You are on page 1of 276

ⵍⴰⵢⵜ ⴳ ⵓⵙⴳⵎⵉ

ⴰⵎⵥ ⴷ

ⵏⵜ
R

ⵓⵙ
ⵖⵓ


S

ⵜⴰⵙ

ⵓⵜⵜⴳ
E
F

Revue Spécialisée en Education


et Formation

2023
‫‪1‬‬

‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬


‫ⴳⵜⵜⵓⵎⵙⵓ ⴷ ⵉⵎⴳⵙⵓ ⴳ ⵜⵢⴰⵍⵥⵎⴰⵜ ⵜⵏⵓⵖⵙⴰⵜ‬
‫‪Revue Spécialisée en Education et Formation‬‬

‫مجلة علمية تربوية محكمة‬


‫تعنى بقضايا التربية والتكوين‬

‫املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين )‪ ،(RSEF‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش آسفي‬
‫املقر الرئيس (مراكش)‪ ،‬ص ب ‪ ،797‬شارع املزدلفة‪ ،04444 ،‬اململكة املغربية‬
‫‪2‬‬

‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الطبعة األولى ‪0202‬‬

‫الناشر‬

‫‪+212 06 74 81 20 30‬‬
‫‪+212 5 24 29 19 23‬‬

‫الطبع‬
‫تيفيناغ‬

‫رقم اإليداع القانوني‬

‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين‬


‫‪3‬‬

‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ‬

‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻷﻭﻝ‪ :‬ﻧﻮﻧﺒﺮ ‪2023‬‬


‫‪4‬‬

‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫﴿جملة علمية‪-‬تربوية حمكّمة تعنى بقضايا الرتبية والتكوين﴾‬

‫املدير العام املسؤول‬


‫د‪ .‬عبد اجلبار كريمي‬

‫رئيس التحرير‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬حسن املودن‬

‫هيأة التحرير‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬حممد فتح اهلل مصباح‬

‫دة‪ .‬رشيدة القبعي‬

‫د‪ .‬يوسف الكمري‬

‫دة‪ .‬السعدية ويزة‬

‫د‪ .‬السعيد وديدي‬


‫‪5‬‬ ‫د‪ .‬اﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺘﺮﻛﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻤﺠﺪوب‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ ﺷﻔﻴﻖ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺮﻗﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬ ‫ﺍﻟﻬﻴﺄﺓ ﺍﻻﺳﺘﺸﺎﺭﻳﺔ‬
‫د‪ .‬ﻣﻌﺎد اوزال أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫دة‪ .‬ﺻﺒﺎح ﻋﻮﻳﻨﺎﺗﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫دة‪ .‬ﻟﻄﻴﻔﺔ دؤاﻟﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬

‫د‪ .‬أﺣﻤﺪ ﻋﻤﺮ اﻟﺘﻬﺎﻣﻲ أﻫﺎﻣﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ‪ ،‬اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة‬
‫د‪ .‬اﻟﻄﻴﺒﻲ اﻟﺤﻴﺪي‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻸﺳﺎﺗﺬة‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض‪ .‬ﻣﺮاﻛﺶ‬
‫د‪ .‬ﺑﻨﻌﻴﺴﻰ ﺑﺎدة‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺮﺑﺎط‪-‬ﺳﻼ‪-‬اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة‬
‫د‪ .‬ﺣﺴﻦ ﻛﺒﻮس‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﻣﻜﻮن ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﺳﻴﺪي ﻣﺤﻤﺪ وﻳﻼﻟﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺎدل اﻟﻤﺎدﺣﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ زﻫﺮ‪ ،‬أﻛﺎدﻳﺮ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻻﻟﻪ ﺷﺮﻳﺎط‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ‪ ،‬اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر ﻛﺮﻳﻤﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻔﻴﻆ ﻣﻠﻮﻛﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻤﺼﺒﺎﺣﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻟﻲ اﻟﺤﻮر‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺘﺮﺑﻮي اﻟﺮﺑﺎط‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻠﺒﻜﺮي‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺮﺑﺎط‪-‬ﺳﻼ‪-‬اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة‬ ‫ﺍﻟﻬﻴﺄﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ‬
‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺟﻼم‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ آﻳﺖ ﻟﻌﻤﻴﻢ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﻮد اﻟﺤﺮاﺣﺸﺔ‪،‬أ ﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ، ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ال اﻟﺒﻴﺖ‪ ،‬اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ‪.‬‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻐﺒﻴﺴﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺘﺮﺑﻮي اﻟﺮﺑﺎط‬
‫د‪ .‬ﻣﻌﺎد أوزال‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻫﺸﺎم اﻳﺖ اﻟﻄﺎﻫﺮ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض‪ .‬ﻣﺮاﻛﺶ‪.‬‬
‫د‪ .‬ﻳﻮﺳﻒ أﺑﻮ ﻋﻠﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫د‪ .‬ﻳﻮﺳﻒ ﻧﻴﺖ ﺑﻠﻌﻴﺪ‪ ،‬أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ‪ ،‬ﻛﻠﻴﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺨﺎﻣﺲ‪ ،‬اﻟﺮﺑﺎط‬
‫دة‪ .‬ﺻﺒﺎح ﺑﻠﻌﻮﺟﺔ‪ ،‬أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ‪ ،‬اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺤﺴﻦ اﻷول‪ ،‬ﺑﺮﺷﻴﺪ‬
‫دة‪ .‬ﺻﺒﺎح ﻋﻮﻳﻨﺎﺗﻲ‪ ،‬أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ‪ ،‬اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫ذ‪ .‬ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻤﻌﺰوزي‪،‬أﺳﺘﺎذ ﻣﺒﺮز‪ ،‬ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ‪-‬آﺳﻔﻲ‬
‫‪6‬‬
‫د‪ .‬ﺣﺴﻦ ﻛﺒﻮس‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﻫﻤﻴﻤﻲ‬ ‫ﻫﻴﺄﺓ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ‬
‫ذ‪ .‬ﻣﻮﻻي اﻟﺴﻌﻴﺪ أﺑﻮ ﻋﻤﺮان‬

‫ذ‪ .‬ﻓﻴﺼﻞ اﻟﺮاﻳﺲ‬


‫ذ‪ .‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻜﻤﺮي‬
‫ذ‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻠﻐﺰال‬ ‫ﺍﻟﻬﻴﺄﺓ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ‬
‫ذ‪ .‬ﺟﻤﺎل اﻳﺖ اوﻣﺒﺎرك‬
‫ذ‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺘﺮﻳﺪي‬
‫‪90‬‬ ‫د‪ .‬عبد اجلبار كريمي (مدير املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي) ‪.......................................‬‬

‫الثقافة والتربية والتكوين‪ :‬تمفصالت البنيان الواحد‪11 ...................................................................... .‬‬

‫أ‪ -‬د‪ .‬حممد زهري (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫الفيلم التربوي‪ :‬الماهية والتوظيف‪42 ............................................................................................. .‬‬

‫د‪ .‬حممد اشويكة (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫الدراسة الصوتية في رسائل الفلسفة اإلسالمية‪ :‬رسائل إخوان الصفا وابن سينا نموذجين‪33 ......................... .‬‬

‫ذ‪ .‬إدريس رشيفي علوي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي – جامعة القايض عياض)‬

‫نظريات الذهن هي المناسبة للتربية‪ ،‬وليس نظريات الدماغ‪24 ............................................................ .‬‬


‫د‪ .‬بنعيسىىو ووبو( (برمامع علا النفسق مسىىا العلوج اعجت‪،‬عيةق كلية ا دال والعلوجق جامعة مطر) ذة‪ .‬وحسىىب ية‬
‫الطايفي الربمويص (كلية علوج الرتبيةق جامعة حممد اخلامسق الرباط)‬

‫‪53 ..............................................‬‬ ‫رهانات ترجمة النص الفلسفي إلى العربية‪ :‬المفاهيم‪ ،‬المداخل والحواشي‪.‬‬
‫حممد سويس (كلية ا دال والعلوج اإلمسامية املحمدية؛ جامعة احلسن الثاين)‬

‫نظريات التعلم وفاعلية المدرس‪ :‬قراءة في المصطلحات واألثر التربوي‪90 ........................................... .‬‬

‫د‪ .‬سيدي حممد وياليل (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫بعض مظاهر إشكالية التعليم في المغرب‪ :‬واقع الحال ومفارقات الخطاب‪58 ........................................ .‬‬
‫د‪ .‬حممد رشمي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫حق تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية ألبناء الجالية في المواثيق الدولية‪05 ........................................... .‬‬
‫د‪ .‬عمر سلكي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫دور القائد التربوي في تدبير المنازعات داخل المؤسسة التعليمية‪119 .................................................... .‬‬
‫د‪ .‬عيل الكاسمي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫مدوة‪ :‬سؤال تدريس األدل‬

‫تدريس األدب في الثانوي‪ :‬بين سؤال الماهية وسؤال الجدوى‪143 ........................................................ .‬‬
‫د‪ .‬حممد فتح اهلل مصباح (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‬

‫االستثمار البيداغوجي للنصوص الموازية‪134 .........................................................................................‬‬


‫د‪ .‬عبد العزيز احلويدق (كلية اللغة العربية‪ -‬جامعة القايض عياض‪ -‬مراكش)‬
‫‪125‬‬ ‫تدريسية النص الحجاجي في التعليم الثانوي التأهيلي‪ :‬النص المناظري نموذجا‪...................................‬‬

‫د‪ .‬حممد ابحري (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بني مالل‪-‬خنيفرة)‬

‫مكانة الذات القارئة في تدريس األدب‪194 ..................................................................................... .‬‬

‫د‪ .‬احلسن بواجالبن (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‪.‬‬


‫ديداكتيك قراءة وتحليل الوثيقة المركبة‪ :‬نموذج للتحليل اإلبستمولوجي والسيميائي في تدريس‬
‫الجغرافيا‪154 ................................................................................................................................ ..‬‬

‫د‪ .‬موعي املصطفو الربجاوي (املدرسة العليا للرتبية والتكوين‪ -‬برشيدق جامعة احلسن األول‪ -‬سطات)‬

‫التاريخ البيئي‪ :‬مدخل لتجويد برامج االجتماعيات بالتعليم الثانوي اإلعدادي‪491 .................................. .‬‬
‫ذ‪ .‬امحد املستعد باهلل وتوفيق حممد لقبايبي (كلية ا دال والعلوج اعمساميةق القايض عياض‪ -‬مراكش)‬

‫الكتاب المدرسي‪ :‬أهميته‪ ،‬موقعه‪ ،‬عالقته بالمنهاج الدراسي‪449 ............................................................ .‬‬

‫د‪ .‬السعيد وديدي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي)‪.‬‬

‫تدريس النصوص‪ :‬من السياسة التربوية إلى االختيار الديداكتكي‪434 .................................................... .‬‬
‫د‪ .‬العريب منديل (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بني مالل‪-‬خنيفرة)‪.‬‬
‫‪L’impact des langues maternelles sur l’enseignement du FLE au primaire marocain :‬‬
‫‪le cas de la région d’El Haouz................................................................................... 481‬‬
‫‪Khadija MOUADDINE - Hayat MARIR - Rachid MARZAQ - FLLA Ibn Tofail-‬‬
‫‪Kénitra‬‬
‫‪9‬‬

‫تستدعي الحركية الدائمة التي يعرفها مشهد منظومة التربية والتكوين بالمغرب‪،‬‬
‫سواء على مستوى النظرية أو الممارسة‪ ،‬القيام بمساءلة منتظمة ومتأنية ورصينة لهذا المشهد‪،‬‬
‫من أجل الوقوف على واقعه الحالي‪ ،‬واستشراف آفاقه‪ ،‬بغية الارتقاء المستمر به‪.‬‬
‫في هذا الإطار‪ ،‬تأتي مبادرة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مراكش –‬
‫من أجل الإسهام في إثراء‬ ‫آسفي بإصدار العدد الأول من‬
‫النقاش المتعدد والبناء حول واقع منظومة التربية والتكوين بالمغرب ومتطلبات مواكبة‬
‫إصلاحها‪ ،‬وذلك من خلال مقاربة موضوعات ذات طابع تربوي أو بيداغوجي أو‬
‫ديداكتيكي أو تشريعي‪ .‬وهي مبادرة تندرج ضمن مشاريع مجلس المركز الرامية إلى‬
‫ترسيخ دعائم إصلاح المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والنهوض بها كي تضطلع‪،‬‬
‫على النحو الأمثل‪ ،‬بوظائفها الأساسية في التكوين والتأهيل‪ ،‬وذلك في تفاعل مع أسئلة‬
‫المجتمع والعصر‪ ،‬وفي مواكبة للتطورات الوطنية والدولية الراهنة على مستوى المعارف‬
‫والنظريات والمناهج المطبقة على التربية والتكوين؛ بغية استثمارها لفائدة المكونين‬
‫والفاعلين التربويين‪.‬‬
‫بالأساس‪:‬‬ ‫تتوخى‬
‫مد الفاعلين التربويين بمرجعيات عمل ذات صبغة تربوية وبيداغوجية وديداكتيكية‪،‬‬
‫من شأنها أن تسهم في تكوينهم الذاتي؛‬
‫تبسيط المفاهيم والمصطلحات المتداولة في مختلف مجالات التربية والتكوين‪،‬‬
‫واستعمالها الإجرائي على نحو مشترك‪ ،‬قدر الإمكان‪ ،‬من حيث المعاني والدلالات‪،‬‬
‫وذلك بغاية تيسير التواصل بين الفاعلين التربويين‪ ،‬ودعم التكوين الأساس والتكوين‬
‫المستمر والتأطير التربوي والبيداغوجي والإداري؛‬
‫التعريف بالمستجدات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية‪ ،‬وبالممارسات المهنية‬
‫الناجعة؛‬
‫‪10‬‬
‫تكوين‪،‬‬ ‫الإسهام في نشر المعرفة العلمية حول القضايا والمسائل الجوهرية في التربية وال‬
‫وجعلها في متناول مختلف الفاعلين؛‬
‫حفز الفاعلين التربويين على الإسهام في إنتاج المعرفة البيداغوجية‪ ،‬وإذكاء النقاش‬
‫الموسع والبناء‪ ،‬وتبادل التجارب والخبرات؛ بغية تجديد الفعل التربوي والتكويني والرفع‬
‫من فعالية مردودية منظومة التربية والتكوين‪.‬‬
‫تطمح هذه المجلة‪ ،‬إذن‪ ،‬إلى أن تكون فضاء مفتوحا للرأي الحر والنقاش متعدد الآراء‬
‫والأطراف‪ ،‬ومنبرا لمختلف الفاعلين في العملية التربوية‪ :‬المكون (ة)‪ ،‬المدرس (ة)‪ ،‬الإداري‬
‫(ة)‪ ،‬المتدرب (ة)‪ ،‬بشكل يسمح لكل هؤلاء بالتعبير عن وجهات نظرهم التي تتناول‬
‫بالتحليل الموضوعي والنقد الهادف القضايا الملحة والراهنة لمنظومة التربية والتكوين في‬
‫المغرب‪ ،‬والآفاق الممكنة لتطويرها والارتقاء بها‪.‬‬
‫بجميع المساهمات‪،‬‬ ‫وعلى هذا الأساس‪ ،‬ترحب‬
‫وتفتح المجال أمام تنوع الآراء وتعدد الاجتهادات‪ ،‬غايتها أن تكون ملتقى لإبداع الفاعلين‬
‫والمهتمين بمجال التربية والتكوين بمختلف مشاربهم‪ ،‬في سبيل التحقيق الفعلي للطموح‬
‫الوطني المشترك‪" :‬من أجل مدرسة ذات جودة للجميع"‪.‬‬
‫‪ ،‬أهنئ كل‬ ‫وبمناسبة إصدار العدد الأول من‬
‫العاملين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة مراكش‪-‬آسفي‪ ،‬من طاقم‬
‫بيداغوجي وإداري على انخراطهم الإيجابي في سبيل إصدار هذه المجلة ‪ ،‬وأتمنى أن تتبوأ‬
‫مكانتها إلى جانب منابر البحث العلمي ببلادنا‪.‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين‬ ‫التربية التربية‬
‫المتخصصة في‬
‫المجلةالمتخصصة في‬
‫‪11‬‬ ‫والتكوين‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫يف رصيد هذه املؤسسة الرتبوية العتيدة تاريخ من التكوين والتثقيف‪ ،‬يبتدئ من سنة ‪ 4791‬ليمتد يف الزمن‬
‫أجياال متعاقبة حظيت بالنهل من مناهله عىل امتداد مساره احلفيل‪ ،‬وما عرفه من تطورات وانعطافات‪.‬‬
‫سنوات عديدة مرت خالهلا مياه كثرية حتت اجلرس‪ ،‬وعرب تاريخ كل تلك السنوات مراحل مفصلية‪ ،‬يمكن‬
‫تلخيصها يف‪:‬‬
‫‪ -4‬املرحلة األوىل‪ :‬وكان الرهان األساس فيها العمل عىل استكامل مغربة األطر الرتبوية وتوسيع جماالت‬
‫التمدرس‪ ،‬ويف هذه املرحلة كانت مهام التكوين األساس موكولة إىل هذه املراكز نفسها‬
‫‪( -2‬املراكز الرتبوية اجلهوية) جامعة بني التكوين األساس والتكوين الرتبوي يف مستغرق سنتني تكوينيتني‬
‫لتخريج أساتذة للسلك الثانوي اإلعدادي‪.‬‬
‫‪ -3‬تيل هذه املرحلة مرحلة االعتامد عىل اجلامعة يف التكوين األساس‪ ،‬واستقبال طلبتها لتأهيلهم أساتذة‬
‫للثانوي اإلعدادي‪ ،‬اعتامدا عىل عدة تكوين جديدة‪ ،‬أنجزت خالل الثامنينيات عامدها التكوين بالتناوب‪.‬‬
‫‪ -1‬ومن سنة ‪ 2142‬انتقل املركز إىل خريطته اجلديدة‪ ،‬مستوعبا كل أسالك التعليم ما قبل اجلامعي (ابتدائي‪-‬‬
‫ثانوي إعدادي ‪ -‬ثانوي تأهييل) حتت تسمية املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين‪ ،‬بعد التحاق املدارس العليا ‪.‬‬
‫‪ -5‬لألساتذة باجلامعة‪ ،‬مع استمرار االعتامد عىل اجلامعة يف التكوين األساس‪ .‬ويف هذا الوضع اجلديد‬
‫اشرتطت شهادة اإلجازة للرتشيح ملباراة أي سلك من أسالك املركز املستحدث‪ ،‬مع استمرار نظام التكوين‬
‫بالتناوب والتكوين املستمر‪ ،‬وإضافة سلكي التربيز والتكوين لإلدارة الرتبوية‪.‬‬

‫‪- 1‬أستاذ التعليم العايل‪ -‬من هيئة التكوين باملركز‪ -‬سابقا‪.‬‬


‫درس افتتاحي للسنة التكوينية ‪ 2145-2141‬باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين – مراكش‪.‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪12‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يدل يف جمال خطري كمجال الرتبية والتكوين‪ ،‬ال‬ ‫وضمن هذه األطر الثالثة العامة تفاصيل وتشعبات‬
‫ضئيل طاف عىل السطح‪.‬‬ ‫يستنبت من مكتس‬ ‫ال جمال للخوض فيها‪ ،‬إذ املقصود يف هذه العتبة‪ ،‬هو‬
‫فالتكوين الرتبوي‪ ،‬كالتعليم اجلامعي «ال يمكن حرصه‬ ‫اإلشارة إىل السنوات الطوال يف تاريخ هذه املؤسسة‪،‬‬
‫يف تعليم مهني‪ ،‬حتى عندما يكون بصدد تكوين أطباء‬ ‫وما عرفته‪-‬كغريها‪-‬من حتوالت ضمن املسار العام‬
‫أو أساتذة‪ ،‬فإنه يقدم شيئا إضافيا هو ارتباطه احلميم‬ ‫لنظام التعليم وحتوالت منظومته يف بالدنا‪ ،‬واملقصود‬
‫بالبحث»‪ ،1‬البحث العلمي والبحث الثقايف‪ .‬فالتكوين‬ ‫أيضا‪ -‬تبعا لذلك‪ -‬استحضار‪ ،‬وبكل حمبة وتقدير‪ ،‬كل‬
‫بدون بحث مراوحة يف حيز يضيق كثريا عن األهداف‬ ‫من عملوا ويعملون وخترجوا ويتخرجون من هذه‬
‫العميقة منه‪ .‬ومن الدال أن يمثل «أوليفيي روبول»‬ ‫املؤسسة‪ ،‬التي كانت‪ ،‬وآمل أن تبقى‪ ،‬حمضنا ثقافيا‬
‫بحالتي تكوين األطباء واألساتذة‪ ،‬أي بحالتني‬ ‫تربويا إنسانيا هلم مجيعا‪.‬‬
‫تبارشان مهامهام إنسانيا قبل كل يشء‪ ،‬وهو ما يقتيض‬ ‫هلذا التقليد‬ ‫واين لتغمرين سعادة خاصة‪ ،‬إذ نؤس‬
‫تأهيال معرفيا وثقافيا خاصا‪ ،‬خيتلف عن أي تأهيل‬ ‫األكاديمي املرموق‪ ،‬تقليد الدرس االفتتاحي‪ ،‬الذي‬
‫أدايت ملجرد االستعامل‪ ،‬فالالفت يف عبارة «حتى عندما‬ ‫رشفني زمالئي األعزاء بإلقائه‪ ،‬وهو تقليد يعني‪ ،‬من‬
‫يكون بصدد تكوين أطباء وأساتذة» هو هذا التعيني‬ ‫ضمن ما يعني‪ ،‬أن البحث العلمي وإنتاج املعرفة‬
‫بالذات‪ ،‬ملا للحالتني من آثار بالغة يف حياة اإلنسان‪،‬‬ ‫والبحث املستمر عنها‪ ،‬من الوظائف املحورية األساس‬
‫فتكوينهام للمهنة ال ينفصل عن تلك القيمة املصاحبة‬ ‫هذه‬ ‫للمؤسسات واملعاهد العليا‪ ،‬ويدخل يف صل‬
‫رضورة‪ ،‬التي هي البحث‪ ،‬املؤطر للتكوين واملنري‬ ‫الوظائف‪ -‬بطبيعة احلال‪ -‬الرهان عىل املساءلة‬
‫ملساراته وأهدافه‪ .‬البحث العلمي منتج املعرفة احلية‪،‬‬ ‫واملراجعة والنقد وتطوير املفاهيم واحلصائل املعرفية‬
‫والبحث الثقايف الذي يعرف الشخصية بذاهتا وحميطها‬ ‫والثقافية‪ ،‬ليمكن تطوير اإلجراءات واملامرسات عىل‬
‫وبام جيري يف احلياة حوهلا‪ ،‬ويسند خطواهتا بثقة يف‬ ‫ضوء ذلك وبتأطري منه وتفاعل معه‪.‬‬
‫ممارستها العملية‪ ،‬وهدفها اإلنسان وهدفها املجتمع‬ ‫النتحاء املعايري الضيقة‬ ‫وهذا الرهان ال يستجي‬
‫وهدفها احلياة‪.‬‬ ‫اختصارا للزمان‪ ،‬حتت ذريعة ما قل ودل‪ ،‬يف جمال ال‬
‫يقبل اختصاره يف اجلاهز الذي ال يثمر ما يدل‪ ،‬إذ ما‬

‫‪ -1‬اوليفيي روبول‪ -‬فلسفة الرتبية‪ -‬ترمجة‪ :‬عبد الكبري معرويف –‬


‫مراجعة‪ :‬عبد اجلليل ناظم‪ -‬دار توبقال‪ -‬الدار البيضاء‪ -‬ط‬
‫‪4‬ـ ‪-4771‬ص ‪.31‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪13‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫لرباجمه يف تفاصيل مكوناهتا وأهدافها‪ ،‬حمفزا ألسئلته‬ ‫ومن هنا خطورة التكوين للرتبية‪ .‬فاإلنسان ال‬
‫مؤطرا لقضاياه ومشاكله ومصاحبا له يف خطواته‪.‬‬ ‫يستكمل إنسانيته إال بالرتبية‪ ،‬إنه يفتح عينيه عىل عامل‬
‫من ثمة نعتربه الدليل العلمي للتكوين‪،‬‬ ‫يطرح عليه ما ال حرص له من األسئلة‪ ،‬وكلام تقدم يف‬
‫والكاشف له عن إمكانات وتوجهات جديدة لتحسني‬ ‫حصائله املعرفية الكاشفة للغوامض واملنرية‬
‫ممارسته وتطويرها باستمرار‪ ،‬جتاوبا مع تبدالت‬ ‫للمسالك‪ ،‬أمكنه سد فراغات كثرية يف ذاته ويف عالقته‬
‫املجتمع وحتوالت احلياة وتفاعال معها وفعال إجيابيا‬ ‫مع احلياة‪.‬‬
‫فيها‪ ،‬وهو ما حييل عليه مفهوم التكوين املستمر‬ ‫ومن هذا األفق تتجاوز النظرة واملامرسة الضيقتان‬
‫واهلدف منه‪ .‬فكل تكوين سابق يف حاجة إىل تكوين‬ ‫ملفهوم الرتبية‪ ،‬لتصري الرتبية «جمموع السياقات‬
‫الحق يتجاوب مع املستجدات املعرفية والوظيفية ‪،‬‬ ‫والطرق التي تسمح للطفل البرشي بأن يقرتب‬
‫ومع املتغريات املتسارعة للحياة‪ ،‬و هذا يعني أن‬ ‫بالتدريج من الثقافة‪ ،‬تلك الثقافة التي متيز اإلنسان عن‬
‫التكوين ال يتلقى دفعة واحدة وأنه ال حدود له‪ ،‬فاحلياة‬ ‫احليوان»‪ 1‬وتسمح لليافع والشاب ولإلنسان يف كل‬
‫توقفنا يف كل حني عىل احلاجة‪ ،‬واملعرفة املالزمة ترشدنا‬ ‫أطوار عمره أن يتقدم أكثر يف مقتضيات رشطه‬
‫إىل إمكانات سدها كي ال تضيع الذات املامرسة يف‬ ‫اإلنساين‪.‬‬
‫املتاه‪ ،‬أو تستنزف اجلهد دون مردود ناجع مقنع‪ ،‬بحكم‬ ‫إن التكوين هو إعداد تربوي ثقايف ملامرسة تربوية‬
‫أن إدراك موضوع املعرفة وقف عىل الذات العارفة‪،‬‬ ‫ثقافية‪ ،‬وفق خلفية معرفية ووعي متبرص بام حيقق‬
‫والنفاذ يف موضوع املعرفة موسع آلفاق العمل هبا‪،‬‬ ‫األهداف املتوخاة من الفعل الرتبوي‪ .‬التكوين هبذا‬
‫وقد جاء عن أيب حيان التوحيدي أن « الزيادة يف العلم‬ ‫املعنى يستلزم تأطريه بالبحث لئال ينزع إىل جتريدية‬
‫داعية إىل الزيادة من العمل‪ ،‬والزيادة من العمل جالبة‬ ‫هشة‪ ،‬والبحث يامرس يف املؤسسات العليا واملراكز‬
‫واالنتفاع بالعلم دليل سعادة‬ ‫االنتفاع بالعلم‪،‬‬ ‫واملختربات املرتبطة هبا‪ ،‬ويوسع بالتعاون والرشاكات‬
‫اإلنسان‪ ،‬وسعادة اإلنسان مقسومة عىل أقياس العلم‬ ‫واملبادالت بينها‪ .‬وإذا مل تتوافر رشوطه عىل هذه‬
‫والتامس العمل‪ ،‬حتى يكون بأحدمها زارعا وباآلخر‬ ‫املستويات‪ ،‬فإن الذات املنشغلة به ال تني باحثة عام‬
‫يستجي النشغاالهتا وإن يف حدود املتاح‪ .‬وكيفام كان‬
‫احلال فإن التكوين يقتيض حمايثة البحث له‪ ،‬مضيئا‬

‫‪ - 1‬نفسه ص ‪.24‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪14‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫احلاجة إىل‬ ‫املهني‪ ،‬ومالزمتهام لبعضهام عضويا‪ ،‬ملسي‬ ‫حاصدا‪ ،1» ..‬فلننظر إىل هذا التساند بني العلم‬
‫هذا التوازن كام ال خيفى‪ .‬وتسييج املامرسة بالفكر املعلل‬ ‫والعمل‪ ،‬وإىل زيادة منسوب كل منهام بزيادة منسوب‬
‫الناقد املبدع‪ .‬وفتح آفاق متجددة عىل املوارد املعرفية‬ ‫اآلخر‪ ،‬وما يرتت عن ذلك من عائد مرغوب يف حياة‬
‫التي تربط التكوين بام جيري من تطورات يف املجاالت‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫التي ترتقي بالعمل وتوثق الصلة باملعاين والقيم النبيلة‬ ‫وإذا كانت املهام املحددة ملراكز التكوين الرتبوي‪،‬‬
‫يف احلياة‪ ،‬جماالت العلوم واملعارف واآلداب والفنون‪..‬‬ ‫هي‪ :‬التكوين‪ ،‬والتكوين املستمر‪ ،‬والبحث‪ ،‬فإن‬
‫اآلداب والفنون وشع‬ ‫ومد اجلسور بني شع‬ ‫املالحظ أن التوجه يميض اآلن يف اجتاه خيتزل التكوين‬
‫العلوم‪.‬‬ ‫أو يكاد‪ ،‬يف نمذجات عامدها الرتسيامت واخلطاطات‬
‫‪ -2‬يف سياق احلرص عىل مالزمة البحث للتكوين‬ ‫واجلدولة التقنية والبناءات اهليكلية املجردة من‬
‫لئال يغرتب التكوين عن الزمان‪ ،‬والزمان ما فتئ‬ ‫أسنادها املرجعية املؤطرة للتقنية والداعمة هلا واملضيئة‬
‫يضاعف حتدياته التي ال تقف عند حد؛ يف سياق هذه‬ ‫ألهدافها ومشاكل ترصيفها‪ .‬ومن هنا هيمنة املهني‬
‫املالزمة توسع دائرة البحث لتشمل الطلبة األساتذة‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫األدايت االستعاميل عىل املعريف الذي يتأس‬
‫خاصة يف ما يتعلق بمناهج البحث وطرق املعاجلة‬ ‫أرضيته املهني وجتنى ثمرته من شجرته‪.‬‬
‫العلمية ملوضوعات من صميم برنامج التكوين‬ ‫هكذا ينشغل التكوين باإلجراء البيداغوجي يف‬
‫وحاجياته‪ ،‬ولقضايا ومشكالت مما يواجه الطلبة‬ ‫مقابل انحسار مرجعياته الفلسفية ومتكآهتا املعرفية‪،‬‬
‫األساتذة يف مساراته‪.‬‬ ‫ويف شبه غياب للبحث وللتكوين املستمر‪.‬‬
‫وإنني ألجد رابطا بني قضية البحث وبني قيمة‬ ‫وهذا يدعو من جديد إىل التأكيد أن االنشغال بالتكوين‬
‫أساسية أخرى تعترب من رشوط نجاعة التكوين‪،‬‬ ‫مستلزم ال حمالة لرديفه وهو البحث املسكون بطموح‬
‫وتتعلق بالتأهيل األكاديمي والثقايف لطلبتنا‪ ،‬وهم‬ ‫إنتاج املعرفة‪ ،‬وذلك متوقف عىل‪:‬‬
‫يدركون قبل غريهم أن ما تلقوه يف اجلامعة من التكوين‬ ‫‪ -4‬توفر رشوط البحث وفق برنامج متأصل من‬
‫األساس‪ ،‬غري كاف يف الغال ليستجي النتظارات ما‬ ‫احلاجات األساسية للتكوين‪ ،‬ومن أمهها املوازنة بني‬
‫هم مقبلون عليه من مهام الرتبية والتدري ‪ ..‬وهو‬ ‫التكوين التخصيص األساس والتكوين البيداغوجي‬

‫‪ - 1‬أبو حيان التوحيدي‪ -‬اإلمتاع واملؤانسة‪ -‬إعداد‪ :‬خليل املنصور‪-‬‬


‫‪ 1‬دار الكت العلمية‪ -‬بريوت‪ -‬ط ‪-4799 -4‬ص‪.313‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪15‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يف كل منا آلة تساعدنا يف حتصيل العلم» ‪ . 1‬وهذه اآللة‬ ‫واقع ملحوظ لدى اجلميع‪ ،‬يدعو إىل أن يعترب ما تلقوه‬
‫يصيبها الصدأ باإلمهال أو التعطيل‪ ،‬ومن ثمة فهي‬ ‫يف اجلامعة أرضية إلخصاب وتطوير حصيل معارفهم‬
‫حاجة إىل تشغيل وحتفيز دائمني مؤسساتيا وذاتيا‪.‬‬ ‫وإمكانات معاجلاهتم املنهجية‪ ،‬فاإلجازة أو أي شهادة‬
‫إن أنظمة التكوين الرتبوي إنام تنبني عىل التكوين‬ ‫جامعية ليست جمرد درجة‪ ،‬ولكنها أساسا شهادة عىل‬
‫املعريف الذي يضخ فيها دماء احلياة‪ ،‬مع اعتبار –‬ ‫امتالك معارف ومؤهالت ‪ -‬وهذا هو املنتظر‪ -‬حتتاج‬
‫وبإحلاح‪ -‬أن اإلنسان هو منطلق التكوين الرتبوي‬ ‫دائام إىل اسرتفاد وإضافة وتطوير‪.‬‬
‫اآللة الصامء‪ .‬اإلنسان الذي يعد‬ ‫وغايته‪ ،‬ولي‬ ‫وهذا يدعو إىل‪:‬‬
‫املوضوع‪،‬‬ ‫للمواطنة وللحياة‪ ،‬اإلنسان الكيان ولي‬ ‫أ‪ -‬أن خيترب املقبلون عىل مباراة املركز‪ ،‬يف ما يرتبط‬
‫اإلنسان يف عامل يزداد تعقيدا يوما بعد يوم‪ ،‬عامل فيض‬ ‫بصميم تكوينهم األساس يف اجلامعة‪ ،‬ال يف ما يبتعد‬
‫املعلومات واملغالطات وتصادم القيم‪ ،‬والتحوالت‬ ‫هلم تكوين فيه‪.‬‬ ‫عن جماالته ولي‬
‫الكاسحة يف احلساسيات واملفاهيم واملنظورات وطرق‬ ‫ب‪ -‬إعادة النظر يف حصة التكوين األساس يف‬
‫العيش‪ ،‬عامل امليديا وإمرباطورية الصورة واستفحال‬ ‫برنامج التكوين داخل املركز‪ ،‬بالزيادة يف الزمن املقرر‬
‫اإلشارة والعالمة التي تضمر يف الغال غري ما تظهر‪،‬‬ ‫هلذه احلصة‪ ،‬إلمكان التدارك النسبي للنقص يف حتصيل‬
‫عامل التواصل والقطيعة‪ ،‬التفاعل والتنابذ‪ ،‬االنفتاح‬ ‫الطلبة من التكوين األساس‪.‬‬
‫والتطرف‪ ،‬وقيم اإلشهار واالستهالك يف مدها‬ ‫ت‪ -‬التفعيل األمثل للعالقة بني التكوين اجلامعي‬
‫اجلارف‪ ،‬عامل العوملة واإلعالن عن موت التاريخ رغم‬ ‫ومتطلبات التكوين الرتبوي‪ ،‬وخاصة يف ما يتعلق‬
‫شاخصية التاريخ و صدماته‪ ،‬عامل التنامي املعريف‬ ‫بالتكوين اجلامعي املؤهل الجتياز مباراة مركز التكوين‬
‫واألطر املنهجية املعقدة يف كل العلوم واملعارف‬ ‫الرتبوي‪ .‬وهذا يقتيض تقوية اجلسور بني اجلامعة‬
‫والفنون‪ ،‬عامل حوار الثقافات وتصادمها يف آن‪،‬‬ ‫ومراكز التكوين‪.‬‬
‫واحلراك االجتامعي بمآالته وتداعياته‪ ،‬عامل بحث‬ ‫واملنتظر من التكوين املستمر أيضا‪ ،‬والتكوين الذايت‬
‫اإلنسان عن ذاته بشتى الطرق‪ ،‬واعتبار نسبة العالقة‬ ‫أال يغي عنهام أن النهر يضحل ملا تشح عليه الروافد‪.‬‬
‫مع حقوق اإلنسان يف سلم قياس مدى التنمية الرمزية‬ ‫وأستحرض هنا ما قاله أفالطون يف اجلمهورية من «أن‬

‫‪ -1‬مجهورية أفالطون – تعري ‪ :‬ح نا جبار‪ -‬دار القلم‪ -‬بريوت‪-‬‬


‫د‪.‬ت‪-‬ص ‪.241‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪16‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اليوم‪ ،‬لكن مبدأ مالزمة الثقايف للرتبوي والرتبوي‬ ‫العرص‪ ،‬عامل الدعوات إىل‬ ‫واملادية وااللتحاق برك‬
‫للثقايف يبقى قيمة أساسية يف كل األحوال‪ ،‬وهو ما‬ ‫السلم يف مقابل تأجيج احلروب املدمرة ‪ ..‬عامل تعكري‬
‫تؤكده الوثائق املرجعية للسياسة العامة للبالد وملنظومة‬ ‫مزاج الطبيعة واإلجهاز عىل منحها الوفرية والتباكي‬
‫الرتبية والتكوين يف خمتلف أطوارها‪.‬‬ ‫عليها من اجلناة أنفسهم‪ ..‬وباختصار‪ :‬عامل بوجوه‬
‫‪ -4‬فضمن مشمول تصدير الدستور املغريب احلايل‬ ‫وأحوال متناقضة إىل حد الذهول‪..‬‬
‫نجد التنصيص عىل «توسيع وتنويع عالقات الصداقة‪،‬‬ ‫إن تعقيد احلياة اليوم ال يمكن للتكوين أن يتغاىض‬
‫واملبادالت اإلنسانية واالقتصادية والعلمية والتقنية‬ ‫عنه‪ ،‬كام ال يمكن ألي فاعل تربوي مواجهته بثقافة‬
‫والثقافية مع كل بلدان العامل»‪.‬‬ ‫بسيطة أو حمدودة األفق‪ .‬فمعرفة العامل هي السبيل إىل‬
‫وينص الفصل ‪ 23‬عىل ما ييل‪« :‬تدعم السلطات‬ ‫التواصل معه‪ ،‬وإن يف احلد األدنى الذي يمكن من‬
‫العمومية بالوسائل املالئمة‪ ،‬تنمية اإلبداع الثقايف‬ ‫ذلك‪ ،‬فمن أهم احلقوق املتوجبة لإلنسان بعد وجوده‪،‬‬
‫والفني‪ ،‬والبحث العلمي والتقني والنهوض‬ ‫هلو احلق يف تثقيفه وتربيته وتكوينه بام يمكنه من‬
‫بالرياضة‪ .‬كام تسعى لتطوير تلك املجاالت وتنظيمها‪،‬‬ ‫االستجابة لرشوط إنسانيته ومن التفاعل اإلجيايب مع‬
‫ديمقراطية ومهنية‬ ‫بكيفية مستقلة‪ ،‬وعىل أس‬ ‫احلياة‪ .‬وهذا شأن تتضافر فيه الثقافة بالرتبية والتكوين‬
‫مضبوطة‪.».‬‬ ‫دون فواصل‪.‬‬
‫‪ -2‬ويف املرتكزات الثابتة يف امليثاق الوطني للرتبية‬ ‫ها نحن إذن‪ ،‬يف مدار ثالثة مفاهيم مركزية مركبة‪:‬‬
‫والتكوين نقرأ‪:‬‬ ‫الثقافة‪ ،‬الرتبية‪ ،‬التكوين‪ .‬قبل تأطري هذه املفاهيم نظريا‬
‫«هيتدي نظام الرتبية والتكوين للمملكة املغربية‬ ‫يف تضاعيف مناولتنا‪ ،‬جتدر اإلشارة إىل أن املدرسة‬
‫بمبادئ العقيدة اإلسالمية وقيمها الرامية لتكوين‬ ‫املغربية احلديثة يف نشأهتا األوىل‪ ،‬أقصد مدرسة احلركة‬
‫املواطن املتصف باالستقامة واإلصالح املتسم‬ ‫الوطنية‪ ،‬تأسست عىل دعامتني متكاملتني‪ :‬التكوين‬
‫العلم واملعرفة‬ ‫باالعتدال والتسامح والشغوف بطل‬ ‫الرتبوي املدعوم بالثقافة‪ ،‬والثقافة املؤطرة بالرهان‬
‫يف أرح آفاقها واملتوقد لالطالع واإلبداع‪ ،‬واملطبوع‬ ‫الرتبوي‪ .‬لنتذكر أن مؤسيس املدرسة الوطنية املغربية‬
‫بروح املبادرة اإلجيابية واإلنتاج النافع»‪.‬‬ ‫احلديثة ومؤطرهيا األوائل كانوا من النخبة الوطنية‬
‫ويف مواضع عدة ينص امليثاق الوطني للرتبية‬ ‫املثقفة‪ .‬أكيد أن رشوط إنشاء تلك املدرسة وأهدافها يف‬
‫والتكوين عىل التفاعل يف أبعاده املحلية والوطنية‬ ‫مرحلة االحتالل‪ ،‬ختتلف عن رشوط وأهداف املدرسة‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪17‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫النظرية املتعددة» ‪ 2‬التي يتحدد يف سياقاهتا أو ينحو إىل‬ ‫واإلنسانية‪ ،‬وعىل تأهيل املتعلمني ارتكازا إىل هذا‬
‫التحديد‪ .‬ومفهوم الثقافة من هذا القبيل‪ .‬فالثقافة إذا‬ ‫األساس‪ ،‬ومن ذلك تنصصه عىل انتظار« املجتمع من‬
‫كان جماهلا العام هو احلياة‪ ،‬فمجاالهتا اخلاصة هي‬ ‫النظام الرتبوي أن يزوده بصفوة من العلامء وأطر‬
‫العلوم واملعارف والفنون‪ ..‬وهذه هلا خرباؤها‬ ‫التدبري ذات املقدرة عىل ريادة هنضة البالد عرب مدارج‬
‫املختصون‪ ،‬الذين يمدون احلقل الرتبوي بام ييضء رؤاه‬ ‫التقدم العلمي والتقني واالقتصادي والثقايف»‪ ،‬مدرجا‬
‫وممارساته‪ ،‬وبام يمكن من بناء الشخصية اإلنسانية‬ ‫ضمن حقوق وواجبات األفراد واجلامعات« العمل‬
‫الناضجة فكرا ووجدانا وسلوكا‪ ..‬وإذا ما حرصنا‬ ‫عىل تشجيع العلم والثقافة واإلبداع‪ ،‬خصوصا يف‬
‫األمر يف التكوين بمعناه الوظيفي‪ ،‬فالثقافة تكون هي‬ ‫املجاالت ذات البعد االسرتاتيجي» وطبعا فمن‬
‫اإلجراءات البيداغوجية ويربرها نظريا‪،‬‬ ‫ما يصاح‬ ‫املجاالت ذات البعد االسرتاتيجي جمال الرتبية‬
‫ليكون املامرس هلا عىل بينة معرفية بام يفعل‪ .‬فاإلجراء‬ ‫‪1‬‬ ‫والتكوين‪.‬‬
‫قارص دون خلفيته املعرفية‪ ،‬كاملنهج فارغ دون موضوع‬ ‫وبعد‪ ..‬إن مفهوم الثقافة الذي نعتربه مالزما بنيويا‬
‫اشتغاله‪ ،‬هيكل بارد دون حياة‪ .‬إن كل نسق إجرائي‬ ‫ملفهومي الرتبية والتكوين‪ ،‬كام تعتربه كذلك النصوص‬
‫إفراز لتصور نظري سواء كان التصور واضحا أو‬ ‫املرجعية‪ ،‬بحيث تصطف املفاهيم الثالثة‪ :‬الثقافة‪،‬‬
‫مضمرا‪ .‬املهم أن ثمة سندا نظريا ال يمكن فهم التقنية‬ ‫الرتبية‪ ،‬التكوين يف نظيمة واحدة‪ ،‬اصطفاف تداخل‬
‫أو النسق اإلجرائي وضامن نجاعتهام إال بمعرفته‪ ،‬وإال‬ ‫وتكامل‪ ..‬إن هذا املفهوم – أعني الثقافة‪ -‬إنام تتحدد‬
‫كنا كناقد األدب الذي يامرس دون عتاد معريف ودون‬ ‫طبيعته وحمموله‪ ،‬كأي مفهوم مرك ‪ ،‬داخل جمال‬
‫نظرية ودون أدوات منهجية‪ ،‬أي دون ما يوفر خلطابه‬ ‫اشتغاله واهلدف من استدعاء عنارصه البانية يف‬
‫كفاياته اإلقناعية‪ .‬إن هناك تناظرا بني املدرس وناقد‬ ‫ذلك املجال‪ .‬فاملفهوم مسكون بتارخيه‪،‬‬ ‫مستقط‬
‫األدب‪ .‬فالنقد اشتغال منهجي عىل النصوص استنادا‬ ‫وتارخيه «إنام هو تاريخ تنوع جماالت تكوينه‬
‫إىل مبادئ نظرية وأرصدة معرفية وحساسية مجالية‬ ‫وصالحيته‪ ،‬تاريخ قواعد استعامالته املتعاقبة وميادينه‬

‫وذلك لتجاوز االختالالت والنقائض املسجلة جراء عدم أو‬ ‫‪ - 1‬ويف رافعات من «الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح ‪-2145‬‬
‫حمدودية االهتامم بالبعد الثقايف يف املدرسة ويف التكوين الرتبوي‪.‬‬ ‫‪ »2131‬تنصيصات عىل عضوية الثقايف يف التكوين الرتبوي بجميع‬
‫‪ -2‬ميشيل فوكو‪ -‬نظام اخلطاب وإرادة املعرفة‪ -‬ترمجة امحد السطايت‬ ‫األسالك‪ ...‬يراجع بصفة خاصة عموم تفاصيل الرافعة السابعة‬
‫وعبد السالم بنعبد العايل‪ -‬دار النرش املغربية‪ -‬الدار البيضاء‪-‬‬ ‫عرشة‪ :‬تقوية االندماج السوسيو ثقايف‪ ،‬حيث التنصيص عىل أنه‬
‫‪ -4795‬ص‪.54‬‬ ‫«يتعني عىل املدرسة اجلديدة االضطالع بمهمتها يف حتقيق االندماج‬
‫الثقايف عرب جعل الثقافة بعدا عضويا من أبعاد وظائفها األساسية»‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪18‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املكنون» حتددت للتعليم أربعة أهداف رئيسة صاغها‬ ‫مرهفة‪ ،‬وإىل هذا فال بد من امتالكه قدرة عىل بناء‬
‫التقرير هبذه الصيغ املخترصة الدالة‪:‬‬ ‫خطابة بام يكفل التواصل واإلفادة‪ ..‬واملدرس كالناقد‬
‫‪ ‬تعلم لتعرف‬ ‫يف رضورة امتالكه القدرة عىل منافذة املادة أو املواد‬
‫‪ ‬تعلم لتفعل‬ ‫التي يدرسها بامتالكه العدة الالزمة لذلك من رصيد‬
‫‪ ‬تعلم لتكون‬ ‫معريف وإمكانات استبصارية وكيفية توصيل خاصة‪،‬‬
‫‪ ‬تعلم لتشارك اآلخرين‬ ‫والكيفية ترتبط باملهارات والتقنيات والطرق‬
‫املعرفة‪ ،‬الفعل‪ ،‬الكينونة‪ ،‬املشاركة‪ ،‬كلها موقوفة‬ ‫البيداغوجية لإلبالغ واإلفهام والتواصل‬ ‫واألسالي‬
‫عىل التعلم‪ ،‬التعلم للمعرفة أوال‪ ،‬ومن مدخلها إىل‬ ‫والتفاعل‪ ..‬وإذا كانت للناقد وجهة نظر يف ما يقرأ فهذا‬
‫احلضور الفاعل واملتفاعل‪ ،‬فهي أساس كل األهداف‬ ‫من صميم فاعلية املدرس أيضا يف عالقته بام يتلقى‬
‫املحددة يف التقرير‪ ،‬األهداف املستغرقة ملرامي الرتبية‬ ‫ويدرس‪ .‬فالشخصية ال تتكون باإلتباع دون تبرص‪.‬‬
‫أن يكونه اإلنسان أو أن‬ ‫والتعليم يف اإلحاطة بام جي‬ ‫هناك نموذج جاهز يؤخذ وصفة‬ ‫ويف التكوين لي‬
‫يتطلع إليه وهو يسعى يف احلياة إىل سد نقص يالزمه‪،‬‬ ‫هنائية مغلقة‪ ،‬بل ثمة أدلة ومؤرشات ومفاتيح لالهتداء‬
‫وألجل ذلك ال يكف أو ال ينبغي أن يكف عن‬ ‫هبا يف الطريق الذي يسلكه كل منا بقدراته اخلاصة التي‬
‫السؤال‪ ،‬أي عن البحث مالحقا الزمان‪ ،‬أو حماوال ذلك‬ ‫حتتاج دائام إىل اسرتفاد‪ .‬وقياسا عىل هذا فإن مسعى‬
‫لئال يتخلف عن حركته‪ .‬السؤال الذي ال يقر له قرار‬ ‫الرتبية أن تكتشف قوى اإلنسان املبدعة وتعمل عىل‬
‫كالزمان‪ .‬السؤال أحد الفواعل املركزية يف الرتبية‬ ‫إنامئها يف اجتاه بناء الشخصية اخلاصة بتحرير طاقاهتا‬
‫والتدري ‪ ،‬بل إنه الفاعل الدافع األساس من أجل‬ ‫ومدها بام حيرك حوافزها وحيقق متيزها‪ ،‬املنتج عن‬
‫املعرفة واستثارة الطاقات الكامنة يف الذوات لتعرف‬ ‫صبها يف قوال جاهزة قبال تضيق عنها‬ ‫غريها‪ ،‬ولي‬
‫وتتعرف وتدرك وجودها وتبحث له عن معنى‪ .‬وأميز‬ ‫وهبا وتكبح طاقاهتا اخلالقة‪ .‬وهبذا اهلدف للرتبية يمكن‬
‫هنا بني سؤال أفقي وهو سؤال التواصل والتحاور‬ ‫للشخصية أن تتدرج يف ارتقاء سلم احلياة‪ ،‬ويكون كل‬
‫العاديني للمعرفة العابرة‪ .‬والسؤال العمودي وهو‬ ‫ارتقاء هلا بمثابة والدة جديدة‪ .‬لقد أكد كانط أن‬
‫سؤال االكتشاف ودعم املكتس املعريف‪ .‬وأفرتض أن‬ ‫إال بالرتبية املؤسسة عىل ضوابطها‪ .‬ويف‬ ‫اإلنسان لي‬
‫السؤال العمودي يتأصل من عمق الذات‪ ،‬إذ ال يتعلق‬ ‫تقرير اليونسكو الذي عنوانه «التعليم ذلك الكنز‬
‫بموضوع انشغاهلا وحس ‪ ،‬بل يساكنها فكرا‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪19‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫من يعلمهم عىل ما ال يقبل هو عليه؟ كيف يمكنه أن‬ ‫ووجدانا‪ .‬فاملوضوع يف هذه احلالة ال ينفصل عن تاريخ‬
‫يفتح أروقة الذات البرشية أو يستحث نوازعها إذا‬ ‫الذات الداخيل‪ ،‬فال مسافة بينهام وال حد‪ .‬مربر هذا‬
‫كانت أروقة ذاته هو منغلقة واملفتاح الناعم‪ ،‬أعني‬ ‫التعالق هو الزمان نفسه‪ ،‬فكلام امتدت يف الزمان‬
‫احل ‪ ،‬غائ عن روحه؟ كيف جيعل غريه ينجذب إىل‬ ‫املصاحبة الداخلية بني الذات وموضوع انشغاهلا‪ ،‬إال‬
‫موضوع إحساسه به هو فاتر أو خامد؟ كيف يعد إىل‬ ‫وأوغلت العالقة بينهام إىل نفاذ عميق‪ .‬بحيث يصريان‬
‫احلياة بام ال تنشد إليه نفسه؟ ‪ ..‬إن حدوس املتعلمني‬ ‫صنوين أو رديفني‪ .‬واملوضوع املعني هنا هو الشغف‬
‫الوصل‬ ‫القطيعة‪ ،‬حت‬ ‫الوصل كام حت‬ ‫املرهفة حت‬ ‫بالسؤال الذي عىل الرتبية والتكوين أن يرعياه هبدف‬
‫القطيعة فينفذ إليها الضجر‪،‬‬ ‫فتنفتح للتامنح‪ ،‬وحت‬ ‫ترسيخه‪ .‬الشغف بالسؤال للمعرفة وإبداء الرأي‬
‫ومع الضجر تنغلق النفوس فال زرع وال إنتاج‪ .‬إن‬ ‫والنقد واجلرأة عىل حماورة حتى املفاهيم املركبة‬
‫التعليم املثمر حيقق «هبجة القراءة من أجل روعة‬ ‫والرتبية والتكوين والثقافة واحلرية‪.‬‬ ‫كالعدالة واحل‬
‫الكتاب بدال من االمتحان‪ ،‬وهبجة متابعة موضوع ألنه‬ ‫مهام‬
‫املفاهيم املفعمة بالقيم التي يظل مدلوهلا منفلتا َ‬
‫بدال من أنه جزء من املقرر الدرا‪،‬ي‪،‬‬ ‫الل‬ ‫خيل‬ ‫حاولنا القبض عليه‪ ،‬لكن هذا االنفالت هو بالذات ما‬
‫وهبجة مراقبة عيني مدرس عظيم ومها تضيئان باحل‬ ‫يغري باستدامة مساءلتها والبحث فيها لالقرتاب مما‬
‫اخلالص الذي يرتجم‬ ‫اخلالص للموضوع»‪ 1،‬احل‬ ‫تعنيه بالنسبة إلينا يف وضعنا‪ ،‬يف حالنا‪ ،‬يف حياتنا هذه‪..‬‬
‫أداء املوضوع يف إبداع حيقق التفاعل معه‪ ،‬الضغطه يف‬ ‫ها قد انسلت من الذات كلمة «احل » اسم قيمة‬
‫جمرد ترسيامت وجداول منمذجة وترتيبات آلية‬ ‫من القيم الكربى‪ ،‬كنت أنصت إىل الرغبة يف أن تكون‬
‫مكرورة‪ ،‬كثريا ما رصنا نرى ركوب خطاطاهتا دون‬ ‫عالقتها بالرتبية مدار هذا الدرس االفتتاحي‪ :‬الرتبية‬
‫مردود‪ .‬والفعل الرتبوي ال يأخذ مسلكه املنتج إال عرب‬ ‫لألخذ والعطاء‪،‬‬ ‫الذي تنفتح به النف‬ ‫واحل ‪ ،‬احل‬
‫تقاطع متفاعل‪ ،‬استمداده من ثراء الوجدان ووهجه‪،‬‬ ‫احل اجلاذب الداخيل إىل عامل الرتبية‪ ،‬فالرتبية ال تثمر‬
‫ومن مذخر الفكر وجتدده‪ ،‬ومن القدرة البيداغوجية‬ ‫ومن يقبل عليها بدون هوى لن يكون‬ ‫بدون ح‬
‫املبدعة التي ختتار وتبدع للموضوع ما يالئم سياق‬ ‫جناه‪ -‬كام أرى‪ -‬غري جنى ضامر هزيل‪ ،‬فال توفيق ملن‬
‫أدائه‪ ..‬وهي عملية مركبة تؤكد من جديد أن فعل‬ ‫يامرس العمل الرتبوي دون ح ‪ ،‬كيف ننتظر أن يقبل‬

‫‪ -1‬ريتشـــارد دكنز‪ -‬العلم واحلقي قة‪ ..‬تر مجة‪ :‬مصــطفى إبراهيم‬


‫األعىل للثقافة‪ -‬القاهرة ‪ -2115-‬ط‪-4‬ص‪.47:‬‬ ‫فهمي‪ -‬املجل‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪20‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫قاعدة للتكوين املهني‪ .‬وهذا واقع ال يمكن التغايض‬ ‫الرتبية والتكوين يضن بمردوده يف غياب أو ضحل‬
‫عنه وإال كنا نصادر عىل مطلوب مفرتض وحس ‪،‬‬ ‫املؤهالت له وعىل هذا األساس فحني يكون الراغ‬
‫علام أن املقررات الدراسية يف حد ذاهتا حتتاج إىل أرصدة‬ ‫يف اإلقبال عىل هذا الفعل عىل استعداد ذايت ملامرسته‪،‬‬
‫معرفية وثقافية متعددة الروافد ألجرأهتا بيداغوجيا‪،‬‬ ‫فان اكتساب طرقه ومهاراته جتد الطريق املفتوح إىل ذاته‬
‫فضال عام تتطلبه من توجيه إىل املدونات واملظان‬ ‫بكل أرحيية‪ ،‬وجتد من ذاته الرغبة ال يف االكتساب‬
‫املرجعية الداعمة واملساعدة‪.‬‬ ‫وحس ‪ ،‬بل واإلبداع الذايت أيضا‪.‬‬
‫إن املدرسة ليست قلعة وليست ديرا وليست مصنع‬ ‫إىل‬ ‫قال عبد اهلل العروي «إن العبور من احل‬
‫آالت‪ .‬املدرسة رديف احلياة يف صورهتا املثىل‪ ،‬وهو‬ ‫التاريخ هو الوصول إىل سن النضج»‪ 1‬ولنقل قياسا‪ :‬إن‬
‫حلم‪ ،‬ومل ال؟ والسبيل إىل ذلك هو املعرفة‪ ،‬هو الثقافة‪،‬‬ ‫إىل الرتبية هو الوصول إىل ضفتها‬ ‫العبور من احل‬
‫هو التكوين املخلص يف أدائه‪ ،‬املدعوم بالتكوين‬ ‫املفتوحة عىل االجتهاد املبدع‪ ،‬أعني العبور من احل‬
‫املستمر منذ اللهج باألبجدية وعىل امتداد العمر‪ ،‬لئال‬ ‫ويف ظله إىل املعرفة والعمل‪ .‬واملعرفة املقصودة هنا هي‬
‫ينفصل اإلنسان عن ذاته وعن غريه وعن جمتمعه وعن‬ ‫املساءلة‬ ‫النقد‪ ،‬ح‬ ‫املعرفة التي يصاحبها ح‬
‫حركة احلياة يف تطورها الدائم‪.‬‬ ‫واملراجعة واملشاركة يف الرأي بالرأي‪ ،‬ويف بناء الربامج‬
‫وعىل التكوين أن يضع هذا يف االعتبار وبانتباه‬ ‫بمجرد‬ ‫باحلوار املعريف وتنفيذها بمصاحبته ولي‬
‫وحرص شديدين‪.‬‬ ‫القرار‪ .‬ومن مستلزمات احلوار املعريف بطبيعة احلال‪،‬‬
‫أستحرض هنا صورة رمزية ملدرسة تشبه القلعة يف‬ ‫التأمل اهلادئ املستند إىل االطالع والتجربة من أجل‬
‫حمفوظ « نصف يوم » من جمموعته‬ ‫قصة نجي‬ ‫تبادل األفكار والعمل عىل االرتقاء املستمر باملامرسة‪.‬‬
‫القصصية «الفجر الكاذب»‪ .‬القصة اسرتجاع من‬ ‫جمرد القرار‪ ،‬فالقرارات غري‬ ‫أؤكد عىل احلوار ولي‬
‫الراوي ملرحلة انتقاله أول مرة يف طفولته‪ ،‬من حضن‬ ‫املستنبتة من صميم اخلربة والتجربة املبارشة والواقع‬
‫األرسة إىل املدرسة حيث تعلم ما تعلم وربط من‬ ‫الشاخص والسند العلمي‪ ،‬ليست سوى قرارات‬
‫العالقات ما ربط‪ ،‬لكنه عندما خرج إىل املجتمع‬ ‫جتريدية تتعثر دائام يف إعطاهبا فال تسفر عن نتائج‪ ،‬كام‬
‫حدث‪ -‬مثال – يف االعتامد عىل قبلية التكوين األساس‬

‫– حوار أجراه حممد‬ ‫‪ -1‬عبد اهلل العروي – من التاريخ إىل احل‬


‫الداهي – شارك فيه‪ :‬حممد برادة‪ -‬وزارة الثقافة – دولة قطر ‪2143-‬‬
‫ص‪.94 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪21‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫فكان أن وجد الولد نفسه ضائعا حني احتاج إىل نفسه‬ ‫اصطدم بحال وواقع مناقضني متاما ملا عاشه يف تلك‬
‫وقد كرب‪ .‬وجد نفسه ضائعا يف جمتمع رشس انقطعت‬ ‫املدرسة‪.‬‬
‫املدرسة عنه وانقطعت األرسة عن املدرسة‪ ،‬فصار املآل‬ ‫خارج املدرسة مل جيد أباه الذي صحبه صباحا يف‬
‫الرمزي إىل ذلك التيه الذي وجد الراوي الرجل الذي‬ ‫إشارة إىل أن عليه االعتامد عىل نفسه يف الرجوع إىل‬
‫يساكنه الطفل‪ ،‬نفسه فيه هناية املطاف‪.‬‬ ‫البيت وهو ما عزم عليه‪ ،‬وهنا تتحول القصة إىل شبه‬
‫إن لإلبداع يف تناول قضايا الرتبية والتكوين رصيد‬ ‫كابوس كاشف ألعطاب جمتمع يضج باالزدحام‬
‫عظيم‪ ..‬وأستحرض هنا أيضا من ذلك الرصيد‪ ،‬وعىل‬ ‫املفرط والعالقات املختلة والتحوالت الفوضوية‬
‫سبيل املثال‪ ،‬الرشيطني السينامئيني «حلقة الشعراء‬ ‫الوحشية‪ ،‬التي تواترت برسعة مذهلة كام لو حدثت يف‬
‫املفقودين» و«نجوم عىل األرض» ألشري إىل األمهية‬ ‫نصف يوم‪ ،‬و التي تناقض ما كان الطفل الذي كرب اآلن‬
‫الفائقة إلدماج التكوين الرتبوي يف براجمه أعامال‬ ‫قد عاشه يف حضن األرسة‪ ،‬وما تعلمه وعاشه يف‬
‫اجلاميل‪،‬‬ ‫إبداعية عاجلت قضايا تربوية‪ .‬أوال إلنامء احل‬ ‫املدرسة املنعزلة منقطعة عن املجتمع‪ ،‬فال يظهر تأثريها‬
‫وثانيا لالستفادة األكيدة من تلقي هذه األعامل وفتح‬ ‫فيه‪ ،‬فهي «املبنى القائم يف هناية الطريق مثل حصن‬
‫حوار مؤطر يف ما تعاجله‪.‬‬ ‫هائل شديد اجلدية والرصامة عايل األسوار‪ 1».‬وهذه‬
‫وبعد‪ ..‬لقد ربط «كانط» بني الثقافة واحلرية وعىل‬ ‫مدرسة مفتوحة عىل‬ ‫حالة قلعة مغلقة عىل نفسها ولي‬
‫اخلط ذاته نربط بني الثقافة والرتبية والتكوين وسبل‬ ‫املجتمع وعىل احلياة‪ .‬فكان أن ما تعلمه الطفل وما‬
‫االسرتفاد واالستفادة من روافد و ُم ُع ِن الثقافة واملعرفة‬ ‫عاشه بني أسوارها وأسوار نظرياهتا‪ ،‬مل يسعفه يف أن جيد‬
‫اليوم‪ ،‬أيرس مما كانت عليه‪ ،‬ملا وفرته وسائط االتصال‬ ‫طريقة السالك يف زمحة املجتمع واضطراب أحواله‪.‬‬
‫وشبكات املعلومات إذا أحسن استغالهلا‪ ،‬فضال عن‬ ‫تلك نتيجة مدرسة منغلقة عىل ما جيري خارجها‪ ،‬فال‬
‫التي ال غنى عنها أبدا‪ ،‬وال غنى عن العالقة‬ ‫الكت‬ ‫تعد الذوات خلوض غامر احلياة بالفعل والتفاعل‬
‫احلميمة هبا‪ ،‬وفضال عن التجارب الشخصية املبارشة‪.‬‬ ‫اإلجيابيني‪.‬‬
‫وال نقصد باالسرتفاد والتحصيل جمرد الرتاكم‬ ‫لقد أوكلت األرسة تربية الولد إىل املدرسة وغابت‪،‬‬
‫وحس ‪ ،‬فالثقافة ليست جمرد تراكم معارف‬ ‫واملدرسة رابضة هناك منقطعة عام جيري خارجها‪،‬‬

‫‪ -1‬نجي حمفوظ‪ -‬الفجر الكاذب‪ -‬دار الرشوق – القاهرة‪ -‬ط‪-3‬‬


‫‪ -2117‬ص‪.32 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪22‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫لقد صاغ أرسطو يف عبارة مفعمة باحلكمة والداللة‬ ‫ومعلومات ولكنها‪ ،‬أكثر من ذلك‪ ،‬هي قدرة عىل‬
‫العميقة ما نود أن نختم به‪ ،‬إذ قال «لو كنا نطل العلم‬ ‫االستثامر املنهجي املنتج لتلك احلصائل التي نأمل أن‬
‫لنبلغ غايته كنا بدأنا العلم بنقيضه‪ ،‬ولكننا نطلبه لننقص‬ ‫تكون أسفارا يف قارات وجغرافيات ثقافية خمتلفة‪ ،‬مما‬
‫كل يوم من اجلهل‪ ،‬ونزداد كل يوم من العلم»‪.‬‬ ‫يتيح التواصل العميق مع العمق اإلنساين‪ ،‬مع‬
‫هكذا إذن‪ ،‬نسعى يف احلياة لنسد نقصنا البرشي‬ ‫إلنسانيتنا‪ ،‬نداءات احلياة كام‬ ‫النداءات التي تستجي‬
‫فيها‪ ،‬وذلك مدعاة إىل التواضع‪ .‬ولكن أيضا إىل‬ ‫نأمل أن نحياها‪.‬‬
‫االعتزاز ما دمنا ال نكف عن السعي لسد ذلك النقص‪.‬‬
23
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين‬ ‫التربية التربية‬
‫المتخصصة في‬
‫المجلةالمتخصصة في‬
‫‪24‬‬ ‫والتكوين‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫تروم هذه الدراسة حتديد ماهية ووظائف الفيلم الرتبوي بصفته دعامة بيداغوجية وديداكتيكية هامة من شأهنا‪ ،‬إن‬
‫حتققت الظروف املالئمة الستعامهلا‪ ،‬أن تفكك خمتلف أوجه اخلطابات املرتبطة بالفعل التعليمي مهام كانت املادة‬
‫املُدَ َّر َسة‪ ،‬ومهام كانت اللغة‪ .‬يسعى هذا البحث عرب ما راكمناه من ممارسة مزدوجة ومتوازية يف جماالت الصورة‬
‫والسمعي البرصي والتعليم إىل مساعدة املهتمني عىل فهم عملية التصميم التعليمي بشكل أفضل حينام يتعلق األمر‬
‫بعرض وتطبيق األدوات التكنولوجية يف شقها الفيلمي‪ ،‬السيام وأن عرصنا الراهن تبصمه الصورة بشكل غري‬
‫مسبوق يف تاريخ البرشية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن بحثنا هذا حياول الكشف عن جوهر الفيلم الرتبوي ووظائفه املؤدية إىل صوغ‬
‫خطابه ‪/‬خطاباته‪ /‬الكامن خلف تقنياته‪ ،‬التي إن ساء استخدمها أو ضعفت املعرفة هبا قد تقوض العملية التعلمية‬
‫التعليمية وتدمرها من األساس‪.‬‬
‫‪ :‬الرتبية‪ ،‬الفيلم الرتبوي‪ ،‬تكنولوجيا معلومات واتصاالت التعليم‪ ،‬السمعي البرصي‪...‬‬

‫‪ 1‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‬


‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪25‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أهنا حاملة وفق تصور الباحث "أالن جايي" ( ‪Alain‬‬


‫‪ )Jaillet‬حتليال لآلليات التي تسمح لنا بفهم معنى‬ ‫مل حتقق مؤسساتنا الرتبوية والتعليمية اإلقبال املطلوب‬

‫الوسائط التعليمية بشكل أفضل‪ .‬ولتوضيح تفكريه‬ ‫عىل املواد السمعية البرصية‪ ،‬بل مل تتمكن حلد اآلن من‬

‫بطريقة أكثر‪ ،‬يركز بشكل خاص عىل البناء اإلعالمي‬ ‫ومقبول‪ ،‬من الزخم‬ ‫االستفادة‪ ،‬بشكل مهم‪ ،‬مناس‬

‫للكت املدرسية واألفالم التعليمية‪.1‬‬ ‫الذي حققته عىل مستوى توفري املعلومات واملادة‬

‫ترى الروائية الفرنسية "‪،"Anne-Marie Garat‬‬ ‫املعرفية التي يمكن االستفادة منها تربويا وتعليميا يف‬

‫مرصحة‪ ،‬يف الفيلم الرتبوي "السينام يف املدرسة" بأن‬ ‫كل مستويات التعليم‪ .‬ويعود هذا إىل أسباب متداخلة‬
‫كل أستاذ يف حاجة إىل كفاية ت ِ‬
‫ُوج ُ عليه النظر إىل‬ ‫بالرغم من إقبال املدرس واملتمدرس يف عامل‬

‫السينام والفوتوغرافيا بِ َعد َها وثائق للمكان والزمان‬ ‫التكنولوجيا بشكل كبري‪ .‬لذلك يتوج النظر يف قيمة‬

‫والتاريخ وأحيانا الفن‪ .2‬نفهم أن الفيلم الرتبوي‬ ‫الوثائق السمعية البرصية‪ ،‬والسيام األفالم الرتبوية‬

‫تصوير لروح عرص تربوي وقيمي معني‪ ،‬ورصد‬ ‫منها‪ ،‬يف خمتلف املواد ما دامت مادة "تكنولوجيا‬

‫لتجارب فردية ومجاعية‪ ،‬تصدر عنها تفاعالت‬ ‫معلومات واتصاالت التعليم"‪ ،‬املعروفة اختصارا‬

‫ومواقف وممارسات متشابكة‪.‬‬ ‫بـ(‪ )TICE‬متضمنة يف تكوين األساتذة بمختلف‬

‫سنطرح يف هذا الشأن بعض القضايا الرتبوية املرتبطة‬ ‫أسالكهم وختصصاهتم‪ ،‬ولو كانت تركز ‪ -‬عموما ‪-‬‬

‫بالفيلم الرتبوي‪ ،‬حماولني اإلجابة عىل ما ييل‪ :‬ما الفيلم‬ ‫عىل املعلوميات دونام إعطاء قيمة كبرية للسمعي‬

‫الرتبوي؟ ما األهداف الرتبوية املتوخاة منه؟ ما‬ ‫البرصي الذي يدمج يف امليلتيميديا وغريها‪ ..‬واحلال‬

‫الكفايات التي يمكن الرهان عليها؟ كيف يمكن‬ ‫أن تدرس بشكل مستقل ما‬ ‫أنه مادة أو جمزوءة جي‬

‫للفيلم الرتبوي أن يساهم يف تربية املتعلم؟ ما األفالم‬ ‫دامت الثقافة السمعية البرصية ترتكز عىل لغة خاصة‪،‬‬

‫املناسبة للتعليم (الطفل نموذجا)؟‬ ‫ال يمكن لتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت أن‬
‫تسلط الضوء عىل خصوصياهتا التقنية وكوالي‬
‫صناعتها وخماطرها فضال عن القيم احلاملة هلا؛ ذلك‬

‫;‪1 - Alain Jaillet; Manuels scolaires et films pédagogiques: Sémiotique des médias éducatifs‬‬
‫‪L’Harmattan, 2113.‬‬
‫‪ -2‬يمكن العودة إىل الفيلم الرتبوي الذي حيمل عنوان "السينام يف املدرسة" (‪ ]2112[ )Le cinéma à l’école‬للمخرج "أالن‬
‫كادي" (‪)2112‬؛ إنتاج املركز اجلهوي للتوثيق البيداغوجي بمدينة "لِيل" الفرنسية‪.‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪26‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫امللحة لتدري املتعلمني واملعلمني الذين يسعون لدمج‬ ‫‪I‬‬

‫اللغة السمعية البرصية يف حمو األمية البرصية املرتبطة‬ ‫تتعدد تعريفات الفيلم الرتبوي وتتمفصل وفق‬

‫بغزو العامل عرب الصورة واملواد متعددة الوسائط‪ .‬وهو‬ ‫وجهات النظر التي يمكن تناوله منها‪ ،‬لكنه يظل ذاك‬

‫يستجي ‪ ،‬أيضا‪ ،‬وبشكل أفضل‪ ،‬لتحديات العوملة‬ ‫الفيلم التعليمي الذي هيدف باألساس إىل الرتبية‬

‫وتثبيت بعض القيم املرتبطة باملواطنة وحقوق اإلنسان‬ ‫بمعناها العام املتداول‪ ،‬أي وضع الوسائل واملناهج‬

‫يف بعدها الكوين‪ ،‬السيام وأن اسرتاتيجيات االتصال‬ ‫الضامنة لتكوين اإلنسان وتنميته‪ ،‬بناء عىل التطوير‬

‫الراهنة تعتمد عىل ترسيخ فكرة الديمقراطية التشاركية‬ ‫املنهجي ألعضائه وحواسه وملكاته ومواهبه سواء‬

‫استنادا إىل نظرة عاملية متعددة الوسائط‪ ،‬معتمدة يف‬ ‫بشكل كيل أم جزئي‪ .‬إذ يتم استخدام األفالم التعليمية‬

‫ذلك عىل نرش خمتلف أنواع األفالم الروائية والوثائقية‬ ‫كبديل لطرق التدري‬ ‫يف الفصول الدراسية‪ ،‬لي‬

‫وأفالم التحريك سواء أكانت تركز عىل احليوانات أم‬ ‫األخرى‪ ،‬بل بعدها وثائق أو سندات أو معينات‬

‫األرض أم حتى التاريخ أم اجلغرافيا أم العلوم أم‬ ‫ديداكتيكية مساعدة‪ ،‬تدخل ضمن تنويع العدة‬

‫املوسيقى أم األلوان‪.‬‬ ‫الديداكتيكية‪ ،‬واالرتقاء هبا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يكون‬

‫‪II‬‬ ‫الفيلم الرتبوي لصيق الصلة باملدرسة‪...‬‬

‫تتفاوت جتارب استخدامات السينام والوسائل‬ ‫يمكن أن تكون األفالم الرتبوية وثائقية‪ ،‬ويمكن أن‬

‫السمعية البرصية يف املدرسة من حيث التطور‬ ‫تكون خيالية رشيطة ضامن اإلفادة‪ ،‬ومراعاة الرشوط‬

‫واألهداف‪ ،‬من منظومة تعليمية إىل أخرى‪ ،‬ومن جمال‬ ‫الرتبوية للمتعلم‪ ،‬أي مالءمة املحتويات حس‬

‫تعليمي إىل آخر‪ ،‬ولكن اعتامد األجهزة التعليمية‬ ‫املرجعيات البيداغوجية الكربى لكل منظومة تربوية‪،‬‬

‫التكنولوجية املستخدمة‪ ،‬واملكان املخصص هلا داخل‬ ‫وأمهها عدم التعارض مع املبادئ العامة للقيم‪ .‬مثال‪ ،‬ال‬

‫املؤسسات التعليمية‪ ،‬وبرجمتها ضمن اهلندسة التدبريية‬ ‫يصلح كل فيلم لكل األعامر‪ ،‬ولو سمح للمتعلم‬

‫للزمن املدر‪،‬ي‪ .‬يلخص قيمتها وحيويتها يف خريطة‬ ‫باكتشاف عوامل جديدة أو إلقاء نظرة جديدة عىل ما ال‬

‫التعليم العرصي الذي يدخل "التعلم اإللكرتوين"‬ ‫يعرفه ألن املالءمة رشط تربوي أسا‪،‬ي يف كل عملية‬

‫خمططاته التدريسية‬ ‫(‪ )E-learning‬يف صل‬ ‫تعليمية‪.‬‬

‫والتعليمية وكافة أشكال الوساطة املرتبطة به‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫إذا كان تعليم السينام واملواد السمعية البرصية يثري‬

‫فنحن نقرتح يف هذا السياق أن يدخل (يدمج) تعليم‬ ‫للحاجة‬ ‫اهتامم الباحثني‪ ،‬اليوم‪ ،‬فإنام ألنه يستجي‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪27‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إذا انطلقنا من ثنائية الثبات والتغري التي تتسم بطابع‬ ‫ويف‬ ‫السينام والسمعي البرصي يف علم أصول التدري‬
‫النسبية‪ ،‬فإن األهداف التي يمكن أن تتحقق جراء‬ ‫علوم الرتبية ضمن رؤية شمولية تتبنى مرشوع‬
‫توظيف األفالم داخل الدروس‪ ،‬تكون بدورها‬ ‫األساتذة وتدري‬ ‫الوسائط املتعددة يف تدري‬
‫متغرية‪ ،‬ومن أمهها‪:‬‬ ‫األجيال اجلديدة من املتمدرسني املغاربة‪ ،‬وأال يقترص‬
‫‪ُ -‬ي َمك ُن الفيلم الرتبوي من توعية املتعلم باملواضيع‬ ‫األمر عىل ختصيص جمزوءات تُعنَى بالصورة أو السينام‬
‫التي يصع التعامل معها داخل الفصول الدراسية‪.‬‬ ‫أو السمعي البرصي دون حدوث أي انسجام يف ما‬
‫مثال‪ ،‬كيف يمكننا توعية األطفال بالعنرصية والتمييز؟‬ ‫بينها وبني املواد املُدَ َّر َسة‪ .‬فضال عن رفدها بمعرفة‬
‫كيف نتحدث عن اإلعاقة؟‬ ‫رت تصورنا للمحيط من‬
‫رصينة بالصورة ألنه يتم َب ُ‬
‫يف هذا السياق‪ ،‬تتيح األفالم التعليمية نقل الرسائل‬ ‫خالل املعلومات املخفية يف ثنايا احلقائق الزائفة ‪ -‬التي‬
‫الصعبة بطريقة غري مبارشة و ُم َسل َية‪.‬‬ ‫غالبا ما تغذهيا التحيزات الثقافية ‪ -‬ومتيل هبا نحو تغيري‬
‫‪ -‬يمكن للفيلم تعريف األطفال بتقنيات الصورة‬ ‫مرجع حكمنا وتشويه شبكة القراءة لدينا‪.1‬‬
‫والصوت‪ ،‬لكننا غالبا ما نسمع عن األفالم وطرق‬ ‫يمكن االختالف حول األهداف املبتغاة من توظيف‬
‫من حيث التحليل ألن الفيلم يمكن أن يكون‬ ‫التدري‬ ‫األفالم الرتبوية‪ ،‬وفقا للمتغريات املعرفية والقيمة‬
‫دعام تعليميا يسمح للمتعلم باالكتساب أثناء‬ ‫اخلاصة بكل جمتمع‪ ،‬فقد يرى بعض املهتمني بالقيم‬
‫االستمتاع بتحليل عنارص الفيلم (املواضيع والقصص‬ ‫اجلاملية أن البرشية مرت بمرحلة تسودها النسبية يف‬
‫والشخصيات وتقنيات رسد القصص)‪.‬‬ ‫نظرية القيمة‪ ،‬وهذا‪ ،‬بكل تأكيد‪ ،‬مل ينته بعد ولكنها‬
‫‪III‬‬ ‫حتاول اآلن أن تعيد إدخال فكرة القيمة الثابتة التي‬
‫تستطيع أن تقاوم التنوع الذي يميز املواقف الفردية كام‬
‫تتبنى املنظومة الرتبوية والتعليمية املغربية عدة نظريات‬
‫حتاول أن تقاوم التغريات التي تطرأ عىل العقلية‬
‫ومقاربات بيداغوجية تُتوجها املقاربة بالكفايات دون‬
‫اجلامعية يف األماكن واألزمنة املختلفة‪.2‬‬
‫التخيل عن التعليم باملضامني واألهداف‪ .‬فإذا كانت‬
‫الكفاية تتمثل يف قدرة املُ َت َعلم عىل القيام بمهمة معينة‬

‫‪ - 2‬جان مو كارفسكي؛ هل يمكن أن تكون القيمة يف الفن عاملية؟‬ ‫;‪1- Jacques Baud ; Gouverner par les Fake news‬‬
‫‪Edition Max Milo; Version PDF; 2020 ; P: 9.‬‬
‫ترمجة‪ :‬سيزا قاسم – دراز؛ جملة "امللتقى"؛ العدد‪53 :‬؛ ربيع‬
‫‪2124‬؛ ص‪.423 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪28‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ووسيلة لالتصال من أجل التعلم الثقايف واللغوي‬ ‫بشكل مالئم ومقبول تفاديا للفشل‪ ،1‬فهي تسعى يف‬
‫والفكري‪.‬‬ ‫عمقها إىل تنمية قدراته املمكنة واملأمولة (اسرتاتيجية‪،‬‬
‫تسعى الطرائق الديداكتيكية احلديثة إىل اعتامد وسائل‬ ‫تواصلية‪ ،‬تكنولوجية‪.)...‬‬
‫فعالة مدعومة بآلية نشطة للتواصل والتحفيز وتقري‬ ‫يف‬ ‫غالبا ما شكلت السينام موضوع اهتامم وترحي‬
‫املعارف واملحتويات‪ ،‬استنادا إىل وضع املتعلم يف حمور‬ ‫الوسط املدر‪،‬ي‪ ،‬لكن الطرق التي يتم دجمها هبا يف‬
‫العملية التعليمية‪ ،‬وتكييف التعلامت مع حاجاته‬ ‫التعلامت ال تزال قليلة‪ ،‬ويف مهدها عىل مستوى‬
‫وقدراته واهتامماته‪ .‬وبام أن متعلم اليوم منفتح عىل‬ ‫املدرسية‬ ‫التجربة املغربية التي تتضمن بعض الكت‬
‫هبا‪ ،‬فهو‬ ‫تكنولوجيا التواصل اجلديدة‪ ،‬ومستئن‬ ‫فيها نصوص وجمزوءات تُعنَى بالثقافة السمعية‬
‫يتفاعل إجيابا مع منتجاهتا‪ ،‬السيام السمعية البرصية‬ ‫البرصية أو تشري لبعض األفالم‪ .‬والتي يتم التعامل فيها‬
‫منها‪ ،‬سواء عرب االنخراط واملشاركة أم اإلنتاج‬ ‫مع السينام كوسيط يساعد عىل تقديم نوع من التعليم‬
‫والتفاعل‪ ،‬األمر الذي يدعم تعلامته‪ ،‬وينقل مجاعة‬ ‫اإلعالمي الذي يتجاوز بعض املهارات القاعدية‬
‫القسم من طور التلقي التقليدي إىل طور التعاون‪.‬‬ ‫املشرتكة بني املعارف واملهارات‪ .‬مثال‪ ،‬غالبا ما يتم‬
‫يمكن تكييف األفالم والوسائط السمعية البرصية‬ ‫تقديمها ضمن سياق ثقايف عام جيعلها حمض تنويع‬
‫الرتبوية مع مكونات املثلث الديداكتيكي‪ ،‬وفق تصور‬ ‫ديداكتيكي توضيحي‪ ،‬وال يتم النظر إليها كفكر‪ .2‬ومع‬
‫يراعي خمتلف أضالعه‪:‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن االنتقال من التناظرية (‪ )Analogique‬إىل‬
‫‪ -‬نشاط املُدَ رس‪ :‬التخطيط الذي يراعي التبسيط‬ ‫الرقمية (‪ )Numérique‬قد سهل تطوير التعليم‪،‬‬
‫البناء‪...‬‬ ‫والتدرج وحتقيق التناف‬ ‫الدامج لتكنولوجيا السمعي البرصي‪ ،‬ضمن طرق‬
‫‪ -‬نشاط املُ َت َعلم‪ :‬املشاركة يف تقوية عنارص البناء‬ ‫اخلاصة بالوسائط املتعددة‪ .‬وهي فرصة لفهم‬ ‫التدري‬
‫الذايت للتعلامت عن طريق تقوية املالحظة‪،‬‬ ‫اللغة السمعية البرصية املعقدة بشكل متزايد ومتالحق‬
‫من الناحية التقنية‪ ،‬والتي ستظل‪ ،‬ال حمالة‪ ،‬مصدرا‬

‫‪ ]of School: Effects and Causes‬من املحارضات التي‬ ‫‪ -1‬حممد الدريج‪ ،‬الكفايات يف التعليم‪ ،‬سلسلة "املعرفة للجميع"‪،‬‬
‫قدمها يف جامعة هارفارد؛ إذ كرس أيام الثالثاء للنصوص الفلسفية‬ ‫عدد‪ ،16 :‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضــاء‪ ،‬أكتوبر ‪،2000‬‬
‫لروائع العرصــ الذهبي لســينام‬ ‫األخالقية املرجعية‪ ،‬وأيام اخلمي‬ ‫ص‪.61:‬‬
‫هوليوود‪ .‬ويقدم هذا الكتاب مزاوجة عميقة عرب التناوب احلا صل‬ ‫‪ -2‬يمكن العودة إىل كتاب الفيلســوف األمريكي ســتانيل كافل‬
‫بني ف صوله بني فيل سوف وفيلم ال ستعادة العالقات املركبة املمكنة‬ ‫الذي اســتوحى فكرة كتابه املرجعي "فلســفة القاعات املظلمة"‬
‫بني السينام والفلسفة من جهة‪ ،‬والرتبية والسينام من جهة أخرى‪...‬‬ ‫(‪Themes Out [ )Philosophie des salles obscures‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪29‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬كام هو احلال مع الكت أو الرسم أو املوسيقى‪َ ُ ،‬‬


‫حتف ُز‬ ‫واحلرية‬ ‫الذاتية‪،‬‬ ‫املبادرة‬ ‫روح‬ ‫وإذكاء‬
‫األفالم األطفال عىل االكت شاف‪ ،‬و ُتنَمي ح سا سيتهم‬ ‫واالستقاللية‪...‬‬
‫الفن ية‪ ،‬وجتعلهم يرغبون يف االبت كار والتجر بة‪ ،‬لكن‬ ‫‪ -‬نشاط املحتوى‪ :‬اختيار الفيلم أو الوثيقة املناسبة‬
‫األفالم تتيح لألطفال أيضـــا‪ ،‬ومنذ ســن مبكرة‪ ،‬أن‬ ‫التقويم‬ ‫للدرس أو الوضعية‪ ،‬وتطوير أسالي‬
‫يكون لدهيم رأي شخيص‪ ،‬ومعرفة ما حي وما يكره‪.‬‬ ‫املالئمة‪...‬‬
‫‪ -‬يبني الطفل‪ ،‬خالل مراحل تطوره الفكري املختلفة‪،‬‬ ‫يمكن االنطالق من األنشطة السابقة للوصول إىل‬
‫ومرا حل التمييز بني ال عامل ا خلارجي وخ يا له‪ ،‬رؤي ته‬ ‫اخلالصات التالية‪:‬‬
‫اخلاصــة للعامل من خالل جتربته احلقيقية مع األشــياء‬ ‫‪ -‬كل فيلم تربوي يسمح لألطفال برؤية عاملنا من‬
‫ولكن أيضــا من خالل مجيع التمثالت العلمية والفنية‬ ‫خالل عيون اآلخر أو بطريقة مغايرة‪ ،‬ونقصد هنا عيون‬
‫هلذه األ شياء‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تكت سحه الرغبة يف االنتقال‬ ‫املخرج الذي يتحول إىل وسيط بني الذات املتلقية‬
‫إىل بناء متثله اخلاص‪ ،‬استنادا عىل تلك الرؤية أو تشبعا‬ ‫للفيلم‪ ،‬واملوضوع الذي هيتم به‪ .‬عموما‪ ،‬نعني‬
‫هبا‪ ،‬ســيام إذا َمت َ َّل كَ ُه أســلوب املؤلفني املختلفني‪ ،‬ف قد‬ ‫بالوساطة نظام التعديل الذي يتدخل كطريقة لتحديد‬
‫يرغ بكل بســاطة يف احلصــول عىل رؤيته اخلاصــة‬ ‫العالقة التي تضفي الطابع املوضوعي بني عنرصين‬
‫للعامل‪.‬‬ ‫متفاعلني‪ .1‬فمن املعلوم أن مفهوم الوسيط قد سجل‬
‫‪ -‬علمت نا الت جارب الصــف ية االختال فات والفوارق‬ ‫حضورا كبريا يف احلقل الرتبوي منذ تسعينيات القرن‬
‫احلاصــلة بني املتعلمني (خاصــة بني األطفال)‪ .‬ومع‬ ‫الفائت‪ ،‬وغالبا ما صار يستخدم بشكل متداول كبديل‬
‫ذلك‪ ،‬يميل البالغون إىل أن يكونوا متشــاهبني‪ .‬اليوم‪،‬‬ ‫لكلمة تعليم‪ ،‬لكنه يفيدنا يف سياق الوساطة التي يقوم‬
‫تســتحوذ األفالم الروائ ية عىل جمموع اإلن تا جات‬ ‫هبا الفيلم الرتبوي‪.‬‬
‫ال سمعية الب رصية‪ ،‬وذلك ما جيعلها خا ضعة لنوع من‬ ‫‪ -‬تنوع األفالم واملوضوعات والرسائل واألكوان‬
‫التنميط يف مســتوى الســيناريو والتناول البرصــي‪،‬‬ ‫املرئية مهم للتعليم ألنه يتيح للمتعلم بناء الذوق‬
‫وهيمنة ال صور النمطية للبطل‪ ،‬إذ ال ت سمح لألطفال‬ ‫وامللكات اجلاملية‪.‬‬

‫‪1-Thierry Karsenti et François Larose; Les TIC‬‬ ‫‪1 1-Thie‬‬


‫‪– au coeur des pédagogies universitaires:‬‬ ‫‪au coeur‬‬
‫‪diversité des enjeux pédagogiques et‬‬ ‫‪enjeux p‬‬
‫;‪administratifs; Préface de Denys Lamontagne‬‬ ‫‪de Deny‬‬
‫‪Presses de l'Université du Québec; 1ère édition‬‬ ‫;‪Québec‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪30‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬األفالم القصــرية مناســبة جدا لفئة املتعلمني الذين‬ ‫باكت شاف أكوان متنوعة خمتلفة‪ .‬وذلك ما يمنح الفيلم‬
‫تقل أعامرهم عن ‪ 6‬ســنوات ألهنا تســاعد يف جذب‬ ‫الرتبوي قيمة مغايرة‪.‬‬
‫االنتباه والتحفيز‪.‬‬ ‫‪IV‬‬

‫‪ -‬األفالم التي تســـافر باملتعلم يف أكوان متنو عة‬


‫تع مل بعض الب لدان م ثل ال يا بان عىل التحول نحو‬
‫وأصيلة‪ ،‬بعيدا عن الصور النمطية لألفالم السائدة‪.‬‬
‫العوامل الرقمية بشــكل كيل‪ ،‬وذلك بغية اســتثامر املواد‬
‫‪ -‬األ فالم ا ل تي ت عزز اإل ع جاب لدى األ ط فال‬
‫املصــورة يف الرتبية والتعليم‪ ،‬وبالتايل العمل عىل زيادة‬
‫وتدعمهم يف تعليمهم الفني والثقايف‪.‬‬
‫إن تاج الوســـائط املت عددة‪ .‬وا حلال أن بعض الب لدان‬
‫‪ -‬األفالم التي تتناول موضوعات يدرسها األطفال يف‬
‫األخرى ت ظل أكثر ترددا يف تضــمني منهج مت عدد‬
‫الفصل ألهنا ال تقل عن املواد التعليمية األخرى‪.‬‬
‫الو سائط‪ ،‬يالئم موا صفات املتعلمني اجلدد‪ ،‬ومراعاة‬
‫‪ -‬األ فالم ا ل تي ت قدم م ن ظورا خم ت ل فا ل ب عض‬
‫تقنيات املواد اجلديدة املتدفقة عرب وســائط التواصــل‬
‫املوضــو عات‪ ،‬ومتنح ا مل علمني أداة جد يدة إلثراء‬
‫اجلديدة‪ ،‬فضــال عن تأطري ولوج املواد الرقمية مثل‬
‫الدروس‪.‬‬
‫اإللكرتون ية واألجهزة اللوح ية واهلواتف‬ ‫الك ت‬
‫‪ -‬األفالم التي ت َُســهل عملية االندماج‪ ،‬وحتفز اخليال‬
‫املحمو لة وأجهزة العرض املصــغرة والشـــاشـــات‬
‫واإلحساس الفني‪...‬‬
‫واحللول املرنة وخدمات تكنولوجيا املعلومات‪...‬‬
‫‪ -‬األفالم التي تدعو املتعلم ملامرسة أشكال أخرى من‬
‫يف ظل هذا الزخم ال سمعي الب رصي يظل الرهان عىل‬
‫التعبري املرئي والتشــكييل مثل الرســم أو النمذجة أو‬
‫األفالم ملحا ألن اال ستهالك كبري جدا مما أدى ببعض‬
‫الرقص ودعم املسامهة يف املامرسات الفنية داخل احلياة‬
‫الدول كالصــني إىل تقنني اســتعامل اهلواتف املحمولة‬
‫ا ملدرســ ية‪ ،‬والتي متكنهم من أن يكونوا يف خد مة‬
‫وغريها يف صــفوف األطفال واملراهقني بالنظر إىل ما‬
‫جماالت التعلم األخرى مثل الرتبية املدنية واألخالقية‪،‬‬
‫يرتبط هبا من استعامالت سلبية وإدمان‪...‬‬
‫واكتشاف العامل احلي‪.‬‬
‫وعل يه‪ ،‬فإن بعض األفالم ت ظل م ناســ بة لتســه يل‬
‫يمكن لألفالم أن تنمي قدرة املتعلم عىل القراءة‬
‫للمدَ رس رؤية معرفية ملا يريد تقديمه‬
‫التعليم‪ ،‬إن كان ُ‬
‫والك تا بة والت فا عل من خالل جممو عة متنو عة من‬
‫من قبيل‪:‬‬
‫املنصـات واألدوات ووسـائل االتصـال‪ ،‬وأن تسـهل‬
‫عليه املرور من اللحظة األيقونية والشــفهية إىل حلظة‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪31‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫عنها خمتلف‪ ،‬وأهنا ال ختلو من مصــالح جتارية‪ ،‬وأهنا‬ ‫الكتابة‪ ،‬فقد يمر اســتغالل الســينام يف املدرســة من‬
‫حتتوي أو تنقل بعض القيم واحلموالت اإليديولوجية‪،‬‬ ‫املرح لة الرتبو ية األول ية التي يمكن أن تعزز ها أفالم‬
‫فضال عن تأثريها يف‪/‬عىل احلياة االجتامعية والسياسية‪،‬‬ ‫املؤلفني املقرونة بمناقشــة أفكارهم ونقدها ألن أجواء‬
‫واألهم أن الشــكل واملحتوى مرتبطان فيها بشــكل‬ ‫العروض املُ َؤ َّط َرة دا خل فضـــاءات ا ملدرســـة ينزاح‬
‫وثيق يصــع فصــل الواحد منه عىل اآلخر‪ ،‬وأن كل‬ ‫باملتعلم نحو إنتاج أفكار خمتلفة عن تلك التي يتداوهلا‬
‫وسيط له مجالياته املتفردة‪.‬‬ ‫أثناء الفرجة التجارية أو االســتهالكية العادية رشيطة‬
‫مثال‪ ،‬من املعروف أن السينام فن مجاهريي‪ ،‬وذلك ما‬ ‫أن نتصــور ها كموضــوع درا‪،‬ي يرقى بالفن إىل‬
‫يمنح كل فرد حق الوصول إىل األفالم بصفته‬ ‫مستويات التفكري يف اإلبداع‪.‬‬
‫مستخدما وممارسا‪ .‬ومن تم‪ ،‬فإن من شأن التعليم أن‬ ‫متد األفالم الرتبو ية اجلرســ بني القوا عد النظر ية‬
‫حيول هذا الفن إىل جمموعة أدوات بني أيدي املدرسني‬ ‫والعلم ية والســيم يائ ية وتطبي قا هتا عن طريق تنم ية‬
‫والطالب وأولياء األمور ألن السينام ال تزال بطلة هذه‬ ‫وإذكاء روح االختيار لدى املتعلم‪ ،‬ويمكنها أن تكون‬
‫الثورة بامتياز ألهنا افرتضت ‪-‬عىل حد قول أمربتو‬ ‫الوســيط ا لذي ين قذه من ال تأرجح بني إمرب يال ية‬
‫عىل القراءة والكتابة كوسيلة‬ ‫إيكو ‪-‬التغل‬ ‫اإلجابات اجلاهزة‪ ،‬واالعتامد عىل حل فردي مبتكر‪.‬‬
‫للمعلومات‪ .‬وهلذا السب ‪ ،‬ال يسعنا بصفتنا مربني‬ ‫فالفيلم يبني اجلرســ املحت مل أل نه يصــف امل فاهيم‬
‫ومدرسني إال أن نجعل لغة الصورة استفزازا للتفكري‪،‬‬ ‫األ سا سية التي تقرتحها الكت املدر سية‪ ،‬وتك شفها‬
‫دعوة للتنويم املغناطييس‪.‬‬ ‫ولي‬ ‫األفالم التعليمية بطريقتها اخلا صة كي ت صبح جاهزة‬
‫إذا كانت مسامهة الصورة أكيدة يف بناء عامل اليوم‪ ،‬فإن‬ ‫لألجرأة‪.‬‬
‫الرهان عىل تعلم وتعليم لغتها‪ ،‬قد صار رضورة‪ .‬إذ‬
‫يبدو أن مراجعة كيفيات االطالع واملشاهدة التقليدية‬
‫ُجي ِم ُع ال باحثون يف جمال الرتب ية عىل الســينام‬
‫ال حتقق التواصل والفهم بشكل أفضل‪ ،‬فغالبا ما يقيض‬
‫والوسائط السمعية البرصية والرتبية اإلعالمية عىل أن‬
‫هوس االستمتاع عىل إعامل آليات الفحص والنقد‬
‫توظيف هذا النمط من التعليم يطرح مشكالت خمتلفة‬
‫والتأمل‪ .‬إن احلاجة امللحة يف املامرسة التعليمية تتجىل‬
‫يمكن أن ينت به املشــتغلون هبا وعلي ها إىل أن مجيع‬
‫يف إعادة التفكري يف عمليات التوظيف التي تطغى عىل‬
‫الوســائط بنيات قائمة الذات‪ ،‬وأن وســائل اإلعالم‬
‫عامل االتصال احلايل‪ ،‬واالنتباه إىل مكانة اللغة السمعية‬
‫تبني الواقع‪ ،‬وأن تفسري األشخاص للرسائل الصادرة‬
0202 ‫العدد األول نونبر‬
32 ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫جزءا‬-‫اآلن‬- ‫ بل أصبحت‬،‫البرصية التي صارت عاملية‬


‫ يف‬.‫عن طابعها الديناميكي غري املسبوق بني الثقافات‬
‫ يمكن لألستاذ أن حيول جماالت‬،‫عرصنا الرقمي‬
‫الصورة إىل حلظات لالستنفار أو العصف الذهني بغية‬
‫ وأن نوظفها بشكل‬،‫التفكري يف األيقونات التي تغمرنا‬
‫إجيايب ضمن آليات تواصلنا سواء أكانت ضمن النطاق‬
.‫الشفهي أم عرب اإلنرتنت أو الشبكات االجتامعية‬
‫ سيكون التعليم بواسطة األفالم والوسائل‬،‫هكذا‬
‫السمعية البرصية حقال خصبا يسمح بدجمها كفنون‬
.‫ووسائل تعليمية‬

-I
Ferron, M. Girel, E. Domenach, : ‫ املعاجم‬-
Flammarion, 2011.
- Thierry Karsenti et François Larose; - André Lalande, Vocabulaire technique
Les TIC – au coeur des pédagogies et critique de la philosophie, PUF, 17ème
universitaires: diversité des enjeux édition, (1ère éd. 1926), Paris, 1991.
pédagogiques et administratifs; Préface : ‫ الكت‬-II-
de Denys Lamontagne; Presses de
l'Université du Québec; 1ère édition; ‫ سلسلة‬،‫ الكفايات يف التعليم‬،‫ حممد الدريج‬-
2001.
: ‫املجالت‬- III- ‫ مطبعة النجاح‬،16 :‫ عدد‬،"‫"املعرفة للجميع‬

‫ ربيع‬،‫ مراكش‬،53 :‫ العدد‬،"‫ جملة "امللتقى‬- .2000 ‫ أكتوبر‬،‫ الدار البيضاء‬،‫اجلديدة‬


- Alain Jaillet; Manuels scolaires et films
.2124 pédagogiques: Sémiotique des médias
éducatifs; L’Harmattan, 2006.
:‫ فيلموغرافيا‬-IV- - Jacques Baud; Gouverner par les Fake
- Alain Cadet, Le cinéma à l’école, 2112, news; Edition Max Milo; Version PDF;
Cassette vidéo (VHS), (15 min) et 2020.
brochure, Lille: CRDP Nord-Pas-de- - Stanley Cavell, Philosophie des salles
Calais, Ressources formation vidéo obscures: lettres pédagogiques sur un
multimédia. registre de la vie morale, traduction N.
‫‪33‬‬ ‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين‬ ‫التربية التربية‬
‫والتكوين‬ ‫المتخصصة في‬
‫المجلةالمتخصصة في‬
‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫تربز أمهية اال شتغال ب الدرس ال صويت لدى الفال سفة امل سلمني من خالل نموذجي إخوان ال صفا وابن‬
‫سينا يف ما ييل‪:‬‬
‫‪ 4‬االطالع عىل اخللفيات النظرية للدرس الصويت ع ند الفالسفة املسلمني؛‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 2‬رصد مالمح املنهجية الفلسفية يف الدراسة الصوتية لدى إخوان الصفا وابن سينا؛‬ ‫‪-‬‬

‫الرسائل الفلسفية باعتبارها محالة قضايا فلسفية وفكرية وكذا لغوية؛‬ ‫‪ -3‬العناية بجن‬
‫‪ -1‬بســط أوجه التشــابه واالختالف بني طريقة ابن ســينا وطريقة إخوان الصــفا يف عرضــهم للقضــايا‬
‫الصوتية؛‬
‫‪ 5‬مد جسور التواصل بني الدراسات الصوتية العربية القديمة والدراسات الصوتية احلديثة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويأيت هذا البحث ليجي عن إشكالية عامة هي‪ :‬ما مميزات الدرس الصويت عند الفالسفة املسلمني‬
‫من خالل نموذجي رسائل إخوان الصفا ورسائل ابن سينا؟‬
‫وحما ولة من ا لإلجابة عن اإل شكالية العامة للبحث‪ ،‬وكذا أ سئلته الفرعية‪ ،‬انتهجنا سبيل خطة ق سمنا‬
‫البحث من خالهلا إىل مخسة حماور هي كالتايل‪:‬‬
‫أوال‪ -‬تصور ابن سينا وإخوان الصفا للصوت‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الفرق بني احلرف والصوت عند ابن سينا وإخوان الصفا‪.‬‬
‫ثالثا خمارج األصوات وصفاهت ا يف الرسالتني‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -1‬أستاذ حمارض‪ ،‬املدرسة العليا لألساتذة ‪ ،‬مكناس‪.‬‬


‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪34‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫رابعا‪ -‬معايري تقسيم أنواع األصوات عند ابن سينا وإخوان الصفا‪.‬‬
‫خامسا‪-‬الدراسة الصوتية يف الرسائل اإلسالمية يف ضوء اللسانيات احلديثة‪.‬‬
‫وسنتوسل يف ذلك كله بمنهج جيمع بني الوصف واملقارنة‪ ،‬فيكون الوصف للمنهج املتبع يف الدرس‬
‫الصــويت عند الفالســفة املســلمني‪ ،‬والطريقة املعتمدة يف وصــف النظام الصــويت العريب‪ .‬أما املقارنة‬
‫فسـتكون من خالل مقابلة النتائج املتوصـل إليها من خالل دراسـة املتنني املعنيني‪ ،‬والبحث يف تأثريات‬
‫املرجعية الصوفية والطبية ألصحاهبا من جهة‪ ،‬ومقابلة بعض قضاياها مع ما جاء يف الدراسات الصوتية‬
‫احلديثة من جهة ثانية‪.‬‬
‫الكلامت املفاتيح‪ :‬الدرس الصويت‪ -‬الفالسفة املسلمون‪ -‬الرسائل‪ -‬إخوان الصفا‪ -‬ابن سينا‬
‫‪35‬‬ ‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وقبل أن نعرض للقضايا الصوتية يف رسالة‬

‫أسباب حدوث احلروف ورسائل إخوان الصفا‪ ،‬ال‬ ‫اآلثار التي حتمل‬ ‫الرسائل من أنف‬ ‫يعد جن‬

‫بأس أن نعرج أوال عىل األسباب الثاوية وراء‬ ‫بني طياهتا خصائص احلضارة اإلسالمية‪ ،‬واجلهود‬

‫تأليفهام‪ .‬ففن الرسائل كام هو معلوم يكون بغاية‬ ‫العلمية املبذولة من علامء الزمن الذي كتبت فيه‪.‬‬

‫اإلهداء لشخص ما‪ ،‬أو استجابة حلاجة أو طلبا‬ ‫وقد تكون الرسالة خاصة إذا كانت موجهة‬

‫للبسط يف موضوع‪ ،‬لذلك تكون غايته دقيقة‪،‬‬ ‫لشخص ما‪ ،‬كام قد تكون عامة إذا رمت إىل تصوير‬

‫ومنهجه ثابتا‪ .‬ومل تكن رسالة أسباب احلروف‬ ‫املرشوع الفكري لصاحبها‪ .‬ومن أشهر الرسائل يف‬

‫ورسائل إخوان الصفا بدعا من هاته القاعدة؛ إذ إن‬ ‫الثقافة اإلسالمية رسائل إخوان الصفا وخالن‬

‫قد ألف األوىل استجابة منه لرغبة‬ ‫الشيخ الرئي‬ ‫الوفا التي تناولت قضايا خمتلفة تتعلق بالكالم‪،‬‬

‫العامل النحوي اجلبان‪ .1‬كام أن الثانية إلخوان الصفا‬ ‫والعقيدة‪ ،‬والصوت‪ ،‬وغريها من القضايا التي‬

‫تلخصت يف الرغبة الشديدة لدى أصحاهبا يف‬ ‫عرضت هلا من أجل االنتصار لتلك الغاية التي‬

‫استاملة األنصار لبناء مدينتهم الروحانية الفاضلة‬ ‫كان تصبو إليها وهي‪ :‬إقامة الصلح بني الدين‬

‫لذلك أتى أسلوهبا بسيطا وميرسا هدفه التأثري ال‬ ‫والفلسفة‪ .‬ومن بني تلك الرسائل أيضا رسالة ابن‬

‫وعورة الفهم والتناول‪.‬‬ ‫سينا "أسباب حدوث احلروف" والتي حاول من‬

‫أما القضايا الصوتية التي رصدناها يف‬ ‫أن يمد جسور التواصل بني‬ ‫خالهلا الشيخ الرئي‬

‫الرسالتني والتي سنعرض هلا يف حماور هاته‬ ‫الدراسة الصوتية وعلم الترشيح والط ‪.‬‬

‫الدراسة فقد توزعت بني مباحث تقليدية ختوض‬

‫ســائرة يف اآلفاق‪ .‬كان من ندماء الصــاح بن عباد ثم اســتوحش‬ ‫‪ 1‬جاء يف تعريفه يف معجم األدباء لياقوت احلموي‪ :‬أبو منصور بن‬
‫منه‪ .‬وصــنف أبنية األفعال‪ ،‬ورشح الفصــيح‪ ،‬والشــامل يف اللغة‪،‬‬ ‫اجلبان‪ ،‬أحد حســنات الري وعلامئها األعيان‪ ،‬جيد املعرفة باللغة‪،‬‬
‫قرئ عليه يف سنة ست عرشة وأربعامئة‪.‬‬ ‫باقعة الوقت وفرد الدهر‪ ،‬وبحر العلم وروضــة األدب‪ .‬تصــانيفه‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪36‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حلدوث الصوت عند ابن سينا أن متوج اهلواء ما هو‬ ‫يف خمارج األصوات وصفاهتا‪ ،‬ومباحث أخرى‬
‫متوجا‬ ‫إال سب هلذا احلدوث؛ أي أن الصوت لي‬ ‫ترمي إىل املقابلة الفونيتيكية بني اللغات‪ ،‬ورصد ما‬
‫للهواء فقط‪ ،‬بل إن العالقة بني هذين اجلزأين هي‬
‫بينها من تشاهبات وتباينات‪ ،‬ومباحث ثالثة تبحث‬
‫هو القرع‪،‬‬ ‫والنتيجة‪ ،‬وهذا السب‬ ‫عالقة السب‬
‫يف اجلان الوصفي والتأثريي لألصوات‪.‬‬
‫األَك َث ِري حلدوث‬ ‫وينعته ابن سينا بالسب‬
‫‪4‬‬
‫الصوت ‪ .‬ويف استعامله السم التفضيل "أكثر"‬ ‫‪3‬‬
‫ال حيتاج الدارس كبري عناء ليدرك التصور‬
‫داللة عىل املفاضلة بني شيئني مها هنا سببا حدوث‬
‫األويل البن سينا يف نظره إىل الصوت؛ إذ إن عنوان‬
‫الصوت‪ .‬فالذي يريده ابن سينا من ذلك أن القرع‬
‫الرسالة بام هو عتبة دالة يوضح هذا التصور‪.‬‬
‫السب‬ ‫سب غال يف حدوث الصوت لكنه لي‬
‫فالصوت عند ابن سينا أمر يوجد باحلدوث الذي‬
‫الوحيد‪ ،‬بل يضاف إليه القلع الذي حيدث ال َّتب ِعيدَ‬
‫يكون من خالل التصادم احلاصل بني شيئني وهو‬
‫بني األجزاء‪ .‬وهذا الذي ذهبنا إليه نجد تأييدا له يف‬
‫ما سامه ابن سينا يف رسالته‪َ " :‬ال َقر ُع"‪ .1‬ومعنى ذلك‬
‫حيث يقول معلقا عىل ما‬ ‫ما ورد عند إبراهيم أني‬
‫وجوده الذايت من داخله‪،‬‬ ‫أن الصوت ال يكتس‬
‫ورد عند ابن سينا يف تفسريه حلدوث احلرف‪" :‬إن‬
‫بل من خالل عالقات خارجية يكون الصوت فيها‬
‫ابن سينا يرتدد يف اإلدالء بحكم قاطع حاسم‬
‫نتيجة ال علة‪ .‬ولكي يظهر الفرق أكثر بني ال َقر ِع‬
‫ويتجىل ذلك يف استعامله فعل الشك "أظن"‪.‬‬
‫وال َقل ِع بوصفهام سببني حلدوث الصوت وليسا‬
‫لكنه‪ ،‬فيام هو‪ ،‬كان َأميَ َل إىل القول إن الصوت يشء‬
‫صوتا‪ ،‬نقدم تفسري ابن سينا حلدوث الصوت‬
‫القرع والقلع‪ ،‬وال نف‬ ‫ثالث‪ .‬ال هو نف‬
‫حيث يقول يف رسالته‪" :‬أظن أن الصوت سببه‬
‫َمت َو ُج اهلواء دفعة برسعة وقوة‪ ،‬من أي‬ ‫القري‬
‫كان"‪ .2‬وما يستشف من هذا التفسري‬ ‫سب‬

‫‪ 2‬ابن سينا‪ ،‬احل سني بن عبد اهلل (‪ ،)1891‬ر سالة أ سباب حدوث‬ ‫‪ 1‬يميز ابن ســينا بني مصــطلحني اثنني مها القرع والقلع‪ .‬فاألول‪،‬‬
‫احلروف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حســان الطبان وحيي مري علم‪ ،‬مطبوعات‬ ‫يكون باصــطدام جســمني اثنني فينتج عنهام الصــوت‪ .‬أما الثاين‬
‫جممع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪101 :‬‬ ‫فيكون بإبعاد ج سم عن ج سم آخر مما يؤدي إىل القلع وهو سب‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪65 65 :‬‬ ‫آخر حلدوث الصوت‪.‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪37‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ويقول يف ذلك‪" :‬أما َن َف ُ التموج فإنه يفعل‬ ‫التموج"‪ .1‬لكن هذين العنرصين األخريين‬
‫الصوت‪ .‬وأما حال التموج من اهليئات التي‬ ‫يشكالن يف اجتامعهام مع العضو املستقبل‬
‫يف مسلكه فتفعل‬ ‫يستفيدها من املخارج واملحاب‬ ‫للذبذبات العملية الصوتية ككل والتي يلخص ابن‬
‫جيعل فاعل (سب )‬ ‫احلرف"‪ .5‬فالشيخ الرئي‬ ‫سينا حدوثها قائال‪" :‬ثم ذلك املوج َي َت َأ َّدى إىل‬
‫احلرف‬ ‫سب‬ ‫الصوت هو التموج ذاته‪ ،‬عك‬ ‫اهلواء الراكد يف الص َامخِ (األذن الداخلية) َف ُي َمو ُج ُه‬
‫الذي يرجعه إىل حال التموج ال التموج يف حد‬ ‫به ال َع َص َب َة املفروشة يف سطحه"‪.2‬‬ ‫فتح‬
‫ذاته؛ أي إن احلرف هو حالة الصوت وفق‬ ‫ويلتقي تصور إخوان الصفا للصوت مع تصور‬
‫ال َّت َشك َال ِ‬
‫ت املختلفة التي متيزه عن صوت آخر‪،‬‬ ‫ابن سينا إذ بينوا أن سب حدوث الصوت يعود إىل‬
‫وهو "هيئة للصوت عارضة له يتميز عن صوت‬ ‫"قرع حيدث يف اهلواء من تصادم األَج َرا ِم ‪...‬متى‬
‫آخر مثله يف احلدة والثقل متييزا يف املسموع"‪.6‬‬ ‫كان صدمها بشدة ورسعة‪ ،‬ألن اهلواء عند ذلك‬
‫ويظهر حرص ابن سينا الشديد عىل التمييز بني‬ ‫يندفع مفاجأة‪ ،‬ويتموج بحركته إىل اجلهات الست‬
‫الصوت واحلرف من خالل ختصيصه فصال كامال‬ ‫برسعة‪ ،‬فيحدث الصوت"‪ .3‬ويستحق هذا النظر‬
‫من الرسالة موضوع الدراسة عنونه بـ "يف سب‬ ‫املتقدم من ابن سينا وإخوان الصفا يف النظر إىل‬
‫حدوث الصوت" للحديث عن الصوت‪ ،‬يف حني‬ ‫ماهية الصوت وأسباب حدوثه أن يكون من‬
‫خصص باقي الفصول للحديث عن هيئاهتا‬ ‫صميم النظر األكوستيكي أو الفزيائي لألصوات‪.4‬‬
‫الدكتور مبارك حنون إىل أن‬ ‫(احلروف)‪ .‬ويذه‬ ‫‪2‬‬

‫ابن سينا جعل احلرف هو ما يعرض للصوت‬


‫يميز ابن سينا بني الصوت واحلرف من جهة‬
‫فيقطع استمراره واتصاله وامتداده واستطالته‪ ،‬وما‬
‫السب الذي يكون وراء حدوث كل واحد منهام‪،‬‬

‫‪ 4‬برشــ ‪ ،‬كامل (‪ ،)0000‬علم األصــوات‪ ،‬ال قاهرة‪ :‬دار غر ي‬ ‫‪ 1‬أني ‪ ،‬إبراهيم (‪ ،)1856‬األصــوات اللغوية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫للنرش والطباعة والتوزيع‪ ،‬ط ‪.،1‬ص‪101 :‬‬
‫األنجلو مرصية‪ ،‬ط ‪ ،6‬ص‪118 :‬‬
‫‪ 5‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص ص‪50-68 :‬‬
‫‪ 2‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪69 :‬‬
‫‪ 6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪50 :‬‬
‫‪ 3‬إخوان الصــفا (‪ ،)0000‬رســائل إخوان الصــفا وخالن الوفا‪،‬‬
‫مراجعة خري الدين الزركيل ‪ ،‬بريوت‪ :‬دار القلم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ط ‪ ،1‬ص‪:‬‬
‫‪199‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪38‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وهي ثامنية وعرشون‬ ‫الغريزية التي هي يف القل‬ ‫يعرض للصوت هو عضو من أعضاء النطق‬
‫حرفا يف اللغة العربية‪ ،‬وأما يف سائر اللغات فربام‬ ‫كاحللق واللسان والشفة التي تشكل حواجز‬
‫تزيد وتنقص"‪ .4‬وقد صنفت اجلامعة احلروف إىل‬ ‫وعوارض توقف زمن اهلواء‪.1‬‬
‫الروحي‬ ‫ثالثة أصناف‪ :‬فكرية تتمظهر يف اجلان‬ ‫ومن التمييزات األخرى التي يقدمها ابن سينا‬
‫غري املادي‪ ،‬ولفظية مادية تدرك باحلواس‪ ،‬وخطية‬ ‫هي جعله الصوت غري دائم وثابت‪ ،‬فهو حيدث‬
‫تتعلق بجان الرسم والتشكيل‪.5‬‬
‫أمرا‬ ‫ويزول‪ .‬يقول موضحا ذلك‪" :‬فالصوت لي‬
‫ويبدو من خالل النص أعاله والتصنيف الذي‬
‫قائم الذات ثابتا موجودا جيوز فيه ما جيوز يف‬
‫أتى بعده أن اجلامعة قد خلطت بني اجلوان‬
‫البياض والسواد والشكل يف أحكام الثبات"‪.2‬‬
‫املتعلقة بالكتابة‬ ‫الفيزيائية للصوت واجلوان‬
‫واخلط‪ ،‬وهذا اخللط مل يسم تصور اجلامعة وحدها‪،‬‬ ‫وعليه‪ ،‬فالصوت عند ابن سينا يلتقي مع ما‬

‫بل إن العديد من اللغويني يطلق املصطلح الواحد‬ ‫إليه ابن جني الذي اعترب الصوت عرضا‬ ‫ذه‬

‫ويعني به اجلانبني معا‪.‬‬ ‫مستطيال حتى يعرض له يف أحد‬ ‫خيرج من النف‬

‫‪3‬‬ ‫املخارج عارض يثنيه عن امتداده‪ ،‬ويسمى املقطع‬

‫متيز الوصف الصويت ملخارج األصوات العربية‬ ‫أينام عرض له "حرفا"‪.3‬‬

‫بتفرده‪ ،‬وقد أعان ابن‬ ‫وصفاهتا عند الشيخ الرئي‬ ‫ويف اجلان الثاين‪ ،‬نجد إخوان الصفا مل يميزوا‬

‫احلكيم العارف بعلم‬


‫ُ‬ ‫اللغوي يف ذلك ابن سينا‬
‫َّ‬ ‫سينا‬ ‫بني الصوت واحلرف حني عدوا أصوات العربية‬

‫الترشيح‪ ،‬ووظائف كل عضو يف اجلسد اإلنساين‪.‬‬ ‫ثامنية وعرشين صوتا أو حرفا‪ .‬ودليل ذلك قوهلم‪:‬‬

‫ويطالعنا املصطلح الصويت كأول َمت َيز َت َف َّر َد به ابن‬ ‫"اعلم أن احلروف اللفظية إنام هي أصوات حتدث‬
‫ك وبني اللسان والشفتني عند‬ ‫يف احللقوم واحلنَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خروج النف من الرئة بعد َتر ِوحيِ َها احلرارة‬

‫‪ 3‬ابن جني‪ ،،‬أبو الفتح (‪ ،)1896‬رس صــناعة اإلعراب‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫‪1‬حنون‪ ،‬مبارك (‪ ،)0000‬مدخل إىل الدراســـة الصــوتية عند‬
‫حسن هنداوي‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪5 :‬‬ ‫العرب القدماء‪ ،‬جملة الدراســات املعجمية‪ ،‬الرباط‪ :‬منشــورات‬
‫‪ 4‬إخوان الصفا‪ ،،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪116 :‬‬ ‫اجلمعية املغربية للدراسات املعجمية‪ ،‬العدد األول‪.‬‬
‫‪ 5‬املصدر نفسه ص‪116 :‬‬ ‫‪ 2‬ابن سينا‪ ،‬املصدر نفسه ص‪50 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪39‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -2‬بني ا َّل َ‬
‫لهاة واحلنك‪ :‬خيرج منها صوتا اخلاء‬ ‫‪1‬‬ ‫سينا عن سابقيه‪ ،‬فقد اختار مصطلح (املَحابِ ِ )‬
‫والقاف‪.‬‬ ‫بدل املصطلحات األخرى الشهرية التي جاءت‬
‫حلنَكِي ُة‪ :‬الغني والكاف‪.‬‬
‫‪ -3‬الر ُطوبة ا َ‬ ‫عند اللغويني والفالسفة قبله‪ .‬ويف اعتقادنا أن هذا‬
‫‪ -1‬طرف اللسان وسطح احلنك‪ :‬اجليم والشني‬ ‫االصطالح يملك من اجلدارة والكفاءة ما جيعله‬
‫والضاد‪.‬‬ ‫األصوات‪.‬‬ ‫خيارا موفقا للحديث عن حماب‬
‫احلنَ ِك‬
‫‪ -5‬بني اللسان وثلثي السطح املفروش حتت َ‬ ‫فالداللة اللغوية جلذر الكلمة (ح‪-‬ب‪-‬س) تفيد‬
‫وامل ِن َخ ِر‪ :‬الصاد والسني والزاي‪.‬‬ ‫التوقف وتعطيل النشاط واحلركة والوقوف ملدة‬
‫‪َ -3‬سط ُح اللسان وأطراف األسنان‪ :‬الثاء والذال‬ ‫الصوت الذي ينطلق‬ ‫زمنية‪ ،‬وهذا عينه ما يصي‬
‫والظاء‪.‬‬ ‫ُمس َتطِيال كام قال ابن جني قبل أن َحيبِ َ عند‬
‫‪َ -9‬ط َر ُ‬
‫ف اللسان‪ :‬الالم‪.‬‬ ‫الشفتني أو غريها من املحاب التي ُتثنِيه وحتبسه‬
‫‪ _9‬سطح اللسان‪ :‬الراء‪.‬‬ ‫عن امتداده ونشاطه‪.‬‬
‫‪ -7‬آخر ال َّثنِ َي ِة العليا مع الشفة‪ :‬الفاء والواو‪.‬‬ ‫ويشكل الفصل الرابع من رسالة ابن سينا –‬
‫‪ -41‬الشفتان‪ :‬الباء وامليم‪.‬‬ ‫قيد الدراسة‪-‬تصور ابن سينا يف عدد املحاب‬
‫‪ -44‬طرف اللسان وعضو آخر َأر َط ُ من الشفة‪:‬‬ ‫وصفات األصوات‪ ،‬وهو يف هذا التصور يتميز عن‬
‫النون‪.‬‬ ‫الدراسات اللغوية السابقة لسيبويه وابن جني‬
‫معرتض لسبيله‪:‬‬ ‫‪ -42‬إطالق اهلواء دون حاب‬ ‫وغريمها ممن ُعن ِي هبذا احلقل العلمي‪ .‬ونقدم يف ما‬
‫األلف املُ َص َّو َت ُة‪ ،‬وأختها الفتحة‪ ،‬والواو املصوتة‪،‬‬ ‫أصوات العربية كام عرضها ابن‬ ‫ييل جممل حماب‬
‫وأختها الضمة‪ ،‬والياء املصوتة‪ ،‬وأختها الكرسة‪.‬‬ ‫سينا يف رسالته‪ ،‬واحلروف التي خترج منها‪:2‬‬
‫أما حديثه عن صفات األصوات فقد تركز عىل‬ ‫حلنجرة‪ :‬وخترج منها حروف اهلاء والعني‬
‫‪ -4‬ا َ‬
‫صفتني رئيستني مها‪ُِ :‬‬
‫(احلدَّ ُة والث َق ُل) حيث يقول‪:‬‬ ‫واحلاء‪.‬‬
‫التموج فإنه يفعل الصوت‪ ،‬وأما حال‬ ‫"أما نف‬

‫‪ 2‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪ 111 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫عند ابن سينا ومشتقاته للداللة عىل خمارج احلروف‪،‬‬ ‫‪ 1‬يأيت احلب‬
‫أما املخرج فيشري عنده إىل جمرى اهلواء وطريقه‪.‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪40‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الصفا مل تول اهتامما لعدد املخارج وال لصفات‬ ‫ومت َل ِس َها‪ ،‬أو‬
‫التموج يف نفسه من اتصال أجزائه َ‬
‫األصوات‪ .‬ومرد ذلك إىل املرجعية الفكرية التي‬ ‫يها و َت َشذ ِ َهبا فيفعل "احلدة" و"الثقل"؛ أما‬
‫َت َشظ َ‬
‫حكمت التوجهني‪ .‬فإذا كان االهتامم بعلم‬ ‫احلدة فيفعلها األوالن‪ ،‬وأما الثقل فيفعله‬
‫الترشيح ومعرفة األعضاء قد وجها اهتامم الشيخ‬ ‫هذا النص حيث‬ ‫الثانيان"‪ .1‬ويفرس إبراهيم أني‬
‫للمخارج وصفاهتا‪ ،‬فإن الذي وجه اجلامعة‬ ‫الرئي‬ ‫يرى أن صفة احلدة عند صاح "األسباب" تكون‬
‫مصدر‬ ‫كان هو البحث يف الصوت ال من جان‬ ‫ناجتة عن اتصال أجزاء اجلسم املقروع ومتاسكها؛‬
‫الوظيفة واألثر‬ ‫الصدور وسببه‪ ،‬بل من جان‬ ‫أي حني تكون كثافته كبرية كاألجسام الصلبة‪ ،‬أما‬
‫الذي خيلقه هذا الصوت يف النفوس‪ .‬فربطوا بني‬ ‫يف حالة الكثافة القليلة فإن الصوت يكون ثقيال‪.2‬‬
‫الصوت واملوسيقى التي حترك النفوس إىل األعامل‬ ‫وعىل الطرف الثاين‪ ،‬نجد أن مجاعة إخوان‬
‫الشاقة‪ ،‬والصنائع املتعبة‪ ،‬ورأوا أن بعض األحلان‬ ‫الصفا قد متيزت أيضا بجهازها املصطلحي الصويت‬
‫واألنفاس الناجتة عن بعض األصوات تسكن‬ ‫اخلاص هبا؛ فعرب منتسبوها عن خمارج األصوات‬
‫سورة الغض ‪ ،‬وحتل األحقاد وتوقع الصلح‪.4‬‬ ‫اح"‪ .‬ويبدو من خالل هذا‬‫ب " َتق ِطي ِع الص َي ِ‬
‫كان هذا عن املخارج‪ ،‬أما يف ما يتعلق بصفات‬ ‫املصطلح أن اجلامعة تنظر إىل الصوت باعتباره‬
‫األصوات‪ ،‬فنجد اجلامعة قد وقفت عند ثنائية‬ ‫صياحا‪ /‬هواء منطلقا من الرئة التي عدوها‬
‫احلدة والثقل يف الصوت حيث يقول أعضاء‬ ‫حني قالوا‪" :‬والصوت من اجلسم‬ ‫مستودع النف‬
‫اجلامعة‪" :‬وأما احلاد والغليظ من األصوات‬ ‫يف الرئة بيت اهلواء"‪ .3‬ويتعرض هذا اهلواء يف‬
‫بعضها إىل بعض‪ ،‬فهي كأصوات نقرات الزير؛‬ ‫مساره إىل جمموعة من التقطيعات التي خترجه يف‬
‫وحدته‪ ،‬باإلضافة إىل نقرات املثنى؛ واملثنى إىل‬ ‫هيئات خمتلفة هي األصوات املتباينة‪.‬‬
‫ما وجدناه من حتديد ملحاب ‪/‬‬ ‫وعىل عك‬
‫خمارج األصوات عند ابن سينا‪ ،‬فإن مجاعة إخوان‬

‫‪ 4‬وحدي علوي‪ ،‬حنان‪ ،‬املوســيقى ومالمح الدرس الصــويت يف‬ ‫‪ 1‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪68 :‬‬
‫رسائل إخوان الصفا‪ ،‬شبكة ضياء‪ ،‬ص‪1 :‬‬ ‫‪ 2‬أني ‪ ،‬ابراهيم‪ ،‬املرجع املذكور‪ ،‬ص‪110 :‬‬
‫‪ 3‬إخوان الصفا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬اجلزء ‪ ،0‬ص‪109 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪41‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫جيانِ ُ كل واحد منها برشكة‬


‫حتدث بني حرفني فيام ُ َ‬ ‫املثلث؛ واملثلث إىل ال َبم‪1‬؛ فإهنا تكون حادة"‪.2‬‬
‫يف سببه"‪ .3‬وما يستشف من هذا القول البن سينا‬ ‫ونستشف من هذا النص العناية الكبرية للجامعة‬
‫أن أغل هاته احلروف التي يعرض لذكرها يف هذا‬ ‫اإلخوانية باملوسيقى‪ ،‬فعالوة عىل حتديدهم صفتي‬
‫الفصل تتميز باملزج بني حرفني الشرتاك بينهام إما‬ ‫احلدة والثقل كصفتني مميزتني لألصوات الصادرة‬
‫عىل مستوى املخرج أو عىل مستوى الصفة‪،‬‬ ‫عن األعضاء البرشية غري جمددين يف ذلك عام جاء‬
‫ونجمل يف ما ييل أهم تلك احلروف التي أحصاها‬ ‫يف كت من قبلهم‪ ،‬نجدهم قد تفردوا باحلديث عن‬
‫ابن سينا‪:‬‬ ‫تلك الصفات يف اآلالت املوسيقية ممثلة يف صور‬
‫أ‪ -‬الكاف اخلفيفة‬ ‫وأنغام خمتلفة باختالف األوتار‪ .‬كام أن هذا النص‬
‫وهي الكاف التي يستعملها العرب بدل‬ ‫يؤكد نظرة اجلامعة الواحدة للصوت سواء أكان‬
‫القاف‪ ،‬إذ إهنا حتدث مكان حدوث الكاف غري أهنا‬ ‫إنسانيا أم غري إنساين‪ .‬وعليه‪ ،‬فال ختتلف صفتا‬
‫فيها أضعف‪ .4‬وينترش‬ ‫أدخل قليال واحلب‬ ‫احلدة والشدة يف الصوت املوسيقي عن نظريهتا يف‬
‫ابن سينا يف اللغات‬ ‫استعامل هذا احلرف حس‬ ‫الصوت اإلنساين‪.‬‬
‫الفارسية والرتك َامنِ َّية‪ ،‬لكن ملا حدث تداخل بني‬ ‫‪4‬‬

‫األنظمة الصوتية للغات املختلفة متكن هذا التلوين‬


‫‪ -1-4‬تقسيامت ابن سينا لألصوات‬
‫الصويت من اللسان العريب‪.‬‬
‫‪ ‬األصوات العربية واألصوات غري العربية‬
‫ب‪ -‬احلروف الشبيهة باجليم العربية‪:‬‬
‫من الرسالة‬ ‫يشري ابن سينا يف الفصل اخلام‬
‫وقد توزعت هاته احلروف بني لغات خمتلفة‬
‫املوسوم بـ "يف احلروف الشبيهة هبذه احلروف‬
‫عرفها ابن سينا من خالل اطالعه الواسع‪،‬‬
‫وليست يف لغة العرب" إىل عدد من احلروف التي‬
‫ومعرفته الدقيقة باللغات األخرى‪ ،‬وأول تلك‬
‫سمعها يف لغات أخرى غري اللغة العربية‪ ،‬ويربز‬
‫احلروف هي "اجليم التي يفعلها إطباق من طرف‬
‫ذلك يف قوله‪" :‬وهاهنا حروف غري هذه احلروف‬

‫‪ 3‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪95 :‬‬ ‫‪ 1‬البم‪ :‬الوتر الغليظ من أوتار العود‪ ،‬ويقاب له يف العود احلديث‪:‬‬
‫‪ 4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪51 :‬‬ ‫العشريان‬
‫‪ 2‬إخوان الصفا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص ص‪158 159 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪42‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫السني‪ ،‬ويقول عنها ابن سينا‪" :‬تسمع يف اللغة‬ ‫اللسان أكثر وأشد وضغط للهواء عند ال َقل ِع‬
‫ف" (ويف رواية‬
‫الفارسية عند قوهلم‪َ " :‬ز َر َ‬ ‫هي‬ ‫إبراهيم أني‬ ‫أقوى"‪ .1‬وهذه اجليم حس‬
‫" َز َر َد") وهي سني ال تقوى‪ ،‬ولكن تعرض‬ ‫التي يرمز هلا يف االنجليزية بـ (‪ ،)ch‬وهي غري (‪)sh‬‬
‫باهتزاز سطح طرف اللسان واالستعانة بِ َ‬
‫خ َل ِل‬ ‫التي تنطق (ش)‪ .‬أما باقي احلروف التي رصدها‬
‫األسنان"‪.4‬‬ ‫ابن سينا والتي رأى بينها وبني احلروف العربية‬
‫ويمكن أن نلخص ما قاله ابن سينا يف وصفه‬ ‫شبها فريجعها إبراهيم أني إىل أصل يوناين‪.2‬‬
‫هلذين الصوتني يف ما ييل‪:‬‬ ‫الزائِيَ ُة‪ /‬الزاي السين ِيَ ُة‪:‬‬
‫ج‪ -‬السني َّ‬
‫‪ )4‬السني الزاي = (سني‪ +‬جهر وارتعاد)‬ ‫يرجع ابن سينا أصل السني الزائية يف رسالته إىل‬
‫واهتزاز)‬ ‫‪ )2‬الزاي السني (سني‪ +‬مه‬ ‫اللغة اخلوارزمية‪ ،‬وهي سني جهر هبا قليال‬
‫‪ -2-4‬تقسيامت إخوان الصفا لألصوات‬ ‫فأشبهت الزاي‪ .‬يقول عنها ابن سينا‪" :‬ومن ذلك‬
‫أما إخوان الصفا فلم يعنوا كثريا هبذا التقسيم‬ ‫سني زائية تكثر يف لغة أهل خوارزم‪ ،‬وحتدث بأن‬
‫الذي يقوم عىل التمييز بني أحرف عربية وأحرف‬ ‫تتهيأ اهليئة التي عن مثلها حتدث السني‪ ،‬ثم حيدث‬
‫كام نرى هو تناوهلم الصوت‬ ‫غري عربية‪ ،‬والسب‬ ‫ان ارتِ َعاد كام حيدث يف‬
‫يف الع َض َل ِة الباطِح ِة ل ِلس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يف جانبه املوسيقي‪ ،‬واملوسيقى كام نعلم هي‬ ‫اسات خفية غري‬
‫الزاي يلزم ذلك االرتعاد ُمم َ َّ‬
‫الصوت الكوين الذي تنتفي فيه اإلثنيات‬ ‫هلا اهلواء احتباسات غري حمسوسة‬ ‫حمسوسة حيتب‬
‫واجلغرافيات‪ .‬ونجد تصنيفاهتم لألصوات تنهض‬ ‫فترضب السني بذلك إىل مشاهبة الزاي"‪.3‬‬
‫عىل هذا املعيار املوسيقي باعتبار املوسيقى لدهيم‬ ‫ويوضح هذا القول ما حيدث يف هاته السني من‬
‫رس كل صناعة‪ .5‬ويف ما ييل رصد ألبرز تلك‬ ‫ارتعاد يقرهبا من حرف الزاي املرتعد‪ .‬أما الزاي‬
‫التمييزات التي قدمها إخوان الصفا‪:‬‬ ‫السينية فينسبها الشيخ للغة الفارسية‪ ،‬وهي عىل‬
‫عك الزاي السينية ُ ِ‬
‫مه َ هبا قليال فأشبهت‬

‫‪ 4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪108 :‬‬ ‫‪ 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪95 :‬‬


‫‪ 5‬ديفو‪ ،‬جيوم (‪ ،)0015‬رســائل إخوان الصــفا‪ ،‬القاهرة‪ :‬اهليئة‬ ‫‪ 2‬أني ‪ ،‬ابراهيم‪ ،‬املرجع املذكور‪ ،‬ص‪116 :‬‬
‫املرصية العامة للكتاب‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪105 :‬‬ ‫‪ 3‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪108 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪43‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪5‬‬ ‫‪ -4-2-1‬األصوات املنفصلة واألصوات‬


‫املتصلة‪ :‬فاألوىل هي التي يفصل بني حلظات‬
‫‪ 1-5‬ابن سينا‬
‫حدوثها فاصل زمني حمسوس‪ ،‬أما الثانية فهي‬
‫يمكن أن نجمل خمتلف القضايا الصوتية‬
‫التي ينتفي فيها هذا الفاصل الزمني وتكون‬
‫من منظور علم األصوات‬ ‫لدى الشيخ الرئي‬
‫متواصلة احلدوث‪ .‬ولتوضيح ذلك يتوسل إخوان‬
‫احلديث يف ما ييل‪ :‬التقابل الفونيمي‪ -‬العالقات‬
‫الصفا باآلالت املوسيقية للتمثيل لكل نوع‬
‫التناسبية للفونيامت‪ -‬املالمح الصوتية الفارقة‪.‬‬
‫فيقولون‪" :‬فاملنفصلة هي التي بني أزمان حركة‬
‫‪ -1-1-5‬التقابل الفونيمي‪ :‬يظهر هذا التقابل‬
‫ِ‬
‫َن َق َر َ‬
‫اهتا زمان سكون حمسوس مثل نقرات األوتار‬
‫حينام يتحدث ابن سينا يف رسالة أسباب حدوث‬
‫وإيقاعات القضبان‪ ،‬وأما املتصلة فهي مثل‬
‫احلروف عن التغريات والظروف املواكبة‬ ‫ات والنَّو ِ‬
‫أصوات النَّاي ِ‬
‫اعري وما َشا َك َل َها"‪.1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لتحققات األصوات‪ ،‬إذ يستعني يف التمثيل لتلك‬
‫‪ -2-2-1‬األصوات املفهومة وغري املفهومة‪:‬‬
‫التغريات بأصوات اللغات األخرى واملقابلة بينها‪،‬‬
‫فاألوىل هي األصوات احليوانية‪ ،‬والثانية هي‬
‫كام رأينا مثال عند حديثه عن أصوات اللغة العربية‬
‫أصوات سائر األجسام مثل احلجر واملَدَ ِر وسائر‬
‫ومقابلتها بأصوات اللغات األخرى‪ .‬فالتعبري‬
‫املَع ِدن َّيات‪ .‬وتقسم األوىل بدورها إىل قسمني‪:‬‬
‫الفونيمي التقابيل "سني صادية" يقابل (‪ )sS‬حيث‬
‫منطقية وغري منطقية‪ .‬فالثانية هي أصوات وليست‬
‫تشري (‪ )s‬إىل احلرف (السني) ويشري املتغري‬
‫منطقا وهي تصدر عن احليوانات غري الناطقة‪ .‬أما‬
‫الصويت )‪ (S‬إىل الصاد‪.‬‬
‫األوىل فتنقسم أيضا إىل دالة وغري دالة‪ .‬فالثانية‬
‫ويرى الدكتور حممد الضالع أن ابن سينا قد‬
‫كالبكاء والضحك والسعال واألنني‪ ،‬أما األوىل‬
‫أدرك قضية التقابل الفونيمي‪ ،‬وأنه استعان‬
‫فهي الكالم واألقاويل‪.2‬‬
‫بأصوات لغات أخرى يعرفها ليبني تقارب‬
‫األصوات املتغايرة من بعضها البعض لدرجة‬

‫‪ 2‬إخوان الصفا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪118 :‬‬ ‫‪ 1‬إخوان الصفا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪156 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪44‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫القاف إىل اخلاء"‪ 2‬حيث ك‪/‬غ= ق‪/‬اخلاء فالكاف‬ ‫حتايد صويت وهذا ما يطلق عليه‬ ‫التداخل بسب‬
‫واخلاء مهموستان والغني والقاف جمهورتان‪.‬‬ ‫‪.1Neutralization‬‬
‫‪ 2-5‬إخوان الصفا‬ ‫‪ -2-1-5‬العالقة التناسبية بني الفونيامت‪:‬‬
‫اهتمت الرسائل الصفوية بدراسة اخلصائص‬ ‫وهتتم بالعالقات بني فونيامت النظام الصويت‬
‫املادية أو الفزيائية ألصوات الكالم‪ .‬ولئن مل يسموا‬ ‫كأن تصنف الفونيامت بناء عىل صفتي اجلهر‬
‫األشياء بمصطلحات علم اللغة احلديث‪ ،‬فإن‬ ‫أو اإلطباق واالنفتاح أو غريها من صور‬ ‫واهلم‬
‫وعيهم بالعمليات الصوتية والعوامل املؤثرة يف‬ ‫التمييز‪ .‬ونمثل لذلك بام ييل‪:‬‬
‫عملية التصويت يكاد يطابق ما جاء به علم اللغة‬ ‫ت‪/‬ط = د‪/‬ض = س‪/‬ص = ز‪/‬ظ‬
‫احلديث‪.‬‬ ‫فام ختتلف فيه فونيامت التاء والدال والسني‬
‫‪ 4-2-5‬الرتدد‪ :‬أدرك إخوان الصفا الرتدد‪،‬‬ ‫والزاي عن فونيامت الطاء والضاد والصاد والظاء‬
‫ويظهر ذلك يف حديثهم عن احلركة البسيطة‬ ‫هو صفة اإلطباق واالنفتاح‪ .‬فالفونيامت األوىل‬
‫والرسيعة يف رسائلهم "فالرسيعة هي التي يقطع‬ ‫منفتحة والثانية مطبقة‪ ،‬ويمكن أن نعرب عن ذلك‬
‫املتحرك هبا مسافة بعيدة يف زمان قصري‪ ،‬والبطيئة‬ ‫بعالقات رياضية كالتايل‪:‬‬
‫هي التي يقطع املتحرك هبا مسافة أقل منها يف ذلك‬ ‫ت= الطاء‪ -‬إطباق‪ ،‬و الطاء= التاء‪ +‬إطباق ‪ /‬س=‬
‫الزمان بعينه"‪ .3‬ويوضح هذا النص مفهوم الرتدد‬ ‫الصاد – إطباق‪ ،‬والصاد= السني ‪ +‬إطباق‪.‬‬
‫وتتابع األصوات يف الصوت الواحد واهتزازها‬ ‫د= الضاد – إطباق‪ ،‬والضاد= الدال‪ +‬إطباق ‪ /‬ز=‬
‫بشكل دوري‪ .‬هذا ما أكدته النظرية الصوتية‬ ‫الظاء‪ -‬إطباق‪ ،‬والظاء= الزاي‪ +‬إطباق‪.‬‬
‫احلديثة حيث يوجد بني كل حركة وحركة سكون‬ ‫ونالحظ هذا الوعي الصويت بالعالقات بني‬
‫حتى وإن مل يكن ظاهرا‪.‬‬ ‫فونيامت النظام الصويت الواحد عند ابن سينا يف‬
‫قوله مثال‪" :‬ونسبة الكاف إىل الغني هي نسبة‬

‫‪ 2‬ابن سينا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪51 :‬‬ ‫‪ 1‬جرادات‪ ،‬نارص أمحد (‪ ،)0016‬األصوات اللغوية عند ابن سينا‪:‬‬
‫‪ 3‬إخوان الصفا‪ ،‬املصدر املذكور‪ ،‬ص‪159 :‬‬ ‫عيوب النطق وعالجه‪ ،‬عامن‪ :‬األكاديميون للن رش والتوزيع‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫ص‪11 :‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪45‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫توســل كل طرف بتخصــصــه يف النظر إىل‬ ‫‪-1‬‬ ‫رسعة الصوت‪ :‬من القضايا التي‬ ‫‪2-2-5‬‬
‫الق ضايا ال صوتية‪ ،‬حيث برز دور الت رشيح عند‬ ‫أثارها كذلك إخوان الصفا يف رسائلهم مسألة‬
‫ابن سينا‪ ،‬وبرزت النزعة ال صوفية الروحية عند‬ ‫رسعة الصوت‪ ،‬وقد كانت هلم نظرة ثاقبة يف‬
‫إخوان الصفا يف تفسري القضايا الصوتية‪.‬‬ ‫التحدث عن هذا املكون يف عالقته بالضوء‪.1‬‬
‫‪ -2‬إدراك كل من ابن ســينا وإخوان ملجموعة من‬ ‫ويظهر من خالل هاته املقارنة العلمية الدقيقة‬
‫القضـــا يا التي عاجل ها امل حدثون كعال قات‬ ‫‪2‬‬ ‫عليه النظر الصفوي‬ ‫حجم الوعي الذي يتأس‬
‫التناس والرتدد وعالقة الصوت بالضوء‪.‬‬ ‫يف غياب أي آالت حديثة لقياس الصوت عندهم‪.‬‬
‫‪ -3‬اهتامم ابن سينا باجلان الت رشحيي أثناء حديثه‬ ‫وربط إخوان الصفا بني معدل رسعتي الضوء‬
‫عن خمارج األصــوات وصــفاهتا‪ ،‬وعناية إخوان‬ ‫والصوت أثناء حديثهم عن ظاهريت الرعد والربق‬
‫الصفا باجلان املوسيقي يف تلك األصوات وما‬ ‫حيث تكون الرسعة التي تنترش هبا املوجة الصوتية‬
‫حتدثه من حاالت شعورية خمتلفة‪.‬‬ ‫أدنى من معدل رسعة الضوء‪ ،‬ويفرسون ذلك‬
‫‪ -4‬اعتامد معايري خمتلفة يف ت صنيف األ صوات عن‬ ‫برؤية ضوء الربق قبل سامع َه ِزي ِم الرعد‪.‬‬
‫ت لك امل عايري التي جاءت ع ند اللغويني وعلامء‬
‫تأسيسا عىل ما تقدم‪ ،‬يظهر الدور اجليل الذي‬
‫ا ل ت جو يد‪ ،‬ف ن جد إ خوان الصـــ فا قد ع نوا‬
‫قدمه ابن سينا وإخوان الصفا للدرس الصويت‬
‫باأل صوات غري اإلنسانية ومرد ذلك إىل عنايتهم‬
‫العريب‪ ،‬وكفاءهتام التحليلية والتفسريية لعملية‬
‫باآلالت املوســيق ية‪ ،‬يف حني يظهر هذا التفرد‬
‫التصويت رغم ضعف اإلمكانات املتوفرة يف تلك‬
‫عند ابن ســينا يف تقديمه وصــفا ترشــحييا خمتلفا‬
‫الفرتة‪ .‬ويمكن إمجال أهم خالصات هذه الدراسة‬
‫لألصوات‪.‬‬
‫يف ما ييل‪:‬‬
‫وما من سبيل إىل إنكار اخلدمة اجلليلة التي‬
‫قدمتها الرسالتان يف التعريف ببعض جوان‬

‫الفكري يف رؤية إخوان ال صفا للموجودات ويف ق ضايا األ صوات‬ ‫‪ 1‬حســني‪ ،‬عيل خليف (‪ ،)0011‬منهج ا لدرس الصــويت ع ند‬
‫خاصة‪.‬‬ ‫العرب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكت العلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪15 :‬‬
‫أمر الن سبة بالدولة ال صفوية‪ ،‬نقول إن ا ستعاملنا‬ ‫‪ 2‬حتى ال يلتب‬
‫ألسلوب النسبة يف عبارة (النظر الصفوي) يرمي إىل تأكيد اإلعامل‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪46‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪:1‬‬ ‫الدراسة الصوتية العربية‪ ،‬فقد استطاعت‬

‫‪ -6‬حسني‪ ،‬عيل خليف (‪ ،)2144‬منهج الدرس‬ ‫الرسالتان أن تصنعا هلام مكانا يف بيئة كانت حتارب‬

‫الصويت عند العرب‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكت‬ ‫الفكر السينَ ِوي والصويف دون النظر إىل طبيعة‬

‫العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬ ‫املنجز العلمي ألصحابه‪.‬‬

‫‪ -7‬حنون‪ ،‬مبارك (‪ ،)2112‬مدخل إىل الدراسة‬


‫الصوتية عند العرب القدماء ‪ ،‬جملة الدراسات‬ ‫‪ -1‬إخوان الصفا (‪ ،)2121‬رسائل إخوان الصفا‬

‫املعجمية‪ ،‬الرباط‪ :‬منشورات اجلمعية املغربية‬ ‫وخالن الوفا‪ ،‬مراجعة خري الدين الزركيل‪،‬‬

‫للدراسات املعجمية‪ ،‬العدد األول‪.‬‬ ‫بريوت‪ :‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬

‫‪ -8‬ديفو‪ ،‬جيوم (‪ ،) 2149‬رسائل إخوان الصفا ‪،‬‬ ‫‪ -2‬أني ‪ ،‬إبراهيم (‪ ،)4795‬األصوات اللغوية‪،‬‬

‫القاهرة‪ :‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬الطبعة‬ ‫القاهرة‪ :‬مكتبة األنجلو مرصية‪ ،‬الطبعة‬

‫األوىل‪.‬‬ ‫اخلامسة‪.‬‬

‫‪ -9‬ابن سينا‪ ،‬احلسني بن عبد اهلل (‪ ،)4793‬رسالة‬ ‫‪ -3‬برش‪ ،‬كامل (‪ ،)2111‬علم األصوات‪ ،‬القاهرة‪:‬‬

‫أسباب حدوث احلروف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حسان‬ ‫للنرش والطباعة والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬ ‫دار غري‬

‫الطبان وحيي مري علم‪ ،‬مطبوعات جممع اللغة‬ ‫األوىل‪.‬‬

‫العربية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪ -4‬جرادات‪ ،‬نارص أمحد (‪ ،)2145‬األصوات‬

‫‪ -11‬وحدي علوي‪ ،‬حنان (‪ ،)2149‬املوسيقى‬ ‫اللغوية عند ابن سينا‪ :‬عيوب النطق وعالجه‪،‬‬

‫ومالمح الدرس الصويت يف رسائل إخوان‬ ‫عامن‪ :‬األكاديميون للنرش والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬

‫الصفا‪ ،‬شبكة ضياء‪،2122 / 1/4 ،‬‬ ‫األوىل‪.‬‬

‫‪https://diae.net/?tag=%D8%A7%D9‬‬ ‫‪ -5‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح (‪ ،)4795‬رس صناعة‬


‫‪%84%D8%AF%D8%B1%D8%B3‬‬
‫اإلعراب‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن هنداوي‪ ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫‪-‬‬

‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%‬‬
‫‪88%D8%AA%D9%8A‬‬ ‫القلم‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬

‫‪ 1‬نحن ال نراعي كلمة (أبو)‪ ،‬وكلمة (ابن)‪ ،‬و(ألف والم) التعريف‪ ،‬بل حيتس يف الرتتي احلرف األول الذي ييل هذه األمور‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوينوالتكوين‬
‫التربية التربية‬
‫المتخصصة في‬
‫المجلةالمتخصصة في‬
‫‪47‬‬ ‫المجلة‬

‫‪Roberto Cubelli‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫ينطلق املقال من التساؤل عن مدى مالءمة التفسريات العصبية للحقل الرتبوي‪ .‬ويعترب منذ البداية أن فهم‬
‫الدور الوظيفي للدماغ غري مفيد للمدرسني‪ :‬ختطيطا للدروس وتدبريا هلا‪ .‬أما النظريات النفسية التي تدرس آليات‬
‫التعلم‪ ،‬فمالئمة للمدرس يف بلورة اسرتاتيجيات التدري ‪ .‬ويمثل املقال لذلك بكيفية تعلم القراءة وربط الشكل‬
‫باملعنى‪ ،‬وبكيفية اشتغال الذاكرة من خالل سريورات إعادة بناء املعرفة وإعادة إنتاجها‪ ،‬لبلوغ مستويي الفهم‬
‫والتفسري‪ .‬يمكن ملعرفة وظائف الدماغ أن تقدم إسهامات قيمة للرتبية‪ ،‬لكنها ال تفيد يف بناء الربامج الرتبوية‪ .‬أما‬
‫الدراسات النفسية‪ ،‬فمهمة لالسرتاتيجيات التعليمية‪ ،‬وإجراءات التدري ‪ :‬ختطيطا‪ ،‬وتنظيام‪ ،‬وتنفيذا‪ .‬ويمثل‬
‫املقال لذلك بدراسات حول التعلم‬
‫املوزع والتعلم املكثف‪ ،‬والعالقة بني إخبار املتعلمني بطريقة االمتحان أو عدم إخبارهم هبا‪ ،‬ارتباطا بالنموذج‬
‫الرتبوي الذي يتبناه كل مدرس‪.‬‬

‫‪ -1‬برنامج علم النف ‪ ،‬قسم العلوم االجتامعية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‪ ،‬جامعة قطر‬
‫‪ -2‬كلية علوم الرتبية‪ ،‬جامعة حممد اخلام ‪ ،‬الرباط‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪48‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ Finkbeiner‬وآخرون‪ ،)2116 ،‬والتصوير‬


‫يثري النقاش حول العالقة بني علم األعصاب‬
‫العصبي (عىل سبيل املثال‪ ،‬دوهني ‪Dehaene‬‬
‫والرتبية سؤالني متاميزين‪ )1( :‬هل مجيع أهداف علم‬
‫العصبي (عىل سبيل‬ ‫وآخرون‪ ،)2111 ،‬وعلم النف‬
‫األعصاب مالئمة بالتساوي للمقاصد الرتبوية؟ (‪)2‬‬
‫‪Miozzo‬‬ ‫‪and‬‬ ‫وكرامازا‬ ‫ميوزو‬ ‫املثال‪،‬‬
‫هل النظريات العلمية العصبية واملعطيات التجريبية‬
‫‪ )1889 ،Caramazza‬أن قراءة الكلامت تتطل‬
‫هلا التأثري نفسه عىل الرتبية‪ :‬نظرية وممارسة؟ أعتقد أن‬
‫حتويل سالسل احلروف املعروضة برصيا إىل‬
‫اجلواب عن كال السؤالني هو‪ :‬ال‪.‬‬
‫معلومات كتابية جمردة‪ ،‬قبل النفاذ إىل املعرفة الداللية‬
‫لعلم األعصاب ثالثة أهداف‪ ،‬إذ يسعى علامء‬
‫والفونولوجية (أي‪ :‬معنى الكلامت املكتوبة ونطقها)‪.‬‬
‫األعصاب إىل استكشاف‪ )4( :‬الدماغ أثناء اشتغاله؛‬
‫تتقاسم أبرز النامذج املعرفية لقراءة الكلامت (كام يف‪:‬‬
‫و(‪ )2‬اهلندسة الوظيفية للذهن؛ و(‪ )3‬تعيني احلدود‬
‫‪1881 ،Caramazza and Hillis‬؛ ‪Coltheart‬‬
‫بني الدماغ والذهن‪ .‬إن اهلدف الثاين فقط‪ ،‬يف رأيي‪،‬‬
‫وآخرين‪ )2111 ،‬افرتاض أن متثل املكتوب يتوسط‬
‫هو املالئم للرتبية‪ .‬فمعرفة السريورات الكيميائية‬
‫املعاجلة البرصية والنفاذ املعجمي‪ .‬لذلك‪ ،‬ينبغي أن‬
‫التي تؤمن التواصل بني العصبونات‪ ،‬وحتديد‬
‫تستند أي مقاربة تربوية إىل افرتاض أن مهارة القراءة‬
‫األساس الترشحيي للعمليات املعرفية‪ ،‬أو فهم الدور‬
‫ال تعتمد عىل ربط األشكال البرصية لسالسل‬
‫الوظيفي لنصفي الدماغ‪ ،‬ال يفيد مدر‪،‬ي االبتدائي أو‬
‫احلروف مع معنى الكلامت املعروفة‪ ،‬ولكنها تعتمد‬
‫أساتذة اجلامعات يف ختطيط الدروس واملحارضات‬
‫القدرة عىل تعرف احلروف مفردة باعتبارها رموزا‬
‫وتدبريها‪ .‬وعىل النقيض من ذلك‪ ،‬فالنظريات‬
‫كتابية‪ ،‬وحتديدها بمعزل عن شكلها وأسلوهبا أثناء‬
‫النفسية التي تصور مستويات املعاجلة وآليات‬
‫أن يتمحور حول‬ ‫القراءة‪ .‬ومنه‪ ،‬فتعليم القراءة جي‬
‫احلوسبة املتدخلة يف التعلم ويف إنجاز مهام معرفية‬
‫اكتساب العالمات الكتابية ومقابالهتا الصوتية‪،‬‬
‫حمددة (مثل القراءة أو التفكري أو احلساب) يمكنها أن‬
‫ووجوب االستغناء عام يسمى "الطرق الشمولية"‪،‬‬
‫املحفزة واسرتاتيجياهتا‪.‬‬ ‫تنري طريق برامج التدري‬
‫جتنيبا لتشبع ذاكرة األطفال ولدوام صعوبات القراءة‬
‫فلننظر يف مثالني‪ ،‬أحدمها عن القراءة واآلخر‬
‫(‪ .)2112 ،Dehaene‬تُستمد هذه البيانات العامة‬
‫خيص الذاكرة‪.‬‬
‫من النظريات املعرفية‪ ،‬وحتافظ عىل قوهتا‪ ،‬حتى مع‬
‫اللساين (عىل سبيل‬ ‫تظهر معطيات علم النف‬
‫‪ Price‬وديفلني‬ ‫استمرار اجلدال (يف مثل‪ :‬براي‬
‫املثال‪ ،‬راينر ‪ Rayner‬وآخرون‪1891 ،‬؛ فيكنبينر‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪49‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حتصيل‬ ‫والعادات (لتعلم األفكار واملهارات‪ ،‬جي‬ ‫‪ )2113 ،Devlin‬حول كون "املنطقة اخللفية‬
‫املعلومات األصلية أو اإلجراء املستهدف‪،‬‬ ‫الوسطى من التلفيف املغزيل األيرس" هي "منطقة‬
‫عن‬ ‫واالحتفاظ هبا بأكرب قدر من الدقة)‪ .‬ويرتت‬ ‫الشكل البرصي للكلمة" (كوهني ‪Cohen‬‬

‫ذلك أنه ال ينبغي للتالميذ جتاهل التفاصيل‬ ‫وآخرون‪.)2112 ،‬‬


‫واخلصائص السطحية للنصوص (مثل التسميات‬ ‫يف ما خيص الذاكرة‪ ،‬من املسلم به عىل نطاق‬
‫والتعاريف)‪ ،‬والكلامت "بدون معنى" (مثل تواريخ‬ ‫واسع أهنا ليست نظاما أحاديا‪ ،‬وإنام من مكونات‬
‫األحداث التارخيية‪ ،‬أو أسامء األعالم)‪ ،‬واملعلومات‬ ‫مستقلة للتخزين واملعاجلة (عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫الزائدة عن اللزوم يف فصول الكتاب املدر‪،‬ي (مثل‬ ‫‪ .)2112 ،Tulving and Craik‬يمكن‪ ،‬وفق‬
‫امللخصات‪ ،‬واجلداول‪ ،‬واألشكال)‪ .‬عليهم أن‬ ‫بارتليت ‪ ،)1832( Bartlett‬أن نميز يف الذاكرة بني‬
‫يفهموا الوقائع واألفكار ويفرسوها‪ ،‬لكن هدفهم‬ ‫سريورات إعادة البناء (الذكريات اإلبيزودية‬
‫يكمن يف االحتفاظ هبا يف الذاكرة‪ ،‬إما بدجمها يف‬ ‫واملستقبلية) وسريورات إعادة إنتاج املعارف‬
‫املعرفة املوجودة مسبقا‪ ،‬أو بحفظها عن ظهر قل ‪.‬‬ ‫(الذكريات اإلجرائية والداللية)‪ .‬وإذا كانت‬
‫وهو ما عرب عنه الشاعر اإليطايل دانتي أليغيريي‬ ‫األنشطة اليومية تعتمد ذاكرات إعادة البناء (حيث إن‬
‫‪:Dante Alighieri‬‬ ‫اختاذ القرارات وتبني األفعال يكون عىل أساس‬
‫"افتح عقلك عىل ما أفصح عنه‬ ‫التفسري اآلين لألحداث املاضية)‪ ،‬فسيكون عىل‬
‫وثبته هناك يف الداخل؛‬ ‫الرتبية الرتكيز أكثر عىل ذاكرة إعادة اإلنتاج (أي نقل‬
‫فال وجود للمعرفة‪،‬‬ ‫املعارف واملهارات املرتاكمة)‪ .‬فبالنسبة لذاكرة‬
‫‪1‬‬ ‫بسامعها دون االحتفاظ هبا"‬ ‫األحداث‪ ،‬يكون مستوى الدقة منخفضا (إذ يتم‬
‫كثرية األبحاث التي تناولت أداء الذاكرة‬ ‫تعديل املايض باستمرار وفقا للمقاصد الراهنة‬
‫اإلنسانية بالدراسة (‪ 1886 ،Schacter‬عىل سبيل‬ ‫واملعرفة املكتسبة‪ ،‬مع فقدان معظم التفاصيل‪ ،‬وتغري‬
‫املثال)‪ ،‬تبلورت عنها نظريات معرفية حول النسيان‬ ‫أن‬ ‫اإلبيزودات باستمرار)؛ يف مقابل ذلك‪ ،‬جي‬
‫والتذكر‪ ،‬يمكنها أن تثري الرتبية بشكل منقطع‬ ‫يكون مستوى الدقة عاليا بالنسبة لذاكرة احلقائق‬

‫‪ ،Paradise‬اجلزء ا خلام ‪ ،12-11 ،‬تر مجة‬ ‫‪ - 1‬بارادي‬


‫هنري دبليو لونجفيلو‪Henry W. Longfellow‬‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪50‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫التامرين واملواد‪ ،‬وتدمج إجراءات متطورة خطواهتا‬ ‫النظري‪ ،‬سواء أثناء التعلم العريض أو القصدي (كام‬
‫ومتزايدة صعوباهتا‪ ،‬ال يمكن اشتقاقها من مثل هذه‬ ‫من ذلك‪،‬‬ ‫يف‪ .)2111 ،Schacter :‬عىل العك‬
‫النظريات‪ .‬حيث تكون النظريات العلمية وصفية‬ ‫وعىل الرغم من التطور امللحوظ حاليا‪ ،‬فإن زيادة‬
‫وتفسريية‪ ،‬إذ توفر إطارا عاما يمكن للمرء أن يعمل‬ ‫املعرفة بوظائف الدماغ يمكن أن تقدم إسهامات قيمة‬
‫من خالله‪ ،‬مع مراعاة اخلربة الشخصية‪ ،‬واألهداف‬ ‫للرتبية‪ .‬فقد تم التوصل‪ ،‬مثال‪ ،‬إىل أن فقدان الذاكرة‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬واخللفية الثقافية‪ ،‬والقيود السياقية‪.‬‬ ‫يمكن أن ينتج عن اإلصابات التي حتدث إما يف‬
‫فال يمكن‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬عد النظريات‬ ‫املناطق الصدغية الوسطى أو يف البنيات العصبية‬
‫العلمية ملزمة‪ ،‬والنظر إىل النشاط التطبيقي عىل أنه‬ ‫البينية‪ .‬إذ تشكل هذه املناطق شبكتني عصبيتني‬
‫نتيجة تلقائية لتصور نظري معني‪ .‬ال يمكن ألية‬ ‫خمتلفتني (‪ :)2112 ،Wickens‬واحدة تتضمن‬
‫الفعيل يف‬ ‫نظرية أن توجه لزوما طريقة التدري‬ ‫احلصني واملهاد األمامي (شبكة بابيز ‪)Papez‬‬
‫الفصول الدراسية‪ ،‬أو أن حتدد الطريقة الصحيحة‬ ‫وتشمل األخرى اللوزة واملهاد الظهري األوسط‬
‫لدراسة قصيدة شعرية‪ ،‬أو تعلم األبجدية‪ .‬إن أية‬ ‫(شبكة ياكوفليف ‪ .)Yakovlev‬وقد وثقت عديد‬
‫مقاربة منهجية تكون مربرة ومرشوعة‪ ،‬إذا كانت‬ ‫من الدراسات األدوار املتاميزة لكل من احلصني‬
‫متسقة مع النظريات املعرفية املقبولة‪ ،‬وتدعمها أدلة‬ ‫‪)2114 ،Phelps‬‬ ‫واللوزة (من قبيل دراسة‪ :‬فيلب‬
‫تثبت فعاليتها‪.‬‬ ‫والنوى املهادية (كام يف دراسة‪ :‬فان دير ويرف ‪Van‬‬

‫هلا‬ ‫هذا ال يعني أن الدراسات النفسية لي‬ ‫‪ der Werf‬وآخرون‪ .)2113 ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال تقدم‬
‫تأثريات مبارشة عىل الرتبية‪ :‬نظرية وممارسة‪ .‬إذ يمكن‬ ‫هذه الدراسات أية معلومات مفيدة لبناء الربامج‬
‫أن تقدم املعطيات التجريبية معلومات حول كيفية‬ ‫الرتبوية‪.‬‬
‫وتنظيمها وتنفيذها‪،‬‬ ‫ختطيط إجراءات التدري‬ ‫املعرفة بتنظيم الدماغ الذي يؤمن‬ ‫وعىل عك‬
‫وتقرتح أنشطة وتعديالت فعلية‪ .‬فقد قدم باديل‬ ‫الوظائف املعرفية‪ ،‬فإن النظريات النفسية يمكن أن‬
‫ولونامن ‪)4799( Baddeley and Longman‬‬ ‫تكون ملهمة يف ما يتعلق باألهداف واالسرتاتيجيات‬
‫أدلة تؤكد أفضلية املامرسة املوزعة يف التعلم مقارنة‬ ‫التعليمية‪ .‬وجتنبنا‪ ،‬بذلك‪ ،‬القيام بأنشطة غري جمدية أو‬
‫باملامرسة املكثفة‪ ،‬وهو أمر مهم عند ختطيط أنشطة‬ ‫وخيمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬من‬ ‫عنها من عواق‬ ‫ما يرتت‬
‫التدري ‪ ،‬التي سيكون عليها تثمني الدروس املوازية‬ ‫اجلدير بالذكر أن الربامج التعليمية الدقيقة‪ ،‬التي حتدد‬
‫العدد األول نونبر ‪0202‬‬
‫‪51‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫(‪ ،)2116‬أن اختبار الذاكرة وسيلة قوية لتحسني‬ ‫أكثر من احللقات الدراسية املكثفة‪ .‬عالوة عىل ذلك‪،‬‬
‫التعلم‪ ،‬كام هي فعالة لتقويمه‪ .‬وعليه‪ ،‬جي أن خيضع‬ ‫‪ Morris‬وآخرون (‪ )1822‬أن أداء‬ ‫أوضح موري‬
‫التالميذ إلجراء امتحانات متكررة قبل االمتحان‬ ‫التداخل بني معاجلة مرحلتي الدراسة‬ ‫الذاكرة يعك‬
‫النهائي لتحسني االحتفاظ بالتعلامت‪ .‬ووفقا‬ ‫واالمتحان‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬دعموا أمهية املعاجلة املناسبة‬
‫للمؤلفني‪ ،‬فإن "االمتحانات املتكررة تقود التالميذ‬ ‫للنقل‪ .‬ويرتت عن ذلك أن نتائج أداء التالميذ تكون‬
‫إىل استثامر أمثل جلهودهم الدراسية‪ ،‬ويسمح هلم‬ ‫أدق عندما يكونون عىل سابق علم بطريقة االمتحان‪،‬‬
‫وملدرسيهم بتقويم معارفهم باستمرار‪ ،‬واألهم من‬ ‫ويمكنهم الدراسة وفقا هلا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وبغض النظر‬
‫ذلك ‪-‬ارتباطا باألهداف احلالية‪ -‬أهنا بمثابة أداة‬ ‫عن أسلوب جتاوز عوائق االمتحانات‪ ،‬يمكن‬
‫جيدة مساعدة للذاكرة عىل االحتفاظ باملعارف‬ ‫للمدرسني أن يقرروا عدم اإلفصاح عن كيفية إجراء‬
‫مستقبال" (ص ‪.)224‬‬ ‫االمتحان من أجل احلصول عىل تعلم أكثر استقرارا‪.‬‬
‫ختاما‪ ،‬إن النظريات والنامذج املستمدة من‬ ‫إن كال اخليارين (إخبار التالميذ مسبقا أو إخبارهم‬
‫الدراسات يف علم األعصاب املعريف مالئمة للرتبية‪،‬‬ ‫الحقا) يتوافقان مع نظريات الذاكرة احلالية‪ .‬ويعتمد‬
‫وقد تسهم يف حتسني املامرسة وزيادة فعالية جتربة‬ ‫االختيار بينهام عىل النموذج الرتبوي (الذي حيدد‬
‫التدري ‪ ،‬ولكنها جي أن تكون نظريات للذهن بدال‬ ‫التحفيزية‪،‬‬ ‫األهداف الديدكتيكية‪ ،‬واألسالي‬
‫من أن تكون نظريات حول الدماغ‪.‬‬ ‫وأدوات التقويم) الذي يتبناه كل مدرس‪ .‬مؤخرا‪،‬‬
‫أثبت رودجير ‪ Roediger‬وكاربيكي ‪Karpicke‬‬

‫‪- Baddeley AD and Longman DJA. The influence of length and frequency of training‬‬
‫‪sessions on rate of learning to type. Ergonomics, 21: 627–635, 1978.‬‬
‫‪- Bartlett FC. Remembering. London: Cambridge University Press, 1932.‬‬
‫‪- Caramazza A and Hillis AE. Levels of representation, coordinate frames, and‬‬
‫‪unilateral neglect. Cognitive Neuropsychology, 7: 391–445, 1990.‬‬
‫‪- Cohen L, Lehericy S, Chochon F, Lemer C, Rivard S, and Dehaene S. Language-‬‬
‫‪specific tuning of visual cortex? Functional properties of the visual word form area.‬‬
‫‪Brain, 125: 1054–1069, 2002.‬‬
‫‪- Coltheart M, Rastle K, Perry C, Langdon R, and Ziegler J. The DRC model: a model‬‬
‫‪of visual word recognition and reading aloud. Psychological Review, 108: 204–258,‬‬
‫‪2001.‬‬
‫‪- Dehaene S. Les Neurones de la Lecture. Paris: Odile Jacob, 2007.‬‬
52 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

- Dehaene S, Naccache L, Cohen L, Bihan DL, Mangin JF, Poline JB, et al. Cerebral
mechanisms of word masking and unconscious repetition priming. Nature
Neuroscience, 4: 678–680, 2001.
- Finkbeiner M, Almeida J, and Caramazza A. Letter identification processes in
reading: distractor interference reveals an automatically engaged, domain-specific
mechanism. Cognitive Neuropsychology, 23: 1083–1103, 2006.
- Miozzo M and Caramazza A. Varieties of alexia: the case of failure to access
graphemic representations. Cognitive Neuropsychology, 15: 203–238, 1998.
- Morris CD, Bransford JD, and Franks JJ. Levels of processing versus transfer
appropriate processing. Journal of Verbal Learning and Verbal Behavior, 16: 519–
533, 1977.
- Phelps EA. Human emotion and memory: interactions of the amygdala and
hippocampal complex. Current Opinion in Neurobiology, 14: 198–202, 2004.
- Price CJ and Devlin JT. The myth of the visual word form area. NeuroImage, 19:
473–481, 2003.
- Rayner K, Mcconkie GW, and Zola D. Integrating information across eye
movements. Cognitive Psychology, 12: 206–226, 1980.
- Roediger HL and Karpicke JD. Test-enhanced learning: taking memory tests
improves long-term retention. Psychological Science, 17: 249–255, 2006.
- Schacter DL. Searching for Memory: The Brain, the Mind, and the Past. New York:
Basic Books, 1996.
- Schacter DL. The Seven Sins of Memory: How the Mind Forgets and Remembers.
New York: Houghton Mifflin, 2001.
- Tulving E and Craik FIM. Oxford Handbook of Memory. New York: Oxford
University Press, 2005.
- Van der Werf YD, Jolles J, Witter MP, and Uylings HB. Contributions of thalamic
nuclei to declarative memory functioning. Cortex, 39: 1047–1062, 2003.
Wickens A. Foundations of Biopsychology. Harlow: Prentice Hall, 2005
‫‪53‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين‬ ‫في التربية‬
‫والتكوين‬ ‫المتخصصةتربية‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في ال‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫ٍ‬
‫إذا كان االهتامم برتمجة اإلنتاجات الفلسفية العاملية يعرب عن ديناميكية ثقافية وحضارية تكشف عن ِر َهان َي ُر ُ‬
‫وم‬
‫االنفتاح عىل الكوين والتَّفاعل معه‪ ،‬فإننا نالحظ ‪-‬مع ذلك‪ -‬بأن بعض املؤلفات الفلسفية التي يتم ترمجتها إىل‬
‫اجلد َّية والصالحية املرجوة‪ .‬حيث إننا ن ِ‬
‫َجدُ بعضا منها َت َ ِ‬
‫عرتيه‬ ‫العربية يف زمننا الراهن‪ ،‬ال تتمتَّع باملستوى نفسه من ِ‬

‫جوهر فعل الرتمجة يف الفلسفة‪ ،‬الذي هو اختيار مفاهيم تُقابِل أغراض ومفاهيم النص األصيل‪ .‬كام‬ ‫هفوات َمت ُ‬
‫ُويل أي أمهية للمداخل وال للحوايش‪ ،‬إن هي اعتمدهتا يف ما‬ ‫ني أخرى أن بعض هذه الرتمجات ال ت ِ‬‫أحاي َ‬‫َجدُ يف ِ‬ ‫ن ِ‬

‫تُنتِ ُج ُه من ترمجات‪ .‬وإذا كان ما َين ُج ُم عن هذه اهل َ َفوات هو ضعف قيمة وأمهية بعض هذه اإلنتاجات الرتمجية‪ ،‬فإننا‬
‫نتباه إىل َأ َّن االنفتاح عىل‬ ‫إثارة اال ِ‬
‫ِ‬ ‫نرى بأن مهمة الفلسفة تستدعي أيضا رضورة مواكبة هذه الرتمجات‪ ،‬بِ َغ َر ِ‬
‫ض‬
‫اسرتاتيجية َيتِم من خالهلا اعتبار الرتمجة يف الفلسفة‬ ‫ٍ‬ ‫فلسفات العامل‪ ،‬يقتيض الوعي برضورة إنجاز الرتمجات ضمن‬
‫ترمجة هو َرف ُع َق َل ِق ِع َب َار ِة النص‬
‫ٍ‬ ‫كتابة َشا َّق ٍة هلا قواعدها ومناهجها‪ .‬ذلك ألن حتقيق اهلدف األصيل والفعيل لكل‬
‫فِع َل ٍ‬

‫وحضاري‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫منظور َت َثا ُق ِف ٍّي‬
‫ٍ‬ ‫املُ َرت َجم‪ ،‬وتَق ِريبِ ِه إىل القارئ العريب‪ ،‬وذلك ِضم َن‬

‫املفهوم الفلسفي ‪ -‬عتبات النص ‪ -‬احلاشية واألرشيف ‪ -‬التَّثا ُقف ‪ -‬التقري ‪ -‬رفع قلق العبارة‬

‫‪ -1‬باحث يف سلك الدكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية املحمدية؛ جامعة احلسن الثاين‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وبالتايل ينبغي علينا إعادة النظر يف هواجسنا املُرتبطة‬ ‫‪-1‬‬


‫ترمجة نصوصها‪ ،‬وخاصة ترمجتها إىل‬ ‫ِ‬ ‫بخصوص َّية‬ ‫يتحدد اإلطار املنهجي املوجه ملقالنا من خالل اإلجابة‬

‫العربية‪ ،‬التي هي هنا موضوعنا؟‬ ‫عن هذه التساؤالت‪ :‬بأي معنى يمكِن احلديث مع‬

‫ومن أجل مقاربة هذه األسئلة‪ ،‬نعتقد بأنه أوال‪ ،‬ال‬ ‫مجهور الفالسفة عن وجود لغة فلسفية وأخرى غري‬

‫ينبغي أن ُمت َ َار َس ترمجة نصوص الفالسفة إال بعد قراءة‬ ‫فلسفية؟ وما الذي يعنيه القول بأن هناك لغة فلسفية‬

‫املَت ِن اخلاص بالفيلسوف املُراد الرتمجة له‪ .‬وثانيا‪ ،‬أن يتم‬ ‫تتميز عن لغة العلم ولغة األدب ولغة التاريخ ولغة‬

‫قراءة النص الذي هو موضوع الرتمجة ضمن هذا املَتن‪.‬‬ ‫السوسيولوجيا وغريها من التَّخص َصات الفكرية‬

‫ذلك ألن أمهية هاتني اخلطوتني تك ُمن يف كوهنا ُجتنبنا‬ ‫األخرى؟‬

‫أي سوء فهم لألفكار املُراد ترمجتها‪ .‬إذ هبذه العملية‬ ‫وينتُج عن هذين التساؤلني سؤال آخر هو‪ :‬هل لغة‬

‫يتح َّقق أيضا إِم َك ُ‬


‫ان "رفع قلق العبارة الفلسفية"‪،1‬‬ ‫الفلسفة هي بالرضورة لغة االستدالالت والرباهني‬
‫ِ‬
‫و"تقري "‪ 2‬الفلسفات التي يتم إنتاجها يف آفاق لغوية‬ ‫واألَق َ‬
‫يسة‪ ،‬أم أهنا يف احلقيقة لغة استعارية َخطابية‪،‬‬

‫للتوسع بشأن هذه املالحظة يمكن الرجوع إىل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬نعترب بأن مشكل "رفع قلق العبارة الفلسفية"‪ ،‬يقع يف صل‬
‫يف تلخيص أخبار املغرب‪ ،‬تقديم‬ ‫عبد الواحد املراكيش‪ ،‬املعج‬ ‫اهتاممات الفالسفة املسلمني‪ ،‬الذين واجهتهم عند ترمجتهم لنصوص‬
‫ممدوح حقي‪ ،‬حتقيق حممد سعيد العريان‪ ،‬دار الكتاب البيضاء ط ‪.7‬‬ ‫الفلسفة اليونانية‪ ،‬مشكالت املعنى سواء داخل اللغة املُ َ‬
‫رتجم عنها أو‬
‫‪ ،1175‬ص‪.281-282 :‬‬ ‫رتجم إليها‪ .‬وقد قدم لنا الفيلسوف الكندي‬
‫داخل اللغة العربية التي ُي َ‬
‫‪ - 2‬نعترب االهتامم بأمر "تقري " الفلسفة ومعانيها إىل القراء من‬ ‫(‪ 528‬م – ‪ 572‬م)‪ ،‬مثاال ملا جي أن يكُون عليه ِ‬
‫احلرص عىل "رفع‬
‫التي كانت حارضة لدى الفالسفة املسلمني‪ ،‬سواء من‬ ‫اهلواج‬ ‫قلق العبارة الفلسفية"‪ ،‬فوضع مفاهيم عربية مقابلة للمفاهيم اليونانية‬
‫خالل ترمجة مؤلفات اليونان أو من خالل التالخيص والتفسريات‬ ‫جعلت فلسفته واضحة املبنى واملعنى‪ .‬لذلك نرى بأن هذا املشكل‬
‫التي ُأ ِ‬
‫نجزت خالل هذه احلقبة‪ .‬وقد اضطلع هبذه املهمة فالسفة من‬ ‫مرتبط يف العمق بالكتابة الفلسفية‪ ،‬وبتبليغ الفلسفة‪ ،‬الذي هو تبليغ‬
‫املرشق واملغرب‪ ،‬منذ الكندي يف رسائله الفلسفية‪ ،‬وابن سينا‬ ‫ألغراض الفالسفة الذين ن َُرت ِج ُم عنهم‪ .‬ومعروف أن ابن طفيل‬
‫وموسوعة الشفاء (‪ 152‬م‪1227-‬م)‪ ،‬ومصنفات الفارايب‬ ‫ابن‬ ‫(‪ 1111‬م – ‪ 1158‬م)‪ ،‬اشتكى من غموض اللغة التي يكت‬
‫امليتافيزيقية والسياسية‪ ،‬إىل رشوح وتالخيص وخمترصات ابن رشد‬ ‫باجة (‪ 1277‬م ‪ 1250 -‬م)‪ .‬كام أن اخلليفة املوحدي أبو يوسف‬
‫(‪1101‬م‪1115 -‬م)‪ .‬ونحن نعترب يف السياق نفسه أن هذه ‪--‬الغاية‬ ‫يعقوب (‪ 1151‬م ‪1111 -‬م)‪ ،‬اشتكى بدوره إىل ابن طفيل أمر القلق‬
‫هي التي دفعت أيضا بابن حزم (ت‪ 1064 :‬م) إىل تأليف كتاب له‬ ‫امللحوظ يف عبارة املرتمجني املسلمني ألرسطو‪ .‬وقد اعترب اخلليفة أن‬
‫بعنوان "التقري حلد املنطق واملدخل إليه باأللفاظ العامية واألمثلة‬ ‫أعامل هؤالء ال تفي بالغرض منها‪ .‬وال شك أن املقصود هاهنا هو‬
‫الفقهية"‪( ،‬وقد حققه إحسان عباس‪ ،‬دار ‪--‬مكتبة احلياة – بريوت‬ ‫غرض تقري عبارات ومعاين الفالسفة اليونان‪ ،‬وخاصة أرسطو‪ ،‬إىل‬
‫‪ .)1122‬كام أن ابن طفيل (‪ 1111‬م – ‪ 1158‬م)‪ ،‬وهو أحد أملع‬ ‫فهم القارئ العريب‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫و َمعنَى هذه النصوص املُ َ‬


‫رتمجة‪ .‬اليشء الذي ينضاف‬ ‫وثقافية ُمغايرة للغتنا وثقافتنا‪ .‬كام يمكِنُنَا هبذه اخلطوة‬
‫إليه عدم إدراك مضمون النص أو تشويه مضمونه‪.‬‬ ‫ادي االضطراب الذي غالبا ما الحظنا أنه‬ ‫املنهجية َت َف ِ‬
‫ِ‬
‫الفلسفية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النصوص‬ ‫ِ‬
‫ترمجة‬ ‫ِ‬
‫الرغبة يف‬ ‫لذلك نرى أنه عند‬ ‫ُيال َِز ُم بعض الرتمجات‪ ،‬فيجعلها َر ِدي َئة ُم َل َّو َثة هبواج‬
‫ِ‬
‫للفيلسوف‪ .‬ذلك‬ ‫ِ‬
‫أمهية املَت ِن بالنسبة‬ ‫ال ُبدَّ من اعتبار‬ ‫وعواطف املُرتمجني ومعتقداهتم‪.‬‬
‫ألن نصوص الفالسفة ال تُفهم بعيدا عن االرتباط‬ ‫‪-2‬‬
‫ِ‬
‫العيل الذي حيكُم بعضها ببعض‪ :‬هذه الفكرة سابقة عن‬ ‫يف البداية‪ ،‬يمكِن مالحظة ارتباط مشكل ترمجة‬
‫ِ‬
‫والحقة عن األُخرى‪ ،‬ومقدمة أو نتيجة ملا كان‬ ‫تلك‬ ‫نصوص الفلسفة‪ ،‬من اللغة التي ُأنتِ َجت فيها هذه‬
‫سابقا أو صار ِ‬
‫الحقا‪ .‬فاألفكار واألطروحات تُنت َُج‬ ‫النصوص األصلية إىل لغة أخرى مستقبلة هلا‪ ،‬بِكَو ِن‬
‫الفلسفة ت ِ‬
‫َعتمد أساسا عىل املفاهيم يف إنتاج أقواهلا‪.‬‬
‫وت َ‬
‫وحت َيا‪.‬‬ ‫َتطو ُر‪َ ،‬مت ُ ُ‬
‫وتَن ُمو وت َّ‬
‫َيف َّي ِة‬
‫وينتج عن ما سبق أننا غالبا ما نكُون ضحايا للك ِ‬ ‫وإنتاج املفاهيم‪ ،‬أي إبداع املفاهيم بلغة جيل دولوز‬

‫التي نقرأ هبا‪ ،‬ولطبيعة ما نقرأه‪ .‬فالقراءة التي يتم فيها‬ ‫وكواتاري‪ 1‬يطرح مسألة "الشخصية املفهومية"‪ ،2‬التي‬

‫رت النصوص عن سياقاهتا‪ ،‬والَ ت َُرا َعى فيها أمهية املَت ِن‬ ‫غالبا ما تكُون مرتبطة بقراءة وبتأويل فلسفيني للفكر‬
‫َب ُ‬
‫اخلاص بالفيلسوف واالبستيمي اخلاص بالعرص‪ ،‬ال‬ ‫والفلسفة‪ ،‬وللمفهوم الفلسفي‪ .‬اليشء الذي يعني أن‬
‫جمال لالجتهاد‪ ،‬والذي غالبا ما ال‬‫ترمج َة هذه املفاهيم ٌ‬
‫يمكِن أن َينت َُج عنها أي َفه ٍم ُمطابِ ٍق لفكر الفيلسوف‪.‬‬
‫ني ِهن ِائي وكَس ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جرا َء ذلك ضحايا الرتمجات التي نلجأ إىل‬
‫بل إننا نكُون َّ‬
‫ول‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يمكن أن يكُون موضع َيق ٍ َ ٍّ‬
‫بمشكل الطبيعة املفاهيمية للغة الفلسفة مش ٌ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ويرتبط‬
‫قراءهتا‪ ،‬خاصة حني تكُون مصدرنا الوحيد يف املعرفة‬
‫ِ‬
‫بالفلسفة وال نكُون ُملِم َ‬
‫ني باللغة األصلية للنصوص‬ ‫آخر‪ ،‬هو مسأل ُة نَح ُو اللغة األصلية ونَح ُو اللغة املُ َ‬
‫رتجم‬
‫إليها‪ .‬وهذه املسألة إذا كانت يف ما يبدو تِقن ِ َّية‪ ،‬فإن عدم‬
‫رتجم عنها‪ .‬وهذه هي حال كثريين‬ ‫الفلسفية أو اللغة املُ َ‬
‫ٍ‬
‫اختالالت يف َمبنَى‬ ‫إِيال َِئ َها األمهية الالزمة قد ُي َؤدي إىل‬
‫ني) و ُمستعدين اللتِ َها ِم كل ما‬
‫منا‪ُ :‬أحاديي اللغة ( ُم َع َّربِ َ‬

‫كواتاري‪ ،‬ما هي الفلسفة؟ ترمجة‪ :‬مطاع‬ ‫جيل دولوز‪ ،‬وفليك‬ ‫رسالته الشهرية "حي بن يقظان" بدافع‬ ‫الفالسفة املسلمني‪ ،‬كت‬
‫صفدي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت ‪-‬الدار البيضاء ‪ .1117‬ص‬ ‫"تقري " وإشاعة الفلسفة‪ ،‬اليشء الذي جعل منها الكتاب األكثر‬
‫‪.21‬‬ ‫ُشهرة وانتشارا من بعده‪.‬‬
‫‪ - 2‬املصدر السابق‪ ،‬الفصل الثالث‪ :‬الشخصيات املفهومية‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫كواتاري وضعية املفاهيم يف‬ ‫‪ -‬يعالج جيل دولوز‪ ،‬وفليك‬ ‫‪1‬‬

‫‪.77‬‬ ‫الفلسفة‪ ،‬يف كتابه ما هي الفلسفة؟ ومن أجل مزيد من التوسع يف‬
‫املوضوع‪ ،‬يراجع‪ :‬الفصل األول من الكتاب‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪56‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الفلسفي اخلاص بالفيلسوف‪ ،‬وملَن ِز َل ِة النص ضمن هذا‬ ‫ُيرتجم هلم إىل هذه اللغة (سواء كانت اللغة العربية أو‬
‫املَتن‪.‬‬ ‫الفرنسية أو أي لغة ال ُيتقنون ِسواها)‪ ،‬دون أن تكُون‬
‫‪-3‬‬ ‫لدهيم األسلحة الرضورية ملُواجهة ما قد ُيصادفونه من‬
‫مشاكل يف املَبنى واملَعنى!‬
‫كانت مؤسسة بيت احلكمة التي أسسها اخلليفة‬
‫وإذا س َّلمنا بأن الرتمجة فعل حضاري‪ ،‬فإن ما َينت ُُج عن‬
‫العبا‪،‬ي املأمون (‪ 993‬م ‪ 933 -‬م) باملرشق (خالل‬
‫هذا اإلعتبار هو رضورة اعتامد منهجية املُقارنة‬
‫العرص العبا‪،‬ي)‪ ،‬اإلطار الذي ُأ ِ‬
‫نش َئت فيه ُأوىل‬
‫واملُواجهة بني الرتمجات‪ ،‬باعتبارها اختيارات‬
‫الرتمجات اخلاصة بنصوص الفلسفة اليونانية وتراث‬
‫وتأويالت‪ ،‬وإعادة إنتاج للنصوص األصلية يف اللغة‬
‫احلكمة املرشقية‪ .‬كام أنه باإلضافة إىل عمل هذه‬
‫املُرتجم إليها‪ .‬وذلك لكي يكُون قارئ النصوص‬
‫املؤسسة‪ ،‬عرف الغرب اإلسالمي أكرب عملية رشحٍ‬
‫سافات والرهانات التي حتكُم فِع َل‬
‫ِ‬ ‫املُرتمجة واعيا باملَ‬
‫ِ‬
‫ومؤلفات الفلسفة األرسطية التي َمتَّت‬ ‫ِ‬
‫لنصوص‬
‫الرتمجة‪ .‬فالرتمجة هبذا املعنى ال تَن َف ِص ُل عن التَّح ِق ِيق‬
‫ترمجتها من قبل باملرشق العريب‪ .‬وهذه املُه َّمة التي‬
‫ٍ‬
‫وبيداغوجية‪ .‬إذ‪ ،‬غالبا ما يمتد‬ ‫ٍ‬
‫منهجية‬ ‫ٍ‬
‫َّالعتبارات‬ ‫ِ‬
‫إال‬
‫اضطلع هبا فيلسوف قرطبة ومراكش‪ ،‬أبو الوليد حممد‬
‫عمل املُرتجم واملُحقق الستعامل وسائل عمل يبدو أهنا‬
‫بن أمحد بن رشد (‪4423‬م‪4479 -‬م) ‪ ،‬وكان هدفها‬
‫‪1‬‬

‫َختُص الواحد منهام دون اآلخر‪ .‬لذلك ال ُبدَّ للمرتجم‬


‫املُع َلن هو ''رفع قلق عبارة أرسطو'' ‪ .‬وقد حت َّق َق هذا‬
‫الرت ُمجية‪ ،‬وأن َيعت َِمدَ‬
‫من أن يكُون ُمقنِعا يف اختياراته َّ‬
‫‪2‬‬

‫املرشوع احلضاري بإيعاز من أيب يعقوب يوسف‬


‫وحات ُمضي َئ ٍة للنص‪.‬‬‫ٍ‬ ‫عىل هامش النص املُ َرت َجم‪ُ ،‬رش‬
‫املوحدي (‪4435‬م ‪4491-‬م)‪ ،3‬وحتت إرشاف‬
‫وهي حوايش يمكِنها أن تستفيد من قراءات اآلخرين‬
‫ٍ‬
‫فريد يف التاريخ اإلسالمي هو ابن طفيل‬ ‫ٍ‬
‫فيلسوف‬
‫للنص املُراد ترمجته‪ ،‬ومن خالل قراءته هو َ‬
‫للمتن‬
‫(‪4441‬م‪4495 -‬م)‪ .4‬وقد نتجت عن هذا العمل‬

‫سنة ‪558‬هـ‪ .‬حكم من ‪1184‬حتى وفاته يف مراكش عام ‪1199‬‬ ‫‪ - 1‬هو أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد بن أمحد بن رشد‬
‫املوافق لــ‪595 :‬هـ‬ ‫(احلفيد)‪ .‬عاش بني سنوات‪ 802( ،‬هـ‪ 818 -‬هـ) املوافق لــ ‪14‬‬
‫‪ - 4‬أبو بكر حممد بن عبد امللك بن حممد بن حممد بن‬ ‫إبريل‪ 1126‬م‪ ،‬بقرطبة وتويف ‪ 10‬دجنرب‪ 1198‬م‪ ،‬بمراكش‪.‬‬
‫طفيل القييس األندليس عاش بني سنوات ‪1100‬م ‪1185 -‬م‪ .‬من‬ ‫‪ - 2‬انظر أعاله‪ :‬اهلامش رقم ‪ 1‬و ‪.0‬‬
‫أشهر مؤلفاته رسالة حي ين يقظان الشهرية بعمقها النظري‬ ‫‪ - 3‬هو أبو يعقوب يوسف بن أبى حممد عبد املؤمن بن عيل القيسى‬
‫والفلسفي وقدرهتا عىل إثارة العديد من الرتمجات والتحقيقات‬ ‫سنة ‪533‬هـ‪ ،‬وتوىل‬ ‫الكومى ولد يف تينمل باملغرب يف شهر رج‬
‫الدولة‪ ،‬يف مجادى اآلخرة‬ ‫احلكم بعد وفاة أبيه «عبد املؤمن» مؤس‬
‫‪57‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪-4‬‬ ‫الرش ِدي نامذج ثالثة يف رشح النص الفلسفي‬


‫ترتبط برتمجة نصوص الفلسفة الغربية إىل العربية‬ ‫األرسطي هي‪ :‬املُخترصات والرشوح الصغرى ثم‬
‫إشكالية صميمة هي إشكالية اختيار النصوص‪.‬‬ ‫الرشوح الكربى‪.1‬‬
‫والسؤال هو ماهي العوامل التي تتحكَّم يف هذا‬ ‫ويف السياق نفسه‪ ،‬يمكِن مالحظة األعامل الفلسفية‬
‫اه ِن‬ ‫ِ‬
‫أسئلة الر ِ‬ ‫االختيار؟ وهل َين ُب ُع هذا االختيار من‬
‫َّ‬ ‫للكندي (‪ 915‬م – ‪ 993‬م)‪ ،‬والذي أنتج من خالهلا‬
‫الفلسفي ببالدنا أم أن هذا اإلختيار نابع فقط من‬ ‫رسائل ِ‬
‫تعتمد قاموسا خاصا هبا‪ ،‬وكأنه ال يركن إىل‬
‫اهتاممات املُشتغلني باحلقل الفلسفي؟ فنحن ال نملك‬ ‫إكراهات ''قلق العبارة اليونانية''‪ .‬بل إن الكندي عمل‬
‫ما يكفي من املؤسسات الفكرية والفلسفية التي جتعل‬ ‫من أجل االستِفادة ال ُقصوى من اإلمكانيات اهلائلة‬
‫ٍ‬
‫نصوص بعينها من أجل الرتمجة‪ ،‬إىل‬ ‫من مهامها اختيار‬ ‫ِ‬
‫يح َها اللغة العربية‪ ،‬فأبدع بذلك عبارات‬ ‫التي تُت ُ‬
‫احلد الذي يمكِننا معه القول بأن لدينا صناعة ثقافية‬ ‫ومفاهيم مثل األَي ِ وال َّلي ِ وا َمل ِائ َّي ِة وغريها‪.‬‬
‫وموسم ثقايف‪ .‬لذلك‪ ،‬أم َكن لنا القول بأن ما لدينا هو‬ ‫واملالحظ أنه بالرغم من كونه مل يكُن يعرف اللغة‬
‫نوع من تفاعل بعض اجلامعيني بام هو ِ‬
‫شائع يف‬ ‫ني كَونِه كان يتفاعل مع‬
‫اليونانية‪ ،‬فإن أعامله الفلسفية تُبِ ُ‬
‫األوساط الثقافية والفلسفية بالعاملني الفرنكفوين أو‬ ‫همها و''تَب ِيئَتِ َها''‪.‬‬
‫الرتمجات الرائجة يف َزمن ِ ِه ويبدع يف َف ِ‬
‫َ ُ ُ‬
‫األنجلوساكسوين من أفكار ومؤلفات‪ .‬اليشء الذي‬ ‫وإذا كانت الغاية املرسومة لعمليات الرتمجة يف القديم‬
‫َيلزم عنه أن هذه الرتمجات غالبا ما تكُون عبارة عن‬ ‫هي تبليغ ما متَّت ترمجته إىل العربية‪ ،‬بلغة دقيقة‪ ،‬سواء‬
‫ترمجات انتقائية‪.‬‬ ‫يف عناوينه أو يف مفاهيمه‪ ،‬تركيباته اخلطابية أو بناءاته‬
‫ولعل ما يمكُننا مالحظته بشأن العديد من نصوص‬ ‫احلجاجية‪ ،‬فإن هذا الرهان ما كان له ليتحقق دون‬
‫الفلسفة ا ُمل َ‬
‫رتمجة إىل العربية‪ ،‬والتي ُقلنَا عنها بأهنا‬ ‫وجود اسرتاتيجية كانت حتكم فعل الرتمجة باعتبارها‬
‫كوهنا ال تعكِ اإلملام الرضوري لدى بعض‬ ‫انتقائية‪ُ ،‬‬ ‫كتابة َشا َّق ٍة‪ .‬اليشء الذي ُيمكِنُنَا معه القول بأن‬
‫ٍ‬ ‫فِع َل‬
‫املُرتمجني باملَتن األصيل للفيلسوف املُرت َجم عنه‪ .‬كام أهنا‬ ‫اعتامد املُنطلقات األساسية ملرشوع الرتمجة‪ ،‬رهان‬
‫يش‬‫يف العديد من األحيان يتم التَّص ِد ُير هلا‪ ،‬أو التَّه ِم ُ‬
‫ُيض ِفي عىل املدخل الذي يتصدَّ ر الرتمجات‪ ،‬دورا‬
‫فيصري َخلِيطا‬
‫ُ‬ ‫اهن ِ ِه‪،‬‬
‫عىل قضاياها‪ ،‬بكال ٍم يل َقى عىل َعو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وظيفيا وتأسيسيا هلذه الكتابة الشاقة‪.‬‬

‫‪ - 1‬مجال الدين العلوي‪ ،‬املتن الرشدي‪ ،‬مدخل لقراءة جديدة‪،‬‬ ‫والدراسات من أجل بيان قيمتها الفلسفية والثيولوجية‪ .‬وقد كت‬
‫الفصل الثالث‪ ،‬دار توبقال للنرش والتوزيع‪.1151 ،‬‬ ‫أيضا األرجوزة يف الط ‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املربز يف اللغة العربية‪ ،‬ترمجته اخلاصة لكتابه يف سنة‬ ‫للرف ِع من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األفكار القومية التي تَس َعى بأي وسيلة َّ‬ ‫من‬
‫‪ ،4775‬كانت الفرتة الزمنية الفاصلة بني الرتمجتني‪،‬‬ ‫القومية وللرت ِ‬
‫اث‬ ‫ِ‬ ‫وب العواطف املُ َمجدة لألنا‬‫َمن ُس ِ‬

‫هي ِستَّ َة وعرشون سنة من بعد صدور ترمجة حممد‬ ‫الفكري والفلسفي اإلسالمي‪ .‬وفضال عن ذلك‪،‬‬
‫عيتاين‪ ،‬وتِس َع َة وعرشون سنة من تأليفه له باللغة‬ ‫الرتمجات ال تَصدُ ُر عن‬
‫نعتقد بأن العديد من هذه َّ‬
‫الفرنسية‪ ،‬كافية كَي َيظ َه َر لعبد اهلل العروي بأن ترمجة‬ ‫اختيار منهجي يتم تربيره‪.‬‬
‫حممد عيتاين ال ت َِفي بِال َغ َر ِ‬
‫ض‪ .‬فهي يف نظره ترمجة َملِي َئ ٌة‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬تعترب حالة مؤ َّلف "اإليديولوجيا‬
‫باألخطاء ومل تتو َّفق يف بلوغ غرضها وغرض املؤلف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العربية املعارصة" للدكتور عبد اهلل العروي‪ ،1‬مثاال‬
‫كام أهنا ال ختضع حتى ألبسط قواعد البيان العريب‪ .4‬إن‬ ‫ُمقلِقا بشأن قيمة األعامل التي يتم تقديمها إلينا باللغة‬
‫قرار األستاذ عبد اهلل العروي إصدار ترمجة شخصية‬ ‫العربية باعتبارها ترمجات للنصوص الفكرية‬
‫ني عن حمدودية‬ ‫ملؤ َّل ٍ‬
‫ف َك َت َب ُه هو نفسه باللغة الفرنسية‪ ،‬تُبِ ُ‬ ‫والفلسفية‪ .‬فقد صدر الكتاب (اإليديولوجية العربية)‬
‫أطروحة األصل والنسخة التي يتحدَّ ث عنها العديد‬ ‫باللغة الفرنسية سنة ‪ ،24739‬وصدرت ترمجته إىل‬
‫من املُهتمني بإشكاليات الرتمجة‪ .5‬وإذا كان غرض‬ ‫العربية من طرف السيد حممد عيتاين يف سنة ‪.34791‬‬
‫األستاذ العروي هو االستدراك عىل ترمجة حممد عيتاين‪،‬‬ ‫وحني أصدر األستاذ عبد اهلل العروي‪ ،‬وهو األستاذ‬

‫ِ‬
‫لغايته‪،‬‬ ‫عادية‪ .‬لقد امتدَّ ت أخطاء هذه الرتمجة لتجعل منها نَّصا َف ِ‬
‫اقدا‬ ‫ٍ‬
‫ًّ‬ ‫‪ - 1‬عبد اهلل العروي‪ ،‬اإليديولوجيا العربية املعارصة‪ ،‬ترمجة عبد اهلل‬
‫َري‬ ‫خصوصا وأن املُ ِ‬
‫رتجم ‪-‬يف نظر األستاذ عبد اهلل العروي‪ -‬مل َي ُقم بِغ ِ‬ ‫العروي‪ ،‬املركز الثقايف العريب الدار البيضاء ‪.1886‬‬
‫ف نفسه عناء البحث عن األصول‬
‫النص دون أن ُيكَل َ‬ ‫تعري‬ ‫‪2‬‬
‫‪- A. Laroui, L'Idéologie arabe contemporaine :‬‬
‫‪Essai Critique, éd. Maspero, Paris, 1967, réed.‬‬
‫وإثباهتا‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪La Découverte, Paris, 1982.‬‬
‫عبد اهلل العروي‪ ،‬اإليديولوجيا العربية املعارصة‪ ،‬ترمجة عبد اهلل‬ ‫‪ - 3‬عبد اهلل العروي‪ ،‬اإليديولوجيا العربية املعارصة‪ ،‬تعري حممد‬

‫العروي‪( ،‬مصدر مذكور)‪ ،‬صص‪.10-8-9 .‬‬ ‫عيتاين‪ ،‬تقديم مكسيم رودنسون‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار احلقيقة للطباعة‬
‫والنرش ‪.1172‬‬
‫‪ -5‬كت اجلاحظ (ت ‪ 515‬م)‪ ،‬يف كتاب احليوان عن مشكل األصل‬
‫‪ - 4‬أحىص عبد اهلل العروي يف مقدمة ترمجته لكتابه اإليديولوجيا‬
‫والنسخة يف الرتمجة‪ُ ،‬معلِيا من قيمة األصل قياسا إىل ما ُمتَث ُل ُه النسخة‪.‬‬
‫العربية املعارصة‪ ،‬األخطاء التي وقع فيها املُرتجم األول ملؤلفه‪َ ،‬فبَ َّ َ‬
‫ني‬
‫ففي نظره يظل عمل الرتمجان عمال تقصرييا بالرضورة والطبع‪.‬‬
‫أهنا أخطاء تصل يف مواضيع كثرية إىل حد قل معنى النص‪ .‬وفضال‬
‫فاملرء يف نظر اجلاحظ‪ ،‬يشق عليه اإلحاطة بلغتني فأكثر‪ .‬انظر‪:‬‬
‫عن ذلك‪ ،‬يرى أن يف ترمجة حممد عيتاين أخطاء َ ُهتم االشتقاقات اللغوية‬
‫اجلاحظ‪ ،‬كتاب احليوان‪ ،‬حتقيق حممد عبد السالم هارون‪ ،‬دار اجليل‪،‬‬
‫والضامئر واألفعال والنعوت‪ .‬ومثلام شملت هذه األخطاء فهمه‬
‫‪ ،1188‬اجلزء األول‪ ،‬صص‪71-78 .‬؛ واجلزء السادس‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫ٍ‬
‫لعبارات‬ ‫حلروف الربط واالستثناء‪ ،‬شملت أيضا فهمه العادي‬
‫‪59‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫السبينوزية موضوعا هلا‪ .‬غري أن املُرتجم جالل الدين‬ ‫فإنه مع ذلك مل َي ِقف عند هذا احلد‪ .‬فقد اعترب أن ما‬
‫سعيد‪ ،‬حرص يف التقديم الذي اعتمده لرتمجته عىل ِذكر‬ ‫ِ‬
‫لرغبته يف أن يكُون القارئ العريب عىل‬ ‫حتقيق‬
‫يقوم به هو ٌ‬
‫األسباب الكامنة وراء اختياره للعنوان العريب‪.3‬‬ ‫وألو ِل َم َّر ٍة عىل مؤ َّلفه اإليديولوجيا‬
‫َّ‬ ‫ال ٍع ُم َب ِ ٍ‬
‫ارش‪،‬‬ ‫اط َ‬
‫الكتاب حتت‬ ‫سيرتجم الدكتور أمحد العلمي نف‬ ‫العربية املعارصة يف طبعته العربية ‪.1‬‬
‫عنوان مغاير هو ''اإلتيقا''‪ ،4‬وسيعرض يف تقديم هام‬ ‫وبعيدا عن مثال الدكتور عبد اهلل العروي‪ ،‬نتناول‬
‫تصدَّ ر به ترمجته‪ ،‬ملربرات اختياره هلذا النص‪ ،‬من‬ ‫نموذجا آخر للرتمجة يف الفلسفة‪ .‬يتعلق األمر برتمجة‬
‫خالل عرضه ألهم الدراسات السبينوزية واجتاهاهتا‪،‬‬ ‫كتاب ''اإلتيقا'' لسبينوزا إىل اللغة العربية‪ .‬وبالرغم من‬
‫ومن خالل تناوله أيضا بالتقويم حلدود الرتمجة العربية‬ ‫ضيق احلَي ِز اخلاص هبذا املقال‪ ،‬وما َينت ُُج عن ذلك من‬
‫السالفة الذكر لإلتيقا‪ .‬وسيالحظ قارئ هذه الرتمجة أن‬ ‫عدم إمكانية التفصيل واملقارنة بني النسختني العربيتني‬
‫الدكتور العلمي أغنى هذه الرتمجة باهلوامش التي جتعل‬ ‫لرتمجة كتاب اإلتيقا‪ ،‬فإننا ونحن نوجه القارئ إىل أمهية‬
‫القارئ ي َّطلِع عىل السبينوزية والدراسات املُرتبطة هبا يف‬ ‫ترمجة هذا النص‪ ،‬ندعوه أيضا إىل مراجعته حتى يتبني‬
‫تعددها واختالفها‪ ،‬اليشء الذي يمكِن من خالله َت َب ُ‬
‫ني‬ ‫له أمهية النص‪ ،‬وأمهية مالحظاتنا حول الرتمجتني‬
‫موقف واجتاه الدكتور أمحد العلمي من هذه‬ ‫العربيتني التي بني أيدينا‪.‬‬
‫َجدُ يف آخر هذه الرتمجة‬ ‫الدراسات‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬ن ِ‬ ‫فقد صدرت الرتمجة األوىل لكتاب سبينوزا مع الدكتور‬
‫معجام غنيا‪َ ،‬ين ِم عن َكو ِن األستاذ أمحد العلمي أحد َأملَ ِع‬ ‫جالل الدين سعيد بعنوان ''علم األخالق''‪ ،2‬مقابل‬
‫السبينوزيني املعارصين الذي ينبغي للجامعة املغربية أن‬ ‫املفهوم الفرنيس »‪ ،«Ethique‬الذي هو العنوان‬
‫تفتخر هبم‪.‬‬ ‫األصيل ملؤلف سبينوزا‪ .‬وكانت هذه أول ترمجة عربية‬
‫لذلك يمكن القول بأن هذه الرتمجة ختتلف عن الرتمجة‬ ‫َتصدُ ُر بعد ثالثة قرون عىل تأليف سبينوزا لكتاب‬
‫التي أنجزها جالل الدين سعيد‪ ،‬ال فقط من حيث‬ ‫اإلتيقا‪ .‬وجدير باملالحظة أن هذه الرتمجة ال تتوفر ال‬
‫املفاهيم املختلفة التي اختارها العلمي‪ ،‬ولكن أيضا من‬ ‫عىل احلوايش وال عىل أي إشارة للقراءات التي اختذت‬

‫‪ - 3‬املصدر السابق‪ ،‬الصفحات‪ 02-00- 01 :‬و‪.07‬‬ ‫‪ - 1‬عبد اهلل العروي‪ ،‬اإليديولوجيا العربية املعارصة ‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪ - 4‬سبينوزا‪ ،‬اإلتيقا‪ ،‬ترمجة وتقديم الدكتور أمحد العلمي‪ ،‬ط‪:1 .‬‬ ‫‪.11‬‬
‫إفريقيا الرشق ‪.0212‬‬ ‫‪ - 2‬سبينوزا‪ ،‬علم األخالق‪ ،‬ترمجة جالل الدين سعيد‪ ،‬مراجعة‬
‫‪ ،1111‬وأعيد طبعه من طرف املنظمة العربية‬ ‫جورج كتورة‪ ،‬تون‬
‫للرتمجة سنة ‪.0221‬‬
‫‪60‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫فلسفي آخر مغاير‬


‫ٍّ‬ ‫العلمي‪ ،‬ألهنا ال تَر ِمي بنا نحو ِسج ٍّل‬ ‫خالل ما متتاز به هذه الرتمجة من َح َذ ٍر‪ ،‬يظهر َجلِ ًّيا‬
‫للسبينوزية‪ ،‬كالسين َِو َّي ِة (نسبة إىل ابن سينا)‪ .‬اليشء‬ ‫للباحث املُهتم بالسبينوزية‪ .‬ولعل مقارنة قضية واحدة‬
‫الذي َيد َف ُعنَا أيضا إىل القول بأمهية املُقارنات بني النص‬ ‫(القضية ‪ )44‬من اجلزء األول من كتاب اإلتيقا‬
‫أمهية َت َعد ِد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تأكيد‬ ‫األصيل وترمجاته‪ .‬كام يدفعنا إىل‬ ‫لسبينوزا‪ ،1‬كافية لل َّتنبِ ِيه إىل اختالالت الرتمجة التي وقع‬
‫ِ‬
‫الرتمجات التي قد خيضع هلا النص الواحد‪ .‬ففي فرنسا‬ ‫فيها األستاذ جالل الدين سعيد‪ ،‬حني تَر َج َم هذه‬
‫مثال نجد أن هناك ترمجات ملُت ِ‬
‫ُون الفالسفة ُتعرف‬ ‫القضية كام ييل‪:‬‬
‫بأصحاهبا وبِدُ ِ‬
‫ور النرش الصادرة عنها‪ .‬بينام يظل األمر‬
‫ٍ‬
‫الحمدود من‬ ‫''اهلل ‪ -‬أعني جوهرا يتأ َّلف من ٍ‬
‫عدد‬
‫حمدودا عندنا يف اللغة العربية‪ ،‬حيث َي ُسو ُد َنو ٌع من‬ ‫ٍ‬
‫أزلية‬ ‫ٍ‬
‫ماهية‬ ‫ٍ‬
‫واحدة عن‬ ‫فات املُعرب ِة كل‬
‫الص ِ‬
‫االعتقاد بأن جمرد إنجاز ترمجة واحدة ٍ‬
‫كاف العتبار أننا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫والمتناهية ‪َ -‬و ِ‬
‫الوجود''‪.2‬‬ ‫اج ُ‬
‫هناك‬ ‫نتو َّفر عىل نص الفيلسوف وأنه يف ما يبدو لي‬ ‫بينام نجد األستاذ أمحد العلمي يرتمجها باآليت‪:‬‬
‫رضورة إلنجاز ترمجة أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صفات‬ ‫جوهر يتأ َّلف من‬ ‫آخر‬
‫ٌ‬ ‫''اهلل‪ ،‬وبتعبري َ‬
‫‪-2‬‬ ‫ماهية ٍ‬
‫أزلية ال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة منها تعرب عن‬ ‫ٍ‬
‫المتناهية‪ ،3‬كل‬
‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬كيف يمكِن ممارسة نقد هذه‬
‫ِ‬
‫بالرضورة''‪.4‬‬ ‫ٍ‬
‫متناهية‪ ،‬موجود ٌة‬
‫النصوص التي ت َِص ُلنَا إىل لغتنا العربية عرب الرتمجة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫واملالحظ أن هناك تباينا بني الصيغتني العربيتني لرتمجة‬
‫لغات‬ ‫ونحن نَع ِر ُف َها يف لغتها األصلية أو من خالل‬
‫يف ال ُعمق فهم‬ ‫قضية واحدة‪ .‬وهو تباين نرى بأنه َي ُم‬
‫أخرى غري لغتنا املُ َ‬
‫رتجم إليها؟ وملاذا ال خيضع النص‬
‫فلسفة سبينوزا‪ ،‬باعتبارها فلسفة تقول باملُحايثة يف‬
‫الفلسفي الواحد يف لغتنا لرتمجات عديدة‪ ،5‬إال نادرا؟‬
‫الوجود‪ .‬ويظهر لنا هاهنا تفوق ترمجة الدكتور أمحد‬

‫‪ - 3‬يقول الدكتور أمحد العلمي يف اهلامش‪ '' :‬استعملنا مفهوم " ال‬
‫‪- PROPOSITION XI : « Dieu, autrement dit une substance consistant en une 1‬‬
‫‪infinité d’attributs, dont chacun exprime une essence éternelle et infinie, existe‬‬

‫متناهي" للداللة عىل كلمة ‪.infini‬‬ ‫‪nécessairement ». Voir :‬‬


‫‪B. Spinoza, ETHIQUE, Trad. A. Guérinot, est parue aux Éd. d’art É. Pelletan, Paris,‬‬
‫‪ - 4‬يقول الدكتور أمحد العلمي عىل هامش هذه القضية‪ '' :‬موضوع‬ ‫‪en 1930. Paris, éd. Ivrea, 1993.‬‬

‫هذه القضية وموضوع براهينها والتعليق التابع هلا هو تقديم براهني‬


‫‪- PROPOSITION XI: « Dieu, c'est-à-dire une substance constituée par‬‬
‫‪une infinité d'attributs, dont chacun exprime une essence éternelle et‬‬

‫وجود اهلل''‪.‬‬ ‫‪infinie, existe nécessairement ». Voir :‬‬


‫‪- B. Spinoza, ETHIQUE. Trad. et Introduction générale R. Misrahi, éd.‬‬
‫‪ - 5‬يقول بول ريكور يف كتابه ''حول الرتمجة'' ‪ ،‬املقالة األوىل‪'' :‬حتدي‬ ‫‪de l'Éclat, Paris-Tel-Aviv, 2005.‬‬

‫الرتمجة وسعادهتا''‪ ،‬وهو حمارضة ألقاها يف ‪ 18‬أبريل ‪ 1117‬باملعهد‬ ‫‪ - 2‬سبينوزا‪ ،‬علم األخالق‪ ،‬ترمجة جالل الدين سعيد (مصدر‬
‫التارخيي األملاين‪:‬‬ ‫مذكور)‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ألسننا‪ ،‬فإن ذلك ما جيعل من الرتمجة دوما‬


‫بعد "بلبلة" ُ‬ ‫يف اعتقادي أن اإلجابة عن هذين السؤالني بسيط‬
‫رهانا تتعدَّ د مقاصده‪ .‬غري أن رهان الرتمجة ك ََأي ِره ٍ‬
‫ان‪،‬‬ ‫للغاية‪ ،‬وهو أننا ما ِزلنَا مل نفهم بعد بأن الرتمجة اجليدة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يتعلق باملستقبل الفكري واحلضاري ملن خيتارها وسيلة‬ ‫ٌ‬
‫امتالك له‪ .‬كام أهنا متري ٌن أكاديمي ومنهجي‬ ‫للنص هي‬
‫لالنفتاح عىل فكر اآلخر‪ .‬وهو عندنا رهان ترمجة‬ ‫يضع املُرتمجني أمام مسؤولية اختياراهتم‪ ،‬التي ينبغي أن‬
‫نصوص فلسفة اآلخر وعلومه إىل لغتنا العربية‪.‬‬ ‫ُينظر إليها باعتبارها تأويالت قد َختتلف وتتصارع من‬
‫انطالقا من ذلك‪ ،‬نعترب أن اللغة التي يتم هبا صياغة‬ ‫أجل إثبات قيمتها‪ ،‬ما دامت هذه االختيارات ليست‬

‫النصوص الفلسفية وغري الفلسفية‪ ،‬تستمد‬ ‫َح ًّال تِقن ِ ًّيا ِهن ِائ ًّيا‪ .‬لذلك‪ ،‬فإصدار الرتمجات ال ينبغي‬

‫مقوماهتا من التوجهات الفكرية والثقافية‬ ‫النظر إليه باعتباره عمال معزوال بل إنه عمل أكاديمي‬
‫والتارخيية ألصحاهبا‪ ،‬إن مل نقل إهنا تت ِ‬
‫َّخ ُذ‬ ‫مرتبط باملَتن والسياق اخلاصني بالفيلسوف‪ .‬وهذا ما‬
‫َيد َف ُعنَا إىل طرح التساؤل التايل‪ :‬بأي معنى يمكِن‬
‫مذاهبهم ومعتقداهتم أساسا لتوجهاهتا‪ .‬كذلك يتم‬
‫ِ‬
‫النصوص‬ ‫ِ‬
‫ترمجة‬ ‫ٍ‬
‫جوهرية بني‬ ‫احلديث عن ُفر ٍ‬
‫وق‬ ‫ُ‬
‫فعل الرتمجة بالنَّظر إىل ما حيكُم لغة املُرتمجني (لغة‬
‫ِ‬
‫واألدب عموما؟ ‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫الرواية‬ ‫ِ‬
‫نصوص‬ ‫ِ‬
‫وترمجة‬ ‫ِ‬
‫الفلسفية‬
‫االنطالق ولغة االستقبال) من توج ٍ‬
‫هات‪ .‬وال شك‬
‫ال شك أن بني نصوص الفلسفة ونصوص األدب‬
‫أن هذه األمور ِممَّا ُي َعقدُ ُم َهم َة املرتجم‪ ،‬خصوصا‬
‫متفصالت‪ ،‬لكنها ال تلغي التاميز الذي هو يف الواقع‬
‫حني جيدُ نفسه أمام الت ِ‬
‫َّوجيه املُزدوج الذي َحيكُم‬
‫ناتج عن طبيعة تشكل اخلطابني‪ .‬لذلك يمكُنني القول‬
‫عمله‪ ،‬وينبغي له أن َي ِع َيه حتَّى ال يذه عمله‬
‫بأنه إذا كانت أحوالنا الوجودية‪ ،‬بوصفنا كائنات‬
‫ُسدى‪ .‬فاللغة التي يعتمدها املُرتجم‪ ،‬هي غالبا ما‬
‫وزعني‬‫حمكومة بوضعية االرتباك النامجة عن كَونِنَا ُم َّ‬
‫تكُون لغة ُمش َب َعة بام هو عقائدي وايديولوجي! وقد‬ ‫ات عاملِنا املَن ُظور‪ ،‬هي التي َتف ِر ُض‬
‫َرشين َعرب ِجه ِ‬
‫و ُمنت ِ ِ‬
‫َ َ‬
‫يترسب إىل املَت ِن مفهوم له َن َف ٌ عقائدي‬
‫حيدث أن َّ‬ ‫علينا مهمة الرتمجة‪ ،‬متاما مثلام تقتضيها أيضا وضعيتنا‬

‫وحافظ فيه عىل عدد الكلامت واألسطر والصفحات نفسها‪.‬‬


‫‪« Il faut peut-être même dire que c'est dans la retraduction qu'on observe le mieux‬‬
‫‪la pulsion de traduction entretenue par l'insatisfaction à l'égard des traductions‬‬

‫والسؤال هو‪ :‬هل استطاع فعال أن ينجح يف حتدي الرتمجة الذي يبدو‬ ‫‪existantes. ». P. 15.‬‬
‫‪- P. Ricoeur, Sur LA TRADUCTION, (Défi et bonheur de la traduction), éd.‬‬
‫أنه ينحرص هنا بالنسبة للم ِ‬
‫رتجم عند ترمجة ما هو غري قابل للرتمجة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪Bayard, 2004.‬‬
‫‪- François Dédier, Entendre Heidegger et autres exercices d’éco ute, éd. Le grand 1‬‬
‫أنظر‪:‬‬ ‫‪souffle, 2008.‬‬

‫حممد صالح يارة‪ ،‬حدود الرتمجة‪ ،‬جملة العرب والفكر العاملي‪ ،‬العدد‬ ‫من املعروف أن فالديمري فينيامينوفيتش بيبيخني (‪-1125‬‬
‫املزدوج ‪ .27,25‬النارش‪ :‬مركز اإلنامء القومي ‪.0211‬‬ ‫‪ ،)0221‬تَر َج َم ملارتن هايدجر الوجود والزمان إىل اللغة الروسية‪،‬‬
‫‪62‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫احلالية‪ ،‬كام نقرأ يف إحدى قضايا اجلزء الثالث من‬ ‫أو أيديولوجي‪ ،‬فيتم ترمجته و"فلسفته" َكي يصري‬
‫اإلتيقا‪.2‬‬ ‫فرتض‪.‬‬ ‫ُمقنِعا للقارئ املُ َ‬
‫كام أن مرتجم كتاب جيل دولوز سبينوزا ومشكلة‬ ‫‪-6‬‬

‫التعبري‪Spinoza et le problème de ( 3‬‬


‫يعترب موضوع اختيار املفاهيم الفلسفية املطابقة للغة‬
‫‪ )l’expression‬يسقط يف ُمشكل َنع َت ِقدُ بأنه مرتبط‬
‫الرتمجة من القضايا ذات األمهية القصوى املحددة‬
‫بفهم سبينوزا وفهم قراءة دولوز لسبينوزا‪ .‬لقد أساء‬
‫للتوفيق يف ترمجة النصوص الفلسفية‪ .‬وقد أشار‬
‫املُرتجم فهم الفيلسوفني فوقع يف مشاكل َأ َ َّ‬
‫رضت‬
‫مثال "شارل أبون"‪ 1‬عىل هامش ترمجته للرسالة‬
‫كثريا بام يقصده دولوز يف كتابه السالف الذكر‪ .‬وإين‬
‫الالهوتية السياسية‪ ،‬يف الفقرة األوىل من الفصل‬
‫مثال وا ٍ‬
‫حد هو ترمجته ملفهوم‬ ‫إذ أكتفي هاهنا بِ ِذك ِر ٍ‬
‫السادس عرش‪ ،‬إىل أنه لِكَي يتم فهم فكر سبينوزا يف‬
‫ني إىل َأي حدٍّ تعكِ‬
‫(‪ )Mode‬بالنمط‪ ،‬فلكي ُأ َب َ‬
‫َ‬
‫هذا الفصل‪ ،‬ينبغي الوعي بأمهية التمييز بني معنى‬
‫هذه الرتمجة املزعومة نموذجا ملا ِ‬
‫يمكن أن يكُون‬
‫حق طبيعي (‪ )Jus naturale‬التي يتم ترمجتها خطأ‬
‫عليه اخلَ َل ُل يف ترمجة الفلسفة‪ .‬فحني يستسهل‬
‫يف الفرنسية (‪ .)Droit naturel‬فاحلق الطبيعي‬
‫املرتجم التعامل مع املفهوم الفلسفي‪ ،‬ويعترب ترمجته‬
‫قوة أو سلطة (‪ )Pouvoir‬رشعية يمتلكها‬ ‫لي‬
‫ومسألة تقنية‪ ،‬تكُون النتيجة‬ ‫ُجم َ َّر َد عملية تعري‬
‫اإلنسان‪ .‬ففي الطبيعة ال جمال للحديث عن‬
‫استحالة فهم غرض النص واستحالة رفع قلق‬ ‫ِ‬
‫مرشوعية َأي قوة من عدمها‪ .‬فاحلق الطبيعي هو‬
‫عبارته ومعناه‪.‬‬ ‫حق السلوك ِوف َق قوانني الطبيعة ِ‬
‫ووفقا لقوانني‬
‫ِ‬
‫مشكالت ترمجة املفهوم‪ ،‬نورد مسألة‬ ‫وفضال عن‬
‫الطبيعة اخلاصة للفرد‪ .‬إنه معنى آخر للحق يف حفظ‬
‫أخرى تتعلق بال َّترصف يف النص األصيل (األصل‬
‫الفرد لوجوده واالستمرار فيه باعتباره ماهيته‬
‫الفرنيس) املُراد ترمجته إىل العربية‪ .‬فمثال نجد‬
‫املرحوم حسن حنفي يترصف يف النص األصيل‬

‫‪1‬‬
‫‪3 - G. Deleuze, Spinoza et le problème de‬‬ ‫‪- B. Spinoza ; Traité Théologico-politique,‬‬
‫‪l’expression, éd. Minuit, 4739.‬‬ ‫‪Trad. et notes par Ch. Appuhn, éd. Flammarion‬‬
‫وقد متت ترمجته إىل العربية بعنوان‪ :‬سبينوزا ومشكلة التعبري‪ ،‬ترمجة‬ ‫‪1965. Chap. XVI. Note 1. P. 372.‬‬
‫‪ - 2‬سبينوزا‪ ،‬اإلتيقا‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬القضية ‪ .7‬الربهان؛ والقضية ‪.5‬‬
‫للنرش والتوزيع القاهرة ‪.0221‬‬ ‫أنطوان محيص‪ ،‬دار أطل‬
‫‪63‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أيضا‪ -‬فعال للتفلسف‪ .‬والتفلسف كام يرى دولوز‬ ‫بِحذ ِ‬


‫ف بعض العبارات‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة‬ ‫َ‬
‫وكواتاري هو التفكري عىل الطريقة التي َت َرى بأن‬ ‫لـعبارة ‪(les déments et les gens sains‬‬

‫املفاهيم إبداع فلسفي حمض‪.3‬‬ ‫)‪ .1d’esprit‬باإلضافة إىل هذا املسألة‪ ،‬هناك مشكل‬
‫مكنه أن جيعلنا ب ِ‬
‫عيدين عن‬ ‫وإذا كان هذا األمر ِمما ي ِ‬ ‫اللغة التي يعتمدها املرتجم الدكتور حسن حنفي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫فكرة األصل والنسخة‪ ،‬املحاكاة ونظرية املحاكاة‪،‬‬ ‫فسواء يف املقدمة أو احلوايش عىل الرتمجة‪ ،‬يعتمد‬
‫فهو جيعل من الرتمجة والفلسفة‪ ،‬ومن الكتابة‬ ‫العقائدي‬ ‫عليها النف‬ ‫حنفي لغة َيغ ُل ُ‬
‫عموما‪ ،‬صياغة وعمال حمفوفا باملخاطر‪ .‬أي‪ ،‬كام‬ ‫واإليديولوجي‪.‬‬
‫قلنا آنِفا‪ ،‬كتابة شاقة وعملية فاعلة نتمكَّن من‬ ‫ال شك أن هذه املسالة ُحتيلنا عىل رضورة اعتبار أن‬
‫ش جتربة اإلبداع والكشف‪،‬‬ ‫خالهلا من َعي ِ‬ ‫الفكر حني َي ُرو ُم ال َّتحقق الفعيل‪ ،‬إنام يكُون ُجم َّسدا‬
‫والراجح عرب ُقد َرتِنَا عىل‬ ‫ِ‬
‫واالنفتاح عىل املُمكن َّ‬ ‫من خالل حلظات إبداع أساسية ملفاهيمه‪ .‬والفلسفة‬
‫َسل ِك ُد ِر ٍ‬
‫وب َنت ََص َّفح من خالهلا ما يبدو لنا ظاهرا‬ ‫حتديدا هي جمال لالختالف الفكري و َبح ٌث يف ما‬
‫وب ِ‬
‫ممكنة نحو ما هو‬ ‫رب ُث ُق ٍ‬
‫حتى نتمكَّن من النَّفاذ َع َ‬ ‫هو غري ُمنتظر وحمكوم بالتعدد والتنوع‪ ،‬اليشء‬
‫ُمت ََو ٍار عن أنظارنا ا ُملبارشة‪ .‬وهكذا يكُون فعل‬ ‫الذي جيعلنا نقول بأن الفلسفة ال ُتفرس‪ ،‬وأن‬
‫الرتمجة تفلسفا يتم من خالله الرتكيز عىل اختيار‬ ‫مفاهيمها ينبغي أن تكُون ذاهتا َمو ِض َع تفسري‪.2‬‬
‫ٍ‬
‫فكرية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خماطرة‬ ‫يتجسد من خالل‬ ‫املفاهيم‪ ،‬والذي‬ ‫فالفلسفة ُمطالبة بإبداع مفاهيم قادرة عىل التعبري‬
‫َّ‬
‫اليشء الذي يكُون معه َوه ُم البحث يف الرتمجة عن‬ ‫عن عواطفنا وانفعاالتنا‪ .‬كام أن مهمة الرتمجة يف‬
‫املفاهيم الفلسفية‪ ،‬باعتبارها حماكاة‪ ،‬خيانة ملنهج‬ ‫بمهمة الفلسفة‪ .‬إهنا إبداع املفاهيم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫اعتقادنا شبيهة‬
‫وعمل ُم َت َفر ٌد‪ ،‬اليشء الذي جيعل من فعل الرتمجة ‪-‬‬

‫‪- Spinoza ; Traité Théologico-politique Trad. et‬‬ ‫‪ - 1‬يراجع النص املقصود‪ ،‬و معه هامش املرتجم‪ ،‬الذي يقارن فيه‬
‫‪notes par Ch. Appuhn. Chap. XVI. Ed.‬‬
‫‪Flammarion 1965. P. 262.‬‬ ‫وسبينوزا بشأن حالة الطبيعة يف‪ - :‬سبينوزا‪،‬‬ ‫بني توماس هوب‬
‫‪ - 2‬دولوز‪ ،‬كواتاري‪ ،‬ما هي الفلسفة؟ ترمجة‪ :‬مطاع صفدي‪ ،‬املركز‬ ‫رسالة الالهوت والسياسة‪ ،‬ترمجة وتقديم حسن حنفي‪ ،‬ومراجعة د‪.‬‬
‫الثقايف العريب ‪ ،1117‬ص‪.20 .‬‬ ‫فؤاد زكريا‪ ،‬الفصل ‪ .11‬دار التنوير‪ .0225‬ص‪.215 .‬‬
‫‪( - 3‬املصدر السابق)‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫ولتأكيد مالحظتنا نوجه القارئ إىل نرشة أبون‪:‬‬
‫‪64‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املقال للتوسع فيها‪ .‬لذلك نكتفي باإلشارة إىل نامذج‬ ‫الرتمجة الذي يلزم يف اعتقادنا اتباعه لرتمجة‬
‫من ترمجة ميكيافيليل‪ ،‬وسبينوزا ومنتيسكيو‪.‬‬ ‫النصوص الفلسفية‪.‬‬
‫ففي ترمجة كتاب ميكيافيليل "فن احلرب" ( ‪L’art‬‬ ‫ذلك ألن ترمجة املفاهيم عملية إبداعية تدخل ضمن‬
‫‪ )de la guerre‬التي أنجزها صالح صابر زغلول‪،1‬‬ ‫فهمنا للرتمجة بوصفها كتابة شاقة‪ .‬فهي دائام كتابة‬

‫إقحام لذاتيته وقناعاته‪ .‬كام أن النص املُ َ‬


‫رتجم ال‬ ‫مع اآلخرين (نصوص وأرشيف وقراءات‬
‫َخي ُلو من هفوات طالت املعاين والعبارات‪ .‬كام أن يف‬ ‫ٍ‬
‫كتابة رحلة فكرية نُقبِل‬ ‫و ُمتون)‪ ،‬ما دامت مثل كل‬
‫ترمجتي "اإلتيقا" لسبينوزا‪ ،‬املشار إليهام أعاله‪،‬‬ ‫عليها ونحن واعون أشدَّ الوعي برهاناهتا التي مل‬
‫نالحظ أمهية املداخل والتقديامت‪ ،‬مادامت هي‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫ُكتس‬
‫ت َ‬
‫ني لنا عن اسرتاتيجية املُ ِ‬
‫رتجم‪ .‬ويكفي مقارنة‬ ‫التي تُبِ ُ‬ ‫‪-2‬‬

‫ترمجات السيد جالل سعيد لــ"اإلتيقا" حتت‬


‫َرب املداخل التي يتم هبا ال َّتصدير للنصوص‬
‫تُعت َ ُ‬
‫عنوان ''علم األخالق''‪ ،‬و"رسالة يف اصالح‬
‫الفلسفية املُ َ‬
‫رتمجة‪ ،‬عتبات تروم بلوغ إحدى الغايات‬
‫الفهم" لسبينوزا‪ ،‬بالرتمجة التي أنجزها أمحد العلمي‬
‫األساسية للرتمجة يف ثقافتنا اإلسالمية العربية‪ ،‬وهي‬
‫لإلتيقا‪ ،‬ل ِ َتت َِّض َح أمهية التقديامت التي تكُون ُمرفقة‬
‫تقري النصوص املرتمجة إىل القارئ العريب‪ .‬غري أن‬
‫بالرتمجة‪.‬‬
‫ما يظهر لنا يف الواقع هو أن بعض هذه املداخل‪،‬‬
‫غري أن نموذج األستاذ عبد اهلل العروي يف ترمجته‬
‫جتعل من فعل الرتمجة فعال عبثيا‪ .‬فعندما َيتِم حتميل‬
‫لكتاب مونتسكيو‪" ،‬تأمالت يف تاريخ الرومان"‪،2‬‬
‫هذه املداخل ما ال تطيق‪ ،‬كأن ت َِص َري َمسكونة‬
‫ت َِس ُري يف اإلجتاه الذي نعتقده الصواب‪ .‬فهي‪ ،‬فضال‬
‫العقائدية والطموحات األيديولوجية‬ ‫باهلواج‬
‫عن ِعنايتها بلغة الرتمجة وخاصة مفاهيمها‪ ،‬تُع ِل ُن‬
‫للمرتجم‪ ،‬تكُون النتيجة هي إِف َسا ُد أحد العنارص‬
‫ُ‬
‫من خالل التقديم اهلام واحلوايش املُرفقة بالنص‬
‫األساسية لتحقيق ترمجة فلسفية جيدة‪ ،‬ت َُرو ُم بلوغ‬
‫عن الغاية منها وعن أمهية ترمجة مثل هذه النصوص‬
‫غرض النص األصيل‪ .‬واألمثلة عديدة وال يتَّسع‬

‫‪ - 2‬مونتسكيو‪ ،‬تأمالت يف تاريخ الرومان‪ :‬أسباب النهوض‬ ‫‪ - 1‬ميكيافيليل‪ ،‬فن احلرب‪ ،‬ترمجة وتقديم صالح صابر زغلول‪ ،‬دار‬
‫واالنحطاط‪ ،‬نقله من الفرنسية إىل العربية عبد اهلل العروي‪ ،‬املركز‬ ‫الكتاب العريب دمشق‪-‬القاهرة‪ ،0218 ،‬التقديم‪ ،‬صص‪-12 .‬‬
‫الثقايف العريب‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.0211 .1 .‬‬ ‫‪.15-17-11‬‬
‫‪65‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫والختياراته املفهومية‪ .‬إهنا عملية يتم من خالهلا‬ ‫الكالسيكية‪ .‬وال شك أن هذا يعك أن عبد اهلل‬
‫رب َها لعملية‬
‫إبراز قيمة األفكار التي ن َُؤس ُ َع َ‬ ‫العروي كان َقص ِد ًّيا يف اختياره‪ ،‬مثلام كان ُ ِجميدا لِكُل‬
‫ٍ‬
‫زدوجة‪ :‬ترمجة‬ ‫ٍ‬
‫ترمجة ُم‬ ‫الكتابة‪ ،‬التي هي هنا عمل َّي ُة‬ ‫َع َملِ َّياتِ ِه‪ .‬ويكفي أن ُأ ِش َري إىل أن العروي يف كل ذلك‬
‫ألفكار النص التي لن تتم إال من خالل ترمجتنا‬ ‫يبدو وكأنه ُخياطِ ُبنا ويوجهنا إىل ما ينبغي أن يكُون‬
‫ألفكارنا ومعانينا التي نُطابقها بالنص‪ .‬لذلك فإن‬ ‫عليه اختيار النصوص وإنجاز ترمجتها ِوف َق قواعد‬
‫هلا رضورة معرفية وتارخيية‪ ،‬باعتبارها ليست ُجم َّرد‬ ‫يغفل عنها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لقارئ املُنتبه أن َ‬ ‫احرتافية ال ِ‬
‫يمكن ل‬
‫يد لبياض النص‪ ،‬بل إن الغاية منها هي إضفاء‬ ‫تَس ِو ٍ‬ ‫لذلك يمكِننا القول بأن قيمة الرتمجة َتتحدَّ د أيضا‬
‫معنى وقيمة ومصداقية معرفية للنص الذي تُل َح ُق‬ ‫بأمهية املدخل إليها‪ .‬ألن هذه التقديامت الرضورية‬
‫به‪.‬‬ ‫اسرتاتيجية املُرتجم ورهاناته‪ ،‬فضال‬
‫عتبات تعك‬
‫وينتج عن ما سبق‪ ،‬كَو ُن احلوايش التي يتم اللجوء‬ ‫عن ِ‬
‫كوهنا ُتوجهنا لنتفادى سوء الفهم أو عدم‬
‫إليها يف الرتمجة هي أن جتعل من هذه األخرية شبيهة‬ ‫كشف عن ِجد َي ِة‬
‫كِفايته‪ .‬وألهنا كذلك‪ ،‬فهي َت ِ‬

‫بعمل األَر َش َف ِة‪ .‬ففي احلاشية َّ‬


‫يتجىل األرشيف بكل‬ ‫املُرتجم و َمدَ ى َمتكن ِ ِه من أدوات العمل ومن املَتن‬
‫دالالته ووضوحه وقيمته‪ .‬فاحلاشية أيضا هي التي‬ ‫مستوى استيعابه‬ ‫الفلسفي اخلاص‪ ،‬مثلام تعك‬
‫كامل ِه َبتِ ِه‪ ،‬كام يذه إىل‬
‫تُعطِي للمبدإ القضائي ِ‬ ‫لرهانات النص األصيل‪ .‬غري أن هذه التقديامت قد‬
‫ذلك جاك دريدا‪ .1‬من هنا‪ ،‬ال قيمة لألرشيف دون‬ ‫وانفعاالت الذات‬ ‫ت ُكون جماال إلسقاط هواج‬
‫حضور احلوايش التي تُض ِفي عليه َ َجتل َي ُه القوي‪.‬‬ ‫بشكل سي ٍئ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عىل النص وتأويله‬
‫والرتمجة ال تكُون ُمضاءة إال باعتامدها عىل‬ ‫‪-9‬‬

‫احلوايش‪ ،‬التي ال معنى هلا إال إذا كانت تَستَو ِحي‬ ‫ٍ‬
‫ترمجة ال‬ ‫انطالقا مما سبق‪ ،‬نعتقد أنه ال معنى ألي‬
‫قيمتها وعملياهتا من عمل األرشفة‪ .‬فالعمل الذي‬ ‫ِ‬
‫رتجم‪ ،‬ما دامت‬ ‫تَعتَمدُ حوايش عىل النص املُ َ‬
‫يقوم به املرتجم أشبه يف عملياته بعمل األَر ِش ِيفي‬ ‫لعمل املُ ِ‬
‫رتجم‬ ‫ِ‬ ‫وظيفتها هي أن تكُون توضيحا‬

‫‪- Jacques Derrida, Mal d’archive, ''une‬‬ ‫‪ - 1‬جاك دريدا‪ ،‬أركيولوجيا التوهم "انطباع فرويدي"‪ .‬ترمجه عن‬
‫‪impression Freudienne'', éd. Galilée, 1995.‬‬
‫العنوان األصيل‪Paris‬‬ ‫الفرنسية عزيز توما‪ ،‬شارك يف الرتمجة وقدم للكتاب وعلق عليه‬
‫إبراهيم حممود‪ ،‬مركز اإلنامء احلضاري‪ ،‬ط ‪ ،0228 .1‬ص ‪.07‬‬
‫‪66‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫طموحه لكي‬ ‫رتجم َو ِاقعا حتت تأثري هاج‬ ‫ا ُمل ِ‬ ‫الضيا ِع والت ِ‬
‫َّدم ِري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الذي من مهامه حف ُظ األشياء من َّ َ‬
‫ٍ‬
‫وجه أفضل‪ .‬وعموما‪ ،‬فاملُرتجم‬ ‫يكُون ُمن َج ُز ُه عىل‬ ‫بحياة أخرى‪ .‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫أي‪ِ ،‬حف ُظ َها من املوت‪ ،‬ومد َها‬
‫عتقد بأنه يستطيع بعقله أن يتغ َّل عىل أحاسيسه‬ ‫ي ِ‬ ‫رتجم إذن‪ ،‬هو إعطاء احلياة للنصوص‬ ‫عمل املُ ِ‬
‫َ‬
‫عىل عواطفه وانفعاالته‬ ‫ومشاعره‪ .‬أي‪ ،‬أن يت َّغل‬ ‫خارج لغتها األصلية‪ .‬وال شك أن هذه احلياة حتتاج‬
‫سواء كانت انفعاالت فاعلة أو كانت انفعاالت‬ ‫إىل عمليات البناء التي تتح َّقق عرب احلوايش‪.‬‬
‫منفعلة‪.‬‬ ‫هيدف املرتجم عرب االعتامد عىل احلوايش إىل نو ٍع من‬
‫وحث القارئ عىل الت ََّذك ِر‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫عمل َّية تَرمي ِم الفهم َ‬
‫لقد حاولنا يف الفقرات السابقة مقاربة مسألة ترمجة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلضاءات‪ .‬بذلك‬ ‫بالعديد من‬ ‫وإِش َبا ِع َأي مفهو ٍم‬
‫النصوص الفلسفية إىل العربية‪ ،‬وب َّينا من خالل‬ ‫ِ‬
‫األذهان عىل‬ ‫تكُون غاية اعتامد احلوايش هي َحث‬
‫بعض النامذج قيمة وأمهية املداخل واحلوايش‪ ،‬مثلام‬
‫بوصفه ِخ َطابا‬‫ِ‬ ‫رضورة االنتباه إىل خصوصية املَ ُقول‬
‫توقفنا عند مشكلة اختيار املفاهيم التي اعتربناها‬ ‫ِ‬
‫سياق النص واملَتن‬ ‫له داللة أصلية ضمن‬
‫مرتبطة بأمهية املفهوم يف إنتاج األقوال الفلسفية‪.‬‬
‫والرباديكم اخلاص بالعرص الثقايف الذي ُأنتِج فيه‬
‫ويبقى أن نؤكد أنه إذا كانت أحوالنا الوجودية‪،‬‬
‫النص‪.‬‬
‫بوصفنا كائنات حمكومة بوضعية االرتباك النامجة‬
‫فاحلوايش يف اعتقادنا‪ ،‬عملية يتم اللجوء إليها من‬
‫عن كَونِنَا نعيش حتدي االنفتاح عىل العامل الذي‬
‫أجل التَّحكم يف حرك َّي ِة ِ‬
‫إنتاج النص املُ َرت َجم داخل‬
‫يسكننا‪ ،‬وكانت هذه الوضعية هي ما جيعل من‬ ‫اللغة املُستقبِلة‪ .‬لذلك فوظيفتها أكرب من ُجمَر ِد ك ِ‬
‫َوهنا‬ ‫َّ‬
‫الرتمجة‪ ،‬وترمجة النصوص الفلسفية بخاصة‪ ،‬فعال‬
‫عملية لتربير االختيارات واالسرتاتيجيات التي‬
‫للكتابة‪ ،‬يتميز بِكَونِه يقتيض معرفة باملَت ِن‬
‫رتجم يف َع َملِ ِه‪ ،‬الذي ال ينبغي النَّ َظ ُر‬
‫يلجأ إليها املُ ِ‬
‫والرباديكم اخلاص بالعرص‪ ،‬كام يقتيض من املُ ِ‬
‫رتجم‬ ‫ٍ ِ‬
‫ايف‪ .‬وهذا ما جيعل كل‬ ‫رت ِ ٍّ‬
‫عمل اح َ‬ ‫جمرد‬
‫إليه باعتباره َّ‬
‫وضع تربير الختياراته املفاهيمية واللغوية بام جيعل‬ ‫ٍ‬
‫يتحول معه إىل‬ ‫ُمرتجم جا ٍّد‪َ ،‬مسكُونا ِ َهبوى َو َش َغف َّ‬
‫منها‪ ،‬ومن املداخل واحلوايش‪ ،‬حلظات للتفلسف‬
‫فكرة هي ما ن َُسم ِيه‬‫ٍ‬ ‫يتحرك َحت َت ضغط‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫فاعل‬
‫وإلنتاج املعنى‪ ،‬بعيدا عن األهواء القومية‬ ‫الفكرة‪/‬املنطلق‪ ،‬التي ي ِ‬
‫عتقد بأهنا َمتن َُح ُه إمكانية‬ ‫َ‬
‫والرهانات االيديولوجية‪ ،‬فإن الرتمجة‪ ،‬وحتديدا‬
‫النجاح يف عمله الرتمجي‪ .‬ذلك ألنه غالبا ما يكُون‬
‫‪67‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اخلطر‪ .‬فأن نَفعل (أن نرتجم) يعني أن ن ََض َع قيمة‬ ‫ترمجة نصوص الفلسفة وعلومها إىل لغتنا العربية‪،‬‬
‫خطر فِع ِ ٍّيل‪ .‬غري أننا ال‬
‫حياتنا األكاديمية والعلمية يف ٍ‬ ‫ينبغي أن تكُون يف نظرنا حمكومة دوما برهان أسا‪،‬ي‬
‫ُرتجم‪ ،‬مادام وجودنا‬ ‫يمكِننا ‪-‬مع ذلك‪ -‬إِالَّ أن ن ِ‬ ‫هو أن نفهم هذه النصوص الفلسفية‪ .‬وهذا الفهم‬
‫ٍ‬
‫دائمة‬ ‫يفرض علينا أن نكُون فاعلني يف عملية كونية‬ ‫لي غري َمتكنِنا من ترمجتها ترمجة سليمة‪ ،‬اليشء‬
‫ٍ‬
‫ومستمرة‪ ،‬هي عملية التَّثا ُقف التي تقع الرتمجة منها‬ ‫الذي جيعل من هذا الرهان رهانا مفتوحا دوما عىل‬
‫موقع الصدارة واألولوية‪.‬‬ ‫املستقبل‪.‬‬
‫لذلك يمكِننا القول بأن ما ُي َمي ُز البِنية الدائمة لفعل‬
‫الرتمجة هو أن يكُون املُشتغل عليها دوما يف وضعية‬

‫‪ .1‬اجلاحظ‪ ،‬كتاب احليوان‪ ،‬حتقيق حممد عبد السالم هارون‪ ،‬دار اجليل‪.1866 ،‬‬
‫‪ .0‬سبينوزا‪ ،‬اإلتيقا‪ ،‬ترمجة وتقديم الدكتور أمحد العلمي‪ ،‬ط‪ .1 :‬إفريقيا الرشق ‪.0010‬‬
‫‪ .1‬سبينوزا‪ ،‬رسالة الالهوت والسياسة‪ ،‬ترمجة وتقديم حسن حنفي‪ ،‬ومراجعة د‪ .‬فؤاد زكريا‪ ،‬دار التنوير ‪.0019‬‬
‫‪ .1‬سبينوزا‪ ،‬رسالة يف السياسة‪ ،‬ترمجة وتقديم عمر مهيبل‪ ،‬نرش مؤمنون بال حدود‪ ،‬ط‪.0019 .1:‬‬
‫‪ .6‬مجال الدين العلوي‪ ،‬املتن الرشدي‪ ،‬دار توبقال‪.1895 ،‬‬
‫‪ .5‬سبينوزا‪ ،‬علم األخالق‪ ،‬ترمجة جالل الدين سعيد‪ ،‬مراجعة جورج كتورة‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪.0008 ،‬‬
‫‪ .5‬الدكتور فؤاد زكريا‪ ،‬اسبينوزا‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ط‪.0011 .0 :‬‬
‫للنرش والتوزيع ‪.0001‬‬ ‫‪ .9‬جيل دولوز‪ ،‬سبينوزا ومشكلة التعبري‪ ،‬ترمجة أنطوان محيص‪ ،‬أطل‬
‫‪ - .8‬كتاب ميكيافيليل‪ ،‬فن احلرب‪ ،‬ترمجة وتقديم صالح صابر زغلول‪ ،‬دار الكتاب العريب دمشق‪-‬القاهرة‪.0016 ،‬‬
‫‪ - .10‬جاك دريدا‪ ،‬أركيولوجيا التوهم "انطباع فرويدي"‪ .‬ترمجه عن الفرنسية عزيز توما‪ ،‬شارك يف الرتمجة وقدم‬
‫للكتاب وعلق عليه إبراهيم حممود‪ ،‬مركز اإلنامء احلضاري‪ ،‬ط‪.0006 .1 :‬‬
‫‪ .11‬عبد اهلل العروي‪ ،‬اإليديولوجيا العربية املعارصة‪ ،‬ترمجة عبد اهلل العروي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‬
‫‪.1886‬‬
68 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ دار‬،‫ بريوت‬،‫ تقديم مكسيم رودنسون‬،‫حممد عيتاين‬ ‫ تعري‬،‫ اإليديولوجيا العربية املعارصة‬،‫ عبد اهلل العروي‬.10
.1850 ،‫احلقيقة للطباعة والنرش‬
‫ املركز الثقايف‬:‫ الدار البيضاء‬- ‫ بريوت‬،‫ مطاع صفدي‬:‫ ما هي الفلسفة؟ ترمجة‬،‫كواتاري‬ ‫ فيليك‬،‫ جيل دولوز‬.11
.1885 ‫العريب‬
‫ نقله عن الفرنسية إىل العربية عبد اهلل‬، ‫ أسباب النهوض واالنحطاط‬:‫ تأمالت يف تاريخ الرومان‬،‫مونتسكيو‬ .11
.0011 .1 :‫ ط‬،‫الدار البيضاء‬- ‫ املركز الثقايف العريب‬،1519 ‫العروي عن طبعة‬
‫ مركز اإلنامء القومي‬:‫ النارش‬.15,19 ‫ العدد املزدوج‬،‫ جملة العرب والفكر العاملي‬،‫ حدود الرتمجة‬،‫حممد صالح يارة‬ .16
.0015
16. - Baruch Spinoza, Traité Théologico-politique, Trad. et notes par Charles
Appuhn, éd. Flammarion 1965.
17. Baruch Spinoza, ETHIQUE, Traduction et Introduction générale Robert
Misrahi. Éditions de l'Éclat, Paris-Tel-Aviv, 2005.
18. Baruch. Spinoza, ETHIQUE, Trad. A. Guérinot, est parue aux éd. d’art éd.
Pelletan, Paris, en 1930. Paris, Éd. Ivrea, 1993.
19. - Jacques Derrida, Mal d’archive : une impression Freudienne, éd. Galilée,
Paris, 1995.
20. - Paul Ricœur, Sur la traduction © Bayard, 2111, Paris.
21. - Abdallah Laroui, L'Idéologie arabe contemporaine : Essai critique, éd.
Maspero, Paris, 1967 ; réed. La Découverte, Paris, 1982.
- François Dédier, Entendre Heidegger et autres exercices d’écoute, éd. Le grand
souffle, 2008.
‫‪69‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوينوالتكوين‬
‫في التربية‬
‫المتخصصةتربية‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في ال‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫ال شك أن املجال الرتبوي يعترب أحد الروافد الكربى املسهمة يف نمو األشخاص‪ ،‬وتكوينهم الفكري واملعريف‬
‫واألخالقي‪ ،‬ولذلك كثرت الدراسات احلديثة ذات االهتامم الرتبوي‪ ،‬وظهرت يف سبيل ذلك مدارس فلسفية عدة‪،‬‬
‫واجتاهات نفسية عديدة‪ ،‬انبثقت عنها نظريات تعلمية خمتلفة‪ ،‬تتجاذهبا أطراف العملية التعليمية الثالثة‪ :‬املعلم ‪-‬‬
‫املتعلم ‪ -‬املادة املعرفية‪.‬‬
‫ِ‬
‫النظريات الرتبوي َة احلديث َة جمموع ٌة من املصطلحات الرتبوية ‪ -‬إحيا َء أو ابتكارا ‪ ،-‬صارت نقط َة‬ ‫وصاحبت هذه‬
‫االرتكاز يف العملية التعليمية التعلمية‪ ،‬مثل‪ :‬البيداغوجيا بأنواعها‪ ،‬والديدكتيك‪ ،‬والكفايات‪ ،‬والزوبعة الذهنية‪،‬‬
‫والتغذية الراجعة‪ ،‬ودينامية اجلامعة‪ .‬مرورا بتدقيق النظر يف مصطلح "التلميذ" و"املعلم"‪ ،‬ليتبني أهنا ترجع يف‬
‫أصوهلا إىل مصطلح‪" :‬الرتبية"‪ ،‬الذي يفيد حسن القيام عىل املر َّبى‪ ،‬وتبليغه إىل كامله شيئا فشيئا‪ ،‬أي‪ :‬قيادة الطفل‬
‫وإخراجه من حالته األوىل‪ ،‬إىل حالة التعلم واملعرفة والتكوين‪ ،‬أو إخراج ما لديه من مهارات ومؤهالت‪.‬‬
‫العملية التعليمية التعلمية فعال وحقيقة‪ ،‬ال‬ ‫وانتهى البحث إىل رضورة االهتامم هبذا املتعلم‪ ،‬وجعله يف قل‬
‫إعادة النظر يف مؤهالت املعلم نفسه‪ ،‬ومدى قابليته للتكوين املستمر‪ ،‬وتشبعه‬ ‫تصورا ونظرا‪ ،‬وهو ما يستوج‬
‫بأخالقيات مهنته‪ ،‬وتتبع حلظات إبداعه إلغنائها‪ ،‬وحلظات فتوره لتقوهيا‪ ،‬دون إغفال املحيط الرتبوي إلنجاح‬
‫عمله‪ ،‬من بنية حتتية سليمة‪ ،‬وأدوات اشتغال مناسبة‪ .‬مع توافر حمتوى معريف سليم ومتزن يف مجيع املواد التي تالم‬
‫حركية‪ .‬وإجياد منهجية تدريسية‬ ‫يف املتعلم جوانبه املعرفية‪ ،‬والوجدانية‪ ،‬واملهارية‪ ،‬والسلوكية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واحل‬
‫سليمة‪ ،‬تستهدف حتقيق الكفايات املرسومة‪ ،‬مع وجود آليات القياس والتقويم والدعم املناسبة‪ .‬آنذاك يمكن أن‬
‫نتحدث عن أثر تربوي فعال للنظريات الرتبوية ومصطلحاهتا‪ .‬ولقد حاول البحث أن يسهم يف وضع مجلة من‬
‫املقرتحات‪ ،‬كفيلة باالنخراط الفعال يف جتاوز التعثرات احلالية‪ ،‬واسترشاف مستقبل تعليمي تعلمي أفضل‪.‬‬
‫‪ :‬نظريات التعلم ـ األثر الرتبوي ـ املثلث البيداغوجي ـ جودة التعليم ـ التغذية الراجعة‬

‫‪ -1‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬اسفي‬


‫‪70‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫)‪ ،constructivisme‬التي ارتبطت ب‪ :‬جان بياجي‪،‬‬


‫وباشــالر‪ .‬وهي ترى أن التعلم فعل وظيفي‪ ،‬يعتمد‬ ‫يعترب املجال الرتبوي أحد الروافد الكربى املسهمة‬

‫جمرد‬ ‫عىل م بدإ الت فا عل بني ا لذات واملحيط‪ ،‬ولي‬ ‫يف نمو األشــ خاص‪ ،‬وتكوينهم الفكري واملعريف‬

‫ال تأثري ا خلارجي عىل ا لذات كام ترى الســلوك ية‪ ،‬أو‬ ‫واألخالقي‪ ،‬ولذلك كثرت الدراســات احلديثة ذات‬

‫ا ل تأ ثري ا ل ع قيل كام ترى ا ل ن ظر ية ا مل عر ف ية ( ‪le‬‬ ‫االهتامم الرتبوي‪ ،‬وظهرت يف ســب يل ذ لك مدارس‬

‫‪ .)cognitivisme‬فالتعلم عند بياجي‪ :‬نشــاط ذهني‬ ‫فلســفية عدة‪ ،‬واجتاهات نفســية عديدة‪ ،‬انبثقت عنها‬

‫حركي‪ ،‬حيصـــل من خالل عمليتني متالزمتني مها‪:‬‬ ‫نظريات بيداغوجية خمتلفة‪ ،‬تتجاذهبا أطراف العملية‬

‫االســتيعاب )‪ ،(assimilation‬املعتمدة عىل إدماج‬ ‫التعليم ية الثال ثة‪ :‬املعلم ‪ -‬املتعلم ‪ -‬ا ملادة املعرف ية‪،‬‬
‫املصــطلح عليها باملثلث البيداغوجي ( ‪le triangle‬‬
‫املعارف اجلديدة يف البنيات الذهنية القبلية ‪ .‬فالفعل‬
‫‪2‬‬

‫الرتبوي يمر من مرح لة إكســـاب املفهوم‪ ،‬ثم إد ماج‬ ‫‪ ،)pédagogique et / ou didactique‬الــتــي‬

‫املفهوم‪ ،‬وصــوال إىل تعويم املفهوم‪ ،‬باســتحضـــار‬ ‫أصــب حت تتحكم يف دراســت ها م قار بة األب عاد‬

‫"املثال"‪ ،‬و"الالمثال"‪ .‬وبعد االستيعاب‪ ،‬تأيت العلمية‬ ‫السوسيولوجية‪ ،‬والثقافية والسيكولوجية‪ .‬وبرزت إىل‬

‫ال ثان ية‪ ،‬وهي املالء مة )‪ ،(accommodation‬أي‪:‬‬ ‫الســطح مصــطل حات جد يدة م ثل‪ :‬الب يداغوج ية‬

‫تالؤم الذات مع معطيات املحيط اخلارجي‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال فارق ية ‪ -‬الزوب عة الفكر ية ‪ -‬الت غذ ية الراج عة ‪-‬‬

‫رد االعت بار مل كا نة املتعلم ضــمن العمل ية التعليم ية‬ ‫والديدكتيك ‪ -‬والكفايات ‪ -‬ودينامية اجلامعة‪..‬‬

‫هذه العملية‪ ،‬ولي‬ ‫التعلمية‪ ،‬الذي أصــبح يف قل‬ ‫هذه املصــطلحات خضــعت يف حتديد مفهوماهتا‬

‫جمرد مســـتق بل للمعر فة‪ ،‬وهو عمق مصـــطلح‬ ‫للنظريات الرتبوية اجلديدة‪ ،‬كالنظرية الســلوكية ( ‪le‬‬

‫"ا ل ك فا يات" ا لذي جاء بد يال عن مصـــ ط لح‬ ‫‪ ،)behaviorisme‬التي كان من رواد ها ال قدامى‪:‬‬

‫"األهداف"‪.‬‬ ‫بافلوف‪ ،‬وواط سون‪ ،‬و سكينر‪ ،‬املعتمدة أ سا سا عىل‬

‫فالبنائية دفعت باجتاه جعل الفعل الرتبوي يسري نحو‬ ‫جدلية (مثري ‪ -‬اســتجابة)‪ ،‬أي‪( :‬إن التعلم هو‪" :‬تغيري‬

‫الوضــعيات التفاعلية )‪ (interactives‬التي تثري يف‬ ‫أو تعديل يف سلوك املتعلم‪ ،‬عندما يتعرض لتأثري حمدد‬
‫صـــادر عن حم ي طه") ‪ ،‬وا ل ن ظر ية ا ل ب نا ئ ية ‪(le‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬العريب اسليامين‪" ،‬املعني يف الرتبية"‪ ،‬ص‪ ،74 :‬والعريب‬ ‫‪ -1‬العريب اسليامين‪" ،‬املعني يف الرتبية"‪ ،‬ص‪.74 :‬‬
‫اسليامين ورشيد اخلديمي‪" ،‬قضايا تربوية"‪ ،‬ص‪.21 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫"ويكون ( َت َف َّعل) أل خذ اليشــء نحو‪ :‬تأدب وتف قه‬ ‫التلم يذ الرغ بة يف الب حث وصــ يا غة املشــكالت‪،‬‬
‫وتعلم‪ .‬ويكون َت َف َّعل بمعنى افت عل‪ ،‬نحو‪َ :‬ت َع َّلم‪،‬‬ ‫وم ناقشـــة املشـــا كل‪ ،‬وتق بل اقرتا حات ومتثالت‬
‫بمعنى اع َلم ‪،‬كام قال القطامي‪:‬‬ ‫(‪ )représentations‬التالم يذ‪ .‬ويؤ خذ علي ها أ هنا‬
‫الرش َخريا * وإ َّن هلذه ال ُغ َم ِم ان ِقشاعا‬
‫َت َع َّل َم إ َّن بعدَ َّ‬ ‫تقول ب"نســبية املعرفة"‪ ،‬مما يتعارض مع "املطلق"‬
‫أي‪ :‬اِع َلم"‪.4‬‬ ‫الذي نؤمن به نحن املســلمني‪ ،‬كوجود اهلل‪ ،‬والبعث‪،‬‬
‫فمصطلح "التلميذ" كان سائدا لقرون عدة‪ ،‬لكن مع‬ ‫واجلزاء‪...‬‬
‫احلديث‪ ،‬زوحم كام زومحت مصــطلحات‬ ‫علم النف‬ ‫وه كذا نلحظ تغري املنطل قات الب يداغوج ية‪ ،‬تب عا‬
‫أخرى كانت ســائدة‪ ،‬بحيث (نجد مفهوم "متعلم"‪،‬‬ ‫لتغري النظريات السيكولوجية‪.‬‬
‫الذي أصــبح يســيطر عىل الســاحة التعليمية ويف كل‬ ‫وهنا ال بأس من التمهيد ملوضــوع فاعلية املدرس‪،‬‬
‫‪.5‬‬ ‫اخلطابات الرتبوية‪ ،‬عىل حساب مفهوم "تلميذ")‬ ‫ضمن مكونات الفعل التعليمي التعلمي‪ ،‬برشح بعض‬
‫َ‬
‫ستبدال م صطلح بآخر ا ستبداال‬ ‫األمر ا‬ ‫ولكن لي‬ ‫املصــطل حات الب يداغوج ية‪ ،‬ذات االرت باط الوثيق‬
‫لغويا وحس ‪( ،‬بل إن األمر يتعلق بتغري عىل مستوى‬ ‫هبدف هذه الدراسة‪.‬‬

‫ا لدالالت‪ .‬ح يث ن جد األول (التلم يذ) قد ارتبط‬ ‫* هل هناك فرق بني التلميذ واملتعلم؟‬

‫ببيداغوجيات كانت ســائدة خالل عصــور خلت‪،‬‬ ‫جاء يف لســـان العرب‪" :‬التالميذ‪ :‬اخلدم واألتباع‪،‬‬

‫والتي كانت أغلبها تركز عىل تبليغ املادة‪ ،‬وعىل مركزية‬ ‫واحدهم تلميذ"‪.1‬‬

‫ا ملدرس دا خل املنظو مة الرتبو ية‪ .‬فهو املســؤول عن‬ ‫ويقال‪ :‬تلمذ لفالن وعنده‪ :‬كان له تلميذا‪ .‬والتل ِم ُ‬
‫يذ‪:‬‬
‫خادم األُســ تاذ من َأ هل العلم‪َ ،‬أو الفن‪َ ،‬أو ِ‬
‫احلر فة‪.‬‬
‫البحث عن املادة التعلمية‪ ،‬ووضــعها يف قال معني‪،‬‬
‫ليتم مترير ها إىل ذهن الفرد املســت هدف من ف عل‬ ‫والتلميذ‪ :‬طال العلم‪ ،‬وخ صه أهل الع رص بالطال‬

‫التعلم)‪.6‬‬ ‫الصغري‪.2‬‬

‫فكأن كلمة "تلميذ" تقتيضــ أن يكون املعلم مالك‬ ‫و َعلِ َم األمر و َت َع َّل َم ُه‪ :‬أتق نه‪ .3‬و قد تأيت بمعنى أ خذ‬

‫م نه‬ ‫املعرفة‪ ،‬والتلميذ جمرد متلق هلا‪ ،‬يراها متى طل‬ ‫اليشــء‪ .‬قال الث عالبي يف "ف قه الل غة ورس العرب ية"‪:‬‬

‫‪" - 4‬فقه اللغة ورس العربية"‪ ،‬أبو منصور الثعالبي‪ ،‬ج‪ ،4 :‬ص‪:‬‬ ‫‪" - 1‬لسان العرب"‪ ،‬ابن منظور املرصي‪ ،‬مادة‪" :‬تلمذ"‪.‬‬
‫‪.259‬‬ ‫‪"- 2‬املعجم الوسيط"‪ ،‬إبراهيم مصطفى ـــ أمحد الزيات ـــ حامد‬
‫‪ - 5‬العريب اسليامين ورشيد اخلديمي‪"،‬قضايا تربوية"‪ ،‬ص‪.213 :‬‬ ‫عبد القادر ـــ حممد النجار‪ ،‬مادة‪" :‬التلميذ"‪.‬‬
‫‪ - 6‬العريب اسليامين ورشيد اخلديمي‪"،‬قضايا تربوية"‪ ،‬ص‪.213 :‬‬ ‫‪" - 3‬لسان العرب"‪ ،‬ابن منظور املرصي‪ ،‬مادة‪" :‬علم"‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫و"العقد الديدكتيكي" تعاقد ضــمني بني املدرس‬ ‫ذلك‪ ،‬تبعا لألهداف التي رســمها املعلم‪ ،‬والتي جي‬
‫واملتعلمني منذ بداية الســنة الدراســية‪ ،‬يتم بموجبه‬ ‫أن تن سح عىل الف صل كله دون تفريق بني التالميذ‪،‬‬
‫حتد يد واج بات وحقوق كل طرف‪ ،‬كاالت فاق عىل‬ ‫أو متييز بني مؤهالهتم‪ ،‬ومكتســباهتم‪ ،‬وقدراهتم‪ ،‬عىل‬
‫األهداف والكفايات املطلوبة‪ ،‬والو سائل الديدكتيكية‬ ‫اعتبارهم ‪ -‬كام كان شائعا ‪ -‬صفحة بيضاء‪.‬‬
‫امل ستعملة‪ ،‬والطرق البيداغوجية امل سلوكة‪ ،‬باإل ضافة‬ ‫و ب عد توايل األ ب حاث وا لدراســـات يف م يدان‬
‫إىل حتقيق االن ضباط‪ ،‬وح سن ال سلوك‪ ،‬وعدم الغش‪،‬‬ ‫ال سيكولوجيا بعامة‪ ،‬و سيكولوجيا الطفل بخا صة ‪-‬‬
‫وإحضــار األدوات البيداغوجية‪ ،‬واحلق يف املناقشــة‪،‬‬ ‫وهي يف غالبيتها دراسات غربية ‪ ،-‬تبني أن هذا الطفل‬
‫وتكافؤ الفرص‪...‬‬ ‫هامشــيا متلقيا ومتأثرا‪،‬‬ ‫جي أن يكون حمورا‪ ،‬ولي‬
‫فام عالقة كل ذلك بالرتبية؟‬ ‫فاعتُرب (متعلام)‪ ،‬التي من معانيها (عامل)‪ ،‬واعترب املتعلم‬
‫* الرتبية )‪:)Education‬‬ ‫(هو الذي يبحث عن مادة تعلمه‪ ،‬ويتكيف معها بفعل‬

‫والصــبِ َّي َي ُر ب ُه‬


‫جاء يف " تاج العروس"‪َ " :‬ر َّب َو َلدَ ُه َّ‬ ‫جهازه العقيل املعريف)‪.1‬‬
‫القيام عليه‪َ ،‬و َول ِ َي ُه َحتَّى َأد َرك‪،‬‬‫ربا ‪ :‬رباه‪َ ُ،‬أي‪َ :‬أحس ـن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ًّ َ َّ‬ ‫و ه نا يربز مصـــ ط لح "ا ل ع قد ا لد يد ك ت ي كي"‬

‫كان اب َنه َأو مل َيكُن ‪َ ..‬‬


‫ور َّ با ُه‬ ‫فار َق الط ُفول ِ َّ ي َة‪َ ،‬‬
‫َأي‪َ :‬‬ ‫(‪ ،(didactique contrat‬حني وضـــع براد فورد‬
‫تَربِ َية‪.2..‬‬ ‫‪ Bradford‬سن ‪1861‬م مفهوم "امل صاحلة الرتبوية"‬
‫ويف خم تار الصــ حاح‪َ " :‬ر َّ با ُه تَربِ َية و ت ََر َّ با ُه‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫)‪ (Transaction‬لضـــ بط ا ل عال قة بني األســـ تاذ‬
‫َغ َّذا ُه"‪.3‬‬ ‫واملتعلمني‪ ،‬عرب ما يســمى ب"الع قد الب يداغوجي"‬
‫كام قال أمية بن أيب الصلت‪:4‬‬ ‫(‪ ،(Contrat pédagogique‬غــري أن الــعــالقــة‬
‫وعلتُك يافعا * ُت َعل بم ـا ُأحن ِ ـي‬
‫َغ َذوتُك مولودا ِ‬
‫ا ل ب يدا غو ج ية بني ا ل طر فني كا نت غري م تام ث لة‬
‫َنه ُـل‬ ‫َ‬
‫إليك وت َ‬ ‫(‪ ،)Asymétrique‬باعت بار األول مال كا للمعر فة‪،‬‬
‫و قال ا مل ناوي يف " ف يض ا ل قد ير رشح ا جلا مع‬ ‫والثاين مســتقبال هلا‪ .‬فظهر ما صــار يســمى ب"العقد‬
‫الصــغري"‪" :5‬الرتب ية‪ :‬تبليغ اليشــء إىل كام له شــي ئا‬ ‫الديدكتيكي"‪ ،‬الذي يضــمن ‪ -‬عند حســن تطبيقه ‪-‬‬
‫عالقة جيدة بينهام‪.‬‬

‫‪ 3‬ـــ أبو بكر الرازي‪" ،‬خمتار الصحاح"‪" ،‬ربا"‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـــ العريب اسليامين ورشيد اخلديمي‪"،‬قضايا تربوية"‪ ،‬ص‪.219 :‬‬
‫‪ 4‬ـــ ينظر‪" :‬ديوان أمية بن أيب الصلت"‪ ،‬ص‪.59 :‬‬ ‫‪ 2‬ـــ مرتىض الزبيدي‪" ،‬تاج العروس من جواهر القاموس"‪،‬‬
‫‪ 5‬ـــ ج‪ ،4 :‬ص‪.91 :‬‬ ‫"رب "‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ولكي تتبدى لنا ال صورة ب شكل أو ضح‪ ،‬ال بأس أن‬ ‫فشــيئا"‪ .‬فالرتبية يف اللغة من " َربا اليشــ ُء‪َ ،‬ير ُبو‪ُ ،‬ر ُب ًّوا‬
‫نجري مقارنة يســرية بيننا‪ ،‬وبني دولة جماورة‪ ،‬فط نت‬ ‫ِ‬
‫ورباء‪ :‬زاد ونام"‪.1‬‬
‫إىل رضورة جتنيد طاقاهتا خلدمة التعليم‪ ،‬وحتقيق تعلم‬ ‫ويعضــد هذا املعنى‪ ،‬ما ورد يف حديث أيب احلباب‬
‫فعال‪ ،‬وهي إ سبانيا‪ .‬وهذه نامذج للحوافز التي قدمتها‬ ‫سعيد بن ي سار‪ ،‬أن ر سول اهلل ﷺ قال‪َ " :‬من َت َصدَّ َق‬
‫يف هذا املجال‪:‬‬ ‫بِ َصدَ َق ٍة ِمن َك س ٍ َطي ٍ ‪َ -‬والَ َيق َب ُل اهللُ إِالَّ َطيبا ‪ -‬ك َ‬
‫َان‬
‫‪ -‬يف عام ‪4775‬م‪ ،‬كان ‪ %35‬من ال سكان اإل سبان‬ ‫مح ِن ُي َرب َ‬
‫يها ك ََام ُي َريب َأ َحدُ كُم َف ُل َّو ُه‬ ‫إِن ََّام َي َض ُع َها ِيف كَف َّ‬
‫الر َ‬
‫قد اجتازوا مرحلة التعليم الثانوي عىل األقل‪ ،‬وحصل‬ ‫اجل َب ِل"‪.2‬‬ ‫َأو َف ِصي َله‪ ،‬حتَّى َتك َ ِ‬
‫ُون مث َل َ‬ ‫ُ َ‬
‫معظمهم عىل شهادة إمتام هذه املرحلة‪.‬‬ ‫والرتبية (‪ ،)Education‬مشتقة من )‪،)Educare‬‬
‫أ ما املغرب‪ ،‬ف كان يراهن عىل أن جي عل ‪ %11‬من‬ ‫ِ‬
‫إخراجه إىل‪ .‬فهو متضــمن‬ ‫بمعنى قيادة اليشــء إىل‪ .‬أو‬
‫املتعلمني امل سجلني سنة ‪ 2111/4777‬حم صلني عىل‬ ‫معنى إخراج الطفل من حالته األوىل إىل حالة التعلم‬
‫ال باكلور يا عام ‪2144‬م‪ ،‬مع أن أ حد املســؤولني‬ ‫واملعر فة والتكوين‪ ،‬أو إخراج ما لد يه من م هارات‬
‫الرتبويني رصح ‪ -‬يف مارس‪2141‬م ‪ -‬بأن ثامنني ألف‬ ‫ومؤهالت‪.‬‬
‫تلم يذ يلجون ا ملدرســـة‪ ،‬ال حيصـــل عىل شــ هادة‬ ‫فالرتب ية علم ُيعنى بتنم ية مل كات الفرد‪ ،‬وتكوين‬
‫الباكالوريا منهم إال عرشون ألفا فقط‪.‬‬ ‫شخصيته‪ ،‬وتقويم سلوكه‪ ،‬أو هي فن تنمية اخلصائص‬
‫‪ -‬يســتمر التعليم اإللزامي ‪ 41‬ســنوات‪ :‬من ‪3‬‬ ‫اجلسمية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واخللقية‪ ،‬الكامنة بكيفية منسجمة‬
‫سنوات إىل ‪ 43‬سنة‪.‬‬ ‫لدى الشخص‪ ،‬بحيث يصبح عضوا نافعا يف جمتمعه‪.‬‬
‫‪ -‬يشرتط يف مدرس املراحل االبتدائية احلصول عىل‬ ‫لكن‪ ،‬إىل أي حد اســت طا عت منظومت نا التعليم ية‪،‬‬
‫يف ع لوم ا لرت ب ية‪ ،‬أو در جة‬ ‫در جة ا ل ليســـا ن‬ ‫األ خذ ب يد ا ملدرس إىل األ هداف الرتبو ية املنشــودة‪،‬‬
‫الباكلوريوس يف اهلندسة‪.‬‬ ‫باعت بار ها أ حد أهم ال فاعلني ‪ -‬إن مل يكن أمههم ‪-‬‬
‫‪ -‬حيق للعاملني يف جمال التعليم التقاعد اختياريا‬ ‫ضــمن أركان العملية التعليمية التعلمية‪( :‬املدرس‪،‬‬
‫عند بلوغهم سن الستني‪ ،‬برشط قضاء ‪ 12‬عاما يف‬ ‫املتعلم‪ ،‬املادة املعرفية)؟‬

‫بن احلجاج‪" ،‬املسند الصحيح"‪ ،‬باب قبول الصدقة من الكس‬ ‫‪ 1‬ـــ ابن منظور املرصي‪" ،‬اللسان"‪" ،‬ربا"‪.‬‬
‫وتربيتها‪ ،‬رقم احلديث‪ .2397 :‬واللفط ملالك يف "املوطإ"‪،‬‬ ‫الطي‬ ‫‪ 2‬ـــ حممد بن إسامعيل البخاري‪" ،‬اجلامع الصحيح"‪ ،‬باب قول اهلل‬
‫باب الرتغي يف الصدقة‪ ،‬رقم احلديث‪.4911 :‬‬ ‫تعاىل‪( :‬تعرج املالئكة والروح إليه)‪ ،‬رقم احلديث‪ ،9131 :‬ومسلم‬
‫‪74‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حيددون فرتة املشـــاهدة اليومية للطفل ب ‪ 35‬دقيقة‬ ‫ا خلد مة عىل األ قل‪ ،‬ويصــبح الت قا عد إلزام يا ع ند‬
‫فقط‪.‬‬ ‫بلوغهم اخلامسة والستني‪.‬‬
‫واملتعلم عند التخرج من الثانوي‪ ،‬يكون قد ق ىض يف‬ ‫‪ -‬وإذا كان متو سط عمل األ ستاذ عندنا أقل من ‪21‬‬
‫الدراســة‪ 41.111 :‬ســاعة‪ ،‬وأمام التلفاز‪45.111 :‬‬ ‫ســاعة أســبوعيا‪ ،‬أي‪ :‬قرابة ‪ 911‬ســاعة ســنويا‪ ،‬فإن‬
‫ساعة‪.‬‬ ‫املدرس يف إســبانيا يعمل ‪ 4291‬ســاعة ســنويا‪ ،‬منها‬
‫والشــاب يف اجلامعة يقيضــ ‪ 311‬ســاعة ســنويا‪،‬‬ ‫‪ 951‬يف ال تدري ‪ ،‬وال باقي يف أداء واج بات مكم لة‬
‫و‪ 4111‬ساعة أمام الفضائيات‪.‬‬ ‫لعمله‪ ،‬مع متتيعه بإجازة صــيفية مدهتا شــهران‪ ،‬مع‬
‫‪ -‬يستغل املدرس اإلسباين قسطا من إجازته الصيفية‬ ‫العطل الرسمية العادية‪.‬‬
‫يف ع قد دورات تدريب ية (التكوين املســتمر)‪ ،‬ح يث‬ ‫أما عندنا‪ ،‬فحســاب يســري يوقفنا عىل درجة هدر‬
‫ينص املرســوم ا لدســتوري للن ظام التعليمي عىل أن‬ ‫الوقت الذي تعرفه جمتمعاتنا‪.‬‬
‫عىل ال عاملني يف جمال‬ ‫مواصــ لة التعلم حق ووا ج‬ ‫فلو أن بلدا عدد ســكانه ‪ 41‬ماليني نســمة‪ ،‬وعدد‬
‫ال تدري ‪ ،‬لت حد يث خرباهتم العلم ية والتعليم ية‬ ‫الذين يشــتغلون (ينتجون) ‪ %25‬فقط‪ ،‬يضــيعون من‬
‫واملهن ية‪ ،‬عىل أن تكون ت لك ا لدورات جمان ية‪ .‬وتقوم‬ ‫أوقات عملهم ساعتني‪ ،‬يكون عدد ال ساعات التي تم‬
‫بمهمة التدري مراكز املعلمني واجلامعات‪.‬‬ ‫هدر ها يف الســ نة ‪ ،4.951.111.111‬وهي ت عادل‬
‫‪ -‬يتجه اإلســبان إىل جعل إلزامية التعليم من ســن‬ ‫‪ 251‬مليون يوم عمل‪.‬‬

‫الثالثة‪.‬‬ ‫فكيف ب نا نحن املســلمني ا ملأمورين بحفظ الو قت‬

‫‪ -‬يت جه ‪ %91‬من خرجيي ال ثانو ية إىل ا جلام عات‪،‬‬ ‫واالعتناء به‪ ،‬نجد أبناءنا يقضــون من أوقاهتم أمام‬

‫و‪ %31‬إىل املعاهد املهنية‪.‬‬ ‫الفضــائيات واملواقع اإللكرتونية والفيديو قرابة ‪31‬‬

‫‪ -‬رياض األطفال جمانية‪.‬‬ ‫ساعة أسبوعيا‪.‬‬

‫‪ُ -‬يعتمد يف التعليم االبتدائي عىل ما يســمى بمعلم‬ ‫بل إن عدد الســاعات التي هيدروهنا يف هذا الفراغ‪،‬‬

‫الفصــل‪ ،‬ومعلم متخصــص يف الدين والرتبية البدنية‪،‬‬ ‫أزيد من ال ساعات التي يق ضوهنا يف املدر سة‪ .‬فالطفل‬

‫مع الرتكيز عىل التعليم املهني يف املرحلة الثانوية‪.‬‬ ‫يف املرحلة االبتدائية يقيض من ‪ 911‬إىل ‪ 911‬ساعة يف‬

‫‪ -‬يتم الرتكيز يف اســتخدام احلاســوب باعتباره أداة‬ ‫املدر سة يف العام‪ ،‬ويق يض أزيد من ‪ 4111‬ساعة أمام‬

‫لإلنتاج والتعليم‪ ،‬مع توافر جهاز حاسوب لكل فصل‬ ‫واالجتامع واألطباء‬ ‫املرناة‪/‬التلفاز‪ ،‬مع أن علامء النف‬
‫‪75‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫(‪2113‬م‪2119/‬م)‪ 2‬حول جودة التعليم وختصيصها‬ ‫يف املرحلة االبتدائية‪ ،‬وتزويد املؤســســات بشــبكة‬
‫باملجال البيئي والصــحي‪ ،‬توصــلت األســتاذتان إىل‬ ‫األنرتنت‪ .‬ويوزع التالم يذ يف هذه املرحلة وفق نظام‬
‫نتائج مذهلة‪ ،‬عن طريق اســتبيان موزع عىل جمموعة‬ ‫املجموعات‪ ،‬والوســائل والكت املســاندة تتوافر يف‬
‫من التالم يذ واألســـا تذة واإلداريني‪ ،‬يف عدد من‬ ‫الفصول واملمرات‪.‬‬
‫املؤ س سات الثانوية اإلعدادية بمراكش‪ ،‬سأقت رص عىل‬ ‫‪ -‬واملتعلمون املوهوبون يعطون فرصـــة اختصـــار‬
‫ذكر أجوبة التالميذ‪:‬‬ ‫الدراسة إىل سنتني‪.‬‬
‫‪ -‬هل املؤسسة قريبة من مصدر إزعاج؟‪ %55 :‬نعم‪،‬‬ ‫‪ -‬تزود املؤ س سات بمطاعم تقدم وجبات ساخنة‪،‬‬
‫‪ %15‬ال‪.‬‬ ‫ألن املعلم يبقى يف املدرســة من بداية الدوام إىل هنايته‪،‬‬
‫‪ -‬هل الت شجري موجود بمحيط املؤ س سة؟‪%39.5 :‬‬ ‫وألن فرتة الدوام تبتدئ من التاسعة والنصف صباحا‪،‬‬
‫نعم‪ %32.5 ،‬ال‪.‬‬ ‫إىل الواحدة والنصــف ظهرا‪ ،‬ثم فرتة اســرتاحة وغداء‬
‫‪ -‬هل التشجري موجود داخل املؤسسة؟‪ %51:‬نعم‪،‬‬ ‫ملدة ساعة ونصف‪ ،‬ثم تستأنف الدراسة من الثالثة إىل‬
‫‪ %51‬ال‪.‬‬ ‫اخلامسة والنصف‪.‬‬
‫هل املؤسسة مربوطة بشبكة املاء الصالح للرشب؟‪:‬‬ ‫ـــ أقىص عدد التالميذ يف املدرسة يبلغ ‪ 941‬تلميذ‪،‬‬
‫‪ %91‬نعم‪ %31 ،‬ال‪.‬‬ ‫وعدد الفصــول ال يتجاوز ‪ 23‬فصــال‪ ،‬واحلد األدنى‬
‫‪ -‬ما وضعية الرصف الصحي؟‪ %3.9 :‬جيدة‪%31 ،‬‬ ‫ملقياس الفصل هو‪ 12 :‬مرتا مربعا‪.1‬‬
‫سيئة‪ %33.25 ،‬متوسطة‪.‬‬ ‫‪ -‬ونظرة وا حدة إىل مج لة مدارســ نا‪ ،‬تنبئ بتقهقر‬
‫‪ -‬ما وضــعية دورات املياه باملؤســســة؟‪ %1 :‬جيدة‪،‬‬ ‫جودة التعليم عندنا‪ ،‬وأن بيننا وبني ما ذكرناه من جتربة‬
‫‪ %34.25‬ســـي ئة‪ %3.25 ،‬متوســـ طة‪ 32.5 ،‬غري‬ ‫اإلسبان قراب َة ‪ 35‬سنة من التأخر‪.‬‬
‫موجودة‪.‬‬ ‫ومن خالل مرشوعني شخصيني ألستاذتني طالبتني‬
‫‪ -‬هل تدخن؟‪ %42.5 :‬نعم‪ %99.5 ،‬ال‪.‬‬ ‫با ملر كز ا لرت بوي ا جل هوي ب مرا كش حتت إرشايف‬

‫والبحث الثاين بعنوان‪" :‬تنمية الوعي البيئي والصحي لدى التالميذ‬ ‫‪ 1‬ـــ ينظر موقع‪ ،www.bab.com :‬مقال بعنوان‪" :‬التعليم يف‬
‫وعالقته بجودة التعليم"‪ ،‬للطالبة‪ :‬لالهدى العلوي كامل‪ ،‬شعبة‬ ‫إسبانيا‪ .‬مستوى متطور وجتربة رائدة"‪ .‬متت زيارته بتاريخ‪13 :‬‬
‫الرتبية اإلسالمية‪ ،‬السنة التكوينية‪2119-2113 :‬م‪.‬‬ ‫مارس ‪ 2122‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬ـــ البحث األول بعنوان‪" :‬جودة التعليم بني الشعار والتطبيق‬
‫(اإلعداديات املتمرن هبا نموذجا)"‪ ،‬للطالبة األستاذة‪ :‬نعيمة احلداد‪،‬‬
‫شعبة الرتبية اإلسالمية‪ ،‬السنة التكوينية‪ 2113 :‬ـــ ‪2119‬م‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬ما هدفك من الدرا سة باأل ساس؟‪ %11 :‬التعلم‪،‬‬ ‫‪ -‬هل لك عال قة با ل ك حول؟‪ 43.95 :‬ن عم‪،‬‬
‫‪ %51‬الوظيفة‪ %41 ،‬تلبية رغبة الوالدين‪.‬‬ ‫‪ %93.25‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬ما مدى اســتفادتك من املعلومات التي تتلقاها‬ ‫‪ -‬هل ت ت عا طى ا مل خدرات؟‪ %44.25 :‬ن عم‪،‬‬
‫داخل املدرســة‪ ،‬وتوظيفك إياها يف حياتك اليومية؟‪:‬‬ ‫‪ %99.95‬ال‪.‬‬
‫‪ %11‬بنسبة كبرية‪ %31 ،‬بنسبة متوسطة‪.‬‬ ‫‪ -‬هل تعرف األمراض الناجتة عن هذه األ صناف؟‪:‬‬
‫‪ -‬هل املقررات وامل ناهج ا جلد يدة حتقق مردود ية‬ ‫‪ %92.5‬نعم‪ %29.5 ،‬ال‪.‬‬
‫جيدة؟‪ %31 :‬نعم‪ %21 ،‬ال‪ %51 ،‬يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫‪ -‬ما هي هذه األ مراض؟‪ %23.95 :‬ي عرف‪،‬‬
‫‪ -‬ك يف يؤ ثر املســـ توى ا ل ث قايف واال قتصـــادي‬ ‫‪ %33.95‬ال يعرف‪ %12.5 ،‬خيلط‪.‬‬
‫واالجتامعي عىل عطائك الدرا‪،‬ي؟‪ %51 :‬سلبا‪%51 ،‬‬ ‫‪ -‬هل تعرف عن األمراض املنقو لة جنســ يا؟‪:‬‬
‫إجيابا‪.‬‬ ‫‪ %53.45‬يعرف‪ %22.5 ،‬ال يعرف‪ %24.5 ،‬خيلط‪.‬‬
‫‪ -‬هل تتابع أرستك سري درا ستك داخل املدر سة؟‪:‬‬ ‫‪ -‬اذ كر ب عض طرق ا ن ت قال هذه األ مراض؟‪:‬‬
‫‪ %21‬نعم‪ %31 ،‬ال‪ %21 ،‬يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫‪ %39.95‬يعرف‪ %34.25 ،‬ال يعرف‪.‬‬
‫‪ -‬هل جتد يف بعض أســاتذتك متييزا يف املعاملة بني‬ ‫‪ -‬ما طرق ا لو قا ية م ن ها؟‪ %39.95 :‬ي عرف‪،‬‬
‫ا ل تال م يذ؟‪ %31 :‬ن عم‪ %31 ،‬ال‪ %41 ،‬يف ب عض‬ ‫‪ %34.25‬ال يعرف‪.‬‬
‫األحيان‪.‬‬ ‫‪ -‬هل يوجد باملؤســســة ناد صــحي؟‪ %49.5:‬نعم‪،‬‬
‫‪ -‬ما مدى إخالص أســـا تذ تك يف أداء واجبهم‬ ‫‪ %92.5‬ال‪.‬‬
‫املهني؟‪ %31 :‬كلهم‪ %51 ،‬أغلبهم‪ %21 ،‬بعضهم‪.‬‬ ‫‪ -‬هل يو جد باملؤســســـة ناد بيئي؟‪ %42.5 :‬نعم‪،‬‬
‫‪ -‬هل يوجد يف أرستك حاملو شــهادات معطلون‬ ‫‪ %99.5‬ال‪.‬‬
‫عن العمل؟‪ %91 :‬نعم‪ %31 ،‬ال‪.‬‬ ‫‪ -‬ما دور كل منهام يف التثقيف الصــحي والبيئي؟‪:‬‬
‫‪ -‬هل يؤثر وجود حاميل شــ هادات معطلني من‬ ‫‪ %25‬يعرف‪ %95 ،‬ال يعرف‪.‬‬

‫أرستك عىل جديتك يف التحصــيل الدرا‪،‬ي؟‪%31 :‬‬ ‫‪ -‬هل تشــارك فيهام أو يف أحدمها؟‪ %43.25 :‬نعم‪،‬‬

‫نعم‪ %41 ،‬ال‪ %31 ،‬يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫‪ %93.95‬ال‪.‬‬


‫‪ -‬ما نوع األنشطة التي يقدمها كل منهام؟‪%44.25 :‬‬
‫يعرف‪ %99.95 ،‬ال يعرف‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫عىل العطاء‪ ،‬وحتمل امل سؤولية‪ ..‬هذا املعلم‪ ،‬إذا ت شبع‬ ‫‪ -‬هل البنيات التحتية والتجهيزات يف املؤســســـة‬
‫بالرســالة الرتبوية الســامية‪ ،‬وقصــد إصــالح املتعلم‪،‬‬ ‫مســاعدة عىل توفري جو مالئم لتحصــيل جيد؟‪%41 :‬‬
‫وحتقيق النفع له‪ ،‬بلغ الغاية‪ ،‬وحقق املُنية‪.‬‬ ‫نعم‪ %71 ،‬ال‪.1‬‬
‫وقد (صنف "‪ "fleming‬مهام املدرس ضمن سبع‬ ‫مه مة من‬ ‫ولعل ها أر قام تتضـــافر يف ب يان جوا ن‬
‫وظائف هي‪ :‬كا شف عن الدافعية‪ ،‬من شط‪ ،‬مر شد يف‬ ‫م كامن اخل لل يف املنظو مة التعليم ية‪ ،‬كام توضــح ‪-‬‬
‫الدراسة‪ ،‬مالحظ ومراق للتطورات ومظاهر التقدم‪،‬‬ ‫بجالء ‪ -‬اجلوان األساس الواج معاجلتها لالرتقاء‬
‫صانع وتقني‪ ،‬جمرب‪ ،‬إداري ومعالج)‪.2‬‬ ‫بجودة التعليم‪ ،‬ومن ها رصـــد األدوات والتحفيزات‬
‫‪ havighurst‬و ‪ neugarten‬إىل أن‬ ‫و يذ ه‬ ‫لتحقيق فاعلية املدرس‪ ،‬وحمورية املتعلم‪.‬‬
‫مه مة ا ملدرس هي ترك ي ملجمو عة من األدوار التي‬ ‫فهل من إصالح هلذا الوضع التعليمي املتقهقر؟‪.‬‬
‫تتحدد يف كونه وســيطا يف الدراســة‪ ،‬ضــابطا للنظام‪،‬‬ ‫إذا توافر لدي نا حمتوى معريف ســليم ومتزن يف مجيع‬
‫نائ با عن اآل باء‪ ،‬حكام‪ ،‬مؤمت نا عىل األرسار‪ ،‬وممثال‬ ‫يف ا مل ت ع لم جوا ن به ا مل عر ف ية‪،‬‬ ‫ا ملواد ا ل تي تال م‬
‫للمجتمع‪.3‬‬ ‫حركية‪،‬‬ ‫والوجدانية‪ ،‬واملهار ية‪ ،‬والســلوكية‪ ،‬واحل‬

‫ويمكن إرجاع مفاتيح النجاح لدى املدرس ‪ -‬من‬ ‫والعقل ية‪ ...‬وو جدت املنهج ية الســلي مة لل تدري‬

‫الرتبوي املبثو ثة يف رشيعت نا و تارخي نا‬ ‫خالل األســ‬ ‫‪ ،méthodologie‬واســت هداف حتقيق الك فا يات‬

‫الرتبوي ‪ -‬إىل عدة أســباب‪ ،‬لعل من أمهها أحد عرش ـ‬ ‫املرسومة‪ ،‬مع وجود آليات القياس والتقويم والدعم‪..‬‬

‫سببا‪:‬‬ ‫‪ -‬وهي العنارص التفصــيلية للعملية التعليمية ‪ ،-‬فإن‬

‫امله نة‪ ،‬والت فاين يف الســمو هبا‪،‬‬ ‫‪ -4‬تشــب عه ب ح‬ ‫مف تاح الن جاح ب يد ا ملدرس ‪ -‬ب عد اهلل ت عاىل ‪ ،-‬فهو‬

‫وحتقيق أهدافها‪.‬‬ ‫ا ل قدوة امل ثال ية لل متعلم‪ ،‬واألب ال ثاين ألج يال‬

‫ففي حد يث أيب ســع يد ا خلدري ريض اهلل ع نه أن‬ ‫املتعلمني‪ ،‬وصــاح املفتاح الســحري ‪ -‬بتوفيق اهلل‬

‫ون ال ِعل َم‪،‬‬


‫رســول اهلل ﷺ قال‪َ " :‬ســ َيأتِيكُم َأق َوا ٌم َيط ُل ُب َ‬ ‫تعاىل ‪ -‬يف إكســاب املواقف وســالمة اختاذ القرارات‬
‫لدى هذا املتعلم؛ هو الذي يســتطيع اإلقناع واحلمل‬
‫عىل الفكرة‪ ،‬وهو الذي يستطيع بناء اإلنسان القادر‬

‫‪ 2‬ـــ جملة علوم الرتبية‪ ،‬ع‪ 3 ،1 :‬مارس ‪4773‬م ـــ ص‪.25 :‬‬ ‫‪ 1‬ـــ تنظر الدراسة ضمن أرشيف البحوث الشخصية والتدخلية‬
‫‪ 3‬ـــ نفسه‪ ،‬ص‪.23/25 :‬‬ ‫باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ـــ مراكش آسفي‪ ،‬املقر‬
‫الرئي ‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫األهداف‪ ،‬يقتيضــ خطوتني‪ :‬التخطيط‪ ،‬والتنفيذ وفق‬ ‫وهم‪َ ،‬ف ُقو ُلوا َهلُم‪َ :‬مر َح با َمر َح با بِ َو ِصــ َّي ِة‬
‫َفإِ َذا َر َأيت ُُم ُ‬
‫املخطط‪ .‬والتجر بة تقتيضــ "الق ياس مرتني لتقطيع‬ ‫ُوهم‪.2)1‬‬ ‫رس ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ‪َ ،‬واقن ُ‬ ‫َ ُ‬
‫اخل ش مرة واحدة"‪ .‬ومن ي ستطيع رؤية اهلدف‪ ،‬فال‬ ‫‪ -2‬أن يكون قدوة يف نفســه‪ ،‬مثاال لغريه‪ .‬وما أخطر‬
‫شك يستطيع حتقيقه‪.‬‬ ‫فصــام األســتاذ بني قوله وفعله عىل نفســية التلميذ‪.‬‬
‫‪ -5‬الرفق باملتعلم وحســن معاملته‪ ،‬واألخذ بيده‬ ‫وقديام قال أبو األسود الدؤيل‪.‬‬
‫للفهم‪ ،‬بدون تعنيف أو تشــديد‪ .‬ويف احلديث‪ ،‬يقول‬ ‫يك إِذا َف َع َ‬
‫عار َع َل َ‬ ‫ال َت نه َعن ُخ ُل ٍق و تَ أ ِ‬
‫لت‬ ‫يت م َثل ُه * ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ﷺ‪" :‬إِن ََّام َأ نَ ا َلكُم بِ َمن ِز َل ِة ال َو ِال ِد ُأ َعل ُمكُم"‪ .7‬ولذلك‬ ‫ظيم‪.3‬‬
‫َع ُ‬
‫قال ‪( :schilder‬ا ملدرس قا ئد‪ ،‬يم ثل كال من األب‬ ‫وصــفة الفصــام هاته‪ ،‬تظهر عىل وجه املعلم‪ ،‬حتى‬
‫واألم)‪.‬‬ ‫ق يل‪" :‬كن صــحي حا يف الرســ‪ ،‬تكن فصــي حا يف‬
‫‪ -3‬مراعاة الفروق الفردية (البيداغوجية الفارقية ‪-‬‬ ‫العالنية"‪.4‬‬
‫‪ ،)pédagogie différentielle‬التي ظهرت مع‬ ‫‪ -3‬اهتام نف سه عند عدم ح صول الفهم‪ ،‬فقد يكون‬
‫لوغران ‪ louis legrand-‬سنة ‪4793‬م‪ ،‬من‬ ‫لوي‬ ‫ذلك بســببه هو‪ ،‬ال بســب آخر‪ .‬قال بكر بن عبد اهلل‬
‫أ جل حتقيق التواصـــل الب يداغوجي‪ ،‬املعت مد عىل‬ ‫املزين‪" :5‬إذا َو جدت يف إخوانك جفاء‪ ،‬فذلك لذن‬
‫الرصــيد املعريف والعاطفي للمتعلم‪ ،‬وهو ما يقتيضــ‬ ‫أحدثته‪ ،‬فت إىل اهلل تعاىل‪ .‬وإذا وجدت منهم زيادة‬
‫واالنفتاح عليهم‪ ،‬وعد َم‬
‫َ‬ ‫مراعا َة الفوارق بني التالميذ‪،‬‬ ‫حمبة‪ ،‬فذلك لطاعة أحدثتها‪ ،‬فاشكر اهلل تعاىل"‪.6‬‬
‫بار‬
‫إقصـــا ئ هم‪ ،‬واال ع تام َد عىل ا ل ت فر يد‪ ،‬وا ع ت َ‬ ‫‪ -1‬حســن التخطيط ل لدرس‪ ،‬والربا عة يف حتد يد‬
‫اخلصوصيات‪.‬‬ ‫األ هداف‪/‬الك فا يات‪ ،‬و حماو لة الوصــول إلي ها‪،‬‬
‫اس ِب َام‬
‫‪َ " :‬حد ُثوا ال َّن َ‬ ‫قال عيل بن أيب طا ل‬ ‫كالتصــميم لب ناء ب يت‪ ،‬فكيف وهو يبني النفوس‪،‬‬
‫َيع ِر ُف َ‬
‫ون"‪.8‬‬ ‫والعقول‪ ،‬واألف كار‪ ،‬والو جدان‪ .‬والن جاح يف حتقيق‬

‫‪ 6‬ـــ حممد عبد الرؤوف املناوي‪" ،‬فيض القدير رشح اجلامع‬ ‫وهم‪.‬‬
‫‪ 1‬ـــ أي‪ :‬عَل ُم ُ‬
‫الصغري من أحاديث البشري النذير"‪ ،‬ج‪ ،5 :‬ص‪.557 :‬‬ ‫‪ 2‬ـــ ابن ماجة‪" ،‬السنن"‪ ،‬باب الوصاة بطلبة العلم‪ ،‬رقم احلديث‪:‬‬
‫‪ 7‬ـــ أبو داود السجستاين‪" ،‬السنن" ‪ ،‬باب كراهة استقبال القبلة‬ ‫‪.255‬‬
‫عند قضاء احلاجة‪ ،‬رقم احلديث‪.3 :‬‬ ‫‪ 3‬ـــ ينظر‪" :‬ديوان أيب األسود الدؤيل"‪ ،‬ص‪.431 :‬‬
‫‪ 8‬ـــ البخاري معلقا‪ ،‬باب من خص بالعلم قوما دون قوم‪ ،‬برقم‪:‬‬ ‫‪ 4‬ـــ حكمة للشيخ عبد القادر الكيالين أو اجليالين‪ .‬ينظر‪" :‬الفتح‬
‫‪.429‬‬ ‫الرباين والفيض الرمحاين"‪ ،‬ص‪.35 :‬‬
‫‪ 5‬ـــ وهو تابعي جليل‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وين ما ِهي؟ َفو َقع النَّاس ِيف َشــج ِر البو ِ‬


‫ادي‪َ .‬ق َال‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َف َحد ُث ِ َ َ َ َ‬ ‫وقالت عائ شة ‪-‬ريض اهلل عنها ‪َ " :-‬أ َم َرنَا َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‬
‫َعبدُ اهلل‪َ :‬و َو َق َع ِيف نَف ِيســ َأ َّهنَا النَّخ َل ُة‪َ ،‬فاســتَح َيي ُت‪ُ .‬ث َّم‬ ‫َّاس َمن َِاز َهلُم"‪.1‬‬
‫ﷺ َأن ُننَز َل الن َ‬
‫ول اهلل‪َ .‬ف َق َال‪ِ " :‬ه َي النَّخ َل ُة"‪.‬‬‫َقا ُلوا‪َ :‬حدثنَا َما ِه َي َيا َر ُس َ‬ ‫ص ِبال ِعل ِم َقو ما ُد َ‬
‫ون‬ ‫وبوب البخاري‪ " :‬باب َمن َخ َّ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َذكَر ُت َذل ِ َك ل ِ ُع َم َر‪َ .‬ق َال‪ :‬ألَن َتك َ‬
‫ُون ُقلت ََها‪َ ،‬أ َح‬ ‫َقو ٍم ك ََر ِاه َي َة َأن الَ َيف َه ُموا"‪.2‬‬
‫إِ َّيل ِمن ك ََذا َوك ََذا"‪.6‬‬ ‫وقال عبد اهلل بن مســعود ريض اهلل عنه‪َ " :‬ما َأ ن َت‬
‫و قد حصــ لت جتر بة يف بري طان يا‪ ،‬ح يث تم إجراء‬ ‫َان ل ِ َبع ِض ِهم‬ ‫ث َقوما َح ِديثا الَ تَب ُل ُغ ُه ُع ُق ُ‬
‫وهلُم إِالَّ ك َ‬ ‫بِمحد ٍ‬
‫ُ َ‬
‫ف حص ل ل طالب عىل ا ل ك م ب يو تر‪ ،‬و كان بر نا مج‬ ‫فِتنَة"‪.3‬‬
‫الكمبيوتر م صمام عىل أن يفرز الطالب يف جمموعتني‪:‬‬ ‫ريض اهلل ع نه عن النبي ﷺ أ نه‬ ‫ويف حد يث أن‬
‫جممو عة األذك ياء‪ ،‬وجممو عة األغب ياء‪ ،‬ولك َّن خ طأ يف‬ ‫ان إِ َذا َت َك َّل َم بِكَلِ َم ٍة‪َ ،‬أ َعا َد َها َثالَثا َحتَّى تُف َه َم َع ن ُه)‪.4‬‬
‫" كَ َ‬
‫الرب نامج مل ُينت به إل يه‪ ،‬ج عل الكمبيوتر ي بدل بني‬ ‫وقد قيل‪" :‬حتى تســتطيع رفع التلميذ الذي وقع عىل‬
‫األسامء‪ ،‬وقسم الطالب لصفني‪ ،‬و ُأخرب املدرسون أن‬ ‫األرض‪ ،‬عليك أن تنحني له وترفعه برفق‪ ،‬وإال فكيف‬
‫طالب هذا الصــف أغب ياء وطالب الصــف اآلخر‬ ‫تصل إليه"‪.5‬‬
‫أذكياء‪ ،‬ودخل املدرسون إىل دروسهم‪ ،‬فمن دخل عىل‬
‫‪ -9‬تقديم املتعلم‪ ،‬والتعامل معه عىل أنه رشيك يف‬
‫صــف األغب ياء كان يظنهم أذك ياء و بالعك ‪ ،‬وب عد‬
‫العمل ية التعليم ية التعلم ية‪ ،‬بل هو حمور ها‪ ،‬له وز نه‬
‫مخســة أشــهر ونصــف‪ ،‬اكتشــف اخلطأ يف الكمبيوتر‪،‬‬
‫وقيمته‪ ،‬مع افرتاض ذكائه‪ ،‬وقدرته عىل الفهم‪.‬‬
‫فقرر امل رشفون إعادة فحص الطالب‪ ،‬وذهلوا لدرجة‬
‫ومما جرى يف عهد الر سول ﷺ ‪ ،‬أنه اخترب ال صحابة‬
‫كبرية عندما رأوا تقدما كبريا حصـــل عليه األغبياء‬
‫ذات يوم‪ ،‬وكان من بينهم عبد اهلل بن عمر‪ ،‬وهو طفل‬
‫ع ند ما عوملوا باعت بارهم أذك ياء‪ ،‬ورأوا تراج عا‬
‫صــغري‪ ،‬فقال ‪ -‬عليه الصــالة والســالم ‪" :-‬إِ َّن ِم َن‬
‫ملحوظا لألذكياء عندما عوملوا باعتبارهم أغبياء‪.‬‬
‫الش ـ َج ِر َش ـ َج َرة الَ َيس ـ ُق ُط َو َر ُق َها‪َ ،‬وإِ َّهنَا َم َث ُل املُس ـلِ ِم‪،‬‬
‫َّ‬

‫النظري والعميل"‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـــ ينظر‪ :‬أمحد عيسى داود‪" ،‬أصول التدري‬ ‫‪ 1‬ـــ مقدمة صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،4 :‬ص‪.1 :‬‬
‫ص‪.33 :‬‬ ‫‪ 2‬ـــ حممد بن إسامعيل البخاري‪" ،‬اجلامع الصحيح"‪ ،‬ج‪ ،4 :‬ص‪:‬‬
‫‪ 6‬ـــ حممد بن إسامعيل البخاري‪" ،‬اجلامع الصحيح"‪ ،‬باب احلياء يف‬ ‫‪.229‬‬
‫العلم‪ ،‬رقم احلديث‪ ،434 :‬ومسلم بن احلجاج‪" ،‬املسند الصحيح"‪،‬‬ ‫‪ 3‬ـــ مسلم بن احلجاج‪" ،‬املسند الصحيح"‪ ،‬باب النهي عن احلديث‬
‫باب مثل املؤمن مثل النخلة‪ ،‬رقم احلديث‪.9293 :‬‬ ‫بكل ما سمع‪ ،‬برقم‪.41 :‬‬
‫‪ 4‬ـــ حممد بن إسامعيل البخاري‪" ،‬اجلامع الصحيح"‪ ،‬باب من أعاد‬
‫احلديث ثالثا ليفهم عنه‪ ،‬رقم احلديث‪.75 :‬‬
‫‪80‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫احلقي قة خلفهم يدعمهم"‪ .‬وق يل‪" :‬التلم يذ ال يأيت‬ ‫ما بني الطريقة اإلخبارية‪،‬‬ ‫‪ -9‬التنويع يف التدري‬
‫لل مدرســـة ألج لك أ هيا ا ملدرس‪ ،‬ولك نك أ نت من‬ ‫واحلوار ية‪ ،‬واالســتقرائ ية واالســتن باط ية‪ ،‬والتعليم‬
‫يذه إىل املدرســة ألجله"‪ .‬وقيل‪" :‬أعط بال حدود‪،‬‬ ‫بالقصة ورضب املثال‪ ،‬وطرح السؤال ‪ ..‬كل طريقة يف‬
‫وال تنتظر األخذ"‪ ..‬ولكن دون تكلف العلم‪ ،‬وادعاء‬ ‫مكاهنا املناس ‪.‬‬
‫املعرفة‪ ،‬وزعم املوســوعية‪ ..‬فذلك قد يوقع يف الغرور‬ ‫‪ -7‬تنقيح املعلو مات و جتد يد ها عن طريق القراءة‬
‫والتهلكة‪ ،‬ومن قال ال أدري‪ ،‬علمه اهلل ما ال يدري‪.5‬‬ ‫املســتمرة‪ ،‬واالطالع عىل ا جلد يد يف م يدان الرتب ية‬

‫‪ -41‬مالحظة وســائل التأثري املختلفة‪ ،‬ألن طريق‬ ‫(التكوين املســتمر)‪ ،‬وحضــور ال ندوات واملؤمترات‬

‫إيصال املعلومة يعود إىل ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫الرتبوية‪ ،‬واالتصــال باملجالت املتخصــصــة‪ ..‬واهلل ‪-‬‬

‫أ ‪-‬القســم املعنوي من إلقاء الدرس‪ ،‬وهو املعروف‬ ‫(و َما ُأوتِيتُم ِم َن ال ِعل ِم إِ َّال َقلِيال)‪ .1‬وقال‬
‫تعاىل ‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫باملحتوى واملوضوع (املعرفة)‪.‬‬ ‫يم)‪ .2‬وقال ‪ -‬تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(و َفو َق كُل ذي عل ٍم َعل ٌ‬
‫‪ -‬تعاىل ‪َ :-‬‬
‫ب ‪-‬القسم الصويت‪ ،‬أي نربة صوت املعلم ودرجاته‬ ‫(و ُقل َرب ِزد ِين ِعلام)‪ .3‬وعن أيب الدرداء ريض اهلل‬
‫‪َ :-‬‬
‫يف أثناء الرشح‪.‬‬ ‫لم بالتحل ِم"‪.4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم بالتَّعل ِم‪ ،‬واحل ُ‬
‫عنه قال‪" :‬إنَّام الع ُ‬
‫ج ‪ -‬القسم البرصي‪ ،‬أي مظهر املعلم وحركاته‪.‬‬ ‫هبذا يســتغني املتعلم عن عناء البحث عن املعلومة‪،‬‬
‫وقد قام الربوفيســور (مورابيان) بأبحاث عىل هذا‬ ‫التي قد يفني عمره دون أن حيصــل عليها‪ .‬وقد يســأل‬
‫املســتوى‪ ،‬فوجد أن ‪ %9‬من تثبيت املعلومة تأيت من‬ ‫املدرس عن مســألة معينة‪ ،‬فريشــد املتعلم إىل املراجع‬
‫حمتوى ا لدرس‪ ،‬و‪ %39‬تأيت من ال عا مل الصــويت‪،‬‬ ‫املطلوبة‪ ،‬دون كبري عناء‪ ،‬فضال عن أن املدرس يمتلك‬
‫و‪ %55‬تأيت من العامل البرصي‪.‬‬ ‫خمزونا علميا يمتح منه كلام احتاج إليه‪ ،‬وبخاصــة عند‬
‫ويف دراســـة أخرى حول أبرز خصـــائص املعلم‬ ‫األ سئلة املفاجئة أو املفخخة‪ .‬ولقد قيل‪" :‬مكتبة مثقلة‬
‫الناجح من وجهة نظر املوجهني‪ ،‬واملرشفني الرتبويني‪،‬‬ ‫بالكت ‪ ،‬ال تعادل مدرســا جيدا واحدا"‪ .‬وقيل‪" :‬لو‬
‫ُ‬
‫مكان املدرس يف الفصــل أمام التالميذ‪ ،‬فهو يف‬ ‫كان‬

‫‪ 5‬ـــ يقول ابن وه ‪" :‬سألت مالكا يف ثالثني ألف مسالة نوازل يف‬ ‫‪ 1‬ـــ [اإلرساء‪.]95 :‬‬
‫عمره‪ ،‬فقال يف ثلثها أو يف شطرها أو ما شاء اهلل منها‪ :‬ال أحسن وال‬ ‫‪ 2‬ـــ [يوسف‪.]93 :‬‬
‫املسالك‬ ‫املدارك وتقري‬ ‫أدري"‪( .‬ينظر‪ :‬القايض عياض‪" ،‬ترتي‬ ‫‪ 3‬ـــ [طه‪.]441 :‬‬
‫ملعرفة مذه مالك"‪ ،‬ج‪ ،2 :‬ص‪.)31 :‬‬ ‫‪ 4‬ـــ أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي‪" ،‬شع اإليامن"‪ ،‬فصل يف ذم‬
‫بناء ما ال حيتاج إليه‪ ،‬برقم‪.41937 :‬‬
‫‪81‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬التعزيز‪ :‬أي‪ :‬مكافأة سلوك املتعلم الصحيح‪ .‬وهو‬ ‫وا ملديرين‪ ،‬واملعلمني أنفســهم‪ ،‬والتالم يذ‪ ،‬جاءت‬
‫مفتاح ضبط الق سم الذي يعاين منه بعض املدر سني‪،‬‬ ‫النتائج هكذا‪:‬‬
‫وبخاصـــة يف التعليم اخلاص‪ .‬وتعترب كلامت التنويه‬ ‫‪ -‬التمكن من املادة التعليمية‪.%33 :‬‬
‫والثناء من أعظم أســاب االســتاملة الرتبوية‪ ،‬وكذلك‬ ‫‪ -‬الديمقراطية والتسامح ومشاركة التالميذ يف اختاذ‬
‫احلفز بإضــافة النقط‪ ،‬واملكافأة بخرجات أو رحالت‪،‬‬ ‫القرارات‪.%34 :‬‬
‫أو مسابقات أو ورشات‪...2‬‬ ‫‪ -‬التنويع يف أسالي التدري ‪.%19 :‬‬

‫‪ -‬الرتكيز عىل الت غذ ية الراج عة أو املر تدة ‪feed-/‬‬ ‫‪-‬التحضــري الســابق للامدة‪ ،‬واحلامس الشــديد هلا‪:‬‬

‫‪ ،rétroaction / back‬لقياس أثر املعلومات املقدمة‬ ‫‪.%34‬‬

‫للمتعلمني‪ ،‬بام يف ذ لك الت غذ ية الراج عة ا لداخل ية‪،‬‬ ‫‪ -‬توزيع األســئلة بالعدل‪ ،‬ومراعاة الفروق الفردية‪:‬‬

‫املنبث قة من ذات ية التلم يذ‪ ،‬وا خلارج ية التي تأيت من‬ ‫‪.%47‬‬
‫‪-‬التحيل باألخالق ال فاضــ لة وامل بادئ امللتز مة‪:‬‬
‫اخلارج‪ ،‬أي‪ :‬من األســتاذ‪ ،‬أو املحيط‪ ،‬وما يصــح‬
‫‪.%49‬‬
‫ذلك من تقويم بأنواعه‪:‬‬
‫‪ -‬ال تأه يل العلمي‪ ،‬واإل ملام باأل هداف واملنهج‪:‬‬
‫‪ -‬الــتــقــويــم الــتشـــخــيــص‪évaluation ( -‬‬
‫‪.%49‬‬
‫‪.)diagnostique‬‬
‫‪-‬املحافظة عىل املظهر بشكل الئق‪.1%49 :‬‬
‫‪ -‬ا ل ت قو يم ا ملر حيل‪/‬ا ل ت كو ي ني ‪évaluation‬‬
‫ومما حيدث العملية التفاعلية بني املعلم واملتعلم‪:‬‬
‫)‪.)formative‬‬
‫‪ -‬حتقيق رضا املتعلم بام يتعلمه‪ ،‬وحتبي املادة إليه‪.‬‬
‫‪ -‬ا ل ت قو يم اإل مجايل‪/‬ا جلزا ئي ‪.( évaluation‬‬
‫)‪sommative‬‬
‫أوسعوا هلم يف املجل ‪ ،‬وأسمعوهم احلديث‪ ،‬وأفهموهم إياه؛ فإهنم‬ ‫‪ 1‬ـــ ينظر‪ :‬يارس فتحي اهلنداوي‪" ،‬إدارة املدرسة وإدارة الفصل‬
‫صغار قو ٍم أوشك أن يكونوا َ‬
‫كبار قوم‪ ،‬وقد كنتم صغار قوم‪ ،‬فأنتم‬ ‫ُ‬ ‫(أصول نظرية وقضايا معارصة)"‪ ،‬ص‪.72 :‬‬
‫البغدادي‪ ،‬رشف أصحاب‬ ‫اليوم كبار قوم"‪(.‬ينظر‪ :‬اخلطي‬ ‫‪ 2‬ـــ ومن وسائل التحفيز‪ :‬ختصيص اجلوائز الرمزية للمجتهدين‪.‬‬
‫احلديث‪ ،‬ص‪)422 :‬‬ ‫وقد كان ذلك معروفا مشتهرا عند املربني املسلمني؛ فقد كان إبراهيم‬
‫وكانوا يسلكون مسلك رفع معنويات الصغار‪ ،‬وتعزيز الثقة‬ ‫سمعت‬
‫َ‬ ‫بن أدهم يقول‪" :‬قال يل أيب‪ :‬يا بني‪ُ ،‬اطل احلديث‪ ،‬فكلام‬
‫بأنفسهم؛ فقد كان ابن شهاب الزهري ـــ رمحه اهلل ـــ يشجع‬ ‫حديثا وحفظته‪ ،‬فلك درهم‪ .‬فطلبت احلديث عىل هذا"‪( .‬ينظر‪:‬‬
‫الصغار ويقول‪" :‬ال حتتقروا أنفسكم حلداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن‬ ‫اخلطي البغدادي‪ ،‬رشف أصحاب احلديث‪ ،‬ص‪.)423 :‬‬
‫اخلطاب كان إذا نزل به األمر املعضل‪ ،‬دعا الفتيان فاستشارهم يتبع‬ ‫وكانوا يدجمون األطفال يف جمتمع الكبار‪ ،‬استفادة من علمهم‪،‬‬
‫حدة عقوهلم"‪( .‬ينظر‪ :‬أبو عمر بن عبد الرب النمري القرطبي‪ ،‬جامع‬ ‫ومترسا بتجارهبم؛ فقد مر عمرو بن العاص ريض اهلل عنه عىل حلقة‬
‫بيان العلم وفضله‪ ،‬ج‪ ،4 :‬ص‪.)492 :‬‬ ‫من قريش فقال‪" :‬ما لكم قد طرحتم هذه األغيلمة؟ ال تفعلوا‪،‬‬
‫‪82‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫هذه أهم ال صفات التي ‪ -‬هبا ‪ -‬يمتلك املعلم نا صية‬ ‫ـ التقويم املعياري (‪.(évaluation normative‬‬
‫متعلميه‪ ،‬فيحب إليهم املادة املدرســة‪ ،‬ويربط معهم‬ ‫‪ -‬التقويم الذايت )‪.(auto - évaluation‬‬
‫اجلســور الرتبوية املطلوبة‪ ،‬ويســرتجع بعضــا من الثقة‬ ‫‪44‬ــــ ضــبط الســلوك وردود األفعال جتاه املتعلم‪.‬‬
‫املفقودة‪ ،‬وسط اإلحباطات املتفشية يف املجتمع‪.‬‬ ‫وهذا يقتيض‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون املدرس ســمحا‪ ،‬هاشــا‪ ،‬لينا‪ ،‬ســهال‪ ،‬يف‬
‫غري خوف وال َم َلق‪.‬‬
‫ـــــ البعد عن العبوس والتقطي والشــدة املفرطة‪،‬‬
‫ُون ِيف‬
‫ألهنا ال تأيت بخري‪ .‬ويف احلديث‪( :‬إِ َّن الرف َق الَ َيك ُ‬

‫َيش ٍء إِالَّ َزا َن ُه‪َ ،‬والَ ُين َز ُع ِمن َيش ٍء إِالَّ َشا َن ُه)‪.1‬‬
‫امل بال غة يف ال تأن ي ‪ ،‬والتوبيخ‪ ،‬والزجر‪،‬‬ ‫‪ -‬جت ن‬
‫والتهديد‪ ،‬والوعيد (رفق من غري َضــعف‪ ،‬وحزم من‬
‫غري َعسف)‪.‬‬
‫‪ -‬ترك احتقارهم‪ ،‬والســخرية منهم‪ ،‬والتنقيص من‬
‫شــخصــيتهم‪ ،‬فذ لك يورثهم التقوقع واالنطواء‪،‬‬
‫والعزوف عن املشـــاركة‪ ،‬وقد يؤدي إىل اإلحباط ثم‬
‫السقوط‪.‬‬
‫‪ -‬ال يضــع نفســه يف مواضــع التهم‪ ،‬وال يســتخدم‬
‫متعلميه يف قضاء أموره وحاجاته الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬يدفع املاللة والســآمة عنهم بمزج اجلد بيشــء من‬
‫الفكاهة واملزح الربيئني‪ ،‬بنســبة ما يوضــع من امللح يف‬
‫الطعام‪.‬‬
‫ظروفهم‪ ،‬و ُيسهم يف حل مشكالهتم‪.‬‬ ‫‪ -‬يتحس‬

‫‪ 1‬ـ مسلم بن احلجاج‪" ،‬املسند الصحيح"‪ ،‬باب فضل الرفق‪ ،‬رقم‬


‫احلديث‪.3939 :‬‬
‫‪83‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬رشح ديوان أمية بن أيب الصــلت‪ ،‬ت‪ .‬ســيف الدين‬


‫الكات ‪ ،‬أمحد عصــام الكات ‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ -‬إبراهيم مصــطفى ‪ -‬أمحد الزيات ‪ -‬حامد عبد القادر‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ -‬حممد النجار‪ ،‬املعجم الو سيط‪ ،‬دار الن رش‪ ،‬دار الدعوة‪،‬‬
‫‪ -‬عبد القادر الكيالين أو اجليالين‪ ،‬الفتح الرباين والفيض‬
‫ت‪ .‬جممع اللغة العربية‪.‬‬
‫الر محاين‪ ،‬ت‪ .‬ع بد الرحيم الســـايح وتوفيق عيل وه بة‪،‬‬
‫‪ -‬أبو األســود ا لدؤيل‪ ،‬ا لديوان‪ ،‬ت‪ .‬حم مد حســني آل‬
‫مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬بدون طبعة وال تاريخ‪.‬‬
‫ياســني‪ ،‬مكتبة النهضــة‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة املعارف‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ -‬عبد امللك بن حممد بن إســامعيل أبو منصــور الثعالبي‪،‬‬
‫الثانية‪ 1394 ،‬ه‪ 1864 - -‬م‪.‬‬
‫ف قه الل غة ورس العرب ية‪ ،‬ت‪ .‬ع بد الرزاق امل هدي‪ ،‬إح ياء‬
‫‪-‬أبو بكر أمحد بن احلســني البيهقي‪ ،‬شــع اإليامن‪ ،‬ت‪.‬‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬الطبعة األوىل‪1422 :‬ه‪2112 - -‬م‪.‬‬
‫حممد السعيد بسيوين زغلول‪ ،‬دار الكت العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ -‬العريب اســليامين ورشــيد اخلديمي‪ ،‬قضـــايا تربوية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 1411 :‬ه‪.-‬‬
‫منشــورات عامل الرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬البيضــاء‪،‬‬
‫‪ -‬أبو عمر بن عبد الرب النمري القرطبي‪ ،‬جامع بيان العلم‬
‫‪ 2112‬م‪.‬‬
‫وفضــله‪ ،‬ت‪ .‬أيب عبد الرمحن فواز أمحد زمريل‪ ،‬مؤســســة‬
‫‪ -‬العريب اسليامين‪ ،‬املعني يف الرتبية‪ ،‬بدون طبعة‪.2114 ،‬‬
‫الريان‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1424 :‬هــ ‪2113 -‬‬
‫القايض عياض‪ ،‬ترتي املدارك وتقري املســالك ملعرفة‬
‫م‪.‬‬
‫ما لك‪ ،‬طب عة وزارة األو قاف والشــؤون‬ ‫أعالم مذ ه‬
‫‪ -‬ابن منظور املرصي‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فضالة املحمدية‪.‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫بن مالك بن عامر األصــبحي املدين‪،‬‬ ‫‪ -‬مالك بن أن‬
‫النظري والعميل"‪،‬‬ ‫‪ -‬أمحد عيسى داود‪" ،‬أصول التدري‬
‫املوطأ‪ ،‬ت‪ .‬حممد مصــطفى األعظمي‪ ،‬مؤســســة زايد بن‬
‫دار يافا العلمية للنرشــ والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عامن‪ ،‬الطبعة‬
‫ســلطان آل هنيان لألعامل اخلريية واإلنســانية‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫األوىل‪ 2114 :‬م‪.‬‬
‫الطبعة األوىل‪ 1422 :‬ه‪ 2114 - -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اخلط ي الب غدادي‪ ،‬رشف أصــ حاب ا حلد يث‪ ،‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬حم مد بن أيب بكر بن ع بدا ل قادر ا لرازي‪ ،‬خم تار‬
‫عمرو عبد املنعم ســليم‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬
‫الصــ حاح‪ ،‬ت‪ .‬حممود خاطر‪ ،‬مكت بة لب نان نارشون‪،‬‬
‫‪ 1412‬ه‪ 1886 - -‬م‪.‬‬
‫بريوت‪ ،‬طبعة جديدة‪ 1412 ،‬ه‪1882 - -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حم مد بن إســامع يل أبو ع بد اهلل الب خاري‪ ،‬ا جلامع‬
‫الصــحيح املخترصــ‪ ،‬ت‪ .‬د‪ .‬مصــطفى دي البغا‪ ،‬دار ابن‬
‫‪84‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كثري‪ ،‬اليام مة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطب عة ال ثال ثة‪ 1412 :‬ه‪- -‬‬
‫‪1892‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حممد بن يزيد أبو عبداهلل القزويني‪ ،‬ســنن ابن ماجة‪،‬‬
‫ت‪ .‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬حممد عبد الرؤوف املناوي‪ ،‬فيض القدير رشح اجلامع‬
‫ال صغري من أحاديث الب شري النذير‪ ،‬ضبطه وصححه امحد‬
‫عبد الســالم‪ ،‬دار الكت العلمية بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫االوىل‪ 1412 :‬ه‪ 1884 - -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مرت ىض الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪،‬‬
‫ت‪ .‬ع بد الكريم العز باوي‪ ،‬مطب عة حكو مة الكو يت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ 1412 :‬ه‪ 1892 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مســلم بن احلجاج القشــريي النيســابوري‪ ،‬املســند‬
‫الصحيح‪ ،‬دار اجليل ‪ +‬دار األفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -‬يارس فتحي اهلنداوي‪" ،‬إدارة املدر سة وإدارة الف صل‬
‫(أصــول نظرية وقضـــايا معارصة)"‪ ،‬املجموعة العربية‬
‫للتدري والنرش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 2112 :‬م‪.‬‬

‫‪ -‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬ع‪ 3 ،4 :‬مارس ‪4783‬م‪.‬‬

‫‪ -‬موقع‪ ،www.bab.com :‬م قال بعنوان‪" :‬التعليم يف‬


‫إســ بان يا‪ .‬مســتوى متطور وجتر بة را ئدة"‪ ،‬متت ز يار ته‬
‫بتاريخ‪ 16 :‬مارس ‪ 2122‬م‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين والتكوين‬
‫في التربية‬ ‫المتخصصة‬
‫تربية‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في ال‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫نعرض يف هذه املقال ملختلف املحطات اإلصالحية التي عرفها النظام التعليمي املغريب‪ ،‬وبشكل خاص عىل‬
‫املستوى البيداغوجي‪ ،‬منذ فجر االستقالل(‪ )4753‬إىل اليوم‪ ،‬والذي عمل جاهدا عىل جتاوز البيداغوجيا القديمة‪،‬‬
‫التي كانت كل التعلامت فيها تتمحور حول اكتساب املعارف‪ ،‬إىل بيداغوجيا حديثة وفعالة تراهن عىل املتعلم‬
‫وتتمركز حوله‪ .‬وهي بيداغوجيا ستكون أوىل جتلياهتا يف بيداغوجيا األهداف‪ ،‬ثم يف مرحلة ثانية يف بيداغوجيا‬
‫الكفايات‪ ،‬التي راهنت عىل إكساب املتعلمني موارد (معارف‪ ،‬قدرات ومواقف) مع مترينهم عىل استثامرها‬
‫وحتريكها عندما تعرتضهم وضعيات مركبة أو زمرة من الوضعيات – املشكالت ومن ثم جعلهم يعطون دالالت‬
‫للتعلامت التي يكتسبوهنا‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬حاولت الدولة املغربية أن تواك كل املستجدات احلاصلة عىل املستوى البيداغوجي يف أفق الرفع من أداء‬
‫املدرسني‪ ،‬ومن ثم الرفع من جودة التدري ‪ .‬هكذا فكلام ظهرت بيداغوجيا جديدة أو تيار بيداغوجي جديد يف‬
‫الغرب إال وكان له صدى داخل منظومتنا التعليمية‪ .‬مع ذلك مل يستطع نظامنا التعليمي جتاوز تعثراته وعوائقه‬
‫املتعددة واستمرت املدرسة املغربية‪ ،‬يف كثري من احلاالت‪ ،‬تشتغل وفق النموذج القديم الذي يراهن عىل تقديم‬
‫عىل بناء الذوات املفكرة‪ .‬ونحن نعتقد أن ذلك مرتبط بغياب بيداغوجيا مطابقة خلصوصيتنا‬ ‫املعارف اجلاهزة ولي‬
‫املغربية‪ ،‬خصوصية يمكن أن ندركها يف أبعادها املتعددة‪ ،‬اقتصاديا وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا‪...‬‬

‫‪ -1‬أستاذ التعليم العايل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي‬


‫‪86‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وتشعبا‪ .‬وهكذا يبقى "املشكل" من غري حل‪ ،‬ينتظر‬


‫سنة أخرى ال ري فيها‪ ،‬لينفجر الوضع من جديد‪،‬‬ ‫ينبغي أن نذكر أن إشكالية التعليم باملغرب‬

‫من جديد‪ ،‬ولتقدم احللول اجلزئية‬ ‫ولتقدم املطال‬ ‫واألسئلة املرتبطة بذلك هي إشكالية قديمة‪ .‬فقد‬

‫وحدها ويبقى املشكل قائام كام كان أو أكثر‪ .‬وهكذا‬ ‫أشار حممد عابد اجلابري منذ بداية مرحلة‬

‫دواليك !؟"‪.2‬‬ ‫ما نصه‪ ":‬ثمة يف‬ ‫السبعينات إىل ذلك حيث كت‬

‫قبل التطرق لبعض مظاهر هذه اإلشكالية ومعاينة‬ ‫املغرب مشكل مزمن‪ ،‬مشكل حيتل الصدارة يف‬

‫بعض متظهراهتا يف الزمن احلارض ال بأس من‬ ‫جمموعة املشاكل األخرى التي مل تعرف بعد طريقها‬

‫الرجوع إىل الوراء للوقوف عىل الظروف واحليثيات‬ ‫نحو املعاجلة واحلل الصحيح‪ .‬إنه مشكل التعليم‪،‬‬

‫التي صاحبت هذه النشأة‪ [ ،‬ذلك ألن املشاكل‪ ،‬أيا‬ ‫مشكل يعرتف بخطورته وتفاقم أبعاده‪ ،‬منذ‬

‫كان نوعها‪ ،‬كام يذكر اجلابري "ليست بنت‬ ‫اإلعالن عن االستقالل إىل اليوم‪ ،‬املغاربة مجيعا‪:‬‬

‫ساعتها‪ ،‬بل هي نتيجة عملية تطور ونمو‪ :‬نمو‬ ‫آباء وأمهات وأبناء‪ ،‬وأساتذة ومعلمني وطلبة‬

‫األجزاء يف إطار نمو الكل‪ ،‬ونمو الكل من خالل‬ ‫وتالميذ وحاكمني وحمكومني‪ ،‬مسؤولني وغري‬

‫نمو األجزاء‪ .‬معنى ذلك أن املشاكل‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬هلا‬ ‫مسؤولني‪ ،‬خمتصني يف الرتبية والتعليم أو غري‬

‫تاريخ‪ ،‬ومن ثمة يغدو الفهم الصحيح هلا إنام يبدأ‬ ‫خمتصني‪ 1" .‬كام أن جل األسئلة التي طرحت بصدد‬

‫بفهم تاريخ مولدها ونشأهتا‪ ،‬وتتبع مراحل نموها‬ ‫هذه اإلشكالية ظلت هي نفسها تراوح مكاهنا‪:‬‬

‫وتطورها"‪ .3‬ومن ثم جيوز لنا التساؤل كيف كانت‬ ‫«قيل الكثري عن هذا املشكل‪ ،‬وعقدت حوله‬

‫متارس مهنة التعليم قبل املرحلة االستعامرية وما‬ ‫ندوات رسمية وغري رسمية‪ ،‬فاقرتحت حلول‬

‫الذي كان يميز هذه املرحلة؟ ما طبيعة املعارف التي‬ ‫كثرية متتالية أو متزامنة‪ ،‬ويف كل مرة كان الالحق‬

‫كانت تدرس وما هي الغايات التي كانت تنشدها‬ ‫منها يلغي السابق أو يعدله‪ ،‬أو يكمله‪ .‬ومع ذلك مل‬

‫ووفق أي بيداغوجيا كانت تتم العملية؟ ماهي‬ ‫يزدد املشكل إال تعقيدا‪ ،‬ومل تزدد أبعاده إال امتدادا‬

‫‪ -2‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪1.‬‬ ‫‪-1‬اجلابري حممد عابد‪ ،‬أضواء عىل مشكل التعليم باملغرب‪ ،‬دار‬
‫‪ -3‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪1.‬‬ ‫النرش املغربية‪ ،‬البيضاء‪ ،1851،‬ص‪1.‬‬
‫‪87‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ملشاكل معاينة عىل مستوى الواقع التعليمي يف‬ ‫التغريات التي عرفها احلقل التعليمي املغريب خالل‬
‫البالد أم أن استقدامها واعتامدها داخل منظومتنا‬ ‫مرحلة االستعامر؟ وما هي وضعيته بعد حصول‬
‫الرتبوية أملته رشوط أخرى خارجة عن املجال‬ ‫البالد عىل استقالهلا السيا‪،‬ي؟ كيف نفرس االنتقال‬
‫‪1‬‬
‫وجتد تربيرها يف عالقة التابع باملتبوع؟‬ ‫من مرحلة إىل أخرى وكيف ندركه؟ هل ندركه عىل‬
‫يمكن أن نميز‪ ،‬ونحن نتأمل تطور النظام‬ ‫شكل قطائع أم أن ثمة انتقال ضمن االستمرارية؟‬
‫التعليمي باملغرب بني ثالث مراحل أساسية‪:‬‬ ‫وحاجيات‬ ‫هل كان هذا االنتقال استجابة ملطال‬
‫متيزت هذه‬ ‫‪4‬‬ ‫أفرزها الواقع املغريب أم أنه نتيجة إلمالءات‬
‫املرحلة هبيمنة شبه مطلقة للطريقة التقليدية التي‬ ‫فرضتها قوى معينة ستوظف التعليم خلدمة‬
‫كانت تعتمد عىل اإللقاء وتتمركز حول املعرفة‪،‬‬ ‫مصاحلها اآلنية واملستقبلية؟‬
‫وهي طريقة كانت مقبولة اجتامعيا ومرشوعة يف‬ ‫يف تناولنا هلذا املوضوع سنركز بشكل خاص عىل‬
‫ظل جمتمع تراتبي كانت فيه األدوار مقسمة وحمددة‬ ‫التطور احلاصل عىل املستوى البيداغوجي أي عىل‬
‫بدقة بني كل املكونات االجتامعية‪ :‬بني األجيال‪،‬‬ ‫الطريقة التي كانت تتم هبا العملية التعليمية‪ ،‬وكيف‬
‫وبني الراشدين واألطفال‪ ،‬بني الرجال والنساء‪ ،‬بني‬ ‫كان يتم االنتقال من مقاربة بيداغوجية إىل أخرى‪،‬‬
‫الذكور واإلناث ‪...‬إلخ؛ جمتمع ما كان هيمه هو‬ ‫والسؤال الذي سيوجه تفكرينا يف هذا اإلطار‪،‬‬
‫التحصيل خصوصا إذا كان كل ما يدرس متمحورا‬ ‫يتحدد كالتايل‪ :‬هل البيداغوجيا املعتمدة يف‬
‫منذ ذاك التاريخ إىل اآلن كانت نتيجة‬ ‫التدري‬

‫اختيارات ختص هذه امليادين نف سها ويت ضمن يف جوفه ومن خالل‬ ‫‪ -1‬هذا يعني أن م شكل التعليم هو م شكل سيا‪،‬ي بالدرجة األوىل‬
‫تطوره‪ ،‬أبعادا ســياســية واجتامعية أثرت وتؤثر وســتؤثر‪-‬ال‪ -‬عىل‬ ‫وربام إقحام املعطى الســيا‪،‬ي يف هذا املجال هو الذي جعل مســاره‬
‫الثقافة والتعليم فقط‪ ،‬بل عىل جمموع امل شاكل األخرى عىل اختالف‬ ‫ينحو هذا املنحى‪ ،‬بل هو الذي حكم عىل كل املحاوالت اإلصالحية‬
‫أنواعها‪ ،‬وتفاوهتا يف األمهية واخلطورة‪ .‬حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع‬ ‫بالتعثر بل بالفشــل‪ .‬وقد انتبه اجلابري إىل ذلك منذ الســبعينيات‬
‫سابق‪ ،‬ص‪1.‬‬ ‫حيث كت يف هذا اإلطار‪":‬لقد اختذ مشــكل التعليم يف بالدنا ومنذ‬
‫ال شع‬ ‫فقط ألنه يم‬ ‫اال ستقالل طابعا سيا سيا وا ضحا‪ ،‬لي‬
‫كله‪ ،‬أو ألنه يقدم أح سن مطية تطرح من أعىل متنها ق ضايا سيا سية‬
‫بالف عل‬ ‫واجتامع ية واقتصـــاد ية وث قاف ية‪ ،‬بل أيضـــا أل نه يعك‬
‫‪88‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إال أنه يف بعض الزوايا (زاوية وزان يف شامل‬ ‫حول النص الديني (القرآن والسنة) والعلوم‬
‫املغرب وزوايا اجلنوب) ويف بعض املدن التقليدية‬ ‫امليرسة لفهمه‪.‬‬
‫كفاس ومراكش وتارودانت‪ .‬الخ كنا نجد مواد‬ ‫يف ظل هذا الوضع كان التعليم تقليديا بكل‬
‫تعليمية أخرى تغني الربامج الدراسية مثل علوم‬ ‫معاين الكلمة‪ ،‬وكان الرشط الوحيد للقيام هبذه‬
‫الفقه وأصوله‪ ،‬علوم احلديث وعلوم التفسري‪،‬‬ ‫املهمة هو أن يكون الشخص (أي "الفقيه")‬
‫علوم اللغة بل حتى علم املنطق واحلساب‬ ‫حافظا لكتاب اهلل ومتمكنا من بعض األذكار‬
‫والفلك يف جامعة القرويني بفاس‪ .‬وقد ظل األمر‬ ‫الدينية‪ ،‬وقادرا عىل تأطري املجال الديني الذي‬
‫عىل هذا احلال إىل حدود بداية القرن العرشين‬ ‫احلاالت سيكون هو‬ ‫يشتغل فيه‪ ،‬ألنه يف غال‬
‫عشية فرض احلامية عىل البالد‪.‬‬ ‫املرجع الوحيد لساكنة هلا نوازهلا اليومية وحيث‬

‫إننا نعرف جيدا‬ ‫‪2‬‬ ‫رأي الفقيه واستشارته تبقى رضورية خصوصا‬

‫مالبسات وظروف استعامر املغرب وكيف تم‬ ‫وأننا مازلنا نعيش يف ظل جمتمع قبيل يعيش عىل‬

‫هو‬ ‫التمهيد هلذه العملية التي كان أساسها لي‬ ‫الزراعة والرعي ومتثل فيه األمية نسبا عالية‪،‬‬

‫السالح بل املعرفة والتي تدخل ضمن ما سمي‬ ‫جمتمع مازالت ثقافته شفهية تقوم عىل الرسد‬

‫آنذاك بالسياسة العلمية لالستعامر‪ .‬وهي عملية‬ ‫والتكرار‪ .‬وهو يشتغل وفق عقدة حملية تتجدد‬

‫أخذت شكلها الرسمي سنة ‪ 1814‬مع ظهور‬ ‫سنويا تسمى حمليا ب «الرشط"‪ .1‬وهكذا كان‬

‫البعثة العلمية بطنجة والتي أنشئت خصيصا هلذا‬ ‫الفقيه يتدرج ويرتقي يف مسالك العلم واملعرفة‪.‬‬

‫الغرض‪ ،‬أي جتميع كل املعطيات املرتبطة باملجال‪،‬‬ ‫أما املناهج التعليمية فقد كانت تتنوع حس‬

‫باإلنسان واملجتمع املغريب حتى تسهل عملية غزوه‬ ‫املناطق‪ ،‬ففي املجال القروي كان األمر يقترص يف‬

‫الحقا‪ .‬وقد فطنت جل الدراسات الكولونيالية‬ ‫احلاالت عىل حتفيظ القرآن وتعليم بعض‬ ‫غال‬

‫آنذاك إىل أمهية التعليم وكيف يمثل مدخال أساسيا‪،‬‬ ‫السنن وتعليم املبادئ األولية يف الكتابة والقراءة‪.‬‬

‫‪-1‬فضــيل‪ ،‬عبد الرمحان‪ ،‬اإلصــالح الديني اليوم يف القرى املغربية‬


‫"املخزن"و " فق هاء الرشــط"يف تيزن يت‪ ،‬جم لة عمران للعلوم‬
‫االجتامعية‪ ،‬العدد ‪ ،01‬املجلد السادس ربيع ‪.0019‬‬
‫‪89‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫النخبة االجتامعية تعليم طبقي هيدف إىل تكوينها‬ ‫من جهة‪ ،‬لزرع ثقافة جديدة وأنامط سلوكية تتامهى‬
‫تكوينا منظام يف ميادين اإلدارة والتجارة‪ ،‬وهي‬ ‫وتتامشى مع عقلية املستعمر‪ ،‬ومن جهة ثانية تكوين‬
‫امليادين التي اختص هبا األعيان املغاربة‪ ،‬أما النوع‬ ‫وتأهيل وإعداد أطر وتقنيني مغاربة يمكن‬
‫الثاين وهو التعليم الشعبي اخلاص بجامهري السكان‬ ‫االستفادة منهم يف إنجاح املرشوع االستعامري‬
‫الفقرية واجلاهلة جهال عميقا‪ ،‬فسيتنوع بتنوع‬ ‫اقتصاديا وسياسيا‪ .‬من دون أن ننسى ظهور‬
‫الوسط االقتصادي‪ :‬يف املدن يوجه التعليم نحو‬ ‫مدارس من نوع خاص لتأهيل النخبة احلاكمة‬
‫املهن اليدوية (خاصة مهن البناء) وإىل احلرف‬ ‫مستقبال (مدارس األعيان)‪ .‬باإلضافة إىل مدارس‬
‫اخلاصة بالفنون األهلية‪ .‬هذه الفنون التي تكتيس‬ ‫ستخصص للعنرص الرببري وأخرى لألقلية‬
‫العمل عىل إحيائها من‬ ‫أمهية خاصة‪ ،‬والتي جي‬ ‫اليهودية‪ .‬وهكذا سيقدم االستعامر منتوجا يالئم‬
‫جديد‪ .‬أما يف البادية فسيوجه التعليم نحو الفالحة‬ ‫حلاجيات خمتلف القوى املكونة للبنية‬ ‫ويستجي‬
‫والتشجري وتربية املوايش وبالنسبة للمدن الشاطئية‬ ‫االجتامعية آنذاك‪ :‬طبقة النخبة‪ ،‬مجاهري املدن‬
‫فسينص عىل الصيد البحري واملالحة‪.1‬‬ ‫لوي‬ ‫الكادحة ثم مجاهري البادية املتخلفة‪ .‬كت‬
‫هكذا‪ ،‬عوض تعليم كانت تقدمه املساجد والزوايا‬ ‫هاردي كبري املنظرين للسياسة التعليمية آنذاك "‪.‬‬
‫سنجد أنفسنا أمام مدارس ومؤسسات عرصية‪ ،‬هلا‬ ‫وهكذا‪ ،‬فنحن ملزمون بالفصل بني تعليم خاص‬
‫مناهجها اخلاصة وغاياهتا اخلاصة أيضا‪ .‬ويف هذه‬ ‫بالنخبة وتعليم لعموم الشع ‪ .‬األول يفتح يف وجه‬
‫املرحلة‪ ،‬كذلك‪ ،‬ستظهر املدارس احلرة والتي‬ ‫أرستقراطية مثقفة يف اجلملة متحرضة ومهذبة‬
‫شكلت مالذا ملجموعة من األرس املغربية خصوصا‬ ‫أرستقراطية‪ ،‬ولكنها أرستقراطية توقفت عن النمو‬
‫داخل املدن‪ ،‬والتي كانت متخوفة من املنتوج‬ ‫تأثري العلوم الوسطية (نسبة إىل‬ ‫الفكري بسب‬
‫األجنبي الذي اعتربته جماال للتنصري وإدخال ثقافة‬ ‫القرون الوسطى)‪ ،‬ومهددة يف وجودها املادي‬
‫اآلخر النرصاين املتعارضة مع الدين واألعراف‬ ‫بسب افتقادها لألسالي االقتصادية احلديثة نتيجة‬
‫االجتامعية‪ .‬وهو رفض وتعارض سيدوم حتى‬ ‫الالمباالة من جانبها‪ .‬إن التعليم الذي سيقدم هلذه‬

‫‪1 -HARDY M.G., Le problème scolaire au‬‬


‫‪Maroc, Casablanca, imprimerie rapide, 1920,‬‬
‫‪p.23‬‬
‫‪90‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املسؤوليات‪ ،‬كان يف املنظور اجلامهريي آنذاك هو‬ ‫خروج املستعمر وحترير البالد وسيتخذ– كام يذكر‬
‫املغريب‬ ‫التعليم‪« .‬وهكذا ظل التعليم لدى الشع‬ ‫اجلابري‪ -‬مقاطعة شبه مجاعية وشبه منظمة –خاصة‬
‫غداة االستقالل خاضعا هلذا التصور‪ :‬تلميذ اليوم‬ ‫يف األوساط الشعبية‪ -‬ملدارس احلامية‪" .‬إهنا مل تكن‬
‫هو حاكم الغد‪ ،‬وذلك ما تنبهت إليه‪ ،‬خالل عهد‬ ‫احتقارا للتعليم أو اعتقادا بعدم جدواه‪ ،‬بل كانت‬
‫احلامية‪ ،‬البورجوازية املغربية‪ ،‬وهذا ما أدركته أخريا‬ ‫نوعا من "الكبت" اإلرادي‪ .‬أما البديل‪ ،‬فقد كان‬
‫اجلامهري الشعبية"‪.2‬‬ ‫االنتظار‪ .‬انتظار عهد االستقالل‪ ،‬حيث سيتوفر‬
‫عىل مستوى التدبري البيداغوجي‪ ،‬وهو األمر‬ ‫املغرب عىل تعليم وطني يلبي مطامح شعبنا يف‬
‫الذي هيمنا يف هذا املقام‪ ،‬نجد استمرار البيداغوجيا‬ ‫التعليم والثقافة والشغل"‪ .1‬آنذاك فقط‪ ،‬وأمام‬
‫التقليدية‪ ،‬فهي املتحكمة يف تنظيم العالقات بني‬ ‫اإلقبال املتزايد عىل املتعلمني لتعويض األجان‬
‫املعلمني واملتعلمني‪ ،‬وإن كنا نالحظ تقدما عىل‬ ‫وامتهان الوظيفة العمومية‪ ،‬سيفطن املغاربة‬
‫مستوى ديداكتيكي‪ ،‬أي عىل مستوى تنظيم املعارف‬ ‫واملرتددون منهم بوجه خاص أو املحافظون كام‬
‫وتدريسها وحيث التكامل بني الدرس النظري‬ ‫يسميهم البعض أو الوطنيون‪ ،‬إىل أمهية املدرسة‬
‫العلوم واللغات‪،‬‬ ‫والتطبيقي خصوصا يف تدري‬ ‫كمجال لتلقي معرفة تتامشى مع العرص "احلديث"‬
‫احلاالت‪ ،‬تكون لنقل‬ ‫فإن السيادة‪ ،‬يف أغل‬ ‫وجمال كذلك أصبح رضوريا للرقي االجتامعي‬
‫املعارف وإعادة إنتاجها‪.‬‬ ‫والولوج للوظيفة العمومية‪« .‬لقد بدا واضحا‬

‫‪:‬‬ ‫‪3‬‬ ‫للجامهري الشعبية‪ ،‬غداة االستقالل أن ما كانت‬


‫حتلم به نتيجة الوعود الرباقة التي روجتها قيادة‬
‫خالل هذه املرحلة ستتعزز الرغبة يف‬
‫احلركة الوطنية‪ ،‬مل يكن سوى رسابا‪ .‬وبام أن وعيها‬
‫التمدرس وسيتم القطع مع نظرة سابقة للمدرسة‬
‫الطبقي كان ضعيفا خافتا‪ ،‬فإهنا مل ترتدد يف ربط‬
‫طبعها نوع من الرتدد واخلوف ارتبطا بظروف‬
‫السلطة وبالتايل الغنى‪ ،‬بالتعليم‪ :‬إن الذي مكن‬
‫انغراسها داخل املجال املغريب‪ ،‬ومن ثم بدأت‪،‬‬
‫النخبة من ثروهتا‪ ،‬وأهلها الستالم مراكز‬
‫بشكلها احلديث‪ ،‬جتد مكاهنا الطبيعي داخل‬

‫‪-2‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪51.‬‬ ‫‪-1‬اجلابري ‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪68.‬‬
‫‪91‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫القراءة والكتابة بل وتم استقدام جمموعة من‬ ‫املجتمع املغريب يف مدنه وقراه‪ ،‬حيث تبينت‬
‫األجان ‪ :‬من سوريا واألردن وفلسطني ومرص‬ ‫رضورهتا‪ ،‬كام أسلفنا‪ ،‬باعتبارها املجال الوحيد‬
‫ومن فرنسا‪ ،‬وكذلك من بعض دول أوروبا الرشقية‬ ‫الذي يضمن الرقي واالرتقاء االجتامعيني‪ .‬ويف‬
‫مثل رومانيا وبولونيا وهنغاريا‪ .‬ويف الغال األعم‬ ‫هذه املرحلة كذلك‪ ،‬ستظهر املبادئ األوىل األربعة‬
‫كان جل هؤالء يفتقرون للتجربة وليست هلم أي‬ ‫التي ستطبع ورش اإلصالح والتي جتسدت يف‬
‫دراية ال باملجال البيداغوجي وال بديداكتيك املواد‬ ‫واملغربة والتوحيد‪ .‬وهي‬ ‫التعميم‪ ،‬والتعري‬
‫املدرسة‪ ،‬وما كان يشفع هلم ويسهل مأموريتهم هو‬ ‫إصالحات كانت ذات طابع توفيقي‪ ،‬كام يذكر‬
‫التمثل االجيايب املرتبط باملدرسة واستعداد الكل‬ ‫اجلابري؛ توفيق ظل حيكم الرؤية املغربية إلصالح‬
‫للتعاون يف ظل نسق ثقايف حيكمه التضامن‬ ‫التعليم وسيتأكد مع امليثاق الوطني للرتبية‬
‫والتعاون اللذين يغذهيام شعور قومي وتفكري‬ ‫والتكوين وسيستمر إىل اآلن مع الرؤية‬
‫عقدي موحد‪.‬‬ ‫االسرتاتيجية لإلصالح‪ ،‬ليتبني بالواضح أن‬
‫يف هذه املرحلة ستظهر مؤسسات تكوين أطر‬ ‫املدرسة ليست بعيدة عن جمال الرصاع االجتامعي‬
‫التدري ‪ :‬مدارس املعلمني واملعلامت واملراكز‬ ‫بل توجد يف قلبه‪ ،‬ولعل ذلك ما يفرس‪ ،‬يف نظرنا‪،‬‬
‫الرتبوية اجلهوية حيث سيتم االطالع عىل نظريات‬ ‫سلسلة املشاكل والتعثرات التي نعيشها اليوم‪،‬‬
‫يف الرتبية اخلاصة والعامة ومن ثم االنفتاح عىل‬ ‫فاحللول تأيت دائام من خارج النسق أو املنظومة‪.‬‬
‫الفكر الرتبوي احلديث‪ .‬ولكن مع ذلك عىل‬ ‫لقد كان ملثل هذه التمثالت اإلجيابية حول‬
‫هو مراكمة املعارف‬ ‫مستوى األداء ظل اهلاج‬ ‫املدرسة غداة االستقالل تأثري واضح حتى عىل‬
‫وتقديمها خارج وضعيات حمددة قريبة من املعيش‬ ‫املستوى البيداغوجي‪ ،‬فقد أوكلت تربية األبناء كلية‬
‫اليومي للمتعلم وعدم مراعاة الفوارق بني املتعلمني‬ ‫للمعلم وأعطيت له كل الصالحيات لرتبية النشء‬
‫عىل مستوى نسبة اهلدر‬ ‫اليشء الذي سينعك‬ ‫ولو باستعامل العنف املادي يف بعض احلاالت‬
‫املتعلمني كانوا يغادرون‬ ‫املدر‪،‬ي‪ ،‬حيث أغل‬ ‫والذي كان جيد ما يربره‪.‬‬
‫املدرسة يف سن مبكرة‪ ،‬وبشكل خاص يف السنوات‬ ‫ويف ظل اخلصاص املهول يف املوارد البرشية‪،‬‬
‫االبتدائي أو الثالثة اعدادي‪،‬‬ ‫اإلشهادية اخلام‬ ‫آنذاك‪ ،‬فقد فتحت املدرسة أبواهبا لكل متعلم جييد‬
‫‪92‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املجال للواقع املدر‪،‬ي ومتظهراته‪ .‬وهو األمر الذي‬ ‫وقليل من يتحصل عىل شهادة البكالوريا التي‬
‫ربام كان سيسمح هلم ويساعدهم عىل إجياد نوع من‬ ‫كانت هلا قيمتها العلمية واالعتبارية آنذاك‪ .‬لكن‬
‫التوافق بني النظرية البيداغوجية الغربية واملحيط‬ ‫بالرغم من هذه النقائص فقد استطاعت املدرسة‪،‬‬
‫الذي ستطبق فيه‪.‬‬ ‫وبشهادة كثري من املالحظني‪ ،‬أن تؤدي وظيفتها‬
‫يف مثل هذه الظرفية ظهرت بيداغوجيا‬ ‫التكوينية والتأهيلية خالفا ملا نالحظه اليوم حيث‬
‫األهداف التي تزامن ظهورها مع فرض سياسة‬ ‫ان مهمتها أصبحت حمصورة يف التقويم وظيفتها‬
‫التقويم اهليكيل عىل املغرب من قبل صندوق النقد‬ ‫تقويمية إشهاديه‪.‬‬
‫الدويل والتي رشع يف تطبيقها خالل املوسم‬ ‫مع بداية الثامنينيات‪ ،‬ومع عودة جيل جديد‬
‫الدرا‪،‬ي ‪ 1896/1892‬وهكذا انترشت يف‬ ‫من املكونني من املدارس الفرنسية والبلجيكية‬
‫منظومتنا التعليمية مرحلة سيادة منظور حتليل‬ ‫لفعل‬ ‫والكندية‪ ،‬سنالحظ بداية التأسي‬
‫أو حتليل العملية التعليمية‪ ،‬حيث‬ ‫التدري‬ ‫بيداغوجي جديد خصوصا يف كلية علوم الرتبية‬
‫واملجالت واملالحق‬ ‫ازدهرت املنشورات (الكت‬ ‫بالرباط وحيث جل‬ ‫التابعة جلامعة حممد اخلام‬
‫الرتبوية يف اجلرائد الوطنية‪ )...‬ونشطت الندوات‬ ‫األساتذة كانوا قد حرضوا رسائلهم العلمية حتت‬
‫واللقاءات الرتبوية وازدادت أعداد الباحثني‬ ‫إرشاف بيداغوجيني وعلامء ديداكتيك غربيني‪،‬‬
‫واخلرجيني ممن تكونوا بكلية علوم الرتبية واملدارس‬ ‫وأرادوا نقل التجربة الغربية اىل املغرب‪ .‬خطأهم يف‬
‫العليا لألساتذة ومركز تكوين املفتشني وغريها"‪.1‬‬ ‫اعتقادي أهنم جتاهلوا السياق املغريب أو مل يأخذوه‬
‫غري أن هذه اهليمنة‪ ،‬وبغض النظر عن‬ ‫باحلسبان واملتمثل يف تزايد اإلقبال عىل املنتوج‬
‫هلا‬ ‫اخلطاب و الكتابات املصاحبة هلا‪ ،‬مل يكت‬ ‫املدر‪،‬ي املستقط قليال من قبل الوظيفة العمومية‬
‫النجاح و مل تف بالغرض املطلوب نظرا العتبارات‬ ‫وكذا القطاع اخلاص وعدم املواكبة يف بناء املدارس‬
‫كثرية‪ ،‬لعل أمهها مرتبط برشوط وظروف إنتاج‬ ‫وبناء الرشكات واستثامر املؤطرين والباحثني يف‬

‫‪-1‬الدريج‪ ،‬حممد‪ ،‬املنهاج املندمج‪ ،‬أطروحات يف اإلصالح‬ ‫* مازالت إشكالية اهلدر املدر‪،‬ي تؤرق املسؤولني املغاربة يكفي أن‬
‫البيداغوجي ملنظومة الرتبية والتكوين‪ ،0016 ،‬ص ‪.198-108‬‬ ‫نذكر أن متوسط اهلدر املدر‪،‬ي سنويا يصل إىل ‪ 060000‬حالة‬
‫‪93‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫تثبيتها لدى املتعلمني ضدا عىل تنمية القدرة عىل‬ ‫التعلامت‪ ،‬حيث إن كثافة الربامج الدراسية من جهة‬
‫التعبري الفردي وتنمية شخصية املتعلمني‪.2‬‬ ‫وخصوصية بعض املواد التعليمية من جهة أخرى‬
‫سيمثل املخطط االستعجايل (‪-2118‬‬ ‫واالكتظاظ الذي تعرفه الفصول الدراسية وافتقار‬
‫‪ ،)2112‬من جهته‪ ،‬مناسبة لتجاوز تعثرات امليثاق‬ ‫املؤسسات للوسائل التعليمية الالزمة واملختربات‪.‬‬
‫الوطني للرتبية والتكوين وإعطاء دفعة جديدة‬ ‫بعض‬ ‫كل ذلك حكم عىل التجربة بالفشل حس‬
‫لإلصالح‪ ،‬وكان من بني مشاريع هذا الربنامج‬ ‫املتتبعني للشأن الرتبوي‪ .‬وهو املآل نفسه الذي‬
‫مرشوع التطوير البيداغوجي الذي هيدف إىل‬ ‫ستعرفه جتربة املقاربة بالكفايات والتي تعترب إىل حد‬
‫استكامل إرساء املقاربة بالكفايات وتوفري إطار‬ ‫ما امتدادا للمرحلة السابقة كام انتبه إىل ذلك‬
‫منهجي ألجرأهتا‪ ،‬ومن ثم سيتم تبني بيداغوجيا‬ ‫الباحث املغريب حممد الدريج الذي عايش هذه‬
‫اإلدماج والتي "جعلت منها وزارة الرتبية الوطنية‬ ‫اللحظات‪.1‬‬
‫نموذجا لتطوير املناهج‪ ،‬وجندت هلا عدة من‬ ‫هكذا‪ ،‬فعىل مستوى اخلطاب‪ ،‬ومن خالل‬
‫والوسائل‬ ‫الربامج واملشاريع واألطر والتداري‬ ‫املواد التعليمية‬ ‫تأمل التوجيهات الرتبوية لتدري‬
‫والدالئل واملذكرات إىل ذلك غري من اإلجراءات‪.‬‬ ‫املوجهة للمدرسني‪ ،‬دالئل املعلمني ومداخل أو‬
‫لكن‪ ،‬وبعد مرور حوايل سنتني عىل بداية "تطبيق"‬ ‫املدرسية واملذكرات التوجيهية‪،‬‬ ‫مقدمات الكت‬
‫هذه البيداغوجيا‪ ،‬جزئيا يف املراحل األوىل وبشكل‬ ‫نجد أن اخللفية النظرية أو الرباديغم املعتمد يف‬
‫جتريبي يف بعض األكاديميات‪ ،‬تم "تعميمها" بعد‬ ‫هو املقاربة بالكفايات‪ ،‬أي أن ما حيكم‬ ‫التدري‬
‫ذلك عىل املدارس املغربية االبتدائية منها عىل وجه‬ ‫العملية برمتها هو إعداد املتعلم ملواجهة وضعيات‬
‫اخلصوص‪ ،‬حتى دون تقديم وتوظيف نتائج‬ ‫مركبة مع ما يفرتضه ذلك من اكتساب موارد يف‬
‫وحتى قبل أن يفتح يف‬ ‫التقويم األويل للتجري‬ ‫إطار وضعيات وسياقات حمددة‪ ،‬غري أنه عىل‬
‫شأهنا نقاش وطني‪ ،‬كان من املمكن أن يساهم‬ ‫مستوى املامرسة وكذلك عىل مستوى تقويم‬
‫بفعالية يف معرفة نقاط قوهتا وضعفها ومدى‬ ‫التعلامت‪ ،‬نجد استمرار الرتكيز عىل املعارف و‬

‫‪2-AkesbiMseferAssia, Ecole, Sujets et‬‬ ‫‪ -1‬الدريج‪ ،‬حممد‪ ،‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪111‬‬
‫‪Citoyens, Editconsulting, 2014‬‬
‫‪94‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وهكذا‪ ،‬فاملتتبع للشأن الرتبوي اليوم يالحظ ويقف‬ ‫مراعاهتا خلصوصياتنا‪ ،‬قبل بلورهتا يف صياغتها‬
‫عىل جمموعة من املفارقات‪ :‬فعىل مستوى اخلطاب‬ ‫النهائية ثم تطبيقها "‪.1‬‬
‫الرسمي وغري الرسمي نجد العمل بالكفايات‬ ‫عوض هذه االحتياطات وهذه اإلجراءات التي‬
‫والتمركز عىل املتعلم وبناء التعلامت واالهتامم‬ ‫ذكرها حممد الدريج‪ ،‬سيتم الرشوع يف تطبيقها بعد‬
‫بشخصية املتعلم‪ ،‬ولكن عىل مستوى املامرسة‬ ‫أن تلقى جل املدرسني تكوينا تقنيا للعمل هبا‪،‬‬
‫فالثابت واملعمول به هو الرتكيز عىل املعارف‬ ‫تكوينا لألسف مل يقف عىل مرتكزاهتا وأسسها‬
‫واملحتويات وحتى عىل مستوى التقويم نجد‬ ‫النظرية ومل يسائلها يف ضوء الوضعيات الفعلية التي‬
‫من جييد التفكري بل من حيفظ ويراكم‬ ‫املتفوق لي‬ ‫يف إطارها يامرس املدرسون‪ .‬لقد كان تكوينا‬
‫املعارف أكثر من غريه‪ .‬وهو وضع حييل إىل‬ ‫لألسف غري مبني عىل أسئلة حقيقية تنهل من‬
‫اختالالت عدة تظهر عىل جمموعة من املستويات‬ ‫الواقع املدر‪،‬ي بل والواقع الرتبوي الذي ضمنه‬
‫يمكن أن نختزهلا يف ما ييل‪:‬‬ ‫تتأطر العملية التعليمية التعلمية‪.2‬‬
‫‪-4‬اختالالت عىل مستوى التكوين حيث إن‬ ‫خالل املوسم الدراسي‪ 2112 /2111‬وبدون‬
‫مواصفات املدرس ال تبنى انطالقا من الواقع‬ ‫سابق إنذار‪ ،‬وبعد أن بدأ الكثري من املدرسني‬
‫الرتبوي املغريب وحاجياته وإمكاناته ونسقه الثقايف‬ ‫يتمرسون هبا وأدركوا بالفعل فلسفتها وأمهيتها‪،‬‬
‫العام‪ ،‬ومن ثم فام يتعلمه املدرس املتدرب داخل‬ ‫املرتبط ببناء التعلامت وجعل‬ ‫خصوصا يف اجلان‬
‫مراكز التكوين ال ينفعه كثريا عندما خيرج إىل جمال‬ ‫املتعلم يعطيها داللة‪ ،‬سيتم التخيل عن هده التجربة‬
‫العمل حيث يصطدم بواقع مدر‪،‬ي من نوع آخر‬ ‫وإشهار إفالسها بشكل رسمي‪ ،‬وترك املدرسني‬
‫وهذا ما ملسناه من خالل جتربتنا يف جمال التكوين‬ ‫يشتغلون وفق ما يمكن أن نسميه ب" بيداغوجيا‬
‫والتأهيل املهنيني‪.‬‬ ‫اخلربات"‪ .‬تلك اخلربات التي اكتسبوها وراكموها‬
‫‪-2‬اختالالت مرتبطة بالتمثالت املرافقة‬ ‫من خالل ممارساهتم الفصلية وسنوات العمل التي‬
‫لعملية التمدرس وللمدرسة‪ ،‬والتي مل تعد ينظر‬ ‫قضوها يف جمال التدري ‪.‬‬

‫‪ -2‬الدريج‪ ،‬حممد‪ ،‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص‪111.‬‬ ‫‪ -1‬الدربج‪ ،‬حممد‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪110.‬‬
‫‪95‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وعلامء االجتامع واألنرتوبولوجيون وعلامء‬ ‫النف‬ ‫إليها باعتبارها جماال مفضال للرقي االجتامعي‬
‫االقتصاد وغريهم‪ .‬يتعني‪ ،‬يف ما نعتقد‪ ،‬االنطالق‬ ‫وجماال الستثامر مضمون كام كان األمر يف املايض‬
‫أوال من املجتمع املغريب واالستئناس بجملة‬ ‫القري ‪.‬‬
‫الدراسات التي أنجزت حوله سواء من الزاوية‬ ‫‪-3‬اختالالت مرتبطة بالبنيات التحتية‬
‫السوسيولوجية‪ ،‬االنرتوبولوجية أو علم االقتصاد‬ ‫املهرتئة وباملدرسة كمجال يفتقر لكثري من املرافق‬
‫واالطالع كذلك عىل كل ما هو مرتبط باملتعلم‬ ‫الرياضية‬ ‫كاملختربات واخلزانات واملالع‬
‫خالل هذه املرحلة النامئية‪ ،‬آنذاك فقط يمكن أن‬ ‫وجماالت الرتفيه‪ ،‬دون أن نتحدث عن رشوط بناء‬
‫نتحدث عن بيداغوجيا يمكن اعتامدا عليها أن‬ ‫التعلامت والظروف التي تنجز يف إطارها‪.1‬‬
‫نسلك ونريب وندرس‪ ،‬وهي بيداغوجيا تكون دائام‬ ‫‪1‬‬
‫احلاالت‪ ،‬أطرا‬ ‫حيث ال نجد‪ ،‬يف أغل‬
‫قابلة للتطوير واملراجعة والتجديد كلام تطل األمر‬
‫مؤهلة‪ ،‬إداريا وتربويا‪ ،‬للقيام بمهمة معقدة كهذه‪،‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫األطر اإلدارية التي تسند إليها مهمة‬ ‫فأغل‬
‫نستخلص مما سبق أن اخلطاب البيداغوجي‬ ‫التسيري اإلداري تسند اعتامدا عىل عامل األقدمية‬
‫يف املغرب قد استطاع‪ ،‬بفضل الرتمجة طبعا‪ ،‬أن‬ ‫دون األخذ بعني االعتبار مؤهالت أخرى هلا‬
‫ينفتح وأن يواك كل املستجدات احلاصلة عىل هذا‬ ‫املرتبط بالتكوين يف جمال‬ ‫داللتها خصوصا اجلان‬
‫املستوى‪ .‬فكلام ظهرت بيداغوجيا معينة أو تيار‬ ‫علوم الرتبية وعلوم اإلنسان‪ .‬باإلضافة إىل الطريقة‬
‫بيداغوجي معني إال وكان له صدى داخل منظومتنا‬ ‫التي تتمثل هبا هذه الفئات العمل اإلداري‪ ،‬إن‬
‫التعليمية يتم التبشري به أوال‪ ،‬ثم يتم تبنيه الحقا‪،‬‬ ‫اإلدارة لألسف ولدى الكثريين هي مناسبة وفرصة‬
‫و بطبيعة احلال دائام‪ ،‬دون النظر إىل ما يمكن أن‬ ‫للخلود للراحة والتخلص من جحيم القسم‪.‬‬
‫نسميه باخلصوصية املغربية‪ ،‬خصوصية يمكن أن‬ ‫إن بناء بيداغوجيا مالئمة ال يمكن أن يكون‬
‫نقرأها اقتصاديا وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا‪.‬‬ ‫إال عمال مجاعيا يشارك فيه علامء الرتبية وعلامء‬

‫‪ -1‬رشقي‪ ،‬حممد‪ ،‬مقاربات بيداغوجية‪ ،‬من تفكري التعلم التي تعلم‬


‫التفكري‪ ،‬أفريقيا الرشق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬صص‪180-199.‬‬
‫‪96‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كبري عىل مستوى األجرأة والتطبيق‪ .‬وحتى ولو‬ ‫إننا ال نتحدث هنا عن اخلصوصية بمعناها‬
‫تشبع املريب هبذه البيداغوجيات احلديثة واستطاع‬ ‫السلبي‪ ،‬وحيث تتحول إىل ذريعة‪ ،‬يتم هبا أو من‬
‫أن يكيفها مع الوضعيات التي يشتغل فيها‪ ،‬فثمة‬ ‫خالهلا‪ ،‬رفض اآلخر وكل ما ينتجه‪ ،‬فقط بدعوى‬
‫دوما عوائق أخرى متعددة‪ ،‬منها ما هو مرتبط‬ ‫أنه خمالف لنا ومغاير‪ ،‬بل خصوصية إجيابية‬
‫بالنسق الرتبوي العام أي ظروف التنشئة‬ ‫تستحرض ما يميز وما خيتلف عن اآلخر‪ ،‬فوضعنا‬
‫االجتامعية‪ ،‬والرتبية األرسية‪ ،‬واملوروث الثقايف‪،‬‬ ‫هو وضع أوروبا أو كندا أو‬ ‫االقتصادي مثال لي‬
‫أو ما هو مرتبط برشوط إنتاج التعلامت حيث‬ ‫أمريكا نفسه‪ ،‬وكذلك بنياتنا االجتامعية وتشكيالتنا‬
‫ضعف البنيات التحتية‪ ،‬غياب مكتبات‪ ،‬وسائل‬ ‫السوسيواقتصادية ليست هي البنى والتشكيالت‬
‫تعليمية‪ ،‬خمتربات وما إىل ذلك من املتطلبات‬ ‫نفسها التي نصادفها يف تلك البلدان‪ ،‬كام أن تارخينا‬
‫األخرى‪.‬باإلضافة إىل ظاهرة االكتظاظ وكثافة‬ ‫هو نفسه الذي نجده لدهيا‪.‬‬ ‫ورصيدنا الثقايف لي‬
‫املقررات‪ ،‬دون أن نشري إىل "الفراغات والثقوب‬ ‫باإلضافة إىل أن اإلشكالية التي ضمنها تبلور الفكر‬
‫السوداء"‪ ،‬بتعبري إدغار موران‪ ،‬التي توجد بني‬ ‫البيداغوجي يف الغرب ليست هي اإلشكالية نفسها‬
‫املواد التعليمية‪ ،‬وغياب التنسيق بني الفاعلني‬ ‫التي ما فتئ يفرزها ويطرحها واقعنا الرتبوي‪.‬‬
‫الرتبويني‪ ،‬والذين وعىل امتداد كل اإلصالحات‬ ‫لألسف كان دائام يتم جتاهل‪ ،‬عن وعي أو عن غري‬
‫التي عرفها النظام التعليمي يف املغرب ظلوا عىل‬ ‫وعي‪ ،‬مثل هذه االعتبارات‪ ،‬وبالتايل ظل مشكلنا‬
‫اهلامش‪ ،‬مهمتهم حمددة سلفا يف املنهاج وتتلخص‬ ‫الكبري كام تذكر" زكية داوود"‪ ،‬وضمن مقام آخر‪،‬‬
‫يف تنفيذ ما قرره اآلخرون الذين تقدمهم السلطة‬ ‫هو"زرع نامذج جاهزة " ‪le greffe des modèles‬‬

‫الوصية عىل القطاع كخرباء‪ ،‬وأي خرباء؟ سياسيون‬ ‫وهو األمر الذي حول جمالنا الرتبوي‪ ،‬واملدر‪،‬ي‬
‫ونقابيون ورجال أعامل مهندسو املجتمع ومنظروه‪،‬‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬إىل جمال للتجري ‪ ،‬و أعطى‬
‫وهو وضع ينبغي أن نأخذه بعني االعتبار عندما‬ ‫املرشوعية ملا نالحظه اليوم وبشكل مفارق حيث‬
‫نقيم أي جتربة إصالحية ألن هؤالء الفاعلني‬ ‫نالحظ تقدما كبريا عىل مستوى اخلطاب‬
‫املوكولة إليهم أجرأة اإلصالحات والتوصيات ال‬ ‫البيداغوجي‪ ،‬خصوصا املنفتح منه‪ ،‬املتمركز عىل‬
‫يتم االستامع إليهم وال جمرد االستئناس بنظرهتم‬ ‫املتعلم والذي ينشد حتقيق كفايات حمددة‪ ،‬وتعثر‬
‫‪97‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫احلارض‪ .‬ومن ثم حيق لنا إعادة التساؤل ما الذي‬ ‫لألمور‪ ،‬وبالتايل من الطبيعي أن تكون هناك مقاومة‬
‫لبيداغوجيا‬ ‫يتعني علينا فعله إذا أردنا التأسي‬ ‫وأن تنهض ميكانيزمات الدفاع لدهيم وهو وضع‬
‫تكون مالئمة؟ بيداغوجيا يمكن أن نسميها وطنية‪،‬‬ ‫باألهداف أو وفق الكفايات‬ ‫يصبح معه التدري‬
‫أي مطابقة لوضعنا وانتظاراتنا‪ ،‬فإذا كان عبد الكبري‬ ‫أو غري ذلك دون معنى ودون داللة‪ ،‬ومن ثم‬
‫اخلطيبي يف ما مىض قد حتدث عن رضورة إزالة‬ ‫يتحولون إىل سلبيني‪ ،‬جمرد مطبقني‪ ،‬أعوان خدمة‬
‫االستعامر عن السوسيولوجيا أال جيوز لنا‪ ،‬وعىل‬ ‫فاعلني ‪ acteurs‬كام هو املبتغى‬ ‫‪ agents‬ولي‬
‫الشاكلة نفسها‪ ،‬النداء بتحرير البيداغوجيا‬ ‫واملأمول‪ ،‬وهذا ما نالحظه اليوم عند أغلبية‬
‫?‪la décolonisation de la pédagogie‬‬ ‫املدرسني حيث الشعور باليأس وعدم االكرتاث‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬
‫كمقابل حليف االعرتاف والتهميش‪.‬‬
‫هكذا تظهر الصورة حاليا وهي صورة‬
‫توضح ما آل إليه الوضع التعليمي يف الوقت‬

‫‪ -2‬فضيل‪ ،‬عبد الرمحان‪ ،‬اإلصالح الديني اليوم يف‬ ‫‪ -4‬اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬أضواء عىل مشكل التعليم‬
‫القرى املغربية"املخزن"و"فقهاء الرشط" يف‬ ‫باملغرب‪ ،‬دار النرش املغربية‪ ،‬البيضاء‪.1823،‬‬
‫للعلوم‬ ‫عمران‬ ‫جملة‬ ‫تيزنيت‪،‬‬ ‫‪ -2‬الدريج حممد‪ ،‬املنهاج املندمج‪ ،‬أطروحات يف‬
‫االجتامعية‪،‬العدد‪،24‬املجلد السادس‪ ،‬ربيع ‪2119‬‬ ‫اإلصالح البيداغوجي ملنظومة الرتبية والتكوين‪،‬‬
‫‪6–HARDY. M.G, Le problème scolaire‬‬ ‫‪2112‬‬
‫‪au Maroc, Casablanca, imprimerie‬‬ ‫‪ -3‬رشقي‪ ،‬حممد‪ ،‬مقاربات بيداغوجية‪ ،‬من تفكري‬
‫‪rapide, 1920‬‬
‫‪2- Akesbi Msefer, Assia, Ecole, Sujets et‬‬ ‫التعلم التي تعلم التفكري‪ ،‬أفريقيا الرشق‪ ،‬الدار‬
‫‪Citoyens, Editconsulting,2014‬‬
‫البيضاء‪2111‬‬
‫‪ -4‬رشقي‪ ،‬حممد‪ ،‬البيداغوجيا مفهوم‪ ،‬تاريخ‬
‫ومقاربات‪ ،‬فضاء ادم‪ ،‬مراكش‪2112،‬‬

‫‪ -1‬رشقي‪ ،‬حممد ‪ ،‬البيداغوجيا مفهوم‪ ،‬تاريخ و مقاربات‪ ،‬فضاء‬


‫ادم‪ ،‬مراكش‪،0015،‬ص‪169‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫التربيةوالتكوين‬
‫فيالتربية‬
‫المتخصصةفي‬
‫المجلةالمتخصصة‬
‫المجلة‬
‫‪98‬‬ ‫والتكوين‬

‫‪1‬‬

‫يعتمد املغرب تقسيام جهويا جديدا بعد حمدودية التقسيامت املجالية السالفة‪ ،‬ووجه التجديد يف اجلديد هو احلديث‬
‫عن اجلهة (‪ )31‬الثالثة عرش ذات الصلة بجوهر اشتغال الوزارة املكلفة باملغاربة املقيمني باخلارج‪ ،‬وال مراء أهنا‬
‫جهة افرتاضية تنسحب عىل جمال ترايب معنوي‪ ،‬وجتمع يف رحاهبا قرابة مخسة ماليني مغربية ومغريب يتوزعو عىل‬
‫قارات املعمور اخلمس‪ ،‬ممن يراد هلم أ يكونوا مرضب األمثال يف حسن السفارة الثقافية والتعلق بأستار اهلوية‬
‫املغربية ‪ ،‬اليشء الذي يطرح ألف سؤال وسؤال حول مرشوعية اجلهود الرامية إىل تعليم اللغة العربية والثقافة‬
‫املغربية ألبناء اجلالية؟ ومدى حضور حق نقل املوروث الثقايف إىل امتدادنا يف اخلارج ضمن الرشعة الدولية حلقوق‬
‫اإلنسا ؟‬

‫‪ -1‬أستاذ مكو باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش ‪ -‬آسفي‬


‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪99‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الدولة‪ ،‬وبتأمني تربية أولئك األوالد دينيا وخلقيا وفقا‬


‫لقناعاهتم اخلاصة» ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كفلت املواثيق الدولية واإلقليمية للمهاجرين احلق‬


‫وباملنطق نفسه تكلم اإلعال األمريكي حلقوق‬
‫يف تعلم لغة وثقافة املنشإ‪ ،‬وعىل رأسها اإلعال العاملي‬
‫وواجباته فضال عن ملحق االتفاقية‬ ‫اإلنسا‬
‫الذي جعل «لآلباء عىل سبيل‬ ‫حلقوق اإلنسا‬
‫األوروبية حلقوق اإلنسا ‪ُ ،‬جمرمني حرما أي شخص‬
‫األولوية‪ ،‬حق اختيار نوع التعليم الذي يعطى‬
‫من حق التعليم‪ ،‬حيث يلزمو دولة االستقبال «لدى‬
‫ألوالدهم»‪ ،‬وأكد عىل «أ يستهدف التعليم التنمية‬
‫قيامها بأية أعامل تتعلق بالتعليم والتدريس‪ ،‬أ حترتم‬
‫الكاملة لشخصية اإلنسا ‪ ،‬وتعزيز احرتام حقوق‬
‫حق الوالدين يف ضام اتفاق هذا التعليم والتدريس‬
‫اإلنسا واحلريات األساسية‪ ،‬كام جيب أ يعزز‬
‫مع ديانتهم ومعتقداهتم الفلسفية» ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫التفاهم والتسامح والصداقة بني مجيع األمم‪ ،‬ومجيع‬


‫وال تشذ الوثائق الدولية اخلاصة باملغرتب عن‬
‫الفئات العنرصية أو الدينية» ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫السياق السالف‪ ،‬حيث التأكيد عىل أ «تنتهج دول‬


‫وزاد بيانا العهد الدويل للحقوق االقتصادية‬
‫العمل بالتعاو مع دول املنشإ عند االقتضاء‪ ،‬سياسة‬
‫واالجتامعية والثقافية‪ ،‬حيث التأكيد عىل أ الدول‬
‫تستهدف تيسري إدماج أوالد العامل املهاجرين يف‬
‫األطراف تتعهد «باحرتام حرية اآلباء أو األوصياء‬
‫النظام املدريس املحيل‪ ،‬وبصفة خاصة يف ما يتعلق‬
‫عند وجودهم يف اختيار مدارس ألوالدهم غري‬
‫بتعليمهم اللغة املحلية‪ ،‬وأ تسعى دول العمل إىل‬
‫املدارس احلكومية‪ ،‬رشيطة تقيد املدارس املختارة‬
‫تيسري تعليم اللغة والثقافة األصليتني ألوالد العامل‬
‫بمعايري التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها‬
‫املهاجرين» ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫التعليم إىل األطر املؤهلة علميا وتربويا وبيداغوجيا‬ ‫ومما أقرتحه عىل املغرتب يف هذا الشأ ‪:‬‬
‫وديداكتيكيا‪ ،‬ثم تدعيمها بربامج التكوين الذايت‬ ‫أ‪ .‬تفعيل الفصول الدراسية امللحقة باملساجد‪ ،‬سيام‬
‫واملستمر إنامء للقدرات والكفايات املهنية‪ ،‬إذ الواقع‬ ‫يومي السبت واألحد والعطل الدورية‪ ،‬مع اجلد يف‬
‫إنجاح مهمتها كام وكيفا‪ ،‬دو إغفال إسناد مهمة‬

‫االتفاقية اخلاصة بالعامل املهاجرين‪ ،‬املادة‪ ،54:‬الفقرتني‪:‬‬ ‫‪-4‬‬


‫‪ -1‬اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ‪ ،‬املادة‪ ،62:‬الفقرتني‪ 6:‬و‪.1‬‬
‫‪ ،31،36‬ويراجع أيضا اإلعال املتعلق بغري املواطنني‪ ،‬املادة‪،30‬‬ ‫‪ -2‬العهد الدويل اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية‪،‬‬
‫فقرة‪" :‬ج"‪.‬‬ ‫املادة‪ ،31:‬الفقرة‪.31 :‬‬
‫‪ -3‬ينظر اإلعال األمريكي حلقوق وواجبات اإلنسا ‪ ،‬املادة ‪،36‬‬
‫وامللحق رقم‪ 33‬لالتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسا ‪ ،‬املادة‪.36:‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪100‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫األعظم من العاملني إىل املال واألعامل والصناعات‬ ‫أ قسطا كبريا من الفشل مر ُّده للتساهل احلاصل يف‬
‫والتجارات‪ ...‬مع االحتفاظ بالراتب والبقاء يف‬ ‫انتقاء املعلمني‪ ،‬والقيمني‪ ،‬واإلداريني‪.‬‬
‫أسالك الوظيفية العمومية‪ ،‬اللهم من رحم ريب من‬ ‫والغالب تكليف – لبواعث عائلية أو شخصية –‬
‫الوطنيني الصادقني‪.‬‬ ‫مهاجرين حاملني لإلجازة ممن أعياهم االندماج‬
‫ج‪ .‬إنشاء املحاضن التعليمية البديلة من األويل حتى‬ ‫والعطالة بالتدريس‪ ،‬والتغايض عن متحيص القدرات‬
‫العايل‪ ،‬سيام أنه خيار تتيحه القوانني املحلية للمغرتبني‪،‬‬ ‫واالستعدادات ملامرسة الفعل التعليمي‪ /‬التعلمي‪...‬‬
‫وأحيانا كثرية تسهم دول املنشإ ماديا ‪-‬كليا أو جزئيا‪-‬‬ ‫وهو خيار يستوجب إعادة النظر يف طريقة االختيار‬
‫إلخراجه إىل حيز الوجود؛ ويزيد من واقعية املقرتح‬ ‫واالشتغال‪ ،‬وأخذ األمور بحزم ضامنا جلودة‬
‫اتساع قاعدة املسلمني الشباب‪ ،‬مما يعني « احلاجة إىل‬ ‫املامرسات واملخرجات‪.‬‬
‫وجود املدارس اإلسالمية‪ ،‬والتي يمكن أ تساعد‬ ‫ب‪ .‬استثامر حصص التعليم العمومي املخصصة‬
‫األجيال الصاعدة يف املحافظة عىل اهلوية‪ ،‬فتأسست‬ ‫لتدريس اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية‪،‬‬
‫أنواع من املدارس» ‪ ،‬قرأت عن بعضها يف هولندا‬
‫‪2‬‬
‫وذلك بإمعا النظر يف الربامج واملناهج‪ ،‬وحتديث‬
‫ووقفت عىل نامذج مرشقة يف أملانيا‪ ...‬وما يسجل عىل‬ ‫الطرق والوسائل بام يتامشى واملدرسة الغربية‬
‫التجربة من حسنات أكثر من السلبيات‪ ،‬مما ينبئ بغد‬ ‫العرصية‪ ،‬ناهيك عن إعادة النظر يف مقاييس ومعايري‬
‫مرشق متى حتىل الطاقم اإلداري والرتبوي بمعايري‬ ‫اختيار وزارة الرتبية الوطنية املغربية لألطر املرتشحة‪،‬‬
‫اجلودة بناية ومضمونا وطرائق تعليمية‪.‬‬ ‫ولست أستثني أي متدخل يف تسيري وتدبري خمتلف‬
‫ومن املفيد يف مثل هذه االستثامرات‪ ،‬أ نركز عىل‬ ‫العمليات الرتبوية ؛ فعوض اضطالع بعض األساتذة‬
‫‪1‬‬

‫اإلنسا أكثر من البنيا ‪ ،‬وغض الطرف عن األموال‬ ‫املنتدبني ‪ -‬للتدريس خالل األلفية املنتهية‪ -‬بمهمة‬
‫مقابل ربح الرها ‪ ،‬أل التعليم رسالة أكثر منه جتارة‪،‬‬ ‫إجراء البحوث والدراسات التي ترصد اإلكراهات‬
‫كام أ األجرة ال تغني بحال عن ابتغاء األجر‪ ،‬ومن‬ ‫والعقبات‪ ،‬وتروم عىل مرشحة التحليل والتنقيب‬
‫جواهر السنة قول رسول اهلل ﷺ‪" :‬إِنام أاأل أعام ُل‬ ‫إجياد احللول ملختلف املشكالت‪ ،‬حتول اهتامم السواد‬

‫إسامعيل احلسني‪ :‬االختالف والتفكري يف فقه األقليات‪،‬‬ ‫‪-2‬‬


‫‪ -1‬ينظر يف استعداد الوزارة للتعاو عىل التنظري والتنزيل للفكرة‬
‫ص‪ ،346‬ويراجع يف انتشار املدارس اإلسالمية واحلاجة‬ ‫كلمة كاتبة الدولة املكلفة بالتعليم املدريس‪ ،‬منشورة ضمن كتاب‪:‬‬
‫إليها"جني سميث"‪ :‬اإلسالم واملسلمو يف أمريكا‪ ،‬ص‪.393‬‬ ‫"اللغات يف اهلجرة‪ :‬التحوالت والرهانات اجلديدة"‪ ،‬ص‪ 34‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪101‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫جاللة امللك حممد السادس عىل أ االهتامم «منصب‬ ‫ات – أو قال بِالني ِة ‪ -‬وإِنام لِكُل ا أم ِرئ ما نوى" ‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫بِالني ِ‬

‫يف جماالت عالقتنا بدول االحتاد األورويب عىل حفظ‬ ‫وقال أيضا‪" :‬إ اهلل ومالئكته وأهل الساموات‬
‫كرامة رعايانا األوفياء العاملني بدوله املختلفة‪ ،‬وعىل‬ ‫واألرض حتى النملة يف جحرها وحتى احلوت يف‬
‫الدفاع عن مصاحلهم املادية واملعنوية‪ ،‬وقد أصدرنا‬ ‫البحر ليصلو عىل معلم الناس اخلري" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫تعليامتنا لسفرائنا وقناصلنا يف بالد املهجر كي يكونوا‬ ‫وال تعويل – بعد اهلل تعاىل– إال عىل األساتذة‬
‫يف خدمة رعايانا األوفياء‪ ،‬وأكثر قربا منهم واستجابة‬ ‫الرساليني‪ ،‬ممن يصنعو األجواء املدرسية السليمة‪،‬‬
‫حلاجياهتم‪ ،‬خاصة منهم اجليلني الثاين والثالث الذين‬ ‫ويدربو النشء عىل ممارسة ومعايشة سلوك الفضيلة‪،‬‬
‫نحرص عىل ارتباطهم هبويتهم األصيلة وقيمهم‬ ‫وهو أسلوب تعليمي أجدى من تعلم األخالق والقيم‬
‫املقدسة» ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫نظريا‪ ،‬أل لسا احلال أبلغ من لسا املقال ‪ ،‬كام أ‬
‫‪3‬‬

‫وتعزيزا هلذا التوجه‪ ،‬نص الفصل السادس عرش من‬ ‫التعلم النظري يشء‪ ،‬وممارسة التعلم يف شكل‬
‫دستور اململكة عىل رضورة أ «تعمل اململكة املغربية‬ ‫امتدادات خلقية يشء آخر‪.‬‬
‫عىل محاية احلقوق واملصالح املرشوعة للمواطنات‬
‫واملواطنني املغاربة يف اخلارج‪ ،‬يف إطار احرتام القانو‬
‫ما دامت اجلالية املغربية باخلارج جزءا ال يتجزأ عن‬
‫الدويل والقوانني اجلاري هبا العمل يف بلدا‬
‫مكونات الشعب املغريب األثيل‪ ،‬فقد نالت قسطا وافرا‬
‫االستقبال؛ كام حترص عىل احلفاظ عىل الوشائج‬
‫من اخلطب امللكية السامية‪ ،‬باعتبار األخرية موجها‬
‫للسياسة الداخلية واخلارجية‪ ،‬وأحسبها رعاية بادية‬
‫لكل ذي عينني يف أول خطاب للعرش‪ ،‬حيث أكد‬

‫صاحلة وموجهة‪ ،‬ويعترب هذا الواقع احلي من الوسائل غري املبارشة‬ ‫‪ -1‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬باب بدأ ُء ا ألو أح ِي‪ ،‬حديث رقم ‪33‬؛‬
‫يف الرتبية والتوجيه الناجع والناجح‪ .‬يراجع كتابه‪ :‬مشكالت‬ ‫اإلمار ِة‪ ،‬باب ق أولِ ِه صىل اهللُ عل أي ِه‬ ‫وأخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كِتاب أ ِ‬
‫الشباب‪ ،‬احللول املطروحة واحلل اإلسالمي‪ ،‬ص‪.354‬‬ ‫وسلم‪ :‬إِنام أاألعأام ُل بِالني ِة‪ ،‬وأن ُه يدأ ُخ ُل فِ ِيه ا ألغزأ ُو وغ أ ُري ُه ِم أن أاألعأام ِل‪،‬‬
‫خطاب العرش الذي وجهه امللك حممد السادس إىل رعاياه‬ ‫‪-4‬‬
‫حديث رقم ‪.1413‬‬
‫األوفياء من الرباط يومه ‪ 13‬يوليوز ‪6333‬م‪ ،‬يرجى الرجوع إىل‬ ‫‪ -2‬أخرجه الرتمذي‪ ،‬باب ما جاء يف فضل الفقه عىل العبادة‪ ،‬حديث‬
‫سجل‪"« :‬العدل" يف خطب ورسائل صاحب اجلاللة امللك حممد‬ ‫رقم ‪ ،6204‬قال الشيخ األلباين‪ :‬صحيح‪ ،‬وينظر أيضا حديث رقم‪:‬‬
‫السادس من سنة ‪3999‬م إىل سنة ‪6333‬م»‪ ،‬منشورات قسم‬ ‫‪ 3010‬يف صحيح اجلامع‪.‬‬
‫التواصل‪ ،‬مديرية الدراسات والتعاو والتحديث‪ ،‬وزارة العدل‪،‬‬ ‫‪ -3‬ذهب عباس حمجوب إىل أ املناخ املدريس فضاء رحب يتبادل فيه‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬ص‪.26،22:‬‬ ‫فيه‬ ‫الطالب التجارب احلسنة واخلربات الطيبة‪ ،‬ويتدربو‬
‫باالحتكاك عىل ممارسة سلوك الفضيلة واخلري واحلق يف بيئة اجتامعية‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪102‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وتنمية قدراهتم ومؤهالهتم‪ ،‬وثقافتهم األصلية عىل أ‬ ‫اإلنسانية معهم‪ ،‬والسيام الثقافية منها‪ ،‬وتعمل عىل‬
‫يكو ذلك مسبوقا بدراسة حول حاجاهتم الثقافية» ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية» ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وصلة باالندماج السوسيو‪ -‬ثقايف ألبناء اجلالية‬ ‫وال يشذ عن السابق امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‬
‫املغربية‪ ،‬ال تفتأ حنجرة الرؤية االسرتاتيجية تصدح‬ ‫املصنف دستورا للعملية التعليمية‪/‬التعلمية‪ ،‬حيث‬
‫بأولوية «تعزيز برامج عمل يف إطار سياسة تربوية‬ ‫جعل «رهن إشارة اجلاليات املغربية يف اخلارج الراغبة‬
‫تكوينية للشباب املغاربة يف املهجر‪ ،‬تستثمر ثقافة‬ ‫يف ذلك‪ ،‬األطر واملرجعيات التعليمية الالزمة لتمكني‬
‫وطنهم األم بتعدد مكوناهتا وروافدها يف صقل‬ ‫أبنائها من تعلم اللغة العربية والقيم الدينية واخللقية‬
‫مواهبهم وقدراهتم ومهاراهتم املتعددة‪ ،‬وإسهامهم‬ ‫والوطنية‪ ،‬وتاريخ املغرب وجغرافيته وحضارته‪ ،‬مع‬
‫حسب اإلمكا يف حوار الثقافات وتواصلها يف بيئات‬ ‫مراعاة ما يطبعها من تنوع وتكامل‪ ،‬وتستعمل هلذا‬
‫املهجر» ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الغرض أيضا كل من التلفزة التفاعلية ووسائل‬
‫وباملجمل‪ ،‬فقد حظي برنامج تعليم اللغة العربية‬ ‫اإلعالم واالتصال اجلديدة» ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والثقافة املغربية بمكانة متميزة ضمن خطة عمل‬ ‫وعليه‪ ،‬ال غرو أ نلفي الرؤية االسرتاتيجية ‪ -‬التي‬
‫وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬حيث العناية بإرساء وتتبع‬ ‫وضعها املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث‬
‫االتفاقيات املربمة مع سلطات الرتبية بدول استقبال‬ ‫العلمي بغاية النهوض باملنظومة‪ -‬تعزف عىل سمفونية‬
‫اهلجرة‪ ،‬كام السهر عرب مديرية التعاو واالرتقاء‬ ‫املساواة يف ولوج عامل التمدرس‪ ،‬حيث النص عىل‬
‫بالتعليم اخلصويص عىل جودة األطر والربامج‬ ‫رضورة «السعي إىل متكني أبناء اجلالية املغربية املقيمني‬
‫واملناهج املوجهة إىل امتداد املغرب باخلارج‪ ،‬والزال‬ ‫باخلارج قدر اإلمكا من تعليم مواز يضمن هلم‪:‬‬
‫القطار يطوي سكة العمل يف اجتاه سيايس مفعم‬ ‫تعزيز هويتهم متعددة املكونات‪ ،‬وانتامءهم للوطن‪،‬‬
‫باألمل‪.‬‬

‫‪ -3‬الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح ‪" 6313-6334‬من أجل مدرسة‬ ‫‪ -1‬الفصل‪ 32 :‬من دستور اململكة املغربية الصادر عام ‪6333‬م‪،‬‬
‫اإلنصاف واجلودة واالرتقاء"‪ ،‬إعداد املجلس األعىل للرتبية‬ ‫األمانة العامة للحكومة‪ ،‬مديرية املطبعة الرسمية‪ ،‬سلسلة الوثائق‬
‫والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الرافعة األوىل‪ :‬حتقيق املساواة يف ولوج‬ ‫القانونية املغربية‪ ،‬طبعة ‪6333‬م‪.‬‬
‫الرتبية والتكوين‪ ،‬النقطة‪ ،35:‬ص‪.35 :‬‬ ‫امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬القسم الثاين‬ ‫‪-2‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬الرافعة االسابعة عرشة‪ :‬تقوية االندماج‬ ‫‪-4‬‬


‫املتعلق بالتنظيم البيداغوجي‪ ،‬الدعامة الرابعة التي تعنى بإعادة‬
‫السوسيوثقايف‪ ،‬النقطة‪ ،333:‬ص‪.44:‬‬ ‫اهليكلة وتنظيم أطوار الرتبية والتكوين‪ ،‬عنوا ‪ :‬املجموعات ذات‬
‫احلاجات اخلاصة‪ ،‬املادة‪.09 :‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪103‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وتعليم أبنائهم‪ ،‬ويف هذا السياق نذكر التوجهات‬ ‫وجذير بالذكر‪ ،‬أ نمط التعليم هذا أكرب من أ‬
‫الكربى املؤطرة هلذا االهتامم املمثلة أساسا يف‪:‬‬ ‫يكو برناجما قطاعيا يتطلب تدبريا إداريا‪ ،‬أو أ حيرص‬
‫‪ -‬العناية امللكية بأحوال املواطنني املغاربة باخلارج‬ ‫ضمن تنزيل التفاقيات ثنائية مع اجلهات املعنية يف‬
‫ألجل الرقي هبا نحو األفضل؛‬ ‫دول االستقبال‪ ،‬أو أ يقترص عىل إجياد موارد مالية‬
‫‪ -‬االهتامم البالغ بتمكينهم من كل حقوق والتزامات‬ ‫وبرشية ُتعبأ يف الداخل أو اخلارج‪ ...‬إنه فوق كل هذا‬
‫املواطنة الكاملة حيثام كانوا؛‬ ‫مرشوع تربوي حيتاج إىل إرساء وتتبع وفق مرجعية‬
‫‪ -‬تفعيل اإلرادة الراسخة يف توثيق األوارص املتينة التي‬ ‫وهندسة حمكمة‪ ،‬كام االنفتاح عىل مبيعات املتجر‬
‫تربطهم بوطنهم املغرب؛‬ ‫الرتبوي العاملي بغاية اإلفادة من مستجدات تدريس‬
‫‪ -‬توطيد اجلهود الدؤوبة يف هذا املجال؛‬ ‫اللغات وتفاعل الثقافات‪.‬‬
‫‪ -‬التجاوب مع متطلبات النمو الرسيع واملتزايد‬ ‫وهو ما حدا بوزارة الرتبية املغربية ‪ -‬طوال عقود‬
‫للمغاربة باملهجر؛‬ ‫خلت‪ -‬إىل فتح النقاشات وإقامة الندوات‪ ،‬فضال عن‬
‫‪ -‬بلورة السياسات املتعلقة باهلجرة وشؤو اجلالية‬ ‫إبرام الرشاكات وتسخري االعتامدات توخيا جلودة‬
‫املغربية باخلارج‪.‬‬ ‫املامرسات واملخرجات‪ ،‬ومنه إعداد إطار مرجعي‬
‫وقد نص الظهري الرشيف رقم ‪ 63003603‬الصادر‬ ‫لتعليم اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية‪،‬‬
‫يف ‪ 63‬دجنرب ‪ 6336‬عىل إحداث جملس اجلالية‬ ‫وعيا منها أ األمر يتطلب جهودا استثنائية وخربة‬
‫املغربية باخلارج‪ ،‬توخيا لبلوغ غايات وأهداف أساسية‬ ‫تربوية رفيعة‪ ،‬تعي خصوصيات الفئات املستهدفة‪،‬‬
‫منها‪ :‬التشبع بقيم ومقدسات األمة وثوابتها وهويتها‬ ‫وتستوعب سياقات االندماج املختلفة‪.‬‬
‫املوحدة‪ ،‬والغنية بتعدد روافدها‪...‬‬ ‫وأنقل للتحسيس – رغم طول املنقول‪ -‬بعض‬
‫ويعتمد النظام الرتبوي املغريب عىل مرتكزات ثابتة‬ ‫جواهر اإلطار املرجعي عىل مستوى االختيارات‬
‫ُمؤطرة بنص دستور اململكة اجلديد‪ ،‬تتعلق‬ ‫االسرتاتيجية يف جمال اهلوية والرتبية والتكوين‪ ،‬ما‬
‫باالختيارات االسرتاتيجية التي يتعني تفعيلها يف جمال‬ ‫يؤكد أ «اجلالية املغربية حتتل موقعا بالغ األمهية‬
‫الرتبية والتكوين بشكل عام‪ ،‬ويف جمال تعليم اللغة‬ ‫ضمن االختيارات االسرتاتيجية للدولة املغربية يف‬
‫العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية املغربية بشكل‬ ‫جمال السياسات العامة ألجل تدبري شؤو اهلجرة‬
‫خاص‪ ،‬ومن أهم هذه االختيارات ما ييل‪:‬‬ ‫واملهاجرين‪ ،‬ويف مقدمتها االهتامم بمغاربة العامل‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪104‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يستحرض اإلطار املرجعي املبادئ املوجهة لالختيارات االسرتاتيجية للمملكة‬


‫املغربية يف جمال السياسة العمومية‪ ،‬ويف مقدمتها‪:‬‬
‫‪ -‬متتيع املواطنات واملواطنني عىل قدم املساواة باحلقوق واحلريات املدنية والسياسية‬
‫واالقتصادية واالجتامعية والثقافية والبيئية‪ ،‬مع السعي إىل حتقيق مبدأ املناصفة بني‬
‫الرجال والنساء؛‬
‫‪ -‬االلتزام بام تقتضيه املواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات؛‬
‫‪ -303‬يف جماااال ‪ -‬التشبث بحقوق اإلنسا كام هي متعارف عليها عامليا مع مراعاة الطابع الكوين‬
‫االخاااتاااياااارات لتلك احلقوق وعدم قابليتها للتجزيء؛‬
‫‪ -‬مواصلة العمل للمحافظة عىل السالم واألمن يف العامل؛‬ ‫االسرتاتيجية‬
‫‪ -‬محاية منظومتي حقوق اإلنسا والقانو الدويل اإلنساين والنهوض هبام واالسهام‬
‫يف تطويرمها؛‬
‫‪ -‬حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب اجلنس أو اللو أو املعتقد أو الثقافة أو‬
‫االنتامء االجتامعي أو اجلهوي أو اللغة أو اإلعاقة أو أي وضع شخيص مهام كا ؛‬
‫‪ -‬توسيع وتنويع عالقات الصداقة واملبادالت اإلنسانية واالقتصادية والعلمية‬
‫والتقنية والثقافية مع كل بلدا العامل» ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الفعل‪ ،‬كام اإلبداع والتميز يف العطاء‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫إ تطور وجود املهاجرين كام وكيفا وهدفا‪ ،‬يستوجب‬
‫اإلسهام يف املسرية احلضارية بام يمتح من‬ ‫تقليب النظر وإجالة الفكر يف حجم ونوعية مشاركة‬
‫اخلصوصيات الدينية والثقافية‪ ،‬وهذا خطب جلل‬ ‫املهاجر الثقافية واملجتمعية‪ ،‬كام يتطلب االنتقال من‬
‫يستدعي امتالك القوالب واألدوات‪ ،‬والوسائل‬ ‫وضعية استهالك القيم واألفكار‪ ،‬وابتالع املواقف‬
‫والصور واملشاهد إىل مرحلة إنتاج الفعل عوض رد‬

‫‪ -1‬اإلطار املرجعي لتعليم اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية املقيمني باخلارج‪ ،‬إعداد مديرية املناهج‪ ،‬وزارة الرتبية الوطنية والتكوين‬
‫املهني برشاكة مع مؤسسة احلسن الثاين للمغاربة املقيمني يف اخلارج‪ ،‬شتنرب ‪6334‬م‪ ،‬ص‪31،36 :‬بترصف يسري جدا‪.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪105‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وبالرجوع إىل اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ‪ ،‬نجده‬ ‫واملعينات الكفيلة بتحقيق األثر املنشود واملقصد‬
‫ينص عىل أ «لكل شخص احلق يف حرية االشرتاك يف‬ ‫املحمود‪.‬‬
‫االجتامعات واجلمعيات السلمية» ‪ ،‬كام رصح العهد‬
‫‪2‬‬
‫سيام أ عقيدة املسلم جتعله إجيابيا بطبعه‪ ،‬مياال إىل‬
‫الدويل للحقوق املدنية والسياسية بحق «كل فرد يف‬ ‫فعل اخلريات وحرب املنكرات‪ ،‬فضال عن استثامر ما‬
‫حرية تكوين اجلمعيات مع آخرين‪ ،‬بام يف ذلك حق‬ ‫أودعه اهلل حتت يده من معينات ووسائط ووسائل‬
‫إنشاء النقابات واالنضامم إليها من أجل محاية‬ ‫وأدوات‪ ،‬لعل أمهها حق تأسيس اجلمعيات الثقافية‪،‬‬
‫مصاحله» ؛ ونظريه ما ورد يف االتفاقية األوروبية‬ ‫‪3‬‬
‫أل بيئة االغرتاب تتميز بكثافة وثقل وتنوع تنظيامت‬
‫حلقوق اإلنسا ‪ ،‬واالتفاقية األمريكية التي كفلت‬ ‫املجتمع املدين الساعي إىل الدفاع عن مصالح‬ ‫‪1‬‬

‫«لكل شخص احلق يف التجمع سلميا مع اآلخرين يف‬ ‫خمصوصة‪ ،‬بوصفه فرصة العضو لإلسهام املنظم يف‬
‫اجتامع عام رسمي‪ ،‬أو جتمع غري رسمي بشأ املسائل‬ ‫التسيري والتطوير والتغيري‪ ،‬وإدارة اخلالف والنزاع مع‬
‫ذات االهتامم العام‪ ،‬أيا كانت طبيعتها» ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫املوافق واملخالف‪ ،‬وأيضا النضال بالوسائل احلضارية‬
‫وحتى ال يستثنى املغرتب‪ ،‬نلفيه خمصوصا بنصوص‬ ‫املشبعة بقيم التحاور والتجاور والتعاو والتكامل‪،‬‬
‫تكفل «للعامل املهاجرين وأفراد أرسهم احلق يف‬ ‫والتدافع بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫تكوين اجلمعيات ونقابات العامل يف دولة العمل‪،‬‬ ‫وللتاريخ فقد حققت مجعيات املغرتبني أهدافا ليست‬
‫وذلك لتعزيز ومحاية حقوقهم االقتصادية واالجتامعية‬ ‫باليسرية‪ ،‬منها مهمة الوساطة بني املهاجرين والدولة‬
‫والثقافية وغريها من املصالح» ‪ ،‬كام نص اإلعال‬
‫‪5‬‬
‫املعرب عن‬ ‫املضيفة‪ ،‬وأحيانا كثرية هي اللسا‬
‫املتعلق بحقوق اإلنسا لألفراد غري املواطنني‪ ،‬عىل‬ ‫طموحات املغرتبني وأهدافهم‪ ،‬مما يستدعي إخالص‬
‫متتعهم وفقا للقوانني الوطنية والترشيعات الداخلية‬ ‫النوايا‪ ،‬وتضافر اجلهود خللق الفعل املدين القوي‬
‫للدول املضيفة «باحلق يف االنضامم إىل النقابات‬ ‫واملعرب عن الطموحات‪ ،‬واملجسد للحقوق املكفولة‬
‫وغريها من املنظامت أو اجلمعيات التي خيتاروهنا‪،‬‬ ‫دوليا وإقليميا‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ‪ ،‬املادة‪ ،63:‬الفقرة‪.33:‬‬ ‫‪ -1‬املجتمع املدين هو الشق املنظم من املجتمع‪ ،‬ولذلك يقدم عىل‬
‫‪ -3‬العهد الدويل للحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬املادة‪ ،66:‬الفقرة‪.33:‬‬ ‫أنه‪ :‬التشكيالت والتنظيامت املكونة من أفراد اختاروا العضوية‬
‫تراجع املادة ‪ 33‬من االتفاقية األوروبية‪ ،‬واالتفاقية األمريكية‬ ‫‪-4‬‬
‫بإرادهتم لتحقيق أهداف سلمية هتم اجلميع أو جمموعة من األفراد‪،‬‬
‫حلقوق وواجبات اإلنسا ‪ ،‬املادة‪.63:‬‬ ‫ويتميز املجتمع املدين باالستقاللية عن الدولة‪ ،‬واحلرية يف احلركة‬
‫االتفاقية الدولية حلامية حقوق مجيع العامل املهاجرين وأفراد‬ ‫‪-5‬‬
‫واالشتغال يف العلن‪ ،‬واالختيارية يف االنضامم مما يثمر االجيابية‬
‫أرسهم‪ ،‬املادة‪ ،53:‬الفقرة‪.33:‬‬ ‫ودوام العطاء‪.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪106‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اص ِ ُ‬
‫ربوا ۖ‬ ‫﴿وال تناز ُعوا فت أفش ُلوا وت أذهب ِر ُ‬
‫حيك أُم ۖ و أ‬ ‫واالشرتاك يف أنشطتها‪ ،‬وال ُتفرض أية قيود عىل‬
‫إِ اهلل مع الصابِ ِرين﴾ [األنفال ‪.]56/‬‬ ‫ممارسة هذا احلق‪ ،‬غري القيود التي يقررها القانو‬
‫فالواحد ضعيف بنفسه قوي بإخوانه‪ ،‬والشيطا‬ ‫وتقتضيها الرضورة يف جمتمع ديمقراطي‪ ،‬لصيانة‬
‫والزلل من الواحد أقرب ومن االثنني أبعد‪ ،‬وإنام يأكل‬ ‫األمن القومي أو النظام العام‪ ،‬أو حلامية حقوق الغري‬
‫الذئب من الغنم القاصية‪ ،‬وكلام التأم الشمل ومتاسك‬ ‫وحرياهتم» ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫اجلمع حلت يد اهلل وتوفيقه وتسديده؛ ومن ثمرات‬ ‫ويف البنود السالفة ُمسوغ حقوقي‪ ،‬يتيح للمغرتب‬
‫هضم هذه احلقيقة‪ ،‬جتاوز اجلهود الفردية – عىل‬ ‫جتسيد قيم التضامن والتعاو ‪ ،‬وإخراجها للناس يف‬
‫أمهيتها – إىل اجلهود اجلامعية التي «تنهض هبا‬ ‫أنشطة مجعيات متتثل قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وتعاونُوا عىل‬
‫املؤسسات واملنظامت واجلمعيات‪ ،‬وقد بدأت هذه‬ ‫اإل أث ِم وا أل ُعدأ وا ِ ﴾‬
‫ا أل ِرب والت أقوى ۖ وال تعاونُوا عىل أ ِ‬

‫املؤسسات يف الظهور والتوسع والنمو‪ ،‬حتى أصبحت‬ ‫[املائدة‪.]31/‬‬


‫ظاهرة ال ختلو منها مدينة من املد األوروبية‪ ،‬واندرج‬ ‫فاملسلمو حلمة ويد واحدة عىل مشاكل االغرتاب‪،‬‬
‫أغلب النشاط ذي الصبغة اإلسالمية ضمن أعامل‬ ‫يتعاونو ويتكاملو ألجل ما هو خري وصالح للدين‬
‫املؤسسات واملنظامت واملراكز الثقافية واالجتامعية‬ ‫والعباد‪ ،‬وألجل نرصة القضايا واخلصوصيات يبذلو‬
‫والدينية والرتبوية» ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫التضحيات ويأخذو باألسباب‪ ،‬وجيسدو وصف‬
‫ومن الرضوري التأكيد عىل أ التئام املغرتبني‬ ‫رسول اهلل ﷺ القائل‪" :‬مث ُل ا ُملأ أؤ ِمنِني ِيف تواد ِه أم‬
‫وتنظيمهم أنفسهم يف إطار «املجتمع املدين‪ ،‬ليس‬ ‫اجلس ِد إِذا أاشتكى ِمنأ ُه ُع أض ٌو‬ ‫امحِ ِه أم وتعا ُط ِف ِه أم مث ُل أ‬
‫وتر ُ‬
‫تداعى له س ِائر أ ِ‬
‫املقصود منه أساسا إجياد معارضة سياسية يف مواجهة‬ ‫احلمى" ؛ وكيف ال‬ ‫‪2‬‬
‫اجلسد بِالسه ِر و أ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدولة‪ ،‬إذ فاعلية املجتمع املدين – بكافة منظامته‬ ‫يفعلو والدعوة رصحية للتوحد ومل شمل املجموع‪،‬‬
‫ومكوناته‪ -‬تتضمن أهدافا أوسع وأعمق من جمرد‬ ‫ونبذ الفرقة والشتات من أوىل أولويات الرشيعة‬
‫املعارضة‪ ،‬إهنا املشاركة بمعناها الشامل سياسيا‬ ‫اخلامتة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿:‬إِ ه ِذ ِه ُأمتُكُم ُأم ًة و ِ‬
‫احد ًة وأنا‬ ‫أ‬
‫واقتصاديا واجتامعيا وثقافيا» ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ر ُّبك أُم فا أعبُدُ و ﴾ [األنبياء ‪ ،]93/‬ويف موضع آخر‪:‬‬

‫‪ -3‬عبد املجيد النجار‪ :‬املنظامت اإلسالمية يف أوروبا يف مواجهة‬ ‫‪ -1‬اإلعال املتعلق بحقوق اإلنسا لألفراد الذين ليسوا من‬
‫حتدي الرشاكة احلضارية‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫مواطني البلد الذي يعيشو فيه‪ ،‬املادة‪ ،30:‬الفقرة‪" :‬ب"‪.‬‬
‫‪ -4‬مصطفى حممود عفيفي‪ :‬احلقوق املعنوية لإلنسا بني النظرية‬ ‫‪ -2‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كِتاب ا أل ِرب والصل ِة و أاآلد ِ‬
‫اب‪ ،‬باب‬
‫والتطبيق‪ ،‬دراسة مقارنة يف النظم الوضعية والرشيعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫اض ِد ِه أم‪ ،‬حديث رقم‪.5204‬‬ ‫اح ِم املأُؤأ ِمنِني وتعا ُط ِف ِه أم وتع ُ‬
‫تر ُ‬
‫ص‪.356‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪107‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫باء ثقافة املجتمعات املتعددة األرومة‪ ،‬أ قبول‬


‫االختالف واحلوار بني الثقافات شارع أعظم يفيض‬ ‫حفظ اهلوية عرب نقل املوروث الثقايف إىل األجيال‬

‫إىل حصول السالم واألمن العامليني‪ ،‬قناعة أ التنوع‬ ‫الالحقة أضحى قاعدة من قواعد القانو الدويل‪ ،‬ال‬

‫الثقايف كنز حي يقع يف ملكية البرش أمجعني‪ ،‬مما‬ ‫ختطئه العني يف ميثاق األمم املتحدة والعهود‬

‫يستدعي صونه والترشيع حلصول بقائه واستمرارية‬ ‫واالتفاقيات التي حتكم عالقات التعاو الثقايف بني‬

‫عطائه‪ ،‬ومن ثمة ال ضري أ جتتهد كل جمموعة برشية‬ ‫البلدا املصدرة واملستقبلة للهجرة‪ ،‬ويف كفالة هذا‬

‫– سواء كانت يف وطن اجلدود أو الوطن اجلديد‪ -‬يف‬ ‫احلق من حقوق اإلنسا ‪ ،‬تأكيد عىل االحرتام‬

‫احلفاظ عىل مالمح شخصيتها‪ ،‬وأ تسعى إىل إعادة‬ ‫للخصوصية الثقافية لكل شعب من شعوب العامل‪،‬‬

‫إنتاجها عرب نقلها إىل األجيال الالحقة‪ ،‬قناعة أهنا‬ ‫وإبراز للهويات الوطنية اخلاصة‪ ،‬التي تشكل يف‬

‫اهلوية اجلامعية واخلصائص املميزة‪ ،‬مع رضورة‬ ‫جمموعها اهلوية اإلنسانية اجلامعة والقائمة عىل أساس‬

‫االحرتام التام هلوية اآلخرين وخصوصياهتم الثقافية‪.‬‬ ‫وحدة اجلنس البرشي‪ ،‬ووحدة الصفات املشرتكة التي‬
‫أودعها اخلالق سبحانه يف الطبيعة اإلنسانية؛ ومن ألف‬
‫الكلامت املفتاح‪ :‬اللغة العربية‪ ،‬الثقافة املغربية‪ ،‬أبناء اجلالية املغربية‪.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪108‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أ‪ -‬القرآ الكريم برواية ورش عن نافع‬


‫ب‪ -‬كتب السنة‪:‬‬
‫‪ -‬أبو عبد اهلل حممد بن إسامعيل البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار بن كثري‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األوىل‪3561 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬أبو احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق أبو قتيبة نظر بن حممد الفاريايب‪،‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪6332 ،‬م‬
‫‪ -‬نارص الدين األلباين‪ ،‬صحيح وضعيف سنن الرتمذي‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪3563 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ -‬نارص الدين األلباين‪ ،‬صحيح وضعيف اجلامع الصغري وزيادته‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪3530‬ه‪.‬‬
‫ج‪ -‬مواثيق حقوق اإلنسا الدولية واإلقليمية‪:‬‬
‫‪ -‬الدكتور رشيف بسيوين‪ ،‬اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ‪ ،‬مضمن يف كتاب "الوثائق الدولية املعنية بحقوق‬
‫اإلنسا ‪ :‬الوثائق العاملية"‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور رشيف بسيوين‪ ،‬العهد الدويل اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية‪ ،‬مضمن يف كتاب‬
‫"الوثائق الدولية املعنية بحقوق اإلنسا ‪ :‬الوثائق العاملية"‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور رشيف بسيوين‪ ،‬اإلعال األمريكي حلقوق وواجبات اإلنسا ‪ ،‬مضمن يف كتاب "الوثائق الدولية‬
‫املعنية بحقوق اإلنسا ‪ :‬الوثائق اإلسالمية واإلقليمية"‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور رشيف بسيوين‪ ،‬االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسا ‪ ،‬مضمن يف كتاب "الوثائق الدولية املعنية‬
‫بحقوق اإلنسا ‪ :‬الوثائق اإلسالمية واإلقليمية"‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاقية الدولية حلامية حقوق العامل املهاجرين وأفراد أرسهم‪ ،‬إصدار مفوضية األمم املتحدة السامية‬
‫حلقوق اإلنسا ‪ ،‬جنيف‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬صحيفة الوقائع رقم ‪.65‬‬
‫‪ -‬الدكتور رشيف بسيوين‪ ،‬اتفاقية حقوق اإلنسا لألفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشو فيه‪،‬‬
‫مضمن يف كتاب "الوثائق الدولية املعنية بحقوق اإلنسا ‪ :‬الوثائق العاملية"‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪109‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إعداد املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث‬ ‫‪ -‬إسامعيل احلسني‪ ،‬االختالف والتفكري يف فقه‬
‫العلمي‪.‬‬ ‫األقليات‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ -‬العدل يف خطب ورسائل صاحب اجلاللة امللك‬ ‫األوىل‪6332 ،‬م‪.‬‬
‫حممد السادس من سنة ‪3999‬م إىل سنة ‪6333‬م‪،‬‬ ‫‪ -‬جني سميث‪ ،‬اإلسالم واملسلمو يف أمريكا‪ ،‬ترمجة‬
‫منشورات قسم التواصل‪ ،‬مديرية الدراسات‬ ‫حممد اخلويل‪ ،‬منشورات املجلس األعىل للثقافة‪،‬‬
‫والتعاو والتحديث‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬اململكة املغربية‪.‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪6334 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اللغات يف اهلجرة‪ :‬التحوالت والرهانات اجلديدة‪،‬‬ ‫‪ -‬اإلطار املرجعي لتعليم اللغة العربية والثقافة‬
‫منشورات جملس اجلالية املغربية باخلارج‪ ،‬أشغال‬ ‫املغربية ألبناء اجلالية املقيمني باخلارج‪ ،‬إعداد مديرية‬
‫ندوة ‪ 64 ،65‬يونيو ‪6333‬م‪ ،‬مطبعة املعارف‬ ‫املناهج‪ ،‬وزارة الرتبية الوطنية والتكوين املهني‬
‫اجلديدة‪ ،‬الرباط‪6336 ،‬م‪.‬‬ ‫برشاكة مع مؤسسة احلسن الثاين للمغاربة املقيمني يف‬
‫‪ -‬الدكتور عباس حمجوب‪ ،‬مشكالت الشباب‪:‬‬ ‫اخلارج‪ ،‬شتنرب ‪6334‬م‪.‬‬
‫احللول املطروحة واحلل اإلسالمي‪ ،‬كتاب األمة رقم‬ ‫‪ -‬عمر السلكي‪ ،‬احلقوق الدينية والثقافية للمسلمني‬
‫‪ ،33‬مطابع الدوحة احلديثة‪ ،‬قطر‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫يف بالد الغرب‪ ،‬مطبعة أفريقيا الرشق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫ربيع األول ‪3532‬ها‪.‬‬ ‫الطبعة األوىل‪6330 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد املجيد النجار‪ ،‬املنظامت اإلسالمية يف أوربا يف‬ ‫‪ -‬مصطفى حمفوظ عفيفي‪ ،‬احلقوق املعنوية لإلنسا‬
‫مواجهة حتدي الرشاكة احلضارية‪ ،‬بحث مقدم إىل‬ ‫بني النظرية والتطبيق‪ :‬دراسة مقارنة يف النظم‬
‫اجلمعية العمومية هليئة التنسيق العليا للمنظامت‬ ‫الوضعية والرشيعة اإلسالمية‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫اإلسالمية املنعقدة بمكة املكرمة بتاريخ ‪ 35‬أبريل‬ ‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪3993 ،‬م‪.‬‬
‫‪6332‬م‪ ،‬مطابع رابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ -‬دستور اململكة املغربية الصادر عام ‪6333‬م‪،‬‬
‫األوىل‪6332 ،‬م‪.‬‬ ‫األمانة العامة للحكومة‪ ،‬مديرية املطبعة الرسمية‪،‬‬
‫‪ -‬امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‪ ،‬اللجنة اخلاصة‬ ‫سلسلة الوثائق القانونية املغربية‪ ،‬طبعة ‪6333‬م‪.‬‬
‫بالرتبية والتكوين‪ ،‬اململكة املغربية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪ -‬الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح ‪6313-6334‬‬
‫‪3999‬م‪.‬‬ ‫"من أجل مدرسة اإلنصاف واجلودة واالرتقاء"‪،‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫‪110‬‬

‫‪1‬‬

‫يروم املقال مقاربة دور اإلدارة الرتبوية وحتديدا القائد الرتبوي يف تدبري املنازعات واخلالفات التي قد تنشب داخل‬

‫املؤسسة التعليمية وفقا ملبادئ وضوابط العمل اإلداري‪ ،‬فكام هو معلوم‪ ،‬اإلدارة الرتبوية تضم عددا من‬

‫املكونات‪/‬األعضاء‪ ،‬ومن الطبيعي أن تتولد من جراء تدبري أنشطتها سوء تفاهم أو خالف أو أخطاء من حني ألخر‪،‬‬

‫قد يتطور األمر إىل نزاع‪ ،‬وهنا تكمن أمهية تسوية اخلالفات وحل النزاعات‪ ،‬وحل النزاع هو عملية متعددة املراحل‬

‫وتقييام للوضع‪ ،‬واختيار لطريقة حلل النزاع ‪ ،‬وتشكيل خطة عمل ‪ ،‬وتنفيذها ‪ ،‬وتقييم فعالية أفعال الفرد‬
‫ً‬ ‫تتضمن ً‬
‫حتليال‬

‫من طرف القائد الرتبوي الذي جيب أن يتوفر عىل عدد من املواصفات ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫التقليدي الذي ينظر إىل اإلدارة الرتبوية عىل أساس أهنا‬


‫تقوم عىل اخلربة والسامت الشخصية التي يمتلكها املدير‪،‬‬ ‫تعد اإلدارة الرتبوية املحرك األساس وقطب رحى‬

‫و االسرتشاد بمفاهيم السلطة يف النظرية واملامرسة‬ ‫إصالح املنظومة الرتبوية‪ ،‬ملا هلا من أمهية بالغة يف تطوير‬

‫اإلدارية‪ ،‬إىل مفهوم جديد ينبني عىل قيادة التغيري؛ مفهوم‬ ‫األخرية وتوفري الظروف املالئمة لنجاح العمل اإلداري‬

‫ينظر إىل اإلدارة عىل أساس أهنا ترتكز عىل أصول علمية‬ ‫والرتبوي‪ ،‬كام تعد عامال أساسيا لنجاح املنظومة أو‬

‫و تتسم باملرونة والسهولة‪ ،‬بعيدة كل البعد عن القوالب‬ ‫فشلها‪ .‬باإلضافة إىل أن نجاح املؤسسة الرتبوية من نجاح‬

‫الثابتة‪ ،‬متامشية ومتناسبة مع مقتضيات املرحلة‪ ،‬بمدير‬ ‫مسريهيا وعىل رأسهم مدير املؤسسة‪ ،‬ويقاس هذا النجاح‬

‫قادر عىل بناء قيم وأفكار مشرتكة‪ ،‬كفيلة بتحويل أطرها‬ ‫أو الفشل بمدى قدرهتا عىل حتقيق األهداف بفعالية‬

‫من «أنا» إىل «نحن» ‪.‬‬ ‫وكفاءة وتدبري املنازعات وتفعيل أخالقيات‪ .‬واجلدير‬
‫باملالحظة أن أهم التطورات التي طرأت عىل اإلدارة‬
‫الرتبوية‪ ،‬يف السنوات األخرية‪ ،‬هو انتقاهلا من املفهوم‬

‫‪ -1‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي‬


‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪111‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حماولة لطرح ومناقشة هذه األمهية وحتديد املواصفات‬ ‫إن اإلدارة الرتبوية‪ ،‬يف حاجة ماسة‪ ،‬إىل رفع نسبة‬
‫واملبادئ التي جيب أن تتوفر يف القائد الرتبوي واإلدارة‬ ‫الوعي‪ 1‬وتطويره بني أعضائها بالطرائق والوسائل التي‬
‫الرتبوية لتدبري اخلالفات واملنازعات اإلدارية؛ وبشكل‬ ‫يمكن بواسطتها أن يكونوا عاملني بحقوقهم‪ ،‬بام فيها‬
‫خاص النزاعات الناجتة عن التدبري اإلداري والرتبوي‪.‬‬ ‫مسؤولياهتم األخالقية والقانونية حتى يسهموا وبشكل‬
‫‪ -‬كيف تسهم اإلدارة الرتبوية وحتديدا املدبر الرتبوي‬ ‫فعال‪ ،‬يف بناء جمتمع ديمواقراطي تسوده سلطة القانون‬
‫يف حل املنازعات واخلالفات داخل املؤسسة الرتبوية‬ ‫واحرتام حقوق اإلنسان‪ .‬كام أن اإلدارة الرتبوية‪ ،‬تتحمل‬
‫باستحضار الضوابط املهنية؟‬ ‫جزءا من القضايا املعروضة عىل القضاء اإلداري‪ ،‬بسبب‬
‫سنحاول اإلجابة عن إشكالية موضوعنا‪ ،‬وفقا‬ ‫أن بعض موظفي اإلدارة املسؤولني عن استصدار‬
‫للمنهجية الفرنكوفونية التي تعتمد التقسيم الثنائي‪ ،‬ففي‬ ‫القرارات ال حيرصون عىل تطبيق القانون‪ ،‬والتقيد بمبدأ‬
‫املحور األول سنتناول للحديث عن التأطري اإلداري‬ ‫املرشوعية واحرتام النصوص الترشيعية والتنظيمية‬
‫للمنازعات وضوابط العمل املؤسسايت‪ ،‬أما املحور‬ ‫وضوابط أخالقيات مهنة اإلدارة الرتبوية‪.‬‬
‫الثاين‪ ،‬فسنناقش فيه القائد الرتبوي وسبل حل قضايا‬
‫املنازعات وفقا للضوابط املهنية‪.‬‬ ‫بالنظر ألمهية دور القائد الرتبوي امللتزم بضوابط‬
‫العمل وأخالقيات املهنة‪ 2‬يف حل املنازعات داخل‬
‫املؤسسات التعليمية والدور األسايس للمدبر الرتبوي‬
‫وفريق القيادة يف العملية‪ ،‬تأيت هذه الورقة البحثية‪ ،‬يف‬

‫العال قات الرتبو ية بني خمتلف مكو نات الوسككط ا ملدريس‪ ،‬وتكون‬ ‫‪1‬لنرش الوعي اإلداري أصدرت منظمة التضامن اجلامعي املغريب‬
‫لدى ا ملدرس ا جتا هات إ جياب ية نحو امله نة‪ ،‬إذ تبرصككه بالتزا ما ته‬ ‫‪ 7991‬كتاب "قضايا اهليأة التعليمية من خالل اجتهادات املجلس‬
‫األخالقية وتوعيته بأبعاد الر سالة التعليمية التي يتحملها جتاه الفرد‬ ‫األعىل واملحاكم اإلدارية"‪ ،‬ويف ‪ 3002‬أصدرت مؤلف "املدرسون‬
‫واملجتمع‪ ،‬كام تنظم عال قا ته اإلدار ية واالجتامع ية‪ ،‬و تدر به عىل‬ ‫وتعسفات اإلدارة الذي أكدت فيه حق املوظف يف اللجوء إىل‬
‫أساليب التعامل الالئق مع خمتلف مكونات املجتمع املحيل واجلهوي‬ ‫القضاء اإلداري للطعن يف القرارات اإلدارية متى ثبت أن اإلدارة قد‬
‫والوطني‬ ‫أساءت استعامل سلطتها أو انحرفت عنها‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬تتجىل أمهية درا سة أخالقيات املهنة يف تعزيز املامر سات األخالقية‬
‫التي ينبغي أن تنعكس بشكككل أكثر إجيابية يف منهجية التدريس‪ ،‬ويف‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪112‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫لذلك نجد األفراد يستقبلون مؤثرات البيئة والوسط‬ ‫اإلدارة الرتبوية كأي مؤسسة اجتامعية أخرى‪ ،‬تضم‬
‫بشكل دائم فتؤثر عىل مشاعرهم وسلوكاهتم جتاه أنفسهم‬ ‫عددا من املكونات‪/‬األعضاء‪ ،‬ومن الطبيعي أن يتولد‬
‫وجتاه الغري‪ .‬ويمكن التعبري عنه بشكل واضح من خالل‬ ‫من جراء ذلك سوء تفاهم أو خالف من حني آلخر‪ ،‬قد‬
‫جمموعة من العبارات واملفاهيم التي جتسد هذا التأثري‬ ‫يتطور األمر إىل نزاع‪ ،‬وهنا تكمن أمهية حل النزاعات‬
‫مثل ظروف العمل واملناخ االجتامعي السائد‬ ‫واخلالفات كام هو معلوم جزء من احلياة املدرسية‬
‫واإلحساس باالنتامء لفريق العمل إىل غري ذلك‪....‬‬ ‫اليومية‪ ،‬هنا البد أوال من حتديد بعض املفاهيم األساسية‬
‫السلوكات‪ :‬قد تثري سلوكاتنا أحيانا ردود أفعال‬ ‫ومنها‪:‬‬
‫سلبية لدى الغري رغم عدم قصديتنا الستفزازه أو‬ ‫النزاع‪ /‬الرصاع‪ :‬هو بمثابة تعارض للمشاعر أو‬
‫اإلساءة إليه‪ ،‬لكن اختالف املرجعيات الثقافية (اختالف‬ ‫وجهات النظر لدى األشخاص أو اجلامعات‪ ،1‬فكثريا ما‬
‫أوساط التنشئة االجتامعية‪ ،‬اختالف القيم‪ )...‬تؤدي إىل‬ ‫تنشأ الرصاعات من اختالف يف املشاعر جتاه اآلخر أو‬
‫سوء الفهم بيننا وبينه‪ .‬لذلك يمكن القول إن مراقبة‬ ‫اختالف الثقافة والتنشئة االجتامعية لألفراد والتي ينتج‬
‫سلوكاتنا واالنتباه إىل االختالف يف املرجعيات‬ ‫عنها اختالف يف قناعتهم وقيمهم واألفكار التي يدافعون‬
‫والثقافات بيننا وبني الغري تؤدي إىل جتنب كثري من أوجه‬ ‫عنها‪ .‬وقد عرب عن ذلك كلود كاناس يف قوله " ينتج‬
‫الرصاع‪ .‬كام أن آليات التواصل جتعلنا نتجاوز الكثري من‬ ‫الرصاع عن تعارض يف احلاجات واألهداف (والقيم‬
‫سوء الفهم من خالل تقديم توضيحات أثناء حصول‬ ‫أيضا) بني شخصني أو أكثر فيبحثون عن احلل من خالل‬
‫هذا النوع من سوء الفهم‪.‬‬ ‫اللجوء إىل العنف‪ ،‬أو من خالل التفاوض والوساطة"‪.2‬‬
‫القدرات‪ :‬البد لكل ممارس لعملية تدبري‬ ‫البيئة أو مناخ العمل‪ :‬يلعب املناخ االجتامعي أو‬
‫للموارد البرشية من الوعي بوجود اختالفات بني‬ ‫بيئة العمل بدورها دورا هاما يف نشأة الرصاعات املهنية‪،‬‬
‫األشخاص يف استعداداهتم وقدراهتم الطبيعية‪ ،‬ويؤدي‬ ‫فالبيئة هي ذلك الوسط الذي نعيش فيه خالل فرتة زمنية‬
‫إغفال هذه اخلصوصيات إىل تكليف األشخاص بام‬ ‫حمددة‪ ،‬وهو البيئة واملناخ االجتامعي بام يتضمنه من‬
‫يفوق قدراهتم ومن متة نشأة رصاع معهم‪.‬‬ ‫مشاعر متبادلة وأنامط للتواصل بني األفراد واجلامعات‪،‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫; ‪Claude Kannas, dictionnaire encyclopédique‬‬ ‫‪Benoit Grassier, Florent Noel, ressources‬‬
‫‪larousse, édition 1993.‬‬ ‫‪humaines,p 89‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪113‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫البد من اإلشارة إىل رضورة التمييز بني الرصاع‬ ‫املعتقدات‪ :‬ترتك التنشئة االجتامعية لدى كل فرد‬
‫ووجود مشكل بني طرفني‪ ،‬فغالبا ما يتحول مشكل تم‬ ‫جمموعة من األفكار واملعتقدات‪ ،‬تبقى مصاحبة له رغم‬
‫تأجيل حله إىل رصاع‪ ،‬يتضح الفرق بينهام من خالل‬ ‫بلوغه لسن الرشد‪ ،‬ومتتاز املعتقدات بصعوبة تغيريها أو‬
‫اخلصائص الواردة يف اجلدول رفقته‪:‬‬ ‫مراجعتها‪ .‬ونظرا الرتباطها باملقدس فإن انتقاد‬
‫املعتقدات غالبا ما يثري الكثري من املشاكل والرصاعات‪،‬‬
‫الرصاع‬ ‫املشكل‬
‫غري قابل للقياس‬ ‫قابل للقياس‬
‫لذلك ال بد لكل مدبر من الوعي باحرتام معتقدات‬

‫غري قابل للمالحظة‬ ‫قابل للمالحظة‬ ‫األشخاص‪ ،‬وإن استدعى األمر معاجلتها‪ ،‬فيجب أن‬

‫ي عرب عن و جود فرق هو نوع من ا مل عارضكككة بني‬ ‫يكون ذلك بالتدريج‪.‬‬

‫بني الوضككع ية ا حلال ية الطرفني ينفجر ع ند ما ترتاكم‬ ‫القيم املهنية‪ :‬للمدبر‪ /‬القائد الرتبوي بحكم‬
‫والوضككعية املأمولة بني جمموعة من املشكككالت التي‬ ‫املسؤوليات التي يقوم هبا دور اسرتاتيجي يف ترسيخ‬
‫يتم حلها‪.‬‬ ‫الطرفني‪.‬‬ ‫منظومة القيم داخل املؤسسة التعليمية من خالل جعلها‬
‫وبناء عىل ما سبق‪ ،‬جتدر اإلشارة إىل رضورة متييز‬ ‫أحد مرتكزات املنظومة ومبادئ العمل يف تدبري املؤسسة‬
‫املدبر الرتبوي بني املشكالت البسيطة التي تستوجب‬ ‫وتدبري خالفاهتا ومنازعاهتا‪ ،‬وتعد القيم من العوامل‬
‫نوعا من التأمل واإلنصات إىل الطرفني أو األطراف قصد‬ ‫األساسية لتوفري مناخ عمل مالئم للعمل‪ ،‬فإذا سادت‬
‫الوصول إىل حل والنزاع الذي جتاوز مستوى املشكل‬ ‫قيم التعاون والتفهم وإرشاك الغري والتسامح معه‪ ،‬فإن‬
‫البسيط إىل تداخل وتشعب مشاكل متعددة أدت اىل إنتاج‬ ‫مناخ وبيئة العمل سيسودها االنسجام بني الفرد واجلامعة‬
‫وضعية مركبة تستدعي وساطة جلنة أو شخص‪ .‬يضاف‬ ‫املهنية‪ ،‬ومن متة سيقل الرصاع والنزاع بني أفراد اجلامعة‬
‫إىل ذلك رضورة امتالك املدبر الرتبوي القدرة عىل رصد‬ ‫املهنية من أطر إدارية أو تربوية أو متعلمني‪...‬الخ‪.‬‬
‫املشكالت يف بدايتها وامتالكه القدرة عىل التواصل‬
‫الفعال لتوضيح وجهات النظر وإزالة الغموض‬
‫باإلضافة إىل امتالكه القدرة عىل اختاذ القرار للحسم يف‬ ‫‪.2‬التمييز بني الرصاع واملشكل‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪114‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫خالفات ومنازعات؛ غري أن القائد املتمكن واملتشبع‬ ‫بعض القضايا التي تستوجب ذلك باعتبارها مصدرا‬
‫بروح املامرسة الديموقراطية والتفكري اإلجيايب لقادر عىل‬ ‫حمتمال لتفاقم الوضع يف حالة عدم احلسم‪.‬‬
‫تدليل تلك اخلالفات وفض كل املنازعات؛ لكن هناك‬ ‫لقد أضحت قيادة التغيري أمرا حتميا حلل املنازعات‬
‫نوعية من رؤساء املؤسسات التعليمية – وهي فئة قليلة‬ ‫اإلدارية ومواكبة اإلصالح الرتبوي‪ ،‬وإحداث التوافق‬
‫ويف طور االنقراض ‪ -‬يسبحون ضد تيار اإلصالح‪ ،‬هم‬ ‫بني التنظيم يف املؤسسة والتغريات احلاصلة يف البيئة‬
‫باألساس السبب يف هذه النزاعات وجزء من االنتكاسة‬ ‫املحيطة هبا؛ يؤكد مصطفى مقبول أنه ''أصبح مطلوبا من‬
‫التي يعيشها قطاع الرتبية والتعليم؛ مديرون مهووسون‬ ‫املديرين‪ ،‬ليس فقط القيام بمهام تسيري املؤسسة‬
‫بحب السيطرة جيربون مرؤوسيهم عىل الطاعة وتنفيذ‬ ‫التعليمية‪ ،‬و لكن أيضا االنخراط يف مسلسل حتديث‬
‫األوامر مغيبني اجلانب املهني واإلنساين‪ ،‬مما يفيض إىل‬ ‫وتطوير منظومة التعليم وتوفري وسائل االندماج ضمن‬
‫دفن الكفاءات ً‬
‫بدال من تشجيعها واالستفادة منها؛‬ ‫التغريات االجتامعية املعقدة؛ فلم يعد مطلوبا من املدير‬
‫وبالتايل إغراق املؤسسة يف مشاكل ال أول هلا وال آخر‪ .‬مما‬ ‫أن يكون مدبرا حمنكا فقط‪ ،‬ولكنه أصبح مطالبا بقيادة‬
‫يعطل مشاريع االرتقاء باملؤسسة‪ ،‬متناسيا أن حتقق‬ ‫قاطرة اإلصالح الرتبوي‪ ،‬باعتبار املؤسسة التعليمية‬
‫أهداف املؤسسات الرتبوية يتم بلوغه عن طريق اإلقناع‬ ‫أضحت اآلن معقال لإلصالح الرتبوي''(‪ .)1‬ويف سياق‬
‫وليس التسلط والقرس‪.‬‬ ‫مواز يربز عبد الرحيم هارويش يف كتابه املوسوم بك‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يشري عبد الكريم غريب إىل أن‪:‬‬ ‫(بيداغوجيا الكفايات مرشد املدرسني واملكونني) بأنه‬
‫''إصالح اإلدارة الرتبوية يصطدم بوجود وهيمنة‬ ‫''من أجل أن تنجح اإلصالحات ينبغي أن يرتقي التغيري‬
‫عقليات التسيري التي تكرس للفردانية والسلطوية بدال‬ ‫إىل مستوى جيعله ديناميا ودائام ومتجددا ومتكيفا'' (‪)2‬‬
‫من عقلية التدبري التي تكرس اإلرشاك والتشارك '' (‪)3‬؛‬ ‫إن قيادة اإلصالحات الرتبوية هاته‪ ،‬عىل مستوى‬
‫ففن اإلدارة الرتبوية حيتم عىل املدير العمل بروح الفريق‬ ‫املؤسسة أكيد ال ختلو من حتديات وأحيان كثرية من‬

‫‪ -‬عبد الرحيم هارويش‪ ،‬بيداغوجيا الكفايات مرشد املدرسني ‪2‬‬ ‫‪ -1‬مصطفى مقبول ‪( -‬تكوين مديري املؤسسات التعليمية العمومية –‬
‫واملكونني ترمجة احلسن اللحية و عبد اإلله رشياط طبعة ‪3005‬‬ ‫دراسة مقارنة بني النظام احلايل و مرشوع النظام اجلديد يف ظل إحداث‬
‫مطبعة النجاح اجلديدة حلساب نرش الفنك‪ ،‬صفحة ‪. 40‬‬ ‫املراكز اجلهوية ملهن الرتبية و التكوين) جملة اإلدارة الرتبوية العدد ‪3‬‬
‫‪ -‬عبد الكريم غريب‪ ،‬مستجدات الرتبية والتكوين منشورات ‪3‬‬ ‫نونرب ‪ - 3072‬صفحة ‪.45‬‬
‫عا الرتبية الصفحة ‪431/431‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪115‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫واإلدارة الرتبوية كغريها من املؤسسات العمومية‪،‬‬ ‫واعتامد املقاربة التشاركية من أجل بناء األفكار اإلجيابية‬
‫تسعى إىل تدبري نزاعاهتا الداخلية التي قد تنشب لسبب‬ ‫التي حتسن من وضع املؤسسة والعاملني هبا‪.‬‬
‫أو آلخر (شخيص أو مرفقي) نتيجة ألسباب منها‬ ‫إن دورة النزاع‪ ،‬متر بتطور تصاعدي قبل أن يصل إىل‬
‫األخطاء اإلدارية التي قد تؤدي إىل املسؤولية القانونية‪،2‬‬ ‫االنفجار؛ وغالبا ما يقوم عىل الفعل ورد الفعل‪،‬‬
‫والتقليل من النزاعات مع املرؤوسني‪ ،‬جيب عىل القائد‬ ‫مصحوبا بتوتر نفيس جيعل النزاع خارج حدود السيطرة‪.‬‬
‫الرتبوي‪:‬‬ ‫كثرية هي األسباب املؤدية إىل النزاعات‪ ،‬فمنها ما هو‬
‫‪ -‬تقييم عمل مرؤوسيه بموضوعية؛‬ ‫مرتبط باملصالح؛ وينتج مثال عند توزيع استعامالت‬
‫‪ -‬رعاية املرؤوسني‬ ‫الزمن بطريقة فيها إجحاف لطرف معني‪ ،‬وأخرى‬
‫‪ -‬االستخدام الفعال لطريقة اإلقناع؛‬ ‫مرتبطة باحلاجات‪ ،‬كاحلاجة إىل التقدير مثال‪ ،‬وأخرى‬
‫‪ -‬حتسني أسلوب املؤسسة‪.‬‬ ‫بالقيم كاحلق يف املشاركة املتساوية‪ .‬هناك أسباب تفصيلية‬
‫ويتم حتديد وتشخيص أسباب النزاع يف الفريق من‬ ‫أخرى كتلك املرتبطة باإلحباط الناتج عن إعاقة حتقيق‬
‫خالل أسلوب قيادة هذا الفريق من جانب اإلدارة‪.‬‬ ‫هدف‪ ،‬وأخرى مرتبطة باالستخدام اليسء للسلطة‪،‬‬
‫ً‬
‫حتليال‬ ‫حل النزاع هو عملية متعددة املراحل تتضمن‬ ‫وأخرى تتعلق بانتهاك احلقوق وممارسة القهر‪ ،‬وأخرى‬
‫وتقييام للوضع ‪ ،‬واختيار طريقة حلل النزاع ‪ ،‬وتشكيل‬
‫ً‬ ‫هلا عالقة بسوء ممارسة العدالة‪ ،‬وأخرى مرتبطة بانغالق‬
‫خطة عمل ‪ ،‬وتنفيذها ‪ ،‬وتقييم فعالية أفعال الفرد‪.‬‬ ‫الفكر‪ ،‬والسبب األخري‪ ،‬وكام يشري إىل ذلك دافيد‬
‫وتتضمن املرحلة التحليلية مجع وتقييم املعلومات حول‬ ‫كريش(‪'':)1‬هي سمة يف الشخصية تتجىل يف رفض اآلراء‬
‫القضايا التالية‪ :‬وضوح النزاع (املادي أو االجتامعي أو‬ ‫املعارضة رفضا حادا‪ ،‬كام يشري إىل أن هذا الصنف يعجز‬
‫املثايل؛ قابل للتقسيم أو غري قابل للتجزئة ؛ هل يمكن‬ ‫متاما عن حل املشكالت''‪.‬‬

‫‪-‬أنس املشييش‪ ،‬القايض اإلداري وقواعد القانون اخلاص‪ ،‬أطروحة‬ ‫‪1 -Individual in Society a textbook of social‬‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه يف احلقوق‪ ،‬جامعة حممد األول‪ ،‬كلية احلقوق‪،‬‬ ‫‪Psychology‬‬ ‫‪By David Krech – Richard.s‬‬
‫‪Cruchfield and Egerton L. Ballachey . University‬‬
‫وجدة‪3002/3004 ،‬‬ ‫‪of California , Berkeley Page 47‬‬
‫‪2‬‬
‫أنظر ‪ :‬حسن سيمو كاملسؤولية اإلدارية من خالل قرارات‬
‫‪ ،‬عدد ‪ ،75‬سلسلة ‪REMALD‬املجلس األعىل للنقض‪ ،‬جملة‬
‫مواضيع الساعة‪،‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪116‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫والواقع أن القيادة الرتبوية يف النظام التعليمي املغريب‬ ‫إزالته أو استبداله ؛ ما هي إمكانية الوصول إليه لكل‬
‫قيادة هرمية متسلسلة‪ ،‬وفق ثنائية‪ :‬الرئيس واملرؤوس‪.‬‬ ‫طرف من األطراف)؛ اخلصم (بيانات عامة عنه‪،‬‬
‫ثمة دائ ًام رئيس مبارش‪ ،‬أو رؤساء مبارشين للقادة‬ ‫خصائصه النفسية ؛ عالقة اخلصم بالقيادة ؛ فرص تقوية‬
‫املدبرين أنفسهم وصوالً إىل رئيس اإلدارة الذي هو‬ ‫رتبته؛ أهدافه ومصاحله ومنصبه ؛ األسس القانونية‬
‫الوزير‪ .‬يتعلق األمر بنظام صلب من شأنه أن ينزلق إىل‬ ‫واألخالقية ملتطلباته؛ أفعال سابقة يف النزاع‪ ،‬أخطاء‬
‫القسوة يف أية حلظة‪ ،‬لكنه‪ ،‬يف الوقت نفسه يسمح بالكثري‬ ‫ارتكبت ؛ حيث تتطابق املصالح‪ ،‬وما إىل ذلك)؛ املوقف‬
‫من مظاهر االبتكار والتجديد‪.‬‬ ‫اخلاص (األهداف ‪ ،‬القيم ‪ ،‬املصالح ‪ ،‬اإلجراءات يف‬
‫وإذا كانت القيادة‪ ،‬كيفام كان نوعها ال تستطيع أن‬ ‫الرصاع ‪ ،‬األخطاء املرتكبة ؛ إلخ)؛املوقف اخلاص‬
‫تتجنب القيام بأعامل التغيري‪ ،‬بشكل مستمر ونسقي أو يف‬ ‫(األهداف والقيم واملصالح واألفعال يف النزاع ؛ األسس‬
‫ظروف خاصة‪ ،‬فإن مهمتها مع ذلك ليست دائ ًام ميرس ًة‬ ‫القانونية واألخالقية ملتطلباهتم اخلاصة وحججهم‬
‫رغم اإلمكانات التي قد توضع رهن إشارهتا‪ .‬ألن أنشطة‬ ‫وأدلتهم ؛ األخطاء املرتكبة وإمكانية االعرتاف هبا أمام‬
‫التغيري تتعرض للمقاومة عادةً‪ ،‬ويبقى فقط أن نعرف‬ ‫اخلصم إلخ)‪.‬‬
‫طبيعة هذه املقاومة وأشكاهلا‪ ،‬وهي غالب ًا ما تكون‬
‫بحسب عمق التغيري ودرجته‪ .‬إنه مما ال شك فيه بالفعل‬
‫ترتبط القيادة بالتغيري‪ ،‬ذلك أن التغيري ال يتم دون قيادة‬
‫أن مقاومة التغيري رد فعل سلوكي إزاء خطر حمدق‪ُ ،‬ينظر‬
‫يميز فيها بعض الباحثني‪ ،‬بالنسبة للمؤسسة التعليمية بني‬
‫إليه عادة باعتباره هتديد ًا رصحي ًا ملصالح مبارشة خاصة‪.‬‬
‫ستة مصادر‪ ،‬هي‪ :‬وضعية النفوذ‪ ،‬الوضعية االنتقائية‪،‬‬
‫فمع مرور الوقت يكون بعض األفراد قد نسجوا –عىل‬
‫اخلربة املهنية‪ ،‬الشخصية الكاريزمية‪ ،‬حسن التنظيم‪،‬‬
‫هامش املامرسة املهنية‪-‬شبكة من العالقات املتداخلة‬
‫واملوقع داخل النظام االجتامعي‪.1‬‬
‫اخلاصة التي يصعب تفكيكها بمجرد استالم القائد‬
‫ختتلف القيادة الرتبوية عن القيادة يف أي جمال آخر إال يف‬
‫اجلديد ملهامه اجلديدة‪ ،‬أو عندما يتعلق األمر بإدخال‬
‫كوهنا تشتغل ضمن سياق اإلدارة الرتبوية بشكل عام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مونيكا غاتر تورلر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬عز الدين اخلطايب‪ ،‬القيادة وأساليب‬
‫ممارسة السلطة‪ ،‬جملة رؤى تربوية‪ ،‬عدد ‪ ،33‬رام اهلل‪ ،2142 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.14‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪117‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وبني أعامل التعطيل العدائية التي تعوق القائد الرتبوي‬ ‫مفاهيم أو حماولة تطبيق برامج عمل ومشاريع أو‬
‫وفريقه وحتول دونه ومبارشة أعامل التغيري الرضورية‬ ‫إجراءات تنظيمية خاصة‪ .‬غري أن هذه العالقات التي‬
‫وبالتايل فض النزاعات اإلدارية‪ .‬بعض املسؤولني عن‬ ‫نسجت عىل اهلامش حتتاج إىل مثل هذه املنعطفات كي‬
‫التدبري ممن يفرتض أن يدبروا اجلودة ويقودوا مشاريعها‬ ‫ال مركزي ًا يف أحداث املجتمع املدريس‪ ،‬حتت‬
‫تصبح فاع ً‬
‫يف املؤسسات التعليمية التي يشتغلون فيها جيدون‬ ‫مسوغات وذرائع شتى‪ .‬ولكن‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬إذا‬
‫أنفسهم مكبلني بالفعل يف املشاكل واملشاغل التي حتدثها‬ ‫كانت مقاومة التغيري تتم من خالل جبهة موحدة‪ ،‬فمن‬
‫جمموعات الضغط املحلية‪ .‬هكذا يتحول جمهود التدبري‬ ‫باب أوىل أن يتم إحداث التغيري املنشود من خالل جبهة‬
‫إىل حماولة تفكيك هذه املجموعات وتنصب أعامل القيادة‬ ‫موحدة أيض ًا‪ ،‬وغالب ًا ما يتم نعت مثل هذه اجلبهة‬
‫عىل جتنب آثارها الوخيمة‪.‬‬ ‫أمر ممكن‪ ،‬وإن كان‬
‫بالفريق‪ .‬ومعنى هذا أن فريق القيادة ٌ‬
‫املؤسسة الرتبوية ليست فقط مصدر ثروة فكرية‪،‬‬ ‫سيحتاج دائ ًام إىل شخص القائد الذي عليه بالفعل أن‬
‫وإضفاء الطابع‬ ‫أيضا عامل قوي يف تنظيم‬
‫ولكنه ً‬ ‫جييب عن أسئلة من قبيل‪ :‬كيفية إعامل أخالقيات املهنة‬
‫اإلنساين عىل املامرسة االجتامعية والعالقات بني‬ ‫يف التدبري املؤسسايت وكيف يتم االشتغال؟ كيف يمكننا‬
‫األشخاص‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الواقع الرتبوي يثري العديد‬ ‫أن ننظم أنفسنا بشكل خمتلف؟ كيف يمكن اختاذ قرار‬
‫من التناقضات وحاالت الرصاع والنزاع‪ ،‬واخلروج منها‬ ‫بشكل مجاعي إلجياد حل للمشكل املتنازع حوله‪1‬؟ ففي‬
‫خاصا للقائد الرتبوي‪.‬‬
‫يتطلب تدري ًبا ً‬ ‫بيئة اشتغال فريق القيادة تتاح الفرصة بالفعل للتعاون‪،‬‬
‫نظرا ألن الرصاع غال ًبا ما يقوم عىل تناقض‪،‬‬
‫لقد ثبت أنه ً‬ ‫وهو التعاون الذي يمكن املدبر الرتبوي وفريقه من حل‬
‫وخاضع لقوانني معينة‪ ،‬جيب أال خياف املدبر الرتبوي من‬ ‫النزاعات املتعلقة بالشغل‪ ،‬وهي نزاعات طبيعية أحيان ًا‪،‬‬
‫النزاعات‪ ،‬ولكن‪ ،‬بفهم طبيعة حدوثها‪ ،‬يستخدم آليات‬ ‫ويمكن تفهمها‪ .2‬ولعل أهم مظهر من مظاهر تفهمها هو‬
‫حمددة للتأثري حللها بنجاح يف املواقف الرتبوية املختلفة‪.‬‬ ‫أن نعمد إىل استحضار أخالقيات وضوابط العمل فضال‬
‫ال يمكن فهم أسباب النزاعات واالستخدام الناجع‬ ‫عن وضع مسافة واضحة بني النزاعات املهنية التي قد‬
‫آلليات إدارهتا‪ ،‬إال إذا كان لدينا قائد تربوي يف املستقبل‬ ‫تكون هي نفسها مؤرش ًا عىل اجلدية والتعبئة واالنخراط‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Comment sortir des petits conflis dans le‬‬ ‫‪Guide du leadership-Progresser vers la‬‬
‫‪travail, Dominique Chalvin , Francois Eyssette,‬‬ ‫‪fonction de dirigeant, Bernard RADON, Dunod,‬‬
‫‪Dunod 1986,P :1.‬‬ ‫‪Paris, 2007, P : 79.‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪118‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يمتلك املعرفة واملهارات اخلاصة بالصفات الشخصية‬


‫واملعرفة واملهارات التدبريية احلديثة‪.‬‬
‫من املعلوم أن القضايا واملنازعات داخل املؤسسة‬
‫إن االستعداد العميل للقائد الرتبوي حلل النزاعات بني‬
‫التعليمية متعددة ومتداخلة‪ ،‬وللعمل عىل تدبري بشكل‬
‫األطر العاملة باملؤسسة واملتعلمني هو تعليم شخيص‬
‫إجيايب ووفقا لضوابط االخالقية والترشيعية‪ ،‬وجب‬
‫متكامل‪ ،‬يتضمن هيكلة مكونات األداء التحفيزي‬
‫إعامل عدد من املبادئ‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫واملعريف والتشغييل‪ .‬معايري هذا االستعداد هي مقياس‬
‫• احرتام اإلدارة الرتبوية لروح القانون‪.‬‬
‫وسالمة وقياس تشكيل مكوناهتا الرئييس‪ ،‬كام جيب عىل‬
‫• العمل عىل تفعيل أدوار جمالس املؤسسة من خالل‬
‫القائد الرتبوي التعامل مع مشاكل النزاعات يف البيئة‬
‫حتسني وعي األطراف بدورها يف عملية التدبري‪.‬‬
‫املدرسية من خالل علم مثل علم اجتامع الرصاع‬
‫• العمل عىل امتالك إدارة املؤسسات التعلمية ملشاريع‬
‫الرتبوي‪ .1‬حيتاج املعلم إىل إتقان املهارات والقدرات‬
‫واضحة وجتويد تكوينها لدمج مبادئ التدبري‬
‫نظرا ألن مشكلة‬
‫الالزمة ملنع حاالت الرصاع وحلها‪ً ،‬‬
‫احلديث لتجاوز سلبيات التسيري الكالسيكي القائم‬
‫التفاعل بني املشاركني يف العملية الرتبوية أصبحت حادة‬
‫عىل التحكم واهليمنة‪.‬‬
‫بشكل متزايد يف املدرسة احلديثة‪ .‬ويف العديد من‬
‫• اعتامد اإلدارة الرتبوية للمقاربة التشاركية يف التدبري‪.‬‬
‫الدراسات حول مشاكل اإلدارة الرتبوية احلديثة‪ ،‬غال ًبا‬
‫• عمل اإلدارة عىل بناء اسرتاتيجية للتواصل تزيل كل‬
‫ما ُيالحظ أن مشكلتها الرئيسية تكمن يف عدم اهتامم‬
‫غموض قد يتسبب يف النزاع‪.‬‬
‫املدبر باألطر العاملة باملؤسسة الرتبوية وقضاياهم‪،‬‬
‫• الوعي برضورة االختالف واعتباره اجيابيا‪.‬‬
‫وعدم استعداده وعدم قدرته عىل معرفة عامله الداخيل‪،‬‬
‫• العمل عىل ترسيخ قيم االعرتاف واالحرتام‬
‫وبالتايل النزاعات بني األساتذة واملتعلمني واملدرسة‬
‫والتقدير املتبادل‪.‬‬
‫واألرسة‪.‬‬
‫• العمل عىل معرفة حاجات خمتلف األطراف‬
‫وتوضيح اإلمكانات املتاحة‪.‬‬

‫طرق حلها ومنعها‪ .‬هدفه هو الرصاع بجميع أشكاله‪ ،‬وموضوعه هو‬ ‫علم اجتامع الرصاع الرتبوي هو نظام متنوع متطور إىل حد ما‬ ‫‪1‬‬

‫ذلك الكوين الذي يميز نشوء أي رصاع وتطوره واكتامله‪.‬‬ ‫يستكشف أسباب وجوهر وأشكال وديناميكيات النزاعات‪ ،‬وكذلك‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪119‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫متلك وإشاعة ثقافة التغيري وقيادته‪ ،‬وتدبري النزاعات‬ ‫• العمل عىل التوصيف الدقيق للمهام‪.‬‬
‫باستعامل أساليب وتقنيات مالئمة‪...‬إلخ؛ ويف السياق‬ ‫• العمل عىل حتقيق املشرتك‪ ،‬والعمل تدرجييا عىل‬
‫نفسه يشري أمحد أوزي إىل أنه '' من مجلة هذه السامت‬ ‫إنجاز القضايا املتنازع حوهلا وفق مبادئ واضحة‪.‬‬
‫القدرة عىل ممارسة التأثري فيهم وقيادهتم‪ ( ،‬أطر املؤسسة)‬ ‫• العمل عىل توفري جمال للتواصل والتعبري عن املشاعر‬
‫واالهتامم بتوجيه عملهم و تنظيم عالقات العمل بينهم‪،‬‬ ‫جتاه اآلخر ورضورة التمييز بني انتقاد الفكرة‬
‫والعناية براحتهم ومشاعرهم بشكل يساعدهم عىل‬ ‫وصاحب الفكرة (عدم شخصنة املشكالت)‪.‬‬
‫القيام بأداء عميل ومهني جيد ''(‪)1‬؛ يف هذا الباب أشار‬ ‫من بني أبرز املهارات والكفايات الواجب متلكها‬
‫حممد بازي إىل أن اإلطار اإلداري حيتاج '' إىل أدوات‬ ‫من طرف مدير ناجح (قائد) لتدبري املؤسسة الرتبوية‬
‫ومنهجيات حلل اخلالفات وتدبري النزاعات املحتملة ‪،‬‬ ‫وفض املنازعات اإلدارية عىل نحو سليم‪ -‬لإلشارة فهي‬
‫وتشخيص عنارص مقاومة التغيري‪ ،‬والدفع بقائد التغيري‬ ‫مشار إليها يف العديد من األطر املرجعية ‪ -‬نجد ‪ :‬إظهار‬
‫إىل متلك اسرتاتيجيات التنفيذ‪ ،‬وحتليل ممارسات تدبري‬ ‫االحرتام لآلخرين‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬واملروءة‪ ،‬واملصداقية‪،‬‬
‫التغيري‪)2(''...‬؛ وأردف قائال بأن القيادة الناجحة هلا‬ ‫واالستقامة ‪ ،‬والعلم واملعرفة‪ ،‬واستعامل أساليب‬
‫مواصفات إنسانية قيادية جتعل املدير حمل تقدير و احرتام‬ ‫التحفيز‪ ،‬وتنمية متاسك الفرق وتدعيمها‪ ،‬وتعبئة‬
‫من قبل العاملني معه‪ ،‬وتشمل أخالق اخلطاب و أخالق‬ ‫العاملني باملؤسسة كافة وتوجيههم لتطوير وحتسني أداء‬
‫العمل(‪.)3‬‬ ‫املؤسسة والتمكن من تقنيات التواصل والتفاوض‪،‬‬

‫‪ -2‬حممد بازي‪ ،‬صناعة القادة يف املجال الرتبوي‪ ،‬دار القلم العريب‬ ‫‪ -1‬أمحد أوزي‪ ،‬الرشاكة الرتبوية قاطرة التنمية والتطوير البيداغوجي‬
‫للنرش والتوزيع القنيطرة‪ ،‬الطبعة األوىل أبريل ‪ 3079‬الصفحة ‪.21‬‬ ‫مطبعة النجاح اجلديدة الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،3001، ،‬‬
‫صفحة ‪.727‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪120‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫رشياط طبعة ‪ 4002‬مطبعة النجاح اجلديدة حلساب‬ ‫‪ -4‬الظهري الرشيف رقم ‪ 1.85.005‬الصادر يف ‪ 1‬شعبان‬
‫نرش الفنك صفحة ‪80‬‬ ‫‪ 42(1711‬فرباير ‪ )1585‬بشأن النظام األسايس العام‬
‫‪ -3‬عبد الكريم غريب ‪ -‬مستجدات الرتبية و التكوين‬ ‫للوظيفة العمومية كام تم تغيريه وتتميمه بواسطة‬
‫منشورات عا الرتبية الصفحة ‪178/172‬‬ ‫القانون رقم ‪ 10.51‬ج ر عدد ‪ 2815‬سبتمرب ‪1551‬‬

‫‪ -7‬د‪ .‬أمحد أوزي ‪ )4001 ( -‬الرشاكة الرتبوية قاطرة‬ ‫ص‪.7124:‬‬


‫التنمية و التطوير البيداغوجي مطبعة النجاح اجلديدة‬ ‫‪ -2‬لترشيع االداري والتسيري الرتبوي‪ ،‬خالد املري‬
‫الدار البيضاء ‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫وادريس قاسمي‪ ،‬دار صبح‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ -4‬حممد بازي ‪ -‬صناعة القادة يف املجال الرتبوي ‪ ،‬دار‬ ‫‪.4017‬‬
‫القلم العريب للنرش و التوزيع القنيطرة ‪،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪ -3‬مؤلف صدى التضامن اجلامعي‪ ،‬قضايا اهليأة‬
‫أبريل ‪4015‬‬ ‫التعليمية من خالل اجتهادات املجلس األعىل‬
‫‪ -9‬حممد بازي ‪ ،‬صناعة القادة يف املجال الرتبوي ‪ ،‬دار‬ ‫واملحاكم االدارية‪ ،‬ويف ‪ 400‬و املدرسون وتعسفات‬
‫القلم العريب للنرش و التوزيع القنيطرة ‪،‬الطبعة األوىل‬ ‫اإلدارة الذي أكدت فيه حق املوظف يف اللجوء إىل‬
‫أبريل ‪4015‬‬ ‫القضاء اإلداري للطعن يف القرارات اإلدارية متى‬
‫‪ -41‬املعني يف تأهيل األساتذة املتدربني باملراكز اجلهوية‬ ‫ثبت أن االدارة قد أساءت استعامل سلطتها أو‬
‫ملهن الرتبية والتكوين يف الترشيع املدريس وأخالقيات‬ ‫انحرفت عنها‪...‬الخ‪.‬‬
‫املهنة‪ ،‬سعيد منريس‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،4017‬ص‪.28:‬‬ ‫‪ -1‬مصطفى مقبول ‪( -‬تكوين مديري املؤسسات‬
‫‪ -44‬مليكة الرصوخ‪ ،‬القانون االداري دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫التعليمية العمومية – دراسة مقارنة بني النظام احلايل‬
‫مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.4010،‬‬ ‫و مرشوع النظام اجلديد يف ظل إحداث املراكز‬
‫‪ -42‬عامر ابراهيم علوان وأكرم جاسم محيد ومنري‬ ‫اجلهوية ملهن الرتبية و التكوين) جملة اإلدارة الرتبوية‬
‫فخري صالح وعياد حسني حممد عيل‪ ،‬الكفايات‬ ‫العدد ‪ 2‬نونرب ‪ - 4017‬صفحة ‪82‬‬

‫التدريسية وتقنيات التدريس مفاهيم وتطبيقات‪ ،‬هيئة‬ ‫‪ -1‬عبد الرحيم هارويش ‪ -‬بيداغوجيا الكفايات مرشد‬
‫التعليم التقني‪ ،‬دار اليازودي العلمية للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫املدرسني و املكونني ترمجة احلسن اللحية و عبد اإلله‬
‫األردن‪ ،‬الطبعة االوىل‪.4011،‬‬
‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬
‫‪121‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪18-‬‬ ‫‪Individual in Society a textbook of‬‬ ‫‪ -43‬خالد صقيل‪ ،‬أمهية تفعيل الرقابة الذاتية لتحسني‬
‫– ‪social Psychology By David Krech‬‬
‫‪Richard.s Cruchfield and Egerton L.‬‬ ‫جودة التعليم العايل‪ ،‬منشور بمجلة صدى التضامن‪،‬‬
‫‪Ballachey . University of California ,‬‬
‫‪Berkeley Page 47.‬‬ ‫مطبعة دار النرش املغربية‪ ،‬يناير ‪.4015‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪Benoit Grassier, Florent Noel,‬‬
‫‪ressources humaines,p 89‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -41‬عيل الكاسمي و عبد الواحد الشيكر‪ ،‬مبدأ‬
‫‪40‬‬ ‫‪Claude Kannas, dictionnaire‬‬
‫‪encyclopédique ; larousse, édition‬‬ ‫مرشوعية املخالفات التأديبية من خالل القضاء‬
‫‪1993‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪Guide du leadership-Progresser vers‬‬ ‫االداري رؤية استرشافية‪ ،‬أشغال الندوة الوطنية‬
‫‪la fonction de dirigeant, Bernard RADON,‬‬
‫‪Dunod, Paris, 2007, P : 79.‬‬ ‫"املنازعات االدارية يف ضوء القضاء االداري‬
‫‪44‬‬ ‫‪Comment sortir des petits conflits‬‬
‫‪dans le travail, Dominique Chalvin , Francois‬‬
‫ومستجدات نظام الرتبية والتكوين"‪ ،‬مؤلف مجاعي‪،‬‬
‫‪Eyssette, Dunod 1986,P :1.‬‬ ‫مجع وتنسيق ذ عيل الكاسمي‪ ،‬منشورات صدى‬
‫التضامن‪ ،‬الدار البيضاء‪.4041 ،‬‬
‫‪ -41‬نور الدين اسكوكو‪ ،‬الدليل العميل ملهام االدارة‬
‫الرتبوية‪ ،‬سلسلة اخلدمات الرتبوية واالدارية‪،‬‬
‫مشورات صدى التضامن‪ ،‬طبعة ‪.4012‬‬
‫‪ -43‬حسن صحيب‪ ،‬القانون االداري املغريب‪ ،‬املطبعة‬
‫والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة االوىل‪،4015 ،‬‬
‫‪ -47‬مونيكا غاتر تورلر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬عز الدين اخلطايب ‪،‬‬
‫القيادة وأساليب ممارسة السلطة‪ ، ،‬جملة رؤى تربوية‪،‬‬
‫عدد ‪ ،72‬رام اهلل‪.4014 ،‬‬
125
122
‫‪123‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين‬ ‫التربيةالتربية‬
‫والتكوين‬ ‫المتخصصة في‬
‫المجلةالمتخصصة في‬
‫المجلة‬

‫األدب بعامة‪ ،‬ثم مقاربته من‬ ‫نقارب يف هذه الدرا سة طرح إ شكالية سؤال املاهية و سؤال اجلدوى يف تدري‬
‫حقيقية لدى األ ستاذ‬ ‫خالل سؤال املاهية و سؤال اجلدوى يف منهاج اللغة العربية‪ .‬ونحن يف ذلك ننطلق من هواج‬
‫الذات من الداخل‪ ،‬فتجعل األستاذ يتساءل عن‬ ‫ترتمجها متثالت وأسئلة عميقة مت‬ ‫والتلميذ عىل حد سواء‪ .‬هواج‬
‫وظيفته‪ ،‬وجتعل التلميذ يتساءل عن اجلدوى من تعلامته داخل املدرسة‪.‬‬
‫فامذا حياول أســتاذ اللغة العربية وآداهبا مثال‪ ،‬أن يدرس يف الســلك الثانوي؟ هل ســيدرس ماهية األدب‬
‫والنظريات األدبية؟ هل سيدرس تاريخ األدب؟ هل سيدرس حتليل الن صوص؟ ووفق أي مقاربة منهجية؟ ومن أي‬
‫منظور أو موقف أيديولوجي؟ وباجلملة هل ســ ُيعلم التلميذ مفهو َم األدب وأشــكا َله وكيفي َة تلقيه أو كيف ُينتج أدبا‬
‫َ‬
‫وحديث التخرج‬ ‫ويصري أديبا؟ ‪ ...‬هذه أسئلة وغريها‪ ،‬قد تدور بخلد هذا األستاذ‪ ،‬وبخاصة إذا كان يف بداية الطريق‪،‬‬
‫من اجلامعة والدرس األكاديمي‪ .‬ونحن يف هذه الدراسة نحاول اإلجابة عن هذه األسئلة‪.‬‬

‫‪ 1‬أستاذ التعليم العايل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين‪ ،‬مراكش آسفي‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إذن منه‪ ،‬يف أزمنة وأسئلة وإشكاالت ال عالقة هلا‬ ‫‪1‬‬

‫بكينونته‪ ،‬وأحيانا كثرية ال تدخل يف جمال اهتاممه؟‬


‫قد تبدو هذه األسئلة نظرية وجودية فلسفية‬ ‫يف معاجلة هذه املسألة‪ ،‬ال أريد أن أدخل يف‬
‫وتربوية‪ ،‬لكنها يف واقع احلال أسئل ٌة ترتجم مهوما واقعية‬ ‫القضايا النظرية املتعلقة باملاهية واجلدوى‪ ،‬وإنام أنطلق‬
‫ٍ‬
‫وإشكاالت تُطرح عند أي أستاذ وأي تلميذ؛ إشكاالت‬ ‫حقيقية لدى األستاذ والتلميذ عىل حد‬ ‫من هواج‬
‫ناجتة عن كوننا نضع التلميذ واألستاذ معا يف سياق مل‬ ‫ترتمجها متثالت وأسئلة عميقة مت‬ ‫سواء‪ .‬هواج‬
‫ُيستشارا بخصوصه‪ .‬فهل حدث يوما أن وضعنا استبيانا‬ ‫الذات من الداخل‪ ،‬فتجعل األستاذ يتساءل عن وظيفته‪،‬‬
‫خاصا بكل من األستاذ والتلميذ‪ ،‬نأخذ رأهيام بخصوص‬ ‫وجتعل التلميذ يتساءل عن اجلدوى من تعلامته داخل‬
‫األستاذ بأنه‬ ‫األدب وماهيته وجدواه؟ أال ُحي‬ ‫تدري‬ ‫املدرسة‪.‬‬
‫خيصص حيزا واسعا من وقته لتبليغ إرث ثقايف جيد‬ ‫فامذا حياول أستاذ اللغة العربية وآداهبا مثال‪ ،‬أن‬
‫ُ‬
‫التالميذ صعوبة يف التواصل معه والتامهي فيه؟ أو عىل‬ ‫يدرس يف السلك الثانوي؟ هل سيدرس ماهية األدب‬
‫من ذلك‪ ،‬يقدم مدونات ألدباء معارصين عىل‬ ‫العك‬ ‫والنظريات األدبية؟ هل سيدرس تاريخ األدب؟ هل‬
‫اعتبار أهنم مبدعون كبار‪ ،‬واحلال أننا يف واد والتالميذ يف‬ ‫سيدرس حتليل النصوص؟ ووفق أي مقاربة منهجية؟‬
‫واد آخر يتواصلون عرب الشبكات العنكبوتية بلغة‬ ‫ومن أي منظور أو موقف أيديولوجي؟ وباجلملة هل‬
‫خاصة‪ ،‬وجيتهدون يف خلق متخيل يرتجم أفق انتظارهم‪،‬‬ ‫س ُيع ٍّلم التلميذ مفهو َم األدب وأشكا َله وكيفي َة تلقيه‪ ،‬أو‬
‫ويعرب عن آالمهم وآماهلم؟‬ ‫كيف ُينتج أدبا ويصري أديبا؟ ‪ ...‬هذه أسئلة وغريها‪ ،‬قد‬
‫بل األكثر من ذلك‪ ،‬فإننا إذا نظرنا إىل املسألة من‬ ‫تدور بخلد هذا األستاذ‪ ،‬وبخاصة إذا كان يف بداية‬
‫الناحية النفعية عىل املستوى االجتامعي‪ ،‬نجد أن يف‬ ‫َ‬
‫وحديث التخرج من اجلامعة والدرس‬ ‫الطريق‪،‬‬
‫العرص احلايل مل يعد لألدب دور يف االنتقاء املدر‪،‬ي‪،‬‬ ‫األكاديمي‪.‬‬
‫وأصبحت العلوم والرياضيات هي التي هلا دور احلسم‬ ‫وعندما يلتحق التلميذ‪ ،‬ألول مرة بمسلك‬
‫يف التوجه نحو الوظائف املربحة كالط ‪ ،‬واهلندسة‪،‬‬ ‫اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬يتساءل بدوره؟ ما هو هذا‬
‫واملعامر إلخ‪ ،‬أما األدب ف ُينظر إليه من هذه الوجهة‪ ،‬عىل‬ ‫األدب؟ وما اجلدوى من دراسته؟ وملاذا يتم إقحامه بغري‬
‫‪125‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الذي يتلقاه (‪ )...‬اإلنتاج الوحيد الذي يوصل إليه هو ما‬ ‫أنه ميدان اجلامل‪ ،‬وهذا األمر عديم الفائدة إن مل يكن نوعا‬
‫ُيدعى "اإلنشاء األديب"‪ ،‬وهو شكل‪ ،‬يف أحسن‬ ‫‪1‬‬ ‫من "الثرثرة" عىل حد تعبري فياال وشميت‪.‬‬
‫األحوال‪ ،‬ال يفيض إىل األدب»‪.4‬‬ ‫األدب والوظيفة اجلاملية هبذا‬ ‫وإذا كان قد تم تبخي‬
‫هذا القول جيعلنا نميز بخصوص جدوى األدب‬ ‫الشكل «فام هو احلقل املرشوع الذي يمكن أن يتبقى‬
‫بني‪ :‬جدوى قريبة املدى‪ ،‬وأخرى بعيدة‪.‬‬ ‫للتعبري املسمى "أديب"‪ .‬؟ إن السؤال مل يبق قط هو "ما‬
‫فأما اجلدوى القريبة املدى‪:‬‬ ‫األدب" ؟ بل‪" :‬ما جدوى األدب" ؟»‪. 2‬‬
‫فتلك التي عرب عنها جوليان سريج‬ ‫والسؤال عن اجلدوى هو اآلخر جي أن نراعي‬
‫دوبروفسكي‪ ،‬وتتلخص يف املنتج الذي يمكن أن نحصل‬ ‫فيه اخلصوصية؛ إذ ال يمكن أن نقيم تقابال ميكانيكيا بني‬
‫عليه غداة االنتهاء من العملية التعليمية التعلمية‪ .‬وقد‬ ‫أي‬ ‫األدب واجلدوى من تدري‬ ‫اجلدوى من تدري‬
‫حرصها هذا الباحث يف قدرة متعلم األدب عىل جمرد‬ ‫مادة علمية أو تقنية أخرى؛ ألن ذلك سيضع مدرس‬
‫كتابة أثر أديب إبداعي شعريا كان‬ ‫كتابة إنشاء أديب‪ ،‬ولي‬ ‫األدب ومجيع املشتغلني هبذا احلقل املعريف يف ورطة‪ ،‬كام‬
‫إنكارها‪ ،‬أو اجلدال‬ ‫أم نثريا‪ .‬وهذه حقيقة يصع‬ ‫ُ‬
‫طرح األمر عند جوليان سريج دوبروفسكي‪Julien ( 3‬‬

‫بخصوصها‪ ،‬سنتوسع فيها أكثر عند احلديث عن سؤال‬ ‫‪ ،) Serge Doubrovsky‬حني قال‪« :‬واحلقيقة التي‬
‫اجلدوى يف منهاج اللغة العربية كام سيأيت الحقا‪.‬‬ ‫درس‪ .‬فبينام‬
‫تضايق مدرس األدب هي أن األدب ال ُي َّ‬
‫وأما اجلدوى البعيدة املدى‪:‬‬ ‫خيرج التالميذ من حصة للحساب أو للرسم‪ ،‬قادرين‪،‬‬
‫واضح‬
‫ُ‬ ‫ففيها نقاش كبري؛ إذ هل فعال هناك تباين‬ ‫مبدئيا‪ ،‬عىل أن ي ُعدوا و َير ُسموا فإهنم ال خيرجون من‬
‫املنفعة بني دراسة األدب ودراسة العلوم األخرى؟ وهل‬ ‫حصة األدب وهم قادرون عىل الكتابة‪ ،‬ولو من الناحية‬
‫هناك وقائع وإحصاءات تعضد هذا الطرح أو ذاك؟‬ ‫النظرية (‪َّ )...‬‬
‫إن درسا حول الشعر ال يسمح بكتابة ولو‬
‫واحلال أنه لو كان األمر كذلك ملا وجدنا لآلداب سوقه‬ ‫بيت شعري واحد صحيح‪ ،‬سواء للذي يلقيه أو لذاك‬

‫عارف‪ ،‬بحث لنيل دبلوم مفتيشــ التعليم الثانوي‪ ،‬حتت إرشاف ذ‪.‬‬ ‫‪1 - voir A. viala, M.P.Shmit, Faire lire, Didier,‬‬
‫‪Paris, p:14.‬‬
‫عباس الصوري‪ ،‬السنة الدراسية ‪ ،4774-4771‬ص‪.41 :‬‬ ‫‪ - 2‬سريج دوبروفسكي‪ ،‬وجهة نظر األستاذ‪ ،‬ضمن تدري األدب‬
‫‪ - 3‬أستاذ األدب وكا َت وناقد فرنيس من مواليد ‪.4729‬‬ ‫( ندوة ســرييزي) ت قديم وتر مجة وتعليق حم مد بو كاج وع بد ال غاين‬
‫‪ - 4‬سريج دوبروفسكي‪ ،‬وجهة نظر األستاذ‪.43 :‬‬
‫‪126‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫التقني؛ ألنه باإلمكان أن ندرس تلميذ العلوم دارة‬ ‫وزبناءه‪ ،‬وملا وجدنا كذلك للعلوم األخرى أسواقها‬
‫كهربائية‪ ،‬ويف حينه‪ ،‬يمكنه أن يستثمرها يف حياته اليومية‬ ‫وجدت لدى شيخ الديداكتيك يف‬
‫ُ‬ ‫وزبناءها‪ .‬وقد‬
‫ولو بشكل بسيط‪ .‬بينام يف درس األدب حيتاج التلميذ إىل‬ ‫املغرب‪ ،‬األستاذ عباس الصوري رأيا طريفا قال فيه‪:‬‬
‫مدة أكرب من أجل حصول امللكة‪.‬‬
‫«والذي نود أن نشري إليه أن هناك فهام منحرفا ملا يمكن‬
‫أما قيمة "املعنى" يف كال الدرسني‪ ،‬فهي خمتلفة‪،‬‬
‫أن ُيرجى من فوائد لدرس األدب‪ ،‬فتثمني درس األدب‬
‫الختالف طبيعة كل من العلوم احلقة واألدب‪ ،‬ذلك أن‬
‫ال يمكن أن يكون بفعل أثر عاجل حمسوس كام حيصل‬
‫اخلطاب العلمي‪ ،‬ال يعلن‬ ‫اخلطاب األديب‪ ،‬عىل عك‬
‫ذلك عندما يتعلم املرء معرفة فيزيائية أو صحية أو تقنية‪،‬‬
‫عن أي حقائق ثابتة‪ ،‬ومعانيه تنبني «عىل رؤية للعامل يعاد‬
‫ومعنى هذه املعرفة ال يمكن معادلتُه باملعنى العلمي‪،‬‬
‫متثلها وصياغتها كلام تنوعت مصادر الفكر والثقافة التي‬
‫ولكنه ال يقل عنه أمهية‪ ،‬وطريقة حتصيل املعنى األدبية‬
‫تسود خالل هذه الفرتة من التاريخ أو تلك»‪ .‬وبذلك‬
‫ختتلف يف كوهنا تبعد عن املبارشة وحتتاج إىل استقصائها‬
‫«تكمن " حقيقة " النص األديب يف " املمكن " الذي يعلنه‬
‫يف ثنايا املعارف األخرى وإىل القدرة عىل االكتشاف للم‬
‫خطابه ويف األثر الذي ختلفه قراءته»‪2‬؛ وهلذا فقيمة املعنى‬
‫شتاهتا وضم عنارصها والرؤية إليها يف كليتها وشموليتها‬
‫يف األدب تبقى متميزة‪ ،‬وال تقل أمهية عن مثيلتها يف‬
‫ومدلوالهتا»‪.1‬‬
‫العلوم احلقة‪.‬‬
‫ُيمكنُنا هذا النص من التمييز بني ثالثة مستويات‬
‫أما طريقة التحصيل فمختلفة متاما؛ ألن طريقة‬
‫ما بني الدرس األديب من جهة والدرس العلمي والتقني‬
‫االنفتاح عىل علوم‬ ‫حتصيل املعنى يف األدب تتطل‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬وهي‪ :‬اجلدوى‪ ،‬وقيمة املعنى‪ ،‬وطريقة‬
‫كثرية‪ ،‬وتستدعي مهارات متعددة‪ ،‬ما دامت تبحث يف‬
‫حتصيل هذا املعنى‪.‬‬
‫موضوع مرك تركي اإلنسان ِ‬
‫نفسه‪ ،‬فتختلط فيه‬ ‫َ‬ ‫فاجلدوى يف الدرس األديب ذات طبيعة بطيئة‪ ،‬ال‬
‫عوامل خمتلفة بيولوجية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬واجتامعية‪ ،‬وسياسية‪،‬‬
‫اجلدوى يف الدرس العلمي أو‬ ‫تتحقق برسعة‪ ،‬عىل عك‬

‫‪ - 2‬عبد الفتاح احلجمري ألي يشء يصلح األدب‪،‬‬ ‫‪ - 1‬رشوط القراءة للنص األديب القديم‪ ،‬عباس الصوري‪ ،‬الدليل‬
‫‪http://www.saidbengrad.net/inv/hojmripage/aqu‬‬ ‫الرتبوي‪ ،‬إرشاف حممد الدريج‪ ،‬تدريسية النصوص‪ ،‬اجلزء الثاين‪،‬‬
‫‪litteerature.html.‬‬
‫‪ ،4773‬مطبعة اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.51:‬‬
‫‪127‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫بمفاهيم نظرية متعددة تؤطرها نظرية األدب والنقد‪ .‬يأيت‬ ‫وإيديولوجية‪ ،‬وغريها‪ .‬وهلذا كان جمال النسبية فيها‬
‫عىل رأس تلك املفاهيم مفهوم املاهية‪ ،‬أي مفهوم األدب‪،‬‬ ‫أوسع‪ ،‬وزوايا النظر مغايرة‪.‬‬
‫ويتبلور هذا املفهوم ضمن مفاهيم أخرى تتعلق‬ ‫وعىل هذا األساس‪ ،‬فمبادئ املقارنة غري‬
‫باألجناس والتحقي والدراسة واملناهج النقدية‪.‬‬ ‫متكافئة‪ ،‬وختتلف باختالف املوضوع نفسه؛ بل إذا كانت‬
‫يبدو صحيحا أن هناك جتديدا يف الطرح‬ ‫مجيع العلوم احلقة قد حسمت يف مواضعها‪ ،‬فإن موضوع‬
‫والتصور‪ ،‬مقارنة مع "املناهج" بل املقررات السابقة عن‬ ‫علم األدب حتى وقت قري جدا كان موضوعا ملتبسا‬
‫منهاج ‪ ،1884‬واملنهاج املعدل يف ‪ 2114‬وما بعد؛ لكن‬ ‫غري حمسوم فيه‪.‬‬
‫َ‬
‫جوهر األسئلة النظرية ظل حارضا‪ .‬وهذا ما سنراه من‬ ‫‪2‬‬

‫خالل عرض املجزوءات اخلاصة بالسنوات الثالث يف‬


‫يبدو أن السؤالني ظال حارضين يف منهاج اللغة‬
‫الثانوي التأهييل يف مسلكي اآلداب والعلوم اإلنسانية‪.‬‬
‫العربية يف الثانوي‪ .‬حيرض سؤال املاهية من خالل الكفاية‬
‫ففي اجلذع املشرتك لآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫الثقافية‪ ،‬وهي كفاية مهيمنة‪ ،‬سواء عىل مستوى الكتاب‬
‫نجد الرتكيز عىل التعريف بأنامط النصوص‪ ،‬مما يعني أن‬
‫املدر‪،‬ي أو عىل مستوى املامرسة الصفية داخل األقسام؛‬
‫املسألة هنا تتعلق باألجناس‪ ،‬فتقول التوجيهات‪:‬‬
‫األمر الذي جيعلنا أمام منهاجني‪ :‬منهاج نظري يتحدث‬
‫«تتوخى أنشطة النصوص تعريف املتعلم أنامط‬
‫عن كفايات أربع‪ ،‬ومنهاج عميل تستحوذ عليه الكفاية‬
‫النصوص‪ ،‬وذلك عرب تعرف املكونات البنائية للخطابني‬
‫الثقافية بشكل كبري‪.‬‬
‫النثري والشعري ووظائفهام» ‪ .‬فتم الرتكيز عىل أربع‬
‫‪1‬‬

‫جمزوءات هي‪ :‬احلكي ‪ /‬احلجاج ‪ /‬الشعر العمودي ‪/‬‬ ‫‪-4-2‬بخصوص سؤال املاهية‪:‬‬

‫شعر التفعيلة‪.‬‬ ‫فبالرجوع إىل املجزوءات املقررة يف السنوات‬


‫الثالث بالتعليم الثانوي التأهييل‪ ،‬سنالحظ أن الذين بنوا‬
‫منهاج اللغة العربية بالثانوي التأهييل‪ ،‬كانوا حمارصين‬

‫وتكوين األطر والب حث العلمي‪ ،‬ك تا بة ا لدو لة املكل فة بالتعليم‬ ‫مادة اللغة العربية‬ ‫‪ - 1‬التوجيهات الرتبوية والربامج اخلاصــة بتدري‬
‫املدر‪،‬ي‪ ،‬مديرية املناهج‪ ،‬حسان الرباط‪ ،‬نونرب‪ ،2119 ،‬ص‪.22 :‬‬ ‫ب سلك التعليم الثانوي التأهييل‪ .‬وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل‬
‫‪128‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫تأطري مضامني النصوص وفق مجلة مفاهيم تربز‬ ‫ويف السنة األوىل من سلك البكالوريا‪ ،‬تقول‬
‫املنعطفات األساسية داخل مسار التحول‪( ،‬إحياء‬ ‫التوجيهات ضمن الفقرة اخلاصة باملبادئ واملعايري‬
‫النموذج – سؤال الذات – تكسري البنية – جتديد الرؤيا)‪.‬‬ ‫املعتمدة يف اختيار مضامني الربنامج‪:‬‬
‫اقرتاح نصوص نظرية تسمح بتعرف مكونات‬ ‫«لقد روعي يف اختيار مضامني السنة األوىل من‬
‫املنظومة الفكرية واإلبداعية التي تؤطر النصوص‬ ‫سلك البكالوريا ما ييل‪ ... :‬متكني املتعلم من تعرف‬
‫األدبية‪ ،‬والكشف عن النسق املعريف واجلاميل هلذه‬ ‫حركية األدب العريب عرب ظواهر وقضايا وأبعاد ثقافية‪،‬‬
‫‪2‬‬ ‫النصوص‪ ،‬ورصد اخلصائص املميزة هلا»‬ ‫وإبداعية‪ ،‬مع احلرص عىل الرتابط الضمني بني تاريخ‬
‫األدب‪ ،‬وأنواع الكتابة األدبية وخصائصها الفنية»‪ .1‬فتم‬
‫‪ -2-2‬بخصوص سؤال اجلدوى‬
‫الرتكيز عىل أربع جمزوءات هي‪ :‬الشعر العريب بني التعبري‬
‫بالرجوع إىل التوجيهات الرتبوية الوطنية يف‬
‫عن الذات والتعبري عن اجلامعة ‪ /‬الشعر العريب القديم‬
‫اللغة العربية يف الثانوي التأهييل‪ ،‬نجد التنصيص‬ ‫تدري‬
‫ومظاهر التحول ‪ /‬بنية النص النثري القديم ووظيفته ‪/‬‬
‫عىل رضورة اجلمع بني أنشطة مكونني مها حصص‬
‫قضايا أدبية ونقدية‪.‬‬
‫"النصوص" وحصص "التعبري واإلنشاء" من أجل‬
‫ونجد ضمن املبادئ واملعايري املعتمدة يف اختيار‬
‫حتقيق املهارات املرتبطة بالكفايات املنصوص عليها‪،‬‬
‫مضامني برنامج السنة الثانية بكالوريا‪:‬‬
‫وبخاصة ما تعلق بالكفاية التواصلية؛ إذ تقول هذه‬
‫التوجيهات‪:‬‬ ‫«اعتبار مضامني هذا الربنامج قاعدة أساسية‬

‫«ينبغي استغالل حصص النصوص‪ ،‬وحصص‬ ‫الستكامل رؤية املتعلم حلركية األدب العريب ورصد‬

‫التعبري واإلنشاء يف ممارسة أنشطة‪ ،‬تستهدف تقوية‬ ‫التحوالت املعرفية واجلاملية التي طرأت عىل هذا األدب‬

‫املهارات التواصلية الشفهية والكتابية لدى املتعلم‪،‬‬ ‫يف العرص احلديث ‪...‬‬

‫باإلضافة إىل تقوية املهارات األخرى املرتبطة بمختلف‬ ‫تعرف اخللفيات املعرفية والرشوط التارخيية‬

‫الكفايات؛ عن طريق تعزيز أنشطة العرض الشفهي‪،‬‬ ‫واالجتامعية التي سامهت يف بلورة التحوالت املختلفة‬

‫وأنشطة املناقشة واحلوار ودعم أنشطة التعلم الثنائي‬ ‫التي عرفها اإلبداع العريب احلديث‪ ،‬شعرا ونثرا‪.‬‬

‫‪ - 2‬توجيهات ‪ ،2119‬ص‪.12 :‬‬ ‫‪ - 1‬توجيهات ‪ ،2119‬ص‪.32:‬‬


‫‪129‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الكتابة الشعرية والنثرية والرسدية والنقدية؛ بحيث‬ ‫واجلامعي»‪ .1‬ولذلك نجد أن درس التعبري يف مسلكي‬
‫يسمح الربنامج بالتمرس عىل املهارات اآلتية‪:‬‬ ‫اآلداب والعلوم اإلنسانية مثال‪ ،‬يتكامل مع درس‬
‫النصوص عن طريق إمداد املتعلم بمجموعة من تقنيات‬

‫الثانية بكالوريا‬ ‫األوىل بكالوريا‬ ‫ِجذع مشرتك‬


‫كتابة إنشاء أديب حول نص شعري‬ ‫وضع تصميم ملوضوع‬ ‫إنتاج نص حكائي‬
‫كتابة إنشاء أديب حول قضية أدبية‬ ‫الرشح والتفسري‬ ‫إنتاج نص حجاجي‬

‫املهارات‬
‫كتابة إنشاء أديب حول نص نثري إبداعي‬ ‫التعليق واحلكم‬ ‫حتويل نص شعري‬
‫كتابة إنشاء أديب حول قضية نقدية‬ ‫العرض الشفهي‬ ‫توسيع مقطع شعري‬

‫أن هناك فعال‪ ،‬مشكلة حقيقية‪ ،‬إذ‬ ‫بالشعر‪ ،‬فإننا نح‬ ‫واعتامدا عىل الربنامج املركز يف هذا اجلدول‪،‬‬
‫يتحول النشاط التعلمي داخل الفصل أو خارجه‪ ،‬من‬ ‫يتبني أن يف سلك الثانوي التأهييل مسلكي اآلداب‬
‫اإلبداع إىل الكتابة حول اإلبداع؛ أي إىل اإلنشاء األديب‪.‬‬ ‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬هناك سريورة يف تعلم األدب تبدأ‬
‫وهنا أعطي مثاال بام ورد يف كتاب مدر‪،‬ي خاص‬ ‫بإنتاج نصوص من خطابات أدبية متنوعة‪ ،‬لتنتهي يف هناية‬
‫باجلذوع املشرتكة للتعليم الثانوي التأهييل‪ ،‬جذع التعليم‬ ‫السلك‪ ،‬وهنا أقصد السنة الثانية بكالوريا‪ ،‬بمخرجات‬
‫األصيل وجذع اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬بخصوص‬ ‫ُختتزل يف "كتابة إنشاء أديب" حول قضايا تتعلق باألدب‬
‫مهارة توسيع مقطع شعري‪ .‬جاء يف التمهيد‬ ‫تدري‬ ‫ونقده‪.‬‬
‫الذي خياط التلميذ ما نصه‪:‬‬ ‫والواقع أن ضمن هذه السريورة‪ ،‬وعندما يتعلق‬
‫«تتجىل أمهية توسيع مقطع شعري يف متكينك من‬ ‫األمر بكتابة اإلبداع‪ ،‬نقع يف املحظور‪ ،‬ويقع مؤلفو‬
‫رشح وحتليل ما تتضمنه املقاطع الشعرية من قضايا‬ ‫الكت املدرسية يف ورطة حقيقية‪ .‬إذ هل سيتمكن املتعلم‬
‫ومواقف خمتلفة‪ ،‬وإقدارك عىل عرضها وبسطها‬ ‫فعال‪ ،‬من إنتاج نص إبداعي؟ قد يبدو األمر سهال‬
‫بأسلوبك اخلاص‬ ‫بخصوص النص احلكائي‪ ،‬إذ متارس أنشطة ُمتَر ُن التلميذ‬
‫عىل تنمية متخيله الرسدي‪ ،‬لكن عندما يتعلق األمر‬

‫‪ - 1‬توجيهات ‪ ،2119‬ص‪. 33 :‬‬


‫‪130‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫البعد الوظيفي للفعل الرتبوي‪ ،‬عن طريق التحيني‪،‬‬


‫وربطه بواقع املتعلم واهتامماته‪ .‬وعليه فإن درس‬ ‫يتبني من هذا‪ ،‬أن التوجه الذي حكم مؤلفي‬

‫األدب وتدريسه‪ ،‬مل يعد خمتزال يف تلقي املعرفة‬ ‫هذا الكتاب املدر‪،‬ي هو إمداد التلميذ بتقنيات‬

‫األدبية‪ ،‬وإنام أصبح الرتكيز فيه أيضا‪ ،‬عىل الفعل‬ ‫توسيع مقطع‬ ‫التوسيع يف الكتابة بشكل عام‪ ،‬ولي‬

‫والقدرة عىل الترصف وحتويل اخلربة‪ .‬ومن ثم مل يعد‬ ‫شعري‪ ،‬أي مقطع إبداعي‪ .‬واحلال أن الرتاث العريب‬

‫مفهوم األدب " متعاليا " وال " كليا "‪ ،‬وإنام يكتس‬ ‫يمدنا بآليات وتقنيات تسمح بتحقيق هذه املهارة‪،‬‬

‫قيمته من اعتبار قراءته حوارا قادرا عىل تقديم‬ ‫وبتعليم الشعر ونظمه مع مراعاة مبدإ التدرج‪.‬‬

‫"تفسريات" ممكنة ألرسار احلياة‪ .‬و«تفسري األرسار‬ ‫وأحيل هنا عىل جتربة الكتابة البديعية‪ ،‬وعىل وجه‬

‫يعني‪ :‬أن كتابة األدب تتم‪ ،‬عىل نحو مفرتض مسبقا‪،‬‬ ‫والتسبيع إىل أن‬ ‫التحديد كتابة التشطري والتخمي‬

‫بقصدية توافق صالت األدب باملجتمع‪ ،‬كام أن قراءته‬ ‫نصل إىل املعارضة‪ .‬ففي هذه األشكال تتحقق تقنيات‬

‫ال تكون فقط من أجل املتعة؛ بل من أجل أن نتعلم‬ ‫التفسري والتحليل واالستدالل وتعزيز الرأي‬

‫كذلك كيف نحيى»‪.1‬‬ ‫واملناقشة والتعليق‪ ،‬ولكن يف إطار حوار شعري‬


‫إبداعي‪ .‬فيبدو أن هناك فعال مشكال ديداكتيكيا يف‬
‫تنزيل املهارة‪ ،‬يؤثر سلبا عىل اكتساهبا‪.‬‬
‫وعىل الرغم من هذه الثغرات يف تنزيل مثل‬
‫هذه املهارات يف املنهاج‪ ،‬فإن من باب اإلنصاف أن‬
‫نؤكد عىل ذلك التطور الذي حققه‪ ،‬ولو نظريا‪،‬‬
‫باملقارنة مع برنامج اللغة العربية فيام قبل التسعينيات‪.‬‬
‫جتىل ذلك باألساس يف الرتكيز عىل الكفايات‪ ،‬بام خيدم‬

‫‪ - 1‬عبد الفتاح احلجمري‪ ،‬ألي يشء يصلح األدب‪،‬‬


‫‪http://www.saidbengrad.net/inv/hojmripage/aqulitteer‬‬
‫‪ature.htm.‬‬
‫‪131‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ .3‬يف رحاب اللغة العربية‪ ،‬اجلذوع املشرتكة للتعليم الثانوي‬ ‫مادة اللغة‬ ‫‪ .1‬التوجيهات الرتبوية والربامج اخلاصة بتدري‬
‫التأهييل جذع التعليم األصيل وجذع اآلداب والعلوم‬ ‫العربية بسلك التعليم الثانوي التأهييل‪ .‬وزارة الرتبية‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كتاب التلميذ‪ ،‬املؤلفون عبد الغاين عارف‬ ‫الوطنية والتعليم العايل وتكوين األطر والبحث العلمي‪،‬‬
‫وآخرون‪ ،‬الدار العاملية للكتاب‪ ،‬مكتبة السالم اجلديدة‪،‬‬ ‫كتابة الدولة املكلفة بالتعليم املدر‪،‬ي‪ ،‬مديرية املناهج‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬طبعة ‪.2115‬‬ ‫حسان الرباط‪ ،‬نونرب‪.2119 ،‬‬
‫‪ .4‬وجهة نظر األستاذ‪ ،‬سريج دوبروفسكي‪ ،‬ضمن تدري‬ ‫‪ .2‬رشوط القراءة للنص األديب القديم‪ ،‬عباس الصوري‪،‬‬
‫األدب (ندوة سرييزي) تقديم وترمجة وتعليق حممد‬ ‫الدليل الرتبوي‪ ،‬إرشاف حممد الدريج‪ ،‬تدريسية‬
‫بوكاج وعبد الغاين عارف‪ ،‬بحث لنيل دبلوم مفتيش‬ ‫النصوص‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،4773 ،‬مطبعة اجلديدة‪ ،‬الدار‬
‫التعليم الثانوي‪ ،‬حتت إرشاف ذ‪ .‬عباس الصوري‪ ،‬السنة‬ ‫البيضاء‪.‬‬
‫الدراسية ‪.4774-4771‬‬
‫‪5. Faire lire, A. viala, M.P.Shmit, Didier,‬‬
‫‪Paris.‬‬
‫‪6. http://www.saidbengrad.net/inv/hojmri‬‬
‫‪page/aqulitteerature.html.‬‬
‫‪132‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين والتكوين‬
‫في التربية‬ ‫المتخصصة‬
‫التربية‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫إن هدف هذا املقال هو إكساب املتعلمني اسرتاتيجيات القراءة انطالقا من العتبات والنصوص املوازية‪،‬‬
‫وذلك قصد صوغ فرضيات أولية واستباق معنى النص ودالالته‪.‬‬

‫‪ - 1‬أستاذ التعليم العايل ‪ ،‬جامعة القايض عياض‪-‬مراكش‬


‫‪133‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫والواقع أن الرشوع يف قراءة نص أديب لي‬


‫إن مرحلة ما قبل القراءة مرحلة مهمة ورضورية‬
‫النص أو‬ ‫باألمر اهلني؛ إذ يستدعي ذلك حتديد جن‬
‫القتحام األعامل األدبية والرشوع يف قراءهتا‪ ،‬إذ انطالقا‬
‫نمطه‪ ،‬وتنشيط املعارف والتجارب القرائية املرتبطة به‪،‬‬
‫منها تتناسل املعاين األولية للنص‪ ،‬وتتفاعل يف جدل‬
‫وصياغة فرضيات وتوقعات بخصوص بنيته ودالالته‪.‬‬
‫مستمر مع الكون الداليل‪ ،‬الذي يشيده القارئ أثناء‬
‫إن مرحلة ما قبل القراءة‪ ،‬إذن‪ ،‬هي التي تساعد‬
‫مرحلة القراءة‪ ،‬وفضال عن ذلك فإن مرحلة ما قبل‬
‫عىل توليد فرضيات املعنى األولية‪ ،‬وحتويل اجلزئيات‬
‫دورا حاسام يف إثارة الرغبة يف القراءة‪،‬‬ ‫القراءة تلع‬
‫النصية غري الدالة إىل مؤرشات دالة‪.‬‬
‫وخلق توقعات وانتظارات لدى القارئ‪ ،‬وهي هبذا تولد‬
‫وباختصار‪ ،‬فإن مرحلة ما قبل القراءة هي التي‬
‫دينامية يف تلقي النصوص األدبية وحتول القارئ من‬
‫تؤدي إىل مرحلة القراءة‪ ،‬ودليلنا عىل ذلك هي‬
‫مستهلك إىل منتج؛ أي من قارئ سلبي إىل قارئ فعال‬
‫الصعوبات التي يعاين منها أي قارئ خبري أثناء حماولته‬
‫ونشيط‪.‬‬
‫اقتحام نص عار وجمرد من كل أنواع اخلطاب املوازي‪.‬‬
‫يقول إيطالو كاليفينو‪ Italo Calvino‬يف هذا‬
‫‪-1‬‬
‫الصدد‪" :‬إن اللحظة املهمة يف نظري‪ ،‬هي تلك التي‬
‫إنه مهم جدا هتيئ األجهزة الديداكتيكية التي‬ ‫تسبق القراءة‪ .‬فالعنوان يكفي أحيانا إلثارة رغبتي يف‬
‫تسمح باالكتساب التدرجيي للقدرات التي ستمكن من‬ ‫قراءة كتاب‪ ،‬قد يكون غري موجود‪ ،‬وأحيانا أخرى يكفي‬
‫الدخول األصيل للنصوص املوازية ‪les paratextes‬‬ ‫‪1‬‬
‫مطلع الكتاب ومجله األوىل إلثارة تلك الرغبة"‪.‬‬
‫نظرا ألمهيتها يف نشاط القراءة‪ .‬كام نتغيا وضع هذه‬ ‫‪2‬‬
‫ويقول أيضا أتن ‪:M Otten‬‬
‫األنشطة التنبؤية ضمن اسرتاتيجية قراءة النصوص‬ ‫مساءلته باستمرار هو هذه‬ ‫"إن ما جي‬
‫واألعامل األدبية؛ أي ربطها بأنشطة بناء املعنى اخلاصة‬ ‫الفرضيات التأويلية التي تولد برسعة‪ ،‬والتي سوف‬
‫بمرحلة القراءة من جهة‪ ،‬وربطها بالتحليل من جهة‬ ‫ترتبط هبا العمليات الالحقة"‪.‬‬
‫ثانية‪ .‬فاألنشطة التنبؤية‪ ،‬إذن‪ ،‬بوصفها فرضيات أولية‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Otten. H « Sémiologie de la lecture » in IEL P.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- Un des lecteurs de « si pan nuit d’hiver en‬‬
‫‪341.‬‬ ‫‪voyage », Point, Seuil, 1981, pour la traduction‬‬
‫‪française, p. 274.‬‬
‫‪134‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫تقديمه وجعله حارضا؛ ومن أجل ضامن حضوره يف‬ ‫تؤدي إىل تسهيل عملية أخذ املؤرشات النصية وتعود‬
‫العامل‪ ،‬وتلقيه‪ ،‬واستهالكه عىل شكل كتاب يف الوقت‬ ‫الكتاب‬ ‫مع‬ ‫التعامل‬ ‫عىل‬ ‫التالميذ‬
‫الراهن عىل األقل‪ .‬تشكل هذه املصاحبة ذات املظهر‬ ‫–اليشء‪ ،Livre Objet -‬والتآلف معه‪ ،‬كام حترك‬
‫آخر‬ ‫موضع‬ ‫يف‬ ‫سميته‬ ‫ما‬ ‫املتغري‬ ‫واملدى‬ ‫املعارف والتجارب التي يمتلكها التلميذ بصدد‬
‫[‪ ]Palimpsestes 1982‬النص املوازي للعمل‪.‬‬ ‫األجناس األدبية وأساليبها‪ .‬فضال عن ذلك‪ ،‬فإن أمهية‬
‫فالنص املوازي بالنسبة لنا‪ ،‬إذن‪ ،‬هو ما جيعل من النص‬ ‫النصوص املوازية تتمثل‪ ،‬أساسا‪ ،‬يف كوهنا متكن املدرس‬
‫كتابا وجيعله يقرتح نفسه كذلك إىل قرائه وإىل مجهوره‬ ‫من اكتشاف التمثالت التي يربطها التالميذ بالقراءة‬
‫بصفة عامة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عموما‪ ،‬والعمل األديب املقرتح للدراسة‪ .‬ومما ال شك‬
‫ومن الواضح‪ ،‬إذن أن النص املوازي‪ ،‬هو كل ما‬ ‫فيه‪ ،‬فإن هذه املعلومات هلا أمهية كربى يف تدقيق أهداف‬
‫حييط بالنص من عناوين ومقدمات‪ ،‬وحوايش‪،‬‬ ‫القراءة والدراسة تبعا للتالميذ الواقعيني‪.‬‬
‫وفهارس‪ ،‬وإهداءات‪ ،‬وصور‪ ،‬وتنبيهات‪ ،‬وتوطئات‬ ‫‪-2‬‬

‫إلخ‪ .‬أي أن النص املوازي هو كل ما يشكل "خارج‬ ‫‪ -4-2‬ماذا نعني بالنصوص املوازية؟‬

‫الكتاب ‪ "hors livre‬حس جاك دريدا ‪J. Derrida‬‬ ‫جيدر بنا يف هذا املقام أن نبدأ بتعريف جريار جنيت‬

‫‪ .‬إال أن جاك دريدا يرى بأن هذه العنارص املكونة خلارج‬ ‫‪2‬‬
‫بوصفه أول من متكن من صياغة تعريف واضح وحاسم‬

‫النص كالتصديرات‪ ،‬واملقدمات‪ ،‬واملداخل‪ ،‬تكت‬ ‫هلذا املفهوم املعقد الذي هو "النص املوازي"؛ بقوله‪:‬‬

‫ويكون انمحاؤها ونسياهنا غري كيل‪ ،‬إذ ترتك أثرا ‪trace‬‬ ‫"يتكون العمل األديب كليا أو أساسا من النص؛‬

‫دورا خاصا‪ :‬فهي تتقدم النص وتقدمه هبدف‬ ‫يلع‬ ‫أي من سلسلة طويلة تقريبا من املنطوقات اللفظية‬

‫جعله واضحا ‪ visible‬قبل أن يكون مقروءا ‪.lisible‬‬ ‫الدالة‪ ،‬لكن النص يقدم نفسه نادرا يف حالة عارية ودون‬
‫دعم ومصاحبة عدد معني من اإلنتاجات اللفظية وغري‬
‫اللفظية [‪ ]...‬والتي مازلنا مل نعرف بعد أتنتمي إليه أم ال‪.‬‬
‫ولكنها يف مجيع احلاالت حتيط به ومتدده وحتديدا من أجل‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- Derrida. J. 1972, la Déssémination, Paris, le‬‬ ‫‪- Genette. G. 1987, Seuils, Paris, Le Seuil (Coll.‬‬
‫‪seuil (coll. Tel quel).‬‬ ‫‪« poétique ») p. 7.‬‬
‫‪135‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫القارئ‪ ،‬وتعينها‪ ،‬وتسميها‪ ،‬وتعلق عليها‪ ،‬وتربطها‬ ‫أما جاك ديبوا‪ J. DUBOIS 1‬فيطلق عىل هذه‬
‫بالعامل‪ :‬أي الصفحة األوىل من الغالف أو ظهر صفحة‬ ‫"امليتناص‬ ‫مصطلح‬ ‫بالنص‬ ‫املحيطة‬ ‫العنارص‬
‫العنوان التي ترسد األعامل األخرى للمؤلف نفسه‪.‬‬ ‫‪ "Métatexe‬يف حني أن كامبانيون ‪A compagnon‬‬
‫وباختصار‪ ،‬كل ما حيدد الكتاب بوصفه منتوجا لالقتناء‬ ‫الذي يشتغل عىل االستشهاد ‪la citation‬‬ ‫‪2‬‬

‫واالستهالك واملحافظة عليه يف املكتبة‪ ،‬وكل ما يتموضع‬ ‫أو ما سامه باليد الثانية ‪ la Seconde main‬يعترب‬
‫بوصفه طبقة فرعية لإلنتاج املطبوع بام يف ذلك الكتاب‬ ‫مكونات النص املوازي التي من ضمنها التصدير ‪la‬‬
‫والرواية عىل وجه اخلصوص"‪.‬‬ ‫‪" périgraphie‬جماال وسيطا بني خارج النص‬
‫ونختم هذه اجلولة يف آفاق املصطلح بقراءة‬ ‫والنص"‪ 3‬حيمي النص ويدافع عنه‪ ،‬ويمنع من التجاوز‬
‫لوجون ‪Philipe le‬‬ ‫التعريف الذي قدمه فيلي‬ ‫والتدفق‪ .‬وعىل هذا األساس فإن "التصدير يؤس‬
‫‪ 6jeune‬للنص املوازي‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫إطارا وسياجا‪ ،‬إنه ينظم امللك األديب [‪ "]...‬فبني هذه‬
‫"إنه هذا احلد الغامض للنص املطبوع‪ ،‬والذي‬ ‫األعمدة التي هي التصدير والفهرست‪ ،‬فإن النص جرس‬
‫هو يف الواقع يتحكم يف القراءة كلها‪ ،‬من اسم الكات‬ ‫معلق فوق فراغ مفزع"‪.4‬‬
‫والعنوان‪ ،‬والعنوان الفرعي‪ ،‬واسم السلسلة واسم‬ ‫وباإلضافة إىل ذلك كله يقول هنري ميرتان‪ 5‬عن‬
‫النارش حتى اللعبة الغامضة للمقدمات"‪.‬‬ ‫عناوين الروايات‪:‬‬
‫وهكذا نالحظ أن هناك تعددا يف املصطلحات‬ ‫"توجد حول نص الرواية أمكنة متميزة‬
‫لوصف هذا الواقع املعقد واملتحول‪ ،‬إال أننا مدينون‬ ‫ومنارات‪ ،‬تثري القارئ برسعة وتساعده عىل معرفة‬
‫جلريار جنيت بكونه أول من صاغ جدوال عاما‬ ‫موضعه‪ ،‬وتوجه نشاطه يف فك الرموز بالرغم منه‪ .‬إهنا يف‬
‫للنص املوازي يضم املجموعات الكربى التي تنضوي‬ ‫املقام األول‪ ،‬مجيع أجزاء النص التي تقدم الرواية إىل‬

‫‪4‬‬
‫‪- Compagnon A, « La seconde main ou le‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- Dubois. J. 4793, l’assommoirs d’E. Zola :‬‬
‫‪travail de citation », Paris, le seuil (Coll.‬‬ ‫‪Société, discours, idéologie, Paris, Larousse.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪«Poétique »), p.339‬‬ ‫‪- Compagnon A, «La seconde main ou le travail‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- MITTERAND. H. 1979 « les titres des‬‬ ‫‪de citation», Paris, le seuil (Coll. «Poétique») p.‬‬
‫‪romans de Guy descars » in sociocritique,‬‬ ‫‪328‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Nathan, pp.97.98.‬‬ ‫‪- Compagnon A, « La seconde main ou le travail‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Le jeune. P, 1975, le pacte autobiographique,‬‬ ‫‪de citation », Paris, le seuil (Coll. « Poétique »),‬‬
‫‪Paris, le seuil (Coll. « poétique ») p. 45.‬‬ ‫‪p.328‬‬
‫‪136‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أخرى من العالقات (‪ )...‬سميتها النصية املوازية‪ ،‬حيث‬ ‫حتتها العنارص اجلزئية املكونة له وهي‪ :‬النص املحيط‬
‫مل يكن هناك أفضل من هذه التسمية (‪ )...‬والتي يمكن‬ ‫‪ peritexte‬والنص الفوقي ‪.l’epitexte‬‬
‫أن هنتم هبا يوما ما"‪ 1‬والفهارس واإلهداءات‪ ،‬والعناوين‬ ‫‪ -2-2‬تطور املفهوم وتعريفه لدى جريار‬
‫الفرعية‪ ،‬والصور‪ ،‬والقراءات النقدية‪ ،‬والتعليقات‪،‬‬ ‫جنيت‪:‬‬
‫والشهادات‪ ،‬واملراسالت اخلاصة‪ ،‬واالستجوابات‬ ‫لقد تطور مفهوم النص املوازي عند جريار‬
‫واملذكرات‪. 2‬‬ ‫جنيت عرب كتبه الثالثة التالية‪:‬‬
‫ويمكن اعتبار كتاب "جريار جنيت" عتبات‬ ‫‪4797‬‬ ‫النص‬ ‫جامع‬ ‫إىل‬ ‫"املدخل‬
‫التي اختذت هلا‬ ‫‪ "Seuils" 4799‬من أبرز الكت‬ ‫‪ introduction à l’architexte‬واألطراس‬
‫موضوعا دراسة النصية املوازية‪ ،‬وحتديد سامهتا‬ ‫‪ 4797 palimpsestes‬وعتبات ‪.)seuils 4799‬‬
‫ووظائفها‪ ،‬وبخاصة إذا علمنا أن النصية املوازية حس‬ ‫ففي البداية تم حتديد النصية املوازية ( ‪para‬‬
‫جريار جنيت "منجم من األسئلة بدون أجوبة"‪. 3‬‬ ‫‪ )textualité‬من لدن جريار جنيت بواسطة عالقات‬
‫التحويل والتقليد الرصحية والضمنية التي تربمها‬
‫النصوص فيام بينها يقول‪" :‬لقد وضعت – أيضا أنواعا‬

‫‪2‬‬
‫‪- Ibid, p. 45.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- Genette. G., 1979, « introduction à l’architexte,‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid, p. 10‬‬ ‫‪Paris, le seuil (Col. « poétique ») p.87.‬‬
‫‪137‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وإليك هذا اجلدول الذي يبني موقع النص املوازي ضمن شعرية جنيت‪:‬‬
‫‪138‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫االستجوابات‬ ‫املالحظات‬ ‫مراسالت خاصة‬ ‫شهادات‬ ‫تعليقات‬ ‫قراءات نقدية‬

‫املذكرات‬

‫إلخ‬ ‫الذيول‬ ‫الصور‬ ‫العناوين الفرعية‬ ‫العناوين‬ ‫كلامت‬ ‫املقدمات‬

‫‪ -‬النارش‬

‫‪ -‬احلوايش‬

‫‪ -‬الفهارس‬

‫‪ -‬اإلهداء‬

‫‪ -‬حيثيات النرش‬

‫إال أنه ملزيد من التدقيق والتوضيح‪ ،‬جيدر بنا أن نقدم تعريفا للتعايل النيص وخمتلف عالقاته‪:‬‬

‫‪ -‬التعايل النيص ‪ :tanstextualité‬كل ما جيعل النص يف عالقة رصحية أوضمنية مع باقي النصوص"‪.1‬‬
‫‪ -‬التناص ‪ :l’intertextualité‬حضور نص يف نص آخر (االستشهاد‪ ،‬الرسقة‪.)...‬‬
‫‪ -‬النصية املوازية ‪ :la partextualité‬مصاحبة نص لنص آخر (العنوان‪ ،‬التقديم‪ ،‬الرشح‪ ،‬النقد)‪.‬‬
‫‪ -‬معامرية النص‪ :l’architextualité :‬االنتامء األجنا‪،‬ي للنص (رواية‪ ،‬شعر إلخ)‪.‬‬
‫‪ -‬النص الالحق‪ :l’hypertextualité :‬عالقة االشتقاق بني نص وآخر‪ ،‬إما عن طريق التقليد أو التحويل‪.‬‬
‫‪ -3-2‬خصائص النص املوازي‪:‬‬
‫‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Genette G. 1982 p.7‬‬
‫‪139‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اعتقاداته وتوجيهها وجهة معينة‪ .‬وبناء عىل هذا كله ميز‬ ‫اخلصائص الفضائية‪ :‬تسمح اخلصائص الفضائية للنص‬
‫جريار جنيت بني مكونني للنص املوازي‪:‬‬ ‫املوازي بتحديد موقعه انطالقا من السؤال‪ :‬أين؟؛ ألن‬
‫‪ -4‬النص املحيط ‪le peritexte‬‬ ‫املوقع الفضائي لعنرص ما له وظيفة اختالفية‬
‫‪ -2‬النص الفوقي ‪l’epitexte‬‬ ‫‪ .Fonction différenciative‬وهلذا البد من‬
‫‪ -3‬ومن تم‪ ،‬فالنص املوازي هو مجاع هذين العنرصين‪:‬‬ ‫مراعاة هذا املعطى الفضائي أثناء التحليل؛ أي اإلشارة‬
‫النص املحيط ‪ +‬النص الفوقي‪.‬‬ ‫إىل املوقع الفضائي الذي حتتله النصوص املوازية وإبراز‬
‫‪ -1-2‬أنواع النصوص املوازية‪:‬‬ ‫دالالت ذلك‪.‬‬
‫‪le paratexte‬‬ ‫املوازي‪:‬‬ ‫نص الكات‬ ‫‪ -‬اخلصائص الزمانية‪ :‬يتم السؤال عن هذه اخلصائص‬
‫‪auctorial‬‬ ‫بمتى؟ واالنتباه إىل هذه اخلصائص الزمانية يمكننا من‬
‫ونعني به كل األجناس اخلطابية التي يتحمل مسؤوليتها‬
‫اختبار حلظة ظهور واختفاء النص ووظيفته‪ .‬ويبدو هذا‬
‫املستعار‬ ‫أو‬ ‫احلقيقي‬ ‫اسمه‬ ‫وهي‬ ‫الكات‬
‫واضحا حينام يتعلق األمر بنص النارش املوازي ‪le‬‬
‫أو الفني‪ ،‬وعنوان الكتاب‪ ،‬والعنوان الفرعي‪ ،‬والتحديد‬
‫‪ paratexte éditoriel‬الذي يتغري باستمرار حس‬
‫األجنا‪،‬ي‪ ،‬والئحة املواد‪ ،‬واملقدمات‪ ،‬والتنبيهات‪،‬‬
‫الظروف التارخيية والتجارية؛ أي أن "هذه التقلبات‬
‫الشخصيات‪،‬‬ ‫والئحة‬ ‫واحلوايش‬ ‫واملدخل‪،‬‬
‫مرتبطة جدا بطابعة الوظيفي"‪. 1‬‬
‫واإلرشادات املرسحية األولية إذا كان األمر يتعلق‬
‫‪ -‬اخلصائص املاهوية‪ :‬يتم السؤال عن هذه اخلصائص‬
‫بقراءة مرسحية‪.‬‬
‫بكيف؟ وتتم مقاربتها نصيا‪.‬‬
‫إن هذه النصوص املوازية ال تشكل النص يف حد‬
‫‪ -‬اخلصائص التداولية والوظيفية‪ :‬يتم السؤال عن هذه‬
‫ذاته‪ ،‬وإنام تعد جزءا من االسرتاتيجية القرائية املربجمة‬
‫اخلصائص باألسئلة التالية‪:‬‬
‫من لدن الكات لكي يدخل القارئ إىل العمل‪.‬‬
‫ملاذا؟ ممن؟ إىل من؟ وهذه اخلصائص هي التي‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن نص الكات املوازي ينقسم‬
‫التطرق هلا باألساس؛ ذلك ألن النص املوازي‬ ‫جي‬
‫بدوره إىل نص مواز حميط ‪ ،peritexte‬ونص مواز‬
‫يسعى إىل التأثري يف القارئ وتغيري متثالته وأنظمة‬
‫فوقي ‪ epitexte‬وهذا األخري فيه اخلاص وفيه العام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Genette. G. 1987. P.12‬‬
‫‪140‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫واجلدول اآليت يبني ذلك بوضوح‪:‬‬


‫النص الفوقي ‪Epitexte‬‬ ‫النص املحيط‬
‫اخلاص ‪privé‬‬ ‫العام ‪public‬‬ ‫‪Peritexte‬‬
‫‪ -‬املراسالت‬ ‫‪ -‬الوسائط‬ ‫‪ -‬اسم الكات‬
‫‪ -‬مراسالت خاصة‬ ‫‪ -‬االستجوابات‬ ‫‪ -‬العناوين والعناوين‬
‫‪ -‬مذكرات خاصة‬ ‫‪ -‬احلوارات‬ ‫الفرعية‬
‫‪ -‬ما قبل النصوص‪:‬‬ ‫‪ -‬الندوات‬ ‫‪ -‬اإلهداءات‬
‫(املخطوطات‪،‬‬ ‫‪ -‬التصديرات‬
‫املسودات)‬ ‫‪ -‬املقدمات‬
‫‪ -‬احلوايش‬

‫وينقسم هذا النوع من النصوص املوازية إىل‪:‬‬ ‫‪Le paratexte‬‬ ‫نص النارش املوازي‪:‬‬
‫‪le‬‬ ‫‪peritexte‬‬ ‫‪ ‬نص النارش املحيط‬ ‫‪éditorial‬‬
‫يتح مل ال نارش مســؤول ية هذا النوع من النصــوص‬
‫‪éditorial‬‬
‫‪ ‬ونص النارش الفوقي ‪l’epitexte éditorial‬‬ ‫املوازية‪ ،‬ومن تم فهو ينفلت من ســلطة الكات ليندرج‬
‫نص النارش املحيط ‪le peritexte éditorial‬‬ ‫ضمن سيا سة ال سل سلة أو دار الن رش التي هتدف إىل‬
‫إن الشكل النمطي لنص النارش املحيط هو‬ ‫إخــراج الــنــص وتــكــيــيــفــه مــع ذوق الــعرصـــ‪،‬‬
‫التحديد األجنا‪،‬ي للعمل‪:‬‬ ‫أو مجهور خاص‪ ،‬أو هدف معني‪ .‬و هذا النوع من‬
‫(رواية‪ ،‬مرسحية‪ ،‬إلخ) ويتحمل النارش يف هذا‬ ‫النصــوص املواز ية غري قار؛ إذ يتميز باالختالف‬
‫النوع من النصوص املوازية مسؤولية أكرب‪.‬‬ ‫والتجدد تبعا للظروف املحيطة بالنرش واملتحكمة فيه‪.‬‬
‫وقد حدد جريار جنيت "نص النارش املحيط"‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬توجد بعض دور النرش تسعى إىل‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫التحرر من راهنية النص املوازي واإلرغامات املتحكمة‬
‫" أعني بنص النارش املحيط مجيع جماالت النص‬ ‫يف صياغته‪ ،‬وهي بذلك تقدم العمل عاريا وجمردا بغية‬
‫املوازي التي توجد حتت املسؤولية املبارشة والرئيسية‬ ‫تركيز توقعات القراءة عىل النص وال يشء غري النص‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يتحمل مسؤوليتها‪ ،‬ونادرا ما يعرب عن فكره ورأيه فيام‬ ‫للنارش‪ ،‬أي الفعل الذي جيعل من كتاب ينرش ويعاد‬
‫جي أن يكون عليه خطاب النرش"‪ .3‬ويقع هذا النوع من‬ ‫نرشه ويقرتح عىل اجلمهور حتت تقديامت خمتلفة‪.1"...‬‬
‫النصوص املوازية بني شبكتني مزدوجتني‪:‬‬ ‫ومن بني أنامط رسائل النصوص املوازية نذكر عىل‬
‫شبكة من النصوص املتكونة من البيانات‬ ‫سبيل املثال‪ :‬الغالف‪ ،‬والصور والرسومات‪ ،‬ودعوة‬
‫اإلشهارية‪ ،‬وامللخصات‪ ،‬واملنشورات‪ ،‬واملذكرات‬ ‫النرش للصحافة‪ .‬وتشكل هذه األنامط الثالثة للنص‬
‫الدورية التي تصدرها دور النرش‪ ،‬وشبكة من الفاعلني‬ ‫املوازي جماالت اسرتاتيجية عليا للتأثري يف القارئ؛‬
‫املتكونة من‪ :‬الكات ‪ ،‬والنارش‪ ،‬والناقد‪ ،‬واجلمهور‪.‬‬ ‫وظيفة مهمة تتجىل يف تقديم الكتاب‬ ‫فالغالف يلع‬
‫وقد حدد جريار جنيت نص النارش الفوقي بقوله‪:‬‬ ‫واحلث عىل رشائه‪ ،‬إذ يشاهده املشرتي بطريقة آلية‪ .‬أما‬
‫"إن املعيار املميز لنص النارش الفوقي عن نص‬ ‫الصور والرسومات فتشتغل بوصفها إعالنا للكتاب‪،‬‬
‫النارش املحيط فضائي حمض‪ .‬فنص النارش الفوقي هو‬ ‫ووظيفتها البدهية هي "إثارة االنتباه بواسطة الوسائل‬
‫كل عنرص ينتمي إىل النص املوازي وال يوجد ملحقا‬ ‫األكثر مشهدية"‪ . 2‬بينام تتوجه دعوة النرش للنقد كام‬
‫بصفة مادية بالنص يف الكتاب نفسه‪ ،‬ولكنه ينترش‬ ‫تتوجه للصحافة من أجل أن ختلق الرغبة يف قراءة‬
‫ويتداول يف الفضاء الرح ؛ أي يف فضاء مادي‬ ‫الكتاب وتقديره‪ ،‬وتثبت يف جزء من الغالف اخللفي‬
‫واجتامعي غري حمدود افرتاضيا" ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫للكتاب وتعاد كتابتها تبعا للظروف؛ ألهنا نص يرفع من‬
‫وعىل هذا األساس‪ ،‬فإن نص النارش الفوقي يشتمل‬ ‫قيمة الكتاب ويستهدف‪ ،‬أساسا‪ ،‬اجلمهور‪.‬‬
‫عىل ثالثة أجناس خطابية هي‪:‬‬ ‫نص النارش الفوقي‪L’epitexte éditorial :‬‬
‫‪ -4‬اإلشهار‪ :‬الذي متكننا دراسة مكوناته‬ ‫إن الوظيفة األساسية " لنص النارش الفوقي"‬
‫وخصائصه من إبراز االسرتاتيجية التجارية لدار النرش‬ ‫إشهارية‪ ،‬وتتغيا الزيادة يف املبيعات وتتحكم يف‬
‫ومعرفة العالقات الرابطة بني االسرتاتيجيات التلفظية‬ ‫الرضورات التجارية‪ .‬ومن تم‪ ،‬فإن النارش يتحمل‬
‫واالسرتاتيجيات التسويقية والتجارية ملصالح دور‬ ‫يعترب جمرد ملحق‬ ‫مسؤوليته كاملة؛ ذلك أن الكات‬
‫النرش‪.‬‬ ‫بسيط لدار النرش التي "حترر نصوصا يرفض الكات أن‬

‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Ibid, P.319‬‬ ‫‪- Genette. G. 1987. P.2‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p.316‬‬ ‫‪- Ibid. p. 30‬‬
‫‪142‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -3‬صحيفة دار النرش‪ :‬متكننا دراستها من الوقوف‬ ‫‪ -2‬البيانات‪ :‬إهنا تسمح لنا بصياغة فرضيات‬
‫عىل الظروف املرحلية التي تتحكم يف صياغتها‪ ،‬وإبراز‬ ‫حول النارش والكشف عن السياسة املتبعة من لدن دار‬
‫مدى مالءمة نص النارش الفوقي مع متطلبات اللحظة‪.‬‬ ‫النرش‪.‬‬

‫وإليك هذا اجلدول التوضيحي ألنواع نص النارش املوازي‪:‬‬


‫النص املوازي النقدي ‪le Paratexte Critique‬‬
‫نقصد بالنص املوازي النقدي‪ ،‬النصوص النقدية التي‬ ‫‪Le paratexte éditorial‬‬ ‫نص النارش املوازي‬
‫نص النارش الفوقي‬ ‫نص النارش املحيط‬
‫النص‪ ،‬كاملقدمات واملعجم وحياة الكات‬ ‫تصاح‬
‫‪Epitexte éditorial‬‬ ‫‪peritexte éditorial‬‬
‫ومؤلفاته‪ ،‬والتحاليل والتعليقات‪ ،‬واملالحظات‪.‬‬ ‫‪ ‬اإلشهار‬ ‫‪ ‬الغالف‬

‫ويتميز النص املوازي النقدي من حيث الوضعية‬ ‫‪ ‬البيانات والقوائم‬ ‫‪ ‬الصور والرسومات‬

‫والوظيفة عن النصني املوازيني السابقني‪ ،‬باعتباره اختياريا‬ ‫‪ ‬صحافة دار النرش‬ ‫‪ ‬دعوة النرش املوجهة إىل‬
‫الصحافة‬
‫وال يتدخل يف التهييء للدخول إىل القراءة؛ إال أن حضوره يف‬
‫دورا توجيهيا للقارئ أثناء مقاربته األوىل للعمل‪ ،‬وتوليده للتوقعات القرائية‬ ‫يف صدر ا لكتاب جيعله يلع‬ ‫الغال‬
‫األوىل‪ .‬وهو ما يوشوش أحيانا عىل أصالة القراءة وصورة العمل؛ وبخاصة بالنسبة للقراء الشباب‪ .‬وفضال عن ذلك‪،‬‬
‫له فعالية نصية‬ ‫فإنه جيعلنا نعتقد بأن العمل ال يمكنه أن يقيم عالقة مبارشة مع قارئه وبدون وساطة نقدية؛ وأن لي‬
‫قائمة الذات جتعله يعتمد عىل نفسه ويكتفي بذاته‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن النص املوازي النقدي حيول النص من أدب حي إىل‬
‫جمرد وثيقة أدبية‪.‬‬
‫‪-3‬‬
‫وحتديد عنارصه؛ ألن ذلك سيساعدهم عىل امتالك‬
‫الكتاب كيشء ونسج عالقة األلفة معه‪ .‬والواقع أنه "إذا‬ ‫‪ -4-3‬متهري التالميذ عىل التمييز بني أنواع‬

‫كان حتديد عنوان الكتاب واسم املؤلف ال يطرح أي‬ ‫النصوص املوازية‪:‬‬

‫مشكلة‪ ،‬فإن املالحظات واملقدمات واملداخل‬ ‫النص املوازي متهري‬ ‫يفرض علينا عدم جتان‬
‫التالميذ عىل التمييز الدقيق بني أنواعه التي تكونه‪،‬‬
‫‪143‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫بجاملية التالميذ وبتحرير تقرير عن توقعاهتم‬ ‫والتعليقات تطرح مشاكل أثناء التمييز بني ما ينتمي منها‬
‫وفرضياهتم األولية املنبثقة أساسا عن الصور‬ ‫للكتاب أو النارش أو الناقد‪.‬‬
‫والرسومات؛ وذلك قصد مقابلتها فيام بينها ونفي‬ ‫‪ -2-3‬حتريك وتنشيط املعارف انطالقا من اسم‬
‫بعضها أو إثباته أثناء سريورة القراءة‪.‬‬ ‫الكات ‪:‬‬
‫‪-4-4-3-3‬مالحظات حول استثامر التوقعات‪:‬‬ ‫يسمح طرح سؤال بسيط بصدد اسم الكات‬
‫إنه من الرضوري توظيف نصوص موازية أخرى‬ ‫ومؤلفاته عىل التلميذ بتحريك وتنشيط معارفه غري‬
‫إلثبات أو دحض بعض التوقعات واختيار الفرضيات‬ ‫املبارشة املرتبطة بالعمل املقرتح للقراءة‪ ،‬كام يساعده عىل‬
‫الراجحة واملالئمة القتحام النص‪ ،‬وجعلها يف خدمة‬ ‫استدعاء جتارب قرائية سابقة؛ بل وربط اسم الكات‬
‫اسرتاتيجية قرائية معينة‪ :‬أي أن بعض التوقعات هي‬ ‫بكتاب وأعامل أدبية معروفة لدهيم من قبل‪ ،‬وعقد صلة‬
‫التي توحي لنا بمقارنة الوضعية النهائية بوضعية‬ ‫بينه وبني عصور وأجناس وتيارات فنية‪.‬‬
‫مرشوع للقراءة والدراسة يقوم عىل‬ ‫االنطالق‪ ،‬وتأسي‬ ‫ومما ال شك فيه أن إثارة اهتامم التالميذ باسم‬
‫التساؤل عن األحداث الوسيطة‪ ،‬والشخصيات الرئيسة‬ ‫الكات ولفت انتباههم له يسهل عملية موقعة العمل أو‬
‫واالجتامعية‬ ‫األخالقية‬ ‫ورهاناهتا‬ ‫الفاعلة‪،‬‬ ‫النص داخل ثقافة التالميذ الشخصية‪ .‬وهذا ما يمكنهم‬
‫واإليديولوجية‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫من بلورة اسرتاتيجيتهم القرائية وتشكيل التوقعات‬
‫والواقع أن استثامر طبعات خمتلفة لرواية ما جيعل‬ ‫والفرضيات األولية‪ .‬ومن ثمة يمكن ملوضوع القراءة أن‬
‫التالميذ يقفون بامللموس عىل الطابع غري القار واملتغري‬ ‫يصبح حمددا شيئا فشيئا‪.‬‬
‫لنص النارش املوازي؛ بل واستغالله يف توليد توقعات‬ ‫‪ -3-3‬تشكيل توقعات القراءة‪:‬‬
‫متباينة وفرضيات خمتلفة‪ ،‬وهو اليشء الذي حيفزهم عىل‬ ‫‪ -4-3-3‬تشكيل توقعات القراءة انطالقا من‬
‫قراءة العمل من أجل اختيار الصور املالئمة واحلاملة‬ ‫الصورة املوجودة عىل الغالف‪:‬‬
‫ألكثر الفرضيات غنى وخصبا‪.‬‬ ‫تسمح الصور والرسومات املوجودة عىل الغالف‬
‫‪ -2-3-3‬تشكيل توقعات القراءة انطالقا من‬ ‫بتشكيل توقعات القراءة وفرضيات املعنى األولية‪ .‬ومن‬
‫العنوان‪:‬‬ ‫اختيار األعامل الصادرة عن دور للنرش هتتم‬ ‫ثمة جي‬
‫‪144‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫من العالقات التناصية التي تندرج ضمن التعاليات‬ ‫إن العنوان بوصفه عتبة من عتبات النص يمتلك‬
‫النصية يدخل يف عالقة حوارية مع نصوص غائبة‪ .‬يقول‬ ‫بنية وداللة تنترش يف النص وبواسطة الزيادة‬
‫ليست أبدا‬ ‫ميشيل فوكو‪" :‬فحدود كتاب من الكت‬ ‫أو االستبدال أو النقصان أو التحويل‪ .‬وينقسم العنوان‬
‫واضحة بام فيه الكفاية وغري مميزة بدقة‪ .‬فخلف العنوان‬ ‫حس جريار جنيت إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫واألسطر األوىل والكلامت األخرية‪ .‬وخلف بنيته‬ ‫‪ -4‬العنوان الرئي‬
‫الداخلية وشكله الذي يضفي عليه نوعا من االستقاللية‬ ‫‪ -2‬العنوان الفرعي‬
‫والتميز‪ ،‬ثمة منظومة من اإلحاالت إىل كت ونصوص‬ ‫‪ -3‬التعيني اجلنيس‬
‫ومجل أخرى"‪.3‬‬ ‫جنيت‪ -‬وظائف أربع‬ ‫وللعنوان أيضا – حس‬
‫وعالوة عىل ذلك كله‪ ،‬فإن للعنوان بعدا تداوليا؛ إذ‬ ‫‪1‬‬ ‫أساس هي‪:‬‬
‫يفصح عن مقصديات الكتاب وخلفياته اإليديولوجية‬ ‫‪ -4‬اإلغراء‬
‫ويكشف عن معنى النص وغموضه‪ ،‬يقول ش‪ .‬كريفل‪:‬‬ ‫‪ -2‬اإلحياء‬
‫"إذا كان العنوان هو إعالن عن طبيعة النص فهو إعالن‬ ‫‪ -3‬الوصف‬
‫عن القصد الذي انبنى فيه‪ ،‬إما واصفا بشكل حمايد‪ ،‬أو‬ ‫‪ -1‬التعيني‪.‬‬
‫حاجبا ليشء خفي‪ ،‬أو كاشفا غري آبه بام سيأيت‪ .‬إن‬ ‫والواقع أن العنوان من الوجهة السينامئية هو البنية‬
‫العنوان يظهر معنى النص ومعنى األشياء املحيطة‬ ‫الرمحية التي تنبثق عنها معظم دالالت النص اجلاملية‬
‫بالنص‪ ،‬فهو من جهة يلخص معنى املكتوب بني دفتني‪،‬‬ ‫والفكرية واإليديولوجية‪ ،‬وهلذا يمكن اعتباره مفتاحا‬
‫ومن جهة ثانية يكون بارقة حتيل عىل اخلارج؛ أي خارج‬ ‫رضوريا القتحام النصوص وتفكيكها وبناء دالالهتا‪.‬‬
‫النص‪.‬‬ ‫ش‪ .‬غريفل‬ ‫وفضال عن ذلك‪ ،‬فإن العنوان حس‬
‫العنوان‪ ،‬إذن‪ ،‬مرجع يتضمن بداخله العالقة‬ ‫‪ – GRIVEL‬يعلن عن طبيعة النص‪ .‬ومن تم يعلن‬
‫والرمز‪ ،‬ويكشف املعنى بحيث حياول املؤلف أن يثبت‬ ‫عن نوع القراءة التي تناسبه‪ .2‬كام أن العنوان بوصفه نوعا‬

‫‪ -3‬ميشيل فوكو "حفريات املعرفة" ترمجة سامل يفوت ط ‪( 1‬البيضاء‬


‫‪1‬‬
‫‪- Genette. G. 1987, p.‬‬
‫‪ -2‬بشري القمري‪ :‬شعرية النص الروائي‪ ،‬ط‪ 1881 1‬ص ‪101‬‬
‫‪ )1895‬ص ‪01‬‬
‫‪145‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫واسرتاتيجية قراءهتا‪ .‬وهلذا فدراسة هذه اجلمل األوىل‬ ‫فيه قصده بدقة؛ أي أنه النواة املتحركة التي خاط املؤلف‬
‫تبدو مهمة ورضورية بالنسبة للتالميذ؛ ألهنا ختلق لدهيم‬ ‫عليها نسيج النص‪ ،‬وهذه النواة ال تكون مكتملة‪ ،‬ولو‬
‫أفق انتظار معنى معني‪ ،‬وتسمح هلم بقراءة واعية ومنتجة‬ ‫بتبديل عنوان فرعي‪ ،‬فهي تأيت كتساؤل جيي عن النص‬
‫للمعنى‪ .‬كام يمكن أن تقرتح عىل التالميذ أسئلة تتعلق‬ ‫‪1‬‬ ‫إجابة مؤقتة للمتلقي‪ ،‬كإمكانية اإلضافة والتأويل"‬
‫باجلمل األوىل ملجموعة من الروايات‪ ،‬أو بمطالع قصائد‬ ‫وبناء عىل ذلك كله‪ ،‬يبدو أن عنوان النص أو العمل‬
‫عرص ما‪ ،‬أو شاعر ما أو مدرسة أدبية ما‪ ،‬وذلك قصد‬ ‫األديب نظرا لبنيته الداللية والتداولية يسمح بتشكيل‬
‫حتديد خصائصها الداللية والرتكيبية والتداولية‪.‬‬ ‫فرضيات للقراءة وتوضيحات بصدد مضمون النص أو‬
‫‪ -1-3-3‬تشكيل توقعات القراءة انطالقا من‬ ‫العمل‪ ،‬ومقصدياته‪ .‬ومن تم ُيستحسن متهري التالميذ‬
‫الئحة شخصيات نص مرسحي‪:‬‬ ‫عىل مالحظة طبيعة عناوين مؤلف ما أو عرص ما من‬
‫إن قراءة الئحة شخصيات مرسحية ما‪ ،‬تساعد‬ ‫الناحيتني الرتكيبية والداللية‪ ،‬ومطالبتهم بشكل مجاعي‪،‬‬
‫القارئ عىل التكهن ببطل املرسحية وعالقته ببعض‬ ‫بصياغة سيناريوهات وفرضيات للعمل أو النص‪ ،‬وهذا‬
‫الشخصيات وطبيعتها‪ ،‬وكذا بحبكة املأساة أو امللهاة‪.‬‬ ‫ما جيعل قراءهتم فعالة ونشيطة‪.‬‬
‫وهلذا يمكن توجيه أسئلة إىل التالميذ انطالقا من الئحة‬ ‫‪ -3-2-3‬تشكيل توقعات انطالقا من اجلمل‬
‫الشخصيات تطالبهم بالتكهن بالبطل والبطلة وصياغة‬ ‫األوىل للعمل الروائي‪:‬‬
‫فرضيات وتوقعات أولية بخصوص البنية العاملية‬ ‫تكتيس اجلمل األوىل للعمل الروائي أمهية قصوى‬
‫للمرسحية‪.‬‬ ‫نظرا ملوقعها يف بداية العمل الروائي من جهة‪ ،‬والعناية‬
‫اجلذاذة املنهجية‪ 2‬من أجل تيسري اقتحام العمل األديب‬ ‫الكربى التي حتظى هبا من لدن الروائي من جهة أخرى؛‬
‫وقراءته‪.‬‬ ‫ألهنا تشكل عتبة العمل ككل‪ .‬إن اجلمل التي تبتدئ هبا‬
‫‪ -I‬األهداف واخلطوات البيداغوجية‪:‬‬ ‫الرواية تكون هادية غنية بالدالالت واملعلومات‬
‫يتلخص عمل املدرس أساسا يف‪:‬‬ ‫واإلشارات الثمينة املرتبطة بمضموهنا وشكلها‬

‫‪- Gérand Langlade, « l’œuvre intégrale au‬‬ ‫‪ -1‬شعي حليفي‪" :‬النص املوازي للرواية‪ ،‬اسرتاتيجية العنوان"‬
‫‪2‬‬

‫‪collège et au lycée. Lecture, étude plongements,‬‬


‫‪tome 1 (coll, « savoir et faire ») pp. 88.89‬‬ ‫جملة الكرمل‪ ،‬عدد ‪.1885 ،15‬‬
‫‪146‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫النارش املوازي‪( :‬الصور والرسومات‪ )...‬وأنشطة‬ ‫‪ -‬إثارة اهتامم التالميذ من أجل قراءة العمل‪،‬‬
‫حول النص املوازي النقدي (تعليق‪ ،‬حتليل‪ ،‬حياة‬ ‫وجعل هذه القراءة ممكنة؛‬
‫الكات ‪ ،‬معجم‪)...‬‬ ‫‪ -‬التهييء لدراسة العمل؛‬
‫أن تتخذ‬ ‫إن هذه األنشطة حول النص املوازي جي‬ ‫‪ -‬تنشيط معارف التالميذ وجتارهبم القرائية‬
‫شكل فرض كتايب أو شفهي حمدد بأسئلة دقيقة‪ ،‬كام أن‬ ‫السابقة؛‬
‫هذه األنشطة تفيد يف إبراز متثالت التالميذ للعمل‬ ‫‪ -‬حث التالميذ عىل تشكيل توقعات القراءة‬
‫وكتابته وعرصه‪ ،‬ومضمونه؛ بل إهنا تفيد كذلك يف‬ ‫وفرضيات املعنى األولية؛‬
‫بلورة توقعات القراءة وحتريك معارف التالميذ األدبية‬ ‫‪ -‬بلورة اسرتاتيجية القتحام العمل تراعي متثالت‬
‫وجتارهبم القرائية السابقة‪.‬‬ ‫واملرشوع‬ ‫السابقة‪،‬‬ ‫ومعارفهم‬ ‫التالميذ‬
‫الدراسة املفصلة للجمل األوىل للعمل‬ ‫‪-3‬‬ ‫البيداغوجي الذي تندرج فيه القراءة والدراسة‬
‫(‪ :)Incipt‬إهنا تعترب امتدادا لألنشطة اخلاصة بالنص‬ ‫املزمع القيام هبا‪.‬‬
‫املوازي وإغناء هلا؛ ذلك ألهنا تزخر بمعلومات مهمة‬ ‫‪II‬‬

‫حول فضاء القصة وزماهنا ووضعية السارد ووجهة‬


‫‪ -4‬يمتلك املدرس ترسانة ديداكتيكية تسمح له‬
‫نظره‪.‬‬
‫باقتحام العمل مع تالميذه وهي‪:‬‬
‫القراءة املنهجية للمقتطفات‪ :‬تسمح القراءة‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ ‬اإلعالن املسبق عن العمل الذي سيكون‬
‫املنهجية للمقتطفات املختارة من بداية العمل وهنايته‬
‫موضوعا دراسيا؛‬
‫من لدن املدرس بتأكيد التوقعات األولية وتوليد‬
‫‪ ‬اإلعالن عن العمل موضوع الدراسة يف احلني؛‬
‫توقعات جديدة‪.‬‬
‫‪ ‬اقتناء العمل من لدن األستاذ مع االلتزام بطبعة‬
‫حترير املالحظات املسجلة يف الدفرت اخلاص‬ ‫‪-5‬‬
‫واحدة أو فسح املجال هلم القتناء طبعات‬
‫بمسار القراءة الشخيص‪ ،‬يسمح بتسجيل ردود أفعال‬
‫خمتلفة‪.‬‬
‫التالميذ األولية‪.‬‬
‫املوازي‪( :‬اسم‬ ‫‪ -2‬القيام بأنشطة حول نص الكات‬
‫‪III‬‬
‫الكات ‪ ،‬العنوان‪ ،‬االستهالل) وأنشطة حول نص‬
‫‪147‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫لكي ال تصبح هذه األنشطة شكلية وغري‬ ‫‪-4‬‬


‫إجرائية‪ ،‬جي ‪:‬‬
‫‪‬تنويع سيناريوهات اقتحام العمل وأشكال األنشطة‬
‫التنبؤية ومضامينها؛‬
‫‪ ‬إدماج هذه األنشطة يف سريورة تعليمية تأخذ بعني‬
‫ِ‬
‫االعتبار مستوى القسم‪ ،‬وقدرات التالميذ ومعارفهم‬
‫وجتارهبم القرائية السابقة؛‬
‫‪ ‬التوظيف الفعيل لنتائج هذه األنشطة من أجل قراءة‬
‫األعامل ودراستها‪.‬‬
‫‪148‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫التربية والتكوين‬ ‫المتخصصة في‬
‫والتكوين‬ ‫المجلة المجلة‬
‫المتخصصة في التربية‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫‪1‬‬

‫هتدف هذه الدراسة إىل التعرف عىل واقع اخلطابات احلجاجية يف املجال الرتبوي‪ ،‬انطالقا من الكت‬
‫املدرسية املقررة يف التعليم الثانوي التأهييل؛ إذ يف ظل احلديث املتواتر عن بالغة احلجاج والبالغة اجلديدة بصفة‬
‫عامة‪ ،‬غالبا ما يتم إغفال اخلطاب املدر‪،‬ي والرتكيز عىل اخلطاب األكاديمي‪.‬‬
‫اخلطابات احلجاجية يف التعليم املدر‪،‬ي‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬فإن عملنا سيتمحور حول معاجلة بعض صعوبات تدري‬
‫– التعليم الثانوي التأهييل نموذجا – من خالل نموذج املناظرة‪ ،‬عن طريق اإلجابة عن األسئلة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ما مقومات حتليل النصوص احلجاجية؟‬
‫‪ -‬كيف يتم إقراء النصوص احلجاجية وفقا للتوجيهات الرسمية؟‬
‫‪ -‬ما الصعوبات التي تواجه الدرس احلجاجي‪ /‬املناظري بالتعليم الثانوي التأهييل؟‬
‫‪ -‬ما احللول املقرتحة لتجاوز هذه الصعوبات؟‬

‫‪ -‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بجهة بني مالل خنيفرة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪149‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫وتأسيسا عىل ما سبق‪ ،‬فإن هذه املداخلة‪ ،‬هتدف إىل‬
‫يتطرق هذا البحث إىل إشكالية تدري‬
‫اإلجابة عن األسئلة التالية‪:‬‬
‫النصوص احلجاجية يف املقررات الدراسية للتعليم‬
‫كيف يتم إقراء النصوص احلجاجية وفقا للتوجيهات‬
‫الثانوي التأهييل‪ ،‬شعبة اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ .‬وتنبع‬
‫الرسمية؟ وما هي الطريقة املتبعة يف حتليل النص‬
‫هذه اإلشكالية من أن حقل الرتبية والتعليم – عىل الرغم‬
‫املناظري؟‬
‫من كونه خيضع لتوجيهات معدة سلفا –إال أنه يستوج‬
‫هل تسعف املنهجية املقرتحة يف الكتاب املدر‪،‬ي عىل‬
‫إعادة النظر يف مكوناته وجتديد طرائقه لكي تساير‬
‫حتليل النص املناظري املقرر حتليال مقنعا؟‬
‫املستجدات الطارئة يف حقول املعرفة األكاديمية‬
‫ما الصعوبات التي تواجه الدرس احلجاجي‪ /‬املناظري‬
‫والرتبوية‪.‬‬
‫بالتعليم الثانوي التأهييل؟ وما األسباب الكامنة وراء‬
‫فمام ال مراء فيه أن التجديد املعريف‪/‬البيداغوجي عامل‬
‫هذه الصعوبات؟‬
‫أساس يف بناء املعرفة وتوليدها من قبل كل املتدخلني يف‬
‫ما احللول املقرتحة لتجاوز هذه الصعوبات؟‬
‫العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬دون أن ننسى املكونات‬
‫‪4‬‬
‫‪ – 1 .1‬التدريسية‪:‬‬ ‫األساسية هلذه العملية من برامج ومناهج وطرق تدري‬

‫( ‪LA‬‬ ‫نعني بالتدريسية أو التعليمية أو الديداكتيك‬ ‫وظروف إنجاز ونوعية الوسائل املستعملة وغريها‪.‬‬

‫أو ما ينعت كذلك‬ ‫‪ :)DIDACTIQUE‬طريقة التدري‬ ‫ويتبني من خالل تصفح الكت املدرسية‪ ،‬أن النصوص‬

‫بـ‪ :‬العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬وجتمع هذه العملية بني‬ ‫احلجاجية تشغل مساحة هامة ضمن مقررات التعليم‬

‫طرفني أساسيني مها‪ :‬املعلم واملتعلم‪ .‬وبالتايل فإن‬ ‫الثانوي التأهييل‪ ،‬وبالعودة إىل التوزيع السنوي ملفردات‬
‫مقرر السنة األوىل بكالوريا أدب‪ ،‬نجد ختصيص املحور‬
‫الثاين من املجزوءة األوىل املربجمة يف الدورة الثانية‬
‫للحديث عن احلجاج من خالل حمور اخلطاب النثري‬
‫العريب القديم‪ :‬بنيته ووظيفته‪.‬‬
‫‪150‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫القراءة املنهجية أداة‪/‬طريقة أساسية يف مقاربة النصوص‬ ‫مادة معينة‪ .1‬وهكذا‬ ‫التدريسية هي‪ :‬كل ما يتعلق بتدري‬
‫املقرتحة يف الكتاب املدر‪،‬ي‪.‬‬ ‫يرتبط الديداكتيك بالطرق واألسالي التي تتعلق بكيفية‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يعتمد درس النصوص يف التعليم الثانوي‬ ‫معاجلة املادة الدراسية ألجل تيسري تعلمها للتالميذ‪.‬‬
‫التأهييل عىل اخلطوات املنهجية املقررة يف إطار ما يسمى‬ ‫والديداكتيك هبذا املعنى جمال علمي تربوي يمد األساتذة‬
‫بـ "القراءة املنهجية"‪ ،‬باعتبارها جمموعة من العمليات‬ ‫باألدوات التي متكنهم من تنظيم وضعيات التعليم‬
‫واخلطوات واملراحل واألنشطة التي تنتهج من أجل فهم‬ ‫والتعلم؛ أي تلك املواقف الرتبوية التي يتم خالهلا‬
‫النصوص وحتليلها حتليال يستثمر خمتلف معطياهتا‬ ‫توصيل املادة الدراسية إىل التالميذ‪.2‬‬
‫الداخلية واخلارجية‪ .4‬ويشتغل هذا النموذج التحلييل من‬ ‫العمل الديداكتيكي عىل جمموعة من الوسائل‬ ‫ويتأس‬
‫خالل اخلطوات اآلتية‪:‬‬ ‫منها‪ :‬الطرائق الديداكتيكية‪ .3‬وبالعودة إىل الربامج‬
‫‪ -‬التمهيد‪ :‬وفيه تتم مناقشة معطيات الرصيد‬ ‫اللغة العربية بسلك‬ ‫والتوجيهات اخلاصة بتدري‬
‫املعريف هبدف تأطري النص‪.‬‬ ‫التعليم الثانوي التأهييل‪ ،‬نجد التنصيص عىل اعتبار‬

‫اللغة العربية بالسنة األوىل من‬ ‫‪ 4‬الربامج والتوجيهات اخلاصة بتدري‬ ‫‪-‬مجيل محداوي‪ ،‬حمطات العمل الديداكتيكي‪ ،‬السلسلة الرتبوية(‪،)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫سلك البكالوريا‪ ،‬مديرية املناهج ‪ ،0005‬ص‪ .8 :‬كام أن القراءة‬ ‫مكتبة سلمى الثقافية بتطوان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،0016/1115 :‬ص‪:‬‬
‫املنهجية هي قراءة النصوص بطريقة واعية وفق مراحل متدرجة يقوم‬ ‫‪.11‬‬
‫فيها القارئ‪/‬املتعلم بأنشطة تعليمية بتوجيه من املدرس‪ .‬وتعتمد عىل‬ ‫مجال الدين ناسك وحلسن الصديق وحممد أبحري‪ ،‬معجم مصطلحات‬ ‫‪2‬‬

‫القراءة البيداغوجية التي تكس املتعلم مهارات قرائية متعددة متكنه‬ ‫التكوين الرتبوي واإلداري‪ ،‬منشورات املركز اجلهوي ملهن الرتبية‬
‫بشكل متدرج من االنفتاح عىل نصوص متنوعة يتطل ولوج عواملها‬ ‫والتكوين‪ ،‬بني مالل‪ ،‬ط‪ ،4:‬دجنرب ‪ ،2149‬ص‪.92 :‬‬
‫قدرات ومهارات معينة هلا وضوحها املنهجي‪ ،‬وتدعمها مؤرشات‬ ‫جمموع اإلجراءات واخلطوات والعمليات‬ ‫يقصد بطريقة التدري‬ ‫‪3‬‬

‫نصية تساعد عىل اقتحام أجواء النصوص‪ ،‬وترتبط يف جمملها‬ ‫والوسائل التي يستخدمها األستاذ بكيفية متناسقة لرتمجة املنهاج إىل‬
‫بالكفايات القرائية‪ .‬انظر‪ :‬حممد أوحلاج وحممد مكيس‪ ،‬ديداكتيك‬ ‫أنشطة تعليمية تعلمية حتقق التعلم حتقيقا واقعيا يف سلوك التالميذ‪.‬‬
‫إقراء النصوص‪ ،‬تنظري وتطبيق‪ ،‬سلسلة قضايا الرتبية والتكوين‪ ،‬نرش‪:‬‬ ‫بأهنا جمموعة القرارات التي يتخذها املعلم‬ ‫وتعرف أسالي التدري‬
‫إديسيون بلوس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،0015 ،1 :‬ص‪.9 :‬‬ ‫بشأن األنشطة واإلجراءات املتتالية واملرتابطة لتنفيذ مهام التدري‬
‫قصد حتقيق هدف أو جمموعة من األهداف التعليمية املحددة‪ .‬معجم‬
‫مصطلحات التكوين الرتبوي واإلداري‪ ،‬ص‪.79 :‬‬
‫‪151‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫أما احلجاج يف االصطالح‪ ،‬فهو تقديم احلجج واألدلة‬ ‫‪ -‬املالحظة‪ :‬دراسة العتبات من أجل صوغ‬
‫املؤدية إىل نتيجة معينة‪ ،‬وهو يتمثل يف إنجاز متواليات من‬ ‫الفرضيات‪.‬‬
‫األقوال‪ ،‬بعضها هو بمثابة احلجج وبعضها اآلخر هو‬ ‫‪ -‬الفهم‪ :‬استيعاب مضمون النص أو مضامينه‪.‬‬
‫بمثابة النتائج التي تستنتج منها‪ 3.‬كام أن موضوع نظرية‬ ‫‪ -‬التحليل‪ :‬تعد هذه املرحلة أهم مراحل القراءة‬
‫بريملان – هو دراسة التقنيات اخلطابية‬ ‫احلجاج – حس‬ ‫املنهجية‪ ،‬وفيها يتم تفكيك النص ودراسته من خمتلف‬
‫التي متكن من حث العقول عىل قبول األطروحات التي‬ ‫جوانبه‪.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫تعرض عليها للتصديق‪ ،‬أو تعزيز قبوهلا هلا‬ ‫والتقويم‪ :‬من خالل جتميع املعطيات‬ ‫‪ -‬الرتكي‬
‫أما النص احلجاجي فهو نوع من النصوص‪ ،‬يتميز‬ ‫موجز‪ ،‬إضافة إىل تقويم النص –‬ ‫السابقة يف تركي‬
‫بتوظيف جمموعة من اإلجراءات إلقامة الدليل عىل صحة‬ ‫موضوع التحليل – بغرض إصدار حكم عليه‪.‬‬
‫قضية أو تفنيدها ودحضها‪ ،‬اعتامدا عىل احلجج واألدلة‬ ‫وحاصل الكالم‪ ،‬تُعنى القراءة املنهجية بتدري‬
‫املرتابطة فيام بينها‪ ،‬داخل مسار حجاجي خيتاره املرسل‬ ‫النصوص الوظيفية وغري الوظيفية ودراسة ظواهرها‬
‫املعني‬ ‫املتلقي‬ ‫طبيعة‬ ‫يالئم‬ ‫وبشكل‬ ‫بدقة‪،‬‬ ‫التحتية بالبحث واالستقصاء والتأويل‪ .‬إهنا أداة لتفهيم‬
‫‪.1‬‬ ‫النصوص وحتويلها وحتليلها وتركيبها‬
‫‪ – 2 .4‬النص احلجاجي‪:‬‬
‫احلجاج يف اللغة مأخوذ من (حجج) نقول‪ :‬حاجه‬
‫فحجه‪ ،‬أي غلبه باحلجة‪ ،‬ويف املثل‪( :‬لج فحج)‪ ،‬وهو‬
‫‪2‬‬ ‫رجل حمجاج‪ :‬أي جدل‪ ،‬والتحاج‪ :‬التخاصم‪.‬‬

‫‪ 3‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة واحلجاج‪ ،‬األمحدية للنرش‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫حممد مكيس‪ ،‬ديداكتيك القراءة املنهجية‪ ،‬مقاربات وتقنيات‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،0005‬ص‪.01 :‬‬ ‫السلسة البيداغوجية (‪ ،)1‬دار الثقافة ‪ /‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬
‫ليونيل بلنجر‪ ،‬اآلليات احلجاجية للتواصل‪ ،‬ترمجه‪ :‬عبدالرفيق‬ ‫‪4‬‬
‫‪ ،1885‬ص‪.6 :‬‬
‫احلديث‬ ‫بوركي‪ ،‬ضمن كتاب احلجاج مفهومه وجماالته‪ ،‬عامل الكت‬ ‫‪ 2‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬راجعه واعتنى به‪:‬‬
‫األردن‪.85/6 ،0010،‬‬ ‫د حممد حممد تامر وآخرون‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة‪:‬‬
‫‪ ،0008/1110‬ص‪.005 :‬‬
‫‪152‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫جمموعة أشخاص لكي يتبنوا فكرة‪ ،‬أو إقناعهم بعدم‬ ‫باخلطاب‪...‬ويؤدي النص احلجاجي وظيفة إقناعية؛ ألن‬
‫‪3‬‬ ‫تبنيها‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫غايته إقناع املتلقي‪.‬‬
‫‪ – 3 .4‬النص املناظري‪:4‬‬ ‫ويوضح اجلدول التايل أهم وظائف وخصائص النص‬
‫‪ - 4 .3 .4‬تعريف املناظرة‪:‬‬ ‫احلجاجي ‪:2‬‬

‫املناظرة يف املعاجم العربية مأخوذة من ثالثة أحرف‬ ‫اخلصائص‬ ‫الوظيفة‬


‫تواتر العالقات املنطقية‪ ،‬حيث‬ ‫يسعى إىل اإلقناع ويقدم‬
‫أصلية هي‪ :‬النون والظاء والراء‪ ،‬ففي‪" :‬معجم مقايي‬
‫غالبا ما توجد برهنة‪( ،‬وأحيانا)‬ ‫األدلة التي تسمح لرأي أو‬
‫اللغة" البن فارس (‪ 375‬هـ)‪(" :‬نظر)‪:‬‬
‫السيام مع تراكم األدلة‬ ‫لوجهة نظر أن تنترص عىل‬
‫النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع فروعه إىل معنى‬ ‫املتجاورة‪.‬‬ ‫غريها‪.‬‬

‫واحد وهو تأمل اليشء ومعاينته‪ ،‬ثم يستعار ويتسع فيه‬ ‫استعامل أسلوب رصيح وواضح‬ ‫مثال‪( :‬النص اجلديل‪ ،‬املناظرة‬
‫يف غال األحيان‪.‬‬ ‫‪)...‬‬
‫فيقال‪ :‬نظرت إىل اليشء أنظر إليه‪ ،‬إذا عاينته ‪...‬‬
‫وتبعا ملا ورد يف اجلدول‪ ،‬يتبني أن النص‬
‫احلجاجي هو‪ :‬كل نص هيدف إىل الدفاع عن فكرة أو‬
‫موقف أو غريمها‪ ،‬والعمل عىل التأثري يف شخص أو‬

‫‪ 4‬لعل أول صعوبة تواجه الباحث وهو بصدد التعريف بمصطلح‬ ‫عيل آيت أوشان‪ ،‬ديداكتيك التعبري والتواصل وتدبري التعلامت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫التطور الداليل هلذا‬ ‫تارخيية تتعق‬ ‫"مناظرة" هي غياب قوامي‬ ‫سلسلة دراسات بيداغوجية (‪ ،)1‬دار أيب رقراق للطباعة والنرش‪،‬‬
‫املصطلح‪ .‬هذا إضافة إىل االختالف الواضح بني الباحثني يف طرائق‬ ‫الرباط‪ ،‬ص‪ 11 :‬و‪ .10‬وهناك من عرف النص احلجاجي بأنه‪:‬‬
‫النظر إىل "املناظرة" تعريفا وتصنيفا‪ ،‬فمنهم من ينظر إليها باعتبارها‬ ‫‪ -‬نص برهاين يقوم عىل اإلتيان باحلجج واألدلة‪ ،‬بواسطة عمليات‬
‫خطابا حجاجيا‪ .‬ومنهم من ينظر إليها باعتبارها نوعا أدبيا تتخذ‬ ‫عقلية استداللية كاالستقراء واالستنباط‪.‬‬
‫األدب العامة‪ ،‬وهي حينذاك‬ ‫مكاهنا بني أنواع أدبية أخرى يف كت‬ ‫‪ -‬نص حواري نستعرض فيه آراء متباينة ومتعارضة‪ ،‬وتشكل‬
‫الواقع‬ ‫شكل من أشكال التفكري‪ .‬كام أهنا خطاب اجتامعي يعك‬ ‫احلوارية سمته املميزة‪ .‬نفسه‪ ،‬ص‪ 11 :‬و‪.10‬‬
‫االجتامعي ـ الثقايف للعرص‪ .‬وهناك من يتوسع يف املفهوم فيجعل كل‬ ‫‪ 2‬حممد أوحلاج‪ ،‬ديداكتيك التعبري واإلنشاء‪ ،‬تقنيات ومناهج‪ ،‬السلسلة‬
‫خطاب استداليل يقوم عىل "املقابلة" و"املفاعلة" املوجهة "مناظرة"‪.‬‬ ‫البيداغوجية (‪ ،)15‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،1:‬‬
‫انظر‪ :‬حممد أبحري‪ ،‬خطاب املناظرة يف األدب األندليس‪ ،‬من القرن‬ ‫‪ ،0001/1100‬ص‪.10 :‬‬
‫الرابع إىل هناية القرن الثامن اهلجري‪ ،‬دار كنوز املعرفة‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،1:‬‬ ‫‪ 3‬حممد أوحلاج‪ ،‬دليل تقنيات التواصل ومهارات التعبري واإلنشاء‪،‬‬
‫‪ ،0016‬ص‪.11 :‬‬ ‫طوب إديسون‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،0006 ،1:‬ص‪.56 :‬‬
‫‪153‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫يف حني يرى حسني الصديق أن "املناظرة هي نوع من‬ ‫ويقولون‪ :‬نظرته‪ ،‬انتظرته"‪ .1‬بينام يقول الزخمرشي (‪539‬‬
‫أنواع اخلطاب االحتجاجي الذي يمكن تعريفه بشكل‬ ‫هـ) يف معجمه "أساس البالغة"‪" :‬نظرت إليه ونظرته‪...‬‬
‫رسيع كام ييل‪ :‬يف هذا اخلطاب يتوجه متكلم ما (أ)‬ ‫وهو ينظر حوله‪ :‬يكثر النظر‪ .‬وهو نظريه بمعنى مناظره‬
‫باخلطاب إىل مستمع ما (ب) هبدف تغيري رأي (ب) يف‬ ‫أي مقابله ومماثله"‪.2‬‬
‫قضية من القضايا‪ ،‬وينتمي هذا اخلطاب إىل البيان باعتباره‬ ‫و ُيفهم من كالم ابن فارس أن املناظرة تعني التأمل‬
‫فن الكالم أو فن التعبري عن الفكر"‪.6‬‬ ‫واالنتظار واملعاينة‪ ،‬وهي عند الزخمرشي بمعنى املقابلة‬
‫وتأسيسا عىل ما سبق يمكن استنتاج اخلالصات‬ ‫واملامثلة‪ .‬مالك األمر أن "املناظرة" يف اللغة تعني‪ :‬التأمل‬
‫اآلتية‪:‬‬ ‫‪3.‬‬‫والتقابل واملامثلة والندية أيضا‬

‫املناظرة حماورة وتبادل للكالم واآلراء املتعارضة‬ ‫أما يف االصطالح فيعرفها اجلرجاين (‪ 943‬هـ) بقوله‪:‬‬
‫"هي النظر بالبصرية من اجلانبني يف النسبة بني الشيئني‬
‫املناظرة وفقا للمعطى السابق خطاب احتجاجي‬ ‫إظهارا للصواب" ‪ .4‬كام يعرفها حبنكـة املـيداين بقوله‪:‬‬
‫"املناظرة هي املحاورة بني فريقني حول موضوع لكل‬
‫تستدعي املناظرة االختالف يف الفكر والرأي‬ ‫منهام وجهة نظر فيه ختالف وجهة نظر الفريق اآلخر‪ ،‬فهو‬
‫حياول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه‪ ،‬مع‬
‫اهلدف املعلن للمناظرة هو إظهار احلق أو الصواب‬
‫رغبته الصادقة بظهور احلق واالعرتاف به لدى ظهوره"‪.5‬‬

‫والنديد"‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬دار ليبيا للنرش والتوزيع‪ ،‬بنغازي‪ ،‬دار‬ ‫اللغة‪ ،‬حققه وضبطه‪ :‬عبد السالم حممد‬ ‫‪ 1‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقايي‬
‫صادر‪ ،‬بريوت‪ 651/1 ،1885 / 1195 ،‬و‪.651‬‬ ‫هارون‪ ،‬ط‪ ،1:‬دار إحياء الكت العربية‪ ،‬القاهرة‪.111/6 ،1158 ،‬‬
‫‪ 4‬اجلرجاين‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬حققه ودرسه‪ :‬حممد صديق املنشاوي‪،‬‬ ‫‪ 2‬الزخمرشي‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحيم حممود‪ ،‬عرف به‪:‬‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬ص‪.186 :‬‬ ‫أمني اخلويل‪ ،‬ط‪ ،1 :‬اجلديدة ‪ ،1861/ 1150‬ص‪.150 :‬‬
‫‪ 5‬عبد الرمحان حسن حبنكة امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة وأصول‬ ‫البصرية‬ ‫‪ 3‬عرب الزبيدي عن هذه املعاين قائال‪" :‬النظر أيضا تقلي‬
‫االستدالل واملعرفة‪ ،‬دار القلم دمشق‪ ،‬ط‪ ،1881 ،1 :‬ص‪.191 :‬‬ ‫إلدراك اليشء ورؤيته وقد يراد به التأمل والفحص وقد يراد به املعرفة‬
‫‪ 6‬حسني الصديق‪ ،‬املناظرة يف األدب العريب اإلسالمي‪ ،‬مكتبة لبنان‬ ‫احلاصلة بعد الفحص‪ ...‬واملناظر املثل والشبيه يف كل يشء يقال فالن‬
‫نارشون‪ ،‬ط ‪ ،0000 ،1:‬ص‪.195:‬‬ ‫نظريك أي مثلك؛ ألنه إذا نظر إليهام الناظر رآمها سواء‪ ...‬مثل الند‬
‫‪154‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫‪3‬‬ ‫بينام حيدد د‪ .‬أمحد احلسناوي أركان املناظرة كام يأيت‪:‬‬ ‫‪ - 2 .3 .4‬أركاهنا‪:‬‬
‫أ ـ املوضوع‪ :‬إذ ال بد من وحدة املوضوع الذي‬ ‫املناظرة يف نظر بعض الباحثني عىل ركنني‬ ‫تتأس‬
‫يتفق عليه طرفا املناظرة‪ ،‬أو يقرتحه غريمها‪ ،‬فيكون ذلك‬ ‫‪1:‬‬ ‫أساسيني مها‬
‫املوضوع مدار احلجج التي تتقارع‪ ،‬واآلراء التي‬ ‫أ ـ الركن األول‪ :‬موضوع جتري حوله املناظرة‪.‬‬
‫تتصارع‪.‬‬ ‫ب ـ الركن الثاين‪ :‬فريقان يتحاوران حول موضوع‬
‫ب‪ -‬طرفا املناظرة‪ :‬ومها ال خيلوان أن يكونا‬ ‫املناظرة‪ ،‬أحدمها ُمدع أو ناقل خرب‪ ،‬واآلخر معرتض‬
‫شخصني لكل منهام رأي أو مذه ‪ ،‬أو يمثالن فئتني‪،‬‬ ‫عليه‪.‬‬
‫ومجعهام خالف‪ ،‬أو عاملني أو أديبني مجعهام سبيل العلم‬ ‫فإن كان املوضوع تعريفا أو تقسيام‪ُ ،‬سمي املعرتض عليه‬
‫واألدب‪ ،‬أو دعوة من خليفة أو وزير فتناظرا‪.‬‬ ‫التعريف أو التقسيم‬ ‫وسمي صاح‬
‫"مستدال"‪ُ ،‬‬
‫واجلمهور‪ :‬إذ ال بد للمناظرة من‬ ‫ج ـ املجل‬ ‫"مانعا"‪ .‬وإذا كان املوضوع "تصديقا"‪ -‬أي قضية‬
‫الذي يعقد وحيرضه اجلمهور‪ ،‬وقد يعقد املجل‬ ‫املجل‬ ‫منطقية سواء أكانت مرصحا هبا أم مفهومة من ضمن‬
‫خصيصا ملناظرة معلومة بني عاملني أو‬ ‫الكالم‪ -‬فاملعرتض عليه يسمى "سائال"‪ ،‬وصاح‬
‫أديبني معروفني‪ ،‬وحيرض اجلمهور وهو يعلم‬ ‫التصديق ومقدمه يسمى "معلال"‪.‬‬
‫طرفيها واملوضوع‪ ،‬وقد تقع املناظرة فجأة يف أثناء انعقاد‬ ‫وقد صاغ د‪ .‬طه عبد الرمحن أركان املناظرة يف إطار ما‬
‫العلامء‪.‬‬ ‫حلقات العلم أو جمال‬ ‫‪2‬‬ ‫أسامه "الرشوط العامة" وهي‪:‬‬
‫أما اجلمهور فهو نوعان‪ :‬خاص وعام؛ أما اخلاص فهو‬ ‫أ ـ ال بد هلا (أي املناظرة) من جانبني‪.‬‬
‫املناظرة من‬ ‫العلامء‪ ،‬وأما العام فعامة من حيرض جمل‬ ‫ب ـ ال بد هلا من دعوى‪.‬‬
‫أوأتباعهام‬ ‫أومريدهيام‬ ‫طرفيها‪،‬‬ ‫أصحاب‬ ‫ج ـ ال بد هلا من مآل يكون بعجز أحد اجلانبني‪.‬‬
‫أو تالميذمها‪.‬‬ ‫د ـ لكل من اجلانبني آداب ووظائف‪.‬‬

‫‪ 3‬رحيم جرب أمحد احلسناوي‪ ،‬املناظرات اللغوية واألدبية يف احلضارة‬ ‫‪1‬ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة‪ ،‬ص‪.191 :‬‬

‫العربية اإلسالمية‪ ،‬دار أسامة للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،1 :‬‬ ‫‪ 2‬طه عبد الرمحن‪ ،‬يف أصول احلوار وجتديد علم الكالم‪ ،‬املركز الثقايف‬

‫‪ ،1888‬ص‪ 61 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،0005 ،1 :‬ص‪.51 :‬‬
‫‪155‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫• خامســها‪ :‬االحرتاز عن الدخل يف كالم اخلصــم‬ ‫وهكذا‪ ،‬فعىل الرغم من أن حتديد أركان املناظرة خيضع‬
‫قبل الفهم‪.‬‬ ‫يف بعض األحيان ملقتضيات جمال اشتغال الباحث مثل‬
‫• سـادسـها‪ :‬جتن التعرض؛ أي تعرض املناظر ملا‬ ‫املنطق أو علم الكالم‪ ...‬إال أن اآلراء تكاد جتمع أن‬
‫ال دخل له يف املقصود‪.‬‬ ‫أركان املناظرة هي‪:‬‬
‫سابعها‪ :‬االحرتاز عن ال ضحك ورفع ال صوت‬ ‫•‬ ‫أركان املناظرة‬

‫يف أثناء املناظرة وأمثاهلا‪.‬‬


‫‪ /‬اجلمهور‬ ‫املجل‬ ‫طرفا‪/‬أطراف املناظرة‬ ‫املوضوع‪ /‬القضية‬
‫ثامن ها‪ :‬ينبغي أن حيرتز امل ناظر عن امل ناظرة مع‬ ‫•‬
‫أهل املهابة واالحرتام‪.‬‬ ‫لكي تعرب املناظرة عن نفسها تعبريا سليام‪ ،‬وضع هلا‬
‫• تاســعها‪ :‬ينبغي أن ال حيســ املناظر اخلصــم‬ ‫القدماء واملحدثون جمموعة من الضوابط ينبغي االلتزام‬
‫حقريا؛ ألن اســتح قار اخلصــم ربام يؤدي إىل‬ ‫هبا‪ ،‬من ذلك ما ذكره طاش كربي زاده يف رسالته‪ .‬فقد‬
‫صدور الكالم الضعيف عن املناظر‪ ،‬فيكون سببا‬ ‫خلص آداب املناظرة يف تسعة آداب هي ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫لغلبة اخلصــم الضــعيف عليه وهو أشــنع وجوه‬ ‫• أوهلا‪ :‬االحرتاز عن اإلجياز واالختصار يف الكالم‬
‫اإللزام‪.‬‬ ‫لئال يكون خمال بالفهم‪.‬‬
‫ومجلة القول‪ ،‬إن ضوابط التناظر عند القدماء واملحدثني‬ ‫ثاني ها‪ :‬االحرتاز عن اإلط ناب لئال يؤدي إىل‬ ‫•‬
‫تتلخص يف اخلطاطة اآلتية‪:‬‬ ‫املالل‪.‬‬
‫ضوابط التناظر‬ ‫• ثالثها‪ :‬االحرتاز عن اســتعامل األلفاظ الغريبة يف‬
‫ضوابط فعلية‬ ‫ضوابط قولية‬ ‫البحث لئال يؤدي إىل عرس الفهم‪.‬‬
‫• رابعها‪ :‬االحرتاز عن اســتعامل اللفظ املجمل يف‬
‫البحث‪.‬‬
‫•‬

‫‪ 1‬رشح آداب البحث لطاش كربي زادة‪ ،‬ضمن جملة املناظرة‪،‬‬


‫العدد‪ ،1:‬السنة الثانية‪ ،‬ذو احلجة ‪ ،1880/1110‬ص‪ 01 :‬و‪.00‬‬
‫‪156‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫بني العرب والعجم" و"مناظرة حول الفلسفة‬
‫مكان ورودها‬ ‫مصدرها‬ ‫أطرافها‬ ‫املناظرة‬
‫والرشيعة"‪ .‬ويمكن بياهنام كام يأيت‪:‬‬
‫النجاح يف اللغة‬ ‫اإلمتاع واملؤانسة أليب‬ ‫ابن سعدان‬ ‫املفاضلة بني‬
‫ويروم النص املناظري املنتخ يف الكتاب املدر‪،‬ي حتقيق‬ ‫العربية‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫حيان التوحيدي‪ ،‬ج‪،4 :‬‬ ‫أبوحيان‬ ‫العرب والعجم‬
‫‪.473‬‬ ‫ص‪91 :‬‬ ‫التوحيدي‬
‫األهداف اآلتية‪:1‬‬
‫و‪( 93‬بترصف)‬
‫‪ ‬أن يضع التلميذ متهيدا للنص من خالل إبراز دور‬
‫اإلمتاع واملؤانسة أليب‬ ‫أبوسليامن‬
‫املمتاز يف اللغة‬ ‫مناظرة حول‬
‫املناظرة يف ترسيخ مبادئ التعاون إلحراز‬ ‫حيان التوحيدي‪ ،‬ج‪،2 :‬‬ ‫املنطقي‬
‫العربية‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫الفلسفـة‬
‫ص‪5 :‬‬ ‫أبوالعباس‬
‫الصواب واملنفعة‪.‬‬ ‫‪ 495‬و‪.493‬‬ ‫والرشيعة‬
‫و‪( 22‬بترصف)‬ ‫البخاري‬
‫‪ ‬أن يبني سياق املناظرة‪.‬‬
‫وباجلملة‪ ،‬فالنص املناظري هو كل نص يتحقق فيه رشط‬
‫‪ ‬أن حيدد عنارص املناظرة (االدعاء‪ ،‬العارض‪،‬‬
‫أساس أال وهو مبدأ االختالف يف الفكر والرأي بني‬
‫املعرتض)‪.‬‬
‫طرفيه‪ ،‬عالوة عىل حماولته إظهار احلق أو الصواب‪ ،‬وعىل‬
‫‪ ‬أن يتتبع احلجج املوظفة يف املناظرة‪( :‬القياس‪،‬‬
‫طريف أو أطراف املناظرة اإلذعان واالنقياد للحقيقة متى‬
‫التمثيل‪ ،‬السلم احلجاجي)‪.‬‬
‫ظهرت من أحد األطراف‪.‬‬
‫‪ ‬أن يبني القيمة احلجاجية ألسلوب االستفهام‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬أن يربز بناء املناظرة (االفتتاح‪ ،‬التدليل‪ ،‬اخلتم)‪.‬‬
‫‪ ‬أن يرصد اخلصوصيات احلجاجية واألسلوبية‬ ‫نشري بدءا إىل أننا حرصنا جمال اشتغالنا يف مقرر السنة‬
‫للمناظرة‪.‬‬ ‫األوىل من سلك البكالوريا‪ ،‬مسلك اآلداب والعلوم‬
‫يالحظ ضعف األهداف املوضوعة للنص املناظري؛ إذ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬من خالل كتابني مدرسيني مهـا‪" :‬النجاح يف‬
‫نسجل غيابا تاما ملا يمكن تسميته بـ "األهداف احلياتية"؛‬ ‫اللغة العربية" و"املمتاز يف اللغة العربية"‪ ،‬أما املتن املقرتح‬
‫أي عالقة املناظرة باملجتمعني الصغري والكبري للمتعلم‪،‬‬ ‫للتحليل يف الكتابني فيتمثل يف مناظرتني مها‪" :‬املفاضلة‬
‫عالوة عىل امتدادات هذه العالقة‪.‬‬

‫‪ 1‬كتاب املمتاز يف اللغة العربية‪ ،‬السنة األوىل من سلك البكالوريا‪،‬‬


‫ص‪ .191 :‬مع اإلشارة إىل عدم ورود األهداف يف كتاب "النجاح"‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫فاألهداف املشار إليه سلفا‪ ،‬تسجن املناظرة داخل‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي وال تربح دفتيه‪ .‬هلذا فاملأمول أن ينقل‬
‫املتعلم خرباته إىل الواقع إلحداث التغيري املنشود ال أن‬
‫يكون خبريا يف الكتاب املدر‪،‬ي‪.‬‬
‫فأسلوب املناظرة له أثر كبري يف تنمية أفكار املتعلمني‬
‫ومفاهيمهم وقدرهتم عىل املحاورة والتعايش احلضاري‬
‫وتبادل األفكار واآلراء يف بيئة حضارية تتسم بالتسامح‬
‫واإلخاء‪.1‬‬
‫وقد اقرتحت جمموعة من األنشطة الديداكتيكية يف‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي من أجل حتليل املناظرتني املشار إليهام‬
‫آنفا‪ ،‬يمكن بياهنا كام يأيت‪:‬‬

‫املنظم واملتامسك‪ ،‬وأن يمكنه من الدفاع عن الرأي‪ ،‬وتقديم وجهة‬ ‫‪1‬عبد اهلل بنخلفان بنعبد اهلل آلعايش األسمري‪ ،‬أسلوب املناظرة‬
‫النظر والتعليق‪ ،‬وإقداره عىل الرد واإلقناع والتأثري وهلم جرا‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫وتطبيقاته يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬ضمن املؤمتر الدويل الرابع‬
‫ديداكتيك التعبري والتواصل وتدبري التعلامت‪ ،‬ص‪.11 :‬‬ ‫"اخلطابة واملناظرة واحلوار‪ :‬نحو تأصيل منهجية التمكني يف‬
‫مؤسساتنا التعليمية"‪ ،‬مناظرات قطر‪ ،‬ص‪ .11 :‬كام أنه من املفروض‬
‫احلجاجي إكساب املتعلم أسلوب التفكري‬ ‫أن يستهدف هذا اجلن‬
‫‪158‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫النجاح يف اللغة العربية‬ ‫املمتاز يف اللغة العربية‬


‫األديب الذي املالحظة‪ :‬دراسة البعد الداليل للسؤال املطروح يف مفتتح‬ ‫املالحظة‪ :‬قراءة يف العنوان‪ /‬املؤرشات الدالة عىل اجلن‬
‫املناظرة‪ /‬قراءة يف عنوان املناظرة‪ /‬حتديد األطراف املتناظرة‬ ‫ينتمي إليه النص‪.‬‬
‫داخل النص‪ /‬حتديد موضوع املناظرة‪.‬‬
‫الفهم‪ :‬أسئلة موجهة لتحديد فائدة السؤال املوجه إىل‬
‫الفهم‪ :‬أسئلة موجهة من أجل تلخيص مضمون املناظرة‪.‬‬
‫التوحيدي‪ /‬اإلشارة إىل أن النص ينتمي إىل القول احلجاجي‬
‫اجلدايل‪ /‬مطالبة املتعلمني باستخراج احلجج التي أدىل هبا ابن‬
‫املقفع‪.‬‬
‫التحليل‪ :‬استخراج عنارص املناظرة‪ :‬االدعاء والعارض واملعرتض‪ /‬التحليل‪ :‬استقراء طرح ابن املقفع يف ضوء مصطلحات املناظرة‪:‬‬
‫املعتمدة يف املناظرة‪ :‬التعريف واملقارنة واملوازنة‪ /‬احلجج العارض واملعرتض‪ /‬بيان أسباب سيطرة ابن املقفع عىل احلـوار‬ ‫األسالي‬
‫املوظفة يف النص‪ :‬القياس والتمثيل‪ /‬الوسائل احلجاجية املوظفة‪ :‬السلم (أي توفره عىل سلطة حجاجية)‪ /‬استخراج احلجج والرباهني‪/‬‬
‫اإلنشائية‪ :‬بيان املآل الذي آلت إليه املناظرة‪ /‬استخراج األسلوب اخلربي‬ ‫احلجاجي‪ /‬االستدالل بالشاهد القرآين‪ /‬األسالي‬
‫االستفهام‪ /‬بناء املناظرة‪ :‬مرحلة االفتتاح ومرحلة التدليل ومرحلة واحلواري‪ /‬استخراج املقاطع احلوارية‪ :‬السؤال واجلواب ‪ /‬بيان‬
‫دور املجاز والبديع يف اإلقناع‪.‬‬ ‫اخلتم‪.‬‬
‫والتقويم‪ :‬كتابة موضوع يتطرق فيه املتعلم ألسباب‬ ‫الرتكي‬
‫الرتكي ‪ :‬كتابة موضوع يعرض فيه املتعلم مكونات املناظرة من خالل حرص املفاضلة عىل العرب والفرس دون بقية األمم‪ ،‬إضافة إىل‬
‫النص املقرتح للتحليل مع الرتكيز عىل رصد خصوصيات أطرافها تفسري سب اعرتاف ابن املقفع بأفضلية عقل العرب بالرغم من‬
‫املتحاورة‪ ،‬والتقنيات احلجاجية واألسلوبية التي وظفها كل طرف أصله الفار‪،‬ي‪.‬‬
‫للدفاع عن موقفه من العالقة بني الرشيعة والفلسفة‪.‬‬
‫التقويم‪ :‬تلخيص مضمون قولة حول املناظرة ومقارنة ذلك بام جاء يف‬
‫املناظرة حول الفلسفة‪.‬‬

‫يالحظ أن الكتابني‪ 1‬يشرتكان يف اخلطوات املنهجية‬


‫للتحليل وهي‪ :‬املالحظة والفهم والتحليل والرتكي ثم‬

‫يف حتقيق غا يات وأغراض تعليم ية‪ ،‬تتجىل يف القيم واألف كار املراد‬ ‫‪ 1‬تقدم التوجيهات الرتبوية الكتاب املدر‪،‬ي عىل أنه وســيلة تعليمية‪،‬‬
‫نقلها اىل املتعلم‪ .‬الربامج والتوجيهات‪ ،‬ص‪.9 :‬‬ ‫حتتل مكانة أســاســية يف املنهاج الرتبوي‪ ،‬نظرا ملا يســهم به يف بلورة‬
‫الرؤية التعليمية التي حتددها الفل سفة الرتبوية للمجتمع‪ ،‬وملا ي سهم به‬
‫‪159‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫واالقتصار ‪ -‬يف مرحلة املالحظة – عىل تقديم قراءة يف‬ ‫التقويم‪ ،‬وهذا أمر طبيعي ألهنام ينهالن من معني واحد‬
‫عنوان املناظرة وبــاقي العتبات‪( 1‬مصدر النص ‪.)...‬‬ ‫وهو الوثائق الرتبوية الرسمية‪ ،‬إال أن هناك اختالفا بينا يف‬
‫وباالنتقال إىل مرحلة الفهم‪ ،‬نجد أن كتاب "املمتاز"‬ ‫طبيعة العنارص املقرتحة يف املراحل املذكورة آنفا‪.‬‬
‫اقرتح تلخيص مضمون املناظرة‪ ،‬بينام كانت مرحلة الفهم‬ ‫فإذا كان كتاب "املمتاز" يقرتح يف مرحلة املالحظة‬
‫يف كتاب "النجاح" مضطربة؛ إذ استهلت بطرح أسئلة من‬ ‫تقديم قراءة يف العنوان والبحث يف املؤرشات الدالة عىل‬
‫أجل حتديد فائدة السؤال املوجه إىل التوحيدي‪ ،‬ثم‬ ‫األديب الذي ينتمي إليه النص‪ ،‬وهي اقرتاحات‬ ‫اجلن‬
‫اإلشارة إىل أن النص ينتمي إىل القول احلجاجي اجلدايل‪،‬‬ ‫مقبولة‪ ،‬فإن كتاب "النجاح" اقرتح مقرتحا آخر يبدأ‬
‫وأخريا مطالبة املتعلمني باستخراج احلجج التي أدىل هبا‬ ‫بدراسة البعد الداليل للسؤال املطروح يف مفتتح املناظرة‬
‫ابن املقفع‪.‬‬ ‫ثم االنتقال إىل تقديم قراءة يف عنوان املناظرة‪ ،‬وأخريا‬
‫وهكذا نالحظ خرقا منهجيا يف هذا املقرتح من خالل‬ ‫حتديد األطراف املتناظرة‪ ،‬إضافة إىل بيان موضوع‬
‫مطالبة املتعلمني باستخراج احلجج والرباهني يف مرحلة‬ ‫املناظرة‪.‬‬
‫الفهم؛ إذ ينبغي تأجيل هذا األمر إىل مرحلة التحليل‪.2‬‬ ‫وتعقيبا عىل املقرتح الثاين‪ُ ،‬يستحسن تأجيل احلديث عن‬
‫أطراف املناظرة وموضوع التناظر إىل مرحلة الفهم‪،‬‬

‫املرادفة التي تعمل عىل ربط النص‪ /‬اخلطاب بكل ما حييط به‪ .‬هلذا فإن‬ ‫سوى فرضية لترصيف املنهاج الرسمي‪،‬‬ ‫كام أن الكتاب املدر‪،‬ي لي‬
‫مرحلة املالحظة تستهدف تنمية مهارات املالحظة البرصية وترسيخ‬ ‫فال ينبغي‪ ،‬إذن‪ ،‬الت عا مل م عه عىل أ نه املن هاج نفســـه؛ إ نه جمرد أداة‬
‫وإغناء أنشطة التوقع والتأويل األويل من خالل أنشطة ديداكتيكية‬ ‫مســاعدة‪ ،‬تســتعمل عادة عندما يتبني أن بعض مكوناته تســتجي‬
‫والعنوان وهندسة النص‬ ‫متنوعة مثل دراسة حميط النص‪ :‬الكات‬ ‫خلصــوصــيات وحاجات املتعلمني‪ .‬ينبغي إذن أال يتم التعامل مع‬
‫وبناؤه‪ ...‬لتختتم املرحلة بصياغة فرضيات القراءة‪.‬‬ ‫الكتاب املدر‪،‬ي عىل أنه منطلق ومنتهى؛ يتحول بموجبه الدرس إىل‬
‫الرحى يف القراءة املنهجية‪ ،‬من خالل‬ ‫‪ 2‬متثل مرحلة التحليل قط‬ ‫إنجاز متسلسل ملختلف التامرين واألنشطة املتضمنة يف الكتاب دون‬
‫تفكيك النص إىل عنارص إلدراك العالقات القائمة بينها‪ ،‬عن طريق‬ ‫ت رصف أو اجتهاد؛ ويتحول إىل بديل عن و ضعيات حقيقية وو سائل‬
‫حتديد الوضعية التواصلية أو التلفظ‪ :‬من يتكلم؟ مع من؟ أين؟ متى؟‬ ‫وطرائق أكثر مالء مة‪ .‬معجم مصـــطل حات التكوين الرتبوي‬
‫‪ ...‬إضافة إىل بيان طبيعة املعجم ثم استخراج الصور الفنية وحتديد‬ ‫واإلداري‪ ،‬ص‪.441 :‬‬
‫داللتها‪ ،‬فضال عن مالحظة طبيعة اجلمل الواردة يف النص‪ :‬إسمية‪/‬‬ ‫‪ 1‬تعترب العتبات أو النصوص املوازية بمثابة مداخل أولية تتيح لنا‬
‫فعلية‪ ،‬خربية‪ /‬إنشائية ‪...‬‬ ‫ولوج عامل اخلطاب املدروس‪ ،‬فهي نوع من النظري النيص أو النصية‬
‫‪160‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫‪ ‬استخراج األسلوب اخلربي واحلواري‪.‬‬ ‫وبالوصول إىل مرحلة التحليل‪ ،‬نالحظ أن املقرتح‬
‫‪ ‬استخراج املقاطع احلوارية‪( :‬السؤال واجلواب)‪.‬‬ ‫الذي جاء به كتاب "املمتاز" كان موفقا إىل حد ما‪ ،‬فقد‬
‫‪ ‬بيان دور املجاز والبديع يف اإلقناع‪.‬‬ ‫اعتمد العنارص اآلتية‪:‬‬
‫وهكذا يتبني أن هذا املقرتح يفتقر إىل االنسجام بني‬ ‫‪ ‬استخراج عنارص املناظرة‪( :‬االدعاء والعارض‬
‫مراحله‪ ،‬إضافة إىل أنه يعتمد بعض املفاهيم املستعصية‬ ‫واملعرتض)‪.‬‬
‫عىل مدارك املتعلمني‪ .‬أما املرحلة األخرية وهي الرتكي‬ ‫‪ ‬األسالي املعتمدة يف املناظرة‪( :‬التعريف واملقارنة‬
‫والتقويم‪ ،‬فقد ُطل من املتعلمني كتابة نص يتطرق إىل‬ ‫واملوازنة)‪.‬‬
‫بعض القضايا املرتبطة باملناظرة تنظريا وتطبيقا‪.‬‬ ‫‪ ‬احلجج املوظفة يف النص‪.‬‬
‫موحدة‬
‫وتأسيسا عىل ما سبق‪ ،‬نالحظ غياب مفردات َّ‬ ‫‪ ‬الوسائل احلجاجية املوظفة‪( :‬السلم احلجاجي)‪.‬‬
‫سلبا عىل جودة‬ ‫للتحليل يف الكتابني‪ ،‬مما سينعك‬ ‫‪ ‬االستدالل بالشاهد القرآين‪.‬‬
‫التعلامت والكفايات املراد حتقيقها‪.‬‬ ‫‪ ‬األسالي اإلنشائية‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪ ‬بناء املناظرة‪.‬‬
‫‪ – 4 .3‬منهجية التحليل‪:‬‬ ‫ولعل أبرز مالحظة عنت لنا بخصوص هذا املقرتح‪،‬‬
‫من نافلة القول‪ ،‬إن النص احلجاجي يتطل قارئا من‬ ‫هي رضورة تقديم احلديث عن بناء املناظرة عىل كل‬
‫نوع خاص‪ ،‬هلذا يفرتض أن يكون املتعلم قادرا عىل‬ ‫املراحل املقرتحة للتحليل‪.‬‬
‫التعامل مع هذا الصنف من النصوص‪ ،‬ومن أجل ذلك‬ ‫أما مقرتح التحليل يف كتاب "النجاح"‪ ،‬فقد تتبع‬
‫ال بد من التسلح بثقافة خاصة‪ ،‬ثقافة حجاجية بامتياز‪.‬‬ ‫اخلطوات اآلتية‪:‬‬
‫هلذا فقد تبنت الوزارة الوصية مدخل الكفايات يف‬ ‫‪ ‬استقراء آراء ابن املقفع يف ضوء مصطلحات‬
‫صياغة منهاج املرحلة الثانوية‪ ،‬من خالل االنتقال من‬ ‫املناظرة‪( :‬العارض واملعرتض)‪.‬‬
‫نقل املعارف اجلاهزة للمتعلم‪ ،‬إىل االهتامم بتمهريه يف‬ ‫‪ ‬بيان أسباب توفر ابن املقفع عىل سلطة حجاجية‪.‬‬
‫‪ ‬استخراج احلجج والرباهني‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫ُيدعى "القراءة املنهجية"‪ ،‬لكن تبني أن األنشطة‬ ‫بناء املعرفة بنفسه‪ ،‬ويعيد استثامر مكتسباته يف وضعيات‬
‫الديداكتيكية املقرتحة يف الكتاب املدر‪،‬ي يف حاجة إىل‬ ‫وسياقات جديدة‪. 1‬‬
‫التطوير والتعديل‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬نقرتح التصور التحلييل‬ ‫وقد تعرفنا آنفا عىل أن إقراء النص احلجاجي يف التعليم‬
‫اآليت‪:‬‬ ‫عىل مقتضيات نموذج حتلييل‬ ‫الثانوي التأهييل يتأس‬
‫عناصــــــــرها‬ ‫املرحـلة‬
‫قراءة يف العتبات (عنوان املناظرة‪ ،‬بداية املناظرة وهنايتها‪ ،‬مصدر املناظرة‪.)...‬‬ ‫املالحظة‬
‫‪ -‬حتديد األطراف احلجاجية (أطراف املناظرة)‪.‬‬
‫الفـهم‬
‫‪ -‬حتديد القضية التي يعاجلها النص أو حتديد املوضوع الذي يدور حوله احلجاج‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد بناء املناظرة (االفتتاح‪ ،‬التدليل‪ ،‬اخلتم)‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد البنية احلجاجية (األطروحة واألطروحة املضادة)‪.‬‬
‫‪ -‬بيان احلجج والرباهني‪.‬‬
‫التحلـيل‬
‫‪ -‬استخراج الروابط احلجاجية‪.‬‬
‫‪ -‬استخراج األسالي (املقارنة‪ ،‬التعريف‪ ،‬الرشط‪ ،‬النفي ‪.)...‬‬
‫‪ -‬دراسة املعجم (جرد املصطلحات الواردة يف املناظرة‪ :‬مصطلحات احلجاج واملناظرة‪ ،‬مصطلحات العلوم والفنون ‪.)...‬‬
‫املقابلة بني النصوص احلجاجية املقرتحة (الرسالة‪ ،‬اخلطبة‪ ،‬املناظرة) من أجل التعرف عىل أوجه التشابه واالختالف بينها‪.‬‬ ‫الرتكيـ‬
‫والتقويم‬

‫املتعلم من فهمها‪ ،‬ثم استثامرها يف النصوص املقرتحة‬ ‫‪ – 2 .3‬إشكالية املصطلحات واملفاهيم‪:‬‬


‫للتحليل‪.‬‬ ‫لعل من بني األخطاء املنهجية يف جمال التأليف املدر‪،‬ي‪،‬‬
‫من "كتاب املمتاز يف اللغة‬ ‫ولقطع الشك باليقني‪ ،‬نقتب‬ ‫إغراق الكتاب املدر‪،‬ي بمجموعة من املصطلحات‬
‫العربية" املقطع اآليت‪" :‬تقوم املناظرة عىل ثالثة عنارص‬ ‫واملفاهيم التي حتتاج إىل تنوير وتوضيح‪ ،‬حتى يتمكن‬
‫أساسية هي االدعاء والعارض واملعرتض" ‪ .2‬ثم يأيت‬

‫‪ 2‬كتاب املمتاز يف اللغة العربية‪ ،‬السنة األوىل من سلك البكالوريا‪،‬‬ ‫‪ 1‬الربامج والتوجيهات‪ ،‬ص‪.1 :‬‬
‫ص‪.195 :‬‬
‫‪162‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫هلذا ال مناص من التعريف باملصطلحات واملفاهيم‬ ‫السؤال هبذه الصيغة‪" :‬حدد مضمون الدعوى التي يدافع‬
‫قبل الزج هبا يف أتون التحليل املدر‪،‬ي (الصفي)‪ .‬ومن هنا‬ ‫عنها العارض أو املدعي‪ ،‬والدعوى املخالفة التي يدافع‬
‫نؤكد عىل أمهية تفعيل أدوار الدرس اللغوي يف التعليم‬ ‫عنها املعرتض يف هذه املناظرة"‪ .1‬فكيف للمتعلم أن حيدد‬
‫الثانوي التأهييل‪ ،‬عالوة عىل تطوير األنشطة الديداكتيكية‬ ‫هذه العنارص‪ ،‬وهو ال يفقه املصطلحات الواردة يف‬
‫املقرتحة يف الكتاب املدر‪،‬ي حتى يتحقق اهلدف املنشود‬ ‫السؤال‪ ،‬وال يعي الفروق بينها؟‬
‫من دراسة النص املناظري‪ ،‬ولتحقيق ذلك نقرتح ما يأيت‪:‬‬ ‫ومن األمثلة األخرى الدالة عىل إغراق الكتاب املدر‪،‬ي‬
‫• ختم املحور أو املجزوءة بمرسد للمصطلحات‬ ‫باملصطلحات واملفاهيم املفتقرة إىل التنوير والتوضيح ما‬
‫واملفاهيم املرتبطة باحلجاج والنص املناظري‪.‬‬ ‫ورد يف كتاب "النجاح يف اللغة العربية"‪" :‬النص ينتمي‬
‫• ختم الدرس بالئحة للمصادر واملراجع املرتبطة‬ ‫عن‬ ‫إىل القول احلجاجي اجلديل‪ ،‬متعن يف قراءته‪ ،‬وأج‬
‫باحلجاج واملناظرة‪ ،‬إضافة إىل املواقع اإللكرتونية‬ ‫األسئلة"‪ .2‬إذ يالحظ استعجال املؤلفني اإلجابة عن‬
‫املهتمة باملوضوع‪.‬‬ ‫األسئلة دون تنوير عبارة "القول احلجاجي اجلديل"‪.‬‬
‫• اقرتاح نصوص مساعدة يف بداية املجزوءة أو‬ ‫واألمر نفسه يف سياق آخر من الكتاب؛ إذ ورد قوهلم‪:‬‬
‫املحور هدفها تأطري النصوص املقرتحة للتحليل‪،‬‬ ‫"ينتمي النص إىل القول احلجاجي املصنف إىل مرات‬
‫من خالل ختصيصها احلديث عن املناظرة واحلجاج‬ ‫تضم أصنافا من احلجج‪ :‬فهناك حجة برهانية تفيد اليقني‪،‬‬
‫بصفة عامة‪.‬‬ ‫وحجة مقاربة لقوة اليقني‪ ،‬وحجة خطابية تفيد ظنا‬
‫‪ – 3 .3‬إشكالية التكامل بني مكونات الكتاب‬ ‫راجحا مقبوال"‪ .3‬إذ ال يعقل أن يرسد هذا الكالم هبذه‬

‫املدر‪،‬ي‪:‬‬ ‫من املتعلم أن يتمعن يف أجوبة ابن‬ ‫الطريقة ثم ُيطل‬

‫لعل من بني املالحظات التي اسرتعت انتباهنا‪،‬‬ ‫املقفع ويبني نوعية احلجة التي وظفها ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ونحن بصدد دراسة النموذج املقرتح يف الكتابني‬

‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪.185 :‬‬ ‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص‪.195 :‬‬


‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص‪.185 :‬‬ ‫‪ 2‬النجاح يف اللغة العربية‪ ،‬السنة األوىل من سلك البكالوريا‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.186‬‬
‫‪163‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫املناظري بمعية جمموعة من الدروس التي ال تنسجم‬ ‫للدروس‬ ‫املدرسيني‪ ،‬ذلك التوزيع غري املتجان‬
‫مع آليات حتليله باعتباره نصا حجاجيا؛ إذ تم اقرتاح‬ ‫خصوصا ما يتعلق بمكونات اللغة العربية (النصوص‬
‫الدروس اآلتية‪:‬‬ ‫والتعبري واإلنشاء وعلوم اللغة)‪ .‬فقد ورد النص‬
‫مكون علوم اللغة‬ ‫مكون التعبري واإلنشاء‬ ‫مكون النصوص‬
‫‪ -‬أنامط حجاجية‪:‬‬
‫‪ -‬االستفهام‬
‫‪ -‬نموذج من أدب الرتاسل‪.‬‬
‫‪ -‬التمني‬ ‫مهارة التعليق واحلكم‬
‫‪ -‬نموذج من أدب اخلطابة‪.‬‬
‫‪ -‬النداء‬
‫‪ -‬نموذج من أدب املناظرة‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني من خالل اجلدول أعاله غياب االنسجام بني مكونات الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬فاألجدر أن ينفتح الدرس‬
‫اللغوي عىل احلجاج واملناظرة‪ ،‬إضافة إىل مهارة تساير معطيات مكوين النصوص وعلوم اللغة‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬نقرتح‬
‫التصور اآليت‪:‬‬

‫مكون علوم اللغة‬ ‫مكون التعبري واإلنشاء‬ ‫مكون النصوص‬


‫‪ -‬البنية احلجاجية‬ ‫‪ -‬أنامط حجاجية‪:‬‬
‫‪ -‬احلجج والرباهني‬ ‫‪ -‬نموذج من أدب الرتسل‪.‬‬
‫مهارة إنتاج نص حجاجي‪ /‬مناظري‬
‫‪ -‬الروابط احلجاجية‬ ‫‪ -‬نموذج من أدب اخلطابة‪.‬‬
‫‪ -‬األسالي احلجاجية‬ ‫‪ -‬نموذج من أدب املناظرة‬
‫‪164‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫الشــوا غل التي تؤرق ا ملدرس أثناء املامرســـة‬ ‫ومن شأن هذا املقرتح أن يوفر الفرش النظري‬
‫الرتبو ية؛ ف قد اتضــح من خالل ما ســبق‬ ‫الذي سيسمح للمتعلم بمد اجلسور بني‬
‫صــعو بات حتل يل النص احل جاجي من خالل‬ ‫املعطيات النظرية والنصوص املقرتحة للتحليل‬
‫ن موذج ا مل نا ظرة‪ ،‬و ل عل من بوا عث هذه‬ ‫يف الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬فالدروس املقرتحة يف‬
‫الصــعو بات ما يتعلق بالن قل ا لد يداكتيكي‬ ‫مكون علوم اللغة منسجمة مع األنامط‬
‫للم ناظرة من ح قل املعر فة ال عا ملة إىل ح قل‬ ‫احلجاجية الواردة يف مكون النصوص‪.‬‬
‫املعرفة املدرسية‪ ،‬مما أدى إىل السقوط يف مهاوي‬ ‫كام أن املهارة املقرتحة أعم وأشمل من مهارة‬
‫التبسيط والتقزيم والتهويل أحيانا أخرى‪.‬‬ ‫"التعليق واحلكم"‪ ،‬فاملناظرة من حيث هي‬
‫إن هذه اإلشــكاليات مرتبطة أســاســا بواقع‬ ‫حواري برشوطها املعلومة‪ ،‬يمكن أن‬ ‫تناف‬
‫األدب يف املؤســســـات التعليم ية‪،‬‬ ‫تدري‬ ‫تتخذ منهجا تعليميا ناجحا وطريقة تربوية‬
‫واملسامة بـ "القراءة‬ ‫فاملنهجية املقرتحة للتدري‬ ‫تضمن تكوينا متينا يف منهجيات احلوار‬
‫املنهج ية"‪ ،‬قد تكون من بني العوا مل التي‬ ‫وأخالقياته‪ ،‬ما دام أن احلوار مدخل أساس يف‬
‫أساءت إىل درس األدب؛ إذ حتاول أن ُت س ٍّيج ما‬ ‫أية عملية تعليمية ‪.1‬‬
‫لحة إلعادة‬
‫ال ُيســ َّيج‪ .‬هلذا أصــبحت احلاجة ُم َّ‬ ‫‪1‬‬
‫النظر يف الكت املدر سية من أجل الو صول إىل‬ ‫وختاما‪ ،‬ال ندعي يف هذا العمل احلرصــية‬
‫اجلودة املنشودة‪.‬‬ ‫والشــمول‪ ،‬إنام نحاول إثارة االنتباه إىل بعض‬

‫‪ 1‬العيايش ادراوي‪ ،‬احلوار االختاليف أو مسلك التناظر‬


‫الكالمي‪ ،‬دار إفريقيا الرشق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2142 ،4:‬‬
‫ص‪.9 :‬‬
‫‪165‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫‪ ‬حسني الصديق‪ ،‬املناظرة يف األدب العريب‬ ‫‪ ‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة واحلجاج‪ ،‬األمحدية‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪ ،‬ط ‪.2111 ،4:‬‬ ‫للنرش‪ ،‬الدار البيضاء‪.2113 ،‬‬
‫‪ ‬رحيم جرب أمحد احلسناوي‪ ،‬املناظرات اللغوية‬ ‫اللغة‬ ‫‪ ‬الربامج والتوجيهات اخلاصة بتدري‬
‫واألدبية يف احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬دار أسامة‬ ‫العربية بالسنة األوىل من سلك البكالوريا‪ ،‬وزارة‬
‫للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.4777 ،4 :‬‬ ‫الرتبية الوطنية‪ ،‬مديرية املناهج‪.2113 ،‬‬
‫‪ ‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬دار ليبيا للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪ ‬اجلرجاين(الرشيف عيل بن حممد)‪ ،‬كتاب‬
‫بنغازي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.4773 / 4393 ،‬‬ ‫التعريفات‪ ،‬حققه ودرسه‪ :‬حممد صديق‬
‫‪ ‬الزخمرشي‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحيم‬ ‫املنشاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪.‬‬
‫حممود‪ ،‬عرف به‪ :‬أمني اخلويل‪ ،‬ط‪ ،4 :‬اجلديدة‬ ‫‪ ‬مجال الدين ناسك وحلسن الصديق وحممد أبحري‪،‬‬
‫‪.4753/ 4392‬‬ ‫معجم مصطلحات التكوين الرتبوي واإلداري‪،‬‬
‫‪ ‬رشح آداب البحث‪ ،‬طاش كربي زادة‪ ،‬ضمن‬ ‫منشورات املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين‪،‬‬
‫جملة‪ :‬املناظرة‪ ،‬العدد‪ ،3 :‬السنة الثانية‪ ،‬ذو احلجة‬ ‫بني مالل‪ ،‬ط‪ ،4:‬دجنرب ‪.2149‬‬
‫‪.4771 /4141‬‬ ‫‪ ‬مجيل محداوي‪ ،‬حمطات العمل الديداكتيكي‪،‬‬
‫‪ ‬طه عبد الرمحن‪ ،‬يف أصول احلوار وجتديد علم‬ ‫السلسلة الرتبوية (‪ ،)4‬مكتبة سلمى الثقافية‬
‫الكالم‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫بتطوان‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2145/4133 :‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪.2119 ،3 :‬‬ ‫‪ ‬اجلوهري(إسامعيل بن محاد)‪ ،‬الصحاح تاج اللغة‬
‫وصحاح العربية‪ ،‬راجعه واعتنى به‪ :‬د حممد حممد‬
‫تامر وآخرون‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة‪:‬‬
‫‪.2117/4131‬‬
‫‪ ‬عبد الرمحان حسن حبنكة امليداين‪ ،‬ضوابط املعرفة‬
‫وأصول االستدالل واملعرفة‪ ،‬دار القلم دمشق‪،‬‬
‫ط‪.4773 ،1 :‬‬
‫‪166‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫‪ ‬حممد أبحري‪ ،‬خطاب املناظرة يف األدب األندليس‪،‬‬ ‫‪ ‬عبد اهلل بنخلفان بنعبد اهلل آلعايش األسمري‪،‬‬
‫من القرن الرابع إىل هناية القرن الثامن اهلجري‪،‬‬ ‫أسلوب املناظرة وتطبيقاته يف الفكر الرتبوي‬
‫دار كنوز املعرفة‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2145 ،4:‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ضمن املؤمتر الدويل الرابع "اخلطابة‬
‫‪ ‬حممد أوحلاج‪ ،‬دليل تقنيات التواصل ومهارات‬ ‫واملناظرة واحلوار‪ :‬نحو تأصيل منهجية التمكني‬
‫التعبري واإلنشاء‪ ،‬طوب إديسون‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫يف مؤسساتنا التعليمية"‪ ،‬مناظرات قطر‪.‬‬
‫ط‪.2115 ،4:‬‬ ‫‪ ‬عيل آيت أوشان‪ ،‬ديداكتيك التعبري والتواصل‬
‫‪ ‬حممد أوحلاج‪ ،‬ديداكتيك التعبري واإلنشاء‪،‬‬ ‫وتدبري التعلامت‪ ،‬سلسلة دراسات بيداغوجية‬
‫تقنيات ومناهج‪ ،‬السلسلة البيداغوجية (‪،)43‬‬ ‫(‪ ،)3‬دار أيب رقراق للطباعة والنرش‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫ط‪،4:‬‬ ‫البيضاء‪،‬‬ ‫الدار‬ ‫الثقافة‪،‬‬ ‫دار‬ ‫‪ ‬العيايش ادراوي‪ ،‬احلوار االختاليف أو مسلك‬
‫‪.2114/4122‬‬ ‫التناظر الكالمي‪ ،‬دار إفريقيا الرشق‪ ،‬الدار‬
‫‪ ‬حممد أوحلاج وحممد مكيس‪ ،‬ديداكتيك إقراء‬ ‫البيضاء‪ ،‬ط‪.2142 ،4:‬‬
‫النصوص‪ ،‬تنظري وتطبيق‪ ،‬سلسلة قضايا الرتبية‬ ‫‪ ‬ابن فارس(أمحد بن فارس)‪ ،‬معجم مقايي‬
‫والتكوين‪ ،‬نرش‪ :‬إديسيون بلوس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫اللغة‪ ،‬حققه وضبطه‪ :‬عبد السالم حممد هارون‪،‬‬
‫ط‪.2143 ،4 :‬‬ ‫ط‪ ،4:‬دار إحياء الكت العربية‪ ،‬القاهرة‪.4337 ،‬‬
‫‪ ‬حممد مكيس‪ ،‬ديداكتيك القراءة املنهجية‪،‬‬ ‫‪ ‬كتاب املمتاز يف اللغة العربية‪ ،‬وزارة الرتبية‬
‫مقاربات وتقنيات‪ ،‬السلسة البيداغوجية (‪،)4‬‬ ‫الوطنية‪ ،‬السنة األوىل من سلك البكالوريا‪.‬‬
‫دار الثقافة ‪ /‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪:‬‬ ‫‪ ‬كتاب النجاح يف اللغة العربية‪ ،‬وزارة الرتبية‬
‫‪.4779‬‬ ‫الوطنية‪ ،‬السنة األوىل من سلك البكالوريا‪.‬‬
‫‪ ‬ليونيل بلنجر‪ ،‬اآلليات احلجاجية للتواصل‪،‬‬
‫ترمجه‪ :‬عبد الرفيق بوركي‪ ،‬صمن كتاب احلجاج‬
‫احلديث‬ ‫مفهومه وجماالته‪ ،‬عامل الكت‬
‫األردن‪.2141،‬‬
‫‪167‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوين والتكوين‬
‫التربيةفي التربية‬
‫المتخصصة‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في‬ ‫المجلة‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

‫‪1‬‬

‫استهدفت هبذا البحث دراسة مكانة الذات القارئة ودورها يف نشاط قراءة النصوص األدبية يف قسم اللغة‬
‫ُ‬
‫تعلامت‬ ‫العربية‪ ،‬واإلسهام يف التفكري النظري والعميل يف شأن هذا املوضوع ألجل وضع نموذج ديداكتيكي لتدري‬
‫فاهتممت يف‬
‫ُ‬ ‫صغت اإلشكالية اآلتية‪ :‬كيف ندرس األدب باستحضار الذات القارئة؟‬
‫ُ‬ ‫قراءة النصوص األدبية؛ لذا‬
‫البداية بتويل القارئ زمام أمور قراءته األدبية‪ ،‬واإلطار النظري‪ ،‬وحدود التأويل؛ حيث بدا أن القارئ أثناء تأويل‬
‫النصوص األدبية يمتلك حرية‪ ،‬لكنها حتت الضغط واإلكراه‪ .‬واقتضت هذه الدراسة أن أطرح جمموعة من أسئلة‬
‫البحث من قبيل‪:‬‬
‫‪ ‬ما املقصود بنص أديب من وجهة نظر ديداكتيكية؟‬
‫‪ ‬فهم النصوص األدبية وتأويلها‪ :‬أي متييزات؟ وأي صالت؟‬
‫‪ ‬ما املقصود بالذات القارئة؟‬
‫تعلامت قراءة النصوص األدبية؟‬ ‫‪ ‬أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري‬
‫وقدمت دراسة لنـص الـرحلة أليب العباس أمحد بن نارص الدرعي وعنوانه أرض التيه‬
‫ُ‬ ‫أجبت عن تلك األسئلة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ألجل استحضار الذات القارئة يف خالل جمريات تعلامت القراءة‪ .‬واقتضت هذه الدراسة االهتامم بالعنرصين اآلتني‪:‬‬
‫‪ ‬املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات القارئة‪.‬‬
‫‪ ‬إرشاك القارئ إلتاحة استثامر ذاتية قراءة التالميذ‪.‬‬
‫واتضح أن إخالء املكان للذات القارئة يف القراءة األدبية يمنح معنى للتعلامت القرائية‪ ،‬وجيدد تصورنا للمعنى‪،‬‬
‫وخيول للتالميذ استثامرا ذاتيا وفكريا ووجدانيا‪.‬‬
‫األدب‪ ،‬مكانة ذاتية القارئ‪ ،‬النصوص األدبية‪ ،‬نـص الـرحلة‪.‬‬ ‫‪ :‬الذات القارئة‪ ،‬تدري‬

