Professional Documents
Culture Documents
ﻟﻺﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ
ﺑﻌد أن أﻟف اﻟﻐزاﻟﻲ " ﻣﻘﺎﺻد اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ " ﺷرح ﻓﯾﮭﺎ أﻗوال اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ ،أﻟف ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻟﯾﺑﯾن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﻟﯾس
اﻟﺧﻼف ﻓﯾﮭﺎ ﺑﯾن اﻟﻌﻘﯾدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻟﻔظﯾﺎ ً ﺑل ﻣﺎ ﯾﺳﺑب ﺑدﻋﺔ أو ﻛﻔراً ،وﻗد ﻧﺎﻗش ﻋﺷرﯾن ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﺛل أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وأﺑدﯾﺗﮫ
واﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ وﺟود ﷲ وﻋﻠﻣﮫ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟزﺋﯾﺎت وﺧرق اﻟﻌﺎدات وﻓﻧﺎء اﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ وﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد وﻏﯾرھﺎ .واﻋﺗﺑر
اﻟﻌﻠﻣﺎء ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺿرﺑﺔ ﻗﺎﺿﯾﺔ ﻻﺳﺗﻛﺑﺎر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وادﻋﺎﺋﮭم اﻟﺗوﺻل إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻐﯾﺑﯾﺔ ﺑﻌﻘوﻟﮭم ،وھو ﺗراث ﻓﻠﺳﻔﻲ
ﻋظﯾم ﻓﺿﻼً ﻋن أﻧﮫ ﺗراث ﺑﻘﻠم ﺣﺟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﻐزاﻟﻲ
**
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم ﺑﻘدم اﻟﻌﺎﻟم
ﻣذھب اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ
ﺗﻔﺻﯾل اﻟﻣذھب :اﺧﺗﻠﻔت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم .ﻓﺎﻟذي اﺳﺗﻘر ﻋﻠﯾﮫ رأي ﺟﻣﺎھﯾرھم اﻟﻣﺗﻘدﻣﯾن واﻟﻣﺗﺄﺧرﯾن
اﻟﻘول ﺑﻘدﻣﮫ وأﻧﮫ ﻟم ﯾزل ﻣوﺟوداً ﻣﻊ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻣﻌﻠوﻻً ﻟﮫ وﻣﺳوﻗﺎ ً ﻟﮫ ﻏﯾر ﻣﺗﺄﺧر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﻣﺳﺎوﻗﺔ
اﻟﻣﻌﻠول ﻟﻠﻌﻠﺔ وﻣﺳﺎوﻗﺔ اﻟﻧور ﻟﻠﺷﻣس ،وأن ﺗﻘدم اﻟﺑﺎري ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﻘدم اﻟﻌﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻠول ،وھو ﺗﻘدم ﺑﺎﻟذات
واﻟرﺗﺑﺔ ﻻ ﺑﺎﻟزﻣﺎن .وﺣﻛﻲ ﻋن أﻓﻼطن أﻧﮫ ﻗﺎل :اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻛون وﻣﺣدث .ﺛم ﻣﻧﮭم ﻣن أول ﻛﻼﻣﮫ وأﺑﻰ أن ﯾﻛون
ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻌﺗﻘداً ﻟﮫ .وذھب ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻓﻲ آﺧر ﻋﻣره ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي ﺳﻣﺎه "ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘده ﺟﺎﻟﯾﻧوس رأﯾﺎ ً" إﻟﻰ
اﻟﺗوﻗف ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ .وأﻧﮫ ﻻ ﯾدري اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم أو ﻣﺣدث .ورﺑﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف وأن ذﻟك
ﻟﯾس ﻟﻘﺻور ﻓﯾﮫ ﺑل ﻻﺳﺗﻌﺻﺎء ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘول ،وﻟﻛن ھذا ﻛﺎﻟﺷﺎذ ﻓﻲ ﻣذھﺑﮭم وإﻧﻣﺎ ﻣذھب
ﺟﻣﯾﻌﮭم أﻧﮫ ﻗدﯾم وأﻧﮫ ﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ أﺻﻼً.
اﺧﺗﯾﺎر أﺷد أدﻟﺗﮭم وﻗﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻧﻔس
إﯾراد أدﻟﺗﮭم .ﻟو ذھﺑت أﺻف ﻣﺎ ﻧﻘل ﻋﻧﮭم ﻓﻲ ﻣﻌرض اﻷدﻟﺔ وذﻛر ﻓﻲ اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻟﺳودت ﻓﻲ ھذه
اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ أوراﻗﺎً ،وﻟﻛن ﻻ ﺧﯾر ﻓﻲ اﻟﺗطوﯾل .ﻓﻠﻧﺣذف ﻣن أدﻟﺗﮭم ﻣﺎ ﯾﺟري ﻣﺟرى اﻟﺗﺣﻛم أو اﻟﺗﺧﯾل اﻟﺿﻌﯾف
اﻟذي ﯾﮭون ﻋﻠﻰ ﻛل ﻧﺎظر ﺣﻠﮫ .وﻟﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ إﯾراد ﻣﺎ ﻟﮫ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ،ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻧﮭض ﻣﺷﻛﻛﺎ ً
ﻟﻔﺣول اﻟﻧظﺎر ،ﻓﺈن ﺗﺷﻛﯾك اﻟﺿﻌﻔﺎء ﺑﺄدﻧﻰ ﺧﺑﺎل ﻣﻣﻛن.
وھذا اﻟﻔن ﻣن اﻷدﻟﺔ ﺛﻼﺛﺔ :اﻷول ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻗوﻟﮭم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم
ﻣطﻠﻘﺎً ،ﻷﻧﺎ إذا ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﻘدﯾم وﻟم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺛﻼً ﻓﺈﻧﻣﺎ ﻟم ﯾﺻدر ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠوﺟود ﻣرﺟﺢ ﺑل ﻛﺎن
وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً إﻣﻛﺎﻧﺎ ً ﺻرﻓﺎً ،ﻓﺈذا ﺣدث ﺑﻌد ذﻟك ﻟم ﯾﺧل إﻣﺎ أن ﺗﺟدد ﻣرﺟﺢ أو ﻟم ﯾﺗﺟدد ،ﻓﺈن ﻟم ﯾﺗﺟدد
ﻣرﺟﺢ ﺑﻘﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ اﻹﻣﻛﺎن اﻟﺻرف ﻛﻣﺎ ﻗﺑل ذﻟك ،وإن ﺗﺟدد ﻣرﺟﺢ ﻓﻣن ﻣﺣدث ذﻟك اﻟﻣرﺟﺢ؟ وﻟم ﺣدث
اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻣن ﻗﺑل؟ واﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺣدوث اﻟﻣرﺟﺢ ﻗﺎﺋم .وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﺄﺣوال اﻟﻘدﯾم إذا ﻛﺎﻧت ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻓﺈﻣﺎ أن
ﻻ ﯾوﺟد ﻋﻧﮫ ﺷﻲء ﻗط وإﻣﺎ أن ﯾوﺟد ﻋﻠﻰ اﻟدوام ،ﻓﺄﻣﺎ أن ﯾﺗﻣﯾز ﺣﺎل اﻟﺗرك ﻋن ﺣﺎل اﻟﺷروع ﻓﮭو ﻣﺣﺎل.
ﻟم ﻟم ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ؟ ...
وﺗﺣﻘﯾﻘﮫ أن ﯾﻘﺎل :ﻟم ﻟم ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ؟ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﻋﺟزه ﻋن اﻷﺣداث وﻻ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ
اﻟﺣدوث ،ﻓﺈن ذﻟك ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘﻠب اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻌﺟز إﻟﻰ اﻟﻘدرة واﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن،
وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﺣﺎﻻن .وﻻ أﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :ﻟم ﯾﻛن ﻗﺑﻠﮫ ﻏرض ﺛم ﺗﺟدد ﻏرض ،وﻻ أﻣﻛن أن ﯾﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﻓﻘد آﻟﺔ ﺛم
ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ ،ﺑل أﻗرب ﻣﺎ ﯾﺗﺧﯾل أن ﯾﻘﺎل :ﻟم ﯾرد وﺟوده ﻗﺑل ذﻟك .ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻘﺎل :ﺣﺻل وﺟوده ﻷﻧﮫ ﺻﺎر
ﻣرﯾداً ﻟوﺟوده ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣرﯾداً ،ﻓﯾﻛون ﻗد ﺣدﺛت اﻹرادة.
أو ﻗﺑل ﺣدوث اﻹرادة؟
وﺣدوﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺣل اﻟﺣوادث ،وﺣدوﺛﮫ ﻻ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾﺟﻌﻠﮫ ﻣرﯾداً.
وﻟﻧﺗرك اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﺣل ﺣدوﺛﮫ .أﻟﯾس اﻹﺷﻛﺎل ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﻓﻲ أﺻل ﺣدوﺛﮫ! وأﻧﮫ ﻣن أﯾن ﺣدث؟ وﻟم ﺣدث اﻵن وﻟم
ﯾﺣدث ﻗﺑﻠﮫ؟ أﺣدث اﻵن ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ ﷲ؟ ﻓﺈن ﺟﺎز ﺣﺎدث ﻣن ﻏﯾر ﻣﺣدث ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻻ ﺻﺎﻧﻊ ﻟﮫ ،وإﻻ
ﻓﺄي ﻓرق ﺑﯾن ﺣﺎدث وﺣﺎدث؟ وإن ﺣدث ﺑﺈﺣداث ﷲ ﻓﻠم ﺣدث اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻣن ﻗﺑل؟ أﻟﻌدم آﻟﺔ أو ﻗدرة أو
ﻏرض أو طﺑﯾﻌﺔ؟ ﻓﻠﻣﺎ أن ﺗﺑدل ذﻟك ﺑﺎﻟوﺟود وﺣدث ﻋﺎد اﻹﺷﻛﺎل ﺑﻌﯾﻧﮫ .أو ﻟﻌدم اﻹرادة؟ ﻓﺗﻔﺗﻘر اﻹرادة إﻟﻰ
إرادة وﻛذى اﻹرادة اﻷوﻟﻰ ،وﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ.
ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻏﯾر ﺗﻐﯾر...
ﻓﺈذن ﻗد ﺗﺣﻘق ﺑﺎﻟﻘول اﻟﻣطﻠق أن ﺻدور اﻟﺣﺎدث ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻣن ﻏﯾر ﺗﻐﯾر أﻣر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻓﻲ ﻗدرة أو آﻟﺔ أو
وﻗت أو ﻏرض أو طﺑﻊ ﻣﺣﺎل ،وﺗﻘدﯾر ﺗﻐﯾر ﺣﺎل ﻣﺣﺎل ،ﻷن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺣﺎدث ﻛﺎﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﻏﯾره
واﻟﻛل ﻣﺣﺎل ،وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟوداً واﺳﺗﺣﺎل ﺣدﺛﮫ ﺛﺑت ﻗدﻣﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
وھذا أﻗوى أدﻟﺗﮭم
ﻓﮭذا أﺧﺑل أدﻟﺗﮭم .وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻛﻼﻣﮭم ﻓﻲ ﺳﺎﺋر ﻣﺳﺎﺋل اﻹﻟﮭﯾﺎت أرك ﻣن ﻛﻼﻣﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ،إذ ﯾﻘدرون
ھﺎھﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻧون ﻣن اﻟﺗﺧﯾﯾل ﻻ ﯾﺗﻣﻛﻧون ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﯾرھﺎ .ﻓﻠذﻟك ﻗدﻣﻧﺎ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻗدﻣﻧﺎ أﻗوى أدﻟﺗﮭم.
ﻟﻣﺎذا ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣدوث ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ؟
اﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن:
أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :إن اﻟﻌﺎﻟم ﺣدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ اﻗﺗﺿت وﺟوده ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي وﺟد
ﻓﯾﮫ ،وأن ﯾﺳﺗﻣر اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻣر إﻟﯾﮭﺎ ،وأن ﯾﺑﺗدئ اﻟوﺟود ﻣن ﺣﯾث اﺑﺗدأ ،وأن اﻟوﺟود ﻗﺑﻠﮫ ﻟم ﯾﻛن
ﻣراداً ﻓﻠم ﯾﺣدث ﻟذﻟك ،وأﻧﮫ ﻓﻲ وﻗﺗﮫ اﻟذي ﺣدث ﻓﯾﮫ ﻣراد ﺑﺎﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﺣدث ﻟذﻟك ،ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻟﮭذا اﻻﻋﺗﻘﺎد
وﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟﮫ؟
ﻗوﻟﮭم ﻟﻛل ﺣﺎدث ﺳﺑب...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذا ﻣﺣﺎل ﺑﯾن اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻷن اﻟﺣﺎدث ﻣوﺟب وﻣﺳﺑب .وﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺣﺎدث ﺑﻐﯾر ﺳﺑب وﻣوﺟب،
ﯾﺳﺗﺣﯾل وﺟود ﻣوﺟب ﻗد ﺗم ﺑﺷراﺋط إﯾﺟﺎﺑﮫ وأرﻛﺎﻧﮫ وأﺳﺑﺎﺑﮫ ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺑق ﺷﻲء ﻣﻧﺗظر اﻟﺑﺗﺔ ﺛم ﯾﺗﺄﺧر اﻟﻣوﺟب،
ﺑل وﺟود اﻟﻣوﺟب ﻋﻧد ﺗﺣﻘق اﻟﻣوﺟب ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ ﺿروري وﺗﺄﺧره ﻣﺣﺎل ﺣﺳب اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﺟود اﻟﺣﺎدث
اﻟﻣوﺟب ﺑﻼ ﻣوﺟب .ﻓﻘﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن اﻟﻣرﯾد ﻣوﺟوداً واﻹرادة ﻣوﺟودة وﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻣراد ﻣوﺟودة وﻟم
ﯾﺗﺟدد ﻣرﯾد وﻟم ﯾﺗﺟدد إرادة وﻻ ﺗﺟدد ﻟﻺرادة ﻧﺳﺑﺔ ﻟم ﺗﻛن ،ﻓﺈن ﻛل ذﻟك ﺗﻐﯾر ﻓﻛﯾف ﺗﺟدد اﻟﻣراد وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ
ﻣن اﻟﺗﺟدد ﻗﺑل ذﻟك؟ وﺣﺎل اﻟﺗﺟدد ﻟم ﯾﺗﻣﯾز ﻋن اﻟﺣﺎل اﻟﺳﺎﺑق ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣن اﻷﺷﯾﺎء وأﻣر ﻣن اﻷﻣور وﺣﺎل ﻣن
اﻷﺣوال وﻧﺳﺑﺔ ﻣن اﻟﻧﺳب ،ﺑل اﻷﻣور ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ .ﺛم ﻟم ﯾﻛن ﯾوﺟد اﻟﻣراد ،وﺑﻘﯾت ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت،
ﻓوﺟد اﻟﻣراد ﻣﺎ ھذا إﻻ ﻏﺎﯾﺔ اﻹﺣﺎﻟﺔ.
وذﻟك ﻓﻲ اﻷﻣور اﻟوﺿﻌﯾﺔ أﯾﺿﺎً ،ﻓﻲ اﻟطﻼق ﻣﺛﻼً وﻟﯾس اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا اﻟﺟﻧس ﻓﻲ اﻟﻣوﺟب واﻟﻣوﺟب
اﻟﺿروري اﻟذاﺗﻲ ﺑل وﻓﻲ اﻟﻌرﻓﻲ واﻟوﺿﻌﻲ ،ﻓﺈن اﻟرﺟل ﻟو ﺗﻠﻔظ ﺑطﻼق زوﺟﺗﮫ وﻟم ﺗﺣﺻل اﻟﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻓﻲ
اﻟﺣﺎل ﻟم ﯾﺗﺻور أن ﺗﺣﺻل ﺑﻌده ﻷﻧﮫ ﺟﻌل اﻟﻠﻔظ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺣﻛم ﺑﺎﻟوﺿﻊ واﻻﺻطﻼح ،ﻓﻠم ﯾﻌﻘل ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻌﻠول إﻻ
أن ﯾﻌﻠق اﻟطﻼق ﺑﻣﺟﻲء اﻟﻐد أو ﺑدﺧول اﻟدار ،ﻓﻼ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻟﻛن ﯾﻘﻊ ﻋﻧد ﻣﺟﻲء اﻟﻐد وﻋﻧد دﺧول اﻟدار،
ﻓﺈﻧﮫ ﺟﻌﻠﮫ ﻋﻠﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻧﺗظر .ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺣﺎﺿراً ﻓﻲ اﻟوﻗت ،وھو اﻟﻐد واﻟدﺧول ،ﺗوﻗف ﺣﺻول
اﻟﻣوﺟب ﻋﻠﻰ ﺣﺿور ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺣﺎﺿر ،ﻓﻣﺎ ﺣﺻل اﻟﻣوﺟب إﻻ وﻗد ﺗﺟدد أﻣر وھو اﻟدﺧول وﺣﺿور اﻟﻐد،
ﺣﺗﻰ ﻟو أراد أن ﯾؤﺧر اﻟﻣوﺟب ﻋن اﻟﻠﻔظ ﻏﯾر ﻣﻧوط ﺑﺣﺻول ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺣﺎﺻل ،ﻟم ﯾﻌﻘل ،ﻣﻊ أﻧﮫ اﻟواﺿﻊ وأﻧﮫ
اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل اﻟوﺿﻊ .ﻓﺈذا ﻟم ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ وﺿﻊ ھذا ﺑﺷﮭوﺗﻧﺎ وﻟم ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻛﯾف ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻲ اﻹﯾﺟﺎﺑﺎت اﻟذاﺗﯾﺔ
اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺿرورﯾﺔ؟
اﻟﻣﻘﺻود ﻓﻌﻠﮫ ﻻ ﯾﺗﺄﺧر إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ
وأﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات ﻓﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﻘﺻدﻧﺎ ﻻ ﯾﺗﺄﺧر ﻋن اﻟﻘﺻد ،ﻣﻊ وﺟود اﻟﻘﺻد إﻟﯾﮫ ،إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ ،ﻓﺈن ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻘﺻد
واﻟﻘدرة وارﺗﻔﻌت اﻟﻣواﻧﻊ ﻟم ﯾﻌﻘل ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻘﺻود ،وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺻور ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌزم ﻷن اﻟﻌزم ﻏﯾر ﻛﺎف ﻓﻲ وﺟود
اﻟﻔﻌل ،ﺑل اﻟﻌزم ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻻ ﯾوﻗﻊ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻟم ﯾﺗﺟدد ﻗﺻد ھو اﻧﺑﻌﺎث ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺗﺟدد ﺣﺎل اﻟﻔﻌل ،ﻓﺈن
ﻛﺎﻧت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﻛم ﻗﺻدﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻌل ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﺗﺄﺧر اﻟﻣﻘﺻود إﻻ ﺑﻣﺎﻧﻊ ،وﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻘدم اﻟﻘﺻد،
ﻓﻼ ﯾﻌﻘل ﻗﺻد ﻓﻲ اﻟﯾوم إﻟﻰ ﻗﯾﺎم ﻓﻲ اﻟﻐد إﻻ ﺑطرﯾق اﻟﻌزم .وإن ﻛﺎﻧت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﻛم ﻋزﻣﻧﺎ ﻓﻠﯾس
ذﻟك ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ وﻗوع اﻟﻣﻌزوم ﻋﻠﯾﮫ ،ﺑل ﻻ ﺑد ﻣن ﺗﺟدد اﻧﺑﻌﺎث ﻗﺻدي ﻋﻧد اﻹﯾﺟﺎد ،وﻓﯾﮫ ﻗول ﺑﺗﻐﯾر اﻟﻘدﯾم.
ﻟﻣﺎذا ﯾﺣدث اﻟﻘﺻد؟
ﺛم ﯾﺑﻘﻰ ﻋﯾن اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ أن ذﻟك اﻻﻧﺑﻌﺎث أو اﻟﻘﺻد أو اﻹرادة أو ﻣﺎ ﺷﺋت ﺳﻣﮫ ﻟم ﺣدث اﻵن وﻟم ﯾﺣدث ﻗﺑل
ذﻟك؟ ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺑﻘﻰ ﺣﺎدث ﺑﻼ ﺳﺑب أو ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ .ورﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻛﻼم إﻟﻰ أﻧﮫ وﺟد اﻟﻣوﺟب
ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ وﻟم ﯾﺑق أﻣر ﻣﻧﺗظر ،وﻣﻊ ذﻟك ﺗﺄﺧر اﻟﻣوﺟب وﻟم ﯾوﺟد ﻓﻲ ﻣدة ﻻ ﯾرﺗﻘﻲ اﻟوھم إﻟﻰ أوﻟﮭﺎ ﺑل
آﻻف ﺳﻧﯾن ﻻ ﺗﻧﻘص ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻧﮭﺎ ،ﺛم اﻧﻘﻠب اﻟﻣوﺟب ﺑﻐﺗﺔ ﻣن ﻏﯾر أﻣر ﺗﺟدد وﺷرط ﺗﺣﻘق ،وھو ﻣﺣﺎل ﻓﻲ
ﻧﻔﺳﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن أﯾن ﺗﻌرﻓون اﻷﻣر؟ ...
واﻟﺟواب أن ﯾﻘﺎل :اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﺣداث ﺷﻲء أي ﺷﻲء ﻛﺎن ،ﺗﻌرﻓوﻧﮫ ﺑﺿرورة اﻟﻌﻘل أو
ﻧظره؟ وﻋﻠﻰ ﻟﻐﺗﻛم ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﺗﻌرﻓون اﻻﻟﺗﻘﺎء ﺑﯾن ھذﯾن اﻟﺣدﯾن ﺑﺣد أوﺳط أو ﻣن ﻏﯾر ﺣد أوﺳط .ﻓﺈن
ادﻋﯾﺗم ﺣداً أوﺳط وھو اﻟطرﯾق اﻟﻧظري ﻓﻼ ﺑد ﻣن إظﮭﺎره ،وإن ادﻋﯾﺗم ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺿرورة ﻓﻛﯾف ﻟم
ﯾﺷﺎرﻛﻛم ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺗﮫ ﻣﺧﺎﻟﻔوﻛم واﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻣﻌﺗﻘدة ﺑﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﯾﺣﺻرھﺎ ﺑﻠد وﻻ ﯾﺣﺻﯾﮭﺎ ﻋدد؟
وﻻ ﺷك ﻓﻲ أﻧﮭم ﻻ ﯾﻛﺎﺑرون اﻟﻌﻘول ﻋﻧﺎداً ﻣﻊ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﻗﺎﻣﺔ ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ ﺷرط اﻟﻣﻧطق ﯾدل ﻋﻠﻰ
اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ،إذ ﻟﯾس ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه إﻻ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد واﻟﺗﻣﺛﯾل ﺑﻌزﻣﻧﺎ وإرادﺗﻧﺎ وھو ﻓﺎﺳد ،ﻓﻼ ﺗﺿﺎھﻲ
اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﻘﺻود اﻟﺣﺎدﺛﺔ ،وأﻣﺎ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد اﻟﻣﺟرد ﻓﻼ ﯾﻛﻔﻲ ﻣن ﻏﯾر ﺑرھﺎن.
...ﻣن ﺿرورة اﻟﻌﻘل
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻧﺣن ﺑﺿرورة اﻟﻌﻘل ﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻣوﺟب ﺑﺗﻣﺎم ﺷروطﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣوﺟب ،وﻣﺟوز ذﻟك ﻣﻛﺎﺑر
ﻟﺿرورة اﻟﻌﻘل.
ﺧﺻوﻣﻛم ﯾﻘوﻟون اﻟﻘول ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ
ﻗﻠﻧﺎ :وﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﺧﺻوﻣﻛم إذا ﻗﺎﻟوا ﻟﻛم :إﻧﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم إﺣﺎﻟﺔ ﻗول ﻣن ﯾﻘول :إن ذاﺗﺎ ً واﺣداً
ﻋﺎﻟم ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻣن ﻏﯾر أن ﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة وﻣن ﻏﯾر أن ﯾﻛون اﻟﻌﻠم زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟذات وﻣن ﻏﯾر أن
ﯾﺗﻌدد اﻟﻌﻠم ﻣﻊ ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم ،وھذا ﻣذھﺑﻛم ﻓﻲ ﺣق ﷲ ،وھو ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻧﺎ وإﻟﻰ ﻋﻠوﻣﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻹﺣﺎﻟﺔ ،وﻟﻛن
ﺗﻘوﻟون :ﻻ ﯾﻘﺎس اﻟﻌﻠم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻟﺣﺎدث .وطﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﻛم اﺳﺗﺷﻌروا ﺣﺎﻟﺔ ھذا ﻓﻘﺎﻟوا :إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ،ﻓﮭو
اﻟﻌﺎﻗل وھو اﻟﻌﻘل وھو اﻟﻣﻌﻘول واﻟﻛل واﺣد .ﻓﻠو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :اﺗﺣﺎد اﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول ﻣﻌﻠوم اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ
ﺑﺎﻟﺿرورة ،إذ ﺗﻘدﯾر ﺻﺎﻧﻊ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻌﻠم ﺻﻧﻌﮫ ﻣﺣﺎل ﺑﺎﻟﺿرورة ،واﻟﻘدﯾم إذا ﻟم ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ -ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن
ﻗوﻟﻛم وﻋن ﻗول ﺟﻣﯾﻊ اﻟزاﺋﻐﯾن ﻋﻠواً ﻛﺑﯾراً -ﻟم ﯾﻛن ﯾﻌﻠم ﺻﻧﻌﮫ اﻟﺑﺗﺔ .ﺑل ﻻ ﻧﺗﺟﺎوز إﻟزاﻣﺎت ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ.
دورات اﻟﻔﻠك إن ﻛﺎن ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ ،ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ أﻗﺳﺎم
ﻓﻧﻘول :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﺧﺻوﻣﻛم إذ ﻗﺎﻟوا :ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﯾؤدي إﻟﻰ إﺛﺑﺎت دورات ﻟﻠﻔﻠك ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ
ﻷﻋدادھﺎ وﻻ ﺣﺻر ﻵﺣﺎدھﺎ ،ﻣﻊ أن ﻟﮭﺎ ﺳدﺳﺎ ً ورﺑﻌﺎ ً وﻧﺻﻔﺎً ،ﻓﺈن ﻓﻠك اﻟﺷﻣس ﯾدور ﻓﻲ ﺳﻧﺔ وﻓﻠك زﺣل ﻓﻲ
ﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ ،ﻓﺗﻛون أدوار زﺣل ﺛﻠث ﻋﺷر أدوار اﻟﺷﻣس ،وأدوار اﻟﻣﺷﺗري ﻧﺻف ﺳدس أدوار اﻟﺷﻣس ،ﻓﺈﻧﮫ
ﯾدور ﻓﻲ اﺛﻧﻲ ﻋﺷر ﺳﻧﺔ .ﺛم ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋداد دورات زﺣل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋداد دورات اﻟﺷﻣس ﻣﻊ أﻧﮫ ﺛﻠث
ﻋﺷره ،ﺑل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷدوار ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب اﻟذي ﯾدور ﻓﻲ ﺳﺗﺔ وﺛﻼﺛﯾن أﻟف ﺳﻧﺔ ﻣرة واﺣدة ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ
ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺷرﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﻠﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﯾوم واﻟﻠﯾﻠﺔ ﻣرة .ﻓﻠو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :ھذا ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻠم اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﺿرورة ،ﻓﺑﻣﺎذا
ﺗﻧﻔﺻﻠون ﻋن ﻗوﻟﮫ؟ ﺑل ﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :أﻋداد ھذه اﻟدورات ﺷﻔﻊ أو وﺗر ،أو ﺷﻔﻊ ووﺗر ﺟﻣﯾﻌﺎً ،أو ﻻ ﺷﻔﻊ وﻻ
وﺗر.
وﻻ ﺗﻛون ﺷﻔﻊ أو وﺗر ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﺷﻔﻊ ووﺗر ﺟﻣﯾﻌﺎً ،أو ﻻ ﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر ،ﻓﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرور ًة .وإن ﻗﻠﺗم:
ﺷﻔﻊ ،ﻓﺎﻟﺷﻔﻊ ﯾﺻﯾر وﺗراً ﺑواﺣد ،ﻓﻛﯾف أﻋوز ﻣﺎ ﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ واﺣد؟ وإن ﻗﻠﺗم :وﺗر ،ﻓﺎﻟوﺗر ﯾﺻﯾر ﺑواﺣد ﺷﻔﻌﺎً،
ﻓﻛﯾف أﻋوز ذﻟك اﻟواﺣد اﻟذي ﺑﮫ ﯾﺻﯾر ﺷﻔﻌﺎً؟ ﻓﯾﻠزﻣﻛم اﻟﻘول ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺗﻧﺎھﻲ وﺣده ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر
ﻓﺈن ﻗﯾل :إﻧﻣﺎ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر اﻟﻣﺗﻧﺎھﻲ ،وﻣﺎ ﻻ ﯾﺗﻧﺎھﻰ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﺗﻛون ھﻧﺎك ﺟﻣﻠﺔ آﺣﺎد
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﺟﻣﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻣن آﺣﺎد ﻟﮭﺎ ﺳدس وﻋﺷر ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﺛم ﻻ ﺗوﺻف ﺑﺷﻔﻊ وﻻ وﺗر ﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرورة ﻣن
ﻏﯾر ﻧظر ،ﻓﺑﻣﺎذا ﺗﻧﻔﺻﻠون ﻋن ھذا؟
ﻗوﻟﮭم ﻟﯾﺳت ھﻧﺎﻟك ﺟﻣﻠﺔ آﺣﺎد
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻣﺣل اﻟﻐﻠط ﻓﻲ ﻗوﻟﻛم أﻧﮫ ﺟﻣﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻣن آﺣﺎد ،ﻓﺈن ھذه اﻟدورات ﻣﻌدوﻣﺔ .أﻣﺎ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻓﻘد اﻧﻘرض
وأﻣﺎ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻓﻠم ﯾوﺟد ،واﻟﺟﻣﻠﺔ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣوﺟودات ﺣﺎﺿرة ،وﻻ ﻣوﺟود ھﺎھﻧﺎ!.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺑﺄس
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﻌدد ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ اﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر وﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺧرج ﻋﻧﮫ ﺳواء ﻛﺎن اﻟﻣﻌدود ﻣوﺟوداً ﺑﺎﻗﯾﺎ ً أو ﻓﺎﻧﯾﺎ ً .ﻓﺈذا
ﻓرﺿﻧﺎ ﻋدداً ﻣن اﻷﻓراس ﻟزﻣﻧﺎ أن ﻧﻌﺗﻘد أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠو ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺷﻔﻌﺎ ً أو وﺗراً ،ﺳواء ﻗدرﻧﺎھﺎ ﻣوﺟودة أو
ﻣﻌدﻣﺔ .ﻓﺈن اﻧﻌدﻣت ﺑﻌد اﻟوﺟود ﻟم ﺗﺗﻐﯾر ھذه اﻟﻘﺿﯾﺔ.
أﻣر ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن
ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﻧﻘول ﻟﮭم :ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻣوﺟودات ﺣﺎﺿرة ھﻲ آﺣﺎد ﻣﺗﻐﺎﯾرة ﺑﺎﻟوﺻف وﻻ
ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھﻲ ﻧﻔوس اﻵدﻣﯾﯾن اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﺑﺎﻟﻣوت ،ﻓﮭﻲ ﻣوﺟودات ﻻ ﺗوﺻف ﺑﺎﻟﺷﻔﻊ واﻟوﺗر ،ﻓﺑم
ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :ﺑطﻼن ھذا ﯾﻌرف ﺿرورة ،وھذا اﻟرأي ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ھو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ وﻟﻌﻠﮫ
ﻣذھب رﺳطﺎﻟﯾس.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻧﻔس واﺣدة
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﺎﻟﺻﺣﯾﺢ رأي أﻓﻼطن ،وھو أن اﻟﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ وھﻲ واﺣدة وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻷﺑدان ،ﻓﺈذا ﻓﺎرﻗﺗﮭﺎ
ﻋﺎدت إﻟﻰ أﺻﻠﮭﺎ واﺗﺣدت.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻣﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف ﺿرورة اﻟﻌﻘل...
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﮭذا أﻗﺑﺢ وأﺷﻧﻊ وأوﻟﻰ ﺑﺄن ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ً ﻟﺿرورة اﻟﻌﻘل .ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻧﻔس زﯾد ﻋﯾن ﻧﻔس ﻋﻣرو أو ﻏﯾره،
ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻓﺈن ﻛل واﺣد ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻟﯾس ھو ﻧﻔس ﻏﯾره .وﻟو ﻛﺎن ھو
ﻋﯾﻧﮫ ﻟﺗﺳﺎوﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺻﻔﺎت ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔوس داﺧﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻧﻔوس ﻓﻲ ﻛل إﺿﺎﻓﺔ .وإن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻏﯾره
وإﻧﻣﺎ اﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان ،ﻗﻠﻧﺎ :واﻧﻘﺳﺎم اﻟواﺣد اﻟذي ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋظم ﻓﻲ اﻟﺣﺟم وﻛﻣﯾﺔ ﻣﻘدارﯾﺔ ﻣﺣﺎل ﺑﺿرورة
اﻟﻌﻘل ،ﻓﻛﯾف ﯾﺻﯾر اﻟواﺣد اﺛﻧﯾن ﺑل أﻟﻔﺎ ً ﺛم ﯾﻌود وﯾﺻﯾر واﺣداً؟ ﺑل ھذا ﯾﻌﻘل ﻓﯾﻣﺎ ﻟﮫ ﻋظم وﻛﻣﯾﺔ ﻛﻣﺎء اﻟﺑﺣر
ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﺟداول واﻷﻧﮭﺎر ﺛم ﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﺑﺣر .ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻛﻣﯾﺔ ﻟﮫ ﻓﻛﯾف ﯾﻧﻘﺳم؟ وﻟذا ھم ﻣﻔﺣﻣون واﻟﻣﻘﺻود ﻣن
ھذا ﻛﻠﮫ أن ﻧﺑﯾن أﻧﮭم ﻟم ﯾﻌﺟزوا ﺧﺻوﻣﮭم ﻋن ﻣﻌﺗﻘدھم ﻓﻲ ﺗﻌﻠق اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑﺎﻷﺣداث إﻻ ﺑدﻋوى
اﻟﺿرورة وأﻧﮭم ﻻ ﯾﻧﻔﺻﻠون ﻋﻣن ﯾدﻋﻲ اﻟﺿرورة ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﻌﺗﻘدھم ،وھذا ﻻ
ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم إن ﷲ ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ أن ﷲ ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠق ﺑﻘدر ﺳﻧﺔ أو ﺳﻧﺗﯾن -وﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ
ﻟﻘدرﺗﮫ -ﻓﻛﺄﻧﮫ ﺻﺑر وﻟم ﯾﺧﻠق ﺛم ﺧﻠق ،وﻣدة اﻟﺗرك ﻣﺗﻧﺎه أو ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﻣﺗﻧﺎه ،ﺻﺎر وﺟود اﻟﺑﺎري
ﻣﺗﻧﺎھﻲ اﻷول ،وإن ﻗﻠﺗم :ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه ،ﻓﻘد اﻧﻘﺿﻰ ﻣدة ﻓﯾﮭﺎ إﻣﻛﺎﻧﺎت ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ.
راﺟﻊ اﻟدﻟﯾل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﻣدة واﻟزﻣﺎن ﻣﺧﻠوق ﻋﻧدﻧﺎ .وﺳﻧﺑﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺟواب ﻋن ھذا ﻓﻲ اﻻﻧﻔﺻﺎل ﻋن دﻟﯾﻠﮭم
اﻟﺛﺎﻧﻲ.
ﻗوﻟﮭم ﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز وﻗﺗﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻋﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ وﻋﻣﺎ ﺑﻌده؟...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺗرك دﻋوى اﻟﺿرورة وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮫ آﺧر وھو أن اﻷوﻗﺎت ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ
ﺟواز ﺗﻌﻠق اﻹرادة ﺑﮭﺎ؟ ﻓﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز وﻗﺗﺎ ً ﻣﻌﯾﻧﺎ ً ﻋﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ وﻋﻣﺎ ﺑﻌده وﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً أن ﯾﻛون اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر
ﻣراداً؟ ﺑل ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺎض واﻟﺳواد واﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺳﻛون ﻓﺈﻧﻛم ﺗﻘوﻟون :ﯾﺣدث اﻟﺑﯾﺎض ﺑﺎﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟﻣﺣل ﻗﺎﺑل
ﻟﻠﺳواد ﻗﺑوﻟﮫ ﻟﻠﺑﯾﺎض ،ﻓﻠم ﺗﻌﻠﻘت اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑﺎﻟﺑﯾﺎض دون اﻟﺳواد؟ وﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز أﺣد اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن ﻋن اﻵﺧر
ﻓﻲ ﺗﻌﻠق اﻹرادة ﺑﮫ؟ وﻧﺣن ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم أن اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﻣﺛﻠﮫ إﻻ ﺑﻣﺧﺻص ،وﻟو ﺟﺎز ذﻟك ﻟﺟﺎز
أن ﯾﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وھو ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟﻌدم ،وﯾﺗﺧﺻص ﺟﺎﻧب اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﺎﺛل ﻟﺟﺎﻧب اﻟﻌدم ﻓﻲ
اﻹﻣﻛﺎن ﺑﻐﯾر ﻣﺧﺻص.
..وﻣﺎ اﻟذي ﺧﺻص اﻹرادة؟
وإن ﻗﻠﺗم :إن اﻹرادة ﺧﺻﺻت ،ﻓﺎﻟﺳؤال ﻋن اﺧﺗﺻﺎص اﻹرادة وأﻧﮭﺎ ﻟم اﺧﺗﺻت .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻟﮫ،
ﻟم؟ ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً وﻻ ﯾطﻠب ﺻﺎﻧﻌﮫ وﺳﺑﺑﮫ ،ﻷن اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ :ﻟم .ﻓﺈن ﺟﺎز ﺗﺧﺻص اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق
ﺑﺄﺣد اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن ﻓﻐﺎﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺧﺻوص ﺑﮭﯾﺋﺎت ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﻛﺎن ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺎت
أﺧرى ﺑدﻻً ﻋﻧﮭﺎ .ﻓﯾﻘﺎل :وﻗﻊ ﻛذﻟك اﺗﻔﺎﻗﺎ ً ﻛﻣﺎ ﻗﻠﺗم :اﺧﺗﺻت اﻹرادة ﺑوﻗت دون وﻗت وھﯾﺋﺔ دون ھﯾﺋﺔ اﺗﻔﺎﻗﺎ ً.
وإن ﻗﻠﺗم :إن ھذا اﻟﺳؤال ﻏﯾر ﻻزم ﻷﻧﮫ وارد ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﯾرﯾده وﻋﺎﺋد ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻘدره ،ﻓﻧﻘول :ﻻ ،ﺑل ھذا
اﻟﺳؤال ﻻزم ﻷﻧﮫ ﻋﺎﺋد ﻓﻲ ﻛل وﻗت وﻣﻼزم ﻟﻣن ﺧﺎﻟﻔﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻛل ﺗﻘدﯾر.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻹرادة ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ
ﻗﻠﻧﺎ :إﻧﻣﺎ وﺟد اﻟﻌﺎﻟم ﺣﯾث وﺟد وﻋﻠﻰ اﻟوﺻف اﻟذي وﺟد وﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن اﻟذي وﺟد ﺑﺎﻹرادة ،واﻹرادة ﺻﻔﺔ ﻣن
ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،وﻟوﻻ أن ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻟوﻗﻊ اﻻﻛﺗﻔﺎء ﺑﺎﻟﻘدرة .وﻟﻛن ﻟﻣﺎ ﺗﺳﺎوى ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻘدرة إﻟﻰ
اﻟﺿدﯾن وﻟم ﯾﻛن ﺑد ﻣن ﻣﺧﺻص ﯾﺧﺻص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻘﯾل :ﻟﻠﻘدﯾم وراء اﻟﻘدرة ﺻﻔﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ
ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﻟم اﺧﺗﺻت اﻹرادة ﺑﺄﺣد اﻟﻣﺛﻠﯾن ،ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﻟم اﻗﺗﺿﻰ اﻟﻌﻠم
اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﮫ؟ ﻓﯾﻘﺎل :ﻷن اﻟﻌﻠم ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻﻔﺔ ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ،ﻓﻛذى اﻹرادة ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻﻔﺔ
ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ،ﺑل ذاﺗﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ.
ﻓﻲ اﻷﻣرﯾن ﺗﻧﺎﻗض
ﻓﺈن ﻗﯾل :إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﺑل ھو ﻣﺗﻧﺎﻗض ،ﻓﺈن ﻛوﻧﮫ ﻣﺛﻼً ﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻻ
ﺗﻣﯾز ﻟﮫ ،وﻛوﻧﮫ ﻣﻣﯾزاً ﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺛﻼً ،وﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾظن أن اﻟﺳوادﯾن ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﻣن ﻛل وﺟﮫ
ﻷن ھذا ﻓﻲ ﻣﺣل وذاك ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر ،وھذا ﯾوﺟب اﻟﺗﻣﯾز.
وﻻ اﻟﺳوادان ﻓﻲ وﻗﺗﯾن ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻷن ھذا ﻓﺎرق ذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻗت ،ﻓﻛﯾف ﯾﺳﺎوﯾﮫ ﻣن ﻛل
وﺟﮫ .وإذا ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﺳوادان ﻣﺛﻼن ،ﻋﻧﯾﻧﺎ ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﺳوادﯾﺔ ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص ﻻ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ،وإﻻ ﻓﻠو
اﺗﺣد اﻟﻣﺣل واﻟزﻣﺎن وﻟم ﯾﺑق ﺗﻐﺎﯾر ﻟم ﯾﻌﻘل ﺳوادان وﻻ ﻋﻘﻠت اﻹﺛﻧﯾﻧﯾﺔ أﺻﻼً.
اﻟﻌطﺷﺎن
إذا ﻛﺎن ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﻗدﺣﺎن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺧذ أﺣدھﻣﺎ ﺑدون ﺗﻣﯾﯾز ﯾﺣﻘق ھذا أن ﻟﻔظ اﻹرادة ﻣﺳﺗﻌﺎرة ﻣن
إرادﺗﻧﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﻣﻧﺎ أن ﻧﻣﯾز ﺑﺎﻹرادة اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،ﺑل ﻟو ﻛﺎن ﺑﯾن ﯾدي اﻟﻌطﺷﺎن ﻗدﺣﺎن ﻣن اﻟﻣﺎء
ﯾﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏرﺿﮫ ،ﻟم ﯾﻣﻛن أن ﯾﺄﺧذ أﺣدھﻣﺎ ،ﺑل إﻧﻣﺎ ﯾﺄﺧذ ﻣﺎ ﯾراه أﺣﺳن أو أﺧف
أو أﻗرب إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﯾﻣﯾﻧﮫ ،إن ﻛﺎن ﻋﺎدﺗﮫ ﺗﺣرﯾك اﻟﯾﻣﯾن أو ﺳﺑب ﻣن ھذه اﻷﺳﺑﺎب إﻣﺎ ﺧﻔﻲ وإﻣﺎ ﺟﻠﻲ ،وإﻻ
ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﺑﺣﺎل.
إﻧﻛﺎر اﻷﻣر ﻓﻲ ﺣق ﷲ...
واﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن :اﻷول أن ﻗوﻟﻛم :إن ھذا ﻻ ﯾﺗﺻور ،ﻋرﻓﺗﻣوه ﺿرورة أو ﻧظراً؟ وﻻ ﯾﻣﻛن دﻋوى
واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ،وﺗﻣﺛﯾﻠﻛم ﺑﺈرادﺗﻧﺎ ﻣﻘﺎﯾﺳﺔ ﻓﺎﺳدة ﺗﺿﺎھﻲ اﻟﻣﻘﺎﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ،وﻋﻠم ﷲ ﯾﻔﺎرق ﻋﻠﻣﻧﺎ ﻓﻲ أﻣور
ﻗررﻧﺎھﺎ ،ﻓﻠم ﺗﺑﻌد اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻹرادة ﺑل ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ذات ﻣوﺟودة ﻻ ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم وﻻ داﺧﻠﮫ وﻻ ﻣﺗﺻﻼً
وﻻ ﻣﻧﻔﺻﻼً ﻻ ﯾﻌﻘل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﻘﻠﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ .ﻗﯾل :ھذا ﻋﻣل ﺗوھﻣك ،وأﻣﺎ دﻟﯾل اﻟﻌﻘل ﻓﻘد ﺳﺎق اﻟﻌﻘﻼء إﻟﻰ
اﻟﺗﺻدﯾق ﺑذﻟك ،ﻓﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :دﻟﯾل اﻟﻌﻘل ﺳﺎق إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺷﻲء
ﻋن ﻣﺛﻠﮫ؟ ﻓﺈن ﻟم ﯾطﺎﺑﻘﮭﺎ اﺳم اﻹرادة ﻓﻠﺗﺳم ﺑﺎﺳم آﺧر ،ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء .وإﻧﻣﺎ أطﻠﻘﻧﺎھﺎ ﻧﺣن ﺑﺈذن
اﻟﺷرع ،وإﻻ ﻓﺎﻹرادة ﻣوﺿوﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻟﺗﻌﯾﯾن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻏرض ،وﻻ ﻏرض ﻓﻲ ﺣق ﷲ ،وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻘﺻود
اﻟﻣﻌﻧﻰ دون اﻟﻠﻔظ.
..وﻓﻲ ﺣق اﻹﻧﺳﺎن،
ﻓﺈﻧﮫ إذا ﻛﺎﻧت ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﺗﻣرﺗﯾن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺗﯾن ،ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ.
ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ ﻻ ﻧﺳﻠم أن ذﻟك ﻏﯾر ﻣﺗﺻور ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻔرض ﺗﻣرﺗﯾن ﻣﺗﺳﺎوﯾﺗﯾن ﺑﯾن ﯾدي اﻟﻣﺗﺷوف إﻟﯾﮭﻣﺎ
اﻟﻌﺎﺟز ﻋن ﺗﻧﺎوﻟﮭﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ .وﻛل ﻣﺎ
ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟﻣﺧﺻﺻﺎت ﻣن اﻟﺣﺳن أو اﻟﻘرب أو ﺗﯾﺳر اﻷﺧذ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘدر ﻋﻠﻰ ﻓرض اﻧﺗﻔﺎﺋﮫ ،وﯾﺑﻘﻰ إﻣﻛﺎن
اﻷﺧذ .ﻓﺄﻧﺗم ﺑﯾن أﻣرﯾن :إﻣﺎ إن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور اﻟﺗﺳﺎوي ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻏراﺿﮫ ﻓﻘط ،وھو ﺣﻣﺎﻗﺔ وﻓرﺿﮫ
ﻣﻣﻛن ،وإﻣﺎ إن ﻗﻠﺗم :اﻟﺗﺳﺎوي إذا ﻓرض ﺑﻘﻲ اﻟرﺟل اﻟﻣﺗﺷوف أﺑداً ﻣﺗﺣﯾراً ﯾﻧظر إﻟﯾﮭﻣﺎ ﻓﻼ ﯾﺄﺧذ إﺣداھﻣﺎ
ﺑﻣﺟرد اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣﻧﻔك ﻋن اﻟﻐرض ،وھو أﯾﺿﺎ ً ﻣﺣﺎل ﯾﻌﻠم ﺑطﻼﻧﮫ ﺿرور ًة .ﻓﺈذن ﻻﺑد ﻟﻛل ﻧﺎظر
ﺷﺎھداً أو ﻏﺎﺋﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻔﻌل اﻻﺧﺗﯾﺎري ﻣن إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ.
ﻟﻣﺎذا اﺧﺗص اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺑﻌض اﻟوﺟوه؟...
اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻻﻋﺗراض ھو أﻧﺎ ﻧﻘول :أﻧﺗم ﻓﻲ ﻣذھﺑﻛم ﻣﺎ اﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،ﻓﺈن
اﻟﻌﺎﻟم وﺟد ﻣن ﺳﺑﺑﮫ اﻟﻣوﺟب ﻟﮫ ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺎت ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﺗﻣﺎﺛل ﻧﻘﺎﺋﺿﮭﺎ ،ﻓﻠم اﺧﺗص ﺑﺑﻌض اﻟوﺟوه؟ واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ
ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻌل أو ﻓﻲ اﻟﻠزوم ﺑﺎﻟطﺑﻊ أو ﺑﺎﻟﺿرورة ﻻ ﺗﺧﺗﻠف.
..ﻗوﻟﮭم ﺑﺿرورة اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ
ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إن اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي وﺟد ،وإن اﻟﻌﺎﻟم ﻟو ﻛﺎن أﺻﻐر أو أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو
اﻵن ﻋﻠﯾﮫ ﻟﻛﺎن ﻻ ﯾﺗم ھذا اﻟﻧظﺎم ،وﻛذا اﻟﻘول ﻓﻲ ﻋدد اﻷﻓﻼك وﻋدد اﻟﻛواﻛب .وزﻋﻣﺗم أن اﻟﻛﺑﯾر ﯾﺧﺎﻟف
اﻟﺻﻐﯾر واﻟﻛﺛﯾر ﯾﻔﺎرق اﻟﻘﻠﯾل ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾراد ﻣﻧﮫ ﻓﻠﯾﺳت ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﺑل ھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،إﻻ أن اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺗﺿﻌف ﻋن
درك وﺟوه اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ وﺗﻔﺎﺻﯾﻠﮭﺎ وإﻧﻣﺎ ﺗدرك اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻛﺎﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﯾل ﻓﻠك اﻟﺑروج ﻋن
ﻣﻌدل اﻟﻧﮭﺎر واﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ اﻷوج واﻟﻔﻠك اﻟﺧﺎرج اﻟﻣرﻛز ،واﻷﻛﺛر ﻻ ﯾدرك اﻟﺳر ﻓﯾﮭﺎ وﻟﻛن ﯾﻌرف اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ،
وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﺧﻼﻓﮫ ﻟﺗﻌﻠق ﻧظﺎم اﻷﻣر ﺑﮫ .وأﻣﺎ اﻷوﻗﺎت ﻓﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻗطﻌﺎ ً ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن
وإﻟﻰ اﻟﻧظﺎم ،وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾدﻋﻲ أﻧﮫ ﻟو ﺧﻠق ﺑﻌد ﻣﺎ ﺧﻠق أو ﻗﺑﻠﮫ ﺑﻠﺣظﺔ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور اﻟﻧظﺎم ،ﻓﺈن ﺗﻣﺎﺛل اﻷﺣوال
ﯾﻌﻠم ﺑﺎﻟﺿرورة.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ .ﻣﺛﻼن...
ﻓﻧﻘول :ﻧﺣن وإن ﻛﻧﺎ ﻧﻘدر ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎرﺿﺗﻛم ﺑﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻷﺣوال إذ ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻠون :ﺧﻠﻘﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻛﺎن
اﻷﺻﻠﺢ اﻟﺧﻠق ﻓﯾﮫ ،ﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑل ﻧﻔرض ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﺗﺧﺻﺻﺎ ً ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﯾن ﻻ ﯾﻣﻛن
أن ﯾﻘدر ﻓﯾﮫ اﺧﺗﻼف :أﺣدھﻣﺎ اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ واﻵﺧر ﺗﻌﯾن ﻣوﺿﻊ اﻟﻘطب ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻋن اﻟﻣﻧطﻘﺔ.
...ﻣﺛل اﻟﻘطب اﻟﺷﻣﺎﻟﻲ واﻟﻘطب اﻟﺟﻧوﺑﻲ
أﻣﺎ اﻟﻘطب ﻓﺑﯾﺎﻧﮫ أن اﻟﺳﻣﺎء ﻛرة ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗطﺑﯾن ﻛﺄﻧﮭﻣﺎ ﺛﺎﺑﺗﺎن ،وﻛرة اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء ﻓﺈﻧﮭﺎ
ﺑﺳﯾطﺔ ،ﻻ ﺳﯾﻣﺎ اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ اﻟذي ھو اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻓﺈﻧﮫ ﻏﯾر ﻣﻛوﻛب أﺻﻼً ،وھﻣﺎ ﻣﺗﺣرﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻗطﺑﯾن ﺷﻣﺎﻟﻲ و
ﺟﻧوﺑﻲ .ﻓﻧﻘول :ﻣﺎ ﻣن ﻧﻘطﺗﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﯾن ﻣن اﻟﻧﻘط اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻧدھم إﻻ وﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ھو اﻟﻘطب.
ﻓﻠم ﺗﻌﯾﻧت ﻧﻘطﺗﺎ اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب ﻟﻠﻘطﺑﯾﺔ واﻟﺛﺑﺎت؟ وﻟم ﻟم ﯾﻛن ﺧط اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﺎراً ﺑﺎﻟﻧﻘطﺗﯾن ﺣﺗﻰ ﯾﻌود اﻟﻘطب
إﻟﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘدار ﻛﺑر اﻟﺳﻣﺎء وﺷﻛﻠﮫ ﺣﻛﻣﺔ ﻓﻣﺎ اﻟذي ﻣﯾز ﻣﺣل اﻟﻘطب
ﻋن ﻏﯾره ﺣﺗﻰ ﺗﻌﯾن ﻟﻛوﻧﮫ ﻗطﺑﺎ ً دون ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء واﻟﻧﻘط ،وﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧﻘط ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ وﺟﻣﯾﻊ أﺟزاء اﻟﻛرة
ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ؟ وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ؟
ﻗوﻟﮭم ﻟﻌل ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﯾﻔﺎرق ﻏﯾره ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل ﻟﻌل اﻟﻣوﺿﻊ اﻟذي ﻋﻠﯾﮫ ﻧﻘطﺔ اﻟﻘطب ﯾﻔﺎرق ﻏﯾره ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﻧﺎﺳب ﻛوﻧﮫ ﻣﺣﻼً ﻟﻠﻘطب ﺣﺗﻰ ﯾﺛﺑت،
ﻓﻛﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﺎرق ﻣﻛﺎﻧﮫ وﺣﯾزه ووﺿﻌﮫ أو ﻣﺎ ﯾﻔرض إطﻼﻗﮫ ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﻷﺳﺎﻣﻲ ،وﺳﺎﺋر ﻣواﺿﻊ اﻟﻔﻠك ﯾﺗﺑدل
ﺑﺎﻟدور وﺿﻌﮭﺎ ﻣن اﻷرض وﻣن اﻷﻓﻼك واﻟﻘطب ﺛﺎﺑت اﻟوﺿﻊ ،ﻓﻠﻌل ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﻛﺎن أوﻟﻰ ﺑﺄن ﯾﻛون ﺛﺎﺑت
اﻟوﺿﻊ ﻣن ﻏﯾره.
ﺗﻘوﻟون ﺑﺗﺷﺎﺑﮫ اﻟﺳﻣﺎء...
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﻔﻲ ھذا ﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺗﻔﺎوت أﺟزاء اﻟﻛرة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ وأﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء ،وھو ﻋﻠﻰ ﺧﻼف
أﺻﻠﻛم ،إذ أﺣد ﻣﺎ اﺳﺗدﻟﻠﺗم ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻟزوم ﻛون اﻟﺳﻣﺎء ﻛرى اﻟﺷﻛل أﻧﮫ ﺑﺳﯾط اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ ﻻ ﯾﺗﻔﺎوت ،وأﺑﺳط
اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻛرة ،ﻓﺈن اﻟﺗرﺑﯾﻊ واﻟﺗﺳدﯾس وﻏﯾرھﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺧروج زواﯾﺎ وﺗﻔﺎوﺗﮭﺎ ،وذﻟك ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺄﻣر زاﺋد
ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﻊ اﻟﺑﺳﯾط.
...وﻣن أﯾن ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ؟
وﻟﻛﻧﮫ وإن ﺧﺎﻟف ﻣذھﺑﻛم ﻓﻠﯾس ﯾﻧدﻓﻊ اﻹﻟزام ﺑﮫ ،ﻓﺈن اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﻗﺎﺋم ،إذ ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ھل ﻛﺎن
ﻗﺎﺑﻼً ﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا ﻧﻌم ،ﻓﻠم اﺧﺗﺻت اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﻣن ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎت ﺑﺑﻌﺿﮭﺎ؟ وإن ﻗﺎﻟوا :ﻟم ﯾﻛن
ذﻟك إﻻ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ وﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ﻻ ﺗﻘﺑﻠﮭﺎ ،ﻓﻧﻘول :ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء ﻣن ﺣﯾث أﻧﮭﺎ ﺟﺳم ﻗﺎﺑل ﻟﻠﺻور
ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة ،وﺗﻠك اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﺣﻘﮭﺎ ذﻟك اﻟﻣوﺿﻊ ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً وﻻ ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ ﺳﻣﺎء ،ﻓﺈن
ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﯾﺷﺎرﻛﮫ ﻓﯾﮫ ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء ،ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﺗﺧﺻﯾﺻﮫ ﺑﮫ ﺑﺗﺣﻛم أو ﺑﺻﻔﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ
ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،وإﻻ ﻓﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﮭم ﻗوﻟﮭم :إن اﻷﺣوال ﻓﻲ ﻗﺑول وﻗوع اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ،
ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﺧﺻوﻣﮭم أن أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﻷﺟﻠﮫ ﺻﺎر ﺛﺑوت اﻟوﺿﻊ أوﻟﻰ ﺑﮫ ﻣن ﺗﺑدل اﻟوﺿﻊ
ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ،وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ.
ﻣﺎ ﺳﺑب ﺗﺑﺎﯾن ﺣرﻛﺎت اﻟﺳﻣﺎء؟
اﻹﻟزام اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻷﻓﻼك ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب وﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻛس ،ﻣﻊ ﺗﺳﺎوي
اﻟﺟﮭﺎت ،ﻣﺎ ﺳﺑﺑﮭﺎ وﺗﺳﺎوي اﻟﺟﮭﺎت ﻛﺗﺳﺎوي اﻷوﻗﺎت ﻣن ﻏﯾر ﻓرق؟
ﻗوﻟﮭم ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟو ﻛﺎن اﻟﻛل ﯾدور ﻣن ﺟﮭﺔ واﺣدة ﻟﻣﺎ ﺗﺑﺎﯾﻧت أوﺿﺎﻋﮭﺎ وﻟم ﺗﺣدث ﻣﻧﺎﺳﺑﺎت اﻟﻛواﻛب ﺑﺎﻟﺗﺛﻠﯾث
واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ وﻏﯾرھﺎ وﻟﻛﺎن اﻟﻛل ﻋﻠﻰ وﺿﻊ واﺣد ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻗط ،وھذه اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻓﻲ
اﻟﻌﺎﻟم.
ﻗوﻟﻧﺎ وﻟم اﻟﻌﻛس ﺑﺎﻟﻌﻛس؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻟﺳﻧﺎ ﻧﻠزم اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ ﺑل ﻧﻘول :اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ ﯾﺗﺣرك ﻣن اﻟﻣﺷرق إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب واﻟذي ﺗﺣﺗﮫ
ﺑﺎﻟﻌﻛس ،وﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﺑﮭذا ﯾﻣﻛن ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﺑﻌﻛﺳﮫ وھو أن ﯾﺗﺣرك اﻷﻋﻠﻰ ﻣن اﻟﻣﻐرب إﻟﻰ اﻟﻣﺷرق
وﻣﺎ ﺗﺣﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺗﮫ ﻓﯾﺣﺻل اﻟﺗﻔﺎوت ،وﺟﮭﺎت اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﻌد ﻛوﻧﮭﺎ دورﯾﺔ وﺑﻌد ﻛوﻧﮭﺎ ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻠم
ﺗﻣﯾزت ﺟﮭﺔ ﻋن ﺟﮭﺔ ﺗﻣﺎﺛﻠﮭﺎ؟
ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﮭﺗﺎن ﻣﺗﺿﺎدﺗﺎن
ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :اﻟﺟﮭﺗﺎن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺗﺎن ﻣﺗﺿﺎدﺗﺎن ﻓﻛﯾف ﯾﺗﺳﺎوﯾﺎن؟
ﻗوﻟﻧﺎ واﻷوﻗﺎت!
ﻗﻠﻧﺎ :ھذا ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر ﻓﻲ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﯾﺗﺿﺎدان ﻓﻛﯾف ﯾدﻋﻲ ﺗﺷﺎﺑﮭﮭﻣﺎ؟ وﻟﻛن زﻋﻣوا أﻧﮫ ﯾﻌﻠم
ﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷوﻗﺎت ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود وإﻟﻰ ﻛل ﻣﺻﻠﺣﺔ ﯾﺗﺻور ﻓرﺿﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود .ﻓﻛذﻟك ﯾﻌﻠم ﺗﺳﺎوي
اﻷﺣﯾﺎز واﻷوﺿﺎع واﻷﻣﺎﻛن واﻟﺟﮭﺎت ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻗﺑول اﻟﺣرﻛﺔ وﻛل ﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﮭﺎ .ﻓﺈن ﺳﺎغ ﻟﮭم دﻋوى
اﻻﺧﺗﻼف ﻣﻊ ھذا اﻟﺗﺷﺎﺑﮫ ﻛﺎن ﻟﺧﺻوﻣﮭم دﻋوى اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻷﺣوال واﻟﮭﯾﺋﺎت أﯾﺿﺎ ً.
اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم
اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﺻل دﻟﯾﻠﮭم أن ﯾﻘﺎل :اﺳﺗﺑﻌدﺗم ﺣدوث ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم ،وﻻ ﺑد ﻟﻛم ﻣن اﻻﻋﺗراف ﺑﮫ
ﻓﺈن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺣوادث وﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب .ﻓﺈن اﺳﺗﻧدت اﻟﺣوادث إﻟﻰ اﻟﺣوادث إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ،وﻟﯾس ذﻟك
ﻣﻌﺗﻘد ﻋﺎﻗل .وﻟو ﻛﺎن ذﻟك ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻻﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ وإﺛﺑﺎت واﺟب وﺟود ھو ﻣﺳﺗﻧد اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت.
وإذا ﻛﺎﻧت اﻟﺣوادث ﻟﮭﺎ طرف ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﮫ ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ ﻓﯾﻛون ذﻟك اﻟطرف ھو اﻟﻘدﯾم ،ﻓﻼ ﺑد إذن ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم ﻣن
ﺗﺟوﯾز ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم.
ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد وﺣﺿور اﻟوﻗت
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻧﺣن ﻻ ﻧﺑﻌد ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم أي ﺣﺎدث ﻛﺎن ،ﺑل ﻧﺑﻌد ﺻدور ﺣﺎدث ھو أول اﻟﺣوادث ﻣن
اﻟﻘدﯾم ،إذ ﻻ ﯾﻔﺎرق ﺣﺎل اﻟﺣدوث ﻣﺎ ﻗﺑﻠﮫ ﻓﻲ ﺗرﺟﺢ ﺟﮭﺔ اﻟوﺟود ،ﻻ ﻣن ﺣﯾث ﺣﺿور وﻗت وﻻ آﻟﺔ وﻻ ﺷرط
وﻻ طﺑﯾﻌﺔ وﻻ ﻏرض وﻻ ﺳﺑب ﻣن اﻷﺳﺑﺎب .ﻓﺄﻣﺎ إذا ﻟم ﯾﻛن ھو اﻟﺣﺎدث اﻷول ﺟﺎز أن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻋﻧد
ﺣدوث ﺷﻲء آﺧر ﻣن اﺳﺗﻌداد اﻟﻣﺣل اﻟﻘﺎﺑل وﺣﺿور اﻟوﻗت اﻟﻣواﻓق أو ﻣﺎ ﯾﺟري ھذا اﻟﻣﺟرى.
ﻗوﻟﻧﺎ وﻣن أﯾن ذﻟك؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﺎﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد وﺣﺿور اﻟوﻗت وﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻗﺎﺋم ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ أو
ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻗدﯾم ﯾﻛون أول ﺣﺎدث ﻣﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم وﺟود اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ...
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﻣواد اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺻور واﻷﻋراض واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت ﻟﯾس ﺷﻲء ﻣﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺎ ً واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ھﻲ ﺣرﻛﺔ
اﻷﻓﻼك ،أﻋﻧﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻣن اﻷوﺻﺎف اﻹﺿﺎﻓﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﺗرﺑﯾﻊ ،وھﻲ
ﻧﺳﺑﺔ ﺑﻌض أﺟزاء اﻟﻔﻠك واﻟﻛواﻛب إﻟﻰ ﺑﻌض وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻷرض ،ﻛﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻟطﻠوع واﻟﺷروق
واﻟزوال ﻋن ﻣﻧﺗﮭﻰ اﻻرﺗﻔﺎع واﻟﺑﻌد ﻋن اﻷرض ﺑﻛون اﻟﻛوﻛب ﻓﻲ اﻷوج ،واﻟﻘرب ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺣﺿﯾض
واﻟﻣﯾل ﻋن ﺑﻌض اﻷﻗطﺎر ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب ،وھذه اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻻزﻣﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة
ﻓﻣوﺟﺑﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ.
وھﻲ ﺳﺑب اﻟﺣوادث ﻓﻲ اﻟﻌﻧﺎﺻر...
وأﻣﺎ اﻟﺣوادث ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺣوﯾﮫ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ،وھو اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺑﻣﺎ ﯾﻌرض ﻓﯾﮭﺎ ﻣن ﻛون وﻓﺳﺎد واﻣﺗزاج واﻓﺗراق
واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻣن ﺻﻔﺔ إﻟﻰ ﺻﻔﺔ ،ﻓﻛل ذﻟك ﺣوادث ﻣﺳﺗﻧد ﺑﻌﺿﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻌض ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل طوﯾل ،وﺑﺎﻵﺧرة ﺗﻧﺗﮭﻲ
ﻣﺑﺎدئ أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻧﺳب اﻟﻛواﻛب ﺑﻌﺿﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻌض أو ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻷرض.
...وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ...
ﻓﯾﺧرج ﻣن ﻣﺟﻣوع ذﻟك أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟداﺋﻣﺔ اﻷﺑدﯾﺔ ﻣﺳﺗﻧد اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ وﻣﺣرك اﻟﺳﻣﺎء ﺣرﻛﺗﮭﺎ
اﻟدورﯾﺔ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺣﯾﺔ ﻧﺎزﻟﺔ ﻣﻧزﻟﺔ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﺑداﻧﻧﺎ ،وﻧﻔوﺳﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ ،ﻓﻼ ﺟرم اﻟﺣرﻛﺔ
اﻟدورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣوﺟﺑﮭﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻗدﯾﻣﺔ .وﻟﻣﺎ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﻧﻔس ﻟﻛوﻧﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﺣرﻛﺎت أي ﻛﺎﻧت
داﺋرة أﺑداً.
وﻟﮭﺎ أﺟزاء ﺣﺎدﺛﺔ
ﻓﺈذن ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر اﻟﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم إﻻ ﺑواﺳطﺔ ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ أﺑدﯾﺔ ﺗﺷﺑﮫ اﻟﻘدﯾم ﻣن وﺟﮫ ﻓﺈﻧﮫ داﺋم أﺑداً،
وﺗﺷﺑﮫ اﻟﺣﺎدث ﻣن وﺟﮫ ﻓﺈن ﻛل ﺟزء ﯾﻔرض ﻣﻧﮫ ﻛﺎن ﺣﺎدﺛﺎ ً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ،ﻓﮭو ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث ﺑﺄﺟزاﺋﮫ
وإﺿﺎﻓﺎﺗﮫ ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ،وﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ أﺑدي ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال ﺻﺎدر ﻋن ﻧﻔس أزﻟﯾﺔ .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم
ﺣوادث ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺣوادث ،ﻓﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻷﺑدﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻛﻼم ﺑﺎطل! إذ ﻻ ﺑد ﻣن ﺳﺑب آﺧر
ﻗﻠﻧﺎ :ھذا اﻟﺗطوﯾل ﻻ ﯾﻐﻧﯾﻛم ،ﻓﺈن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺳﺗﻧد ﺣﺎدث أم ﻗدﯾم؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻓﻛﯾف ﺻﺎر
ﻣﺑدأ ﻷول اﻟﺣوادث؟ وإن ﻛﺎن ﺣﺎدﺛﺎ ً اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺣﺎدث آﺧر وﺗﺳﻠﺳل .وﻗوﻟﻛم :إﻧﮫ ﻣن وﺟﮫ ﯾﺷﺑﮫ اﻟﻘدﯾم وﻣن
وﺟﮫ ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺣﺎدث ،ﻓﺈﻧﮫ ﺛﺎﺑت ﻣﺗﺟدد أي ھو ﺛﺎﺑت اﻟﺗﺟدد ﻣﺗﺟدد اﻟﺛﺑوت .ﻓﻧﻘول :أھو ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث ﻣن ﺣﯾث
أﻧﮫ ﺛﺎﺑت أو ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺗﺟدد؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺛﺎﺑت ﻓﻛﯾف ﺻدر ﻣن ﺛﺎﺑت ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال ﺷﻲء ﻓﻲ
ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت دون ﺑﻌض؟ وإن ﻛﺎن ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺗﺟدد ﻓﻣﺎ ﺳﺑب ﺗﺟدده ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ؟ ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺳﺑب آﺧر
وﯾﺗﺳﻠﺳل ،ﻓﮭذا ﻏﺎﯾﺔ ﺗﻘرﯾر اﻹﻟزام.
ﺳﯾﺄﺗﻲ اﻟﻛﻼم ﻋن ذﻟك وﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﺧروج ﻋن ھذا اﻹﻟزام ﻧوع اﺣﺗﯾﺎل ﺳﻧورده ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻣﺳﺎﺋل ﺑﻌد ھذه ﻛﯾﻼ
ﯾطول ﻛﻼم ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺑﺎﻧﺷﻌﺎب ﺷﺟون اﻟﻛﻼم وﻓﻧوﻧﮫ .ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻻ ﯾﺻﻠﺢ أن ﺗﻛون
ﻣﺑدأ اﻟﺣوادث وأن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻣﺧﺗرﻋﺔ اﺑﺗداءً ،وﻧﺑطل ﻣﺎ ﻗﺎﻟوه ﻣن ﻛون اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾواﻧﺎ ً ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً
ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﺣرﻛﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻛﺣرﻛﺎﺗﻧﺎ.
اﻟﺛﺎﻧﻲ
ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ﷲ ﻣﺗﻘدﻣﺎ ً ﺑﺎﻟذات ﻓﻘط...
زﻋﻣوا أن اﻟﻘﺎﺋل ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺗﺄﺧر ﻋن ﷲ وﷲ ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﯾﮫ ﻟﯾس ﯾﺧﻠو إﻣﺎ أن ﯾرﯾد ﺑﮫ أﻧﮫ ﻣﺗﻘدم ﺑﺎﻟذات ﻻ
ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﻛﺗﻘدم اﻟواﺣد ﻋﻠﻰ اﻻﺛﻧﯾن ،ﻓﺈﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ ،ﻣﻊ أﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻟزﻣﺎﻧﻲ ،وﻛﺗﻘدم اﻟﻌﻠﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻠول ﻣﺛل ﺗﻘدم ﺣرﻛﺔ اﻟﺷﺧص ﻋﻠﻰ ﺣرﻛﺔ اﻟظل اﻟﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ وﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﺧﺎﺗم وﺣرﻛﺔ اﻟﯾد
ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ،ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻌﻠول ،إذ ﯾﻘﺎل :ﺗﺣرك اﻟظل
ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺷﺧص وﺗﺣرك اﻟﻣﺎء ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ،وﻻ ﯾﻘﺎل ﺗﺣرك اﻟﺷﺧص ﻟﺣرﻛﺔ اﻟظل وﺗﺣرك اﻟﯾد
ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ،وإن ﻛﺎﻧت ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ .ﻓﺈن أرﯾد ﺑﺗﻘدم اﻟﺑﺎري ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ھذا ﻟزم أن ﯾﻛوﻧﺎ ﺣﺎدﺛﯾن أو ﻗدﯾﻣﯾن
واﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﻛون أﺣدھﻣﺎ ﻗدﯾﻣﺎ ً واﻵﺧر ﺣﺎدﺛﺎ ً.
...وﻻ ﺑﺎﻟزﻣﺎن
وإن أرﯾد ﺑﮫ أن اﻟﺑﺎري ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن ﻻ ﺑﺎﻟذات ﺑل ﺑﺎﻟزﻣﺎن ،ﻓﺈذن ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن زﻣﺎن
ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮫ ﻣﻌدوﻣﺎً ،إذ ﻛﺎن اﻟﻌدم ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود وﻛﺎن ﷲ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﺑﻣدة ﻣدﯾدة ﻟﮭﺎ طرف ﻣن ﺟﮭﺔ اﻵﺧر
وﻻ طرف ﻟﮭﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻷول .ﻓﺈذن ﻗﺑل اﻟزﻣﺎن زﻣﺎن ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض ،وﻷﺟﻠﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل اﻟﻘول
ﺑﺣدوث اﻟزﻣﺎن .وإذا وﺟب ﻗدم اﻟزﻣﺎن ،وھو ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻗدر اﻟﺣرﻛﺔ ،وﺟب ﻗدم اﻟﺣرﻛﺔ ووﺟب ﻗدم اﻟﻣﺗﺣرك
اﻟذي ﯾدوم اﻟزﻣﺎن ﺑدوام ﺣرﻛﺗﮫ.
اﻋﺗراض
ﻟﯾس ﻗﺑل اﻟﺧﻠﯾﻘﺔ زﻣﺎن :اﻟﻘول ﺑﺄن "ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم" ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ أﻣرﯾن...
اﻻﻋﺗراض ھو أن ﯾﻘﺎل :اﻟزﻣﺎن ﺣﺎدث وﻣﺧﻠوق وﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ زﻣﺎن أﺻﻼً ،وﻧﻌﻧﻲ ﺑﻘوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم
واﻟزﻣﺎن إﻧﮫ ﻛﺎن وﻻ ﻋﺎﻟم ﺛم ﻛﺎن وﻣﻌﮫ ﻋﺎﻟم .وﻣﻔﮭوم ﻗوﻟﻧﺎ :ﻛﺎن وﻻ ﻋﺎﻟم ،وﺟود ذات اﻟﺑﺎري وﻋدم ذات
اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻘط ،وﻣﻔﮭوم ﻗوﻟﻧﺎ :ﻛﺎن وﻣﻌﮫ ﻋﺎﻟم ،وﺟود اﻟذاﺗﯾن ﻓﻘط .ﻓﻧﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺗﻘدم اﻧﻔراده ﺑﺎﻟوﺟود ﻓﻘط ،واﻟﻌﺎﻟم
ﻛﺷﺧص واﺣد .وﻟو ﻗﻠﻧﺎ :ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﯾﺳﻰ ﻣﺛﻼً ﺛم ﻛﺎن وﻋﯾﺳﻰ ﻣﻌﮫ ﻟم ﯾﺗﺿﻣن اﻟﻠﻔظ إﻻ وﺟود ذات وﻋدم
ذات ﺛم وﺟود ذاﺗﯾن ،وﻟﯾس ﻣن ﺿرورة ذﻟك ﺗﻘدﯾر ﺷﻲء ﺛﺎﻟث ،وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻻ ﯾﺳﻛن ﻋن ﺗﻘدﯾر ﺛﺎﻟث ﻓﻼ
اﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ أﻏﺎﻟﯾط اﻷوھﺎم.
...ﻗوﻟﮭم ﻻ ،ﺑل ﻋﻠﻰ أﻣر ﺛﺎﻟث
ﻓﺈن ﻗﯾل ﻟﻘوﻟﻧﺎ :ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم ،ﻣﻔﮭوم ﺛﺎﻟث ﺳوى وﺟود اﻟذات وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ،ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم
ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻛﺎن وﺟود ذات وﻋدم ذات ﺣﺎﺻﻼً وﻟم ﯾﺻﺢ أن ﻧﻘول :ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم ،ﺑل اﻟﺻﺣﯾﺢ أن ﻧﻘول:
ﯾﻛون ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم .وﻧﻘول ﻟﻠﻣﺎﺿﻲ :ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم .ﻓﺑﯾن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻛﺎن" و "ﯾﻛون" ﻓرق ،إذ ﻟﯾس ﯾﻧوب
أﺣدھﻣﺎ ﻣﻧﺎب اﻵﺧر .ﻓﻠﻧﺑﺣث ﻋن ﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﮫ اﻟﻔرق :وﻻ ﺷك ﻓﻲ أﻧﮭﻣﺎ ﻻ ﯾﻔﺗرﻗﺎن ﻓﻲ وﺟود اﻟذات وﻻ ﻓﻲ
ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﺑل ﻓﻲ ﻣﻌﻧﻰ ﺛﺎﻟث ،ﻓﺈﻧﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ ﻟﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل :ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم ،ﻗﯾل ﻟﻧﺎ :ھذا ﺧطﺄ ﻓﺈن
"ﻛﺎن" إﻧﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﺎض ،ﻓدل أن ﺗﺣت ﻟﻔظ "ﻛﺎن" ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﺛﺎﻟﺛﺎ ً وھو اﻟﻣﺎﺿﻲ ،واﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑذاﺗﮫ ھو اﻟزﻣﺎن،
واﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑﻐﯾره ھو اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻣﺿﻲ ﺑﻣﺿﻲ اﻟزﻣﺎن .ﻓﺑﺎﻟﺿرورة ﯾﻠزم أن ﯾﻛون ﻗﺑل اﻟﻌﺎﻟم زﻣﺎن ﻗد
اﻧﻘﺿﻰ ﺣﺗﻰ اﻧﺗﮭﻰ إﻟﻰ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ھو إﻻ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻧﺎ
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﻣﻔﮭوم اﻷﺻﻠﻲ ﻣن اﻟﻠﻔظﯾن وﺟود ذات وﻋدم ذات .واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻓﺗراق اﻟﻠﻔظﯾن ﻧﺳﺑﺔ ﻻزﻣﺔ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﻧﺎ ،ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﺛم ﻗدرﻧﺎ ﻟﻧﺎ ﺑﻌد ذﻟك وﺟوداً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻟﻛﻧﺎ ﻋﻧد ذﻟك ﻧﻘول:
ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم .وﯾﺻﺢ ﻗوﻟﻧﺎ ،ﺳواء أردﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻌدم اﻷول أو اﻟﻌدم اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ھو ﺑﻌد اﻟوﺟود ،وآﯾﺔ أن ھذه
ﻧﺳﺑﺔ ،أن اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﺑﻌﯾﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﺻﯾر ﻣﺎﺿﯾﺎ ً ﻓﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﻠﻔظ اﻟﻣﺎﺿﻲ.
ﻗﺑل اﻟﻣﺑﺗدأ ﻧﺗوھم "ﻗﺑﻼً" ...
وھذا ﻛﻠﮫ ﻟﻌﺟز اﻟوھم ﻋن ﻓﮭم وﺟود ﻣﺑﺗدأ إﻻ ﻣﻊ ﺗﻘدﯾر "ﻗﺑل" ﻟﮫ ،وذﻟك "اﻟﻘﺑل" اﻟذي ﻻ ﯾﻧﻔك اﻟوھم ﻋﻧﮫ ﯾظن
أﻧﮫ ﺷﻲء ﻣﺣﻘق ﻣوﺟود ھو اﻟزﻣﺎن.
...ﻛﻣﺎ ﻧﺗوھم وراء اﻟﻌﺎﻟم "ﻓوﻗﺎ ً"
وھو ﻛﻌﺟز اﻟوھم ﻋن أن ﯾﻘدر ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺟﺳم ﻓﻲ ﺟﺎﻧب اﻟرأس ﻣﺛﻼً إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳطﺢ ﻟﮫ ﻓوق ،ﻓﯾﺗوھم أن وراء
اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻛﺎﻧﺎ ً إﻣﺎ ﻣﻼء وإﻣﺎ ﺧﻼء .وإذا ﻗﯾل :ﻟﯾس ﻓوق ﺳطﺢ اﻟﻌﺎﻟم ﻓوق وﻻ ﺑﻌد أﺑﻌد ﻣﻧﮫ ،ﻛﺎع اﻟوھم ﻋن
اﻹذﻋﺎن ﻟﻘﺑوﻟﮫ ،ﻛﻣﺎ إذا ﻗﯾل :ﻟﯾس ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل" ھو وﺟود ﻣﺣﻘق ،ﻧﻔر ﻋن ﻗﺑوﻟﮫ ،وﻛﻣﺎ ﺟﺎز أن
ﯾﻛذب اﻟوھم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾره ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء ھو ﺑﻌد ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ،ﺑﺄن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ :اﻟﺧﻼء ﻟﯾس ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ،وأﻣﺎ
اﻟﺑﻌد ﻓﮭو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺟﺳم اﻟذي ﺗﺗﺑﺎﻋد أﻗطﺎره ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎ ً ﻛﺎن اﻟﺑﻌد اﻟذي ھو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎً ،واﻧﻘطﻊ
اﻟﻣﻼء واﻟﺧﻼء ﻏﯾر ﻣﻔﮭوم ﻓﺛﺑت أﻧﮫ ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء ،وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻻ ﯾذﻋن ﻟﻘﺑوﻟﮫ.
وﻟﻛن ذﻟك وھم
ﻓﻛذﻟك ﯾﻘﺎل :ﻛﻣﺎ أن اﻟﺑﻌد اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺟﺳم ﻓﺎﻟﺑﻌد اﻟزﻣﺎﻧﻲ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﺣرﻛﺔ ،ﻓﺈﻧﮫ اﻣﺗداد اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ أن ذﻟك
اﻣﺗداد أﻗطﺎر اﻟﺟﺳم وﻛﻣﺎ أن ﻗﯾﺎم اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎھﻲ أﻗطﺎر اﻟﺟﺳم ﻣﻧﻊ ﻣن إﺛﺑﺎت ﺑﻌد ﻣﻛﺎﻧﻲ وراءه .ﻓﻘﯾﺎم اﻟدﻟﯾل
ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻣن طرﻓﯾﮫ ﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﺗﻘدﯾر ﺑﻌد زﻣﺎﻧﻲ وراءه ،وإن ﻛﺎن اﻟوھم ﻣﺗﺷﺑﺛﺎ ً ﺑﺧﯾﺎﻟﮫ وﺗﻘدﯾره وﻻ
ﯾرﻋوى ﻋﻧﮫ .وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﺑﻌد اﻟزﻣﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﻧﻘﺳم اﻟﻌﺑﺎرة ﻋﻧﮫ ﻋﻧد اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﻗﺑل" و "ﺑﻌد" وﺑﯾن اﻟﺑﻌد
اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﻧﻘﺳم اﻟﻌﺑﺎرة ﻋﻧﮫ ﻋﻧد اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓوق وﺗﺣت .ﻓﺈن ﺟﺎز إﺛﺑﺎت "ﻓوق" ﻻ "ﻓوق" ﻓوﻗﮫ ﺟﺎز
إﺛﺑﺎت "ﻗﺑل" ﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ "ﻗﺑل" ﻣﺣﻘق ،إﻻ ﺧﯾﺎل وھﻣﻲ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻔوق .وھذا ﻻزم ﻓﻠﯾﺗﺄﻣل ،ﻓﺈﻧﮭم اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أﻧﮫ
ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء.
ﻗوﻟﮭم ﻟﯾس ھﻧﺎك ﻣوازﻧﺔ
ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻓوق" إﻻ ﺑﺎﻻﺳم اﻹﺿﺎﻓﻲ اﻟﻣﺗﺑدل...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ ﻣﻌوﺟﺔ ﻷن اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻓوق" وﻻ "ﺗﺣت" ﺑل ھو ﻛري ،وﻟﯾس ﻟﻠﻛرة "ﻓوق" و
"ﺗﺣت" ،ﺑل إن ﺳﻣﯾت ﺟﮭﺔ "ﻓوﻗﺎ ً" ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻠﻲ رأﺳك واﻵﺧر "ﺗﺣﺗﺎ ً" ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻠﻲ رﺟﻠك ،ﻓﮭو اﺳم
ﺗﺟدد ﻟﮫ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾك ،واﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ "ﺗﺣت" ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾك "ﻓوق" ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﯾرك ،إذا ﻗدرت ﻋﻠﻰ
اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﻣن ﻛر ة اﻷرض واﻗﻔﺎ ً ﯾﺣﺎذي أﺧﻣص ﻗدﻣﮫ أﺧﻣص ﻗدﻣﯾك ،ﺑل اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدرھﺎ ﻓوﻗك ﻣن
أﺟزاء اﻟﺳﻣﺎء ﻧﮭﺎراً ھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺗﺣت اﻷرض ﻟﯾﻼً ،وﻣﺎ ھو ﺗﺣت اﻷرض ﯾﻌود إﻟﻰ ﻓوق اﻷرض ﻓﻲ اﻟدور.
وأﻣﺎ اﻷول ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻧﻘﻠب آﺧراً.
...ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺛل اﻟﺧﺷﺑﺔ
وھو ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﺧﺷﺑﺔ أﺣد طرﻓﯾﮭﺎ ﻏﻠﯾظ واﻵﺧر دﻗﯾق واﺻطﻠﺣﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻧﺳﻣﻲ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻲ اﻟدﻗﯾق
ﻓوﻗﺎ ً إﻟﻰ ﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ واﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﺗﺣﺗﺎً ،ﻟم ﯾظﮭر ﺑﮭذا اﺧﺗﻼف ذاﺗﻲ ﻓﻲ أﺟزاء اﻟﻌﺎﻟم ﺑل ھﻲ أﺳﺎﻣﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
ﻗﯾﺎﻣﮭﺎ ﺑﮭﯾﺋﺔ ھذه اﻟﺧﺷﺑﺔ ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻋﻛس وﺿﻌﮭﺎ اﻧﻌﻛس اﻻﺳم واﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾﺗﺑدل .ﻓﺎﻟﻔوق واﻟﺗﺣت ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺣﺿﺔ
إﻟﯾك ﻻ ﺗﺧﺗﻠف أﺟزاء اﻟﻌﺎﻟم وﺳطوﺣﮫ ﻓﯾﮫ .وأﻣﺎ اﻟﻌدم اﻟﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟوﺟوده ذاﺗﻲ ﻻ
ﯾﺗﺻور أن ﯾﺗﺑدل ﻓﯾﺻﯾر آﺧراً ،وﻻ اﻟﻌدم اﻟﻣﻘدر ﻋﻧد إﻓﻧﺎء اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ھو ﻋدم ﻻﺣق ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻﯾر ﺳﺎﺑﻘﺎً.
ﻓطرﻓﺎ ﻧﮭﺎﯾﺔ وﺟود اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي أﺣدھﻣﺎ أول واﻟﺛﺎﻧﻲ آﺧر طرﻓﺎن ذاﺗﯾﺎن ﺛﺎﺑﺗﺎن ﻻ ﯾﺗﺻور اﻟﺗﺑدل ﻓﯾﮫ ﺑﺗﺑدل
اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﺑﺗﺔ ﺑﺧﻼف اﻟﻔوق واﻟﺗﺣت.
وﻟﻛن ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل"
ﻓﺈذن أﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﻘول :ﻟﯾس ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻓوق وﻻ ﺗﺣت وﻻ ﯾﻣﻛﻧﻛم أن ﺗﻘوﻟوا :ﻟﯾس ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم "ﻗﺑل" وﻻ "ﺑﻌد".
وإذا ﺛﺑت اﻟﻘﺑل واﻟﺑﻌد ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠزﻣﺎن ﺳوى ﻣﺎ ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﻘﺑل واﻟﺑﻌد.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻣﺎ أن اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﻟﮫ "ﺧﺎرج" ،ﻛذﻟك ﻟﯾس ﻟﮫ ﻗﺑل
ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ ﻓرق ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﻏرض ﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﻟﻔظ اﻟﻔوق واﻟﺗﺣت ،ﺑل ﻧﻌدل إﻟﻰ ﻟﻔظ اﻟوراء واﻟﺧﺎرج وﻧﻘول :ﻟﻠﻌﺎﻟم
داﺧل وﺧﺎرج ،ﻓﮭل ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء ﻣن ﻣﻼء أو ﺧﻼء؟ ﻓﺳﯾﻘوﻟون :ﻟﯾس وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء .وإن
ﻋﻧﯾﺗم ﺑﺎﻟﺧﺎرج ﺳطﺣﮫ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻠﮫ ﺧﺎرج ،وإن ﻋﯾﻧﺗم ﻏﯾره ﻓﻼ ﺧﺎرج ﻟﮫ .ﻓﻛذﻟك إذا ﻗﯾل ﻟﻧﺎ :ھل ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم
"ﻗﺑل"؟ ﻗﻠﻧﺎ :إن ﻋﻧﻲ ﺑﮫ :ھل ﻟوﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﺑداﯾﺔ أي طرف ﻣﻧﮫ اﺑﺗدأ ،ﻓﻠﮫ "ﻗﺑل" ﻋﻠﻰ ھذا ﻛﻣﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺧﺎرج ﻋﻠﻰ
ﺗﺄوﯾل أﻧﮫ اﻟطرف اﻟﻣﻛﺷوف واﻟﻣﻧﻘطﻊ اﻟﺳطﺣﻲ .وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﻘﺑل ﺷﯾﺋﺎ ً آﺧر ،ﻓﻼ "ﻗﺑل" ﻟﻠﻌﺎﻟم ،ﻛﻣﺎ أﻧﮫ إذا ﻋﻧﻲ
ﺑﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء ﺳوى اﻟﺳطﺢ ﻗﯾل :ﻻ ﺧﺎرج ﻟﻠﻌﺎﻟم .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣﺑﺗدأ وﺟود ﻻ "ﻗﺑل" ﻟﮫ ،ﻓﯾﻘﺎل :وﻻ
ﯾﻌﻘل ﻣﺗﻧﺎھﻰ وﺟود ﻣن اﻟﺟﺳم ﻻ ﺧﺎرج ﻟﮫ .ﻓﺈن ﻗﻠت :ﺧﺎرﺟﮫ ﺳطﺢ اﻟذي ھو ﻣﻧﻘطﻌﮫ ﻻ ﻏﯾر ،ﻗﻠﻧﺎ :ﻗﺑﻠﮫ ﺑداﯾﺔ
وﺟوده اﻟذي ھو طرﻓﮫ ﻻ ﻏﯾر.
ﻧﺳﺑﺔ ذﻟك ﻟﻠﻣﻛﺎن واﻟزﻣﺎن ﻣن ﻋﻣل اﻟوھم...
ﺑﻘﻲ أﻧﺎ ﻧﻘول :وﺟود وﻻ ﻋﺎﻟم ﻣﻌﮫ .وھذا اﻟﻘدر أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾوﺟب إﺛﺑﺎت ﺷﻲء آﺧر ،واﻟذي ﯾدل ﻋﻠﻰ أن ھذا
ﻋﻣل اﻟوھم أﻧﮫ ﻣﺧﺻوص ﺑﺎﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن .ﻓﺈن اﻟﺧﺻم ،وإن اﻋﺗﻘد ﻗدم اﻟﺟﺳم ،ﯾذﻋن وھﻣﮫ ﻟﺗﻘدﯾر ﺣدوﺛﮫ.
وﻧﺣن ،وإن اﻋﺗﻘدﻧﺎ ﺣدوﺛﮫ ،رﺑﻣﺎ أذﻋن وھﻣﻧﺎ ﻟﺗﻘدﯾر ﻗدﻣﮫ .ھذا ﻓﻲ اﻟﺟﺳم .ﻓﺈذا رﺟﻌﻧﺎ إﻟﻰ اﻟزﻣﺎن ،ﻟم ﯾﻘدر
اﻟﺧﺻم ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﺣدوث زﻣﺎن ﻻ "ﻗﺑل" ﻟﮫ ،وﺧﻼف اﻟﻣﻌﺗﻘد ﯾﻣﻛن وﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوھم ﺗﻘدﯾراً وﻓرﺿﺎ ً .وھذا
ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن وﺿﻌﮫ ﻓﻲ اﻟوھم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن ،ﻓﺈن ﻣن ﯾﻌﺗﻘد ﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺟﺳم وﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﻛل واﺣد ﯾﻌﺟز ﻋن
ﺗﻘدﯾر ﺟﺳم ﻟﯾس وراءه ﻻ ﺧﻼء وﻻ ﻣﻼء ،ﺑل ﻻ ﯾذﻋن وھﻣﮫ ﻟﻘﺑول ذﻟك.
وھذا ھو ﺳﺑب اﻟﻐﻠط
وﻟﻛن ﻗﯾل :ﺻرﯾﺢ اﻟﻌﻘل إذا ﻟم ﯾﻣﻧﻊ وﺟود ﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎه ﺑﺣﻛم اﻟدﻟﯾل ﻻ ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ اﻟوھم .ﻓﻛذﻟك ﺻرﯾﺢ اﻟﻌﻘل ﻻ
ﯾﻣﻧﻊ وﺟوداً ﻣﻔﺗﺗﺣﺎ ً ﻟﯾس ﻗﺑﻠﮫ ﺷﻲء .وإن ﻗﺻر اﻟوھم ﻋﻧﮫ ﻓﻼ ﯾﻠﺗﻔت إﻟﯾﮫ ،ﻷن اﻟوھم ،ﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺄﻟف ﺟﺳﻣﺎ ً ﻣﺗﻧﺎھﯾﺎ ً
إﻻ وﺑﺟﻧﺑﮫ ﺟﺳم آﺧر أو ھواء ﺗﺧﯾﻠﮫ ﺧﻼء ،ﻟم ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻐﺎﺋب .ﻓﻛذﻟك ﻟم ﯾﺄﻟف اﻟوھم ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻻ ﺑﻌد
ﺷﻲء آﺧر ،ﻓﻛﺎع ﻋن ﺗﻘدﯾر ﺣﺎدث ﻟﯾس ﻟﮫ "ﻗﺑل" ھو ﺷﻲء ﻣوﺟود ﻗد اﻧﻘﺿﻰ .ﻓﮭذا ھو ﺳﺑب اﻟﻐﻠط ،واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ
ﺣﺎﺻﻠﺔ ﺑﮭذه اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ.
ﺻﯾﻐﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻟﮭم ﻓﻲ إﻟزام ﻗدم اﻟزﻣﺎن
ﻗوﻟﮭم ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم
ﻗﺑل أن ﺧﻠﻘﮫ ﺑﻘدر ﺳﻧﯾن...
ﻗﺎﻟوا :ﻻ ﺷك ﻓﻲ أن ﷲ ﻋﻧدﻛم ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل أن ﺧﻠﻘﮫ ﺑﻘدر ﺳﻧﺔ وﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ وأﻟف ﺳﻧﺔ،
وإن ھذه اﻟﺗﻘدﯾرات ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻘدار واﻟﻛﻣﯾﺔ ،ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﺛﺑﺎت ﺷﻲء ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﺗد ﻣﻘدر ﺑﻌﺿﮫ أﻣد
وأطول ﻣن اﻟﺑﻌض.
...أو أن ﯾﺧﻠق ﻗﺑﻠﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣﺛﻠﮫ
ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ھذا ﺑﻘدر ﻋدد أﻛﺛر ﻣن اﻟدورات وإن ﻗﻠﺗم :ﻻ ﯾﻣﻛن إطﻼق ﻟﻔظ ﺳﻧﯾن إﻻ ﺑﻌد ﺣدوث
اﻟﻔﻠك ودوره ﻓﻠﻧﺗرك ﻟﻔظ ﺳﻧﯾن وﻟﻧورد ﺻﯾﻐﺔ أﺧرى ﻓﻧﻘول :إذا ﻗدرﻧﺎ أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن أول وﺟوده ﻗد دار ﻓﻠﻛﮫ
إﻟﻰ اﻵن ﺑﺄﻟف دورة ﻣﺛﻼً ،ﻓﮭل ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻗﺑﻠﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣﺛﻠﮫ ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ھذا
ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﻻ ،ﻓﻛﺄﻧﮫ اﻧﻘﻠب اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻌﺟز إﻟﻰ اﻟﻘدرة أو اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻹﻣﻛﺎن.
وإن ﻗﻠﺗم :ﻧﻌم ،وﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ،ﻓﮭل ﻛﺎن ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺛﺎﻟﺛﺎ ً ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ زﻣﺎﻧﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ
دورة؟ وﻻ ﺑد ﻣن ﻧﻌم.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﮭﻧﺎك ﻣﻘدار ﻣﻌﻠوم...
ﻓﻧﻘول :ھذا اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺑﺣﺳب ﺗرﺗﯾﺑﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻘدﯾر ﺛﺎﻟﺛﺎً ،وإن ﻛﺎن ھو اﻷﺳﺑق ،ﻓﮭل أﻣﻛن ﺧﻠﻘﮫ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم
اﻟذي ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺛﺎﻧﯾﺎ ً وﻛﺎن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ دورة واﻵﺧر ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة وھﻣﺎ ﻣﺗﺳﺎوﯾﺎن ﻓﻲ ﻣﺳﺎﻓﺔ
اﻟﺣرﻛﺔ وﺳرﻋﺗﮭﺎ؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﻧﻌم ،ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺗﺳﺎوى ﺣرﻛﺗﺎن ﻓﻲ اﻟﺳرﻋﺔ واﻟﺑطء ﺛم ﺗﻧﺗﮭﯾﺎن
إﻟﻰ وﻗت واﺣد ،واﻷﻋداد ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ .وإن ﻗﻠﺗم :إن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺗﻲ دورة ﻻ ﯾﻣﻛن أن
ﯾﺧﻠق ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﯾﻧﺎ ﺑﺄﻟف وﻣﺎﺋﺔ دورة ،ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺧﻠﻘﮫ ﻗﺑﻠﮫ ﺑﻣﻘدار ﯾﺳﺎوي اﻟﻣﻘدار اﻟذي
ﺗﻘدم اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻷول ،وﺳﻣﯾﻧﺎ اﻷول ﻣﺎ ھو أﻗرب إﻟﻰ وھﻣﻧﺎ ،إذ ارﺗﻘﯾﻧﺎ ﻣن وﻗﺗﻧﺎ إﻟﯾﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘدﯾر،
ﻓﯾﻛون ﻗدر إﻣﻛﺎن ھو ﺿﻌف إﻣﻛﺎن آﺧر ،وﻻ ﺑد ﻣن إﻣﻛﺎن آﺧر ھو ﺿﻌف اﻟﻛل.
...ﻓﮭﻧﺎك زﻣﺎن
ﻓﮭذا اﻹﻣﻛﺎن اﻟﻣﻘدر اﻟﻣﻛﻣم اﻟذي ﺑﻌﺿﮫ أطول ﻣن اﻟﺑﻌض ﺑﻣﻘدار ﻣﻌﻠوم ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ إﻻ اﻟزﻣﺎن ،ﻓﻠﯾﺳت ھذه
اﻟﻛﻣﯾﺎت اﻟﻣﻘدرة ﺻﻔﺔ ذات اﻟﺑﺎري ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن اﻟﺗﻘدﯾر وﻻ ﺻﻔﺔ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ،إذ اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺷﯾﺋﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻘدر
ﺑﻣﻘﺎدﯾر ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،واﻟﻛﻣﯾﺔ ﺻﻔﺔ ﻓﺗﺳﺗدﻋﻰ ذا ﻛﻣﯾﺔ ،وﻟﯾس ذﻟك إﻻ اﻟﺣرﻛﺔ ،واﻟﻛﻣﯾﺔ إﻻ اﻟزﻣﺎن اﻟذي ھو ﻗدر
اﻟﺣرﻛﺔ .ﻓﺈذن ﻗﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدﻛم ﺷﻲء ذو ﻛﻣﯾﺔ ﻣﺗﻔﺎوﺗﺔ وھو اﻟزﻣﺎن .ﻓﻘﺑل اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدﻛم زﻣﺎن.
اﻋﺗراض وﻛذﻟك ،ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء أو ﻣﻼء...
اﻻﻋﺗراض أن ﻛل ھذا ﻣن ﻋﻣل اﻟوھم ،وأﻗرب طرﯾق ﻓﻲ دﻓﻌﮫ اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠزﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن .ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ھل ﻛﺎن
ﻓﻲ ﻗدرة ﷲ أن ﯾﺧﻠق اﻟﻔﻠك اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺳﻣﻛﮫ أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ﺧﻠﻘﮫ ﺑذراع؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ﻻ ،ﻓﮭو ﺗﻌﺟﯾز .وإن ﻗﺎﻟوا:
ﻧﻌم ،ﻓﺑذراﻋﯾن وﺛﻼﺛﺔ أذرع ،وﻛذﻟك ﯾرﺗﻘﻲ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ .وﻧﻘول :ﻓﻲ ھذا إﺛﺑﺎت "ﺑﻌد" وراء اﻟﻌﺎﻟم ﻟﮫ ﻣﻘدار
وﻛﻣﯾﺔ ،إذ اﻷﻛﺑر ﺑذراﻋﯾن ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺷﻐل ﻣﺎ ﯾﺷﻐﻠﮫ اﻷﻛﺑر ﺑذراع ،ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺣﻛم ھذا ﻛﻣﯾﺔ ﻓﺗﺳﺗدﻋﻲ ذاﻛم
وھو اﻟﺟﺳم أو اﻟﺧﻼء .ﻓوراء اﻟﻌﺎﻟم ﺧﻼء أو ﻣﻼء ،ﻓﻣﺎ اﻟﺟواب ﻋﻧﮫ؟
...ﻓﯾﻛون اﻟﺧﻼء ﻣﻘداراً
وﻛذﻟك ھل ﻛﺎن ﷲ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق ﻛرة اﻟﻌﺎﻟم أﺻﻐر ﻣﻣﺎ ﺧﻠﻘﮫ ﺑذراع ﺛم ﺑذراﻋﯾن؟ وھل ﺑﯾن اﻟﺗﻘدﯾرﯾن
ﺗﻔﺎوت ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﺗﻔﻲ ﻣن اﻟﻣﻼء واﻟﺷﻐل ﻟﻸﺣﯾﺎز؟ إذ اﻟﻣﻼء اﻟﻣﻧﺗﻔﻲ ﻋﻧد ﻧﻘﺻﺎن ذراﻋﯾن أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﻧﺗﻔﻲ ﻋﻧد
ﻧﻘﺻﺎن ذراع ،ﻓﯾﻛون اﻟﺧﻼء ﻣﻘدراً ،واﻟﺧﻼء ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ،ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﻘدراً؟ وﺟواﺑﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺧﯾﯾل اﻟوھم ﺗﻘدﯾر
اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟزﻣﺎﻧﯾﺔ ﻗﺑل وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺟواﺑﻛم ﻓﻲ ﺗﺧﯾﯾل اﻟوھم ﺗﻘدﯾر اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟﻣﻛﺎﻧﯾﺔ وراء وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ،وﻻ
ﻓرق.
ﻗوﻟﮭم ﻛون اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر أو أﺻﻐر ﻣﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻧﺣن ﻻ ﻧﻘول :إن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻓﮭو ﻣﻘدور ،وﻛون اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ وﻻ أﺻﻐر ﻣﻧﮫ ﻟﯾس
ﺑﻣﻣﻛن ﻓﻼ ﯾﻛون ﻣﻘدوراً.
وﻟﻣﺎذا؟
وھذا اﻟﻌذر ﺑﺎطل ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﮫ :أﺣدھﺎ أن ھذا ﻣﻛﺎﺑرة اﻟﻌﻘل ،ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر أو أﺻﻐر ﻣﻣﺎ
ﻋﻠﯾﮫ ﺑذراع ﻟﯾس ھو ﻛﺗﻘدﯾره اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض واﻟوﺟود واﻟﻌدم ،واﻟﻣﻣﺗﻧﻊ ھو اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ
واﻹﺛﺑﺎت ،وإﻟﯾﮫ ﺗرﺟﻊ اﻟﻣﺣﺎﻻت ﻛﻠﮭﺎ ﻓﮭو ﺗﺣﻛم ﺑﺎرد ﻓﺎﺳد.
وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﯾﻛون واﺟﺑﺎ ً!
اﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ إذا ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون أﻛﺑر ﻣﻧﮫ وﻻ أﺻﻐر .ﻓوﺟوده ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ
واﺟب ﻻ ﻣﻣﻛن ،واﻟواﺟب ﻣﺳﺗﻐن ﻋن ﻋﻠﺔ .ﻓﻘوﻟوا ﺑﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ اﻟدھرﯾون ﻣن ﻧﻔﻲ اﻟﺻﺎﻧﻊ وﻧﻔﻲ ﺳﺑب ھو ﻣﺳﺑب
اﻷﺳﺑﺎب ،وﻟﯾس ھذا ﻣذھﺑﻛم.
ووﺟوده ﻗﺑل اﻟوﺟود ﻏﯾر ﻣﻣﻛن!
اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ھذا اﻟﻔﺎﺳد ﻻ ﯾﻌﺟز اﻟﺧﺻم ﻋن ﻣﻘﺎﺑﻠﺗﮫ ﺑﻣﺛﻠﮫ .ﻓﻧﻘول :إﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻗﺑل وﺟوده ﻣﻣﻛﻧﺎ ً
ﺑل واﻓق اﻟوﺟود اﻹﻣﻛﺎن ﻣن ﻏﯾر زﯾﺎدة وﻻ ﻧﻘﺻﺎن .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﻓﻘد اﻧﺗﻘل اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻟﻘدرة إﻟﻰ اﻟﻌﺟز ،ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ،
ﻷن اﻟوﺟود ﻟم ﯾﻛن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻛن ﻣﻘدوراً ،واﻣﺗﻧﺎع ﺣﺻول ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺟز .وإن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ
ﻛﯾف ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻓﺻﺎر ﻣﻣﻛﻧﺎً؟ ﻗﻠﻧﺎ :وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺎل ،ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻲ ﺣﺎل؟ ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :اﻷﺣوال
ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ،ﻗﯾل ﻟﻛم :واﻟﻣﻘﺎدﯾر ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ،ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﻘدار ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وأﻛﺑر ﻣﻧﮫ أو أﺻﻐر ﺑﻣﻘدار ظﻔر ﻣﻣﺗﻧﻌﺎً؟ ﻓﺈن
ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ذﻟك ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ھذا .ﻓﮭذا طرﯾﻘﺔ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ.
إن ﷲ إذا أراد ﻓﻌل
واﻟﺗﺣﻘﯾق ﻓﻲ اﻟﺟواب أن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﺗﻘدر اﻹﻣﻛﺎﻧﺎت ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ ،وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠم أن ﷲ ﻗدﯾم ﻗﺎدر ﻻ ﯾﻣﺗﻧﻊ
ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻔﻌل أﺑداً ﻟو أراد ،وﻟﯾس ﻓﻲ ھذا اﻟﻘدر ﻣﺎ ﯾوﺟب إﺛﺑﺎت زﻣﺎن ﻣﻣﺗد إﻻ أن ﯾﺿﯾف اﻟوھم ﺑﺗﻠﺑﯾﺳﮫ إﻟﯾﮫ ﺷﯾﺋﺎ ً
آﺧر.
اﻟﺛﺎﻟث
ﻗوﻟﮭم إﻣﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻛﺎن ﻣوﺟوداً ،ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم أﯾﺿﺎ ً ﻛﺎن ﻣوﺟوداً
ﺗﻣﺳﻛوا ﺑﺄن ﻗﺎﻟوا :وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛن ﻗﺑل وﺟوده ،إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﺛم ﯾﺻﯾر ﻣﻣﻛﻧﺎً ،وھذا اﻹﻣﻛﺎن
ﻻ أول ﻟﮫ ،أي ﻟم ﯾزل ﺛﺎﺑﺗﺎ ً وﻟم ﯾزل اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟوده ،إذ ﻻ ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ﯾﻣﻛن أن ﯾوﺻف اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮫ
ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟوﺟود .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل ﻓﺎﻟﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن أﯾﺿﺎ ً ﻟم ﯾزل ،ﻓﺈن ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻧﺎ أﻧﮫ
ﻣﻣﻛن وﺟوده أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟوده أﺑداً ﻟم ﯾﻛن ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده أﺑداً ،وإﻻ ﻓﺈن ﻛﺎن
ﻣﺣﺎﻻً وﺟوده أﺑداً ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻣﻣﻛن وﺟوده أﺑداً ،وإن ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻣﻣﻛن وﺟوده أﺑداً ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إن
اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل ،وإن ﺑطل ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻹﻣﻛﺎن ﻟم ﯾزل ﺻﺢ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻹﻣﻛﺎن ﻟﮫ أول ،وإذا ﺻﺢ أن ﻟﮫ أوﻻً ﻛﺎن
ﻗﺑل ذﻟك ﻏﯾر ﻣﻣﻛن ،ﻓﯾؤدي إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺣﺎل ﻟم ﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﻻ ﻛﺎن ﷲ ﻋﻠﯾﮫ ﻗﺎدراً.
اﻋﺗراض اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾزل ﻣﻣﻛن اﻟﺣدوث
اﻻﻋﺗراض أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾزل ﻣﻣﻛن اﻟﺣدوث ،ﻓﻼ ﺟرم ﻣﺎ ﻣن وﻗت إﻻ وﯾﺗﺻور أﺣداﺛﮫ ﻓﯾﮫ ،وإذا ﻗدر
ﻣوﺟوداً أﺑداً ﻟم ﯾﻛن ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻛن اﻟواﻗﻊ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن ﺑل ﺧﻼﻓﮫ .وھذا ﻛﻘوﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن وھو أن ﺗﻘدﯾر
اﻟﻌﺎﻟم أﻛﺑر ﻣﻣﺎ ھو ،أو ﺧﻠق ﺟﺳم ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻣﻛن ،وﻛذى آﺧر ﻓوق ذﻟك اﻵﺧر ،وھﻛذا إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ .ﻓﻼ
ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻹﻣﻛﺎن اﻟزﯾﺎدة وﻣﻊ ذﻟك ﻓوﺟود ﻣﻼء ﻣطﻠق ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ﻏﯾر ﻣﻣﻛن .ﻓﻛذﻟك وﺟود ﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ طرﻓﮫ ﻏﯾر
ﻣﻣﻛن ،ﺑل ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل اﻟﻣﻣﻛن ﺟﺳم ﻣﺗﻧﺎھﻲ اﻟﺳطﺢ وﻟﻛن ﻻ ﺗﺗﻌﯾن ﻣﻘﺎدﯾره ﻓﻲ اﻟﻛﺑر واﻟﺻﻐر ،ﻓﻛذﻟك اﻟﻣﻣﻛن
اﻟﺣدوث وﻣﺑﺎدئ اﻟوﺟود ﻻ ﺗﺗﻌﯾن ﻓﻲ اﻟﺗﻘدم واﻟﺗﺄﺧر وأﺻل ﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻣﺗﻌﯾن ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﻣﻛن ﻻ ﻏﯾر.
اﻟراﺑﻊ
ﻗوﻟﮭم ﻛل ﺣﺎدث ﺗﺳﺑﻘﮫ ﻣﺎدة...
وھو أﻧﮭم ﻗﺎﻟوا :ﻛل ﺣﺎدث ﻓﺎﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮫ ﺗﺳﺑﻘﮫ ،إذ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ اﻟﺣﺎدث ﻋن ﻣﺎدة ،ﻓﻼ ﺗﻛون اﻟﻣﺎدة ﺣﺎدﺛﺔ
وإﻧﻣﺎ اﻟﺣﺎدث اﻟﺻور واﻷﻋراض واﻟﻛﯾﻔﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻣواد.
...ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻟﮫ
وﺑﯾﺎﻧﮫ أن ﻛل ﺣﺎدث ﻓﮭو ﻗﺑل ﺣدوﺛﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود أو ﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟوﺟود أو واﺟب اﻟوﺟود،
وﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻷن اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾوﺟد ﻗط ،وﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود ﻟذاﺗﮫ ﻓﺈن اﻟواﺟب
ﻟذاﺗﮫ ﻻ ﯾﻌدم ﻗط ،ﻓدل أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ .ﻓﺈذن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺣﺎﺻل ﻟﮫ ﻗﺑل وﺟوده ،وإﻣﻛﺎن اﻟوﺟود
وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﻗوام ﻟﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻣﺣل ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ ،وﻻ ﻣﺣل إﻻ اﻟﻣﺎدة ﻓﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻧﻘول:
ھذه اﻟﻣﺎدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺣرارة واﻟﺑرودة أو اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض أو اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺳﻛون ،أي ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ ﺣدوث ھذه اﻟﻛﯾﻔﯾﺎت
وطرﯾﺎن ھذه اﻟﺗﻐﯾرات ،ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن وﺻﻔﺎ ً ﻟﻠﻣﺎدة .واﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﻣﺎدة ،ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣدث ،إذ ﻟو
ﺣدﺛت ﻟﻛﺎن إﻣﻛﺎن وﺟودھﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ً ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ وﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﺷﻲء ،ﻣﻊ أﻧﮫ
وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ.
ﻣﻌﻧﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻘدوراً...
وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل إن ﻣﻌﻧﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻘدوراً وﻛون اﻟﻘدﯾم ﻗﺎدراً ﻋﻠﯾﮫ ،ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌرف ﻛون
اﻟﺷﻲء ﻣﻘدوراً إﻻ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً .ﻓﻧﻘول :ھو ﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻣﻣﻛن ،وﻟﯾس ﺑﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ:
ھو ﻣﻣﻛن ،ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ أﻧﮫ ﻣﻘدور ،ﻓﻛﺄﻧﺎ ﻗﻠﻧﺎ :ھو ﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻣﻘدور وﻟﯾس ﺑﻣﻘدور ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﻘدور ،وھو
ﺗﻌرﯾف اﻟﺷﻲء ﺑﻧﻔﺳﮫ .ﻓدل أن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻗﺿﯾﺔ أﺧرى ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ظﺎھرة ﺑﮭﺎ ﺗﻌرف اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وھو ﻛوﻧﮫ
ﻣﻘدوراً.
...وﻻ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً
وﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾرﺟﻊ ذﻟك إﻟﻰ ﻋﻠم اﻟﻘدﯾم ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎً ،ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً .ﻓﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌﻠوم ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﻻ
ﻣﺣﺎﻟﺔ ،ﺛم ھو وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﻓﻼ ﺑد ﻣن ذات ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ ،وﻟﯾس إﻻ اﻟﻣﺎدة .ﻓﻛل ﺣﺎدث ﻓﻘد ﺳﺑﻘﮫ ﻣﺎدة ،ﻓﻠم ﺗﻛن
اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﺣﺎدﺛﺔ ﺑﺣﺎل.
اﻋﺗراض اﻹﻣﻛﺎن ھو ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل وھو ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً...
اﻻﻋﺗراض أن ﯾﻘﺎل :اﻹﻣﻛﺎن اﻟذي ذﻛروه ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل .ﻓﻛل ﻣﺎ ﻗدر اﻟﻌﻘل وﺟوده ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ
ﺗﻘدﯾره ﺳﻣﯾﻧﺎه ﻣﻣﻛﻧﺎً ،وإن اﻣﺗﻧﻊ ﺳﻣﯾﻧﺎه ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً ،وإن ﻟم ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﻋدﻣﮫ ﺳﻣﯾﻧﺎه واﺟﺑﺎ ً .ﻓﮭذه ﻗﺿﺎﯾﺎ
ﻋﻘﻠﯾﺔ ﻻ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣوﺟود ﺣﺗﻰ ﺗﺟﻌل وﺻﻔﺎ ً ﻟﮫ .ﺑدﻟﯾل ﺛﻼﺛﺔ أﻣور:
...ﻛذﻟك اﻻﻣﺗﻧﺎع
أﺣدھﺎ أن اﻹﻣﻛﺎن ﻟو اﺳﺗدﻋﻰ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ وﯾﻘﺎل إﻧﮫ إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻻﺳﺗدﻋﻰ اﻻﻣﺗﻧﺎع ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﯾﻘﺎل
إﻧﮫ اﻣﺗﻧﺎﻋﮫ ،وﻟﯾس ﻟﻠﻣﻣﺗﻧﻊ وﺟود ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻻ ﻣﺎدة ﯾطرى ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻣﺣﺎل ﺣﺗﻰ ﯾﺿﺎف اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة.
إﻣﻛﺎن اﻟﺳواد
واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﯾﻘﺿﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﯾﮭﻣﺎ ﻗﺑل وﺟودھﻣﺎ ﺑﻛوﻧﮭﻣﺎ ﻣﻣﻛﻧﯾن .ﻓﺈن ﻛﺎن ھذا اﻹﻣﻛﺎن ﻣﺿﺎﻓﺎ ً
إﻟﻰ اﻟﺟﺳم اﻟذي ﯾطرﯾﺎن ﻋﻠﯾﮫ ،ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل ﻣﻌﻧﺎه إن ھذا اﻟﺟﺳم ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳود وأن ﯾﺑﯾض ،ﻓﺈذن ﻟﯾس اﻟﺑﯾﺎض
ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﻻ ﻟﮫ ﻧﻌت اﻹﻣﻛﺎن ،وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻣﻛن اﻟﺟﺳم واﻹﻣﻛﺎن ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮫ .ﻓﻧﻘول :ﻣﺎ ﺣﻛم ﻧﻔس اﻟﺳواد
ﻓﻲ ذاﺗﮫ أو ھو ﻣﻣﻛن أو واﺟب أو ﻣﻣﺗﻧﻊ ،وﻻ ﺑد ﻣن اﻟﻘول ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻣﻛن ،ﻓدل أن اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻘﺿﯾﺔ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﻻ
ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ وﺿﻊ ذات ﻣوﺟود ﯾﺿﯾف إﻟﯾﮫ اﻹﻣﻛﺎن.
إﻣﻛﺎن اﻟﻧﻔوس
واﻟﺛﺎﻟث أن ﻧﻔوس اﻵدﻣﯾﯾن ﻋﻧدھم ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻣﺎدة وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﻣﺎدة .وھﻲ ﺣﺎدﺛﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻣﺣﻘﻘون ﻣﻧﮭم ،وﻟﮭﺎ إﻣﻛﺎن ﻗﺑل ﺣدوﺛﮭﺎ وﻟﯾس ﻟﮭﺎ ذات وﻻ ﻣﺎدة .ﻓﺈﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﺻف
إﺿﺎﻓﻲ وﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر وإﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل ،ﻓﺈﻟﻰ ﻣﺎذا ﯾرﺟﻊ؟ ﻓﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﮭم ھذا اﻹﺷﻛﺎل.
ﻗوﻟﮭم اﻹﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﺑﻘﺿﺎء اﻟﻌﻘل
ﻓﺈذا ﻗدر ﻋدم اﻟﻘﺿﺎء ،ﻟم ﯾزل اﻹﻣﻛﺎن
ﻓﺈن ﻗﯾل :رد اﻹﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل ﻣﺣﺎل ،إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘﺿﺎء اﻟﻌﻘل إﻻ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن .ﻓﺎﻹﻣﻛﺎن ﻣﻌﻠوم وھو
ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ،ﺑل اﻟﻌﻠم ﯾﺣﯾط ﺑﮫ وﯾﺗﺑﻌﮫ وﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ،واﻟﻌﻠم ﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮫ ﻟم ﯾﻧﻌدم اﻟﻣﻌﻠوم .واﻟﻣﻌﻠوم
إذا ﻗدر اﻧﺗﻔﺎؤه اﻧﺗﻔﻰ اﻟﻌﻠم .ﻓﺎﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌﻠوم أﻣران اﺛﻧﺎن أﺣدھﻣﺎ ﺗﺎﺑﻊ واﻵﺧر ﻣﺗﺑوع .وﻟو ﻗدرﻧﺎ إﻋراض
اﻟﻌﻘﻼء ﻋن ﺗﻘدﯾر اﻹﻣﻛﺎن وﻏﻔﻠﺗﮭم ﻋﻧﮫ ﻟﻛﻧﺎ ﻧﻘول :ﻻ ﯾرﺗﻔﻊ اﻹﻣﻛﺎن ﺑل اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻓﻲ أﻧﻔﺳﮭﺎ ،وﻟﻛن اﻟﻌﻘول
ﻏﻔﻠت ﻋﻧﮭﺎ أو ﻋدﻣت اﻟﻌﻘول واﻟﻌﻘﻼء .ﻓﯾﺑﻘﻰ اﻹﻣﻛﺎن ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
ﻟﻼﻣﺗﻧﺎع ﻣوﺿوع...
وأﻣﺎ اﻷﻣور اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻓﻼ ﺣﺟﺔ ﻓﯾﮭﺎ ،ﻓﺈن اﻻﻣﺗﻧﺎع أﯾﺿﺎ ً وﺻف إﺿﺎﻓﻲ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣوﺟوداً ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ .وﻣﻌﻧﻰ
اﻟﻣﻣﺗﻧﻊ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺿدﯾن ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻣﺣل أﺑﯾض ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺳود ﻣﻊ وﺟود اﻟﺑﯾﺎض ،ﻓﻼ ﺑد ﻣن
ﻣوﺿوع ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮫ ﻣوﺻوف ﺑﺻﻔﺔ .ﻓﻌﻧد ذﻟك ﯾﻘﺎل :ﺿده ﻣﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ ،ﻓﯾﻛون اﻻﻣﺗﻧﺎع وﺻﻔﺎ ً إﺿﺎﻓﯾﺎ ً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً
ﺑﻣوﺿوع ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮫ .وأﻣﺎ اﻟوﺟوب ﻓﻼ ﯾﺧﻔﻰ أﻧﮫ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟوﺟود اﻟواﺟب.
وﻹﻣﻛﺎن اﻟﺳواد ﻣوﺿوع
وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ،وھو ﻛون اﻟﺳواد ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎً ،ﻓﻐﻠط .ﻓﺈﻧﮫ إن أﺧذ ﻣﺟرداً دون ﻣﺣل ﯾﺣﻠﮫ ﻛﺎن ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻻ
ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ،وإﻧﻣﺎ ﯾﺻﯾر ﻣﻣﻛﻧﺎ ً إذا ﻗدر ھﯾﺋﺔ ﻓﻲ ﺟﺳم .ﻓﺎﻟﺟﺳم ﻣﮭﯾﺄ ﻟﺗﺑدل ھﯾﺋﺔ ،واﻟﺗﺑدل ﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺳم ،وإﻻ
ﻓﻠﯾس ﻟﻠﺳواد ﻧﻔس ﻣﻔردة ﺣﺗﻰ ﯾوﺻف ﺑﺈﻣﻛﺎن.
وﻹﻣﻛﺎن اﻟﻧﻔوس ﻣوﺿوع
وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث ،وھو اﻟﻧﻔس ،ﻓﮭﻲ ﻗدﯾﻣﺔ ﻋﻧد ﻓرﯾق وﻟﻛن ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان ،ﻓﻼ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ھذا .وﻣن ﺳﻠم
ﺣدوﺛﮫ ﻓﻘد اﻋﺗﻘد ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم أﻧﮫ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻣزاج ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ دل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﻼم ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻓﻲ ﺑﻌض
اﻟﻣواﺿﻊ ،ﻓﺗﻛون ﻓﻲ ﻣﺎدة وإﻣﻛﺎﻧﮭﺎ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻣﺎدﺗﮭﺎ .وﻋﻠﻰ ﻣذھب ﻣن ﺳﻠم أﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺔ وﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ،
ﻓﻣﻌﻧﺎه أن اﻟﻣﺎدة ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ أن ﯾدﺑرھﺎ ﻧﻔس ﻧﺎطﻘﺔ ،ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن اﻟﺳﺎﺑق ﻋﻠﻰ اﻟﺣدوث ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة،
ﻓﺈﻧﮭﺎ وإن ﻟم ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﻓﻠﮭﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻌﮭﺎ إذ ھﻲ اﻟﻣدﺑرة واﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻓﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن راﺟﻌﺎ ً إﻟﯾﮭﺎ ﺑﮭذا
اﻟطرﯾق.
اﻟﺟواب
اﻹﻣﻛﺎن ھو ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل ،ﻛﻣﺎ ﯾﺻرح ﺑﺄن اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻣوﺟودة
واﻟﺟواب أن رد اﻹﻣﻛﺎن واﻟوﺟوب واﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻋﻘﻠﯾﺔ ﺻﺣﯾﺢ ،وﻣﺎ ذﻛر ﺑﺄن ﻣﻌﻧﻰ ﻗﺿﺎء اﻟﻌﻘل ﻋﻠم
واﻟﻌﻠم ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً .ﻓﻧﻘول ﻟﮫ :ﻣﻌﻠوم ﻛﻣﺎ أن اﻟﻠوﻧﯾﺔ واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ وﺳﺎﺋر ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻋﻧدھم،
وھﻲ ﻋﻠوم ﻻ ﯾﻘﺎل ﻻ ﻣﻌﻠوم ﻟﮭﺎ ،وﻟﻛن ﻻ وﺟود ﻟﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن ،ﺣﺗﻰ ﺻرح اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن اﻟﻛﻠﯾﺎت
ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷذھﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن .وإﻧﻣﺎ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن ﺟزﺋﯾﺎت ﺷﺧﺻﯾﺔ وھﻲ ﻣﺣﺳوﺳﺔ ﻏﯾر
ﻣﻌﻘوﻟﺔ ،وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺳﺑب ﻷن ﯾﻧﺗزع اﻟﻌﻘل ﻣﻧﮭﺎ ﻗﺿﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻋﻘﻠﯾﺔ .ﻓﺈذن اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻗﺿﯾﺔ ﻣﻔردة ﻓﻲ
اﻟﻌﻘل ﺳوى اﻟﺳوادﯾﺔ واﻟﺑﯾﺎﺿﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻟون ﻟﯾس ﺑﺳواد وﻻ ﺑﯾﺎض وﻻ ﻏﯾره ﻣن اﻷﻟوان،
وﯾﺛﺑت ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﺻورة اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻣن ﻏﯾر ﺗﻔﺻﯾل ،وﯾﻘﺎل :ھﻲ ﺻورة وﺟودھﺎ ﻓﻲ اﻷذھﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن .ﻓﺈن
ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ ھذا ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه.
ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﻌﺎﻗل...
وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم :ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﻌﻘﻼء أو ﻏﻔﻠﺗﮭم ﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﻣﻛﺎن ﯾﻧﻌدم ،ﻓﻧﻘول :وﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮭم ھل ﻛﺎﻧت اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ
اﻟﻛﻠﯾﺔ وھﻲ اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع ﺗﻧﻌدم؟ ﻓﺈذا ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم ،إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭﺎ إﻻ ﻗﺿﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘول ،ﻓﻛذﻟك ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ
اﻹﻣﻛﺎن ،وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﺑﺎﺑﯾن .وإن زﻋﻣوا أﻧﮭﺎ ﺗﻛون ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ اﻹﻣﻛﺎن .ﻓﺎﻹﻟزام واﻗﻊ
واﻟﻣﻘﺻود إظﮭﺎر ﺗﻧﺎﻗض ﻛﻼﻣﮭم.
اﻣﺗﻧﺎع وﺟود ﺷرﯾك
وأﻣﺎ اﻟﻌذر ﻋن اﻻﻣﺗﻧﺎع ﺑﺄﻧﮫ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة اﻟﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺷﻲء إذ ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﺿده ،ﻓﻠﯾس ﻛل ﻣﺣﺎل ﻛذﻟك
ﻓﺈن وﺟود ﺷرﯾك ﻣﺣﺎل ،وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎدة ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ اﻻﻣﺗﻧﺎع .ﻓﺈن زﻋﻣوا أن ﻣﻌﻧﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷرﯾك أن
اﻧﻔراد ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑذاﺗﮫ وﺗوﺣده واﺟب واﻻﻧﻔراد ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮫ ،ﻓﻧﻘول :ﻟﯾس واﺟب ،ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟود ﻣﻌﮫ ﻓﻠﯾس
ﻣﻧﻔرداً .ﻓﺈن زﻋﻣوا أن اﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر واﺟب وﻧﻘﯾض اﻟواﺟب ﻣﻣﺗﻧﻊ ،وھو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ ،ﻗﻠﻧﺎ :ﻧﻌﻧﻲ أن
اﻧﻔراد ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ﻟﯾس ﻛﺎﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر ،ﻓﺈن اﻧﻔراده ﻋن اﻟﻧظﯾر واﺟب واﻧﻔراده ﻋن اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻏﯾر
واﺟب ،ﻓﻧﺗﻛﻠف إﺿﺎﻓﺔ اﻹﻣﻛﺎن إﻟﯾﮫ ﺑﮭذه اﻟﺣﯾﻠﺔ ﻛﻣﺎ ﺗﻛﻠﻔوه ﻓﻲ رد اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ ذاﺗﮫ ﺑﻘﻠب ﻋﺑﺎرة اﻻﻣﺗﻧﺎع إﻟﻰ
اﻟوﺟوب ﺛم ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ اﻻﻧﻔراد إﻟﯾﮫ ﺑﻧﻌت اﻟوﺟوب.
اﻟﺳواد ھو ﻓﻲ اﻟﻌﻘل
وأﻣﺎ اﻟﻌذر ﻋن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻧﻔس ﻟﮫ وﻻ ذات ﻣﻧﻔرداً ،إن ﻋﻧﻲ ﺑذﻟك ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻓﻧﻌم ،وإن ﻋﻧﻲ
ﺑذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﻼ ،ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﯾﻌﻘل اﻟﺳواد اﻟﻛﻠﻲ وﯾﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ ذاﺗﮫ.
وھو ﻓﻲ اﻟﺣق ﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل وإﻟﻰ اﻟﻣﺎدة
ﺛم اﻟﻌذر ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻓﺈن ﻟﮭﺎ ذواﺗﺎ ً ﻣﻔردة وإﻣﻛﺎﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدوث ،وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎ ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ.
ً ً
وﻗوﻟﮭم :إن اﻟﻣﺎدة ﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ أن ﯾدﺑرھﺎ اﻟﻧﻔس ،ﻓﮭذه إﺿﺎﻓﺔ ﺑﻌﯾدة .ﻓﺈن اﻛﺗﻔﯾﺗم ﺑﮭذا ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل :ﻣﻌﻧﻰ
إﻣﻛﺎن اﻟﺣﺎدث أن اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﯾﮭﺎ ﯾﻣﻛن ﻓﻲ ﺣﻘﮫ أن ﯾﺣدﺛﮭﺎ ،ﻓﯾﻛون إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل ،ﻣﻊ أﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﯾﮫ،
ﻛﻣﺎ أﻧﮫ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺑدن اﻟﻣﻧﻔﻌل ،ﻣﻊ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮫ .وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل واﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻔﻌل
إذا ﻟم ﯾﻛن اﻧطﺑﺎع ﻓﻲ اﻟﻣوﺿﻌﯾن.
ﻗوﻟﮭم ﻗﺎﺑﻠﺗم اﻹﺷﻛﺎﻻت ﺑﺎﻹﺷﻛﺎﻻت
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﻘد ﻋوﻟﺗم ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻻﻋﺗراﺿﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻹﺷﻛﺎﻻت ﺑﺎﻹﺷﻛﺎﻻت وﻟم ﺗﺣﻠوا ﻣﺎ أوردوه ﻣن
اﻹﺷﻛﺎل،
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺑﯾن ﻓﺳﺎد اﻟﻛﻼم
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺗﺑﯾن ﻓﺳﺎد اﻟﻛﻼم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،وﯾﻧﺣل وﺟﮫ اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ واﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ .وﻧﺣن ﻟم
ﻧﻠﺗزم ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب إﻻ ﺗﻛدﯾر ﻣذھﺑﮭم واﻟﺗﻐﺑﯾر ﻓﻲ وﺟوه أدﻟﺗﮭم ﺑﻣﺎ ﻧﺑﯾن ﺗﮭﺎﻓﺗﮭم .وﻟم ﻧﺗطرق اﻟذب ﻋن
ﻣذھب ﻣﻌﯾن ﻓﻠم ﻧﺧرج ﻟذﻟك ﻋن ﻣﻘﺻود اﻟﻛﺗﺎب ،وﻻ ﻧﺳﺗﻘﺻﻲ اﻟﻘول ﻓﻲ اﻷدﻟﺔ اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدث إذ ﻏرﺿﻧﺎ
إﺑطﺎل دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻘدم.
إﺛﺑﺎت اﻟﻣذھب اﻟﺣق ﯾﻛون ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻗواﻋد اﻟﻌﻘﺎﺋد
وأﻣﺎ إﺛﺑﺎت اﻟﻣذھب اﻟﺣق ﻓﺳﻧﺻﻧف ﻓﯾﮫ ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﺑﻌد اﻟﻔراغ ﻣن ھذا إن ﺳﺎﻋد اﻟﺗوﻓﯾق إن ﺷﺎء ﷲ وﻧﺳﻣﯾﮫ ﻗواﻋد
اﻟﻌﻘﺎﺋد ،وﻧﻌﺗﻧﻲ ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻹﺛﺑﺎت ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻧﯾﻧﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺎﻟﮭدم ،وﷲ أﻋﻠم.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ أﺑدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم واﻟزﻣﺎن واﻟﺣرﻛﺔ
ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓرع اﻷوﻟﻰ...
ﻟﯾﻌﻠم أن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓرع اﻷوﻟﻰ ،ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدھم ﻛﻣﺎ أﻧﮫ أزﻟﻲ ﻻ ﺑداﯾﺔ ﻟوﺟوده ﻓﮭو أﺑدي ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻵﺧره،
وﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﺳﺎده وﻓﻧﺎؤه ﺑل ﻟم ﯾزل ﻛذﻟك وﻻ ﯾزال أﯾﺿﺎ ً ﻛذﻟك.
واﻷدﻟﺔ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرت ﻻ ﺗزال ﺟﺎرﯾﺔ
وأدﻟﺗﮭم اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎھﺎ ﻓﻲ اﻷزﻟﯾﺔ ﺟﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﺑدﯾﺔ ،واﻻﻋﺗراض ﻛﺎﻻﻋﺗراض ﻣن ﻏﯾر ﻓرق .ﻓﺈﻧﮭم
ﯾﻘوﻟون :إن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻌﻠول ﻋﻠﺗﮫ أزﻟﯾﺔ أﺑدﯾﺔ ،ﻓﻛﺎن اﻟﻣﻌﻠول ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ .وﯾﻘوﻟون :إذا ﻟم ﺗﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠﺔ ﻟم ﯾﺗﻐﯾر
اﻟﻣﻌﻠول .وﻋﻠﯾﮫ ﺑﻧوا ﻣﻧﻊ اﻟﺣدوث ،وھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺟﺎر ﻓﻲ اﻻﻧﻘطﺎع .وھذا ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻷول.
اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ
وﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﻌﺎﻟم إذا ﻋدم ﻓﯾﻛون ﻋدﻣﮫ ﺑﻌد وﺟوده ،ﻓﯾﻛون ﻟﮫ ﺑﻌد ﻓﻔﯾﮫ إﺛﺑﺎت اﻟزﻣﺎن.
اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻟث
وھو ﻓﺎﺳد ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺑﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟم أﺑداً :وﯾﻌرف اﻟواﻗﻊ ﻣن اﻟﺷرع
وﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻟث إن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻻ ﯾﻧﻘطﻊ .ﻓﻛذﻟك اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﻛن ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻋﻠﻰ وﻓق اﻹﻣﻛﺎن .إﻻ أن
ھذا اﻟدﻟﯾل ﻻ ﯾﻘوى ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون أزﻟﯾﺎ ً وﻻ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون أﺑدﯾﺎ ً ﻟو أﺑﻘﺎه ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺑد ،إذاً ﻟﯾس ﻣن
ﺿرورة اﻟﺣﺎدث أن ﯾﻛون ﻟﮫ آﺧر ،وﻣن ﺿرورة اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎ ً وأن ﯾﻛون ﻟﮫ أول .وﻟم ﯾوﺟب أن
ﯾﻛون ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ آﺧر إﻻ أﺑو اﻟﮭذﯾل اﻟﻌﻼف ،ﻓﺈﻧﮫ ﻗﺎل :ﻛﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ دورات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ
ﻓﻛذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ،وھو ﻓﺎﺳد ﻷن ﻛل اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻗط ﻻ ﯾدﺧل ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻻ ﻣﺗﻼﺣﻘﺎ ً وﻻ ﻣﺗﺳﺎوﻗﺎً ،واﻟﻣﺎﺿﻲ
ﻗد دﺧل ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻣﺗﻼﺣﻘﺎ ً وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﺗﺳﺎوﻗﺎ ً .وإذا ﺗﺑﯾن أﻧﺎ ﻻ ﻧﺑﻌد ﺑﻘﺎء اﻟﻌﺎﻟم أﺑداً ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﻘل ﺑل
ﻧﺟوز ﺑﻘﺎءه وإﻓﻧﺎءه ،ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﻌرف اﻟواﻗﻊ ﻣن ﻗﺳﻣﻲ اﻟﻣﻣﻛن ﺑﺎﻟﺷرع ﻓﻼ ﯾﺗﻌﻠق اﻟﻧظر ﻓﯾﮫ ﺑﺎﻟﻣﻌﻘول.
اﻟدﻟﯾل اﻷول واﻟﻣﺳﻠك اﻟراﺑﻊ
وأﻣﺎ ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟراﺑﻊ ﻓﮭو ﺟﺎر ،ﻷﻧﮭم ﯾﻘوﻟون :إذا ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻘﻲ إﻣﻛﺎن وﺟوده ،إذ اﻟﻣﻣﻛن ﻻ ﯾﻧﻘﻠب ﻣﺳﺗﺣﯾﻼً،
وھو وﺻف إﺿﺎﻓﻲ .ﻓﯾﻔﺗﻘر ﻛل ﺣﺎدث ﺑزﻋﻣﮭم إﻟﻰ ﻣﺎدة ﺳﺎﺑﻘﺔ ،وﻛل ﻣﻧﻌدم ﻓﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻣﺎدة ﯾﻧﻌدم ﻋﻧﮭﺎ.
ﻓﺎﻟﻣواد واﻷﺻول ﻻ ﺗﻧﻌدم وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﻌدم اﻟﺻور واﻷﻋراض اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮭﺎ.
اﻟﺟواب ﻣﺎ ﺳﺑق ،وﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ دﻟﯾﻼن آﺧران
واﻟﺟواب ﻋن اﻟﻛل ﻣﺎ ﺳﺑق.
وإﻧﻣﺎ أﻓردﻧﺎ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻷن ﻟﮭم ﻓﯾﮭﺎ دﻟﯾﻠﯾن آﺧرﯾن:
اﻷول دﻟﯾل ﺟﺎﻟﯾﻧوس ﻻ ﯾظﮭر أن اﻟﺷﻣس ﻻ ﺗﻘﺑل اﻻﻧﻌدام
ﻣﺎ ﺗﻣﺳك ﺑﮫ ﺟﺎﻟﯾﻧوس إذ ﻗﺎل :ﻟو ﻛﺎن اﻟﺷﻣس ﻣﺛﻼً ﺗﻘﺑل اﻻﻧﻌدام ﻟظﮭر ﻓﯾﮭﺎ ذﺑول ﻓﻲ ﻣدة ﻣدﯾدة ،واﻷرﺻﺎد
اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘدارھﺎ ﻣﻧذ آﻻف ﺳﻧﯾن ﻻ ﺗدل إﻻ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻣﻘدار ،ﻓﻠﻣﺎ ﻟم ﺗذﺑل ﻓﻲ ھذه اﻵﻣﺎد اﻟطوﯾﻠﺔ دل أﻧﮭﺎ ﻻ
ﺗﻔﺳد.
اﻻﻋﺗراض ﻣن اﻟوﺟﮫ اﻷول ﻟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻔﺳد ﺑﻐﯾر طرﯾق اﻟذﺑول ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺑﻐﺗﺔ اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟوه:
اﻷول إن ﺷﻛل ھذا اﻟدﻟﯾل أن ﯾﻘﺎل :إن ﻛﺎن اﻟﺷﻣس ﺗﻔﺳد ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻠﺣﻘﮭﺎ ذﺑول ،ﻟﻛن اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺎﻟﻣﻘدم
ﻣﺣﺎل ،وھو ﻗﯾﺎس ﯾﺳﻣﻰ ﻋﻧدھم اﻟﺷرطﻲ اﻟﻣﺗﺻل ،وھذه اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﻏﯾر ﻻزﻣﺔ ﻷن اﻟﻣﻘدم ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺎ ﻟم
ﯾﺿف إﻟﯾﮫ ﺷرط آﺧر وھو ﻗوﻟﮫ :إن ﻛﺎن ﺗﻔﺳد ﻓﻼ ﺑد وأن ﺗذﺑل ،ﻓﮭذا اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻠزم ھذا اﻟﻣﻘدم إﻻ ﺑزﯾﺎدة ﺷرط
وھو أن ﻧﻘول :إن ﻛﺎن ﺗﻔﺳد ﻓﺳﺎداً ذﺑوﻟﯾﺎ ً ﻓﻼ ﺑد وأن ﺗذﺑل ﻓﻲ طول اﻟﻣدة .أو ﯾﺑﯾن أﻧﮫ ﻻ ﻓﺳﺎد ﺑطرﯾق اﻟذﺑول
ﺣﺗﻰ ﯾﻠزم اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻟﻠﻣﻘدم .وﻻ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﺳد اﻟﺷﻲء إﻻ ﺑﺎﻟذﺑول ،ﺑل اﻟذﺑول أﺣد وﺟوه اﻟﻔﺳﺎد .وﻻ ﯾﺑﻌد أن
ﯾﻔﺳد اﻟﺷﻲء ﺑﻐﺗﺔ وھو ﻋﻠﻰ ﺣﺎل ﻛﻣﺎﻟﮫ.
اﻻﻋﺗراض ﻣن اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻔﺳﺎد ﻻ ﯾظﮭر ﻟﻠﺣس اﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﻟو ﺳﻠم ﻟﮫ ھذا وأﻧﮫ ﻻ ﻓﺳﺎد إﻻ ﺑﺎﻟذﺑول ،ﻓﻣن أﯾن
ﻋرف أﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌﺗرﯾﮭﺎ اﻟذﺑول؟ وأﻣﺎ اﻟﺗﻔﺎﺗﮫ إﻟﻰ اﻷرﺻﺎد ﻓﻣﺣﺎل ﻷﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌرف ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘرﯾب.
واﻟﺷﻣس اﻟﺗﻲ ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻷرض ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺑﻌﯾن ﻣرة أو ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣﻧﮫ ﻟو ﻧﻘص ﻣﻧﮭﺎ ﻣﻘدار ﺟﺑﺎل ﻣﺛﻼً ﻟﻛﺎن ﻻ
ﯾﺑﯾن ﻟﻠﺣس ،ﻓﻠﻌﻠﮭﺎ ﻓﻲ اﻟذﺑول ،وإﻟﻰ اﻵن ﻗد ﻧﻘص ﻣﻘدار ﺟﺑﺎل وأﻛﺛر .واﻟﺣس ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾدرك ذﻟك ﻷن
ﺗﻘدﯾره ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻣﻧﺎظر ﻟم ﯾﻌرف إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘرﯾب وھذا ﻛﻣﺎ أن اﻟﯾﺎﻗوت واﻟذھب ﻣرﻛﺑﺎن ﻣن اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻋﻧدھم
وھﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﺳﺎد ،ﺛم ﻟو وﺿﻊ ﯾﺎﻗوﺗﮫ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻧﻘﺻﺎﻧﮫ ﻣﺣﺳوﺳﺎً ،ﻓﻠﻌل ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ﯾﻧﻘص ﻣن اﻟﺷﻣس ﻓﻲ
ﻣدة ﺗﺎرﯾﺦ اﻷرﺻﺎد ﻛﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ﯾﻧﻘص ﻣن اﻟﯾﺎﻗوت ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ .وذﻟك ﻻ ﯾظﮭر ﻟﻠﺣس ﻓدل أن دﻟﯾﻠﮫ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ
اﻟﻔﺳﺎد.
وﺑﺎﻗﻲ اﻷدﻟﺔ ﻟﯾﺳت أﻛﺛر ﻗوة
وﻗد أﻋرﺿﻧﺎ ﻋن إﯾراد أدﻟﺔ ﻛﺛﯾرة ﻣن ھذا اﻟﺟﻧس ﯾﺳﺗرﻛﮭﺎ اﻟﻌﻘﻼء وأوردﻧﺎ ھذا اﻟواﺣد ﻟﯾﻛون ﻋﺑرة وﻣﺛﺎﻻً ﻟﻣﺎ
ﺗرﻛﻧﺎه واﻗﺗﺻرﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷدﻟﺔ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﻛﻠف ﻓﻲ ﺣل ﺷﺑﮭﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق.
اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟدﻟﯾل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻻ ﯾﻌﻘل ﺳﺑب ﻣﻌدم ...ﻟﮭم ﻓﻲ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋدم اﻟﻌﺎﻟم أن ﻗﺎﻟوا :اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺗﻧﻌدم ﺟواھره ﻷﻧﮫ ﻻ
ﯾﻌﻘل ﺳﺑب ﻣﻌدم ﻟﮫ ،وﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧﻌدﻣﺎ ً ﺛم اﻧﻌدم ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﺑﺳﺑب ،وذﻟك اﻟﺳﺑب ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ ﻣن أن
ﯾﻛون إرادة اﻟﻘدﯾم ،وھو ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﻛن ﻣرﯾداً ﻟﻌدﻣﮫ ﺛم ﺻﺎر ﻣرﯾداً ﻓﻘد ﺗﻐﯾر ،أو ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون
اﻟﻘدﯾم وإرادﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﻌت واﺣد ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺣوال ،واﻟﻣراد ﯾﺗﻐﯾر ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود ﺛم ﻣن اﻟوﺟود إﻟﻰ
اﻟﻌدم .وﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻣن اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﺟود ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌدم.
وﻻ ﻓﻌﻠﮫ ﻓﺈن اﻷﻗوال ﺑﮭذا اﻷﻣر ﺑﺎطﻠﺔ
ً
وﯾزﯾد ھﺎھﻧﺎ إﺷﻛﺎل آﺧر أﻗوى ﻣن ذﻟك ،وھو أن اﻟﻣراد ﻓﻌل اﻟﻣرﯾد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،وﻛل ﻣن ﻟم ﯾﻛن ﻓﺎﻋﻼ ﺛم ﺻﺎر
ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺈن ﻟم ﯾﺗﻐﯾر ھو ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﺻﯾر ﻓﻌﻠﮫ ﻣوﺟوداً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣوﺟوداً .ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﺑﻘﻲ ﻛﻣﺎ ﻛﺎن
إذ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻓﻌل ،واﻵن أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ ،ﻓﺈذن ﻟم ﯾﻔﻌل ﺷﯾﺋﺎ ً .واﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻓﻌﻼً؟ وإذا أﻋدم
اﻟﻌﺎﻟم وﺗﺟدد ﻟﮫ ﻓﻌل ﻟم ﯾﻛن ،ﻓﻣﺎ ذﻟك اﻟﻔﻌل؟ أھو وﺟود اﻟﻌﺎﻟم؟ وھو ﻣﺣﺎل إذا اﻧﻘطﻊ اﻟوﺟود ،أو ﻓﻌﻠﮫ ﻋدم
اﻟﻌﺎﻟم؟ وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ،ﻓﺈن أﻗل درﺟﺎت اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﻣوﺟوداً وﻋدم اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾس
ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣوﺟوداً ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل :ھو اﻟذي ﻓﻌﻠﮫ اﻟﻔﺎﻋل وأوﺟده اﻟﻣوﺟد.
وﻹﺷﻛﺎل ھذا زﻋﻣوا :اﻓﺗرق اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون ﻓﻲ اﻟﺗﻘﺻﻲ ﻋن ھذا أرﺑﻊ ﻓرق وﻛل ﻓرﻗﺔ اﻗﺗﺣﻣت ﻣﺣﺎﻻً.
ﻗول اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﺑﺧﻠق اﻟﻔﻧﺎء...
أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻓﺈﻧﮭم ﻗﺎﻟوا :ﻓﻌﻠﮫ اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣوﺟود وھو اﻟﻔﻧﺎء ،ﯾﺧﻠﻘﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﯾﻧﻌدم ﻛل اﻟﻌﺎﻟم دﻓﻌﺔ واﺣدة،
وﯾﻧﻌدم اﻟﻔﻧﺎء اﻟﻣﺧﻠوق ﺑﻧﻔﺳﮫ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻓﻧﺎء آﺧر ،ﻓﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ .وھو ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟوده
أﺣدھﺎ أن اﻟﻔﻧﺎء ﻟﯾس ﻣوﺟوداً ﻣﻌﻘوﻻً ﺣﺗﻰ ﯾﻘدر ﺧﻠﻘﮫ ،ﺛم إن ﻛﺎن ﻣوﺟوداً ﻓﻠم ﯾﻧﻌدم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﻌدم ،ﺛم ﻟم
ﯾﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺈﻧﮫ إن ﺧﻠق ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم وﺣل ﻓﯾﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷن اﻟﺣﺎل ﯾﻼﻗﻲ اﻟﻣﺣﻠول ،ﻓﯾﺟﺗﻣﻌﺎن وﻟو ﻓﻲ
ﻟﺣظﺔ ،ﻓﺈذا ﺟﺎز اﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺿداً ﻓﻠم ﯾﻔﻧﮫ .وإن ﺧﻠﻘﮫ ﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم وﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﻣن أﯾن ﯾﺿﺎد وﺟوده
وﺟود اﻟﻌﺎﻟم؟ ﺛم ﻓﻲ ھذا اﻟﻣذھب ﺷﻧﺎﻋﺔ أﺧرى وھو أن ﷲ ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ إﻋدام ﺑﻌض ﺟواھر اﻟﻌﺎﻟم دون
ﺑﻌض ،ﺑل ﻻ ﯾﻘدر إﻻ ﻋﻠﻰ إﺣداث ﻓﻧﺎء ﯾﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ﻛﻠﮫ ،ﻷﻧﮭﺎ إذا ﻟم ﺗﻛن ﻓﻲ ﻣﺣل ﻛﺎن ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻛل ﻋﻠﻰ
وﺗﯾرة.
وﻗول اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﺑﺈﺣداث اﻹﻋدام ﻓﻲ اﻟذات...
اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﺣﯾث ﻗﺎﻟوا :إن ﻓﻌﻠﮫ اﻹﻋدام ،واﻹﻋدام ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣوﺟود ﯾﺣدﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن
ﻗوﻟﮭم ﻓﯾﺻﯾر اﻟﻌﺎﻟم ﺑﮫ ﻣﻌدوﻣﺎ ً .وﻛذﻟك اﻟوﺟود ﻋﻧدھم ﺑﺈﯾﺟﺎد ﯾﺣدﺛﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻓﯾﺻﯾر اﻟﻣوﺟود ﺑﮫ ﻣوﺟوداً.
وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻓﺎﺳد إذ ﻓﯾﮫ ﻛون اﻟﻘدﯾم ﻣﺣل اﻟﺣوادث ،ﺛم ﺧروج ﻋن اﻟﻣﻌﻘول إذ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣن اﻹﯾﺟﺎد إﻻ وﺟود
ﻣﻧﺳوب إﻟﻰ إرادة وﻗدرة .ﻓﺈﺛﺑﺎت ﺷﻲء آﺧر ﺳوى اﻹرادة واﻟﻘدرة ووﺟود اﻟﻣﻘدور وھو اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﻌﻘل ،وﻛذى
اﻹﻋدام.
وﻗول اﻷﺷﻌرﯾﺔ ﺑﻌدم ﺧﻠق اﻟﺑﻘﺎء...
اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ اﻷﺷﻌرﯾﺔ إذ ﻗﺎﻟوا :أﻣﺎ اﻷﻋراض ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﺑﻘﺎءھﺎ ،ﻷﻧﮫ ﻟو ﺗﺻور ﺑﻘﺎءھﺎ
ﻟﻣﺎ ﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ ﻟﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ .وأﻣﺎ اﻟﺟواھر ﻓﻠﯾﺳت ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﺑﻘﺎء زاﺋد ﻋﻠﻰ وﺟودھﺎ ،ﻓﺈذا
ﻟم ﯾﺧﻠق ﷲ اﻟﺑﻘﺎء اﻧﻌدم ﻟﻌدم اﻟﻣﺑﻘﻰ .وھو أﯾﺿﺎ ً ﻓﺎﺳد ﻟﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﻣﻧﺎﻛرة اﻟﻣﺣﺳوس ﻓﻲ أن اﻟﺳواد ﻻ ﯾﺑﻘﻰ
واﻟﺑﯾﺎض ﻛذﻟك وأﻧﮫ ﻣﺗﺟدد اﻟوﺟود ،واﻟﻌﻘل ﯾﻧﺑوا ﻋن ھذا ﻛﻣﺎ ﯾﻧﺑوا ﻋن ﻗول اﻟﻘﺎﺋل :إن اﻟﺟﺳم ﻣﺗﺟدد اﻟوﺟود
ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎﻟﺔ ،واﻟﻌﻘل اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﺄن اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻋﻠﻰ رأس اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﯾوم ھو اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣس ﻻ ﻣﺛﻠﮫ
ﯾﻘﺿﻲ أﯾﺿﺎ ً ﺑﮫ ﻓﻲ ﺳواد اﻟﺷﻌر .ﺛم ﻓﯾﮫ إﺷﻛﺎل آﺧر وھو أن اﻟﺑﺎﻗﻲ إذا ﺑﻘﻲ ﺑﺑﻘﺎء ﻓﯾﻠزم أن ﺗﺑﻘﻰ ﺻﻔﺎت ﷲ
ﺑﺑﻘﺎء .وذﻟك اﻟﺑﻘﺎء ﯾﻛون ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺑﻘﺎء آﺧر ،وﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ.
وﻗول اﻟﻔرﻗﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﺑﻌدم ﺧﻠق اﻟﺣرﻛﺔ أو اﻟﺳﻛون
واﻟﻔرﻗﺔ اﻟراﺑﻌﺔ طﺎﺋﻔﺔ أﺧرى ﻣن اﻷﺷﻌرﯾﺔ إذ ﻗﺎﻟوا :إن اﻷﻋراض ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ،وأﻣﺎ اﻟﺟواھر ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺄن
ﻻ ﯾﺧﻠق ﷲ ﻓﯾﮭﺎ ﺣرﻛﺔ وﻻ ﺳﻛوﻧﺎ ً وﻻ اﺟﺗﻣﺎﻋﺎ ً وﻻ اﻓﺗراﻗﺎً ،ﻓﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺑﻘﻰ ﺟﺳم ﻟﯾس ﺑﺳﺎﻛن وﻻ ﻣﺗﺣرك
ﻓﯾﻧﻌدم .وﻛﺄن ﻓرﻗﺗﻲ اﻷﺷﻌرﯾﺔ ﻣﺎﻟوا إﻟﻰ أن اﻹﻋدام ﻟﯾس ﺑﻔﻌل ،إﻧﻣﺎ ھو ﻛف ﻋن اﻟﻔﻌل ،ﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻘﻠوا ﻛون
اﻟﻌدم ﻓﻌﻼً.
وإذا ﺑطﻠت ھذه اﻟطرق ﻟم ﯾﺑق وﺟﮫ ﻟﻠﻘول ﺑﺟواز إﻋدام اﻟﻌﺎﻟم.
وﻗوﻟﮭم ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌدام اﻟﻧﻔس اﻟﺣﺎدﺛﺔ...
ھذا ﻟو ﻗﯾل ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث ،ﻓﺈﻧﮭم ﻣﻊ ﺗﺳﻠﯾﻣﮭم ﺣدوث اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾدﻋون اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌداﻣﮭﺎ ﺑطرﯾق ﯾﻘرب
ﻣﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه.
وﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻧﻌدام ﻛل ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ
ً ً
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋﻧدھم ﻛل ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣل ﻻ ﯾﺗﺻور اﻧﻌداﻣﮫ ﺑﻌد وﺟوده ،ﺳواء ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ أو ﺣﺎدﺛﺎ .وإذا ﻗﯾل
ﻟﮭم :ﻣﮭﻣﺎ أﻏﻠﻲ اﻟﻧﺎر ﺗﺣت اﻟﻣﺎء اﻧﻌدم اﻟﻣﺎء ،ﻗﺎﻟوا ﻟم ﯾﻧﻌدم وﻟﻛن اﻧﻘﻠب ﺑﺧﺎراً ﺛم ﻣﺎء .ﻓﺎﻟﻣﺎدة وھﻲ اﻟﮭﯾوﻟﻰ
ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﮭواء وھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻟﺻورة اﻟﻣﺎء ،وإﻧﻣﺎ ﺧﻠﻌت ،اﻟﮭﯾوﻟﻰ ﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ وﻟﺑﺳت ﺻورة
اﻟﮭواﺋﯾﺔ .وإذا أﺻﺎب اﻟﮭواء ﺑرد ﻛﺛف واﻧﻘﻠب ﻣﺎء ،ﻻ ﻣن ﻣﺎدة ﺗﺟددت ﺑل اﻟﻣواد ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻧﺎﺻر ،وإﻧﻣﺎ
ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺻورھﺎ.
اﻟﺟواب اﻹﻋدام ﺑﺈرادة ﷲ اﻟذي أﺟد اﻟﻌدم
واﻟﺟواب :أن ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻷﻗﺳﺎم وإن أﻣﻛن أن ﻧذب ﻋن ﻛل واﺣد وﻧﺑﯾن أن إﺑطﺎﻟﮫ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻻ ﯾﺳﺗﻘﯾم
ﻻﺷﺗﻣﺎل أﺻوﻟﻛم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻣن ﺟﻧﺳﮫ ،وﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧطول ﺑﮫ وﻧﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻗﺳم واﺣد وﻧﻘول :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ
ﻣن ﯾﻘول :اﻹﯾﺟﺎد واﻹﻋدام ﺑﺈرادة اﻟﻘﺎدر؟ ﻓﺈذا أراد ﷲ أوﺟد وإذا أراد أﻋدم ،وھذا ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ
اﻟﻛﻣﺎل ،وھو ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ذﻟك ﻻ ﯾﺗﻐﯾر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﻐﯾر اﻟﻔﻌل .وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم :إن اﻟﻔﺎﻋل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ
ﻓﻌل ،ﻓﻣﺎ اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ؟ ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣﺎ ﺗﺟدد وھو اﻟﻌدم ،إذ ﻟم ﯾﻛن ﻋدم ﺛم ﺗﺟدد اﻟﻌدم ،ﻓﮭو اﻟﺻﺎدر ﻋﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء
ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﺻدر ﻣﻧﮫ؟
ﻗوﻟﻧﺎ ھو واﻗﻊ ﻓﮭو ﻣﻌﻘول...
ﻗﻠﻧﺎ :وھو ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف وﻗﻊ؟ وﻟﯾس ﻣﻌﻧﻰ ﺻدوره ﻣﻧﮫ إﻻ أن ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻗدرﺗﮫ ،ﻓﺈذا ﻋﻘل
وﻗوﻋﮫ ﻟم ﻻ ﺗﻌﻘل إﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﻘدرة؟ وﻣﺎ اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﮭم وﺑﯾن ﻣن ﯾﻧﻛر طرﯾﺎن اﻟﻌدم أﺻﻼً ﻋﻠﻰ اﻷﻋراض
واﻟﺻور وﯾﻘول :اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻓﻛﯾف ﯾطرى وﻛﯾف ﯾوﺻف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن واﻟﺗﺟدد؟ وﻻ ﻧﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻌدم
ﯾﺗﺻور طرﯾﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻷﻋراض ،ﻓﺎﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن ﻣﻌﻘول وﻗوﻋﮫ ﺳﻣﻰ ﺷﯾﺋﺎ ً أو ﻟم ﯾﺳم ،ﻓﺈﺿﺎﻓﺔ ذﻟك
اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻌﻘول إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر أﯾﺿﺎ ً ﻣﻌﻘول.
ﻻ ﯾﻘﻊ اﻟﻌدم ،ﺑل أﺿداد اﻟطرﯾﺎن
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ﻣذھب ﻣن ﯾﺟوز ﻋدم اﻟﺷﻲء ﺑﻌد وﺟوده ،ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮫ :ﻣﺎ اﻟذي طرى؟ وﻋﻧدﻧﺎ ﻻ
ﯾﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﻣوﺟود ،وإﻧﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻧﻌدام اﻷﻋراض طرﯾﺎن أﺿدادھﺎ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣوﺟودات ﻻ طرﯾﺎن اﻟﻌدم
اﻟﻣﺟرد اﻟذي ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ،ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﺷﻲء ﻛﯾف ﯾوﺻف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن؟ ﻓﺈذا اﺑﯾض اﻟﺷﻌر ﻓﺎﻟطﺎري ھو اﻟﺑﯾﺎض
ﻓﻘط وھو ﻣوﺟود ،وﻻ ﻧﻘول اﻟطﺎري ھو ﻋدم اﻟﺳواد.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘﻊ اﻟﻌدم
وھذا ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن طرﯾﺎن اﻟﺑﯾﺎض ھل ﺗﺿﻣن ﻋدم اﻟﺳواد أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ﻻ ،ﻓﻘد ﻛﺎﺑروا
اﻟﻣﻌﻘول .وإن ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم ،ﻓﺎﻟﻣﺗﺿﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺗﺿﻣن أم ﻋﯾﻧﮫ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ھو ﻋﯾﻧﮫ ،ﻛﺎن ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎ ً إذ اﻟﺷﻲء ﻻ
ﯾﺗﺿﻣن ﻧﻔﺳﮫ .وإن ﻗﺎﻟوا ﻏﯾره ،ﻓذﻟك اﻟﻐﯾر ﻣﻌﻘول أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ﻻ ،ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﺑم ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﻣﺗﺿﻣن؟ واﻟﺣﻛم
ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺗﺿﻣﻧﺎ ً اﻋﺗراف ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻘوﻻً .وإن ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم ،ﻓذﻟك اﻟﻣﺗﺿﻣن اﻟﻣﻌﻘول وھو ﻋدم اﻟﺳواد ﻗدﯾم أو
ﺣﺎدث .ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ﻗدﯾم ،ﻓﮭو ﻣﺣﺎل .وإن ﻗﺎﻟوا :ﺣﺎدث ،ﻓﺎﻟﻣوﺻوف ﺑﺎﻟﺣدوث ﻛﯾف ﻻ ﯾﻛون ﻣﻌﻘوﻻً؟ وإن ﻗﺎﻟوا:
ﻻ ﻗدﯾم وﻻ ﺣﺎدث ،ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷﻧﮫ ﻗﺑل طرﯾﺎن اﻟﺑﯾﺎض ﻟو ﻗﯾل :اﻟﺳواد ﻣﻌدوم ،ﻛﺎن ﻛذﺑﺎً ،وﺑﻌده إذا ﻗﯾل :إﻧﮫ
ﻣﻌدوم ،ﻛﺎن ﺻدﻗﺎ ً ﻓﮭو طﺎر ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ .ﻓﮭذا اﻟطﺎري ﻣﻌﻘول ﻓﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣﻧﺳوﺑﺎ ً إﻟﻰ ﻗدرة ﻗﺎدر.
اﻟﺣرﻛﺔ وﻣﺎ إﻟﯾﮭﺎ ﺗﻧﻌدم دون وﻗوع أﺿدادھﺎ
اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻣن اﻷﻋراض ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﻋﻧدھم ،ﻻ ﺑﺿده ﻓﺈن اﻟﺣرﻛﺔ ﻻ ﺿد ﻟﮭﺎ ،وإﻧﻣﺎ اﻟﺗﻘﺎﺑل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ وﺑﯾن
اﻟﺳﻛون ﻋﻧدھم ﺗﻘﺎﺑل اﻟﻣﻠﻛﺔ واﻟﻌدم ،أي ﺗﻘﺎﺑل اﻟوﺟود واﻟﻌدم ،وﻣﻌﻧﻰ اﻟﺳﻛون ﻋدم اﻟﺣرﻛﺔ .ﻓﺈذا ﻋدﻣت
اﻟﺣرﻛﺔ ﻟم ﯾطر ﺳﻛون ھو ﺿده ﺑل ھو ﻋدم ﻣﺣض ،وﻛذﻟك اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣن ﻗﺑﯾل اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﻛﺎﻧطﺑﺎع
أﺷﺑﺎح اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻓﻲ اﻟرطوﺑﺔ اﻟﺟﻠﯾدﯾﺔ ﻣن اﻟﻌﯾن ،ﺑل اﻧطﺑﺎع ﺻور اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ
اﺳﺗﻔﺗﺎح وﺟود ﻣن ﻏﯾر زوال ﺿده ،وإذا ﻋدم ﻛﺎن ﻣﻌﻧﺎھﺎ زوال اﻟوﺟود ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﻌﻘﺎب ﺿده .ﻓزواﻟﮭﺎ
ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻋدم ﻣﺣض ﻗد طرى ،ﻓﻌﻘل وﻗوع اﻟﻌدم اﻟطﺎري وﻣﺎ ﻋﻘل وﻗوﻋﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،وإن ﻟم ﯾﻛن ﺷﯾﺋﺎ ً ﻋﻘل أن
ﯾﻧﺳب إﻟﻰ ﻗدرة اﻟﻘﺎدر.
ﻗدرة اﻟﻘﺎدر ﻓﻲ إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ أن ﺗﺣدث اﻟﻌدم ﻛﻣﺎ ﺗﺣدث اﻟوﺟود.
ﻓﺗﺑﯾن ﺑﮭذا أﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺻور وﻗوع ﺣﺎدث ﺑﺈرادة ﻗدﯾﻣﺔ ﻟم ﯾﻔﺗرق اﻟﺣﺎل ﺑﯾن أن ﯾﻛون اﻟواﻗﻊ ﻋدﻣﺎ ً أو وﺟوداً.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﺗﻠﺑﯾﺳﮭم ﺑﻘوﻟﮭم إن ﷲ ﻓﺎﻋل اﻟﻌﺎﻟم وﺻﺎﻧﻌﮫ
وأن اﻟﻌﺎﻟم ﺻﻧﻌﮫ وﻓﻌﻠﮫ وﺑﯾﺎن أن ذﻟك ﻣﺟﺎز ﻋﻧدھم وﻟﯾس ﺑﺣﻘﯾﻘﺗﮫ
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق أﺻﻠﮭم أن ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ
وﻗد اﺗﻔﻘت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺳوى اﻟدھرﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وأن ﷲ ھو ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم وﻓﺎﻋﻠﮫ وأن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻠﮫ
وﺻﻧﻌﮫ ،وھذا ﺗﻠﺑﯾس ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم .ﺑل ﻻ ﯾﺗﺻور ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق أﺻﻠﮭم أن ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ ،ﻣن ﺛﻼﺛﺔ
أوﺟﮫ :وﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل ووﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻌل ووﺟﮫ ﻓﻲ ﻧﺳﺑﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻔﻌل واﻟﻔﺎﻋل.
ﺧﺑﺎﻟﮭم ﻣن ﺛﻼﺛﺔ وﺟوه
أﻣﺎ اﻟذي ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل ﻓﮭو أﻧﮫ ﻻ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻣرﯾداً ﻣﺧﺗﺎراً ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾرﯾده ،ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً ﻟﻣﺎ ﯾرﯾده .وﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻧدھم ﻟﯾس ﻣرﯾداً ﺑل ﻻ ﺻﻔﺔ ﻟﮫ أﺻﻼً ،وﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎ ً .واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﻌﺎﻟم
ﻗدﯾم واﻟﻔﻌل ھو اﻟﺣﺎدث .واﻟﺛﺎﻟث أن ﷲ واﺣد ﻋﻧدھم ﻣن ﻛل وﺟﮫ ،واﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻋﻧدھم إﻻ واﺣد ﻣن
ﻛل وﺟﮫ ،واﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛب ﻣن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ،ﻓﻛﯾف ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ؟ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﻋل :ﺗﻘوﻟون أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﷲ ﺑﺎﻟﻠزوم...
وﻟﻧﺣﻘق وﺟﮫ ﻛل واﺣد ﻣن ھذه اﻟوﺟوه اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣﻊ ﺧﺑﺎﻟﮭم ﻓﻲ دﻓﻌﮫ.
اﻷول ﻓﻧﻘول :اﻟﻔﺎﻋل ﻋﺑﺎرة ﻋﻣن ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻔﻌل ،ﻣﻊ اﻹرادة ﻟﻠﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺧﺗﯾﺎر وﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد.
وﻋﻧدﻛم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﷲ ﻛﺎﻟﻣﻌﻠول ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﯾﻠزم ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎً ،ﻻ ﯾﺗﺻور ﻣن ﷲ دﻓﻌﮫ ،ﻟزوم اﻟظل ﻣن
اﻟﺷﺧص واﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس ،وﻟﯾس ھذا ﻣن اﻟﻔﻌل ﻓﻲ ﺷﻲء.
وﻻ ﯾﻘﺎل اﻟﻔﺎﻋل ﻓﺎﻋﻼً إﻻ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر
ﺑل ﻣن ﻗﺎل إن اﻟﺳراج ﯾﻔﻌل اﻟﺿوء واﻟﺷﺧص ﯾﻔﻌل اﻟظل ﻓﻘد ﺟﺎزف وﺗوﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺗﺟوز ﺗوﺳﻌﺎ ً ﺧﺎرﺟﺎ ً ﻣن
اﻟﺣد واﺳﺗﻌﺎر اﻟﻠﻔظ اﻛﺗﻔﺎء ﺑوﻗوع اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺗﻌﺎر ﻟﮫ واﻟﻣﺳﺗﻌﺎر ﻋﻧﮫ ﻓﻲ وﺻف واﺣد ،وھو أن اﻟﻔﺎﻋل
ﺳﺑب ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ واﻟﺳراج ﺳﺑب اﻟﺿوء واﻟﺷﻣس ﺳﺑب اﻟﻧور .وﻟﻛن اﻟﻔﺎﻋل ﻟم ﯾﺳم ﻓﺎﻋﻼً ﺻﺎﻧﻌﺎ ً ﺑﻣﺟرد ﻛوﻧﮫ
ﺳﺑﺑﺎ ً ﺑل ﺑﻛوﻧﮫ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻣﺧﺻوص ،وھو ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺋل :اﻟﺟدار ﻟﯾس
ﺑﻔﺎﻋل واﻟﺣﺟر ﻟﯾس ﺑﻔﺎﻋل واﻟﺟﻣﺎد ﻟﯾس ﺑﻔﺎﻋل وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل ﻟﻠﺣﯾوان ،ﻟم ﯾﻧﻛر ذﻟك وﻟم ﯾﻛن ﻗوﻟﮫ ﻛﺎذﺑﺎ ً .وﻟﻠﺣﺟر
ﻓﻌل ﻋﻧدھم وھو اﻟﮭوى واﻟﺛﻘل واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﻣرﻛز ،ﻛﻣﺎ أن ﻟﻠﻧﺎر ﻓﻌﻼً وھو اﻟﺗﺳﺧﯾن ،وﻟﻠﺣﺎﺋط ﻓﻌل وھو اﻟﻣﯾل
إﻟﻰ اﻟﻣرﻛز ووﻗوع اﻟظل ،ﻓﺈن ﻛل ذﻟك ﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ،وھذا ﻣﺣﺎل.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻔﻌل ﺟﻧﺳﺎن...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻛل ﻣوﺟود ﻟﯾس واﺟب اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ ﺑل ھو ﻣوﺟود ﺑﻐﯾره ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺳﻣﻲ ذﻟك اﻟﺷﻲء ﻣﻔﻌوﻻً وﻧﺳﻣﻲ
ﺳﺑﺑﮫ ﻓﺎﻋﻼً وﻻ ﻧﺑﺎﻟﻲ ﻛﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﺎﻋﻼً ﺑﺎﻟطﺑﻊ أو ﺑﺎﻹرادة ،ﻛﻣﺎ أﻧﻛم ﻻ ﺗﺑﺎﻟون أﻧﮫ ﻛﺎن ﻓﺎﻋﻼً ﺑﺂﻟﺔ أو ﺑﻐﯾر آﻟﺔ.
ﺑل اﻟﻔﻌل ﺟﻧس وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺂﻟﺔ وإﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﻐﯾر آﻟﺔ ،ﻓﻛذﻟك ھو ﺟﻧس وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺎﻟطﺑﻊ وإﻟﻰ
ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر.
وﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺧﺗﯾﺎر
ﺑدﻟﯾل أﻧﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻟم ﯾﻛن ﻗوﻟﻧﺎ "ﺑﺎﻟطﺑﻊ" ﺿداً ﻟﻘوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ،وﻻ دﻓﻌﺎ ً وﻧﻘﺿﺎ ً ﻟﮫ ﺑل ﻛﺎن ﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﻧوع
اﻟﻔﻌل ﻛﻣﺎ إذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﻣﺑﺎﺷرة ﺑﻐﯾر آﻟﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻧﻘﺿﺎ ً ﺑل ﻛﺎن ﺗﻧوﯾﻌﺎ ً وﺑﯾﺎﻧﺎ ً .وإذا ﻗﻠﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻟم ﯾﻛن
ﺗﻛراراً ﻣﺛل ﻗوﻟﻧﺎ :ﺣﯾوان إﻧﺳﺎن ،ﺑل ﻛﺎن ﺑﯾﺎﻧﺎ ً ﻟﻧوع اﻟﻔﻌل ﻛﻘوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺂﻟﺔ .وﻟو ﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﯾﺗﺿﻣن
اﻹرادة وﻛﺎﻧت اﻹرادة ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻔﻌل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻓﻌل ﻟﻛﺎن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎ ً ﻛﻘوﻟﻧﺎ ﻓﻌل وﻣﺎ ﻓﻌل.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺟﻣﺎد ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ...
ﻗﻠﻧﺎ :ھذه اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﻓﺎﺳدة وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺳﻣﻰ ﻛل ﺳﺑب ﺑﺄي وﺟﮫ ﻛﺎن ﻓﺎﻋﻼً وﻻ ﻛل ﻣﺳﺑب ﻣﻔﻌوﻻً .وﻟو ﻛﺎن
ﻛذﻟك ﻟﻣﺎ ﺻﺢ أن ﯾﻘﺎل اﻟﺟﻣﺎد ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل ﻟﻠﺣﯾوان ،وھذه ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﺷﮭورة اﻟﺻﺎدﻗﺔ.
إﻻ ﺑﺎﻻﺳﺗﻌﺎدة
ﻓﺈن ﺳﻣﻰ اﻟﺟﻣﺎد ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺑﺎﻻﺳﺗﻌﺎرة ﻛﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﻣﻰ طﺎﻟﺑﺎ ً ﻣرﯾداً ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺟﺎز ،إذ ﯾﻘﺎل اﻟﺣﺟر ﯾﮭوى ﻷﻧﮫ
ﯾرﯾد اﻟﻣرﻛز وﯾطﻠﺑﮫ ،واﻟطﻠب واﻹرادة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد اﻟﻣطﻠوب ،وﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﻣن
اﻟﺣﯾوان.
ﻓﺎﻟﻔﻌل ﯾﺗﺿﻣن اﻹرادة
وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم :إن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﻋﺎم وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻟطﺑﻊ وإﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻹرادة ،ﻏﯾر ﻣﺳﻠم وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل:
ﻗوﻟﻧﺎ "أراد" ﻋﺎم وﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣن ﯾرﯾد ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣراد وإﻟﻰ ﻣن ﯾرﯾد وﻻ ﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾرﯾد ،وھو ﻓﺎﺳد ،إذ اﻹرادة
ﺗﺗﺿﻣن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻓﻛذﻟك اﻟﻔﻌل ﯾﺗﺿﻣن اﻹرادة ﺑﺎﻟﺿرورة.
"اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻟطﺑﻊ" اﺳﺗﻌﺎرة
وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم :إن ﻗوﻟﻧﺎ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻟﯾس ﺑﻧﻘض ﻟﻸول ،ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ ﻧﻘض ﻟﮫ ﻣن ﺣﯾث اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وﻟﻛن ﻻ
ﯾﺳﺑق إﻟﻰ اﻟﻔﮭم اﻟﺗﻧﺎﻗض وﻻ ﯾﺷﺗد ﻧﻔور اﻟطﺑﻊ ﻋﻧﮫ ﻷﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺟﺎزاً ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن ﺳﺑﺑﺎ ً ﺑوﺟﮫ ﻣﺎ واﻟﻔﺎﻋل
أﯾﺿﺎ ً ﺳﺑب ﺳﻣﻲ ﻓﻌﻼً ﻣﺟﺎزاً.
اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﺣﻘﯾﻘﺔ ھو ﻓﻌل ﺣﻘﯾﻘﻲ
وإذا ﻗﺎل "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﮭو ﺗﻛرﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ﻛﻘوﻟﮫ "أراد" وھو ﻋﺎﻟم ﺑﻣﺎ أراده .إﻻ أﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور أن
ﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" وھو ﻣﺟﺎز وﯾﻘﺎل "ﻓﻌل" وھو ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟم ﺗﻧﻔر اﻟﻧﻔس ﻋن ﻗوﻟﮫ "ﻓﻌل" ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر وﻛﺎن ﻣﻌﻧﺎه ﻓﻌل
ﻓﻌﻼً ﺣﻘﯾﻘﯾﺎ ً ﻻ ﻣﺟﺎزﯾﺎ ً ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﺗﻛﻠم ﺑﻠﺳﺎﻧﮫ وﻧظر ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺟﺎز أن ﯾﺳﺗﻌﻣل اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻣﺟﺎزاً
واﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﺗﺣرﯾك اﻟرأس واﻟﯾد ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل ﻗﺎل ﺑرأﺳﮫ أي ﻧﻌم ،ﻟم ﯾﺳﺗﻘﺑﺢ أن ﯾﻘﺎل :ﻗﺎل ﺑﻠﺳﺎﻧﮫ وﻧظر ﺑﻌﯾﻧﮫ،
وﯾﻛون ﻣﻌﻧﺎه ﻧﻔﻲ اﺣﺗﻣﺎل اﻟﻣﺟﺎز .ﻓﮭذا ﻣزﻟﺔ اﻟﻘدم ،ﻓﻠﯾﺗﻧﺑﮫ ﻟﻣﺣل اﻧﺧداع ھؤﻻء اﻷﻏﺑﯾﺎء.
ﻗوﻟﮭم ﯾﻘﺎل اﻟﻧﺎر ﺗﺣرق
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟﻔﺎﻋل ﻓﺎﻋﻼً إﻧﻣﺎ ﯾﻌرف ﻣن اﻟﻠﻐﺔ ،وإﻻ ﻓﻘد ظﮭر ﻓﻲ اﻟﻌﻘل أن ﻣﺎ ﯾﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ
ﻣﺎ ﯾﻛون ﻣرﯾداً وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون .ووﻗﻊ اﻟﻧزاع ﻓﻲ أن اﺳم اﻟﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻰ اﻟﻘﺳﻣﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ أم ﻻ؟ وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ
إﻧﻛﺎره ،إذ اﻟﻌرب ﺗﻘول :اﻟﻧﺎر ﺗﺣرق واﻟﺳﯾف ﯾﻘطﻊ واﻟﺛﻠﺞ ﯾﺑرد واﻟﺳﻘﻣوﻧﯾﺎ ﺗﺳﮭل واﻟﺧﺑز ﯾﺷﺑﻊ واﻟﻣﺎء ﯾروي.
وﻗوﻟﻧﺎ "ﯾﺿرب" ﻣﻌﻧﺎه ﯾﻔﻌل اﻟﺿرب ،وﻗوﻟﻧﺎ "ﺗﺣرق" ﻣﻌﻧﺎه ﺗﻔﻌل اﻻﺣﺗراق ،وﻗوﻟﻧﺎ "ﯾﻘطﻊ" ﻣﻌﻧﺎه ﯾﻔﻌل
اﻟﻘطﻊ .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إن ﻛل ذﻟك ﻣﺟﺎز ﻛﻧﺗم ﻣﺗﺣﻛﻣﯾن ﻓﯾﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﺳﺗﻧد.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن أﻟﻘﻰ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻧﺎر ﻓﻣﺎت ھو اﻟﻘﺎﺗل دون اﻟﻧﺎر...
واﻟﺟواب أن ﻛل ذﻟك ﺑطرﯾق اﻟﻣﺟﺎز وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﻌل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻣﺎ ﯾﻛون ﺑﺎﻹرادة .واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أﻧﺎ ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ ﺣﺎدﺛﺎ ً
ﺗوﻗف ﻓﻲ ﺣﺻوﻟﮫ ﻋﻠﻰ أﻣرﯾن أﺣدھﻣﺎ إرادي واﻵﺧر ﻏﯾر إرادي ،أﺿﺎف اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌل إﻟﻰ اﻹرادي .وﻛذى
اﻟﻠﻐﺔ ﻓﺈن ﻣن أﻟﻘﻰ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻧﺎر ﻓﻣﺎت ﯾﻘﺎل :ھو اﻟﻘﺎﺗل دون اﻟﻧﺎر ،ﺣﺗﻰ إذا ﻗﯾل :ﻣﺎ ﻗﺗﻠﮫ إﻻ ﻓﻼن ،ﺻدق ﻗﺎﺋﻠﮫ.
ﻷﻧﮫ ﻣﺧﺗﺎر
ﻓﺈن ﻛﺎن اﺳم اﻟﻔﺎﻋل ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﯾد وﻏﯾر اﻟﻣرﯾد ﻋﻠﻰ وﺟﮫ واﺣد ﻻ ﺑطرﯾق ﻛون أﺣدھﻣﺎ أﺻﻼً وﻛون اﻵﺧر
ﻣﺳﺗﻌﺎراً ﻣﻧﮫ ،ﻓﻠم ﯾﺿﺎف اﻟﻘﺗل إﻟﻰ اﻟﻣرﯾد ﻟﻐﺔ وﻋرﻓﺎ ً وﻋﻘﻼً؟ ﻣﻊ أن اﻟﻧﺎر ھﻲ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘرﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺗل ،وﻛﺄن
اﻟﻣﻠﻘﻰ ﻟم ﯾﺗﻌﺎط إﻻ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن اﻟﻧﺎر .وﻟﻛن ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن اﻟﺟﻣﻊ ﺑﺎﻹرادة وﺗﺄﺛﯾر اﻟﻧﺎر ﺑﻐﯾر إرادة ﺳﻣﻲ ﻗﺎﺗﻼً
وﻟم ﺗﺳم اﻟﻧﺎر ﻗﺎﺗﻼً إﻻ ﺑﻧوع ﻣن اﻻﺳﺗﻌﺎرة .ﻓدل أن اﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺻدر اﻟﻔﻌل ﻋن إرادﺗﮫ ،وإذا ﻟم ﯾﻛن ﷲ ﻣرﯾداً
ﻋﻧدھم وﻻ ﻣﺧﺗﺎراً ﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وﻻ ﻓﺎﻋﻼً إﻻ ﻣﺟﺎزاً.
ﻗوﻟﮭم ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون ﷲ ﻓﺎﻋﻼً أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗواﻣﮫ ﺑﮫ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻧﺣن ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون ﷲ ﻓﺎﻋﻼً أﻧﮫ ﺳﺑب ﻟوﺟود ﻛل ﻣوﺟود ﺳواه وأن اﻟﻌﺎﻟم ﻗواﻣﮫ ﺑﮫ ،وﻟوﻻ وﺟود
اﻟﺑﺎرئ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور وﺟود اﻟﻌﺎﻟم ،وﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﺑﺎرئ ﻻﻧﻌدم اﻟﻌﺎﻟم ،ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗدر ﻋدم اﻟﺷﻣس ﻻﻧﻌدم اﻟﺿوء.
ﻓﮭذا ﻣﺎ ﻧﻌﻧﯾﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً ،ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﺧﺻم ﯾﺄﺑﻰ أن ﯾﺳﻣﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﻌد
ظﮭور اﻟﻣﻌﻧﻰ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺗﻘوﻟوا إن ﷲ "ﺻﺎﻧﻊ" اﻟﻌﺎﻟم
ﻗﻠﻧﺎ :ﻏرﺿﻧﺎ أن ﻧﺑﯾن أن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻻ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً وﺻﻧﻌﺎً ،وإﻧﻣﺎ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻔﻌل واﻟﺻﻧﻊ ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋن
اﻹرادة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ .وﻗد ﻧﻔﯾﺗم ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل وﻧطﻘﺗم ﺑﻠﻔظﮫ ﺗﺟﻣﻼً ﺑﺎﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ،وﻻ ﯾﺗم اﻟدﯾن ﺑﺈطﻼق اﻷﻟﻔﺎظ
اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻋن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ .ﻓﺻرﺣوا ﺑﺄن ﷲ ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ ،ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺿﺢ أن ﻣﻌﺗﻘدﻛم ﻣﺧﺎﻟف ﻟدﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﻻ ﺗﻠﺑﺳوا
ﺑﺄن ﷲ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم وأن اﻟﻌﺎﻟم ﺻﻧﻌﮫ ﻓﺈن ھذه ﻟﻔظﺔ أطﻠﻘﺗﻣوھﺎ وﻧﻔﯾﺗم ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ ،وﻣﻘﺻود ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻛﺷف
ﻋن ھذا اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻘط.
اﻟﺛﺎﻧﻲ
ً
إن ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟودا ﻓﻼ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده
ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم ﺑﺷرط ﻓﻲ اﻟﻔﻌل ،وھو أن اﻟﻔﻌل ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻷﺣداث ،واﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧدھم
ﻗدﯾم وﻟﯾس ﺑﺣﺎدث ،وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل إﺧراج اﻟﺷﻲء ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود ﺑﺈﺣداﺛﮫ .وذﻟك ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم إذ
اﻟﻣوﺟود ﻻ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده .ﻓﺈذن ﺷرط اﻟﻔﻌل أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎً ،واﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم ﻋﻧدھم ،ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ؟
ﻗوﻟﮭم اﻟوﺟود ﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﺎدث ﻣوﺟود ﺑﻌد ﻋدم ،ﻓﻠﻧﺑﺣث أن اﻟﻔﺎﻋل إذا أﺣدث ﻛﺎن اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ اﻟوﺟود
اﻟﻣﺟرد أو اﻟﻌدم اﻟﻣﺟرد أو ﻛﻼھﻣﺎ .وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل :إن اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ اﻟﻌدم اﻟﺳﺎﺑق إذ ﻻ ﺗﺄﺛﯾر ﻟﻠﻔﺎﻋل ﻓﻲ اﻟﻌدم،
وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل :ﻛﻼھﻣﺎ إذ ﺑﺎن أن اﻟﻌدم ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ أﺻﻼً ،وأن اﻟﻌدم ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻋدﻣﺎ ً ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻓﺎﻋل اﻟﺑﺗﺔ،
ﻓﺑﻘﻲ أﻧﮫ ﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣوﺟود ،وأن اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣﺟرد اﻟوﺟود ،وأﻧﮫ ﻻ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ إﻻ اﻟوﺟود .ﻓﺈن
ﻓرض اﻟوﺟود داﺋﻣﺎ ً ﻓرﺿت اﻟﻧﺳﺑﺔ داﺋﻣﺔ ،وإذا داﻣت ھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻛﺎن اﻟﻣﻧﺳوب إﻟﯾﮫ أﻓﻌل وأدوم ﺗﺄﺛﯾراً ﻷﻧﮫ ﻟم
ﯾﺗﻌﻠق اﻟﻌدم ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﺑﺣﺎل.
ﻻ ﺳﺑق اﻟﻌدم ،وإن ﻛﺎن ﻣﺷﺗرطﺎ ً ﺑﮫ
ﻓﺑﻘﻲ أن ﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث ،وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻻ أﻧﮫ وﺟود ﺑﻌد ﻋدم ،واﻟﻌدم ﻟم
ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ،ﻓﺈن ﺟﻌل ﺳﺑق اﻟﻌدم وﺻف اﻟوﺟود وﻗﯾل :اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﮫ وﺟود ﻣﺧﺻوص ﻻ ﻛل وﺟود وھو وﺟود
ﻣﺳﺑوق ﺑﺎﻟﻌدم ،ﻓﯾﻘﺎل :ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﺎﻟﻌدم ﻟﯾس ﻣن ﻓﻌل ﻓﺎﻋل وﺻﻧﻊ ﺻﺎﻧﻊ ،ﻓﺈن ھذا اﻟوﺟود ﻻ ﯾﺗﺻور
ﺻدوره ﻣن ﻓﺎﻋﻠﮫ إﻻ واﻟﻌدم ﺳﺎﺑق ﻋﻠﯾﮫ ،وﺳﺑق اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل .ﻓﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوق اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺑﻔﻌل
اﻟﻔﺎﻋل ﻓﻼ ﺗﻌﻠق ﻟﮫ ﺑﮫ .ﻓﺎﺷﺗراطﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً اﺷﺗراط ﻣﺎ ﻻ ﺗﺄﺛﯾر ﻟﻠﻔﺎﻋل ﻓﯾﮫ ﺑﺣﺎل .وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم :إن اﻟﻣوﺟود
ﻻ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎده ،إن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﮫ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻟﮫ وﺟود ﺑﻌد ﻋدم ﻓﺻﺣﯾﺢ.
ﻻ إﯾﺟﺎد إﻻ ﻟﻣوﺟود
وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﮫ أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً ﻻ ﯾﻛون ﻣوﺟداً ،ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﯾﻛون ﻣوﺟداً ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً ﻻ
ﻓﻲ ﺣﺎل ﻛوﻧﮫ ﻣﻌدوﻣﺎ ً .ﻓﺈﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻣوﺟداً إذا ﻛﺎن اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً ،وﻻ ﯾﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً ﻓﻲ ﺣﺎل
اﻟﻌدم ﺑل ﻓﻲ ﺣﺎل وﺟود اﻟﺷﻲء ﻣﻧﮫ .واﻹﯾﺟﺎد ﻣﻘﺎرن ﻟﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً وﻛون اﻟﻣﻔﻌول ﻣوﺟداً ﻷﺗﮫ ﻋﺑﺎرة
ﻋن ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣوﺟد إﻟﻰ اﻟﻣوﺟد ،وﻛل ذﻟك ﻣﻊ اﻟوﺟود ﻻ ﻗﺑﻠﮫ .ﻓﺈذن ﻻ إﯾﺟﺎد إﻻ ﻟﻣوﺟود إن ﻛﺎن اﻟﻣراد ﺑﺎﻹﯾﺟﺎد
اﻟﻧﺳﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻛون اﻟﻔﺎﻋل ﻣوﺟداً واﻟﻣﻔﻌول ﻣوﺟداً.
اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ أزﻻً وأﺑداً
ﻗﺎﻟوا :وﻟﮭذا ﻗﺿﯾﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ أزﻻً وأﺑداً ،وﻣﺎ ﻣن ﺣﺎل إﻻ وھو ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻷن اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل اﻟوﺟود،
ﻓﺈن دام اﻻرﺗﺑﺎط دام اﻟوﺟود ،وإن اﻧﻘطﻊ اﻧﻘطﻊ ﻻ ﻛﻣﺎ ﺗﺧﯾﻠﺗﻣوه ﻣن أن اﻟﺑﺎرئ ﻟو ﻗدر ﻋدﻣﮫ ﻟﺑﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟم ،إذ
ظﻧﻧﺗم أﻧﮫ ﻛﺎﻟﺑﻧﺎء ﻣﻊ اﻟﺑﻧﺎء ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻧﻌدم وﯾﺑﻘﻰ اﻟﺑﻧﺎء ،ﻓﺈن ﺑﻘﺎء اﻟﺑﻧﺎء ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺑﺎﻧﻲ ﺑل ھو ﺑﺎﻟﯾﺑوﺳﺔ اﻟﻣﻣﺳﻛﺔ
ﻟﺗرﻛﯾﺑﮫ ،إذ ﻟو ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﮫ ﻗوة ﻣﺎﺳﻛﺔ ﻛﺎﻟﻣﺎء ﻣﺛﻼً ﻟم ﯾﺗﺻور ﺑﻘﺎء اﻟﺷﻛل اﻟﺣﺎدث ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل ﻓﯾﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻔﻌل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث ﺣدوﺛﮫ?...
واﻟﺟواب :إن اﻟﻔﻌل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث ﺣدوﺛﮫ ﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻋدﻣﮫ اﻟﺳﺎﺑق وﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً
ﻓﻘط ،ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻓﻲ ﺛﺎﻧﻲ ﺣﺎل اﻟﺣدوث ﻋﻧدﻧﺎ وھو ﻣوﺟود ،ﺑل ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣدوﺛﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ
ﺣدوث وﺧروج ﻣن اﻟﻌدم إﻟﻰ اﻟوﺟود ،ﻓﺈن ﻧﻔﻰ ﻣﻧﮫ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣدوث ﻟم ﯾﻌﻘل ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً وﻻ ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﺎﻟﻔﺎﻋل.
وﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﮫ ﺳﺑق اﻟﻌدم
وﻗوﻟﻛم :إن ﻛوﻧﮫ ﺣﺎدﺛﺎ ً ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ﺑﺎﻟﻌدم وﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ﺑﺎﻟﻌدم ،ﻟﯾس ﻣن ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل وﺟﻌل
ً ً
اﻟﺟﺎﻋل ﻓﮭو ﻛذﻟك ،ﻟﻛﻧﮫ ﺷرط ﻓﻲ ﻛون اﻟوﺟود ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل ،أﻋﻧﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﺎﻟﻌدم .ﻓﺎﻟوﺟود اﻟذي ﻟﯾس
ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﻌدم ﺑل ھو داﺋم ﻻ ﯾﺻﻠﺢ ﻷن ﯾﻛون ﻓﻌل اﻟﻔﺎﻋل ،وﻟﯾس ﻛل ﻣﺎ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ ﻛون اﻟﻔﻌل ﻓﻌﻼً ﯾﻧﺑﻐﻲ أن
ﯾﻛون ﺑﻔﻌل اﻟﻔﺎﻋل ،ﻓﺈن ذات اﻟﻔﺎﻋل وﻗدرﺗﮫ وإرادﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﺷرط ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ وﻟﯾس ذﻟك ﻣن أﺛر اﻟﻔﻌل وﻟﻛن ﻻ
ﯾﻌﻘل ﻓﻌل إﻻ ﻣن ﻣوﺟود ،ﻓﻛﺎن وﺟود اﻟﻔﺎﻋل ﺷرطﺎ ً وإرادﺗﮫ وﻗدرﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﻟﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣن أﺛر
اﻟﻔﺎﻋل.
اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﻛﺎﻟﻣﺎء ﻣﻊ اﻟﯾد ﻓﻲ ﺗﺣرﯾك اﻟﻣﺎء
ﻓﺈن ﻗﯾل :إن اﻋﺗرﻓﺗم ﺑﺟواز ﻛون اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﻏﯾر ﻣﺗﺄﺧر ﻋﻧﮫ ،ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎ ً إن ﻛﺎن
اﻟﻔﺎﻋل ﺣﺎدﺛﺎً ،وﻗدﯾﻣﺎ ً إن ﻛﺎن ﻗدﯾﻣﺎ ً .وإن ﺷرطﺗم أن ﯾﺗﺄﺧر اﻟﻔﻌل ﻋن اﻟﻔﺎﻋل ﺑﺎﻟزﻣﺎن ،ﻓﮭذا ﻣﺣﺎل إذ ﻣن ﺣرك
اﻟﯾد ﻓﻲ ﻗدح ﻣﺎء ﺗﺣرك اﻟﻣﺎء ﻣﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﯾد ﻻ ﻗﺑﻠﮫ وﻻ ﺑﻌده ،إذ ﻟو ﺗﺣرك ﺑﻌده ﻟﻛﺎن اﻟﯾد ﻣﻊ اﻟﻣﺎء ﻗﺑل ﺗﻧﺣﯾﮫ
ﻓﻲ ﺣﯾز واﺣد ،وﻟو ،ﺗﺣرك ﻗﺑﻠﮫ ﻻﻧﻔﺻل اﻟﻣﺎء ﻋن اﻟﯾد ،وھو ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﮫ ﻣﻌﻠوﻟﮫ وﻓﻌل ﻣن ﺟﮭﺗﮫ .ﻓﺈن
ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﯾد ﻗدﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء أﯾﺿﺎ ً داﺋﻣﺔ وھﻲ ﻣﻊ دواﻣﮭﺎ ﻣﻌﻠوﻟﺔ وﻣﻔﻌوﻟﺔ .وﻻ
ﯾﻣﺗﻧﻊ ذﻟك ﺑﻔرض اﻟدوام ،ﻓﻛذﻟك ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﻰ ﷲ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎ ً?! وﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻣﻌﻠول
ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ ﻧﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﺑﻌد ﻛون اﻟﻔﻌل ﺣﺎدﺛﺎً ،ﻛﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺣﺎدﺛﺔ ﻋن ﻋدم ،ﻓﺟﺎز أن
ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ﺛم ﺳواء ﻛﺎن ﻣﺗﺄﺧراً ﻋن ذات اﻟﻔﺎﻋل أو ﻣﻘﺎرﻧﺎ ً ﻟﮫ .وإﻧﻣﺎ ﻧﺣﯾل اﻟﻔﻌل اﻟﻘدﯾم ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﯾس ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻋن
ﻋدم ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻓﻌﻼً ﻣﺟﺎز ﻣﺟرد ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ .وأﻣﺎ اﻟﻣﻌﻠول ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﺟوز أن ﯾﻛوﻧﺎ ﺣﺎدﺛﯾن وأن ﯾﻛوﻧﺎ ﻗدﯾﻣﯾن،
ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل :إن اﻟﻌﻠم اﻟﻘدﯾم ﻋﻠﺔ ﻟﻛون اﻟﻘدﯾم ﻋﺎﻟﻣﺎً ،وﻻ ﻛﻼم ﻓﯾﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً ،وﻣﻌﻠول اﻟﻌﻠﺔ ﻻ
ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌل اﻟﻌﻠﺔ إﻻ ﻣﺟﺎزاً ،ﺑل ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً ﻓﺷرطﮫ أن ﯾﻛون ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻋن ﻋدم ،ﻓﺈن ﺗﺟوز ﻣﺗﺟوز ﺑﺗﺳﻣﯾﺔ
اﻟﻘدﯾم اﻟداﺋم اﻟوﺟود ﻓﻌﻼً ﻟﻐﯾره ﻛﺎن ﻣﺗﺟوزاً ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة.
اﻟﺣرﻛﺔ داﺋﻣﺔ اﻟﺣدوث
وﻗوﻟﻛم :ﻟو ﻗدرﻧﺎ ﺣرﻛﺔ اﻹﺻﺑﻊ ﻣﻊ اﻹﺻﺑﻊ ﻗدﯾﻣﺎ ً داﺋﻣﺎ ً ﻟم ﯾﺧرج ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً ،ﺗﻠﺑﯾس ،ﻷن
اﻹﺻﺑﻊ ﻻ ﻓﻌل ﻟﮫ وإﻧﻣﺎ اﻟﻔﺎﻋل ذو اﻹﺻﺑﻊ وھو اﻟﻣرﯾد ،وﻟو ﻗدر ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻟﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺔ اﻹﺻﺑﻊ ﻓﻌﻼً ﻟﮫ ﻣن ﺣﯾث
أن ﻛل ﺟزء ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺣﺎدث ﻋن ﻋدم ،ﻓﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻛﺎن ﻓﻌﻼً وأﻣﺎ ﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺎء ﻓﻘد ﻻ ﻧﻘول أﻧﮫ ﻣن ﻓﻌﻠﮫ
ﺑل ھو ﻣن ﻓﻌل ﷲ .وﻋﻠﻰ أي وﺟﮫ ﻛﺎن ﻓﻛوﻧﮫ ﻓﻌﻼً ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث ،إﻻ أﻧﮫ داﺋم اﻟﺣدوث وھو ﻓﻌل ﻣن
ﺣﯾث أﻧﮫ ﺣﺎدث.
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗﺳﻣﻲ ھذا ﻓﻌﻼً ﺑل ﻣﻌﻠوﻻً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﺈذا اﻋﺗرﻓﺗم ﺑﺄن ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻔﻌل إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻋل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻛﻧﺳﺑﺔ اﻟﻣﻌﻠول إﻟﻰ اﻟﻌﻠﺔ ﺛم ﺳﻠﻣﺗم
ﺗﺻور اﻟدوام ﻓﻲ ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠﺔ ،ﻓﻧﺣن ﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً إﻻ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً داﺋم اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺈن ﻟم
ﺗﺳﻣوا ھذا ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﻣﺿﺎﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺳﻣﯾﺎت ﺑﻌد ظﮭور اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ.
ﻗوﻟﻧﺎ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻛم ﻟﻔظﺔ "ﻓﻌل" ﻣﺟﺎز
ﻗﻠﻧﺎ :وﻻ ﻏرض ﻣن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ إﻻ ﺑﯾﺎن أﻧﻛم ﺗﺗﺟﻣﻠون ﺑﮭذه اﻷﺳﻣﺎء ﻣن ﻏﯾر ﺗﺣﻘﯾق وأن ﷲ ﻋﻧدﻛم ﻟﯾس
ﻓﺎﻋﻼً ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ً وﻻ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻠﮫ ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ً وأن إطﻼق ھذا اﻻﺳم ﻣﺟﺎز ﻣﻧﻛم ﻻ ﺗﺣﻘﯾق ﻟﮫ ،وﻗد ظﮭر ھذا.
اﻟﺛﺎﻟث ﻻ ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌل ﷲ إذا ﻻ ﯾﺻور ﻣن اﻟواﺣد إﻻ ﺷﻲء واﺣد ﻓﻲ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻌﻼً ﻋﻠﻰ
أﺻﻠﮭم ﺑﺷرط ﻣﺷﺗرك ﺑﯾن اﻟﻔﺎﻋل واﻟﻔﻌل ،وھو أﻧﮭم ﻗﺎﻟوا :ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟواﺣد إﻻ ﺷﻲء واﺣد ،واﻟﻣﺑدأ واﺣد
ﻣن ﻛل وﺟﮫ واﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛب ﻣن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ،ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻓﻌﻼً ﺑﻣوﺟب أﺻﻠﮭم.
ﻗوﻟﮭم ﺑطرﯾق اﻟﺗوﺳط...
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺟﻣﻠﺗﮫ ﻟﯾس ﺻﺎدراً ﻣن ﷲ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ ،ﺑل اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮫ ﻣوﺟود واﺣد ھو أول اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت
وھو ﻋﻘل ﻣﺟرد ،أي ھو ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻣﺗﺣﯾز ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرف ﻣﺑدأه وﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﻟﺳﺎن اﻟﺷرع
ﺑﺎﻟﻣﻠك ،ﺛم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﺛﺎﻟث وﻣن اﻟﺛﺎﻟث راﺑﻊ وﺗﻛﺛر اﻟﻣوﺟودات ﺑﺎﻟﺗوﺳط.
ﻋن أﺳﺑﺎب اﻟﻛﺛرة
ﻓﺈن اﺧﺗﻼف اﻟﻔﻌل وﻛﺛرﺗﮫ إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻻﺧﺗﻼف اﻟﻘوى اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻛﻣﺎ أﻧﺎ ﻧﻔﻌل ﺑﻘوة اﻟﺷﮭوة ﺧﻼف ﻣﺎ ﻧﻔﻌل ﺑﻘوة
اﻟﻐﺿب ،وإﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻻﺧﺗﻼف اﻟﻣواد ﻛﻣﺎ أن اﻟﺷﻣس ﺗﺑﯾض اﻟﺛوب اﻟﻣﻐﺳول وﺗﺳود وﺟﮫ اﻹﻧﺳﺎن وﺗذﯾب
ﺑﻌض اﻟﺟواھر وﺗﺻﻠب ﺑﻌﺿﮭﺎ ،وإﻣﺎ ﻻﺧﺗﻼف اﻵﻻت ﻛﺎﻟﻧﺟﺎر اﻟواﺣد ﯾﻧﺷر ﺑﺎﻟﻣﻧﺷﺎر وﯾﻧﺣت ﺑﺎﻟﻘدوم وﯾﺛﻘب
ﺑﺎﻟﻣﺛﻘب ،وإﻣﺎ أن ﺗﻛون ﻛﺛرة اﻟﻔﻌل ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﺑﺄن ﯾﻔﻌل ﻓﻌﻼً واﺣداً ﺛم ذﻟك اﻟﻔﻌل ﯾﻔﻌل ﻏﯾره ﻓﯾﻛﺛر اﻟﻔﻌل.
واﻟﺗوﺳط وﺣده ﻣﻣﻛن وھذه اﻷﻗﺳﺎم ﻛﻠﮭﺎ ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول إذ ﻟﯾس ﻓﻲ ذاﺗﮫ اﺧﺗﻼف واﺛﻧﯾﻧﯾﺔ وﻛﺛرة ،ﻛﻣﺎ
ﺳﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ أدﻟﺔ اﻟﺗوﺣﯾد ،وﻻ ﺛم اﺧﺗﻼف ﻣواد ﻓﺈن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول واﻟذي ھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻣﺛﻼً ،وﻻ
ﺛم اﺧﺗﻼف آﻟﺔ إذ ﻻ ﻣوﺟود ﻣﻊ ﷲ ﻓﻲ رﺗﺑﺗﮫ .ﻓﺎﻟﻛﻼم ﻓﻲ ﺣدوث اﻵﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﻠم ﯾﺑق إﻻ أن ﺗﻛون اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ
اﻟﻌﺎﻟم ﺻﺎدرة ﻣن ﷲ ﺑطرﯾق اﻟﺗوﺳط ﻛﻣﺎ ﺳﺑق.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣرﻛﺑﺎت
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﯾﻠزم ﻣن ھذا أن ﻻ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺷﻲء واﺣد ﻣرﻛب ﻣن أﻓراد ،ﺑل ﺗﻛون اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ آﺣﺎداً وﻛل
واﺣد ﻣﻌﻠول ﻟواﺣد آﺧر ﻓوﻗﮫ وﻋﻠﺔ ﻵﺧر ﺗﺣﺗﮫ إﻟﻰ أن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻣﻌﻠول ﻻ ﻣﻌﻠول ﻟﮫ ﻛﻣﺎ اﻧﺗﮭﻰ ﻓﻲ ﺟﮭﺔ
اﻟﺗﺻﺎﻋد إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ .وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﺟﺳم ﻋﻧدھم ﻣرﻛب ﻣن ﺻورة وھﯾوﻟﻰ وﻗد ﺻﺎر ﺑﺎﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ
ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً .واﻹﻧﺳﺎن ﻣرﻛب ﻣن ﺟﺳم وﻧﻔس ﻟﯾس وﺟود أﺣدھﻣﺎ ﻣن اﻵﺧر ﺑل وﺟودھﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﺑﻌﻠﺔ أﺧرى.
واﻟﻔﻠك ﻋﻧدھم ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ ﺟرم ذو ﻧﻔس ،ﻟم ﺗﺣدث اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻟﺟرم وﻻ اﻟﺟرم ﺑﺎﻟﻧﻔس ﺑل ﻛﻼھﻣﺎ ﺻدرا ﻣن ﻋﻠﺔ
ﺳواھﻣﺎ.
ﺣﯾث ﯾﻘﻊ اﻟﺗﻘﺎء اﻟواﺣد واﻟﻣرﻛب ﯾﺑطل اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد ﻓﻛﯾف وﺟدت ھذه اﻟﻣرﻛﺑﺎت؟
أﻣن ﻋﻠﺔ واﺣدة؟ ﻓﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم :ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟواﺣد إﻻ واﺣد ،أو ﻣن ﻋﻠﺔ ﻣرﻛﺑﺔ؟ ﻓﯾﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﺗرﻛﯾب
اﻟﻌﻠﺔ إﻟﻰ أن ﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣرﻛب ﺑﺑﺳﯾط .ﻓﺈن اﻟﻣﺑدأ ﺑﺳﯾط وﻓﻲ اﻷواﺧر ﺗرﻛﯾب وﻻ ﯾﺗﺻور ذﻟك إﻻ
ﺑﺎﻟﺗﻘﺎء ،وﺣﯾث ﯾﻘﻊ اﻟﺗﻘﺎء ﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم إن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد.
ﻗوﻟﮭم ﻣذھﺑﻧﺎ ﻓﻲ اﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣوﺟودات...
ﻓﺈن ﻗﯾل :إذا ﻋرف ﻣذھﺑﻧﺎ اﻧدﻓﻊ اﻹﺷﻛﺎل ،ﻓﺈن اﻟﻣوﺟودات ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻓﻲ ﻣﺣﺎل ﻛﺎﻷﻋراض واﻟﺻور
وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻟﯾﺳت ﻓﻲ ﻣﺣﺎل ،وھذا ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻣﺣﺎل ﻟﻐﯾرھﺎ ﻛﺎﻷﺟﺳﺎم وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻟﯾﺳت ﺑﻣﺣﺎل ﻛﺎﻟﻣوﺟودات
اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ،وھﻲ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾؤﺛر ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم وﻧﺳﻣﯾﮭﺎ ﻧﻔوﺳﺎ ً وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﻲ
اﻷﺟﺳﺎم ﺑل ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس وﻧﺳﻣﯾﮭﺎ ﻋﻘوﻻً ﻣﺟردة .أﻣﺎ اﻟﻣوﺟودات اﻟﺗﻲ ﺗﺣل ﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎل ﻛﺎﻷﻋراض ﻓﮭﻲ ﺣﺎدﺛﺔ
وﻟﮭﺎ ﻋﻠل ﺣﺎدﺛﺔ وﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻣﺑدأ ھو ﺣﺎدث ﻣن وﺟﮫ داﺋم ﻣن وﺟﮫ ،وھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻓﯾﮭﺎ.
اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ
وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻷﺻول اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻻ ﻓﻲ ﻣﺣﺎل وھﻲ ﺛﻼﺛﺔ :أﺟﺳﺎم وھﻲ أﺧﺳﮭﺎ ،وﻋﻘول ﻣﺟردة وھﻲ
اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾﺔ وﻻ ﺑﺎﻻﻧطﺑﺎع ﻓﯾﮭﺎ وھﻲ أﺷرﻓﮭﺎ ،وﻧﻔوس وھﻲ أوﺳطﮭﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﻌﻠق
ﺑﺎﻷﺟﺳﺎم ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗﻌﻠق وھو اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﻔﻌل ﻓﯾﮭﺎ ،ﻓﮭﻲ ﻣﺗوﺳطﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرف ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﺄﺛر ﻣن اﻟﻌﻘول وﺗؤﺛر ﻓﻲ
اﻷﺟﺳﺎم .ﺛم اﻷﺟﺳﺎم ﻋﺷرة ﺗﺳﻊ ﺳﻣوات واﻟﻌﺎﺷر اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺣﺷو ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ،واﻟﺳﻣوات اﻟﺗﺳﻊ
ﺣﯾواﻧﺎت ﻟﮭﺎ أﺟرام وﻧﻔوس وﻟﮭﺎ ﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ ﻧذﻛره.
ﺗرﺗﯾب اﻟﺻدور...
وھو أن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﺎض ﻣن وﺟوده اﻟﻌﻘل اﻷول ،وھو ﻣوﺟود ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﺟﺳم،
ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرف ﻣﺑدأه ،وﻗد ﺳﻣﯾﻧﺎه اﻟﻌﻘل اﻷول وﻻ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺳﻣﻲ ﻣﻠﻛﺎ ً أو ﻋﻘﻼً أو ﻣﺎ أرﯾد.
وﯾﻠزم ﻋن وﺟوده ﺛﻼﺛﺔ أﻣور :ﻋﻘل وﻧﻔس اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وھﻲ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ وﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ .ﺛم ﻟزم
ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻘل ﺛﺎﻟث وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب وﺟرﻣﮫ ،ﺛم ﻟزم ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟﺛﺎﻟث ﻋﻘل راﺑﻊ وﻧﻔس ﻓﻠك زﺣل
وﺟرﻣﮫ ،وﻟزم ﻣن اﻟﻌﻘل اﻟراﺑﻊ ﻋﻘل ﺧﺎﻣس وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻣﺷﺗري وﺟرﻣﮫ ،وھﻛذى ﺣﺗﻰ اﻧﺗﮭﻰ إﻟﻰ اﻟﻌﻘل اﻟذي
ﻟزم ﻣﻧﮫ ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وﺟرﻣﮫ.
وأﺧﯾراً اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌﺎل واﻟﻣﺎدة اﻟﺦ.
واﻟﻌﻘل اﻷﺧﯾر ھو اﻟذي ﯾﺳﻣﻰ اﻟﻌﻘل اﻟﻔﻌﺎل ،وﻟزم ﺣﺷو ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وھﻲ اﻟﻣﺎدة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻛون واﻟﻔﺳﺎد ﻣن اﻟﻌﻘل
اﻟﻔﻌﺎل وطﺑﺎﺋﻊ اﻷﻓﻼك.
ﺛم إن اﻟﻣواد ﺗﻣﺗزج ﺑﺳﺑب ﺣرﻛﺎت اﻟﻛواﻛب اﻣﺗزاﺟﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻣﻌﺎدن واﻟﻧﺑﺎت واﻟﺣﯾوان ،وﻻ
ﯾﻠزم أن ﯾﻠزم ﻣن ﻛل ﻋﻘل ﻋﻘل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ،ﻷن ھذه اﻟﻌﻘول ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻷﻧواع ،ﻓﻣﺎ ﺛﺑت ﻟواﺣد ﻻ ﯾﻠزم
ﻟﻶﺧر.
ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﺛﻼﺛﺔ أﺷﯾﺎء
ﻓﺧرج ﻣﻧﮫ أن اﻟﻌﻘول ﺑﻌد اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﺷرة واﻷﻓﻼك ﺗﺳﻌﺔ وﻣﺟﻣوع ھذه اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﺑﻌد اﻷول ﺗﺳﻌﺔ
ﻋﺷر ،وﺣﺻل ﻣﻧﮫ أن ﺗﺣت ﻛل ﻋﻘل ﻣن اﻟﻌﻘول اﻷول ﺛﻼﺛﺔ أﺷﯾﺎء :ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك وﺟرﻣﮫ ،ﻓﻼ ﺑد وأن
ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﺑدﺋﮫ ﺗﺛﻠﯾث ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،وﻻ ﯾﺗﺻور ﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول إﻻ ﻣن وﺟﮫ واﺣد وھو أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻣﺑدأه
وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ،وھو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻷن وﺟوب وﺟوده ﺑﻐﯾره ﻻ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،وھذه ﻣﻌﺎن ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.
واﻷﺷرف ﻣن اﻟﻣﻌﻠوﻻت اﻟﺛﻼﺛﺔ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺳب إﻟﻰ اﻷﺷرف ﻣن ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﯾﺻدر ﻣﻧﮫ اﻟﻌﻘل ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ
ﯾﻌﻘل ﻣﺑدأه ،وﯾﺻدر ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ،وﯾﺻدر ﺟرم اﻟﻔﻠك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود
ﺑذاﺗﮫ.
ﻻ ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻟزوﻣﺎ ً إﻻ واﺣد
ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل :ھذا اﻟﺗﺛﻠﯾث ﻣن أﯾن ﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وﻣﺑدؤه واﺣد؟ ﻓﻧﻘول :ﻟم ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول
إﻻ واﺣد وھو ذات ھذا اﻟﻌﻘل اﻟذي ﺑﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ،وﻟزﻣﮫ ﺿرورة ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ إن ﻋﻘل اﻟﻣﺑدأ ،وھو ﻓﻲ
ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﻟﯾس ﻟﮫ اﻹﻣﻛﺎن ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﺑل ھو ﻟذاﺗﮫ .وﻧﺣن ﻻ ﻧﺑﻌد أن ﯾوﺟد ﻣن اﻟواﺣد واﺣد
ﯾﻠزم ذﻟك اﻟﻣﻌﻠول ،ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ ،أﻣور ﺿرورﯾﺔ إﺿﺎﻓﯾﺔ أو ﻏﯾر إﺿﺎﻓﯾﺔ ،ﻓﯾﺣﺻل ﺑﺳﺑﮫ ﻛﺛرة وﯾﺻﯾر
ﺑذﻟك ﻣﺑدأ ﻟوﺟود اﻟﻛﺛرة .ﻓﻌﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻠﺗﻘﻲ اﻟﻣرﻛب ﺑﺎﻟﺑﺳﯾط إذ ﻻ ﺑد ﻣن اﻻﻟﺗﻘﺎء ،وﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ
ﻛذﻟك ﻓﮭو اﻟذي ﯾﺟب اﻟﺣﻛم ﺑﮫ .ﻓﮭذا ھو اﻟﻘول ﻓﻲ ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم.
ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮭﺎ ﺗرھﺎت! واﻻﻋﺗراﺿﺎت ﻻ ﺗﻧﺣﺻر ،وإﻟﯾﻛم ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻗﻠﻧﺎ :ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﺗﺣﻛﻣﺎت وھﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق
ظﻠﻣﺎت ﻓوق ظﻠﻣﺎت ،ﻟو ﺣﻛﺎه اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ﻣﻧﺎم رآه ﻻﺳﺗدل ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﺳوء ﻣزاﺟﮫ ،أو أورد ﺟﻧﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﮭﯾﺎت
اﻟﺗﻲ ﻗﺻﺎرى اﻟﻣطﻠب ﻓﯾﮭﺎ ﺗﺧﻣﯾﻧﺎت ﻟﻘﯾل أﻧﮭﺎ ﺗرھﺎت ﻻ ﺗﻔﯾد ﻏﻠﺑﺎت اﻟظﻧون.
وﻣداﺧل اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ﻣﺛﻠﮫ ﻻ ﺗﻧﺣﺻر وﻟﻛﻧﺎ ﻧورد وﺟوھﺎ ً ﻣﻌدودة.
إن ﺟﺎز ﺻدور اﻟﻛﺛرة ﻋن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ،ﺟﺎز ﺻدورھﺎ ﻋن وﺟوب اﻟوﺟود اﻷول ھو أﻧﺎ ﻧﻘول :ادﻋﯾﺗم أن
أﺣد ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ،ﻓﻧﻘول :ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻋﯾن وﺟوده أو ﻏﯾره ،ﻓﺈن
ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﻼ ﯾﻧﺷﺄ ﻣﻧﮫ ﻛﺛرة ،وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﮭﻼ ﻗﻠﺗم :ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻛﺛرة ،ﻷﻧﮫ ﻣوﺟود وھو ﻣﻊ ذﻟك
واﺟب اﻟوﺟود ،ﻓوﺟوب اﻟوﺟود ﻏﯾر ﻧﻔس اﻟوﺟود ،ﻓﻠﯾﺟز ﺻدور اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻣﻧﮫ ﻟﮭذه اﻟﻛﺛرة .وإن ﻗﯾل :ﻻ
ﻣﻌﻧﻰ ﻟوﺟوب اﻟوﺟود إﻻ اﻟوﺟود ،ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻹﻣﻛﺎن اﻟوﺟود إﻻ اﻟوﺟود .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ
ﻣوﺟوداً وﻻ ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﮭو ﻏﯾره ،ﻓﻛذا واﺟب اﻟوﺟود ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌرف وﺟوده وﻻ ﯾﻌرف وﺟوﺑﮫ إﻻ
ﺑﻌد دﻟﯾل آﺧر ﻓﻠﯾﻛن ﻏﯾره .وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ اﻟوﺟود أﻣر ﻋﺎم ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ واﺟب وإﻟﻰ ﻣﻣﻛن ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﺻل أﺣد
اﻟﻘﺳﻣﯾن زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎم ﻓﻛذى اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ وﻻ ﻓرق.
ﻗوﻟﮭم إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟوﺟود ﻓﺈن ﻗﯾل :إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻟﮫ ﻣن ذاﺗﮫ ووﺟوده ﻣن ﻏﯾره ،ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﺎ ﻟﮫ
ﻣن ذاﺗﮫ وﻣﺎ ﻟﮫ ﻣن ﻏﯾره واﺣداً؟
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛذﻟك وﺟوب اﻟوﺟود
ﻗﻠﻧﺎ :وﻛﯾف ﯾﻛون وﺟوب اﻟوﺟود ﻋﯾن اﻟوﺟود وﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﻔﻰ وﺟوب اﻟوﺟود وﯾﺛﺑت اﻟوﺟود؟ واﻟواﺣد اﻟﺣق
ﻣن ﻛل وﺟﮫ ھو اﻟذي ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻟﻠﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :ﻣوﺟود وﻟﯾس ﺑﻣوﺟود أو واﺟب اﻟوﺟود
وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ،وﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :ﻣوﺟود وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :ﻣوﺟود وﻟﯾس
ﺑﻣﻣﻛن اﻟوﺟود .وإﻧﻣﺎ ﯾﻌرف اﻟوﺣدة ﺑﮭذا ﻓﻼ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﺗﻘدﯾر ذﻟك ﻓﻲ اﻷول إن ﺻﺢ ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن أن إﻣﻛﺎن
اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟوﺟود اﻟﻣﻣﻛن.
إن ﺟﺎز ﺻدور اﻟﻛﺛرة ﻋن ﻗوة اﻟﻌﻘل ،ﺟﺎز ﺻدورھﺎ ﻋن اﻟﻣﺑدأ اﻷول
اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻧﻘول :ﻋﻘﻠﮫ ﻣﺑدأه ﻋﯾن وﺟوده وﻋﯾن ﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ أم ﻏﯾره؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﻼ ﻛﺛرة ﻓﻲ
ذاﺗﮫ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎرة ﻋن ذاﺗﮫ ،وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﮭذه اﻟﻛﺛرة ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷول ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ وﯾﻌﻘل ﻏﯾره .ﻓﺈن
زﻋﻣوا أن ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ وﻻ ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻘل أﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻐﯾره ،ﻓﺈن اﻟﻌﻘل ﯾطﺎﺑق اﻟﻣﻌﻘول ﻓﯾﻛون
راﺟﻌﺎ ً إﻟﻰ ذاﺗﮫ .ﻓﻧﻘول :واﻟﻣﻌﻠول ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻋﻘل ﺑﺟوھره ﻓﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ،واﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل
واﻟﻣﻌﻘول ﻣﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً واﺣد .ﺛم إذا ﻛﺎن ﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﻠﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ ﻣﻌﻠوﻻً ﻟﻌﻠﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻛذﻟك ،واﻟﻌﻘل ﯾطﺎﺑق
اﻟﻣﻌﻘول ﻓﯾرﺟﻊ اﻟﻛل إﻟﻰ ذاﺗﮫ ﻓﻼ ﻛﺛرة إذن .وإن ﻛﺎﻧت ھذه ﻛﺛرة ﻓﮭﻲ ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻷول ،ﻓﻠﯾﺻدر ﻣﻧﮫ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت .وﻟﻧﺗرك دﻋوى وﺣداﻧﯾﺗﮫ ﻣن ﻛل وﺟﮫ إن ﻛﺎﻧت اﻟوﺣداﻧﯾﺔ ﺗزول ﺑﮭذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﻛﺛرة.
ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ذاﺗﮫ ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ذاﺗﮫ وﻋﻘﻠﮫ ذاﺗﮫ ھو ﻋﯾن ذاﺗﮫ ،ﻓﺎﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل
واﻟﻣﻌﻘول واﺣد وﻻ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ
واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن:
أﺣدھﻣﺎ أن ھذا اﻟﻣذھب ﻟﺷﻧﺎﻋﺗﮫ ھﺟره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ وﺳﺎﺋر اﻟﻣﺣﻘﻘﯾن وزﻋﻣوا أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻔﯾﺿﺎن ﻣﺎ
ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ وﯾﻌﻘل اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﺑﺄﻧواﻋﮭﺎ ﻋﻘﻼً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﺟزﺋﯾﺎً ،إذ اﺳﺗﻘﺑﺣوا ﻗول اﻟﻘﺎﺋل :اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ
ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ ﻋﻘل واﺣد ﺛم ﻻ ﯾﻌﻘل ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ،وﻣﻌﻠوﻟﮫ ﻋﻘل وﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ ﻋﻘل وﻧﻔس ﻓﻠك وﺟرم ﻓﻠك
وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ اﻟﺛﻼث وﻋﻠﺗﮫ وﻣﺑدأه ،ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﻣن ﺣﯾث أن اﻟﻌﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﺎض ﻣﻧﮭﺎ
إﻻ واﺣد .وﻗد ﻓﺎض ﻣن ھذا ﺛﻼﺛﺔ أﻣور ،واﻷول ﻣﺎ ﻋﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ،وھذا ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻧﻔس اﻟﻣﺑدأ وﻧﻔس
اﻟﻣﻌﻠوﻻت .وﻣن ﻗﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻗوﻟﮫ ﻓﻲ ﷲ راﺟﻌﺎ ً إﻟﻰ ھذه اﻟرﺗﺑﺔ ﻓﻘد ﺟﻌﻠﮫ أﺣﻘر ﻣن ﻛل ﻣوﺟود ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ
وﯾﻌﻘﻠﮫ ،ﻓﺈن ﻣﺎ ﯾﻌﻘﻠﮫ وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ أﺷرف ﻣﻧﮫ إذا ﻛﺎن ھو ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ.
أﻧزﻟوا ﷲ ﻣﻧزﻟﺔ اﻟﺟﺎھل! ھﻛذا ﯾﻌﺎﻣل ﷲ اﻟﻣﺗﻛﺑرﯾن
ﻓﻘد اﻧﺗﮭﻰ ﻣﻧﮭم اﻟﺗﻌﻣق ﻓﻲ اﻟﺗﻌظﯾم إﻟﻰ أن أﺑطﻠوا ﻛل ﻣﺎ ﯾﻔﮭم ﻣن اﻟﻌظﻣﺔ وﻗرﺑوا ﺣﺎﻟﮫ ﻣن ﺣﺎل اﻟﻣﯾت اﻟذي ﻻ
ﺧﺑر ﻟﮫ ﻣﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ،إﻻ أﻧﮫ ﻓﺎرق اﻟﻣﯾت ﻓﻲ ﺷﻌوره ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻘط .وھﻛذى ﯾﻔﻌل ﷲ ﺑﺎﻟزاﺋﻐﯾن ﻋن ﺳﺑﯾﻠﮫ
واﻟﻧﺎﻛﺑﯾن ﻟطرﯾق اﻟﮭدى اﻟﻣﻧﻛرﯾن ﻟﻘوﻟﮫ" :ﻣﺎ أﺷﮭدﺗﮭم ﺧﻠق اﻟﺳﻣوات واﻷرض وﻻ ﺧﻠق أﻧﻔﺳﮭم"" ،اﻟظﺎﻧﯾن
ﺑﺎ ظن اﻟﺳوء" ،اﻟﻣﻌﺗﻘدﯾن أن اﻷﻣور اﻟرﺑوﺑﯾﺔ ﯾﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ اﻟﻘوى اﻟﺑﺷرﯾﺔ ،اﻟﻣﻐرورﯾن ﺑﻌﻘوﻟﮭم
زاﻋﻣﯾن أن ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧدوﺣﺔ ﻋن ﺗﻘﻠﯾد اﻟرﺳل وأﺗﺑﺎﻋﮭم .ﻓﻼ ﺟرم اﺿطروا إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﺄن ﻟﺑﺎب ﻣﻌﻘوﻻ
رﺟﻌت إﻟﻰ ﻣﺎ ﻟو ﺣﻛﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﺎم ﻟﺗﻌﺟب ﻣﻧﮫ.
وﻻ ﯾﻌﻘل اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻏﯾره
اﻟﺟواب اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻣن ذھب إﻟﻰ أن اﻷول ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ إﻧﻣﺎ ﺣﺎذر ﻣن ﻟزوم اﻟﻛﺛرة ،إذ ﻟو ﻗﺎل ﺑﮫ ﻟﻠزم
أن ﯾﻘﺎل :ﻋﻘﻠﮫ ﻏﯾره ﻏﯾر ﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ .وھذا ﻻزم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻌﻘل إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ،ﻷﻧﮫ ﻟو ﻋﻘل
اﻷول أو ﻏﯾره ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻏﯾر ذاﺗﮫ وﻻﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻏﯾر ﻋﻠﺔ ذاﺗﮫ ،وﻻ ﻋﻠﺔ إﻻ ﻋﻠﺔ ذاﺗﮫ وھو اﻟﻣﺑدأ اﻷول،
ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ذاﺗﮫ ،وﺗﺑطل اﻟﻛﺛرة اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺄت ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﯾﻌﻘل اﻟﻣﺑدأ ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟﻣﺎ وﺟد وﻋﻘل ذاﺗﮫ ﻟزﻣﮫ أن ﯾﻌﻘل اﻟﻣﺑدأ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﻠزﻣﮫ ذﻟك ﺑﻌﻠﺔ وﺟوده
ﻗﻠﻧﺎ :ﻟزﻣﮫ ذﻟك ﺑﻌﻠﺔ أو ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﺑﻌﻠﺔ ﻓﻼ ﻋﻠﺔ إﻻ اﻟﻣﺑدأ اﻷول وھو واﺣد ،وﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﺻدر
ﻣﻧﮫ إﻻ واﺣد وﻗد ﺻدر وھو ذات اﻟﻣﻌﻠول ،ﻓﺎﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﯾف ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ؟ وإن ﻟزم ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ ﻓﻠﯾﻠزم وﺟود اﻷول
ﻣوﺟودات ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻛﺛﯾرة وﻟﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻛﺛرة .ﻓﺈن ﻟم ﯾﻌﻘل ھذا ﻣن ﺣﯾث أن واﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﯾﻛون إﻻ واﺣداً
واﻟزاﺋد ﻋﻠﻰ اﻟواﺣد ﻣﻣﻛن واﻟﻣﻣﻛن ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ،ﻓﮭذا اﻟﻼزم ﻓﻲ ﺣق اﻟﻣﻌﻠول .إن ﻛﺎن واﺟب اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ
ﻓﻘد ﺑطل ﻗوﻟﮭم :واﺟب اﻟوﺟود واﺣد ،وإن ﻛﺎن ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻋﻠﺔ وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﻌﻘل وﺟوده.
وﻻ ﺑﻌﻠﺔ إﻣﻛﺎن وﺟوده
وﻟﯾس ھو ﻣن ﺿرورة اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻟﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﻓﺈن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺿروري ﻓﻲ ﻛل ﻣﻌﻠول .أﻣﺎ
ﻛون اﻟﻣﻌﻠول ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ وﺟود ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ أن ﻛون اﻟﻌﻠﺔ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ
وﺟود ذاﺗﮫ .ﺑل ﻟزوم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول أظﮭر ﻣن ﻟزوم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ ،ﻓﺑﺎن أن اﻟﻛﺛرة اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻣن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ
ﻣﺣﺎل ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﻣﺑدأ ﻟﮫ وﻟﯾس ھو ﻣن ﺿرورة وﺟود ذات اﻟﻣﻌﻠول ،وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ.
ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﻛﺛر ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث
اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ﻋﻘل اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ذات ﻧﻔﺳﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أو ﻏﯾره .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻷن
اﻟﻌﻠم ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ،وإن ﻛﺎن ﻏﯾره ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﻛﺛرة وﯾﻠزم ﻓﯾﮫ ﺗرﺑﯾﻊ ﻻ ﺗﺛﻠﯾث
ﺑزﻋﻣﮭم ،ﻓﺈﻧﮫ ذاﺗﮫ وﻋﻘﻠﮫ ﻣﺑدأه وإﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺑذاﺗﮫ .وﯾﻣﻛن أن ﯾزاد أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره ﻓﯾظﮭر
ﺗﺧﻣﯾس ،وﺑﮭذا ﯾﺗﻌرف ﺗﻌﻣق ھؤﻻء ﻓﻲ اﻟﮭوس.
اﻟﺗﺛﯾﻠث ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ ﺟرم اﻟﺳﻣﺎء اﻷول اﻻﻋﺗراض اﻟراﺑﻊ أن ﻧﻘول :اﻟﺗﺛﻠﯾث ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﺈن
ﺟرم اﻟﺳﻣﺎء اﻷول ﻟزم ﻋﻧدھم ﻣن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﻣن ذات اﻟﻣﺑدأ وﻓﯾﮫ ﺗرﻛﯾب ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﮫ :ﻻ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﺻورة
وھﯾوﻟﻰ أﺣدھﺎ أﻧﮫ ﻣرﻛب ﻣن ﺻورة وھﯾوﻟﻰ وھﻛذى ﻛل ﺟﺳم ﻋﻧدھم .ﻓﻼ ﺑد ﻟﻛل واﺣد ﻣن ﻣﺑدأ إذ اﻟﺻورة
ﺗﺧﺎﻟف اﻟﮭﯾوﻟﻰ .وﻟﯾﺳت ﻛل واﺣدة ﻋﻠﻰ ﻣذھﺑﮭم ﻋﻠﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻟﻸﺧرى ﺣﺗﻰ ﯾﻛون أﺣدھﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻵﺧر ﻣن
ﻏﯾر ﻋﻠﺔ أﺧرى زاﺋدة ﻋﻠﯾﮫ.
وﻣﻘدار...
اﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻠﻰ ﺣد ﻣﺧﺻوص ﻓﻲ اﻟﻛﺑر .ﻓﺎﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑذﻟك اﻟﻘدر ﻣن ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻟﻣﻘﺎدﯾر زاﺋد
ﻋﻠﻰ وﺟود ذاﺗﮫ إذ ﻛﺎن ذاﺗﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً أﺻﻐر ﻣﻧﮫ وأﻛﺑر ﻓﻼ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻣﺧﺻص ﺑذﻟك اﻟﻣﻘدار زاﺋد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ
اﻟﺑﺳﯾط اﻟﻣوﺟب ﻟوﺟوده ،ﻻ ﻛوﺟود اﻟﻌﻘل ﻓﺈﻧﮫ وﺟود ﻣﺣض ﻻ ﯾﺧﺗص ﺑﻣﻘدار ﻣﻘﺎﺑل ﻟﺳﺎﺋر اﻟﻣﻘﺎدﯾر .ﻓﯾﺟوز
أن ﯾﻘﺎل :ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻻ إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﺑﺳﯾطﺔ.
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﻏﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻧظﺎم ﻓﺈن ﻗﯾل :ﺳﺑﺑﮫ أﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن أﻛﺑر ﻣﻧﮫ ﻟﻛﺎن ﻣﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل
اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ،وﻟو ﻛﺎن أﺻﻐر ﻣﻧﮫ ﻟم ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻣﻘﺻود.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻧظﺎم ﻟﯾس ھو ﻛﺎف
ﻓﻧﻘول :وﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ اﻟﻧظﺎم ھل ھو ﻛﺎف ﻓﻲ وﺟود ﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻧظﺎم أم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻣوﺟدة؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻘد
اﺳﺗﻐﻧﯾﺗم ﻋن وﺿﻊ اﻟﻌﻠل ،ﻓﺎﺣﻛﻣوا ﺑﺄن ﻛون اﻟﻧظﺎم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣوﺟودات اﻗﺗﺿﻰ ھذه اﻟﻣوﺟودات ﺑﻼ ﻋﻠﺔ
زاﺋدة ،وإن ﻛﺎن ذﻟك ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﺑل اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻓذﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻟﻼﺧﺗﺻﺎص ﺑﺎﻟﻣﻘﺎدﯾر ﺑل ﯾﺣﺗﺎج أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ
ﻋﻠﺔ اﻟﺗرﻛﯾب.
ﺧواص اﻟﻘطب اﻟﺛﺎﻟث أن اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ اﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ھﻣﺎ اﻟﻘطﺑﺎن وھﻣﺎ ﺛﺎﺑﺗﺎ اﻟوﺿﻊ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﺎن
وﺿﻌﮭﻣﺎ .وأﺟزاء اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﯾﺧﺗﻠف وﺿﻌﮭﺎ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا أﻣﺎ إن ﻛﺎن ﺟﻣﯾﻊ أﺟزاء اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎً ،ﻓﻠم ﻟزم
ﺗﻌﯾن ﻧﻘطﺗﯾن ﻣن ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻟﻧﻘط ﻟﻛوﻧﮭﻣﺎ ﻗطﺑﯾن؟ أو أﺟزاؤھﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺧواص ﻟﯾﺳت ﻓﻲ اﻟﺑﻌض،
ﻓﻣﺎ ﻣﺑدأ ﺗﻠك اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت؟ واﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻟم ﯾﺻدر إﻻ ﻣن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﺑﺳﯾط ،واﻟﺑﺳﯾط ﻻ ﯾوﺟب إﻻ ﺑﺳﯾطﺎ ً
ﻓﻲ اﻟﺷﻛل وھو اﻟﻛرى وﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ وھو اﻟﺧﻠو ﻋن اﻟﺧواص اﻟﻣﻣﯾزة ،وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﻟﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ أﻧواﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻛﺛرة ﻻزﻣﺔ ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ أﻧواﻋﺎ ً ﻣن اﻟﻛﺛرة
ﻻزﻣﺔ ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻣﺑدأ ،وإﻧﻣﺎ ظﮭر ﻟﻧﺎ ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ واﻟﺑﺎﻗﻲ ﻟم ﻧطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ،وﻋدم ﻋﺛورﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﯾﻧﮫ ﻻ
ﯾﺷﻛﻛﻧﺎ ﻓﻲ أن ﻣﺑدأ اﻟﻛﺛرة ﻛﺛرة وأن اﻟواﺣد ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻛﺛﯾر.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﺗﻛون ﺻﺎدرة ﻋن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول...
ً
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﺈذا ﺟوزﺗم ھذا ﻓﻘوﻟوا :إن اﻟﻣوﺟودات ﻛﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺛرﺗﮭﺎ وﻗد ﺑﻠﻐت آﻻﻓﺎ ﺻدرت ﻣن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ،ﻓﻼ
ﯾﺣﺗﺎج أن ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وﻧﻔﺳﮫ ،ﺑل ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻗد ﺻدر ﻣﻧﮫ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ
واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟﺳﺎم اﻷرﺿﯾﺔ واﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ،ﺑﺄﻧواع ﻛﺛرة ﻻزﻣﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﻟم ﯾطﻠﻌوا ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﯾﻘﻊ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء
ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول اﻷول.
ﻻ ﺑل ﻋن اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ
ﺛم ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﺈﻧﮫ إذا ﺟﺎز ﺗوﻟد ﻛﺛرة ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻻزﻣﺔ ﻻ ﺑﻌﻠﺔ ﻣﻊ أﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﺿرورﯾﺔ
ﻓﻲ وﺟود اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ،ﺟﺎز أن ﯾﻘدر ذﻟك ﻣﻊ اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ وﯾﻛون وﺟودھﺎ ﻻ ﺑﻌﻠﺔ وﯾﻘﺎل :إﻧﮭﺎ ﻟزﻣت وﻻ
ﯾدرى ﻋددھﺎ ،وﻛﻠﻣﺎ ﺗﺧﯾل وﺟودھﺎ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻊ اﻷول ﺗﺧﯾل ذﻟك ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﺑل ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘوﻟﻧﺎ :ﻣﻊ
اﻷول واﻟﺛﺎﻧﻲ ،إذ ﻟﯾس ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ زﻣﺎن وﻻ ﻣﻛﺎن .ﻓﻣﺎ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﮭﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺎن وزﻣﺎن وﯾﺟوز أن ﯾﻛون
ﻣوﺟوداً ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻟم ﯾﺧﺗص أﺣدھﻣﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﯾﺑﻌد أن ﯾﺑﻠﻎ اﻷﻟف ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟﻘد ﻛﺛرت اﻷﺷﯾﺎء ﺣﺗﻰ زادت ﻋﻠﻰ أﻟف ،وﯾﺑﻌد أن ﺗﺑﻠﻎ
اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول إﻟﻰ ھذا اﻟﺣد ،ﻓﻠذﻟك أﻛﺛرﻧﺎ اﻟوﺳﺎﺋط.
ﻗوﻟﻧﺎ وﻟﻣﺎذا؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻗول اﻟﻘﺎﺋل" :ﯾﺑﻌد" ھذا رﺟم ظن ﻻ ﯾﺣﻛم ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻻ أن ﯾﻘول :إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل .ﻓﻧﻘول :ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل؟
وﻣﺎ اﻟﻣرد واﻟﻔﯾﺻل ﻣﮭﻣﺎ ﺟﺎوزﻧﺎ اﻟواﺣد واﻋﺗﻘدﻧﺎ أﻧﮫ ﯾﺟوز أن ﯾﻠزم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ،ﻻ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﻌﻠﺔ ،ﻻزم
واﺛﻧﺎن وﺛﻠث؟ ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻷرﺑﻊ وﺧﻣس وھﻛذى إﻟﻰ اﻷﻟف؟ وإﻻ ﻓﻣن ﯾﺗﺣﻛم ﺑﻣﻘدار دون ﻣﻘدار؟ ﻓﻠﯾس ﺑﻌد
ﻣﺟﺎوزة ﻣرد ،اﻟواﺣد ،وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻗﺎطﻊ.
ﻋن ﺗﻠك اﻟﻛواﻛب ﺻدر اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ...
ﺛم ﻧﻘول :ھذا ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﺈﻧﮫ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻠك اﻟﻛواﻛب وﻓﯾﮫ أﻟف وﻧﯾف وﻣﺋﺗﺎ ﻛوﻛب ،وھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
اﻟﻌظم واﻟﺷﻛل واﻟوﺿﻊ واﻟﻠون واﻟﺗﺄﺛﯾر واﻟﻧﺣوﺳﺔ واﻟﺳﻌﺎدة ،ﻓﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻟﺣﻣل واﻟﺛور واﻷﺳد
وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻹﻧﺳﺎن ،وﯾﺧﺗﻠف ﺗﺄﺛﯾرھﺎ ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻣن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺑرﯾد واﻟﺗﺳﺧﯾن
واﻟﺳﻌﺎدة واﻟﻧﺣوس ،وﺗﺧﺗﻠف ﻣﻘﺎدﯾرھﺎ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ.
ﻓﻔﯾﮫ أﻧواع ﻣن اﻟﻌﻠل
ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻛل ﻧوع واﺣد ﻣﻊ ھذا اﻻﺧﺗﻼف ،وﻟو ﺟﺎز ھذا أن ﯾﻘﺎل :ﻛل أﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﻧوع واﺣد ﻓﻲ
اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻓﯾﻛﻔﯾﮭﺎ ﻋﻠﺔ واﺣدة .ﻓﺈن ﻛﺎن اﺧﺗﻼف ﺻﻔﺎﺗﮭﺎ وﺟواھرھﺎ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ دل ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ ﻓﻛذى اﻟﻛواﻛب
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،وﯾﻔﺗﻘر ﻛل واﺣد إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻟﺻورﺗﮫ وﻋﻠﺔ ﻟﮭﯾوﻻه وﻋﻠﺔ ﻻﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑطﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﺳﺧﻧﺔ أو
اﻟﻣﺑردة أو اﻟﻣﺳﻌدة أو اﻟﻣﻧﺣﺳﺔ وﻻﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑﻣوﺿﻌﮫ ﺛم ﻻﺧﺗﺻﺎص ﺟﻣﻠﮭﺎ ﺑﺄﺷﻛﺎل اﻟﺑﮭﺎﺋم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .وھذه
اﻟﻛﺛرة إن ﺗﺻور أن ﺗﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﺻور ﻓﻲ اﻷول ووﻗﻊ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء.
إن ﺑﯾﺎن اﻟﻌﻠل اﻟﺗﻲ ذﻛرﺗﻣوھﺎ ﻟﻣﻣﺎ ﯾﺿﺣك ﻣﻧﮭﺎ
اﻻﻋﺗراض اﻟﺧﺎﻣس ھو أﻧﺎ ﻧﻘول :ﺳﻠﻣﻧﺎ ھذه اﻷوﺿﺎع اﻟﺑﺎردة واﻟﺗﺣﻛﻣﺎت اﻟﻔﺎﺳدة وﻟﻛن ﻛﯾف ﻻ ﺗﺳﺗﺣﯾون ﻣن
ﻗوﻟﻛم :إن ﻛون اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود اﻗﺗﺿﻰ وﺟود ﺟرم اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ ﻣﻧﮫ ،وﻋﻘﻠﮫ ﻧﻔﺳﮫ اﻗﺗﺿﻰ
وﺟود ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻣﻧﮫ ،وﻋﻘﻠﮫ اﻷول ﯾﻘﺗﺿﻲ وﺟود ﻋﻘل ﻣﻧﮫ؟ وﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾن ھذا وﺑﯾن ﻗﺎﺋل ﻋرف وﺟود
إﻧﺳﺎن ﻏﺎﺋب وأﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وأﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﺻﺎﻧﻌﮫ ﻓﻘﺎل :ﯾﻠزم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﺟود ﻓﻠك؟
ﻓﯾﻘﺎل :وأي ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾن ﻛوﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود وﺑﯾن وﺟود ﻓﻠك ﻣﻧﮫ؟ وﻛذﻟك ﯾﻠزم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً ﻟﻧﻔﺳﮫ وﻟﺻﺎﻧﻌﮫ
ﺷﯾﺋﺎن آﺧران .وھذا إذا ﻗﯾل ﻓﻲ إﻧﺳﺎن ﺿﺣك ﻣﻧﮫ ،ﻓﻛذى ﻓﻲ ﻣوﺟود آﺧر إذ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻗﺿﯾﺔ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف
ﺑﺎﺧﺗﻼف ذات اﻟﻣﻣﻛن إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻛﺎن أو ﻣﻠﻛﺎ ً أو ﻓﻠﻛﺎ ً .ﻓﻠﺳت أدري ﻛﯾف ﯾﻘﻧﻊ اﻟﻣﺟﻧون ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﻣﺛل ھذه
اﻷوﺿﺎع ﻓﺿﻼً ﻣن اﻟﻌﻘﻼء اﻟذﯾن ﯾﺷﻘون اﻟﺷﻌر ﺑزﻋﻣﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت.
اﻋﺗراض ﻓﻣﺎذا ﺗﻘوﻟون أﻧﺗم؟
ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :ﻓﺈذا أﺑطﻠﺗم ﻣذھﺑﮭم ﻓﻣﺎذى ﺗﻘوﻟون أﻧﺗم؟ أﺗزﻋﻣون أﻧﮫ ﯾﺻدر ﻣن اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻣن ﻛل وﺟﮫ
ﺷﯾﺋﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن ،ﻓﺗﻛﺎﺑرون اﻟﻣﻌﻘول؟ أو ﺗﻘوﻟون :اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة ،ﻓﺗﺗرﻛون اﻟﺗوﺣﯾد؟ أو ﺗﻘوﻟون ﻻ ﻛﺛرة
ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ،ﻓﺗﻧﻛرون اﻟﺣس؟ أو ﺗﻘوﻟون :ﻟزﻣت ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط ،ﻓﺗﺿطرون إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﻣﺎ ﻗﺎﻟوه؟
ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﯾس ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻘول أن ﯾﺻدر اﺛﻧﺎن ﻣن واﺣد
وھذا ﻣﺎ ورد ﺑﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء
ﻗﻠﻧﺎ :ﻧﺣن ﻟم ﻧﺧض ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺧوض ﻣﻣﮭد ،وإﻧﻣﺎ ﻏرﺿﻧﺎ أن ﻧﺷوش دﻋﺎوﯾﮭم وﻗد ﺣﺻل .ﻋﻠﻰ أﻧﺎ
ﻧﻘول :وﻣن زﻋم أن اﻟﻣﺻﯾر إﻟﻰ ﺻدور اﺛﻧﯾن ﻣن واﺣد ﻣﻛﺎﺑرة اﻟﻣﻌﻘول أو اﺗﺻﺎف اﻟﻣﺑدأ ﺑﺻﻔﺎت ﻗدﯾﻣﺔ
أزﻟﯾﺔ ﻣﻧﺎﻗض ﻟﻠﺗوﺣﯾد ،ﻓﮭﺎﺗﺎن دﻋوﺗﺎن ﺑﺎطﻠﺗﺎن ﻻ ﺑرھﺎن ﻟﮭم ﻋﻠﯾﮭﻣﺎ ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺻدور اﻻﺛﻧﯾن
ﻣن واﺣد ﻛﻣﺎ ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻟﺷﺧص اﻟواﺣد ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن ،وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﺿرورة وﻻ
ﺑﺎﻟﻧظر .وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﺎﻟم ﻗﺎدر ﻣرﯾد ﯾﻔﻌل ﻣﺎ ﯾﺷﺎء وﯾﺣﻛم ﻣﺎ ﯾرﯾد ﯾﺧﻠق اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت
واﻟﻣﺗﺟﺎﻧﺳﺎت ﻛﻣﺎ ﯾرﯾد وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾرﯾد؟ ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا ﻻ ﯾﻌرف ﺑﺿرورة وﻻ ﻧظر ،وﻗد ورد ﺑﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء
اﻟﻣؤﯾدون ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزات ﻓﯾﺟب ﻗﺑوﻟﮫ.
اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﻣن اﻟﻔﺿول وأﻣﺎ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺻدور اﻟﻔﻌل ﻣن ﷲ ﺑﺎﻹرادة ﻓﻔﺿول وطﻣﻊ ﻓﻲ ﻏﯾر
ﻣطﻣﻊ .واﻟذﯾن طﻣﻌوا ﻓﻲ طﻠب اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ وﻣﻌرﻓﺗﮫ رﺟﻊ ﺣﺎﺻل ﻧظرھم إﻟﻰ أن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ
ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻠك ،وﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ،وھذه ﺣﻣﺎﻗﺔ ﻻ إظﮭﺎر ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ.
ﻓﻠﺗﺗﻘﺑل ﻣﺑﺎدئ ھذه اﻷﻣور ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء! ﻓﻠﺗﺗﻘﺑل ﻣﺑﺎدئ ھذه اﻷﻣور ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء وﻟﯾﺻدﻗوا ﻓﯾﮭﺎ إذ اﻟﻌﻘل ﻻ
ﯾﺣﯾﻠﮭﺎ ،وﻟﯾﺗرك اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ واﻟﻛﻣﯾﺔ واﻟﻣﺎھﯾﺔ .ﻓﻠﯾس ذﻟك ﯾﺗﺳﻊ ﻟﮫ اﻟﻘوى اﻟﺑﺷرﯾﺔ ،وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺻﺎﺣب
اﻟﺷرع :ﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ﺧﻠق ﷲ وﻻ ﺗﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ذات ﷲ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﻋﺟزھم ﻋن اﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ وﺟود اﻟﺻﺎﻧﻊ ﻟﻠﻌﺎﻟم
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘوﻟون إن ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم
ﻓﻧﻘول :اﻟﻧﺎس ﻓرﻗﺗﺎن :ﻓرﻗﺔ أھل اﻟﺣق وﻗد رأوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث وﻋﻠﻣوا ﺿرورة أن اﻟﺣﺎدث ﻻ ﯾوﺟد ﺑﻧﻔﺳﮫ
ﻓﺎﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ ،ﻓﯾﻌﻘل ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘول ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ ،وﻓرﻗﺔ أﺧرى ھم اﻟدھرﯾﺔ وﻗد رأوا اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ھو
ﻋﻠﯾﮫ وﻟم ﯾﺛﺑﺗوا ﻟﮫ ﺻﺎﻧﻌﺎً ،وﻣﻌﺗﻘدھم ﻣﻔﮭوم وإن ﻛﺎن اﻟدﻟﯾل ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼﻧﮫ .وأﻣﺎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻘد رأوا أن اﻟﻌﺎﻟم
ﻗدﯾم ﺛم أﺛﺑﺗوا ﻟﮫ ﻣﻊ ذﻟك ﺻﺎﻧﻌﺎً ،وھذا اﻟﻣذھب ﺑوﺿﻌﮫ ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻻ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﯾﮫ إﻟﻰ إﺑطﺎل.
ﻗوﻟﮭم ھو اﻟﻣﺑدأ اﻷول
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻧﺣن إذا ﻗﻠﻧﺎ :ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻊ ،ﻟم ﻧرد ﺑﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻣﺧﺗﺎراً ﯾﻔﻌل ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻔﻌل ﻛﻣﺎ ﻧﺷﺎھد ﻓﻲ أﺻﻧﺎف
اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻣن اﻟﺧﯾﺎط واﻟﻧﺳﺎج واﻟﺑﻧﺎء ،ﺑل ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮫ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟم وﻧﺳﻣﯾﮫ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ
ﻟوﺟوده وھو ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﻏﯾره ،ﻓﺈن ﺳﻣﯾﻧﺎه ﺻﺎﻧﻌﺎ ً ﻓﺑﮭذا اﻟﺗﺄوﯾل.
ﻷﻧﮫ ﻣن اﻟﻣﺣﺎل أن ﺗﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ.
وﺛﺑوت ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺑرھﺎن اﻟﻘطﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﻗرب ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :اﻟﻌﺎﻟم وﻣوﺟوداﺗﮫ إﻣﺎ أن
ﯾﻛون ﻟﮫ ﻋﻠﺔ أو ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺗﻠك اﻟﻌﻠﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ أم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ؟ وﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻠﺔ :ﻓﺈﻣﺎ
أن ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وھو ﻣﺣﺎل ،وإﻣﺎ أن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ طرف ﻓﺎﻷﺧﯾر ﻋﻠﺔ أوﻟﻰ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟودھﺎ ،ﻓﻧﺳﻣﯾﮫ
اﻟﻣﺑدأ اﻷول .وإن ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﻣوﺟوداً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻘد ظﮭر اﻟﻣﺑدأ اﻷول ،ﻓﺈﻧﺎ ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ ﻣوﺟوداً ﻻ ﻋﻠﺔ
ﻟﮫ ،وھو ﺛﺎﺑت ﺑﺎﻟﺿرورة.
اﻟﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻏﯾر ھذه
ﻧﻌم ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون اﻟﻣﺑدأ اﻷول ھﻲ اﻟﺳﻣوات ﻷﻧﮭﺎ ﻋدد ،ودﻟﯾل اﻟﺗوﺣﯾد ﯾﻣﻧﻌﮫ ﻓﯾﻌرف ﺑطﻼﻧﮫ ﺑﻧظر ﻓﻲ
ﺻﻔﺔ اﻟﻣﺑدأ ،وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﺳﻣﺎء واﺣد أو ﺟﺳم واﺣد أو ﺷﻣس أو ﻏﯾره ﻷﻧﮫ ﺟﺳم واﻟﺟﺳم ﻣرﻛب ﻣن
اﻟﺻورة واﻟﮭﯾوﻟﻰ ،واﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻣرﻛﺑﺎً ،وذﻟك ﯾﻌرف ﺑﻧظر ﺛﺎن .واﻟﻣﻘﺻود أن ﻣوﺟوداً ﻻ
ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﺛﺎﺑت ﺑﺎﻟﺿرورة واﻻﺗﻔﺎق .وإﻧﻣﺎ اﻟﺧﻼف ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وھو اﻟذي ﻧﻌﻧﯾﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ اﻷول.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻷﺟﺳﺎم ﺗﻛون ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ
واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أﻧﮫ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم أن ﺗﻛون أﺟﺳﺎم اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺔ ،ﻛذﻟك ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ.
وﻗوﻟﻛم :إن ﺑطﻼن ذﻟك ﯾﻌﻠم ﺑﻧظر ﺛﺎن ﻓﺳﯾﺑطل ذﻟك ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗوﺣﯾد وﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﺑﻌد ھذه
اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ.
ﺗﻠك اﻟﻌﻠل ﺗﻛون إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ
اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو اﻟﺧﺎص ﺑﮭذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ھو أن ﯾﻘﺎل :ﺛﺑت ﺗﻘدﯾراً أن ھذه اﻟﻣوﺟودات ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﻟﻛن ﻟﻌﻠﺗﮭﺎ ﻋﻠﺔ وﻟﻌﻠﺔ
اﻟﻌﻠﺔ ﻋﻠﺔ ،ﻛذﻟك وھﻛذى إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ.
وﺗﻘوﻟون إﻧﮭﺎ ﺣوادث ھﻛذا
وﻗوﻟﻛم :إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل إﺛﺑﺎت ﻋﻠل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻻ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻣﻧﻛم ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻋرﻓﺗم ذﻟك ﺿرورة ﺑﻐﯾر وﺳط أو
ﻋرﻓﺗﻣوه ﺑوﺳط ،وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ دﻋوى اﻟﺿرورة .وﻛل ﻣﺳﻠك ذﻛرﺗﻣوه ﻓﻲ اﻟﻧظر ﺑطل ﻋﻠﯾﻛم ﺑﺗﺟوﯾز ﺣوادث
ﻻ أول ﻟﮭﺎ .وإذا ﺟﺎز أن ﯾدﺧل ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ﻓﻠم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺑﻌض ،وﯾﻧﺗﮭﻲ ﻣن
اﻟطرف اﻷﺧﯾر إﻟﻰ ﻣﻌﻠول ﻻ ﻣﻌﻠول ﻟﮫ ،وﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ ﻣن اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻛﻣﺎ أن اﻟزﻣﺎن
اﻟﺳﺎﺑق ﻟﮫ آﺧر وھو اﻵن اﻟراھن وﻻ أول ﻟﮫ.
ﺣﺗﻰ اﻟﻣوﺟودة ﻣﻌﺎً ،ﻛﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ
ﻓﺈن زﻋﻣﺗم أن اﻟﺣوادث اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣوﺟودة ﻣﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻻ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال واﻟﻣﻌدوم ﻻ ﯾوﺻف
ﺑﺎﻟﺗﻧﺎھﻲ وﻋدم اﻟﺗﻧﺎھﻲ ،ﻓﯾﻠزﻣﻛم اﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻔﻧﻰ ﻋﻧدﻛم ،واﻟﻣوﺟود اﻟﻣﻔﺎرق
ﻟﻠﺑدن ﻣن اﻟﻧﻔوس ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ ،إذ ﻟم ﺗزل ﻧطﻔﺔ ﻣن إﻧﺳﺎن وإﻧﺳﺎن ﻣن ﻧطﻔﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ .ﺛم ﻛل إﻧﺳﺎن
ﻣﺎت ﻓﻘد ﺑﻘﻲ ﻧﻔﺳﮫ وھو ﺑﺎﻟﻌدد ﻏﯾر ﻧﻔس ﻣن ﻣﺎت ﻗﺑﻠﮫ وﻣﻌﮫ وﺑﻌده ،وإن ﻣﻛﺎن اﻟﻛل ﺑﺎﻟﻧوع واﺣداً ﻓﻌﻧدﻛم ﻓﻲ
اﻟوﺟود ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎل ﻧﻔوس ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ.
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗرﺗﯾب ﻟﮭﺎ
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﻧﻔوس ﻟﯾس ﻟﺑﻌﺿﮭﺎ ارﺗﺑﺎط ﺑﺎﻟﺑﻌض وﻻ ﺗرﺗﯾب ﻟﮭﺎ ﻻ ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﻻ ﺑﺎﻟوﺿﻊ ،وإﻧﻣﺎ ﻧﺣﯾل ﻧﺣن
ﻣوﺟودات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ إذا ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟوﺿﻊ ﻛﺎﻷﺟﺳﺎم ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣرﺗﺑﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓوق اﻟﺑﻌض ،أو ﻛﺎن ﻟﮭﺎ
ﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻛﺎﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت ،وأﻣﺎ اﻟﻧﻔوس ﻓﻠﯾﺳت ﻛذﻟك.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺗرﺗﯾب ﺑﺎﻟزﻣﺎن ﯾﻛﻔﻲ
ﻗﻠﻧﺎ :وھذا اﻟﺣﻛم ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ ﻟﯾس طرده ﺑﺄوﻟﻰ ﻣن ﻋﻛﺳﮫ ،ﻓﻠم أﺣﻠﺗم أﺣد اﻟﻘﺳﻣﯾن دون اﻵﺧر؟ وﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن
اﻟﻣﻔرق؟ وﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :إن ھذه اﻟﻧﻔوس اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻻ ﺗﺧﻠوا ﻋن ﺗرﺗﯾب إذ وﺟود ﺑﻌﺿﮭﺎ
ﻗﺑل اﻟﺑﻌض؟ ﻓﺈن اﻷﯾﺎم واﻟﻠﯾﺎﻟﻲ اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ .وإذا ﻗدرﻧﺎ وﺟود ﻧﻔس واﺣد ﻓﻲ ﻛل ﯾوم وﻟﯾﻠﺔ ﻛﺎن
اﻟﺣﺎﺻل ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻵن ﺧﺎرﺟﺎ ً ﻋن اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ واﻗﻌﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟوﺟود أي ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻌد اﻟﺑﻌض .واﻟﻌﻠﺔ
ﻏﺎﯾﺗﮭﺎ أن ﯾﻘﺎل :إﻧﮭﺎ ﻗﺑل اﻟﻣﻌﻠول ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﻓوق اﻟﻣﻌﻠول ﺑﺎﻟذات ﻻ ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن .ﻓﺈذا ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ذﻟك ﻓﻲ
اﻟﻘﺑل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ اﻟزﻣﺎﻧﻲ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟﻘﺑل اﻟذاﺗﻲ اﻟطﺑﻌﻲ .وﻣﺎ ﺑﺎﻟﮭم ﻟم ﯾﺟوزوا أﺟﺳﺎﻣﺎ ً ﺑﻌﺿﮭﺎ
ﻓوق اﻟﺑﻌض ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وﺟوزوا ﻣوﺟودات ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻗﺑل اﻟﺑﻌض ﺑﺎﻟزﻣﺎن إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ؟ وھل ھذا
إﻻ ﺗﺣﻛم ﺑﺎرد ﻻ أﺻل ﻟﮫ؟
ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠل ،إن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ ،اﻓﺗﻘرت إﻟﻰ ﻋﻠﺔ زاﺋدة.
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﺑرھﺎن اﻟﻘﺎطﻊ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ أن ﯾﻘﺎل :ﻛل واﺣد ﻣن آﺣﺎد اﻟﻌﻠل ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ
أو واﺟﺑﺔ .ﻓﺈن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ ﻓﻠم ﺗﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ،وإن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻓﺎﻟﻛل ﻣوﺻوف ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ،وﻛل ﻣﻣﻛن ﻓﯾﻔﺗﻘر
إﻟﻰ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ،ﻓﯾﻔﺗﻘر اﻟﻛل إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻧﮭﺎ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛل واﺣد ﻣﻣﻛن ،واﻟﻛل ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن.
ﻗﻠﻧﺎ :ﻟﻔظ اﻟﻣﻣﻛن واﻟواﺟب ﻟﻔظ ﻣﺑﮭم ،إﻻ أن ﯾراد ﺑﺎﻟواﺟب ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﯾراد ﺑﺎﻟﻣﻣﻛن ﻣﺎ ﻟوﺟوده ﻋﻠﺔ.
وإن ﻛﺎن اﻟﻣراد ھذا ﻓﻠﻧرﺟﻊ إﻟﻰ ھذه اﻟﻠﻔظﺔ ﻓﻧﻘول :ﻛل واﺣد ﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ،
واﻟﻛل ﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻧﮫ .وإن أرﯾد ﺑﻠﻔظ اﻟﻣﻣﻛن ﻏﯾر ﻣﺎ
أردﻧﺎه ﻓﮭو ﻟﯾس ﺑﻣﻔﮭوم.
ﻗوﻟﮭم ﻓﮭذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺗﻘوم واﺟب اﻟوﺟود
ﺑﻣﻣﻛﻧﺎت اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﮭذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺗﻘوم واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻣﻣﻛﻧﺎت اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﺗﻘوم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻷواﺋل
ﻗﻠﻧﺎ :إن أردﺗم ﺑﺎﻟواﺟب واﻟﻣﻣﻛن ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻓﮭو ﻧﻔس اﻟﻣطﻠوب .ﻓﻼ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻣﺣﺎل وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﯾﺳﺗﺣﯾل
أن ﯾﺗﻘوم اﻟﻘدﯾم ﺑﺎﻟﺣوادث ،واﻟزﻣﺎن ﻋﻧدھم ﻗدﯾم ،وآﺣﺎد اﻟدورات ﺣﺎدﺛﺔ وھﻲ ذوات أواﺋل ،واﻟﻣﺟﻣوع ﻻ أول
ﻟﮫ .ﻓﻘد ﺗﻘوم ﻣﺎ ﻻ أول ﻟﮫ ﺑذوات أواﺋل وﺻدق ذوات اﻷواﺋل ﻋﻠﻰ اﻵﺣﺎد وﻟم ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﻣوع .ﻓﻛذﻟك
ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد :إن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ،وﻻ ﯾﻘﺎل :ﻟﻠﻣﺟﻣوع ﻋﻠﺔ وﻟﯾس ﻛل ﻣﺎ ﺻدق ﻋﻠﻰ اﻵﺣﺎد ﯾﻠزم أن ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺟﻣوع ،إذ ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد أﻧﮫ واﺣد وأﻧﮫ ﺑﻌض وأﻧﮫ ﺟزء وﻻ ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﻣوع .وﻛل ﻣوﺿوع
ﻋﯾﻧﺎه ﻣن اﻷرض ﻓﺈﻧﮫ ﻗد اﺳﺗﺿﺎء ﺑﺎﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﻧﮭﺎر وأظﻠم ﺑﺎﻟﻠﯾل .وﻛل واﺣد ﺣﺎدث ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن أي ﻟﮫ
أول .واﻟﻣﺟﻣوع ﻋﻧدھم ﻣﺎ ﻟﮫ أول.
ﻓﻼ ﺳﺑﯾل ﻟﮭم إﻟﻰ اﻟوﺻول إﻟﻰ إﺛﺑﺎت اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﺗﺑﯾن أن ﻣن ﯾﺟوز ﺣوادث ﻻ أول ﻟﮭﺎ ،وھﻲ ﺻور
اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ واﻟﻣﺗﻐﯾرات ،ﻓﻼ ﯾﺗﻣﻛن ﻣن إﻧﻛﺎر ﻋﻠل ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ .وﯾﺧرج ﻣن ھذا أﻧﮫ ﻻ ﺳﺑﯾل ﻟﮭم إﻟﻰ
اﻟوﺻول إﻟﻰ إﺛﺑﺎت اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻟﮭذا اﻹﺷﻛﺎل ،وﯾرﺟﻊ ﻓرﻗﮭم إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻛم اﻟﻣﺣض.
ﻗوﻟﮭم إﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟدورات ﻟﯾﺳت ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل وﻻ ﺻور اﻟﻌﻧﺎﺻر وإﻧﻣﺎ اﻟﻣوﺟود ﻣﻧﮭﺎ ﺻورة واﺣدة ﺑﺎﻟﻔﻌل،
وﻣﺎ ﻻ وﺟود ﻟﮫ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺗﻧﺎھﻲ وﻋدم اﻟﺗﻧﺎھﻲ إﻻ إذا ﻗدر ﻓﻲ اﻟوھم وﺟودھﺎ ،وﻻ ﯾﺑﻌد ﻣﺎ ﯾﻘدر ﻓﻲ اﻟوھم
وإن ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻘدرات أﯾﺿﺎ ً ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﻼً ﻟﺑﻌض ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾﻔرض ذﻟك ﻓﻲ وھﻣﮫ ،وإﻧﻣﺎ اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣوﺟود
ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن ﻻ ﻓﻲ اﻷذھﺎن.
ﻧﻔوس اﻷﻣوات ﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮭﺎ ﻋدد
ﻻ ﯾﺑﻘﻲ إﻻ ﻧﻔوس اﻷﻣوات .وﻗد ذھب ﺑﻌض اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت واﺣدة أزﻟﯾﺔ ﻗﺑل اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑدان وﻋﻧد
ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻷﺑدان ﺗﺗﺣد ﻓﻼ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻋدد ،ﻓﺿﻼً ﻣن أن ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ .وﻗﺎل آﺧرون :اﻟﻧﻔس ﺗﺎﺑﻊ
ﻟﻠﻣزاج وإﻧﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت ﻋدﻣﮭﺎ وﻻ ﻗوام ﻟﮭﺎ ﺑﺟوھرھﺎ دون اﻟﺟﺳم .ﻓﺈذن ﻻ وﺟود ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس إﻻ ﻓﻲ ﺣق
اﻷﺣﯾﺎء ،واﻷﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺟودون ﻣﺣﺻورون وﻻ ﺗﻧﺗﻔﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ ﻋﻧﮭم ،واﻟﻣﻌدﻣون ﻻ ﯾوﺻﻔون أﺻﻼً ﻻ ﺑوﺟود
اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ وﻻ ﺑﻌدﻣﮭﺎ ،إﻻ ﻓﻲ اﻟوھم إذا ﻓرﺿوا ﻣوﺟودﯾن.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻣﺎ أوردﻧﺎه ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ اﻟﺦ.
واﻟﺟواب :إن ھذا اﻹﺷﻛﺎل ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس أوردﻧﺎه ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ واﻟﻣﺣﻘﻘﯾن ﻣﻧﮭم إذ ﺣﻛﻣوا ﺑﺄن اﻟﻧﻔس
ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وھو اﺧﺗﯾﺎر أرﺳطﺎﻟﯾس واﻟﻣﻌﺗﺑرﯾن ﻣن اﻷواﺋل.
وﻧﻘول ﻟﻐﯾرھم ﻋوض اﻟﻧﻔس ﻗدروا أي ﺣﺎدث ﻻ ﯾﻧﻘﺿﻲ .وﻣن ﻋدل ﻋن ھذا اﻟﻣﺳﻠك ﻓﻧﻘول ﻟﮫ :ھل ﯾﺗﺻور أن
ﯾﺣدث ﺷﻲء ﯾﺑﻘﻰ أم ﻻ؟ ﻓﺈن ﻗﺎﻟوا :ﻻ ،ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ،وإن ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم ،ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﺈذا ﻗدرﻧﺎ ﻛل ﯾوم ﺣدوث ﺷﻲء وﺑﻘﺎءه
اﺟﺗﻣﻊ إﻟﻰ اﻵن ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻣوﺟودات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ .ﻓﺎﻟدورة وإن ﻛﺎﻧت ﻣﻧﻘﺿﯾﺔ ﻓﺣﺻول ﻣوﺟود ﻓﯾﮭﺎ ﯾﺑﻘﻲ وﻻ
ﯾﻧﻘﺿﻰ ﻏﯾر ﻣﺳﺗﺣﯾل .وﺑﮭذا اﻟﺗﻘدﯾر ﯾﺗﻘرر اﻹﺷﻛﺎل .وﻻ ﻏرض ﻓﻲ أن ﯾﻛون ذﻟك اﻟﺑﺎﻗﻲ ﻧﻔس آدﻣﻲ أو ﺟﻧﻲ
أو ﺷﯾطﺎن أو ﻣﻠك أو ﻣﺎ ﺷﺋت ﻣن اﻟﻣوﺟودات .وھو ﻻزم ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣذھب ﻟﮭم ،إذ أﺛﺑﺗوا دورات ﻻﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن ﷲ واﺣد
وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺟوز ﻓرض اﺛﻧﯾن واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ
ﻗوﻟﮭم وﺟوب وﺟود ﷲ إﻣﺎ ﻟذاﺗﮫ وإﻣﺎ ﻟﻌﻠﺔ.
اﻟﻣﺳﻠك اﻷول ﻗوﻟﮭم :إﻧﮭﻣﺎ ﻟو ﻛﺎﻧﺎ اﺛﻧﯾن ﻟﻛﺎن ﻧوع وﺟوب اﻟوﺟود ﻣﻘوﻻً ﻋﻠﻰ ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ .وﻣﺎ ﻗﯾل ﻋﻠﯾﮫ
أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون وﺟوب وﺟوده ﻟذاﺗﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻟﻐﯾره ،أو وﺟوب اﻟوﺟود
ﻟﮫ ﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﻛون ذات واﺟب اﻟوﺟود ﻣﻌﻠوﻻً ،وﻗد اﻗﺗﺿت ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﺟوب اﻟوﺟود .وﻧﺣن ﻻ ﻧرﯾد ﺑواﺟب اﻟوﺟود
إﻻ ﻣﺎ ﻻ ارﺗﺑﺎط ﻟوﺟوده ﺑﻌﻠﺔ ﺑﺟﮭﺔ ﻣن اﻟﺟﮭﺎت.
زﯾد ھو ﻣﻌﻠول ﻷﻧﮫ ﻟﯾس وﺣده إﻧﺳﺎﻧﺎ ً
وزﻋﻣوا أن ﻧوع اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻘول ﻋﻠﻰ زﯾد وﻋﻠﻰ ﻋﻣرو .وﻟﯾس زﯾد إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻟذاﺗﮫ إذ ﻟو ﻛﺎن إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻟذاﺗﮫ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن
ﻋﻣرو إﻧﺳﺎﻧﺎً ،ﺑل ﻟﻌﻠﺔ ﺟﻌﻠﮫ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً .وﻗد ﺟﻌل ﻋﻣراً أﯾﺿﺎ ً إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﺗﻛﺛرت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺗﻛﺛر اﻟﻣﺎدة اﻟﺣﺎﻣﻠﺔ ﻟﮭﺎ.
وﺗﻌﻠﻘﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺎدة ﻣﻌﻠول ﻟﯾس ﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ .ﻓﻛذﻟك ﺛﺑوت وﺟوب اﻟوﺟود ﻟواﺟب اﻟوﺟود إن ﻛﺎن ﻟذاﺗﮫ ﻓﻼ
ﯾﻛون إﻻ ﻟﮫ ،وإن ﻛﺎن ﻟﻌﻠﺔ ﻓﮭو إذن ﻣﻌﻠول وﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ،وﻗد ظﮭر ﺑﮭذا أن واﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﺑد وأن
ﯾﻛون واﺣداً.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻻ ﯾطﺑق ﻋﻠﻰ اﻟذي ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ...ﻗﻠﻧﺎ :ﻗوﻟﻛم :ﻧوع وﺟوب اﻟوﺟود ﻟواﺟب اﻟوﺟود ﻟذاﺗﮫ أو
ﻟﻌﻠﺔ ﺗﻘﺳﯾم ﺧطﺄ ﻓﻲ وﺿﻌﮫ ،ﻓﺈﻧﺎ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻟﻔظ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓﯾﮫ إﺟﻣﺎل ،إﻻ أن ﯾراد ﺑﮫ ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻠﺗﺳﺗﻌﻣل
ھذه اﻟﻌﺑﺎرة .ﻓﻧﻘول :ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺛﺑوت ﻣوﺟودﯾن ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﻣﺎ وﻟﯾس أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻶﺧر؟ ﻓﻘوﻟﻛم :إن اﻟذي ﻻ
ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﺳﺑب ﺗﻘﺳﯾم اﻟﺧطﺄ ،ﻷن ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ واﺳﺗﻐﻧﺎء اﻟوﺟود ﻋن اﻟﻌﻠﺔ ﻻ ﯾطﻠب ﻟﮫ ﻋﻠﺔ .ﻓﺄي
ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻘول اﻟﻘﺎﺋل :إن ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ؟ إذ ﻗوﻟﻧﺎ :ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ،ﺳﻠب ﻣﺣض ،واﻟﺳﻠب
اﻟﻣﺣض ﻻ ﯾﻛون ﻟﮫ ﺳﺑب .وﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ :إﻧﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻻ ﻟذاﺗﮫ.
وﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود
وإن ﻋﻧﯾﺗم ﺑوﺟوب اﻟوﺟود وﺻﻔﺎ ً ﺛﺎﺑﺗﺎ ً ﻟواﺟب اﻟوﺟود ﺳوى أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ،ﻓﮭو ﻏﯾر ﻣﻔﮭوم ﻓﻲ
ﻧﻔﺳﮫ .واﻟذي ﯾﻧﺳﺑك ﻣن ﻟﻔظﮫ ﻧﻔﻰ اﻟﻌﻠﺔ ﻟوﺟوده ،وھو ﺳﻠب ﻣﺣض ﻻ ﯾﻘﺎل ﻓﯾﮫ :إﻧﮫ ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ ،ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻧﻰ
ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻏرض ،ﻓدل أن ھذا ﺑرھﺎن ﻣن ﺧرف ﻻ أﺻل ﻟﮫ .ﺑل ﻧﻘول :ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ واﺟب اﻟوﺟود
أﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻛوﻧﮫ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ،وﻟﯾس ﻛوﻧﮫ ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻣﻌﻠﻼً أﯾﺿﺎ ً ﺑذاﺗﮫ ﺑل ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وﻻ ﻟﻛوﻧﮫ
ﺑﻼ ﻋﻠﺔ أﺻﻼً.
وﻻ ﯾطﺑق ﻋﻠﻰ اﻷﺳود ﻓﮭل اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻟذاﺗﮭﺎ أم ﻟﻌﻠﺔ؟
ﻛﯾف وھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﻻ ﯾﺗطرق إﻟﻰ ﺑﻌض ﺻﻔﺎت اﻹﺛﺑﺎت ﻓﺿﻼً ﻋﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺳﻠب ،إذ ﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :اﻟﺳواد
ﻟون ﻟذاﺗﮫ أو ﻟﻌﻠﺔ :ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟذاﺗﮫ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﺗﻛون اﻟﺣﻣرة ﻟوﻧﺎ ً وأن ﻻ ﯾﻛون ھذا اﻟﻧوع أﻋﻧﻲ اﻟﻠوﻧﯾﺔ إﻻ
ﻟذات اﻟﺳواد ،وإن ﻛﺎن اﻟﺳواد ﻟوﻧﺎ ً ﻟﻌﻠﺔ ﺟﻌﻠﺗﮫ ﻟوﻧﺎ ً ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻘل ﺳواد ﻟﯾس ﺑﻠون أي ﻟم ﺗﺟﻌﻠﮫ اﻟﻌﻠﺔ ﻟوﻧﺎ ً.
ﻓﺈن ﻣﺎ ﯾﺛﺑت ﻟﻠذات زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟذات ﺑﻌﻠﺔ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾر ﻋدﻣﮫ ﻓﻲ اﻟوھم ،وإن ﻟم ﯾﺗﺣﻘق ﻓﻲ اﻟوﺟود .وﻟﻛن ﯾﻘﺎل:
ھذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ﺧطﺄ ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ ،ﻓﻼ ﯾﻘﺎل ﻟﻠﺳواد :إﻧﮫ ﻟون ﻟذاﺗﮫ ،ﻗوﻻً ﯾﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﯾر ذاﺗﮫ .وﻛذﻟك ﻻ
ﯾﻘﺎل :إن ھذا اﻟﻣوﺟود واﺟب ﻟذاﺗﮫ أو ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻟذاﺗﮫ ،ﻗوﻻً ﯾﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﯾر ذاﺗﮫ ﺑﺣﺎل.
ﻗوﻟﮭم :ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﯾﺑطل ﺗﻌددھﻣﺎ...
ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻗﺎﻟوا :ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ واﺟﺑﻲ اﻟوﺟود ﻟﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ أو ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن .ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن
ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻓﻼ ﯾﻌﻘل اﻟﺗﻌدد واﻻﺛﻧﯾﻧﯾﺔ إذ اﻟﺳوادان ھﻣﺎ اﺛﻧﺎن إذا ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن أو ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ،وﻟﻛن ﻓﻲ
وﻗﺗﯾن إذ اﻟﺳواد واﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد ﻓﻲ وﻗت واﺣد ھﻣﺎ اﺛﻧﺎن ﻻﺧﺗﻼف ذاﺗﯾﮭﻣﺎ .أﻣﺎ إذا ﻟم ﯾﺧﺗﻠف اﻟذاﺗﺎن
ﻛﺎﻟﺳوادﯾن ﺛم اﺗﺣد اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن ،ﻟم ﯾﻌﻘل اﻟﺗﻌدد وﻟو ﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل :ﻓﻲ وﻗت واﺣد ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد :ﺳوادان،
ﻟﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ﺣق ﻛل ﺷﺧص :إﻧﮫ ﺷﺧﺻﺎن ،وﻟﻛن ﻟﯾس ﯾﺑﯾن ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﻐﺎﯾرة.
وإن ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ،ﯾﻛوﻧﺎ ﻣﺗرﻛﺑﯾن...
وإذا اﺳﺗﺣﺎل اﻟﺗﻣﺎﺛل ﻣن ﻛل وﺟﮫ ،وﻻ ﺑد ﻣن اﻻﺧﺗﻼف ،وﻟم ﯾﻣﻛن ﺑﺎﻟزﻣﺎن وﻻ ﺑﺎﻟﻣﻛﺎن ،ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ
اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟذات .وﻣﮭﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن اﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء أو ﻟم ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء .ﻓﺈن ﻟم
ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻠزم أن ﻻ ﯾﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ اﻟوﺟود وﻻ ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود وﻻ ﻓﻲ ﻛون ﻛل واﺣد
ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع .وإذا اﺷﺗرﻛﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء واﺧﺗﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ اﻻﺷﺗراك ﻏﯾر ﻣﺎ ﻓﯾﮫ
اﻻﺧﺗﻼف ﻓﯾﻛون ﺛم ﺗرﻛﯾب واﻧﻘﺳﺎم ﺑﺎﻟﻘول.
...وﻣن اﻟﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود ﻣرﻛﺑﺎ ً
وواﺟب اﻟوﺟود ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮫ ،وﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻓﻼ ﯾﻧﻘﺳم أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﻘول اﻟﺷﺎرح إذ ﻻ ﯾﺗرﻛب ذاﺗﮫ ﻣن
أﻣور ﯾدل اﻟﻘول اﻟﺷﺎرح ﻋﻠﻰ ﺗﻌدده ﻛدﻻﻟﺔ اﻟﺣﯾوان واﻟﻧﺎطق ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘوم ﺑﮫ ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﺣﯾوان
وﻧﺎطق .وﻣدﻟول ﻟﻔظ اﻟﺣﯾوان ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ﻏﯾر ﻣدﻟول ﻟﻔظ اﻟﻧﺎطق ،ﻓﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺗرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﺟزاء ﺗﻧﺗظم
ﻓﻲ اﻟﺣد ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻷﺟزاء وﯾﻛون اﺳم اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻣﺟﻣوﻋﮫ .وھذا ﻻ ﯾﺗﺻور ،ودون ھذا ﻻ ﺗﺗﺻور
اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب ﻟﯾس ﻣن اﻟﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول واﻟﺟواب أﻧﮫ ﻣﺳﻠم أﻧﮫ ﻻ ﺗﺗﺻور اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ إﻻ
ﺑﺎﻟﻣﻐﺎﯾرة ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ وأن اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﯾن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻐﺎﯾرھﻣﺎ .وﻟﻛن ﻗوﻟﻛم :إن ھذا اﻟﻧوع ﻣن
اﻟﺗرﻛﯾب ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول ،ﺗﺣﻛم ﻣﺣض .ﻓﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻓﻲ وﺣداﻧﯾﺔ ﷲ
وﻟﻧرﺳم ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﻟﮭﺎ ﻓﺈن ﻣن ﻛﻼﻣﮭم اﻟﻣﺷﮭور أن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻘول اﻟﺷﺎرح ﻛﻣﺎ ﻻ
ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ،وﻋﻠﯾﮫ ﯾﻧﺑﻧﻰ إﺛﺑﺎت وﺣداﻧﯾﺔ ﷲ ﻋﻧدھم.
ﻗوﻟﮭم اﻟوﺣدة ﻓﻲ ﷲ ﺗﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﺑل زﻋﻣوا أن اﻟﺗوﺣﯾد ﻻ ﯾﺗم إﻻ ﺑﺈﺛﺑﺎت اﻟوﺣدة ﻟذات اﻟﺑﺎري ﻣن ﻛل وﺟﮫ
وإﺛﺑﺎت اﻟوﺣدة ﺑﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﻛل وﺟﮫ ،واﻟﻛﺛرة ﺗﺗطرق إﻟﻰ اﻟذوات ﻣن ﺧﻣﺳﺔ أوﺟﮫ:
ﻛﺛرة اﻷﺟزاء...
ً ً ً ً
اﻷول ﺑﻘﺑول اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻌﻼ أو وھﻣﺎ .ﻓﻠذﻟك ﻟم ﯾﻛن اﻟﺟﺳم اﻟواﺣد واﺣدا ﻣطﻠﻘﺎ ،ﻓﺈﻧﮫ واﺣد ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل اﻟﻘﺎﺋم اﻟﻘﺎﺑل
ﻟﻠزوال ﻓﮭو ﻣﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻟوھم ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ .وھذا ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺑدأ اﻷول.
...واﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة
اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﯾﻧﻘﺳم اﻟﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻟﻰ ﻣﻌﻧﯾﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن .ﻻ ﺑطرﯾق اﻟﻛﻣﯾﺔ ﻛﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﺳم إﻟﻰ اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة
ﻓﺈن ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة ،وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮫ دون اﻵﺧر ،ﻓﮭﻣﺎ ﺷﯾﺋﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن
ﺑﺎﻟﺣد واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﯾﺣﺻل ﺑﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ ﺷﻲء واﺣد ھو اﻟﺟﺳم .وھذا أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻔﻲ ﻋن ﷲ ﻓﻼ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون
اﻟﺑﺎري ﺻورة ﻓﻲ ﺟﺳم وﻻ ﻣﺎدة ﻓﻲ ھﯾوﻟﻰ ﻟﺟﺳم وﻻ ﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ .أﻣﺎ ﻣﺟﻣوﻋﮭﻣﺎ ﻓﻠﻌﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ أﻧﮫ ﻣﻧﻘﺳم
ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﺗﺟزﺋﺔ ﻓﻌﻼً أو وھﻣﺎً ،واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻧﮫ ﻣﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ إﻟﻰ اﻟﺻورة واﻟﮭﯾوﻟﻰ ،وﻻ ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻷﻧﮭﺎ
ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺻورة ،وواﺟب اﻟوﺟود ﻣﺳﺗﻐن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻓﻼ ﯾﺟوز أن ﯾرﺗﺑط وﺟوده ﺑﺷرط آﺧر ﺳواه ،وﻻ
ﯾﻛون ﺻورة ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﺎدة.
...وﺗﻧﻔﻲ أﯾﺿﺎ ً اﻟﻛﺛرة ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت...
اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻛﺛرة ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت ﺑﺗﻘدﯾر اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻹرادة .ﻓﺈن ھذه اﻟﺻﻔﺎت إن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود ﻛﺎن وﺟوب
اﻟوﺟود ﻣﺷﺗرﻛﺎ ً ﺑﯾن اﻟذات وﯾﺑن ھذه اﻟﺻﻔﺎت وﻟزﻣت ﻛﺛرة ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود واﻧﺗﻔت اﻟوﺣدة.
...وﺑﺎﻟﺟﻧس واﻟﻧوع...
اﻟراﺑﻊ ﻛﺛرة ﻋﻘﻠﯾﺔ ﺗﺣﺻل ﺑﺗرﻛﯾب اﻟﺟﻧس واﻟﻧوع .ﻓﺈن اﻟﺳواد ﺳواد وﻟون واﻟﺳوادﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺣق
اﻟﻌﻘل ،ﺑل اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﺟﻧس واﻟﺳوادﯾﺔ ﻓﺻل ﻓﮭو ﻣرﻛب ﻣن ﺟﻧس وﻓﺻل ،واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻏﯾر اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﺈن
اﻹﻧﺳﺎن ﺣﯾوان وﻧﺎطق واﻟﺣﯾوان ﺟﻧس واﻟﻧﺎطق ﻓﺻل وھو ﻣرﻛب ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ،وھذا ﻧوع ﻛﺛرة.
ﻓزﻋﻣوا أن ھذا أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻔﻲ ﻋن اﻟﻣﺑدأ اﻷول.
...وﺑﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ واﻟوﺟود
واﻟﺧﺎﻣس ﻛﺛرة ﺗﻠزم ﻣن ﺟﮭﺔ ﺗﻘدﯾر ﻣﺎھﯾﺔ وﺗﻘدﯾر وﺟود ﻟﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ .ﻓﺈن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻣﺎھﯾﺔ ﻗﺑل اﻟوﺟود،
واﻟوﺟود ﯾرد ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ .وﻛذى اﻟﻣﺛﻠث ﻣﺛﻼً ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ وھو أﻧﮫ ﺷﻛل ﯾﺣﯾط ﺑﮫ ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻼع ،وﻟﯾس
اﻟوﺟود ﺟزءاً ﻣن ذات ھذه اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟﮭﺎ ،وﻟذﻟك ﯾﺟوز أن ﯾدرك اﻟﻌﺎﻗل ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن وﻣﺎھﯾﺔ اﻟﻣﺛﻠث،
وﻟﯾس ﯾدري أن ﻟﮭﻣﺎ وﺟوداً ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎن أم ﻻ .وﻟو ﻛﺎن اﻟوﺟود ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟﻣﺎھﯾﺗﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور ﺛﺑوت ﻣﺎھﯾﺗﮫ ﻓﻲ
اﻟﻌﻘل ﻗﺑل وﺟوده .ﻓﺎﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳواء ﻛﺎن ﻻزﻣﺎ ً ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﻛون ﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ إﻻ ﻣوﺟودة
ﻛﺎﻟﺳﻣﺎء ،أو ﻋﺎرﺿﺎ ً ﺑﻌد ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻛﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣن زﯾد وﻋﻣرو وﻣﺎھﯾﺔ اﻷﻋراض اﻟﺻور اﻟﺣﺎدﺛﺔ.
ﻓزﻋﻣوا أن ھذه اﻟﻛﺛرة أﯾﺿﺎ ً ﯾﺟب أن ﺗﻧﻔﻰ ﻋن اﻷول.
اﻟواﺟب اﻟوﺟود ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ
ﻓﯾﻘﺎل :ﻟﯾس ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ،ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﮫ ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻐﯾره .ﻓﺎﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﺎھﯾﺔ
وﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﻠﯾﺔ وطﺑﯾﻌﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻛﻣﺎ أن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﺷﺟرﯾﺔ واﻟﺳﻣﺎﺋﯾﺔ ﻣﺎھﯾﺔ ،إذ ﻟو ﺛﺑت ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻛﺎن اﻟوﺟود
اﻟواﺟب ﻻزﻣﺎ ً ﻟﺗﻠك اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻏﯾر ﻣﻘوم ﻟﮭﺎ ،واﻟﻼزم ﺗﺎﺑﻊ وﻣﻌﻠول ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﻧﺎﻗض
ﻟﻛوﻧﮫ واﺟﺑﺎ ً.
وﻣﻊ ھذا ﯾﻘوﻟون إن ﷲ ﻣﺑدأ وأول ﻣوﺟود...
وﻣﻊ ھذا ﻓﺈﻧﮭم ﯾﻘوﻟون ﻟﻠﺑﺎري :إﻧﮫ ﻣﺑدأ وأول وﻣوﺟود وﺟوھر وواﺣد وﻗدﯾم وﺑﺎق وﻋﺎﻟم وﻋﻘل وﻋﺎﻗل
وﻣﻌﻘول وﻓﺎﻋل وﺧﺎﻟق وﻣرﯾد وﻗﺎدر وﺣﻲ وﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق ﻟذﯾذ وﻣﻠﺗذ وﺟواد وﺧﯾر ﻣﺣض .وزﻋﻣوا أن ﻛل
ذﻟك ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ﻻ ﻛﺛرة ﻓﯾﮫ ،وھذا ﻣن اﻟﻌﺟﺎﺋب .ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﺣﻘق ﻣذھﺑﮭم ﻟﻠﺗﻔﮭﯾم أوﻻً ﺛم ﻧﺷﺗﻐل
ﺑﺎﻻﻋﺗراض ،ﻓﺈن اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻟﻣذاھب ﻗﺑل ﺗﻣﺎم اﻟﺗﻔﮭﯾم رﻣﻲ ﻓﻲ ﻋﻣﺎﯾﺔ.
...وﯾردون ھذه اﻷﻣور إﻟﻰ اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ
واﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﻓﮭم ﻣذھﺑﮭم أﻧﮭم ﯾﻘوﻟون :ذات اﻟﻣﺑدأ واﺣد وإﻧﻣﺎ ﺗﻛﺛر اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﺷﻲء إﻟﯾﮫ أو إﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﻰ
ﺷﻲء أو ﺳﻠب ﺷﻲء ﻋﻧﮫ ،واﻟﺳﻠب ﻻ ﯾوﺟب ﻛﺛرة ﻓﻲ ذات اﻟﻣﺳﻠوب ﻋﻧﮫ ،وﻻ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﺗوﺟب ﻛﺛرة ،ﻓﻼ
ﯾﻧﻛرون إذاً ﻛﺛرة اﻟﺳﻠوب وﻛﺛرة اﻹﺿﺎﻓﺎت ،وﻟﻛن اﻟﺷﺄن ﻓﻲ رد ھذه اﻷﻣور ﻛﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ.
اﻷول واﻟﻣﺑدأ واﻟﻣوﺟود واﻟﺟوھر...
ﻓﻘﺎﻟوا :إذا ﻗﯾل ﻟﮫ :أول ،ﻓﮭو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣوﺟودات ﺑﻌده .وإذا ﻗﯾل :ﻣﺑدأ ،ﻓﮭو إﺷﺎرة إﻟﻰ أن وﺟود ﻏﯾره ﻣﻧﮫ
وھو ﺳﺑب ﻟﮫ ،ﻓﮭو إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ .وإذا ﻗﯾل :ﻣوﺟود ،ﻓﻣﻌﻧﺎه ﻣﻌﻠوم .وإذا ﻗﯾل :ﺟوھر ،ﻓﻣﻌﻧﺎه اﻟوﺟود
ﻣﺳﻠوﺑﺎ ً ﻋﻧﮫ اﻟﺣﻠول ﻓﻲ ﻣوﺿوع ،وھذا ﺳﻠب .وإذا ﻗﯾل:
...واﻟﻘدﯾم واﻟﺑﺎﻗﻲ...
ً ً
ﻗدﯾم ،ﻓﻣﻌﻧﺎه ﺳﻠب اﻟﻌدم ﻋﻧﮫ أوﻻ .وإذا ﻗﯾل :ﺑﺎق ،ﻓﻣﻌﻧﺎه ﺳﻠب اﻟﻌدم ﻋﻧﮫ آﺧرا ،وﯾرﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻘدﯾم واﻟﺑﺎﻗﻲ
إﻟﻰ وﺟود ﻟﯾس ﻣﺳﺑوﻗﺎ ً ﺑﻌدم وﻻ ﻣﻠﺣوﻗﺎ ً ﺑﻌدم.
...وواﺟب اﻟوﺟود
وإذا ﻗﯾل :واﺟب اﻟوﺟود ،ﻓﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وھو ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره ،ﻓﯾﻛون ﺟﻣﻌﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺳﻠب واﻹﺿﺎﻓﺔ إذ
ﻧﻔﻲ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﺳﻠب وﺟﻌﻠﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره إﺿﺎﻓﺔ.
...واﻟﻌﻘل...
وإذا ﻗﯾل :ﻋﻘل ،ﻓﻣﻌﻧﺎه أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة ،وﻛل ﻣوﺟود ھذا ﺻﻔﺗﮫ ﻓﮭو ﻋﻘل أي ﯾﻌﻘل ذاﺗﮫ وﯾﺷﻌر ﺑﮫ
وﯾﻌﻘل ﻏﯾره ،وذات ﷲ ھذا ﺻﻔﺗﮫ أي ھو ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة ،ﻓﺈذن ھو ﻋﻘل وھﻣﺎ ﻋﺑﺎرﺗﺎن ﻋن ﻣﻌﺑر واﺣد.
...واﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول...
وإذا ﻗﯾل :ﻋﺎﻗل ،ﻓﻣﻌﻧﺎه أن ذاﺗﮫ اﻟذي ھو ﻋﻘل ،ﻓﻠﮫ ﻣﻌﻘول ھو ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ،ﻓذاﺗﮫ
ﻣﻌﻘول وذاﺗﮫ ﻋﺎﻗل وذاﺗﮫ ﻋﻘل واﻟﻛل واﺣد ،إذ ھو ﻣﻌﻘول ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻏﯾر ﻣﺳﺗورة
ﻋن ذاﺗﮫ اﻟذي ھو ﻋﻘل ،ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﻛون ﺷﻲء ﻣﺳﺗوراً ﻋﻧﮫ .وﻟﻣﺎ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻛﺎن
ﻋﺎﻗﻼً ،وﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻌﻘوﻻً ﻟﻧﻔﺳﮫ ﻛﺎن ﻣﻌﻘوﻻً ،وﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻘﻠﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻻ ﺑزاﺋد ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ﻛﺎن ﻋﻘﻼً ،وﻻ ﯾﺑﻌد
أن ﯾﺗﺣد اﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول ﻓﺈن اﻟﻌﺎﻗل إذا ﻋﻘل ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً ﻋﻘﻠﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻗﻼً ،ﻓﯾﻛون اﻟﻌﺎﻗل واﻟﻣﻌﻘول واﺣداً
ﺑوﺟﮫ ﻣﺎ ،وإن ﻛﺎن ذﻟك ﯾﻔﺎرق ﻋﻘل اﻷول ﻓﺈن ﻣﺎ ﻟﻸول ﺑﺎﻟﻔﻌل أﺑداً وﻣﺎ ﻟﻧﺎ ﯾﻛون ﺑﺎﻟﻘوة ﺗﺎرة وﺑﺎﻟﻔﻌل أﺧرى.
واﻟﺧﺎﻟق واﻟﻔﺎﻋل واﻟﺑﺎرئ اﻟذي ﻋﻧﮫ ﯾﻔﯾض ﻛل ﺷﻲء
ﻟزوﻣﺎ ً ﺑﻌﻠم ﻣﻧﮫ ﻻ ﻏﻔﻠﺔ
وإذا ﻗﯾل :ﺧﺎﻟق وﻓﺎﻋل وﺑﺎرئ وﺳﺎﺋر ﺻﻔﺎت اﻟﻔﻌل ،ﻓﻣﻌﻧﺎه أن وﺟوده وﺟود ﺷرﯾف ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ وﺟود اﻟﻛل
ﻓﯾﺿﺎﻧﺎ ً ﻻزﻣﺎً ،وإن وﺟود ﻏﯾره ﺣﺎﺻل ﻣﻧﮫ وﺗﺎﺑﻊ ﻟوﺟوده ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻧور اﻟﺷﻣس واﻹﺳﺧﺎن اﻟﻧﺎر .وﻻ ﺗﺷﺑﮫ
ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟم إﻟﯾﮫ ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻧور إﻟﻰ اﻟﺷﻣس إﻻ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً ﻓﻘط ،وإﻻ ﻓﻠﯾس ھو ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﺷﻣس ﻻ ﺗﺷﻌر
ﺑﻔﯾﺿﺎن اﻟﻧور ﻋﻧﮭﺎ وﻻ اﻟﻧﺎر ﺑﻔﯾﺿﺎن اﻹﺳﺧﺎن ﻓﮭو طﺑﻊ ﻣﺣض ،ﺑل اﻷول ﻋﺎﻟم ﺑذاﺗﮫ وأن ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟوﺟود
ﻏﯾره ،ﻓﻔﯾﺿﺎن ﻣﺎ ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﻓﻠﯾس ﺑﮫ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ .وﻻ ھو أﯾﺿﺎ ً ﻛﺎﻟواﺣد ﻣﻧﺎ إذا وﻗف ﺑﯾن
ﻣرﯾض وﺑﯾن اﻟﺷﻣس ﻓﺎﻧدﻓﻊ ﺣر اﻟﺷﻣس ﻋن اﻟﻣرﯾض ﺑﺳﺑﺑﮫ ﻻ ﺑﺎﺧﺗﯾﺎره وﻟﻛﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﮫ وھو ﻏﯾر ﻛﺎره أﯾﺿﺎ ً
ﻟﮫ ،ﻓﺈن اﻟﻣظل اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠظل ﺷﺧﺻﮫ وﺟﺳﻣﮫ واﻟﻌﺎﻟم اﻟراﺿﻲ ﺑوﻗوع اﻟظل ﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﺟﺳﻣﮫ ،وﻓﻲ ﺣق اﻷول
ﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻋل ﻣﻧﮫ ھو اﻟﻌﺎﻟم وھو اﻟراﺿﻲ أي أﻧﮫ ﻏﯾر ﻛﺎره وأﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﺄن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ
ﻏﯾره.
ﻓﯾﻛون ﻋﻠﻣﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﯾﺿﺎن ﻛل ﺷﻲء
ﺑل ﻟو أﻣﻛن أن ﯾﻔرض ﻛون اﻟﺟﺳم اﻟﻣظل ﺑﻌﯾﻧﮫ ھو اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺑوﻗوع اﻟظل وھو اﻟراﺿﻲ ،ﻟم ﯾﻛن أﯾﺿﺎ ً
ﻣﺳﺎوﯾﺎ ً ﻟﻸول ﻓﺈن اﻷول ھو اﻟﻌﺎﻟم وھو اﻟﻔﺎﻋل وﻋﻠﻣﮫ ھو ﻣﺑدأ ﻓﻌﻠﮫ ،ﻓﺈن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل ﻋﻠﺔ
ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل ،ﻓﺈن اﻟﻧظﺎم اﻟﻣوﺟود ﺗﺑﻊ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻣﻌﻘول ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ واﻗﻊ ﺑﮫ ،ﻓﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻏﯾر زاﺋد ﻋﻠﻰ ﻛوﻧﮫ
ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛل إذ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛل ﻋﻠﺔ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل ﻋﻧﮫ ،وﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛل ﻻ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ
ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل ،ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠوم ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول ذاﺗﮫ وﯾﻛون اﻟﻛل ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻋﻧده ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻓﮭذا
ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼً.
??? ...واﻟﻘﺎدر...
ً
وإذا ﻗﯾل :ﻗﺎدر ،ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ ﻛوﻧﮫ ﻓﺎﻋﻼ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي ﻗررﻧﺎه وھو أن وﺟوده وﺟود ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ
اﻟﻣﻘدورات اﻟﺗﻲ ﺑﻔﯾﺿﺎﻧﮭﺎ ﯾﻧﺗظم اﻟﺗرﺗﯾب ﻓﻲ اﻟﻛل ﻋﻠﻰ أﺑﻠﻎ وﺟوه اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻛﻣﺎل واﻟﺣﺳن.
? ...واﻟﻣرﯾد واﻟﻌﺎﻟم...
وإذا ﻗﯾل :ﻣرﯾد ،ﻟم ﻧﻌن ﺑﮫ إﻻ أن ﻣﺎ ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ ﻟﯾس ھو ﻏﺎﻓﻼً ﻋﻧﮫ وﻟﯾس ﻛﺎرھﺎ ً ﻟﮫ ،ﺑل ھو ﻋﺎﻟم ﺑﺄن ﻛﻣﺎﻟﮫ
ﻓﻲ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل ﻋﻧﮫ .ﻓﯾﺟوز ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ أ ن ﯾﻘﺎل :ھو راض ،وﺟﺎز أن ﯾﻘﺎل ﻟﻠراﺿﻲ :إﻧﮫ ﻣرﯾد .ﻓﻼ ﺗﻛون
اﻹرادة إﻻ ﻋﯾن اﻟﻘدرة وﻻ اﻟﻘدرة إﻻ ﻋﯾن اﻟﻌﻠم وﻻ اﻟﻌﻠم إﻻ ﻋﯾن اﻟذات ،ﻓﺎﻟﻛل إذن ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻋﯾن اﻟذات.
? ...ﻋﻠم اﻟﻌﻠﺔ ،ﻻ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﻠول...
وھذا ﻷن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء ﻟﯾس ﻣﺄﺧوذاً ﻣن اﻷﺷﯾﺎء ،وإﻻ ﻟﻛﺎن ﻣﺳﺗﻔﯾداً وﺻﻔﺎ ً أو ﻛﻣﺎﻻً ﻣن ﻏﯾره وھو ﻣﺣﺎل ﻓﻲ
واﺟب اﻟوﺟود .وﻟﻛن ﻋﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺳﻣﯾن :ﻋﻠم ﺷﻲء ﺣﺻل ﻣن ﺻورة ذﻟك اﻟﺷﻲء ﻛﻌﻠﻣﻧﺎ ﺑﺻورة اﻟﺳﻣﺎء
واﻷرض ،وﻋﻠم اﺧﺗرﻋﻧﺎه ﻛﺷﻲء ﻟم ﻧﺷﺎھد ﺻورﺗﮫ وﻟﻛن ﺻورﻧﺎه ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻧﺎ ﺛم أﺣدﺛﻧﺎه .ﻓﯾﻛون وﺟود
اﻟﺻورة ﻣﺳﺗﻔﺎداً ﻣن اﻟﻌﻠم ،ﻻ اﻟﻌﻠم ﻣن اﻟوﺟود ،وﻋﻠم اﻷول ﺑﺣﺳب اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻓﺈن ﺗﻣﺛل اﻟﻧظﺎم ﻓﻲ ذاﺗﮫ
ﺳﺑب ﻟﻔﯾﺿﺎن اﻟﻧظﺎم ﻋن ذاﺗﮫ.
...وﻟﯾس ھذا ﺷﺄﻧﻧﺎ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺣﺗﺎج ﻣﻊ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ اﻟﻘدرة
ﻧﻌم ﻟو ﻛﺎن ﻣﺟرد ﺣﺿور ﺻورة ﻧﻘش أو ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺧط ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ ﺣدوث ﺗﻠك اﻟﺻورة ،ﻟﻛﺎن اﻟﻌﻠم
ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻣﻧﺎ ھو اﻟﻘدرة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ واﻹرادة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ .وﻟﻛﻧﺎ ﻟﻘﺻورﻧﺎ ﻓﻠﯾس ﯾﻛﻔﻲ ﺗﺻورﻧﺎ ﻹﯾﺟﺎد اﻟﺻورة ،ﺑل ﻧﺣﺗﺎج ﻣﻊ
ذﻟك إﻟﻰ إرادة ﻣﺗﺟددة ﺗﻧﺑﻌث ﻣن ﻗوة ﺷوﻗﯾﺔ ﻟﯾﺗﺣرك ﻣﻧﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎ ً اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻠﻌﺿل واﻷﻋﺻﺎب اﻵﻟﯾﺔ.
ﻓﯾﺗﺣرك ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﻌﺿل واﻷﻋﺻﺎب اﻟﯾد أو ﻏﯾره ،وﯾﺗﺣرك ﺑﺣرﻛﺗﮫ اﻟﻘﻠم أو آﻟﺔ أﺧرى ﺧﺎرﺟﺔ ،وﺗﺗﺣرك
اﻟﻣﺎدة ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﻘﻠم ﻛﺎﻟﻣﺎدة أو ﻏﯾره ﺛم ﺗﺣﺻل اﻟﺻورة اﻟﻣﺗﺻورة ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ .ﻓﻠذﻟك ﻟم ﯾﻛن ﻧﻔس وﺟود ھذه
اﻟﺻورة ﻓﻲ ﻧﻔوﺳﻧﺎ ﻗدرة وﻻ إرادة ﺑل ﻛﺎﻧت اﻟﻘدرة ﻓﯾﻧﺎ ﻋﻧد اﻟﻣﺑدأ اﻟﻣﺣرك ﻟﻠﻌﺿل ،وھذه اﻟﺻورة ﻣﺣرﻛﺔ
ﻟذﻟك اﻟﻣﺣرك اﻟذي ھو ﻣﺑدأ اﻟﻘدرة ،وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﺟﺳﺎم ﺗﻧﺑث اﻟﻘوى ﻓﻲ
أطراﻓﮫ ،ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻘدرة واﻹرادة واﻟﻌﻠم واﻟذات ﻣﻧﮫ واﺣداً.
...واﻟﺣﻲ...
وإذا ﻗﯾل ﻟﮫ :ﺣﻲ ،ﻟم ﯾرد ﺑﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﻋﻠﯾﻣﺎ ً ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ اﻟﻣوﺟود اﻟذي ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻌﻼً ﻟﮫ ،ﻓﺈن اﻟﺣﻲ ھو اﻟﻔﻌﺎل
اﻟدراك ،ﻓﯾﻛون اﻟﻣراد ﺑﮫ ذاﺗﮫ ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷﻓﻌﺎل ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﮫ اﻟذي ذﻛرﻧﺎه ،ﻻ ﻛﺣﯾﺎﺗﻧﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺗم إﻻ
ﺑﻘوﺗﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﺗﯾن ﯾﻧﺑﻌث ﻋﻧﮭﻣﺎ اﻹدراك واﻟﻔﻌل ،ﻓﺣﯾﺎﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً.
