Professional Documents
Culture Documents
اﻹﻣﻛﺎن :ﯾرد اﺑن رﺷد ﻋﻠﻰ اﻟﻐزاﻟﻲ ﺑﺎﻟﻘول إن اﻹﻣﻛﺎن أزﻟﻲ ،وھو ﯾﺳﺗدﻋﻲ وﻻ رﯾب ﻣﺎدة
أزﻟﯾﺔ )ﺣﯾن ﻧﻘول ﺑﺈﻣﻛﺎن وﺟود اﻟﺷﻣس ﻣﻧذ اﻷزل ،ﻻ ﺑد أن ﺗﻛون اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﺳﺗﺗﻛون ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺷﻣس
ﻣوﺟودة ﻣﻧذ اﻷزل ،وإﻻ ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠﺷﻣس أن ﺗوﺟد وﻻ ﯾﻛون اﻹﻣﻛﺎن ﺻﺣﯾﺣﺎ(.
واﻟﻣﻌﻘوﻻت ﻓﻲ ذھﻧﻧﺎ ،ﻻ ﺑد أن ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﻣﺎ ﻗﺑﻠﮭﺎ ﺧﺎرج اﻟﻧﻔس ،وﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ أﺑو ﺣﺎﻣد ﻣن أن اﻟﻣﻣﻛن
ﻻ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣوﺿوﻋﺎ ،ﺣﺟﺔ واھﯾﺔ "إذ ﻟو رﻓﻌﻧﺎ اﻹﻣﻛﺎن اﻟذي ﯾﻧﺗﻘل ﻣن ﺣﺎل اﻟوﺟود ﺑﺎﻟﻘوة إﻟﻰ
ﺣﺎل اﻟوﺟود ﺑﺎﻟﻔﻌل ،ﻻرﺗﻔﻊ اﻟﺣدوث واﻟﺗﻐﯾر ﺟﻣﻠﺔ" .ﻷن اﻟﮭﯾوﻟﻰ ھب ﻣﺎدة اﻟﻛون ﻋﻧد اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ،
ﻓﺈذا ﺗﺻورﻧﺎ ﻣوﺟودا ،ﺧﺎﻟﯾﺎ ﻣن اﻟﮭﯾوﻟﻰ ،ﺑطل أن ﯾﻛون ﻣن اﻟﻣوﺟودات اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،ودﺧل ﻓﻲ ﻋداد
اﻟﺟواھر أو اﻟﻌﻘول اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ.
وﻗد ﺗطرق اﺑن رﺷد إﻟﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻗدم اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ ﻓﺻل اﻟﻣﻘﺎل ،ﻓﻘل :وأﻣﺎ ﻣﺳﺄﻟﺔ
ﻗدم اﻟﻌﺎﻟم أو ﺣدوﺛﮫ ﻓﺈن اﻻﺧﺗﻼف ﯾﻛﺎد ﯾﻛون راﺟﻌﺎ ﻟﻼﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻋﻧد ﺑﻌض
اﻟﻘدﻣﺎء .وذﻟك أﻧﮭم اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أن ھﮭﻧﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﺻﻧﺎف ﻣن اﻟﻣوﺟودات ،وواﺳطﺔ ﺑﯾن اﻟطرﻓﯾن،
ﻓﺎﺗﻔﻘوا ﻓﻲ ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟطرﻓﯾن ،واﺧﺗﻠﻔوا ﻓﻲ اﻟواﺳطﺔ.
ﻓﺄﻣﺎ اﻟطرف اﻟواﺣد ﻓﮭو ﻣوﺟود ،وﺟد ﻣن ﺷﻲء ﻏﯾره وﻋن ﺷﻲء ،أﻋﻧﻲ ﻋن ﺳﺑب ﻓﺎﻋل
وﻣن ﻣﺎدة ،واﻟزﻣﺎن ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﯾﮫ ،أﻋﻧﻲ ﻋﻠﻰ وﺟوده .وھذه ھﻲ ﺣﺎل اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺗﻲ ﯾدرك ﺗﻛوﻧﮭﺎ
ﺑﺎﻟﺣس ،ﻣﺛل ﺗﻛون اﻟﻣﺎء واﻟﮭواء واﻷرض واﻟﺣﯾوان واﻟﻧﺑﺎت وﻏﯾر ذﻟك .ﻓﮭذا اﻟﺻﻧف ﻣن
اﻟﻣوﺟودات اﺗﻔﻖ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻣن اﻟﻘدﻣﺎء واﻷﺷﻌرﯾﯾن ﻋﻠﻰ ﺗﺳﻣﯾﺗﮭﺎ ﻣﺣدﺛﺔ.
