﻛون ﻓرﺳﺎ ً ﻓﯾﻛون ﺣﯾواﻧﺎ ً‪ .‬ﻧﻌم اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم‬
‫ﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﺑﺷرط وھو ﺛﺑوت اﻧﻌﻛﺎس اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘدم وذﻟك ﺑﺎﻟﺣﺻر وھو‬
‫ﻛﻘوﻟﮭم‪ :‬إن ﻛﺎﻧت اﻟﺷﻣس طﺎﻟﻌﺔ ﻓﺎﻟﻧﮭﺎر ﻣوﺟود ﻟﻛن اﻟﺷﻣس ﻟﯾﺳت طﺎﻟﻌﺔ ﻓﺎﻟﻧﮭﺎر ﻏﯾر ﻣوﺟود ﻷن وﺟود‬
‫اﻟﻧﮭﺎر ﻻ ﺳﺑب ﻟﮫ ﺳوى طﻠوع اﻟﺷﻣس ﻓﻛﺎن أﺣدھﻣﺎ ﻣﻧﻌﻛﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻵﺧر‪ .‬وﺑﯾﺎن ھذه اﻷوﺿﺎع واﻷﻟﻔﺎظ ﯾﻔﮭم‬
‫ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻣدارك اﻟﻌﻘول اﻟذي ﺻﻧﻔﻧﺎه ﻣﺿﻣوﻣﺎ ً إﻟﻰ ھذا اﻟﻛﺗﺎب‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﺗﻔﻘﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﻧﺣن ﻧدﻋﻲ اﻟﺗﻌﺎﻛس وھو أن اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣﺣﺻور ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﺳواه‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وھذا ﺗﺣﻛم ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻛل ﻣن ﻓﻌل اﻷول‬
‫اﻟﻔن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﮫ‪ :‬إﻧﺎ وإن ﻟم ﻧﻘل‪ :‬إن اﻷول ﻣرﯾد اﻷﺣداث وﻻ إن اﻟﻛل ﺣﺎدث ﺣدوﺛﺎ ً زﻣﺎﻧﯾﺎً‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬إﻧﮫ ﻓﻌﻠﮫ‬
‫وﻗد وﺟد ﻣﻧﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻟم ﯾزل ﺑﺻﻔﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻓﻠم ﯾزل ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻼ ﻧﻔﺎرق ﻏﯾرﻧﺎ إﻻ ﻓﻲ ھذا اﻟﻘدر‪ ،‬وأﻣﺎ ﻓﻲ أﺻل‬
‫اﻟﻔﻌل ﻓﻼ‪ ،‬وإذا وﺟب اﻟﻔﺎﻋل ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻓﻌﻠﮫ ﻓﺎﻟﻛل ﻋﻧدﻧﺎ ﻣن ﻓﻌﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻔﻌﻠﮫ ﻻزم‬
‫واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن اﻟﻔﻌل ﻗﺳﻣﺎن‪ :‬إرادي ﻛﻔﻌل اﻟﺣﯾوان واﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وطﺑﯾﻌﻲ ﻛﻔﻌل اﻟﺷﻣس ﻓﻲ‬
‫اﻹﺿﺎءة واﻟﻧﺎر ﻓﻲ اﻟﺗﺳﺧﯾن واﻟﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﺗﺑرﯾد‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹرادي ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت‬
‫اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﻔﻌل اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﻓﻼ‪ .‬وﻋﻧدﻛم إن ﷲ ﻓﻌل اﻟﻌﺎﻟم ﺑطرﯾق اﻟﻠزوم ﻋن ذاﺗﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺿطرار ﻻ‬
‫ﺑطرﯾق اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر‪ ،‬ﺑل ﻟزم اﻟﻛل ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻧور اﻟﺷﻣس‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﻻ ﻗدرة ﻟﻠﺷﻣس ﻋﻠﻰ ﻛف اﻟﻧور وﻻ‬
‫ﻟﻠﻧﺎر ﻋﻠﻰ ﻛف اﻟﺗﺳﺧﯾن ﻓﻼ ﻗدرة ﻟﻸول ﻋﻠﻰ اﻟﻛف ﻋن أﻓﻌﺎﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن ﻗوﻟﮭم ﻋﻠواً ﻛﺑﯾراً وھذا اﻟﻧﻣط وإن‬
‫ﺗﺟوز ﺑﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﻋﻠﻣﺎ ً ﻟﻠﻔﺎﻋل أﺻﻼً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ﺻﺎدر ﻋن اﻟﻌﻠم‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن ﻓرق وھو إن ﺻدر اﻟﻛل ﻋن ذاﺗﮫ ﺑﺳﺑب ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛل ﻓﺗﻣﺛل اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ھو ﺳﺑب‬
‫ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل وﻻ ﻣﺑدأ ﻟﮫ ﺳوى اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﻠو ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﻟﻣﺎ وﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻛل‬
‫ﺑﺧﻼف اﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ إذا ﻧﻔﯾت اﻹرادة‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﺣﺎل ھذا اﻟﻣذھب؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻓﻲ ھذا ﺧﺎﻟﻔك إﺧواﻧك ﻓﺈﻧﮭم ﻗﺎﻟوا‪ :‬ذاﺗﮫ ذات ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ وﺟود اﻟﻛل ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾﺑﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺿطرار ﻻ‬
‫ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟﮭذا اﻟﻣذھب ﻣﮭﻣﺎ واﻓﻘﺗﮭم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻹرادة؟ وﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺷﺗرط ﻋﻠم اﻟﺷﻣس‬
‫ﺑﺎﻟﻧور ﻟﻠزوم اﻟﻧور ﺑل ﯾﺗﺑﻌﮫ اﻟﻧور ﺿرورة؟ ﻓﻠﯾﻘدر ذﻟك ﻓﻲ اﻷول وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠم اﻷول ﻋﻠﻰ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وھو ﻣﺣﺎل‬
‫اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﮫ إن ﺳﻠم أن ﺻدور اﻟﺷﻲء ﻣن اﻟﻔﺎﻋل ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﻌﻠم أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺻﺎدر ﻓﻌﻧدھم ﻓﻌل ﷲ واﺣد‬
‫وھو اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟذي ھو ﻋﻘل ﺑﺳﯾط ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً إﻻ ﺑﮫ‪ ،‬واﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﺑﻣﺎ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻘط ﻓﺈن اﻟﻛل ﻟم ﯾوﺟد ﻣن ﷲ دﻓﻌﺔ ﺑل ﺑﺎﻟوﺳﺎطﺔ واﻟﺗوﻟد واﻟﻠزوم‪ ،‬ﻓﺎﻟذي ﯾﺻدر ﻣﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‬
‫ﻟم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻟﮫ وﻟم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ ﺷﻲء واﺣد؟ ﺑل ھذا ﻻ ﯾﻠزم ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹرادي ﻓﻛﯾف ﻓﻲ‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﻲ؟ ﻓﺈن ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر ﻣن ﻓوق ﺟﺑل ﻗد ﯾﻛون ﺑﺗﺣرﯾك إرادي ﯾوﺟب اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺻل اﻟﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾوﺟب‬
‫اﻟﻌﻠم ﺑﻣﺎ ﯾﺗوﻟد ﻣﻧﮫ ﺑوﺳﺎطﺗﮫ ﻣن ﻣﺻﺎدﻣﺗﮫ وﻛﺳره ﻏﯾره‪ .‬ﻓﮭذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﺟواب ﻟﮫ ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إن ﻛﺎن اﻷول ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ أﻣﺳت اﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻓوﻗﮫ ﺷرﻓﺎ ً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟو ﻗﺿﯾﻧﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺷﻧﺎﻋﺔ ﻓﺈن ﻏﯾره ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرﻓﮫ وﯾﻌرف‬
‫ﻏﯾره ﻓﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﺷرف ﻓوﻗﮫ ﻛﯾف ﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أﻣر ﻻزم! ‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﮭذه اﻟﺷﻧﺎﻋﺔ ﻻزﻣﺔ ﻣن ﻣﻘﺎد اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻹرادة وﻧﻔﻲ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﺟب ارﺗﻛﺎﺑﮭﺎ ﻛﻣﺎ ارﺗﻛب ﺳﺎﺋر‬
‫اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أو ﻻ ﺑد ﻣن ﺗرك اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻻﻋﺗراف ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث ﺑﺎﻹرادة‪.‬‬
‫أو ﻻ ﺑد ﻣن إﺑطﺎﻟﮫ‬
‫ﺛم ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛر ﻋﻠﻰ ﻣن ﻗﺎل ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إن ذﻟك ﻟﯾس ﺑزﯾﺎدة ﺷرف؟ ﻓﺈن اﻟﻌﻠم إﻧﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﯾﮫ ﻏﯾره ﻟﯾﺳﺗﻔﯾد‬
‫ﺑﮫ ﻛﻣﺎﻻً ﻓﺈﻧﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻗﺎﺻر واﻹﻧﺳﺎن ﺷرف ﺑﺎﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻣﺎ ﻟﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﻠﺣﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻌواﻗب ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ‬
‫واﻵﺧرة وإﻣﺎ ﻟﺗﻛﻣل ذاﺗﮫ اﻟﻣظﻠﻣﺔ اﻟﻧﺎﻗﺻﺔ‪ ،‬وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت‪ .‬وأﻣﺎ ذات ﷲ ﻓﻣﺳﺗﻐﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﺗﻛﻣﯾل‪ ،‬ﺑل‬
‫ﻟو ﻗدر ﻟﮫ ﻋﻠم ﯾﻛﻣل ﺑﮫ ﻟﻛﺎن ذاﺗﮫ ﻣن ﺣﯾث ذاﺗﮫ ﻧﺎﻗﺻﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﻛﻣﺎ أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺧواص ﻣن اﻟﻧﻘﺻﺎن‪ ،‬ﻛذﻟك ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت‬
‫وھذا ﻛﻣﺎ ﻗﻠت ﻓﻲ اﻟﺳﻣﻊ واﻟﺑﺻر وﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟداﺧﻠﺔ ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن ﻓﺈﻧك واﻓﻘت ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن‬
‫ﷲ ﻣﻧزه ﻋﻧﮫ وأن اﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟداﺧﻠﺔ ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن اﻟﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن وﯾﻛون ﻻ ﯾﻌرﻓﮫ اﻷول ﻷن ذﻟك ﯾوﺟب‬
‫ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﺗﺄﺛراً‪ ،‬وﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ ﺳﻠب ذﻟك ﻋﻧﮫ ﻧﻘﺻﺎن ﺑل ھو ﻛﻣﺎل وإﻧﻣﺎ اﻟﻧﻘﺻﺎن ﻓﻲ اﻟﺣواس واﻟﺣﺎﺟﺔ‬
‫إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬وﻟوﻻ ﻧﻘﺻﺎن اﻵدﻣﻲ ﻟﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺣواس ﻟﺗﺣرﺳﮫ ﻋﻣﺎ ﯾﺗﻌرض ﻟﻠﺗﻐﯾر ﺑﮫ‪.‬‬
‫وﻛذﻟك اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺣوادث اﻟﺟزﺋﯾﺔ زﻋﻣﺗم أﻧﮫ ﻧﻘﺻﺎن‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﻧﺎ ﻧﻌرف اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ وﻧدرك اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻛﻠﮭﺎ‬
‫واﻷول ﻻ ﯾﻌرف ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﺟزﺋﯾﺎت وﻻ ﯾدرك ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﻻ ﯾﻛون ذﻟك ﻧﻘﺻﺎﻧﺎً‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت‬
‫اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎ ً ﯾﺟوز أن ﯾﺛﺑت ﻟﻐﯾره وﻻ ﯾﺛﺑت ﻟﮫ وﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻧﻘﺻﺎن أﯾﺿﺎً‪ ،‬وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﯾﻌرف ذاﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻧدھم ﺑرھﺎن‬
‫ﻓﻧﻘول‪ :‬اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟﻣﺎ ﻋرﻓوا ﺣدوث اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺈرادﺗﮫ اﺳﺗدﻟوا ﺑﺎﻹرادة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم ﺛم ﺑﺎﻹرادة واﻟﻌﻠم ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺣﯾﺎة ﺛم ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﺣﻲ ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وھو ﺣﻲ ﻓﯾﻌرف ذاﺗﮫ ﻓﻛﺎن ھذا ﻣﻧﮭﺟﺎ ً ﻣﻌﻘوﻻً ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻣﺗﺎﻧﺔ‪.‬‬
‫وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻼ‬
‫ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﺈذا ﻧﻔﯾﺗم اﻹرادة واﻹﺣداث وزﻋﻣﺗم أن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﯾﺻدر ﺑﻠزوم ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺿرورة واﻟطﺑﻊ‪،‬‬
‫ﻓﺄي ﺑﻌد أن ﺗﻛون ذاﺗﮫ ذاﺗﺎ ً ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﯾوﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﻘط ﺛم ﯾﻠزم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫إﻟﻰ ﺗﻣﺎم ﺗرﺗﯾب اﻟﻣوﺟودات؟ وﻟﻛﻧﮫ ﻣﻊ ذﻟك ﻻ ﯾﺷﻌر ﺑذاﺗﮫ ﻛﺎﻟﻧﺎر ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺳﺧوﻧﺔ واﻟﺷﻣس ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ‬
‫اﻟﻧور‪ ،‬وﻻ ﯾﻌرف واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره ﺑل ﻣﺎ ﯾﻌرف ذاﺗﮫ ﯾﻌرف ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﯾﻌرف ﻏﯾره‪.‬‬
‫وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻣن ﻣذھﺑﮭم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره وأﻟزﻣﻧﺎ ﻣن ﺧﺎﻟﻔﮭم ﻓﻲ ذﻟك ﻣواﻓﻘﺗﮭم ﺑﺣﻛم وﺿﻌﮭم‪ ،‬وإذا ﻟم ﯾﻌرف‬
‫ﻏﯾره ﻟم ﯾﺑﻌد أن ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻷول ﻣﯾﺗﺎ ً!‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻛل ﻣن ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻓﮭو ﻣﯾت ﻓﻛﯾف ﯾﻛون اﻷول ﻣﯾﺗﺎً؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ إن ﻧﻔﯾت اﻟﺻﻔﺎت ﻣن اﻷول‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﺣﺎﺟﺗﮫ إﻟﻰ ﻣﻌرﻓﺔ ﻧﻔﺳﮫ؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻓﻘد ﻟزﻣﻛم ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم إذ ﻻ ﻓﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﻣن ﻗﺎل‪ :‬ﻛل ﻣن ﻻ ﯾﻔﻌل ﺑﺈرادة وﻗدرة واﺧﺗﯾﺎر‬
‫وﻻ ﯾﺳﻣﻊ وﻻ ﯾﺑﺻر ﻓﮭو ﻣﯾت وﻣن ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره ﻓﮭو ﻣﯾت‪ .‬ﻓﺈن ﺟﺎز أن ﯾﻛون اﻷول ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻋن ھذه‬
‫اﻟﺻﻔﺎت ﻛﻠﮭﺎ ﻓﺄي ﺣﺎﺟﺔ ﺑﮫ إﻟﻰ أن ﯾﻌرف ذاﺗﮫ؟ ﻓﺈن ﻋﺎدوا إﻟﻰ أن ﻛل ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻋﻘل ﺑذاﺗﮫ ﻓﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‬
‫ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أن ذﻟك ﺗﺣﻛم ﻻ ﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﺣﻲ أﺷرف ﻣن اﻟﻣﯾت‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻣوﺟود ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺣﻲ وإﻟﻰ ﻣﯾت‪ ،‬واﻟﺣﻲ أﻗدم وأﺷرف ﻣن اﻟﻣﯾت واﻷول أﻗدم‬
‫واﺷرف‪ ،‬ﻓﻠﯾﻛن ﺣﯾﺎ ً وﻛل ﺣﻲ ﯾﺷﻌر ﺑذاﺗﮫ إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ اﻟﺣﻲ ھو ﻻ ﯾﻛون ﺣﯾﺎ ً‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ھذه ﺗﺣﻛﻣﺎت ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻠزم ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺎ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط اﻟﻛﺛﯾرة أو ﺑﻐﯾر‬
‫واﺳطﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻣﺣﯾل ﻟذﻟك ﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻠم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ‬
‫وﻟﯾس ھذا ﺑدﯾﮭﯾﺎً؟‬
‫ﻓﯾﻛون ﺷرﻓﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟذات ﺑل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟذوات اﻟﻣﻌرﻓﺔ‬
‫ﺛم ﺑم ﺗﻧﻛرون أن ﺷرﻓﮫ ﻓﻲ أن وﺟود اﻟﻛل ﺗﺎﺑﻊ ﻟذاﺗﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ؟ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن ﻏﯾره رﺑﻣﺎ ﻋرف أﺷﯾﺎء‬
‫ﺳوى ذاﺗﮫ وﯾرى وﯾﺳﻣﻊ وھو ﻻ ﯾرى وﻻ ﯾﺳﻣﻊ‪ .‬وﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬اﻟﻣوﺟود ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ اﻟﺑﺻﯾر واﻷﻋﻣﻰ واﻟﻌﺎﻟم‬
‫واﻟﺟﺎھل‪ ،‬ﻓﻠﯾﻛن اﻟﺑﺻﯾر أﻗدم وﻟﯾﻛن اﻷول ﺑﺻﯾراً وﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء‪ .‬ﻟﻛﻧﻛم ﺗﻧﻛرون ذﻟك وﺗﻘوﻟون‪ :‬ﻟﯾس اﻟﺷرف‬
‫ﻓﻲ اﻟﺑﺻر واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء ﺑل ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن اﻟﺑﺻر واﻟﻌﻠم وﻛون اﻟذات ﺑﺣﯾث ﯾوﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻛل ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠﻣﺎء‬
‫وذوو اﻷﺑﺻﺎر‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﻻ ﺷرف ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟذات ﺑل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟذوات اﻟﻣﻌرﻓﺔ وھذا ﺷرف ﻣﺧﺻوص‬
‫ﺑﮫ‪.‬‬
‫اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ ﻟﯾس ھﻧﺎك دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻷﻣور إن ﻟم ﺗؤﺧذ إﻻ ﻣن ﻧظر اﻟﻌﻘل‬
‫ﻓﺑﺎﻟﺿرورة ﯾﺿطرون إﻟﻰ ﻧﻔﻲ ﻋﻠﻣﮫ أﯾﺿﺎ ً ﺑذاﺗﮫ إذ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣن ذﻟك ﺳوى اﻹرادة وﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻹرادة ﺳوى ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﺑﻔﺳﺎد ذﻟك ﯾﻔﺳد ھذا ﻛﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺄﺧذ ھذه اﻷﻣور ﻣن ﻧظر اﻟﻌﻘل‪ .‬ﻓﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ‬
‫ذﻛروه ﻣن ﺻﻔﺎت اﻷول أو ﻧﻔوه ﻻ ﺣﺟﺔ ﻟﮭم ﻋﻠﯾﮭﺎ إﻻ ﺗﺧﻣﯾﻧﺎت وظﻧون ﺗﺳﺗﻧﻛف اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟظﻧﯾﺎت‪.‬‬
‫وﻻ ﻏرو ﻟو ﺣﺎر اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ وﻻ ﻋﺟب‪ ،‬إﻧﻣﺎ اﻟﻌﺟب ﻣن ﻋﺟﺑﮭم ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم وﺑﺄدﻟﺗﮭم وﻣن اﻋﺗﻘﺎدھم‬
‫أﻧﮭم ﻋرﻓوا ھذه اﻷﻣور ﻣﻌرﻓﺔ ﯾﻘﯾﻧﯾﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﺧﺑط اﻟﺧﺑﺎل‪.‬‬
‫??ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن ﻗوﻟﮭم ﻻ ﯾﻌرف‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن إﻟﻰ اﻟﻛﺎﺋن وﻣﺎ ﻛﺎن وﻣﺎ ﯾﻛون‬
‫اﺗﻔﺎﻗﮭم ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‬
‫وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﺈن ﻣن ذھب ﻣﻧﮭم إﻟﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻼ ﯾﺧﻔﻰ ھذا ﻋن ﻣذھﺑﮫ‪ ،‬وﻣن ذھب إﻟﻰ أﻧﮫ‬
‫ﯾﻌﻠم ﻏﯾره وھو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻘد زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻣﺎ ً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﯾدﺧل ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن وﻻ ﯾﺧﺗﻠف‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻵن وﻣﻊ ذﻟك زﻋم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺛﻘﺎل ذرة ﻓﻲ اﻟﺳﻣوات وﻻ ﻓﻲ اﻷرض‪ ،‬إﻻ‬
‫أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ‪ .‬وﻻ ﺑد أوﻻً ﻣن ﻓﮭم ﻣذھﺑﮭم ﺛم اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻻﻋﺗراض‪.‬‬
‫?ﻗوﻟﮭم إن ﻛﺳوف اﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻟﺣﺎﺿر واﻟﻣﺎﺿﻲ ﻧﻌﻠﻣﮫ ﺑﻌﻠوم ﺛﻼﺛﺔ‬
‫وﻧﺑﯾن ھذا ﺑﻣﺛﺎل وھو أن اﻟﺷﻣس ﻣﺛﻼً ﯾﻧﻛﺳف ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧﻛﺳﻔﺎ ً ﺛم ﯾﺗﺟﻠﻰ ﻓﯾﺣﺻل ﻟﮫ ﺛﻠﺛﺔ أﺣوال أﻋﻧﻲ‬
‫اﻟﻛﺳوف ﺣﺎﻟﺔ ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻌدوم ﻣﻧﺗظر اﻟوﺟود أي ﺳﯾﻛون وﺣﺎل ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻣوﺟود أي ھو ﻛﺎﺋن وﺣﺎﻟﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ھو‬
‫ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻌدوم وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ﻣن ﻗﺑل‪ .‬وﻟﻧﺎ ﺑﺈزاء اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ ﺛﻠﺛﺔ ﻋﻠوم ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻌﻠم أوﻻً أن اﻟﻛﺳوف ﻣﻌدوم‬
‫وﺳﯾﻛون وﺛﺎﻧﯾﺎ ً أﻧﮫ ﻛﺎﺋن وﺛﺎﻟﺛﺎ ً أﻧﮫ ﻛﺎن وﻟﯾس ﻛﺎﺋﻧﺎ ً اﻵن‪ ،‬وھذه اﻟﻌﻠوم اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻣﺗﻌددة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﺗﻌﺎﻗﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻣﺣل ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر اﻟذات اﻟﻌﺎﻟﻣﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﻋﻠم ﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء أن اﻟﻛﺳوف ﻣوﺟود اﻵن ﻛﺎن ﺟﮭﻼً ﻻ ﻋﻠﻣﺎ ً وﻟو‬
‫ﻋﻠم ﻋﻧد وﺟوده أﻧﮫ ﻣﻌدوم ﻛﺎن ﺟﮭﻼً ﻓﺑﻌض ھذه ﻻ ﯾﻘوم ﻣﻘﺎم ﺑﻌض‪.‬‬
‫إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﻐﯾر‪ ...‬ﻓزﻋﻣوا أن ﷲ ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻓﻲ ھذه اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﺗﻐﯾر‪،‬‬
‫وﻣﺎ ﻟم ﯾﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻟم ﯾﺗﺻور أن ﯾﻌﻠم ھذه اﻷﻣور اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻣﻌﻠوم ﻓﺈذا ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم‬
‫وإذا ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم ﻓﻘد ﺗﻐﯾر اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻐﯾر ﻋﻠﻰ ﷲ ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫‪ ...‬إﻻ ﺑﻌﻠم ﻻ ﯾﺧﺗﻠف‬
‫وﻣﻊ ھذا زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻟﻛﺳوف وﺟﻣﯾﻊ ﺻﻔﺎﺗﮫ وﻋوارﺿﮫ وﻟﻛن ﻋﻠﻣﺎ ً ھو ﯾﺗﺻف ﺑﮫ ﻓﻲ اﻷزل وﻻ ﯾﺧﺗﻠف‬
‫ﻣﺛل أن ﯾﻌﻠم ﻣﺛﻼً أن اﻟﺷﻣس ﻣوﺟود وأن اﻟﻘﻣر ﻣوﺟود ﻓﺈﻧﮭﻣﺎ ﺣﺻﻼ ﻣﻧﮫ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﻣوھﺎ‬
‫ﺑﺎﺻطﻼﺣﮭم ﻋﻘوﻻً ﻣﺟردة‪ ،‬وﯾﻌﻠم أﻧﮭﺎ ﺗﺗﺣرك ﺣرﻛﺎت دورﯾﺔ‪ ،‬وﯾﻌﻠم أن ﺑﯾن ﻓﻠﻛﯾﮭﻣﺎ ﺗﻘﺎطﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ھﻣﺎ‬
‫اﻟرأس واﻟذﻧب وأﻧﮭﻣﺎ ﯾﺟﺗﻣﻌﺎن ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال ﻓﻲ اﻟﻌﻘدﺗﯾن ﻓﯾﻧﻛﺳف اﻟﺷﻣس أي ﯾﺣول ﺟرم اﻟﻘﻣر ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‬
‫وﺑﯾن أﻋﯾن اﻟﻧﺎظرﯾن ﻓﯾﺳﺗﺗر اﻟﺷﻣس ﻋن اﻷﻋﯾن‪ ،‬وأﻧﮫ إذا ﺟﺎوز اﻟﻌﻘدة ﻣﺛﻼً ﺑﻣﻘدار ﻛذى وھو ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼً ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾﻧﻛﺳف ﻣرة أﺧرى وأن ذﻟك اﻹﻧﻛﺳﺎف ﯾﻛون ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻌﮫ أو ﺛﻠﺛﮫ أو ﻧﺻﻔﮫ وأﻧﮫ ﯾﻣﻛث ﺳﺎﻋﺔ أو ﺳﺎﻋﺗﯾن‪،‬‬
‫وھﻛذى إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ أﺣوال اﻟﻛﺳوف وﻋوارﺿﮫ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺷﻲء وﻟﻛن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﮭذا ﻗﺑل اﻟﻛﺳوف‬
‫وﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف وﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻻ ﯾﺧﺗﻠف وﻻ ﯾوﺟب ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫?ﻓﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻣﻛﺷوﻓﺔ ﻟﮫ اﻧﻛﺷﺎﻓﺎ ً واﺣداً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟزﻣﺎن وﻛذى ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻓﺈﻧﮭﺎ إﻧﻣﺎ ﺗﺣدث‬
‫ﺑﺄﺳﺑﺎب وﺗﻠك اﻷﺳﺑﺎب ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب أﺧر إﻟﻰ أن ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ وﺳﺑب اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس‬
‫اﻟﺳﻣوات وﺳﺑب ﺗﺣرﯾك اﻟﻧﻔس اﻟﺷوق إﻟﻰ اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎ واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑﯾن‪ .‬ﻓﺎﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ أي ھو ﻣﻧﻛﺷف ﻟﮫ‬
‫اﻧﻛﺷﺎﻓﺎ ً واﺣداً ﻣﺗﻧﺎﺳﺑﺎ ً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟزﻣﺎن‪ ،‬وﻣﻊ ھذا ﻓﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف ﻻ ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮫ ﯾﻌﻠم أن اﻟﻛﺳوف ﻣوﺟود اﻵن‬
‫وﻻ ﯾﻌﻠم ﺑﻌده أﻧﮫ اﻧﺟﻠﻰ اﻵن وﻛل ﻣﺎ ﯾﺟب ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟزﻣﺎن ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻌﻠﻣﮫ ﻷﻧﮫ ﯾوﺟب‬
‫اﻟﺗﻐﯾر ھذا ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟزﻣﺎن‪.‬‬
‫ﻓﮭو ﯾﻌﻠم اﻟﺧواص وﻻ ﯾﻌﻠم ﻋوارﺿﮭﺎ‪ ...‬وﻛذى ﻣذھﺑﮭم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻛﺎن ﻛﺄﺷﺧﺎص اﻟﻧﺎس‬
‫واﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻓﺈﻧﮭم ﯾﻘوﻟون‪ :‬ﻻ ﯾﻌﻠم ﻋوارض زﯾد وﻋﻣرو وﺧﺎﻟد وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق ﺑﻌﻠم ﻛﻠﻲ وﯾﻌﻠم‬
‫ﻋوارﺿﮫ وﺧواﺻﮫ‪ ،‬وأﻧﮫ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﺑدﻧﮫ ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﻋﺿﺎء ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟﻠﺑطش وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟﻠﻣﺷﻲ وﺑﻌﺿﮭﺎ‬
‫ﻟﻺدراك وﺑﻌﺿﮭﺎ زوج وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓرد‪ ،‬وأن ﻗواه ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻛون ﻣﺑﺛوﺛﺔ ﻓﻲ أﺟزاﺋﮫ‪ ،‬وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﻛل ﺻﻔﺔ‬
‫ﻓﻲ داﺧل اﻵدﻣﻲ وﺑﺎطﻧﮫ وﻛل ﻣﺎ ھو ﻣن ﻟواﺣﻘﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ وﻟوازﻣﮫ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺷﻲء وﯾﻌﻠﻣﮫ ﻛﻠﯾﺎ ً‪.‬‬
‫‪ ...‬وأﻣﺎ اﻟﻌوارض ﻓﻼ ﯾﻣﯾزھﺎ إﻻ اﻟﺣس ﻓﺄﻣﺎ ﺷﺧص زﯾد ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﺷﺧص ﻋﻣرو ﻟﻠﺣس ﻻ ﻟﻠﻌﻘل ﻓﺈن‬
‫ﻋﻣﺎد اﻟﺗﻣﯾﯾز إﻟﯾﮫ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﺟﮭﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬واﻟﻌﻘل ﯾﻌﻘل اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﻣﻛﺎن اﻟﻛﻠﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﻗوﻟﻧﺎ ھذا‬
‫وھذا ﻓﮭو إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻧﺳﺑﺔ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻟذﻟك اﻟﻣﺣﺳوس إﻟﻰ اﻟﺣﺎس ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻗرب أو ﺑﻌد أو ﺟﮭﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‬
‫وذﻟك ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ ﺣﻘﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ وﺑذﻟك ﯾﺳﺗﺄﺻﻠون اﻷدﯾﺎن‬
‫وھذه ﻗﺎﻋدة اﻋﺗﻘدوھﺎ واﺳﺗﺄﺻﻠوا ﺑﮭﺎ اﻟﺷراﺋﻊ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ إذ ﻣﺿﻣوﻧﮭﺎ أن زﯾد ﻣﺛﻼً ﻟو أطﺎع ﷲ أو ﻋﺻﺎه ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﷲ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻣن أﺣواﻟﮫ ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف زﯾداً ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺷﺧص وأﻓﻌﺎﻟﮫ ﺣﺎدﺛﺔ ﺑﻌد أن ﻟم ﺗﻛن‪ ،‬وإذا ﻟم‬
‫ﯾﻌرف اﻟﺷﺧص ﻟم ﯾﻌرف أﺣواﻟﮫ وأﻓﻌﺎﻟﮫ ﺑل ﻻ ﯾﻌﻠم ﻛﻔر زﯾد وﻻ إﺳﻼﻣﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم ﻛﻔر اﻹﻧﺳﺎن وإﺳﻼﻣﮫ‬
‫ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﻣﺧﺻوﺻﺎ ً ﺑﺎﻷﺷﺧﺎص‪ ،‬ﺑل ﯾﻠزم أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺗﺣدى ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﻧﺑوة وھو ﻟم‬
‫ﯾﻌرف ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ أﻧﮫ ﺗﺣدى ﺑﮭﺎ‪ ،‬وﻛذﻟك اﻟﺣﺎل ﻣﻊ ﻛل ﻧﺑﻲ ﻣﻌﯾن وإﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم أن ﻣن اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾﺗﺣدى‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺑوة وأن ﺻﻔﺔ أوﻟﺋك ﻛذى وﻛذى ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻌﯾن ﺑﺷﺧﺻﮫ ﻓﻼ ﯾﻌرﻓﮫ ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﺣس واﻷﺣوال‬
‫اﻟﺻﺎدرة ﻣﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرﻓﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ أﺣوال ﺗﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن ﻣن ﺷﺧص ﻣﻌﯾن وﯾوﺟب إدراﻛﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ‬
‫ﺗﻐﯾراً‪.‬‬
‫ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻣن ﻧﻘل ﻣذھﺑﮭم أوﻻً ﺛم ﺗﻔﮭﯾﻣﮫ ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﺛم ﻣن اﻟﻘﺑﺎﯾﺢ اﻟﻼزﻣﺔ ﻋﻠﯾﮫ ﺛﺎﻟﺛﺎ ً‪ .‬ﻓﻠﻧذﻛر اﻵن‬
‫ﺧﺑﺎﻟﮭم ووﺟﮫ ﺑطﻼﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻣن ﻋﻠم ﻋﻠﻣﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺎ ً ﺗﻐﯾر‬
‫وﺧﺑﺎﻟﮭم أن ھذه أﺣوال ﺛﻠﺛﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت إذا ﺗﻌﺎﻗﺑت ﻋﻠﻰ ﻣﺣل واﺣد أوﺟﺑت ﻓﯾﮫ ﺗﻐﯾراً ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ .‬ﻓﺈن‬
‫ﻛﺎن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺑﻠﮫ ﻓﮭو ﺟﺎھل ﻻ ﻋﺎﻟم‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎﺋن وﻗﺑل ذﻟك‬
‫ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻛﺎﺋن وأﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﻓﻘد اﺧﺗﻠف ﻋﻠﻣﮫ واﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻓﻠزم اﻟﺗﻐﯾر إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﺗﻐﯾر إﻻ‬
‫اﺧﺗﻼف اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺈن ﻣن ﻟم ﯾﻌﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً ﺛم ﻋﻠﻣﮫ ﻓﻘد ﺗﻐﯾر وﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎﺋن ﺛم ﺣﺻل ﺣﺎﻟﺔ اﻟوﺟود ﻓﻘد‬
‫ﺗﻐﯾر‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻹﺿﺎﻓﺔ‬
‫وﺣﻘﻘوا ھذا ﺑﺄن اﻷﺣوال ﺛﻠﺛﺔ ﺣﺎﻟﺔ ھﻲ إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ‪ ،‬ﻛﻛوﻧك ﯾﻣﯾﻧﺎ ً وﺷﻣﺎﻻً ﻓﺈن ھذا ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ وﺻف ذاﺗﻲ‬
‫ﺑل ھو إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺣول اﻟﺷﻲء اﻟذي ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﯾﻣﯾﻧك إﻟﻰ ﺷﻣﺎﻟك ﺗﻐﯾرت إﺿﺎﻓﺗك وﻟم ﺗﺗﻐﯾر ذاﺗك‬
‫ﺑﺣﺎل‪ ،‬وھذا ﺗﺑدل إﺿﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻟذات وﻟﯾس ﺑﺗﺑدل اﻟذات‪ .‬وﻣن ھذا اﻟﻘﺑﯾل إذا ﻛﻧت ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك أﺟﺳﺎم‬
‫ﺣﺎﺿرة ﺑﯾن ﯾدﯾك ﻓﺎﻧﻌدﻣت اﻷﺟﺳﺎم أو اﻧﻌدم ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟم ﺗﺗﻐﯾر ﻗوﺗك اﻟﻐرﯾزﯾﺔ وﻻ ﻗدرﺗك ﻷن اﻟﻘدرة ﻗدرة ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﺣرﯾك اﻟﺟﺳم اﻟﻣطﻠق أوﻻً ﺛم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﯾن ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم‪ ،‬ﻓﻠم ﺗﻛن إﺿﺎﻓﺔ اﻟﻘدرة إﻟﻰ اﻟﺟﺳم اﻟﻣﻌﯾن‬
‫وﺻﻔﺎ ً ذاﺗﯾﺎ ً ﺑل إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ‪ ،‬ﻓﻌدﻣﮭﺎ ﯾوﺟب زوال إﺿﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻘﺎدر‪ .‬واﻟﺛﺎﻟث ﺗﻐﯾر ﻓﻲ اﻟذات‬
‫وھو أن ﻻ ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﻓﯾﻌﻠم أو ﻻ ﯾﻛون ﻗﺎدراً ﻓﯾﻘدر ﻓﮭذا ﺗﻐﯾر‪.‬‬
‫ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر ﻋﻠم اﻟﻌﺎﻟم وھﻲ اﻹﺿﺎﻓﺔ وﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم ﻓﺈن ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات اﻟﻌﻠم‬
‫ﺗدﺧل ﻓﯾﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﺧﺎص إذ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻠم اﻟﻣﻌﯾن ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑذﻟك اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ‪،‬‬
‫ﻓﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ آﺧر ﻋﻠم آﺧر ﺑﺎﻟﺿرورة ﻓﺗﻌﺎﻗﺑﮫ ﯾوﺟب اﺧﺗﻼف ﺣﺎل اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إن ﻟﻠذات‬
‫ﻋﻠم واﺣد ﻓﯾﺻﯾر ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛون ﺑﻌد ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﺛم ھو ﯾﺻﯾر ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎن ﺑﻌد أن ﻛﺎن ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ‬
‫ﻛﺎﺋن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻠم واﺣد ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال وﻗد ﺗﺑدﻟت ﻋﻠﯾﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻷن اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات اﻟﻌﻠم ﻓﺗﺑدﻟﮭﺎ‬
‫ﯾوﺟب ﺗﺑدل ذات اﻟﻌﻠم ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ اﻟﺗﻐﯾر وھو ﻣﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﷲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻋﻠم واﺣد‬
‫ﻣﻊ ﺗﻐﯾر ﻣﺎ ﯾﻧزل ﻣﻧزﻟﺔ اﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ؟‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ :‬إن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﮫ ﻋﻠم واﺣد ﺑوﺟود‬
‫اﻟﻛﺳوف ﻣﺛﻼً ﻓﻲ وﻗت ﻣﻌﯾن وذﻟك اﻟﻌﻠم ﻗﺑل وﺟوده ﻋﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون وھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻋﻧد اﻟوﺟود ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻛون وھو‬
‫ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء ﻋﻠم ﺑﺎﻻﻧﻘﺿﺎء وإن ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ إﺿﺎﻓﺎت ﻻ ﺗوﺟب ﺗﺑدﻻً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﻠم ﻓﻼ‬
‫ﺗوﺟب ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم وأن ذﻟك ﯾﻧزل ﻣﻧزﻟﺔ اﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ ﻓﺈن اﻟﺷﺧص اﻟواﺣد ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﯾﻣﯾﻧك ﺛم‬
‫ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗداﻣك ﺛم إﻟﻰ ﺷﻣﺎﻟك ﻓﺗﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾك اﻹﺿﺎﻓﺎت واﻟﻣﺗﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﺧص اﻟﻣﻧﺗﻘل دوﻧك؟ وھﻛذى ﯾﻧﺑﻐﻲ‬
‫أن ﺑﻔﮭم اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﺑﻌﻠم واﺣد ﻓﻲ اﻷزل واﻷﺑد واﻟﺣﺎل ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وﻏرﺿﮭم‬
‫ﻧﻔﻲ اﻟﺗﻐﯾر وھو ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ إﻣﻛﺎن ﷲ أن ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻣﺛل ھذا اﻟﻌﻠم وﻗوﻟﮭم‪ :‬ﻣن ﺿرورة إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛون اﻵن واﻻﻧﻘﺿﺎء ﺑﻌده ﺗﻐﯾر‪،‬‬
‫ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺳﻠم ﻓﻣن أﯾن ﻋرﻓوا ذﻟك؟ ﺑل ﻟو ﺧﻠق ﷲ ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻘدوم زﯾد ﻏداً ﻋﻧد طﻠوع اﻟﺷﻣس وأدام ھذا اﻟﻌﻠم‬
‫وﻟم ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً آﺧر وﻻ ﻏﻔﻠﺔ ﻋن ھذا اﻟﻌﻠم ﻟﻛﻧﺎ ﻋﻧد طﻠوع اﻟﺷﻣس ﻋﺎﻟﻣﯾن ﺑﻣﺟرد اﻟﻌﻠم اﻟﺳﺎﺑق ﺑﻘدوﻣﮫ‬
‫اﻵن وﺑﻌده ﺑﺄﻧﮫ ﻗدم ﻣن ﻗﺑل وﻛﺎن ذﻟك اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد اﻟﺑﺎﻗﻲ ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭذه اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﮭم ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﻌﯾن داﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ وﻣﮭﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔت اﻹﺿﺎﻓﺔ اﺧﺗﻠف‬
‫اﻟﺷﻲء اﻟذي اﻹﺿﺎﻓﺔ ذاﺗﯾﺔ ﻟﮫ وﻣﮭﻣﺎ ﺣﺻل اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻌﺎﻗب ﻓﻘد ﺣﺻل اﻟﺗﻐﯾر‪.‬‬
‫ﺗﻘوﻟون ﺑﺄن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم "اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق" اﻟﺦ ﻓﻧﻘول‪ :‬إن ﺻﺢ ھذا ﻓﺎﺳﻠﻛوا ﻣﺳﻠك إﺧواﻧﻛم ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺣﯾث‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬إﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ وإن ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻷﻧﮫ ﻟو ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق واﻟﺣﯾوان اﻟﻣطﻠق واﻟﺟﻣﺎد‬
‫اﻟﻣطﻠق وھذه ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻓﺎﻹﺿﺎﻓﺎت إﻟﯾﮭﺎ ﺗﺧﺗﻠف ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺻﻠﺢ اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻷن ﯾﻛون ﻋﻠﻣﺎ ً‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻷن اﻟﻣﺿﺎف ﻣﺧﺗﻠف واﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠم ﻓﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻌدداً‬
‫واﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻻ ﺗﻌدداً ﻓﻘط ﻣﻊ اﻟﺗﻣﺎﺛل‪ ،‬إذ اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻼت ﻣﺎ ﯾﺳد ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﺳد اﻟﺑﻌض واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺣﯾوان ﻻ ﯾﺳد ﻣﺳد اﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﺎﻟﺟﻣﺎد وﻻ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺑﯾﺎض ﯾﺳد ﻣﺳد اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺳواد ﻓﮭﻣﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن‪.‬‬
