Professional Documents
Culture Documents
العدد الأول من المجلة المتخصصة في التربية والتكوين 240207 191152
العدد الأول من المجلة المتخصصة في التربية والتكوين 240207 191152
ⴰⵎⵥ ⴷ
ⵜ
ⵏⵜ
R
ⵓⵙ
ⵖⵓ
ⵎ
S
ⵜⴰⵙ
ⵓⵜⵜⴳ
E
F
2023
1
املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين ) ،(RSEFاملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش آسفي
املقر الرئيس (مراكش) ،ص ب ،797شارع املزدلفة ،04444 ،اململكة املغربية
2
الناشر
+212 06 74 81 20 30
+212 5 24 29 19 23
الطبع
تيفيناغ
رئيس التحرير
أ .د .حسن املودن
هيأة التحرير
أ .د .حممد فتح اهلل مصباح
د .أﺣﻤﺪ ﻋﻤﺮ اﻟﺘﻬﺎﻣﻲ أﻫﺎﻣﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ ،اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة
د .اﻟﻄﻴﺒﻲ اﻟﺤﻴﺪي ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻸﺳﺎﺗﺬة ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض .ﻣﺮاﻛﺶ
د .ﺑﻨﻌﻴﺴﻰ ﺑﺎدة ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺮﺑﺎط-ﺳﻼ-اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة
د .ﺣﺴﻦ ﻛﺒﻮس ،أﺳﺘﺎذ ﻣﻜﻮن ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﺳﻴﺪي ﻣﺤﻤﺪ وﻳﻼﻟﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻋﺎدل اﻟﻤﺎدﺣﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ زﻫﺮ ،أﻛﺎدﻳﺮ
د .ﻋﺒﺪ اﻻﻟﻪ ﺷﺮﻳﺎط ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ ،اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة
د .ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر ﻛﺮﻳﻤﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻔﻴﻆ ﻣﻠﻮﻛﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻤﺼﺒﺎﺣﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻟﻲ اﻟﺤﻮر ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺘﺮﺑﻮي اﻟﺮﺑﺎط
د .ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻠﺒﻜﺮي ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺮﺑﺎط-ﺳﻼ-اﻟﻘﻨﻴﻄﺮة ﺍﻟﻬﻴﺄﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ
د .ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺟﻼم ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻣﺤﻤﺪ آﻳﺖ ﻟﻌﻤﻴﻢ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﻮد اﻟﺤﺮاﺣﺸﺔ،أ ﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ، ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ال اﻟﺒﻴﺖ ،اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ.
د .ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻐﺒﻴﺴﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺘﺮﺑﻮي اﻟﺮﺑﺎط
د .ﻣﻌﺎد أوزال ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻫﺸﺎم اﻳﺖ اﻟﻄﺎﻫﺮ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻴﺎض .ﻣﺮاﻛﺶ.
د .ﻳﻮﺳﻒ أﺑﻮ ﻋﻠﻲ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
د .ﻳﻮﺳﻒ ﻧﻴﺖ ﺑﻠﻌﻴﺪ ،أﺳﺘﺎذ ﺑﺎﺣﺚ ،ﻛﻠﻴﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺨﺎﻣﺲ ،اﻟﺮﺑﺎط
دة .ﺻﺒﺎح ﺑﻠﻌﻮﺟﺔ ،أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ ،اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺤﺴﻦ اﻷول ،ﺑﺮﺷﻴﺪ
دة .ﺻﺒﺎح ﻋﻮﻳﻨﺎﺗﻲ ،أﺳﺘﺎذة ﺑﺎﺣﺜﺔ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
ذ .ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻤﻌﺰوزي،أﺳﺘﺎذ ﻣﺒﺮز ،ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺠﻬﻮي ﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻣﺮاﻛﺶ-آﺳﻔﻲ
6
د .ﺣﺴﻦ ﻛﺒﻮس
د .ﻣﺤﻤﺪ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﻫﻤﻴﻤﻲ ﻫﻴﺄﺓ ﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ
ذ .ﻣﻮﻻي اﻟﺴﻌﻴﺪ أﺑﻮ ﻋﻤﺮان
أ -د .حممد زهري (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
الدراسة الصوتية في رسائل الفلسفة اإلسالمية :رسائل إخوان الصفا وابن سينا نموذجين33 ......................... .
ذ .إدريس رشيفي علوي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي – جامعة القايض عياض)
53 .............................................. رهانات ترجمة النص الفلسفي إلى العربية :المفاهيم ،المداخل والحواشي.
حممد سويس (كلية ا دال والعلوج اإلمسامية املحمدية؛ جامعة احلسن الثاين)
نظريات التعلم وفاعلية المدرس :قراءة في المصطلحات واألثر التربوي90 ........................................... .
د .سيدي حممد وياليل (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
بعض مظاهر إشكالية التعليم في المغرب :واقع الحال ومفارقات الخطاب58 ........................................ .
د .حممد رشمي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
حق تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية ألبناء الجالية في المواثيق الدولية05 ........................................... .
د .عمر سلكي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
دور القائد التربوي في تدبير المنازعات داخل المؤسسة التعليمية119 .................................................... .
د .عيل الكاسمي (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
تدريس األدب في الثانوي :بين سؤال الماهية وسؤال الجدوى143 ........................................................ .
د .حممد فتح اهلل مصباح (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين مراكش-آسفي)
د .حممد ابحري (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بني مالل-خنيفرة)
د .موعي املصطفو الربجاوي (املدرسة العليا للرتبية والتكوين -برشيدق جامعة احلسن األول -سطات)
التاريخ البيئي :مدخل لتجويد برامج االجتماعيات بالتعليم الثانوي اإلعدادي491 .................................. .
ذ .امحد املستعد باهلل وتوفيق حممد لقبايبي (كلية ا دال والعلوج اعمساميةق القايض عياض -مراكش)
تدريس النصوص :من السياسة التربوية إلى االختيار الديداكتكي434 .................................................... .
د .العريب منديل (املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بني مالل-خنيفرة).
L’impact des langues maternelles sur l’enseignement du FLE au primaire marocain :
le cas de la région d’El Haouz................................................................................... 481
Khadija MOUADDINE - Hayat MARIR - Rachid MARZAQ - FLLA Ibn Tofail-
Kénitra
9
تستدعي الحركية الدائمة التي يعرفها مشهد منظومة التربية والتكوين بالمغرب،
سواء على مستوى النظرية أو الممارسة ،القيام بمساءلة منتظمة ومتأنية ورصينة لهذا المشهد،
من أجل الوقوف على واقعه الحالي ،واستشراف آفاقه ،بغية الارتقاء المستمر به.
في هذا الإطار ،تأتي مبادرة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مراكش –
من أجل الإسهام في إثراء آسفي بإصدار العدد الأول من
النقاش المتعدد والبناء حول واقع منظومة التربية والتكوين بالمغرب ومتطلبات مواكبة
إصلاحها ،وذلك من خلال مقاربة موضوعات ذات طابع تربوي أو بيداغوجي أو
ديداكتيكي أو تشريعي .وهي مبادرة تندرج ضمن مشاريع مجلس المركز الرامية إلى
ترسيخ دعائم إصلاح المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والنهوض بها كي تضطلع،
على النحو الأمثل ،بوظائفها الأساسية في التكوين والتأهيل ،وذلك في تفاعل مع أسئلة
المجتمع والعصر ،وفي مواكبة للتطورات الوطنية والدولية الراهنة على مستوى المعارف
والنظريات والمناهج المطبقة على التربية والتكوين؛ بغية استثمارها لفائدة المكونين
والفاعلين التربويين.
بالأساس: تتوخى
مد الفاعلين التربويين بمرجعيات عمل ذات صبغة تربوية وبيداغوجية وديداكتيكية،
من شأنها أن تسهم في تكوينهم الذاتي؛
تبسيط المفاهيم والمصطلحات المتداولة في مختلف مجالات التربية والتكوين،
واستعمالها الإجرائي على نحو مشترك ،قدر الإمكان ،من حيث المعاني والدلالات،
وذلك بغاية تيسير التواصل بين الفاعلين التربويين ،ودعم التكوين الأساس والتكوين
المستمر والتأطير التربوي والبيداغوجي والإداري؛
التعريف بالمستجدات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية ،وبالممارسات المهنية
الناجعة؛
10
تكوين، الإسهام في نشر المعرفة العلمية حول القضايا والمسائل الجوهرية في التربية وال
وجعلها في متناول مختلف الفاعلين؛
حفز الفاعلين التربويين على الإسهام في إنتاج المعرفة البيداغوجية ،وإذكاء النقاش
الموسع والبناء ،وتبادل التجارب والخبرات؛ بغية تجديد الفعل التربوي والتكويني والرفع
من فعالية مردودية منظومة التربية والتكوين.
تطمح هذه المجلة ،إذن ،إلى أن تكون فضاء مفتوحا للرأي الحر والنقاش متعدد الآراء
والأطراف ،ومنبرا لمختلف الفاعلين في العملية التربوية :المكون (ة) ،المدرس (ة) ،الإداري
(ة) ،المتدرب (ة) ،بشكل يسمح لكل هؤلاء بالتعبير عن وجهات نظرهم التي تتناول
بالتحليل الموضوعي والنقد الهادف القضايا الملحة والراهنة لمنظومة التربية والتكوين في
المغرب ،والآفاق الممكنة لتطويرها والارتقاء بها.
بجميع المساهمات، وعلى هذا الأساس ،ترحب
وتفتح المجال أمام تنوع الآراء وتعدد الاجتهادات ،غايتها أن تكون ملتقى لإبداع الفاعلين
والمهتمين بمجال التربية والتكوين بمختلف مشاربهم ،في سبيل التحقيق الفعلي للطموح
الوطني المشترك" :من أجل مدرسة ذات جودة للجميع".
،أهنئ كل وبمناسبة إصدار العدد الأول من
العاملين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة مراكش-آسفي ،من طاقم
بيداغوجي وإداري على انخراطهم الإيجابي في سبيل إصدار هذه المجلة ،وأتمنى أن تتبوأ
مكانتها إلى جانب منابر البحث العلمي ببلادنا.
العدد األول نونبر 0202 والتكوين التربية التربية
المتخصصة في
المجلةالمتخصصة في
11 والتكوين المجلة
1
يف رصيد هذه املؤسسة الرتبوية العتيدة تاريخ من التكوين والتثقيف ،يبتدئ من سنة 4791ليمتد يف الزمن
أجياال متعاقبة حظيت بالنهل من مناهله عىل امتداد مساره احلفيل ،وما عرفه من تطورات وانعطافات.
سنوات عديدة مرت خالهلا مياه كثرية حتت اجلرس ،وعرب تاريخ كل تلك السنوات مراحل مفصلية ،يمكن
تلخيصها يف:
-4املرحلة األوىل :وكان الرهان األساس فيها العمل عىل استكامل مغربة األطر الرتبوية وتوسيع جماالت
التمدرس ،ويف هذه املرحلة كانت مهام التكوين األساس موكولة إىل هذه املراكز نفسها
( -2املراكز الرتبوية اجلهوية) جامعة بني التكوين األساس والتكوين الرتبوي يف مستغرق سنتني تكوينيتني
لتخريج أساتذة للسلك الثانوي اإلعدادي.
-3تيل هذه املرحلة مرحلة االعتامد عىل اجلامعة يف التكوين األساس ،واستقبال طلبتها لتأهيلهم أساتذة
للثانوي اإلعدادي ،اعتامدا عىل عدة تكوين جديدة ،أنجزت خالل الثامنينيات عامدها التكوين بالتناوب.
-1ومن سنة 2142انتقل املركز إىل خريطته اجلديدة ،مستوعبا كل أسالك التعليم ما قبل اجلامعي (ابتدائي-
ثانوي إعدادي -ثانوي تأهييل) حتت تسمية املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ،بعد التحاق املدارس العليا .
-5لألساتذة باجلامعة ،مع استمرار االعتامد عىل اجلامعة يف التكوين األساس .ويف هذا الوضع اجلديد
اشرتطت شهادة اإلجازة للرتشيح ملباراة أي سلك من أسالك املركز املستحدث ،مع استمرار نظام التكوين
بالتناوب والتكوين املستمر ،وإضافة سلكي التربيز والتكوين لإلدارة الرتبوية.
يدل يف جمال خطري كمجال الرتبية والتكوين ،ال وضمن هذه األطر الثالثة العامة تفاصيل وتشعبات
ضئيل طاف عىل السطح. يستنبت من مكتس ال جمال للخوض فيها ،إذ املقصود يف هذه العتبة ،هو
فالتكوين الرتبوي ،كالتعليم اجلامعي «ال يمكن حرصه اإلشارة إىل السنوات الطوال يف تاريخ هذه املؤسسة،
يف تعليم مهني ،حتى عندما يكون بصدد تكوين أطباء وما عرفته-كغريها-من حتوالت ضمن املسار العام
أو أساتذة ،فإنه يقدم شيئا إضافيا هو ارتباطه احلميم لنظام التعليم وحتوالت منظومته يف بالدنا ،واملقصود
بالبحث» ،1البحث العلمي والبحث الثقايف .فالتكوين أيضا -تبعا لذلك -استحضار ،وبكل حمبة وتقدير ،كل
بدون بحث مراوحة يف حيز يضيق كثريا عن األهداف من عملوا ويعملون وخترجوا ويتخرجون من هذه
العميقة منه .ومن الدال أن يمثل «أوليفيي روبول» املؤسسة ،التي كانت ،وآمل أن تبقى ،حمضنا ثقافيا
بحالتي تكوين األطباء واألساتذة ،أي بحالتني تربويا إنسانيا هلم مجيعا.
تبارشان مهامهام إنسانيا قبل كل يشء ،وهو ما يقتيض هلذا التقليد واين لتغمرين سعادة خاصة ،إذ نؤس
تأهيال معرفيا وثقافيا خاصا ،خيتلف عن أي تأهيل األكاديمي املرموق ،تقليد الدرس االفتتاحي ،الذي
أدايت ملجرد االستعامل ،فالالفت يف عبارة «حتى عندما رشفني زمالئي األعزاء بإلقائه ،وهو تقليد يعني ،من
يكون بصدد تكوين أطباء وأساتذة» هو هذا التعيني ضمن ما يعني ،أن البحث العلمي وإنتاج املعرفة
بالذات ،ملا للحالتني من آثار بالغة يف حياة اإلنسان، والبحث املستمر عنها ،من الوظائف املحورية األساس
فتكوينهام للمهنة ال ينفصل عن تلك القيمة املصاحبة هذه للمؤسسات واملعاهد العليا ،ويدخل يف صل
رضورة ،التي هي البحث ،املؤطر للتكوين واملنري الوظائف -بطبيعة احلال -الرهان عىل املساءلة
ملساراته وأهدافه .البحث العلمي منتج املعرفة احلية، واملراجعة والنقد وتطوير املفاهيم واحلصائل املعرفية
والبحث الثقايف الذي يعرف الشخصية بذاهتا وحميطها والثقافية ،ليمكن تطوير اإلجراءات واملامرسات عىل
وبام جيري يف احلياة حوهلا ،ويسند خطواهتا بثقة يف ضوء ذلك وبتأطري منه وتفاعل معه.
ممارستها العملية ،وهدفها اإلنسان وهدفها املجتمع النتحاء املعايري الضيقة وهذا الرهان ال يستجي
وهدفها احلياة. اختصارا للزمان ،حتت ذريعة ما قل ودل ،يف جمال ال
يقبل اختصاره يف اجلاهز الذي ال يثمر ما يدل ،إذ ما
لرباجمه يف تفاصيل مكوناهتا وأهدافها ،حمفزا ألسئلته ومن هنا خطورة التكوين للرتبية .فاإلنسان ال
مؤطرا لقضاياه ومشاكله ومصاحبا له يف خطواته. يستكمل إنسانيته إال بالرتبية ،إنه يفتح عينيه عىل عامل
من ثمة نعتربه الدليل العلمي للتكوين، يطرح عليه ما ال حرص له من األسئلة ،وكلام تقدم يف
والكاشف له عن إمكانات وتوجهات جديدة لتحسني حصائله املعرفية الكاشفة للغوامض واملنرية
ممارسته وتطويرها باستمرار ،جتاوبا مع تبدالت للمسالك ،أمكنه سد فراغات كثرية يف ذاته ويف عالقته
املجتمع وحتوالت احلياة وتفاعال معها وفعال إجيابيا مع احلياة.
فيها ،وهو ما حييل عليه مفهوم التكوين املستمر ومن هذا األفق تتجاوز النظرة واملامرسة الضيقتان
واهلدف منه .فكل تكوين سابق يف حاجة إىل تكوين ملفهوم الرتبية ،لتصري الرتبية «جمموع السياقات
الحق يتجاوب مع املستجدات املعرفية والوظيفية ، والطرق التي تسمح للطفل البرشي بأن يقرتب
ومع املتغريات املتسارعة للحياة ،و هذا يعني أن بالتدريج من الثقافة ،تلك الثقافة التي متيز اإلنسان عن
التكوين ال يتلقى دفعة واحدة وأنه ال حدود له ،فاحلياة احليوان» 1وتسمح لليافع والشاب ولإلنسان يف كل
توقفنا يف كل حني عىل احلاجة ،واملعرفة املالزمة ترشدنا أطوار عمره أن يتقدم أكثر يف مقتضيات رشطه
إىل إمكانات سدها كي ال تضيع الذات املامرسة يف اإلنساين.
املتاه ،أو تستنزف اجلهد دون مردود ناجع مقنع ،بحكم إن التكوين هو إعداد تربوي ثقايف ملامرسة تربوية
أن إدراك موضوع املعرفة وقف عىل الذات العارفة، ثقافية ،وفق خلفية معرفية ووعي متبرص بام حيقق
والنفاذ يف موضوع املعرفة موسع آلفاق العمل هبا، األهداف املتوخاة من الفعل الرتبوي .التكوين هبذا
وقد جاء عن أيب حيان التوحيدي أن « الزيادة يف العلم املعنى يستلزم تأطريه بالبحث لئال ينزع إىل جتريدية
داعية إىل الزيادة من العمل ،والزيادة من العمل جالبة هشة ،والبحث يامرس يف املؤسسات العليا واملراكز
واالنتفاع بالعلم دليل سعادة االنتفاع بالعلم، واملختربات املرتبطة هبا ،ويوسع بالتعاون والرشاكات
اإلنسان ،وسعادة اإلنسان مقسومة عىل أقياس العلم واملبادالت بينها .وإذا مل تتوافر رشوطه عىل هذه
والتامس العمل ،حتى يكون بأحدمها زارعا وباآلخر املستويات ،فإن الذات املنشغلة به ال تني باحثة عام
يستجي النشغاالهتا وإن يف حدود املتاح .وكيفام كان
احلال فإن التكوين يقتيض حمايثة البحث له ،مضيئا
- 1نفسه ص .24
العدد األول نونبر 0202
14 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
احلاجة إىل املهني ،ومالزمتهام لبعضهام عضويا ،ملسي حاصدا ،1» ..فلننظر إىل هذا التساند بني العلم
هذا التوازن كام ال خيفى .وتسييج املامرسة بالفكر املعلل والعمل ،وإىل زيادة منسوب كل منهام بزيادة منسوب
الناقد املبدع .وفتح آفاق متجددة عىل املوارد املعرفية اآلخر ،وما يرتت عن ذلك من عائد مرغوب يف حياة
التي تربط التكوين بام جيري من تطورات يف املجاالت اإلنسان.
التي ترتقي بالعمل وتوثق الصلة باملعاين والقيم النبيلة وإذا كانت املهام املحددة ملراكز التكوين الرتبوي،
يف احلياة ،جماالت العلوم واملعارف واآلداب والفنون.. هي :التكوين ،والتكوين املستمر ،والبحث ،فإن
اآلداب والفنون وشع ومد اجلسور بني شع املالحظ أن التوجه يميض اآلن يف اجتاه خيتزل التكوين
العلوم. أو يكاد ،يف نمذجات عامدها الرتسيامت واخلطاطات
-2يف سياق احلرص عىل مالزمة البحث للتكوين واجلدولة التقنية والبناءات اهليكلية املجردة من
لئال يغرتب التكوين عن الزمان ،والزمان ما فتئ أسنادها املرجعية املؤطرة للتقنية والداعمة هلا واملضيئة
يضاعف حتدياته التي ال تقف عند حد؛ يف سياق هذه ألهدافها ومشاكل ترصيفها .ومن هنا هيمنة املهني
املالزمة توسع دائرة البحث لتشمل الطلبة األساتذة، عىل األدايت االستعاميل عىل املعريف الذي يتأس
خاصة يف ما يتعلق بمناهج البحث وطرق املعاجلة أرضيته املهني وجتنى ثمرته من شجرته.
العلمية ملوضوعات من صميم برنامج التكوين هكذا ينشغل التكوين باإلجراء البيداغوجي يف
وحاجياته ،ولقضايا ومشكالت مما يواجه الطلبة مقابل انحسار مرجعياته الفلسفية ومتكآهتا املعرفية،
األساتذة يف مساراته. ويف شبه غياب للبحث وللتكوين املستمر.
وإنني ألجد رابطا بني قضية البحث وبني قيمة وهذا يدعو من جديد إىل التأكيد أن االنشغال بالتكوين
أساسية أخرى تعترب من رشوط نجاعة التكوين، مستلزم ال حمالة لرديفه وهو البحث املسكون بطموح
وتتعلق بالتأهيل األكاديمي والثقايف لطلبتنا ،وهم إنتاج املعرفة ،وذلك متوقف عىل:
يدركون قبل غريهم أن ما تلقوه يف اجلامعة من التكوين -4توفر رشوط البحث وفق برنامج متأصل من
األساس ،غري كاف يف الغال ليستجي النتظارات ما احلاجات األساسية للتكوين ،ومن أمهها املوازنة بني
هم مقبلون عليه من مهام الرتبية والتدري ..وهو التكوين التخصيص األساس والتكوين البيداغوجي
يف كل منا آلة تساعدنا يف حتصيل العلم» . 1وهذه اآللة واقع ملحوظ لدى اجلميع ،يدعو إىل أن يعترب ما تلقوه
يصيبها الصدأ باإلمهال أو التعطيل ،ومن ثمة فهي يف اجلامعة أرضية إلخصاب وتطوير حصيل معارفهم
حاجة إىل تشغيل وحتفيز دائمني مؤسساتيا وذاتيا. وإمكانات معاجلاهتم املنهجية ،فاإلجازة أو أي شهادة
إن أنظمة التكوين الرتبوي إنام تنبني عىل التكوين جامعية ليست جمرد درجة ،ولكنها أساسا شهادة عىل
املعريف الذي يضخ فيها دماء احلياة ،مع اعتبار – امتالك معارف ومؤهالت -وهذا هو املنتظر -حتتاج
وبإحلاح -أن اإلنسان هو منطلق التكوين الرتبوي دائام إىل اسرتفاد وإضافة وتطوير.
اآللة الصامء .اإلنسان الذي يعد وغايته ،ولي وهذا يدعو إىل:
املوضوع، للمواطنة وللحياة ،اإلنسان الكيان ولي أ -أن خيترب املقبلون عىل مباراة املركز ،يف ما يرتبط
اإلنسان يف عامل يزداد تعقيدا يوما بعد يوم ،عامل فيض بصميم تكوينهم األساس يف اجلامعة ،ال يف ما يبتعد
املعلومات واملغالطات وتصادم القيم ،والتحوالت هلم تكوين فيه. عن جماالته ولي
الكاسحة يف احلساسيات واملفاهيم واملنظورات وطرق ب -إعادة النظر يف حصة التكوين األساس يف
العيش ،عامل امليديا وإمرباطورية الصورة واستفحال برنامج التكوين داخل املركز ،بالزيادة يف الزمن املقرر
اإلشارة والعالمة التي تضمر يف الغال غري ما تظهر، هلذه احلصة ،إلمكان التدارك النسبي للنقص يف حتصيل
عامل التواصل والقطيعة ،التفاعل والتنابذ ،االنفتاح الطلبة من التكوين األساس.
والتطرف ،وقيم اإلشهار واالستهالك يف مدها ت -التفعيل األمثل للعالقة بني التكوين اجلامعي
اجلارف ،عامل العوملة واإلعالن عن موت التاريخ رغم ومتطلبات التكوين الرتبوي ،وخاصة يف ما يتعلق
شاخصية التاريخ و صدماته ،عامل التنامي املعريف بالتكوين اجلامعي املؤهل الجتياز مباراة مركز التكوين
واألطر املنهجية املعقدة يف كل العلوم واملعارف الرتبوي .وهذا يقتيض تقوية اجلسور بني اجلامعة
والفنون ،عامل حوار الثقافات وتصادمها يف آن، ومراكز التكوين.
واحلراك االجتامعي بمآالته وتداعياته ،عامل بحث واملنتظر من التكوين املستمر أيضا ،والتكوين الذايت
اإلنسان عن ذاته بشتى الطرق ،واعتبار نسبة العالقة أال يغي عنهام أن النهر يضحل ملا تشح عليه الروافد.
مع حقوق اإلنسان يف سلم قياس مدى التنمية الرمزية وأستحرض هنا ما قاله أفالطون يف اجلمهورية من «أن
اليوم ،لكن مبدأ مالزمة الثقايف للرتبوي والرتبوي العرص ،عامل الدعوات إىل واملادية وااللتحاق برك
للثقايف يبقى قيمة أساسية يف كل األحوال ،وهو ما السلم يف مقابل تأجيج احلروب املدمرة ..عامل تعكري
تؤكده الوثائق املرجعية للسياسة العامة للبالد وملنظومة مزاج الطبيعة واإلجهاز عىل منحها الوفرية والتباكي
الرتبية والتكوين يف خمتلف أطوارها. عليها من اجلناة أنفسهم ..وباختصار :عامل بوجوه
-4فضمن مشمول تصدير الدستور املغريب احلايل وأحوال متناقضة إىل حد الذهول..
نجد التنصيص عىل «توسيع وتنويع عالقات الصداقة، إن تعقيد احلياة اليوم ال يمكن للتكوين أن يتغاىض
واملبادالت اإلنسانية واالقتصادية والعلمية والتقنية عنه ،كام ال يمكن ألي فاعل تربوي مواجهته بثقافة
والثقافية مع كل بلدان العامل». بسيطة أو حمدودة األفق .فمعرفة العامل هي السبيل إىل
وينص الفصل 23عىل ما ييل« :تدعم السلطات التواصل معه ،وإن يف احلد األدنى الذي يمكن من
العمومية بالوسائل املالئمة ،تنمية اإلبداع الثقايف ذلك ،فمن أهم احلقوق املتوجبة لإلنسان بعد وجوده،
والفني ،والبحث العلمي والتقني والنهوض هلو احلق يف تثقيفه وتربيته وتكوينه بام يمكنه من
بالرياضة .كام تسعى لتطوير تلك املجاالت وتنظيمها، االستجابة لرشوط إنسانيته ومن التفاعل اإلجيايب مع
ديمقراطية ومهنية بكيفية مستقلة ،وعىل أس احلياة .وهذا شأن تتضافر فيه الثقافة بالرتبية والتكوين
مضبوطة.». دون فواصل.
-2ويف املرتكزات الثابتة يف امليثاق الوطني للرتبية ها نحن إذن ،يف مدار ثالثة مفاهيم مركزية مركبة:
والتكوين نقرأ: الثقافة ،الرتبية ،التكوين .قبل تأطري هذه املفاهيم نظريا
«هيتدي نظام الرتبية والتكوين للمملكة املغربية يف تضاعيف مناولتنا ،جتدر اإلشارة إىل أن املدرسة
بمبادئ العقيدة اإلسالمية وقيمها الرامية لتكوين املغربية احلديثة يف نشأهتا األوىل ،أقصد مدرسة احلركة
املواطن املتصف باالستقامة واإلصالح املتسم الوطنية ،تأسست عىل دعامتني متكاملتني :التكوين
العلم واملعرفة باالعتدال والتسامح والشغوف بطل الرتبوي املدعوم بالثقافة ،والثقافة املؤطرة بالرهان
يف أرح آفاقها واملتوقد لالطالع واإلبداع ،واملطبوع الرتبوي .لنتذكر أن مؤسيس املدرسة الوطنية املغربية
بروح املبادرة اإلجيابية واإلنتاج النافع». احلديثة ومؤطرهيا األوائل كانوا من النخبة الوطنية
ويف مواضع عدة ينص امليثاق الوطني للرتبية املثقفة .أكيد أن رشوط إنشاء تلك املدرسة وأهدافها يف
والتكوين عىل التفاعل يف أبعاده املحلية والوطنية مرحلة االحتالل ،ختتلف عن رشوط وأهداف املدرسة
العدد األول نونبر 0202
17 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
النظرية املتعددة» 2التي يتحدد يف سياقاهتا أو ينحو إىل واإلنسانية ،وعىل تأهيل املتعلمني ارتكازا إىل هذا
التحديد .ومفهوم الثقافة من هذا القبيل .فالثقافة إذا األساس ،ومن ذلك تنصصه عىل انتظار« املجتمع من
كان جماهلا العام هو احلياة ،فمجاالهتا اخلاصة هي النظام الرتبوي أن يزوده بصفوة من العلامء وأطر
العلوم واملعارف والفنون ..وهذه هلا خرباؤها التدبري ذات املقدرة عىل ريادة هنضة البالد عرب مدارج
املختصون ،الذين يمدون احلقل الرتبوي بام ييضء رؤاه التقدم العلمي والتقني واالقتصادي والثقايف» ،مدرجا
وممارساته ،وبام يمكن من بناء الشخصية اإلنسانية ضمن حقوق وواجبات األفراد واجلامعات« العمل
الناضجة فكرا ووجدانا وسلوكا ..وإذا ما حرصنا عىل تشجيع العلم والثقافة واإلبداع ،خصوصا يف
األمر يف التكوين بمعناه الوظيفي ،فالثقافة تكون هي املجاالت ذات البعد االسرتاتيجي» وطبعا فمن
اإلجراءات البيداغوجية ويربرها نظريا، ما يصاح املجاالت ذات البعد االسرتاتيجي جمال الرتبية
ليكون املامرس هلا عىل بينة معرفية بام يفعل .فاإلجراء 1 والتكوين.
قارص دون خلفيته املعرفية ،كاملنهج فارغ دون موضوع وبعد ..إن مفهوم الثقافة الذي نعتربه مالزما بنيويا
اشتغاله ،هيكل بارد دون حياة .إن كل نسق إجرائي ملفهومي الرتبية والتكوين ،كام تعتربه كذلك النصوص
إفراز لتصور نظري سواء كان التصور واضحا أو املرجعية ،بحيث تصطف املفاهيم الثالثة :الثقافة،
مضمرا .املهم أن ثمة سندا نظريا ال يمكن فهم التقنية الرتبية ،التكوين يف نظيمة واحدة ،اصطفاف تداخل
أو النسق اإلجرائي وضامن نجاعتهام إال بمعرفته ،وإال وتكامل ..إن هذا املفهوم – أعني الثقافة -إنام تتحدد
كنا كناقد األدب الذي يامرس دون عتاد معريف ودون طبيعته وحمموله ،كأي مفهوم مرك ،داخل جمال
نظرية ودون أدوات منهجية ،أي دون ما يوفر خلطابه اشتغاله واهلدف من استدعاء عنارصه البانية يف
كفاياته اإلقناعية .إن هناك تناظرا بني املدرس وناقد ذلك املجال .فاملفهوم مسكون بتارخيه، مستقط
األدب .فالنقد اشتغال منهجي عىل النصوص استنادا وتارخيه «إنام هو تاريخ تنوع جماالت تكوينه
إىل مبادئ نظرية وأرصدة معرفية وحساسية مجالية وصالحيته ،تاريخ قواعد استعامالته املتعاقبة وميادينه
وذلك لتجاوز االختالالت والنقائض املسجلة جراء عدم أو - 1ويف رافعات من «الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح -2145
حمدودية االهتامم بالبعد الثقايف يف املدرسة ويف التكوين الرتبوي. »2131تنصيصات عىل عضوية الثقايف يف التكوين الرتبوي بجميع
-2ميشيل فوكو -نظام اخلطاب وإرادة املعرفة -ترمجة امحد السطايت األسالك ...يراجع بصفة خاصة عموم تفاصيل الرافعة السابعة
وعبد السالم بنعبد العايل -دار النرش املغربية -الدار البيضاء- عرشة :تقوية االندماج السوسيو ثقايف ،حيث التنصيص عىل أنه
-4795ص.54 «يتعني عىل املدرسة اجلديدة االضطالع بمهمتها يف حتقيق االندماج
الثقايف عرب جعل الثقافة بعدا عضويا من أبعاد وظائفها األساسية»
العدد األول نونبر 0202
18 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املكنون» حتددت للتعليم أربعة أهداف رئيسة صاغها مرهفة ،وإىل هذا فال بد من امتالكه قدرة عىل بناء
التقرير هبذه الصيغ املخترصة الدالة: خطابة بام يكفل التواصل واإلفادة ..واملدرس كالناقد
تعلم لتعرف يف رضورة امتالكه القدرة عىل منافذة املادة أو املواد
تعلم لتفعل التي يدرسها بامتالكه العدة الالزمة لذلك من رصيد
تعلم لتكون معريف وإمكانات استبصارية وكيفية توصيل خاصة،
تعلم لتشارك اآلخرين والكيفية ترتبط باملهارات والتقنيات والطرق
املعرفة ،الفعل ،الكينونة ،املشاركة ،كلها موقوفة البيداغوجية لإلبالغ واإلفهام والتواصل واألسالي
عىل التعلم ،التعلم للمعرفة أوال ،ومن مدخلها إىل والتفاعل ..وإذا كانت للناقد وجهة نظر يف ما يقرأ فهذا
احلضور الفاعل واملتفاعل ،فهي أساس كل األهداف من صميم فاعلية املدرس أيضا يف عالقته بام يتلقى
املحددة يف التقرير ،األهداف املستغرقة ملرامي الرتبية ويدرس .فالشخصية ال تتكون باإلتباع دون تبرص.
أن يكونه اإلنسان أو أن والتعليم يف اإلحاطة بام جي هناك نموذج جاهز يؤخذ وصفة ويف التكوين لي
يتطلع إليه وهو يسعى يف احلياة إىل سد نقص يالزمه، هنائية مغلقة ،بل ثمة أدلة ومؤرشات ومفاتيح لالهتداء
وألجل ذلك ال يكف أو ال ينبغي أن يكف عن هبا يف الطريق الذي يسلكه كل منا بقدراته اخلاصة التي
السؤال ،أي عن البحث مالحقا الزمان ،أو حماوال ذلك حتتاج دائام إىل اسرتفاد .وقياسا عىل هذا فإن مسعى
لئال يتخلف عن حركته .السؤال الذي ال يقر له قرار الرتبية أن تكتشف قوى اإلنسان املبدعة وتعمل عىل
كالزمان .السؤال أحد الفواعل املركزية يف الرتبية إنامئها يف اجتاه بناء الشخصية اخلاصة بتحرير طاقاهتا
والتدري ،بل إنه الفاعل الدافع األساس من أجل ومدها بام حيرك حوافزها وحيقق متيزها ،املنتج عن
املعرفة واستثارة الطاقات الكامنة يف الذوات لتعرف صبها يف قوال جاهزة قبال تضيق عنها غريها ،ولي
وتتعرف وتدرك وجودها وتبحث له عن معنى .وأميز وهبا وتكبح طاقاهتا اخلالقة .وهبذا اهلدف للرتبية يمكن
هنا بني سؤال أفقي وهو سؤال التواصل والتحاور للشخصية أن تتدرج يف ارتقاء سلم احلياة ،ويكون كل
العاديني للمعرفة العابرة .والسؤال العمودي وهو ارتقاء هلا بمثابة والدة جديدة .لقد أكد كانط أن
سؤال االكتشاف ودعم املكتس املعريف .وأفرتض أن إال بالرتبية املؤسسة عىل ضوابطها .ويف اإلنسان لي
السؤال العمودي يتأصل من عمق الذات ،إذ ال يتعلق تقرير اليونسكو الذي عنوانه «التعليم ذلك الكنز
بموضوع انشغاهلا وحس ،بل يساكنها فكرا
العدد األول نونبر 0202
19 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
من يعلمهم عىل ما ال يقبل هو عليه؟ كيف يمكنه أن ووجدانا .فاملوضوع يف هذه احلالة ال ينفصل عن تاريخ
يفتح أروقة الذات البرشية أو يستحث نوازعها إذا الذات الداخيل ،فال مسافة بينهام وال حد .مربر هذا
كانت أروقة ذاته هو منغلقة واملفتاح الناعم ،أعني التعالق هو الزمان نفسه ،فكلام امتدت يف الزمان
احل ،غائ عن روحه؟ كيف جيعل غريه ينجذب إىل املصاحبة الداخلية بني الذات وموضوع انشغاهلا ،إال
موضوع إحساسه به هو فاتر أو خامد؟ كيف يعد إىل وأوغلت العالقة بينهام إىل نفاذ عميق .بحيث يصريان
احلياة بام ال تنشد إليه نفسه؟ ..إن حدوس املتعلمني صنوين أو رديفني .واملوضوع املعني هنا هو الشغف
الوصل القطيعة ،حت الوصل كام حت املرهفة حت بالسؤال الذي عىل الرتبية والتكوين أن يرعياه هبدف
القطيعة فينفذ إليها الضجر، فتنفتح للتامنح ،وحت ترسيخه .الشغف بالسؤال للمعرفة وإبداء الرأي
ومع الضجر تنغلق النفوس فال زرع وال إنتاج .إن والنقد واجلرأة عىل حماورة حتى املفاهيم املركبة
التعليم املثمر حيقق «هبجة القراءة من أجل روعة والرتبية والتكوين والثقافة واحلرية. كالعدالة واحل
الكتاب بدال من االمتحان ،وهبجة متابعة موضوع ألنه مهام
املفاهيم املفعمة بالقيم التي يظل مدلوهلا منفلتا َ
بدال من أنه جزء من املقرر الدرا،ي، الل خيل حاولنا القبض عليه ،لكن هذا االنفالت هو بالذات ما
وهبجة مراقبة عيني مدرس عظيم ومها تضيئان باحل يغري باستدامة مساءلتها والبحث فيها لالقرتاب مما
اخلالص الذي يرتجم اخلالص للموضوع» 1،احل تعنيه بالنسبة إلينا يف وضعنا ،يف حالنا ،يف حياتنا هذه..
أداء املوضوع يف إبداع حيقق التفاعل معه ،الضغطه يف ها قد انسلت من الذات كلمة «احل » اسم قيمة
جمرد ترسيامت وجداول منمذجة وترتيبات آلية من القيم الكربى ،كنت أنصت إىل الرغبة يف أن تكون
مكرورة ،كثريا ما رصنا نرى ركوب خطاطاهتا دون عالقتها بالرتبية مدار هذا الدرس االفتتاحي :الرتبية
مردود .والفعل الرتبوي ال يأخذ مسلكه املنتج إال عرب لألخذ والعطاء، الذي تنفتح به النف واحل ،احل
تقاطع متفاعل ،استمداده من ثراء الوجدان ووهجه، احل اجلاذب الداخيل إىل عامل الرتبية ،فالرتبية ال تثمر
ومن مذخر الفكر وجتدده ،ومن القدرة البيداغوجية ومن يقبل عليها بدون هوى لن يكون بدون ح
املبدعة التي ختتار وتبدع للموضوع ما يالئم سياق جناه -كام أرى -غري جنى ضامر هزيل ،فال توفيق ملن
أدائه ..وهي عملية مركبة تؤكد من جديد أن فعل يامرس العمل الرتبوي دون ح ،كيف ننتظر أن يقبل
قاعدة للتكوين املهني .وهذا واقع ال يمكن التغايض الرتبية والتكوين يضن بمردوده يف غياب أو ضحل
عنه وإال كنا نصادر عىل مطلوب مفرتض وحس ، املؤهالت له وعىل هذا األساس فحني يكون الراغ
علام أن املقررات الدراسية يف حد ذاهتا حتتاج إىل أرصدة يف اإلقبال عىل هذا الفعل عىل استعداد ذايت ملامرسته،
معرفية وثقافية متعددة الروافد ألجرأهتا بيداغوجيا، فان اكتساب طرقه ومهاراته جتد الطريق املفتوح إىل ذاته
فضال عام تتطلبه من توجيه إىل املدونات واملظان بكل أرحيية ،وجتد من ذاته الرغبة ال يف االكتساب
املرجعية الداعمة واملساعدة. وحس ،بل واإلبداع الذايت أيضا.
إن املدرسة ليست قلعة وليست ديرا وليست مصنع إىل قال عبد اهلل العروي «إن العبور من احل
آالت .املدرسة رديف احلياة يف صورهتا املثىل ،وهو التاريخ هو الوصول إىل سن النضج» 1ولنقل قياسا :إن
حلم ،ومل ال؟ والسبيل إىل ذلك هو املعرفة ،هو الثقافة، إىل الرتبية هو الوصول إىل ضفتها العبور من احل
هو التكوين املخلص يف أدائه ،املدعوم بالتكوين املفتوحة عىل االجتهاد املبدع ،أعني العبور من احل
املستمر منذ اللهج باألبجدية وعىل امتداد العمر ،لئال ويف ظله إىل املعرفة والعمل .واملعرفة املقصودة هنا هي
ينفصل اإلنسان عن ذاته وعن غريه وعن جمتمعه وعن املساءلة النقد ،ح املعرفة التي يصاحبها ح
حركة احلياة يف تطورها الدائم. واملراجعة واملشاركة يف الرأي بالرأي ،ويف بناء الربامج
وعىل التكوين أن يضع هذا يف االعتبار وبانتباه بمجرد باحلوار املعريف وتنفيذها بمصاحبته ولي
وحرص شديدين. القرار .ومن مستلزمات احلوار املعريف بطبيعة احلال،
أستحرض هنا صورة رمزية ملدرسة تشبه القلعة يف التأمل اهلادئ املستند إىل االطالع والتجربة من أجل
حمفوظ « نصف يوم » من جمموعته قصة نجي تبادل األفكار والعمل عىل االرتقاء املستمر باملامرسة.
القصصية «الفجر الكاذب» .القصة اسرتجاع من جمرد القرار ،فالقرارات غري أؤكد عىل احلوار ولي
الراوي ملرحلة انتقاله أول مرة يف طفولته ،من حضن املستنبتة من صميم اخلربة والتجربة املبارشة والواقع
األرسة إىل املدرسة حيث تعلم ما تعلم وربط من الشاخص والسند العلمي ،ليست سوى قرارات
العالقات ما ربط ،لكنه عندما خرج إىل املجتمع جتريدية تتعثر دائام يف إعطاهبا فال تسفر عن نتائج ،كام
حدث -مثال – يف االعتامد عىل قبلية التكوين األساس
فكان أن وجد الولد نفسه ضائعا حني احتاج إىل نفسه اصطدم بحال وواقع مناقضني متاما ملا عاشه يف تلك
وقد كرب .وجد نفسه ضائعا يف جمتمع رشس انقطعت املدرسة.
املدرسة عنه وانقطعت األرسة عن املدرسة ،فصار املآل خارج املدرسة مل جيد أباه الذي صحبه صباحا يف
الرمزي إىل ذلك التيه الذي وجد الراوي الرجل الذي إشارة إىل أن عليه االعتامد عىل نفسه يف الرجوع إىل
يساكنه الطفل ،نفسه فيه هناية املطاف. البيت وهو ما عزم عليه ،وهنا تتحول القصة إىل شبه
إن لإلبداع يف تناول قضايا الرتبية والتكوين رصيد كابوس كاشف ألعطاب جمتمع يضج باالزدحام
عظيم ..وأستحرض هنا أيضا من ذلك الرصيد ،وعىل املفرط والعالقات املختلة والتحوالت الفوضوية
سبيل املثال ،الرشيطني السينامئيني «حلقة الشعراء الوحشية ،التي تواترت برسعة مذهلة كام لو حدثت يف
املفقودين» و«نجوم عىل األرض» ألشري إىل األمهية نصف يوم ،و التي تناقض ما كان الطفل الذي كرب اآلن
الفائقة إلدماج التكوين الرتبوي يف براجمه أعامال قد عاشه يف حضن األرسة ،وما تعلمه وعاشه يف
اجلاميل، إبداعية عاجلت قضايا تربوية .أوال إلنامء احل املدرسة املنعزلة منقطعة عن املجتمع ،فال يظهر تأثريها
وثانيا لالستفادة األكيدة من تلقي هذه األعامل وفتح فيه ،فهي «املبنى القائم يف هناية الطريق مثل حصن
حوار مؤطر يف ما تعاجله. هائل شديد اجلدية والرصامة عايل األسوار 1».وهذه
وبعد ..لقد ربط «كانط» بني الثقافة واحلرية وعىل مدرسة مفتوحة عىل حالة قلعة مغلقة عىل نفسها ولي
اخلط ذاته نربط بني الثقافة والرتبية والتكوين وسبل املجتمع وعىل احلياة .فكان أن ما تعلمه الطفل وما
االسرتفاد واالستفادة من روافد و ُم ُع ِن الثقافة واملعرفة عاشه بني أسوارها وأسوار نظرياهتا ،مل يسعفه يف أن جيد
اليوم ،أيرس مما كانت عليه ،ملا وفرته وسائط االتصال طريقة السالك يف زمحة املجتمع واضطراب أحواله.
وشبكات املعلومات إذا أحسن استغالهلا ،فضال عن تلك نتيجة مدرسة منغلقة عىل ما جيري خارجها ،فال
التي ال غنى عنها أبدا ،وال غنى عن العالقة الكت تعد الذوات خلوض غامر احلياة بالفعل والتفاعل
احلميمة هبا ،وفضال عن التجارب الشخصية املبارشة. اإلجيابيني.
وال نقصد باالسرتفاد والتحصيل جمرد الرتاكم لقد أوكلت األرسة تربية الولد إىل املدرسة وغابت،
وحس ،فالثقافة ليست جمرد تراكم معارف واملدرسة رابضة هناك منقطعة عام جيري خارجها،
لقد صاغ أرسطو يف عبارة مفعمة باحلكمة والداللة ومعلومات ولكنها ،أكثر من ذلك ،هي قدرة عىل
العميقة ما نود أن نختم به ،إذ قال «لو كنا نطل العلم االستثامر املنهجي املنتج لتلك احلصائل التي نأمل أن
لنبلغ غايته كنا بدأنا العلم بنقيضه ،ولكننا نطلبه لننقص تكون أسفارا يف قارات وجغرافيات ثقافية خمتلفة ،مما
كل يوم من اجلهل ،ونزداد كل يوم من العلم». يتيح التواصل العميق مع العمق اإلنساين ،مع
هكذا إذن ،نسعى يف احلياة لنسد نقصنا البرشي إلنسانيتنا ،نداءات احلياة كام النداءات التي تستجي
فيها ،وذلك مدعاة إىل التواضع .ولكن أيضا إىل نأمل أن نحياها.
االعتزاز ما دمنا ال نكف عن السعي لسد ذلك النقص.
23
العدد األول نونبر 0202 والتكوين التربية التربية
المتخصصة في
المجلةالمتخصصة في
24 والتكوين المجلة
1
تروم هذه الدراسة حتديد ماهية ووظائف الفيلم الرتبوي بصفته دعامة بيداغوجية وديداكتيكية هامة من شأهنا ،إن
حتققت الظروف املالئمة الستعامهلا ،أن تفكك خمتلف أوجه اخلطابات املرتبطة بالفعل التعليمي مهام كانت املادة
املُدَ َّر َسة ،ومهام كانت اللغة .يسعى هذا البحث عرب ما راكمناه من ممارسة مزدوجة ومتوازية يف جماالت الصورة
والسمعي البرصي والتعليم إىل مساعدة املهتمني عىل فهم عملية التصميم التعليمي بشكل أفضل حينام يتعلق األمر
بعرض وتطبيق األدوات التكنولوجية يف شقها الفيلمي ،السيام وأن عرصنا الراهن تبصمه الصورة بشكل غري
مسبوق يف تاريخ البرشية .وعليه ،فإن بحثنا هذا حياول الكشف عن جوهر الفيلم الرتبوي ووظائفه املؤدية إىل صوغ
خطابه /خطاباته /الكامن خلف تقنياته ،التي إن ساء استخدمها أو ضعفت املعرفة هبا قد تقوض العملية التعلمية
التعليمية وتدمرها من األساس.
:الرتبية ،الفيلم الرتبوي ،تكنولوجيا معلومات واتصاالت التعليم ،السمعي البرصي...
الوسائط التعليمية بشكل أفضل .ولتوضيح تفكريه عىل املواد السمعية البرصية ،بل مل تتمكن حلد اآلن من
بطريقة أكثر ،يركز بشكل خاص عىل البناء اإلعالمي ومقبول ،من الزخم االستفادة ،بشكل مهم ،مناس
للكت املدرسية واألفالم التعليمية.1 الذي حققته عىل مستوى توفري املعلومات واملادة
ترى الروائية الفرنسية "،"Anne-Marie Garat املعرفية التي يمكن االستفادة منها تربويا وتعليميا يف
مرصحة ،يف الفيلم الرتبوي "السينام يف املدرسة" بأن كل مستويات التعليم .ويعود هذا إىل أسباب متداخلة
كل أستاذ يف حاجة إىل كفاية ت ِ
ُوج ُ عليه النظر إىل بالرغم من إقبال املدرس واملتمدرس يف عامل
السينام والفوتوغرافيا بِ َعد َها وثائق للمكان والزمان التكنولوجيا بشكل كبري .لذلك يتوج النظر يف قيمة
والتاريخ وأحيانا الفن .2نفهم أن الفيلم الرتبوي الوثائق السمعية البرصية ،والسيام األفالم الرتبوية
تصوير لروح عرص تربوي وقيمي معني ،ورصد منها ،يف خمتلف املواد ما دامت مادة "تكنولوجيا
لتجارب فردية ومجاعية ،تصدر عنها تفاعالت معلومات واتصاالت التعليم" ،املعروفة اختصارا
سنطرح يف هذا الشأن بعض القضايا الرتبوية املرتبطة أسالكهم وختصصاهتم ،ولو كانت تركز -عموما -
بالفيلم الرتبوي ،حماولني اإلجابة عىل ما ييل :ما الفيلم عىل املعلوميات دونام إعطاء قيمة كبرية للسمعي
الرتبوي؟ ما األهداف الرتبوية املتوخاة منه؟ ما البرصي الذي يدمج يف امليلتيميديا وغريها ..واحلال
الكفايات التي يمكن الرهان عليها؟ كيف يمكن أن تدرس بشكل مستقل ما أنه مادة أو جمزوءة جي
للفيلم الرتبوي أن يساهم يف تربية املتعلم؟ ما األفالم دامت الثقافة السمعية البرصية ترتكز عىل لغة خاصة،
املناسبة للتعليم (الطفل نموذجا)؟ ال يمكن لتكنولوجيا املعلومات واالتصاالت أن
تسلط الضوء عىل خصوصياهتا التقنية وكوالي
صناعتها وخماطرها فضال عن القيم احلاملة هلا؛ ذلك
;1 - Alain Jaillet; Manuels scolaires et films pédagogiques: Sémiotique des médias éducatifs
L’Harmattan, 2113.
-2يمكن العودة إىل الفيلم الرتبوي الذي حيمل عنوان "السينام يف املدرسة" ( ]2112[ )Le cinéma à l’écoleللمخرج "أالن
كادي" ()2112؛ إنتاج املركز اجلهوي للتوثيق البيداغوجي بمدينة "لِيل" الفرنسية.
العدد األول نونبر 0202
26 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اللغة السمعية البرصية يف حمو األمية البرصية املرتبطة تتعدد تعريفات الفيلم الرتبوي وتتمفصل وفق
بغزو العامل عرب الصورة واملواد متعددة الوسائط .وهو وجهات النظر التي يمكن تناوله منها ،لكنه يظل ذاك
يستجي ،أيضا ،وبشكل أفضل ،لتحديات العوملة الفيلم التعليمي الذي هيدف باألساس إىل الرتبية
وتثبيت بعض القيم املرتبطة باملواطنة وحقوق اإلنسان بمعناها العام املتداول ،أي وضع الوسائل واملناهج
يف بعدها الكوين ،السيام وأن اسرتاتيجيات االتصال الضامنة لتكوين اإلنسان وتنميته ،بناء عىل التطوير
الراهنة تعتمد عىل ترسيخ فكرة الديمقراطية التشاركية املنهجي ألعضائه وحواسه وملكاته ومواهبه سواء
استنادا إىل نظرة عاملية متعددة الوسائط ،معتمدة يف بشكل كيل أم جزئي .إذ يتم استخدام األفالم التعليمية
ذلك عىل نرش خمتلف أنواع األفالم الروائية والوثائقية كبديل لطرق التدري يف الفصول الدراسية ،لي
وأفالم التحريك سواء أكانت تركز عىل احليوانات أم األخرى ،بل بعدها وثائق أو سندات أو معينات
األرض أم حتى التاريخ أم اجلغرافيا أم العلوم أم ديداكتيكية مساعدة ،تدخل ضمن تنويع العدة
تتفاوت جتارب استخدامات السينام والوسائل يمكن أن تكون األفالم الرتبوية وثائقية ،ويمكن أن
السمعية البرصية يف املدرسة من حيث التطور تكون خيالية رشيطة ضامن اإلفادة ،ومراعاة الرشوط
واألهداف ،من منظومة تعليمية إىل أخرى ،ومن جمال الرتبوية للمتعلم ،أي مالءمة املحتويات حس
تعليمي إىل آخر ،ولكن اعتامد األجهزة التعليمية املرجعيات البيداغوجية الكربى لكل منظومة تربوية،
التكنولوجية املستخدمة ،واملكان املخصص هلا داخل وأمهها عدم التعارض مع املبادئ العامة للقيم .مثال ،ال
املؤسسات التعليمية ،وبرجمتها ضمن اهلندسة التدبريية يصلح كل فيلم لكل األعامر ،ولو سمح للمتعلم
للزمن املدر،ي .يلخص قيمتها وحيويتها يف خريطة باكتشاف عوامل جديدة أو إلقاء نظرة جديدة عىل ما ال
التعليم العرصي الذي يدخل "التعلم اإللكرتوين" يعرفه ألن املالءمة رشط تربوي أسا،ي يف كل عملية
والتعليمية وكافة أشكال الوساطة املرتبطة به .وعليه، إذا كان تعليم السينام واملواد السمعية البرصية يثري
فنحن نقرتح يف هذا السياق أن يدخل (يدمج) تعليم للحاجة اهتامم الباحثني ،اليوم ،فإنام ألنه يستجي
العدد األول نونبر 0202
27 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إذا انطلقنا من ثنائية الثبات والتغري التي تتسم بطابع ويف السينام والسمعي البرصي يف علم أصول التدري
النسبية ،فإن األهداف التي يمكن أن تتحقق جراء علوم الرتبية ضمن رؤية شمولية تتبنى مرشوع
توظيف األفالم داخل الدروس ،تكون بدورها األساتذة وتدري الوسائط املتعددة يف تدري
متغرية ،ومن أمهها: األجيال اجلديدة من املتمدرسني املغاربة ،وأال يقترص
ُ -ي َمك ُن الفيلم الرتبوي من توعية املتعلم باملواضيع األمر عىل ختصيص جمزوءات تُعنَى بالصورة أو السينام
التي يصع التعامل معها داخل الفصول الدراسية. أو السمعي البرصي دون حدوث أي انسجام يف ما
مثال ،كيف يمكننا توعية األطفال بالعنرصية والتمييز؟ بينها وبني املواد املُدَ َّر َسة .فضال عن رفدها بمعرفة
كيف نتحدث عن اإلعاقة؟ رت تصورنا للمحيط من
رصينة بالصورة ألنه يتم َب ُ
يف هذا السياق ،تتيح األفالم التعليمية نقل الرسائل خالل املعلومات املخفية يف ثنايا احلقائق الزائفة -التي
الصعبة بطريقة غري مبارشة و ُم َسل َية. غالبا ما تغذهيا التحيزات الثقافية -ومتيل هبا نحو تغيري
-يمكن للفيلم تعريف األطفال بتقنيات الصورة مرجع حكمنا وتشويه شبكة القراءة لدينا.1
والصوت ،لكننا غالبا ما نسمع عن األفالم وطرق يمكن االختالف حول األهداف املبتغاة من توظيف
من حيث التحليل ألن الفيلم يمكن أن يكون التدري األفالم الرتبوية ،وفقا للمتغريات املعرفية والقيمة
دعام تعليميا يسمح للمتعلم باالكتساب أثناء اخلاصة بكل جمتمع ،فقد يرى بعض املهتمني بالقيم
االستمتاع بتحليل عنارص الفيلم (املواضيع والقصص اجلاملية أن البرشية مرت بمرحلة تسودها النسبية يف
والشخصيات وتقنيات رسد القصص). نظرية القيمة ،وهذا ،بكل تأكيد ،مل ينته بعد ولكنها
III حتاول اآلن أن تعيد إدخال فكرة القيمة الثابتة التي
تستطيع أن تقاوم التنوع الذي يميز املواقف الفردية كام
تتبنى املنظومة الرتبوية والتعليمية املغربية عدة نظريات
حتاول أن تقاوم التغريات التي تطرأ عىل العقلية
ومقاربات بيداغوجية تُتوجها املقاربة بالكفايات دون
اجلامعية يف األماكن واألزمنة املختلفة.2
التخيل عن التعليم باملضامني واألهداف .فإذا كانت
الكفاية تتمثل يف قدرة املُ َت َعلم عىل القيام بمهمة معينة
- 2جان مو كارفسكي؛ هل يمكن أن تكون القيمة يف الفن عاملية؟ ;1- Jacques Baud ; Gouverner par les Fake news
Edition Max Milo; Version PDF; 2020 ; P: 9.
ترمجة :سيزا قاسم – دراز؛ جملة "امللتقى"؛ العدد53 :؛ ربيع
2124؛ ص.423 :
العدد األول نونبر 0202
28 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ووسيلة لالتصال من أجل التعلم الثقايف واللغوي بشكل مالئم ومقبول تفاديا للفشل ،1فهي تسعى يف
والفكري. عمقها إىل تنمية قدراته املمكنة واملأمولة (اسرتاتيجية،
تسعى الطرائق الديداكتيكية احلديثة إىل اعتامد وسائل تواصلية ،تكنولوجية.)...
فعالة مدعومة بآلية نشطة للتواصل والتحفيز وتقري يف غالبا ما شكلت السينام موضوع اهتامم وترحي
املعارف واملحتويات ،استنادا إىل وضع املتعلم يف حمور الوسط املدر،ي ،لكن الطرق التي يتم دجمها هبا يف
العملية التعليمية ،وتكييف التعلامت مع حاجاته التعلامت ال تزال قليلة ،ويف مهدها عىل مستوى
وقدراته واهتامماته .وبام أن متعلم اليوم منفتح عىل املدرسية التجربة املغربية التي تتضمن بعض الكت
هبا ،فهو تكنولوجيا التواصل اجلديدة ،ومستئن فيها نصوص وجمزوءات تُعنَى بالثقافة السمعية
يتفاعل إجيابا مع منتجاهتا ،السيام السمعية البرصية البرصية أو تشري لبعض األفالم .والتي يتم التعامل فيها
منها ،سواء عرب االنخراط واملشاركة أم اإلنتاج مع السينام كوسيط يساعد عىل تقديم نوع من التعليم
والتفاعل ،األمر الذي يدعم تعلامته ،وينقل مجاعة اإلعالمي الذي يتجاوز بعض املهارات القاعدية
القسم من طور التلقي التقليدي إىل طور التعاون. املشرتكة بني املعارف واملهارات .مثال ،غالبا ما يتم
يمكن تكييف األفالم والوسائط السمعية البرصية تقديمها ضمن سياق ثقايف عام جيعلها حمض تنويع
الرتبوية مع مكونات املثلث الديداكتيكي ،وفق تصور ديداكتيكي توضيحي ،وال يتم النظر إليها كفكر .2ومع
يراعي خمتلف أضالعه: ذلك ،فإن االنتقال من التناظرية ( )Analogiqueإىل
-نشاط املُدَ رس :التخطيط الذي يراعي التبسيط الرقمية ( )Numériqueقد سهل تطوير التعليم،
البناء... والتدرج وحتقيق التناف الدامج لتكنولوجيا السمعي البرصي ،ضمن طرق
-نشاط املُ َت َعلم :املشاركة يف تقوية عنارص البناء اخلاصة بالوسائط املتعددة .وهي فرصة لفهم التدري
الذايت للتعلامت عن طريق تقوية املالحظة، اللغة السمعية البرصية املعقدة بشكل متزايد ومتالحق
من الناحية التقنية ،والتي ستظل ،ال حمالة ،مصدرا
]of School: Effects and Causesمن املحارضات التي -1حممد الدريج ،الكفايات يف التعليم ،سلسلة "املعرفة للجميع"،
قدمها يف جامعة هارفارد؛ إذ كرس أيام الثالثاء للنصوص الفلسفية عدد ،16 :مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضــاء ،أكتوبر ،2000
لروائع العرصــ الذهبي لســينام األخالقية املرجعية ،وأيام اخلمي ص.61:
هوليوود .ويقدم هذا الكتاب مزاوجة عميقة عرب التناوب احلا صل -2يمكن العودة إىل كتاب الفيلســوف األمريكي ســتانيل كافل
بني ف صوله بني فيل سوف وفيلم ال ستعادة العالقات املركبة املمكنة الذي اســتوحى فكرة كتابه املرجعي "فلســفة القاعات املظلمة"
بني السينام والفلسفة من جهة ،والرتبية والسينام من جهة أخرى... (Themes Out [ )Philosophie des salles obscures
العدد األول نونبر 0202
29 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-األفالم القصــرية مناســبة جدا لفئة املتعلمني الذين باكت شاف أكوان متنوعة خمتلفة .وذلك ما يمنح الفيلم
تقل أعامرهم عن 6ســنوات ألهنا تســاعد يف جذب الرتبوي قيمة مغايرة.
االنتباه والتحفيز. IV
عنها خمتلف ،وأهنا ال ختلو من مصــالح جتارية ،وأهنا الكتابة ،فقد يمر اســتغالل الســينام يف املدرســة من
حتتوي أو تنقل بعض القيم واحلموالت اإليديولوجية، املرح لة الرتبو ية األول ية التي يمكن أن تعزز ها أفالم
فضال عن تأثريها يف/عىل احلياة االجتامعية والسياسية، املؤلفني املقرونة بمناقشــة أفكارهم ونقدها ألن أجواء
واألهم أن الشــكل واملحتوى مرتبطان فيها بشــكل العروض املُ َؤ َّط َرة دا خل فضـــاءات ا ملدرســـة ينزاح
وثيق يصــع فصــل الواحد منه عىل اآلخر ،وأن كل باملتعلم نحو إنتاج أفكار خمتلفة عن تلك التي يتداوهلا
وسيط له مجالياته املتفردة. أثناء الفرجة التجارية أو االســتهالكية العادية رشيطة
مثال ،من املعروف أن السينام فن مجاهريي ،وذلك ما أن نتصــور ها كموضــوع درا،ي يرقى بالفن إىل
يمنح كل فرد حق الوصول إىل األفالم بصفته مستويات التفكري يف اإلبداع.
مستخدما وممارسا .ومن تم ،فإن من شأن التعليم أن متد األفالم الرتبو ية اجلرســ بني القوا عد النظر ية
حيول هذا الفن إىل جمموعة أدوات بني أيدي املدرسني والعلم ية والســيم يائ ية وتطبي قا هتا عن طريق تنم ية
والطالب وأولياء األمور ألن السينام ال تزال بطلة هذه وإذكاء روح االختيار لدى املتعلم ،ويمكنها أن تكون
الثورة بامتياز ألهنا افرتضت -عىل حد قول أمربتو الوســيط ا لذي ين قذه من ال تأرجح بني إمرب يال ية
عىل القراءة والكتابة كوسيلة إيكو -التغل اإلجابات اجلاهزة ،واالعتامد عىل حل فردي مبتكر.
للمعلومات .وهلذا السب ،ال يسعنا بصفتنا مربني فالفيلم يبني اجلرســ املحت مل أل نه يصــف امل فاهيم
ومدرسني إال أن نجعل لغة الصورة استفزازا للتفكري، األ سا سية التي تقرتحها الكت املدر سية ،وتك شفها
دعوة للتنويم املغناطييس. ولي األفالم التعليمية بطريقتها اخلا صة كي ت صبح جاهزة
إذا كانت مسامهة الصورة أكيدة يف بناء عامل اليوم ،فإن لألجرأة.
الرهان عىل تعلم وتعليم لغتها ،قد صار رضورة .إذ
يبدو أن مراجعة كيفيات االطالع واملشاهدة التقليدية
ُجي ِم ُع ال باحثون يف جمال الرتب ية عىل الســينام
ال حتقق التواصل والفهم بشكل أفضل ،فغالبا ما يقيض
والوسائط السمعية البرصية والرتبية اإلعالمية عىل أن
هوس االستمتاع عىل إعامل آليات الفحص والنقد
توظيف هذا النمط من التعليم يطرح مشكالت خمتلفة
والتأمل .إن احلاجة امللحة يف املامرسة التعليمية تتجىل
يمكن أن ينت به املشــتغلون هبا وعلي ها إىل أن مجيع
يف إعادة التفكري يف عمليات التوظيف التي تطغى عىل
الوســائط بنيات قائمة الذات ،وأن وســائل اإلعالم
عامل االتصال احلايل ،واالنتباه إىل مكانة اللغة السمعية
تبني الواقع ،وأن تفسري األشخاص للرسائل الصادرة
0202 العدد األول نونبر
32 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-I
Ferron, M. Girel, E. Domenach, : املعاجم-
Flammarion, 2011.
- Thierry Karsenti et François Larose; - André Lalande, Vocabulaire technique
Les TIC – au coeur des pédagogies et critique de la philosophie, PUF, 17ème
universitaires: diversité des enjeux édition, (1ère éd. 1926), Paris, 1991.
pédagogiques et administratifs; Préface : الكت-II-
de Denys Lamontagne; Presses de
l'Université du Québec; 1ère édition; سلسلة، الكفايات يف التعليم، حممد الدريج-
2001.
: املجالت- III- مطبعة النجاح،16 : عدد،""املعرفة للجميع
1
تربز أمهية اال شتغال ب الدرس ال صويت لدى الفال سفة امل سلمني من خالل نموذجي إخوان ال صفا وابن
سينا يف ما ييل:
4االطالع عىل اخللفيات النظرية للدرس الصويت ع ند الفالسفة املسلمني؛ -
2رصد مالمح املنهجية الفلسفية يف الدراسة الصوتية لدى إخوان الصفا وابن سينا؛ -
الرسائل الفلسفية باعتبارها محالة قضايا فلسفية وفكرية وكذا لغوية؛ -3العناية بجن
-1بســط أوجه التشــابه واالختالف بني طريقة ابن ســينا وطريقة إخوان الصــفا يف عرضــهم للقضــايا
الصوتية؛
5مد جسور التواصل بني الدراسات الصوتية العربية القديمة والدراسات الصوتية احلديثة. -
ويأيت هذا البحث ليجي عن إشكالية عامة هي :ما مميزات الدرس الصويت عند الفالسفة املسلمني
من خالل نموذجي رسائل إخوان الصفا ورسائل ابن سينا؟
وحما ولة من ا لإلجابة عن اإل شكالية العامة للبحث ،وكذا أ سئلته الفرعية ،انتهجنا سبيل خطة ق سمنا
البحث من خالهلا إىل مخسة حماور هي كالتايل:
أوال -تصور ابن سينا وإخوان الصفا للصوت.
ثانيا -الفرق بني احلرف والصوت عند ابن سينا وإخوان الصفا.
ثالثا خمارج األصوات وصفاهت ا يف الرسالتني. -
رابعا -معايري تقسيم أنواع األصوات عند ابن سينا وإخوان الصفا.
خامسا-الدراسة الصوتية يف الرسائل اإلسالمية يف ضوء اللسانيات احلديثة.
وسنتوسل يف ذلك كله بمنهج جيمع بني الوصف واملقارنة ،فيكون الوصف للمنهج املتبع يف الدرس
الصــويت عند الفالســفة املســلمني ،والطريقة املعتمدة يف وصــف النظام الصــويت العريب .أما املقارنة
فسـتكون من خالل مقابلة النتائج املتوصـل إليها من خالل دراسـة املتنني املعنيني ،والبحث يف تأثريات
املرجعية الصوفية والطبية ألصحاهبا من جهة ،ومقابلة بعض قضاياها مع ما جاء يف الدراسات الصوتية
احلديثة من جهة ثانية.
الكلامت املفاتيح :الدرس الصويت -الفالسفة املسلمون -الرسائل -إخوان الصفا -ابن سينا
35 العدد األول نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
أسباب حدوث احلروف ورسائل إخوان الصفا ،ال اآلثار التي حتمل الرسائل من أنف يعد جن
بأس أن نعرج أوال عىل األسباب الثاوية وراء بني طياهتا خصائص احلضارة اإلسالمية ،واجلهود
تأليفهام .ففن الرسائل كام هو معلوم يكون بغاية العلمية املبذولة من علامء الزمن الذي كتبت فيه.
اإلهداء لشخص ما ،أو استجابة حلاجة أو طلبا وقد تكون الرسالة خاصة إذا كانت موجهة
للبسط يف موضوع ،لذلك تكون غايته دقيقة، لشخص ما ،كام قد تكون عامة إذا رمت إىل تصوير
ومنهجه ثابتا .ومل تكن رسالة أسباب احلروف املرشوع الفكري لصاحبها .ومن أشهر الرسائل يف
ورسائل إخوان الصفا بدعا من هاته القاعدة؛ إذ إن الثقافة اإلسالمية رسائل إخوان الصفا وخالن
قد ألف األوىل استجابة منه لرغبة الشيخ الرئي الوفا التي تناولت قضايا خمتلفة تتعلق بالكالم،
العامل النحوي اجلبان .1كام أن الثانية إلخوان الصفا والعقيدة ،والصوت ،وغريها من القضايا التي
تلخصت يف الرغبة الشديدة لدى أصحاهبا يف عرضت هلا من أجل االنتصار لتلك الغاية التي
استاملة األنصار لبناء مدينتهم الروحانية الفاضلة كان تصبو إليها وهي :إقامة الصلح بني الدين
لذلك أتى أسلوهبا بسيطا وميرسا هدفه التأثري ال والفلسفة .ومن بني تلك الرسائل أيضا رسالة ابن
وعورة الفهم والتناول. سينا "أسباب حدوث احلروف" والتي حاول من
أما القضايا الصوتية التي رصدناها يف أن يمد جسور التواصل بني خالهلا الشيخ الرئي
الرسالتني والتي سنعرض هلا يف حماور هاته الدراسة الصوتية وعلم الترشيح والط .
ســائرة يف اآلفاق .كان من ندماء الصــاح بن عباد ثم اســتوحش 1جاء يف تعريفه يف معجم األدباء لياقوت احلموي :أبو منصور بن
منه .وصــنف أبنية األفعال ،ورشح الفصــيح ،والشــامل يف اللغة، اجلبان ،أحد حســنات الري وعلامئها األعيان ،جيد املعرفة باللغة،
قرئ عليه يف سنة ست عرشة وأربعامئة. باقعة الوقت وفرد الدهر ،وبحر العلم وروضــة األدب .تصــانيفه
العدد األول نونبر 0202
36 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حلدوث الصوت عند ابن سينا أن متوج اهلواء ما هو يف خمارج األصوات وصفاهتا ،ومباحث أخرى
متوجا إال سب هلذا احلدوث؛ أي أن الصوت لي ترمي إىل املقابلة الفونيتيكية بني اللغات ،ورصد ما
للهواء فقط ،بل إن العالقة بني هذين اجلزأين هي
بينها من تشاهبات وتباينات ،ومباحث ثالثة تبحث
هو القرع، والنتيجة ،وهذا السب عالقة السب
يف اجلان الوصفي والتأثريي لألصوات.
األَك َث ِري حلدوث وينعته ابن سينا بالسب
4
الصوت .ويف استعامله السم التفضيل "أكثر" 3
ال حيتاج الدارس كبري عناء ليدرك التصور
داللة عىل املفاضلة بني شيئني مها هنا سببا حدوث
األويل البن سينا يف نظره إىل الصوت؛ إذ إن عنوان
الصوت .فالذي يريده ابن سينا من ذلك أن القرع
الرسالة بام هو عتبة دالة يوضح هذا التصور.
السب سب غال يف حدوث الصوت لكنه لي
فالصوت عند ابن سينا أمر يوجد باحلدوث الذي
الوحيد ،بل يضاف إليه القلع الذي حيدث ال َّتب ِعيدَ
يكون من خالل التصادم احلاصل بني شيئني وهو
بني األجزاء .وهذا الذي ذهبنا إليه نجد تأييدا له يف
ما سامه ابن سينا يف رسالتهَ " :ال َقر ُع" .1ومعنى ذلك
حيث يقول معلقا عىل ما ما ورد عند إبراهيم أني
وجوده الذايت من داخله، أن الصوت ال يكتس
ورد عند ابن سينا يف تفسريه حلدوث احلرف" :إن
بل من خالل عالقات خارجية يكون الصوت فيها
ابن سينا يرتدد يف اإلدالء بحكم قاطع حاسم
نتيجة ال علة .ولكي يظهر الفرق أكثر بني ال َقر ِع
ويتجىل ذلك يف استعامله فعل الشك "أظن".
وال َقل ِع بوصفهام سببني حلدوث الصوت وليسا
لكنه ،فيام هو ،كان َأميَ َل إىل القول إن الصوت يشء
صوتا ،نقدم تفسري ابن سينا حلدوث الصوت
القرع والقلع ،وال نف ثالث .ال هو نف
حيث يقول يف رسالته" :أظن أن الصوت سببه
َمت َو ُج اهلواء دفعة برسعة وقوة ،من أي القري
كان" .2وما يستشف من هذا التفسري سب
2ابن سينا ،احل سني بن عبد اهلل ( ،)1891ر سالة أ سباب حدوث 1يميز ابن ســينا بني مصــطلحني اثنني مها القرع والقلع .فاألول،
احلروف ،حتقيق :حممد حســان الطبان وحيي مري علم ،مطبوعات يكون باصــطدام جســمني اثنني فينتج عنهام الصــوت .أما الثاين
جممع اللغة العربية ،دمشق :دار الفكر ،ط ،1ص101 : فيكون بإبعاد ج سم عن ج سم آخر مما يؤدي إىل القلع وهو سب
3املصدر نفسه ،ص ص65 65 : آخر حلدوث الصوت.
العدد األول نونبر 0202
37 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ويقول يف ذلك" :أما َن َف ُ التموج فإنه يفعل التموج" .1لكن هذين العنرصين األخريين
الصوت .وأما حال التموج من اهليئات التي يشكالن يف اجتامعهام مع العضو املستقبل
يف مسلكه فتفعل يستفيدها من املخارج واملحاب للذبذبات العملية الصوتية ككل والتي يلخص ابن
جيعل فاعل (سب ) احلرف" .5فالشيخ الرئي سينا حدوثها قائال" :ثم ذلك املوج َي َت َأ َّدى إىل
احلرف سب الصوت هو التموج ذاته ،عك اهلواء الراكد يف الص َامخِ (األذن الداخلية) َف ُي َمو ُج ُه
الذي يرجعه إىل حال التموج ال التموج يف حد به ال َع َص َب َة املفروشة يف سطحه".2 فتح
ذاته؛ أي إن احلرف هو حالة الصوت وفق ويلتقي تصور إخوان الصفا للصوت مع تصور
ال َّت َشك َال ِ
ت املختلفة التي متيزه عن صوت آخر، ابن سينا إذ بينوا أن سب حدوث الصوت يعود إىل
وهو "هيئة للصوت عارضة له يتميز عن صوت "قرع حيدث يف اهلواء من تصادم األَج َرا ِم ...متى
آخر مثله يف احلدة والثقل متييزا يف املسموع".6 كان صدمها بشدة ورسعة ،ألن اهلواء عند ذلك
ويظهر حرص ابن سينا الشديد عىل التمييز بني يندفع مفاجأة ،ويتموج بحركته إىل اجلهات الست
الصوت واحلرف من خالل ختصيصه فصال كامال برسعة ،فيحدث الصوت" .3ويستحق هذا النظر
من الرسالة موضوع الدراسة عنونه بـ "يف سب املتقدم من ابن سينا وإخوان الصفا يف النظر إىل
حدوث الصوت" للحديث عن الصوت ،يف حني ماهية الصوت وأسباب حدوثه أن يكون من
خصص باقي الفصول للحديث عن هيئاهتا صميم النظر األكوستيكي أو الفزيائي لألصوات.4
الدكتور مبارك حنون إىل أن (احلروف) .ويذه 2
4برشــ ،كامل ( ،)0000علم األصــوات ،ال قاهرة :دار غر ي 1أني ،إبراهيم ( ،)1856األصــوات اللغوية ،القاهرة :مكتبة
للنرش والطباعة والتوزيع ،ط .،1ص101 :
األنجلو مرصية ،ط ،6ص118 :
5ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص ص50-68 :
2ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص69 :
6املصدر نفسه ،ص50 :
3إخوان الصــفا ( ،)0000رســائل إخوان الصــفا وخالن الوفا،
مراجعة خري الدين الزركيل ،بريوت :دار القلم ،ج ،1ط ،1ص:
199
العدد األول نونبر 0202
38 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وهي ثامنية وعرشون الغريزية التي هي يف القل يعرض للصوت هو عضو من أعضاء النطق
حرفا يف اللغة العربية ،وأما يف سائر اللغات فربام كاحللق واللسان والشفة التي تشكل حواجز
تزيد وتنقص" .4وقد صنفت اجلامعة احلروف إىل وعوارض توقف زمن اهلواء.1
الروحي ثالثة أصناف :فكرية تتمظهر يف اجلان ومن التمييزات األخرى التي يقدمها ابن سينا
غري املادي ،ولفظية مادية تدرك باحلواس ،وخطية هي جعله الصوت غري دائم وثابت ،فهو حيدث
تتعلق بجان الرسم والتشكيل.5
أمرا ويزول .يقول موضحا ذلك" :فالصوت لي
ويبدو من خالل النص أعاله والتصنيف الذي
قائم الذات ثابتا موجودا جيوز فيه ما جيوز يف
أتى بعده أن اجلامعة قد خلطت بني اجلوان
البياض والسواد والشكل يف أحكام الثبات".2
املتعلقة بالكتابة الفيزيائية للصوت واجلوان
واخلط ،وهذا اخللط مل يسم تصور اجلامعة وحدها، وعليه ،فالصوت عند ابن سينا يلتقي مع ما
بل إن العديد من اللغويني يطلق املصطلح الواحد إليه ابن جني الذي اعترب الصوت عرضا ذه
بتفرده ،وقد أعان ابن وصفاهتا عند الشيخ الرئي ويف اجلان الثاين ،نجد إخوان الصفا مل يميزوا
الترشيح ،ووظائف كل عضو يف اجلسد اإلنساين. ثامنية وعرشين صوتا أو حرفا .ودليل ذلك قوهلم:
ويطالعنا املصطلح الصويت كأول َمت َيز َت َف َّر َد به ابن "اعلم أن احلروف اللفظية إنام هي أصوات حتدث
ك وبني اللسان والشفتني عند يف احللقوم واحلنَ ِ
َ ُ
خروج النف من الرئة بعد َتر ِوحيِ َها احلرارة
3ابن جني ،،أبو الفتح ( ،)1896رس صــناعة اإلعراب ،حتقيق: 1حنون ،مبارك ( ،)0000مدخل إىل الدراســـة الصــوتية عند
حسن هنداوي ،دمشق :دار القلم ،ط ،1ص5 : العرب القدماء ،جملة الدراســات املعجمية ،الرباط :منشــورات
4إخوان الصفا ،،املصدر املذكور ،ص116 : اجلمعية املغربية للدراسات املعجمية ،العدد األول.
5املصدر نفسه ص116 : 2ابن سينا ،املصدر نفسه ص50 :
العدد األول نونبر 0202
39 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-2بني ا َّل َ
لهاة واحلنك :خيرج منها صوتا اخلاء 1 سينا عن سابقيه ،فقد اختار مصطلح (املَحابِ ِ )
والقاف. بدل املصطلحات األخرى الشهرية التي جاءت
حلنَكِي ُة :الغني والكاف.
-3الر ُطوبة ا َ عند اللغويني والفالسفة قبله .ويف اعتقادنا أن هذا
-1طرف اللسان وسطح احلنك :اجليم والشني االصطالح يملك من اجلدارة والكفاءة ما جيعله
والضاد. األصوات. خيارا موفقا للحديث عن حماب
احلنَ ِك
-5بني اللسان وثلثي السطح املفروش حتت َ فالداللة اللغوية جلذر الكلمة (ح-ب-س) تفيد
وامل ِن َخ ِر :الصاد والسني والزاي. التوقف وتعطيل النشاط واحلركة والوقوف ملدة
َ -3سط ُح اللسان وأطراف األسنان :الثاء والذال الصوت الذي ينطلق زمنية ،وهذا عينه ما يصي
والظاء. ُمس َتطِيال كام قال ابن جني قبل أن َحيبِ َ عند
َ -9ط َر ُ
ف اللسان :الالم. الشفتني أو غريها من املحاب التي ُتثنِيه وحتبسه
_9سطح اللسان :الراء. عن امتداده ونشاطه.
-7آخر ال َّثنِ َي ِة العليا مع الشفة :الفاء والواو. ويشكل الفصل الرابع من رسالة ابن سينا –
-41الشفتان :الباء وامليم. قيد الدراسة-تصور ابن سينا يف عدد املحاب
-44طرف اللسان وعضو آخر َأر َط ُ من الشفة: وصفات األصوات ،وهو يف هذا التصور يتميز عن
النون. الدراسات اللغوية السابقة لسيبويه وابن جني
معرتض لسبيله: -42إطالق اهلواء دون حاب وغريمها ممن ُعن ِي هبذا احلقل العلمي .ونقدم يف ما
األلف املُ َص َّو َت ُة ،وأختها الفتحة ،والواو املصوتة، أصوات العربية كام عرضها ابن ييل جممل حماب
وأختها الضمة ،والياء املصوتة ،وأختها الكرسة. سينا يف رسالته ،واحلروف التي خترج منها:2
أما حديثه عن صفات األصوات فقد تركز عىل حلنجرة :وخترج منها حروف اهلاء والعني
-4ا َ
صفتني رئيستني مهاُِ :
(احلدَّ ُة والث َق ُل) حيث يقول: واحلاء.
التموج فإنه يفعل الصوت ،وأما حال "أما نف
2ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص 111 :وما بعدها. عند ابن سينا ومشتقاته للداللة عىل خمارج احلروف، 1يأيت احلب
أما املخرج فيشري عنده إىل جمرى اهلواء وطريقه.
العدد األول نونبر 0202
40 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الصفا مل تول اهتامما لعدد املخارج وال لصفات ومت َل ِس َها ،أو
التموج يف نفسه من اتصال أجزائه َ
األصوات .ومرد ذلك إىل املرجعية الفكرية التي يها و َت َشذ ِ َهبا فيفعل "احلدة" و"الثقل"؛ أما
َت َشظ َ
حكمت التوجهني .فإذا كان االهتامم بعلم احلدة فيفعلها األوالن ،وأما الثقل فيفعله
الترشيح ومعرفة األعضاء قد وجها اهتامم الشيخ هذا النص حيث الثانيان" .1ويفرس إبراهيم أني
للمخارج وصفاهتا ،فإن الذي وجه اجلامعة الرئي يرى أن صفة احلدة عند صاح "األسباب" تكون
مصدر كان هو البحث يف الصوت ال من جان ناجتة عن اتصال أجزاء اجلسم املقروع ومتاسكها؛
الوظيفة واألثر الصدور وسببه ،بل من جان أي حني تكون كثافته كبرية كاألجسام الصلبة ،أما
الذي خيلقه هذا الصوت يف النفوس .فربطوا بني يف حالة الكثافة القليلة فإن الصوت يكون ثقيال.2
الصوت واملوسيقى التي حترك النفوس إىل األعامل وعىل الطرف الثاين ،نجد أن مجاعة إخوان
الشاقة ،والصنائع املتعبة ،ورأوا أن بعض األحلان الصفا قد متيزت أيضا بجهازها املصطلحي الصويت
واألنفاس الناجتة عن بعض األصوات تسكن اخلاص هبا؛ فعرب منتسبوها عن خمارج األصوات
سورة الغض ،وحتل األحقاد وتوقع الصلح.4 اح" .ويبدو من خالل هذاب " َتق ِطي ِع الص َي ِ
كان هذا عن املخارج ،أما يف ما يتعلق بصفات املصطلح أن اجلامعة تنظر إىل الصوت باعتباره
األصوات ،فنجد اجلامعة قد وقفت عند ثنائية صياحا /هواء منطلقا من الرئة التي عدوها
احلدة والثقل يف الصوت حيث يقول أعضاء حني قالوا" :والصوت من اجلسم مستودع النف
اجلامعة" :وأما احلاد والغليظ من األصوات يف الرئة بيت اهلواء" .3ويتعرض هذا اهلواء يف
بعضها إىل بعض ،فهي كأصوات نقرات الزير؛ مساره إىل جمموعة من التقطيعات التي خترجه يف
وحدته ،باإلضافة إىل نقرات املثنى؛ واملثنى إىل هيئات خمتلفة هي األصوات املتباينة.
ما وجدناه من حتديد ملحاب / وعىل عك
خمارج األصوات عند ابن سينا ،فإن مجاعة إخوان
4وحدي علوي ،حنان ،املوســيقى ومالمح الدرس الصــويت يف 1ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص68 :
رسائل إخوان الصفا ،شبكة ضياء ،ص1 : 2أني ،ابراهيم ،املرجع املذكور ،ص110 :
3إخوان الصفا ،املصدر املذكور ،اجلزء ،0ص109 :
العدد األول نونبر 0202
41 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
3ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص95 : 1البم :الوتر الغليظ من أوتار العود ،ويقاب له يف العود احلديث:
4املصدر نفسه ،ص51 : العشريان
2إخوان الصفا ،املصدر املذكور ،ص ص158 159 :
العدد األول نونبر 0202
42 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
السني ،ويقول عنها ابن سينا" :تسمع يف اللغة اللسان أكثر وأشد وضغط للهواء عند ال َقل ِع
ف" (ويف رواية
الفارسية عند قوهلمَ " :ز َر َ هي إبراهيم أني أقوى" .1وهذه اجليم حس
" َز َر َد") وهي سني ال تقوى ،ولكن تعرض التي يرمز هلا يف االنجليزية بـ ( ،)chوهي غري ()sh
باهتزاز سطح طرف اللسان واالستعانة بِ َ
خ َل ِل التي تنطق (ش) .أما باقي احلروف التي رصدها
األسنان".4 ابن سينا والتي رأى بينها وبني احلروف العربية
ويمكن أن نلخص ما قاله ابن سينا يف وصفه شبها فريجعها إبراهيم أني إىل أصل يوناين.2
هلذين الصوتني يف ما ييل: الزائِيَ ُة /الزاي السين ِيَ ُة:
ج -السني َّ
)4السني الزاي = (سني +جهر وارتعاد) يرجع ابن سينا أصل السني الزائية يف رسالته إىل
واهتزاز) )2الزاي السني (سني +مه اللغة اخلوارزمية ،وهي سني جهر هبا قليال
-2-4تقسيامت إخوان الصفا لألصوات فأشبهت الزاي .يقول عنها ابن سينا" :ومن ذلك
أما إخوان الصفا فلم يعنوا كثريا هبذا التقسيم سني زائية تكثر يف لغة أهل خوارزم ،وحتدث بأن
الذي يقوم عىل التمييز بني أحرف عربية وأحرف تتهيأ اهليئة التي عن مثلها حتدث السني ،ثم حيدث
كام نرى هو تناوهلم الصوت غري عربية ،والسب ان ارتِ َعاد كام حيدث يف
يف الع َض َل ِة الباطِح ِة ل ِلس ِ
َ َ َ َ
يف جانبه املوسيقي ،واملوسيقى كام نعلم هي اسات خفية غري
الزاي يلزم ذلك االرتعاد ُمم َ َّ
الصوت الكوين الذي تنتفي فيه اإلثنيات هلا اهلواء احتباسات غري حمسوسة حمسوسة حيتب
واجلغرافيات .ونجد تصنيفاهتم لألصوات تنهض فترضب السني بذلك إىل مشاهبة الزاي".3
عىل هذا املعيار املوسيقي باعتبار املوسيقى لدهيم ويوضح هذا القول ما حيدث يف هاته السني من
رس كل صناعة .5ويف ما ييل رصد ألبرز تلك ارتعاد يقرهبا من حرف الزاي املرتعد .أما الزاي
التمييزات التي قدمها إخوان الصفا: السينية فينسبها الشيخ للغة الفارسية ،وهي عىل
عك الزاي السينية ُ ِ
مه َ هبا قليال فأشبهت
2إخوان الصفا ،املصدر املذكور ،ج ،0ص118 : 1إخوان الصفا ،املصدر املذكور ،ج ،1ص156 :
العدد األول نونبر 0202
44 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
القاف إىل اخلاء" 2حيث ك/غ= ق/اخلاء فالكاف حتايد صويت وهذا ما يطلق عليه التداخل بسب
واخلاء مهموستان والغني والقاف جمهورتان. .1Neutralization
2-5إخوان الصفا -2-1-5العالقة التناسبية بني الفونيامت:
اهتمت الرسائل الصفوية بدراسة اخلصائص وهتتم بالعالقات بني فونيامت النظام الصويت
املادية أو الفزيائية ألصوات الكالم .ولئن مل يسموا كأن تصنف الفونيامت بناء عىل صفتي اجلهر
األشياء بمصطلحات علم اللغة احلديث ،فإن أو اإلطباق واالنفتاح أو غريها من صور واهلم
وعيهم بالعمليات الصوتية والعوامل املؤثرة يف التمييز .ونمثل لذلك بام ييل:
عملية التصويت يكاد يطابق ما جاء به علم اللغة ت/ط = د/ض = س/ص = ز/ظ
احلديث. فام ختتلف فيه فونيامت التاء والدال والسني
4-2-5الرتدد :أدرك إخوان الصفا الرتدد، والزاي عن فونيامت الطاء والضاد والصاد والظاء
ويظهر ذلك يف حديثهم عن احلركة البسيطة هو صفة اإلطباق واالنفتاح .فالفونيامت األوىل
والرسيعة يف رسائلهم "فالرسيعة هي التي يقطع منفتحة والثانية مطبقة ،ويمكن أن نعرب عن ذلك
املتحرك هبا مسافة بعيدة يف زمان قصري ،والبطيئة بعالقات رياضية كالتايل:
هي التي يقطع املتحرك هبا مسافة أقل منها يف ذلك ت= الطاء -إطباق ،و الطاء= التاء +إطباق /س=
الزمان بعينه" .3ويوضح هذا النص مفهوم الرتدد الصاد – إطباق ،والصاد= السني +إطباق.
وتتابع األصوات يف الصوت الواحد واهتزازها د= الضاد – إطباق ،والضاد= الدال +إطباق /ز=
بشكل دوري .هذا ما أكدته النظرية الصوتية الظاء -إطباق ،والظاء= الزاي +إطباق.
احلديثة حيث يوجد بني كل حركة وحركة سكون ونالحظ هذا الوعي الصويت بالعالقات بني
حتى وإن مل يكن ظاهرا. فونيامت النظام الصويت الواحد عند ابن سينا يف
قوله مثال" :ونسبة الكاف إىل الغني هي نسبة
2ابن سينا ،املصدر املذكور ،ص51 : 1جرادات ،نارص أمحد ( ،)0016األصوات اللغوية عند ابن سينا:
3إخوان الصفا ،املصدر املذكور ،ص159 : عيوب النطق وعالجه ،عامن :األكاديميون للن رش والتوزيع ،ط ،1
ص11 :
العدد األول نونبر 0202
45 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
توســل كل طرف بتخصــصــه يف النظر إىل -1 رسعة الصوت :من القضايا التي 2-2-5
الق ضايا ال صوتية ،حيث برز دور الت رشيح عند أثارها كذلك إخوان الصفا يف رسائلهم مسألة
ابن سينا ،وبرزت النزعة ال صوفية الروحية عند رسعة الصوت ،وقد كانت هلم نظرة ثاقبة يف
إخوان الصفا يف تفسري القضايا الصوتية. التحدث عن هذا املكون يف عالقته بالضوء.1
-2إدراك كل من ابن ســينا وإخوان ملجموعة من ويظهر من خالل هاته املقارنة العلمية الدقيقة
القضـــا يا التي عاجل ها امل حدثون كعال قات 2 عليه النظر الصفوي حجم الوعي الذي يتأس
التناس والرتدد وعالقة الصوت بالضوء. يف غياب أي آالت حديثة لقياس الصوت عندهم.
-3اهتامم ابن سينا باجلان الت رشحيي أثناء حديثه وربط إخوان الصفا بني معدل رسعتي الضوء
عن خمارج األصــوات وصــفاهتا ،وعناية إخوان والصوت أثناء حديثهم عن ظاهريت الرعد والربق
الصفا باجلان املوسيقي يف تلك األصوات وما حيث تكون الرسعة التي تنترش هبا املوجة الصوتية
حتدثه من حاالت شعورية خمتلفة. أدنى من معدل رسعة الضوء ،ويفرسون ذلك
-4اعتامد معايري خمتلفة يف ت صنيف األ صوات عن برؤية ضوء الربق قبل سامع َه ِزي ِم الرعد.
ت لك امل عايري التي جاءت ع ند اللغويني وعلامء
تأسيسا عىل ما تقدم ،يظهر الدور اجليل الذي
ا ل ت جو يد ،ف ن جد إ خوان الصـــ فا قد ع نوا
قدمه ابن سينا وإخوان الصفا للدرس الصويت
باأل صوات غري اإلنسانية ومرد ذلك إىل عنايتهم
العريب ،وكفاءهتام التحليلية والتفسريية لعملية
باآلالت املوســيق ية ،يف حني يظهر هذا التفرد
التصويت رغم ضعف اإلمكانات املتوفرة يف تلك
عند ابن ســينا يف تقديمه وصــفا ترشــحييا خمتلفا
الفرتة .ويمكن إمجال أهم خالصات هذه الدراسة
لألصوات.
يف ما ييل:
وما من سبيل إىل إنكار اخلدمة اجلليلة التي
قدمتها الرسالتان يف التعريف ببعض جوان
الفكري يف رؤية إخوان ال صفا للموجودات ويف ق ضايا األ صوات 1حســني ،عيل خليف ( ،)0011منهج ا لدرس الصــويت ع ند
خاصة. العرب ،بريوت :دار الكت العلمية ،ط ،1ص15 :
أمر الن سبة بالدولة ال صفوية ،نقول إن ا ستعاملنا 2حتى ال يلتب
ألسلوب النسبة يف عبارة (النظر الصفوي) يرمي إىل تأكيد اإلعامل
العدد األول نونبر 0202
46 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-6حسني ،عيل خليف ( ،)2144منهج الدرس الرسالتان أن تصنعا هلام مكانا يف بيئة كانت حتارب
الصويت عند العرب ،بريوت :دار الكت الفكر السينَ ِوي والصويف دون النظر إىل طبيعة
املعجمية ،الرباط :منشورات اجلمعية املغربية وخالن الوفا ،مراجعة خري الدين الزركيل،
-8ديفو ،جيوم ( ،) 2149رسائل إخوان الصفا ، -2أني ،إبراهيم ( ،)4795األصوات اللغوية،
القاهرة :اهليئة املرصية العامة للكتاب ،الطبعة القاهرة :مكتبة األنجلو مرصية ،الطبعة
األوىل. اخلامسة.
-9ابن سينا ،احلسني بن عبد اهلل ( ،)4793رسالة -3برش ،كامل ( ،)2111علم األصوات ،القاهرة:
أسباب حدوث احلروف ،حتقيق :حممد حسان للنرش والطباعة والتوزيع ،الطبعة دار غري
العربية ،دمشق :دار الفكر ،الطبعة األوىل -4جرادات ،نارص أمحد ( ،)2145األصوات
-11وحدي علوي ،حنان ( ،)2149املوسيقى اللغوية عند ابن سينا :عيوب النطق وعالجه،
ومالمح الدرس الصويت يف رسائل إخوان عامن :األكاديميون للنرش والتوزيع ،الطبعة
%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%
88%D8%AA%D9%8A القلم ،الطبعة األوىل.
1نحن ال نراعي كلمة (أبو) ،وكلمة (ابن) ،و(ألف والم) التعريف ،بل حيتس يف الرتتي احلرف األول الذي ييل هذه األمور
العدد األول نونبر 0202 والتكوينوالتكوين
التربية التربية
المتخصصة في
المجلةالمتخصصة في
47 المجلة
Roberto Cubelli
1
2
ينطلق املقال من التساؤل عن مدى مالءمة التفسريات العصبية للحقل الرتبوي .ويعترب منذ البداية أن فهم
الدور الوظيفي للدماغ غري مفيد للمدرسني :ختطيطا للدروس وتدبريا هلا .أما النظريات النفسية التي تدرس آليات
التعلم ،فمالئمة للمدرس يف بلورة اسرتاتيجيات التدري .ويمثل املقال لذلك بكيفية تعلم القراءة وربط الشكل
باملعنى ،وبكيفية اشتغال الذاكرة من خالل سريورات إعادة بناء املعرفة وإعادة إنتاجها ،لبلوغ مستويي الفهم
والتفسري .يمكن ملعرفة وظائف الدماغ أن تقدم إسهامات قيمة للرتبية ،لكنها ال تفيد يف بناء الربامج الرتبوية .أما
الدراسات النفسية ،فمهمة لالسرتاتيجيات التعليمية ،وإجراءات التدري :ختطيطا ،وتنظيام ،وتنفيذا .ويمثل
املقال لذلك بدراسات حول التعلم
املوزع والتعلم املكثف ،والعالقة بني إخبار املتعلمني بطريقة االمتحان أو عدم إخبارهم هبا ،ارتباطا بالنموذج
الرتبوي الذي يتبناه كل مدرس.
-1برنامج علم النف ،قسم العلوم االجتامعية ،كلية اآلداب والعلوم ،جامعة قطر
-2كلية علوم الرتبية ،جامعة حممد اخلام ،الرباط
العدد األول نونبر 0202
48 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حتصيل والعادات (لتعلم األفكار واملهارات ،جي )2113 ،Devlinحول كون "املنطقة اخللفية
املعلومات األصلية أو اإلجراء املستهدف، الوسطى من التلفيف املغزيل األيرس" هي "منطقة
عن واالحتفاظ هبا بأكرب قدر من الدقة) .ويرتت الشكل البرصي للكلمة" (كوهني Cohen
التامرين واملواد ،وتدمج إجراءات متطورة خطواهتا النظري ،سواء أثناء التعلم العريض أو القصدي (كام
ومتزايدة صعوباهتا ،ال يمكن اشتقاقها من مثل هذه من ذلك، يف .)2111 ،Schacter :عىل العك
النظريات .حيث تكون النظريات العلمية وصفية وعىل الرغم من التطور امللحوظ حاليا ،فإن زيادة
وتفسريية ،إذ توفر إطارا عاما يمكن للمرء أن يعمل املعرفة بوظائف الدماغ يمكن أن تقدم إسهامات قيمة
من خالله ،مع مراعاة اخلربة الشخصية ،واألهداف للرتبية .فقد تم التوصل ،مثال ،إىل أن فقدان الذاكرة
االسرتاتيجية ،واخللفية الثقافية ،والقيود السياقية. يمكن أن ينتج عن اإلصابات التي حتدث إما يف
فال يمكن ،بأي حال من األحوال ،عد النظريات املناطق الصدغية الوسطى أو يف البنيات العصبية
العلمية ملزمة ،والنظر إىل النشاط التطبيقي عىل أنه البينية .إذ تشكل هذه املناطق شبكتني عصبيتني
نتيجة تلقائية لتصور نظري معني .ال يمكن ألية خمتلفتني ( :)2112 ،Wickensواحدة تتضمن
الفعيل يف نظرية أن توجه لزوما طريقة التدري احلصني واملهاد األمامي (شبكة بابيز )Papez
الفصول الدراسية ،أو أن حتدد الطريقة الصحيحة وتشمل األخرى اللوزة واملهاد الظهري األوسط
لدراسة قصيدة شعرية ،أو تعلم األبجدية .إن أية (شبكة ياكوفليف .)Yakovlevوقد وثقت عديد
مقاربة منهجية تكون مربرة ومرشوعة ،إذا كانت من الدراسات األدوار املتاميزة لكل من احلصني
متسقة مع النظريات املعرفية املقبولة ،وتدعمها أدلة )2114 ،Phelps واللوزة (من قبيل دراسة :فيلب
تثبت فعاليتها. والنوى املهادية (كام يف دراسة :فان دير ويرف Van
هلا هذا ال يعني أن الدراسات النفسية لي der Werfوآخرون .)2113 ،ومع ذلك ،ال تقدم
تأثريات مبارشة عىل الرتبية :نظرية وممارسة .إذ يمكن هذه الدراسات أية معلومات مفيدة لبناء الربامج
أن تقدم املعطيات التجريبية معلومات حول كيفية الرتبوية.
وتنظيمها وتنفيذها، ختطيط إجراءات التدري املعرفة بتنظيم الدماغ الذي يؤمن وعىل عك
وتقرتح أنشطة وتعديالت فعلية .فقد قدم باديل الوظائف املعرفية ،فإن النظريات النفسية يمكن أن
ولونامن )4799( Baddeley and Longman تكون ملهمة يف ما يتعلق باألهداف واالسرتاتيجيات
أدلة تؤكد أفضلية املامرسة املوزعة يف التعلم مقارنة التعليمية .وجتنبنا ،بذلك ،القيام بأنشطة غري جمدية أو
باملامرسة املكثفة ،وهو أمر مهم عند ختطيط أنشطة وخيمة .ومع ذلك ،من عنها من عواق ما يرتت
التدري ،التي سيكون عليها تثمني الدروس املوازية اجلدير بالذكر أن الربامج التعليمية الدقيقة ،التي حتدد
العدد األول نونبر 0202
51 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
( ،)2116أن اختبار الذاكرة وسيلة قوية لتحسني أكثر من احللقات الدراسية املكثفة .عالوة عىل ذلك،
التعلم ،كام هي فعالة لتقويمه .وعليه ،جي أن خيضع Morrisوآخرون ( )1822أن أداء أوضح موري
التالميذ إلجراء امتحانات متكررة قبل االمتحان التداخل بني معاجلة مرحلتي الدراسة الذاكرة يعك
النهائي لتحسني االحتفاظ بالتعلامت .ووفقا واالمتحان ،ومن ثم ،دعموا أمهية املعاجلة املناسبة
للمؤلفني ،فإن "االمتحانات املتكررة تقود التالميذ للنقل .ويرتت عن ذلك أن نتائج أداء التالميذ تكون
إىل استثامر أمثل جلهودهم الدراسية ،ويسمح هلم أدق عندما يكونون عىل سابق علم بطريقة االمتحان،
وملدرسيهم بتقويم معارفهم باستمرار ،واألهم من ويمكنهم الدراسة وفقا هلا .ومع ذلك ،وبغض النظر
ذلك -ارتباطا باألهداف احلالية -أهنا بمثابة أداة عن أسلوب جتاوز عوائق االمتحانات ،يمكن
جيدة مساعدة للذاكرة عىل االحتفاظ باملعارف للمدرسني أن يقرروا عدم اإلفصاح عن كيفية إجراء
مستقبال" (ص .)224 االمتحان من أجل احلصول عىل تعلم أكثر استقرارا.
ختاما ،إن النظريات والنامذج املستمدة من إن كال اخليارين (إخبار التالميذ مسبقا أو إخبارهم
الدراسات يف علم األعصاب املعريف مالئمة للرتبية، الحقا) يتوافقان مع نظريات الذاكرة احلالية .ويعتمد
وقد تسهم يف حتسني املامرسة وزيادة فعالية جتربة االختيار بينهام عىل النموذج الرتبوي (الذي حيدد
التدري ،ولكنها جي أن تكون نظريات للذهن بدال التحفيزية، األهداف الديدكتيكية ،واألسالي
من أن تكون نظريات حول الدماغ. وأدوات التقويم) الذي يتبناه كل مدرس .مؤخرا،
أثبت رودجير Roedigerوكاربيكي Karpicke
- Baddeley AD and Longman DJA. The influence of length and frequency of training
sessions on rate of learning to type. Ergonomics, 21: 627–635, 1978.
- Bartlett FC. Remembering. London: Cambridge University Press, 1932.
- Caramazza A and Hillis AE. Levels of representation, coordinate frames, and
unilateral neglect. Cognitive Neuropsychology, 7: 391–445, 1990.
- Cohen L, Lehericy S, Chochon F, Lemer C, Rivard S, and Dehaene S. Language-
specific tuning of visual cortex? Functional properties of the visual word form area.
Brain, 125: 1054–1069, 2002.
- Coltheart M, Rastle K, Perry C, Langdon R, and Ziegler J. The DRC model: a model
of visual word recognition and reading aloud. Psychological Review, 108: 204–258,
2001.
- Dehaene S. Les Neurones de la Lecture. Paris: Odile Jacob, 2007.
52 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
- Dehaene S, Naccache L, Cohen L, Bihan DL, Mangin JF, Poline JB, et al. Cerebral
mechanisms of word masking and unconscious repetition priming. Nature
Neuroscience, 4: 678–680, 2001.
- Finkbeiner M, Almeida J, and Caramazza A. Letter identification processes in
reading: distractor interference reveals an automatically engaged, domain-specific
mechanism. Cognitive Neuropsychology, 23: 1083–1103, 2006.
- Miozzo M and Caramazza A. Varieties of alexia: the case of failure to access
graphemic representations. Cognitive Neuropsychology, 15: 203–238, 1998.
- Morris CD, Bransford JD, and Franks JJ. Levels of processing versus transfer
appropriate processing. Journal of Verbal Learning and Verbal Behavior, 16: 519–
533, 1977.
- Phelps EA. Human emotion and memory: interactions of the amygdala and
hippocampal complex. Current Opinion in Neurobiology, 14: 198–202, 2004.
- Price CJ and Devlin JT. The myth of the visual word form area. NeuroImage, 19:
473–481, 2003.
- Rayner K, Mcconkie GW, and Zola D. Integrating information across eye
movements. Cognitive Psychology, 12: 206–226, 1980.
- Roediger HL and Karpicke JD. Test-enhanced learning: taking memory tests
improves long-term retention. Psychological Science, 17: 249–255, 2006.
- Schacter DL. Searching for Memory: The Brain, the Mind, and the Past. New York:
Basic Books, 1996.
- Schacter DL. The Seven Sins of Memory: How the Mind Forgets and Remembers.
New York: Houghton Mifflin, 2001.
- Tulving E and Craik FIM. Oxford Handbook of Memory. New York: Oxford
University Press, 2005.
- Van der Werf YD, Jolles J, Witter MP, and Uylings HB. Contributions of thalamic
nuclei to declarative memory functioning. Cortex, 39: 1047–1062, 2003.
Wickens A. Foundations of Biopsychology. Harlow: Prentice Hall, 2005
53 العدد األول – نونبر 0202 والتكوين في التربية
والتكوين المتخصصةتربية المجلة
المتخصصة في ال المجلة
1
ٍ
إذا كان االهتامم برتمجة اإلنتاجات الفلسفية العاملية يعرب عن ديناميكية ثقافية وحضارية تكشف عن ِر َهان َي ُر ُ
وم
االنفتاح عىل الكوين والتَّفاعل معه ،فإننا نالحظ -مع ذلك -بأن بعض املؤلفات الفلسفية التي يتم ترمجتها إىل
اجلد َّية والصالحية املرجوة .حيث إننا ن ِ
َجدُ بعضا منها َت َ ِ
عرتيه العربية يف زمننا الراهن ،ال تتمتَّع باملستوى نفسه من ِ
جوهر فعل الرتمجة يف الفلسفة ،الذي هو اختيار مفاهيم تُقابِل أغراض ومفاهيم النص األصيل .كام هفوات َمت ُ
ُويل أي أمهية للمداخل وال للحوايش ،إن هي اعتمدهتا يف ما ني أخرى أن بعض هذه الرتمجات ال ت ِأحاي ََجدُ يف ِ ن ِ
تُنتِ ُج ُه من ترمجات .وإذا كان ما َين ُج ُم عن هذه اهل َ َفوات هو ضعف قيمة وأمهية بعض هذه اإلنتاجات الرتمجية ،فإننا
نتباه إىل َأ َّن االنفتاح عىل إثارة اال ِ
ِ نرى بأن مهمة الفلسفة تستدعي أيضا رضورة مواكبة هذه الرتمجات ،بِ َغ َر ِ
ض
اسرتاتيجية َيتِم من خالهلا اعتبار الرتمجة يف الفلسفة ٍ فلسفات العامل ،يقتيض الوعي برضورة إنجاز الرتمجات ضمن
ترمجة هو َرف ُع َق َل ِق ِع َب َار ِة النص
ٍ كتابة َشا َّق ٍة هلا قواعدها ومناهجها .ذلك ألن حتقيق اهلدف األصيل والفعيل لكل
فِع َل ٍ
وحضاري.
ٍّ منظور َت َثا ُق ِف ٍّي
ٍ املُ َرت َجم ،وتَق ِريبِ ِه إىل القارئ العريب ،وذلك ِضم َن
املفهوم الفلسفي -عتبات النص -احلاشية واألرشيف -التَّثا ُقف -التقري -رفع قلق العبارة
-1باحث يف سلك الدكتوراه ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية املحمدية؛ جامعة احلسن الثاين.
54 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
العربية ،التي هي هنا موضوعنا؟ عن هذه التساؤالت :بأي معنى يمكِن احلديث مع
ومن أجل مقاربة هذه األسئلة ،نعتقد بأنه أوال ،ال مجهور الفالسفة عن وجود لغة فلسفية وأخرى غري
ينبغي أن ُمت َ َار َس ترمجة نصوص الفالسفة إال بعد قراءة فلسفية؟ وما الذي يعنيه القول بأن هناك لغة فلسفية
املَت ِن اخلاص بالفيلسوف املُراد الرتمجة له .وثانيا ،أن يتم تتميز عن لغة العلم ولغة األدب ولغة التاريخ ولغة
قراءة النص الذي هو موضوع الرتمجة ضمن هذا املَتن. السوسيولوجيا وغريها من التَّخص َصات الفكرية
أي سوء فهم لألفكار املُراد ترمجتها .إذ هبذه العملية وينتُج عن هذين التساؤلني سؤال آخر هو :هل لغة
للتوسع بشأن هذه املالحظة يمكن الرجوع إىل: - 1نعترب بأن مشكل "رفع قلق العبارة الفلسفية" ،يقع يف صل
يف تلخيص أخبار املغرب ،تقديم عبد الواحد املراكيش ،املعج اهتاممات الفالسفة املسلمني ،الذين واجهتهم عند ترمجتهم لنصوص
ممدوح حقي ،حتقيق حممد سعيد العريان ،دار الكتاب البيضاء ط .7 الفلسفة اليونانية ،مشكالت املعنى سواء داخل اللغة املُ َ
رتجم عنها أو
،1175ص.281-282 : رتجم إليها .وقد قدم لنا الفيلسوف الكندي
داخل اللغة العربية التي ُي َ
- 2نعترب االهتامم بأمر "تقري " الفلسفة ومعانيها إىل القراء من ( 528م – 572م) ،مثاال ملا جي أن يكُون عليه ِ
احلرص عىل "رفع
التي كانت حارضة لدى الفالسفة املسلمني ،سواء من اهلواج قلق العبارة الفلسفية" ،فوضع مفاهيم عربية مقابلة للمفاهيم اليونانية
خالل ترمجة مؤلفات اليونان أو من خالل التالخيص والتفسريات جعلت فلسفته واضحة املبنى واملعنى .لذلك نرى بأن هذا املشكل
التي ُأ ِ
نجزت خالل هذه احلقبة .وقد اضطلع هبذه املهمة فالسفة من مرتبط يف العمق بالكتابة الفلسفية ،وبتبليغ الفلسفة ،الذي هو تبليغ
املرشق واملغرب ،منذ الكندي يف رسائله الفلسفية ،وابن سينا ألغراض الفالسفة الذين ن َُرت ِج ُم عنهم .ومعروف أن ابن طفيل
وموسوعة الشفاء ( 152م1227-م) ،ومصنفات الفارايب ابن ( 1111م – 1158م) ،اشتكى من غموض اللغة التي يكت
امليتافيزيقية والسياسية ،إىل رشوح وتالخيص وخمترصات ابن رشد باجة ( 1277م 1250 -م) .كام أن اخلليفة املوحدي أبو يوسف
(1101م1115 -م) .ونحن نعترب يف السياق نفسه أن هذه --الغاية يعقوب ( 1151م 1111 -م) ،اشتكى بدوره إىل ابن طفيل أمر القلق
هي التي دفعت أيضا بابن حزم (ت 1064 :م) إىل تأليف كتاب له امللحوظ يف عبارة املرتمجني املسلمني ألرسطو .وقد اعترب اخلليفة أن
بعنوان "التقري حلد املنطق واملدخل إليه باأللفاظ العامية واألمثلة أعامل هؤالء ال تفي بالغرض منها .وال شك أن املقصود هاهنا هو
الفقهية"( ،وقد حققه إحسان عباس ،دار --مكتبة احلياة – بريوت غرض تقري عبارات ومعاين الفالسفة اليونان ،وخاصة أرسطو ،إىل
.)1122كام أن ابن طفيل ( 1111م – 1158م) ،وهو أحد أملع فهم القارئ العريب.
55 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
التي نقرأ هبا ،ولطبيعة ما نقرأه .فالقراءة التي يتم فيها وكواتاري 1يطرح مسألة "الشخصية املفهومية" ،2التي
رت النصوص عن سياقاهتا ،والَ ت َُرا َعى فيها أمهية املَت ِن غالبا ما تكُون مرتبطة بقراءة وبتأويل فلسفيني للفكر
َب ُ
اخلاص بالفيلسوف واالبستيمي اخلاص بالعرص ،ال والفلسفة ،وللمفهوم الفلسفي .اليشء الذي يعني أن
جمال لالجتهاد ،والذي غالبا ما الترمج َة هذه املفاهيم ٌ
يمكِن أن َينت َُج عنها أي َفه ٍم ُمطابِ ٍق لفكر الفيلسوف.
ني ِهن ِائي وكَس ٍ ِ ِ ِ
جرا َء ذلك ضحايا الرتمجات التي نلجأ إىل
بل إننا نكُون َّ
ول. ُ يمكن أن يكُون موضع َيق ٍ َ ٍّ
بمشكل الطبيعة املفاهيمية للغة الفلسفة مش ٌ
كل ِ ويرتبط
قراءهتا ،خاصة حني تكُون مصدرنا الوحيد يف املعرفة
ِ
بالفلسفة وال نكُون ُملِم َ
ني باللغة األصلية للنصوص آخر ،هو مسأل ُة نَح ُو اللغة األصلية ونَح ُو اللغة املُ َ
رتجم
إليها .وهذه املسألة إذا كانت يف ما يبدو تِقن ِ َّية ،فإن عدم
رتجم عنها .وهذه هي حال كثريين الفلسفية أو اللغة املُ َ
ٍ
اختالالت يف َمبنَى إِيال َِئ َها األمهية الالزمة قد ُي َؤدي إىل
ني) و ُمستعدين اللتِ َها ِم كل ما
مناُ :أحاديي اللغة ( ُم َع َّربِ َ
كواتاري ،ما هي الفلسفة؟ ترمجة :مطاع جيل دولوز ،وفليك رسالته الشهرية "حي بن يقظان" بدافع الفالسفة املسلمني ،كت
صفدي ،املركز الثقايف العريب ،بريوت -الدار البيضاء .1117ص "تقري " وإشاعة الفلسفة ،اليشء الذي جعل منها الكتاب األكثر
.21 ُشهرة وانتشارا من بعده.
- 2املصدر السابق ،الفصل الثالث :الشخصيات املفهومية ،ص. كواتاري وضعية املفاهيم يف -يعالج جيل دولوز ،وفليك 1
.77 الفلسفة ،يف كتابه ما هي الفلسفة؟ ومن أجل مزيد من التوسع يف
املوضوع ،يراجع :الفصل األول من الكتاب ،انظر:
56 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الفلسفي اخلاص بالفيلسوف ،وملَن ِز َل ِة النص ضمن هذا ُيرتجم هلم إىل هذه اللغة (سواء كانت اللغة العربية أو
املَتن. الفرنسية أو أي لغة ال ُيتقنون ِسواها) ،دون أن تكُون
-3 لدهيم األسلحة الرضورية ملُواجهة ما قد ُيصادفونه من
مشاكل يف املَبنى واملَعنى!
كانت مؤسسة بيت احلكمة التي أسسها اخلليفة
وإذا س َّلمنا بأن الرتمجة فعل حضاري ،فإن ما َينت ُُج عن
العبا،ي املأمون ( 993م 933 -م) باملرشق (خالل
هذا اإلعتبار هو رضورة اعتامد منهجية املُقارنة
العرص العبا،ي) ،اإلطار الذي ُأ ِ
نش َئت فيه ُأوىل
واملُواجهة بني الرتمجات ،باعتبارها اختيارات
الرتمجات اخلاصة بنصوص الفلسفة اليونانية وتراث
وتأويالت ،وإعادة إنتاج للنصوص األصلية يف اللغة
احلكمة املرشقية .كام أنه باإلضافة إىل عمل هذه
املُرتجم إليها .وذلك لكي يكُون قارئ النصوص
املؤسسة ،عرف الغرب اإلسالمي أكرب عملية رشحٍ
سافات والرهانات التي حتكُم فِع َل
ِ املُرتمجة واعيا باملَ
ِ
ومؤلفات الفلسفة األرسطية التي َمتَّت ِ
لنصوص
الرتمجة .فالرتمجة هبذا املعنى ال تَن َف ِص ُل عن التَّح ِق ِيق
ترمجتها من قبل باملرشق العريب .وهذه املُه َّمة التي
ٍ
وبيداغوجية .إذ ،غالبا ما يمتد ٍ
منهجية ٍ
َّالعتبارات ِ
إال
اضطلع هبا فيلسوف قرطبة ومراكش ،أبو الوليد حممد
عمل املُرتجم واملُحقق الستعامل وسائل عمل يبدو أهنا
بن أمحد بن رشد (4423م4479 -م) ،وكان هدفها
1
سنة 558هـ .حكم من 1184حتى وفاته يف مراكش عام 1199 - 1هو أبو الوليد حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد بن أمحد بن رشد
املوافق لــ595 :هـ (احلفيد) .عاش بني سنوات 802( ،هـ 818 -هـ) املوافق لــ 14
- 4أبو بكر حممد بن عبد امللك بن حممد بن حممد بن إبريل 1126م ،بقرطبة وتويف 10دجنرب 1198م ،بمراكش.
طفيل القييس األندليس عاش بني سنوات 1100م 1185 -م .من - 2انظر أعاله :اهلامش رقم 1و .0
أشهر مؤلفاته رسالة حي ين يقظان الشهرية بعمقها النظري - 3هو أبو يعقوب يوسف بن أبى حممد عبد املؤمن بن عيل القيسى
والفلسفي وقدرهتا عىل إثارة العديد من الرتمجات والتحقيقات سنة 533هـ ،وتوىل الكومى ولد يف تينمل باملغرب يف شهر رج
الدولة ،يف مجادى اآلخرة احلكم بعد وفاة أبيه «عبد املؤمن» مؤس
57 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
- 1مجال الدين العلوي ،املتن الرشدي ،مدخل لقراءة جديدة، والدراسات من أجل بيان قيمتها الفلسفية والثيولوجية .وقد كت
الفصل الثالث ،دار توبقال للنرش والتوزيع.1151 ، أيضا األرجوزة يف الط .
58 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املربز يف اللغة العربية ،ترمجته اخلاصة لكتابه يف سنة للرف ِع من ٍ ِ ِ
األفكار القومية التي تَس َعى بأي وسيلة َّ من
،4775كانت الفرتة الزمنية الفاصلة بني الرتمجتني، القومية وللرت ِ
اث ِ وب العواطف املُ َمجدة لألناَمن ُس ِ
هي ِستَّ َة وعرشون سنة من بعد صدور ترمجة حممد الفكري والفلسفي اإلسالمي .وفضال عن ذلك،
عيتاين ،وتِس َع َة وعرشون سنة من تأليفه له باللغة الرتمجات ال تَصدُ ُر عن
نعتقد بأن العديد من هذه َّ
الفرنسية ،كافية كَي َيظ َه َر لعبد اهلل العروي بأن ترمجة اختيار منهجي يتم تربيره.
حممد عيتاين ال ت َِفي بِال َغ َر ِ
ض .فهي يف نظره ترمجة َملِي َئ ٌة ويف هذا السياق ،تعترب حالة مؤ َّلف "اإليديولوجيا
باألخطاء ومل تتو َّفق يف بلوغ غرضها وغرض املؤلف، ِ العربية املعارصة" للدكتور عبد اهلل العروي ،1مثاال
كام أهنا ال ختضع حتى ألبسط قواعد البيان العريب .4إن ُمقلِقا بشأن قيمة األعامل التي يتم تقديمها إلينا باللغة
قرار األستاذ عبد اهلل العروي إصدار ترمجة شخصية العربية باعتبارها ترمجات للنصوص الفكرية
ني عن حمدودية ملؤ َّل ٍ
ف َك َت َب ُه هو نفسه باللغة الفرنسية ،تُبِ ُ والفلسفية .فقد صدر الكتاب (اإليديولوجية العربية)
أطروحة األصل والنسخة التي يتحدَّ ث عنها العديد باللغة الفرنسية سنة ،24739وصدرت ترمجته إىل
من املُهتمني بإشكاليات الرتمجة .5وإذا كان غرض العربية من طرف السيد حممد عيتاين يف سنة .34791
األستاذ العروي هو االستدراك عىل ترمجة حممد عيتاين، وحني أصدر األستاذ عبد اهلل العروي ،وهو األستاذ
ِ
لغايته، عادية .لقد امتدَّ ت أخطاء هذه الرتمجة لتجعل منها نَّصا َف ِ
اقدا ٍ
ًّ - 1عبد اهلل العروي ،اإليديولوجيا العربية املعارصة ،ترمجة عبد اهلل
َري خصوصا وأن املُ ِ
رتجم -يف نظر األستاذ عبد اهلل العروي -مل َي ُقم بِغ ِ العروي ،املركز الثقايف العريب الدار البيضاء .1886
ف نفسه عناء البحث عن األصول
النص دون أن ُيكَل َ تعري 2
- A. Laroui, L'Idéologie arabe contemporaine :
Essai Critique, éd. Maspero, Paris, 1967, réed.
وإثباهتا .انظر: La Découverte, Paris, 1982.
عبد اهلل العروي ،اإليديولوجيا العربية املعارصة ،ترمجة عبد اهلل - 3عبد اهلل العروي ،اإليديولوجيا العربية املعارصة ،تعري حممد
العروي( ،مصدر مذكور) ،صص.10-8-9 . عيتاين ،تقديم مكسيم رودنسون ،بريوت ،دار احلقيقة للطباعة
والنرش .1172
-5كت اجلاحظ (ت 515م) ،يف كتاب احليوان عن مشكل األصل
- 4أحىص عبد اهلل العروي يف مقدمة ترمجته لكتابه اإليديولوجيا
والنسخة يف الرتمجةُ ،معلِيا من قيمة األصل قياسا إىل ما ُمتَث ُل ُه النسخة.
العربية املعارصة ،األخطاء التي وقع فيها املُرتجم األول ملؤلفهَ ،فبَ َّ َ
ني
ففي نظره يظل عمل الرتمجان عمال تقصرييا بالرضورة والطبع.
أهنا أخطاء تصل يف مواضيع كثرية إىل حد قل معنى النص .وفضال
فاملرء يف نظر اجلاحظ ،يشق عليه اإلحاطة بلغتني فأكثر .انظر:
عن ذلك ،يرى أن يف ترمجة حممد عيتاين أخطاء َ ُهتم االشتقاقات اللغوية
اجلاحظ ،كتاب احليوان ،حتقيق حممد عبد السالم هارون ،دار اجليل،
والضامئر واألفعال والنعوت .ومثلام شملت هذه األخطاء فهمه
،1188اجلزء األول ،صص71-78 .؛ واجلزء السادس ،ص .11
ٍ
لعبارات حلروف الربط واالستثناء ،شملت أيضا فهمه العادي
59 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
السبينوزية موضوعا هلا .غري أن املُرتجم جالل الدين فإنه مع ذلك مل َي ِقف عند هذا احلد .فقد اعترب أن ما
سعيد ،حرص يف التقديم الذي اعتمده لرتمجته عىل ِذكر ِ
لرغبته يف أن يكُون القارئ العريب عىل حتقيق
يقوم به هو ٌ
األسباب الكامنة وراء اختياره للعنوان العريب.3 وألو ِل َم َّر ٍة عىل مؤ َّلفه اإليديولوجيا
َّ ال ٍع ُم َب ِ ٍ
ارش، اط َ
الكتاب حتت سيرتجم الدكتور أمحد العلمي نف العربية املعارصة يف طبعته العربية .1
عنوان مغاير هو ''اإلتيقا'' ،4وسيعرض يف تقديم هام وبعيدا عن مثال الدكتور عبد اهلل العروي ،نتناول
تصدَّ ر به ترمجته ،ملربرات اختياره هلذا النص ،من نموذجا آخر للرتمجة يف الفلسفة .يتعلق األمر برتمجة
خالل عرضه ألهم الدراسات السبينوزية واجتاهاهتا، كتاب ''اإلتيقا'' لسبينوزا إىل اللغة العربية .وبالرغم من
ومن خالل تناوله أيضا بالتقويم حلدود الرتمجة العربية ضيق احلَي ِز اخلاص هبذا املقال ،وما َينت ُُج عن ذلك من
السالفة الذكر لإلتيقا .وسيالحظ قارئ هذه الرتمجة أن عدم إمكانية التفصيل واملقارنة بني النسختني العربيتني
الدكتور العلمي أغنى هذه الرتمجة باهلوامش التي جتعل لرتمجة كتاب اإلتيقا ،فإننا ونحن نوجه القارئ إىل أمهية
القارئ ي َّطلِع عىل السبينوزية والدراسات املُرتبطة هبا يف ترمجة هذا النص ،ندعوه أيضا إىل مراجعته حتى يتبني
تعددها واختالفها ،اليشء الذي يمكِن من خالله َت َب ُ
ني له أمهية النص ،وأمهية مالحظاتنا حول الرتمجتني
موقف واجتاه الدكتور أمحد العلمي من هذه العربيتني التي بني أيدينا.
َجدُ يف آخر هذه الرتمجة الدراسات .وفضال عن ذلك ،ن ِ فقد صدرت الرتمجة األوىل لكتاب سبينوزا مع الدكتور
معجام غنياَ ،ين ِم عن َكو ِن األستاذ أمحد العلمي أحد َأملَ ِع جالل الدين سعيد بعنوان ''علم األخالق'' ،2مقابل
السبينوزيني املعارصين الذي ينبغي للجامعة املغربية أن املفهوم الفرنيس » ،«Ethiqueالذي هو العنوان
تفتخر هبم. األصيل ملؤلف سبينوزا .وكانت هذه أول ترمجة عربية
لذلك يمكن القول بأن هذه الرتمجة ختتلف عن الرتمجة َتصدُ ُر بعد ثالثة قرون عىل تأليف سبينوزا لكتاب
التي أنجزها جالل الدين سعيد ،ال فقط من حيث اإلتيقا .وجدير باملالحظة أن هذه الرتمجة ال تتوفر ال
املفاهيم املختلفة التي اختارها العلمي ،ولكن أيضا من عىل احلوايش وال عىل أي إشارة للقراءات التي اختذت
- 3املصدر السابق ،الصفحات 02-00- 01 :و.07 - 1عبد اهلل العروي ،اإليديولوجيا العربية املعارصة ،املقدمة ،ص.
- 4سبينوزا ،اإلتيقا ،ترمجة وتقديم الدكتور أمحد العلمي ،ط:1 . .11
إفريقيا الرشق .0212 - 2سبينوزا ،علم األخالق ،ترمجة جالل الدين سعيد ،مراجعة
،1111وأعيد طبعه من طرف املنظمة العربية جورج كتورة ،تون
للرتمجة سنة .0221
60 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
- 3يقول الدكتور أمحد العلمي يف اهلامش '' :استعملنا مفهوم " ال
- PROPOSITION XI : « Dieu, autrement dit une substance consistant en une 1
infinité d’attributs, dont chacun exprime une essence éternelle et infinie, existe
الرتمجة وسعادهتا'' ،وهو حمارضة ألقاها يف 18أبريل 1117باملعهد - 2سبينوزا ،علم األخالق ،ترمجة جالل الدين سعيد (مصدر
التارخيي األملاين: مذكور).
61 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
النصوص الفلسفية وغري الفلسفية ،تستمد َح ًّال تِقن ِ ًّيا ِهن ِائ ًّيا .لذلك ،فإصدار الرتمجات ال ينبغي
مقوماهتا من التوجهات الفكرية والثقافية النظر إليه باعتباره عمال معزوال بل إنه عمل أكاديمي
والتارخيية ألصحاهبا ،إن مل نقل إهنا تت ِ
َّخ ُذ مرتبط باملَتن والسياق اخلاصني بالفيلسوف .وهذا ما
َيد َف ُعنَا إىل طرح التساؤل التايل :بأي معنى يمكِن
مذاهبهم ومعتقداهتم أساسا لتوجهاهتا .كذلك يتم
ِ
النصوص ِ
ترمجة ٍ
جوهرية بني احلديث عن ُفر ٍ
وق ُ
فعل الرتمجة بالنَّظر إىل ما حيكُم لغة املُرتمجني (لغة
ِ
واألدب عموما؟ .1 ِ
الرواية ِ
نصوص ِ
وترمجة ِ
الفلسفية
االنطالق ولغة االستقبال) من توج ٍ
هات .وال شك
ال شك أن بني نصوص الفلسفة ونصوص األدب
أن هذه األمور ِممَّا ُي َعقدُ ُم َهم َة املرتجم ،خصوصا
متفصالت ،لكنها ال تلغي التاميز الذي هو يف الواقع
حني جيدُ نفسه أمام الت ِ
َّوجيه املُزدوج الذي َحيكُم
ناتج عن طبيعة تشكل اخلطابني .لذلك يمكُنني القول
عمله ،وينبغي له أن َي ِع َيه حتَّى ال يذه عمله
بأنه إذا كانت أحوالنا الوجودية ،بوصفنا كائنات
ُسدى .فاللغة التي يعتمدها املُرتجم ،هي غالبا ما
وزعنيحمكومة بوضعية االرتباك النامجة عن كَونِنَا ُم َّ
تكُون لغة ُمش َب َعة بام هو عقائدي وايديولوجي! وقد ات عاملِنا املَن ُظور ،هي التي َتف ِر ُض
َرشين َعرب ِجه ِ
و ُمنت ِ ِ
َ َ
يترسب إىل املَت ِن مفهوم له َن َف ٌ عقائدي
حيدث أن َّ علينا مهمة الرتمجة ،متاما مثلام تقتضيها أيضا وضعيتنا
والسؤال هو :هل استطاع فعال أن ينجح يف حتدي الرتمجة الذي يبدو existantes. ». P. 15.
- P. Ricoeur, Sur LA TRADUCTION, (Défi et bonheur de la traduction), éd.
أنه ينحرص هنا بالنسبة للم ِ
رتجم عند ترمجة ما هو غري قابل للرتمجة. ُ Bayard, 2004.
- François Dédier, Entendre Heidegger et autres exercices d’éco ute, éd. Le grand 1
أنظر: souffle, 2008.
حممد صالح يارة ،حدود الرتمجة ،جملة العرب والفكر العاملي ،العدد من املعروف أن فالديمري فينيامينوفيتش بيبيخني (-1125
املزدوج .27,25النارش :مركز اإلنامء القومي .0211 ،)0221تَر َج َم ملارتن هايدجر الوجود والزمان إىل اللغة الروسية،
62 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
احلالية ،كام نقرأ يف إحدى قضايا اجلزء الثالث من أو أيديولوجي ،فيتم ترمجته و"فلسفته" َكي يصري
اإلتيقا.2 فرتض. ُمقنِعا للقارئ املُ َ
كام أن مرتجم كتاب جيل دولوز سبينوزا ومشكلة -6
1
3 - G. Deleuze, Spinoza et le problème de - B. Spinoza ; Traité Théologico-politique,
l’expression, éd. Minuit, 4739. Trad. et notes par Ch. Appuhn, éd. Flammarion
وقد متت ترمجته إىل العربية بعنوان :سبينوزا ومشكلة التعبري ،ترمجة 1965. Chap. XVI. Note 1. P. 372.
- 2سبينوزا ،اإلتيقا ،اجلزء الثالث ،القضية .7الربهان؛ والقضية .5
للنرش والتوزيع القاهرة .0221 أنطوان محيص ،دار أطل
63 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املفاهيم إبداع فلسفي حمض.3 ) .1d’espritباإلضافة إىل هذا املسألة ،هناك مشكل
مكنه أن جيعلنا ب ِ
عيدين عن وإذا كان هذا األمر ِمما ي ِ اللغة التي يعتمدها املرتجم الدكتور حسن حنفي.
َ َّ ُ
فكرة األصل والنسخة ،املحاكاة ونظرية املحاكاة، فسواء يف املقدمة أو احلوايش عىل الرتمجة ،يعتمد
فهو جيعل من الرتمجة والفلسفة ،ومن الكتابة العقائدي عليها النف حنفي لغة َيغ ُل ُ
عموما ،صياغة وعمال حمفوفا باملخاطر .أي ،كام واإليديولوجي.
قلنا آنِفا ،كتابة شاقة وعملية فاعلة نتمكَّن من ال شك أن هذه املسالة ُحتيلنا عىل رضورة اعتبار أن
ش جتربة اإلبداع والكشف، خالهلا من َعي ِ الفكر حني َي ُرو ُم ال َّتحقق الفعيل ،إنام يكُون ُجم َّسدا
والراجح عرب ُقد َرتِنَا عىل ِ
واالنفتاح عىل املُمكن َّ من خالل حلظات إبداع أساسية ملفاهيمه .والفلسفة
َسل ِك ُد ِر ٍ
وب َنت ََص َّفح من خالهلا ما يبدو لنا ظاهرا حتديدا هي جمال لالختالف الفكري و َبح ٌث يف ما
وب ِ
ممكنة نحو ما هو رب ُث ُق ٍ
حتى نتمكَّن من النَّفاذ َع َ هو غري ُمنتظر وحمكوم بالتعدد والتنوع ،اليشء
ُمت ََو ٍار عن أنظارنا ا ُملبارشة .وهكذا يكُون فعل الذي جيعلنا نقول بأن الفلسفة ال ُتفرس ،وأن
الرتمجة تفلسفا يتم من خالله الرتكيز عىل اختيار مفاهيمها ينبغي أن تكُون ذاهتا َمو ِض َع تفسري.2
ٍ
فكرية. ٍ
خماطرة يتجسد من خالل املفاهيم ،والذي فالفلسفة ُمطالبة بإبداع مفاهيم قادرة عىل التعبري
َّ
اليشء الذي يكُون معه َوه ُم البحث يف الرتمجة عن عن عواطفنا وانفعاالتنا .كام أن مهمة الرتمجة يف
املفاهيم الفلسفية ،باعتبارها حماكاة ،خيانة ملنهج بمهمة الفلسفة .إهنا إبداع املفاهيم،
َّ اعتقادنا شبيهة
وعمل ُم َت َفر ٌد ،اليشء الذي جيعل من فعل الرتمجة -
- Spinoza ; Traité Théologico-politique Trad. et - 1يراجع النص املقصود ،و معه هامش املرتجم ،الذي يقارن فيه
notes par Ch. Appuhn. Chap. XVI. Ed.
Flammarion 1965. P. 262. وسبينوزا بشأن حالة الطبيعة يف - :سبينوزا، بني توماس هوب
- 2دولوز ،كواتاري ،ما هي الفلسفة؟ ترمجة :مطاع صفدي ،املركز رسالة الالهوت والسياسة ،ترمجة وتقديم حسن حنفي ،ومراجعة د.
الثقايف العريب ،1117ص.20 . فؤاد زكريا ،الفصل .11دار التنوير .0225ص.215 .
( - 3املصدر السابق) ،ص .20 ولتأكيد مالحظتنا نوجه القارئ إىل نرشة أبون:
64 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املقال للتوسع فيها .لذلك نكتفي باإلشارة إىل نامذج الرتمجة الذي يلزم يف اعتقادنا اتباعه لرتمجة
من ترمجة ميكيافيليل ،وسبينوزا ومنتيسكيو. النصوص الفلسفية.
ففي ترمجة كتاب ميكيافيليل "فن احلرب" ( L’art ذلك ألن ترمجة املفاهيم عملية إبداعية تدخل ضمن
)de la guerreالتي أنجزها صالح صابر زغلول،1 فهمنا للرتمجة بوصفها كتابة شاقة .فهي دائام كتابة
- 2مونتسكيو ،تأمالت يف تاريخ الرومان :أسباب النهوض - 1ميكيافيليل ،فن احلرب ،ترمجة وتقديم صالح صابر زغلول ،دار
واالنحطاط ،نقله من الفرنسية إىل العربية عبد اهلل العروي ،املركز الكتاب العريب دمشق-القاهرة ،0218 ،التقديم ،صص-12 .
الثقايف العريب-الدار البيضاء ،ط.0211 .1 . .15-17-11
65 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
والختياراته املفهومية .إهنا عملية يتم من خالهلا الكالسيكية .وال شك أن هذا يعك أن عبد اهلل
رب َها لعملية
إبراز قيمة األفكار التي ن َُؤس ُ َع َ العروي كان َقص ِد ًّيا يف اختياره ،مثلام كان ُ ِجميدا لِكُل
ٍ
زدوجة :ترمجة ٍ
ترمجة ُم الكتابة ،التي هي هنا عمل َّي ُة َع َملِ َّياتِ ِه .ويكفي أن ُأ ِش َري إىل أن العروي يف كل ذلك
ألفكار النص التي لن تتم إال من خالل ترمجتنا يبدو وكأنه ُخياطِ ُبنا ويوجهنا إىل ما ينبغي أن يكُون
ألفكارنا ومعانينا التي نُطابقها بالنص .لذلك فإن عليه اختيار النصوص وإنجاز ترمجتها ِوف َق قواعد
هلا رضورة معرفية وتارخيية ،باعتبارها ليست ُجم َّرد يغفل عنها. ِ
لقارئ املُنتبه أن َ احرتافية ال ِ
يمكن ل
يد لبياض النص ،بل إن الغاية منها هي إضفاء تَس ِو ٍ لذلك يمكِننا القول بأن قيمة الرتمجة َتتحدَّ د أيضا
معنى وقيمة ومصداقية معرفية للنص الذي تُل َح ُق بأمهية املدخل إليها .ألن هذه التقديامت الرضورية
به. اسرتاتيجية املُرتجم ورهاناته ،فضال
عتبات تعك
وينتج عن ما سبق ،كَو ُن احلوايش التي يتم اللجوء عن ِ
كوهنا ُتوجهنا لنتفادى سوء الفهم أو عدم
إليها يف الرتمجة هي أن جتعل من هذه األخرية شبيهة كشف عن ِجد َي ِة
كِفايته .وألهنا كذلك ،فهي َت ِ
احلوايش ،التي ال معنى هلا إال إذا كانت تَستَو ِحي ٍ
ترمجة ال انطالقا مما سبق ،نعتقد أنه ال معنى ألي
قيمتها وعملياهتا من عمل األرشفة .فالعمل الذي ِ
رتجم ،ما دامت تَعتَمدُ حوايش عىل النص املُ َ
يقوم به املرتجم أشبه يف عملياته بعمل األَر ِش ِيفي لعمل املُ ِ
رتجم ِ وظيفتها هي أن تكُون توضيحا
- Jacques Derrida, Mal d’archive, ''une - 1جاك دريدا ،أركيولوجيا التوهم "انطباع فرويدي" .ترمجه عن
impression Freudienne'', éd. Galilée, 1995.
العنوان األصيلParis الفرنسية عزيز توما ،شارك يف الرتمجة وقدم للكتاب وعلق عليه
إبراهيم حممود ،مركز اإلنامء احلضاري ،ط ،0228 .1ص .07
66 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
طموحه لكي رتجم َو ِاقعا حتت تأثري هاج ا ُمل ِ الضيا ِع والت ِ
َّدم ِري. ِ
الذي من مهامه حف ُظ األشياء من َّ َ
ٍ
وجه أفضل .وعموما ،فاملُرتجم يكُون ُمن َج ُز ُه عىل بحياة أخرى .إن ٍ أيِ ،حف ُظ َها من املوت ،ومد َها
عتقد بأنه يستطيع بعقله أن يتغ َّل عىل أحاسيسه ي ِ رتجم إذن ،هو إعطاء احلياة للنصوص عمل املُ ِ
َ
عىل عواطفه وانفعاالته ومشاعره .أي ،أن يت َّغل خارج لغتها األصلية .وال شك أن هذه احلياة حتتاج
سواء كانت انفعاالت فاعلة أو كانت انفعاالت إىل عمليات البناء التي تتح َّقق عرب احلوايش.
منفعلة. هيدف املرتجم عرب االعتامد عىل احلوايش إىل نو ٍع من
وحث القارئ عىل الت ََّذك ِر، ِ ِ
عمل َّية تَرمي ِم الفهم َ
لقد حاولنا يف الفقرات السابقة مقاربة مسألة ترمجة ِ ِ
اإلضاءات .بذلك بالعديد من وإِش َبا ِع َأي مفهو ٍم
النصوص الفلسفية إىل العربية ،وب َّينا من خالل ِ
األذهان عىل تكُون غاية اعتامد احلوايش هي َحث
بعض النامذج قيمة وأمهية املداخل واحلوايش ،مثلام
بوصفه ِخ َطاباِ رضورة االنتباه إىل خصوصية املَ ُقول
توقفنا عند مشكلة اختيار املفاهيم التي اعتربناها ِ
سياق النص واملَتن له داللة أصلية ضمن
مرتبطة بأمهية املفهوم يف إنتاج األقوال الفلسفية.
والرباديكم اخلاص بالعرص الثقايف الذي ُأنتِج فيه
ويبقى أن نؤكد أنه إذا كانت أحوالنا الوجودية،
النص.
بوصفنا كائنات حمكومة بوضعية االرتباك النامجة
فاحلوايش يف اعتقادنا ،عملية يتم اللجوء إليها من
عن كَونِنَا نعيش حتدي االنفتاح عىل العامل الذي
أجل التَّحكم يف حرك َّي ِة ِ
إنتاج النص املُ َرت َجم داخل
يسكننا ،وكانت هذه الوضعية هي ما جيعل من اللغة املُستقبِلة .لذلك فوظيفتها أكرب من ُجمَر ِد ك ِ
َوهنا َّ
الرتمجة ،وترمجة النصوص الفلسفية بخاصة ،فعال
عملية لتربير االختيارات واالسرتاتيجيات التي
للكتابة ،يتميز بِكَونِه يقتيض معرفة باملَت ِن
رتجم يف َع َملِ ِه ،الذي ال ينبغي النَّ َظ ُر
يلجأ إليها املُ ِ
والرباديكم اخلاص بالعرص ،كام يقتيض من املُ ِ
رتجم ٍ ِ
ايف .وهذا ما جيعل كل رت ِ ٍّ
عمل اح َ جمرد
إليه باعتباره َّ
وضع تربير الختياراته املفاهيمية واللغوية بام جيعل ٍ
يتحول معه إىل ُمرتجم جا ٍّدَ ،مسكُونا ِ َهبوى َو َش َغف َّ
منها ،ومن املداخل واحلوايش ،حلظات للتفلسف
فكرة هي ما ن َُسم ِيهٍ يتحرك َحت َت ضغط
َّ ٍ
فاعل
وإلنتاج املعنى ،بعيدا عن األهواء القومية الفكرة/املنطلق ،التي ي ِ
عتقد بأهنا َمتن َُح ُه إمكانية َ
والرهانات االيديولوجية ،فإن الرتمجة ،وحتديدا
النجاح يف عمله الرتمجي .ذلك ألنه غالبا ما يكُون
67 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اخلطر .فأن نَفعل (أن نرتجم) يعني أن ن ََض َع قيمة ترمجة نصوص الفلسفة وعلومها إىل لغتنا العربية،
خطر فِع ِ ٍّيل .غري أننا ال
حياتنا األكاديمية والعلمية يف ٍ ينبغي أن تكُون يف نظرنا حمكومة دوما برهان أسا،ي
ُرتجم ،مادام وجودنا يمكِننا -مع ذلك -إِالَّ أن ن ِ هو أن نفهم هذه النصوص الفلسفية .وهذا الفهم
ٍ
دائمة يفرض علينا أن نكُون فاعلني يف عملية كونية لي غري َمتكنِنا من ترمجتها ترمجة سليمة ،اليشء
ٍ
ومستمرة ،هي عملية التَّثا ُقف التي تقع الرتمجة منها الذي جيعل من هذا الرهان رهانا مفتوحا دوما عىل
موقع الصدارة واألولوية. املستقبل.
لذلك يمكِننا القول بأن ما ُي َمي ُز البِنية الدائمة لفعل
الرتمجة هو أن يكُون املُشتغل عليها دوما يف وضعية
.1اجلاحظ ،كتاب احليوان ،حتقيق حممد عبد السالم هارون ،دار اجليل.1866 ،
.0سبينوزا ،اإلتيقا ،ترمجة وتقديم الدكتور أمحد العلمي ،ط .1 :إفريقيا الرشق .0010
.1سبينوزا ،رسالة الالهوت والسياسة ،ترمجة وتقديم حسن حنفي ،ومراجعة د .فؤاد زكريا ،دار التنوير .0019
.1سبينوزا ،رسالة يف السياسة ،ترمجة وتقديم عمر مهيبل ،نرش مؤمنون بال حدود ،ط.0019 .1:
.6مجال الدين العلوي ،املتن الرشدي ،دار توبقال.1895 ،
.5سبينوزا ،علم األخالق ،ترمجة جالل الدين سعيد ،مراجعة جورج كتورة ،املنظمة العربية للرتمجة.0008 ،
.5الدكتور فؤاد زكريا ،اسبينوزا ،دار التنوير ،ط.0011 .0 :
للنرش والتوزيع .0001 .9جيل دولوز ،سبينوزا ومشكلة التعبري ،ترمجة أنطوان محيص ،أطل
- .8كتاب ميكيافيليل ،فن احلرب ،ترمجة وتقديم صالح صابر زغلول ،دار الكتاب العريب دمشق-القاهرة.0016 ،
- .10جاك دريدا ،أركيولوجيا التوهم "انطباع فرويدي" .ترمجه عن الفرنسية عزيز توما ،شارك يف الرتمجة وقدم
للكتاب وعلق عليه إبراهيم حممود ،مركز اإلنامء احلضاري ،ط.0006 .1 :
.11عبد اهلل العروي ،اإليديولوجيا العربية املعارصة ،ترمجة عبد اهلل العروي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء
.1886
68 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
دار، بريوت، تقديم مكسيم رودنسون،حممد عيتاين تعري، اإليديولوجيا العربية املعارصة، عبد اهلل العروي.10
.1850 ،احلقيقة للطباعة والنرش
املركز الثقايف: الدار البيضاء- بريوت، مطاع صفدي: ما هي الفلسفة؟ ترمجة،كواتاري فيليك، جيل دولوز.11
.1885 العريب
نقله عن الفرنسية إىل العربية عبد اهلل، أسباب النهوض واالنحطاط: تأمالت يف تاريخ الرومان،مونتسكيو .11
.0011 .1 : ط،الدار البيضاء- املركز الثقايف العريب،1519 العروي عن طبعة
مركز اإلنامء القومي: النارش.15,19 العدد املزدوج، جملة العرب والفكر العاملي، حدود الرتمجة،حممد صالح يارة .16
.0015
16. - Baruch Spinoza, Traité Théologico-politique, Trad. et notes par Charles
Appuhn, éd. Flammarion 1965.
17. Baruch Spinoza, ETHIQUE, Traduction et Introduction générale Robert
Misrahi. Éditions de l'Éclat, Paris-Tel-Aviv, 2005.
18. Baruch. Spinoza, ETHIQUE, Trad. A. Guérinot, est parue aux éd. d’art éd.
Pelletan, Paris, en 1930. Paris, Éd. Ivrea, 1993.
19. - Jacques Derrida, Mal d’archive : une impression Freudienne, éd. Galilée,
Paris, 1995.
20. - Paul Ricœur, Sur la traduction © Bayard, 2111, Paris.
21. - Abdallah Laroui, L'Idéologie arabe contemporaine : Essai critique, éd.
Maspero, Paris, 1967 ; réed. La Découverte, Paris, 1982.
- François Dédier, Entendre Heidegger et autres exercices d’écoute, éd. Le grand
souffle, 2008.
69 العدد األول – نونبر 0202 والتكوينوالتكوين
في التربية
المتخصصةتربية المجلة
المتخصصة في ال المجلة
1
ال شك أن املجال الرتبوي يعترب أحد الروافد الكربى املسهمة يف نمو األشخاص ،وتكوينهم الفكري واملعريف
واألخالقي ،ولذلك كثرت الدراسات احلديثة ذات االهتامم الرتبوي ،وظهرت يف سبيل ذلك مدارس فلسفية عدة،
واجتاهات نفسية عديدة ،انبثقت عنها نظريات تعلمية خمتلفة ،تتجاذهبا أطراف العملية التعليمية الثالثة :املعلم -
املتعلم -املادة املعرفية.
ِ
النظريات الرتبوي َة احلديث َة جمموع ٌة من املصطلحات الرتبوية -إحيا َء أو ابتكارا ،-صارت نقط َة وصاحبت هذه
االرتكاز يف العملية التعليمية التعلمية ،مثل :البيداغوجيا بأنواعها ،والديدكتيك ،والكفايات ،والزوبعة الذهنية،
والتغذية الراجعة ،ودينامية اجلامعة .مرورا بتدقيق النظر يف مصطلح "التلميذ" و"املعلم" ،ليتبني أهنا ترجع يف
أصوهلا إىل مصطلح" :الرتبية" ،الذي يفيد حسن القيام عىل املر َّبى ،وتبليغه إىل كامله شيئا فشيئا ،أي :قيادة الطفل
وإخراجه من حالته األوىل ،إىل حالة التعلم واملعرفة والتكوين ،أو إخراج ما لديه من مهارات ومؤهالت.
العملية التعليمية التعلمية فعال وحقيقة ،ال وانتهى البحث إىل رضورة االهتامم هبذا املتعلم ،وجعله يف قل
إعادة النظر يف مؤهالت املعلم نفسه ،ومدى قابليته للتكوين املستمر ،وتشبعه تصورا ونظرا ،وهو ما يستوج
بأخالقيات مهنته ،وتتبع حلظات إبداعه إلغنائها ،وحلظات فتوره لتقوهيا ،دون إغفال املحيط الرتبوي إلنجاح
عمله ،من بنية حتتية سليمة ،وأدوات اشتغال مناسبة .مع توافر حمتوى معريف سليم ومتزن يف مجيع املواد التي تالم
حركية .وإجياد منهجية تدريسية يف املتعلم جوانبه املعرفية ،والوجدانية ،واملهارية ،والسلوكية ،والعقلية ،واحل
سليمة ،تستهدف حتقيق الكفايات املرسومة ،مع وجود آليات القياس والتقويم والدعم املناسبة .آنذاك يمكن أن
نتحدث عن أثر تربوي فعال للنظريات الرتبوية ومصطلحاهتا .ولقد حاول البحث أن يسهم يف وضع مجلة من
املقرتحات ،كفيلة باالنخراط الفعال يف جتاوز التعثرات احلالية ،واسترشاف مستقبل تعليمي تعلمي أفضل.
:نظريات التعلم ـ األثر الرتبوي ـ املثلث البيداغوجي ـ جودة التعليم ـ التغذية الراجعة
جمرد عىل م بدإ الت فا عل بني ا لذات واملحيط ،ولي يف نمو األشــ خاص ،وتكوينهم الفكري واملعريف
ال تأثري ا خلارجي عىل ا لذات كام ترى الســلوك ية ،أو واألخالقي ،ولذلك كثرت الدراســات احلديثة ذات
ا ل تأ ثري ا ل ع قيل كام ترى ا ل ن ظر ية ا مل عر ف ية ( le االهتامم الرتبوي ،وظهرت يف ســب يل ذ لك مدارس
.)cognitivismeفالتعلم عند بياجي :نشــاط ذهني فلســفية عدة ،واجتاهات نفســية عديدة ،انبثقت عنها
حركي ،حيصـــل من خالل عمليتني متالزمتني مها: نظريات بيداغوجية خمتلفة ،تتجاذهبا أطراف العملية
االســتيعاب ) ،(assimilationاملعتمدة عىل إدماج التعليم ية الثال ثة :املعلم -املتعلم -ا ملادة املعرف ية،
املصــطلح عليها باملثلث البيداغوجي ( le triangle
املعارف اجلديدة يف البنيات الذهنية القبلية .فالفعل
2
املفهوم ،وصــوال إىل تعويم املفهوم ،باســتحضـــار أصــب حت تتحكم يف دراســت ها م قار بة األب عاد
"املثال" ،و"الالمثال" .وبعد االستيعاب ،تأيت العلمية السوسيولوجية ،والثقافية والسيكولوجية .وبرزت إىل
ال ثان ية ،وهي املالء مة ) ،(accommodationأي: الســطح مصــطل حات جد يدة م ثل :الب يداغوج ية
تالؤم الذات مع معطيات املحيط اخلارجي .ويف هذا ال فارق ية -الزوب عة الفكر ية -الت غذ ية الراج عة -
رد االعت بار مل كا نة املتعلم ضــمن العمل ية التعليم ية والديدكتيك -والكفايات -ودينامية اجلامعة..
هذه العملية ،ولي التعلمية ،الذي أصــبح يف قل هذه املصــطلحات خضــعت يف حتديد مفهوماهتا
جمرد مســـتق بل للمعر فة ،وهو عمق مصـــطلح للنظريات الرتبوية اجلديدة ،كالنظرية الســلوكية ( le
"ا ل ك فا يات" ا لذي جاء بد يال عن مصـــ ط لح ،)behaviorismeالتي كان من رواد ها ال قدامى:
فالبنائية دفعت باجتاه جعل الفعل الرتبوي يسري نحو جدلية (مثري -اســتجابة) ،أي( :إن التعلم هو" :تغيري
الوضــعيات التفاعلية ) (interactivesالتي تثري يف أو تعديل يف سلوك املتعلم ،عندما يتعرض لتأثري حمدد
صـــادر عن حم ي طه") ،وا ل ن ظر ية ا ل ب نا ئ ية (le
1
- 2العريب اسليامين" ،املعني يف الرتبية" ،ص ،74 :والعريب -1العريب اسليامين" ،املعني يف الرتبية" ،ص.74 :
اسليامين ورشيد اخلديمي" ،قضايا تربوية" ،ص.21 :
71 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
"ويكون ( َت َف َّعل) أل خذ اليشــء نحو :تأدب وتف قه التلم يذ الرغ بة يف الب حث وصــ يا غة املشــكالت،
وتعلم .ويكون َت َف َّعل بمعنى افت عل ،نحوَ :ت َع َّلم، وم ناقشـــة املشـــا كل ،وتق بل اقرتا حات ومتثالت
بمعنى اع َلم ،كام قال القطامي: ( )représentationsالتالم يذ .ويؤ خذ علي ها أ هنا
الرش َخريا * وإ َّن هلذه ال ُغ َم ِم ان ِقشاعا
َت َع َّل َم إ َّن بعدَ َّ تقول ب"نســبية املعرفة" ،مما يتعارض مع "املطلق"
أي :اِع َلم".4 الذي نؤمن به نحن املســلمني ،كوجود اهلل ،والبعث،
فمصطلح "التلميذ" كان سائدا لقرون عدة ،لكن مع واجلزاء...
احلديث ،زوحم كام زومحت مصــطلحات علم النف وه كذا نلحظ تغري املنطل قات الب يداغوج ية ،تب عا
أخرى كانت ســائدة ،بحيث (نجد مفهوم "متعلم"، لتغري النظريات السيكولوجية.
الذي أصــبح يســيطر عىل الســاحة التعليمية ويف كل وهنا ال بأس من التمهيد ملوضــوع فاعلية املدرس،
.5 اخلطابات الرتبوية ،عىل حساب مفهوم "تلميذ") ضمن مكونات الفعل التعليمي التعلمي ،برشح بعض
َ
ستبدال م صطلح بآخر ا ستبداال األمر ا ولكن لي املصــطل حات الب يداغوج ية ،ذات االرت باط الوثيق
لغويا وحس ( ،بل إن األمر يتعلق بتغري عىل مستوى هبدف هذه الدراسة.
ا لدالالت .ح يث ن جد األول (التلم يذ) قد ارتبط * هل هناك فرق بني التلميذ واملتعلم؟
ببيداغوجيات كانت ســائدة خالل عصــور خلت، جاء يف لســـان العرب" :التالميذ :اخلدم واألتباع،
والتي كانت أغلبها تركز عىل تبليغ املادة ،وعىل مركزية واحدهم تلميذ".1
ا ملدرس دا خل املنظو مة الرتبو ية .فهو املســؤول عن ويقال :تلمذ لفالن وعنده :كان له تلميذا .والتل ِم ُ
يذ:
خادم األُســ تاذ من َأ هل العلمَ ،أو الفنَ ،أو ِ
احلر فة.
البحث عن املادة التعلمية ،ووضــعها يف قال معني،
ليتم مترير ها إىل ذهن الفرد املســت هدف من ف عل والتلميذ :طال العلم ،وخ صه أهل الع رص بالطال
التعلم).6 الصغري.2
فكأن كلمة "تلميذ" تقتيضــ أن يكون املعلم مالك و َعلِ َم األمر و َت َع َّل َم ُه :أتق نه .3و قد تأيت بمعنى أ خذ
م نه املعرفة ،والتلميذ جمرد متلق هلا ،يراها متى طل اليشــء .قال الث عالبي يف "ف قه الل غة ورس العرب ية":
" - 4فقه اللغة ورس العربية" ،أبو منصور الثعالبي ،ج ،4 :ص: " - 1لسان العرب" ،ابن منظور املرصي ،مادة" :تلمذ".
.259 "- 2املعجم الوسيط" ،إبراهيم مصطفى ـــ أمحد الزيات ـــ حامد
- 5العريب اسليامين ورشيد اخلديمي"،قضايا تربوية" ،ص.213 : عبد القادر ـــ حممد النجار ،مادة" :التلميذ".
- 6العريب اسليامين ورشيد اخلديمي"،قضايا تربوية" ،ص.213 : " - 3لسان العرب" ،ابن منظور املرصي ،مادة" :علم".
72 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
و"العقد الديدكتيكي" تعاقد ضــمني بني املدرس ذلك ،تبعا لألهداف التي رســمها املعلم ،والتي جي
واملتعلمني منذ بداية الســنة الدراســية ،يتم بموجبه أن تن سح عىل الف صل كله دون تفريق بني التالميذ،
حتد يد واج بات وحقوق كل طرف ،كاالت فاق عىل أو متييز بني مؤهالهتم ،ومكتســباهتم ،وقدراهتم ،عىل
األهداف والكفايات املطلوبة ،والو سائل الديدكتيكية اعتبارهم -كام كان شائعا -صفحة بيضاء.
امل ستعملة ،والطرق البيداغوجية امل سلوكة ،باإل ضافة و ب عد توايل األ ب حاث وا لدراســـات يف م يدان
إىل حتقيق االن ضباط ،وح سن ال سلوك ،وعدم الغش، ال سيكولوجيا بعامة ،و سيكولوجيا الطفل بخا صة -
وإحضــار األدوات البيداغوجية ،واحلق يف املناقشــة، وهي يف غالبيتها دراسات غربية ،-تبني أن هذا الطفل
وتكافؤ الفرص... هامشــيا متلقيا ومتأثرا، جي أن يكون حمورا ،ولي
فام عالقة كل ذلك بالرتبية؟ فاعتُرب (متعلام) ،التي من معانيها (عامل) ،واعترب املتعلم
* الرتبية ):)Education (هو الذي يبحث عن مادة تعلمه ،ويتكيف معها بفعل
3ـــ أبو بكر الرازي" ،خمتار الصحاح"" ،ربا". 1ـــ العريب اسليامين ورشيد اخلديمي"،قضايا تربوية" ،ص.219 :
4ـــ ينظر" :ديوان أمية بن أيب الصلت" ،ص.59 : 2ـــ مرتىض الزبيدي" ،تاج العروس من جواهر القاموس"،
5ـــ ج ،4 :ص.91 : "رب ".
73 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ولكي تتبدى لنا ال صورة ب شكل أو ضح ،ال بأس أن فشــيئا" .فالرتبية يف اللغة من " َربا اليشــ ُءَ ،ير ُبوُ ،ر ُب ًّوا
نجري مقارنة يســرية بيننا ،وبني دولة جماورة ،فط نت ِ
ورباء :زاد ونام".1
إىل رضورة جتنيد طاقاهتا خلدمة التعليم ،وحتقيق تعلم ويعضــد هذا املعنى ،ما ورد يف حديث أيب احلباب
فعال ،وهي إ سبانيا .وهذه نامذج للحوافز التي قدمتها سعيد بن ي سار ،أن ر سول اهلل ﷺ قالَ " :من َت َصدَّ َق
يف هذا املجال: بِ َصدَ َق ٍة ِمن َك س ٍ َطي ٍ َ -والَ َيق َب ُل اهللُ إِالَّ َطيبا -ك َ
َان
-يف عام 4775م ،كان %35من ال سكان اإل سبان مح ِن ُي َرب َ
يها ك ََام ُي َريب َأ َحدُ كُم َف ُل َّو ُه إِن ََّام َي َض ُع َها ِيف كَف َّ
الر َ
قد اجتازوا مرحلة التعليم الثانوي عىل األقل ،وحصل اجل َب ِل".2 َأو َف ِصي َله ،حتَّى َتك َ ِ
ُون مث َل َ ُ َ
معظمهم عىل شهادة إمتام هذه املرحلة. والرتبية ( ،)Educationمشتقة من )،)Educare
أ ما املغرب ،ف كان يراهن عىل أن جي عل %11من ِ
إخراجه إىل .فهو متضــمن بمعنى قيادة اليشــء إىل .أو
املتعلمني امل سجلني سنة 2111/4777حم صلني عىل معنى إخراج الطفل من حالته األوىل إىل حالة التعلم
ال باكلور يا عام 2144م ،مع أن أ حد املســؤولني واملعر فة والتكوين ،أو إخراج ما لد يه من م هارات
الرتبويني رصح -يف مارس2141م -بأن ثامنني ألف ومؤهالت.
تلم يذ يلجون ا ملدرســـة ،ال حيصـــل عىل شــ هادة فالرتب ية علم ُيعنى بتنم ية مل كات الفرد ،وتكوين
الباكالوريا منهم إال عرشون ألفا فقط. شخصيته ،وتقويم سلوكه ،أو هي فن تنمية اخلصائص
-يســتمر التعليم اإللزامي 41ســنوات :من 3 اجلسمية ،والعقلية ،واخللقية ،الكامنة بكيفية منسجمة
سنوات إىل 43سنة. لدى الشخص ،بحيث يصبح عضوا نافعا يف جمتمعه.
-يشرتط يف مدرس املراحل االبتدائية احلصول عىل لكن ،إىل أي حد اســت طا عت منظومت نا التعليم ية،
يف ع لوم ا لرت ب ية ،أو در جة در جة ا ل ليســـا ن األ خذ ب يد ا ملدرس إىل األ هداف الرتبو ية املنشــودة،
الباكلوريوس يف اهلندسة. باعت بار ها أ حد أهم ال فاعلني -إن مل يكن أمههم -
-حيق للعاملني يف جمال التعليم التقاعد اختياريا ضــمن أركان العملية التعليمية التعلمية( :املدرس،
عند بلوغهم سن الستني ،برشط قضاء 12عاما يف املتعلم ،املادة املعرفية)؟
بن احلجاج" ،املسند الصحيح" ،باب قبول الصدقة من الكس 1ـــ ابن منظور املرصي" ،اللسان"" ،ربا".
وتربيتها ،رقم احلديث .2397 :واللفط ملالك يف "املوطإ"، الطي 2ـــ حممد بن إسامعيل البخاري" ،اجلامع الصحيح" ،باب قول اهلل
باب الرتغي يف الصدقة ،رقم احلديث.4911 : تعاىل( :تعرج املالئكة والروح إليه) ،رقم احلديث ،9131 :ومسلم
74 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حيددون فرتة املشـــاهدة اليومية للطفل ب 35دقيقة ا خلد مة عىل األ قل ،ويصــبح الت قا عد إلزام يا ع ند
فقط. بلوغهم اخلامسة والستني.
واملتعلم عند التخرج من الثانوي ،يكون قد ق ىض يف -وإذا كان متو سط عمل األ ستاذ عندنا أقل من 21
الدراســة 41.111 :ســاعة ،وأمام التلفاز45.111 : ســاعة أســبوعيا ،أي :قرابة 911ســاعة ســنويا ،فإن
ساعة. املدرس يف إســبانيا يعمل 4291ســاعة ســنويا ،منها
والشــاب يف اجلامعة يقيضــ 311ســاعة ســنويا، 951يف ال تدري ،وال باقي يف أداء واج بات مكم لة
و 4111ساعة أمام الفضائيات. لعمله ،مع متتيعه بإجازة صــيفية مدهتا شــهران ،مع
-يستغل املدرس اإلسباين قسطا من إجازته الصيفية العطل الرسمية العادية.
يف ع قد دورات تدريب ية (التكوين املســتمر) ،ح يث أما عندنا ،فحســاب يســري يوقفنا عىل درجة هدر
ينص املرســوم ا لدســتوري للن ظام التعليمي عىل أن الوقت الذي تعرفه جمتمعاتنا.
عىل ال عاملني يف جمال مواصــ لة التعلم حق ووا ج فلو أن بلدا عدد ســكانه 41ماليني نســمة ،وعدد
ال تدري ،لت حد يث خرباهتم العلم ية والتعليم ية الذين يشــتغلون (ينتجون) %25فقط ،يضــيعون من
واملهن ية ،عىل أن تكون ت لك ا لدورات جمان ية .وتقوم أوقات عملهم ساعتني ،يكون عدد ال ساعات التي تم
بمهمة التدري مراكز املعلمني واجلامعات. هدر ها يف الســ نة ،4.951.111.111وهي ت عادل
-يتجه اإلســبان إىل جعل إلزامية التعليم من ســن 251مليون يوم عمل.
-يت جه %91من خرجيي ال ثانو ية إىل ا جلام عات، واالعتناء به ،نجد أبناءنا يقضــون من أوقاهتم أمام
و %31إىل املعاهد املهنية. الفضــائيات واملواقع اإللكرتونية والفيديو قرابة 31
ُ -يعتمد يف التعليم االبتدائي عىل ما يســمى بمعلم بل إن عدد الســاعات التي هيدروهنا يف هذا الفراغ،
الفصــل ،ومعلم متخصــص يف الدين والرتبية البدنية، أزيد من ال ساعات التي يق ضوهنا يف املدر سة .فالطفل
مع الرتكيز عىل التعليم املهني يف املرحلة الثانوية. يف املرحلة االبتدائية يقيض من 911إىل 911ساعة يف
-يتم الرتكيز يف اســتخدام احلاســوب باعتباره أداة املدر سة يف العام ،ويق يض أزيد من 4111ساعة أمام
لإلنتاج والتعليم ،مع توافر جهاز حاسوب لكل فصل واالجتامع واألطباء املرناة/التلفاز ،مع أن علامء النف
75 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
(2113م2119/م) 2حول جودة التعليم وختصيصها يف املرحلة االبتدائية ،وتزويد املؤســســات بشــبكة
باملجال البيئي والصــحي ،توصــلت األســتاذتان إىل األنرتنت .ويوزع التالم يذ يف هذه املرحلة وفق نظام
نتائج مذهلة ،عن طريق اســتبيان موزع عىل جمموعة املجموعات ،والوســائل والكت املســاندة تتوافر يف
من التالم يذ واألســـا تذة واإلداريني ،يف عدد من الفصول واملمرات.
املؤ س سات الثانوية اإلعدادية بمراكش ،سأقت رص عىل -واملتعلمون املوهوبون يعطون فرصـــة اختصـــار
ذكر أجوبة التالميذ: الدراسة إىل سنتني.
-هل املؤسسة قريبة من مصدر إزعاج؟ %55 :نعم، -تزود املؤ س سات بمطاعم تقدم وجبات ساخنة،
%15ال. ألن املعلم يبقى يف املدرســة من بداية الدوام إىل هنايته،
-هل الت شجري موجود بمحيط املؤ س سة؟%39.5 : وألن فرتة الدوام تبتدئ من التاسعة والنصف صباحا،
نعم %32.5 ،ال. إىل الواحدة والنصــف ظهرا ،ثم فرتة اســرتاحة وغداء
-هل التشجري موجود داخل املؤسسة؟ %51:نعم، ملدة ساعة ونصف ،ثم تستأنف الدراسة من الثالثة إىل
%51ال. اخلامسة والنصف.
هل املؤسسة مربوطة بشبكة املاء الصالح للرشب؟: ـــ أقىص عدد التالميذ يف املدرسة يبلغ 941تلميذ،
%91نعم %31 ،ال. وعدد الفصــول ال يتجاوز 23فصــال ،واحلد األدنى
-ما وضعية الرصف الصحي؟ %3.9 :جيدة%31 ، ملقياس الفصل هو 12 :مرتا مربعا.1
سيئة %33.25 ،متوسطة. -ونظرة وا حدة إىل مج لة مدارســ نا ،تنبئ بتقهقر
-ما وضــعية دورات املياه باملؤســســة؟ %1 :جيدة، جودة التعليم عندنا ،وأن بيننا وبني ما ذكرناه من جتربة
%34.25ســـي ئة %3.25 ،متوســـ طة 32.5 ،غري اإلسبان قراب َة 35سنة من التأخر.
موجودة. ومن خالل مرشوعني شخصيني ألستاذتني طالبتني
-هل تدخن؟ %42.5 :نعم %99.5 ،ال. با ملر كز ا لرت بوي ا جل هوي ب مرا كش حتت إرشايف
والبحث الثاين بعنوان" :تنمية الوعي البيئي والصحي لدى التالميذ 1ـــ ينظر موقع ،www.bab.com :مقال بعنوان" :التعليم يف
وعالقته بجودة التعليم" ،للطالبة :لالهدى العلوي كامل ،شعبة إسبانيا .مستوى متطور وجتربة رائدة" .متت زيارته بتاريخ13 :
الرتبية اإلسالمية ،السنة التكوينية2119-2113 :م. مارس 2122م.
2ـــ البحث األول بعنوان" :جودة التعليم بني الشعار والتطبيق
(اإلعداديات املتمرن هبا نموذجا)" ،للطالبة األستاذة :نعيمة احلداد،
شعبة الرتبية اإلسالمية ،السنة التكوينية 2113 :ـــ 2119م.
76 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-ما هدفك من الدرا سة باأل ساس؟ %11 :التعلم، -هل لك عال قة با ل ك حول؟ 43.95 :ن عم،
%51الوظيفة %41 ،تلبية رغبة الوالدين. %93.25ال.
-ما مدى اســتفادتك من املعلومات التي تتلقاها -هل ت ت عا طى ا مل خدرات؟ %44.25 :ن عم،
داخل املدرســة ،وتوظيفك إياها يف حياتك اليومية؟: %99.95ال.
%11بنسبة كبرية %31 ،بنسبة متوسطة. -هل تعرف األمراض الناجتة عن هذه األ صناف؟:
-هل املقررات وامل ناهج ا جلد يدة حتقق مردود ية %92.5نعم %29.5 ،ال.
جيدة؟ %31 :نعم %21 ،ال %51 ،يف بعض األحيان. -ما هي هذه األ مراض؟ %23.95 :ي عرف،
-ك يف يؤ ثر املســـ توى ا ل ث قايف واال قتصـــادي %33.95ال يعرف %12.5 ،خيلط.
واالجتامعي عىل عطائك الدرا،ي؟ %51 :سلبا%51 ، -هل تعرف عن األمراض املنقو لة جنســ يا؟:
إجيابا. %53.45يعرف %22.5 ،ال يعرف %24.5 ،خيلط.
-هل تتابع أرستك سري درا ستك داخل املدر سة؟: -اذ كر ب عض طرق ا ن ت قال هذه األ مراض؟:
%21نعم %31 ،ال %21 ،يف بعض األحيان. %39.95يعرف %34.25 ،ال يعرف.
-هل جتد يف بعض أســاتذتك متييزا يف املعاملة بني -ما طرق ا لو قا ية م ن ها؟ %39.95 :ي عرف،
ا ل تال م يذ؟ %31 :ن عم %31 ،ال %41 ،يف ب عض %34.25ال يعرف.
األحيان. -هل يوجد باملؤســســة ناد صــحي؟ %49.5:نعم،
-ما مدى إخالص أســـا تذ تك يف أداء واجبهم %92.5ال.
املهني؟ %31 :كلهم %51 ،أغلبهم %21 ،بعضهم. -هل يو جد باملؤســســـة ناد بيئي؟ %42.5 :نعم،
-هل يوجد يف أرستك حاملو شــهادات معطلون %99.5ال.
عن العمل؟ %91 :نعم %31 ،ال. -ما دور كل منهام يف التثقيف الصــحي والبيئي؟:
-هل يؤثر وجود حاميل شــ هادات معطلني من %25يعرف %95 ،ال يعرف.
أرستك عىل جديتك يف التحصــيل الدرا،ي؟%31 : -هل تشــارك فيهام أو يف أحدمها؟ %43.25 :نعم،
عىل العطاء ،وحتمل امل سؤولية ..هذا املعلم ،إذا ت شبع -هل البنيات التحتية والتجهيزات يف املؤســســـة
بالرســالة الرتبوية الســامية ،وقصــد إصــالح املتعلم، مســاعدة عىل توفري جو مالئم لتحصــيل جيد؟%41 :
وحتقيق النفع له ،بلغ الغاية ،وحقق املُنية. نعم %71 ،ال.1
وقد (صنف " "flemingمهام املدرس ضمن سبع مه مة من ولعل ها أر قام تتضـــافر يف ب يان جوا ن
وظائف هي :كا شف عن الدافعية ،من شط ،مر شد يف م كامن اخل لل يف املنظو مة التعليم ية ،كام توضــح -
الدراسة ،مالحظ ومراق للتطورات ومظاهر التقدم، بجالء -اجلوان األساس الواج معاجلتها لالرتقاء
صانع وتقني ،جمرب ،إداري ومعالج).2 بجودة التعليم ،ومن ها رصـــد األدوات والتحفيزات
havighurstو neugartenإىل أن و يذ ه لتحقيق فاعلية املدرس ،وحمورية املتعلم.
مه مة ا ملدرس هي ترك ي ملجمو عة من األدوار التي فهل من إصالح هلذا الوضع التعليمي املتقهقر؟.
تتحدد يف كونه وســيطا يف الدراســة ،ضــابطا للنظام، إذا توافر لدي نا حمتوى معريف ســليم ومتزن يف مجيع
نائ با عن اآل باء ،حكام ،مؤمت نا عىل األرسار ،وممثال يف ا مل ت ع لم جوا ن به ا مل عر ف ية، ا ملواد ا ل تي تال م
للمجتمع.3 حركية، والوجدانية ،واملهار ية ،والســلوكية ،واحل
ويمكن إرجاع مفاتيح النجاح لدى املدرس -من والعقل ية ...وو جدت املنهج ية الســلي مة لل تدري
الرتبوي املبثو ثة يف رشيعت نا و تارخي نا خالل األســ ،méthodologieواســت هداف حتقيق الك فا يات
الرتبوي -إىل عدة أســباب ،لعل من أمهها أحد عرش ـ املرسومة ،مع وجود آليات القياس والتقويم والدعم..
امله نة ،والت فاين يف الســمو هبا، -4تشــب عه ب ح مف تاح الن جاح ب يد ا ملدرس -ب عد اهلل ت عاىل ،-فهو
وحتقيق أهدافها. ا ل قدوة امل ثال ية لل متعلم ،واألب ال ثاين ألج يال
ففي حد يث أيب ســع يد ا خلدري ريض اهلل ع نه أن املتعلمني ،وصــاح املفتاح الســحري -بتوفيق اهلل
2ـــ جملة علوم الرتبية ،ع 3 ،1 :مارس 4773م ـــ ص.25 : 1ـــ تنظر الدراسة ضمن أرشيف البحوث الشخصية والتدخلية
3ـــ نفسه ،ص.23/25 : باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ـــ مراكش آسفي ،املقر
الرئي .
78 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
األهداف ،يقتيضــ خطوتني :التخطيط ،والتنفيذ وفق وهمَ ،ف ُقو ُلوا َهلُمَ :مر َح با َمر َح با بِ َو ِصــ َّي ِة
َفإِ َذا َر َأيت ُُم ُ
املخطط .والتجر بة تقتيضــ "الق ياس مرتني لتقطيع ُوهم.2)1 رس ِ
ول اهلل ﷺ َ ،واقن ُ َ ُ
اخل ش مرة واحدة" .ومن ي ستطيع رؤية اهلدف ،فال -2أن يكون قدوة يف نفســه ،مثاال لغريه .وما أخطر
شك يستطيع حتقيقه. فصــام األســتاذ بني قوله وفعله عىل نفســية التلميذ.
-5الرفق باملتعلم وحســن معاملته ،واألخذ بيده وقديام قال أبو األسود الدؤيل.
للفهم ،بدون تعنيف أو تشــديد .ويف احلديث ،يقول يك إِذا َف َع َ
عار َع َل َ ال َت نه َعن ُخ ُل ٍق و تَ أ ِ
لت يت م َثل ُه * ٌ
َ َ َ
ﷺ" :إِن ََّام َأ نَ ا َلكُم بِ َمن ِز َل ِة ال َو ِال ِد ُأ َعل ُمكُم" .7ولذلك ظيم.3
َع ُ
قال ( :schilderا ملدرس قا ئد ،يم ثل كال من األب وصــفة الفصــام هاته ،تظهر عىل وجه املعلم ،حتى
واألم). ق يل" :كن صــحي حا يف الرســ ،تكن فصــي حا يف
-3مراعاة الفروق الفردية (البيداغوجية الفارقية - العالنية".4
،)pédagogie différentielleالتي ظهرت مع -3اهتام نف سه عند عدم ح صول الفهم ،فقد يكون
لوغران louis legrand-سنة 4793م ،من لوي ذلك بســببه هو ،ال بســب آخر .قال بكر بن عبد اهلل
أ جل حتقيق التواصـــل الب يداغوجي ،املعت مد عىل املزين" :5إذا َو جدت يف إخوانك جفاء ،فذلك لذن
الرصــيد املعريف والعاطفي للمتعلم ،وهو ما يقتيضــ أحدثته ،فت إىل اهلل تعاىل .وإذا وجدت منهم زيادة
واالنفتاح عليهم ،وعد َم
َ مراعا َة الفوارق بني التالميذ، حمبة ،فذلك لطاعة أحدثتها ،فاشكر اهلل تعاىل".6
بار
إقصـــا ئ هم ،واال ع تام َد عىل ا ل ت فر يد ،وا ع ت َ -1حســن التخطيط ل لدرس ،والربا عة يف حتد يد
اخلصوصيات. األ هداف/الك فا يات ،و حماو لة الوصــول إلي ها،
اس ِب َام
َ " :حد ُثوا ال َّن َ قال عيل بن أيب طا ل كالتصــميم لب ناء ب يت ،فكيف وهو يبني النفوس،
َيع ِر ُف َ
ون".8 والعقول ،واألف كار ،والو جدان .والن جاح يف حتقيق
6ـــ حممد عبد الرؤوف املناوي" ،فيض القدير رشح اجلامع وهم.
1ـــ أي :عَل ُم ُ
الصغري من أحاديث البشري النذير" ،ج ،5 :ص.557 : 2ـــ ابن ماجة" ،السنن" ،باب الوصاة بطلبة العلم ،رقم احلديث:
7ـــ أبو داود السجستاين" ،السنن" ،باب كراهة استقبال القبلة .255
عند قضاء احلاجة ،رقم احلديث.3 : 3ـــ ينظر" :ديوان أيب األسود الدؤيل" ،ص.431 :
8ـــ البخاري معلقا ،باب من خص بالعلم قوما دون قوم ،برقم: 4ـــ حكمة للشيخ عبد القادر الكيالين أو اجليالين .ينظر" :الفتح
.429 الرباين والفيض الرمحاين" ،ص.35 :
5ـــ وهو تابعي جليل.
79 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
النظري والعميل"، 5ـــ ينظر :أمحد عيسى داود" ،أصول التدري 1ـــ مقدمة صحيح مسلم ،ج ،4 :ص.1 :
ص.33 : 2ـــ حممد بن إسامعيل البخاري" ،اجلامع الصحيح" ،ج ،4 :ص:
6ـــ حممد بن إسامعيل البخاري" ،اجلامع الصحيح" ،باب احلياء يف .229
العلم ،رقم احلديث ،434 :ومسلم بن احلجاج" ،املسند الصحيح"، 3ـــ مسلم بن احلجاج" ،املسند الصحيح" ،باب النهي عن احلديث
باب مثل املؤمن مثل النخلة ،رقم احلديث.9293 : بكل ما سمع ،برقم.41 :
4ـــ حممد بن إسامعيل البخاري" ،اجلامع الصحيح" ،باب من أعاد
احلديث ثالثا ليفهم عنه ،رقم احلديث.75 :
80 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
احلقي قة خلفهم يدعمهم" .وق يل" :التلم يذ ال يأيت ما بني الطريقة اإلخبارية، -9التنويع يف التدري
لل مدرســـة ألج لك أ هيا ا ملدرس ،ولك نك أ نت من واحلوار ية ،واالســتقرائ ية واالســتن باط ية ،والتعليم
يذه إىل املدرســة ألجله" .وقيل" :أعط بال حدود، بالقصة ورضب املثال ،وطرح السؤال ..كل طريقة يف
وال تنتظر األخذ" ..ولكن دون تكلف العلم ،وادعاء مكاهنا املناس .
املعرفة ،وزعم املوســوعية ..فذلك قد يوقع يف الغرور -7تنقيح املعلو مات و جتد يد ها عن طريق القراءة
والتهلكة ،ومن قال ال أدري ،علمه اهلل ما ال يدري.5 املســتمرة ،واالطالع عىل ا جلد يد يف م يدان الرتب ية
-41مالحظة وســائل التأثري املختلفة ،ألن طريق (التكوين املســتمر) ،وحضــور ال ندوات واملؤمترات
إيصال املعلومة يعود إىل ثالثة أقسام: الرتبوية ،واالتصــال باملجالت املتخصــصــة ..واهلل -
أ -القســم املعنوي من إلقاء الدرس ،وهو املعروف (و َما ُأوتِيتُم ِم َن ال ِعل ِم إِ َّال َقلِيال) .1وقال
تعاىل -يقولَ :
باملحتوى واملوضوع (املعرفة). يم) .2وقال -تعاىل ِ ِ ِ
(و َفو َق كُل ذي عل ٍم َعل ٌ
-تعاىل َ :-
ب -القسم الصويت ،أي نربة صوت املعلم ودرجاته (و ُقل َرب ِزد ِين ِعلام) .3وعن أيب الدرداء ريض اهلل
َ :-
يف أثناء الرشح. لم بالتحل ِم".4 ِ ِ
لم بالتَّعل ِم ،واحل ُ
عنه قال" :إنَّام الع ُ
ج -القسم البرصي ،أي مظهر املعلم وحركاته. هبذا يســتغني املتعلم عن عناء البحث عن املعلومة،
وقد قام الربوفيســور (مورابيان) بأبحاث عىل هذا التي قد يفني عمره دون أن حيصــل عليها .وقد يســأل
املســتوى ،فوجد أن %9من تثبيت املعلومة تأيت من املدرس عن مســألة معينة ،فريشــد املتعلم إىل املراجع
حمتوى ا لدرس ،و %39تأيت من ال عا مل الصــويت، املطلوبة ،دون كبري عناء ،فضال عن أن املدرس يمتلك
و %55تأيت من العامل البرصي. خمزونا علميا يمتح منه كلام احتاج إليه ،وبخاصــة عند
ويف دراســـة أخرى حول أبرز خصـــائص املعلم األ سئلة املفاجئة أو املفخخة .ولقد قيل" :مكتبة مثقلة
الناجح من وجهة نظر املوجهني ،واملرشفني الرتبويني، بالكت ،ال تعادل مدرســا جيدا واحدا" .وقيل" :لو
ُ
مكان املدرس يف الفصــل أمام التالميذ ،فهو يف كان
5ـــ يقول ابن وه " :سألت مالكا يف ثالثني ألف مسالة نوازل يف 1ـــ [اإلرساء.]95 :
عمره ،فقال يف ثلثها أو يف شطرها أو ما شاء اهلل منها :ال أحسن وال 2ـــ [يوسف.]93 :
املسالك املدارك وتقري أدري"( .ينظر :القايض عياض" ،ترتي 3ـــ [طه.]441 :
ملعرفة مذه مالك" ،ج ،2 :ص.)31 : 4ـــ أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي" ،شع اإليامن" ،فصل يف ذم
بناء ما ال حيتاج إليه ،برقم.41937 :
81 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-التعزيز :أي :مكافأة سلوك املتعلم الصحيح .وهو وا ملديرين ،واملعلمني أنفســهم ،والتالم يذ ،جاءت
مفتاح ضبط الق سم الذي يعاين منه بعض املدر سني، النتائج هكذا:
وبخاصـــة يف التعليم اخلاص .وتعترب كلامت التنويه -التمكن من املادة التعليمية.%33 :
والثناء من أعظم أســاب االســتاملة الرتبوية ،وكذلك -الديمقراطية والتسامح ومشاركة التالميذ يف اختاذ
احلفز بإضــافة النقط ،واملكافأة بخرجات أو رحالت، القرارات.%34 :
أو مسابقات أو ورشات...2 -التنويع يف أسالي التدري .%19 :
-الرتكيز عىل الت غذ ية الراج عة أو املر تدة feed-/ -التحضــري الســابق للامدة ،واحلامس الشــديد هلا:
للمتعلمني ،بام يف ذ لك الت غذ ية الراج عة ا لداخل ية، -توزيع األســئلة بالعدل ،ومراعاة الفروق الفردية:
املنبث قة من ذات ية التلم يذ ،وا خلارج ية التي تأيت من .%47
-التحيل باألخالق ال فاضــ لة وامل بادئ امللتز مة:
اخلارج ،أي :من األســتاذ ،أو املحيط ،وما يصــح
.%49
ذلك من تقويم بأنواعه:
-ال تأه يل العلمي ،واإل ملام باأل هداف واملنهج:
-الــتــقــويــم الــتشـــخــيــصévaluation ( -
.%49
.)diagnostique
-املحافظة عىل املظهر بشكل الئق.1%49 :
-ا ل ت قو يم ا ملر حيل/ا ل ت كو ي ني évaluation
ومما حيدث العملية التفاعلية بني املعلم واملتعلم:
).)formative
-حتقيق رضا املتعلم بام يتعلمه ،وحتبي املادة إليه.
-ا ل ت قو يم اإل مجايل/ا جلزا ئي .( évaluation
)sommative
أوسعوا هلم يف املجل ،وأسمعوهم احلديث ،وأفهموهم إياه؛ فإهنم 1ـــ ينظر :يارس فتحي اهلنداوي" ،إدارة املدرسة وإدارة الفصل
صغار قو ٍم أوشك أن يكونوا َ
كبار قوم ،وقد كنتم صغار قوم ،فأنتم ُ (أصول نظرية وقضايا معارصة)" ،ص.72 :
البغدادي ،رشف أصحاب اليوم كبار قوم"(.ينظر :اخلطي 2ـــ ومن وسائل التحفيز :ختصيص اجلوائز الرمزية للمجتهدين.
احلديث ،ص)422 : وقد كان ذلك معروفا مشتهرا عند املربني املسلمني؛ فقد كان إبراهيم
وكانوا يسلكون مسلك رفع معنويات الصغار ،وتعزيز الثقة سمعت
َ بن أدهم يقول" :قال يل أيب :يا بنيُ ،اطل احلديث ،فكلام
بأنفسهم؛ فقد كان ابن شهاب الزهري ـــ رمحه اهلل ـــ يشجع حديثا وحفظته ،فلك درهم .فطلبت احلديث عىل هذا"( .ينظر:
الصغار ويقول" :ال حتتقروا أنفسكم حلداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن اخلطي البغدادي ،رشف أصحاب احلديث ،ص.)423 :
اخلطاب كان إذا نزل به األمر املعضل ،دعا الفتيان فاستشارهم يتبع وكانوا يدجمون األطفال يف جمتمع الكبار ،استفادة من علمهم،
حدة عقوهلم"( .ينظر :أبو عمر بن عبد الرب النمري القرطبي ،جامع ومترسا بتجارهبم؛ فقد مر عمرو بن العاص ريض اهلل عنه عىل حلقة
بيان العلم وفضله ،ج ،4 :ص.)492 : من قريش فقال" :ما لكم قد طرحتم هذه األغيلمة؟ ال تفعلوا،
82 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
هذه أهم ال صفات التي -هبا -يمتلك املعلم نا صية ـ التقويم املعياري (.(évaluation normative
متعلميه ،فيحب إليهم املادة املدرســة ،ويربط معهم -التقويم الذايت ).(auto - évaluation
اجلســور الرتبوية املطلوبة ،ويســرتجع بعضــا من الثقة 44ــــ ضــبط الســلوك وردود األفعال جتاه املتعلم.
املفقودة ،وسط اإلحباطات املتفشية يف املجتمع. وهذا يقتيض:
-أن يكون املدرس ســمحا ،هاشــا ،لينا ،ســهال ،يف
غري خوف وال َم َلق.
ـــــ البعد عن العبوس والتقطي والشــدة املفرطة،
ُون ِيف
ألهنا ال تأيت بخري .ويف احلديث( :إِ َّن الرف َق الَ َيك ُ
َيش ٍء إِالَّ َزا َن ُهَ ،والَ ُين َز ُع ِمن َيش ٍء إِالَّ َشا َن ُه).1
امل بال غة يف ال تأن ي ،والتوبيخ ،والزجر، -جت ن
والتهديد ،والوعيد (رفق من غري َضــعف ،وحزم من
غري َعسف).
-ترك احتقارهم ،والســخرية منهم ،والتنقيص من
شــخصــيتهم ،فذ لك يورثهم التقوقع واالنطواء،
والعزوف عن املشـــاركة ،وقد يؤدي إىل اإلحباط ثم
السقوط.
-ال يضــع نفســه يف مواضــع التهم ،وال يســتخدم
متعلميه يف قضاء أموره وحاجاته الشخصية.
-يدفع املاللة والســآمة عنهم بمزج اجلد بيشــء من
الفكاهة واملزح الربيئني ،بنســبة ما يوضــع من امللح يف
الطعام.
ظروفهم ،و ُيسهم يف حل مشكالهتم. -يتحس
كثري ،اليام مة ،بريوت ،الطب عة ال ثال ثة 1412 :ه- -
1892م.
-حممد بن يزيد أبو عبداهلل القزويني ،ســنن ابن ماجة،
ت .حممد فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر ،بريوت.
-حممد عبد الرؤوف املناوي ،فيض القدير رشح اجلامع
ال صغري من أحاديث الب شري النذير ،ضبطه وصححه امحد
عبد الســالم ،دار الكت العلمية بريوت ،لبنان ،الطبعة
االوىل 1412 :ه 1884 - -م.
-مرت ىض الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس،
ت .ع بد الكريم العز باوي ،مطب عة حكو مة الكو يت،
الطبعة الثانية 1412 :ه 1892 -م.
-مســلم بن احلجاج القشــريي النيســابوري ،املســند
الصحيح ،دار اجليل +دار األفاق اجلديدة ،بريوت.
-يارس فتحي اهلنداوي" ،إدارة املدر سة وإدارة الف صل
(أصــول نظرية وقضـــايا معارصة)" ،املجموعة العربية
للتدري والنرش ،الطبعة األوىل 2112 :م.
1
نعرض يف هذه املقال ملختلف املحطات اإلصالحية التي عرفها النظام التعليمي املغريب ،وبشكل خاص عىل
املستوى البيداغوجي ،منذ فجر االستقالل( )4753إىل اليوم ،والذي عمل جاهدا عىل جتاوز البيداغوجيا القديمة،
التي كانت كل التعلامت فيها تتمحور حول اكتساب املعارف ،إىل بيداغوجيا حديثة وفعالة تراهن عىل املتعلم
وتتمركز حوله .وهي بيداغوجيا ستكون أوىل جتلياهتا يف بيداغوجيا األهداف ،ثم يف مرحلة ثانية يف بيداغوجيا
الكفايات ،التي راهنت عىل إكساب املتعلمني موارد (معارف ،قدرات ومواقف) مع مترينهم عىل استثامرها
وحتريكها عندما تعرتضهم وضعيات مركبة أو زمرة من الوضعيات – املشكالت ومن ثم جعلهم يعطون دالالت
للتعلامت التي يكتسبوهنا.
هكذا ،حاولت الدولة املغربية أن تواك كل املستجدات احلاصلة عىل املستوى البيداغوجي يف أفق الرفع من أداء
املدرسني ،ومن ثم الرفع من جودة التدري .هكذا فكلام ظهرت بيداغوجيا جديدة أو تيار بيداغوجي جديد يف
الغرب إال وكان له صدى داخل منظومتنا التعليمية .مع ذلك مل يستطع نظامنا التعليمي جتاوز تعثراته وعوائقه
املتعددة واستمرت املدرسة املغربية ،يف كثري من احلاالت ،تشتغل وفق النموذج القديم الذي يراهن عىل تقديم
عىل بناء الذوات املفكرة .ونحن نعتقد أن ذلك مرتبط بغياب بيداغوجيا مطابقة خلصوصيتنا املعارف اجلاهزة ولي
املغربية ،خصوصية يمكن أن ندركها يف أبعادها املتعددة ،اقتصاديا وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا...
من جديد ،ولتقدم احللول اجلزئية ولتقدم املطال واألسئلة املرتبطة بذلك هي إشكالية قديمة .فقد
وحدها ويبقى املشكل قائام كام كان أو أكثر .وهكذا أشار حممد عابد اجلابري منذ بداية مرحلة
دواليك !؟".2 ما نصه ":ثمة يف السبعينات إىل ذلك حيث كت
قبل التطرق لبعض مظاهر هذه اإلشكالية ومعاينة املغرب مشكل مزمن ،مشكل حيتل الصدارة يف
بعض متظهراهتا يف الزمن احلارض ال بأس من جمموعة املشاكل األخرى التي مل تعرف بعد طريقها
الرجوع إىل الوراء للوقوف عىل الظروف واحليثيات نحو املعاجلة واحلل الصحيح .إنه مشكل التعليم،
التي صاحبت هذه النشأة [ ،ذلك ألن املشاكل ،أيا مشكل يعرتف بخطورته وتفاقم أبعاده ،منذ
كان نوعها ،كام يذكر اجلابري "ليست بنت اإلعالن عن االستقالل إىل اليوم ،املغاربة مجيعا:
ساعتها ،بل هي نتيجة عملية تطور ونمو :نمو آباء وأمهات وأبناء ،وأساتذة ومعلمني وطلبة
األجزاء يف إطار نمو الكل ،ونمو الكل من خالل وتالميذ وحاكمني وحمكومني ،مسؤولني وغري
نمو األجزاء .معنى ذلك أن املشاكل ،أيا كانت ،هلا مسؤولني ،خمتصني يف الرتبية والتعليم أو غري
تاريخ ،ومن ثمة يغدو الفهم الصحيح هلا إنام يبدأ خمتصني 1" .كام أن جل األسئلة التي طرحت بصدد
بفهم تاريخ مولدها ونشأهتا ،وتتبع مراحل نموها هذه اإلشكالية ظلت هي نفسها تراوح مكاهنا:
وتطورها" .3ومن ثم جيوز لنا التساؤل كيف كانت «قيل الكثري عن هذا املشكل ،وعقدت حوله
متارس مهنة التعليم قبل املرحلة االستعامرية وما ندوات رسمية وغري رسمية ،فاقرتحت حلول
الذي كان يميز هذه املرحلة؟ ما طبيعة املعارف التي كثرية متتالية أو متزامنة ،ويف كل مرة كان الالحق
كانت تدرس وما هي الغايات التي كانت تنشدها منها يلغي السابق أو يعدله ،أو يكمله .ومع ذلك مل
ووفق أي بيداغوجيا كانت تتم العملية؟ ماهي يزدد املشكل إال تعقيدا ،ومل تزدد أبعاده إال امتدادا
-2اجلابري ،حممد عابد ،مرجع سابق ،ص1. -1اجلابري حممد عابد ،أضواء عىل مشكل التعليم باملغرب ،دار
-3اجلابري ،حممد عابد ،املرجع نفسه ،ص1. النرش املغربية ،البيضاء ،1851،ص1.
87 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ملشاكل معاينة عىل مستوى الواقع التعليمي يف التغريات التي عرفها احلقل التعليمي املغريب خالل
البالد أم أن استقدامها واعتامدها داخل منظومتنا مرحلة االستعامر؟ وما هي وضعيته بعد حصول
الرتبوية أملته رشوط أخرى خارجة عن املجال البالد عىل استقالهلا السيا،ي؟ كيف نفرس االنتقال
1
وجتد تربيرها يف عالقة التابع باملتبوع؟ من مرحلة إىل أخرى وكيف ندركه؟ هل ندركه عىل
يمكن أن نميز ،ونحن نتأمل تطور النظام شكل قطائع أم أن ثمة انتقال ضمن االستمرارية؟
التعليمي باملغرب بني ثالث مراحل أساسية: وحاجيات هل كان هذا االنتقال استجابة ملطال
متيزت هذه 4 أفرزها الواقع املغريب أم أنه نتيجة إلمالءات
املرحلة هبيمنة شبه مطلقة للطريقة التقليدية التي فرضتها قوى معينة ستوظف التعليم خلدمة
كانت تعتمد عىل اإللقاء وتتمركز حول املعرفة، مصاحلها اآلنية واملستقبلية؟
وهي طريقة كانت مقبولة اجتامعيا ومرشوعة يف يف تناولنا هلذا املوضوع سنركز بشكل خاص عىل
ظل جمتمع تراتبي كانت فيه األدوار مقسمة وحمددة التطور احلاصل عىل املستوى البيداغوجي أي عىل
بدقة بني كل املكونات االجتامعية :بني األجيال، الطريقة التي كانت تتم هبا العملية التعليمية ،وكيف
وبني الراشدين واألطفال ،بني الرجال والنساء ،بني كان يتم االنتقال من مقاربة بيداغوجية إىل أخرى،
الذكور واإلناث ...إلخ؛ جمتمع ما كان هيمه هو والسؤال الذي سيوجه تفكرينا يف هذا اإلطار،
التحصيل خصوصا إذا كان كل ما يدرس متمحورا يتحدد كالتايل :هل البيداغوجيا املعتمدة يف
منذ ذاك التاريخ إىل اآلن كانت نتيجة التدري
اختيارات ختص هذه امليادين نف سها ويت ضمن يف جوفه ومن خالل -1هذا يعني أن م شكل التعليم هو م شكل سيا،ي بالدرجة األوىل
تطوره ،أبعادا ســياســية واجتامعية أثرت وتؤثر وســتؤثر-ال -عىل وربام إقحام املعطى الســيا،ي يف هذا املجال هو الذي جعل مســاره
الثقافة والتعليم فقط ،بل عىل جمموع امل شاكل األخرى عىل اختالف ينحو هذا املنحى ،بل هو الذي حكم عىل كل املحاوالت اإلصالحية
أنواعها ،وتفاوهتا يف األمهية واخلطورة .حممد عابد اجلابري ،مرجع بالتعثر بل بالفشــل .وقد انتبه اجلابري إىل ذلك منذ الســبعينيات
سابق ،ص1. حيث كت يف هذا اإلطار":لقد اختذ مشــكل التعليم يف بالدنا ومنذ
ال شع فقط ألنه يم اال ستقالل طابعا سيا سيا وا ضحا ،لي
كله ،أو ألنه يقدم أح سن مطية تطرح من أعىل متنها ق ضايا سيا سية
بالف عل واجتامع ية واقتصـــاد ية وث قاف ية ،بل أيضـــا أل نه يعك
88 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إال أنه يف بعض الزوايا (زاوية وزان يف شامل حول النص الديني (القرآن والسنة) والعلوم
املغرب وزوايا اجلنوب) ويف بعض املدن التقليدية امليرسة لفهمه.
كفاس ومراكش وتارودانت .الخ كنا نجد مواد يف ظل هذا الوضع كان التعليم تقليديا بكل
تعليمية أخرى تغني الربامج الدراسية مثل علوم معاين الكلمة ،وكان الرشط الوحيد للقيام هبذه
الفقه وأصوله ،علوم احلديث وعلوم التفسري، املهمة هو أن يكون الشخص (أي "الفقيه")
علوم اللغة بل حتى علم املنطق واحلساب حافظا لكتاب اهلل ومتمكنا من بعض األذكار
والفلك يف جامعة القرويني بفاس .وقد ظل األمر الدينية ،وقادرا عىل تأطري املجال الديني الذي
عىل هذا احلال إىل حدود بداية القرن العرشين احلاالت سيكون هو يشتغل فيه ،ألنه يف غال
عشية فرض احلامية عىل البالد. املرجع الوحيد لساكنة هلا نوازهلا اليومية وحيث
إننا نعرف جيدا 2 رأي الفقيه واستشارته تبقى رضورية خصوصا
مالبسات وظروف استعامر املغرب وكيف تم وأننا مازلنا نعيش يف ظل جمتمع قبيل يعيش عىل
هو التمهيد هلذه العملية التي كان أساسها لي الزراعة والرعي ومتثل فيه األمية نسبا عالية،
السالح بل املعرفة والتي تدخل ضمن ما سمي جمتمع مازالت ثقافته شفهية تقوم عىل الرسد
آنذاك بالسياسة العلمية لالستعامر .وهي عملية والتكرار .وهو يشتغل وفق عقدة حملية تتجدد
أخذت شكلها الرسمي سنة 1814مع ظهور سنويا تسمى حمليا ب «الرشط" .1وهكذا كان
البعثة العلمية بطنجة والتي أنشئت خصيصا هلذا الفقيه يتدرج ويرتقي يف مسالك العلم واملعرفة.
الغرض ،أي جتميع كل املعطيات املرتبطة باملجال، أما املناهج التعليمية فقد كانت تتنوع حس
باإلنسان واملجتمع املغريب حتى تسهل عملية غزوه املناطق ،ففي املجال القروي كان األمر يقترص يف
الحقا .وقد فطنت جل الدراسات الكولونيالية احلاالت عىل حتفيظ القرآن وتعليم بعض غال
آنذاك إىل أمهية التعليم وكيف يمثل مدخال أساسيا، السنن وتعليم املبادئ األولية يف الكتابة والقراءة.
النخبة االجتامعية تعليم طبقي هيدف إىل تكوينها من جهة ،لزرع ثقافة جديدة وأنامط سلوكية تتامهى
تكوينا منظام يف ميادين اإلدارة والتجارة ،وهي وتتامشى مع عقلية املستعمر ،ومن جهة ثانية تكوين
امليادين التي اختص هبا األعيان املغاربة ،أما النوع وتأهيل وإعداد أطر وتقنيني مغاربة يمكن
الثاين وهو التعليم الشعبي اخلاص بجامهري السكان االستفادة منهم يف إنجاح املرشوع االستعامري
الفقرية واجلاهلة جهال عميقا ،فسيتنوع بتنوع اقتصاديا وسياسيا .من دون أن ننسى ظهور
الوسط االقتصادي :يف املدن يوجه التعليم نحو مدارس من نوع خاص لتأهيل النخبة احلاكمة
املهن اليدوية (خاصة مهن البناء) وإىل احلرف مستقبال (مدارس األعيان) .باإلضافة إىل مدارس
اخلاصة بالفنون األهلية .هذه الفنون التي تكتيس ستخصص للعنرص الرببري وأخرى لألقلية
العمل عىل إحيائها من أمهية خاصة ،والتي جي اليهودية .وهكذا سيقدم االستعامر منتوجا يالئم
جديد .أما يف البادية فسيوجه التعليم نحو الفالحة حلاجيات خمتلف القوى املكونة للبنية ويستجي
والتشجري وتربية املوايش وبالنسبة للمدن الشاطئية االجتامعية آنذاك :طبقة النخبة ،مجاهري املدن
فسينص عىل الصيد البحري واملالحة.1 لوي الكادحة ثم مجاهري البادية املتخلفة .كت
هكذا ،عوض تعليم كانت تقدمه املساجد والزوايا هاردي كبري املنظرين للسياسة التعليمية آنذاك ".
سنجد أنفسنا أمام مدارس ومؤسسات عرصية ،هلا وهكذا ،فنحن ملزمون بالفصل بني تعليم خاص
مناهجها اخلاصة وغاياهتا اخلاصة أيضا .ويف هذه بالنخبة وتعليم لعموم الشع .األول يفتح يف وجه
املرحلة ،كذلك ،ستظهر املدارس احلرة والتي أرستقراطية مثقفة يف اجلملة متحرضة ومهذبة
شكلت مالذا ملجموعة من األرس املغربية خصوصا أرستقراطية ،ولكنها أرستقراطية توقفت عن النمو
داخل املدن ،والتي كانت متخوفة من املنتوج تأثري العلوم الوسطية (نسبة إىل الفكري بسب
األجنبي الذي اعتربته جماال للتنصري وإدخال ثقافة القرون الوسطى) ،ومهددة يف وجودها املادي
اآلخر النرصاين املتعارضة مع الدين واألعراف بسب افتقادها لألسالي االقتصادية احلديثة نتيجة
االجتامعية .وهو رفض وتعارض سيدوم حتى الالمباالة من جانبها .إن التعليم الذي سيقدم هلذه
املسؤوليات ،كان يف املنظور اجلامهريي آنذاك هو خروج املستعمر وحترير البالد وسيتخذ– كام يذكر
املغريب التعليم« .وهكذا ظل التعليم لدى الشع اجلابري -مقاطعة شبه مجاعية وشبه منظمة –خاصة
غداة االستقالل خاضعا هلذا التصور :تلميذ اليوم يف األوساط الشعبية -ملدارس احلامية" .إهنا مل تكن
هو حاكم الغد ،وذلك ما تنبهت إليه ،خالل عهد احتقارا للتعليم أو اعتقادا بعدم جدواه ،بل كانت
احلامية ،البورجوازية املغربية ،وهذا ما أدركته أخريا نوعا من "الكبت" اإلرادي .أما البديل ،فقد كان
اجلامهري الشعبية".2 االنتظار .انتظار عهد االستقالل ،حيث سيتوفر
عىل مستوى التدبري البيداغوجي ،وهو األمر املغرب عىل تعليم وطني يلبي مطامح شعبنا يف
الذي هيمنا يف هذا املقام ،نجد استمرار البيداغوجيا التعليم والثقافة والشغل" .1آنذاك فقط ،وأمام
التقليدية ،فهي املتحكمة يف تنظيم العالقات بني اإلقبال املتزايد عىل املتعلمني لتعويض األجان
املعلمني واملتعلمني ،وإن كنا نالحظ تقدما عىل وامتهان الوظيفة العمومية ،سيفطن املغاربة
مستوى ديداكتيكي ،أي عىل مستوى تنظيم املعارف واملرتددون منهم بوجه خاص أو املحافظون كام
وتدريسها وحيث التكامل بني الدرس النظري يسميهم البعض أو الوطنيون ،إىل أمهية املدرسة
العلوم واللغات، والتطبيقي خصوصا يف تدري كمجال لتلقي معرفة تتامشى مع العرص "احلديث"
احلاالت ،تكون لنقل فإن السيادة ،يف أغل وجمال كذلك أصبح رضوريا للرقي االجتامعي
املعارف وإعادة إنتاجها. والولوج للوظيفة العمومية« .لقد بدا واضحا
-2اجلابري ،حممد عابد ،املرجع نفسه ،ص51. -1اجلابري ،حممد عابد ،مرجع سابق ،ص68.
91 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
القراءة والكتابة بل وتم استقدام جمموعة من املجتمع املغريب يف مدنه وقراه ،حيث تبينت
األجان :من سوريا واألردن وفلسطني ومرص رضورهتا ،كام أسلفنا ،باعتبارها املجال الوحيد
ومن فرنسا ،وكذلك من بعض دول أوروبا الرشقية الذي يضمن الرقي واالرتقاء االجتامعيني .ويف
مثل رومانيا وبولونيا وهنغاريا .ويف الغال األعم هذه املرحلة كذلك ،ستظهر املبادئ األوىل األربعة
كان جل هؤالء يفتقرون للتجربة وليست هلم أي التي ستطبع ورش اإلصالح والتي جتسدت يف
دراية ال باملجال البيداغوجي وال بديداكتيك املواد واملغربة والتوحيد .وهي التعميم ،والتعري
املدرسة ،وما كان يشفع هلم ويسهل مأموريتهم هو إصالحات كانت ذات طابع توفيقي ،كام يذكر
التمثل االجيايب املرتبط باملدرسة واستعداد الكل اجلابري؛ توفيق ظل حيكم الرؤية املغربية إلصالح
للتعاون يف ظل نسق ثقايف حيكمه التضامن التعليم وسيتأكد مع امليثاق الوطني للرتبية
والتعاون اللذين يغذهيام شعور قومي وتفكري والتكوين وسيستمر إىل اآلن مع الرؤية
عقدي موحد. االسرتاتيجية لإلصالح ،ليتبني بالواضح أن
يف هذه املرحلة ستظهر مؤسسات تكوين أطر املدرسة ليست بعيدة عن جمال الرصاع االجتامعي
التدري :مدارس املعلمني واملعلامت واملراكز بل توجد يف قلبه ،ولعل ذلك ما يفرس ،يف نظرنا،
الرتبوية اجلهوية حيث سيتم االطالع عىل نظريات سلسلة املشاكل والتعثرات التي نعيشها اليوم،
يف الرتبية اخلاصة والعامة ومن ثم االنفتاح عىل فاحللول تأيت دائام من خارج النسق أو املنظومة.
الفكر الرتبوي احلديث .ولكن مع ذلك عىل لقد كان ملثل هذه التمثالت اإلجيابية حول
هو مراكمة املعارف مستوى األداء ظل اهلاج املدرسة غداة االستقالل تأثري واضح حتى عىل
وتقديمها خارج وضعيات حمددة قريبة من املعيش املستوى البيداغوجي ،فقد أوكلت تربية األبناء كلية
اليومي للمتعلم وعدم مراعاة الفوارق بني املتعلمني للمعلم وأعطيت له كل الصالحيات لرتبية النشء
عىل مستوى نسبة اهلدر اليشء الذي سينعك ولو باستعامل العنف املادي يف بعض احلاالت
املتعلمني كانوا يغادرون املدر،ي ،حيث أغل والذي كان جيد ما يربره.
املدرسة يف سن مبكرة ،وبشكل خاص يف السنوات ويف ظل اخلصاص املهول يف املوارد البرشية،
االبتدائي أو الثالثة اعدادي، اإلشهادية اخلام آنذاك ،فقد فتحت املدرسة أبواهبا لكل متعلم جييد
92 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املجال للواقع املدر،ي ومتظهراته .وهو األمر الذي وقليل من يتحصل عىل شهادة البكالوريا التي
ربام كان سيسمح هلم ويساعدهم عىل إجياد نوع من كانت هلا قيمتها العلمية واالعتبارية آنذاك .لكن
التوافق بني النظرية البيداغوجية الغربية واملحيط بالرغم من هذه النقائص فقد استطاعت املدرسة،
الذي ستطبق فيه. وبشهادة كثري من املالحظني ،أن تؤدي وظيفتها
يف مثل هذه الظرفية ظهرت بيداغوجيا التكوينية والتأهيلية خالفا ملا نالحظه اليوم حيث
األهداف التي تزامن ظهورها مع فرض سياسة ان مهمتها أصبحت حمصورة يف التقويم وظيفتها
التقويم اهليكيل عىل املغرب من قبل صندوق النقد تقويمية إشهاديه.
الدويل والتي رشع يف تطبيقها خالل املوسم مع بداية الثامنينيات ،ومع عودة جيل جديد
الدرا،ي 1896/1892وهكذا انترشت يف من املكونني من املدارس الفرنسية والبلجيكية
منظومتنا التعليمية مرحلة سيادة منظور حتليل لفعل والكندية ،سنالحظ بداية التأسي
أو حتليل العملية التعليمية ،حيث التدري بيداغوجي جديد خصوصا يف كلية علوم الرتبية
واملجالت واملالحق ازدهرت املنشورات (الكت بالرباط وحيث جل التابعة جلامعة حممد اخلام
الرتبوية يف اجلرائد الوطنية )...ونشطت الندوات األساتذة كانوا قد حرضوا رسائلهم العلمية حتت
واللقاءات الرتبوية وازدادت أعداد الباحثني إرشاف بيداغوجيني وعلامء ديداكتيك غربيني،
واخلرجيني ممن تكونوا بكلية علوم الرتبية واملدارس وأرادوا نقل التجربة الغربية اىل املغرب .خطأهم يف
العليا لألساتذة ومركز تكوين املفتشني وغريها".1 اعتقادي أهنم جتاهلوا السياق املغريب أو مل يأخذوه
غري أن هذه اهليمنة ،وبغض النظر عن باحلسبان واملتمثل يف تزايد اإلقبال عىل املنتوج
هلا اخلطاب و الكتابات املصاحبة هلا ،مل يكت املدر،ي املستقط قليال من قبل الوظيفة العمومية
النجاح و مل تف بالغرض املطلوب نظرا العتبارات وكذا القطاع اخلاص وعدم املواكبة يف بناء املدارس
كثرية ،لعل أمهها مرتبط برشوط وظروف إنتاج وبناء الرشكات واستثامر املؤطرين والباحثني يف
-1الدريج ،حممد ،املنهاج املندمج ،أطروحات يف اإلصالح * مازالت إشكالية اهلدر املدر،ي تؤرق املسؤولني املغاربة يكفي أن
البيداغوجي ملنظومة الرتبية والتكوين ،0016 ،ص .198-108 نذكر أن متوسط اهلدر املدر،ي سنويا يصل إىل 060000حالة
93 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
تثبيتها لدى املتعلمني ضدا عىل تنمية القدرة عىل التعلامت ،حيث إن كثافة الربامج الدراسية من جهة
التعبري الفردي وتنمية شخصية املتعلمني.2 وخصوصية بعض املواد التعليمية من جهة أخرى
سيمثل املخطط االستعجايل (-2118 واالكتظاظ الذي تعرفه الفصول الدراسية وافتقار
،)2112من جهته ،مناسبة لتجاوز تعثرات امليثاق املؤسسات للوسائل التعليمية الالزمة واملختربات.
الوطني للرتبية والتكوين وإعطاء دفعة جديدة بعض كل ذلك حكم عىل التجربة بالفشل حس
لإلصالح ،وكان من بني مشاريع هذا الربنامج املتتبعني للشأن الرتبوي .وهو املآل نفسه الذي
مرشوع التطوير البيداغوجي الذي هيدف إىل ستعرفه جتربة املقاربة بالكفايات والتي تعترب إىل حد
استكامل إرساء املقاربة بالكفايات وتوفري إطار ما امتدادا للمرحلة السابقة كام انتبه إىل ذلك
منهجي ألجرأهتا ،ومن ثم سيتم تبني بيداغوجيا الباحث املغريب حممد الدريج الذي عايش هذه
اإلدماج والتي "جعلت منها وزارة الرتبية الوطنية اللحظات.1
نموذجا لتطوير املناهج ،وجندت هلا عدة من هكذا ،فعىل مستوى اخلطاب ،ومن خالل
والوسائل الربامج واملشاريع واألطر والتداري املواد التعليمية تأمل التوجيهات الرتبوية لتدري
والدالئل واملذكرات إىل ذلك غري من اإلجراءات. املوجهة للمدرسني ،دالئل املعلمني ومداخل أو
لكن ،وبعد مرور حوايل سنتني عىل بداية "تطبيق" املدرسية واملذكرات التوجيهية، مقدمات الكت
هذه البيداغوجيا ،جزئيا يف املراحل األوىل وبشكل نجد أن اخللفية النظرية أو الرباديغم املعتمد يف
جتريبي يف بعض األكاديميات ،تم "تعميمها" بعد هو املقاربة بالكفايات ،أي أن ما حيكم التدري
ذلك عىل املدارس املغربية االبتدائية منها عىل وجه العملية برمتها هو إعداد املتعلم ملواجهة وضعيات
اخلصوص ،حتى دون تقديم وتوظيف نتائج مركبة مع ما يفرتضه ذلك من اكتساب موارد يف
وحتى قبل أن يفتح يف التقويم األويل للتجري إطار وضعيات وسياقات حمددة ،غري أنه عىل
شأهنا نقاش وطني ،كان من املمكن أن يساهم مستوى املامرسة وكذلك عىل مستوى تقويم
بفعالية يف معرفة نقاط قوهتا وضعفها ومدى التعلامت ،نجد استمرار الرتكيز عىل املعارف و
2-AkesbiMseferAssia, Ecole, Sujets et -1الدريج ،حممد ،املرجع نفسه ،ص 111
Citoyens, Editconsulting, 2014
94 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وهكذا ،فاملتتبع للشأن الرتبوي اليوم يالحظ ويقف مراعاهتا خلصوصياتنا ،قبل بلورهتا يف صياغتها
عىل جمموعة من املفارقات :فعىل مستوى اخلطاب النهائية ثم تطبيقها ".1
الرسمي وغري الرسمي نجد العمل بالكفايات عوض هذه االحتياطات وهذه اإلجراءات التي
والتمركز عىل املتعلم وبناء التعلامت واالهتامم ذكرها حممد الدريج ،سيتم الرشوع يف تطبيقها بعد
بشخصية املتعلم ،ولكن عىل مستوى املامرسة أن تلقى جل املدرسني تكوينا تقنيا للعمل هبا،
فالثابت واملعمول به هو الرتكيز عىل املعارف تكوينا لألسف مل يقف عىل مرتكزاهتا وأسسها
واملحتويات وحتى عىل مستوى التقويم نجد النظرية ومل يسائلها يف ضوء الوضعيات الفعلية التي
من جييد التفكري بل من حيفظ ويراكم املتفوق لي يف إطارها يامرس املدرسون .لقد كان تكوينا
املعارف أكثر من غريه .وهو وضع حييل إىل لألسف غري مبني عىل أسئلة حقيقية تنهل من
اختالالت عدة تظهر عىل جمموعة من املستويات الواقع املدر،ي بل والواقع الرتبوي الذي ضمنه
يمكن أن نختزهلا يف ما ييل: تتأطر العملية التعليمية التعلمية.2
-4اختالالت عىل مستوى التكوين حيث إن خالل املوسم الدراسي 2112 /2111وبدون
مواصفات املدرس ال تبنى انطالقا من الواقع سابق إنذار ،وبعد أن بدأ الكثري من املدرسني
الرتبوي املغريب وحاجياته وإمكاناته ونسقه الثقايف يتمرسون هبا وأدركوا بالفعل فلسفتها وأمهيتها،
العام ،ومن ثم فام يتعلمه املدرس املتدرب داخل املرتبط ببناء التعلامت وجعل خصوصا يف اجلان
مراكز التكوين ال ينفعه كثريا عندما خيرج إىل جمال املتعلم يعطيها داللة ،سيتم التخيل عن هده التجربة
العمل حيث يصطدم بواقع مدر،ي من نوع آخر وإشهار إفالسها بشكل رسمي ،وترك املدرسني
وهذا ما ملسناه من خالل جتربتنا يف جمال التكوين يشتغلون وفق ما يمكن أن نسميه ب" بيداغوجيا
والتأهيل املهنيني. اخلربات" .تلك اخلربات التي اكتسبوها وراكموها
-2اختالالت مرتبطة بالتمثالت املرافقة من خالل ممارساهتم الفصلية وسنوات العمل التي
لعملية التمدرس وللمدرسة ،والتي مل تعد ينظر قضوها يف جمال التدري .
-2الدريج ،حممد ،املرجع نفسه ،ص111. -1الدربج ،حممد ،املرجع نفسه ،ص110.
95 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وعلامء االجتامع واألنرتوبولوجيون وعلامء النف إليها باعتبارها جماال مفضال للرقي االجتامعي
االقتصاد وغريهم .يتعني ،يف ما نعتقد ،االنطالق وجماال الستثامر مضمون كام كان األمر يف املايض
أوال من املجتمع املغريب واالستئناس بجملة القري .
الدراسات التي أنجزت حوله سواء من الزاوية -3اختالالت مرتبطة بالبنيات التحتية
السوسيولوجية ،االنرتوبولوجية أو علم االقتصاد املهرتئة وباملدرسة كمجال يفتقر لكثري من املرافق
واالطالع كذلك عىل كل ما هو مرتبط باملتعلم الرياضية كاملختربات واخلزانات واملالع
خالل هذه املرحلة النامئية ،آنذاك فقط يمكن أن وجماالت الرتفيه ،دون أن نتحدث عن رشوط بناء
نتحدث عن بيداغوجيا يمكن اعتامدا عليها أن التعلامت والظروف التي تنجز يف إطارها.1
نسلك ونريب وندرس ،وهي بيداغوجيا تكون دائام 1
احلاالت ،أطرا حيث ال نجد ،يف أغل
قابلة للتطوير واملراجعة والتجديد كلام تطل األمر
مؤهلة ،إداريا وتربويا ،للقيام بمهمة معقدة كهذه،
ذلك.
األطر اإلدارية التي تسند إليها مهمة فأغل
نستخلص مما سبق أن اخلطاب البيداغوجي التسيري اإلداري تسند اعتامدا عىل عامل األقدمية
يف املغرب قد استطاع ،بفضل الرتمجة طبعا ،أن دون األخذ بعني االعتبار مؤهالت أخرى هلا
ينفتح وأن يواك كل املستجدات احلاصلة عىل هذا املرتبط بالتكوين يف جمال داللتها خصوصا اجلان
املستوى .فكلام ظهرت بيداغوجيا معينة أو تيار علوم الرتبية وعلوم اإلنسان .باإلضافة إىل الطريقة
بيداغوجي معني إال وكان له صدى داخل منظومتنا التي تتمثل هبا هذه الفئات العمل اإلداري ،إن
التعليمية يتم التبشري به أوال ،ثم يتم تبنيه الحقا، اإلدارة لألسف ولدى الكثريين هي مناسبة وفرصة
و بطبيعة احلال دائام ،دون النظر إىل ما يمكن أن للخلود للراحة والتخلص من جحيم القسم.
نسميه باخلصوصية املغربية ،خصوصية يمكن أن إن بناء بيداغوجيا مالئمة ال يمكن أن يكون
نقرأها اقتصاديا وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا. إال عمال مجاعيا يشارك فيه علامء الرتبية وعلامء
كبري عىل مستوى األجرأة والتطبيق .وحتى ولو إننا ال نتحدث هنا عن اخلصوصية بمعناها
تشبع املريب هبذه البيداغوجيات احلديثة واستطاع السلبي ،وحيث تتحول إىل ذريعة ،يتم هبا أو من
أن يكيفها مع الوضعيات التي يشتغل فيها ،فثمة خالهلا ،رفض اآلخر وكل ما ينتجه ،فقط بدعوى
دوما عوائق أخرى متعددة ،منها ما هو مرتبط أنه خمالف لنا ومغاير ،بل خصوصية إجيابية
بالنسق الرتبوي العام أي ظروف التنشئة تستحرض ما يميز وما خيتلف عن اآلخر ،فوضعنا
االجتامعية ،والرتبية األرسية ،واملوروث الثقايف، هو وضع أوروبا أو كندا أو االقتصادي مثال لي
أو ما هو مرتبط برشوط إنتاج التعلامت حيث أمريكا نفسه ،وكذلك بنياتنا االجتامعية وتشكيالتنا
ضعف البنيات التحتية ،غياب مكتبات ،وسائل السوسيواقتصادية ليست هي البنى والتشكيالت
تعليمية ،خمتربات وما إىل ذلك من املتطلبات نفسها التي نصادفها يف تلك البلدان ،كام أن تارخينا
األخرى.باإلضافة إىل ظاهرة االكتظاظ وكثافة هو نفسه الذي نجده لدهيا. ورصيدنا الثقايف لي
املقررات ،دون أن نشري إىل "الفراغات والثقوب باإلضافة إىل أن اإلشكالية التي ضمنها تبلور الفكر
السوداء" ،بتعبري إدغار موران ،التي توجد بني البيداغوجي يف الغرب ليست هي اإلشكالية نفسها
املواد التعليمية ،وغياب التنسيق بني الفاعلني التي ما فتئ يفرزها ويطرحها واقعنا الرتبوي.
الرتبويني ،والذين وعىل امتداد كل اإلصالحات لألسف كان دائام يتم جتاهل ،عن وعي أو عن غري
التي عرفها النظام التعليمي يف املغرب ظلوا عىل وعي ،مثل هذه االعتبارات ،وبالتايل ظل مشكلنا
اهلامش ،مهمتهم حمددة سلفا يف املنهاج وتتلخص الكبري كام تذكر" زكية داوود" ،وضمن مقام آخر،
يف تنفيذ ما قرره اآلخرون الذين تقدمهم السلطة هو"زرع نامذج جاهزة " le greffe des modèles
الوصية عىل القطاع كخرباء ،وأي خرباء؟ سياسيون وهو األمر الذي حول جمالنا الرتبوي ،واملدر،ي
ونقابيون ورجال أعامل مهندسو املجتمع ومنظروه، بشكل خاص ،إىل جمال للتجري ،و أعطى
وهو وضع ينبغي أن نأخذه بعني االعتبار عندما املرشوعية ملا نالحظه اليوم وبشكل مفارق حيث
نقيم أي جتربة إصالحية ألن هؤالء الفاعلني نالحظ تقدما كبريا عىل مستوى اخلطاب
املوكولة إليهم أجرأة اإلصالحات والتوصيات ال البيداغوجي ،خصوصا املنفتح منه ،املتمركز عىل
يتم االستامع إليهم وال جمرد االستئناس بنظرهتم املتعلم والذي ينشد حتقيق كفايات حمددة ،وتعثر
97 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
احلارض .ومن ثم حيق لنا إعادة التساؤل ما الذي لألمور ،وبالتايل من الطبيعي أن تكون هناك مقاومة
لبيداغوجيا يتعني علينا فعله إذا أردنا التأسي وأن تنهض ميكانيزمات الدفاع لدهيم وهو وضع
تكون مالئمة؟ بيداغوجيا يمكن أن نسميها وطنية، باألهداف أو وفق الكفايات يصبح معه التدري
أي مطابقة لوضعنا وانتظاراتنا ،فإذا كان عبد الكبري أو غري ذلك دون معنى ودون داللة ،ومن ثم
اخلطيبي يف ما مىض قد حتدث عن رضورة إزالة يتحولون إىل سلبيني ،جمرد مطبقني ،أعوان خدمة
االستعامر عن السوسيولوجيا أال جيوز لنا ،وعىل فاعلني acteursكام هو املبتغى agentsولي
الشاكلة نفسها ،النداء بتحرير البيداغوجيا واملأمول ،وهذا ما نالحظه اليوم عند أغلبية
?la décolonisation de la pédagogie املدرسني حيث الشعور باليأس وعدم االكرتاث
1
.
كمقابل حليف االعرتاف والتهميش.
هكذا تظهر الصورة حاليا وهي صورة
توضح ما آل إليه الوضع التعليمي يف الوقت
-2فضيل ،عبد الرمحان ،اإلصالح الديني اليوم يف -4اجلابري ،حممد عابد ،أضواء عىل مشكل التعليم
القرى املغربية"املخزن"و"فقهاء الرشط" يف باملغرب ،دار النرش املغربية ،البيضاء.1823،
للعلوم عمران جملة تيزنيت، -2الدريج حممد ،املنهاج املندمج ،أطروحات يف
االجتامعية،العدد،24املجلد السادس ،ربيع 2119 اإلصالح البيداغوجي ملنظومة الرتبية والتكوين،
6–HARDY. M.G, Le problème scolaire 2112
au Maroc, Casablanca, imprimerie -3رشقي ،حممد ،مقاربات بيداغوجية ،من تفكري
rapide, 1920
2- Akesbi Msefer, Assia, Ecole, Sujets et التعلم التي تعلم التفكري ،أفريقيا الرشق ،الدار
Citoyens, Editconsulting,2014
البيضاء2111
-4رشقي ،حممد ،البيداغوجيا مفهوم ،تاريخ
ومقاربات ،فضاء ادم ،مراكش2112،
1
يعتمد املغرب تقسيام جهويا جديدا بعد حمدودية التقسيامت املجالية السالفة ،ووجه التجديد يف اجلديد هو احلديث
عن اجلهة ( )31الثالثة عرش ذات الصلة بجوهر اشتغال الوزارة املكلفة باملغاربة املقيمني باخلارج ،وال مراء أهنا
جهة افرتاضية تنسحب عىل جمال ترايب معنوي ،وجتمع يف رحاهبا قرابة مخسة ماليني مغربية ومغريب يتوزعو عىل
قارات املعمور اخلمس ،ممن يراد هلم أ يكونوا مرضب األمثال يف حسن السفارة الثقافية والتعلق بأستار اهلوية
املغربية ،اليشء الذي يطرح ألف سؤال وسؤال حول مرشوعية اجلهود الرامية إىل تعليم اللغة العربية والثقافة
املغربية ألبناء اجلالية؟ ومدى حضور حق نقل املوروث الثقايف إىل امتدادنا يف اخلارج ضمن الرشعة الدولية حلقوق
اإلنسا ؟
التعليم إىل األطر املؤهلة علميا وتربويا وبيداغوجيا ومما أقرتحه عىل املغرتب يف هذا الشأ :
وديداكتيكيا ،ثم تدعيمها بربامج التكوين الذايت أ .تفعيل الفصول الدراسية امللحقة باملساجد ،سيام
واملستمر إنامء للقدرات والكفايات املهنية ،إذ الواقع يومي السبت واألحد والعطل الدورية ،مع اجلد يف
إنجاح مهمتها كام وكيفا ،دو إغفال إسناد مهمة
األعظم من العاملني إىل املال واألعامل والصناعات أ قسطا كبريا من الفشل مر ُّده للتساهل احلاصل يف
والتجارات ...مع االحتفاظ بالراتب والبقاء يف انتقاء املعلمني ،والقيمني ،واإلداريني.
أسالك الوظيفية العمومية ،اللهم من رحم ريب من والغالب تكليف – لبواعث عائلية أو شخصية –
الوطنيني الصادقني. مهاجرين حاملني لإلجازة ممن أعياهم االندماج
ج .إنشاء املحاضن التعليمية البديلة من األويل حتى والعطالة بالتدريس ،والتغايض عن متحيص القدرات
العايل ،سيام أنه خيار تتيحه القوانني املحلية للمغرتبني، واالستعدادات ملامرسة الفعل التعليمي /التعلمي...
وأحيانا كثرية تسهم دول املنشإ ماديا -كليا أو جزئيا- وهو خيار يستوجب إعادة النظر يف طريقة االختيار
إلخراجه إىل حيز الوجود؛ ويزيد من واقعية املقرتح واالشتغال ،وأخذ األمور بحزم ضامنا جلودة
اتساع قاعدة املسلمني الشباب ،مما يعني « احلاجة إىل املامرسات واملخرجات.
وجود املدارس اإلسالمية ،والتي يمكن أ تساعد ب .استثامر حصص التعليم العمومي املخصصة
األجيال الصاعدة يف املحافظة عىل اهلوية ،فتأسست لتدريس اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية،
أنواع من املدارس» ،قرأت عن بعضها يف هولندا
2
وذلك بإمعا النظر يف الربامج واملناهج ،وحتديث
ووقفت عىل نامذج مرشقة يف أملانيا ...وما يسجل عىل الطرق والوسائل بام يتامشى واملدرسة الغربية
التجربة من حسنات أكثر من السلبيات ،مما ينبئ بغد العرصية ،ناهيك عن إعادة النظر يف مقاييس ومعايري
مرشق متى حتىل الطاقم اإلداري والرتبوي بمعايري اختيار وزارة الرتبية الوطنية املغربية لألطر املرتشحة،
اجلودة بناية ومضمونا وطرائق تعليمية. ولست أستثني أي متدخل يف تسيري وتدبري خمتلف
ومن املفيد يف مثل هذه االستثامرات ،أ نركز عىل العمليات الرتبوية ؛ فعوض اضطالع بعض األساتذة
1
اإلنسا أكثر من البنيا ،وغض الطرف عن األموال املنتدبني -للتدريس خالل األلفية املنتهية -بمهمة
مقابل ربح الرها ،أل التعليم رسالة أكثر منه جتارة، إجراء البحوث والدراسات التي ترصد اإلكراهات
كام أ األجرة ال تغني بحال عن ابتغاء األجر ،ومن والعقبات ،وتروم عىل مرشحة التحليل والتنقيب
جواهر السنة قول رسول اهلل ﷺ" :إِنام أاأل أعام ُل إجياد احللول ملختلف املشكالت ،حتول اهتامم السواد
جاللة امللك حممد السادس عىل أ االهتامم «منصب ات – أو قال بِالني ِة -وإِنام لِكُل ا أم ِرئ ما نوى" ،
1 بِالني ِ
يف جماالت عالقتنا بدول االحتاد األورويب عىل حفظ وقال أيضا" :إ اهلل ومالئكته وأهل الساموات
كرامة رعايانا األوفياء العاملني بدوله املختلفة ،وعىل واألرض حتى النملة يف جحرها وحتى احلوت يف
الدفاع عن مصاحلهم املادية واملعنوية ،وقد أصدرنا البحر ليصلو عىل معلم الناس اخلري" .
2
تعليامتنا لسفرائنا وقناصلنا يف بالد املهجر كي يكونوا وال تعويل – بعد اهلل تعاىل– إال عىل األساتذة
يف خدمة رعايانا األوفياء ،وأكثر قربا منهم واستجابة الرساليني ،ممن يصنعو األجواء املدرسية السليمة،
حلاجياهتم ،خاصة منهم اجليلني الثاين والثالث الذين ويدربو النشء عىل ممارسة ومعايشة سلوك الفضيلة،
نحرص عىل ارتباطهم هبويتهم األصيلة وقيمهم وهو أسلوب تعليمي أجدى من تعلم األخالق والقيم
املقدسة» .
4
نظريا ،أل لسا احلال أبلغ من لسا املقال ،كام أ
3
وتعزيزا هلذا التوجه ،نص الفصل السادس عرش من التعلم النظري يشء ،وممارسة التعلم يف شكل
دستور اململكة عىل رضورة أ «تعمل اململكة املغربية امتدادات خلقية يشء آخر.
عىل محاية احلقوق واملصالح املرشوعة للمواطنات
واملواطنني املغاربة يف اخلارج ،يف إطار احرتام القانو
ما دامت اجلالية املغربية باخلارج جزءا ال يتجزأ عن
الدويل والقوانني اجلاري هبا العمل يف بلدا
مكونات الشعب املغريب األثيل ،فقد نالت قسطا وافرا
االستقبال؛ كام حترص عىل احلفاظ عىل الوشائج
من اخلطب امللكية السامية ،باعتبار األخرية موجها
للسياسة الداخلية واخلارجية ،وأحسبها رعاية بادية
لكل ذي عينني يف أول خطاب للعرش ،حيث أكد
صاحلة وموجهة ،ويعترب هذا الواقع احلي من الوسائل غري املبارشة -1أخرجه البخاري يف صحيحه ،باب بدأ ُء ا ألو أح ِي ،حديث رقم 33؛
يف الرتبية والتوجيه الناجع والناجح .يراجع كتابه :مشكالت اإلمار ِة ،باب ق أولِ ِه صىل اهللُ عل أي ِه وأخرجه مسلم يف صحيحه ،كِتاب أ ِ
الشباب ،احللول املطروحة واحلل اإلسالمي ،ص.354 وسلم :إِنام أاألعأام ُل بِالني ِة ،وأن ُه يدأ ُخ ُل فِ ِيه ا ألغزأ ُو وغ أ ُري ُه ِم أن أاألعأام ِل،
خطاب العرش الذي وجهه امللك حممد السادس إىل رعاياه -4
حديث رقم .1413
األوفياء من الرباط يومه 13يوليوز 6333م ،يرجى الرجوع إىل -2أخرجه الرتمذي ،باب ما جاء يف فضل الفقه عىل العبادة ،حديث
سجل"« :العدل" يف خطب ورسائل صاحب اجلاللة امللك حممد رقم ،6204قال الشيخ األلباين :صحيح ،وينظر أيضا حديث رقم:
السادس من سنة 3999م إىل سنة 6333م» ،منشورات قسم 3010يف صحيح اجلامع.
التواصل ،مديرية الدراسات والتعاو والتحديث ،وزارة العدل، -3ذهب عباس حمجوب إىل أ املناخ املدريس فضاء رحب يتبادل فيه
اململكة املغربية ،ص.26،22: فيه الطالب التجارب احلسنة واخلربات الطيبة ،ويتدربو
باالحتكاك عىل ممارسة سلوك الفضيلة واخلري واحلق يف بيئة اجتامعية
العدد األول – نونبر 0202
102 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وتنمية قدراهتم ومؤهالهتم ،وثقافتهم األصلية عىل أ اإلنسانية معهم ،والسيام الثقافية منها ،وتعمل عىل
يكو ذلك مسبوقا بدراسة حول حاجاهتم الثقافية» .
3
تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية» .
1
وصلة باالندماج السوسيو -ثقايف ألبناء اجلالية وال يشذ عن السابق امليثاق الوطني للرتبية والتكوين
املغربية ،ال تفتأ حنجرة الرؤية االسرتاتيجية تصدح املصنف دستورا للعملية التعليمية/التعلمية ،حيث
بأولوية «تعزيز برامج عمل يف إطار سياسة تربوية جعل «رهن إشارة اجلاليات املغربية يف اخلارج الراغبة
تكوينية للشباب املغاربة يف املهجر ،تستثمر ثقافة يف ذلك ،األطر واملرجعيات التعليمية الالزمة لتمكني
وطنهم األم بتعدد مكوناهتا وروافدها يف صقل أبنائها من تعلم اللغة العربية والقيم الدينية واخللقية
مواهبهم وقدراهتم ومهاراهتم املتعددة ،وإسهامهم والوطنية ،وتاريخ املغرب وجغرافيته وحضارته ،مع
حسب اإلمكا يف حوار الثقافات وتواصلها يف بيئات مراعاة ما يطبعها من تنوع وتكامل ،وتستعمل هلذا
املهجر» .
4
الغرض أيضا كل من التلفزة التفاعلية ووسائل
وباملجمل ،فقد حظي برنامج تعليم اللغة العربية اإلعالم واالتصال اجلديدة» .
2
والثقافة املغربية بمكانة متميزة ضمن خطة عمل وعليه ،ال غرو أ نلفي الرؤية االسرتاتيجية -التي
وزارة الرتبية الوطنية ،حيث العناية بإرساء وتتبع وضعها املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث
االتفاقيات املربمة مع سلطات الرتبية بدول استقبال العلمي بغاية النهوض باملنظومة -تعزف عىل سمفونية
اهلجرة ،كام السهر عرب مديرية التعاو واالرتقاء املساواة يف ولوج عامل التمدرس ،حيث النص عىل
بالتعليم اخلصويص عىل جودة األطر والربامج رضورة «السعي إىل متكني أبناء اجلالية املغربية املقيمني
واملناهج املوجهة إىل امتداد املغرب باخلارج ،والزال باخلارج قدر اإلمكا من تعليم مواز يضمن هلم:
القطار يطوي سكة العمل يف اجتاه سيايس مفعم تعزيز هويتهم متعددة املكونات ،وانتامءهم للوطن،
باألمل.
-3الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح " 6313-6334من أجل مدرسة -1الفصل 32 :من دستور اململكة املغربية الصادر عام 6333م،
اإلنصاف واجلودة واالرتقاء" ،إعداد املجلس األعىل للرتبية األمانة العامة للحكومة ،مديرية املطبعة الرسمية ،سلسلة الوثائق
والتكوين والبحث العلمي ،الرافعة األوىل :حتقيق املساواة يف ولوج القانونية املغربية ،طبعة 6333م.
الرتبية والتكوين ،النقطة ،35:ص.35 : امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ،مرجع سابق ،القسم الثاين -2
وتعليم أبنائهم ،ويف هذا السياق نذكر التوجهات وجذير بالذكر ،أ نمط التعليم هذا أكرب من أ
الكربى املؤطرة هلذا االهتامم املمثلة أساسا يف: يكو برناجما قطاعيا يتطلب تدبريا إداريا ،أو أ حيرص
-العناية امللكية بأحوال املواطنني املغاربة باخلارج ضمن تنزيل التفاقيات ثنائية مع اجلهات املعنية يف
ألجل الرقي هبا نحو األفضل؛ دول االستقبال ،أو أ يقترص عىل إجياد موارد مالية
-االهتامم البالغ بتمكينهم من كل حقوق والتزامات وبرشية ُتعبأ يف الداخل أو اخلارج ...إنه فوق كل هذا
املواطنة الكاملة حيثام كانوا؛ مرشوع تربوي حيتاج إىل إرساء وتتبع وفق مرجعية
-تفعيل اإلرادة الراسخة يف توثيق األوارص املتينة التي وهندسة حمكمة ،كام االنفتاح عىل مبيعات املتجر
تربطهم بوطنهم املغرب؛ الرتبوي العاملي بغاية اإلفادة من مستجدات تدريس
-توطيد اجلهود الدؤوبة يف هذا املجال؛ اللغات وتفاعل الثقافات.
-التجاوب مع متطلبات النمو الرسيع واملتزايد وهو ما حدا بوزارة الرتبية املغربية -طوال عقود
للمغاربة باملهجر؛ خلت -إىل فتح النقاشات وإقامة الندوات ،فضال عن
-بلورة السياسات املتعلقة باهلجرة وشؤو اجلالية إبرام الرشاكات وتسخري االعتامدات توخيا جلودة
املغربية باخلارج. املامرسات واملخرجات ،ومنه إعداد إطار مرجعي
وقد نص الظهري الرشيف رقم 63003603الصادر لتعليم اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية،
يف 63دجنرب 6336عىل إحداث جملس اجلالية وعيا منها أ األمر يتطلب جهودا استثنائية وخربة
املغربية باخلارج ،توخيا لبلوغ غايات وأهداف أساسية تربوية رفيعة ،تعي خصوصيات الفئات املستهدفة،
منها :التشبع بقيم ومقدسات األمة وثوابتها وهويتها وتستوعب سياقات االندماج املختلفة.
املوحدة ،والغنية بتعدد روافدها... وأنقل للتحسيس – رغم طول املنقول -بعض
ويعتمد النظام الرتبوي املغريب عىل مرتكزات ثابتة جواهر اإلطار املرجعي عىل مستوى االختيارات
ُمؤطرة بنص دستور اململكة اجلديد ،تتعلق االسرتاتيجية يف جمال اهلوية والرتبية والتكوين ،ما
باالختيارات االسرتاتيجية التي يتعني تفعيلها يف جمال يؤكد أ «اجلالية املغربية حتتل موقعا بالغ األمهية
الرتبية والتكوين بشكل عام ،ويف جمال تعليم اللغة ضمن االختيارات االسرتاتيجية للدولة املغربية يف
العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية املغربية بشكل جمال السياسات العامة ألجل تدبري شؤو اهلجرة
خاص ،ومن أهم هذه االختيارات ما ييل: واملهاجرين ،ويف مقدمتها االهتامم بمغاربة العامل
العدد األول – نونبر 0202
104 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الفعل ،كام اإلبداع والتميز يف العطاء ،ناهيك عن إ تطور وجود املهاجرين كام وكيفا وهدفا ،يستوجب
اإلسهام يف املسرية احلضارية بام يمتح من تقليب النظر وإجالة الفكر يف حجم ونوعية مشاركة
اخلصوصيات الدينية والثقافية ،وهذا خطب جلل املهاجر الثقافية واملجتمعية ،كام يتطلب االنتقال من
يستدعي امتالك القوالب واألدوات ،والوسائل وضعية استهالك القيم واألفكار ،وابتالع املواقف
والصور واملشاهد إىل مرحلة إنتاج الفعل عوض رد
-1اإلطار املرجعي لتعليم اللغة العربية والثقافة املغربية ألبناء اجلالية املقيمني باخلارج ،إعداد مديرية املناهج ،وزارة الرتبية الوطنية والتكوين
املهني برشاكة مع مؤسسة احلسن الثاين للمغاربة املقيمني يف اخلارج ،شتنرب 6334م ،ص31،36 :بترصف يسري جدا.
العدد األول – نونبر 0202
105 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وبالرجوع إىل اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ،نجده واملعينات الكفيلة بتحقيق األثر املنشود واملقصد
ينص عىل أ «لكل شخص احلق يف حرية االشرتاك يف املحمود.
االجتامعات واجلمعيات السلمية» ،كام رصح العهد
2
سيام أ عقيدة املسلم جتعله إجيابيا بطبعه ،مياال إىل
الدويل للحقوق املدنية والسياسية بحق «كل فرد يف فعل اخلريات وحرب املنكرات ،فضال عن استثامر ما
حرية تكوين اجلمعيات مع آخرين ،بام يف ذلك حق أودعه اهلل حتت يده من معينات ووسائط ووسائل
إنشاء النقابات واالنضامم إليها من أجل محاية وأدوات ،لعل أمهها حق تأسيس اجلمعيات الثقافية،
مصاحله» ؛ ونظريه ما ورد يف االتفاقية األوروبية 3
أل بيئة االغرتاب تتميز بكثافة وثقل وتنوع تنظيامت
حلقوق اإلنسا ،واالتفاقية األمريكية التي كفلت املجتمع املدين الساعي إىل الدفاع عن مصالح 1
«لكل شخص احلق يف التجمع سلميا مع اآلخرين يف خمصوصة ،بوصفه فرصة العضو لإلسهام املنظم يف
اجتامع عام رسمي ،أو جتمع غري رسمي بشأ املسائل التسيري والتطوير والتغيري ،وإدارة اخلالف والنزاع مع
ذات االهتامم العام ،أيا كانت طبيعتها» .
4
املوافق واملخالف ،وأيضا النضال بالوسائل احلضارية
وحتى ال يستثنى املغرتب ،نلفيه خمصوصا بنصوص املشبعة بقيم التحاور والتجاور والتعاو والتكامل،
تكفل «للعامل املهاجرين وأفراد أرسهم احلق يف والتدافع بالتي هي أحسن.
تكوين اجلمعيات ونقابات العامل يف دولة العمل، وللتاريخ فقد حققت مجعيات املغرتبني أهدافا ليست
وذلك لتعزيز ومحاية حقوقهم االقتصادية واالجتامعية باليسرية ،منها مهمة الوساطة بني املهاجرين والدولة
والثقافية وغريها من املصالح» ،كام نص اإلعال
5
املعرب عن املضيفة ،وأحيانا كثرية هي اللسا
املتعلق بحقوق اإلنسا لألفراد غري املواطنني ،عىل طموحات املغرتبني وأهدافهم ،مما يستدعي إخالص
متتعهم وفقا للقوانني الوطنية والترشيعات الداخلية النوايا ،وتضافر اجلهود خللق الفعل املدين القوي
للدول املضيفة «باحلق يف االنضامم إىل النقابات واملعرب عن الطموحات ،واملجسد للحقوق املكفولة
وغريها من املنظامت أو اجلمعيات التي خيتاروهنا، دوليا وإقليميا.
-2اإلعال العاملي حلقوق اإلنسا ،املادة ،63:الفقرة.33: -1املجتمع املدين هو الشق املنظم من املجتمع ،ولذلك يقدم عىل
-3العهد الدويل للحقوق املدنية والسياسية ،املادة ،66:الفقرة.33: أنه :التشكيالت والتنظيامت املكونة من أفراد اختاروا العضوية
تراجع املادة 33من االتفاقية األوروبية ،واالتفاقية األمريكية -4
بإرادهتم لتحقيق أهداف سلمية هتم اجلميع أو جمموعة من األفراد،
حلقوق وواجبات اإلنسا ،املادة.63: ويتميز املجتمع املدين باالستقاللية عن الدولة ،واحلرية يف احلركة
االتفاقية الدولية حلامية حقوق مجيع العامل املهاجرين وأفراد -5
واالشتغال يف العلن ،واالختيارية يف االنضامم مما يثمر االجيابية
أرسهم ،املادة ،53:الفقرة.33: ودوام العطاء.
العدد األول – نونبر 0202
106 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اص ِ ُ
ربوا ۖ ﴿وال تناز ُعوا فت أفش ُلوا وت أذهب ِر ُ
حيك أُم ۖ و أ واالشرتاك يف أنشطتها ،وال ُتفرض أية قيود عىل
إِ اهلل مع الصابِ ِرين﴾ [األنفال .]56/ ممارسة هذا احلق ،غري القيود التي يقررها القانو
فالواحد ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ،والشيطا وتقتضيها الرضورة يف جمتمع ديمقراطي ،لصيانة
والزلل من الواحد أقرب ومن االثنني أبعد ،وإنام يأكل األمن القومي أو النظام العام ،أو حلامية حقوق الغري
الذئب من الغنم القاصية ،وكلام التأم الشمل ومتاسك وحرياهتم» .
1
اجلمع حلت يد اهلل وتوفيقه وتسديده؛ ومن ثمرات ويف البنود السالفة ُمسوغ حقوقي ،يتيح للمغرتب
هضم هذه احلقيقة ،جتاوز اجلهود الفردية – عىل جتسيد قيم التضامن والتعاو ،وإخراجها للناس يف
أمهيتها – إىل اجلهود اجلامعية التي «تنهض هبا أنشطة مجعيات متتثل قول اهلل تعاىل﴿ :وتعاونُوا عىل
املؤسسات واملنظامت واجلمعيات ،وقد بدأت هذه اإل أث ِم وا أل ُعدأ وا ِ ﴾
ا أل ِرب والت أقوى ۖ وال تعاونُوا عىل أ ِ
-3عبد املجيد النجار :املنظامت اإلسالمية يف أوروبا يف مواجهة -1اإلعال املتعلق بحقوق اإلنسا لألفراد الذين ليسوا من
حتدي الرشاكة احلضارية ،ص.32 مواطني البلد الذي يعيشو فيه ،املادة ،30:الفقرة" :ب".
-4مصطفى حممود عفيفي :احلقوق املعنوية لإلنسا بني النظرية -2أخرجه مسلم يف صحيحه ،كِتاب ا أل ِرب والصل ِة و أاآلد ِ
اب ،باب
والتطبيق ،دراسة مقارنة يف النظم الوضعية والرشيعة اإلسالمية، اض ِد ِه أم ،حديث رقم.5204 اح ِم املأُؤأ ِمنِني وتعا ُط ِف ِه أم وتع ُ
تر ُ
ص.356
العدد األول – نونبر 0202
107 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إىل حصول السالم واألمن العامليني ،قناعة أ التنوع الالحقة أضحى قاعدة من قواعد القانو الدويل ،ال
الثقايف كنز حي يقع يف ملكية البرش أمجعني ،مما ختطئه العني يف ميثاق األمم املتحدة والعهود
يستدعي صونه والترشيع حلصول بقائه واستمرارية واالتفاقيات التي حتكم عالقات التعاو الثقايف بني
عطائه ،ومن ثمة ال ضري أ جتتهد كل جمموعة برشية البلدا املصدرة واملستقبلة للهجرة ،ويف كفالة هذا
– سواء كانت يف وطن اجلدود أو الوطن اجلديد -يف احلق من حقوق اإلنسا ،تأكيد عىل االحرتام
احلفاظ عىل مالمح شخصيتها ،وأ تسعى إىل إعادة للخصوصية الثقافية لكل شعب من شعوب العامل،
إنتاجها عرب نقلها إىل األجيال الالحقة ،قناعة أهنا وإبراز للهويات الوطنية اخلاصة ،التي تشكل يف
اهلوية اجلامعية واخلصائص املميزة ،مع رضورة جمموعها اهلوية اإلنسانية اجلامعة والقائمة عىل أساس
االحرتام التام هلوية اآلخرين وخصوصياهتم الثقافية. وحدة اجلنس البرشي ،ووحدة الصفات املشرتكة التي
أودعها اخلالق سبحانه يف الطبيعة اإلنسانية؛ ومن ألف
الكلامت املفتاح :اللغة العربية ،الثقافة املغربية ،أبناء اجلالية املغربية.
العدد األول – نونبر 0202
108 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إعداد املجلس األعىل للرتبية والتكوين والبحث -إسامعيل احلسني ،االختالف والتفكري يف فقه
العلمي. األقليات ،املطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة
-العدل يف خطب ورسائل صاحب اجلاللة امللك األوىل6332 ،م.
حممد السادس من سنة 3999م إىل سنة 6333م، -جني سميث ،اإلسالم واملسلمو يف أمريكا ،ترمجة
منشورات قسم التواصل ،مديرية الدراسات حممد اخلويل ،منشورات املجلس األعىل للثقافة،
والتعاو والتحديث ،وزارة العدل ،اململكة املغربية. القاهرة ،الطبعة األوىل6334 ،م.
-اللغات يف اهلجرة :التحوالت والرهانات اجلديدة، -اإلطار املرجعي لتعليم اللغة العربية والثقافة
منشورات جملس اجلالية املغربية باخلارج ،أشغال املغربية ألبناء اجلالية املقيمني باخلارج ،إعداد مديرية
ندوة 64 ،65يونيو 6333م ،مطبعة املعارف املناهج ،وزارة الرتبية الوطنية والتكوين املهني
اجلديدة ،الرباط6336 ،م. برشاكة مع مؤسسة احلسن الثاين للمغاربة املقيمني يف
-الدكتور عباس حمجوب ،مشكالت الشباب: اخلارج ،شتنرب 6334م.
احللول املطروحة واحلل اإلسالمي ،كتاب األمة رقم -عمر السلكي ،احلقوق الدينية والثقافية للمسلمني
،33مطابع الدوحة احلديثة ،قطر ،الطبعة الثانية، يف بالد الغرب ،مطبعة أفريقيا الرشق ،الدار البيضاء،
ربيع األول 3532ها. الطبعة األوىل6330 ،م.
-عبد املجيد النجار ،املنظامت اإلسالمية يف أوربا يف -مصطفى حمفوظ عفيفي ،احلقوق املعنوية لإلنسا
مواجهة حتدي الرشاكة احلضارية ،بحث مقدم إىل بني النظرية والتطبيق :دراسة مقارنة يف النظم
اجلمعية العمومية هليئة التنسيق العليا للمنظامت الوضعية والرشيعة اإلسالمية ،دار الفكر العريب،
اإلسالمية املنعقدة بمكة املكرمة بتاريخ 35أبريل القاهرة ،الطبعة األوىل3993 ،م.
6332م ،مطابع رابطة العامل اإلسالمي ،الطبعة -دستور اململكة املغربية الصادر عام 6333م،
األوىل6332 ،م. األمانة العامة للحكومة ،مديرية املطبعة الرسمية،
-امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ،اللجنة اخلاصة سلسلة الوثائق القانونية املغربية ،طبعة 6333م.
بالرتبية والتكوين ،اململكة املغربية ،الطبعة األوىل، -الرؤية االسرتاتيجية لإلصالح 6313-6334
3999م. "من أجل مدرسة اإلنصاف واجلودة واالرتقاء"،
العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
110
1
يروم املقال مقاربة دور اإلدارة الرتبوية وحتديدا القائد الرتبوي يف تدبري املنازعات واخلالفات التي قد تنشب داخل
املؤسسة التعليمية وفقا ملبادئ وضوابط العمل اإلداري ،فكام هو معلوم ،اإلدارة الرتبوية تضم عددا من
املكونات/األعضاء ،ومن الطبيعي أن تتولد من جراء تدبري أنشطتها سوء تفاهم أو خالف أو أخطاء من حني ألخر،
قد يتطور األمر إىل نزاع ،وهنا تكمن أمهية تسوية اخلالفات وحل النزاعات ،وحل النزاع هو عملية متعددة املراحل
وتقييام للوضع ،واختيار لطريقة حلل النزاع ،وتشكيل خطة عمل ،وتنفيذها ،وتقييم فعالية أفعال الفرد
ً تتضمن ً
حتليال
من طرف القائد الرتبوي الذي جيب أن يتوفر عىل عدد من املواصفات .
1
و االسرتشاد بمفاهيم السلطة يف النظرية واملامرسة إصالح املنظومة الرتبوية ،ملا هلا من أمهية بالغة يف تطوير
اإلدارية ،إىل مفهوم جديد ينبني عىل قيادة التغيري؛ مفهوم األخرية وتوفري الظروف املالئمة لنجاح العمل اإلداري
ينظر إىل اإلدارة عىل أساس أهنا ترتكز عىل أصول علمية والرتبوي ،كام تعد عامال أساسيا لنجاح املنظومة أو
و تتسم باملرونة والسهولة ،بعيدة كل البعد عن القوالب فشلها .باإلضافة إىل أن نجاح املؤسسة الرتبوية من نجاح
الثابتة ،متامشية ومتناسبة مع مقتضيات املرحلة ،بمدير مسريهيا وعىل رأسهم مدير املؤسسة ،ويقاس هذا النجاح
قادر عىل بناء قيم وأفكار مشرتكة ،كفيلة بتحويل أطرها أو الفشل بمدى قدرهتا عىل حتقيق األهداف بفعالية
من «أنا» إىل «نحن» . وكفاءة وتدبري املنازعات وتفعيل أخالقيات .واجلدير
باملالحظة أن أهم التطورات التي طرأت عىل اإلدارة
الرتبوية ،يف السنوات األخرية ،هو انتقاهلا من املفهوم
حماولة لطرح ومناقشة هذه األمهية وحتديد املواصفات إن اإلدارة الرتبوية ،يف حاجة ماسة ،إىل رفع نسبة
واملبادئ التي جيب أن تتوفر يف القائد الرتبوي واإلدارة الوعي 1وتطويره بني أعضائها بالطرائق والوسائل التي
الرتبوية لتدبري اخلالفات واملنازعات اإلدارية؛ وبشكل يمكن بواسطتها أن يكونوا عاملني بحقوقهم ،بام فيها
خاص النزاعات الناجتة عن التدبري اإلداري والرتبوي. مسؤولياهتم األخالقية والقانونية حتى يسهموا وبشكل
-كيف تسهم اإلدارة الرتبوية وحتديدا املدبر الرتبوي فعال ،يف بناء جمتمع ديمواقراطي تسوده سلطة القانون
يف حل املنازعات واخلالفات داخل املؤسسة الرتبوية واحرتام حقوق اإلنسان .كام أن اإلدارة الرتبوية ،تتحمل
باستحضار الضوابط املهنية؟ جزءا من القضايا املعروضة عىل القضاء اإلداري ،بسبب
سنحاول اإلجابة عن إشكالية موضوعنا ،وفقا أن بعض موظفي اإلدارة املسؤولني عن استصدار
للمنهجية الفرنكوفونية التي تعتمد التقسيم الثنائي ،ففي القرارات ال حيرصون عىل تطبيق القانون ،والتقيد بمبدأ
املحور األول سنتناول للحديث عن التأطري اإلداري املرشوعية واحرتام النصوص الترشيعية والتنظيمية
للمنازعات وضوابط العمل املؤسسايت ،أما املحور وضوابط أخالقيات مهنة اإلدارة الرتبوية.
الثاين ،فسنناقش فيه القائد الرتبوي وسبل حل قضايا
املنازعات وفقا للضوابط املهنية. بالنظر ألمهية دور القائد الرتبوي امللتزم بضوابط
العمل وأخالقيات املهنة 2يف حل املنازعات داخل
املؤسسات التعليمية والدور األسايس للمدبر الرتبوي
وفريق القيادة يف العملية ،تأيت هذه الورقة البحثية ،يف
العال قات الرتبو ية بني خمتلف مكو نات الوسككط ا ملدريس ،وتكون 1لنرش الوعي اإلداري أصدرت منظمة التضامن اجلامعي املغريب
لدى ا ملدرس ا جتا هات إ جياب ية نحو امله نة ،إذ تبرصككه بالتزا ما ته 7991كتاب "قضايا اهليأة التعليمية من خالل اجتهادات املجلس
األخالقية وتوعيته بأبعاد الر سالة التعليمية التي يتحملها جتاه الفرد األعىل واملحاكم اإلدارية" ،ويف 3002أصدرت مؤلف "املدرسون
واملجتمع ،كام تنظم عال قا ته اإلدار ية واالجتامع ية ،و تدر به عىل وتعسفات اإلدارة الذي أكدت فيه حق املوظف يف اللجوء إىل
أساليب التعامل الالئق مع خمتلف مكونات املجتمع املحيل واجلهوي القضاء اإلداري للطعن يف القرارات اإلدارية متى ثبت أن اإلدارة قد
والوطني أساءت استعامل سلطتها أو انحرفت عنها...الخ.
2تتجىل أمهية درا سة أخالقيات املهنة يف تعزيز املامر سات األخالقية
التي ينبغي أن تنعكس بشكككل أكثر إجيابية يف منهجية التدريس ،ويف
العدد األول – نونبر 0202
112 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
لذلك نجد األفراد يستقبلون مؤثرات البيئة والوسط اإلدارة الرتبوية كأي مؤسسة اجتامعية أخرى ،تضم
بشكل دائم فتؤثر عىل مشاعرهم وسلوكاهتم جتاه أنفسهم عددا من املكونات/األعضاء ،ومن الطبيعي أن يتولد
وجتاه الغري .ويمكن التعبري عنه بشكل واضح من خالل من جراء ذلك سوء تفاهم أو خالف من حني آلخر ،قد
جمموعة من العبارات واملفاهيم التي جتسد هذا التأثري يتطور األمر إىل نزاع ،وهنا تكمن أمهية حل النزاعات
مثل ظروف العمل واملناخ االجتامعي السائد واخلالفات كام هو معلوم جزء من احلياة املدرسية
واإلحساس باالنتامء لفريق العمل إىل غري ذلك.... اليومية ،هنا البد أوال من حتديد بعض املفاهيم األساسية
السلوكات :قد تثري سلوكاتنا أحيانا ردود أفعال ومنها:
سلبية لدى الغري رغم عدم قصديتنا الستفزازه أو النزاع /الرصاع :هو بمثابة تعارض للمشاعر أو
اإلساءة إليه ،لكن اختالف املرجعيات الثقافية (اختالف وجهات النظر لدى األشخاص أو اجلامعات ،1فكثريا ما
أوساط التنشئة االجتامعية ،اختالف القيم )...تؤدي إىل تنشأ الرصاعات من اختالف يف املشاعر جتاه اآلخر أو
سوء الفهم بيننا وبينه .لذلك يمكن القول إن مراقبة اختالف الثقافة والتنشئة االجتامعية لألفراد والتي ينتج
سلوكاتنا واالنتباه إىل االختالف يف املرجعيات عنها اختالف يف قناعتهم وقيمهم واألفكار التي يدافعون
والثقافات بيننا وبني الغري تؤدي إىل جتنب كثري من أوجه عنها .وقد عرب عن ذلك كلود كاناس يف قوله " ينتج
الرصاع .كام أن آليات التواصل جتعلنا نتجاوز الكثري من الرصاع عن تعارض يف احلاجات واألهداف (والقيم
سوء الفهم من خالل تقديم توضيحات أثناء حصول أيضا) بني شخصني أو أكثر فيبحثون عن احلل من خالل
هذا النوع من سوء الفهم. اللجوء إىل العنف ،أو من خالل التفاوض والوساطة".2
القدرات :البد لكل ممارس لعملية تدبري البيئة أو مناخ العمل :يلعب املناخ االجتامعي أو
للموارد البرشية من الوعي بوجود اختالفات بني بيئة العمل بدورها دورا هاما يف نشأة الرصاعات املهنية،
األشخاص يف استعداداهتم وقدراهتم الطبيعية ،ويؤدي فالبيئة هي ذلك الوسط الذي نعيش فيه خالل فرتة زمنية
إغفال هذه اخلصوصيات إىل تكليف األشخاص بام حمددة ،وهو البيئة واملناخ االجتامعي بام يتضمنه من
يفوق قدراهتم ومن متة نشأة رصاع معهم. مشاعر متبادلة وأنامط للتواصل بني األفراد واجلامعات،
2 1
; Claude Kannas, dictionnaire encyclopédique Benoit Grassier, Florent Noel, ressources
larousse, édition 1993. humaines,p 89
العدد األول – نونبر 0202
113 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
البد من اإلشارة إىل رضورة التمييز بني الرصاع املعتقدات :ترتك التنشئة االجتامعية لدى كل فرد
ووجود مشكل بني طرفني ،فغالبا ما يتحول مشكل تم جمموعة من األفكار واملعتقدات ،تبقى مصاحبة له رغم
تأجيل حله إىل رصاع ،يتضح الفرق بينهام من خالل بلوغه لسن الرشد ،ومتتاز املعتقدات بصعوبة تغيريها أو
اخلصائص الواردة يف اجلدول رفقته: مراجعتها .ونظرا الرتباطها باملقدس فإن انتقاد
املعتقدات غالبا ما يثري الكثري من املشاكل والرصاعات،
الرصاع املشكل
غري قابل للقياس قابل للقياس
لذلك ال بد لكل مدبر من الوعي باحرتام معتقدات
غري قابل للمالحظة قابل للمالحظة األشخاص ،وإن استدعى األمر معاجلتها ،فيجب أن
بني الوضككع ية ا حلال ية الطرفني ينفجر ع ند ما ترتاكم القيم املهنية :للمدبر /القائد الرتبوي بحكم
والوضككعية املأمولة بني جمموعة من املشكككالت التي املسؤوليات التي يقوم هبا دور اسرتاتيجي يف ترسيخ
يتم حلها. الطرفني. منظومة القيم داخل املؤسسة التعليمية من خالل جعلها
وبناء عىل ما سبق ،جتدر اإلشارة إىل رضورة متييز أحد مرتكزات املنظومة ومبادئ العمل يف تدبري املؤسسة
املدبر الرتبوي بني املشكالت البسيطة التي تستوجب وتدبري خالفاهتا ومنازعاهتا ،وتعد القيم من العوامل
نوعا من التأمل واإلنصات إىل الطرفني أو األطراف قصد األساسية لتوفري مناخ عمل مالئم للعمل ،فإذا سادت
الوصول إىل حل والنزاع الذي جتاوز مستوى املشكل قيم التعاون والتفهم وإرشاك الغري والتسامح معه ،فإن
البسيط إىل تداخل وتشعب مشاكل متعددة أدت اىل إنتاج مناخ وبيئة العمل سيسودها االنسجام بني الفرد واجلامعة
وضعية مركبة تستدعي وساطة جلنة أو شخص .يضاف املهنية ،ومن متة سيقل الرصاع والنزاع بني أفراد اجلامعة
إىل ذلك رضورة امتالك املدبر الرتبوي القدرة عىل رصد املهنية من أطر إدارية أو تربوية أو متعلمني...الخ.
املشكالت يف بدايتها وامتالكه القدرة عىل التواصل
الفعال لتوضيح وجهات النظر وإزالة الغموض
باإلضافة إىل امتالكه القدرة عىل اختاذ القرار للحسم يف .2التمييز بني الرصاع واملشكل
العدد األول – نونبر 0202
114 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
خالفات ومنازعات؛ غري أن القائد املتمكن واملتشبع بعض القضايا التي تستوجب ذلك باعتبارها مصدرا
بروح املامرسة الديموقراطية والتفكري اإلجيايب لقادر عىل حمتمال لتفاقم الوضع يف حالة عدم احلسم.
تدليل تلك اخلالفات وفض كل املنازعات؛ لكن هناك لقد أضحت قيادة التغيري أمرا حتميا حلل املنازعات
نوعية من رؤساء املؤسسات التعليمية – وهي فئة قليلة اإلدارية ومواكبة اإلصالح الرتبوي ،وإحداث التوافق
ويف طور االنقراض -يسبحون ضد تيار اإلصالح ،هم بني التنظيم يف املؤسسة والتغريات احلاصلة يف البيئة
باألساس السبب يف هذه النزاعات وجزء من االنتكاسة املحيطة هبا؛ يؤكد مصطفى مقبول أنه ''أصبح مطلوبا من
التي يعيشها قطاع الرتبية والتعليم؛ مديرون مهووسون املديرين ،ليس فقط القيام بمهام تسيري املؤسسة
بحب السيطرة جيربون مرؤوسيهم عىل الطاعة وتنفيذ التعليمية ،و لكن أيضا االنخراط يف مسلسل حتديث
األوامر مغيبني اجلانب املهني واإلنساين ،مما يفيض إىل وتطوير منظومة التعليم وتوفري وسائل االندماج ضمن
دفن الكفاءات ً
بدال من تشجيعها واالستفادة منها؛ التغريات االجتامعية املعقدة؛ فلم يعد مطلوبا من املدير
وبالتايل إغراق املؤسسة يف مشاكل ال أول هلا وال آخر .مما أن يكون مدبرا حمنكا فقط ،ولكنه أصبح مطالبا بقيادة
يعطل مشاريع االرتقاء باملؤسسة ،متناسيا أن حتقق قاطرة اإلصالح الرتبوي ،باعتبار املؤسسة التعليمية
أهداف املؤسسات الرتبوية يتم بلوغه عن طريق اإلقناع أضحت اآلن معقال لإلصالح الرتبوي''( .)1ويف سياق
وليس التسلط والقرس. مواز يربز عبد الرحيم هارويش يف كتابه املوسوم بك
ويف هذا السياق ،يشري عبد الكريم غريب إىل أن: (بيداغوجيا الكفايات مرشد املدرسني واملكونني) بأنه
''إصالح اإلدارة الرتبوية يصطدم بوجود وهيمنة ''من أجل أن تنجح اإلصالحات ينبغي أن يرتقي التغيري
عقليات التسيري التي تكرس للفردانية والسلطوية بدال إىل مستوى جيعله ديناميا ودائام ومتجددا ومتكيفا'' ()2
من عقلية التدبري التي تكرس اإلرشاك والتشارك '' ()3؛ إن قيادة اإلصالحات الرتبوية هاته ،عىل مستوى
ففن اإلدارة الرتبوية حيتم عىل املدير العمل بروح الفريق املؤسسة أكيد ال ختلو من حتديات وأحيان كثرية من
-عبد الرحيم هارويش ،بيداغوجيا الكفايات مرشد املدرسني 2 -1مصطفى مقبول ( -تكوين مديري املؤسسات التعليمية العمومية –
واملكونني ترمجة احلسن اللحية و عبد اإلله رشياط طبعة 3005 دراسة مقارنة بني النظام احلايل و مرشوع النظام اجلديد يف ظل إحداث
مطبعة النجاح اجلديدة حلساب نرش الفنك ،صفحة . 40 املراكز اجلهوية ملهن الرتبية و التكوين) جملة اإلدارة الرتبوية العدد 3
-عبد الكريم غريب ،مستجدات الرتبية والتكوين منشورات 3 نونرب - 3072صفحة .45
عا الرتبية الصفحة 431/431
العدد األول – نونبر 0202
115 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
واإلدارة الرتبوية كغريها من املؤسسات العمومية، واعتامد املقاربة التشاركية من أجل بناء األفكار اإلجيابية
تسعى إىل تدبري نزاعاهتا الداخلية التي قد تنشب لسبب التي حتسن من وضع املؤسسة والعاملني هبا.
أو آلخر (شخيص أو مرفقي) نتيجة ألسباب منها إن دورة النزاع ،متر بتطور تصاعدي قبل أن يصل إىل
األخطاء اإلدارية التي قد تؤدي إىل املسؤولية القانونية،2 االنفجار؛ وغالبا ما يقوم عىل الفعل ورد الفعل،
والتقليل من النزاعات مع املرؤوسني ،جيب عىل القائد مصحوبا بتوتر نفيس جيعل النزاع خارج حدود السيطرة.
الرتبوي: كثرية هي األسباب املؤدية إىل النزاعات ،فمنها ما هو
-تقييم عمل مرؤوسيه بموضوعية؛ مرتبط باملصالح؛ وينتج مثال عند توزيع استعامالت
-رعاية املرؤوسني الزمن بطريقة فيها إجحاف لطرف معني ،وأخرى
-االستخدام الفعال لطريقة اإلقناع؛ مرتبطة باحلاجات ،كاحلاجة إىل التقدير مثال ،وأخرى
-حتسني أسلوب املؤسسة. بالقيم كاحلق يف املشاركة املتساوية .هناك أسباب تفصيلية
ويتم حتديد وتشخيص أسباب النزاع يف الفريق من أخرى كتلك املرتبطة باإلحباط الناتج عن إعاقة حتقيق
خالل أسلوب قيادة هذا الفريق من جانب اإلدارة. هدف ،وأخرى مرتبطة باالستخدام اليسء للسلطة،
ً
حتليال حل النزاع هو عملية متعددة املراحل تتضمن وأخرى تتعلق بانتهاك احلقوق وممارسة القهر ،وأخرى
وتقييام للوضع ،واختيار طريقة حلل النزاع ،وتشكيل
ً هلا عالقة بسوء ممارسة العدالة ،وأخرى مرتبطة بانغالق
خطة عمل ،وتنفيذها ،وتقييم فعالية أفعال الفرد. الفكر ،والسبب األخري ،وكام يشري إىل ذلك دافيد
وتتضمن املرحلة التحليلية مجع وتقييم املعلومات حول كريش('':)1هي سمة يف الشخصية تتجىل يف رفض اآلراء
القضايا التالية :وضوح النزاع (املادي أو االجتامعي أو املعارضة رفضا حادا ،كام يشري إىل أن هذا الصنف يعجز
املثايل؛ قابل للتقسيم أو غري قابل للتجزئة ؛ هل يمكن متاما عن حل املشكالت''.
-أنس املشييش ،القايض اإلداري وقواعد القانون اخلاص ،أطروحة 1 -Individual in Society a textbook of social
لنيل شهادة الدكتوراه يف احلقوق ،جامعة حممد األول ،كلية احلقوق، Psychology By David Krech – Richard.s
Cruchfield and Egerton L. Ballachey . University
وجدة3002/3004 ، of California , Berkeley Page 47
2
أنظر :حسن سيمو كاملسؤولية اإلدارية من خالل قرارات
،عدد ،75سلسلة REMALDاملجلس األعىل للنقض ،جملة
مواضيع الساعة،
العدد األول – نونبر 0202
116 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
والواقع أن القيادة الرتبوية يف النظام التعليمي املغريب إزالته أو استبداله ؛ ما هي إمكانية الوصول إليه لكل
قيادة هرمية متسلسلة ،وفق ثنائية :الرئيس واملرؤوس. طرف من األطراف)؛ اخلصم (بيانات عامة عنه،
ثمة دائ ًام رئيس مبارش ،أو رؤساء مبارشين للقادة خصائصه النفسية ؛ عالقة اخلصم بالقيادة ؛ فرص تقوية
املدبرين أنفسهم وصوالً إىل رئيس اإلدارة الذي هو رتبته؛ أهدافه ومصاحله ومنصبه ؛ األسس القانونية
الوزير .يتعلق األمر بنظام صلب من شأنه أن ينزلق إىل واألخالقية ملتطلباته؛ أفعال سابقة يف النزاع ،أخطاء
القسوة يف أية حلظة ،لكنه ،يف الوقت نفسه يسمح بالكثري ارتكبت ؛ حيث تتطابق املصالح ،وما إىل ذلك)؛ املوقف
من مظاهر االبتكار والتجديد. اخلاص (األهداف ،القيم ،املصالح ،اإلجراءات يف
وإذا كانت القيادة ،كيفام كان نوعها ال تستطيع أن الرصاع ،األخطاء املرتكبة ؛ إلخ)؛املوقف اخلاص
تتجنب القيام بأعامل التغيري ،بشكل مستمر ونسقي أو يف (األهداف والقيم واملصالح واألفعال يف النزاع ؛ األسس
ظروف خاصة ،فإن مهمتها مع ذلك ليست دائ ًام ميرس ًة القانونية واألخالقية ملتطلباهتم اخلاصة وحججهم
رغم اإلمكانات التي قد توضع رهن إشارهتا .ألن أنشطة وأدلتهم ؛ األخطاء املرتكبة وإمكانية االعرتاف هبا أمام
التغيري تتعرض للمقاومة عادةً ،ويبقى فقط أن نعرف اخلصم إلخ).
طبيعة هذه املقاومة وأشكاهلا ،وهي غالب ًا ما تكون
بحسب عمق التغيري ودرجته .إنه مما ال شك فيه بالفعل
ترتبط القيادة بالتغيري ،ذلك أن التغيري ال يتم دون قيادة
أن مقاومة التغيري رد فعل سلوكي إزاء خطر حمدقُ ،ينظر
يميز فيها بعض الباحثني ،بالنسبة للمؤسسة التعليمية بني
إليه عادة باعتباره هتديد ًا رصحي ًا ملصالح مبارشة خاصة.
ستة مصادر ،هي :وضعية النفوذ ،الوضعية االنتقائية،
فمع مرور الوقت يكون بعض األفراد قد نسجوا –عىل
اخلربة املهنية ،الشخصية الكاريزمية ،حسن التنظيم،
هامش املامرسة املهنية-شبكة من العالقات املتداخلة
واملوقع داخل النظام االجتامعي.1
اخلاصة التي يصعب تفكيكها بمجرد استالم القائد
ختتلف القيادة الرتبوية عن القيادة يف أي جمال آخر إال يف
اجلديد ملهامه اجلديدة ،أو عندما يتعلق األمر بإدخال
كوهنا تشتغل ضمن سياق اإلدارة الرتبوية بشكل عام.
1
مونيكا غاتر تورلر ،ترمجة د .عز الدين اخلطايب ،القيادة وأساليب
ممارسة السلطة ،جملة رؤى تربوية ،عدد ،33رام اهلل ،2142 ،ص:
.14
العدد األول – نونبر 0202
117 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وبني أعامل التعطيل العدائية التي تعوق القائد الرتبوي مفاهيم أو حماولة تطبيق برامج عمل ومشاريع أو
وفريقه وحتول دونه ومبارشة أعامل التغيري الرضورية إجراءات تنظيمية خاصة .غري أن هذه العالقات التي
وبالتايل فض النزاعات اإلدارية .بعض املسؤولني عن نسجت عىل اهلامش حتتاج إىل مثل هذه املنعطفات كي
التدبري ممن يفرتض أن يدبروا اجلودة ويقودوا مشاريعها ال مركزي ًا يف أحداث املجتمع املدريس ،حتت
تصبح فاع ً
يف املؤسسات التعليمية التي يشتغلون فيها جيدون مسوغات وذرائع شتى .ولكن ،من جهة أخرى ،إذا
أنفسهم مكبلني بالفعل يف املشاكل واملشاغل التي حتدثها كانت مقاومة التغيري تتم من خالل جبهة موحدة ،فمن
جمموعات الضغط املحلية .هكذا يتحول جمهود التدبري باب أوىل أن يتم إحداث التغيري املنشود من خالل جبهة
إىل حماولة تفكيك هذه املجموعات وتنصب أعامل القيادة موحدة أيض ًا ،وغالب ًا ما يتم نعت مثل هذه اجلبهة
عىل جتنب آثارها الوخيمة. أمر ممكن ،وإن كان
بالفريق .ومعنى هذا أن فريق القيادة ٌ
املؤسسة الرتبوية ليست فقط مصدر ثروة فكرية، سيحتاج دائ ًام إىل شخص القائد الذي عليه بالفعل أن
وإضفاء الطابع أيضا عامل قوي يف تنظيم
ولكنه ً جييب عن أسئلة من قبيل :كيفية إعامل أخالقيات املهنة
اإلنساين عىل املامرسة االجتامعية والعالقات بني يف التدبري املؤسسايت وكيف يتم االشتغال؟ كيف يمكننا
األشخاص .ومع ذلك ،فإن الواقع الرتبوي يثري العديد أن ننظم أنفسنا بشكل خمتلف؟ كيف يمكن اختاذ قرار
من التناقضات وحاالت الرصاع والنزاع ،واخلروج منها بشكل مجاعي إلجياد حل للمشكل املتنازع حوله1؟ ففي
خاصا للقائد الرتبوي.
يتطلب تدري ًبا ً بيئة اشتغال فريق القيادة تتاح الفرصة بالفعل للتعاون،
نظرا ألن الرصاع غال ًبا ما يقوم عىل تناقض،
لقد ثبت أنه ً وهو التعاون الذي يمكن املدبر الرتبوي وفريقه من حل
وخاضع لقوانني معينة ،جيب أال خياف املدبر الرتبوي من النزاعات املتعلقة بالشغل ،وهي نزاعات طبيعية أحيان ًا،
النزاعات ،ولكن ،بفهم طبيعة حدوثها ،يستخدم آليات ويمكن تفهمها .2ولعل أهم مظهر من مظاهر تفهمها هو
حمددة للتأثري حللها بنجاح يف املواقف الرتبوية املختلفة. أن نعمد إىل استحضار أخالقيات وضوابط العمل فضال
ال يمكن فهم أسباب النزاعات واالستخدام الناجع عن وضع مسافة واضحة بني النزاعات املهنية التي قد
آلليات إدارهتا ،إال إذا كان لدينا قائد تربوي يف املستقبل تكون هي نفسها مؤرش ًا عىل اجلدية والتعبئة واالنخراط
1
2 Comment sortir des petits conflis dans le Guide du leadership-Progresser vers la
travail, Dominique Chalvin , Francois Eyssette, fonction de dirigeant, Bernard RADON, Dunod,
Dunod 1986,P :1. Paris, 2007, P : 79.
العدد األول – نونبر 0202
118 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
طرق حلها ومنعها .هدفه هو الرصاع بجميع أشكاله ،وموضوعه هو علم اجتامع الرصاع الرتبوي هو نظام متنوع متطور إىل حد ما 1
ذلك الكوين الذي يميز نشوء أي رصاع وتطوره واكتامله. يستكشف أسباب وجوهر وأشكال وديناميكيات النزاعات ،وكذلك
العدد األول – نونبر 0202
119 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
متلك وإشاعة ثقافة التغيري وقيادته ،وتدبري النزاعات • العمل عىل التوصيف الدقيق للمهام.
باستعامل أساليب وتقنيات مالئمة...إلخ؛ ويف السياق • العمل عىل حتقيق املشرتك ،والعمل تدرجييا عىل
نفسه يشري أمحد أوزي إىل أنه '' من مجلة هذه السامت إنجاز القضايا املتنازع حوهلا وفق مبادئ واضحة.
القدرة عىل ممارسة التأثري فيهم وقيادهتم ( ،أطر املؤسسة) • العمل عىل توفري جمال للتواصل والتعبري عن املشاعر
واالهتامم بتوجيه عملهم و تنظيم عالقات العمل بينهم، جتاه اآلخر ورضورة التمييز بني انتقاد الفكرة
والعناية براحتهم ومشاعرهم بشكل يساعدهم عىل وصاحب الفكرة (عدم شخصنة املشكالت).
القيام بأداء عميل ومهني جيد ''()1؛ يف هذا الباب أشار من بني أبرز املهارات والكفايات الواجب متلكها
حممد بازي إىل أن اإلطار اإلداري حيتاج '' إىل أدوات من طرف مدير ناجح (قائد) لتدبري املؤسسة الرتبوية
ومنهجيات حلل اخلالفات وتدبري النزاعات املحتملة ، وفض املنازعات اإلدارية عىل نحو سليم -لإلشارة فهي
وتشخيص عنارص مقاومة التغيري ،والدفع بقائد التغيري مشار إليها يف العديد من األطر املرجعية -نجد :إظهار
إىل متلك اسرتاتيجيات التنفيذ ،وحتليل ممارسات تدبري االحرتام لآلخرين ،والنزاهة ،واملروءة ،واملصداقية،
التغيري)2(''...؛ وأردف قائال بأن القيادة الناجحة هلا واالستقامة ،والعلم واملعرفة ،واستعامل أساليب
مواصفات إنسانية قيادية جتعل املدير حمل تقدير و احرتام التحفيز ،وتنمية متاسك الفرق وتدعيمها ،وتعبئة
من قبل العاملني معه ،وتشمل أخالق اخلطاب و أخالق العاملني باملؤسسة كافة وتوجيههم لتطوير وحتسني أداء
العمل(.)3 املؤسسة والتمكن من تقنيات التواصل والتفاوض،
-2حممد بازي ،صناعة القادة يف املجال الرتبوي ،دار القلم العريب -1أمحد أوزي ،الرشاكة الرتبوية قاطرة التنمية والتطوير البيداغوجي
للنرش والتوزيع القنيطرة ،الطبعة األوىل أبريل 3079الصفحة .21 مطبعة النجاح اجلديدة الدار البيضاء ،الطبعة األوىل،3001، ،
صفحة .727
العدد األول – نونبر 0202
120 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
رشياط طبعة 4002مطبعة النجاح اجلديدة حلساب -4الظهري الرشيف رقم 1.85.005الصادر يف 1شعبان
نرش الفنك صفحة 80 42(1711فرباير )1585بشأن النظام األسايس العام
-3عبد الكريم غريب -مستجدات الرتبية و التكوين للوظيفة العمومية كام تم تغيريه وتتميمه بواسطة
منشورات عا الرتبية الصفحة 178/172 القانون رقم 10.51ج ر عدد 2815سبتمرب 1551
التدريسية وتقنيات التدريس مفاهيم وتطبيقات ،هيئة -1عبد الرحيم هارويش -بيداغوجيا الكفايات مرشد
التعليم التقني ،دار اليازودي العلمية للنرش والتوزيع، املدرسني و املكونني ترمجة احلسن اللحية و عبد اإلله
األردن ،الطبعة االوىل.4011،
العدد األول – نونبر 0202
121 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
18- Individual in Society a textbook of -43خالد صقيل ،أمهية تفعيل الرقابة الذاتية لتحسني
– social Psychology By David Krech
Richard.s Cruchfield and Egerton L. جودة التعليم العايل ،منشور بمجلة صدى التضامن،
Ballachey . University of California ,
Berkeley Page 47. مطبعة دار النرش املغربية ،يناير .4015
15 Benoit Grassier, Florent Noel,
ressources humaines,p 89 . -41عيل الكاسمي و عبد الواحد الشيكر ،مبدأ
40 Claude Kannas, dictionnaire
encyclopédique ; larousse, édition مرشوعية املخالفات التأديبية من خالل القضاء
1993 .
41 Guide du leadership-Progresser vers االداري رؤية استرشافية ،أشغال الندوة الوطنية
la fonction de dirigeant, Bernard RADON,
Dunod, Paris, 2007, P : 79. "املنازعات االدارية يف ضوء القضاء االداري
44 Comment sortir des petits conflits
dans le travail, Dominique Chalvin , Francois
ومستجدات نظام الرتبية والتكوين" ،مؤلف مجاعي،
Eyssette, Dunod 1986,P :1. مجع وتنسيق ذ عيل الكاسمي ،منشورات صدى
التضامن ،الدار البيضاء.4041 ،
-41نور الدين اسكوكو ،الدليل العميل ملهام االدارة
الرتبوية ،سلسلة اخلدمات الرتبوية واالدارية،
مشورات صدى التضامن ،طبعة .4012
-43حسن صحيب ،القانون االداري املغريب ،املطبعة
والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة االوىل،4015 ،
-47مونيكا غاتر تورلر ،ترمجة د .عز الدين اخلطايب ،
القيادة وأساليب ممارسة السلطة ، ،جملة رؤى تربوية،
عدد ،72رام اهلل.4014 ،
125
122
123 العدد األول – نونبر 0202 والتكوين التربيةالتربية
والتكوين المتخصصة في
المجلةالمتخصصة في
المجلة
األدب بعامة ،ثم مقاربته من نقارب يف هذه الدرا سة طرح إ شكالية سؤال املاهية و سؤال اجلدوى يف تدري
حقيقية لدى األ ستاذ خالل سؤال املاهية و سؤال اجلدوى يف منهاج اللغة العربية .ونحن يف ذلك ننطلق من هواج
الذات من الداخل ،فتجعل األستاذ يتساءل عن ترتمجها متثالت وأسئلة عميقة مت والتلميذ عىل حد سواء .هواج
وظيفته ،وجتعل التلميذ يتساءل عن اجلدوى من تعلامته داخل املدرسة.
فامذا حياول أســتاذ اللغة العربية وآداهبا مثال ،أن يدرس يف الســلك الثانوي؟ هل ســيدرس ماهية األدب
والنظريات األدبية؟ هل سيدرس تاريخ األدب؟ هل سيدرس حتليل الن صوص؟ ووفق أي مقاربة منهجية؟ ومن أي
منظور أو موقف أيديولوجي؟ وباجلملة هل ســ ُيعلم التلميذ مفهو َم األدب وأشــكا َله وكيفي َة تلقيه أو كيف ُينتج أدبا
َ
وحديث التخرج ويصري أديبا؟ ...هذه أسئلة وغريها ،قد تدور بخلد هذا األستاذ ،وبخاصة إذا كان يف بداية الطريق،
من اجلامعة والدرس األكاديمي .ونحن يف هذه الدراسة نحاول اإلجابة عن هذه األسئلة.
1أستاذ التعليم العايل ،املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ،مراكش آسفي.
124 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الذي يتلقاه ( )...اإلنتاج الوحيد الذي يوصل إليه هو ما أنه ميدان اجلامل ،وهذا األمر عديم الفائدة إن مل يكن نوعا
ُيدعى "اإلنشاء األديب" ،وهو شكل ،يف أحسن 1 من "الثرثرة" عىل حد تعبري فياال وشميت.
األحوال ،ال يفيض إىل األدب».4 األدب والوظيفة اجلاملية هبذا وإذا كان قد تم تبخي
هذا القول جيعلنا نميز بخصوص جدوى األدب الشكل «فام هو احلقل املرشوع الذي يمكن أن يتبقى
بني :جدوى قريبة املدى ،وأخرى بعيدة. للتعبري املسمى "أديب" .؟ إن السؤال مل يبق قط هو "ما
فأما اجلدوى القريبة املدى: األدب" ؟ بل" :ما جدوى األدب" ؟». 2
فتلك التي عرب عنها جوليان سريج والسؤال عن اجلدوى هو اآلخر جي أن نراعي
دوبروفسكي ،وتتلخص يف املنتج الذي يمكن أن نحصل فيه اخلصوصية؛ إذ ال يمكن أن نقيم تقابال ميكانيكيا بني
عليه غداة االنتهاء من العملية التعليمية التعلمية .وقد أي األدب واجلدوى من تدري اجلدوى من تدري
حرصها هذا الباحث يف قدرة متعلم األدب عىل جمرد مادة علمية أو تقنية أخرى؛ ألن ذلك سيضع مدرس
كتابة أثر أديب إبداعي شعريا كان كتابة إنشاء أديب ،ولي األدب ومجيع املشتغلني هبذا احلقل املعريف يف ورطة ،كام
إنكارها ،أو اجلدال أم نثريا .وهذه حقيقة يصع ُ
طرح األمر عند جوليان سريج دوبروفسكيJulien ( 3
بخصوصها ،سنتوسع فيها أكثر عند احلديث عن سؤال ،) Serge Doubrovskyحني قال« :واحلقيقة التي
اجلدوى يف منهاج اللغة العربية كام سيأيت الحقا. درس .فبينام
تضايق مدرس األدب هي أن األدب ال ُي َّ
وأما اجلدوى البعيدة املدى: خيرج التالميذ من حصة للحساب أو للرسم ،قادرين،
واضح
ُ ففيها نقاش كبري؛ إذ هل فعال هناك تباين مبدئيا ،عىل أن ي ُعدوا و َير ُسموا فإهنم ال خيرجون من
املنفعة بني دراسة األدب ودراسة العلوم األخرى؟ وهل حصة األدب وهم قادرون عىل الكتابة ،ولو من الناحية
هناك وقائع وإحصاءات تعضد هذا الطرح أو ذاك؟ النظرية (َّ )...
إن درسا حول الشعر ال يسمح بكتابة ولو
واحلال أنه لو كان األمر كذلك ملا وجدنا لآلداب سوقه بيت شعري واحد صحيح ،سواء للذي يلقيه أو لذاك
عارف ،بحث لنيل دبلوم مفتيشــ التعليم الثانوي ،حتت إرشاف ذ. 1 - voir A. viala, M.P.Shmit, Faire lire, Didier,
Paris, p:14.
عباس الصوري ،السنة الدراسية ،4774-4771ص.41 : - 2سريج دوبروفسكي ،وجهة نظر األستاذ ،ضمن تدري األدب
- 3أستاذ األدب وكا َت وناقد فرنيس من مواليد .4729 ( ندوة ســرييزي) ت قديم وتر مجة وتعليق حم مد بو كاج وع بد ال غاين
- 4سريج دوبروفسكي ،وجهة نظر األستاذ.43 :
126 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
التقني؛ ألنه باإلمكان أن ندرس تلميذ العلوم دارة وزبناءه ،وملا وجدنا كذلك للعلوم األخرى أسواقها
كهربائية ،ويف حينه ،يمكنه أن يستثمرها يف حياته اليومية وجدت لدى شيخ الديداكتيك يف
ُ وزبناءها .وقد
ولو بشكل بسيط .بينام يف درس األدب حيتاج التلميذ إىل املغرب ،األستاذ عباس الصوري رأيا طريفا قال فيه:
مدة أكرب من أجل حصول امللكة.
«والذي نود أن نشري إليه أن هناك فهام منحرفا ملا يمكن
أما قيمة "املعنى" يف كال الدرسني ،فهي خمتلفة،
أن ُيرجى من فوائد لدرس األدب ،فتثمني درس األدب
الختالف طبيعة كل من العلوم احلقة واألدب ،ذلك أن
ال يمكن أن يكون بفعل أثر عاجل حمسوس كام حيصل
اخلطاب العلمي ،ال يعلن اخلطاب األديب ،عىل عك
ذلك عندما يتعلم املرء معرفة فيزيائية أو صحية أو تقنية،
عن أي حقائق ثابتة ،ومعانيه تنبني «عىل رؤية للعامل يعاد
ومعنى هذه املعرفة ال يمكن معادلتُه باملعنى العلمي،
متثلها وصياغتها كلام تنوعت مصادر الفكر والثقافة التي
ولكنه ال يقل عنه أمهية ،وطريقة حتصيل املعنى األدبية
تسود خالل هذه الفرتة من التاريخ أو تلك» .وبذلك
ختتلف يف كوهنا تبعد عن املبارشة وحتتاج إىل استقصائها
«تكمن " حقيقة " النص األديب يف " املمكن " الذي يعلنه
يف ثنايا املعارف األخرى وإىل القدرة عىل االكتشاف للم
خطابه ويف األثر الذي ختلفه قراءته»2؛ وهلذا فقيمة املعنى
شتاهتا وضم عنارصها والرؤية إليها يف كليتها وشموليتها
يف األدب تبقى متميزة ،وال تقل أمهية عن مثيلتها يف
ومدلوالهتا».1
العلوم احلقة.
ُيمكنُنا هذا النص من التمييز بني ثالثة مستويات
أما طريقة التحصيل فمختلفة متاما؛ ألن طريقة
ما بني الدرس األديب من جهة والدرس العلمي والتقني
االنفتاح عىل علوم حتصيل املعنى يف األدب تتطل
من جهة ثانية ،وهي :اجلدوى ،وقيمة املعنى ،وطريقة
كثرية ،وتستدعي مهارات متعددة ،ما دامت تبحث يف
حتصيل هذا املعنى.
موضوع مرك تركي اإلنسان ِ
نفسه ،فتختلط فيه َ فاجلدوى يف الدرس األديب ذات طبيعة بطيئة ،ال
عوامل خمتلفة بيولوجية ،ونفسية ،واجتامعية ،وسياسية،
اجلدوى يف الدرس العلمي أو تتحقق برسعة ،عىل عك
- 2عبد الفتاح احلجمري ألي يشء يصلح األدب، - 1رشوط القراءة للنص األديب القديم ،عباس الصوري ،الدليل
http://www.saidbengrad.net/inv/hojmripage/aqu الرتبوي ،إرشاف حممد الدريج ،تدريسية النصوص ،اجلزء الثاين،
litteerature.html.
،4773مطبعة اجلديدة ،الدار البيضاء ،ص.51:
127 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
بمفاهيم نظرية متعددة تؤطرها نظرية األدب والنقد .يأيت وإيديولوجية ،وغريها .وهلذا كان جمال النسبية فيها
عىل رأس تلك املفاهيم مفهوم املاهية ،أي مفهوم األدب، أوسع ،وزوايا النظر مغايرة.
ويتبلور هذا املفهوم ضمن مفاهيم أخرى تتعلق وعىل هذا األساس ،فمبادئ املقارنة غري
باألجناس والتحقي والدراسة واملناهج النقدية. متكافئة ،وختتلف باختالف املوضوع نفسه؛ بل إذا كانت
يبدو صحيحا أن هناك جتديدا يف الطرح مجيع العلوم احلقة قد حسمت يف مواضعها ،فإن موضوع
والتصور ،مقارنة مع "املناهج" بل املقررات السابقة عن علم األدب حتى وقت قري جدا كان موضوعا ملتبسا
منهاج ،1884واملنهاج املعدل يف 2114وما بعد؛ لكن غري حمسوم فيه.
َ
جوهر األسئلة النظرية ظل حارضا .وهذا ما سنراه من 2
جمزوءات هي :احلكي /احلجاج /الشعر العمودي / -4-2بخصوص سؤال املاهية:
وتكوين األطر والب حث العلمي ،ك تا بة ا لدو لة املكل فة بالتعليم مادة اللغة العربية - 1التوجيهات الرتبوية والربامج اخلاصــة بتدري
املدر،ي ،مديرية املناهج ،حسان الرباط ،نونرب ،2119 ،ص.22 : ب سلك التعليم الثانوي التأهييل .وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل
128 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
تأطري مضامني النصوص وفق مجلة مفاهيم تربز ويف السنة األوىل من سلك البكالوريا ،تقول
املنعطفات األساسية داخل مسار التحول( ،إحياء التوجيهات ضمن الفقرة اخلاصة باملبادئ واملعايري
النموذج – سؤال الذات – تكسري البنية – جتديد الرؤيا). املعتمدة يف اختيار مضامني الربنامج:
اقرتاح نصوص نظرية تسمح بتعرف مكونات «لقد روعي يف اختيار مضامني السنة األوىل من
املنظومة الفكرية واإلبداعية التي تؤطر النصوص سلك البكالوريا ما ييل ... :متكني املتعلم من تعرف
األدبية ،والكشف عن النسق املعريف واجلاميل هلذه حركية األدب العريب عرب ظواهر وقضايا وأبعاد ثقافية،
2 النصوص ،ورصد اخلصائص املميزة هلا» وإبداعية ،مع احلرص عىل الرتابط الضمني بني تاريخ
األدب ،وأنواع الكتابة األدبية وخصائصها الفنية» .1فتم
-2-2بخصوص سؤال اجلدوى
الرتكيز عىل أربع جمزوءات هي :الشعر العريب بني التعبري
بالرجوع إىل التوجيهات الرتبوية الوطنية يف
عن الذات والتعبري عن اجلامعة /الشعر العريب القديم
اللغة العربية يف الثانوي التأهييل ،نجد التنصيص تدري
ومظاهر التحول /بنية النص النثري القديم ووظيفته /
عىل رضورة اجلمع بني أنشطة مكونني مها حصص
قضايا أدبية ونقدية.
"النصوص" وحصص "التعبري واإلنشاء" من أجل
ونجد ضمن املبادئ واملعايري املعتمدة يف اختيار
حتقيق املهارات املرتبطة بالكفايات املنصوص عليها،
مضامني برنامج السنة الثانية بكالوريا:
وبخاصة ما تعلق بالكفاية التواصلية؛ إذ تقول هذه
التوجيهات: «اعتبار مضامني هذا الربنامج قاعدة أساسية
«ينبغي استغالل حصص النصوص ،وحصص الستكامل رؤية املتعلم حلركية األدب العريب ورصد
التعبري واإلنشاء يف ممارسة أنشطة ،تستهدف تقوية التحوالت املعرفية واجلاملية التي طرأت عىل هذا األدب
املهارات التواصلية الشفهية والكتابية لدى املتعلم، يف العرص احلديث ...
باإلضافة إىل تقوية املهارات األخرى املرتبطة بمختلف تعرف اخللفيات املعرفية والرشوط التارخيية
الكفايات؛ عن طريق تعزيز أنشطة العرض الشفهي، واالجتامعية التي سامهت يف بلورة التحوالت املختلفة
وأنشطة املناقشة واحلوار ودعم أنشطة التعلم الثنائي التي عرفها اإلبداع العريب احلديث ،شعرا ونثرا.
الكتابة الشعرية والنثرية والرسدية والنقدية؛ بحيث واجلامعي» .1ولذلك نجد أن درس التعبري يف مسلكي
يسمح الربنامج بالتمرس عىل املهارات اآلتية: اآلداب والعلوم اإلنسانية مثال ،يتكامل مع درس
النصوص عن طريق إمداد املتعلم بمجموعة من تقنيات
املهارات
كتابة إنشاء أديب حول نص نثري إبداعي التعليق واحلكم حتويل نص شعري
كتابة إنشاء أديب حول قضية نقدية العرض الشفهي توسيع مقطع شعري
أن هناك فعال ،مشكلة حقيقية ،إذ بالشعر ،فإننا نح واعتامدا عىل الربنامج املركز يف هذا اجلدول،
يتحول النشاط التعلمي داخل الفصل أو خارجه ،من يتبني أن يف سلك الثانوي التأهييل مسلكي اآلداب
اإلبداع إىل الكتابة حول اإلبداع؛ أي إىل اإلنشاء األديب. والعلوم اإلنسانية ،هناك سريورة يف تعلم األدب تبدأ
وهنا أعطي مثاال بام ورد يف كتاب مدر،ي خاص بإنتاج نصوص من خطابات أدبية متنوعة ،لتنتهي يف هناية
باجلذوع املشرتكة للتعليم الثانوي التأهييل ،جذع التعليم السلك ،وهنا أقصد السنة الثانية بكالوريا ،بمخرجات
األصيل وجذع اآلداب والعلوم اإلنسانية ،بخصوص ُختتزل يف "كتابة إنشاء أديب" حول قضايا تتعلق باألدب
مهارة توسيع مقطع شعري .جاء يف التمهيد تدري ونقده.
الذي خياط التلميذ ما نصه: والواقع أن ضمن هذه السريورة ،وعندما يتعلق
«تتجىل أمهية توسيع مقطع شعري يف متكينك من األمر بكتابة اإلبداع ،نقع يف املحظور ،ويقع مؤلفو
رشح وحتليل ما تتضمنه املقاطع الشعرية من قضايا الكت املدرسية يف ورطة حقيقية .إذ هل سيتمكن املتعلم
ومواقف خمتلفة ،وإقدارك عىل عرضها وبسطها فعال ،من إنتاج نص إبداعي؟ قد يبدو األمر سهال
بأسلوبك اخلاص بخصوص النص احلكائي ،إذ متارس أنشطة ُمتَر ُن التلميذ
عىل تنمية متخيله الرسدي ،لكن عندما يتعلق األمر
األدب وتدريسه ،مل يعد خمتزال يف تلقي املعرفة هذا الكتاب املدر،ي هو إمداد التلميذ بتقنيات
األدبية ،وإنام أصبح الرتكيز فيه أيضا ،عىل الفعل توسيع مقطع التوسيع يف الكتابة بشكل عام ،ولي
والقدرة عىل الترصف وحتويل اخلربة .ومن ثم مل يعد شعري ،أي مقطع إبداعي .واحلال أن الرتاث العريب
مفهوم األدب " متعاليا " وال " كليا " ،وإنام يكتس يمدنا بآليات وتقنيات تسمح بتحقيق هذه املهارة،
قيمته من اعتبار قراءته حوارا قادرا عىل تقديم وبتعليم الشعر ونظمه مع مراعاة مبدإ التدرج.
"تفسريات" ممكنة ألرسار احلياة .و«تفسري األرسار وأحيل هنا عىل جتربة الكتابة البديعية ،وعىل وجه
يعني :أن كتابة األدب تتم ،عىل نحو مفرتض مسبقا، والتسبيع إىل أن التحديد كتابة التشطري والتخمي
بقصدية توافق صالت األدب باملجتمع ،كام أن قراءته نصل إىل املعارضة .ففي هذه األشكال تتحقق تقنيات
ال تكون فقط من أجل املتعة؛ بل من أجل أن نتعلم التفسري والتحليل واالستدالل وتعزيز الرأي
.3يف رحاب اللغة العربية ،اجلذوع املشرتكة للتعليم الثانوي مادة اللغة .1التوجيهات الرتبوية والربامج اخلاصة بتدري
التأهييل جذع التعليم األصيل وجذع اآلداب والعلوم العربية بسلك التعليم الثانوي التأهييل .وزارة الرتبية
اإلنسانية ،كتاب التلميذ ،املؤلفون عبد الغاين عارف الوطنية والتعليم العايل وتكوين األطر والبحث العلمي،
وآخرون ،الدار العاملية للكتاب ،مكتبة السالم اجلديدة، كتابة الدولة املكلفة بالتعليم املدر،ي ،مديرية املناهج،
الدار البيضاء ،طبعة .2115 حسان الرباط ،نونرب.2119 ،
.4وجهة نظر األستاذ ،سريج دوبروفسكي ،ضمن تدري .2رشوط القراءة للنص األديب القديم ،عباس الصوري،
األدب (ندوة سرييزي) تقديم وترمجة وتعليق حممد الدليل الرتبوي ،إرشاف حممد الدريج ،تدريسية
بوكاج وعبد الغاين عارف ،بحث لنيل دبلوم مفتيش النصوص ،اجلزء الثاين ،4773 ،مطبعة اجلديدة ،الدار
التعليم الثانوي ،حتت إرشاف ذ .عباس الصوري ،السنة البيضاء.
الدراسية .4774-4771
5. Faire lire, A. viala, M.P.Shmit, Didier,
Paris.
6. http://www.saidbengrad.net/inv/hojmri
page/aqulitteerature.html.
132 العدد األول – نونبر 0202 والتكوين والتكوين
في التربية المتخصصة
التربية المجلة
المتخصصة في المجلة
1
إن هدف هذا املقال هو إكساب املتعلمني اسرتاتيجيات القراءة انطالقا من العتبات والنصوص املوازية،
وذلك قصد صوغ فرضيات أولية واستباق معنى النص ودالالته.
2
- Otten. H « Sémiologie de la lecture » in IEL P. 1
- Un des lecteurs de « si pan nuit d’hiver en
341. voyage », Point, Seuil, 1981, pour la traduction
française, p. 274.
134 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
تقديمه وجعله حارضا؛ ومن أجل ضامن حضوره يف تؤدي إىل تسهيل عملية أخذ املؤرشات النصية وتعود
العامل ،وتلقيه ،واستهالكه عىل شكل كتاب يف الوقت الكتاب مع التعامل عىل التالميذ
الراهن عىل األقل .تشكل هذه املصاحبة ذات املظهر –اليشء ،Livre Objet -والتآلف معه ،كام حترك
آخر موضع يف سميته ما املتغري واملدى املعارف والتجارب التي يمتلكها التلميذ بصدد
[ ]Palimpsestes 1982النص املوازي للعمل. األجناس األدبية وأساليبها .فضال عن ذلك ،فإن أمهية
فالنص املوازي بالنسبة لنا ،إذن ،هو ما جيعل من النص النصوص املوازية تتمثل ،أساسا ،يف كوهنا متكن املدرس
كتابا وجيعله يقرتح نفسه كذلك إىل قرائه وإىل مجهوره من اكتشاف التمثالت التي يربطها التالميذ بالقراءة
بصفة عامة .
1
عموما ،والعمل األديب املقرتح للدراسة .ومما ال شك
ومن الواضح ،إذن أن النص املوازي ،هو كل ما فيه ،فإن هذه املعلومات هلا أمهية كربى يف تدقيق أهداف
حييط بالنص من عناوين ومقدمات ،وحوايش، القراءة والدراسة تبعا للتالميذ الواقعيني.
وفهارس ،وإهداءات ،وصور ،وتنبيهات ،وتوطئات -2
إلخ .أي أن النص املوازي هو كل ما يشكل "خارج -4-2ماذا نعني بالنصوص املوازية؟
الكتاب "hors livreحس جاك دريدا J. Derrida جيدر بنا يف هذا املقام أن نبدأ بتعريف جريار جنيت
.إال أن جاك دريدا يرى بأن هذه العنارص املكونة خلارج 2
بوصفه أول من متكن من صياغة تعريف واضح وحاسم
النص كالتصديرات ،واملقدمات ،واملداخل ،تكت هلذا املفهوم املعقد الذي هو "النص املوازي"؛ بقوله:
ويكون انمحاؤها ونسياهنا غري كيل ،إذ ترتك أثرا trace "يتكون العمل األديب كليا أو أساسا من النص؛
دورا خاصا :فهي تتقدم النص وتقدمه هبدف يلع أي من سلسلة طويلة تقريبا من املنطوقات اللفظية
جعله واضحا visibleقبل أن يكون مقروءا .lisible الدالة ،لكن النص يقدم نفسه نادرا يف حالة عارية ودون
دعم ومصاحبة عدد معني من اإلنتاجات اللفظية وغري
اللفظية [ ]...والتي مازلنا مل نعرف بعد أتنتمي إليه أم ال.
ولكنها يف مجيع احلاالت حتيط به ومتدده وحتديدا من أجل
2 1
- Derrida. J. 1972, la Déssémination, Paris, le - Genette. G. 1987, Seuils, Paris, Le Seuil (Coll.
seuil (coll. Tel quel). « poétique ») p. 7.
135 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
القارئ ،وتعينها ،وتسميها ،وتعلق عليها ،وتربطها أما جاك ديبوا J. DUBOIS 1فيطلق عىل هذه
بالعامل :أي الصفحة األوىل من الغالف أو ظهر صفحة "امليتناص مصطلح بالنص املحيطة العنارص
العنوان التي ترسد األعامل األخرى للمؤلف نفسه. "Métatexeيف حني أن كامبانيون A compagnon
وباختصار ،كل ما حيدد الكتاب بوصفه منتوجا لالقتناء الذي يشتغل عىل االستشهاد la citation 2
واالستهالك واملحافظة عليه يف املكتبة ،وكل ما يتموضع أو ما سامه باليد الثانية la Seconde mainيعترب
بوصفه طبقة فرعية لإلنتاج املطبوع بام يف ذلك الكتاب مكونات النص املوازي التي من ضمنها التصدير la
والرواية عىل وجه اخلصوص". " périgraphieجماال وسيطا بني خارج النص
ونختم هذه اجلولة يف آفاق املصطلح بقراءة والنص" 3حيمي النص ويدافع عنه ،ويمنع من التجاوز
لوجون Philipe le التعريف الذي قدمه فيلي والتدفق .وعىل هذا األساس فإن "التصدير يؤس
6jeuneللنص املوازي ،يقول: إطارا وسياجا ،إنه ينظم امللك األديب [ "]...فبني هذه
"إنه هذا احلد الغامض للنص املطبوع ،والذي األعمدة التي هي التصدير والفهرست ،فإن النص جرس
هو يف الواقع يتحكم يف القراءة كلها ،من اسم الكات معلق فوق فراغ مفزع".4
والعنوان ،والعنوان الفرعي ،واسم السلسلة واسم وباإلضافة إىل ذلك كله يقول هنري ميرتان 5عن
النارش حتى اللعبة الغامضة للمقدمات". عناوين الروايات:
وهكذا نالحظ أن هناك تعددا يف املصطلحات "توجد حول نص الرواية أمكنة متميزة
لوصف هذا الواقع املعقد واملتحول ،إال أننا مدينون ومنارات ،تثري القارئ برسعة وتساعده عىل معرفة
جلريار جنيت بكونه أول من صاغ جدوال عاما موضعه ،وتوجه نشاطه يف فك الرموز بالرغم منه .إهنا يف
للنص املوازي يضم املجموعات الكربى التي تنضوي املقام األول ،مجيع أجزاء النص التي تقدم الرواية إىل
4
- Compagnon A, « La seconde main ou le 1
- Dubois. J. 4793, l’assommoirs d’E. Zola :
travail de citation », Paris, le seuil (Coll. Société, discours, idéologie, Paris, Larousse.
2
«Poétique »), p.339 - Compagnon A, «La seconde main ou le travail
5
- MITTERAND. H. 1979 « les titres des de citation», Paris, le seuil (Coll. «Poétique») p.
romans de Guy descars » in sociocritique, 328
3
Nathan, pp.97.98. - Compagnon A, « La seconde main ou le travail
6
- Le jeune. P, 1975, le pacte autobiographique, de citation », Paris, le seuil (Coll. « Poétique »),
Paris, le seuil (Coll. « poétique ») p. 45. p.328
136 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
أخرى من العالقات ( )...سميتها النصية املوازية ،حيث حتتها العنارص اجلزئية املكونة له وهي :النص املحيط
مل يكن هناك أفضل من هذه التسمية ( )...والتي يمكن peritexteوالنص الفوقي .l’epitexte
أن هنتم هبا يوما ما" 1والفهارس واإلهداءات ،والعناوين -2-2تطور املفهوم وتعريفه لدى جريار
الفرعية ،والصور ،والقراءات النقدية ،والتعليقات، جنيت:
والشهادات ،واملراسالت اخلاصة ،واالستجوابات لقد تطور مفهوم النص املوازي عند جريار
واملذكرات. 2 جنيت عرب كتبه الثالثة التالية:
ويمكن اعتبار كتاب "جريار جنيت" عتبات 4797 النص جامع إىل "املدخل
التي اختذت هلا "Seuils" 4799من أبرز الكت introduction à l’architexteواألطراس
موضوعا دراسة النصية املوازية ،وحتديد سامهتا 4797 palimpsestesوعتبات .)seuils 4799
ووظائفها ،وبخاصة إذا علمنا أن النصية املوازية حس ففي البداية تم حتديد النصية املوازية ( para
جريار جنيت "منجم من األسئلة بدون أجوبة". 3 )textualitéمن لدن جريار جنيت بواسطة عالقات
التحويل والتقليد الرصحية والضمنية التي تربمها
النصوص فيام بينها يقول" :لقد وضعت – أيضا أنواعا
2
- Ibid, p. 45. 1
- Genette. G., 1979, « introduction à l’architexte,
3
- Ibid, p. 10 Paris, le seuil (Col. « poétique ») p.87.
137 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وإليك هذا اجلدول الذي يبني موقع النص املوازي ضمن شعرية جنيت:
138 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املذكرات
-النارش
-احلوايش
-الفهارس
-اإلهداء
-حيثيات النرش
إال أنه ملزيد من التدقيق والتوضيح ،جيدر بنا أن نقدم تعريفا للتعايل النيص وخمتلف عالقاته:
-التعايل النيص :tanstextualitéكل ما جيعل النص يف عالقة رصحية أوضمنية مع باقي النصوص".1
-التناص :l’intertextualitéحضور نص يف نص آخر (االستشهاد ،الرسقة.)...
-النصية املوازية :la partextualitéمصاحبة نص لنص آخر (العنوان ،التقديم ،الرشح ،النقد).
-معامرية النص :l’architextualité :االنتامء األجنا،ي للنص (رواية ،شعر إلخ).
-النص الالحق :l’hypertextualité :عالقة االشتقاق بني نص وآخر ،إما عن طريق التقليد أو التحويل.
-3-2خصائص النص املوازي:
-
1
- Genette G. 1982 p.7
139 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اعتقاداته وتوجيهها وجهة معينة .وبناء عىل هذا كله ميز اخلصائص الفضائية :تسمح اخلصائص الفضائية للنص
جريار جنيت بني مكونني للنص املوازي: املوازي بتحديد موقعه انطالقا من السؤال :أين؟؛ ألن
-4النص املحيط le peritexte املوقع الفضائي لعنرص ما له وظيفة اختالفية
-2النص الفوقي l’epitexte .Fonction différenciativeوهلذا البد من
-3ومن تم ،فالنص املوازي هو مجاع هذين العنرصين: مراعاة هذا املعطى الفضائي أثناء التحليل؛ أي اإلشارة
النص املحيط +النص الفوقي. إىل املوقع الفضائي الذي حتتله النصوص املوازية وإبراز
-1-2أنواع النصوص املوازية: دالالت ذلك.
le paratexte املوازي: نص الكات -اخلصائص الزمانية :يتم السؤال عن هذه اخلصائص
auctorial بمتى؟ واالنتباه إىل هذه اخلصائص الزمانية يمكننا من
ونعني به كل األجناس اخلطابية التي يتحمل مسؤوليتها
اختبار حلظة ظهور واختفاء النص ووظيفته .ويبدو هذا
املستعار أو احلقيقي اسمه وهي الكات
واضحا حينام يتعلق األمر بنص النارش املوازي le
أو الفني ،وعنوان الكتاب ،والعنوان الفرعي ،والتحديد
paratexte éditorielالذي يتغري باستمرار حس
األجنا،ي ،والئحة املواد ،واملقدمات ،والتنبيهات،
الظروف التارخيية والتجارية؛ أي أن "هذه التقلبات
الشخصيات، والئحة واحلوايش واملدخل،
مرتبطة جدا بطابعة الوظيفي". 1
واإلرشادات املرسحية األولية إذا كان األمر يتعلق
-اخلصائص املاهوية :يتم السؤال عن هذه اخلصائص
بقراءة مرسحية.
بكيف؟ وتتم مقاربتها نصيا.
إن هذه النصوص املوازية ال تشكل النص يف حد
-اخلصائص التداولية والوظيفية :يتم السؤال عن هذه
ذاته ،وإنام تعد جزءا من االسرتاتيجية القرائية املربجمة
اخلصائص باألسئلة التالية:
من لدن الكات لكي يدخل القارئ إىل العمل.
ملاذا؟ ممن؟ إىل من؟ وهذه اخلصائص هي التي
وجتدر اإلشارة إىل أن نص الكات املوازي ينقسم
التطرق هلا باألساس؛ ذلك ألن النص املوازي جي
بدوره إىل نص مواز حميط ،peritexteونص مواز
يسعى إىل التأثري يف القارئ وتغيري متثالته وأنظمة
فوقي epitexteوهذا األخري فيه اخلاص وفيه العام.
1
- Genette. G. 1987. P.12
140 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وينقسم هذا النوع من النصوص املوازية إىل: Le paratexte نص النارش املوازي:
le peritexte نص النارش املحيط éditorial
يتح مل ال نارش مســؤول ية هذا النوع من النصــوص
éditorial
ونص النارش الفوقي l’epitexte éditorial املوازية ،ومن تم فهو ينفلت من ســلطة الكات ليندرج
نص النارش املحيط le peritexte éditorial ضمن سيا سة ال سل سلة أو دار الن رش التي هتدف إىل
إن الشكل النمطي لنص النارش املحيط هو إخــراج الــنــص وتــكــيــيــفــه مــع ذوق الــعرصـــ،
التحديد األجنا،ي للعمل: أو مجهور خاص ،أو هدف معني .و هذا النوع من
(رواية ،مرسحية ،إلخ) ويتحمل النارش يف هذا النصــوص املواز ية غري قار؛ إذ يتميز باالختالف
النوع من النصوص املوازية مسؤولية أكرب. والتجدد تبعا للظروف املحيطة بالنرش واملتحكمة فيه.
وقد حدد جريار جنيت "نص النارش املحيط" ومع ذلك ،توجد بعض دور النرش تسعى إىل
بقوله: التحرر من راهنية النص املوازي واإلرغامات املتحكمة
" أعني بنص النارش املحيط مجيع جماالت النص يف صياغته ،وهي بذلك تقدم العمل عاريا وجمردا بغية
املوازي التي توجد حتت املسؤولية املبارشة والرئيسية تركيز توقعات القراءة عىل النص وال يشء غري النص.
141 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
يتحمل مسؤوليتها ،ونادرا ما يعرب عن فكره ورأيه فيام للنارش ،أي الفعل الذي جيعل من كتاب ينرش ويعاد
جي أن يكون عليه خطاب النرش" .3ويقع هذا النوع من نرشه ويقرتح عىل اجلمهور حتت تقديامت خمتلفة.1"...
النصوص املوازية بني شبكتني مزدوجتني: ومن بني أنامط رسائل النصوص املوازية نذكر عىل
شبكة من النصوص املتكونة من البيانات سبيل املثال :الغالف ،والصور والرسومات ،ودعوة
اإلشهارية ،وامللخصات ،واملنشورات ،واملذكرات النرش للصحافة .وتشكل هذه األنامط الثالثة للنص
الدورية التي تصدرها دور النرش ،وشبكة من الفاعلني املوازي جماالت اسرتاتيجية عليا للتأثري يف القارئ؛
املتكونة من :الكات ،والنارش ،والناقد ،واجلمهور. وظيفة مهمة تتجىل يف تقديم الكتاب فالغالف يلع
وقد حدد جريار جنيت نص النارش الفوقي بقوله: واحلث عىل رشائه ،إذ يشاهده املشرتي بطريقة آلية .أما
"إن املعيار املميز لنص النارش الفوقي عن نص الصور والرسومات فتشتغل بوصفها إعالنا للكتاب،
النارش املحيط فضائي حمض .فنص النارش الفوقي هو ووظيفتها البدهية هي "إثارة االنتباه بواسطة الوسائل
كل عنرص ينتمي إىل النص املوازي وال يوجد ملحقا األكثر مشهدية" . 2بينام تتوجه دعوة النرش للنقد كام
بصفة مادية بالنص يف الكتاب نفسه ،ولكنه ينترش تتوجه للصحافة من أجل أن ختلق الرغبة يف قراءة
ويتداول يف الفضاء الرح ؛ أي يف فضاء مادي الكتاب وتقديره ،وتثبت يف جزء من الغالف اخللفي
واجتامعي غري حمدود افرتاضيا" .
4
للكتاب وتعاد كتابتها تبعا للظروف؛ ألهنا نص يرفع من
وعىل هذا األساس ،فإن نص النارش الفوقي يشتمل قيمة الكتاب ويستهدف ،أساسا ،اجلمهور.
عىل ثالثة أجناس خطابية هي: نص النارش الفوقيL’epitexte éditorial :
-4اإلشهار :الذي متكننا دراسة مكوناته إن الوظيفة األساسية " لنص النارش الفوقي"
وخصائصه من إبراز االسرتاتيجية التجارية لدار النرش إشهارية ،وتتغيا الزيادة يف املبيعات وتتحكم يف
ومعرفة العالقات الرابطة بني االسرتاتيجيات التلفظية الرضورات التجارية .ومن تم ،فإن النارش يتحمل
واالسرتاتيجيات التسويقية والتجارية ملصالح دور يعترب جمرد ملحق مسؤوليته كاملة؛ ذلك أن الكات
النرش. بسيط لدار النرش التي "حترر نصوصا يرفض الكات أن
3 1
Ibid, P.319 - Genette. G. 1987. P.2
4 2
Ibid, p.316 - Ibid. p. 30
142 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-3صحيفة دار النرش :متكننا دراستها من الوقوف -2البيانات :إهنا تسمح لنا بصياغة فرضيات
عىل الظروف املرحلية التي تتحكم يف صياغتها ،وإبراز حول النارش والكشف عن السياسة املتبعة من لدن دار
مدى مالءمة نص النارش الفوقي مع متطلبات اللحظة. النرش.
ويتميز النص املوازي النقدي من حيث الوضعية البيانات والقوائم الصور والرسومات
والوظيفة عن النصني املوازيني السابقني ،باعتباره اختياريا صحافة دار النرش دعوة النرش املوجهة إىل
الصحافة
وال يتدخل يف التهييء للدخول إىل القراءة؛ إال أن حضوره يف
دورا توجيهيا للقارئ أثناء مقاربته األوىل للعمل ،وتوليده للتوقعات القرائية يف صدر ا لكتاب جيعله يلع الغال
األوىل .وهو ما يوشوش أحيانا عىل أصالة القراءة وصورة العمل؛ وبخاصة بالنسبة للقراء الشباب .وفضال عن ذلك،
له فعالية نصية فإنه جيعلنا نعتقد بأن العمل ال يمكنه أن يقيم عالقة مبارشة مع قارئه وبدون وساطة نقدية؛ وأن لي
قائمة الذات جتعله يعتمد عىل نفسه ويكتفي بذاته .وهكذا ،فإن النص املوازي النقدي حيول النص من أدب حي إىل
جمرد وثيقة أدبية.
-3
وحتديد عنارصه؛ ألن ذلك سيساعدهم عىل امتالك
الكتاب كيشء ونسج عالقة األلفة معه .والواقع أنه "إذا -4-3متهري التالميذ عىل التمييز بني أنواع
كان حتديد عنوان الكتاب واسم املؤلف ال يطرح أي النصوص املوازية:
مشكلة ،فإن املالحظات واملقدمات واملداخل النص املوازي متهري يفرض علينا عدم جتان
التالميذ عىل التمييز الدقيق بني أنواعه التي تكونه،
143 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
بجاملية التالميذ وبتحرير تقرير عن توقعاهتم والتعليقات تطرح مشاكل أثناء التمييز بني ما ينتمي منها
وفرضياهتم األولية املنبثقة أساسا عن الصور للكتاب أو النارش أو الناقد.
والرسومات؛ وذلك قصد مقابلتها فيام بينها ونفي -2-3حتريك وتنشيط املعارف انطالقا من اسم
بعضها أو إثباته أثناء سريورة القراءة. الكات :
-4-4-3-3مالحظات حول استثامر التوقعات: يسمح طرح سؤال بسيط بصدد اسم الكات
إنه من الرضوري توظيف نصوص موازية أخرى ومؤلفاته عىل التلميذ بتحريك وتنشيط معارفه غري
إلثبات أو دحض بعض التوقعات واختيار الفرضيات املبارشة املرتبطة بالعمل املقرتح للقراءة ،كام يساعده عىل
الراجحة واملالئمة القتحام النص ،وجعلها يف خدمة استدعاء جتارب قرائية سابقة؛ بل وربط اسم الكات
اسرتاتيجية قرائية معينة :أي أن بعض التوقعات هي بكتاب وأعامل أدبية معروفة لدهيم من قبل ،وعقد صلة
التي توحي لنا بمقارنة الوضعية النهائية بوضعية بينه وبني عصور وأجناس وتيارات فنية.
مرشوع للقراءة والدراسة يقوم عىل االنطالق ،وتأسي ومما ال شك فيه أن إثارة اهتامم التالميذ باسم
التساؤل عن األحداث الوسيطة ،والشخصيات الرئيسة الكات ولفت انتباههم له يسهل عملية موقعة العمل أو
واالجتامعية األخالقية ورهاناهتا الفاعلة، النص داخل ثقافة التالميذ الشخصية .وهذا ما يمكنهم
واإليديولوجية...إلخ. من بلورة اسرتاتيجيتهم القرائية وتشكيل التوقعات
والواقع أن استثامر طبعات خمتلفة لرواية ما جيعل والفرضيات األولية .ومن ثمة يمكن ملوضوع القراءة أن
التالميذ يقفون بامللموس عىل الطابع غري القار واملتغري يصبح حمددا شيئا فشيئا.
لنص النارش املوازي؛ بل واستغالله يف توليد توقعات -3-3تشكيل توقعات القراءة:
متباينة وفرضيات خمتلفة ،وهو اليشء الذي حيفزهم عىل -4-3-3تشكيل توقعات القراءة انطالقا من
قراءة العمل من أجل اختيار الصور املالئمة واحلاملة الصورة املوجودة عىل الغالف:
ألكثر الفرضيات غنى وخصبا. تسمح الصور والرسومات املوجودة عىل الغالف
-2-3-3تشكيل توقعات القراءة انطالقا من بتشكيل توقعات القراءة وفرضيات املعنى األولية .ومن
العنوان: اختيار األعامل الصادرة عن دور للنرش هتتم ثمة جي
144 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
من العالقات التناصية التي تندرج ضمن التعاليات إن العنوان بوصفه عتبة من عتبات النص يمتلك
النصية يدخل يف عالقة حوارية مع نصوص غائبة .يقول بنية وداللة تنترش يف النص وبواسطة الزيادة
ليست أبدا ميشيل فوكو" :فحدود كتاب من الكت أو االستبدال أو النقصان أو التحويل .وينقسم العنوان
واضحة بام فيه الكفاية وغري مميزة بدقة .فخلف العنوان حس جريار جنيت إىل ثالثة أقسام:
واألسطر األوىل والكلامت األخرية .وخلف بنيته -4العنوان الرئي
الداخلية وشكله الذي يضفي عليه نوعا من االستقاللية -2العنوان الفرعي
والتميز ،ثمة منظومة من اإلحاالت إىل كت ونصوص -3التعيني اجلنيس
ومجل أخرى".3 جنيت -وظائف أربع وللعنوان أيضا – حس
وعالوة عىل ذلك كله ،فإن للعنوان بعدا تداوليا؛ إذ 1 أساس هي:
يفصح عن مقصديات الكتاب وخلفياته اإليديولوجية -4اإلغراء
ويكشف عن معنى النص وغموضه ،يقول ش .كريفل: -2اإلحياء
"إذا كان العنوان هو إعالن عن طبيعة النص فهو إعالن -3الوصف
عن القصد الذي انبنى فيه ،إما واصفا بشكل حمايد ،أو -1التعيني.
حاجبا ليشء خفي ،أو كاشفا غري آبه بام سيأيت .إن والواقع أن العنوان من الوجهة السينامئية هو البنية
العنوان يظهر معنى النص ومعنى األشياء املحيطة الرمحية التي تنبثق عنها معظم دالالت النص اجلاملية
بالنص ،فهو من جهة يلخص معنى املكتوب بني دفتني، والفكرية واإليديولوجية ،وهلذا يمكن اعتباره مفتاحا
ومن جهة ثانية يكون بارقة حتيل عىل اخلارج؛ أي خارج رضوريا القتحام النصوص وتفكيكها وبناء دالالهتا.
النص. ش .غريفل وفضال عن ذلك ،فإن العنوان حس
العنوان ،إذن ،مرجع يتضمن بداخله العالقة – GRIVELيعلن عن طبيعة النص .ومن تم يعلن
والرمز ،ويكشف املعنى بحيث حياول املؤلف أن يثبت عن نوع القراءة التي تناسبه .2كام أن العنوان بوصفه نوعا
واسرتاتيجية قراءهتا .وهلذا فدراسة هذه اجلمل األوىل فيه قصده بدقة؛ أي أنه النواة املتحركة التي خاط املؤلف
تبدو مهمة ورضورية بالنسبة للتالميذ؛ ألهنا ختلق لدهيم عليها نسيج النص ،وهذه النواة ال تكون مكتملة ،ولو
أفق انتظار معنى معني ،وتسمح هلم بقراءة واعية ومنتجة بتبديل عنوان فرعي ،فهي تأيت كتساؤل جيي عن النص
للمعنى .كام يمكن أن تقرتح عىل التالميذ أسئلة تتعلق 1 إجابة مؤقتة للمتلقي ،كإمكانية اإلضافة والتأويل"
باجلمل األوىل ملجموعة من الروايات ،أو بمطالع قصائد وبناء عىل ذلك كله ،يبدو أن عنوان النص أو العمل
عرص ما ،أو شاعر ما أو مدرسة أدبية ما ،وذلك قصد األديب نظرا لبنيته الداللية والتداولية يسمح بتشكيل
حتديد خصائصها الداللية والرتكيبية والتداولية. فرضيات للقراءة وتوضيحات بصدد مضمون النص أو
-1-3-3تشكيل توقعات القراءة انطالقا من العمل ،ومقصدياته .ومن تم ُيستحسن متهري التالميذ
الئحة شخصيات نص مرسحي: عىل مالحظة طبيعة عناوين مؤلف ما أو عرص ما من
إن قراءة الئحة شخصيات مرسحية ما ،تساعد الناحيتني الرتكيبية والداللية ،ومطالبتهم بشكل مجاعي،
القارئ عىل التكهن ببطل املرسحية وعالقته ببعض بصياغة سيناريوهات وفرضيات للعمل أو النص ،وهذا
الشخصيات وطبيعتها ،وكذا بحبكة املأساة أو امللهاة. ما جيعل قراءهتم فعالة ونشيطة.
وهلذا يمكن توجيه أسئلة إىل التالميذ انطالقا من الئحة -3-2-3تشكيل توقعات انطالقا من اجلمل
الشخصيات تطالبهم بالتكهن بالبطل والبطلة وصياغة األوىل للعمل الروائي:
فرضيات وتوقعات أولية بخصوص البنية العاملية تكتيس اجلمل األوىل للعمل الروائي أمهية قصوى
للمرسحية. نظرا ملوقعها يف بداية العمل الروائي من جهة ،والعناية
اجلذاذة املنهجية 2من أجل تيسري اقتحام العمل األديب الكربى التي حتظى هبا من لدن الروائي من جهة أخرى؛
وقراءته. ألهنا تشكل عتبة العمل ككل .إن اجلمل التي تبتدئ هبا
-Iاألهداف واخلطوات البيداغوجية: الرواية تكون هادية غنية بالدالالت واملعلومات
يتلخص عمل املدرس أساسا يف: واإلشارات الثمينة املرتبطة بمضموهنا وشكلها
- Gérand Langlade, « l’œuvre intégrale au -1شعي حليفي" :النص املوازي للرواية ،اسرتاتيجية العنوان"
2
النارش املوازي( :الصور والرسومات )...وأنشطة -إثارة اهتامم التالميذ من أجل قراءة العمل،
حول النص املوازي النقدي (تعليق ،حتليل ،حياة وجعل هذه القراءة ممكنة؛
الكات ،معجم)... -التهييء لدراسة العمل؛
أن تتخذ إن هذه األنشطة حول النص املوازي جي -تنشيط معارف التالميذ وجتارهبم القرائية
شكل فرض كتايب أو شفهي حمدد بأسئلة دقيقة ،كام أن السابقة؛
هذه األنشطة تفيد يف إبراز متثالت التالميذ للعمل -حث التالميذ عىل تشكيل توقعات القراءة
وكتابته وعرصه ،ومضمونه؛ بل إهنا تفيد كذلك يف وفرضيات املعنى األولية؛
بلورة توقعات القراءة وحتريك معارف التالميذ األدبية -بلورة اسرتاتيجية القتحام العمل تراعي متثالت
وجتارهبم القرائية السابقة. واملرشوع السابقة، ومعارفهم التالميذ
الدراسة املفصلة للجمل األوىل للعمل -3 البيداغوجي الذي تندرج فيه القراءة والدراسة
( :)Inciptإهنا تعترب امتدادا لألنشطة اخلاصة بالنص املزمع القيام هبا.
املوازي وإغناء هلا؛ ذلك ألهنا تزخر بمعلومات مهمة II
1
هتدف هذه الدراسة إىل التعرف عىل واقع اخلطابات احلجاجية يف املجال الرتبوي ،انطالقا من الكت
املدرسية املقررة يف التعليم الثانوي التأهييل؛ إذ يف ظل احلديث املتواتر عن بالغة احلجاج والبالغة اجلديدة بصفة
عامة ،غالبا ما يتم إغفال اخلطاب املدر،ي والرتكيز عىل اخلطاب األكاديمي.
اخلطابات احلجاجية يف التعليم املدر،ي وبناء عليه ،فإن عملنا سيتمحور حول معاجلة بعض صعوبات تدري
– التعليم الثانوي التأهييل نموذجا – من خالل نموذج املناظرة ،عن طريق اإلجابة عن األسئلة التالية:
-ما مقومات حتليل النصوص احلجاجية؟
-كيف يتم إقراء النصوص احلجاجية وفقا للتوجيهات الرسمية؟
-ما الصعوبات التي تواجه الدرس احلجاجي /املناظري بالتعليم الثانوي التأهييل؟
-ما احللول املقرتحة لتجاوز هذه الصعوبات؟
-أستاذ حمارض مؤهل ،املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بجهة بني مالل خنيفرة. 1
149 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
وتأسيسا عىل ما سبق ،فإن هذه املداخلة ،هتدف إىل
يتطرق هذا البحث إىل إشكالية تدري
اإلجابة عن األسئلة التالية:
النصوص احلجاجية يف املقررات الدراسية للتعليم
كيف يتم إقراء النصوص احلجاجية وفقا للتوجيهات
الثانوي التأهييل ،شعبة اآلداب والعلوم اإلنسانية .وتنبع
الرسمية؟ وما هي الطريقة املتبعة يف حتليل النص
هذه اإلشكالية من أن حقل الرتبية والتعليم – عىل الرغم
املناظري؟
من كونه خيضع لتوجيهات معدة سلفا –إال أنه يستوج
هل تسعف املنهجية املقرتحة يف الكتاب املدر،ي عىل
إعادة النظر يف مكوناته وجتديد طرائقه لكي تساير
حتليل النص املناظري املقرر حتليال مقنعا؟
املستجدات الطارئة يف حقول املعرفة األكاديمية
ما الصعوبات التي تواجه الدرس احلجاجي /املناظري
والرتبوية.
بالتعليم الثانوي التأهييل؟ وما األسباب الكامنة وراء
فمام ال مراء فيه أن التجديد املعريف/البيداغوجي عامل
هذه الصعوبات؟
أساس يف بناء املعرفة وتوليدها من قبل كل املتدخلني يف
ما احللول املقرتحة لتجاوز هذه الصعوبات؟
العملية التعليمية -التعلمية ،دون أن ننسى املكونات
4
– 1 .1التدريسية: األساسية هلذه العملية من برامج ومناهج وطرق تدري
( LA نعني بالتدريسية أو التعليمية أو الديداكتيك وظروف إنجاز ونوعية الوسائل املستعملة وغريها.
أو ما ينعت كذلك :)DIDACTIQUEطريقة التدري ويتبني من خالل تصفح الكت املدرسية ،أن النصوص
بـ :العملية التعليمية-التعلمية ،وجتمع هذه العملية بني احلجاجية تشغل مساحة هامة ضمن مقررات التعليم
طرفني أساسيني مها :املعلم واملتعلم .وبالتايل فإن الثانوي التأهييل ،وبالعودة إىل التوزيع السنوي ملفردات
مقرر السنة األوىل بكالوريا أدب ،نجد ختصيص املحور
الثاين من املجزوءة األوىل املربجمة يف الدورة الثانية
للحديث عن احلجاج من خالل حمور اخلطاب النثري
العريب القديم :بنيته ووظيفته.
150 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
القراءة املنهجية أداة/طريقة أساسية يف مقاربة النصوص مادة معينة .1وهكذا التدريسية هي :كل ما يتعلق بتدري
املقرتحة يف الكتاب املدر،ي. يرتبط الديداكتيك بالطرق واألسالي التي تتعلق بكيفية
وبناء عليه ،يعتمد درس النصوص يف التعليم الثانوي معاجلة املادة الدراسية ألجل تيسري تعلمها للتالميذ.
التأهييل عىل اخلطوات املنهجية املقررة يف إطار ما يسمى والديداكتيك هبذا املعنى جمال علمي تربوي يمد األساتذة
بـ "القراءة املنهجية" ،باعتبارها جمموعة من العمليات باألدوات التي متكنهم من تنظيم وضعيات التعليم
واخلطوات واملراحل واألنشطة التي تنتهج من أجل فهم والتعلم؛ أي تلك املواقف الرتبوية التي يتم خالهلا
النصوص وحتليلها حتليال يستثمر خمتلف معطياهتا توصيل املادة الدراسية إىل التالميذ.2
الداخلية واخلارجية .4ويشتغل هذا النموذج التحلييل من العمل الديداكتيكي عىل جمموعة من الوسائل ويتأس
خالل اخلطوات اآلتية: منها :الطرائق الديداكتيكية .3وبالعودة إىل الربامج
-التمهيد :وفيه تتم مناقشة معطيات الرصيد اللغة العربية بسلك والتوجيهات اخلاصة بتدري
املعريف هبدف تأطري النص. التعليم الثانوي التأهييل ،نجد التنصيص عىل اعتبار
اللغة العربية بالسنة األوىل من 4الربامج والتوجيهات اخلاصة بتدري -مجيل محداوي ،حمطات العمل الديداكتيكي ،السلسلة الرتبوية(،)1 1
سلك البكالوريا ،مديرية املناهج ،0005ص .8 :كام أن القراءة مكتبة سلمى الثقافية بتطوان ،الطبعة األوىل ،0016/1115 :ص:
املنهجية هي قراءة النصوص بطريقة واعية وفق مراحل متدرجة يقوم .11
فيها القارئ/املتعلم بأنشطة تعليمية بتوجيه من املدرس .وتعتمد عىل مجال الدين ناسك وحلسن الصديق وحممد أبحري ،معجم مصطلحات 2
القراءة البيداغوجية التي تكس املتعلم مهارات قرائية متعددة متكنه التكوين الرتبوي واإلداري ،منشورات املركز اجلهوي ملهن الرتبية
بشكل متدرج من االنفتاح عىل نصوص متنوعة يتطل ولوج عواملها والتكوين ،بني مالل ،ط ،4:دجنرب ،2149ص.92 :
قدرات ومهارات معينة هلا وضوحها املنهجي ،وتدعمها مؤرشات جمموع اإلجراءات واخلطوات والعمليات يقصد بطريقة التدري 3
نصية تساعد عىل اقتحام أجواء النصوص ،وترتبط يف جمملها والوسائل التي يستخدمها األستاذ بكيفية متناسقة لرتمجة املنهاج إىل
بالكفايات القرائية .انظر :حممد أوحلاج وحممد مكيس ،ديداكتيك أنشطة تعليمية تعلمية حتقق التعلم حتقيقا واقعيا يف سلوك التالميذ.
إقراء النصوص ،تنظري وتطبيق ،سلسلة قضايا الرتبية والتكوين ،نرش: بأهنا جمموعة القرارات التي يتخذها املعلم وتعرف أسالي التدري
إديسيون بلوس ،الدار البيضاء ،ط ،0015 ،1 :ص.9 : بشأن األنشطة واإلجراءات املتتالية واملرتابطة لتنفيذ مهام التدري
قصد حتقيق هدف أو جمموعة من األهداف التعليمية املحددة .معجم
مصطلحات التكوين الرتبوي واإلداري ،ص.79 :
151 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
أما احلجاج يف االصطالح ،فهو تقديم احلجج واألدلة -املالحظة :دراسة العتبات من أجل صوغ
املؤدية إىل نتيجة معينة ،وهو يتمثل يف إنجاز متواليات من الفرضيات.
األقوال ،بعضها هو بمثابة احلجج وبعضها اآلخر هو -الفهم :استيعاب مضمون النص أو مضامينه.
بمثابة النتائج التي تستنتج منها 3.كام أن موضوع نظرية -التحليل :تعد هذه املرحلة أهم مراحل القراءة
بريملان – هو دراسة التقنيات اخلطابية احلجاج – حس املنهجية ،وفيها يتم تفكيك النص ودراسته من خمتلف
التي متكن من حث العقول عىل قبول األطروحات التي جوانبه.
4. تعرض عليها للتصديق ،أو تعزيز قبوهلا هلا والتقويم :من خالل جتميع املعطيات -الرتكي
أما النص احلجاجي فهو نوع من النصوص ،يتميز موجز ،إضافة إىل تقويم النص – السابقة يف تركي
بتوظيف جمموعة من اإلجراءات إلقامة الدليل عىل صحة موضوع التحليل – بغرض إصدار حكم عليه.
قضية أو تفنيدها ودحضها ،اعتامدا عىل احلجج واألدلة وحاصل الكالم ،تُعنى القراءة املنهجية بتدري
املرتابطة فيام بينها ،داخل مسار حجاجي خيتاره املرسل النصوص الوظيفية وغري الوظيفية ودراسة ظواهرها
املعني املتلقي طبيعة يالئم وبشكل بدقة، التحتية بالبحث واالستقصاء والتأويل .إهنا أداة لتفهيم
.1 النصوص وحتويلها وحتليلها وتركيبها
– 2 .4النص احلجاجي:
احلجاج يف اللغة مأخوذ من (حجج) نقول :حاجه
فحجه ،أي غلبه باحلجة ،ويف املثل( :لج فحج) ،وهو
2 رجل حمجاج :أي جدل ،والتحاج :التخاصم.
3أبو بكر العزاوي ،اللغة واحلجاج ،األمحدية للنرش ،الدار البيضاء، حممد مكيس ،ديداكتيك القراءة املنهجية ،مقاربات وتقنيات، 1
،0005ص.01 : السلسة البيداغوجية ( ،)1دار الثقافة /الدار البيضاء ،الطبعة األوىل:
ليونيل بلنجر ،اآلليات احلجاجية للتواصل ،ترمجه :عبدالرفيق 4
،1885ص.6 :
احلديث بوركي ،ضمن كتاب احلجاج مفهومه وجماالته ،عامل الكت 2اجلوهري ،الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،راجعه واعتنى به:
األردن.85/6 ،0010، د حممد حممد تامر وآخرون ،دار احلديث ،القاهرة ،طبعة:
،0008/1110ص.005 :
152 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
جمموعة أشخاص لكي يتبنوا فكرة ،أو إقناعهم بعدم باخلطاب...ويؤدي النص احلجاجي وظيفة إقناعية؛ ألن
3 تبنيها. 1 غايته إقناع املتلقي.
– 3 .4النص املناظري:4 ويوضح اجلدول التايل أهم وظائف وخصائص النص
- 4 .3 .4تعريف املناظرة: احلجاجي :2
واحد وهو تأمل اليشء ومعاينته ،ثم يستعار ويتسع فيه استعامل أسلوب رصيح وواضح مثال( :النص اجلديل ،املناظرة
يف غال األحيان. )...
فيقال :نظرت إىل اليشء أنظر إليه ،إذا عاينته ...
وتبعا ملا ورد يف اجلدول ،يتبني أن النص
احلجاجي هو :كل نص هيدف إىل الدفاع عن فكرة أو
موقف أو غريمها ،والعمل عىل التأثري يف شخص أو
4لعل أول صعوبة تواجه الباحث وهو بصدد التعريف بمصطلح عيل آيت أوشان ،ديداكتيك التعبري والتواصل وتدبري التعلامت، 1
التطور الداليل هلذا تارخيية تتعق "مناظرة" هي غياب قوامي سلسلة دراسات بيداغوجية ( ،)1دار أيب رقراق للطباعة والنرش،
املصطلح .هذا إضافة إىل االختالف الواضح بني الباحثني يف طرائق الرباط ،ص 11 :و .10وهناك من عرف النص احلجاجي بأنه:
النظر إىل "املناظرة" تعريفا وتصنيفا ،فمنهم من ينظر إليها باعتبارها -نص برهاين يقوم عىل اإلتيان باحلجج واألدلة ،بواسطة عمليات
خطابا حجاجيا .ومنهم من ينظر إليها باعتبارها نوعا أدبيا تتخذ عقلية استداللية كاالستقراء واالستنباط.
األدب العامة ،وهي حينذاك مكاهنا بني أنواع أدبية أخرى يف كت -نص حواري نستعرض فيه آراء متباينة ومتعارضة ،وتشكل
الواقع شكل من أشكال التفكري .كام أهنا خطاب اجتامعي يعك احلوارية سمته املميزة .نفسه ،ص 11 :و.10
االجتامعي ـ الثقايف للعرص .وهناك من يتوسع يف املفهوم فيجعل كل 2حممد أوحلاج ،ديداكتيك التعبري واإلنشاء ،تقنيات ومناهج ،السلسلة
خطاب استداليل يقوم عىل "املقابلة" و"املفاعلة" املوجهة "مناظرة". البيداغوجية ( ،)15دار الثقافة ،الدار البيضاء ،ط،1:
انظر :حممد أبحري ،خطاب املناظرة يف األدب األندليس ،من القرن ،0001/1100ص.10 :
الرابع إىل هناية القرن الثامن اهلجري ،دار كنوز املعرفة ،األردن ،ط،1: 3حممد أوحلاج ،دليل تقنيات التواصل ومهارات التعبري واإلنشاء،
،0016ص.11 : طوب إديسون ،الدار البيضاء ،ط ،0006 ،1:ص.56 :
153 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
يف حني يرى حسني الصديق أن "املناظرة هي نوع من ويقولون :نظرته ،انتظرته" .1بينام يقول الزخمرشي (539
أنواع اخلطاب االحتجاجي الذي يمكن تعريفه بشكل هـ) يف معجمه "أساس البالغة"" :نظرت إليه ونظرته...
رسيع كام ييل :يف هذا اخلطاب يتوجه متكلم ما (أ) وهو ينظر حوله :يكثر النظر .وهو نظريه بمعنى مناظره
باخلطاب إىل مستمع ما (ب) هبدف تغيري رأي (ب) يف أي مقابله ومماثله".2
قضية من القضايا ،وينتمي هذا اخلطاب إىل البيان باعتباره و ُيفهم من كالم ابن فارس أن املناظرة تعني التأمل
فن الكالم أو فن التعبري عن الفكر".6 واالنتظار واملعاينة ،وهي عند الزخمرشي بمعنى املقابلة
وتأسيسا عىل ما سبق يمكن استنتاج اخلالصات واملامثلة .مالك األمر أن "املناظرة" يف اللغة تعني :التأمل
اآلتية: 3.والتقابل واملامثلة والندية أيضا
املناظرة حماورة وتبادل للكالم واآلراء املتعارضة أما يف االصطالح فيعرفها اجلرجاين ( 943هـ) بقوله:
"هي النظر بالبصرية من اجلانبني يف النسبة بني الشيئني
املناظرة وفقا للمعطى السابق خطاب احتجاجي إظهارا للصواب" .4كام يعرفها حبنكـة املـيداين بقوله:
"املناظرة هي املحاورة بني فريقني حول موضوع لكل
تستدعي املناظرة االختالف يف الفكر والرأي منهام وجهة نظر فيه ختالف وجهة نظر الفريق اآلخر ،فهو
حياول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه ،مع
اهلدف املعلن للمناظرة هو إظهار احلق أو الصواب
رغبته الصادقة بظهور احلق واالعرتاف به لدى ظهوره".5
والنديد" ،تاج العروس ،دار ليبيا للنرش والتوزيع ،بنغازي ،دار اللغة ،حققه وضبطه :عبد السالم حممد 1ابن فارس ،معجم مقايي
صادر ،بريوت 651/1 ،1885 / 1195 ،و.651 هارون ،ط ،1:دار إحياء الكت العربية ،القاهرة.111/6 ،1158 ،
4اجلرجاين ،كتاب التعريفات ،حققه ودرسه :حممد صديق املنشاوي، 2الزخمرشي ،أساس البالغة ،حققه :عبد الرحيم حممود ،عرف به:
دار الفضيلة ،ص.186 : أمني اخلويل ،ط ،1 :اجلديدة ،1861/ 1150ص.150 :
5عبد الرمحان حسن حبنكة امليداين ،ضوابط املعرفة وأصول البصرية 3عرب الزبيدي عن هذه املعاين قائال" :النظر أيضا تقلي
االستدالل واملعرفة ،دار القلم دمشق ،ط ،1881 ،1 :ص.191 : إلدراك اليشء ورؤيته وقد يراد به التأمل والفحص وقد يراد به املعرفة
6حسني الصديق ،املناظرة يف األدب العريب اإلسالمي ،مكتبة لبنان احلاصلة بعد الفحص ...واملناظر املثل والشبيه يف كل يشء يقال فالن
نارشون ،ط ،0000 ،1:ص.195: نظريك أي مثلك؛ ألنه إذا نظر إليهام الناظر رآمها سواء ...مثل الند
154 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
3 بينام حيدد د .أمحد احلسناوي أركان املناظرة كام يأيت: - 2 .3 .4أركاهنا:
أ ـ املوضوع :إذ ال بد من وحدة املوضوع الذي املناظرة يف نظر بعض الباحثني عىل ركنني تتأس
يتفق عليه طرفا املناظرة ،أو يقرتحه غريمها ،فيكون ذلك 1: أساسيني مها
املوضوع مدار احلجج التي تتقارع ،واآلراء التي أ ـ الركن األول :موضوع جتري حوله املناظرة.
تتصارع. ب ـ الركن الثاين :فريقان يتحاوران حول موضوع
ب -طرفا املناظرة :ومها ال خيلوان أن يكونا املناظرة ،أحدمها ُمدع أو ناقل خرب ،واآلخر معرتض
شخصني لكل منهام رأي أو مذه ،أو يمثالن فئتني، عليه.
ومجعهام خالف ،أو عاملني أو أديبني مجعهام سبيل العلم فإن كان املوضوع تعريفا أو تقسيامُ ،سمي املعرتض عليه
واألدب ،أو دعوة من خليفة أو وزير فتناظرا. التعريف أو التقسيم وسمي صاح
"مستدال"ُ ،
واجلمهور :إذ ال بد للمناظرة من ج ـ املجل "مانعا" .وإذا كان املوضوع "تصديقا" -أي قضية
الذي يعقد وحيرضه اجلمهور ،وقد يعقد املجل املجل منطقية سواء أكانت مرصحا هبا أم مفهومة من ضمن
خصيصا ملناظرة معلومة بني عاملني أو الكالم -فاملعرتض عليه يسمى "سائال" ،وصاح
أديبني معروفني ،وحيرض اجلمهور وهو يعلم التصديق ومقدمه يسمى "معلال".
طرفيها واملوضوع ،وقد تقع املناظرة فجأة يف أثناء انعقاد وقد صاغ د .طه عبد الرمحن أركان املناظرة يف إطار ما
العلامء. حلقات العلم أو جمال 2 أسامه "الرشوط العامة" وهي:
أما اجلمهور فهو نوعان :خاص وعام؛ أما اخلاص فهو أ ـ ال بد هلا (أي املناظرة) من جانبني.
املناظرة من العلامء ،وأما العام فعامة من حيرض جمل ب ـ ال بد هلا من دعوى.
أوأتباعهام أومريدهيام طرفيها، أصحاب ج ـ ال بد هلا من مآل يكون بعجز أحد اجلانبني.
أو تالميذمها. د ـ لكل من اجلانبني آداب ووظائف.
3رحيم جرب أمحد احلسناوي ،املناظرات اللغوية واألدبية يف احلضارة 1ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة ،ص.191 :
العربية اإلسالمية ،دار أسامة للنرش والتوزيع ،عامن ،األردن ،ط،1 : 2طه عبد الرمحن ،يف أصول احلوار وجتديد علم الكالم ،املركز الثقايف
،1888ص 61 :وما بعدها. العريب ،الدار البيضاء ،بريوت ،ط ،0005 ،1 :ص.51 :
155 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
• خامســها :االحرتاز عن الدخل يف كالم اخلصــم وهكذا ،فعىل الرغم من أن حتديد أركان املناظرة خيضع
قبل الفهم. يف بعض األحيان ملقتضيات جمال اشتغال الباحث مثل
• سـادسـها :جتن التعرض؛ أي تعرض املناظر ملا املنطق أو علم الكالم ...إال أن اآلراء تكاد جتمع أن
ال دخل له يف املقصود. أركان املناظرة هي:
سابعها :االحرتاز عن ال ضحك ورفع ال صوت • أركان املناظرة
لغلبة اخلصــم الضــعيف عليه وهو أشــنع وجوه • أوهلا :االحرتاز عن اإلجياز واالختصار يف الكالم
اإللزام. لئال يكون خمال بالفهم.
ومجلة القول ،إن ضوابط التناظر عند القدماء واملحدثني ثاني ها :االحرتاز عن اإلط ناب لئال يؤدي إىل •
تتلخص يف اخلطاطة اآلتية: املالل.
ضوابط التناظر • ثالثها :االحرتاز عن اســتعامل األلفاظ الغريبة يف
ضوابط فعلية ضوابط قولية البحث لئال يؤدي إىل عرس الفهم.
• رابعها :االحرتاز عن اســتعامل اللفظ املجمل يف
البحث.
•
املنظم واملتامسك ،وأن يمكنه من الدفاع عن الرأي ،وتقديم وجهة 1عبد اهلل بنخلفان بنعبد اهلل آلعايش األسمري ،أسلوب املناظرة
النظر والتعليق ،وإقداره عىل الرد واإلقناع والتأثري وهلم جرا .انظر: وتطبيقاته يف الفكر الرتبوي اإلسالمي ،ضمن املؤمتر الدويل الرابع
ديداكتيك التعبري والتواصل وتدبري التعلامت ،ص.11 : "اخلطابة واملناظرة واحلوار :نحو تأصيل منهجية التمكني يف
مؤسساتنا التعليمية" ،مناظرات قطر ،ص .11 :كام أنه من املفروض
احلجاجي إكساب املتعلم أسلوب التفكري أن يستهدف هذا اجلن
158 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
يف حتقيق غا يات وأغراض تعليم ية ،تتجىل يف القيم واألف كار املراد 1تقدم التوجيهات الرتبوية الكتاب املدر،ي عىل أنه وســيلة تعليمية،
نقلها اىل املتعلم .الربامج والتوجيهات ،ص.9 : حتتل مكانة أســاســية يف املنهاج الرتبوي ،نظرا ملا يســهم به يف بلورة
الرؤية التعليمية التي حتددها الفل سفة الرتبوية للمجتمع ،وملا ي سهم به
159 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
واالقتصار -يف مرحلة املالحظة – عىل تقديم قراءة يف التقويم ،وهذا أمر طبيعي ألهنام ينهالن من معني واحد
عنوان املناظرة وبــاقي العتبات( 1مصدر النص .)... وهو الوثائق الرتبوية الرسمية ،إال أن هناك اختالفا بينا يف
وباالنتقال إىل مرحلة الفهم ،نجد أن كتاب "املمتاز" طبيعة العنارص املقرتحة يف املراحل املذكورة آنفا.
اقرتح تلخيص مضمون املناظرة ،بينام كانت مرحلة الفهم فإذا كان كتاب "املمتاز" يقرتح يف مرحلة املالحظة
يف كتاب "النجاح" مضطربة؛ إذ استهلت بطرح أسئلة من تقديم قراءة يف العنوان والبحث يف املؤرشات الدالة عىل
أجل حتديد فائدة السؤال املوجه إىل التوحيدي ،ثم األديب الذي ينتمي إليه النص ،وهي اقرتاحات اجلن
اإلشارة إىل أن النص ينتمي إىل القول احلجاجي اجلدايل، مقبولة ،فإن كتاب "النجاح" اقرتح مقرتحا آخر يبدأ
وأخريا مطالبة املتعلمني باستخراج احلجج التي أدىل هبا بدراسة البعد الداليل للسؤال املطروح يف مفتتح املناظرة
ابن املقفع. ثم االنتقال إىل تقديم قراءة يف عنوان املناظرة ،وأخريا
وهكذا نالحظ خرقا منهجيا يف هذا املقرتح من خالل حتديد األطراف املتناظرة ،إضافة إىل بيان موضوع
مطالبة املتعلمني باستخراج احلجج والرباهني يف مرحلة املناظرة.
الفهم؛ إذ ينبغي تأجيل هذا األمر إىل مرحلة التحليل.2 وتعقيبا عىل املقرتح الثاينُ ،يستحسن تأجيل احلديث عن
أطراف املناظرة وموضوع التناظر إىل مرحلة الفهم،
املرادفة التي تعمل عىل ربط النص /اخلطاب بكل ما حييط به .هلذا فإن سوى فرضية لترصيف املنهاج الرسمي، كام أن الكتاب املدر،ي لي
مرحلة املالحظة تستهدف تنمية مهارات املالحظة البرصية وترسيخ فال ينبغي ،إذن ،الت عا مل م عه عىل أ نه املن هاج نفســـه؛ إ نه جمرد أداة
وإغناء أنشطة التوقع والتأويل األويل من خالل أنشطة ديداكتيكية مســاعدة ،تســتعمل عادة عندما يتبني أن بعض مكوناته تســتجي
والعنوان وهندسة النص متنوعة مثل دراسة حميط النص :الكات خلصــوصــيات وحاجات املتعلمني .ينبغي إذن أال يتم التعامل مع
وبناؤه ...لتختتم املرحلة بصياغة فرضيات القراءة. الكتاب املدر،ي عىل أنه منطلق ومنتهى؛ يتحول بموجبه الدرس إىل
الرحى يف القراءة املنهجية ،من خالل 2متثل مرحلة التحليل قط إنجاز متسلسل ملختلف التامرين واألنشطة املتضمنة يف الكتاب دون
تفكيك النص إىل عنارص إلدراك العالقات القائمة بينها ،عن طريق ت رصف أو اجتهاد؛ ويتحول إىل بديل عن و ضعيات حقيقية وو سائل
حتديد الوضعية التواصلية أو التلفظ :من يتكلم؟ مع من؟ أين؟ متى؟ وطرائق أكثر مالء مة .معجم مصـــطل حات التكوين الرتبوي
...إضافة إىل بيان طبيعة املعجم ثم استخراج الصور الفنية وحتديد واإلداري ،ص.441 :
داللتها ،فضال عن مالحظة طبيعة اجلمل الواردة يف النص :إسمية/ 1تعترب العتبات أو النصوص املوازية بمثابة مداخل أولية تتيح لنا
فعلية ،خربية /إنشائية ... ولوج عامل اخلطاب املدروس ،فهي نوع من النظري النيص أو النصية
160 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
استخراج األسلوب اخلربي واحلواري. وبالوصول إىل مرحلة التحليل ،نالحظ أن املقرتح
استخراج املقاطع احلوارية( :السؤال واجلواب). الذي جاء به كتاب "املمتاز" كان موفقا إىل حد ما ،فقد
بيان دور املجاز والبديع يف اإلقناع. اعتمد العنارص اآلتية:
وهكذا يتبني أن هذا املقرتح يفتقر إىل االنسجام بني استخراج عنارص املناظرة( :االدعاء والعارض
مراحله ،إضافة إىل أنه يعتمد بعض املفاهيم املستعصية واملعرتض).
عىل مدارك املتعلمني .أما املرحلة األخرية وهي الرتكي األسالي املعتمدة يف املناظرة( :التعريف واملقارنة
والتقويم ،فقد ُطل من املتعلمني كتابة نص يتطرق إىل واملوازنة).
بعض القضايا املرتبطة باملناظرة تنظريا وتطبيقا. احلجج املوظفة يف النص.
موحدة
وتأسيسا عىل ما سبق ،نالحظ غياب مفردات َّ الوسائل احلجاجية املوظفة( :السلم احلجاجي).
سلبا عىل جودة للتحليل يف الكتابني ،مما سينعك االستدالل بالشاهد القرآين.
التعلامت والكفايات املراد حتقيقها. األسالي اإلنشائية.
3 بناء املناظرة.
– 4 .3منهجية التحليل: ولعل أبرز مالحظة عنت لنا بخصوص هذا املقرتح،
من نافلة القول ،إن النص احلجاجي يتطل قارئا من هي رضورة تقديم احلديث عن بناء املناظرة عىل كل
نوع خاص ،هلذا يفرتض أن يكون املتعلم قادرا عىل املراحل املقرتحة للتحليل.
التعامل مع هذا الصنف من النصوص ،ومن أجل ذلك أما مقرتح التحليل يف كتاب "النجاح" ،فقد تتبع
ال بد من التسلح بثقافة خاصة ،ثقافة حجاجية بامتياز. اخلطوات اآلتية:
هلذا فقد تبنت الوزارة الوصية مدخل الكفايات يف استقراء آراء ابن املقفع يف ضوء مصطلحات
صياغة منهاج املرحلة الثانوية ،من خالل االنتقال من املناظرة( :العارض واملعرتض).
نقل املعارف اجلاهزة للمتعلم ،إىل االهتامم بتمهريه يف بيان أسباب توفر ابن املقفع عىل سلطة حجاجية.
استخراج احلجج والرباهني.
161 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
ُيدعى "القراءة املنهجية" ،لكن تبني أن األنشطة بناء املعرفة بنفسه ،ويعيد استثامر مكتسباته يف وضعيات
الديداكتيكية املقرتحة يف الكتاب املدر،ي يف حاجة إىل وسياقات جديدة. 1
التطوير والتعديل .وبناء عليه ،نقرتح التصور التحلييل وقد تعرفنا آنفا عىل أن إقراء النص احلجاجي يف التعليم
اآليت: عىل مقتضيات نموذج حتلييل الثانوي التأهييل يتأس
عناصــــــــرها املرحـلة
قراءة يف العتبات (عنوان املناظرة ،بداية املناظرة وهنايتها ،مصدر املناظرة.)... املالحظة
-حتديد األطراف احلجاجية (أطراف املناظرة).
الفـهم
-حتديد القضية التي يعاجلها النص أو حتديد املوضوع الذي يدور حوله احلجاج.
-حتديد بناء املناظرة (االفتتاح ،التدليل ،اخلتم).
-حتديد البنية احلجاجية (األطروحة واألطروحة املضادة).
-بيان احلجج والرباهني.
التحلـيل
-استخراج الروابط احلجاجية.
-استخراج األسالي (املقارنة ،التعريف ،الرشط ،النفي .)...
-دراسة املعجم (جرد املصطلحات الواردة يف املناظرة :مصطلحات احلجاج واملناظرة ،مصطلحات العلوم والفنون .)...
املقابلة بني النصوص احلجاجية املقرتحة (الرسالة ،اخلطبة ،املناظرة) من أجل التعرف عىل أوجه التشابه واالختالف بينها. الرتكيـ
والتقويم
2كتاب املمتاز يف اللغة العربية ،السنة األوىل من سلك البكالوريا، 1الربامج والتوجيهات ،ص.1 :
ص.195 :
162 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
هلذا ال مناص من التعريف باملصطلحات واملفاهيم السؤال هبذه الصيغة" :حدد مضمون الدعوى التي يدافع
قبل الزج هبا يف أتون التحليل املدر،ي (الصفي) .ومن هنا عنها العارض أو املدعي ،والدعوى املخالفة التي يدافع
نؤكد عىل أمهية تفعيل أدوار الدرس اللغوي يف التعليم عنها املعرتض يف هذه املناظرة" .1فكيف للمتعلم أن حيدد
الثانوي التأهييل ،عالوة عىل تطوير األنشطة الديداكتيكية هذه العنارص ،وهو ال يفقه املصطلحات الواردة يف
املقرتحة يف الكتاب املدر،ي حتى يتحقق اهلدف املنشود السؤال ،وال يعي الفروق بينها؟
من دراسة النص املناظري ،ولتحقيق ذلك نقرتح ما يأيت: ومن األمثلة األخرى الدالة عىل إغراق الكتاب املدر،ي
• ختم املحور أو املجزوءة بمرسد للمصطلحات باملصطلحات واملفاهيم املفتقرة إىل التنوير والتوضيح ما
واملفاهيم املرتبطة باحلجاج والنص املناظري. ورد يف كتاب "النجاح يف اللغة العربية"" :النص ينتمي
• ختم الدرس بالئحة للمصادر واملراجع املرتبطة عن إىل القول احلجاجي اجلديل ،متعن يف قراءته ،وأج
باحلجاج واملناظرة ،إضافة إىل املواقع اإللكرتونية األسئلة" .2إذ يالحظ استعجال املؤلفني اإلجابة عن
املهتمة باملوضوع. األسئلة دون تنوير عبارة "القول احلجاجي اجلديل".
• اقرتاح نصوص مساعدة يف بداية املجزوءة أو واألمر نفسه يف سياق آخر من الكتاب؛ إذ ورد قوهلم:
املحور هدفها تأطري النصوص املقرتحة للتحليل، "ينتمي النص إىل القول احلجاجي املصنف إىل مرات
من خالل ختصيصها احلديث عن املناظرة واحلجاج تضم أصنافا من احلجج :فهناك حجة برهانية تفيد اليقني،
بصفة عامة. وحجة مقاربة لقوة اليقني ،وحجة خطابية تفيد ظنا
– 3 .3إشكالية التكامل بني مكونات الكتاب راجحا مقبوال" .3إذ ال يعقل أن يرسد هذا الكالم هبذه
لعل من بني املالحظات التي اسرتعت انتباهنا، املقفع ويبني نوعية احلجة التي وظفها .
4
املناظري بمعية جمموعة من الدروس التي ال تنسجم للدروس املدرسيني ،ذلك التوزيع غري املتجان
مع آليات حتليله باعتباره نصا حجاجيا؛ إذ تم اقرتاح خصوصا ما يتعلق بمكونات اللغة العربية (النصوص
الدروس اآلتية: والتعبري واإلنشاء وعلوم اللغة) .فقد ورد النص
مكون علوم اللغة مكون التعبري واإلنشاء مكون النصوص
-أنامط حجاجية:
-االستفهام
-نموذج من أدب الرتاسل.
-التمني مهارة التعليق واحلكم
-نموذج من أدب اخلطابة.
-النداء
-نموذج من أدب املناظرة.
وهكذا ،يتبني من خالل اجلدول أعاله غياب االنسجام بني مكونات الكتاب املدر،ي ،فاألجدر أن ينفتح الدرس
اللغوي عىل احلجاج واملناظرة ،إضافة إىل مهارة تساير معطيات مكوين النصوص وعلوم اللغة .وبناء عليه ،نقرتح
التصور اآليت:
الشــوا غل التي تؤرق ا ملدرس أثناء املامرســـة ومن شأن هذا املقرتح أن يوفر الفرش النظري
الرتبو ية؛ ف قد اتضــح من خالل ما ســبق الذي سيسمح للمتعلم بمد اجلسور بني
صــعو بات حتل يل النص احل جاجي من خالل املعطيات النظرية والنصوص املقرتحة للتحليل
ن موذج ا مل نا ظرة ،و ل عل من بوا عث هذه يف الكتاب املدر،ي ،فالدروس املقرتحة يف
الصــعو بات ما يتعلق بالن قل ا لد يداكتيكي مكون علوم اللغة منسجمة مع األنامط
للم ناظرة من ح قل املعر فة ال عا ملة إىل ح قل احلجاجية الواردة يف مكون النصوص.
املعرفة املدرسية ،مما أدى إىل السقوط يف مهاوي كام أن املهارة املقرتحة أعم وأشمل من مهارة
التبسيط والتقزيم والتهويل أحيانا أخرى. "التعليق واحلكم" ،فاملناظرة من حيث هي
إن هذه اإلشــكاليات مرتبطة أســاســا بواقع حواري برشوطها املعلومة ،يمكن أن تناف
األدب يف املؤســســـات التعليم ية، تدري تتخذ منهجا تعليميا ناجحا وطريقة تربوية
واملسامة بـ "القراءة فاملنهجية املقرتحة للتدري تضمن تكوينا متينا يف منهجيات احلوار
املنهج ية" ،قد تكون من بني العوا مل التي وأخالقياته ،ما دام أن احلوار مدخل أساس يف
أساءت إىل درس األدب؛ إذ حتاول أن ُت س ٍّيج ما أية عملية تعليمية .1
لحة إلعادة
ال ُيســ َّيج .هلذا أصــبحت احلاجة ُم َّ 1
النظر يف الكت املدر سية من أجل الو صول إىل وختاما ،ال ندعي يف هذا العمل احلرصــية
اجلودة املنشودة. والشــمول ،إنام نحاول إثارة االنتباه إىل بعض
حسني الصديق ،املناظرة يف األدب العريب أبو بكر العزاوي ،اللغة واحلجاج ،األمحدية
اإلسالمي ،مكتبة لبنان نارشون ،ط .2111 ،4: للنرش ،الدار البيضاء.2113 ،
رحيم جرب أمحد احلسناوي ،املناظرات اللغوية اللغة الربامج والتوجيهات اخلاصة بتدري
واألدبية يف احلضارة العربية اإلسالمية ،دار أسامة العربية بالسنة األوىل من سلك البكالوريا ،وزارة
للنرش والتوزيع ،عامن ،األردن ،ط.4777 ،4 : الرتبية الوطنية ،مديرية املناهج.2113 ،
الزبيدي ،تاج العروس ،دار ليبيا للنرش والتوزيع، اجلرجاين(الرشيف عيل بن حممد) ،كتاب
بنغازي ،دار صادر ،بريوت.4773 / 4393 ، التعريفات ،حققه ودرسه :حممد صديق
الزخمرشي ،أساس البالغة ،حققه :عبد الرحيم املنشاوي ،دار الفضيلة.
حممود ،عرف به :أمني اخلويل ،ط ،4 :اجلديدة مجال الدين ناسك وحلسن الصديق وحممد أبحري،
.4753/ 4392 معجم مصطلحات التكوين الرتبوي واإلداري،
رشح آداب البحث ،طاش كربي زادة ،ضمن منشورات املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين،
جملة :املناظرة ،العدد ،3 :السنة الثانية ،ذو احلجة بني مالل ،ط ،4:دجنرب .2149
.4771 /4141 مجيل محداوي ،حمطات العمل الديداكتيكي،
طه عبد الرمحن ،يف أصول احلوار وجتديد علم السلسلة الرتبوية ( ،)4مكتبة سلمى الثقافية
الكالم ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء، بتطوان ،الطبعة األوىل.2145/4133 :
بريوت ،ط.2119 ،3 : اجلوهري(إسامعيل بن محاد) ،الصحاح تاج اللغة
وصحاح العربية ،راجعه واعتنى به :د حممد حممد
تامر وآخرون ،دار احلديث ،القاهرة ،طبعة:
.2117/4131
عبد الرمحان حسن حبنكة امليداين ،ضوابط املعرفة
وأصول االستدالل واملعرفة ،دار القلم دمشق،
ط.4773 ،1 :
166 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
حممد أبحري ،خطاب املناظرة يف األدب األندليس، عبد اهلل بنخلفان بنعبد اهلل آلعايش األسمري،
من القرن الرابع إىل هناية القرن الثامن اهلجري، أسلوب املناظرة وتطبيقاته يف الفكر الرتبوي
دار كنوز املعرفة ،األردن ،ط.2145 ،4: اإلسالمي ،ضمن املؤمتر الدويل الرابع "اخلطابة
حممد أوحلاج ،دليل تقنيات التواصل ومهارات واملناظرة واحلوار :نحو تأصيل منهجية التمكني
التعبري واإلنشاء ،طوب إديسون ،الدار البيضاء، يف مؤسساتنا التعليمية" ،مناظرات قطر.
ط.2115 ،4: عيل آيت أوشان ،ديداكتيك التعبري والتواصل
حممد أوحلاج ،ديداكتيك التعبري واإلنشاء، وتدبري التعلامت ،سلسلة دراسات بيداغوجية
تقنيات ومناهج ،السلسلة البيداغوجية (،)43 ( ،)3دار أيب رقراق للطباعة والنرش ،الرباط.
ط،4: البيضاء، الدار الثقافة، دار العيايش ادراوي ،احلوار االختاليف أو مسلك
.2114/4122 التناظر الكالمي ،دار إفريقيا الرشق ،الدار
حممد أوحلاج وحممد مكيس ،ديداكتيك إقراء البيضاء ،ط.2142 ،4:
النصوص ،تنظري وتطبيق ،سلسلة قضايا الرتبية ابن فارس(أمحد بن فارس) ،معجم مقايي
والتكوين ،نرش :إديسيون بلوس ،الدار البيضاء، اللغة ،حققه وضبطه :عبد السالم حممد هارون،
ط.2143 ،4 : ط ،4:دار إحياء الكت العربية ،القاهرة.4337 ،
حممد مكيس ،ديداكتيك القراءة املنهجية، كتاب املمتاز يف اللغة العربية ،وزارة الرتبية
مقاربات وتقنيات ،السلسة البيداغوجية (،)4 الوطنية ،السنة األوىل من سلك البكالوريا.
دار الثقافة /الدار البيضاء ،الطبعة األوىل: كتاب النجاح يف اللغة العربية ،وزارة الرتبية
.4779 الوطنية ،السنة األوىل من سلك البكالوريا.
ليونيل بلنجر ،اآلليات احلجاجية للتواصل،
ترمجه :عبد الرفيق بوركي ،صمن كتاب احلجاج
احلديث مفهومه وجماالته ،عامل الكت
األردن.2141،
167 العدد األول – نونبر 0202 والتكوين والتكوين
التربيةفي التربية
المتخصصة المجلة
المتخصصة في المجلة
المجلة المغربية للتربية والتكوين
1
استهدفت هبذا البحث دراسة مكانة الذات القارئة ودورها يف نشاط قراءة النصوص األدبية يف قسم اللغة
ُ
تعلامت العربية ،واإلسهام يف التفكري النظري والعميل يف شأن هذا املوضوع ألجل وضع نموذج ديداكتيكي لتدري
فاهتممت يف
ُ صغت اإلشكالية اآلتية :كيف ندرس األدب باستحضار الذات القارئة؟
ُ قراءة النصوص األدبية؛ لذا
البداية بتويل القارئ زمام أمور قراءته األدبية ،واإلطار النظري ،وحدود التأويل؛ حيث بدا أن القارئ أثناء تأويل
النصوص األدبية يمتلك حرية ،لكنها حتت الضغط واإلكراه .واقتضت هذه الدراسة أن أطرح جمموعة من أسئلة
البحث من قبيل:
ما املقصود بنص أديب من وجهة نظر ديداكتيكية؟
فهم النصوص األدبية وتأويلها :أي متييزات؟ وأي صالت؟
ما املقصود بالذات القارئة؟
تعلامت قراءة النصوص األدبية؟ أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري
وقدمت دراسة لنـص الـرحلة أليب العباس أمحد بن نارص الدرعي وعنوانه أرض التيه
ُ أجبت عن تلك األسئلة.
ُ ثم
ألجل استحضار الذات القارئة يف خالل جمريات تعلامت القراءة .واقتضت هذه الدراسة االهتامم بالعنرصين اآلتني:
املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات القارئة.
إرشاك القارئ إلتاحة استثامر ذاتية قراءة التالميذ.
واتضح أن إخالء املكان للذات القارئة يف القراءة األدبية يمنح معنى للتعلامت القرائية ،وجيدد تصورنا للمعنى،
وخيول للتالميذ استثامرا ذاتيا وفكريا ووجدانيا.
األدب ،مكانة ذاتية القارئ ،النصوص األدبية ،نـص الـرحلة. :الذات القارئة ،تدري
-1أستاذ التعليم العايل ،املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين ،ابن رشد -مراكش.
168 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
خصائصها اجلوهرية لتتبنى خصائص البطل ،وتتمنى أن
تكونه .وهذا التامهي أو تلك الروابط التي تنسجها
اعتنيت بموضوع مكانة ذاتية القارئ نطرا النرصاف
ُ
الذات القارئة مع بعض الشخصيات هي التجارب
األدب يف املؤسسات التعليمية واجلامعية العناية بتدري
القرائية التي تتكفل بتنشئة الذات القارئة .وهبذا التصور
2
إىل النص األديب ومبدعه ،وعدم االكرتاث بالذوات
النقدي الصادر عن توجه مجالية التلقي ،يمكن إفادة
القارئة وإسهاماهتا يف عملية قراءة النص األديب وإعادة
األدب وفتح مستويات البحث العلمي أمام تدري
بنائه؛ ذلك ألن تلك الذوات حتمل عدة متثالت ختتلف
الباحثني واملهتمني بمنهجية القراءة ملعاجلة مواضيع من
مع مضامني النصوص األدبية .1فمعنى النص يتحدد من
قبيل:
خالل التفاعل بني مبدعه و ُقرائه من حيث تفسري القضايا
* عالقة القارئ بالنص األديب؛
التي حيملها النص وتأويلها؛ حيث تنأى القراءة عن
األدب؛ * ذاتية القراءة وتدري
اخلطية ويغدو فعلها غري متتابِع ،ولكنه ملتف ومنبسط
* بالغة القراءة ومكانة القارئ يف الثقافة البالغية.
بالتوقفات والتأمالت والتداعيات والذهاب واإلياب
واستهدف هذا البحث اإلسهام يف التفكري النظري
داخل النص األديب .ويتيح استحضار الذات القارئة
والعميل بشأن مكانة قارئ النصوص األدبية يف قسم
الكشف عن الشاكلة التي يتحدد هبا ذوق القارئ
اللغة العربية ودوره .ويندرج موضوعه يف إطار دراسة
وهويته ،ووصف اللقاء بني عامل النص األديب وعامل
تعلامت نظرية ألجل وضع نموذج ديداكتيكي لتدري
القارئ؛ كأن ينجز التلميذ أو الطال بام هو قارئ للنص
صغت اإلشكالية اآلتية:
ُ قراءة النصوص األدبية؛ لذا
األديب مقايسة بني ذاته والنصوص األدبية التي أثرت فيه،
كيف ندرس األدب باستحضار الذات القارئة ؟
فيصف ذاته من خالل جمريات تلك النصوص ،وبخاصة
فهل هو قارئ يفهم املعاين الواردة يف النصوص
اللحظات التي تتداخل فيها الذات القارئة ببطل القصة
األدبية ويؤوهلا ؟ مع العلم أن قراءته تعتمد ثقافته اخلاصة
إن كانت مثرية أو ببطل الرواية أو املقامة أو الرحلة...
ومتثالته للمفاهيم واألشياء ،كل هذا مندغم باألبعاد
فتتامهى حينئذ الذات القارئة يف البطل ،وتتخىل عن
- 2املرجع نفسه.9 : ُ -ينظر احلسن بواجالبن :فصول من كتاب الذات القارئة ،القراءة 1
2
- Ibid. 1
-Voir Iser. Wolfgang: P. Mardaga 85 Acte de
lecture Théorie de l'effet esthétique, 1985, p: 318.
170 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
بالرغم من عدم عيشه يف الفرتة التي شهدت ميالد البنية الشكلية .فالقارئ حيني اإلمكانيات الكامنة يف
النص .وال يمكن أن نقيم وزنا للقارئ الواقعي ما مل نقدر أشكال املؤ َّلف األديب ،ويرفع عنها التباساهتا الطبيعية.
تارخيية القارئ وأفق انتظاره.2 كل نص ينتظر قارئا هو فعل قراءة؛ ذلك ألن رشوط
روبري ياوس اجتاها فلسفيا وتارخييا اتبع هان تلقيه الواقعية مالزمة للنص .وبالنسبة إىل ياوس ،يلزم
فجعل التلقي تارخييا ،أما ُوولف غانغ إيزر؛ فقد أس الدفاع عن فكرة التجربة اجلاملية .وكشف اجلامل ُيلمح
نظريته عىل ما هو أبعد وأشمل ،وبنى نظريته يف التلقي عند تلقي النص األديب .ويعلن ياوس أن القارئ هو
عىل التفاعل بني النص والقارئ ،واهتمت نظرية التلقي اإلضامر الوافد يف النص واملميز له؛ لذا اقرتح التمييز.
عند ياوس بالكيفية التي يتم هبا استقبال النص األديب يف واألثر الوافد داخل املؤ َّلف األديب وعملية تلقيه
فرتة تارخيية معينة ،يف حني حفلت نظرية التأثري لدى إيزر »عنرصان مكونان لتحقيق املعنى -األثر الذي أنتجه
بامتالك النص األديب تأثريا يف قرائه ،فمثل ياوس االجتاه املؤلف ،والذي يعد وظيفة املؤ َّلف ،والتلقي املحدد من
التارخيي ومثل ُوولف غانغ إيزر االجتاه اهلريمينوطيقي طرف املخا َط املتلقي للمؤ َّلف « .1
واعتنى بنظرية الوقع اجلاميل وهو ما يالئم موضوع فاألثر الذي ينتجه املؤ َّلف األديب ،وتلقي املؤ َّلف مها
بحثي؛ لذا سأعتمد إسهام ُوولف غانغ إيزر. يف تفاعل دائم خالل إنتاج املعنى .األثر مسجل يف أفق
هي » :النص ،والقارئ، بنى إيزر نظريته عىل ثالثة أس األديب ،يتم االنتظار األديب .يطابق املؤ َّلف اجلن
وتفاعلهام « . 3انطلقت نظرية إيزر اجلاملية التي تربط بني إحداث صدى النصوص الداخلية واملعارصة .إن تلقي
النص األديب والقارئ من العالقة اجلدلية ،وتأسست عىل املؤ َّلف مسجل يف أفق انتظار اجتامعي ،أفق القارئ .فهو
التفاعل بينهام .ويلزم استحضار املبدع والنص والقارئ يتموضع يف فرتة ويف خضم سياق اجتامعي ،وله نظرته
كي يتحقق التفاعل والتأويل. اخلاصة به إىل العامل واألشياء ،ويمكن أن تكون لديه
اهتم إيزر بقضية بناء املعنى وهي مهمة القارئ فكرة بشأن التيارات اجلاملية ،واألجناس األدبية،
من خالل تفاعله مع النص. والنصوص األدبية املتميزة جدا يف فرتة تارخيية معينة
متارس عىل حساب املعنى احلريف .وهذا ما يذكر به بالنسبة إىل أمربتو إكو ،فإن ملعنى مؤ َّلف أديب ثالثة
أمربطو إيكو داخل هذه الصياغة » :تتوافق حدود أصول ،هي :الكات ،والنص والقارئ .وحيدد املعنى
التأويل وحقوق النص « ، 3إن حرية القارئ يف التأويل اعتامدا عىل ثالث غايات هي:
واقعة حتت اإلكراه نظرا للحدود التي يقرتحها النص -ما يتصل بالكات ،فهو من يقوم تطوعا باختيار
.1-3تأويل النصوص األدبية :حرية حتت الضغط الواردة يف النص ،واألطروحات املدا َفع عنها،
اقرتح م .شارل يف كتابه ( Rhétorique de la للقارئ ،وغري ذلك .يعلم املؤلف أن جزءا من املعنى
)lectureنظرية للقراءة ،أوضح فيها أنه عىل الرغم من ينفلت منه أو سينفلت منه .لكنه ال يعرف حتديدا اليشء
3 1
59-60. p : M. Charles : Rhétorique de la p: 9. M. Charles : Rhétorique de la lecture,
lecture, Paris, Seuil, 1977, Paris, Seuil, 1977,
4
- p: 60. Voir M. Charles : Rhétorique de la 2
M. Charles : Rhétorique de la lecture, Paris,
lecture, Paris, Seuil, 1977, Seuil, 1977, p : 10.
174 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
* النص األديب :من طبيعته أنه غري تام ،مما يفسح املجال -ما املقصود بالذات القارئة؟
أمام القارئ لينشغل باملعاين التي يوفرها النص ،واملعاين تعلامت قراءة -أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري
التي حيصل عليها بالتأويل .إن » قارئ األدب هو النصوص األدبية؟
الرشيك النشيط للع مع نص يمتلك لع االنفتاحات ُخيول كل سؤال من جمموع هذه األسئلة ،وضع معامل
التي حتتاج أن يغطيها « . 1 بيئة ديداكتيكية تسمح للقارئ بتطوير كفاياته القرائية.
.2-4فهم النصوص األدبية وتأويلها :التمييزات .1-4النص األديب من وجهة نظر ديداكتيكية.
والصالت. للنص األديب عدة خصائص ،ويؤدي عدة مهام ،وهي:
يرى "فالردو" " "Falardeauفيام يتعلق بالتمييزات * اتسام النصوص األدبية بميزة الفرادة؛ فالنص األديب
والعالقات بني فهم النصوص األدبية وتأويلها ،أنه لي دائام وحيد وأصيل.
من املالئم أن نفصل بينهام؛ ذلك ألن فهم النصوص * النص األديب هو وظيفة العامل الذي توطد وترسخ فيه،
األدبية وتأويلها مها كفايتان متكاملتان :يرتبك فهم وإجابة عن أسئلة مفكري عرصه.
املعنى بداللة الترصيح؛ أي :استخالص املعنى األول * النص األديب يعلن حضوره ضمن شبكة من
الذي يتبادر إىل الذهن ،يف حني يتصل التأويل بالداللة النصوص.
اإلحيائية؛ أي :استنباط املعنى الثاين الذي يثوي بني * النص األديب حيرتم أشكاال فنية وأجناسا أدبية رغم
السطور .قلت إن العالقة بني الفهم والتأويل تكاملية؛ فرادته.
ألهنام يعمالن جنبا إىل جن يف تالزم ،ويغرتف كل منهام * النص األديب يعرف بمختلف املحسنات واألوجه
من عالمات اآلخر .هنا تكمن قاعدة القراءة األدبية البالغية.
الثرية املُنتِجة ،فاملعلومات املحصل عليها مدعوة إىل * النص األديب عرضة للنقد سواء من الفرقاء الرتبويني
التأويل .2وخالل التطبيق ،يتم التمييز بني الفهم أو من املتخصصني يف الديداكتيك ،أو ديداكتيك القراءة،
والتأويل. خرباء ،وعلامء .وهم بنقدهم يسهمون يف االعرتاف
بأدبية النص األديب.
2
- Voir Falardeau. E: « compréhension et
1
- Tauveron. C: comprendre et interpréter la
interpretation: deux composantes littérature à l’école: du texte réticent au texte
proliférant, Repères, 1999, p: 12.
175 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
وجيرده من هويته ،ويقدم له أوصافا جديدة ومهاما تعلامت قراءة .3-4القصديات املوجهة لتدري
الحقة ،فيتمنى القارئ أن يكون هو شخص البطل .وقد النصوص األدبية.
القارئ بأقوال شاعر وأفعاله وقيمه ،فيتمنى أن ُيعج تعلامت قراءة النصوص األدبية أثناء يقتيض تدري
يكون ذلك الشاعر ،فيتخىل عن هويته ويتبنى هوية اإلنجاز سلسلة من االختيارات:
الشاعر .هكذا جتعل قراءة النصوص األدبية القارئ اختيار النصوص األدبية املسعفة عىل توضيح
يتموضع يف مكان اآلخر ،وحيقق نوعا من احللول يف مقومات اخلطاب األديب وخصائصه( .االحتكام إىل
أماكن جذبته ونالت إعجابه ،فيفكر القارئ حينئذ من تاريخ األشكال).
منظور وجهة اآلخر .ويعيش يف أتون عوامل أخرى، انتقاء املقاربات املناسبة مادامت طبيعة النص
ويسعى نحو التفتح وتكامل شخصيته ،ويطفق يف تكوين هي التي ُمت ِيل طبيعة املنهج.
هوية جديدة. اختيار الكفايات التي جي تطويرها.
يثري األدب الشفقة يف القارئ والتعاطف ،وح يمكن توجيه التالميذ والطلبة إىل اكتساب التعلامت
االستطالع. وبناء عدة معارف بشأن األدب ،وهذه قصدية أوىل ،ويف
.4-4املقصود بالذات القارئة ؟ اآلن نفسه نعلمهم تذوق متعة القراءة ،وهذه قصدية
حدد " ج .النجالند" " " G Langlandeالذات ثانية .ويسهم القارئ يف إظهار هيئة خمتلف اخلطابات
القارئة بقوله » :يتأثر القارئ وهو منهمك بالقراءة هبا، األدبية ،ومظهرها املميز لكل خطاب .فاألدب فن ،فن
فيعيد رسم تصوره لألشياء .الذات القارئة هي ذات اللغة ،والتخييل ،واإللقاء ،والوهم .إن النص األديب،
متحركة ودينامية ،فينشئ القارئ هويته القرائية من قراءة باعتباره وسيلة الوساطة املعرفية بني العامل والقارئ ،فهو
إىل أخرى .فهو تأميل واستبطاين يتساءل عن التزاماته بام يسهم يف تكوين ذات القارئ بالتصورات التي ينشئها
هو قارئ ،وهوية الذات القارئة حركية ،احتاملية تتكون عن اآلخر وعن نفسه أثناء فعل القراءة .فالقارئ قد
. 1 وتتحول بفعل القراءة وداخلها « يستهويه بطل رواية ،فيلتصق بالصورة النصية للبطل،
1
- 72. p: La lecture subjective Québec français, complémentaires de la lecture littéraire», Revue
2007, G. Langlande, des sciences de l’éducation, XIX(3, 2113, p: 673-
694.
176 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
تعلامت قراءة وأي مكانة لذاتية القارئ يف تدري تعلامت قراءة .5-4أي مكانة لذاتية القارئ يف تدري
النصوص األدبية ؟ النصوص األدبية؟
؟ وكيف ندافع عن هذا التدري إن القارئ هو من يمنح النص األديب هيئة
من املفيد جدا إرفاق القراءة التحليلية لنصوص وشكال ،فينهل من عامله اخلاص ،ويتخيل التفاصيل
األدب بإنشاء عالقة جديدة مع نصوص األدب بالتعليم واجلزئيات التي يقدمها له النص .جتعل القراءة الذاتية
الثانوي التأهييل؛ ذلك ألن من شأن إخالء املكان للذات القارئ يمنح النص األديب معنى شخصيا ،فيعود إىل قيمه
القارئة يف القراءة األدبية أن يمنح معنى للتعلامت اخلاصة ،ويقدم أحكاما أخالقية لشخصيات النص،
القرائية ،وجيد َد تصورنا للمعنى ،ويتيح للتالميذ استثامرا وللكات والشاعر.
ذاتيا وفكريا ووجدانيا ،وبذلك نكون قد أعددنا عالقة إن القراءة التي تستحرض الذات هي » قراءة فعالة
سعيدة مع القراءة ،ومع األدب مهام كان تباين التالميذ وفردية وخاصة ،وتكفل فضاء اللقاء بني القارئ والنص
وعدم جتانسهم. «.1
وتقتيض هذه الدراسة االهتامم بالعنرصين اآلتني: -الدراسة:
-املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات القارئة. يرتبط استحضار الذات القارئة يف جمريات العملية
-إرشاك القارئ إلتاحة االستثامر الذايت للتالميذ. التعليمية – التعلمية باإلشكالية اآلتية:
أوال -املبادئ النظرية األساس ملفهوم الذات إذا قمنا بإخالء املكان للذات القارئة ،فأي سبيل لتجديد
القارئة: مقاربات القراءة التحليلية بالتعليم الثانوي التأهييل ؟
-يف اكتشاف القارئ: فأمهية األدب بدهية؛ فهو الرتياق الواقي من آالم
حتول اهتامم النقد األديب منذ أواخر السبعينيات وبداية املجتمعات احلارضة ،واألدب أساس لبناء شخصيات
الثامنينيات من القرن املايض من العناية تالميذنا.
بالنص إىل العناية بالقارئ لالعتبارات اآلتية: فكيف ندرس األدب ؟
1
- Mercier. Jean- Pierre: Nouveaux Cahiers
de la recherché en éducation, volume 13, numéro
2, 2010, p: 178- 190.
177 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
شخصيات النص التي أحبوها وعن الشخصيات التي * مادام النص األديب غري مدروس يف قراءة معطاة ،فهو
كرهوها ،وملاذا ؟ غري تام ويبدي جمموعة من االلتباسات وانفتاحات
وهذه دراسة لنـص الـرحلة أليب العباس أمحد املعنى؛ حيث يغدو النص األديب مروحة من املداليل.
بن نارص الدرعي. والذي يقوى عىل حتويله إىل نسق منظم من العالمات هو
نـص الـرحلة: القارئ.
قال أبو العباس أمحد بن نارص الدرعي: * ال قيمة للمؤلف األديب بمعزل عن تلقيه .ودراسة
» أرض التيه 1ثم ارحتلنا من هناك يوم األحد رابع ذي املصنف األديب تعني البحث عن صالته بمختلف آفاق
والعرشين من دجنرب الرابع عرش الليايل، القعدة اخلام االنتظار.
ورسنا مع الوادي برهة ،ومررنا بالعقبة املرشفة عىل التيه األخذ بعني االعتبار ملهمة القراءة ،وسياقها، * جي
وقت الضحى )...( .والعقبة أرض ُمق ِف َرة موحشة ورهاناهتا ،وخاصية النص األديب.
طويلة عريضة معطشة ،وقد امتدت فيها الطرق امتداد ثانيا -إرشاك القارئ إلتاحة التعبري للتالميذ عن
السطور يف الطروس ،مل يلحقها عىل قدم العهد الدروس. مكنونات نفوسهم:
وهذا املحل من املحال الذي تعظم فيه املشقة أيام احلر إن لذة القارئ وجدانية ،لذا يلزم االعرتاف
كثرية بالعطش )...( .قال الشاعر: وقد تتلف فيه أنف بالذات القارئة ودعوة التالميذ إىل التعبري عن
انزعاجاهتم وعن رغباهتم بشأن القراءة ،كأن نسأهلم عن
وولوهـــا
ــحجيج صــدى ُ
تــــــفانى الــــ َ بالتيه يوما به ومل أن
يدخلوا مدينة وال أووا إىل بيت ،وال بدلوا ثوبا ،كانوا يسريون يف ظل » - 1التيه :هو املوضع الذي تاه فيه موسى عليه السالم مع بني
هنارهم ،فإذا انتهى النهار ،نزلوا باملوضع الذي رحلوا عنه « ،ينظر إرسائيل ،بني أيلة ومرص وبحر القلزم وجبال الرساة ،ملا امتنعوا من
الروض املعطار ،ص 115 :والرحلة النارصية.116 : دخول األرض املقدسة ،حبسهم اهلل تعاىل يف هذا التيه أربعني سنة ،مل
178 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
األثر األديب قابال إلعادة بنائه ،وهو ما تُتيحه رشوخ أخاديدَ ما كفى اهلل به رش العطش وأوامه ،فت ََوسطنا
النص ،وفراغاته .اليشء الذي يدفع القارئ إىل جتاوز التي َه فنزلنا بعيد املغرب )...( .ويسري الراك
املوجود (ما قاله السارد عن رحلته) إىل البحث الدؤوب مرحلتني يف فحص التيه حتى يصل بحر فاران ،وفيه
عن املفقود ( ما مل يقله نص الرحلة) .واملفقود يف مشاهد غرق فرعون ،وفيه تاه بنو إرسائيل ،وفيه مات موسى
الرحلة ،هي التي تشدنا بخيوط التشويق .وما َو َق َر يف
نبينا عليه الصالة والسالم.
خميلة القارئ من أفكار ،أو تفاصيل مل يذكرها السارد ،هو
ثم َظ َعنا يوم االثنني و َغلسنا 1الرحلة ،وانفرد
ما ُيفسح املجال للقراءة التي تعيد البناء و ُتظهره .وهو ما
عن الرك رجل من أهل توات مع ولده وعبده
ُختوله اجلمل املرجعية ،وهي » مجل تقتيض حادثا ما « .
بعدما محلوا عىل مجلهم ،والقوا مجاعة من املُتَ َلص َص ِة
3
حلول من أجل جتاوز أزمة انتفاء املياه يف أرض التيه .ويف اجلامل والبغال ،وصادفنا فيه بقية من السوق به بعض
هذه اجلملة يثوي طابع العجائبية الذي أثار الوقع الفواكه الشامية « .2
وأحدث األثر يف القارئ ،ومن اجلمل املرجعية أيضا قول * فراغات النص:
السارد " :وكذا يشتد أمره يف زمان الشتاء؛ ألن أرضه ال حيمل النص يف طياته داللة جاهزة وهنائية،
هبا ،فقد تتلف به النفوس من الربد"، عراء ال حط فالنص األديب حيمل يف ثناياه إمكانية التأويل .القراءة
فيحاول القارئ رسم معامل أرض التيه إبان فصل الشتاء، احتامل من احتامالت النص املتعددة .وعادة ما يكون
-3 Tzvetan Todorov: Poétique de la prose َ "- 1غ َل َ القوم :ساروا بالغل ،وهو ظلمة آخر الليل إذا اختلطت
choix, suivi de nouvelles recherches sur le récit/ بضوء الصباح " اللسانَ ( :غ َل َ ).
éd. Du seuil, Collection points N 120, 1971-
1978, P: 177. - 2أبو العباس أمحد بن حممد بن نارص الدرعي :الرحلة النارصية،
حتقيق ودراسة الباحث عبد احلفيظ ملوكي ،دار السويدي للنرش
والتوزيع ،أبو ظبي ،الطبعة ،2144 ،4ص :من 345إىل .349
179 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
-فيتمنى أن يكون رحالة يتجشم عناء األسفار، كجحيم اجتمع فيه زمهرير قارس ،وانتفت فيه األشجار
ليمتلك البطولة وزمام سلطة الرسد ،فيبني نصا للتدفئة ،وتورط مجاعة من السيارة داخل أتونه ،فينغم
رسديا آخر. يف تفكري بشأن البحث عن حل هلذه املعضلة تفاديا ملوت
-مرحلة إعادة التأويل :وخالهلا يظهر الوقع اجلاميل يف مجاعي حمقق.
نمط القراءة التي ُيقدمها القارئ؛ حيث ُيقيم جمموعة وقوله أيضا عن رجل من تواتَ " :
فخ َّر رصيعا
من الصور الومهية ،و يبني عوامله اخلاصة كالبطولة " يقتيض هذا احلدث من القارئ البحث عن تفاصيل
الفردية التي تفكر بطريقة خاصة :كاقرتاح وضع التتمة ،فيطرح أسئلة من قبيل:
خطط لتجاوز أخطار أرض التيه ،وتعمري املكان بعد -ما مصري ذلك الرجل الذي َخ َّر رصيعا؟
جتهيزه بكل رشوط احلياة ،والتخطيط لتغيري معامل -ملاذا َختلف ذلك الرجل عن رك احلجاج املغاربة؟
أرض التيه ،واالستثامر السياحي ... -هل َثنى عزمه عىل احلج أنه َخ َّر رصيعا؟
فبعد قراءة نص أديب ،يلزم تقديم استامرة ُتر ِغم -كيف سيتابع سريه ألداء مناسك احلج هو وابنه،
كل قارئ من التالميذ عىل إبداء نمط من ردة الفعل، وعبده؟
والتعليق ،مما يطور قدراته كل مرة: -كيف تستقيم العبودية وأداء مناسك احلج لذلك
أ -هل أوحى لك هذا النص صــورا ،أو أصــواتا ،أو الرجل؟ ولنالحظ أن القارئ قد طفق يبني املعنى
حساسيات أخرى ؟ عدة مرات ،وذلك اعتامدا عىل التفاعل القائم بينه
ب -هل أثار فيك هذا النص جمموعة أفكار متداعية، وبني نص الرحلة يف كل مرة ،فيقدم قراءة بمثابة بناء؛
أو ذكريات شخصية ؟ حيث يبني األحداث من جديد بواسطة التأويل "
ج -هل ذكرك هذا النص بكت أخرى ،أو بأفالم ،أو ،"Interprétationثم يرشع يف نشاط آخر هو
بلوحات تشكيلية ،أو بصور ؟ إعادة التأويل " ." Réinterprétationيلزم إذا أن
د -هل أ ثار تك بعض الع بارات ،وبعض األ حداث، نميز بني مرحلتني:
وبعض املقاطع ؟ -مرحلة التأويل :ويف أثنائها يتم إعجاب القارئ
بالرحالة /السارد إىل درجة التامهي معه،
180 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
رنات ذاتية ،وجتارب متفردة .وطبعي أن يتخلل حصة ر -هل تقاســمت وضــعيات ،وأفكارا ،وقيام مع بعض
حتليل أديب تعج ،أو تردد ،أو تركيز مفاجئ ،أو أصــــــدقــــائــــك أو مــــع املــــؤلــــف؟
ضحك ،أو صمت ،شظية انفعال « . 2 ص -ما هي ردة فعلك عموما التي يمكنك كتابتها؟
األدب بإخالء املكان للذات القارئة يف إن تدري تبادل وتقاســم اإلجابات ملواجهتها ،وتوضــيح س ـمة
القراءة األدبية يتيح للعملية التعليمية -التعلمية عدة الذاتية لكل قراءة .ومن املفيد أيضا جعل الصور
مزايا من قبيل :إرشاك التالميذ والطلبة يف إنتاج املعنى؛ ال ناشــ ئة في نا خالل القراءة تتمظهر كقيم بعض
حيث ينتدبون أنفسهم مللء فراغات النصوص األدبية شخصيات النص.
وفجواهتا ،ويعمدون إىل تأويلها ،لكن يف احلدود التي
األدب هبذه تسمح هبا تلك النصوص ،كام أن تدري يتضح من خالل قراءتنا نص الرحلة النارصية
الشاكلة يمنح معنى للتعلامت القرائية ،وجيدد تصورنا ما يقع حتت برص القارئ ،لكن أن » املهم يف القراءة لي
للمعنى ،وخيول للتالميذ والطلبة استثامرا ذاتيا وفكريا املهم هو ردود الفعل التي تُثريها االنفعاالت فينا كقراء.
ووجدانيا ،ويتيح هلم اكتساب بعض القيم واملثل العليا وردود الفعل متكث فينا عندما يتوارى املقروء وخيتفي،
واخلصال احلميدة لتصبح جزءا من شخصيتهم ،كام مما ُيتيح لنا أن نضع يف حسباننا أن املهم ال يقبع يف َحنايا
ُينمي تدارس األدب لدهيم امليل إىل اإلحساس باجلامل العالمات املكتوبة ،وإنام يف داخل ما تُثريه فينا « .1
- 2احلسن بواجالبن :فصول من كتاب الذات القارئة ،القراءة -1Marie_ joelle Bouchard: Apprendre à lire
األدب ،ترمجة وتقديم ،مكتبة تيفيناغ للطباعة الذاتية وتدري comme on apprend à parler, Hachette, 1991,
Paris, P: 66.
والنرش ،مراكش ،الطبعة ،2124 ،4ص.41 :
181 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
المجلة المغربية للتربية والتكوين
1
Jean-François Thémines
2
وعىل الرغم من هذا 3الرتاكم والتنوع ،يظل ديدكتيك التاريخ واجلغرافيا (.)1993 ،Audigier
اخلطاب املؤسسايت للكفايات (يف السلك اإلعدادي) و"زاوية االستثامر املفضلة" لبناء مقاربة ديدكتيكية هلاتني
والقدرات (يف السلك الثانوي) عاما وفضفاضا جدا .إذ فقد "ََجا َبت (هذه الوثائق) املادتني الدراسيتني،
يتم تقديم تعددية اللغة التعبريية للوثيقة وترابطها عىل وعمرت ممارساهتام ملا يزيد عىل قرن".
َّ
أهنا رضورة ،دون إدراك تعقد تعلمها .وهبذه الكيفية للجغرافية املدرسية تاريخ طويل بخصوص
تتعاطى التوجيهات والتعليامت واملامرسات التدريسية استعامالت صور األرض .فبعد اخلرائط يف سبعينيات
مع مفهوم الوثيقة املركبة & (Leclaire-Halté القرن التاسع عرش ( ،)Lefort, 4772وظفت صور
وبناء عليه ،حيق لنا طرح التساؤل اآليت :ماذا تعني، الثالثينيات ،وصور األقامر الصناعية يف الثامنينيات،
بالنسبة للمتعلم ،قراءة وثيقة مركبة وفهمها يف درس والكرات األرضية االفرتاضية وأدوات حتديد املوقع
اجلغرافيا؟ ما طبيعة الصعوبات الكامنة التي يواجهها يف اجلغرايف والصور الرقمية ثالثية األبعاد التي رشع يف
1
- Jean-François Thémines, « Comment des élèves lisent un document composite en
géographie : Un modèle d’analyse épistémologique et sémiotique en didactique de la
géographie », Pratiques [En ligne], 185-186 | 2020, mis en ligne le 30 juin 2020,
consulté le 15 octobre 2020. URL : http://journals.openedition.org/pratiques/8416 ; DOI
: https://doi.org/10.4000/pratiques.8416
-2أستاذ حمارض مؤهل ،املدرسة العليا للرتبية والتكوين -برشيد جامعة احلسن األول -سطات
183 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
واملنجزة ،التاريخ واجلغرافيا يقدمان كأهنام ينقالن التعامل مع هذه الوثائق لفهم العامل كام هو متصور يف هذه
لنا حقيقة العامل ،فهام حيجبان دور اللغات وزوايا النظر، املادة الدراسية؟
وينكران دور اللغات باعتبارها منهجية للمعنى ،وطريقة بعد توطني قراءة وثيقة مركبة يف األسئلة التعليمية
للتفكري يف العامل. يف مادة اجلغرافيا ،تقرتح هذه املقالة نموذجا للتحليل
املستوحى من السيميائيات .يسمح هذا النموذج الذي
تتميز اجلغرافيا املدرسية بتعدد نامذجها ووسائلها
طبق يف حصة بالصف الرابع بتحديد مصادر الصعوبات
التعبريية ،فقد انضافت إىل صيغة التعبري األيقوين
غري املتوقعة بالنسبة لقراءة الوثيقة املركبة.
واخلرائطي الورقية ،صيغة رقمية مستمدة من املامرسات
1
املهنية واالجتامعية (التوطني اجلغرايف والتصوير
اجلغرايف) .فالبحوث التي يرجع تارخيها إىل بداية تتعدد معاين الوثيقة يف درس اجلغرافيا لسببني:
توظيف املجسامت االفرتاضية للكرة األرضية يتعلق أحدمها بطبيعة اجلغرافية املدرسية ،وهيم ثانيهام
( (Google Earth, Géoportailداخل الفصول مجيع املواد املدرسة.
الدراسية ،تبني أن استثامرها يقع يف صميم التقليد 1-1خصوصية إشكالية املادة الدراسية التخصصية:
الواقعي للجغرافيا املدرسية ،شأنه يف ذلك شأن الوثيقة عىل قدم املساواة مع العامل
املامرسات اخلرائطية السائدة (،Fontanabona نتيجة مهمة للبحوث الديدكتيكية يف اجلغرافيا ،تتعلق
.)2000مما يستدعي طرح البعد االبستمولوجي/ بالواقعية اإلبستمولوجية ،التي متيز إنتاج املعارف يف
املعريف كرضورة لتحليل فهم املتعلمني للوثائق املركبة يف املادة الدراسية Audigier, 1996,Tutiaux-
اجلغرافيا. .Guillon 2004
ندرس النتائج ،بشكل يوحي بأهنا صحيحة بشكل
كامل ،بناء عىل شكلها ،والتامرين واالمتحانات املعدة
184 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
متزامن (الشاشة) ،والتي يمكن للقارئ بواسطة النقر 2-1إشكالية عامة مرتبطة بامدة ختصصية (مادة
عىل الطبقات ،إما إظهارها كلها أو إخفاء بعضها. اجلغرافيا) :الدعامة ،اللغة ،الوثيقة
الوثيقة باعتبارها خطابا(discours): يف اجلغرافيا ،كام يف غريها من املواد الدراسية ،غالبا
يبدو أن للوثيقة املركبة عدة "مكونات مستمدة من ما يوجد تداخل بني املستويات الثالثة لفهم الوثيقة:
أنساق سيميائية ذات طبيعة خمتلفة ،نصوص ،صور، "الوثيقة بوصفها" :دعامة" و"خطابا" و"أثرا
رسوم ،خرائط ،"...بحيث بينت التحليالت لنشاط إلعطائها معنى .(Nonnon, 2012).
الديدكتيكية الستخدامات الصور واخلرائط خصوصية الوثيقة بوصفها دعامة()support؛ أي يف
اخلطابات التي تستند إليها .وأظهرت خصوصية اللغة بعدها املادي (:)matérialité
فهم هذه اللغة عىل التي يستند إليها كل نوع .هلذا جي يتضمن مفهوم الوثيقة يف بعدها املادي فكرة
أهنا أنظمة للتعبري املرك من حيث املحتويات اجلغرافية، "املجال اإلدراكي" أو املجال املدرك .وتنطبق هذه
تعمل يف متفصل بني الصورة املراد رؤيتها ( une األولوية أو اخلصلة من جهة ،عىل الدعامة التي
( )image à voirالصورة يف إحدى احلاالت ،وجمال تضفي وحدة عىل الوثيقة ،ومن جهة أخرى ،عىل األجزاء
اخلريطة يف احلالة األخرى) مع نص يقرأ (عنوان ،تعليق، التي تتألف منها وتستعري منها نسقيتها السيميائية
مفتاح) .تتخذ الصور الفوتوغرافية ،واخلرائط ،والصور املختلفة لتمثيل الواقع والتعبري عن حمتوى جغرايف ،كام
بشكل عام (اإلعالنات ،سيناريوهات التطوير ،صور ثنائية توظيف الدعامات الرقمية إىل جان تؤس
األقامر الصناعية) يف املامرسات السائدة ،وظيفة مساعدة الورقية ،إمكانات جديدة لإلدراك املجايل .تتيح
يف أدوار املدرس التعليمية. la ( géomatique1 املدرسية "اجليوماتيك"
البارز بخصوص النص تم االشتغال عىل اجلان ،)scolaireعىل سبيل املثال ،إمكانية وجود طبقات
املتعلق ببناء معنى ختصيص للكلامت املتداولة بني متعددة من املعلومات املحددة جغراف ًّيا يف املجال
العموم؛ مثل نص خاص باملفاهيم املتداولة حول املدينة اإلدراكي بشكل
يتم متثيل البيانات واملعلومات ذات املرجعية اجلغرافية ،ذات الطابع - 1تشري "اجليوماتيك" ( )La géomatiqueإىل علم وتقنيات
النوعي أو الكمي ،بطريقة تسهل فهمها واستخدامها كأداة مساعدة اكتساب وختزين وحتليل وتفسري ونرش املعلومات اجلغرافية
لتدبري البيئات الطبيعية والبرشية. ((géographie+ informatique).اجلغرافيا +املعلوميات).
185 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
فيزيقيا ،لكنه العالقة بموضوع جغرايف غائ ( )1994 ،Audigierأو التبادل التي نجدها يف مواد
متعدد التمثيل يف الوثيقة. دراسية خمتلفة.
وتأسيسا عىل ما سبق ،سيتم ختصيص ما تبقى من وبذلك ،فإن الوثيقة املركبة تقدم للجغرافيا جمموعة
نص املقالة لبناء وتطوير نموذج حتلييل يستكشف هذه مهمة من األسئلة املتعلقة بالعالقات بني األنساق
اإلشكالية الوظيفية والتواصلية للوثيقة املركبة يف السيميائية.
اجلغرافيا. أما فيام يتعلق بالوثيقة كوحدة معلومات
2 تواصلية :فإنه يمكن فهم الوثيقة وفقا "للمقاربة
الوظيفية والتواصلية توظف ،وفقا للحاجة أو السؤال".
1-2تأطري النموذج التحلييل
بمعنى آخر ،تظهر قيمة الوثيقة تبعا ملن حيسن توظيفها،
لفهم كيفية إعطاء املتعلم معنى لوثيقة مركبة يف
ويف هذه احلالة ،ينبغي للوثيقة أن حتظى باألولوية بالنسبة
درس اجلغرافيا بكيفية مثىل ،سنأخذ بعني
للمتعلمني أكثر من املدرس إلنجاز املهمة املطلوبة .هلذا
من العالقات التي ُتبنى هبا االعتبار ثالثة جوان
من وجهة نظر ديدكتيكية ،فإن الوثيقة املركبة "ليست
وضعية القراءة:
وسيلة شفافة للوصول إىل واقع األشياء التي ال يمكن
األول يعطي األولوية للمحتوى اجلان
إنكارها ،بل هي جمموعة من املؤرشات التي ينبغي
اجلغرايف.
تسليط الضوء عليها .واختبارها يف عالقة مع الواقع".
فكل وثيقة تضع قراءها يف عالقة مع مكان أو منطقة و
قراءة كل وثيقة مركبة استحضار ثالثة تتطل
/أو كائن و /أو دعامة لبناء املعرفة التخصصية
مميزات:
((.)disciplinaireأو عالقة تعويضية)؛ بحيث من
( unitaire et ميزة الوحدة والرتكي
الواضح أن الدعامة الديدكتيكية "تُقدم" بوصفها بديال
)composé؛
عن الواقع ( ،)un substitut du réelلكنها حتمل
تعدد األنساق السيميائية ( la pluralité des
أيضا
)systèmes sémiotiques؛
186 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املحتوى الذي ينظمه املدرس حول فكرة أو غرابة حمتملة ،فمجال اإلدراك احليس يقدم التمثالت
مفهوم جغرايف .ولتحديد رهانات الفهم املرتبطة ربام مناقضة جلزء من املجال األريض البعيد
بالعالقات السيميائية بني الدال واملدلول يف ( .)d’espace terrestre distantولتدقيق
اللغة نظرية عىل سنعتمد اجلغرافيا، الرهانات اإلبستمولوجية/املعرفية للعالقة بالواقع
(Louis ل"هيلمسليف"Hjelmslev1899- الذي تنقله
).1965 وتصورها للوثيقة ،تتم تعبئة مرجعيات
2-2احلالة املدروسة (:)Le cas étudié إبستمولوجيا اجلغرافيا يف متفصلها مع إطارين مرجعيني:
سيتم توضيح أمهية نموذجنا التحلييل من خالل اللسانيات ( )linguistiqueوالسيميائيات ( la
حصة دراسية جترى يف الظروف العادية (دون تدخل .)sémiotique
الباحث ـ خارج منهجية املرشوع) يف الصف الرابع حول الثاين من حالة القراءة يتعلق بإيصال اجلان
موضوع التمدين ،وستخصص لدراسة مدينة "ديرتوا" املعلومات حول املكان املدروس:
األمريكية ،املندرجة ضمن املوضوع األول للربنامج تعني قراءة وثيقة مركبة ربط مكونات حتافظ عىل
بعنوان :التمدين يف العامل .ويتم الرتكيز بعد ذلك عىل عالقات خمتلفة بالواقع الذي متثله ،من خالل اللغات
ربط املدن بالشبكات الرئيسة واالختالفات التي حيدثها منها .ولتوضيح قضايا االتصال الكامنة وراء التي تقتب
ذلك بني املدن املتصلة واملندجمة بشكل جيد يف إطار هذا التنوع ،سنعتمد عىل نظرية العالمات ل"شارل
العوملة .وتلك التي بقيت عىل اهلامش؛ بل يف مواجهة مع ساندرس بريس" Charles Sanders Peirce
ظواهر "التضييق". ).)1839-1914
جترى احلصة بطريقتني خمتلفتني بناء عىل اختالف الثالث يرتبط بخصائص التعبري اجلان
املامرسة التدريسية يف امليدان: للمحتوى اجلغرايف الذي يميز اللغات املختلفة.
يف هذا الصدد ،فإن أي لغة هلا جمال من الكفاءة
والقيود أو احلدود .فقراءة وثيقة مركبة تعني االضطرار
إىل التعامل مع العديد من أنساق التعبري من أجل فهم
187 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
السؤال :ملاذا نقول إن عبارة "مدينة آخذة يف االنكامش" 1-2-2يتعلق االختالف األول بأصل الوثيقة
هلا ما يربرها متاما؟ غري مناسبة ولي الدعامة.
تتضمن كل نسخة ثامنية عنارص :صورتان وخريطة كتابا مدرس ًّيا ،ولكنها وثيقة أعدها هذا لي
موضوعاتية ونصان ورقيان وتقرير مصور عىل موقع املدرس ووظفها يف حصته الدراسية بعنوان "ديرتوا"
وي يمكن الوصول إليه عن طريق رابط إلكرتوين مدينة آخذة يف االنكامش « Détroit, la “ville qui
( )hyperlienومقتطفان من األخبار املتلفزة .rétrécit / shrinking city” »1
متاحان من خالل رمز االستجابة الرسيعة (voir توزع نسخ من هذه الوثيقة عىل نصف املتعلمني يف
).annexe no 1 الفصل لإلجابة عن هذا السؤال :ملاذا يمكننا القول إن
2-2-2يتعلق االختالف الثاين بسيناريو احلصة العبارة "مدينة آخذة يف االنكامش مناسبة وهلا ما يربرها؟
الدراسية ونمط التفاعالت الناجتة بني املدرس واملتعلم، كام توزع دفعة أخرى من هذه الوثيقة عىل النصف
املدرسية أسئلة وتتضمن امللفات الوثائقية للكت منهم اجلواب عن هذا الثاين من املتعلمني ويطل
4914عىل يد فرنيس ":أنطوان دي الموت-كاديالك" Antoine " -1ديرتوا" Détroitهي املدينة الرئيسة لوالية ميشيغان يف
.de Lamothe-Cadillacيأيت اسمها من الكلمة الفرنسية الواليات املتحدة ،وهي معروفة عىل نطاق واسع أكثر من عاصمتها
"ديرتوا" ،يف إشارة إىل املمر املائي الطبيعي بني بحرييت سانت كلري النسينغ ،ومقر مقاطعة واين عاصمة رأس املال األمريكي إلنتاج
وإيري :les lacs Sainte-Claire et Ériéهنر ديرتوا ،الذي تقع السيارات حتى سنوات .4791تقع يف الغرب األوسط األمريكي،
عىل الشاطئ الشاميل منه ،والذي يمثل مساره جزءا من احلدود بني داخل حزام فروست وحزام الصدأ (املعروف سابقا باسم حزام
كندا والواليات املتحدة. التصنيع) ،ويف قل منطقة البحريات العظمى ،تأسست املدينة عام
188 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
السؤال الذي جييبون عنه أو بعبارة أخرى ،لتحديد مدى متعلقة باستخراج معلومات من كل عنرص من عنارص
متلكهم ( )appropriationوإتقاهنم املهمة التي كلفهم امللف ،ثم سؤاال تركيب ًّيا يربط اإلجابات املحصل عليها.
هبا املدرس .يسمح هذا التنظيم كذلك يف حدود مقاربة يؤدي استخدام هذه امللفات إىل حتديد الشكل
ال ترتبط بديناميات الوضعية الديدكتيكية (التفاعل الديدكتيكي للدرس املسمى حواريا ،حيث يوجه
التنظيمي مع املدرس عند مناقشة اإلنجاز الوسيطي) املدرس األنشطة ،ويف حالة تعذر اإلجابة عن األسئلة
لفهم استقبال املتعلمني لـ 'وثيقة مركبة ليتم فهمها يف احلوارية يعيد صياغتها بأسئلة مغلقة (Leininger-
شموليتها .فعادة ،يف ديدكتيك اجلغرافيا ،ال يمكننا .)2014 ،Frézalفأثناء احلصة املدروسة ،يسأل
املامرسات التي جتزئ مالحظتها يف شموليتها ،بسب املدرس سؤاال واحدا فقط (ملاذا يمكن أن نقول كذا .)...
القراءة الوثائقية وحترص املعنى الناتج عن طريق التوجيه ويتوقع السيناريو ثالث مراحل :إنجاز التالميذ،
الدقيق. une production بمفردهم ،إلنتاج وسيط
Le التحليل ( modèle 3-2نموذج ( intermédiaireرسم بياين)؛ مناقشة هذا اإلنتاج مع
:)d’analyse املدرس؛ اإلجابة النهائية une réponse finaleعن
1-3-2الداللة (:)Signification السؤال املطروح انطالقا من املنتج املستخلص.
التحليل االبستمولوجي استحضار متييز يتطل فبالنسبة للمدرس ،فإن إنتاج نصوص متباينة (تبعا
أعده اجلغرايف "دوفيني" A. Dauphinéبني املجال ألجوبة املجموعتني عن سؤال "ما إذا كان يمكننا القول
األريض" :حقيقي وملموس [ ]...معطى و ُمنتَج إن صيغة "مدينة آخذة يف االنكامش" مربرة متاما أم ال)
ومعيش ومدرك" .1واملجال اجلغرايف" :مفهوم بناه تغذي وقتا إلضفاء الطابع املؤسسايت ،عىل احلصة
اجلغرافيون إلضفاء الطابع العلمي عىل خصائص املجال املوالية ،عىل املعرفة املرتبطة ب"انكامش املدن".
األريض" 2.وعىل الرغم من أن اجلغرافيا املدرسية ،منذ أما بالنسبة للباحث ( ،)le chercheurيسمح هذا
الثامنينيات ويف توافق مع اجلغرافيا العلمية ،قد ركزت التنظيم بإعادة البناء انطالقا من النصوص التي أنتجها
تعريف حمتوياهتا عىل مفهوم املجال (الربامج ،الكت املتعلمون ،قبل حلظة إضفاء الطابع املؤسيس ،عىل
1
concepts de la géographie. Paris/New - DAUPHINÉ, A. (2001). « Espace terrestre et
)York/Barcelone : Masson, p. 53 espace géographique ». In : Bailly A. (éd.). Les
2
)- (ibid., p. 53
189 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
كون هذه املجالية يف شكل دعامة ،تتعارض مع التعبري املدرسية ،املامرسة الديدكتيكية ،والتقويامت الرسمية)،
عن املحتويات التي ال ختتزل يف هذه املجالية اإلقليدية، فقد ظل استخدام هذا املصطلح غامضا .فإذا تم اعتبار
دون إغفال األبعاد االقتصادية واالجتامعية للمجتمعات املجال مفهوما م ِ
دجما ملحتويات اجلغرافيا (Hertig, ُ
املرتي système بالنظام وعالقتها املعارصة ) 2012فإننا نتحدث عن املجال اجلغرايف؛ يعني البناء
.métriqueفتحويل املسافة -الكلفة (la distance- الفكري اخلاص هبذه املادة ،يتم تنفيذه حلساب املجال
)coûtأو املسافة الزمنية ( ،)la distance-tempsيف األريض /سطح األرض ،ظروف وجود الكائن
املجال -الوثيقة ( ،)un espace documentبمسافة البرشي ،مكان هيأته وحولته وامتلكته جمتمعات برشية
مرتية ( ،)en distance métriqueيشكل مترينا (مرجع).
مفيدا ،لكنه يبقى دائام غري ُمر ٍ
ض".2 يسمح هذا التمييز بافرتاض أن الوثيقة ،يف درس
وبالتايل ،فإن كل حمتوى جغرايف يتضمن خاصية اجلغرافيا ،هتدف إىل بناء املجال اجلغرايف انطالقا من
املجالية " التي تنشئ عالقات مسافة قادرة عىل بلوغ أماكن وجهات من العامل املدرك واملنتج كمجال أريض؛
الكائنات واألشياء ،وعالقات مع اخلصائص (اقتصادية، أن تكتمل هذه الثنائية بمفهوم املجال املتم َثل. إذ جي
اجتامعية ،ديموغرافية ،ثقافية ،)...من تلك التي ُمتفصلها فقد حتدث اجلغرايف واالبتسمولوجي " كراطالوب"
األشكال املجالية. GRATALOUP. Cعن هذا املوضوع "املجال-
2 1
- (ibid., p. 33). - (ibid., p. 33).
190 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
MacLeanباإلضافة إىل عرش صور أخرى للمؤلف – الكلفة ،واملسافات الوجدانية ،والثقافية ،واالجتامعية،
نفسه .وهو مرتبط أيضا برمز االستجابة الرسيعة مع والبيئية...
مقتطفني من الربامج اإلخبارية التلفزيونية الفرنسية 2 وحيتوي كل جزء من الوثيقة املركبة عىل مادية
املخصصة إلبراز تطور مدينة .Détroitباإلضافة إىل جمالية (( )une matérialité spatialeاملجال
العنوان والتعليامت ،يتم تنظيم املجال اإلدراكي عىل اإلدراكي) ( ،)espace perceptuelحيث يتم التعبري
الورق من خالل الصورتني اللتني تقدمانه وتغلقانه. عن خصائص املجال األريض املدروس بلغة معينة .لكن
وتستند قراءة هاتني الصورتني الفوتوغرافيتني عىل الدعامة يف اندماجيتها ،حتتوي عىل العديد من
خصائص نسق التعبري األيقوين (:)2008 ،Mendibil اخلصوصيات تستغل للتعبري؛ إذ تشكل مساحاهتا
يكون املعنى املعطى للصورة موجها بنصيتها اخلاصة ،وموقعها النسبي ومتظهراهتا (بإطاراهتا،
( )textualisationاملرتبط بإطار ضيق نوعا ما حول وعناوينها )...عىل الورقة أو الشاشة ـ تشكل ـ مادية
املوضوع ،مع زاوية نظر مائلة عمودية. جمالية بأعىل املقايي ؛ حيث تصبح األوىل (الورقة) كام لو
2-3-2التواصل (:)Communication كانت معبأة.
تصف نظرية العالمات ( La théorie des أكثر من ذلك ،تصبح جمالية التمثيل يف حد ذاهتا
)signesل C. S. Peirceحقائق التواصل البرشي ُمكونة ماديا عىل حامل ورقي ،أو من خالل الشاشة،
انطالقا من الدراسة املنطقية الشتغال العالمات التي بمختلف أنامط متظهراهتا (روابط اإلنرتنت ،روابط
يف كل عالمة تدل املادية املحسوسة تستخدمها. رقمية ،رموز االستجابة .)QR
(مكتوبة ،مرسومة ،مصورة ،صوت ،فيلم مصور) عىل يف حالتنا ،يكون املجال اإلدراكي مدجما .يتم متديد
يشء آخر غري ذاته بالنسبة لشخصني أثناء التواصل. الدعامة الورقية بواجهتيها :عنوان النشاط والتعليمة،
فاملاثول "[ "un representamenعىل سبيل التي توحد الوثيقة وظيفيا ،بطريقتني .تؤدي الروابط
املثال الصورة البرصية أو الصوتية للكلمة] هو موضوع الرقمية املوجودة أسفل الصورة األوىل إىل مقال عرب
عالقة ثالثية مع ثان يسمى موضوعها [حقيقي أو يمكن اإلنرتنت نُرش عىل موقع New York Timesحيث
ختيله أو ال يمكن ختيله والذي حييل عليه األول] لثالث يكتشف القارئ نصا متهيديا لعمل املصور A. S.
191 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اكتشف 3Charles Sanders Peirceثالثة أبعاد يسمى مؤوهلا [صورة ذهنية مرتبطة هبذه الصورة
من االشتغال املنطقي للعالمات: البرصية أو الصوتية] .هذه العالقة الثالثية هي أن املمثل
( dimension الرتكيبي البعد العالقة الثالثية مع نف حيدد مؤوله للحفاظ عىل نف
( )syntaxiqueالعالمة يف عالقتها بذاهتا)؛ املوضوع لبعض املؤولني.1
البعد الداليل ()dimension sémantique هكذا ،فإن الرسم التخطيطي ملدينة (،)Détroit
(العالمة يف عالقتها باملوضوع)؛ باختيار عنوان الوثيقة املراد قراءهتا ،هي الصورة البرصية
البعد التداويل (( )pragmatiqueالعالمة يف التي سريبطها القارئ بالصورة الذهنية ملدينة
عالقتها باملؤول). ( ،)Détroitوهي الكلمة التي تشري إىل جزء من الواقع،
يتوافق تصنيف العالمات املأخوذة من أعامله مع البعد يف الوضعية التعليمية -التعلمية ،وأن مواصفاهتا هي
الداليل .نستخدم هذا التصنيف لتمييز رهانات التواصل التي حتدد أهنا مدينة .من املرجح أن يؤدي كل حتقق
يف اجلغرافيا املدرسية .ويف هذا اإلطار ،تشري املادية الحق ( )occurrence ultérieureإلدراك هذا
مع الوثيقة التي ندرس قراءهتا ،ختتلف هذه الصورة الذهنية ،عىل سبيل املثال من خالل املؤهالت
العالقات من جزء إىل آخر ،وكذلك داخل اجلزء نفسه. واأللقاب املنسوبة إىل ديرتوا ( :)Détroitمدينة
فيام يتعلق بالعنوان ،إذا كان الرمز يشري إىل موضوع -ما السيارات ،مدينة األشباح ،املدينة املنكمشة ،املدينة
يمكننا تسميته أيضا املرجع -املسمى ديرتوا ،بالنسبة األكثر جنونا ،واحدة من أفقر املدن ،مسقط رأس ال
لبعض الصور يف هذه الوثيقة ،املرجع هو قطعة une موتاون ( ، )berceau de la Motownمدينة ثقوب
ville "gruyère2.
قبل كل يشء :للكلامت عالقات عادية وطبيعية مع parcelleأو جزيرة un îlotأو مبنى ،أو حتى جزء من
املوضوع .الصورة البرصية و /أو الصوتية يف "ديرتوا" املجموعة احلرضية يظهر فيها وندسور(، )Windsor
هلا عالقة متاثلية( )analogiqueأو Détroitلي الضاحية الكندية لديرتوا .هذه العالمة األوىل للتنوع
مؤرشاتية ( )indiciaireمع ما حتدده .ومع ذلك، ختتم الطبيعة الوصفية ملرجع الوثيقة املركبة يف اجلغرافيا،
يمكن استغالل العالقة املجازية ،كام هي احلال مع هذه لكنها جمتمعة يف فعل القراءة ،مع تعدد العالقات املنطقية
الصيغة ألحد املكونات النصية" :ديرتوا ،التي تغطي بني املاثول واملرجع.
مساحتها ما يعادل سان فرانسيسكو وماهناتن وبوسطن يميز " بريس" بني ثالثة أنامط من عالقات الرمز
جمتمعة ،ال تزال تبدو وكأهنا مدينة جبن سويرسية باملوضوع ،والتي يسميها األيقونة واملؤرش والرمز.
[التشديد مضاف] مع جزر غريبة من اخلرضة التي األيقونة :تقيم عالقة متاثل مع املوضوع الذي
بقيت حوهلا أطالل شبحية". متثله .وينقسم هذا النوع من العالقات إىل أنواع فرعية:
فاجلزر اخلرضاء بالنسبة ملدينة "ديرتوا" Détroit استعارة ،رسم بياين ،وصورة .تؤس
هي بمثابة ثقوب يف قطعة من اجلبن تستخدم تسمية حزام االستعارة متاثال نوعيا بني العالمة واملوضوع ،والرسم
الشم ،والتي عادة ما حتدد يف اجلغرافيا املنطقة احلرضية البياين متاثال عدديا (،)une analogie numérique
[يف اجلنوب الرشقي] الواليات املتحدة املتأثرة منذ والصورة مماثلة للشكل ( l’image une analogie
سبعينيات القرن املايض بالرتاجع عن التصنيع ( la .)de formeمن ناحية أخرى:
( la والفقر )désindustrialisation املؤرش يشري إىل عالقة واقعية بني العالمة
( la السكان وهجرة )paupérisation واملوضوع -عىل سبيل املثال ،ريشة girouette la
)dépopulationوال خيلو من االجتاه نحو العالقة والرياح .أخريا: الطق
املبنية عىل املؤرش ( )un rapport indiciaireالذي الرمز حييل عىل عالقة متفق عليها اعتباطية
يتوقع القارئ من خالله أن يرى مدن املصانع املهجورة. بطريقة ما.
وسنعود يف التحليل إىل مشكلة الفهم التي تطرحها فالوثيقة توظف عدة لغات تعبريية خمتلفة؛ يف اللغة
الصيغة املدرجة يف العنوان :مدينة آخذة يف االنكامش اللفظية أو املكتوبة أو الشفوية ،تكون العالقات رمزية
193 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
تعليق ،مفتاح) إىل عالقات خمتلفة ،وبخاصة البعد ( ،)la ville qui rétrécitأو فئة املدينة التي
املجازي .بالنسبة إىل الطابع املتغري للمرجع املمثل ،فإن تتعرض لالنكامش ( la catégorie Shrinking
تعدد العالقات املنطقية التي أقيمت بني املاثول واملرجع، .)City
والتي يتم استغالهلا بشكل خمتلف وفقا للغات التعبريية، تستعري الكارطوغرافيا ) (La cartographieإىل
يضفي عىل التواصل طابع التعقيد. حد كبري من الصورة ) (CS Peirceاألشكال
3-3-2التعبري (:)Expression واملسارات املمثلة ،ومن الرسم التخطيطي سمك
تكتيس النظرية اللسانية ل L. Hjelmslevأمهية اخلطوط لتمثيل الطرق يف "خريطة استغالل الرتبة يف
بالغة لفهم طريقة تعبئة أشكال اخلطاب التعبريي يف مدينة ديرتوا ».
الدرس اجلغرايف مستحرضا مادة التخصص .فهذا من جهة أخرى ،ويف هذه اخلريطة نفسها ،تتخذ
اللساين يعوض ثنائية الدال واملدلول بثنائية التعبري األرقام التي متثل معدالت الترسب بعدا رمزيا .وهذه
واملحتوى. ليست هي احلال مع املساحات املسطحة ذات اللون
عالوة عىل ذلك ،فهو يميز الشكل واملادة يف كل من األخرض ،والتي متثل جماالت خرضاء عىل خريطة
هذين املستويني؛ الشكل هو ما يقطع مادة ما أو يعرب عنها الدعامة الوثائقية الثانية .ثم االختيار املجازي /الرمزي
أو ينظمها يف حد ذاهتا بشكل غري متبلور .من حيث دور املؤرش باعتباره موجها لقراءة اخلريطة الذي يلع
التعبري ،ينظم الشكل مادة حساسة وملموسة ويعرب الواقع يف ذروة يف كثري من األحيان ،مما جيعلها تعك
عنها .يطبق شكل التعبري عىل جمال الكفاءة األصيل العرض.
اخلاص به ،وهو يتوافق مع القواعد الصوتية اخلاصة الفوتوغرافية األيقونوغرافيا وتعمل
بلغة ما ،والتي حتدد ،من سلسلة األصوات التي يمكن يف )L’iconographie (photographique
أن ينتجها جهاز صويت برشي ،عددا حمدودا من الوقت نفسه عىل توظيف العالقات التناظرية واملؤرش
األصوات والعالقات التي توحدهم .من حيث للجزء األيقوين من الدعامة :اإلدراك املرئي جلزء من
املحتوى ،يتوافق الشكل مع التقسيم إىل وحدات ذات املجال يؤكد للقارئ وجود هذا اجلزء من الواقع .أحيانا
معنى أو فئات ،ملادة يتم تنظيمها بطريقة أخرى. تؤدي الصورة النصية ( la textualisationعنوان،
194 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اجتامعية ،كثقافة وديمغرافيا ...هذه االعتبارات ليست بالنسبة ل"هيلمسليف"" ،حيتوي أي نظام للصور
بال فائدة يف فهم تعقد العالقات السيميائية املركزة يف يف خدمة العالمات يف حد ذاته عىل شكل من أشكال
وثيقة حمددة .لنأخذ مثاال من بني األمثلة األخرى التي التعبري وشكل من أشكال املحتوى" .1العالمة هي "يف
نحن بصدد حتليلها :تطور الوظائف احلرضية يف مدينة اآلن نفسه عالمة عىل جوهر املحتوى وعالمة عىل
آخذة يف التقلص .يتعلق األمر بظاهرة اقتصادية ،يتمظهر مضمون التعبري".2
فيها البعد املجايل عرب تغريات يف امتالك واحتالل باإلضافة إىل ذلك ،فهو يميز يف كال خمططيه الشكل
املجال ،يف كل األمكنة التي تتميز باهلجران والتخيل، واملادة ،فالشكل هو ما يمكن تقسيمه وجتزيئه ،هو يشمل
وبفالحة حرضية. املادة ويضمها ،شكل التعبري يتوافق مع القواعد اللسنية
دعونا نأخذ حمتوى واحدا من بني حمتويات أخرى والفينولوجية املرتبطة بلغة معينة ،والذي يسمح بتشكل
يف احلالة التي نقوم بتحليلها :تطور الوظائف احلرضية يف جهاز صويت برشي ،يمكن أن ينتج وحيدد عددا حمدودا
"مدينة آخذة يف االنكامش" .يتعلق األمر بظاهرة من الظواهر والعالقات التي توحده.
اقتصادية تؤثر يف املجال عرب تغريات يف استخدام عىل مستوى املحتوى ،الشكل يتوافق مع تقسيم
األرايض ،يف أماكن خمتلفة تتميز باهلدر والزراعة احلرضية الوحدات يف املعنى أو الدرجات اخلاصة بالشكل القابل
إلعادة االستيالء. للتنظيم ،وبتعبري آخر وحس " Hjelmslevأي نظام
تقرتح الوثيقة أربع حاالت من التعبري :شكل للرموز يف خدمة الداللة حيتوي يف ذاته شكال للتعبري
التعبري وشكل املحتوى -ملادة يمكن وصفها بأهنا وشكال آخر للمحتوى".
"خرضاء" من حيث التعبري (األخرض كقطعة قمنا بقص اإلشارة إذا " هي إشارة إىل شكل حمتوى وشكل
الطيف املستمر لأللوان) والذي من حيث املحتوى ،له للتعبري".
عالقة بتطور الوظائف احلرضية أو خاصية استخدام انسجاما مع التصنيفات ،فإن إبستمولوحيا
األرايض احلرضية التي متيز املدن األمريكية املرتاجعة. اجلغرافيا تم بناؤها عىل قاعدة املحتوى ،الشكل الذي
احلالة األوىل :تظهر من خالل عنوان الصورة التقسيم إىل وحدات جمالية ،كشكل اجتامعي يناس
"حديقة مجاعاتية حرضية مزروعة يف مكان ملنازل منظم ،أو بتعبري آخر :كمفهوم اقتصادي كبنيات
2 1
)- (ibid., p. 76 )- (Hjelmslev, 1976 [1943], p. 77
195 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اجلغرايف يشري فقط بطريقة غري مؤكدة إىل املوضوع .من مهجورة" ،والتي تشري إىل املجال األيقوين للتمثالت،
املحتمل أن بعض هذه "املجاالت اخلرضاء" (املتنزهات وإىل املنظر املائل ( )la vue en obliqueلصفوف
واحلدائق) مل تكن وليدة األزمة يف "ديرتوا" .Détroit النباتات املزروعة وأنفاق الزراعة ،داخل املشارات (قطع
ال تسمح لنا الوثيقة باملعرفة ،لكن بالنسبة للتالميذ، األرايض) التي حتدد الطرق احلرضية وتقطعها.
يمكن مقارنة هذه "املجاالت اخلرضاء" بـ "جزر باختصار ،مادة خرضاء حساسة (باألحرى ظالل
اخلرضة" املذكورة يف النص السابق.
احلالة الرابعة :تعيد القارئ إىل األيقونات؛ يف خرضاء ،زرقاء وكذلك رمادية من أنفاق الزراعة)
مقدمة الصورة عىل النحو التايل" :جيذب مرشوع تتشكل بواسطة خطوط األنفاق ولوحة الطرق (شكل
هايدلربغ Le projet Heidelbergبمنازله امللونة التعبري).
واملنشآت الفنية املصنوعة من األشياء التي تم إنقاذها املحتوى ،مدعوما أوال بالعنوان ،مادة وعىل جان
91111شخص سنويا" ،قطعة من العش ،خرضاء التغيري التي تعرب عن "بدال من" الشكل املكاين الذي هو
زاهية حتت السامء الزرقاء (عىل شكل التعبري) ،يأيت من شكل قطعة األرض أو املنطقة الفرعية.
دون تسطري نيص ،للتوقيع بطريقة ما عىل إمكانية التجديد احلالة الثانية :تطرأ هذه املرة بواسطة نص
احلرضي من خالل الثقافة يف "ديرتوا"( Détroitشكل صحفي قصري حيث يصف "مدينة عتيقة هبا جزر غريبة
من أشكال املحتوى). من املساحات اخلرضاء ما زالت حتيط هبا أطالل
ماذا يعني قراءة وفهم وثيقة مركبة الكتساب املعرفة شبحية" .الصيغة التي جتعل من فئة املساحات اخلرضاء
اجلغرافية؟ البنية األولية ملدينة عتيقة (شكل جمايل ينظم جوهر
فالنموذج الذي تم تطويره حيتفظ بأنه يتعلق ب: اقتصاد يف حتول).
)4نشاط تنظيم املحتوى باستخدام أنظمة تعبري احلالة الثالثة :تتعلق بخريطة استخدام األرض
مناسبة بشكل خمتلف للتعبري املكاين الذي يميز هنج املادة يف Détroitحيث يشري املفتاح إىل "املجاالت اخلرضاء"
(اجلغرايف) للتواصل االجتامعي؛ (شكل املحتوى وظيفي) ممثلة بمناطق خرضاء صلبة
(شكل من أشكال التعبري) .مع ذلك ،فإن املحتوى
196 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ديرتوا ،Detroitوالعمل عىل التقديم بشكل متعدد )2مرجع قابل للتمثيل بطرق متعددة ولي
األبعاد عرب وجهات نظر وعرب أنظمة سيميائية؟ بالرضورة متوافقة ،عىل الرغم من أنه غالبا ما يتم حتديده
تم إنتاج ثالثة أنواع من النصوص من ِقبل التالميذ، بطريقة موحدة (الطوبونوميا :اسم موقع)؛
تنسجم مع أشكال استدماجهم للمهمة املقرتحة .يمكن أنظمة التعبري دور )3بواسطته (النموذج) تلع
التعبري عنها أيضا كشكل من أشكال حل مشكل طرح العالقات السيميائية املتعددة يف جمال إدراكي ،وهو نفسه
عليهم مع ما يتطلبه ذلك من معرفة ببناء املحتوى وحدوي ومرك .
اجلغرايف املقبول ،من خالل كل متقابل متعدد من بعض املالحظات حول دراسة حالة لوثيقة مركبة:
اإلشارات التي يبحث هلا عن مؤرشات ،تقود نحو إجابة الواقعية التي حتكم إنتاج املعرفة يف اجلغرافية املدرسية
مبنية ،خمترصة وموحدة. تتغذى من املامرسات املرتبطة بالتوجيه الضيق لألسئلة
النوع النيص األول ،نتاج لنشاط يروم ترتي حول الوثيقة بعدد أقل وبشكل تسلسيل .إهنا تفرغ وتنزع
معلومات تم جتميعها من ثنايا الوثيقة املكتوبة. عن التالميذ أي شكل من أشكال املسؤولية التحليلية يف
» أعتقد أنه يمكننا القول بأن تعبري"املدينة اآلخذة يف التعامل مع وثيقة تركيبية ،لكن يف دراسة احلالة التي
مربرا؛ ألنه إذا غادر املدينة نصف التقلص" لي درسناها بشكل خمتلف عن املامرسة االعتيادية ،تم حتميل
سكاهنا ،ال تزال هناك أشغال حرضية مثال خط التالميذ مسؤولية إعطاء املعنى للوثيقة املركبة التي
الطرامواي واملنازل امللونة ،أيضا هناك العديد من السياح قدمت هلم .عندما يفوض املدرس هذه املسؤولية ،كيف
الذين يأتون لزيارة مدينة . Thomas يتعاطى التالميذ معها؟ ما هو نموذجنا التحلييل ،ما
املدينة تتقلص وتنكمش منذ 2119بالتزامن مع الصعوبات التي يواجهوهنا يف قراءة الوثيقة؟
اهنيار املقاوالت ،البيض أصبحوا يغادرون نحو هو القيام بتحليل لعينة ،إنام هو اهلدف لي
الضواحي .بقي مركز املدينة مسكونا ،لكن الباقي أصبح وبمساعدة مقتبسات من نصوص التالميذ ،طريقة
مهجورا ،إذا نعم ،مدينة ديرتوا تنكمش وتتقلص ،لكن تدبريهم واإلشكاليات والنموذج املعتمد يف حتديد
ربام يمكن هلذا أن يتغري الحقا) .ليو .« (Léo املجاليات املركبة :الديموغرافية االقتصادية والثقافية...
واخلاصة بموضوع ما حمدد هنا يف دراسة حالة مدينة
197 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املعجبني بأطالل ديرتوا] [...اآلن ديرتوا مليئة باإلثارة، يقارب املتعلمون مؤرشات اجلاذبية املفقودة،
وأصبحت حتوي 91111نسمة. املحفوظة أو املعاد اكتشافها للمدينة ،مع الداللة التي
ديرتوا مزدهرة ،اخلط األول للطراموي تم تدشينه، يعطوهنا لكلمة التقلص /االنكامش ،والتي تفيد فقدان
باعت املدينة املنازل باملزاد ،املباين الكبرية اخلاصة بصناعة أو عدم فقدان املركزية .يتم تصور املدينة بشكل كيل من
السيارات ال تزال حتتفظ بمراكز أبحاثها .ديرتوا صدت خالل التطور ،االرتفاع أو االنخفاض ،ترتجم بشكل
النزيف االجتامعي واالقتصادي« ). (Tom جمايل من خالل التوسع أو الرتاجع .يبني املتعلمون
ينتقي التالميذ املعلومات التعبريية التي حتيل إىل نموذجا للتفكري االجتامعي ينظرون ويصنفون من خالله
ديرتوا ،لكنهم يدجموهنا مع حمتويات خمتلفة: املدينة ،يف استمرارية للمامرسات ،باعتبار املكان:
حمتوى مورفولوجي من " اخلط األول مركز ًّيا ،وكثيفا ،ونشيطا.
للطراموي اخلاص باملدينة" ينتقي املتعلمون املعلومات التي يمكنهم معاجلتها عرب
حمتوى التوطني مع" البنايات الكربى للسيارات شبكة اجلاذبية/النفور ،التمركز /التخفيف ،التوسع/
ال تزال حتتفظ بمراكز بحوثها يف ديرتوا" االنكامش .استعارة رصحية ملدينة Gruyère1مل ترد،
حمتوى الفاعل يف التهيئة :املدينة وضعت املنازل حقيقة املجال الصور الفوتوغرافية يمكن أن تعك
يف املزاد. هذا هو رهان تصنيف ونمذجة مدينة بناء املسكون .لي
املعاجلة الشخصانية املستعملة يف بداية وهناية النص عىل تشخيص عام حلالتها الراهنة.
تسمح بتعددية األصوات اخلاصة بالرسد :ديرتوا يف قمة يف النوع الثاين من النصوص ،يقوم التالميذ بإعادة
االجتامعي النزيف صدت ديرتوا االزدهار، ديرتوا. رسد لبطل الرواية الرئي
واالقتصادي. »كان هناك زمن عرفت فيه املدينة تقلصا ،لكن هذا
مواضيع رسدي يصادفه تدري يرتبط النص بجن كان يف املايض ،ست سنوات بعد ذلك إذا كانت هناك
اإلعداد يف اجلغرافية & (Leininger-Frézal أزمة اقتصادية ،فإن الفنادق عرفت تدفقا للسياح،
Carré, 2016
1
Gruyères est une ville médiévale située dans le
canton suisse de Fribourg
198 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
والعامرات املدمرة .أعتقد أن ديرتوا تتقلص ،لكن هذا هذا تصنيف للتقلص الذي هو موضوع هذا لي
يفرتض فصل املجال عن الشكل االجتامعي ،بمعنى العمل ،لكنه مسار لكيان يكاد أن يكون جغرافيا.
فصله عن اختالف التالميذ الفاعلني يف النوع النيص النص الثالث يتالءم بشكل أفضل مع اهلدف من الوضعية
األول ،وعدم جعل جمال االنعكاس الويف للتطورات املقرتحة من قِبل األستاذ ،والتي تتحدث عن مدينة
االجتامعية ،لكن تعريفهم باستقاللية االشتغال الذي من تتقلص «ville qui rétrécit/Shrinking City
خالله يستدجمون أمهية الفاعلني االجتامعيني ،وهذا .».
يفرتض أيضا ،عىل اختالف التالميذ الفاعلني يف النوع باختصار ديرتوا ليست مدينة تتقلص ،لكنها تنكمش مع
الثاين من النص ،فصل جمالية الشكل احلرضي واملجالية العلم أن املدينة ال تتقلص عىل مستوى األبعاد " التمدد
اخلاصة بالديمغرافيا وأيضا واملساحة" لكن تنخفض من حيث العدد.
أعتقد أن ديرتوا تتقلص بمعنى أن املدينة تفقد عددا من
املنازل املخربة سكاهنا ،وأيضا من حيث املساحة بسب
اجلغرافيا ،فإن املتعلمني مع ذلك خيتلفون بشدة يف ،Florentin, Fol & Roth 2009,ومفهوم
ختصيص السؤال املطروح عليهم. التضخم surdimensionnementللنسيج احلرضي
كام أن عرض هذا التنوع يف النصوص يسمح لنا بصياغة بالنظر للعدد احلايل لسكانه (.)Florentin, 2016
الصعوبات التي ال يواجهها التالميذ عموما التوجيه باالقتصاد ،وعدم استيعاهبم للمفهوم يف خانة الكيان
الصارم لألنشطة مع الوثيقة يف جغرافيا املدرسة. احلرضي املتمتع بحياة مستقلة(ديرتوا).
ويتيح نموذج التحليل املقرتح حتديد ثالثة رهانات
تتوافق مع أكرب عدد من رهانات متلك التفكري النقدي تصطدم قراءة وثيقة مركبة ،دون شك ،بصعوبة بناء
ومهارة الرتكي ،حيث يتعني عىل املتعلمني ممارسة سؤال من ِقبل املتعلمني يسمح بإسناد معنى إليه .وإذا
مسؤولية تفسري الوثيقة املركبة والتعليامت املصاحبة هلا. قام املدرس بتثبيت عالمات الوحدة الدراسية :عنوان
الرهان األول هو "تدبري" إمكانات التعبري عن وتعليمة يف اجلزء العلوي من املجال اإلدراكي الذي
البعد املجايل للمحتوى اجلغرايف ،والتي ختتلف جيمع أنواع املكونات املتوقعة من الوثيقة املركبة يف
199 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
شكل الرسم ختطيطي املعتمد يف قراءة الوثيقة املركبة باختالف اللغة املستخدمة يف الوثيقة استجابة لتعليامت
ملجال جغرايف معني؛ حقيقة مفادها أن اإلنتاج النهائي الذي، هنا.املدرس
يتعلق "بتدبري" الوثيقة للقراءة يف:الرهان الثاين يستند إىل التعبري اللفظي يف التعامل مع الوثيقة املركبة
نظرا ألن هذا يقلل من تعقيد.سجل الفكر االجتامعي )spatialité( التعبري عن املجالية جيعل من الصع
العمليات الرتكيبية من خالل اإلشارة إىل اخلربة غري مقارنة،التي تتميز بالبداهة والتجزئة والوسطية بينهام
املدرسية للمتعلمني؛ عن طريق،مع توظيف األيقونات ورسم اخلرائط
هو أخذ تعدد وجهات النظر املمثلة يف:الرهان الثالث وبناء. التي تعرب عن املجالية بشكل أفضل،القياس
الوثيقة املركبة لإلجابة عن السؤال املطروح يف فإن اللغة الشفوية املكتوبة قد تكون أكثر قدرة عىل،عليه
...االعتبار مقارنة مع.دعم املحتوى الديموغرايف واالقتصادي
1
2
أكدت جائحة كوفيد 47اهلوة الشاسعة بني املدرسة التي تستمر يف الرتكيز عىل تقديم املعارف ،واألوضاع
احلياتية التي تزداد تعقيدا ،وحتى يكون درس التاريخ املدر،ي قريبا من اهتاممات املتعلمني ،ويؤدي وظيفته املجتمعية،
مراجعة يأيت اقرتاحنا بإدراج مواضيع من التاريخ البيئي يف برامج االجتامعيات بالثانوي اإلعدادي؛ وذلك يتطل
شاملة وجذرية لربامج مادة االجتامعيات -وهو مطل ظل مستمرا من ِقبل املدرسني -مراجعة جدية وحقيقية توخيا
لتجويدها ،لتجاوز طول الربنامج احلايل وكمه املعريف الدسم ،واضطراب مضامينه ،وبياضاته الكثرية ،وذلك وفق
مقاربة تشاركية ،وباستحضار النقالت األبستمولوجيا التي حتققت يف جمال املعرفة التارخيية ،إن عىل مستوى املقاربات
أو القضايا أو املواضيع التي جي أن تبقى لصيقة باحلاجيات امللحة للمجتمع ولإلنسانية عامة ،وجتاوز الرؤى التقليدية
للتاريخ ،والسعي نحو معرفة تارخيية أكثر شمولية ،وأكثر انفتاحا عىل خمتلف قضايا املجتمع.
:التاريخ البيئي -الربامج واملناهج -االجتامعيات -الكتاب املدر،ي -الثانوي اإلعدادي
-1أستاذ االجتامعيات ،طال باحث بسلك الدكتوراه ،خمترب املغرب واحلوض الغريب للبحر األبيض املتوسط :التاريخ ،الرتاث ،املوارد ،كلية
اآلداب -مراكش.
-2أستاذ التعليم العايل ،كلية اآلداب والعلوم االنسانية ،القايض عياض -مراكش.
202 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
برامج التاريخ .وهذا يقودنا إىل طرح السؤال اإلشكايل مع تفيش جائحة كوفيد ،18ويف إطار محالت
اآليت: التي اضطلع هبا املدرسون داخل التوعية والتحسي
هل تفاعلت املضامني احلالية ملادة االجتامعيات - املؤسسات التعليمية ،هبدف ضامن االلتزام بتطبيق
وبخاصة مادة التاريخ -إجيابا مع العديد من القواعد واإلجراءات الصحية ،ويف إطار التفاعل مع
اإلشكاالت التي ترهن واقع ومصري اإلنسان / أسئلة املتعلمني واملتعلامت ،وعند احلديث عن اجلوائح
املواطن املغريب ومنها قضايا البيئة؟ واألوبئة ،وبعد إعطاء أمثلة من تاريخ املغرب ،ظل سؤال
ويتفرع عن هذا السؤال املركزي األسئلة الفرعية اآلتية: بالقليل من املتعلمني واملتعلامت يرتدد ،وهو عدد لي
ماهي اخللفية التي حتكمت يف اختيار التيامت كاآليت :ملاذا ال ندرس مثل هذه املواضيع يف مادة
Thèmes؟ هل متكنت من أجرأة املرصح به عند تنزيل التاريخ؟
الربامج؟ تقتيض األمانة العلمية أن ننقل جوا معربا وذا دالالت
هل عكست هذه التيامت النقالت االبستيمولوجية كبرية وعميقة ملن حيسن النظر يف األشياء والتأمل
التي عرفتها املعرفة التارخيية؟ والتمعن بعمق يف املواقف يف آن واحد؛ فعند احلديث عن
ما جدوى احلديث عن مدرسة تارخيية مغربية ،وما اجلوائح واألوبئة يف تاريخ املغرب ،ترى الدهشة مقرونة
راكمته من انتاجات علمية رصينة ،وطرقها ملواضيع باللهفة وممزوجة بالنهم املعريف والشغف يف أعني
دقيقة يف تاريخ املغرب ،إن مل جتد طريقها الطبيعي إىل املتعلمني ،وهي أمور طاملا افتقدها درس التاريخ
الكت املدرسية؟ املدر،ي؛ جو من اهلدوء يسبق سيال من األسئلة مقرونا
كيف السبيل لتجويد برامج مادة االجتامعيات عامة، واحلامسة بني املتعلمني حول املوضوع نفسه، بالتناف
وبرامج التاريخ خاصة من خالل التاريخ البيئي؟ بوعي أو بغريه مواضيع أخرى غائبة أو مغيبة يف وتالم
االنتقاص أو التقليل من قيمة العمل واملجهود املبذول،
-1
بقدر ما هي تطلع إىل التطوير والتجويد .وعموما،
املدرسية احلالية ملادة االجتامعيات بالثانوي فالكت كثرية هي املالحظات واإلشكاالت التي
اإلعدادي تبقى " مقبولة شكال ،لكنها مضطربة عىل اهلدف منها يطرحها الكتاب املدر،ي ،والتي لي
203 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
أ -من حيث الشكل: مستوى املضمون ،ومل تتمكن من جتاوز سلبيات الكت
-جلان التأليف :بلغ عدد أعضاء جلان تأليف الكت املدرسية القديمة .ولعل اليشء الذي كان يعوزها وال
املدرسية الثالثة 3موضوع االشتغال ثامنية عرش يزال هو التفعيل احلقيقي ملوضوع النقل الديداكتيكي"،1
()19عضوا، إضافة إىل عدم إرشاك خمتلف الفاعلني يف تأليفها .فعىل
ويالحظ عىل فرق التأليف ما ييل: مستوى املضمون نسجل العديد من اإلجيابيات من قبيل:
هيمنة املفتشني عىل تأليف الكتاب املدر،ي؛ إذ جتاوز االهتامم الكبري باملضامني -نسبيا -مقابل تزايد
بلغ عددهم 11بنسبة .% 50.00 تقديم االهتامم بالوسائل الديداكتيكية ،وجتن
عدد أساتذة التعليم العايل ضمن فرق التأليف ملخصات للدروس يف متن الكتاب ،وإعطاء الفرصة
وهنا نسجل أربعة ( )1أعضاء بنسبة .% 22.22 للمتعلمني من أجل بناء تعلامهتم ذاتيا.2
هتميش دور اجلامعة ،وما ينتج عن ذلك من قطع إدراج الئحة بأهم املراجع املعتمدة يف التأليف،
للعالقة بني نتائج وخالصات البحث العلمي ونقلها وكشاف لألعالم واملواقع واملفاهيم واملصطلحات.
املدرسية ،ويطرح إىل املدرسة من خالل الكت وعىل صعيد الشكل واإلخراج نسجل:
إشكالية النقل الديداكتيكي للمعرفة العاملة .وهذا االهتامم بالتصميم الفني للغالف ( ثقافة الصورة).
األمر جيعلنا نتساءل عن جدوى احلديث عن مدرسة ورغم تعدد اإلجيابيات ،فإن هناك جمموعة من
تارخيية مغربية ،وما راكمته من إنتاجات علمية املالحظات ،نوردها خمترصة كاآليت:
رصينة ،وطرقها ملواضيع دقيقة يف تاريخ املغرب ،4مل
جتد طريقها الطبيعي إىل الكت املدرسية.
-3بالنسبة للسنة األوىل " :يف رحاب االجتامعيات" ،وبالنسبة للسنة -1الطاهر قدوري ،درس التاريخ بني املعرفة العاملة واملعرفة املتعلمة
الثانية " فضاء االجتامعيات" وبالنسبة للسنة الثالثة " التجديد يف (املرحلة الثانوية اإلعدادية أنموذجا) ،ضمن أعامل ندوة النقل
االجتامعيات". الديداكتيكي ،املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين للجهة الرشقية،
-4الطاهر قدوري ،مقال سابق ،صص .19-15 سلسلة ندوات وأيام دراسية 10 -1-يونيو ،0016ص .19
-2توفيق أكياس ،حالة الوضعية ،املشكلة يف الكت املدرسية
للتاريخ السنة الثالثة ثانوي إعدادي نموذجا ،جملة علوم الرتبية،
العدد ،50يناير ،0019ص .101
204 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الدالة عىل ذلك عناوين الدروس ،وأيضا أهداف التعلم، أستاذ واحد للتعليم الثانوي التأهييل بنسبة .% 5.55
للعديد من املحطات التارخيية األساسية يف مع تغيي كيل ألساتذة التعليم الثانوي اإلعدادي ،رغم تغيي
تاريخ املغرب املمتد .هذا إىل جان فصل األحداث عن كوهنم املعنيني األوائل باملنتوج ،وهو ما يطرح أكثر من
سياقاهتا ،مما خيلق بياضات وتشويشا لدى املتعلم، عالمة استفهام " ،فهل األمر يتعلق بإقصاء ممنهج هلذه
وتتحول األحداث التارخيية " يف العديد من األحيان [ الفئة التي اعتربت يف كثري من األحيان قارصة معرفيا
إىل] جمرد معارف جوفاء خالية من القيم التي حتكمت يف هذه الفئة يعد هدرا وبيداغوجيا ؟" .1إن تغيي
نشأهتا وحدوثها ".2 لطاقات راكمت جتربة وخربة كبرية بحكم املامرسة،
إشكالية التحقي :استمرار اعتامد التحقي التارخيي كام أن هذه الفئة هي األقرب واألكثر معرفة
الغريب( قديم -وسيط -حديث -معارص -راهن) ،وهو بمستويات املتعلمني بسلك الثانوي اإلعدادي
الذي تشكل خالل النصف األول من القرن التحقي املدرسية بحكم ومتثالهتم ،واألدرى بثغرات الكت
18م ،باعتامد حمطات ُعدت مفصلية يف تاريخ أوربا،3 املامرسة واالحتكاك اليومي باملتعلمني وبالكت
(سقوط االمرباطورية الرومانية 155م -سقوط املدرسية باعتبارها وسيلة تعليمية أساسية.
القسطنطينية 1161م /سقوط غرناطة 1180م -الثورة عدم حتديد ختصصات أعضاء جلان التأليف إال
للنظرة اإلثنوأوربية،4 الفرنسية 1598م )...يف تكري ملاما.
وترسيخ ملركزية أوربا وحميطية عوامل أخرى ،كالصني ب -من حيث املضمون :نسجل ما ييل:
واليابان والعاملني العريب واإلسالمي ،التي تبقى خارج استمرار هيمنة التاريخ السيا،ي احلدثي عىل مواضيع
برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي؛ ومن املؤرشات
-4عبد املجيد هنية ،حول التحقي التارخيي ،أسطور للدراسات -1الطاهر قدوري ،مقال سابق ،ص .00
-2عبد اهلل بوغوتة ،النقل الديداكتيكي بني املفهوم واملامرسة ،سلسلة
التارخيية ،املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات ،العدد ،1بريوت،
ندوات وأيام دراسية -1-أعامل ندوة املركز اجلهوي ملهن الرتبية
يناير ،0015ص .005
والتكوين للجهة الرشقية ،مكتبة الطال ،وجدة ،0016 ،ص .11
-3حممد الطاهر املنصوري ،منطق التحقي التارخيي ،أسطور
للدراسات التارخيية ،املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات،
العدد ،1بريوت ،يناير ،0015ص .011
205 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
كبلد للتالقح احلضاري ،ونموذج للتعايش وللعيش زمام" املبادرة التارخيية" حس تعبرياملسترشق الفرنيس
املشرتك وقبول اآلخر؟ أندريه ميكيل .1André MIQUEL
هذه كلها أبعاد أكد عليها الدستور املغريب احلايل ،وندعو احلضارية للدولة حضور جد حمتشم للجوان
إىل متثلها وأجرأهتا يف برنامج التاريخ. املغربية ،اقتصاديا واجتامعيا وثقافيا وعىل مستوى
استمرار النزوع نحو تكثيف املعارف ،وهنا نود الذهنيات .وهو ما أدى إىل تغيي العديد من املواضيع
التأكيد عىل أن املعرفة جي أن " تفهم عىل أساس النظر املهمة ،والتي تكتيس راهنية كبرية يف برنامج التاريخ
إليها يف بعدها النوعي ال الكمي؛ أي أن تكون وظيفية، بالثانوي اإلعدادي :فأين البعد اإلفريقي للدولة
موجهة وهادفة ،وليست معرفة للحشو والتحفيظ املغربية 2؟ وأين هو دور وحضور املرأة عىل مرسح
الذاكرة والفكر والوجدان"4؛ فرغم والتخزين وتعلي األحداث ،أم أن تاريخ املغرب صنعه الرجال فقط3؟
التخفيف الظاهري الذي قد يبدو عىل مستوى عدد وأين هي مظاهر التفرد واخلصوصية املميزة للمغرب
احلذف قد يشكل فصال للمتعلم عن بعده اإلفريقي ،وال يتناغم مع -1حممد الطاهر املنصوري ،مقال سابق ،ص .011
سياسة الدولة املغربية بتعزيز التعاون مع دول إفريقيا باعتبارها -2يف الربنامج احلايل ملادة التاريخ ،ثم تغيي هذا البعد بحذف الدروس
فضاءه الطبيعي وعمقه االسرتاتيجي. املتعلقة بإفريقيا ،والتي كانت مدرجة يف الكت املدرسية السابقة والتي
للتوسع حول موضوع العمق اإلفريقي للمغرب وجتذر وتشع استمر العمل هبا إىل غاية 0000؛ حيث حذف الدرس 18والذي كان
عالقاته مع القارة اإلفريقية عىل كافة املستويات ،راجع -:توفيق متضمنا يف برنامج التاريخ للسنة السابعة من التعليم األسا،ي وكان حتت
حممد لقبايبي ،املغرب والعمق اإلفريقي ،حمارضات يف تاريخ املغرب عنوان" :إفريقيا السوداء بني القرنني الثالث عرش والسابع عرش" ،كام
وإفريقيا جنوب الصحراء حتى هناية القرن التاسع عرش للميالد، حذف الدرس 18من برنامج السنة الثامنة والذي كان حتت عنوان:
مؤسسة آفاق للدراسات والنرش واالتصال ،الطبعة األوىل ،مراكش، "افريقيا يف القرنني السابع عرش والثامن عرش" ،وأيضا حذف الدرس
.0000 رقم 19من برنامج التاريخ للسنة التاسعة ،وكان عنوانه" :حركات
-3أخفقت الربامج احلالية يف استغالل ما تتيحه مادة التاريخ من عرب التحرير يف بلدان إفريقيا السوداء" .راجع:
حياتية لرتسيخ قيم املساواة ومقاربة النوع ،بإبراز أدوار ومسامهات -اململكة املغربية ،وزارة الرتبية الوطنية ،التاريخ:
املرأة يف تاريخ املغرب قديام وحديثا ،فبوعي أو بغريه يتم تكري -للسنة السابعة من التعليم األسا،ي ،الطبعة األوىل ،دار النرش املغربية،
هامشية دور املرأة وثقافة التمييز بني اجلنسني وتغلي الثقافة الدار البيضاء.1881 ،
الذكورية ،والتي تتجىل بعض مالحمها يف التغيي الكيل للكفاءات -للسنة الثانية من التعليم االسا،ي ،الطبعة األوىل ،دار النرش املغربية،
العلمية النسائية عن جلان التأليف. الدار البيضاء.1880 ،
-4مصطفى حمسن ،مدرسة املستقبل رهان اإلصالح الرتبوي يف عامل -للسنة الثالثة من التعليم األسا،ي ،الطبعة األوىل ،دار النرش
متغري ،منشورات الزمن ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء، املغربية ،الدار البيضاء.1881 ،
،0008ص .60 إن حذف هذه الدروس املتعلقة بإفريقيا ،يعد مؤرشا عىل أن هاج
التخفيف الكمي للربنامج قد حكم عمل مؤلفي الربامج ،كام أن هذا
206 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الغالف الزمني لإلنجاز3 : املدرسية املعتمدة سابقا ،فإن الدروس مقارنة بالكت
ساعات.
املامرسة امليدانية تكشف العك ،وهو ما جيعل املدرسني
يف سباق ماراطوين الستكامل املقرر عىل حساب
النوعي- التخفيف العددي -ولي يبدو أن هاج
بناء املهارات وترسيخ القيم .ومن املؤرشات الدالة عىل
لربنامج مادة التاريخ والذي ظل مطلبا ثابتا جلميع
التخفيف الظاهري ،والتضخيم املعريف الكمي املتع
األساتذة ،يتم تضمينه يف خمتلف تقارير املجال
لألستاذ واملُنفر للمتعلم ،نسوق املثال اآليت يف مادة
أساتذة التعليمية قد حكم عمل املؤلفني .كام أن تغيي
التاريخ بالثالثة ثانوي إعدادي:
املادة املامرسني بالسلك اإلعدادي ،ممن يملكون
الكتاب املدر،ي احلايل الكتاب املدر،ي املعتمد سابقا
تصورات واضحة حول جتديد وجتويد برنامج مادة
الدرس رقم :44االحتالل تم جتميع الدروس السابقة يف
التاريخ؛ بل و" منهم من راكم جتربة كبرية يف التدري ، العسكري للمغرب واملقاومة درس واحد ،ترتيبه يف املقرر
جتعله خبريا باملواضيع التي تشكل عقبات كؤودا يصع العارش ،حتت عنوان: املسلحة.
تبليغها للمتعلم" ،1قد أوقع جلان التأليف يف هفوات الدرس رقم :42نظام احلامية املغرب :الكفاح من أجل
االستقالل وإمتام الوحدة الرتابية. باملغرب وأجهزته اإلدارية.
كبرية ،كتحويل دروس يف الكتاب املدر،ي السابق إىل
الدرس رقم :43االستغالل وثم تفكيكه إىل أربعة أنشطة
أنشطة يف الدروس احلالية ،فهل هذا هو التخفيف؟ وهل االستعامري ونتائجه عىل املجتمع تعليمية ،وهي -4 :أتعرف مرحلة
هذا هو التجديد املنتظر؟ والتجويد املنشود؟ املقاومة املسلحة وأميز أهم املغريب.
إن عملية الدمج هاته ،وهبذه الطريقة ،ويف دروس الدرس رقم :41احلركة الوطنية معاركها (.)4731-4742
-2أتعرف مرحلة املقاومة املغربية واملطالبة باإلصالحات.
تتعلق بتاريخ املغرب ،والتي يفرتض أن تسهم يف تعريف
الدرس رقم :45احلركة الوطنية السياسية وأبرز تطوراهتا
املتعلم بتاريخ بلده حتى ينشأ معتزا بتارخيه وماضيه ،قد ( .)4753-4731 واملطالبة باالستقالل.
أدت إىل نتيجة عكسية متاما؛ فاألستاذ حمكوم بضغط الدرس رقم :43ثورة امللك -3أستخلص دور ثورة امللك
الوقت إلمتام الربنامج ،وذلك عىل حساب تنمية يف حصول املغرب عىل والشع والشع وحتقيق االستقالل.
لإلنجاز :االستقالل. الزمني الغالف
وترسيخ املهارات املنهجية املرتبطة بالتفكري التارخيي،
-1أتتبع أهم مراحل استكامل 12ساعة.
وبناء وترسيخ القيم واملواقف الوجدانية ،وبذلك ِ
يفقد الوحدة الرتابية املغربية.
انتظارات املؤلفني ،وينتج بالرضورة معرفة متشاهبة املتعلم البوصلة يف املسايرة والتتبع .وهو األمر الذي
ومتطابقة مع منطوق الوثائق ،دون فسح املجال لطرح حيول دون إتاحة الفرصة للمتعلمني إلشباع هنمهم
إشكاليات تربز متثالت[ ومواقف واجتاهات] املعريف والفكري ،واإلجابة عن تساؤالهتم املنطقية
النقدي".2 املتعلمني ،وتنمي فيهم [ ولدهيم ] احل أحيانا ،واملحرجة أحيانا أخرى يف مساءلة تارخينا
حتد من دور املتعلم يف إعطاء معنى لتعلامته،
ومن تمُ ، الوطني.1
وجتعل املدرس ال يسهم يف هذا البناء وحتوله إىل جمرد شكوى املتعلمني من تدين الكفايات اللغوية يف بعدها
ناقل للمعرفة ،ال يسهم يف التخطيط هلا وال إعدادها العرضاين؛ وهي مشكلة هلا أبعاد تربوية واجتامعية ،وهو
بشكل إجيايب. معطى مل يتم أخذه بعني االعتبار عند انتقاء الوسائل
عناوين األنشطة /املقاطع التعلمية صيغت بشكل الديداكتيكية ،وبخاصة يف مادة التاريخ حيث تم تضمني
"يوهم املتعلم" 3بأنه يبني تعلامته ذاتيا ،وأنه رشيك عمليا الوثائق نصوصا من مصادر مفردات متوهنا اللغوية غري
يف بناء الكفايات والقدرات واملفاهيم " ،إال أن طبيعة متيرسة للمتعلمني ،مما جيعلها غري مفهومة عند الغالبية
األفعال املستعملة ( أتعرف -أكتشف -أبرز) يطغى العظمى منهم ،وتزيد نفورهم من املادة ،وتتضمن
عليها الطابع االستقرائي و/أو االستنباطي؛ أي أهنا مفردات مشوشة وغريبة ومربكة أحيانا ،ومفردات
هتدف إىل إعادة إنتاج ووصف معرفة موجودة حس حمرجة أحيانا أخرى؛ لعدم مراعاهتا خصوصية الفئة
انتظارات حمددة".4 املستهدفة .ومن تم تتحول الوثيقة من وسيلة إيضاح إىل
هيمنة فعل "أتعرف" عىل أهداف التعلم مصدر تشويش ،وكان األصوب اعتامد نصوص من
واألنشطة واملقاطع التعلمية ،مؤرش دال عىل الرتكيز عىل مراجع لغتها قريبة من لغة املتعلم أسلوبا وألفاظا
تنمية القدرات املعرفية ،وجتاهل تنمية القدرات املهارية وعبارات ،جمازا واستعارات؛ فنحن أمام متعلمني نسعى
والوجدانية ،رغم ترصيح املؤلفني بسعيهم إىل حتقيق إىل حتبي املادة هلم ،ال تنفريهم منها بتعقيد اللغة .
التوازن بني األبعاد الثالثة؛ فعىل سبيل املثال بلغ عدد طبيعة الوثائق ودعامات االشتغال ،واألسئلة
األهداف التعلمية للدروس الثالثة األوىل من مادة املرافقة هلا تقود التعلامت " يف اجتاه واحد خيدم
جديد للكتاب املدر،ي شكال ومضمونا ،ويستجي التاريخ للسنة األوىل ثانوي إعدادي اثنا عرش ( )10هدفا
لتطلعات اجلميع".2 تعلميا ،ستة منها تبدأ بفعل "تعرف" .أما بالنسبة
يضاف ملا سبق ،مشكل آخر يتعلق بتخصصات مدر،ي لألنشطة التعلمية فقد بلغ عددها يف برنامج التاريخ
االجتامعيات ،فالعديد منهم تلقوا تكوينهم العايل يف للسنة األوىل إعدادي 16نشاطا تعلميا 05 ،منها تبدأ
أخرى مثل :القانون واالقتصاد والفلسفة شع بفعل "أتعرف" بنسبة ،% 65.59ويف املقابل غياب أو
مواد االجتامعيات. وغريها ،وأوكل إليهم تدري عىل األقل ندرة أفعال من قبيل " أحلل -أناقش -أقارن-
2 أرك -أبرر ،"..كام أن جممل األسئلة اإلشكالية يف بداية
مادة التاريخ بالثانوي إن واقع وطرق تدري الدروس تتجه نحو املعرفة.
اإلعدادي عىل مستوى املامرسة الفصلية ظل تقليديا، إن هذه اهلفوات أسهمت يف جعل درس التاريخ خارج
رغم التحسينات الشكلية والرتاكم عىل مستوى اخلطاب اهتاممات املتعلم ،ورسخت الشائع بأن التاريخ مادة
واألطر املرجعية للمواد (صياغة املذكرات)...؛ إذ مل للحفظ واالستظهار وشحذ الذاكرة .ونضم صوتنا إىل
يستطع النفاذ إىل كنه وجوهر املادة ،ومل يستطع أجرأهتا، املدرسية، أصوات العديد من املدرسني حول الكت
تغري العقليات واألجيال وتطور الوسائل ومل يواك لتجاوز كثري من السلبيات واهلفوات التي كان باإلمكان
حلاجيات املتعلمني الديداكتيكية ،ومل يستج جتاوز العديد منها بتوسيع قاعدة املشاركني يف تأليف
واملتعلامت؛ ألنه مل ُيبن عىل معرفة مسبقة بتمثالهتم ،ف" املدرسية ،وعىل رأس هذه الفئات املغ َّيبة قرصا
1
الكت
نفور التلميذ املغريب من مادة التاريخ مرده إىل الطريقة أساتذة التعليم الثانوي اإلعدادي املامرسني داخل
التي ُيقدَّ م هبا درس التاريخ" .3إن املعرفة التارخيية ُتقدم الفصول الدراسية ،ورفع احلجر الفكري عنهم ،ف" لعل
معلبة نمطية خاصة بالنسبة للسنوات يف قوال التجارب التي يقوم هبا املدرسون يف مزاولتهم ملهامهم
الرتبوية ،يمكن أن تكون أهم الروافد لوضع تصور
-2حممد أوحلاج ،التصورات البيداغوجية احلديثة :أسسها واجتاهاهتا -1عصمت القواص ،أصوات املعنيني بالكتاب املدر،ي :وجهة نظر
ومناهجها ،منشورات صدى التضامن ،مطبعة النجاح اجلديدة، أساتذة التعليم الثانوي يف لبنان بالكتاب املدر،ي الرسمي ،ص
الدار البيضاء ،0001 ،ص .95 151 -156؛ عىل الرابط اإللكرتوين:
-3الطاهر قدوري ،مقال سابق ،ص .09 http://www.laes.org/_publications.php?lang=ar
&id=86 , 22/09/2018,17:00.
209 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املادة) وتقويمها ،والسعي إىل ردم أو عىل األقل جتسري اإلشهادية ،استعدادا لالمتحان الغول الكبري واملخيف،
اهلوة بني املعرفة األكاديمية /العاملة واملعرفة املدرسية/ يف ظل منظومة تقويمية تتوجه الختبار املعارف.
إشكالية النقل الديداكتيكي ،وإعادة صياغة الوظيفة برنامج التاريخ احلايل النقلة اإلبستمولوجية مل يعك
املجتمعية ملادة التاريخ وتعريفها تعريفا دقيقا :ملاذا ُندرس التي حتققت يف جمال املعرفة التارخيية ،إن عىل مستوى
التاريخ؟ وملن ُندرسه؟ وكيف ُندرسه؟ وماهي املقاربات أو املواضيع والقضايا التي جي أن تبقى لصيقة
مواصفات املعرفة التارخيية املدرسية؟ باحلاجيات امللحة للمجتمع ولإلنسانية عامة ،وهو ما
من هذا املنطق ،ووفق هذا املنظور وهلذه االعتبارات، حيتم بالرضورة مراجعة منهاج مادة التاريخ بالثانوي
يأيت اقرتاحنا ملوضوع التاريخ البيئي كمدخل لتجويد اإلعدادي ،وجتاوز الرؤى التقليدية للتاريخ ،والسعي
برامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي يف ضوء احلديث عن نحو معرفة تارخيية أكثر شمولية ،وأكثر انفتاحا عىل
مراجعة الربامج واملناهج. خمتلف قضايا املجتمع ،عوض االستغراق يف رسد
-3 احلدث السيا،ي والعسكري.
أ -ملاذا التاريخ البيئي؟ إن الثورات املعرفية والنقالت املنهجية التي عرفها
ظل املعطى البيئي بعيدا عن اهتاممات املؤرخني علم التاريخ مل جتد طريقها للمعرفة املدرسية إجرائيا،
والباحثني يف التاريخ ،1فاملؤرخون القدامى اشتغلوا وهو ما يطرح بقوة وإحلاح إشكالية النقل الديداكتيكي
بتأريخ اإلنسان يف عالقته باإلنسان أكثر من اشتغاهلم للمعرفة األكاديمية /العاملة ،حتى أضحى درس التاريخ
بتأرخيه يف عالقته بالطبيعة ،رغم أن للعامل البيئي أمهية عسري اهلضم بالنسبة للمتعلمني واملتعلامت.
كربى يف تفسري عدد من اإلشكاليات التارخيية العالقة،2 بناء عليه ،نؤكد أنه قد حان الوقت ليمسك املؤرخون
ومتثلها متثال صحيحا؛ فالتاريخ البيئي من حيث هو والباحثون واملدرسون ملادة التاريخ بزمام مادهتم ،من
استعامل للتحليل البيئي كوسيلة لفهم التاريخ البرشي، حيث براجمها ومناهجها وطرق تدريسها ( ديداكتيك
-2حممد عناوي ،البيئة يف بالد املغرب من خالل بعض املصادر - 1ع بد احلي بني ،البي ئة البحر ية من خالل مذكرات فالنتينو
اجلغرافية العربية يف العرص الوسيط ،سلسلة الندوات واملناظرات - فرنانديش ( ،)1605-1605سل سلة الندوات واملناظرات -رقم
رقم ، -8املعهد امللكي للثقافة االمازيغية ،مطبعة املعارف اجلديدة، ، -8املع هد امللكي للث قا فة األ مازيغ ية ،مطب عة امل عارف ا جلد يدة،
الرباط ،0005 ،ص .18 الرباط ،0005 ،ص .55
210 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اجلديد ،وبخاصة مع املؤرخني الشباب أمثال :ناش وحساب للمتغريات يف املجتمعات البرشية املرتبطة مع
رودريك NASH Roderickوورسرت دونالد التغريات يف البيئة الطبيعية ،ولكونه األوثق صلة باحلياة
.7WORSTER Donaldعىل أن الوالدة احلقيقية هلذ احلياة وفرص اليومية ،من حيث تأثريه يف أسالي
النوع من التاريخ كانت يف غشت من سنة 1850مع استغالل املوارد املتاحة ،1مما سيساعد عىل رسم صورة
“ Pacific Historical صدور عدد خاص من كاملة وواضحة عن املعيش اليومي وأنامط السلوك
” ،Reviewوالذي تضمن مقاال شهريا للمؤرخ ناش والنفوس والطباع.
رودريك ،بعنوان " التاريخ البيئي األمريكي :حدود وتبقى دراسة عدم املساواة يف مستويات املعيشة
دراسية جديدة " .8ويف التسعينيات من القرن ذاته تزايد واحدة من األسئلة والسلطة عىل نطاق الكوك
10 االعرتاف بالتاريخ البيئي9؛ إذ حقق نجاحا واسعا األساسية للتاريخ البيئي ،2إضافة لدراسة البيئة احلرضية
لتتسع دائرة اهتامماته وتتقاطع يف ثالثة مكونات أساسية: التي تشكل إحدى التيامت املركزية يف التاريخ البيئي،3
أوهلا طبيعي ،يشمل التأثري املادي لإلنسان يف حميطه وكذا التقلبات املناخية لكوهنا أسهمت ،إضافة إىل
اإليكولوجي :الغطاء النبايت واملاء الغالف اجلوي، عوامل أخرى ،يف حدوث التطورات الكربى يف
وثانيها يشمل العواق البيئية الستعامل وتعامل اإلنسان التاريخ.4
نشأ التاريخ البيئي يف الواليات املتحدة األمريكية 5يف
ستينيات القرن املايض ،6يف مناخ تأثر بشدة بتاريخ اليسار
5
-FRESSOZ, Jean-Baptiste ; GRABER, -1سيمونز ايان ج ،البيئة واإلنسان عرب العصور ،ترمجة السيد حممد
Frédéric ; LOCHER, Fabien ; Introduction à الوطني للثقافة والفنون عثامن ،عامل املعرفة ،العدد ،000املجل
l’histoire environnementale, collection Repères
Histoire, n° 640, éditions la Découverte, Paris, واآلداب ،الكويت ،يونيو ،1885ص.168
2
2014, p3. - LOCHER, Fabien; QUENET Grégory,
6
- LOCHER ; QUENET, L’histoire L’histoire environnementale: origines, enjeux et
environnementale...op.cit, p7. perspectives d’un nouveau chantier, Revue
7
-Ibid, p 8. d’histoire moderne et contemporaine, n°53-4,
8 2009, p 28.
-Ibidem.
9 3
-Ibid, p 13. - Ibid, p 31.
-4حممد عبد العزيز ربيع ،صنع التاريخ :نظرية يف التاريخ وتطور
10
;- FRESSOZ ; GRABER ; LOCHER
Introduction… op.cit., p9.
احلضارات ،دار اليازوري العلمية للنرش والتوزيع ،عامن،0016 ،
ص .434
211 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
بيئية ،وال يتسع حيز هذا املقال جلرد كافة العناوين مع املوارد الطبيعة ،وثالثها يدرس فيه املؤرخون كيفية
واإلنتاجات املغربية لتقديم حصيلة للكتابات التارخيية متثل اإلنسان للطبيعة بام يف ذلك املعتقدات والقيم
من املرتبطة بالتاريخ البيئي ،3ولكننا نعتقد أن هذا اجلن والسلوكيات.
التاريخ قد جتاوز املرحلة اجلنينية ،والزال يف حاجة ماسة ب -التاريخ البيئي يف الكتابات التارخيية املغربية .إن
للمزيد من البحث والدراسة ،ومن تم من الطبيعي أن التحوالت التي أحدثها البرش يف الكرة األرضية عىل
جتد نتائج وخالصات هذه األبحاث طريقها الطبيعي إىل امتداد العرشة آالف سنة األخرية جديرة باهتامم املؤرخني
املدرسة. عىل مجيع املستويات .1يف هذا السياق جاء اهتامم
ج -قضايا /مواضيع من التاريخ البيئي للمغرب: املؤرخني والباحثني املغاربة باملواضيع البيئية ،وبخاصة
يأيت اقرتاحنا إلدراج مواضيع من التاريخ البيئي مع مطلع القرن احلايل ،حيث شهد حقل البحث التارخيي
للمغرب ضمن برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي العديد من اإلنتاجات العلمية ،التي ما فتئت حتقق تراكام
باعتباره مدخال للتجويد املنشود من منطلقات كميا ونوعيا عىل مستوى التيامت البيئية ،وعىل مستوى
واعتبارات جمتمعية وعلمية وتربوية نجملها يف اآليت: املقاربات؛ حيث توزعت بني رسائل وأطاريح جامعية
أوال :رضورة ربط برنامج مادة التاريخ بالقضايا ومقاالت علمية أو كت أو ندوات علمية أوأيام دراسية
واإلشكاالت التي تشغل وترهن واقع املجتمع املغريب، وغريها ،أسهمت كلها يف نقل الكتابة التارخيية إىل فضاء
مثل قضايا املاء والبيئة البحرية والتقلبات املناخية أكثر رحابة وخصوبة باعتبار أن البيئة مفهوم واسع جدا
واستغالل وتدبري املوارد الطبيعية ( الثروة النباتية ويشمل " كل ما حييط بنا" .2واستندت تلك األعامل عىل
واألوبئة الطبيعية والكوارث واحليوانية)... ما توفره املصادر التقليدية ،وكذا املصادر الدفينة وما
حتقق يف العلوم الدقيقة .وقد تناولت بالدراسة والبحث
مكونات البيئة ،أو اجتهت لدراسة قضايا ومشكالت
-3للوقوف عىل حصيلة الكتابات التارخيية املغربية التي تناولت -1سيمونز ايان ج ،مرجع سابق ،ص.50
قضايا البيئة انظر -:سمري أيت أومغار ،التاريخ والبيئة :مالحظات خليل الفتحي ،املناهل، -2ميشيل باتي ،اإلنسان وبيئته ،تعري
حول الكتابة التارخيية املغربية ،جملة املناهل ،العدد ،88أبريل – ماي العدد ،15وزارة الشؤون الثقافية ،الرباط ،1886 ،ص .15
– يونيو ،وزارة الثقافة والشباب والرياضة ،الرباط ،0000 ،صص
.18 -15
212 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
رابعا :إدراج هذه املواضيع املتعلقة بالبيئة ،من شأنه أن واجلوائح "...فوظائف التاريخ ترتبط باإلجابة عن
يضفي عىل درس التاريخ احليوية 4التي افتقدها لزمن قضايا تشغل بال كل جيل بقصد التهييئ للمستقبل"،1
طويل من جهة ،ويساعد عىل تصحيح العديد من ثانيا :الرتاكم النوعي والكمي الذي تم ترصيده عىل
التمثالت اخلاطئة أو الضبابية التي حيملها املتعلمون إزاء صعيد اجلامعة املغربية؛ إذ أن الكتابات التارخيية املغربية
العديد من مكونات البيئة 5من جهة ثانية .إن هذه طرقت مواضيع دقيقة هتم قضايا البيئة ،ونتائجها
املواضيع ستتيح للمدرس إمكانيات كبرية لتوظيف وخالصاهتا ،مما ُيضظر معه إىل أن جيد هذا الرتاكم
تقنيات املعلوميات لكرس الرتابة التي طاملا ميزت درس احلاصل طريقه الطبيعي نحو التاريخ املدر،ي.
التاريخ املدر،ي. ثالثا :االقتناع بوظيفية مادة التاريخ؛ فوظيفة التاريخ
مادة التاريخ بالرتكيز عىل خامسا :االرتقاء بطرق تدري ليست فقط" إلقاء الضوء عىل الزمن املايض" ،2بل أيضا
مهارات التحليل واملقارنة واالستنتاج. استخالص العرب من املايض لبناء املستقبل؛ إذ ال قيمة
التعليمية اخلاصة باملادة، سادسا :تفعيل تقارير املجال ملادة التاريخ إن مل تكن مواضيعه قريبة من اهتاممات
تتكون من أساتذة املادة ،إىل جان باعتبارها جمال وحاجيات املتعلم ،وال جدوى من درس التاريخ
االستثامر العلمي لكل املقرتحات التي تستمد قوهتا من املدر،ي ،إذا مل يستخلص منه املتعلم عربة أو عربا حياتية،
املادة. املامرسة امليدانية يف جمال تدري وال فائدة منه إذا مل يدفع املتعلم إىل توظيف املعارف
واملهارات املكتسبة يف حياته اليومية ويف حميطه.3
تم جتريبها يف الفصل ،وقد لقيت جتاوبا كبريا من ِقبل املتعلمني -1املصطفى خلصايص ،قضايا إبستيمولوجية وديداكتيكية يف ماديت
واملتعلامت. التاريخ واجلغرافية ،الطبعة األوىل ،دار الثقافة ،البيضاء ،0001 ،ص
-انظر نتائج الدراسة امليدانية املتعلقة بتمثالت تالميذ الثانوي5
.01
اإلعدادي حول املاء :أمحد املستعد باهلل ،املاء يف برنامج االجتامعيات -2نفسه ،الصفحة نفسها.
بالثانوي اإلعدادي ومتثالت التالميذ :مدخل لبناء وترسيخ القيم، علمي -3حممد الدريج ،الكفايات يف التعليم من أجل تأسي
بحث لنيل شهادة املاسرت يف التاريخ ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية، للمنهاج املندمج ،منشورات سلسلة املعرفة للجميع ،مطبعة النجاح
مراكش ،0018-0019 ،ص .116 -80 اجلديدة ،الدار البيضاء ،0001 ،ص .168
-4تم بناء درس حول تاريخ وحضارة املاء باملغرب ،وكذا مقاطع/
أنشطة تعليمية تعلمية تتعلق بمواضيع بيئية أخرى ،ويف مرحلة ثانية
213 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
كمعطى طبيعي متغافلة امتداداته البيئية واالقتصادية أما فيام يتعلق باملواضيع املرتبطة بالتاريخ البيئي ،التي
والسوسيو ثقافية ،وامتداداته "احلساسة املتعلقة بالقيم نقرتح إدراجها ضمن برنامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي
والتمثالت" ،2كام أن صورة املاء يف الربنامج احلايل تبقى فهي عىل سبيل املثال ال احلرص كاآليت:
ضبابية ،بفعل طبيعة الوثائق التي ال تتالءم أحيانا املاء دورا مركزيا -تاريخ وحضارة املاء باملغرب :لع
ومستوى املتعلمني ،وال ختدم اهلدف أو األهداف من يف صناعة التاريخ ،فهذا املورد الطبيعي شكل عنرصا
إدراجها؛ ففي أوقات كثرية تتحول هذه الوثائق إىل حاسام يف نشأة وازدهار احلضارات القديمة ،ويف رسم
عنرص تشويش عىل املتعلمني ،وبعض الوثائق ختلق لدى مساراهتا ،كام شكل عامل جذب وعنرص استقرار
املتعلم تضاربا وختلف لديه انطباعات خاطئة حول املاء.3 للمجموعات البرشية ،وبفعل أمهيته ،فإن كثريا من
إن برامج التاريخ احلالية أمهلت اإلرث املائي الذي ينم الشعوب أعطته قيام خاصة :ثقافية ودينية واجتامعية
عن عبقرية املغاربة يف تدبري املياه ،سواء تعلق األمر وأحيانا طابعا مقدسا.
أو التوزيع أو الترصيف؛ فقد " أبدع بتقنيات اجلل أما اليوم؛ فقد أضحى هذا املصدر الطبيعي الذي ال
اإلنسان املغريب حيال وتقنيات بلغ فيها درجة االحرتاف، غنى عنه ،موردا اسرتاتيجيا ورهانا عامليا ،وعنرصا
1
وانتقل من الوسيلة واحليلة إىل ما يقابلها من أشكال حاسام لتحقيق التنمية املستدامة ،وتتعاظم أمهية املاء يف
التعقيد تبعا لظروف متعددة...وقد أسفر ذلك عن بلد كاملغرب الذي تبقى موارده املائية حمدودة ،ويسري
تراكامت حضارية" .4ومن شأن إدراج اإلرث املائي اجتاهها العام نحو الرتاجع ،وتتميز بتباينها املجايل
املسامهة يف تعريف الناشئة هبذا الرتاث ،ودعوهتم والزمني.
لالنخراط يف املحافظة عليه ،حفظا للذاكرة ،وحتى ال رغم الطابع املتعدد للمسألة املائية؛ فإن برامج
ينفصل حارضنا عن مايض أجدادنا.5 االجتامعيات بالثانوي اإلعدادي تناولته يف الغال
-3أمحد املستعد باهلل ،مرجع سابق ،صص -111 -109 -105 1
- PETIT Sandrine, Au fond de l’eau: histoires
sociales et représentations environnementales
.155 d’un bassin versant agricole, Territoire en
-4توفيق حممد لقبايبي ،حرف املاء يف تاريخ املغرب بني التأصيل mouvement Revue de géographie et
aménagement, 25-26, 2015, p 2.
والتجديد ،دراسة يف تاريخ نامذج من احلرف املائية ،الطبعة األوىل، http://tem.revues.org/2757 ; DOI :
10.4000/tem.2757, 24/03/18,21 :40.
مؤسسة آفاق ،مراكش ،0000 ،ص .5 2
- Ibidem.
-5نفسه ،ص .180
214 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
البحري يف سريورته التارخيية ،ودوره يف تأطري كثري من وعىل العموم؛ فالربنامج احلايل ملادة االجتامعيات ،مل
األحداث والبنيات والظواهر".3 يستغل املساحات الكبرية التي تتيحها العديد من
ورغم هذه األمهية التي لعبها البحر يف تاريخ املغرب، الدروس إلدراج موضوع املاء لتمرير معارف صحيحة،
فإن حضور التاريخ البحري للمغرب يف برامج التاريخ وغرس قيم وتصحيح سلوكات املتعلمني للميض نحو
ظل من املواضيع املغيبة بمختلف جوانبها ومتظهراهتا استعامل رشيد للموارد املائية.1
السياسية واالقتصادية واالجتامعية والذهنية .ويأيت -البحر يف تاريخ املغرب :ارتبط تاريخ املغرب بشكل
اقرتاحنا إلدراج التاريخ البحري من منطلق إيامننا كبري بالبحر ،بحكم موقعه اجلغرايف املتميز وإرشافه عىل
تاريخ املغرب للناشئة سيبقى ناقصا الراسخ بأن تدري واجهتني بحريتني؛ فقراءة متأنية وفاحصة لتارخيه املمتد
دون استحضار البعد والعمق البحري للمغرب حتيل عىل ثالثة حمددات وثوابت رئيسة ،حتكمت يف
بمختلف جوانبه.4 تاريخ املغرب ورسمت انعطافاته ومساراته الكربى،
-تاريخ الكوارث الطبيعية يف املغرب :تعترب الكوارث وهي :البحر واجلبل والصحراء ،2و"املتتبع لفعل البحر
حمركة للتاريخ ومغرية ملجراه؛ إذ يكون هلا انعكاس عىل عرب تاريخ املغرب ،يقف عىل األمهية التي اكتساها املجال
-رد الفعل :اإلحساس باملشكل واختاد موقف والدفاع عنه. -1يقتيض إدراج هذا املدخل يف برنامج االجتامعيات جتاوز الرتابة
-الفعل :تعديل السلوك وتبني سلوكات اجيابية حتافظ عىل املاء. والنمطية التي تطبع بناء الدروس من جهة ،واالنتقاء السليم واألمثل
-2احلسني بولقطي ،املغرب والبحر خالل العرص الوسيط ،ص.1 للوثائق من جهة أخرى:
عىل الرابط اإللكرتوين: مادة التاريخ :نقرتح تناول موضوع املاء من زوايا عدة:
https://www.aljabriabed.net/n44_07bulaktib.htm -حضارة املاء باملغرب :تاريخ وتقنيات.
, 22/08/2019.
-3رقية بلمقدم ،تقديم أعامل ندوة :البحر يف تاريخ املغرب، -اإلرث املائي.
منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية باملحمدية ،سلسلة -املاء كعامل يف اختيار مواضع املدن.
الندوات رقم ،5املحمدية ،1885 ،ص .11 -املاء وتنظيم املجال احلرضي.
-4نتطلع من خالل إدراج هذا املوضوع ،أن يستشعر تالميذ مادة اجلغرافيا :إضافة لتناول موضوع املاء يف شقه الطبيعي ،نقرتح
الثانوي اإلعدادي أمهية البحر واملجال البحري يف السريورة بني العديد من تناوله باعتباره سلعة اقتصادية ،وموضوع تناف
التارخيية للمغرب ،ودوره يف تأطري كثري من األحداث والبنيات القطاعات االقتصادية :الفالحة ،الصناعة ،السياحة...
والظواهر ،نظرا ملا يتمتع به املغرب من موقع متميز ووسط بني مادة الرتبية عىل املواطنة نقرتح تناول موضوع املاء يف شقه احلقوقي
أوروبا والعمق اإلفريقي .ونقرتح التطرق إىل النقاط اآلتية: والقانوين ،وبتوظيف دورة التعلم:
ـ البحر يف املخيال املغريب. -املعرفة /االستكشاف :توظيف دعائم ديداكتيكية تتالءم والفئة
ـ البحر :جمال للرصاع والسلطة. املستهدفة ،يستخلص منها املتعلم حمدودية املوارد املائية ببالدنا
ـ البحر :اجلهاد البحري املغريب والقرصنة األوروبية. وتباينها املجايل والزمني ( اكتشاف احلقائق).
215 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حتقيق الرتاكم كام أثرت سلبا عىل مداخيل الدولة .ومن تكوين الدول وزواهلا ،فهذا التناسق والرتابط بني العامل
العرب والدروس املستقاة من التاريخ فيام يتعلق البرشي والطبيعي لتفسري تاريخ الكوارث ،له ارتباط
بالكوارث أن أور با متك نت من حتقيق الت قدم ع ند ما وثيق مع جماالت وعلوم أخرى ،كعلم النف ،وعلم
تعل مت كيف توا جه األوب ئة ،بينام بقي املغرب وال عامل والترشيح لدراسة كيفية انتقال األمراض ،كام الط
اإلسالمي عاجزا.2 يتقاطع مع السوسيولوجيا واألنثروبولوجيا وعلم
أكدت جائحة كوفيد 47اهلوة الشاسعة بني املدرسة اجليولوجيا وعلم املناخ.
التي تتامدى يف تقديم املعارف ،واألوضاع احلياتية التي عاش املغرب عرب تارخيه املم تد ال عد يد من الكوارث
تزداد تعقيدا؛ فمع تفيش الوباء برزت أصوات إىل السطح الطبيعية ،ف" بالد املغرب كانت دائام تعيش يف رهان
مشككة يف وجود الوباء ،وأخرى شككت يف جدوى دائم مع الطبي عة ،بح يث تتق ل بني الع طاء والشــح
وفعالية التلقيح. والنعيم والبؤس" 1والتي كانت هلا انعكاســات ســلبية
ويأيت اقرتاحنا 3إدراج موضوع الكوارث الطبيعية يف عىل االقتصــاد واملجتمع ،فالكوارث الطبيعية شــكلت
برامج التاريخ بالثانوي اإلعدادي هبدف تعريف املتعلم عنرصــ شــد للخلف بالنســبة للمغرب ،فهي غالبا ما
واملتعلمة بتاريخ الكوارث الطبيعية ببالده وفهم آلياهتا، جرفت قســام هاما من ثروته احليوانية ،كام خلفت نزيفا
وتطور وسائل الوقاية ،واستحضار أمهية العلم والبحث ديمغرافيا أفقد املغرب زمام املبادرة االقتصادية الفتقاره
العلمي يف مواجهتها ،حتى يكون درس التاريخ قريبا من لليد العاملة املنتِ جة والســوق املســتهلكة ،ومنعته من
-3هندف من خالل اقرتاح إدراج هذا املوضوع ،أن يستشعر املتعلمون ـ البحر يف التاريخ املغريب :التقنيات واآلليات.
واملتعلامت الدور الذي لعبته الظواهر الطبيعية يف تشكيل تاريخ ـ تاريخ املجال البحري والنظام الغذائي املغريب
املغرب ،ونقرتح تناول النقاط اآلتية: ـ دور البحر يف تنشيط احلركة التجارية عرب تاريخ املغرب.
ـ مفهوم الكارثة الطبيعية. -1حممد األمني البزاز ،تاريخ األوبئة واملجاعات باملغرب يف القرنني
ـ أهم الكوارث الطبيعية (الفيضانات ـ اجلفاف ـ األعاصري ـ الثامن عرش والتاسع عرش ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
الزالزل ـ العواصف الثلجية والرعدية ـ املجاعات ،األمراض بالرباط ،سلسلة رسائل وأطروحات رقم ،19مطبعة النجاح اجلديدة،
واألوبئة).... البيضاء ،1880،ص.11
ـ تقاطعات تاريخ الكوارث مع املجاالت العلمية األخرى. -2جرمان عياش ،تقديم كتاب :تاريخ األوبئة واملجاعات باملغرب يف
ـ تأثري الكوارث عىل مناحي حياة املغريب عرب التاريخ (يف املجال القرنني الثامن عرش والتاسع عرش ،مرجع سابق ،ص .8-9
السيا،ي ـ االقتصادي ـ االجتامعي ـ الذهني والفكري).
216 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إرشاك أساتذة اإلعدادي يف صياغتها ،وهو ما ترت عنه اهتاممات املتعلم ،ويؤدي وظيفته املجتمعية يف نرش
عدة ظواهر سلبية ،ويف مقدمتها اخلوف من االمتحان، الوعي.
وغريها من الظواهر الالتربوية من قبيل جلوء التالميذ إىل
الغش يف االمتحان واخلداع يف إنجاز الواجبات ،أو إىل مراجعة جذرية إن إدراج هذه املواضيع يتطل
بلمقدم رقية ،تنسيق أعامل ندوة :البحر يف تاريخ -3 أكياس توفيق ،حالة الوضعية -املشكلة يف -4
املغرب ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية املدرسية للتاريخ السنة الثالثة ثانوي إعدادي الكت
باملحمدية ،سلسلة الندوات رقم ،9املحمدية.4773 ، نموذجا ،جملة علوم الرتبية ،العدد ،91يناير .2149
عبد احلي ،البيئة البحرية من خالل بني -9
أوحلاج حممد ،التصورات البيداغوجية احلديثة: -2
مذكرات فالنتينو فرنانديش ( ،)1551-1551 أسسها واجتاهاهتا ومناهجها ،منشورات صدى
سلسلة الندوات واملناظرات -رقم ،-7املعهد امللكي التضامن ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء،
للثقافة األمازيغية ،مطبعة املعارف اجلديدة ،الرباط، .2111
.2113 أيت أومغار سمري ،التاريخ والبيئة :مالحظات -3
بوغوتة عبد اهلل ،النقل الديداكتيكي بني املفهوم 9 -
علمي للمنهاج املندمج ،منشورات سلسلة تأسي خليل ميشيل ،اإلنسان وبيئته ،تعري باتي -5
املعرفة للجميع ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء، الفتحي ،جملة املناهل ،العدد ،13وزارة الشؤون
-للسنة الثانية من التعليم االسا،ي ،الطبعة األوىل ،دار -44ربيع حممد عبد العزيز ،صنع التاريخ :نظرية يف
النرش املغربية ،الدار البيضاء.4772 ، التاريخ وتطور احلضارات ،دار اليازوري العلمية للنرش
-للسنة السابعة من التعليم األسا،ي ،الطبعة األوىل، والتوزيع ،عامن.2145 ،
دار النرش املغربية ،الدار البيضاء.4774 ، -42خلصايص املصطفى ،قضايا ابستيمولوجية
-43املنصوري حممد الطاهر ،منطق التحقي وديداكتيكية يف ماديت التاريخ واجلغرافية ،الطبعة
التارخيي ،أسطور للدراسات التارخيية ،املركز العريب األوىل ،دار الثقافة ،البيضاء.2114 ،
لألبحاث ودراسة السياسات ،العدد ،3بريوت ،يناير -43لقبايبي توفيق حممد:
.2143 -املغرب والعمق اإلفريقي ،حمارضات يف تاريخ املغرب
-49املستعد باهلل امحد ،املاء يف برنامج االجتامعيات
وإفريقيا جنوب الصحراء حتى هناية القرن التاسع عرش
بالثانوي اإلعدادي ومتثالت التالميذ :مدخل لبناء
للميالد ،مؤسسة آفاق للدراسات والنرش واالتصال،
وترسيخ القيم ،بحث لنيل شهادة املاسرت يف التاريخ،
الطبعة األوىل ،مراكش.2121 ،
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،مراكش-2149 ،
-حرف املاء يف تاريخ املغرب بني الـتأصيل والتجديد،
.2147
دراسة يف تاريخ نامذج من احلرف املائية ،مؤسسة آفاق
-49عناوي حممد ،البيئة يف بالد املغرب من خالل
للدراسات والنرش واالتصال ،الطبعة األوىل ،مراكش،
بعض املصادر اجلغرافية العربية يف العرص الوسيط،
.2121
سلسلة الندوات واملناظرات -رقم ، -7املعهد امللكي
-41حمسن مصطفى ،مدرسة املستقبل رهان
للثقافة االمازيغية ،مطبعة املعارف اجلديدة ،الرباط،
اإلصالح الرتبوي يف عامل متغري ،منشورات الزمن،
.2113
-47قدوري الطاهر ،درس التاريخ بني املعرفة العاملة مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء.2117 ،
واملعرفة املتعلمة ( املرحلة الثانوية اإلعدادية أنموذجا)، -45اململكة املغربية ،وزارة الرتبية الوطنية ،كتاب
ملهن الرتبية والتكوين للجهة الرشقية ،سلسلة ندوات -للسنة الثالثة من التعليم األسا،ي ،الطبعة األوىل ،دار
1
يعترب الكتاب املدر،ي دعامة من الدعامات األساسية يف العملية الرتبوية ،التي تدخل ضمن الوسائل والوسائط
واملوارد التعليمية الديداكتيكية .فهو حجر الزاوية فيها ،ومن األسناد الرئيسة يف العملية التعليمية التعلمية كام أكَّد
املدرسية عىل ذلك امليثاق الوطني املغريب للرتبية والتكوين يف الدعامة السابعة ،يف املادة ،151اخلاصة بالكت
متعددة ال بد من مراعاهتا :نفسية وديداكتيكية ،وتربوية، والوسائط التعليمية .وينبني يف تأليفه عىل جوان
واجتامعية ثقافية.
ومهام كانت درجة جودة الكتاب املدر،ي وإتقانه ،فإن فائدته متوقفة عىل حسن استعامله ،ولن يؤدي دوره كامال
إال إذا متكن األستاذ املقتدرمن أمرين ،مها :كيف ومتى يستعمله؟ ألنه كالسيف يف يد البطل ،ثم هو يف كل هذه
احلاالت ،ال يعدو أن يكون إحدى الوسائل الديداكتيكية التي يستعان هبا يف العملية التعليمية ،وال ينبغي أن يكون
املصدر الوحيد؛ بل عليه أن يكون مشفوعا بمصادر متعددة ومتنوعة أثناء حتضري الدروس ،وأن تتوفر كل مؤسسة
تربوية عىل خزانة حتتوي عىل أمهات املصادر والكت واملراجع الرضورية ،وعىل كل ما يتوفر من بحوث ودراسات
حديثة .ويرتك املجال واسعا إلبداعات ومبادرات األساتذة والتالميذ معا.
أ تنحرص فعال إشكالية البحث يف مواصفات املتناهي ،والتتبع املتقيص املستبرص ألوضاعه
الكتاب املدر،ي باعتباره سندا من أسناد العملية وإشكاالته ،وطرائق التأليف فيه وأمهيته .ويدخل عملنا
التعليمية التعلمية ،أم يف ارتباطه بقضايا أخرى هذا يف املضامر نفسه؛ حيث غدت ثمرته بزوغ فجر
نطمح إليها؟ جديد ،قائم الذات ،هو هذا املنتوج اجلديد الذي بني
هل تستقيم العملية الرتبوية دون الكتاب أيدينا املوسوم بـ" :الكتاب املدر،ي :أمهيته ،وموقعه،
هل ُيعد الكتاب املدر،ي -يف احلقيقة -حجر ولست يف حاجة أن أذكر أن هذا املقال ،إنام هو
الزاوية يف العملية الرتبوية؟ حديث خمترص عن الكتاب املدر،ي يف بعض شؤونه ،مل
هل الكتاب املدر،ي يلزم األستاذ بحرفيته وال يبلغ اإلتيان عىل جزئياته وتفصيالته ،أو حييط بدقائق
يمكن له جتاوزه؟ أموره ،وإنام حسبه أن يكون كالما جممال يثري بعض
املدر،ي واملنهاج الدرا،ي؟ فقد بات من احلقائق التي ال جيادل فيها أحد ،أن
العملية التعليمية التعلمية أصبحت نسقا متكامال بعدما
يروم هذا البحث مطارحة القضايا اآلتية: كانت شذر مذر ،فهي بنية متعددة اجلوان واملكونات،
حتديد ماهية الكتاب املدر،ي عند علامء الرتبية. تشمل األهداف والكفايات ،بأنواعها ،ووضعيات
بيان موقع الكتاب املدر،ي من العملية العمل وأشكال التعليم، وحمتويات التعلم،
التعليمية التعلمية. الديداكتيكي ،ومتارين التعلم ،والوسائل ،والتقنيات
والدعم أنواعه، بجميع والتقويم التعليمية،
222 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الديداكتيكية هي التي حفزتني ملقاربة هذا املوضوع يف أمهية الكتاب املدر،ي واعتباره حجر زاوية
املحاور اآلتية: العملية الرتبوية.
.1موقع الكتاب املدر،ي يف العملية التعليمية التعلمية: بيان أن سوء استخدام الكتاب املدر،ي ُيعد من
.2ملاذا يعترب الكتاب املدر،ي حجر الزاوية يف العملية العوائق الرتبوية؟
الرتبوية؟ التذكري باإلرشادات والتوجيهات الرسمية
.3السلبيات الرتبوية والتعليمية التي تنتج عن سوء التي تساعد املدرس عىل كيفية استخدام الكتاب
استخدامه: املدر،ي (األطر املرجعية).
.4التوجيهات واإلرشادات التي تساعد عىل استخدام بيان العالقة الوطيدة بني املنهاج الدرا،ي
الكتاب املدر،ي بطريقة إجيابية: والكتاب املدر،ي املعدل سنة ( 2116كتاب الرتبية
.2عالقة مداخل الكتاب املدر،ي باملنهاج الدرا،ي، اإلسالمية نموذجا).
وجديد الكتاب املدر،ي يف النسخة املعدلة( ،لكتاب
الرتبية اإلسالمية) سنة .2116 الكتاب املدر،ي -املنهاج الدرا،ي -املداخل-
الوحدات -العملية التعليمية التعلمية -الكفايات-
املهارات الرتبوية -العوائق الرتبوية.
يتموقع الكتاب املدر،ي يف العملية الرتبوية من خالل لعل من دعائم البنية الرتبوية التعليمية ،التي تدخل
جمموعة من التعاريف التي حاولت مقاربة ماهيته ضمنها الوسائل والوسائط واملوارد التعليمية والرتبوية:
وحمتواه ،فقد ورد تعريفه يف وثيقة اليونيسكو كاآليت: الكتاب املدر،ي ،فهو حجر الزاوية ،ومن األسناد
"الكتاب املدر،ي كتاب ُعرضت فيه املادة املختارة يف الرئيسة يف العملية التعليمية التعلمية ،كام أكَّد عىل ذلك
املوضوع املعني بطريقة منظمة ،وقد وضعت هذه املادة امليثاق الوطني املغريب للرتبية والتكوين يف الدعامة
يف نصوص مكتوبة ،بحيث تُريض موقفا بعينه يف املدرسية السابعة ،يف املادة ،119اخلاصة بالكت
عمليات التعلم والتعليم".1 والوسائط التعليمية ،وهذه األمهية البالغة هلذه الوسيلة
الكتاب املدر،ي يمثل املقرر الرســمي ،ومعنى ويف نظر ال با حث فكري حســن ز يان يف ك تا به:
ذلك أنه بعد أن حتدد الغايات واملرامي واألهداف، "ال تدري ،أ هدا فه ،أســســـه ،وأســـالي به ،وتقوي مه
حتدد موضــوعات املقرر ،ويف ضــوئها تؤلف الكت ونتائجه" " :1821 ،أن الكتاب املدر،ي يمثل املقرر
املدرسية ،التي تعترب بمثابة تنزيل إجرائي هلا. الرسمي املعتمد من اجلهة الرسمية املرشفة عىل التعليم،
الك تاب ا ملدر،ي ي قدم تنظيام للامدة ا لدراســ ية يف وهو ي قدم تنظيام للامدة ا لدراســ ية ويكون جديرا
مســتوى درا،ي معني ،وهو صــالح ألن يســتغله باالطمئنان إليه".1
التلميذ ويستفيد منه ،ويطمئن إىل ما فيه. ويف تعريف آخر ":الك تاب ا ملدر،ي هو املرتكز
الك تاب ا ملدر،ي يمكن أن ُيريض موق فا تعليم يا األ ساس للتعليم ،وو سيلة تعليمية تربوية منظمة تكون
معينا يف عملية التعليم والتعلم ينجز داخل الفصل. حصــيلة خربات ثقافية واجتامعية وفنية ،تســتهدف فئة
ولتحقيق ذ لك ،يراعى ع ند تألي فه األســ تعليم ية حمددة بح يث تتوافق مع قدرات هذه الف ئة.
األربعة اآلتية: ت تدرج املعلو مات دا خل الك تاب من الســ هل إىل
األساس السيكولوجي: الصع ،وهتدف إىل رفع مستوى كفاءاهتا وخرباهتا". 2
لعل مراعاة األســاس الســيكولوجي للمتعلم ،هو كان مفهوم الك تاب ا ملدر،ي -قديام-ينحرصــ يف
ا لذي ُيمكن حمتوى الك تاب ا ملدر،ي من إ حداث أثره كونه مرجعا أســاســيا للمعلومات يف املقرر الدرا،ي؛
عىل التالم يذ ،وجيعلهم يســتجيبون له و ُيف يدون م نه، هذه املعلو مات و ُي َق َّو ُم في ها من بح يث حيفظ ال طا ل
ويتشــبعون بام فيه ،ويتحقق ذلك إذا روعي يف الكتاب ق بل ا ملدرس ،أ ما حدي ث َا ،ف قد اتســع مفهوم الك تاب
املدر،ي ما يأيت: ا ملدر،ي ليشــ مل ت فاعال بني الطالب الكتســـاب
أن خياط التلميذ ب صفته كائنا ن شيطا متكامال ،مع املعلو مات وامل هارات من خالل األنشــ طة الصــف ية،
ر بط ا مل ح توى ب حاج يات ال تل م يذ ال نفســـ ية، ويقترصــ دور األســ تاذ عىل التوج يه واإلرشـــاد.
من خالل التعاريف السابقة نستخلص ما يأيت:
2 -"schoolbook", www.merriam-webster.com, -1ينظر الفصل السابع عرش من الكتاب بعنوان :مصادر البيئة
Retrieved 15-7-2018. Edited. املحلية واملطبوعات .لفكري حسن زيان عامل الكت ،ط .1 .ص:
.233
224 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
تكمن صــعو بة النقل الديدكتيكي يف الكيف ية التي والوجدانية وبيئته وواقعه ،مما خيلق لديه الرغبة يف
تتيح إمكانية االنتقال من معرفة عاملة ،إىل معرفة قابلة التعامل معه.
والتعلم. للتدري أن يكون حافرا إل ثارة التفكري وتنمي ته وتعمي قه.
وما دام التحليل أو البحث الديدكتيكي الذي يروم وهنا ن ستح رض التطورات التقنية التي ا ستفاد منها
اجلان املوضوعي والشمويل ال مندوحة له من أن يضع الكتاب املدر،ي عىل مستوى اإلخراج.
النقل الديدكتيكي ضــمن أولوياته ،فإنه يمكننا مقاربة أن يكون الكتاب املدر،ي مناســبا ملســتوى نضــج
هذه اإلشــ كال ية يف ســ ياق مثل ثه املعروف باملث لث التالميذ العقيل والنفيس والعاطفي.
الديدكتيكي :املعرفة -املتعلم – املدرس. أن يســاعد الكتاب املدر،ي عىل تكوين االجتاهات،
وبذلك يصــبح النقل الديدكتيكي عبارة عن حتويل واملواقف ،والقيم ،ويعمل عىل تنميتها.
فعيل للمعر فة ،تبت عد في ها عن حالت ها ا خلام؛ أي كام ا ألساس العلمي الديداكتيكي للكتاب املدر،ي:
أنتجت يف ســياق ســوســيولوجي حمدد ،لتصــري مادة وه نا يمكن نا اســتحضـــار ما يســمى بالن قل
مدر سية خت ضع إىل رشوط وقوانني ،هي يف هناية املطاف الديداكتيكي للمعرفة ،حتى يمكن أن ندرجها داخل
رشوط املؤسسة املدرسية بوصفها سياقا سوسيولوجيا الك تاب ا ملدر،ي ،ويمكن االطمئ نان إلي ها ،ولف عل
مغايرا. ذلك ال بد من التطرق إىل ما ييل:
وإذا اعترب نا الن قل ا لد يدكتيكي من اختصـــاص مفهوم النقل الديدكتيكي؟
ا لد يدكتيكيني عىل مســتوى امل ناهج والربامج ،فإن إن النقل الديداكتيكي هو نقل املعرفة من فضــائها
األســ تاذ م طا ل هو اآلخر بتطبيق النهج نفســه لب ناء العلمي اخلالص إىل فضــاء املامرســة الرتبوية ،لتتناس ـ
دروســه بشــكل علمي؛ -أي القيام بام يصــطلح عليه وخ صو صيات املتعلمني ،النف سية والعقلية وت ستجي
" بالنقل الديدكتيكي الداخيل" -حني يعمل عىل تكييف حلاجاهتم ،عن طريق تكييفها وفق الو ضعيات التعليمية
م ضامني الكت املدر سية بام ينسجم مع امل ستوى الفعيل التعلمية.
للمتعلمني ،بناء عىل التقويم التشــخييصــ الذي قام به
للفئة املستهدفة.
