Professional Documents
Culture Documents
المستند
المستند
أنه اليوم الثالث على التوالي الذي أقصد فيه مقر شركة رائدة في
المقاوالت و ال أجد رب العمل.يقع مقرها على أعلى التلة المقابلة للحي الفقير الذي أسكن فيه.كنت أرقب هذه التلة المليئة
بالمنازل الفاخرة منذ أن كنت صغيرا..كل مساء أصعد لسطح المنزل و أحلم أن أشتري بيتا بين هؤالء القوم الرائعين.....
اليوم مختلف فقد تم قبولي في الشركة .أظن بسبب إصراري و عدم يأسي من التقدم إليهم مرات و مرات.اليوم األول في
العمل كان يتردد دوما في ذهني.التعرف على زمالء العمل رائع دائما في مخيلتي فهم أناس ذوو تجارب و شخصيات
مختلفة.مثقفون.يعتنون بهندامهم و نظافتهم الشخصية....أناس بعيدون عن رواد المقاهي الشعبية المليئة بالبطالين الذين
كنت منهم باألمس.
في أول دخول لي رافقني المسير الى قاعة المكاتب مسؤول الشركة الرئيسي .كان تجاذبنا ألطراف الحديث يتمحور حول
جو العمل.كان يحاول تحضيري نفسيا و كأنني سأتلقى صدمة قوية!!!!!!...لماذا.فزمالئي في نهاية جامعيون مثقفون
مهندسون و دكاترة و من عائالت ميسورة الحال....صحيح أنني لم أرتاد الجامعة .لكن عندي تصور مسبق عن اإلنسان
الذي يفني عمره في العلم و العمل بأنه انسان محترم و متفهم ......
كان هدفي من هذه الوظيفة جمع المال من أجل شراء خاتم .ألحفظ ماء وجهي عندما أتقدم لخطبة فتاة أحالمي التي تسكن
في الحي المجاور.كان علي أن أسرع قبل أن يسبقني إليها خاطب أخر و أصبح ضحية حب عذري كروايات الجيب التي
تملئ غرفتي.
لحظة أن وطئت قدمي القاعة الكبيرة .صدمتني نظرات ثاقبة خلف المكاتب و شاشات الحواسيب...نظرات متفحصة لي
من أخمص قدمي الى تالبيب شعري...قدمني المسؤول إليهم.و يا ليته لم يفعل فالكل إنصرف الى أعماله دون إكتراث...لم
يكن منظري مع مالبسي المتواضعة جذابا جدا لكنه أيضا ال يستحق مثل هذا الترحيب البارد...إخترت مقعدا قرب النافذة
تطل على حديقة عصرية متعوب عليها فقد كانت األغصان مقلمة ببراعة و تشقها ساقية صغيرة يمتد فوقها جسر حجري
صغير تم تزيينه بحجارة كلسية تم جمعها من الجوار ينتهي الجسر الى طريق صغير يمتد الى ظاللة مغطاة بالقرميد
الفاخر....في اإلطاللة األخرى من المكتب أستطيع رؤية الحي الفقير بوضوح...مقهى عمي عزوز .لقد إفتقدني
بالتأكيد .كنت دائما مع إثنين من أبناء الحي نلعب معه الدومينو الى منتصف الليل...و بالمقابل يسمح لنا بالجلوس مجانا
فقد كان أغلبنا مفلسا .بالكاد تسمح له ميزانيته بشرب شيء....علي أن أغير مجامعي .فال يعقل أن أبقى مع هؤالء العاطلين
.و أنا الذي أطمح للنجاح و إخراج عائلتي من منزلنا البالي الذي ورثناه عن جدي.بدال منهم علي التعرف على أناس
مثقفين و ميسوري الحال كزمالئي الحاليين........
قابلت المدير اليوم .رجل خمسيني سمعت عنه الكثير قبل مقابلته .رجل ناجح جدا يدير 6شركات في الوقت نفسه.أكاديمي
....فهو دكتور حائز على شهادته من جامعة أوربية عريقة.مكتبه مليء بالتحف المتنوعة من الطراز الفيكتوري إضافة
لبعض التماثيل الخشبية تبدو وثنية و بشعة.
إتضح لي أن الرجل أكثر من كتب ديل كارنيجي فهو ال يتوقف عن ممازحتي و اإلبتسام لي بأسنانه البيضاء المنتظمة
على ذلك الفك المربع.