وأﻣﺎ اﻟطرف اﻟﻣﻘﺎﺑل ﻟﮭذا ﻓﮭو ﻣوﺟود ﻟم ﯾﻛن ﻣن ﺷﻲء وﻻ ﻋن ﺷﻲء ،وﻻ ﺗﻘدﻣﮫ زﻣﺎن،
وھذا أﯾﺿﺎ اﺗﻔﻖ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﺳﻣﯾﺗﮫ ﻗدﯾﻣﺎ .وھذا اﻟﻣوﺟود ﻣدرك ﺑﺎﻟﺑرھﺎن ،وھو ﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ
اﻟذي ھو ﻓﺎﻋل اﻟﻛل وﻣوﺟده واﻟﺣﺎﻓظ ﻟﮫ.
وأﻣﺎ اﻟﺻﻧف ﻣن اﻟﻣوﺟود اﻟذي ﺑﯾن ھﺎذﯾن اﻟطرﻓﯾن ﻓﮭو ﻣوﺟود ﻟم ﯾﻛن ﻣن ﺷﻲء ،وﻻ
ﺗﻘدﻣﮫ زﻣﺎن ،وﻟﻛﻧﮫ ﻣوﺟود ﻋن ﺷﻲء ،أﻋﻧﻲ ﻋن ﻓﺎﻋل ،وھذا ھو اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳره .واﻟﻣﺗﻛﻠﻣون
ﯾﺳﻠﻣون أن اﻟزﻣﺎن ﻏﯾر ﻣﺗﻘدم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ،إذ اﻟزﻣﺎن ﻋﻧدھم ﺷﻲء ﻣﻘﺎرن ﻟﻠﺣرﻛﺎت واﻷﺟﺳﺎم .وھم
ﻣﺗﻔﻘون ﻣﻊ اﻟﻘدﻣﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟزﻣﺎن ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه ،وﻛذﻟك اﻟوﺟود اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ،وإﻧﻣﺎ ﯾﺧﺗﻠﻔون ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن
اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟوﺟود .ﻓﺎﻟﻣﺗﻛﻠﻣون ﯾرون أﻧﮫ ﻣﺗﻧﺎه ،وھذا ھو ﻣذھب أﻓﻼطون وﺷﯾﻌﺗﮫ ،وأرﺳطو وﻓرﻗﺗﮫ
ﯾرون أﻧﮫ ﻏﯾر ﻣﺗﻧﺎه ،ﻛﺎﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل .ﻓﮭذا اﻟﻣوﺟود اﻵﺧر ،اﻷﻣر ﻓﯾﮫ ﺑﯾن أﻧﮫ ﻗد أﺧذ ﺷﺑﮭﺎ
ﻣن اﻟوﺟود اﻟﻘدﯾم .ﻓﻣن ﻏﻠب ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺷﺑﮫ اﻟﻘدﯾم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺷﯾﮫ اﻟﻣﺣدث ﺳﻣﺎه ﻗدﯾﻣﺎ،
وﻣن ﻏﻠب ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣن ﺷﺑﮫ اﻟﻣﺣدث ﺳﻣﺎه ﻣﺣدﺛﺎ ...ﻓﺎﻟﻣذاھب ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻟﯾﺳت ﺗﺗﺑﺎﻋد ﻛل اﻟﺗﺑﺎﻋد
ﺣﺗﻰ ﯾﻛﻔر ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻌﺿﺎ.
ﺳﺑﺑﯾﺔ اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت:
ﯾرى اﺑن رﺷد أن ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎم ﺟواھر ﺗﺳﺎﻋدھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل ﺑﻐﯾرھﺎ دوﻧﻣﺎ اﻓﺗﻘﺎر إﻟﻰ ﻓﺎﻋل
ﻣﻧﻔﺻل ،ﺑل ﺑواﺳطﺔ ﻗوى إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ذاﺗﯾﺔ ﺗﺣول اﻟﻣﺎدة إﻟﻰ اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟب أن ﺗﻛون ﻋﻠﯾﮭﺎ.