...واﻟﺟواد ،اﻟذي ﻻ ﯾﻛﺗﺳب ﺑﺟوده ﺷﯾﺋﺎ ً
وإذا ﻗﯾل ﻟﮫ :ﺟواد ،أرﯾد ﺑﮫ أن ﯾﻔﯾض ﻋﻧﮫ اﻟﻛل ﻻ ﻟﻐرض ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﮫ .واﻟﺟود ﯾﺗم ﺑﺷﯾﺋﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻛون
ﻟﻠﻣﻧﻌم ﻓﺎﺋدة ﻓﯾﻣﺎ وھب ﻣﻧﮫ ،ﻓﻠﻌل ﻣن ﯾﮭب ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻣن ھو ﻣﺳﺗﻐن ﻋﻧﮫ ﻻ ﯾوﺻف ﺑﺎﻟﺟود .واﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج
اﻟﺟواد إﻟﻰ اﻟﺟود ﻓﯾﻛون إﻗداﻣﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺟود ﻟﺣﺎﺟﺔ ﻧﻔﺳﮫ .وﻛل ﻣن ﯾﺟود ﻟﯾﻣدح أو ﯾﺛﻧﻰ ﻋﻠﯾﮫ أو ﯾﺗﺧﻠص ﻣن
ﻣذﻣﺔ ﻓﮭو ﻣﺳﺗﻌﯾض وﻟﯾس ﺑﺟواد ،وإﻧﻣﺎ اﻟﺟود اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻓﺈﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﺑﻐﻲ ﺑﮫ ﺧﻼﺻﺎ ً ﻋن ذم وﻻ ﻛﻣﺎﻻً ﻣﺳﺗﻔﺎداً
ﺑﻣدح .ﻓﯾﻛون اﻟﺟواد اﺳﻣﺎ ً ﻣﻧﺑﺋﺎ ً ﻋن وﺟوده ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻌل وﺳﻠب ﻟﻠﻐرض ،ﻓﻼ ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ
ذاﺗﮫ.
...واﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض...
وإذا ﻗﯾل :ﺧﯾر ﻣﺣض ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾراد ﺑﮫ وﺟوده ﺑرﯾﺋﺎ ً ﻋن اﻟﻧﻘص وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ،ﻓﺈن اﻟﺷر ﻻ ذات ﻟﮫ ﺑل ﯾرﺟﻊ
إﻟﻰ ﻋدم ﺟوھر أو ﻋدم ﺻﻼح ﺣﺎل اﻟﺟوھر ،وإﻻ ﻓﺎﻟوﺟود ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ وﺟود ﺧﯾر ﻓﯾرﺟﻊ ھذا اﻻﺳم إﻟﻰ
اﻟﺳﻠب ﻹﻣﻛﺎن اﻟﻧﻘص واﻟﺷر .وﻗد ﯾﻘﺎل :ﺧﯾر ،ﻟﻣﺎ ھو ﺳﺑب ﻟﻧظﺎم اﻷﺷﯾﺎء ،واﻷول ﻣﺑدأ ﻟﻧظﺎم ﻛل ﺷﻲء ،ﻓﮭو
ﺧﯾر ،وﯾﻛون اﻻﺳم داﻻً ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود ﻣﻊ ﻧوع إﺿﺎﻓﺔ.
...وواﺟب اﻟوﺟود
وإذا ﻗﯾل :واﺟب اﻟوﺟود ،ﻓﻣﻌﻧﺎه ھذا اﻟوﺟود ﻣﻊ ﺳﻠب ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده وإﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﺔ ﻟﻌدﻣﮫ أوﻻً وآﺧراً.
...واﻟﻌﺎﺷق واﻟﻣﻌﺷوق واﻟﻠذﯾذ واﻟﻣﻠﺗذ
وإذا ﻗﯾل :ﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق وﻟذﯾذ وﻣﻠﺗذ ،ﻓﻣﻌﻧﺎه ھو أن ﻛل ﺟﻣﺎل وﺑﮭﺎء وﻛﻣﺎل ﻓﮭو ﻣﺣﺑوب وﻣﻌﺷوق ﻟذي
اﻟﻛﻣﺎل وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠذة إﻻ إدراك اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣﻼﺋم .وﻣن ﻋرف ﻛﻣﺎل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ إﺣﺎطﺗﮫ ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻟو أﺣﺎط ﺑﮭﺎ،
وﻓﻲ ﺟﻣﺎل ﺻورﺗﮫ وﻓﻲ ﻛﻣﺎل ﻗدرﺗﮫ وﻗوة أﻋﺿﺎﺋﮫ وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ إدراﻛﮫ ﻟﺣﺿور ﻛل ﻛﻣﺎل ھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ ،ﻟو أﻣﻛن
أن ﯾﺗﺻور ذﻟك ﻓﻲ إﻧﺳﺎن واﺣد ،ﻟﻛﺎن ﻣﺣﺑﺎ ً ﻟﻛﻣﺎﻟﮫ وﻣﻠﺗذاً ﺑﮫ ،وإﻧﻣﺎ ﺗﻧﺗﻘص ﻟذﺗﮫ ﺑﺗﻘدﯾر اﻟﻌدم واﻟﻧﻘﺻﺎن ﻓﺈن
اﻟﺳرور ﻻ ﯾﺗم ﺑﻣﺎ ﯾزول أو ﯾﺧﺷﻰ زواﻟﮫ ،واﻷول ﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء اﻷﻛﻣل واﻟﺟﻣﺎل اﻷﺗم إذ ﻛل ﻛﻣﺎل ھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ
ﻓﮭو ﺣﺎﺿر ﻟﮫ .وھو ﻣدرك ﻟذﻟك اﻟﻛﻣﺎل ﻣﻊ اﻷﻣن ﻣن إﻣﻛﺎن اﻟﻧﻘﺻﺎن واﻟزوال .واﻟﻛﻣﺎل اﻟﺣﺎﺻل ﻟﮫ ﻓوق ﻛل
ﻛﻣﺎل ﻓﺈﺣﺑﺎﺑﮫ وﻋﺷﻘﮫ ﻟذﻟك اﻟﻛﻣﺎل ﻓوق ﻛل إﺣﺑﺎب واﻟﺗذاذه ﺑﮫ ﻓوق ﻛل اﻟﺗذاذ ،ﺑل ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟذاﺗﻧﺎ إﻟﯾﮭﺎ اﻟﺑﺗﺔ ،ﺑل
ھﻲ أﺟل ﻣن أن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻠذة واﻟﺳرور واﻟطﯾﺑﺔ.
ﻋدم وﺟود اﻟﻌﺑﺎرات اﻟﺧﺎﺻﺔ
إﻻ أن ﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻋﺑﺎرات ﻋﻧدﻧﺎ ،ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻹﺑﻌﺎد ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة ﻛﻣﺎ ﻧﺳﺗﻌﯾر ﻟﮫ ﻟﻔظ اﻟﻣرﯾد
واﻟﻣﺧﺗﺎر واﻟﻔﺎﻋل ﻣﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻘطﻊ ﺑﺑﻌد إرادﺗﮫ ﻋن إرادﺗﻧﺎ وﺑﻌد ﻗدرﺗﮫ وﻋﻠﻣﮫ ﻋن ﻗدرﺗﻧﺎ وﻋﻠﻣﻧﺎ ،وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن
ﯾﺳﺗﺑﺷﻊ ﻋﺑﺎرة اﻟﻠذة ﻓﯾﺳﺗﻌﻣل ﻏﯾره.
ﷲ ﻣﻐﺑوط وھو اﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض
واﻟﻣﻘﺻود أن ﺣﺎﻟﺗﮫ أﺷرف ﻣن أﺣوال اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ وأﺣرى ﺑﺄن ﯾﻛون ﻣﻐﺑوطﺎً ،وﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أﺷرف ﻣن
أﺣواﻟﻧﺎ ،وﻟو ﻟم ﺗﻛن ﻟذة إﻻ ﻓﻲ ﺷﮭوة اﻟﺑطن واﻟﻔرج ﻟﻛﺎن ﺣﺎل اﻟﺣﻣﺎر واﻟﺧﻧزﯾر أﺷرف ﻣن ﺣﺎل اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
وﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻟذة ،أي ﻟﻠﻣﺑﺎدئ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ،إﻻ اﻟﺳرور ﺑﺎﻟﺷﻌور ﺑﻣﺎ ﺧص ﺑﮭﺎ ﻣن اﻟﻛﻣﺎل
واﻟﺟﻣﺎل اﻟذي ﻻ ﯾﺧﺷﻰ زواﻟﮫ .وﻟﻛن اﻟذي ﻟﻸول ﻓوق اﻟذي ﻟﻠﻣﻼﺋﻛﺔ ،ﻓﺈن وﺟود اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻌﻘول
اﻟﻣﺟردة وﺟود ﻣﻣﻛن ﻓﻲ ذاﺗﮫ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره ،وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻧوع ﺷر وﻧﻘص ،ﻓﻠﯾس ﺷﻲء ﺑرﯾﺋﺎ ً ﻋن ﻛل
ﺷر ﻣطﻠﻘﺎ ً ﺳوى اﻷول ﻓﮭو اﻟﺧﯾر اﻟﻣﺣض وﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء واﻟﺟﻣﺎل اﻷﻛﻣل .ﺛم ھو ﻣﻌﺷوق ﻋﺷﻘﮫ ﻏﯾره أو ﻟم
ﯾﻌﺷﻘﮫ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻋﺎﻗل وﻣﻌﻘول ﻋﻘﻠﮫ ﻏﯾره أو ﻟم ﯾﻌﻘﻠﮫ .وﻛل ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ راﺟﻌﺔ إﻟﻰ ذاﺗﮫ وإﻟﻰ إدراﻛﮫ ﻟذاﺗﮫ
وﻋﻘﻠﮫ ﻟﮫ ،وﻋﻘﻠﮫ ﻟذاﺗﮫ ھو ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻋﻘل ﻣﺟرد ،ﻓﯾرﺟﻊ اﻟﻛل إﻟﻰ ﻣﻌﻧﻰ واﺣد.
ﻗوﻟﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن ﺑذﻟك ﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم وﻣﺎ ھو ﻓﺎﺳد ﻓﮭذا طرﯾق ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم ،وھذه اﻷﻣور ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ
ﻣﺎ ﯾﺟوز اﻋﺗﻘﺎده ﻓﻧﺑﯾن أﻧﮫ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم ،وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ اﻋﺗﻘﺎده ﻓﻧﺑﯾن ﻓﺳﺎده .وﻟﻧﻌد إﻟﻰ اﻟﻣراﺗب
اﻟﺧﻣﺳﺔ ﻓﻲ أﻗﺳﺎم اﻟﻛﺛرة ودﻋواھم ﻧﻔﯾﮭﺎ ،وﻟﻧﺑﯾن ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ،وﻟﻧرﺳم ﻛل واﺣد ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ
ﺣﯾﺎﻟﮭﺎ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت
اﺗﻔﻘت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻹرادة ﻟﻠﻣﺑدأ اﻷول ،ﻛﻣﺎ اﺗﻔﻘت اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻋﻠﯾﮫ وزﻋﻣوا أن
ھذه اﻷﺳﺎﻣﻲ وردت ﺷرﻋﺎً ،وﯾﺟوز إطﻼﻗﮭﺎ ﻟﻐﺔ وﻟﻛن ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ ذات واﺣدة ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ،وﻻ ﯾﺟوز إﺛﺑﺎت
ﺻﻔﺎت زاﺋدة ﻋﻠﻰ ذاﺗﮫ ،ﻛﻣﺎ ﯾﺟوز ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ أن ﯾﻛون ﻋﻠﻣﻧﺎ وﻗدرﺗﻧﺎ وﺻﻔﺎ ً ﻟﻧﺎ زاﺋداً ﻋﻠﻰ ذاﺗﻧﺎ.
...ﻷﻧﮭﺎ ﺗوﺟب اﻟﻛﺛرة ﻓﻲ ﷲ
وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﯾوﺟب ﻛﺛرة ،ﻷن ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻟو طرت ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻟﻛﻧﺎ ﻧﻌﻠم أﻧﮭﺎ زاﺋدة ﻋﻠﻰ اﻟذات إذ ﺗﺟددت،
وﻟو ﻗدر ﻣﻘﺎرﻧﺎ ً ﻟوﺟودﻧﺎ ﻣن ﻏﯾر ﺗﺄﺧر ﻟﻣﺎ ﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ زاﺋدا ﻋﻠﻰ اﻟذات ﺑﺎﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ .ﻓﻛل ﺷﯾﺋﯾن إذا طرى
أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر وﻋﻠم أن ھذا ﻟﯾس ذاك وذاك ﻟﯾس ھذا ،ﻓﻠو اﻗﺗرﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻋﻘل ﻛوﻧﮭﻣﺎ ﺷﯾﺋﯾن ،ﻓﺈذن ﻻ ﺗﺧرج
ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﺑﺄن ﺗﻛون ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟذات اﻷول ﻋن أن ﺗﻛون أﺷﯾﺎء ﺳوى اﻟذات ،ﻓﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة ﻓﻲ واﺟب
اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل .ﻓﻠﮭذا أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﺗﻛون اﻟﺻﻔﺎت ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟﻠذات؟
ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮭم :وﺑم ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺛرة ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ ،وأﻧﺗم ﻣﺧﺎﻟﻔون ﻣن ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺳوى اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ،ﻓﻣﺎ
اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟ ﻓﺈن ﻗول اﻟﻘﺎﺋل :اﻟﻛﺛرة ﻣﺣﺎل ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود ﻣﻊ ﻛون اﻟذات اﻟﻣوﺻوﻓﺔ واﺣدة ،ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ
أﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻛﺛرة اﻟﺻﻔﺎت ،وﻓﯾﮫ اﻟﻧزاع .وﻟﯾس اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺑرھﺎن.
ﻗوﻟﮭم إﻣﺎ أن ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻣوﺻو
ﻋن اﻵخ أو ﯾﻔﺗﻘر ﻛل واﺣد إﻟﻰ اﻵﺧر أو ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ واﺣد ﻋن اﻵخ
وﯾﺣﺗﺎج اﻵﺧر :وﻛل ذﻟك ﻣﺣﺎل وﻟﮭم ﻣﺳﻠﻛﺎن :اﻷول ﻗوﻟﮭم :اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ أن ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﺻﻔﺔ
واﻟﻣوﺻوف ،إذا ﻟم ﯾﻛن ھذا ذاك وﻻ ذاك ھذا ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻛل واﺣد ﻋن اﻵﺧر ﻓﻲ وﺟوده ،أو ﯾﻔﺗﻘر ﻛل
واﺣد إﻟﻰ اﻵﺧر ،أو ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ واﺣد ﻋن اﻵﺧر وﯾﺣﺗﺎج اﻵﺧر .ﻓﺈن ﻓرض ﻛل واﺣد ﻣﺳﺗﻐﻧﯾﺎ ً ﻓﮭﻣﺎ واﺟﺑﺎ وﺟود
وھو اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ وھو ﻣﺣﺎل .وإﻣﺎ أن ﯾﺣﺗﺎج ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ إﻟﻰ اﻵﺧر ﻓﻼ ﯾﻛون واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ واﺟب
اﻟوﺟود ،إذ ﻣﻌﻧﻰ واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻗواﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ وھو ﻣﺳﺗﻐن ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻋن ﻏﯾره ،ﻓﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻓذك
اﻟﻐﯾر ﻋﻠﺗﮫ ،إذ ﻟو رﻓﻊ ذﻟك اﻟﻐﯾر ﻻﻣﺗﻧﻊ وﺟوده ﻓﻼ ﯾﻛون وﺟوده ﻣن ذاﺗﮫ ﺑل ﻣن ﻏﯾره .وإن ﻗﯾل :أﺣدھﻣﺎ
ﯾﺣﺗﺎج دون اﻵﺧر ،ﻓﺎﻟذي ﯾﺣﺗﺎج ﻣﻌﻠول واﻟواﺟب اﻟوﺟود ھو اﻵﺧر ،وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻠوﻻً اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﺳﺑب،
ﻓﯾؤدي إﻟﻰ أن ﺗرﺗﺑط ذات واﺟب اﻟوﺟود ﺑﺳﺑب.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻣن ھذه اﻷﻗﺳﺎم
ھو اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر ھذا وإﻧﻛم ﻻ ﺗﻧﻔون اﻟﻘﺳم اﻷول
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻣن ھذه اﻷﻗﺳﺎم ھو اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر .وﻟﻛن إﺑطﺎﻟﻛم اﻟﻘﺳم اﻷول وھو
اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ ﺑرھﺎن ﻟﻛم ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺑل ھذه وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺗم إﻻ ﺑﺎﻟﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة
ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ .ﻓﻣﺎ ھو ﻓرع ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ؟ ﻛﯾف ﺗﻧﺑﻧﻰ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﯾﮫ؟ وﻟﻛن اﻟﻣﺧﺗﺎر أن ﯾﻘﺎل:
اﻟذات ﻓﻲ ﻗواﻣﮫ ﻏﯾر ﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎت ،واﻟﺻﻔﺔ ﻣﺣﺗﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻣوﺻوف ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻧﺎ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود
ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم :إن اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺻﻔﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ
ﻓﯾﻘﺎل :إن أردت ﺑواﺟب اﻟوﺟود أﻧﮫ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ،ﻓﻠم ﻗﻠت ذﻟك؟ وﻟم اﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﻘﺎل :ﻛﻣﺎ أن ذات
واﺟب اﻟوﺟود ﻗدﯾم ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻓﻛذﻟك ﺻﻔﺗﮫ ﻗدﯾﻣﺔ ﻣﻌﮫ وﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ؟ وإن أردت ﺑواﺟب اﻟوﺟود أن ﻻ ﯾﻛون
ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ،ﻓﮭو ﻟﯾس ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗﺄوﯾل وﻟﻛﻧﮫ ﻣﻊ ھذا ﻗدﯾم ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ .ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟذﻟك؟
ﻗوﻟﮭم ھﻲ ﻣﻌﻠوﻟﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل :واﺟب اﻟوﺟود اﻟﻣطﻠق ھو اﻟذي ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ وﻻ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ .ﻓﺈذا ﺳﻠم أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻓﻘد ﺳﻠم
ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻗطﻊ ﺗﺳﻠل اﻟﻌﻠل ﻣﻣﻛن ﺑواﺣد ﻟﮫ ﺻﻔﺎت
ﻗﻠﻧﺎ :ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟذات اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻋﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻣن اﺻطﻼﺣﻛم ،واﻟدﻟﯾل ﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺛﺑوت واﺟب وﺟود ﺑﺣﻛم اﺻطﻼﺣﻛم
وإﻧﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت طرف ﯾﻧﻘطﻊ ﺑﮫ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت وﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻘدر ،وﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل
ﻣﻣﻛن ﺑواﺣد ﻟﮫ ﺻﻔﺎت ﻗدﯾﻣﺔ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟذاﺗﮫ وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﻛون ﻣﺗﻘررة ﻓﻲ ذاﺗﮫ .ﻓﻠﯾطرح ﻟﻔظ واﺟب
اﻟوﺟود ﻓﺈﻧﮫ ﻣﻣﻛن اﻟﺗﻠﺑس ﻓﯾﮫ ،ﻓﺈن اﻟﺑرھﺎن ﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل وﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻏﯾره اﻟﺑﺗﺔ .ﻓدﻋوى
ﻏﯾره ﺗﺣﻛم.
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﻠل اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻛﻣﺎ ﯾﺟب ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ ﯾﺟب ﻗطﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ ،إذ ﻟو اﻓﺗﻘر ﻛل ﻣوﺟود إﻟﻰ ﻣﺣل
ﯾﻘوم ﻓﯾﮫ واﻓﺗﻘر اﻟﻣﺣل أﯾﺿﺎ ً ﻟﻠزم اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻛﻣﺎ ﻟو اﻓﺗﻘر ﻛل ﻣوﺟود إﻟﻰ ﻋﻠﺔ واﻓﺗﻘرت اﻟﻌﻠﺔ أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ ﻋﻠﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻛﻔﻲ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﺎﻟذات
ً ً
ﻗﻠﻧﺎ :ﺻدﻗﺗم ،ﻓﻼ ﺟرم ﻗطﻌﻧﺎ ھذا اﻟﺗﺳﻠﺳل أﯾﺿﺎ وﻗﻠﻧﺎ :إن اﻟﺻﻔﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻟﯾس ذاﺗﮫ ﻗﺎﺋﻣﺎ ﺑﻐﯾره ،ﻛﻣﺎ أن ﻋﻠﻣﻧﺎ
ﻓﻲ ذاﺗﻧﺎ وذاﺗﻧﺎ ﻣﺣل ﻟﮫ وﻟﯾس ذاﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺣل .ﻓﺎﻟﺻﻔﺔ اﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳل ﻋﻠﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾﺔ ﻣﻊ اﻟذات إذ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮭﺎ
ﻛﻣﺎ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﻠذات ،ﺑل ﻟم ﺗزل اﻟذات ﺑﮭذه اﻟﺻﻔﺔ ﻣوﺟودة ﺑﻼ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻟﺻﻔﺗﮫ .وأﻣﺎ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ ﻟم ﯾﻧﻘطﻊ
ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟذات .وﻣن أﯾن ﯾﻠزم أن ﯾﻧﺗﻔﻲ اﻟﻣﺣل ﺣﺗﻰ ﺗﻧﺗﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ؟ واﻟﺑرھﺎن ﻟﯾس ﯾﺿطر إﻻ إﻟﻰ ﻗطﻊ
اﻟﺗﺳﻠﺳل .ﻓﻛل طرﯾق أﻣﻛن ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﮫ ﻓﮭو وﻓﺎء ﺑﻘﺿﯾﺔ اﻟﺑرھﺎن اﻟداﻋﻲ إﻟﻰ واﺟب اﻟوﺟود.
واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ وإن أرﯾد ﺑواﺟب اﻟوﺟود ﺷﻲء ﺳوى ﻣوﺟود ﻟﯾس ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﺣﺗﻰ
ﯾﻧﻘطﻊ ﺑﮫ اﻟﺗﺳﻠﺳل ،ﻓﻼ ﻧﺳﻠم أن ذﻟك واﺟب أﺻﻼً .وﻣﮭﻣﺎ اﺗﺳﻊ اﻟﻌﻘل ﻟﻘﺑول ﻣوﺟود ﻗدﯾم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ،اﺗﺳﻊ
ﻟﻘﺑول ﻗدﯾم ﻣوﺻوف ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟوده ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻓﻲ ﺻﻔﺎﺗﮫ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً.
ﻗوﻟﮭم ﺗﻛون اﻟذات ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻠم
اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﮭم :إن اﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة ﻓﯾﻧﺎ ﻟﯾس داﺧﻼً ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ ذاﺗﻧﺎ ﺑل ھو ﻋﺎرض .وإذا أﺛﺑت ھذه اﻟﺻﻔﺎت
ﻟﻸول ﻟم ﯾﻛن أﯾﺿﺎ ً داﺧﻼً ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ ذاﺗﮫ ﺑل ﻛﺎن ﻋﺎرﺿﺎ ً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ وإن ﻛﺎن داﺋﻣﺎ ً ﻟﮫ .ورب ﻋﺎرض ﻻ
ﯾﻔﺎرق أو ﯾﻛون ﻻزﻣﺎ ً ﻟﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﯾﺻﯾر ﺑذﻟك ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟذاﺗﮫ .وإذا ﻛﺎن ﻋﺎرﺿﺎ ً ﻛﺎن ﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﻠذات وﻛﺎن اﻟذات ﺳﺑﺑﺎ ً
ﻓﯾﮫ ﻓﻛﺎن ﻣﻌﻠوﻻً ،ﻓﻛﯾف ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود؟
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﺗﻛون ﻋﻠﺔ ،ﺑل ﻣﺣﻼً
وھذا ھو اﻷول ﻣﻊ ﺗﻐﯾﯾر ﻋﺑﺎرة.
ﻓﻧﻘول :إن ﻋﻧﯾﺗم ﺑﻛوﻧﮫ ﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﻠذات وﻛون اﻟذات ﺳﺑﺑﺎ ﻟﮫ أن اﻟذات ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﻟﮫ وأﻧﮫ ﻣﻔﻌول ﻟﻠذات ﻓﻠﯾس
ً
ﻛذﻟك ،ﻓﺈن ذﻟك ﻟﯾس ﯾﻠزم ﻓﻲ ﻋﻠﻣﻧﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذاﺗﻧﺎ إذ ذواﺗﻧﺎ ﻟﯾﺳت ﺑﻌﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻟﻌﻠﻣﻧﺎ .وإن ﻋﻧﯾﺗم أن اﻟذات
ﻣﺣل وأن اﻟﺻﻔﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﺣل ،ﻓﮭذا ﻣﺳﻠم ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ ھذا .ﻓﺑﺄن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﺗﺎﺑﻊ أو اﻟﻌﺎرض أو
اﻟﻣﻌﻠول أو ﻣﺎ أراده اﻟﻣﻌﺑر ﻟم ﯾﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻧﻰ إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺳوى أﻧﮫ ﻗﺎﺋم ﺑﺎﻟذات ﻗﯾﺎم اﻟﺻﻔﺎت
ﺑﺎﻟﻣوﺻوﻓﺎت ،وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﻓﻲ ذات وھو ﻣﻊ ذﻟك ﻗدﯾم وﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ.
ﻓﺈن أرﯾد ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﻠﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﻐﯾر ﻋﺑﺎرة ﻓﻛل أدﻟﺗﮭم ﺗﮭوﯾل ﺑﺗﻘﺑﯾﺢ اﻟﻌﺑﺎرة ﺑﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً وﺟﺎﺋزاً وﺗﺎﺑﻌﺎ ً
وﻻزﻣﺎ ً وﻣﻌﻠوﻻً ،وإن ذﻟك ﻣﺳﺗﻧﻛر .ﻓﯾﻘﺎل :إن أرﯾد ﺑذﻟك أن ﻟﮫ ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك .وإن ﻟم ﯾرد ﺑﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻻ
ﻓﺎﻋل ﻟﮫ وﻟﻛن ﻟﮫ ﻣﺣل ھو ﻗﺎﺋم ﻓﯾﮫ ﻓﻠﯾﻌﺑر ﻋن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﺄي ﻋﺑﺎرة أرﯾد ﻓﻼ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم ھذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻷول ﻣﺣﺗﺎﺟﺎ ً إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎت
ورﺑﻣﺎ ھوﻟوا ﺑﺗﻘﺑﯾﺢ اﻟﻌﺑﺎرة ﻣن وﺟﮫ آﺧر ﻓﻘﺎﻟوا :ھذا ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻷول ﻣﺣﺗﺎﺟﺎ ً إﻟﻰ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻓﻼ
ﯾﻛون ﻏﻧﯾﺎ ً ﻣطﻠﻘﺎ ً إذ اﻟﻐﻧﻲ اﻟﻣطﻠق ﻣن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾر ذاﺗﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﺑﮭﺎ ﯾﺗم ﻟﮫ اﻟﻛﻣﺎل!
وھذا ﻛﻼم وﻋظﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟرﻛﺎﻛﺔ ،ﻓﺈن ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل ﻻ ﺗﺑﺎﯾن ذات اﻟﻛﺎﻣل ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻏﯾره.
ﻓﺈذا ﻟم ﯾزل وﻻ ﯾزال ﻛﺎﻣﻼً ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟﻘدرة واﻟﺣﯾﺎة ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻣﺣﺗﺎﺟﺎً؟ أو ﻛﯾف ﯾﺟوز أن ﯾﻌﺑر ﻋن ﻣﻼزﻣﺔ
اﻟﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺔ وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :اﻟﻛﺎﻣل ﻣن ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻛﻣﺎل؟ ﻓﺎﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ وﺟود ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل ﻟذاﺗﮫ
ﻧﺎﻗص ﻓﯾﻘﺎل :ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﻛﺎﻣﻼً إﻻ وﺟود اﻟﻛﻣﺎل ﻟذاﺗﮫ .ﻓﻛذﻟك ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻛوﻧﮫ ﻏﻧﯾﺎ ً إﻻ وﺟود اﻟﺻﻔﺎت
اﻟﻣﻧﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﺣﺎﺟﺎت ﻟذاﺗﮫ .ﻓﻛﯾف ﺗﻧﻛر ﺻﻔﺎت اﻟﻛﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﺗﺗم اﻹﻟﮭﯾﺔ ﺑﻣﺛل ھذه اﻟﺗﺧﯾﯾﻼت اﻟﻠﻔظﯾﺔ؟
ﻗوﻟﮭم ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب ﻓﻠﯾس ھو ﺟﺳﻣﺎ ً
ﻓﺈن ﻗﯾل :إذا أﺛﺑﺗم ذاﺗﺎ ً وﺻﻔﺔ وﺣﻠوﻻً ﻟﻠﺻﻔﺔ ﺑﺎﻟذات ﻓﮭو ﺗرﻛﯾب ،وﻛل ﺗرﻛﯾب ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب ،وﻟذﻟك ﻟم
ﯾﺟز أن ﯾﻛون اﻷول ﺟﺳﻣﺎ ً ﻷﻧﮫ ﻣرﻛب.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻠﮫ ﻗدﯾم اﻟﺟﺳم ﺣﺎدث
ﻗﻠﻧﺎ :ﻗول اﻟﻘﺎﺋل :ﻛل ﺗرﻛﯾب ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣرﻛب ،ﻛﻘوﻟﮫ :ﻛل ﻣوﺟود ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣوﺟد ،ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮫ :اﻷول ﻣوﺟود
ﻗدﯾم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻣوﺟد .ﻓﻛذﻟك ﯾﻘﺎل :ھو ﻣوﺻوف ﻗدﯾم وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟذاﺗﮫ وﻻ ﻟﺻﻔﺗﮫ وﻻ ﻟﻘﯾﺎم ﺻﻔﺗﮫ ﺑذاﺗﮫ ﺑل
اﻟﻛل ﻗدﯾم ﺑﻼ ﻋﻠﺔ .وأﻣﺎ اﻟﺟﺳم ﻓﺈﻧﻣﺎ ﻟم ﯾﺟز أن ﯾﻛون ھو اﻷول ﻷﻧﮫ ﺣﺎدث ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن
اﻟﺣوادث ،وﻣن ﻟم ﯾﺛﺑت ﻟﮫ ﺣدوث اﻟﺟﺳم ﯾﻠزﻣﮫ أن ﯾﺟوز أن ﺗﻛون اﻟﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﺟﺳﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ ﺳﻧﻠزﻣﮫ ﻋﻠﯾﻛم ﻣن
ﺑﻌد.
ﻓﺎﻷدﻟﺔ ﺑﺎطﻠﺔ وﻛل ﻣﺳﺎﻟﻛﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﺧﯾﯾﻼت.
ﻻ ﯾﻘدرون رد اﻟﺟﻣﯾﻊ إﻟﻰ ﻧﻔس اﻟذات
ﺛم إﻧﮭم ﻻ ﯾﻘدرون ﻋﻠﻰ رد ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﯾﺛﺑﺗوﻧﮫ إﻟﻰ ﻧﻔس اﻟذات .ﻓﺈﻧﮭم أﺛﺑﺗوا ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً وﯾﻠزﻣﮭم أن ﯾﻛون ذﻟك
زاﺋداً ﻋﻠﻰ ﻣﺟرد اﻟوﺟود ﻓﯾﻘﺎل ﻟﮭم :أﺗﺳﻠﻣون أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾر ذاﺗﮫ؟ وﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺳﻠم ذﻟك وﻣﻧﮭم ﻣن ﻗﺎل :ﻻ
ﯾﻌﻠم إﻻ ذاﺗﮫ.
ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت ...ﻓﺄﻣﺎ اﻷول ﻓﮭو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ .ﻓﺈﻧﮫ زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻠﮭﺎ ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ ﻻ ﯾدﺧل
ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن ،وﻻ ﯾﻌﻠم اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﯾوﺟب ﺗﺟدد اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭﺎ ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم .ﻓﻧﻘول :ﻋﻠم اﻷول
ﺑوﺟود ﻛل اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﯾن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ أو ﻏﯾره .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻏﯾره ،ﻓﻘد أﺛﺑﺗم ﻛﺛرة
وﻧﻘﺿﺗم اﻟﻘﺎﻋدة .وإن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻋﯾﻧﮫ ،ﻟم ﺗﺗﻣﯾزوا ﻋن ﻣن ﯾدﻋﻲ أن ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻐﯾره ﻋﯾن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻋﯾن
ذاﺗﮫ ،وﻣن ﻗﺎل ذﻟك ﺳﻔﮫ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﮫ.
...ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ وﻗﯾل :ﺣد اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد أن ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ اﻟوھم اﻟﺟﻣﻊ ﻓﯾﮫ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت .ﻓﺎﻟﻌﻠم
ﺑﺎﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً اﺳﺗﺣﺎل أن ﯾﺗوھم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻣوﺟوداً وﻣﻌدوﻣﺎً ،وﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﺗﺣل ﻓﻲ
اﻟوھم أن ﯾﻘدر ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻧﻔﺳﮫ دون ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره ﻗﯾل :إن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،إذ ﻟو ﻛﺎن ھو ھو
ﻟﻛﺎن ﻧﻔﯾﮫ ﻧﻔﯾﺎ ً ﻟﮫ وإﺛﺑﺎﺗﮫ إﺛﺑﺎﺗﺎ ً ﻟﮫ ،إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون زﯾد ﻣوﺟوداً وزﯾد ﻣﻌدوﻣﺎً ،أﻋﻧﻲ ھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
واﺣدة ،وﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣﺛل ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻐﯾر ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﻧﻔﺳﮫ .وﻛذى ﻓﻲ ﻋﻠم اﻷول ﺑذاﺗﮫ ﻣﻊ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻐﯾره إذ
ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم وﺟود أﺣدھﻣﺎ دون اﻵﺧر ،ﻓﮭﻣﺎ إذن ﺷﯾﺋﺎن .وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم وﺟود ذاﺗﮫ دون وﺟود ذاﺗﮫ.
ﻓﻠو ﻛﺎن اﻟﻛل ﻛذﻟك ﻟﻛﺎن ھذا اﻟﺗوھم ﻣﺣﺎﻻً .ﻓﻛل ﻣن اﻋﺗرف ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن اﻷول ﯾﻌرف ﻏﯾر ذاﺗﮫ ﻓﻘد أﺛﺑت
ﻛﺛرة ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
ﻗوﻟﮭم ﻛوﻧﮫ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل
ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھو ﻻ ﯾﻌﻠم اﻟﻐﯾر ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول ﺑل ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل ،ﻓﯾﻠزﻣﮫ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ إذ ﻻ ﯾﻣﻛن
أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ إﻻ ﻣﺑدأ ﻓﺈﻧﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ذاﺗﮫ ،وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻐﯾره إﻻ وﯾدﺧل اﻟﻐﯾر ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑطرﯾق
اﻟﺗﺿﻣن واﻟﻠزوم ،وﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻟذاﺗﮫ ﻟوازم .وذﻟك ﻻ ﯾوﺟب ﻛﺛرة ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟذات وإﻧﻣﺎ ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾﻛون
ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟذات ﻛﺛرة.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﮫ ﺑوﺟود ذاﺗﮫ ﻏﯾر ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﻠﻛل
واﻟﺟواب ﻣن وﺟوه :اﻷول أن ﻗوﻟﻛم :إﻧﮫ ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ ،ﺗﺣﻛم ،ﺑل ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻠم وﺟود ذاﺗﮫ ﻓﻘط .ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻌﻠم
ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟوﺟود ﻷن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠذات وﯾﺟوز أن ﯾﻌﻠم اﻟذات وﻻ ﯾﻌﻠم إﺿﺎﻓﺗﮫ ،وﻟو ﻟم
ﺗﻛن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﺗﻛﺛر ذاﺗﮫ وﻛﺎن ﻟﮫ وﺟود وﻣﺑدﺋﯾﺔ وھﻣﺎ ﺷﯾﺋﺎن .وﻛﻣﺎ ﯾﺟوز أن ﯾﻌرف اﻹﻧﺳﺎن ذاﺗﮫ وﻻ
ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم ،ﻷن ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻻً إﺿﺎﻓﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ ﻋﻠﺗﮫ ،ﻓﻛذﻟك ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ ﻣﻌﻠوﻟﮫ.
ﻓﺎﻹﻟزام ﻗﺎﺋم ﻓﻲ ﻣﺟرد ﻗوﻟﮭم :إﻧﮫ ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ إذ ﻓﯾﮫ ﻋﻠم ﺑﺎﻟذات وﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ ،وھو اﻹﺿﺎﻓﺔ واﻹﺿﺎﻓﺔ ﻏﯾر
اﻟذات ،ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات ﺑﺎﻟدﻟﯾل اﻟذي ذﻛرﻧﺎه وھو أﻧﮫ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات دون اﻟﻌﻠم
ﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوھم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات دون اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات ﻷن اﻟذات واﺣدة.
ھﻧﺎك ﻣﻌﻠوﻣﺎن ،ﻓﮭﻧﺎك ﻋﻠﻣﺎن اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻗوﻟﮭم :إن اﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻛﻼم ﻏﯾر ﻣﻌﻘول
ﻓﺈﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺣﯾطﺎ ً ﺑﻐﯾره ﻛﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑذاﺗﮫ ﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎن ﻣﺗﻐﺎﯾران وﻛﺎن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﮭﻣﺎ ،وﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم
وﺗﻐﺎﯾره ﯾوﺟب ﺗﻌدد اﻟﻌﻠم إذ ﯾﻘﺑل أﺣد اﻟﻣﻌﻠوﻣﯾن اﻟﻔﺻل ﻋن اﻵﺧر ﻓﻲ اﻟوھم ،ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺣدھﻣﺎ ﻋﯾن
اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻵﺧر إذ ﻟو ﻛﺎن ﻟﺗﻌذر ﺗﻘدﯾر وﺟود أﺣدھﻣﺎ دون اﻵﺧر ،وﻟﯾس ﺛم آﺧر ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻛل واﺣداً .ﻓﮭذا ﻻ
ﯾﺧﺗﻠف ﺑﺄن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻟﺛﺎﻧﻲ.
اﻟﻛﻠﯾﺎت ﻻ ﺗﺗﻧﺎھﻰ! ﺛم ﻟﯾت ﺷﻌري ﻛﯾف ﯾﻘدم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﯾﻘول :إﻧﮫ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺛﻘﺎل ذرة ﻓﻲ
اﻟﺳﻣوات وﻻ ﻓﻲ اﻷرض إﻻ أﻧﮫ ﯾﻌرف اﻟﻛل ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ ،واﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﮫ ﻻ ﺗﺗﻧﺎھﻰ ،ﻓﯾﻛون اﻟﻌﻠم اﻟﻣﺗﻌﻠق
ﺑﮭﺎ ﻣﻊ ﻛﺛرﺗﮭﺎ وﺗﻐﺎﯾرھﺎ واﺣداً ﻣن ﻛل وﺟﮫ.
ﻓﺎﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻻ ﯾﺣﺗرز ﻣن ﻟزوم "اﻟﻛﺛرة"
وﻗد ﺧﺎﻟف اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻲ ھذا ﻏﯾره ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟذﯾن ذھﺑوا إﻟﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ اﺣﺗرازاً ﻣن ﻟزوم اﻟﻛﺛرة.
ﻓﻛﯾف ﺷﺎرﻛﮭم ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﺛم ﺑﺎﯾﻧﮭم ﻓﻲ إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻐﯾر؟ وﻟﻣﺎ اﺳﺗﺣﯾﺎ أن ﯾﻘﺎل :إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً أﺻﻼً
ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻘط وأﻣﺎ ﻏﯾره ﻓﯾﻌرﻓﮫ وﯾﻌرف أﯾﺿﺎ ً ﻧﻔﺳﮫ وﻏﯾره ﻓﯾﻛون ﻏﯾره أﺷرف ﻣﻧﮫ
ﻓﻲ اﻟﻌﻠم.
ﻓﺗرك ھذا ﺣﯾﺎء ﻣن ھذا اﻟﻣذھب واﺳﺗﻧﻛﺎﻓﺎ ً ﻣﻧﮫ ،ﺛم ﻟم ﯾﺳﺗﺣﻲ ﻣن اﻹﺻرار ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻣن ﻛل وﺟﮫ
وزﻋم أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻐﯾره ﺑل وﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء ھو ذاﺗﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣزﯾد ،وھو ﻋﯾن اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي اﺳﺗﺣﯾﺎ ﻣﻧﮫ
ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻟظﮭور اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﯾﮫ ﻓﻲ أول اﻟﻧظر .ﻓﺈذن ﻟﯾس ﯾﻧﻔك ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم ﻋن ﺧزي ﻓﻲ ﻣذھب ،وھﻛذى
ﯾﻔﻌل ﷲ ﺑﻣن ﺿل ﻋن ﺳﺑﯾﻠﮫ وظن أن اﻷﻣور اﻹﻟﮭﯾﺔ ﯾﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ ﺑﻧظره وﺗﺧﯾﯾﻠﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻌﻠم ﯾﻛون ﺑﻣﻌرﻓﺔ واﺣدة ﻋﻠم اﻷب واﻻﺑن...
ﻓﺈن ﻗﯾل :إذا ﺛﺑت أﻧﮫ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺑدأ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﺿﺎف واﺣد ،إذ ﻣن ﻋرف اﻻﺑن ﻋرﻓﮫ
ﺑﻣﻌرﻓﺔ واﺣدة وﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷب وﺑﺎﻷﺑوة واﻟﺑﻧوة ﺿﻣﻧﺎً ،ﻓﯾﻛﺛر اﻟﻣﻌﻠوم وﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم .ﻓﻛذﻟك ھو ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ ﻣﺑدأ
ﻟﻐﯾره ،ﻓﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم وإن ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم .ﺛم إذا ﻋﻘل ھذا ﻓﻲ ﻣﻌﻠول واﺣد وإﺿﺎﻓﺗﮫ إﻟﯾﮫ وﻟم ﯾوﺟب ذﻟك ﻛﺛرة،
ﻓﺎﻟزﯾﺎدة ﻓﯾﻣﺎ ﻻ ﯾوﺟب ﺟﻧﺳﮫ ﻛﺛرة ﻻ ﺗوﺟب ﻛﺛرة.
اﻟﻌﻠم ﯾﻛون ﺑﻌﻠم اﻟﺷﻲء وﺑﻌﻠم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺷﻲء وﻛذﻟك ﻣن ﯾﻌﻠم اﻟﺷﻲء وﯾﻌﻠم ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺷﻲء ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻠﻣﮫ ﺑذﻟك اﻟﻌﻠم.
ﻓﻛل ﻋﻠم ھو ﻋﻠم ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ ﻓﯾﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم وﯾﺗﺣد اﻟﻌﻠم.
ﺗﻘوﻟون إن ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وﻋﻠﻣﮫ واﺣد وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً أﻧﻛم ﺗرون أن ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ
وﻋﻠﻣﮫ واﺣد وﻻ ﺗﺻﻔوﻧﮫ ﺑﻌﻠوم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ .ﻓﺈن ﻛﺎن ﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻌدد ذات اﻟﻌﻠم ﻓﻠﯾﻛن ﻓﻲ ذات
ﷲ ﻋﻠوم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ وھذا ﻣﺣﺎل.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘﺗﺿﻲ ذﻟك ﻛﺛرة أﻛﺛر ﻣﻣﺎ إذا أﺿﯾف وﺟود إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ
ﻗﻠﻧﺎ :ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻠم واﺣداً ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻟم ﯾﺗﺻور ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﻣﻌﻠوﻣﯾن ،ﺑل ﯾﻘﺗﺿﻲ ذﻟك ﻛﺛرة ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو
وﺿﻊ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﺻطﻼﺣﮭم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر اﻟﻛﺛرة ،ﺣﺗﻰ ﺑﺎﻟﻐوا ﻓﻘﺎﻟوا :ﻟو ﻛﺎن ﻟﻸول ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟوﺟود ﻟﻛﺎن
ﻟذﻟك ﻛﺛرة .ﻓﻠم ﯾﻌﻘﻠوا ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﺛم ﯾوﺻف ﺑﺎﻟوﺟود ،ﺑل زﻋﻣوا أن اﻟوﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ
وھو ﻏرﯾﮫ ﻓﯾﻘﺗﺿﻲ ﻛﺛرة .ﻓﻌﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾر ﻋﻠم ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻛﺛﯾرة إﻻ وﯾﻠزم ﻓﯾﮫ ﻧوع ﻛﺛرة
أﺟﻠﻰ وأﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻼزم ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر وﺟود ﻣﺿﺎف إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ.
اﻟﻘول اﻷول ﺑﺎطل ...وأﻣﺎ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻻﺑن وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﻣﺿﺎﻓﺎت ﻓﻔﯾﮫ ﻛﺛرة ،إذ ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﻌﻠم ﺑذات اﻻﺑن وذات
اﻷب وھﻣﺎ ﻋﻠﻣﺎن .وﻋﻠم ﺛﺎﻟث وھو اﻹﺿﺎﻓﺔ .ﻧﻌم ھذا اﻟﺛﺎﻟث ﻣﺿﻣن ﺑﺎﻟﻌﻠﻣﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن إذ ھﻣﺎ ﻣن ﺷرطﮫ
وﺿرورﺗﮫ وإﻻ ﻓﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم اﻟﻣﺿﺎف أوﻻً ﻻ ﺗﻌﻠم اﻹﺿﺎﻓﺔ .ﻓﮭﻲ ﻋﻠوم ﻣﺗﻌددة ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﺷروطﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻌض.
ﻓﻛذﻟك إذا ﻋﻠم اﻷول ذاﺗﮫ ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ ﺳﺎﺋر اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟﮭﺎ اﻓﺗﻘر إﻟﻰ أن ﯾﻌﻠم ذاﺗﮫ وآﺣﺎد
اﻷﺟﻧﺎس وأن ﯾﻌﻠم إﺿﺎﻓﺔ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ إﻟﯾﮭﺎ ،وإﻻ ﻟم ﯾﻌﻘل ﻛون اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﮫ.
...واﻟﺛﺎﻧﻲ أﯾﺿﺎ ً ...وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم :إن ﻣن ﻋﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً ﻋﻠم ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑذﻟك اﻟﻌﻠم ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠوم ﻣﺗﻌدداً واﻟﻌﻠم
واﺣداً ،ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﺑل ﯾﻌﻠم ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻌﻠم آﺧر وﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﻋﻠم ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ وﻻ ﯾﻌﻠﻣﮫ .وﻻ ﻧﻘول :ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ
ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ،ﺑل ﯾﻧﻘطﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﻣﺗﻌﻠق ﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ وھو ﻏﺎﻓل ﻋن وﺟود اﻟﻌﻠم ﻻ ﻋن وﺟود اﻟﻣﻌﻠوم ،ﻛﺎﻟذي ﯾﻌﻠم
اﻟﺳواد وھو ﻓﻲ ﺣﺎل ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺳﺗﻐرق اﻟﻧﻔس ﺑﻣﻌﻠوﻣﮫ اﻟذي ھو ﺳواد وﻏﺎﻓل ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺳواد وﻟﯾس ﻣﻠﺗﻔﺗﺎ ً إﻟﯾﮫ،
ﻓﺈن اﻟﺗﻔت إﻟﯾﮫ اﻓﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠم آﺧر إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﻔﺎﺗﮫ.
...وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث ،ﻓﻌﻠﯾﻛم اﻟﺑرھﺎن وأﻣﺎ ﻗوﻟﮭم :إن ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﷲ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ واﻟﻌﻠم
ﻋﻧدﻛم واﺣد ،ﻓﻧﻘول :ﻧﺣن ﻟم ﻧﺧض ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﺧوض اﻟﻣﻣﮭدﯾن ﺑل ﺧوض اﻟﮭﺎدﻣﯾن اﻟﻣﻌﺗرﺿﯾن وﻟذﻟك
ﺳﻣﯾﻧﺎ اﻟﻛﺗﺎب :ﺗﮭﺎﻓت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻻ ﺗﻣﮭﯾد اﻟﺣق .ﻓﻠﯾس ﯾﻠزﻣﻧﺎ ھذا اﻟﺟواب.
ﻗوﻟﮭم ﻓﻲ اﻷﻣر إﺷﻛﺎل ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻔرق
ﻓﺈن ﻗﯾل :إﻧﺎ ﻻ ﻧﻠزﻣﻛم ﻣذھب ﻓرﻗﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن اﻟﻔرق .ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺧﻠق وﺗﺳﺗوي اﻷﻗدام ﻓﻲ
إﺷﻛﺎﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺟوز ﻟﻛم إﯾراده ،وھذا اﻹﺷﻛﺎل ﻣﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم وﻻ ﻣﺣﯾص ﻷﺣد ﻣن اﻟﻔرق ﻋﻧﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﻘﺻود ﺗﺷﻛﯾﻛﻛم ﻓﻲ دﻋﺎوﯾﻛم
ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ ،ﺑل اﻟﻣﻘﺻود ﺗﻌﺟﯾزﻛم ﻋن دﻋواﻛم ﻣﻌرﻓﺔ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور ﺑﺎﻟﺑراھﯾن اﻟﻘطﻌﯾﺔ وﺗﺷﻛﯾﻛﻛم ﻓﻲ دﻋﺎوﯾﻛم.
أﻧﺗم ﺗﻌﺗرﺿون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺎﻟرﺳول ...وإذا ظﮭر ﻋﺟزﻛم ﻓﻔﻲ اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾذھب إﻟﻰ أن ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور
اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻻ ﺗﻧﺎل ﺑﻧظر اﻟﻌﻘل ،ﺑل ﻟﯾس ﻓﻲ ﻗوة اﻟﺑﺷر اﻹطﻼع ﻋﻠﯾﮫ .وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺻﺎﺣب اﻟﺷرع :ﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ﺧﻠق
ﷲ وﻻ ﺗﺗﻔﻛروا ﻓﻲ ذات ﷲ .ﻓﻣﺎ إﻧﻛﺎرﻛم ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻣﻌﺗﻘدة ﺻدق اﻟرﺳول ﺑدﻟﯾل اﻟﻣﻌﺟزة اﻟﻣﻘﺗﺻرة
ﻣن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻌﻘل ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت ذات اﻟﻣرﺳل اﻟﻣﺣﺗرزة ﻋن اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﺑﻧظر اﻟﻌﻘل اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ ﺻﺎﺣب
اﻟﺷرع ﻓﯾﻣﺎ أﺗﻰ ﺑﮫ ﻣن ﺻﻔﺎت ﷲ اﻟﻣﻘﺗﻔﯾﺔ أﺛره ﻓﻲ إطﻼق اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻣرﯾد واﻟﻘﺎدر واﻟﺣﻲ اﻟﻣﻧﺗﮭﯾﺔ ﻋن إطﻼق
ﻣﺎ ﻟم ﯾؤذن ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻌﺗرﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺟز ﻋن درك اﻟﻌﻘل.
...وﻧﺣن ﻧﻌﺗرض ﻋﻠﯾﻛم! وإﻧﻣﺎ إﻧﻛﺎرﻛم ﻋﻠﯾﮭم ﺑﻧﺳﺑﺗﮭم إﻟﻰ اﻟﺟﮭل ﺑﻣﺳﺎﻟك اﻟﺑراھﯾن ووﺟﮫ ﺗرﺗﯾب اﻟﻣﻘدﻣﺎت
ﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس ودﻋواﻛم أﻧﺎ ﻗد ﻋرﻓﻧﺎ ذﻟك ﺑﻣﺳﺎﻟك ﻋﻘﻠﯾﺔ .وﻗد ﺑﺎن ﻋﺟزﻛم وﺗﮭﺎﻓت ﻣﺳﺎﻟﻛﻛم واﻓﺗﺿﺎﺣﻛم
ﻓﻲ دﻋوى ﻣﻌرﻓﺗﻛم وھو اﻟﻣﻘﺻود ﻣن ھذا اﻟﺑﯾﺎن .ﻓﺄﯾن ﻣن ﯾدﻋﻲ أن ﺑراھﯾن اﻹﻟﮭﯾﺎت ﻗﺎطﻌﺔ ﻛﺑراھﯾن
اﻟﮭﻧدﺳﯾﺎت؟
ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻟم ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذا اﻹﺷﻛﺎل إﻧﻣﺎ ﻟزم ﻋﻠﻰ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﺣﯾث زﻋم أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾره .ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺣﻘﻘون ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻗد
اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ،ﻓﯾﻧدﻓﻊ ھذا اﻹﺷﻛﺎل.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻌﻘﻼء ﯾﻌﻠم أﺷﯾﺎء ﻛﺛﯾرة!
ﻓﻧﻘول :ﻧﺎھﯾﻛم ﺧزﯾﺎ ً ﺑﮭذا اﻟﻣذھب ،وﻟوﻻ أﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟرﻛﺎﻛﺔ ﻟﻣﺎ اﺳﺗﻧﻛف اﻟﻣﺗﺄﺧرون ﻋن ﻧﺻرﺗﮫ .وﻧﺣن ﻧﻧﺑﮫ
ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺧزي ﻓﯾﮫ ،ﻓﺈن ﻓﯾﮫ ﺗﻔﺿﯾل ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ ﻋﻠﯾﮫ ،إذ اﻟﻣﻠك واﻹﻧﺳﺎن وﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻌﻘﻼء ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ
وﻣﺑدأه وﯾﻌرف ﻏﯾره ،واﻷول ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﮭو ﻧﺎﻗص ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ آﺣﺎد اﻟﻧﺎس ﻓﺿﻼً ﻋن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ،ﺑل
اﻟﺑﮭﯾﻣﺔ ﻣﻊ ﺷﻌورھﺎ ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ ﺗﻌرف أﻣوراً أﺧر ﺳواھﺎ .وﻻ ﺷك ﻓﻲ أن اﻟﻌﻠم ﺷرف وان ﻋدﻣﮫ ﻧﻘﺻﺎن .ﻓﺄﯾن
ﻗوﻟﮭم :إﻧﮫ ﻋﺎﺷق وﻣﻌﺷوق ﻷن ﻟﮫ اﻟﺑﮭﺎء اﻷﻛﻣل واﻟﺟﻣﺎل اﻷﺗم؟ وأي ﺟﻣﺎل ﻟوﺟود ﺑﺳﯾط ﻻ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﮫ وﻻ
ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻻ ﺧﺑر ﻟﮫ ﻣﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم وﻻ ﻣﻣﺎ ﯾﻠزم ذاﺗﮫ وﯾﺻدر ﻣﻧﮫ؟ وأي ﻧﻘﺻﺎن ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﷲ ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ
ھذا؟ ﺑﻠﻎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ھذا اﻟﻣﺑﻠﻎ! وﻟﯾﺗﻌﺟب اﻟﻌﺎﻗل ﻣن طﺎﺋﻔﺔ ﯾﺗﻌﻣﻘون ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﺑزﻋﻣﮭم ﺛم ﯾﻧﺗﮭﻲ آﺧر
ﻧظرھم إﻟﻰ أن رب اﻷرﺑﺎب وﻣﺳﺑب اﻷﺳﺑﺎب ﻻ ﻋﻠم ﻟﮫ أﺻﻼً ﺑﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم .وأي ﻓرق ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن
اﻟﻣﯾت إﻻ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ؟ وأي ﻛﻣﺎل ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣﻊ ﺟﮭﻠﮫ ﺑﻐﯾره؟ وھذا ﻣذھب ﺗﻐﻧﻲ ﺻورﺗﮫ ﻓﻲ
اﻻﻓﺗﺿﺎح ﻋن اﻹطﻧﺎب واﻹﯾﺿﺎح.
اﻟذات ﻏﯾر اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟذات ،ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﺛم ﯾﻘﺎل ﻟﮭؤﻻء :ﻟم ﺗﺗﺧﻠﺻوا ﻋن اﻟﻛﺛرة ﻣﻊ اﻗﺗﺣﺎم ھذه اﻟﻣﺧﺎزي
أﯾﺿﺎً ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ أو ﻏﯾر ذاﺗﮫ .ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ ﻏﯾره ،ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟﻛﺛرة ،وإن ﻗﻠﺗم :إﻧﮫ
ﻋﯾﻧﮫ ،ﻓﻣﺎ اﻟﻔﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﻗﺎﺋل :إن ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ؟ وھو ﺣﻣﺎﻗﺔ إذ ﯾﻌﻘل وﺟود ذاﺗﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻏﺎﻓل ﻋن ذاﺗﮫ ﺛم ﺗزول ﻏﻔﻠﺗﮫ وﯾﺗﻧﺑﮫ ﻟذاﺗﮫ ﻓﯾﻛون ﺷﻌوره ﺑذاﺗﮫ ﻏﯾر ذاﺗﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
ﻗوﻟﮭم اﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾطرى ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﻓﯾﻛون ﻏﯾره
ﻓﺈن ﻗﻠﺗم :إن اﻹﻧﺳﺎن ﻗد ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﻌﻠم ﺑذاﺗﮫ ﻓﯾطرى ﻋﻠﯾﮫ ﻓﯾﻛون ﻏﯾره ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﻘدر طرﯾﺎن اﻟذات
ﻓﻧﻘول :اﻟﻐﯾرﯾﺔ ﻻ ﺗﻌرف ﺑﺎﻟطرﯾﺎن واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻓﺈن ﻋﯾن اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾطرى ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻲء ،وﻏﯾر اﻟﺷﻲء
إذا ﻗﺎرن اﻟﺷﻲء ﻟم ﯾﺻر ھو ھو وﻟم ﯾﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻏﯾراً .ﻓﺑﺄن ﻛﺎن اﻷول ﻟم ﯾزل ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑذاﺗﮫ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ
أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ،وﯾﺗﺳﻊ اﻟوھم ﻟﺗﻘدﯾر اﻟذات ﺛم طرﯾﺎن اﻟﺷﻌور .وﻟو ﻛﺎن ھو اﻟذات ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻟﻣﺎ ﺗﺻور
ھذا اﻟﺗوھم.
ﻗوﻟﮭم ذاﺗﮫ ﻋﻘل وﻋﻠم...
ﻓﺈن ﻗﯾل :ذاﺗﮫ ﻋﻘل وﻋﻠم ﻓﻠﯾس ﻟﮫ ذات ﺛم ﻋﻠم ﻗﺎﺋم ﺑﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾردون ﷲ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻏراض! ...
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﺣﻣﺎﻗﺔ ظﺎھرة ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم ،ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﺻﻔﺔ وﻋرض ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣوﺻوﻓﺎً ،وﻗول اﻟﻘﺎﺋل :ھو ﻓﻲ ذاﺗﮫ
ﻋﻘل وﻋﻠم ،ﻛﻘوﻟﮫ :ھو ﻗدرة وإرادة وھو ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ .وﻟو ﻗﯾل :ﺑﮫ ،ﻓﮭو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل ﻓﻲ ﺳواد وﺑﯾﺎض :إﻧﮫ ﻗﺎﺋم
ﺑﻧﻔﺳﮫ ،وﻓﻲ ﻛﻣﯾﺔ وﺗرﺑﯾﻊ وﺗﺛﻠﯾث :إﻧﮫ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ .وﻛذى ﻓﻲ ﻛل اﻷﻋراض .وﺑﺎﻟطرﯾق اﻟذي ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻘوم
ﺻﻔﺎت اﻷﺟﺳﺎم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ دون ﺟﺳم ھو ﻏﯾر اﻟﺻﻔﺎت ،ﺑﻌﯾن ذﻟك اﻟطرﯾق ﯾﻌﻠم أن ﺻﻔﺎت اﻷﺣﯾﺎء ﻣن اﻟﻌﻠم
واﻟﺣﯾﺎة واﻟﻘدرة واﻹرادة أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ وإﻧﻣﺎ ﺗﻘوم ﺑذات .ﻓﺎﻟﺣﯾﺎة ﺗﻘوم ﺑﺎﻟذات ﻓﯾﻛون ﺣﯾﺎﺗﮫ ﺑﮭﺎ ،وﻛذﻟك
ﺳﺎﺋر اﻟﺻﻔﺎت .ﻓﺈذن ﻟم ﯾﻘﻧﻌوا ﺑﺳﻠب اﻷول ﺳﺎﺋر اﻟﺻﻔﺎت وﻻ ﺑﺳﻠﺑﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺳﻠﺑوه أﯾﺿﺎ ً اﻟﻘﯾﺎم
ﺑﻧﻔﺳﮫ وردوه إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﻋراض واﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﻻ ﻗوام ﻟﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ.
...وﻻ ﯾﻘﯾﻣون اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ...وﺳﻧﺑﯾن ذﻟك ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﺳﻧﺑﯾن ﺑﻌد ھذا ﻋﺟزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ
ﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ وﺑﻐﯾره ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻔردة.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم أن اﻷول ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﻓﻲ ﺟﻧس
وﯾﻔﺎرﻗﮫ ﺑﻔﺻل وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺗطرق إﻟﯾﮫ اﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ ﺣق اﻟﻌﻘل ﺑﺎﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل
رأﯾﮭم
وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ھذا وﺑﻧوا ﻋﻠﯾﮫ أﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﺑﻣﻌﻧﻰ ﺟﻧﺳﻲ ﻟم ﯾﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻓﺻﻠﻲ ،ﻓﻠم ﯾﻛن ﻟﮫ
ﺣد إذ اﻟﺣد ﯾﻧﺗظم ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ،وﻣﺎ ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮫ ﻓﻼ ﺣد ﻟﮫ .وھذا ﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب .وزﻋﻣوا أن ﻗول
اﻟﻘﺎﺋل :أﻧﮫ ﯾﺳﺎوي اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً وﺟوھراً وﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﺑﺷﻲء آﺧر ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،ﻓﻠﯾس
ھذا ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس ﺑل ھو ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻻزم ﻋﺎم.
ﻓﻲ اﻟﺟﻧس
وﻓرق ﺑﯾن اﻟﺟﻧس واﻟﻼزم ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وإن ﻟم ﯾﻔﺗرﻗﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻣوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋرف ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ،ﻓﺈن اﻟﺟﻧس اﻟذاﺗﻲ
ھو اﻟﻌﺎم اﻟﻣﻘول ﻓﻲ ﺟواب ﻣﺎ ھو وﯾدﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﺷﻲء اﻟﻣﺣدود وﯾﻛون ﻣﻘوﻣﺎ ً ﻟذاﺗﮫ .ﻓﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﺣﯾﺎ ً
داﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن أﻋﻧﻲ اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻓﻛﺎن ﺟﻧﺳﺎ ً .وﻛوﻧﮫ ﻣوﻟوداً وﻣﺧﻠوﻗﺎ ً ﻻزم ﻟﮫ ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﮫ ﻗط وﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس
داﺧﻼً ﻓﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ.
وإن ﻛﺎن ﻻزﻣﺎ ً ﻋﺎﻣﺎً ،وﯾﻌرف ذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﻣﻌرﻓﺔ ﻻ ﯾﺗﻣﺎرى ﻓﯾﮭﺎ.
ﻗوﻟﮭم إن اﻟوﺟود ﻻ ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء...
وزﻋﻣوا أن اﻟوﺟود ﻻ ﯾدﺧل ﻗط ﻓﻲ ﻣﺎھﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء ﺑل ھو ﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ :إﻣﺎ ﻻزﻣﺎ ً ﻻ ﯾﻔﺎرق ﻛﺎﻟﺳﻣﺎء،
أو وارداً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻛﺎﻷﺷﯾﺎء اﻟﺣﺎدﺛﺔ ،ﻓﺎﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻟﯾس ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس.
...وﻻ ﯾدﺧل ﻓﯾﮭﺎ "ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ" ...وأﻣﺎ ﻣﺷﺎرﻛﺗﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﻐﯾره ﻛﺳﺎﺋر اﻟﻌﻠل ﻓﮭو ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ إﺿﺎﻓﺔ
ﻻزﻣﺔ ﻻ ﺗدﺧل أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ،ﻓﺈن اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ واﻟوﺟود ﻻ ﯾﻘوم واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ اﻟذات ﺑل ﯾﻠزﻣﺎن اﻟذات ﺑﻌد ﺗﻘوم
اﻟذات ﺑﺄﺟزاء ﻣﺎھﯾﺗﮫ .ﻓﻠﯾس اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮫ إﻻ ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻻزم ﻋﺎم ﯾﺗﺑﻊ اﻟذات ﻟزوﻣﮫ ﻻ ﻓﻲ ﺟﻧس .وﻟذﻟك ﻻ
ﺗﺣد اﻷﺷﯾﺎء إﻻ ﺑﺎﻟﻣﻘوﻣﺎت ،ﻓﺈن ﺣدث ﺑﺎﻟﻠوازم ﻛﺎن ذﻟك رﺳﻣﺎ ً ﻟﻠﺗﻣﯾﯾز ﻻ ﻟﺗﺻوﯾر ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷﻲء .ﻓﻼ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ
ﺣد اﻟﻣﺛﻠث إﻧﮫ اﻟذي ﺗﺳﺎوي زواﯾﺎه اﻟﻘﺎﺋﻣﺗﯾن ،وإن ﻛﺎن ذﻟك ﻻزﻣﺎ ً ﻋﺎﻣﺎ ً ﻟﻛل ﻣﺛﻠث ،ﺑل ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﺷﻛل ﯾﺣﯾط ﺑﮫ
ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻼع.
...وﻻ ﯾدﺧل ﻓﯾﮭﺎ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً ...وﻛذﻟك اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً ،ﻓﺈن ﻣﻌﻧﻰ ﻛوﻧﮫ ﺟوھراً أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ
ﻓﻲ ﻣوﺿوع ،واﻟﻣوﺟود ﻟﯾس ﺑﺟﻧس .ﻓﺑﺄن ﯾﺿﺎف إﻟﯾﮫ أﻣر ﺳﻠﺑﻲ وھو أﻧﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻓﻼ ﯾﺻﯾر ﺟﻧﺳﺎ ً
ﻣﻘوﻣﺎً ،ﺑل ﻟو أﺿﯾف إﻟﯾﮫ إﯾﺟﺎﺑﮫ وﻗﯾل ﻣوﺟود ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻟم ﯾﺻر ﺟﻧﺳﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻌرض ،وھذا ﻷن ﻣن ﻋرف
اﻟﺟوھر ﺑﺣده اﻟذي ھو ﻛﺎﻟرﺳم ﻟﮫ وھو أﻧﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع ﻓﻠﯾس ﯾﻌرف ﻛوﻧﮫ ﻣوﺟوداً ،ﻓﺿﻼً أن
ﯾﻌرف أﻧﮫ ﻓﻲ ﻣوﺿوع أو ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع ،ﺑل ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻲ رﺳم اﻟﺟوھر أﻧﮫ اﻟﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع أي
أﻧﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ إذا وﺟد وﺟد ﻻ ﻓﻲ ﻣوﺿوع .وﻟﺳﻧﺎ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮫ أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻔﻌل ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺣدﯾد ﻓﻠﯾس اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮫ
ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺟﻧس.
...ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ھو ﻟﻸول ﻻ ﻟﻐﯾره ﺑل اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﻘوﻣﺎت اﻟﻣﺎھﯾﺔ ھﻲ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧس اﻟﻣﺣوج
إﻟﻰ اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺑﻌده ﺑﺎﻟﻔﺻل وﻟﯾس ﻟﻸول ﻣﺎھﯾﺔ ﺳوى اﻟوﺟود اﻟواﺟب .ﻓﺎﻟوﺟود اﻟواﺟب طﺑﯾﻌﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ وﻣﺎھﯾﺔ
ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ھو ﻟﮫ ﻻ ﻟﻐﯾره .وإذا ﻟم ﯾﻛن وﺟوب اﻟوﺟود إﻻ ﻟﮫ ﻟم ﯾﺷﺎرك ﻏﯾره ﻓﻠم ﯾﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﺑﻔﺻل ﻧوﻋﻲ ،ﻓﻠم
ﯾﻛن ﻟﮫ ﺣد.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ
ﻓﮭذا ﺗﻔﮭﯾم ﻣذھﺑﮭم .واﻟﻛﻼم ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن :ﻣطﺎﻟﺑﺔ وإﺑطﺎل .أﻣﺎ اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﻓﮭو أن ﯾﻘﺎل :ھذا ﺣﻛﺎﯾﺔ اﻟﻣذھب،
ﻓﺑم ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻓﻲ ﺣق اﻷول ﺣﺗﻰ ﺑﻧﯾﺗم ﻋﻠﯾﮫ ﻧﻔﻲ اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ؟ إذ ﻗﻠﺗم :إن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺷﺎرﻛﮫ ﻓﻲ
ﺷﻲء وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺷﻲء واﻟذي ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾﺷﺎرك ﺑﮫ وﻣﺎ ﯾﺑﺎﯾن ﺑﮫ ﻓﮭو ﻣرﻛب واﻟﻣرﻛب ﻣﺣﺎل.
أﺑطﻠﻧﺎ إﻣﻛﺎن اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﻲ اﻷول ﻓﻧﻘول :ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب ﻣن أﯾن ﻋرﻓﺗم اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ؟ وﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ إﻻ
ﻗوﻟﻛم اﻟﻣﺣﻛﻲ ﻋﻧﻛم ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺻﻔﺎت وھو أن اﻟﻣرﻛب ﻣن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن أﺟزاء ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﯾﺻﺢ
ﻟواﺣد ﻣن اﻷﺟزاء أو اﻟﺟﻣﻠﺔ وﺟود دون اﻵﺧر ﻓﮭو واﺟب اﻟوﺟود دون ﻣﺎ ﻋداه ،وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺻﺢ ﻟﻸﺟزاء
وﺟود دون اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﻻ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ وﺟود دون اﻷﺟزاء ﻓﺎﻟﻛل ﻣﻌﻠول ﻣﺣﺗﺎج .وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وﺑﯾﻧﺎ
أن ذﻟك ﻟﯾس ﺑﻣﺣﺎل ﻓﻲ ﻗطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل ،واﻟﺑرھﺎن ﻟم ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل.
اﻟﺑرھﺎن ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻘط ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻌظﺎﺋم اﻟﺗﻲ اﺧﺗرﻋوھﺎ ﻓﻲ ﻟزوم اﺗﺻﺎف واﺟب اﻟوﺟود ﺑﮫ
ﻓﻠم ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ دﻟﯾل .ﻓﺈن ﻛﺎن واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ وﺻﻔوه ﺑﮫ وھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ ﻗواﻣﮫ إﻟﻰ
ﻏﯾره ،ﻓﻼ دﻟﯾل إذن ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت واﺟب اﻟوﺟود وإﻧﻣﺎ اﻟدﻟﯾل دل ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻘط ،وھذا ﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ
اﻟﺻﻔﺎت.
ﻟﯾس ﺑﯾن اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺗﺎﻣﺔ وھو ﻓﻲ ھذا اﻟﻧوع أظﮭر ﻓﺈن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺷﻲء إﻟﻰ اﻟﺟﻧس واﻟﻔﺻل ﻟﯾس
ﻛﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣوﺻوف إﻟﻰ ذات وﺻﻔﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺻﻔﺔ ﻏﯾر اﻟذات واﻟذات ﻏﯾر اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻧوع ﻟﯾس ﻏﯾر اﻟﺟﻧس ﻣن
ﻛل وﺟﮫ ،ﻓﻣﮭﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ اﻟﻧوع ﻓﻘد ذﻛرﻧﺎ اﻟﺟﻧس وزﯾﺎدة .وإذا ذﻛرﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻠم ﻧذﻛر إﻻ اﻟﺣﯾوان ﻣﻊ زﯾﺎدة
ﻧطق .ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل :إن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھل ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ؟ ﻛﻘوﻟﮫ :إن اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھل ﺗﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ إذا
اﻧﺿم إﻟﯾﮭﺎ ﺷﻲء آﺧر؟ ﻓﮭذا أﺑﻌد ﻋن اﻟﻛﺛرة ﻣن اﻟﺻﻔﺔ واﻟﻣوﺻوف.
إن ﻟم ﺗﻛن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل ...وﻣن أي وﺟﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻧﻘطﻊ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻋﻠﻰ ﻋﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ ﻋﻠﺔ
اﻟﺳﻣوات واﻷﺧرى ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻧﺎﺻر أو أﺣدھﻣﺎ ﻋﻠﺔ اﻟﻌﻘول واﻵﺧر ﻋﻠﺔ اﻷﺟﺳﺎم ﻛﻠﮭﺎ وﯾﻛون ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ
وﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻛﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺣﻣرة واﻟﺣرارة ﻓﻲ ﻣﺣل واﺣد؟ ﻓﺈﻧﮭﻣﺎ ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣن ﻏﯾر أن ﻧﻔرض ﻓﻲ
اﻟﺣﻣرة ﺗرﻛﯾﺑﺎ ً ﺟﻧﺳﯾﺎ ً وﻓﺻﻠﯾﺎ ً ﺑﺣﯾث ﯾﻘﺑل اﻻﻧﻔﺻﺎل ،ﺑل إن ﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﻛﺛرة ﻓﮭو ﻧوع ﻛﺛرة ﻻ ﯾﻘدح ﻓﻲ وﺣدة
اﻟذات .ﻓﻣن أي وﺟﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل ھذا ﻓﻲ اﻟﻌﻠل؟ وﺑﮭذا ﯾﺗﺑﯾن ﻋﺟزھم ﻋن ﻧﻔﻲ إﻟﮭﯾن ﺻﺎﻧﻌﯾن.
إﻣﺎ أن ﯾﻛون ھذا ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود وإﻣﺎ أن ﻻ ﯾﻛون ،وﻻ ﯾﺻﺢ ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن ﻓﺈن ﻗﯾل :إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ھذا
ﻣن ﺣﯾث أن ﻣﺎ ﺑﮫ ﻣن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﺑﯾن اﻟذاﺗﯾن إن ﻛﺎن ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾوﺟد ﻟﻛل واﺟب
وﺟود ﻓﻼ ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن ،وإن ﻟم ﯾﻛن ھذا ﺷرطﺎ ً وﻻ اﻵﺧر ﺷرطﺎ ً ﻓﻛل ﻣﺎ ﻻ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ وﺟوب اﻟوﺟود ﻓوﺟوده
ﻣﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ وﯾﺗم وﺟوب اﻟوﺟود ﺑﻐﯾره.
ﻗوﻟﻧﺎ ﯾﺟب اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻣوﺟود اﻟذي ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ
ﻗﻠﻧﺎ :ھذا ﻋﯾن ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ .وﻣﻧﺷﺄ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك ﻓﻲ ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود،
ﻓﻠﯾطرح ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻧﺳﻠم أن اﻟدﻟﯾل ﯾدل ﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود إن ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣراد ﺑﮫ ﻣوﺟود ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﮫ ﻗدﯾم ،وإن ﻛﺎن
اﻟﻣراد ھذا ﻓﻠﯾﺗرك ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود وﻟﯾﺑﯾن أن ﻣوﺟوداً ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻓﺎﻋل ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻌدد واﻟﺗﺑﺎﯾن وﻻ
ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ دﻟﯾل.
ﺑﻌض اﻟﺗﺑﺎﯾن ھو ﺷرط ﻓﻲ "ﻛون" اﻟﻠون ﻟوﻧﺎ ً ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم :إن ذﻟك ھل ھو ﺷرط ﻓﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﮫ ﻋﻠﺔ؟ ﻓﮭو
ھوس ﻓﺈن ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻗد ﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠل ﻛوﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﺣﺗﻰ ﯾطﻠب ﺷرطﮫ ،أو ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :إن
اﻟﺳوادﯾﺔ ھل ھﻲ ﺷرط ﻓﻲ ﻛون اﻟﻠون ﻟوﻧﺎً؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﺷرطﺎ ً ﻓﻠم ﻛﺎن اﻟﺣﻣرة ﻟوﻧﺎً؟ ﻓﯾﻘﺎل :أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﻓﻼ
ﯾﺷﺗرط واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ،أﻋﻧﻲ ﺛﺑوت ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ،وأﻣﺎ ﻓﻲ وﺟوده ﻓﺎﻟﺷرط أﺣدھﻣﺎ ﻻ ﺑﻌﯾﻧﮫ ،أي ﻻ
ﯾﻣﻛن ﺟﻧس ﻓﻲ اﻟوﺟود إﻻ وﻟﮫ ﻓﺻل .ﻓﻛذﻟك ﻣن ﯾﺛﺑت ﻋﻠﺗﯾن وﯾﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﮭﻣﺎ ﻓﯾﻘول :ﯾﺗﺑﺎﯾﻧﺎن ﺑﻔﺻل،
وأﺣد اﻟﻔﺻول ﺷرط اﻟوﺟود ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ وﻟﻛن ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﯾن.
ﻗوﻟﮭم وﺟوب اﻟوﺟود ﻛوﺟود اﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻻ ﻛﻣﺎھﯾﺗﮫ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذا ﯾﺟوز ﻓﻲ اﻟﻠون ﻓﺈن ﻟﮫ وﺟوداً ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ زاﺋداً ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺟوز ﻓﻲ واﺟب
اﻟوﺟود إذ ﻟﯾس ﻟﮫ إﻻ وﺟوب اﻟوﺟود ،وﻟﯾس ﺛم ﻣﺎھﯾﺔ ﯾﺿﺎف اﻟوﺟود إﻟﯾﮭﺎ .وﻛﻣﺎ أن ﻓﺻل اﻟﺳواد وﻓﺻل
اﻟﺣﻣرة ﻻ ﯾﺷﺗرط ﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮭﺎ ﻟوﻧﯾﺔ إﻧﻣﺎ ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ وﺟودھﺎ اﻟﺣﺎﺻل ﺑﻌﻠﺔ ،ﻓﻛذﻟك ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﺷﺗرط
ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻓﺈن اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﻸول ﻛﺎﻟﻠوﻧﯾﺔ ﻟﻠون ﻻ ﻛﺎﻟوﺟود اﻟﻣﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﻠوﻧﯾﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻼ ،وﺳﯾﺄﺗﻲ اﻟﻛﻼم ﻋن اﻷﻣر
ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ ﻧﺳﻠم ،ﺑل ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣوﺻوﻓﺔ ﺑﺎﻟوﺟود ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻌده .وﻗوﻟﮭم :إﻧﮫ وﺟود ﺑﻼ
ﻣﺎھﯾﺔ ،ﺧﺎرج ﻋن اﻟﻣﻌﻘول .ورﺟﻊ ﺣﺎﺻل اﻟﻛﻼم إﻟﻰ اﻧﮭم ﺑﻧوا ﻧﻔﻲ اﻟﺗﺛﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﺟﻧﺳﻲ
واﻟﻔﺻﻠﻲ ﺛم ﺑﻧوا ذاك ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ وراء اﻟوﺟود ،ﻓﻣﮭﻣﺎ أﺑطﻠﻧﺎ اﻷﺧﯾر اﻟوﺟود ،ﻓﻣﮭﻣﺎ أﺑطﻠﻧﺎ اﻷﺧﯾر اﻟذي
ھو أﺳﺎس اﻷﺳﺎس ﺑطل ﻋﻠﯾﮭم اﻟﻛل ،وھو ﺑﻧﯾﺎن ﺿﻌﯾف اﻟﺛﺑوت ﻗرﯾب ﻣن ﺑﯾوت اﻟﻌﻧﻛﺑوت.
اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻷول واﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻹﻟزام وھو أﻧﺎ ﻧﻘول :إن ﻟم ﯾﻛن اﻟوﺟود واﻟﺟوھرﯾﺔ
واﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ ﺟﻧﺳﺎ ً ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﻣﻘوﻻً ﻓﻲ ﺟواب ﻣﺎ ھو ﻓﺎﻷول ﻋﻧدﻛم ﻋﻘل ﻣﺟرد ،ﻛﻣﺎ أن ﺳﺎﺋر اﻟﻌﻘول اﻟﺗﻲ ھﻲ
اﻟﻣﺑﺎدئ ﻟﻠوﺟود اﻟﻣﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﻧدھم اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻷول ﻋﻘول ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد ،ﻓﮭذه اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ
ﺗﺷﻣل اﻷول وﻣﻌﻠوﻟﮫ اﻷول ﻓﺈن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول أﯾﺿﺎ ً ﺑﺳﯾط ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﻲ ذاﺗﮫ إﻻ ﻣن ﺣﯾث ﻟوازﻣﮫ وھﻣﺎ
ﻣﺷﺗرﻛﺎن ﻓﻲ أن ﻛل واﺣد ﻋﻘل ﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣﺎدة وھذه ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺟﻧﺳﯾﺔ .ﻓﻠﯾس اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻣﺟردة ﻟﻠذات ﻣن اﻟﻠوازم
ﺑل ھﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ وھذه اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻷول وﺳﺎﺋر اﻟﻌﻘول .ﻓﺈن ﻟم ﯾﺑﺎﯾﻧﮭﺎ ﺑﺷﻲء آﺧر ﻓﻘد ﻋﻘﻠﺗم اﺛﻧﯾﻧﯾﺔ ﻣن
ﻏﯾر ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ،وإن ﺑﺎﯾﻧﮭﺎ ﻓﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻏﯾر ﻣﺎ ﺑﮫ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ واﻟﻌﻘﻠﯾﺔ.
وھذه اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ھﻲ ﻓﻲ ذات ﻛﻠﯾﮭﻣﺎ واﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻓﺈن اﻷول ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﻋﻘل ﻏﯾره
ﻋﻧد ﻣن ﯾرى ذﻟك ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻋﻘل ﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣﺎدة ،وﻛذى اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وھو اﻟﻌﻘل اﻷول اﻟذي
أﺑدﻋﮫ ﷲ ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ ﻣﺷﺎرك ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻌﻘول اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻻت أﻧواع ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
وإﻧﻣﺎ اﺷﺗراﻛﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ واﻓﺗراﻗﮭﺎ ﺑﻔﺻول ﺳوى ذﻟك ،وﻛذﻟك اﻷول ﺷﺎرك ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﮭم ﻓﯾﮫ ﺑﯾن
ﻧﻘض اﻟﻘﺎﻋدة أو اﻟﻣﺻﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﻘوﻣﺔ ﻟﻠذات ،وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﺣﺎﻻن ﻋﻧدھم.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن وﺟود اﻷول ﺑﺳﯾط
أي ھو وﺟود ﻣﺣض وﻻ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﯾﺿﺎف اﻟوﺟود إﻟﯾﮭﺎ ﺑل اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻟﮫ ﻛﺎﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻐﯾره
اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل
واﻟﻛﻼم ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن :اﻷول اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻓﯾﻘﺎل :ﺑم ﻋرﻓﺗم ذﻟك؟ أﺑﺿرورة أو ﻧظر؟ وﻟﯾس ﺑﺿروري
ﻓﻼ ﺑد ﻣن ذﻛر طرﯾق اﻟﻧظر.
ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻟوﺟود اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﺣﺎل
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻷﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﻛﺎن اﻟوﺟود ﻣﺿﺎﻓﺎ ً إﻟﯾﮭﺎ وﺗﺎﺑﻌﺎ ً ﻟﮭﺎ وﻻزﻣﺎ ً ﻟﮭﺎ واﻟﺗﺎﺑﻊ ﻣﻌﻠول ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود
اﻟواﺟب ﻣﻌﻠوﻻً وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض.
???ﻗوﻟﻧﺎ ھو ﻣﺣﺎل إذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ
ﻓﻧﻘول :ھذا رﺟوع إﻟﻰ ﻣﻧﺑﻊ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ إطﻼق ﻟﻔظ اﻟوﺟود اﻟواﺟب ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻣﺎھﯾﺔ وﺗﻠك اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ
ﻣوﺟودة أي ﻟﯾﺳت ﻣﻌدوﻣﺔ ﻣﻧﻔﯾﺔ ووﺟودھﺎ ﻣﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ،وإن أﺣﺑوا أن ﯾﺳﻣوه ﺗﺎﺑﻌﺎ ً وﻻزﻣﺎ ً ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ
اﻷﺳﺎﻣﻲ ﺑﻌد أن ﯾﻌرف أﻧﮫ ﻻ ﻓﺎﻋل ﻟﻠوﺟود ﺑل ﻟم ﯾزل ھذا اﻟوﺟود ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣن ﻏﯾر ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ .ﻓﺈن ﻋﻧوا ﺑﺎﻟﺗﺎﺑﻊ
واﻟﻣﻌﻠول أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ،وإن ﻋﻧوا ﻏﯾره ﻓﮭو ﻣﺳﻠم وﻻ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ إذ اﻟدﻟﯾل ﻟم ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ
ﻗطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل ،وﻗطﻌﮫ ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣوﺟودة وﻣﺎھﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻣﻣﻛن ﻓﻠﯾس ﯾﺣﺗﺎج ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺳﻠب اﻟﻣﺎھﯾﺔ.
?ﻗوﻟﮭم ﺗﻛون اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻓﺎﻋﻼً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﺗﻛون اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠوﺟود اﻟذي ھو ﺗﺎﺑﻊ ﻟﮫ ﻓﯾﻛون اﻟوﺟود ﻣﻌﻠوﻻً وﻣﻔﻌوﻻً.
ﻗوﻟﻧﺎ أي أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻻ ﺗﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠوﺟود ﻓﻛﯾف ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم؟ إن ﻋﻧوا ﺑﺎﻟﺳﺑب اﻟﻔﺎﻋل ﻟﮫ وإن ﻋﻧوا
ﺑﮫ وﺟﮭﺎ ً آﺧر وھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋﻧﮫ ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻼ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﮫ ،إﻧﻣﺎ اﻹﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل ﻓﺈذا اﻧﻘطﻊ
ﻓﻘد اﻧدﻓﻌت اﻹﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ،وﻣﺎ ﻋدى ذﻟك ﻟم ﺗﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ .وﻛل ﺑراھﯾﻧﮭم
ﺗﺣﻛﻣﺎت ﻣﺑﻧﺎھﺎ ﻋﻠﻰ أﺧذ ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻟﮫ ﻟوازم وﺗﺳﻠم أن اﻟدﻟﯾل ﻗد دل ﻋﻠﻰ واﺟب اﻟوﺟود
ﺑﺎﻟﻧﻌت اﻟذي وﺻﻔوه وﻟﯾس ﻛذﻟك ﻛﻣﺎ ﺳﺑق.
?ﻣن اﻟﺿﻼل أن ﯾﻘﺎل إن ﻛل ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺟودة ﻓﻣﺗﻛﺛرة وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ دﻟﯾﻠﮭم ﻓﻲ ھذا ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ دﻟﯾل ﻧﻔﻲ
اﻟﺻﻔﺎت وﻧﻔﻲ اﻹﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﻧﺳﻲ واﻟﻔﺻﻠﻲ ،إﻻ أﻧﮫ أﻏﻣض وأﺿﻌف ﻷن ھذه اﻟﻛﺛرة ﻻ ﺗرﺟﻊ إﻻ إﻟﻰ ﻣﺟرد
اﻟﻠﻔظ وإﻻ ﻓﺎﻟﻌﻘل ﯾﺗﺳﻊ ﻟﺗﻘدﯾر ﻣﺎھﯾﺔ واﺣدة ﻣوﺟودة وھو ﯾﻘوﻟون :ﻛل ﻣﺎھﯾﺔ ﻣوﺟودة ﻓﻣﺗﻛﺛرة إذ ﻓﯾﮫ ﻣﺎھﯾﺔ
ووﺟود .وھذا ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺿﻼل ﻓﺈن اﻟﻣوﺟود اﻟواﺣد ﻣﻌﻘول ﺑﻛل ﺣﺎل وﻻ ﻣوﺟود إﻻ وﻟﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ووﺟود اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ
ﯾﻧﻔﻲ اﻟوﺣدة.
وﺟود ﺑﻼ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﻧﻘول :وﺟود ﺑﻼ ﻣﺎھﯾﺔ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول،
وﻛﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻘل ﻋدﻣﺎ ً ﻣرﺳﻼً إﻻ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣوﺟود ﯾﻘدر ﻋدﻣﮫ ﻓﻼ ﻧﻌﻘل وﺟود ﻣرﺳﻼً إﻻ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ﻻ ﺳﯾﻣﺎ إذا ﺗﺑﯾن ذاﺗﺎ ً واﺣدة ،ﻓﻛﯾف ﯾﺗﻌﯾن واﺣداً ﻣﺗﻣﯾزاً ﻋن ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ؟ ﻓﺈن ﻧﻔﻲ
اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻧﻔﻲ ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ وإذا ﻧﻔﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣوﺟود ﻟم ﯾﻌﻘل اﻟوﺟود ،ﻓﻛﺄﻧﮭم ﻗﺎﻟوا :وﺟود وﻻ ﻣوﺟود ،وھو ﻣﺗﻧﺎﻗض.
ﻻ ﯾﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻣن اﻟوﺟود وﯾدل ﻋﻠﯾﮫ أﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ھذا ﻣﻌﻘوﻻً ﻟﺟﺎز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠوﻻت
وﺟود ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﮫ ﯾﺷﺎرك اﻷول ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻻ ﻣﺎھﯾﺔ ﻟﮫ وﯾﺑﺎﯾﻧﮫ ﻓﻲ أن ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ،واﻷول ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ،ﻓﻠم
ﻻ ﯾﺗﺻور ھذا ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠوﻻت؟ وھل ﻟﮫ ﺳﺑب إﻻ أﻧﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ؟ وﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺑﺄن ﯾﻧﻔﻲ
ﻋﻠﺗﮫ ﻻ ﯾﺻﯾر ﻣﻌﻘوﻻً ،وﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻓﺑﺄن ﯾﻘدر ﻟﮫ ﻋﻠﺔ ﻻ ﯾﺧرج ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻘوﻻً .واﻟﺗﻧﺎھﻲ إﻟﻰ ھذا اﻟﺣد ﻏﺎﯾﺔ
ظﻠﻣﺎﺗﮭم ﻓﻘد ظﻧوا أﻧﮭم ﯾﻧزھون ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻘوﻟون ﻓﺎﻧﺗﮭﻰ ﻛﻼﻣﮭم إﻟﻰ اﻟﻧﻔﻲ اﻟﻣﺟرد ،ﻓﺈن ﻧﻔﻲ اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﻧﻔﻲ ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ
وﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻻ ﻟﻔظ اﻟوﺟود وﻻ ﻣﺳﻣﻰ ﻟﮫ أﺻﻼً إذا ﻟم ﯾﺿف إﻟﻰ ﻣﺎھﯾﺔ.
ﻗوﻟﮭم ﻣﺎھﯾﺗﮫ ھﻲ أﻧﮫ واﺟب
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ أﻧﮫ واﺟب وھو اﻟﻣﺎھﯾﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟوﺟود ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠول ﻻ ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﻣﺎھﯾﺔ
ﻗﻠﻧﺎ :وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠواﺟب إﻻ ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ وھو ﺳﻠب ﻻ ﯾﺗﻘوم ﺑﮫ ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات ،وﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻزم اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ،
ﻓﻠﺗﻛن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ وﻻ ﯾﺗﺻور ﻋدﻣﮭﺎ إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠوﺟوب إﻻ ھذا .ﻋﻠﻰ أن
اﻟوﺟوب إن زاد ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟﻛﺛرة ،وإن ﻟم ﯾزد ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ھو اﻟﻣﺎھﯾﺔ واﻟوﺟود ﻟﯾس ﺑﻣﺎھﯾﺔ؟
ﻓﻛذى ﻣﺎ ﻻ ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﮫ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل
ﻋﻠﻰ أن اﻷول ﻟﯾس ﺑﺟﺳم
ﻗوﻟﻧﺎ وﻣﺎ اﻷﻣر إذا ﻛﺎن اﻷول ﺟﺳﻣﺎ ً ﻗدﯾﻣﺎً؟
ﻓﻧﻘول :ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﻣن ﯾرى أن اﻟﺟﺳم ﺣﺎدث ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث ،وﻛل ﺣﺎدث ﻓﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ
ﻣﺣدث .ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم إذا ﻋﻘﻠﺗم ﺟﺳﻣﺎ ً ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻻ أول ﻟوﺟوده ﻣﻊ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث ﻓﻠم ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾﻛون اﻷول
ﺟﺳﻣﺎ ً إﻣﺎ اﻟﺷﻣس وإﻣﺎ اﻟﻔﻠك اﻷﻗﺻﻰ وإﻣﺎ ﻏﯾره؟
ﻗوﻟﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟﻘﺳﻣﺔ واﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻣرﻛﺑﺎ ً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻷن اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً إﻟﻰ ﺟزﺋﯾن ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ وإﻟﻰ اﻟﮭﯾوﻟﻰ واﻟﺻورة ﺑﺎﻟﻘﺳﻣﺔ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ
وإﻟﻰ أوﺻﺎف ﯾﺧﺗص ﺑﮭﺎ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺑﺎﯾن ﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم ،وإﻻ ﻓﺎﻷﺟﺳﺎم ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ أﺟﺳﺎم وواﺟب
اﻟوﺟود واﺣد ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟﻘﺳﻣﺔ ﺑﮭذه اﻟوﺟوه.
ﻗوﻟﻧﺎ أﺑطﻠﻧﺎ ھذا ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑق
ﻗﻠﻧﺎ :وﻗد أﺑطﻠﻧﺎ ھذا ﻋﻠﯾﻛم وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺳوى أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إذا اﻓﺗﻘر ﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ إﻟﻰ اﻟﺑﻌض ﻛﺎن
ﻣﻌﻠوﻻً .وﻗد ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﺑﻌد ﺗﻘدﯾر ﻣوﺟود ﻻ ﻣوﺟد ﻟﮫ ﻟم ﯾﺑﻌد ﺗﻘدﯾر ﻣرﻛب ﻻ ﻣرﻛب ﻟﮫ
وﺗﻘدﯾر ﻣوﺟودات ﻻ ﻣوﺟد ﻟﮭﺎ ،إذ ﻧﻔﻲ اﻟﻌدد واﻟﺗﺛﻧﯾﺔ ﺑﻧﯾﺗﻣوه ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب وﻧﻔﻲ اﻟﺗرﻛﯾب ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ
اﻟﻣﺎھﯾﺔ ﺳوى اﻟوﺟود وﻣﺎ ھو اﻷﺳﺎس اﻷﺧﯾر ﻓﻘد اﺳﺗﺄﺻﻠﻧﺎه وﺑﯾﻧﺎ ﺗﺣﻛﻣﻛم ﻓﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﺳم ﺑﻼ ﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً
وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻓﻧﻔﺳﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﺟﺳم إن ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون ﻓﺎﻋﻼً وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﻔس ﻓﻧﻔﺳﮫ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﺟﺳم أوﻻً.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻛﻼ
ﻗﻠﻧﺎ :ﻧﻔﺳﻧﺎ ﻟﯾس ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﺟﺳﻣﻧﺎ وﻻ ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﺑﻣﺟردھﺎ ﻋﻠﺔ ﻟوﺟود ﺟﺳﻣﮫ ﻋﻧدﻛم ﺑل ھﻣﺎ ﯾوﺟدان ﺑﻌﻠﺔ
ﺳواھﻣﺎ ﻓﺈذا ﺟﺎز وﺟودھﻣﺎ ﻗدﯾﻣﺎ ً ﺟﺎز أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﻣﺎ ﻋﻠﺔ.
ﻗوﻟﮭم ﻛﯾف اﺗﻔق اﺟﺗﻣﺎﻋﮭﻣﺎ؟
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻛﯾف اﺗﻔق اﺟﺗﻣﺎع اﻟﻧﻔس واﻟﺟﺳم؟
ﻗوﻟﻧﺎ وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ إذا ﻛﺎﻧﺎ ﻗدﯾﻣﯾن؟
ﻗﻠﻧﺎ :ھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﻛﯾف اﺗﻔق وﺟود اﻷول؟ ﻓﯾﻘﺎل :ھذا ﺳؤال ﻋن ﺣﺎدث ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻟم ﯾزل ﻣوﺟوداً ﻓﻼ ﯾﻘﺎل
ﻛﯾف اﺗﻔق .ﻓﻛذﻟك اﻟﺟﺳم وﻧﻔﺳﮫ إذا ﻟم ﯾزل ﻛل واﺣد ﻣوﺟوداً ﻟم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﺻﺎﻧﻌﺎً؟
ﻗوﻟﮭم ﻷن اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﺧﻠق ﻏﯾره
واﻟﻧﻔس ﻻ ﺗﺧﻠق إﻻ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺟﺳم
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻷن اﻟﺟﺳم ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم ﻻ ﯾﺧﻠق ﻏﯾره واﻟﻧﻔس اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺟﺳم ﻻ ﺗﻔﻌل إﻻ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺟﺳم وﻻ
ﯾﻛون اﻟﺟﺳم واﺳطﺔ ﻟﻠﻧﻔس ﻓﻲ ﺧﻠق اﻷﺟﺳﺎم وﻻ ﻓﻲ إﺑداع اﻟﻧﻔوس وأﺷﯾﺎء ﻻ ﺗﻧﺎﺳب اﻷﺟﺳﺎم.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أﻣر ﻻ ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ ﺑرھﺎن
ﻗﻠﻧﺎ :وﻟم ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ﻧﻔس ﺗﺧﺗص ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﺗﮭﯾﺄ ﺑﮭﺎ ﻷن ﺗوﺟد اﻷﺟﺳﺎم وﻏﯾر اﻷﺟﺳﺎم ﻣﻧﮭﺎ؟
ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻻ ﯾﻌرف ﺿرورة وﻻ ﺑرھﺎن ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ ،إﻻ أﻧﮫ ﻟم ﻧﺷﺎھد ﻣن ھذه اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻣﺷﺎھدة وﻋدم
اﻟﻣﺷﺎھدة ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻘد أﺿﺎﻓوا إﻟﻰ اﻟﻣوﺟود اﻷول ﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﺿﺎف إﻟﻰ ﻣوﺟود أﺻﻼً ،وﻟم ﻧﺷﺎھد
ﻣن ﻏﯾره وﻋدم اﻟﻣﺷﺎھدة ﻣن ﻏﯾره ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻣﻧﮫ ﻓﻛذى ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺟﺳم واﻟﺟﺳم.
ﻗوﻟﮭم اﻟﺟﺳم ﯾﻘدر ﺑﻣﻘدار
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﺟﺳم اﻷﻗﺻﻰ أو اﻟﺷﻣس أو ﻣﺎ ﻗدر ﻣن اﻷﺟﺳﺎم ﻓﮭو ﻣﺗﻘدر ﺑﻣﻘدار ﯾﺟوز أن ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﮫ وﯾﻧﻘص ﻣﻧﮫ
ﻓﯾﻔﺗﻘر اﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ﺑذﻟك اﻟﻣﻘدار اﻟﺟﺎﺋز إﻟﻰ ﻣﺧﺻص ﻓﻼ ﯾﻛون أوﻻً.
ﻗوﻟﻧﺎ وھذا اﻟﻣﻘدار ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﺣﺳب ﻧظﺎم اﻟﻛل
ﻗﻠﻧﺎ :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :إن ذﻟك اﻟﺟﺳم ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﻣﻘدار ﯾﺟب أن ﯾﻛون ﻋﻠﯾﮫ ﻟﻧظﺎم اﻟﻛل وﻟو ﻛﺎن
أﺻﻐر ﻣﻧﮫ أو أﻛﺑر ﻟم ﯾﺟز؟ ﻛﻣﺎ أﻧﻛم ﻗﻠﺗم :إن اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﯾﻔﯾض اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻣﻧﮫ ﻣﺗﻘدراً ﺑﻣﻘدار وﺳﺎﺋر
اﻟﻣﻘﺎدﯾر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذات اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻣﺗﺳﺎوﯾﺔ وﻟﻛن ﺗﻌﯾن ﺑﻌض اﻟﻣﻘﺎدﯾر ﻟﻛون اﻟﻧظﺎم ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ً ﺑﮫ ،ﻓوﺟب
اﻟﻣﻘدار اﻟذي وﻗﻊ وﻟم ﯾﺟز ﺧﻼﻓﮫ ،ﻓﻛذى إذا ﻗدر ﻏﯾر ﻣﻌﻠول.
ﻗوﻟﻧﺎ إذا أﺛﺑﺗم ﻣﺑدأ ﻟﻠﺗﺧﺻﯾص
اﺿطررﺗم إﻟﻰ ﺗﺟوﯾز اﻟﺗﺧﺻﯾص ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ
ﺑل ﻟو أﺛﺑﺗوا ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟذي ھو ﻋﻠﺔ اﻟﺟرم اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻧدھم ﻣﺑدأ ﻟﻠﺗﺧﺻﯾص ﻣﺛل إرادة ﻣﺛﻼً ﻟم ﯾﻧﻘطﻊ
اﻟﺳؤال إذ ﯾﻘﺎل :وﻟم أراد ھذا اﻟﻣﻘدار دون ﻏﯾره؟ ﻛﻣﺎ أﻟزﻣوه ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ إﺿﺎﻓﺗﮭم اﻷﺷﯾﺎء إﻟﻰ اﻹرادة
اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وﻗد ﻗﻠﺑﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ذﻟك ﻓﻲ ﺗﻌﯾن ﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء وﻓﻲ ﺗﻌﯾن ﻧﻘطﺗﻲ اﻟﻘطﺑﯾن.
ﻓﻠﯾطﻠق ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻏﯾر اﻟﻣﻌﻠول أﯾﺿﺎ ً
ﻓﺈذا ﺑﺎن أﻧﮭم ﻣﺿطرون إﻟﻰ ﺗﺟوﯾز ﺗﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗوع ﺑﻌﻠﺔ ﻓﺗﺟوﯾزه ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ ﻛﺗﺟوﯾزه ﺑﻌﻠﺔ إذ
ﻻ ﻓرق ﺑﯾن أن ﯾﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺷﻲء ﻓﯾﻘﺎل :ﻟم اﺧﺗص ﺑﮭذا اﻟﻘدر؟ وﺑﯾن أن ﯾﺗوﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﻘﺎل:
وﻟم ﺧﺻﺻﮫ ﺑﮭذا اﻟﻘدر ﻋن ﻣﺛﻠﮫ؟ ﻓﺈن أﻣﻛن دﻓﻊ اﻟﺳؤال ﻋن اﻟﻌﻠﺔ ﺑﺄن ھذا اﻟﻣﻘدار ﻟﯾس ﻣﺛل ﻏﯾره إذ اﻟﻧظﺎم
ﻣرﺗﺑط ﺑﮫ دون ﻏﯾره أﻣﻛن دﻓﻊ اﻟﺳؤال ﻋن ﻧﻔس اﻟﺷﻲء وﻟم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ ،وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ ﻓﺈن ھذا
اﻟﻣﻘدار اﻟﻣﻌﯾن اﻟواﻗﻊ إن ﻛﺎن ﻣﺛل اﻟذي ﻟم ﯾﻘﻊ ﻓﺎﻟﺳؤال ﻣﺗوﺟﮫ أﻧﮫ ﻛﯾف ﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ ،ﺧﺻوﺻﺎ ً ﻋﻠﻰ
أﺻﻠﮭم وھم ﯾﻧﻛرون اﻹرادة اﻟﻣﻣﯾزة ،وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﺛﻼً ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺛﺑت اﻟﺟواز ﺑل ﯾﻘﺎل :وﻗﻊ ﻛذﻟك ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛﻣﺎ
وﻗﻌت اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑزﻋﻣﮭم.
راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق
وﻟﯾﺳﺗﻣد اﻟﻧﺎظر ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم ﻣﻣﺎ أوردﻧﺎه ﻟﮭم ﻣن ﺗوﺟﯾﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ وﻗﻠﺑﻧﺎ ذﻟك ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ
ﻧﻘطﺔ اﻟﻘطب وﺟﮭﺔ ﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻠك.
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ
وﺗﺑﯾن ﺑﮭذا أن ﻣن ﻻ ﯾﺻدق ﺑﺣدوث اﻷﺟﺳﺎم ﻓﻼ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻷول ﻟﯾس ﺑﺟﺳم أﺻﻼً.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺻﺎﻧﻌﺎ ً وﻋﻠﺔ
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﻘﺎل ﻋن اﻟﺟﺳم اﻟﻘدﯾم أﻧﮫ ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟
ﻓﻧﻘول :ﻣن ذھب إﻟﻰ أن ﻛل ﺟﺳم ﻓﮭو ﺣﺎدث ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺣوادث ﻋﻘل ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ﻗوﻟﮭم :إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ
ﺻﺎﻧﻊ وﻋﻠﺔ .وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﻣﻧﻌﻛم ﻣن ﻣذھب اﻟدھرﯾﺔ وھو أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم؟ ﻛذﻟك وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ وﻻ ﺻﺎﻧﻊ
وإﻧﻣﺎ اﻟﻌﻠﺔ ﻟﻠﺣوادث وﻟﯾس ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺟﺳم وﻻ ﯾﻧﻌدم ﺟﺳم وإﻧﻣﺎ ﺗﺣدث اﻟﺻور واﻷﻋراض ،ﻓﺈن
اﻷﺟﺳﺎم ھﻲ اﻟﺳﻣوات وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺣﺷو ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وأﺟﺳﺎﻣﮭﺎ وﻣوادھﺎ ﻗدﯾﻣﺔ وإﻧﻣﺎ
ﺗﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻور ﺑﺎﻻﻣﺗزاﺟﺎت واﻻﺳﺗﺣﺎﻻت وﺗﺣدث اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﻧﺑﺎﺗﯾﺔ ،وھذه اﻟﺣوادث ﺗﻧﺗﮭﻲ
ﻋﻠﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ وﻣﺻدرھﺎ ﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ ﻟﻠﻔﻠك ،ﻓﺈذن ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم وﻻ ﺻﺎﻧﻊ
ﻷﺟﺳﺎﻣﮫ ﺑل ھو ﻛﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻟم ﯾزل ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻛذﻟك ﺑﻼ ﻋﻠﺔ أﻋﻧﻲ اﻷﺟﺳﺎم .ﻓﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﮭم إن ھذه اﻷﺟﺳﺎم
وﺟودھﺎ ﺑﻌﻠﺔ وھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ؟
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻛل ﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮫ ﻓﮭو واﺟب اﻟوﺟود وﻗد ذﻛرﻧﺎ ﻣن ﺻﻔﺎت واﺟب اﻟوﺟود ﻣﺎ ﺗﺑﯾن ﺑﮫ أن اﻟﺟﺳم ﻻ
ﯾﻛون واﺟب اﻟوﺟود.
ﻗوﻟﻧﺎ ﺑل ﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠل
ﻗﻠﻧﺎ :وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻓﺳﺎد ﻣﺎ ادﻋﯾﺗﻣوه ﻣن ﺻﻔﺎت واﺟب اﻟوﺟود وأن اﻟﺑرھﺎن ﻻ ﯾدل إﻻ ﻋﻠﻰ ﻗطﻊ اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ ،وﻗد
اﻧﻘطﻊ ﻋﻧد اﻟدھري ﻓﻲ أول اﻷﻣر إذ ﯾﻘول :ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻸﺟﺳﺎم وأﻣﺎ اﻟﺻور واﻷﻋراض ﻓﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺑﻌض إﻟﻰ
أن ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ وھﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺳﺑب ﻟﻠﺑﻌض ،ﻛﻣﺎ ھو ﻣذھب اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،وﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺳﻠﺳﻠﮭﺎ ﺑﮭﺎ .وﻣن
ﺗﺄﻣل ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻋﻠم ﻋﺟز ﻛل ﻣن ﯾﻌﺗﻘد ﻗدم اﻷﺟﺳﺎم ﻋن دﻋوى ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ وﻟزﻣﮫ اﻟدھر واﻹﻟﺣﺎد ﻛﻣﺎ ﺻرح ﺑﮫ
ﻓرﯾق ﻓﮭم اﻟذﯾن وﻓوا ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﻧظر ھؤﻻء.
ﻗوﻟﮭم اﻷﺟﺳﺎم ﻏﯾر واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود ﻓﮭﻲ ﻣﻣﻛﻧﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن ھذه اﻷﺟﺳﺎم إﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت واﺟﺑﺔ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل ،وإﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت ﻣﻣﻛﻧﺔ وﻛل ﻣﻣﻛن
ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻋﻠﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ وﻟم ﻻ ﺗﻛون ﺑﻐﯾر ﻋﻠﺔ؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻻ ﯾﻔﮭم ﻟﻔظ واﺟب اﻟوﺟود وﻣﻣﻛن اﻟوﺟود ،ﻓﻛل ﺗﻠﺑﯾﺳﺎﺗﮭم ﻣﻐﺑﺎة ﻓﻲ ھﺎﺗﯾن اﻟﻠﻔظﺗﯾن .ﻓﻠﻧﻌدل إﻟﻰ اﻟﻣﻔﮭوم
وھو ﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠﺔ وإﺛﺑﺎﺗﮫ ،ﻓﻛﺄﻧﮭم ﯾﻘوﻟون :ھذه اﻷﺟﺳﺎم ﻟﮭﺎ ﻋﻠﺔ أم ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻓﯾﻘول اﻟدھري :ﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻓﻣﺎ
اﻟﻣﺳﺗﻧﻛر؟ وإذا ﻋﻧﻲ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن ھذا ﻓﻧﻘول :إﻧﮫ واﺟب وﻟﯾس ﺑﻣﻣﻛن .وﻗوﻟﮭم :اﻟﺟﺳم ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون واﺟﺑﺎً،
ﺗﺣﻛم ﻻ أﺻل ﻟﮫ.
ﻗوﻟﮭم إن اﻷﺟزاء ﺗﻛون ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟذات ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻻ ﯾﻧﻛر أن اﻟﺟﺳم ﻟﮫ أﺟزاء وأن اﻟﺟﻣﻠﺔ إﻧﻣﺎ ﺗﺗﻘوم ﺑﺎﻷﺟزاء وأن اﻷﺟزاء ﺗﻛون ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ اﻟذات ﻋﻠﻰ
اﻟﺟﻣﻠﺔ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻛم اﻟرد ﻋﻠﻰ إﺑطﺎل اﻟﻛﺛرة
ﻗﻠﻧﺎ :ﻟﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﺗﻘوﻣت ﺑﺎﻷﺟزاء واﺟﺗﻣﺎﻋﮭﺎ وﻻ ﻋﻠﺔ ﻟﻸﺟزاء وﻻ ﻻﺟﺗﻣﺎﻋﮭﺎ ﺑل ھﻲ ﻗدﯾﻣﺔ ﻛذﻟك ﺑﻼ
ﻋﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ .ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮭم رد ھذا إﻻ ﺑﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﻟزوم ﻧﻔﻲ اﻟﻛﺛرة ﻋن اﻟﻣوﺟود اﻷول وﻗد أﺑطﻠﻧﺎه ﻋﻠﯾﮭم وﻻ
ﺳﺑﯾل ﻟﮭم ﺳواه.
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ
ﻓﺑﺎن أن ﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﺣدوث اﻷﺟﺳﺎم ﻓﻼ أﺻل ﻻﻋﺗﻘﺎده ﻓﻲ اﻟﺻﺎﻧﻊ أﺻﻼً.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾز ﻣن ﯾرى ﻣﻧﮭم أن اﻷول ﯾﻌﻠم ﻏﯾره
وﯾﻌﻠم اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ
ﻗوﻟﻧﺎ دﻟﯾل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن دﻟﯾل ﺻﺣﯾﺢ...
ﻓﻧﻘول :أﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ،ﻟﻣﺎ اﻧﺣﺻر ﻋﻧدھم اﻟوﺟود ﻓﻲ ﺣﺎدث وﻓﻲ ﻗدﯾم وﻟم ﯾﻛن ﻋﻧدھم ﻗدﯾم إﻻ ﷲ وﺻﻔﺎﺗﮫ
وﻛﺎن .ﻣﺎ ﻋداه ﺣﺎدﺛﺎ ً ﻣن ﺟﮭﺗﮫ ﺑﺈرادﺗﮫ ،ﺣﺻل ﻋﻧدھم ﻣﻘدﻣﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ ،ﻓﺈن اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﺿرورة ﻻ ﺑد
وأن ﯾﻛون ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻟﻠﻣرﯾد ،ﻓﺑﻧوا ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ ﻷن اﻟﻛل ﻣراد ﻟﮫ وﺣﺎدث ﺑﺈرادﺗﮫ ،ﻓﻼ ﻛﺎﺋن إﻻ وھو
ﺣﺎدث ﺑﺈرادﺗﮫ وﻟم ﯾﺑق إﻻ ذاﺗﮫ ،وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت أﻧﮫ ﻣرﯾد ﻋﺎﻟم ﺑﻣﺎ أراده ﻓﮭو ﺣﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة وﻛل ﺣﻲ ﯾﻌرف
ﻏﯾره ،ﻓﮭو ﺑﺄن ﯾﻌرف ذاﺗﮫ أوﻟﻰ ،ﻓﺻﺎر اﻟﻛل ﻋﻧدھم ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً وﻋرﻓوه ﺑﮭذا اﻟطرﯾق ﺑﻌد أن ﺑﺎن ﻟﮭم أﻧﮫ ﻣرﯾد
ﻹﺣداث اﻟﻌﺎﻟم.
وأﻣﺎ أﻧﺗم ،ﻓﻣﺎ ھو دﻟﯾﻠﻛم؟
ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﺈذا زﻋﻣﺗم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم ﻟم ﯾﺣدث ﺑﺈرادﺗﮫ ﻓﻣن أﯾن ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﯾﻌرف ﻏﯾر ذاﺗﮫ؟ ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟدﻟﯾل
ﻋﻠﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ﯾﻌﻘل ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت
وﺣﺎﺻل ﻣﺎ ذﻛره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ذﻟك ﻓﻲ إدراج ﻛﻼﻣﮫ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻓﻧﯾن:
اﻟﻔن اﻷول :أن اﻷول ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ،وﻛل ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ﻓﮭو ﻋﻘل ﻣﺣض ،وﻛل ﻣﺎ ھو ﻋﻘل ﻣﺣض
ﻓﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣﻛﺷوﻓﺔ ﻟﮫ ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻋن درك اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻠﮭﺎ اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﺎدة واﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﮭﺎ ،وﻧﻔس اﻵدﻣﻲ
ﻣﺷﻐول ﺑﺗدﺑﯾر اﻟﻣﺎدة أي اﻟﺑدن وإذا اﻧﻘطﻊ ﺷﻐﻠﮫ ﺑﺎﻟﻣوت وﻟم ﯾﻛن ﻗد ﺗدﻧس ﺑﺎﻟﺷﮭوات اﻟﺑدﻧﯾﺔ واﻟﺻﻔﺎت اﻟرذﯾﻠﺔ
اﻟﻣﺗﻌدﯾﺔ إﻟﯾﮫ ﻣن اﻷﻣور اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻧﻛﺷف ﻟﮫ ﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻛﻠﮭﺎ .وﻟذﻟك ﻗﺿﻰ ﺑﺄن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻛﻠﮭم ﯾﻌرﻓون
ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت وﻻ ﯾﺷذ ﻋﻧﮭم ﺷﻲء ﻷﻧﮭم أﯾﺿﺎ ً ﻋﻘول ﻣﺟردة ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺑرھﺎن
ﻓﻧﻘول :ﻗوﻟﻛم :اﻷول ﻣوﺟود ﻻ ﻓﻲ ﻣﺎدة ،إن ﻛﺎن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﮫ أﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ھو ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ ﺟﺳم ﺑل ھو ﻗﺎﺋم
ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻣن ﻏﯾر ﺗﺣﯾز واﺧﺗﺻﺎص ﺑﺟﮭﺔ ﻓﮭو ﻣﺳﻠم .ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﻛم :وﻣﺎ ھذا ﺻﻔﺗﮫ ﻓﮭو ﻋﻘل ﻣﺟرد ،ﻓﻣﺎذا ﺗﻌﻧﻲ
ﺑﺎﻟﻌﻘل إن ﻋﻧﯾت ﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﺳﺎﺋر اﻷﺷﯾﺎء؟ ﻓﮭذا ﻧﻔس اﻟﻣطﻠوب وﻣوﺿﻊ اﻟﻧزاع ﻓﻛﯾف أﺧذﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺎت ﻗﯾﺎس
اﻟﻣطﻠوب؟ وإن ﻋﻧﯾت ﺑﮫ ﻏﯾره وھو أﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓرﺑﻣﺎ ﯾﺳﻠم ﻟك إﺧواﻧك ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ذﻟك وﻟﻛن ﯾرﺟﻊ
ﺣﺎﺻﻠﮫ إﻟﻰ أن ﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره ﻓﯾﻘﺎل :وﻟم ادﻋﯾت ھذا؟ وﻟﯾس ذﻟك ﺑﺿروري وﻗد اﻧﻔرد ﺑﮫ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ
ﻋن ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻛﯾف ﺗدﻋﯾﮫ ﺿرورﯾﺎ ً وإن ﻛﺎن ﻧظرﯾﺎ ً ﻓﻣﺎ اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻗوﻟﮭم اﻟﻣﺎدة ﻣﺎﻧﻊ ﻣن درك اﻷﺷﯾﺎء
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻷن اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن درك اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﺎدة وﻻ ﻣﺎدة.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ واﻟﻣﺎدة ﻻ ﯾﺗﻔﻘﺎن
ﻓﻧﻘول :ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﻣﺎﻧﻊ وﻻ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻓﻘط .وﯾﻧﺗظم ﻗﯾﺎﺳﮭم ﻋﻠﻰ ﺷﻛل اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺷرطﻲ وھو أن ﯾﻘﺎل :إن
ﻛﺎن ھذا ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﮭو ﻻ ﯾﻌﻘل اﻷﺷﯾﺎء وﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﺈذن ﯾﻌﻘل اﻷﺷﯾﺎء .ﻓﮭذا اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم
واﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم ﻏﯾر ﻣﻧﺗﺞ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق وھو ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل :إن ﻛﺎن ھذا إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﻓﮭو ﺣﯾوان ﻟﻛﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺈﻧﺳﺎن
ﻓﺈذن ﻟﯾس ﺑﺣﯾوان .ﻓﮭذا ﻻ ﯾﻠزم إذ رﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون إﻧﺳﺎﻧﺎ ً وﯾﻛون ﻓرﺳﺎ ً ﻓﯾﻛون ﺣﯾواﻧﺎ ً .ﻧﻌم اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم
ﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ﺑﺷرط وھو ﺛﺑوت اﻧﻌﻛﺎس اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘدم وذﻟك ﺑﺎﻟﺣﺻر وھو
ﻛﻘوﻟﮭم :إن ﻛﺎﻧت اﻟﺷﻣس طﺎﻟﻌﺔ ﻓﺎﻟﻧﮭﺎر ﻣوﺟود ﻟﻛن اﻟﺷﻣس ﻟﯾﺳت طﺎﻟﻌﺔ ﻓﺎﻟﻧﮭﺎر ﻏﯾر ﻣوﺟود ﻷن وﺟود
اﻟﻧﮭﺎر ﻻ ﺳﺑب ﻟﮫ ﺳوى طﻠوع اﻟﺷﻣس ﻓﻛﺎن أﺣدھﻣﺎ ﻣﻧﻌﻛﺳﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻵﺧر .وﺑﯾﺎن ھذه اﻷوﺿﺎع واﻷﻟﻔﺎظ ﯾﻔﮭم
ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻣدارك اﻟﻌﻘول اﻟذي ﺻﻧﻔﻧﺎه ﻣﺿﻣوﻣﺎ ً إﻟﻰ ھذا اﻟﻛﺗﺎب.
ﻗوﻟﮭم ﯾﺗﻔﻘﺎن
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﻧﺣن ﻧدﻋﻲ اﻟﺗﻌﺎﻛس وھو أن اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣﺣﺻور ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﺳواه.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻗﻠﻧﺎ :وھذا ﺗﺣﻛم ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻗوﻟﮭم اﻟﻛل ﻣن ﻓﻌل اﻷول
اﻟﻔن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﮫ :إﻧﺎ وإن ﻟم ﻧﻘل :إن اﻷول ﻣرﯾد اﻷﺣداث وﻻ إن اﻟﻛل ﺣﺎدث ﺣدوﺛﺎ ً زﻣﺎﻧﯾﺎً ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :إﻧﮫ ﻓﻌﻠﮫ
وﻗد وﺟد ﻣﻧﮫ إﻻ أﻧﮫ ﻟم ﯾزل ﺑﺻﻔﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن ﻓﻠم ﯾزل ﻓﺎﻋﻼً ﻓﻼ ﻧﻔﺎرق ﻏﯾرﻧﺎ إﻻ ﻓﻲ ھذا اﻟﻘدر ،وأﻣﺎ ﻓﻲ أﺻل
اﻟﻔﻌل ﻓﻼ ،وإذا وﺟب اﻟﻔﺎﻋل ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻓﻌﻠﮫ ﻓﺎﻟﻛل ﻋﻧدﻧﺎ ﻣن ﻓﻌﻠﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﻔﻌﻠﮫ ﻻزم
واﻟﺟواب ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن اﻟﻔﻌل ﻗﺳﻣﺎن :إرادي ﻛﻔﻌل اﻟﺣﯾوان واﻹﻧﺳﺎن ،وطﺑﯾﻌﻲ ﻛﻔﻌل اﻟﺷﻣس ﻓﻲ
اﻹﺿﺎءة واﻟﻧﺎر ﻓﻲ اﻟﺗﺳﺧﯾن واﻟﻣﺎء ﻓﻲ اﻟﺗﺑرﯾد .وإﻧﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹرادي ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت
اﻟﺑﺷرﯾﺔ ،وأﻣﺎ اﻟﻔﻌل اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﻓﻼ .وﻋﻧدﻛم إن ﷲ ﻓﻌل اﻟﻌﺎﻟم ﺑطرﯾق اﻟﻠزوم ﻋن ذاﺗﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺿطرار ﻻ
ﺑطرﯾق اﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر ،ﺑل ﻟزم اﻟﻛل ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻧور اﻟﺷﻣس ،وﻛﻣﺎ ﻻ ﻗدرة ﻟﻠﺷﻣس ﻋﻠﻰ ﻛف اﻟﻧور وﻻ
ﻟﻠﻧﺎر ﻋﻠﻰ ﻛف اﻟﺗﺳﺧﯾن ﻓﻼ ﻗدرة ﻟﻸول ﻋﻠﻰ اﻟﻛف ﻋن أﻓﻌﺎﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن ﻗوﻟﮭم ﻋﻠواً ﻛﺑﯾراً وھذا اﻟﻧﻣط وإن
ﺗﺟوز ﺑﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻓﻌﻼً ﻓﻼ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﻋﻠﻣﺎ ً ﻟﻠﻔﺎﻋل أﺻﻼً.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ﺻﺎدر ﻋن اﻟﻌﻠم
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن ﻓرق وھو إن ﺻدر اﻟﻛل ﻋن ذاﺗﮫ ﺑﺳﺑب ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛل ﻓﺗﻣﺛل اﻟﻧظﺎم اﻟﻛﻠﻲ ھو ﺳﺑب
ﻓﯾﺿﺎن اﻟﻛل وﻻ ﻣﺑدأ ﻟﮫ ﺳوى اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻓﻠو ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻛل ﻟﻣﺎ وﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻛل
ﺑﺧﻼف اﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس.
ﻗوﻟﻧﺎ إذا ﻧﻔﯾت اﻹرادة ،ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﺣﺎل ھذا اﻟﻣذھب؟
ﻗﻠﻧﺎ :وﻓﻲ ھذا ﺧﺎﻟﻔك إﺧواﻧك ﻓﺈﻧﮭم ﻗﺎﻟوا :ذاﺗﮫ ذات ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ وﺟود اﻟﻛل ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾﺑﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ واﻻﺿطرار ﻻ
ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻋﺎﻟم ﺑﮭﺎ ،ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺣﯾل ﻟﮭذا اﻟﻣذھب ﻣﮭﻣﺎ واﻓﻘﺗﮭم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ اﻹرادة؟ وﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺷﺗرط ﻋﻠم اﻟﺷﻣس
ﺑﺎﻟﻧور ﻟﻠزوم اﻟﻧور ﺑل ﯾﺗﺑﻌﮫ اﻟﻧور ﺿرورة؟ ﻓﻠﯾﻘدر ذﻟك ﻓﻲ اﻷول وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻧﮫ.
ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠم اﻷول ﻋﻠﻰ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول وھو ﻣﺣﺎل
اﻟوﺟﮫ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﮫ إن ﺳﻠم أن ﺻدور اﻟﺷﻲء ﻣن اﻟﻔﺎﻋل ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﻌﻠم أﯾﺿﺎ ً ﺑﺎﻟﺻﺎدر ﻓﻌﻧدھم ﻓﻌل ﷲ واﺣد
وھو اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟذي ھو ﻋﻘل ﺑﺳﯾط ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً إﻻ ﺑﮫ ،واﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً أﯾﺿﺎ ً
ﺑﻣﺎ ﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﻘط ﻓﺈن اﻟﻛل ﻟم ﯾوﺟد ﻣن ﷲ دﻓﻌﺔ ﺑل ﺑﺎﻟوﺳﺎطﺔ واﻟﺗوﻟد واﻟﻠزوم ،ﻓﺎﻟذي ﯾﺻدر ﻣﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ
ﻟم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﻟﮫ وﻟم ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ إﻻ ﺷﻲء واﺣد؟ ﺑل ھذا ﻻ ﯾﻠزم ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹرادي ﻓﻛﯾف ﻓﻲ
اﻟطﺑﯾﻌﻲ؟ ﻓﺈن ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر ﻣن ﻓوق ﺟﺑل ﻗد ﯾﻛون ﺑﺗﺣرﯾك إرادي ﯾوﺟب اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺻل اﻟﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾوﺟب
اﻟﻌﻠم ﺑﻣﺎ ﯾﺗوﻟد ﻣﻧﮫ ﺑوﺳﺎطﺗﮫ ﻣن ﻣﺻﺎدﻣﺗﮫ وﻛﺳره ﻏﯾره .ﻓﮭذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﺟواب ﻟﮫ ﻋﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم إن ﻛﺎن اﻷول ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ أﻣﺳت اﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻓوﻗﮫ ﺷرﻓﺎ ً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟو ﻗﺿﯾﻧﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺷﻧﺎﻋﺔ ﻓﺈن ﻏﯾره ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌرﻓﮫ وﯾﻌرف
ﻏﯾره ﻓﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﺷرف ﻓوﻗﮫ ﻛﯾف ﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ؟
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أﻣر ﻻزم! ...
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﮭذه اﻟﺷﻧﺎﻋﺔ ﻻزﻣﺔ ﻣن ﻣﻘﺎد اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻹرادة وﻧﻔﻲ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﺟب ارﺗﻛﺎﺑﮭﺎ ﻛﻣﺎ ارﺗﻛب ﺳﺎﺋر
اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أو ﻻ ﺑد ﻣن ﺗرك اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻻﻋﺗراف ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺎدث ﺑﺎﻹرادة.
أو ﻻ ﺑد ﻣن إﺑطﺎﻟﮫ
ﺛم ﯾﻘﺎل :ﺑم ﺗﻧﻛر ﻋﻠﻰ ﻣن ﻗﺎل ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إن ذﻟك ﻟﯾس ﺑزﯾﺎدة ﺷرف؟ ﻓﺈن اﻟﻌﻠم إﻧﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﯾﮫ ﻏﯾره ﻟﯾﺳﺗﻔﯾد
ﺑﮫ ﻛﻣﺎﻻً ﻓﺈﻧﮫ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻗﺎﺻر واﻹﻧﺳﺎن ﺷرف ﺑﺎﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻣﺎ ﻟﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﻠﺣﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻌواﻗب ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ
واﻵﺧرة وإﻣﺎ ﻟﺗﻛﻣل ذاﺗﮫ اﻟﻣظﻠﻣﺔ اﻟﻧﺎﻗﺻﺔ ،وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت .وأﻣﺎ ذات ﷲ ﻓﻣﺳﺗﻐﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﺗﻛﻣﯾل ،ﺑل
ﻟو ﻗدر ﻟﮫ ﻋﻠم ﯾﻛﻣل ﺑﮫ ﻟﻛﺎن ذاﺗﮫ ﻣن ﺣﯾث ذاﺗﮫ ﻧﺎﻗﺻﺎ ً.
ﻓﻛﻣﺎ أن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﺧواص ﻣن اﻟﻧﻘﺻﺎن ،ﻛذﻟك ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت
وھذا ﻛﻣﺎ ﻗﻠت ﻓﻲ اﻟﺳﻣﻊ واﻟﺑﺻر وﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟداﺧﻠﺔ ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن ﻓﺈﻧك واﻓﻘت ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺑﺄن
ﷲ ﻣﻧزه ﻋﻧﮫ وأن اﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟداﺧﻠﺔ ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن اﻟﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن وﯾﻛون ﻻ ﯾﻌرﻓﮫ اﻷول ﻷن ذﻟك ﯾوﺟب
ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﺗﺄﺛراً ،وﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ ﺳﻠب ذﻟك ﻋﻧﮫ ﻧﻘﺻﺎن ﺑل ھو ﻛﻣﺎل وإﻧﻣﺎ اﻟﻧﻘﺻﺎن ﻓﻲ اﻟﺣواس واﻟﺣﺎﺟﺔ
إﻟﯾﮭﺎ ،وﻟوﻻ ﻧﻘﺻﺎن اﻵدﻣﻲ ﻟﻣﺎ اﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺣواس ﻟﺗﺣرﺳﮫ ﻋﻣﺎ ﯾﺗﻌرض ﻟﻠﺗﻐﯾر ﺑﮫ.
وﻛذﻟك اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺣوادث اﻟﺟزﺋﯾﺔ زﻋﻣﺗم أﻧﮫ ﻧﻘﺻﺎن .ﻓﺈذا ﻛﻧﺎ ﻧﻌرف اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ وﻧدرك اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻛﻠﮭﺎ
واﻷول ﻻ ﯾﻌرف ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﺟزﺋﯾﺎت وﻻ ﯾدرك ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﻻ ﯾﻛون ذﻟك ﻧﻘﺻﺎﻧﺎً ،ﻓﺎﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺎت
اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎ ً ﯾﺟوز أن ﯾﺛﺑت ﻟﻐﯾره وﻻ ﯾﺛﺑت ﻟﮫ وﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﻧﻘﺻﺎن أﯾﺿﺎً ،وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻋﻧﮫ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﯾﻌرف ذاﺗﮫ أﯾﺿﺎ ً
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻧدھم ﺑرھﺎن
ﻓﻧﻘول :اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟﻣﺎ ﻋرﻓوا ﺣدوث اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺈرادﺗﮫ اﺳﺗدﻟوا ﺑﺎﻹرادة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم ﺛم ﺑﺎﻹرادة واﻟﻌﻠم ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻋﻠﻰ
اﻟﺣﯾﺎة ﺛم ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﺣﻲ ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وھو ﺣﻲ ﻓﯾﻌرف ذاﺗﮫ ﻓﻛﺎن ھذا ﻣﻧﮭﺟﺎ ً ﻣﻌﻘوﻻً ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻣﺗﺎﻧﺔ.
وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻼ
ﻓﺄﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﺈذا ﻧﻔﯾﺗم اﻹرادة واﻹﺣداث وزﻋﻣﺗم أن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﯾﺻدر ﺑﻠزوم ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺿرورة واﻟطﺑﻊ،
ﻓﺄي ﺑﻌد أن ﺗﻛون ذاﺗﮫ ذاﺗﺎ ً ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﯾوﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻣﻌﻠول اﻷول ﻓﻘط ﺛم ﯾﻠزم اﻟﻣﻌﻠول اﻷول اﻟﻣﻌﻠول اﻟﺛﺎﻧﻲ
إﻟﻰ ﺗﻣﺎم ﺗرﺗﯾب اﻟﻣوﺟودات؟ وﻟﻛﻧﮫ ﻣﻊ ذﻟك ﻻ ﯾﺷﻌر ﺑذاﺗﮫ ﻛﺎﻟﻧﺎر ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺳﺧوﻧﺔ واﻟﺷﻣس ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ
اﻟﻧور ،وﻻ ﯾﻌرف واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ذاﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره ﺑل ﻣﺎ ﯾﻌرف ذاﺗﮫ ﯾﻌرف ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﻓﯾﻌرف ﻏﯾره.
وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻣن ﻣذھﺑﮭم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره وأﻟزﻣﻧﺎ ﻣن ﺧﺎﻟﻔﮭم ﻓﻲ ذﻟك ﻣواﻓﻘﺗﮭم ﺑﺣﻛم وﺿﻌﮭم ،وإذا ﻟم ﯾﻌرف
ﻏﯾره ﻟم ﯾﺑﻌد أن ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻷول ﻣﯾﺗﺎ ً!
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻛل ﻣن ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻓﮭو ﻣﯾت ﻓﻛﯾف ﯾﻛون اﻷول ﻣﯾﺗﺎً؟
ﻗوﻟﻧﺎ إن ﻧﻔﯾت اﻟﺻﻔﺎت ﻣن اﻷول ،ﻓﻣﺎ ﺣﺎﺟﺗﮫ إﻟﻰ ﻣﻌرﻓﺔ ﻧﻔﺳﮫ؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻓﻘد ﻟزﻣﻛم ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم إذ ﻻ ﻓﺻل ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﻣن ﻗﺎل :ﻛل ﻣن ﻻ ﯾﻔﻌل ﺑﺈرادة وﻗدرة واﺧﺗﯾﺎر
وﻻ ﯾﺳﻣﻊ وﻻ ﯾﺑﺻر ﻓﮭو ﻣﯾت وﻣن ﻻ ﯾﻌرف ﻏﯾره ﻓﮭو ﻣﯾت .ﻓﺈن ﺟﺎز أن ﯾﻛون اﻷول ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻋن ھذه
اﻟﺻﻔﺎت ﻛﻠﮭﺎ ﻓﺄي ﺣﺎﺟﺔ ﺑﮫ إﻟﻰ أن ﯾﻌرف ذاﺗﮫ؟ ﻓﺈن ﻋﺎدوا إﻟﻰ أن ﻛل ﺑريء ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻋﻘل ﺑذاﺗﮫ ﻓﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ
ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أن ذﻟك ﺗﺣﻛم ﻻ ﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﺣﻲ أﺷرف ﻣن اﻟﻣﯾت
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﺑرھﺎن ﻋﻠﯾﮫ أن اﻟﻣوﺟود ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺣﻲ وإﻟﻰ ﻣﯾت ،واﻟﺣﻲ أﻗدم وأﺷرف ﻣن اﻟﻣﯾت واﻷول أﻗدم
واﺷرف ،ﻓﻠﯾﻛن ﺣﯾﺎ ً وﻛل ﺣﻲ ﯾﺷﻌر ﺑذاﺗﮫ إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﻌﻠوﻻﺗﮫ اﻟﺣﻲ ھو ﻻ ﯾﻛون ﺣﯾﺎ ً.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ؟
ﻗﻠﻧﺎ :ھذه ﺗﺣﻛﻣﺎت ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻠزم ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺎ ﯾﻌرف ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط اﻟﻛﺛﯾرة أو ﺑﻐﯾر
واﺳطﺔ؟ ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻣﺣﯾل ﻟذﻟك ﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻠم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﻣﻌﻠول أﺷرف ﻣن اﻟﻌﻠﺔ
وﻟﯾس ھذا ﺑدﯾﮭﯾﺎً؟
ﻓﯾﻛون ﺷرﻓﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟذات ﺑل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟذوات اﻟﻣﻌرﻓﺔ
ﺛم ﺑم ﺗﻧﻛرون أن ﺷرﻓﮫ ﻓﻲ أن وﺟود اﻟﻛل ﺗﺎﺑﻊ ﻟذاﺗﮫ ﻻ ﻓﻲ ﻋﻠﻣﮫ؟ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن ﻏﯾره رﺑﻣﺎ ﻋرف أﺷﯾﺎء
ﺳوى ذاﺗﮫ وﯾرى وﯾﺳﻣﻊ وھو ﻻ ﯾرى وﻻ ﯾﺳﻣﻊ .وﻟو ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :اﻟﻣوﺟود ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ اﻟﺑﺻﯾر واﻷﻋﻣﻰ واﻟﻌﺎﻟم
واﻟﺟﺎھل ،ﻓﻠﯾﻛن اﻟﺑﺻﯾر أﻗدم وﻟﯾﻛن اﻷول ﺑﺻﯾراً وﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء .ﻟﻛﻧﻛم ﺗﻧﻛرون ذﻟك وﺗﻘوﻟون :ﻟﯾس اﻟﺷرف
ﻓﻲ اﻟﺑﺻر واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء ﺑل ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن اﻟﺑﺻر واﻟﻌﻠم وﻛون اﻟذات ﺑﺣﯾث ﯾوﺟد ﻣﻧﮫ اﻟﻛل ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠﻣﺎء
وذوو اﻷﺑﺻﺎر .ﻓﻛذﻟك ﻻ ﺷرف ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟذات ﺑل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣﺑدأ ﻟذوات اﻟﻣﻌرﻓﺔ وھذا ﺷرف ﻣﺧﺻوص
ﺑﮫ.
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ ﻟﯾس ھﻧﺎك دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻷﻣور إن ﻟم ﺗؤﺧذ إﻻ ﻣن ﻧظر اﻟﻌﻘل
ﻓﺑﺎﻟﺿرورة ﯾﺿطرون إﻟﻰ ﻧﻔﻲ ﻋﻠﻣﮫ أﯾﺿﺎ ً ﺑذاﺗﮫ إذ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣن ذﻟك ﺳوى اﻹرادة وﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ
اﻹرادة ﺳوى ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم .وﺑﻔﺳﺎد ذﻟك ﯾﻔﺳد ھذا ﻛﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺄﺧذ ھذه اﻷﻣور ﻣن ﻧظر اﻟﻌﻘل .ﻓﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ
ذﻛروه ﻣن ﺻﻔﺎت اﻷول أو ﻧﻔوه ﻻ ﺣﺟﺔ ﻟﮭم ﻋﻠﯾﮭﺎ إﻻ ﺗﺧﻣﯾﻧﺎت وظﻧون ﺗﺳﺗﻧﻛف اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟظﻧﯾﺎت.
وﻻ ﻏرو ﻟو ﺣﺎر اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ وﻻ ﻋﺟب ،إﻧﻣﺎ اﻟﻌﺟب ﻣن ﻋﺟﺑﮭم ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم وﺑﺄدﻟﺗﮭم وﻣن اﻋﺗﻘﺎدھم
أﻧﮭم ﻋرﻓوا ھذه اﻷﻣور ﻣﻌرﻓﺔ ﯾﻘﯾﻧﯾﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﺧﺑط اﻟﺧﺑﺎل.
??ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋن ﻗوﻟﮭم ﻻ ﯾﻌرف
اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن إﻟﻰ اﻟﻛﺎﺋن وﻣﺎ ﻛﺎن وﻣﺎ ﯾﻛون
اﺗﻔﺎﻗﮭم ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ
وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﺈن ﻣن ذھب ﻣﻧﮭم إﻟﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻼ ﯾﺧﻔﻰ ھذا ﻋن ﻣذھﺑﮫ ،وﻣن ذھب إﻟﻰ أﻧﮫ
ﯾﻌﻠم ﻏﯾره وھو اﻟذي اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ﻓﻘد زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻣﺎ ً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﯾدﺧل ﺗﺣت اﻟزﻣﺎن وﻻ ﯾﺧﺗﻠف
ﺑﺎﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻵن وﻣﻊ ذﻟك زﻋم أﻧﮫ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﻣﺛﻘﺎل ذرة ﻓﻲ اﻟﺳﻣوات وﻻ ﻓﻲ اﻷرض ،إﻻ
أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﺑﻧوع ﻛﻠﻲ .وﻻ ﺑد أوﻻً ﻣن ﻓﮭم ﻣذھﺑﮭم ﺛم اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻻﻋﺗراض.
?ﻗوﻟﮭم إن ﻛﺳوف اﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻟﺣﺎﺿر واﻟﻣﺎﺿﻲ ﻧﻌﻠﻣﮫ ﺑﻌﻠوم ﺛﻼﺛﺔ
وﻧﺑﯾن ھذا ﺑﻣﺛﺎل وھو أن اﻟﺷﻣس ﻣﺛﻼً ﯾﻧﻛﺳف ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧﻛﺳﻔﺎ ً ﺛم ﯾﺗﺟﻠﻰ ﻓﯾﺣﺻل ﻟﮫ ﺛﻠﺛﺔ أﺣوال أﻋﻧﻲ
اﻟﻛﺳوف ﺣﺎﻟﺔ ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻌدوم ﻣﻧﺗظر اﻟوﺟود أي ﺳﯾﻛون وﺣﺎل ھو ﻓﯾﮭﺎ ﻣوﺟود أي ھو ﻛﺎﺋن وﺣﺎﻟﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ھو
ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻌدوم وﻟﻛﻧﮫ ﻛﺎن ﻣن ﻗﺑل .وﻟﻧﺎ ﺑﺈزاء اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ ﺛﻠﺛﺔ ﻋﻠوم ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻌﻠم أوﻻً أن اﻟﻛﺳوف ﻣﻌدوم
وﺳﯾﻛون وﺛﺎﻧﯾﺎ ً أﻧﮫ ﻛﺎﺋن وﺛﺎﻟﺛﺎ ً أﻧﮫ ﻛﺎن وﻟﯾس ﻛﺎﺋﻧﺎ ً اﻵن ،وھذه اﻟﻌﻠوم اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻣﺗﻌددة وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﺗﻌﺎﻗﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺣل ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر اﻟذات اﻟﻌﺎﻟﻣﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﻋﻠم ﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء أن اﻟﻛﺳوف ﻣوﺟود اﻵن ﻛﺎن ﺟﮭﻼً ﻻ ﻋﻠﻣﺎ ً وﻟو
ﻋﻠم ﻋﻧد وﺟوده أﻧﮫ ﻣﻌدوم ﻛﺎن ﺟﮭﻼً ﻓﺑﻌض ھذه ﻻ ﯾﻘوم ﻣﻘﺎم ﺑﻌض.
إن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺗﻐﯾر ...ﻓزﻋﻣوا أن ﷲ ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻓﻲ ھذه اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﺗﻐﯾر،
وﻣﺎ ﻟم ﯾﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻟم ﯾﺗﺻور أن ﯾﻌﻠم ھذه اﻷﻣور اﻟﺛﻠﺛﺔ ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻣﻌﻠوم ﻓﺈذا ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم
وإذا ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم ﻓﻘد ﺗﻐﯾر اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،واﻟﺗﻐﯾر ﻋﻠﻰ ﷲ ﻣﺣﺎل.
...إﻻ ﺑﻌﻠم ﻻ ﯾﺧﺗﻠف
وﻣﻊ ھذا زﻋم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻟﻛﺳوف وﺟﻣﯾﻊ ﺻﻔﺎﺗﮫ وﻋوارﺿﮫ وﻟﻛن ﻋﻠﻣﺎ ً ھو ﯾﺗﺻف ﺑﮫ ﻓﻲ اﻷزل وﻻ ﯾﺧﺗﻠف
ﻣﺛل أن ﯾﻌﻠم ﻣﺛﻼً أن اﻟﺷﻣس ﻣوﺟود وأن اﻟﻘﻣر ﻣوﺟود ﻓﺈﻧﮭﻣﺎ ﺣﺻﻼ ﻣﻧﮫ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﻣوھﺎ
ﺑﺎﺻطﻼﺣﮭم ﻋﻘوﻻً ﻣﺟردة ،وﯾﻌﻠم أﻧﮭﺎ ﺗﺗﺣرك ﺣرﻛﺎت دورﯾﺔ ،وﯾﻌﻠم أن ﺑﯾن ﻓﻠﻛﯾﮭﻣﺎ ﺗﻘﺎطﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﻘطﺗﯾن ھﻣﺎ
اﻟرأس واﻟذﻧب وأﻧﮭﻣﺎ ﯾﺟﺗﻣﻌﺎن ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال ﻓﻲ اﻟﻌﻘدﺗﯾن ﻓﯾﻧﻛﺳف اﻟﺷﻣس أي ﯾﺣول ﺟرم اﻟﻘﻣر ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ
وﺑﯾن أﻋﯾن اﻟﻧﺎظرﯾن ﻓﯾﺳﺗﺗر اﻟﺷﻣس ﻋن اﻷﻋﯾن ،وأﻧﮫ إذا ﺟﺎوز اﻟﻌﻘدة ﻣﺛﻼً ﺑﻣﻘدار ﻛذى وھو ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼً ﻓﺈﻧﮫ
ﯾﻧﻛﺳف ﻣرة أﺧرى وأن ذﻟك اﻹﻧﻛﺳﺎف ﯾﻛون ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻌﮫ أو ﺛﻠﺛﮫ أو ﻧﺻﻔﮫ وأﻧﮫ ﯾﻣﻛث ﺳﺎﻋﺔ أو ﺳﺎﻋﺗﯾن،
وھﻛذى إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ أﺣوال اﻟﻛﺳوف وﻋوارﺿﮫ ،ﻓﻼ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺷﻲء وﻟﻛن ﻋﻠﻣﮫ ﺑﮭذا ﻗﺑل اﻟﻛﺳوف
وﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف وﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻻ ﯾﺧﺗﻠف وﻻ ﯾوﺟب ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذاﺗﮫ.
?ﻓﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻣﻛﺷوﻓﺔ ﻟﮫ اﻧﻛﺷﺎﻓﺎ ً واﺣداً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟزﻣﺎن وﻛذى ﻋﻠﻣﮫ ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻓﺈﻧﮭﺎ إﻧﻣﺎ ﺗﺣدث
ﺑﺄﺳﺑﺎب وﺗﻠك اﻷﺳﺑﺎب ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب أﺧر إﻟﻰ أن ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ وﺳﺑب اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس
اﻟﺳﻣوات وﺳﺑب ﺗﺣرﯾك اﻟﻧﻔس اﻟﺷوق إﻟﻰ اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎ واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑﯾن .ﻓﺎﻟﻛل ﻣﻌﻠوم ﻟﮫ أي ھو ﻣﻧﻛﺷف ﻟﮫ
اﻧﻛﺷﺎﻓﺎ ً واﺣداً ﻣﺗﻧﺎﺳﺑﺎ ً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟزﻣﺎن ،وﻣﻊ ھذا ﻓﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف ﻻ ﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﯾﻌﻠم أن اﻟﻛﺳوف ﻣوﺟود اﻵن
وﻻ ﯾﻌﻠم ﺑﻌده أﻧﮫ اﻧﺟﻠﻰ اﻵن وﻛل ﻣﺎ ﯾﺟب ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟزﻣﺎن ﻓﻼ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻌﻠﻣﮫ ﻷﻧﮫ ﯾوﺟب
اﻟﺗﻐﯾر ھذا ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟزﻣﺎن.
ﻓﮭو ﯾﻌﻠم اﻟﺧواص وﻻ ﯾﻌﻠم ﻋوارﺿﮭﺎ ...وﻛذى ﻣذھﺑﮭم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻛﺎن ﻛﺄﺷﺧﺎص اﻟﻧﺎس
واﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻓﺈﻧﮭم ﯾﻘوﻟون :ﻻ ﯾﻌﻠم ﻋوارض زﯾد وﻋﻣرو وﺧﺎﻟد وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق ﺑﻌﻠم ﻛﻠﻲ وﯾﻌﻠم
ﻋوارﺿﮫ وﺧواﺻﮫ ،وأﻧﮫ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﺑدﻧﮫ ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن أﻋﺿﺎء ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟﻠﺑطش وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟﻠﻣﺷﻲ وﺑﻌﺿﮭﺎ
ﻟﻺدراك وﺑﻌﺿﮭﺎ زوج وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓرد ،وأن ﻗواه ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻛون ﻣﺑﺛوﺛﺔ ﻓﻲ أﺟزاﺋﮫ ،وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﻛل ﺻﻔﺔ
ﻓﻲ داﺧل اﻵدﻣﻲ وﺑﺎطﻧﮫ وﻛل ﻣﺎ ھو ﻣن ﻟواﺣﻘﮫ وﺻﻔﺎﺗﮫ وﻟوازﻣﮫ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻌزب ﻋن ﻋﻠﻣﮫ ﺷﻲء وﯾﻌﻠﻣﮫ ﻛﻠﯾﺎ ً.
...وأﻣﺎ اﻟﻌوارض ﻓﻼ ﯾﻣﯾزھﺎ إﻻ اﻟﺣس ﻓﺄﻣﺎ ﺷﺧص زﯾد ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﺷﺧص ﻋﻣرو ﻟﻠﺣس ﻻ ﻟﻠﻌﻘل ﻓﺈن
ﻋﻣﺎد اﻟﺗﻣﯾﯾز إﻟﯾﮫ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﺟﮭﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،واﻟﻌﻘل ﯾﻌﻘل اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﻣﻛﺎن اﻟﻛﻠﻲ ،ﻓﺄﻣﺎ ﻗوﻟﻧﺎ ھذا
وھذا ﻓﮭو إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻧﺳﺑﺔ ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻟذﻟك اﻟﻣﺣﺳوس إﻟﻰ اﻟﺣﺎس ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻗرب أو ﺑﻌد أو ﺟﮭﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ
وذﻟك ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ ﺣﻘﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ وﺑذﻟك ﯾﺳﺗﺄﺻﻠون اﻷدﯾﺎن
وھذه ﻗﺎﻋدة اﻋﺗﻘدوھﺎ واﺳﺗﺄﺻﻠوا ﺑﮭﺎ اﻟﺷراﺋﻊ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ إذ ﻣﺿﻣوﻧﮭﺎ أن زﯾد ﻣﺛﻼً ﻟو أطﺎع ﷲ أو ﻋﺻﺎه ﻟم ﯾﻛن
ﷲ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾﺗﺟدد ﻣن أﺣواﻟﮫ ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف زﯾداً ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺷﺧص وأﻓﻌﺎﻟﮫ ﺣﺎدﺛﺔ ﺑﻌد أن ﻟم ﺗﻛن ،وإذا ﻟم
ﯾﻌرف اﻟﺷﺧص ﻟم ﯾﻌرف أﺣواﻟﮫ وأﻓﻌﺎﻟﮫ ﺑل ﻻ ﯾﻌﻠم ﻛﻔر زﯾد وﻻ إﺳﻼﻣﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم ﻛﻔر اﻹﻧﺳﺎن وإﺳﻼﻣﮫ
ﻣطﻠﻘﺎ ً ﻛﻠﯾﺎ ً ﻻ ﻣﺧﺻوﺻﺎ ً ﺑﺎﻷﺷﺧﺎص ،ﺑل ﯾﻠزم أن ﯾﻘﺎل :ﺗﺣدى ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﻧﺑوة وھو ﻟم
ﯾﻌرف ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ أﻧﮫ ﺗﺣدى ﺑﮭﺎ ،وﻛذﻟك اﻟﺣﺎل ﻣﻊ ﻛل ﻧﺑﻲ ﻣﻌﯾن وإﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﻌﻠم أن ﻣن اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾﺗﺣدى
ﺑﺎﻟﻧﺑوة وأن ﺻﻔﺔ أوﻟﺋك ﻛذى وﻛذى ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻌﯾن ﺑﺷﺧﺻﮫ ﻓﻼ ﯾﻌرﻓﮫ ﻓﺈن ذﻟك ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﺣس واﻷﺣوال
اﻟﺻﺎدرة ﻣﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرﻓﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ أﺣوال ﺗﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن ﻣن ﺷﺧص ﻣﻌﯾن وﯾوﺟب إدراﻛﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ
ﺗﻐﯾراً.
ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻣن ﻧﻘل ﻣذھﺑﮭم أوﻻً ﺛم ﺗﻔﮭﯾﻣﮫ ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﺛم ﻣن اﻟﻘﺑﺎﯾﺢ اﻟﻼزﻣﺔ ﻋﻠﯾﮫ ﺛﺎﻟﺛﺎ ً .ﻓﻠﻧذﻛر اﻵن
ﺧﺑﺎﻟﮭم ووﺟﮫ ﺑطﻼﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﻣن ﻋﻠم ﻋﻠﻣﺎ ً ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ً ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺎ ً ﺗﻐﯾر
وﺧﺑﺎﻟﮭم أن ھذه أﺣوال ﺛﻠﺛﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت إذا ﺗﻌﺎﻗﺑت ﻋﻠﻰ ﻣﺣل واﺣد أوﺟﺑت ﻓﯾﮫ ﺗﻐﯾراً ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ .ﻓﺈن
ﻛﺎن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺳوف ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺑﻠﮫ ﻓﮭو ﺟﺎھل ﻻ ﻋﺎﻟم ،وإن ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎﺋن وﻗﺑل ذﻟك
ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻛﺎﺋن وأﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﻓﻘد اﺧﺗﻠف ﻋﻠﻣﮫ واﺧﺗﻠف ﺣﺎﻟﮫ ﻓﻠزم اﻟﺗﻐﯾر إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﺗﻐﯾر إﻻ
اﺧﺗﻼف اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺈن ﻣن ﻟم ﯾﻌﻠم ﺷﯾﺋﺎ ً ﺛم ﻋﻠﻣﮫ ﻓﻘد ﺗﻐﯾر وﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ ﻋﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎﺋن ﺛم ﺣﺻل ﺣﺎﻟﺔ اﻟوﺟود ﻓﻘد
ﺗﻐﯾر.
ﻓﻲ اﻹﺿﺎﻓﺔ
وﺣﻘﻘوا ھذا ﺑﺄن اﻷﺣوال ﺛﻠﺛﺔ ﺣﺎﻟﺔ ھﻲ إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ ،ﻛﻛوﻧك ﯾﻣﯾﻧﺎ ً وﺷﻣﺎﻻً ﻓﺈن ھذا ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ وﺻف ذاﺗﻲ
ﺑل ھو إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺣول اﻟﺷﻲء اﻟذي ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﯾﻣﯾﻧك إﻟﻰ ﺷﻣﺎﻟك ﺗﻐﯾرت إﺿﺎﻓﺗك وﻟم ﺗﺗﻐﯾر ذاﺗك
ﺑﺣﺎل ،وھذا ﺗﺑدل إﺿﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻟذات وﻟﯾس ﺑﺗﺑدل اﻟذات .وﻣن ھذا اﻟﻘﺑﯾل إذا ﻛﻧت ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك أﺟﺳﺎم
ﺣﺎﺿرة ﺑﯾن ﯾدﯾك ﻓﺎﻧﻌدﻣت اﻷﺟﺳﺎم أو اﻧﻌدم ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻟم ﺗﺗﻐﯾر ﻗوﺗك اﻟﻐرﯾزﯾﺔ وﻻ ﻗدرﺗك ﻷن اﻟﻘدرة ﻗدرة ﻋﻠﻰ
ﺗﺣرﯾك اﻟﺟﺳم اﻟﻣطﻠق أوﻻً ﺛم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﯾن ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم ،ﻓﻠم ﺗﻛن إﺿﺎﻓﺔ اﻟﻘدرة إﻟﻰ اﻟﺟﺳم اﻟﻣﻌﯾن
وﺻﻔﺎ ً ذاﺗﯾﺎ ً ﺑل إﺿﺎﻓﺔ ﻣﺣﺿﺔ ،ﻓﻌدﻣﮭﺎ ﯾوﺟب زوال إﺿﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻘﺎدر .واﻟﺛﺎﻟث ﺗﻐﯾر ﻓﻲ اﻟذات
وھو أن ﻻ ﯾﻛون ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﻓﯾﻌﻠم أو ﻻ ﯾﻛون ﻗﺎدراً ﻓﯾﻘدر ﻓﮭذا ﺗﻐﯾر.
ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر ﻋﻠم اﻟﻌﺎﻟم وھﻲ اﻹﺿﺎﻓﺔ وﺗﻐﯾر اﻟﻣﻌﻠوم ﯾوﺟب ﺗﻐﯾر اﻟﻌﻠم ﻓﺈن ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات اﻟﻌﻠم
ﺗدﺧل ﻓﯾﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﺧﺎص إذ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻠم اﻟﻣﻌﯾن ﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑذﻟك اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ،
ﻓﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ آﺧر ﻋﻠم آﺧر ﺑﺎﻟﺿرورة ﻓﺗﻌﺎﻗﺑﮫ ﯾوﺟب اﺧﺗﻼف ﺣﺎل اﻟﻌﺎﻟم .وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :إن ﻟﻠذات
ﻋﻠم واﺣد ﻓﯾﺻﯾر ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﻛون ﺑﻌد ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون ﺛم ھو ﯾﺻﯾر ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎن ﺑﻌد أن ﻛﺎن ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄﻧﮫ
ﻛﺎﺋن ،ﻓﺎﻟﻌﻠم واﺣد ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال وﻗد ﺗﺑدﻟت ﻋﻠﯾﮫ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻷن اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺣﻘﯾﻘﺔ ذات اﻟﻌﻠم ﻓﺗﺑدﻟﮭﺎ
ﯾوﺟب ﺗﺑدل ذات اﻟﻌﻠم ﻓﯾﻠزم ﻣﻧﮫ اﻟﺗﻐﯾر وھو ﻣﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﷲ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻋﻠم واﺣد
ﻣﻊ ﺗﻐﯾر ﻣﺎ ﯾﻧزل ﻣﻧزﻟﺔ اﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ؟
واﻻﻋﺗراض ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول :إن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﮫ ﻋﻠم واﺣد ﺑوﺟود
اﻟﻛﺳوف ﻣﺛﻼً ﻓﻲ وﻗت ﻣﻌﯾن وذﻟك اﻟﻌﻠم ﻗﺑل وﺟوده ﻋﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﺳﯾﻛون وھو ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻋﻧد اﻟوﺟود ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻛون وھو
ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺑﻌد اﻻﻧﺟﻼء ﻋﻠم ﺑﺎﻻﻧﻘﺿﺎء وإن ھذه اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ إﺿﺎﻓﺎت ﻻ ﺗوﺟب ﺗﺑدﻻً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﻠم ﻓﻼ
ﺗوﺟب ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم وأن ذﻟك ﯾﻧزل ﻣﻧزﻟﺔ اﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ ﻓﺈن اﻟﺷﺧص اﻟواﺣد ﯾﻛون ﻋﻠﻰ ﯾﻣﯾﻧك ﺛم
ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗداﻣك ﺛم إﻟﻰ ﺷﻣﺎﻟك ﻓﺗﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾك اﻹﺿﺎﻓﺎت واﻟﻣﺗﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﺧص اﻟﻣﻧﺗﻘل دوﻧك؟ وھﻛذى ﯾﻧﺑﻐﻲ
أن ﺑﻔﮭم اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺳﻠم أﻧﮫ ﯾﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﺑﻌﻠم واﺣد ﻓﻲ اﻷزل واﻷﺑد واﻟﺣﺎل ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وﻏرﺿﮭم
ﻧﻔﻲ اﻟﺗﻐﯾر وھو ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﮫ.
ﻓﻲ إﻣﻛﺎن ﷲ أن ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻣﺛل ھذا اﻟﻌﻠم وﻗوﻟﮭم :ﻣن ﺿرورة إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻛون اﻵن واﻻﻧﻘﺿﺎء ﺑﻌده ﺗﻐﯾر،
ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺳﻠم ﻓﻣن أﯾن ﻋرﻓوا ذﻟك؟ ﺑل ﻟو ﺧﻠق ﷲ ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻘدوم زﯾد ﻏداً ﻋﻧد طﻠوع اﻟﺷﻣس وأدام ھذا اﻟﻌﻠم
وﻟم ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً آﺧر وﻻ ﻏﻔﻠﺔ ﻋن ھذا اﻟﻌﻠم ﻟﻛﻧﺎ ﻋﻧد طﻠوع اﻟﺷﻣس ﻋﺎﻟﻣﯾن ﺑﻣﺟرد اﻟﻌﻠم اﻟﺳﺎﺑق ﺑﻘدوﻣﮫ
اﻵن وﺑﻌده ﺑﺄﻧﮫ ﻗدم ﻣن ﻗﺑل وﻛﺎن ذﻟك اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد اﻟﺑﺎﻗﻲ ﻛﺎﻓﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﮭذه اﻷﺣوال اﻟﺛﻠﺛﺔ.
اﻋﺗراﺿﮭم ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻗوﻟﮭم :إن اﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﻌﯾن داﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ وﻣﮭﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔت اﻹﺿﺎﻓﺔ اﺧﺗﻠف
اﻟﺷﻲء اﻟذي اﻹﺿﺎﻓﺔ ذاﺗﯾﺔ ﻟﮫ وﻣﮭﻣﺎ ﺣﺻل اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻌﺎﻗب ﻓﻘد ﺣﺻل اﻟﺗﻐﯾر.
ﺗﻘوﻟون ﺑﺄن ﷲ ﻻ ﯾﻌﻠم "اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق" اﻟﺦ ﻓﻧﻘول :إن ﺻﺢ ھذا ﻓﺎﺳﻠﻛوا ﻣﺳﻠك إﺧواﻧﻛم ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺣﯾث
ﻗﺎﻟوا :إﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠم إﻻ ﻧﻔﺳﮫ وإن ﻋﻠﻣﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻋﯾن ذاﺗﮫ ﻷﻧﮫ ﻟو ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق واﻟﺣﯾوان اﻟﻣطﻠق واﻟﺟﻣﺎد
اﻟﻣطﻠق وھذه ﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻓﺎﻹﺿﺎﻓﺎت إﻟﯾﮭﺎ ﺗﺧﺗﻠف ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،ﻓﻼ ﯾﺻﻠﺢ اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻷن ﯾﻛون ﻋﻠﻣﺎ ً
ﺑﺎﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺎت ﻷن اﻟﻣﺿﺎف ﻣﺧﺗﻠف واﻹﺿﺎﻓﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ واﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠوم ذاﺗﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠم ﻓﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻌدداً
واﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻻ ﺗﻌدداً ﻓﻘط ﻣﻊ اﻟﺗﻣﺎﺛل ،إذ اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻼت ﻣﺎ ﯾﺳد ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﺳد اﻟﺑﻌض واﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺣﯾوان ﻻ ﯾﺳد ﻣﺳد اﻟﻌﻠم
ﺑﺎﻟﺟﻣﺎد وﻻ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺑﯾﺎض ﯾﺳد ﻣﺳد اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺳواد ﻓﮭﻣﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن.
...ﻓﻛم ﺑﺎﻷﺣرى ﺑﮭذا اﻷﻣر؟
ﺛم ھذه اﻷﻧواع واﻷﺟﻧﺎس واﻟﻌوارض اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .ﻓﺎﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻛﯾف ﺗﻧطوي ﺗﺣت ﻋﻠم
واﺣد ﺛم ذﻟك اﻟﻌﻠم ھو ذات اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﻏﯾر ﻣزﯾد ﻋﻠﯾﮫ؟ وﻟﯾت ﺷﻌري ﻛﯾف ﯾﺳﺗﺟﯾر اﻟﻌﺎﻗل ﻣن ﻧﻔﺳﮫ أن ﯾﺣﯾل
اﻻﺗﺣﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﺷﻲء اﻟواﺣد اﻟﻣﻧﻘﺳم أﺣواﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل واﻵن وھو ﻻ ﯾﺣﯾل اﻻﺗﺣﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﻠم
اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،واﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﺑﺎﻋد ﺑﯾن اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدة أﺷد ﻣن
اﻻﺧﺗﻼف اﻟواﻗﻊ ﺑﯾن أﺣوال اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد اﻟﻣﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟزﻣﺎن؟ وإذا ﻟم ﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻌدداً واﺧﺗﻼﻓﺎ ً ﻛﯾف
ﯾوﺟب ھذا ﺗﻌدداً واﺧﺗﻼﻓﺎً؟ وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت ﺑﺎﻟﺑرھﺎن أن اﺧﺗﻼف اﻷزﻣﺎن دون اﺧﺗﻼف اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻧواع وأن
ذﻟك ﻟم ﯾوﺟب اﻟﺗﻌدد واﻻﺧﺗﻼف ﻓﮭذا أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف ،وإذا ﻟم ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف ﺟﺎز اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻛل
ﺑﻌﻠم واﺣد داﺋم ﻓﻲ اﻷزل واﻷﺑد وﻻ ﯾوﺟب ذﻟك ﺗﻐﯾراً ﻓﻲ ذات اﻟﻌﺎﻟم.
ھﻼ ﺗﻌﻘﻠون ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣﺗﻐﯾراً؟ اﻹﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﯾﻘﺎل :وﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم ﻣن أن ﯾﻌﻠم ھذه اﻷﻣور
اﻟﺟزﺋﯾﺔ وإن ﻛﺎن ﯾﺗﻐﯾر؟ وھﻼ اﻋﺗﻘدﺗم أن ھذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗﻐﯾر ﻻ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟ ﻛﻣﺎ ذھب ﺟﮭم ﻣن اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ
إﻟﻰ أن ﻋﻠوﻣﮫ ﺑﺎﻟﺣوادث ﺣﺎدﺛﺔ وﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘد اﻟﻛراﻣﯾﺔ ﻣن ﻋﻧد آﺧرھم أﻧﮫ ﻣﺣل اﻟﺣوادث وﻟم ﯾﻧﻛر ﺟﻣﺎھﯾر أھل
اﻟﺣق ﻋﻠﯾﮭم إﻻ ﻣن ﺣﯾث أن اﻟﻣﺗﻐﯾر ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر ،وﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر واﻟﺣوادث ﻓﮭو ﺣﺎدث وﻟﯾس
ﺑﻘدﯾم .وأﻣﺎ أﻧﺗم ﻓﻣذھﺑﻛم أن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾم وأﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن اﻟﺗﻐﯾر .ﻓﺈذا ﻋﻘﻠﺗم ﻗدﯾﻣﺎ ً ﻣﺗﻐﯾراً ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻛم ﻣن ھذا
اﻹﻋﺗﻘﺎد.
ﻗوﻟﮭم ﯾﻛون اﻟﻌﻠم ﺣﺎدﺛﺎ ً إﻣﺎ ﻣن ﺟﮭﺗﮫ أو ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره
واﻟﺣﺎل أﻧﮫ ﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﯾن
ﻓﺈن ﻗﯾل :إﻧﻣﺎ أﺣﻠﻧﺎ ذﻟك ﻷن اﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎدث ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﺣدث ﻣن ﺟﮭﺗﮫ أو ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره ،وﺑﺎطل
أن ﯾﺣدث ﻣﻧﮫ ﻓﺈﻧﺎ ﺑﯾﻧﺎ أن اﻟﻘدﯾم ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ ﺣﺎدث وﻻ ﯾﺻﯾر ﻓﺎﻋﻼً ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻓﺎﻋﻼً ﻓﺈﻧﮫ ﯾوﺟب ﺗﻐﯾراً
وﻗد ﻗررﻧﺎه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم ،وإن ﺣﺻل ذﻟك ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻏﯾره ﻣؤﺛراً ﻓﯾﮫ
وﻣﻐﯾراً ﻟﮫ ﺣﺗﻰ ﺗﺗﻐﯾر أﺣواﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗﺳﺧر واﻻﺿطرار ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره؟
ﻗوﻟﻧﺎ ﻋﻠﯾﻛم أﻻ ﺗرﻓﺿوا اﻟﺣﺎل اﻷول...
ﻗﻠﻧﺎ :ﻛل واﺣد ﻣن اﻟﻘﺳﻣﯾن ﻏﯾر ﻣﺣﺎل ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم.
أﻣﺎ ﻗوﻟﻛم :إﻧﮫ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﺣﺎدث ،ﻗﻔد أﺑطﻠﻧﺎه ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ .ﻛﯾف وﻋﻧدﻛم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن
ﯾﺻدر ﻣن اﻟﻘدﯾم ﺣﺎدث ھو أول اﻟﺣوادث؟ ﻓﺷرط اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻛوﻧﮫ أوﻻً ،وإﻻ ﻓﮭذه اﻟﺣوادث ﻟﯾﺳت ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب
ﺣﺎدﺛﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺑل ﺗﻧﺗﮭﻲ ﺑواﺳطﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻗدﯾم ھو ﻧﻔس اﻟﻔﻠك وﺣﯾﺎﺗﮫ .ﻓﺎﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ
ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﺗﺣدث ﻣﻧﮭﺎ وﻛل ﺟزء ﻣن أﺟزاء اﻟﺣرﻛﺔ ﯾﺣدث وﯾﻧﻘﺿﻲ وﻣﺎ ﺑﻌده ﻣﺗﺟدد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ.
ﻓﺈذن اﻟﺣوادث ﺻﺎدرة ﻣن اﻟﻘدﯾم ﻋﻧدﻛم وﻟﻛن إذ ﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﻘدﯾم ﺗﺷﺎﺑﮫ ﻓﯾﺿﺎن اﻟﺣوادث ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟدوام
ﻛﻣﺎ ﯾﺗﺷﺎﺑﮫ أﺣوال اﻟﺣرﻛﺔ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎﻧت ﺗﺻدر ﻣن ﻗدﯾم ﻣﺗﺷﺎﺑﮫ اﻷﺣوال .ﻓﺎﺳﺗﺑﺎن أن ﻛل ﻓرﯾق ﻣﻧﮭم ﻣﻌﺗرف
ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺟوز ﺻدور ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم إذا ﻛﺎﻧت ﺗﺻدر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﺳب واﻟدوام ،ﻓﻠﺗﻛن اﻟﻌﻠوم اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻣن ھذا اﻟﻘﺑﯾل.
...وﻻ اﻟﺣﺎل اﻟﺛﺎﻧﻲ وذﻟك ﻻ ﻟﻠزوم اﻟﺗﻐﯾر ...وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو ﺻدور ھذا اﻟﻌﻠم ﻓﯾﮫ ﻣن ﻏﯾره ﻓﻧﻘول :وﻟم
ﯾﺳﺗﺣﯾل ذﻟك ﻋﻧدﻛم؟ وﻟﯾس ﻓﯾﮫ إﻻ ﺛﻠﺛﺔ أﻣور :أﺣدھﺎ اﻟﺗﻐﯾر وﻗد ﺑﯾﻧﺎ ﻟزوﻣﮫ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻛم.
...وﻻ ﻟﺣدوث اﻟﺗﻐﯾر ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﯾره...
واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛون اﻟﻐﯾر ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺗﻐﯾر اﻟﻐﯾر وھو ﻏﯾر ﻣﺣﺎل ﻋﻧدﻛم ﻓﻠﯾﻛن ﺣدوث اﻟﺷﻲء ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣدوث اﻟﻌﻠم ﺑﮫ ﻛﻣﺎ
أﻧﻛم ﺗﻘوﻟون :ﺗﻣﺛل اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺗﻠون ﺑﺈزاء اﻟﺣدﻗﺔ اﻟﺑﺎﺻرة ﺳﺑب ﻻﻧطﺑﺎع ﻣﺛﺎل اﻟﺷﺧص ﻓﻲ اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺟﻠﯾدﯾﺔ
ﻣن اﻟﺣدﻗﺔ ﻋﻧد ﺗوﺳط اﻟﮭواء اﻟﻣﺷف ﺑﯾن اﻟﺣدﻗﺔ واﻟﻣﺑﺻر .ﻓﺈذا ﺟﺎز أن ﯾﻛون ﺟﻣﺎد ﺳﺑﺑﺎ ً ﻻﻧطﺑﺎع اﻟﺻورة ﻓﻲ
اﻟﺣدﻗﺔ وھو ﻣﻌﻧﻰ اﻹﺑﺻﺎر ﻓﻠم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون ﺣدوث اﻟﺣوادث ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول ﻋﻠم اﻷول ﺑﮭﺎ؟ ﻓﺈن اﻟﻘوة
اﻟﺑﺎﺻرة ﻛﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻣﺳﺗﻌدة ﻟﻺدراك وﯾﻛون ﺣﺻول اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺗﻠون ﻣﻊ ارﺗﻔﺎع اﻟﺣواﺟز ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول
اﻹدراك ﻓﻠﯾﻛن ذات اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻋﻧدﻛم ﻣﺳﺗﻌداً ﻟﻘﺑول اﻟﻌﻠم وﯾﺧرج ﻣن اﻟﻘوة إﻟﻰ اﻟﻔﻌل ﺑوﺟود ذﻟك اﻟﺣﺎدث.
ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﺗﻐﯾر اﻟﻘدﯾم ﻓﺎﻟﻘدﯾم اﻟﻣﺗﻐﯾر ﻋﻧدﻛم ﻏﯾر ﻣﺳﺗﺣﯾل ،وإن زﻋﻣﺗم أن ذﻟك ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ واﺟب اﻟوﺟود
ﻓﻠﯾس ﻟﻛم ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت واﺟب اﻟوﺟود دﻟﯾل إﻻ ﻗطﻊ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﻌﻠل واﻟﻣﻌﻠوﻻت ﻛﻣﺎ ﺳﺑق .وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻗطﻊ
اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻣﻣﻛن ﺑﻘدﯾم ﻣﺗﻐﯾر.
...وﻻ "ﻟﺗﺳﺧر" اﻟﻘدﯾم واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﯾﺗﺿﻣﻧﮫ ھذا ھو ﻛون اﻟﻘدﯾم ﻣﺗﻐﯾراً ﺑﻐﯾره وإن ذﻟك ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺗﺳﺧر
واﺳﺗﯾﻼء اﻟﻐﯾر ﻋﻠﯾﮫ ﻓﯾﻘﺎل :وﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻧدﻛم ھذا وھو أن ﯾﻛون ھو ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣدوث اﻟﺣوادث ﺑوﺳﺎﺋط ﺛم ﯾﻛون
ﺣدوث اﻟﺣوادث ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﺣﺻول اﻟﻌﻠم ﻟﮫ ﺑﮭﺎ ﻓﻛﺄﻧﮫ ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻌﻠم ﻟﻧﻔﺳﮫ وﻟﻛن ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط؟.
ﺗﻘوﻟون إن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣن ﷲ ﯾﺻور ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ وﻗوﻟﻛم إن ذﻟك ﯾﺷﺑﮫ اﻟﺗﺳﺧر ،ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﺈﻧﮫ
ﻻﺋق ﺑﺄﺻﻠﻛم إذ زﻋﻣﺗم أن ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣن ﷲ ﯾﺻدر ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ وﻻ ﻗدرة ﻟﮫ ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﯾﻔﻌل.
وھذا أﯾﺿﺎ ً ﯾﺷﺑﮫ ﻧوﻋﺎ ً ﻣن اﻟﺗﺳﺧر وﯾﺷﯾر إﻟﻰ أﻧﮫ ﻛﺎﻟﻣﺿطر ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﮫ.
ﻗوﻟﮭم ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺻدر اﻟﻛل
ﻓﺈن ﻗﯾل :إن ذﻟك ﻟﯾس ﺑﺎﺿطرار ﻷن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻣﺻدراً ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء.
ﻗوﻟﻧﺎ ...وﻓﻲ أن ﯾﻌﻠم اﻟﻛل
ً
ﻓﮭذا ﻟﯾس ﺑﺗﺳﺧر ﻓﺈن ﻛﻣﺎﻟﮫ ﻓﻲ أن ﯾﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء وﻟو ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ﻋﻠم ﻣﻘﺎرن ﻟﻛل ﺣﺎدث ﻟﻛﺎن ذﻟك ﻛﻣﺎﻻ ﻟﻧﺎ
ﻻ ﻧﻘﺻﺎﻧﺎ ً وﺗﺳﺧراً .ﻓﻠﯾﻛن ﻛذﻟك ﻓﻲ ﺣﻘﮫ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان
ﻣطﯾﻊ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺣرﻛﺗﮫ اﻟدورﯾﺔ
ﻗوﻟﮭم وﻗد ﻗﺎﻟوا إن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان
وإن ﻟﮫ ﻧﻔﺳﺎ ً ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﻰ ﺑدن اﻟﺳﻣﺎء ﻛﻧﺳﺑﺔ ﻧﻔوﺳﻧﺎ إﻟﻰ أﺑداﻧﻧﺎ ،وﻛﻣﺎ أن أﺑداﻧﻧﺎ ﺗﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة ﻧﺣو أﻏراﺿﮭﺎ
ﺑﺗﺣرﯾك اﻟﻧﻔس ﻓﻛذى اﻟﺳﻣوات ،وإن ﻏرض اﻟﺳﻣوات ﺑﺣرﻛﺗﮭﺎ اﻟذاﺗﯾﺔ ﻋﺑﺎدة رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﺳﻧذﻛره.
ﻻ ﯾﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮫ
وﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮫ وﻻ ﯾدﻋﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧﻠق اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ ﻛل
ﺟﺳم ﻓﻼ ﻛﺑر اﻟﺟﺳم ﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﻛوﻧﮫ ﺣﯾﺎ ً وﻻ ﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺗدﯾراً ﻓﺈن اﻟﺷﻛل اﻟﻣﺧﺻوص ﻟﯾس ﺷرطﺎ ً ﻟﻠﺣﯾﺎة إذ
اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻣﻊ اﺧﺗﻼف أﺷﻛﺎﻟﮭﺎ ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﺣﯾﺎة.
وﻟﻛن ﻻ ﯾﻌرف ﺑدﻟﯾل اﻟﻌﻘل
وﻟﻛﻧﺎ ﻧدﻋﻰ ﻋﺟزھم ﻋن ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺑدﻟﯾل اﻟﻌﻘل وإن ھذا إن ﻛﺎن ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻓﻼ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ إﻻ اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺈﻟﮭﺎم ﻣن
ﷲ أو وﺣﻲ وﻗﯾﺎس اﻟﻌﻘل ﻟﯾس ﯾدل ﻋﻠﯾﮫ .ﻧﻌم ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﺗﻌرف ﻣﺛل ذﻟك ﺑدﻟﯾل إن وﺟد اﻟدﻟﯾل وﺳﺎﻋد ،وﻟﻛﻧﺎ
ﻧﻘول ﻣﺎ أوردوه دﻟﯾﻼً ﻻ ﯾﺻﻠﺢ إﻻ ﻹﻓﺎدة ظن ،ﻓﺄﻣﺎ أن ﯾﻔﯾد ﻗطﻌﺎ ً ﻓﻼ.
اﻟﺿﻼل ﻓﻲ ﻗوﻟﮭم ﺑﺄن اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺣرك
وﺧﺑﺎﻟﮭم ﻓﯾﮫ أن ﻗﺎﻟوا :اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﺣرك وھذه ﻣﻘدﻣﺔ ﺣﺳﯾﺔ .وﻛل ﺟﺳم ﻣﺗﺣرك ﻓﻠﮫ ﻣﺣرك وھذه ﻣﻘدﻣﺔ ﻋﻘﻠﯾﺔ إذ
ﻟو ﻛﺎن اﻟﺟﺳم ﯾﺗﺣرك ﻟﻛوﻧﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً ﻟﻛﺎن ﻛل ﺟﺳم ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً.
ﻛل ﻣﺗﺣرك إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً أو طﺑﯾﻌﯾﺎ ً أو إرادﯾﺎ ً
وﻛل ﻣﺣرك ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻛون ﻣﻧﺑﻌﺛﺎ ً ﻋن ذات اﻟﻣﺗﺣرك ﻛﺎﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل واﻹرادة ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ
اﻟﺣﯾوان ﻣﻊ اﻟﻘدرة ،وإﻣﺎ أن ﯾﻛون اﻟﻣﺣرك ﺧﺎرﺟﺎ ً وﻟﻛن ﯾﺣرك ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﻘﺳر ﻛدﻓﻊ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ ﻓوق.
وﻛل ﻣﺎ ﯾﺗﺣرك ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻓﺈﻣﺎ أن ﻻ ﯾﺷﻌر ذﻟك اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ وﻧﺣن ﻧﺳﻣﯾﮫ طﺑﯾﻌﺔ ﻛﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ
أﺳﻔل ،وإﻣﺎ أن ﯾﺷﻌر ﺑﮫ وﻧﺣن ﻧﺳﻣﯾﮫ إرادﯾﺎ ً وﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺎ ً ﻓﺻﺎرت اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﮭذه اﻟﺗﻘﺳﯾﻣﺎت اﻟﺣﺎﺻرة اﻟداﺋرة ﺑﯾن
اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت إﻣﺎ ﻗﺳرﯾﺔ طﺑﯾﻌﯾﺔ وإﻣﺎ طﺑﯾﻌﯾﺔ وإﻣﺎ إرادﯾﺔ ،وإذا ﺑطل ﻗﺳﻣﺎن ﺗﻌﯾن اﻟﺛﺎﻟث.
وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً
وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻗﺳرﯾﺎ ً ﻷن اﻟﻣﺣرك اﻟﻘﺎﺳر إﻣﺎ ﺟﺳم آﺧر ﯾﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة أو ﺑﺎﻟﻘﺳر وﯾﻧﺗﮭﻲ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ
إرادة ،وﻣﮭﻣﺎ أﺛﺑت ﻓﻲ أﺟﺳﺎم اﻟﺳﻣوات ﻣﺗﺣرك ﺑﺎﻹرادة ﻓﻘد ﺣﺻل اﻟﻐرض ،ﻓﺄي ﻓﺎﺋدة ﻓﻲ وﺿﻊ ﺣرﻛﺎت
ﻗﺳرﯾﺔ وﺑﺎﻵﺧرة ﻻ ﺑد ﻣن اﻟرﺟوع إﻟﻰ اﻹرادة ،وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﯾﺗﺣرك ﺑﺎﻟﻘﺳر وﷲ ھو اﻟﻣﺣرك ﺑﻐﯾر
واﺳطﺔ وھو ﻣﺣﺎل ،ﻷﻧﮫ ﻟو ﺗﺣرك ﺑﮫ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم وأﻧﮫ ﺧﺎﻟﻘﮫ ﻟﻠزم أن ﯾﺗﺣرك ﻛل ﺟﺳم ﻓﻼ ﺑد وأن
ﺗﺧﺗص اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﺑﮫ ﯾﺗﻣﯾز ﻋن ﻏﯾره ﻣن اﻷﺟﺳﺎم وﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ھﻲ اﻟﻣﺣرك اﻟﻘرﯾب إﻣﺎ ﺑﺎﻹرادة أو اﻟطﺑﻊ.
وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل إن ﷲ ﯾﺣرﻛﮫ ﺑﺎﻹرادة ﻷن إرادﺗﮫ ﺗﻧﺎﺳب اﻷﺟﺳﺎم ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة ،ﻓﻠم اﺳﺗﻌد ھذا اﻟﺟﺳم ﻋﻠﻰ
اﻟﺧﺻوص ﻷن ﯾراد ﺗﺣرﯾﻛﮫ دون ﻏﯾره؟ وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ذﻟك ﺟزاﻓﺎ ً ﻓﺈن ذﻟك ﻣﺣﺎل ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ
ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وإذا ﺛﺑت أن ھذا اﻟﺟﺳم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻓﯾﮫ ﺻﻔﺔ ھو ﻣﺑدأ اﻟﺣرﻛﺔ ﺑطل اﻟﻘﺳم اﻷول وھو ﺗﻘدﯾر
اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻘﺳرﯾﺔ.
وﻻ أن ﯾﻛون طﺑﯾﻌﯾﺎ ً ﻷﻧﮫ ﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣﮭروب ﻋﻧﮫ .ﻓﮭو إذا إرادﯾﺎ ً
ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل :ھﻲ طﺑﯾﻌﯾﺔ وھو ﻏﯾر ﻣﻣﻛن ﻷن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺑﻣﺟردھﺎ ﻗط ﻻ ﺗﻛون ﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻷن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣرﻛﺔ
ھرب ﻣن ﻣﻛﺎن وطﻠب ﻟﻣﻛﺎن آﺧر ،ﻓﺎﻟﻣﻛﺎن اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻟﺟﺳم إن ﻛﺎن ﻣﻼﺋﻣﺎ ً ﻟﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﺣرك ﻋﻧﮫ وﻟﮭذا ﻻ ﯾﺗﺣرك
زق ﻣﻣﻠوء ﻣن اﻟﮭواء ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﻣﺎء ،وإذا ﻏﻣس ﻓﻲ اﻟﻣﺎء ﺗﺣرك إﻟﻰ وﺟﮫ اﻟﻣﺎء ﻓﺈﻧﮫ وﺟد اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣﻼﺋم
ﻓﺳﻛن واﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ،وﻟﻛن إن ﻧﻘل إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻻ ﯾﻼﺋﻣﮫ ھرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﻼﺋم ﻛﻣﺎ ھرب ﻣن وﺳط اﻟﻣﺎء إﻟﻰ
ﺣﯾز اﻟﮭواء .واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﺗﻛون طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻷن ﻛل وﺿﻊ وأﯾن ﯾﻔرض اﻟﮭرب ﻣﻧﮫ ﻓﮭو ﻋﺎﺋد
إﻟﯾﮫ ،واﻟﻣﮭروب ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﯾﻛون ﻣطﻠوﺑﺎ ً ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﻟذﻟك ﻻ ﯾﻧﺻرف زق اﻟﮭواء إﻟﻰ ﺑﺎطن اﻟﻣﺎء وﻻ اﻟﺣﺟر
ﯾﻧﺻرف ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻘرار ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﯾﻌود إﻟﻰ اﻟﮭوى .ﻓﻠم ﯾﺑق إﻻ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹرادﯾﺔ.
اﻻﻋﺗراض ھﻧﺎك ﺛﻼث اﺣﺗﻣﺎﻻت أﺧرى
أن ﺗﻛون ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺟﺳم ﻏﯾر ﺳﻣﺎوي اﻻﻋﺗراض ھو أﻧﺎ ﻧﻘول :ﻧﺣن ﻧﻘرر ﺛﻠث اﺣﺗﻣﺎﻻت ﺳوى ﻣذھﺑﻛم ﻻ
ﺑرھﺎن ﻋﻠﻰ ﺑطﻼﻧﮭﺎ .
ً
اﻷول أن ﯾﻘدر ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء ﻗﮭرا ﻟﺟﺳم آﺧر ﻣرﯾد ﻟﺣرﻛﺗﮭﺎ ﯾدﯾرھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدوام وذﻟك اﻟﺟﺳم اﻟﻣﺣرك ﻻ ﯾﻛون
ﻛرة وﻻ ﯾﻛون ﻣﺣﯾطﺎ ً ﻓﻼ ﯾﻛون ﺳﻣﺎء ،ﻓﯾﺑطل ﻗوﻟﮭم إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء إرادﯾﺔ وإن اﻟﺳﻣﺎء ﺣﯾوان .وھذا اﻟذي
ذﻛرﻧﺎه ﻣﻣﻛن وﻟﯾس ﻓﻲ دﻓﻌﮫ إﻻ ﻣﺟرد اﺳﺗﺑﻌﺎد.
أو ﺗﻛون ﺑﺈرادة ﷲ اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أن ﯾﻘﺎل اﻟﺣرﻛﺔ ﻗﺳرﯾﺔ وﻣﺑدؤھﺎ إرادة ﷲ ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﺣرﻛﺔ اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل
أﯾﺿﺎ ً ﻗﺳري ﯾﺣدث ﺑﺧﻠق ﷲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﯾﮫ ،وﻛذى اﻟﻘول ﻓﻲ ﺳﺎﺋر ﺣرﻛﺎت اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺗﻲ ﻟﯾﺳت ﺣﯾواﻧﯾﺔ.
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻹرادة ﻗد أﺑطﻠﻧﺎه
ﻓﯾﺑﻘﻰ اﺳﺗﺑﻌﺎدھم أن اﻹرادة ﻟم اﺧﺗﺻت ﺑﮫ وﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم ﺗﺷﺎرﻛﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻓﻘد ﺑﯾﻧﺎ أن اﻹرادة اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻣن
ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ وأﻧﮭم ﻣﺿطرون إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ھذا ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ
وﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﻣوﺿﻊ اﻟﻘطب واﻟﻧﻘطﺔ ﻓﻼ ﻧﻌﯾده واﻟﻘول اﻟوﺟﯾز إن ﻣﺎ اﺳﺗﺑﻌدوه ﻓﻲ اﺧﺗﺻﺎص اﻟﺟﺳم ﺑﺗﻌﻠق
اﻹرادة ﺑﮫ ﻣن ﻏﯾر ﺗﻣﯾز ﺑﺻﻔﺔ ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﮭم ﻓﻲ ﺗﻣﯾزه ﺑﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :وﻟم ﺗﻣﯾز ﺟﺳم اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺗﻠك
اﻟﺻﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﻓﺎرق ﻏﯾره ﻣن اﻷﺟﺳﺎم ،وﺳﺎﺋر اﻷﺟﺳﺎم أﯾﺿﺎ ً أﺟﺳﺎم؟ ﻓﻠم ﺣﺻل ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾﺣﺻل ﻓﻲ ﻏﯾره؟
ﻓﺈن ﻋﻠل ذﻟك ﺑﺻﻔﺔ أﺧرى ﺗوﺟﮫ اﻟﺳؤال ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺔ اﻷﺧرى ،وھﻛذى ﯾﺗﺳﻠﺳل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﯾﺿطرون
ﺑﺎﻵﺧرة إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻹرادة وأن ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻣﺎ ﯾﻣﯾز اﻟﺷﻲء ﻋن ﻣﺛﻠﮫ وﯾﺧﺻﺻﮫ ﺑﺻﻔﺔ ﻋن أﻣﺛﺎﻟﮫ.
أو ﺗﻛون ﺑﺎﻟطﺑﻊ وﺑدون أن ﺗﺷﻌر ﻻ ﻟطﻠب اﻟﻣﻛﺎن وﻻ ﻟﻠﮭرب ﻣﻧﮫ اﻟﺛﺎﻟث ھو أن ﯾﺳﻠم أن اﻟﺳﻣﺎء اﺧﺗص ﺑﺻﻔﺔ
ﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ﻣﺑدأ اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘدوه ﻓﻲ ھوى اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل إﻻ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺷﻌر ﺑﮫ ﻛﺎﻟﺣﺟر .وﻗوﻟﮭم :إن
اﻟﻣطﻠوب ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﯾﻛون ﻣﮭروﺑﺎ ً ﻋﻧﮫ ﺑﺎﻟطﺑﻊ ،ﻓﺗﻠﺑﯾس ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺛم أﻣﺎﻛن ﻣﺗﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌدد ﻋﻧدھم ﺑل اﻟﺟﺳم
واﺣد واﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ واﺣدة ﻓﻼ ﻟﻠﺟﺳم ﺟزء ﺑﺎﻟﻔﻌل وﻻ ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﺟزء ﺑﺎﻟﻔﻌل وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺟزى ﺑﺎﻟوھم ،ﻓﻠﯾﺳت
ﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺔ ﻟطﻠب اﻟﻣﻛﺎن وﻻ ﻟﻠﮭرب ﻣن اﻟﻣﻛﺎن .ﻓﯾﻣﻛن أن ﯾﺧﻠق ﺟﺳم وﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﻌﻧﻰ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺣرﻛﺔ دورﯾﺔ
وﺗﻛون اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﻘﺗﺿﻰ ذﻟك اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻻ أن ﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ طﻠب اﻟﻣﻛﺎن ،ﺛم ﺗﻛون ﺣرﻛﺔ ﻟﻠوﺻول إﻟﯾﮫ.
اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس اﻟﻣﻘﺗﺿﻰ ﻻ ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن
ً
وﻗوﻟﻛم :إن ﻛل ﺣرﻛﺔ ﻓﮭو ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن أو ھرب ﻣﻧﮫ إذا ﻛﺎن ﺿرورﯾﺎ ،ﻓﻛﺄﻧﻛم ﺟﻌﻠﺗم طﻠب اﻟﻣﻛﺎن ﻣﻘﺗﺿﻰ
اﻟطﺑﻊ وﺟﻌﻠﺗم اﻟﺣرﻛﺔ ﻏﯾر ﻣﻘﺻودة ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑل وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ وﻧﺣن ﻧﻘول :ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﻛون اﻟﺣرﻛﺔ ﻧﻔس
اﻟﻣﻘﺗﺿﻰ ﻻ ﻟطﻠب ﻣﻛﺎن ،ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﺣﯾل ذﻟك؟
اﻟﺧﻼﺻﺔ
ﻓﺎﺳﺗﺑﺎن أن ﻣﺎ ذﻛروه إن ظن أﻧﮫ أﻏﻠب ﻣن اﺣﺗﻣﺎل آﺧر ﻓﻼ ﯾﺗﯾﻘن ﻗطﻌﺎ ً اﻧﺗﻔﺎء ﻏﯾره .ﻓﺎﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺄﻧﮫ
ﺣﯾوان ﺗﺣﻛم ﻣﺣض ﻻ ﻣﺳﺗﻧد ﻟﮫ.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن اﻟﻐرض اﻟﻣﺣرك ﻟﻠﺳﻣﺎء
ﻗوﻟﮭم إن اﻟﺳﻣﺎء ﻣﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ
وﻗد ﻗﺎﻟوا :إن اﻟﺳﻣﺎء ﻣطﯾﻊ ﺑﺣرﻛﺗﮫ وﻣﺗﻘرب إﻟﯾﮫ ﻷن ﻛل ﺣرﻛﺔ ﺑﺎﻹرادة ﻓﮭو ﻟﻐرض إذ ﻻ ﯾﺗﺻور أن
ﯾﺻدر اﻟﻔﻌل واﻟﺣرﻛﺔ ﻣن ﺣﯾوان إﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻔﻌل أوﻟﻰ ﺑﮫ ﻣن اﻟﺗرك وإﻻ ﻓﻠو اﺳﺗوى اﻟﻔﻌل واﻟﺗرك ﻟﻣﺎ
ﺗﺻور اﻟﻔﻌل.
??ﻓﻲ اﻟﻛﻣﺎل
ﺛم اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ ﻟﯾس ﻣﻌﻧﺎه طﻠب اﻟرﺿﺎ واﻟﺣذر ﻣن اﻟﺳﺧط ﻓﺈن ﷲ ﯾﺗﻘدس ﻋن اﻟﺳﺧط واﻟرﺿﺎ وإن أطﻠق
ھذه اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺟﺎز ﯾﻛﻧﻲ ﺑﮭﺎ ﻋن إرادة اﻟﻌﻘﺎب وإرادة اﻟﺛواب ،وﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون اﻟﺗﻘرب ﺑطﻠب
اﻟﻘرب ﻣﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﻣﺣﺎل ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ طﻠب اﻟﻘرب ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ،ﻓﺈن اﻟوﺟود اﻷﻛﻣل وﺟوده وﻛل
وﺟود ﻓﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ وﺟوده ﻧﺎﻗص وﻟﻠﻧﻘﺻﺎن درﺟﺎت وﺗﻔﺎوت ﻓﺎﻟﻣﻠك أﻗرب إﻟﯾﮫ ﺻﻔﺔ ﻻ ﻣﻛﺎﻧﺎً ،وھو اﻟﻣراد
ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑﯾن أي اﻟﺟواھر اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺗﻐﯾر وﻻ ﺗﻔﻧﻰ وﻻ ﺗﺳﺗﺣﯾل وﺗﻌﻠم اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯾﮫ،
واﻹﻧﺳﺎن ﻛﻠﻣﺎ ازداد ﻗرﺑﺎ ً ﻣن اﻟﻣﻠك ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ازداد ﻗرﺑﺎ ً ﻣن ﷲ ،وﻣﻧﺗﮭﻰ طﺑﻘﺔ اﻵدﻣﯾﯾن اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ.
?اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑون ﻛﻣﺎﻟﮭم ﻻ ﯾزداد
وإذا ﺛﺑت أن ھذا ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ وأﻧﮫ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ طﻠب اﻟﻘرب ﻣﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت وذﻟك ﻟﻶدﻣﻲ ﺑﺄن ﯾﻌﻠم
ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء وﺑﺄن ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻘﺎ ًء ﻣؤﺑداً ﻋﻠﻰ أﻛﻣل أﺣواﻟﮫ اﻟﻣﻣﻛن ﻟﮫ ،ﻓﺈن اﻟﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻣﺎل اﻷﻗﺻﻰ ھو ﷲ.
واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣﻘرﺑون ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﻟﮭم ﻣن اﻟﻛﻣﺎل ﻓﮭو ﺣﺎﺿر ﻣﻌﮭم ﻓﻲ اﻟوﺟود إذ ﻟﯾس ﻓﯾﮭم ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة ﺣﺗﻰ
ﯾﺧرج إﻟﻰ اﻟﻔﻌل ،ﻓﺈذن ﻛﻣﺎﻟﮭم ﻓﻲ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻘﺻوى ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳوى ﷲ.
?واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﯾزداد ﻛﻣﺎﻟﮭم ﺑﺗﺣرﯾك اﻟﺳﻣﺎء وﯾﺗﺷﺑﮭون ﺑﺎ
واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ھﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻠﺳﻣوات وﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘوة ،وﻛﻣﺎﻻﺗﮭﺎ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ھو
ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻛﺎﻟﺷﻛل اﻟﻛري واﻟﮭﯾﺋﺔ وذﻟك ﺣﺎﺿر وإﻟﻰ ﻣﺎ ھو ﺑﺎﻟﻘوة وھو اﻟﮭﯾﺋﺔ ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ واﻷﯾن .وﻣﺎ ﻣن وﺿﻊ
ﻣﻌﯾن إﻻ وھو ﻣﻣﻛن ﻟﮫ وﻟﻛن ﻟﯾﺳت ﻟﮫ ﺳﺎﺋر اﻷوﺿﺎع ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﺈن اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﻏﯾر ﻣﻣﻛن ،ﻓﻠﻣﺎ ﻟم
ﯾﻣﻛﻧﮭﺎ اﺳﺗﯾﻔﺎء آﺣﺎد اﻷوﺿﺎع ﻋﻠﻰ اﻟدوام ﻗﺻد اﺳﺗﯾﻔﺎءھﺎ ﺑﺎﻟﻧوع ﻓﻼ ﯾزال ﯾطﻠب وﺿﻌﺎ ً ﺑﻌد وﺿﻊ وأﯾﻧﺎ ً ﺑﻌد
أﯾن وﻻ ﯾﻧﻘطﻊ ﻗط ھذا اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻼ ﺗﻧﻘطﻊ ھذه اﻟﺣرﻛﺎت وإﻧﻣﺎ ﻗﺻده اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎﻟﻣﺑدأ اﻷول ﻓﻲ ﻧﯾل اﻟﻛﻣﺎل
اﻷﻗﺻﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺳب اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﻘﮫ وھو ﻣﻌﻧﻰ طﺎﻋﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ .
?ﻓﺈﻧﮭم ﯾﺳﺗوﻓون ﻛل وﺿﻊ ﻣﻣﻛن ،ﻓﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ اﻟﺧﯾر
وﻗد ﺣﺻل ﻟﮭﺎ اﻟﺗﺷﺑﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻛل وﺿﻊ ﻣﻣﻛن ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻧوع وھو اﻟﻣﻘﺻود ﺑﺎﻟﻘﺻد اﻷول.
واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ﺣرﻛﺗﮫ ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب ﻓﻲ اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗرﺑﯾﻊ واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ واﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ واﺧﺗﻼف اﻟطواﻟﻊ
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻷرض ﻓﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ اﻟﺧﯾر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺣت ﻓﻠك اﻟﻘﻣر وﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ ھذه اﻟﺣوادث ﻛﻠﮭﺎ ،ﻓﮭذا وﺟﮫ
اﺳﺗﻛﻣﺎل اﻟﻧﻔس اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ .وﻛل ﻧﻔس ﻋﺎﻗﻠﺔ ﻓﻣﺗﺷوﻗﺔ إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑذاﺗﮭﺎ.
اﻻﻋﺗراض اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﻛﻣﺎﻻً
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ھو أن ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺎت ھذا اﻟﻛﻼم ﻣﺎ ﯾﻣﻛن اﻟﻧزاع ﻓﯾﮫ ،وﻟﻛﻧﺎ ﻻ ﻧطول ﺑﮫ وﻧﻌود إﻟﻰ
اﻟﻐرض اﻟذي ﻋﻧﯾﺗﻣوه آﺧراً وﻧﺑطﻠﮫ ﻣن وﺟﮭﯾن.
أﺣدھﻣﺎ أن طﻠب اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﻛون ﻓﻲ ﻛل أﯾن ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻟﮫ ﺣﻣﺎﻗﺔ ﻻ طﺎﻋﺔ ،وﻣﺎ ھذا إﻻ ﻛﺈﻧﺳﺎن ﻟم ﯾﻛن
ﻟﮫ ﺷﻐل وﻗد ﻛﻔﻲ اﻟﻣؤوﻧﺔ ﻓﻲ ﺷﮭواﺗﮫ وﺣﺎﺟﺎﺗﮫ ﻓﻘﺎم وھو ﯾدور ﻓﻲ ﺑﻠد أو ﺑﯾت وﯾزﻋم أﻧﮫ ﯾﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ ﻓﺈﻧﮫ
ﯾﺳﺗﻛﻣل ﺑﺄن ﯾﺣﺻل ﻟﻧﻔﺳﮫ اﻟﻛون ﻓﻲ ﻛل ﻣﻛﺎن أﻣﻛن ،وزﻋم أن اﻟﻛون ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛن ﻣﻣﻛن ﻟﻲ وﻟﺳت أﻗدر ﻋﻠﻰ
اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌدد ﻓﺄﺳﺗوﻓﯾﮫ ﺑﺎﻟﻧوع ﻓﺈن ﻓﯾﮫ اﺳﺗﻛﻣﺎﻻً وﺗﻘرﺑﺎً ،ﻓﯾﺳﻔﮫ ﻋﻘﻠﮫ ﻓﯾﮫ وﯾﺣﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻣﺎﻗﺔ وﯾﻘﺎل:
اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﺣﯾز إﻟﻰ ﺣﯾز وﻣن ﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻟﯾس ﻛﻣﺎﻻً ﯾﻌﺗد ﺑﮫ أو ﯾﺗﺷوف إﻟﯾﮫ ،وﻻ ﻓرق ﺑﯾن ﻣﺎ ذﻛروه
وﺑﯾن ھذا.
ﻟﻣﺎذا ﻻ ﺗﺧﺗﻠف اﻟﺣرﻛﺔ؟
واﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﺎ ﻧﻘول :ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟﻐرض ﺣﺎﺻل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻠم ﻛﺎﻧت اﻟﺣرﻛﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﺷرﻗﯾﺔ
وھﻼ ﻛﺎﻧت ﺣرﻛﺎت اﻟﻛل إﻟﻰ ﺟﮭﺔ واﺣدة؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ ﻏرض ﻓﮭﻼ اﺧﺗﻠﻔت ﺑﺎﻟﻌﻛس ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺗﻲ ھﻲ
ﻣﺷرﻗﯾﺔ ﻣﻐرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣﻐرﺑﯾﺔ ﻣﺷرﻗﯾﺔ؟ ﻓﺈن ﻛل ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﺣﺻول اﻟﺣوادث ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺣرﻛﺎت ﻣن
اﻟﺗﺛﻠﯾﺛﺎت واﻟﺗﺳدﯾﺳﺎت وﻏﯾرھﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﻌﻛﺳﮫ .وﻛذى ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن اﺳﺗﯾﻔﺎء اﻷوﺿﺎع واﻷﯾون ﻛﯾف وﻣن
اﻟﻣﻣﻛن ﻟﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﮭﺔ اﻷﺧرى ﻓﻣﺎ ﺑﺎﻟﮭﺎ ﻻ ﺗﺗﺣرك ﻣرة ﻣن ﺟﺎﻧب وﻣرة ﻣن ﺟﺎﻧب اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻟﻣﺎ ﯾﻣﻛن
ﻟﮭﺎ إن ﻛﺎن ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻔﺎء ﻛل ﻣﻣﻛن ﻛﻣﺎل؟
ھذه اﻷﻣور ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﻟﮭﺎم
ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺳﺗدﻻل
ﻓدل أن ھذه ﺧﯾﺎﻻت ﻻ ﺣﺎﺻل ﻟﮭﺎ وأن أﺳرار ﻣﻠﻛوت اﻟﺳﻣوات ﻻ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺄﻣﺛﺎل ھذه اﻟﺧﯾﺎﻻت وإﻧﻣﺎ ﯾطﻠﻊ
ﷲ ﻋﻠﯾﮫ أﻧﺑﯾﺎءه وأوﻟﯾﺎءه ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻹﻟﮭﺎم ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺳﺗدﻻل وﻟذﻟك ﻋﺟز اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن ﻋﻧد آﺧرھم ﻋن
ﺑﯾﺎن اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ واﺧﺗﯾﺎرھﺎ.
اﻻﺳﺗﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ -وﺑﮭذه اﻟﺣرﻛﺔ إﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر
وﻗﺎل ﺑﻌﺿﮭم :ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﺳﺗﻛﻣﺎﻟﮭﺎ ﯾﺣﺻل ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ ﻣن أي ﺟﮭﺔ ﻛﺎﻧت وﻛﺎن اﻧﺗظﺎم اﻟﺣوادث اﻷرﺿﯾﺔ ﯾﺳﺗدﻋﻲ
اﺧﺗﻼف ﺣرﻛﺎت وﺗﻌﯾن ﺟﮭﺎت ،ﻛﺎن اﻟداﻋﻲ ﻟﮭﺎ إﻟﻰ أﺻل اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ ﷲ واﻟداﻋﻲ إﻟﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﺣرﻛﺔ
إﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺳﻔﻠﻲ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻗد ﯾﻛون ﺑﺎﻟﺳﻛون
وھذا ﺑﺎطل ﻣن وﺟﮭﯾن .أﺣدھﻣﺎ أن ذﻟك إن أﻣﻛن أن ﯾﺗﺧﯾل ﻓﻠﯾﻘض ﺑﺄن ﻣﻘﺗﺿﻰ طﺑﻌﮫ اﻟﺳﻛون اﺣﺗرازاً ﻋن
اﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺗﻐﯾر وھو اﻟﺗﺷﺑﮫ ﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ﻓﺈﻧﮫ ﻣﻘدس ﻋن اﻟﺗﻐﯾر واﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻐﯾر ،وﻟﻛﻧﮫ اﺧﺗﺎر اﻟﺣرﻛﺔ
ﻹﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻔﻊ ﺑﮫ ﻏﯾره وﻟﯾس ﯾﺛﻘل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺣرﻛﺔ وﻟﯾس ﺗﺗﻌﺑﮫ ،ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن ھذا اﻟﺧﯾﺎل؟
أو ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺣرﻛﺎت
واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺣوادث ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب اﻟﻣﺗوﻟدة ﻣن اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺎت اﻟﺣرﻛﺎت ،ﻓﻠﺗﻛن اﻟﺣرﻛﺔ اﻷوﻟﻰ
ﻣﻐرﺑﯾﺔ وﻣﺎ ﻋداھﺎ ﻣﺷرﻗﯾﺔ وﻗد ﺣﺻل ﺑﮫ اﻻﺧﺗﻼف وﯾﺣﺻل ﺑﮫ ﺗﻔﺎوت اﻟﻧﺳب .ﻓﻠم ﺗﻌﯾﻧت ﺟﮭﺔ واﺣدة ،وھذه
اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﻻ ﺗﺳﺗدﻋﻲ إﻻ أﺻل اﻻﺧﺗﻼف ،ﻓﺄﻣﺎ ﺟﮭﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻓﻠﯾس ﺑﺄوﻟﻰ ﻣن ﻧﻘﯾﺿﮭﺎ ﻓﻲ ھذا اﻟﻐرض.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات ﻣطﻠﻌﺔ
ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﻌﺎﻟم
وإن اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات وإن اﻧﺗﻘﺎش ﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﮭﺎ ﯾﺿﺎھﻲ اﻧﺗﻘﺎش اﻟﻣﺣﻔوظﺎت ﻓﻲ
اﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ اﻟﻣودﻋﺔ ﻓﻲ دﻣﺎغ اﻹﻧﺳﺎن ،ﻻ أﻧﮫ ﺟﺳم ﺻﻠب ﻋرﯾض ﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻣﺎ ﯾﻛﺗﺑﮫ اﻟﺻﺑﯾﺎن
ﻋﻠﻰ اﻟﻠوح ﻷن ﺗﻠك اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻛﺛرﺗﮭﺎ اﺗﺳﺎع اﻟﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ.
وإذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﻛﺗوب ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﻛﺗوب ﻋﻠﯾﮫ ﻧﮭﺎﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺗﺻور ﺟﺳم ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺧطوط ﻻ
ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺳم وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف أﺷﯾﺎء ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺧطوط ﻣﻌدودة.
?ﻣذھﺑﮭم
وﻗد زﻋﻣوا أن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ھﻲ ﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات وأن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻛروﯾﯾن اﻟﻣﻘرﺑﯾن ھﻲ اﻟﻌﻘول اﻟﻣﺟردة
اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻻ ﺗﺗﺣﯾز وﻻ ﺗﺗﺻرف ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم وأن ھذه اﻟﺻور اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺗﻔﯾض ﻋﻠﻰ
اﻟﻧﻔوس اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻣﻧﮭﺎ وھﻲ أﺷرف ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻔﯾدة وھﻲ ﻣﺳﺗﻔﯾدة واﻟﻣﻔﯾد أﺷرف ﻣن
اﻟﻣﺳﺗﻔﯾد ،وﻟذﻟك ﻋﺑر ﻋن اﻷﺷرف ﺑﺎﻟﻘﻠم ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻘﻠم ،ﻷﻧﮫ ﻛﺎﻟﻧﻘﺎش اﻟﻣﻔﯾد ﻣﺛل اﻟﻣﻌﻠم وﺷﺑﮫ اﻟﻣﺳﺗﻔﯾد
ﺑﺎﻟﻠوح .ھذا ﻣذھﺑﮭم.
ھو ﻣﺣﺎل ،ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ
واﻟﻧزاع ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻧزاع ﻓﯾﻣﺎ ﻗﺑﻠﮭﺎ ﻓﺈن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣن ﻗﺑل ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً إذ ﻣﻧﺗﮭﺎه ﻛون اﻟﺳﻣﺎء
ﺣﯾواﻧﺎ ً ﻣﺗﺣرﻛﺎ ً ﻟﻐرض وھو ﻣﻣﻛن .أﻣﺎ ھذه ﻓﺗرﺟﻊ إﻟﻰ إﺛﺑﺎت ﻋﻠم ﻟﻣﺧﻠوق ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ وھذا
رﺑﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ.
اﺳﺗدﻻﻟﮭم إرادة اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﺈرادة دورﯾﺔ ﺟزﺋﯾﺔ
اﺳﺗدﻟوا ﻓﯾﮫ ﺑﺄن ﻗﺎﻟوا :ﺛﺑت أن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدورﯾﺔ إرادﯾﺔ واﻹرادة ﺗﺗﺑﻊ اﻟﻣراد واﻟﻣراد اﻟﻛﻠﻲ ﻻ ﯾﺗوﺟﮫ إﻟﯾﮫ إﻻ
إرادة ﻛﻠﯾﺔ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮭﺎ ﺷﻲء ﻓﺈن ﻛل ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻣﻌﯾن ﺟزﺋﻲ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻧﺳﺑﺗﮭﺎ إﻟﻰ
آﺣﺎد اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻓﻼ ﯾﺻدر ﻋﻧﮭﺎ ﺷﻲء ﺟزﺋﻲ ﺑل ﻻ ﺑد ﻣن إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﻣﻌﯾﻧﺔ.
ﻓﮭﻲ ﺗدرك اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﺑﺈدراك ﺟزﺋﻲ
ﻓﻠﻠﻔﻠك ﺑﻛل ﺣرﻛﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن ﻧﻘطﺔ إﻟﻰ ﻧﻘطﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻠﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺗﺻور ﻟﺗﻠك
اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺑﻘوة ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ إذ اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻻ ﺗدرك إﻻ ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻛل إرادة ﻓﻣن ﺿرورﺗﮭﺎ
ﺗﺻور ﻟذﻟك اﻟﻣراد أي ﻋﻠم ﺑﮫ ﺳواء ﻛﺎن ﺟزﺋﯾﺎ ً أو ﻛﻠﯾﺎ ً.
وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗدرك ﻟوازﻣﮭﺎ
وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻠك ﺗﺻور ﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣرﻛﺎت وإﺣﺎطﺔ ﺑﮭﺎ أﺣﺎط ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣﻧﮭﺎ ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب ﻣﻊ
اﻷرض ﻣن ﻛون ﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ طﺎﻟﻌﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻏﺎرﺑﺔ وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ وﺳط ﺳﻣﺎء ﻗوم وﺗﺣت ﻗدم ﻗوم ،وﻛذﻟك
ﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣن اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺳب اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺟدد ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ ﻣن اﻟﺗﺛﻠﯾث واﻟﺗﺳدﯾس واﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك
ﻣن اﻟﺣوادث اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ وإﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ واﺣدة وإﻣﺎ ﺑوﺳﺎﺋط ﻛﺛﯾرة .وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﻛل ﺣﺎدث ﻓﻠﮫ
ﺳﺑب ﺣﺎدث إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﺗﺳﻠﺳل ﺑﺎﻻرﺗﻘﺎء إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻷﺑدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺳﺑب ﻟﻠﺑﻌض .ﻓﺈذن
اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺗﮭﺎ ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻓﺎﻟﻣﺗﺻور ﻟﻠﺣرﻛﺎت ﻣﺗﺻور ﻟﻠوازﻣﮭﺎ
وﻟوازم ﻟوازﻣﮭﺎ إﻟﻰ آﺧر اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ.
وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗدرك ﻛل ﻣﺎ ﺳﯾﺣدث
ﻓﺑﮭذا ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺣدث ﻓﺈن ﻛل ﻣﺎ ﺳﯾﺣدث ﻓﺣدوﺛﮫ واﺟب ﻋن ﻋﻠﺗﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺣﻘﻘت اﻟﻌﻠﺔ .وﻧﺣن إﻧﻣﺎ ﻻ ﻧﻌﻠم
ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وﻟو ﻋﻠﻣﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺳﺑﺎب ﻟﻌﻠﻣﻧﺎ اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ،ﻓﺈﻧﺎ ﻣﮭﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن
اﻟﻧﺎر ﺳﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﻘطن ﻣﺛﻼً ﻓﻲ وﻗت ﻣﻌﯾن ﻓﻧﻌﻠم اﺣﺗراق اﻟﻘطن وﻣﮭﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ﺷﺧﺻﺎ ً ﺳﯾﺄﻛل ﻓﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﺳﯾﺷﺑﻊ،
وإذا ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ﺷﺧﺻﺎ ً ﺳﯾﺗﺧطﻰ اﻟﻣوﺿﻊ اﻟﻔﻼﻧﻲ اﻟذي ﻓﯾﮫ ﻛﻧز ﻣﻐطﻰ ﺑﺷﻲء ﺧﻔﯾف إذا ﻣﺷﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺎﺷﻲ
ﺗﻌﺛر رﺟﻠﮫ ﺑﺎﻟﻛﻧز وﻋرﻓﮫ ﻓﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﺳﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﺑوﺟود اﻟﻛﻧز .وﻟﻛن ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻻ ﻧﻌﻠﻣﮭﺎ ورﺑﻣﺎ ﻧﻌﻠم ﺑﻌﺿﮭﺎ
ﻓﯾﻘﻊ ﻟﻧﺎ ﺣدس ﺑوﻗوع اﻟﻣﺳﺑب ﻓﺈن ﻋرﻓﻧﺎ أﻏﻠﺑﮭﺎ وأﻛﺛرھﺎ ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ظن ظﺎھر ﺑﺎﻟوﻗوع .ﻓﻠو ﺣﺻل ﻟﻧﺎ اﻟﻌﻠم
ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻷﺳﺑﺎب ﻟﺣﺻل ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ،إﻻ أن اﻟﺳﻣﺎوﯾﺎت ﻛﺛﯾرة ﺛم ﻟﮭﺎ اﺧﺗﻼط ﺑﺎﻟﺣوادث اﻷرﺿﯾﺔ وﻟﯾس ﻓﻲ
اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻻطﻼع ﻋﻠﯾﮫ ،وﻧﻔوس اﻟﺳﻣوات ﻣطﻠﻌﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻻطﻼﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺑب اﻷول وﻟوازﻣﮭﺎ وﻟوازم
ﻟوازﻣﮭﺎ إﻟﻰ آﺧر اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ.
ﻗوﻟﮭم ﯾرى اﻟﻧﺎﺋم ﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل
وذﻟك ﺑﺎﺗﺻﺎﻟﮫ ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ ،أي ﺑﻧﻔس اﻟﻔﻠك وﻟﮭذا زﻋﻣوا :ﯾرى اﻟﻧﺎﺋم ﻓﻲ ﻧوﻣﮫ ﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل
وذﻟك ﺑﺎﺗﺻﺎﻟﮫ ﺑﺎﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ وﻣطﺎﻟﻌﺗﮫ ،وﻣﮭﻣﺎ اطﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻲء رﺑﻣﺎ ﺑﻘﻲ ذﻟك ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻔظﮫ ورﺑﻣﺎ
ﺗﺳﺎرﻋت اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ ﻓﺈن ﻣن ﻏرﯾزﺗﮭﺎ ﻣﺣﺎﻛﺎﺗﮭﺎ اﻷﺷﯾﺎء ﺑﺄﻣﺛﻠﺔ ﺗﻧﺎﺳﺑﮭﺎ ﺑﻌض اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ أو
اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ أﺿدادھﺎ ﻓﯾﻧﻣﺣﻰ اﻟﻣدرك اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻋن اﻟﺣﻔظ وﯾﺑﻘﻰ ﻣﺛﺎل اﻟﺧﯾﺎل ﻓﻲ اﻟﺣﻔظ ﻓﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﻌﺑﯾر
ﻣﺎ ﯾﻣﺛل اﻟﺧﯾﺎل اﻟرﺟل ﺑﺷﺟر واﻟزوﺟﺔ ﺑﺧف واﻟﺧﺎدم ﺑﺑﻌض أواﻧﻲ اﻟدار وﺣﺎﻓظ ﻣﺎل اﻟﺑر واﻟﺻدﻗﺎت ﺑزﯾت
اﻟﺑذر ﻓﺈن اﻟﺑذر ﺳﺑب ﻟﻠﺳراج اﻟذي ھو ﺳﺑب اﻟﺿﯾﺎء ،وﻋﻠم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﯾﺗﺷﻌب ﻋن ھذا اﻷﺻل.
وھذا اﻻﺗﺻﺎل ﻣﺷﻐوﻟون ﻋﻧﮫ ﻓﻲ ﯾﻘظﺗﻧﺎ ﺑﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس
وزﻋﻣوا أن اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺗﻠك اﻟﻧﻔوس ﻣﺑذول إذ ﻟﯾس ﺛم ﺣﺟﺎب وﻟﻛﻧﺎ ﻓﻲ ﯾﻘظﺗﻧﺎ ﻣﺷﻐوﻟون ﺑﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس
واﻟﺷﮭوات ﻋﻠﯾﻧﺎ ،ﻓﺎﺷﺗﻐﺎﻟﻧﺎ ﺑﮭذه اﻷﻣور اﻟﺣﺳﯾﺔ ﺻرﻓﻧﺎ ﻋﻧﮫ ،وإذا ﺳﻘط ﻋﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻧوم ﺑﻌض اﺷﺗﻐﺎل اﻟﺣواس
ظﮭر ﺑﮫ اﺳﺗﻌداد ﻣﺎ ﻟﻼﺗﺻﺎل.
واﻟﻧﺑﻲ ﯾرى ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ
وزﻋﻣوا أن اﻟﻧﺑﻲ ﻣطﻠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﯾب ﺑﮭذا اﻟطرﯾق أﯾﺿﺎ ً .إﻻ أن اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﻗد ﺗﻘوى ﻗوة ﻻ ﺗﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ
اﻟﺣواس اﻟظﺎھرة ،ﻓﻼ ﺟرم ﯾرى ھو ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ﻣﺎ ﯾراه ﻏﯾره ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم .ﺛم اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﺗﻣﺛل ﻟﮫ ﻣﺎ رآه،
ورﺑﻣﺎ ﯾﺑﻘﻰ اﻟﺷﻲء ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﻲ ذﻛره ورﺑﻣﺎ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺛﺎﻟﮫ ،ﻓﯾﻔﺗﻘر ﻣﺛل ھذا اﻟوﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﺄوﯾل ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺗﻘر ﻣﺛل ذﻟك
اﻟﻣﻧﺎم إﻟﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر .وﻟوﻻ أن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ ﻟﻣﺎ ﻋرف اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟﻐﯾب ﻓﻲ ﯾﻘظﺔ وﻻ
ﻣﻧﺎم ،ﻟﻛن ﺟف اﻟﻘﻠم ﺑﻣﺎ ھو ﻛﺎﺋن إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ وﻣﻌﻧﺎه ھذا اﻟذي ذﻛرﻧﺎه .ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧورده ﻟﺗﻔﮭﯾم
ﻣذھﺑﮭم.
ﺟواﺑﻧﺎ ﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻓﻲ ھذا ﻋن اﻟﻧﺑﻲ
واﻟﺟواب أن ﻧﻘول :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول إن اﻟﻧﺑﻲ ﯾﻌرف اﻟﻐﯾب ﺑﺗﻌرﯾف ﷲ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻻﺑﺗداء؟ وﻛذى
ﻣن ﯾرى ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﻌرﻓﮫ ﺑﺗﻌرﯾف أو ﺑﺗﻌرﯾف ﻣﻠك ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ،ﻓﻼ
دﻟﯾل ﻓﻲ ھذا وﻻ دﻟﯾل ﻟﻛم ﻓﻲ ورود اﻟﺷرع ﺑﺎﻟﻠوح واﻟﻘﻠم ﻓﺈن أھل اﻟﺷرع ﻟم ﯾﻔﮭﻣوا ﻣن اﻟﻠوح واﻟﻘﻠم ھذا
اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻗطﻌﺎً ،ﻓﻼ ﻣﺗﻣﺳك ﻓﻲ اﻟﺷرﻋﯾﺎت ﯾﺑﻘﻲ اﻟﺗﻣﺳك ﺑﻣﺳﺎﻟك اﻟﻌﻘول .وﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه وإن اﻋﺗرف ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ
ﻟم ﯾﺷﺗرط ﻧﻔﻲ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ ﻋن ھذه اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻓﻼ ﯾﻌرف وﺟوده وﻻ ﯾﺗﺣﻘق ﻛوﻧﮫ ،وإﻧﻣﺎ اﻟﺳﺑﯾل ﻓﯾﮫ أن ﯾﺗﻌرف ﻣن
اﻟﺷرع ﻻ ﻣن اﻟﻌﻘل.
ﻧﻧﺎزع ﻓﻲ ﺛﻼث ﻣن اﻟﻣﻘدﻣﺎت
وأﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﻘﻠﻲ أوﻻً ﻓﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘدﻣﺎت ﻛﺛﯾرة ﻟﺳﻧﺎ ﻧطول ﺑﺈﺑطﺎﻟﮭﺎ وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧﻧﺎزع ﻓﻲ ﺛﻠث
ﻣﻘدﻣﺎت ﻣﻧﮭﺎ:
ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋن ﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻠك اﻹرادﯾﺔ
اﻟﻣﻘدﻣﺔ اﻷوﻟﻰ ﻗوﻟﻛم إن ﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎء إرادﯾﺔ .وﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻣن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وإﺑطﺎل دﻋواﻛم ﻓﯾﮭﺎ.
ﻻ ﻧﺳﻠم اﻓﺗﻘﺎر اﻹدراك إﻟﻰ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻧﮫ إن ﺳﻠم ذﻟك ﻣﺳﺎﻣﺣﺔ ﺑﮫ ﻓﻘوﻟﻛم إﻧﮫ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﺗﺻور ﺟزﺋﻲ ﻟﻠﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻐﯾر ﻣﺳﻠم ،ﺑل ﻟﯾس
ﺛم ﺟزء ﻋﻧدﻛم ﻓﻲ اﻟﺟﺳم ﻓﺈﻧﮫ ﺷﻲء واﺣد وإﻧﻣﺎ ﯾﺗﺟزا ﺑﺎﻟوھم وﻻ ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ واﺣدة ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل ﻓﯾﻛﻔﻲ
ﺗﺷوﻗﮭﺎ إﻟﻰ اﺳﺗﯾﻔﺎء اﻷﯾون اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻟﮭﺎ ﻛﻣﺎ ذﻛروه وﯾﻛﻔﯾﮭﺎ اﻟﺗﺻور اﻟﻛﻠﻲ واﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ.
ﻧﺳﻠم ھذا ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟﻣﺗوﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﻛﺎن
وﻟﻧﻣﺛل ﻟﻺرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻟﺟزﺋﯾﺔ ﻣﺛﺎﻻً ﻟﺗﻔﮭﯾم ﻏرﺿﮭم .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻏرض ﻛﻠﻲ ﻓﻲ أن ﯾﺣﺞ ﺑﯾت ﷲ ﻣﺛﻼً
ﻓﮭذه اﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻻ ﯾﺻدر ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ ﻻ اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻘﻊ ﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﮭﺔ ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﺑﻣﻘدار ﻣﺧﺻوص ﺑل ﻻ
ﯾزال ﯾﺗﺟدد ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺗوﺟﮭﮫ إﻟﻰ اﻟﺑﯾت ﺗﺻور ﺑﻌد ﺗﺻور ﻟﻠﻣﻛﺎن اﻟذي ﯾﺗﺧطﺎه واﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻠﻛﮭﺎ ،وﯾﺗﺑﻊ
ﻛل ﺗﺻور ﺟزﺋﻲ إرادة ﺟزﺋﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻋن اﻟﻣﺣل اﻟﻣوﺻول إﻟﯾﮫ ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ .ﻓﮭذا ﻣﺎ أرادوه ﺑﺎﻹرادة اﻟﺟزﺋﯾﺔ
اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺗﺻور اﻟﺟزﺋﻲ وھو ﻣﺳﻠم ﻷن اﻟﺟﮭﺎت ﻣﺗﻌددة ﻓﻲ اﻟﺗوﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ واﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﻏﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ ،ﻓﯾﻔﺗﻘر ﺗﻌﯾن
ﻣﻛﺎن ﻋن ﻣﻛﺎن وﺟﮭﺔ ﻋن ﺟﮭﺔ إﻟﻰ إرادة أﺧرى ﺟزﺋﯾﺔ.
ﻻ ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟﻔﻠك
وأﻣﺎ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﻓﻠﮭﺎ وﺟﮫ واﺣد ﻓﺈن اﻟﻛرة إﻧﻣﺎ ﺗﺗﺣرك ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮭﺎ وﻓﻲ ﺣﯾزھﺎ ﻻ ﺗﺟﺎوزھﺎ ،واﻟﺣرﻛﺔ
ﻣرادة وﻟﯾس ﺛم إﻻ وﺟﮫ واﺣد وﺟﺳم واﺣد وﺻوب واﺣد ،ﻓﮭو ﻛﮭوى اﻟﺣﺟر إﻟﻰ أﺳﻔل ﻓﺈﻧﮫ ﯾطﻠب اﻷرض ﻓﻲ
أﻗرب طرﯾق ،وأﻗرب اﻟطرق اﻟﺧط اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ،ﻓﺗﻌﯾن اﻟﺧط اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ﻓﻠو ﯾﻔﺗﻘر ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺗﺟدد ﺳﺑب ﺣﺎدث ﺳوى
اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟطﺎﻟﺑﺔ ﻟﻠﻣرﻛز ﻣﻊ ﺗﺟدد اﻟﻘرب واﻟﺑﻌد واﻟوﺻول إﻟﻰ ﺣد واﻟﺻدور ﻋﻧﮫ ،ﻓﻛذﻟك ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ ﺗﻠك
اﻟﺣرﻛﺔ اﻹرادة اﻟﻛﻠﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻣزﯾد .ﻓﮭذه ﻣﻘدﻣﺔ ﺗﺣﻛﻣوا ﺑوﺿﻌﮭﺎ.
ﻧﺑطل ﻣﻌرﻓﺔ ﻟوازم اﻟﺣرﻛﺔ
ً ً
اﻟﻣﻘدﻣﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ وھﻲ اﻟﺗﺣﻛم اﻟﺑﻌﯾد ﺟدا ﻗوﻟﮭم إﻧﮫ إذا ﺗﺻور اﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺗﺻور أﯾﺿﺎ ﺗواﺑﻌﮭﺎ وﻟوازﻣﮭﺎ،
وھذا ھوس ﻣﺣض ﻛﻘول اﻟﻘﺎﺋل إن اﻹﻧﺳﺎن إذا ﺗﺣرك وﻋرف ﺣرﻛﺗﮫ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌرف ﻣﺎ ﯾﻠزم ﻣن ﺣرﻛﺗﮫ ﻣن
ﻣوازاة وﻣﺟﺎوزة ،وھو ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﻰ اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺗﻲ ﻓوﻗﮫ وﺗﺣﺗﮫ وﻣن ﺟواﻧﺑﮫ ،وأﻧﮫ إذا ﻣﺷﻰ ﻓﻲ ﺷﻣس ﯾﻧﺑﻐﻲ أن
ﯾﻌﻠم اﻟﻣواﺿﻊ اﻟﺗﻲ ﻋﻠﯾﮭﺎ ظﻠﮫ واﻟﻣواﺿﻊ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻘﻊ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن ظﻠﮫ ﻣن اﻟﺑرودة ﺑﻘطﻊ اﻟﺷﻌﺎع ﻓﻲ ﺗﻠك
اﻟﻣواﺿﻊ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻹﻧﺿﻐﺎط ﻷﺟزاء اﻷرض ﺗﺣت ﻗدﻣﮫ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻣن اﻟﺗﻔرق ﻓﯾﮭﺎ وﻣﺎ ﯾﺣﺻل ﻓﻲ
أﺧﻼطﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﺎطن ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑﺳﺑب اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ اﻟﺣرارة وﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣن أﺟزاﺋﮫ إﻟﻰ اﻟﻌرق وھﻠم ﺟرا
إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﻓﻲ ﺑدﻧﮫ وﻓﻲ ﻏﯾره ﻣن ﺑدﻧﮫ ﻣﻣﺎ اﻟﺣرﻛﺔ ﻋﻠﺔ ﻓﯾﮫ أو ﺷرط أو ﻣﮭﻲء وﻣﻌد ،وھو ھوس ﻻ
ﯾﺗﺧﯾﻠﮫ ﻋﺎﻗل وﻻ ﯾﻐﺗر ﺑﮫ إﻻ ﺟﺎھل ،وإﻟﻰ ھذا ﯾرﺟﻊ ھذا اﻟﺗﺣﻛم.
اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻟﺔ ﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﻗد ﻻ ﺗﻛون اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﻘط.
ﻋﻠﻰ أﻧﺎ ﻧﻘول :ھذه اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻔﺻﻠﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﻧﻔس اﻟﻔﻠك ھﻲ اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل أو ﯾﻧﺿﺎف إﻟﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺗوﻗﻊ
ﻛوﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل .ﻓﺈن ﻗﺻرﺗﻣوه ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﺑطل إطﻼﻋﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﯾب وإطﻼع اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻓﻲ
اﻟﯾﻘظﺔ وﺳﺎﺋر اﻟﺧﻠق ﻓﻲ اﻟﻧوم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﯾﻛون ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل ﺑواﺳطﺔ ،ﺛم ﺑطل ﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟدﻟﯾل ﻓﺈﻧﮫ ﺗﺣﻛم ﺑﺄن
ﻣن ﻋرف اﻟﺷﻲء ﻋرف ﻟوازﻣﮫ وﺗواﺑﻌﮫ ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻋرﻓﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ أﺳﺑﺎب اﻷﺷﯾﺎء ﻟﻌرﻓﻧﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث
اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﺔ ،وأﺳﺑﺎب ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣوادث ﺣﺎﺿرة ﻓﻲ اﻟﺣﺎل ﻓﺈﻧﮭﺎ ھﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ وﻟﻛن ﺗﻘﺗﺿﻲ اﻟﻣﺳﺑب إﻣﺎ
ﺑواﺳطﺔ أو ﺑوﺳﺎﺋط ﻛﺛﯾرة.
وﻻ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ.
وإذا ﺗﻌدى إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ آﺧر ﻓﻛﯾف ﯾﻌرف ﺗﻔﺻﯾل اﻟﺟزﺋﯾﺎت ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ وﻛﯾف
ﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ ﻧﻔس ﻣﺧﻠوق ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻣن ﻏﯾر ﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠوم ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻔﺻﻠﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻷﻋدادھﺎ وﻻ ﻏﺎﯾﺔ
ﻵﺣﺎدھﺎ؟ وﻣن ﻻ ﯾﺷﮭد ﻟﮫ ﻋﻘﻠﮫ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ذﻟك ﻓﻠﯾﯾﺄس ﻣن ﻋﻘﻠﮫ.
ﻧﻔس اﻟﻔﻠك أﺷﺑﮫ ﺑﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن
ﻓﺈن ﻗﻠﺑوا ھذا ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﻠم ﷲ ﻓﻠﯾس ﺗﻌﻠق ﻋﻠم ﷲ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑﻣﻌﻠوﻣﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺗﻌﻠق اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ھﻲ
ﻟﻠﻣﺧﻠوﻗﺎت ،ﺑل ﻣﮭﻣﺎ دار ﻧﻔس اﻟﻔﻠك دورة ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن ﻣن ﻗﺑﯾل ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﺷﺎرﻛﮫ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ
ﻣدرﻛﺎ ً ﻟﻠﺟزﺋﯾﺎت ﺑواﺳطﺔ ،ﻓﺈن ﻟم ﯾﻠﺗﺣق ﺑﮫ ﻗطﻌﺎ ً ﻛﺎن اﻟﻐﺎﻟب ﻋﻠﻰ اﻟظن أﻧﮫ ﻣن ﻗﺑﯾﻠﮫ ،ﻓﺈن ﻟم ﯾﻛن ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻋﻠﻰ
اﻟظن ﻓﮭو ﻣﻣﻛن ،واﻹﻣﻛﺎن ﯾﺑطل دﻋواھم اﻟﻘطﻊ ﺑﻣﺎ ﻗطﻌوا ﺑﮫ.
ﻗوﻟﮭم إن ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﺗدرك ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء ﻟوﻻ اﻧﺷﻐﺎﻟﮭﺎ
ً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﺣق اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ أن ﺗدرك أﯾﺿﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء وﻟﻛن اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ﺑﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺷﮭوة
واﻟﻐﺿب واﻟﺣرص واﻟﺣﻘد واﻟﺣﺳد واﻟﺟوع واﻷﻟم وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋوارض اﻟﺑدن وﻣﺎ ﯾورده اﻟﺣواس ﻋﻠﯾﮫ ،ﺣﺗﻰ
إذا أﻗﺑﻠت اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء واﺣد ﺷﻐﻠﮭﺎ ﻋن ﻏﯾره .وأﻣﺎ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ ﻓﺑرﯾﺔ ﻋن ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻻ
ﯾﻌﺗرﯾﮭﺎ ﺷﺎﻏل وﻻ ﯾﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ ھم وأﻟم وإﺣﺳﺎس ﻓﻌرﻓت ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺷﯾﺎء.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻟﻌل ﻧﻔس اﻟﻔﻠك ﺗﻧﺷﻐل
ً ً
ﻗﻠﻧﺎ :وﺑم ﻋرﻓﺗم أﻧﮫ ﻻ ﺷﺎﻏل ﻟﮭﺎ؟ وھﻼ ﻛﺎﻧت ﻋﺑﺎدﺗﮭﺎ واﺷﺗﯾﺎﻗﮭﺎ إﻟﻰ اﻷول ﻣﺳﺗﻐرﻗﺎ ﻟﮭﺎ وﺷﺎﻏﻼ ﻟﮭﺎ ﻋن
ﺗﺻور اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻣﻔﺻﻠﺔ؟ أو ﻣﺎ اﻟذي ﯾﺣﯾل ﺗﻘدﯾر ﻣﺎﻧﻊ آﺧر ﺳوى اﻟﻐﺿب واﻟﺷﮭوة وھذه اﻟﻣواﻧﻊ
اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ؟ وﻣن أﯾن ﻋرف اﻧﺣﺻﺎر اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻓﻲ اﻟﻘدر اﻟذي ﺷﺎھدﻧﺎه ﻣن أﻧﻔﺳﻧﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻌﻘﻼء ﺷواﻏل ﻣن ﻋﻠو
اﻟﮭﻣﺔ وطﻠب اﻟرﺋﺎﺳﺔ ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﺗﺻوره ﻋﻧد اﻷطﻔﺎل وﻻ ﯾﻌﺗﻘدوﻧﮭﺎ ﺷﺎﻏﻼً وﻣﺎﻧﻌﺎً ،ﻓﻣن أﯾن ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ
ﻣﺎ ﯾﻘوم ﻣﻘﺎﻣﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ؟
ﻓﮭذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻓﻲ "اﻟﻌﻠوم اﻹﻟﮭﯾﺔ"
ھذا ﻣﺎ أردﻧﺎ أن ﻧذﻛره ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﻠﻘﺑﺔ ﻋﻧدھم ﺑﺎﻹﻟﮭﯾﺔ.
أﻣﺎ اﻟﻣﻠﻘب ﺑﺎﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت وھﻲ ﻋﻠوم ﻛﺛﯾرة
وﺻﻔﮭﺎ
ﻧذﻛر أﻗﺳﺎﻣﮭﺎ ﻟﯾﻌرف أن اﻟﺷرع ﻟﯾس ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺔ ﻓﯾﮭﺎ وﻻ إﻧﻛﺎرھﺎ إﻻ ﻓﻲ ﻣواﺿﻊ ذﻛرﻧﺎھﺎ .وھﻲ
ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ أﺻول وﻓروع.
وأﺻوﻟﮭﺎ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ أﻗﺳﺎم:
أﺻوﻟﮭﺎ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ
اﻷول ﯾذﻛر ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾﻠﺣق اﻟﺟﺳم ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﺟﺳم ﻣن اﻻﻧﻘﺳﺎم واﻟﺣرﻛﺔ واﻟﺗﻐﯾر ،وﻣﺎ ﯾﻠﺣق اﻟﺣرﻛﺔ وﯾﺗﺑﻌﮫ
ﻣن اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن واﻟﺧﻼء ،وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب ﺳﻣﻊ اﻟﻛﯾﺎن .اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻌرف أﺣوال أﻗﺳﺎم أرﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺗﻲ
ھﻲ اﻟﺳﻣوات وﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ﻣن اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ وطﺑﺎﺋﻌﮭﺎ وﻋﻠﺔ اﺳﺗﺣﻘﺎق ﻛل واﺣد ﻣﻧﮭﺎ ﻣوﺿﻌﺎ ً
ﻣﺗﻌﯾﻧﺎً ،وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب اﻟﺳﻣﺎء واﻟﻌﺎﻟم .اﻟﺛﺎﻟث ﯾﻌرف ﻓﯾﮫ أﺣوال اﻟﻛون واﻟﻔﺳﺎد واﻟﺗوﻟد واﻟﺗواﻟد واﻟﻧﺷوء
واﻟﺑﻠﻰ واﻻﺳﺗﺣﺎﻻت وﻛﯾﻔﯾﺔ اﺳﺗﺑﻘﺎء اﻷﻧواع ﻋﻠﻰ ﻓﺳﺎد اﻷﺷﺧﺎص ﺑﺎﻟﺣرﻛﺗﯾن اﻟﺳﻣﺎوﯾﺗﯾن اﻟﺷرﻗﯾﺔ واﻟﻐرﺑﯾﺔ،
وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﺎب اﻟﻛون واﻟﻔﺳﺎد .اﻟراﺑﻊ ﻓﻲ اﻷﺣوال اﻟﺗﻲ ﺗﻌرض ﻟﻠﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ ﻣن اﻹﻣﺗزاﺟﺎت اﻟﺗﻲ
ﻣﻧﮭﺎ ﺗﺣدث اﻵﺛﺎر اﻟﻌﻠوﯾﺔ ﻣن اﻟﻐﯾوم واﻷﻣطﺎر واﻟرﻋد واﻟﺑرق واﻟﮭﺎﻟﺔ وﻗوس ﻗزح واﻟﺻواﻋق واﻟرﯾﺎح
واﻟزﻻزل .اﻟﺧﺎﻣس ﻓﻲ اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ .اﻟﺳﺎدس ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺑﺎت .اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت وﻓﯾﮫ ﻛﺗﺎب طﺑﺎﺋﻊ
اﻟﺣﯾواﻧﺎت .اﻟﺛﺎﻣن ﻓﻲ اﻟﻧﻔس اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻟﻘوى اﻟدراﻛﺔ وأن ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﯾﻣوت ﺑﻣوت اﻟﺑدن وأﻧﮫ ﺟوھر
روﺣﺎﻧﻲ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻔﻧﺎء.
وﻓروﻋﮭﺎ ﺳﺑﻌﺔ
أﻣﺎ ﻓروﻋﮭﺎ ﻓﺳﺑﻌﺔ:
اﻷول اﻟطب وﻣﻘﺻوده ﻣﻌرﻓﺔ ﻣﺑﺎدئ ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن وأﺣواﻟﮫ ﻣن اﻟﺻﺣﺔ واﻟﻣرض وأﺳﺑﺎﺑﮭﺎ ودﻻﺋﻠﮭﺎ ﻟﯾدﻓﻊ
اﻟﻣرض وﯾﺣﻔظ اﻟﺻﺣﺔ .اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺟوم وھو ﺗﺧﻣﯾن ﻓﻲ اﻻﺳﺗدﻻل ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﻛواﻛب واﻣﺗزاﺟﺎﺗﮭﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻛون ﻣن أﺣوال اﻟﻌﺎﻟم واﻟﻣﻠك واﻟﻣواﻟﯾد واﻟﺳﻧﯾن .اﻟﺛﺎﻟث ﻋﻠم اﻟﻔراﺳﺔ وھو اﺳﺗدﻻل ﻣن اﻟﺧﻠق ﻋﻠﻰ
اﻷﺧﻼق .اﻟراﺑﻊ اﻟﺗﻌﺑﯾر وھو اﺳﺗدﻻل ﻣن اﻟﻣﺗﺧﯾﻼت اﻟﺣﻠﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺷﺎھدﺗﮫ اﻟﻧﻔس ﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﻐﯾب ﻓﺧﯾﻠﺗﮫ
اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺑﻣﺛﺎل ﻏﯾره .اﻟﺧﺎﻣس ﻋﻠم اﻟطﻠﺳﻣﺎت وھو ﺗﺄﻟﯾف ﻟﻠﻘوى اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﺑﻘوى ﺑﻌض اﻷﺟرام اﻷرﺿﯾﺔ
ﻟﯾﺄﺗﻠف ﻣن ذﻟك ﻗوة ﺗﻔﻌل ﻓﻌﻼً ﻏرﯾﺑﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻷرﺿﻲ .اﻟﺳﺎدس ﻋﻠم اﻟﻧﯾرﻧﺟﺎت وھو ﻣزج ﻗوى اﻟﺟواھر
اﻷرﺿﯾﺔ ﻟﯾﺣدث ﻣﻧﮫ أﻣور ﻏرﯾﺑﺔ .اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﻠم اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء وﻣﻘﺻوده ﺗﺑدﯾل ﺧواص اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ ﻟﯾﺗوﺻل
إﻟﻰ ﺗﺣﺻﯾل اﻟذھب واﻟﻔﺿﺔ ﺑﻧوع ﻣن اﻟﺣﯾل.
ﻻ ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﺷرﻋﺎ ً ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻧﮭﺎ
وﻟﯾس ﯾﻠزم ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﮭم ﺷرﻋﺎ ً ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣن ھذه اﻟﻌﻠوم وإﻧﻣﺎ ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﻣن ﺟﻣﻠﺔ ھذه اﻟﻌﻠوم ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ﻣﺳﺎﺋل:
ﻧﺧﺎﻟﻔﮭم ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ ﻣﺳﺎﺋل
اﻷوﻟﻰ ﺣﻛﻣﮭم ﺑﺄن ھذا اﻻﻗﺗران اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ اﻟوﺟود ﺑﯾن اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت اﻗﺗران ﺗﻼزم ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﻓﻠﯾس
ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور وﻻ ﻓﻲ اﻹﻣﻛﺎن إﯾﺟﺎد اﻟﺳﺑب دون اﻟﻣﺳﺑب وﻻ وﺟود اﻟﻣﺳﺑب دون اﻟﺳﺑب.
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺟواھر ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺄﻧﻔﺳﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم وإن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت اﻧﻘطﺎع
ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﺑدن ﺑﺎﻧﻘطﺎع اﻟﺗدﺑﯾر وإﻻ ﻓﮭو ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎل .وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﻋرف ﺑﺎﻟﺑرھﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲ.
اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻗوﻟﮭم إن ھذه اﻟﻧﻔوس ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻌدم ﺑل ھﻲ إذا وﺟدت ﻓﮭﻲ أﺑدﯾﺔ ﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ.
واﻟراﺑﻌﺔ ﻗوﻟﮭم :ﯾﺳﺗﺣﯾل رد ھذه اﻟﻧﻔوس إﻟﻰ اﻷﺟﺳﺎد.
اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ :ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻣﻌﺟزات ﻓﻘط وإﻧﻣﺎ ﯾﻠزم اﻟﻧزاع ﻓﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ إﺛﺑﺎت
اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدة ﻣن ﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً وإﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﺷق اﻟﻘﻣر .وﻣن ﺟﻌل ﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﻻزﻣﺔ
ﻟزوﻣﺎ ً ﺿرورﯾﺎ ً أﺣﺎل ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك .وأوﻟوا ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﻣن إﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﻗﺎﻟوا :أراد ﺑﮫ إزاﻟﺔ ﻣوت اﻟﺟﮭل
ﺑﺣﯾﺎة اﻟﻌﻠم .وأوﻟوا ﺗﻠﻘف اﻟﻌﺻﺎ ﺳﺣر اﻟﺳﺣرة ﻋﻠﻰ إﺑطﺎل اﻟﺣﺟﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ اﻟظﺎھرة ﻋﻠﻰ ﯾد ﻣوﺳﻰ ﺷﺑﮭﺎت
اﻟﻣﻧﻛرﯾن ،وأﻣﺎ ﺷق اﻟﻘﻣر ﻓرﺑﻣﺎ أﻧﻛروا وﺟوده وزﻋﻣوا أﻧﮫ ﻟو ﯾﺗواﺗر.
ﻗوﻟﮭم ﻻ ﺗﻛون اﻟﻣﻌﺟزات إﻻ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ
وﻟم ﯾﺛﺑت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدات إﻻ ﻓﻲ ﺛﻠﺛﺔ أﻣور :أﺣدھﺎ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ،ﻓﺈﻧﮭم زﻋﻣوا
أﻧﮭﺎ إذا اﺳﺗوﻟت وﻗوﯾت وﻟم ﯾﺳﺗﻐرﻗﮭﺎ اﻟﺣواس واﻻﺷﺗﻐﺎل اطﻠﻌت ﻋﻠﻰ اﻟﻠوح اﻟﻣﺣﻔوظ واﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﺻور
اﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﻛﺎﺋﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل وذﻟك ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء وﻟﺳﺎﺋر اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻟﻧوم ،ﻓﮭذه ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﻧﺑوة ﻟﻠﻘوة
اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ.
وﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ،ﻷن اﻟﺑﻌض ﯾﻧﺗﺑﮭون ﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت وأﻗرﺑﮭﺎ
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺧﺎﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ وھو راﺟﻊ إﻟﻰ ﻗوة اﻟﺣدس وھو ﺳرﻋﺔ اﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﻣﻌﻠوم إﻟﻰ ﻣﻌﻠوم.
ﻓرب ذﻛﻲ إذا ذﻛر ﻟﮫ اﻟﻣدﻟول ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠدﻟﯾل وإذا ذﻛر ﻟﮫ اﻟدﻟﯾل ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠﻣدﻟول ﻣن ﻧﻔﺳﮫ وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ إذا ﺧطر ﻟﮫ اﻟﺣد
اﻷوﺳط ﺗﻧﺑﮫ ﻟﻠﻧﺗﯾﺟﺔ وإذا ﺣﺿر ﻓﻲ ذھﻧﮫ ﺣدا اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﺧطر ﺑﺑﺎﻟﮫ اﻟﺣد اﻷوﺳط اﻟﺟﺎﻣﻊ ﺑﯾن طرﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ.
واﻟﻧﺎس ﻓﻲ ھذا ﻣﻧﻘﺳﻣون ﻓﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺗﻧﺑﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﺗﻧﺑﮫ ﺑﺄدﻧﻰ ﺗﻧﺑﯾﮫ وﻣﻧﮭم ﻣن ﻻ ﯾدرك ﻣﻊ اﻟﺗﻧﺑﯾﮫ إﻻ
ﺑﺗﻌب ﻛﺛﯾر .وإذا ﺟﺎز أن ﯾﻧﺗﮭﻲ طرف اﻟﻧﻘﺻﺎن إﻟﻰ ﻣن ﻻ ﺣدس ﻟﮫ أﺻﻼً ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺗﮭﯾﺄ ﻟﻔﮭم اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣﻊ
اﻟﺗﻧﺑﯾﮫ ﺟﺎز أن ﯾﻧﺗﮭﻲ طرف اﻟﻘوة واﻟزﯾﺎدة إﻟﻰ أن ﯾﻧﺗﺑﮫ ﻟﻛل اﻟﻣﻌﻘوﻻت أو ﻷﻛﺛرھﺎ وﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت
وأﻗرﺑﮭﺎ.
وﻻ ﺳﯾﻣﺎ اﻟﻧﺑﻲ
وﯾﺧﺗﻠف ذﻟك ﺑﺎﻟﻛﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣطﺎﻟب أو ﺑﻌﺿﮭﺎ وﻓﻲ اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻔﺎوت ﻓﻲ اﻟﺳرﻋﺔ واﻟﻘرب .ﻓرب ﻧﻔس
ﻣﻘدﺳﺔ ﺻﺎﻓﯾﺔ ﯾﺳﺗﻣر ﺣدﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﻘوﻻت وﻓﻲ أﺳرع اﻷوﻗﺎت .ﻓﮭو اﻟﻧﺑﻲ اﻟذي ﻟﮫ ﻣﻌﺟزة ﻣن اﻟﻘوة
اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻼ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت إﻟﻰ ﺗﻌﻠم ﺑل ﻛﺄﻧﮫ ﯾﺗﻌﻠم ﻣن ﻧﻔﺳﮫ ،وھو اﻟذي وﺻف ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻛﺎد زﯾﺗﮭﺎ ﯾﺿﻲء
وﻟو ﻟم ﺗﻣﺳﺳﮫ ﻧﺎر ﻧور ﻋﻠﻰ ﻧور.
وﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ وھﻲ ﺗﻧﻔﻌل ﺑﮭﺎ أﻋﺿﺎء اﻟﺑدن
اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻘوة اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ،وﻗد ﺗﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ ﺣد ﺗﺗﺄﺛر ﺑﮭﺎ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت وﺗﺗﺳﺧر .وﻣﺛﺎﻟﮫ أن اﻟﻧﻔس ﻣﻧﺎ إذا ﺗوھم
ﺷﯾﺋﺎ ً ﺧدﻣﺗﮫ اﻷﻋﺿﺎء واﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﻓﺣرﻛت إﻟﻰ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ ،ﺣﺗﻰ إذا ﺗوھم ﺷﯾﺋﺎ ً طﯾب
اﻟﻣذاق ﺗﺣﻠﺑت أﺷداﻗﮫ واﻧﺗﮭﺿت اﻟﻘوة اﻟﻣﻠﻌﺑﺔ ﻓﯾﺎﺿﺔ ﺑﺎﻟﻠﻌﺎب ﻣن ﻣﻌﺎدﻧﮭﺎ ،وإذا ﺗﺻور اﻟوﻗﺎع اﻧﺗﮭﺿت اﻟﻘوة
ﻓﻧﺷرت اﻵﻟﺔ ،ﺑل إذا ﻣﺷﻰ ﻋﻠﻰ ﺟذع ﻣﻣدود ﻋﻠﻰ ﻓﺿﺎء طرﻓﺎه ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺋطﯾن اﺷﺗد ﺗوھﻣﮫ ﻟﻠﺳﻘوط ﻓﺎﻧﻔﻌل
اﻟﺟﺳم ﺑﺗوھﻣﮫ وﺳﻘط ،وﻟو ﻛﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﻣﺷﻰ ﻋﻠﯾﮫ وﻟم ﯾﺳﻘط ،وذﻟك ﻷن اﻷﺟﺳﺎم واﻟﻘوى
اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﺧﻠﻘت ﺧﺎدﻣﺔ ﻣﺳﺧرة ﻟﻠﻧﻔوس ،وﯾﺧﺗﻠف ذﻟك ﺑﺎﺧﺗﻼف ﺻﻔﺎء اﻟﻧﻔوس وﻗوﺗﮭﺎ.
وﻗد ﯾﻛون اﻻﻧﻔﻌﺎل ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﺑدن
ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺑﻠﻎ ﻗوة اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺣد ﺗﺧدﻣﮫ اﻟﻘوة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﻲ ﻏﯾر ﺑدﻧﮫ ﻷن ﻧﻔﺳﮫ ﻟﯾﺳت ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﺑدﻧﮫ إﻻ أن
ﻟﮫ ﻧوع وﻧزوع وﺷوق إﻟﻰ ﺗدﺑﯾره ﺧﻠق ذﻟك ﻓﻲ ﺟﺑﻠﺗﮫ ﻓﺈذا ﺟﺎز أن ﺗطﯾﻌﮫ أﺟﺳﺎم ﺑدﻧﮫ ﻟم ﯾﻣﺗﻧﻊ أن ﯾطﯾﻌﮫ
ﻏﯾره ،ﻓﯾﺗطﻠﻊ ﻧﻔﺳﮫ إﻟﻰ ھﺑوب رﯾﺢ أو ﻧزول ﻣطر أو ھﺟوم ﺻﺎﻋﻘﺔ أو ﺗزﻟزل أرض ﻟﺗﺧﺳف ﺑﻘوم ،وذﻟك
ﻣوﻗوف ﺣﺻوﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺣدوث ﺑرودة أو ﺳﺧوﻧﺔ أو ﺣرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﮭواء ،ﻓﯾﺣدث ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺗﻠك اﻟﺳﺧوﻧﺔ واﻟﺑرودة
وﯾﺗوﻟد ﻣﻧﮫ ھذه اﻷﻣور ﻣن ﻏﯾر ﺣﺿور ﺳﺑب طﺑﯾﻌﻲ ظﺎھر ،وﯾﻛون ذﻟك ﻣﻌﺟزة ﻟﻠﻧﺑﻲ وﻟﻛﻧﮫ إﻧﻣﺎ ﯾﺣﺻل ذﻟك
ﻓﻲ ھواء ﻣﺳﺗﻌد ﻟﻠﻘﺑول وﻻ ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ أن ﯾﻧﻘﻠب اﻟﺧﺷب ﺣﯾواﻧﺎ ً وﯾﻧﻔﻠق اﻟﻘﻣر اﻟذي ﻻ ﯾﻘﺑل اﻹﻧﺧراق.
ﻗوﻟﻧﺎ ھذا ﻻ ﻧﻧﻛره ،وﻟﻛﻧﺎ ﻧﺛﺑت ﻣﻌﺟزات ﻏﯾرھﺎ ﯾﺳﺗﺛﻧوﻧﮭﺎ
ﻓﮭذا ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺟزات وﻧﺣن ﻻ ﻧﻧﻛر ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﻣﺎ ذﻛروه وأن ذﻟك ﻣﻣﺎ ﯾﻛون ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء وإﻧﻣﺎ ﻧﻧﻛر اﻗﺗﺻﺎرھم
ﻋﻠﯾﮫ وﻣﻧﻌﮭم ﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً وإﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﻏﯾره ﻓﻠزم اﻟﺧوض ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻣﻌﺟزات وﻷﻣر
آﺧر وھو ﻧﺻرة ﻣﺎ أطﺑق ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن أن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء .ﻓﻠﻧﺧض ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺻود.
ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻻﻗﺗران ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة
ﺳﺑﺑﺎ ً وﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً
اﻻﻗﺗران ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﺳﺑﺑﺎ ً وﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد ﻣﺳﺑﺑﺎ ً ﻟﯾس ﺿرورﯾﺎ ً ﻋﻧدﻧﺎ ﺑل ﻛل ﺷﯾﺋﯾن ﻟﯾس ھذا ذاك وﻻ ذاك
ھذا ،وﻻ إﺛﺑﺎت أﺣدھﻣﺎ ﻣﺗﺿﻣن ﻹﺛﺑﺎت اﻵﺧر وﻻ ﻧﻔﯾﮫ ﻣﺗﺿﻣن ﻟﻧﻔﻲ اﻵﺧر ،ﻓﻠﯾس ﻣن ﺿرورة وﺟود أﺣدھﻣﺎ
وﺟود اﻵﺧر وﻻ ﻣن ﺿرورة ﻋدم أﺣدھﻣﺎ ﻋدم اﻵﺧر ﻣﺛل اﻟري واﻟﺷرب واﻟﺷﺑﻊ واﻷﻛل واﻻﺣﺗراق وﻟﻘﺎء
اﻟﻧﺎر واﻟﻧور وطﻠوع اﻟﺷﻣس واﻟﻣوت وﺟز اﻟرﻗﺑﺔ واﻟﺷﻔﺎء وﺷرب اﻟدواء وإﺳﮭﺎل اﻟﺑطن واﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﻣﺳﮭل
وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﻛل اﻟﻣﺷﺎھدات ﻣن اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت ﻓﻲ اﻟطب واﻟﻧﺟوم واﻟﺻﻧﺎﻋﺎت واﻟﺣرف ،وإن اﻗﺗراﻧﮭﺎ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق
ﻣن ﺗﻘدﯾر ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺳﺎوق ﻻ ﻟﻛوﻧﮫ ﺿرورﯾﺎ ً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻏﯾر ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻔرق ﺑل ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور ﺧﻠق
اﻟﺷﺑﻊ دون اﻷﻛل وﺧﻠق اﻟﻣوت دون ﺟز اﻟرﻗﺑﺔ وإداﻣﺔ اﻟﺣﯾوة ﻣﻊ ﺟز اﻟرﻗﺑﺔ وھﻠم ﺟرا إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت،
وأﻧﻛر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إﻣﻛﺎﻧﮫ وادﻋوا اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ.
ﻣﺛﻼً اﻟﻧﺎر واﻟﻘطن
واﻟﻧظر ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور اﻟﺧﺎرﺟﺔ ﻋن اﻟﺣﺻر ﯾطول ،ﻓﻠﻧﻌﯾن ﻣﺛﺎﻻً واﺣداً وھو اﻻﺣﺗراق ﻓﻲ اﻟﻘطن ﻣﺛﻼً ﻣﻊ
ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر ،ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺟوز وﻗوع اﻟﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ دون اﻻﺣﺗراق وﻧﺟوز ﺣدوث اﻧﻘﻼب اﻟﻘطن رﻣﺎداً ﻣﺣﺗرﻗﺎ ً دون
ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر وھم ﯾﻧﻛرون ﺟوازه.
ﻗول اﻟﺧﺻم ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ھو اﻟﻧﺎر ﻓﻘط وھو ﻓﺎﻋل ﺑﺎﻟطﺑﻊ
وﻟﻠﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺛﻠﺛﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎت :اﻟﻣﻘﺎم اﻷول أن ﯾدﻋﻲ اﻟﺧﺻم أن ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ھو اﻟﻧﺎر ﻓﻘط وھو ﻓﺎﻋل
ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮫ اﻟﻛف ﻋﻣﺎ ھو طﺑﻌﮫ ﺑﻌد ﻣﻼﻗﺎﺗﮫ ﻟﻣﺣل ﻗﺎﺑل ﻟﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ﻟﯾس ھو اﻟﻧﺎر ﺑل ﷲ
وھذا ﻣﻣﺎ ﻧﻧﻛره ﺑل ﻧﻘول :ﻓﺎﻋل اﻻﺣﺗراق ﺑﺧﻠق اﻟﺳواد ﻓﻲ اﻟﻘطن واﻟﺗﻔرق ﻓﻲ أﺟزاﺋﮫ وﺟﻌﻠﮫ ﺣراﻗﺎ ً أو رﻣﺎداً
ھو ﷲ إﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أو ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ ،ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﺎر وھﻲ ﺟﻣﺎد ﻓﻼ ﻓﻌل ﻟﮭﺎ.
وھذا ﯾﻛون ﺑﺎﻟﺣﺻول ﻋﻧده ﻻ ﺑﺎﻟﺣﺻول ﺑﮫ
ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋل وﻟﯾس ﻟﮫ دﻟﯾل إﻻ ﻣﺷﺎھدة ﺣﺻول اﻻﺣﺗراق ﻋﻧد ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻧﺎر؟ واﻟﻣﺷﺎھدة ﺗدل ﻋﻠﻰ
اﻟﺣﺻول ﻋﻧده وﻻ ﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺻول ﺑﮫ وأﻧﮫ ﻻ ﻋﻠﺔ ﺳواه ،إذ ﻻ ﺧﻼف ﻓﻲ أن اﻧﺳﻼك اﻟروح واﻟﻘوى
اﻟﻣدرﻛﺔ واﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻧطﻔﺔ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻟﯾس ﯾﺗوﻟد ﻋن اﻟطﺑﺎﺋﻊ اﻟﻣﺣﺻورة ﻓﻲ اﻟﺣرارة واﻟﺑرودة واﻟرطوﺑﺔ
واﻟﯾﺑوﺳﺔ وﻻ أن اﻷب ﻓﺎﻋل اﺑﻧﮫ ﺑﺈﯾداع اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﻲ اﻟرﺣم وﻻ ھو ﻓﺎﻋل ﺣﯾوﺗﮫ وﺑﺻره وﺳﻣﻌﮫ وﺳﺎﺋر اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ
اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻓﯾﮫ ،وﻣﻌﻠوم أﻧﮭﺎ ﻣوﺟودة ﻋﻧده ،وﻟم ﻧﻘل أﻧﮭﺎ ﻣوﺟودة ﺑﮫ ﺑل وﺟودھﺎ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻷول إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ
وإﻣﺎ ﺑواﺳطﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﻣوﻛﻠﯾن ﺑﮭذه اﻷﻣور اﻟﺣﺎدﺛﺔ ،وھذا ﻣﻣﺎ ﯾﻘطﻊ ﺑﮫ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﺎﻟﺻﺎﻧﻊ واﻟﻛﻼم
ﻣﻌﮭم ﻓﻘد ﺗﺑﯾن أن اﻟوﺟود ﻋﻧد اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻣوﺟود ﺑﮫ.
ﻓﺎﻷﻛﻣﮫ إذا ﺑﺻر ﻓﺟﺄة ورأى اﻷﻟوان ﻻ ﯾﻌﻠم أن ﻧور اﻟﺷﻣس ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻧطﺑﺎﻋﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﺻره ﺑل ﻧﺑﯾن ھذا
ﺑﻣﺛﺎل وھو أن اﻷﻛﻣﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ ﻏﺷﺎوة وﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﻣن اﻟﻧﺎس اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻠﯾل واﻟﻧﮭﺎر ﻟو اﻧﻛﺷﻔت
اﻟﻐﺷﺎوة ﻋن ﻋﯾﻧﮫ ﻧﮭﺎراً وﻓﺗﺢ أﺟﻔﺎﻧﮫ ﻓرأى اﻷﻟوان ظن أن اﻹدراك اﻟﺣﺎﺻل ﻓﻲ ﻋﯾﻧﮫ ﻟﺻور اﻷﻟوان ﻓﺎﻋﻠﮫ
ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺻر وأﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺻره ﺳﻠﯾﻣﺎ ً وﻣﻔﺗوﺣﺎ ً واﻟﺣﺟﺎب ﻣرﺗﻔﻌﺎ ً واﻟﺷﺧص اﻟﻣﻘﺎﺑل ﻣﺗﻠوﻧﺎ ً ﻓﯾﻠزم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أن
ﯾﺑﺻر ،وﻻ ﯾﻌﻘل أن ﻻ ﯾﺑﺻر ﺣﺗﻰ إذا ﻏرﺑت اﻟﺷﻣس وأظﻠم اﻟﮭواء ﻋﻠم أن ﻧور اﻟﺷﻣس ھو اﻟﺳﺑب ﻓﻲ اﻧطﺑﺎع
اﻷﻟوان ﻓﻲ ﺑﺻره .ﻓﻣن أﯾن ﯾﺄﻣن اﻟﺧﺻم أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻟﻠوﺟود ﻋﻠل وأﺳﺑﺎب ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺣوادث ﻋﻧد
ﺣﺻول ﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾﻧﮭﺎ؟ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻟﯾﺳت ﺗﻧﻌدم وﻻ ھﻲ أﺟﺳﺎم ﻣﺗﺣرﻛﺔ ﻓﺗﻐﯾب ،وﻟو اﻧﻌدﻣت أو ﻏﺎﺑت ﻷدرﻛﻧﺎ
اﻟﺗﻔرﻗﺔ وﻓﮭﻣﻧﺎ أن ﺛم ﺳﺑﺑﺎ ً وراء ﻣﺎ ﺷﺎھدﻧﺎه ،وھذا ﻻ ﻣﺧرج ﻣﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﯾﺎس أﺻﻠﮭم.
وواھب اﻟﺻور! ...
وﻟﮭذا اﺗﻔق ﻣﺣﻘﻘوھم ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻷﻋراض واﻟﺣوادث اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺻل ﻋﻧد وﻗوع اﻟﻣﻼﻗﺎة ﺑﯾن اﻷﺟﺳﺎم وﻋﻠﻰ
اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻋﻧد اﺧﺗﻼف ﻧﺳﺑﮭﺎ إﻧﻣﺎ ﺗﻔﯾض ﻣن ﻋﻧد واھب اﻟﺻور وھو ﻣﻠك أو ﻣﻼﺋﻛﺔ ،ﺣﺗﻰ ﻗﺎﻟوا :اﻧطﺑﺎع ﺻورة
اﻷﻟوان ﻓﻲ اﻟﻌﯾن ﯾﺣﺻل ﻣن ﺟﮭﺔ واھب اﻟﺻور وإﻧﻣﺎ طﻠوع اﻟﺷﻣس واﻟﺣدﻗﺔ اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ واﻟﺟﺳم اﻟﻣﺗﻠون ﻣﻌدات
وﻣﮭﯾﺋﺎت ﻟﻘﺑول اﻟﻣﺣل ھذه اﻟﺻورة ،وطردوا ھذا ﻓﻲ ﻛل ﺣﺎدث ،وﺑﮭذا ﯾﺑطل دﻋوى ﻣن ﯾدﻋﻲ أن اﻟﻧﺎر ھﻲ
اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻟﻼﺣﺗراق واﻟﺧﺑز ھو اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠﺷﺑﻊ واﻟدواء ھو اﻟﻔﺎﻋل ﻟﻠﺻﺣﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﺳﺑﺎب.
ﻗوﻟﮭم اﻟﺣوادث ﺗﻔﯾض ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﺑﺎﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ
وﻟﻛن اﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﯾﺣﺻل ﺑﮭذه اﻷﺳﺑﺎب
اﻟﻣﻘﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﻊ ﻣن ﯾﺳﻠم أن ھذه اﻟﺣوادث ﺗﻔﯾض ﻣن ﻣﺑﺎدئ اﻟﺣوادث وﻟﻛن اﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﯾﺣﺻل
ﺑﮭذه اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﺷﺎھدة اﻟﺣﺎﺿرة ،إﻻ أن ﺗﯾك اﻟﻣﺑﺎدئ أﯾﺿﺎ ً ﺗﺻدر اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻠزوم واﻟطﺑﻊ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل
اﻟﺗروي واﻻﺧﺗﯾﺎر ﺻدور اﻟﻧور ﻣن اﻟﺷﻣس ،وإﻧﻣﺎ اﻓﺗرﻗت اﻟﻣﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻘﺑول ﻻﺧﺗﻼف اﺳﺗﻌدادھﺎ ﻓﺈن اﻟﺟﺳم
اﻟﺻﻘﯾل ﯾﻘﺑل ﺷﻌﺎع اﻟﺷﻣس وﯾرده ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗﺿﻲء ﺑﮫ ﻣوﺿﻊ آﺧر واﻟﻣدر ﻻ ﯾﻘﺑل واﻟﮭواء ﻻ ﯾﻣﻧﻊ ﻧﻔوذ ﻧوره
واﻟﺣﺟر ﯾﻣﻧﻊ وﺑﻌض اﻷﺷﯾﺎء ﯾﻠﯾن ﺑﺎﻟﺷﻣس وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺗﺻﻠب وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺑﯾض ﻛﺛوب اﻟﻘﺻﺎر وﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺳود
ﻛوﺟﮭﮫ ،واﻟﻣﺑدأ واﺣد واﻵﺛﺎر ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻﺧﺗﻼف اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﻲ اﻟﻣﺣل ،ﻓﻛذى ﻣﺑﺎدئ اﻟوﺟود ﻓﯾﺎﺿﺔ ﺑﻣﺎ ھو
ﺻﺎدر ﻣﻧﮭﺎ ﻻ ﻣﻧﻊ ﻋﻧدھﺎ وﻻ ﺑﺧل وإﻧﻣﺎ اﻟﺗﻘﺻﯾر ﻣن اﻟﻘواﺑل.
ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﻹﺑراھﯾم أﻻ ﯾﻛون ﻗد اﺣﺗرق
وإذا ﻛﺎن ﻛذﻟك ﻓﻣﮭﻣﺎ ﻓرﺿﻧﺎ اﻟﻧﺎر ﺑﺻﻔﺗﮭﺎ وﻓرﺿﻧﺎ ﻗطﻧﺗﯾن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺗﯾن ﻻﻗﺗﺎ اﻟﻧﺎر ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة ﻓﻛﯾف
ﯾﺗﺻور أن ﺗﺣﺗرق إﺣدﯾﮭﻣﺎ دون اﻷﺧرى وﻟﯾس ﺛم اﺧﺗﯾﺎر؟ وﻋن ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ أﻧﻛروا وﻗوع إﺑراھﯾم ﻓﻲ اﻟﻧﺎر
ﻣﻊ ﻋدم اﻻﺣﺗراق وﺑﻘﺎء اﻟﻧﺎر ﻧﺎراً وزﻋﻣوا أن ذﻟك ﻻ ﯾﻣﻛن إﻻ ﺑﺳﻠب اﻟﺣرارة ﻣن اﻟﻧﺎر وذﻟك ﯾﺧرﺟﮫ ﻋن
ﻛوﻧﮫ ﻧﺎراً أو ﺑﻘﻠب ذات إﺑراھﯾم وﺑدﻧﮫ ﺣﺟراً أو ﺷﯾﺋﺎ ً ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﯾﮫ اﻟﻧﺎر ،وﻻ ھذا ﻣﻣﻛن وﻻ ذاك ﻣﻣﻛن.
ﺟواﺑﻧﺎ إن ﷲ ﯾﻔﻌل ﺑﺎﻹرادة
واﻟﺟواب ﻟﮫ ﻣﺳﻠﻛﺎن :اﻷول أن ﻧﻘول :ﻻ ﻧﺳﻠم أن اﻟﻣﺑﺎدي ﻟﯾﺳت ﺗﻔﻌل ﺑﺎﻻﺧﺗﯾﺎر وأن ﷲ ﻻ ﯾﻔﻌل ﺑﺎﻹرادة ،وﻗد
ﻓرﻏﻧﺎ ﻋن إﺑطﺎل دﻋواھم ﻓﻲ ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم .وإذا ﺛﺑت أن اﻟﻔﺎﻋل ﯾﺧﻠق اﻻﺣﺗراق ﺑﺈرادﺗﮫ ﻋﻧد
ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻘطﻧﺔ اﻟﻧﺎر أﻣﻛن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل أن ﻻ ﯾﺧﻠق ﻣﻊ وﺟود اﻟﻣﻼﻗﺎة.
ﻗوﻟﮭم أﻓﻼ أرى ﺑﯾن ﯾدي ﺳﺑﺎﻋﺎ ً ﺿﺎرﯾﺔ؟
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﮭذا ﯾﺟر إﻟﻰ ارﺗﻛﺎب ﻣﺣﺎﻻت ﺷﻧﯾﻌﺔ ،ﻓﺈﻧﮫ إذا أﻧﻛرت ﻟزوم اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت ﻋن أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وأﺿﯾف إﻟﻰ إرادة
ﻣﺧﺗرﻋﮭﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻟﻺرادة أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﮭﺞ ﻣﺧﺻوص ﻣﺗﻌﯾن ﺑل أﻣﻛن ﺗﻔﻧﻧﮫ وﺗﻧوﻋﮫ ﻓﻠﯾﺟوز ﻛل واﺣد ﻣﻧﺎ أن ﯾﻛون
ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ﺳﺑﺎع ﺿﺎرﯾﺔ وﻧﯾران ﻣﺷﺗﻌﻠﺔ وﺟﺑﺎل راﺳﯾﺔ وأﻋداء ﻣﺳﺗﻌدة ﺑﺎﻷﺳﻠﺣﺔ وھو ﻻ ﯾراھﺎ ﻷن ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﻟﯾس ﯾﺧﻠق اﻟرؤﯾﺔ ﻟﮫ.
إذا وﺿﻌت ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻲ أﻓﻼ أﻋﻠم أﻧﮫ اﻧﻘﻠب ﻏﻼﻣﺎً؟
وﻣن وﺿﻊ ﻛﺗﺎﺑﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ ﻓﻠﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻗد اﻧﻘﻠب ﻋﻧد رﺟوﻋﮫ إﻟﻰ ﺑﯾﺗﮫ ﻏﻼﻣﺎ ً أﻣرد ﻋﺎﻗﻼً ﻣﺗﺻرﻓﺎ ً أو اﻧﻘﻠب
ﺣﯾواﻧﺎً ،أو ﺗرك ﻏﻼﻣﺎ ً ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ ﻓﻠﯾﺟوز اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻛﻠﺑﺎ ً أو ﺗرك اﻟرﻣﺎد ﻓﻠﯾﺟوز اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻣﺳﻛﺎ ً واﻧﻘﻼب اﻟﺣﺟر ذھﺑﺎ ً
واﻟذھب ﺣﺟراً .وإذا ﺳﺋل ﻋن ﺷﻲء ﻣن ھذا ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘول :ﻻ أدري ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻵن وإﻧﻣﺎ اﻟﻘدر اﻟذي
أﻋﻠﻣﮫ أﻧﻲ ﺗرﻛت ﻓﻲ اﻟﺑﯾت ﻛﺗﺎﺑﺎ ً وﻟﻌﻠﮫ اﻵن ﻓرس وﻗد ﻟطﺦ ﺑﯾت اﻟﻛﺗب ﺑﺑوﻟﮫ وروﺛﮫ ،وإﻧﻲ ﺗرﻛت ﻓﻲ اﻟﺑﯾت
ﺟرة ﻣن اﻟﻣﺎء وﻟﻌﻠﮭﺎ اﻧﻘﻠﺑت ﺷﺟرة ﺗﻔﺎح ،ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء وﻟﯾس ﻣن ﺿرورة اﻟﻔرس أن ﯾﺧﻠق ﻣن
اﻟﻧطﻔﺔ وﻻ ﻣن ﺿرورة اﻟﺷﺟرة أن ﺗﺧﻠق ﻣن اﻟﺑذر ﺑل ﻟﯾس ﻣن ﺿرورﺗﮫ أن ﯾﺧﻠق ﺷﻲء ﻓﻠﻌﻠﮫ ﺧﻠق أﺷﯾﺎء ﻟم
ﯾﻛن ﻟﮭﺎ وﺟود ﻣن ﻗﺑل ،ﺑل إذا ﻧظر إﻟﻰ إﻧﺳﺎن ﻟم ﯾره إﻻ اﻵن وﻗﯾل ﻟﮫ :ھل ھذا ﻣوﻟود :؟ ﻓﻠﯾﺗردد وﻟﯾﻘل ﯾﺣﺗﻣل
أن ﯾﻛون ﺑﻌض اﻟﻔواﻛﮫ ﻓﻲ اﻟﺳوق ﻗد اﻧﻘﻠب إﻧﺳﺎﻧﺎ ً وھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء ﻣﻣﻛن وھذا
ﻣﻣﻛن ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺗردد ﻓﯾﮫ ،وھذا ﻓن ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻣﺟﺎل ﻓﻲ ﺗﺻوﯾره وھذا اﻟﻘدر ﻛﺎف ﻓﯾﮫ.
ﻗوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄن ھذه اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻟم ﯾﻌﻠﻣﮭﺎ
واﻟﺟواب أن ﻧﻘول :إن ﺛﺑت أن اﻟﻣﻣﻛن ﻛوﻧﮫ ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﺧﻠق ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻋﻠم ﺑﻌدم ﻛوﻧﮫ ﻟزم ھذه اﻟﻣﺣﺎﻻت.
وﻧﺣن ﻻ ﻧﺷك ﻓﻲ ھذه اﻟﺻور اﻟﺗﻲ أوردﺗﻣوھﺎ ﻓﺈن ﷲ ﺧﻠق ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺄن ھذه اﻟﻣﻣﻛﻧﺎت ﻟم ﯾﻔﻌﻠﮭﺎ ،وﻟم ﻧدع أن
ھذه اﻷﻣور واﺟﺑﺔ ﺑل ھﻲ ﻣﻣﻛﻧﺔ ﯾﺟوز أن ﺗﻘﻊ وﯾﺟوز أن ﻻ ﺗﻘﻊ ،واﺳﺗﻣرار اﻟﻌﺎدة ﺑﮭﺎ ﻣرة ﺑﻌد أﺧرى ﯾرﺳﺦ
ﻓﻲ أذھﺎﻧﻧﺎ ﺟرﯾﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻟﻌﺎدة اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﺗرﺳﺧﺎ ً ﻻ ﺗﻧﻔك ﻋﻧﮫ.
اﻟﻌﻠم ﺑﺣدوث اﻟﻣﻣﻛن ﯾﺟوز ﻟﻠﻧﺑﻲ ﻻ ﻟﻠﻌﺎﻣﻲ
ً ً
ﺑل ﯾﺟوز أن ﯾﻌﻠم ﻧﺑﻲ ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺎﻟطرق اﻟﺗﻲ ذﻛرﺗﻣوھﺎ أن ﻓﻼﻧﺎ ﻻ ﯾﻘدم ﻣن ﺳﻔره ﻏدا ،وﻗدوﻣﮫ ﻣﻣﻛن وﻟﻛن
ﯾﻌﻠم ﻋدم وﻗوع ذﻟك اﻟﻣﻣﻛن ،ﺑل ﻛﻣﺎ ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣﻲ ﻓﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻌﻠم اﻟﻐﯾب ﻓﻲ أﻣر ﻣن اﻷﻣور وﻻ ﯾدرك
اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻣن ﻏﯾر ﺗﻌﻠم ،وﻣﻊ ذﻟك ﻓﻼ ﯾﻧﻛر أن ﺗﺗﻘوى ﻧﻔﺳﮫ وﺣدﺳﮫ ﺑﺣﯾث ﯾدرك ﻣﺎ ﯾدرﻛﮫ اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
اﻋﺗرﻓوا ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮫ ،وﻟﻛن ﯾﻌﻠﻣون أن ذﻟك ﻟم ﯾﻘﻊ ،ﻓﺈن ﺧرق ﷲ اﻟﻌﺎدة ﺑﺈﯾﻘﺎﻋﮭﺎ ﻓﻲ زﻣﺎن ﺧرق اﻟﻌﺎدات ﻓﯾﮭﺎ
اﻧﺳﻠت ھذه اﻟﻌﻠوم ﻋن اﻟﻘﻠوب وﻟم ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ .ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ إذن ﻣن أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻣﻣﻛﻧﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻘدورات ﷲ وﯾﻛون ﻗد
ﺟرى ﻓﻲ ﺳﺎﺑق ﻋﻠﻣﮫ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻔﻌﻠﮫ ﻣﻊ إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت وﯾﺧﻠق ﻟﻧﺎ اﻟﻌﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﻟﯾس ﯾﻔﻌﻠﮫ ﻓﻲ ذﻟك
اﻟوﻗت ،ﻓﻠﯾس ﻓﻲ ھذا اﻟﻛﻼم إﻻ ﺗﺷﻧﯾﻊ ﻣﺣض.
إن ﷲ ﯾﻐﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺎر أو ﺻﻔﺔ إﺑراھﯾم
اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ وﻓﯾﮫ اﻟﺧﻼص ﻣن ھذه اﻟﺗﺷﻧﯾﻌﺎت وھو أن ﻧﺳﻠم أن اﻟﻧﺎر ﺧﻠﻘت ﺧﻠﻘﺔ إذا ﻻﻗﺎھﺎ ﻗطﻧﺗﺎن ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺗﺎن
أﺣرﻗﺗﮭﻣﺎ وﻟم ﺗﻔرق ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إذا ﺗﻣﺎﺛﻠﺗﺎ ﻣن ﻛل وﺟﮫ ،وﻟﻛﻧﺎ ﻣﻊ ھذا ﻧﺟوز أن ﯾﻠﻘﻰ ﻧﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ﻓﻼ ﯾﺣﺗرق إﻣﺎ
ﺑﺗﻐﯾﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺎر أو ﺑﺗﻐﯾﯾر ﺻﻔﺔ اﻟﻧﺑﻲ ﻓﯾﺣدث ﻣن ﷲ أو ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﺻﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ﯾﻘﺻر ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ
ﺟﺳﻣﮭﺎ ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﺗﻌداه ﻓﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮭﺎ ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ وﺗﻛون ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻟﻧﺎر وﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ وﻟﻛن ﻻ ﺗﺗﻌدى ﺳﺧوﻧﺗﮭﺎ
وأﺛرھﺎ أو ﯾﺣدث ﻓﻲ ﺑدن اﻟﺷﺧص ﺻﻔﺔ وﻻ ﯾﺧرﺟﮫ ﻋن ﻛوﻧﮫ ﻟﺣﻣﺎ ً وﻋظﻣﺎ ً ﻓﯾدﻓﻊ أﺛر اﻟﻧﺎر.
ﻣن ﯾطﻠﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟطﻠق ﻻ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻧﺎر
ﻓﺈﻧﺎ ﻧرى ﻣن ﯾطﻠﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟطﻠق ﺛم ﯾﻘﻌد ﻓﻲ ﺗﻧور ﻣوﻗدة وﻻ ﯾﺗﺄﺛر ﺑﮫ .واﻟذي ﻟم ﯾﺷﺎھد ذﻟك ﯾﻧﻛره .ﻓﺈﻧﻛﺎر
اﻟﺧﺻم اﺷﺗﻣﺎل اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ إﺛﺑﺎت ﺻﻔﺔ ﻣن اﻟﺻﻔﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﺎر أو ﻓﻲ اﻟﺑدن ﯾﻣﻧﻊ اﻻﺣﺗراق ﻛﺈﻧﻛﺎر ﻣن ﻟم ﯾﺷﺎھد
اﻟطﻠق وأﺛره .وﻓﻲ ﻣﻘدورات ﷲ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب وﻧﺣن ﻟم ﻧﺷﺎھد ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ،ﻓﻠم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻧﻧﻛر إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﻧﺣﻛم
ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮭﺎ؟
إن ﷲ ﯾﻐﯾر اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻣﻣﺎ ﻋﮭد ﻓﯾﮫ
وﻛذﻟك إﺣﯾﺎء اﻟﻣﯾت وﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً ﯾﻣﻛن ﺑﮭذا اﻟطرﯾق وھو أن اﻟﻣﺎدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻛل ﺷﻲء ﻓﺎﻟﺗراب وﺳﺎﺋر
اﻟﻌﻧﺎﺻر ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻧﺑﺎﺗﺎ ً ﺛم اﻟﻧﺑﺎت ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻧد أﻛل اﻟﺣﯾوان دﻣﺎ ً ﺛم اﻟدم ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻣﻧﯾﺎ ً ﺛم اﻟﻣﻧﻲ ﯾﻧﺻب ﻓﻲ اﻟرﺣم
ﻓﯾﺗﺧﻠق ﺣﯾواﻧﺎً ،وھذا ﺑﺣﻛم اﻟﻌﺎدة واﻗﻊ ﻓﻲ زﻣﺎن ﻣﺗطﺎول ﻓﻠم ﯾﺣﯾل اﻟﺧﺻم أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻣﻘدور ﷲ أن ﯾدﯾر
اﻟﻣﺎدة ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻣﻣﺎ ﻋﮭد ﻓﯾﮫ ،وإذا ﺟﺎز ﻓﻲ وﻗت أﻗرب ﻓﻼ ﺿﺑط ﻟﻸﻗل ﻓﺗﺳﺗﻌﺟل ھذه
اﻟﻘوى ﻓﻲ ﻋﻣﻠﮭﺎ وﯾﺣﺻل ﺑﮫ ﻣﺎ ھو ﻣﻌﺟزة اﻟﻧﺑﻲ.
اﻋﺗراض أﯾﺻدر ھﻧﺎ ﻣن ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ أم ﻣن ﻣﺑدأ آﺧر؟
ﻓﺈن ﻗﯾل :وھذا ﯾﺻدر ﻣن ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ أو ﻣن ﻣﺑدأ آﺧر ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﻋﻧد اﻗﺗراح اﻟﻧﺑﻲ.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻣن ﷲ ﻹﺛﺑﺎت اﻟﻧﺑوة
ﻗﻠﻧﺎ :وﻣﺎ ﺳﻠﻣﺗﻣوه ﻣن ﺟواز ﻧزول اﻷﻣطﺎر واﻟﺻواﻋق وﺗزﻟزل اﻷرض ﺑﻘوة ﻧﻔس اﻟﻧﺑﻲ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ أو ﻣن
ﻣﺑدأ آﺧر .ﻓﻘوﻟﻧﺎ ﻓﻲ ھذا ﻛﻘوﻟﻛم ﻓﻲ ذاك واﻷوﻟﻰ ﺑﻧﺎ وﺑﻛم إﺿﺎﻓﺔ ذﻟك إﻟﻰ ﷲ إﻣﺎ ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ أو ﺑواﺳطﺔ
اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ .وﻟﻛن وﻗت اﺳﺗﺣﻘﺎق ﺣﺻوﻟﮭﺎ اﻧﺻراف ھﻣﺔ اﻟﻧﺑﻲ إﻟﯾﮫ وﺗﻌﯾن ﻧظﺎم اﻟﺧﯾر ﻓﻲ ظﮭوره ﻻﺳﺗﻣرار
ﻧظﺎم اﻟﺷرع ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻣرﺟﺣﺎ ً ﺟﮭﺔ اﻟوﺟود وﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻣﻛﻧﺎ ً واﻟﻣﺑدأ ﺑﮫ ﺳﻣﺣﺎ ً ﺟواداً ،وﻟﻛن ﻻ
ﯾﻔﯾض ﻣﻧﮫ إﻻ إذا ﺗرﺟﺣت اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ وﺟوده وﺻﺎر اﻟﺧﯾر ،ﻣﺗﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﯾﮫ ،وﻻ ﯾﺻﯾر اﻟﺧﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺎ ً ﻓﯾﮫ إﻻ إذا
اﺣﺗﺎج ﻧﺑﻲ ﻓﻲ إﺛﺑﺎت ﻧﺑوﺗﮫ إﻟﯾﮫ ﻹﻓﺎﺿﺔ اﻟﺧﯾر.
ھذا ﻻﺋق ﺑﻣﺳﺎق ﻛﻼﻣﮭم وﻻزم ﻟﮭم
ﻓﮭذا ﻛﻠﮫ ﻻﺋق ﺑﻣﺳﺎق ﻛﻼﻣﮭم وﻻزم ﻟﮭم ﻣﮭﻣﺎ ﻓﺗﺣوا ﺑﺎب اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻟﻠﻧﺑﻲ ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﺧﺎﻟف ﻋﺎدة اﻟﻧﺎس ،ﻓﺈن
ﻣﻘﺎدﯾر ذﻟك اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻻ ﯾﻧﺿﺑط ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻣﻛﺎﻧﮫ ﻓﻠم ﯾﺟب ﻣﻌﮫ اﻟﺗﻛذﯾب ﻟﻣﺎ ﺗواﺗر ﻧﻘﻠﮫ وورد اﻟﺷرع
ﺑﺗﺻدﯾﻘﮫ.
ﺗﻘﺑل اﻟﺻور ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺑﺳﺑب اﺧﺗﻼف اﻻﺳﺗﻌداد
وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻘﺑل ﺻورة اﻟﺣﯾوان إﻻ اﻟﻧطﻔﺔ وإﻧﻣﺎ ﺗﻔﯾض اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻲ
ھﻲ ﻣﺑﺎدي اﻟﻣوﺟودات ﻋﻧدھم وﻟم ﯾﺗﺧﻠق ﻗط ﻣن ﻧطﻔﺔ اﻹﻧﺳﺎن إﻻ إﻧﺳﺎن وﻣن ﻧطﻔﺔ اﻟﻔرس إﻻ ﻓرس ﻣن ﺣﯾث
أن ﺣﺻوﻟﮫ ﻣن اﻟﻔرس أوﺟب ﺗرﺟﯾﺣﺎ ً ﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺻورة اﻟﻔرس ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﺻور ﻓﻠم ﯾﻘﺑل إﻻ اﻟﺻورة
اﻟﻣﺗرﺟﺣﺔ ﺑﮭذا اﻟطرﯾق ،وﻟذﻟك ﻟم ﯾﻧﺑت ﻗط ﻣن اﻟﺷﻌﯾر ﺣﻧطﺔ وﻻ ﻣن ﺑذر اﻟﻛﻣﺛرى ﺗﻔﺎح .ﺛم رأﯾﻧﺎ أﺟﻧﺎﺳﺎ ً ﻣن
اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﺗﺗوﻟد ﻣن اﻟﺗراب وﻻ ﺗﺗواﻟد ﻗط ﻛﺎﻟدﯾدان وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺗوﻟد وﯾﺗواﻟد ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻛﺎﻟﻔﺎر واﻟﺣﯾﺔ واﻟﻌﻘرب وﻛﺎن
ﺗوﻟدھﺎ ﻣن اﻟﺗراب وﯾﺧﺗﻠف اﺳﺗﻌدادھﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﺻور ﺑﺄﻣور ﻏﺎﺑت ﻋﻧﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻹطﻼع
ﻋﻠﯾﮭﺎ ،إذ ﻟﯾس ﺗﻔﯾض اﻟﺻور ﻋﻧدھم ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﺑﺎﻟﺗﺷﮭﻲ وﻻ ﺟزاﻓﺎ ً ﺑل ﻻ ﯾﻔﯾض ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺣل إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﯾن
ﻗﺑوﻟﮫ ﻟﮫ ﺑﻛوﻧﮫ ﻣﺳﺗﻌداً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ،واﻻﺳﺗﻌدادات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺑﺎدﺋﮭﺎ ﻋﻧدھم اﻣﺗزاﺟﺎت اﻟﻛواﻛب واﺧﺗﻼف ﻧﺳب
اﻷﺟرام اﻟﻌﻠوﯾﺔ ﻓﻲ ﺣرﻛﺎﺗﮭﺎ.
ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﯾﮭﺎ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب
ﻓﻘد اﻧﻔﺗﺢ ﻣن ھذا أن ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات ﻓﯾﮭﺎ ﻏراﺋب وﻋﺟﺎﺋب ﺣﺗﻰ ﺗوﺻل أرﺑﺎب اﻟطﻠﺳﻣﺎت ﻣن ﻋﻠم
ﺧواص اﻟﺟواھر اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ وﻋﻠم اﻟﻧﺟوم إﻟﻰ ﻣزج اﻟﻘوى اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ ﺑﺎﻟﺧواص اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ ﻓﺎﺗﺧذوا أﺷﻛﺎﻻً ﻣن ھذه
اﻷرﺿﯾﺔ وطﻠﺑوا ﻟﮭﺎ طﺎﻟﻌﺎ ً ﻣﺧﺻوﺻﺎ ً ﻣن اﻟطواﻟﻊ وأﺣدﺛوا ﺑﮭﺎ أﻣوراً ﻏرﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓرﺑﻣﺎ دﻓﻌوا اﻟﺣﯾﺔ
واﻟﻌﻘرب ﻋن ﺑﻠد واﻟﺑق ﻋن ﺑﻠد إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن أﻣور ﺗﻌرف ﻣن ﻋﻠم اﻟطﻠﺳﻣﺎت.
ﻟﻣﺎذا ﻻ ﯾﺣﺻل ھذا ﻓﻲ أﻗرب زﻣﺎن ﻓﺗﻛون ﻣﻌﺟزة؟
ﻓﺈذا ﺧرﺟت ﻋن اﻟﺿﺑط ﻣﺑﺎدىء اﻻﺳﺗﻌدادات وﻟم ﻧﻘف ﻋﻠﻰ ﻛﻧﮭﮭﺎ وﻟم ﯾﻛن ﻟﻧﺎ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﺣﺻرھﺎ ﻓﻣن أﯾن
ﻧﻌﻠم اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺣﺻول اﻻﺳﺗﻌداد ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺟﺳﺎم ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻷطوار ﻓﻲ أﻗرب زﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗﻌد ﻟﻘﺑول
ﺻورة ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺳﺗﻌد ﻟﮭﺎ ﻣن ﻗﺑل وﯾﻧﺗﮭض ذﻟك ﻣﻌﺟزة؟ ﻣﺎ إﻧﻛﺎر ھذا إﻻ ﻟﺿﯾق اﻟﺣوﺻﻠﺔ واﻷﻧس
ﺑﺎﻟﻣوﺟودات اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ واﻟذھول ﻋن أﺳرار ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻘﺔ واﻟﻔطرة ،وﻣن اﺳﺗﻘرأ ﻋﺟﺎﺋب اﻟﻌﻠوم ﻟم ﯾﺳﺗﺑﻌد
ﻣن ﻗدرة ﷲ ﻣﺎ ﯾﺣﻛﻰ ﻣن ﻣﻌﺟزات اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺑﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال.
اﻋﺗراض إذا ﺣددﺗم اﻟﻣﺣﺎل ھﻛذا
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻓﻧﺣن ﻧﺳﺎﻋدﻛم ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﻣﻛن ﻣﻘدور وأﻧﺗم ﺗﺳﺎﻋدون ﻋﻠﻰ أن ﻛل ﻣﺣﺎل ﻓﻠﯾس ﺑﻣﻘدور ،وﻣن
اﻷﺷﯾﺎء ﻣﺎ ﯾﻌرف اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮭﺎ وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻌرف إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻘف اﻟﻌﻘل ﻓﻼ ﯾﻘﺿﻲ ﻓﯾﮫ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﻻ إﻣﻛﺎن.
ﻓﺎﻵن ﻣﺎ ﺣد اﻟﻣﺣﺎل ﻋﻧدﻛم؟ ﻓﺈن رﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ﻓﻲ ﺷﻲء واﺣد ﻓﻘوﻟوا إن ﻛل ﺷﯾﺋﯾن ﻟﯾس
ھذا ذاك وﻻ ذاك ھذا ﻓﻼ ﯾﺳﺗدﻋﻲ وﺟود أﺣدھﻣﺎ وﺟود اﻵﺧر.
ﻓﺎ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺧﻠق اﻟﻣﺣﺎل
وﻗوﻟوا إن ﷲ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺧﻠق إرادة ﻣن ﻏﯾر ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻣراد وﺧﻠق ﻋﻠم ﻣن ﻏﯾر ﺣﯾوة وﯾﻘدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺣرك ﯾد
ﻣﯾت وﯾﻘﻌده وﯾﻛﺗب ﺑﯾد ﻣﺟﻠدات وﯾﺗﻌﺎطﻰ ﺻﻧﺎﻋﺎت وھو ﻣﻔﺗوح اﻟﻌﯾن ﻣﺣدق ﺑﺻره ﻧﺣوه وﻟﻛﻧﮫ ﻻ ﯾرى وﻻ
ﺣﯾوة ﻓﯾﮫ وﻻ ﻗدرة ﻟﮫ ﻋﻠﯾﮫ ،وإﻧﻣﺎ ھذه اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻣﻧظوﻣﺔ ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻊ ﺗﺣرﯾك ﯾده واﻟﺣرﻛﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ
ﷲ ،وﺑﺗﺟوﯾز ھذا ﯾﺑطل اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﺣرﻛﺔ اﻻﺧﺗﯾﺎرﯾﺔ وﺑﯾن اﻟرﻋدة ﻓﻼ ﯾدل اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم وﻻ ﻋﻠﻰ
ﻗدرة اﻟﻔﺎﻋل.
وﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس
ً ً
وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس ﻓﯾﻘﻠب اﻟﺟوھر ﻋرﺿﺎ وﯾﻘﻠب اﻟﻌﻠم ﻗدرة واﻟﺳواد ﺑﯾﺎﺿﺎ واﻟﺻوت راﺋﺣﺔ
ﻛﻣﺎ اﻗﺗدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻟﺟﻣﺎد ﺣﯾواﻧﺎ ً واﻟﺣﺟر ذھﺑﺎً ،وﯾﻠزم ﻋﻠﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺣﺎﻻت ﻣﺎ ﻻ ﺣﺻر ﻟﮫ.
ﺟواﺑﻧﺎ ﻻ
واﻟﺟواب أن اﻟﻣﺣﺎل ﻏﯾر ﻣﻘدور ﻋﻠﯾﮫ واﻟﻣﺣﺎل إﺛﺑﺎت اﻟﺷﻲء ﻣﻊ ﻧﻔﯾﮫ أو إﺛﺑﺎت اﻷﺧص ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻷﻋم أو إﺛﺑﺎت
اﻻﺛﻧﯾن ﻣﻊ ﻧﻔﻲ اﻟواﺣد ،وﻣﺎ ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ھذا ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺣﺎل وﻣﺎ ﻟﯾس ﺑﻣﺣﺎل ﻓﮭو ﻣﻘدور.
اﻟﻣﺣﺎل أن ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض
وأن ﯾﻛون اﻟﺷﺧص ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن ...اﻟﺦ
أﻣﺎ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﻓﻣﺣﺎل ﻷﻧﺎ ﻻ ﻧﻔﮭم ﻣن إﺛﺑﺎت ﺻورة اﻟﺳواد ﻓﻲ اﻟﻣﺣل ﻧﻔﻲ ھﯾﺋﺔ اﻟﺑﯾﺎض
ووﺟود اﻟﺳواد ﻓﺈذا ﺻﺎر ﻧﻔﻲ اﻟﺑﯾﺎض ﻣﻔﮭوﻣﺎ ً ﻣن إﺛﺑﺎت اﻟﺳواد ﻛﺎن إﺛﺑﺎت اﻟﺑﯾﺎض ﻣﻊ ﻧﻔﯾﮫ ﻣﺣﺎﻻً .وإﻧﻣﺎ ﻻ
ﯾﺟوز ﻛون اﻟﺷﺧص ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﯾن ﻷﻧﺎ ﻧﻔﮭم ﻣن ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت ﻋدم ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ ﻏﯾر اﻟﺑﯾت ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﺗﻘدﯾره ﻓﻲ
ﻏﯾر اﻟﺑﯾت ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت اﻟﻣﻔﮭم ﻟﻧﻔﯾﮫ ﻋن ﻏﯾر اﻟﺑﯾت .وﻛذﻟك ﻧﻔﮭم ﻣن اﻹرادة طﻠب ﻣﻌﻠوم ﻓﺈن ﻓرض
طﻠب وﻻ ﻋﻠم ﻟم ﺗﻛن إرادة ﻓﻛﺎن ﻓﯾﮫ ﻧﻔﻲ ﻣﺎ ﻓﮭﻣﻧﺎه .واﻟﺟﻣﺎد ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﺧﻠق ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠم ﻷﻧﺎ ﻧﻔﮭم ﻣن اﻟﺟﻣﺎد ﻣﺎ
ﻻ ﯾدرك ﻓﺈن ﺧﻠق ﻓﯾﮫ إدراك ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﺟﻣﺎداً ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﻓﮭﻣﻧﺎه ﻣﺣﺎل وإن ﻟم ﯾدرك ﻓﺗﺳﻣﯾﺗﮫ اﻟﺣﺎدث ﻋﻠﻣﺎ ً
وﻻ ﯾدرك ﺑﮫ ﻣﺣﻠﮫ ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣﺣﺎل ﻓﮭذا وﺟﮫ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﮫ.
إن ﷲ ﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس ،ﻟﻌدم وﺟود ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ
ً
وأﻣﺎ ﻗﻠب اﻷﺟﻧﺎس ﻓﻘد ﻗﺎل ﺑﻌض اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن أﻧﮫ ﻣﻘدور ﻓﻧﻘول :ﻣﺻﯾر اﻟﺷﻲء ﺷﯾﺋﺎ آﺧر ﻏﯾر ﻣﻌﻘول ﻷن
اﻟﺳواد إذا اﻧﻘﻠب ﻗدرة ﻣﺛﻼً ﻓﺎﻟﺳواد ﺑﺎق أم ﻻ ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣﻌدوﻣﺎ ً ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب ﺑل ﻋدم ذاك ووﺟد ﻏﯾره وإن ﻛﺎن
ﻣوﺟوداً ﻣﻊ اﻟﻘدرة ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب وﻟﻛن اﻧﺿﺎف إﻟﯾﮫ ﻏﯾره وإن ﺑﻘﻲ اﻟﺳواد واﻟﻘدرة ﻣﻌدوﻣﺔ ﻓﻠم ﯾﻧﻘﻠب ﺑل ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ
ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ .وإذا ﻗﻠﻧﺎ :اﻧﻘﻠب اﻟدم ﻣﻧﯾﺎ ً أردﻧﺎ ﺑﮫ أن ﺗﻠك اﻟﻣﺎدة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﺧﻠﻌت ﺻورة وﻟﺑﺳت ﺻورة أﺧرى ﻓرﺟﻊ
اﻟﺣﺎﺻل إﻟﻰ أن ﺻورة ﻋدﻣت وﺻورة ﺣدﺛت وﺛم ﻣﺎدة ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺗﻌﺎﻗب ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻورﺗﺎن .وإذا ﻗﻠﻧﺎ :اﻧﻘﻠب اﻟﻣﺎء
ھواء ﺑﺎﻟﺗﺳﺧﯾن أردﻧﺎ ﺑﮫ أن اﻟﻣﺎدة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ ﺧﻠﻌت ھذه اﻟﺻورة وﻗﺑﻠت ﺻورة أﺧرى ﻓﺎﻟﻣﺎدة
ﻣﺷﺗرﻛﺔ واﻟﺻﻔﺔ ﻣﺗﻐﯾرة .وﻛذﻟك إذا ﻗﻠﻧﺎ :اﻧﻘﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ً واﻟﺗراب ﺣﯾواﻧﺎ ً وﻟﯾس ﺑﯾن اﻟﻌرض واﻟﺟوھر
ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ وﻻ ﺑﯾن اﻟﺳواد واﻟﻘدرة وﻻ ﺑﯾن ﺳﺎﺋر اﻷﺟﻧﺎس ﻣﺎدة ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓﻛﺎن ھذا ﻣﺣﺎﻻً ﻣن ھذا اﻟوﺟﮫ.
إن اﻟﻣﯾت إذا ﺣرك ﷲ ﯾده ﯾﻛﺗب
وأﻣﺎ ﺗﺣرﯾك ﷲ ﯾد ﻣﯾت وﻧﺻﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﺻورة ﺣﻲ ﯾﻘﻌد وﯾﻛﺗب ﺣﺗﻰ ﯾﺣدث ﻣن ﺣرﻛﺔ ﯾده اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻣﻧظوﻣﺔ
ﻓﻠﯾس ﺑﻣﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ ﻣﮭﻣﺎ أﺣﻠﻧﺎ اﻟﺣوادث إﻟﻰ إرادة ﻣﺧﺗﺎر وإﻧﻣﺎ ھو ﻣﺳﺗﻧﻛر ﻻطراد اﻟﻌﺎدة ﺑﺧﻼﻓﮫ.
ﻟﻛن اﻟدﻟﯾل ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻔﺎﻋل.
وﻗوﻟﻛم :ﺗﺑطل ﺑﮫ دﻻﻟﺔ أﺣﻛﺎم اﻟﻔﻌل ﻋﻠﻰ ﻋﻠم اﻟﻔﺎﻋل ،ﻓﻠﯾس ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻋل اﻵن ھو ﷲ وھو اﻟﻣﺣﻛم وھو
ﻓﺎﻋل ﺑﮫ.
ﯾﻔرق ﺑﯾن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺧﺗﺎرة واﻟرﻋﺷﺔ ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻧﺎ وﻓﻲ ﻏﯾرﻧﺎ
وأﻣﺎ ﻗوﻟﻛم إﻧﮫ ﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻓرق ﺑﯾن اﻟرﻋﺷﺔ واﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﺧﺗﺎرة ﻓﻧﻘول :إﻧﻣﺎ أدرﻛﻧﺎ ذﻟك ﻣن أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻷﻧﺎ ﺷﺎھدﻧﺎ ﻣن
أﻧﻔﺳﻧﺎ ﺗﻔرﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن ﻓﻌﺑرﻧﺎ ﻋن ذﻟك اﻟﻔﺎرق ﺑﺎﻟﻘدرة ﻓﻌرﻓﻧﺎ أن اﻟواﻗﻊ ﻣن اﻟﻘﺳﻣﯾن اﻟﻣﻣﻛﻧﯾن أﺣدھﻣﺎ ﻓﻲ
ﺣﺎﻟﺔ واﻵﺧر ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ،وھو إﯾﺟﺎد اﻟﺣرﻛﺔ ﻣﻊ اﻟﻘدرة ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ وإﯾﺟﺎد اﻟﺣرﻛﺔ دون اﻟﻘدرة ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
أﺧرى .وأﻣﺎ إذا ﻧظرﻧﺎ إﻟﻰ ﻏﯾرﻧﺎ ورأﯾﻧﺎ ﺣرﻛﺎت ﻛﺛﯾرة ﻣﻧظوﻣﺔ ﺣﺻل ﻟﻧﺎ ﻋﻠم ﺑﻘدرﺗﮭﺎ ،ﻓﮭذه ﻋﻠوم ﯾﺧﻠﻘﮭﺎ ﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﯾﻌرف ﺑﮭﺎ وﺟود أﺣد ﻗﺳﻣﻲ اﻹﻣﻛﺎن وﻻ ﯾﺗﺑﯾن ﺑﮫ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾزھم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺑرھﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲ
ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﺟوھر روﺣﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﯾﺗﺣﯾز وﻟﯾس ﺑﺟﺳم وﻻ ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم وﻻ ھو ﻣﺗﺻل
ﺑﺎﻟﺑدن وﻻ ھو ﻣﻧﻔﺻل ﻋﻧﮫ ﻛﻣﺎ أن ﷲ ﻟﯾس ﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟم وﻻ داﺧل اﻟﻌﺎﻟم وﻛذى اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﻧدھم
ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘوى وأﻗﺳﺎﻣﮭﺎ اﻟﻘوى اﻟﻣدرﻛﺔ ھﻲ ﺑﺎطﻧﺔ
واﻟﺧوض ﻓﻲ ھذا ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﺷرح ﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ.
واﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﺋﯾﺔ ﺗﻧﻘﺳم ﻋﻧدھم إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن :ﻣﺣرﻛﺔ وﻣدرﻛﺔ.
واﻟﻣدرﻛﺔ ﻗﺳﻣﺎن :ظﺎھرة وﺑﺎطﻧﺔ.
واﻟظﺎھرة ھﻲ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣﺳﺔ وھﻲ ﻣﻌﺎن ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ،أﻋﻧﻲ ھذه اﻟﻘوى.
وأﻣﺎ اﻟﺑﺎطﻧﺔ ﻓﺛﻠﺛﺔ:
واﻟﺑﺎطﻧﺔ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺧﯾﺎﻟﯾﺔ
إﺣدﯾﮭﺎ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ اﻟدﻣﺎغ وراء اﻟﻘوة اﻟﺑﺎﺻرة ،وﻓﯾﮫ ﺗﺑﻘﻰ ﺻور اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣرﺋﯾﺔ ﺑﻌد ﺗﻐﻣﯾض
اﻟﻌﯾن ،ﺑل ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﺗورده اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﻓﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﮫ ،وﯾﺳﻣﻰ اﻟﺣس اﻟﻣﺷﺗرك ﻟذﻟك .وﻟوﻻه ﻟﻛﺎن ﻣن
رأى اﻟﻌﺳل اﻷﺑﯾض وﻟم ﯾدرك ﺣﻼوﺗﮫ إﻻ ﺑﺎﻟذوق ﻓﺈذا رآه ﺛﺎﻧﯾﺎ ً ﻻ ﯾدرك ﺣﻼوﺗﮫ ﻣﺎ ﻟم ﯾذق ﻛﺎﻟﻣرة اﻷوﻟﻰ،
وﻟﻛن ﻓﯾﮫ ﻣﻌﻧﻰ ﯾﺣﻛم ﺑﺄن ھذا اﻷﺑﯾض ھو اﻟﺣﻠو ،ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻋﻧده ﺣﺎﻛم ﻗد اﺟﺗﻣﻊ ﻋﻧده اﻷﻣر أﻋﻧﻲ
اﻟﻠون واﻟﺣﻼوة ﺣﺗﻰ ﻗﺿﻰ ﻋﻧد وﺟود أﺣدھﻣﺎ ﺑوﺟود اﻵﺧر.
ووھﻣﯾﺔ
واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ وھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗدرك اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،وﻛﺎن اﻟﻘوة اﻷوﻟﻰ ﺗدرك اﻟﺻور .واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﺻور ﻣﺎ ﻻ ﺑد
ﻟوﺟوده ﻣن ﻣﺎدة أي ﺟﺳم ،واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﺗدﻋﻲ وﺟوده ﺟﺳﻣﺎ ً وﻟﻛن ﻗد ﯾﻌرض ﻟﮫ أن ﯾﻛون ﺟﺳم
ﻛﺎﻟﻌداوة واﻟﻣواﻓﻘﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺷﺎة ﺗدرك ﻣن اﻟذب ﻟوﻧﮫ وﺷﻛﻠﮫ وھﯾﺋﺗﮫ ،وذﻟك ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻓﻲ ﺟﺳم ،وﺗدرك أﯾﺿﺎ ً
ﻛوﻧﮫ ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ً ﻟﮭﺎ .وﺗدرك اﻟﺳﺧﻠﺔ ﺷﻛل اﻷم وﻟوﻧﮫ ﺛم ﺗدرك ﻣواﻓﻘﺗﮫ وﻣﻼﯾﻣﺗﮫ وﻟذﻟك ﺗﮭرب ﻣن اﻟذﺋب وﺗﻌدو
ﺧﻠف اﻷم .واﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ واﻟﻣواﻓﻘﺔ ﻟﯾس ﻣن ﺿرورﺗﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﻛﺎﻟﻠون واﻟﺷﻛل وﻟﻛن ﻗد ﯾﻌرض
ﻟﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم أﯾﺿﺎ ً ﻓﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻘوة ﻣﺑﺎﯾﻧﺔ ﻟﻠﻘوة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وھذا ﻣﺣﻠﮫ اﻟﺗﺟوﯾف اﻷﺧﯾر ﻣن اﻟدﻣﺎغ.
وﻣﺗﺧﯾﻠﺔ-ﻣﻔﻛرة
أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﮭﻲ اﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻣﺗﺧﯾﻠﺔ وﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻔﻛرة وﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗرﻛب اﻟﺻور
اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض وﺗرﻛب اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺻور ،وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟوﯾف اﻷوﺳط ﺑﯾن ﺣﺎﻓظ اﻟﺻور
وﺣﺎﻓظ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ .وﻟذﻟك ﯾﻘدر اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ أن ﯾﺗﺧﯾل ﻓرﺳﺎ ً ﯾطﯾر وﺷﺧﺻﺎ ً رأﺳﮫ رأس إﻧﺳﺎن وﺑدﻧﮫ ﺑدن ﻓرس
إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺗرﻛﯾﺑﺎت وإن ﻟم ﯾﺷﺎھد ﻣﺛل ذﻟك ،واﻷوﻟﻰ أن ﺗﻠﺣق ھذه اﻟﻘوة ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ
ﻻ ﺑﺎﻟﻘوى اﻟﻣدرﻛﺔ ،وإﻧﻣﺎ ﻋرﻓت ﻣواﺿﻊ ھذه اﻟﻘوى ﺑﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟطب ﻓﺈن اﻵﻓﺔ إذا ﻧزﻟت ﺑﮭذه اﻟﺗﺟوﯾﻔﺎت اﺧﺗﻠت
ھذه اﻷﻣور.
وإﻟﯾﮭﺎ ﺗﺿم اﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ واﻟﻘوة اﻟذاﻛرة
ﺛم زﻋﻣوا أن اﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﺻور اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﺑﺎﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﺗﺣﻔظ ﺗﻠك اﻟﺻور ﺣﺗﻰ ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد
اﻟﻘﺑول ،واﻟﺷﻲء ﯾﺣﻔظ اﻟﺷﻲء ﻻ ﺑﺎﻟﻘوة اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻘﺑل ،ﻓﺈن اﻟﻣﺎء ﯾﻘﺑل وﻻ ﯾﺣﻔظ واﻟﺷﻣﻊ ﯾﻘﺑل ﺑرطوﺑﺗﮫ وﯾﺣﻔظ
ﺑﯾﺑوﺳﺗﮫ ﺑﺧﻼف اﻟﻣﺎء ،ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎﻓظﺔ ﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻏﯾر اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻓﺗﺳﻣﻰ ھذه ﻗوة ﺣﺎﻓظﺔ .وﻛذى اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﺗﻧطﺑﻊ
ﻓﻲ اﻟوھﻣﯾﺔ وﺗﺣﻔظﮭﺎ ﻗوة ﺗﺳﻣﻰ ذاﻛرة ﻓﺗﺻﯾر اﻹدراﻛﺎت اﻟﺑﺎطﻧﺔ ﺑﮭذا اﻻﻋﺗﺑﺎر إذا ﺿم إﻟﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺧﻣﺳﺔ
ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟظﺎھرة ﺧﻣﺳﺔ.
واﻟﻘوى اﻟﻣﺗﺣرﻛﺔ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﺑﺎﻋﺛﺔ ﺷﮭواﻧﯾﺔ وﻏﺿﺑﯾﺔ
وأﻣﺎ اﻟﻘوى اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻓﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ ﺑﺎﻋﺛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ وإﻟﻰ ﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ
ﻣﺑﺎﺷرة ﻟﻠﺣرﻛﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ.
واﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺑﺎﻋﺛﺔ ھﻲ اﻟﻘوة اﻟﻧزوﻋﯾﺔ اﻟﺷوﻗﯾﺔ وھﻲ اﻟﺗﻲ إذا ارﺗﺳم ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎھﺎ
ﺻورة ﻣطﻠوب أو ﻣﮭروب ﻋﻧﮫ ﺑﻌﺛت اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣرﯾك .وﻟﮭﺎ ﺷﻌﺑﺗﺎن ﺷﻌﺑﺔ ﺗﺳﻣﻰ ﻗوة
ﺷﮭواﻧﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﺗﺑﻌث ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك ﯾﻘرب ﺑﮫ ﻣن اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﺿرورﯾﺔ أو ﻧﺎﻓﻌﺔ طﻠﺑﺎ ً ﻟﻠذة ،وﺷﻌﺑﺔ
ﺗﺳﻣﻰ ﻗوة ﻏﺿﺑﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﺗﺑﻌث ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾك ﯾدﻓﻊ ﺑﮫ اﻟﺷﻲء اﻟﻣﺗﺧﯾل ﺿﺎراً أو ﻣﻔﺳداً طﻠﺑﺎ ً ﻟﻠﻐﻠﺑﺔ .وﺑﮭذه
اﻟﻘوة ﯾﺗم اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺗﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل اﻟﻣﺳﻣﻰ إرادة.
وﻓﺎﻋﻠﺔ
وأﻣﺎ اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻓﺎﻋﻠﺔ ھﻲ ﻗوة ﺗﻧﺑﻌث ﻓﻲ اﻷﻋﺻﺎب واﻟﻌﺿﻼت ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗﺷﻧﺞ اﻟﻌﺿﻼت
ﻓﺗﺟذب اﻷوﺗﺎر واﻟرﺑﺎطﺎت اﻟﻣﺗﺻﻠﺔ ﺑﺎﻷﻋﺿﺎء إﻟﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﻣوﺿﻊ اﻟذي ﻓﯾﮫ اﻟﻘوة أو ﺗرﺧﯾﮭﺎ وﺗﻣددھﺎ طوﻻً
ﻓﺗﺻﯾر اﻷوﺗﺎر واﻟرﺑﺎطﺎت إﻟﻰ ﺧﻼف اﻟﺟﮭﺔ .ﻓﮭذه ﻗوى اﻟﻧﻔس اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻹﺟﻣﺎل وﺗرك اﻟﺗﻔﺻﯾل.
ﻟﻠﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻗوﺗﺎن ﻋﻣﻠﯾﺔ وﻧظرﯾﺔ
ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﻣﺎة اﻟﻧﺎطﻘﺔ ﻋﻧدھم ،واﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻧﺎطﻘﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻷن اﻟﻧطق أﺧص ﺛﻣرات اﻟﻌﻘل
ﻓﻲ اﻟظﺎھر ،ﻓﻧﺳﺑت إﻟﯾﮫ ﻓﻠﮭﺎ ﻗوﺗﺎن :ﻗوة ﻋﺎﻟﻣﺔ وﻗوة ﻋﺎﻣﻠﺔ ،وﻗد ﯾﺳﻣﻰ ﻛل واﺣدة ﻋﻘﻼً وﻟﻛن ﺑﺎﺷﺗراك اﻻﺳم.
ﻓﺎﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻗوة ھﻲ ﻣﺑدأ ﻣﺣرك ﻟﺑدن اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت اﻟﻣرﺗﺑﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻧﺑط ﺗرﺗﯾﺑﮭﺎ ﺑﺎﻟروﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ
ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن .وأﻣﺎ اﻟﻌﺎﻟﻣﺔ ﻓﮭﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ اﻟﻧظرﯾﺔ وھﻲ ﻗوة ﻣن ﺷﺄﻧﮭﺎ أن ﺗدرك ﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﻌﻘوﻻت اﻟﻣﺟردة ﻋن
اﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻛﺎن واﻟﺟﮭﺎت ،وھﻲ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون أﺣواﻻً ﻣرة ووﺟودھﺎ أﺧرى وﺗﺳﻣﯾﮭﺎ
اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻣﺟردة.
اﻷوﻟﻰ ﺗﻧﻘﺎد ﻟﻠﺑدن ،واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
ﻓﺈذن ﻟﻠﻧﻔس ﻗوﺗﺎن ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﺟﻧﺑﺗﯾن :اﻟﻘوة اﻟﻧظرﯾﺔ ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﺟﻧﺑﺔ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ إذ ﺑﮭﺎ ﺗﺄﺧذ ﻣن اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
اﻟﻌﻠوم اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ،وﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻛون ھذه اﻟﻘوة داﺋﻣﺔ اﻟﻘﺑول ﻣن ﺟﮭﺔ ﻓوق .واﻟﻘوة اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ أﺳﻔل
وھﻲ ﺟﮭﺔ اﻟﺑدن وﺗدﺑﯾره وإﺻﻼح اﻷﺧﻼق ،وھذه اﻟﻘوة ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﺗﺳﻠط ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى اﻟﺑدﻧﯾﺔ وأن ﺗﻛون
ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى ﻣﺗﺄدﺑﺔ ﺑﺗﺄدﯾﺑﮭﺎ ﻣﻘﮭورة دوﻧﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻧﻔﻌل وﻻ ﺗﺗﺄﺛر ھﻲ ﻋﻧﮭﺎ ﺑل ﺗﻧﻔﻌل ﺗﻠك اﻟﻘوى ﻋﻧﮭﺎ ﻟﺋﻼ
ﯾﺣدث ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﻣن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺑدﻧﯾﺔ ھﯾﺂت اﻧﻘﯾﺎدﯾﺔ ﺗﺳﻣﻰ رذاﺋل ﺑل ﺗﻛون ھﻲ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻟﯾﺣﺻل ﻟﻠﻧﻔس ﺑﺳﺑﺑﮭﺎ
ھﯾﺂت ﺗﺳﻣﻰ ﻓﺿﺎﺋل.
ھذه ﻛﻠﮭﺎ ﻻ ﺗﻧﻛر
ﻓﮭذا إﯾﺟﺎز ﻣﺎ ﻓﺻﻠوه ﻣن اﻟﻘوى اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وطوﻟوا ﺑذﻛرھﺎ ﻣﻊ اﻹﻋراض ﻋن ذﻛر اﻟﻘوى اﻟﻧﺑﺎﺗﯾﺔ إذ
ﻻ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻛرھﺎ ﻓﻲ ﻏرﺿﻧﺎ .وﻟﯾس ﺷﻲء ﻣﻣﺎ ذﻛروه ﻣﻣﺎ ﯾﺟب إﻧﻛﺎره ﻓﻲ اﻟﺷرع ﻓﺈﻧﮭﺎ أﻣور ﻣﺷﺎھدة
أﺟرى ﷲ اﻟﻌﺎدة ﺑﮭﺎ.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ﻷﻧﮭم ﯾﻘﺻدون اﻟدﻻﻟﺔ
وإﻧﻣﺎ ﻧرﯾد أن ﻧﻌﺗرض اﻵن ﻋﻠﻰ دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ ﻛون اﻟﻧﻔس ﺟوھراً ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ ﺑﺑراھﯾن اﻟﻌﻘل .وﻟﺳﻧﺎ
ﻧﻌﺗرض اﻋﺗراض ﻣن ﯾﺑﻌد ذﻟك ﻣن ﻗدرة ﷲ أو ﯾرى أن اﻟﺷرع ﺟﺎء ﺑﻧﻘﯾﺿﮫ ﺑل رﺑﻣﺎ ﻧﺑﯾن ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾل اﻟﺣﺷر
واﻟﻧﺷر أن اﻟﺷرع ﻣﺻدق ﻟﮫ ،وﻟﻛﻧﺎ ﻧﻧﻛر دﻋواھم دﻻﻟﺔ ﻣﺟرد اﻟﻌﻘل ﻋﻠﯾﮫ واﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن اﻟﺷرع ﻓﯾﮫ.
ﻓﻠﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺎﻷدﻟﺔ وﻟﮭم ﻓﯾﮫ ﺑراھﯾن ﻛﺛﯾرة ﺑزﻋﻣﮭم.
اﻷول
دﻟﯾﻠﮭم اﻷول أن ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ،ﻓﮭو ﻟﯾس ﺟﺳﻣﺎ ً
ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺗﺣل ﻣﺣل اﻟﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ وھﻲ ﻣﺣﺻورة وﻓﯾﮭﺎ آﺣﺎد ﻻ ﺗﻧﻘﺳم ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻣﺣﻠﮫ
أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ،وﻛل ﺟﺳم ﻓﻣﻧﻘﺳم ﻓدل أن ﻣﺣﻠﮫ ﺷﻲء ﻻ ﯾﻧﻘﺳم .وﯾﻣﻛن إﯾراد ھذا ﻋﻠﻰ ﺷرط اﻟﻣﻧطق ﺑﺄﺷﻛﺎﻟﮫ
وﻟﻛن أﻗرﺑﮫ أن ﯾﻘﺎل إن ﻛﺎن ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟﺳﻣﺎ ً ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً ﻓﺎﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎل أﯾﺿﺎ ً ﻣﻧﻘﺳم ﻟﻛن اﻟﻌﻠم اﻟﺣﺎل ﻏﯾر ﻣﻧﻘﺳم
ﻓﺎﻟﻣﺣل ﻟﯾس ﺟﺳﻣﺎ ً .وھذا ھو ﻗﯾﺎس ﺷرطﻲ اﺳﺗﺛﻧﻰ ﻓﯾﮫ ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻓﻼ ﻧظر ﻓﻲ
ﺻﺣﺔ ﺷﻛل اﻟﻘﯾﺎس وﻻ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن ﻓﺈن اﻷول ﻗوﻟﻧﺎ إن ﻛل ﺣﺎل ﻓﻲ ﻣﻧﻘﺳم ﯾﻧﻘﺳم ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﻔرض
اﻟﻘﺳﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﻠﮫ وھو أوﻟﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺗﺷﻛك ﻓﯾﮫ ،واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﯾﺣل ﻓﻲ اﻵدﻣﻲ وھو ﻻ ﯾﻧﻘﺳم
ﻷﻧﮫ ﻟو اﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻛﺎن ﻣﺣﺎﻻً وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻓﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ آﺣﺎد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻧﻘﺳم .وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ
ﻧﺣن ﻧﻌﻠم أﺷﯾﺎء وﻻ ﻧﻘدر أن ﻧﻔرض زوال ﺑﻌﺿﮭﺎ وﺑﻘﺎء ﺑﻌض ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﻻ ﺑﻌض ﻟﮭﺎ.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻟﻣﺎذا ﻻ ﯾﻛون ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟوھراً ﻓرداً ؟
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻣﯾن :اﻟﻣﻘﺎم اﻷول أن ﯾﻘﺎل :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘول .ﻣﺣل اﻟﻌﻠم ﺟوھر ﻓرد ﻣﺗﺣﯾز ﻻ
ﯾﻧﻘﺳم ،وﻗد ﻋرف ھذا ﻣن ﻣذھب اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن .وﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌده إﻻ اﺳﺗﺑﻌﺎد وھو أﻧﮫ ﻛﯾف ﺗﺣل اﻟﻌﻠوم ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ
ﺟوھر ﻓرد وﺗﻛون ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟواھر اﻟﻣطﯾﻔﺔ ﺑﮭﺎ ﻣﻌطﻠﺔ ﻣﺟﺎورة .واﻻﺳﺗﺑﻌﺎد ﻻ ﺧﯾر ﻓﯾﮫ إذ ﯾﺗوﺟﮫ ﻋﻠﻰ ﻣذھﺑﮭم
أﯾﺿﺎ ً أﻧﮫ ﻛﯾف ﺗﻛون اﻟﻧﻔس ﺷﯾﺋﺎ ً واﺣداً ﻻ ﯾﺗﺣﯾز وﻻ ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮫ وﻻ ﯾﻛون داﺧل اﻟﺑدن وﻻ ﺧﺎرﺟﮫ وﻻ ﻣﺗﺻﻼً
ﺑﺎﻟﺟﺳم وﻻ ﻣﻧﻔﺻﻼً ﻋﻧﮫ.
ﻟﻛن ھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﯾطول ﺣﻠﮭﺎ
إﻻ أﻧﺎ ﻻ ﻧؤﺛر ھذا اﻟﻣﻘﺎم ﻓﺈن اﻟﻘول ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺟزء اﻟذي ﻻ ﯾﺗﺟزى طوﯾل وﻟﮭم ﻓﯾﮫ أدﻟﺔ ھﻧدﺳﯾﺔ ﯾطول اﻟﻛﻼم
ﻋﻠﯾﮭﺎ وﻣن ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ ﻗوﻟﮭم :ﺟوھر ﻓرد ﺑﯾن ﺟوھرﯾن ،ھل ﯾﻼﻗﻲ أﺣد اﻟطرﻓﯾن ﻣﻧﮫ ﻋﯾن ﻣﺎ ﯾﻼﻗﯾﮫ اﻵﺧر أو
ﻏﯾره؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ ﺗﻼﻗﻲ اﻟطرﻓﯾن ﻓﺈن ﻣﻼﻗﻲ اﻟﻣﻼﻗﻲ ﻣﻼق ،وإن ﻛﺎن ﻣﺎ ﯾﻼﻗﯾﮫ
ﻏﯾره ﻓﻔﯾﮫ إﺛﺑﺎت اﻟﺗﻌدد واﻻﻧﻘﺳﺎم ،وھذه ﺷﺑﮭﺔ ﯾطول ﺣﻠﮭﺎ وﺑﻧﺎ ﻏﻧﯾﺔ ﻋن اﻟﺧوض ﻓﯾﮭﺎ ،ﻓﻠﻧﻌدل إﻟﻰ ﻣﻘﺎم آﺧر.
إن اﻟﺷﺎة ﺗدرك ﻋداوة اﻟذﺋب وھﻲ ﻻ ﺗﻧﻘﺳم
اﻟﻣﻘﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻧﻘول :ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن أن ﻛل ﺣﺎل ﻓﻲ ﺟﺳم ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎطل ﻋﻠﯾﻛم ﺑﻣﺎ ﺗدرﻛﮫ اﻟﻘوة ﻣن
اﻟﺷﺎة ﻣن ﻋداوة اﻟذﺋب ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻛم ﺷﻲء وﺣد ﻻ ﯾﺗﺻور ﺗﻘﺳﯾﻣﮫ إذ ﻟﯾس ﻟﻠﻌداوة ﺑﻌض ﺣﺗﻰ ﯾﻘدر إدراك
ﺑﻌﺿﮫ وزوال ﺑﻌﺿﮫ ،وﻗد ﺣﺻل إدراﻛﮭﺎ ﻓﻲ ﻗوة ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻋﻧدﻛم ﻓﺈن ﻧﻔس اﻟﺑﮭﺎﺋم ﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ﻻ
ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت .وﻗد اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﯾﮫ ﻓﺈن أﻣﻛﻧﮭم أن ﯾﺗﻛﻠﻔوا ﺗﻘدﯾر اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ اﻟﻣدرﻛﺎت ﺑﺎﻟﺣواس اﻟﺧﻣس
وﺑﺎﻟﺣس اﻟﻣﺷﺗرك وﺑﺎﻟﻘوة اﻟﺣﺎﻓظﺔ ﻟﻠﺻور ﻓﻼ ﯾﻣﻛﻧﮭم ﺗﻘدﯾر اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﻟﯾس ﻣن ﺷرطﮭﺎ أن
ﺗﻛون ﻓﻲ ﻣﺎدة.
ﻗد ﯾﻘﺎل ﻟﯾس اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻌداوة اﻟﻣﺟردة
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﺷﺎة ﻻ ﺗدرك اﻟﻌداوة اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﺑل ﺗدرك ﻋداوة اﻟذﺋب اﻟﻣﻌﯾن اﻟﻣﺷﺧص ﻣﻘروﻧﺎ ً
ﺑﺷﺧﺻﮫ وھﯾﻛﻠﮫ .واﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﺗدرك اﻟﺣﻘﺎﺋق ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد واﻷﺷﺧﺎص.
اﻹدراك ﻻ ﯾﻧﻘﺳم
ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﺷﺎة ﻗد أدرﻛت ﻟون اﻟذﺋب وﺷﻛﻠﮫ ﺛم ﻋداوﺗﮫ ،ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻠون ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺎﺻرة وﻛذى اﻟﺷﻛل
وﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم ﻣﺣل اﻟﺑﺻر ﻓﺎﻟﻌداوة ﺑﻣﺎذى ﺗدرﻛﮭﺎ؟ ﻓﺈن أدرك ﺑﺟﺳم ﻓﻠﯾﻧﻘﺳم وﻟﯾت ﺷﻌري ﻣﺎ ﺣﺎل ذﻟك
اﻹدراك إذا ﻗﺳم ،وﻛﯾف ﯾﻛون ﺑﻌﺿﮫ؟ أھو إدراك ﻟﺑﻌض اﻟﻌداوة ﻓﻛﯾف ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﺑﻌض؟ أو ﻛل ﻗﺳم إدراك
ﻟﻛل اﻟﻌداوة ﻓﺗﻛون اﻟﻌداوة ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻣراراً ﺑﺛﺑوت إدراﻛﮭﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻗﺳم ﻣن أﻗﺳﺎم اﻟﻣﺣل .ﻓﺈذن ھذه ﺷﺑﮭﺔ ﻣﺷﻛﻠﺔ
ﻟﮭم ﻓﻲ ﺑرھﺎﻧﮭم ﻓﻼ ﺑد ﻣن اﻟﺣل.
ﻗد ﯾﻘﺎل ﻻ ﺷك ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن
ﻓﺈن ﻗﯾل :ھذه ﻣﻧﺎﻗﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت واﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻻ ﺗﻧﻘض ﻓﺈﻧﻛم ﻣﮭﻣﺎ ﻟم ﺗﻘدروا ﻋﻠﻰ اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺗﯾن،
وھو أن اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻻ ﯾﻧﻘﺳم وأن ﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﻻ ﯾﻘوم ﺑﺟﺳم ﻣﻧﻘﺳم ،ﻟم ﯾﻣﻛﻧﻛم اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ.
ﺟواﺑﻧﺎ ﺑﯾﻧﺎ أن أﻗواﻟﮭم ﺗﺗﻧﺎﻗض
واﻟﺟواب أن ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻣﺎ ﺻﻧﻔﻧﺎه إﻻ ﻟﺑﯾﺎن اﻟﺗﮭﺎﻓت واﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،وﻗد ﺣﺻل إذ اﻧﺗﻘض ﺑﮫ
أﺣد اﻷﻣرﯾن :إﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ اﻟﻧﻔس اﻟﻧﺎطﻘﺔ أو ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ.
ﻟﯾس اﻟﻌﻠم ﻛﺎﻟﻠون
ﺛم ﻧﻘول :ھذه اﻟﻣﻧﺎﻗﺿﺔ ﺗﺑﯾن أﻧﮭم ﻏﻔﻠوا ﻋن ﻣوﺿﻊ ﺗﻠﺑﯾس ﻓﻲ اﻟﻘﯾﺎس وﻟﻌل ﻣوﺿﻊ اﻻﻟﺗﺑﺎس ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻌﻠم
ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم اﻧطﺑﺎع اﻟﻠون ﻓﻲ اﻟﻣﺗﻠون ،وﯾﻧﻘﺳم اﻟﻠون ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﺗﻠون ﻓﯾﻧﻘﺳم اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم ﻣﺣﻠﮫ .واﻟﺧﻠل
ﻓﻲ ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع إذ ﯾﻣﻛن أن ﻻ ﺗﻛون ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮫ ﻛﻧﺳﺑﺔ اﻟﻠون إﻟﻰ اﻟﻣﺗﻠون ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﻣﻧﺑﺳط ﻋﻠﯾﮫ
وﻣﻧطﺑﻊ ﻓﯾﮫ وﻣﻧﺗﺷر ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﮫ ﻓﯾﻧﻘﺳم ﺑﺎﻧﻘﺳﺎﻣﮫ .ﻓﻠﻌل ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻌﻠم إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮫ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ آﺧر وذﻟك اﻟوﺟﮫ ﻻ
ﯾﺟوز ﻓﯾﮫ اﻻﻧﻘﺳﺎم ﻋﻧد اﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﺣل ﺑل ﻧﺳﺑﺗﮫ إﻟﯾﮫ ﻛﻧﺳﺑﺔ إدراك اﻟﻌداوة إﻟﻰ اﻟﺟﺳم .ووﺟوه ﻧﺳﺑﺔ اﻷوﺻﺎف
إﻟﻰ ﻣﺣﻠﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﺣﺻورة ﻓﻲ ﻓن واﺣد وﻻ ھﻲ ﻣﻌﻠوﻣﺔ اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻣﺎ ً ﻧﺛق ﺑﮫ ،ﻓﺎﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ دون اﻹﺣﺎطﺔ
ﺑﺗﻔﺻﯾل اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺣﻛم ﻏﯾر ﻣوﺛوق ﺑﮫ.
??ﻻ دﻟﯾل ﻟﮭم
وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﯾﻧﻛر أن ﻣﺎ ذﻛروه ﻣﻣﺎ ﯾﻘوي اﻟظن وﯾﻐﻠﺑﮫ وإﻧﻣﺎ ﯾﻧﻛر ﻛوﻧﮫ ﻣﻌﻠوﻣﺎ ً ﯾﻘﯾﻧﺎ ً ﻋﻠﻣﺎ ً ﻻ ﯾﺟوز اﻟﻐﻠط
ﻓﯾﮫ وﻻ ﯾﺗطرق إﻟﯾﮫ اﻟﺷك وھذا اﻟﻘدر ﻣﺷﻛك ﻓﯾﮫ.
دﻟﯾل ﺛﺎن
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻌﻠم ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم
ﻗﺎﻟوا :إن ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم اﻟواﺣد اﻟﻌﻘﻠﻲ وھو اﻟﻣﻌﻠوم اﻟﻣﺟرد ﻋن اﻟﻣواد ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﺎدة اﻧطﺑﺎع
اﻷﻋراض ﻓﻲ اﻟﺟوھر اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟزم اﻧﻘﺳﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺑﺎﻧﻘﺳﺎم اﻟﺟﺳم ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ،وإن ﻟم ﯾﻛن ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﯾﮫ وﻻ
ﻣﻧﺑﺳطﺎ ً ﻋﻠﯾﮫ واﺳﺗﻛره ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﻧﻌدل إﻟﻰ ﻋﺑﺎرة أﺧرى وﻧﻘول :ھل ﻟﻠﻌﻠم ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم أم ﻻ؟ وﻣﺣﺎل
ﻗطﻊ اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻓﺈﻧﮫ إن ﻗطﻌت اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻋﻧﮫ ﻓﻛوﻧﮫ ﻋﺎﻟﻣﺎ ً ﺑﮫ ﻟم ﺻﺎر أوﻟﻰ ﻣن ﻛون ﻏﯾره ﻋﺎﻟﻣﺎً؟
وھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺗﻛون ﻣن ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم
إﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﻛل أو إﻟﻰ اﻟﺑﻌض أو ﻻ ﺗﻛون ،وﺛﻼﺛﺗﮭﺎ ﺑﺎطﻠﺔ
وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا ﻣن ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم :إﻣﺎ أن ﺗﻛون اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻛل ﺟزء ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﺣل أو ﺗﻛون ﻟﺑﻌض
أﺟزاء اﻟﻣﺣل دون اﻟﺑﻌض أو ﻻ ﯾﻛون ﻟواﺣد ﻣن اﻷﺟزاء ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ .وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل :ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟواﺣد ﻣن
اﻷﺟزاء ،ﻓﺈﻧﮫ إذا ﻟم ﯾﻛن ﻟﻶﺣﺎد ﻧﺳﺑﺔ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﺟﻣوع ﻧﺳﺑﺔ ﻓﺈن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن اﻟﻣﺑﺎﯾﻧﺎت ﻣﺑﺎﯾن .وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل:
اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺑﻌض ،ﻓﺈن اﻟذي ﻻ ﻧﺳﺑﺔ ﻟﮫ ﻟﯾس ھو ﻣن ﻣﻌﻧﺎه ﻓﻲ ﺷﻲء وﻟﯾس ﻛﻼﻣﻧﺎ ﻋﻧﮫ .وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل :ﻟﻛل ﺟزء
ﻣﻔروض ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟذات ،ﻷﻧﮫ إن ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ذات اﻟﻌﻠم ﺑﺄﺳره ﻓﻣﻌﻠوم ﻛل واﺣد ﻣن اﻷﺟزاء ﻟﯾس ھو
ﺟزءاً ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ﻛﻣﺎ ھو ﻓﯾﻛون ﻣﻌﻘوﻻً ﻣرات ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌل ،وإن ﻛﺎن ﻛل ﺟزء ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ أﺧرى ﻏﯾر
اﻟﻧﺳﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﻠﺟزء اﻵﺧر إﻟﻰ ذات اﻟﻌﻠم ﻓذات اﻟﻌﻠم إذن ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ ،وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻣﻌﻠوم اﻟواﺣد
ﻣن ﻛل وﺟﮫ ﻻ ﯾﻧﻘﺳم ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ ،وإن ﻛﺎن ﻧﺳﺑﺔ ﻛل واﺣد إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣن ذات اﻟﻌﻠم ﻏﯾر ﻣﺎ إﻟﯾﮫ ﻧﺳﺑﺔ اﻵﺧر
ﻓﺎﻧﻘﺳﺎم ذات اﻟﻌﻠم ﺑﮭذا أظﮭر وھو ﻣﺣﺎل.
ﻓﻲ اﻟﺣس أﻗﺳﺎم
وﻣن ھذا ﯾﺗﺑﯾن أن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت اﻟﻣﻧطﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس ﻻ ﺗﻛون إﻻ أﻣﺛﻠﺔ ﻟﺻور ﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ ،ﻓﺈن
اﻹدراك ﻣﻌﻧﺎه ﺣﺻول ﻣﺛﺎل اﻟﻣدرك ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻣدرك ،وﯾﻛون ﻟﻛل ﺟزء ﻣن ﻣﺛﺎل اﻟﻣﺣﺳوس ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺟزء
ﻣن اﻵﻟﺔ اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ وھذا ﺷﺄن ﻋداوة اﻟذﺋب
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﺈن ﺗﺑدﯾل ﻟﻔظ اﻻﻧطﺑﺎع ﺑﻠﻔظ اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻻ ﯾدرأ اﻟﺷﺑﮭﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟوھﻣﯾﺔ
ﻟﻠﺷﺎة ﻣن ﻋداوة اﻟذﺋب ﻛﻣﺎ ذﻛروه ﻓﺈﻧﮫ إدراك ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ وﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ ،وﯾﻠزم ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﺈن
اﻟﻌداوة ﻟﯾس أﻣراً ﻣﻘدراً ﻟﮫ ﻛﻣﯾﺔ ﻣﻘدارﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻧطﺑﻊ ﻣﺛﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺟﺳم ﻣﻘدر وﺗﻧﺗﺳب أﺟزاؤھﺎ إﻟﻰ أﺟزاﺋﮫ،
وﻛون ﺷﻛل اﻟذﺋب ﻣﻘدراً ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﺈن اﻟﺷﺎة أدرﻛت ﺷﯾﺋﺎ ً ﺳوى ﺷﻛﻠﮫ وھو اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ واﻟﻣﺿﺎدة واﻟﻌداوة،
واﻟزﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل ﻣن اﻟﻌداوة ﻟﯾس ﻟﮭﺎ ﻣﻘدار وﻗد أدرﻛﺗﮫ ﺑﺟﺳم ﻣﻘدر .ﻓﮭذه اﻟﺻور ﻣﺷﻛﻛﺔ ﻓﻲ ھذا اﻟﺑرھﺎن
ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻷول.
ﻗد ﯾﻘﺎل ھﻼ ﺗﻌﺗرﺿون ﻋﻠﻰ اﻟﺟوھر اﻟﻔرد؟
ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :ھﻼ دﻓﻌﺗم ھذه اﻟﺑراھﯾن ﺑﺄن اﻟﻌﻠم ﯾﺣل ﻣن اﻟﺟﺳم ﻓﻲ ﺟوھر ﻣﺗﺣﯾز ﻻ ﯾﺗﺟزى وھو اﻟﺟزء
اﻟﻔرد.
ﺟواﺑﻧﺎ ھذا اﻟﺑﺣث طوﯾل ﻻ ﻓﺎﺋدة ﻓﯾﮫ
ﻗﻠﻧﺎ :ﻷن اﻟﻛﻼم ﻓﻲ اﻟﺟوھر اﻟﻔرد ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺄﻣور ھﻧدﺳﯾﺔ ﯾطول اﻟﻘول ﻓﻲ ﺣﻠﮭﺎ .ﺛم ﻟﯾس ﻓﯾﮫ ﻣﺎ ﯾدﻓﻊ اﻹﺷﻛﺎل
ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻠزم أن ﺗﻛون اﻟﻘدرة واﻹرادة أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺟزء ﻓﺈن ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻓﻌﻼً وﻻ ﯾﺗﺻور ذﻟك إﻻ ﺑﻘدرة وإرادة
وﻻ ﯾﺗﺻور اﻹرادة إﻻ ﺑﻌﻠم وﻗدرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﯾد واﻷﺻﺎﺑﻊ ،واﻟﻌﻠم ﺑﮭﺎ ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﯾد إذ ﻻ ﯾزول ﺑﻘطﻊ اﻟﯾد وﻻ
إرادﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﯾد ﻓﺈﻧﮫ ﻗد ﯾرﯾدھﺎ ﺑﻌد ﺷﻠل اﻟﯾد وﺗﺗﻌذر ﻻ ﻟﻌدم اﻹرادة ﺑل ﻟﻌدم اﻟﻘدرة.
دﻟﯾل ﺛﺎﻟث
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻟث اﻹﻧﺳﺎن دون اﻟﺟزء ھو اﻟﻌﺎﻟم
ﻗوﻟﮭم :اﻟﻌﻠم ﻟو ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟزء ﻣن اﻟﺟﺳم ﻟﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ذﻟك اﻟﺟزء دون ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻹﻧﺳﺎن ،واﻹﻧﺳﺎن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ
ﻋﺎﻟم واﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺻﻔﺔ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن ﻏﯾر ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﺣل ﻣﺧﺻوص
ﺟواﺑﻧﺎ وھو اﻟﻣﺑﺻر!
وھذا ھوس ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺳﻣﻰ ﻣﺑﺻراً وﺳﺎﻣﻌﺎ ً وذاﺋﻘﺎً ،وﻛذى اﻟﺑﮭﯾﻣﺔ ﺗوﺻف ﺑﮫ وذﻟك ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أن إدراك
اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺟﺳم ﺑل ھو ﻧوع ﻣن اﻟﺗﺟوز ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻼن ﻓﻲ ﺑﻐداذ وإن ﻛﺎن ھو ﻓﻲ ﺟزء ﻣن ﺟﻣﻠﺔ
ﺑﻐداذ ﻻ ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ وﻟﻛن ﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ.
دﻟﯾل راﺑﻊ
دﻟﯾﻠﮭم اﻟراﺑﻊ ﻗد ﯾﻛون اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد
إن ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ﯾﺣل ﺟزءاً ﻣن اﻟﻘﻠب أو اﻟدﻣﺎغ ﻣﺛﻼً ﻓﺎﻟﺟﮭل ﺿده ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺟوز ﻗﯾﺎﻣﮫ ﺑﺟزء آﺧر ﻣن اﻟﻘﻠب أو
اﻟدﻣﺎغ وﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻋﺎﻟﻣﺎ ً وﺟﺎھﻼً ﺑﺷﻲء واﺣد ،ﻓﻠﻣﺎ اﺳﺗﺣﺎل ذﻟك ﺗﺑﯾن أن ﻣﺣل اﻟﺟﮭل ھو
ﻣﺣل اﻟﻌﻠم وأن ذﻟك اﻟﻣﺣل واﺣد ﯾﺳﺗﺣﯾل اﺟﺗﻣﺎع اﻟﺿدﯾن ﻓﯾﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﻛﺎن ﻣﻧﻘﺳﻣﺎ ً ﻟﻣﺎ اﺳﺗﺣﺎل ﻗﯾﺎم اﻟﺟﮭل
ﺑﺑﻌﺿﮫ واﻟﻌﻠم ﺑﺑﻌﺿﮫ ﻷن اﻟﺷﻲء ﻓﻲ ﻣﺣل ﻻ ﯾﺿﺎده ﺿده ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر ،ﻛﻣﺎ ﺗﺟﺗﻣﻊ اﻟﺑﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻔرس اﻟواﺣد
واﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض ﻓﻲ اﻟﻌﯾن اﻟواﺣدة وﻟﻛن ﻓﻲ ﻣﺣﻠﯾن.
اﻟﺣواس ﻻ ﺿد ﻹدراﻛﺎﺗﮭﺎ
وﻻ ﯾﻠزم ھذا ﻓﻲ اﻟﺣواس ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﺿد ﻹدراﻛﺎﺗﮭﺎ وﻟﻛﻧﮫ ﻗد ﯾدرك وﻗد ﻻ ﯾدرك ﻓﻠﯾس ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ إﻻ ﺗﻘﺎﺑل اﻟوﺟود
واﻟﻌدم .ﻓﻼ ﺟرم ﻧﻘول :ﯾدرك ﺑﺑﻌض أﺟزاﺋﮫ ﻛﺎﻟﻌﯾن واﻷذن وﻻ ﯾدرك ﺑﺳﺎﺋر ﺑدﻧﮫ ،وﻟﯾس ﻓﯾﮫ ﺗﻧﺎﻗض.
ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد ﺑﻐﯾر اﻟﻣﺟﺎز
وﻻ ﯾﻐﻧﻲ ﻋن ھذا ﻗوﻟﻛم إن اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻣﺿﺎدة ﻟﻠﺟﺎھﻠﯾﺔ ،واﻟﺣﻛم ﻋﺎم ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻟﺑدن إذ ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻛون اﻟﺣﻛم ﻓﻲ
ﻏﯾر ﻣﺣل اﻟﻌﻠﺔ ﻓﺎﻟﻌﺎﻟم ھو اﻟﻣﺣل اﻟذي ﻗﺎم اﻟﻌﻠم ﺑﮫ ،ﻓﺈن أطﻠق اﻻﺳم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﺑﺎﻟﻣﺟﺎز ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل :ھو ﻓﻲ
ﺑﻐداذ وإن ﻛﺎن ھو ﻓﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ،وﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل :ﻣﺑﺻر ،وإن ﻛﻧﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة ﻧﻌﻠم أن ﺣﻛم اﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺛﺑت ﻟﻠرﺟل
واﻟﯾد ﺑل ﯾﺧﺗص ﺑﺎﻟﻌﯾن ،وﺗﺿﺎد اﻷﺣﻛﺎم ﻛﺗﺿﺎد اﻟﻌﻠل ﻓﺈن اﻷﺣﻛﺎم ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻣﺣل اﻟﻌﻠل.
ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟﻣﮭﯾﺄ ﻟﻛل ﻣن اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل
وﻻ ﯾﺧﻠص ﻣن ھذا ﻗول اﻟﻘﺎﺋل إن اﻟﻣﺣل اﻟﻣﮭﯾﺄ ﻟﻘﺑول اﻟﻌﻠم واﻟﺟﮭل ﻣن اﻹﻧﺳﺎن واﺣد ﻓﯾﺗﺿﺎدان ﻋﻠﯾﮫ ،ﻓﺈن
ﻋﻧدﻛم أن ﻛل ﺟﺳم ﻓﯾﮫ ﺣﯾوة ﻓﮭو ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻌﻠم واﻟﺟﮭل وﻟم ﺗﺷﺗرطوا ﺳوى اﻟﺣﯾوة ﺷرﯾطﺔ أﺧرى ،وﺳﺎﺋر أﺟزاء
اﻟﺑدن ﻋﻧدﻛم ﻓﻲ ﻗﺑول اﻟﻌﻠم ﻋﻠﻰ وﺗﯾرة واﺣدة.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ وﻻ ﺗﻛون اﻟﺷﮭوة واﻟﻧﻔرة ﻓﻲ اﻟﻣﺣل اﻟواﺣد
اﻻﻋﺗراض أن ھذا ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ اﻟﺷﮭوة واﻟﺷوق واﻹرادة ﻓﺈن ھذه اﻷﻣور ﺗﺛﺑت ﻟﻠﺑﮭﺎﺋم واﻹﻧﺳﺎن ،وھﻲ
ﻣﻌﺎن ﺗﻧطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم ،ﺛم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻧﻔر ﻋﻣﺎ ﯾﺷﺗﺎق إﻟﯾﮫ ﻓﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﮫ اﻟﻧﻔرة واﻟﻣﯾل إﻟﻰ ﺷﻲء واﺣد ﺑوﺟود
اﻟﺷوق ﻓﻲ ﻣﺣل واﻟﻧﻔرة ﻓﻲ ﻣﺣل آﺧر ،وذﻟك ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺣل اﻷﺟﺳﺎم وذﻟك ﻷن ھذه اﻟﻘوى وإن
ﻛﺎﻧت ﻛﺛﯾرة وﻣﺗوزﻋﺔ ﻋﻠﻰ آﻻت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻠﮭﺎ راﺑطﺔ واﺣدة وھﻲ اﻟﻧﻔس ،وذﻟك ﻟﻠﺑﮭﯾﻣﺔ واﻹﻧﺳﺎن ﺟﻣﯾﻌﺎً ،وإذا
اﺗﺣدت اﻟراﺑطﺔ اﺳﺗﺣﺎﻟت اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ ،وھذا ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻛون اﻟﻧﻔس ﻏﯾر ﻣﻧطﺑﻊ ﻓﻲ
اﻟﺟﺳم ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﮭﺎﺋم.
دﻟﯾل ﺧﺎﻣس
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺧﺎﻣس ﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﻋﻘل اﻟﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ
ﻗوﻟﮭم :إن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﯾدرك اﻟﻣﻌﻘول ﺑﺂﻟﺔ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﮭو ﻻ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ واﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺎﻟﻣﻘدم
ﻣﺣﺎل.
ﺟواﺑﻧﺎ ﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻗﻠﻧﺎ :ﻣﺳﻠم أن اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﻘﯾض اﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﻧﺗﺞ ﻧﻘﯾض اﻟﻣﻘدم وﻟﻛن إذا ﺛﺑت اﻟﻠزوم ﺑﯾن اﻟﺗﺎﻟﻲ واﻟﻣﻘدم ،،ﺑل ﻧﻘول :ﻣﺎ
ﯾﺳﻠم ﻟزوم اﻟﺗﺎﻟﻲ وﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ؟
ﻗد ﯾﻘﺎل اﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺑﺻر
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ أن اﻹﺑﺻﺎر ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺟﺳم ﻓﺎﻹﺑﺻﺎر ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺑﺻﺎر ﻓﺎﻟرؤﯾﺔ ﻻ ﺗرى واﻟﺳﻣﻊ ﻻ
ﯾﺳﻣﻊ وﻛذى ﺳﺎﺋر اﻟﺣواس .ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل أﯾﺿﺎ ً ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺟﺳم ﻓﻠم ﯾدرك ﻧﻔﺳﮫ ،واﻟﻌﻘل ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره
ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺈن اﻟواﺣد ﻣﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻘل ﻏﯾره ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻘل أﻧﮫ ﻋﻘل ﻏﯾره وأﻧﮫ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ.
ﺟواﺑﻧﺎ ھذا ﯾﺟوز ﺑﺧرق اﻟﻌﺎدات
ﻗﻠﻧﺎ :ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻓﺎﺳد ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن اﻹﺑﺻﺎر ﻋﻧدﻧﺎ ﯾﺟوز أن ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻓﯾﻛون إﺑﺻﺎراً ﻟﻐﯾره
وﻟﻧﻔﺳﮫ ﻛﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﻌﻠم اﻟواﺣد ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻐﯾره وﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﻧﻔﺳﮫ .وﻟﻛن اﻟﻌﺎدة ﺟﺎرﯾﺔ ﺑﺧﻼف ذﻟك وﺧرق اﻟﻌﺎدات ﻋﻧدﻧﺎ
ﺟﺎﺋز.
ﻓﯾﻛون ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻧﻔردة
واﻟﺛﺎﻧﻲ وھو أﻗوى أﻧﺎ ﺳﻠﻣﻧﺎ ھذا ﻓﻲ اﻟﺣواس وﻟﻛن ﻟم إذا اﻣﺗﻧﻊ ذﻟك ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺣواس ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻓﻲ ﺑﻌض؟ وأي
ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻔﺗرق ﺣﻛم اﻟﺣواس ﻓﻲ وﺟﮫ اﻹدراك ﻣﻊ اﺷﺗراﻛﮭﺎ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ،؟ ﻛﻣﺎ اﺧﺗﻠف اﻟﺑﺻر واﻟﻠﻣس
ﻓﻲ أن اﻟﻠﻣس ﻻ ﯾﻔﯾد اﻹدراك إﻻ ﺑﺎﺗﺻﺎل اﻟﻣﻠﻣوس ﺑﺎﻵﻟﺔ اﻟﻼﻣﺳﺔ ،وﻛذى اﻟذوق وﯾﺧﺎﻟﻔﮫ اﻟﺑﺻر ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﺗرط
ﻓﯾﮫ اﻻﻧﻔﺻﺎل ﺣﺗﻰ ﻟو أطﺑق أﺟﻔﺎﻧﮫ ﻟم ﯾر ﻟون اﻟﺟﻔن ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﺑﻌد ﻋﻧﮫ ،وھذا اﻻﺧﺗﻼف ﻻ ﯾوﺟب اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ
اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﺳم ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟﺣواس اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻋﻘﻼً وﯾﺧﺎﻟف ﺳﺎﺋرھﺎ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﺗدرك
ﻧﻔﺳﮭﺎ.
دﻟﯾل ﺳﺎدس
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺳﺎدس ﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ أدرك اﻟﻌﻘل اﻟﻘﻠب
ﻗﺎﻟوا :ﻟو ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﯾدرك ﺑﺂﻟﺔ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻷﺑﺻﺎر ﻟﻣﺎ أدرك آﻟﺗﮫ ﻛﺳﺎﺋر اﻟﺣواس وﻟﻛﻧﮫ ﯾدرك اﻟدﻣﺎغ واﻟﻘﻠب
وﻣﺎ ﯾدﻋﻰ آﻟﺗﮫ ،ﻓدل أﻧﮫ ﻟﯾس آﻟﺔ ﻟﮫ وﻻ ﻣﺣﻼً وإﻻ ﻟﻣﺎ أدرﻛﮫ.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ ھذا ﻛﺎﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻟذي ﻗﺑﻠﮫ .ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾدرك اﻹﺑﺻﺎر ﻣﺣﻠﮫ وﻟﻛﻧﮫ ﺣواﻟﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎدة .أو ﻧﻘول :ﻟم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﺗﻔﺗرق اﻟﺣواس ﻓﻲ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ وإن اﺷﺗرﻛت ﻓﻲ اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم
ﻛﻣﺎ ﺳﺑق؟ وﻟم ﻗﻠﺗم أن ﻣﺎ ھو ﻗﺎﺋم ﻓﻲ ﺟﺳم ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾدرك اﻟﺟﺳم اﻟذي ھو ﻣﺣﻠﮫ وﻟم ﯾﻠزم أن ﯾﺣﻛم ﻣن
ﺟزﺋﻲ ﻣﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻲ ﻣرﺳل؟
ﻻ ﯾﺣﻛم ﺑﺑﻌض اﻟﺣواس ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ
وﻣﻣﺎ ﻋرف ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑطﻼﻧﮫ وذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق أن ﯾﺣﻛم ﺑﺳﺑب ﺟزﺋﻲ أو ﺟزﺋﯾﺎت ﻛﺛﯾرة ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻲ ﺣﺗﻰ ﻣﺛﻠوه
ﺑﻣﺎ إذا ﻗﺎل اﻹﻧﺳﺎن إن ﻛل ﺣﯾوان ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣرك ﻋﻧد اﻟﻣﺿﻎ ﻓﻛﮫ اﻷﺳﻔل ﻷﻧﺎ اﺳﺗﻘرأﻧﺎ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻛﻠﮭﺎ ﻓرأﯾﻧﺎھﺎ
ﻛذﻟك ،ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻟﻐﻔﻠﺗﮫ ﻋن اﻟﺗﻣﺳﺎح ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣرك ﻓﻛﮫ اﻷﻋﻠﻰ وھؤﻻء ﻟم ﯾﺳﺗﻘرﺋوا إﻻ اﻟﺣواس اﻟﺧﻣس،
ﻓوﺟدوھﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻣﻌﻠوم ﻓﺣﻛﻣوا ﻋﻠﻰ اﻟﻛل ﺑﮫ .ﻓﻠﻌل اﻟﻌﻘل ﺣﺎﺳﺔ أﺧرى ﺗﺟري ﻣن ﺳﺎﺋر اﻟﺣواس ﻣﺟرى
اﻟﺗﻣﺳﺎح ﻣن ﺳﺎﺋر اﻟﺣﯾواﻧﺎت ،ﻓﺗﻛون إذن اﻟﺣواس ﻣﻊ ﻛوﻧﮭﺎ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾدرك ﻣﺣﻠﮭﺎ وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ
ﯾدرك ﻛﻣﺎ اﻧﻘﺳﻣت إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾدرك ﻣدرﻛﮫ ﻣن ﻏﯾر ﻣﻣﺎﺳﺔ ﻛﺎﻟﺑﺻر وإﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺎﺗﺻﺎل ﻛﺎﻟذوق
واﻟﻠﻣس .ﻓﻣﺎ ذﻛروه أﯾﺿﺎ ً إن أورث ظﻧﺎ ً ﻓﻼ ﯾورث ﯾﻘﯾﻧﺎ ً ﻣوﺛوﻗﺎ ً ﺑﮫ.
ﻗد ﯾﻘﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘل أن ﯾدرك اﻟﻘﻠب داﺋﻣﺎ ً إﻣﺎ أﻻ ﯾدرﻛﮫ أﺑداً
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻟﺳﻧﺎ ﻧﻌول ﻋﻠﻰ ﻣﺟرد اﻻﺳﺗﻘراء ﻟﻠﺣواس ﺑل ﻧﻌول ﻋﻠﻰ اﻟﺑرھﺎن وﻧﻘول :ﻟو ﻛﺎن اﻟﻘﻠب أو اﻟدﻣﺎغ ھو
ﻧﻔس اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻛﺎن ﻻ ﯾﻌزب ﻋﻧﮫ إدراﻛﮭﻣﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن أن ﯾﻌﻘﻠﮭﻣﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺧﻠوا ﻋن إدراك
ﻧﻔﺳﮫ ،ﻓﺈن أﺣداً ﻻ ﯾﻌزب ذاﺗﮫ ﻋن ذاﺗﮫ ﺑل ﯾﻛون ﻣﺛﺑﺗﺎ ً ﻟﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ أﺑداً ،واﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﻣﻊ ﺣدﯾث اﻟﻘﻠب
واﻟدﻣﺎغ أو ﻟم ﯾﺷﺎھد ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﺢ ﻣن إﻧﺳﺎن آﺧر ﻻ ﯾدرﻛﮭﻣﺎ وﻻ ﯾﻌﺗﻘد وﺟودھﻣﺎ .ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟﻌﻘل ﺣﺎﻻً ﻓﻲ ﺟﺳم
ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻌﻘل ذﻟك اﻟﺟﺳم أﺑداً أو ﻻ ﯾدرﻛﮫ أﺑداً وﻟﯾس واﺣد ﻣن اﻷﻣرﯾن ﺑﺻﺣﯾﺢ ﺑل ﯾﻌﻘل ﺣﺎﻟﺔ وﻻ ﯾﻌﻘل
ﺣﺎﻟﺔ.
ﻓﮭﻧﺎك ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة
وھذا اﻟﺗﺣﻘﯾق وھو أن اﻹدراك اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﻣﺣل إﻧﻣﺎ ﯾدرك اﻟﻣﺣل ﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺣل ،وﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون ﻟﮫ
ﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﮫ ﺳوى اﻟﺣﻠول ﻓﯾﮫ ﻓﻠﯾدرﻛﮫ أﺑداً ،وإن ﻛﺎن ھذه اﻟﻧﺳﺑﺔ ﻻ ﺗﻛﻔﻲ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾدرك أﺑداً إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن
ﯾﻛون ﻟﮫ ﻧﺳﺑﺔ أﺧرى إﻟﯾﮫ ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻟﻣﺎ أن ﻛﺎن ﯾﻌﻘل ﻧﻔﺳﮫ ﻋﻘل ﻧﻔﺳﮫ أﺑداً وﻟم ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﺑﺣﺎل.
ﺟواﺑﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﯾﺷﻌر ﺑﺟﺳده
ﻗﻠﻧﺎ :اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ دام ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻻ ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺷﻌر ﺑﺟﺳده وﺟﺳﻣﮫ .ﻧﻌم ﻻ ﯾﺗﻌﯾن ﻟﮫ اﺳم اﻟﻘﻠب وﺻورﺗﮫ
وﺷﻛﻠﮫ وﻟﻛﻧﮫ ﯾﺛﺑت ﻧﻔﺳﮫ ﺟﺳﻣﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺛﺑت ﻧﻔﺳﮫ ﻓﻲ ﺛﯾﺎﺑﮫ وﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ ،واﻟﻧﻔس اﻟذي ذﻛروه ﻻ ﯾﻧﺎﺳب اﻟﺑﯾت
واﻟﺛوب.
داﺋﻣﺎ ً وإن ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻏﯾر ﻣﻌﯾن
ﻓﺈﺛﺑﺎﺗﮫ ﻷﺻل اﻟﺟﺳم ﻣﻼزم ﻟﮫ وﻏﻔﻠﺗﮫ ﻋن ﺷﻛﻠﮫ واﺳﻣﮫ ﻛﻐﻔﻠﺗﮫ ﻋن ﻣﺣل اﻟﺷم وإﻧﮭﻣﺎ زاﺋدﺗﺎن ﻓﻲ ﻣﻘدم اﻟدﻣﺎغ
ﺷﺑﯾﮭﺗﯾن ﺑﺣﻠﻣﺗﻲ اﻟﺛدي ،ﻓﺈن ﻛل إﻧﺳﺎن ﯾﻌﻠم أﻧﮫ ﯾدرك اﻟراﺋﺣﺔ ﺑﺟﺳﻣﮫ وﻟﻛن ﻣﺣل اﻹدراك ﻻ ﯾﺗﺷﻛل ﻟﮫ وﻻ
ﯾﺗﻌﯾن وإن ﻛﺎن ﯾدرك أﻧﮫ إﻟﻰ اﻟرأس أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﻘب وﻣن ﺟﻣﻠﺔ اﻟرأس إﻟﻰ داﺧل اﻷﻧف أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ
داﺧل اﻷذن .ﻓﻛذﻟك ﯾﺷﻌر اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻧﻔﺳﮫ وﯾﻌﻠم أن ھوﯾﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﺑﮭﺎ ﻗواﻣﮫ إﻟﻰ ﻗﻠﺑﮫ وﺻدره أﻗرب ﻣﻧﮫ إﻟﻰ رﺟﻠﮫ
ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘدر ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻣﻊ ﻋدم اﻟرﺟل وﻻ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻣﻊ ﻋدم اﻟﻘﻠب ،ﻓﻣﺎ ذﻛروه ﻣن أﻧﮫ ﯾﻐﻔل
ﻋن اﻟﺟﺳم ﺗﺎرة وﺗﺎرة ﻻ ﯾﻐﻔل ﻋﻧﮫ ﻟﯾس ﻛذﻟك.
دﻟﯾل ﺳﺎﺑﻊ
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺳﺎﺑﻊ أن اﻟﻘوى اﻵﻟﯾﺔ ﯾﻌرض ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﻛﻼل
ﻗﺎﻟوا اﻟﻘوى اﻟدراﻛﺔ ﺑﺎﻵﻻت اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﯾﻌرض ﻟﮭﺎ ﻣن اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﺑﺈداﻣﺔ اﻹدراك ﻛﻼل ﻷن إداﻣﺔ
اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻔﺳد ﻣزاج اﻷﺟﺳﺎم ﻓﺗﻛﻠﮭﺎ ،وﻛذﻟك اﻷﻣور اﻟﻘوﯾﺔ اﻟﺟﻠﯾﺔ اﻹدراك ﺗوھﻧﮭﺎ ورﺑﻣﺎ ﺗﻔﺳدھﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗدرك
ﻋﻘﯾﺑﮭﺎ اﻷﺧﻔﻰ اﻷﺿﻌف ﻛﺎﻟﺻوت اﻟﻌظﯾم ﻟﻠﺳﻣﻊ واﻟﻧور اﻟﻌظﯾم ﻟﻠﺑﺻر ﻓﺈﻧﮫ رﺑﻣﺎ ﯾﻔﺳد أو ﯾﻣﻧﻊ ﻋﻘﯾﺑﮫ ﻣن
إدراك اﻟﺻوت اﻟﺧﻔﻲ واﻟﻣرﺋﯾﺎت اﻟدﻗﯾﻘﺔ ،ﺑل ﻣن ذاق اﻟﺣﻼوة اﻟﺷدﯾدة ﻻ ﯾﺣس ﺑﻌده ﺑﺣﻼوة دوﻧﮫ.
واﻷﻣر ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺑﺎﻟﻌﻛس
واﻷﻣر اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺑﺎﻟﻌﻛس ﻓﺈن إداﻣﺗﮭﺎ ﻟﻠﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻻ ﯾﺗﻌﺑﮭﺎ ودرك اﻟﺿرورﯾﺎت اﻟﺟﻠﯾﺔ ﯾﻘوﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ
درك اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺧﻔﯾﺔ وﻻ ﯾﺿﻌﻔﮭﺎ ،وإن ﻋرض ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷوﻗﺎت ﻛﻼل ﻓذﻟك ﻻﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ
واﺳﺗﻌﺎﻧﺗﮭﺎ ﺑﮭﺎ ﻓﺗﺿﻌف آﻟﺔ اﻟﻘوة اﻟﺧﯾﺎﻟﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﺧدم اﻟﻌﻘل.
ﻗوﻟﻧﺎ اﻟﺣواس ﺗﺧﺗﻠف ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌض
وھذا ﻣن اﻟطراز اﻟﺳﺎﺑق ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺧﺗﻠف اﻟﺣواس اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ھذه اﻷﻣور ﻓﻠﯾس ﻣﺎ ﯾﺛﺑت ﻣﻧﮭﺎ
ﻟﻠﺑﻌض ﯾﺟب أن ﯾﺛﺑت ﻟﻶﺧر ،ﺑل ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﺗﺗﻔﺎوت اﻷﺟﺳﺎم ﻓﯾﻛون ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺿﻌﻔﮭﺎ ﻧوع ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ وﻣﻧﮭﺎ
ﻣﺎ ﯾﻘوﯾﮭﺎ ﻧوع ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ وﻻ ﯾوھﻧﮭﺎ وإن ﻛﺎن ﯾؤﺛر ﻓﯾﮭﺎ ﻓﯾﻛون ﺛم ﺳﺑب ﯾﺟدد ﻗوﺗﮭﺎ ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗﺣس ﺑﺎﻷﺛر
ﻓﯾﮭﺎ .ﻓﻛل ھذا ﻣﻣﻛن إذا اﻟﺣﻛم اﻟﺛﺎﺑت ﻟﺑﻌض اﻷﺷﯾﺎء ﻟﯾس ﯾﻠزم أن ﯾﺛﺑت ﻟﻛﻠﮫ.
دﻟﯾل ﺛﺎﻣن
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻣن اﻟﻌﻘل ﻻ ﺗﻌﺗرﯾﮫ اﻟﺷﯾﺧوﺧﺔ
ﻗﺎﻟوا :أﺟزاء اﻟﺑدن ﻛﻠﮭﺎ ﺗﺿﻌف ﻗواھﺎ ﺑﻌد ﻣﻧﺗﮭﻰ اﻟﻧﺷو واﻟوﻗوف ﻋﻧد اﻷرﺑﻌﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ ﻓﯾﺿﻌف
اﻟﺑﺻر واﻟﺳﻣﻊ وﺳﺎﺋر اﻟﻘوى واﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﻲ أﻛﺛر اﻷﻣر إﻧﻣﺎ ﺗﻘوى ﺑﻌد ذﻟك.
ﯾﻌوﻗﮫ اﻟﻣرض
وﻻ ﯾﻠزم ﻋﻠﻰ ھذا ﺗﻌذر اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻋﻧد ﺣﻠول اﻟﻣرض ﻓﻲ اﻟﺑدن وﻋﻧد اﻟﺧرف ﺑﺳﺑب اﻟﺷﯾﺧوﺧﺔ،
ﻓﺈﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺑﺎن أﻧﮫ ﯾﺗﻘوى ﻣﻊ ﺿﻌف اﻟﺑدن ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال ﻓﻘد ﺑﺎن ﻗواﻣﮫ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،ﻓﺗﻌطﻠﮫ ﻋﻧد ﺗﻌطل اﻟﺑدن ﻻ
ﯾوﺟب ﻛوﻧﮫ ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﺑدن ﻓﺈن اﺳﺗﺛﻧﺎء ﻋﯾن اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻧﺗﺞ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول :إن ﻛﺎﻧت اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﺎﻟﺑدن ﻓﯾﺿﻌﻔﮭﺎ
ﺿﻌف اﻟﺑدن ﺑﻛل ﺣﺎل واﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺣﺎل ﻓﺎﻟﻣﻘدم ﻣﺣﺎل .وإذا ﻗﻠﻧﺎ :اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣوﺟود ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣوال ،ﻓﻼ ﯾﻠزم أن
ﯾﻛون اﻟﻣﻘدم ﻣوﺟوداً.
وﻟﮭذا اﻷﻣر ﻣدﻟول
ﺛم اﻟﺳﺑب ﻓﯾﮫ أن اﻟﻧﻔس ﻟﮭﺎ ﻓﻌل ﺑذاﺗﮭﺎ إذا ﻟم ﯾﻌق ﻋﺎﺋق وﻟم ﯾﺷﻐﻠﮭﺎ ﺷﺎﻏل ،ﻓﺈن ﻟﻠﻧﻔس ﻓﻌﻠﯾن :ﻓﻌل ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ
اﻟﺑدن وھو اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻟﮫ وﺗدﺑﯾره وﻓﻌل ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﻣﺑﺎدﺋﮫ وإﻟﻰ ذاﺗﮫ وھو إدراك اﻟﻣﻌﻘوﻻت ،وھﻣﺎ ﻣﺗﻣﺎﻧﻌﺎن
ﻣﺗﻌﺎﻧدان ﻓﻣﮭﻣﺎ اﺷﺗﻐل ﺑﺄﺣدھﻣﺎ اﻧﺻرف ﻋن اﻵﺧر وﺗﻌذر ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن .وﺷواﻏﻠﮫ ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟﺑدن
اﻹﺣﺳﺎس واﻟﺗﺧﯾل واﻟﺷﮭوات واﻟﻐﺿب واﻟﺧوف واﻟﻐم واﻟوﺟﻊ ،ﻓﺈذا أﺧذت ﺗﻔﻛر ﻓﻲ ﻣﻌﻘول ﺗﻌطل ﻋﻠﯾك ﻛل
ھذه اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧر .ﺑل ﻣﺟرد اﻟﺣس ﻗد ﯾﻣﻧﻊ ﻣن إدراك اﻟﻌﻘل وﻧظره ﻣن ﻏﯾر أن ﯾﺻﯾب آﻟﺔ اﻟﻌﻘل ﺷﻲء أو
ﯾﺻﯾب ذاﺗﮭﺎ آﻓﺔ ،واﻟﺳﺑب ﻓﻲ ﻛل ذﻟك اﺷﺗﻐﺎل اﻟﻧﻔس ﺑﻔﻌل ﻋن ﻓﻌل وﻟذﻟك ﯾﺗﻌطل ﻧظر اﻟﻌﻘل ﻋﻧد اﻟوﺟﻊ
واﻟﻣرض واﻟﺧوف ﻓﺈﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً ﻣرض ﻓﻲ اﻟدﻣﺎغ .وﻛﯾف ﯾﺳﺗﺑﻌد اﻟﺗﻣﺎﻧﻊ ﻓﻲ اﺧﺗﻼف ﺟﮭﺗﻲ ﻓﻌل اﻟﻧﻔس؟ وﺗﻌدد
اﻟﺟﮭﺔ اﻟواﺣدة ﻗد ﯾوﺟب اﻟﺗﻣﺎﻧﻊ ﻓﺈن اﻟﻔرق ﯾذھل ﻋن اﻟوﺟﻊ واﻟﺷﮭوة ﻋن اﻟﻐﺿب واﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﻌﻘول ﻋن
ﻣﻌﻘول آﺧر.
إذا ﻋﺎد اﻟﻣرﯾض ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻋﺎد اﻟﻌﻠم ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﺋﻧﺎف ﺗﻌﻠم
وآﯾﺔ أن اﻟﻣرض اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﺑدن ﻟﯾس ﯾﺗﻌرض ﻟﻣﺣل اﻟﻌﻠوم ،أﻧﮫ إذا ﻋﺎد ﺻﺣﯾﺣﺎ ً ﻟم ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﺗﻌﻠم اﻟﻌﻠوم ﻣن
رأس ﺑل ﺗﻌود ھﯾﺋﺔ ﻧﻔﺳﮫ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت وﺗﻌود ﺗﻠك اﻟﻌﻠوم ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﺋﻧﺎف ﺗﻌﻠم.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ھﻧﺎك أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة ﻟزﯾﺎدة ﺑﻌض اﻟﺣواس
واﻻﻋﺗراض أن ﻧﻘول :ﻧﻘﺻﺎن اﻟﻘوى وزﯾﺎدﺗﮭﺎ ﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة ﻻ ﺗﻧﺣﺻر ،ﻓﻘد ﯾﻘوى ﺑﻌض اﻟﻘوى ﻓﻲ اﺑﺗداء
اﻟﻌﻣر وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟوﺳط وﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ اﻵﺧر وأﻣر اﻟﻌﻘل أﯾﺿﺎ ً ﻛذﻟك .ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ أن ﯾدﻋﻰ اﻟﻐﺎﻟب.
ﻣﺛل اﻟﺷم
وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﺧﺗﻠف اﻟﺷم واﻟﺑﺻر ﻓﻲ أن اﻟﺷم ﯾﻘوى ﺑﻌد اﻷرﺑﻌﯾن واﻟﺑﺻر ﯾﺿﻌف وإن ﺗﺳﺎوﯾﺎ ﻓﻲ ﻛوﻧﮭﻣﺎ
ﺣﺎﻟﯾن ﻓﻲ اﻟﺟﺳم ،ﻛﻣﺎ ﺗﺗﻔﺎوت ھذه اﻟﻘوى ﻓﻲ اﻟﺣﯾواﻧﺎت ﻓﯾﻘوى اﻟﺷم ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ واﻟﺳﻣﻊ ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ واﻟﺑﺻر
ﻣن ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ أﻣزﺟﺗﮭﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﺿﺑطﮫ ،ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻣزاج اﻵﻻت أﯾﺿﺎ ً ﯾﺧﺗﻠف
ﻓﻲ ﺣق اﻷﺷﺧﺎص وﻓﻲ ﺣق اﻷﺣوال.
واﻟﻌﻘل
وﯾﻛون أﺣد اﻷﺳﺑﺎب ﻓﻲ ﺳﺑق اﻟﺿﻌف إﻟﻰ اﻟﺑﺻر دون اﻟﻌﻘل أن اﻟﺑﺻر أﻗدم ﻓﺈﻧﮫ ﻣﺑﺻر ﻓﻲ أول ﻓطرﺗﮫ وﻻ
ﯾﺗم ﻋﻘﻠﮫ إﻻ ﺑﻌد ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﺳﻧﺔ أو زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺷﺎھد اﺧﺗﻼف اﻟﻧﺎس ﻓﯾﮫ ،ﺣﺗﻰ ﻗﯾل إن اﻟﺷﯾب إﻟﻰ ﺷﻌر
اﻟرأس أﺳﺑق ﻣﻧﮫ إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﻠﺣﯾﺔ ﻷن ﺷﻌر اﻟرأس أﻗدم .ﻓﮭذه اﻷﺳﺑﺎب إن ﺧﺎض اﻟﺧﺎﺋض ﻓﯾﮭﺎ وﻟم ﯾرد ھذه
اﻷﻣور إﻟﻰ ﻣﺟﺎري اﻟﻌﺎدات ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﻠم ﻣوﺛوق ﺑﮫ ﻷن ﺟﮭﺎت اﻻﺣﺗﻣﺎل ﻓﯾﻣﺎ ﺗزﯾد ﺑﮭﺎ اﻟﻘوى
أو ﺗﺿﻌف ﻻ ﺗﻧﺣﺻر ﻓﻼ ﯾورث ﺷﻲء ﻣن ذﻟك ﯾﻘﯾﻧﺎ ً.
دﻟﯾل ﺗﺎﺳﻊ
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺑدل اﻟﺟﺳم ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌﯾﻧﮫ وﻣﻌﮫ ﻋﻠوم
ﻗﺎﻟوا :ﻛﯾف ﯾﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﺟﺳم ﻣﻊ ﻋوارﺿﮫ؟ وھذه اﻷﺟﺳﺎم ﻻ ﺗزال ﺗﻧﺣل واﻟﻐذاء ﯾﺳد ﻣﺳد ﻣﺎ
ﯾﻧﺣل ،ﺣﺗﻰ إذا رأﯾﻧﺎ ﺻﺑﯾﺎ ً اﻧﻔﺻل ﻣن اﻟﺟﻧﯾن ﻓﯾﻣرض ﻣراراً وﯾذﺑل ﺛم ﯾﺳﻣن وﯾﻧﻣوا ﻓﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﻘول :ﻟم ﯾﺑق
ﻓﯾﮫ ﺑﻌد اﻷرﺑﻌﯾن ﺷﻲء ﻣن اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻋﻧد اﻻﻧﻔﺻﺎل ﺑل ﻛﺎن أول وﺟوده ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﻧﻲ
ﻓﻘط وﻟم ﯾﺑق ﻓﯾﮫ ﺷﻲء ﻣن أﺟزاء اﻟﻣﻧﻲ ﺑل اﻧﺣل ﻛل ذﻟك وﺗﺑدل ﺑﻐﯾره .ﻓﯾﻛون ھذا اﻟﺟﺳم ﻏﯾر ذﻟك اﻟﺟﺳم.
وﻧﻘول :ھذا اﻹﻧﺳﺎن ھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ وﺣﺗﻰ أﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ ﻋﻠوم ﻣن أول ﺻﺑﺎه وﯾﻛون ﻗد ﺗﺑدل ﺟﻣﯾﻊ
أﺟﺳﺎﻣﮫ .ﻓدل أن ﻟﻠﻧﻔس وﺟوداً ﺳوى اﻟﺑدن وأن اﻟﺑدن آﻟﺗﮫ.
وﻛﻠك اﻟﺷﺟرة
اﻻﻋﺗراض أن ھذا ﯾﻧﺗﻘض ﺑﺎﻟﺑﮭﯾﻣﺔ واﻟﺷﺟرة إذا ﻗﯾﺳت ﺣﺎﻟﺔ ﻛﺑرھﻣﺎ ﺑﺣﺎﻟﺔ اﻟﺻﻐر ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻘﺎل إن ھذا ذاك
ﺑﻌﯾﻧﮫ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن ،وﻟﯾس ﯾدل ذﻟك ﻋﻠﻰ أن ﻟﮫ وﺟوداً ﻏﯾر اﻟﺟﺳم.
وﺗﺑﻘﻰ اﻟﺻور اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ
وﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻌﻠم ﯾﺑطل ﺑﺣﻔظ اﻟﺻور اﻟﻣﺗﺧﯾﻠﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺻﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻛﺑر وإن ﺗﺑدل ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟدﻣﺎغ
ﻓﺈن زﻋﻣوا أﻧﮫ ﻟم ﯾﺗﺑدل ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟدﻣﺎغ ﻓﻛذى ﺳﺎﺋر أﺟزاء اﻟﻘﻠب وھﻣﺎ ﻣن اﻟﺑدن ﻓﻛﯾف ﯾﺗﺻور أن ﯾﺗﺑدل
اﻟﺟﻣﯾﻊ ؟
واﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻧﮫ ﺷﻲء
ً
ﺑل ﻧﻘول :اﻹﻧﺳﺎن وإن ﻋﺎش ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼ ﻓﻼ ﺑد وأن ﯾﻛون ﻗد ﺑﻘﻲ ﻓﯾﮫ أﺟزاء ﻣن اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﺄﻣﺎ أن ﺗﻧﻣﺣﻰ ﻋﻧﮫ
ﻓﻼ ﻓﮭو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ،ﻛم أﻧﮫ ﯾﻘﺎل :ھذا ذاك اﻟﺷﺟر وھذا ذاك اﻟﻔرس ،وﯾﻛون ﺑﻘﺎء اﻟﻣﻧﻲ ﻣﻊ
ﻛﺛرة اﻟﺗﺣﻠل واﻟﺗﺑدل.
ﻣﺛل اﻟﻣﺎء اﻟذي ﺗﺻب ﻋﻠﯾﮫ وﺗﺄﺧذ ﻣﻧﮫ
ﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺎ إذا ﺻب ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ رطل ﻣن اﻟﻣﺎء ﺛم ﺻب ﻋﻠﯾﮫ رطل آﺧر ﺣﺗﻰ اﺧﺗﻠط ﺑﮫ ﺛم أﺧذ ﻣﻧﮫ رطل ﺛم
ﺻب ﻋﻠﯾﮫ رطل آﺧر ﺛم أﺧذ ﻣﻧﮫ رطل ﺛم ﻻ ﯾزال ﯾﻔﻌل ﻛذﻟك أﻟف ﻣرة ﻓﻧﺣن ﻓﻲ اﻟﻣرة اﻷﺧﯾرة ﻧﺣﻛم ﺑﺄن
ﺷﯾﺋﺎ ً ﻣن اﻟﻣﺎء اﻷول ﺑﺎق وأﻧﮫ ﻣﺎ ﻣن رطل ﯾؤﺧذ ﻣﻧﮫ إﻻ وﻓﯾﮫ ﺷﻲء ﻣن ذﻟك اﻟﻣﺎء ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﻣوﺟوداً ﻓﻲ اﻟﻛرة
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ واﻟراﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ وھﻛذى إﻟﻰ اﻵﺧر .وھذا ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮭم أﻟزم ﺣﯾث ﺟوزوا
اﻧﻘﺳﺎم اﻷﺟﺳﺎم إﻟﻰ ﻏﯾر ﻧﮭﺎﯾﺔ ،ﻓﺎﻧﺻﺑﺎب اﻟﻐذاء ﻓﻲ اﻟﺑدن واﻧﺣﻼل أﺟزاء اﻟﺑدن ﯾﺿﺎھﻲ ﺻب اﻟﻣﺎء ﻓﻲ ھذا
اﻹﻧﺎء واﻏﺗراﻓﮫ ﻋﻧﮫ.
دﻟﯾل ﻋﺎﺷر
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﻌﺎﺷر ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻛﻠﯾﺎت ﻋﺎﻣﺔ
ﻗﺎﻟوا :اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺗدرك اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﯾﮭﺎ اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون أﺣواﻻً ﻓﺗدرك اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣطﻠق ﻋﻧد
ﻣﺷﺎھدة اﻟﺣس ﻟﺷﺧص إﻧﺳﺎن ﻣﻌﯾن وھو ﻏﯾر اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﺈن اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﻣﺧﺻوص وﻟون
ﻣﺧﺻوص وﻣﻘدار ﻣﺧﺻوص ووﺿﻊ ﻣﺧﺻوص ،واﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﻌﻘول اﻟﻣطﻠق ﻣﺟرد ﻋن ھذه اﻷﻣور ﺑل
ﯾدﺧل ﻓﯾﮫ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻧطﻠق ﻋﻠﯾﮫ اﺳم اﻹﻧﺳﺎن وإن ﻟم ﯾﻛن ﻋﻠﻰ ﻟون اﻟﻣﺷﺎھد وﻗدره ووﺿﻌﮫ وﻣﻛﺎﻧﮫ ،ﺑل اﻟذي
ﯾﻣﻛن وﺟوده ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﯾدﺧل ﻓﯾﮫ ،ﺑل ﻟو ﻋدم اﻹﻧﺳﺎن ﯾﺑﻘﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻣﺟرداً ﻋن ھذه
اﻟﺧواص ،وھﻛذى ﻛل ﺷﻲء ﺷﺎھده اﻟﺣس ﻣﺷﺧﺻﺎ ً ﻓﯾﺣﺻل ﻣﻧﮫ ﻟﻠﻌﻘل ﺣﻘﯾﻘﺔ ذﻟك اﻟﺷﺧص ﻛﻠﯾﺎ ً ﻣﺟرداً ﻋن
اﻟﻣواد واﻷوﺿﺎع ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻘﺳم أوﺻﺎﻓﮫ إﻟﻰ ﻣﺎ ھو ذاﺗﻲ ﻛﺎﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻟﻠﺷﺟر واﻟﺣﯾوان واﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن وإﻟﻰ ﻣﺎ
ھو ﻋرﺿﻲ ﻟﮫ ﻛﺎﻟﺑﯾﺎض واﻟطول ﻟﻺﻧﺳﺎن واﻟﺷﺟر ،وﯾﺣﻛم ﺑﻛوﻧﮫ ذاﺗﯾﺎ ً وﻋرﺿﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺟﻧس اﻹﻧﺳﺎن واﻟﺷﺟر
وﻛل ﻣﺎ ﯾدرك ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺧص اﻟﻣﺷﺎھد ،ﻓدل أن اﻟﻛﻠﻲ اﻟﻣﺟرد ﻋن اﻟﻘراﺋن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﻋﻧده وﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ
ﻋﻘﻠﮫ.
ﺗﺟردھﺎ ﻋن اﻟﻘراﺋن اﻟﻣﺣﺳوﺳﺔ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻧﻔس اﻟﻣﺟردة
وذﻟك اﻟﻛﻠﻲ اﻟﻣﻌﻘول ﻻ إﺷﺎرة إﻟﯾﮫ وﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ وﻻ ﻣﻘدار ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺗﺟرده ﻋن اﻟوﺿﻊ واﻟﻣﺎدة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ
إﻟﻰ اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣﻧﮫ وھو ﻣﺣﺎل ﻓﺈن اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣﻧﮫ ذو وﺿﻊ وأﯾن وﻣﻘدار ،وإﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻵﺧذ وھو
اﻟﻧﻔس اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﯾﻛون ﻟﻠﻧﻔس وﺿﻊ وﻻ إﻟﯾﮫ إﺷﺎرة وﻻ ﻟﮫ ﻣﻘدار ،وإﻻ ﻟو ﺛﺑت ذﻟك ﻟﺛﺑت ﻟﻠذي ﺣل
ﻓﯾﮫ .
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﺣس ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ،وﻟﻛن ﻣﻔﺻﻼً
واﻻﻋﺗراض أن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻛﻠﻲ اﻟذي وﺿﻌﺗﻣوه ﺣﺎﻻً ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻏﯾر ﻣﺳﻠم ﺑل ﻻ ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﻌﻘل إﻻ ﻣﺎ ﯾﺣل ﻓﻲ
اﻟﺣس وﻟﻛن ﯾﺣل ﻓﻲ اﻟﺣس ﻣﺟﻣوﻋﺎ ً وﻻ ﯾﻘدر اﻟﺣس ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ واﻟﻌﻘل ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ.
ﻓﻲ اﻟﻌﻘل اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻔردات ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة
ﺛم إذا ﻓﺻل ﻛﺎن اﻟﻣﻔﺻل اﻟﻣﻔرد ﻋن اﻟﻘراﺋن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﺟزﺋﯾﺎ ً ﻛﺎﻟﻣﻘرون ﺑﻘراﺋﻧﮫ ،إﻻ أن اﻟﺛﺎﺑت ﻓﻲ
اﻟﻌﻘل ﯾﻧﺎﺳب اﻟﻣﻌﻘول وأﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ واﺣدة ﻓﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﻛﻠﻲ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ وھو أن ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﺻورة اﻟﻣﻌﻘول
اﻟﻣﻔرد اﻟذي أدرﻛﮫ اﻟﺣس أوﻻً ،وﻧﺳﺑﺔ ﺗﻠك اﻟﺻورة إﻟﻰ ﺳﺎﺋر آﺣﺎد ذﻟك اﻟﺟﻧس ﻧﺳﺑﺔ واﺣدة ﻓﺈﻧﮫ ﻟو رأى إﻧﺳﺎﻧﺎ ً
آﺧر ﻟم ﯾﺣدث ﻟﮫ ھﯾﺋﺔ أﺧرى ﻛﻣﺎ إذا رأى ﻓرﺳﺎ ً ﺑﻌد إﻧﺳﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺣدث ﻓﯾﮫ ﺻورﺗﺎن ﻣﺧﺗﻠﻔﺗﺎن.
وﻣﺛل ھذا ﻓﻲ اﻟﺣس
وﻣﺛل ھذا ﻗد ﯾﻌرض ﻓﻲ ﻣﺟرد اﻟﺣس ﻓﺈن ﻣن رأى اﻟﻣﺎء ﺣﺻل ﻓﻲ ﺧﯾﺎﻟﮫ ﺻورة ،ﻓﻠو رأى اﻟدم ﺑﻌده ﺣﺻﻠت
ﺻورة أﺧرى ،ﻓﻠو رأى ﻣﺎء آﺧر ﻟم ﺗﺣدث ﺻورة أﺧرى ﺑل اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ اﻧطﺑﻌت ﻓﻲ ﺧﯾﺎﻟﮫ ﻣن اﻟﻣﺎء ﻣﺛﺎل
ﻟﻛل واﺣد ﻣن آﺣﺎد اﻟﻣﯾﺎه ﻓﻘد ﯾظن أﻧﮫ ﻛﻠﻲ ﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ .ﻓﻛذﻟك إذا رأى اﻟﯾد ﻣﺛﻼً ﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل وﻓﻲ اﻟﻌﻘل
وﺿﻊ أﺟزاﺋﮫ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض وھو اﻧﺑﺳﺎط اﻟﻛف واﻧﻘﺳﺎم اﻷﺻﺎﺑﻊ ﻋﻠﯾﮫ واﻧﺗﮭﺎء اﻷﺻﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ اﻷظﻔﺎر،
وﯾﺣﺻل ﻣﻊ ذﻟك ﺻﻐره وﻛﺑره وﻟوﻧﮫ .ﻓﺈن رأى ﯾداً أﺧرى ﺗﻣﺎﺛﻠﮫ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء ﻟم ﯾﺗﺟدد ﻟﮫ ﺻورة أﺧرى ﺑل
ﻻ ﺗؤﺛر اﻟﻣﺷﺎھدة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ إﺣداث ﺷﻲء ﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل ،ﻛﻣﺎ إذا رأى اﻟﻣﺎء ﺑﻌد اﻟﻣﺎء ﻓﻲ إﻧﺎء واﺣد ﻋﻠﻰ
ﻗدر واﺣد وﻗد ﯾرى ﯾداً أﺧرى ﺗﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻠون واﻟﻘدر ﻓﯾﺣدث ﻟﮫ ﻟون آﺧر وﻗدر آﺧر وﻻ ﯾﺣدث ﻟﮫ ﺻورة
ﺟدﯾدة ﻟﻠﯾد ،ﻓﺈن اﻟﯾد اﻟﺻﻐﯾر اﻷﺳود ﯾﺷﺎرك اﻟﯾد اﻟﻛﺑﯾر اﻷﺑﯾض ﻓﻲ وﺿﻊ اﻷﺟزاء وﯾﺧﺎﻟﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻠون واﻟﻘدر،
ﻓﻣﺎ ﯾﺳﺎوي ﻓﯾﮫ اﻷول ﻻ ﺗﺗﺟدد ﺻورﺗﮫ إذ ﺗﻠك اﻟﺻورة ھﻲ ھذه اﻟﺻورة ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ وﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟﻔﮫ ﯾﺗﺟدد ﺻورﺗﮫ.
وھذا ﻻ ﯾؤذن ﺑﺛﺑوت ﻛﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ أﺻﻼً
ﻓﮭذا ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻛﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل واﻟﺣس ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﺈن اﻟﻌﻘل إذا أدرك ﺻورة اﻟﺟﺳم ﻣن اﻟﺣﯾوان ﻓﻼ ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣن اﻟﺷﺟر
ﺻورة ﺟدﯾدة ﻓﻲ اﻟﺟﺳﻣﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل ﺑﺈدراك ﺻورة اﻟﻣﺎءﯾن ﻓﻲ وﻗﺗﯾن ،وﻛذى ﻓﻲ ﻛل ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﯾن وھذا ﻻ
ﯾؤذن ﺑﺛﺑوت ﻛﻠﻲ ﻻ وﺿﻊ ﻟﮫ أﺻﻼً .ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﻘل ﻗد ﯾﺣﻛم ﺑﺛﺑوت ﺷﻲء ﻻ إﺷﺎرة إﻟﯾﮫ وﻻ وﺿﻊ ﻛﺣﻛﻣﮫ
ﺑوﺟود ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟم ،وﻟﻛن ﻣن أﯾن أن ذﻟك ﻻ ﯾﺗﺻور ﻗﯾﺎﻣﮫ ﺑﺟﺳم؟ وﻓﻲ ھذا اﻟﻘﺳم ﯾﻛون اﻟﻣﻧﺗزع ﻋن اﻟﻣﺎدة
ھو اﻟﻣﻌﻘول ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮫ دون اﻟﻌﻘل واﻟﻌﺎﻗل .ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺄﺧوذ ﻣن اﻟﻣواد ﻓوﺟﮭﮫ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل ﻗوﻟﮭم إن اﻟﻧﻔوس اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻌدم
ﺑﻌد وﺟودھﺎ وأﻧﮭﺎ ﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﯾﺗﺻور ﻓﻧﺎؤھﺎ
ﻓﯾطﺎﻟﺑون ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﯾﮫ .وﻟﮭم دﻟﯾﻼن:
دﻟﯾﻠﮭم اﻷول ﻻ ﯾﻛون ﺑﻣوت اﻟﺑدن
أﺣدھﻣﺎ ﻗوﻟﮭم إن ﻋدﻣﮭﺎ ﻻ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﻛون ﺑﻣوت اﻟﺑدن أو ﺑﺿد ﯾطرى ﻋﻠﯾﮭﺎ أو ﺑﻘدرة اﻟﻘﺎدر .وﺑﺎطل أن
ﺗﻧﻌدم ﺑﻣوت اﻟﺑدن ﻓﺈن اﻟﺑدن ﻟﯾس ﻣﺣﻼً ﻟﮭﺎ ﺑل ھو آﻟﺔ ﺗﺳﺗﻌﻣﻠﮭﺎ اﻟﻧﻔس ﺑواﺳطﺔ اﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺑدن ،وﻓﺳﺎد
اﻵﻟﺔ ﻻ ﯾوﺟب ﻓﺳﺎد ﻣﺳﺗﻌﻣل اﻵﻟﺔ إﻻ أن ﯾﻛون ﺣﺎﻻً ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻛﺎﻟﻧﻔوس اﻟﺑﮭﯾﻣﯾﺔ واﻟﻘوى اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ،وﻷن
اﻟﻧﻔس ﻓﻌﻼً ﺑﻐﯾر ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻵﻟﺔ وﻓﻌﻼً ﺑﻣﺷﺎرﻛﺗﮭﺎ ﻓﺎﻟﻔﻌل اﻟذي ﻟﮭﺎ ﺑﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻵﻟﺔ اﻟﺗﺧﯾل واﻹﺣﺳﺎس واﻟﺷﮭوة
واﻟﻐﺿب ﻓﻼ ﺟرم ﯾﻔﺳد ﺑﻔﺳﺎد اﻟﺑدن وﯾﻔوت ﺑﻔواﺗﮫ ،وﻓﻌﻠﮭﺎ ﺑذاﺗﮭﺎ دون ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﺑدن إدراك اﻟﻣﻌﻘوﻻت
اﻟﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣواد وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻲ ﻛوﻧﮫ ﻣدرﻛﺎ ً ﻟﻠﻣﻌﻘوﻻت إﻟﻰ اﻟﺑدن ﺑل اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻟﺑدن ﯾﻌوﻗﮭﺎ ﻋن
اﻟﻣﻌﻘوﻻت ،وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﻓﻌل دون اﻟﺑدن ووﺟود دون اﻟﺑدن ﻟم ﺗﻔﺗﻘر ﻓﻲ ﻗواﻣﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺑدن.
وﻻ ﺑﺎﻟﺿد
وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل إﻧﮭﺎ ﺗﻧﻌدم ﺑﺎﻟﺿد إذ اﻟﺟواھر ﻻ ﺿد ﻟﮭﺎ ،وﻟذﻟك ﻻ ﯾﻧﻌدم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم إﻻ اﻷﻋراض واﻟﺻور
اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯾﺎء إذ ﺗﻧﻌدم ﺻورة اﻟﻣﺎﺋﯾﺔ ﺑﺿدھﺎ وھو ﺻورة اﻟﮭواﺋﯾﺔ ،واﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﻣﺣل ﻻ ﺗﻧﻌدم
ﻗط وﻛل ﺟوھر ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﻼ ﯾﺗﺻور ﻋدﻣﮫ ﺑﺎﻟﺿد إذ ﻻ ﺿد ﻟﻣﺎ ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﺈن اﻷﺿداد ھﻲ اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﺣل واﺣد.
وﻻ ﺑﺎﻟﻘدرة
وﺑﺎطل أن ﯾﻘﺎل :ﺗﻔﻧﻰ ﺑﺎﻟﻘدرة ،إذ اﻟﻌدم ﻟﯾس ﺷﯾﺋﺎ ً ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺻور وﻗوﻋﮫ ﺑﺎﻟﻘدرة وھذا ﻋﯾن ﻣﺎ ذﻛروه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ
أﺑدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وﻗد ﻗررﻧﺎه وﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻷول راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق
واﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ﻣن وﺟوه :اﻷول أﻧﮫ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻔس ﻻ ﯾﻣوت ﺑﻣوت اﻟﺑدن ﻷﻧﮫ ﻟﯾس ﺣﺎﻻً ﻓﻲ ﺟﺳم،
وھو ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻘد ﻻ ﻧﺳﻠم ذﻟك:
اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺣدوث اﻟﻧﻔس ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺣدوث اﻟﺑدن
اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺣل اﻟﺑدن ﻋﻧدھم ﻓﻠﮫ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺑدن ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺣدث إﻻ ﺑﺣدوث اﻟﺑدن .ھذا ﻣﺎ اﺧﺗﺎره اﺑن ﺳﯾﻧﺎ
واﻟﻣﺣﻘﻘون وأﻧﻛروا ﻋﻠﻰ أﻓﻼطن أن اﻟﻧﻔس ﻗدﯾﻣﺔ وﯾﻌرض ﻟﮭﺎ اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻷﺑدان ﺑﻣﺳﻠك ﺑرھﺎﻧﻲ ﻣﺣﻘق.
ﻛﻣﺎ ﺗﺣﻘق اﻷﻣر
وھو أن اﻟﻧﻔوس ﻗﺑل اﻷﺑدان ،إن ﻛﺎﻧت واﺣدة ﻓﻛﯾف اﻧﻘﺳﻣت وﻣﺎ ﻻ ﻋظم ﻟﮫ وﻻ ﻣﻘدار ﻻ ﯾﻌﻘل اﻧﻘﺳﺎﻣﮫ .وإن
زﻋم أﻧﮫ ﻟم ﯾﻧﻘﺳم ﻓﮭو ﻣﺣﺎل إذ ﯾﻌﻠم ﺿرورة أن ﻧﻔس زﯾد ﻏﯾر ﻧﻔس ﻋﻣرو وﻟو ﻛﺎﻧت واﺣدة ﻟﻛﺎﻧت ﻣﻌﻠوﻣﺎت
زﯾد ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻟﻌﻣرو ﻓﺈن اﻟﻌﻠم ﻣن ﺻﻔﺎت ذات اﻟﻧﻔس وﺻﻔﺎت اﻟذات ﺗدﺧل ﻣﻊ اﻟذات ﻓﻲ ﻛل إﺿﺎﻓﺔ ،وإن ﻛﺎﻧت
اﻟﻧﻔوس ﻣﺗﻛﺛرة ﻓﻣﺎذى ﺗﻛﺛرت؟ وﻟم ﺗﺗﻛﺛر ﺑﺎﻟﻣواد وﻻ ﺑﺎﻷﻣﺎﻛن وﻻ ﺑﺎﻷزﻣﻧﺔ وﻻ ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت إذ ﻟﯾس ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺎ
ﯾوﺟب اﺧﺗﻼف اﻟﺻﻔﺔ ﺑﺧﻼف اﻟﻧﻔوس ﺑﻌد ﻣوت اﻟﺑدن ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗﻛﺛر ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺻﻔﺎت ﻋﻧد ﻣن ﯾرى ﺑﻘﺎءھﺎ
ﻷﻧﮭﺎ اﺳﺗﻔﺎدت ﻣن اﻷﺑدان ھﯾﺋﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻧﮭﺎ ،ﻓﺈن ھﯾﺋﺎﺗﮭﺎ ﺗﺣﺻل ﻣن اﻷﺧﻼق واﻷﺧﻼق ﻗط
ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻧﮭﺎ ،ﻓﺈن ھﯾﺋﺎﺗﮭﺎ ﺗﺣﺻل ﻣن اﻷﺧﻼق واﻷﺧﻼق ﻗط ﻻ ﺗﺗﻣﺎﺛل ﻛﻣﺎ أن اﻟﺧﻠق اﻟظﺎھر ﻗط ﻻ
ﯾﺗﻣﺎﺛل ،وﻟو ﺗﻣﺎﺛﻠت ﻻﺷﺗﺑﮫ ﻋﻠﯾﻧﺎ زﯾد ﺑﻌﻣرو.
واﻟﻧﻔس ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺑدن اﻟﻣﺧﺻوص ﺑﺑﻌض اﻟوﺳﺎﺋط
وﻣﮭﻣﺎ ﺛﺑت ﺑﺣﻛم ھذا اﻟﺑرھﺎن ﺣدوﺛﮫ ﻋﻧد ﺣدوث اﻟﻧطﻔﺔ ﻓﻲ اﻟرﺣم واﺳﺗﻌداد ﻣزاﺟﮭﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﻧﻔس اﻟﻣدﺑرة ﺛم
ﻗﺑﻠت اﻟﻧﻔس ﻻ ﻷﻧﮭﺎ ﻧﻔس ﻓﻘط ،إذ ﻗد ﺗﺳﺗﻌد ﻓﻲ رﺣم واﺣد ﻧطﻔﺗﺎن ﻟﺗوأﻣﯾن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﺣدة ﻟﻠﻘﺑول ﻓﯾﺗﻌﻠق ﺑﮭﻣﺎ
ﻧﻔﺳﺎن ﯾﺣدﺛﺎن ﻣن اﻟﻣﺑدأ اﻷول ﺑواﺳطﺔ أو ﺑﻐﯾر واﺳطﺔ وﻻ ﯾﻛون ﻧﻔس ھذا ﻣدﺑراً ﻟﺟﺳم ذاك وﻻ ﻧﻔس ذاك
ﻣدﺑراً ﻟﺟﺳم ھذا ﻓﻠﯾس اﻹﺧﺗﺻﺎص إﻻ ﻟﻌﻼﻗﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﻔس اﻟﻣﺧﺻوص وﺑﯾن ذﻟك اﻟﺑدن اﻟﻣﺧﺻوص،
وإﻻ ﻓﻼ ﯾﻛون ﺑدن أﺣد اﻟﺗوأﻣﯾن ﺑﻘﺑول ھذه اﻟﻧﻔس أوﻟﻰ ﻣن اﻵﺧر ،وإﻻ ﻓﻘد ﺣدﺛت ﻧﻔﺳﺎن ﻣﻌﺎ ً واﺳﺗﻌدت
ﻧطﻔﺗﺎن ﻟﻘﺑول اﻟﺗدﺑﯾر ﻣﻌﺎ ً.
ﻓﺈذا ﺑطل اﻟﺑدن اﻧﻌدﻣت اﻟﻧﻔس
ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺧﺻص؟ ﻓﺈن ﻛﺎن ذﻟك اﻟﻣﺧﺻص ھو اﻻﻧطﺑﺎع ﻓﯾﮫ ﻓﯾﺑطل ﺑﺑطﻼن اﻟﺑدن ،وإن ﻛﺎن ﺛم وﺟﮫ آﺧر ﺑﮫ
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ھذه اﻟﻧﻔس ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص وﺑﯾن ھذا اﻟﺑدن ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺻوص ﺣﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ
ﺣدوﺛﮫ ﻓﺄي ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﺗﻛون ﺷرطﺎ ً ﻓﻲ ﺑﻘﺎءه؟ ﻓﺈذا اﻧﻘطﻌت اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻧﻌدﻣت اﻟﻧﻔس ﺛم ﻻ ﯾﻌود وﺟودھﺎ إﻻ
ﺑﺈﻋﺎدة ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﻛﻣﺎ ورد ﺑﮫ اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎد.
ﻗد ﯾﻘﺎل ﻟﯾﺳت ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ ،إﻻ ﺑطرﯾق اﻟﺷوق
ﻓﺈن ﻗﯾل :أﻣﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﻔس واﻟﺑدن ﻓﻠﯾس إﻻ ﺑطرﯾق ﻧزاع طﺑﯾﻌﻲ وﺷوق ﺟﺑﻠﻲ ﺧﻠق ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ ھذا اﻟﺑدن
ﺧﺎﺻﺔ ﯾﺷﻐﻠﮭﺎ ذﻟك اﻟﺷوق ﺑﮭﺎ ﻋن ﻏﯾره ﻣن اﻷﺑدان وﻻ ﯾﺧﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﺣظﺔ ﻓﺗﺑﻘﻰ ﻣﻘﯾدة ﺑذﻟك اﻟﺷوق اﻟﺟﺑﻠﻲ
ﺑﺎﻟﺑدن اﻟﻣﻌﯾن ﻣﺻروﻓﺎ ً ﻋن ﻏﯾره .وذﻟك ﻻ ﯾوﺟب ﻓﺳﺎده ﺑﻔﺳﺎد اﻟﺑدن اﻟذي ھو ﻣﺷﺗﺎق ﺑﺎﻟﺟﺑﻠﺔ إﻟﻰ ﺗدﺑﯾره .ﻧﻌم
ﻗد ﯾﺑﻘﻰ ذﻟك اﻟﺷوق ﺑﻌد ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺑدن إن اﺳﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻟﺣﯾوة اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺑدن وإﻋراﺿﮭﺎ ﻋن ﻛﺳر اﻟﺷﮭوات
وطﻠب اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻓﯾﺗﺄذى ﺑذﻟك اﻟﺷوق ﻣﻊ ﻓوات اﻵﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﻟﺷوق إﻟﻰ ﻣﻘﺗﺿﺎھﺎ.
وﺑﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺗﺧﻔﻰ ﻋﻠﯾﻧﺎ
وأﻣﺎ ﺗﻌﯾن ﻧﻔس زﯾد ﻟﺷﺧص زﯾد ﻓﻲ أول اﻟﺣدوث ﻓﻠﺳﺑب وﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾن اﻟﺑدن واﻟﻧﻔس ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ھذا
اﻟﺑدن ﻣﺛﻼً أﺻﻠﺢ ﻟﮭذه اﻟﻧﻔس ﻣن اﻵﺧر ﻟﻣزﯾد ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻓﺗرﺟﺢ اﺧﺗﺻﺎﺻﮫ ،وﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻘوة اﻟﺑﺷرﯾﺔ
إدراك ﺧﺻوص ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ،وﻋدم اطﻼﻋﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ ﻻ ﯾﺷﻛﻛﻧﺎ ﻓﻲ أﺻل اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺧﺻص وﻻ
ﯾﺿرﻧﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻓﻲ ﻗوﻟﻧﺎ إن اﻟﻧﻔس ﻻ ﺗﻔﻧﻰ ﺑﻔﻧﺎء اﻟﺑدن.