تسارعت األيام أكثر من أيام البطالة التعيسة مع عمي عزوز و باقي الشلة...كانت محصلة لقائي برب العمل مشجعة فقد
وعدني بالمساندة دائما في ما يضمن له دوام اإلنتاجية...مع مالحظة صغيرة .قالها بإقتضاب (أخبرنا عن أي شيء سيء
يقوم به زمالئك .و هذه ليست بوشاية ).....صدقا إن لم تكن وشاية فماهي مثال !!!!!!!!!
كانت محصلة كالمه جميلة منمقة بعضها مستعارة من كتب اإلدارة الناجحة....لكنها تفي بالغرض إلستقبال شاب يافع
متحمس للحياة و العمل.
واضبت على المجيء باكرا كل يوم .أمر على بواب أسود البشر كثير النظر الى المارين بطريقة مزعجة تدفع الى عدم
اإلرتياح .إكتشفت الحقا أنه أكبر واش يمكن أن يقابله المرء.مرة وشى بي لدى رب العمل لمجرد أني لبست سرواال
قصيرا في أحد أيام الصيف القائظة.أدخل الى مقر الشركة في الطابق الثاني من بناية صغيرة.حينها يواجهني مكتب واسع
تجلس فيه فتاة ذات قدر من جمال و دائمة اإلبتسام بطريقة واضحة اإلبتذال.
أسمها خديجة.عملها ادارة و تسيير المكتب .أعطتني قائمة بالوثائق الالزمة للتأمين و التوظيف الرسمي في هذه
الشركة.كانت دائما ما تتعمد أن تنظر مباشرة في عيني .تلك العينان العسليتان مع حاجبين دقيقين يكادان يحيطان
بعينها..رسالة بأسلوب قديم عفى عليه الزمن .تريني حليها و خاصة كفيها الفارغين من أي خاتم ...وددت اآلن لو أقولها
لها بصراحة.لم أكن ذلك الساذج سهل الصيد و لست مهتما بعالقة عابرة مضيعة للوقت مع فتاة الباربي هذه .لم يكن غير
العمل يشغل بالي .كما أن قلبي كان ملك تلك الفتاة المتواضعة إبنة الحي الشعبي المجاور .كنت سمكة تونة عنيدة متجهة
الى المحيط ال يهمها صغار األسماك و ال القروش المتربصة في األرجاء.
كنت أحب العمل بشغف و أكثر من ذلك أحب اإلنتهاء منه بسرعة و ذكاء.كنت أحضر مالبسي و أختارها بعناية فائقة.و
أغسلها كل ثالثة أيام .و أرشها بعطر رجالي فاخر .كنت أنيقا بطريقة كالسيكية منفرة للبعض .لكن الجود بالموجود حتى
على النفس.
أغلب العمال الجدد كانوا من ضواحي المدينة.وجوههم شاحبة جدا .خاصة عند الصباح .يركبون الحافلة لمدة نصف ساعة
يوميا حتى أثر ذلك على مشيتهم .بعضهم كان يحضر مشروع تخرجه في هذه الشركة.كانوا صامتين دائما.مجرد أالت
بشرية بال مشاعر .كان العمل معهم جحيما و شرا ال بد منه .أول صدماتي في هذا العمل كانت األجور....أجر صغير ال
يتناسب مع الوقت و الجهد المبذول .لم يكن أكثر من اجر البواب تقريبا.و مع ذلك العمال صابرون على هذا اإلجحاف
الكبير .فعملي وحده فقط يدر على رب العمل ماال وفيرا و مع ذلك كان نسبتي من األرباح هي أجرا قليال و ثابتا غير قابل
للزيادة.
بدأت أختلط بالزمالء مع تقادمي في العمل.بقي أكثرهم ينظر لي بإنتقاص فأنا لم أكن أضاهيهم أناقة و ال تعليما.و أغلبهم
متحررون ماليا .يعملون لتحسين سيرتهم الذاتية قبل أن يفتحوا مكتبا خاصا بهم.ال شيء يثير إهتمامهم بفتى فقير متوسط
المستوى التعليمي.و لديه سرواالن يتناوب على إرتدائهما األسبوع كله.لو كان مظهري مناسبا ربما تقبلني هؤالء
المتعجرفون.حتى في الخرجات الميدانية نفس المعاملة أتلقاها من أؤلئك الحمقى المرفهين .من جانب أخر كانوا ال يتقون
هللا في أموال رب العمل فكل ما يبقى من ميزانية المهمة ينهبه مسؤول المهمة .شاب الضواحي المتأنق الذي يبقى في
جناح مكاتب النساء أكثر من جناح الرجال....كان يسجل كل تفاصيل المهمة بما فيه تصرفاتنا الشخصية كذلك !!!! و
يقدمها على طبق لرب العمل.في منتصف النهار نتجه للمطبخ .لعل الطباخة طهت شيئا يسكت جوعنا حتى المساء.لكن
دائما نجد طعام رديئا ينقصه الملح و بنكهة صناعية .ألنه خال من اللحم.....نعم خال من اللحم !!!مع أن مداخيل الشركة
كافية لذبح بقرة كل ثالثة أيام.
الكل هنا رسمي في اإلبتسامة و إنتقاء الكلمات .ال يوجد مكان للعفوية في هذا المكان.مجرد كومة من النفاق المبتذل و
التمثيل السيء.لدرجة أنني صرت أحفظ ما علي قوله...صباح الخير كيف حالك.يوم جميل مساء الخير جو رائع...كم هو
مثير لإلحباط تكرار أن تكون تلك الجمل هي كل كالمي معهم يوميا.أنا عفوي و حيوي بطبعي.هذا ماجعل تلك الفتاة
تنجذب إلي على ما أظن.لم يكن بيننا إال النظرات البعيدة خلف الزجاج المصمت فهي كاتبة في البلدية .كنت أقابلها كلما
أحتجت وثيقة ما.أو حتى دون حاجة كنت أفعل ذلك ألتمكن من رؤيتها.صعب أن تقابل من يعجبك لدرجة أن يكون توأم
روحك و ال تتمكن من الكالم معه اال بشكل رسمي أو مجامالت خفيفة.كنت أعرفها من قبل فهي جارة أحد أصدقاء
الطفولة .و لعبنا مع بعضنا كثيرا .لم أكن أتوقع أن تكبر لتصير بكل هذا الجمال الطبيعي ذلك الجمال الذي يحتاج الى عين
متذوقة للفن لتقديره حق قدره .
كانت ال تحادث الشبان اال في إطار العمل.و ال تسير في مجموعة أبدا.شخصية إنطوائية آسرة.كنت أراقبها و هي تشتري
إفطارها من محل مجاور .تفضل القهوة بدون سكر ....مثلي تماما.إنها قوية و ضعيفة جدا في الوقت نفسه.ال يجرئ
شخص يحترم ذاته قليال على معاكستها في الطريق.فقد كان عندها حضور طاغ يجبرك على مراقبتها من مسافة أمان
معتبرة.إستمريت في مراقبتها كلما توفر لي وقت بعد الدوام.
كانت زوجة رب العمل هي من تدفع مستحقاتنا المالية و تفعل ذلك بطريقة خبيثة .تلك المرأة األربعينية الجميلة .حسب
الشائعات فهو كان يحبها من أيام الثانوية...هذا مطمئن .نعم هؤالء القوم عندهم قلوب و يحبون بهاالبشر و ليس المال
فقط.....كانت طريقتها في دفع المستحقات.أن تنادي على كل عامل وحده في مكتبها و تدفع له مستحقاته...لم أفهم حينها
سبب هذه السرية المبالغ فيها .كانت قادرة على إرسال ظرف لكل عامل الى مكتبه.
صار روتيني الدائم..هو التنقل بين العمل و المنزل .لم أعد أجلس مع أخواتي الصغيرات.أبي نادرا ما أراه.فأوقاتنا في
العمل متقابلة .كنت أتجاهل أفراد شلتي القديمة.حتى من أقابله وجها لوجه أحدثه بكل برود.رغبتي في التسلق الى أعلى
تدفعني الى ذلك .سامحوني .ال مجال لي للتحدث مع أمثالكم.حتى أنه شاع عني أنني صرت متعجرفا أو أنني أصفي
سجل معارفي إستعدادا إلفتتاح مشروع كبير في المدينة .و أن غناي المتخيل فجأة كان نتيجة معامالت مشبوهة.الفراغ
السائد في األحياء الشعبية هو سبب إنتشار اإلشاعات بكثرة هنا.مات أب أحد األصدقاء من شلة عمي عزوز.لم أذهب
للجنازة.بل أنني مررت ثالث يوم على منزلهم و مجلس العزاء مازال قائما .لكنني كنت مسرعا الى العمل.و لمأكن مهتما
بغير العمل.