‫‪ -1‬أستاذ التعليم العايل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين‪ ،‬ابن رشد ‪-‬مراكش‪.‬‬
‫‪168‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫خصائصها اجلوهرية لتتبنى خصائص البطل‪ ،‬وتتمنى أن‬
‫تكونه‪ .‬وهذا التامهي أو تلك الروابط التي تنسجها‬
‫اعتنيت بموضوع مكانة ذاتية القارئ نطرا النرصاف‬
‫ُ‬
‫الذات القارئة مع بعض الشخصيات هي التجارب‬
‫األدب يف املؤسسات التعليمية واجلامعية‬ ‫العناية بتدري‬
‫القرائية التي تتكفل بتنشئة الذات القارئة ‪ .‬وهبذا التصور‬
‫‪2‬‬
‫إىل النص األديب ومبدعه‪ ،‬وعدم االكرتاث بالذوات‬
‫النقدي الصادر عن توجه مجالية التلقي‪ ،‬يمكن إفادة‬
‫القارئة وإسهاماهتا يف عملية قراءة النص األديب وإعادة‬
‫األدب وفتح مستويات البحث العلمي أمام‬ ‫تدري‬
‫بنائه؛ ذلك ألن تلك الذوات حتمل عدة متثالت ختتلف‬
‫الباحثني واملهتمني بمنهجية القراءة ملعاجلة مواضيع من‬
‫مع مضامني النصوص األدبية‪ .1‬فمعنى النص يتحدد من‬
‫قبيل‪:‬‬
‫خالل التفاعل بني مبدعه و ُقرائه من حيث تفسري القضايا‬
‫* عالقة القارئ بالنص األديب؛‬
‫التي حيملها النص وتأويلها؛ حيث تنأى القراءة عن‬
‫األدب؛‬ ‫* ذاتية القراءة وتدري‬
‫اخلطية ويغدو فعلها غري متتابِع‪ ،‬ولكنه ملتف ومنبسط‬
‫* بالغة القراءة ومكانة القارئ يف الثقافة البالغية‪.‬‬
‫بالتوقفات والتأمالت والتداعيات والذهاب واإلياب‬
‫واستهدف هذا البحث اإلسهام يف التفكري النظري‬
‫داخل النص األديب‪ .‬ويتيح استحضار الذات القارئة‬
‫والعميل بشأن مكانة قارئ النصوص األدبية يف قسم‬
‫الكشف عن الشاكلة التي يتحدد هبا ذوق القارئ‬
‫اللغة العربية ودوره‪ .‬ويندرج موضوعه يف إطار دراسة‬
‫وهويته‪ ،‬ووصف اللقاء بني عامل النص األديب وعامل‬
‫تعلامت‬ ‫نظرية ألجل وضع نموذج ديداكتيكي لتدري‬
‫القارئ؛ كأن ينجز التلميذ أو الطال بام هو قارئ للنص‬
‫صغت اإلشكالية اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قراءة النصوص األدبية؛ لذا‬
‫األديب مقايسة بني ذاته والنصوص األدبية التي أثرت فيه‪،‬‬
‫كيف ندرس األدب باستحضار الذات القارئة ؟‬
‫فيصف ذاته من خالل جمريات تلك النصوص‪ ،‬وبخاصة‬
‫فهل هو قارئ يفهم املعاين الواردة يف النصوص‬
‫اللحظات التي تتداخل فيها الذات القارئة ببطل القصة‬
‫األدبية ويؤوهلا ؟ مع العلم أن قراءته تعتمد ثقافته اخلاصة‬
‫إن كانت مثرية أو ببطل الرواية أو املقامة أو الرحلة‪...‬‬
‫ومتثالته للمفاهيم واألشياء‪ ،‬كل هذا مندغم باألبعاد‬
‫فتتامهى حينئذ الذات القارئة يف البطل‪ ،‬وتتخىل عن‬

‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪.9 :‬‬ ‫‪ُ -‬ينظر احلسن بواجالبن‪ :‬فصول من كتاب الذات القارئة‪ ،‬القراءة‬ ‫‪1‬‬

‫األدب‪ ،‬ترمجة وتقديم‪ ،‬مكتبة تيفيناغ للطباعة‬ ‫الذاتية وتدري‬


‫والنرش‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة ‪ ،2124 ،4‬ص‪.9 :‬‬
‫‪169‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫انتقادات‪ ،‬من ذلك أهنا تقدم النص األديب مثل كيان‬ ‫العاطفية واالجتامعية واملعرفية لذاتيته‪ .‬وهو ما اقتيض‬
‫لغوي مغلق وتام‪.‬‬ ‫مني االطالع عىل نظريات القراءة والنظريات‬
‫‪2‬‬ ‫الديداكتيكية اخلاصة بقراءة النصوص األدبية قصد‬
‫عند هناية سنوات السبعينيات من القرن املايض‪،‬‬ ‫تعرف أنشطة القارئ ووصفها‪ ،‬باإلضافة إىل استحضار‬
‫تم التنظري لألدب يف إطار املقاربات اخلارجية املسامة‬ ‫الشكالنية واألثر اجلاميل‪ ،‬ومجالية التلقي‪ ،‬وبالغة القراءة‪،‬‬
‫نظريات القراءة‪ ،‬والتي ترى أن النصوص ال متنح األدب‬ ‫والقراءة األدبية من الفهم إىل التأويل‪ ،‬والقارئ وذاتيته‪.‬‬
‫أدبيته‪ ،‬وإنام القارئ هو من يمنح النص األديب أدبيته‪.‬‬
‫‪-1‬‬
‫‪ .1-2‬من األثر اجلاميل إىل مجالية التلقي‪.‬‬
‫كانت دراسة األدب تتم يف إطار املقاربات‬
‫منذ أعامل ياوس و أعامل إيزر‪ ،‬مل يكن بوسع إنتاج‬
‫الداخلية إىل حدود أواسط السبعينيات من القرن املايض‪.‬‬
‫املعنى أن جيد مصدره يف النص‪ .‬واقرتحت نظريات‬
‫وكانت تلك املقاربات تستهدف إظهار اخلصائص‬
‫القراءة أن ين َتج املعنى من قِبل من يقرأ النص‪.‬‬
‫اجلوهرية للنصوص األدبية‪ .‬وكانت املقاربة الشكالنية‬
‫وبالنسبة إىل إيزر‪ ،‬فنشاط القارئ هو موضوع تساؤل‬
‫تبحث عام يمنح تلك النصوص طابع األدبية‪ .‬ثالث‬
‫بواسطة فجوات النص وبياضاته‪ ،‬هذه أمكنة‬
‫سامت ميزت املقاربة الشكالنية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫االلتباس‪ .1‬فهذه األمكنة هي التي تتيح للقارئ خمتلف‬
‫أ ‪ -‬دراسة اللغة يف حد ذاهتا‪ ،‬مستويات‪ :‬املعجم‪،‬‬
‫التأويالت‪ ،‬وإسهاما يف جمريات هذه احلركة‪. 2‬‬
‫والرتكي ‪ ،‬واألوجه األسلوبية‪ ،‬وبنية الرسد‪.‬‬
‫يتضمن املؤ َّلف األديب يف ثناياه التباسا‪ ،‬ال يقوى عىل‬
‫ب‪ -‬دراسة إدماج املؤ َّلف األديب يف شبكة النصوص‬
‫رفعه إال عالقة القارئ به‪ .‬ينظر يف فراغات النص‪،‬‬
‫األديب ذاته (معامرية النص)‪،‬‬ ‫ذات النمط نفسه‪ ،‬واجلن‬
‫فينتدب نفسه كي يمأل بياضاته‪ .‬وهو ما يدل عىل أن‬
‫ودراسة النصوص الداخلية ( التناص)‪.‬‬
‫القارئ هو مضمر النص‪ .‬واألثر اجلاميل واجلامل مها‬
‫ج‪ -‬دراسة العنارص الشكلية للنص وإسهام تركيبها يف‬
‫حصيلة املتعة التي تعرب عنها الذات القارئة التي يتلقى‬
‫آثار املعنى‪ .‬وقد ُوجهت للمقاربة الشكالنية عدة‬
‫املؤ َّلف األديب أثناء إجاباته عن النداءات التي تؤرش عليها‬

‫‪2‬‬
‫‪- Ibid.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-Voir Iser. Wolfgang: P. Mardaga 85 Acte de‬‬
‫‪lecture Théorie de l'effet esthétique, 1985, p: 318.‬‬
‫‪170‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫بالرغم من عدم عيشه يف الفرتة التي شهدت ميالد‬ ‫البنية الشكلية‪ .‬فالقارئ حيني اإلمكانيات الكامنة يف‬
‫النص‪ .‬وال يمكن أن نقيم وزنا للقارئ الواقعي ما مل نقدر‬ ‫أشكال املؤ َّلف األديب‪ ،‬ويرفع عنها التباساهتا الطبيعية‪.‬‬
‫تارخيية القارئ وأفق انتظاره‪.2‬‬ ‫كل نص ينتظر قارئا هو فعل قراءة؛ ذلك ألن رشوط‬
‫روبري ياوس اجتاها فلسفيا وتارخييا‬ ‫اتبع هان‬ ‫تلقيه الواقعية مالزمة للنص‪ .‬وبالنسبة إىل ياوس‪ ،‬يلزم‬
‫فجعل التلقي تارخييا‪ ،‬أما ُوولف غانغ إيزر؛ فقد أس‬ ‫الدفاع عن فكرة التجربة اجلاملية‪ .‬وكشف اجلامل ُيلمح‬
‫نظريته عىل ما هو أبعد وأشمل‪ ،‬وبنى نظريته يف التلقي‬ ‫عند تلقي النص األديب‪ .‬ويعلن ياوس أن القارئ هو‬
‫عىل التفاعل بني النص والقارئ‪ ،‬واهتمت نظرية التلقي‬ ‫اإلضامر الوافد يف النص واملميز له؛ لذا اقرتح التمييز‪.‬‬
‫عند ياوس بالكيفية التي يتم هبا استقبال النص األديب يف‬ ‫واألثر الوافد داخل املؤ َّلف األديب وعملية تلقيه‬
‫فرتة تارخيية معينة‪ ،‬يف حني حفلت نظرية التأثري لدى إيزر‬ ‫»عنرصان مكونان لتحقيق املعنى‪ -‬األثر الذي أنتجه‬
‫بامتالك النص األديب تأثريا يف قرائه‪ ،‬فمثل ياوس االجتاه‬ ‫املؤلف‪ ،‬والذي يعد وظيفة املؤ َّلف‪ ،‬والتلقي املحدد من‬
‫التارخيي ومثل ُوولف غانغ إيزر االجتاه اهلريمينوطيقي‬ ‫طرف املخا َط املتلقي للمؤ َّلف « ‪.1‬‬
‫واعتنى بنظرية الوقع اجلاميل وهو ما يالئم موضوع‬ ‫فاألثر الذي ينتجه املؤ َّلف األديب‪ ،‬وتلقي املؤ َّلف مها‬
‫بحثي؛ لذا سأعتمد إسهام ُوولف غانغ إيزر‪.‬‬ ‫يف تفاعل دائم خالل إنتاج املعنى‪ .‬األثر مسجل يف أفق‬
‫هي‪ » :‬النص‪ ،‬والقارئ‪،‬‬ ‫بنى إيزر نظريته عىل ثالثة أس‬ ‫األديب‪ ،‬يتم‬ ‫االنتظار األديب‪ .‬يطابق املؤ َّلف اجلن‬
‫وتفاعلهام « ‪ . 3‬انطلقت نظرية إيزر اجلاملية التي تربط بني‬ ‫إحداث صدى النصوص الداخلية واملعارصة‪ .‬إن تلقي‬
‫النص األديب والقارئ من العالقة اجلدلية‪ ،‬وتأسست عىل‬ ‫املؤ َّلف مسجل يف أفق انتظار اجتامعي‪ ،‬أفق القارئ‪ .‬فهو‬
‫التفاعل بينهام‪ .‬ويلزم استحضار املبدع والنص والقارئ‬ ‫يتموضع يف فرتة ويف خضم سياق اجتامعي‪ ،‬وله نظرته‬
‫كي يتحقق التفاعل والتأويل‪.‬‬ ‫اخلاصة به إىل العامل واألشياء‪ ،‬ويمكن أن تكون لديه‬
‫اهتم إيزر بقضية بناء املعنى وهي مهمة القارئ‬ ‫فكرة بشأن التيارات اجلاملية‪ ،‬واألجناس األدبية‪،‬‬
‫من خالل تفاعله مع النص‪.‬‬ ‫والنصوص األدبية املتميزة جدا يف فرتة تارخيية معينة‬

‫‪- 3P. Mardaga 85. P: 14. "Théorie de l'effet‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪- p : 259.‬‬ ‫‪Jauss. H.R : Pour une ésthétique de la‬‬
‫‪esthétique "Wolfgang Iser: " Acte de lecture‬‬ ‫‪réception Gallimard. 1979,‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪171‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫رشوخا وفراغات فيها تَثوي القراءة‪ ،‬ومنها َيعرب القارئ‬
‫العبور من املعنى اجلاهز إىل الوقع‪:‬‬
‫إىل ما مل َي ُقله النص‪ ،‬وبذلك يتحقق النص األديب‪ .‬يلزم‬
‫أمهل إيزر املعنى اجلاهز الذي يقدمه الرشح أو‬
‫إذا أن نميز بني النص وحتققه؛ ذلك ألن إيزر يرى أن‬
‫التأويل‪ ،‬واعتنى باملعنى الذي يشكل صورة‪ 1‬؛ أي املعنى‬
‫النص » يرسم حتقق معناه « ‪ ،4‬فيصبح النص ذا قيمة‬
‫الذي يعايشه القارئ‪ ،‬وحيدث فيه وقعا‪ ،‬ثم يتفاعل معه‪.‬‬
‫مجالية إذا كان يتمتع » بالقدرة عىل إنتاج يشء آخر غريه‪5‬؛‬
‫وأثناء ذلك التفاعل يتِم اللقاء بني القارئ والنص‪،‬‬
‫ذلك ألن العادة َج َرت أن يكون » الكتاب قد كُت‬
‫وحينئذ يكون القارئ أمام مظهرين للنص‪:‬‬
‫بكيفية ُختول له حتمل إعادة بناء نظري وتسهيله‪ .‬ال يشء‬
‫‪-‬األول‪ :‬مظهر نيص؛ حيث حيرض النص أمام القارئ‬
‫يرغم القارئ عىل استخالص املعنى الدقيق لكل مجلة‪،‬‬
‫ببعده الفني فقط‪ :‬بمكوناته وانسجامه‪ ،‬فيكتفي باملعاين‬
‫وال معنى كل كلمة‪ ،‬بالرغم من أنه يوجد ضمن املعاين‬
‫املرشوحة‪.‬‬
‫املتقابلة معنى أكثر إقناعا‪ ،‬فقوة النص تكمن يف هذا‬
‫‪-‬الثاين‪ :‬مظهر مجايل يرتبط باملعاين التي ال توجد بني مجل‬
‫االلتباس املستمر‪ ،‬داخل الرنني املتواصل لعدد كبري من‬
‫النص‪ ،‬وإنام باإلحياءات التي حتدثها املعاين املرشوحة‪.‬‬
‫املعاين التي تُتيح االختيار دون أن ختضع لسيطرته « ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫يتم إذا إرشاك املتلقي يف بناء املعنى بواسطة التقائه‬


‫أما بالنسبة إىل بناء معنى النص‪ ،‬فريى إيزر أن‬
‫بالنص‪ .‬و " يتموضع مكان اللقاء بينهام يف موقع العمل‬
‫النص يكتس معناه بفعل القراءة ‪ ،‬ومرجعيتها؛ إذ يبني‬
‫األديب "‪.2‬‬
‫القارئ عالقة الداللة بمرجعيتها بتمثل خاص للواقع‪.7‬‬
‫والوقع الذي حيصل عند التقاء القارئ بالنص‬
‫والوقع جزء من فعالية كاملة‪ ،‬وهو ما يتضح عندما هنتم‬
‫هو وقع مجايل‪ .‬ويعترب ُوولف غانغ إيزر اجلاميل حدثا‬
‫بمسألة إحداث الوقع‪ ،‬فالعنارص املسؤولة عن ذلك‬
‫يعيشه القارئ‪ .3‬وحيرضين تساؤل أساس هو‪ :‬أيكمن‬
‫كثرية‪ ،‬من ذلك ت ََضمن النص األديب طابع الغرائبية "‬
‫البعد اجلاميل للنص‪ ،‬يف الداللة التي يمنحها الرشح‪ ،‬أم يف‬
‫‪ ،"Le fantastique‬وطبيعة املحيط وكل تأثرياته‪،‬‬
‫ما خيتزنه من أفكار ِس َمتُها استفزاز القارئ؟ إن للنص‬

‫‪ - 5‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ُ - 1‬ينظر املرجع السابق‪.34 :‬‬


‫‪- 6Umberto Eco: L'œuvre ouverte. Seuil. 4797.‬‬ ‫‪ -2‬املرجع نفسه‪.19 :‬‬
‫‪P: 268 -269.‬‬ ‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪.55 :‬‬
‫‪- 7012 voir Acte de lecture Théorie de l'effet‬‬
‫‪esthétique:‬‬ ‫‪- 4.61 Théorie de l'effet esthétique : Acte de‬‬
‫‪lecture‬‬
‫‪172‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫املنفلِت‪ .‬هذا اجلزء من املعنى يندس يف حنايا الفرج‬ ‫وجمموع ما ختتزنه الذاكرة من معلومات‪ ،‬وجتارب‪.‬‬
‫وانفتاحات املؤ َّلف‪.‬‬ ‫»فتتصارع تلك املعطيات داخل نفسية القارئ‪ ،‬ف ُيح ِج ُم‬
‫‪ -‬ما يرتبط بالقارئ‪ :‬فهو من يقدم املعنى للنص بعد‬ ‫بعضها ليرتك مكان الصدارة ألخرى‪ ،‬ويوازي زمنيا هذه‬
‫رجوعه إىل معارفه اخلاصة‪ ،‬ومفسحا املجال أمام‬ ‫العملية‪ ،‬فيام أرى‪ ،‬إنجاز آخر؛ إذ ُيقدم القارئ عىل‬
‫تصوراته ومعارفه عن العامل‪ .‬وعىل الرغم من تفرعها من‬ ‫االنغامس يف تلك التجربة اجلاملية‪ ،‬أو ُحي ِج ُم عنها « ‪،1‬‬
‫حقوق القارئ ‪ ،‬فهي أيضا منبثقة من مجعية القراء‪ .‬ورغم‬ ‫تفاجأ بأحداث عجائبية‪.‬‬
‫ف َيع َرتيه الرتدد‪ ،‬كام هو الشأن إن َ‬
‫أن املؤ َّلف قد ترك للقارئ مبادرة التأويل‪ ،‬فهذا اليعني‬ ‫والقارئ حينئذ يبحث عن موقع داخل النص‬
‫أن املؤ َّلف سيقبل كل التأويالت‪.‬‬ ‫الذي جتاوز مرحلة قراءته إىل مستوى التفاعل معه‪،‬‬
‫‪ -‬ما يتصل باملؤ َّلف‪ :‬كل الدالالت املحتملة اجلوهرية‬ ‫فينفعل القارئ ويندمج بام ُمتليه عليه قراءته‪ » ،‬فيبدأ يف‬
‫لبنية املؤ َّلف‪ .‬فبالنسبة إىل أمربطو إيكو‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫إقامة جمموعة من الصور الومهية « ‪.2‬‬
‫تبدى حرية القارئ إال داخل حدود معينة‪ ،‬وال يمكن أن‬ ‫‪3‬‬

‫متارس عىل حساب املعنى احلريف‪ .‬وهذا ما يذكر به‬ ‫بالنسبة إىل أمربتو إكو‪ ،‬فإن ملعنى مؤ َّلف أديب ثالثة‬

‫أمربطو إيكو داخل هذه الصياغة‪ » :‬تتوافق حدود‬ ‫أصول‪ ،‬هي‪ :‬الكات ‪ ،‬والنص والقارئ‪ .‬وحيدد املعنى‬

‫التأويل وحقوق النص « ‪ ، 3‬إن حرية القارئ يف التأويل‬ ‫اعتامدا عىل ثالث غايات هي‪:‬‬

‫واقعة حتت اإلكراه نظرا للحدود التي يقرتحها النص‬ ‫‪ -‬ما يتصل بالكات ‪ ،‬فهو من يقوم تطوعا باختيار‬

‫األديب‪.‬‬ ‫املوضوعات املعاجلة‪ ،‬واملعنى املرجو‪ ،‬ومناهج التأويل‬

‫‪ .1-3‬تأويل النصوص األدبية‪ :‬حرية حتت الضغط‬ ‫الواردة يف النص‪ ،‬واألطروحات املدا َفع عنها‪،‬‬

‫واإلكراه‪.‬‬ ‫واملقولبات التي أعيد إنتاجها‪ ،‬والفخاخ التي ُتن َص‬

‫اقرتح م‪ .‬شارل يف كتابه ( ‪Rhétorique de la‬‬ ‫للقارئ‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬يعلم املؤلف أن جزءا من املعنى‬

‫‪ )lecture‬نظرية للقراءة‪ ،‬أوضح فيها أنه عىل الرغم من‬ ‫ينفلت منه أو سينفلت منه‪ .‬لكنه ال يعرف حتديدا اليشء‬

‫أن » اللع الكبري للتأويالت‪ ،‬وقوى الرغبة‪ ،‬وضغوط‬

‫‪p: 17 Eco Umberto: L'œuvre ouverte, Seuil,‬‬ ‫‪ - 1‬املرجع السابق‪.212 :‬‬


‫‪3‬‬
‫‪1979,‬‬
‫‪ - 2‬املرجع السابق‪.251 :‬‬
‫‪173‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫تعترب نظريات القراءة القارئ كأثر للنص‪ ،‬مثل‬ ‫اإليديولوجية هلا دور حاسم‪ ،‬فهذا اللع يظل غري ممكن‬
‫مضمرها‪ ،‬ويف معنى آخر تعترب النص كأثر للقارئ‪،‬‬ ‫إال يف احلدود التي يتيحها النص « ‪. 1‬‬
‫ونتيجة بنائه بفعل القراءة‪.4‬‬ ‫تسجل القراءة حضورها يف النص‪ ،‬ويرتك هامش‬
‫‪4‬‬ ‫احلرية وضغط اإلكراه يف آن واحد‪ .‬فيبدو مشكل القراءة‬
‫قدمت نظريات القراءة األدبية عدة بحوث يف جمال‬ ‫‪2‬‬ ‫«‬ ‫مثل »مسار حيث تدخل عدة قوى يف نظام اللع‬
‫ديداكتيك القراءة األدبية بكيفية تتيح أخذ التدابري بشأن‬ ‫‪ ،‬فيحصل حينئذ شد بني احلرية التي يزاوهلا القارئ أتناء‬
‫الدور الذي يؤديه القارئ يف نشاط قراءة النصوص‬ ‫تأويله النص‪ ،‬واإلكراهات التي يقرتحها النص‪.‬‬
‫األدبية‪.‬‬ ‫وانطالقا من فرضية احلرية حتت اإلكراه‪ ،‬قدم شارل‬
‫ومن املالئم أن أطرح حزمة من األسئلة إلعداد دراسة‬ ‫اقرتاحا متثل يف األثر األديب؛ فنظريات القراءة هي التي‬
‫يف موضوع مكانة القارئ ودوره يف نشاط قراءة‬ ‫حتدد قواعد النص‪ .‬تسند هذه النظريات وظيفتني‬
‫النصوص األدبية‪ ،‬مستهدفا حتسني دور القارئ يف‬ ‫للنصوص األدبية‪ » :‬أن تتعني كنصوص‪ ،‬وأن تنذر ذاهتا‬
‫التعليم الثانوي واجلامعي املغريب والعريب عامة‪ .‬ومن‬ ‫للقراءة ‪ .‬وتستحيل هاتان الوظيفتان إىل واحدة‪:‬‬
‫األسئلة امللحة‪:‬‬ ‫فبالشاكلة التي تنذر النصوص ذاهتا للقراءة‪ ،‬تتعني‬
‫‪ -‬ما املقصود بنص أديب من وجهة نظر ديداكتيكية؟‬ ‫كنصوص‪ .‬فلها أن تلزم نفسها عىل فعل‪ -‬وهلا أن تفرض‬
‫‪ -‬فهم النصوص األدبية وتأويلها‪ :‬أي متييزات؟ وأي‬ ‫عىل القراء رشوطها «‪. 3‬‬
‫صالت؟‬ ‫يبدو للوهلة األوىل أن العالقة نص‪ -‬قارئ‪ :‬حوارية‪،‬‬
‫تعلامت قراءة‬ ‫‪ -‬ما هي املقصديات املوجهة لتدري‬ ‫تتجه من النص إىل القارئ‪ ،‬ومن القارئ إىل النص‪ .‬فيلزم‬
‫النصوص األدبية عندما نضع يف حسباننا القراءة التي‬ ‫أن يتجاوز فيه هذا املنظور احلواري فكرة خطر مظهر‬
‫تنبعث من ذات؟‬ ‫الذاتية يف حركة القارئ نحو النص‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪59-60. p : M. Charles : Rhétorique de la‬‬ ‫‪p: 9. M. Charles : Rhétorique de la lecture,‬‬
‫‪lecture, Paris, Seuil, 1977,‬‬ ‫‪Paris, Seuil, 1977,‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- p: 60. Voir M. Charles : Rhétorique de la‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪M. Charles : Rhétorique de la lecture, Paris,‬‬
‫‪lecture, Paris, Seuil, 1977,‬‬ ‫‪Seuil, 1977, p : 10.‬‬
‫‪174‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫* النص األديب‪ :‬من طبيعته أنه غري تام‪ ،‬مما يفسح املجال‬ ‫‪ -‬ما املقصود بالذات القارئة؟‬
‫أمام القارئ لينشغل باملعاين التي يوفرها النص‪ ،‬واملعاين‬ ‫تعلامت قراءة‬ ‫‪ -‬أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري‬
‫التي حيصل عليها بالتأويل‪ .‬إن » قارئ األدب هو‬ ‫النصوص األدبية؟‬
‫الرشيك النشيط للع مع نص يمتلك لع االنفتاحات‬ ‫ُخيول كل سؤال من جمموع هذه األسئلة‪ ،‬وضع معامل‬
‫التي حتتاج أن يغطيها « ‪. 1‬‬ ‫بيئة ديداكتيكية تسمح للقارئ بتطوير كفاياته القرائية‪.‬‬
‫‪ .2-4‬فهم النصوص األدبية وتأويلها‪ :‬التمييزات‬ ‫‪ .1-4‬النص األديب من وجهة نظر ديداكتيكية‪.‬‬
‫والصالت‪.‬‬ ‫للنص األديب عدة خصائص‪ ،‬ويؤدي عدة مهام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫يرى "فالردو" "‪ "Falardeau‬فيام يتعلق بالتمييزات‬ ‫* اتسام النصوص األدبية بميزة الفرادة؛ فالنص األديب‬
‫والعالقات بني فهم النصوص األدبية وتأويلها‪ ،‬أنه لي‬ ‫دائام وحيد وأصيل‪.‬‬
‫من املالئم أن نفصل بينهام؛ ذلك ألن فهم النصوص‬ ‫* النص األديب هو وظيفة العامل الذي توطد وترسخ فيه‪،‬‬
‫األدبية وتأويلها مها كفايتان متكاملتان‪ :‬يرتبك فهم‬ ‫وإجابة عن أسئلة مفكري عرصه‪.‬‬
‫املعنى بداللة الترصيح؛ أي‪ :‬استخالص املعنى األول‬ ‫* النص األديب يعلن حضوره ضمن شبكة من‬
‫الذي يتبادر إىل الذهن‪ ،‬يف حني يتصل التأويل بالداللة‬ ‫النصوص‪.‬‬
‫اإلحيائية؛ أي‪ :‬استنباط املعنى الثاين الذي يثوي بني‬ ‫* النص األديب حيرتم أشكاال فنية وأجناسا أدبية رغم‬
‫السطور‪ .‬قلت إن العالقة بني الفهم والتأويل تكاملية؛‬ ‫فرادته‪.‬‬
‫ألهنام يعمالن جنبا إىل جن يف تالزم‪ ،‬ويغرتف كل منهام‬ ‫* النص األديب يعرف بمختلف املحسنات واألوجه‬
‫من عالمات اآلخر‪ .‬هنا تكمن قاعدة القراءة األدبية‬ ‫البالغية‪.‬‬
‫الثرية املُنتِجة‪ ،‬فاملعلومات املحصل عليها مدعوة إىل‬ ‫* النص األديب عرضة للنقد سواء من الفرقاء الرتبويني‬
‫التأويل‪ .2‬وخالل التطبيق‪ ،‬يتم التمييز بني الفهم‬ ‫أو من املتخصصني يف الديداكتيك‪ ،‬أو ديداكتيك القراءة‪،‬‬
‫والتأويل‪.‬‬ ‫خرباء‪ ،‬وعلامء‪ .‬وهم بنقدهم يسهمون يف االعرتاف‬
‫بأدبية النص األديب‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Voir Falardeau. E: « compréhension et‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Tauveron. C: comprendre et interpréter la‬‬
‫‪interpretation:‬‬ ‫‪deux‬‬ ‫‪composantes‬‬ ‫‪littérature à l’école: du texte réticent au texte‬‬
‫‪proliférant, Repères, 1999, p: 12.‬‬
‫‪175‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫وجيرده من هويته‪ ،‬ويقدم له أوصافا جديدة ومهاما‬ ‫تعلامت قراءة‬ ‫‪ .3-4‬القصديات املوجهة لتدري‬
‫الحقة‪ ،‬فيتمنى القارئ أن يكون هو شخص البطل‪ .‬وقد‬ ‫النصوص األدبية‪.‬‬
‫القارئ بأقوال شاعر وأفعاله وقيمه‪ ،‬فيتمنى أن‬ ‫ُيعج‬ ‫تعلامت قراءة النصوص األدبية أثناء‬ ‫يقتيض تدري‬
‫يكون ذلك الشاعر‪ ،‬فيتخىل عن هويته ويتبنى هوية‬ ‫اإلنجاز سلسلة من االختيارات‪:‬‬
‫الشاعر‪ .‬هكذا جتعل قراءة النصوص األدبية القارئ‬ ‫اختيار النصوص األدبية املسعفة عىل توضيح‬ ‫‪‬‬
‫يتموضع يف مكان اآلخر‪ ،‬وحيقق نوعا من احللول يف‬ ‫مقومات اخلطاب األديب وخصائصه‪( .‬االحتكام إىل‬
‫أماكن جذبته ونالت إعجابه‪ ،‬فيفكر القارئ حينئذ من‬ ‫تاريخ األشكال)‪.‬‬
‫منظور وجهة اآلخر‪ .‬ويعيش يف أتون عوامل أخرى‪،‬‬ ‫انتقاء املقاربات املناسبة مادامت طبيعة النص‬ ‫‪‬‬
‫ويسعى نحو التفتح وتكامل شخصيته‪ ،‬ويطفق يف تكوين‬ ‫هي التي ُمت ِيل طبيعة املنهج‪.‬‬
‫هوية جديدة‪.‬‬ ‫اختيار الكفايات التي جي تطويرها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يثري األدب الشفقة يف القارئ والتعاطف‪ ،‬وح‬ ‫يمكن توجيه التالميذ والطلبة إىل اكتساب التعلامت‬
‫االستطالع‪.‬‬ ‫وبناء عدة معارف بشأن األدب‪ ،‬وهذه قصدية أوىل‪ ،‬ويف‬
‫‪ .4-4‬املقصود بالذات القارئة ؟‬ ‫اآلن نفسه نعلمهم تذوق متعة القراءة‪ ،‬وهذه قصدية‬
‫حدد " ج‪ .‬النجالند" " ‪ " G Langlande‬الذات‬ ‫ثانية‪ .‬ويسهم القارئ يف إظهار هيئة خمتلف اخلطابات‬
‫القارئة بقوله‪ » :‬يتأثر القارئ وهو منهمك بالقراءة هبا‪،‬‬ ‫األدبية‪ ،‬ومظهرها املميز لكل خطاب‪ .‬فاألدب فن‪ ،‬فن‬
‫فيعيد رسم تصوره لألشياء‪ .‬الذات القارئة هي ذات‬ ‫اللغة‪ ،‬والتخييل‪ ،‬واإللقاء‪ ،‬والوهم‪ .‬إن النص األديب‪،‬‬
‫متحركة ودينامية‪ ،‬فينشئ القارئ هويته القرائية من قراءة‬ ‫باعتباره وسيلة الوساطة املعرفية بني العامل والقارئ‪ ،‬فهو‬
‫إىل أخرى‪ .‬فهو تأميل واستبطاين يتساءل عن التزاماته بام‬ ‫يسهم يف تكوين ذات القارئ بالتصورات التي ينشئها‬
‫هو قارئ‪ ،‬وهوية الذات القارئة حركية‪ ،‬احتاملية تتكون‬ ‫عن اآلخر وعن نفسه أثناء فعل القراءة‪ .‬فالقارئ قد‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫وتتحول بفعل القراءة وداخلها «‬ ‫يستهويه بطل رواية‪ ،‬فيلتصق بالصورة النصية للبطل‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- 72. p: La lecture subjective Québec français,‬‬ ‫‪complémentaires de la lecture littéraire», Revue‬‬
‫‪2007, G. Langlande,‬‬ ‫‪des sciences de l’éducation, XIX(3, 2113, p: 673-‬‬
‫‪694.‬‬
‫‪176‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫تعلامت قراءة‬ ‫وأي مكانة لذاتية القارئ يف تدري‬ ‫تعلامت قراءة‬ ‫‪ .5-4‬أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري‬
‫النصوص األدبية ؟‬ ‫النصوص األدبية؟‬
‫؟‬ ‫وكيف ندافع عن هذا التدري‬ ‫إن القارئ هو من يمنح النص األديب هيئة‬
‫من املفيد جدا إرفاق القراءة التحليلية لنصوص‬ ‫وشكال‪ ،‬فينهل من عامله اخلاص‪ ،‬ويتخيل التفاصيل‬
‫األدب بإنشاء عالقة جديدة مع نصوص األدب بالتعليم‬ ‫واجلزئيات التي يقدمها له النص‪ .‬جتعل القراءة الذاتية‬
‫الثانوي التأهييل؛ ذلك ألن من شأن إخالء املكان للذات‬ ‫القارئ يمنح النص األديب معنى شخصيا‪ ،‬فيعود إىل قيمه‬
‫القارئة يف القراءة األدبية أن يمنح معنى للتعلامت‬ ‫اخلاصة‪ ،‬ويقدم أحكاما أخالقية لشخصيات النص‪،‬‬
‫القرائية‪ ،‬وجيد َد تصورنا للمعنى‪ ،‬ويتيح للتالميذ استثامرا‬ ‫وللكات والشاعر‪.‬‬
‫ذاتيا وفكريا ووجدانيا‪ ،‬وبذلك نكون قد أعددنا عالقة‬ ‫إن القراءة التي تستحرض الذات هي » قراءة فعالة‬
‫سعيدة مع القراءة‪ ،‬ومع األدب مهام كان تباين التالميذ‬ ‫وفردية وخاصة‪ ،‬وتكفل فضاء اللقاء بني القارئ والنص‬
‫وعدم جتانسهم‪.‬‬ ‫«‪.1‬‬
‫وتقتيض هذه الدراسة االهتامم بالعنرصين اآلتني‪:‬‬ ‫‪ -‬الدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات القارئة‪.‬‬ ‫يرتبط استحضار الذات القارئة يف جمريات العملية‬
‫‪ -‬إرشاك القارئ إلتاحة االستثامر الذايت للتالميذ‪.‬‬ ‫التعليمية – التعلمية باإلشكالية اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات‬ ‫إذا قمنا بإخالء املكان للذات القارئة‪ ،‬فأي سبيل لتجديد‬
‫القارئة‪:‬‬ ‫مقاربات القراءة التحليلية بالتعليم الثانوي التأهييل ؟‬
‫‪ -‬يف اكتشاف القارئ‪:‬‬ ‫فأمهية األدب بدهية؛ فهو الرتياق الواقي من آالم‬
‫حتول اهتامم النقد األديب منذ أواخر السبعينيات وبداية‬ ‫املجتمعات احلارضة‪ ،‬واألدب أساس لبناء شخصيات‬
‫الثامنينيات من القرن املايض من العناية‬ ‫تالميذنا‪.‬‬
‫بالنص إىل العناية بالقارئ لالعتبارات اآلتية‪:‬‬ ‫فكيف ندرس األدب ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mercier. Jean- Pierre: Nouveaux Cahiers‬‬
‫‪de la recherché en éducation, volume 13, numéro‬‬
‫‪2, 2010, p: 178- 190.‬‬
‫‪177‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫شخصيات النص التي أحبوها وعن الشخصيات التي‬ ‫* مادام النص األديب غري مدروس يف قراءة معطاة‪ ،‬فهو‬
‫كرهوها‪ ،‬وملاذا ؟‬ ‫غري تام ويبدي جمموعة من االلتباسات وانفتاحات‬
‫وهذه دراسة لنـص الـرحلة أليب العباس أمحد‬ ‫املعنى؛ حيث يغدو النص األديب مروحة من املداليل‪.‬‬
‫بن نارص الدرعي‪.‬‬ ‫والذي يقوى عىل حتويله إىل نسق منظم من العالمات هو‬
‫نـص الـرحلة‪:‬‬ ‫القارئ‪.‬‬
‫قال أبو العباس أمحد بن نارص الدرعي‪:‬‬ ‫* ال قيمة للمؤلف األديب بمعزل عن تلقيه‪ .‬ودراسة‬
‫» أرض التيه‪ 1‬ثم ارحتلنا من هناك يوم األحد رابع ذي‬ ‫املصنف األديب تعني البحث عن صالته بمختلف آفاق‬
‫والعرشين من دجنرب الرابع عرش الليايل‪،‬‬ ‫القعدة اخلام‬ ‫االنتظار‪.‬‬
‫ورسنا مع الوادي برهة‪ ،‬ومررنا بالعقبة املرشفة عىل التيه‬ ‫األخذ بعني االعتبار ملهمة القراءة‪ ،‬وسياقها‪،‬‬ ‫* جي‬
‫وقت الضحى‪ )...( .‬والعقبة أرض ُمق ِف َرة موحشة‬ ‫ورهاناهتا‪ ،‬وخاصية النص األديب‪.‬‬
‫طويلة عريضة معطشة‪ ،‬وقد امتدت فيها الطرق امتداد‬ ‫ثانيا‪ -‬إرشاك القارئ إلتاحة التعبري للتالميذ عن‬
‫السطور يف الطروس‪ ،‬مل يلحقها عىل قدم العهد الدروس‪.‬‬ ‫مكنونات نفوسهم‪:‬‬
‫وهذا املحل من املحال الذي تعظم فيه املشقة أيام احلر‬ ‫إن لذة القارئ وجدانية‪ ،‬لذا يلزم االعرتاف‬
‫كثرية بالعطش‪ )...( .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫وقد تتلف فيه أنف‬ ‫بالذات القارئة ودعوة التالميذ إىل التعبري عن‬
‫انزعاجاهتم وعن رغباهتم بشأن القراءة‪ ،‬كأن نسأهلم عن‬
‫وولوهـــا‬
‫ــحجيج صــدى ُ‬
‫تــــــفانى الــــ َ‬ ‫بالتيه يوما به‬ ‫ومل أن‬

‫كامله ِل يشوي الوجوها‬


‫ء ُعجرو َد ُ‬ ‫وإن يستغيثوا ُيغاثوا بام‬

‫فس َلكناه يف أطي هواء‪ ،‬ال حر وال قر وال خمافة‬


‫هذا َ‬ ‫و كذا يشتد أمره يف زمان الشتاء؛ ألن أرضه عراء ال‬
‫وال سآمة‪ .‬ووجدنا به اصفرارا ُغدرانا من املاء يف‬ ‫حط هبا‪ ،‬فقد تتلف به النفوس من الربد‪ .‬وأما عامنا‬

‫يدخلوا مدينة وال أووا إىل بيت‪ ،‬وال بدلوا ثوبا‪ ،‬كانوا يسريون يف ظل‬ ‫‪ » - 1‬التيه‪ :‬هو املوضع الذي تاه فيه موسى عليه السالم مع بني‬
‫هنارهم‪ ،‬فإذا انتهى النهار‪ ،‬نزلوا باملوضع الذي رحلوا عنه « ‪ ،‬ينظر‬ ‫إرسائيل‪ ،‬بني أيلة ومرص وبحر القلزم وجبال الرساة‪ ،‬ملا امتنعوا من‬
‫الروض املعطار‪ ،‬ص‪ 115 :‬والرحلة النارصية‪.116 :‬‬ ‫دخول األرض املقدسة‪ ،‬حبسهم اهلل تعاىل يف هذا التيه أربعني سنة‪ ،‬مل‬
‫‪178‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫األثر األديب قابال إلعادة بنائه‪ ،‬وهو ما تُتيحه رشوخ‬ ‫أخاديدَ ما كفى اهلل به رش العطش وأوامه‪ ،‬فت ََوسطنا‬
‫النص‪ ،‬وفراغاته‪ .‬اليشء الذي يدفع القارئ إىل جتاوز‬ ‫التي َه فنزلنا بعيد املغرب‪ )...( .‬ويسري الراك‬
‫املوجود (ما قاله السارد عن رحلته) إىل البحث الدؤوب‬ ‫مرحلتني يف فحص التيه حتى يصل بحر فاران‪ ،‬وفيه‬
‫عن املفقود ( ما مل يقله نص الرحلة)‪ .‬واملفقود يف مشاهد‬ ‫غرق فرعون‪ ،‬وفيه تاه بنو إرسائيل‪ ،‬وفيه مات موسى‬
‫الرحلة‪ ،‬هي التي تشدنا بخيوط التشويق‪ .‬وما َو َق َر يف‬
‫نبينا عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫خميلة القارئ من أفكار‪ ،‬أو تفاصيل مل يذكرها السارد‪ ،‬هو‬
‫ثم َظ َعنا يوم االثنني و َغلسنا‪ 1‬الرحلة‪ ،‬وانفرد‬
‫ما ُيفسح املجال للقراءة التي تعيد البناء و ُتظهره‪ .‬وهو ما‬
‫عن الرك رجل من أهل توات مع ولده وعبده‬
‫ُختوله اجلمل املرجعية‪ ،‬وهي » مجل تقتيض حادثا ما « ‪.‬‬
‫بعدما محلوا عىل مجلهم‪ ،‬والقوا مجاعة من املُتَ َلص َص ِة‬
‫‪3‬‬

‫فبهذا الصنف من اجلمل يقودنا النص إىل بناء عوامل‬


‫فأخذوا اجلمل وما عليه ومقداره ثامنامئة مثقال تِربا‬
‫خيالية‪َ ،‬ف َيط ِف ُق القارئ يف بناء نص آخر جديد‪ .‬ومن‬
‫بعدما َشجوه‪َ ،‬ف َ‬
‫خ َّر رصيعا‪ .‬وأتينا َبندَ َر النخيل قرب‬
‫اجلمل املرجعية قول السارد من نص الرحلة‪ " :‬وهذا‬
‫التونيس نازال‪ ،‬واستقرت‬ ‫الزوال‪ ،‬ووجدنا الرك‬
‫املحل من املحال الذي تعظم فيه املشقة أيام احلر وقد‬
‫كثرية بالعطش "‪ ،‬فيفكر القارئ يف‬ ‫تتلف فيه أنف‬ ‫هبم الدار وحططنا الرحال‪ .‬واستبق الناس لسقي‬

‫حلول من أجل جتاوز أزمة انتفاء املياه يف أرض التيه‪ .‬ويف‬ ‫اجلامل والبغال‪ ،‬وصادفنا فيه بقية من السوق به بعض‬

‫هذه اجلملة يثوي طابع العجائبية الذي أثار الوقع‬ ‫الفواكه الشامية « ‪.2‬‬
‫وأحدث األثر يف القارئ‪ ،‬ومن اجلمل املرجعية أيضا قول‬ ‫* فراغات النص‪:‬‬
‫السارد‪ " :‬وكذا يشتد أمره يف زمان الشتاء؛ ألن أرضه‬ ‫ال حيمل النص يف طياته داللة جاهزة وهنائية‪،‬‬
‫هبا‪ ،‬فقد تتلف به النفوس من الربد"‪،‬‬ ‫عراء ال حط‬ ‫فالنص األديب حيمل يف ثناياه إمكانية التأويل‪ .‬القراءة‬
‫فيحاول القارئ رسم معامل أرض التيه إبان فصل الشتاء‪،‬‬ ‫احتامل من احتامالت النص املتعددة‪ .‬وعادة ما يكون‬

‫‪-3‬‬ ‫‪Tzvetan Todorov: Poétique de la prose‬‬ ‫‪َ "- 1‬غ َل َ القوم‪ :‬ساروا بالغل ‪ ،‬وهو ظلمة آخر الليل إذا اختلطت‬
‫‪choix, suivi de nouvelles recherches sur le récit/‬‬ ‫بضوء الصباح " اللسان‪َ ( :‬غ َل َ )‪.‬‬
‫‪éd. Du seuil, Collection points N 120, 1971-‬‬
‫‪1978, P: 177.‬‬ ‫‪- 2‬أبو العباس أمحد بن حممد بن نارص الدرعي‪ :‬الرحلة النارصية‪،‬‬
‫حتقيق ودراسة الباحث عبد احلفيظ ملوكي‪ ،‬دار السويدي للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬الطبعة ‪ ،2144 ،4‬ص‪ :‬من ‪ 345‬إىل ‪.349‬‬
‫‪179‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫‪ -‬فيتمنى أن يكون رحالة يتجشم عناء األسفار‪،‬‬ ‫كجحيم اجتمع فيه زمهرير قارس‪ ،‬وانتفت فيه األشجار‬
‫ليمتلك البطولة وزمام سلطة الرسد‪ ،‬فيبني نصا‬ ‫للتدفئة‪ ،‬وتورط مجاعة من السيارة داخل أتونه‪ ،‬فينغم‬
‫رسديا آخر‪.‬‬ ‫يف تفكري بشأن البحث عن حل هلذه املعضلة تفاديا ملوت‬
‫‪ -‬مرحلة إعادة التأويل‪ :‬وخالهلا يظهر الوقع اجلاميل يف‬ ‫مجاعي حمقق‪.‬‬
‫نمط القراءة التي ُيقدمها القارئ؛ حيث ُيقيم جمموعة‬ ‫وقوله أيضا عن رجل من توات‪َ " :‬‬
‫فخ َّر رصيعا‬
‫من الصور الومهية‪ ،‬و يبني عوامله اخلاصة كالبطولة‬ ‫" يقتيض هذا احلدث من القارئ البحث عن تفاصيل‬
‫الفردية التي تفكر بطريقة خاصة‪ :‬كاقرتاح وضع‬ ‫التتمة‪ ،‬فيطرح أسئلة من قبيل‪:‬‬
‫خطط لتجاوز أخطار أرض التيه‪ ،‬وتعمري املكان بعد‬ ‫‪ -‬ما مصري ذلك الرجل الذي َخ َّر رصيعا؟‬
‫جتهيزه بكل رشوط احلياة‪ ،‬والتخطيط لتغيري معامل‬ ‫‪ -‬ملاذا َختلف ذلك الرجل عن رك احلجاج املغاربة؟‬
‫أرض التيه‪ ،‬واالستثامر السياحي ‪...‬‬ ‫‪ -‬هل َثنى عزمه عىل احلج أنه َخ َّر رصيعا؟‬
‫فبعد قراءة نص أديب‪ ،‬يلزم تقديم استامرة ُتر ِغم‬ ‫‪ -‬كيف سيتابع سريه ألداء مناسك احلج هو وابنه‪،‬‬
‫كل قارئ من التالميذ عىل إبداء نمط من ردة الفعل‪،‬‬ ‫وعبده؟‬
‫والتعليق‪ ،‬مما يطور قدراته كل مرة‪:‬‬ ‫‪ -‬كيف تستقيم العبودية وأداء مناسك احلج لذلك‬
‫أ‪ -‬هل أوحى لك هذا النص صــورا‪ ،‬أو أصــواتا‪ ،‬أو‬ ‫الرجل؟ ولنالحظ أن القارئ قد طفق يبني املعنى‬
‫حساسيات أخرى ؟‬ ‫عدة مرات‪ ،‬وذلك اعتامدا عىل التفاعل القائم بينه‬
‫ب‪ -‬هل أثار فيك هذا النص جمموعة أفكار متداعية‪،‬‬ ‫وبني نص الرحلة يف كل مرة‪ ،‬فيقدم قراءة بمثابة بناء؛‬
‫أو ذكريات شخصية ؟‬ ‫حيث يبني األحداث من جديد بواسطة التأويل "‬
‫ج‪ -‬هل ذكرك هذا النص بكت أخرى‪ ،‬أو بأفالم‪ ،‬أو‬ ‫‪ ،"Interprétation‬ثم يرشع يف نشاط آخر هو‬
‫بلوحات تشكيلية‪ ،‬أو بصور ؟‬ ‫إعادة التأويل "‪ ." Réinterprétation‬يلزم إذا أن‬
‫د‪ -‬هل أ ثار تك بعض الع بارات‪ ،‬وبعض األ حداث‪،‬‬ ‫نميز بني مرحلتني‪:‬‬
‫وبعض املقاطع ؟‬ ‫‪ -‬مرحلة التأويل ‪ :‬ويف أثنائها يتم إعجاب القارئ‬
‫بالرحالة ‪ /‬السارد إىل درجة التامهي معه‪،‬‬
‫‪180‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬
‫رنات ذاتية‪ ،‬وجتارب متفردة‪ .‬وطبعي أن يتخلل حصة‬ ‫ر‪ -‬هل تقاســمت وضــعيات‪ ،‬وأفكارا‪ ،‬وقيام مع بعض‬
‫حتليل أديب تعج ‪ ،‬أو تردد‪ ،‬أو تركيز مفاجئ‪ ،‬أو‬ ‫أصــــــدقــــائــــك أو مــــع املــــؤلــــف؟‬
‫ضحك‪ ،‬أو صمت‪ ،‬شظية انفعال « ‪. 2‬‬ ‫ص‪ -‬ما هي ردة فعلك عموما التي يمكنك كتابتها؟‬
‫األدب بإخالء املكان للذات القارئة يف‬ ‫إن تدري‬ ‫تبادل وتقاســم اإلجابات ملواجهتها‪ ،‬وتوضــيح س ـمة‬
‫القراءة األدبية يتيح للعملية التعليمية‪ -‬التعلمية عدة‬ ‫الذاتية لكل قراءة‪ .‬ومن املفيد أيضا جعل الصور‬
‫مزايا من قبيل‪ :‬إرشاك التالميذ والطلبة يف إنتاج املعنى؛‬ ‫ال ناشــ ئة في نا خالل القراءة تتمظهر كقيم بعض‬
‫حيث ينتدبون أنفسهم مللء فراغات النصوص األدبية‬ ‫شخصيات النص‪.‬‬
‫وفجواهتا‪ ،‬ويعمدون إىل تأويلها‪ ،‬لكن يف احلدود التي‬
‫األدب هبذه‬ ‫تسمح هبا تلك النصوص‪ ،‬كام أن تدري‬ ‫يتضح من خالل قراءتنا نص الرحلة النارصية‬

‫الشاكلة يمنح معنى للتعلامت القرائية‪ ،‬وجيدد تصورنا‬ ‫ما يقع حتت برص القارئ‪ ،‬لكن‬ ‫أن » املهم يف القراءة لي‬

‫للمعنى‪ ،‬وخيول للتالميذ والطلبة استثامرا ذاتيا وفكريا‬ ‫املهم هو ردود الفعل التي تُثريها االنفعاالت فينا كقراء‪.‬‬

‫ووجدانيا‪ ،‬ويتيح هلم اكتساب بعض القيم واملثل العليا‬ ‫وردود الفعل متكث فينا عندما يتوارى املقروء وخيتفي‪،‬‬

‫واخلصال احلميدة لتصبح جزءا من شخصيتهم‪ ،‬كام‬ ‫مما ُيتيح لنا أن نضع يف حسباننا أن املهم ال يقبع يف َحنايا‬

‫ُينمي تدارس األدب لدهيم امليل إىل اإلحساس باجلامل‬ ‫العالمات املكتوبة‪ ،‬وإنام يف داخل ما تُثريه فينا « ‪.1‬‬

‫وتذوقه‪.‬‬ ‫يتبني أن ال أحد يبقى بدون تأثر‪ ،‬وهو معرض طويال‬


‫التصال باملؤلفات األدبية؛ حيث » إن كل قراءة تنتج‬

‫‪ - 2‬احلسن بواجالبن‪ :‬فصول من كتاب الذات القارئة‪ ،‬القراءة‬ ‫‪-1Marie_ joelle Bouchard: Apprendre à lire‬‬
‫األدب‪ ،‬ترمجة وتقديم‪ ،‬مكتبة تيفيناغ للطباعة‬ ‫الذاتية وتدري‬ ‫‪comme on apprend à parler, Hachette, 1991,‬‬
‫‪Paris, P: 66.‬‬
‫والنرش‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة ‪ ،2124 ،4‬ص‪.41 :‬‬
181 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬
‫المجلة المغربية للتربية والتكوين‬

-Iser. Wolfgang: P. Mardaga 85 Acte de lecture 4


Théorie de l'effet esthétique, 1985.
Jauss. H.R : Pour une ésthétique de la réception ‫ الرحلة‬:‫* بن نارص الدرعي أبو العباس أمحد بن حممد‬
Gallimard, 1979.
-La lecture subjective, Québec français, 2007. ‫ دار‬،‫ حتقيق ودراسة الباحث عبد احلفيظ ملوكي‬،‫النارصية‬
Langlande. G:
.2144 ،4 ‫ الطبعة‬،‫ أبو ظبي‬،‫السويدي للنرش والتوزيع‬
-M. Charles : Rhétorique de la lecture. Paris.
Seuil. 1977. .‫ بريوت‬،‫ دار صادر‬،‫ لسان العرب‬:‫* ابن منظور‬
-Tauveron. C: comprendre et interpreter la
literature à l’école: du texte reticent au texte -2
proliférant, Repères. 1999.
-Todorov Tzvetan: Poétique de la prose choix, ،‫ فصول من كتاب الذات القارئة‬:‫* احلسن بواجالبن‬
suivi de nouvelles, Paris, Seuil, 1980. 4
‫ مكتبة‬،‫ ترمجة وتقديم‬،‫األدب‬ ‫القراءة الذاتية وتدري‬
: -4
- Falardeau. E: « comprehension et
.2124 ،4 ‫ الطبعة‬،‫ مراكش‬،‫تيفيناغ للطباعة والنرش‬
interpretation: deux composantes -3
complémentaires de la lecture littéraire», Revue
des sciences de l’éducation, XIX(3, 2113.
-Bouchard Marie_ Joëlle: Apprendre à lire
comme on apprend à parler, Hachette, Paris,
-Mercier. Jean- Pierre: Nouveaux Cahiers de la 1991.
recherche en éducation, volume 13, numéro 2, Eco Umberto: L'œuvre ouverte, Seuil, 4797.
2010, p: 178- 190.
‫‪182‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪1‬‬

‫‪Jean-François Thémines‬‬
‫‪2‬‬

‫توظيفها منذ عرش سنوات‪ ،‬دون أن ختتفي سابقاهتا من‬


‫الصور‪.‬‬ ‫كانت الوثائق يف وقت مبكر موضوعا لألبحاث يف‬

‫وعىل الرغم من هذا‪ 3‬الرتاكم والتنوع‪ ،‬يظل‬ ‫ديدكتيك التاريخ واجلغرافيا (‪.)1993 ،Audigier‬‬

‫اخلطاب املؤسسايت للكفايات (يف السلك اإلعدادي)‬ ‫و"زاوية االستثامر املفضلة" لبناء مقاربة ديدكتيكية هلاتني‬

‫والقدرات (يف السلك الثانوي) عاما وفضفاضا جدا‪ .‬إذ‬ ‫فقد "ََجا َبت (هذه الوثائق)‬ ‫املادتني الدراسيتني‪،‬‬

‫يتم تقديم تعددية اللغة التعبريية للوثيقة وترابطها عىل‬ ‫وعمرت ممارساهتام ملا يزيد عىل قرن"‪.‬‬
‫َّ‬

‫أهنا رضورة‪ ،‬دون إدراك تعقد تعلمها‪ .‬وهبذه الكيفية‬ ‫للجغرافية املدرسية تاريخ طويل بخصوص‬

‫تتعاطى التوجيهات والتعليامت واملامرسات التدريسية‬ ‫استعامالت صور األرض‪ .‬فبعد اخلرائط يف سبعينيات‬

‫مع مفهوم الوثيقة املركبة & ‪(Leclaire-Halté‬‬ ‫القرن التاسع عرش (‪ ،)Lefort, 4772‬وظفت صور‬

‫)‪.Maisonneuve, 2018‬‬ ‫املشهد اجلغرايف يف مطلع القرن العرشين‪ ،‬واألفالم يف‬

‫وبناء عليه‪ ،‬حيق لنا طرح التساؤل اآليت‪ :‬ماذا تعني‪،‬‬ ‫الثالثينيات‪ ،‬وصور األقامر الصناعية يف الثامنينيات‪،‬‬

‫بالنسبة للمتعلم‪ ،‬قراءة وثيقة مركبة وفهمها يف درس‬ ‫والكرات األرضية االفرتاضية وأدوات حتديد املوقع‬

‫اجلغرافيا؟ ما طبيعة الصعوبات الكامنة التي يواجهها يف‬ ‫اجلغرايف والصور الرقمية ثالثية األبعاد التي رشع يف‬

‫‪1‬‬
‫‪- Jean-François Thémines, « Comment des élèves lisent un document composite en‬‬
‫‪géographie : Un modèle d’analyse épistémologique et sémiotique en didactique de la‬‬
‫‪géographie », Pratiques [En ligne], 185-186 | 2020, mis en ligne le 30 juin 2020,‬‬
‫‪consulté le 15 octobre 2020. URL : http://journals.openedition.org/pratiques/8416 ; DOI‬‬
‫‪: https://doi.org/10.4000/pratiques.8416‬‬
‫‪ -2‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املدرسة العليا للرتبية والتكوين‪ -‬برشيد جامعة احلسن األول‪ -‬سطات‬
‫‪183‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫واملنجزة‪ ،‬التاريخ واجلغرافيا يقدمان كأهنام ينقالن‬ ‫التعامل مع هذه الوثائق لفهم العامل كام هو متصور يف هذه‬
‫لنا حقيقة العامل‪ ،‬فهام حيجبان دور اللغات وزوايا النظر‪،‬‬ ‫املادة الدراسية؟‬
‫وينكران دور اللغات باعتبارها منهجية للمعنى‪ ،‬وطريقة‬ ‫بعد توطني قراءة وثيقة مركبة يف األسئلة التعليمية‬
‫للتفكري يف العامل‪.‬‬ ‫يف مادة اجلغرافيا‪ ،‬تقرتح هذه املقالة نموذجا للتحليل‬
‫املستوحى من السيميائيات‪ .‬يسمح هذا النموذج الذي‬
‫تتميز اجلغرافيا املدرسية بتعدد نامذجها ووسائلها‬
‫طبق يف حصة بالصف الرابع بتحديد مصادر الصعوبات‬
‫التعبريية‪ ،‬فقد انضافت إىل صيغة التعبري األيقوين‬
‫غري املتوقعة بالنسبة لقراءة الوثيقة املركبة‪.‬‬
‫واخلرائطي الورقية‪ ،‬صيغة رقمية مستمدة من املامرسات‬
‫‪1‬‬
‫املهنية واالجتامعية (التوطني اجلغرايف والتصوير‬
‫اجلغرايف)‪ .‬فالبحوث التي يرجع تارخيها إىل بداية‬ ‫تتعدد معاين الوثيقة يف درس اجلغرافيا لسببني‪:‬‬
‫توظيف املجسامت االفرتاضية للكرة األرضية‬ ‫يتعلق أحدمها بطبيعة اجلغرافية املدرسية‪ ،‬وهيم ثانيهام‬
‫(‪ (Google Earth, Géoportail‬داخل الفصول‬ ‫مجيع املواد املدرسة‪.‬‬
‫الدراسية‪ ،‬تبني أن استثامرها يقع يف صميم التقليد‬ ‫‪ 1-1‬خصوصية إشكالية املادة الدراسية التخصصية‪:‬‬
‫الواقعي للجغرافيا املدرسية‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن‬ ‫الوثيقة عىل قدم املساواة مع العامل‬
‫املامرسات اخلرائطية السائدة (‪،Fontanabona‬‬ ‫نتيجة مهمة للبحوث الديدكتيكية يف اجلغرافيا‪ ،‬تتعلق‬
‫‪ .)2000‬مما يستدعي طرح البعد االبستمولوجي‪/‬‬ ‫بالواقعية اإلبستمولوجية‪ ،‬التي متيز إنتاج املعارف يف‬
‫املعريف كرضورة لتحليل فهم املتعلمني للوثائق املركبة يف‬ ‫املادة الدراسية ‪Audigier, 1996,Tutiaux-‬‬
‫اجلغرافيا‪.‬‬ ‫‪.Guillon 2004‬‬
‫ندرس النتائج‪ ،‬بشكل يوحي بأهنا صحيحة بشكل‬
‫كامل‪ ،‬بناء عىل شكلها‪ ،‬والتامرين واالمتحانات املعدة‬
‫‪184‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫متزامن (الشاشة)‪ ،‬والتي يمكن للقارئ بواسطة النقر‬ ‫‪ 2-1‬إشكالية عامة مرتبطة بامدة ختصصية (مادة‬
‫عىل الطبقات‪ ،‬إما إظهارها كلها أو إخفاء بعضها‪.‬‬ ‫اجلغرافيا)‪ :‬الدعامة‪ ،‬اللغة‪ ،‬الوثيقة‬
‫الوثيقة باعتبارها خطابا‪(discours):‬‬ ‫يف اجلغرافيا‪ ،‬كام يف غريها من املواد الدراسية‪ ،‬غالبا‬
‫يبدو أن للوثيقة املركبة عدة "مكونات مستمدة من‬ ‫ما يوجد تداخل بني املستويات الثالثة لفهم الوثيقة‪:‬‬
‫أنساق سيميائية ذات طبيعة خمتلفة‪ ،‬نصوص‪ ،‬صور‪،‬‬ ‫"الوثيقة بوصفها‪" :‬دعامة" و"خطابا" و"أثرا‬
‫رسوم‪ ،‬خرائط ‪ ،"...‬بحيث بينت التحليالت‬ ‫لنشاط إلعطائها معنى ‪.(Nonnon, 2012).‬‬
‫الديدكتيكية الستخدامات الصور واخلرائط خصوصية‬ ‫الوثيقة بوصفها دعامة(‪)support‬؛ أي يف‬
‫اخلطابات التي تستند إليها‪ .‬وأظهرت خصوصية اللغة‬ ‫بعدها املادي (‪:)matérialité‬‬
‫فهم هذه اللغة عىل‬ ‫التي يستند إليها كل نوع‪ .‬هلذا جي‬ ‫يتضمن مفهوم الوثيقة يف بعدها املادي فكرة‬
‫أهنا أنظمة للتعبري املرك من حيث املحتويات اجلغرافية‪،‬‬ ‫"املجال اإلدراكي" أو املجال املدرك‪ .‬وتنطبق هذه‬
‫تعمل يف متفصل بني الصورة املراد رؤيتها ( ‪une‬‬ ‫األولوية أو اخلصلة من جهة‪ ،‬عىل الدعامة التي‬
‫‪( )image à voir‬الصورة يف إحدى احلاالت‪ ،‬وجمال‬ ‫تضفي وحدة عىل الوثيقة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬عىل األجزاء‬
‫اخلريطة يف احلالة األخرى) مع نص يقرأ (عنوان‪ ،‬تعليق‪،‬‬ ‫التي تتألف منها وتستعري منها نسقيتها السيميائية‬
‫مفتاح)‪ .‬تتخذ الصور الفوتوغرافية‪ ،‬واخلرائط‪ ،‬والصور‬ ‫املختلفة لتمثيل الواقع والتعبري عن حمتوى جغرايف‪ ،‬كام‬
‫بشكل عام (اإلعالنات‪ ،‬سيناريوهات التطوير‪ ،‬صور‬ ‫ثنائية توظيف الدعامات الرقمية إىل جان‬ ‫تؤس‬
‫األقامر الصناعية) يف املامرسات السائدة‪ ،‬وظيفة مساعدة‬ ‫الورقية‪ ،‬إمكانات جديدة لإلدراك املجايل‪ .‬تتيح‬
‫يف أدوار املدرس التعليمية‪.‬‬ ‫‪la‬‬ ‫( ‪géomatique1‬‬ ‫املدرسية‬ ‫"اجليوماتيك"‬
‫البارز‬ ‫بخصوص النص تم االشتغال عىل اجلان‬ ‫‪ ،)scolaire‬عىل سبيل املثال‪ ،‬إمكانية وجود طبقات‬
‫املتعلق ببناء معنى ختصيص للكلامت املتداولة بني‬ ‫متعددة من املعلومات املحددة جغراف ًّيا يف املجال‬
‫العموم؛ مثل نص خاص باملفاهيم املتداولة حول املدينة‬ ‫اإلدراكي بشكل‬

‫يتم متثيل البيانات واملعلومات ذات املرجعية اجلغرافية‪ ،‬ذات الطابع‬ ‫‪ - 1‬تشري "اجليوماتيك" (‪ )La géomatique‬إىل علم وتقنيات‬
‫النوعي أو الكمي‪ ،‬بطريقة تسهل فهمها واستخدامها كأداة مساعدة‬ ‫اكتساب وختزين وحتليل وتفسري ونرش املعلومات اجلغرافية‬
‫لتدبري البيئات الطبيعية والبرشية‪.‬‬ ‫‪((géographie+ informatique).‬اجلغرافيا‪ +‬املعلوميات)‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫فيزيقيا‪ ،‬لكنه‬ ‫العالقة بموضوع جغرايف غائ‬ ‫(‪ )1994 ،Audigier‬أو التبادل التي نجدها يف مواد‬
‫متعدد التمثيل يف الوثيقة‪.‬‬ ‫دراسية خمتلفة‪.‬‬
‫وتأسيسا عىل ما سبق‪ ،‬سيتم ختصيص ما تبقى من‬ ‫وبذلك‪ ،‬فإن الوثيقة املركبة تقدم للجغرافيا جمموعة‬
‫نص املقالة لبناء وتطوير نموذج حتلييل يستكشف هذه‬ ‫مهمة من األسئلة املتعلقة بالعالقات بني األنساق‬
‫اإلشكالية الوظيفية والتواصلية للوثيقة املركبة يف‬ ‫السيميائية‪.‬‬
‫اجلغرافيا‪.‬‬ ‫أما فيام يتعلق بالوثيقة كوحدة معلومات‬
‫‪2‬‬ ‫تواصلية‪ :‬فإنه يمكن فهم الوثيقة وفقا "للمقاربة‬
‫الوظيفية والتواصلية توظف‪ ،‬وفقا للحاجة أو السؤال"‪.‬‬
‫‪ 1-2‬تأطري النموذج التحلييل‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬تظهر قيمة الوثيقة تبعا ملن حيسن توظيفها‪،‬‬
‫لفهم كيفية إعطاء املتعلم معنى لوثيقة مركبة يف‬
‫ويف هذه احلالة‪ ،‬ينبغي للوثيقة أن حتظى باألولوية بالنسبة‬
‫درس اجلغرافيا بكيفية مثىل‪ ،‬سنأخذ بعني‬
‫للمتعلمني أكثر من املدرس إلنجاز املهمة املطلوبة‪ .‬هلذا‬
‫من العالقات التي ُتبنى هبا‬ ‫االعتبار ثالثة جوان‬
‫من وجهة نظر ديدكتيكية‪ ،‬فإن الوثيقة املركبة "ليست‬
‫وضعية القراءة‪:‬‬
‫وسيلة شفافة للوصول إىل واقع األشياء التي ال يمكن‬
‫األول يعطي األولوية للمحتوى‬ ‫اجلان‬
‫إنكارها‪ ،‬بل هي جمموعة من املؤرشات التي ينبغي‬
‫اجلغرايف‪.‬‬
‫تسليط الضوء عليها‪ .‬واختبارها يف عالقة مع الواقع"‪.‬‬
‫فكل وثيقة تضع قراءها يف عالقة مع مكان أو منطقة و‬
‫قراءة كل وثيقة مركبة استحضار ثالثة‬ ‫تتطل‬
‫‪ /‬أو كائن و ‪ /‬أو دعامة لبناء املعرفة التخصصية‬
‫مميزات‪:‬‬
‫(‪(.)disciplinaire‬أو عالقة تعويضية)؛ بحيث من‬
‫( ‪unitaire et‬‬ ‫ميزة الوحدة والرتكي‬
‫الواضح أن الدعامة الديدكتيكية "تُقدم" بوصفها بديال‬
‫‪)composé‬؛‬
‫عن الواقع (‪ ،)un substitut du réel‬لكنها حتمل‬
‫تعدد األنساق السيميائية ( ‪la pluralité des‬‬
‫أيضا‬
‫‪)systèmes sémiotiques‬؛‬
‫‪186‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املحتوى الذي ينظمه املدرس حول فكرة أو‬ ‫غرابة حمتملة‪ ،‬فمجال اإلدراك احليس يقدم التمثالت‬
‫مفهوم جغرايف‪ .‬ولتحديد رهانات الفهم املرتبطة‬ ‫ربام مناقضة جلزء من املجال األريض البعيد‬
‫بالعالقات السيميائية بني الدال واملدلول يف‬ ‫(‪ .)d’espace terrestre distant‬ولتدقيق‬
‫اللغة‬ ‫نظرية‬ ‫عىل‬ ‫سنعتمد‬ ‫اجلغرافيا‪،‬‬ ‫الرهانات اإلبستمولوجية‪/‬املعرفية للعالقة بالواقع‬
‫‪(Louis‬‬ ‫ل"هيلمسليف"‪Hjelmslev1899-‬‬ ‫الذي تنقله‬
‫)‪.1965‬‬ ‫وتصورها للوثيقة‪ ،‬تتم تعبئة مرجعيات‬
‫‪ 2-2‬احلالة املدروسة (‪:)Le cas étudié‬‬ ‫إبستمولوجيا اجلغرافيا يف متفصلها مع إطارين مرجعيني‪:‬‬
‫سيتم توضيح أمهية نموذجنا التحلييل من خالل‬ ‫اللسانيات (‪ )linguistique‬والسيميائيات ( ‪la‬‬
‫حصة دراسية جترى يف الظروف العادية (دون تدخل‬ ‫‪.)sémiotique‬‬
‫الباحث ـ خارج منهجية املرشوع) يف الصف الرابع حول‬ ‫الثاين من حالة القراءة يتعلق بإيصال‬ ‫اجلان‬
‫موضوع التمدين‪ ،‬وستخصص لدراسة مدينة "ديرتوا"‬ ‫املعلومات حول املكان املدروس‪:‬‬
‫األمريكية‪ ،‬املندرجة ضمن املوضوع األول للربنامج‬ ‫تعني قراءة وثيقة مركبة ربط مكونات حتافظ عىل‬
‫بعنوان‪ :‬التمدين يف العامل‪ .‬ويتم الرتكيز بعد ذلك عىل‬ ‫عالقات خمتلفة بالواقع الذي متثله‪ ،‬من خالل اللغات‬
‫ربط املدن بالشبكات الرئيسة واالختالفات التي حيدثها‬ ‫منها‪ .‬ولتوضيح قضايا االتصال الكامنة وراء‬ ‫التي تقتب‬
‫ذلك بني املدن املتصلة واملندجمة بشكل جيد يف إطار‬ ‫هذا التنوع‪ ،‬سنعتمد عىل نظرية العالمات ل"شارل‬
‫العوملة‪ .‬وتلك التي بقيت عىل اهلامش؛ بل يف مواجهة مع‬ ‫ساندرس بريس" ‪Charles Sanders Peirce‬‬
‫ظواهر "التضييق"‪.‬‬ ‫)‪.)1839-1914‬‬
‫جترى احلصة بطريقتني خمتلفتني بناء عىل اختالف‬ ‫الثالث يرتبط بخصائص التعبري‬ ‫اجلان‬
‫املامرسة التدريسية يف امليدان‪:‬‬ ‫للمحتوى اجلغرايف الذي يميز اللغات املختلفة‪.‬‬
‫يف هذا الصدد‪ ،‬فإن أي لغة هلا جمال من الكفاءة‬
‫والقيود أو احلدود‪ .‬فقراءة وثيقة مركبة تعني االضطرار‬
‫إىل التعامل مع العديد من أنساق التعبري من أجل فهم‬
‫‪187‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫السؤال‪ :‬ملاذا نقول إن عبارة "مدينة آخذة يف االنكامش"‬ ‫‪ 1-2-2‬يتعلق االختالف األول بأصل الوثيقة‬
‫هلا ما يربرها متاما؟‬ ‫غري مناسبة ولي‬ ‫الدعامة‪.‬‬
‫تتضمن كل نسخة ثامنية عنارص‪ :‬صورتان وخريطة‬ ‫كتابا مدرس ًّيا‪ ،‬ولكنها وثيقة أعدها‬ ‫هذا لي‬
‫موضوعاتية ونصان ورقيان وتقرير مصور عىل موقع‬ ‫املدرس ووظفها يف حصته الدراسية بعنوان "ديرتوا"‬
‫وي يمكن الوصول إليه عن طريق رابط إلكرتوين‬ ‫مدينة آخذة يف االنكامش ‪« Détroit, la “ville qui‬‬
‫(‪ )hyperlien‬ومقتطفان من األخبار املتلفزة‬ ‫‪.rétrécit / shrinking city” »1‬‬
‫متاحان من خالل رمز االستجابة الرسيعة ‪(voir‬‬ ‫توزع نسخ من هذه الوثيقة عىل نصف املتعلمني يف‬
‫)‪.annexe no 1‬‬ ‫الفصل لإلجابة عن هذا السؤال‪ :‬ملاذا يمكننا القول إن‬
‫‪ 2-2-2‬يتعلق االختالف الثاين بسيناريو احلصة‬ ‫العبارة "مدينة آخذة يف االنكامش مناسبة وهلا ما يربرها؟‬
‫الدراسية ونمط التفاعالت الناجتة بني املدرس واملتعلم‪،‬‬ ‫كام توزع دفعة أخرى من هذه الوثيقة عىل النصف‬
‫املدرسية أسئلة‬ ‫وتتضمن امللفات الوثائقية للكت‬ ‫منهم اجلواب عن هذا‬ ‫الثاين من املتعلمني ويطل‬

‫‪ 4914‬عىل يد فرنيس‪ ":‬أنطوان دي الموت‪-‬كاديالك" ‪Antoine‬‬ ‫‪" -1‬ديرتوا" ‪ Détroit‬هي املدينة الرئيسة لوالية ميشيغان يف‬
‫‪ .de Lamothe-Cadillac‬يأيت اسمها من الكلمة الفرنسية‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬وهي معروفة عىل نطاق واسع أكثر من عاصمتها‬
‫"ديرتوا" ‪ ،‬يف إشارة إىل املمر املائي الطبيعي بني بحرييت سانت كلري‬ ‫النسينغ‪ ،‬ومقر مقاطعة واين عاصمة رأس املال األمريكي إلنتاج‬
‫وإيري‪ :les lacs Sainte-Claire et Érié‬هنر ديرتوا ‪ ،‬الذي تقع‬ ‫السيارات حتى سنوات ‪ .4791‬تقع يف الغرب األوسط األمريكي‪،‬‬
‫عىل الشاطئ الشاميل منه‪ ،‬والذي يمثل مساره جزءا من احلدود بني‬ ‫داخل حزام فروست وحزام الصدأ (املعروف سابقا باسم حزام‬
‫كندا والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫التصنيع) ‪ ،‬ويف قل منطقة البحريات العظمى‪ ،‬تأسست املدينة عام‬
‫‪188‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫السؤال الذي جييبون عنه أو بعبارة أخرى‪ ،‬لتحديد مدى‬ ‫متعلقة باستخراج معلومات من كل عنرص من عنارص‬
‫متلكهم (‪ )appropriation‬وإتقاهنم املهمة التي كلفهم‬ ‫امللف‪ ،‬ثم سؤاال تركيب ًّيا يربط اإلجابات املحصل عليها‪.‬‬
‫هبا املدرس‪ .‬يسمح هذا التنظيم كذلك يف حدود مقاربة‬ ‫يؤدي استخدام هذه امللفات إىل حتديد الشكل‬
‫ال ترتبط بديناميات الوضعية الديدكتيكية (التفاعل‬ ‫الديدكتيكي للدرس املسمى حواريا‪ ،‬حيث يوجه‬
‫التنظيمي مع املدرس عند مناقشة اإلنجاز الوسيطي)‬ ‫املدرس األنشطة‪ ،‬ويف حالة تعذر اإلجابة عن األسئلة‬
‫لفهم استقبال املتعلمني لـ 'وثيقة مركبة ليتم فهمها يف‬ ‫احلوارية يعيد صياغتها بأسئلة مغلقة (‪Leininger-‬‬
‫شموليتها‪ .‬فعادة‪ ،‬يف ديدكتيك اجلغرافيا‪ ،‬ال يمكننا‬ ‫‪ .)2014 ،Frézal‬فأثناء احلصة املدروسة‪ ،‬يسأل‬
‫املامرسات التي جتزئ‬ ‫مالحظتها يف شموليتها‪ ،‬بسب‬ ‫املدرس سؤاال واحدا فقط (ملاذا يمكن أن نقول كذا ‪.)...‬‬
‫القراءة الوثائقية وحترص املعنى الناتج عن طريق التوجيه‬ ‫ويتوقع السيناريو ثالث مراحل‪ :‬إنجاز التالميذ‪،‬‬
‫الدقيق‪.‬‬ ‫‪une production‬‬ ‫بمفردهم‪ ،‬إلنتاج وسيط‬
‫‪Le‬‬ ‫التحليل ( ‪modèle‬‬ ‫‪ 3-2‬نموذج‬ ‫‪( intermédiaire‬رسم بياين)؛ مناقشة هذا اإلنتاج مع‬
‫‪:)d’analyse‬‬ ‫املدرس؛ اإلجابة النهائية‪ une réponse finale‬عن‬
‫‪ 1-3-2‬الداللة (‪:)Signification‬‬ ‫السؤال املطروح انطالقا من املنتج املستخلص‪.‬‬
‫التحليل االبستمولوجي استحضار متييز‬ ‫يتطل‬ ‫فبالنسبة للمدرس‪ ،‬فإن إنتاج نصوص متباينة (تبعا‬
‫أعده اجلغرايف "دوفيني" ‪ A. Dauphiné‬بني املجال‬ ‫ألجوبة املجموعتني عن سؤال "ما إذا كان يمكننا القول‬
‫األريض‪" :‬حقيقي وملموس [‪ ]...‬معطى و ُمنتَج‬ ‫إن صيغة "مدينة آخذة يف االنكامش" مربرة متاما أم ال)‬
‫ومعيش ومدرك"‪ .1‬واملجال اجلغرايف‪" :‬مفهوم بناه‬ ‫تغذي وقتا إلضفاء الطابع املؤسسايت‪ ،‬عىل احلصة‬
‫اجلغرافيون إلضفاء الطابع العلمي عىل خصائص املجال‬ ‫املوالية‪ ،‬عىل املعرفة املرتبطة ب"انكامش املدن"‪.‬‬
‫األريض"‪ 2.‬وعىل الرغم من أن اجلغرافيا املدرسية‪ ،‬منذ‬ ‫أما بالنسبة للباحث (‪ ،)le chercheur‬يسمح هذا‬
‫الثامنينيات ويف توافق مع اجلغرافيا العلمية‪ ،‬قد ركزت‬ ‫التنظيم بإعادة البناء انطالقا من النصوص التي أنتجها‬
‫تعريف حمتوياهتا عىل مفهوم املجال (الربامج‪ ،‬الكت‬ ‫املتعلمون‪ ،‬قبل حلظة إضفاء الطابع املؤسيس‪ ،‬عىل‬

‫‪1‬‬
‫‪concepts de la géographie. Paris/New‬‬ ‫‪- DAUPHINÉ, A. (2001). « Espace terrestre et‬‬
‫)‪York/Barcelone : Masson, p. 53‬‬ ‫‪espace géographique ». In : Bailly A. (éd.). Les‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪- (ibid., p. 53‬‬
‫‪189‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كون هذه املجالية يف شكل دعامة‪ ،‬تتعارض مع التعبري‬ ‫املدرسية‪ ،‬املامرسة الديدكتيكية‪ ،‬والتقويامت الرسمية)‪،‬‬
‫عن املحتويات التي ال ختتزل يف هذه املجالية اإلقليدية‪،‬‬ ‫فقد ظل استخدام هذا املصطلح غامضا‪ .‬فإذا تم اعتبار‬
‫دون إغفال األبعاد االقتصادية واالجتامعية للمجتمعات‬ ‫املجال مفهوما م ِ‬
‫دجما ملحتويات اجلغرافيا ‪(Hertig,‬‬ ‫ُ‬
‫املرتي ‪système‬‬ ‫بالنظام‬ ‫وعالقتها‬ ‫املعارصة‬ ‫)‪ 2012‬فإننا نتحدث عن املجال اجلغرايف؛ يعني البناء‬
‫‪ .métrique‬فتحويل املسافة‪ -‬الكلفة (‪la distance-‬‬ ‫الفكري اخلاص هبذه املادة‪ ،‬يتم تنفيذه حلساب املجال‬
‫‪ )coût‬أو املسافة الزمنية (‪ ،)la distance-temps‬يف‬ ‫األريض‪ /‬سطح األرض‪ ،‬ظروف وجود الكائن‬
‫املجال‪ -‬الوثيقة (‪ ،)un espace document‬بمسافة‬ ‫البرشي‪ ،‬مكان هيأته وحولته وامتلكته جمتمعات برشية‬
‫مرتية (‪ ،)en distance métrique‬يشكل مترينا‬ ‫(مرجع)‪.‬‬
‫مفيدا‪ ،‬لكنه يبقى دائام غري ُمر ٍ‬
‫ض"‪.2‬‬ ‫يسمح هذا التمييز بافرتاض أن الوثيقة‪ ،‬يف درس‬
‫وبالتايل‪ ،‬فإن كل حمتوى جغرايف يتضمن خاصية‬ ‫اجلغرافيا‪ ،‬هتدف إىل بناء املجال اجلغرايف انطالقا من‬
‫املجالية " التي تنشئ عالقات مسافة قادرة عىل بلوغ‬ ‫أماكن وجهات من العامل املدرك واملنتج كمجال أريض؛‬
‫الكائنات واألشياء‪ ،‬وعالقات مع اخلصائص (اقتصادية‪،‬‬ ‫أن تكتمل هذه الثنائية بمفهوم املجال املتم َثل‪.‬‬ ‫إذ جي‬
‫اجتامعية‪ ،‬ديموغرافية‪ ،‬ثقافية‪ ،)...‬من تلك التي ُمتفصلها‬ ‫فقد حتدث اجلغرايف واالبتسمولوجي " كراطالوب"‬
‫األشكال املجالية‪.‬‬ ‫‪ GRATALOUP. C‬عن هذا املوضوع "املجال‪-‬‬

‫إن العديد من هذه اخلصائص تشكل موضوعا‬


‫للمجالية التي تستبدل أسلوب القياس املرتي‪ ،‬مما يفتح‬ ‫الوثيقة" والذي يمكن مقارنته بمفهوم املجال‬
‫جماال للصعوبات التي ذكرها‪ C. Grataloup‬فيام‬ ‫اإلدراكي‪ .‬حيث يذك ُر بأنه انطالقا من اللحظة التي ينتج‬
‫يتعلق‬ ‫العلم فيها وثائقه‪ ،‬فإنه يستخدم مساحة مرتية عادية‬
‫بنظام التعبري الكارطوغرايف‪ ،‬وهو أكثر قدرة عىل‬ ‫(ورقة‪ ،‬شاشة‪ ،)...‬ولكن يتم توجيهه من خالل أنامطنا‬
‫متثيل املسافات املرتية من املسافات – الزمنية‪ ،‬واملسافات‬ ‫العامة من التمثالت"‪ .1‬أخريا‪ ،‬يوضح اإلكراه املتمثل يف‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- (ibid., p. 33).‬‬ ‫‪- (ibid., p. 33).‬‬
‫‪190‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ MacLean‬باإلضافة إىل عرش صور أخرى للمؤلف‬ ‫– الكلفة‪ ،‬واملسافات الوجدانية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتامعية‪،‬‬
‫نفسه‪ .‬وهو مرتبط أيضا برمز االستجابة الرسيعة مع‬ ‫والبيئية‪...‬‬
‫مقتطفني من الربامج اإلخبارية التلفزيونية الفرنسية ‪2‬‬ ‫وحيتوي كل جزء من الوثيقة املركبة عىل مادية‬
‫املخصصة إلبراز تطور مدينة ‪ .Détroit‬باإلضافة إىل‬ ‫جمالية (‪( )une matérialité spatiale‬املجال‬
‫العنوان والتعليامت‪ ،‬يتم تنظيم املجال اإلدراكي عىل‬ ‫اإلدراكي) (‪ ،)espace perceptuel‬حيث يتم التعبري‬
‫الورق من خالل الصورتني اللتني تقدمانه وتغلقانه‪.‬‬ ‫عن خصائص املجال األريض املدروس بلغة معينة‪ .‬لكن‬
‫وتستند قراءة هاتني الصورتني الفوتوغرافيتني عىل‬ ‫الدعامة يف اندماجيتها‪ ،‬حتتوي عىل العديد من‬
‫خصائص نسق التعبري األيقوين (‪:)2008 ،Mendibil‬‬ ‫اخلصوصيات تستغل للتعبري؛ إذ تشكل مساحاهتا‬
‫يكون املعنى املعطى للصورة موجها بنصيتها‬ ‫اخلاصة‪ ،‬وموقعها النسبي ومتظهراهتا (بإطاراهتا‪،‬‬
‫(‪ )textualisation‬املرتبط بإطار ضيق نوعا ما حول‬ ‫وعناوينها‪ )...‬عىل الورقة أو الشاشة ـ تشكل ـ مادية‬
‫املوضوع‪ ،‬مع زاوية نظر مائلة عمودية‪.‬‬ ‫جمالية بأعىل املقايي ؛ حيث تصبح األوىل (الورقة) كام لو‬
‫‪ 2-3-2‬التواصل (‪:)Communication‬‬ ‫كانت معبأة‪.‬‬
‫تصف نظرية العالمات ( ‪La théorie des‬‬ ‫أكثر من ذلك‪ ،‬تصبح جمالية التمثيل يف حد ذاهتا‬
‫‪ )signes‬ل ‪ C. S. Peirce‬حقائق التواصل البرشي‬ ‫ُمكونة ماديا عىل حامل ورقي‪ ،‬أو من خالل الشاشة‪،‬‬
‫انطالقا من الدراسة املنطقية الشتغال العالمات التي‬ ‫بمختلف أنامط متظهراهتا (روابط اإلنرتنت‪ ،‬روابط‬
‫يف كل عالمة تدل املادية املحسوسة‬ ‫تستخدمها‪.‬‬ ‫رقمية‪ ،‬رموز االستجابة ‪.)QR‬‬
‫(مكتوبة‪ ،‬مرسومة‪ ،‬مصورة‪ ،‬صوت‪ ،‬فيلم مصور) عىل‬ ‫يف حالتنا‪ ،‬يكون املجال اإلدراكي مدجما‪ .‬يتم متديد‬
‫يشء آخر غري ذاته بالنسبة لشخصني أثناء التواصل‪.‬‬ ‫الدعامة الورقية بواجهتيها‪ :‬عنوان النشاط والتعليمة‪،‬‬
‫فاملاثول "‪[ "un representamen‬عىل سبيل‬ ‫التي توحد الوثيقة وظيفيا‪ ،‬بطريقتني‪ .‬تؤدي الروابط‬
‫املثال الصورة البرصية أو الصوتية للكلمة] هو موضوع‬ ‫الرقمية املوجودة أسفل الصورة األوىل إىل مقال عرب‬
‫عالقة ثالثية مع ثان يسمى موضوعها [حقيقي أو يمكن‬ ‫اإلنرتنت نُرش عىل موقع ‪ New York Times‬حيث‬
‫ختيله أو ال يمكن ختيله والذي حييل عليه األول] لثالث‬ ‫يكتشف القارئ نصا متهيديا لعمل املصور ‪A. S.‬‬
‫‪191‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اكتشف ‪3Charles Sanders Peirce‬ثالثة أبعاد‬ ‫يسمى مؤوهلا [صورة ذهنية مرتبطة هبذه الصورة‬
‫من االشتغال املنطقي للعالمات‪:‬‬ ‫البرصية أو الصوتية]‪ .‬هذه العالقة الثالثية هي أن املمثل‬
‫( ‪dimension‬‬ ‫الرتكيبي‬ ‫البعد‬ ‫العالقة الثالثية مع نف‬ ‫حيدد مؤوله للحفاظ عىل نف‬
‫‪( )syntaxique‬العالمة يف عالقتها بذاهتا)؛‬ ‫املوضوع لبعض املؤولني‪.1‬‬

‫البعد الداليل (‪)dimension sémantique‬‬ ‫هكذا‪ ،‬فإن الرسم التخطيطي ملدينة (‪،)Détroit‬‬

‫(العالمة يف عالقتها باملوضوع)؛‬ ‫باختيار عنوان الوثيقة املراد قراءهتا‪ ،‬هي الصورة البرصية‬

‫البعد التداويل (‪( )pragmatique‬العالمة يف‬ ‫التي سريبطها القارئ بالصورة الذهنية ملدينة‬

‫عالقتها باملؤول)‪.‬‬ ‫(‪ ،)Détroit‬وهي الكلمة التي تشري إىل جزء من الواقع‪،‬‬

‫يتوافق تصنيف العالمات املأخوذة من أعامله مع البعد‬ ‫يف الوضعية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬وأن مواصفاهتا هي‬

‫الداليل‪ .‬نستخدم هذا التصنيف لتمييز رهانات التواصل‬ ‫التي حتدد أهنا مدينة‪ .‬من املرجح أن يؤدي كل حتقق‬

‫يف اجلغرافيا املدرسية‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬تشري املادية‬ ‫الحق (‪ )occurrence ultérieure‬إلدراك هذا‬

‫املدركة‪( la matérialité perçue‬التسجيل‪ ،‬صوت‪،‬‬ ‫املاثول (‪ )representamen‬إىل تطوير الصورة الذهنية‬

‫رسم ‪ )...‬إىل يشء آخر موجود يف مكان آخر يف املجال‬ ‫للمدينة‪.‬‬

‫األريض‪.‬‬ ‫تتيح قراءة الوثيقة فرصا متعددة إلغناء هذه‬

‫مع الوثيقة التي ندرس قراءهتا‪ ،‬ختتلف هذه‬ ‫الصورة الذهنية‪ ،‬عىل سبيل املثال من خالل املؤهالت‬

‫العالقات من جزء إىل آخر‪ ،‬وكذلك داخل اجلزء نفسه‪.‬‬ ‫واأللقاب املنسوبة إىل ديرتوا (‪ :)Détroit‬مدينة‬

‫فيام يتعلق بالعنوان‪ ،‬إذا كان الرمز يشري إىل موضوع ‪ -‬ما‬ ‫السيارات‪ ،‬مدينة األشباح‪ ،‬املدينة املنكمشة‪ ،‬املدينة‬

‫يمكننا تسميته أيضا املرجع ‪ -‬املسمى ديرتوا‪ ،‬بالنسبة‬ ‫األكثر جنونا‪ ،‬واحدة من أفقر املدن‪ ،‬مسقط رأس ال‬

‫لبعض الصور يف هذه الوثيقة‪ ،‬املرجع هو قطعة ‪une‬‬ ‫موتاون (‪ ، )berceau de la Motown‬مدينة ثقوب‬
‫‪ville "gruyère2.‬‬

‫‪" -3‬تشارلز ساندرز بريس" (‪ )Charles Sanders Peirce‬عامل‬ ‫‪1‬‬


‫‪- PEIRCE, C.S. (1978). Écrits sur le signe.‬‬
‫‪Trad. de l’anglais et éd. par G. Deledalle. Paris :‬‬
‫التيار الرباغاميت مع‬ ‫سيميولوجي وفيلسوف أمريكي‪ُ .‬يعترب مؤس‬ ‫)‪Éditions du Seuil.,p. 117‬‬
‫‪ ،‬ومع فرديناند دي سوسور ‪ ،‬أحد أبوي علم األحياء‬ ‫ويليام جيم‬ ‫‪2 - Gruyères est une ville médiévale située dans‬‬
‫‪le canton suisse de Fribo urg‬‬
‫احلديث‪ ،‬باإلضافة إىل أحد أعظم علامء املنطق‪.‬‬
‫‪192‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫قبل كل يشء‪ :‬للكلامت عالقات عادية وطبيعية مع‬ ‫‪ parcelle‬أو جزيرة‪ un îlot‬أو مبنى‪ ،‬أو حتى جزء من‬
‫املوضوع‪ .‬الصورة البرصية و ‪ /‬أو الصوتية يف "ديرتوا"‬ ‫املجموعة احلرضية يظهر فيها وندسور(‪، )Windsor‬‬
‫هلا عالقة متاثلية(‪ )analogique‬أو‬ ‫‪ Détroit‬لي‬ ‫الضاحية الكندية لديرتوا ‪ .‬هذه العالمة األوىل للتنوع‬
‫مؤرشاتية (‪ )indiciaire‬مع ما حتدده‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ختتم الطبيعة الوصفية ملرجع الوثيقة املركبة يف اجلغرافيا‪،‬‬
‫يمكن استغالل العالقة املجازية‪ ،‬كام هي احلال مع هذه‬ ‫لكنها جمتمعة يف فعل القراءة‪ ،‬مع تعدد العالقات املنطقية‬
‫الصيغة ألحد املكونات النصية‪" :‬ديرتوا‪ ،‬التي تغطي‬ ‫بني املاثول واملرجع‪.‬‬
‫مساحتها ما يعادل سان فرانسيسكو وماهناتن وبوسطن‬ ‫يميز " بريس" بني ثالثة أنامط من عالقات الرمز‬
‫جمتمعة‪ ،‬ال تزال تبدو وكأهنا مدينة جبن سويرسية‬ ‫باملوضوع‪ ،‬والتي يسميها األيقونة واملؤرش والرمز‪.‬‬
‫[التشديد مضاف] مع جزر غريبة من اخلرضة التي‬ ‫األيقونة‪ :‬تقيم عالقة متاثل مع املوضوع الذي‬
‫بقيت حوهلا أطالل شبحية"‪.‬‬ ‫متثله‪ .‬وينقسم هذا النوع من العالقات إىل أنواع فرعية‪:‬‬
‫فاجلزر اخلرضاء بالنسبة ملدينة "ديرتوا" ‪Détroit‬‬ ‫استعارة‪ ،‬رسم بياين‪ ،‬وصورة‪ .‬تؤس‬
‫هي بمثابة ثقوب يف قطعة من اجلبن تستخدم تسمية حزام‬ ‫االستعارة متاثال نوعيا بني العالمة واملوضوع‪ ،‬والرسم‬
‫الشم ‪ ،‬والتي عادة ما حتدد يف اجلغرافيا املنطقة احلرضية‬ ‫البياين متاثال عدديا (‪،)une analogie numérique‬‬
‫[يف اجلنوب الرشقي] الواليات املتحدة املتأثرة منذ‬ ‫والصورة مماثلة للشكل ( ‪l’image une analogie‬‬
‫سبعينيات القرن املايض بالرتاجع عن التصنيع ( ‪la‬‬ ‫‪ .)de forme‬من ناحية أخرى‪:‬‬
‫( ‪la‬‬ ‫والفقر‬ ‫‪)désindustrialisation‬‬ ‫املؤرش يشري إىل عالقة واقعية بني العالمة‬
‫( ‪la‬‬ ‫السكان‬ ‫وهجرة‬ ‫‪)paupérisation‬‬ ‫واملوضوع ‪ -‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ريشة ‪girouette la‬‬
‫‪ )dépopulation‬وال خيلو من االجتاه نحو العالقة‬ ‫والرياح‪ .‬أخريا‪:‬‬ ‫الطق‬
‫املبنية عىل املؤرش (‪ )un rapport indiciaire‬الذي‬ ‫الرمز حييل عىل عالقة متفق عليها اعتباطية‬
‫يتوقع القارئ من خالله أن يرى مدن املصانع املهجورة‪.‬‬ ‫بطريقة ما‪.‬‬
‫وسنعود يف التحليل إىل مشكلة الفهم التي تطرحها‬ ‫فالوثيقة توظف عدة لغات تعبريية خمتلفة؛ يف اللغة‬
‫الصيغة املدرجة يف العنوان‪ :‬مدينة آخذة يف االنكامش‬ ‫اللفظية أو املكتوبة أو الشفوية‪ ،‬تكون العالقات رمزية‬
‫‪193‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫تعليق‪ ،‬مفتاح) إىل عالقات خمتلفة‪ ،‬وبخاصة البعد‬ ‫(‪ ،)la ville qui rétrécit‬أو فئة املدينة التي‬
‫املجازي‪ .‬بالنسبة إىل الطابع املتغري للمرجع املمثل‪ ،‬فإن‬ ‫تتعرض لالنكامش ( ‪la catégorie Shrinking‬‬
‫تعدد العالقات املنطقية التي أقيمت بني املاثول واملرجع‪،‬‬ ‫‪.)City‬‬
‫والتي يتم استغالهلا بشكل خمتلف وفقا للغات التعبريية‪،‬‬ ‫تستعري الكارطوغرافيا ‪ ) (La cartographie‬إىل‬
‫يضفي عىل التواصل طابع التعقيد‪.‬‬ ‫حد كبري من الصورة )‪ (CS Peirce‬األشكال‬
‫‪ 3-3-2‬التعبري (‪:)Expression‬‬ ‫واملسارات املمثلة‪ ،‬ومن الرسم التخطيطي سمك‬
‫تكتيس النظرية اللسانية ل ‪ L. Hjelmslev‬أمهية‬ ‫اخلطوط لتمثيل الطرق يف "خريطة استغالل الرتبة يف‬
‫بالغة لفهم طريقة تعبئة أشكال اخلطاب التعبريي يف‬ ‫مدينة ديرتوا »‪.‬‬
‫الدرس اجلغرايف مستحرضا مادة التخصص‪ .‬فهذا‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ويف هذه اخلريطة نفسها‪ ،‬تتخذ‬
‫اللساين يعوض ثنائية الدال واملدلول بثنائية التعبري‬ ‫األرقام التي متثل معدالت الترسب بعدا رمزيا‪ .‬وهذه‬
‫واملحتوى‪.‬‬ ‫ليست هي احلال مع املساحات املسطحة ذات اللون‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬فهو يميز الشكل واملادة يف كل من‬ ‫األخرض‪ ،‬والتي متثل جماالت خرضاء عىل خريطة‬
‫هذين املستويني؛ الشكل هو ما يقطع مادة ما أو يعرب عنها‬ ‫الدعامة الوثائقية الثانية‪ .‬ثم االختيار املجازي‪ /‬الرمزي‬
‫أو ينظمها يف حد ذاهتا بشكل غري متبلور‪ .‬من حيث‬ ‫دور املؤرش باعتباره موجها لقراءة اخلريطة‬ ‫الذي يلع‬
‫التعبري‪ ،‬ينظم الشكل مادة حساسة وملموسة ويعرب‬ ‫الواقع يف ذروة‬ ‫يف كثري من األحيان‪ ،‬مما جيعلها تعك‬
‫عنها‪ .‬يطبق شكل التعبري عىل جمال الكفاءة األصيل‬ ‫العرض‪.‬‬
‫اخلاص به‪ ،‬وهو يتوافق مع القواعد الصوتية اخلاصة‬ ‫الفوتوغرافية‬ ‫األيقونوغرافيا‬ ‫وتعمل‬
‫بلغة ما‪ ،‬والتي حتدد‪ ،‬من سلسلة األصوات التي يمكن‬ ‫يف‬ ‫‪)L’iconographie‬‬ ‫(‪photographique‬‬
‫أن ينتجها جهاز صويت برشي‪ ،‬عددا حمدودا من‬ ‫الوقت نفسه عىل توظيف العالقات التناظرية واملؤرش‬
‫األصوات والعالقات التي توحدهم‪ .‬من حيث‬ ‫للجزء األيقوين من الدعامة‪ :‬اإلدراك املرئي جلزء من‬
‫املحتوى‪ ،‬يتوافق الشكل مع التقسيم إىل وحدات ذات‬ ‫املجال يؤكد للقارئ وجود هذا اجلزء من الواقع‪ .‬أحيانا‬
‫معنى أو فئات‪ ،‬ملادة يتم تنظيمها بطريقة أخرى‪.‬‬ ‫تؤدي الصورة النصية ‪( la textualisation‬عنوان‪،‬‬
‫‪194‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اجتامعية‪ ،‬كثقافة وديمغرافيا ‪ ...‬هذه االعتبارات ليست‬ ‫بالنسبة ل"هيلمسليف"‪" ،‬حيتوي أي نظام للصور‬
‫بال فائدة يف فهم تعقد العالقات السيميائية املركزة يف‬ ‫يف خدمة العالمات يف حد ذاته عىل شكل من أشكال‬
‫وثيقة حمددة‪ .‬لنأخذ مثاال من بني األمثلة األخرى التي‬ ‫التعبري وشكل من أشكال املحتوى"‪ .1‬العالمة هي "يف‬
‫نحن بصدد حتليلها‪ :‬تطور الوظائف احلرضية يف مدينة‬ ‫اآلن نفسه عالمة عىل جوهر املحتوى وعالمة عىل‬
‫آخذة يف التقلص‪ .‬يتعلق األمر بظاهرة اقتصادية‪ ،‬يتمظهر‬ ‫مضمون التعبري"‪.2‬‬
‫فيها البعد املجايل عرب تغريات يف امتالك واحتالل‬ ‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فهو يميز يف كال خمططيه الشكل‬
‫املجال‪ ،‬يف كل األمكنة التي تتميز باهلجران والتخيل‪،‬‬ ‫واملادة‪ ،‬فالشكل هو ما يمكن تقسيمه وجتزيئه‪ ،‬هو يشمل‬
‫وبفالحة حرضية‪.‬‬ ‫املادة ويضمها‪ ،‬شكل التعبري يتوافق مع القواعد اللسنية‬
‫دعونا نأخذ حمتوى واحدا من بني حمتويات أخرى‬ ‫والفينولوجية املرتبطة بلغة معينة‪ ،‬والذي يسمح بتشكل‬
‫يف احلالة التي نقوم بتحليلها‪ :‬تطور الوظائف احلرضية يف‬ ‫جهاز صويت برشي‪ ،‬يمكن أن ينتج وحيدد عددا حمدودا‬
‫"مدينة آخذة يف االنكامش"‪ .‬يتعلق األمر بظاهرة‬ ‫من الظواهر والعالقات التي توحده‪.‬‬
‫اقتصادية تؤثر يف املجال عرب تغريات يف استخدام‬ ‫عىل مستوى املحتوى‪ ،‬الشكل يتوافق مع تقسيم‬
‫األرايض‪ ،‬يف أماكن خمتلفة تتميز باهلدر والزراعة احلرضية‬ ‫الوحدات يف املعنى أو الدرجات اخلاصة بالشكل القابل‬
‫إلعادة االستيالء‪.‬‬ ‫للتنظيم‪ ،‬وبتعبري آخر وحس ‪ " Hjelmslev‬أي نظام‬
‫تقرتح الوثيقة أربع حاالت من التعبري‪ :‬شكل‬ ‫للرموز يف خدمة الداللة حيتوي يف ذاته شكال للتعبري‬
‫التعبري وشكل املحتوى ‪ -‬ملادة يمكن وصفها بأهنا‬ ‫وشكال آخر للمحتوى"‪.‬‬
‫"خرضاء" من حيث التعبري (األخرض كقطعة قمنا بقص‬ ‫اإلشارة إذا " هي إشارة إىل شكل حمتوى وشكل‬
‫الطيف املستمر لأللوان) والذي من حيث املحتوى‪ ،‬له‬ ‫للتعبري"‪.‬‬
‫عالقة بتطور الوظائف احلرضية أو خاصية استخدام‬ ‫انسجاما مع التصنيفات‪ ،‬فإن إبستمولوحيا‬
‫األرايض احلرضية التي متيز املدن األمريكية املرتاجعة‪.‬‬ ‫اجلغرافيا تم بناؤها عىل قاعدة املحتوى‪ ،‬الشكل الذي‬
‫احلالة األوىل‪ :‬تظهر من خالل عنوان الصورة‬ ‫التقسيم إىل وحدات جمالية‪ ،‬كشكل اجتامعي‬ ‫يناس‬
‫"حديقة مجاعاتية حرضية مزروعة يف مكان ملنازل‬ ‫منظم‪ ،‬أو بتعبري آخر‪ :‬كمفهوم اقتصادي كبنيات‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫)‪- (ibid., p. 76‬‬ ‫)‪- (Hjelmslev, 1976 [1943], p. 77‬‬
‫‪195‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اجلغرايف يشري فقط بطريقة غري مؤكدة إىل املوضوع‪ .‬من‬ ‫مهجورة"‪ ،‬والتي تشري إىل املجال األيقوين للتمثالت‪،‬‬
‫املحتمل أن بعض هذه "املجاالت اخلرضاء" (املتنزهات‬ ‫وإىل املنظر املائل (‪ )la vue en oblique‬لصفوف‬
‫واحلدائق) مل تكن وليدة األزمة يف "ديرتوا" ‪.Détroit‬‬ ‫النباتات املزروعة وأنفاق الزراعة‪ ،‬داخل املشارات (قطع‬
‫ال تسمح لنا الوثيقة باملعرفة‪ ،‬لكن بالنسبة للتالميذ‪،‬‬ ‫األرايض) التي حتدد الطرق احلرضية وتقطعها‪.‬‬
‫يمكن مقارنة هذه "املجاالت اخلرضاء" بـ "جزر‬ ‫باختصار‪ ،‬مادة خرضاء حساسة (باألحرى ظالل‬
‫اخلرضة" املذكورة يف النص السابق‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪ :‬تعيد القارئ إىل األيقونات؛ يف‬ ‫خرضاء‪ ،‬زرقاء وكذلك رمادية من أنفاق الزراعة)‬
‫مقدمة الصورة عىل النحو التايل‪" :‬جيذب مرشوع‬ ‫تتشكل بواسطة خطوط األنفاق ولوحة الطرق (شكل‬
‫هايدلربغ ‪ Le projet Heidelberg‬بمنازله امللونة‬ ‫التعبري)‪.‬‬
‫واملنشآت الفنية املصنوعة من األشياء التي تم إنقاذها‬ ‫املحتوى‪ ،‬مدعوما أوال بالعنوان‪ ،‬مادة‬ ‫وعىل جان‬
‫‪ 91111‬شخص سنويا"‪ ،‬قطعة من العش ‪ ،‬خرضاء‬ ‫التغيري التي تعرب عن "بدال من" الشكل املكاين الذي هو‬
‫زاهية حتت السامء الزرقاء (عىل شكل التعبري)‪ ،‬يأيت من‬ ‫شكل قطعة األرض أو املنطقة الفرعية‪.‬‬
‫دون تسطري نيص‪ ،‬للتوقيع بطريقة ما عىل إمكانية التجديد‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬تطرأ هذه املرة بواسطة نص‬
‫احلرضي من خالل الثقافة يف "ديرتوا"‪( Détroit‬شكل‬ ‫صحفي قصري حيث يصف "مدينة عتيقة هبا جزر غريبة‬
‫من أشكال املحتوى)‪.‬‬ ‫من املساحات اخلرضاء ما زالت حتيط هبا أطالل‬
‫ماذا يعني قراءة وفهم وثيقة مركبة الكتساب املعرفة‬ ‫شبحية"‪ .‬الصيغة التي جتعل من فئة املساحات اخلرضاء‬
‫اجلغرافية؟‬ ‫البنية األولية ملدينة عتيقة (شكل جمايل ينظم جوهر‬
‫فالنموذج الذي تم تطويره حيتفظ بأنه يتعلق ب‪:‬‬ ‫اقتصاد يف حتول)‪.‬‬
‫‪ )4‬نشاط تنظيم املحتوى باستخدام أنظمة تعبري‬ ‫احلالة الثالثة‪ :‬تتعلق بخريطة استخدام األرض‬
‫مناسبة بشكل خمتلف للتعبري املكاين الذي يميز هنج املادة‬ ‫يف ‪ Détroit‬حيث يشري املفتاح إىل "املجاالت اخلرضاء"‬
‫(اجلغرايف) للتواصل االجتامعي؛‬ ‫(شكل املحتوى وظيفي) ممثلة بمناطق خرضاء صلبة‬
‫(شكل من أشكال التعبري)‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن املحتوى‬
‫‪196‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ديرتوا ‪ ،Detroit‬والعمل عىل التقديم بشكل متعدد‬ ‫‪ )2‬مرجع قابل للتمثيل بطرق متعددة ولي‬
‫األبعاد عرب وجهات نظر وعرب أنظمة سيميائية؟‬ ‫بالرضورة متوافقة‪ ،‬عىل الرغم من أنه غالبا ما يتم حتديده‬
‫تم إنتاج ثالثة أنواع من النصوص من ِقبل التالميذ‪،‬‬ ‫بطريقة موحدة (الطوبونوميا‪ :‬اسم موقع)؛‬
‫تنسجم مع أشكال استدماجهم للمهمة املقرتحة‪ .‬يمكن‬ ‫أنظمة التعبري دور‬ ‫‪ )3‬بواسطته (النموذج) تلع‬
‫التعبري عنها أيضا كشكل من أشكال حل مشكل طرح‬ ‫العالقات السيميائية املتعددة يف جمال إدراكي‪ ،‬وهو نفسه‬
‫عليهم مع ما يتطلبه ذلك من معرفة ببناء املحتوى‬ ‫وحدوي ومرك ‪.‬‬
‫اجلغرايف املقبول‪ ،‬من خالل كل متقابل متعدد من‬ ‫بعض املالحظات حول دراسة حالة لوثيقة مركبة‪:‬‬
‫اإلشارات التي يبحث هلا عن مؤرشات‪ ،‬تقود نحو إجابة‬ ‫الواقعية التي حتكم إنتاج املعرفة يف اجلغرافية املدرسية‬
‫مبنية‪ ،‬خمترصة وموحدة‪.‬‬ ‫تتغذى من املامرسات املرتبطة بالتوجيه الضيق لألسئلة‬
‫النوع النيص األول‪ ،‬نتاج لنشاط يروم ترتي‬ ‫حول الوثيقة بعدد أقل وبشكل تسلسيل‪ .‬إهنا تفرغ وتنزع‬
‫معلومات تم جتميعها من ثنايا الوثيقة املكتوبة‪.‬‬ ‫عن التالميذ أي شكل من أشكال املسؤولية التحليلية يف‬
‫» أعتقد أنه يمكننا القول بأن تعبري"املدينة اآلخذة يف‬ ‫التعامل مع وثيقة تركيبية‪ ،‬لكن يف دراسة احلالة التي‬
‫مربرا؛ ألنه إذا غادر املدينة نصف‬ ‫التقلص" لي‬ ‫درسناها بشكل خمتلف عن املامرسة االعتيادية‪ ،‬تم حتميل‬
‫سكاهنا‪ ،‬ال تزال هناك أشغال حرضية مثال خط‬ ‫التالميذ مسؤولية إعطاء املعنى للوثيقة املركبة التي‬
‫الطرامواي واملنازل امللونة‪ ،‬أيضا هناك العديد من السياح‬ ‫قدمت هلم‪ .‬عندما يفوض املدرس هذه املسؤولية‪ ،‬كيف‬
‫الذين يأتون لزيارة مدينة ‪. Thomas‬‬ ‫يتعاطى التالميذ معها؟ ما هو نموذجنا التحلييل‪ ،‬ما‬
‫املدينة تتقلص وتنكمش منذ ‪ 2119‬بالتزامن مع‬ ‫الصعوبات التي يواجهوهنا يف قراءة الوثيقة؟‬
‫اهنيار املقاوالت‪ ،‬البيض أصبحوا يغادرون نحو‬ ‫هو القيام بتحليل لعينة‪ ،‬إنام هو‬ ‫اهلدف لي‬
‫الضواحي‪ .‬بقي مركز املدينة مسكونا‪ ،‬لكن الباقي أصبح‬ ‫وبمساعدة مقتبسات من نصوص التالميذ‪ ،‬طريقة‬
‫مهجورا‪ ،‬إذا نعم‪ ،‬مدينة ديرتوا تنكمش وتتقلص‪ ،‬لكن‬ ‫تدبريهم واإلشكاليات والنموذج املعتمد يف حتديد‬
‫ربام يمكن هلذا أن يتغري الحقا‪) .‬ليو ‪.« (Léo‬‬ ‫املجاليات املركبة‪ :‬الديموغرافية االقتصادية والثقافية‪...‬‬
‫واخلاصة بموضوع ما حمدد هنا يف دراسة حالة مدينة‬
‫‪197‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املعجبني بأطالل ديرتوا]‪ [...‬اآلن ديرتوا مليئة باإلثارة‪،‬‬ ‫يقارب املتعلمون مؤرشات اجلاذبية املفقودة‪،‬‬
‫وأصبحت حتوي ‪ 91111‬نسمة‪.‬‬ ‫املحفوظة أو املعاد اكتشافها للمدينة‪ ،‬مع الداللة التي‬
‫ديرتوا مزدهرة‪ ،‬اخلط األول للطراموي تم تدشينه‪،‬‬ ‫يعطوهنا لكلمة التقلص‪ /‬االنكامش‪ ،‬والتي تفيد فقدان‬
‫باعت املدينة املنازل باملزاد‪ ،‬املباين الكبرية اخلاصة بصناعة‬ ‫أو عدم فقدان املركزية‪ .‬يتم تصور املدينة بشكل كيل من‬
‫السيارات ال تزال حتتفظ بمراكز أبحاثها‪ .‬ديرتوا صدت‬ ‫خالل التطور‪ ،‬االرتفاع أو االنخفاض‪ ،‬ترتجم بشكل‬
‫النزيف االجتامعي واالقتصادي« )‪. (Tom‬‬ ‫جمايل من خالل التوسع أو الرتاجع‪ .‬يبني املتعلمون‬
‫ينتقي التالميذ املعلومات التعبريية التي حتيل إىل‬ ‫نموذجا للتفكري االجتامعي ينظرون ويصنفون من خالله‬
‫ديرتوا‪ ،‬لكنهم يدجموهنا مع حمتويات خمتلفة‪:‬‬ ‫املدينة‪ ،‬يف استمرارية للمامرسات‪ ،‬باعتبار املكان‪:‬‬
‫حمتوى مورفولوجي من " اخلط األول‬ ‫‪‬‬ ‫مركز ًّيا‪ ،‬وكثيفا‪ ،‬ونشيطا‪.‬‬
‫للطراموي اخلاص باملدينة"‬ ‫ينتقي املتعلمون املعلومات التي يمكنهم معاجلتها عرب‬
‫حمتوى التوطني مع" البنايات الكربى للسيارات‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة اجلاذبية‪/‬النفور‪ ،‬التمركز‪ /‬التخفيف‪ ،‬التوسع‪/‬‬
‫ال تزال حتتفظ بمراكز بحوثها يف ديرتوا"‬ ‫االنكامش‪ .‬استعارة رصحية ملدينة ‪ Gruyère1‬مل ترد‪،‬‬
‫حمتوى الفاعل يف التهيئة‪ :‬املدينة وضعت املنازل‬ ‫‪‬‬ ‫حقيقة املجال‬ ‫الصور الفوتوغرافية يمكن أن تعك‬
‫يف املزاد‪.‬‬ ‫هذا هو رهان تصنيف ونمذجة مدينة بناء‬ ‫املسكون‪ .‬لي‬
‫املعاجلة الشخصانية املستعملة يف بداية وهناية النص‬ ‫عىل تشخيص عام حلالتها الراهنة‪.‬‬
‫تسمح بتعددية األصوات اخلاصة بالرسد‪ :‬ديرتوا يف قمة‬ ‫يف النوع الثاين من النصوص‪ ،‬يقوم التالميذ بإعادة‬
‫االجتامعي‬ ‫النزيف‬ ‫صدت‬ ‫ديرتوا‬ ‫االزدهار‪،‬‬ ‫ديرتوا‪.‬‬ ‫رسد لبطل الرواية الرئي‬
‫واالقتصادي‪.‬‬ ‫»كان هناك زمن عرفت فيه املدينة تقلصا‪ ،‬لكن هذا‬
‫مواضيع‬ ‫رسدي يصادفه تدري‬ ‫يرتبط النص بجن‬ ‫كان يف املايض‪ ،‬ست سنوات بعد ذلك إذا كانت هناك‬
‫اإلعداد يف اجلغرافية & ‪(Leininger-Frézal‬‬ ‫أزمة اقتصادية‪ ،‬فإن الفنادق عرفت تدفقا للسياح‪،‬‬
‫‪Carré, 2016‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gruyères est une ville médiévale située dans le‬‬
‫‪canton suisse de Fribourg‬‬
‫‪198‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫والعامرات املدمرة‪ .‬أعتقد أن ديرتوا تتقلص‪ ،‬لكن هذا‬ ‫هذا تصنيف للتقلص الذي هو موضوع هذا‬ ‫لي‬
‫يفرتض فصل املجال عن الشكل االجتامعي‪ ،‬بمعنى‬ ‫العمل‪ ،‬لكنه مسار لكيان يكاد أن يكون جغرافيا‪.‬‬
‫فصله عن اختالف التالميذ الفاعلني يف النوع النيص‬ ‫النص الثالث يتالءم بشكل أفضل مع اهلدف من الوضعية‬
‫األول‪ ،‬وعدم جعل جمال االنعكاس الويف للتطورات‬ ‫املقرتحة من قِبل األستاذ‪ ،‬والتي تتحدث عن مدينة‬
‫االجتامعية‪ ،‬لكن تعريفهم باستقاللية االشتغال الذي من‬ ‫تتقلص ‪«ville qui rétrécit/Shrinking City‬‬
‫خالله يستدجمون أمهية الفاعلني االجتامعيني‪ ،‬وهذا‬ ‫‪.».‬‬
‫يفرتض أيضا‪ ،‬عىل اختالف التالميذ الفاعلني يف النوع‬ ‫باختصار ديرتوا ليست مدينة تتقلص‪ ،‬لكنها تنكمش مع‬
‫الثاين من النص‪ ،‬فصل جمالية الشكل احلرضي واملجالية‬ ‫العلم أن املدينة ال تتقلص عىل مستوى األبعاد " التمدد‬
‫اخلاصة بالديمغرافيا وأيضا‬ ‫واملساحة" لكن تنخفض من حيث العدد‪.‬‬
‫أعتقد أن ديرتوا تتقلص بمعنى أن املدينة تفقد عددا من‬
‫املنازل املخربة‬ ‫سكاهنا‪ ،‬وأيضا من حيث املساحة بسب‬
‫اجلغرافيا‪ ،‬فإن املتعلمني مع ذلك خيتلفون بشدة يف‬ ‫‪ ،Florentin, Fol & Roth 2009,‬ومفهوم‬
‫ختصيص السؤال املطروح عليهم‪.‬‬ ‫التضخم ‪ surdimensionnement‬للنسيج احلرضي‬
‫كام أن عرض هذا التنوع يف النصوص يسمح لنا بصياغة‬ ‫بالنظر للعدد احلايل لسكانه (‪.)Florentin, 2016‬‬
‫الصعوبات التي ال يواجهها التالميذ عموما التوجيه‬ ‫باالقتصاد‪ ،‬وعدم استيعاهبم للمفهوم يف خانة الكيان‬
‫الصارم لألنشطة مع الوثيقة يف جغرافيا املدرسة‪.‬‬ ‫احلرضي املتمتع بحياة مستقلة(ديرتوا)‪.‬‬
‫ويتيح نموذج التحليل املقرتح حتديد ثالثة رهانات‬
‫تتوافق مع أكرب عدد من رهانات متلك التفكري النقدي‬ ‫تصطدم قراءة وثيقة مركبة‪ ،‬دون شك‪ ،‬بصعوبة بناء‬

‫ومهارة الرتكي ‪ ،‬حيث يتعني عىل املتعلمني ممارسة‬ ‫سؤال من ِقبل املتعلمني يسمح بإسناد معنى إليه‪ .‬وإذا‬

‫مسؤولية تفسري الوثيقة املركبة والتعليامت املصاحبة هلا‪.‬‬ ‫قام املدرس بتثبيت عالمات الوحدة الدراسية‪ :‬عنوان‬

‫الرهان األول هو "تدبري" إمكانات التعبري عن‬ ‫وتعليمة يف اجلزء العلوي من املجال اإلدراكي الذي‬

‫البعد املجايل للمحتوى اجلغرايف‪ ،‬والتي ختتلف‬ ‫جيمع أنواع املكونات املتوقعة من الوثيقة املركبة يف‬
199 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫شكل الرسم ختطيطي املعتمد يف قراءة الوثيقة املركبة‬ ‫باختالف اللغة املستخدمة يف الوثيقة استجابة لتعليامت‬
‫ملجال جغرايف معني؛‬ ‫ حقيقة مفادها أن اإلنتاج النهائي الذي‬،‫ هنا‬.‫املدرس‬
‫ يتعلق "بتدبري" الوثيقة للقراءة يف‬:‫الرهان الثاين‬ ‫يستند إىل التعبري اللفظي يف التعامل مع الوثيقة املركبة‬
‫ نظرا ألن هذا يقلل من تعقيد‬.‫سجل الفكر االجتامعي‬ )spatialité( ‫التعبري عن املجالية‬ ‫جيعل من الصع‬
‫العمليات الرتكيبية من خالل اإلشارة إىل اخلربة غري‬ ‫ مقارنة‬،‫التي تتميز بالبداهة والتجزئة والوسطية بينهام‬
‫املدرسية للمتعلمني؛‬ ‫ عن طريق‬،‫مع توظيف األيقونات ورسم اخلرائط‬
‫ هو أخذ تعدد وجهات النظر املمثلة يف‬:‫الرهان الثالث‬ ‫ وبناء‬.‫ التي تعرب عن املجالية بشكل أفضل‬،‫القياس‬
‫الوثيقة املركبة لإلجابة عن السؤال املطروح يف‬ ‫ فإن اللغة الشفوية املكتوبة قد تكون أكثر قدرة عىل‬،‫عليه‬
...‫االعتبار‬ ‫ مقارنة مع‬.‫دعم املحتوى الديموغرايف واالقتصادي‬

AUDIGIER, F. (1993). « CONSIDÈRE, S. (2017).