‫‪ ...‬ﻓﻛم ﺑﺎﻷﺣرى ﺑﮭذا اﻷﻣر؟‬
‫ﺛم ھذه اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس واﻟﻌوارض اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻛﯾف ﺗﻧطوي ﺗﺣت ﻋﻠم‬
‫واﺣد ﺛم ذﻟك اﻟﻌﻠم ھو ذات اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﻏﯾر ﻣزﯾد ﻋﻠﯾﮫ؟ وﻟﯾت ﺷﻌري ﻛﯾف ﯾﺳﺗﺟﯾر اﻟﻌﺎﻗل ﻣن ﻧﻔﺳﮫ أن ﯾﺣﯾل‬
‫اﻻﺗﺣﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺷﻲء اﻟواﺣد اﻟﻣﻧﻘﺳم أﺣواﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻵن وھو ﻻ ﯾﺣﯾل اﻻﺗﺣﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﻠم‬
‫اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬واﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﺑﺎﻋد ﺑﯾن اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدة أﺷد ﻣن‬
‫اﻻﺧﺗﻼف اﻟواﻗﻊ ﺑﯾن أﺣوال اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد اﻟﻣﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن؟ وإذا ﻟم ﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻌدداً واﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻛﯾف‬
‫ﯾوﺟب ھذا ﺗﻌدداً واﺧﺗﻼﻓﺎً؟ وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت ﺑﺎﻟﺑرھﺎن أن اﺧﺗﻼف اﻷزﻣﺎن دون اﺧﺗﻼف اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع وأن‬
‫ذﻟك ﻟم ﯾوﺟب اﻟﺗﻌدد واﻻﺧﺗﻼف ﻓﮭذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬وإذا ﻟم ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف ﺟﺎز اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻛل‬
‫ﺑﻌﻠم واﺣد داﺋم ﻓﻲ اﻷزل واﻷﺑد وﻻ ﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫ھﻼ ﺗﻌﻘﻠون ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣﺗﻐﯾراً؟ اﻹﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻣن أن ﯾﻌﻠم ھذه اﻷﻣور‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺔ وإن ﻛﺎن ﯾﺗﻐﯾر؟ وھﻼ اﻋﺗﻘدﺗم أن ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗﻐﯾر ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟ ﻛﻣﺎ ذھب ﺟﮭم ﻣن اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ‬
‫إﻟﻰ أن ﻋﻠوﻣﮫ ﺑﺎﻟﺣوادث ﺣﺎدﺛﺔ وﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘد اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﻣن ﻋﻧد آﺧرھم أﻧﮫ ﻣﺣل اﻟﺣوادث وﻟم ﯾﻧﻛر ﺟﻣﺎھﯾر أھل‬
‫اﻟﺣق ﻋﻠﯾﮭم إﻻ ﻣن ﺣﯾث أن اﻟﻣﺗﻐﯾر ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر‪ ،‬وﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر واﻟﺣوادث ﻓﮭو ﺣﺎدث وﻟﯾس‬
‫ﺑﻘدﯾم‪ .‬وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻣذھﺑﻛم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر‪ .‬ﻓﺈذا ﻋﻘﻠﺗم ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣﺗﻐﯾراً ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻛم ﻣن ھذا‬
‫اﻹﻋﺗﻘﺎد‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻟﻌﻠم ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻣﺎ ﻣن ﺟﮭﺗﮫ أو ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره‬
‫واﻟﺣﺎل أﻧﮫ ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إﻧﻣﺎ أﺣﻠﻧﺎ ذﻟك ﻷن اﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎدث ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﺣدث ﻣن ﺟﮭﺗﮫ أو ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره‪ ،‬وﺑﺎطل‬
‫أن ﯾﺣدث ﻣﻧﮫ ﻓﺈﻧﺎ ﺑﯾﻧﺎ أن اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﺣﺎدث وﻻ ﯾﺻﯾر ﻓﺎﻋﻼً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺈﻧﮫ ﯾوﺟب ﺗﻐﯾراً‬
‫وﻗد ﻗررﻧﺎه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وإن ﺣﺻل ذﻟك ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻏﯾره ﻣؤﺛراً ﻓﯾﮫ‬
‫وﻣﻐﯾراً ﻟﮫ ﺣﺗﻰ ﺗﺗﻐﯾر أﺣواﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗﺳﺧر واﻻﺿطرار ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره؟‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻋﻠﯾﻛم أﻻ ﺗرﻓﺿوا اﻟﺣﺎل اﻷول‪...‬‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻘﺳﻣﯾن ﻏﯾر ﻣﺣﺎل ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻗوﻟﻛم‪ :‬إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﺣﺎدث‪ ،‬ﻗﻔد أﺑطﻠﻧﺎه ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ‪ .‬ﻛﯾف وﻋﻧدﻛم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن‬
‫ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﺣﺎدث ھو أول اﻟﺣوادث؟ ﻓﺷرط اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻛوﻧﮫ أوﻻً‪ ،‬وإﻻ ﻓﮭذه اﻟﺣوادث ﻟﯾﺳت ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب‬
‫ﺣﺎدﺛﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺑل ﺗﻧﺗﮭﻲ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻗدﯾم ھو ﻧﻔس اﻟﻔﻠك وﺣﯾﺎﺗﮫ‪ .‬ﻓﺎﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ‬
‫ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﺗﺣدث ﻣﻧﮭﺎ وﻛل ﺟزء ﻣن أﺟزاء اﻟﺣرﻛﺔ ﯾﺣدث وﯾﻧﻘﺿﻲ وﻣﺎ ﺑﻌده ﻣﺗﺟدد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺈذن اﻟﺣوادث ﺻﺎدرة ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻋﻧدﻛم وﻟﻛن إذ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﻘدﯾم ﺗﺷﺎﺑﮫ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﺣوادث ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟدوام‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﺣرﻛﺔ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت ﺗﺻدر ﻣن ﻗدﯾم ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال‪ .‬ﻓﺎﺳﺗﺑﺎن أن ﻛل ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم ﻣﻌﺗرف‬
‫ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺟوز ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم إذا ﻛﺎﻧت ﺗﺻدر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﺳب واﻟدوام‪ ،‬ﻓﻠﺗﻛن اﻟﻌﻠوم اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻣن ھذا اﻟﻘﺑﯾل‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ اﻟﺣﺎل اﻟﺛﺎﻧﻲ وذﻟك ﻻ ﻟﻠزوم اﻟﺗﻐﯾر‪ ...‬وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو ﺻدور ھذا اﻟﻌﻠم ﻓﯾﮫ ﻣن ﻏﯾره ﻓﻧﻘول‪ :‬وﻟم‬
‫ﯾﺳﺗﺣﯾل ذﻟك ﻋﻧدﻛم؟ وﻟﯾس ﻓﯾﮫ إﻻ ﺛﻠﺛﺔ أﻣور‪ :‬أﺣدھﺎ اﻟﺗﻐﯾر وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻟزوﻣﮫ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ ﻟﺣدوث اﻟﺗﻐﯾر ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره‪...‬‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛون اﻟﻐﯾر ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺗﻐﯾر اﻟﻐﯾر وھو ﻏﯾر ﻣﺣﺎل ﻋﻧدﻛم ﻓﻠﯾﻛن ﺣدوث اﻟﺷﻲء ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣدوث اﻟﻌﻠم ﺑﮫ ﻛﻣﺎ‬
‫أﻧﻛم ﺗﻘوﻟون‪ :‬ﺗﻣﺛل اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺗﻠون ﺑﺈزاء اﻟﺣدﻗﺔ اﻟﺑﺎﺻرة ﺳﺑب ﻻﻧطﺑﺎع ﻣﺛﺎل اﻟﺷﺧص ﻓﻲ اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺟﻠﯾدﯾﺔ‬
‫ﻣن اﻟﺣدﻗﺔ ﻋﻧد ﺗوﺳط اﻟﮭواء اﻟﻣﺷف ﺑﯾن اﻟﺣدﻗﺔ واﻟﻣﺑﺻر‪ .‬ﻓﺈذا ﺟﺎز أن ﯾﻛون ﺟﻣﺎد ﺳﺑﺑﺎ ً ﻻﻧطﺑﺎع اﻟﺻورة ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣدﻗﺔ وھو ﻣﻌﻧﻰ اﻹﺑﺻﺎر ﻓﻠم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﺣدوث اﻟﺣوادث ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول ﻋﻠم اﻷول ﺑﮭﺎ؟ ﻓﺈن اﻟﻘوة‬
‫اﻟﺑﺎﺻرة ﻛﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻣﺳﺗﻌدة ﻟﻺدراك وﯾﻛون ﺣﺻول اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺗﻠون ﻣﻊ ارﺗﻔﺎع اﻟﺣواﺟز ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول‬
‫اﻹدراك ﻓﻠﯾﻛن ذات اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﻧدﻛم ﻣﺳﺗﻌداً ﻟﻘﺑول اﻟﻌﻠم وﯾﺧرج ﻣن اﻟﻘوة إﻟﻰ اﻟﻔﻌل ﺑوﺟود ذﻟك اﻟﺣﺎدث‪.‬‬
‫ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﺗﻐﯾر اﻟﻘدﯾم ﻓﺎﻟﻘدﯾم اﻟﻣﺗﻐﯾر ﻋﻧدﻛم ﻏﯾر ﻣﺳﺗﺣﯾل‪ ،‬وإن زﻋﻣﺗم أن ذﻟك ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود‬
‫ﻓﻠﯾس ﻟﻛم ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت واﺟب اﻟوﺟود دﻟﯾل إﻻ ﻗطﻊ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪ .‬وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻗطﻊ‬
‫اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻣﻣﻛن ﺑﻘدﯾم ﻣﺗﻐﯾر‪.‬‬
‫‪ ...‬وﻻ "ﻟﺗﺳﺧر" اﻟﻘدﯾم واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﯾﺗﺿﻣﻧﮫ ھذا ھو ﻛون اﻟﻘدﯾم ﻣﺗﻐﯾراً ﺑﻐﯾره وإن ذﻟك ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺗﺳﺧر‬
‫واﺳﺗﯾﻼء اﻟﻐﯾر ﻋﻠﯾﮫ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻧدﻛم ھذا وھو أن ﯾﻛون ھو ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣدوث اﻟﺣوادث ﺑوﺳﺎﺋط ﺛم ﯾﻛون‬
‫ﺣدوث اﻟﺣوادث ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول اﻟﻌﻠم ﻟﮫ ﺑﮭﺎ ﻓﻛﺄﻧﮫ ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻌﻠم ﻟﻧﻔﺳﮫ وﻟﻛن ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط؟‪.‬‬
‫ﺗﻘوﻟون إن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣن ﷲ ﯾﺻور ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ وﻗوﻟﻛم إن ذﻟك ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺗﺳﺧر‪ ،‬ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﻻﺋق ﺑﺄﺻﻠﻛم إذ زﻋﻣﺗم أن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣن ﷲ ﯾﺻدر ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ وﻻ ﻗدرة ﻟﮫ ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﯾﻔﻌل‪.‬‬
‫وھذا أﯾﺿﺎ ً ﯾﺷﺑﮫ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗﺳﺧر وﯾﺷﯾر إﻟﻰ أﻧﮫ ﻛﺎﻟﻣﺿطر ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺻدر اﻟﻛل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬إن ذﻟك ﻟﯾس ﺑﺎﺿطرار ﻷن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺻدراً ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ‪ ...‬وﻓﻲ أن ﯾﻌﻠم اﻟﻛل‬
‫ً‬
‫ﻓﮭذا ﻟﯾس ﺑﺗﺳﺧر ﻓﺈن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء وﻟو ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ﻋﻠم ﻣﻘﺎرن ﻟﻛل ﺣﺎدث ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻛﻣﺎﻻ ﻟﻧﺎ‬
‫ﻻ ﻧﻘﺻﺎﻧﺎ ً وﺗﺳﺧراً‪ .‬ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻲ ﺣﻘﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان‬
‫ﻣطﯾﻊ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺣرﻛﺗﮫ اﻟدورﯾﺔ‬
‫ﻗوﻟﮭم وﻗد ﻗﺎﻟوا إن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان‬
‫وإن ﻟﮫ ﻧﻔﺳﺎ ً ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﻰ ﺑدن اﻟﺳﻣﺎء ﻛﻧﺳﺑﺔ ﻧﻔوﺳﻧﺎ إﻟﻰ أﺑداﻧﻧﺎ‪ ،‬وﻛﻣﺎ أن أﺑداﻧﻧﺎ ﺗﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة ﻧﺣو أﻏراﺿﮭﺎ‬
‫ﺑﺗﺣرﯾك اﻟﻧﻔس ﻓﻛذى اﻟﺳﻣوات‪ ،‬وإن ﻏرض اﻟﺳﻣوات ﺑﺣرﻛﺗﮭﺎ اﻟذاﺗﯾﺔ ﻋﺑﺎدة رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﺳﻧذﻛره‪.‬‬
‫ﻻ ﯾﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮫ‬
‫وﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮫ وﻻ ﯾدﻋﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ ﻛل‬
‫ﺟﺳم ﻓﻼ ﻛﺑر اﻟﺟﺳم ﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺣﯾﺎ ً وﻻ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺗدﯾراً ﻓﺈن اﻟﺷﻛل اﻟﻣﺧﺻوص ﻟﯾس ﺷرطﺎ ً ﻟﻠﺣﯾﺎة إذ‬
‫اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻣﻊ اﺧﺗﻼف أﺷﻛﺎﻟﮭﺎ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﺣﯾﺎة‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﻻ ﯾﻌرف ﺑدﻟﯾل اﻟﻌﻘل‬
‫وﻟﻛﻧﺎ ﻧدﻋﻰ ﻋﺟزھم ﻋن ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺑدﻟﯾل اﻟﻌﻘل وإن ھذا إن ﻛﺎن ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻓﻼ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ إﻻ اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺈﻟﮭﺎم ﻣن‬
‫ﷲ أو وﺣﻲ وﻗﯾﺎس اﻟﻌﻘل ﻟﯾس ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬ﻧﻌم ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﺗﻌرف ﻣﺛل ذﻟك ﺑدﻟﯾل إن وﺟد اﻟدﻟﯾل وﺳﺎﻋد‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ‬
‫ﻧﻘول ﻣﺎ أوردوه دﻟﯾﻼً ﻻ ﯾﺻﻠﺢ إﻻ ﻹﻓﺎدة ظن‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ أن ﯾﻔﯾد ﻗطﻌﺎ ً ﻓﻼ‪.‬‬
‫اﻟﺿﻼل ﻓﻲ ﻗوﻟﮭم ﺑﺄن اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺣرك‬
‫وﺧﺑﺎﻟﮭم ﻓﯾﮫ أن ﻗﺎﻟوا‪ :‬اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺣرك وھذه ﻣﻘدﻣﺔ ﺣﺳﯾﺔ‪ .‬وﻛل ﺟﺳم ﻣﺗﺣرك ﻓﻠﮫ ﻣﺣرك وھذه ﻣﻘدﻣﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ إذ‬
‫ﻟو ﻛﺎن اﻟﺟﺳم ﯾﺗﺣرك ﻟﻛوﻧﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً ﻟﻛﺎن ﻛل ﺟﺳم ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً‪.‬‬
‫ﻛل ﻣﺗﺣرك إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً أو طﺑﯾﻌﯾﺎ ً أو إرادﯾﺎ ً‬
‫وﻛل ﻣﺣرك ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻣﻧﺑﻌﺛﺎ ً ﻋن ذات اﻟﻣﺗﺣرك ﻛﺎﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل واﻹرادة ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟﺣﯾوان ﻣﻊ اﻟﻘدرة‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﻛون اﻟﻣﺣرك ﺧﺎرﺟﺎ ً وﻟﻛن ﯾﺣرك ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﻘﺳر ﻛدﻓﻊ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ ﻓوق‪.‬‬
‫وﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﺣرك ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻓﺈﻣﺎ أن ﻻ ﯾﺷﻌر ذﻟك اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ وﻧﺣن ﻧﺳﻣﯾﮫ طﺑﯾﻌﺔ ﻛﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ‬
‫أﺳﻔل‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﺷﻌر ﺑﮫ وﻧﺣن ﻧﺳﻣﯾﮫ إرادﯾﺎ ً وﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺎ ً ﻓﺻﺎرت اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﮭذه اﻟﺗﻘﺳﯾﻣﺎت اﻟﺣﺎﺻرة اﻟداﺋرة ﺑﯾن‬
‫اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت إﻣﺎ ﻗﺳرﯾﺔ طﺑﯾﻌﯾﺔ وإﻣﺎ طﺑﯾﻌﯾﺔ وإﻣﺎ إرادﯾﺔ‪ ،‬وإذا ﺑطل ﻗﺳﻣﺎن ﺗﻌﯾن اﻟﺛﺎﻟث‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً ﻷن اﻟﻣﺣرك اﻟﻘﺎﺳر إﻣﺎ ﺟﺳم آﺧر ﯾﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة أو ﺑﺎﻟﻘﺳر وﯾﻧﺗﮭﻲ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ‬
‫إرادة‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ أﺛﺑت ﻓﻲ أﺟﺳﺎم اﻟﺳﻣوات ﻣﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة ﻓﻘد ﺣﺻل اﻟﻐرض‪ ،‬ﻓﺄي ﻓﺎﺋدة ﻓﻲ وﺿﻊ ﺣرﻛﺎت‬
‫ﻗﺳرﯾﺔ وﺑﺎﻵﺧرة ﻻ ﺑد ﻣن اﻟرﺟوع إﻟﻰ اﻹرادة‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﮫ ﯾﺗﺣرك ﺑﺎﻟﻘﺳر وﷲ ھو اﻟﻣﺣرك ﺑﻐﯾر‬
‫واﺳطﺔ وھو ﻣﺣﺎل‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻟو ﺗﺣرك ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم وأﻧﮫ ﺧﺎﻟﻘﮫ ﻟﻠزم أن ﯾﺗﺣرك ﻛل ﺟﺳم ﻓﻼ ﺑد وأن‬
‫ﺗﺧﺗص اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﺑﮫ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﻏﯾره ﻣن اﻷﺟﺳﺎم وﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ھﻲ اﻟﻣﺣرك اﻟﻘرﯾب إﻣﺎ ﺑﺎﻹرادة أو اﻟطﺑﻊ‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل إن ﷲ ﯾﺣرﻛﮫ ﺑﺎﻹرادة ﻷن إرادﺗﮫ ﺗﻧﺎﺳب اﻷﺟﺳﺎم ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة‪ ،‬ﻓﻠم اﺳﺗﻌد ھذا اﻟﺟﺳم ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺧﺻوص ﻷن ﯾراد ﺗﺣرﯾﻛﮫ دون ﻏﯾره؟ وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ذﻟك ﺟزاﻓﺎ ً ﻓﺈن ذﻟك ﻣﺣﺎل ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ‬
‫ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وإذا ﺛﺑت أن ھذا اﻟﺟﺳم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﺻﻔﺔ ھو ﻣﺑدأ اﻟﺣرﻛﺔ ﺑطل اﻟﻘﺳم اﻷول وھو ﺗﻘدﯾر‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻘﺳرﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻻ أن ﯾﻛون طﺑﯾﻌﯾﺎ ً ﻷﻧﮫ ﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣﮭروب ﻋﻧﮫ‪ .‬ﻓﮭو إذا إرادﯾﺎ ً‬
‫ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ھﻲ طﺑﯾﻌﯾﺔ وھو ﻏﯾر ﻣﻣﻛن ﻷن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺑﻣﺟردھﺎ ﻗط ﻻ ﺗﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻷن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ھرب ﻣن ﻣﻛﺎن وطﻠب ﻟﻣﻛﺎن آﺧر‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﻛﺎن اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻟﺟﺳم إن ﻛﺎن ﻣﻼﺋﻣﺎ ً ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﺣرك ﻋﻧﮫ وﻟﮭذا ﻻ ﯾﺗﺣرك‬
‫زق ﻣﻣﻠوء ﻣن اﻟﮭواء ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﻣﺎء‪ ،‬وإذا ﻏﻣس ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﺗﺣرك إﻟﻰ وﺟﮫ اﻟﻣﺎء ﻓﺈﻧﮫ وﺟد اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣﻼﺋم‬
‫ﻓﺳﻛن واﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ‪ ،‬وﻟﻛن إن ﻧﻘل إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻻ ﯾﻼﺋﻣﮫ ھرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﻼﺋم ﻛﻣﺎ ھرب ﻣن وﺳط اﻟﻣﺎء إﻟﻰ‬
‫ﺣﯾز اﻟﮭواء‪ .‬واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﺗﻛون طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻷن ﻛل وﺿﻊ وأﯾن ﯾﻔرض اﻟﮭرب ﻣﻧﮫ ﻓﮭو ﻋﺎﺋد‬
‫إﻟﯾﮫ‪ ،‬واﻟﻣﮭروب ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﯾﻛون ﻣطﻠوﺑﺎ ً ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﻟذﻟك ﻻ ﯾﻧﺻرف زق اﻟﮭواء إﻟﻰ ﺑﺎطن اﻟﻣﺎء وﻻ اﻟﺣﺟر‬
‫ﯾﻧﺻرف ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻘرار ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﮭوى‪ .‬ﻓﻠم ﯾﺑق إﻻ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹرادﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻻﻋﺗراض ھﻧﺎك ﺛﻼث اﺣﺗﻣﺎﻻت أﺧرى‬
‫أن ﺗﻛون ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺟﺳم ﻏﯾر ﺳﻣﺎوي اﻻﻋﺗراض ھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻧﺣن ﻧﻘرر ﺛﻠث اﺣﺗﻣﺎﻻت ﺳوى ﻣذھﺑﻛم ﻻ‬
‫ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ ﺑطﻼﻧﮭﺎ ‪.‬‬
‫ً‬
‫اﻷول أن ﯾﻘدر ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء ﻗﮭرا ﻟﺟﺳم آﺧر ﻣرﯾد ﻟﺣرﻛﺗﮭﺎ ﯾدﯾرھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدوام وذﻟك اﻟﺟﺳم اﻟﻣﺣرك ﻻ ﯾﻛون‬
‫ﻛرة وﻻ ﯾﻛون ﻣﺣﯾطﺎ ً ﻓﻼ ﯾﻛون ﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻓﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء إرادﯾﺔ وإن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان‪ .‬وھذا اﻟذي‬
‫ذﻛرﻧﺎه ﻣﻣﻛن وﻟﯾس ﻓﻲ دﻓﻌﮫ إﻻ ﻣﺟرد اﺳﺗﺑﻌﺎد‪.‬‬
‫أو ﺗﻛون ﺑﺈرادة ﷲ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﯾﻘﺎل اﻟﺣرﻛﺔ ﻗﺳرﯾﺔ وﻣﺑدؤھﺎ إرادة ﷲ‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻗﺳري ﯾﺣدث ﺑﺧﻠق ﷲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ ﺳﺎﺋر ﺣرﻛﺎت اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺗﻲ ﻟﯾﺳت ﺣﯾواﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻹرادة ﻗد أﺑطﻠﻧﺎه‬
‫ﻓﯾﺑﻘﻰ اﺳﺗﺑﻌﺎدھم أن اﻹرادة ﻟم اﺧﺗﺻت ﺑﮫ وﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم ﺗﺷﺎرﻛﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أن اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻣن‬
‫ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ وأﻧﮭم ﻣﺿطرون إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ‬
‫وﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﻣوﺿﻊ اﻟﻘطب واﻟﻧﻘطﺔ ﻓﻼ ﻧﻌﯾده واﻟﻘول اﻟوﺟﯾز إن ﻣﺎ اﺳﺗﺑﻌدوه ﻓﻲ اﺧﺗﺻﺎص اﻟﺟﺳم ﺑﺗﻌﻠق‬
‫اﻹرادة ﺑﮫ ﻣن ﻏﯾر ﺗﻣﯾز ﺑﺻﻔﺔ ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ ﺗﻣﯾزه ﺑﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬وﻟم ﺗﻣﯾز ﺟﺳم اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺗﻠك‬
‫اﻟﺻﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﻓﺎرق ﻏﯾره ﻣن اﻷﺟﺳﺎم‪ ،‬وﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم أﯾﺿﺎ ً أﺟﺳﺎم؟ ﻓﻠم ﺣﺻل ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﺣﺻل ﻓﻲ ﻏﯾره؟‬
‫ﻓﺈن ﻋﻠل ذﻟك ﺑﺻﻔﺔ أﺧرى ﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺔ اﻷﺧرى‪ ،‬وھﻛذى ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﯾﺿطرون‬
‫ﺑﺎﻵﺧرة إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻹرادة وأن ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻣﺎ ﯾﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ وﯾﺧﺻﺻﮫ ﺑﺻﻔﺔ ﻋن أﻣﺛﺎﻟﮫ‪.‬‬
‫أو ﺗﻛون ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﺑدون أن ﺗﺷﻌر ﻻ ﻟطﻠب اﻟﻣﻛﺎن وﻻ ﻟﻠﮭرب ﻣﻧﮫ اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ﯾﺳﻠم أن اﻟﺳﻣﺎء اﺧﺗص ﺑﺻﻔﺔ‬
‫ﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ﻣﺑدأ اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘدوه ﻓﻲ ھوى اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل إﻻ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺷﻌر ﺑﮫ ﻛﺎﻟﺣﺟر‪ .‬وﻗوﻟﮭم‪ :‬إن‬
‫اﻟﻣطﻠوب ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﯾﻛون ﻣﮭروﺑﺎ ً ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ‪ ،‬ﻓﺗﻠﺑﯾس ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺛم أﻣﺎﻛن ﻣﺗﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌدد ﻋﻧدھم ﺑل اﻟﺟﺳم‬
‫واﺣد واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ واﺣدة ﻓﻼ ﻟﻠﺟﺳم ﺟزء ﺑﺎﻟﻔﻌل وﻻ ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﺟزء ﺑﺎﻟﻔﻌل وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺟزى ﺑﺎﻟوھم‪ ،‬ﻓﻠﯾﺳت‬
‫ﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺔ ﻟطﻠب اﻟﻣﻛﺎن وﻻ ﻟﻠﮭرب ﻣن اﻟﻣﻛﺎن‪ .‬ﻓﯾﻣﻛن أن ﯾﺧﻠق ﺟﺳم وﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﻌﻧﻰ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ‬
‫وﺗﻛون اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﻘﺗﺿﻰ ذﻟك اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻻ أن ﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ طﻠب اﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬ﺛم ﺗﻛون ﺣرﻛﺔ ﻟﻠوﺻول إﻟﯾﮫ‪.‬‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس اﻟﻣﻘﺗﺿﻰ ﻻ ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن‬
‫ً‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬إن ﻛل ﺣرﻛﺔ ﻓﮭو ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن أو ھرب ﻣﻧﮫ إذا ﻛﺎن ﺿرورﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻛﺄﻧﻛم ﺟﻌﻠﺗم طﻠب اﻟﻣﻛﺎن ﻣﻘﺗﺿﻰ‬
‫اﻟطﺑﻊ وﺟﻌﻠﺗم اﻟﺣرﻛﺔ ﻏﯾر ﻣﻘﺻودة ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑل وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ وﻧﺣن ﻧﻘول‪ :‬ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﻛون اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس‬
‫اﻟﻣﻘﺗﺿﻰ ﻻ ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﺣﯾل ذﻟك؟‬
‫اﻟﺧﻼﺻﺔ‬
‫ﻓﺎﺳﺗﺑﺎن أن ﻣﺎ ذﻛروه إن ظن أﻧﮫ أﻏﻠب ﻣن اﺣﺗﻣﺎل آﺧر ﻓﻼ ﯾﺗﯾﻘن ﻗطﻌﺎ ً اﻧﺗﻔﺎء ﻏﯾره‪ .‬ﻓﺎﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺄﻧﮫ‬
‫ﺣﯾوان ﺗﺣﻛم ﻣﺣض ﻻ ﻣﺳﺗﻧد ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن اﻟﻐرض اﻟﻣﺣرك ﻟﻠﺳﻣﺎء‬
‫ﻗوﻟﮭم إن اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ‬
‫وﻗد ﻗﺎﻟوا‪ :‬إن اﻟﺳﻣﺎء ﻣطﯾﻊ ﺑﺣرﻛﺗﮫ وﻣﺗﻘرب إﻟﯾﮫ ﻷن ﻛل ﺣرﻛﺔ ﺑﺎﻹرادة ﻓﮭو ﻟﻐرض إذ ﻻ ﯾﺗﺻور أن‬
‫ﯾﺻدر اﻟﻔﻌل واﻟﺣرﻛﺔ ﻣن ﺣﯾوان إﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻔﻌل أوﻟﻰ ﺑﮫ ﻣن اﻟﺗرك وإﻻ ﻓﻠو اﺳﺗوى اﻟﻔﻌل واﻟﺗرك ﻟﻣﺎ‬
‫ﺗﺻور اﻟﻔﻌل‪.‬‬
‫??ﻓﻲ اﻟﻛﻣﺎل‬
‫ﺛم اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ ﻟﯾس ﻣﻌﻧﺎه طﻠب اﻟرﺿﺎ واﻟﺣذر ﻣن اﻟﺳﺧط ﻓﺈن ﷲ ﯾﺗﻘدس ﻋن اﻟﺳﺧط واﻟرﺿﺎ وإن أطﻠق‬
‫ھذه اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺟﺎز ﯾﻛﻧﻲ ﺑﮭﺎ ﻋن إرادة اﻟﻌﻘﺎب وإرادة اﻟﺛواب‪ ،‬وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون اﻟﺗﻘرب ﺑطﻠب‬
‫اﻟﻘرب ﻣﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﻣﺣﺎل ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ طﻠب اﻟﻘرب ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت‪ ،‬ﻓﺈن اﻟوﺟود اﻷﻛﻣل وﺟوده وﻛل‬
‫وﺟود ﻓﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ وﺟوده ﻧﺎﻗص وﻟﻠﻧﻘﺻﺎن درﺟﺎت وﺗﻔﺎوت ﻓﺎﻟﻣﻠك أﻗرب إﻟﯾﮫ ﺻﻔﺔ ﻻ ﻣﻛﺎﻧﺎً‪ ،‬وھو اﻟﻣراد‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑﯾن أي اﻟﺟواھر اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﻐﯾر وﻻ ﺗﻔﻧﻰ وﻻ ﺗﺳﺗﺣﯾل وﺗﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯾﮫ‪،‬‬
‫واﻹﻧﺳﺎن ﻛﻠﻣﺎ ازداد ﻗرﺑﺎ ً ﻣن اﻟﻣﻠك ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ازداد ﻗرﺑﺎ ً ﻣن ﷲ‪ ،‬وﻣﻧﺗﮭﻰ طﺑﻘﺔ اﻵدﻣﯾﯾن اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪.‬‬
‫?اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑون ﻛﻣﺎﻟﮭم ﻻ ﯾزداد‬
‫وإذا ﺛﺑت أن ھذا ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ وأﻧﮫ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ طﻠب اﻟﻘرب ﻣﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وذﻟك ﻟﻶدﻣﻲ ﺑﺄن ﯾﻌﻠم‬
‫ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء وﺑﺄن ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻘﺎ ًء ﻣؤﺑداً ﻋﻠﻰ أﻛﻣل أﺣواﻟﮫ اﻟﻣﻣﻛن ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻣﺎل اﻷﻗﺻﻰ ھو ﷲ‪.‬‬
‫واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑون ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﻟﮭم ﻣن اﻟﻛﻣﺎل ﻓﮭو ﺣﺎﺿر ﻣﻌﮭم ﻓﻲ اﻟوﺟود إذ ﻟﯾس ﻓﯾﮭم ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة ﺣﺗﻰ‬
‫ﯾﺧرج إﻟﻰ اﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻓﺈذن ﻛﻣﺎﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻘﺻوى ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳوى ﷲ‪.‬‬
‫?واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﯾزداد ﻛﻣﺎﻟﮭم ﺑﺗﺣرﯾك اﻟﺳﻣﺎء وﯾﺗﺷﺑﮭون ﺑﺎ‬
‫واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ھﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻠﺳﻣوات وﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘوة‪ ،‬وﻛﻣﺎﻻﺗﮭﺎ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ھو‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻛﺎﻟﺷﻛل اﻟﻛري واﻟﮭﯾﺋﺔ وذﻟك ﺣﺎﺿر وإﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻟﻘوة وھو اﻟﮭﯾﺋﺔ ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ واﻷﯾن‪ .‬وﻣﺎ ﻣن وﺿﻊ‬
‫ﻣﻌﯾن إﻻ وھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ وﻟﻛن ﻟﯾﺳت ﻟﮫ ﺳﺎﺋر اﻷوﺿﺎع ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﺈن اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﻏﯾر ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﻓﻠﻣﺎ ﻟم‬
‫ﯾﻣﻛﻧﮭﺎ اﺳﺗﯾﻔﺎء آﺣﺎد اﻷوﺿﺎع ﻋﻠﻰ اﻟدوام ﻗﺻد اﺳﺗﯾﻔﺎءھﺎ ﺑﺎﻟﻧوع ﻓﻼ ﯾزال ﯾطﻠب وﺿﻌﺎ ً ﺑﻌد وﺿﻊ وأﯾﻧﺎ ً ﺑﻌد‬
‫أﯾن وﻻ ﯾﻧﻘطﻊ ﻗط ھذا اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻼ ﺗﻧﻘطﻊ ھذه اﻟﺣرﻛﺎت وإﻧﻣﺎ ﻗﺻده اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﻲ ﻧﯾل اﻟﻛﻣﺎل‬
‫اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺳب اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﻘﮫ وھو ﻣﻌﻧﻰ طﺎﻋﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ‪.‬‬
‫?ﻓﺈﻧﮭم ﯾﺳﺗوﻓون ﻛل وﺿﻊ ﻣﻣﻛن‪ ،‬ﻓﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ اﻟﺧﯾر‬
‫وﻗد ﺣﺻل ﻟﮭﺎ اﻟﺗﺷﺑﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻛل وﺿﻊ ﻣﻣﻛن ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻧوع وھو اﻟﻣﻘﺻود ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول‪.‬‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ﺣرﻛﺗﮫ ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب ﻓﻲ اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗرﺑﯾﻊ واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ واﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ واﺧﺗﻼف اﻟطواﻟﻊ‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻷرض ﻓﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ اﻟﺧﯾر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺣت ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ ھذه اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭذا وﺟﮫ‬
‫اﺳﺗﻛﻣﺎل اﻟﻧﻔس اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ .‬وﻛل ﻧﻔس ﻋﺎﻗﻠﺔ ﻓﻣﺗﺷوﻗﺔ إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑذاﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﻛﻣﺎﻻً‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ھو أن ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺎت ھذا اﻟﻛﻼم ﻣﺎ ﯾﻣﻛن اﻟﻧزاع ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧطول ﺑﮫ وﻧﻌود إﻟﻰ‬
‫اﻟﻐرض اﻟذي ﻋﻧﯾﺗﻣوه آﺧراً وﻧﺑطﻠﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن‪.‬‬
‫أﺣدھﻣﺎ أن طﻠب اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﻛون ﻓﻲ ﻛل أﯾن ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻟﮫ ﺣﻣﺎﻗﺔ ﻻ طﺎﻋﺔ‪ ،‬وﻣﺎ ھذا إﻻ ﻛﺈﻧﺳﺎن ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﻟﮫ ﺷﻐل وﻗد ﻛﻔﻲ اﻟﻣؤوﻧﺔ ﻓﻲ ﺷﮭواﺗﮫ وﺣﺎﺟﺎﺗﮫ ﻓﻘﺎم وھو ﯾدور ﻓﻲ ﺑﻠد أو ﺑﯾت وﯾزﻋم أﻧﮫ ﯾﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾﺳﺗﻛﻣل ﺑﺄن ﯾﺣﺻل ﻟﻧﻔﺳﮫ اﻟﻛون ﻓﻲ ﻛل ﻣﻛﺎن أﻣﻛن‪ ،‬وزﻋم أن اﻟﻛون ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛن ﻣﻣﻛن ﻟﻲ وﻟﺳت أﻗدر ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌدد ﻓﺄﺳﺗوﻓﯾﮫ ﺑﺎﻟﻧوع ﻓﺈن ﻓﯾﮫ اﺳﺗﻛﻣﺎﻻً وﺗﻘرﺑﺎً‪ ،‬ﻓﯾﺳﻔﮫ ﻋﻘﻠﮫ ﻓﯾﮫ وﯾﺣﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻣﺎﻗﺔ وﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﺣﯾز إﻟﻰ ﺣﯾز وﻣن ﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﻛﻣﺎﻻً ﯾﻌﺗد ﺑﮫ أو ﯾﺗﺷوف إﻟﯾﮫ‪ ،‬وﻻ ﻓرق ﺑﯾن ﻣﺎ ذﻛروه‬
‫وﺑﯾن ھذا‪.‬‬
‫ﻟﻣﺎذا ﻻ ﺗﺧﺗﻠف اﻟﺣرﻛﺔ؟‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟﻐرض ﺣﺎﺻل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻠم ﻛﺎﻧت اﻟﺣرﻛﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﺷرﻗﯾﺔ‬
‫وھﻼ ﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺎت اﻟﻛل إﻟﻰ ﺟﮭﺔ واﺣدة؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ ﻏرض ﻓﮭﻼ اﺧﺗﻠﻔت ﺑﺎﻟﻌﻛس ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫ﻣﺷرﻗﯾﺔ ﻣﻐرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻣﺷرﻗﯾﺔ؟ ﻓﺈن ﻛل ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﺣﺻول اﻟﺣوادث ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺣرﻛﺎت ﻣن‬
‫اﻟﺗﺛﻠﯾﺛﺎت واﻟﺗﺳدﯾﺳﺎت وﻏﯾرھﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﻌﻛﺳﮫ‪ .‬وﻛذى ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن اﺳﺗﯾﻔﺎء اﻷوﺿﺎع واﻷﯾون ﻛﯾف وﻣن‬
‫اﻟﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﮭﺔ اﻷﺧرى ﻓﻣﺎ ﺑﺎﻟﮭﺎ ﻻ ﺗﺗﺣرك ﻣرة ﻣن ﺟﺎﻧب وﻣرة ﻣن ﺟﺎﻧب اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻟﻣﺎ ﯾﻣﻛن‬
‫ﻟﮭﺎ إن ﻛﺎن ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻛل ﻣﻣﻛن ﻛﻣﺎل؟‬
‫ھذه اﻷﻣور ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﻟﮭﺎم‬
‫ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺳﺗدﻻل‬
‫ﻓدل أن ھذه ﺧﯾﺎﻻت ﻻ ﺣﺎﺻل ﻟﮭﺎ وأن أﺳرار ﻣﻠﻛوت اﻟﺳﻣوات ﻻ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺄﻣﺛﺎل ھذه اﻟﺧﯾﺎﻻت وإﻧﻣﺎ ﯾطﻠﻊ‬
‫ﷲ ﻋﻠﯾﮫ أﻧﺑﯾﺎءه وأوﻟﯾﺎءه ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﻟﮭﺎم ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺳﺗدﻻل وﻟذﻟك ﻋﺟز اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن ﻋﻧد آﺧرھم ﻋن‬
‫ﺑﯾﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ واﺧﺗﯾﺎرھﺎ‪.‬‬
‫اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ ‪ -‬وﺑﮭذه اﻟﺣرﻛﺔ إﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر‬
‫وﻗﺎل ﺑﻌﺿﮭم‪ :‬ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﺳﺗﻛﻣﺎﻟﮭﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ ﻣن أي ﺟﮭﺔ ﻛﺎﻧت وﻛﺎن اﻧﺗظﺎم اﻟﺣوادث اﻷرﺿﯾﺔ ﯾﺳﺗدﻋﻲ‬
‫اﺧﺗﻼف ﺣرﻛﺎت وﺗﻌﯾن ﺟﮭﺎت‪ ،‬ﻛﺎن اﻟداﻋﻲ ﻟﮭﺎ إﻟﻰ أﺻل اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ واﻟداﻋﻲ إﻟﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫إﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻗد ﯾﻛون ﺑﺎﻟﺳﻛون‬
‫وھذا ﺑﺎطل ﻣن وﺟﮭﯾن‪ .‬أﺣدھﻣﺎ أن ذﻟك إن أﻣﻛن أن ﯾﺗﺧﯾل ﻓﻠﯾﻘض ﺑﺄن ﻣﻘﺗﺿﻰ طﺑﻌﮫ اﻟﺳﻛون اﺣﺗرازاً ﻋن‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺗﻐﯾر وھو اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ﻓﺈﻧﮫ ﻣﻘدس ﻋن اﻟﺗﻐﯾر واﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻐﯾر‪ ،‬وﻟﻛﻧﮫ اﺧﺗﺎر اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ﻹﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻔﻊ ﺑﮫ ﻏﯾره وﻟﯾس ﯾﺛﻘل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺣرﻛﺔ وﻟﯾس ﺗﺗﻌﺑﮫ‪ ،‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن ھذا اﻟﺧﯾﺎل؟‬
‫أو ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺣرﻛﺎت‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺣوادث ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب اﻟﻣﺗوﻟدة ﻣن اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺎت اﻟﺣرﻛﺎت‪ ،‬ﻓﻠﺗﻛن اﻟﺣرﻛﺔ اﻷوﻟﻰ‬
‫ﻣﻐرﺑﯾﺔ وﻣﺎ ﻋداھﺎ ﻣﺷرﻗﯾﺔ وﻗد ﺣﺻل ﺑﮫ اﻻﺧﺗﻼف وﯾﺣﺻل ﺑﮫ ﺗﻔﺎوت اﻟﻧﺳب‪ .‬ﻓﻠم ﺗﻌﯾﻧت ﺟﮭﺔ واﺣدة‪ ،‬وھذه‬
‫اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﻻ ﺗﺳﺗدﻋﻲ إﻻ أﺻل اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ ﺟﮭﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻓﻠﯾس ﺑﺄوﻟﻰ ﻣن ﻧﻘﯾﺿﮭﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻐرض‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات ﻣطﻠﻌﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﻌﺎﻟم‬
‫وإن اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات وإن اﻧﺗﻘﺎش ﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮭﺎ ﯾﺿﺎھﻲ اﻧﺗﻘﺎش اﻟﻣﺣﻔوظﺎت ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ اﻟﻣودﻋﺔ ﻓﻲ دﻣﺎغ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻻ أﻧﮫ ﺟﺳم ﺻﻠب ﻋرﯾض ﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻣﺎ ﯾﻛﺗﺑﮫ اﻟﺻﺑﯾﺎن‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻠوح ﻷن ﺗﻠك اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻛﺛرﺗﮭﺎ اﺗﺳﺎع اﻟﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫وإذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﻛﺗوب ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور ﺟﺳم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺧطوط ﻻ‬
‫ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺳم وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف أﺷﯾﺎء ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺧطوط ﻣﻌدودة‪.‬‬
‫?ﻣذھﺑﮭم‬
‫وﻗد زﻋﻣوا أن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ھﻲ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات وأن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻛروﯾﯾن اﻟﻣﻘرﺑﯾن ھﻲ اﻟﻌﻘول اﻟﻣﺟردة‬
‫اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻻ ﺗﺗﺣﯾز وﻻ ﺗﺗﺻرف ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم وأن ھذه اﻟﺻور اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺗﻔﯾض ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻧﻔوس اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ وھﻲ أﺷرف ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻔﯾدة وھﻲ ﻣﺳﺗﻔﯾدة واﻟﻣﻔﯾد أﺷرف ﻣن‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻔﯾد‪ ،‬وﻟذﻟك ﻋﺑر ﻋن اﻷﺷرف ﺑﺎﻟﻘﻠم ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ :‬ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻘﻠم‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻛﺎﻟﻧﻘﺎش اﻟﻣﻔﯾد ﻣﺛل اﻟﻣﻌﻠم وﺷﺑﮫ اﻟﻣﺳﺗﻔﯾد‬
‫ﺑﺎﻟﻠوح‪ .‬ھذا ﻣذھﺑﮭم‪.‬‬
‫ھو ﻣﺣﺎل‪ ،‬ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ‬
‫واﻟﻧزاع ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻧزاع ﻓﯾﻣﺎ ﻗﺑﻠﮭﺎ ﻓﺈن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﻗﺑل ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً إذ ﻣﻧﺗﮭﺎه ﻛون اﻟﺳﻣﺎء‬
‫ﺣﯾواﻧﺎ ً ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً ﻟﻐرض وھو ﻣﻣﻛن‪ .‬أﻣﺎ ھذه ﻓﺗرﺟﻊ إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﻋﻠم ﻟﻣﺧﻠوق ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھذا‬
‫رﺑﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫اﺳﺗدﻻﻟﮭم إرادة اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﺈرادة دورﯾﺔ ﺟزﺋﯾﺔ‬
‫اﺳﺗدﻟوا ﻓﯾﮫ ﺑﺄن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﺛﺑت أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ إرادﯾﺔ واﻹرادة ﺗﺗﺑﻊ اﻟﻣراد واﻟﻣراد اﻟﻛﻠﻲ ﻻ ﯾﺗوﺟﮫ إﻟﯾﮫ إﻻ‬
‫إرادة ﻛﻠﯾﺔ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮭﺎ ﺷﻲء ﻓﺈن ﻛل ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻣﻌﯾن ﺟزﺋﻲ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ‬
‫آﺣﺎد اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻓﻼ ﯾﺻدر ﻋﻧﮭﺎ ﺷﻲء ﺟزﺋﻲ ﺑل ﻻ ﺑد ﻣن إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﻣﻌﯾﻧﺔ‪.‬‬
‫ﻓﮭﻲ ﺗدرك اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﺑﺈدراك ﺟزﺋﻲ‬
‫ﻓﻠﻠﻔﻠك ﺑﻛل ﺣرﻛﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن ﻧﻘطﺔ إﻟﻰ ﻧﻘطﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻠﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺗﺻور ﻟﺗﻠك‬
‫اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺑﻘوة ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ إذ اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻻ ﺗدرك إﻻ ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل إرادة ﻓﻣن ﺿرورﺗﮭﺎ‬
‫ﺗﺻور ﻟذﻟك اﻟﻣراد أي ﻋﻠم ﺑﮫ ﺳواء ﻛﺎن ﺟزﺋﯾﺎ ً أو ﻛﻠﯾﺎ ً‪.‬‬
‫وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗدرك ﻟوازﻣﮭﺎ‬
‫وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻠك ﺗﺻور ﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣرﻛﺎت وإﺣﺎطﺔ ﺑﮭﺎ أﺣﺎط ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب ﻣﻊ‬
‫اﻷرض ﻣن ﻛون ﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ طﺎﻟﻌﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻏﺎرﺑﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ وﺳط ﺳﻣﺎء ﻗوم وﺗﺣت ﻗدم ﻗوم‪ ،‬وﻛذﻟك‬
‫ﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺟدد ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك‬
‫ﻣن اﻟﺣوادث اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ وإﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ واﺣدة وإﻣﺎ ﺑوﺳﺎﺋط ﻛﺛﯾرة‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﻛل ﺣﺎدث ﻓﻠﮫ‬
‫ﺳﺑب ﺣﺎدث إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﺎﻻرﺗﻘﺎء إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻷﺑدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺳﺑب ﻟﻠﺑﻌض‪ .‬ﻓﺈذن‬
‫اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺗﮭﺎ ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻓﺎﻟﻣﺗﺻور ﻟﻠﺣرﻛﺎت ﻣﺗﺻور ﻟﻠوازﻣﮭﺎ‬
‫وﻟوازم ﻟوازﻣﮭﺎ إﻟﻰ آﺧر اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ‪.‬‬
‫وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗدرك ﻛل ﻣﺎ ﺳﯾﺣدث‬
‫ﻓﺑﮭذا ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﺈن ﻛل ﻣﺎ ﺳﯾﺣدث ﻓﺣدوﺛﮫ واﺟب ﻋن ﻋﻠﺗﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺣﻘﻘت اﻟﻌﻠﺔ‪ .‬وﻧﺣن إﻧﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻠم‬
‫ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وﻟو ﻋﻠﻣﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺳﺑﺎب ﻟﻌﻠﻣﻧﺎ اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻣﮭﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن‬
‫اﻟﻧﺎر ﺳﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﻘطن ﻣﺛﻼً ﻓﻲ وﻗت ﻣﻌﯾن ﻓﻧﻌﻠم اﺣﺗراق اﻟﻘطن وﻣﮭﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ﺷﺧﺻﺎ ً ﺳﯾﺄﻛل ﻓﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﺳﯾﺷﺑﻊ‪،‬‬
‫وإذا ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ﺷﺧﺻﺎ ً ﺳﯾﺗﺧطﻰ اﻟﻣوﺿﻊ اﻟﻔﻼﻧﻲ اﻟذي ﻓﯾﮫ ﻛﻧز ﻣﻐطﻰ ﺑﺷﻲء ﺧﻔﯾف إذا ﻣﺷﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺎﺷﻲ‬
‫ﺗﻌﺛر رﺟﻠﮫ ﺑﺎﻟﻛﻧز وﻋرﻓﮫ ﻓﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﺳﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﺑوﺟود اﻟﻛﻧز‪ .‬وﻟﻛن ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻻ ﻧﻌﻠﻣﮭﺎ ورﺑﻣﺎ ﻧﻌﻠم ﺑﻌﺿﮭﺎ‬
‫ﻓﯾﻘﻊ ﻟﻧﺎ ﺣدس ﺑوﻗوع اﻟﻣﺳﺑب ﻓﺈن ﻋرﻓﻧﺎ أﻏﻠﺑﮭﺎ وأﻛﺛرھﺎ ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ظن ظﺎھر ﺑﺎﻟوﻗوع‪ .‬ﻓﻠو ﺣﺻل ﻟﻧﺎ اﻟﻌﻠم‬
‫ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺳﺑﺎب ﻟﺣﺻل ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت‪ ،‬إﻻ أن اﻟﺳﻣﺎوﯾﺎت ﻛﺛﯾرة ﺛم ﻟﮭﺎ اﺧﺗﻼط ﺑﺎﻟﺣوادث اﻷرﺿﯾﺔ وﻟﯾس ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻻطﻼع ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات ﻣطﻠﻌﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻻطﻼﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺑب اﻷول وﻟوازﻣﮭﺎ وﻟوازم‬
‫ﻟوازﻣﮭﺎ إﻟﻰ آﺧر اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﯾرى اﻟﻧﺎﺋم ﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل‬
‫وذﻟك ﺑﺎﺗﺻﺎﻟﮫ ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ‪ ،‬أي ﺑﻧﻔس اﻟﻔﻠك وﻟﮭذا زﻋﻣوا‪ :‬ﯾرى اﻟﻧﺎﺋم ﻓﻲ ﻧوﻣﮫ ﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل‬
‫وذﻟك ﺑﺎﺗﺻﺎﻟﮫ ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ وﻣطﺎﻟﻌﺗﮫ‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ اطﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻲء رﺑﻣﺎ ﺑﻘﻲ ذﻟك ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻔظﮫ ورﺑﻣﺎ‬
‫ﺗﺳﺎرﻋت اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ ﻓﺈن ﻣن ﻏرﯾزﺗﮭﺎ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ اﻷﺷﯾﺎء ﺑﺄﻣﺛﻠﺔ ﺗﻧﺎﺳﺑﮭﺎ ﺑﻌض اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ أو‬
‫اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ أﺿدادھﺎ ﻓﯾﻧﻣﺣﻰ اﻟﻣدرك اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻋن اﻟﺣﻔظ وﯾﺑﻘﻰ ﻣﺛﺎل اﻟﺧﯾﺎل ﻓﻲ اﻟﺣﻔظ ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﻌﺑﯾر‬
‫ﻣﺎ ﯾﻣﺛل اﻟﺧﯾﺎل اﻟرﺟل ﺑﺷﺟر واﻟزوﺟﺔ ﺑﺧف واﻟﺧﺎدم ﺑﺑﻌض أواﻧﻲ اﻟدار وﺣﺎﻓظ ﻣﺎل اﻟﺑر واﻟﺻدﻗﺎت ﺑزﯾت‬
‫اﻟﺑذر ﻓﺈن اﻟﺑذر ﺳﺑب ﻟﻠﺳراج اﻟذي ھو ﺳﺑب اﻟﺿﯾﺎء‪ ،‬وﻋﻠم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﯾﺗﺷﻌب ﻋن ھذا اﻷﺻل‪.‬‬
‫وھذا اﻻﺗﺻﺎل ﻣﺷﻐوﻟون ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﯾﻘظﺗﻧﺎ ﺑﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس‬
‫وزﻋﻣوا أن اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺗﻠك اﻟﻧﻔوس ﻣﺑذول إذ ﻟﯾس ﺛم ﺣﺟﺎب وﻟﻛﻧﺎ ﻓﻲ ﯾﻘظﺗﻧﺎ ﻣﺷﻐوﻟون ﺑﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس‬
‫واﻟﺷﮭوات ﻋﻠﯾﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺎﺷﺗﻐﺎﻟﻧﺎ ﺑﮭذه اﻷﻣور اﻟﺣﺳﯾﺔ ﺻرﻓﻧﺎ ﻋﻧﮫ‪ ،‬وإذا ﺳﻘط ﻋﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻧوم ﺑﻌض اﺷﺗﻐﺎل اﻟﺣواس‬
‫ظﮭر ﺑﮫ اﺳﺗﻌداد ﻣﺎ ﻟﻼﺗﺻﺎل‪.‬‬
‫واﻟﻧﺑﻲ ﯾرى ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ‬
‫وزﻋﻣوا أن اﻟﻧﺑﻲ ﻣطﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﯾب ﺑﮭذا اﻟطرﯾق أﯾﺿﺎ ً‪ .‬إﻻ أن اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﻗد ﺗﻘوى ﻗوة ﻻ ﺗﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ‬
‫اﻟﺣواس اﻟظﺎھرة‪ ،‬ﻓﻼ ﺟرم ﯾرى ھو ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ﻣﺎ ﯾراه ﻏﯾره ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم‪ .‬ﺛم اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﺗﻣﺛل ﻟﮫ ﻣﺎ رآه‪،‬‬
‫ورﺑﻣﺎ ﯾﺑﻘﻰ اﻟﺷﻲء ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ذﻛره ورﺑﻣﺎ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺛﺎﻟﮫ‪ ،‬ﻓﯾﻔﺗﻘر ﻣﺛل ھذا اﻟوﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﺄوﯾل ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺗﻘر ﻣﺛل ذﻟك‬
‫اﻟﻣﻧﺎم إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر‪ .‬وﻟوﻻ أن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ ﻟﻣﺎ ﻋرف اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟﻐﯾب ﻓﻲ ﯾﻘظﺔ وﻻ‬
‫ﻣﻧﺎم‪ ،‬ﻟﻛن ﺟف اﻟﻘﻠم ﺑﻣﺎ ھو ﻛﺎﺋن إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ وﻣﻌﻧﺎه ھذا اﻟذي ذﻛرﻧﺎه‪ .‬ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧورده ﻟﺗﻔﮭﯾم‬
‫ﻣذھﺑﮭم‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻓﻲ ھذا ﻋن اﻟﻧﺑﻲ‬
‫واﻟﺟواب أن ﻧﻘول‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول إن اﻟﻧﺑﻲ ﯾﻌرف اﻟﻐﯾب ﺑﺗﻌرﯾف ﷲ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺑﺗداء؟ وﻛذى‬
‫ﻣن ﯾرى ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﻌرﻓﮫ ﺑﺗﻌرﯾف أو ﺑﺗﻌرﯾف ﻣﻠك ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه‪ ،‬ﻓﻼ‬
‫دﻟﯾل ﻓﻲ ھذا وﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻓﻲ ورود اﻟﺷرع ﺑﺎﻟﻠوح واﻟﻘﻠم ﻓﺈن أھل اﻟﺷرع ﻟم ﯾﻔﮭﻣوا ﻣن اﻟﻠوح واﻟﻘﻠم ھذا‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻗطﻌﺎً‪ ،‬ﻓﻼ ﻣﺗﻣﺳك ﻓﻲ اﻟﺷرﻋﯾﺎت ﯾﺑﻘﻲ اﻟﺗﻣﺳك ﺑﻣﺳﺎﻟك اﻟﻌﻘول‪ .‬وﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه وإن اﻋﺗرف ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ‬
‫ﻟم ﯾﺷﺗرط ﻧﻔﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ ﻋن ھذه اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻓﻼ ﯾﻌرف وﺟوده وﻻ ﯾﺗﺣﻘق ﻛوﻧﮫ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻟﺳﺑﯾل ﻓﯾﮫ أن ﯾﺗﻌرف ﻣن‬
‫اﻟﺷرع ﻻ ﻣن اﻟﻌﻘل‪.‬‬
‫ﻧﻧﺎزع ﻓﻲ ﺛﻼث ﻣن اﻟﻣﻘدﻣﺎت‬
‫وأﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﻘﻠﻲ أوﻻً ﻓﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘدﻣﺎت ﻛﺛﯾرة ﻟﺳﻧﺎ ﻧطول ﺑﺈﺑطﺎﻟﮭﺎ وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧﻧﺎزع ﻓﻲ ﺛﻠث‬
‫ﻣﻘدﻣﺎت ﻣﻧﮭﺎ‪:‬‬
‫ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋن ﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻠك اﻹرادﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﻘدﻣﺔ اﻷوﻟﻰ ﻗوﻟﻛم إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء إرادﯾﺔ‪ .‬وﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻣن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وإﺑطﺎل دﻋواﻛم ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻻ ﻧﺳﻠم اﻓﺗﻘﺎر اﻹدراك إﻟﻰ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ‬
‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻧﮫ إن ﺳﻠم ذﻟك ﻣﺳﺎﻣﺣﺔ ﺑﮫ ﻓﻘوﻟﻛم إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﺗﺻور ﺟزﺋﻲ ﻟﻠﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻐﯾر ﻣﺳﻠم‪ ،‬ﺑل ﻟﯾس‬
‫ﺛم ﺟزء ﻋﻧدﻛم ﻓﻲ اﻟﺟﺳم ﻓﺈﻧﮫ ﺷﻲء واﺣد وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺟزا ﺑﺎﻟوھم وﻻ ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ واﺣدة ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل ﻓﯾﻛﻔﻲ‬
‫ﺗﺷوﻗﮭﺎ إﻟﻰ اﺳﺗﯾﻔﺎء اﻷﯾون اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻟﮭﺎ ﻛﻣﺎ ذﻛروه وﯾﻛﻔﯾﮭﺎ اﻟﺗﺻور اﻟﻛﻠﻲ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻧﺳﻠم ھذا ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟﻣﺗوﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﻛﺎن‬
‫وﻟﻧﻣﺛل ﻟﻺرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺛﺎﻻً ﻟﺗﻔﮭﯾم ﻏرﺿﮭم‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻏرض ﻛﻠﻲ ﻓﻲ أن ﯾﺣﺞ ﺑﯾت ﷲ ﻣﺛﻼً‬
‫ﻓﮭذه اﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ ﻻ اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻘﻊ ﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﮭﺔ ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﺑﻣﻘدار ﻣﺧﺻوص ﺑل ﻻ‬
‫ﯾزال ﯾﺗﺟدد ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺗوﺟﮭﮫ إﻟﻰ اﻟﺑﯾت ﺗﺻور ﺑﻌد ﺗﺻور ﻟﻠﻣﻛﺎن اﻟذي ﯾﺗﺧطﺎه واﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻠﻛﮭﺎ‪ ،‬وﯾﺗﺑﻊ‬
‫ﻛل ﺗﺻور ﺟزﺋﻲ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻋن اﻟﻣﺣل اﻟﻣوﺻول إﻟﯾﮫ ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ‪ .‬ﻓﮭذا ﻣﺎ أرادوه ﺑﺎﻹرادة اﻟﺟزﺋﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺗﺻور اﻟﺟزﺋﻲ وھو ﻣﺳﻠم ﻷن اﻟﺟﮭﺎت ﻣﺗﻌددة ﻓﻲ اﻟﺗوﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ واﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﻏﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬ﻓﯾﻔﺗﻘر ﺗﻌﯾن‬
‫ﻣﻛﺎن ﻋن ﻣﻛﺎن وﺟﮭﺔ ﻋن ﺟﮭﺔ إﻟﻰ إرادة أﺧرى ﺟزﺋﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻻ ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟﻔﻠك‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻓﻠﮭﺎ وﺟﮫ واﺣد ﻓﺈن اﻟﻛرة إﻧﻣﺎ ﺗﺗﺣرك ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮭﺎ وﻓﻲ ﺣﯾزھﺎ ﻻ ﺗﺟﺎوزھﺎ‪ ،‬واﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ﻣرادة وﻟﯾس ﺛم إﻻ وﺟﮫ واﺣد وﺟﺳم واﺣد وﺻوب واﺣد‪ ،‬ﻓﮭو ﻛﮭوى اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل ﻓﺈﻧﮫ ﯾطﻠب اﻷرض ﻓﻲ‬
‫أﻗرب طرﯾق‪ ،‬وأﻗرب اﻟطرق اﻟﺧط اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم‪ ،‬ﻓﺗﻌﯾن اﻟﺧط اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ﻓﻠو ﯾﻔﺗﻘر ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺗﺟدد ﺳﺑب ﺣﺎدث ﺳوى‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟطﺎﻟﺑﺔ ﻟﻠﻣرﻛز ﻣﻊ ﺗﺟدد اﻟﻘرب واﻟﺑﻌد واﻟوﺻول إﻟﻰ ﺣد واﻟﺻدور ﻋﻧﮫ‪ ،‬ﻓﻛذﻟك ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ ﺗﻠك‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ اﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻣزﯾد‪ .‬ﻓﮭذه ﻣﻘدﻣﺔ ﺗﺣﻛﻣوا ﺑوﺿﻌﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻧﺑطل ﻣﻌرﻓﺔ ﻟوازم اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اﻟﻣﻘدﻣﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ وھﻲ اﻟﺗﺣﻛم اﻟﺑﻌﯾد ﺟدا ﻗوﻟﮭم إﻧﮫ إذا ﺗﺻور اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺗﺻور أﯾﺿﺎ ﺗواﺑﻌﮭﺎ وﻟوازﻣﮭﺎ‪،‬‬
‫وھذا ھوس ﻣﺣض ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل إن اﻹﻧﺳﺎن إذا ﺗﺣرك وﻋرف ﺣرﻛﺗﮫ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌرف ﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣن ﺣرﻛﺗﮫ ﻣن‬
‫ﻣوازاة وﻣﺟﺎوزة‪ ،‬وھو ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﻰ اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺗﻲ ﻓوﻗﮫ وﺗﺣﺗﮫ وﻣن ﺟواﻧﺑﮫ‪ ،‬وأﻧﮫ إذا ﻣﺷﻰ ﻓﻲ ﺷﻣس ﯾﻧﺑﻐﻲ أن‬
‫ﯾﻌﻠم اﻟﻣواﺿﻊ اﻟﺗﻲ ﻋﻠﯾﮭﺎ ظﻠﮫ واﻟﻣواﺿﻊ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻘﻊ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن ظﻠﮫ ﻣن اﻟﺑرودة ﺑﻘطﻊ اﻟﺷﻌﺎع ﻓﻲ ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣواﺿﻊ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻹﻧﺿﻐﺎط ﻷﺟزاء اﻷرض ﺗﺣت ﻗدﻣﮫ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻟﺗﻔرق ﻓﯾﮭﺎ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻓﻲ‬
‫أﺧﻼطﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﺎطن ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑﺳﺑب اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ اﻟﺣرارة وﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣن أﺟزاﺋﮫ إﻟﻰ اﻟﻌرق وھﻠم ﺟرا‬
‫إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻓﻲ ﺑدﻧﮫ وﻓﻲ ﻏﯾره ﻣن ﺑدﻧﮫ ﻣﻣﺎ اﻟﺣرﻛﺔ ﻋﻠﺔ ﻓﯾﮫ أو ﺷرط أو ﻣﮭﻲء وﻣﻌد‪ ،‬وھو ھوس ﻻ‬
‫ﯾﺗﺧﯾﻠﮫ ﻋﺎﻗل وﻻ ﯾﻐﺗر ﺑﮫ إﻻ ﺟﺎھل‪ ،‬وإﻟﻰ ھذا ﯾرﺟﻊ ھذا اﻟﺗﺣﻛم‪.‬‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻟﺔ ﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻗد ﻻ ﺗﻛون اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻘط‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ھذه اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻔﺻﻠﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠك ھﻲ اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل أو ﯾﻧﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺗوﻗﻊ‬
‫ﻛوﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل‪ .‬ﻓﺈن ﻗﺻرﺗﻣوه ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﺑطل إطﻼﻋﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﯾب وإطﻼع اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻓﻲ‬
‫اﻟﯾﻘظﺔ وﺳﺎﺋر اﻟﺧﻠق ﻓﻲ اﻟﻧوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﯾﻛون ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل ﺑواﺳطﺔ‪ ،‬ﺛم ﺑطل ﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟدﻟﯾل ﻓﺈﻧﮫ ﺗﺣﻛم ﺑﺄن‬
‫ﻣن ﻋرف اﻟﺷﻲء ﻋرف ﻟوازﻣﮫ وﺗواﺑﻌﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻟو ﻋرﻓﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ أﺳﺑﺎب اﻷﺷﯾﺎء ﻟﻌرﻓﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﺔ‪ ،‬وأﺳﺑﺎب ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﺣﺎﺿرة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﺈﻧﮭﺎ ھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ وﻟﻛن ﺗﻘﺗﺿﻲ اﻟﻣﺳﺑب إﻣﺎ‬
‫ﺑواﺳطﺔ أو ﺑوﺳﺎﺋط ﻛﺛﯾرة‪.‬‬
‫وﻻ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫وإذا ﺗﻌدى إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ آﺧر ﻓﻛﯾف ﯾﻌرف ﺗﻔﺻﯾل اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وﻛﯾف‬
‫ﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ ﻧﻔس ﻣﺧﻠوق ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻣن ﻏﯾر ﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠوم ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻔﺻﻠﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ وﻻ ﻏﺎﯾﺔ‬
‫ﻵﺣﺎدھﺎ؟ وﻣن ﻻ ﯾﺷﮭد ﻟﮫ ﻋﻘﻠﮫ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻓﻠﯾﯾﺄس ﻣن ﻋﻘﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻧﻔس اﻟﻔﻠك أﺷﺑﮫ ﺑﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن‬
‫ﻓﺈن ﻗﻠﺑوا ھذا ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﻠﯾس ﺗﻌﻠق ﻋﻠم ﷲ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺗﻌﻠق اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫ﻟﻠﻣﺧﻠوﻗﺎت‪ ،‬ﺑل ﻣﮭﻣﺎ دار ﻧﻔس اﻟﻔﻠك دورة ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن ﻣن ﻗﺑﯾل ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﺷﺎرﻛﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ‬
‫ﻣدرﻛﺎ ً ﻟﻠﺟزﺋﯾﺎت ﺑواﺳطﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟم ﯾﻠﺗﺣق ﺑﮫ ﻗطﻌﺎ ً ﻛﺎن اﻟﻐﺎﻟب ﻋﻠﻰ اﻟظن أﻧﮫ ﻣن ﻗﺑﯾﻠﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻟم ﯾﻛن ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟظن ﻓﮭو ﻣﻣﻛن‪ ،‬واﻹﻣﻛﺎن ﯾﺑطل دﻋواھم اﻟﻘطﻊ ﺑﻣﺎ ﻗطﻌوا ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم إن ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﺗدرك ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء ﻟوﻻ اﻧﺷﻐﺎﻟﮭﺎ‬
‫ً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﺣق اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ أن ﺗدرك أﯾﺿﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء وﻟﻛن اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ﺑﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺷﮭوة‬
‫واﻟﻐﺿب واﻟﺣرص واﻟﺣﻘد واﻟﺣﺳد واﻟﺟوع واﻷﻟم وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋوارض اﻟﺑدن وﻣﺎ ﯾورده اﻟﺣواس ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ‬
‫إذا أﻗﺑﻠت اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء واﺣد ﺷﻐﻠﮭﺎ ﻋن ﻏﯾره‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ ﻓﺑرﯾﺔ ﻋن ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻻ‬
‫ﯾﻌﺗرﯾﮭﺎ ﺷﺎﻏل وﻻ ﯾﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ ھم وأﻟم وإﺣﺳﺎس ﻓﻌرﻓت ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﻌل ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﺗﻧﺷﻐل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﺑم ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﻻ ﺷﺎﻏل ﻟﮭﺎ؟ وھﻼ ﻛﺎﻧت ﻋﺑﺎدﺗﮭﺎ واﺷﺗﯾﺎﻗﮭﺎ إﻟﻰ اﻷول ﻣﺳﺗﻐرﻗﺎ ﻟﮭﺎ وﺷﺎﻏﻼ ﻟﮭﺎ ﻋن‬
‫ﺗﺻور اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻔﺻﻠﺔ؟ أو ﻣﺎ اﻟذي ﯾﺣﯾل ﺗﻘدﯾر ﻣﺎﻧﻊ آﺧر ﺳوى اﻟﻐﺿب واﻟﺷﮭوة وھذه اﻟﻣواﻧﻊ‬
‫اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ؟ وﻣن أﯾن ﻋرف اﻧﺣﺻﺎر اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻓﻲ اﻟﻘدر اﻟذي ﺷﺎھدﻧﺎه ﻣن أﻧﻔﺳﻧﺎ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻌﻘﻼء ﺷواﻏل ﻣن ﻋﻠو‬
‫اﻟﮭﻣﺔ وطﻠب اﻟرﺋﺎﺳﺔ ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺗﺻوره ﻋﻧد اﻷطﻔﺎل وﻻ ﯾﻌﺗﻘدوﻧﮭﺎ ﺷﺎﻏﻼً وﻣﺎﻧﻌﺎً‪ ،‬ﻓﻣن أﯾن ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻘوم ﻣﻘﺎﻣﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ؟‬
‫ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻓﻲ "اﻟﻌﻠوم اﻹﻟﮭﯾﺔ"‬
‫ھذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﻠﻘﺑﺔ ﻋﻧدھم ﺑﺎﻹﻟﮭﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻣﻠﻘب ﺑﺎﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت وھﻲ ﻋﻠوم ﻛﺛﯾرة‬
‫وﺻﻔﮭﺎ‬
‫ﻧذﻛر أﻗﺳﺎﻣﮭﺎ ﻟﯾﻌرف أن اﻟﺷرع ﻟﯾس ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺔ ﻓﯾﮭﺎ وﻻ إﻧﻛﺎرھﺎ إﻻ ﻓﻲ ﻣواﺿﻊ ذﻛرﻧﺎھﺎ‪ .‬وھﻲ‬
‫ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ أﺻول وﻓروع‪.‬‬
‫وأﺻوﻟﮭﺎ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ أﻗﺳﺎم‪:‬‬
‫أﺻوﻟﮭﺎ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ‬
‫اﻷول ﯾذﻛر ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾﻠﺣق اﻟﺟﺳم ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم ﻣن اﻻﻧﻘﺳﺎم واﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺗﻐﯾر‪ ،‬وﻣﺎ ﯾﻠﺣق اﻟﺣرﻛﺔ وﯾﺗﺑﻌﮫ‬
‫ﻣن اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن واﻟﺧﻼء‪ ،‬وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب ﺳﻣﻊ اﻟﻛﯾﺎن‪ .‬اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻌرف أﺣوال أﻗﺳﺎم أرﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺗﻲ‬
‫ھﻲ اﻟﺳﻣوات وﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ﻣن اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ وﻋﻠﺔ اﺳﺗﺣﻘﺎق ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﺎ ﻣوﺿﻌﺎ ً‬
‫ﻣﺗﻌﯾﻧﺎً‪ ،‬وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب اﻟﺳﻣﺎء واﻟﻌﺎﻟم‪ .‬اﻟﺛﺎﻟث ﯾﻌرف ﻓﯾﮫ أﺣوال اﻟﻛون واﻟﻔﺳﺎد واﻟﺗوﻟد واﻟﺗواﻟد واﻟﻧﺷوء‬
‫واﻟﺑﻠﻰ واﻻﺳﺗﺣﺎﻻت وﻛﯾﻔﯾﺔ اﺳﺗﺑﻘﺎء اﻷﻧواع ﻋﻠﻰ ﻓﺳﺎد اﻷﺷﺧﺎص ﺑﺎﻟﺣرﻛﺗﯾن اﻟﺳﻣﺎوﯾﺗﯾن اﻟﺷرﻗﯾﺔ واﻟﻐرﺑﯾﺔ‪،‬‬
‫وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب اﻟﻛون واﻟﻔﺳﺎد‪ .‬اﻟراﺑﻊ ﻓﻲ اﻷﺣوال اﻟﺗﻲ ﺗﻌرض ﻟﻠﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ ﻣن اﻹﻣﺗزاﺟﺎت اﻟﺗﻲ‬
‫ﻣﻧﮭﺎ ﺗﺣدث اﻵﺛﺎر اﻟﻌﻠوﯾﺔ ﻣن اﻟﻐﯾوم واﻷﻣطﺎر واﻟرﻋد واﻟﺑرق واﻟﮭﺎﻟﺔ وﻗوس ﻗزح واﻟﺻواﻋق واﻟرﯾﺎح‬
‫واﻟزﻻزل‪ .‬اﻟﺧﺎﻣس ﻓﻲ اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ‪ .‬اﻟﺳﺎدس ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺑﺎت‪ .‬اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت وﻓﯾﮫ ﻛﺗﺎب طﺑﺎﺋﻊ‬
‫اﻟﺣﯾواﻧﺎت‪ .‬اﻟﺛﺎﻣن ﻓﻲ اﻟﻧﻔس اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻟﻘوى اﻟدراﻛﺔ وأن ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﯾﻣوت ﺑﻣوت اﻟﺑدن وأﻧﮫ ﺟوھر‬
‫روﺣﺎﻧﻲ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻔﻧﺎء‪.‬‬
‫وﻓروﻋﮭﺎ ﺳﺑﻌﺔ‬
‫أﻣﺎ ﻓروﻋﮭﺎ ﻓﺳﺑﻌﺔ‪:‬‬
‫اﻷول اﻟطب وﻣﻘﺻوده ﻣﻌرﻓﺔ ﻣﺑﺎدئ ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن وأﺣواﻟﮫ ﻣن اﻟﺻﺣﺔ واﻟﻣرض وأﺳﺑﺎﺑﮭﺎ ودﻻﺋﻠﮭﺎ ﻟﯾدﻓﻊ‬
‫اﻟﻣرض وﯾﺣﻔظ اﻟﺻﺣﺔ‪ .‬اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺟوم وھو ﺗﺧﻣﯾن ﻓﻲ اﻻﺳﺗدﻻل ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﻛواﻛب واﻣﺗزاﺟﺎﺗﮭﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻛون ﻣن أﺣوال اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻣﻠك واﻟﻣواﻟﯾد واﻟﺳﻧﯾن‪ .‬اﻟﺛﺎﻟث ﻋﻠم اﻟﻔراﺳﺔ وھو اﺳﺗدﻻل ﻣن اﻟﺧﻠق ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﺧﻼق‪ .‬اﻟراﺑﻊ اﻟﺗﻌﺑﯾر وھو اﺳﺗدﻻل ﻣن اﻟﻣﺗﺧﯾﻼت اﻟﺣﻠﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺷﺎھدﺗﮫ اﻟﻧﻔس ﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﻐﯾب ﻓﺧﯾﻠﺗﮫ‬
‫اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺑﻣﺛﺎل ﻏﯾره‪ .‬اﻟﺧﺎﻣس ﻋﻠم اﻟطﻠﺳﻣﺎت وھو ﺗﺄﻟﯾف ﻟﻠﻘوى اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﺑﻘوى ﺑﻌض اﻷﺟرام اﻷرﺿﯾﺔ‬
‫ﻟﯾﺄﺗﻠف ﻣن ذﻟك ﻗوة ﺗﻔﻌل ﻓﻌﻼً ﻏرﯾﺑﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻷرﺿﻲ‪ .‬اﻟﺳﺎدس ﻋﻠم اﻟﻧﯾرﻧﺟﺎت وھو ﻣزج ﻗوى اﻟﺟواھر‬
‫اﻷرﺿﯾﺔ ﻟﯾﺣدث ﻣﻧﮫ أﻣور ﻏرﯾﺑﺔ‪ .‬اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﻠم اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء وﻣﻘﺻوده ﺗﺑدﯾل ﺧواص اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ ﻟﯾﺗوﺻل‬
‫إﻟﻰ ﺗﺣﺻﯾل اﻟذھب واﻟﻔﺿﺔ ﺑﻧوع ﻣن اﻟﺣﯾل‪.‬‬
‫ﻻ ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﺷرﻋﺎ ً ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻧﮭﺎ‬
‫وﻟﯾس ﯾﻠزم ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﮭم ﺷرﻋﺎ ً ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣن ھذه اﻟﻌﻠوم وإﻧﻣﺎ ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﻣن ﺟﻣﻠﺔ ھذه اﻟﻌﻠوم ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ﻣﺳﺎﺋل‪:‬‬
‫ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ﻣﺳﺎﺋل‬
‫اﻷوﻟﻰ ﺣﻛﻣﮭم ﺑﺄن ھذا اﻻﻗﺗران اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ اﻟوﺟود ﺑﯾن اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت اﻗﺗران ﺗﻼزم ﺑﺎﻟﺿرورة‪ ،‬ﻓﻠﯾس‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور وﻻ ﻓﻲ اﻹﻣﻛﺎن إﯾﺟﺎد اﻟﺳﺑب دون اﻟﻣﺳﺑب وﻻ وﺟود اﻟﻣﺳﺑب دون اﻟﺳﺑب‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم وإن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت اﻧﻘطﺎع‬
‫ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﺑدن ﺑﺎﻧﻘطﺎع اﻟﺗدﺑﯾر وإﻻ ﻓﮭو ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎل‪ .‬وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﻋرف ﺑﺎﻟﺑرھﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲ‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻗوﻟﮭم إن ھذه اﻟﻧﻔوس ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻌدم ﺑل ھﻲ إذا وﺟدت ﻓﮭﻲ أﺑدﯾﺔ ﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ‪.‬‬
‫واﻟراﺑﻌﺔ ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﯾﺳﺗﺣﯾل رد ھذه اﻟﻧﻔوس إﻟﻰ اﻷﺟﺳﺎد‪.‬‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ‪ :‬ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻣﻌﺟزات ﻓﻘط وإﻧﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻧزاع ﻓﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ إﺛﺑﺎت‬
‫اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدة ﻣن ﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً وإﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﺷق اﻟﻘﻣر‪ .‬وﻣن ﺟﻌل ﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﻻزﻣﺔ‬
‫ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎ ً أﺣﺎل ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك‪ .‬وأوﻟوا ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﻣن إﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﻗﺎﻟوا‪ :‬أراد ﺑﮫ إزاﻟﺔ ﻣوت اﻟﺟﮭل‬
‫ﺑﺣﯾﺎة اﻟﻌﻠم‪ .‬وأوﻟوا ﺗﻠﻘف اﻟﻌﺻﺎ ﺳﺣر اﻟﺳﺣرة ﻋﻠﻰ إﺑطﺎل اﻟﺣﺟﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ اﻟظﺎھرة ﻋﻠﻰ ﯾد ﻣوﺳﻰ ﺷﺑﮭﺎت‬
‫اﻟﻣﻧﻛرﯾن‪ ،‬وأﻣﺎ ﺷق اﻟﻘﻣر ﻓرﺑﻣﺎ أﻧﻛروا وﺟوده وزﻋﻣوا أﻧﮫ ﻟو ﯾﺗواﺗر‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗﻛون اﻟﻣﻌﺟزات إﻻ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‬
‫وﻟم ﯾﺛﺑت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدات إﻻ ﻓﻲ ﺛﻠﺛﺔ أﻣور‪ :‬أﺣدھﺎ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭم زﻋﻣوا‬
‫أﻧﮭﺎ إذا اﺳﺗوﻟت وﻗوﯾت وﻟم ﯾﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ اﻟﺣواس واﻻﺷﺗﻐﺎل اطﻠﻌت ﻋﻠﻰ اﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ واﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﺻور‬
‫اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻛﺎﺋﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل وذﻟك ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء وﻟﺳﺎﺋر اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻟﻧوم‪ ،‬ﻓﮭذه ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﻧﺑوة ﻟﻠﻘوة‬
‫اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻷن اﻟﺑﻌض ﯾﻧﺗﺑﮭون ﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت وأﻗرﺑﮭﺎ‬
‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺧﺎﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ وھو راﺟﻊ إﻟﻰ ﻗوة اﻟﺣدس وھو ﺳرﻋﺔ اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﻣﻌﻠوم إﻟﻰ ﻣﻌﻠوم‪.‬‬
‫ﻓرب ذﻛﻲ إذا ذﻛر ﻟﮫ اﻟﻣدﻟول ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠدﻟﯾل وإذا ذﻛر ﻟﮫ اﻟدﻟﯾل ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠﻣدﻟول ﻣن ﻧﻔﺳﮫ وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ إذا ﺧطر ﻟﮫ اﻟﺣد‬
‫اﻷوﺳط ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠﻧﺗﯾﺟﺔ وإذا ﺣﺿر ﻓﻲ ذھﻧﮫ ﺣدا اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﺧطر ﺑﺑﺎﻟﮫ اﻟﺣد اﻷوﺳط اﻟﺟﺎﻣﻊ ﺑﯾن طرﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪.‬‬
‫واﻟﻧﺎس ﻓﻲ ھذا ﻣﻧﻘﺳﻣون ﻓﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺗﻧﺑﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺗﻧﺑﮫ ﺑﺄدﻧﻰ ﺗﻧﺑﯾﮫ وﻣﻧﮭم ﻣن ﻻ ﯾدرك ﻣﻊ اﻟﺗﻧﺑﯾﮫ إﻻ‬
‫ﺑﺗﻌب ﻛﺛﯾر‪ .‬وإذا ﺟﺎز أن ﯾﻧﺗﮭﻲ طرف اﻟﻧﻘﺻﺎن إﻟﻰ ﻣن ﻻ ﺣدس ﻟﮫ أﺻﻼً ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺗﮭﯾﺄ ﻟﻔﮭم اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣﻊ‬
‫اﻟﺗﻧﺑﯾﮫ ﺟﺎز أن ﯾﻧﺗﮭﻲ طرف اﻟﻘوة واﻟزﯾﺎدة إﻟﻰ أن ﯾﻧﺗﺑﮫ ﻟﻛل اﻟﻣﻌﻘوﻻت أو ﻷﻛﺛرھﺎ وﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت‬
‫وأﻗرﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻻ ﺳﯾﻣﺎ اﻟﻧﺑﻲ‬
‫وﯾﺧﺗﻠف ذﻟك ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣطﺎﻟب أو ﺑﻌﺿﮭﺎ وﻓﻲ اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻔﺎوت ﻓﻲ اﻟﺳرﻋﺔ واﻟﻘرب‪ .‬ﻓرب ﻧﻔس‬
‫ﻣﻘدﺳﺔ ﺻﺎﻓﯾﺔ ﯾﺳﺗﻣر ﺣدﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت وﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت‪ .‬ﻓﮭو اﻟﻧﺑﻲ اﻟذي ﻟﮫ ﻣﻌﺟزة ﻣن اﻟﻘوة‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻟﻰ ﺗﻌﻠم ﺑل ﻛﺄﻧﮫ ﯾﺗﻌﻠم ﻣن ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھو اﻟذي وﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻛﺎد زﯾﺗﮭﺎ ﯾﺿﻲء‬
‫وﻟو ﻟم ﺗﻣﺳﺳﮫ ﻧﺎر ﻧور ﻋﻠﻰ ﻧور‪.‬‬
‫وﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ وھﻲ ﺗﻧﻔﻌل ﺑﮭﺎ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن‬
‫اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‪ ،‬وﻗد ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﺣد ﺗﺗﺄﺛر ﺑﮭﺎ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت وﺗﺗﺳﺧر‪ .‬وﻣﺛﺎﻟﮫ أن اﻟﻧﻔس ﻣﻧﺎ إذا ﺗوھم‬
‫ﺷﯾﺋﺎ ً ﺧدﻣﺗﮫ اﻷﻋﺿﺎء واﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﻓﺣرﻛت إﻟﻰ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ‪ ،‬ﺣﺗﻰ إذا ﺗوھم ﺷﯾﺋﺎ ً طﯾب‬
‫اﻟﻣذاق ﺗﺣﻠﺑت أﺷداﻗﮫ واﻧﺗﮭﺿت اﻟﻘوة اﻟﻣﻠﻌﺑﺔ ﻓﯾﺎﺿﺔ ﺑﺎﻟﻠﻌﺎب ﻣن ﻣﻌﺎدﻧﮭﺎ‪ ،‬وإذا ﺗﺻور اﻟوﻗﺎع اﻧﺗﮭﺿت اﻟﻘوة‬
‫ﻓﻧﺷرت اﻵﻟﺔ‪ ،‬ﺑل إذا ﻣﺷﻰ ﻋﻠﻰ ﺟذع ﻣﻣدود ﻋﻠﻰ ﻓﺿﺎء طرﻓﺎه ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺋطﯾن اﺷﺗد ﺗوھﻣﮫ ﻟﻠﺳﻘوط ﻓﺎﻧﻔﻌل‬
‫اﻟﺟﺳم ﺑﺗوھﻣﮫ وﺳﻘط‪ ،‬وﻟو ﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﻣﺷﻰ ﻋﻠﯾﮫ وﻟم ﯾﺳﻘط‪ ،‬وذﻟك ﻷن اﻷﺟﺳﺎم واﻟﻘوى‬
‫اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﺧﻠﻘت ﺧﺎدﻣﺔ ﻣﺳﺧرة ﻟﻠﻧﻔوس‪ ،‬وﯾﺧﺗﻠف ذﻟك ﺑﺎﺧﺗﻼف ﺻﻔﺎء اﻟﻧﻔوس وﻗوﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻗد ﯾﻛون اﻻﻧﻔﻌﺎل ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﺑدن‬
‫ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺑﻠﻎ ﻗوة اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺣد ﺗﺧدﻣﮫ اﻟﻘوة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﻲ ﻏﯾر ﺑدﻧﮫ ﻷن ﻧﻔﺳﮫ ﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﺑدﻧﮫ إﻻ أن‬
‫ﻟﮫ ﻧوع وﻧزوع وﺷوق إﻟﻰ ﺗدﺑﯾره ﺧﻠق ذﻟك ﻓﻲ ﺟﺑﻠﺗﮫ ﻓﺈذا ﺟﺎز أن ﺗطﯾﻌﮫ أﺟﺳﺎم ﺑدﻧﮫ ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾطﯾﻌﮫ‬
‫ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﯾﺗطﻠﻊ ﻧﻔﺳﮫ إﻟﻰ ھﺑوب رﯾﺢ أو ﻧزول ﻣطر أو ھﺟوم ﺻﺎﻋﻘﺔ أو ﺗزﻟزل أرض ﻟﺗﺧﺳف ﺑﻘوم‪ ،‬وذﻟك‬
‫ﻣوﻗوف ﺣﺻوﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺣدوث ﺑرودة أو ﺳﺧوﻧﺔ أو ﺣرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﮭواء‪ ،‬ﻓﯾﺣدث ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺗﻠك اﻟﺳﺧوﻧﺔ واﻟﺑرودة‬
‫وﯾﺗوﻟد ﻣﻧﮫ ھذه اﻷﻣور ﻣن ﻏﯾر ﺣﺿور ﺳﺑب طﺑﯾﻌﻲ ظﺎھر‪ ،‬وﯾﻛون ذﻟك ﻣﻌﺟزة ﻟﻠﻧﺑﻲ وﻟﻛﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﺣﺻل ذﻟك‬
‫ﻓﻲ ھواء ﻣﺳﺗﻌد ﻟﻠﻘﺑول وﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘﻠب اﻟﺧﺷب ﺣﯾواﻧﺎ ً وﯾﻧﻔﻠق اﻟﻘﻣر اﻟذي ﻻ ﯾﻘﺑل اﻹﻧﺧراق‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻻ ﻧﻧﻛره‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ ﻧﺛﺑت ﻣﻌﺟزات ﻏﯾرھﺎ ﯾﺳﺗﺛﻧوﻧﮭﺎ‬
‫ﻓﮭذا ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺟزات وﻧﺣن ﻻ ﻧﻧﻛر ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻣﺎ ذﻛروه وأن ذﻟك ﻣﻣﺎ ﯾﻛون ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء وإﻧﻣﺎ ﻧﻧﻛر اﻗﺗﺻﺎرھم‬
‫ﻋﻠﯾﮫ وﻣﻧﻌﮭم ﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً وإﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﻏﯾره ﻓﻠزم اﻟﺧوض ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻣﻌﺟزات وﻷﻣر‬
‫آﺧر وھو ﻧﺻرة ﻣﺎ أطﺑق ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن أن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء‪ .‬ﻓﻠﻧﺧض ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺻود‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻻﻗﺗران ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة‬
‫ﺳﺑﺑﺎ ً وﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً‬
‫اﻻﻗﺗران ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﺳﺑﺑﺎ ً وﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻋﻧدﻧﺎ ﺑل ﻛل ﺷﯾﺋﯾن ﻟﯾس ھذا ذاك وﻻ ذاك‬
‫ھذا‪ ،‬وﻻ إﺛﺑﺎت أﺣدھﻣﺎ ﻣﺗﺿﻣن ﻹﺛﺑﺎت اﻵﺧر وﻻ ﻧﻔﯾﮫ ﻣﺗﺿﻣن ﻟﻧﻔﻲ اﻵﺧر‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻣن ﺿرورة وﺟود أﺣدھﻣﺎ‬
‫وﺟود اﻵﺧر وﻻ ﻣن ﺿرورة ﻋدم أﺣدھﻣﺎ ﻋدم اﻵﺧر ﻣﺛل اﻟري واﻟﺷرب واﻟﺷﺑﻊ واﻷﻛل واﻻﺣﺗراق وﻟﻘﺎء‬
‫اﻟﻧﺎر واﻟﻧور وطﻠوع اﻟﺷﻣس واﻟﻣوت وﺟز اﻟرﻗﺑﺔ واﻟﺷﻔﺎء وﺷرب اﻟدواء وإﺳﮭﺎل اﻟﺑطن واﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﻣﺳﮭل‬
‫وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﻛل اﻟﻣﺷﺎھدات ﻣن اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت ﻓﻲ اﻟطب واﻟﻧﺟوم واﻟﺻﻧﺎﻋﺎت واﻟﺣرف‪ ،‬وإن اﻗﺗراﻧﮭﺎ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق‬
‫ﻣن ﺗﻘدﯾر ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺳﺎوق ﻻ ﻟﻛوﻧﮫ ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻔرق ﺑل ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور ﺧﻠق‬
‫اﻟﺷﺑﻊ دون اﻷﻛل وﺧﻠق اﻟﻣوت دون ﺟز اﻟرﻗﺑﺔ وإداﻣﺔ اﻟﺣﯾوة ﻣﻊ ﺟز اﻟرﻗﺑﺔ وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت‪،‬‬
‫وأﻧﻛر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إﻣﻛﺎﻧﮫ وادﻋوا اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺛﻼً اﻟﻧﺎر واﻟﻘطن‬
‫واﻟﻧظر ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور اﻟﺧﺎرﺟﺔ ﻋن اﻟﺣﺻر ﯾطول‪ ،‬ﻓﻠﻧﻌﯾن ﻣﺛﺎﻻً واﺣداً وھو اﻻﺣﺗراق ﻓﻲ اﻟﻘطن ﻣﺛﻼً ﻣﻊ‬
‫ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر‪ ،‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺟوز وﻗوع اﻟﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ دون اﻻﺣﺗراق وﻧﺟوز ﺣدوث اﻧﻘﻼب اﻟﻘطن رﻣﺎداً ﻣﺣﺗرﻗﺎ ً دون‬
‫ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر وھم ﯾﻧﻛرون ﺟوازه‪.‬‬
‫ﻗول اﻟﺧﺻم ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ھو اﻟﻧﺎر ﻓﻘط وھو ﻓﺎﻋل ﺑﺎﻟطﺑﻊ‬
‫وﻟﻠﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺛﻠﺛﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎت‪ :‬اﻟﻣﻘﺎم اﻷول أن ﯾدﻋﻲ اﻟﺧﺻم أن ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ھو اﻟﻧﺎر ﻓﻘط وھو ﻓﺎﻋل‬
‫ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮫ اﻟﻛف ﻋﻣﺎ ھو طﺑﻌﮫ ﺑﻌد ﻣﻼﻗﺎﺗﮫ ﻟﻣﺣل ﻗﺎﺑل ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ﻟﯾس ھو اﻟﻧﺎر ﺑل ﷲ‬
‫وھذا ﻣﻣﺎ ﻧﻧﻛره ﺑل ﻧﻘول‪ :‬ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ﺑﺧﻠق اﻟﺳواد ﻓﻲ اﻟﻘطن واﻟﺗﻔرق ﻓﻲ أﺟزاﺋﮫ وﺟﻌﻠﮫ ﺣراﻗﺎ ً أو رﻣﺎداً‬
‫ھو ﷲ إﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أو ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﺎر وھﻲ ﺟﻣﺎد ﻓﻼ ﻓﻌل ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وھذا ﯾﻛون ﺑﺎﻟﺣﺻول ﻋﻧده ﻻ ﺑﺎﻟﺣﺻول ﺑﮫ‬
‫ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋل وﻟﯾس ﻟﮫ دﻟﯾل إﻻ ﻣﺷﺎھدة ﺣﺻول اﻻﺣﺗراق ﻋﻧد ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر؟ واﻟﻣﺷﺎھدة ﺗدل ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺣﺻول ﻋﻧده وﻻ ﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺻول ﺑﮫ وأﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﺳواه‪ ،‬إذ ﻻ ﺧﻼف ﻓﻲ أن اﻧﺳﻼك اﻟروح واﻟﻘوى‬
‫اﻟﻣدرﻛﺔ واﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻧطﻔﺔ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻟﯾس ﯾﺗوﻟد ﻋن اﻟطﺑﺎﺋﻊ اﻟﻣﺣﺻورة ﻓﻲ اﻟﺣرارة واﻟﺑرودة واﻟرطوﺑﺔ‬
‫واﻟﯾﺑوﺳﺔ وﻻ أن اﻷب ﻓﺎﻋل اﺑﻧﮫ ﺑﺈﯾداع اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﻲ اﻟرﺣم وﻻ ھو ﻓﺎﻋل ﺣﯾوﺗﮫ وﺑﺻره وﺳﻣﻌﮫ وﺳﺎﺋر اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‬
‫اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻣﻌﻠوم أﻧﮭﺎ ﻣوﺟودة ﻋﻧده‪ ،‬وﻟم ﻧﻘل أﻧﮭﺎ ﻣوﺟودة ﺑﮫ ﺑل وﺟودھﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻷول إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ‬
‫وإﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣوﻛﻠﯾن ﺑﮭذه اﻷﻣور اﻟﺣﺎدﺛﺔ‪ ،‬وھذا ﻣﻣﺎ ﯾﻘطﻊ ﺑﮫ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ واﻟﻛﻼم‬
‫ﻣﻌﮭم ﻓﻘد ﺗﺑﯾن أن اﻟوﺟود ﻋﻧد اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﻛﻣﮫ إذا ﺑﺻر ﻓﺟﺄة ورأى اﻷﻟوان ﻻ ﯾﻌﻠم أن ﻧور اﻟﺷﻣس ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻧطﺑﺎﻋﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﺻره ﺑل ﻧﺑﯾن ھذا‬
‫ﺑﻣﺛﺎل وھو أن اﻷﻛﻣﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ ﻏﺷﺎوة وﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﻣن اﻟﻧﺎس اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻠﯾل واﻟﻧﮭﺎر ﻟو اﻧﻛﺷﻔت‬
‫اﻟﻐﺷﺎوة ﻋن ﻋﯾﻧﮫ ﻧﮭﺎراً وﻓﺗﺢ أﺟﻔﺎﻧﮫ ﻓرأى اﻷﻟوان ظن أن اﻹدراك اﻟﺣﺎﺻل ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ ﻟﺻور اﻷﻟوان ﻓﺎﻋﻠﮫ‬
‫ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺻر وأﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺻره ﺳﻠﯾﻣﺎ ً وﻣﻔﺗوﺣﺎ ً واﻟﺣﺟﺎب ﻣرﺗﻔﻌﺎ ً واﻟﺷﺧص اﻟﻣﻘﺎﺑل ﻣﺗﻠوﻧﺎ ً ﻓﯾﻠزم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أن‬
‫ﯾﺑﺻر‪ ،‬وﻻ ﯾﻌﻘل أن ﻻ ﯾﺑﺻر ﺣﺗﻰ إذا ﻏرﺑت اﻟﺷﻣس وأظﻠم اﻟﮭواء ﻋﻠم أن ﻧور اﻟﺷﻣس ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻧطﺑﺎع‬
‫اﻷﻟوان ﻓﻲ ﺑﺻره‪ .‬ﻓﻣن أﯾن ﯾﺄﻣن اﻟﺧﺻم أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻟﻠوﺟود ﻋﻠل وأﺳﺑﺎب ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺣوادث ﻋﻧد‬
‫ﺣﺻول ﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾﻧﮭﺎ؟ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻟﯾﺳت ﺗﻧﻌدم وﻻ ھﻲ أﺟﺳﺎم ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻓﺗﻐﯾب‪ ،‬وﻟو اﻧﻌدﻣت أو ﻏﺎﺑت ﻷدرﻛﻧﺎ‬
‫اﻟﺗﻔرﻗﺔ وﻓﮭﻣﻧﺎ أن ﺛم ﺳﺑﺑﺎ ً وراء ﻣﺎ ﺷﺎھدﻧﺎه‪ ،‬وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﯾﺎس أﺻﻠﮭم‪.‬‬
‫وواھب اﻟﺻور‪! ...‬‬
‫وﻟﮭذا اﺗﻔق ﻣﺣﻘﻘوھم ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻷﻋراض واﻟﺣوادث اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺻل ﻋﻧد وﻗوع اﻟﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾن اﻷﺟﺳﺎم وﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋﻧد اﺧﺗﻼف ﻧﺳﺑﮭﺎ إﻧﻣﺎ ﺗﻔﯾض ﻣن ﻋﻧد واھب اﻟﺻور وھو ﻣﻠك أو ﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻗﺎﻟوا‪ :‬اﻧطﺑﺎع ﺻورة‬
‫اﻷﻟوان ﻓﻲ اﻟﻌﯾن ﯾﺣﺻل ﻣن ﺟﮭﺔ واھب اﻟﺻور وإﻧﻣﺎ طﻠوع اﻟﺷﻣس واﻟﺣدﻗﺔ اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ واﻟﺟﺳم اﻟﻣﺗﻠون ﻣﻌدات‬
‫وﻣﮭﯾﺋﺎت ﻟﻘﺑول اﻟﻣﺣل ھذه اﻟﺻورة‪ ،‬وطردوا ھذا ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎدث‪ ،‬وﺑﮭذا ﯾﺑطل دﻋوى ﻣن ﯾدﻋﻲ أن اﻟﻧﺎر ھﻲ‬
‫اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻟﻼﺣﺗراق واﻟﺧﺑز ھو اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠﺷﺑﻊ واﻟدواء ھو اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠﺻﺣﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﺳﺑﺎب‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﺣوادث ﺗﻔﯾض ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﺑﺎﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ‬
‫وﻟﻛن اﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﯾﺣﺻل ﺑﮭذه اﻷﺳﺑﺎب‬
‫اﻟﻣﻘﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﻊ ﻣن ﯾﺳﻠم أن ھذه اﻟﺣوادث ﺗﻔﯾض ﻣن ﻣﺑﺎدئ اﻟﺣوادث وﻟﻛن اﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﯾﺣﺻل‬
‫ﺑﮭذه اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﺷﺎھدة اﻟﺣﺎﺿرة‪ ،‬إﻻ أن ﺗﯾك اﻟﻣﺑﺎدئ أﯾﺿﺎ ً ﺗﺻدر اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل‬
‫اﻟﺗروي واﻻﺧﺗﯾﺎر ﺻدور اﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس‪ ،‬وإﻧﻣﺎ اﻓﺗرﻗت اﻟﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻘﺑول ﻻﺧﺗﻼف اﺳﺗﻌدادھﺎ ﻓﺈن اﻟﺟﺳم‬
‫اﻟﺻﻘﯾل ﯾﻘﺑل ﺷﻌﺎع اﻟﺷﻣس وﯾرده ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗﺿﻲء ﺑﮫ ﻣوﺿﻊ آﺧر واﻟﻣدر ﻻ ﯾﻘﺑل واﻟﮭواء ﻻ ﯾﻣﻧﻊ ﻧﻔوذ ﻧوره‬
‫واﻟﺣﺟر ﯾﻣﻧﻊ وﺑﻌض اﻷﺷﯾﺎء ﯾﻠﯾن ﺑﺎﻟﺷﻣس وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺗﺻﻠب وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺑﯾض ﻛﺛوب اﻟﻘﺻﺎر وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺳود‬
‫ﻛوﺟﮭﮫ‪ ،‬واﻟﻣﺑدأ واﺣد واﻵﺛﺎر ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻﺧﺗﻼف اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﻲ اﻟﻣﺣل‪ ،‬ﻓﻛذى ﻣﺑﺎدئ اﻟوﺟود ﻓﯾﺎﺿﺔ ﺑﻣﺎ ھو‬
‫ﺻﺎدر ﻣﻧﮭﺎ ﻻ ﻣﻧﻊ ﻋﻧدھﺎ وﻻ ﺑﺧل وإﻧﻣﺎ اﻟﺗﻘﺻﯾر ﻣن اﻟﻘواﺑل‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﻹﺑراھﯾم أﻻ ﯾﻛون ﻗد اﺣﺗرق‬
‫وإذا ﻛﺎن ﻛذﻟك ﻓﻣﮭﻣﺎ ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﻧﺎر ﺑﺻﻔﺗﮭﺎ وﻓرﺿﻧﺎ ﻗطﻧﺗﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺗﯾن ﻻﻗﺗﺎ اﻟﻧﺎر ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻓﻛﯾف‬
‫ﯾﺗﺻور أن ﺗﺣﺗرق إﺣدﯾﮭﻣﺎ دون اﻷﺧرى وﻟﯾس ﺛم اﺧﺗﯾﺎر؟ وﻋن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ أﻧﻛروا وﻗوع إﺑراھﯾم ﻓﻲ اﻟﻧﺎر‬
‫ﻣﻊ ﻋدم اﻻﺣﺗراق وﺑﻘﺎء اﻟﻧﺎر ﻧﺎراً وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ ﺑﺳﻠب اﻟﺣرارة ﻣن اﻟﻧﺎر وذﻟك ﯾﺧرﺟﮫ ﻋن‬
‫ﻛوﻧﮫ ﻧﺎراً أو ﺑﻘﻠب ذات إﺑراھﯾم وﺑدﻧﮫ ﺣﺟراً أو ﺷﯾﺋﺎ ً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟﻧﺎر‪ ،‬وﻻ ھذا ﻣﻣﻛن وﻻ ذاك ﻣﻣﻛن‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ إن ﷲ ﯾﻔﻌل ﺑﺎﻹرادة‬
‫واﻟﺟواب ﻟﮫ ﻣﺳﻠﻛﺎن‪ :‬اﻷول أن ﻧﻘول‪ :‬ﻻ ﻧﺳﻠم أن اﻟﻣﺑﺎدي ﻟﯾﺳت ﺗﻔﻌل ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر وأن ﷲ ﻻ ﯾﻔﻌل ﺑﺎﻹرادة‪ ،‬وﻗد‬
‫ﻓرﻏﻧﺎ ﻋن إﺑطﺎل دﻋواھم ﻓﻲ ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬وإذا ﺛﺑت أن اﻟﻔﺎﻋل ﯾﺧﻠق اﻻﺣﺗراق ﺑﺈرادﺗﮫ ﻋﻧد‬
‫ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻘطﻧﺔ اﻟﻧﺎر أﻣﻛن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل أن ﻻ ﯾﺧﻠق ﻣﻊ وﺟود اﻟﻣﻼﻗﺎة‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم أﻓﻼ أرى ﺑﯾن ﯾدي ﺳﺑﺎﻋﺎ ً ﺿﺎرﯾﺔ؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﮭذا ﯾﺟر إﻟﻰ ارﺗﻛﺎب ﻣﺣﺎﻻت ﺷﻧﯾﻌﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ إذا أﻧﻛرت ﻟزوم اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ﻋن أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وأﺿﯾف إﻟﻰ إرادة‬
‫ﻣﺧﺗرﻋﮭﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻟﻺرادة أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﮭﺞ ﻣﺧﺻوص ﻣﺗﻌﯾن ﺑل أﻣﻛن ﺗﻔﻧﻧﮫ وﺗﻧوﻋﮫ ﻓﻠﯾﺟوز ﻛل واﺣد ﻣﻧﺎ أن ﯾﻛون‬
‫ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﺳﺑﺎع ﺿﺎرﯾﺔ وﻧﯾران ﻣﺷﺗﻌﻠﺔ وﺟﺑﺎل راﺳﯾﺔ وأﻋداء ﻣﺳﺗﻌدة ﺑﺎﻷﺳﻠﺣﺔ وھو ﻻ ﯾراھﺎ ﻷن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﻟﯾس ﯾﺧﻠق اﻟرؤﯾﺔ ﻟﮫ‪.‬‬
‫إذا وﺿﻌت ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻲ أﻓﻼ أﻋﻠم أﻧﮫ اﻧﻘﻠب ﻏﻼﻣﺎً؟‬
‫وﻣن وﺿﻊ ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ ﻓﻠﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻗد اﻧﻘﻠب ﻋﻧد رﺟوﻋﮫ إﻟﻰ ﺑﯾﺗﮫ ﻏﻼﻣﺎ ً أﻣرد ﻋﺎﻗﻼً ﻣﺗﺻرﻓﺎ ً أو اﻧﻘﻠب‬
‫ﺣﯾواﻧﺎً‪ ،‬أو ﺗرك ﻏﻼﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ ﻓﻠﯾﺟوز اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻛﻠﺑﺎ ً أو ﺗرك اﻟرﻣﺎد ﻓﻠﯾﺟوز اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻣﺳﻛﺎ ً واﻧﻘﻼب اﻟﺣﺟر ذھﺑﺎ ً‬
‫واﻟذھب ﺣﺟراً‪ .‬وإذا ﺳﺋل ﻋن ﺷﻲء ﻣن ھذا ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘول‪ :‬ﻻ أدري ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻵن وإﻧﻣﺎ اﻟﻘدر اﻟذي‬
‫أﻋﻠﻣﮫ أﻧﻲ ﺗرﻛت ﻓﻲ اﻟﺑﯾت ﻛﺗﺎﺑﺎ ً وﻟﻌﻠﮫ اﻵن ﻓرس وﻗد ﻟطﺦ ﺑﯾت اﻟﻛﺗب ﺑﺑوﻟﮫ وروﺛﮫ‪ ،‬وإﻧﻲ ﺗرﻛت ﻓﻲ اﻟﺑﯾت‬
‫ﺟرة ﻣن اﻟﻣﺎء وﻟﻌﻠﮭﺎ اﻧﻘﻠﺑت ﺷﺟرة ﺗﻔﺎح‪ ،‬ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء وﻟﯾس ﻣن ﺿرورة اﻟﻔرس أن ﯾﺧﻠق ﻣن‬
‫اﻟﻧطﻔﺔ وﻻ ﻣن ﺿرورة اﻟﺷﺟرة أن ﺗﺧﻠق ﻣن اﻟﺑذر ﺑل ﻟﯾس ﻣن ﺿرورﺗﮫ أن ﯾﺧﻠق ﺷﻲء ﻓﻠﻌﻠﮫ ﺧﻠق أﺷﯾﺎء ﻟم‬
‫ﯾﻛن ﻟﮭﺎ وﺟود ﻣن ﻗﺑل‪ ،‬ﺑل إذا ﻧظر إﻟﻰ إﻧﺳﺎن ﻟم ﯾره إﻻ اﻵن وﻗﯾل ﻟﮫ‪ :‬ھل ھذا ﻣوﻟود‪ :‬؟ ﻓﻠﯾﺗردد وﻟﯾﻘل ﯾﺣﺗﻣل‬
‫أن ﯾﻛون ﺑﻌض اﻟﻔواﻛﮫ ﻓﻲ اﻟﺳوق ﻗد اﻧﻘﻠب إﻧﺳﺎﻧﺎ ً وھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء ﻣﻣﻛن وھذا‬
‫ﻣﻣﻛن ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺗردد ﻓﯾﮫ‪ ،‬وھذا ﻓن ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻣﺟﺎل ﻓﻲ ﺗﺻوﯾره وھذا اﻟﻘدر ﻛﺎف ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄن ھذه اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻟم ﯾﻌﻠﻣﮭﺎ‬
‫واﻟﺟواب أن ﻧﻘول‪ :‬إن ﺛﺑت أن اﻟﻣﻣﻛن ﻛوﻧﮫ ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺧﻠق ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻋﻠم ﺑﻌدم ﻛوﻧﮫ ﻟزم ھذه اﻟﻣﺣﺎﻻت‪.‬‬
‫وﻧﺣن ﻻ ﻧﺷك ﻓﻲ ھذه اﻟﺻور اﻟﺗﻲ أوردﺗﻣوھﺎ ﻓﺈن ﷲ ﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄن ھذه اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻟم ﯾﻔﻌﻠﮭﺎ‪ ،‬وﻟم ﻧدع أن‬
‫ھذه اﻷﻣور واﺟﺑﺔ ﺑل ھﻲ ﻣﻣﻛﻧﺔ ﯾﺟوز أن ﺗﻘﻊ وﯾﺟوز أن ﻻ ﺗﻘﻊ‪ ،‬واﺳﺗﻣرار اﻟﻌﺎدة ﺑﮭﺎ ﻣرة ﺑﻌد أﺧرى ﯾرﺳﺦ‬
‫ﻓﻲ أذھﺎﻧﻧﺎ ﺟرﯾﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻟﻌﺎدة اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﺗرﺳﺧﺎ ً ﻻ ﺗﻧﻔك ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫اﻟﻌﻠم ﺑﺣدوث اﻟﻣﻣﻛن ﯾﺟوز ﻟﻠﻧﺑﻲ ﻻ ﻟﻠﻌﺎﻣﻲ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﺑل ﯾﺟوز أن ﯾﻌﻠم ﻧﺑﻲ ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺎﻟطرق اﻟﺗﻲ ذﻛرﺗﻣوھﺎ أن ﻓﻼﻧﺎ ﻻ ﯾﻘدم ﻣن ﺳﻔره ﻏدا‪ ،‬وﻗدوﻣﮫ ﻣﻣﻛن وﻟﻛن‬
‫ﯾﻌﻠم ﻋدم وﻗوع ذﻟك اﻟﻣﻣﻛن‪ ،‬ﺑل ﻛﻣﺎ ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣﻲ ﻓﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌﻠم اﻟﻐﯾب ﻓﻲ أﻣر ﻣن اﻷﻣور وﻻ ﯾدرك‬
‫اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣن ﻏﯾر ﺗﻌﻠم‪ ،‬وﻣﻊ ذﻟك ﻓﻼ ﯾﻧﻛر أن ﺗﺗﻘوى ﻧﻔﺳﮫ وﺣدﺳﮫ ﺑﺣﯾث ﯾدرك ﻣﺎ ﯾدرﻛﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ‬
‫اﻋﺗرﻓوا ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮫ‪ ،‬وﻟﻛن ﯾﻌﻠﻣون أن ذﻟك ﻟم ﯾﻘﻊ‪ ،‬ﻓﺈن ﺧرق ﷲ اﻟﻌﺎدة ﺑﺈﯾﻘﺎﻋﮭﺎ ﻓﻲ زﻣﺎن ﺧرق اﻟﻌﺎدات ﻓﯾﮭﺎ‬
‫اﻧﺳﻠت ھذه اﻟﻌﻠوم ﻋن اﻟﻘﻠوب وﻟم ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ‪ .‬ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ إذن ﻣن أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻘدورات ﷲ وﯾﻛون ﻗد‬
‫ﺟرى ﻓﻲ ﺳﺎﺑق ﻋﻠﻣﮫ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﻌﻠﮫ ﻣﻊ إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت وﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ اﻟﻌﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻔﻌﻠﮫ ﻓﻲ ذﻟك‬
‫اﻟوﻗت‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم إﻻ ﺗﺷﻧﯾﻊ ﻣﺣض‪.‬‬
‫إن ﷲ ﯾﻐﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺎر أو ﺻﻔﺔ إﺑراھﯾم‬
‫اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ وﻓﯾﮫ اﻟﺧﻼص ﻣن ھذه اﻟﺗﺷﻧﯾﻌﺎت وھو أن ﻧﺳﻠم أن اﻟﻧﺎر ﺧﻠﻘت ﺧﻠﻘﺔ إذا ﻻﻗﺎھﺎ ﻗطﻧﺗﺎن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺗﺎن‬
‫أﺣرﻗﺗﮭﻣﺎ وﻟم ﺗﻔرق ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إذا ﺗﻣﺎﺛﻠﺗﺎ ﻣن ﻛل وﺟﮫ‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ ﻣﻊ ھذا ﻧﺟوز أن ﯾﻠﻘﻰ ﻧﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ﻓﻼ ﯾﺣﺗرق إﻣﺎ‬
‫ﺑﺗﻐﯾﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺎر أو ﺑﺗﻐﯾﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺑﻲ ﻓﯾﺣدث ﻣن ﷲ أو ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﺻﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ﯾﻘﺻر ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺟﺳﻣﮭﺎ ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﺗﻌداه ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮭﺎ ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ وﺗﻛون ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻟﻧﺎر وﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ وﻟﻛن ﻻ ﺗﺗﻌدى ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ‬
‫وأﺛرھﺎ أو ﯾﺣدث ﻓﻲ ﺑدن اﻟﺷﺧص ﺻﻔﺔ وﻻ ﯾﺧرﺟﮫ ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻟﺣﻣﺎ ً وﻋظﻣﺎ ً ﻓﯾدﻓﻊ أﺛر اﻟﻧﺎر‪.‬‬
‫ﻣن ﯾطﻠﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟطﻠق ﻻ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻧﺎر‬
‫ﻓﺈﻧﺎ ﻧرى ﻣن ﯾطﻠﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟطﻠق ﺛم ﯾﻘﻌد ﻓﻲ ﺗﻧور ﻣوﻗدة وﻻ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﮫ‪ .‬واﻟذي ﻟم ﯾﺷﺎھد ذﻟك ﯾﻧﻛره‪ .‬ﻓﺈﻧﻛﺎر‬
‫اﻟﺧﺻم اﺷﺗﻣﺎل اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﻣن اﻟﺻﻔﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﺎر أو ﻓﻲ اﻟﺑدن ﯾﻣﻧﻊ اﻻﺣﺗراق ﻛﺈﻧﻛﺎر ﻣن ﻟم ﯾﺷﺎھد‬
‫اﻟطﻠق وأﺛره‪ .‬وﻓﻲ ﻣﻘدورات ﷲ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب وﻧﺣن ﻟم ﻧﺷﺎھد ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﻧﺣﻛم‬
‫ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮭﺎ؟‬
‫إن ﷲ ﯾﻐﯾر اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻣﻣﺎ ﻋﮭد ﻓﯾﮫ‬
‫وﻛذﻟك إﺣﯾﺎء اﻟﻣﯾت وﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً ﯾﻣﻛن ﺑﮭذا اﻟطرﯾق وھو أن اﻟﻣﺎدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻛل ﺷﻲء ﻓﺎﻟﺗراب وﺳﺎﺋر‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻧﺑﺎﺗﺎ ً ﺛم اﻟﻧﺑﺎت ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻧد أﻛل اﻟﺣﯾوان دﻣﺎ ً ﺛم اﻟدم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣﻧﯾﺎ ً ﺛم اﻟﻣﻧﻲ ﯾﻧﺻب ﻓﻲ اﻟرﺣم‬
‫ﻓﯾﺗﺧﻠق ﺣﯾواﻧﺎً‪ ،‬وھذا ﺑﺣﻛم اﻟﻌﺎدة واﻗﻊ ﻓﻲ زﻣﺎن ﻣﺗطﺎول ﻓﻠم ﯾﺣﯾل اﻟﺧﺻم أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﻘدور ﷲ أن ﯾدﯾر‬
‫اﻟﻣﺎدة ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻣﻣﺎ ﻋﮭد ﻓﯾﮫ‪ ،‬وإذا ﺟﺎز ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻓﻼ ﺿﺑط ﻟﻸﻗل ﻓﺗﺳﺗﻌﺟل ھذه‬
‫اﻟﻘوى ﻓﻲ ﻋﻣﻠﮭﺎ وﯾﺣﺻل ﺑﮫ ﻣﺎ ھو ﻣﻌﺟزة اﻟﻧﺑﻲ‪.‬‬
‫اﻋﺗراض أﯾﺻدر ھﻧﺎ ﻣن ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ أم ﻣن ﻣﺑدأ آﺧر؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬وھذا ﯾﺻدر ﻣن ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ أو ﻣن ﻣﺑدأ آﺧر ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﻋﻧد اﻗﺗراح اﻟﻧﺑﻲ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن ﷲ ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻧﺑوة‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬وﻣﺎ ﺳﻠﻣﺗﻣوه ﻣن ﺟواز ﻧزول اﻷﻣطﺎر واﻟﺻواﻋق وﺗزﻟزل اﻷرض ﺑﻘوة ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ أو ﻣن‬
‫ﻣﺑدأ آﺧر‪ .‬ﻓﻘوﻟﻧﺎ ﻓﻲ ھذا ﻛﻘوﻟﻛم ﻓﻲ ذاك واﻷوﻟﻰ ﺑﻧﺎ وﺑﻛم إﺿﺎﻓﺔ ذﻟك إﻟﻰ ﷲ إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ أو ﺑواﺳطﺔ‬
‫اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪ .‬وﻟﻛن وﻗت اﺳﺗﺣﻘﺎق ﺣﺻوﻟﮭﺎ اﻧﺻراف ھﻣﺔ اﻟﻧﺑﻲ إﻟﯾﮫ وﺗﻌﯾن ﻧظﺎم اﻟﺧﯾر ﻓﻲ ظﮭوره ﻻﺳﺗﻣرار‬
‫ﻧظﺎم اﻟﺷرع ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻣرﺟﺣﺎ ً ﺟﮭﺔ اﻟوﺟود وﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً واﻟﻣﺑدأ ﺑﮫ ﺳﻣﺣﺎ ً ﺟواداً‪ ،‬وﻟﻛن ﻻ‬
‫ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ إﻻ إذا ﺗرﺟﺣت اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ وﺟوده وﺻﺎر اﻟﺧﯾر‪ ،‬ﻣﺗﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﻻ ﯾﺻﯾر اﻟﺧﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﯾﮫ إﻻ إذا‬
‫اﺣﺗﺎج ﻧﺑﻲ ﻓﻲ إﺛﺑﺎت ﻧﺑوﺗﮫ إﻟﯾﮫ ﻹﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر‪.‬‬
‫ھذا ﻻﺋق ﺑﻣﺳﺎق ﻛﻼﻣﮭم وﻻزم ﻟﮭم‬
‫ﻓﮭذا ﻛﻠﮫ ﻻﺋق ﺑﻣﺳﺎق ﻛﻼﻣﮭم وﻻزم ﻟﮭم ﻣﮭﻣﺎ ﻓﺗﺣوا ﺑﺎب اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻟﻠﻧﺑﻲ ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﺧﺎﻟف ﻋﺎدة اﻟﻧﺎس‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ﻣﻘﺎدﯾر ذﻟك اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻻ ﯾﻧﺿﺑط ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻓﻠم ﯾﺟب ﻣﻌﮫ اﻟﺗﻛذﯾب ﻟﻣﺎ ﺗواﺗر ﻧﻘﻠﮫ وورد اﻟﺷرع‬
‫ﺑﺗﺻدﯾﻘﮫ‪.‬‬
‫ﺗﻘﺑل اﻟﺻور ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺑﺳﺑب اﺧﺗﻼف اﻻﺳﺗﻌداد‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻘﺑل ﺻورة اﻟﺣﯾوان إﻻ اﻟﻧطﻔﺔ وإﻧﻣﺎ ﺗﻔﯾض اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ھﻲ ﻣﺑﺎدي اﻟﻣوﺟودات ﻋﻧدھم وﻟم ﯾﺗﺧﻠق ﻗط ﻣن ﻧطﻔﺔ اﻹﻧﺳﺎن إﻻ إﻧﺳﺎن وﻣن ﻧطﻔﺔ اﻟﻔرس إﻻ ﻓرس ﻣن ﺣﯾث‬
‫أن ﺣﺻوﻟﮫ ﻣن اﻟﻔرس أوﺟب ﺗرﺟﯾﺣﺎ ً ﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺻورة اﻟﻔرس ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﺻور ﻓﻠم ﯾﻘﺑل إﻻ اﻟﺻورة‬
‫اﻟﻣﺗرﺟﺣﺔ ﺑﮭذا اﻟطرﯾق‪ ،‬وﻟذﻟك ﻟم ﯾﻧﺑت ﻗط ﻣن اﻟﺷﻌﯾر ﺣﻧطﺔ وﻻ ﻣن ﺑذر اﻟﻛﻣﺛرى ﺗﻔﺎح‪ .‬ﺛم رأﯾﻧﺎ أﺟﻧﺎﺳﺎ ً ﻣن‬
‫اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﺗﺗوﻟد ﻣن اﻟﺗراب وﻻ ﺗﺗواﻟد ﻗط ﻛﺎﻟدﯾدان وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺗوﻟد وﯾﺗواﻟد ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻛﺎﻟﻔﺎر واﻟﺣﯾﺔ واﻟﻌﻘرب وﻛﺎن‬
‫ﺗوﻟدھﺎ ﻣن اﻟﺗراب وﯾﺧﺗﻠف اﺳﺗﻌدادھﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﺑﺄﻣور ﻏﺎﺑت ﻋﻧﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻹطﻼع‬
‫ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ ،‬إذ ﻟﯾس ﺗﻔﯾض اﻟﺻور ﻋﻧدھم ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﺑﺎﻟﺗﺷﮭﻲ وﻻ ﺟزاﻓﺎ ً ﺑل ﻻ ﯾﻔﯾض ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺣل إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﯾن‬
‫ﻗﺑوﻟﮫ ﻟﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺗﻌداً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬واﻻﺳﺗﻌدادات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺑﺎدﺋﮭﺎ ﻋﻧدھم اﻣﺗزاﺟﺎت اﻟﻛواﻛب واﺧﺗﻼف ﻧﺳب‬
‫اﻷﺟرام اﻟﻌﻠوﯾﺔ ﻓﻲ ﺣرﻛﺎﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﯾﮭﺎ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب‬
‫ﻓﻘد اﻧﻔﺗﺢ ﻣن ھذا أن ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﯾﮭﺎ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب ﺣﺗﻰ ﺗوﺻل أرﺑﺎب اﻟطﻠﺳﻣﺎت ﻣن ﻋﻠم‬
‫ﺧواص اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ وﻋﻠم اﻟﻧﺟوم إﻟﻰ ﻣزج اﻟﻘوى اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﺑﺎﻟﺧواص اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ ﻓﺎﺗﺧذوا أﺷﻛﺎﻻً ﻣن ھذه‬
‫اﻷرﺿﯾﺔ وطﻠﺑوا ﻟﮭﺎ طﺎﻟﻌﺎ ً ﻣﺧﺻوﺻﺎ ً ﻣن اﻟطواﻟﻊ وأﺣدﺛوا ﺑﮭﺎ أﻣوراً ﻏرﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓرﺑﻣﺎ دﻓﻌوا اﻟﺣﯾﺔ‬
‫واﻟﻌﻘرب ﻋن ﺑﻠد واﻟﺑق ﻋن ﺑﻠد إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن أﻣور ﺗﻌرف ﻣن ﻋﻠم اﻟطﻠﺳﻣﺎت‪.‬‬
‫ﻟﻣﺎذا ﻻ ﯾﺣﺻل ھذا ﻓﻲ أﻗرب زﻣﺎن ﻓﺗﻛون ﻣﻌﺟزة؟‬
‫ﻓﺈذا ﺧرﺟت ﻋن اﻟﺿﺑط ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات وﻟم ﻧﻘف ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻟﻧﺎ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﺣﺻرھﺎ ﻓﻣن أﯾن‬
‫ﻧﻌﻠم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺟﺳﺎم ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻷطوار ﻓﻲ أﻗرب زﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗﻌد ﻟﻘﺑول‬
‫ﺻورة ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺳﺗﻌد ﻟﮭﺎ ﻣن ﻗﺑل وﯾﻧﺗﮭض ذﻟك ﻣﻌﺟزة؟ ﻣﺎ إﻧﻛﺎر ھذا إﻻ ﻟﺿﯾق اﻟﺣوﺻﻠﺔ واﻷﻧس‬
‫ﺑﺎﻟﻣوﺟودات اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟذھول ﻋن أﺳرار ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻘﺔ واﻟﻔطرة‪ ،‬وﻣن اﺳﺗﻘرأ ﻋﺟﺎﺋب اﻟﻌﻠوم ﻟم ﯾﺳﺗﺑﻌد‬
‫ﻣن ﻗدرة ﷲ ﻣﺎ ﯾﺣﻛﻰ ﻣن ﻣﻌﺟزات اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال‪.‬‬
‫اﻋﺗراض إذا ﺣددﺗم اﻟﻣﺣﺎل ھﻛذا‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻓﻧﺣن ﻧﺳﺎﻋدﻛم ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﻣﻛن ﻣﻘدور وأﻧﺗم ﺗﺳﺎﻋدون ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﺣﺎل ﻓﻠﯾس ﺑﻣﻘدور‪ ،‬وﻣن‬
‫اﻷﺷﯾﺎء ﻣﺎ ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮭﺎ وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻌرف إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻘف اﻟﻌﻘل ﻓﻼ ﯾﻘﺿﻲ ﻓﯾﮫ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﻻ إﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫ﻓﺎﻵن ﻣﺎ ﺣد اﻟﻣﺣﺎل ﻋﻧدﻛم؟ ﻓﺈن رﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ﻓﻲ ﺷﻲء واﺣد ﻓﻘوﻟوا إن ﻛل ﺷﯾﺋﯾن ﻟﯾس‬
‫ھذا ذاك وﻻ ذاك ھذا ﻓﻼ ﯾﺳﺗدﻋﻲ وﺟود أﺣدھﻣﺎ وﺟود اﻵﺧر‪.‬‬
‫ﻓﺎ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺧﻠق اﻟﻣﺣﺎل‬
‫وﻗوﻟوا إن ﷲ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺧﻠق إرادة ﻣن ﻏﯾر ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻣراد وﺧﻠق ﻋﻠم ﻣن ﻏﯾر ﺣﯾوة وﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺣرك ﯾد‬
‫ﻣﯾت وﯾﻘﻌده وﯾﻛﺗب ﺑﯾد ﻣﺟﻠدات وﯾﺗﻌﺎطﻰ ﺻﻧﺎﻋﺎت وھو ﻣﻔﺗوح اﻟﻌﯾن ﻣﺣدق ﺑﺻره ﻧﺣوه وﻟﻛﻧﮫ ﻻ ﯾرى وﻻ‬
‫ﺣﯾوة ﻓﯾﮫ وﻻ ﻗدرة ﻟﮫ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ھذه اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﻧظوﻣﺔ ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻊ ﺗﺣرﯾك ﯾده واﻟﺣرﻛﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ‬
‫ﷲ‪ ،‬وﺑﺗﺟوﯾز ھذا ﯾﺑطل اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﺣرﻛﺔ اﻻﺧﺗﯾﺎرﯾﺔ وﺑﯾن اﻟرﻋدة ﻓﻼ ﯾدل اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم وﻻ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗدرة اﻟﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس ﻓﯾﻘﻠب اﻟﺟوھر ﻋرﺿﺎ وﯾﻘﻠب اﻟﻌﻠم ﻗدرة واﻟﺳواد ﺑﯾﺎﺿﺎ واﻟﺻوت راﺋﺣﺔ‬
‫ﻛﻣﺎ اﻗﺗدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻟﺟﻣﺎد ﺣﯾواﻧﺎ ً واﻟﺣﺟر ذھﺑﺎً‪ ،‬وﯾﻠزم ﻋﻠﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺣﺎﻻت ﻣﺎ ﻻ ﺣﺻر ﻟﮫ‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﻻ‬
‫واﻟﺟواب أن اﻟﻣﺣﺎل ﻏﯾر ﻣﻘدور ﻋﻠﯾﮫ واﻟﻣﺣﺎل إﺛﺑﺎت اﻟﺷﻲء ﻣﻊ ﻧﻔﯾﮫ أو إﺛﺑﺎت اﻷﺧص ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻷﻋم أو إﺛﺑﺎت‬
‫اﻻﺛﻧﯾن ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻟواﺣد‪ ،‬وﻣﺎ ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ھذا ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺣﺎل وﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﺣﺎل ﻓﮭو ﻣﻘدور‪.‬‬
‫اﻟﻣﺣﺎل أن ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض‬
‫وأن ﯾﻛون اﻟﺷﺧص ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن‪ ...‬اﻟﺦ‬
‫أﻣﺎ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﻓﻣﺣﺎل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻔﮭم ﻣن إﺛﺑﺎت ﺻورة اﻟﺳواد ﻓﻲ اﻟﻣﺣل ﻧﻔﻲ ھﯾﺋﺔ اﻟﺑﯾﺎض‬
‫ووﺟود اﻟﺳواد ﻓﺈذا ﺻﺎر ﻧﻔﻲ اﻟﺑﯾﺎض ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﻣن إﺛﺑﺎت اﻟﺳواد ﻛﺎن إﺛﺑﺎت اﻟﺑﯾﺎض ﻣﻊ ﻧﻔﯾﮫ ﻣﺣﺎﻻً‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﻻ‬
‫ﯾﺟوز ﻛون اﻟﺷﺧص ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن ﻷﻧﺎ ﻧﻔﮭم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت ﻋدم ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﺑﯾت ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾره ﻓﻲ‬
‫ﻏﯾر اﻟﺑﯾت ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻟﻣﻔﮭم ﻟﻧﻔﯾﮫ ﻋن ﻏﯾر اﻟﺑﯾت‪ .‬وﻛذﻟك ﻧﻔﮭم ﻣن اﻹرادة طﻠب ﻣﻌﻠوم ﻓﺈن ﻓرض‬
‫طﻠب وﻻ ﻋﻠم ﻟم ﺗﻛن إرادة ﻓﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﻧﻔﻲ ﻣﺎ ﻓﮭﻣﻧﺎه‪ .‬واﻟﺟﻣﺎد ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺧﻠق ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﻷﻧﺎ ﻧﻔﮭم ﻣن اﻟﺟﻣﺎد ﻣﺎ‬
‫ﻻ ﯾدرك ﻓﺈن ﺧﻠق ﻓﯾﮫ إدراك ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﺟﻣﺎداً ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﻓﮭﻣﻧﺎه ﻣﺣﺎل وإن ﻟم ﯾدرك ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ اﻟﺣﺎدث ﻋﻠﻣﺎ ً‬
‫وﻻ ﯾدرك ﺑﮫ ﻣﺣﻠﮫ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﺣﺎل ﻓﮭذا وﺟﮫ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ‪.‬‬
‫إن ﷲ ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس‪ ،‬ﻟﻌدم وﺟود ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ‬
‫ً‬
‫وأﻣﺎ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس ﻓﻘد ﻗﺎل ﺑﻌض اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن أﻧﮫ ﻣﻘدور ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻣﺻﯾر اﻟﺷﻲء ﺷﯾﺋﺎ آﺧر ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﻷن‬
‫اﻟﺳواد إذا اﻧﻘﻠب ﻗدرة ﻣﺛﻼً ﻓﺎﻟﺳواد ﺑﺎق أم ﻻ‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣﻌدوﻣﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب ﺑل ﻋدم ذاك ووﺟد ﻏﯾره وإن ﻛﺎن‬
‫ﻣوﺟوداً ﻣﻊ اﻟﻘدرة ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب وﻟﻛن اﻧﺿﺎف إﻟﯾﮫ ﻏﯾره وإن ﺑﻘﻲ اﻟﺳواد واﻟﻘدرة ﻣﻌدوﻣﺔ ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب ﺑل ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وإذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻧﻘﻠب اﻟدم ﻣﻧﯾﺎ ً أردﻧﺎ ﺑﮫ أن ﺗﻠك اﻟﻣﺎدة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﺧﻠﻌت ﺻورة وﻟﺑﺳت ﺻورة أﺧرى ﻓرﺟﻊ‬
‫اﻟﺣﺎﺻل إﻟﻰ أن ﺻورة ﻋدﻣت وﺻورة ﺣدﺛت وﺛم ﻣﺎدة ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻورﺗﺎن‪ .‬وإذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻧﻘﻠب اﻟﻣﺎء‬
‫ھواء ﺑﺎﻟﺗﺳﺧﯾن أردﻧﺎ ﺑﮫ أن اﻟﻣﺎدة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ ﺧﻠﻌت ھذه اﻟﺻورة وﻗﺑﻠت ﺻورة أﺧرى ﻓﺎﻟﻣﺎدة‬
‫ﻣﺷﺗرﻛﺔ واﻟﺻﻔﺔ ﻣﺗﻐﯾرة‪ .‬وﻛذﻟك إذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻧﻘﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً واﻟﺗراب ﺣﯾواﻧﺎ ً وﻟﯾس ﺑﯾن اﻟﻌرض واﻟﺟوھر‬
‫ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ وﻻ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﻘدرة وﻻ ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻷﺟﻧﺎس ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓﻛﺎن ھذا ﻣﺣﺎﻻً ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ‪.‬‬
‫إن اﻟﻣﯾت إذا ﺣرك ﷲ ﯾده ﯾﻛﺗب‬
‫وأﻣﺎ ﺗﺣرﯾك ﷲ ﯾد ﻣﯾت وﻧﺻﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﺻورة ﺣﻲ ﯾﻘﻌد وﯾﻛﺗب ﺣﺗﻰ ﯾﺣدث ﻣن ﺣرﻛﺔ ﯾده اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻣﻧظوﻣﺔ‬
‫ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﮭﻣﺎ أﺣﻠﻧﺎ اﻟﺣوادث إﻟﻰ إرادة ﻣﺧﺗﺎر وإﻧﻣﺎ ھو ﻣﺳﺗﻧﻛر ﻻطراد اﻟﻌﺎدة ﺑﺧﻼﻓﮫ‪.‬‬
‫ﻟﻛن اﻟدﻟﯾل ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻔﺎﻋل‪.‬‬
‫وﻗوﻟﻛم‪ :‬ﺗﺑطل ﺑﮫ دﻻﻟﺔ أﺣﻛﺎم اﻟﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﻋﻠم اﻟﻔﺎﻋل‪ ،‬ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻋل اﻵن ھو ﷲ وھو اﻟﻣﺣﻛم وھو‬
‫ﻓﺎﻋل ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﯾﻔرق ﺑﯾن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺧﺗﺎرة واﻟرﻋﺷﺔ ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻧﺎ وﻓﻲ ﻏﯾرﻧﺎ‬
‫وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم إﻧﮫ ﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻓرق ﺑﯾن اﻟرﻋﺷﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺧﺗﺎرة ﻓﻧﻘول‪ :‬إﻧﻣﺎ أدرﻛﻧﺎ ذﻟك ﻣن أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻷﻧﺎ ﺷﺎھدﻧﺎ ﻣن‬