كان رب العمل بارعا في اإلدارة .يختار العمال من أبناء قبيلته لتنقص العصبية بين العمال و ليخلق جوا من التكافل
األسري المزعوم ويبعث روح العمل الجماعي فيهم و ليستغلهم أحسن إستغالل كذلك...في كل شركة هناك واش واضح
يتجنبه الجميع و عشرة مجهولين يخبرونه بالصغيرة و الكبيرة.كان يختار باق عماله من الطالب الفقراء الذين يسكنون
الضواحي ألنهم اقل فئة يمكنها المطالبة بالزيادات في األجور.كان يكثر من الخدمات الضرورية نقل غداء.رصيد هاتفي
مجاني.....الخ...و كل ذلك ليفرض و يشرعن أجوره الزهيدة على العمال البسطاء .
بدأت أتثاقل في النوم كل صباح .....عانيت من األرق كل ليلة.كنت أضغط على نفسي بالعمل.بالتأكيد أعجب ذلك رب
العمل .لم يكن يهمه طبعا حتى لو أعوج ظهري من اإلنكباب على الحاسوب فهو يراني و الحاسوب على حد
سواء....مجرد ألة لجني المال.....في إحتفالنا بعيد مولده لم يكلف نفسه عناء اإلبتسامة فشدة العنصر المتملق طغت على
جو اإلحتفالية.
عجزت عن تكوين صداقات معهم و حتى أدنى درجات اإلحترام و التأقلم .الكل فض و حاد الطباع.عكس مظهرهم
الخارجي الجميل بأجسادهم الرياضية و لباسهم العصري من أفضل الماركات العالمية.
إعتمد علي المسؤول في كثير من المهمات نظير إجتهادي في التعلم و التطوير من نفسي و أصبح يستشيرني في العمل
دون الرجوع لغيري......وصفة مثالية لتفجير ينابيع الحسد و الدسائس.في هذا البالط الملكي على الطريقة العصرية.
كنت أكره مجالستهم.يتجمعون كل يوم بعد خروج رب العمل الى الشركة المجاورة.و إنشغال المسؤول أو ذهابه في
موعد.
كل كالمهم عن األبهة التي يعيشها صاحبنا و كيف يقضي أيامه و عطله.و كلما إنتهى الكالم يذكي ناره.شاب الضواحي
المسمى بفؤاد.كان يتنقل بين المكاتب بكل أريحية.و يتصرف و كأن المكان ملكه.عندما يبدأ حديثه معي.أتقزز من إهتمامه
المزيف.و إفتراءه على الناس.و األدهى أنه يقول نفس الكالم السيء و اإلفتراء عني أمام األخرين....سبحان هللا كيف ينام
أمثال هؤالء في الليل.تسبب فؤاد بطرد عدة عمال قبال ...وشى بهم الى المدير.الذي كان يثق به ثقة عمياء .ربما ألن
وشاياته دائما تكون صادقة و إن كان فيها الكثير من المبالغة.
لم أسمح أن يتم التحكم بي.حرصت على أستفادتي من كل التسهيالت المتوفرة.و لم أكن أتأثر بهيبة المدير عند دخوله علينا
و كنت أحدثه بكل راحة و ببعض المراوغة أحيانا.عكس البقية ...يصيبهم الدوار عندما يدخل علينا .ال يجيدون التعبير عن
وضعية العمل عندما يسألهم عنها....و كأنهم لصوص وقعوا بيده من شدة ثقل ألسنتهم عند مخاطبته.بينما لسانهم سليط
على المنظفة و الطباخة!!!!!.كانوا حثالة بإختصار.
إ
كتشفت مع مرور الوقت أنني مراقب في كل تحركاتي من الجميع .كأنهم ينتظرون زلة مني لينقضوا علي .كان البعض
من الحياديين ينقل لي األخبار بأنتي أستفزهم .و أنني صرت هدفا لهم.و األدهى أن سر طريقة دفع المستحقات هو أن
زوجة رب العاملة تضاعف راتب الوشاة و المتملقين .كنت أعمل و أجتهد أكثر منهم ألكتشف بعد ذلك هذا الخبر
الصادم.......من شدة سوداوية هذا الوسط بدأت بوادر الكآبة و اإلهمال و التمرد تلوح في األفق.كانت خديجة تسألني بكل
حشرية أسئلة ال تنتهي و كنت إجيبها بكل أمانة علها تبتعد عني و تذهب إلزعاج شخص أخر.كان الجميع يتغامزون و
يتملقون كأننا في بالط أحد السالطين.
بدأت المعاملة تتغير شيئا فشيئا .فصرت أستجوب كل أسبوع و تراجع إنتاجيتي كل مساء من طرف رب العمل و زوجته.
إستغربت ذلك فأنا أنشط من الكثير مع أن مظهري ناعس و مكتئب....إشتد الضغط و الرقابة على شخصي مع األيام
لدرجة خانقة حتى رب العمل صار ال يكلمني و ال يشاورني كعادته.كان طرف الخيط الذي أمسكته يوم إدعت علي فتاة
من الضواحي بأني أضيع الوقت صباحا قبل الدخول للعمل و إن انتاجيتي متعثرة مؤخرااا و األهم أنني أسرق أعمال
الموظفين و جهودهم و أنسبها إلي....قمة الصفاقة من تلك الفتاة البشعة ذات العينين الغائرتين.لم أستطع الدفاع عن نفسي
فقد تم تصيدي بعناية عندما قمت بأخطاء روتينية يقوم بها أي عامل معاصر في أي شركة.
كان محرك الدمى بما فيها الفتاة القبيحة هي خديجة الحشرية و التي تتلقى المعلومات الحصرية من كلبها األليف (فتى
الضواحي المتأنق).و هو نفسه كان يقابلني بإبتسامة عريضة كل يوم .و ضحكة صفراء على أي نكتة سمجة يسمعها من
شلته المكونة من الكسالى و المرفهين .يستحيل أن يرتاح هؤالء الناس فكل الناس عندهم صنفان .إما منافسون لهم أو
بائسون يجب إزاحتهم من الطريق.إشتقت للحي البائس.فال أحد هناك من هذه النوعية .هناك إن كان لك عدو .تجده واضحا
و أذاه مباشر.بل و تجد عنده من كمال المروءة أنه ال يفتري عليك و يقول عنك ما ليس فيك.بالرغم أن أغلبهم قليل العلم و
الثقافة فأغلبهم لم يدخل الثانوية.لكن صفات رائعة كهذه.تكون نتاج تربية صحيحة في بيئة خالية من األطماع و الشهوات
المجنونة.
خسرت ثقة رب العمل طبعا فتقارير الوشاية الكاذبة كانت ال تهدأ.كان الجو مرضيا ....لم يتوقف السباق المحموم إلرضاء
رب العمل و زوجته باألكاذيب و التملق .و إزاحة أي منافس محتمل بكل الوسائل القذرة...لم أكن مثلهم و لم أستطع أن
ألعب لعبتهم و أرد عليهم بالمثل.رغم أنني متدني المكانة اإلجتماعية و أقرب الى الهمجية مني الى التحضر في
نظرهم.......بالطبع تم طردي بأسلوب لطيف من الشخص الذي إستقبلني أول يوم و هو المسؤول الرئيسي...قال لي و أنا
خارج ...لقد حذرتك من جو العمل بين هؤالء الضباع البشرية من أول يوم .أخبرته أن تحذيره بال فائدة فقد جبلت على
الصراحة و عزة النفس و التعفف عن السرقة و الخيانة......فكنت مقيدا ال أستطيع الدفاع و رد الصاع صاعين.....كل هذا
العداء و الهجوم الشخصي علي كان لسبب واحد.....أن إجتهادي و تفاني الواضح في العمل و أمانتي لمال الشركة...عرى
كسلهم و تخاذلهم و قلة مروئتهم.
أثناء خروجي توقع الجميع أن يروني منكسرا أجر ذيول الخيبة لكني لم أسمح لهم بأن يعيشو اللحظة .خرجت من الباب
الخلفي و سلكت طريقا خاليا الى الحي يمر بمنطقة صناعية في أطراف المدينة ...إشتقت للعم عزوز و ضحكاته
الهستيرية ..هو و باقي الشلة ...بالرغم من أنهم عاطلون و فقراء و بالرغم من بساطتهم في التفكير...إال أنهم لم ينزلوا
أبدا .للدرك الذي نزل اليه مدعوا التحضر هؤالء.الطريق الى الحي صار طويال ......إعتذرت من شلتي .....لكنهم
تجاهلوا إعتذاري و إستمروا بلعب الدومينو....إنها طريقتهم في قبول اإلعتذار.......مقهى عمي عزوز صار أكثر دفئا
رغم أننا في عز الشتاء.
إحتاج أبي لبعض المال لكن إبنه البكر خذله .إحتاجت أختي كذلك ماال يساعدها على متطلبات زفافها لكن خذلها نفس
اإلبن.رغم ذلك فنحن ندبر أمورنا و نعيش حياة بسيطة و سعيدة في بيت جدي البالي......
خطبت الفتاة التي أحببتها من رجل ميسور الحال من والية بعيدة عنا.و تزوجت بعد مدة صغيرة...صارا حبا عذريا كما
خشيت دائما.هنيئا لها ....أتمنى أن تعيش بسالم بعيدا عن معركة الحياة التي خرجت منها جريحا.