225 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
املعرفة ،أو باملدرس الذي يقود عمليات تدبري خصائص النقل الديداكتيكي:
التعلم داخل الفصل الدرا،ي. إن املعرفة العلمية املقرتحة للتدري ،هي يف الواقع،
رضورة التحيل باملصداقية؛ ألن املعرفة العلمية - معرفة جمردة عن رشوط إنتاجها املؤسسية والذاتية ،فهي
مهام خضعت للتعديالت أو التغيريات -جي أن يف األصــل ،معرفة أنتجت يف أوســاط علمية متنوعة،
تبقى مع ذلك يف السياق املدر،ي ،بعيدة عن منطق كاملختربات وا جلام عات وامل عا هد ،كام أ هنا حت تاج يف
الثقافة العامية أو الشائعة Vulgaire؛ ومن هنا إن تاج ها إىل جمهود فكري وو جداين م بذول من لدن
حرص املدرس عىل أال يسقط يف افتعال وج العامل ،أو جمموعة من العلامء املبدعني هلا للوهلة األوىل.
املواقف ،ألجل الرضورات التعلمية؛ بل عليه أن وعندما ينقل ذلك املنتوج العلمي إىل احلقل التعليمي،
يتحىل بأكرب قدر من املصداقية ،وأن يتمسك نفص ُله عن كل تلك املالبسات والرشوطمعنى ذلك أننا ِ
باملقتضيات التي تفرضها عليه املعرفة العلمية، التي أ حا طت بإن تا جه؛ فنحن ن قدم املعر فة العلم ية إىل
العام املشرتك بعيدا عن االبتذال وعن احل املتعلم يف الكتاب املدر،ي من َّظمة ومرتَّبة عىل نحو آخر،
"sens commun؛ ألن من مهام املدرسة بح يث نســتب عد أو ن حذف كل ما يمكن أن حي يل عىل
كانيي ذلك عىل يؤكد (كام بالذات األخ طاء ،أو اإلخ فا قات التي راف قت ب ناء املعر فة
1822،Gagnéم) ،أن حترص عىل مساعدة العلمية.
املتعلم ،لكي يتمكن من االنتقال مما هو شائع وعىل هذا األساس ،تصبح عملية النقل الديدكتيكي
ومتداول وحيس ،إىل ما هو علمي وجمرد. مدعوة إىل مراعاة مجلة من املعايري والقواعد ،ومن بني
رضورة تبني التقيد بربجمة متدرجة :حيث هذه القواعد نكتفي باإلشارة إىل اآليت:
حتافظ مستويات النقل الديدكتيكي عىل برجمة املعرفة رضورة التحيل باملوضوعية التامة ،التي حتتم إقامة
املدرسية داخل الكتاب املدر،ي؛ أي أن يتم توزيع فصل واضح بني موضوع املعرفة املدرسية،
وحداهتا عىل مقاطع متدرجة ،تراعي يف الوقت نفسه والقناعات ،أو املواقف وامليول الشخصية ،سواء
تقطيعا زمنيا معينا ،وتقسيام خاصا بالبنية الداخلية تعلق األمر بالديدكتيكي الذي يقوم بعملية نقل
226 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
أ -انتقاء املعرفة وتبسيطها جلعلها قابلة للتداول بني للمعرفة املدرسية ،وهو تقسيم -غالبا-ما يعتمد
املتعلمني ومناسبة ملستواهم اإلدراكي. االنطالق من مستويات متفاوتة يف الصعوبة والتعقيد.
ب -اختيار لغة واصفة مفهومة من لدن املتعلمني: وقد أضاف شوفاالر 1:1892 ،Chevallardيف
(تقليص الكلفة الذهنية والوجدانية لدى املتعلم). السياق نفسه ما ييل:
ج -عرض املحتوى التعلمي عىل املتعلمني ،والذي +يف مرحلة أوىل :أن حتدد مستويات أخرى للنقل
ينبغي أن يراعي مبدأين اثنني: املعايري أدخل عندما وذلك الديدكتيكي،
املبدأ األول :االنتقال باملتعلم من املعلوم إىل السوسيولوجية ،معتربا أن هذا النقل حيدث دائام يف سياق
املجهول. مرشوع سوسيوتربويى ،Socio-éducatifوينتهي يف
املبدأ الثاين :اعتامد مبدأ التدرج يف الصعوبة درس.
هناية املطاف بعملية مراقبة اجتامعية ملا ُي َّ
مرورا باملعرفة البسيطة فاملركبة ،ثم املعقدة. +يف مرحلة ثانية ،يصبح اختيار املعرفة ،التي جي
إن هذه املعاجلة الديداكتيكية تنبني عىل تدرج حمكم تدريسها ،مبنيا عىل املعرفة العاملية من جهة ،وعىل القيم
يوفر للمتعلم لعملية التعلم ،وعىل تبسيط مناس واألولويات االجتامعية والثقافية ،إضافة إىل األدوار
فرصة إثراء خربته وهيكلتها ،مع امتالك جرأة االجتهاد االجتامعية املحبذة يف املجتمع من جهة أخرى.
للتكوين الذايت واالستقاللية يف واالبتكار ،مما يؤس ويتم التخطيط لعبور املعرفة من جمال التخصص إىل
اكتشاف املعرفة ضمن جغرافية أحواض التكوين جمال التعليم وفق اآليت:
املمكنة (املؤسسة الرتبوية ،واملكتبات العامة ،ونوادي تعليمه ← موضوع املعرفة ← املوضوع الواج
االنرتنت ،واإلدارات العمومية.)... موضوع التعلم.
األساس االجتامعي والثقايف للكتاب املدر،ي: تتم عملية "النقل الديداكتيكي الداخيل" عرب ثالثة
يتمثل أساسا يف ثقافة املجتمع ،واجتاهاته، وهذا اجلان إجراءات أساسية ،يلزم عىل املدرس إيال ُؤها األمهية
وأهدافه ،وفلسفته يف احلياة؛ وهنا ُيقدَّ م الكتاب املدر،ي الالزمة عندما يواجه موضوعا دراسيا معينا:
ويكون وسيلة يف ترمجة أهدافه إىل وحدات سلوكية عند ليكون أداة وظيفية يستفيد منها األفراد يف تنمية
التالميذ. شخصياهتم وثقافتهم ،ال جمرد خطوط ورموز وألفاظ،
أن يكون جزءا من مواقف تعليمية ،ويستخدمه ويف هذه احلالة يصبح من وظائف الكتاب املدر،ي
التلميذ يف سياق العملية التعليمية ،فريجع إليه يف مساعدة النشء عىل تكوين إطار عقيل ،وختطيط فكري
تفسريه هلا ،ويضيفه إىل حقائقه ،ووجهات نظره ،فال تبرصي يستخدمه كأساس يف مواجهة احلياة (اكتساب
يسلم باألشياء تسليام مطلقا. املهارات احلياتية) ،1كام يساعده عىل بناء إطار فكري من
وإذا كانت هذه األس ُتراعى يف الكتاب املدر،ي، املعلومات ،واملفاهيم ،والقواعد التي تساعد عىل حتويل
وهيتم به االهتامم الكبري من ِقبل املرشفني عىل الرتبية
ُ املشكالت املع َّقدة واملواقف الغامضة إىل عالقات
والتعليم ،فام ذاك إال لكونه حيتل موقعا بارزا يف العملية واضحة ،وسلوك موجه ،وحل للمشكالت.
الرتبوية ،رغم ما يمكن أن يتعرض له من انتقادات ال األساس الرتبوي للكتاب املدر،ي:
تزيده يف نظرنا إال قيمة ومكانة. ويتمثل يف نظرة املؤلف لطبيعة املتعلم وعالقته
يقول الباحث عبد اهلل عبد الدائم ":يظل الكتاب باملجتمع الذي يعيش فيه ،حيث إن املقرر والكتاب
املدر،ي أمرا رضوريا يف أكثر من مراحل التعليم ،بل املدر،ي يعربان عن اجتاه فلسفي وتربوي ملجتمع معني،
نستطيع أن نذه إىل أبعد من هذا فنقول :إن استخدام ويف ضوء ذلك يراعى يف الكتاب املدر،ي ما يأيت:
الكتاب املدر،ي يزداد أمهية يف عرصنا احلارض ،هذا أن يكون أداة من أدوات بناء شخصية التلميذ يف
فيه القراءة واملطالعة دورا كبريا.2 ". العرص الذي تلع جمال اخلربة االجتامعية والدينية والعالقات اإلنسانية.
وألمهيته تُعقد له املؤمترات والندوات واللقاءات الوطنية أن يكون وسيلة حمفزة للتفكري والنقد البناء.
والدولية ،ويقع التأكيد عليه يف مناسبات كثرية ،من ذلك أن جيمع بني املادة والطريقة ،و ُيستخدم كامدة
ما قاله أحد وزراء الرتبية الوطنية ":إن الكتاب املدر،ي وطريقة ،وهبذا يؤثر يف نوع خربات املنهج وتنشيطه،
والنفســية ل .د .حســن شــحاتة ،ود .زين النجار ،الدار املرصــية -1امل هارات التي تســاعد التالميذ عىل التكيف مع املجتمع الذي
اللبنانية ،ط .2113 ،4ص.315-312 : يعيشــون ف يه ،وتركز عىل النمو اللغوي ،الط عام ،ار تداء املالب ،
-2ينظر املقال عىل النت ،عبد اهلل عبد الدائم مفكرا ،رابطه: القدرة عىل حتمل املسئولية ،التوجيه الذايت ،املهارات املنزلية ،األنشطة
https://www.researchgate.net/publication/3412623 االقت صادية والتفاعل االجتامعي يعرفها معجم امل صطلحات الرتبوية
22_bd_allh_bd_aldaym_mfkraa
228 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
.3إن كل الطرق البيداغوجية تستخدمه لتحقيق يعترب بوجه عام حجر الزاوية الذي يعتمد عليه يف العملية
أهدافها مع اختالف يف نوعية االستخدام ،فطريقة اإللقاء الرتبوية ،سواء من طرف املتعلم أو األستاذ ،وهبذا
تستخدمه مرجعا حلفظ ما جاء فيه ،بينام الطرق الفعالة أن يكون الكتاب املدر،ي مسايرا يف االعتبار وج
تستخدمه بوصفه واحدا من املصادر التي يستفاد مم َّا ورد شكله ومضمونه ألرقى ما وصلت إليه التقنية واألبحاث
فيه من معلومات لإلجابة عن املشكالت واالستفسارات الرتبوية والعلمية احلديثة ،مع اإلبقاء عىل األصالة
موضوع التعلم. والطابع الوطني.1
إنه وسيلة اقتصادية لنقل املعرفة ،ووسيلة .4
-1املرجع نفسه.
229 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
يعتربه األستاذ الوسيلة التعليمية الوحيدة يف التدري ، االجتامعي ،فمن خالله يمكن إكساهبم الصفات
وأن ما فيه هو الذي جي االقتصار عليه يف توجيه التلميذ االجتامعية املرغوب فيها ،وهذا واضح يف مقدمات كت
بالوقوف عىل ما جاء فيه عىل جهة التسليم ،فنقيم عند الرتبية اإلسالمية بجميع مراحلها.
ذلك سدا منيعا بني التلميذ واالتصال املبارش باحلياة ،وما بام أن الرغبة يف اجتياز االمتحانات بنجاح .9
حيدث فيها من تطورات ،ونسلبه االجتهاد وحرية لكل من األستاذ والتلميذ ،وهي يبقى هو املحرك الرئي
التفكري الشخيص ،واحلكم الذايت ،ونمنعه من أن يقف امتحانات ال هتتم بنمو امللكات ،وال تفتح املواه
من األفكار واآلراء موقف الفاحص الباحث والدارس والقابلية ،بقدر ما تعتني باالتزان واالستيعاب واحلفظ
الناقد ،ونجعله يردد آراء اآلخرين دون وعي أو إدراك، والتحصيل ،وأقوى التالميذ ذاكرة أوفرهم حظا يف
مما ينتج عنه تعطيل نمو قدرات التلميذ وكفاياته العقلية النجاح ،ويف وضع كهذا يكون الكتاب عموما ،والكتاب
والعلمية ،وحيرمه من املهارات األخرى التي تساعده عىل للمرتشحني ملا املدر،ي عىل اخلصوص املزود الرئي
حل املشاكل التي تعرتضه يف جمتمعه. حيتاجونه.
ووجود الكتاب املدر،ي ال يعفي التلميذ أو إن هناك موادا ال تستغني عن الكتاب .8
األستاذ من إبداء الرأي واملراجعة ،واالطالع والبحث املدر،ي ،كالرتبية اإلسالمية ،والنصوص األدبية،
والتدقيق؛ ذلك ألن أكرب خطأ يرتكبه األستاذ هو أن يعترب واالجتامعيات؛ ألهنا تعتمد عىل النصوص لتنطلق منها.
الكتاب املدر،ي بديال ملا يقوم به من حتضري ،أو ُمغنيا له .11إن الكتاب املدر،ي احلديث يوفر لألستاذ
عن البحث والتوسع واالستعداد؛ إذ ال جيوز أن يبقى والتلميذ جهدا ووقتا ال يستهان هبام ،ويضمن نوعا من
األستاذ يف حدود ما يعمله التالميذ ،وال أن تكون كراسة التوحيد يف املواضيع بني األقسام املتوازية.
اإلعداد جمرد نقل حريف ملا جاء يف الكتاب من توضيحات
ورشوح ،وكأهنا جمرد نسخة خطية لبعض صفحاته.
ذكرنا آنفا أمهية الكتاب املدر،ي يف العملية التعليمية
املدرسية وضعوها يف إن الذين ألفوا الكت
التعلمية ،وأنه ال غنى عنه يف بعض املواد املدرسة كام
مستوى التالميذ املتوسطني ،وما دامت ظروف العمل
سبق؛ ألهنا تعتمد النصوص يف منطلقاهتا ،لكن إساءة
ختتلف لدى األساتذة ،وأوضاع التالميذ وقدراهتم
استخدامه ت ِ
ُفقدُ ه أحيانا هذه األمهية ،وبخاصة عندما
230 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حقيقة أنه ال توجد طريقة ُمثىل يمكن اعتبارها ثابتة متباينة ،والتالميذ سينرصفون عن األستاذ ويستخفون به
الستخدام الكتاب املدر،ي؛ بل هناك طرق عديدة إذا أحسوا أنه ال يضيف جديدا إىل ما يف الكتاب ،فإنه من
خمتلفة تتحكم يف إجيادها والسري عىل خطواهتا ،وهي الالزم أن يكيف األستاذ الدرس تبعا ملوقفه اخلاص،
العوامل اآلتية: و ُيثريه بمعارفه وثقافته وجتاربه ،ويربطه ببيئة التالميذ
.1عوامل متنوعة تتعلق باملستوى الثقايف لألستاذ وواقعهم ،جاعال من الكتاب املدر،ي جمرد حافز عىل
الذي ُحيد ُد مدى ارتباطه بالكتاب ،أو إغنائه مزيد من البحث والتعمق والدراسة.
خطئه ،وتعميق املعارف فيه دون جتاوزه؛ وتصوي
ألنه مقرر بكيفية مرشوعة وسليمة.
تبني لنا من السلبيات السابقة أن املشكلة ليست يف
.2األخذ بعني االعتبار مستوى التالميذ
الكتاب املدر،ي يف حد ذاته ،وإنام هي طريقة التعامل
املستهدفني ،الذي حيدد نوع التعامل معهم من خالل
معه ،إ َّما أن تكون بنَّاءة أو تكون غري بنَّاءة ،فالكتاب
الكتاب املدر،ي نقصد :املستوى العقيل ،واملعريف،
املدر،ي كالسيف يف يد البطل يتحول إىل مضاء ِ
وحدَّ ة،
والثقايف...وكذا الوسط السوسيوثقايف الذي يعيشون
وهو يف يد اجلبان يتحول إىل قطعة حديد ال غري .ومعنى
فيه.
ذلك أن فائدة الكتاب املدر،ي رهينة باألستاذ ،ومرتبطة
طبيعة املادة املقدَّ مة من حيث الصعوبة .3
بقدرته عىل الترصف يف توظيفه واإلفادة منه ،فال يقترص
والسهولة واحلجم.
عىل ما جاء يف الكتاب املدر،ي من معلومات عامة
ومع عدم وجود طريقة مثىل يف استخدام الكتاب
وخاصة ،أو خربات تعليمية ،وأسئلة فكرية ،وألوان من
املدر،ي ،يمكن وضع بعض القواعد واملوجهات التي
األنشطة العقلية والعملية؛ بل يسعى إىل توجيه تالمذته
ينبغي أن يكون األستاذ عىل بينة منها ،وأن يسري عىل
للمزيد من القراءة الذاتية تبعا حلاجاهتم القرائية من
هدهيا ،وهي كاآليت:
جهة ،ومراعاة لفروقهم الفردية من جهة أخرى .وهبذا
االطالع عىل التوجيهات الرسمية التي تتعلق .1
ُيعو ُد تالميذه عىل الدراسة املستقلة ،واالعتامد عىل
باستخدام الكتاب املدر،ي ،ويف مقدمتها املنهاج
النف ،وتنمية مهاراهتم يف قراءة الكتاب واستخدامه،
الدرا،ي للامدة التي يدرسها.
وفهم ما جاء فيه ،وتفسريه وتطبيق ما تعلموه منه.
231 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الرتبية اإلسالمية وهنا نقدم نموذجا ملنهجية تدري حتليل الكتاب املدر،ي بعد االطالع عىل .2
يستعان فيها باخلطوات اآلتية ،والتي تعترب أحد التوجيهات الرسمية ،هبدف التعرف عىل طبيعته
سيناريوهات التدبري والتنفيذ لدرس من الدروس: وفلسفته وتوجيهاته التي تساعده عىل طريقة عرضه
تكليف التالميذ باالطالع عىل الدرس ،وذلك .1 ومعاجلته ملوضوعاته ،ويمكن التالميذ -يف ضوء تلك
عن طريق أسئلة حمددة دقيقة حتثهم عىل البحث التوجيهات -من السبل الكفيلة باستخدامه عىل الوجه
والتنقي ،ومجع احلقائق واملعلومات طبقا ملبدأ التعلم الصحيح يف بداية السنة.
الذايت. حتديدُ األستاذ للتالميذ بعض املراجع .3
حتضري األستاذ لدرسه ،وذلك بالعودة إىل .2 مستواهم ،والتي ستزيد من إغناء واملصادر حس
املصادر املوثوق هبا ،بالتوسع يف املوضوع والتمكن منه، حصيلة الكتاب وتنميته.
حتى يكون عىل أتم استعداد لتحقيق أهداف درسه. تعويدهم عىل االعتامد عىل النف ، .4
الرتكيز يف بداية الدرس عىل مبدأ تقويم .3 واالستقالل عن الكتاب املدر،ي الذي قد جيعلهم
املكتسبات ،ويرتكز عىل الدرس املايض باستظهار يرددون عباراته بطريقة حرفية؛ وذلك بأن ينوع من
النصوص ،مع مناقشة ما تم رشحه وما استنبط منها من أسئلة اإلعداد القبيل لتشمل أشياء خارج الكتاب.
مبادئ وأحكام. .2وجوب ِعلم األستاذ بأن الكتاب املدر،ي ما
التمهيد للدرس اجلديد ،ويكون بواسطة .4 هو إال أداة من أدوات التعليم والتعلم الكثرية ،التي
حوار قصري يربط موضوع الدرس بواقع التالميذ، يستعني هبا يف تأدية عمله عىل الوجه األحسن ،وأنه قادر
ويشعرهم بمدي أمهيته بالنسبة إليهم ،أو يلخص هذا عىل حتويل الكتاب الرديء إىل كتاب قيم حيقق كثريا من
احلوار يف صورة وضعية مشكلة يتحدى أذهان التالميذ، أن يربط املدرس الكتاب املدر،ي العطاء ،كام جي
وخيلق لدهيم التساؤل عن طريقة حله من وجهة نظر بمنهجية التدري ؛ إذ إن املنهجية اجليدة تستطيع أن
الدين احلنيف. تعالج كثريا من فساد املنهج وضعف التالميذ،
االنطالق من النصوص ،مع احلرص الشديد .2 والصعوبة املوجودة يف الكتاب املدر،ي.
أال يترسب إليها أي خطأ أو حتريف ،مع قراءهتا قراءة
232 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
من املوضوع املدروس قصد تعميق معارف جوان سليمة ،واالنطالق منها جيعل التلميذ يتَّصل مبارشة
التالميذ وإثراء خربهتم. بمصدر الترشيع اإلسالمي ،وحتى تتاح للتالميذ
التقويم اإلمجايل ،وذلك بطرح بعض األسئلة .11 الفرصة ليحفظوا عن إدراك وفهم ملجموعة هامة من
عىل التالميذ كتغذية راجعة لنرى هل تم استيعاب ما تم أدلة األحكام ،ونصوص الترشيع يف الكتاب والسنة،
تناوله يف املراحل السابقة للدرس ككل؟. ولريدوا األحكام إىل أصوهلا ،والفقه إىل ينابيعه.
القاموس اللغوي واالصطالحي ،وهنا .6
هناية السلك الثانوي التأهييل ،أما املنهاج احلايل فقد تم الرئيسة ،ويساعد التحليل عىل أن يميض يف تسلسل
اختيار مفهوم املداخل بدل الوحدات ،وهذه املداخل منطقي ،وترابط عضوى ملحاور الدرس.
الرئيسة هي :التزكية ،االقتداء ،االستجابة ،القسط، سلوك األستاذ أثناء التحليل ،الطرق الرتبوية .9
احلكمة ،حيث تم بناء املنهاج املدر،ي جلميع املستويات الفعالة وتقنيات التنشيط التي جتعل التلميذ إجيابيا،
الدراسية ملادة الرتبية اإلسالمية عىل هذه املداخل. يبحث ويالحظ ويشارك ،ويستنتج مع اعتامد األدلة
وإذا أمعنا النظر يف الدروس املقررة داخل كل مدخل، العقلية والنقلية.
يمكننا القول :إن هذه املداخل هي عبارة عن قيم؛ بناء ملخص يبلور أفكار الدرس األساسية، .8
فالقيمة املتوخاة من دروس العقيدة هي تزكية النف ، وجيمع شتاته بالنسبة للسلك الثانوي اإلعدادي ،أما
ومن دراسة السرية النبوية هي حمبة الرسول عليه الصالة الثانوي التأهييل فقد يستغنى عن امللخص بام حيتفظ به
والسالم واالقتداء به ،واالستجابة هلل ولرسوله ،وغاية التالميذ من نقاط أثناء الرشح والتحليل .وهناك
االطالع عىل احلقوق أن نقوم بالقسط ولو عىل أنفسنا، نصوص إضافية بالنسبة لسلك اإلعدادي تعرض
233 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وقد أصبح الكتاب املدر،ي املعدَّ ل أحد أهم عنارص واملتصف باحلكمة هو من يتحىل بالقيم األخالقية
عربه يتم ترصيف حمتويات املنهاج،
املنهاج الدرا،ي؛ إذ َ احلميدة.
كام شكلت تعددية الكتاب املدر،ي املبتكرة يف املستوى هذه القيم املوزعة عىل املداخل هي الغاية األسمى
الدرا،ي الواحد متيزا الفتا ،واضعة بذلك حدا للكتاب التي يسعى املنهاج لتحقيقها من خالل الكتاب املدر،ي
القديم ذي النمط الوحيد الذي سيطر ملدة طويلة عىل املعدَّ ل ،ويف مقدمة هذه القيم ،قيمة التوحيد التي جعلها
املجال البيداغوجي ،وعمل عىل تنميط سريورة التعليم املنهاج قيمة مركزية وحوهلا قيم ناظمة متمثلة يف :املحبة،
والتعلم ،حيث لوحظ أن هذه التعددية أسهمت يف واحلرية ،واالستقامة ،واإلحسان.
االرتقاء باملحتوى الدرا،ي بفضل التنافسية يف إثبات ويمكن ربط هذه القيم التي حددها املنهاج كذلك
اجلدارة واالستحقاق والتميز ،والتي شكلت احلافز باملداخل اخلمسة املشار إليها أعاله ،فمدخل التزكية
األكرب عىل تقديم األجود ،وخلق نوعية يف التأليف يرتبط ارتباطا وثيقا بقيمتي التوحيد واحلرية؛ إذ تعك
املدر،ي استطاعت مواكبة التطورات التي يعيشها العامل. دروس هذا املدخل التامزج بني هتني القيمتني وطبيعة
وإذا كان الكتاب املدر،ي أداة تتحقق من خالهلا املدخل ومفرداته ،كام ترتبط قيمة االستقامة ارتباطا وثيقا
أهداف املنهاج ،فإنه يف ظل املستجدات احلالية ،بات من بمدخل االستجابة التي قصد هبا املنهاج تطهري اجلسم
املهم النظر يف العالقة التي جتمع بينهام .ومن هذا املنطلق والقل ،لتأهيل املؤمن لعبادة اهلل وشكره بالذكر
يسعى الكتاب املدر،ي يف صيغته اجلديدة إىل الرفع من والدعاء هبدف تزكية الروح ،لتحقيق الفالح يف الدنيا
جودة الرتبية والتكوين ،مع مراعاة املداخل األساسية واآلخرة .وعالقة مدخل القسط بقيمة اإلحسان تظهر
املعتمدة يف وضع الربامج. جليا؛ ألن اإلحسان متضمن ملعاين أداء احلقوق عىل
ويف هذا السياق ،ونُشدانا ملتطلبات إصالح تربوي من سبيل لتحقيق احلكمة إال وجهها األكمل ،ولي
متكامل ومتناسق ،نثمن اخلطوة التي فتحت املجال بنفع الغري ،والتشبع بقيم املبادرة واإلجيابية وتعميم
الستعامل أكثر من كتاب مدر،ي واحد يف املؤسسات اخلري ،وهذا ال يتأتى إال بحصول املحبة للخلق ،لتصبح
التعليمية ،رغم بعض االنتقادات ،فقد أصبح املنهاج بذلك حمبة فعل اخلري نابعة من حمبة اخللق.
بمنزلة خارطة الطريق أمام األستاذ ،فهو وحده اإلطار
234 للتربية0202
والتكوين المغربيةنونبر
األول – المجلة
العدد المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
وأخريا أود أن أقرر أن كثريا مما جاء يف هذا املقال إن الكتاب املدر،ي مهام كانت درجة جودته
من القطعيات ،وال ُيدرج ضمن الئحة املس َّلامت لي وإتقانه ،فإن فائدته متوقفة عىل حسن استعامله ،ولن
التي ال تناقش ،كام أن هناك عدة مباحث حول الكتاب يؤدي دوره كامال إال إذا متكن األستاذ املقتدر من طريقة
املدر،ي مل تأت الفرصة ملناقشتها وبسط الكالم حوهلا. استعامله بشكل جيد ،ألنه كالسيف يف يد البطل ،أو يف
وحس ُ هذا املقال أن يكون حلقة يف سلسلة املحاوالت يد اجلبان كام سبق.
َ
املبذولة يف هذا املجال ،فهو حماولة متواضعة يف عرض إن الكتاب املدر،ي يف كل هذه احلاالت ال يعدو
هذا املوضوع ورصد بعض قضاياه؛ إلثارة الباحثني أن يكون إحدى الوسائل الديداكتيكية التي يستعان هبا
الفضالء وشحذ قرائحهم إلمتام ما بدأه السابقون .واهللَ يف العملية التعليمية ،وال ينبغي أن يكون املصدر
تعاىل أسأل التوفيق والسداد ،وهو سبحانه حسبنا ونعم الوحيد؛ بل يلزم أن يكون مشفوعا بمصادر متعددة
https://www.mostajad.com/2015/10/blog- ون تائ جه" ،لفكري حســن ز يان ،عامل الك ت ،ط،2
post_78.html
معجم امل صطلحات الرتبوية والنف سية .للدكتور .6 القاهرة.1821،
ح سن شحاته ،والدكتورة زين النجار ،الدار امل رصية الرتبية التجريبية والبحث الرتبوي ،عبد اهلل عبد .2
املكتبة الرقمية ،اليونســكو ،الذيل :جيم :مرســد .2 ديداكتيك الرتبية اإلســالمية لألســتاذ إســامعيل .3
1
يتحدد ملمح متعلم نظام تعليمي ما من خالل نموذجه البيداغوجي الذي يعمل عىل ترصيف سياسة تربوية
حمددة مللمح املتعلم من خالل أنشطة ديدكتيكية .وبذلك تتحدد إشكاليتنا يف صعوبة الربط بني األدب املمتع
األدب ترتبط (الديدكتيك) وبناء القيم املفيدة (امللمح) .ولعل ذلك ما جعلنا نفرتض أن اإلفادة واإلمتاع يف تدري
يتيح االنفتاح لتبني مواطن اجلامل الفني ومكامن االختالف والوحدة احلضاريني. مقارن لألدب؛ تدري أكثر بتدري
النصوص األدبية ولذلك نسعى إىل تتبع ملمح املتعلم املغريب عرب اإلصالحات املتوالية من جهة ،ومدى إسهام تدري
يف بناء هذا امللمح وإمكانية تعميق هذا البناء من خالل اختيار ديدكتيكي منفتح عىل اللغات واآلداب والثقافات
املختلفة من جهة أخرى.
األدب باعتبارها دعامة من دعامات منهاج تربوي ومن هذا املنطلق ،نقرتح الديدكتيك االلتقائية يف تدري
يطمح إىل بناء ملمح متعلم /مواطن منفتح عىل اآلخر بمنطق التكافؤ ،وواع بوضعيته ووضعية جمتمعه ،ومتفاعل مع
نقدي ،وغريها من املعطيات التي تص يف مرمى بناء شخصية متوازنة ومبدعة. مستجدات احلياة املعارصة بح
ووفق هذا التصور ،يتوزع مقالتنا حموران :أحدها ينبش يف ملمح املتعلم عرب مسار اإلصالحات الرتبوية
املختلفة ،بينام يعرف الثاين بالنموذج الديدكتيكي االلتقائي الذي قد يكون أقرب إىل بناء ملمح متعلم متشبث بأصوله
ومنفتح عىل العامل.
:الديدكتيك االلتقائية -التخطيط العام -األدب -امللمح.
-1أستاذ حمارض مؤهل ،املركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين -بني مالل خنيفرة
238 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
اآلداب املختلفة لغة وثقافة بشكل يمكن ناجعة لتدري نقدم يف هذه الورقة نموذجا لديدكتيك األدب
املتعلم من الوعي بخصوصيته الثقافية من جهة ،ويتفاعل الذي جيمع بني احلقل املعريف األديب يف أبعاده الثالثة:
مع الثقافات األخرى من منظور التكافؤ من جهة أخرى. نظرية األدب وتاريخ األفكار والنقد األديب ،وديدكتيك
كام نسعى يف هذا النموذج الديدكتيكي إىل االنفتاح عىل القراءة الذي يضع خطوات منهجية وإجرائية لتدري
النصوص األدبية الفنون التعبريية األخرى يف تدري النص القرائي عامة والنص األديب بخاصة.
كالتلفزيون والسينام وغريها من الوسائط التي قد تشكل وسعيا إىل أجرأة هذه التصورات ،نتقدم بتصور
دعامات موازية للنص األديب يف سبيل تطوير منظومة لديدكتيك األدب بشكل يكشف االرتباط اجلديل بني
القيم والرتبية عىل تذوق اآلداب والفنون. الرتبية والبيداغوجيا يف سياق ثقايف قيمي حمدد ،عىل
وهذا ما نطمح إىل بسطه وفق حمورين كالتايل: اعتبار أن كل نموذج بيداغوجي مثايل لفرتة زمنية معينة
األدب بني إكراه السياسة الرتبوية وطموح -4تدري هو ،أوال وقبل كل يشء ،صورة حلالة املجتمع يف تلك
البيداغوجي. األدب وفق منظور تقني يلغي أي احلقبة .1إن تدري
-2من الديدكتيك العام إىل ديدكتيك النص. األدب وفق حضور لبناء القيم ،بينام يسهم تدري
.I منظور مجايل فني يف بناء القيم اإلنسانية املروجة من
خالله عرب آلية التحيني ،وكذا املتضمنة يف بنيته من خالل
-1ملمح املتعلم /املواطن املغريب
تذوق اجلامل واالستمتاع بالقراءة.
تسعى السياسات الرتبية يف مجيع البلدان إىل بناء
وبناء عىل ذلك ،نطرح آلية النقل الديدكتيكي
ف .وســعيا إىل ملمح متعلم /مواطن بشــكل مســتهدَ ٍ
للنص األديب من حيث االختيار وسياق اإلنتاج
أجرأة هذه ال غا يات ،تع مل النظم الرتبو ية عىل رســم
وسياقات التلقي والسبل البيداغوجية واألنشطة
منهاج واضــح لتحقيق املواصــفات املطلوبة بشــكل
الديدكتيكية وغريها من املعطيات التي تسهم يف بناء
متدرج من املرامي إىل الكفايات إىل األهداف التعلم ية.
ديدكتيك التقائية .إننا نطرح الديدكتيك االلتقائية كسبيل
1- Emile DURKHEIM, Education et sociologie, QUARIGE, P.U.F, Paris, 5éme éd, 1995, p 88.
239 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
حرضت (نسبيا) مشريات دالة عىل إنسان التقنية (رفع وإن إطاللة عىل تاريخ الفلســفات الرتبوية املغربية تقدم
املؤهالت املهنية لزيادة اإلنتاج) يف املخطط اخلام،ي لنا اســتنتاجا مفاده أن غاية األنظمة الرتبوية املتالحقة
( ،)1892/1891ونلفي كذلك معطيات حمتشمة دالة عىل ا ملدرســـة املغرب ية كا نت تركز عىل ب ناء اإلنســـان
عىل اإلنسان العضوي الذي ال نجد له إحالة قوية جتعل املحافظ فقط .فإذا أنعمنا النظر يف التخطيطات الرتبوية
من مفهوم العضوية مفهوما حقيقيا ال شكليا ،يامثل التي أســســت للمدرســة املغربية احلديثة ،نجد أن لوازم
غراميش (Antonio أنطونيو عند مفهومه املواطن املحافظ كثرية ومتنوعة .وهذا ما نتتبعه يف اآليت:
).Gramsci .4التخطيط اخلام،ي (:)1864/1861
وإذا كانت النظم الرتبوية هبذا االختالف وهبذا " -تكوين مواطن صالح ( )...ومهيأ لالندماج يف احلياة
الطابع التنظريي ،فإهنا بحاجة إىل خطوات إجرائية من الوطنية"،
أجل تنزيل هذه التصورات بشكل فعيل داخل فصول " -املشاركة يف حتقيق املشاريع"؛
الدرس .وهذا ما يستدعي التوسل بآلية الديدكتيك يف .2املخطط الثالثي (" - :)1891/1829األصالة"؛
سياق تربية حديثة .فام املقصود بالديدكتيك؟ وما دوره .3املخطط اخلام،ي (" - :)1892/1891األصالة"؛
يف حتقيق أهداف الرتبية وبناء كفايات املتعلم يف الرتبية .1ميثاق " - :11891األصالة"؛
احلديثة؟ .5ميثاق - :21888املتصف باالستقامة والصالح-
-2الرتبية واملجتمع بني التناظر والتجاوز التوفيق اإلجيايب بني الوفاء لألصالة والتطلع الدائم
تشكل الرتبية ( )L’éducationاإلطار للمعارصة؛
احلاضن جلميع األنشطة التعليمية ال َّت َعل ِمية التي يدبرها .3الكتاب األبيض -:3االستقاللية يف التفكري واملامرسة؛
األستاذ بيداغوجيا وديدكتيكيا .ويف مقامنا البحثي (تغي كلمة أصالة باملطلق يف هذا املرجع).
(الذي هو دراسة املؤلفات) يتم الرتكيز عىل أستاذ اللغة ومن ثمة ،نالحظ أن الالزمة التي تكررت يف
العربية وأستاذ اللغة الفرنسية بصفتهام مشتغ َلني مجيع التخطيطات تنزع نحو بناء اإلنسان املحافظ ،كام
-2امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ،أكتوبر ،4777ص.9 : -1وردت نصوص من هذه املخططات الرتبوية يف كتاب "مدخل إىل
-3الكتاب األبيض ،اجلزء الثاين ،يونبو ،2112ص.42 : الفلسفة الرتبوية" جلامع اجلغايمي ،مرجع سابق ،ص 50وما بعدها.
240 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
سلبا أو إجيابا عىل مكونات هذا الواقع البد وأن ينعك باملؤلفات الكاملة بالسلك التأهييل يف تقاطعاهتا املتعددة
أبعاد هذه الثقافة وعىل توجهاهتا الرئيسية".2 واملختلفة .وحتقق أنشطة حتليل املؤلف األديب عامة،
إن التصور الذي ُقدم سلفا لينبني عىل مفهوم والرسدي بخاصة ،جزءا مهام من غايات الرتبية ،تلك
متجاوز للرتبية التي كانت وظيفتها حمصورة يف إعادة الغايات التي تنشد بناء ملمح مواطن الغد من خالل
اإلنتاج .غري أن تطور البحث الرتبوي وتغري الظروف اكتسابه جمموعة من الكفايات األساس.
التارخيية واالجتامعية جعلت الرتبية تتجاوز عملية ومادام املواطن جزءا من املجتمع -بمعنى أنه
التكيف التي تربطها بالواقع واحلارض فقط إىل عملية مشكل له ومتشكل فيه -فإن املنتظر من الرتبية –يف
النقد والتفكر واستثامر ملكة العقل .إن الرتبية احلديثة تصور أول -هو بناء ثقافة مالئمة لثقافة املجتمع والتي
التي ننشدها تتوجه نحو املستقبل لالنعتاق من ربقة بدورها يمكن بناؤها بشكل دائم ومستمر .وهذا ما أملح
اجلاهز والبحث عن الغائ بشكل غائي.3 إليه الغايل أحرشاو يف قوله" :وعليه ،فنحن ال نتصور
إن طبيعة التطورات املتالحقة -بشكل متسارع- تنمية ثقافة الطفل العريب خارج مدار التنمية الثقافية
يف جمال االكتشافات العلمية والتكنولوجية ،والتغيري العامة للمجتمع ،ألن التنمية الثقافية املقصودة ،تعد يف
املالزم للعوملة وللمعطيات التكنولوجية يف جمال القيم، تقديرنا الشخيص مرشوعا جمتمعيا ضخام ،قوامه اكتشاف
لتدعو إىل تغيري مفهوم الرتبية لتغدو "الرتبية التي ينادي املوهبة الثقافية ورعايتها" .1إن هذا التصور الذي قدمه
هبا الفكر الرتبوي املعارص ال تقترص عىل الرتبية الصيانية أحرشاو جيعل الرتبية تابعة لثقافة املجتمع ،ال سابقة له.
( )...ولكن الرتبية التي ينادي هبا هي "الرتبية التوقعية"، وبذلك ،يتحكم الواقع املجتمعي يف الرتبية بتوجيهها
التي تقوم أساسا عىل توقع ما يمكن أن حيدث ،بغية نحو إعادة اإلنتاج يف ما يشبه دائرة مغلقة إلفراز القيم
تالفيه أو مقاومته أو تغيريه قبل أن يقع".4 والنامذج البرشية .حيث يقر الباحث بأن "ال جدال يف أن
وهكذا فإن املفهوم اجلديد للرتبية جيعلها سابقة ثقافة األطفال جتمعها عالقة عضوية بواقع املجتمع
عىل ثقافة جمتمعية يراد بناؤها أو تطويرها من خالل واختياراته االجتامعية املختلفة ،إذ إن أي حتول يف
-3جامع جغايمي ،مدخل إىل فلسفة الرتبية ،السلسلة الرتبوية ،3 -1الغايل أحرشاو ،العلم والثقافة والرتبية ،مطبعة النجاح اجلديدة،
مطبعة رشوق ،أكادير ،ط ،4773 ،4ص .47 ،49 الدار البيضاء ،ط ،2115 ،4ص .39
-4جامع جغايمي ،مدخل إىل فلسفة الرتبية ،مرجع سابق ،ص .22 -2نفسه ،ص .39
241 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
الوجودي أو اإلنسان العضوي .4إنه حتول حتكم فيه فاعلية الفعل الرتبوي الذي سيخلق الفاعل االجتامعي.
البعد االختياري ،كام حتكمت فيه مستجدات الواقع إنه التصور الذي عرب عنه روجي غارودي ( Roger
-3روجي غارودي" ،الرتبية وأزمة القيم" ،مرجع سابق ،ص .54 -1روجي غارودي" ،الرتبية وأزمة القيم" ،ترمجة توفيق بكار ،جملة
-4جامع جغايمي ،مدخل إىل فلسفة الرتبية ،مرجع سابق ،ص .25 املتلقي ،عدد ،2111 ،3/5ص .57
2 -Emile DURKHEIM, Education et sociologie,
QUARIGE, P.U.F, Paris, 5éme éd, 1995, P 88.
242 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
التعلمية.
-1الديدكتيك ..املفهوم واألنواع
إن املعطيات السالف ذكرها ،جتعل مواد
لقد تعددت تعريفات الديدكتيك بتعدد
خمتلفة يف طرائق تدريسها .وعليه يكون التدري
املفاهيم املرجعيات واملقاربات الرتبوية .غري أن أغل
الديدكتيك بصيغة اجلمع؛ أي ديدكتيك كل مادة أو قط
مادة من املواد تعترب الديدكتيك طريقة يف تدري
من املواد املنسجمة مع بعضها .وقد عرف إيف
املدرسية وفق حاجيات املتعلمني فيها ،وخصوصيتها
روتر)(Yves REUTERالديدكتيك كالتايل" :يمكن
االشتغال بطرائق ووضعياهتا التعلمية التي تتطل
تعريف الديدكتيكات ،يف مقاربة أوىل ،بأهنا ختصصات
التواصل والتنشيط ،وبتدبري الزمان والفضاء وأنامط
بحث يف حتليل املضامني (املعارف ،معارف الفعل)...
التقويم ،وتستلزم التوظيف املالئم للوسائل واألسالي
باعتبارها مواضيع تعليم وتعلم تتعلق بمواد دراسية" .
2
-3عبد اللطيف الفاريب وآخرون ،معجم علوم الرتبية ،سـلسـلة علوم 1 - G. et J. PATIAUX, Précis de pédagogie",
coll :Repères pratique, éd: NATHAN, Paris,
الرتبية ،41-7دار اخلطايب للطباعة والنرشــ ،الدار البيضـــاء ،ط،4 1997, P87 .
2 - Yves REUTER, « Didactique », in :
،4771ص .7
dictionnaire des concepts fondamentaux des
didactiques, de Boeck, Bruxelles, 2éme éd,
2010, P 69
243 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
-)4طريقة انتقاء املعارف املراد تدريسها ،وما يرتت وإذا كان الديدكتيك خيتص بكل مادة من املواد
عنها من خطر التلفيق الذي قد جيعلها غري منسجمة، الدراسية ،فإن درجة البحث يف سبل تعميق آلياته بني
ومفصولة عن شبكتها املفهومية. مادة وأخرى ختتلف لعدة اعتبارات ،منها ما يعود إىل
-)2جتريد املعارف ونزعها من إطارها السوسيوثقايف. املنشأ ،حيث إن األصل الغريب يف تلقي الديدكتيك عربيا
الربجمة -)3برجمة املعرفة املراد تدريسها ،حيث تتطل جعل املواد العلمية واللغة الفرنسية حتفل بتطور كمي
منهاجا خطيا ،فيام تتسم املعرفة العلمية بالتشكل وكيفي للدراسات املشتغلة بديدكتيكاهتا .كام أن
الرتكيبي. االختالف موجود داخل مكونات املادة الواحدة ،حيث
-)1نمط توزيع املعارف ،حيث تسهم طريقة التوزيع يف تم االهتامم باملكون اللغوي أكثر من االهتامم باملكون
رؤى نمطية خاطئة وبعيدة عن الوقائع العلمية.4 تكري املادة الدراسية .وهذا ما دفع بعض األديب يف نف
وإذا كانت املعطيات السابقة متعلقة بطبيعة الباحثني إىل البوح بذلك واخلوض يف ديدكتيك لألدب
املعرفة وإكراهات بناء املنهاج الدرا،ي ،فإن معطيات لتجاوز النقص احلاصل فيه.1
أخرى تتعلق باملتعلم الذي ختتلف استعداداته عن 2 -3التحويل املدر،ي
استعدادات املتلقي املتخصص يف موضوع املعرفة وظف التحويل الديدكتيكي أو النقل
املقدمة .فالتالميذ "ال حيملون كل املكتسبات السابقة، الديدكتيكي من لدن العديد من الباحثني منذ سبعينيات
سواء أكانت معارف أساس أم جتارب شخصية ،من أجل القرن العرشين.3وقد ارتبطت يف البداية باملواد العلمية
توظيف العنارص املساعدة عىل خلق مشكل أو التي تنبني عىل نظريات علمية عاملة؛ إذ كانت حال حمتمال
لصعوبات نقل النظرية من أصوهلا العلمية إىل بيئة
مدرسية .ومن تلك الصعوبات/اإلكراهات:
-3ظ هر ا مل ف هوم مع جم مو عة من األ عالم ،و م ن هم)4795( : -1من أبرزهم جوسلني جياسون( ).J. Giassonالتي اهتمت
و()4772 ،"Mو(،"Chevallard" )4795 ".Verret باملوضوع وخصصت له عدة دراسات ومؤلفات أبرزها كتاب
" ،"Develayو( ،"Astofi" )4779و(."Jonnaert" )4777 "القراءة" الذي سبق أن أحلنا إليه.
4 - Jean-Claude VERHAEGHE, José luis -2ســبق التفصــيل يف هذا املفهوم يف مقال ســابق صــادر عن جملة
WOLFS, Xavier SIMON, Dominique
COMPERE, Pratiquer l’épistémologie, De Boeck الديدكتيك يف عددها األول سنة .0000
et Larcier. s .a,1ére édition, 2004,P 71.
244 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ما يرتبط بطبيعة املادة املعرفية املستندة عىل فاعلية التخييل حله.1واألمر نفسه يطرح يف موضوع اشتغالنا ،من حيث
واللغة اإلحيائية ،فضال عن طبيعة توزيعها يف املنهاج استهداف املناهج النقدية القراء العاملني من ذوي اخلربة،
الدرا،ي ،واختالف سياقات تلقيها من حيث املعطيات القراء املبتدئني /املتعلمني .وذلك ما يفرض ولي
الزمانية والثقافية التي ختتلف باختالف املتعلمني .وإذا تطويع املناهج لتالئم هذا املعطى.
األدب حمورا جوهريا حيقق أهدافا تعلمية كان تدري وهكذا ،يرتبط النقل الديدكتيكي بإكراهات
خمصوصة ،فكيف السبيل للوصول إىل ديدكتيك جيرس يعود بعضها إىل طبيعة املعرفة ،ويعود البعض اآلخر إىل
اهلوة بني سياقات تلقي األدب؟ طريف النقل الديدكتيكي سواء أكان مهندس املنهاج أم
وبذلك نلفي أن األدب كامدة معرفية يرتبط األستاذ أم املتعلم.
بسياق قراءته .فالدراسة األكاديمية لألدب ختتلف عن لقد شكل النقل الديدكتيكي أكثر من إكراه
القراءة احلرة ،وعن القراءة املدرسية؛ ذلك أن األدب يف بالنسبة للبعض؛ حيث ذهبوا إىل كونه -يف جمال األدب-
األوساط األكاديمية يتناول بمنهج علمي وبجهاز بمثابة تناقض أو مفارقة كامنة بني األدب العامل واألدب
مفهومي خاصني .وإذا ما عدنا إىل هذا املنهج العلمي املتعلم .وهذا ما يقره روالن بارت ( Roland
الرصامة املنهجية للوصول إىل نتائج نجد أنه يلتم )BARTHESيف قوله" :يوجد تناقض عميق وغري
أقرب ما تكون إىل العلمية بالنسبة ملوضوع األدب .وهذا قابل للتجاوز بني األدب كمامرسة واألدب كتعليم .هذا
ما تعاقبت املناهج عىل فعله منذ املناهج "اخلارجية"، التناقض كبري الرتباطه باملشكل األكثر خطورة اليوم ،أال
باعتبارها تركز عىل خارج النص سواء أكان تارخيا أم وهو مشكل التحويل الديدكتيكي".2
جمتمعا أم تركيبة نفسية ،والتي هيمنت عىل احلقل النقدي يبدو إذن أن ما ذهبت إليه جوسلني جياسون
منذ (ق ،)18مرورا باملناهج النصية التي تلمست ( )Giasson Jocelyneبخصوص ندرة الدراسات
العلمية يف بنية العمل الداخلية أو شكله الفني أو إطاره األدب ،جيد مسوغه يف صعوبة ما يرافقه املتعلقة بتدري
السيميائي ،ووصوال إىل املناهج ما بعد النصية حيث من نقل ديدكتيكي أو ماسامه بارث بالتناقض العميق .إنه
2 -Roland BARTHES, "Réflexion sur un 1 - Jean-Claude VERHAEGHE, José luis
manuel",in: L’enseignement de la littérature, WOLFS, Xavier SIMON, Dominique
Hermann,Paris,2012, P 176 . COMPERE, Op.Cit, P 70.
245 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
ذلك املعطى من املدرس حتويل املعرفة يتطل أعيد النظر يف مفهوم املنهج واحلداثة ،فتم التنبيه إىل
العاملة إىل معرفة متعلمة .إنه حتويل ذو حدين :أحدمها فاعلية التفكيك ورضورة مراجعة مفهوم التاريخ
املعرفة من إجيايب واآلخر سلبي؛ فقد يسهم يف تقري والثقافة وغريمها .وباختالف هذه املناهج خيتلف،
ذهن املتعلم ذي القدرات العقلية املالئمة ملرحلته كذلك ،اجلهاز املفهومي املعتمد يف كل منها .وبالتايل
العمرية وسياق تلقيه للنص ،كام أنه قد يسهم ،يف املقابل، ختتلف نتائجها كذلك .غري أن أهم ما يسم هذه املناهج
يف تشويه تلك املعرفة األدبية ومتنها وبرتها عن سياقه هو سريورة ظهورها التي تؤرش عىل طابع النسبية
الدال .وهذا ما يتحقق يف اجتاهني :أحدمها ،هيتم والرغبة يف جتاوز نواقص السابق منها .إهنا نسبية نحتاج
بالشكل ،فيحول الدراسة إىل هياكل مفصولة عن األدب كام سنشري إىل إليها خللق منظور جديد لتدري
الداللة ،وثانيهام ،حييل الدراسة إىل رسد للوقائع التارخيية ذلك يف حمور الحق.
واالجتامعية ،يف انفصال عن الداللة النصية "فكلام كان وإذا كان اجلان األكاديمي كذلك ،فإن اجلان
موضوع املعرفة موجها نحو املستويات الدنيا من املدر،ي بدوره يتخذ لنفسه منهجا وجهازا مفهوميا
التعليم ،فإن التغيريات التي تلحقه أثناء النقل خاصني؛ إذ خيضع لضوابط املنهاج الدرا،ي من حيث
الديداكتيكي تكون كبرية" .2إن ذلك ما جيعلنا أمام الكفايات املستهدفة والوسائل واملحتويات واألسالي
إشكالية طريقة تعامل املدرسة وديداكتيك النصوص مع وأنشطة التقويم...الخ .ويبقى اجلهاز املفهومي-
النص الرسدي وفق اختيارات الوزارة الوصية .يتعلق كذلك -خاضعا هلذا املنهاج ولعملية النقل الديداكتيكي
األمر باختيار منهجية املنظورات الستة. ) ،(La transposition didactiqueوهي العملية
لقد تم االعتامد يف املدرسة املغربية ،عىل قراءة التي يتم هبا االنتقال باملعارف من مستوى معارف
منهجية للنصوص عامة ،وللنص الرسدي خاصة. أكاديمية ينتجها خمتصون إىل مستوى معرفة قابلة للتعلم
فالقراءة املنهجية للنص الروائي تستند إىل املنظورات والتعليم .
1
-2عيل آيت أوشن ،األدب والتواصل :بيداغوجيا التلقي والنتاج ،دار -1عبد اللطيف الفاريب وآخرون ،معجم علوم الرتبية ،مرجع سابق،
أيب رقراق ،الرباط ،ط ،2117 ،4ص .39 ص .351
246 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
للتوسل بآلية للوساطة بني املعرفة العاملة واملعرفة املنهجية الكربى املدرجة كالتايل :قراءة توجيهية وقراءة
املتعلمة ،وهي آلية "النقل الديدكتيكي". حتليلية وقراءة تركيبية .غري أن حتليل ممارساهتا القرائية
إن ما تسمى يف الرتبية احلديثة بـ"الرتبية تؤول إىل مقاربة ثالثية للموضوع املدروس من حيث
تشاركية" تستدعي أسلوبا ديدكتيكيا نوعيا يف التخطيط الدوال واملدلوالت والتداوليات.
والتدبري .وهذا ما نعتزم تقديمه يف إطار الديدكتيك -2ديدكتيك النص ..ديدكتيك التقائية
االلتقائية التي ستسعف يف ترصيف االختالفات الديدكتيك بناء خطة منهجية يف يتطل
والتشاهبات بمنطق املقارنة التداولية التي تراعي سياقات التخطيط للمراحل وتدبري أنشطتها وتقويمها .وذلك ما
اإلنتاج والتلقي معا .فكيف نبني هذه الديدكتيك املوارد .ومادام يؤرش عىل رضورة وجود وعي يف تدري
املقارنة؟ موضوع اشتغالنا هو النص الرسدي ،فإننا مطالبون
تعد الديدكتيك املقارنة حماولة للتوليف بني بإقرار قراءة منهجية تراعي التوجيهات الرتبوية من جهة،
الديدكتيكات املختلفة من خالل بيان نقط االئتالف وتقدم إغناء مبنيا عىل مستجدات احلقلني املتدخلني يف
بينها .واملقصود هبا هو املقارنة بني ديدكتيكات املواد ديدكتيك األدب من جهة أخرى؛ أي النقد األديب
الدراسية املختلفة .غري أن ما نطمح له هو الوصول -عرب وديدكتيك القراءة .فأما األول ،فإننا نعول فيه عىل
الديدكتيك املقارنة -إىل ديدكتيك تولف بني العربية مستجدات الدراسات الثقافية املقارنة كامتداد للدرس
األدب نفسها .فإذا كانت والفرنسية يف مادة تدري املقارن .وأما الثاين ،فإننا نعتمد فيه عىل الدراسات
"الديدكتيك املقارنة مرشوع بحث حديث هيدف إىل الديدكتيكية املقارنة يف جمايل ديدكتيك األدب وديدكتيك
خلق حوار بني ديدكتيكات املواد الدراسية ،1فإهنا اللغات ،حماولني االستفادة من مستجدات ديدَ كتيك
ستوصل إىل "ديدكتيك األدب" وإىل ديدكتيك اللغات ومنها الديدكتيك االلتقائية ،نموذجا ،قصد
النصوص الرسدية بخاصة يف خمتلف اللغات. توظيفها يف ديدكتيك األدب .ووعيا منا بالفرق بني وعي
القارئ املتخصص والقارئ /التلميذ ،فإننا بحاجة
جمملها إىل التفاعالت األربعة التي بسطها حممد مفتاح.3 ننطلق يف بناء ديدكتيك النص الرسدي من دعوة
ويمكن متثلها تربويا كالتايل: باجو التي ركز فيها عىل رضورة متكن أستاذ األدب 1
-التمثل :حيث ُيتَاح للمتعلم أن يترشب القيم اجلديدة الفرنيس من أدب أجنبي آخر .وتلك دعوة حتمل من
من منطلق كوهنا حسا إنسانيا مشرتكا ،وتظهر يف قيم روح االنفتاح ما حتمله الدعوة إىل "نظرية عامة مقارنة".
والندم والغرية ،كام يف العالقات اإلنسانية احل ومن أجل املسامهة يف بناء مفهوم "األدب العام" ،نرى
كعالقات األرسة واحلي ،وأيضا يف احلاالت اإلنسانية أن املبحث الديدكتيكي الذي ندافع عنه يشكل عنرصا
كالغنى والفقر وغريها من املعطيات املوجودة يف كل مهام يف سريورة متثل النظرية العامة املقارنة.
املجتمعات البرشية. االلتقائي حيفز األستاذ ومن خالل التدري
-التكيف :إذ متثل هذه الوضعية مناسبة إلغناء النقدي يف مقاربة النصوص من املتعلمني لتشغيل احل
املكتسبات وجتديدها؛ حيث يتكيف املتعلم املغريب مع خالل تفعيل قدرات املالحظة والتحليل والتمييز
مسيحية عىل غرار املذاه معرفة وجود مذاه واملقارنة والرتكي والتقويم .وال تتحقق هذه القدرات
اإلسالمية ،أو معرفة طبيعة العالقات االجتامعية املحيطة إال يف ارتباط بمحتوى أديب ما ،أو بنص رسدي بخاصة.
بالزواج بني النبالء والعامة أو بني األغنياء والفقراء. ولذلك نقرتح عىل األستاذ ما أشار إليه عبد القادر غالل
-التحصن :ويظهر هذا التفاعل كنوع من التحفظ عىل يف قوله" :حيفز األستاذ اللقاء واحلوار بني الثقافات
معطى ثقايف جديدة وخمتلف اختالفا جذريا عن املختلفة عرب اقرتاح -عند االقتضاء -نصوص مكتوبة
املعطيات الثقافية للمتعلم؛ أي دخول نسقني ثقافيني يف بالفرنسية من لدن كتاب مغاربيني أو أجان " .2وبناء
حالة تعارض كام هو الشأن بالنسبة للتعارض بني حد عىل هذا التواصل تظهر أنواع التفاعل مع املعطى
القاتل ومناهضة عقوبة اإلعدام ،وبني الدعوة إىل التحرر اجلديد -خاصة يف املؤ َّلف الفرنيس -والتي تعود يف
وغريها. يف التفكري واجلن
-3حممد مفتاح ،مشكاة املفاهيم :النقد املعريف واملثاقفة ،املركز الثقايف -1وردت هذه الدعوة يف كتابه "األدب العام املقارن" ،وسنورد قوال
العريب ،الدار البيضاء ،ط ،2111 ،4ص .435 -431 -433 له يرصح بذلك ويؤكده فيام ييل من املحور.
2-Abdelkader GHELLAL, Didactique de la littérature
et des textes littéraires,Op.Cit,p56.
248 العدد األول – نونبر 0202 المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
إقرار فيه بتفوق أدب عىل آخر .إن الديدكتيك الذي -التطرف :يصل التطرف حد اإلعالن عن الرفض
نسعى إليه ليحتفي بنقط التقاطع كام حيتفي بنقط االكتفاء بعدم التفاعل املطلق للمعرفة اجلديدة ،ولي
االختالف بني اآلداب والثقافات املختلفة. معها أو التحفظ بخصوصها؛ إذ تظهر تعارضا عميقا مع
إن اختاذ الديدكتيك قناة لقراءة األدب وإقرائه أصول الثقافة املستقبلة .ومثاله ما يظهر يف التصادم بني
يشكل أسلوبا أعمق أثرا من القراءة احلرة لألدب .ذلك االعتقاد باهلل واالعتقاد بمركزية اإلنسان فقط.
أن ما يتيحه الديدكتيك من إمكانات خلق جدل معريف وإذا كان باجو يدعو األستاذ الفرنيس الذي
وبناء داليل وانفتاح فكري يشكل مكسبا ملن أراد لغاية يدرس األدب الفرنيس إىل اإلملام باآلداب األجنبية من
األدب أن تتجسد يف الواقع .وهذا ما أبرزته جوسلني أجل توسيع آفاق عمليته التعليمية التعلمية ،فإننا ندعو،
جياسون ( )Jocelyne Giassonيف قوهلا" :يفتح بدورنا ،األستاذ املغريب الذي يدرس اآلداب العربية إىل
األدب ،كذلك ،الروح أمام التعددية الثقافية ،مظهرا أننا االطالع عىل اآلداب األجنبية ،والفرنسية بخاصة
نجرب مشاعر وانفعاالت متامثلة ،كيفام كانت أصولنا، لتحقيق أهداف متعددة تتجاوز أهداف األول ،ومنها:
مربزا ما ختتص به كل جمموعة" .
1
-)4توسيع مدارك املتعلمني وقدرهتم عىل الربط بني
يظهر إذن أن دور األدب مهم يف نامء الكفايات اآلداب.
الثقافية واملنهجية والتواصلية .ولعل أهم ما حيفز املتعلم -)2خلق نوع من التكامل أو النسقية مع مادة اللغة
الكتساب ذلك هو التعامل املمكن مع نص طويل الفرنسية وآداهبا كواقع مقرر باملدرسة املغربية ،عىل
ومكتمل ،ووجود تنسيق بني مدر،ي األدب العريب ما هو مقرر باملدرسة الفرنسية. عك
واألدب الفرنيس يف اختيار النصوص من جهة ،ويف -)3معاجلة مركبات التوفق أو عقد النقص التي قد
اللتني يشتغالن هبا من بني منهجيتي التدري التقري مترر -باخلطأ -يف مواد دراسية أخرى.
جهة أخرى .وهذا ما سنعمل عىل اقرتاحه كمحاولة وإذا كنا ندعو إىل هذا التكافؤ يف التعامل مع
منهجية تنطلق من حيث التوجيهات املذيلة لدراسة اآلداب الوطنية أو القومية داخل املدارس الوطنية ،فإن
عباس الصوري التي دعا فيها إىل خلق تقارب بني ذلك ينطلق من منطلق خلق لقاء أو حوار متكافئ ال
إليها هي تربية التغيري والكونية واإلبداع والتكامل منهجيتي مادة العربية ومادة الفرنسية ،مؤكدا عىل
واالستباق ،ال تربية املحافظة واالنغالق والتقليد النصوص العربية رضورة إغناء منهجية تدري
والتخصص وإعادة اإلنتاج. النصوص باملستجدات التي تعمل وفقها منهجية تدري
ولعل تقديمنا لنموذج مقاربة النص الرسدي املنتمي الفرنسية؛ حيث ذه الباحث إىل "رضورة إعادة النظر
إىل ثقافتني من حيث البناء الديدكتيكي املوحد وتفاعل النصوص األدبية يف شعبة اللغة يف منهجية تدري
القيم الثقافية بني االتصال واالنفصال ،خري دليل عىل العربية ،وذلك بمراعاة املستجدات النقدية واملحافظة يف
أمهية هذا النشاط الرتبوي بيداغوجيا وديدكتيكيا يف بناء الوقت نفسه عىل الطابع البيداغوجي للدرس األديب يف
مواصفات املتعلم املنصوص عليها يف املنهاج. املدرسة حتى حتافظ عىل وظيفتها احلقيقية .ووفق هذا
1
Khadija MOUADDINE408
Hayat MARIR et Rachid MARZAQ409
Résumé
Sous le toit de la mondialisation, l’acquisition de nouvelles langues est devenue
indispensable pour faciliter les échanges. Par contre, le processus d’apprentissage de ces
nouvelles langues étrangères n’est pas aussi facile sans l’application d’une méthode
didactique efficace. Effectivement, enseigner une langue étrangère c’est former,
transmettre et faire acquérir des connaissances linguistiques et communicatives
différentes de celles de la langue première de l'apprenant. Par conséquent, dans une classe
de langue étrangère le processus d’interaction communicative entre enseignant /
apprenant n’est pas sans avoir quelques obstacles parmi lesquels l’inhibition, ce qui
contribue souvent à l’échec de l’exécution de la tâche donnée. Dans une telle situation, la
présence de la langue maternelle s’impose comme une technique de remédiation pour
surmonter une telle lacune.
Dans le présent article, nous nous interrogerons sur l’impact de la langue maternelle sur
l’apprentissage du français au cycle primaire marocain, en prenant en compte le cas des
élèves issus de la région d’El Haouz. Notre objectif est d’évaluer le statut de la langue
maternelle chez les élèves aussi que chez les enseignants au sein de la classe de langue
étrangère, de savoir comment cette langue mère est utilisé en tant qu’une stratégie de
communication permettant la réussite du processus d’apprentissage.
Le sujet du présent article s’inscrit au sein de la recherche sur
l’enseignement/apprentissage des langues. Il s’articule autour de deux champs : la
sociolinguistique et la didactique.
Pour répondre à la problématique de cette recherche, nous avons choisi la région d’El
Haouz vu sa diversité linguistique en visant les enseignants de cette région. Nous avons
mené une enquête de terrain dans laquelle nous avons combiné des méthodes de
recherche qualitatives et quantitatives en vue de collecter les données et d’assurer leurs
validités.
Mots-clés : langue maternelle, langue étrangère, enseignant/apprenant, stratégies de
communication, blocage.
408
- Laboratoire Art, Littérature et Ingénierie Pédagogique, FLLA Ibn Tofail- Kénitra
409
- Laboratoire Langage et Société, FLLA Ibn Tofail -Kénitra
252 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
réussie dans les sciences exactes et plan strictement technique, les linguistes
techniques et, par conséquent, ils se ne rétablissent pas de distinction entre
distinguent nettement à l'étranger. « langue » et « dialecte » lorsque les codes
Il en résulte la nécessité de considérés ne sont pas apparentés (1) ; en
reconnaître que la réussite des étudiants à revanche, lorsqu'il y a parenté génétique,
l'université dépend de deux facteurs la variété officialisée est dite langue » et
indissociables et aussi importants l'un que les autres sont déclarés dialectes ».
l'autre : Cependant, des considérations largement
⮚ Un savoir ou un bagage idéologiques interviennent pour
académique de base suffisant pour dénommer « dialecte » toute langue non
réussir dans les branches de spécialité. reconnue par l'Etat en tant que langue
⮚ Une compétence langagière et officielle et non soutenue ou non imposée
linguistique suffisante en plus d'une par les appareils idéologiques de l'Etat ».
maîtrise de la langue d'enseignement. L'unité culturelle ou politique au
3- Le statut des langues nom de laquelle on chercherait à réduire
maternelles au Maroc : les langues allogènes périphériques à des
Le choix de l'arabe moderne, outils purement folkloriques ne suffit pas.
comme langue officielle du Maroc, a (Bounfour, 1977) pour « légitimer la mort
permis d'éviter le débat avec les des langues millénaires parlées encore »,
Amazighophones sur le problème de leur selon ce chercheur, « par plus de 60% de
langue maternelle. En effet, ce problème la population ». C'est ainsi que le slogan
n'aurait pas manqué de se poser si l'arabe de l'unité dans la diversité n'a pas tardé à
marocain avait été choisi comme langue faire jour parmi les linguistes marocains
officielle, ce qui n'a d'ailleurs jamais d'origine amazighrophone surtout
effleuré l'esprit des responsables vu que (Boukous, 1977 : 129) prenant argument
l'arabe marocain est considéré comme un dans la sociolinguistique pour légitimer la
dialecte appauvri ne pouvant servir reconnaissance officielle de l’amazigh
d'instrument linguistique que dans les écrit :
activités quotidiennes les plus simples et « La langue représente le dialecte qui
les plus banales. La volonté politique a “réussi“ politiquement, langue et
d'appartenance à la nation arabe est pouvoir entretiennent en effet d'étroits
déterminante dans cette décision prise par rapports ; or l'arabe (moderne) est investi
les responsables marocains. Il est clair que d'un pouvoir symbolique, c'est pourquoi
le Maroc, en optant pour l'arabe moderne tout autre système linguistique est jugé «
comme langue officielle, choisit la langue primitif » en même temps qu'il subit
de l'unité, la langue commune à tous les l'anathème des idéologues patentés ».
pays arabes. Dénommées péjorativement Dans un autre article,
« dialectes » et « considérées comme (Boukous,1981 :41) réclame pour
l'ennemi principal de toute conception l'Amazigh une reconnaissance
unitaire (Souriau, 1975). De l'autre côté, constitutionnelle : « La langue et la
(Boukous,1981, 40) considère cette culture amazigh occupent présentement la
option comme un parti pris purement dernière position à la bourse des valeurs
idéologique et déclare à ce propos : sur un sur le marché intangible, la
258 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
Nombre
Pourcentage
d’enseignants
Moins de 5 ans 49 92,30
De 5 ans à 10 ans 0 0
De10 ans à 15 ans 0 0
Plus de 15 ans 01 7,70
Total 50 100
Après avoir représenté les réponses de cette question sous forme d’un
histogramme, nous pouvons dire que la quasi-totalité du public en question possède
une expérience qui varie entre 01 et 05 ans de service. A cet effet, nous avons noté
que 17 enseignants ont moins de 5 ans d’expérience dans le domaine de
l’enseignement avec une fréquence de 72,31 %. Par contre, nous constatons qu’il
y a uniquement un seul enseignant ayant une expérience de plus de 15 ans, soit
7,70% de notre échantillon et un taux de 00 % de notre population cible qui ont de
5 à 10 ans et de 10 ans à 15 ans.
L’objectif derrière cette information se justifie par un intérêt que nous portons
à la variable ancienneté professionnelle, qui aurait sans doute un impact sur le
rendement pédagogique des enseignants, car les résultats obtenus montrent que la
majorité d’enseignants n’ont pas assez d’expérience en matière de pratiques
pédagogiques avec une fréquence de 92%. Par conséquent, nous enregistrons que
9,91 % seulement dont l’expérience est de plus de 5 ans.
263 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
Nombre
Fréquence en %
d’enseignants
a- Traduire des termes 47 76,5
b- Traduire des unités lexicales, syntaxiques
2 15,4
et grammaticales
c- Traduire des aspects culturels 1 7,7
Total 50 100
Question 7 : Quand vous posez des questions, les réponses des élèves sont en :
Question 10 : Est-ce que le recours à la langue maternelle des élèves peut avoir
des effets sur l’apprentissage du français ?
D’après le tableau ci-dessus, nous remarquons que 76.9% des enseignants ont
répondu que le recours à la langue maternelle a un impact sur l’apprentissage du
français, tandis que 23.4% ont confirmé que la langue maternelle n’engendre aucun
effet marquant sur l’apprentissage du français.
Les enseignants qui sont en faveur de l’alternance codique stipulent que
l'apprenant n'arrive pas à s’exprimer couramment en français, c’est pourquoi il se
réfugie dans la zone de confort que sa langue maternelle lui offre. En effet, celle-ci
lui facilite l’interaction orale au sein de la classe. Une telle manière ne peut que
susciter leur réaction pour des finalités interactives. Pour les enseignants qui pensent
le contraire, le recours à langue maternelle permet de débloquer la situation si les
élèves n'ont pas compris quelque chose. Or, elle n'est pas l’unique solution pour
escompter les difficultés rencontrées dans des situations d’enseignement-
apprentissage.
D'après ce qui a été montré supra, nous pouvons conclure que la langue
régionale est fortement présente dans la classe de langue. D’un côté, elle présente
pour l’enseignant une des stratégies de communication afin de stimuler l’échange,
gagner le temps et faire réussir son cours de langue. De l'autre côté, les élèves qui se
trouvent confrontés à une langue étrangère à leur système linguistique recourent à
l’utilisation de leur propre langage afin d'affronter leurs blocages lexicaux, de
surmonter leur anxiété et d'éviter la honte de faire des erreurs langagières.
L'alternance codique à ce stade peut être bénéfique car elle facilite les échanges en
classe, ces derniers deviennent plus fréquents. Ces échanges donnent plus de
confiance en soi aux apprenants.
268 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
Bibliographie :
▪ BANGE P., 1992, A propos de la de la classe de langue, Les carnets du
communication et de l’apprentissage Cediscor, n° 4, pp. 111-129.
de L2 notamment dans ses formes ▪ Conseil de l'Europe, 2001, Cadre
institutionnelles, in AILE, D. européen commun de référence pour
Véronique (dir.), Nouvelles les langues : Apprendre, enseigner,
perspectives dans l’étude de évaluer. Strasbourg.
l’apprentissage d’une langue ▪ DABENE L., 1994, Repères
étrangère en milieu scolaire et en sociolinguistiques pour
milieu social, n° 1, pp. 53-85. l’enseignement des langues, Paris,
▪ BENZAKOUR F., GAADI D., Hachette.
QUEFFELEC A., 2000, Le français ▪ GAMBRA Gine M., 2003, Une
au Maroc: lexique et contacts de approche ethnographique de la
langues, De Boeck Supérieur- classe de langue, Paris, Didier
Duculot. collection, LAL.
▪ BIALYSTOK Ellen, 1990, ▪ GRANDGUILLAUME G.,
Communication Stratégies : A 1983, Arabisation et politique
Psychological Analysis of Second- linguistique au Maghreb, Paris,
Language Use, London, Basil édition Maisonneuve et Larose.
Blackwel. ▪ GULICH E., KOTSCHI T.,
▪ CASTELLOTTI V., 2001, Pour une 1983, Les marqueurs de la
perspective plurilingue sur reformulation
l’apprentissage et l’enseignement paraphrastique, in Cahiers de
des langues, in V. Castellotti linguistique française,
(dir.), D’une langue à d’autres : n° 5, Connecteurs pragmatiques et
pratiques et représentations, structure du discours, Université de
Publications de l’université de Genève, pp. 305-351.
Rouen, collection Dyalang, pp 9-38. ▪ LUDI G. et PY B., 2003, Etre
▪ CAUSA M., 2002, L’alternance bilingue, Berne, Peter lang,.
codique dans l’enseignement d’une DOI : 10.3726/978-3-0351-0647-3
langue étrangère. Stratégies ▪ MARTINET A., 1960, Éléments de
d’enseignement bilingues et linguistique générale, Paris, Armand
transmission de savoirs en langue Colin.
étrangère, Bruxelles, Peter Lang. ▪ MOORE D., 1996, Bouées
▪ CAUSA M., 1996, L’alternance transcodiques en situation immersive
codique dans le discours de ou comment interagir avec deux
l’enseignant. Entre transmission de langues quand on apprend une
connaissances et interaction, in F. langue à l’école, in S. Oeschet, B. Py
Cicurel & E. Blondel, (dirs.), La (dir.), Le bilinguisme, AILE, n° 7,
construction interactive des discours pp. 95-121.
271 0202 العدد األول – نونبر المجلة المتخصصة في التربية والتكوين
عن المجلة:
"املجلة املتخصصة يف الرتبية والتكوين" جملة علمية تربوية حمكّمة ،تصدر مرتني يف السنة عن املركز اجلهوي ملهن الرتبية
والتكوين مراكش-آسفي .وهي هتدف إىل ما يأيت:
با للدراسات واألبحاث العلمية والرتبوية ،الوطنية والدولية ،املتصلة بقضايا الرتبية والتكوين؛
أوال ،أن تكون من ر
ثانيا ،أن تصبح مرج رعا علم ًّيا وتربو ًّيا تعكس مواده دينامية األفكار والتصورات وتعدّ د املقاربات يف احلقل األكاديمي
العلمي الرتبوي؛
ثالثا ،أن تواكب اجلديد يف جمال الرتبية والتكوين ،وأن تشارك يف بلورة األسئلة التي تفرضها حتوالت احلارض وحتديات
املستقبل.
ⵏⵜ
R
ⵓⵙ
ⵖⵓ
ⵎ
S
ⵜⴰⵙ
ⵓⵜⵜⴳ
E
F
2023