Documents en classe : traditions, mythes Représentations des élèves et
et réalités ». Actes du 7e Colloque de apprentissages en géographie. Mémoire
didactiques de l’histoire, de la d’habilitation à diriger des recherches :
géographie, des sciences sociales. Université de Lille 3.
Documents : des moyens pour quelles fins DAUPHINÉ, A. (2001) [1984]. «
? Paris : INRP, p. 13-24. Espace terrestre et espace géographique
AUDIGIER, F. (1994). « Des ». In : Bailly A. (éd.). Les concepts de la
élèves, des villes. Représentations et géographie. Paris/New York/Barcelone :
didactique ». Revue de Géographie de Masson, p. 43-54.
Lyon 69 (3), p. 205-219. En ligne : FLORENTIN, D. (2016). « Notion
https://www.persee.fr/doc/geoca_0035 en débat : shrinking city ».
113x_1994_num_69_3_4257. Géoconfluences ENS Lyon. Mis en ligne
AUDIGIER, F. (1996). Recherches le 16 nov. 2016. En ligne :
de didactiques de l’histoire, de la http://geoconfluences.ens-
géographie, de l’éducation civique. lyon.fr/informations-scientifiques/a-la-
Notes de synthèse pour le diplôme une/notion-a-la-une/notion-shrinking-
d’habilitation à diriger des recherches, city.
Université Diderot Paris VII. FLORENTIN, D., FOL, S. &
ROTH, H. (2009). « La
200 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

“Stadtschrumpfung” ou “rétrécissement FONTANABONA, J. (dir.) (2000).


urbain” en Allemagne : un champ de Cartes et modèles graphiques. Analyses
recherche emergent ». Cybergeo. de pratiques en classe de géographie.
European Journal of Geography, Paris : INRP.
document 445. En ligne : FRÉMONT, A. et al. (1982).
https://journals.openedition.org/cyberge Espaces vécus et civilisations. Paris :
o/22123. CNRS Éditions.
FONTANABONA, J. (1999). « GENEVOIS, S. (2008). Quand la
Mieux comprendre comment un élève géomatique rentre en classe. Usages
donne du sens aux cartes ». Cahiers de cartographiques et nouvelle éducation
Géographie du Québec, 43 (120), p. 517- géographique dans l’enseignement
538. En ligne : secondaire. Thèse en géographie :
https://www.erudit.org/fr/revues/ Université Jean Monnet SaintEtienne. En
cgq/1999-v43-n120-cgq2692/022853ar/. ligne : https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-
00349413/document.
‫‪201‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫والتكوين‬ ‫التربيةالتربية‬
‫والتكوين‬ ‫في في‬ ‫المتخصصة‬
‫المجلةالمتخصصة‬
‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫أكدت جائحة كوفيد ‪ 47‬اهلوة الشاسعة بني املدرسة التي تستمر يف الرتكيز عىل تقديم املعارف‪ ،‬واألوضاع‬
‫احلياتية التي تزداد تعقيدا‪ ،‬وحتى يكون درس التاريخ املدر‪،‬ي قريبا من اهتاممات املتعلمني‪ ،‬ويؤدي وظيفته املجتمعية‪،‬‬
‫مراجعة‬ ‫يأيت اقرتاحنا بإدراج مواضيع من التاريخ البيئي يف برامج االجتامعيات بالثانوي اإلعدادي؛ وذلك يتطل‬
‫شاملة وجذرية لربامج مادة االجتامعيات ‪ -‬وهو مطل ظل مستمرا من ِقبل املدرسني‪ -‬مراجعة جدية وحقيقية توخيا‬
‫لتجويدها‪ ،‬لتجاوز طول الربنامج احلايل وكمه املعريف الدسم‪ ،‬واضطراب مضامينه‪ ،‬وبياضاته الكثرية‪ ،‬وذلك وفق‬
‫مقاربة تشاركية‪ ،‬وباستحضار النقالت األبستمولوجيا التي حتققت يف جمال املعرفة التارخيية‪ ،‬إن عىل مستوى املقاربات‬
‫أو القضايا أو املواضيع التي جي أن تبقى لصيقة باحلاجيات امللحة للمجتمع ولإلنسانية عامة‪ ،‬وجتاوز الرؤى التقليدية‬
‫للتاريخ‪ ،‬والسعي نحو معرفة تارخيية أكثر شمولية‪ ،‬وأكثر انفتاحا عىل خمتلف قضايا املجتمع‪.‬‬
‫‪ :‬التاريخ البيئي ‪ -‬الربامج واملناهج ‪ -‬االجتامعيات ‪ -‬الكتاب املدر‪،‬ي ‪ -‬الثانوي اإلعدادي‬

‫‪ -1‬أستاذ االجتامعيات‪ ،‬طال باحث بسلك الدكتوراه‪ ،‬خمترب املغرب واحلوض الغريب للبحر األبيض املتوسط‪ :‬التاريخ‪ ،‬الرتاث‪ ،‬املوارد‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ -‬مراكش‪.‬‬
‫‪ -2‬أستاذ التعليم العايل‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم االنسانية‪ ،‬القايض عياض‪ -‬مراكش‪.‬‬
‫‪202‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫برامج التاريخ‪ .‬وهذا يقودنا إىل طرح السؤال اإلشكايل‬ ‫مع تفيش جائحة كوفيد‪ ،18‬ويف إطار محالت‬
‫اآليت‪:‬‬ ‫التي اضطلع هبا املدرسون داخل‬ ‫التوعية والتحسي‬
‫‪ ‬هل تفاعلت املضامني احلالية ملادة االجتامعيات ‪-‬‬ ‫املؤسسات التعليمية‪ ،‬هبدف ضامن االلتزام بتطبيق‬
‫وبخاصة مادة التاريخ ‪ -‬إجيابا مع العديد من‬ ‫القواعد واإلجراءات الصحية‪ ،‬ويف إطار التفاعل مع‬
‫اإلشكاالت التي ترهن واقع ومصري اإلنسان ‪/‬‬ ‫أسئلة املتعلمني واملتعلامت‪ ،‬وعند احلديث عن اجلوائح‬
‫املواطن املغريب ومنها قضايا البيئة؟‬ ‫واألوبئة‪ ،‬وبعد إعطاء أمثلة من تاريخ املغرب‪ ،‬ظل سؤال‬
‫ويتفرع عن هذا السؤال املركزي األسئلة الفرعية اآلتية‪:‬‬ ‫بالقليل من املتعلمني واملتعلامت يرتدد‪ ،‬وهو‬ ‫عدد لي‬
‫‪ ‬ماهي اخللفية التي حتكمت يف اختيار التيامت‬ ‫كاآليت‪ :‬ملاذا ال ندرس مثل هذه املواضيع يف مادة‬
‫‪Thèmes‬؟ هل متكنت من أجرأة املرصح به عند تنزيل‬ ‫التاريخ؟‬
‫الربامج؟‬ ‫تقتيض األمانة العلمية أن ننقل جوا معربا وذا دالالت‬
‫‪ ‬هل عكست هذه التيامت النقالت االبستيمولوجية‬ ‫كبرية وعميقة ملن حيسن النظر يف األشياء والتأمل‬
‫التي عرفتها املعرفة التارخيية؟‬ ‫والتمعن بعمق يف املواقف يف آن واحد؛ فعند احلديث عن‬
‫‪ ‬ما جدوى احلديث عن مدرسة تارخيية مغربية‪ ،‬وما‬ ‫اجلوائح واألوبئة يف تاريخ املغرب‪ ،‬ترى الدهشة مقرونة‬
‫راكمته من انتاجات علمية رصينة‪ ،‬وطرقها ملواضيع‬ ‫باللهفة وممزوجة بالنهم املعريف والشغف يف أعني‬
‫دقيقة يف تاريخ املغرب‪ ،‬إن مل جتد طريقها الطبيعي إىل‬ ‫املتعلمني‪ ،‬وهي أمور طاملا افتقدها درس التاريخ‬
‫الكت املدرسية؟‬ ‫املدر‪،‬ي؛ جو من اهلدوء يسبق سيال من األسئلة مقرونا‬
‫‪ ‬كيف السبيل لتجويد برامج مادة االجتامعيات عامة‪،‬‬ ‫واحلامسة بني املتعلمني حول املوضوع نفسه‪،‬‬ ‫بالتناف‬
‫وبرامج التاريخ خاصة من خالل التاريخ البيئي؟‬ ‫بوعي أو بغريه مواضيع أخرى غائبة أو مغيبة يف‬ ‫وتالم‬
‫االنتقاص أو التقليل من قيمة العمل واملجهود املبذول‪،‬‬
‫‪-1‬‬
‫بقدر ما هي تطلع إىل التطوير والتجويد‪ .‬وعموما‪،‬‬
‫املدرسية احلالية ملادة االجتامعيات بالثانوي‬ ‫فالكت‬ ‫كثرية هي املالحظات واإلشكاالت التي‬

‫اإلعدادي تبقى " مقبولة شكال‪ ،‬لكنها مضطربة عىل‬ ‫اهلدف منها‬ ‫يطرحها الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬والتي لي‬
‫‪203‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أ‪ -‬من حيث الشكل‪:‬‬ ‫مستوى املضمون‪ ،‬ومل تتمكن من جتاوز سلبيات الكت‬
‫‪ -‬جلان التأليف‪ :‬بلغ عدد أعضاء جلان تأليف الكت‬ ‫املدرسية القديمة‪ .‬ولعل اليشء الذي كان يعوزها وال‬
‫املدرسية الثالثة‪ 3‬موضوع االشتغال ثامنية عرش‬ ‫يزال هو التفعيل احلقيقي ملوضوع النقل الديداكتيكي"‪،1‬‬
‫(‪)19‬عضوا‪،‬‬ ‫إضافة إىل عدم إرشاك خمتلف الفاعلني يف تأليفها‪ .‬فعىل‬
‫ويالحظ عىل فرق التأليف ما ييل‪:‬‬ ‫مستوى املضمون نسجل العديد من اإلجيابيات من قبيل‪:‬‬
‫هيمنة املفتشني عىل تأليف الكتاب املدر‪،‬ي؛ إذ‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ‬جتاوز االهتامم الكبري باملضامني‪ -‬نسبيا‪ -‬مقابل تزايد‬
‫بلغ عددهم ‪ 11‬بنسبة ‪.% 50.00‬‬ ‫تقديم‬ ‫االهتامم بالوسائل الديداكتيكية‪ ،‬وجتن‬
‫عدد أساتذة التعليم العايل ضمن فرق التأليف‬ ‫‪‬‬ ‫ملخصات للدروس يف متن الكتاب‪ ،‬وإعطاء الفرصة‬
‫وهنا نسجل‬ ‫أربعة (‪ )1‬أعضاء بنسبة ‪.% 22.22‬‬ ‫للمتعلمني من أجل بناء تعلامهتم ذاتيا‪.2‬‬
‫هتميش دور اجلامعة‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من قطع‬ ‫‪ ‬إدراج الئحة بأهم املراجع املعتمدة يف التأليف‪،‬‬
‫للعالقة بني نتائج وخالصات البحث العلمي ونقلها‬ ‫وكشاف لألعالم واملواقع واملفاهيم واملصطلحات‪.‬‬
‫املدرسية‪ ،‬ويطرح‬ ‫إىل املدرسة من خالل الكت‬ ‫وعىل صعيد الشكل واإلخراج نسجل‪:‬‬
‫إشكالية النقل الديداكتيكي للمعرفة العاملة‪ .‬وهذا‬ ‫‪ ‬االهتامم بالتصميم الفني للغالف ( ثقافة الصورة)‪.‬‬
‫األمر جيعلنا نتساءل عن جدوى احلديث عن مدرسة‬ ‫ورغم تعدد اإلجيابيات‪ ،‬فإن هناك جمموعة من‬
‫تارخيية مغربية‪ ،‬وما راكمته من إنتاجات علمية‬ ‫املالحظات‪ ،‬نوردها خمترصة كاآليت‪:‬‬
‫رصينة‪ ،‬وطرقها ملواضيع دقيقة يف تاريخ املغرب‪ ،4‬مل‬
‫جتد طريقها الطبيعي إىل الكت املدرسية‪.‬‬

‫‪ -3‬بالنسبة للسنة األوىل‪ " :‬يف رحاب االجتامعيات"‪ ،‬وبالنسبة للسنة‬ ‫‪ -1‬الطاهر قدوري‪ ،‬درس التاريخ بني املعرفة العاملة واملعرفة املتعلمة‬
‫الثانية " فضاء االجتامعيات" وبالنسبة للسنة الثالثة " التجديد يف‬ ‫(املرحلة الثانوية اإلعدادية أنموذجا)‪ ،‬ضمن أعامل ندوة النقل‬
‫االجتامعيات"‪.‬‬ ‫الديداكتيكي‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين للجهة الرشقية‪،‬‬
‫‪ -4‬الطاهر قدوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬صص ‪.19-15‬‬ ‫سلسلة ندوات وأيام دراسية ‪ 10 -1-‬يونيو ‪ ،0016‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -2‬توفيق أكياس‪ ،‬حالة الوضعية‪ ،‬املشكلة يف الكت املدرسية‬
‫للتاريخ السنة الثالثة ثانوي إعدادي نموذجا‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،50‬يناير ‪ ،0019‬ص ‪.101‬‬
‫‪204‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الدالة عىل ذلك عناوين الدروس‪ ،‬وأيضا أهداف التعلم‪،‬‬ ‫‪ ‬أستاذ واحد للتعليم الثانوي التأهييل بنسبة ‪.% 5.55‬‬
‫للعديد من املحطات التارخيية األساسية يف‬ ‫مع تغيي‬ ‫كيل ألساتذة التعليم الثانوي اإلعدادي‪ ،‬رغم‬ ‫‪ ‬تغيي‬
‫تاريخ املغرب املمتد‪ .‬هذا إىل جان فصل األحداث عن‬ ‫كوهنم املعنيني األوائل باملنتوج‪ ،‬وهو ما يطرح أكثر من‬
‫سياقاهتا‪ ،‬مما خيلق بياضات وتشويشا لدى املتعلم‪،‬‬ ‫عالمة استفهام‪ " ،‬فهل األمر يتعلق بإقصاء ممنهج هلذه‬
‫وتتحول األحداث التارخيية " يف العديد من األحيان [‬ ‫الفئة التي اعتربت يف كثري من األحيان قارصة معرفيا‬
‫إىل] جمرد معارف جوفاء خالية من القيم التي حتكمت يف‬ ‫هذه الفئة يعد هدرا‬ ‫وبيداغوجيا ؟"‪ .1‬إن تغيي‬
‫نشأهتا وحدوثها "‪.2‬‬ ‫لطاقات راكمت جتربة وخربة كبرية بحكم املامرسة‪،‬‬
‫‪‬إشكالية التحقي ‪ :‬استمرار اعتامد التحقي التارخيي‬ ‫كام أن هذه الفئة هي األقرب واألكثر معرفة‬
‫الغريب( قديم‪ -‬وسيط ‪-‬حديث‪ -‬معارص‪ -‬راهن)‪ ،‬وهو‬ ‫بمستويات املتعلمني بسلك الثانوي اإلعدادي‬
‫الذي تشكل خالل النصف األول من القرن‬ ‫التحقي‬ ‫املدرسية بحكم‬ ‫ومتثالهتم‪ ،‬واألدرى بثغرات الكت‬
‫‪18‬م‪ ،‬باعتامد حمطات ُعدت مفصلية يف تاريخ أوربا‪،3‬‬ ‫املامرسة واالحتكاك اليومي باملتعلمني وبالكت‬
‫(سقوط االمرباطورية الرومانية ‪155‬م‪ -‬سقوط‬ ‫املدرسية باعتبارها وسيلة تعليمية أساسية‪.‬‬
‫القسطنطينية ‪1161‬م‪ /‬سقوط غرناطة ‪1180‬م‪ -‬الثورة‬ ‫عدم حتديد ختصصات أعضاء جلان التأليف إال‬ ‫‪‬‬
‫للنظرة اإلثنوأوربية‪،4‬‬ ‫الفرنسية ‪1598‬م‪ )...‬يف تكري‬ ‫ملاما‪.‬‬
‫وترسيخ ملركزية أوربا وحميطية عوامل أخرى‪ ،‬كالصني‬ ‫ب‪ -‬من حيث املضمون‪ :‬نسجل ما ييل‪:‬‬
‫واليابان والعاملني العريب واإلسالمي‪ ،‬التي تبقى خارج‬ ‫‪ ‬استمرار هيمنة التاريخ السيا‪،‬ي احلدثي عىل مواضيع‬
‫برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي؛ ومن املؤرشات‬

‫‪ -4‬عبد املجيد هنية‪ ،‬حول التحقي التارخيي‪ ،‬أسطور للدراسات‬ ‫‪ -1‬الطاهر قدوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل بوغوتة‪ ،‬النقل الديداكتيكي بني املفهوم واملامرسة‪ ،‬سلسلة‬
‫التارخيية‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬العدد ‪ ،1‬بريوت‪،‬‬
‫ندوات وأيام دراسية‪ -1-‬أعامل ندوة املركز اجلهوي ملهن الرتبية‬
‫يناير ‪ ،0015‬ص ‪.005‬‬
‫والتكوين للجهة الرشقية‪ ،‬مكتبة الطال ‪ ،‬وجدة‪ ،0016 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -3‬حممد الطاهر املنصوري‪ ،‬منطق التحقي التارخيي‪ ،‬أسطور‬
‫للدراسات التارخيية‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫العدد ‪ ،1‬بريوت‪ ،‬يناير ‪ ،0015‬ص ‪.011‬‬
‫‪205‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كبلد للتالقح احلضاري‪ ،‬ونموذج للتعايش وللعيش‬ ‫زمام" املبادرة التارخيية" حس تعبرياملسترشق الفرنيس‬
‫املشرتك وقبول اآلخر؟‬ ‫أندريه ميكيل ‪.1André MIQUEL‬‬
‫هذه كلها أبعاد أكد عليها الدستور املغريب احلايل‪ ،‬وندعو‬ ‫احلضارية للدولة‬ ‫‪ ‬حضور جد حمتشم للجوان‬
‫إىل متثلها وأجرأهتا يف برنامج التاريخ‪.‬‬ ‫املغربية‪ ،‬اقتصاديا واجتامعيا وثقافيا وعىل مستوى‬
‫‪ ‬استمرار النزوع نحو تكثيف املعارف‪ ،‬وهنا نود‬ ‫الذهنيات‪ .‬وهو ما أدى إىل تغيي العديد من املواضيع‬
‫التأكيد عىل أن املعرفة جي أن " تفهم عىل أساس النظر‬ ‫املهمة‪ ،‬والتي تكتيس راهنية كبرية يف برنامج التاريخ‬
‫إليها يف بعدها النوعي ال الكمي؛ أي أن تكون وظيفية‪،‬‬ ‫بالثانوي اإلعدادي‪ :‬فأين البعد اإلفريقي للدولة‬
‫موجهة وهادفة‪ ،‬وليست معرفة للحشو والتحفيظ‬ ‫املغربية‪ 2‬؟ وأين هو دور وحضور املرأة عىل مرسح‬
‫الذاكرة والفكر والوجدان"‪4‬؛ فرغم‬ ‫والتخزين وتعلي‬ ‫األحداث‪ ،‬أم أن تاريخ املغرب صنعه الرجال فقط‪3‬؟‬
‫التخفيف الظاهري الذي قد يبدو عىل مستوى عدد‬ ‫وأين هي مظاهر التفرد واخلصوصية املميزة للمغرب‬

‫احلذف قد يشكل فصال للمتعلم عن بعده اإلفريقي‪ ،‬وال يتناغم مع‬ ‫‪ -1‬حممد الطاهر املنصوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.011‬‬
‫سياسة الدولة املغربية بتعزيز التعاون مع دول إفريقيا باعتبارها‬ ‫‪ -2‬يف الربنامج احلايل ملادة التاريخ‪ ،‬ثم تغيي هذا البعد بحذف الدروس‬
‫فضاءه الطبيعي وعمقه االسرتاتيجي‪.‬‬ ‫املتعلقة بإفريقيا‪ ،‬والتي كانت مدرجة يف الكت املدرسية السابقة والتي‬
‫للتوسع حول موضوع العمق اإلفريقي للمغرب وجتذر وتشع‬ ‫استمر العمل هبا إىل غاية ‪0000‬؛ حيث حذف الدرس ‪ 18‬والذي كان‬
‫عالقاته مع القارة اإلفريقية عىل كافة املستويات‪ ،‬راجع‪ -:‬توفيق‬ ‫متضمنا يف برنامج التاريخ للسنة السابعة من التعليم األسا‪،‬ي وكان حتت‬
‫حممد لقبايبي‪ ،‬املغرب والعمق اإلفريقي‪ ،‬حمارضات يف تاريخ املغرب‬ ‫عنوان‪" :‬إفريقيا السوداء بني القرنني الثالث عرش والسابع عرش"‪ ،‬كام‬
‫وإفريقيا جنوب الصحراء حتى هناية القرن التاسع عرش للميالد‪،‬‬ ‫حذف الدرس ‪ 18‬من برنامج السنة الثامنة والذي كان حتت عنوان‪:‬‬
‫مؤسسة آفاق للدراسات والنرش واالتصال‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مراكش‪،‬‬ ‫"افريقيا يف القرنني السابع عرش والثامن عرش"‪ ،‬وأيضا حذف الدرس‬
‫‪.0000‬‬ ‫رقم ‪ 19‬من برنامج التاريخ للسنة التاسعة‪ ،‬وكان عنوانه‪" :‬حركات‬
‫‪ -3‬أخفقت الربامج احلالية يف استغالل ما تتيحه مادة التاريخ من عرب‬ ‫التحرير يف بلدان إفريقيا السوداء"‪ .‬راجع‪:‬‬
‫حياتية لرتسيخ قيم املساواة ومقاربة النوع‪ ،‬بإبراز أدوار ومسامهات‬ ‫‪ -‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬التاريخ‪:‬‬
‫املرأة يف تاريخ املغرب قديام وحديثا‪ ،‬فبوعي أو بغريه يتم تكري‬ ‫‪ -‬للسنة السابعة من التعليم األسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النرش املغربية‪،‬‬
‫هامشية دور املرأة وثقافة التمييز بني اجلنسني وتغلي الثقافة‬ ‫الدار البيضاء‪.1881 ،‬‬
‫الذكورية‪ ،‬والتي تتجىل بعض مالحمها يف التغيي الكيل للكفاءات‬ ‫‪ -‬للسنة الثانية من التعليم االسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النرش املغربية‪،‬‬
‫العلمية النسائية عن جلان التأليف‪.‬‬ ‫الدار البيضاء‪.1880 ،‬‬
‫‪ -4‬مصطفى حمسن‪ ،‬مدرسة املستقبل رهان اإلصالح الرتبوي يف عامل‬ ‫‪ -‬للسنة الثالثة من التعليم األسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النرش‬
‫متغري‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.1881 ،‬‬
‫‪ ،0008‬ص ‪.60‬‬ ‫إن حذف هذه الدروس املتعلقة بإفريقيا‪ ،‬يعد مؤرشا عىل أن هاج‬
‫التخفيف الكمي للربنامج قد حكم عمل مؤلفي الربامج‪ ،‬كام أن هذا‬
‫‪206‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الغالف الزمني لإلنجاز‪3 :‬‬ ‫املدرسية املعتمدة سابقا‪ ،‬فإن‬ ‫الدروس مقارنة بالكت‬
‫ساعات‪.‬‬
‫املامرسة امليدانية تكشف العك ‪ ،‬وهو ما جيعل املدرسني‬
‫يف سباق ماراطوين الستكامل املقرر عىل حساب‬
‫النوعي‪-‬‬ ‫التخفيف العددي ‪-‬ولي‬ ‫يبدو أن هاج‬
‫بناء املهارات وترسيخ القيم‪ .‬ومن املؤرشات الدالة عىل‬
‫لربنامج مادة التاريخ والذي ظل مطلبا ثابتا جلميع‬
‫التخفيف الظاهري‪ ،‬والتضخيم املعريف الكمي املتع‬
‫األساتذة‪ ،‬يتم تضمينه يف خمتلف تقارير املجال‬
‫لألستاذ واملُنفر للمتعلم‪ ،‬نسوق املثال اآليت يف مادة‬
‫أساتذة‬ ‫التعليمية قد حكم عمل املؤلفني‪ .‬كام أن تغيي‬
‫التاريخ بالثالثة ثانوي إعدادي‪:‬‬
‫املادة املامرسني بالسلك اإلعدادي‪ ،‬ممن يملكون‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي احلايل‬ ‫الكتاب املدر‪،‬ي املعتمد سابقا‬
‫تصورات واضحة حول جتديد وجتويد برنامج مادة‬
‫الدرس رقم ‪ :44‬االحتالل تم جتميع الدروس السابقة يف‬
‫التاريخ؛ بل و" منهم من راكم جتربة كبرية يف التدري ‪،‬‬ ‫العسكري للمغرب واملقاومة درس واحد‪ ،‬ترتيبه يف املقرر‬
‫جتعله خبريا باملواضيع التي تشكل عقبات كؤودا يصع‬ ‫العارش‪ ،‬حتت عنوان‪:‬‬ ‫املسلحة‪.‬‬

‫تبليغها للمتعلم"‪ ،1‬قد أوقع جلان التأليف يف هفوات‬ ‫الدرس رقم ‪ :42‬نظام احلامية املغرب‪ :‬الكفاح من أجل‬
‫االستقالل وإمتام الوحدة الرتابية‪.‬‬ ‫باملغرب وأجهزته اإلدارية‪.‬‬
‫كبرية‪ ،‬كتحويل دروس يف الكتاب املدر‪،‬ي السابق إىل‬
‫الدرس رقم ‪ :43‬االستغالل وثم تفكيكه إىل أربعة أنشطة‬
‫أنشطة يف الدروس احلالية‪ ،‬فهل هذا هو التخفيف؟ وهل‬ ‫االستعامري ونتائجه عىل املجتمع تعليمية‪ ،‬وهي‪ -4 :‬أتعرف مرحلة‬
‫هذا هو التجديد املنتظر؟ والتجويد املنشود؟‬ ‫املقاومة املسلحة وأميز أهم‬ ‫املغريب‪.‬‬

‫إن عملية الدمج هاته‪ ،‬وهبذه الطريقة‪ ،‬ويف دروس‬ ‫الدرس رقم ‪ :41‬احلركة الوطنية معاركها (‪.)4731-4742‬‬
‫‪ -2‬أتعرف مرحلة املقاومة‬ ‫املغربية واملطالبة باإلصالحات‪.‬‬
‫تتعلق بتاريخ املغرب‪ ،‬والتي يفرتض أن تسهم يف تعريف‬
‫الدرس رقم ‪ :45‬احلركة الوطنية السياسية وأبرز تطوراهتا‬
‫املتعلم بتاريخ بلده حتى ينشأ معتزا بتارخيه وماضيه‪ ،‬قد‬ ‫( ‪.)4753-4731‬‬ ‫واملطالبة باالستقالل‪.‬‬
‫أدت إىل نتيجة عكسية متاما؛ فاألستاذ حمكوم بضغط‬ ‫الدرس رقم ‪ :43‬ثورة امللك ‪ -3‬أستخلص دور ثورة امللك‬

‫الوقت إلمتام الربنامج‪ ،‬وذلك عىل حساب تنمية‬ ‫يف حصول املغرب عىل‬ ‫والشع‬ ‫والشع وحتقيق االستقالل‪.‬‬
‫لإلنجاز‪ :‬االستقالل‪.‬‬ ‫الزمني‬ ‫الغالف‬
‫وترسيخ املهارات املنهجية املرتبطة بالتفكري التارخيي‪،‬‬
‫‪ -1‬أتتبع أهم مراحل استكامل‬ ‫‪12‬ساعة‪.‬‬
‫وبناء وترسيخ القيم واملواقف الوجدانية‪ ،‬وبذلك ِ‬
‫يفقد‬ ‫الوحدة الرتابية املغربية‪.‬‬

‫‪ -1‬الطاهر قدوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬


‫‪207‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫انتظارات املؤلفني‪ ،‬وينتج بالرضورة معرفة متشاهبة‬ ‫املتعلم البوصلة يف املسايرة والتتبع‪ .‬وهو األمر الذي‬
‫ومتطابقة مع منطوق الوثائق‪ ،‬دون فسح املجال لطرح‬ ‫حيول دون إتاحة الفرصة للمتعلمني إلشباع هنمهم‬
‫إشكاليات تربز متثالت[ ومواقف واجتاهات]‬ ‫املعريف والفكري‪ ،‬واإلجابة عن تساؤالهتم املنطقية‬
‫النقدي"‪.2‬‬ ‫املتعلمني‪ ،‬وتنمي فيهم [ ولدهيم ] احل‬ ‫أحيانا‪ ،‬واملحرجة أحيانا أخرى يف مساءلة تارخينا‬
‫حتد من دور املتعلم يف إعطاء معنى لتعلامته‪،‬‬
‫ومن تم‪ُ ،‬‬ ‫الوطني‪.1‬‬
‫وجتعل املدرس ال يسهم يف هذا البناء وحتوله إىل جمرد‬ ‫‪ ‬شكوى املتعلمني من تدين الكفايات اللغوية يف بعدها‬
‫ناقل للمعرفة‪ ،‬ال يسهم يف التخطيط هلا وال إعدادها‬ ‫العرضاين؛ وهي مشكلة هلا أبعاد تربوية واجتامعية‪ ،‬وهو‬
‫بشكل إجيايب‪.‬‬ ‫معطى مل يتم أخذه بعني االعتبار عند انتقاء الوسائل‬
‫‪‬عناوين األنشطة ‪/‬املقاطع التعلمية صيغت بشكل‬ ‫الديداكتيكية‪ ،‬وبخاصة يف مادة التاريخ حيث تم تضمني‬
‫"يوهم املتعلم"‪ 3‬بأنه يبني تعلامته ذاتيا‪ ،‬وأنه رشيك عمليا‬ ‫الوثائق نصوصا من مصادر مفردات متوهنا اللغوية غري‬
‫يف بناء الكفايات والقدرات واملفاهيم‪ " ،‬إال أن طبيعة‬ ‫متيرسة للمتعلمني‪ ،‬مما جيعلها غري مفهومة عند الغالبية‬
‫األفعال املستعملة ( أتعرف‪ -‬أكتشف‪ -‬أبرز) يطغى‬ ‫العظمى منهم‪ ،‬وتزيد نفورهم من املادة‪ ،‬وتتضمن‬
‫عليها الطابع االستقرائي و‪/‬أو االستنباطي؛ أي أهنا‬ ‫مفردات مشوشة وغريبة ومربكة أحيانا‪ ،‬ومفردات‬
‫هتدف إىل إعادة إنتاج ووصف معرفة موجودة حس‬ ‫حمرجة أحيانا أخرى؛ لعدم مراعاهتا خصوصية الفئة‬
‫انتظارات حمددة"‪.4‬‬ ‫املستهدفة‪ .‬ومن تم تتحول الوثيقة من وسيلة إيضاح إىل‬
‫هيمنة فعل "أتعرف" عىل أهداف التعلم‬ ‫‪‬‬ ‫مصدر تشويش‪ ،‬وكان األصوب اعتامد نصوص من‬
‫واألنشطة واملقاطع التعلمية‪ ،‬مؤرش دال عىل الرتكيز عىل‬ ‫مراجع لغتها قريبة من لغة املتعلم أسلوبا وألفاظا‬
‫تنمية القدرات املعرفية‪ ،‬وجتاهل تنمية القدرات املهارية‬ ‫وعبارات‪ ،‬جمازا واستعارات؛ فنحن أمام متعلمني نسعى‬
‫والوجدانية‪ ،‬رغم ترصيح املؤلفني بسعيهم إىل حتقيق‬ ‫إىل حتبي املادة هلم‪ ،‬ال تنفريهم منها بتعقيد اللغة ‪.‬‬
‫التوازن بني األبعاد الثالثة؛ فعىل سبيل املثال بلغ عدد‬ ‫‪ ‬طبيعة الوثائق ودعامات االشتغال‪ ،‬واألسئلة‬
‫األهداف التعلمية للدروس الثالثة األوىل من مادة‬ ‫املرافقة هلا تقود التعلامت " يف اجتاه واحد خيدم‬

‫‪ -3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫‪ -1‬الطاهر قدوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪ -4‬توفيق أكياس‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫‪ -2‬توفيق أكياس‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪208‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫جديد للكتاب املدر‪،‬ي شكال ومضمونا‪ ،‬ويستجي‬ ‫التاريخ للسنة األوىل ثانوي إعدادي اثنا عرش (‪ )10‬هدفا‬
‫لتطلعات اجلميع"‪.2‬‬ ‫تعلميا‪ ،‬ستة منها تبدأ بفعل "تعرف"‪ .‬أما بالنسبة‬
‫يضاف ملا سبق‪ ،‬مشكل آخر يتعلق بتخصصات مدر‪،‬ي‬ ‫لألنشطة التعلمية فقد بلغ عددها يف برنامج التاريخ‬
‫االجتامعيات‪ ،‬فالعديد منهم تلقوا تكوينهم العايل يف‬ ‫للسنة األوىل إعدادي ‪ 16‬نشاطا تعلميا‪ 05 ،‬منها تبدأ‬
‫أخرى مثل‪ :‬القانون واالقتصاد والفلسفة‬ ‫شع‬ ‫بفعل "أتعرف" بنسبة ‪ ،% 65.59‬ويف املقابل غياب أو‬
‫مواد االجتامعيات‪.‬‬ ‫وغريها‪ ،‬وأوكل إليهم تدري‬ ‫عىل األقل ندرة أفعال من قبيل " أحلل‪ -‬أناقش‪ -‬أقارن‪-‬‬
‫‪2‬‬ ‫أرك ‪ -‬أبرر‪ ،"..‬كام أن جممل األسئلة اإلشكالية يف بداية‬
‫مادة التاريخ بالثانوي‬ ‫إن واقع وطرق تدري‬ ‫الدروس تتجه نحو املعرفة‪.‬‬
‫اإلعدادي عىل مستوى املامرسة الفصلية ظل تقليديا‪،‬‬ ‫إن هذه اهلفوات أسهمت يف جعل درس التاريخ خارج‬
‫رغم التحسينات الشكلية والرتاكم عىل مستوى اخلطاب‬ ‫اهتاممات املتعلم‪ ،‬ورسخت الشائع بأن التاريخ مادة‬
‫واألطر املرجعية للمواد (صياغة املذكرات‪)...‬؛ إذ مل‬ ‫للحفظ واالستظهار وشحذ الذاكرة‪ .‬ونضم صوتنا إىل‬
‫يستطع النفاذ إىل كنه وجوهر املادة‪ ،‬ومل يستطع أجرأهتا‪،‬‬ ‫املدرسية‪،‬‬ ‫أصوات العديد من املدرسني حول الكت‬
‫تغري العقليات واألجيال وتطور الوسائل‬ ‫ومل يواك‬ ‫لتجاوز كثري من السلبيات واهلفوات التي كان باإلمكان‬
‫حلاجيات املتعلمني‬ ‫الديداكتيكية‪ ،‬ومل يستج‬ ‫جتاوز العديد منها بتوسيع قاعدة املشاركني يف تأليف‬
‫واملتعلامت؛ ألنه مل ُيبن عىل معرفة مسبقة بتمثالهتم‪ ،‬ف"‬ ‫املدرسية ‪ ،‬وعىل رأس هذه الفئات املغ َّيبة قرصا‬
‫‪1‬‬
‫الكت‬
‫نفور التلميذ املغريب من مادة التاريخ مرده إىل الطريقة‬ ‫أساتذة التعليم الثانوي اإلعدادي املامرسني داخل‬
‫التي ُيقدَّ م هبا درس التاريخ"‪ .3‬إن املعرفة التارخيية ُتقدم‬ ‫الفصول الدراسية‪ ،‬ورفع احلجر الفكري عنهم‪ ،‬ف" لعل‬
‫معلبة نمطية خاصة بالنسبة للسنوات‬ ‫يف قوال‬ ‫التجارب التي يقوم هبا املدرسون يف مزاولتهم ملهامهم‬
‫الرتبوية‪ ،‬يمكن أن تكون أهم الروافد لوضع تصور‬

‫‪ -2‬حممد أوحلاج‪ ،‬التصورات البيداغوجية احلديثة‪ :‬أسسها واجتاهاهتا‬ ‫‪ -1‬عصمت القواص‪ ،‬أصوات املعنيني بالكتاب املدر‪،‬ي‪ :‬وجهة نظر‬
‫ومناهجها‪ ،‬منشورات صدى التضامن‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬ ‫أساتذة التعليم الثانوي يف لبنان بالكتاب املدر‪،‬ي الرسمي‪ ،‬ص‬
‫الدار البيضاء‪ ،0001 ،‬ص ‪.95‬‬ ‫‪151 -156‬؛ عىل الرابط اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪ -3‬الطاهر قدوري‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬ ‫‪http://www.laes.org/_publications.php?lang=ar‬‬
‫‪&id=86 , 22/09/2018,17:00.‬‬
‫‪209‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املادة) وتقويمها‪ ،‬والسعي إىل ردم أو عىل األقل جتسري‬ ‫اإلشهادية‪ ،‬استعدادا لالمتحان الغول الكبري واملخيف‪،‬‬
‫اهلوة بني املعرفة األكاديمية‪ /‬العاملة واملعرفة املدرسية‪/‬‬ ‫يف ظل منظومة تقويمية تتوجه الختبار املعارف‪.‬‬
‫إشكالية النقل الديداكتيكي‪ ،‬وإعادة صياغة الوظيفة‬ ‫برنامج التاريخ احلايل النقلة اإلبستمولوجية‬ ‫مل يعك‬
‫املجتمعية ملادة التاريخ وتعريفها تعريفا دقيقا‪ :‬ملاذا ُندرس‬ ‫التي حتققت يف جمال املعرفة التارخيية‪ ،‬إن عىل مستوى‬
‫التاريخ؟ وملن ُندرسه؟ وكيف ُندرسه؟ وماهي‬ ‫املقاربات أو املواضيع والقضايا التي جي أن تبقى لصيقة‬
‫مواصفات املعرفة التارخيية املدرسية؟‬ ‫باحلاجيات امللحة للمجتمع ولإلنسانية عامة‪ ،‬وهو ما‬
‫من هذا املنطق‪ ،‬ووفق هذا املنظور وهلذه االعتبارات‪،‬‬ ‫حيتم بالرضورة مراجعة منهاج مادة التاريخ بالثانوي‬
‫يأيت اقرتاحنا ملوضوع التاريخ البيئي كمدخل لتجويد‬ ‫اإلعدادي‪ ،‬وجتاوز الرؤى التقليدية للتاريخ‪ ،‬والسعي‬
‫برامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي يف ضوء احلديث عن‬ ‫نحو معرفة تارخيية أكثر شمولية‪ ،‬وأكثر انفتاحا عىل‬
‫مراجعة الربامج واملناهج‪.‬‬ ‫خمتلف قضايا املجتمع‪ ،‬عوض االستغراق يف رسد‬
‫‪-3‬‬ ‫احلدث السيا‪،‬ي والعسكري‪.‬‬
‫أ‪ -‬ملاذا التاريخ البيئي؟‬ ‫إن الثورات املعرفية والنقالت املنهجية التي عرفها‬
‫ظل املعطى البيئي بعيدا عن اهتاممات املؤرخني‬ ‫علم التاريخ مل جتد طريقها للمعرفة املدرسية إجرائيا‪،‬‬
‫والباحثني يف التاريخ‪ ،1‬فاملؤرخون القدامى اشتغلوا‬ ‫وهو ما يطرح بقوة وإحلاح إشكالية النقل الديداكتيكي‬
‫بتأريخ اإلنسان يف عالقته باإلنسان أكثر من اشتغاهلم‬ ‫للمعرفة األكاديمية‪ /‬العاملة‪ ،‬حتى أضحى درس التاريخ‬
‫بتأرخيه يف عالقته بالطبيعة‪ ،‬رغم أن للعامل البيئي أمهية‬ ‫عسري اهلضم بالنسبة للمتعلمني واملتعلامت‪.‬‬
‫كربى يف تفسري عدد من اإلشكاليات التارخيية العالقة‪،2‬‬ ‫بناء عليه‪ ،‬نؤكد أنه قد حان الوقت ليمسك املؤرخون‬
‫ومتثلها متثال صحيحا؛ فالتاريخ البيئي من حيث هو‬ ‫والباحثون واملدرسون ملادة التاريخ بزمام مادهتم‪ ،‬من‬
‫استعامل للتحليل البيئي كوسيلة لفهم التاريخ البرشي‪،‬‬ ‫حيث براجمها ومناهجها وطرق تدريسها ( ديداكتيك‬

‫‪ -2‬حممد عناوي‪ ،‬البيئة يف بالد املغرب من خالل بعض املصادر‬ ‫‪ - 1‬ع بد احلي بني ‪ ،‬البي ئة البحر ية من خالل مذكرات فالنتينو‬
‫اجلغرافية العربية يف العرص الوسيط‪ ،‬سلسلة الندوات واملناظرات ‪-‬‬ ‫فرنانديش ( ‪ ،)1605-1605‬سل سلة الندوات واملناظرات ‪ -‬رقم‬
‫رقم ‪ ، -8‬املعهد امللكي للثقافة االمازيغية‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪،‬‬ ‫‪ ، -8‬املع هد امللكي للث قا فة األ مازيغ ية‪ ،‬مطب عة امل عارف ا جلد يدة‪،‬‬
‫الرباط‪ ،0005 ،‬ص ‪.18‬‬ ‫الرباط‪ ،0005 ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪210‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اجلديد‪ ،‬وبخاصة مع املؤرخني الشباب أمثال‪ :‬ناش‬ ‫وحساب للمتغريات يف املجتمعات البرشية املرتبطة مع‬
‫رودريك ‪ NASH Roderick‬وورسرت دونالد‬ ‫التغريات يف البيئة الطبيعية‪ ،‬ولكونه األوثق صلة باحلياة‬
‫‪ .7WORSTER Donald‬عىل أن الوالدة احلقيقية هلذ‬ ‫احلياة وفرص‬ ‫اليومية‪ ،‬من حيث تأثريه يف أسالي‬
‫النوع من التاريخ كانت يف غشت من سنة ‪ 1850‬مع‬ ‫استغالل املوارد املتاحة‪ ،1‬مما سيساعد عىل رسم صورة‬
‫‪“ Pacific Historical‬‬ ‫صدور عدد خاص من‬ ‫كاملة وواضحة عن املعيش اليومي وأنامط السلوك‬
‫”‪ ،Review‬والذي تضمن مقاال شهريا للمؤرخ ناش‬ ‫والنفوس والطباع‪.‬‬
‫رودريك‪ ،‬بعنوان " التاريخ البيئي األمريكي‪ :‬حدود‬ ‫وتبقى دراسة عدم املساواة يف مستويات املعيشة‬
‫دراسية جديدة "‪ .8‬ويف التسعينيات من القرن ذاته تزايد‬ ‫واحدة من األسئلة‬ ‫والسلطة عىل نطاق الكوك‬
‫‪10‬‬ ‫االعرتاف بالتاريخ البيئي‪9‬؛ إذ حقق نجاحا واسعا‬ ‫األساسية للتاريخ البيئي‪ ،2‬إضافة لدراسة البيئة احلرضية‬
‫لتتسع دائرة اهتامماته وتتقاطع يف ثالثة مكونات أساسية‪:‬‬ ‫التي تشكل إحدى التيامت املركزية يف التاريخ البيئي‪،3‬‬
‫أوهلا طبيعي‪ ،‬يشمل التأثري املادي لإلنسان يف حميطه‬ ‫وكذا التقلبات املناخية لكوهنا أسهمت‪ ،‬إضافة إىل‬
‫اإليكولوجي‪ :‬الغطاء النبايت واملاء الغالف اجلوي‪،‬‬ ‫عوامل أخرى‪ ،‬يف حدوث التطورات الكربى يف‬
‫وثانيها يشمل العواق البيئية الستعامل وتعامل اإلنسان‬ ‫التاريخ‪.4‬‬
‫نشأ التاريخ البيئي يف الواليات املتحدة األمريكية‪ 5‬يف‬
‫ستينيات القرن املايض‪ ،6‬يف مناخ تأثر بشدة بتاريخ اليسار‬

‫‪5‬‬
‫‪-FRESSOZ, Jean-Baptiste ; GRABER,‬‬ ‫‪ -1‬سيمونز ايان ج‪ ،‬البيئة واإلنسان عرب العصور‪ ،‬ترمجة السيد حممد‬
‫‪Frédéric ; LOCHER, Fabien ; Introduction à‬‬ ‫الوطني للثقافة والفنون‬ ‫عثامن‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،000‬املجل‬
‫‪l’histoire environnementale, collection Repères‬‬
‫‪Histoire, n° 640, éditions la Découverte, Paris,‬‬ ‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬يونيو ‪ ،1885‬ص‪.168‬‬
‫‪2‬‬
‫‪2014, p3.‬‬ ‫‪- LOCHER, Fabien; QUENET Grégory,‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪LOCHER‬‬ ‫;‬ ‫‪QUENET,‬‬ ‫‪L’histoire‬‬ ‫‪L’histoire environnementale: origines, enjeux et‬‬
‫‪environnementale...op.cit, p7.‬‬ ‫‪perspectives d’un nouveau chantier, Revue‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-Ibid, p 8.‬‬ ‫‪d’histoire moderne et contemporaine, n°53-4,‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪2009, p 28.‬‬
‫‪-Ibidem.‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-Ibid, p 13.‬‬ ‫‪- Ibid, p 31.‬‬
‫‪ -4‬حممد عبد العزيز ربيع‪ ،‬صنع التاريخ‪ :‬نظرية يف التاريخ وتطور‬
‫‪10‬‬
‫;‪- FRESSOZ ; GRABER ; LOCHER‬‬
‫‪Introduction… op.cit., p9.‬‬
‫احلضارات‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪،0016 ،‬‬
‫ص ‪.434‬‬
‫‪211‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫بيئية‪ ،‬وال يتسع حيز هذا املقال جلرد كافة العناوين‬ ‫مع املوارد الطبيعة‪ ،‬وثالثها يدرس فيه املؤرخون كيفية‬
‫واإلنتاجات املغربية لتقديم حصيلة للكتابات التارخيية‬ ‫متثل اإلنسان للطبيعة بام يف ذلك املعتقدات والقيم‬
‫من‬ ‫املرتبطة بالتاريخ البيئي‪ ،3‬ولكننا نعتقد أن هذا اجلن‬ ‫والسلوكيات‪.‬‬
‫التاريخ قد جتاوز املرحلة اجلنينية‪ ،‬والزال يف حاجة ماسة‬ ‫ب ‪ -‬التاريخ البيئي يف الكتابات التارخيية املغربية‪ .‬إن‬
‫للمزيد من البحث والدراسة‪ ،‬ومن تم من الطبيعي أن‬ ‫التحوالت التي أحدثها البرش يف الكرة األرضية عىل‬
‫جتد نتائج وخالصات هذه األبحاث طريقها الطبيعي إىل‬ ‫امتداد العرشة آالف سنة األخرية جديرة باهتامم املؤرخني‬
‫املدرسة‪.‬‬ ‫عىل مجيع املستويات‪ .1‬يف هذا السياق جاء اهتامم‬
‫ج‪ -‬قضايا‪ /‬مواضيع من التاريخ البيئي للمغرب‪:‬‬ ‫املؤرخني والباحثني املغاربة باملواضيع البيئية‪ ،‬وبخاصة‬
‫يأيت اقرتاحنا إلدراج مواضيع من التاريخ البيئي‬ ‫مع مطلع القرن احلايل‪ ،‬حيث شهد حقل البحث التارخيي‬
‫للمغرب ضمن برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي‬ ‫العديد من اإلنتاجات العلمية‪ ،‬التي ما فتئت حتقق تراكام‬
‫باعتباره مدخال للتجويد املنشود من منطلقات‬ ‫كميا ونوعيا عىل مستوى التيامت البيئية‪ ،‬وعىل مستوى‬
‫واعتبارات جمتمعية وعلمية وتربوية نجملها يف اآليت‪:‬‬ ‫املقاربات؛ حيث توزعت بني رسائل وأطاريح جامعية‬
‫أوال‪ :‬رضورة ربط برنامج مادة التاريخ بالقضايا‬ ‫ومقاالت علمية أو كت أو ندوات علمية أوأيام دراسية‬
‫واإلشكاالت التي تشغل وترهن واقع املجتمع املغريب‪،‬‬ ‫وغريها‪ ،‬أسهمت كلها يف نقل الكتابة التارخيية إىل فضاء‬
‫مثل قضايا املاء والبيئة البحرية والتقلبات املناخية‬ ‫أكثر رحابة وخصوبة باعتبار أن البيئة مفهوم واسع جدا‬
‫واستغالل وتدبري املوارد الطبيعية ( الثروة النباتية‬ ‫ويشمل " كل ما حييط بنا"‪ .2‬واستندت تلك األعامل عىل‬
‫واألوبئة‬ ‫الطبيعية‬ ‫والكوارث‬ ‫واحليوانية‪)...‬‬ ‫ما توفره املصادر التقليدية‪ ،‬وكذا املصادر الدفينة وما‬
‫حتقق يف العلوم الدقيقة‪ .‬وقد تناولت بالدراسة والبحث‬
‫مكونات البيئة‪ ،‬أو اجتهت لدراسة قضايا ومشكالت‬

‫‪ -3‬للوقوف عىل حصيلة الكتابات التارخيية املغربية التي تناولت‬ ‫‪ -1‬سيمونز ايان ج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫قضايا البيئة انظر‪ -:‬سمري أيت أومغار‪ ،‬التاريخ والبيئة‪ :‬مالحظات‬ ‫خليل الفتحي‪ ،‬املناهل‪،‬‬ ‫‪ -2‬ميشيل باتي ‪ ،‬اإلنسان وبيئته‪ ،‬تعري‬
‫حول الكتابة التارخيية املغربية‪ ،‬جملة املناهل‪ ،‬العدد ‪ ،88‬أبريل – ماي‬ ‫العدد ‪ ،15‬وزارة الشؤون الثقافية‪ ،‬الرباط‪ ،1886 ،‬ص ‪.15‬‬
‫– يونيو‪ ،‬وزارة الثقافة والشباب والرياضة‪ ،‬الرباط‪ ،0000 ،‬صص‬
‫‪.18 -15‬‬
‫‪212‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫رابعا‪ :‬إدراج هذه املواضيع املتعلقة بالبيئة‪ ،‬من شأنه أن‬ ‫واجلوائح‪ "...‬فوظائف التاريخ ترتبط باإلجابة عن‬
‫يضفي عىل درس التاريخ احليوية‪ 4‬التي افتقدها لزمن‬ ‫قضايا تشغل بال كل جيل بقصد التهييئ للمستقبل"‪،1‬‬
‫طويل من جهة‪ ،‬ويساعد عىل تصحيح العديد من‬ ‫ثانيا‪ :‬الرتاكم النوعي والكمي الذي تم ترصيده عىل‬
‫التمثالت اخلاطئة أو الضبابية التي حيملها املتعلمون إزاء‬ ‫صعيد اجلامعة املغربية؛ إذ أن الكتابات التارخيية املغربية‬
‫العديد من مكونات البيئة‪ 5‬من جهة ثانية‪ .‬إن هذه‬ ‫طرقت مواضيع دقيقة هتم قضايا البيئة‪ ،‬ونتائجها‬
‫املواضيع ستتيح للمدرس إمكانيات كبرية لتوظيف‬ ‫وخالصاهتا‪ ،‬مما ُيضظر معه إىل أن جيد هذا الرتاكم‬
‫تقنيات املعلوميات لكرس الرتابة التي طاملا ميزت درس‬ ‫احلاصل طريقه الطبيعي نحو التاريخ املدر‪،‬ي‪.‬‬
‫التاريخ املدر‪،‬ي‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬االقتناع بوظيفية مادة التاريخ؛ فوظيفة التاريخ‬
‫مادة التاريخ بالرتكيز عىل‬ ‫خامسا‪ :‬االرتقاء بطرق تدري‬ ‫ليست فقط" إلقاء الضوء عىل الزمن املايض"‪ ،2‬بل أيضا‬
‫مهارات التحليل واملقارنة واالستنتاج‪.‬‬ ‫استخالص العرب من املايض لبناء املستقبل؛ إذ ال قيمة‬
‫التعليمية اخلاصة باملادة‪،‬‬ ‫سادسا‪ :‬تفعيل تقارير املجال‬ ‫ملادة التاريخ إن مل تكن مواضيعه قريبة من اهتاممات‬
‫تتكون من أساتذة املادة‪ ،‬إىل جان‬ ‫باعتبارها جمال‬ ‫وحاجيات املتعلم‪ ،‬وال جدوى من درس التاريخ‬
‫االستثامر العلمي لكل املقرتحات التي تستمد قوهتا من‬ ‫املدر‪،‬ي‪ ،‬إذا مل يستخلص منه املتعلم عربة أو عربا حياتية‪،‬‬
‫املادة‪.‬‬ ‫املامرسة امليدانية يف جمال تدري‬ ‫وال فائدة منه إذا مل يدفع املتعلم إىل توظيف املعارف‬
‫واملهارات املكتسبة يف حياته اليومية ويف حميطه‪.3‬‬

‫تم جتريبها يف الفصل‪ ،‬وقد لقيت جتاوبا كبريا من ِقبل املتعلمني‬ ‫‪ -1‬املصطفى خلصايص‪ ،‬قضايا إبستيمولوجية وديداكتيكية يف ماديت‬
‫واملتعلامت‪.‬‬ ‫التاريخ واجلغرافية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬البيضاء‪ ،0001 ،‬ص‬
‫‪ -‬انظر نتائج الدراسة امليدانية املتعلقة بتمثالت تالميذ الثانوي‬‫‪5‬‬
‫‪.01‬‬
‫اإلعدادي حول املاء‪ :‬أمحد املستعد باهلل‪ ،‬املاء يف برنامج االجتامعيات‬ ‫‪ -2‬نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫بالثانوي اإلعدادي ومتثالت التالميذ‪ :‬مدخل لبناء وترسيخ القيم‪،‬‬ ‫علمي‬ ‫‪ -3‬حممد الدريج‪ ،‬الكفايات يف التعليم من أجل تأسي‬
‫بحث لنيل شهادة املاسرت يف التاريخ‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬ ‫للمنهاج املندمج‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة للجميع‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫مراكش‪ ،0018-0019 ،‬ص ‪.116 -80‬‬ ‫اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،0001 ،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ -4‬تم بناء درس حول تاريخ وحضارة املاء باملغرب‪ ،‬وكذا مقاطع‪/‬‬
‫أنشطة تعليمية تعلمية تتعلق بمواضيع بيئية أخرى‪ ،‬ويف مرحلة ثانية‬
‫‪213‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كمعطى طبيعي متغافلة امتداداته البيئية واالقتصادية‬ ‫أما فيام يتعلق باملواضيع املرتبطة بالتاريخ البيئي‪ ،‬التي‬
‫والسوسيو ثقافية‪ ،‬وامتداداته "احلساسة املتعلقة بالقيم‬ ‫نقرتح إدراجها ضمن برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي‬
‫والتمثالت"‪ ،2‬كام أن صورة املاء يف الربنامج احلايل تبقى‬ ‫فهي عىل سبيل املثال ال احلرص كاآليت‪:‬‬
‫ضبابية‪ ،‬بفعل طبيعة الوثائق التي ال تتالءم أحيانا‬ ‫املاء دورا مركزيا‬ ‫‪ -‬تاريخ وحضارة املاء باملغرب‪ :‬لع‬
‫ومستوى املتعلمني‪ ،‬وال ختدم اهلدف أو األهداف من‬ ‫يف صناعة التاريخ‪ ،‬فهذا املورد الطبيعي شكل عنرصا‬
‫إدراجها؛ ففي أوقات كثرية تتحول هذه الوثائق إىل‬ ‫حاسام يف نشأة وازدهار احلضارات القديمة‪ ،‬ويف رسم‬
‫عنرص تشويش عىل املتعلمني‪ ،‬وبعض الوثائق ختلق لدى‬ ‫مساراهتا‪ ،‬كام شكل عامل جذب وعنرص استقرار‬
‫املتعلم تضاربا وختلف لديه انطباعات خاطئة حول املاء‪.3‬‬ ‫للمجموعات البرشية‪ ،‬وبفعل أمهيته‪ ،‬فإن كثريا من‬
‫إن برامج التاريخ احلالية أمهلت اإلرث املائي الذي ينم‬ ‫الشعوب أعطته قيام خاصة‪ :‬ثقافية ودينية واجتامعية‬
‫عن عبقرية املغاربة يف تدبري املياه‪ ،‬سواء تعلق األمر‬ ‫وأحيانا طابعا مقدسا‪.‬‬
‫أو التوزيع أو الترصيف؛ فقد " أبدع‬ ‫بتقنيات اجلل‬ ‫أما اليوم؛ فقد أضحى هذا املصدر الطبيعي الذي ال‬
‫اإلنسان املغريب حيال وتقنيات بلغ فيها درجة االحرتاف‪،‬‬ ‫غنى عنه‪ ،‬موردا اسرتاتيجيا ورهانا عامليا‪ ،‬وعنرصا‬
‫‪1‬‬

‫وانتقل من الوسيلة واحليلة إىل ما يقابلها من أشكال‬ ‫حاسام لتحقيق التنمية املستدامة‪ ،‬وتتعاظم أمهية املاء يف‬
‫التعقيد تبعا لظروف متعددة‪...‬وقد أسفر ذلك عن‬ ‫بلد كاملغرب الذي تبقى موارده املائية حمدودة‪ ،‬ويسري‬
‫تراكامت حضارية"‪ .4‬ومن شأن إدراج اإلرث املائي‬ ‫اجتاهها العام نحو الرتاجع‪ ،‬وتتميز بتباينها املجايل‬
‫املسامهة يف تعريف الناشئة هبذا الرتاث‪ ،‬ودعوهتم‬ ‫والزمني‪.‬‬
‫لالنخراط يف املحافظة عليه‪ ،‬حفظا للذاكرة‪ ،‬وحتى ال‬ ‫رغم الطابع املتعدد للمسألة املائية؛ فإن برامج‬
‫ينفصل حارضنا عن مايض أجدادنا‪.5‬‬ ‫االجتامعيات بالثانوي اإلعدادي تناولته يف الغال‬

‫‪ -3‬أمحد املستعد باهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص ‪-111 -109 -105‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪- PETIT Sandrine, Au fond de l’eau: histoires‬‬
‫‪sociales et représentations environnementales‬‬
‫‪.155‬‬ ‫‪d’un bassin versant agricole, Territoire en‬‬
‫‪ -4‬توفيق حممد لقبايبي‪ ،‬حرف املاء يف تاريخ املغرب بني التأصيل‬ ‫‪mouvement‬‬ ‫‪Revue‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪géographie‬‬ ‫‪et‬‬
‫‪aménagement,‬‬ ‫‪25-26,‬‬ ‫‪2015,‬‬ ‫‪p‬‬ ‫‪2.‬‬
‫والتجديد‪ ،‬دراسة يف تاريخ نامذج من احلرف املائية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪http://tem.revues.org/2757‬‬ ‫;‬ ‫‪DOI‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪10.4000/tem.2757, 24/03/18,21 :40.‬‬
‫مؤسسة آفاق‪ ،‬مراكش‪ ،0000 ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪- Ibidem.‬‬
‫‪ -5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪214‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫البحري يف سريورته التارخيية‪ ،‬ودوره يف تأطري كثري من‬ ‫وعىل العموم؛ فالربنامج احلايل ملادة االجتامعيات‪ ،‬مل‬
‫األحداث والبنيات والظواهر"‪.3‬‬ ‫يستغل املساحات الكبرية التي تتيحها العديد من‬
‫ورغم هذه األمهية التي لعبها البحر يف تاريخ املغرب‪،‬‬ ‫الدروس إلدراج موضوع املاء لتمرير معارف صحيحة‪،‬‬
‫فإن حضور التاريخ البحري للمغرب يف برامج التاريخ‬ ‫وغرس قيم وتصحيح سلوكات املتعلمني للميض نحو‬
‫ظل من املواضيع املغيبة بمختلف جوانبها ومتظهراهتا‬ ‫استعامل رشيد للموارد املائية‪.1‬‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتامعية والذهنية‪ .‬ويأيت‬ ‫‪ -‬البحر يف تاريخ املغرب‪ :‬ارتبط تاريخ املغرب بشكل‬
‫اقرتاحنا إلدراج التاريخ البحري من منطلق إيامننا‬ ‫كبري بالبحر‪ ،‬بحكم موقعه اجلغرايف املتميز وإرشافه عىل‬
‫تاريخ املغرب للناشئة سيبقى ناقصا‬ ‫الراسخ بأن تدري‬ ‫واجهتني بحريتني؛ فقراءة متأنية وفاحصة لتارخيه املمتد‬
‫دون استحضار البعد والعمق البحري للمغرب‬ ‫حتيل عىل ثالثة حمددات وثوابت رئيسة‪ ،‬حتكمت يف‬
‫بمختلف جوانبه‪.4‬‬ ‫تاريخ املغرب ورسمت انعطافاته ومساراته الكربى‪،‬‬
‫‪ -‬تاريخ الكوارث الطبيعية يف املغرب‪ :‬تعترب الكوارث‬ ‫وهي‪ :‬البحر واجلبل والصحراء‪ ،2‬و"املتتبع لفعل البحر‬
‫حمركة للتاريخ ومغرية ملجراه؛ إذ يكون هلا انعكاس عىل‬ ‫عرب تاريخ املغرب‪ ،‬يقف عىل األمهية التي اكتساها املجال‬

‫‪ -‬رد الفعل‪ :‬اإلحساس باملشكل واختاد موقف والدفاع عنه‪.‬‬ ‫‪ -1‬يقتيض إدراج هذا املدخل يف برنامج االجتامعيات جتاوز الرتابة‬
‫‪ -‬الفعل‪ :‬تعديل السلوك وتبني سلوكات اجيابية حتافظ عىل املاء‪.‬‬ ‫والنمطية التي تطبع بناء الدروس من جهة‪ ،‬واالنتقاء السليم واألمثل‬
‫‪ -2‬احلسني بولقطي ‪ ،‬املغرب والبحر خالل العرص الوسيط‪ ،‬ص‪.1‬‬ ‫للوثائق من جهة أخرى‪:‬‬
‫عىل الرابط اإللكرتوين‪:‬‬ ‫مادة التاريخ‪ :‬نقرتح تناول موضوع املاء من زوايا عدة‪:‬‬
‫‪https://www.aljabriabed.net/n44_07bulaktib.htm‬‬ ‫‪ -‬حضارة املاء باملغرب‪ :‬تاريخ وتقنيات‪.‬‬
‫‪, 22/08/2019.‬‬
‫‪ -3‬رقية بلمقدم‪ ،‬تقديم أعامل ندوة‪ :‬البحر يف تاريخ املغرب‪،‬‬ ‫‪ -‬اإلرث املائي‪.‬‬
‫منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية باملحمدية‪ ،‬سلسلة‬ ‫‪ -‬املاء كعامل يف اختيار مواضع املدن‪.‬‬
‫الندوات رقم ‪ ،5‬املحمدية‪ ،1885 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪ -‬املاء وتنظيم املجال احلرضي‪.‬‬
‫‪ -4‬نتطلع من خالل إدراج هذا املوضوع‪ ،‬أن يستشعر تالميذ‬ ‫مادة اجلغرافيا‪ :‬إضافة لتناول موضوع املاء يف شقه الطبيعي‪ ،‬نقرتح‬
‫الثانوي اإلعدادي أمهية البحر واملجال البحري يف السريورة‬ ‫بني العديد من‬ ‫تناوله باعتباره سلعة اقتصادية‪ ،‬وموضوع تناف‬
‫التارخيية للمغرب‪ ،‬ودوره يف تأطري كثري من األحداث والبنيات‬ ‫القطاعات االقتصادية‪ :‬الفالحة‪ ،‬الصناعة‪ ،‬السياحة‪...‬‬
‫والظواهر‪ ،‬نظرا ملا يتمتع به املغرب من موقع متميز ووسط بني‬ ‫مادة الرتبية عىل املواطنة نقرتح تناول موضوع املاء يف شقه احلقوقي‬
‫أوروبا والعمق اإلفريقي‪ .‬ونقرتح التطرق إىل النقاط اآلتية‪:‬‬ ‫والقانوين‪ ،‬وبتوظيف دورة التعلم‪:‬‬
‫ـ البحر يف املخيال املغريب‪.‬‬ ‫‪ -‬املعرفة‪ /‬االستكشاف‪ :‬توظيف دعائم ديداكتيكية تتالءم والفئة‬
‫ـ البحر‪ :‬جمال للرصاع والسلطة‪.‬‬ ‫املستهدفة‪ ،‬يستخلص منها املتعلم حمدودية املوارد املائية ببالدنا‬
‫ـ البحر‪ :‬اجلهاد البحري املغريب والقرصنة األوروبية‪.‬‬ ‫وتباينها املجايل والزمني ( اكتشاف احلقائق)‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حتقيق الرتاكم كام أثرت سلبا عىل مداخيل الدولة‪ .‬ومن‬ ‫تكوين الدول وزواهلا‪ ،‬فهذا التناسق والرتابط بني العامل‬
‫العرب والدروس املستقاة من التاريخ فيام يتعلق‬ ‫البرشي والطبيعي لتفسري تاريخ الكوارث‪ ،‬له ارتباط‬
‫بالكوارث أن أور با متك نت من حتقيق الت قدم ع ند ما‬ ‫وثيق مع جماالت وعلوم أخرى‪ ،‬كعلم النف ‪ ،‬وعلم‬
‫تعل مت كيف توا جه األوب ئة‪ ،‬بينام بقي املغرب وال عامل‬ ‫والترشيح لدراسة كيفية انتقال األمراض‪ ،‬كام‬ ‫الط‬
‫اإلسالمي عاجزا‪.2‬‬ ‫يتقاطع مع السوسيولوجيا واألنثروبولوجيا وعلم‬
‫أكدت جائحة كوفيد ‪ 47‬اهلوة الشاسعة بني املدرسة‬ ‫اجليولوجيا وعلم املناخ‪.‬‬
‫التي تتامدى يف تقديم املعارف‪ ،‬واألوضاع احلياتية التي‬ ‫عاش املغرب عرب تارخيه املم تد ال عد يد من الكوارث‬
‫تزداد تعقيدا؛ فمع تفيش الوباء برزت أصوات إىل السطح‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ف" بالد املغرب كانت دائام تعيش يف رهان‬
‫مشككة يف وجود الوباء‪ ،‬وأخرى شككت يف جدوى‬ ‫دائم مع الطبي عة‪ ،‬بح يث تتق ل بني الع طاء والشــح‬
‫وفعالية التلقيح‪.‬‬ ‫والنعيم والبؤس"‪ 1‬والتي كانت هلا انعكاســات ســلبية‬
‫ويأيت اقرتاحنا‪ 3‬إدراج موضوع الكوارث الطبيعية يف‬ ‫عىل االقتصــاد واملجتمع‪ ،‬فالكوارث الطبيعية شــكلت‬
‫برامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي هبدف تعريف املتعلم‬ ‫عنرصــ شــد للخلف بالنســبة للمغرب‪ ،‬فهي غالبا ما‬
‫واملتعلمة بتاريخ الكوارث الطبيعية ببالده وفهم آلياهتا‪،‬‬ ‫جرفت قســام هاما من ثروته احليوانية‪ ،‬كام خلفت نزيفا‬
‫وتطور وسائل الوقاية‪ ،‬واستحضار أمهية العلم والبحث‬ ‫ديمغرافيا أفقد املغرب زمام املبادرة االقتصادية الفتقاره‬
‫العلمي يف مواجهتها‪ ،‬حتى يكون درس التاريخ قريبا من‬ ‫لليد العاملة املنتِ جة والســوق املســتهلكة‪ ،‬ومنعته من‬

‫‪ -3‬هندف من خالل اقرتاح إدراج هذا املوضوع‪ ،‬أن يستشعر املتعلمون‬ ‫ـ البحر يف التاريخ املغريب‪ :‬التقنيات واآلليات‪.‬‬
‫واملتعلامت الدور الذي لعبته الظواهر الطبيعية يف تشكيل تاريخ‬ ‫ـ تاريخ املجال البحري والنظام الغذائي املغريب‬
‫املغرب‪ ،‬ونقرتح تناول النقاط اآلتية‪:‬‬ ‫ـ دور البحر يف تنشيط احلركة التجارية عرب تاريخ املغرب‪.‬‬
‫ـ مفهوم الكارثة الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ -1‬حممد األمني البزاز‪ ،‬تاريخ األوبئة واملجاعات باملغرب يف القرنني‬
‫ـ أهم الكوارث الطبيعية (الفيضانات ـ اجلفاف ـ األعاصري ـ‬ ‫الثامن عرش والتاسع عرش‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫الزالزل ـ العواصف الثلجية والرعدية ـ املجاعات‪ ،‬األمراض‬ ‫بالرباط‪ ،‬سلسلة رسائل وأطروحات رقم ‪ ،19‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬
‫واألوبئة‪)....‬‬ ‫البيضاء‪ ،1880،‬ص‪.11‬‬
‫ـ تقاطعات تاريخ الكوارث مع املجاالت العلمية األخرى‪.‬‬ ‫‪ -2‬جرمان عياش‪ ،‬تقديم كتاب‪ :‬تاريخ األوبئة واملجاعات باملغرب يف‬
‫ـ تأثري الكوارث عىل مناحي حياة املغريب عرب التاريخ (يف املجال‬ ‫القرنني الثامن عرش والتاسع عرش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8-9‬‬
‫السيا‪،‬ي ـ االقتصادي ـ االجتامعي ـ الذهني والفكري)‪.‬‬
‫‪216‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إرشاك أساتذة اإلعدادي يف صياغتها‪ ،‬وهو ما ترت عنه‬ ‫اهتاممات املتعلم‪ ،‬ويؤدي وظيفته املجتمعية يف نرش‬
‫عدة ظواهر سلبية‪ ،‬ويف مقدمتها اخلوف من االمتحان‪،‬‬ ‫الوعي‪.‬‬
‫وغريها من الظواهر الالتربوية من قبيل جلوء التالميذ إىل‬
‫الغش يف االمتحان واخلداع يف إنجاز الواجبات‪ ،‬أو إىل‬ ‫مراجعة جذرية‬ ‫إن إدراج هذه املواضيع يتطل‬

‫العدوانية اجتاه املدرسة واملدرسني ‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫لربنامج مادة التاريخ بالثانوي اإلعدادي‪ ،‬والتي نرجو أن‬
‫تكون وفق مقاربة تشاركية حقيقية‪ ،‬بعيدة عن ثقافة‬
‫اإلقصاء واحلجر والوصاية املامرسة عىل أساتذة التعليم‬
‫املتعلم‪ ،‬وجذب اهتاممه‪ ،‬وكرس الرتابة التي يتسم هبا‬
‫البناء احلايل للربنامج الدرا‪،‬ي‪.‬‬
‫علوم أخرى‪ ،‬ويسهم يف تنويع الدعائم والوسائل‬
‫الديداكتيكية‪ ،‬وهو ما سيسعمل عىل تشويق وشد انتباه‬
‫عىل أن هذا التجديد املتطلع إىل التجويد‪ ،‬جي أن يشمل‬
‫أيضا أشكال وصيغ التقويم؛ فأشكال التقويم احلالية‬
‫ورغم التحسينات الظاهرية التي تضمنتها املذكرات‬
‫يفتقر إليها الربنامج احلايل‪ ،‬بفعل هيمنة التاريخ السيا‪،‬ي‬
‫احلدثي عىل الربنامج‪ ،‬ويمكن من االنفتاح عىل مناهج‬
‫ذات الصلة واألطر املرجعية لالمتحانات اإلشهادية‪ ،‬إال‬
‫اإلعدادي‪ ،‬كام أن االنفتاح عىل هذه املواضيع سيعطي‬
‫برنامج التاريخ خاصية التفاعلية والفاعلية واحليوية التي‬
‫أهنا يف العمق بقيت أسالي تقليدية تركز وتستهدف‬
‫تقويم املعارف‪ ،‬ومن مسببات ذلك‪ ،‬كام أسلفنا‪ ،‬عدم‬

‫‪ -1‬حممد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.150‬‬


‫‪217‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫بلمقدم رقية‪ ،‬تنسيق أعامل ندوة‪ :‬البحر يف تاريخ‬ ‫‪-3‬‬ ‫أكياس توفيق‪ ،‬حالة الوضعية‪ -‬املشكلة يف‬ ‫‪-4‬‬
‫املغرب‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬ ‫املدرسية للتاريخ السنة الثالثة ثانوي إعدادي‬ ‫الكت‬
‫باملحمدية‪ ،‬سلسلة الندوات رقم ‪ ،9‬املحمدية‪.4773 ،‬‬ ‫نموذجا‪ ،‬جملة علوم الرتبية‪ ،‬العدد ‪ ،91‬يناير ‪.2149‬‬
‫عبد احلي‪ ،‬البيئة البحرية من خالل‬ ‫بني‬ ‫‪-9‬‬
‫أوحلاج حممد‪ ،‬التصورات البيداغوجية احلديثة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مذكرات فالنتينو فرنانديش ( ‪،)1551-1551‬‬ ‫أسسها واجتاهاهتا ومناهجها‪ ،‬منشورات صدى‬
‫سلسلة الندوات واملناظرات‪ -‬رقم ‪ ،-7‬املعهد امللكي‬ ‫التضامن‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫للثقافة األمازيغية‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪.2111‬‬
‫‪.2113‬‬ ‫أيت أومغار سمري‪ ،‬التاريخ والبيئة‪ :‬مالحظات‬ ‫‪-3‬‬
‫بوغوتة عبد اهلل‪ ،‬النقل الديداكتيكي بني املفهوم‬ ‫‪9‬‬ ‫‪-‬‬

‫حول الكتابة التارخيية املغربية‪ ،‬جملة املناهل‪ ،‬العدد ‪،77‬‬


‫واملامرسة‪ ،‬سلسلة ندوات وأيام دراسية‪ ،-4-‬أعامل‬
‫أبريل – ماي – يونيو ‪ ،‬وزارة الثقافة والشباب‬
‫ندوة املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين للجهة‬
‫والرياضة‪ ،‬الرباط‪.2121 ،‬‬
‫الرشقية‪ ،‬مكتبة الطال ‪ ،‬وجدة‪.2145 ،‬‬
‫البزاز حممد األمني‪ ،‬تاريخ األوبئة واملجاعات‬ ‫‪-1‬‬
‫بولقطي احلسني‪ ،‬املغرب والبحر خالل العرص‬ ‫‪-7‬‬
‫باملغرب يف القرنني الثامن عرش والتاسع عرش‪،‬‬
‫الوسيط‪ ،‬ص‪ .4‬عىل الرابط اإللكرتوين‪:‬‬
‫منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪،‬‬
‫‪https://www.aljabriabed.net/n44_07bu‬‬
‫‪7.laktib.htm, 22/08/201‬‬ ‫سلسلة رسائل وأطروحات رقم ‪ ،49‬مطبعة النجاح‬

‫‪ -41‬الدريج حممد‪ ،‬الكفايات يف التعليم من أجل‬ ‫اجلديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪.4772،‬‬

‫علمي للمنهاج املندمج‪ ،‬منشورات سلسلة‬ ‫تأسي‬ ‫خليل‬ ‫ميشيل‪ ،‬اإلنسان وبيئته‪ ،‬تعري‬ ‫باتي‬ ‫‪-5‬‬

‫املعرفة للجميع‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫الفتحي‪ ،‬جملة املناهل‪ ،‬العدد ‪ ،13‬وزارة الشؤون‬

‫‪.2113‬‬ ‫الثقافية‪ ،‬الرباط‪.4775 ،‬‬


‫‪218‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -‬للسنة الثانية من التعليم االسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار‬ ‫‪ -44‬ربيع حممد عبد العزيز‪ ،‬صنع التاريخ‪ :‬نظرية يف‬
‫النرش املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.4772 ،‬‬ ‫التاريخ وتطور احلضارات‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنرش‬
‫‪ -‬للسنة السابعة من التعليم األسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عامن‪.2145 ،‬‬
‫دار النرش املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.4774 ،‬‬ ‫‪ -42‬خلصايص املصطفى‪ ،‬قضايا ابستيمولوجية‬
‫‪ -43‬املنصوري حممد الطاهر‪ ،‬منطق التحقي‬ ‫وديداكتيكية يف ماديت التاريخ واجلغرافية‪ ،‬الطبعة‬
‫التارخيي‪ ،‬أسطور للدراسات التارخيية‪ ،‬املركز العريب‬ ‫األوىل‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬البيضاء‪.2114 ،‬‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬العدد ‪ ،3‬بريوت‪ ،‬يناير‬ ‫‪ -43‬لقبايبي توفيق حممد‪:‬‬
‫‪.2143‬‬ ‫‪ -‬املغرب والعمق اإلفريقي‪ ،‬حمارضات يف تاريخ املغرب‬
‫‪ -49‬املستعد باهلل امحد‪ ،‬املاء يف برنامج االجتامعيات‬
‫وإفريقيا جنوب الصحراء حتى هناية القرن التاسع عرش‬
‫بالثانوي اإلعدادي ومتثالت التالميذ‪ :‬مدخل لبناء‬
‫للميالد‪ ،‬مؤسسة آفاق للدراسات والنرش واالتصال‪،‬‬
‫وترسيخ القيم‪ ،‬بحث لنيل شهادة املاسرت يف التاريخ‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬مراكش‪.2121 ،‬‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬مراكش‪-2149 ،‬‬
‫‪ -‬حرف املاء يف تاريخ املغرب بني الـتأصيل والتجديد‪،‬‬
‫‪.2147‬‬
‫دراسة يف تاريخ نامذج من احلرف املائية‪ ،‬مؤسسة آفاق‬
‫‪ -49‬عناوي حممد‪ ،‬البيئة يف بالد املغرب من خالل‬
‫للدراسات والنرش واالتصال‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مراكش‪،‬‬
‫بعض املصادر اجلغرافية العربية يف العرص الوسيط‪،‬‬
‫‪.2121‬‬
‫سلسلة الندوات واملناظرات ‪ -‬رقم ‪ ، -7‬املعهد امللكي‬
‫‪ -41‬حمسن مصطفى‪ ،‬مدرسة املستقبل رهان‬
‫للثقافة االمازيغية‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫اإلصالح الرتبوي يف عامل متغري‪ ،‬منشورات الزمن‪،‬‬
‫‪.2113‬‬
‫‪ -47‬قدوري الطاهر‪ ،‬درس التاريخ بني املعرفة العاملة‬ ‫مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.2117 ،‬‬

‫واملعرفة املتعلمة ( املرحلة الثانوية اإلعدادية أنموذجا)‪،‬‬ ‫‪ -45‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الرتبية الوطنية‪ ،‬كتاب‬

‫ضمن أعامل ندوة النقل الديداكتيكي‪ ،‬املركز اجلهوي‬ ‫التاريخ‪:‬‬

‫ملهن الرتبية والتكوين للجهة الرشقية‪ ،‬سلسلة ندوات‬ ‫‪ -‬للسنة الثالثة من التعليم األسا‪،‬ي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار‬

‫وأيام دراسية ‪ 41 -4-‬يونيو ‪.2145‬‬ ‫النرش املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.4773 ،‬‬


219 0202‫للتربية‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
– ‫األول‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ أصوات املعنيني بالكتاب‬،‫ القواص عصمت‬-21


‫ وجهة نظر أساتذة التعليم الثانوي يف لبنان‬:‫ي‬،‫املدر‬
:‫ عىل الرابط اإللكرتوين‬.‫ي الرسمي‬،‫بالكتاب املدر‬
http://www.laes.org/_publications.php
?lang=ar&id=86 , 22/09/2018.
،‫ البيئة واإلنسان عرب العصور‬،‫ سيمونز ايان ج‬-24
،222 ‫ العدد‬،‫ عامل املعرفة‬،‫ترمجة السيد حممد عثامن‬
،‫ الكويت‬،‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬ ‫املجل‬
.4779 ‫يونيو‬
،‫التارخيي‬ ‫ حول التحقي‬،‫ هنية عبد املجيد‬-22
‫ املركز العريب لألبحاث‬،‫أسطور للدراسات التارخيية‬
.2143 ‫ يناير‬،‫ بريوت‬،3 ‫ العدد‬،‫ودراسة السياسات‬
23-FRESSOZ Jean-Baptiste, GRABER
Frédéric, LOCHER Fabien, Introduction à
l’histoire environnementale, collection
Repères Histoire, n° 640, éditions la
Découverte, Paris, 2014.
24-LOCHER Fabien, QUENET Grégory,
L’histoire environnementale: origines,
enjeux et perspectives d’un nouveau
chantier, Revue d’histoire moderne et
contemporaine, n°56-4, 2009.
22-PETIT Sandrine, Au fond de l’eau:
histoires sociales et représentations
environnementales d’un bassin versant
agricole, Territoire en mouvement Revue
de géographie et aménagement, 25-26,
2015, p 2. http://tem.revues.org/2757 ;
DOI : 10.4000/tem.2757, 24/03/18,21:40.
‫‪220‬‬ ‫‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةرللتربية‬
‫المجلة – نونب‬
‫األول‬ ‫العدد‬ ‫التربية والتكوين‬ ‫التربيةفي‬
‫والتكوين‬ ‫المتخصصة‬ ‫المجلةالمجلة‬
‫المتخصصة في‬

‫‪1‬‬

‫يعترب الكتاب املدر‪،‬ي دعامة من الدعامات األساسية يف العملية الرتبوية‪ ،‬التي تدخل ضمن الوسائل والوسائط‬
‫واملوارد التعليمية الديداكتيكية‪ .‬فهو حجر الزاوية فيها‪ ،‬ومن األسناد الرئيسة يف العملية التعليمية التعلمية كام أكَّد‬
‫املدرسية‬ ‫عىل ذلك امليثاق الوطني املغريب للرتبية والتكوين يف الدعامة السابعة‪ ،‬يف املادة ‪ ،151‬اخلاصة بالكت‬
‫متعددة ال بد من مراعاهتا‪ :‬نفسية وديداكتيكية‪ ،‬وتربوية‪،‬‬ ‫والوسائط التعليمية‪ .‬وينبني يف تأليفه عىل جوان‬
‫واجتامعية ثقافية‪.‬‬
‫ومهام كانت درجة جودة الكتاب املدر‪،‬ي وإتقانه‪ ،‬فإن فائدته متوقفة عىل حسن استعامله‪ ،‬ولن يؤدي دوره كامال‬
‫إال إذا متكن األستاذ املقتدرمن أمرين‪ ،‬مها‪ :‬كيف ومتى يستعمله؟ ألنه كالسيف يف يد البطل‪ ،‬ثم هو يف كل هذه‬
‫احلاالت‪ ،‬ال يعدو أن يكون إحدى الوسائل الديداكتيكية التي يستعان هبا يف العملية التعليمية‪ ،‬وال ينبغي أن يكون‬
‫املصدر الوحيد؛ بل عليه أن يكون مشفوعا بمصادر متعددة ومتنوعة أثناء حتضري الدروس‪ ،‬وأن تتوفر كل مؤسسة‬
‫تربوية عىل خزانة حتتوي عىل أمهات املصادر والكت واملراجع الرضورية‪ ،‬وعىل كل ما يتوفر من بحوث ودراسات‬
‫حديثة‪ .‬ويرتك املجال واسعا إلبداعات ومبادرات األساتذة والتالميذ معا‪.‬‬

‫‪ -1‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪-‬آسفي‬


‫‪221‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وسيناريوهاته‪ .‬وهذه املكونات كلها متكاملة ومتفاعلة‬


‫فيام بينها؛ من أجل إنجاح تدبري ناجع لسيناريو من‬
‫كان الكتاب املدر‪،‬ي عىل الدوام‪ ،‬حمط اهتامم علامء‬
‫السيناريوهات التعليمية التعلمية يف مستوى درا‪،‬ي‬
‫الرتبية‪ ،‬عكف بعضهم عىل سرب أغواره‪ ،‬وبحث آخرون‬
‫معني‪.‬‬
‫يف أرساره؛ غايتهم يف ذلك الوصف الدقيق األمني‬

‫‪ ‬أ تنحرص فعال إشكالية البحث يف مواصفات‬ ‫املتناهي‪ ،‬والتتبع املتقيص املستبرص ألوضاعه‬

‫الكتاب املدر‪،‬ي باعتباره سندا من أسناد العملية‬ ‫وإشكاالته‪ ،‬وطرائق التأليف فيه وأمهيته‪ .‬ويدخل عملنا‬

‫التعليمية التعلمية‪ ،‬أم يف ارتباطه بقضايا أخرى‬ ‫هذا يف املضامر نفسه؛ حيث غدت ثمرته بزوغ فجر‬

‫نطمح إليها؟‬ ‫جديد‪ ،‬قائم الذات‪ ،‬هو هذا املنتوج اجلديد الذي بني‬

‫‪ ‬هل تستقيم العملية الرتبوية دون الكتاب‬ ‫أيدينا املوسوم بـ‪" :‬الكتاب املدر‪،‬ي‪ :‬أمهيته‪ ،‬وموقعه‪،‬‬

‫املدر‪،‬ي؟‬ ‫وعالقته باملنهاج الدرا‪،‬ي"‪.‬‬

‫‪ ‬هل ُيعد الكتاب املدر‪،‬ي ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬حجر‬ ‫ولست يف حاجة أن أذكر أن هذا املقال‪ ،‬إنام هو‬

‫الزاوية يف العملية الرتبوية؟‬ ‫حديث خمترص عن الكتاب املدر‪،‬ي يف بعض شؤونه‪ ،‬مل‬

‫‪ ‬هل الكتاب املدر‪،‬ي يلزم األستاذ بحرفيته وال‬ ‫يبلغ اإلتيان عىل جزئياته وتفصيالته‪ ،‬أو حييط بدقائق‬

‫يمكن له جتاوزه؟‬ ‫أموره‪ ،‬وإنام حسبه أن يكون كالما جممال يثري بعض‬

‫‪ ‬هل ‪-‬حقيقة‪ -‬هنالك عالقة بني الكتاب‬ ‫مفرداته ومتعلقاته‪.‬‬

‫املدر‪،‬ي واملنهاج الدرا‪،‬ي؟‬ ‫فقد بات من احلقائق التي ال جيادل فيها أحد‪ ،‬أن‬
‫العملية التعليمية التعلمية أصبحت نسقا متكامال بعدما‬
‫يروم هذا البحث مطارحة القضايا اآلتية‪:‬‬ ‫كانت شذر مذر‪ ،‬فهي بنية متعددة اجلوان واملكونات‪،‬‬
‫‪ ‬حتديد ماهية الكتاب املدر‪،‬ي عند علامء الرتبية‪.‬‬ ‫تشمل األهداف والكفايات‪ ،‬بأنواعها‪ ،‬ووضعيات‬
‫بيان موقع الكتاب املدر‪،‬ي من العملية‬ ‫‪‬‬ ‫العمل‬ ‫وأشكال‬ ‫التعليم‪،‬‬ ‫وحمتويات‬ ‫التعلم‪،‬‬
‫التعليمية التعلمية‪.‬‬ ‫الديداكتيكي‪ ،‬ومتارين التعلم‪ ،‬والوسائل‪ ،‬والتقنيات‬
‫والدعم‬ ‫أنواعه‪،‬‬ ‫بجميع‬ ‫والتقويم‬ ‫التعليمية‪،‬‬
‫‪222‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الديداكتيكية هي التي حفزتني ملقاربة هذا املوضوع يف‬ ‫أمهية الكتاب املدر‪،‬ي واعتباره حجر زاوية‬ ‫‪‬‬
‫املحاور اآلتية‪:‬‬ ‫العملية الرتبوية‪.‬‬
‫‪ .1‬موقع الكتاب املدر‪،‬ي يف العملية التعليمية التعلمية‪:‬‬ ‫بيان أن سوء استخدام الكتاب املدر‪،‬ي ُيعد من‬ ‫‪‬‬
‫‪ .2‬ملاذا يعترب الكتاب املدر‪،‬ي حجر الزاوية يف العملية‬ ‫العوائق الرتبوية؟‬
‫الرتبوية؟‬ ‫التذكري باإلرشادات والتوجيهات الرسمية‬ ‫‪‬‬
‫‪ .3‬السلبيات الرتبوية والتعليمية التي تنتج عن سوء‬ ‫التي تساعد املدرس عىل كيفية استخدام الكتاب‬
‫استخدامه‪:‬‬ ‫املدر‪،‬ي (األطر املرجعية)‪.‬‬
‫‪.4‬التوجيهات واإلرشادات التي تساعد عىل استخدام‬ ‫‪ ‬بيان العالقة الوطيدة بني املنهاج الدرا‪،‬ي‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي بطريقة إجيابية‪:‬‬ ‫والكتاب املدر‪،‬ي املعدل سنة ‪( 2116‬كتاب الرتبية‬
‫‪ .2‬عالقة مداخل الكتاب املدر‪،‬ي باملنهاج الدرا‪،‬ي‪،‬‬ ‫اإلسالمية نموذجا)‪.‬‬
‫وجديد الكتاب املدر‪،‬ي يف النسخة املعدلة‪( ،‬لكتاب‬
‫الرتبية اإلسالمية) سنة ‪.2116‬‬ ‫الكتاب املدر‪،‬ي‪ -‬املنهاج الدرا‪،‬ي‪ -‬املداخل‪-‬‬
‫الوحدات‪ -‬العملية التعليمية التعلمية‪ -‬الكفايات‪-‬‬
‫املهارات الرتبوية‪ -‬العوائق الرتبوية‪.‬‬
‫يتموقع الكتاب املدر‪،‬ي يف العملية الرتبوية من خالل‬ ‫لعل من دعائم البنية الرتبوية التعليمية‪ ،‬التي تدخل‬
‫جمموعة من التعاريف التي حاولت مقاربة ماهيته‬ ‫ضمنها الوسائل والوسائط واملوارد التعليمية والرتبوية‪:‬‬
‫وحمتواه‪ ،‬فقد ورد تعريفه يف وثيقة اليونيسكو كاآليت‪:‬‬ ‫الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬فهو حجر الزاوية‪ ،‬ومن األسناد‬
‫"الكتاب املدر‪،‬ي كتاب ُعرضت فيه املادة املختارة يف‬ ‫الرئيسة يف العملية التعليمية التعلمية‪ ،‬كام أكَّد عىل ذلك‬
‫املوضوع املعني بطريقة منظمة‪ ،‬وقد وضعت هذه املادة‬ ‫امليثاق الوطني املغريب للرتبية والتكوين يف الدعامة‬
‫يف نصوص مكتوبة‪ ،‬بحيث تُريض موقفا بعينه يف‬ ‫املدرسية‬ ‫السابعة‪ ،‬يف املادة ‪ ،119‬اخلاصة بالكت‬
‫عمليات التعلم والتعليم"‪.1‬‬ ‫والوسائط التعليمية‪ ،‬وهذه األمهية البالغة هلذه الوسيلة‬

‫‪ُ -1‬ينظر املكتبة الرقمية‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬الذيل‪ :‬جيم‪ :‬مرسد‬


‫املصطلحات‪ ،‬ص‪.21-24:‬‬
‫‪223‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الكتاب املدر‪،‬ي يمثل املقرر الرســمي‪ ،‬ومعنى‬ ‫‪‬‬ ‫ويف نظر ال با حث فكري حســن ز يان يف ك تا به‪:‬‬
‫ذلك أنه بعد أن حتدد الغايات واملرامي واألهداف‪،‬‬ ‫"ال تدري ‪ ،‬أ هدا فه‪ ،‬أســســـه‪ ،‬وأســـالي به‪ ،‬وتقوي مه‬
‫حتدد موضــوعات املقرر‪ ،‬ويف ضــوئها تؤلف الكت‬ ‫ونتائجه"‪ " :1821 ،‬أن الكتاب املدر‪،‬ي يمثل املقرر‬
‫املدرسية‪ ،‬التي تعترب بمثابة تنزيل إجرائي هلا‪.‬‬ ‫الرسمي املعتمد من اجلهة الرسمية املرشفة عىل التعليم‪،‬‬
‫‪ ‬الك تاب ا ملدر‪،‬ي ي قدم تنظيام للامدة ا لدراســ ية يف‬ ‫وهو ي قدم تنظيام للامدة ا لدراســ ية ويكون جديرا‬
‫مســتوى درا‪،‬ي معني‪ ،‬وهو صــالح ألن يســتغله‬ ‫باالطمئنان إليه"‪.1‬‬
‫التلميذ ويستفيد منه‪ ،‬ويطمئن إىل ما فيه‪.‬‬ ‫ويف تعريف آخر‪ ":‬الك تاب ا ملدر‪،‬ي هو املرتكز‬
‫‪ ‬الك تاب ا ملدر‪،‬ي يمكن أن ُيريض موق فا تعليم يا‬ ‫األ ساس للتعليم‪ ،‬وو سيلة تعليمية تربوية منظمة تكون‬
‫معينا يف عملية التعليم والتعلم ينجز داخل الفصل‪.‬‬ ‫حصــيلة خربات ثقافية واجتامعية وفنية‪ ،‬تســتهدف فئة‬
‫ولتحقيق ذ لك‪ ،‬يراعى ع ند تألي فه األســ‬ ‫تعليم ية حمددة بح يث تتوافق مع قدرات هذه الف ئة‪.‬‬
‫األربعة اآلتية‪:‬‬ ‫ت تدرج املعلو مات دا خل الك تاب من الســ هل إىل‬
‫األساس السيكولوجي‪:‬‬ ‫الصع ‪ ،‬وهتدف إىل رفع مستوى كفاءاهتا وخرباهتا"‪. 2‬‬

‫لعل مراعاة األســاس الســيكولوجي للمتعلم‪ ،‬هو‬ ‫كان مفهوم الك تاب ا ملدر‪،‬ي ‪ -‬قديام‪-‬ينحرصــ يف‬
‫ا لذي ُيمكن حمتوى الك تاب ا ملدر‪،‬ي من إ حداث أثره‬ ‫كونه مرجعا أســاســيا للمعلومات يف املقرر الدرا‪،‬ي؛‬
‫عىل التالم يذ‪ ،‬وجيعلهم يســتجيبون له و ُيف يدون م نه‪،‬‬ ‫هذه املعلو مات و ُي َق َّو ُم في ها من‬ ‫بح يث حيفظ ال طا ل‬
‫ويتشــبعون بام فيه‪ ،‬ويتحقق ذلك إذا روعي يف الكتاب‬ ‫ق بل ا ملدرس‪ ،‬أ ما حدي ث َا‪ ،‬ف قد اتســع مفهوم الك تاب‬
‫املدر‪،‬ي ما يأيت‪:‬‬ ‫ا ملدر‪،‬ي ليشــ مل ت فاعال بني الطالب الكتســـاب‬
‫‪ ‬أن خياط التلميذ ب صفته كائنا ن شيطا متكامال‪ ،‬مع‬ ‫املعلو مات وامل هارات من خالل األنشــ طة الصــف ية‪،‬‬
‫ر بط ا مل ح توى ب حاج يات ال تل م يذ ال نفســـ ية‪،‬‬ ‫ويقترصــ دور األســ تاذ عىل التوج يه واإلرشـــاد‪.‬‬
‫من خالل التعاريف السابقة نستخلص ما يأيت‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪-"schoolbook", www.merriam-webster.com,‬‬ ‫‪ -1‬ينظر الفصل السابع عرش من الكتاب بعنوان‪ :‬مصادر البيئة‬
‫‪Retrieved 15-7-2018. Edited.‬‬ ‫املحلية واملطبوعات‪ .‬لفكري حسن زيان عامل الكت ‪ ،‬ط‪ .1 .‬ص‪:‬‬
‫‪.233‬‬
‫‪224‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫تكمن صــعو بة النقل الديدكتيكي يف الكيف ية التي‬ ‫والوجدانية وبيئته وواقعه‪ ،‬مما خيلق لديه الرغبة يف‬
‫تتيح إمكانية االنتقال من معرفة عاملة‪ ،‬إىل معرفة قابلة‬ ‫التعامل معه‪.‬‬
‫والتعلم‪.‬‬ ‫للتدري‬ ‫‪ ‬أن يكون حافرا إل ثارة التفكري وتنمي ته وتعمي قه‪.‬‬
‫وما دام التحليل أو البحث الديدكتيكي الذي يروم‬ ‫وهنا ن ستح رض التطورات التقنية التي ا ستفاد منها‬
‫اجلان املوضوعي والشمويل ال مندوحة له من أن يضع‬ ‫الكتاب املدر‪،‬ي عىل مستوى اإلخراج‪.‬‬
‫النقل الديدكتيكي ضــمن أولوياته‪ ،‬فإنه يمكننا مقاربة‬ ‫‪ ‬أن يكون الكتاب املدر‪،‬ي مناســبا ملســتوى نضــج‬
‫هذه اإلشــ كال ية يف ســ ياق مثل ثه املعروف باملث لث‬ ‫التالميذ العقيل والنفيس والعاطفي‪.‬‬
‫الديدكتيكي‪ :‬املعرفة ‪ -‬املتعلم – املدرس‪.‬‬ ‫‪ ‬أن يســاعد الكتاب املدر‪،‬ي عىل تكوين االجتاهات‪،‬‬
‫وبذلك يصــبح النقل الديدكتيكي عبارة عن حتويل‬ ‫واملواقف‪ ،‬والقيم‪ ،‬ويعمل عىل تنميتها‪.‬‬
‫فعيل للمعر فة‪ ،‬تبت عد في ها عن حالت ها ا خلام؛ أي كام‬ ‫ا ألساس العلمي الديداكتيكي للكتاب املدر‪،‬ي‪:‬‬
‫أنتجت يف ســياق ســوســيولوجي حمدد‪ ،‬لتصــري مادة‬ ‫وه نا يمكن نا اســتحضـــار ما يســمى بالن قل‬
‫مدر سية خت ضع إىل رشوط وقوانني‪ ،‬هي يف هناية املطاف‬ ‫الديداكتيكي للمعرفة‪ ،‬حتى يمكن أن ندرجها داخل‬
‫رشوط املؤسسة املدرسية بوصفها سياقا سوسيولوجيا‬ ‫الك تاب ا ملدر‪،‬ي‪ ،‬ويمكن االطمئ نان إلي ها‪ ،‬ولف عل‬
‫مغايرا‪.‬‬ ‫ذلك ال بد من التطرق إىل ما ييل‪:‬‬
‫وإذا اعترب نا الن قل ا لد يدكتيكي من اختصـــاص‬ ‫‪ ‬مفهوم النقل الديدكتيكي؟‬
‫ا لد يدكتيكيني عىل مســتوى امل ناهج والربامج‪ ،‬فإن‬ ‫إن النقل الديداكتيكي هو نقل املعرفة من فضــائها‬
‫األســ تاذ م طا ل هو اآلخر بتطبيق النهج نفســه لب ناء‬ ‫العلمي اخلالص إىل فضــاء املامرســة الرتبوية‪ ،‬لتتناس ـ‬
‫دروســه بشــكل علمي؛ ‪-‬أي القيام بام يصــطلح عليه‬ ‫وخ صو صيات املتعلمني‪ ،‬النف سية والعقلية وت ستجي‬
‫" بالنقل الديدكتيكي الداخيل"‪ -‬حني يعمل عىل تكييف‬ ‫حلاجاهتم‪ ،‬عن طريق تكييفها وفق الو ضعيات التعليمية‬
‫م ضامني الكت املدر سية بام ينسجم مع امل ستوى الفعيل‬ ‫التعلمية‪.‬‬
‫للمتعلمني‪ ،‬بناء عىل التقويم التشــخييصــ الذي قام به‬
‫للفئة املستهدفة‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫املعرفة‪ ،‬أو باملدرس الذي يقود عمليات تدبري‬ ‫‪ ‬خصائص النقل الديداكتيكي‪:‬‬
‫التعلم داخل الفصل الدرا‪،‬ي‪.‬‬ ‫إن املعرفة العلمية املقرتحة للتدري ‪ ،‬هي يف الواقع‪،‬‬
‫‪ ‬رضورة التحيل باملصداقية؛ ألن املعرفة العلمية ‪-‬‬ ‫معرفة جمردة عن رشوط إنتاجها املؤسسية والذاتية‪ ،‬فهي‬
‫مهام خضعت للتعديالت أو التغيريات ‪ -‬جي أن‬ ‫يف األصــل‪ ،‬معرفة أنتجت يف أوســاط علمية متنوعة‪،‬‬
‫تبقى مع ذلك يف السياق املدر‪،‬ي‪ ،‬بعيدة عن منطق‬ ‫كاملختربات وا جلام عات وامل عا هد‪ ،‬كام أ هنا حت تاج يف‬
‫الثقافة العامية أو الشائعة ‪Vulgaire‬؛ ومن هنا‬ ‫إن تاج ها إىل جمهود فكري وو جداين م بذول من لدن‬
‫حرص املدرس عىل أال يسقط يف افتعال‬ ‫وج‬ ‫العامل‪ ،‬أو جمموعة من العلامء املبدعني هلا للوهلة األوىل‪.‬‬
‫املواقف‪ ،‬ألجل الرضورات التعلمية؛ بل عليه أن‬ ‫وعندما ينقل ذلك املنتوج العلمي إىل احلقل التعليمي‪،‬‬
‫يتحىل بأكرب قدر من املصداقية‪ ،‬وأن يتمسك‬ ‫نفص ُله عن كل تلك املالبسات والرشوط‬‫معنى ذلك أننا ِ‬

‫باملقتضيات التي تفرضها عليه املعرفة العلمية‪،‬‬ ‫التي أ حا طت بإن تا جه؛ فنحن ن قدم املعر فة العلم ية إىل‬
‫العام املشرتك‬ ‫بعيدا عن االبتذال وعن احل‬ ‫املتعلم يف الكتاب املدر‪،‬ي من َّظمة ومرتَّبة عىل نحو آخر‪،‬‬
‫‪"sens commun‬؛ ألن من مهام املدرسة‬ ‫بح يث نســتب عد أو ن حذف كل ما يمكن أن حي يل عىل‬
‫كانيي‬ ‫ذلك‬ ‫عىل‬ ‫يؤكد‬ ‫(كام‬ ‫بالذات‬ ‫األخ طاء‪ ،‬أو اإلخ فا قات التي راف قت ب ناء املعر فة‬
‫‪1822،Gagné‬م)‪ ،‬أن حترص عىل مساعدة‬ ‫العلمية‪.‬‬
‫املتعلم‪ ،‬لكي يتمكن من االنتقال مما هو شائع‬ ‫وعىل هذا األساس‪ ،‬تصبح عملية النقل الديدكتيكي‬
‫ومتداول وحيس‪ ،‬إىل ما هو علمي وجمرد‪.‬‬ ‫مدعوة إىل مراعاة مجلة من املعايري والقواعد‪ ،‬ومن بني‬
‫رضورة تبني التقيد بربجمة متدرجة‪ :‬حيث‬ ‫‪‬‬ ‫هذه القواعد نكتفي باإلشارة إىل اآليت‪:‬‬
‫حتافظ مستويات النقل الديدكتيكي عىل برجمة املعرفة‬ ‫‪ ‬رضورة التحيل باملوضوعية التامة‪ ،‬التي حتتم إقامة‬
‫املدرسية داخل الكتاب املدر‪،‬ي؛ أي أن يتم توزيع‬ ‫فصل واضح بني موضوع املعرفة املدرسية‪،‬‬
‫وحداهتا عىل مقاطع متدرجة‪ ،‬تراعي يف الوقت نفسه‬ ‫والقناعات‪ ،‬أو املواقف وامليول الشخصية‪ ،‬سواء‬
‫تقطيعا زمنيا معينا‪ ،‬وتقسيام خاصا بالبنية الداخلية‬ ‫تعلق األمر بالديدكتيكي الذي يقوم بعملية نقل‬
‫‪226‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫أ‪ -‬انتقاء املعرفة وتبسيطها جلعلها قابلة للتداول بني‬ ‫للمعرفة املدرسية‪ ،‬وهو تقسيم ‪-‬غالبا‪-‬ما يعتمد‬
‫املتعلمني ومناسبة ملستواهم اإلدراكي‪.‬‬ ‫االنطالق من مستويات متفاوتة يف الصعوبة والتعقيد‪.‬‬
‫ب‪ -‬اختيار لغة واصفة مفهومة من لدن املتعلمني‪:‬‬ ‫وقد أضاف شوفاالر ‪ 1:1892 ،Chevallard‬يف‬
‫(تقليص الكلفة الذهنية والوجدانية لدى املتعلم)‪.‬‬ ‫السياق نفسه ما ييل‪:‬‬
‫ج‪ -‬عرض املحتوى التعلمي عىل املتعلمني‪ ،‬والذي‬ ‫‪ +‬يف مرحلة أوىل‪ :‬أن حتدد مستويات أخرى للنقل‬
‫ينبغي أن يراعي مبدأين اثنني‪:‬‬ ‫املعايري‬ ‫أدخل‬ ‫عندما‬ ‫وذلك‬ ‫الديدكتيكي‪،‬‬
‫املبدأ األول‪ :‬االنتقال باملتعلم من املعلوم إىل‬ ‫‪‬‬ ‫السوسيولوجية‪ ،‬معتربا أن هذا النقل حيدث دائام يف سياق‬
‫املجهول‪.‬‬ ‫مرشوع سوسيوتربويى ‪ ،Socio-éducatif‬وينتهي يف‬
‫املبدأ الثاين‪ :‬اعتامد مبدأ التدرج يف الصعوبة‬ ‫‪‬‬ ‫درس‪.‬‬
‫هناية املطاف بعملية مراقبة اجتامعية ملا ُي َّ‬
‫مرورا باملعرفة البسيطة فاملركبة‪ ،‬ثم املعقدة‪.‬‬ ‫‪ +‬يف مرحلة ثانية‪ ،‬يصبح اختيار املعرفة‪ ،‬التي جي‬
‫إن هذه املعاجلة الديداكتيكية تنبني عىل تدرج حمكم‬ ‫تدريسها‪ ،‬مبنيا عىل املعرفة العاملية من جهة‪ ،‬وعىل القيم‬
‫يوفر للمتعلم‬ ‫لعملية التعلم‪ ،‬وعىل تبسيط مناس‬ ‫واألولويات االجتامعية والثقافية‪ ،‬إضافة إىل األدوار‬
‫فرصة إثراء خربته وهيكلتها‪ ،‬مع امتالك جرأة االجتهاد‬ ‫االجتامعية املحبذة يف املجتمع من جهة أخرى‪.‬‬
‫للتكوين الذايت واالستقاللية يف‬ ‫واالبتكار‪ ،‬مما يؤس‬ ‫ويتم التخطيط لعبور املعرفة من جمال التخصص إىل‬
‫اكتشاف املعرفة ضمن جغرافية أحواض التكوين‬ ‫جمال التعليم وفق اآليت‪:‬‬
‫املمكنة (املؤسسة الرتبوية‪ ،‬واملكتبات العامة‪ ،‬ونوادي‬ ‫تعليمه ←‬ ‫موضوع املعرفة ← املوضوع الواج‬
‫االنرتنت‪ ،‬واإلدارات العمومية‪.)...‬‬ ‫موضوع التعلم‪.‬‬
‫األساس االجتامعي والثقايف للكتاب املدر‪،‬ي‪:‬‬ ‫تتم عملية "النقل الديداكتيكي الداخيل" عرب ثالثة‬
‫يتمثل أساسا يف ثقافة املجتمع‪ ،‬واجتاهاته‪،‬‬ ‫وهذا اجلان‬ ‫إجراءات أساسية‪ ،‬يلزم عىل املدرس إيال ُؤها األمهية‬
‫وأهدافه‪ ،‬وفلسفته يف احلياة؛ وهنا ُيقدَّ م الكتاب املدر‪،‬ي‬ ‫الالزمة عندما يواجه موضوعا دراسيا معينا‪:‬‬

‫‪mathématiques, 1982.vol.3. N2, p. 39 .‬‬ ‫‪1 - Chevallard, Yves et Joshua M: Un exemple‬‬


‫‪d’analyse de la transposition didactique. La notion de‬‬
‫‪distance. Recherches en didactique des‬‬
‫‪227‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ويكون وسيلة يف ترمجة أهدافه إىل وحدات سلوكية عند‬ ‫ليكون أداة وظيفية يستفيد منها األفراد يف تنمية‬
‫التالميذ‪.‬‬ ‫شخصياهتم وثقافتهم‪ ،‬ال جمرد خطوط ورموز وألفاظ‪،‬‬
‫‪ ‬أن يكون جزءا من مواقف تعليمية‪ ،‬ويستخدمه‬ ‫ويف هذه احلالة يصبح من وظائف الكتاب املدر‪،‬ي‬
‫التلميذ يف سياق العملية التعليمية‪ ،‬فريجع إليه يف‬ ‫مساعدة النشء عىل تكوين إطار عقيل‪ ،‬وختطيط فكري‬
‫تفسريه هلا‪ ،‬ويضيفه إىل حقائقه‪ ،‬ووجهات نظره‪ ،‬فال‬ ‫تبرصي يستخدمه كأساس يف مواجهة احلياة (اكتساب‬
‫يسلم باألشياء تسليام مطلقا‪.‬‬ ‫املهارات احلياتية)‪ ،1‬كام يساعده عىل بناء إطار فكري من‬
‫وإذا كانت هذه األس ُتراعى يف الكتاب املدر‪،‬ي‪،‬‬ ‫املعلومات‪ ،‬واملفاهيم‪ ،‬والقواعد التي تساعد عىل حتويل‬
‫وهيتم به االهتامم الكبري من ِقبل املرشفني عىل الرتبية‬
‫ُ‬ ‫املشكالت املع َّقدة واملواقف الغامضة إىل عالقات‬
‫والتعليم‪ ،‬فام ذاك إال لكونه حيتل موقعا بارزا يف العملية‬ ‫واضحة‪ ،‬وسلوك موجه‪ ،‬وحل للمشكالت‪.‬‬
‫الرتبوية‪ ،‬رغم ما يمكن أن يتعرض له من انتقادات ال‬ ‫األساس الرتبوي للكتاب املدر‪،‬ي‪:‬‬
‫تزيده يف نظرنا إال قيمة ومكانة‪.‬‬ ‫ويتمثل يف نظرة املؤلف لطبيعة املتعلم وعالقته‬
‫يقول الباحث عبد اهلل عبد الدائم‪ ":‬يظل الكتاب‬ ‫باملجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬حيث إن املقرر والكتاب‬
‫املدر‪،‬ي أمرا رضوريا يف أكثر من مراحل التعليم‪ ،‬بل‬ ‫املدر‪،‬ي يعربان عن اجتاه فلسفي وتربوي ملجتمع معني‪،‬‬
‫نستطيع أن نذه إىل أبعد من هذا فنقول‪ :‬إن استخدام‬ ‫ويف ضوء ذلك يراعى يف الكتاب املدر‪،‬ي ما يأيت‪:‬‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي يزداد أمهية يف عرصنا احلارض‪ ،‬هذا‬ ‫‪ ‬أن يكون أداة من أدوات بناء شخصية التلميذ يف‬
‫فيه القراءة واملطالعة دورا كبريا‪.2 ".‬‬ ‫العرص الذي تلع‬ ‫جمال اخلربة االجتامعية والدينية والعالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫وألمهيته تُعقد له املؤمترات والندوات واللقاءات الوطنية‬ ‫‪ ‬أن يكون وسيلة حمفزة للتفكري والنقد البناء‪.‬‬
‫والدولية‪ ،‬ويقع التأكيد عليه يف مناسبات كثرية‪ ،‬من ذلك‬ ‫‪ ‬أن جيمع بني املادة والطريقة‪ ،‬و ُيستخدم كامدة‬
‫ما قاله أحد وزراء الرتبية الوطنية‪ ":‬إن الكتاب املدر‪،‬ي‬ ‫وطريقة‪ ،‬وهبذا يؤثر يف نوع خربات املنهج وتنشيطه‪،‬‬

‫والنفســية ل‪ .‬د‪ .‬حســن شــحاتة‪ ،‬ود‪ .‬زين النجار‪ ،‬الدار املرصــية‬ ‫‪ -1‬امل هارات التي تســاعد التالميذ عىل التكيف مع املجتمع الذي‬
‫اللبنانية‪ ،‬ط‪ .2113 ،4‬ص‪.315-312 :‬‬ ‫يعيشــون ف يه‪ ،‬وتركز عىل النمو اللغوي‪ ،‬الط عام‪ ،‬ار تداء املالب ‪،‬‬
‫‪ -2‬ينظر املقال عىل النت‪ ،‬عبد اهلل عبد الدائم مفكرا‪ ،‬رابطه‪:‬‬ ‫القدرة عىل حتمل املسئولية‪ ،‬التوجيه الذايت‪ ،‬املهارات املنزلية‪ ،‬األنشطة‬
‫‪https://www.researchgate.net/publication/3412623‬‬ ‫االقت صادية والتفاعل االجتامعي يعرفها معجم امل صطلحات الرتبوية‬
‫‪22_bd_allh_bd_aldaym_mfkraa‬‬
‫‪228‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ .3‬إن كل الطرق البيداغوجية تستخدمه لتحقيق‬ ‫يعترب بوجه عام حجر الزاوية الذي يعتمد عليه يف العملية‬
‫أهدافها مع اختالف يف نوعية االستخدام‪ ،‬فطريقة اإللقاء‬ ‫الرتبوية‪ ،‬سواء من طرف املتعلم أو األستاذ‪ ،‬وهبذا‬
‫تستخدمه مرجعا حلفظ ما جاء فيه‪ ،‬بينام الطرق الفعالة‬ ‫أن يكون الكتاب املدر‪،‬ي مسايرا يف‬ ‫االعتبار وج‬
‫تستخدمه بوصفه واحدا من املصادر التي يستفاد مم َّا ورد‬ ‫شكله ومضمونه ألرقى ما وصلت إليه التقنية واألبحاث‬
‫فيه من معلومات لإلجابة عن املشكالت واالستفسارات‬ ‫الرتبوية والعلمية احلديثة‪ ،‬مع اإلبقاء عىل األصالة‬
‫موضوع التعلم‪.‬‬ ‫والطابع الوطني‪.1‬‬
‫إنه وسيلة اقتصادية لنقل املعرفة‪ ،‬ووسيلة‬ ‫‪.4‬‬

‫تعليمية يسري ٌة قليل ُة التكاليف‪ ،‬باملقارنة مع األفالم‬


‫يمكننا أن نتفق عىل حمورية الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬نظرا‬
‫الوثائقية ذات البعد الرتبوي‪ ،‬والربامج التعليمية التي‬
‫لالعتبارات اآلتية‪:‬‬
‫تتطل نفقات باهظة‪.‬‬
‫الفكري للتلميذ‪،‬‬ ‫‪.1‬إن تأثريه القوي يف اجلان‬
‫إنه مفيد للتلميذ‪ ،‬بحيث يمكنه أن يستخدمه‬ ‫‪.2‬‬
‫يتأتى من خالل عاملني أساسني مها‪ :‬األستاذ‪ ،‬والكتاب‬
‫بالرسعة التي يريدها ويتحملها‪ ،‬وإنه طريقة فعالة يف‬
‫األخرى للرتبية من خلقية‬ ‫املدر‪،‬ي؛ بل إن اجلوان‬
‫اكتساب املهارات والكفايات للقراءة‪ ،‬كالتلخيص‪،‬‬
‫واجتامعية وروحية وعقلية ال ختلو من أثر الكتاب يف‬
‫والرتكي واملقارنة وغريها‪ ،‬فهو مصاح للتلميذ‪ ،‬ينظر‬
‫تنميتها‪ ،‬فإذا كان السلوك يتكون من املامرسة‪ ،‬فإن القيم‬
‫إليه كلام أراد‪.‬‬
‫واملثل العليا التي توجهه‪ ،‬إنام تستفاد من األستاذ ومن‬
‫املنال‪ ،‬سهل‬ ‫إنه مصدر للمعرفة قري‬ ‫‪.6‬‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي‪.‬‬
‫التعاطي‪ ،‬وهو وسيلة السرتجاع التلميذ لدروسه‪،‬‬
‫إن الكتاب املدر‪،‬ي حيظى بأمهية كربى؛ ألنه‬ ‫‪.2‬‬
‫وإعادة قراءهتا‪ ،‬وهتيئ األسئلة والتامرين‪.‬‬
‫ُيقدم تنظيام للامدة الدراسية جديرا باالطمئنان إليه‪ ،‬حيث‬
‫إن الكتاب املدر‪،‬ي يعمل عىل توحيد‬ ‫‪.2‬‬
‫إن واضعي الكتاب املدر‪،‬ي هم عادة من املتخصصني يف‬
‫االهتاممات بني خمتلف املتعلمني يف مستوى درا‪،‬ي‬
‫جمال الرتبية واملادة العلمية‪ ،‬وهذا التنظيم ال يقيد األستاذ‬
‫واحد‪ ،‬كام يعترب وسيلة هادفة لتحقيق اإلصالح‬
‫طبعا‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪229‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫يعتربه األستاذ الوسيلة التعليمية الوحيدة يف التدري ‪،‬‬ ‫االجتامعي‪ ،‬فمن خالله يمكن إكساهبم الصفات‬
‫وأن ما فيه هو الذي جي االقتصار عليه يف توجيه التلميذ‬ ‫االجتامعية املرغوب فيها‪ ،‬وهذا واضح يف مقدمات كت‬
‫بالوقوف عىل ما جاء فيه عىل جهة التسليم‪ ،‬فنقيم عند‬ ‫الرتبية اإلسالمية بجميع مراحلها‪.‬‬
‫ذلك سدا منيعا بني التلميذ واالتصال املبارش باحلياة‪ ،‬وما‬ ‫بام أن الرغبة يف اجتياز االمتحانات بنجاح‬ ‫‪.9‬‬

‫حيدث فيها من تطورات‪ ،‬ونسلبه االجتهاد وحرية‬ ‫لكل من األستاذ والتلميذ‪ ،‬وهي‬ ‫يبقى هو املحرك الرئي‬
‫التفكري الشخيص‪ ،‬واحلكم الذايت‪ ،‬ونمنعه من أن يقف‬ ‫امتحانات ال هتتم بنمو امللكات‪ ،‬وال تفتح املواه‬
‫من األفكار واآلراء موقف الفاحص الباحث والدارس‬ ‫والقابلية‪ ،‬بقدر ما تعتني باالتزان واالستيعاب واحلفظ‬
‫الناقد‪ ،‬ونجعله يردد آراء اآلخرين دون وعي أو إدراك‪،‬‬ ‫والتحصيل‪ ،‬وأقوى التالميذ ذاكرة أوفرهم حظا يف‬
‫مما ينتج عنه تعطيل نمو قدرات التلميذ وكفاياته العقلية‬ ‫النجاح‪ ،‬ويف وضع كهذا يكون الكتاب عموما‪ ،‬والكتاب‬
‫والعلمية‪ ،‬وحيرمه من املهارات األخرى التي تساعده عىل‬ ‫للمرتشحني ملا‬ ‫املدر‪،‬ي عىل اخلصوص املزود الرئي‬
‫حل املشاكل التي تعرتضه يف جمتمعه‪.‬‬ ‫حيتاجونه‪.‬‬
‫ووجود الكتاب املدر‪،‬ي ال يعفي التلميذ أو‬ ‫إن هناك موادا ال تستغني عن الكتاب‬ ‫‪.8‬‬

‫األستاذ من إبداء الرأي واملراجعة‪ ،‬واالطالع والبحث‬ ‫املدر‪،‬ي‪ ،‬كالرتبية اإلسالمية‪ ،‬والنصوص األدبية‪،‬‬
‫والتدقيق؛ ذلك ألن أكرب خطأ يرتكبه األستاذ هو أن يعترب‬ ‫واالجتامعيات؛ ألهنا تعتمد عىل النصوص لتنطلق منها‪.‬‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي بديال ملا يقوم به من حتضري‪ ،‬أو ُمغنيا له‬ ‫‪ .11‬إن الكتاب املدر‪،‬ي احلديث يوفر لألستاذ‬
‫عن البحث والتوسع واالستعداد؛ إذ ال جيوز أن يبقى‬ ‫والتلميذ جهدا ووقتا ال يستهان هبام‪ ،‬ويضمن نوعا من‬
‫األستاذ يف حدود ما يعمله التالميذ‪ ،‬وال أن تكون كراسة‬ ‫التوحيد يف املواضيع بني األقسام املتوازية‪.‬‬
‫اإلعداد جمرد نقل حريف ملا جاء يف الكتاب من توضيحات‬
‫ورشوح‪ ،‬وكأهنا جمرد نسخة خطية لبعض صفحاته‪.‬‬
‫ذكرنا آنفا أمهية الكتاب املدر‪،‬ي يف العملية التعليمية‬
‫املدرسية وضعوها يف‬ ‫إن الذين ألفوا الكت‬
‫التعلمية‪ ،‬وأنه ال غنى عنه يف بعض املواد املدرسة كام‬
‫مستوى التالميذ املتوسطني‪ ،‬وما دامت ظروف العمل‬
‫سبق؛ ألهنا تعتمد النصوص يف منطلقاهتا‪ ،‬لكن إساءة‬
‫ختتلف لدى األساتذة‪ ،‬وأوضاع التالميذ وقدراهتم‬
‫استخدامه ت ِ‬
‫ُفقدُ ه أحيانا هذه األمهية‪ ،‬وبخاصة عندما‬
‫‪230‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حقيقة أنه ال توجد طريقة ُمثىل يمكن اعتبارها ثابتة‬ ‫متباينة‪ ،‬والتالميذ سينرصفون عن األستاذ ويستخفون به‬
‫الستخدام الكتاب املدر‪،‬ي؛ بل هناك طرق عديدة‬ ‫إذا أحسوا أنه ال يضيف جديدا إىل ما يف الكتاب‪ ،‬فإنه من‬
‫خمتلفة تتحكم يف إجيادها والسري عىل خطواهتا‪ ،‬وهي‬ ‫الالزم أن يكيف األستاذ الدرس تبعا ملوقفه اخلاص‪،‬‬
‫العوامل اآلتية‪:‬‬ ‫و ُيثريه بمعارفه وثقافته وجتاربه‪ ،‬ويربطه ببيئة التالميذ‬
‫‪ .1‬عوامل متنوعة تتعلق باملستوى الثقايف لألستاذ‬ ‫وواقعهم‪ ،‬جاعال من الكتاب املدر‪،‬ي جمرد حافز عىل‬
‫الذي ُحيد ُد مدى ارتباطه بالكتاب‪ ،‬أو إغنائه‬ ‫مزيد من البحث والتعمق والدراسة‪.‬‬
‫خطئه‪ ،‬وتعميق املعارف فيه دون جتاوزه؛‬ ‫وتصوي‬
‫ألنه مقرر بكيفية مرشوعة وسليمة‪.‬‬
‫تبني لنا من السلبيات السابقة أن املشكلة ليست يف‬
‫‪ .2‬األخذ بعني االعتبار مستوى التالميذ‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي يف حد ذاته‪ ،‬وإنام هي طريقة التعامل‬
‫املستهدفني‪ ،‬الذي حيدد نوع التعامل معهم من خالل‬
‫معه‪ ،‬إ َّما أن تكون بنَّاءة أو تكون غري بنَّاءة‪ ،‬فالكتاب‬
‫الكتاب املدر‪،‬ي نقصد‪ :‬املستوى العقيل‪ ،‬واملعريف‪،‬‬
‫املدر‪،‬ي كالسيف يف يد البطل يتحول إىل مضاء ِ‬
‫وحدَّ ة‪،‬‬
‫والثقايف‪...‬وكذا الوسط السوسيوثقايف الذي يعيشون‬
‫وهو يف يد اجلبان يتحول إىل قطعة حديد ال غري‪ .‬ومعنى‬
‫فيه‪.‬‬
‫ذلك أن فائدة الكتاب املدر‪،‬ي رهينة باألستاذ‪ ،‬ومرتبطة‬
‫طبيعة املادة املقدَّ مة من حيث الصعوبة‬ ‫‪.3‬‬
‫بقدرته عىل الترصف يف توظيفه واإلفادة منه‪ ،‬فال يقترص‬
‫والسهولة واحلجم‪.‬‬
‫عىل ما جاء يف الكتاب املدر‪،‬ي من معلومات عامة‬
‫ومع عدم وجود طريقة مثىل يف استخدام الكتاب‬
‫وخاصة‪ ،‬أو خربات تعليمية‪ ،‬وأسئلة فكرية‪ ،‬وألوان من‬
‫املدر‪،‬ي‪ ،‬يمكن وضع بعض القواعد واملوجهات التي‬
‫األنشطة العقلية والعملية؛ بل يسعى إىل توجيه تالمذته‬
‫ينبغي أن يكون األستاذ عىل بينة منها‪ ،‬وأن يسري عىل‬
‫للمزيد من القراءة الذاتية تبعا حلاجاهتم القرائية من‬
‫هدهيا‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫جهة‪ ،‬ومراعاة لفروقهم الفردية من جهة أخرى‪ .‬وهبذا‬
‫االطالع عىل التوجيهات الرسمية التي تتعلق‬ ‫‪.1‬‬
‫ُيعو ُد تالميذه عىل الدراسة املستقلة‪ ،‬واالعتامد عىل‬
‫باستخدام الكتاب املدر‪،‬ي‪ ،‬ويف مقدمتها املنهاج‬
‫النف ‪ ،‬وتنمية مهاراهتم يف قراءة الكتاب واستخدامه‪،‬‬
‫الدرا‪،‬ي للامدة التي يدرسها‪.‬‬
‫وفهم ما جاء فيه‪ ،‬وتفسريه وتطبيق ما تعلموه منه‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الرتبية اإلسالمية‬ ‫وهنا نقدم نموذجا ملنهجية تدري‬ ‫حتليل الكتاب املدر‪،‬ي بعد االطالع عىل‬ ‫‪.2‬‬

‫يستعان فيها باخلطوات اآلتية‪ ،‬والتي تعترب أحد‬ ‫التوجيهات الرسمية‪ ،‬هبدف التعرف عىل طبيعته‬
‫سيناريوهات التدبري والتنفيذ لدرس من الدروس‪:‬‬ ‫وفلسفته وتوجيهاته التي تساعده عىل طريقة عرضه‬
‫تكليف التالميذ باالطالع عىل الدرس‪ ،‬وذلك‬ ‫‪.1‬‬ ‫ومعاجلته ملوضوعاته‪ ،‬ويمكن التالميذ ‪ -‬يف ضوء تلك‬
‫عن طريق أسئلة حمددة دقيقة حتثهم عىل البحث‬ ‫التوجيهات ‪ -‬من السبل الكفيلة باستخدامه عىل الوجه‬
‫والتنقي ‪ ،‬ومجع احلقائق واملعلومات طبقا ملبدأ التعلم‬ ‫الصحيح يف بداية السنة‪.‬‬
‫الذايت‪.‬‬ ‫حتديدُ األستاذ للتالميذ بعض املراجع‬ ‫‪.3‬‬

‫حتضري األستاذ لدرسه‪ ،‬وذلك بالعودة إىل‬ ‫‪.2‬‬ ‫مستواهم‪ ،‬والتي ستزيد من إغناء‬ ‫واملصادر حس‬
‫املصادر املوثوق هبا‪ ،‬بالتوسع يف املوضوع والتمكن منه‪،‬‬ ‫حصيلة الكتاب وتنميته‪.‬‬
‫حتى يكون عىل أتم استعداد لتحقيق أهداف درسه‪.‬‬ ‫تعويدهم عىل االعتامد عىل النف ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬

‫الرتكيز يف بداية الدرس عىل مبدأ تقويم‬ ‫‪.3‬‬ ‫واالستقالل عن الكتاب املدر‪،‬ي الذي قد جيعلهم‬
‫املكتسبات‪ ،‬ويرتكز عىل الدرس املايض باستظهار‬ ‫يرددون عباراته بطريقة حرفية؛ وذلك بأن ينوع من‬
‫النصوص‪ ،‬مع مناقشة ما تم رشحه وما استنبط منها من‬ ‫أسئلة اإلعداد القبيل لتشمل أشياء خارج الكتاب‪.‬‬
‫مبادئ وأحكام‪.‬‬ ‫‪ .2‬وجوب ِعلم األستاذ بأن الكتاب املدر‪،‬ي ما‬
‫التمهيد للدرس اجلديد‪ ،‬ويكون بواسطة‬ ‫‪.4‬‬ ‫هو إال أداة من أدوات التعليم والتعلم الكثرية‪ ،‬التي‬
‫حوار قصري يربط موضوع الدرس بواقع التالميذ‪،‬‬ ‫يستعني هبا يف تأدية عمله عىل الوجه األحسن‪ ،‬وأنه قادر‬
‫ويشعرهم بمدي أمهيته بالنسبة إليهم‪ ،‬أو يلخص هذا‬ ‫عىل حتويل الكتاب الرديء إىل كتاب قيم حيقق كثريا من‬
‫احلوار يف صورة وضعية مشكلة يتحدى أذهان التالميذ‪،‬‬ ‫أن يربط املدرس الكتاب املدر‪،‬ي‬ ‫العطاء‪ ،‬كام جي‬
‫وخيلق لدهيم التساؤل عن طريقة حله من وجهة نظر‬ ‫بمنهجية التدري ؛ إذ إن املنهجية اجليدة تستطيع أن‬
‫الدين احلنيف‪.‬‬ ‫تعالج كثريا من فساد املنهج وضعف التالميذ‪،‬‬
‫االنطالق من النصوص‪ ،‬مع احلرص الشديد‬ ‫‪.2‬‬ ‫والصعوبة املوجودة يف الكتاب املدر‪،‬ي‪.‬‬
‫أال يترسب إليها أي خطأ أو حتريف‪ ،‬مع قراءهتا قراءة‬
‫‪232‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫من املوضوع املدروس قصد تعميق معارف‬ ‫جوان‬ ‫سليمة‪ ،‬واالنطالق منها جيعل التلميذ يتَّصل مبارشة‬
‫التالميذ وإثراء خربهتم‪.‬‬ ‫بمصدر الترشيع اإلسالمي‪ ،‬وحتى تتاح للتالميذ‬
‫التقويم اإلمجايل‪ ،‬وذلك بطرح بعض األسئلة‬ ‫‪.11‬‬ ‫الفرصة ليحفظوا عن إدراك وفهم ملجموعة هامة من‬
‫عىل التالميذ كتغذية راجعة لنرى هل تم استيعاب ما تم‬ ‫أدلة األحكام‪ ،‬ونصوص الترشيع يف الكتاب والسنة‪،‬‬
‫تناوله يف املراحل السابقة للدرس ككل؟‪.‬‬ ‫ولريدوا األحكام إىل أصوهلا‪ ،‬والفقه إىل ينابيعه‪.‬‬
‫القاموس اللغوي واالصطالحي‪ ،‬وهنا‬ ‫‪.6‬‬

‫تناقش املفردات الغامضة‪ ،‬أو الكلامت املفاتيح للدرس‬


‫‪2143‬‬
‫بواسطة احلوار‪ ،‬لت َُذلل الصعوبات اللغوية التي قد‬
‫من املعلوم أن املنهاج القديم ملادة الرتبية اإلسالمية‬ ‫تعرتض فهم التالميذ‪.‬‬
‫كان ُيعمل فيه بنظام الوحدات من السلك االبتدائي إىل‬ ‫وضع تصميم حمكم يقسم الدرس إىل حماوره‬ ‫‪.2‬‬

‫هناية السلك الثانوي التأهييل‪ ،‬أما املنهاج احلايل فقد تم‬ ‫الرئيسة‪ ،‬ويساعد التحليل عىل أن يميض يف تسلسل‬
‫اختيار مفهوم املداخل بدل الوحدات‪ ،‬وهذه املداخل‬ ‫منطقي‪ ،‬وترابط عضوى ملحاور الدرس‪.‬‬
‫الرئيسة هي‪ :‬التزكية‪ ،‬االقتداء‪ ،‬االستجابة‪ ،‬القسط‪،‬‬ ‫سلوك األستاذ أثناء التحليل‪ ،‬الطرق الرتبوية‬ ‫‪.9‬‬

‫احلكمة‪ ،‬حيث تم بناء املنهاج املدر‪،‬ي جلميع املستويات‬ ‫الفعالة وتقنيات التنشيط التي جتعل التلميذ إجيابيا‪،‬‬
‫الدراسية ملادة الرتبية اإلسالمية عىل هذه املداخل‪.‬‬ ‫يبحث ويالحظ ويشارك‪ ،‬ويستنتج مع اعتامد األدلة‬
‫وإذا أمعنا النظر يف الدروس املقررة داخل كل مدخل‪،‬‬ ‫العقلية والنقلية‪.‬‬
‫يمكننا القول‪ :‬إن هذه املداخل هي عبارة عن قيم؛‬ ‫بناء ملخص يبلور أفكار الدرس األساسية‪،‬‬ ‫‪.8‬‬

‫فالقيمة املتوخاة من دروس العقيدة هي تزكية النف ‪،‬‬ ‫وجيمع شتاته بالنسبة للسلك الثانوي اإلعدادي‪ ،‬أما‬
‫ومن دراسة السرية النبوية هي حمبة الرسول عليه الصالة‬ ‫الثانوي التأهييل فقد يستغنى عن امللخص بام حيتفظ به‬
‫والسالم واالقتداء به‪ ،‬واالستجابة هلل ولرسوله‪ ،‬وغاية‬ ‫التالميذ من نقاط أثناء الرشح والتحليل‪ .‬وهناك‬
‫االطالع عىل احلقوق أن نقوم بالقسط ولو عىل أنفسنا‪،‬‬ ‫نصوص إضافية بالنسبة لسلك اإلعدادي تعرض‬
‫‪233‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وقد أصبح الكتاب املدر‪،‬ي املعدَّ ل أحد أهم عنارص‬ ‫واملتصف باحلكمة هو من يتحىل بالقيم األخالقية‬
‫عربه يتم ترصيف حمتويات املنهاج‪،‬‬
‫املنهاج الدرا‪،‬ي؛ إذ َ‬ ‫احلميدة‪.‬‬
‫كام شكلت تعددية الكتاب املدر‪،‬ي املبتكرة يف املستوى‬ ‫هذه القيم املوزعة عىل املداخل هي الغاية األسمى‬
‫الدرا‪،‬ي الواحد متيزا الفتا‪ ،‬واضعة بذلك حدا للكتاب‬ ‫التي يسعى املنهاج لتحقيقها من خالل الكتاب املدر‪،‬ي‬
‫القديم ذي النمط الوحيد الذي سيطر ملدة طويلة عىل‬ ‫املعدَّ ل‪ ،‬ويف مقدمة هذه القيم‪ ،‬قيمة التوحيد التي جعلها‬
‫املجال البيداغوجي‪ ،‬وعمل عىل تنميط سريورة التعليم‬ ‫املنهاج قيمة مركزية وحوهلا قيم ناظمة متمثلة يف‪ :‬املحبة‪،‬‬
‫والتعلم‪ ،‬حيث لوحظ أن هذه التعددية أسهمت يف‬ ‫واحلرية‪ ،‬واالستقامة‪ ،‬واإلحسان‪.‬‬
‫االرتقاء باملحتوى الدرا‪،‬ي بفضل التنافسية يف إثبات‬ ‫ويمكن ربط هذه القيم التي حددها املنهاج كذلك‬
‫اجلدارة واالستحقاق والتميز‪ ،‬والتي شكلت احلافز‬ ‫باملداخل اخلمسة املشار إليها أعاله‪ ،‬فمدخل التزكية‬
‫األكرب عىل تقديم األجود‪ ،‬وخلق نوعية يف التأليف‬ ‫يرتبط ارتباطا وثيقا بقيمتي التوحيد واحلرية؛ إذ تعك‬
‫املدر‪،‬ي استطاعت مواكبة التطورات التي يعيشها العامل‪.‬‬ ‫دروس هذا املدخل التامزج بني هتني القيمتني وطبيعة‬
‫وإذا كان الكتاب املدر‪،‬ي أداة تتحقق من خالهلا‬ ‫املدخل ومفرداته‪ ،‬كام ترتبط قيمة االستقامة ارتباطا وثيقا‬
‫أهداف املنهاج‪ ،‬فإنه يف ظل املستجدات احلالية‪ ،‬بات من‬ ‫بمدخل االستجابة التي قصد هبا املنهاج تطهري اجلسم‬
‫املهم النظر يف العالقة التي جتمع بينهام‪ .‬ومن هذا املنطلق‬ ‫والقل ‪ ،‬لتأهيل املؤمن لعبادة اهلل وشكره بالذكر‬
‫يسعى الكتاب املدر‪،‬ي يف صيغته اجلديدة إىل الرفع من‬ ‫والدعاء هبدف تزكية الروح‪ ،‬لتحقيق الفالح يف الدنيا‬
‫جودة الرتبية والتكوين‪ ،‬مع مراعاة املداخل األساسية‬ ‫واآلخرة‪ .‬وعالقة مدخل القسط بقيمة اإلحسان تظهر‬
‫املعتمدة يف وضع الربامج‪.‬‬ ‫جليا؛ ألن اإلحسان متضمن ملعاين أداء احلقوق عىل‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬ونُشدانا ملتطلبات إصالح تربوي‬ ‫من سبيل لتحقيق احلكمة إال‬ ‫وجهها األكمل‪ ،‬ولي‬
‫متكامل ومتناسق‪ ،‬نثمن اخلطوة التي فتحت املجال‬ ‫بنفع الغري‪ ،‬والتشبع بقيم املبادرة واإلجيابية وتعميم‬
‫الستعامل أكثر من كتاب مدر‪،‬ي واحد يف املؤسسات‬ ‫اخلري‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال بحصول املحبة للخلق‪ ،‬لتصبح‬
‫التعليمية‪ ،‬رغم بعض االنتقادات‪ ،‬فقد أصبح املنهاج‬ ‫بذلك حمبة فعل اخلري نابعة من حمبة اخللق‪.‬‬
‫بمنزلة خارطة الطريق أمام األستاذ‪ ،‬فهو وحده اإلطار‬
‫‪234‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ال بد أن تتوفر كل مؤسسة تربوية عىل خزانة‬ ‫‪‬‬ ‫املدرسية‪،‬‬ ‫املرجعي ِ‬


‫امللزم وطنيا‪ ،‬أما مضامني الكت‬
‫واملراجع الرضورية‪،‬‬ ‫حتتوي عىل أمهات الكت‬ ‫موادها‪ ،‬واملقاربات البيداغوجية املقرتحة‪،‬‬ ‫وترتي‬
‫كاملصادر اللغوية‪ ،‬والقوامي ‪ ،‬واملعاجم‪ ،‬والدواوين‬ ‫فلألستاذ حرية الترصف فيها بتكييفها ومالءمتها إذا‬
‫الشعرية‪ ،‬وكت التفسري‪ ،‬والتاريخ وغريها‪ ،‬وعىل ما هو‬ ‫تطل األمر ذلك‪ ،‬مع مراعاة مقتضيات املنهاج‪.‬‬
‫مهم من البحوث واملؤلفات احلديثة‪.‬‬
‫‪ ‬إن فسح املجال أمام إبداعات ومبادرات‬
‫األساتذة والتالميذ معا رضوري يف موضوع التعامل مع‬ ‫لقد أفىض بنا هذا املقال إىل نتائج وخالصات نذكر‬

‫الكتاب املدر‪،‬ي‪.‬‬ ‫منها‪:‬‬

‫‪ ‬وأخريا أود أن أقرر أن كثريا مما جاء يف هذا املقال‬ ‫‪ ‬إن الكتاب املدر‪،‬ي مهام كانت درجة جودته‬

‫من القطعيات‪ ،‬وال ُيدرج ضمن الئحة املس َّلامت‬ ‫لي‬ ‫وإتقانه‪ ،‬فإن فائدته متوقفة عىل حسن استعامله‪ ،‬ولن‬

‫التي ال تناقش‪ ،‬كام أن هناك عدة مباحث حول الكتاب‬ ‫يؤدي دوره كامال إال إذا متكن األستاذ املقتدر من طريقة‬

‫املدر‪،‬ي مل تأت الفرصة ملناقشتها وبسط الكالم حوهلا‪.‬‬ ‫استعامله بشكل جيد‪ ،‬ألنه كالسيف يف يد البطل‪ ،‬أو يف‬

‫وحس ُ هذا املقال أن يكون حلقة يف سلسلة املحاوالت‬ ‫يد اجلبان كام سبق‪.‬‬
‫َ‬
‫املبذولة يف هذا املجال‪ ،‬فهو حماولة متواضعة يف عرض‬ ‫‪ ‬إن الكتاب املدر‪،‬ي يف كل هذه احلاالت ال يعدو‬

‫هذا املوضوع ورصد بعض قضاياه؛ إلثارة الباحثني‬ ‫أن يكون إحدى الوسائل الديداكتيكية التي يستعان هبا‬

‫الفضالء وشحذ قرائحهم إلمتام ما بدأه السابقون‪ .‬واهللَ‬ ‫يف العملية التعليمية‪ ،‬وال ينبغي أن يكون املصدر‬

‫تعاىل أسأل التوفيق والسداد‪ ،‬وهو سبحانه حسبنا ونعم‬ ‫الوحيد؛ بل يلزم أن يكون مشفوعا بمصادر متعددة‬

‫الوكيل‪.‬‬ ‫ومتنوعة أثناء حتضري الدروس‪.‬‬


‫‪235‬‬ ‫للتربية‪0202‬‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
‫األول –‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫كيفية االشــتغال بالكت املدرســية يف صــيغتها‬ ‫‪.2‬‬ ‫مراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫ا جلد يدة‪ ،‬م قال لألســـ تاذة كر ي مة م ه تدي‪.‬‬ ‫التدري ‪ ،‬أهدافه‪ ،‬أســســه‪ ،‬وأســاليبه‪ ،‬وتقويمه‬ ‫‪.1‬‬

‫‪https://www.mostajad.com/2015/10/blog-‬‬ ‫ون تائ جه"‪ ،‬لفكري حســن ز يان‪ ،‬عامل الك ت ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪post_78.html‬‬
‫معجم امل صطلحات الرتبوية والنف سية‪ .‬للدكتور‬ ‫‪.6‬‬ ‫القاهرة‪.1821،‬‬

‫ح سن شحاته‪ ،‬والدكتورة زين النجار‪ ،‬الدار امل رصية‬ ‫الرتبية التجريبية والبحث الرتبوي‪ ،‬عبد اهلل عبد‬ ‫‪.2‬‬

‫اللبنانية‪ ،‬ط‪.2113 ،4‬‬ ‫الدائم‪ ،‬دار النرش للماليني‪ ،‬سنة ‪.1899‬‬

‫املكتبة الرقمية‪ ،‬اليونســكو‪ ،‬الذيل‪ :‬جيم‪ :‬مرســد‬ ‫‪.2‬‬ ‫ديداكتيك الرتبية اإلســالمية لألســتاذ إســامعيل‬ ‫‪.3‬‬

‫املصطلحات‪.‬‬ ‫‪،2118‬‬ ‫أكـــــتـــــوبـــــر‬ ‫مـــــرجـــــي‪،‬‬


‫‪tarbiislam.blogspot.com‬‬
‫منهاج الرتبية اإل سالمية ب سلكي التعليم الثانوي‬ ‫‪.9‬‬
‫ديداكتيك القيم لألســتاذ خالد البورقادي‪ .‬جملة‬ ‫‪.4‬‬
‫اإل عدادي وال تأهييل العمومي واخلصــويص‪ ،‬يونيو‬
‫النداء الرتبوي‪ ،‬العدد ‪ ،24-23‬السنة الثانية والعرشون‬
‫‪.2116‬‬
‫‪.2118‬‬
‫امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ‪ 1888‬ـ ‪.2118‬‬ ‫‪.8‬‬

‫مراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪10.‬‬ ‫‪"schoolbook",‬‬ ‫‪www.merriam-‬‬
‫‪webster.com,‬‬ ‫‪Retrieved‬‬ ‫‪15-7-2018.‬‬
‫‪Edited.‬‬
‫‪11. Chevallard, Yves et Joshua M. :‬‬
‫‪4792, Un exemple d’analyse de la‬‬
‫‪transposition didactique. La notion de‬‬
‫‪distance. Recherches en didactique des‬‬
‫‪mathématiques, vol.3. N2, p. 39.‬‬
236 0202‫للتربية‬
‫والتكوين‬ ‫المغربيةنونبر‬
– ‫األول‬ ‫المجلة‬
‫العدد‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

13. https://www.facebook.com/abdellah. 12. https://revues.imist.ma/index.php?jo


oulad.lhadj/posts/135495106661148https: urnal=ANIDAE-
//www.researchgate.net/publica14.tion.14 TARBAWI&page=article&op=view&pat
/341262322_bd_allh_bd_aldaym_mfkraa h%5B%5D=18168
‫‪237‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫والتكوينوالتكوين‬
‫في التربية‬ ‫المتخصصة‬
‫التربية‬ ‫المجلة‬
‫المتخصصة في‬ ‫المجلة‬

‫‪1‬‬

‫يتحدد ملمح متعلم نظام تعليمي ما من خالل نموذجه البيداغوجي الذي يعمل عىل ترصيف سياسة تربوية‬
‫حمددة مللمح املتعلم من خالل أنشطة ديدكتيكية‪ .‬وبذلك تتحدد إشكاليتنا يف صعوبة الربط بني األدب املمتع‬
‫األدب ترتبط‬ ‫(الديدكتيك) وبناء القيم املفيدة (امللمح)‪ .‬ولعل ذلك ما جعلنا نفرتض أن اإلفادة واإلمتاع يف تدري‬
‫يتيح االنفتاح لتبني مواطن اجلامل الفني ومكامن االختالف والوحدة احلضاريني‪.‬‬ ‫مقارن لألدب؛ تدري‬ ‫أكثر بتدري‬
‫النصوص األدبية‬ ‫ولذلك نسعى إىل تتبع ملمح املتعلم املغريب عرب اإلصالحات املتوالية من جهة‪ ،‬ومدى إسهام تدري‬
‫يف بناء هذا امللمح وإمكانية تعميق هذا البناء من خالل اختيار ديدكتيكي منفتح عىل اللغات واآلداب والثقافات‬
‫املختلفة من جهة أخرى‪.‬‬
‫األدب باعتبارها دعامة من دعامات منهاج تربوي‬ ‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬نقرتح الديدكتيك االلتقائية يف تدري‬
‫يطمح إىل بناء ملمح متعلم‪ /‬مواطن منفتح عىل اآلخر بمنطق التكافؤ‪ ،‬وواع بوضعيته ووضعية جمتمعه‪ ،‬ومتفاعل مع‬
‫نقدي‪ ،‬وغريها من املعطيات التي تص يف مرمى بناء شخصية متوازنة ومبدعة‪.‬‬ ‫مستجدات احلياة املعارصة بح‬
‫ووفق هذا التصور‪ ،‬يتوزع مقالتنا حموران‪ :‬أحدها ينبش يف ملمح املتعلم عرب مسار اإلصالحات الرتبوية‬
‫املختلفة‪ ،‬بينام يعرف الثاين بالنموذج الديدكتيكي االلتقائي الذي قد يكون أقرب إىل بناء ملمح متعلم متشبث بأصوله‬
‫ومنفتح عىل العامل‪.‬‬
‫‪ :‬الديدكتيك االلتقائية‪ -‬التخطيط العام‪ -‬األدب‪ -‬امللمح‪.‬‬

‫‪ -1‬أستاذ حمارض مؤهل‪ ،‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين‪ -‬بني مالل خنيفرة‬
‫‪238‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫اآلداب املختلفة لغة وثقافة بشكل يمكن‬ ‫ناجعة لتدري‬ ‫نقدم يف هذه الورقة نموذجا لديدكتيك األدب‬
‫املتعلم من الوعي بخصوصيته الثقافية من جهة‪ ،‬ويتفاعل‬ ‫الذي جيمع بني احلقل املعريف األديب يف أبعاده الثالثة‪:‬‬
‫مع الثقافات األخرى من منظور التكافؤ من جهة أخرى‪.‬‬ ‫نظرية األدب وتاريخ األفكار والنقد األديب‪ ،‬وديدكتيك‬
‫كام نسعى يف هذا النموذج الديدكتيكي إىل االنفتاح عىل‬ ‫القراءة الذي يضع خطوات منهجية وإجرائية لتدري‬
‫النصوص األدبية‬ ‫الفنون التعبريية األخرى يف تدري‬ ‫النص القرائي عامة والنص األديب بخاصة‪.‬‬
‫كالتلفزيون والسينام وغريها من الوسائط التي قد تشكل‬ ‫وسعيا إىل أجرأة هذه التصورات‪ ،‬نتقدم بتصور‬
‫دعامات موازية للنص األديب يف سبيل تطوير منظومة‬ ‫لديدكتيك األدب بشكل يكشف االرتباط اجلديل بني‬
‫القيم والرتبية عىل تذوق اآلداب والفنون‪.‬‬ ‫الرتبية والبيداغوجيا يف سياق ثقايف قيمي حمدد‪ ،‬عىل‬
‫وهذا ما نطمح إىل بسطه وفق حمورين كالتايل‪:‬‬ ‫اعتبار أن كل نموذج بيداغوجي مثايل لفرتة زمنية معينة‬
‫األدب بني إكراه السياسة الرتبوية وطموح‬ ‫‪ -4‬تدري‬ ‫هو‪ ،‬أوال وقبل كل يشء‪ ،‬صورة حلالة املجتمع يف تلك‬
‫البيداغوجي‪.‬‬ ‫األدب وفق منظور تقني يلغي أي‬ ‫احلقبة‪ .1‬إن تدري‬
‫‪ -2‬من الديدكتيك العام إىل ديدكتيك النص‪.‬‬ ‫األدب وفق‬ ‫حضور لبناء القيم‪ ،‬بينام يسهم تدري‬
‫‪.I‬‬ ‫منظور مجايل فني يف بناء القيم اإلنسانية املروجة من‬
‫خالله عرب آلية التحيني‪ ،‬وكذا املتضمنة يف بنيته من خالل‬
‫‪ -1‬ملمح املتعلم‪ /‬املواطن املغريب‬
‫تذوق اجلامل واالستمتاع بالقراءة‪.‬‬
‫تسعى السياسات الرتبية يف مجيع البلدان إىل بناء‬
‫وبناء عىل ذلك‪ ،‬نطرح آلية النقل الديدكتيكي‬
‫ف‪ .‬وســعيا إىل‬ ‫ملمح متعلم‪ /‬مواطن بشــكل مســتهدَ ٍ‬
‫للنص األديب من حيث االختيار وسياق اإلنتاج‬
‫أجرأة هذه ال غا يات‪ ،‬تع مل النظم الرتبو ية عىل رســم‬
‫وسياقات التلقي والسبل البيداغوجية واألنشطة‬
‫منهاج واضــح لتحقيق املواصــفات املطلوبة بشــكل‬
‫الديدكتيكية وغريها من املعطيات التي تسهم يف بناء‬
‫متدرج من املرامي إىل الكفايات إىل األهداف التعلم ية‪.‬‬
‫ديدكتيك التقائية‪ .‬إننا نطرح الديدكتيك االلتقائية كسبيل‬

‫‪1- Emile DURKHEIM, Education et sociologie, QUARIGE, P.U.F, Paris, 5éme éd, 1995, p 88.‬‬
‫‪239‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫حرضت (نسبيا) مشريات دالة عىل إنسان التقنية (رفع‬ ‫وإن إطاللة عىل تاريخ الفلســفات الرتبوية املغربية تقدم‬
‫املؤهالت املهنية لزيادة اإلنتاج) يف املخطط اخلام‪،‬ي‬ ‫لنا اســتنتاجا مفاده أن غاية األنظمة الرتبوية املتالحقة‬
‫(‪ ،)1892/1891‬ونلفي كذلك معطيات حمتشمة دالة‬ ‫عىل ا ملدرســـة املغرب ية كا نت تركز عىل ب ناء اإلنســـان‬
‫عىل اإلنسان العضوي الذي ال نجد له إحالة قوية جتعل‬ ‫املحافظ فقط‪ .‬فإذا أنعمنا النظر يف التخطيطات الرتبوية‬
‫من مفهوم العضوية مفهوما حقيقيا ال شكليا‪ ،‬يامثل‬ ‫التي أســســت للمدرســة املغربية احلديثة‪ ،‬نجد أن لوازم‬
‫غراميش ‪(Antonio‬‬ ‫أنطونيو‬ ‫عند‬ ‫مفهومه‬ ‫املواطن املحافظ كثرية ومتنوعة‪ .‬وهذا ما نتتبعه يف اآليت‪:‬‬
‫)‪.Gramsci‬‬ ‫‪ .4‬التخطيط اخلام‪،‬ي (‪:)1864/1861‬‬
‫وإذا كانت النظم الرتبوية هبذا االختالف وهبذا‬ ‫‪" -‬تكوين مواطن صالح (‪ )...‬ومهيأ لالندماج يف احلياة‬
‫الطابع التنظريي‪ ،‬فإهنا بحاجة إىل خطوات إجرائية من‬ ‫الوطنية"‪،‬‬
‫أجل تنزيل هذه التصورات بشكل فعيل داخل فصول‬ ‫‪" -‬املشاركة يف حتقيق املشاريع"؛‬
‫الدرس‪ .‬وهذا ما يستدعي التوسل بآلية الديدكتيك يف‬ ‫‪ .2‬املخطط الثالثي (‪" - :)1891/1829‬األصالة"؛‬
‫سياق تربية حديثة‪ .‬فام املقصود بالديدكتيك؟ وما دوره‬ ‫‪ .3‬املخطط اخلام‪،‬ي (‪" - :)1892/1891‬األصالة"؛‬
‫يف حتقيق أهداف الرتبية وبناء كفايات املتعلم يف الرتبية‬ ‫‪ .1‬ميثاق ‪" - :11891‬األصالة"؛‬
‫احلديثة؟‬ ‫‪ .5‬ميثاق ‪ - :21888‬املتصف باالستقامة والصالح‪-‬‬
‫‪ -2‬الرتبية واملجتمع بني التناظر والتجاوز‬ ‫التوفيق اإلجيايب بني الوفاء لألصالة والتطلع الدائم‬
‫تشكل الرتبية (‪ )L’éducation‬اإلطار‬ ‫للمعارصة؛‬
‫احلاضن جلميع األنشطة التعليمية ال َّت َعل ِمية التي يدبرها‬ ‫‪ .3‬الكتاب األبيض‪ -:3‬االستقاللية يف التفكري واملامرسة؛‬
‫األستاذ بيداغوجيا وديدكتيكيا‪ .‬ويف مقامنا البحثي‬ ‫(تغي كلمة أصالة باملطلق يف هذا املرجع)‪.‬‬
‫(الذي هو دراسة املؤلفات) يتم الرتكيز عىل أستاذ اللغة‬ ‫ومن ثمة‪ ،‬نالحظ أن الالزمة التي تكررت يف‬
‫العربية وأستاذ اللغة الفرنسية بصفتهام مشتغ َلني‬ ‫مجيع التخطيطات تنزع نحو بناء اإلنسان املحافظ‪ ،‬كام‬

‫‪ -2‬امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‪ ،‬أكتوبر ‪ ،4777‬ص‪.9 :‬‬ ‫‪ -1‬وردت نصوص من هذه املخططات الرتبوية يف كتاب "مدخل إىل‬
‫‪ -3‬الكتاب األبيض‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬يونبو ‪ ،2112‬ص‪.42 :‬‬ ‫الفلسفة الرتبوية" جلامع اجلغايمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 50‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪240‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫سلبا أو إجيابا عىل‬ ‫مكونات هذا الواقع البد وأن ينعك‬ ‫باملؤلفات الكاملة بالسلك التأهييل يف تقاطعاهتا املتعددة‬
‫أبعاد هذه الثقافة وعىل توجهاهتا الرئيسية"‪.2‬‬ ‫واملختلفة‪ .‬وحتقق أنشطة حتليل املؤلف األديب عامة‪،‬‬
‫إن التصور الذي ُقدم سلفا لينبني عىل مفهوم‬ ‫والرسدي بخاصة‪ ،‬جزءا مهام من غايات الرتبية‪ ،‬تلك‬
‫متجاوز للرتبية التي كانت وظيفتها حمصورة يف إعادة‬ ‫الغايات التي تنشد بناء ملمح مواطن الغد من خالل‬
‫اإلنتاج‪ .‬غري أن تطور البحث الرتبوي وتغري الظروف‬ ‫اكتسابه جمموعة من الكفايات األساس‪.‬‬
‫التارخيية واالجتامعية جعلت الرتبية تتجاوز عملية‬ ‫ومادام املواطن جزءا من املجتمع‪ -‬بمعنى أنه‬
‫التكيف التي تربطها بالواقع واحلارض فقط إىل عملية‬ ‫مشكل له ومتشكل فيه‪ -‬فإن املنتظر من الرتبية –يف‬
‫النقد والتفكر واستثامر ملكة العقل‪ .‬إن الرتبية احلديثة‬ ‫تصور أول‪ -‬هو بناء ثقافة مالئمة لثقافة املجتمع والتي‬
‫التي ننشدها تتوجه نحو املستقبل لالنعتاق من ربقة‬ ‫بدورها يمكن بناؤها بشكل دائم ومستمر‪ .‬وهذا ما أملح‬
‫اجلاهز والبحث عن الغائ بشكل غائي‪.3‬‬ ‫إليه الغايل أحرشاو يف قوله‪" :‬وعليه‪ ،‬فنحن ال نتصور‬
‫إن طبيعة التطورات املتالحقة‪ -‬بشكل متسارع‪-‬‬ ‫تنمية ثقافة الطفل العريب خارج مدار التنمية الثقافية‬
‫يف جمال االكتشافات العلمية والتكنولوجية‪ ،‬والتغيري‬ ‫العامة للمجتمع‪ ،‬ألن التنمية الثقافية املقصودة‪ ،‬تعد يف‬
‫املالزم للعوملة وللمعطيات التكنولوجية يف جمال القيم‪،‬‬ ‫تقديرنا الشخيص مرشوعا جمتمعيا ضخام‪ ،‬قوامه اكتشاف‬
‫لتدعو إىل تغيري مفهوم الرتبية لتغدو "الرتبية التي ينادي‬ ‫املوهبة الثقافية ورعايتها"‪ .1‬إن هذا التصور الذي قدمه‬
‫هبا الفكر الرتبوي املعارص ال تقترص عىل الرتبية الصيانية‬ ‫أحرشاو جيعل الرتبية تابعة لثقافة املجتمع‪ ،‬ال سابقة له‪.‬‬
‫(‪ )...‬ولكن الرتبية التي ينادي هبا هي "الرتبية التوقعية"‪،‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬يتحكم الواقع املجتمعي يف الرتبية بتوجيهها‬
‫التي تقوم أساسا عىل توقع ما يمكن أن حيدث‪ ،‬بغية‬ ‫نحو إعادة اإلنتاج يف ما يشبه دائرة مغلقة إلفراز القيم‬
‫تالفيه أو مقاومته أو تغيريه قبل أن يقع"‪.4‬‬ ‫والنامذج البرشية‪ .‬حيث يقر الباحث بأن "ال جدال يف أن‬
‫وهكذا فإن املفهوم اجلديد للرتبية جيعلها سابقة‬ ‫ثقافة األطفال جتمعها عالقة عضوية بواقع املجتمع‬
‫عىل ثقافة جمتمعية يراد بناؤها أو تطويرها من خالل‬ ‫واختياراته االجتامعية املختلفة‪ ،‬إذ إن أي حتول يف‬

‫‪ -3‬جامع جغايمي‪ ،‬مدخل إىل فلسفة الرتبية‪ ،‬السلسلة الرتبوية ‪،3‬‬ ‫‪-1‬الغايل أحرشاو‪ ،‬العلم والثقافة والرتبية‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪،‬‬
‫مطبعة رشوق‪ ،‬أكادير‪ ،‬ط‪ ،4773 ،4‬ص ‪.47 ،49‬‬ ‫الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2115 ،4‬ص ‪.39‬‬
‫‪-4‬جامع جغايمي‪ ،‬مدخل إىل فلسفة الرتبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪-2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪241‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫الوجودي أو اإلنسان العضوي‪ .4‬إنه حتول حتكم فيه‬ ‫فاعلية الفعل الرتبوي الذي سيخلق الفاعل االجتامعي‪.‬‬
‫البعد االختياري‪ ،‬كام حتكمت فيه مستجدات الواقع‬ ‫إنه التصور الذي عرب عنه روجي غارودي ( ‪Roger‬‬

‫وحتدياته‪.‬‬ ‫‪ )GARAUDY‬بقوله‪" :‬وأخص ما ينبغي أن ختتص به‬


‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن اإلنسان املحافظ هو‬ ‫تربية تليق بعرصنا هو أن جتعل اإلنسان يعي أن مهمته‬
‫الذي اشتغلت عليه الرتبية املتمحورة حول اإليامن‬ ‫كإنسان أن يشارك يف اخللق املستمر للعامل ويف التوليد‬
‫بالثوابت االجتامعية والدينية والسياسية وغريها‪ .‬أما‬ ‫اإلبداعي ملطلق جديد وأن فعله ال يكون إنسانيا حقا وال‬
‫إنسان التقنية فكان غاية الرتبية التي أوصلت البرشية إىل‬ ‫يمكنه من بلوغ ذروة احلياة إال إذا اجتمع اخللق اإلبداعي‬
‫احلداثة يف بعدها املادي‪ .‬فيام كان اإلنسان الوجودي غاية‬ ‫والعمل السيا‪،‬ي واحل واإليامن لديه يف فعل واحد"‪.1‬‬
‫الرتبية التي أفرزت احلداثة الفكرية‪ .‬وأخريا‪ -‬ولي‬ ‫نستنتج مما سبق أن الرتبية ترتبط أشد االرتباط‬
‫آخرا‪ -‬ظهر اإلنسان العضوي كإفراز لرتبية أرادت له أن‬ ‫بمعطى الغايات؛ إذ إن كل نموذج بيداغوجي مثايل لفرتة‬
‫يكون فاعال يف املجتمع‪ ،‬ال سلبيا ومستهلكا‪ .‬إهنا تربية‬ ‫زمنية معينة هو‪ ،‬أوال وقبل كل يشء‪ ،‬صورة حلالة‬
‫تدعو إىل وعي شبيه بالوعي الـ"ما بعد حداثي"‪ .‬إنه‬ ‫املجتمع يف تلك احلقبة‪ .2‬وبذلك تكون العالقة بينهام‬
‫نقدي يف قراءة النصوص والبحث‬ ‫الوعي املبني عىل ح‬ ‫عالقة جدلية‪ ،‬عىل اعتبار أن "كل نظام تربوي (‪)...‬‬
‫عن مظاهر املراوغة فيها‪ ،‬وكذا صيغ اهليمنة والتنميط يف‬ ‫صورة من جمتمع ومرشوع له"‪ .3‬غري أن ما نالحظه يف‬
‫متثل واع للعالقة اجلدلية بني الثقافة من جهة والنص‬ ‫منظومتنا الرتبوية هو أن ملمح اإلنسان الذي تستهدفه‬
‫وصاحبه من جهة أخرى‪.‬‬ ‫الرتبية ظل واحدا‪ ،‬مل يتغري بالرغم من تغري املعطيات‬
‫االجتامعية والتارخيية وغريها‪ .‬فإذا كانت الرتبية غائية‬
‫فإن غاياهتا اختلفت‪ -‬غربيا‪ -‬عرب التاريخ بني تربية‬
‫توصل إىل اإلنسان املحافظ أو إنسان التقنية أو اإلنسان‬

‫‪ -3‬روجي غارودي‪" ،‬الرتبية وأزمة القيم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪ -1‬روجي غارودي‪" ،‬الرتبية وأزمة القيم"‪ ،‬ترمجة توفيق بكار‪ ،‬جملة‬
‫‪ -4‬جامع جغايمي‪ ،‬مدخل إىل فلسفة الرتبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫املتلقي‪ ،‬عدد ‪ ،2111 ،3/5‬ص ‪.57‬‬
‫‪2 -Emile DURKHEIM, Education et sociologie,‬‬
‫‪QUARIGE, P.U.F, Paris, 5éme éd, 1995, P 88.‬‬
‫‪242‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫وكذا طبيعة الفضاء املعد لتدبري أنشطتها التعليمية‬ ‫‪.II‬‬

‫التعلمية‪.‬‬
‫‪ -1‬الديدكتيك ‪ ..‬املفهوم واألنواع‬
‫إن املعطيات السالف ذكرها‪ ،‬جتعل مواد‬
‫لقد تعددت تعريفات الديدكتيك بتعدد‬
‫خمتلفة يف طرائق تدريسها‪ .‬وعليه يكون‬ ‫التدري‬
‫املفاهيم‬ ‫املرجعيات واملقاربات الرتبوية‪ .‬غري أن أغل‬
‫الديدكتيك بصيغة اجلمع؛ أي ديدكتيك كل مادة أو قط‬
‫مادة من املواد‬ ‫تعترب الديدكتيك طريقة يف تدري‬
‫من املواد املنسجمة مع بعضها‪ .‬وقد عرف إيف‬
‫املدرسية وفق حاجيات املتعلمني فيها‪ ،‬وخصوصيتها‬
‫روتر)‪(Yves REUTER‬الديدكتيك كالتايل‪" :‬يمكن‬
‫االشتغال بطرائق‬ ‫ووضعياهتا التعلمية التي تتطل‬
‫تعريف الديدكتيكات‪ ،‬يف مقاربة أوىل‪ ،‬بأهنا ختصصات‬
‫التواصل والتنشيط‪ ،‬وبتدبري الزمان والفضاء وأنامط‬
‫بحث يف حتليل املضامني (املعارف‪ ،‬معارف الفعل‪)...‬‬
‫التقويم‪ ،‬وتستلزم التوظيف املالئم للوسائل واألسالي‬
‫باعتبارها مواضيع تعليم وتعلم تتعلق بمواد دراسية" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لألهداف التعلمية‬ ‫الديدكتيكية‪ ،‬والتحديد املناس‬


‫يعد الديدكتيك إذن منهجا بحثيا يعمل عىل‬
‫واالختيار السليم ملحتوى التعلم‪.1‬‬
‫املوارد الدراسية باعتبارها موارد للتعليم والتعلم‪ .‬وهذا‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬نستشف أن فاعلية‬
‫هذا احلقل املعريف سمة الوساطة بني املعرفة‬ ‫ما يكس‬
‫التنظيمية للامدة‬ ‫خمتلف اجلوان‬ ‫الديدكتيك تالم‬
‫(املضامني) العاملة واملعرفة املتعلمة (موضوع تعليم‬
‫املعرفية أو املوارد التعلمية بشكل يربط موضوع التعلم‬
‫وتعلم)‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون لفاعلية النقل الديدكتيكي‪،‬‬
‫وعنارصه‪ ،‬سواء أكان معرفة أم قدرة أم مهارة أم موقفا‬
‫الذي سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬أمهية قصوى يف ولوج العملية‬
‫أم سلوكا بأهدافه التعلمية‪ .‬ويمر هذا الربط عرب تقنيات‬
‫الديدكتيكية باعتبارها "عملية تنطلق من األهداف‬
‫تنشيط بيداغوجية تنسجم وطبيعة املقطع الديدكتيكي‪،‬‬
‫لتصور وختطيط وتنفيذ وضعيات التعليم والتعلم قصد‬
‫كام تتالءم واحليز الزماين املخصص للحصة الديدكتيكية‪،‬‬
‫التمكن من بلوغ األهداف املحددة" ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -3‬عبد اللطيف الفاريب وآخرون‪ ،‬معجم علوم الرتبية‪ ،‬سـلسـلة علوم‬ ‫‪1 - G. et J. PATIAUX, Précis de pédagogie",‬‬
‫‪coll :Repères pratique, éd: NATHAN, Paris,‬‬
‫الرتبية ‪ ،41-7‬دار اخلطايب للطباعة والنرشــ‪ ،‬الدار البيضـــاء‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫‪1997, P87 .‬‬
‫‪2 - Yves REUTER, « Didactique », in :‬‬
‫‪ ،4771‬ص ‪.7‬‬
‫‪dictionnaire des concepts fondamentaux des‬‬
‫‪didactiques, de Boeck, Bruxelles, 2éme éd,‬‬
‫‪2010, P 69‬‬
‫‪243‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫‪ -)4‬طريقة انتقاء املعارف املراد تدريسها‪ ،‬وما يرتت‬ ‫وإذا كان الديدكتيك خيتص بكل مادة من املواد‬
‫عنها من خطر التلفيق الذي قد جيعلها غري منسجمة‪،‬‬ ‫الدراسية‪ ،‬فإن درجة البحث يف سبل تعميق آلياته بني‬
‫ومفصولة عن شبكتها املفهومية‪.‬‬ ‫مادة وأخرى ختتلف لعدة اعتبارات‪ ،‬منها ما يعود إىل‬
‫‪ -)2‬جتريد املعارف ونزعها من إطارها السوسيوثقايف‪.‬‬ ‫املنشأ‪ ،‬حيث إن األصل الغريب يف تلقي الديدكتيك عربيا‬
‫الربجمة‬ ‫‪ -)3‬برجمة املعرفة املراد تدريسها‪ ،‬حيث تتطل‬ ‫جعل املواد العلمية واللغة الفرنسية حتفل بتطور كمي‬
‫منهاجا خطيا‪ ،‬فيام تتسم املعرفة العلمية بالتشكل‬ ‫وكيفي للدراسات املشتغلة بديدكتيكاهتا‪ .‬كام أن‬
‫الرتكيبي‪.‬‬ ‫االختالف موجود داخل مكونات املادة الواحدة‪ ،‬حيث‬
‫‪ -)1‬نمط توزيع املعارف‪ ،‬حيث تسهم طريقة التوزيع يف‬ ‫تم االهتامم باملكون اللغوي أكثر من االهتامم باملكون‬
‫رؤى نمطية خاطئة وبعيدة عن الوقائع العلمية‪.4‬‬ ‫تكري‬ ‫املادة الدراسية‪ .‬وهذا ما دفع بعض‬ ‫األديب يف نف‬
‫وإذا كانت املعطيات السابقة متعلقة بطبيعة‬ ‫الباحثني إىل البوح بذلك واخلوض يف ديدكتيك لألدب‬
‫املعرفة وإكراهات بناء املنهاج الدرا‪،‬ي‪ ،‬فإن معطيات‬ ‫لتجاوز النقص احلاصل فيه‪.1‬‬
‫أخرى تتعلق باملتعلم الذي ختتلف استعداداته عن‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ -3‬التحويل املدر‪،‬ي‬
‫استعدادات املتلقي املتخصص يف موضوع املعرفة‬ ‫وظف التحويل الديدكتيكي أو النقل‬
‫املقدمة‪ .‬فالتالميذ "ال حيملون كل املكتسبات السابقة‪،‬‬ ‫الديدكتيكي من لدن العديد من الباحثني منذ سبعينيات‬
‫سواء أكانت معارف أساس أم جتارب شخصية‪ ،‬من أجل‬ ‫القرن العرشين‪.3‬وقد ارتبطت يف البداية باملواد العلمية‬
‫توظيف العنارص املساعدة عىل خلق مشكل أو‬ ‫التي تنبني عىل نظريات علمية عاملة؛ إذ كانت حال حمتمال‬
‫لصعوبات نقل النظرية من أصوهلا العلمية إىل بيئة‬
‫مدرسية‪ .‬ومن تلك الصعوبات‪/‬اإلكراهات‪:‬‬

‫‪ -3‬ظ هر ا مل ف هوم مع جم مو عة من األ عالم‪ ،‬و م ن هم‪)4795( :‬‬ ‫‪ -1‬من أبرزهم جوسلني جياسون(‪ ).J. Giasson‬التي اهتمت‬
‫و(‪)4772‬‬ ‫‪ ،"M‬و(‪،"Chevallard" )4795‬‬ ‫"‪.Verret‬‬ ‫باملوضوع وخصصت له عدة دراسات ومؤلفات أبرزها كتاب‬
‫"‪ ،"Develay‬و(‪ ،"Astofi" )4779‬و(‪."Jonnaert" )4777‬‬ ‫"القراءة" الذي سبق أن أحلنا إليه‪.‬‬
‫‪4 - Jean-Claude VERHAEGHE, José luis‬‬ ‫‪ -2‬ســبق التفصــيل يف هذا املفهوم يف مقال ســابق صــادر عن جملة‬
‫‪WOLFS,‬‬ ‫‪Xavier‬‬ ‫‪SIMON,‬‬ ‫‪Dominique‬‬
‫‪COMPERE, Pratiquer l’épistémologie, De Boeck‬‬ ‫الديدكتيك يف عددها األول سنة ‪.0000‬‬
‫‪et Larcier. s .a,1ére édition, 2004,P 71.‬‬
‫‪244‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ما يرتبط بطبيعة املادة املعرفية املستندة عىل فاعلية التخييل‬ ‫حله‪.1‬واألمر نفسه يطرح يف موضوع اشتغالنا‪ ،‬من حيث‬
‫واللغة اإلحيائية‪ ،‬فضال عن طبيعة توزيعها يف املنهاج‬ ‫استهداف املناهج النقدية القراء العاملني من ذوي اخلربة‪،‬‬
‫الدرا‪،‬ي‪ ،‬واختالف سياقات تلقيها من حيث املعطيات‬ ‫القراء املبتدئني‪ /‬املتعلمني‪ .‬وذلك ما يفرض‬ ‫ولي‬
‫الزمانية والثقافية التي ختتلف باختالف املتعلمني‪ .‬وإذا‬ ‫تطويع املناهج لتالئم هذا املعطى‪.‬‬
‫األدب حمورا جوهريا حيقق أهدافا تعلمية‬ ‫كان تدري‬ ‫وهكذا‪ ،‬يرتبط النقل الديدكتيكي بإكراهات‬
‫خمصوصة‪ ،‬فكيف السبيل للوصول إىل ديدكتيك جيرس‬ ‫يعود بعضها إىل طبيعة املعرفة‪ ،‬ويعود البعض اآلخر إىل‬
‫اهلوة بني سياقات تلقي األدب؟‬ ‫طريف النقل الديدكتيكي سواء أكان مهندس املنهاج أم‬
‫وبذلك نلفي أن األدب كامدة معرفية يرتبط‬ ‫األستاذ أم املتعلم‪.‬‬
‫بسياق قراءته‪ .‬فالدراسة األكاديمية لألدب ختتلف عن‬ ‫لقد شكل النقل الديدكتيكي أكثر من إكراه‬
‫القراءة احلرة‪ ،‬وعن القراءة املدرسية؛ ذلك أن األدب يف‬ ‫بالنسبة للبعض؛ حيث ذهبوا إىل كونه‪ -‬يف جمال األدب‪-‬‬
‫األوساط األكاديمية يتناول بمنهج علمي وبجهاز‬ ‫بمثابة تناقض أو مفارقة كامنة بني األدب العامل واألدب‬
‫مفهومي خاصني‪ .‬وإذا ما عدنا إىل هذا املنهج العلمي‬ ‫املتعلم‪ .‬وهذا ما يقره روالن بارت ( ‪Roland‬‬
‫الرصامة املنهجية للوصول إىل نتائج‬ ‫نجد أنه يلتم‬ ‫‪ )BARTHES‬يف قوله‪" :‬يوجد تناقض عميق وغري‬
‫أقرب ما تكون إىل العلمية بالنسبة ملوضوع األدب‪ .‬وهذا‬ ‫قابل للتجاوز بني األدب كمامرسة واألدب كتعليم‪ .‬هذا‬
‫ما تعاقبت املناهج عىل فعله منذ املناهج "اخلارجية"‪،‬‬ ‫التناقض كبري الرتباطه باملشكل األكثر خطورة اليوم‪ ،‬أال‬
‫باعتبارها تركز عىل خارج النص سواء أكان تارخيا أم‬ ‫وهو مشكل التحويل الديدكتيكي"‪.2‬‬
‫جمتمعا أم تركيبة نفسية‪ ،‬والتي هيمنت عىل احلقل النقدي‬ ‫يبدو إذن أن ما ذهبت إليه جوسلني جياسون‬
‫منذ (ق ‪ ،)18‬مرورا باملناهج النصية التي تلمست‬ ‫(‪ )Giasson Jocelyne‬بخصوص ندرة الدراسات‬
‫العلمية يف بنية العمل الداخلية أو شكله الفني أو إطاره‬ ‫األدب‪ ،‬جيد مسوغه يف صعوبة ما يرافقه‬ ‫املتعلقة بتدري‬
‫السيميائي‪ ،‬ووصوال إىل املناهج ما بعد النصية حيث‬ ‫من نقل ديدكتيكي أو ماسامه بارث بالتناقض العميق‪ .‬إنه‬

‫‪2 -Roland BARTHES, "Réflexion sur un‬‬ ‫‪1 - Jean-Claude VERHAEGHE, José luis‬‬
‫‪manuel",in: L’enseignement de la littérature,‬‬ ‫‪WOLFS,‬‬ ‫‪Xavier‬‬ ‫‪SIMON,‬‬ ‫‪Dominique‬‬
‫‪Hermann,Paris,2012, P 176 .‬‬ ‫‪COMPERE, Op.Cit, P 70.‬‬
‫‪245‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ذلك املعطى من املدرس حتويل املعرفة‬ ‫يتطل‬ ‫أعيد النظر يف مفهوم املنهج واحلداثة‪ ،‬فتم التنبيه إىل‬
‫العاملة إىل معرفة متعلمة‪ .‬إنه حتويل ذو حدين‪ :‬أحدمها‬ ‫فاعلية التفكيك ورضورة مراجعة مفهوم التاريخ‬
‫املعرفة من‬ ‫إجيايب واآلخر سلبي؛ فقد يسهم يف تقري‬ ‫والثقافة وغريمها‪ .‬وباختالف هذه املناهج خيتلف‪،‬‬
‫ذهن املتعلم ذي القدرات العقلية املالئمة ملرحلته‬ ‫كذلك‪ ،‬اجلهاز املفهومي املعتمد يف كل منها‪ .‬وبالتايل‬
‫العمرية وسياق تلقيه للنص‪ ،‬كام أنه قد يسهم‪ ،‬يف املقابل‪،‬‬ ‫ختتلف نتائجها كذلك‪ .‬غري أن أهم ما يسم هذه املناهج‬
‫يف تشويه تلك املعرفة األدبية ومتنها وبرتها عن سياقه‬ ‫هو سريورة ظهورها التي تؤرش عىل طابع النسبية‬
‫الدال‪ .‬وهذا ما يتحقق يف اجتاهني‪ :‬أحدمها‪ ،‬هيتم‬ ‫والرغبة يف جتاوز نواقص السابق منها‪ .‬إهنا نسبية نحتاج‬
‫بالشكل‪ ،‬فيحول الدراسة إىل هياكل مفصولة عن‬ ‫األدب كام سنشري إىل‬ ‫إليها خللق منظور جديد لتدري‬
‫الداللة‪ ،‬وثانيهام‪ ،‬حييل الدراسة إىل رسد للوقائع التارخيية‬ ‫ذلك يف حمور الحق‪.‬‬
‫واالجتامعية‪ ،‬يف انفصال عن الداللة النصية "فكلام كان‬ ‫وإذا كان اجلان األكاديمي كذلك‪ ،‬فإن اجلان‬
‫موضوع املعرفة موجها نحو املستويات الدنيا من‬ ‫املدر‪،‬ي بدوره يتخذ لنفسه منهجا وجهازا مفهوميا‬
‫التعليم‪ ،‬فإن التغيريات التي تلحقه أثناء النقل‬ ‫خاصني؛ إذ خيضع لضوابط املنهاج الدرا‪،‬ي من حيث‬
‫الديداكتيكي تكون كبرية"‪ .2‬إن ذلك ما جيعلنا أمام‬ ‫الكفايات املستهدفة والوسائل واملحتويات واألسالي‬
‫إشكالية طريقة تعامل املدرسة وديداكتيك النصوص مع‬ ‫وأنشطة التقويم‪...‬الخ‪ .‬ويبقى اجلهاز املفهومي‪-‬‬
‫النص الرسدي وفق اختيارات الوزارة الوصية‪ .‬يتعلق‬ ‫كذلك‪ -‬خاضعا هلذا املنهاج ولعملية النقل الديداكتيكي‬
‫األمر باختيار منهجية املنظورات الستة‪.‬‬ ‫) ‪ ،(La transposition didactique‬وهي العملية‬
‫لقد تم االعتامد يف املدرسة املغربية‪ ،‬عىل قراءة‬ ‫التي يتم هبا االنتقال باملعارف من مستوى معارف‬
‫منهجية للنصوص عامة‪ ،‬وللنص الرسدي خاصة‪.‬‬ ‫أكاديمية ينتجها خمتصون إىل مستوى معرفة قابلة للتعلم‬
‫فالقراءة املنهجية للنص الروائي تستند إىل املنظورات‬ ‫والتعليم ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الستة "لفياال" و"شميث"‪ ،‬والتي تعتمد املراحل‬

‫‪-2‬عيل آيت أوشن‪ ،‬األدب والتواصل‪ :‬بيداغوجيا التلقي والنتاج‪ ،‬دار‬ ‫‪ -1‬عبد اللطيف الفاريب وآخرون‪ ،‬معجم علوم الرتبية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫أيب رقراق‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪ ،2117 ،4‬ص ‪.39‬‬ ‫ص ‪.351‬‬
‫‪246‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫للتوسل بآلية للوساطة بني املعرفة العاملة واملعرفة‬ ‫املنهجية الكربى املدرجة كالتايل‪ :‬قراءة توجيهية وقراءة‬
‫املتعلمة‪ ،‬وهي آلية "النقل الديدكتيكي"‪.‬‬ ‫حتليلية وقراءة تركيبية‪ .‬غري أن حتليل ممارساهتا القرائية‬
‫إن ما تسمى يف الرتبية احلديثة بـ"الرتبية‬ ‫تؤول إىل مقاربة ثالثية للموضوع املدروس من حيث‬
‫تشاركية" تستدعي أسلوبا ديدكتيكيا نوعيا يف التخطيط‬ ‫الدوال واملدلوالت والتداوليات‪.‬‬
‫والتدبري‪ .‬وهذا ما نعتزم تقديمه يف إطار الديدكتيك‬ ‫‪ -2‬ديدكتيك النص‪ ..‬ديدكتيك التقائية‬
‫االلتقائية التي ستسعف يف ترصيف االختالفات‬ ‫الديدكتيك بناء خطة منهجية يف‬ ‫يتطل‬
‫والتشاهبات بمنطق املقارنة التداولية التي تراعي سياقات‬ ‫التخطيط للمراحل وتدبري أنشطتها وتقويمها‪ .‬وذلك ما‬
‫اإلنتاج والتلقي معا‪ .‬فكيف نبني هذه الديدكتيك‬ ‫املوارد‪ .‬ومادام‬ ‫يؤرش عىل رضورة وجود وعي يف تدري‬
‫املقارنة؟‬ ‫موضوع اشتغالنا هو النص الرسدي‪ ،‬فإننا مطالبون‬
‫تعد الديدكتيك املقارنة حماولة للتوليف بني‬ ‫بإقرار قراءة منهجية تراعي التوجيهات الرتبوية من جهة‪،‬‬
‫الديدكتيكات املختلفة من خالل بيان نقط االئتالف‬ ‫وتقدم إغناء مبنيا عىل مستجدات احلقلني املتدخلني يف‬
‫بينها‪ .‬واملقصود هبا هو املقارنة بني ديدكتيكات املواد‬ ‫ديدكتيك األدب من جهة أخرى؛ أي النقد األديب‬
‫الدراسية املختلفة‪ .‬غري أن ما نطمح له هو الوصول‪ -‬عرب‬ ‫وديدكتيك القراءة‪ .‬فأما األول‪ ،‬فإننا نعول فيه عىل‬
‫الديدكتيك املقارنة‪ -‬إىل ديدكتيك تولف بني العربية‬ ‫مستجدات الدراسات الثقافية املقارنة كامتداد للدرس‬
‫األدب نفسها‪ .‬فإذا كانت‬ ‫والفرنسية يف مادة تدري‬ ‫املقارن‪ .‬وأما الثاين‪ ،‬فإننا نعتمد فيه عىل الدراسات‬
‫"الديدكتيك املقارنة مرشوع بحث حديث هيدف إىل‬ ‫الديدكتيكية املقارنة يف جمايل ديدكتيك األدب وديدكتيك‬
‫خلق حوار بني ديدكتيكات املواد الدراسية‪ ،1‬فإهنا‬ ‫اللغات‪ ،‬حماولني االستفادة من مستجدات ديدَ كتيك‬
‫ستوصل إىل "ديدكتيك األدب" وإىل ديدكتيك‬ ‫اللغات ومنها الديدكتيك االلتقائية‪ ،‬نموذجا‪ ،‬قصد‬
‫النصوص الرسدية بخاصة يف خمتلف اللغات‪.‬‬ ‫توظيفها يف ديدكتيك األدب‪ .‬ووعيا منا بالفرق بني وعي‬
‫القارئ املتخصص والقارئ‪ /‬التلميذ‪ ،‬فإننا بحاجة‬

‫‪1-Bertrand DAUNAY, « Didactique comparée »,‬‬


‫‪in : Dictionnaire des concepts fondamentaux des‬‬
‫‪didactique, op.cit, p75.‬‬
‫‪247‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫جمملها إىل التفاعالت األربعة التي بسطها حممد مفتاح‪.3‬‬ ‫ننطلق يف بناء ديدكتيك النص الرسدي من دعوة‬
‫ويمكن متثلها تربويا كالتايل‪:‬‬ ‫باجو التي ركز فيها عىل رضورة متكن أستاذ األدب‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التمثل‪ :‬حيث ُيتَاح للمتعلم أن يترشب القيم اجلديدة‬ ‫الفرنيس من أدب أجنبي آخر‪ .‬وتلك دعوة حتمل من‬
‫من منطلق كوهنا حسا إنسانيا مشرتكا‪ ،‬وتظهر يف قيم‬ ‫روح االنفتاح ما حتمله الدعوة إىل "نظرية عامة مقارنة"‪.‬‬
‫والندم والغرية‪ ،‬كام يف العالقات اإلنسانية‬ ‫احل‬ ‫ومن أجل املسامهة يف بناء مفهوم "األدب العام"‪ ،‬نرى‬
‫كعالقات األرسة واحلي‪ ،‬وأيضا يف احلاالت اإلنسانية‬ ‫أن املبحث الديدكتيكي الذي ندافع عنه يشكل عنرصا‬
‫كالغنى والفقر وغريها من املعطيات املوجودة يف كل‬ ‫مهام يف سريورة متثل النظرية العامة املقارنة‪.‬‬
‫املجتمعات البرشية‪.‬‬ ‫االلتقائي حيفز األستاذ‬ ‫ومن خالل التدري‬
‫‪ -‬التكيف‪ :‬إذ متثل هذه الوضعية مناسبة إلغناء‬ ‫النقدي يف مقاربة النصوص من‬ ‫املتعلمني لتشغيل احل‬
‫املكتسبات وجتديدها؛ حيث يتكيف املتعلم املغريب مع‬ ‫خالل تفعيل قدرات املالحظة والتحليل والتمييز‬
‫مسيحية عىل غرار املذاه‬ ‫معرفة وجود مذاه‬ ‫واملقارنة والرتكي والتقويم‪ .‬وال تتحقق هذه القدرات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أو معرفة طبيعة العالقات االجتامعية املحيطة‬ ‫إال يف ارتباط بمحتوى أديب ما‪ ،‬أو بنص رسدي بخاصة‪.‬‬
‫بالزواج بني النبالء والعامة أو بني األغنياء والفقراء‪.‬‬ ‫ولذلك نقرتح عىل األستاذ ما أشار إليه عبد القادر غالل‬
‫‪ -‬التحصن‪ :‬ويظهر هذا التفاعل كنوع من التحفظ عىل‬ ‫يف قوله‪" :‬حيفز األستاذ اللقاء واحلوار بني الثقافات‬
‫معطى ثقايف جديدة وخمتلف اختالفا جذريا عن‬ ‫املختلفة عرب اقرتاح‪ -‬عند االقتضاء‪ -‬نصوص مكتوبة‬
‫املعطيات الثقافية للمتعلم؛ أي دخول نسقني ثقافيني يف‬ ‫بالفرنسية من لدن كتاب مغاربيني أو أجان "‪ .2‬وبناء‬
‫حالة تعارض كام هو الشأن بالنسبة للتعارض بني حد‬ ‫عىل هذا التواصل تظهر أنواع التفاعل مع املعطى‬
‫القاتل ومناهضة عقوبة اإلعدام‪ ،‬وبني الدعوة إىل التحرر‬ ‫اجلديد‪ -‬خاصة يف املؤ َّلف الفرنيس‪ -‬والتي تعود يف‬
‫وغريها‪.‬‬ ‫يف التفكري واجلن‬

‫‪ -3‬حممد مفتاح‪ ،‬مشكاة املفاهيم‪ :‬النقد املعريف واملثاقفة‪ ،‬املركز الثقايف‬ ‫‪ -1‬وردت هذه الدعوة يف كتابه "األدب العام املقارن"‪ ،‬وسنورد قوال‬
‫العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2111 ،4‬ص ‪.435 -431 -433‬‬ ‫له يرصح بذلك ويؤكده فيام ييل من املحور‪.‬‬
‫‪2-Abdelkader GHELLAL, Didactique de la littérature‬‬
‫‪et des textes littéraires,Op.Cit,p56.‬‬
‫‪248‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إقرار فيه بتفوق أدب عىل آخر‪ .‬إن الديدكتيك الذي‬ ‫‪ -‬التطرف‪ :‬يصل التطرف حد اإلعالن عن الرفض‬
‫نسعى إليه ليحتفي بنقط التقاطع كام حيتفي بنقط‬ ‫االكتفاء بعدم التفاعل‬ ‫املطلق للمعرفة اجلديدة‪ ،‬ولي‬
‫االختالف بني اآلداب والثقافات املختلفة‪.‬‬ ‫معها أو التحفظ بخصوصها؛ إذ تظهر تعارضا عميقا مع‬
‫إن اختاذ الديدكتيك قناة لقراءة األدب وإقرائه‬ ‫أصول الثقافة املستقبلة‪ .‬ومثاله ما يظهر يف التصادم بني‬
‫يشكل أسلوبا أعمق أثرا من القراءة احلرة لألدب‪ .‬ذلك‬ ‫االعتقاد باهلل واالعتقاد بمركزية اإلنسان فقط‪.‬‬
‫أن ما يتيحه الديدكتيك من إمكانات خلق جدل معريف‬ ‫وإذا كان باجو يدعو األستاذ الفرنيس الذي‬
‫وبناء داليل وانفتاح فكري يشكل مكسبا ملن أراد لغاية‬ ‫يدرس األدب الفرنيس إىل اإلملام باآلداب األجنبية من‬
‫األدب أن تتجسد يف الواقع‪ .‬وهذا ما أبرزته جوسلني‬ ‫أجل توسيع آفاق عمليته التعليمية التعلمية‪ ،‬فإننا ندعو‪،‬‬
‫جياسون (‪ )Jocelyne Giasson‬يف قوهلا‪" :‬يفتح‬ ‫بدورنا‪ ،‬األستاذ املغريب الذي يدرس اآلداب العربية إىل‬
‫األدب‪ ،‬كذلك‪ ،‬الروح أمام التعددية الثقافية‪ ،‬مظهرا أننا‬ ‫االطالع عىل اآلداب األجنبية‪ ،‬والفرنسية بخاصة‬
‫نجرب مشاعر وانفعاالت متامثلة‪ ،‬كيفام كانت أصولنا‪،‬‬ ‫لتحقيق أهداف متعددة تتجاوز أهداف األول‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫مربزا ما ختتص به كل جمموعة" ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -)4‬توسيع مدارك املتعلمني وقدرهتم عىل الربط بني‬
‫يظهر إذن أن دور األدب مهم يف نامء الكفايات‬ ‫اآلداب‪.‬‬
‫الثقافية واملنهجية والتواصلية‪ .‬ولعل أهم ما حيفز املتعلم‬ ‫‪ -)2‬خلق نوع من التكامل أو النسقية مع مادة اللغة‬
‫الكتساب ذلك هو التعامل املمكن مع نص طويل‬ ‫الفرنسية وآداهبا كواقع مقرر باملدرسة املغربية‪ ،‬عىل‬
‫ومكتمل‪ ،‬ووجود تنسيق بني مدر‪،‬ي األدب العريب‬ ‫ما هو مقرر باملدرسة الفرنسية‪.‬‬ ‫عك‬
‫واألدب الفرنيس يف اختيار النصوص من جهة‪ ،‬ويف‬ ‫‪ -)3‬معاجلة مركبات التوفق أو عقد النقص التي قد‬
‫اللتني يشتغالن هبا من‬ ‫بني منهجيتي التدري‬ ‫التقري‬ ‫مترر‪ -‬باخلطأ‪ -‬يف مواد دراسية أخرى‪.‬‬
‫جهة أخرى‪ .‬وهذا ما سنعمل عىل اقرتاحه كمحاولة‬ ‫وإذا كنا ندعو إىل هذا التكافؤ يف التعامل مع‬
‫منهجية تنطلق من حيث التوجيهات املذيلة لدراسة‬ ‫اآلداب الوطنية أو القومية داخل املدارس الوطنية‪ ،‬فإن‬
‫عباس الصوري التي دعا فيها إىل خلق تقارب بني‬ ‫ذلك ينطلق من منطلق خلق لقاء أو حوار متكافئ ال‬

‫‪1-Jocelyne GIASSON ,La lecture : de la théorie à la‬‬


‫‪pratique, coll: outils pour enseigner, De Boeck,‬‬
‫‪Bruxelles 2005,4 éme tirage, 2010, p277.‬‬
‫‪249‬‬ ‫العدد األول – نونبر ‪0202‬‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫إليها هي تربية التغيري والكونية واإلبداع والتكامل‬ ‫منهجيتي مادة العربية ومادة الفرنسية‪ ،‬مؤكدا عىل‬
‫واالستباق‪ ،‬ال تربية املحافظة واالنغالق والتقليد‬ ‫النصوص العربية‬ ‫رضورة إغناء منهجية تدري‬
‫والتخصص وإعادة اإلنتاج‪.‬‬ ‫النصوص‬ ‫باملستجدات التي تعمل وفقها منهجية تدري‬
‫ولعل تقديمنا لنموذج مقاربة النص الرسدي املنتمي‬ ‫الفرنسية؛ حيث ذه الباحث إىل "رضورة إعادة النظر‬
‫إىل ثقافتني من حيث البناء الديدكتيكي املوحد وتفاعل‬ ‫النصوص األدبية يف شعبة اللغة‬ ‫يف منهجية تدري‬
‫القيم الثقافية بني االتصال واالنفصال‪ ،‬خري دليل عىل‬ ‫العربية‪ ،‬وذلك بمراعاة املستجدات النقدية واملحافظة يف‬
‫أمهية هذا النشاط الرتبوي بيداغوجيا وديدكتيكيا يف بناء‬ ‫الوقت نفسه عىل الطابع البيداغوجي للدرس األديب يف‬
‫مواصفات املتعلم املنصوص عليها يف املنهاج‪.‬‬ ‫املدرسة حتى حتافظ عىل وظيفتها احلقيقية ‪ .‬ووفق هذا‬
‫‪1‬‬

‫التصور املقارن‪ ،‬نجد أن الديدكتيك االلتقائية قد تستثمر‬


‫درس العلوم‬ ‫األدب‪ ،‬لتالم‬ ‫فيام هو أبعد من تدري‬
‫كذلك‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق أن الديدكتيك االلتقائية يف‬


‫درس األدب قد متثل دعامة من دعامات منهاج تربوي‬
‫يطمح إىل بناء ملمح متعلم‪ /‬مواطن منفتح عىل اآلخر‬
‫بمنطق التكافؤ‪ ،‬وواع بوضعيته ووضعية جمتمعه‪،‬‬
‫نقدي‪،‬‬ ‫ومتفاعل مع مستجدات احلياة املعارصة بح‬
‫وغريها من املعطيات التي تص يف مرمى بناء شخصية‬
‫متوازنة ومبدعة وقادرة عىل التغيري‪ .‬إن الرتبية التي نسعى‬

‫‪ -1‬عباس الصوري‪" ،‬مقاربة النص األديب يف الكتاب املدر‪،‬ي"‪،‬‬


‫ضمن‪ :‬تدريسية النصوص‪ ،‬ج‪ ،0‬الدليل الرتبوي‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1881،‬ص ‪.101‬‬
250 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

‫ مراجع باللغات األجنبية‬ ‫ مراجع باللغة العربية‬


- BARTHES )Roland( , "Réflexion sur ‫ مطبعة‬،‫ العلم والثقافة والرتبية‬،)‫ أحرشاو (الغايل‬-
un manuel",in: L’enseignement de la
littérature, Hermann,Paris,2012. .2115 ،4‫ ط‬،‫ الدار البيضاء‬،‫النجاح اجلديدة‬
- DAUNAY )Bertrand(, « Didactique
comparée », in : Dictionnaire des ‫ بيداغوجيا‬:‫ األدب والتواصل‬،)‫ آيت أوشن (عيل‬-
concepts fondamentaux des
.2117 ،4‫ ط‬،‫ الرباط‬،‫ دار أيب رقراق‬،‫التلقي والنتاج‬
didactique, de Boeck, Bruxelles, 2éme
éd. ‫ السلسلة‬،‫ مدخل إىل فلسفة الرتبية‬،)‫ جغايمي (جامع‬-
- DURKHEIM )Emile(, Education et
sociologie, QUARIGE, P.U.F, Paris, .4773 ،4‫ ط‬،‫ أكادير‬،‫ مطبعة رشوق‬،3 ‫الرتبوية‬
5éme éd, 1995.
- DURKHEIM )Emile(, Education et ‫ "مقاربة النص األديب يف الكتاب‬،)‫ الصوري (عباس‬-
sociologie, QUARIGE, P.U.F, Paris,
5éme éd, 1995. ‫ الدليل‬،2‫ ج‬،‫ تدريسية النصوص‬:‫ ضمن‬،"‫ي‬،‫املدر‬
- GHELLAL )Abdelkader(, Didactique ‫الدار‬ ،‫اجلديدة‬ ‫النجاح‬ ‫مطبعة‬ ،‫الرتبوي‬
de la littérature et des textes
littéraires, de Boeck, Bruxelles, .4773،‫البيضاء‬
2011.(
- GIASSON )Jocelyne(, La lecture : de ‫ معجم علوم‬،‫ عبد اللطيف (الفاريب) وآخرون‬-
la théorie à la pratique, coll: outils
pour enseigner, De Boeck, Bruxelles ‫ دار اخلطايب‬،41-7 ‫ سلسلة علوم الرتبية‬،‫الرتبية‬
2005,4 éme tirage, 2010. .4771 ،4‫ ط‬،‫ الدار البيضاء‬،‫للطباعة والنرش‬
- PATIAUX )G. et J.(, Précis de
pédagogie", coll :Repères pratique, ‫ ترمجة‬،"‫ "الرتبية وأزمة القيم‬،)‫ غارودي (روجي‬-
éd: NATHAN, Paris, 1997.
- REUTER )Yves(, « Didactique », in : .2111 ،3/5 ‫ عدد‬،‫ جملة املتلقي‬،‫توفيق بكار‬
dictionnaire des concepts
fondamentaux des didactiques, de .2112 ،‫ يونيو‬،‫ اجلزء الثاين‬،‫ الكتاب األبيض‬-
Boeck, Bruxelles, 2éme éd, 2010.
‫ النقد املعريف‬:‫ مشكاة املفاهيم‬،)‫ مفتاح (حممد‬-
- VERHAEGHE )Jean-Claude(, José
luis WOLFS, Xavier SIMON, ،4‫ ط‬،‫ الدار البيضاء‬،‫ املركز الثقايف العريب‬،‫واملثاقفة‬
Dominique COMPERE, Pratiquer
l’épistémologie, De Boeck et Larcier. .2111
s .a,1ére édition, 2004.
.4777 ،‫ أكتوبر‬،‫ امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‬-
251 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫والتكوين‬ ‫التربيةللتربية‬
‫والتكوين‬ ‫المغربية‬ ‫المجلة المجلة‬
‫المتخصصة في‬

L’impact des langues maternelles sur


l’enseignement du FLE au
primaire marocain :
le cas de la région d’El Haouz

Khadija MOUADDINE408
Hayat MARIR et Rachid MARZAQ409
Résumé
Sous le toit de la mondialisation, l’acquisition de nouvelles langues est devenue
indispensable pour faciliter les échanges. Par contre, le processus d’apprentissage de ces
nouvelles langues étrangères n’est pas aussi facile sans l’application d’une méthode
didactique efficace. Effectivement, enseigner une langue étrangère c’est former,
transmettre et faire acquérir des connaissances linguistiques et communicatives
différentes de celles de la langue première de l'apprenant. Par conséquent, dans une classe
de langue étrangère le processus d’interaction communicative entre enseignant /
apprenant n’est pas sans avoir quelques obstacles parmi lesquels l’inhibition, ce qui
contribue souvent à l’échec de l’exécution de la tâche donnée. Dans une telle situation, la
présence de la langue maternelle s’impose comme une technique de remédiation pour
surmonter une telle lacune.
Dans le présent article, nous nous interrogerons sur l’impact de la langue maternelle sur
l’apprentissage du français au cycle primaire marocain, en prenant en compte le cas des
élèves issus de la région d’El Haouz. Notre objectif est d’évaluer le statut de la langue
maternelle chez les élèves aussi que chez les enseignants au sein de la classe de langue
étrangère, de savoir comment cette langue mère est utilisé en tant qu’une stratégie de
communication permettant la réussite du processus d’apprentissage.
Le sujet du présent article s’inscrit au sein de la recherche sur
l’enseignement/apprentissage des langues. Il s’articule autour de deux champs : la
sociolinguistique et la didactique.
Pour répondre à la problématique de cette recherche, nous avons choisi la région d’El
Haouz vu sa diversité linguistique en visant les enseignants de cette région. Nous avons
mené une enquête de terrain dans laquelle nous avons combiné des méthodes de
recherche qualitatives et quantitatives en vue de collecter les données et d’assurer leurs
validités.
Mots-clés : langue maternelle, langue étrangère, enseignant/apprenant, stratégies de
communication, blocage.

408
- Laboratoire Art, Littérature et Ingénierie Pédagogique, FLLA Ibn Tofail- Kénitra
409
- Laboratoire Langage et Société, FLLA Ibn Tofail -Kénitra
252 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Introduction strictement officialisées, selon l’écolier à


Depuis quelques années, diverses qui on a affaire. Ceci dit, quand le champ
recherches ont été focalisées sur la langue linguistique d’un pays donné n’a pas une
maternelle ainsi que son impact conception assez claire de la langue, tout
intrinsèque à l’acquisition d’une langue un débat est mis au point, le mode et la
étrangère, y compris le français. Certes, gestion de son enseignement sera affecté.
en se positionnant dans un contexte de Par ailleurs, cet état de chose admet une
globalisation comme le nôtre, nous ouverture sur d’autres cultures mais en
assistons à une diversité langagière. Qu’il même temps engendre une crainte de
s’agisse des sphères professionnelles, perdre son identité, ce qui peut induire en
sociales ou privées, la maîtrise des une aporie qui s’infiltre dans les
langues étrangères devient de plus en plus représentations et s’amplifie par un
cruciale. discours qui va des fois jusqu’à la
Chaque individu dès sa naissance xénophobie. Qu’on le veuille ou non,
acquiert une ou deux langues dans le but l’apprentissage d’une langue est certes
de pouvoir communiquer et intégrer sa intellectuellement et culturellement
communauté. Certes, lors du processus enrichissant mais c’est un processus qui
d’apprentissage d’une langue étrangère, il nous transforme.
peut toujours faire référence à sa langue Face aux enjeux sociaux et éducatifs, le
maternelle, sans oublier qu’il sera Maroc a choisi de créer une nouvelle
toujours nécessaire de ne pas négliger école nationale marocaine pour atteindre
l’impact de la langue mère sur la langue son objectif principal d'éducation de
dite étrangère. qualité. En ce sens, l'intervention continue
La pesanteur de l’identité des autorités éducatives dans la Loi Cadre
socioculturelle de l’apprenant et la 51/17(2019) afin de mener une réforme
spécificité de chaque culture peuvent assez considérable en portant un regard
exiger ce genre de phénomènes. critique et réformé sur la place des
Aujourd‘hui, il faut considérer le recours apprenants dans la situation
à la langue maternelle comme l’une des d’enseignement-apprentissage. Au
stratégies d’apprentissage qui pourraient Maroc, connu en tant qu’un pays
servir de point de départ aux enseignants. plurilingue où le contact des langues est
Ce recours à la langue maternelle favorise très répandu, l’enseignement du français
une assimilation aisée aux élèves des dans un tel contexte engendrera
notions indispensables pour qu’ils certainement des phénomènes
puissent pratiquer spontanément le linguistiques (code switching,
français dans différentes situations de interférences langagières, etc.) Ceci étant
communication en classe de FLE. dit, pratiquer une langue différente de la
Il est à signaler que l’intégration du nôtre, implique
français à l’école primaire est désormais Inévitablement des problèmes
mise au point à partir de la première linguistiques variés à l’écrit et à l’oral.
année, tandis qu’on alterne souvent
l’arabe et l’amazigh, deux langues
253 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Ce constat nous amène à nous la place de la langue régionale en classe


préoccuper du problème de sélection face aux autres dites étrangères.
méthodologique à prendre pour pouvoir Dans le présent article, nous nous
adapter l'enseignement aux attentes des interrogerons sur l’impact de la langue
apprenants et à leurs besoins en tenant maternelle sur l’apprentissage du français
compte du poids de leurs langues au cycle primaire marocain, en prenant en
maternelles. Sans une prise de conscience compte le cas des élèves issus de la région
relative à l’analyse du terrain et sans une d’El Haouz. Autrement dit, le recours à la
application profonde de tous les acteurs langue maternelle en se référant soit à
impliqués dans le domaine de l’éducation, l’arabe dialectal ou l’amazigh, constitue-
on ne peut établir une démarche efficace t-il un frein à l’enseignement-
ou du moins ouvrir suffisamment de apprentissage du français ou bien un
pistes de réflexion. On ne peut pas non facteur positif favorisant l’accès à cette
plus enseigner les langues étrangères sans langue étrangère en classe de FLE ?
s'intéresser aux méthodes récentes
d'enseignement et d'apprentissage des Cadre conceptuel
langues étrangères et voir quelle méthode 1- . La langue
est la meilleure pour que le système D’après la définition donnée par le
éducatif marocain s'adapte à Dictionnaire le grand Robert, la langue est
l'environnement avant de l'adopter. « un Système d'expression et de
Dans le cadre de cette enquête, nous communication commun à un groupe
présupposons que l’acquisition du social (communauté linguistique).
français à un âge plus ou moins jeune
dialecte, idiome, ce système évolutif
pourrait demeurer une passerelle vers un
apprentissage efficace du français en de signes
classe de FLE, ce qui facilitera en quelque linguistiques, vocaux, graphiques ou gest
sorte la mise en œuvre de la pratique uels, permet la communication entre les
enseignante. individus. ». Dans le même sens, on cite
Afin d’apporter des éléments de la définition la plus connue et largement
réponse à notre problématique proposée, acceptée dans les domaines linguistiques
nous avons mené une enquête auprès des selon laquelle la langue « est un
enseignants au cycle primaire. Nous leurs instrument de communication selon
avons administré un questionnaire dont lequel l'expérience humaine s'analyse,
l’objectif était de vérifier l’effet de la différemment dans chaque communauté,
langue maternelle sur l’apprentissage
d’une autre étrangère. Nous avons aussi sémantique et d'une expression phonique,
interrogé un groupe d’élève à l’aide d’un les monèmes ; cette expression s'articule
entretien dirigé afin de mieux savoir les à son tour en unités distinctives et
raisons de leurs réticences en classe successives, les phonèmes, en nombre
langue, de vérifier leurs capacités à déterminé dans chaque langue, et dont la
comprendre et à assimiler leurs cours dans nature et les rapports mutuels diffèrent
la langue cible, et plus particulièrement de eux aussi d'une langue à l'autre ».
démontrer les représentations conçues sur (Martinet, 1960)
254 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

La langue est, alors, propre à un lors de ses confrontations des nouveaux


groupe social quelconque et elle est le systèmes linguistiques.
moyen que les individus utilisent dans le Dans le cas d'apprenants dont la
but de communiquer entre eux à l’aide biographie langagière est constituée d'une
d’un ensemble d’expressions ou de gestes seule langue (répertoire « monolingue »),
qui sont utilisés pour garantir la le recouvrement de ces deux réalités
compréhension. C’est une méthode confère bien évidemment un poids encore
convaincante utilisée par les gens pour plus grand à la langue source, sur laquelle
mettre en valeur leurs idées et leurs les sujets vont bien souvent calquer leurs
pensées individuellement ou socialement. premières tentatives d'accès à une autre
2- La langue maternelle langue (Castellotti, à part). Lorsque, en
La langue maternelle est la première effet, une seule langue de référence est
langue qu'a parlée un enfant, souvent celle présente pour servir de repère aux élèves,
de sa mère. Ce qui est généralement pour leur permettre d'asseoir et d'ancrer
désigné par l'expression « langue les nouveaux apprentissages, pour les
maternelle ». Elle réfère à des pratiques amener à « déduire les premières
langagières extrêmement variées en hypothèses de leur interlangue »
fonction des situations et des contextes (Camarotta & Giacobbe, 1986 :66), c'est
d'enseignement apprentissage (Dabène, nécessairement un travail de va-et-vient
1987, 1994). Dans les groupes sociaux qui s'instaure, de relation exclusive entre
plurilingues, en particulier, cette notion deux systèmes, dont l'un joue le rôle de
renvoie à des réalités très diverses : modèle unique, de matrice pour
première langue acquise, langue parlée l'appropriation progressive de l'autre.
majoritairement en famille, langue Lorsque, en revanche, plusieurs
identitaire, langue officielle, langue de langues font partie, à des titres divers, du
scolarisation, … « déjà-là » des apprenants (répertoire «
Dans la perspective didactique qui plurilingue »), et qu'ils ont ainsi la en
nous intéresse ici, la notion de la langue unités douées d'un contenu possibilité de
maternelle peut recouvrir principalement diversifier les sources et les repères, ces
deux entités. De prime abord, la langue derniers peuvent construire de nouveaux
première acquise dès l’enfance se voit apprentissages au moyen d'ancrages
investie d'une charge importante sur le multiples, auxquels ils feront appel de
plan langagier. En suite, elle est vectrice manière différenciée et sélective en
d’une charge émotionnelle, affective, fonction de leur répertoire propre, des
sociale et culturelle. La langue maternelle contextes d'appropriation et des objets à
en tant que support à la construction des traiter.
« apprentissages fondamentaux » En contexte scolaire, ce déplacement
constitue aussi une source capitale dans la laisse cependant toujours entrevoir un rôle
mesure où s’accumule le « bagage prépondérant pour une langue d'appui,
métalinguistique » des sujets. (Dabène, mais qui, de langue source (et référence
1994 : 21). Un bagage qui sera unique), pourrait se transformer en langue
régulièrement mobilisé par l’apprenant pivot, autour de laquelle s'échafaude et
s'entrecroise l'ensemble des
255 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

apprentissages langagiers. Ce cadre précisément sous le protectorat français


n'exclut pas, bien au contraire, les (1912), la langue en question a été
propositions visant à développer une implantée au Maroc. Elle a été considérée
pédagogie intégrée telle que la décrivait comme une langue officielle
Eddy Roulet (1980), il leur offre un d'enseignement d'abord dans les
espace à l'intérieur d'un projet comprenant établissements français et ensuite dans les
un plus grand nombre d'éléments, où cette écoles publiques avec l'appui des
langue occuperait une place toujours coopérants français, résidant au Maroc en
essentielle, mais en même temps 1956. Pendant toute cette période, les
relativisée par le recours à d'autres domaines d'utilisation de la langue
sources potentielles de référence. française se sont élargis et ont touché
Selon la conception (« bi » ou « pluri presque tous les secteurs de l'Etat.
») que l'on choisit de promouvoir, le rôle Vers la fin des années 70, la langue
d'une langue « de référence » (qui française s'est fragilisée en raison de la
coïncide bien souvent avec la langue de réforme de l'arabisation du système
scolarisation) va donc se transformer éducatif engagée par l'Etat marocain. En
notablement et, avec lui, les pratiques et effet, la première promotion de bacheliers
les représentations à l'œuvre dans la scolarisés selon de nouveaux programmes
plupart des situations d'apprentissage et
(toutes les matières scientifiques sont
d'enseignement des langues.
dispensées en arabe) a vu le jour en 1989.
3- La langue seconde :
Le terme « langue seconde » / Cette dernière, qui est supposée remplir
« deuxième langue » correspond à la cette fonction au long du parcours scolaire
(première) langue étrangère, la langue qui de nos apprenants, n'arrive pas à franchir
est apprise ou acquise chronologiquement la porte des universités marocaines et ce à
après la langue maternelle, tandis que la cause de plusieurs raisons parmi
« première langue » est identifiée à la lesquelles l’absence au supérieur de
langue maternelle, langue natale. professeurs formés pour dispenser les
Autrement dit, la seconde langue est la matières scientifiques en arabe.
langue la plus importante après la langue Selon les dispositions de la
maternelle. Alors que la langue première constitution de 2011, l'arabe et l'amazigh
est toujours identifiée à la langue deviennent les seules langues officielles
maternelle (cf. par ex. Simard, 2010). au Maroc, ce qui ne laisse plus aucun
I. Approche historique et statut officiel à la langue française.
statut de la langue française au Maroc Néanmoins, cette dernière continue à être
1. Le français au Maroc : un considérée par les responsables du secteur
aperçu historique de l'éducation et par la jeunesse comme
Pendant la deuxième moitié du 19ème une ouverture sur le monde et l'une des
siècle, la langue française est devenue une conditions primordiales pour décrocher
langue d'enseignement au Maroc et un emploi.
particulièrement dans certains
établissements de congrégations 2- Statut de la langue
ème
religieuses. Durant le 20 siècle, et plus française au Maroc
256 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Le statut de la langue française souvent du mal à suivre les cours en raison


suscite, depuis toujours, un grand débat au de l'arabisation et de la diminution du
sein de la société marocaine. Face à volume horaire du français qui a été réduit
l'héritage colonial français, les autorités au primaire, collège et lycée. Cette
politiques marocaines ont, à un certain situation a engendré un certain nombre
moment de l'histoire, consacré un intérêt d'insuffisances et de lacunes ne
considérable à cette langue. Seulement,
permettant pas aux étudiants de suivre
comme il a été mentionné ci-dessus, ce
aisément les cours langue française.
privilège s'est estompé par la mise en
place de la réforme de l'arabisation dans Quant aux élèves « produits » du secteur
le système éducatif. Une rupture avec le privé, ils ne rencontrent généralement
français comme langue principale presque pas de A cet effet, la langue
d'enseignement s'est donc instaurée dans française n'est plus considérée comme la
les établissements scolaires primaires et langue principale d'enseignement dans les
secondaires, principalement pour les écoles marocaines, elle a cédé la place à la
matières scientifiques. langue arabe.
La langue arabe n'a jamais permis
aux étudiants scientifiques d'acquérir les Problèmes pour la compréhension
connaissances et le savoir nécessaires des contenus durant leur parcours
puisque le français demeure la langue universitaire, pour la simple raison que le
d'enseignement par excellence. Face à réseau d'établissements privés privilégie
cette réalité, il a été décidé que des cours la langue de Molière. La troisième
de traduction de deux heures composante du public en question,
hebdomadaires sont programmés dans les concerne les élèves émanant des
trois années du lycée et qu'un module établissements français. La plupart du
« langue et communication » est dispensé temps, ces étudiants n'ont aucun mal à
dans les deux premières années du cursus comprendre les contenus des matières
universitaire scientifique. Cette démarche scientifiques et techniques, car ils sont,
s'inscrit dans le cadre des efforts déployés dès leur jeune âge, familiarisés avec la
par l'Etat pour aider les élèves de l'école langue d'enseignement.
publique à maîtriser davantage la langue Vu ce qui précède, peut-on avancer
française. Il est à signaler que cette que les apprenants lauréats
situation ne concerne pas tous les d'établissements privés et français
apprenants. réussissent mieux leurs études
Il existe, en fait, trois réseaux universitaires contrairement aux élèves
d'établissements scolaires au Maroc : Le issus du secteur public.
A vrai dire, il est difficile de se
public (majoritaire), le privé et les
prononcer sur cet état de fait, en raison de
établissements relevant de systèmes
l'importance des connaissances
éducatifs étrangers (français, espagnol, scientifiques dans le parcours
italien et américain). En effet, les universitaire des étudiants marocains,
étudiants provenant du système marocain surtout qu'il a été prouvé que certains
public (sauf quelques exceptions) ont d'entre eux font preuve d'une formation
257 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

réussie dans les sciences exactes et plan strictement technique, les linguistes
techniques et, par conséquent, ils se ne rétablissent pas de distinction entre
distinguent nettement à l'étranger. « langue » et « dialecte » lorsque les codes
Il en résulte la nécessité de considérés ne sont pas apparentés (1) ; en
reconnaître que la réussite des étudiants à revanche, lorsqu'il y a parenté génétique,
l'université dépend de deux facteurs la variété officialisée est dite langue » et
indissociables et aussi importants l'un que les autres sont déclarés dialectes ».
l'autre : Cependant, des considérations largement
⮚ Un savoir ou un bagage idéologiques interviennent pour
académique de base suffisant pour dénommer « dialecte » toute langue non
réussir dans les branches de spécialité. reconnue par l'Etat en tant que langue
⮚ Une compétence langagière et officielle et non soutenue ou non imposée
linguistique suffisante en plus d'une par les appareils idéologiques de l'Etat ».
maîtrise de la langue d'enseignement. L'unité culturelle ou politique au
3- Le statut des langues nom de laquelle on chercherait à réduire
maternelles au Maroc : les langues allogènes périphériques à des
Le choix de l'arabe moderne, outils purement folkloriques ne suffit pas.
comme langue officielle du Maroc, a (Bounfour, 1977) pour « légitimer la mort
permis d'éviter le débat avec les des langues millénaires parlées encore »,
Amazighophones sur le problème de leur selon ce chercheur, « par plus de 60% de
langue maternelle. En effet, ce problème la population ». C'est ainsi que le slogan
n'aurait pas manqué de se poser si l'arabe de l'unité dans la diversité n'a pas tardé à
marocain avait été choisi comme langue faire jour parmi les linguistes marocains
officielle, ce qui n'a d'ailleurs jamais d'origine amazighrophone surtout
effleuré l'esprit des responsables vu que (Boukous, 1977 : 129) prenant argument
l'arabe marocain est considéré comme un dans la sociolinguistique pour légitimer la
dialecte appauvri ne pouvant servir reconnaissance officielle de l’amazigh
d'instrument linguistique que dans les écrit :
activités quotidiennes les plus simples et « La langue représente le dialecte qui
les plus banales. La volonté politique a “réussi“ politiquement, langue et
d'appartenance à la nation arabe est pouvoir entretiennent en effet d'étroits
déterminante dans cette décision prise par rapports ; or l'arabe (moderne) est investi
les responsables marocains. Il est clair que d'un pouvoir symbolique, c'est pourquoi
le Maroc, en optant pour l'arabe moderne tout autre système linguistique est jugé «
comme langue officielle, choisit la langue primitif » en même temps qu'il subit
de l'unité, la langue commune à tous les l'anathème des idéologues patentés ».
pays arabes. Dénommées péjorativement Dans un autre article,
« dialectes » et « considérées comme (Boukous,1981 :41) réclame pour
l'ennemi principal de toute conception l'Amazigh une reconnaissance
unitaire (Souriau, 1975). De l'autre côté, constitutionnelle : « La langue et la
(Boukous,1981, 40) considère cette culture amazigh occupent présentement la
option comme un parti pris purement dernière position à la bourse des valeurs
idéologique et déclare à ce propos : sur un sur le marché intangible, la
258 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

reconnaissance des droits nationaux des parmi les communautés Amazighophones


biens symboliques. Cette situation est ne surprend pas. En effet, pour ces
jugée grave car elle porte atteinte à une communautés le maintien de la langue
dimension fondamentale de l'identité maternelle est un facteur vital de la
nationale. spécificité de leur culture. Les récents
Sur le plan pratique, la question qui événements en Algérie (1980) qui ont eu
se pose est de savoir comment est-il
lieu, à propos de la langue kabyle
possible de réhabiliter les langues
(affinités avec le tamazight) venant à la
maternelles jusqu'ici démonétisées et
réduites au silence ? suite d'une campagne en faveur de
A ce propos, (Moatassime,1974) l'arabisation, ont été assez violents pour
propose qu'on « utilise verbalement, au que la nécessité d'une réflexion sérieuse
niveau du primaire, les propriétés ne soit dès lors sentie comme urgente.
remarquables de l’Amazigh pour se faire
III. Cadre méthodologique
comprendre des jeunes Amazighs. A ce
niveau, l’Amazigh ne sera pas enseigné, de la recherche
mais au secondaire il peut être choisi Sous le toit de la mondialisation,
comme langue d'option qu'il faudrait par l’acquisition de nouvelles langues est
commodité, transcrire en alphabet arabe devenue indispensable pour faciliter les
déjà acquis dans le primaire ». A propos échanges. Par contre, le processus
de la consécration éventuelle de d’apprentissage de ces nouvelles langues
l’Amazigh et de l'arabe marocain comme étrangères n’est pas aussi facile sans
langues d'enseignement, le même auteur l’application d’une méthode didactique
pense que cela encombre inutilement les efficace.
programmes scolaires. Boukous, quant à D’après (Selinker,4792),
lui, va plus loin et recommande l’apprentissage d’une nouvelle langue est
l’enseignement de l’Amazigh à partir du un processus unique dans son genre vu
primaire. Les opposants à ce programme que les apprenants sont invités à
ne manquent pas. (Benaissa,1981 :52) communiquer dans une langue qu’ils ne
pense que : « Vouloir forger de nouveau maîtrisent pas parfaitement dans leur
une langue Amazigh à partir de dialectes propre interlangue. Effectivement,
actuels n'aboutira qu'à l'affirmation d'un enseigner une langue étrangère (cible)
régionalisme périmé. On peut imaginer le c’est former, transmettre et faire acquérir
nombre impressionnant de dialectes des connaissances linguistiques et
locaux qui tenteront d'être officiels une communicatives différentes de celles de la
fois le tachelhit promu au rang de langue langue première.
nationale et d'administration. » En fait, plusieurs facteurs influent
Le problème des langues maternelles, et sur le processus d’interaction
communicative entre enseignant /
plus spécialement celui de l’amazigh,
apprenant et qui peuvent causer, par
reste posé. L'arabisation de exemple, de l’inhibition lors d’un cours de
l'enseignement et de l'administration, langue cible (étrangère), ce qui contribue
dans sa logique, la menace. L'écho peu souvent à l’échec de l’exécution de la
favorable que l'arabisation rencontre
259 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

tâche donnée. En tant qu’enseignants d’une autre langue. Le sujet du présent


chargés de transmettre des connaissances, article s’inscrit au sein de la recherche sur
ils sont confrontés à l’obligation de traiter l’enseignement/apprentissage des
les difficultés d’apprentissage existantes langues. Il s’articule autour de deux
par le recours à l’emploi des stratégies de champs : la sociolinguistique et la
communication afin de surmonter les didactique.
lacunes et améliorer la performance des
apprenants (Bialystok, E. 1990 :48). Pour répondre à la problématique de
Prenant comme exemple, dans une classe cette recherche, nous avons choisi la
de langue, il se trouve que soit région d’El Haouz vu sa diversité
l’enseignant, soit l'apprenant ont recours à linguistique en visant les enseignants de
la langue maternelle pour faire réussir le cette région. Nous avons mené une
processus enseignement/apprentissage. enquête de terrain dans laquelle nous
Dans ce sens, on appelle la langue avons combiné des méthodes de
première, une langue médiatique, car on recherche qualitatives et quantitatives en
l’utilise fréquemment comme une vue de collecter les données et d’assurer
technique de remédiation. A ce propos, on leurs validités.
parle souvent de l’éducation en langue La région d’El Haouz, à l’instar des
maternelle. Ce terme n’est pourtant pas autres régions du Royaume, se caractérise
sans poser un certain nombre de par l’existence de plusieurs langues. A
problèmes, ce qui sera l’objet de notre part les langues héritées, les élèves de
réflexion. cette région se trouvent en contact avec
Ainsi, la question qui se pose est de d’autres langues étrangères différentes de
savoir si l’enseignant, en tant leurs parlers quotidiens ;
qu’émetteur, prend le contrôle de Pour les langues maternelles, dans
l’interaction en recourant à l’utilisation de les communautés de la plaine El Haouz, il
la langue maternelle comme une des existe deux variétés linguistiques très
stratégies de communication pour apparentes dans les échanges
améliorer la performance des apprenants linguistiques, l’arabe dialectal et le
et surmonter leur blocage face à une tachelhit. Elles se limitent à un véhicule
situation donnée. Ce dernier considère spontané de la communication
l’utilisation de la langue médiatique quotidienne (au sein de la famille,
comme un frein à la maîtrise parfaite d’un discussions amicales, dans la rue, aux
nouveau système grammatical et lexical, marchés, etc.) Ces deux langues ont une
et ainsi il recourt à d’autres stratégies valeur identitaire « ils sont liés à l’affect,
communicatives pour l’accomplissement au maternel, au vécu, à la culture
de ses tâches éducatives. populaire.» (Benzakour,2000 :84).
Notre étude a pour vocation de décrire les Pour ce qui est de l’arabe littéraire ou
phénomènes linguistiques qui résultent du classique, il n’est la langue maternelle
contact des langues dans une classe de d’aucun marocain ; pourtant, il occupe
langue. Plus particulièrement, la place de une place privilégiée. L’arabe demeure la
la langue régionale dans l’enseignement langue nationale, constitutionnelle et
scolaire et son impact sur l’apprentissage officielle du pays. Il constitue la langue
260 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

de la prédication islamique, de mieux contextualiser notre étude et avoir


l’enseignement religieux et de une représentation générale de la présence
l’instruction du système éducatif. des difficultés en situation
Les principales langues étrangères enseignement/apprentissage.
existantes sont le Français, l’Anglais,
l’Espagnol. Ensuite, dans la visée de mieux
Le français possède une certaine analyser la représentation de la langue
vitalité par rapport aux autres langues étrangère chez eux, de vérifier leurs
étrangères au Maroc. Utilisé dans le capacités à comprendre et à assimiler
milieu social, politique, professionnel et leurs cours de langue, et plus
dans l’enseignement dès les premières particulièrement de savoir d’après eux les
années du primaire comme une seconde raisons de leurs réticences en classe du
langue après la langue arabe classique. français. Nous avons mené une interview
L’anglais ou l’espagnol sont des langues auprès d’un groupe restreint d'individus,
imposées au Maroc comme deuxième en l’occurrence un ensemble de 21 élèves
langue étrangère, elles sont enseignées de 06 à 12 ans, du cycle primaire dans des
dans le secondaire qualifiant où les élèves écoles publiques dans ladite région.
les choisissent le plus souvent au Parmi les questions que nous avons
détriment de l’allemand et l’italien. posées aux élèves interviewés concernant
Notre public ciblé est composé, particulièrement leurs difficultés en cours
d’un côté, des élèves de primaire public de langue étaient les suivantes ;
dont le répertoire plurilingue pose certains ⮚ Participez-vous en
problèmes au niveau d’apprentissage. classe en français ?
D’un autre côté, les enseignants qui se Le pourcentage de cette réponse
trouvent obligés de résoudre de tels oscille entre 69% ont répondu
problèmes en recourant à des stratégies négativement, 11% ont répondu
didactiques adéquates. positivement et 10% affirment participer
⮚Afin d’examiner cela, nous quelquefois en classe en français.
avons mené une étude en trois ⮚Êtes-vous bloqués lorsque
phases. vous parlez en français ?
La démarche d’analyse envisagée Les réponses des élèves sont de
consiste à focaliser l’observation sur nouveau significatives ;
l’interaction langagière dans la classe de 97% ont répondu positivement et
langue étrangère en situation 03% ont répondu « quelquefois ». Alors
qu’aucun élève n’a répondu négativement
d’enseignement/apprentissage. Nous
à cette question.
sommes entrés en classes de FLE afin
⮚Quelles sont à votre avis les
d’observer le déroulement de principales raisons de votre blocage
l’apprentissage, de détecter les raisons de ?
blocage en cours de langue et aussi les D’après les apprenants leurs
dispositifs pédagogiques mis en place par blocages revient à :
l’enseignant pour surmonter l’inhibition La peur de commettre des erreurs au
en classe. En fait, notre objectif est de niveau de prononciation et grammaticale,
261 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

de l’anxiété, de la honte face à leurs


camarades, de la difficulté de trouver le
bon vocabulaire.
⮚Pour remédier ce blocage
vous pensez que l’utilisation de la
langue maternelle est utile ?
99% des apprenants ont confirmé
leur préférence à l’utilisation de la langue
maternelle pour communiquer en classe.
D’après ces résultats nous pouvons
conclure que la majorité des apprenants
ne participent pas en classe de langue pour
une raison psycholinguistique. Ce
problème reste un obstacle devant un
apprentissage parfait de la langue cible. Il
met en évidence la nécessité d’un
enseignement spécialisé sur les stratégies
de communication.
A ce fait, la troisième phase de cette
étude s’adresse aux enseignants en tant
qu’acteurs responsables de la réussite du
processus enseignement/apprentissage.
Nous avons conçu un questionnaire que
nous avons partagé dans des groupes
d’enseignants du FLE au primaire.
262 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Les résultats étaient comme suit :


IV. L’analyse des résultats du questionnaire :
Question 1 : L’ancienneté professionnelle des enseignants interrogés:

Figure 1 : L’ancienneté professionnelle des enseignants interrogés

Nombre
Pourcentage
d’enseignants
Moins de 5 ans 49 92,30
De 5 ans à 10 ans 0 0
De10 ans à 15 ans 0 0
Plus de 15 ans 01 7,70
Total 50 100

Après avoir représenté les réponses de cette question sous forme d’un
histogramme, nous pouvons dire que la quasi-totalité du public en question possède
une expérience qui varie entre 01 et 05 ans de service. A cet effet, nous avons noté
que 17 enseignants ont moins de 5 ans d’expérience dans le domaine de
l’enseignement avec une fréquence de 72,31 %. Par contre, nous constatons qu’il
y a uniquement un seul enseignant ayant une expérience de plus de 15 ans, soit
7,70% de notre échantillon et un taux de 00 % de notre population cible qui ont de
5 à 10 ans et de 10 ans à 15 ans.
L’objectif derrière cette information se justifie par un intérêt que nous portons
à la variable ancienneté professionnelle, qui aurait sans doute un impact sur le
rendement pédagogique des enseignants, car les résultats obtenus montrent que la
majorité d’enseignants n’ont pas assez d’expérience en matière de pratiques
pédagogiques avec une fréquence de 92%. Par conséquent, nous enregistrons que
9,91 % seulement dont l’expérience est de plus de 5 ans.
263 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Question 2. Vous êtes enseignant (e) de


français parce que :

Figure 2 : La motivation du choix de la discipline

Nombre d’enseignants Pourcentage


Vous aimez enseigner? 47 76,9
Vous aimez la langue française? 2 15,4
Avez-vous eu une formation
spécialisée dans l’enseignement de la
0 0
langue français
Autre 1 7, 7
Total 50 100

Comme l’indique la figure ci-dessus, nous remarquons que 76,9% des


enseignants ont intégré l’enseignement par amour du métier et que 45,1% ont opté
pour l’enseignement par amour de la langue française. En revanche, 0% des
questionnés n’ont pas eu de formation spécialisée dans l’enseignement du français.
Certes, une minorité de 1% ont mentionné d'autres raisons de motivation pour
l’enseignement du français. De ce fait, la mise en exergue d’une pratique
enseignante émanant d’une motivation pour le métier engendrera peut-être une
masse d’enthousiasme chez l’enseignant vis-à-vis de sa pratique qui se réalise en
groupe ou individuellement en réagissant d’une manière consciente.
264 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Question 5 : En classe, à quel degré utilisez-vous le code switching (alternance codique) ?

Figure 3 : Degré d’utilisation de l’alternance codique


Nombre d’enseignants Pourcentage
Rarement 4 23,1
Parfois 23 38,5
Souvent 23 38,5
Total 50 100

Nous déduisons, d'après le tableau D’après les résultats récoltés, nous


remarquons que l’utilisation de l’alternance codique est omniprésente dans les
classes des interrogés. Le recours à une telle méthode peut être expliqué par la
volonté de se faire comprendre, pour débloquer la communication, pour mettre
l’apprenant en confiance et ainsi enseigner la langue cible dans une atmosphère
détendue.
figuratif, que 39,5% des enseignants ont souvent recours à l’alternance
codique en classe. Alors que 38,5% des enseignants ne le font que rarement
selon les situations d’interactions. Enfin, 3 enseignants avec une fréquence de
23,5% ont rarement recours au code switching. Notons qu’aucun enseignant
n’a répondu négativement.
265 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Question 6 : Faites-vous recours


à la langue maternelle pour :

Figure 4 : L’utilisation de la langue


maternelle

Nombre
Fréquence en %
d’enseignants
a- Traduire des termes 47 76,5
b- Traduire des unités lexicales, syntaxiques
2 15,4
et grammaticales
c- Traduire des aspects culturels 1 7,7
Total 50 100

Le graphique montre que 76,5% des enseignants ont recours à la langue


maternelle pour traduire des termes, alors que 15,4% des questionnés lui font
appel afin de traduire des unités lexicales, syntaxiques et grammaticales.
Tandis que, 7,7% signalent que le recours à la langue maternelle a pour but de
traduire certains aspects culturels.
A la lumière de la question posée, la majorité des enseignants font recours
à la langue maternelle en classe de français pour traduire des termes difficiles,
incompris par les apprenants afin de mettre l’apprenant dans un état de
confiance favorisé selon certains cas précis et pour une sphère donnée
d’enseignants.
266 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Question 7 : Quand vous posez des questions, les réponses des élèves sont en :

Figure 5 : La langue adoptée par les élèves en situation de réponses


Nombre d’enseignants Pourcentage
Français 0 0
Arabe dialectal 4 23,1
Amazigh 1 7,7
Français/Arabe dialectal 44 61,5
Français/Amazigh 1 7,7
Total 50 100

Le tableau ci-dessus montre que 34,5% des apprenants utilisent l’alternance


français/arabe dialectal en répondant aux questions de leurs enseignants. Par
contre, seulement 23,1% des élèves répondent en arabe dialectal.
Les réponses des élèves qui mélangent le français et l’amazigh constituent
7,7% des interviewés. Ceci vaut aussi pour celles recueillies en amazigh seulement
avec un pourcentage de 9,9%. L’usage du français à 411% est totalement absent.
Les données montrent que la totalité des apprenants répondent en utilisant
l’alternance codique français-amazigh-arabe dialectal, ce qui explique qu’ils
pensent généralement en leur langue maternelle. En outre, les autres réponses
présentent un faible pourcentage. Le mélange de plusieurs codes linguistiques peut
être une preuve des difficultés que les apprenants rencontrent, ces derniers peuvent
avoir recours à une substitution parce qu’ils ne maîtrisent pas suffisamment la
langue étrangère.
267 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Question 10 : Est-ce que le recours à la langue maternelle des élèves peut avoir
des effets sur l’apprentissage du français ?

Figure 6 : L’effet de la langue maternelle


sur l’apprentissage des élèves
Nombre
Pourcentage
d’enseignants
Oui 47 76,9
Non 4 23,1
Total 50 100

D’après le tableau ci-dessus, nous remarquons que 76.9% des enseignants ont
répondu que le recours à la langue maternelle a un impact sur l’apprentissage du
français, tandis que 23.4% ont confirmé que la langue maternelle n’engendre aucun
effet marquant sur l’apprentissage du français.
Les enseignants qui sont en faveur de l’alternance codique stipulent que
l'apprenant n'arrive pas à s’exprimer couramment en français, c’est pourquoi il se
réfugie dans la zone de confort que sa langue maternelle lui offre. En effet, celle-ci
lui facilite l’interaction orale au sein de la classe. Une telle manière ne peut que
susciter leur réaction pour des finalités interactives. Pour les enseignants qui pensent
le contraire, le recours à langue maternelle permet de débloquer la situation si les
élèves n'ont pas compris quelque chose. Or, elle n'est pas l’unique solution pour
escompter les difficultés rencontrées dans des situations d’enseignement-
apprentissage.
D'après ce qui a été montré supra, nous pouvons conclure que la langue
régionale est fortement présente dans la classe de langue. D’un côté, elle présente
pour l’enseignant une des stratégies de communication afin de stimuler l’échange,
gagner le temps et faire réussir son cours de langue. De l'autre côté, les élèves qui se
trouvent confrontés à une langue étrangère à leur système linguistique recourent à
l’utilisation de leur propre langage afin d'affronter leurs blocages lexicaux, de
surmonter leur anxiété et d'éviter la honte de faire des erreurs langagières.
L'alternance codique à ce stade peut être bénéfique car elle facilite les échanges en
classe, ces derniers deviennent plus fréquents. Ces échanges donnent plus de
confiance en soi aux apprenants.
268 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

apprenant plurilingue. En revanche, il nous


Conclusion a paru très important que l’usage de la
Suite à l’étude effectuée dans ce langue médiatique doit être bien raisonné.
travail, la réalité plurilingue de la classe de L’introduction de la langue mère dans
FLE en contexte marocain doit nous l’apprentissage d’une langue cible est une
pousser à prendre en conscience tous les stratégie pédagogique qui permet de
phénomènes engendrés par le recours à la développer les connaissances de base d’un
langue maternelle, et ce en tenant en autre système linguistique chez
compte son fonctionnement entant que l’apprenant ce qui doit être pris en
facteur de libération de l’expression dans considération dans la formation des
une réalité plurilingue comme la nôtre. De enseignants.
la naissance jusqu’à l’âge de trois ans en Nous déduisons, alors, que la langue
moyenne, l’enfant apprend, apparemment régionale est fortement présente dans la
sans effort, une ou plusieurs langues classe de langue. Elle représente pour
maternelles. Pour ce faire, il doit apprendre l’enseignant une des stratégies de
le répertoire des sons spécifiques à sa communication afin de stimuler la
langue (les consonnes et les voyelles), le communication, gagner le temps et faire
sens des mots et la manière dont ils se réussir son cours de langue. De l'autre rive,
combinent pour former des phrases (la les élèves qui se trouvent confrontés à une
syntaxe) Si l'on se penche sur la question langue étrangère à leur système
d’un handicap que représenterait linguistique et dont la maîtrise peut ne pas
l'obligation d'apprendre à lire et à écrire être avec le même degré se retrouvent dans
dans une langue autre que sa langue leur zone de sécurité et deviennent
maternelle, le Maroc en est le parfait confiants et motivés. C’est à ce point-là
exemple. La coexistence des langues que la tâche de l’enseignement d’une
locales (l’amazigh et l’arabe dialectal) peut langue étrangère n’est pas aisée dans la
constituer un facteur engendrant des mesure ou une langue n'est jamais
difficultés d’apprentissage dans un âge de enseignée à travers un simple contenu
scolarité. linguistique. Ils recourent à l’utilisation de
D’après les recherches consultées leur propre langage afin d'affronter leurs
et l’étude que nous avons menée, nous blocages lexicaux, de surmonter leur
pouvons conclure que le recours à la anxiété et d'éviter la honte de faire des
langue régionale dans une classe de langue erreurs langagières. L'alternance codique à
au primaire n’est pas une chose évitable. ce stade peut être bénéfique car elle facilite
Nous pouvons même dire que son les échanges en classe, ces derniers
utilisation est parfois nécessaire pour deviennent plus fréquents et donnent plus
favoriser l’intercompréhension et la de confiance en soi aux apprenants.
stimulation de la communication, pour Ce travail nous a permis de mettre
construire le sens et pour anticiper le l’accent sur les langues maternelles qui
problème de déficit lexical chez un sont omniprésentes dans le contexte de
269 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

notre investigation à travers un


questionnaire dédié aux enseignants de
français au cycle primaire sujet de notre
échantillon. Certes, Les résultats obtenus
nous ont servi de base pour, d’abord,
mettre la main sur les principaux impacts
des langues maternelles coexistées dans la
région d’El Haouz, et ensuite analyser les
besoins des élèves pour pouvoir
développer leurs compétences langagières
en s’appuyant sur le cadre théorique
adopté dans notre travail. A cet égard,
personne ne peut nier que la langue
régionale est fortement présente dans la
classe de langue. L’enseignement bilingue
où une deuxième langue est rapidement
introduite (comme le cas du cycle primaire
marocain) pose des problèmes spécifiques.
Ce type d'enseignement suppose des
enseignants bien formés, ce qui est loin
d'être toujours le cas. Ipso facto, Il est
fortement nécessaire de se positionner
d’une manière raisonnable pour favoriser
l’enseignement/apprentissage d’une
langue. Certes, l’effort à fournir serait basé
sur une mise en œuvre d’un dispositif
consistant qui sera mis au point dans les
centres de formation afin de rendre
l’enseignant stagiaire clairvoyant des
problèmes qu’il sera amené à analyser lors
de la prise en charge totale de la classe. A
notre sens, Il nous semble légitime de
privilégier la langue maternelle dans
l’enseignement des langues y compris
celui du français. Un certain consensus sur
l’enseignement des langues existe
aujourd'hui quant à l’efficacité accrue
d’une didactisation proprement dite de la
langue maternelle.
270 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

Bibliographie :
▪ BANGE P., 1992, A propos de la de la classe de langue, Les carnets du
communication et de l’apprentissage Cediscor, n° 4, pp. 111-129.
de L2 notamment dans ses formes ▪ Conseil de l'Europe, 2001, Cadre
institutionnelles, in AILE, D. européen commun de référence pour
Véronique (dir.), Nouvelles les langues : Apprendre, enseigner,
perspectives dans l’étude de évaluer. Strasbourg.
l’apprentissage d’une langue ▪ DABENE L., 1994, Repères
étrangère en milieu scolaire et en sociolinguistiques pour
milieu social, n° 1, pp. 53-85. l’enseignement des langues, Paris,
▪ BENZAKOUR F., GAADI D., Hachette.
QUEFFELEC A., 2000, Le français ▪ GAMBRA Gine M., 2003, Une
au Maroc: lexique et contacts de approche ethnographique de la
langues, De Boeck Supérieur- classe de langue, Paris, Didier
Duculot. collection, LAL.
▪ BIALYSTOK Ellen, 1990, ▪ GRANDGUILLAUME G.,
Communication Stratégies : A 1983, Arabisation et politique
Psychological Analysis of Second- linguistique au Maghreb, Paris,
Language Use, London, Basil édition Maisonneuve et Larose.
Blackwel. ▪ GULICH E., KOTSCHI T.,
▪ CASTELLOTTI V., 2001, Pour une 1983, Les marqueurs de la
perspective plurilingue sur reformulation
l’apprentissage et l’enseignement paraphrastique, in Cahiers de
des langues, in V. Castellotti linguistique française,
(dir.), D’une langue à d’autres : n° 5, Connecteurs pragmatiques et
pratiques et représentations, structure du discours, Université de
Publications de l’université de Genève, pp. 305-351.
Rouen, collection Dyalang, pp 9-38. ▪ LUDI G. et PY B., 2003, Etre
▪ CAUSA M., 2002, L’alternance bilingue, Berne, Peter lang,.
codique dans l’enseignement d’une DOI : 10.3726/978-3-0351-0647-3
langue étrangère. Stratégies ▪ MARTINET A., 1960, Éléments de
d’enseignement bilingues et linguistique générale, Paris, Armand
transmission de savoirs en langue Colin.
étrangère, Bruxelles, Peter Lang. ▪ MOORE D., 1996, Bouées
▪ CAUSA M., 1996, L’alternance transcodiques en situation immersive
codique dans le discours de ou comment interagir avec deux
l’enseignant. Entre transmission de langues quand on apprend une
connaissances et interaction, in F. langue à l’école, in S. Oeschet, B. Py
Cicurel & E. Blondel, (dirs.), La (dir.), Le bilinguisme, AILE, n° 7,
construction interactive des discours pp. 95-121.
271 0202 ‫العدد األول – نونبر‬ ‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬

▪ SELINKER L., 1972, ▪ TALEB IBRAHIMI K., 1997, Les


Interlanguage, International algériens et leurs langues,
Review of Applied Linguistics, X3, éléments pour une approche
pp. 209-231 sociolinguistique de la société
▪ PORQUIER R., PY B., algérienne, Alger, ed. El Hikma.
2004, Apprentissage d’une langue ▪ VION R., 1992, La
étrangère : contexte et communication verbale. Analyse
discours, Paris, Crédif. des interactions, Paris, Hachette.
▪ QUEFFELEC A., et al. 2002, Le ▪ VYGOTSKI L., 1985, Pensée et
français en Algérie. Lexique et langage, Paris, Éditions social
dynamique des langues, Bruxelles,
Duculot.
‫‪272‬‬

‫المجلة المتخصصة في التربية والتكوين‬


‫(‪)RSEF‬‬
‫﴿ جملة علمية‪-‬تربوية حمكّمة تعنى بقضايا الرتبية والتكوين ﴾‬

‫عن المجلة‪:‬‬
‫"املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين" جملة علمية تربوية حمكّمة‪ ،‬تصدر مرتني يف السنة عن املركز اجلهوي ملهن الرتبية‬
‫والتكوين مراكش‪-‬آسفي‪ .‬وهي هتدف إىل ما يأيت‪:‬‬
‫با للدراسات واألبحاث العلمية والرتبوية‪ ،‬الوطنية والدولية‪ ،‬املتصلة بقضايا الرتبية والتكوين؛‬
‫أوال‪ ،‬أن تكون من ر‬
‫ثانيا‪ ،‬أن تصبح مرج رعا علم ًّيا وتربو ًّيا تعكس مواده دينامية األفكار والتصورات وتعدّ د املقاربات يف احلقل األكاديمي‬
‫العلمي الرتبوي؛‬
‫ثالثا‪ ،‬أن تواكب اجلديد يف جمال الرتبية والتكوين‪ ،‬وأن تشارك يف بلورة األسئلة التي تفرضها حتوالت احلارض وحتديات‬
‫املستقبل‪.‬‬

‫شروط النشر بالمجلة‪:‬‬


‫ترحب املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين‪ ،‬بكل أنواع املشاركات العلمية‪-‬الرتبوية‪ ،‬من دراسات وأبحاث‬
‫وترمجات متصلة بمجال الرتبية والتكوين؛ والبد أن تكون خاضعة للمعايري العلمية ولرشوط النرش اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬تنرش املجلة دراسات وأبحا رثا باللغات اآلتية‪ :‬العربية‪ ،‬األمازيغية‪ ،‬الفرنسية‪ ،‬اإلنجليزية؛‬
‫‪ ‬يشرتط أن تكون البحوث و الدراسات والرتمجات أصيلة‪ ،‬ومل يسبق نرشها يف كتب أو جمالت أخرى؛‬
‫النص األصيل مرافِ رقا‬ ‫ٍ‬
‫‪ ‬تَنرش املجلة ترمجات من اللغات األجنبية إىل اللغتني العربية واألمازيغية رشيطة أن يكون ّ‬
‫للرتمجة؛‬

‫‪ ‬حت ّكم األبحاث من طرف جلنة علمية خمتصة‪ّ ،‬‬


‫ويتم إخبار الباحث بالتعديالت والتصويبات الرضورية يف حالة قبول‬
‫مادته للنرش؛‬
‫‪ ‬يشرتط أن تتوفر الدراسة أو الرتمجة عىل الرشوط العلمية‪ ،‬وختضع للتدقيق اللغوي قبل إرساهلا إىل املجلة؛‬
‫وتشرتط املجلة التزام صاحب الدراسة يف حتريره لدراسته باملعايري والضوابط اآلتية يف التوثيق‪:‬‬
‫‪ 279‬كان‬
‫‪273‬‬ ‫‪ ‬بالنسبة إىل املؤلفات‪ :‬اسم املؤ ِّلف‪ ،‬عنوان املؤ َّلف‪( ،‬اسم املرتجم إذا كان املؤ َّلف َ ر‬
‫مرتمجا‪ ،‬أو اسم املح ِّقق إذا‬
‫العمل خاض رعا للتحقيق)‪ ،‬دار النرش‪ ،‬مكان النرش‪ ،‬تاريخ النرش‪ ،‬الصفحة؛‬
‫مرتمجة)‪ ،‬اسم املجلة‪ ،‬العدد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املرتجم إذا كانت الدراسة َ‬ ‫‪ ‬بالنسبة إىل املجالت‪ :‬اسم املؤ ِّلف‪ ،‬عنوان الدراسة‪( ،‬اسم‬
‫السنة‪ ،‬الصفحة؛‬
‫وتوضع الئحة بمجموع املصادر‬
‫َ‬ ‫خاص بكل صفحة؛‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬تكون اإلحاالت واهلوامش أسفل ّ‬
‫كل صفحة برتقيم‬
‫واملراجع يف هناية الدراسة أو الرتمجة؛‬
‫ُرسل الدراسات العربية عىل صيغة الوورد ‪ ،word‬وبخط ‪ 41‬يف املتن و‪ 41‬يف اهلوامش‪،simplified arabic:‬‬
‫‪ ‬ت َ‬
‫‪ ‬و ‪ 4141‬بني السطور؛ أما الدراسات باللغات األجنبية‪ ،‬فهي ترسل عىل صيغة الوورد أيضا‪ ،‬وبخط ‪ 41‬يف املتن‪ ،‬و‬
‫‪ 41‬يف اهلوامش‪ ،times New Roman:‬و‪ 4141‬بني السطور؛‬
‫‪ ‬أن ال تتعدى كلامت الدراسة أو الرتمجة ‪ 1111‬كلمة‪ّ ،‬‬
‫وأقل من هذا العدد (‪ )1111‬إذا كانت هناك جداول ورسوم‬
‫وأشكال هندسية؛ مع ملخص للدراسة أو للرتمجة‪.‬‬
‫تعب بالرضورة عن رأي املجلة؛‬
‫ُعب الدراسة عن رأي صاحبها‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ ‬ت ّ‬
‫ُنرش؛ واملجلة غري ملزمة بتعليل أو تبير عدم نرش مادة من املواد‬
‫‪ ‬ال تُعاد الدراسة أو الرتمجة إىل صاحبها‪ ،‬نُرشت أو مل ت َ‬
‫املقرتحة للنرش‪.‬‬

‫للتواصل واالستعالم مع هيئة تحرير المجلة‪:‬‬


‫تسعد هيئة حترير املجلة باستقبال مشاركاتكم واستفساراتكم من خالل وسائل التواصل التالية‪:‬‬

‫البيد اإللكرتوين‪rsef.crmef.marrakech@gmail.com :‬‬


‫املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين (‪ ،)RMEF‬املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش‪ -‬آسفي‪ ،‬املقر‬
‫الرئيس (مراكش)‪ ،‬ص‪ .‬ب‪ ،797 .‬شارع املزدلفة‪ ،11111 ،‬مراكش‪ ،‬اململكة املغربية‪.‬‬
ⵢⵜ ⴳ ⵓⵙⴳⵎ
ⵎⵥ ⵍⴰ ⵉⴷ
ⵜⴰ

ⵏⵜ
R

ⵓⵙ
ⵖⵓ


S

ⵜⴰⵙ

ⵓⵜⵜⴳ
E
F

Revue Spécialisée en Education


et Formation

2023

You might also like