‫أﻧﻔﺳﻧﺎ ﺗﻔرﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن ﻓﻌﺑرﻧﺎ ﻋن ذﻟك اﻟﻔﺎرق ﺑﺎﻟﻘدرة ﻓﻌرﻓﻧﺎ أن اﻟواﻗﻊ ﻣن اﻟﻘﺳﻣﯾن اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن أﺣدھﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺣﺎﻟﺔ واﻵﺧر ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬وھو إﯾﺟﺎد اﻟﺣرﻛﺔ ﻣﻊ اﻟﻘدرة ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ وإﯾﺟﺎد اﻟﺣرﻛﺔ دون اﻟﻘدرة ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫أﺧرى‪ .‬وأﻣﺎ إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ ﻏﯾرﻧﺎ ورأﯾﻧﺎ ﺣرﻛﺎت ﻛﺛﯾرة ﻣﻧظوﻣﺔ ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ﻋﻠم ﺑﻘدرﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭذه ﻋﻠوم ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﯾﻌرف ﺑﮭﺎ وﺟود أﺣد ﻗﺳﻣﻲ اﻹﻣﻛﺎن وﻻ ﯾﺗﺑﯾن ﺑﮫ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺑرھﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﺟوھر روﺣﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﯾﺗﺣﯾز وﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم وﻻ ھو ﻣﺗﺻل‬
‫ﺑﺎﻟﺑدن وﻻ ھو ﻣﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﻛﻣﺎ أن ﷲ ﻟﯾس ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم وﻻ داﺧل اﻟﻌﺎﻟم وﻛذى اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﻧدھم‬
‫ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘوى وأﻗﺳﺎﻣﮭﺎ اﻟﻘوى اﻟﻣدرﻛﺔ ھﻲ ﺑﺎطﻧﺔ‬
‫واﻟﺧوض ﻓﻲ ھذا ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﺷرح ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫واﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﺋﯾﺔ ﺗﻧﻘﺳم ﻋﻧدھم إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن‪ :‬ﻣﺣرﻛﺔ وﻣدرﻛﺔ‪.‬‬
‫واﻟﻣدرﻛﺔ ﻗﺳﻣﺎن‪ :‬ظﺎھرة وﺑﺎطﻧﺔ‪.‬‬
‫واﻟظﺎھرة ھﻲ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣﺳﺔ وھﻲ ﻣﻌﺎن ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم‪ ،‬أﻋﻧﻲ ھذه اﻟﻘوى‪.‬‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺑﺎطﻧﺔ ﻓﺛﻠﺛﺔ‪:‬‬
‫واﻟﺑﺎطﻧﺔ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺧﯾﺎﻟﯾﺔ‬
‫إﺣدﯾﮭﺎ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ اﻟدﻣﺎغ وراء اﻟﻘوة اﻟﺑﺎﺻرة‪ ،‬وﻓﯾﮫ ﺗﺑﻘﻰ ﺻور اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣرﺋﯾﺔ ﺑﻌد ﺗﻐﻣﯾض‬
‫اﻟﻌﯾن‪ ،‬ﺑل ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﻓﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﯾﺳﻣﻰ اﻟﺣس اﻟﻣﺷﺗرك ﻟذﻟك‪ .‬وﻟوﻻه ﻟﻛﺎن ﻣن‬
‫رأى اﻟﻌﺳل اﻷﺑﯾض وﻟم ﯾدرك ﺣﻼوﺗﮫ إﻻ ﺑﺎﻟذوق ﻓﺈذا رآه ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻻ ﯾدرك ﺣﻼوﺗﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾذق ﻛﺎﻟﻣرة اﻷوﻟﻰ‪،‬‬
‫وﻟﻛن ﻓﯾﮫ ﻣﻌﻧﻰ ﯾﺣﻛم ﺑﺄن ھذا اﻷﺑﯾض ھو اﻟﺣﻠو‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻋﻧده ﺣﺎﻛم ﻗد اﺟﺗﻣﻊ ﻋﻧده اﻷﻣر أﻋﻧﻲ‬
‫اﻟﻠون واﻟﺣﻼوة ﺣﺗﻰ ﻗﺿﻰ ﻋﻧد وﺟود أﺣدھﻣﺎ ﺑوﺟود اﻵﺧر‪.‬‬
‫ووھﻣﯾﺔ‬
‫واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ وھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗدرك اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﻘوة اﻷوﻟﻰ ﺗدرك اﻟﺻور‪ .‬واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﺻور ﻣﺎ ﻻ ﺑد‬
‫ﻟوﺟوده ﻣن ﻣﺎدة أي ﺟﺳم‪ ،‬واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﺗدﻋﻲ وﺟوده ﺟﺳﻣﺎ ً وﻟﻛن ﻗد ﯾﻌرض ﻟﮫ أن ﯾﻛون ﺟﺳم‬
‫ﻛﺎﻟﻌداوة واﻟﻣواﻓﻘﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺷﺎة ﺗدرك ﻣن اﻟذب ﻟوﻧﮫ وﺷﻛﻠﮫ وھﯾﺋﺗﮫ‪ ،‬وذﻟك ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻓﻲ ﺟﺳم‪ ،‬وﺗدرك أﯾﺿﺎ ً‬
‫ﻛوﻧﮫ ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ً ﻟﮭﺎ‪ .‬وﺗدرك اﻟﺳﺧﻠﺔ ﺷﻛل اﻷم وﻟوﻧﮫ ﺛم ﺗدرك ﻣواﻓﻘﺗﮫ وﻣﻼﯾﻣﺗﮫ وﻟذﻟك ﺗﮭرب ﻣن اﻟذﺋب وﺗﻌدو‬
‫ﺧﻠف اﻷم‪ .‬واﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ واﻟﻣواﻓﻘﺔ ﻟﯾس ﻣن ﺿرورﺗﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﻛﺎﻟﻠون واﻟﺷﻛل وﻟﻛن ﻗد ﯾﻌرض‬
‫ﻟﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم أﯾﺿﺎ ً ﻓﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻘوة ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻟﻠﻘوة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وھذا ﻣﺣﻠﮫ اﻟﺗﺟوﯾف اﻷﺧﯾر ﻣن اﻟدﻣﺎغ‪.‬‬
‫وﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‪-‬ﻣﻔﻛرة‬
‫أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﮭﻲ اﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻣﺗﺧﯾﻠﺔ وﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻔﻛرة وﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗرﻛب اﻟﺻور‬
‫اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض وﺗرﻛب اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺻور‪ ،‬وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟوﯾف اﻷوﺳط ﺑﯾن ﺣﺎﻓظ اﻟﺻور‬
‫وﺣﺎﻓظ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ‪ .‬وﻟذﻟك ﯾﻘدر اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ أن ﯾﺗﺧﯾل ﻓرﺳﺎ ً ﯾطﯾر وﺷﺧﺻﺎ ً رأﺳﮫ رأس إﻧﺳﺎن وﺑدﻧﮫ ﺑدن ﻓرس‬
‫إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺗرﻛﯾﺑﺎت وإن ﻟم ﯾﺷﺎھد ﻣﺛل ذﻟك‪ ،‬واﻷوﻟﻰ أن ﺗﻠﺣق ھذه اﻟﻘوة ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ‬
‫ﻻ ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﻣدرﻛﺔ‪ ،‬وإﻧﻣﺎ ﻋرﻓت ﻣواﺿﻊ ھذه اﻟﻘوى ﺑﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟطب ﻓﺈن اﻵﻓﺔ إذا ﻧزﻟت ﺑﮭذه اﻟﺗﺟوﯾﻔﺎت اﺧﺗﻠت‬
‫ھذه اﻷﻣور‪.‬‬
‫وإﻟﯾﮭﺎ ﺗﺿم اﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ واﻟﻘوة اﻟذاﻛرة‬
‫ﺛم زﻋﻣوا أن اﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﺻور اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﺑﺎﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﺗﺣﻔظ ﺗﻠك اﻟﺻور ﺣﺗﻰ ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد‬
‫اﻟﻘﺑول‪ ،‬واﻟﺷﻲء ﯾﺣﻔظ اﻟﺷﻲء ﻻ ﺑﺎﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻘﺑل‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﺎء ﯾﻘﺑل وﻻ ﯾﺣﻔظ واﻟﺷﻣﻊ ﯾﻘﺑل ﺑرطوﺑﺗﮫ وﯾﺣﻔظ‬
‫ﺑﯾﺑوﺳﺗﮫ ﺑﺧﻼف اﻟﻣﺎء‪ ،‬ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎﻓظﺔ ﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻏﯾر اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻓﺗﺳﻣﻰ ھذه ﻗوة ﺣﺎﻓظﺔ‪ .‬وﻛذى اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﺗﻧطﺑﻊ‬
‫ﻓﻲ اﻟوھﻣﯾﺔ وﺗﺣﻔظﮭﺎ ﻗوة ﺗﺳﻣﻰ ذاﻛرة ﻓﺗﺻﯾر اﻹدراﻛﺎت اﻟﺑﺎطﻧﺔ ﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر إذا ﺿم إﻟﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺧﻣﺳﺔ‬
‫ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟظﺎھرة ﺧﻣﺳﺔ‪.‬‬
‫واﻟﻘوى اﻟﻣﺗﺣرﻛﺔ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺑﺎﻋﺛﺔ ﺷﮭواﻧﯾﺔ وﻏﺿﺑﯾﺔ‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻘوى اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻓﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ ﺑﺎﻋﺛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ وإﻟﻰ ﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﺑﺎﺷرة ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ‪.‬‬
‫واﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺑﺎﻋﺛﺔ ھﻲ اﻟﻘوة اﻟﻧزوﻋﯾﺔ اﻟﺷوﻗﯾﺔ وھﻲ اﻟﺗﻲ إذا ارﺗﺳم ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎھﺎ‬
‫ﺻورة ﻣطﻠوب أو ﻣﮭروب ﻋﻧﮫ ﺑﻌﺛت اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣرﯾك‪ .‬وﻟﮭﺎ ﺷﻌﺑﺗﺎن ﺷﻌﺑﺔ ﺗﺳﻣﻰ ﻗوة‬
‫ﺷﮭواﻧﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﺗﺑﻌث ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك ﯾﻘرب ﺑﮫ ﻣن اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺿرورﯾﺔ أو ﻧﺎﻓﻌﺔ طﻠﺑﺎ ً ﻟﻠذة‪ ،‬وﺷﻌﺑﺔ‬
‫ﺗﺳﻣﻰ ﻗوة ﻏﺿﺑﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﺗﺑﻌث ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك ﯾدﻓﻊ ﺑﮫ اﻟﺷﻲء اﻟﻣﺗﺧﯾل ﺿﺎراً أو ﻣﻔﺳداً طﻠﺑﺎ ً ﻟﻠﻐﻠﺑﺔ‪ .‬وﺑﮭذه‬
‫اﻟﻘوة ﯾﺗم اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺗﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺳﻣﻰ إرادة‪.‬‬
‫وﻓﺎﻋﻠﺔ‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻓﺎﻋﻠﺔ ھﻲ ﻗوة ﺗﻧﺑﻌث ﻓﻲ اﻷﻋﺻﺎب واﻟﻌﺿﻼت ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗﺷﻧﺞ اﻟﻌﺿﻼت‬
‫ﻓﺗﺟذب اﻷوﺗﺎر واﻟرﺑﺎطﺎت اﻟﻣﺗﺻﻠﺔ ﺑﺎﻷﻋﺿﺎء إﻟﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﻣوﺿﻊ اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻟﻘوة أو ﺗرﺧﯾﮭﺎ وﺗﻣددھﺎ طوﻻً‬
‫ﻓﺗﺻﯾر اﻷوﺗﺎر واﻟرﺑﺎطﺎت إﻟﻰ ﺧﻼف اﻟﺟﮭﺔ‪ .‬ﻓﮭذه ﻗوى اﻟﻧﻔس اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻹﺟﻣﺎل وﺗرك اﻟﺗﻔﺻﯾل‪.‬‬
‫ﻟﻠﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻗوﺗﺎن ﻋﻣﻠﯾﺔ وﻧظرﯾﺔ‬
‫ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﻣﺎة اﻟﻧﺎطﻘﺔ ﻋﻧدھم‪ ،‬واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻧﺎطﻘﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻷن اﻟﻧطق أﺧص ﺛﻣرات اﻟﻌﻘل‬
‫ﻓﻲ اﻟظﺎھر‪ ،‬ﻓﻧﺳﺑت إﻟﯾﮫ ﻓﻠﮭﺎ ﻗوﺗﺎن‪ :‬ﻗوة ﻋﺎﻟﻣﺔ وﻗوة ﻋﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬وﻗد ﯾﺳﻣﻰ ﻛل واﺣدة ﻋﻘﻼً وﻟﻛن ﺑﺎﺷﺗراك اﻻﺳم‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻗوة ھﻲ ﻣﺑدأ ﻣﺣرك ﻟﺑدن اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت اﻟﻣرﺗﺑﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻧﺑط ﺗرﺗﯾﺑﮭﺎ ﺑﺎﻟروﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن‪ .‬وأﻣﺎ اﻟﻌﺎﻟﻣﺔ ﻓﮭﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ اﻟﻧظرﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗدرك ﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﻌﻘوﻻت اﻟﻣﺟردة ﻋن‬
‫اﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻛﺎن واﻟﺟﮭﺎت‪ ،‬وھﻲ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون أﺣواﻻً ﻣرة ووﺟودھﺎ أﺧرى وﺗﺳﻣﯾﮭﺎ‬
‫اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻣﺟردة‪.‬‬
‫اﻷوﻟﻰ ﺗﻧﻘﺎد ﻟﻠﺑدن‪ ،‬واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‬
‫ﻓﺈذن ﻟﻠﻧﻔس ﻗوﺗﺎن ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﺟﻧﺑﺗﯾن‪ :‬اﻟﻘوة اﻟﻧظرﯾﺔ ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﺟﻧﺑﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ إذ ﺑﮭﺎ ﺗﺄﺧذ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‬
‫اﻟﻌﻠوم اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ‪ ،‬وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻛون ھذه اﻟﻘوة داﺋﻣﺔ اﻟﻘﺑول ﻣن ﺟﮭﺔ ﻓوق‪ .‬واﻟﻘوة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﺳﻔل‬
‫وھﻲ ﺟﮭﺔ اﻟﺑدن وﺗدﺑﯾره وإﺻﻼح اﻷﺧﻼق‪ ،‬وھذه اﻟﻘوة ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﺗﺳﻠط ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى اﻟﺑدﻧﯾﺔ وأن ﺗﻛون‬
‫ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى ﻣﺗﺄدﺑﺔ ﺑﺗﺄدﯾﺑﮭﺎ ﻣﻘﮭورة دوﻧﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻧﻔﻌل وﻻ ﺗﺗﺄﺛر ھﻲ ﻋﻧﮭﺎ ﺑل ﺗﻧﻔﻌل ﺗﻠك اﻟﻘوى ﻋﻧﮭﺎ ﻟﺋﻼ‬
‫ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﻣن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺑدﻧﯾﺔ ھﯾﺂت اﻧﻘﯾﺎدﯾﺔ ﺗﺳﻣﻰ رذاﺋل ﺑل ﺗﻛون ھﻲ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻟﯾﺣﺻل ﻟﻠﻧﻔس ﺑﺳﺑﺑﮭﺎ‬
‫ھﯾﺂت ﺗﺳﻣﻰ ﻓﺿﺎﺋل‪.‬‬
‫ھذه ﻛﻠﮭﺎ ﻻ ﺗﻧﻛر‬
‫ﻓﮭذا إﯾﺟﺎز ﻣﺎ ﻓﺻﻠوه ﻣن اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وطوﻟوا ﺑذﻛرھﺎ ﻣﻊ اﻹﻋراض ﻋن ذﻛر اﻟﻘوى اﻟﻧﺑﺎﺗﯾﺔ إذ‬
‫ﻻ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻛرھﺎ ﻓﻲ ﻏرﺿﻧﺎ‪ .‬وﻟﯾس ﺷﻲء ﻣﻣﺎ ذﻛروه ﻣﻣﺎ ﯾﺟب إﻧﻛﺎره ﻓﻲ اﻟﺷرع ﻓﺈﻧﮭﺎ أﻣور ﻣﺷﺎھدة‬
‫أﺟرى ﷲ اﻟﻌﺎدة ﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ﻷﻧﮭم ﯾﻘﺻدون اﻟدﻻﻟﺔ‬
‫وإﻧﻣﺎ ﻧرﯾد أن ﻧﻌﺗرض اﻵن ﻋﻠﻰ دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ ﻛون اﻟﻧﻔس ﺟوھراً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﺑﺑراھﯾن اﻟﻌﻘل‪ .‬وﻟﺳﻧﺎ‬
‫ﻧﻌﺗرض اﻋﺗراض ﻣن ﯾﺑﻌد ذﻟك ﻣن ﻗدرة ﷲ أو ﯾرى أن اﻟﺷرع ﺟﺎء ﺑﻧﻘﯾﺿﮫ ﺑل رﺑﻣﺎ ﻧﺑﯾن ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل اﻟﺣﺷر‬
‫واﻟﻧﺷر أن اﻟﺷرع ﻣﺻدق ﻟﮫ‪ ،‬وﻟﻛﻧﺎ ﻧﻧﻛر دﻋواھم دﻻﻟﺔ ﻣﺟرد اﻟﻌﻘل ﻋﻠﯾﮫ واﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن اﻟﺷرع ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻷدﻟﺔ وﻟﮭم ﻓﯾﮫ ﺑراھﯾن ﻛﺛﯾرة ﺑزﻋﻣﮭم‪.‬‬
‫اﻷول‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻷول أن ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﻻ ﯾﻧﻘﺳم‪ ،‬ﻓﮭو ﻟﯾس ﺟﺳﻣﺎ ً‬
‫ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺗﺣل ﻣﺣل اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ وھﻲ ﻣﺣﺻورة وﻓﯾﮭﺎ آﺣﺎد ﻻ ﺗﻧﻘﺳم ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻣﺣﻠﮫ‬
‫أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾﻧﻘﺳم‪ ،‬وﻛل ﺟﺳم ﻓﻣﻧﻘﺳم ﻓدل أن ﻣﺣﻠﮫ ﺷﻲء ﻻ ﯾﻧﻘﺳم‪ .‬وﯾﻣﻛن إﯾراد ھذا ﻋﻠﻰ ﺷرط اﻟﻣﻧطق ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮫ‬
‫وﻟﻛن أﻗرﺑﮫ أن ﯾﻘﺎل إن ﻛﺎن ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟﺳﻣﺎ ً ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً ﻓﺎﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎل أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻘﺳم ﻟﻛن اﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎل ﻏﯾر ﻣﻧﻘﺳم‬
‫ﻓﺎﻟﻣﺣل ﻟﯾس ﺟﺳﻣﺎ ً‪ .‬وھذا ھو ﻗﯾﺎس ﺷرطﻲ اﺳﺗﺛﻧﻰ ﻓﯾﮫ ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻓﻼ ﻧظر ﻓﻲ‬
‫ﺻﺣﺔ ﺷﻛل اﻟﻘﯾﺎس وﻻ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن ﻓﺈن اﻷول ﻗوﻟﻧﺎ إن ﻛل ﺣﺎل ﻓﻲ ﻣﻧﻘﺳم ﯾﻧﻘﺳم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﻔرض‬
‫اﻟﻘﺳﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﻠﮫ وھو أوﻟﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺗﺷﻛك ﻓﯾﮫ‪ ،‬واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﯾﺣل ﻓﻲ اﻵدﻣﻲ وھو ﻻ ﯾﻧﻘﺳم‬
‫ﻷﻧﮫ ﻟو اﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻛﺎن ﻣﺣﺎﻻً وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ آﺣﺎد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻧﻘﺳم‪ .‬وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ‬
‫ﻧﺣن ﻧﻌﻠم أﺷﯾﺎء وﻻ ﻧﻘدر أن ﻧﻔرض زوال ﺑﻌﺿﮭﺎ وﺑﻘﺎء ﺑﻌض ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﺑﻌض ﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻟﻣﺎذا ﻻ ﯾﻛون ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟوھراً ﻓرداً ؟‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻣﯾن‪ :‬اﻟﻣﻘﺎم اﻷول أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول‪ .‬ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟوھر ﻓرد ﻣﺗﺣﯾز ﻻ‬
‫ﯾﻧﻘﺳم‪ ،‬وﻗد ﻋرف ھذا ﻣن ﻣذھب اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن‪ .‬وﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌده إﻻ اﺳﺗﺑﻌﺎد وھو أﻧﮫ ﻛﯾف ﺗﺣل اﻟﻌﻠوم ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺟوھر ﻓرد وﺗﻛون ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟواھر اﻟﻣطﯾﻔﺔ ﺑﮭﺎ ﻣﻌطﻠﺔ ﻣﺟﺎورة‪ .‬واﻻﺳﺗﺑﻌﺎد ﻻ ﺧﯾر ﻓﯾﮫ إذ ﯾﺗوﺟﮫ ﻋﻠﻰ ﻣذھﺑﮭم‬
‫أﯾﺿﺎ ً أﻧﮫ ﻛﯾف ﺗﻛون اﻟﻧﻔس ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً ﻻ ﯾﺗﺣﯾز وﻻ ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮫ وﻻ ﯾﻛون داﺧل اﻟﺑدن وﻻ ﺧﺎرﺟﮫ وﻻ ﻣﺗﺻﻼً‬
‫ﺑﺎﻟﺟﺳم وﻻ ﻣﻧﻔﺻﻼً ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻟﻛن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﯾطول ﺣﻠﮭﺎ‬
‫إﻻ أﻧﺎ ﻻ ﻧؤﺛر ھذا اﻟﻣﻘﺎم ﻓﺈن اﻟﻘول ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺟزء اﻟذي ﻻ ﯾﺗﺟزى طوﯾل وﻟﮭم ﻓﯾﮫ أدﻟﺔ ھﻧدﺳﯾﺔ ﯾطول اﻟﻛﻼم‬
‫ﻋﻠﯾﮭﺎ وﻣن ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﺟوھر ﻓرد ﺑﯾن ﺟوھرﯾن‪ ،‬ھل ﯾﻼﻗﻲ أﺣد اﻟطرﻓﯾن ﻣﻧﮫ ﻋﯾن ﻣﺎ ﯾﻼﻗﯾﮫ اﻵﺧر أو‬
‫ﻏﯾره؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﺗﻼﻗﻲ اﻟطرﻓﯾن ﻓﺈن ﻣﻼﻗﻲ اﻟﻣﻼﻗﻲ ﻣﻼق‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻣﺎ ﯾﻼﻗﯾﮫ‬
‫ﻏﯾره ﻓﻔﯾﮫ إﺛﺑﺎت اﻟﺗﻌدد واﻻﻧﻘﺳﺎم‪ ،‬وھذه ﺷﺑﮭﺔ ﯾطول ﺣﻠﮭﺎ وﺑﻧﺎ ﻏﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﺧوض ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻧﻌدل إﻟﻰ ﻣﻘﺎم آﺧر‪.‬‬
‫إن اﻟﺷﺎة ﺗدرك ﻋداوة اﻟذﺋب وھﻲ ﻻ ﺗﻧﻘﺳم‬
‫اﻟﻣﻘﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻧﻘول‪ :‬ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن أن ﻛل ﺣﺎل ﻓﻲ ﺟﺳم ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎطل ﻋﻠﯾﻛم ﺑﻣﺎ ﺗدرﻛﮫ اﻟﻘوة ﻣن‬
‫اﻟﺷﺎة ﻣن ﻋداوة اﻟذﺋب ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻛم ﺷﻲء وﺣد ﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻘﺳﯾﻣﮫ إذ ﻟﯾس ﻟﻠﻌداوة ﺑﻌض ﺣﺗﻰ ﯾﻘدر إدراك‬
‫ﺑﻌﺿﮫ وزوال ﺑﻌﺿﮫ‪ ،‬وﻗد ﺣﺻل إدراﻛﮭﺎ ﻓﻲ ﻗوة ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻋﻧدﻛم ﻓﺈن ﻧﻔس اﻟﺑﮭﺎﺋم ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ﻻ‬
‫ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت‪ .‬وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺈن أﻣﻛﻧﮭم أن ﯾﺗﻛﻠﻔوا ﺗﻘدﯾر اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ اﻟﻣدرﻛﺎت ﺑﺎﻟﺣواس اﻟﺧﻣس‬
‫وﺑﺎﻟﺣس اﻟﻣﺷﺗرك وﺑﺎﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ ﻟﻠﺻور ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮭم ﺗﻘدﯾر اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﻟﯾس ﻣن ﺷرطﮭﺎ أن‬
‫ﺗﻛون ﻓﻲ ﻣﺎدة‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻌداوة اﻟﻣﺟردة‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﺷﺎة ﻻ ﺗدرك اﻟﻌداوة اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﺑل ﺗدرك ﻋداوة اﻟذﺋب اﻟﻣﻌﯾن اﻟﻣﺷﺧص ﻣﻘروﻧﺎ ً‬
‫ﺑﺷﺧﺻﮫ وھﯾﻛﻠﮫ‪ .‬واﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﺗدرك اﻟﺣﻘﺎﺋق ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد واﻷﺷﺧﺎص‪.‬‬
‫اﻹدراك ﻻ ﯾﻧﻘﺳم‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﺷﺎة ﻗد أدرﻛت ﻟون اﻟذﺋب وﺷﻛﻠﮫ ﺛم ﻋداوﺗﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻠون ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺎﺻرة وﻛذى اﻟﺷﻛل‬
‫وﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم ﻣﺣل اﻟﺑﺻر ﻓﺎﻟﻌداوة ﺑﻣﺎذى ﺗدرﻛﮭﺎ؟ ﻓﺈن أدرك ﺑﺟﺳم ﻓﻠﯾﻧﻘﺳم وﻟﯾت ﺷﻌري ﻣﺎ ﺣﺎل ذﻟك‬
‫اﻹدراك إذا ﻗﺳم‪ ،‬وﻛﯾف ﯾﻛون ﺑﻌﺿﮫ؟ أھو إدراك ﻟﺑﻌض اﻟﻌداوة ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﺑﻌض؟ أو ﻛل ﻗﺳم إدراك‬
‫ﻟﻛل اﻟﻌداوة ﻓﺗﻛون اﻟﻌداوة ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻣراراً ﺑﺛﺑوت إدراﻛﮭﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻗﺳم ﻣن أﻗﺳﺎم اﻟﻣﺣل‪ .‬ﻓﺈذن ھذه ﺷﺑﮭﺔ ﻣﺷﻛﻠﺔ‬
‫ﻟﮭم ﻓﻲ ﺑرھﺎﻧﮭم ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺣل‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ﻻ ﺷك ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ھذه ﻣﻧﺎﻗﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت واﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻻ ﺗﻧﻘض ﻓﺈﻧﻛم ﻣﮭﻣﺎ ﻟم ﺗﻘدروا ﻋﻠﻰ اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن‪،‬‬
‫وھو أن اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻻ ﯾﻧﻘﺳم وأن ﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﻻ ﯾﻘوم ﺑﺟﺳم ﻣﻧﻘﺳم‪ ،‬ﻟم ﯾﻣﻛﻧﻛم اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﺑﯾﻧﺎ أن أﻗواﻟﮭم ﺗﺗﻧﺎﻗض‬
‫واﻟﺟواب أن ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻣﺎ ﺻﻧﻔﻧﺎه إﻻ ﻟﺑﯾﺎن اﻟﺗﮭﺎﻓت واﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ‪ ،‬وﻗد ﺣﺻل إذ اﻧﺗﻘض ﺑﮫ‬
‫أﺣد اﻷﻣرﯾن‪ :‬إﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ اﻟﻧﻔس اﻟﻧﺎطﻘﺔ أو ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟﯾس اﻟﻌﻠم ﻛﺎﻟﻠون‬
‫ﺛم ﻧﻘول‪ :‬ھذه اﻟﻣﻧﺎﻗﺿﺔ ﺗﺑﯾن أﻧﮭم ﻏﻔﻠوا ﻋن ﻣوﺿﻊ ﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ اﻟﻘﯾﺎس وﻟﻌل ﻣوﺿﻊ اﻻﻟﺗﺑﺎس ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠم‬
‫ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم اﻧطﺑﺎع اﻟﻠون ﻓﻲ اﻟﻣﺗﻠون‪ ،‬وﯾﻧﻘﺳم اﻟﻠون ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﺗﻠون ﻓﯾﻧﻘﺳم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم ﻣﺣﻠﮫ‪ .‬واﻟﺧﻠل‬
‫ﻓﻲ ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع إذ ﯾﻣﻛن أن ﻻ ﺗﻛون ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮫ ﻛﻧﺳﺑﺔ اﻟﻠون إﻟﻰ اﻟﻣﺗﻠون ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﻣﻧﺑﺳط ﻋﻠﯾﮫ‬
‫وﻣﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮫ وﻣﻧﺗﺷر ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﮫ ﻓﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎﻣﮫ‪ .‬ﻓﻠﻌل ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ آﺧر وذﻟك اﻟوﺟﮫ ﻻ‬
‫ﯾﺟوز ﻓﯾﮫ اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻋﻧد اﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﺣل ﺑل ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﯾﮫ ﻛﻧﺳﺑﺔ إدراك اﻟﻌداوة إﻟﻰ اﻟﺟﺳم‪ .‬ووﺟوه ﻧﺳﺑﺔ اﻷوﺻﺎف‬
‫إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﺣﺻورة ﻓﻲ ﻓن واﺣد وﻻ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺔ اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﻧﺛق ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ دون اﻹﺣﺎطﺔ‬
‫ﺑﺗﻔﺻﯾل اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺣﻛم ﻏﯾر ﻣوﺛوق ﺑﮫ‪.‬‬
‫??ﻻ دﻟﯾل ﻟﮭم‬
‫وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﻧﻛر أن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣﻣﺎ ﯾﻘوي اﻟظن وﯾﻐﻠﺑﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﻧﻛر ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﯾﻘﯾﻧﺎ ً ﻋﻠﻣﺎ ً ﻻ ﯾﺟوز اﻟﻐﻠط‬
‫ﻓﯾﮫ وﻻ ﯾﺗطرق إﻟﯾﮫ اﻟﺷك وھذا اﻟﻘدر ﻣﺷﻛك ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺛﺎن‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻌﻠم ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬إن ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم اﻟواﺣد اﻟﻌﻘﻠﻲ وھو اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣواد ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة اﻧطﺑﺎع‬
‫اﻷﻋراض ﻓﻲ اﻟﺟوھر اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟزم اﻧﻘﺳﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﺳم ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‪ ،‬وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﯾﮫ وﻻ‬
‫ﻣﻧﺑﺳطﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ واﺳﺗﻛره ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﻧﻌدل إﻟﻰ ﻋﺑﺎرة أﺧرى وﻧﻘول‪ :‬ھل ﻟﻠﻌﻠم ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم أم ﻻ؟ وﻣﺣﺎل‬
‫ﻗطﻊ اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻓﺈﻧﮫ إن ﻗطﻌت اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻋﻧﮫ ﻓﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﮫ ﻟم ﺻﺎر أوﻟﻰ ﻣن ﻛون ﻏﯾره ﻋﺎﻟﻣﺎً؟‬
‫وھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺗﻛون ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم‬
‫إﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﻛل أو إﻟﻰ اﻟﺑﻌض أو ﻻ ﺗﻛون‪ ،‬وﺛﻼﺛﺗﮭﺎ ﺑﺎطﻠﺔ‬
‫وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا ﻣن ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم‪ :‬إﻣﺎ أن ﺗﻛون اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻛل ﺟزء ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﺣل أو ﺗﻛون ﻟﺑﻌض‬
‫أﺟزاء اﻟﻣﺣل دون اﻟﺑﻌض أو ﻻ ﯾﻛون ﻟواﺣد ﻣن اﻷﺟزاء ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ‪ .‬وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟواﺣد ﻣن‬
‫اﻷﺟزاء‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﻶﺣﺎد ﻧﺳﺑﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﺟﻣوع ﻧﺳﺑﺔ ﻓﺈن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺎت ﻣﺑﺎﯾن‪ .‬وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺑﻌض‪ ،‬ﻓﺈن اﻟذي ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟﮫ ﻟﯾس ھو ﻣن ﻣﻌﻧﺎه ﻓﻲ ﺷﻲء وﻟﯾس ﻛﻼﻣﻧﺎ ﻋﻧﮫ‪ .‬وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟﻛل ﺟزء‬
‫ﻣﻔروض ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟذات‪ ،‬ﻷﻧﮫ إن ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذات اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺳره ﻓﻣﻌﻠوم ﻛل واﺣد ﻣن اﻷﺟزاء ﻟﯾس ھو‬
‫ﺟزءاً ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ﻛﻣﺎ ھو ﻓﯾﻛون ﻣﻌﻘوﻻً ﻣرات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌل‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻛل ﺟزء ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ أﺧرى ﻏﯾر‬
‫اﻟﻧﺳﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﻠﺟزء اﻵﺧر إﻟﻰ ذات اﻟﻌﻠم ﻓذات اﻟﻌﻠم إذن ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم اﻟواﺣد‬
‫ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻧﺳﺑﺔ ﻛل واﺣد إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣن ذات اﻟﻌﻠم ﻏﯾر ﻣﺎ إﻟﯾﮫ ﻧﺳﺑﺔ اﻵﺧر‬
‫ﻓﺎﻧﻘﺳﺎم ذات اﻟﻌﻠم ﺑﮭذا أظﮭر وھو ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺣس أﻗﺳﺎم‬
‫وﻣن ھذا ﯾﺗﺑﯾن أن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت اﻟﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﻻ ﺗﻛون إﻻ أﻣﺛﻠﺔ ﻟﺻور ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻹدراك ﻣﻌﻧﺎه ﺣﺻول ﻣﺛﺎل اﻟﻣدرك ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻣدرك‪ ،‬وﯾﻛون ﻟﻛل ﺟزء ﻣن ﻣﺛﺎل اﻟﻣﺣﺳوس ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺟزء‬
‫ﻣن اﻵﻟﺔ اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ وھذا ﺷﺄن ﻋداوة اﻟذﺋب‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﺈن ﺗﺑدﯾل ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع ﺑﻠﻔظ اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻻ ﯾدرأ اﻟﺷﺑﮭﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﺷﺎة ﻣن ﻋداوة اﻟذﺋب ﻛﻣﺎ ذﻛروه ﻓﺈﻧﮫ إدراك ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ وﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬وﯾﻠزم ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﺈن‬
‫اﻟﻌداوة ﻟﯾس أﻣراً ﻣﻘدراً ﻟﮫ ﻛﻣﯾﺔ ﻣﻘدارﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻧطﺑﻊ ﻣﺛﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﺳم ﻣﻘدر وﺗﻧﺗﺳب أﺟزاؤھﺎ إﻟﻰ أﺟزاﺋﮫ‪،‬‬
‫وﻛون ﺷﻛل اﻟذﺋب ﻣﻘدراً ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﺈن اﻟﺷﺎة أدرﻛت ﺷﯾﺋﺎ ً ﺳوى ﺷﻛﻠﮫ وھو اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ واﻟﻣﺿﺎدة واﻟﻌداوة‪،‬‬
‫واﻟزﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل ﻣن اﻟﻌداوة ﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻣﻘدار وﻗد أدرﻛﺗﮫ ﺑﺟﺳم ﻣﻘدر‪ .‬ﻓﮭذه اﻟﺻور ﻣﺷﻛﻛﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﺑرھﺎن‬
‫ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻷول‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ھﻼ ﺗﻌﺗرﺿون ﻋﻠﻰ اﻟﺟوھر اﻟﻔرد؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬ھﻼ دﻓﻌﺗم ھذه اﻟﺑراھﯾن ﺑﺄن اﻟﻌﻠم ﯾﺣل ﻣن اﻟﺟﺳم ﻓﻲ ﺟوھر ﻣﺗﺣﯾز ﻻ ﯾﺗﺟزى وھو اﻟﺟزء‬
‫اﻟﻔرد‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ھذا اﻟﺑﺣث طوﯾل ﻻ ﻓﺎﺋدة ﻓﯾﮫ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻷن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﺟوھر اﻟﻔرد ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺄﻣور ھﻧدﺳﯾﺔ ﯾطول اﻟﻘول ﻓﻲ ﺣﻠﮭﺎ‪ .‬ﺛم ﻟﯾس ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾدﻓﻊ اﻹﺷﻛﺎل‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻠزم أن ﺗﻛون اﻟﻘدرة واﻹرادة أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺟزء ﻓﺈن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻓﻌﻼً وﻻ ﯾﺗﺻور ذﻟك إﻻ ﺑﻘدرة وإرادة‬
‫وﻻ ﯾﺗﺻور اﻹرادة إﻻ ﺑﻌﻠم وﻗدرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﯾد واﻷﺻﺎﺑﻊ‪ ،‬واﻟﻌﻠم ﺑﮭﺎ ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﯾد إذ ﻻ ﯾزول ﺑﻘطﻊ اﻟﯾد وﻻ‬
‫إرادﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﯾد ﻓﺈﻧﮫ ﻗد ﯾرﯾدھﺎ ﺑﻌد ﺷﻠل اﻟﯾد وﺗﺗﻌذر ﻻ ﻟﻌدم اﻹرادة ﺑل ﻟﻌدم اﻟﻘدرة‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺛﺎﻟث‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻟث اﻹﻧﺳﺎن دون اﻟﺟزء ھو اﻟﻌﺎﻟم‬
‫ﻗوﻟﮭم‪ :‬اﻟﻌﻠم ﻟو ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟزء ﻣن اﻟﺟﺳم ﻟﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ذﻟك اﻟﺟزء دون ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬واﻹﻧﺳﺎن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ‬
‫ﻋﺎﻟم واﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺻﻔﺔ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن ﻏﯾر ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺣل ﻣﺧﺻوص‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ وھو اﻟﻣﺑﺻر!‬
‫وھذا ھوس ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺳﻣﻰ ﻣﺑﺻراً وﺳﺎﻣﻌﺎ ً وذاﺋﻘﺎً‪ ،‬وﻛذى اﻟﺑﮭﯾﻣﺔ ﺗوﺻف ﺑﮫ وذﻟك ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أن إدراك‬
‫اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺟﺳم ﺑل ھو ﻧوع ﻣن اﻟﺗﺟوز ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻼن ﻓﻲ ﺑﻐداذ وإن ﻛﺎن ھو ﻓﻲ ﺟزء ﻣن ﺟﻣﻠﺔ‬
‫ﺑﻐداذ ﻻ ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ وﻟﻛن ﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ‪.‬‬
‫دﻟﯾل راﺑﻊ‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟراﺑﻊ ﻗد ﯾﻛون اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد‬
‫إن ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ﯾﺣل ﺟزءاً ﻣن اﻟﻘﻠب أو اﻟدﻣﺎغ ﻣﺛﻼً ﻓﺎﻟﺟﮭل ﺿده ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺟوز ﻗﯾﺎﻣﮫ ﺑﺟزء آﺧر ﻣن اﻟﻘﻠب أو‬
‫اﻟدﻣﺎغ وﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻋﺎﻟﻣﺎ ً وﺟﺎھﻼً ﺑﺷﻲء واﺣد‪ ،‬ﻓﻠﻣﺎ اﺳﺗﺣﺎل ذﻟك ﺗﺑﯾن أن ﻣﺣل اﻟﺟﮭل ھو‬
‫ﻣﺣل اﻟﻌﻠم وأن ذﻟك اﻟﻣﺣل واﺣد ﯾﺳﺗﺣﯾل اﺟﺗﻣﺎع اﻟﺿدﯾن ﻓﯾﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً ﻟﻣﺎ اﺳﺗﺣﺎل ﻗﯾﺎم اﻟﺟﮭل‬
‫ﺑﺑﻌﺿﮫ واﻟﻌﻠم ﺑﺑﻌﺿﮫ ﻷن اﻟﺷﻲء ﻓﻲ ﻣﺣل ﻻ ﯾﺿﺎده ﺿده ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺟﺗﻣﻊ اﻟﺑﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻔرس اﻟواﺣد‬
‫واﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﻓﻲ اﻟﻌﯾن اﻟواﺣدة وﻟﻛن ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن‪.‬‬
‫اﻟﺣواس ﻻ ﺿد ﻹدراﻛﺎﺗﮭﺎ‬
‫وﻻ ﯾﻠزم ھذا ﻓﻲ اﻟﺣواس ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﺿد ﻹدراﻛﺎﺗﮭﺎ وﻟﻛﻧﮫ ﻗد ﯾدرك وﻗد ﻻ ﯾدرك ﻓﻠﯾس ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إﻻ ﺗﻘﺎﺑل اﻟوﺟود‬
‫واﻟﻌدم‪ .‬ﻓﻼ ﺟرم ﻧﻘول‪ :‬ﯾدرك ﺑﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ ﻛﺎﻟﻌﯾن واﻷذن وﻻ ﯾدرك ﺑﺳﺎﺋر ﺑدﻧﮫ‪ ،‬وﻟﯾس ﻓﯾﮫ ﺗﻧﺎﻗض‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد ﺑﻐﯾر اﻟﻣﺟﺎز‬
‫وﻻ ﯾﻐﻧﻲ ﻋن ھذا ﻗوﻟﻛم إن اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻣﺿﺎدة ﻟﻠﺟﺎھﻠﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺣﻛم ﻋﺎم ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻟﺑدن إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﺣﻛم ﻓﻲ‬
‫ﻏﯾر ﻣﺣل اﻟﻌﻠﺔ ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم ھو اﻟﻣﺣل اﻟذي ﻗﺎم اﻟﻌﻠم ﺑﮫ‪ ،‬ﻓﺈن أطﻠق اﻻﺳم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﺑﺎﻟﻣﺟﺎز‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل‪ :‬ھو ﻓﻲ‬
‫ﺑﻐداذ وإن ﻛﺎن ھو ﻓﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ‪ ،‬وﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣﺑﺻر‪ ،‬وإن ﻛﻧﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم أن ﺣﻛم اﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺛﺑت ﻟﻠرﺟل‬
‫واﻟﯾد ﺑل ﯾﺧﺗص ﺑﺎﻟﻌﯾن‪ ،‬وﺗﺿﺎد اﻷﺣﻛﺎم ﻛﺗﺿﺎد اﻟﻌﻠل ﻓﺈن اﻷﺣﻛﺎم ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻣﺣل اﻟﻌﻠل‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟﻣﮭﯾﺄ ﻟﻛل ﻣن اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل‬
‫وﻻ ﯾﺧﻠص ﻣن ھذا ﻗول اﻟﻘﺎﺋل إن اﻟﻣﺣل اﻟﻣﮭﯾﺄ ﻟﻘﺑول اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل ﻣن اﻹﻧﺳﺎن واﺣد ﻓﯾﺗﺿﺎدان ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫ﻋﻧدﻛم أن ﻛل ﺟﺳم ﻓﯾﮫ ﺣﯾوة ﻓﮭو ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻌﻠم واﻟﺟﮭل وﻟم ﺗﺷﺗرطوا ﺳوى اﻟﺣﯾوة ﺷرﯾطﺔ أﺧرى‪ ،‬وﺳﺎﺋر أﺟزاء‬
‫اﻟﺑدن ﻋﻧدﻛم ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﻌﻠم ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ وﻻ ﺗﻛون اﻟﺷﮭوة واﻟﻧﻔرة ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد‬
‫اﻻﻋﺗراض أن ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ اﻟﺷﮭوة واﻟﺷوق واﻹرادة ﻓﺈن ھذه اﻷﻣور ﺗﺛﺑت ﻟﻠﺑﮭﺎﺋم واﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وھﻲ‬
‫ﻣﻌﺎن ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم‪ ،‬ﺛم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻧﻔر ﻋﻣﺎ ﯾﺷﺗﺎق إﻟﯾﮫ ﻓﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﮫ اﻟﻧﻔرة واﻟﻣﯾل إﻟﻰ ﺷﻲء واﺣد ﺑوﺟود‬
‫اﻟﺷوق ﻓﻲ ﻣﺣل واﻟﻧﻔرة ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر‪ ،‬وذﻟك ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺣل اﻷﺟﺳﺎم وذﻟك ﻷن ھذه اﻟﻘوى وإن‬
‫ﻛﺎﻧت ﻛﺛﯾرة وﻣﺗوزﻋﺔ ﻋﻠﻰ آﻻت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻠﮭﺎ راﺑطﺔ واﺣدة وھﻲ اﻟﻧﻔس‪ ،‬وذﻟك ﻟﻠﺑﮭﯾﻣﺔ واﻹﻧﺳﺎن ﺟﻣﯾﻌﺎً‪ ،‬وإذا‬
‫اﺗﺣدت اﻟراﺑطﺔ اﺳﺗﺣﺎﻟت اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬وھذا ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻛون اﻟﻧﻔس ﻏﯾر ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺟﺳم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﮭﺎﺋم‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺧﺎﻣس‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺧﺎﻣس ﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﻋﻘل اﻟﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ‬
‫ﻗوﻟﮭم‪ :‬إن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﯾدرك اﻟﻣﻌﻘول ﺑﺂﻟﺔ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﮭو ﻻ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ واﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺎﻟﻣﻘدم‬
‫ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻣﺳﻠم أن اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم وﻟﻛن إذا ﺛﺑت اﻟﻠزوم ﺑﯾن اﻟﺗﺎﻟﻲ واﻟﻣﻘدم‪ ،،‬ﺑل ﻧﻘول‪ :‬ﻣﺎ‬
‫ﯾﺳﻠم ﻟزوم اﻟﺗﺎﻟﻲ وﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل اﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺑﺻر‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن اﻹﺑﺻﺎر ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺟﺳم ﻓﺎﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑﺻﺎر ﻓﺎﻟرؤﯾﺔ ﻻ ﺗرى واﻟﺳﻣﻊ ﻻ‬
‫ﯾﺳﻣﻊ وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﺣواس‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺟﺳم ﻓﻠم ﯾدرك ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬واﻟﻌﻘل ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره‬
‫ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺈن اﻟواﺣد ﻣﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻘل أﻧﮫ ﻋﻘل ﻏﯾره وأﻧﮫ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ھذا ﯾﺟوز ﺑﺧرق اﻟﻌﺎدات‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن اﻹﺑﺻﺎر ﻋﻧدﻧﺎ ﯾﺟوز أن ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﯾﻛون إﺑﺻﺎراً ﻟﻐﯾره‬
‫وﻟﻧﻔﺳﮫ ﻛﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻐﯾره وﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ .‬وﻟﻛن اﻟﻌﺎدة ﺟﺎرﯾﺔ ﺑﺧﻼف ذﻟك وﺧرق اﻟﻌﺎدات ﻋﻧدﻧﺎ‬
‫ﺟﺎﺋز‪.‬‬
‫ﻓﯾﻛون ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻧﻔردة‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ وھو أﻗوى أﻧﺎ ﺳﻠﻣﻧﺎ ھذا ﻓﻲ اﻟﺣواس وﻟﻛن ﻟم إذا اﻣﺗﻧﻊ ذﻟك ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺣواس ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻓﻲ ﺑﻌض؟ وأي‬
‫ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻔﺗرق ﺣﻛم اﻟﺣواس ﻓﻲ وﺟﮫ اﻹدراك ﻣﻊ اﺷﺗراﻛﮭﺎ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‪،‬؟ ﻛﻣﺎ اﺧﺗﻠف اﻟﺑﺻر واﻟﻠﻣس‬
‫ﻓﻲ أن اﻟﻠﻣس ﻻ ﯾﻔﯾد اﻹدراك إﻻ ﺑﺎﺗﺻﺎل اﻟﻣﻠﻣوس ﺑﺎﻵﻟﺔ اﻟﻼﻣﺳﺔ‪ ،‬وﻛذى اﻟذوق وﯾﺧﺎﻟﻔﮫ اﻟﺑﺻر ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﺗرط‬
‫ﻓﯾﮫ اﻻﻧﻔﺻﺎل ﺣﺗﻰ ﻟو أطﺑق أﺟﻔﺎﻧﮫ ﻟم ﯾر ﻟون اﻟﺟﻔن ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﺑﻌد ﻋﻧﮫ‪ ،‬وھذا اﻻﺧﺗﻼف ﻻ ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﺳم ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﺣواس اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻋﻘﻼً وﯾﺧﺎﻟف ﺳﺎﺋرھﺎ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﺗدرك‬
‫ﻧﻔﺳﮭﺎ‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺳﺎدس‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺳﺎدس ﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ أدرك اﻟﻌﻘل اﻟﻘﻠب‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻟو ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﯾدرك ﺑﺂﻟﺔ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻷﺑﺻﺎر ﻟﻣﺎ أدرك آﻟﺗﮫ ﻛﺳﺎﺋر اﻟﺣواس وﻟﻛﻧﮫ ﯾدرك اﻟدﻣﺎغ واﻟﻘﻠب‬
‫وﻣﺎ ﯾدﻋﻰ آﻟﺗﮫ‪ ،‬ﻓدل أﻧﮫ ﻟﯾس آﻟﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻣﺣﻼً وإﻻ ﻟﻣﺎ أدرﻛﮫ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ﻛﺎﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻟذي ﻗﺑﻠﮫ‪ .‬ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾدرك اﻹﺑﺻﺎر ﻣﺣﻠﮫ وﻟﻛﻧﮫ ﺣواﻟﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎدة‪ .‬أو ﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻔﺗرق اﻟﺣواس ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ وإن اﺷﺗرﻛت ﻓﻲ اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم‬
‫ﻛﻣﺎ ﺳﺑق؟ وﻟم ﻗﻠﺗم أن ﻣﺎ ھو ﻗﺎﺋم ﻓﻲ ﺟﺳم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾدرك اﻟﺟﺳم اﻟذي ھو ﻣﺣﻠﮫ وﻟم ﯾﻠزم أن ﯾﺣﻛم ﻣن‬
‫ﺟزﺋﻲ ﻣﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻲ ﻣرﺳل؟‬
‫ﻻ ﯾﺣﻛم ﺑﺑﻌض اﻟﺣواس ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ‬
‫وﻣﻣﺎ ﻋرف ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑطﻼﻧﮫ وذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق أن ﯾﺣﻛم ﺑﺳﺑب ﺟزﺋﻲ أو ﺟزﺋﯾﺎت ﻛﺛﯾرة ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻲ ﺣﺗﻰ ﻣﺛﻠوه‬
‫ﺑﻣﺎ إذا ﻗﺎل اﻹﻧﺳﺎن إن ﻛل ﺣﯾوان ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣرك ﻋﻧد اﻟﻣﺿﻎ ﻓﻛﮫ اﻷﺳﻔل ﻷﻧﺎ اﺳﺗﻘرأﻧﺎ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻛﻠﮭﺎ ﻓرأﯾﻧﺎھﺎ‬
‫ﻛذﻟك‪ ،‬ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﻔﻠﺗﮫ ﻋن اﻟﺗﻣﺳﺎح ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣرك ﻓﻛﮫ اﻷﻋﻠﻰ وھؤﻻء ﻟم ﯾﺳﺗﻘرﺋوا إﻻ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس‪،‬‬
‫ﻓوﺟدوھﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻣﻌﻠوم ﻓﺣﻛﻣوا ﻋﻠﻰ اﻟﻛل ﺑﮫ‪ .‬ﻓﻠﻌل اﻟﻌﻘل ﺣﺎﺳﺔ أﺧرى ﺗﺟري ﻣن ﺳﺎﺋر اﻟﺣواس ﻣﺟرى‬
‫اﻟﺗﻣﺳﺎح ﻣن ﺳﺎﺋر اﻟﺣﯾواﻧﺎت‪ ،‬ﻓﺗﻛون إذن اﻟﺣواس ﻣﻊ ﻛوﻧﮭﺎ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾدرك ﻣﺣﻠﮭﺎ وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ‬
‫ﯾدرك ﻛﻣﺎ اﻧﻘﺳﻣت إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾدرك ﻣدرﻛﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﻣﺎﺳﺔ ﻛﺎﻟﺑﺻر وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺎﺗﺻﺎل ﻛﺎﻟذوق‬
‫واﻟﻠﻣس‪ .‬ﻓﻣﺎ ذﻛروه أﯾﺿﺎ ً إن أورث ظﻧﺎ ً ﻓﻼ ﯾورث ﯾﻘﯾﻧﺎ ً ﻣوﺛوﻗﺎ ً ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘل أن ﯾدرك اﻟﻘﻠب داﺋﻣﺎ ً إﻣﺎ أﻻ ﯾدرﻛﮫ أﺑداً‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻟﺳﻧﺎ ﻧﻌول ﻋﻠﻰ ﻣﺟرد اﻻﺳﺗﻘراء ﻟﻠﺣواس ﺑل ﻧﻌول ﻋﻠﻰ اﻟﺑرھﺎن وﻧﻘول‪ :‬ﻟو ﻛﺎن اﻟﻘﻠب أو اﻟدﻣﺎغ ھو‬
‫ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻛﺎن ﻻ ﯾﻌزب ﻋﻧﮫ إدراﻛﮭﻣﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن أن ﯾﻌﻘﻠﮭﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن إدراك‬
‫ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓﺈن أﺣداً ﻻ ﯾﻌزب ذاﺗﮫ ﻋن ذاﺗﮫ ﺑل ﯾﻛون ﻣﺛﺑﺗﺎ ً ﻟﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ أﺑداً‪ ،‬واﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﺣدﯾث اﻟﻘﻠب‬
‫واﻟدﻣﺎغ أو ﻟم ﯾﺷﺎھد ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﺢ ﻣن إﻧﺳﺎن آﺧر ﻻ ﯾدرﻛﮭﻣﺎ وﻻ ﯾﻌﺗﻘد وﺟودھﻣﺎ‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﺣﺎﻻً ﻓﻲ ﺟﺳم‬
‫ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻘل ذﻟك اﻟﺟﺳم أﺑداً أو ﻻ ﯾدرﻛﮫ أﺑداً وﻟﯾس واﺣد ﻣن اﻷﻣرﯾن ﺑﺻﺣﯾﺢ ﺑل ﯾﻌﻘل ﺣﺎﻟﺔ وﻻ ﯾﻌﻘل‬
‫ﺣﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫ﻓﮭﻧﺎك ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة‬
‫وھذا اﻟﺗﺣﻘﯾق وھو أن اﻹدراك اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﻣﺣل إﻧﻣﺎ ﯾدرك اﻟﻣﺣل ﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺣل‪ ،‬وﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻟﮫ‬
‫ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ ﺳوى اﻟﺣﻠول ﻓﯾﮫ ﻓﻠﯾدرﻛﮫ أﺑداً‪ ،‬وإن ﻛﺎن ھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻻ ﺗﻛﻔﻲ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾدرك أﺑداً إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن‬
‫ﯾﻛون ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ أﺧرى إﻟﯾﮫ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ أﺑداً وﻟم ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﺑﺣﺎل‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﯾﺷﻌر ﺑﺟﺳده‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ دام ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻻ ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﻌر ﺑﺟﺳده وﺟﺳﻣﮫ‪ .‬ﻧﻌم ﻻ ﯾﺗﻌﯾن ﻟﮫ اﺳم اﻟﻘﻠب وﺻورﺗﮫ‬
‫وﺷﻛﻠﮫ وﻟﻛﻧﮫ ﯾﺛﺑت ﻧﻔﺳﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺛﺑت ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﺛﯾﺎﺑﮫ وﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ‪ ،‬واﻟﻧﻔس اﻟذي ذﻛروه ﻻ ﯾﻧﺎﺳب اﻟﺑﯾت‬
‫واﻟﺛوب‪.‬‬
‫داﺋﻣﺎ ً وإن ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﯾن‬
‫ﻓﺈﺛﺑﺎﺗﮫ ﻷﺻل اﻟﺟﺳم ﻣﻼزم ﻟﮫ وﻏﻔﻠﺗﮫ ﻋن ﺷﻛﻠﮫ واﺳﻣﮫ ﻛﻐﻔﻠﺗﮫ ﻋن ﻣﺣل اﻟﺷم وإﻧﮭﻣﺎ زاﺋدﺗﺎن ﻓﻲ ﻣﻘدم اﻟدﻣﺎغ‬
‫ﺷﺑﯾﮭﺗﯾن ﺑﺣﻠﻣﺗﻲ اﻟﺛدي‪ ،‬ﻓﺈن ﻛل إﻧﺳﺎن ﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﯾدرك اﻟراﺋﺣﺔ ﺑﺟﺳﻣﮫ وﻟﻛن ﻣﺣل اﻹدراك ﻻ ﯾﺗﺷﻛل ﻟﮫ وﻻ‬
‫ﯾﺗﻌﯾن وإن ﻛﺎن ﯾدرك أﻧﮫ إﻟﻰ اﻟرأس أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﻘب وﻣن ﺟﻣﻠﺔ اﻟرأس إﻟﻰ داﺧل اﻷﻧف أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ‬
‫داﺧل اﻷذن‪ .‬ﻓﻛذﻟك ﯾﺷﻌر اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻠم أن ھوﯾﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﻗواﻣﮫ إﻟﻰ ﻗﻠﺑﮫ وﺻدره أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ رﺟﻠﮫ‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘدر ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻣﻊ ﻋدم اﻟرﺟل وﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻣﻊ ﻋدم اﻟﻘﻠب‪ ،‬ﻓﻣﺎ ذﻛروه ﻣن أﻧﮫ ﯾﻐﻔل‬
‫ﻋن اﻟﺟﺳم ﺗﺎرة وﺗﺎرة ﻻ ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﻟﯾس ﻛذﻟك‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺳﺎﺑﻊ‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺳﺎﺑﻊ أن اﻟﻘوى اﻵﻟﯾﺔ ﯾﻌرض ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﻛﻼل‬
‫ﻗﺎﻟوا اﻟﻘوى اﻟدراﻛﺔ ﺑﺎﻵﻻت اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﯾﻌرض ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﺑﺈداﻣﺔ اﻹدراك ﻛﻼل ﻷن إداﻣﺔ‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻔﺳد ﻣزاج اﻷﺟﺳﺎم ﻓﺗﻛﻠﮭﺎ‪ ،‬وﻛذﻟك اﻷﻣور اﻟﻘوﯾﺔ اﻟﺟﻠﯾﺔ اﻹدراك ﺗوھﻧﮭﺎ ورﺑﻣﺎ ﺗﻔﺳدھﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗدرك‬
‫ﻋﻘﯾﺑﮭﺎ اﻷﺧﻔﻰ اﻷﺿﻌف ﻛﺎﻟﺻوت اﻟﻌظﯾم ﻟﻠﺳﻣﻊ واﻟﻧور اﻟﻌظﯾم ﻟﻠﺑﺻر ﻓﺈﻧﮫ رﺑﻣﺎ ﯾﻔﺳد أو ﯾﻣﻧﻊ ﻋﻘﯾﺑﮫ ﻣن‬
‫إدراك اﻟﺻوت اﻟﺧﻔﻲ واﻟﻣرﺋﯾﺎت اﻟدﻗﯾﻘﺔ‪ ،‬ﺑل ﻣن ذاق اﻟﺣﻼوة اﻟﺷدﯾدة ﻻ ﯾﺣس ﺑﻌده ﺑﺣﻼوة دوﻧﮫ‪.‬‬
‫واﻷﻣر ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺑﺎﻟﻌﻛس‬
‫واﻷﻣر اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺑﺎﻟﻌﻛس ﻓﺈن إداﻣﺗﮭﺎ ﻟﻠﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻻ ﯾﺗﻌﺑﮭﺎ ودرك اﻟﺿرورﯾﺎت اﻟﺟﻠﯾﺔ ﯾﻘوﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫درك اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺧﻔﯾﺔ وﻻ ﯾﺿﻌﻔﮭﺎ‪ ،‬وإن ﻋرض ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت ﻛﻼل ﻓذﻟك ﻻﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ‬
‫واﺳﺗﻌﺎﻧﺗﮭﺎ ﺑﮭﺎ ﻓﺗﺿﻌف آﻟﺔ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﺧدم اﻟﻌﻘل‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺣواس ﺗﺧﺗﻠف ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌض‬
‫وھذا ﻣن اﻟطراز اﻟﺳﺎﺑق ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺧﺗﻠف اﻟﺣواس اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور ﻓﻠﯾس ﻣﺎ ﯾﺛﺑت ﻣﻧﮭﺎ‬
‫ﻟﻠﺑﻌض ﯾﺟب أن ﯾﺛﺑت ﻟﻶﺧر‪ ،‬ﺑل ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺗﻔﺎوت اﻷﺟﺳﺎم ﻓﯾﻛون ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺿﻌﻔﮭﺎ ﻧوع ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ وﻣﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻘوﯾﮭﺎ ﻧوع ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾوھﻧﮭﺎ وإن ﻛﺎن ﯾؤﺛر ﻓﯾﮭﺎ ﻓﯾﻛون ﺛم ﺳﺑب ﯾﺟدد ﻗوﺗﮭﺎ ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﺣس ﺑﺎﻷﺛر‬
‫ﻓﯾﮭﺎ‪ .‬ﻓﻛل ھذا ﻣﻣﻛن إذا اﻟﺣﻛم اﻟﺛﺎﺑت ﻟﺑﻌض اﻷﺷﯾﺎء ﻟﯾس ﯾﻠزم أن ﯾﺛﺑت ﻟﻛﻠﮫ‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺛﺎﻣن‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻣن اﻟﻌﻘل ﻻ ﺗﻌﺗرﯾﮫ اﻟﺷﯾﺧوﺧﺔ‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬أﺟزاء اﻟﺑدن ﻛﻠﮭﺎ ﺗﺿﻌف ﻗواھﺎ ﺑﻌد ﻣﻧﺗﮭﻰ اﻟﻧﺷو واﻟوﻗوف ﻋﻧد اﻷرﺑﻌﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ ﻓﯾﺿﻌف‬
‫اﻟﺑﺻر واﻟﺳﻣﻊ وﺳﺎﺋر اﻟﻘوى واﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﻲ أﻛﺛر اﻷﻣر إﻧﻣﺎ ﺗﻘوى ﺑﻌد ذﻟك‪.‬‬
‫ﯾﻌوﻗﮫ اﻟﻣرض‬
‫وﻻ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ھذا ﺗﻌذر اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻋﻧد ﺣﻠول اﻟﻣرض ﻓﻲ اﻟﺑدن وﻋﻧد اﻟﺧرف ﺑﺳﺑب اﻟﺷﯾﺧوﺧﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺑﺎن أﻧﮫ ﯾﺗﻘوى ﻣﻊ ﺿﻌف اﻟﺑدن ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال ﻓﻘد ﺑﺎن ﻗواﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻓﺗﻌطﻠﮫ ﻋﻧد ﺗﻌطل اﻟﺑدن ﻻ‬
‫ﯾوﺟب ﻛوﻧﮫ ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﺑدن ﻓﺈن اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻋﯾن اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻧﺗﺞ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول‪ :‬إن ﻛﺎﻧت اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺎﻟﺑدن ﻓﯾﺿﻌﻔﮭﺎ‬
‫ﺿﻌف اﻟﺑدن ﺑﻛل ﺣﺎل واﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺎﻟﻣﻘدم ﻣﺣﺎل‪ .‬وإذا ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣوﺟود ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻠزم أن‬
‫ﯾﻛون اﻟﻣﻘدم ﻣوﺟوداً‪.‬‬
‫وﻟﮭذا اﻷﻣر ﻣدﻟول‬
‫ﺛم اﻟﺳﺑب ﻓﯾﮫ أن اﻟﻧﻔس ﻟﮭﺎ ﻓﻌل ﺑذاﺗﮭﺎ إذا ﻟم ﯾﻌق ﻋﺎﺋق وﻟم ﯾﺷﻐﻠﮭﺎ ﺷﺎﻏل‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻠﻧﻔس ﻓﻌﻠﯾن‪ :‬ﻓﻌل ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ‬
‫اﻟﺑدن وھو اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻟﮫ وﺗدﺑﯾره وﻓﻌل ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﻣﺑﺎدﺋﮫ وإﻟﻰ ذاﺗﮫ وھو إدراك اﻟﻣﻌﻘوﻻت‪ ،‬وھﻣﺎ ﻣﺗﻣﺎﻧﻌﺎن‬
‫ﻣﺗﻌﺎﻧدان ﻓﻣﮭﻣﺎ اﺷﺗﻐل ﺑﺄﺣدھﻣﺎ اﻧﺻرف ﻋن اﻵﺧر وﺗﻌذر ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن‪ .‬وﺷواﻏﻠﮫ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﺑدن‬
‫اﻹﺣﺳﺎس واﻟﺗﺧﯾل واﻟﺷﮭوات واﻟﻐﺿب واﻟﺧوف واﻟﻐم واﻟوﺟﻊ‪ ،‬ﻓﺈذا أﺧذت ﺗﻔﻛر ﻓﻲ ﻣﻌﻘول ﺗﻌطل ﻋﻠﯾك ﻛل‬
‫ھذه اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧر‪ .‬ﺑل ﻣﺟرد اﻟﺣس ﻗد ﯾﻣﻧﻊ ﻣن إدراك اﻟﻌﻘل وﻧظره ﻣن ﻏﯾر أن ﯾﺻﯾب آﻟﺔ اﻟﻌﻘل ﺷﻲء أو‬
‫ﯾﺻﯾب ذاﺗﮭﺎ آﻓﺔ‪ ،‬واﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﻛل ذﻟك اﺷﺗﻐﺎل اﻟﻧﻔس ﺑﻔﻌل ﻋن ﻓﻌل وﻟذﻟك ﯾﺗﻌطل ﻧظر اﻟﻌﻘل ﻋﻧد اﻟوﺟﻊ‬
‫واﻟﻣرض واﻟﺧوف ﻓﺈﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻣرض ﻓﻲ اﻟدﻣﺎغ‪ .‬وﻛﯾف ﯾﺳﺗﺑﻌد اﻟﺗﻣﺎﻧﻊ ﻓﻲ اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺗﻲ ﻓﻌل اﻟﻧﻔس؟ وﺗﻌدد‬
‫اﻟﺟﮭﺔ اﻟواﺣدة ﻗد ﯾوﺟب اﻟﺗﻣﺎﻧﻊ ﻓﺈن اﻟﻔرق ﯾذھل ﻋن اﻟوﺟﻊ واﻟﺷﮭوة ﻋن اﻟﻐﺿب واﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﻌﻘول ﻋن‬
‫ﻣﻌﻘول آﺧر‪.‬‬
‫إذا ﻋﺎد اﻟﻣرﯾض ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻋﺎد اﻟﻌﻠم ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﺋﻧﺎف ﺗﻌﻠم‬
‫وآﯾﺔ أن اﻟﻣرض اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﺑدن ﻟﯾس ﯾﺗﻌرض ﻟﻣﺣل اﻟﻌﻠوم‪ ،‬أﻧﮫ إذا ﻋﺎد ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻟم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﺗﻌﻠم اﻟﻌﻠوم ﻣن‬
‫رأس ﺑل ﺗﻌود ھﯾﺋﺔ ﻧﻔﺳﮫ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت وﺗﻌود ﺗﻠك اﻟﻌﻠوم ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﺋﻧﺎف ﺗﻌﻠم‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ھﻧﺎك أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة ﻟزﯾﺎدة ﺑﻌض اﻟﺣواس‬
‫واﻻﻋﺗراض أن ﻧﻘول‪ :‬ﻧﻘﺻﺎن اﻟﻘوى وزﯾﺎدﺗﮭﺎ ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة ﻻ ﺗﻧﺣﺻر‪ ،‬ﻓﻘد ﯾﻘوى ﺑﻌض اﻟﻘوى ﻓﻲ اﺑﺗداء‬
‫اﻟﻌﻣر وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟوﺳط وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ اﻵﺧر وأﻣر اﻟﻌﻘل أﯾﺿﺎ ً ﻛذﻟك‪ .‬ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ أن ﯾدﻋﻰ اﻟﻐﺎﻟب‪.‬‬
‫ﻣﺛل اﻟﺷم‬
‫وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﺧﺗﻠف اﻟﺷم واﻟﺑﺻر ﻓﻲ أن اﻟﺷم ﯾﻘوى ﺑﻌد اﻷرﺑﻌﯾن واﻟﺑﺻر ﯾﺿﻌف وإن ﺗﺳﺎوﯾﺎ ﻓﻲ ﻛوﻧﮭﻣﺎ‬
‫ﺣﺎﻟﯾن ﻓﻲ اﻟﺟﺳم‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺗﺗﻔﺎوت ھذه اﻟﻘوى ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻓﯾﻘوى اﻟﺷم ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ واﻟﺳﻣﻊ ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ واﻟﺑﺻر‬
‫ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ أﻣزﺟﺗﮭﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﺿﺑطﮫ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻣزاج اﻵﻻت أﯾﺿﺎ ً ﯾﺧﺗﻠف‬
‫ﻓﻲ ﺣق اﻷﺷﺧﺎص وﻓﻲ ﺣق اﻷﺣوال‪.‬‬
‫واﻟﻌﻘل‬
‫وﯾﻛون أﺣد اﻷﺳﺑﺎب ﻓﻲ ﺳﺑق اﻟﺿﻌف إﻟﻰ اﻟﺑﺻر دون اﻟﻌﻘل أن اﻟﺑﺻر أﻗدم ﻓﺈﻧﮫ ﻣﺑﺻر ﻓﻲ أول ﻓطرﺗﮫ وﻻ‬
‫ﯾﺗم ﻋﻘﻠﮫ إﻻ ﺑﻌد ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﺳﻧﺔ أو زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺷﺎھد اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺎس ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻗﯾل إن اﻟﺷﯾب إﻟﻰ ﺷﻌر‬
‫اﻟرأس أﺳﺑق ﻣﻧﮫ إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﻠﺣﯾﺔ ﻷن ﺷﻌر اﻟرأس أﻗدم‪ .‬ﻓﮭذه اﻷﺳﺑﺎب إن ﺧﺎض اﻟﺧﺎﺋض ﻓﯾﮭﺎ وﻟم ﯾرد ھذه‬
‫اﻷﻣور إﻟﻰ ﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﻠم ﻣوﺛوق ﺑﮫ ﻷن ﺟﮭﺎت اﻻﺣﺗﻣﺎل ﻓﯾﻣﺎ ﺗزﯾد ﺑﮭﺎ اﻟﻘوى‬
‫أو ﺗﺿﻌف ﻻ ﺗﻧﺣﺻر ﻓﻼ ﯾورث ﺷﻲء ﻣن ذﻟك ﯾﻘﯾﻧﺎ ً‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﺗﺎﺳﻊ‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺑدل اﻟﺟﺳم ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌﯾﻧﮫ وﻣﻌﮫ ﻋﻠوم‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻛﯾف ﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﺟﺳم ﻣﻊ ﻋوارﺿﮫ؟ وھذه اﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﺗزال ﺗﻧﺣل واﻟﻐذاء ﯾﺳد ﻣﺳد ﻣﺎ‬
‫ﯾﻧﺣل‪ ،‬ﺣﺗﻰ إذا رأﯾﻧﺎ ﺻﺑﯾﺎ ً اﻧﻔﺻل ﻣن اﻟﺟﻧﯾن ﻓﯾﻣرض ﻣراراً وﯾذﺑل ﺛم ﯾﺳﻣن وﯾﻧﻣوا ﻓﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﻘول‪ :‬ﻟم ﯾﺑق‬
‫ﻓﯾﮫ ﺑﻌد اﻷرﺑﻌﯾن ﺷﻲء ﻣن اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻋﻧد اﻻﻧﻔﺻﺎل ﺑل ﻛﺎن أول وﺟوده ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﻧﻲ‬
‫ﻓﻘط وﻟم ﯾﺑق ﻓﯾﮫ ﺷﻲء ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﻧﻲ ﺑل اﻧﺣل ﻛل ذﻟك وﺗﺑدل ﺑﻐﯾره‪ .‬ﻓﯾﻛون ھذا اﻟﺟﺳم ﻏﯾر ذﻟك اﻟﺟﺳم‪.‬‬
‫وﻧﻘول‪ :‬ھذا اﻹﻧﺳﺎن ھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ وﺣﺗﻰ أﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ ﻋﻠوم ﻣن أول ﺻﺑﺎه وﯾﻛون ﻗد ﺗﺑدل ﺟﻣﯾﻊ‬
‫أﺟﺳﺎﻣﮫ‪ .‬ﻓدل أن ﻟﻠﻧﻔس وﺟوداً ﺳوى اﻟﺑدن وأن اﻟﺑدن آﻟﺗﮫ‪.‬‬
‫وﻛﻠك اﻟﺷﺟرة‬
‫اﻻﻋﺗراض أن ھذا ﯾﻧﺗﻘض ﺑﺎﻟﺑﮭﯾﻣﺔ واﻟﺷﺟرة إذا ﻗﯾﺳت ﺣﺎﻟﺔ ﻛﺑرھﻣﺎ ﺑﺣﺎﻟﺔ اﻟﺻﻐر ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘﺎل إن ھذا ذاك‬
‫ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وﻟﯾس ﯾدل ذﻟك ﻋﻠﻰ أن ﻟﮫ وﺟوداً ﻏﯾر اﻟﺟﺳم‪.‬‬
‫وﺗﺑﻘﻰ اﻟﺻور اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ‬
‫وﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﯾﺑطل ﺑﺣﻔظ اﻟﺻور اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺻﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻛﺑر وإن ﺗﺑدل ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟدﻣﺎغ‬
‫ﻓﺈن زﻋﻣوا أﻧﮫ ﻟم ﯾﺗﺑدل ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟدﻣﺎغ ﻓﻛذى ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟﻘﻠب وھﻣﺎ ﻣن اﻟﺑدن ﻓﻛﯾف ﯾﺗﺻور أن ﯾﺗﺑدل‬
‫اﻟﺟﻣﯾﻊ ؟‬
‫واﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻧﮫ ﺷﻲء‬
‫ً‬
‫ﺑل ﻧﻘول‪ :‬اﻹﻧﺳﺎن وإن ﻋﺎش ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼ ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻗد ﺑﻘﻲ ﻓﯾﮫ أﺟزاء ﻣن اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﺄﻣﺎ أن ﺗﻧﻣﺣﻰ ﻋﻧﮫ‬
‫ﻓﻼ ﻓﮭو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻣﺎ ﺑﻘﻲ‪ ،‬ﻛم أﻧﮫ ﯾﻘﺎل‪ :‬ھذا ذاك اﻟﺷﺟر وھذا ذاك اﻟﻔرس‪ ،‬وﯾﻛون ﺑﻘﺎء اﻟﻣﻧﻲ ﻣﻊ‬
‫ﻛﺛرة اﻟﺗﺣﻠل واﻟﺗﺑدل‪.‬‬
‫ﻣﺛل اﻟﻣﺎء اﻟذي ﺗﺻب ﻋﻠﯾﮫ وﺗﺄﺧذ ﻣﻧﮫ‬
‫ﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺎ إذا ﺻب ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ رطل ﻣن اﻟﻣﺎء ﺛم ﺻب ﻋﻠﯾﮫ رطل آﺧر ﺣﺗﻰ اﺧﺗﻠط ﺑﮫ ﺛم أﺧذ ﻣﻧﮫ رطل ﺛم‬
‫ﺻب ﻋﻠﯾﮫ رطل آﺧر ﺛم أﺧذ ﻣﻧﮫ رطل ﺛم ﻻ ﯾزال ﯾﻔﻌل ﻛذﻟك أﻟف ﻣرة ﻓﻧﺣن ﻓﻲ اﻟﻣرة اﻷﺧﯾرة ﻧﺣﻛم ﺑﺄن‬
‫ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺎء اﻷول ﺑﺎق وأﻧﮫ ﻣﺎ ﻣن رطل ﯾؤﺧذ ﻣﻧﮫ إﻻ وﻓﯾﮫ ﺷﻲء ﻣن ذﻟك اﻟﻣﺎء ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﻣوﺟوداً ﻓﻲ اﻟﻛرة‬
‫اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ واﻟراﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ وھﻛذى إﻟﻰ اﻵﺧر‪ .‬وھذا ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم أﻟزم ﺣﯾث ﺟوزوا‬
‫اﻧﻘﺳﺎم اﻷﺟﺳﺎم إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺻﺑﺎب اﻟﻐذاء ﻓﻲ اﻟﺑدن واﻧﺣﻼل أﺟزاء اﻟﺑدن ﯾﺿﺎھﻲ ﺻب اﻟﻣﺎء ﻓﻲ ھذا‬
‫اﻹﻧﺎء واﻏﺗراﻓﮫ ﻋﻧﮫ‪.‬‬
‫دﻟﯾل ﻋﺎﺷر‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﻌﺎﺷر ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻛﻠﯾﺎت ﻋﺎﻣﺔ‬
‫ﻗﺎﻟوا‪ :‬اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺗدرك اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون أﺣواﻻً ﻓﺗدرك اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق ﻋﻧد‬
‫ﻣﺷﺎھدة اﻟﺣس ﻟﺷﺧص إﻧﺳﺎن ﻣﻌﯾن وھو ﻏﯾر اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﺈن اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﻣﺧﺻوص وﻟون‬
‫ﻣﺧﺻوص وﻣﻘدار ﻣﺧﺻوص ووﺿﻊ ﻣﺧﺻوص‪ ،‬واﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﻌﻘول اﻟﻣطﻠق ﻣﺟرد ﻋن ھذه اﻷﻣور ﺑل‬
‫ﯾدﺧل ﻓﯾﮫ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻧطﻠق ﻋﻠﯾﮫ اﺳم اﻹﻧﺳﺎن وإن ﻟم ﯾﻛن ﻋﻠﻰ ﻟون اﻟﻣﺷﺎھد وﻗدره ووﺿﻌﮫ وﻣﻛﺎﻧﮫ‪ ،‬ﺑل اﻟذي‬
‫ﯾﻣﻛن وﺟوده ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﯾدﺧل ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﺑل ﻟو ﻋدم اﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻣﺟرداً ﻋن ھذه‬
‫اﻟﺧواص‪ ،‬وھﻛذى ﻛل ﺷﻲء ﺷﺎھده اﻟﺣس ﻣﺷﺧﺻﺎ ً ﻓﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ ﻟﻠﻌﻘل ﺣﻘﯾﻘﺔ ذﻟك اﻟﺷﺧص ﻛﻠﯾﺎ ً ﻣﺟرداً ﻋن‬
‫اﻟﻣواد واﻷوﺿﺎع ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻘﺳم أوﺻﺎﻓﮫ إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ذاﺗﻲ ﻛﺎﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻟﻠﺷﺟر واﻟﺣﯾوان واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن وإﻟﻰ ﻣﺎ‬
‫ھو ﻋرﺿﻲ ﻟﮫ ﻛﺎﻟﺑﯾﺎض واﻟطول ﻟﻺﻧﺳﺎن واﻟﺷﺟر‪ ،‬وﯾﺣﻛم ﺑﻛوﻧﮫ ذاﺗﯾﺎ ً وﻋرﺿﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺟﻧس اﻹﻧﺳﺎن واﻟﺷﺟر‬
‫وﻛل ﻣﺎ ﯾدرك ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺷﺎھد‪ ،‬ﻓدل أن اﻟﻛﻠﻲ اﻟﻣﺟرد ﻋن اﻟﻘراﺋن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﻋﻧده وﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻘﻠﮫ‪.‬‬
‫ﺗﺟردھﺎ ﻋن اﻟﻘراﺋن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣﺟردة‬
‫وذﻟك اﻟﻛﻠﻲ اﻟﻣﻌﻘول ﻻ إﺷﺎرة إﻟﯾﮫ وﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ وﻻ ﻣﻘدار‪ ،‬ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺗﺟرده ﻋن اﻟوﺿﻊ واﻟﻣﺎدة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣﻧﮫ وھو ﻣﺣﺎل ﻓﺈن اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣﻧﮫ ذو وﺿﻊ وأﯾن وﻣﻘدار‪ ،‬وإﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻵﺧذ وھو‬
‫اﻟﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﻠﻧﻔس وﺿﻊ وﻻ إﻟﯾﮫ إﺷﺎرة وﻻ ﻟﮫ ﻣﻘدار‪ ،‬وإﻻ ﻟو ﺛﺑت ذﻟك ﻟﺛﺑت ﻟﻠذي ﺣل‬
‫ﻓﯾﮫ ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﺣس ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﻌﻘل‪ ،‬وﻟﻛن ﻣﻔﺻﻼً‬
‫واﻻﻋﺗراض أن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻛﻠﻲ اﻟذي وﺿﻌﺗﻣوه ﺣﺎﻻً ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻏﯾر ﻣﺳﻠم ﺑل ﻻ ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻻ ﻣﺎ ﯾﺣل ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣس وﻟﻛن ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﺣس ﻣﺟﻣوﻋﺎ ً وﻻ ﯾﻘدر اﻟﺣس ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ واﻟﻌﻘل ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﻘل اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻔردات ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة‬
‫ﺛم إذا ﻓﺻل ﻛﺎن اﻟﻣﻔﺻل اﻟﻣﻔرد ﻋن اﻟﻘراﺋن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﺟزﺋﯾﺎ ً ﻛﺎﻟﻣﻘرون ﺑﻘراﺋﻧﮫ‪ ،‬إﻻ أن اﻟﺛﺎﺑت ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻘل ﯾﻧﺎﺳب اﻟﻣﻌﻘول وأﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ واﺣدة ﻓﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﻛﻠﻲ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ وھو أن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﺻورة اﻟﻣﻌﻘول‬
‫اﻟﻣﻔرد اﻟذي أدرﻛﮫ اﻟﺣس أوﻻً‪ ،‬وﻧﺳﺑﺔ ﺗﻠك اﻟﺻورة إﻟﻰ ﺳﺎﺋر آﺣﺎد ذﻟك اﻟﺟﻧس ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة ﻓﺈﻧﮫ ﻟو رأى إﻧﺳﺎﻧﺎ ً‬
‫آﺧر ﻟم ﯾﺣدث ﻟﮫ ھﯾﺋﺔ أﺧرى ﻛﻣﺎ إذا رأى ﻓرﺳﺎ ً ﺑﻌد إﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣدث ﻓﯾﮫ ﺻورﺗﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺗﺎن‪.‬‬
‫وﻣﺛل ھذا ﻓﻲ اﻟﺣس‬
‫وﻣﺛل ھذا ﻗد ﯾﻌرض ﻓﻲ ﻣﺟرد اﻟﺣس ﻓﺈن ﻣن رأى اﻟﻣﺎء ﺣﺻل ﻓﻲ ﺧﯾﺎﻟﮫ ﺻورة‪ ،‬ﻓﻠو رأى اﻟدم ﺑﻌده ﺣﺻﻠت‬
‫ﺻورة أﺧرى‪ ،‬ﻓﻠو رأى ﻣﺎء آﺧر ﻟم ﺗﺣدث ﺻورة أﺧرى ﺑل اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ اﻧطﺑﻌت ﻓﻲ ﺧﯾﺎﻟﮫ ﻣن اﻟﻣﺎء ﻣﺛﺎل‬
‫ﻟﻛل واﺣد ﻣن آﺣﺎد اﻟﻣﯾﺎه ﻓﻘد ﯾظن أﻧﮫ ﻛﻠﻲ ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ .‬ﻓﻛذﻟك إذا رأى اﻟﯾد ﻣﺛﻼً ﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل وﻓﻲ اﻟﻌﻘل‬
‫وﺿﻊ أﺟزاﺋﮫ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض وھو اﻧﺑﺳﺎط اﻟﻛف واﻧﻘﺳﺎم اﻷﺻﺎﺑﻊ ﻋﻠﯾﮫ واﻧﺗﮭﺎء اﻷﺻﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ اﻷظﻔﺎر‪،‬‬
‫وﯾﺣﺻل ﻣﻊ ذﻟك ﺻﻐره وﻛﺑره وﻟوﻧﮫ‪ .‬ﻓﺈن رأى ﯾداً أﺧرى ﺗﻣﺎﺛﻠﮫ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء ﻟم ﯾﺗﺟدد ﻟﮫ ﺻورة أﺧرى ﺑل‬
‫ﻻ ﺗؤﺛر اﻟﻣﺷﺎھدة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ إﺣداث ﺷﻲء ﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل‪ ،‬ﻛﻣﺎ إذا رأى اﻟﻣﺎء ﺑﻌد اﻟﻣﺎء ﻓﻲ إﻧﺎء واﺣد ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗدر واﺣد وﻗد ﯾرى ﯾداً أﺧرى ﺗﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻠون واﻟﻘدر ﻓﯾﺣدث ﻟﮫ ﻟون آﺧر وﻗدر آﺧر وﻻ ﯾﺣدث ﻟﮫ ﺻورة‬
‫ﺟدﯾدة ﻟﻠﯾد‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﯾد اﻟﺻﻐﯾر اﻷﺳود ﯾﺷﺎرك اﻟﯾد اﻟﻛﺑﯾر اﻷﺑﯾض ﻓﻲ وﺿﻊ اﻷﺟزاء وﯾﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻠون واﻟﻘدر‪،‬‬
‫ﻓﻣﺎ ﯾﺳﺎوي ﻓﯾﮫ اﻷول ﻻ ﺗﺗﺟدد ﺻورﺗﮫ إذ ﺗﻠك اﻟﺻورة ھﻲ ھذه اﻟﺻورة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ وﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟﻔﮫ ﯾﺗﺟدد ﺻورﺗﮫ‪.‬‬
‫وھذا ﻻ ﯾؤذن ﺑﺛﺑوت ﻛﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ أﺻﻼً‬
‫ﻓﮭذا ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻛﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل واﻟﺣس ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﺈن اﻟﻌﻘل إذا أدرك ﺻورة اﻟﺟﺳم ﻣن اﻟﺣﯾوان ﻓﻼ ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣن اﻟﺷﺟر‬
‫ﺻورة ﺟدﯾدة ﻓﻲ اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل ﺑﺈدراك ﺻورة اﻟﻣﺎءﯾن ﻓﻲ وﻗﺗﯾن‪ ،‬وﻛذى ﻓﻲ ﻛل ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﯾن وھذا ﻻ‬
‫ﯾؤذن ﺑﺛﺑوت ﻛﻠﻲ ﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ أﺻﻼً‪ .‬ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﻘل ﻗد ﯾﺣﻛم ﺑﺛﺑوت ﺷﻲء ﻻ إﺷﺎرة إﻟﯾﮫ وﻻ وﺿﻊ ﻛﺣﻛﻣﮫ‬
‫ﺑوﺟود ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻟﻛن ﻣن أﯾن أن ذﻟك ﻻ ﯾﺗﺻور ﻗﯾﺎﻣﮫ ﺑﺟﺳم؟ وﻓﻲ ھذا اﻟﻘﺳم ﯾﻛون اﻟﻣﻧﺗزع ﻋن اﻟﻣﺎدة‬
‫ھو اﻟﻣﻌﻘول ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ دون اﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣن اﻟﻣواد ﻓوﺟﮭﮫ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻌدم‬
‫ﺑﻌد وﺟودھﺎ وأﻧﮭﺎ ﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ‬
‫ﻓﯾطﺎﻟﺑون ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻟﮭم دﻟﯾﻼن‪:‬‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻛون ﺑﻣوت اﻟﺑدن‬
‫أﺣدھﻣﺎ ﻗوﻟﮭم إن ﻋدﻣﮭﺎ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺑﻣوت اﻟﺑدن أو ﺑﺿد ﯾطرى ﻋﻠﯾﮭﺎ أو ﺑﻘدرة اﻟﻘﺎدر‪ .‬وﺑﺎطل أن‬
‫ﺗﻧﻌدم ﺑﻣوت اﻟﺑدن ﻓﺈن اﻟﺑدن ﻟﯾس ﻣﺣﻼً ﻟﮭﺎ ﺑل ھو آﻟﺔ ﺗﺳﺗﻌﻣﻠﮭﺎ اﻟﻧﻔس ﺑواﺳطﺔ اﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺑدن‪ ،‬وﻓﺳﺎد‬
‫اﻵﻟﺔ ﻻ ﯾوﺟب ﻓﺳﺎد ﻣﺳﺗﻌﻣل اﻵﻟﺔ إﻻ أن ﯾﻛون ﺣﺎﻻً ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻛﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺑﮭﯾﻣﯾﺔ واﻟﻘوى اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻷن‬
‫اﻟﻧﻔس ﻓﻌﻼً ﺑﻐﯾر ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻵﻟﺔ وﻓﻌﻼً ﺑﻣﺷﺎرﻛﺗﮭﺎ ﻓﺎﻟﻔﻌل اﻟذي ﻟﮭﺎ ﺑﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻵﻟﺔ اﻟﺗﺧﯾل واﻹﺣﺳﺎس واﻟﺷﮭوة‬
‫واﻟﻐﺿب ﻓﻼ ﺟرم ﯾﻔﺳد ﺑﻔﺳﺎد اﻟﺑدن وﯾﻔوت ﺑﻔواﺗﮫ‪ ،‬وﻓﻌﻠﮭﺎ ﺑذاﺗﮭﺎ دون ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﺑدن إدراك اﻟﻣﻌﻘوﻻت‬
‫اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣدرﻛﺎ ً ﻟﻠﻣﻌﻘوﻻت إﻟﻰ اﻟﺑدن ﺑل اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻟﺑدن ﯾﻌوﻗﮭﺎ ﻋن‬
‫اﻟﻣﻌﻘوﻻت‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﻓﻌل دون اﻟﺑدن ووﺟود دون اﻟﺑدن ﻟم ﺗﻔﺗﻘر ﻓﻲ ﻗواﻣﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺑدن‪.‬‬
‫وﻻ ﺑﺎﻟﺿد‬
‫وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﺗﻧﻌدم ﺑﺎﻟﺿد إذ اﻟﺟواھر ﻻ ﺿد ﻟﮭﺎ‪ ،‬وﻟذﻟك ﻻ ﯾﻧﻌدم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم إﻻ اﻷﻋراض واﻟﺻور‬
‫اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯾﺎء إذ ﺗﻧﻌدم ﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ ﺑﺿدھﺎ وھو ﺻورة اﻟﮭواﺋﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺣل ﻻ ﺗﻧﻌدم‬
‫ﻗط وﻛل ﺟوھر ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﻋدﻣﮫ ﺑﺎﻟﺿد إذ ﻻ ﺿد ﻟﻣﺎ ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﺈن اﻷﺿداد ھﻲ اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺣل واﺣد‪.‬‬
‫وﻻ ﺑﺎﻟﻘدرة‬
‫وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺎﻟﻘدرة‪ ،‬إذ اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺷﯾﺋﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺻور وﻗوﻋﮫ ﺑﺎﻟﻘدرة وھذا ﻋﯾن ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ‬
‫أﺑدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وﻗد ﻗررﻧﺎه وﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻷول راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق‬
‫واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟوه‪ :‬اﻷول أﻧﮫ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻔس ﻻ ﯾﻣوت ﺑﻣوت اﻟﺑدن ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺣﺎﻻً ﻓﻲ ﺟﺳم‪،‬‬
‫وھو ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻘد ﻻ ﻧﺳﻠم ذﻟك‪:‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺣدوث اﻟﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺣدوث اﻟﺑدن‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺣل اﻟﺑدن ﻋﻧدھم ﻓﻠﮫ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺑدن ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺣدث إﻻ ﺑﺣدوث اﻟﺑدن‪ .‬ھذا ﻣﺎ اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ‬
‫واﻟﻣﺣﻘﻘون وأﻧﻛروا ﻋﻠﻰ أﻓﻼطن أن اﻟﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ وﯾﻌرض ﻟﮭﺎ اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻷﺑدان ﺑﻣﺳﻠك ﺑرھﺎﻧﻲ ﻣﺣﻘق‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﺣﻘق اﻷﻣر‬
‫وھو أن اﻟﻧﻔوس ﻗﺑل اﻷﺑدان‪ ،‬إن ﻛﺎﻧت واﺣدة ﻓﻛﯾف اﻧﻘﺳﻣت وﻣﺎ ﻻ ﻋظم ﻟﮫ وﻻ ﻣﻘدار ﻻ ﯾﻌﻘل اﻧﻘﺳﺎﻣﮫ‪ .‬وإن‬
‫زﻋم أﻧﮫ ﻟم ﯾﻧﻘﺳم ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻌﻠم ﺿرورة أن ﻧﻔس زﯾد ﻏﯾر ﻧﻔس ﻋﻣرو وﻟو ﻛﺎﻧت واﺣدة ﻟﻛﺎﻧت ﻣﻌﻠوﻣﺎت‬
‫زﯾد ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﻌﻣرو ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﻣن ﺻﻔﺎت ذات اﻟﻧﻔس وﺻﻔﺎت اﻟذات ﺗدﺧل ﻣﻊ اﻟذات ﻓﻲ ﻛل إﺿﺎﻓﺔ‪ ،‬وإن ﻛﺎﻧت‬
‫اﻟﻧﻔوس ﻣﺗﻛﺛرة ﻓﻣﺎذى ﺗﻛﺛرت؟ وﻟم ﺗﺗﻛﺛر ﺑﺎﻟﻣواد وﻻ ﺑﺎﻷﻣﺎﻛن وﻻ ﺑﺎﻷزﻣﻧﺔ وﻻ ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت إذ ﻟﯾس ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ‬
‫ﯾوﺟب اﺧﺗﻼف اﻟﺻﻔﺔ ﺑﺧﻼف اﻟﻧﻔوس ﺑﻌد ﻣوت اﻟﺑدن ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﻛﺛر ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺻﻔﺎت ﻋﻧد ﻣن ﯾرى ﺑﻘﺎءھﺎ‬
‫ﻷﻧﮭﺎ اﺳﺗﻔﺎدت ﻣن اﻷﺑدان ھﯾﺋﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ھﯾﺋﺎﺗﮭﺎ ﺗﺣﺻل ﻣن اﻷﺧﻼق واﻷﺧﻼق ﻗط‬
‫ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ھﯾﺋﺎﺗﮭﺎ ﺗﺣﺻل ﻣن اﻷﺧﻼق واﻷﺧﻼق ﻗط ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻛﻣﺎ أن اﻟﺧﻠق اﻟظﺎھر ﻗط ﻻ‬
‫ﯾﺗﻣﺎﺛل‪ ،‬وﻟو ﺗﻣﺎﺛﻠت ﻻﺷﺗﺑﮫ ﻋﻠﯾﻧﺎ زﯾد ﺑﻌﻣرو‪.‬‬
‫واﻟﻧﻔس ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺑدن اﻟﻣﺧﺻوص ﺑﺑﻌض اﻟوﺳﺎﺋط‬
‫وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت ﺑﺣﻛم ھذا اﻟﺑرھﺎن ﺣدوﺛﮫ ﻋﻧد ﺣدوث اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﻲ اﻟرﺣم واﺳﺗﻌداد ﻣزاﺟﮭﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﻧﻔس اﻟﻣدﺑرة ﺛم‬
‫ﻗﺑﻠت اﻟﻧﻔس ﻻ ﻷﻧﮭﺎ ﻧﻔس ﻓﻘط‪ ،‬إذ ﻗد ﺗﺳﺗﻌد ﻓﻲ رﺣم واﺣد ﻧطﻔﺗﺎن ﻟﺗوأﻣﯾن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻟﻠﻘﺑول ﻓﯾﺗﻌﻠق ﺑﮭﻣﺎ‬
‫ﻧﻔﺳﺎن ﯾﺣدﺛﺎن ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﺑواﺳطﺔ أو ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ وﻻ ﯾﻛون ﻧﻔس ھذا ﻣدﺑراً ﻟﺟﺳم ذاك وﻻ ﻧﻔس ذاك‬
‫ﻣدﺑراً ﻟﺟﺳم ھذا ﻓﻠﯾس اﻹﺧﺗﺻﺎص إﻻ ﻟﻌﻼﻗﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺧﺻوص وﺑﯾن ذﻟك اﻟﺑدن اﻟﻣﺧﺻوص‪،‬‬
‫وإﻻ ﻓﻼ ﯾﻛون ﺑدن أﺣد اﻟﺗوأﻣﯾن ﺑﻘﺑول ھذه اﻟﻧﻔس أوﻟﻰ ﻣن اﻵﺧر‪ ،‬وإﻻ ﻓﻘد ﺣدﺛت ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻌﺎ ً واﺳﺗﻌدت‬
‫ﻧطﻔﺗﺎن ﻟﻘﺑول اﻟﺗدﺑﯾر ﻣﻌﺎ ً‪.‬‬
‫ﻓﺈذا ﺑطل اﻟﺑدن اﻧﻌدﻣت اﻟﻧﻔس‬
‫ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺧﺻص؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ذﻟك اﻟﻣﺧﺻص ھو اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﯾﮫ ﻓﯾﺑطل ﺑﺑطﻼن اﻟﺑدن‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﺛم وﺟﮫ آﺧر ﺑﮫ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ھذه اﻟﻧﻔس ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص وﺑﯾن ھذا اﻟﺑدن ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص ﺣﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ‬
‫ﺣدوﺛﮫ ﻓﺄي ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﺗﻛون ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ ﺑﻘﺎءه؟ ﻓﺈذا اﻧﻘطﻌت اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻧﻌدﻣت اﻟﻧﻔس ﺛم ﻻ ﯾﻌود وﺟودھﺎ إﻻ‬
‫ﺑﺈﻋﺎدة ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﻛﻣﺎ ورد ﺑﮫ اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎد‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ﻟﯾﺳت ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ‪ ،‬إﻻ ﺑطرﯾق اﻟﺷوق‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬أﻣﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﻔس واﻟﺑدن ﻓﻠﯾس إﻻ ﺑطرﯾق ﻧزاع طﺑﯾﻌﻲ وﺷوق ﺟﺑﻠﻲ ﺧﻠق ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ ھذا اﻟﺑدن‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﯾﺷﻐﻠﮭﺎ ذﻟك اﻟﺷوق ﺑﮭﺎ ﻋن ﻏﯾره ﻣن اﻷﺑدان وﻻ ﯾﺧﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﺣظﺔ ﻓﺗﺑﻘﻰ ﻣﻘﯾدة ﺑذﻟك اﻟﺷوق اﻟﺟﺑﻠﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﺑدن اﻟﻣﻌﯾن ﻣﺻروﻓﺎ ً ﻋن ﻏﯾره‪ .‬وذﻟك ﻻ ﯾوﺟب ﻓﺳﺎده ﺑﻔﺳﺎد اﻟﺑدن اﻟذي ھو ﻣﺷﺗﺎق ﺑﺎﻟﺟﺑﻠﺔ إﻟﻰ ﺗدﺑﯾره‪ .‬ﻧﻌم‬
‫ﻗد ﯾﺑﻘﻰ ذﻟك اﻟﺷوق ﺑﻌد ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺑدن إن اﺳﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻟﺣﯾوة اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺑدن وإﻋراﺿﮭﺎ ﻋن ﻛﺳر اﻟﺷﮭوات‬
‫وطﻠب اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻓﯾﺗﺄذى ﺑذﻟك اﻟﺷوق ﻣﻊ ﻓوات اﻵﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﻟﺷوق إﻟﻰ ﻣﻘﺗﺿﺎھﺎ‪.‬‬
‫وﺑﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺗﺧﻔﻰ ﻋﻠﯾﻧﺎ‬
‫وأﻣﺎ ﺗﻌﯾن ﻧﻔس زﯾد ﻟﺷﺧص زﯾد ﻓﻲ أول اﻟﺣدوث ﻓﻠﺳﺑب وﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾن اﻟﺑدن واﻟﻧﻔس ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ھذا‬
‫اﻟﺑدن ﻣﺛﻼً أﺻﻠﺢ ﻟﮭذه اﻟﻧﻔس ﻣن اﻵﺧر ﻟﻣزﯾد ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻓﺗرﺟﺢ اﺧﺗﺻﺎﺻﮫ‪ ،‬وﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ‬
‫إدراك ﺧﺻوص ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت‪ ،‬وﻋدم اطﻼﻋﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ ﻻ ﯾﺷﻛﻛﻧﺎ ﻓﻲ أﺻل اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺧﺻص وﻻ‬
‫ﯾﺿرﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻟﻧﻔس ﻻ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﻔﻧﺎء اﻟﺑدن‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﻗد ﺗﻛون ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﯾﺣوج اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﻣﮭﻣﺎ ﻏﺎﺑت اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻋﻧﺎ وھﻲ اﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺔ ﻟﻼﺧﺗﺻﺎص ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﺗﻛون ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ اﻟﻣﺟﮭوﻟﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ‬
‫ﯾﺣوج اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﺑدن ﺣﺗﻰ إذا ﻓﺳد ﻓﺳدت‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣﺟﮭول ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻘﺗﺿﻲ‬
‫اﻟﺗﻼزم أم ﻻ‪ ،‬ﻓﻠﻌل ﺗﻠك اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻓﻲ وﺟود اﻟﻧﻔس ﻓﺈن اﻧﻌدﻣت اﻧﻌدﻣت‪ ،‬ﻓﻼ ﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل اﻟذي ذﻛروه‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟﺛﺎﻟث ﺗﻧﻌدم ﺑﻘدرة ﷲ‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻟث ھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺗﻧﻌدم ﺑﻘدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻗررﻧﺎه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺳرﻣدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟراﺑﻊ ﻟﻌل ھﻧﺎك طرق ﻏﯾرھﺎ‬
‫اﻻﻋﺗراض اﻟراﺑﻊ ھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ذﻛرﺗم أن ھذه اﻟطرق اﻟﺛﻠث ﻓﻲ اﻟﻌدم ﺗﻧﺣﺳم‪ ،‬ﻓﮭو ﻣﺳﻠم‪ .‬ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن‬
‫ﻋدم اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﺑطرﯾق ﻣن ھذه اﻟطرق اﻟﺛﻠث؟ ﻓﺈن اﻟﺗﻘﺳﯾم إذا ﻟم ﯾﻛن داﺋراً ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ﻓﻼ‬
‫ﯾﺑﻌد أن ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻠث واﻷرﺑﻊ‪ ،‬ﻓﻠﻌل ﻟﻠﻌدم طرﯾﻘﺎ ً راﺑﻌﺎ ً وﺧﺎﻣﺳﺎ ً ﺳوى ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه‪ ،‬ﻓﺣﺻر اﻟطرق ﻓﻲ ھذه‬
‫اﻟﺛﻠث ﻏﯾر ﻣﻌﻠوم ﺑﺎﻟﺑرھﺎن‪.‬‬
‫دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛل ﺟوھر ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم‬
‫دﻟﯾل ﺛﺎن وﻋﻠﯾﮫ ﺗﻌوﯾﻠﮭم أن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻛل ﺟوھر ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم‪ ،‬ﺑل اﻟﺑﺳﺎﺋط ﻻ ﺗﻧﻌدم ﻗط‪.‬‬
‫وھذا اﻟدﻟﯾل ﯾﺛﺑت ﻓﯾﮫ أوﻻً أن ﻣوت اﻟﺑدن ﻻ ﯾوﺟب اﻧﻌداﻣﮫ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﻓﻔﯾﮫ ﻗوة اﻟﻔﺳﺎد وﺣﺎﻣﻠﮫ ﯾﺑﻘﻰ‬
‫ﻓﺑﻌد ذﻟك ﯾﻘﺎل‪ :‬ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻧﻌدم ﺑﺳﺑب آﺧر ﺑﺳﺑب آﺧر ﻷن ﻛل ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﺑﺳﺑب ﻣﺎ أي ﺳﺑب ﻛﺎن ﻓﻔﯾﮫ ﻗوة‬
‫اﻟﻔﺳﺎد‪ ،‬أي إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﺳﺎﺑق ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻌدام‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﻣﺎ ﯾطرى وﺟوده ﻣن اﻟﺣوادث ﻓﯾﻛون إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺳﺎﺑﻘﺎ ً‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود وﯾﺳﻣﻰ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻗوة اﻟوﺟود وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻗوة اﻟﻔﺳﺎد‪ .‬وﻛﻣﺎ أن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود وﺻف‬
‫إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﯾﻘوم إﻻ ﺑﺷﻲء ﺣﺗﻰ ﯾﻛون إﻣﻛﺎﻧﺎ ً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ ﻓﻛذﻟك إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم‪ ،‬وﻟذﻟك ﻗﯾل إن ﻛل ﺣﺎدث ﻓﯾﻔﺗﻘر‬
‫إﻟﻰ ﻣﺎدة ﺳﺎﺑﻘﺔ ﯾﻛون ﻓﯾﮭﺎ إﻣﻛﺎن وﺟود اﻟﺣﺎدث وﻗوﺗﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﻗوة‬
‫اﻟوﺟود ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠوﺟود اﻟطﺎري واﻟﻘﺎﺑل ﻏﯾر اﻟﻣﻘﺑول ﻓﯾﻛون اﻟﻘﺎﺑل ﻣوﺟوداً ﻣﻊ اﻟﻣﻘﺑول ﻋﻧد طرﯾﺎﻧﮫ وھو ﻏﯾره‪.‬‬
‫ﻓﻛذﻟك ﻗﺎﺑل اﻟﻌدم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻣوﺟوداً ﻋﻧد طرﯾﺎن اﻟﻌدم ﺣﺗﻰ ﯾﻌدم ﻣﻧﮫ ﺷﻲء ﻛﻣﺎ وﺟد ﻓﯾﮫ ﺷﻲء وﯾﻛون ﻣﺎ‬
‫ﻋدم ﻏﯾر ﻣﺎ ﺑﻘﻲ وﯾﻛون ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ھو اﻟذي ﻓﯾﮫ ﻗوة اﻟﻌدم وﻗﺑوﻟﮫ وإﻣﻛﺎﻧﮫ ﻛﻣﺎ أن ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻧد طرﯾﺎن اﻟوﺟود‬
‫ﯾﻛون ﻏﯾر ﻣﺎ طرى وﻗد ﻛﺎن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻗوة ﻗﺑول اﻟطﺎري‪.‬‬
‫وھو ﻛﺎﻟﻣﺎدة‬
‫ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء اﻟذي طرى ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن ﺷﻲء اﻧﻌدم وﻣن ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻌدم ﺑﻘﻲ ﻣﻊ طرﯾﺎن اﻟﻌدم وﻗد‬
‫ﻛﺎن ھو ﺣﺎﻣل ﻗوة اﻟﻌدم ﻗﺑل طرﯾﺎن اﻟﻌدم وﯾﻛون ﺣﺎﻣل اﻟﻘوة ﻛﺎﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻧﻌدم ﻣﻧﮭﺎ ﻛﺎﻟﺻورة‪.‬‬
‫ﻟﻛن اﻟﻧﻔس ﻏﯾر ﻣرﻛﺑﺔ‬
‫وﻟﻛن اﻟﻧﻔس ﺑﺳﯾطﺔ وھﻲ ﺻورة ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن ﻓرض ﻓﯾﮭﺎ ﺗرﻛﯾب ﻣن ﺻورة وﻣﺎدة‬
‫ﻓﻧﺣن ﻧﻧﻘل اﻟﺑﯾﺎن إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﺳﻧﺦ واﻷﺻل اﻷول‪ ،‬إذ ﻻ ﺑد وأن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ أﺻل ﻓﻧﺣﯾل اﻟﻌدم ﻋﻠﻰ‬
‫ذﻟك اﻷﺻل وھو اﻟﻣﺳﻣﻰ ﻧﻔﺳﺎً‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﺣﯾل اﻟﻌدم ﻋﻠﻰ ﻣﺎدة اﻷﺟﺳﺎم ﻓﺈﻧﮭﺎ أزﻟﯾﺔ أﺑدﯾﺔ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﺗﺣدث ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻور‬
‫وﺗﻧﻌدم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺻور وﻓﯾﮭﺎ ﻗوة طرﯾﺎن اﻟﺻور ﻋﻠﯾﮭﺎ وﻗوة اﻧﻌدام اﻟﺻور ﻣﻧﮭﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺿدﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺳواء‬
‫وﻗد ظﮭر ﻣن ھذا اﻟوﺟود أن ﻛل ﻣوﺟود أﺣدى اﻟذات ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم‪.‬‬
‫إن ﻗوة اﻟوﺟود ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻛون ﻟﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﻲء‬
‫وﯾﻣﻛن ﺗﻔﮭﯾم ھذا ﺑﺻﯾﻐﺔ أﺧرى وھو أن ﻗوة اﻟوﺟود ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻛون ﻗﺑل وﺟود اﻟﺷﻲء ﻓﯾﻛون ﻟﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﻲء‬
‫وﻻ ﯾﻛون ﻧﻔس ﻗوة اﻟوﺟود‪ .‬ﺑﯾﺎﻧﮫ أن اﻟﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺻر ﯾﻘﺎل أﻧﮫ ﺑﺻﯾر ﺑﺎﻟﻘوة أي ﻓﯾﮫ ﻗوة اﻹﺑﺻﺎر‪ ،‬وﻣﻌﻧﺎه أن‬
‫اﻟﺻﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺑد ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﯾن ﻟﯾﺻﺢ اﻹﺑﺻﺎر ﻣوﺟودة‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺄﺧر اﻹﺑﺻﺎر ﻓﻠﺗﺄﺧر ﺷرط آﺧر ﻓﯾﻛون ﻗوة‬
‫اﻹﺑﺻﺎر ﻟﻠﺳواد ﻣﺛﻼً ﻣوﺟوداً ﻟﻠﻌﯾن ﻗﺑل إﺑﺻﺎر اﻟﺳواد ﺑﺎﻟﻔﻌل‪ ،‬ﻓﺈن ﺣﺻل إﺑﺻﺎر اﻟﺳواد ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﻗوة‬
‫إﺑﺻﺎر ذﻟك اﻟﺳواد ﻣوﺟوداً ﻋﻧد وﺟود ذﻟك اﻹﺑﺻﺎر إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣﮭﻣﺎ ﺣﺻل اﻹﺑﺻﺎر ﻓﮭو ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ‬
‫ﻣوﺟوداً ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻘوة‪ ،‬ﺑل ﻗوة اﻟوﺟود ﻻ ﯾﺿﺎم ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟوﺟود اﻟﺣﺎﺻل ﺑﺎﻟﻔﻌل أﺑداً‪.‬‬
‫ﻟو اﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﺑﺳﯾط‬
‫ﻻﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻗوة اﻟوﺟود ﻣﻊ ﺣﺻول اﻟوﺟود‬
‫ً‬
‫وإذا ﺛﺑﺗت ھذه اﻟﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻧﻘول‪ :‬ﻟو اﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﺑﺳﯾط ﻟﻛﺎن إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻗﺑل اﻟﻌدم ﺣﺎﺻﻼ ﻟذﻟك اﻟﺷﻲء وھو‬
‫اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻘوة‪ ،‬ﻓﯾﻛون إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود أﯾﺿﺎ ً ﺣﺎﺻﻼً ﻓﺈن ﻣﺎ أﻣﻛن ﻋدﻣﮫ ﻓﻠﯾس واﺟب اﻟوﺟود ﻓﮭو ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود‪،‬‬
‫وﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻘوة اﻟوﺟود إﻻ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻓﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻗوة وﺟود ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻊ ﺣﺻول‬
‫وﺟوده ﺑﺎﻟﻔﻌل وﯾﻛون وﺟوده ﺑﺎﻟﻔﻌل ھو ﻋﯾن ﻗوة اﻟوﺟود وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻗوة اﻹﺑﺻﺎر ﺗﻛون ﻓﻲ اﻟﻌﯾن اﻟﺗﻲ ھﻲ‬
‫ﻏﯾر اﻹﺑﺻﺎر وﻻ ﺗﻛون ﻓﻲ ﻧﻔس اﻹﺑﺻﺎر إذ ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة واﻟﻔﻌل وھﻣﺎ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎن‪ ،‬ﺑل‬
‫ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻟﻔﻌل وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻟﻘوة‪ ،‬وﻓﻲ إﺛﺑﺎت ﻗوة اﻟﻌدم ﻟﻠﺑﺳﯾط ﻗﺑل اﻟﻌدم‬
‫إﺛﺑﺎت ﻟﻘوة اﻟوﺟود ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫وھذا ﺑﻌﯾﻧﮫ ھو اﻟذي ﻗررﻧﺎه ﻟﮭم ﻓﻲ ﻣﺻﯾرھم إﻟﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺣدوث اﻟﻣﺎدة واﻟﻌﻧﺎﺻر واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋدﻣﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ‬
‫أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وأﺑدﯾﺗﮫ وﻣﻧﺷﺄ اﻟﺗﻠﺑﯾس وﺿﻌﮭم اﻹﻣﻛﺎن وﺻﻔﺎ ً ﻣﺳﺗدﻋﯾﺎ ً ﻣﺣﻼً ﯾﻘوم ﺑﮫ‪ .‬وﻗد ﺗﻛﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣﻘﻧﻊ‬
‫ﻓﻼ ﻧﻌﯾد ﻓﺈن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ھﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻼ ﻓرق ﺑﯾن أن ﯾﻛون اﻟﻣﺗﻛﻠم ﻓﯾﮫ ﺟوھر ﻣﺎدة أو ﺟوھر ﻧﻔس‪.‬‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل إﻧﻛﺎرھم ﻟﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد ورد اﻷرواح‬
‫إﻟﻰ اﻷﺑدان ووﺟود اﻟﻧﺎر اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ووﺟود اﻟﺟﻧﺔ واﻟﺣور اﻟﻌﯾن وﺳﺎﺋر ﻣﺎ وﻋد ﺑﮫ اﻟﻧﺎس‬
‫وﻗوﻟﮭم إن ﻛل ذﻟك أﻣﺛﻠﺔ ﺿرﺑت ﻟﻌوام اﻟﺧﻠق ﻟﺗﻔﮭﯾم ﺛواب وﻋﻘﺎب روﺣﺎﻧﯾﯾن ھﻣﺎ أﻋﻠﻰ رﺗﺑﺔ ﻣن اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‬
‫وھو ﻣﺧﺎﻟف ﻻﻋﺗﻘﺎد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎﻓﺔ‪ .‬ﻓﻠﻧﻘدم ﺗﻔﮭﯾم ﻣﻌﺗﻘدھم ﻓﻲ اﻷﻣور اﻷﺧروﯾﺔ ﺛم ﻟﻧﻌﺗرض ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف‬
‫اﻹﺳﻼم ﻣن ﺟﻣﻠﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم اﻟﻠذة اﻟﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﺗﻛون إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟﻌﻣل‬
‫وﻗد ﻗﺎﻟوا إن اﻟﻧﻔس ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت ﺑﻘﺎء ﺳرﻣدﯾﺎ ً إﻣﺎ ﻓﻲ ﻟذة ﻻ ﯾﺣﯾط اﻟوﺻف ﺑﮭﺎ ﻟﻌظﻣﮭﺎ وإﻣﺎ ﻓﻲ أﻟم ﻻ ﯾﺣﯾط‬
‫اﻟوﺻف ﺑﮫ ﻟﻌظﻣﮫ‪ ،‬ﺛم ﻗد ﯾﻛون ذﻟك اﻷﻟم ﻣﺧﻠداً وﻗد ﯾﻧﻣﺣﻰ ﻋﻠﻰ طول اﻟزﻣﺎن‪ .‬ﺛم ﺗﺗﻔﺎوت طﺑﻘﺎت اﻟﻧﺎس ﻓﻲ‬
‫درﺟﺎت اﻷﻟم واﻟﻠذة ﺗﻔﺎوﺗﺎ ً ﻏﯾر ﻣﺣﺻور ﻛﻣﺎ ﯾﺗﻔﺎوﺗون ﻓﻲ اﻟﻣراﺗب اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وﻟذاﺗﮭﺎ ﺗﻔﺎوﺗﺎ ً ﻏﯾر ﻣﺣﺻور‪،‬‬
‫واﻟﻠذة اﻟﺳرﻣدﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔوس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟزﻛﯾﺔ واﻷﻟم اﻟﺳرﻣدي ﻟﻠﻧﻔوس اﻟﻧﺎﻗﺻﺔ اﻟﻣﻠطﺧﺔ واﻷﻟم اﻟﻣﻧﻘﺿﻲ ﻟﻠﻧﻔوس‬
‫اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﻠطﺧﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻧﺎل اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﻣطﻠﻘﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻛﻣﺎل واﻟﺗزﻛﯾﺔ واﻟطﮭﺎرة واﻟﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟزﻛﺎء ﺑﺎﻟﻌﻣل‪.‬‬
‫ﺗﻠﺗذ ﺑﮭﻣﺎ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ‬
‫ووﺟﮫ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠم أن اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻏذاؤھﺎ وﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ درك اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻛﻣﺎ أن اﻟﻘوة اﻟﺷﮭواﻧﯾﺔ ﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻧﯾل اﻟﻣﺷﺗﮭﻰ واﻟﻘوة اﻟﺑﺻرﯾﺔ ﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺻور اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ وﻛذﻟك ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى‪ .‬وإﻧﻣﺎ ﯾﻣﻧﻌﮭﺎ ﻣن‬
‫اﻻطﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻘوﻻت اﻟﺑدن وﺷواﻏﻠﮫ وﺣواﺳﮫ وﺷﮭواﺗﮫ‪ .‬واﻟﻧﻔس اﻟﺟﺎھﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﯾوة اﻟدﻧﯾﺎ ﺣﻘﮭﺎ أن ﺗﺗﺄﻟم‬
‫ﺑﻔوات ﻟذة اﻟﻧﻔس وﻟﻛن اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻟﺑدن ﯾﻧﺳﯾﮫ ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻠﮭﯾﮫ ﻋن أﻟﻣﮫ ﻛﺎﻟﺧﺎﺋف ﻻ ﯾﺣس ﺑﺎﻷﻟم وﻛﺎﻟﺧدر ﻻ ﯾﺣس‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺎر‪ ،‬ﻓﺈذا ﺑﻘﯾت ﻧﺎﻗﺻﺔ ﺣﺗﻰ اﻧﺣط ﻋﻧﮫ ﺷﻐل اﻟﺑدن ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻورة اﻟﺧدر‪ ،‬إذا ﻋرض ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎر ﻓﻼ ﯾﺣس‬
‫ﺑﺎﻷﻟم ﻓﺈذا زال اﻟﺧدر ﺷﻌر ﺑﺎﻟﺑﻼ اﻟﻌظﯾم دﻓﻌﺔ واﺣدة ھﺟوﻣﺎ ً‪.‬‬
‫واﻟﺑدن ﯾﺷﻐل ﻋﻧﮭﺎ‬
‫واﻟﻧﻔوس اﻟﻣدرﻛﺔ ﻟﻠﻣﻌﻘوﻻت ﻗد ﺗﻠﺗذ ﺑﮭﺎ اﻟﺗذاذاً ﺧﻔﯾﺎ ً ﻗﺎﺻراً ﻋﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﯾﮫ طﺑﺎﻋﮫ وذﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻟﺷواﻏل اﻟﺑدن‬
‫وأﻧس اﻟﻧﻔس ﺑﺷﮭواﺗﮭﺎ‪ .‬وﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺛﺎل اﻟﻣرﯾض اﻟذي ﻓﻲ ﻓﯾﮫ ﻣرارة ﯾﺳﺗﺑﺷﻊ اﻟﺷﻲء اﻟطﯾب اﻟﺣﻠو وﯾﺳﺗﮭﺟن‬
‫اﻟﻐذاء اﻟذي ھو أﺗم أﺳﺑﺎب اﻟﻠذة ﻓﻲ ﺣﻘﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﻠذذ ﺑﮫ ﻟﻣﺎ ﻋرض ﻣن اﻟﻣرض‪.‬‬
‫ﻓﺈذا اﻧﺣط ﻋﻧﮭﺎ أﻋﺑﺎء اﻟﺑدن‪ ،‬أدرﻛت اﻟﻠذة دﻓﻌﺔ‬
‫ﻓﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠوم إذا اﻧﺣط ﻋﻧﮭﺎ أﻋﺑﺎء اﻟﺑدن وﺷواﻏﻠﮫ ﺑﺎﻟﻣوت ﻛﺎن ﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺛﺎل ﻣن ﻋرض ﻟﻠطﻌم اﻷﻟذ‬
‫واﻟذوق اﻷطﯾب وﻛﺎن ﺑﮫ ﻋﺎرض ﻣرض ﯾﻣﻧﻌﮫ ﻣن اﻹدراك ﻓزال اﻟﻌﺎرض ﻓﺄدرك اﻟﻠذة اﻟﻌظﯾﻣﺔ دﻓﻌﺔ‪ .‬أو‬
‫ﻣﺛﺎل ﻣن اﺷﺗد ﻋﺷﻘﮫ ﻓﻲ ﺣق ﺷﺧص ﻓﺿﺎﺟﻌﮫ ذﻟك اﻟﺷﺧص وھو ﻧﺎﺋم أو ﻣﻐﻣﻰ ﻋﻠﯾﮫ أو ﺳﻛران ﻓﻼ ﯾﺣس ﺑﮫ‬
‫ﻓﺗﻧﺑﮫ ﻓﺟﺄة ﻓﯾﺷﻌر ﺑﻠذة اﻟوﺻﺎل ﺑﻌد طول اﻻﻧﺗظﺎر دﻓﻌﺔ واﺣدة‪.‬‬
‫اﻟﻠذات اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ ﺗﻔﮭم ﺑﺎﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‬
‫وھذه اﻟﻠذات ﺣﻘﯾرة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻠذات اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ إﻻ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻔﮭﯾﻣﮫ إﻻ ﺑﺄﻣﺛﻠﺔ ﻣﻣﺎ ﺷﺎھدھﺎ اﻟﻧﺎس‬
‫ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﯾوة‪ ،‬وھذا ﻛﻣﺎ أﻧﺎ ﻟو أردﻧﺎ أن ﻧﻔﮭم اﻟﺻﺑﻲ أو اﻟﻌﻧﯾن ﻟذة اﻟﺟﻣﺎع ﻟم ﻧﻘدر ﻋﻠﯾﮫ إﻻ ﺑﺄن ﻧﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ ﺣق‬
‫اﻟﺻﺑﻲ ﺑﺎﻟﻠﻌب اﻟذي ھو أﻟذ اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻧده وﻓﻲ ﺣق اﻟﻌﻧﯾن ﺑﻠذة اﻷﻛل اﻟطﯾب ﻣﻊ ﺷدة اﻟﺟوع ﻟﯾﺻدق ﺑﺄﺻل‬
‫وﺟود اﻟﻠذة ﺛم ﯾﻌﻠم أن ﻣﺎ ﻓﮭﻣﮫ ﺑﺎﻟﻣﺛﺎل ﻟﯾس ﯾﺣﻘق ﻋﻧده ﻟذة اﻟﺟﻣﺎع وأن ذﻟك ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺎﻟذوق‪.‬‬
‫وھذه أﺣط ﻣن اﻷوﻟﻰ ﻟﻌدم وﺟودھﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‬
‫واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ أﺷرف ﻣن اﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ أﻣران‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن ﺣﺎل اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أﺷرف ﻣن ﺣﺎل‬
‫اﻟﺳﺑﺎع واﻟﺧﻧﺎزﯾر ﻣن اﻟﺑﮭﺎﺋم وﻟﯾس ﻟﮭﺎ اﻟﻠذات اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻣن اﻟﺟﻣﺎع واﻷﻛل وإﻧﻣﺎ ﻟﮭﺎ ﻟذة اﻟﺷﻌور ﺑﻛﻣﺎﻟﮭﺎ‬
‫وﺟﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟذي ﺧص ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻓﻲ اطﻼﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء وﻗرﺑﮭﺎ ﻣن رﺑﻲ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﻻ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن وﻓﻲ رﺗﺑﺔ اﻟوﺟود‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻣوﺟودات ﺣﺻﻠت ﻣن ﷲ ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾب وﺑوﺳﺎﺋط ﻓﺎﻟذي ﯾﻘرب ﻣن اﻟوﺳﺎﺋط‬
‫رﺗﺑﺗﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أﻋﻠﻰ‪.‬‬
‫وﻟﻛن اﻹﻧﺳﺎن ﯾﻔﺿﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرھﺎ‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻹﻧﺳﺎن أﯾﺿﺎ ً ﻗد ﯾؤﺛر اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺳﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣن ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ﻏﻠﺑﺔ ﻋدو واﻟﺷﻣﺎﺗﺔ ﺑﮫ ﯾﮭﺟر‬
‫ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﻣﻼذ اﻷﻧﻛﺣﺔ واﻷطﻌﻣﺔ ﺑل ﻗد ﯾﮭﺟر اﻷﻛل طول اﻟﻧﮭﺎر ﻓﻲ ﻟذة ﻏﻠﺑﺔ اﻟﺷطرﻧﺞ واﻟﻧرد ﻣﻊ ﺧﺳﺔ‬
‫اﻷﻣر ﻓﯾﮫ وﻻ ﯾﺣس ﺑﺄﻟم اﻟﺟوع‪ .‬وﻛذﻟك اﻟﻣﺗﺷوف إﻟﻰ اﻟﺣﺷﻣﺔ واﻟرﺋﺎﺳﺔ ﯾﺗردد ﺑﯾن اﻧﺧرام ﺣﺷﻣﺗﮫ ﺑﻘﺿﺎء‬
‫اﻟوطر ﻣن ﻋﺷﯾﻘﺗﮫ ﻣﺛﻼً ﺑﺣﯾث ﯾﻌرﻓﮫ ﻏﯾره وﯾﻧﺗﺷر ﻋﻧﮫ ﻓﯾﺻون اﻟﺣﺷﻣﺔ وﯾﺗرك ﻗﺿﺎء اﻟوطر وﯾﺳﺗﺣﻘر ذﻟك‬
‫ﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎء اﻟوﺟﮫ ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أﻟذ ﻋﻧده‪ ،‬ﺑل رﺑﻣﺎ ﯾﮭﺟم اﻟﺷﺟﺎع ﻋﻠﻰ ﺟم ﻏﻔﯾر ﻣن اﻟﺷﺟﻌﺎن‬
‫ﻣﺳﺗﺣﻘراً ﺧطر اﻟﻣوت ﺷﻐﻔﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾﺗوھﻣﮫ ﺑﻌد اﻟﻣوت ﻣن ﻟذة اﻟﺛﻧﺎء واﻹطراء ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷﻓﺿﻠﯾﺔ ھﻲ ﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻷﺧروﯾﺔ‬
‫ﻓﺈذن اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻷﺧروﯾﺔ أﻓﺿل ﻣن اﻟﻠذات اﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﻗﺎل رﺳول ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ‬
‫وﺳﻠم‪ :‬أﻋددت ﻟﻌﺑﺎدي اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻣﺎ ﻻ ﻋﯾن رأت وﻻ أذن ﺳﻣﻌت وﻻ ﺧطر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب ﺑﺷر‪ .‬وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪" :‬ﻻ‬
‫ﺗﻌﻠم ﻧﻔس ﻣﺎ أﺧﻔﻲ ﻟﮭم ﻣن ﻗرة أﻋﯾن" ﻓﮭذا وﺟﮫ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠم‪.‬‬
‫ﺑﻌض اﻟﻌﻠوم ﻧﺎﻓﻌﺔ‬
‫واﻟﻧﺎﻓﻊ ﻣن ﺟﻣﻠﺗﮫ اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ وھﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎ وﺻﻔﺎﺗﮫ وﻣﻼﺋﻛﺗﮫ وﻛﺗﺑﮫ وﻛﯾﻔﯾﺔ وﺟود اﻷﺷﯾﺎء ﻣﻧﮫ‬
‫وﻣﺎ وراء ذﻟك إن ﻛﺎن وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻓﮭو ﻧﺎﻓﻊ ﻷﺟﻠﮫ وإن ﻟم ﯾﻛن وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ ﻛﺎﻟﻧﺣو واﻟﻠﻐﺔ واﻟﺷﻌر وأﻧواع اﻟﻌﻠوم‬
‫اﻟﻣﻔﺗرﻗﺔ ﻓﮭﻲ ﺻﻧﺎﻋﺎت وﺣرف ﻛﺳﺎﺋر اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت‪.‬‬
‫اﻟﻧﻔس اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﮭوات ﺗﻧﺎل اﻷذى‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻣل واﻟﻌﺑﺎدة ﻓﻠزﻛﺎء اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ھذا اﻟﺑدن ﻣﺻدود ﻋن درك ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء ﻻ‬
‫ﻟﻛوﻧﮫ ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺑدن ﺑل ﻻﺷﺗﻐﺎﻟﮫ وﻧزوﻋﮫ إﻟﻰ ﺷﮭواﺗﮫ وﺷوﻗﮫ إﻟﻰ ﻣﻘﺗﺿﯾﺎﺗﮫ‪ ،‬وھذا اﻟﻧزوع واﻟﺷوق ھﯾﺋﺔ‬
‫ﻟﻠﻧﻔس ﺗﺗرﺳﺦ ﻓﯾﮭﺎ وﺗﺗﻣﻛن ﻣﻧﮭﺎ ﺑطول اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺑﺎع اﻟﺷﮭوات واﻟﻣﺛﺎﺑرة ﻋﻠﻰ اﻷﻧس ﺑﺎﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻠذة‪ ،‬ﻓﺈذا ﺗﻣﻛﻧت ﻣن اﻟﻧﻔس ﻓﻣﺎت اﻟﺑدن ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻣﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻟﻧﻔس وﻣؤذﯾﺔ ﻣن وﺟﮭﯾن‪.‬‬
‫ﻓﺗﻛون ﻋﺎﺟزة ﻋن اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‬
‫أﺣدھﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﺗﻣﻧﻌﮭﺎ ﻋن ﻟذﺗﮭﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ وھو اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ واﻹطﻼع ﻋﻠﻰ اﻷﻣور اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ وﻻ‬
‫ﯾﻛون ﻣﻌﮫ اﻟﺑدن اﻟﺷﺎﻏل ﻓﯾﻠﮭﯾﮫ ﻋن اﻟﺗﺄﻟم ﻛﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﻣوت‪.‬‬
‫وﻋن اﻟﻠذة اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ اﻟﺣرص واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟدﻧﯾﺎ وأﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وﻟذاﺗﮭﺎ وﻗد اﺳﺗﻠب ﻣﻧﮫ اﻵﻟﺔ ﻓﺈن اﻟﺑدن ھو اﻵﻟﺔ‬
‫ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﻠذات ﻓﯾﻛون ﺣﺎﻟﮫ ﺣﺎل ﻣن ﻋﺷق اﻣرأة وأﻟف رﺋﺎﺳﺔ واﺳﺗﺄﻧس ﺑﺄوﻻد واﺳﺗروح إﻟﻰ ﻣﺎل‬
‫واﺑﺗﮭﺞ ﺑﺣﺷﻣﺔ ﻓﻘﺗل ﻣﻌﺷوﻗﮫ وﻋزل ﻋن رﺋﺎﺳﺗﮫ وﺳﺑﻲ أوﻻده وﻧﺳﺎؤه وأﺧذ أﻣواﻟﮫ أﻋداؤه وأﺳﻘط ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ‬
‫ﺣﺷﻣﺗﮫ ﻓﯾﻘﺎﺳﻲ ﻣن اﻷﻟم ﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻔﻰ‪ ،‬وھو ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﯾوة ﻏﯾر ﻣﻧﻘطﻊ اﻷﻣل ﻋن ﻋود أﻣﺛﺎل ھذه اﻷﻣور ﻓﺈن‬
‫اﻟدﻧﯾﺎ ﻏﺎد وراﺋﺢ ﻓﻛﯾف إذا اﻧﻘطﻊ اﻷﻣل ﺑﻔﻘدان اﻟﺑدن ﺑﺳﺑب اﻟﻣوت‪.‬‬
‫ﻓﺎﻷوﻟﻰ أن ﯾﻌرض ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ‬
‫وﻻ ﯾﻧﺟﻲ ﻋن اﻟﺗﺿﻣﺦ ﺑﮭذه اﻟﮭﯾﺋﺎت إﻻ ﻛف اﻟﻧﻔس ﻋن اﻟﮭوى واﻹﻋراض ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ واﻹﻗﺑﺎل ﺑﻛﻧﮫ اﻟﺟد ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﻠم واﻟﺗﻘوى ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻘطﻊ ﻋﻼﺋﻘﮫ ﻋن اﻷﻣور اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وھو ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ وﺗﺳﺗﺣﻛم ﻋﻼﻗﺗﮫ ﻣﻊ اﻷﻣور اﻷﺧروﯾﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺈذا ﻣﺎت ﻛﺎن ﻛﺎﻟﻣﺗﺧﻠص ﻋن ﺳﺟن ﻓﺎﻟواﺻل إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ ﻣطﺎﻟﺑﮫ ﻓﮭو ﺟﻧﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻟﻛن اﻟﺿرورات اﻟﺑدﻧﯾﺔ ﺟﺎذﺑﺔ إﻟﯾﮭﺎ‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن ﺳﻠب ﺟﻣﯾﻊ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻋن اﻟﻧﻔس وﻣﺣوھﺎ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﺈن اﻟﺿرورات اﻟﺑدﻧﯾﺔ ﺟﺎذﺑﺔ إﻟﯾﮭﺎ‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ‬
‫ﯾﻣﻛن ﺗﺿﻌﯾف ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪" :‬وإن ﻣﻧﻛم إﻻ واردھﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ رﺑك ﺣﺗﻣﺎ ً ﻣﻘﺿﯾﺎ"‪ .‬إﻻ أﻧﮫ إذا‬
‫ﺿﻌﻔت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻟم ﺗﺷﺗد ﻧﻛﺎﯾﺔ ﻓراﻗﮭﺎ وﻋظم اﻻﻟﺗذاذ ﺑﻣﺎ اطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﻋﻧد اﻟﻣوت ﻣن اﻷﻣور اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻓﺄﻣﺎط أﺛر‬
‫ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟدﻧﯾﺎ واﻟﻧزوع إﻟﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻗرب‪ ،‬ﻛﻣن ﯾﺳﺗﻧﮭض ﻣن وطﻧﮫ إﻟﻰ ﻣﻧﺻب ﻋظﯾم وﻣﻠك ﻣرﺗﻔﻊ ﻓﻘد ﺗرق‬
‫ﻧﻔﺳﮫ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔراق ﻋﻠﻰ أھﻠﮫ ووطﻧﮫ ﻓﯾﺗﺄذى أذى ﻣﺎ وﻟﻛن ﯾﻧﻣﺣﻰ ﺑﻣﺎ ﯾﺳﺗﺄﻧﻔﮫ ﻣن ﻟذة اﻻﺑﺗﮭﺎج ﺑﺎﻟﻣﻠك واﻟرﺋﺎﺳﺔ‪.‬‬
‫وﻟذﻟك ورد اﻟﺷرع ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﻓﻲ اﻷﺧﻼق‬
‫وإذا ﻟم ﯾﻛن ﺳﻠب ھذه اﻟﺻﻔﺎت ورد اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻷﺧﻼق ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﺑﯾن ﻛل طرﻓﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﯾن ﻷن اﻟﻣﺎء اﻟﻔﺎﺗر ﻻ‬
‫ﺣﺎر وﻻ ﺑﺎرد ﻓﻛﺄﻧﮫ ﺑﻌﯾد ﻋن اﻟﺻﻔﺗﯾن ﻓﻼ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ إﻣﺳﺎك اﻟﻣﺎل ﻓﯾﺳﺗﺣﻛم ﻓﯾﮫ ﺣرص اﻟﻣﺎل وﻻ ﻓﻲ‬
‫اﻹﻧﻔﺎق ﻓﯾﻛون ﻣﺑذراً وﻻ أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻋن ﻛل اﻷﻣور ﻓﯾﻛون ﺟﺑﺎﻧﺎ ً وﻻ ﻣﻧﮭﻣﻛﺎ ً ﻓﻲ ﻛل أﻣر ﻓﯾﻛون ﻣﺗﮭوراً‪،‬‬
‫ﺑل ﯾطﻠب اﻟﺟود ﻓﺈﻧﮫ اﻟوﺳط ﺑﯾن اﻟﺑﺧل واﻟﺗﺑذﯾر واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ اﻟوﺳط ﺑﯾن اﻟﺟﺑن واﻟﺗﮭور وﻛذﻟك ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ‬
‫اﻷﺧﻼق‪ ،‬وﻋﻠم اﻷﺧﻼق طوﯾل واﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﺎﻟﻐت ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾﻠﮭﺎ وﻻ ﺳﺑﯾل ﻓﻲ ﺗﮭذﯾب اﻷﺧﻼق إﻻ ﺑﻣراﻋﺎة ﻗﺎﻧون‬
‫اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺗﺑﻊ اﻹﻧﺳﺎن ھواه ﻓﯾﻛون ﻗد اﺗﺧذ إﻟﮭﮫ ھواه ﺑل ﯾﻘﻠد اﻟﺷرع ﻓﯾﻘدم وﯾﺣﺟم ﺑﺈﺷﺎرﺗﮫ ﻻ‬
‫ﺑﺎﺧﺗﯾﺎره ﻓﺗﺗﮭذب ﺑﮫ أﺧﻼﻗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﻛوﻧون ﺗﻌﺳﺎء وﻣﻧﮭم ﺳﻌداء‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻛﺎﻣل أو ﻏﯾر ﻛﺎﻣل‬
‫وﻣن ﻋدم ھذه اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﻠق واﻟﻌﻠم ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﮭو اﻟﮭﺎﻟك وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪" :‬ﻗد أﻓﻠﺢ ﻣن زﻛﺎھﺎ وﻗد ﺧﺎب ﻣن‬
‫دﺳﺎھﺎ"‪ .‬وﻣن ﺟﻣﻊ اﻟﻔﺿﯾﻠﺗﯾن اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﮭو اﻟﻌﺎرف اﻟﻌﺎﺑد وھو اﻟﺳﻌﯾد اﻟﻣطﻠق وﻣن ﻟﮫ اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ‬
‫دون اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﮭو اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻔﺎﺳق وﯾﺗﻌذب ﻣدة وﻟﻛن ﻻ ﯾدوم ﻷن ﻧﻔﺳﮫ ﻗد ﻛﻣل ﺑﺎﻟﻌﻠم وﻟﻛن اﻟﻌوارض اﻟﺑدﻧﯾﺔ‬
‫ﻟطﺧﺗﮫ ﺗﻠطﯾﺧﺎ ً ﻋﺎرﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﺟوھر اﻟﻧﻔس‪ ،‬وﻟﯾس ﺗﺗﺟدد اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﺟددة ﻓﯾﻧﻣﺣﻰ ﻋﻠﻰ طول اﻟزﻣﺎن‪،‬‬
‫وﻣن ﻟﮫ اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ دون اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﯾﺳﻠم وﯾﻧﺟو ﻋن اﻷﻟم وﻻ ﯾﺣظﻰ ﺑﺎﻟﺳﻌﺎدة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ‪ .‬وزﻋﻣوا أن ﻣن ﻣﺎت‬
‫ﻓﻘد ﻗﺎﻣت ﻗﯾﺎﻣﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺷرع ﺻور‬
‫وأﻣﺎ ﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺷرع ﻣن اﻟﺻور ﻓﺎﻟﻘﺻد ﺿرب اﻷﻣﺛﺎل ﻟﻘﺻور اﻷﻓﮭﺎم ﻋن درك ھذه اﻟﻠذات ﻓﻣﺛل ﻟﮭم ﻣﺎ‬
‫ﯾﻔﮭﻣون ﺛم ذﻛر ﻟﮭم أن ﺗﻠك اﻟﻠذات ﻓوق ﻣﺎ وﺻف ﻟﮭم‪ .‬ﻓﮭذا ﻣذھﺑﮭم‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ أﻛﺛر اﻷﻣور ﺻﺣﯾﺣﺔ وﻟﻛن ﻻ ﺗﻌرف إﻻ ﺑﺎﻟﺷرع‬
‫وﻧﺣن ﻧﻘول‪ :‬أﻛﺛر ھذه اﻷﻣور ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟﺷرع ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻧﻧﻛر أن ﻓﻲ اﻵﺧرة أﻧواع ﻣن اﻟﻠذات أﻋظم ﻣن‬
‫اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﻻ ﻧﻧﻛر ﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس ﻋﻧد ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺑدن وﻟﻛﻧﺎ ﻋرﻓﻧﺎ ذﻟك ﺑﺎﻟﺷرع إذ ورد ﺑﺎﻟﻣﻌﺎد وﻻ ﯾﻔﮭم اﻟﻣﻌﺎد‬
‫إﻻ ﺑﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس‪ ،‬وإﻧﻣﺎ أﻧﻛرﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ﻣن ﻗﺑل دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺑﻣﺟرد اﻟﻌﻘل‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺷرع ﯾﻌﻠﻣﻧﺎ ﺣﺷر اﻷﺟﺳﺎد‬
‫وﻟﻛن اﻟﻣﺧﺎﻟف ﻟﻠﺷرع ﻣﻧﮭﺎ إﻧﻛﺎر ﺣﺷر اﻷﺟﺳﺎد وإﻧﻛﺎر اﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ واﻵﻻم اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر‬
‫وإﻧﻛﺎر وﺟود ﺟﻧﺔ وﻧﺎر ﻛﻣﺎ وﺻف ﻓﻲ اﻟﻘرآن‪ .‬ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳﻌﺎدﺗﯾن اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ‬
‫واﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ وﻛذى اﻟﺷﻘﺎوة‪ ،‬وﻗوﻟﮫ‪ :‬ﻻ ﺗﻌﻠم ﻧﻔس ﻣﺎ أﺧﻔﻲ ﻟﮭم‪ ،‬أي ﻻ ﯾﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك‪ .‬وﻗوﻟﮫ‪ :‬أﻋددت ﻟﻌﺑﺎدي‬
‫اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻣﺎ ﻻ ﻋﯾن رأت ﻓﻛذﻟك وﺟود ﺗﻠك اﻷﻣور اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ ﻏﯾرھﺎ ﺑل اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن‬
‫أﻛﻣل واﻟﻣوﻋود أﻛﻣل اﻷﻣور وھو ﻣﻣﻛن ﻓﯾﺟب اﻟﺗﺻدﯾق ﺑﮫ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻟﺷرع‪.‬‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل ھذه أﻣﺛﺎل‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬ﻣﺎ ورد ﻓﯾﮫ أﻣﺛﺎل ﺿرﺑت ﻋﻠﻰ ﺣد أﻓﮭﺎم اﻟﺧﻠق ﻛﻣﺎ أن اﻟوارد ﻣن آﯾﺎت‪ ،‬اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ وإﺧﺑﺎره أﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ‬
‫ﺣد ﻓﮭم اﻟﺧﻠق واﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻣﻘدﺳﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﺧﯾﻠﮫ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻧﺎس‪.‬‬
‫ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﻣﺣل ﻟﻠﺗﺄوﯾل‬
‫واﻟﺟواب أن اﻟﺗﺳوﯾﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﺗﺣﻛم ﺑل ھﻣﺎ ﯾﻔﺗرﻗﺎن ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن اﻷﻟﻔﺎظ اﻟواردة ﻓﻲ اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ ﺗﺣﺗﻣل‬
‫اﻟﺗﺄوﯾل ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة وﻣﺎ ورد ﻓﻲ وﺻف اﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر وﺗﻔﺻﯾل ﺗﻠك اﻷﺣوال ﺑﻠﻎ ﻣﺑﻠﻐﺎ ً ﻻ‬
‫ﯾﺣﺗﻣل اﻟﺗﺄوﯾل ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ ﺧﻣل اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﺑﺗﺧﯾﯾل ﻧﻘﯾض اﻟﺣق ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺧﻠق وذﻟك ﻣﻣﺎ ﯾﺗﻘدس‬
‫ﻋﻧﮫ ﻣﻧﺻب اﻟﻧﺑوة‪.‬‬
‫وﻻ ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أن أدﻟﺔ اﻟﻌﻘول دﻟت ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﻛﺎن واﻟﺟﮭﺔ واﻟﺻورة وﯾد اﻟﺟﺎرﺣﺔ وﻋﯾن اﻟﺟﺎرﺣﺔ وإﻣﻛﺎن‬
‫اﻻﻧﺗﻘﺎل واﻻﺳﺗﻘرار ﻋﻠﻰ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻓوﺟب اﻟﺗﺄوﯾل ﺑﺄدﻟﺔ اﻟﻌﻘول وﻣﺎ وﻋد ﻣن اﻷﻣور اﻵﺧرة ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً ﻓﻲ‬
‫ﻗدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻓﯾﺟب اﻟﺟري ﻋﻠﻰ ظﺎھر اﻟﻛﻼم ﺑل ﻋﻠﻰ ﻓﺣواه اﻟذي ھو ﺻرﯾﺢ ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ﻗوﻟﮭم ھﻧﺎك أﻣور ﻣﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬وﻗد دل اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد ﻛﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺗﻠك اﻟﺻﻔﺎت ﻋﻠﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪.‬‬
‫ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺈظﮭﺎره‪.‬‬
‫وﻟﮭم ﻓﯾﮫ ﻣﺳﺎﻟك‬
‫ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻷول إﻣﺎ أن ﯾﻌﺎد اﻟﺑدن واﻟﺣﯾﺎة‬
‫اﻟﻣﺳﻠك اﻷول ﻗوﻟﮭم‪ :‬ﺗﻘدﯾر اﻟﻌود إﻟﻰ اﻷﺑدان ﻻ ﯾﻌدوا ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم‪ .‬إﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﺑدن‬
‫واﻟﺣﯾوة اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻋرض ﻗﺎﺋم ﺑﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ذھب إﻟﯾﮫ ﺑﻌض اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن‪ ،‬وأن اﻟﻧﻔس اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻣدﺑر‬
‫ﻟﻠﺟﺳم ﻓﻼ وﺟود ﻟﮫ‪ ،‬وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت اﻧﻘطﺎع اﻟﺣﯾوة أي اﻣﺗﻧﺎع اﻟﺧﺎﻟق ﻋن ﺧﻠﻘﮭﺎ ﻓﺗﻧﻌدم واﻟﺑدن أﯾﺿﺎ ً ﯾﻧﻌدم‪،‬‬
‫وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﻌﺎد إﻋﺎدة ﷲ ﻟﻠﺑدن اﻟذي اﻧﻌدم ورده إﻟﻰ اﻟوﺟود وإﻋﺎدة اﻟﺣﯾوة اﻟﺗﻲ اﻧﻌدﻣت أو ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻣﺎدة اﻟﺑدن‬
‫ﺗﺑﻘﻰ ﺗراﺑﺎ ً وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﻌﺎد أن ﯾﺟﻣﻊ وﯾرﻛب ﻋﻠﻰ ﺷﻛل آدﻣﻲ وﯾﺧﻠق ﻓﯾﮫ اﻟﺣﯾوة اﺑﺗداء‪ ،‬ﻓﮭذا ﻗﺳم‪.‬‬
‫إﻣﺎ أن ﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ اﻟﺑدن‬
‫وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻧﻔس ﻣوﺟود وﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت وﻟﻛن ﯾرد اﻟﺑدن اﻷول ﺑﺟﻣﻊ ﺗﻠك اﻷﺟزاء ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ‪ ،‬وھذا ﻗﺳم‪.‬‬
‫إﻣﺎ أن ﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن أﯾﺎ ً ﻛﺎن‬
‫وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﯾرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن ﺳواء ﻛﺎن ﻣن ﺗﻠك اﻷﺟزاء أو ﻣن ﻏﯾرھﺎ وﯾﻛون اﻟﻌﺎﺋد ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﻣن‬
‫ﺣﯾث أن اﻟﻧﻔس ﺗﻠك اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺎدة ﻓﻼ اﻟﺗﻔﺎت إﻟﯾﮭﺎ إذ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﯾس إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑﮭﺎ ﺑل ﺑﺎﻟﻧﻔس‪.‬‬
‫وھذه اﻷﻗﺳﺎم اﻟﺛﻠﺛﺔ ﺑﺎطﻠﺔ‪.‬‬
‫وھذه اﻟﺛﻼﺛﺔ ﺑﺎطﻠﺔ‬
‫ﻓﻔﻲ اﻷول إﯾﺟﺎد ﻟﻣﺛل ﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ إﻋﺎدة ﻋﯾن ﻣﺎ ﻛﺎن‬
‫أﻣﺎ اﻷول ﻓظﺎھر اﻟﺑطﻼن ﻷﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ اﻧﻌدﻣت اﻟﺣﯾوة واﻟﺑدن ﻓﺎﺳﺗﺋﻧﺎف ﺧﻠﻘﮭﺎ إﯾﺟﺎد ﻟﻣﺛل ﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ ﻟﻌﯾن ﻣﺎ‬
‫ﻛﺎن‪ ،‬ﺑل اﻟﻌود اﻟﻣﻔﮭوم ھو اﻟذي ﯾﻔرض ﻓﯾﮫ ﺑﻘﺎء ﺷﻲء وﺗﺟد ﺷﻲء‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻓﻼن ﻋﺎد إﻟﻰ اﻹﻧﻌﺎم أي أن‬
‫اﻟﻣﻧﻌم ﺑﺎق‪ ،‬وﺗرك اﻹﻧﻌﺎم ﺛم ﻋﺎد إﻟﯾﮫ أي ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺎ ھو اﻷول ﺑﺎﻟﺟﻧس وﻟﻛﻧﮫ ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻌدد ﻓﯾﻛون ﻋوداً‬
‫ﺑﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ ﻣﺛﻠﮫ ﻻ إﻟﯾﮫ‪ .‬وﯾﻘﺎل‪ :‬ﻓﻼن ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺑﻠد أي ﺑﻘﻲ ﻣوﺟوداً ﺧﺎرﺟﺎ ً وﻗد ﻛﺎن ﻟﮫ ﻛون ﻓﻲ اﻟﺑﻠد ﻓﻌﺎد إﻟﻰ‬
‫ﻣﺛل ذﻟك ﻓﺈن ﻟم ﯾﻛن ﺷﻲء ﺑﺎق وﺷﯾﺋﺎن ﻣﺗﻌددان ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﯾﺗﺧﻠﻠﮭﻣﺎ زﻣﺎن ﻟم ﯾﺗم اﺳم اﻟﻌود‪ ،‬إﻻ أن ﯾﺳﻠك ﻣذھب‬
‫اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬اﻟﻣﻌدوم ﺷﻲء ﺛﺎﺑت واﻟوﺟود ﺣﺎل ﯾﻌرض ﻟﮫ ﻣرة وﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺎرة وﯾﻌود أﺧرى ﻓﯾﺗﺣﻘق ﻣﻌﻧﻰ‬
‫اﻟﻌود ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺑﻘﺎء اﻟذات وﻟﻛﻧﮫ رﻓﻊ ﻟﻠﻌدم اﻟﻣطﻠق اﻟذي ھو اﻟﻧﻔﻲ اﻟﻣﺣض وھو إﺛﺑﺎت ﻟﻠذات ﻣﺳﺗﻣرة اﻟﺛﺑﺎت‬
‫إﻟﻰ أن ﯾﻌود إﻟﯾﮫ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﯾﻌود اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ‬
‫وإن اﺣﺗﺎل ﻧﺎﺻر ھذا اﻟﻘﺳم ﺑﺄن ﻗﺎل‪ :‬ﺗراب اﻟﺑدن ﻻ ﯾﻔﻧﻰ ﻓﯾﻛون ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻓﺗﻌود إﻟﯾﮫ اﻟﺣﯾوة‪ .‬ﻓﻧﻘول ﻋﻧد ذﻟك ﯾﺳﺗﻘﯾم‬
‫أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻋﺎد اﻟﺗراب ﺣﯾﺎ ً ﺑﻌد أن اﻧﻘطﻌت اﻟﺣﯾوة ﻋﻧﮫ ﻣرة‪ ،‬وﻻ ﯾﻛون ذﻟك ﻋوداً ﻟﻺﻧﺳﺎن وﻻ رﺟوع ذﻟك‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻷن اﻹﻧﺳﺎن إﻧﺳﺎن ﻻ ﺑﻣﺎدﺗﮫ واﻟﺗراب اﻟذي ﻓﯾﮫ إذ ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮫ ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء أو أﻛﺛرھﺎ ﺑﺎﻟﻐذاء‬
‫وھو ذاك اﻷول ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻓﮭو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر روﺣﮫ أو ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺈذا ﻋدﻣت اﻟﺣﯾوة أو اﻟروح ﻓﻣﺎ ﻋدم ﻻ ﯾﻌﻘل ﻋوده وإﻧﻣﺎ‬
‫ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻣﺛﻠﮫ‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ ﺧﻠق ﷲ ﺣﯾوة إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺗراب ﯾﺣﺻل ﻣن ﺑدن ﺷﺟر أو ﻓرس أو ﻧﺑﺎت ﻛﺎن ذﻟك اﺑﺗداء‬
‫ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻣﻌدوم ﻗط ﻻ ﯾﻌﻘل ﻋوده واﻟﻌﺎﺋد ھو اﻟﻣوﺟود أي ﻋﺎد إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻣن ﻗﺑل أي إﻟﻰ ﻣﺛل‬
‫ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺎﺋد ھو اﻟﺗراب إﻟﻰ ﺻﻔﺔ اﻟﺣﯾوة‪.‬‬
‫وﻟﯾس اﻹﻧﺳﺎن ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﺑدﻧﮫ‬
‫وﻟﯾس اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺑدﻧﮫ إذ ﻗد ﯾﺻﯾر ﺑدن اﻟﻔرس ﻏذاء اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﺗﺧﻠق ﻣﻧﮫ ﻧطﻔﺔ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮭﺎ إﻧﺳﺎن ﻓﻼ ﯾﻘﺎل‪:‬‬
‫اﻟﻔرس اﻧﻘﻠب إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑل اﻟﻔرس ﻓرس ﺑﺻورﺗﮫ ﻻ ﺑﻣﺎدﺗﮫ وﻗد اﻧﻌدﻣت اﻟﺻورة وﻣﺎ ﺑﻘﻲ إﻻ اﻟﻣﺎدة‪.‬‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾرد اﻟﺑدن اﻟﻔﺎﺳد‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو ﺗﻘدﯾر ﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس ورده إﻟﻰ ذﻟك اﻟﺑدن ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻟو ﺗﺻور ﻟﻛﺎن ﻣﻌﺎداً أي ﻋوداً إﻟﻰ‬
‫ﺗدﺑﯾر اﻟﺑدن ﺑﻌد ﻣﻔﺎرﻗﺗﮫ وﻟﻛن ﻣﺣﺎل إذ ﺑدن اﻟﻣﯾت ﯾﻧﺣل ﺗراﺑﺎ ً أو ﺗﺄﻛﻠﮫ اﻟدﯾدان واﻟطﯾور وﯾﺳﺗﺣﯾل دﻣﺎ ً وﺑﺧﺎراً‬
‫وھواء وﯾﻣﺗزج ﺑﮭواء اﻟﻌﺎﻟم وﺑﺧﺎره وﻣﺎﺋﮫ اﻣﺗزاﺟﺎ ً ﯾﺑﻌد اﻧﺗزاﻋﮫ واﺳﺗﺧﻼﺻﮫ‪.‬‬
‫ﯾﺳﺗﻘﺑﺢ ﺟﻣﻊ أﺟزاء اﻟﻣﯾت وﺣدھﺎ‬
‫وﻟﻛن إن ﻓرض ذﻟك اﺗﻛﺎﻻً ﻋﻠﻰ ﻗدرة ﷲ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﺟﻣﻊ اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻣﺎت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻘط ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون‬
‫ﻣﻌﺎد اﻷﻗطﻊ وﻣﺟذوع اﻷﻧف واﻷذن وﻧﺎﻗص اﻷﻋﺿﺎء ﻛﻣﺎ ﻛﺎن‪ ،‬وھذا ﻣﺳﺗﻘﺑﺢ ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ أھل اﻟﺟﻧﺔ وھم‬
‫اﻟذﯾن ﺧﻠﻘوا ﻧﺎﻗﺻﯾن ﻓﻲ اﺑﺗداء اﻟﻔﺗرة ﻓﺈﻋﺎدﺗﮭم إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﻟﮭزال ﻋﻧد اﻟﻣوت ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻧﻛﺎل‪ .‬ھذا‬
‫إن اﻗﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺟﻣﻊ اﻷﺟزاء اﻟﻣوﺟودة ﻋﻧد اﻟﻣوت‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن ﺟﻣﻊ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ طول ﻋﻣره‬
‫وإن ﺟﻣﻊ ﺟﻣﯾﻊ أﺟزاﺋﮫ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻋﻣره ﻓﯾﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻣن وﺟﮭﯾن‪ :‬أﺣدھﻣﺎ أن اﻹﻧﺳﺎن إذا‬
‫ﺗﻐذى ﺑﻠﺣم إﻧﺳﺎن‪ ،‬وﻗد ﺟرت اﻟﻌﺎدة ﺑﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺑﻼد وﯾﻛﺛر وﻗوﻋﮫ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﻘﺣط‪ ،‬ﻓﯾﺗﻌذر ﺣﺷرھﻣﺎ‬
‫ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻷن ﻣﺎدة واﺣدة ﻛﺎﻧت ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻠﻣﺄﻛول وﺻﺎرت ﺑﺎﻟﻐذاء ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻶﻛل وﻻ ﯾﻣﻛن رد ﻧﻔﺳﯾن إﻟﻰ ﺑدن واﺣد‪.‬‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﯾﺟب أن ﯾﻌﺎد ﺟزء واﺣد ﻛﺑداً وﻗﻠﺑﺎ ً وﯾداً ورﺟﻼً ﻓﺈﻧﮫ ﺛﺑت ﺑﺎﻟﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟطﺑﯾﺔ أن اﻷﺟزاء اﻟﻌﺿوﯾﺔ‬
‫ﯾﻐﺗذي ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻔﺿﻠﺔ ﻏذاء اﻟﺑﻌض ﻓﯾﺗﻐذى اﻟﻛﺑد ﺑﺄﺟزاء اﻟﻘﻠب وﻛذﻟك ﺳﺎﺋر اﻷﻋﺿﺎء‪ .‬ﻓﻧﻔرض أﺟزاء ﻣﻌﯾﻧﺔ‬
‫ﻗد ﻛﺎﻧت ﻣﺎدة ﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻷﻋﺿﺎء ﻓﺈﻟﻰ أي ﻋﺿو ﺗﻌﺎد؟ ﺑل ﻻ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ ﺗﻘرﯾر اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ أﻛل‬
‫اﻟﻧﺎس اﻟﻧﺎس ﻓﺈﻧك إذا ﺗﺄﻣﻠت ظﺎھر اﻟﺗرﺑﺔ اﻟﻣﻌﻣورة ﻋﻠﻣت ﺑﻌد طول اﻟزﻣﺎن أن ﺗراﺑﮭﺎ ﺟﺛث اﻟﻣوﺗﻰ ﻗد ﺗﺗرﺑت‬
‫وزرع ﻓﯾﮭﺎ وﻏرس وﺻﺎر ﺣﺑﺎ ً وﻓﺎﻛﮭﺔ وﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ اﻟدواب ﻓﺻﺎرت ﻟﺣﻣﺎ ً وﺗﻧﺎوﻟﻧﺎھﺎ ﻓﻌﺎدت ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﻣن ﻣﺎدة‬
‫ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ إﻻ وﻗد ﻛﺎﻧت ﺑدﻧﺎ ً ﻷﻧﺎس ﻛﺛﯾرة ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟت وﺻﺎرت ﺗراﺑﺎ ً ﺛم ﻧﺑﺎﺗﺎ ً ﺛم ﻟﺣﻣﺎ ً ﺛم ﺣﯾواﻧﺎ ً‪ .‬ﺑل ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ‬
‫ﻣﺣﺎل ﺛﺎﻟث وھو أن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ واﻷﺑدان أﺟﺳﺎم ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﻔﻲ اﻟﻣواد اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت‬
‫ﻣواد اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺄﻧﻔس اﻟﻧﺎس ﻛﻠﮭم ﺑل ﺗﺿﯾق ﻋﻧﮭم‪.‬‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث ﻓﮭو ﻣﺣﺎل‪ ،‬ﻓﺎﻷﻧﻔس ھﻲ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ‬
‫وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھو رد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن إﻧﺳﺎﻧﻲ ﻣن أي ﻣﺎدة ﻛﺎﻧت وأي ﺗراب اﺗﻔق ﻓﮭذا ﻣﺣﺎل ﻣن وﺟﮭﯾن‪:‬‬
‫أﺣدھﻣﺎ أن اﻟﻣواد اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻛون واﻟﻔﺳﺎد ﻣﺣﺻورة ﻓﻲ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ﻻ ﯾﻣﻛن ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣزﯾد وھﻲ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ‬
‫واﻷﻧﻔس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﻔﻲ ﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻠﯾس ھﻧﺎك طرق ﻣﻘﺑوﻟﺔ‬
‫واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺗراب ﻻ ﯾﻘﺑل ﺗدﺑﯾر اﻟﻧﻔس ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﺗراﺑﺎ ً ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﺗﻣﺗزج اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻣﺗزاﺟﺎ ً ﯾﺿﺎھﻲ اﻣﺗزاج‬
‫اﻟﻧطﻔﺔ‪ ،‬ﺑل اﻟﺧﺷب واﻟﺣدﯾد ﻻ ﯾﻘﺑل ھذا اﻟﺗدﺑﯾر وﻻ ﯾﻣﻛن إﻋﺎدة اﻹﻧﺳﺎن وﺑدﻧﮫ ﻣن ﺧﺷب أو ﺣدﯾد ﺑل ﻻ ﯾﻛون‬
‫إﻧﺳﺎﻧﺎ ً إﻻ إذا اﻧﻘﺳم أﻋﺿﺎء ﺑدﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻠﺣم واﻟﻌظم واﻷﺧﻼط‪ ،‬وﻣﮭﻣﺎ اﺳﺗﻌد اﻟﺑدن واﻟﻣزاج ﻟﻘﺑول ﻧﻔس اﺳﺗﺣق‬
‫ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟواھﺑﺔ ﻟﻠﻧﻔوس ﺣدوث ﻧﻔس ﻓﯾﺗوارد ﻋﻠﻰ اﻟﺑدن اﻟواﺣد ﻧﻔﺳﺎن‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﺳﻠم ﺑﺎﻟﺗﻧﺎﺳﺦ‬
‫وﺑﮭذا ﺑطل ﻣذھب اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ وھذا اﻟﻣذھب ھو ﻋﯾن اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﺈﻧﮫ رﺟﻊ إﻟﻰ اﺷﺗﻐﺎل اﻟﻧﻔس ﺑﻌد ﺧﻼﺻﮭﺎ ﻣن اﻟﺑدن‬
‫ﺑﺗدﺑﯾر ﺑدن آﺧر ﻏﯾر اﻟﺑدن اﻷول‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﺳﻠك اﻟذي ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼن اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼن ھذا اﻟﻣﺳﻠك‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ أن ﻧﺧﺗﺎر اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھو ﻻ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﺷرع‬
‫واﻻﻋﺗراض ھو أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺧﺗﺎر اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر وﯾرى أن اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﻌد اﻟﻣوت؟ وھو‬
‫ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وأن ذﻟك ﻻ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﺷرع ﺑل دل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺷرع ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ‪" :‬وﻻ ﺗﺣﺳﺑن اﻟذﯾن ﻗﺗﻠوا ﻓﻲ ﺳﺑﯾل‬
‫ﷲ أﻣواﺗﺎ ً ﺑل أﺣﯾﺎء ﻋﻧد رﺑﮭم" وﺑﻘوﻟﮫ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم‪ :‬أرواح اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻓﻲ ﺣواﺻل طﯾر ﺧﺿر ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺗﺣت‬
‫اﻟﻌرش‪ ،‬وﺑﻣﺎ ورد ﻣن اﻷﺧﺑﺎر ﺑﺷﻌور اﻷرواح ﺑﺎﻟﺻدﻗﺎت واﻟﺧﯾرات وﺳؤال ﻣﻧﻛر وﻧﻛﯾر وﻋذاب اﻟﻘﺑر‬
‫وﻏﯾره وﻛل ذﻟك ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء‪.‬‬
‫وﻓﯾﮫ ﻋود ﻣﺣﻘق‬
‫ﻧﻌم ﻗد دل ﻣﻊ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﺑﻌده ھو ﺑﻌث اﻟﺑدن‪ .‬وذﻟك ﻣﻣﻛن ﺑردھﺎ إﻟﻰ ﺑدن أي ﺑدن ﻛﺎن ﺳواء‬
‫ﻛﺎن ﻣن ﻣﺎدة اﻟﺑدن اﻷول أو ﻣن ﻏﯾره أو ﻣن ﻣﺎدة اﺳﺗؤﻧف ﺧﻠﻘﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ھو ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﺑﺑدﻧﮫ إذ ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮫ أﺟزاء‬
‫اﻟﺑدن ﻣن اﻟﺻﻐر إﻟﻰ اﻟﻛﺑر ﺑﺎﻟﮭزال واﻟﺳﻣن وﺗﺑدل اﻟﻐذاء وﯾﺧﺗﻠف ﻣزاﺟﮫ ﻣﻊ ذﻟك وھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ‬
‫ﻓﮭذا ﻣﻘدور وﯾﻛون ذﻟك ﻋوداً ﻟذﻟك اﻟﻧﻔس ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﻗد ﺗﻌذر ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺣظﻰ ﺑﺎﻵﻻم واﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑﻔﻘد‬
‫اﻵﻟﺔ وﻗد أﻋﯾدت إﻟﯾﮫ آﻟﺔ ﻣﺛل اﻷوﻟﻰ ﻓﻛﺎن ذﻟك ﻋوداً ﻣﺣﻘﻘﺎ ً‪.‬‬
‫اﻟﻧﻔوس ﻟﯾﺳت ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ‬
‫وﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا ﺑﻛون اﻟﻧﻔوس ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ وﻛون اﻟﻣواد ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻣﺣﺎل ﻻ أﺻل ﻟﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺑﻧﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وﺗﻌﺎﻗب اﻷدوار ﻋﻠﻰ اﻟدوام وﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻋﻧده ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ‬
‫وﻟﯾﺳت أﻛﺛر ﻣن اﻟﻣواد اﻟﻣوﺟودة‪ ،‬وإن ﺳﻠم أﻧﮭﺎ أﻛﺛر ﻓﺎ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠق واﺳﺗﺋﻧﺎف اﻻﺧﺗراع وإﻧﻛﺎره‬
‫إﻧﻛﺎر ﻟﻘدرة ﷲ ﻋﻠﻰ اﻷﺣداث‪ .‬وﻗد ﺳﺑق إﺑطﺎﻟﮫ ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء‬
‫وأﻣﺎ إﺣﺎﻟﺗﻛم اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﺄن ھذا ﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء ﻓﻣﺎ ورد اﻟﺷرع ﺑﮫ ﯾﺟب ﺗﺻدﯾﻘﮫ ﻓﻠﯾﻛن ﺗﻧﺎﺳﺧﺎ ً‬
‫وإﻧﻣﺎ ﻧﺣن ﻧﻧﻛر اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻲ ھذا اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺑﻌث ﻓﻼ ﻧﻧﻛره ﺳﻣﻲ ﺗﻧﺎﺳﺧﺎ ً أو ﻟم ﯾﺳم‪.‬‬
‫وﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗدﺑﯾر اﻷﻣر‬
‫وﻗوﻟﻛم إن ﻛل ﻣزاج اﺳﺗﻌد ﻟﻘﺑول ﻧﻔس اﺳﺗﺣق ﺣدوث ﻧﻔس ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ رﺟوع إﻟﻰ أن ﺣدوث اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ‬
‫ﺑﺎﻹرادة وﻗد أﺑطل ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم‪ .‬ﻛﯾف وﻻ ﯾﺑﻌد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم أﯾﺿﺎ ً أن ﯾﻘﺎل‪ :‬إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣق‬
‫ﺣدوث ﻧﻔس إذا ﻟم ﯾﻛن ﺛم ﻧﻔس ﻣوﺟودة ﻓﺗﺳﺗﺄﻧف ﻧﻔس؟ ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل‪ :‬ﻓﻠم ﻟم ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﻣزﺟﺔ اﻟﻣﺳﺗﻌدة ﻓﻲ‬
‫اﻷرﺣﺎم ﻗﺑل اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﺑل ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ ھذا؟ ﻓﯾﻘﺎل‪ :‬ﻟﻌل اﻷﻧﻔس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﻧوﻋﺎ ً آﺧر ﻣن اﻻﺳﺗﻌداد‬
‫وﻻ ﯾﺗم ﺳﺑﺑﮭﺎ إﻻ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت‪ .‬وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻔﺎرق اﻻﺳﺗﻌداد اﻟﻣﺷروط ﻟﻠﻧﻔس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻻﺳﺗﻌداد‬
‫اﻟﻣﺷروط ﻟﻠﻧﻔس اﻟﺣﺎدﺛﺔ اﺑﺗداء اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺳﺗﻔد ﻛﻣﺎﻻً ﺑﺗدﺑﯾر اﻟﺑدن ﻣدة‪ ،‬وﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋرف ﺑﺗﻠك اﻟﺷروط‬
‫وﺑﺄﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وأوﻗﺎت ﺣﺿورھﺎ وﻗد ورد اﻟﺷرع ﺑﮫ وھو ﻣﻣﻛن ﻓﯾﺟب اﻟﺗﺻدﯾق ﺑﮫ‪.‬‬
‫ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﻣﺎ أن ﻗﻠب اﻟﺣدﯾد ﺛوﺑﺎ ً‬
‫ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺗﻌدد اﻻﺳﺗﺣﺎﻻت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻗﺎﻟوا‪ :‬ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور أن ﯾﻘﻠب اﻟﺣدﯾد ﺛوﺑﺎ ﻣﻧﺳوﺟﺎ ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻌﻣم ﺑﮫ إﻻ ﺑﺄن ﺗﺣﻠل أﺟزاء‬
‫اﻟﺣدﯾد إﻟﻰ اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺑﺄﺳﺑﺎب ﺗﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدﯾد ﻓﺗﺣﻠﻠﮫ إﻟﻰ ﺑﺳﺎﺋط اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺛم ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻌﻧﺎﺻر وﺗدار ﻓﻲ‬
‫أطوار ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻘﺔ إﻟﻰ أن ﺗﻛﺗﺳب ﺻورة اﻟﻘطن ﺛم ﯾﻛﺗﺳب اﻟﻘطن ﺻورة اﻟﻐزل ﺛم اﻟﻐزل ﯾﻛﺗﺳب اﻻﻧﺗظﺎم‬
‫اﻟﻣﻌﻠوم اﻟذي ھو اﻟﻧﺳﺞ ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ‪ .‬وﻟو ﻗﯾل إن ﻗﻠب اﻟﺣدﯾد ﻋﻣﺎﻣﺔ ﻗطﻧﯾﺔ ﻣﻣﻛن ﻣن ﻏﯾر اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ‬
‫ھذه اﻷطوار ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗرﺗﯾب ﻛﺎن ﻣﺣﺎﻻً‪ .‬ﻧﻌم ﯾﺟوز أن ﯾﺧطر ﻟﻺﻧﺳﺎن أن ھذه اﻻﺳﺗﺣﺎﻻت ﯾﺟوز أن‬
‫ﺗﺣﺻل ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ زﻣﺎن ﻣﺗﻘﺎرب ﻻ ﯾﺣس اﻹﻧﺳﺎن ﺑطوﻟﮭﺎ ﻓﯾظن أﻧﮫ وﻗﻊ ﻓﺟﺄة دﻓﻌﺔ واﺣدة‪.‬‬
‫ھذا ﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً ﺗﺟدد ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻟﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﯾﮫ‬
‫وإذا ﻋﻘل ھذا ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺑﻌوث اﻟﻣﺣﺷور ﻟو ﻛﺎن ﺑدﻧﮫ ﻣن ﺣﺟر أو ﯾﺎﻗوت أو در أو ﺗراب ﻣﺣض ﻟم ﯾﻛن‬
‫إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑل ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون إﻧﺳﺎﻧﺎً‪ ،‬إﻻ أن ﯾﻛون ﻣﺗﺷﻛﻼً ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﻣﺧﺻوص ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن اﻟﻌظﺎم واﻟﻌروق‬
‫واﻟﻠﺣوم واﻟﻐﺿﺎرﯾف واﻷﺧﻼط‪ ،‬واﻷﺟزاء اﻟﻣﻔردة ﺗﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﺑدن ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻷﻋﺿﺎء‬
‫وﻻ ﺗﻛون اﻷﻋﺿﺎء اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻟﻌظﺎم واﻟﻠﺣوم واﻟﻌروق وﻻ ﺗﻛون ھذه اﻟﻣﻔردات ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻷﺧﻼط‬
‫وﻻ ﺗﻛون اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻣوادھﺎ ﻣن اﻟﻐذاء وﻻ ﯾﻛون اﻟﻐذاء ﻣﺎ ﯾﻛن ﺣﯾوان أو ﻧﺑﺎت وھو اﻟﻠﺣم واﻟﺣﺑوب‬
‫وﻻ ﯾﻛون ﺣﯾوان وﻧﺑﺎت ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣﻣﺗزﺟﺔ ﺑﺷراﺋط ﻣﺧﺻوﺻﺔ طوﯾﻠﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ‬
‫ﻓﺻﻠﻧﺎ ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ‪ .‬ﻓﺈذن ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﺟدد ﺑدن إﻧﺳﺎن ﻟﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﯾﮫ إﻻ ﺑﮭذه اﻷﻣور‪.‬‬
‫وھذا ﻣﺣﺎل ﻣن ﺟﻣﯾﻊ اﻟوﺟوه‬
‫ً‬
‫وﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة‪ :‬أﻓﯾﻧﻘﻠب اﻟﺗراب إﻧﺳﺎﻧﺎ ﺑﺄن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ ﻛن؟ أو ﺑﺄن ﺗﻣﮭد أﺳﺑﺎب اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻓﻲ ھذه اﻷدوار وأﺳﺑﺎﺑﮫ‬
‫ھﻲ إﻟﻘﺎء اﻟﻧطﻔﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧرﺟﺔ ﻣن ﻟﺑﺎب ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ رﺣم ﺣﺗﻰ ﯾﺳﻣد ﻣن دم اﻟطﻣث وﻣن اﻟﻐذاء ﻣدة ﺣﺗﻰ‬
‫ﯾﺗﺧﻠق ﻣﺿﻐﺔ ﺛم ﻋﻠﻘﺔ ﺛم ﺟﻧﯾﻧﺎ ً ﺛم طﻔﻼً ﺛم ﺷﺎﺑﺎ ً ﺛم ﻛﮭﻼً‪ .‬ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل‪ :‬ﯾﻘﺎل ﻟﮫ ﻛن ﻓﯾﻛون‪ ،‬ﻏﯾر ﻣﻌﻘول إذ‬
‫اﻟﺗراب ﻻ ﯾﺧﺎطب واﻧﻘﻼﺑﮫ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً دون اﻟﺗردد ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻣﺣﺎل‪ .‬وﺗردده ﻓﻲ ھذه اﻷطوار دون ﺟرﯾﺎن‬
‫ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻣﺣﺎل ﻓﯾﻛون اﻟﺑﻌث ﻣﺣﺎﻻً‪.‬‬
‫اﻋﺗراﺿﻧﺎ ھذا ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ وﻟو ﻓﻲ زﻣﺎن طوﯾل‬
‫واﻻﻋﺗراض أﻧﺎ ﻧﺳﻠم أن اﻟﺗرﻗﻲ ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﯾﺻﯾر ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﻣﺎ ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﯾﺻﯾر‬
‫اﻟﺣدﯾد ﻋﻣﺎﻣﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﺑﻘﻲ ﺣدﯾداً ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺛوﺑﺎ ً ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺻﯾر ﻗطﻧﺎ ً ﻣﻐزوﻻً ﺛم ﻣﻧﺳوﺟﺎ ً‪ .‬وﻟﻛن ذﻟك ﻓﻲ‬
‫ﻟﺣظﺔ أو ﻓﻲ ﻣدة ﻣﻣﻛن وﻟم ﯾﺑن ﻟﻧﺎ أن اﻟﺑﻌث ﯾﻛون ﻓﻲ أوﺣﻰ ﻣﺎ ﯾﻘدر إذ ﯾﻛون ﺟﻣﻊ اﻟﻌظﺎم وإﻧﺷﺎز اﻟﻠﺣم‬
‫وإﻧﺑﺎﺗﮫ ﻓﻲ زﻣﺎن طوﯾل وﻟﯾس اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫وھذا ﯾﺣﺻل ﺑﻘدرة ﷲ إﻣﺎ ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ‬
‫وإﻧﻣﺎ اﻟﻧظر ﻓﻲ أن اﻟﺗرﻗﻲ ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﯾﺣﺻل ﺑﻣﺟرد اﻟﻘدرة ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ أو ﺑﺳﺑب ﻣن اﻷﺳﺑﺎب‪،‬‬
‫وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﻣﻛﻧﺎن ﻋﻧدﻧﺎ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت ﻋﻧد اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ إﺟراء اﻟﻌﺎدات‪ ،‬وإن‬
‫اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻗﺗراﻧﮭﺎ ﻟﯾس ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﺗﻼزم ﺑل اﻟﻌﺎدات ﯾﺟوز ﺧرﻗﮭﺎ ﻓﯾﺣﺻل ﺑﻘدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ھذه‬
‫اﻷﻣور دون وﺟود أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫أو ﺑواﺳطﺎت ﻏرﯾﺑﺔ‬
‫وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﮭو أن ﻧﻘول‪ :‬ذﻟك ﯾﻛون ﺑﺄﺳﺑﺎب وﻟﻛن ﻟﯾس ﻣن ﺷرط أن ﯾﻛون اﻟﺳﺑب ھو اﻟﻣﻌﮭود ﺑل ﻓﻲ ﺧزاﻧﺔ‬
‫اﻟﻣﻘدورات ﻋﺟﺎﺋب وﻏراﺋب ﻟم ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﯾﻧﻛرھﺎ ﻣن ﯾظن أن ﻻ وﺟود إﻻ ﻟﻣﺎ ﺷﺎھده‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﻧﻛر طﺎﺋﻔﺔ‬
‫اﻟﺳﺣر واﻟﻧﺎرﻧﺟﺎت واﻟطﻠﺳﻣﺎت واﻟﻣﻌﺟزات واﻟﻛراﻣﺎت وھﻲ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑﺄﺳﺑﺎب ﻏرﯾﺑﺔ ﻻ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫ﻣن اﺳﺗﻧﻛر ﻗوة اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾس ﺛم ﺷﺎھدھﺎ‬
‫ﺗﻌﺟب ﻣﻧﮭﺎ ﻓﮭﻛذا ﯾﺗﻌﺟﺑون‬
‫ﺑل ﻟو ﻟم ﯾر إﻧﺳﺎن اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾس وﺟذﺑﮫ ﻟﻠﺣدﯾد وﺣﻛﻲ ﻟﮫ ذﻟك ﻻﺳﺗﻧﻛره وﻗﺎل‪ :‬ﻻ ﯾﺗﺻور ﺟذب ﻟﻠﺣدﯾد إﻻ ﺑﺧﯾط‬
‫ﯾﺷد ﻋﻠﯾﮫ وﯾﺟذب ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ اﻟﺟذب‪ ،‬ﺣﺗﻰ إذا ﺷﺎھده ﺗﻌﺟب ﻣﻧﮫ وﻋﻠم أن ﻋﻠﻣﮫ ﻗﺎﺻر ﻋن اﻹﺣﺎطﺔ‬
‫ﺑﻌﺟﺎﺋب اﻟﻘدرة‪ .‬وﻛذﻟك اﻟﻣﻠﺣدة اﻟﻣﻧﻛرة ﻟﻠﺑﻌث واﻟﻧﺷور إذا ﺑﻌﺛوا ورأوا ﻋﺟﺎﺋب ﺻﻧﻊ ﷲ ﻓﯾﮫ ﻧدﻣوا ﻧداﻣﺔ ﻻ‬
‫ﺗﻧﻔﻌﮭم وﯾﺗﺣﺳرون ﻋﻠﻰ ﺟﺣودھم ﺗﺣﺳراً ﻻ ﯾﻐﻧﯾﮭم وﯾﻘﺎل ﻟﮭم‪" :‬ھذا اﻟذي ﻛﻧﺗم ﺑﮫ ﺗﻛذﺑون" ﻛﺎﻟذي ﯾﻛذب‬
‫ﺑﺎﻟﺧواص واﻷﺷﯾﺎء اﻟﻐرﯾﺑﺔ‪.‬‬
‫إن اﻹﻧﺳﺎن ﻟو ﺧﻠق ﻋﺎﻗﻼً ﻷﻧﻛر ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن اﻟﻧطﻔﺔ‬
‫ﺑل ﻟو ﺧﻠق إﻧﺳﺎن ﻋﺎﻗﻼً اﺑﺗداء وﻗﯾل ﻟﮫ إن ھذه اﻟﻧطﻔﺔ اﻟﻘذرة اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء ﺗﻧﻘﺳم أﺟزاؤھﺎ اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻓﻲ‬
‫رﺣم آدﻣﯾﺔ إﻟﻰ أﻋﺿﺎء ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﺣﻣﯾﺔ وﻋﺻﺑﯾﺔ وﻋظﻣﯾﺔ وﻋرﻗﯾﺔ وﻏﺿروﻓﯾﺔ وﺷﺣﻣﯾﺔ ﻓﯾﻛون ﻣﻧﮫ اﻟﻌﯾن ﻋﻠﻰ‬
‫ﺳﺑﻊ طﺑﻘﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻣزاج واﻟﻠﺳﺎن واﻷﺳﻧﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎوﺗﮭﻣﺎ ﻓﻲ اﻟرﺧﺎوة واﻟﺻﻼﺑﺔ ﻣﻊ ﺗﺟﺎورھﻣﺎ وھﻠم‬
‫ﺟرا إﻟﻰ اﻟﺑداﺋﻊ اﻟﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻔطرة ﻟﻛﺎن إﻧﻛﺎره أﺷد ﻣن إﻧﻛﺎر اﻟﻣﻠﺣدة ﺣﯾث ﻗﺎﻟوا‪ :‬أﺋذا ﻛﻧﺎ ﻋظﺎﻣﺎ ً ﻧﺧرة اﻵﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﯾﺟب ﻋدم إﻧﻛﺎر ﻣﺎ ﻟم ﯾﺷﺎھد‬
‫ﻓﻠﯾس ﯾﺗﻔﻛر اﻟﻣﻧﻛر ﻟﻠﺑﻌث أﻧﮫ ﻣن أﯾن ﻋرف اﻧﺣﺻﺎر أﺳﺑﺎب اﻟوﺟود ﻓﯾﻣﺎ ﺷﺎھد وﻟم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻓﻲ إﺣﯾﺎء‬
‫اﻷﺑدان ﻣﻧﮭﺎج ﻏﯾر ﻣﺎ ﺷﺎھده‪ .‬وﻗد ورد ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺧﺑﺎر أﻧﮫ ﯾﻌم اﻷرض ﻓﻲ وﻗت اﻟﺑﻌث ﻣطر ﻗطراﺗﮭﺎ ﺗﺷﺑﮫ‬
‫اﻟﻧطف وﺗﺧﺗﻠط ﺑﺎﻟﺗراب ﻓﺄي ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻷﺳﺑﺎب اﻹﻟﮭﯾﺔ أﻣر ﯾﺷﺑﮫ ذﻟك وﻧﺣن ﻻ ﻧطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ وﯾﻘﺗﺿﻲ‬
‫ذﻟك اﻧﺑﻌﺎث اﻷﺟﺳﺎد واﺳﺗﻌدادھﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣﺷورة‪ ،‬وھل ﻟﮭذا اﻹﻧﻛﺎر ﻣﺳﺗﻧد إﻻ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد اﻟﻣﺟرد؟‬
‫ﻗد ﯾﻘﺎل إن اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وھو دوري‬
‫ﻓﺈن ﻗﯾل‪ :‬اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﻟﮫ ﻣﺟرى واﺣد ﻣﺿروب ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪" :‬وﻣﺎ أﻣرﻧﺎ إﻻ واﺣدة ﻛﻠﻣﺢ‬
‫ﺑﺎﻟﺑﺻر" وﻗﺎل‪" :‬وﻟن ﺗﺟد ﻟﺳﻧﺔ ﷲ ﺗﺑدﯾﻼ" وھذه اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أوھﻣﺗﮭم إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ إن ﻛﺎﻧت ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗطرد‬
‫أﯾﺿﺎ ً وﺗﺗﻛرر إﻟﻰ ﻏﯾر ﻏﺎﯾﺔ وأن ﯾﺑﻘﻰ ھذا اﻟﻧظﺎم اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻟﺗوﻟد واﻟﺗواﻟد إﻟﻰ ﻏﯾر ﻏﺎﯾﺔ‪ .‬وﺑﻌد‬
‫اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺗﻛرر واﻟدور ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﺧﺗﻠف ﻣﻧﮭﺎج اﻷﻣور ﻓﻲ ﻛل أﻟف أﻟف ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼً وﻟﻛن ﯾﻛون ذﻟك‬
‫اﻟﺗﺑدل أﯾﺿﺎ ً داﺋﻣﺎ ً أﺑدﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺳﻧن واﺣد ﻓﺈن ﺳﻧﺔ ﷲ ﻻ ﺗﺑدﯾل ﻓﯾﮭﺎ‪.‬‬
‫وﯾﺻدر ﻋن اﻹرادة وھﻲ ﻏﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ‬
‫وھذا ﻟﻣﻛﺎن أن اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ واﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ اﻟﺟﮭﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺧﺗﻠف‬
‫ﻧظﺎﻣﮭﺎ ﺑﺎﺧﺗﻼف ﺟﮭﺎﺗﮭﺎ ﻓﯾﻛون اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮭﺎ ﻛﯾف ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻧﺗظﻣﺎ ً اﻧﺗظﺎﻣﺎ ً ﯾﺟﻣﻊ اﻷول واﻵﺧر ﻋﻠﻰ ﻧﺳق‬
‫واﺣد ﻛﻣﺎ ﻧراه ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت‪.‬‬
‫وﺳﺗﻛون اﻵﺧرة واﻟﻘﯾﺎﻣﺔ‬
‫ﻓﺈن ﺟوزﺗم اﺳﺗﻣرار اﻟﺗواﻟد واﻟﺗﻧﺎﺳل ﺑﺎﻟطرﯾق اﻟﻣﺷﺎھد اﻵن أو ﻋود ھذا اﻟﻣﻧﮭﺎج وﻟو ﺑﻌد زﻣﺎن طوﯾل ﻋﻠﻰ‬
‫ﺳﺑﯾل اﻟﺗﻛرر واﻟدور ﻓﻘد رﻓﻌﺗم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ واﻵﺧرة وﻣﺎ دل ﻋﻠﯾﮫ ظواھر اﻟﺷرع إذ ﯾﻠزم ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻛون ﻗد ﺗﻘدم‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟودﻧﺎ ھذا اﻟﺑﻌث ﻛرات وﺳﯾﻌود ﻛرات وھﻛذى ﻋﻠﻰ اﻟﺗرﺗﯾب‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻣﻛن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺣﺎﻻت إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ‬
‫وإن ﻗﻠﺗم إن اﻟﺳﻧﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﺗﺗﺑدل إﻟﻰ ﺟﻧس آﺧر وﻻ ﺗﻌود ﻗط ھذه اﻟﺳﻧﺔ وﺗﻧﻘﺳم ﻣدة اﻹﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ‬
‫أﻗﺳﺎم‪ :‬ﻗﺳم ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم إذ ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم وﻗﺳم ﺑﻌد ﺧﻠﻘﮫ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ وﻗﺳم ﺑﮫ اﻻﺧﺗﺗﺎم وھو اﻟﻣﻧﮭﺎج‬
‫اﻟﺑﻌﺛﻲ‪ ،‬ﺑطل اﻻﺗﺳﺎق واﻻﻧﺗظﺎم وﺣﺻل اﻟﺗﺑدﯾل ﻟﺳﻧﺔ ﷲ وھو ﻣﺣﺎل ﻓﺈن ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺑﻣﺷﯾﺋﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‬
‫ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻷﺣوال أﻣﺎ اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻷزﻟﯾﺔ ﻓﻠﮭﺎ ﻣﺟرى واﺣد ﻣﺿروب ﻻ ﺗﺗﺑدل ﻋﻧﮫ ﻷن اﻟﻔﻌل ﻣﺿﺎه ﻟﻠﻣﺷﯾﺋﺔ‬
‫واﻟﻣﺷﯾﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻧن واﺣد ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷزﻣﺎن؟‬
‫وھذا ﻻ ﯾﻧﺎﻗض اﻟﻘول ﺑﺄن ﷲ "ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء‬
‫وزﻋﻣوا أن ھذا ﻻ ﯾﻧﺎﻗض ﻗوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول إن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور وﺟﻣﯾﻊ‬
‫اﻷﻣور اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل‪ ،‬وﻟﯾس ﻣن ﺷرط ﺻدق ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أن ﯾﺷﺎء وﻻ أن ﯾﻔﻌل‪ .‬وھذا ﻛﻣﺎ‬
‫أﻧﺎ ﻧﻘول إن ﻓﻼﻧﺎ ً ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺟز رﻗﺑﺔ ﻧﻔﺳﮫ وﯾﺑﻌﺞ ﺑطن ﻧﻔﺳﮫ وﯾﺻدق ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل‬
‫وﻟﻛﻧﺎ ﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻧﺎﻗﺿﮫ أﻧﮫ "ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل"‬
‫وﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل ﻻ ﯾﻧﺎﻗض ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻗﺎدر ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل ﻓﺈن اﻟﺣﻣﻠﯾﺎت ﻻ ﺗﻧﺎﻗض اﻟﺷرطﯾﺎت‬
‫ﻛﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق إذ ﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل‪ ،‬ﺷرطﻲ ﻣوﺟب وﻗوﻟﻧﺎ‪ :‬ﻣﺎ ﺷﺎء وﻣﺎ ﻓﻌل‪ ،‬ﺣﻣﻠﺗﺎن ﺳﺎﻟﺑﺗﺎن واﻟﺳﺎﻟﺑﺔ‬
‫اﻟﺣﻣﻠﯾﺔ ﻻ ﺗﻧﺎﻗض اﻟﻣوﺟﺑﺔ اﻟﺷرطﯾﺔ‪ .‬ﻓﺈذن اﻟدﻟﯾل اﻟذي دﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻣﺷﯾﺋﺔ أزﻟﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻣﺗﻔﻧﻧﺔ ﯾدﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن‬
‫ﻣﺟرى اﻷﻣر اﻹﻟﮭﻲ ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻋﻠﻰ اﻧﺗظﺎم وإن اﺧﺗﻠﻔت ﻓﻲ آﺣﺎد اﻷوﻗﺎت ﻓﯾﻛون اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻧﺗظﺎم‬
‫واﺗﺳﺎق ﺑﺎﻟﺗﻛرر واﻟﻌود وأﻣﺎ ﻏﯾر ھذا ﻓﻼ ﯾﻣﻛن‪.‬‬
‫ﺟواﺑﻧﺎ ﯾﻣﻛن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺣﺎﻻت إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ‬
‫واﻟﺟواب أن ھذا اﺳﺗﻣداد ﻣن ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وأن اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً وﻗد أﺑطﻠﻧﺎ ذﻟك وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ‬
‫ﯾﺑﻌد ﻓﻲ اﻟﻌﻘل وﺿﻊ ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم وھو أن ﯾﻛون ﷲ ﻣوﺟوداً وﻻ ﻋﺎﻟم ﺛم ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ اﻟﻧظم اﻟﻣﺷﺎھد ﺛم‬
‫ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻧظﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً وھو اﻟﻣوﻋود ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ ﺛم ﯾﻌدم اﻟﻛل ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ ﷲ وھو ﻣﻣﻛن ﻟوﻻ أن اﻟﺷرع ﻗد‬
‫ورد ﺑﺄن اﻟﺛواب واﻟﻌﻘﺎب واﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر ﻻ آﺧر ﻟﮭﻣﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺄﻟﺗﯾن اﻷوﻟﻰ واﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻋﺷرة‬
‫وھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻛﯾف ﻣﺎ رددت ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺋﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وﺟواز ﺣﺻول ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﺧرق اﻟﻌﺎدات ﺑﺧﻠق اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت دون اﻷﺳﺑﺎب أو إﺣداث أﺳﺑﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺞ آﺧر ﻏﯾر ﻣﻌﺗﺎد‪ ،‬وﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻋن‬
‫اﻟﻣﺳﺋﻠﺗﯾن ﺟﻣﯾﻌﺎ ً‪.‬‬
‫ﺧﺎﺗﻣﺔ اﻟﻛﺗﺎب‬
‫ھل ھم ﻛﺎﻓرون؟‬
‫ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل‪ :‬ﻗد ﻓﺻﻠﺗم ﻣذاھب ھؤﻻء أﻓﺗﻘطﻌون اﻟﻘول ﺑﻛﻔرھم ووﺟوب اﻟﻘﺗل ﻟﻣن ﯾﻌﺗﻘد اﻋﺗﻘﺎدھم؟‬
‫ﺗﻛﻔﯾرھم ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻷوﻟﻰ واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﺷرة واﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻋﺷرة‬
‫ﻗﻠﻧﺎ‪ :‬ﺗﻛﻔﯾرھم ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﺛﻠث ﻣﺳﺎﺋل إﺣدﯾﮭﺎ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وﻗوﻟﮭم إن اﻟﺟواھر ﻛﻠﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻗوﻟﮭم‬
‫إن ﷲ ﻻ ﯾﺣﯾط ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻣن اﻷﺷﺧﺎص واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﻲ إﻧﻛﺎرھم ﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد وﺣﺷرھﺎ‪ ،‬ﻓﮭذه‬
‫اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺛﻠث ﻻ ﺗﻼﺋم اﻹﺳﻼم ﺑوﺟﮫ وﻣﻌﺗﻘدھﺎ ﻣﻌﺗﻘد ﻛذب اﻷﻧﺑﯾﺎء‪ .‬وإﻧﮭم ذﻛروا ﻣﺎ ذﻛروه ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل‬
‫اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﺟﻣﺎھﯾر اﻟﺧﻠق وﺗﻔﮭﯾﻣﺎ ً وھذا ھو اﻟﻛﻔر اﻟﺻراح اﻟذي ﻟم ﯾﻌﺗﻘده أﺣد ﻣن ﻓرق اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪.‬‬
‫وﻓﻲ ﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺋل‬
‫ﻓﻣذھﺑﮭم ﻗرﯾب ﻣن ﻣذاھب اﻟﻔرق اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬
‫ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻋدا ھذه اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺛﻠث ﻣن ﺗﺻرﻓﮭم ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ واﻋﺗﻘﺎد اﻟﺗوﺣﯾد ﻓﯾﮭﺎ ﻓﻣذھﺑﮭم ﻗرﯾب ﻣن‬
‫ﻣذاھب اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ وﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ﺗﻼزم اﻷﺳﺑﺎب اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ھو اﻟذي ﺻرح اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﺗوﻟد‪ ،‬وﻛذﻟك ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ‬
‫ﻧﻘﻠﻧﺎه ﻋﻧﮭم ﻗد ﻧطق ﺑﮫ ﻓرﯾق ﻣن ﻓرق اﻹﺳﻼم إﻻ ھذه اﻷﺻول اﻟﺛﻠث‪ .‬ﻓﻣن ﯾرى ﺗﻛﻔﯾر أھل اﻟﺑدع ﻣن ﻓرق‬
‫اﻹﺳﻼم ﯾﻛﻔرھم أﯾﺿﺎ ً ﺑﮫ وﻣن ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟﺗﻛﻔﯾر ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺗﻛﻔﯾرھم ﺑﮭذه اﻟﻣﺳﺎﺋل‪.‬‬
‫اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﺣﺳن اﻟﺧوض ﻓﯾﮭﺎ‬
‫وأﻣﺎ ﻧﺣن ﻓﻠﺳﻧﺎ ﻧؤﺛر اﻵن اﻟﺧوض ﻓﻲ ﺗﻛﻔﯾر أھل اﻟﺑدع وﻣﺎ ﯾﺻﺢ ﻣﻧﮫ وﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻛﯾﻼ ﯾﺧرج اﻟﻛﻼم ﻋن‬
‫ﻣﻘﺻود ھذا اﻟﻛﺗﺎب وﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻣوﻓق ﻟﻠﺻواب‪.‬‬
‫**‬
‫ﻧﻘﻠت ﻟﻛم ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻣن ﻣوﻗﻊ اﻟوراق‬
‫أرﺟوﻛم اﻟدﻋﺎء ﻟﻧﺎ ﺑﺎﻟﺻﺣﺔ واﻟﻌﺎﻓﯾﺔ واﻟﺳﺗر وﺣﺳن اﻟﻌﺎﻗﺑﺔ‬
‫أﺧوﻛم ﻣﺣﻣد اﻟﺟزاﺋري‬
‫‪2006/04/23‬‬

You might also like