ﺟواﺑﻧﺎ ﻗد ﺗﻛون ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﯾﺣوج اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ
ﻗﻠﻧﺎ :ﻣﮭﻣﺎ ﻏﺎﺑت اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻋﻧﺎ وھﻲ اﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺔ ﻟﻼﺧﺗﺻﺎص ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﺗﻛون ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ اﻟﻣﺟﮭوﻟﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ
ﯾﺣوج اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﺑدن ﺣﺗﻰ إذا ﻓﺳد ﻓﺳدت ،ﻓﺈن اﻟﻣﺟﮭول ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻘﺗﺿﻲ
اﻟﺗﻼزم أم ﻻ ،ﻓﻠﻌل ﺗﻠك اﻟﻧﺳﺑﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻓﻲ وﺟود اﻟﻧﻔس ﻓﺈن اﻧﻌدﻣت اﻧﻌدﻣت ،ﻓﻼ ﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟدﻟﯾل اﻟذي ذﻛروه.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟﺛﺎﻟث ﺗﻧﻌدم ﺑﻘدرة ﷲ
اﻻﻋﺗراض اﻟﺛﺎﻟث ھو أﻧﮫ ﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻘﺎل :ﺗﻧﻌدم ﺑﻘدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻛﻣﺎ ﻗررﻧﺎه ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺳرﻣدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ اﻟراﺑﻊ ﻟﻌل ھﻧﺎك طرق ﻏﯾرھﺎ
اﻻﻋﺗراض اﻟراﺑﻊ ھو أن ﯾﻘﺎل :ذﻛرﺗم أن ھذه اﻟطرق اﻟﺛﻠث ﻓﻲ اﻟﻌدم ﺗﻧﺣﺳم ،ﻓﮭو ﻣﺳﻠم .ﻓﻣﺎ اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن
ﻋدم اﻟﺷﻲء ﻻ ﯾﺗﺻور إﻻ ﺑطرﯾق ﻣن ھذه اﻟطرق اﻟﺛﻠث؟ ﻓﺈن اﻟﺗﻘﺳﯾم إذا ﻟم ﯾﻛن داﺋراً ﺑﯾن اﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ﻓﻼ
ﯾﺑﻌد أن ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻠث واﻷرﺑﻊ ،ﻓﻠﻌل ﻟﻠﻌدم طرﯾﻘﺎ ً راﺑﻌﺎ ً وﺧﺎﻣﺳﺎ ً ﺳوى ﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ،ﻓﺣﺻر اﻟطرق ﻓﻲ ھذه
اﻟﺛﻠث ﻏﯾر ﻣﻌﻠوم ﺑﺎﻟﺑرھﺎن.
دﻟﯾﻠﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛل ﺟوھر ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم
دﻟﯾل ﺛﺎن وﻋﻠﯾﮫ ﺗﻌوﯾﻠﮭم أن ﻗﺎﻟوا :ﻛل ﺟوھر ﻟﯾس ﻓﻲ ﻣﺣل ﻓﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم ،ﺑل اﻟﺑﺳﺎﺋط ﻻ ﺗﻧﻌدم ﻗط.
وھذا اﻟدﻟﯾل ﯾﺛﺑت ﻓﯾﮫ أوﻻً أن ﻣوت اﻟﺑدن ﻻ ﯾوﺟب اﻧﻌداﻣﮫ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق.
ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﻓﻔﯾﮫ ﻗوة اﻟﻔﺳﺎد وﺣﺎﻣﻠﮫ ﯾﺑﻘﻰ
ﻓﺑﻌد ذﻟك ﯾﻘﺎل :ﯾﺳﺗﺣﯾل أن ﯾﻧﻌدم ﺑﺳﺑب آﺧر ﺑﺳﺑب آﺧر ﻷن ﻛل ﻣﺎ ﯾﻧﻌدم ﺑﺳﺑب ﻣﺎ أي ﺳﺑب ﻛﺎن ﻓﻔﯾﮫ ﻗوة
اﻟﻔﺳﺎد ،أي إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﺳﺎﺑق ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻌدام ،ﻛﻣﺎ أن ﻣﺎ ﯾطرى وﺟوده ﻣن اﻟﺣوادث ﻓﯾﻛون إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﺳﺎﺑﻘﺎ ً
ﻋﻠﻰ اﻟوﺟود وﯾﺳﻣﻰ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻗوة اﻟوﺟود وإﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻗوة اﻟﻔﺳﺎد .وﻛﻣﺎ أن إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود وﺻف
إﺿﺎﻓﻲ ﻻ ﯾﻘوم إﻻ ﺑﺷﻲء ﺣﺗﻰ ﯾﻛون إﻣﻛﺎﻧﺎ ً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﮫ ﻓﻛذﻟك إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ،وﻟذﻟك ﻗﯾل إن ﻛل ﺣﺎدث ﻓﯾﻔﺗﻘر
إﻟﻰ ﻣﺎدة ﺳﺎﺑﻘﺔ ﯾﻛون ﻓﯾﮭﺎ إﻣﻛﺎن وﺟود اﻟﺣﺎدث وﻗوﺗﮫ ،ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ،ﻓﺎﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﻗوة
اﻟوﺟود ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠوﺟود اﻟطﺎري واﻟﻘﺎﺑل ﻏﯾر اﻟﻣﻘﺑول ﻓﯾﻛون اﻟﻘﺎﺑل ﻣوﺟوداً ﻣﻊ اﻟﻣﻘﺑول ﻋﻧد طرﯾﺎﻧﮫ وھو ﻏﯾره.
ﻓﻛذﻟك ﻗﺎﺑل اﻟﻌدم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻣوﺟوداً ﻋﻧد طرﯾﺎن اﻟﻌدم ﺣﺗﻰ ﯾﻌدم ﻣﻧﮫ ﺷﻲء ﻛﻣﺎ وﺟد ﻓﯾﮫ ﺷﻲء وﯾﻛون ﻣﺎ
ﻋدم ﻏﯾر ﻣﺎ ﺑﻘﻲ وﯾﻛون ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ھو اﻟذي ﻓﯾﮫ ﻗوة اﻟﻌدم وﻗﺑوﻟﮫ وإﻣﻛﺎﻧﮫ ﻛﻣﺎ أن ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻋﻧد طرﯾﺎن اﻟوﺟود
ﯾﻛون ﻏﯾر ﻣﺎ طرى وﻗد ﻛﺎن ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻗوة ﻗﺑول اﻟطﺎري.
وھو ﻛﺎﻟﻣﺎدة
ﻓﯾﻠزم أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء اﻟذي طرى ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن ﺷﻲء اﻧﻌدم وﻣن ﻗﺎﺑل ﻟﻠﻌدم ﺑﻘﻲ ﻣﻊ طرﯾﺎن اﻟﻌدم وﻗد
ﻛﺎن ھو ﺣﺎﻣل ﻗوة اﻟﻌدم ﻗﺑل طرﯾﺎن اﻟﻌدم وﯾﻛون ﺣﺎﻣل اﻟﻘوة ﻛﺎﻟﻣﺎدة واﻟﻣﻧﻌدم ﻣﻧﮭﺎ ﻛﺎﻟﺻورة.
ﻟﻛن اﻟﻧﻔس ﻏﯾر ﻣرﻛﺑﺔ
وﻟﻛن اﻟﻧﻔس ﺑﺳﯾطﺔ وھﻲ ﺻورة ﻣﺟردة ﻋن اﻟﻣﺎدة ﻻ ﺗرﻛﯾب ﻓﯾﮭﺎ ،ﻓﺈن ﻓرض ﻓﯾﮭﺎ ﺗرﻛﯾب ﻣن ﺻورة وﻣﺎدة
ﻓﻧﺣن ﻧﻧﻘل اﻟﺑﯾﺎن إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ھﻲ اﻟﺳﻧﺦ واﻷﺻل اﻷول ،إذ ﻻ ﺑد وأن ﯾﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ أﺻل ﻓﻧﺣﯾل اﻟﻌدم ﻋﻠﻰ
ذﻟك اﻷﺻل وھو اﻟﻣﺳﻣﻰ ﻧﻔﺳﺎً ،ﻛﻣﺎ ﻧﺣﯾل اﻟﻌدم ﻋﻠﻰ ﻣﺎدة اﻷﺟﺳﺎم ﻓﺈﻧﮭﺎ أزﻟﯾﺔ أﺑدﯾﺔ ،إﻧﻣﺎ ﺗﺣدث ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻور
وﺗﻧﻌدم ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺻور وﻓﯾﮭﺎ ﻗوة طرﯾﺎن اﻟﺻور ﻋﻠﯾﮭﺎ وﻗوة اﻧﻌدام اﻟﺻور ﻣﻧﮭﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺿدﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺳواء
وﻗد ظﮭر ﻣن ھذا اﻟوﺟود أن ﻛل ﻣوﺟود أﺣدى اﻟذات ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌدم.
إن ﻗوة اﻟوﺟود ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻛون ﻟﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﻲء
وﯾﻣﻛن ﺗﻔﮭﯾم ھذا ﺑﺻﯾﻐﺔ أﺧرى وھو أن ﻗوة اﻟوﺟود ﻟﻠﺷﻲء ﯾﻛون ﻗﺑل وﺟود اﻟﺷﻲء ﻓﯾﻛون ﻟﻐﯾر ذﻟك اﻟﺷﻲء
وﻻ ﯾﻛون ﻧﻔس ﻗوة اﻟوﺟود .ﺑﯾﺎﻧﮫ أن اﻟﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺻر ﯾﻘﺎل أﻧﮫ ﺑﺻﯾر ﺑﺎﻟﻘوة أي ﻓﯾﮫ ﻗوة اﻹﺑﺻﺎر ،وﻣﻌﻧﺎه أن
اﻟﺻﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺑد ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﯾن ﻟﯾﺻﺢ اﻹﺑﺻﺎر ﻣوﺟودة ،ﻓﺈن ﺗﺄﺧر اﻹﺑﺻﺎر ﻓﻠﺗﺄﺧر ﺷرط آﺧر ﻓﯾﻛون ﻗوة
اﻹﺑﺻﺎر ﻟﻠﺳواد ﻣﺛﻼً ﻣوﺟوداً ﻟﻠﻌﯾن ﻗﺑل إﺑﺻﺎر اﻟﺳواد ﺑﺎﻟﻔﻌل ،ﻓﺈن ﺣﺻل إﺑﺻﺎر اﻟﺳواد ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﻗوة
إﺑﺻﺎر ذﻟك اﻟﺳواد ﻣوﺟوداً ﻋﻧد وﺟود ذﻟك اﻹﺑﺻﺎر إذ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل :ﻣﮭﻣﺎ ﺣﺻل اﻹﺑﺻﺎر ﻓﮭو ﻣﻊ ﻛوﻧﮫ
ﻣوﺟوداً ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻣوﺟود ﺑﺎﻟﻘوة ،ﺑل ﻗوة اﻟوﺟود ﻻ ﯾﺿﺎم ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟوﺟود اﻟﺣﺎﺻل ﺑﺎﻟﻔﻌل أﺑداً.
ﻟو اﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﺑﺳﯾط
ﻻﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻗوة اﻟوﺟود ﻣﻊ ﺣﺻول اﻟوﺟود
ً
وإذا ﺛﺑﺗت ھذه اﻟﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻧﻘول :ﻟو اﻧﻌدم اﻟﺷﻲء اﻟﺑﺳﯾط ﻟﻛﺎن إﻣﻛﺎن اﻟﻌدم ﻗﺑل اﻟﻌدم ﺣﺎﺻﻼ ﻟذﻟك اﻟﺷﻲء وھو
اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻘوة ،ﻓﯾﻛون إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود أﯾﺿﺎ ً ﺣﺎﺻﻼً ﻓﺈن ﻣﺎ أﻣﻛن ﻋدﻣﮫ ﻓﻠﯾس واﺟب اﻟوﺟود ﻓﮭو ﻣﻣﻛن اﻟوﺟود،
وﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻘوة اﻟوﺟود إﻻ إﻣﻛﺎن اﻟوﺟود ﻓﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻗوة وﺟود ﻧﻔﺳﮫ ﻣﻊ ﺣﺻول
وﺟوده ﺑﺎﻟﻔﻌل وﯾﻛون وﺟوده ﺑﺎﻟﻔﻌل ھو ﻋﯾن ﻗوة اﻟوﺟود وﻗد ﺑﯾﻧﺎ أن ﻗوة اﻹﺑﺻﺎر ﺗﻛون ﻓﻲ اﻟﻌﯾن اﻟﺗﻲ ھﻲ
ﻏﯾر اﻹﺑﺻﺎر وﻻ ﺗﻛون ﻓﻲ ﻧﻔس اﻹﺑﺻﺎر إذ ﯾؤدي إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة واﻟﻔﻌل وھﻣﺎ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎن ،ﺑل
ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﻘوة ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻟﻔﻌل وﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻟم ﯾﻛن ﺑﺎﻟﻘوة ،وﻓﻲ إﺛﺑﺎت ﻗوة اﻟﻌدم ﻟﻠﺑﺳﯾط ﻗﺑل اﻟﻌدم
إﺛﺑﺎت ﻟﻘوة اﻟوﺟود ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل.
راﺟﻊ ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم
وھذا ﺑﻌﯾﻧﮫ ھو اﻟذي ﻗررﻧﺎه ﻟﮭم ﻓﻲ ﻣﺻﯾرھم إﻟﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺣدوث اﻟﻣﺎدة واﻟﻌﻧﺎﺻر واﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻋدﻣﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ
أزﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم وأﺑدﯾﺗﮫ وﻣﻧﺷﺄ اﻟﺗﻠﺑﯾس وﺿﻌﮭم اﻹﻣﻛﺎن وﺻﻔﺎ ً ﻣﺳﺗدﻋﯾﺎ ً ﻣﺣﻼً ﯾﻘوم ﺑﮫ .وﻗد ﺗﻛﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣﻘﻧﻊ
ﻓﻼ ﻧﻌﯾد ﻓﺈن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ھﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻼ ﻓرق ﺑﯾن أن ﯾﻛون اﻟﻣﺗﻛﻠم ﻓﯾﮫ ﺟوھر ﻣﺎدة أو ﺟوھر ﻧﻔس.
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻓﻲ إﺑطﺎل إﻧﻛﺎرھم ﻟﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد ورد اﻷرواح
إﻟﻰ اﻷﺑدان ووﺟود اﻟﻧﺎر اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ووﺟود اﻟﺟﻧﺔ واﻟﺣور اﻟﻌﯾن وﺳﺎﺋر ﻣﺎ وﻋد ﺑﮫ اﻟﻧﺎس
وﻗوﻟﮭم إن ﻛل ذﻟك أﻣﺛﻠﺔ ﺿرﺑت ﻟﻌوام اﻟﺧﻠق ﻟﺗﻔﮭﯾم ﺛواب وﻋﻘﺎب روﺣﺎﻧﯾﯾن ھﻣﺎ أﻋﻠﻰ رﺗﺑﺔ ﻣن اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ
وھو ﻣﺧﺎﻟف ﻻﻋﺗﻘﺎد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎﻓﺔ .ﻓﻠﻧﻘدم ﺗﻔﮭﯾم ﻣﻌﺗﻘدھم ﻓﻲ اﻷﻣور اﻷﺧروﯾﺔ ﺛم ﻟﻧﻌﺗرض ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف
اﻹﺳﻼم ﻣن ﺟﻣﻠﺗﮫ.
ﻗوﻟﮭم اﻟﻠذة اﻟﺳرﻣدﯾﺔ ﻻ ﺗﻛون إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟﻌﻣل
وﻗد ﻗﺎﻟوا إن اﻟﻧﻔس ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت ﺑﻘﺎء ﺳرﻣدﯾﺎ ً إﻣﺎ ﻓﻲ ﻟذة ﻻ ﯾﺣﯾط اﻟوﺻف ﺑﮭﺎ ﻟﻌظﻣﮭﺎ وإﻣﺎ ﻓﻲ أﻟم ﻻ ﯾﺣﯾط
اﻟوﺻف ﺑﮫ ﻟﻌظﻣﮫ ،ﺛم ﻗد ﯾﻛون ذﻟك اﻷﻟم ﻣﺧﻠداً وﻗد ﯾﻧﻣﺣﻰ ﻋﻠﻰ طول اﻟزﻣﺎن .ﺛم ﺗﺗﻔﺎوت طﺑﻘﺎت اﻟﻧﺎس ﻓﻲ
درﺟﺎت اﻷﻟم واﻟﻠذة ﺗﻔﺎوﺗﺎ ً ﻏﯾر ﻣﺣﺻور ﻛﻣﺎ ﯾﺗﻔﺎوﺗون ﻓﻲ اﻟﻣراﺗب اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وﻟذاﺗﮭﺎ ﺗﻔﺎوﺗﺎ ً ﻏﯾر ﻣﺣﺻور،
واﻟﻠذة اﻟﺳرﻣدﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔوس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟزﻛﯾﺔ واﻷﻟم اﻟﺳرﻣدي ﻟﻠﻧﻔوس اﻟﻧﺎﻗﺻﺔ اﻟﻣﻠطﺧﺔ واﻷﻟم اﻟﻣﻧﻘﺿﻲ ﻟﻠﻧﻔوس
اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﻠطﺧﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻧﺎل اﻟﺳﻌﺎدة اﻟﻣطﻠﻘﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻛﻣﺎل واﻟﺗزﻛﯾﺔ واﻟطﮭﺎرة واﻟﻛﻣﺎل ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟزﻛﺎء ﺑﺎﻟﻌﻣل.
ﺗﻠﺗذ ﺑﮭﻣﺎ اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ
ووﺟﮫ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠم أن اﻟﻘوة اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻏذاؤھﺎ وﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ درك اﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻛﻣﺎ أن اﻟﻘوة اﻟﺷﮭواﻧﯾﺔ ﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ
ﻧﯾل اﻟﻣﺷﺗﮭﻰ واﻟﻘوة اﻟﺑﺻرﯾﺔ ﻟذﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﺻور اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ وﻛذﻟك ﺳﺎﺋر اﻟﻘوى .وإﻧﻣﺎ ﯾﻣﻧﻌﮭﺎ ﻣن
اﻻطﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻘوﻻت اﻟﺑدن وﺷواﻏﻠﮫ وﺣواﺳﮫ وﺷﮭواﺗﮫ .واﻟﻧﻔس اﻟﺟﺎھﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﯾوة اﻟدﻧﯾﺎ ﺣﻘﮭﺎ أن ﺗﺗﺄﻟم
ﺑﻔوات ﻟذة اﻟﻧﻔس وﻟﻛن اﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﺎﻟﺑدن ﯾﻧﺳﯾﮫ ﻧﻔﺳﮫ وﯾﻠﮭﯾﮫ ﻋن أﻟﻣﮫ ﻛﺎﻟﺧﺎﺋف ﻻ ﯾﺣس ﺑﺎﻷﻟم وﻛﺎﻟﺧدر ﻻ ﯾﺣس
ﺑﺎﻟﻧﺎر ،ﻓﺈذا ﺑﻘﯾت ﻧﺎﻗﺻﺔ ﺣﺗﻰ اﻧﺣط ﻋﻧﮫ ﺷﻐل اﻟﺑدن ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻورة اﻟﺧدر ،إذا ﻋرض ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎر ﻓﻼ ﯾﺣس
ﺑﺎﻷﻟم ﻓﺈذا زال اﻟﺧدر ﺷﻌر ﺑﺎﻟﺑﻼ اﻟﻌظﯾم دﻓﻌﺔ واﺣدة ھﺟوﻣﺎ ً.
واﻟﺑدن ﯾﺷﻐل ﻋﻧﮭﺎ
واﻟﻧﻔوس اﻟﻣدرﻛﺔ ﻟﻠﻣﻌﻘوﻻت ﻗد ﺗﻠﺗذ ﺑﮭﺎ اﻟﺗذاذاً ﺧﻔﯾﺎ ً ﻗﺎﺻراً ﻋﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﯾﮫ طﺑﺎﻋﮫ وذﻟك أﯾﺿﺎ ً ﻟﺷواﻏل اﻟﺑدن
وأﻧس اﻟﻧﻔس ﺑﺷﮭواﺗﮭﺎ .وﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺛﺎل اﻟﻣرﯾض اﻟذي ﻓﻲ ﻓﯾﮫ ﻣرارة ﯾﺳﺗﺑﺷﻊ اﻟﺷﻲء اﻟطﯾب اﻟﺣﻠو وﯾﺳﺗﮭﺟن
اﻟﻐذاء اﻟذي ھو أﺗم أﺳﺑﺎب اﻟﻠذة ﻓﻲ ﺣﻘﮫ ﻓﻼ ﯾﺗﻠذذ ﺑﮫ ﻟﻣﺎ ﻋرض ﻣن اﻟﻣرض.
ﻓﺈذا اﻧﺣط ﻋﻧﮭﺎ أﻋﺑﺎء اﻟﺑدن ،أدرﻛت اﻟﻠذة دﻓﻌﺔ
ﻓﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠوم إذا اﻧﺣط ﻋﻧﮭﺎ أﻋﺑﺎء اﻟﺑدن وﺷواﻏﻠﮫ ﺑﺎﻟﻣوت ﻛﺎن ﻣﺛﺎﻟﮫ ﻣﺛﺎل ﻣن ﻋرض ﻟﻠطﻌم اﻷﻟذ
واﻟذوق اﻷطﯾب وﻛﺎن ﺑﮫ ﻋﺎرض ﻣرض ﯾﻣﻧﻌﮫ ﻣن اﻹدراك ﻓزال اﻟﻌﺎرض ﻓﺄدرك اﻟﻠذة اﻟﻌظﯾﻣﺔ دﻓﻌﺔ .أو
ﻣﺛﺎل ﻣن اﺷﺗد ﻋﺷﻘﮫ ﻓﻲ ﺣق ﺷﺧص ﻓﺿﺎﺟﻌﮫ ذﻟك اﻟﺷﺧص وھو ﻧﺎﺋم أو ﻣﻐﻣﻰ ﻋﻠﯾﮫ أو ﺳﻛران ﻓﻼ ﯾﺣس ﺑﮫ
ﻓﺗﻧﺑﮫ ﻓﺟﺄة ﻓﯾﺷﻌر ﺑﻠذة اﻟوﺻﺎل ﺑﻌد طول اﻻﻧﺗظﺎر دﻓﻌﺔ واﺣدة.
اﻟﻠذات اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ ﺗﻔﮭم ﺑﺎﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ
وھذه اﻟﻠذات ﺣﻘﯾرة ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻠذات اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ إﻻ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻔﮭﯾﻣﮫ إﻻ ﺑﺄﻣﺛﻠﺔ ﻣﻣﺎ ﺷﺎھدھﺎ اﻟﻧﺎس
ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﯾوة ،وھذا ﻛﻣﺎ أﻧﺎ ﻟو أردﻧﺎ أن ﻧﻔﮭم اﻟﺻﺑﻲ أو اﻟﻌﻧﯾن ﻟذة اﻟﺟﻣﺎع ﻟم ﻧﻘدر ﻋﻠﯾﮫ إﻻ ﺑﺄن ﻧﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ ﺣق
اﻟﺻﺑﻲ ﺑﺎﻟﻠﻌب اﻟذي ھو أﻟذ اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻧده وﻓﻲ ﺣق اﻟﻌﻧﯾن ﺑﻠذة اﻷﻛل اﻟطﯾب ﻣﻊ ﺷدة اﻟﺟوع ﻟﯾﺻدق ﺑﺄﺻل
وﺟود اﻟﻠذة ﺛم ﯾﻌﻠم أن ﻣﺎ ﻓﮭﻣﮫ ﺑﺎﻟﻣﺛﺎل ﻟﯾس ﯾﺣﻘق ﻋﻧده ﻟذة اﻟﺟﻣﺎع وأن ذﻟك ﻻ ﯾدرك إﻻ ﺑﺎﻟذوق.
وھذه أﺣط ﻣن اﻷوﻟﻰ ﻟﻌدم وﺟودھﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ أﺷرف ﻣن اﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ أﻣران :أﺣدھﻣﺎ أن ﺣﺎل اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ أﺷرف ﻣن ﺣﺎل
اﻟﺳﺑﺎع واﻟﺧﻧﺎزﯾر ﻣن اﻟﺑﮭﺎﺋم وﻟﯾس ﻟﮭﺎ اﻟﻠذات اﻟﺣﺳﯾﺔ ﻣن اﻟﺟﻣﺎع واﻷﻛل وإﻧﻣﺎ ﻟﮭﺎ ﻟذة اﻟﺷﻌور ﺑﻛﻣﺎﻟﮭﺎ
وﺟﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟذي ﺧص ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻓﻲ اطﻼﻋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء وﻗرﺑﮭﺎ ﻣن رﺑﻲ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت ﻻ
ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن وﻓﻲ رﺗﺑﺔ اﻟوﺟود ،ﻓﺈن اﻟﻣوﺟودات ﺣﺻﻠت ﻣن ﷲ ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾب وﺑوﺳﺎﺋط ﻓﺎﻟذي ﯾﻘرب ﻣن اﻟوﺳﺎﺋط
رﺗﺑﺗﮫ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أﻋﻠﻰ.
وﻟﻛن اﻹﻧﺳﺎن ﯾﻔﺿﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرھﺎ
واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻹﻧﺳﺎن أﯾﺿﺎ ً ﻗد ﯾؤﺛر اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺳﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻣن ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ﻏﻠﺑﺔ ﻋدو واﻟﺷﻣﺎﺗﺔ ﺑﮫ ﯾﮭﺟر
ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾﻠﮫ ﻣﻼذ اﻷﻧﻛﺣﺔ واﻷطﻌﻣﺔ ﺑل ﻗد ﯾﮭﺟر اﻷﻛل طول اﻟﻧﮭﺎر ﻓﻲ ﻟذة ﻏﻠﺑﺔ اﻟﺷطرﻧﺞ واﻟﻧرد ﻣﻊ ﺧﺳﺔ
اﻷﻣر ﻓﯾﮫ وﻻ ﯾﺣس ﺑﺄﻟم اﻟﺟوع .وﻛذﻟك اﻟﻣﺗﺷوف إﻟﻰ اﻟﺣﺷﻣﺔ واﻟرﺋﺎﺳﺔ ﯾﺗردد ﺑﯾن اﻧﺧرام ﺣﺷﻣﺗﮫ ﺑﻘﺿﺎء
اﻟوطر ﻣن ﻋﺷﯾﻘﺗﮫ ﻣﺛﻼً ﺑﺣﯾث ﯾﻌرﻓﮫ ﻏﯾره وﯾﻧﺗﺷر ﻋﻧﮫ ﻓﯾﺻون اﻟﺣﺷﻣﺔ وﯾﺗرك ﻗﺿﺎء اﻟوطر وﯾﺳﺗﺣﻘر ذﻟك
ﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎء اﻟوﺟﮫ ﻓﯾﻛون ذﻟك ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ أﻟذ ﻋﻧده ،ﺑل رﺑﻣﺎ ﯾﮭﺟم اﻟﺷﺟﺎع ﻋﻠﻰ ﺟم ﻏﻔﯾر ﻣن اﻟﺷﺟﻌﺎن
ﻣﺳﺗﺣﻘراً ﺧطر اﻟﻣوت ﺷﻐﻔﺎ ً ﺑﻣﺎ ﯾﺗوھﻣﮫ ﺑﻌد اﻟﻣوت ﻣن ﻟذة اﻟﺛﻧﺎء واﻹطراء ﻋﻠﯾﮫ.
ﻓﺎﻷﻓﺿﻠﯾﺔ ھﻲ ﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻷﺧروﯾﺔ
ﻓﺈذن اﻟﻠذات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻷﺧروﯾﺔ أﻓﺿل ﻣن اﻟﻠذات اﻟﺣﺳﯾﺔ اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وﻟوﻻ ذﻟك ﻟﻣﺎ ﻗﺎل رﺳول ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ
وﺳﻠم :أﻋددت ﻟﻌﺑﺎدي اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻣﺎ ﻻ ﻋﯾن رأت وﻻ أذن ﺳﻣﻌت وﻻ ﺧطر ﻋﻠﻰ ﻗﻠب ﺑﺷر .وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" :ﻻ
ﺗﻌﻠم ﻧﻔس ﻣﺎ أﺧﻔﻲ ﻟﮭم ﻣن ﻗرة أﻋﯾن" ﻓﮭذا وﺟﮫ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠم.
ﺑﻌض اﻟﻌﻠوم ﻧﺎﻓﻌﺔ
واﻟﻧﺎﻓﻊ ﻣن ﺟﻣﻠﺗﮫ اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ وھﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺎ وﺻﻔﺎﺗﮫ وﻣﻼﺋﻛﺗﮫ وﻛﺗﺑﮫ وﻛﯾﻔﯾﺔ وﺟود اﻷﺷﯾﺎء ﻣﻧﮫ
وﻣﺎ وراء ذﻟك إن ﻛﺎن وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ ،ﻓﮭو ﻧﺎﻓﻊ ﻷﺟﻠﮫ وإن ﻟم ﯾﻛن وﺳﯾﻠﺔ إﻟﯾﮫ ﻛﺎﻟﻧﺣو واﻟﻠﻐﺔ واﻟﺷﻌر وأﻧواع اﻟﻌﻠوم
اﻟﻣﻔﺗرﻗﺔ ﻓﮭﻲ ﺻﻧﺎﻋﺎت وﺣرف ﻛﺳﺎﺋر اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت.
اﻟﻧﻔس اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﮭوات ﺗﻧﺎل اﻷذى
وأﻣﺎ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻣل واﻟﻌﺑﺎدة ﻓﻠزﻛﺎء اﻟﻧﻔس ،ﻓﺈن اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ھذا اﻟﺑدن ﻣﺻدود ﻋن درك ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء ﻻ
ﻟﻛوﻧﮫ ﻣﻧطﺑﻌﺎ ً ﻓﻲ اﻟﺑدن ﺑل ﻻﺷﺗﻐﺎﻟﮫ وﻧزوﻋﮫ إﻟﻰ ﺷﮭواﺗﮫ وﺷوﻗﮫ إﻟﻰ ﻣﻘﺗﺿﯾﺎﺗﮫ ،وھذا اﻟﻧزوع واﻟﺷوق ھﯾﺋﺔ
ﻟﻠﻧﻔس ﺗﺗرﺳﺦ ﻓﯾﮭﺎ وﺗﺗﻣﻛن ﻣﻧﮭﺎ ﺑطول اﻟﻣواظﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺑﺎع اﻟﺷﮭوات واﻟﻣﺛﺎﺑرة ﻋﻠﻰ اﻷﻧس ﺑﺎﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت
اﻟﻣﺳﺗﻠذة ،ﻓﺈذا ﺗﻣﻛﻧت ﻣن اﻟﻧﻔس ﻓﻣﺎت اﻟﺑدن ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻣﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻟﻧﻔس وﻣؤذﯾﺔ ﻣن وﺟﮭﯾن.
ﻓﺗﻛون ﻋﺎﺟزة ﻋن اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
أﺣدھﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﺗﻣﻧﻌﮭﺎ ﻋن ﻟذﺗﮭﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ وھو اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛﺔ واﻹطﻼع ﻋﻠﻰ اﻷﻣور اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ وﻻ
ﯾﻛون ﻣﻌﮫ اﻟﺑدن اﻟﺷﺎﻏل ﻓﯾﻠﮭﯾﮫ ﻋن اﻟﺗﺄﻟم ﻛﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﻣوت.
وﻋن اﻟﻠذة اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ
واﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ اﻟﺣرص واﻟﻣﯾل إﻟﻰ اﻟدﻧﯾﺎ وأﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وﻟذاﺗﮭﺎ وﻗد اﺳﺗﻠب ﻣﻧﮫ اﻵﻟﺔ ﻓﺈن اﻟﺑدن ھو اﻵﻟﺔ
ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﻠذات ﻓﯾﻛون ﺣﺎﻟﮫ ﺣﺎل ﻣن ﻋﺷق اﻣرأة وأﻟف رﺋﺎﺳﺔ واﺳﺗﺄﻧس ﺑﺄوﻻد واﺳﺗروح إﻟﻰ ﻣﺎل
واﺑﺗﮭﺞ ﺑﺣﺷﻣﺔ ﻓﻘﺗل ﻣﻌﺷوﻗﮫ وﻋزل ﻋن رﺋﺎﺳﺗﮫ وﺳﺑﻲ أوﻻده وﻧﺳﺎؤه وأﺧذ أﻣواﻟﮫ أﻋداؤه وأﺳﻘط ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ
ﺣﺷﻣﺗﮫ ﻓﯾﻘﺎﺳﻲ ﻣن اﻷﻟم ﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻔﻰ ،وھو ﻓﻲ ھذه اﻟﺣﯾوة ﻏﯾر ﻣﻧﻘطﻊ اﻷﻣل ﻋن ﻋود أﻣﺛﺎل ھذه اﻷﻣور ﻓﺈن
اﻟدﻧﯾﺎ ﻏﺎد وراﺋﺢ ﻓﻛﯾف إذا اﻧﻘطﻊ اﻷﻣل ﺑﻔﻘدان اﻟﺑدن ﺑﺳﺑب اﻟﻣوت.
ﻓﺎﻷوﻟﻰ أن ﯾﻌرض ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ
وﻻ ﯾﻧﺟﻲ ﻋن اﻟﺗﺿﻣﺦ ﺑﮭذه اﻟﮭﯾﺋﺎت إﻻ ﻛف اﻟﻧﻔس ﻋن اﻟﮭوى واﻹﻋراض ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ واﻹﻗﺑﺎل ﺑﻛﻧﮫ اﻟﺟد ﻋﻠﻰ
اﻟﻌﻠم واﻟﺗﻘوى ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻘطﻊ ﻋﻼﺋﻘﮫ ﻋن اﻷﻣور اﻟدﻧﯾوﯾﺔ وھو ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ وﺗﺳﺗﺣﻛم ﻋﻼﻗﺗﮫ ﻣﻊ اﻷﻣور اﻷﺧروﯾﺔ،
ﻓﺈذا ﻣﺎت ﻛﺎن ﻛﺎﻟﻣﺗﺧﻠص ﻋن ﺳﺟن ﻓﺎﻟواﺻل إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ ﻣطﺎﻟﺑﮫ ﻓﮭو ﺟﻧﺗﮫ.
ﻟﻛن اﻟﺿرورات اﻟﺑدﻧﯾﺔ ﺟﺎذﺑﺔ إﻟﯾﮭﺎ
وﻻ ﯾﻣﻛن ﺳﻠب ﺟﻣﯾﻊ ھذه اﻟﺻﻔﺎت ﻋن اﻟﻧﻔس وﻣﺣوھﺎ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﺈن اﻟﺿرورات اﻟﺑدﻧﯾﺔ ﺟﺎذﺑﺔ إﻟﯾﮭﺎ ،إﻻ أﻧﮫ
ﯾﻣﻛن ﺗﺿﻌﯾف ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" :وإن ﻣﻧﻛم إﻻ واردھﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ رﺑك ﺣﺗﻣﺎ ً ﻣﻘﺿﯾﺎ" .إﻻ أﻧﮫ إذا
ﺿﻌﻔت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻟم ﺗﺷﺗد ﻧﻛﺎﯾﺔ ﻓراﻗﮭﺎ وﻋظم اﻻﻟﺗذاذ ﺑﻣﺎ اطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ ﻋﻧد اﻟﻣوت ﻣن اﻷﻣور اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻓﺄﻣﺎط أﺛر
ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟدﻧﯾﺎ واﻟﻧزوع إﻟﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻗرب ،ﻛﻣن ﯾﺳﺗﻧﮭض ﻣن وطﻧﮫ إﻟﻰ ﻣﻧﺻب ﻋظﯾم وﻣﻠك ﻣرﺗﻔﻊ ﻓﻘد ﺗرق
ﻧﻔﺳﮫ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔراق ﻋﻠﻰ أھﻠﮫ ووطﻧﮫ ﻓﯾﺗﺄذى أذى ﻣﺎ وﻟﻛن ﯾﻧﻣﺣﻰ ﺑﻣﺎ ﯾﺳﺗﺄﻧﻔﮫ ﻣن ﻟذة اﻻﺑﺗﮭﺎج ﺑﺎﻟﻣﻠك واﻟرﺋﺎﺳﺔ.
وﻟذﻟك ورد اﻟﺷرع ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﻓﻲ اﻷﺧﻼق
وإذا ﻟم ﯾﻛن ﺳﻠب ھذه اﻟﺻﻔﺎت ورد اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻷﺧﻼق ﺑﺎﻟﺗوﺳط ﺑﯾن ﻛل طرﻓﯾن ﻣﺗﻘﺎﺑﻠﯾن ﻷن اﻟﻣﺎء اﻟﻔﺎﺗر ﻻ
ﺣﺎر وﻻ ﺑﺎرد ﻓﻛﺄﻧﮫ ﺑﻌﯾد ﻋن اﻟﺻﻔﺗﯾن ﻓﻼ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ إﻣﺳﺎك اﻟﻣﺎل ﻓﯾﺳﺗﺣﻛم ﻓﯾﮫ ﺣرص اﻟﻣﺎل وﻻ ﻓﻲ
اﻹﻧﻔﺎق ﻓﯾﻛون ﻣﺑذراً وﻻ أن ﯾﻛون ﻣﻣﺗﻧﻌﺎ ً ﻋن ﻛل اﻷﻣور ﻓﯾﻛون ﺟﺑﺎﻧﺎ ً وﻻ ﻣﻧﮭﻣﻛﺎ ً ﻓﻲ ﻛل أﻣر ﻓﯾﻛون ﻣﺗﮭوراً،
ﺑل ﯾطﻠب اﻟﺟود ﻓﺈﻧﮫ اﻟوﺳط ﺑﯾن اﻟﺑﺧل واﻟﺗﺑذﯾر واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ اﻟوﺳط ﺑﯾن اﻟﺟﺑن واﻟﺗﮭور وﻛذﻟك ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ
اﻷﺧﻼق ،وﻋﻠم اﻷﺧﻼق طوﯾل واﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﺎﻟﻐت ﻓﻲ ﺗﻔﺻﯾﻠﮭﺎ وﻻ ﺳﺑﯾل ﻓﻲ ﺗﮭذﯾب اﻷﺧﻼق إﻻ ﺑﻣراﻋﺎة ﻗﺎﻧون
اﻟﺷرع ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺗﺑﻊ اﻹﻧﺳﺎن ھواه ﻓﯾﻛون ﻗد اﺗﺧذ إﻟﮭﮫ ھواه ﺑل ﯾﻘﻠد اﻟﺷرع ﻓﯾﻘدم وﯾﺣﺟم ﺑﺈﺷﺎرﺗﮫ ﻻ
ﺑﺎﺧﺗﯾﺎره ﻓﺗﺗﮭذب ﺑﮫ أﺧﻼﻗﮫ.
ﻓﻣﻧﮭم ﻣن ﯾﻛوﻧون ﺗﻌﺳﺎء وﻣﻧﮭم ﺳﻌداء
ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻛﺎﻣل أو ﻏﯾر ﻛﺎﻣل
وﻣن ﻋدم ھذه اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﻠق واﻟﻌﻠم ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻓﮭو اﻟﮭﺎﻟك وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" :ﻗد أﻓﻠﺢ ﻣن زﻛﺎھﺎ وﻗد ﺧﺎب ﻣن
دﺳﺎھﺎ" .وﻣن ﺟﻣﻊ اﻟﻔﺿﯾﻠﺗﯾن اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﮭو اﻟﻌﺎرف اﻟﻌﺎﺑد وھو اﻟﺳﻌﯾد اﻟﻣطﻠق وﻣن ﻟﮫ اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ
دون اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﮭو اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻔﺎﺳق وﯾﺗﻌذب ﻣدة وﻟﻛن ﻻ ﯾدوم ﻷن ﻧﻔﺳﮫ ﻗد ﻛﻣل ﺑﺎﻟﻌﻠم وﻟﻛن اﻟﻌوارض اﻟﺑدﻧﯾﺔ
ﻟطﺧﺗﮫ ﺗﻠطﯾﺧﺎ ً ﻋﺎرﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﺟوھر اﻟﻧﻔس ،وﻟﯾس ﺗﺗﺟدد اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﺟددة ﻓﯾﻧﻣﺣﻰ ﻋﻠﻰ طول اﻟزﻣﺎن،
وﻣن ﻟﮫ اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ دون اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﯾﺳﻠم وﯾﻧﺟو ﻋن اﻷﻟم وﻻ ﯾﺣظﻰ ﺑﺎﻟﺳﻌﺎدة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ .وزﻋﻣوا أن ﻣن ﻣﺎت
ﻓﻘد ﻗﺎﻣت ﻗﯾﺎﻣﺗﮫ.
ﻓﻲ اﻟﺷرع ﺻور
وأﻣﺎ ﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺷرع ﻣن اﻟﺻور ﻓﺎﻟﻘﺻد ﺿرب اﻷﻣﺛﺎل ﻟﻘﺻور اﻷﻓﮭﺎم ﻋن درك ھذه اﻟﻠذات ﻓﻣﺛل ﻟﮭم ﻣﺎ
ﯾﻔﮭﻣون ﺛم ذﻛر ﻟﮭم أن ﺗﻠك اﻟﻠذات ﻓوق ﻣﺎ وﺻف ﻟﮭم .ﻓﮭذا ﻣذھﺑﮭم.
ﺟواﺑﻧﺎ أﻛﺛر اﻷﻣور ﺻﺣﯾﺣﺔ وﻟﻛن ﻻ ﺗﻌرف إﻻ ﺑﺎﻟﺷرع
وﻧﺣن ﻧﻘول :أﻛﺛر ھذه اﻷﻣور ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟﺷرع ﻓﺈﻧﺎ ﻻ ﻧﻧﻛر أن ﻓﻲ اﻵﺧرة أﻧواع ﻣن اﻟﻠذات أﻋظم ﻣن
اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت وﻻ ﻧﻧﻛر ﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس ﻋﻧد ﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻟﺑدن وﻟﻛﻧﺎ ﻋرﻓﻧﺎ ذﻟك ﺑﺎﻟﺷرع إذ ورد ﺑﺎﻟﻣﻌﺎد وﻻ ﯾﻔﮭم اﻟﻣﻌﺎد
إﻻ ﺑﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس ،وإﻧﻣﺎ أﻧﻛرﻧﺎ ﻋﻠﯾﮭم ﻣن ﻗﺑل دﻋواھم ﻣﻌرﻓﺔ ذﻟك ﺑﻣﺟرد اﻟﻌﻘل.
ﻓﺎﻟﺷرع ﯾﻌﻠﻣﻧﺎ ﺣﺷر اﻷﺟﺳﺎد
وﻟﻛن اﻟﻣﺧﺎﻟف ﻟﻠﺷرع ﻣﻧﮭﺎ إﻧﻛﺎر ﺣﺷر اﻷﺟﺳﺎد وإﻧﻛﺎر اﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ واﻵﻻم اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر
وإﻧﻛﺎر وﺟود ﺟﻧﺔ وﻧﺎر ﻛﻣﺎ وﺻف ﻓﻲ اﻟﻘرآن .ﻓﻣﺎ اﻟﻣﺎﻧﻊ ﻣن ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺳﻌﺎدﺗﯾن اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ
واﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ وﻛذى اﻟﺷﻘﺎوة ،وﻗوﻟﮫ :ﻻ ﺗﻌﻠم ﻧﻔس ﻣﺎ أﺧﻔﻲ ﻟﮭم ،أي ﻻ ﯾﻌﻠم ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك .وﻗوﻟﮫ :أﻋددت ﻟﻌﺑﺎدي
اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻣﺎ ﻻ ﻋﯾن رأت ﻓﻛذﻟك وﺟود ﺗﻠك اﻷﻣور اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ ﻏﯾرھﺎ ﺑل اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻷﻣرﯾن
أﻛﻣل واﻟﻣوﻋود أﻛﻣل اﻷﻣور وھو ﻣﻣﻛن ﻓﯾﺟب اﻟﺗﺻدﯾق ﺑﮫ ﻋﻠﻰ وﻓق اﻟﺷرع.
ﻗد ﯾﻘﺎل ھذه أﻣﺛﺎل
ﻓﺈن ﻗﯾل :ﻣﺎ ورد ﻓﯾﮫ أﻣﺛﺎل ﺿرﺑت ﻋﻠﻰ ﺣد أﻓﮭﺎم اﻟﺧﻠق ﻛﻣﺎ أن اﻟوارد ﻣن آﯾﺎت ،اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ وإﺧﺑﺎره أﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ
ﺣد ﻓﮭم اﻟﺧﻠق واﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻣﻘدﺳﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﺧﯾﻠﮫ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻧﺎس.
ﻗوﻟﻧﺎ ﻻ ﻣﺣل ﻟﻠﺗﺄوﯾل
واﻟﺟواب أن اﻟﺗﺳوﯾﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﺗﺣﻛم ﺑل ھﻣﺎ ﯾﻔﺗرﻗﺎن ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن اﻷﻟﻔﺎظ اﻟواردة ﻓﻲ اﻟﺗﺷﺑﯾﮫ ﺗﺣﺗﻣل
اﻟﺗﺄوﯾل ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻻﺳﺗﻌﺎرة وﻣﺎ ورد ﻓﻲ وﺻف اﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر وﺗﻔﺻﯾل ﺗﻠك اﻷﺣوال ﺑﻠﻎ ﻣﺑﻠﻐﺎ ً ﻻ
ﯾﺣﺗﻣل اﻟﺗﺄوﯾل ﻓﻼ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ ﺧﻣل اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻠﺑﯾس ﺑﺗﺧﯾﯾل ﻧﻘﯾض اﻟﺣق ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺧﻠق وذﻟك ﻣﻣﺎ ﯾﺗﻘدس
ﻋﻧﮫ ﻣﻧﺻب اﻟﻧﺑوة.
وﻻ ﻟﻼﺳﺗﺣﺎﻟﺔ
واﻟﺛﺎﻧﻲ أن أدﻟﺔ اﻟﻌﻘول دﻟت ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﻛﺎن واﻟﺟﮭﺔ واﻟﺻورة وﯾد اﻟﺟﺎرﺣﺔ وﻋﯾن اﻟﺟﺎرﺣﺔ وإﻣﻛﺎن
اﻻﻧﺗﻘﺎل واﻻﺳﺗﻘرار ﻋﻠﻰ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻓوﺟب اﻟﺗﺄوﯾل ﺑﺄدﻟﺔ اﻟﻌﻘول وﻣﺎ وﻋد ﻣن اﻷﻣور اﻵﺧرة ﻟﯾس ﻣﺣﺎﻻً ﻓﻲ
ﻗدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﯾﺟب اﻟﺟري ﻋﻠﻰ ظﺎھر اﻟﻛﻼم ﺑل ﻋﻠﻰ ﻓﺣواه اﻟذي ھو ﺻرﯾﺢ ﻓﯾﮫ.
ﻗوﻟﮭم ھﻧﺎك أﻣور ﻣﺣﺎﻟﺔ
ﻓﺈن ﻗﯾل :وﻗد دل اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد ﻛﻣﺎ دل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺗﻠك اﻟﺻﻔﺎت ﻋﻠﻰ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
ﻓﻧطﺎﻟﺑﮭم ﺑﺈظﮭﺎره.
وﻟﮭم ﻓﯾﮫ ﻣﺳﺎﻟك
ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻷول إﻣﺎ أن ﯾﻌﺎد اﻟﺑدن واﻟﺣﯾﺎة
اﻟﻣﺳﻠك اﻷول ﻗوﻟﮭم :ﺗﻘدﯾر اﻟﻌود إﻟﻰ اﻷﺑدان ﻻ ﯾﻌدوا ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم .إﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻟﺑدن
واﻟﺣﯾوة اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻋرض ﻗﺎﺋم ﺑﮫ ،ﻛﻣﺎ ذھب إﻟﯾﮫ ﺑﻌض اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن ،وأن اﻟﻧﻔس اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وﻣدﺑر
ﻟﻠﺟﺳم ﻓﻼ وﺟود ﻟﮫ ،وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣوت اﻧﻘطﺎع اﻟﺣﯾوة أي اﻣﺗﻧﺎع اﻟﺧﺎﻟق ﻋن ﺧﻠﻘﮭﺎ ﻓﺗﻧﻌدم واﻟﺑدن أﯾﺿﺎ ً ﯾﻧﻌدم،
وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﻌﺎد إﻋﺎدة ﷲ ﻟﻠﺑدن اﻟذي اﻧﻌدم ورده إﻟﻰ اﻟوﺟود وإﻋﺎدة اﻟﺣﯾوة اﻟﺗﻲ اﻧﻌدﻣت أو ﯾﻘﺎل :ﻣﺎدة اﻟﺑدن
ﺗﺑﻘﻰ ﺗراﺑﺎ ً وﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﻌﺎد أن ﯾﺟﻣﻊ وﯾرﻛب ﻋﻠﻰ ﺷﻛل آدﻣﻲ وﯾﺧﻠق ﻓﯾﮫ اﻟﺣﯾوة اﺑﺗداء ،ﻓﮭذا ﻗﺳم.
إﻣﺎ أن ﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ اﻟﺑدن
وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :اﻟﻧﻔس ﻣوﺟود وﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﻣوت وﻟﻛن ﯾرد اﻟﺑدن اﻷول ﺑﺟﻣﻊ ﺗﻠك اﻷﺟزاء ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ،وھذا ﻗﺳم.
إﻣﺎ أن ﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن أﯾﺎ ً ﻛﺎن
وإﻣﺎ أن ﯾﻘﺎل :ﯾرد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن ﺳواء ﻛﺎن ﻣن ﺗﻠك اﻷﺟزاء أو ﻣن ﻏﯾرھﺎ وﯾﻛون اﻟﻌﺎﺋد ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﻣن
ﺣﯾث أن اﻟﻧﻔس ﺗﻠك اﻟﻧﻔس ،ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻣﺎدة ﻓﻼ اﻟﺗﻔﺎت إﻟﯾﮭﺎ إذ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﯾس إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑﮭﺎ ﺑل ﺑﺎﻟﻧﻔس.
وھذه اﻷﻗﺳﺎم اﻟﺛﻠﺛﺔ ﺑﺎطﻠﺔ.
وھذه اﻟﺛﻼﺛﺔ ﺑﺎطﻠﺔ
ﻓﻔﻲ اﻷول إﯾﺟﺎد ﻟﻣﺛل ﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ إﻋﺎدة ﻋﯾن ﻣﺎ ﻛﺎن
أﻣﺎ اﻷول ﻓظﺎھر اﻟﺑطﻼن ﻷﻧﮫ ﻣﮭﻣﺎ اﻧﻌدﻣت اﻟﺣﯾوة واﻟﺑدن ﻓﺎﺳﺗﺋﻧﺎف ﺧﻠﻘﮭﺎ إﯾﺟﺎد ﻟﻣﺛل ﻣﺎ ﻛﺎن ﻻ ﻟﻌﯾن ﻣﺎ
ﻛﺎن ،ﺑل اﻟﻌود اﻟﻣﻔﮭوم ھو اﻟذي ﯾﻔرض ﻓﯾﮫ ﺑﻘﺎء ﺷﻲء وﺗﺟد ﺷﻲء ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎل :ﻓﻼن ﻋﺎد إﻟﻰ اﻹﻧﻌﺎم أي أن
اﻟﻣﻧﻌم ﺑﺎق ،وﺗرك اﻹﻧﻌﺎم ﺛم ﻋﺎد إﻟﯾﮫ أي ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺎ ھو اﻷول ﺑﺎﻟﺟﻧس وﻟﻛﻧﮫ ﻏﯾره ﺑﺎﻟﻌدد ﻓﯾﻛون ﻋوداً
ﺑﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ ﻣﺛﻠﮫ ﻻ إﻟﯾﮫ .وﯾﻘﺎل :ﻓﻼن ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺑﻠد أي ﺑﻘﻲ ﻣوﺟوداً ﺧﺎرﺟﺎ ً وﻗد ﻛﺎن ﻟﮫ ﻛون ﻓﻲ اﻟﺑﻠد ﻓﻌﺎد إﻟﻰ
ﻣﺛل ذﻟك ﻓﺈن ﻟم ﯾﻛن ﺷﻲء ﺑﺎق وﺷﯾﺋﺎن ﻣﺗﻌددان ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ﯾﺗﺧﻠﻠﮭﻣﺎ زﻣﺎن ﻟم ﯾﺗم اﺳم اﻟﻌود ،إﻻ أن ﯾﺳﻠك ﻣذھب
اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﻓﯾﻘﺎل :اﻟﻣﻌدوم ﺷﻲء ﺛﺎﺑت واﻟوﺟود ﺣﺎل ﯾﻌرض ﻟﮫ ﻣرة وﯾﻧﻘطﻊ ﺗﺎرة وﯾﻌود أﺧرى ﻓﯾﺗﺣﻘق ﻣﻌﻧﻰ
اﻟﻌود ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺑﻘﺎء اﻟذات وﻟﻛﻧﮫ رﻓﻊ ﻟﻠﻌدم اﻟﻣطﻠق اﻟذي ھو اﻟﻧﻔﻲ اﻟﻣﺣض وھو إﺛﺑﺎت ﻟﻠذات ﻣﺳﺗﻣرة اﻟﺛﺑﺎت
إﻟﻰ أن ﯾﻌود إﻟﯾﮫ اﻟوﺟود وھو ﻣﺣﺎل.
ﻓﻼ ﯾﻌود اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ
وإن اﺣﺗﺎل ﻧﺎﺻر ھذا اﻟﻘﺳم ﺑﺄن ﻗﺎل :ﺗراب اﻟﺑدن ﻻ ﯾﻔﻧﻰ ﻓﯾﻛون ﺑﺎﻗﯾﺎ ً ﻓﺗﻌود إﻟﯾﮫ اﻟﺣﯾوة .ﻓﻧﻘول ﻋﻧد ذﻟك ﯾﺳﺗﻘﯾم
أن ﯾﻘﺎل :ﻋﺎد اﻟﺗراب ﺣﯾﺎ ً ﺑﻌد أن اﻧﻘطﻌت اﻟﺣﯾوة ﻋﻧﮫ ﻣرة ،وﻻ ﯾﻛون ذﻟك ﻋوداً ﻟﻺﻧﺳﺎن وﻻ رﺟوع ذﻟك
اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻷن اﻹﻧﺳﺎن إﻧﺳﺎن ﻻ ﺑﻣﺎدﺗﮫ واﻟﺗراب اﻟذي ﻓﯾﮫ إذ ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮫ ﺳﺎﺋر اﻷﺟزاء أو أﻛﺛرھﺎ ﺑﺎﻟﻐذاء
وھو ذاك اﻷول ﺑﻌﯾﻧﮫ ،ﻓﮭو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر روﺣﮫ أو ﻧﻔﺳﮫ ﻓﺈذا ﻋدﻣت اﻟﺣﯾوة أو اﻟروح ﻓﻣﺎ ﻋدم ﻻ ﯾﻌﻘل ﻋوده وإﻧﻣﺎ
ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻣﺛﻠﮫ ،وﻣﮭﻣﺎ ﺧﻠق ﷲ ﺣﯾوة إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺗراب ﯾﺣﺻل ﻣن ﺑدن ﺷﺟر أو ﻓرس أو ﻧﺑﺎت ﻛﺎن ذﻟك اﺑﺗداء
ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ،ﻓﺎﻟﻣﻌدوم ﻗط ﻻ ﯾﻌﻘل ﻋوده واﻟﻌﺎﺋد ھو اﻟﻣوﺟود أي ﻋﺎد إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻛﺎﻧت ﻟﮫ ﻣن ﻗﺑل أي إﻟﻰ ﻣﺛل
ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﺎﺋد ھو اﻟﺗراب إﻟﻰ ﺻﻔﺔ اﻟﺣﯾوة.
وﻟﯾس اﻹﻧﺳﺎن ﻗﺎﺋﻣﺎ ً ﺑﺑدﻧﮫ
وﻟﯾس اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺑدﻧﮫ إذ ﻗد ﯾﺻﯾر ﺑدن اﻟﻔرس ﻏذاء اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﺗﺧﻠق ﻣﻧﮫ ﻧطﻔﺔ ﯾﺣﺻل ﻣﻧﮭﺎ إﻧﺳﺎن ﻓﻼ ﯾﻘﺎل:
اﻟﻔرس اﻧﻘﻠب إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑل اﻟﻔرس ﻓرس ﺑﺻورﺗﮫ ﻻ ﺑﻣﺎدﺗﮫ وﻗد اﻧﻌدﻣت اﻟﺻورة وﻣﺎ ﺑﻘﻲ إﻻ اﻟﻣﺎدة.
وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﯾرد اﻟﺑدن اﻟﻔﺎﺳد
وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ وھو ﺗﻘدﯾر ﺑﻘﺎء اﻟﻧﻔس ورده إﻟﻰ ذﻟك اﻟﺑدن ﺑﻌﯾﻧﮫ ﻓﮭو ﻟو ﺗﺻور ﻟﻛﺎن ﻣﻌﺎداً أي ﻋوداً إﻟﻰ
ﺗدﺑﯾر اﻟﺑدن ﺑﻌد ﻣﻔﺎرﻗﺗﮫ وﻟﻛن ﻣﺣﺎل إذ ﺑدن اﻟﻣﯾت ﯾﻧﺣل ﺗراﺑﺎ ً أو ﺗﺄﻛﻠﮫ اﻟدﯾدان واﻟطﯾور وﯾﺳﺗﺣﯾل دﻣﺎ ً وﺑﺧﺎراً
وھواء وﯾﻣﺗزج ﺑﮭواء اﻟﻌﺎﻟم وﺑﺧﺎره وﻣﺎﺋﮫ اﻣﺗزاﺟﺎ ً ﯾﺑﻌد اﻧﺗزاﻋﮫ واﺳﺗﺧﻼﺻﮫ.
ﯾﺳﺗﻘﺑﺢ ﺟﻣﻊ أﺟزاء اﻟﻣﯾت وﺣدھﺎ
وﻟﻛن إن ﻓرض ذﻟك اﺗﻛﺎﻻً ﻋﻠﻰ ﻗدرة ﷲ ﻓﻼ ﯾﺧﻠوا إﻣﺎ أن ﯾﺟﻣﻊ اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻣﺎت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻘط ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون
ﻣﻌﺎد اﻷﻗطﻊ وﻣﺟذوع اﻷﻧف واﻷذن وﻧﺎﻗص اﻷﻋﺿﺎء ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ،وھذا ﻣﺳﺗﻘﺑﺢ ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ أھل اﻟﺟﻧﺔ وھم
اﻟذﯾن ﺧﻠﻘوا ﻧﺎﻗﺻﯾن ﻓﻲ اﺑﺗداء اﻟﻔﺗرة ﻓﺈﻋﺎدﺗﮭم إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﻟﮭزال ﻋﻧد اﻟﻣوت ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻧﻛﺎل .ھذا
إن اﻗﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺟﻣﻊ اﻷﺟزاء اﻟﻣوﺟودة ﻋﻧد اﻟﻣوت.
وﻻ ﯾﻣﻛن ﺟﻣﻊ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟزاء اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ طول ﻋﻣره
وإن ﺟﻣﻊ ﺟﻣﯾﻊ أﺟزاﺋﮫ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻋﻣره ﻓﯾﮫ ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ﻣن وﺟﮭﯾن :أﺣدھﻣﺎ أن اﻹﻧﺳﺎن إذا
ﺗﻐذى ﺑﻠﺣم إﻧﺳﺎن ،وﻗد ﺟرت اﻟﻌﺎدة ﺑﮫ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺑﻼد وﯾﻛﺛر وﻗوﻋﮫ ﻓﻲ أوﻗﺎت اﻟﻘﺣط ،ﻓﯾﺗﻌذر ﺣﺷرھﻣﺎ
ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻷن ﻣﺎدة واﺣدة ﻛﺎﻧت ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻠﻣﺄﻛول وﺻﺎرت ﺑﺎﻟﻐذاء ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻶﻛل وﻻ ﯾﻣﻛن رد ﻧﻔﺳﯾن إﻟﻰ ﺑدن واﺣد.
واﻟﺛﺎﻧﻲ أﻧﮫ ﯾﺟب أن ﯾﻌﺎد ﺟزء واﺣد ﻛﺑداً وﻗﻠﺑﺎ ً وﯾداً ورﺟﻼً ﻓﺈﻧﮫ ﺛﺑت ﺑﺎﻟﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟطﺑﯾﺔ أن اﻷﺟزاء اﻟﻌﺿوﯾﺔ
ﯾﻐﺗذي ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻔﺿﻠﺔ ﻏذاء اﻟﺑﻌض ﻓﯾﺗﻐذى اﻟﻛﺑد ﺑﺄﺟزاء اﻟﻘﻠب وﻛذﻟك ﺳﺎﺋر اﻷﻋﺿﺎء .ﻓﻧﻔرض أﺟزاء ﻣﻌﯾﻧﺔ
ﻗد ﻛﺎﻧت ﻣﺎدة ﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻷﻋﺿﺎء ﻓﺈﻟﻰ أي ﻋﺿو ﺗﻌﺎد؟ ﺑل ﻻ ﯾﺣﺗﺎج ﻓﻲ ﺗﻘرﯾر اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ أﻛل
اﻟﻧﺎس اﻟﻧﺎس ﻓﺈﻧك إذا ﺗﺄﻣﻠت ظﺎھر اﻟﺗرﺑﺔ اﻟﻣﻌﻣورة ﻋﻠﻣت ﺑﻌد طول اﻟزﻣﺎن أن ﺗراﺑﮭﺎ ﺟﺛث اﻟﻣوﺗﻰ ﻗد ﺗﺗرﺑت
وزرع ﻓﯾﮭﺎ وﻏرس وﺻﺎر ﺣﺑﺎ ً وﻓﺎﻛﮭﺔ وﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ اﻟدواب ﻓﺻﺎرت ﻟﺣﻣﺎ ً وﺗﻧﺎوﻟﻧﺎھﺎ ﻓﻌﺎدت ﺑدﻧﺎ ً ﻟﻧﺎ ،ﻓﻣﺎ ﻣن ﻣﺎدة
ﯾﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ إﻻ وﻗد ﻛﺎﻧت ﺑدﻧﺎ ً ﻷﻧﺎس ﻛﺛﯾرة ﻓﺎﺳﺗﺣﺎﻟت وﺻﺎرت ﺗراﺑﺎ ً ﺛم ﻧﺑﺎﺗﺎ ً ﺛم ﻟﺣﻣﺎ ً ﺛم ﺣﯾواﻧﺎ ً .ﺑل ﯾﻠزم ﻣﻧﮫ
ﻣﺣﺎل ﺛﺎﻟث وھو أن اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ واﻷﺑدان أﺟﺳﺎم ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﻔﻲ اﻟﻣواد اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﻣواد اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺄﻧﻔس اﻟﻧﺎس ﻛﻠﮭم ﺑل ﺗﺿﯾق ﻋﻧﮭم.
وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟث ﻓﮭو ﻣﺣﺎل ،ﻓﺎﻷﻧﻔس ھﻲ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ
وأﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھو رد اﻟﻧﻔس إﻟﻰ ﺑدن إﻧﺳﺎﻧﻲ ﻣن أي ﻣﺎدة ﻛﺎﻧت وأي ﺗراب اﺗﻔق ﻓﮭذا ﻣﺣﺎل ﻣن وﺟﮭﯾن:
أﺣدھﻣﺎ أن اﻟﻣواد اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻛون واﻟﻔﺳﺎد ﻣﺣﺻورة ﻓﻲ ﻣﻘﻌر ﻓﻠك اﻟﻘﻣر ﻻ ﯾﻣﻛن ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣزﯾد وھﻲ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ
واﻷﻧﻔس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻓﻼ ﺗﻔﻲ ﺑﮭﺎ.
ﻓﻠﯾس ھﻧﺎك طرق ﻣﻘﺑوﻟﺔ
واﻟﺛﺎﻧﻲ أن اﻟﺗراب ﻻ ﯾﻘﺑل ﺗدﺑﯾر اﻟﻧﻔس ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﺗراﺑﺎ ً ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﺗﻣﺗزج اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻣﺗزاﺟﺎ ً ﯾﺿﺎھﻲ اﻣﺗزاج
اﻟﻧطﻔﺔ ،ﺑل اﻟﺧﺷب واﻟﺣدﯾد ﻻ ﯾﻘﺑل ھذا اﻟﺗدﺑﯾر وﻻ ﯾﻣﻛن إﻋﺎدة اﻹﻧﺳﺎن وﺑدﻧﮫ ﻣن ﺧﺷب أو ﺣدﯾد ﺑل ﻻ ﯾﻛون
إﻧﺳﺎﻧﺎ ً إﻻ إذا اﻧﻘﺳم أﻋﺿﺎء ﺑدﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻠﺣم واﻟﻌظم واﻷﺧﻼط ،وﻣﮭﻣﺎ اﺳﺗﻌد اﻟﺑدن واﻟﻣزاج ﻟﻘﺑول ﻧﻔس اﺳﺗﺣق
ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟواھﺑﺔ ﻟﻠﻧﻔوس ﺣدوث ﻧﻔس ﻓﯾﺗوارد ﻋﻠﻰ اﻟﺑدن اﻟواﺣد ﻧﻔﺳﺎن.
وﻻ ﯾﺳﻠم ﺑﺎﻟﺗﻧﺎﺳﺦ
وﺑﮭذا ﺑطل ﻣذھب اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ وھذا اﻟﻣذھب ھو ﻋﯾن اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﺈﻧﮫ رﺟﻊ إﻟﻰ اﺷﺗﻐﺎل اﻟﻧﻔس ﺑﻌد ﺧﻼﺻﮭﺎ ﻣن اﻟﺑدن
ﺑﺗدﺑﯾر ﺑدن آﺧر ﻏﯾر اﻟﺑدن اﻷول .ﻓﺎﻟﻣﺳﻠك اﻟذي ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼن اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺑطﻼن ھذا اﻟﻣﺳﻠك.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ أن ﻧﺧﺗﺎر اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث وھو ﻻ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﺷرع
واﻻﻋﺗراض ھو أن ﯾﻘﺎل :ﺑم ﺗﻧﻛرون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺧﺗﺎر اﻟﻘﺳم اﻷﺧﯾر وﯾرى أن اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﻌد اﻟﻣوت؟ وھو
ﺟوھر ﻗﺎﺋم ﺑﻧﻔﺳﮫ وأن ذﻟك ﻻ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﺷرع ﺑل دل ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺷرع ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ" :وﻻ ﺗﺣﺳﺑن اﻟذﯾن ﻗﺗﻠوا ﻓﻲ ﺳﺑﯾل
ﷲ أﻣواﺗﺎ ً ﺑل أﺣﯾﺎء ﻋﻧد رﺑﮭم" وﺑﻘوﻟﮫ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم :أرواح اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻓﻲ ﺣواﺻل طﯾر ﺧﺿر ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺗﺣت
اﻟﻌرش ،وﺑﻣﺎ ورد ﻣن اﻷﺧﺑﺎر ﺑﺷﻌور اﻷرواح ﺑﺎﻟﺻدﻗﺎت واﻟﺧﯾرات وﺳؤال ﻣﻧﻛر وﻧﻛﯾر وﻋذاب اﻟﻘﺑر
وﻏﯾره وﻛل ذﻟك ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء.
وﻓﯾﮫ ﻋود ﻣﺣﻘق
ﻧﻌم ﻗد دل ﻣﻊ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﺑﻌده ھو ﺑﻌث اﻟﺑدن .وذﻟك ﻣﻣﻛن ﺑردھﺎ إﻟﻰ ﺑدن أي ﺑدن ﻛﺎن ﺳواء
ﻛﺎن ﻣن ﻣﺎدة اﻟﺑدن اﻷول أو ﻣن ﻏﯾره أو ﻣن ﻣﺎدة اﺳﺗؤﻧف ﺧﻠﻘﮭﺎ ،ﻓﺈﻧﮫ ھو ﺑﻧﻔﺳﮫ ﻻ ﺑﺑدﻧﮫ إذ ﯾﺗﺑدل ﻋﻠﯾﮫ أﺟزاء
اﻟﺑدن ﻣن اﻟﺻﻐر إﻟﻰ اﻟﻛﺑر ﺑﺎﻟﮭزال واﻟﺳﻣن وﺗﺑدل اﻟﻐذاء وﯾﺧﺗﻠف ﻣزاﺟﮫ ﻣﻊ ذﻟك وھو ذﻟك اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻌﯾﻧﮫ
ﻓﮭذا ﻣﻘدور وﯾﻛون ذﻟك ﻋوداً ﻟذﻟك اﻟﻧﻔس ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﻗد ﺗﻌذر ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﺣظﻰ ﺑﺎﻵﻻم واﻟﻠذات اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ﺑﻔﻘد
اﻵﻟﺔ وﻗد أﻋﯾدت إﻟﯾﮫ آﻟﺔ ﻣﺛل اﻷوﻟﻰ ﻓﻛﺎن ذﻟك ﻋوداً ﻣﺣﻘﻘﺎ ً.
اﻟﻧﻔوس ﻟﯾﺳت ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ
وﻣﺎ ذﻛرﺗﻣوه ﻣن اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ھذا ﺑﻛون اﻟﻧﻔوس ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ وﻛون اﻟﻣواد ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﻣﺣﺎل ﻻ أﺻل ﻟﮫ ﻓﺈﻧﮫ ﺑﻧﺎء
ﻋﻠﻰ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وﺗﻌﺎﻗب اﻷدوار ﻋﻠﻰ اﻟدوام وﻣن ﻻ ﯾﻌﺗﻘد ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺎﻟﻧﻔوس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻸﺑدان ﻋﻧده ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ
وﻟﯾﺳت أﻛﺛر ﻣن اﻟﻣواد اﻟﻣوﺟودة ،وإن ﺳﻠم أﻧﮭﺎ أﻛﺛر ﻓﺎ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻠق واﺳﺗﺋﻧﺎف اﻻﺧﺗراع وإﻧﻛﺎره
إﻧﻛﺎر ﻟﻘدرة ﷲ ﻋﻠﻰ اﻷﺣداث .وﻗد ﺳﺑق إﺑطﺎﻟﮫ ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم.
أﻣﺎ اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء
وأﻣﺎ إﺣﺎﻟﺗﻛم اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﺄن ھذا ﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻼ ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻣﺎء ﻓﻣﺎ ورد اﻟﺷرع ﺑﮫ ﯾﺟب ﺗﺻدﯾﻘﮫ ﻓﻠﯾﻛن ﺗﻧﺎﺳﺧﺎ ً
وإﻧﻣﺎ ﻧﺣن ﻧﻧﻛر اﻟﺗﻧﺎﺳﺦ ﻓﻲ ھذا اﻟﻌﺎﻟم .ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺑﻌث ﻓﻼ ﻧﻧﻛره ﺳﻣﻲ ﺗﻧﺎﺳﺧﺎ ً أو ﻟم ﯾﺳم.
وﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗدﺑﯾر اﻷﻣر
وﻗوﻟﻛم إن ﻛل ﻣزاج اﺳﺗﻌد ﻟﻘﺑول ﻧﻔس اﺳﺗﺣق ﺣدوث ﻧﻔس ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ رﺟوع إﻟﻰ أن ﺣدوث اﻟﻧﻔس ﺑﺎﻟطﺑﻊ ﻻ
ﺑﺎﻹرادة وﻗد أﺑطل ذﻟك ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم .ﻛﯾف وﻻ ﯾﺑﻌد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎق ﻣذھﺑﻛم أﯾﺿﺎ ً أن ﯾﻘﺎل :إﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣق
ﺣدوث ﻧﻔس إذا ﻟم ﯾﻛن ﺛم ﻧﻔس ﻣوﺟودة ﻓﺗﺳﺗﺄﻧف ﻧﻔس؟ ﻓﯾﺑﻘﻰ أن ﯾﻘﺎل :ﻓﻠم ﻟم ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﻣزﺟﺔ اﻟﻣﺳﺗﻌدة ﻓﻲ
اﻷرﺣﺎم ﻗﺑل اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور ﺑل ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ ھذا؟ ﻓﯾﻘﺎل :ﻟﻌل اﻷﻧﻔس اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﻧوﻋﺎ ً آﺧر ﻣن اﻻﺳﺗﻌداد
وﻻ ﯾﺗم ﺳﺑﺑﮭﺎ إﻻ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت .وﻻ ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻔﺎرق اﻻﺳﺗﻌداد اﻟﻣﺷروط ﻟﻠﻧﻔس اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻻﺳﺗﻌداد
اﻟﻣﺷروط ﻟﻠﻧﻔس اﻟﺣﺎدﺛﺔ اﺑﺗداء اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺳﺗﻔد ﻛﻣﺎﻻً ﺑﺗدﺑﯾر اﻟﺑدن ﻣدة ،وﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋرف ﺑﺗﻠك اﻟﺷروط
وﺑﺄﺳﺑﺎﺑﮭﺎ وأوﻗﺎت ﺣﺿورھﺎ وﻗد ورد اﻟﺷرع ﺑﮫ وھو ﻣﻣﻛن ﻓﯾﺟب اﻟﺗﺻدﯾق ﺑﮫ.
ﻣﺳﻠﻛﮭم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻛﻣﺎ أن ﻗﻠب اﻟﺣدﯾد ﺛوﺑﺎ ً
ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺗﻌدد اﻻﺳﺗﺣﺎﻻت
ً ً
اﻟﻣﺳﻠك اﻟﺛﺎﻧﻲ أن ﻗﺎﻟوا :ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﻣﻘدور أن ﯾﻘﻠب اﻟﺣدﯾد ﺛوﺑﺎ ﻣﻧﺳوﺟﺎ ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻌﻣم ﺑﮫ إﻻ ﺑﺄن ﺗﺣﻠل أﺟزاء
اﻟﺣدﯾد إﻟﻰ اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺑﺄﺳﺑﺎب ﺗﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺣدﯾد ﻓﺗﺣﻠﻠﮫ إﻟﻰ ﺑﺳﺎﺋط اﻟﻌﻧﺎﺻر ﺛم ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻌﻧﺎﺻر وﺗدار ﻓﻲ
أطوار ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻘﺔ إﻟﻰ أن ﺗﻛﺗﺳب ﺻورة اﻟﻘطن ﺛم ﯾﻛﺗﺳب اﻟﻘطن ﺻورة اﻟﻐزل ﺛم اﻟﻐزل ﯾﻛﺗﺳب اﻻﻧﺗظﺎم
اﻟﻣﻌﻠوم اﻟذي ھو اﻟﻧﺳﺞ ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ .وﻟو ﻗﯾل إن ﻗﻠب اﻟﺣدﯾد ﻋﻣﺎﻣﺔ ﻗطﻧﯾﺔ ﻣﻣﻛن ﻣن ﻏﯾر اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ
ھذه اﻷطوار ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗرﺗﯾب ﻛﺎن ﻣﺣﺎﻻً .ﻧﻌم ﯾﺟوز أن ﯾﺧطر ﻟﻺﻧﺳﺎن أن ھذه اﻻﺳﺗﺣﺎﻻت ﯾﺟوز أن
ﺗﺣﺻل ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ زﻣﺎن ﻣﺗﻘﺎرب ﻻ ﯾﺣس اﻹﻧﺳﺎن ﺑطوﻟﮭﺎ ﻓﯾظن أﻧﮫ وﻗﻊ ﻓﺟﺄة دﻓﻌﺔ واﺣدة.
ھذا ﻣﺎ ﯾﻘﺗﺿﯾﮫ أﯾﺿﺎ ً ﺗﺟدد ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻟﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﯾﮫ
وإذا ﻋﻘل ھذا ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺑﻌوث اﻟﻣﺣﺷور ﻟو ﻛﺎن ﺑدﻧﮫ ﻣن ﺣﺟر أو ﯾﺎﻗوت أو در أو ﺗراب ﻣﺣض ﻟم ﯾﻛن
إﻧﺳﺎﻧﺎ ً ﺑل ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻛون إﻧﺳﺎﻧﺎً ،إﻻ أن ﯾﻛون ﻣﺗﺷﻛﻼً ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﻣﺧﺻوص ﻣرﻛﺑﺎ ً ﻣن اﻟﻌظﺎم واﻟﻌروق
واﻟﻠﺣوم واﻟﻐﺿﺎرﯾف واﻷﺧﻼط ،واﻷﺟزاء اﻟﻣﻔردة ﺗﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﺑدن ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻷﻋﺿﺎء
وﻻ ﺗﻛون اﻷﻋﺿﺎء اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻟﻌظﺎم واﻟﻠﺣوم واﻟﻌروق وﻻ ﺗﻛون ھذه اﻟﻣﻔردات ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻷﺧﻼط
وﻻ ﺗﻛون اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻣوادھﺎ ﻣن اﻟﻐذاء وﻻ ﯾﻛون اﻟﻐذاء ﻣﺎ ﯾﻛن ﺣﯾوان أو ﻧﺑﺎت وھو اﻟﻠﺣم واﻟﺣﺑوب
وﻻ ﯾﻛون ﺣﯾوان وﻧﺑﺎت ﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷرﺑﻌﺔ ﺟﻣﯾﻌﺎ ً ﻣﻣﺗزﺟﺔ ﺑﺷراﺋط ﻣﺧﺻوﺻﺔ طوﯾﻠﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ
ﻓﺻﻠﻧﺎ ﺟﻣﻠﺗﮭﺎ .ﻓﺈذن ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﺟدد ﺑدن إﻧﺳﺎن ﻟﺗرد اﻟﻧﻔس إﻟﯾﮫ إﻻ ﺑﮭذه اﻷﻣور.
وھذا ﻣﺣﺎل ﻣن ﺟﻣﯾﻊ اﻟوﺟوه
ً
وﻟﮭﺎ أﺳﺑﺎب ﻛﺛﯾرة :أﻓﯾﻧﻘﻠب اﻟﺗراب إﻧﺳﺎﻧﺎ ﺑﺄن ﯾﻘﺎل ﻟﮫ ﻛن؟ أو ﺑﺄن ﺗﻣﮭد أﺳﺑﺎب اﻧﻘﻼﺑﮫ ﻓﻲ ھذه اﻷدوار وأﺳﺑﺎﺑﮫ
ھﻲ إﻟﻘﺎء اﻟﻧطﻔﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧرﺟﺔ ﻣن ﻟﺑﺎب ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ رﺣم ﺣﺗﻰ ﯾﺳﻣد ﻣن دم اﻟطﻣث وﻣن اﻟﻐذاء ﻣدة ﺣﺗﻰ
ﯾﺗﺧﻠق ﻣﺿﻐﺔ ﺛم ﻋﻠﻘﺔ ﺛم ﺟﻧﯾﻧﺎ ً ﺛم طﻔﻼً ﺛم ﺷﺎﺑﺎ ً ﺛم ﻛﮭﻼً .ﻓﻘول اﻟﻘﺎﺋل :ﯾﻘﺎل ﻟﮫ ﻛن ﻓﯾﻛون ،ﻏﯾر ﻣﻌﻘول إذ
اﻟﺗراب ﻻ ﯾﺧﺎطب واﻧﻘﻼﺑﮫ إﻧﺳﺎﻧﺎ ً دون اﻟﺗردد ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻣﺣﺎل .وﺗردده ﻓﻲ ھذه اﻷطوار دون ﺟرﯾﺎن
ھذه اﻷﺳﺑﺎب ﻣﺣﺎل ﻓﯾﻛون اﻟﺑﻌث ﻣﺣﺎﻻً.
اﻋﺗراﺿﻧﺎ ھذا ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ وﻟو ﻓﻲ زﻣﺎن طوﯾل
واﻻﻋﺗراض أﻧﺎ ﻧﺳﻠم أن اﻟﺗرﻗﻲ ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﯾﺻﯾر ﺑدن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﻣﺎ ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﺣﺗﻰ ﯾﺻﯾر
اﻟﺣدﯾد ﻋﻣﺎﻣﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻟو ﺑﻘﻲ ﺣدﯾداً ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺛوﺑﺎ ً ﺑل ﻻ ﺑد وأن ﯾﺻﯾر ﻗطﻧﺎ ً ﻣﻐزوﻻً ﺛم ﻣﻧﺳوﺟﺎ ً .وﻟﻛن ذﻟك ﻓﻲ
ﻟﺣظﺔ أو ﻓﻲ ﻣدة ﻣﻣﻛن وﻟم ﯾﺑن ﻟﻧﺎ أن اﻟﺑﻌث ﯾﻛون ﻓﻲ أوﺣﻰ ﻣﺎ ﯾﻘدر إذ ﯾﻛون ﺟﻣﻊ اﻟﻌظﺎم وإﻧﺷﺎز اﻟﻠﺣم
وإﻧﺑﺎﺗﮫ ﻓﻲ زﻣﺎن طوﯾل وﻟﯾس اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﻓﯾﮫ.
وھذا ﯾﺣﺻل ﺑﻘدرة ﷲ إﻣﺎ ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ
وإﻧﻣﺎ اﻟﻧظر ﻓﻲ أن اﻟﺗرﻗﻲ ﻓﻲ ھذه اﻷطوار ﯾﺣﺻل ﺑﻣﺟرد اﻟﻘدرة ﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ أو ﺑﺳﺑب ﻣن اﻷﺳﺑﺎب،
وﻛﻼھﻣﺎ ﻣﻣﻛﻧﺎن ﻋﻧدﻧﺎ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎه ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت ﻋﻧد اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ إﺟراء اﻟﻌﺎدات ،وإن
اﻟﻣﻘﺗرﻧﺎت ﻓﻲ اﻟوﺟود اﻗﺗراﻧﮭﺎ ﻟﯾس ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﺗﻼزم ﺑل اﻟﻌﺎدات ﯾﺟوز ﺧرﻗﮭﺎ ﻓﯾﺣﺻل ﺑﻘدرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ھذه
اﻷﻣور دون وﺟود أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ.
أو ﺑواﺳطﺎت ﻏرﯾﺑﺔ
وأﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﮭو أن ﻧﻘول :ذﻟك ﯾﻛون ﺑﺄﺳﺑﺎب وﻟﻛن ﻟﯾس ﻣن ﺷرط أن ﯾﻛون اﻟﺳﺑب ھو اﻟﻣﻌﮭود ﺑل ﻓﻲ ﺧزاﻧﺔ
اﻟﻣﻘدورات ﻋﺟﺎﺋب وﻏراﺋب ﻟم ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﯾﻧﻛرھﺎ ﻣن ﯾظن أن ﻻ وﺟود إﻻ ﻟﻣﺎ ﺷﺎھده ،ﻛﻣﺎ ﯾﻧﻛر طﺎﺋﻔﺔ
اﻟﺳﺣر واﻟﻧﺎرﻧﺟﺎت واﻟطﻠﺳﻣﺎت واﻟﻣﻌﺟزات واﻟﻛراﻣﺎت وھﻲ ﺛﺎﺑﺗﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑﺄﺳﺑﺎب ﻏرﯾﺑﺔ ﻻ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮭﺎ.
ﻣن اﺳﺗﻧﻛر ﻗوة اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾس ﺛم ﺷﺎھدھﺎ
ﺗﻌﺟب ﻣﻧﮭﺎ ﻓﮭﻛذا ﯾﺗﻌﺟﺑون
ﺑل ﻟو ﻟم ﯾر إﻧﺳﺎن اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾس وﺟذﺑﮫ ﻟﻠﺣدﯾد وﺣﻛﻲ ﻟﮫ ذﻟك ﻻﺳﺗﻧﻛره وﻗﺎل :ﻻ ﯾﺗﺻور ﺟذب ﻟﻠﺣدﯾد إﻻ ﺑﺧﯾط
ﯾﺷد ﻋﻠﯾﮫ وﯾﺟذب ﻓﺈﻧﮫ اﻟﻣﺷﺎھد ﻓﻲ اﻟﺟذب ،ﺣﺗﻰ إذا ﺷﺎھده ﺗﻌﺟب ﻣﻧﮫ وﻋﻠم أن ﻋﻠﻣﮫ ﻗﺎﺻر ﻋن اﻹﺣﺎطﺔ
ﺑﻌﺟﺎﺋب اﻟﻘدرة .وﻛذﻟك اﻟﻣﻠﺣدة اﻟﻣﻧﻛرة ﻟﻠﺑﻌث واﻟﻧﺷور إذا ﺑﻌﺛوا ورأوا ﻋﺟﺎﺋب ﺻﻧﻊ ﷲ ﻓﯾﮫ ﻧدﻣوا ﻧداﻣﺔ ﻻ
ﺗﻧﻔﻌﮭم وﯾﺗﺣﺳرون ﻋﻠﻰ ﺟﺣودھم ﺗﺣﺳراً ﻻ ﯾﻐﻧﯾﮭم وﯾﻘﺎل ﻟﮭم" :ھذا اﻟذي ﻛﻧﺗم ﺑﮫ ﺗﻛذﺑون" ﻛﺎﻟذي ﯾﻛذب
ﺑﺎﻟﺧواص واﻷﺷﯾﺎء اﻟﻐرﯾﺑﺔ.
إن اﻹﻧﺳﺎن ﻟو ﺧﻠق ﻋﺎﻗﻼً ﻷﻧﻛر ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن اﻟﻧطﻔﺔ
ﺑل ﻟو ﺧﻠق إﻧﺳﺎن ﻋﺎﻗﻼً اﺑﺗداء وﻗﯾل ﻟﮫ إن ھذه اﻟﻧطﻔﺔ اﻟﻘذرة اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ اﻷﺟزاء ﺗﻧﻘﺳم أﺟزاؤھﺎ اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ﻓﻲ
رﺣم آدﻣﯾﺔ إﻟﻰ أﻋﺿﺎء ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﺣﻣﯾﺔ وﻋﺻﺑﯾﺔ وﻋظﻣﯾﺔ وﻋرﻗﯾﺔ وﻏﺿروﻓﯾﺔ وﺷﺣﻣﯾﺔ ﻓﯾﻛون ﻣﻧﮫ اﻟﻌﯾن ﻋﻠﻰ
ﺳﺑﻊ طﺑﻘﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻣزاج واﻟﻠﺳﺎن واﻷﺳﻧﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎوﺗﮭﻣﺎ ﻓﻲ اﻟرﺧﺎوة واﻟﺻﻼﺑﺔ ﻣﻊ ﺗﺟﺎورھﻣﺎ وھﻠم
ﺟرا إﻟﻰ اﻟﺑداﺋﻊ اﻟﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻔطرة ﻟﻛﺎن إﻧﻛﺎره أﺷد ﻣن إﻧﻛﺎر اﻟﻣﻠﺣدة ﺣﯾث ﻗﺎﻟوا :أﺋذا ﻛﻧﺎ ﻋظﺎﻣﺎ ً ﻧﺧرة اﻵﯾﺔ.
ﻓﯾﺟب ﻋدم إﻧﻛﺎر ﻣﺎ ﻟم ﯾﺷﺎھد
ﻓﻠﯾس ﯾﺗﻔﻛر اﻟﻣﻧﻛر ﻟﻠﺑﻌث أﻧﮫ ﻣن أﯾن ﻋرف اﻧﺣﺻﺎر أﺳﺑﺎب اﻟوﺟود ﻓﯾﻣﺎ ﺷﺎھد وﻟم ﯾﺑﻌد أن ﯾﻛون ﻓﻲ إﺣﯾﺎء
اﻷﺑدان ﻣﻧﮭﺎج ﻏﯾر ﻣﺎ ﺷﺎھده .وﻗد ورد ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺧﺑﺎر أﻧﮫ ﯾﻌم اﻷرض ﻓﻲ وﻗت اﻟﺑﻌث ﻣطر ﻗطراﺗﮭﺎ ﺗﺷﺑﮫ
اﻟﻧطف وﺗﺧﺗﻠط ﺑﺎﻟﺗراب ﻓﺄي ﺑﻌد ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻷﺳﺑﺎب اﻹﻟﮭﯾﺔ أﻣر ﯾﺷﺑﮫ ذﻟك وﻧﺣن ﻻ ﻧطﻠﻊ ﻋﻠﯾﮫ وﯾﻘﺗﺿﻲ
ذﻟك اﻧﺑﻌﺎث اﻷﺟﺳﺎد واﺳﺗﻌدادھﺎ ﻟﻘﺑول اﻟﻧﻔوس اﻟﻣﺣﺷورة ،وھل ﻟﮭذا اﻹﻧﻛﺎر ﻣﺳﺗﻧد إﻻ اﻻﺳﺗﺑﻌﺎد اﻟﻣﺟرد؟
ﻗد ﯾﻘﺎل إن اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وھو دوري
ﻓﺈن ﻗﯾل :اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﻟﮫ ﻣﺟرى واﺣد ﻣﺿروب ﻻ ﯾﺗﻐﯾر وﻟذﻟك ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" :وﻣﺎ أﻣرﻧﺎ إﻻ واﺣدة ﻛﻠﻣﺢ
ﺑﺎﻟﺑﺻر" وﻗﺎل" :وﻟن ﺗﺟد ﻟﺳﻧﺔ ﷲ ﺗﺑدﯾﻼ" وھذه اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ أوھﻣﺗﮭم إﻣﻛﺎﻧﮭﺎ إن ﻛﺎﻧت ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗطرد
أﯾﺿﺎ ً وﺗﺗﻛرر إﻟﻰ ﻏﯾر ﻏﺎﯾﺔ وأن ﯾﺑﻘﻰ ھذا اﻟﻧظﺎم اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻟﺗوﻟد واﻟﺗواﻟد إﻟﻰ ﻏﯾر ﻏﺎﯾﺔ .وﺑﻌد
اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺗﻛرر واﻟدور ﻓﻼ ﯾﺑﻌد أن ﯾﺧﺗﻠف ﻣﻧﮭﺎج اﻷﻣور ﻓﻲ ﻛل أﻟف أﻟف ﺳﻧﺔ ﻣﺛﻼً وﻟﻛن ﯾﻛون ذﻟك
اﻟﺗﺑدل أﯾﺿﺎ ً داﺋﻣﺎ ً أﺑدﯾﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺳﻧن واﺣد ﻓﺈن ﺳﻧﺔ ﷲ ﻻ ﺗﺑدﯾل ﻓﯾﮭﺎ.
وﯾﺻدر ﻋن اﻹرادة وھﻲ ﻏﯾر ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ
وھذا ﻟﻣﻛﺎن أن اﻟﻔﻌل اﻹﻟﮭﻲ ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ واﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﺗﻌﯾﻧﺔ اﻟﺟﮭﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺧﺗﻠف
ﻧظﺎﻣﮭﺎ ﺑﺎﺧﺗﻼف ﺟﮭﺎﺗﮭﺎ ﻓﯾﻛون اﻟﺻﺎدر ﻣﻧﮭﺎ ﻛﯾف ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻧﺗظﻣﺎ ً اﻧﺗظﺎﻣﺎ ً ﯾﺟﻣﻊ اﻷول واﻵﺧر ﻋﻠﻰ ﻧﺳق
واﺣد ﻛﻣﺎ ﻧراه ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺳﺑﺑﺎت.
وﺳﺗﻛون اﻵﺧرة واﻟﻘﯾﺎﻣﺔ
ﻓﺈن ﺟوزﺗم اﺳﺗﻣرار اﻟﺗواﻟد واﻟﺗﻧﺎﺳل ﺑﺎﻟطرﯾق اﻟﻣﺷﺎھد اﻵن أو ﻋود ھذا اﻟﻣﻧﮭﺎج وﻟو ﺑﻌد زﻣﺎن طوﯾل ﻋﻠﻰ
ﺳﺑﯾل اﻟﺗﻛرر واﻟدور ﻓﻘد رﻓﻌﺗم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ واﻵﺧرة وﻣﺎ دل ﻋﻠﯾﮫ ظواھر اﻟﺷرع إذ ﯾﻠزم ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻛون ﻗد ﺗﻘدم
ﻋﻠﻰ وﺟودﻧﺎ ھذا اﻟﺑﻌث ﻛرات وﺳﯾﻌود ﻛرات وھﻛذى ﻋﻠﻰ اﻟﺗرﺗﯾب.
وﻻ ﯾﻣﻛن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺣﺎﻻت إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ
وإن ﻗﻠﺗم إن اﻟﺳﻧﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﺗﺗﺑدل إﻟﻰ ﺟﻧس آﺧر وﻻ ﺗﻌود ﻗط ھذه اﻟﺳﻧﺔ وﺗﻧﻘﺳم ﻣدة اﻹﻣﻛﺎن إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ
أﻗﺳﺎم :ﻗﺳم ﻗﺑل ﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم إذ ﻛﺎن ﷲ وﻻ ﻋﺎﻟم وﻗﺳم ﺑﻌد ﺧﻠﻘﮫ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ وﻗﺳم ﺑﮫ اﻻﺧﺗﺗﺎم وھو اﻟﻣﻧﮭﺎج
اﻟﺑﻌﺛﻲ ،ﺑطل اﻻﺗﺳﺎق واﻻﻧﺗظﺎم وﺣﺻل اﻟﺗﺑدﯾل ﻟﺳﻧﺔ ﷲ وھو ﻣﺣﺎل ﻓﺈن ھذا إﻧﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺑﻣﺷﯾﺋﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻷﺣوال أﻣﺎ اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻷزﻟﯾﺔ ﻓﻠﮭﺎ ﻣﺟرى واﺣد ﻣﺿروب ﻻ ﺗﺗﺑدل ﻋﻧﮫ ﻷن اﻟﻔﻌل ﻣﺿﺎه ﻟﻠﻣﺷﯾﺋﺔ
واﻟﻣﺷﯾﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻧن واﺣد ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷزﻣﺎن؟
وھذا ﻻ ﯾﻧﺎﻗض اﻟﻘول ﺑﺄن ﷲ "ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء
وزﻋﻣوا أن ھذا ﻻ ﯾﻧﺎﻗض ﻗوﻟﻧﺎ إن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء ﻓﺈﻧﺎ ﻧﻘول إن ﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻌث واﻟﻧﺷور وﺟﻣﯾﻊ
اﻷﻣور اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل ،وﻟﯾس ﻣن ﺷرط ﺻدق ﻗوﻟﻧﺎ ھذا أن ﯾﺷﺎء وﻻ أن ﯾﻔﻌل .وھذا ﻛﻣﺎ
أﻧﺎ ﻧﻘول إن ﻓﻼﻧﺎ ً ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺟز رﻗﺑﺔ ﻧﻔﺳﮫ وﯾﺑﻌﺞ ﺑطن ﻧﻔﺳﮫ وﯾﺻدق ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل
وﻟﻛﻧﺎ ﻧﻌﻠم أﻧﮫ ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل.
وﻻ ﯾﻧﺎﻗﺿﮫ أﻧﮫ "ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل"
وﻗوﻟﻧﺎ :ﻻ ﯾﺷﺎء وﻻ ﯾﻔﻌل ﻻ ﯾﻧﺎﻗض ﻗوﻟﻧﺎ إﻧﮫ ﻗﺎدر ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل ﻓﺈن اﻟﺣﻣﻠﯾﺎت ﻻ ﺗﻧﺎﻗض اﻟﺷرطﯾﺎت
ﻛﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق إذ ﻗوﻟﻧﺎ :ﻟو ﺷﺎء ﻟﻔﻌل ،ﺷرطﻲ ﻣوﺟب وﻗوﻟﻧﺎ :ﻣﺎ ﺷﺎء وﻣﺎ ﻓﻌل ،ﺣﻣﻠﺗﺎن ﺳﺎﻟﺑﺗﺎن واﻟﺳﺎﻟﺑﺔ
اﻟﺣﻣﻠﯾﺔ ﻻ ﺗﻧﺎﻗض اﻟﻣوﺟﺑﺔ اﻟﺷرطﯾﺔ .ﻓﺈذن اﻟدﻟﯾل اﻟذي دﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻣﺷﯾﺋﺔ أزﻟﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻣﺗﻔﻧﻧﺔ ﯾدﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ أن
ﻣﺟرى اﻷﻣر اﻹﻟﮭﻲ ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻋﻠﻰ اﻧﺗظﺎم وإن اﺧﺗﻠﻔت ﻓﻲ آﺣﺎد اﻷوﻗﺎت ﻓﯾﻛون اﺧﺗﻼﻓﮭﺎ أﯾﺿﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻧﺗظﺎم
واﺗﺳﺎق ﺑﺎﻟﺗﻛرر واﻟﻌود وأﻣﺎ ﻏﯾر ھذا ﻓﻼ ﯾﻣﻛن.
ﺟواﺑﻧﺎ ﯾﻣﻛن اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺣﺎﻻت إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ
واﻟﺟواب أن ھذا اﺳﺗﻣداد ﻣن ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وأن اﻟﻣﺷﯾﺋﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻓﻠﯾﻛن اﻟﻌﺎﻟم ﻗدﯾﻣﺎ ً وﻗد أﺑطﻠﻧﺎ ذﻟك وﺑﯾﻧﺎ أﻧﮫ ﻻ
ﯾﺑﻌد ﻓﻲ اﻟﻌﻘل وﺿﻊ ﺛﻠﺛﺔ أﻗﺳﺎم وھو أن ﯾﻛون ﷲ ﻣوﺟوداً وﻻ ﻋﺎﻟم ﺛم ﯾﺧﻠق اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻠﻰ اﻟﻧظم اﻟﻣﺷﺎھد ﺛم
ﯾﺳﺗﺄﻧف ﻧظﻣﺎ ً ﺛﺎﻧﯾﺎ ً وھو اﻟﻣوﻋود ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ ﺛم ﯾﻌدم اﻟﻛل ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺑﻘﻰ إﻻ ﷲ وھو ﻣﻣﻛن ﻟوﻻ أن اﻟﺷرع ﻗد
ورد ﺑﺄن اﻟﺛواب واﻟﻌﻘﺎب واﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر ﻻ آﺧر ﻟﮭﻣﺎ.
اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺄﻟﺗﯾن اﻷوﻟﻰ واﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻋﺷرة
وھذه اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻛﯾف ﻣﺎ رددت ﺗﻧﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺋﻠﺗﯾن إﺣدﯾﮭﻣﺎ ﺣدث اﻟﻌﺎﻟم وﺟواز ﺣﺻول ﺣﺎدث ﻣن ﻗدﯾم اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ
ﺧرق اﻟﻌﺎدات ﺑﺧﻠق اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت دون اﻷﺳﺑﺎب أو إﺣداث أﺳﺑﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺞ آﺧر ﻏﯾر ﻣﻌﺗﺎد ،وﻗد ﻓرﻏﻧﺎ ﻋن
اﻟﻣﺳﺋﻠﺗﯾن ﺟﻣﯾﻌﺎ ً.
ﺧﺎﺗﻣﺔ اﻟﻛﺗﺎب
ھل ھم ﻛﺎﻓرون؟
ﻓﺈن ﻗﺎل ﻗﺎﺋل :ﻗد ﻓﺻﻠﺗم ﻣذاھب ھؤﻻء أﻓﺗﻘطﻌون اﻟﻘول ﺑﻛﻔرھم ووﺟوب اﻟﻘﺗل ﻟﻣن ﯾﻌﺗﻘد اﻋﺗﻘﺎدھم؟
ﺗﻛﻔﯾرھم ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ
ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻷوﻟﻰ واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﺷرة واﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻋﺷرة
ﻗﻠﻧﺎ :ﺗﻛﻔﯾرھم ﻻ ﺑد ﻣﻧﮫ ﻓﻲ ﺛﻠث ﻣﺳﺎﺋل إﺣدﯾﮭﺎ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم وﻗوﻟﮭم إن اﻟﺟواھر ﻛﻠﮭﺎ ﻗدﯾﻣﺔ واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻗوﻟﮭم
إن ﷲ ﻻ ﯾﺣﯾط ﻋﻠﻣﺎ ً ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺎت اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﻣن اﻷﺷﺧﺎص واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﻲ إﻧﻛﺎرھم ﺑﻌث اﻷﺟﺳﺎد وﺣﺷرھﺎ ،ﻓﮭذه
اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺛﻠث ﻻ ﺗﻼﺋم اﻹﺳﻼم ﺑوﺟﮫ وﻣﻌﺗﻘدھﺎ ﻣﻌﺗﻘد ﻛذب اﻷﻧﺑﯾﺎء .وإﻧﮭم ذﻛروا ﻣﺎ ذﻛروه ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل
اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﻣﺛﯾﻼً ﻟﺟﻣﺎھﯾر اﻟﺧﻠق وﺗﻔﮭﯾﻣﺎ ً وھذا ھو اﻟﻛﻔر اﻟﺻراح اﻟذي ﻟم ﯾﻌﺗﻘده أﺣد ﻣن ﻓرق اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن.
وﻓﻲ ﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﺎﺋل
ﻓﻣذھﺑﮭم ﻗرﯾب ﻣن ﻣذاھب اﻟﻔرق اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ
ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﻋدا ھذه اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺛﻠث ﻣن ﺗﺻرﻓﮭم ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ واﻋﺗﻘﺎد اﻟﺗوﺣﯾد ﻓﯾﮭﺎ ﻓﻣذھﺑﮭم ﻗرﯾب ﻣن
ﻣذاھب اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ وﻣذھﺑﮭم ﻓﻲ ﺗﻼزم اﻷﺳﺑﺎب اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ھو اﻟذي ﺻرح اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﺑﮫ ﻓﻲ اﻟﺗوﻟد ،وﻛذﻟك ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ
ﻧﻘﻠﻧﺎه ﻋﻧﮭم ﻗد ﻧطق ﺑﮫ ﻓرﯾق ﻣن ﻓرق اﻹﺳﻼم إﻻ ھذه اﻷﺻول اﻟﺛﻠث .ﻓﻣن ﯾرى ﺗﻛﻔﯾر أھل اﻟﺑدع ﻣن ﻓرق
اﻹﺳﻼم ﯾﻛﻔرھم أﯾﺿﺎ ً ﺑﮫ وﻣن ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟﺗﻛﻔﯾر ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺗﻛﻔﯾرھم ﺑﮭذه اﻟﻣﺳﺎﺋل.
اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﺣﺳن اﻟﺧوض ﻓﯾﮭﺎ
وأﻣﺎ ﻧﺣن ﻓﻠﺳﻧﺎ ﻧؤﺛر اﻵن اﻟﺧوض ﻓﻲ ﺗﻛﻔﯾر أھل اﻟﺑدع وﻣﺎ ﯾﺻﺢ ﻣﻧﮫ وﻣﺎ ﻻ ﯾﺻﺢ ﻛﯾﻼ ﯾﺧرج اﻟﻛﻼم ﻋن
ﻣﻘﺻود ھذا اﻟﻛﺗﺎب وﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻣوﻓق ﻟﻠﺻواب.
**
ﻧﻘﻠت ﻟﻛم ھذا اﻟﻛﺗﺎب ﻣن ﻣوﻗﻊ اﻟوراق
أرﺟوﻛم اﻟدﻋﺎء ﻟﻧﺎ ﺑﺎﻟﺻﺣﺔ واﻟﻌﺎﻓﯾﺔ واﻟﺳﺗر وﺣﺳن اﻟﻌﺎﻗﺑﺔ
أﺧوﻛم ﻣﺣﻣد اﻟﺟزاﺋري
2006/04/23