"واﻟﻣوﺟودات ﺗﺗﻌﺎﻗب ﺑطرﯾﻘﺔ ﻧﺎﻣوﺳﯾﺔ ،واﻟذﯾن ﯾﻧﻛرون ذﻟك ھم ﺿﺎﻟون ،إذ ﻛﯾف ﯾﻣﻛن ﺗﻌﻠﯾل
اﻷﺳﺑﺎب اﻟذاﺗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻔﮭم اﻟﻣوﺟود إﻻ ﺑﮭﺎ .وﻟو ﻟم ﯾﻛن ﻟﻛل ﻣوﺟود ﻓﻌل ﯾﺧﺻﮫ ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ طﺑﯾﻌﺔ
ﺗﺧﺻﮫ ،وﻟو ﻟم ﯾﻛن ﻟﮫ طﺑﯾﻌﺔ ﺗﺧﺻﮫ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﮫ اﺳم ﯾﺧﺻﮫ وﻻ ﺣد ،وﻟﻛﺎﻧت اﻷﺷﯾﺎء ﻛﻠﮭﺎ ﺷﯾﺋﺎ
واﺣدا" .وإذا ﻧﺗﺟت ﺑﻌض اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت دون أن ﺗﻌرف أﺳﺑﺎﺑﮭﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻠﯾس ذﻟك ﺑدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻧﻛران
ﻗﺎﻧون اﻟﺳﺑﺑﯾﺔ ،ﺑل ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻗد ﺣدث أﺷﯾﺎء وﻣﺳﺑﺑﺎت ﺗﻌوق اﻟﺳﺑب اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻋن اﻟﺗﺄﺛﯾر،
وﻛﺄن ﺗدﻧو اﻟﻧﺎر ﻣن ﺟﺳم ﻗﺎﺑل ﻟﻼﺣﺗراق ﺑطﺑﻌﮫ وﻻ ﺗﺣرﻗﮫ ،ذاك أﻧﮫ ﯾﻛون ﻗد ﺑرز ﺳﺑب ﻗوي ﯾﻣﻧﻊ
اﻟﻧﺎر ﻣن اﻟﺗﺄﺛﯾر .وﻟﻛن ھذا ﻻ ﯾﺳﻠﺑﮭﺎ ﺻﻧﻌﺗﮭﺎ اﻟﻣﺣرﻗﺔ ،ﺑل ﯾﻛون اﻟﺗﻔﺎﻋل ﺑﯾن اﻷﺳﺑﺎب أدى إﻟﻰ
ﺗﻔوق أﺣدھﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ،وأﻣﺎ ﻣﺑدأ اﻟﻘوة اﻟﻣﺣرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر ﻓﮭو ﺷرط ﺑوﺟودھﺎ وﺑدوﻧﮫ ﻻ ﺗﻛون
اﻟﻧﺎر .وﻣن أﻧﻛر اﻷﺳﺑﺎب ﻓﻘد أﻧﻛر اﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ ﷲ اﻟﺳﺑب اﻷول.
أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺟزة ﻓﺄﻣر إﻟﮭﻲ ﯾﺟب اﻻﻋﺗراف ﺑﮫ وإن ﺟﮭﻠﻧﺎ أﺳﺑﺎﺑﮫ .واﻟﻣﻌﺟزات ﻋﻠﻰ ﻧوﻋﯾن:
اﻟﻣﻌﺟز اﻟﺑراﻧﻲ )ﻛﺎﻟﻣﺷﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎء( وھو ﻟﯾس دﻻﻟﺔ ﻗوﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺑوة ،وإﻧﻣﺎ ﺟﻌل وﺳﯾﻠﺔ ﻹﻗﻧﺎع
اﻟﺟﻣﮭور .واﻟﻣﻌﺟز اﻟﻣﻧﺎﺳب )ﻛﺎﻟﻘرآن( ﺑﻣﺎ ﺗﺿﻣﻧﮫ ﻣن ﻛﺷف ﻏﯾب وﻣن ﺷراﺋﻊ وﻧظم ،وھو ﯾﻘﺗﻊ
اﻟﺟﻣﮭور واﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣﻌﺎ .ﻗﺎل اﺑن رﺷد" :اﻟﺗﺻدﯾﻖ اﻟواﻗﻊ ﻣن ﻗﺑل اﻟﻣﻌﺟز اﻟﺑراﻧﻲ ھو طرﯾﻖ اﻟﺟﻣﮭور
ﻓﻘط ،واﻟﺗﺻدﯾﻖ ﻣن ﻗﺑل اﻟﻣﻌﺟز اﻟﻣﻧﺎﺳب ھو طرﯾﻖ ﻣﺷﺗرك ﻟﻠﺟﻣﮭور واﻟﻌﻠﻣﺎء".
ﻧرى اﻵن ﻛﯾف ﯾﺗﺻدى اﺑن رﺷد ﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻌﺿﻼت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ وﻛﯾف ﺳﯾﻠﺗﻣس ﻟﮭﺎ ﺣﻠوﻻ
ﺟدﯾدة ،وﺑرؤﯾﺔ ﺟدﯾدة ﺳﺗﺳﺗﻔﯾد ﺑﺷﻛل ﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﻧﻘد اﻟذي وﺟﮭﮫ اﻟﻐزاﻟﻲ ﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻣﺷرق ،وﻛﯾف
ﺳﯾﻘدم ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﺑررات ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ھو ﻋﻘﻠﻲ وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ھو ﻧﻘﻠﻲ ﻟﯾرﻓﻊ اﻟﻧﻘﺎش إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى
أﻋﻠﻰ ﻣﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ.