You are on page 1of 385

‫‪E‬‬

‫مجلة تدبر‬
‫‪ 384‬ص‪ 24 ×17 ،‬سم‬
‫رقم اإليداع‪1438 /5883 :‬‬
‫بتأريخ‪1438/6/24 :‬‬
‫ردمد‪1658 -7642 :‬‬

‫ريال سعوديًا أو ما يعادلها‬


‫ً‬ ‫سعر املجلة (‪)25‬‬

‫املجلة مرصحة من وزارة اإلعالم‬


‫باململكة العربية السعودية برقم ‪375‬‬

‫اململكة العربية السعودية‬


‫ص‪ .‬ب ‪٧١١٩‬‬
‫املدينة املنورة ‪٤١٤٦٢‬‬

‫‪Info@tadabburmag.sa‬‬

‫‪+966503072333‬‬
‫‪@tadabburmag‬‬
‫‪http://www.tadabburmag.sa‬‬

‫إخراج فين‪ :‬همت العزب‬


‫دورية علمية محكَّمة‪ ،‬تعنى بتحكيم ونشر البحوث والدراسات العلمية‬
‫المتصلة بمجاالت تدبر القرآن الكريم‪ ،‬وتصدر مرتين يف السنة‪.‬‬

‫المرجعية‪ :‬مصرحة من وزارة اإلعالم بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫أن تكون المجلة خيار الباحثين األول لنشر بحوثهم يف تدبر القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫أن تكون وعا ًء علم ًّيا مح َّك ًما للباحثين لنشر أعمالهم العلمية يف تدبر‬
‫القرآن الكريم وما اتصل به وفق معايير مهنية عالمية للنشر‪.‬‬

‫تشجيع البحث العلمي المتصل بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬

‫نشر البحوث العلمية والدراسات المتصلة بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬

‫تحقيق التواصل العلمي بين المعنيين بالدراسات القرآنية من خالل‬


‫تبادل الخربات‪.‬‬

‫فتح آفاق جديدة للبحث العلمي المتخصص يف مجاالت تدبر القرآن‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬البحوث والدراسات يف مجاالت تدبر القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ .1‬التأصيل العلمي يف تدبر القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ .2‬الموضوعات القرآنية‪.‬‬

‫‪ .3‬المقاصد القرآنية‪.‬‬

‫‪ .4‬المناسبات القرآنية‪.‬‬

‫‪ .5‬اإلعجاز القرآين‪.‬‬

‫‪ .6‬البالغة القرآنية‪.‬‬

‫‪ .7‬تعليم تدبر القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ .8‬االستنباط من القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تقارير امللتقيات واملؤمترات العلمية املتصلة بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مستخلصات املشاريع والرسائل العلمية املتميزة يف املجاالت‬
‫املتصلة بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬ما تطرحه هيئة التحرير من قضايا تستكتب فيها املتخصصني يف‬
‫املجاالت املتصلة بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪6‬‬


‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫تَهــدف المجلة إلى إتاحة الفرصة للباحثين يف جميع ُبلدان العالم لنشــر‬
‫إنتاجهــم العلمــي يف مجاالت تدبر القرآن الكريم؛ علــى أن تتوافر فيه األصالة‬
‫والجدة‪ ،‬وأخالقيات البحث العلمي‪ ،‬والمنهجية العلمية‪.‬‬
‫وتقوم المجلة بنشــر المواد التي لم يســبق نشــرها باللغة العربية‪ ،‬وتقبل‬
‫أي مِن الفئات اآلتية‪:‬‬
‫المواد يف ٍّ‬
‫‪ ‬البحوث األصيلة‪.‬‬
‫‪ُ ‬مستخلصات المشاريع والرسائل العلمية المتميزة‪.‬‬
‫الملتقيات والمؤتمرات العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬تقارير ُ‬

‫‪ -1‬أن يكون يف مجاالت المجلة‪.‬‬


‫‪ -2‬كتابــة مقدمــة تحتوي على (موضــوع البحث‪ ،‬وحــدوده‪ ،‬وأهدافه‪،‬‬
‫ومنهجه‪ ،‬وإجراءاته‪ ،‬وخطة البحث)‪.‬‬
‫‪ -3‬تبيين الدراسات السابقة ‪-‬إن ُوجدت‪ -‬وإضافته العلمية عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬تقســيم البحــث إلى أقســام (مباحث) وفق (خطــة البحث)؛ بحيث‬
‫تكون مرتابطة‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪8‬‬


‫‪ُ -5‬يكتــب البحــث بصياغة علميــة ُمتقنة‪ ،‬خاليــة من األخطــاء اللغوية‬
‫والنحوية‪ ،‬مع األمانة العلمية والدقة يف التوثيق‪.‬‬
‫‪ -6‬كتابــة خاتمــة بخالصــة شــاملة للبحــث؛ تتضمــن أهــم النتائــج‬
‫والتوصيات‪.‬‬

‫‪ ‬ال يتجاوز عدد صفحات البحث (‪ )50‬صفحة مقاس (‪ )A4‬متضمنة‬


‫الملخصين العربي واإلنجليزي‪ ،‬والمراجع‪ ،‬وال يقل عن (‪ )25‬صفحة‪.‬‬
‫‪ ‬هوامش الصفحة تكون (‪ 2‬سم) من‪ :‬أعلى‪ ،‬وأسفل‪ ،‬ويمين‪ ،‬و َيسار‪،‬‬
‫ويكون تباعد األسطر مفر ًدا‪.‬‬
‫‪ ‬يستخدم خط (‪ )traditional arabic‬للغة العربية بحجم (‪،)16‬‬
‫والمستخلص‪ ،‬وبحجم (‪ )11‬للجداول واألشكال‪.‬‬
‫وبحجم (‪ )12‬للحاشية ُ‬
‫‪ ‬يســتخدم خــط (‪ )Times New Roman‬للغة اإلنجليزية بحجم‬
‫والمستخلص والجداول واألشكال‪.‬‬
‫(‪ ،)12‬وبحجم (‪ )10‬للحاشية ُ‬
‫‪ُ ‬تكتــب اآليات القرآنيــة َو ْف َق المصحف اإللكتــروين لمجمع الملك‬
‫مسود)‪.‬‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬بحجم (‪ )14‬بلون عادي (غير َّ‬
‫‪ُ ‬توضع حواشي كل صفحة أسفلها على ِحدة‪ ،‬ويكون ترقيم حواشي‬
‫مستقل‪ ،‬و ُتضبط الحواشي آل ًّيا ال يدو ًّيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫كل صفحة‬

‫‪9‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬تكتــب بيانــات البحــث بال ُّل َغ َت ْي ِ‬
‫ــن (العربيــة واإلنجليزيــة)‪،‬‬
‫وتحتوي على‪:‬‬

‫(عنوان البحث‪ ،‬اسم الباحث والتعريف به‪ ،‬بيانات التواصل معه‪ ،‬عناوين‬
‫رسائله العلمية)‪.‬‬

‫‪ ‬ال يتجاوز عدد كلمات المستخلص (‪ )250‬كلمة‪ ،‬ويتضمن العناصر‬


‫التالية‪( :‬موضوع البحث‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ومنهجه) مع العناية بتحريرها بشكل دقيق‪.‬‬

‫‪ُ ‬يتبع كل مستخلص (عربي‪ /‬إنجليزي) بالكلمات الدالة (المفتاحية)‬


‫الم َع ِّبــرة بدقة عن موضوع البحث‪ ،‬والقضايا الرئيســة التــي تناولها‪ ،‬بحيث ال‬
‫ُ‬
‫يتجاوز عددها (‪ )6‬كلمات‪.‬‬

‫‪ ‬سالمة البحث من األخطاء اللغوية والنحوية واإلمالئية‪.‬‬

‫‪ ‬كتابة الحاشية الســفلية يكون بذكر (عنوان الكتاب‪ ،‬واسم المؤلف‪،‬‬


‫المعمول به فـــي توثيق الدراسات‬
‫والجزء‪ /‬الصفحة)؛ حسب المنهج العلمي َ‬
‫الشرعية واللغة العربية‪.‬‬

‫مثال‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪.)233 /2‬‬

‫أما اآلية القرآنية‪ :‬ف ُيشــار إليها يف المتن فقط باســم السورة يتبعه نقطتان‪:‬‬
‫ثم رقم اآلية [النساء‪.]55:‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪10‬‬


‫‪ ‬إذا كان المرجع (كتا ًبا)‪«( :‬عنوان الكتاب»‪ .‬فاالســم األخير للمؤلف‬
‫(اسم الشهرة)‪ ،‬فاالسم األول واألسماء األخرى)‪ .‬فاسم المحقق ‪-‬إن ُو ِجد‪.-‬‬
‫فسنَ ُة النَّشر)‪.‬‬
‫فاس ُم النَّاشر‪َ ،‬‬
‫فبيان الطبعة‪ ،‬فمدينة النشر‪ْ :‬‬
‫مثــال‪« :‬الجامــع الصحيــح»‪ .‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيســى؛ محمد بن عيســى‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد محمد شــاكر وآخرين‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪،‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ ‬إذا كان المرجع (رســالة علمية لم تُطبع)‪«( :‬عنوان الرســالة»‪ .‬فاالسم‬
‫األخير للباحث (اسم العائلة)‪ ،‬فاالسم األول واألسماء األخرى‪ .‬فنوع الرسالة‬
‫فالسنَة)‪.‬‬
‫(ماجستير‪ /‬دكتوراه)‪ ،‬فالمكان‪ :‬فاسم الكلية‪ ،‬فاسم الجامعة‪َّ ،‬‬
‫مثال‪« :‬يعقوب بن شيبة السدوسي‪ :‬آثاره ومنهجه فـي الجرح والتعديل»‪.‬‬
‫المطيري‪ ،‬علي بن عبد اهلل‪ .‬رســالة ماجســتير‪ ،‬الســعودية‪ :‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة‬
‫الملك سعود‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫(مقال من دورية)‪«( :‬عنوان المقال»‪ .‬فاالســم األخير‬
‫ً‬ ‫‪ ‬إذا كان المرجع‬
‫للمؤلف (اســم العائلة)‪ ،‬فاالســم األول واألســماء األخرى‪ .‬فاســم الدَّ ْو ِر َّية‪،‬‬
‫فســنَ ُة النَّشــر‪ ،‬فالصفحة من ص‪-...‬‬
‫فالمــكان‪ ،‬فرقم المجلــد‪( ،‬رقم العدد)‪َ ،‬‬
‫إلى ص‪.)...‬‬

‫‪11‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫مثال‪« :‬اإلمام َع َّفان بن ُم ْسلِم َّ‬
‫الص َّفار ومنهجه فـي التلقي واألداء والنقد»‪.‬‬
‫المطيري‪ ،‬علي بن عبد اهلل‪ .‬مجلة جامعة القصيم‪ :‬العلوم الشرعية‪ ،‬القصيم‪ .‬م‬
‫(‪1431 ،)1( ،)3‬هـ‪.85 -35 ،‬‬

‫هذا باإلضافة إلى ِذكر بعض االختصارات إن لم ُيوجد لها ُّ‬


‫أي بيان فـــي‬
‫المرجع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫بيانات َ‬
‫‪ ‬بدون اسـم النـاشر‪ :‬د‪ .‬ن‬
‫‪ ‬بدون رقــم الطبعة‪ :‬د‪ .‬ط‬
‫‪ ‬بدون تاريخ النشر‪ :‬د‪ .‬ت‬
‫‪ ‬ترتيب المراجع ترتي ًبا ألفبائ ًّيا‪.‬‬

‫‪ -1‬إرســال البحــث لموقع أو بريد المجلــة ُي َعدُّ تعهدً ا مــن الباحث بأن‬
‫البحث لم يسبق نشره‪ ،‬وأنه غير ُم َقدَّ م للنَّشر‪ ،‬ولن ُي َقدَّ َم للنَّشر فـــي جهة أخرى‬
‫حتى تنتهي إجراءات تحكيمه فـي المجلة‪.‬‬
‫حق الفحــص األَ َّولِي للبحث‪ ،‬وتقريــر َأ ْهلِ َّيتِه‬
‫‪ -2‬لهيئــة تحريــر المجلة ُّ‬
‫للتحكيم‪ ،‬أو رفضه‪.‬‬
‫الم َحكِّمين؛ ل ُي َعدِّ ل بحثه َو ْف َقها‪،‬‬ ‫‪ -3‬إِ ْط َ‬
‫ــا ُع الباحث على خالصة تقارير ُ‬
‫الخالف بينهما‪.‬‬
‫َ‬ ‫و ُي َب ِّين رأيه فيما ال َيأخذ به من أقوالهم‪ ،‬و َتحسم الهيئ ُة‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪12‬‬


‫يتم إرســال رســالة للباحث بـ(قبول‬
‫‪ -4‬يف حــال (قبول البحث للنَّشــر) ُّ‬
‫يتم إرسال رسالة (اعتذار للباحث)‪.‬‬
‫البحث للنَّشر)‪ ،‬وعند رفض البحث للنشر ُّ‬
‫‪ -5‬للباحث ‪-‬بعد نشر عمله يف المجلة‪ -‬أن ينشره مرة أخرى بعد ُم ِض ِّي‬
‫ستة أشهر من صدورها‪.‬‬
‫‪ -6‬إرســال البحث عبــر الموقع أو البريد اإللكتــروين للمجلة ُي َعدُّ ً‬
‫قبول‬
‫الحق فـــي تحديد‬
‫من الباحث بـ(شــروط النَّشر فـــي المجلة)‪ ،‬ولهيئة التحرير ُّ‬
‫َأ ْو َل ِو َّيات نَشر البحوث‪.‬‬
‫‪ -7‬اآلراء الواردة فـــي البحوث المنشــورة ُت َع ِّبر عن وجهة نَظر الباحثين‬
‫فقط‪ ،‬وال ُت َع ِّب ُر بالضرورة عن ِ‬
‫رأي المجلة‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪P‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضـــــــــوع‬

‫‪19‬‬

‫‪21‬‬

‫‪23‬‬

‫‪87‬‬

‫‪147‬‬

‫‪219‬‬

‫‪307‬‬

‫‪309‬‬

‫‪15‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الصفحة‬ ‫الموضـــــــــوع‬

‫‪335‬‬

‫‪347‬‬

‫‪349‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪16‬‬


‫‪#‬‬

‫منهاجا لعباده‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ليكــون‬ ‫المبي َن؛‬
‫الكتــاب ُ‬
‫َ‬ ‫الحمــدُ هللِ َر ِّب العا َل ِميــن‪َ ،‬‬
‫أنــزل‬
‫الصالحين ﷺ‬ ‫الصالحيــن‪ ،‬و َأ َم َر رســو َله بتدبره؛ فكان قدوة ُ‬
‫المتَدَ ِّبريــن وإمام َّ‬ ‫َّ‬
‫إلى يوم الدِّ ين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫المبِ ِ‬
‫ــرا ُم ‪-‬رضــوان اهلل عنهم‬‫يــن صحابتُه الك َ‬ ‫و َتبِ َعــه علــى ذلــك الن َّْهــجِ ُ‬
‫الكريم؛ ِحين كانوا له َتالِين‪ ،‬وبِمواعظِه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫خير َمن َتدَ َّب َر‬
‫أجمعين‪-‬؛ فكانوا َ‬
‫ُمت ََأ ِّثرين‪ ،‬وألحكامه ُممتثلين‪ ،‬وب َقصصه ُمعتربين‪.‬‬
‫و َتتَابــع صلحــاء األُم ِ‬
‫ــة علــى هذا إلــى يومنا هــذا؛ فجعلوا القــرآن لهم‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫حيــاة‪ ،‬يتلونه حق تالوته‪ ،‬ويتدبرونه حــق تدبره‪ ،‬ويتعلمون أحكامه‪ ،‬ويتعظون‬
‫بمواعظه‪ ،‬ويتخلقون بأخالقه‪ ،‬ويهتدون هبديه‪ ،‬ويســيرون على منهاجه‪ ،‬يرون‬
‫به الحــق فيتبعونه ويدعون إليــه‪ ،‬ويبصرون به الباطــل فيجتنبونه وينهون عنه‪،‬‬
‫حتى صار هذا القرآن العظيم أنسهم وسلوهتم وسعادهتم ومفزعهم‪ ،‬ال يجدون‬
‫حالوة الحياة بدونه‪ ،‬وال نور الطريق من غيره‪ ،‬وال يعدلون إلى منهاج سواه‪.‬‬
‫إن هذه الربك َة من بركات ِ‬
‫كتاب اهلل ال يدركها إال من تدبره واتعظ به وعمل‬ ‫َّ‬
‫بمــا فيه‪ ،‬كما قــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾‬
‫المتَواترتين‪( :‬لِتَدَّ َّب ُروا)‪ ،‬أي‪ :‬ل ِ َتتَدبره أنت‬
‫[ص‪ ،]29 :‬ويف قــراءة أبي جعفر وعاصم ُ‬
‫‪-‬يا ُم َح َّمدُ ‪ -‬وأتباعك‪ ،‬فيحصل بالتدبر الربكة والخير الكثير والنفع العظيم‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وإن َم َج َّل َة (تدبر) تسعى إلى تعميق التدبر يف األمة؛ لعلها تنال هذه الربكة‬
‫َّ‬
‫يف القرآن الكريم‪.‬‬

‫الرابع بصدور عددها ال َّثامن نحمد اهلل الذي يســر‬


‫وهــي إذ َتختم عا َمهــا َّ‬
‫وأعان‪ ،‬ونشــكر كل من أســهم يف مســيرهتا‪ ،‬ونعتذر إلى الباحثيــن الذين َوافوا‬
‫المجلة ببحوثهم‪ ،‬ولم يكن لهم نصيب يف النَّشر‪ ،‬وهنيب بالجامعات والمراكز‬
‫ِ‬
‫العلميــة والبحثيــة َ‬
‫بــذل المزيد مــن الجهد يف تخصيــص الدراســات القرآنية‬
‫الم َح َّك َم ِة لنشــر البحوث القرآنيــة‪ ،‬وتطوير مجاالت تلك‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بالمجــات الع ْلم َّية ُ‬
‫األبحــاث؛ بما ُيعين علــى الثراء العلمــي يف المجتمعات المحليــة واإلقليمية‬
‫والعالمية‪ ،‬وبما َينشر رسال َة القرآن وهداياتِه للناس جمي ًعا‪.‬‬

‫ونموذجا ُيحتذى‬
‫ً‬ ‫اهلل أن تكون هذه المجل ُة (تدبر) منار َة خير وبركة‬ ‫ُ‬
‫ونسأل َ‬
‫يف بقية مجاالت الدِّ راســات القرآنية‪ ،‬وأن ينفع بالجهود المبذولة لالرتقاء هبا‪،‬‬
‫وبمجال َتدَ ُّبر القرآن وخوادمه‪ ،‬و َي َع َّم بالربكة والخير ُكتَّا َبها و ُق َّراءها‪..‬‬

‫وأتقدّ م بالشــكر الجزيل ألعضاء هيئة تحرير المجلة والهيئة االستشارية‬


‫وأميــن التحريــر وكل من أعاننا وشــجعنا‪ ،‬وأســأل اهلل أن يتقبــل منهم ويعظم‬
‫أجرهم ويبارك لهم‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪20‬‬


‫البحث األول‬

‫طالب بمرحلة الفضيلة‪ ،‬بكلية اللغة العربية والدراسات‬


‫اإلسالمية‪ ،‬بالجامعة المحمدية‪-‬الهند‪.‬‬

‫نال شهادة العالمية من كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪ ،‬بالجامعة المحمدية‪-‬‬
‫الهند‪ ،‬عام ‪2019‬م‪.‬‬
‫أهم النتاج العلمي‪:‬‬
‫"منهج الخطيب التبريزي يف مشكاة المصابيح وعناية العلماء به" (باللغة العربية)‪.‬‬
‫"ظاهرة التكفير وخطورته" (باللغة األردية)‪ ،‬وهما منشوران بمجلة النادي المحمدي‪ ،‬بالجامعة‬
‫المحمدية‪-‬الهند‪.‬‬

‫البريد اإللكتروين‪mdhammadyusuf1@gmail.com :‬‬


‫مستخلص البحث‬

‫البحث بدرا�س��ة‪( :‬الم ِ‬


‫قاصد ال ُقرآن َّية يف ُســورة «ق»)‪ ،‬معتمدً ا يف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُيعنى هذا‬
‫ذلك على المنهج االستقرائي االستنباطي‪.‬‬
‫الس َو ِر ال ُقرآن َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و َت ْك ُم ُن أهم َّيتُه يف َف ْض ِل ُسورة (ق) ومكانتها العظيمة بين ُّ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية؛ على‬ ‫وهو مع ذلك لم ين َْل ح َّظه يف الدِّ راســات التــي تناولت الم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الرغم مِن أهميته يف فهم القرآن وتد ُّبره‪.‬‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية من ُســورة (ق)‪ ،‬ومعرفة‬ ‫البحث إلى اســتنباط الم ِ‬‫ُ‬ ‫و َيهدف‬
‫َ‬
‫الرسول ﷺ‬ ‫ِ ِ‬
‫الســورة‪ ،‬والوقوف على س ِّر قراءة َّ‬‫القضايا الجوهرية التي تناولتها ُّ‬
‫السورة يف المجامع الكِبار‪.‬‬ ‫لهذه ُّ‬
‫ُ‬
‫البحث يف ُمقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪:‬‬ ‫وقد جاء هذا‬
‫أول بالتعريف ِ‬
‫بعلم الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪ ،‬وبيان أهميته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حث ال ُ‬
‫واخت�ص امل َ ْب ُ‬
‫َّ‬
‫�أ َّم��ا امل َ ْبح��ث الث��اين‪ :‬فقــد كان مقدمة تعريفية لســورة (ق)؛ بِذكر بعض ما‬
‫ي ِعين على الكشف عن الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫الســورة‬
‫�أ َّم��ا امل َ ْبح��ث الثال��ث‪( :‬وهــو ُصلــب البحث)؛ فذكــر فيه َمقصد ُّ‬
‫إجمال مع ِذكر شواهده‪ ،‬ثم موضوعاهتا الجزئية‪ ،‬ثم التدبر الم ِ‬
‫قاصدي آليات‬ ‫ً‬
‫ُّ َ‬
‫ً‬
‫تفصيل‪.‬‬ ‫السورة‬
‫ُّ‬
‫أن ُســورة (ق) قد تناولت ِعدَّ َة موضوعات رئيسة‬
‫البحث إلى َّ‬
‫ُ‬ ‫ص‬ ‫وخ َل َ‬ ‫َ‬
‫تخص العقيد َة اإلسالم َّيةَ؛ من تقرير أصول الدِّ ين من اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وإعطاء َت َص ُّو ٍر كامل عن حياة اإلنسان‪،‬‬ ‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وال َقدَ ِر‪،‬‬

‫‪25‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الرســول ﷺ َيقرأ هبا يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َه َّمة‪ ،‬ولذلك كان َّ‬
‫المقاصد القرآن َّية ُ‬
‫وغير ذلك من َ‬
‫المجامع الكبار‪.‬‬
‫ِ‬
‫وإحياء ُســن َِّة‬ ‫البحث بضرورة العناية بســورة (ق)؛ تالوة وتد ُّب ًرا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُيوصي‬
‫قاصد‬ ‫العيد‪ ،‬ودراســة الم ِ‬ ‫رســول اهلل ﷺ يف قراءهتــا يف ُخطبــة الجمعة وصــاة ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫واظب على قِراءهتا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسول ﷺ ُي‬ ‫السور التي كان َّ‬ ‫خاص ًة تلك ُّ‬
‫الس َور؛ َّ‬
‫القرآن َّية يف ُّ‬
‫قاصدي‪ -‬التفسير‪-‬‬ ‫قاصد القرآنية‪ -‬التَّدَ بر الم ِ‬
‫الكلمات امل ِفتاحية‪ :‬الم ِ‬
‫ُّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الم َف َّصل‪.‬‬ ‫السور المك َّية‪ُ -‬‬
‫ُسورة (ق)‪ُّ -‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪26‬‬


The Qur’anic Purposes
of Sura Qāf
Prepared by:

Hammad Mohammed Yusuf


Email: mdhammadyusuf1@gmail.com

Summary:

This piece of research explores the Quranic objectives in


the Chapter of Qāf, depending on the deductive and induc-
tive methods. Its significance lies in the merit of this chap-
ter and its great position among the Quranic chapters, and
yet the studies that dealt with the Quranic objectives did
not examine it adequately despite its being instrumental in
understanding and meditating on the Qur’an.

The research aims to extract the Quranic objectives from


the chapter of Qāf, highlight the key issues that it tackles
and find out why the Prophet (Peace be upon him) used
to recite it at his major assemblies.

This research includes an introduction, three sections, and


a conclusion. The first section defines the study of the
Quranic objectives and clarifies its importance. As for the
second section, it presents an introduction to the chapter
of Qāf which sheds light on what helps to draw the Quranic
objectives. The third section (which is also the crux of

27 ‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬


the research) discusses the general meaning of the chap-
ter in question, together with its supporting evidence, its
sub-themes and the meditative consideration of its verses.

Main Findings:

The research concludes that the chapter of Qāf deals with


several primary issues related to the Islamic faith, confirm-
ing certain religious fundamentals, including belief in Allah
(Exalted be He), His angels, His sacred books, His proph-
ets, the Doomsday, and predestination and gives a com-
plete picture of man's life. That's why the Prophet (Peace
be upon him) was always keen on reciting it on formal
occasions.

Primary Recommendations:

- Special attention should be given to the chapter of Qāf in


terms of recitation and meditation.

- It should be recited during the Friday Sermon and the Eid


prayer to revive the Prophet's established tradition.

- The Quranic objectives of the various chapters should


be studied, particularly those chapters which the Prophet
(Peace be upon Him) recited regularly.

Key Words: Quranic objectives- meditative consider-


ation-interpretation –the chapter of Qāf- the Meccan chap-
ters-al-mufassal.

‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬ 28


‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫رب العالميــن‪ ،‬والصــا ُة والســام علــى أشــرف األنبيــاء‬


‫الحمــدُ هلل ِّ‬
‫والمرسلين‪،‬‬
‫�أ َّما بعدُ ‪:‬‬
‫والحق المســتبين‪ ،‬هــو ُ‬
‫حبل اهلل‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫فــإن القــرآن الكريــم هو النــور المبين‪،‬‬
‫منهاجــا للحياة‪،‬‬
‫ً‬ ‫المتيــن‪ ،‬وصراطــه المســتقيم‪ ،‬أنزلــه اهلل على عبــاده‪ ،‬ليكون‬
‫وتفهمه‪ ،‬وتد ُّبره‪ ،‬واســتِخراج كنوزه‪،‬‬
‫بالتمســك به‪ُّ ،‬‬‫ُّ‬ ‫وأمرهم‬
‫رباســا للهداية‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫ون ً‬
‫وإثــارة دفائنه‪ ،‬والكشــف عن حقائقــه‪ ،‬والوقوف على غاياته الســامية الكفيلة‬
‫والموصلة لهم إلى سبيل الرشاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمصالح العباد يف المعاش والمعاد‪ُ ،‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬جاء هذا البحث الموســوم بـــ‪( :‬الم ِ‬
‫قاصد القرآن َّية يف‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ُسورة ق)‪ ،‬ليكون عونًا للقارئ يف تد ُّبر كالم اهلل ‪.۵‬‬
‫�أهم َّية البحث‪:‬‬
‫الســورة التــي يتناولها البحث‪،‬‬
‫أول من فضل ُّ‬ ‫‪ ‬تنبثــق أهم َّية البحــث � ً‬
‫العظــام‪ ،‬ويواظب عليها‬ ‫فســورة (ق)‪ ،‬قــد كان النبي ﷺ يقرأ هبــا يف المجامع ِ‬
‫ُّ‬
‫ً‬
‫وعمل‬ ‫الســورة العظيمة من أصول اإليمان والعقيدة‪،‬‬ ‫تضمنت هذه ُّ‬‫تذكيرا بما َّ‬
‫ً‬
‫بقول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬يستمد البحث قيمته من أهمية علم الم ِ‬
‫قاصد القرآن َّية‪ ،‬و َدوره‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫يف فهم القرآن وتد ُّبره على الوجه األمثل‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ِ‬
‫مستقلة‬ ‫ٍ‬
‫أبحاث ودراســات‬ ‫ريا‪ :‬تزداد أهم َّية البحث لعدم وجود‬
‫‪ ‬و�أخ ً‬
‫قاصد‬‫قاصد القرآنية يف هذه السورة ‪-‬خصوصا‪ ،-‬وقلة الكتابة يف مجال الم ِ‬ ‫للم ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫العلمية يف مجال علم الم ِ‬
‫قاصد‪.‬‬ ‫القرآنية ‪-‬عموما‪ -‬على الرغم من الصحوة ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫َيهــدف البحــث إلى العنايــة بالهدايــة ال ُقرآن َّية ومــا ُأنزل القــرآن ألجله‪،‬‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية التي اشتملت عليها ُســورة (ق)‪ ،‬ومعرفة القضايا‬ ‫واســتنباط الم ِ‬
‫َ‬
‫الرســول ﷺ لهذه‬ ‫ِ‬
‫الســورة‪ ،‬والوقوف على ســر قراءة َّ‬ ‫الجوهر َّية التي تناولتها ُّ‬
‫السورة يف المجامع الكبار‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أيضا إلى إبراز بالغة القرآن الكريم وإعجازه من خالل‬
‫كما يرمي البحث ً‬
‫دراسة الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪ ،‬والوقوف على أهميتها‪ ،‬واإلسهام يف تطويرها‪.‬‬ ‫َ‬
‫الدِّ را�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫تخل كتب التفســير القديمة والحديثة مــن الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية على‬ ‫‪ ‬لــم ُ‬
‫َ‬
‫مقدارا وداللــةً؛ غير أهنا يف الغالب منثورة يف مواط َن‬ ‫تفــاو ٍ‬
‫ت بينها يف العناية هبا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫متفرقــة مِن كتبهــم‪ .‬والبن القيم كال ٌم نفيس عن ُســورة (ق)‪ ،‬افتتــح هبا كتابه‪:‬‬‫ِّ‬
‫(الفوائد)‪ ،‬وأفردته بالذكر لكونه من غير مظانِّه‪.‬‬
‫كُتبت بعض األبحاث والرســائل العلمية يف الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية عمو ًما‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫أو يف ُسورة معينة (غير ُسورة ق)‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫قا�صد ال ُقر�آن َّية‪ :‬دراسة منهج َّية‪ ،‬د‪ .‬محمد بن عبد اهلل الربيعة‪ ،‬مجلة‬
‫‪ ‬امل َ ِ‬
‫معهــد اإلمام الشــاطبي للدراســات ال ُقرآن َّية‪ ،‬العــدد ‪( ،27‬ص ‪،)262-207‬‬
‫تنــاول البحث موضــوع الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّية مــن الجانبين النظــري والتطبيقي‪،‬‬ ‫َ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪30‬‬


‫واســتفدت منه يف الكشــف عن الم ِ‬
‫قاصــد‪ ،‬و ُط ُرق صياغتها‪ ،‬خاصــ ًة يف التد ُّبر‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫قاصدي لآليات(((‪.‬‬‫الم ِ‬
‫َ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية يف ُسورة ص‪ ،‬شيماء غانية‪ ،‬رسالة ماجستير‪.‬‬ ‫الم ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّية يف ُســورة المزمل‪ :‬دراســة تحليل َّيــة‪ ،‬أكرم العمر‪،‬‬ ‫‪َ ‬‬
‫رسالة ماجستير‪.‬‬
‫بعــض الجوانــب يف ُســورة (ق)‪،‬‬ ‫‪ ‬تناو َل ْ‬
‫ــت بعــض الرســائل العلم َّيــة َ‬
‫كالجانب الموضوعي واللغوي‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬ومن تلك الدِّ راسات(((‪:‬‬
‫‪�ُ ‬س��ورة (ق)‪ :‬دراســة تحليل َّيــة موضوع َّية‪ ،‬عبد اهلل ســعداوي‪ ،‬رســالة‬
‫ظاهر من‬
‫ٌ‬ ‫ماجستير‪ .‬وهو َيذكر الموضوعات التي تناولتها ُسورة (ق) ‪-‬كما هو‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪.-‬‬‫عنوانه‪ ،-‬وال يتناول الذي نحن بصدده ‪-‬أعني‪ :‬الم ِ‬
‫َ‬
‫قاصد وأهداف الحزب الثاين والخمســين من‬ ‫الدِّ راســة التحليلية لم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫‪‬‬
‫(سورة الفتح‪-‬الحجرات‪(-‬ق)‪-‬الذاريات)‪ ،‬نصر سمير رشيد‪،‬‬ ‫القرآن الكريم ُ‬
‫قاصد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مقدمات تعريفية يف الم ِ‬ ‫الرســالة‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫رســالة ماجســتير‪ .‬وقد ذكرت يف بداية ِّ‬
‫وســورة (ق)‪ .‬ثــم تناولــت الباحثة ُســورة (ق) يف الفصل الثالث الموســوم بـ‪:‬‬
‫قاصد وأهداف ُســورة ق)‪ ،‬وقســمت الفصل إلى ثالثة‬ ‫(الدِّ راســة التحليلية لم ِ‬
‫َّ َ‬
‫مطلب بعض اآليات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مباحــث‪ ،‬وكل مبحث إلى عدة مطالب‪ ،‬وتناولت يف كل‬
‫قاصد وأهداف‬ ‫وبينت معــاين الكلمات‪ ،‬والمناســبة‪ ،‬والمعنى اإلجمالــي‪ ،‬وم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫النــص القــرآين‪ .‬لك َّن الذي ظهــر لي أن طريقة الباحثة أشــبه بالتفســير منه إلى‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية؛ إذ إهنا قد ذكرت الفوائد المستن َبطة من اآليات تحت عنوان‪:‬‬ ‫الم ِ‬
‫َ‬

‫((( ُينظر (المطلب الرابع‪ :‬التد ُّبر المقاصدي لآليات) من المبحث الثالث‪.‬‬
‫((( ُينظر تفاصيل الرسائل الجامعية يف ثبت المصادر والمرجع‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫قاصــد وأهداف النص القرآين)‪ ،‬ثم شــرعت تشــرح هذه الفائدة المســتن َبطة‬‫(م ِ‬
‫َ‬
‫قاصد‪ ،‬وأهملت‬ ‫بذكر اآليات واألحاديث النبوية‪ ،‬مما ليس له تع ُّلق مباشر بالم ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫النظر يف المقصود المباشر لآلية‪.‬‬
‫قاصد يعنى فيها ِ‬
‫فإن الم ِ‬ ‫ِ‬
‫بذكر مقصد‬ ‫ُ‬ ‫غير التفسير‪َ َّ ،‬‬‫المقاصدَ ُ‬ ‫وال شــك أن َ‬
‫إجمــال‪ ،‬وربط مقاطِع الســورة بعضها ببعض‪ ،‬ثم التدبــر الم ِ‬
‫قاصدي‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ً َْ َ‬ ‫الســورة‬
‫ُّ‬
‫الســورة‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫لآليــات بذكر المقصود المباشــر لآلية‪ ،‬مســتعينًا يف ذلك بمقصد ُّ‬
‫قاصدي‪ ،‬ثم ِذكر هداية اآليات؛ الذي هو المقصود‬ ‫بأسلوب م ِ‬
‫ٍ َ‬ ‫التعبير عن اآلية‬
‫األهم‪ ،‬كما ن َّبه إليه الدكتور محمد الربيعة(((‪.‬‬
‫وما هذا البحث إال محاولة لتطبيق هذا المنهج‪ ،‬عســى أن يفيد الباحثين‬
‫ِ‬
‫والمشــتغلين يف مجــال الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّيــة‪ ،‬الــذي ال يزال ُيعــاين من غموض‬ ‫َ‬
‫المفهوم‪ ،‬واضطِراب المنهج‪.‬‬
‫وهــذا البحــث وإن كان يشــرك مع البحوث الســابقة يف بعــض القضايا‬
‫والجزئ َّيات‪ ،‬إال أنه يختلف عنها من حيث موضو ُعه أو من حيث طريق ُة تناولِه‬
‫البحث الم ِ‬
‫قاصدَ ال ُقرآن َّية يف ُســورة (ق)‬ ‫للم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫قاصــد ال ُقرآن َّية‪ ،‬حيــث يتناول هذا‬ ‫َ‬
‫مر ذكره آن ًفا‪ .‬أســأل اهلل أن ُيوفقني لما يحبه ويرضاه‪،‬‬
‫خاصــةً‪ ،‬وبالمنهج الذي َّ‬
‫ويرزقنا اإلخالص يف القول والعمل‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫اعتَمــد البحث على المنهج االســتِقرائي االســتِنباطي‪ ،‬وذلــك عند تت ُّبع‬
‫قاصد‬ ‫قاصد‪ ،‬واســتِنباط الم ِ‬
‫كالم أهــل العلــم يف مظانِّه من كتب التفســير والم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ُقرآن َّية منها‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المقاصد القرآنية‪ :‬دراسة منهجية‪ ،‬د‪ .‬محمد بن عبد اهلل الربيعة‪ ،‬ص ‪.251‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪32‬‬


‫ُخ َّطة البحث‪:‬‬
‫ق�سمتُ البحث �إىل مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخامتة‪:‬‬
‫‪ -1‬املقدمة‪ :‬واشتملت على أهم َّية البحث‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ومنهجه‪ُ ،‬‬
‫وخطته‪،‬‬
‫والدِّ راسات السابقة‪.‬‬
‫‪ -2‬املَ ْبحث الأول‪ :‬علم املَ ِ‬
‫قا�صد ال ُقر�آن َّية‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪.‬‬ ‫َ‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أهمية الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‪.‬‬ ‫َّ َ‬
‫‪ -3‬املَ ْبحث الثاين‪ :‬التعريف ب�سورة (ق)‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫السورة‪ ،‬وعدد آياهتا‪ ،‬ومرحلة نزولها‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬اسم ُّ‬
‫املطلب الثاين‪َ :‬ف ْضل ُسورة (ق)‪.‬‬
‫السورة يف المصحف‪ ،‬ويف النزول‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ترتيب ُّ‬
‫ناسبات يف ُسورة (ق)‪.‬‬
‫الم َ‬
‫املطلب الرابع‪ُ :‬‬
‫‪ -4‬املَ ْبحث الثالث‪ :‬التد ُّبر املَ ِ‬
‫قا�صدي ل�سورة (ق)‪ ،‬وفيه �أربعة مطالب‪:‬‬
‫السورة‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬مقصد ُّ‬
‫السورة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬موضوعات ُّ‬
‫السورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املطلب الثالث‪َ :‬مقاطع ُّ‬
‫ِ‬
‫المقاصدي لآليات‪.‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬التد ُّبر‬
‫تضمنت أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫‪ -5‬اخلامتة‪ :‬وقد َّ‬
‫واهلل أسأل أن يجعل أعمالنا خالص ًة لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ُيوفقنا لخدمة كتابه‬
‫َ‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكريم‪ ،‬وأن يرزقنا َفهمه‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا‬

‫‪33‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املبحث األول‬
‫ِعلم املَ ِ‬
‫قا�صد ال ُقر�آن َّية‬

‫املطلب الأول‪ :‬تعريف املَ ِ‬


‫قا�صد ال ُقر�آن َّية‪.‬‬
‫‪ً � ‬أول‪ :‬تعريفه باعتِبارها مرك ًبا و�صف ًّيا‪:‬‬
‫يمي مأخوذ مــن الفعل‬‫قا�ص��د لغ � ًة‪ :‬جمــع مقصــد‪ ،‬وهــو مصــدر مِ‬
‫ٌّ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫‪ -1‬امل َ ِ‬
‫ضرب‪ ،‬قال ابن فارس (ت ‪395‬هـ)‪" :‬القاف والصاد والدال‪،‬‬ ‫(قصد) من باب َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أصول ثالثة‪ :‬يدل �أحدها على إتيان شــيء و َأ ِّمه‪ ،‬والآخر على اكتِناز يف الشــيء‪.‬‬
‫قصده الســهم‪ ،‬إذا أصابه ف َقتَل‬ ‫فاألصل‪ :‬قصد ُته قصدً ا ومقصدً ا‪ .‬ومن الباب‪َ :‬أ َ‬
‫مكانــه‪ ،‬وكأنه قيــل ذلك ألنه لم يحــدْ عنه‪ ...،‬ومنــه‪َ :‬أ َ‬
‫قصدته ح َّيــة‪ ،‬إذا قتلتْه‪.‬‬
‫ــرته‪ .‬والقصدة‪ :‬القطعة من الشــيء إذا‬ ‫كس ْ‬
‫قصدْ ت الشــيء‪َ :‬‬ ‫واألصــل اآلخر‪َ :‬‬
‫الرماح‪ .‬ورمح قصد‪ ،‬وقد ان َق َصد‪ ،‬والأ�صل‬ ‫تكسر‪ ،‬والجمع قصد‪[ .‬ومنه قصد] ِّ‬ ‫َّ‬
‫لحما‪ ،....،‬ولذلك ُســميت القصيدة‬ ‫ِ‬
‫المكتنزة الممتلئة ً‬ ‫الثالث‪ :‬الناقة القصيد‪ُ :‬‬
‫الشعر قصيد ًة لتقصيد أبياهتا‪ ،‬وال تكون أبياهتا إال تا َّم َة األبنية"(((‪.‬‬
‫من ِّ‬
‫وي�أت��ي يف اللغة ملعانٍ متعددة‪ :‬منها اســتقامة الطريــق‪ ،‬والعدل‪ ،‬واالعتماد‬
‫والتوسط‪ ،‬والكسر(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫واألَ ُّم‪ ،‬وإتيان الشيء‪،‬‬
‫"قال ابن جِ ِّني‪ :‬أصل مادة (ق ص د) ومواقعها يف كالم العرب‪ :‬االعتزام‪،‬‬
‫والتوجه‪ ،‬والنهود‪ ،‬والنهوض نحو الشيء‪ ،‬على اعتدال كان ذلك أو َج ْور" (((‪.‬‬

‫((( معجم مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس (‪ ،)95 /5‬مادة (قصد)‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪ )357-353 /3‬مادة (قصد)‪.‬‬
‫((( انظــر‪ :‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬البن ســيده‪ .)187 /6( ،‬وعزاه الزبيــدي يف تاج العروس (‪/9‬‬
‫‪ )36‬إلى سر الصناعة‪ ،‬البن جني‪ ،‬ولم أجده فيه‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪34‬‬


‫المبحث األول‪ :‬علم الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫يتوجه الــكالم واللفظ إلى معنًــى معين أو غاية‬


‫ومق�ص��د ال��كالم‪ :‬هــو أن َّ‬
‫يريدها المتكلم(((‪.‬‬
‫‪ -2‬والق��ر�آن لغ � ًة‪ :‬مصدر كال ُغفران من قرأ ‪ -1‬بمعنى (تال)‪ ،‬بمعنى اســم‬
‫(جمع)‪ ،‬فعلى المعنى األول‪( :‬تال)‪،‬‬
‫متلو‪ -2 .‬أو بمعنى َ‬
‫المفعــول؛ أي بمعنى ٌّ‬
‫مصدرا بمعنى اسم الفاعل؛‬
‫ً‬ ‫(ج َم َع) يكون‬
‫مصدرا‪ ،‬وعلى المعنى الثاين‪َ :‬‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫أي‪ :‬بمعنى جامع؛ لجمعه األخبار واألحكام(((‪.‬‬
‫المنزل على النبــي ﷺ‪ ،‬المكتوب يف‬ ‫ِ‬
‫ويف ال�ش��رع‪ :‬هــو "الكالم المعجــز ُ‬
‫المصاحف‪ ،‬المنقول بالتواتر‪ ،‬المتع َّبد بتالوته"(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬تعريفه باعتبارها َع َل ًما على فنٍّ معني‪:‬‬
‫قا�ص��د ال ُقر�آن َّي��ة‪ :‬هي الغايات التي أرادها اهلل ‪ ۵‬يف كتابه‪ ،‬أو هو (مراد‬
‫امل َ ِ‬
‫وعرفها د‪ .‬عبد الكريم حامدي بأهنا‪" :‬الغايات التي أنزل‬
‫اهلل ‪ ۵‬من كالمه) ‪َّ ،‬‬
‫(((‬

‫القرآن ألجلها تحقي ًقا لمصالح ِ‬


‫العباد"(((‪.‬‬
‫قا�ص��د ال ُقر�آن َّية ب�أنه��ا "المعاين األصل َّية التي نزل القرآن‬
‫وميك��ن تعري��ف امل َ ِ‬
‫قاصد بالمعــاين الفرع َّية‪ ،‬وذلك أن‬ ‫ببياهنــا وتحصيلهــا"‪ ،‬وأن نُعرب عن غيــر الم ِ‬
‫َ‬
‫الجــزم بأن هذا هو مــراد اهلل من كالمه ‪-‬مع صعوبته أو اســتحالته‪ -‬قد ُي َظ ُّن به‬
‫شي ٌء من سوء األدب مع اهلل ‪ ،۵‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لعلــم تبلور عرب‬ ‫كل‪ ،‬فــإن "الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّيــة" مصطلــح حديث‬ ‫َ‬ ‫وعل��ى ٍّ‬

‫((( نظرية المقاصد عند الشاطبي‪ ،‬للريسوين (ص ‪.)19‬‬


‫((( انظر‪ :‬أصول يف التفسير‪ ،‬البن عثيمين (ص ‪.)6‬‬
‫((( مناهل العرفان‪ ،‬لمحمد عبد العظيم الزرقاين (‪.)21 /1‬‬
‫((( انظر‪" :‬المقاصد القرآنية‪ :‬دراسة منهجية"‪ ،‬د‪ .‬محمد الربيعة (ص ‪.)212‬‬
‫أيضا‪ :‬الموافقات‪ ،‬للشاطبي (‪.)218 /4‬‬
‫((( مقاصد القرآن‪ ،‬للحامدي (ص ‪ .)29‬وانظر ً‬

‫‪35‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫القرون‪ ،‬وتراكمت معارفه‪ ،‬وال يزال ينمو ويتطور وتتشــكل معالمه‪ ،‬لذلك لم‬
‫يحظ هذا العلم بتعريف جامع مانع؛ ألنه ال يزال يف َطور التشكل(((‪.‬‬
‫َ‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أهم َّية املَ ِ‬
‫قا�صد ال ُقر�آن َّية‪.‬‬
‫َتبــرز أهميــة الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّيــة يف أهنا مفتــاح التد ُّبر‪ ،‬والتد ُّبــر هو الغاية‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫المقصــودة من إنزال القرآن‪ ،‬قال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾‬
‫[ص‪.]29 :‬‬
‫وقــد ذم اهلل ‪ ۵‬المشــركين الذيــن ال يتدبرون القــرآن وال يفقهونه؛ قال‬
‫تعالــى‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﴾ [النســاء‪ ،]78 :‬وقــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾ [محمد‪.]24 :‬‬
‫قاصــد الشــاطبي ‪( $‬ت ‪790‬هـ) أن هــذا َّ‬
‫الذم إنما‬ ‫وقــد قــرر إمام الم ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫هــو من جهــة أهنم ال يفهمون مــراد اهلل ‪ ۵‬مــن الخطاب‪ ،‬ال أهنــم ال يفهمون‬
‫ممتنع‪ ،‬فهم َع َرب‪ ،‬والقرآن ُمنزل بلساهنم‪ ،‬فهم يعرفون‬ ‫ٌ‬ ‫نفس الكالم؛ ألن هذا‬
‫ِ‬
‫والمراد منه‪.‬‬ ‫فرق بين ظاهر المعنى‪،‬‬‫الكالم بمقتضى سليقتهم العرب َّية‪ ،‬لك ْن ٌ‬
‫قاصد‪ ،‬وذلك ظاهر يف‬ ‫ث��م ق��ال‪" :‬فالتدبــر إنما يكون لمن التفت إلــى الم ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫قاصد القرآن؛ فلم يحصل منهم تدبر"(((‪.‬اهـ‪.‬‬ ‫أهنم أعرضوا عن م ِ‬
‫َ‬
‫ومِن شــأن علــم الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّيــة أن يضبط منهج َّيــة التعامل مع القرآن‬ ‫َ‬
‫نصــا ُأنــزل لغاية محــددة‪ ،‬فتُفهــم موضوعاهتــا يف ضوئهــا؛ ألن معرفة‬ ‫بوصفــه ًّ‬
‫ِ‬
‫مقصــد المخاطب يؤ ِّثر يف فهم نص الخطاب‪ .‬ولضبط هذا المقصد الكلي ُ‬
‫أثره‬

‫((( انظــر‪ :‬مركزية المقاصد عند محمد الغزالي‪ :‬مقاربة يف المفهوم والمصطلح والضرورة‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬محمد‬
‫زرمان (ص ‪.)11 ،10‬‬
‫((( انظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬للشاطبي (‪.)209-208 /4‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪36‬‬


‫المبحث األول‪ :‬علم الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫يف التأويــل‪ ،‬وفهم اآليــات وتوجيهها التوجيه األرجح‪ ،‬وفهــم كثير من القضايا‬
‫الشائكة يف التفسير‪ ،‬وحفظ القرآن من التحريف والتأويل والتعسف يف التفسير‪،‬‬
‫مصدرا لعلوم لــم ينزل لبياهنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ولــي أعنــاق النصوص كالذين يتخــذون القرآن‬
‫ّ‬
‫ويتكلفون يف االستدالل لنظرياهتم وآرائهم الفكر َّية‪ ،‬من القرآن الكريم (((‪.‬‬
‫ق��ال ال�ش��اطبي (ت ‪790‬ه �ـ)‪" :‬مــن فهم باطن ما خوطب بــه لم ْ‬
‫يحتل على‬
‫أحــكام اهلل حتى ينال منها بالتبديل والتغييــر‪ ،‬ومن وقف مع مجرد الظاهر غير‬
‫ملتفت إلى المعنى المقصود؛ اقتحم هذه المتاهات البعيدة‪...‬‬
‫فــكل من زاغ َ‬
‫ومال عــن الصراط المســتقيم؛ فبمقدار ما فاتــه من باطن‬
‫وعلما‪ ،‬وكل من أصاب الحق وصادف الصواب؛ فعلى مقدار ما‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫القــرآن ً‬
‫حصل له من فهم باطنه"(((‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( مقاربات "مقاصد القرآن الكريم"‪ :‬دراسة تاريخية‪ ،‬عبد الرحمن حللي (ص ‪.)228‬‬
‫((( الموافقات‪ ،‬للشاطبي (‪.)223-221 /4‬‬

‫‪37‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫امل َ ْبحث الثاين‬
‫التعريف ب�سورة «ق»‬
‫ال�سورة وعدد �آياتها ومرحلة نزولها‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬ا�سم ُّ‬
‫ال�سورة(((‪:‬‬
‫◈ امل�س�ألة الأوىل‪ :‬ا�سم ُّ‬
‫ُ�س��ميت يف ع�ص��ر ال�صحاب��ة ب�س��ورة (ق)؛ الفتتاحها بحرف الهجاء (قاف)‪،‬‬
‫مثل‪ُ :‬سورة (طه)‪ ،‬و(يس)‪ ،‬و(ص)‪.‬‬
‫وه��و ا�س � ٌم توقيف��ي؛ لأن��ه ق��د وردت يف ذل��ك �أحادي��ث و�آث��ار ثابت��ة(((‪ ،‬منه��ا ما‬
‫رواه عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن م�سعود‪ :‬أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف األضحى والفطر؟ فقال‪ :‬كان يقرأ فيهما‬ ‫ال َّليثي‪ :‬ما كان يقرأ به‬
‫بـ ﴿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﴾ و﴿ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﴾ [القمر‪[ ،]١ :‬رواه مسلم](((‪.‬‬
‫وكذل��ك ُ�س��ميت ب�س��ورة (البا�س��قات)‪ ،‬لوروده��ا يف قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮪ‬
‫اســم اجتهــادي؛ ألنه لم َي ِرد يف حديث وال‬
‫ٌ‬ ‫ﮫﮬﮭﮮ﴾ [ق‪ ،]10 :‬وهو‬
‫أثر‪ ،‬بل هي من تسمية بعض المفسرين(((‪.‬‬
‫◈ امل�س�ألة الثانية‪ :‬عدد �آياتها وكلماتها وحروفها(((‪:‬‬
‫ا َّتفق العلماء أن عدد آياهتا خمس وأربعون (‪ )45‬آية‪ ،‬ال ُت َعد فيها (ق) آي ًة‬

‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشــور (‪ ،)273 /26‬وأســماء الســور وفضائلها‪ ،‬لمنيرة الدوســري‬
‫(ص‪.)399-396‬‬
‫((( سيأيت ذكر األحاديث يف المطلب الثاين‪ :‬فضل ُسورة «ق»‪.‬‬
‫((( رواه مسلم يف كتاب صالة العيدين (ح ‪.)21 /3( )891‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمال القراء‪ ،‬للســخاوي (‪ ،)37 /1‬واإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬للســيوطي (‪ ،)362 /2‬وزاد‬
‫المسير‪ ،‬البن الجوزي (‪ ،)3 /8‬ونظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)396 /18‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان يف عد آي القرآن‪ ،‬ألبي عمرو الداين (ص ‪.)231‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪38‬‬


‫الم ْبحث الثاين‪ :‬التعريف بسورة (ق)‬
‫َ‬

‫مســتقلة‪ .‬وأ َّما كَلِمها فهي ثالث مئة وخمس وسبعون (‪ )375‬كلمة‪ ،‬وحروفها‬
‫ألف وأربع مئة وأربعة وسبعون (‪ )1474‬حر ًفا‪.‬‬
‫ال�سورة (مكيتها ومدنيتها)‪:‬‬
‫◈ امل�س�ألة الثالثة‪ :‬مرحلة نزول ُّ‬
‫(((‬
‫هــي ُســورة مك َّية عند أغلب المفســرين‪ ،‬ونقــل ابن حزم وابــن عط َّية‬
‫اإلجماع على ذلك‪.‬‬
‫واســتثنى الســيوطي((( منها قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [ق‪ ،]38 :‬ونســبه القرطبــي إلــى ابــن‬
‫عباس وقتادة(((‪.‬‬
‫وذلك لِ ا �أخرجه احلاكم وغريه �أنها نزلت ردًّا على اليهود يف قولهم‪ :‬إن اهلل‬
‫اسرتاح يف اليوم السابع وهو يوم السبت(((‪.‬‬
‫ناسبة‬
‫لم َ‬‫الســورة ُ‬
‫يعني‪ :‬أن مقالة اليهود ُســمعت بالمدينة‪ ،‬وألحقت هبذه ُّ‬
‫موقعها؛ لكن ابن عاشور ض َّعف هذا القول وعدَّ ه من التكلف(((‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬ف�ضل ُ�سورة «ق»‪.‬‬
‫تضمنت‬
‫المفصل ‪-‬على الصحيح‪ ، "-‬و"قد َّ‬
‫(((‬
‫َّ‬ ‫ُسورة (ق) "أول الحزب‬

‫((( انظر‪ :‬الناسخ والمنسوخ‪ ،‬البن حزم (ص ‪ ،)57‬المحرر الوجيز‪ ،‬البن عطية (‪.)155 /5‬‬
‫((( انظر‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬للسيوطي (‪.)102 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)424 /19‬‬
‫((( المستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاكم النيسابوري (‪( ،)391 /4‬ح ‪ ،)3728‬و(‪( )7 /5‬ح ‪.)4045‬‬
‫فيه أبو ســعد ســعيد بن المرزبان‪ :‬ضعيف مدلــس‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬ال ُيكتَــب حديثه‪ ،‬وقال الذهبي‬
‫ً‬
‫مرســا‪ ،‬لم يذكــر ابن عباس‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫يف "التلخيــص"‪ :‬رواه عبد الرزاق‪ ،‬عن ابن عيينة‪ ،‬عن أبي ســعد‬
‫فالحديث ضعيف‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)325 ،274 /26‬‬
‫((( تفسير ابن كثير (‪ .)177 /13‬وانظر‪ :‬مصاعد النظر‪ ،‬للبقاعي (‪.)17 /3‬‬

‫‪39‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫مــن أصول اإليمان ما أوجبــت أن النبي ﷺ كان يقرأ هبــا يف المجامع العظام؛‬
‫فيقرأ هبا يف خطبة الجمعة‪ ،‬ويف صالة العيد‪ ،‬وكان من كثرة قراءته لها يقرأ هبا يف‬
‫صالة الصبح‪ ،‬وكل ذلك ثابت صحيح"(((‪:‬‬
‫‪ ‬فع��ن �أم ه�ش��ام بن��ت حارث��ة ب��ن النعم��ان قال��ت‪ :‬لقــد كان َتنُّورنــا و َتنُّور‬
‫رســول اهلل ﷺ واحدً ا‪ ،‬ســنتين أو سنة وبعض ســنة‪ ،‬وما أخذت ﴿ ﭑﭒ ﭓ‬
‫ﭔ﴾ إال عــن لســان رســول اهلل ﷺ يقرأهــا كل يــوم جمعة علــى المنرب إذا‬
‫خطب الناس‪[ .‬رواه مسلم] (((‪.‬‬
‫‪ ‬وع��ن جاب��ر ب��ن �س��مرة ق��ال‪ :‬إن النبــي ﷺ كان يقــرأ يف الفجر بـ ﴿ ﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﴾ وكان صالته بعدُ تخفي ًفا‪[ .‬رواه مسلم] (((‪.‬‬
‫‪ ‬وع��ن قطب��ة ب��ن مالك‪ :‬قال‪ :‬ص َّليت وص َّلى بنا رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقرأ‪:‬‬
‫فجعلت ُأرددها‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫﴿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﴾ حتــى قرأ‪ ﴿ :‬ﮪ ﮫ ﴾ قــال‪:‬‬
‫أدري ما قال‪[ .‬رواه مسلم] (((‪.‬‬
‫‪ ‬وعن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة بن م�س��عود‪ :‬أن عمر بن الخطاب‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يف األضحى والفطر؟ فقال‪:‬‬ ‫ســأل أبا ٍ‬
‫واقد ال َّليثي‪ :‬ما كان يقرأ به‬
‫كان يقــرأ فيهما بـ ﴿ ﭑﭒﭓ ﭔ﴾ و ﴿ ﮬﮭﮮﮯ ﴾ [القمر‪.]١ :‬‬
‫[رواه مسلم] (((‪.‬‬
‫نا�سبة قراءة ُ�سورة (ق) يف �صالة العيد‪:‬‬
‫قال الفخر الرازي (ت ‪606‬هـ) عن ُم َ‬
‫"لقولــه تعالى فيهــا‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [ق‪ ،]42 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﴾ [ق‪،]١١:‬‬

‫((( درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬البن تيمية (‪.)65 /7‬‬


‫((( رواه مسلم يف الجمعة (ح ‪.)13 /3( )52 :873‬‬
‫((( رواه مسلم يف الصالة (ح ‪.)40 /2( )458‬‬
‫((( رواه مسلم يف الصالة (ح ‪.)39 /2( )457‬‬
‫((( رواه مسلم يف كتاب صالة العيدين (ح ‪.)21 /3( )891‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪40‬‬


‫الم ْبحث الثاين‪ :‬التعريف بسورة (ق)‬
‫َ‬

‫وقوله‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﴾ [ق‪]٤٤:‬؛ فإن العيد يوم الزينة فينبغي أن ال ينســى‬


‫فخورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫خروجه إلى عرصات الحساب‪ ،‬وال يكون يف ذلك اليوم ِ‬
‫فر ًحا‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان‬
‫فجورا"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال يرتكب فس ًقا وال‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ترتيب امل�صحف وترتيب النزول‪.‬‬
‫الســورة الخمســون برتتيــب المصحف‪ ،‬وقبلها ُســورة‬
‫ُســورة (ق) هي ُّ‬
‫الحجرات وبعدها ُسورة الذاريات‪.‬‬
‫السور عند جابر بن‬
‫السورة الرابعة والثالثون (‪ )34‬يف ترتيب نزول ُّ‬
‫وهي ُّ‬
‫زيد‪ ،‬نزلت بعد ُسورة المرسالت (‪ )33‬وقبل ُسورة البلد (‪.((()35‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬املُ َ‬
‫نا�سبات يف ُ�سورة «ق»‪.‬‬
‫ال�سورة ب�آخرها (((‪:‬‬
‫نا�سبة �أول ُّ‬
‫√ امل�س�ألة الأوىل‪ُ :‬م َ‬
‫بدأت ســورة (ق) ِ‬
‫بذكر القرآن ﴿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪ ،‬وختمت به ﴿ ﯞ‬ ‫ُ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾‪.‬‬
‫وكذلك بدئت ِ‬
‫بذكر ال َب ْعث يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ﴾‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وختمت به يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾‪.‬‬
‫وكذلك ِذكر السماوات واألرض وما بينهما يف أول ُّ‬
‫السورة‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‪ ﴾ ...‬اآليــات‪ ،‬وقال يف آخرها‪:‬‬
‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬مصاعد النظر لإلشــراف على مقاصد الســور‪،‬‬


‫((( مفاتيــح الغيب‪ ،‬للرازي (‪ .)145 /28‬وانظر ً‬
‫للبقاعي (‪.)21 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)273 /26‬‬
‫تناسب المقاطع والمطالع‪ ،‬للسيوطي (ص ‪ ،)67‬ومفاتيح الغيب‪ ،‬للرازي‬
‫((( انظر‪ :‬مراصد المطالع يف ُ‬
‫(‪.)192 /28‬‬

‫‪41‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫(�سورة احلجرات)‪:‬‬
‫ال�سورة لِ ا قبلها ُ‬
‫نا�سبة ُّ‬
‫√ امل�س�ألة الثانية‪ُ :‬م َ‬
‫ال�س��ور‪ ،‬وهي م�س��� ٌ‬
‫ألة اجتهاد َّية غال ًبا‪،‬‬ ‫نا�س��بات ُّ‬
‫اعتن��ى العلماء ببيان ُم َ‬
‫ولذلك تعدَّ دت �أقوالهم فيها‪:‬‬
‫فق��ال الإم��ام �أب��و حيان الأندل�س��ي (ت ‪745‬هـ)‪" :‬ومناســبتها ِ‬
‫آلخر ما قبلها‪،‬‬ ‫ُ َ‬
‫أنه تعالى أخرب أن أولئك الذين قالوا‪ ﴿ :‬ﮏ ﴾ [الحجرات‪ ،]١٤ :‬لم يكن إيماهنم‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ح ًّقا‪ ،‬وانتِفاء إيماهنم ٌ‬
‫دليل على إنكار نبوة َّ‬
‫أيضا يدل على إنكار ال َب ْعث‪ ،‬فلذلك أعقبه به"(((‪.‬‬
‫ﭚ﴾ [ق‪ ،]٢ :‬وعدم اإليمان ً‬
‫وقال البقاعي (ت ‪885‬هـ)‪" :‬مقصودها (أي‪ُ :‬سورة ق) الداللة على إحاطة‬
‫القدرة‪ ،‬التي هي نتيجة ما ختمت به الحجرات‪ ،‬من إحاطة العلم لبيان أنه ال بد‬
‫من ال َب ْعث ليوم الوعيد"(((‪.‬‬
‫وق��ال الطرب�س��ي (ت ‪548‬ه �ـ)‪" :‬لمــا ختــم اهلل تلك الســورة ِ‬
‫بذكر اإليمان‬ ‫ُّ‬
‫بذكر ما يجب اإليمان به من القرآن وأدلة‬ ‫وشــرائطه للعبيد‪ ،‬افتتح هذه السورة ِ‬
‫ُّ‬
‫التوحيد"(((‪.‬‬
‫(�سورة الذاريات)‪:‬‬
‫ال�سورة لِ ا بعدها ُ‬
‫نا�سبة ُّ‬
‫√ امل�س�ألة الثالثة‪ُ :‬م َ‬
‫ذكر يف ُسورة (ق) ال َب ْعث والجزاء والجنة والنار‪ ،‬وافتتح ُسورة الذاريات‬
‫ٌ‬
‫صدق وأن الجزاء واقع‪ .‬وذكر يف ُســورة (ق)‬ ‫بالقســم بأن ما وعدوا من ذلــك‬
‫إهــاك كثير من القرون على وجه اإلجمال‪ ،‬وذكر ذلك على وجه التفصيل يف‬
‫ُسورة الذاريات(((‪.‬‬
‫((( تفسير البحر المحيط‪ ،‬ألبي حيان األندلسي (‪.)528 /9‬‬
‫((( مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪ ،‬للبقاعي (‪.)14 /3‬‬
‫((( مجمع البيان‪ ،‬للطربسي (‪.)178 /9‬‬
‫((( انظر‪ :‬تفسير المراغي (‪ ،)173 /26‬وأسرار ترتيب القرآن‪ ،‬للسيوطي (ص ‪.)133‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪42‬‬


‫الم ْبحث الثاين‪ :‬التعريف بسورة (ق)‬
‫َ‬

‫(�سورة‬ ‫√ امل�س���ألة الرابعة‪ :‬ا ُمل َ‬


‫نا�سبة بني ُ�سورة (ق) وما قبلها من حيث النزول ُ‬
‫املر�سالت)‪:‬‬
‫ِّ‬
‫المكذبين بيوم الدين بالرتغيب والرتهيب‪.‬‬ ‫ُتعالج ُسورة المرسالت موضوع‬
‫و ُتتابع ُسورة (ق) موضوع معالجة المكذبين بيوم الدين بأسلوب آخر‪.‬‬
‫وهذه المعالجات الفكر َّية والنفس َّية التي اشتملت عليها ُسورة (ق) إنما هي‬
‫تكريرا تطابق ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫معالجات تكامل َّية لما جاء يف ُسورة المرسالت‪ ،‬وليست مكررة‬
‫ِّ‬
‫المكذبين برسالة محمد ﷺ بحجة أنه‬ ‫وتضيف إليه ُســورة (ق) معالجة‬
‫الرســول ﷺ وتثبيــت قلبه‪ ،‬تجاه مــا كان يلقاه من‬
‫بشــر منهــم‪ ،‬ومعالجة نفس َّ‬
‫تكذيب قومه‪ ،‬وما يواجهونه به من أقوال جارحة (((‪.‬‬
‫√ امل�س���ألة اخلام�سة‪ :‬ا ُمل َ‬
‫نا�س��بة بني ُ�س��ورة «ق» وما بعدها من حيث النزول‬
‫(�سورة البلد)‪:‬‬
‫ُ‬
‫يدور موضوع ُسورة البلد حول االبتالء الذي هو الغاية من خلق اإلنسان‪،‬‬
‫والذي يســتتبع باللزوم العقلي‪ ،‬التكليف‪ ،‬والمسؤول َّية‪ ،‬ثم المحاسبة‪ ،‬وفصل‬
‫القضاء‪ ،‬وتحقيق الجزاء‪.‬‬
‫الســورة بيان بعــض صــوارف النفس عن اإليمــان بيوم‬ ‫كذلــك جــاء يف ُّ‬
‫الديــن‪ ،‬فســورة البلد تتابع اســتِكمال اإلقناع بقانون الجــزاء الرباين‪ ،‬الذي دار‬
‫حوله موضوع ُسورة ق(((‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( انظر‪ :‬معارج التفكر ودقائق التد ُّبر‪ ،‬لعبد الرحمن حسن الميداين (‪ ،)546 /2‬و(‪.)11 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬معارج التفكر ودقائق التد ُّبر‪ ،‬لعبد الرحمن حسن الميداين (‪.)174-172 /3‬‬

‫‪43‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫امل َ ْبحث الثالث‬
‫التد ُّبر املَ ِ‬
‫قا�صدي ل�سورة (ق)‬
‫ال�سورة‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬مق�صد ُّ‬
‫موضــوع المكذبين‬
‫َ‬ ‫ُتعالــج ُســورة (ق) ‪-‬كغيرهــا من ُّ‬
‫الســور المك َّيــة‪-‬‬
‫برســالة محمد ﷺ‪ ،‬وبما جــاء به من نبأ ال َب ْعث والحســاب‪ ،‬إال أهنا يف معالجة‬
‫ال َب ْعث أظهر(((‪.‬‬
‫الرســالة التي‬
‫ق��ال البقاع��ي (ت ‪885‬ه �ـ)‪" :‬مقصودها تصديق النبي ﷺ يف ِّ‬
‫معظمها اإلنذار وأعظمه اإلعالم بيوم الخروج"(((‪.‬‬
‫‪ ‬دالئل املق�صد‪:‬‬
‫‪ -1‬آية صريحــة يف المقصد‪ :‬قال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾‪.‬‬
‫واإلضراب االنتِقالي من ال َقســم بالقرآن إلى عرض مقالة المشــركين يف إنكار‬
‫النُّبوة وإنكار المعاد‪ ،‬م ِ‬
‫شع ٌر بأهم َّية المنتقل إليه‪ ،‬وأنه محور الكالم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫السورة افتُتحت بالقسم بالقرآن‪،‬‬
‫السورة بخاتمتها‪ :‬أن ُّ‬
‫ناسبة فاتحة ُّ‬
‫‪ُ -2‬م َ‬
‫ثم عرضت ُشــبهة المشركين يف إنكار ال َب ْعث‪ ،‬ثم عقبت ُّ‬
‫الشبهة بتقرير قدرة اهلل‬
‫يف آيــات الكــون ويف إهالك المكذبيــن‪ ،‬وختمت كذلك بتقرير وقــوع ال َب ْعث‪،‬‬
‫واألمــر بالتذكير بالقــرآن‪ ،‬مب ِّين ًة بذلــك أن القرآن المعجز هو مــن أوضح أدلة‬
‫ال َب ْعث‪ ،‬وأن التد ُّبر يف القرآن من أعظم الطرق الموصلة إلى معرفة الحق‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬للرازي (‪ ،)145 /28‬والتحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪ ،)275 /26‬ومعارج‬
‫التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)11 /3‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)396 /18‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪44‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫الســور المك َّية أهنا ُتقرر‬


‫الســورة مك َّية‪ ،‬والغالب يف ُّ‬
‫‪ -3‬وقــت نزولها ‪ُّ :‬‬
‫(((‬

‫خصوصا ما يتعلــق بتوحيد األلوه َّيــة‪ ،‬واإليمان‬


‫ً‬ ‫التوحيــد والعقيدة الســليمة‪،‬‬
‫بالبعث؛ ألن غالب المخا َطبين ينكرون ذلك(((‪.‬‬
‫‪ -4‬ترتيــب نزولهــا(((‪ :‬نزلت ُســورة (ق) بعد ُســورة المرســات‪ ،‬وقد‬
‫المكذبين بيوم الدين بالرتغيب والرتهيب‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عالجت ُسورة المرسالت موضوع‬
‫الســورة إال معالجــة تكامل َّية مع ســابقتها يف إثبات المعاد بأســلوب‬
‫ومــا هذه ُّ‬
‫اإلقنــاع الفكري‪ ،‬إال أن ُســورة (ق) تزيــد عليها يف إثبات النُّبــوة‪ ،‬وبيان هالك‬
‫ِّ‬
‫المكذبين من األمم السابقة‪.‬‬
‫وقــد نزلت ُســورة البلد بعد ُســورة (ق)‪ ،‬وهــي تتابع اســتكمال اإلقناع‬
‫بقانون الجزاء الرباين‪.‬‬
‫‪ -5‬ترتيب المصحف‪ :‬ختمت ُسورة الحجرات (‪ )49‬بتقرير شمول علم‬
‫أيضا مع تقرير كمال قدرة اهلل ‪( ،۵‬وهو من‬ ‫اهلل ‪ ،۵‬وأكدت ُســورة (ق) ذلك ً‬
‫أظهر أدلة ال َب ْعث)‪ ،‬ثم تلتها ُســورة الذاريات مب ِّينة حكمة اهلل من خلق اإلنسان‬
‫بعد التأكيد على عظيم قدرة اهلل سبحانه‪.‬‬
‫‪ -6‬فضائلها(((‪ :‬كان النبــي ﷺ يواظب على قراءهتا يف المحافل الكبار‪،‬‬
‫والمجامع العظام‪ ،‬مما يدل على اشتمالها على أسس العقيدة اإلسالم َّية‪ ،‬ومن‬
‫أهمها‪ :‬اإليمان بالبعث والمعاد‪.‬‬
‫‪ -7‬موضوعاتها‪ :‬تناولت ُسورة (ق) عد ًدا من قضايا العقيدة اإلسالم َّية‪،‬‬
‫وكلها َت ُؤول إلى قض َّية ال َب ْعث بعد الموت‪ ،‬وسيأيت بياهنا يف المطب التالي‪.‬‬

‫الم ْبحث الثاين‪.‬‬


‫((( يراجع‪ :‬المطلب األول من َ‬
‫((( انظر‪ :‬أصول يف التفسير‪ ،‬البن عثيمين (ص ‪.)19‬‬
‫الم ْبحث السابق‪.‬‬
‫((( يراجع المطلب الرابع من َ‬
‫الم ْبحث السابق‪.‬‬
‫((( يراجع‪ :‬المطلب الثاين من َ‬

‫‪45‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫تكرر فيها حرف القاف ســب ًعا وخمســين (‪ )57‬مرة(((‪،‬‬
‫‪ -8‬خصائصها‪َّ :‬‬
‫تكررت فيها الكلمات التي تشتمل على حرف القاف بشكل ملحوظ‪.‬‬ ‫فقد َّ‬
‫الســور التي اشــتملت على الحروف‬
‫قال ابن القيم (ت ‪751‬هـ)‪" :‬وتأ َّمل ُّ‬
‫الســورة مبن َّية على كلمة ذلك الحــرف‪ ،‬فمن ذلك‪( :‬ق)‪،‬‬ ‫المفــردة‪ ،‬كيف تجد ُّ‬
‫والســورة مبن َّية على الكلمــات القافِ َّية‪ :‬من ِذكر القرآن‪ ،‬وذكــر َ‬
‫الخ ْلق‪ ،‬وتكرير‬ ‫ُّ‬
‫القول ومراجعته مرارا‪ ،‬والقرب من ابن آدم‪ ،‬وتل ِّقي الم َلكين قول العبد‪ِ ،‬‬
‫وذكر‬ ‫ً‬
‫وذكر الســائق‪ ،‬والقريــن‪ ،‬واإللقاء يف جهنم‪ ،‬والتقــدُّ م بالوعيد‪ِ ،‬‬
‫وذكر‬ ‫الرقيب‪ِ ،‬‬
‫وذكر القلب‪ ،‬والقــرون‪ ،‬والتنقيب يف البالد‪ِ ،‬‬
‫وذكــر "ال َق ْبل" مرتين‪،‬‬ ‫المتقيــن‪ِ ،‬‬
‫وتش ُّقق األرض‪ ،‬وإلقاء الرواســي فيها‪ ،‬وبسوق النخل‪ ،‬والرزق‪ِ ،‬‬
‫وذكر القوم‪،‬‬
‫وحقوق الوعيد‪ ،‬ولو لم يكن إال تكرار القول والمحاورة‪.‬‬
‫ناسب ٌة لِما يف حرف القاف من‬‫و�سِ �ر �آخر‪ :‬وهو أن كل معاين هذه الســورة م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌّ‬
‫الشدة والجهر والعلو واالنفتاح"(((‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ال�سورة(((‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مو�ضوعات ُّ‬
‫اشــتملت ُســورة (ق) علــى عــدة موضوعــات جزئ َّيــة تخــص العقيدة‬
‫والرســالة(((‪ ،‬وإليك بياهنا‬
‫اإلســام َّية‪ ،‬وكلها تتعلق بمعالجة موضوع ال َب ْعث‪ِّ ،‬‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫((( مظاهر اإلعجاز البياين يف القرآن الكريم‪ ،‬أحمد قويف (ص ‪.)127‬‬


‫((( بدائــع الفوائد‪ ،‬البــن القيم (‪ .)1121-1120 /3‬وقد نقله الزركشــي (ت ‪794‬هـــ) يف الربهان يف‬
‫علوم القرآن (‪ ،)169 /1‬مع فروق يسيرة‪ ،‬والمطبوع فيه تصحيفات عديدة‪.‬‬
‫السورة فهو‬
‫السورة‪ .‬أما مقصد ُّ‬
‫الســورة‪ :‬هي المعاين الجزئية التي تشــتمل عليها أجزاء ُّ‬
‫((( موضوعات ُّ‬
‫المعنى العام الذي يجمع هذه المقاصد الجزئية ويربط بينها‪.‬‬
‫((( انظــر‪ :‬تفســير ابــن كثيــر (‪ ،)179 /13‬والفوائد‪ ،‬البــن القيــم (ص ‪ ،)6-5‬وبصائــر ذوي التمييز‪،‬‬
‫للفيروزآبــادي (‪ ،)437 /1‬والتحريــر والتنويــر‪ ،‬البــن عاشــور (‪ ،)275 /26‬ومعــارج التفكــر‪،‬‬
‫للميداين (‪.)15-12 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪46‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫‪ ‬التنويــه بشــأن القرآن وإعجــازه‪ ،‬وتصديق من جاء بــه (محمد ﷺ)‪،‬‬


‫وبما جاء به (ومنه ال َب ْعث والحساب)‪.‬‬
‫‪ ‬عرض ُشبهات المشركين يف التكذيب ِّ‬
‫بالرسالة وال َب ْعث‪ ،‬والرد عليها‬
‫بتقرير كمال علم الرب سبحانه‪ ،‬وكمال قدرته‪ ،‬وكمال حكمته(((‪.‬‬
‫‪ ‬بيــان مظاهر قدرة اهلل يف الســماوات واألرض‪ ،‬ومنها إنبات األقوات‬
‫والثمار بإنزال المطر‪ .‬وهو من أوضح األدلة على ال َب ْعث‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المكذبين للرســل من األمم الســابقة‪،‬‬ ‫‪ ‬بيان مظاهر قدرة اهلل يف إهالك‬
‫ِّ‬
‫المكذبين بال َب ْعــث بالعذاب الدنيــوي‪ ،‬وتثبيت قلب‬ ‫وهتديــد المشــركين‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬وتسليته‪.‬‬
‫‪ ‬تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنُّبوة واإليمان بالمالئكة‪.‬‬
‫‪ ‬بيان رقابة اهلل تعالى وهيمنته على اإلنسان التي تبدأ من والدته‪ ،‬وتمر‬
‫بالموت‪ ،‬ثم تنتهي بال َب ْعث والحساب‪ ،‬ثم المصير إلى الجنة أو النار‪.‬‬
‫‪ِ ‬ذكر النار وعذاهبا‪ ،‬والجنة ونعيمها‪ ،‬وبيان صفات أهل ٍّ‬
‫كل منهما‪.‬‬
‫‪ ‬إثبات صفات الكمال هلل وتنزيهه عما يضا ُّد كماله من النقائص والعيوب‪.‬‬
‫الرب تعالى وكمال أســمائه وصفاتــه تقتضي المعاد‬ ‫كمال ِّ‬‫‪ ‬بيــان "أن َ‬
‫َــز ٌه عمــا يقو ُله منكِــروه كمــا ُين َّ‬
‫َــز ُه كما ُله عن ســائر العيوب‬ ‫و ُتوجبــه‪ ،‬وأنــه ُمن َّ‬
‫والنقائص"(((‪.‬‬

‫((( فائدة‪ :‬ذكر ابن القيم ‪ $‬أن براهين المعاد يف القرآن مبنية على ثالثة أصول‪ ]-1[ :‬تقرير كمال علم‬
‫المنكِرين للبعث تعود إلى‬
‫الرب سبحانه‪ ]-2[ ،‬وكمال قدرته‪ ]-3[ ،‬وكمال حكمته‪ .‬وذلك ألن شبه ُ‬
‫ثالثة أنواع‪ ]-1[ :‬إنكار علم اهلل باألجزاء المتفرقة المختلطة بأجزاء األرض على وجه ال يحصل به‬
‫تمييز أجزاء مختلف األشــخاص‪ ]-2[ ،‬وإنكار قدرة اهلل على جمــع تلك األجزاء المتفرقة‪ ،‬وإعادة‬
‫األرواح إليها‪ ]-3[ ،‬وإنكار الحكمة يف إحياء الموتى‪( .‬انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم‪ ،‬ص ‪.)8-7‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)9‬‬

‫‪47‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ال�سورة‪.‬‬
‫قاطع ُّ‬
‫املطلب الثالث‪َ :‬م ِ‬
‫ميكن تق�سيم ُ�سورة (ق) َو ْفق مق�صدها �إىل ثالثة مَقاطِ ع رئي�سة‪:‬‬
‫السورة إلى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ‬
‫‪ ‬املقطع الأول‪ :‬من أول ُّ‬
‫عرض ُشــبهة المشركين‪ ،‬والرد عليها بتقرير شمول‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾‪ :‬وفيها ُ‬
‫علمــه وكمال قدرته‪ ،‬و َع ْرض بعــض مظاهر قدرته من آيات اهلل يف الكون‪ ،‬ويف‬
‫إهالك األمم السابقة‪.‬‬
‫‪ ‬املقطع الثاين‪ :‬من قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ إلى قوله ‪ ﴿ :۵‬ﰝ ﰞ‬
‫ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﴾ [اآليات‪ :]35-16 :‬وفيها "بيان رقابة اهلل تعالى وهيمنته على‬
‫اإلنســان التي تبدأ من والدته‪ ،‬وتمر بالموت‪ ،‬ثم تنتهي بال َب ْعث والحساب‪ ،‬ثم‬
‫المصير إلى الجنة أو النار"‪.‬‬
‫‪ ‬املقطع الثالث‪ :‬من قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ إلى آخر‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وبيان حقيقة رسالته‪ ،‬وهتديد‬ ‫الســورة [اآليات‪ ،]45-36 :‬وفيه َت ْسلية َّ‬
‫ُّ‬
‫المشــركين‪ ،‬وتقريــر ال َب ْعــث‪ .‬ويمكن القــول أن أغلبه تأكيدٌ لِمــا ورد يف أوائل‬
‫ٍ‬
‫معكوس‪.‬‬ ‫تلميحا يف ترتيب‬
‫ً‬ ‫تصريحا أو‬
‫ً‬ ‫السورة‬ ‫ُّ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التد ُّبر املَ ِ‬
‫قا�صدي للآيات‪.‬‬
‫◈ املقطع الأول [الآيات‪:]15-1 :‬‬
‫﴿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﴾ (((‪ :‬هذه اآلية وارد ٌة يف التنويه بشــأن القرآن الكريم‪،‬‬
‫وبيــان إعجازه‪ ،‬وأنــه المصدر األصيل لتلقي براهين ال َب ْعــث ودالئل النُّبوة؛ فقد‬
‫أقســم اهلل ‪ ۵‬بالقرآن‪ ،‬الدَّ ال على شــرفه وعظيم منزلتــه ورفعته وعلوه على كل‬

‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪ ،)276 /26‬ومعارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)19-16 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪48‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫سائر الكالم؛ ألن التحدي بإعجاز القرآن الكريم‪ ،‬وعجز الكفار بل البشر جمي ًعا‬
‫ِ‬
‫حجة على‬ ‫وأســطع‬ ‫ٍ‬
‫برهان علــى كونه من عند اهلل‪،‬‬ ‫أقطع‬
‫ُ‬ ‫عــن معارضته بمثلــه‪ُ -‬‬
‫الرســالة‪ ،‬وعلى صدق ما جاء به من نبــأ ال َب ْعث بعد‬‫صــدق محمــد ﷺ يف ا ِّدعاء ِّ‬
‫ٌ‬
‫وبيان لقبــح موقفهم من‬ ‫تشــنيع للكفار‬
‫ٌ‬ ‫المــوت والجزاء والحســاب‪ .‬ويف هذا‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬ومما جاء به من أمر ال َب ْعث والحساب‪ ،‬وتأكيدٌ على أن القوة الحقيق َّية‬
‫هي قوة الحجة والربهان التي هبا أتى القرآن‪ ،‬وعلى أن القرآن هو محور الدعوة‪،‬‬
‫السورة به‪ ،‬كما ُختمت به‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪.‬‬
‫ولهذا افتُتحت هذه ُّ‬
‫﴿ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ﴾‪ :‬هذه اآلية وارد ٌة يف‬
‫تعجبهم‬ ‫ِ‬
‫الرسالة والتكذيب بال َب ْعث‪ ،‬ففيها ذكر ُّ‬
‫َع ْرض مقالة المشركين يف إنكار ِّ‬
‫الرسول‬ ‫اإلنكاري من إرســال رســول من جنســهم البشــري‪ ،‬متع ِّللين أن كون َّ‬
‫تعجبهم من إنــذاره ﷺ إياهم عذاب اهلل‬
‫بشــرا ينايف الحكمــة الربان َّية‪ ،‬وكذلك ُّ‬
‫ً‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ودعوته إياهم لإليمان بعد ال َب ْعث بعد الموت‪.‬‬
‫ويف اآليــة ما يؤكِّد على "تقبيح الممــاراة يف الحق والتعمد يف المعارضة‬
‫اتبا ًعا للهوى وتقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة غير الصائبة"(((‪ ،‬فقد "أنكروا‬
‫رســالته و َف ْضل كتابه بألســنتهم نفاســة وحســدً ا‪ ،‬ويف هذا ٌ‬
‫دليل علــى أن الكرب‬
‫والحســد من موانع قبــول الحق‪ ،‬وأنه يفضي إلى الســفه‪...‬؛ ألهنــم عجبوا ْ‬
‫أن‬
‫حجرا‪ ،‬وعجبوا‬
‫ً‬ ‫بشرا واســتعظموا ذلك‪ ،‬وأوجبوا أن يكون اإلله‬
‫الرســول ً‬
‫كان َّ‬
‫مــن أن ُيعادوا من تراب‪ ،‬وتثبت لهــم الحياة‪ ،‬ولم يعجبوا أن ُيبتدؤوا من تراب‬
‫ولم يكن له أصل يف الحياة"(((‪ ،‬وذلك ألن كفرهم "يقوم على سرت األدلة التي‬

‫((( انظر‪ :‬التفسير الحديث‪ ،‬لمحمد دروزة عزت (‪.)301 /2‬‬


‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)404 /18‬‬

‫‪49‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫تثبــت الحق برباهينه‪ ،‬بطرح الشــبهات‪ ،‬وإلقــاء عبارات التعجــب‪ ،‬وا ِّدعاء أن‬
‫األمر غير مقبول ً‬
‫عقل"(((‪.‬‬
‫﴿ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ﴾‪ :‬هــذه اآلية وارد ٌة يف بيان ُشــبهة المشــركين‬
‫الســاذجة يف إنــكار ال َب ْعث واســتبعاد الحيــاة بعد الموت‪ ،‬وهي أن بِلى األجســاد‬
‫ومهاب‬
‫ِّ‬ ‫وصيرورهتا رفا ًتا‪ ،‬واختالطها بالرتاب‪ُّ ،‬‬
‫وتفرق أجزائها يف مناحي األرض‬
‫وذراهتا‪،‬‬ ‫الريــاح ال ُتبقي ً‬
‫أمل يف إمكان جمعهــا‪ ،‬لعدم العلم بمواقع تلك األجزاء َّ‬
‫رجوع يستبعد العقل وقو َعه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ولو علمت مواقعها فكيف ُتعاد إليها أرواحها‪ ،‬ذلك‬
‫و ُتحيله العادة(((‪ .‬ففيها ِذكر إنكار المشركين لعلم اهلل تعالى باألشياء وقدرته على‬
‫المتضمن ذلك إنكار حكمة اهلل يف خلق اإلنسان (((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َخ ْلق ما يريد‪،‬‬
‫موجــز على‬
‫ٌ‬ ‫﴿ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ﴾‪ :‬هــذه اآليــة ر ٌّد‬
‫ُشــبهة المشــركين يف إنــكار ال َب ْعــث واســتبعاده‪ ،‬ففيهــا "تقرير كمــال علم اهلل‬
‫ســبحانه"((( وتقرير قدرته ضمنًا‪ ،‬وبيان أنه سبحانه "قد علم ما تنقصه األرض‬
‫قادر‬
‫عالم بتلك األجزاء‪ ،‬فهو ٌ‬
‫من لحومهم وعظامهم وأشعارهم‪ ،‬وأنه كما هو ٌ‬
‫تفرقها وتأليفها خل ًقا جديدً ا"(((‪.‬‬
‫على تحصيلها وجمعها بعد ُّ‬
‫"تقرير لعقيدة القضاء والقدر بتقرير كتاب المقادير"(((‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ويف اآلية‬
‫ويف التعب�ير بالنق���ص دون الإع��دام والإفن��اء يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫((( معارج التفكر ودقائق التد ُّبر‪ ،‬لعبد الرحمن الميداين (‪.)24 ،21 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)280 /26‬‬
‫((( معارج التفكر‪ ،‬لعبد الرحمن الميداين (‪ .)28 /3‬وانظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)8-7‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)8‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)7‬‬
‫((( انظر‪ :‬أيسر التفاسير‪ ،‬للجزائري (‪.)138 /5‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪50‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫ــي ٌء إِ َّل َي ْب َلى‪ ،‬إِ َّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ﭰ ﴾‪ ،‬داللــ ٌة على مــا ورد يف حديث‪َ « :‬ل ْي َس م َن اإلن َْســان َش ْ‬
‫الق َي َام ِة»(((‪.‬‬
‫َب‪ ،‬و ِمنْه يركَّب الخَ ْل ُق يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫الذن ِ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫َع ْظ ًما َواحدً ا‪َ ،‬و ُه َو َع ْج ُ‬
‫﴿ ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ﴾‪ :‬هذه اآلية وارد ٌة يف تقرير المعاد‬
‫بذكر دليل البطالن ‪-‬وهو‬ ‫ببيان بطالن موقف المشــركين من التكذيــب بالحق ِ‬
‫موجب‬
‫االضطــراب‪ ،-‬وبيان ســببه ‪-‬وهو االســتعجال‪ .-‬ألن "االضطــراب ٌ‬
‫أدل دلي ٍل على اإلبطال‪ ،‬كما أن الثبات والخلوص م ِ‬
‫وجب‬ ‫لالختــاف‪ ،‬وذلك ُّ‬
‫ُ‬
‫لالتفــاق‪ ،‬وذلــك ُّ‬
‫أدل دلي ٍل على الحقيقة"(((؛ فـ"الجــزم الصحيح ال يتغير وال‬
‫يتبــدل‪[ ...‬أ َّمــا المشــركون] فــكان أمرهم مضطر ًبــا"(((‪( ،‬وذلــك يف وصفهم‬
‫الرسالة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن بأنه‪ :‬ســحر‪ ،‬وتارة كهانة‪ ،‬وتارة شعر‪ ،‬وتارة كذب‪ ،‬وتارة ينفون ِّ‬
‫عن البشر‪ ،‬وأخرى يزعمون أهنا ال تليق إال بأهل الجاه والرئاسة((()‪.‬‬
‫ناشــئ عــن اســتعجالهم يف التكذيــب‬
‫ٌ‬ ‫و�س��بب ه��ذا االخت�لاف‪ :‬إنمــا هــو‬
‫بالقــرآن‪ ،‬وعــدم النظر والتأمــل يف أدلته‪ .‬ويف هــذا دعو ٌة للمشــركين وغيرهم‬
‫إلــى التأمل يف القــرآن وبراهينه‪ ،‬وتأكيدٌ على أن "عدم التــأين والتفكر مانع من‬
‫موانــع االهتداء للحق"‪ ،‬فينبغي لإلنســان أن يقابــل "كل فكرة أو دعوة جديدة‬
‫بالتد ُّبر والرتوي"(((؛ ألنه ُي ِعين على معرفة جوانب الحق فيها ومواطن الخلل‪،‬‬
‫الزلل‪.‬‬
‫ويعصم ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬من َّ‬

‫((( رواه البخــاري يف صحيحــه‪ ،‬كتاب التفســير‪ ،‬بــاب ﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾‪( ،‬ح‪،)4935‬‬


‫(‪ .)165 /6‬وانظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)283 /26‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)407 /18‬‬
‫((( مفاتيح الغيب‪ ،‬للفخر الرازي (‪.)154 /28‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪ ،)407 /18‬والتحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشــور (‪ ،)285 /26‬وتفســير‬
‫المراغي (‪.)153-152 /26‬‬
‫((( التفسير الحديث‪ ،‬لمحمد دروزة عزت (‪.)301 /2‬‬

‫‪51‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾‪ :‬هاتــان اآليتان واردتان يف تقرير‬
‫عقيدة ال َب ْعث بمظاهر القدرة اإلله َّية يف الكون‪ ،‬وهي التي أنكرها المشركون يف‬
‫ســياق إنكارهم لل َب ْعث‪ ،‬فكما أن اآلية الســابقة فيها دعوة إلى التف ُّكر يف القرآن‬
‫وبراهيــن ِصدقــه‪ ،‬فكذلــك هذه اآليــة فيها دعــوة الكافرين وســائر الناس إلى‬
‫التأمــل يف "العالم العلوي وبنائه وارتفاعه واســتوائه وحســنه والتئامه‪ ،‬ثم إلى‬
‫العالم الســفلي وهو األرض‪ ،‬وكيف بســطها [اهلل ‪ ]۵‬وهيأها بالبسط لما ُيراد‬
‫صنف حسن من أصناف النبات على‬ ‫ٍ‬ ‫منها‪ ،‬وث َّبتها بالجبال‪ ،‬وأنبت فيها من كل‬
‫اختالف أشكاله وألوانه ومقاديره ومنافعه وصفاته"(((‪.‬‬
‫دال على كمال قدرته ســبحانه‪ ،‬وعلمه المحيط بكل شــيء‪،‬‬ ‫فــكل ذلك ٌّ‬
‫وعلــى عظيــم حكمته‪ ،‬وبالِــغ إتقانه لكل ما َخ َلــق‪ ،‬ودقيق صنعــه‪ ،‬وغير ذلك‬
‫مــن صفات الكمال‪ .‬ويف هذا داللة على مشــروع َّية النظر واالعتبار فيما يحيط‬
‫باإلنســان من آيــات اهلل يف الكون وما فيها من منافع‪ ،‬ليــزداد إيمانه ويصل إلى‬
‫وليشكر نعمة ربه بعبادته‪ ،‬وال يكفروها بعبادة غيره(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫رتبة اليقين‪،‬‬
‫لمنكِــري ال َب ْعــث‪،‬‬
‫"تذكيــر ُ‬
‫ٌ‬ ‫﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة‬
‫وإيقــاظ لهم عن ِســنة الغفلة‪ ،‬وبيان إلمــكان ذلك‪ ،‬وعدم امتناعــه" (((‪ ،‬ففيها‬
‫بيــان أن "التَّبصرة والذكرى من جملة الحكم التي أوجد اهلل تلك المخلوقات‬
‫ألجلهــا"(((‪ .‬ألن اهلل قــد جعــل يف آياته الكون َّيــة وظيفتين‪ :‬دنيو َّيــة لالنتفاع هبا‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)9‬‬
‫((( انظــر‪ :‬معــارج التفكر‪ ،‬لعبــد الرحمن الميــداين (‪ ،)56 ،37 /3‬وأيســر التفاســير‪ ،‬للجزائري (‪/5‬‬
‫‪ ،)140-139‬والتحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)292 ،289 ،288 /26‬‬
‫((( فتح القدير‪ ،‬للشوكاين (‪.)96 /5‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)290 /26‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪52‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫للمصالح الدنيا‪ ،‬وأخــرى أخرو َّية‪ ،‬من الداللة على اهلل ‪ ۵‬وصفاته التي ينتفع‬
‫هبا العبد المنيب (((‪.‬‬
‫"وفيــه إشــار ٌة إلى أن الوصــول إلى مقــام التَّبصــرة إنما هــو بال ُعبود َّية‪،‬‬
‫وبيان لفضلهم إذ ال يخلون‬ ‫ٌ‬ ‫"تشــريف لجميع المؤمنين‬
‫ٌ‬ ‫واإلنابة"(((‪ ،‬ففي اآلية‬
‫وتعريض بإهمال‬ ‫ٌ‬ ‫ت بينهم يف ذلك‪،...‬‬ ‫من تبصر وتذكُّر بتلك األفعال على تفاو ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫التبص َر والتذكر"(((‪.‬‬
‫الكافرين ُّ‬
‫ويف هــذا داللة على "اعتبار من ال ينتفع بالشــيء‪ ،‬عاد ًما له"(((‪ ،‬ويف هذا‬
‫ما يؤكد على أنه ينبغي للمؤمن أن يتفكر يف مخلوقات اهلل ويتأمل دقيق صنعه؛‬
‫ــل ِ‬
‫آيات اهلل يف الكون‪ ،‬تع َّلم منها أشــياء‬ ‫ألنَّــه " ُك َّلمــا ك ََّرر َش ِ‬
‫ــهد المتف ِّك ُر المتأ ِّم ُ‬
‫جديدة‪ ،‬وزادته معرفة بحقائق عن خالقها ومبدعها" (((‪ ،‬وعلم يقينًا أنه ما ُخلق‬
‫عب ًثــا‪ ،‬بــل ألجل حكمة جليلة وغاية ســامية‪ ،‬وعلم أنه محاســب على أعماله‪،‬‬
‫وأنه ال بد من جزاء وحساب‪.‬‬
‫﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﴾ (((‪ :‬هذه اآليات وارد ٌة يف‬
‫دفع اســتحالة البعث وإظهار تقريبه(((‪ِ ،‬‬
‫بذكــر "أهبر اآليات وأدلها عليه‪ ،‬والتي‬ ‫َْ‬

‫((( انظر‪ :‬معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)63 /3‬‬


‫((( روح البيان‪ ،‬للخلويت (‪.)107 /9‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)291 /26‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)411 /18‬‬
‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)41 /3‬‬
‫((( انظــر‪ :‬الفوائــد‪ ،‬البن القيــم (ص ‪ ،)10-9‬ونظم الدرر يف تناســب اآليات والســور (‪،)414 /18‬‬
‫والتحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪ ،)292 /26‬ومعارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)42 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)295 /26‬‬

‫‪53‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫تكميل لِما ســبق من تقرير كمــال قدرة اهلل‬
‫ٌ‬ ‫تتجــدَّ د علــى مرور الدهر"‪ ،‬وهــي‬
‫وشــمول علمه وجليل حكمته‪ ،‬ففيها قياس بعــث الناس للحياة األخرى‪ ،‬بعد‬
‫ُ‬
‫واالمتنان بمظاهر‬ ‫موهتم وفناء أجسادهم على إعادة حياة النباتات من بذورها‪،‬‬
‫الجمــال يف خلــق اهلل‪ ،‬وبنعمة المطر ومــا يكون بإنزاله مــن اإلنبات وحصول‬
‫الثمــار واألقــوات لآلدميين والبهائــم‪ ،‬وإحياء األرض بعد موهتا‪ .‬و"اإلشــارة‬
‫إلى اختالف أحوال اســتِحصال ما ينفع الناس من أنــواع النبات؛ فإن الجنات‬
‫تستثمر وأصولها باقية‪ ،‬والحبوب تســتثمر بعد حصد أصولها"(((‪ .‬وفيه "تنبي ٌه‬
‫علــى أن الالئــق بالعبد أن يكون انتفاعــه بذلك من حيث التذكُّر واالســتِبصار‬
‫أقــدم وأهم من تمتعه به من حيث الــرزق"(((‪ .‬ألن "الرزق حاصل لكل أحد‪،‬‬
‫شاكرا لإلنعام‪ ،‬وغيره يأكل كما تأكل األنعام!"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذاكرا‬
‫غير أن المنيب يأكل ً‬
‫﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﴾‪ :‬انتقــل الكالم بعــد ِذكر آيات اهلل يف األكوان‬
‫المكذبين للرســل من قبل‪ ،‬فهذه اآليات‬‫ِّ‬ ‫واآلفــاق إلى ِذكر آياته يف األن ُفس من‬
‫وارد ٌة يف "تقرير النُّبوة بأحسن تقرير‪ ،‬وأوجز لفظ‪ ،‬وأبعده عن كل ُشبهة وشك؛‬
‫فأخرب ســبحانه أنه أرســل إلى قوم نــوح وعاد وثمود وقوم لــوط وقوم فرعون‬
‫َ‬
‫وصدق فيهم وعيده الذي أوعدهتم‬ ‫رســا َّ‬
‫فكذبوهم‪ ،‬فأهلكهم بأنواع الهالك‪،‬‬ ‫ً‬
‫به رسله إن لم يؤمنوا‪ ،‬وهذا تقرير لنبوهتم ولنبوة من أخرب بذلك عنهم من غير‬
‫مفصل مطاب ًقا‬
‫ً‬ ‫إخبــارا‬
‫ً‬ ‫أن يتعلــم ذلك من مع ِّلــم وال قرأه يف كتاب‪ ،‬بل أخرب به‬

‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)412 /18‬‬


‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)423 /25‬‬
‫((( مفاتيح الغيب‪ ،‬للرازي (‪.)158 /28‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪54‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫تشريف للنبي ﷺ وللرسل السابقين"(((‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫لِما عند أهل الكتاب"(((‪ .‬و"يف ذلك‬
‫والرسالة‪.‬‬
‫وتقرير َلو ْحدة العقيدة ِّ‬
‫بالرسالة وال َب ْعث‪ ،‬وتسلي ٌة‬ ‫ِّ‬
‫المكذبين ِّ‬ ‫التعريض بالتهديد للمشــركين‬
‫ُ‬ ‫وفيه‬
‫رسول قد خلت‬‫ٌ‬ ‫الرسل‪ ،‬بل هو‬
‫وتثبيت لقلبه‪ ،‬بأنه ليس بد ًعا من ُّ‬
‫ٌ‬ ‫للرسول ﷺ‪،‬‬
‫َّ‬
‫عمت هانت"(((‪.‬‬
‫الرسل ‪ ،‬ألن "المصيبة إذا َّ‬
‫(((‬
‫من قبله ُّ‬
‫ويف اآليــة داللــ ٌة علــى "أن االشــراك يف العمــل يوجــب االشــراك يف‬
‫قــص اهلل علينا نبأهم‬
‫الجــزاء"(((‪ ،‬ويف هــذا دعو ٌة إلى االعتبــار واالتعاظ ممن َّ‬
‫ِّ‬
‫المكذبين‪ ،‬وأن‬ ‫بالحق؛ فـــنعلم سن َة اهلل األزل َّية الكون َّية يف نصره رس َله‪ ،‬وتعذيبه‬
‫العاقبة للمتقين‪ ،‬والبوار والخزي على الظالمين‪.‬‬
‫﴿ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف "تقريــر‬
‫المعاد"‪ ،‬والرد على ُشبهة المشركين يف إحالة ال َب ْعث‪ ،‬ففيها "االستدالل بقدرة اهلل‬
‫الخ ْلق وإحياء الموتى وال َب ْعث‬
‫الخ ْلق األول‪ ،‬على قدرته على إعادة َ‬‫سبحانه على َ‬
‫يف القيامة الكربى"(((‪" .‬ألن اإلعادة ال يمكن أن تكون أصعب من ال َبدء"(((‪.‬‬
‫ويف هــذا إنــكار علــى ُمنكِــري ال َب ْعــث‪ ،‬وا ِّتهــام لمداركهــم َّ‬
‫بالضحالــة‬
‫ٌ‬
‫وتوبيخ لهم" من إحالتهم ال َب ْعث(((‪.‬‬ ‫وتحميق لهم‬
‫ٌ‬ ‫والسطح َّية‪ ،‬و" َت َو ُّر ٌك عليهم‬

‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)10‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)297 /26‬‬
‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)74 /3‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)414 /18‬‬
‫((( تفسير حدائق الروح والريحان‪ ،‬لمحمد األمين الهرري (‪.)436 /27‬‬
‫((( انظر‪ :‬المستدرك على مجموع الفتاوى (‪ ،)89 /1‬والنبوات‪ ،‬البن تيمية (‪.)678 /2‬‬
‫((( أضواء البيان‪ ،‬للشنقيطي (‪.)686 /7‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)298 /26‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫◈ املقطع الثاين [الآيات‪:]35-16 :‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾‪ :‬هــذه‬
‫الخ ْلق األول المذكــور يف اآلية‪ ﴿ :‬ﯴ‬
‫اآليــة وارد ٌة يف بيــان بعض تفاصيــل َ‬
‫ﯵ ﯶ ﴾‪ ،‬ففيها‪:‬‬
‫"التَّنبيــه على أعظم آيات قدرة اهلل وشــواهد ربوبيتــه وأدلة المعاد‪ ،‬وهو‬
‫َخ ْلق اإلنســان المركب مــن اللحم والعظم والعــروق واألعصاب والرباطات‬
‫والمنافذ واآلالت والعلوم واإلرادات والصناعات؛ كل ذلك من نطفة ماء"(((‪.‬‬
‫و"التَّنبيــه علــى َســعة علــم اهلل تعالــى بأحوالهــم كلهــا‪ ،‬فــإذا كان يعلم‬
‫عجب أن يعلم ما تنقــص األرض منهم"‪ ،‬وفيه دالل ٌة على‬
‫َ‬ ‫حديــث النفس؛ فال‬
‫أن "الوســواس يف النفــس يكون من الشــيطان تار ًة ومن النفس تــارةً"(((‪ ،‬وأن‬
‫البعض‪ ،‬وال يحجب علم اهلل شي ٌء"(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫البعض‬
‫ُ‬ ‫"أبعاض اإلنسان يحجب‬
‫وفيهــا "الكناية عن التحذير من إضمار ما ال يرضي اهلل"(((‪ ،‬و"زجر عن‬
‫المعاصي التي يستخفى هبا" (((‪.‬‬
‫"وهــذا ممــا يدعو اإلنســان إلــى مراقبة خالقــه المطلع علــى ضميره‬
‫وباطنــه‪ ،‬القريب إليه يف جميع أحواله‪ ،‬فيســتحيي منه أن يــراه حيث هناه‪ ،‬أو‬
‫يفقده حيث أ َمره"(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪ ،)12‬بتصرف‪.‬‬


‫((( منهاج السنة النبوية (‪.)186 /5‬‬
‫((( تفسير القرطبي (‪.)437 /19‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)299 /26‬‬
‫((( تفسير القرطبي (‪.)435 /19‬‬
‫((( تفسير السعدي (‪.)1700 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪56‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫﴿ﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ﴾‪ :‬هاتان‬


‫اآليتان واردتان يف بيان الرقابة الدائمة على كل إنســان(((؛ ففيها اإلنذار الشديد‬
‫والموعظــة والتهديــد بالجــزاء للمشــركين الذين َّ‬
‫كذبــوا بيوم ال َب ْعــث جحو ًدا‬
‫واســتكبارا‪ ،‬و"اإلخبار بأن على يمين اإلنســان وشــماله َم َلكين يكتبان أعماله‬
‫ً‬
‫وأقوالــه والتَّنبيه بإحصاء األقــوال وكتابتها على كتابة األعمــال‪ ،‬التي هي أقل‬
‫أثرا من األقوال‪ ،‬وهي غايات األقوال وهنايتها"(((‪.‬‬
‫وقو ًعا‪ ،‬وأعظم ً‬
‫فينبغــي أن يحفظ اإلنســان لســانه وجوارحــه عن الســيئات ويرغب يف‬
‫الحسنات‪ .‬ويف هذا إشار ٌة كافية ل َّلبيب أن اإلنسان غير مرتوك سدً ى‪ ،‬وأنه ُخلِق‬
‫ألجل حكمة جليلة وغاية سامية‪.‬‬
‫الم َلكين أقوال اإلنســان وأعماله "إيذان‬
‫وبيــان ُقربه ‪-‬تعالى‪ -‬عند تل ِّقي َ‬
‫بأن اســتحفاظ الملكين أمر هو غني عنه"‪ ،‬وأن ذلك االســتِحفاظ لحكمة (((‪،‬‬
‫وهو إقامة الحجة على العبد يوم القيامة(((‪.‬‬
‫ٌ‬
‫انتقــال "إلــى‬ ‫﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾‪ :‬هــذه اآليــة‬
‫المكذبون حين احتضارهــم"(((‪ ،‬ففيها ِذكر "القيامة‬
‫ِّ‬ ‫حكاية ما ســوف يواجهــه‬
‫الصغــرى‪ ،‬وهــي َســكرة الموت‪ ،‬وأهنــا تجيء بالحــق‪ ،‬وهو‪ :‬لقاؤه ســبحانه‪،‬‬
‫والقــدوم عليه‪ ،‬وعــرض الروح عليه‪ ،‬والثواب والعقــاب الذي تعجل لها قبل‬
‫القيامة الكربى"(((‪.‬‬
‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)86 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)13-12‬‬
‫((( الكشاف‪ ،‬للزمخشري (‪ .)292 /4‬وانظر‪ :‬حدائق الروح والريحان (‪.)439 /27‬‬
‫((( التفسير الوسيط‪ ،‬للطنطاوي (‪ .)211 /26‬وانظر‪ :‬تفسير القرطبي (‪.)437 /19‬‬
‫((( انظر‪ :‬التفسير الحديث (‪.)235 /2‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪ .)13‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)265 /4‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ويف التعبيــر بالماضي تنبيــ ٌه على أن األمر متح ِّقق الوقــوع‪ ،‬وعلى أنه قد‬
‫نزول النص من الناس(((‪.‬‬ ‫نظيره لمن سبق موته َ‬ ‫وقع بالفعل ُ‬
‫ٌ‬
‫إيقــاظ للقلوب من الغفلــة‪ ،‬وتأكيدٌ على أنه ينبغي لإلنســان أن‬ ‫ويف هــذا‬
‫توجس وحذر‪.‬‬ ‫يستعدَّ للموت وأحواله‪ ،‬وأن يقضي حياته على ُّ‬
‫﴿ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ﴾‪ :‬هذه اآلية وارد ٌة يف ِ‬
‫"ذكر القيامة الكربى"(((‪،‬‬
‫الم َلك الموكَّل بالنفــخ يف الصور النفخة الثانية وهي نفخة‬
‫ففيهــا اإلخبار بنفخ َ‬
‫ال َب ْعــث‪ ،‬وأن ذلك يوم العذاب الذي وعد به الكفار وال ُعصاة‪" .‬وخص الوعيد‬
‫ِّ‬
‫بالذكــر دون الوعــد‪ ،‬لتهويل هذا اليــوم وتحذير العصاة مما ســيكون فيه"(((‪،‬‬
‫السورة القوي يف التَّقريع والتَّبكيت‪.‬‬
‫وليتناسب مع أسلوب ُّ‬
‫﴿ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف "حكايــة ما ســوف‬
‫يتهربون منها‬ ‫ِّ‬
‫المكذبون حين بعثهم يوم القيامة من الحقائق التي كانوا َّ‬ ‫يواجهه‬
‫أو يرتابــون فيها"(((‪ ،‬ففيهــا اإلخبار بـ"أن كل أحد يأيت اهلل ســبحانه ذلك اليوم‬
‫سائق يسوقه وشهيد يشهد عليه‪ ،‬وهذا غير شهادة جوارحه‪ ،‬وغير شهادة‬
‫ومعه ٌ‬
‫األرض التي كان عليها له عليه‪ ،‬وغير شهادة رسوله والمؤمنين"‪.‬‬
‫ويف اآلية ٌ‬
‫دليل على أن الحاكم ال يحكم بعلمه‪" .‬فإن اهلل سبحانه يستشهد‬
‫الح َفظة واألنبياء واألمكنة التي عملوا عليها الخير والشر‪ ،‬والجلود‬
‫على العبد َ‬
‫التــي عصوه هبا‪ ،‬وال يحكــم بينهم بمجرد علمه؛ وهو أعــدل العادلين وأحكم‬
‫الحاكمين‪ ،‬ولهذا أخرب نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من إقرارهم وشهادة‬

‫((( معارج التفكر (‪.)93 /3‬‬


‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)13‬‬
‫((( التفسير الوسيط‪ ،‬للطنطاوي (‪.)231 /26‬‬
‫((( التفسير الحديث (‪.)235 /2‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪58‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫البينة ال بمجرد علمه‪ ،‬فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بينة‬
‫وال إقرار؟!"(((‪.‬‬
‫شــرعت هــذه‬
‫﴿ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾‪َ :‬‬
‫اآلية يف ِذكر الحساب وأحواله‪ ،‬ففيها زجر للمفرط يف األعمال يف الدنيا‪ِ ،‬‬
‫وذكر‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫مــا يقوله اهلل ‪ ۵‬على ســبيل الته ُّكم لإلنســان عن غفلتــه يف الدنيا عن اآلخرة‪،‬‬
‫وعدم اإليمان هبا‪" ،‬فقد أخرب ســبحانه أن اإلنسان يف غفلة من هذا الشأن الذي‬
‫حقيق بأن ال يغفل عنه وأن ال يزال على ِذكره وبالِه‪....‬‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫ثــم أخرب أن غطاء الغفلة والذهول يكشــف عنه ذلك اليوم كما يكشــف‬
‫غطاء النوم عن القلب فيســتيقظ وعن العين فتنفتح‪ ،‬فنســبة ك َْشــف هذا الغطاء‬
‫عن العبد عند المعاينة كنسبة ك َْشف غطاء النوم عنه عند االنتباه"(((‪.‬‬
‫ويف اآليــة ٌ‬
‫بيــان لكمال قــدرة اهلل بـ"ما له ســبحانه من اإلحاطــة بالتقدير‬
‫أيضا يف أسلوب بديع‪ ،‬فقد د َّلت اآلية على قصور‬
‫وتقرير للنُّبوة ً‬
‫ٌ‬ ‫والتعجيز"(((‪،‬‬
‫العقل البشــري وعجزه عن إدراك ما ينفعه واجتناب ما يضره‪ ،‬وحاجته الدائمة‬
‫الرســل‪،‬‬
‫إلى من يرشــده إلى طريق الرشــد والهداية‪ ،‬ومن أجل ذلك بعث اهلل ُّ‬
‫حواســنا وال تبلغ إليه‬
‫ُّ‬ ‫وأنزل الكتب‪ ،‬ودعا إلى اإليمان بالغيب الذي ال تدركه‬
‫الرســل‬
‫الغيب شــهادةً‪ ،‬وشــهدنا ما كانت ُّ‬
‫ُ‬ ‫عقولنا يف هذه الدنيا‪" ،‬فإذا مِتنا صار‬
‫أخربت به‪ ،‬وكان غي ًبا عنا"(((؛ كما أخربت به هذه اآلية‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)13‬‬


‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)14-13‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)425 /18‬‬
‫((( الصفدية‪ ،‬البن تيمية (‪.)284 /2‬‬

‫‪59‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾‪ :‬هــذه اآلية وارد ٌة يف ِذكر بدء الحســاب‪ ،‬ففيها‬
‫اإلخبار بأن اإلنسان ُيحضره قرينه الموكَّل به من المالئكة‪ ،‬ويحضره معه عمله‬
‫تقشعر‬
‫ُّ‬ ‫الذي أحصاه‪ ،‬ويعرضه للحســاب أمام رب العالمين‪ ،‬يف موقف رهيب‬
‫منهــا األبدان‪ ،‬وترتجف لها القلوب‪ .‬فينبغي لإلنســان أن يســتعدَّ للقاء اهلل قبل‬
‫الموت‪ ،‬وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب يف اآلخرة‪.‬‬
‫﴿ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖ ﯗ﴾‪ :‬هذه اآليات وارد ٌة يف عرض لقطات من الموقف العصيب‬
‫الرهيب يف محاكمة المجرمين وبيان مصيرهم‪ ،‬واألمر العام بإلقائهم يف جهنم‪.‬‬
‫وفيه تقريع الكفار وإنذارهم وإثارة الخوف فيهم وحملهم على االرتداع‪.‬‬
‫تتضمن تقبيح َمنْع الخير واالعتداء عامة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫"واآلية يف إطالقها وعمومهــا‬
‫وتتضمن تقرير ك َْون ما‬
‫َّ‬ ‫وإنذار المتَّصف هبذه األخالق بســخط اهلل وغضبه‪،...‬‬
‫يلقاه الكفــار المناعون للخير المعتدون الخبثاء إنمــا هو جزاء على ما اقرتفوه‬
‫ً‬
‫وعدل"(((‪ .‬وفيــه ما يؤكِّد على أنــه ال يجوز معاقبة اإلنســان بال‬ ‫مــن إثم ح ًّقــا‬
‫محاكمة أو بال إثبات جرائمه‪.‬‬
‫﴿ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة يف بيــان اختصــام‬
‫التنصل من كفره‬
‫الكافــر وقرينه من الشــياطين‪ ،‬فــإن الكافر إذا قدم النــار‪ ،‬أراد ُّ‬
‫وعنــاده بإلقاء تبعتــه على قرينه الذي كان يزين له الكفر‪ ،‬فيتربأ قرينه من تحمل‬
‫َتبِعــة كفر اإلنســان‪ .‬و"من الحكمة المملوحة يف ذلك إثــارة الخوف يف الكفار‬
‫ِ‬
‫االرعواء بإيذاهنم بأن الذين وسوســوا‬ ‫والضاليــن والمجرمين وحملهم علــى‬
‫لهم من قرنائهم وشياطينهم سيتنصلون منهم وبأن الذين يرافقوهنم من مالئكة‬

‫((( التفسير الحديث (‪.)237 /2‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪60‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫اهلل قــد أحصوا عليهم كل شــيء وســوف يقدمونه هلل تعالى لمحاســبتهم"(((‪.‬‬
‫وهذا التربُّؤ واالختصام ٌ‬
‫دليل على هول الموقف‪.‬‬
‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾‪:‬‬
‫ُ‬
‫فـ"كمــال علمه‬ ‫ِ‬
‫واردتان يف بيان كمــال علم اهلل وكمــال عدله؛‬ ‫هاتــان اآليتــان‬
‫ُ‬
‫وكمال عدله‬ ‫واطالعــه يمنع من تبديل القــول بين يديه وترويج الباطل عليــه؛‬
‫وغناه يمنع من ظلمه لعبيده"(((‪.‬‬
‫يبق ألحد‬‫فإن اهلل ســبحانه لما ب َّين الوعيد يف الدنيا على لســان رسله؛ لم َ‬
‫ُلبــس وال حجة‪ ،‬فال فائدة من التخاصم إللقــاء َتبِعة الكفر على أحد الفريقين‪،‬‬
‫ألن اســتواء الفريقيــن يف الكفــر ٍ‬
‫كاف يف مؤاخذة الكل على الســواء‪ .‬ويف اآلية‬
‫"تقريــر لمعنــى الظلــم يف نفوس األمــة؛ إذ ال يجوز معاقبة الجاين قبل تشــريع‬
‫ٌ‬
‫القانــون‪ ،‬كما أن اهلل لم يعذب عباده إال بعد ســابق إنذار‪ ،‬معه أنه خالق العباد‪،‬‬
‫الخ ْلق واألمر‪ ،‬فعال لما يريد"(((‪.‬‬
‫وله َ‬
‫تنــزه اهلل ســبحانه عنه‬
‫ظلم َّ‬‫وفيــه بيــان "أن مــن األمــور الممكنة ما هــو ٌ‬
‫مــع قدرتــه عليه‪ ،‬وبذلك يحمــد ويثنى عليه؛ فــإن الحمد والثنــاء يقع باألمور‬
‫االختيار َّية من فعل وترك"(((‪.‬‬
‫﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف "ترويــع‬
‫المدفوعين إلى جهنم أن ال يطمعوا يف أن كثرهتم يضيق هبا ســعة جهنم فيطمع‬
‫بعضهــم أن يكــون ممن ال يوجد له مكان فيها‪ ،‬فحــكاه اهلل يف القرآن عربة لمن‬

‫((( التفسير الحديث (‪.)239 /2‬‬


‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)17‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)317 /26‬‬
‫((( منهاج السنة النبوية‪ ،‬البن تيمية (‪.)104 /5‬‬

‫‪61‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وتعليما ألهل القرآن المؤمنين"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫يسمعه من المشركين‬
‫"ويدل اســتعمال المضارع على أن السؤال وجوابه يتكرران ويتجددان‬
‫بعــد إلقاء فوج ففوج يف جهنم"(((‪ .‬كما ورد يف الحديث المتفق عليه‪« :‬لَ َتز َُال‬
‫يد‪َ ،‬حتَّى َي َض َع َر ُّب ا ْل ِعز َِّة فِ َيها َقدَ َم ُه‪َ ،‬ف َينْز َِوي‬ ‫ول‪ :‬ه ْل ِمن م ِز ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫َج َهن َُّم ُي ْل َقى ف َيها‪َ ،‬و َت ُق ُ َ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫ك َوك ََر ِم َ‬
‫ول‪َ :‬ق ّط َق ّط‪ ،‬بِ ِعزَّتِ َ‬ ‫َب ْع ُض َها إِ َلى َب ْع ٍ‬
‫ض َو ُت ُق ُ‬
‫"وفيه دالل ٌة على أن الموجودات مشــوقة إلى اإليفــاء‪ ،‬وإظهار االمتثال‬
‫لِما خلقها اهلل ألجله‪ ،‬وأهنا ال تتلكأ وال تتعلل يف أدائه" (((‪.‬‬
‫﴿ ﰁﰂﰃﰄﰅ﴾‪ :‬هذه اآلية‪ ،‬والتي تليها‪" ،‬اســتطرا ٌد إلى ِذكر‬
‫حــظ المؤمنين يــوم القيامة ‪-‬على عــادة القرآن يف تعقيــب الرتهيب بالرتغيب‬ ‫ِّ‬
‫وعكسه‪ ،((("-‬ففيها ِذكر تقريب الجنة من المتقين‪ ،‬وبيان فضل التقوى وكرامة‬
‫جذب أصحاب القلوب الواعية‬ ‫ُ‬ ‫المتقين على رب العالمين‪ .‬والذي "من شأنه‬
‫والنفوس الطيبة‪ ،‬وحملها على السير يف السبيل القويم‪ّ ،‬‬
‫وبث الطمأنينة والغبطة‬
‫ِ‬
‫وترك ما‬ ‫والرضاء فيها"(((‪ ،‬وفيه دعوة للمشركين إلى اإليمان واختيار التقوى‪،‬‬
‫هم فيه من التكذيب والغفلة‪.‬‬
‫﴿ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف بيان ما يقال للمتقين‬
‫وذكر صفتين من صفاهتم‪ ،‬وهي أن يكون أوا ًبا حفي ًظا‪.‬‬ ‫عند إزالف الجنة منهم‪ِ ،‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)317 /26‬‬


‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)113 /3‬‬
‫((( أخرجــه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬بــاب الحلف بعزة اهلل وصفاته وكلماته‪( ،‬ح‬
‫‪ ،)135 /8( ،)6661‬وأخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪( ،‬ح ‪،)2848‬‬
‫(‪ )152 /8‬وهذا لفظه‪.‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)318 /26‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)137 /30‬‬
‫((( التفسير الحديث (‪.)241 /2‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪62‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫وفيــه دالل ٌة على أنه يجدر بالمؤمن المحافظة على الطاعة وحفظ وصايا‬
‫اهلل وحدوده‪ ،‬فــإذا صدرت منه فلت ٌة أعقبها بالتوبة‪ ،‬ورجع إلى ربه‪" .‬فال يكفي‬
‫أن يعلن المرء إســامه‪ ،‬بل عليه أن يكون مجتهدً ا يف تقوى اهلل بالعمل الصالح‬
‫واجتنــاب اآلثــام‪ ،‬وأن يكون حاف ًظا لعهوده وواجباته مراق ًبا اهلل يف ِّ‬
‫ســره وعلنه‬
‫مني ًبا إليه بقلبه وجوارحه‪ .‬ويف هذا ما فيه من قصد هتذيب نفس المسلم وإعداده‬
‫ِ‬
‫بارا خ ِّي ًرا راشدً ا َيق َظ القلب طاهر السريرة والنفس ً‬
‫قائما بواجباته‬ ‫صالحا ًّ‬
‫ً‬ ‫ليكون‬
‫السر والعلن"(((‪.‬‬
‫نحو اهلل والناس لذاهتا متَّق ًيا ربه يف ِّ‬
‫﴿ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف ِذكــر الصفــة‬
‫السر‪ ،‬مع علمهم‬
‫الثالثة والرابعة من صفات المتقين‪ ،‬وهو أهنم يخشونه ‪ ۵‬يف ِّ‬
‫برحمته الواســعة‪ ،‬ويرجعون عن معصية اهلل ويقبلون على طاعته‪ ،‬وال يبطلون‬
‫عملهم الصالح يف أواخر أعمارهم‪ ،‬فيأتون يوم القيامة ُمنيبين‪.‬‬
‫(((‬
‫ويف هذا ما يؤكِّد على أن "الخشــية النافعة خشيته ‪ ۵‬يف الغيب والشهادة"‪،‬‬
‫وأنه من أســباب ُحســن الخاتمة‪ .‬ويف وصفه تعالى بالرحمــة‪ ،‬ووصف القلب‬
‫باإلنابة‪ ،‬اســتدعا ٌء للمشركين وتلطيف بالعصاة أن ال يقنطوا من رحمة اهلل وأن‬
‫"ال ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد جر ًيا على عادة‬
‫القرآن يف تعقيب الرتهيب بالرتغيب والعكس"(((‪.‬‬
‫بســعة‬
‫ويف اقــران اســم الرحمــن بالخشــية‪ ،‬تنبي ٌه علــى أن علم المتقين َ‬
‫رحمتــه ‪ ۵‬ال يصدُّ هــم عن خشــيته‪ ،‬وأن خشــيتهم "تكــون مقرونــ ًة باألُنس‬

‫((( التفسير الحديث (‪.)241 /2‬‬


‫((( تفسير السعدي (‪.)1703 /7‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)295 /23‬‬

‫‪63‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪-‬يعني‪ :‬الرجاء‪ ،-‬كما هو المشــروع"(((‪ ،‬ويف معنى اآلية حديث السبعة الذين‬
‫ــت َع ْينَا ُه»(((‪ .‬وفيه ر ٌّد‬
‫اض ْ‬‫«و َر ُج ٌل َذك ََر اهللَ َخالِ ًيا َف َف َ‬
‫ُيظلهــم اهلل يف ظله‪ ،‬ومنهــم‪َ :‬‬
‫على المشركين الذين أنكروا اسم الرحمن هلل ‪.۵‬‬
‫﴿ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﴾‪ :‬هاتــان اآليتان يف‬
‫بيــان "جزاء من قامت به هذه األوصاف"((( األربعــة المذكورة من قبل‪ ،‬ففيها‬
‫االمتنان باإلذن لهم بدخول الجنة بالسالمة‪ ،‬وهو "من كمال إكرام الضيف"(((‪،‬‬
‫وتطميــن لهم بأنه يوم الخلود وتشــويق لهم إلى ما فيها مــن النعيم مما ال عي ٌن‬
‫خطر على قلب بشر‪ ،‬ومنه رؤية اهلل سبحانه‪ .‬وفيها‬ ‫أذن سمعت‪ ،‬وال َ‬ ‫رأت‪ ،‬وال ٌ‬
‫داللة على "أن المفاجأة باإلنعام ضرب من التلطف واإلكرام" (((‪ .‬وفيه إشار ٌة‬
‫"إلــى أن قدرتــه ال هناية لها‪ ،‬وال تحصــر بحدٍّ وال تحصى بعــدٍّ ‪ ،‬ر ًّدا على أهل‬
‫العناد وبدعة االتحاد يف قولهم "ليس يف اإلمكان أبدع مما كان""(((‪.‬‬
‫◈ املقطع الثالث [الآيات‪:]45-36 :‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾‪:‬‬
‫ِّ‬
‫والمكذبين بيوم‬ ‫الرســول ﷺ‬ ‫ِّ‬
‫لمكذبي َّ‬ ‫هــذه اآليــة وارد ٌة يف المعالجة النفســ َّية‬
‫الدين بأسلوب الرتهيب‪ ،‬والتذكير بالعذاب الدنيوي قبل عذاب اآلخرة‪ ،‬ففيها‬

‫((( نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)431 /18‬‬


‫((( متفــق عليــه‪ :‬أخرجــه البخاري يف كتــاب األذان‪ ،‬باب من جلس يف المســجد ينتظــر الصالة وفضل‬
‫المساجد‪( ،‬ح ‪ ،)133 /1( ،)660‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪( ،‬ح ‪ .)93 /3( ،)1031‬وانظر‪ :‬تفسير‬
‫ابن كثير (‪.)197 /13‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)18‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)320 /26‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)321 /26‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)434 /18‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪64‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫إنذار المشركين و"تخويفهم بأن يصيبهم من الهالك ما أصاب من قبلهم‪ ،‬وأهنم‬


‫َ‬
‫الهالك شد ُة بطشهم"(((‪ ،‬و"طمأن ٌة لقلب‬ ‫بطشا ولم يدفع عنهم‬‫كانوا أشدَّ منهم ً‬
‫الرســول ﷺ وقلوب الذين آمنوا معه بأن نصــر اهلل ٍ‬
‫آت ال محالة‪ ،‬كما نصر اهلل‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫المكذبيــن األولين كانوا‬ ‫المرســلين الســابقين و َمن معهم مِن المؤمنيــن‪ ،‬مع أن‬
‫وبأســا"(((‪ .‬ويف هذا تأكيد على عدل اهلل‪،‬‬
‫أشــدَّ من المعاصرين لتنزيل القرآن قوة ً‬
‫ِّ‬
‫والمكذبين‬ ‫وجليل حكمته‪ ،‬وكمال قدرته‪ ،‬ودالل ٌة على مشروع َّية تخويف العصاة‬
‫بالعذاب اإللهي(((‪ ،‬واالعتبار بسنة اهلل ‪ ۵‬يف اإلهالك الجماعي لألمم‪.‬‬
‫﴿ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة‬
‫الحــث على التد ُّبر يف القــرآن‪ ،‬و"التف ُّكر يف تدبر األحوال التي قضت‬
‫ِّ‬ ‫وارد ٌة يف‬
‫على األمم السابقة باإلهالك؛ ليقيسوا عليها أحوالهم"(((‪ ،‬ففيها‪:‬‬
‫التَّنويه بشــأن المؤمنين والتعريض بتمثيل المشــركين بمن ليس له قلب‬
‫وبمن ال يلقي سمعه ألهنم بعداء عن االنتفاع بالذكريات(((‪.‬‬
‫وبي��ان �أن "م��ن ي�ؤت��ى احلكمة وينتف��ع بالعلم على منزلت�ين‪ :‬إما رجل رأى‬
‫الحق بنفســه ف َقبِله وا َّتبعه؛ فذلك صاحب القلب‪ ،‬أو ٌ‬
‫رجل لم يعقله بنفسه‪ ،‬بل‬
‫هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه؛ فهذا أصغى فـ‪( :‬ألقى السمع‬
‫َّ‬
‫لـ"أن مجرد اإلصغاء ال يفيد‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫وهو شــهيد)‪ ،‬أي‪ :‬حاضر القلب"(((؛‬

‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)19‬‬


‫((( معارج التفكر (‪.)120 /3‬‬
‫((( أيسر التفاسير‪ ،‬للجزائري (‪)153 /5‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪ .)323 /26‬وانظر‪ :‬التفسير الحديث (‪.)244 /2‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)324 /26‬‬
‫((( مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ .)٣١١ /9‬وانظر‪ :‬الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص‪ ،)5-4‬ومفتاح‬
‫دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة‪ ،‬له (‪.)490-489 /1‬‬

‫‪65‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫حاضرا بفطنته وذهنه"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫المصغي‬
‫﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾‪:‬‬
‫هذه اآلية وارد ٌة يف إبراز معنى ســعة القدرة اإلله َّية الدال على إمكان ال َب ْعث؛ إذ‬
‫أحاله المشركون بما يرجع إلى ضيق القدرة اإلله َّية عن إيقاعه(((‪ .‬ففيها "تنزيه‬
‫اهلل ســبحانه عــن ال ُّلغــوب‪ ،‬والتنزيه يقتضي اتصافه ســبحانه بصفــات الكمال‬
‫أمورا وجود َّية فنفي‬
‫تضمنت ً‬ ‫الثبوت َّية‪ ،‬ألن األمور العدم َّية ال تكون ً‬
‫كمال إال إذا َّ‬
‫ال ُّلغوب يقتضي كمال قدرته تعالى وهناية القوة بخالف المخلوق الذي يلحقه‬
‫من التعب والكالل ما يلحقه"(((‪.‬‬
‫وفيه��ا "تكذيــب ألعــداء اهلل من اليهــود حيث قالوا إنه اســراح يف اليوم‬
‫السابع"(((‪.‬‬
‫"تعليــم لإلنســان التــأين‬
‫ٌ‬ ‫ويف خلــق الســماوات واألرض يف ســتة أيــام‬
‫والتدرج"(((‪" ،‬ولو شــاء ‪ ۵‬لكان ذلك يف أقل من َل ْمح البصر‪ ،‬ولكنه ســ َّن لنا‬
‫قادرا على َخ ْلق السماوات‬
‫التأين بذلك" ؛ قال ســعيد بن ُج َبير‪" :‬كان اهلل ‪ً ۵‬‬
‫(((‬

‫تعليمــا لخلقه التثبت والتأين‬


‫ً‬ ‫واألرض يف لمحــة ولحظة‪ ،‬فخلقه َّن يف ســتة أيام‬
‫يف األمور"(((‪.‬‬

‫((( تفسير غرائب القرآن‪ ،‬للنيسابوري (‪.)180 /6‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)325 /26‬‬
‫((( انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ ،)36 /3‬و(‪ ،)250 /10‬الصفدية‪ ،‬البن تيمية (‪/2‬‬
‫‪ ،)65‬ومنهاج السنة النبوية (‪.)183 /2‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص‪.)19 :‬‬
‫((( التفسير الحديث (‪.)248 /2‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)437 /18‬‬
‫((( معالم التنزيل‪ ،‬للبغوي (‪.)235 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪66‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ق��ال تع��اىل‪:‬‬


‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾‪ :‬هاتــان اآليتــان واردتــان يف معالجــة‬
‫الرسول ﷺ‬ ‫الرســول ﷺ النفس َّية والقلب َّية ً‬
‫أول‪ ،‬وعلى تربية حملة رسالة َّ‬ ‫حالة َّ‬
‫من العلماء والدعاة من أمته(((‪.‬‬
‫ففيهــا ُّ‬
‫حث النبي ﷺ على الصرب وبيان ما يســتعين به عليه من التســبيح‬
‫والتحميد الذين تشــتمل عليهما الصالة‪ ،‬واألمر بـ"التأسي به سبحانه يف الصرب‬
‫على ما يقول أعداؤه فيه‪ ،‬كما أنه ســبحانه صرب على قول اليهود‪ :‬إنه اســراح!‬
‫«و َل َأ َحدٌ َأ ْص َب ُر َع َلى َأ ًذى َي ْس َم ُع ُه ِمنْ ُه»((("(((‪.‬‬
‫َ‬
‫ويف اآلية دالل ٌة على أن الصرب يكتسب بالتص ُّبر‪ ،‬وتأكيدٌ على ِعظم الصالة‬
‫وأثرها يف حل األزمات الداخل َّية والخارج َّية‪ ،‬و"أن الصالة أعظم تِرياق للنصر‬
‫أمر َف ِزع إلى الصالة"(((‪.‬‬
‫وإزالة الهم‪ ،‬ولهذا كان النبي ﷺ إذا َح َز َب ُه ٌ‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ‬
‫أيضا يف تثبيت قلب النبي ﷺ‪ ،‬ففيها "تصوير يوم‬
‫ﮟ﴾‪ :‬هاتان اآليتان واردتان ً‬
‫مصيبة المشــركين وقربه وبيان ما فيه لهم من الم ُثالت وقوارع المصيبات"(((‪،‬‬
‫وتذكيــر لــه ﷺ بما يكون من أمر اآلخــرة من "نداء المنــادي برجوع األرواح‬
‫ٌ‬
‫إلى أجســادها للحشــر"((( والخروج من األجداث؛ ألن ازدياد اليقين باآلخرة‬

‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)130 /3‬‬


‫((( هذا لفظ حديث‪ ،‬أخرجه البخاري (‪ ،)6099‬ومسلم (‪ )2804‬عن أبي موسى األشعري‪.‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪ ،)19‬وانظر‪ :‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪ ،‬له (‪.)340 /2‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)440 /18‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي (‪.)440 /18‬‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)20‬‬

‫‪67‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫قوة‬
‫وتجــدده من أعظم ما يعين على الصرب‪ ،‬فباليقين ينشــرح الصدر ويســتمدُّ َّ‬
‫معنو َّيــة كبيرة تتضاءل معهــا خطوب الدنيا وهمومها‪ .‬ويف هــذا تلقين روحاين‬
‫للدعاة لالعتناء ِ‬
‫بذكر اآلخرة ليكون عونًا للداعية يف رحلته‪.‬‬
‫﴿ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف تقريــر عقيــدة‬
‫ال َب ْعــث بعد الموت‪ ،‬ففيها التذكير بأن المحيي والمميت هو اهلل ال شــريك له‪،‬‬
‫واالســتدالل بذلــك على ال َب ْعث الذي هو اإلحياء األعظــم‪ ،‬ألن "المعاد ليس‬
‫أقر به وأنكــر ال َب ْعث كان معاندً ا أو مجنونًا قط ًعا"(((‪.‬‬
‫بأصعــب من المبدأ‪ ،‬فمن َّ‬
‫"فمــن أحيا ً‬
‫أول ثم أمات‪ ،‬فال عجب أن يعيد من أماته إلى حياة أخرى ليالقي‬
‫حســابه وجزاءه على ما قدَّ م يف الحياة األولى‪ ،‬التــي كانت رحلة امتحانه‪ ،‬وأن‬
‫المصير بعد رحلة االبتالء يف الحياة الدنيا إلى الرب الخالق"(((‪.‬‬
‫﴿ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾‪ :‬هــذه اآليــة وارد ٌة يف‬
‫االســتدالل بإمكان الحشــر بعد تحقيق أمر ال َب ْعث يف اآلية الســابقة‪ ،‬ففيها ِذكر‬
‫صورة خروج الناس من قبورهم وهو َتش َّقق األرض عنهم كما يتشقق النبات‪،‬‬
‫يف زمن غير طويل‪ ،‬ثم اجتماعهم يف المحشــر‪ ،‬مهما بعدت قبورهم عن أرض‬
‫ت‬
‫ُون ك ََما َينْ ُب ُ‬ ‫المحشــر‪ ،‬كما ورد يف حديث‪ُ « :‬ثم ين ِْز ُل اهَّلل ِمن الســم ِ‬
‫اء َما ًء َف َينْ ُبت َ‬ ‫ُ َ َّ َ‬ ‫َّ ُ‬
‫ال َب ْق ُ‬
‫ــل»(((‪ .‬ويف هــذا تأكيــدٌ على كمال قدرة اهلل وشــمول علمه لكل األشــياء‪،‬‬
‫ومنها األجزاء المتفرقة المتحللة المختلطة بالرتاب المدفونة يف األرض‪ .‬وهو‬
‫ر ٌّد لقول المشركين‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﴾‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)442-441 /18‬‬


‫((( معارج التفكر‪ ،‬للميداين (‪.)135 /3‬‬
‫((( رواه البخــاري يف صحيحــه‪ ،‬كتاب التفســير‪ ،‬بــاب ﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾‪( ،‬ح‪،)4935‬‬
‫(‪ .)165 /6‬وانظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)283 /26‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪68‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫قاصدي لسورة (ق)‬ ‫ُّ َ‬ ‫َْ‬

‫﴿ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ﴾‪ :‬هذه اآلية‬


‫والرســالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الســورة من تقرير ال َب ْعث ِّ‬
‫تضمنته ُّ‬
‫الســورة‪ ،‬وهي تأكيــدٌ لما َّ‬
‫خاتمة ُّ‬
‫المكذبين بالخطاب‪ ،‬وتوجيــه الخطاب إلى‬ ‫ِّ‬ ‫مع اإلعــراض عن مواجهــة‬
‫وجزة‪:‬‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وقد اشتملت على ثالث جمل ُم َ‬
‫َّ‬
‫للرسول ﷺ‬ ‫فقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔﯕﯖﯗﯘ﴾‪ :‬فيه َت ْسلي ٌة وطمأنة من اهلل ‪َّ ۵‬‬
‫ِّ‬
‫المكذبين‪ ،‬وكناية عن وعد اهلل لرسوله بأنه ‪ ۵‬سينتصر له‬ ‫بشــأن مقاالت قومه‬
‫الرســول بأقوالهم بأنه سينتقم منهم‬
‫منهم‪ ،‬وهتديد ووعيد من اهلل للذين يؤذون َّ‬
‫يتضمن‬
‫َّ‬ ‫وينصر رســوله‪ ،‬فقد "أخرب ســبحانه أنه عالِم بما يقول أعداؤه‪ ،‬وذلك‬
‫يخــف عليه‪ ،‬وهو ســبحانه يذكر علمــه وقدرته‬
‫َ‬ ‫مجازاتــه لهــم بقولهــم؛ إذ لم‬
‫لتحقيق الجزاء"(((‪.‬‬
‫الرســالة وحقيقة‬ ‫ٌ‬
‫بيــان لحقيقة ِّ‬ ‫وقول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾‪ ،‬فيــه‬
‫للرســول ﷺ بأنه غير مســؤول عن عــدم اهتدائهم؛ ألنه إنما‬ ‫الدعوة‪ ،‬وتطمي ٌن َّ‬
‫ُبعــث داع ًيا وهاد ًيا‪ ،‬وليس مبعو ًثا إلرغامهــم على اإليمان‪ .‬وفيه تأكيدٌ على أن‬
‫الداعــي غير مك َّلف هبداية قومــه‪ ،‬بل يكفي دعوهتم‪ ،‬وبيان الحــق لهم‪ ،‬إتما ًما‬
‫للح َّجة‪ ،‬وإبرا ًء للذمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫﴿ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾‪ :‬هــذه خاتمــة الختام‪ ،‬وفيــه تأكيدٌ على أن‬
‫تعليم للعلماء والدعاة أن يكون‬
‫ٌ‬ ‫التذكيــر والذكرى مداره على هذا القــرآن‪ ،‬وفيه‬
‫مرتكزا على هذا القرآن العظيم‪ ،‬وربط الناس به على كل األحوال‪،‬‬
‫ً‬ ‫محور دعوهتم‬
‫ويف كل مجال ‪ .‬ولهذا ُختمت به ُّ‬
‫السورة كما ُبدئت به‪ ﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪.‬‬ ‫(((‬

‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم (ص ‪.)14‬‬


‫((( انظر‪ :‬كوكبة الخطب المنيفة‪ ،‬للسديس (‪.)58-57 /1‬‬

‫‪69‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪E‬‬
‫آخرا‪،‬‬ ‫احلمدُ هلل � ً‬
‫أول و� ً‬
‫وبعد‪،،‬‬
‫تو�صل البحث �إىل بع�ض النتائج‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ ‬فقد َّ‬
‫‪ -1‬أن الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّيــة هــي‪ُ :‬مراد اهلل ‪ ۵‬من كالمــه‪ ،‬أو هي الغايات‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫التــي ُأنزل القــرآن ألجلها تحقي ًقــا لمصالح العباد‪ .‬وهو من حيث االســتقالل‬
‫مصطلــح حديث نســب ًّيا‪ .‬وتكمن أهم َّيتــه يف أنه مفتاح تد ُّبــر كالم اهلل ‪ ،۵‬كما‬
‫ٌ‬
‫التفت إلــى الم ِ‬
‫قاصد"‪ .‬كما أن معرفة‬ ‫َ‬ ‫قــال الشــاطبي‪" :‬فالتد ُّبر إنما يكون لمن‬
‫َ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية يضبط منهج َّية تفسير كالم اهلل ‪ ،۵‬ويحفظ القرآن الكريم من‬ ‫الم ِ‬
‫َ‬
‫التحريف والتأويل‪.‬‬
‫المفصل‪ ،‬وقد كان النبي ﷺ‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬أن ُسورة (ق) مك َّية‪ ،‬وهي أول الحزب‬
‫الســورة حول معالجة تكذيب‬
‫كان يقــرأ هبا يف المجامع العظام‪ .‬ويدور محور ُّ‬
‫ِّ‬
‫المكذبين برسالة محمد ﷺ‪ ،‬وبما جاء به من نبأ ال َب ْعث والحساب‪.‬‬
‫تخ�ص العقيدة الإ�س�لام َّية‪،‬‬ ‫‪ -3‬تناول��ت ُ�س��ورة (ق) ع��دة مو�ضوعات جزئ َّية ُّ‬
‫وكله��ا تتعل��ق مبعاجل��ة مو�ض��وع ال َب ْع��ث‪ ،‬وال ِّر�س��الة‪ ،‬وم��ن امل َ ِ‬
‫قا�ص��د ال ُقر�آن َّي��ة الت��ي‬
‫ال�سورة‪:‬‬
‫ت�ض َّمنتها هذه ُّ‬
‫‪ ‬تقريــر أصــول الدِّ ين مــن اإليمان بــاهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورســله‪،‬‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬وال َقدَ ر‪.‬‬
‫‪ ‬إثبــات صفــات الكمــال هلل وتنزيهه عما يضــا ُّد كماله مــن النقائص‬
‫والعيوب‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬تقريــر شــمول ِعلــم اهلل‪ ،‬ومنــه‪ :‬تقريــر عقيــدة مراقبة اهلل لإلنســان‪،‬‬
‫الح َفظة عليه‪.‬‬
‫وإحاطته به من كل وجه‪ ،‬وإقامة َ‬
‫‪ ‬تقرير كمال قدرة اهلل‪ ،‬ومنه‪ :‬بيان مظاهر قدرة اهلل يف َخ ْلق السماوات‬
‫المكذبين‪ ،‬ويف َخ ْلق اإلنسان‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫واألرض‪ ،‬ويف إهالك‬
‫وخ ْلق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬تقرير حكمة اهلل يف َخ ْلق كل شيء‪َ ،‬‬
‫‪ ‬بيان عناية الدين اإلســامي بكا َّفة جوانب حياة اإلنســان‪ ،‬وبإعطائه‬
‫وتمر بالموت‪ ،‬ثم تنتهي بال َب ْعث‬ ‫تصــورا ً‬
‫كامل عن حياته التي تبدأ من والدته‪ُّ ،‬‬ ‫ً‬
‫والحساب‪ ،‬ثم المصير إلى الجنة أو النار‪.‬‬
‫الرســول ﷺ من ســوء‬
‫‪ ‬تســلية النبي ﷺ والمؤمنين‪ ،‬وتحذير أعداء َّ‬
‫عاقبة الكفر‪.‬‬
‫‪ ‬الكشــف عــن أحــوال أهل الباطــل يف االســتدالل بالعقل الفاســد‪،‬‬
‫وأسباب تكذيبهم بالحق‪.‬‬
‫‪ ‬تقريــر مكانــة العقل يف اإلســام‪ ،‬وعدم معارضتــه للنقل الصحيح‪،‬‬
‫والدعوة إلى إعماله للوصول إلى الحق‪ ،‬من خالل التفكير يف آيات اهلل الكون َّية‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المكذبين السابقين‪.‬‬ ‫واالعتبار بمصارع‬
‫الســورة‬
‫‪ -4‬بالغة القرآن الكريم وإعجازه‪ ،‬ومن مظاهره‪ :‬طريقة عرض ُّ‬
‫للقضايــا المحور َّية الكل َّيــة والجزئ َّية‪ ،‬والتــي تظهر متنافــرة مختلفة ‪-‬يف بادئ‬
‫اتصال وثي ًقا بمقصد ُّ‬
‫السورة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫األمر‪ ،-‬لكنها عند التد ُّبر نجدها تتصل‬
‫وتدبرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫السورة‪ُ ،‬سورة (ق)‪ ،‬تالوة‬
‫فينبغي للعلماء والدعاة أن يعتنوا هبذه ُّ‬
‫وأن ُيحيوا ُســنَّة رســول اهلل ﷺ يف قراءهتا يف خطبة الجمعــة‪ ،‬ويف صالة العيد‪،‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪72‬‬


‫الســنة ال تحصل‬ ‫ٍ‬ ‫وصالة الفجر‪ْ ،‬‬
‫وأن ال يكتفوا بقراءة آيات منها ؛ ألن موافقة ُّ‬
‫(((‬

‫الرســول ﷺ للســورة إنما كانت لِما اشتملت عليه‬ ‫باالجتزاء‪ ،‬وذلك أن قراءة َّ‬
‫السورة من أهم م ِ‬
‫قاصد القرآن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫وحــري بالباحثيــن أن يتوجهوا إلى دراســة الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّية يف جميع‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬
‫الســور التي كان رســول اهلل ﷺ يواظب علــى قراءهتا يف‬ ‫الســور‪ ،‬خاصــ ًة تلك ُّ‬‫ُّ‬
‫ناســبات المختلفة‪ ،‬مثل ُسورة القمر‪ ،‬وســوريت األعلى والغاشية‪ ،‬وسوريت‬ ‫الم َ‬
‫ُ‬
‫الجمعة والمنافقون‪ ،‬وسوريت السجدة واإلنسان؛ فإنه ُي ِعين على فهم كتاب اهلل‬
‫صحيحا‪ ،‬ويعود بالخير على المجتمع اإلسالمي وعلى الفرد المسلم‪.‬‬‫ً‬ ‫فهما‬
‫ً‬

‫و�صلى اهلل على نبينا حم َّمد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( انظر‪ :‬زاد المعاد‪ ،‬البن القيم (‪.)203 /1‬‬

‫‪73‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«1 .1‬القرآن الكريم»‪ ،‬رواية حفص عن عاصم‪.‬‬

‫‪«2 .2‬أســرار ترتيــب القــرآن»‪ .‬الســيوطي‪ ،‬جــال الدين عبــد الرحمن بن أبــي بكر (ت‬
‫‪911‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد القــادر أحمد عطا‪ ،‬ومرزوق علي إبراهيــم‪ .،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار الفضيلة‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪«3 .3‬أســماء سور القرآن وفضائلها»‪ .‬الدوسري‪ ،‬د‪ .‬منيرة محمد ناصر‪ .‬ط‪ ،1‬السعود َّية‪:‬‬
‫دار ابن الجوزي‪1426 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«4 .4‬أصول يف التفســير»‪ .‬العثيمين‪ ،‬محمد بن صالح (ت ‪1421‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬عين شمس‪:‬‬
‫المكتبة اإلسالم َّية‪1422 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬

‫‪«5 .5‬أضــواء البيــان يف إيضاح القــرآن بالقــرآن»‪ .‬الشــنقيطي‪ ،‬محمد األميــن بن محمد‬
‫المختــار الجكني (ت ‪1393‬هـ)‪ .‬إشــراف‪ :‬بكر بن عبــد اهلل أبو زيد‪ .‬ط‪ ،1‬مكة‪ :‬دار‬
‫عالم الفوائد‪1426 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«6 .6‬اإلتقــان يف علوم القرآن»‪ .‬الســيوطي‪ ،‬جــال الدين عبد الرحمن بــن أبي بكر (ت‬
‫‪911‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬مركز الدِّ راســات ال ُقرآن َّية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬المدينــة المنورة‪ :‬مجمع الملك‬
‫فهد لطباعة المصحف الشريف‪1426 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«7 .7‬الربهــان يف علوم القرآن»‪ .‬الزركشــي‪ ،‬بدر الدين محمد بــن عبد اهلل (ت ‪794‬هـ)‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الرتاث‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«8 .8‬البيان يف عد آي القرآن»‪ .‬الداين‪ ،‬أبو عمرو األندلسي (ت ‪444‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬غانم‬
‫قدوري الحمد‪ .‬ط‪ ،1‬الكويت‪ :‬مركز المخطوطات والرتاث والوثائق‪1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«9 .9‬التحرير والتنوير "تحرير المعنى الســديد وتنوير العقل الجديد من تفســير الكتاب‬
‫المجيــد"»‪ .‬ابن عاشــور‪ ،‬محمد الطاهر بــن محمد بن محمد الطاهر التونســي (ت‬
‫‪1393‬هـ)‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونس َّية للنشر‪1984 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«1010‬التفســير الحديــث (مرتــب حســب ترتيــب النــزول)»‪ .‬عــزت‪ ،‬دروزة محمد (ت‬
‫‪1404‬هـ)‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العرب َّية‪1383 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«1111‬التفســير الموضوعــي لســور القــرآن الكريم»‪ .‬إعــداد‪ :‬نخبة من علماء التفســير‬


‫وعلــوم القرآن‪ .‬إشــراف‪ :‬أ‪.‬د مصطفى مســلم‪ .‬ط‪ ،1‬اإلمارات‪ :‬جامعة الشــارقة‪،‬‬
‫‪1431‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬

‫‪«1212‬التفســير الوســيط للقرآن الكريــم»‪ .‬الطنطــاوي‪ ،‬د‪ .‬محمد الســيد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مطبعة السعادة‪1406 ،‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬

‫‪«1313‬الجامع ألحكام القرآن والمبين لما تضمنته من الســنة وآي الفرقان»‪ .‬القرطبي‪ ،‬أبو‬
‫عبــد اهلل‪ ،‬محمــد بــن أحمد بن أبي بكــر (ت ‪671‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبــد اهلل بن عبد‬
‫الرسالة‪1427 ،‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬
‫المحسن الرتكي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة ِّ‬
‫‪«1414‬الدِّ راســة التحليلية لم ِ‬
‫قاصد وأهداف الحزب الثاين والخمســين من القرآن الكريم‬ ‫َّ َ‬
‫(ســورة الفتح‪-‬الحجرات‪(-‬ق)‪-‬الذاريات)»‪ .‬رشيد‪ ،‬نصر سمير‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫ُ‬
‫غزة‪ :‬كل َّية أصول الدين‪ ،‬الجامعة اإلسالم َّية‪1439 ،‬هـ‪2018-‬م‪.‬‬

‫‪«1515‬الصفد َّية»‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشــاد‬
‫سالم‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار الفضيلة‪َ ،‬‬
‫قبل عام ‪1976‬م‪.‬‬

‫‪«1616‬الفوائــد»‪ .‬ابن قيــم الجوز َّية‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت ‪751‬هـ)‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عزير شمس‪ .‬ط‪ ،1‬مكة‪ :‬دار عالم الفوائد‪1429 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪76‬‬


‫‪«1717‬الكشــاف عــن حقائــق غوامــض التنزيــل وعيــون األقاويــل يف وجــوه التأويــل»‪.‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬جار اهلل محمود بن عمر (ت ‪538‬هـ)‪ .‬ضبط‪ :‬الداين بن منير آل زهوي‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1427 ،‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬

‫‪«1818‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز»‪ .‬ابن عط َّية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب‬
‫األندلســي (ت ‪546‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الســام عبد الشايف محمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلم َّية‪1422 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬

‫‪«1919‬المحكم والمحيط األعظم»‪ .‬ابن ســيده‪ ،‬أبو الحســن علي بن إســماعيل المرســي‬
‫(ت ‪458‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد هنــداوي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلم َّية‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬

‫‪«2020‬المستدرك على الصحيحين»‪ ،‬أبو عبد اهلل الحاكم النيسابوري (ت ‪405‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مركز البحوث وتقن َّية المعلومات‪ ،‬ط‪ ،1‬السعود َّية‪ :‬دار التأصيل‪1435 ،‬هـ‪2014-‬م‪.‬‬

‫‪«2121‬المســتدرك على مجموع فتاوى شــيخ اإلســام ابن تيميــة» (ت ‪728‬هـ)‪ .‬جمعه‪:‬‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬م‪ :‬د‪.‬ن‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«2222‬الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية يف ُسورة المزمل‪ :‬دراسة تحليل َّية»‪ .‬العمر‪ ،‬أكرم غازي الحسين‪ .‬رسالة‬ ‫َ‬
‫ماجستير‪ ،‬ماليزيا‪ :‬كل َّية العلوم اإلسالم َّية‪ ،‬جامعة المدينة العالم َّية‪1439 ،‬هـ‪2018 -‬م‪.‬‬
‫‪«2323‬الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية يف ُســورة ص»‪ .‬غانية‪ ،‬شــيماء‪ .‬رســالة ماجســتير‪ ،‬الوادي‪ :‬معهد‬ ‫َ‬
‫العلوم اإلسالم َّية‪ ،‬جامعة الشهيد حمه لخضر‪1439-1438 ،‬هـ‪2019-2018 /‬م‪.‬‬
‫‪«2424‬الم ِ‬
‫قاصــد ال ُقرآن َّيــة‪ :‬دراســة منهج َّية»‪ .‬الربيعــة‪ ،‬د‪ .‬محمد بن عبــد اهلل‪ .‬مجلة معهد‬ ‫َ‬
‫اإلمام الشــاطبي للدراسات ال ُقرآن َّية‪ ،‬جدة‪ ،‬العدد (‪ ،)27‬جمادى اآلخرة ‪1400‬هـ‪-‬‬
‫فرباير ‪2019‬م‪.262-207 ،‬‬

‫‪77‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«2525‬الموافقــات»‪ .‬الشــاطبي‪ ،‬إبراهيــم بــن موســى بن محمــد اللخمــي الغرناطي (ت‬
‫‪790‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشــهور بن حســن آل سلمان‪ .‬ط‪ ،1‬د‪.‬م‪ :‬دار ابن عفان‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬

‫‪«2626‬الناســخ والمنسوخ يف القرآن الكريم»‪ .‬ابن حزم‪ ،‬األندلسي (ت ‪456‬هـ)‪ .‬المحقق‪:‬‬


‫د‪ .‬عبد الغفار سليمان البنداري‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلم َّية‪1406 ،‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬

‫‪«2727‬النبوات»‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬هـ)‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد العزيز بن صالح الطويان‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬أضواء السلف‪1420 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬

‫‪«2828‬أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير»‪ .‬الجزائري‪ ،‬أبو بكر جابر (ت ‪1439‬هـ)‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫المدينة المنورة‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪1418 ،‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬

‫‪«2929‬بدائــع الفوائــد»‪ .‬ابــن قيــم الجوز َّية‪ ،‬أبو عبــد اهلل محمد بن أبي بكر بــن أيوب (ت‬
‫‪751‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬علي بن محمد العمران‪ .‬ط‪ ،1‬مكة‪ :‬دار عالم الفوائد‪1429 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«3030‬بصائــر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيــز»‪ .‬الفيروزآبادي‪ ،‬مجد الدين محمد‬
‫بن يعقــوب (ت ‪817‬هـ)‪ .‬المحقــق‪ :‬محمد علي النجــار‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالم َّية‪1416 ،‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬

‫‪«3131‬تاج العروس من جواهر القاموس»‪ .‬الزبيدي‪ ،‬الســيد محمد مرتضى الحسيني (ت‬
‫‪1205‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬الكويت‪ :‬مطبعة حكومة الكويت‪،‬‬
‫‪1385‬هـ‪1965-‬م‪.‬‬

‫‪«3232‬تفســير البحــر المحيــط»‪ .‬أبو حيــان‪ ،‬محمد بن يوســف األندلســي (ت ‪745‬هـ)‪.‬‬


‫تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبــد الموجود‪ ،‬وعلي محمد معوض‪ ،‬وآخرين‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار الكتب العلم َّية‪1413 ،‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪78‬‬


‫‪«3333‬تفسير القرآن العظيم»‪ .‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين أبو الفداء إسماعيل الدمشقي (ت ‪774‬هـ)‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬مصطفى السيد‪ ،‬وآخرين‪ .‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬مؤسسة قرطبة‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬

‫‪«3434‬تفســير القرآن الكريم (مــن الحجرات إلى الحديد)»‪ .‬العثيميــن‪ ،‬محمد بن صالح‬
‫(ت ‪1421‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار الثريا‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬

‫‪«3535‬تفســير المراغي»‪ .‬المراغي‪ ،‬أحمد بن مصطفى (ت ‪1371‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬شركة‬


‫مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪1365 ،‬هـ‪1946-‬م‪.‬‬

‫‪«3636‬تفســير حدائق الروح والريحان يف روابي علوم القرآن»‪ .‬الهرري‪ ،‬محمد األمين بن‬
‫عبد اهلل األرمي العلوي الشافعي‪ .‬إشراف ومراجعة‪ :‬د‪ .‬هاشم محمد علي بن حسين‬
‫مهدي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار طوق النجاة‪1421 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬

‫‪«3737‬تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان»‪ .‬النيسابوري‪ ،‬نظام الدين الحسن بن محمد‬
‫القمي (ت ‪850‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬زكريا العميرات‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫بن حســين ِّ‬
‫العلم َّية‪1416 ،‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬

‫‪«3838‬تيســير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان»‪ .‬الســعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر (ت‬
‫‪1376‬هـ)‪ .‬اعتناء‪ :‬سعد بن فواز الصميل‪ .‬ط‪ ،1‬السعود َّية‪ :‬دار ابن الجوزي‪1422 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«3939‬جمال القراء وكمال اإلقراء»‪ .‬الســخاوي‪ ،‬علي بن محمد (ت ‪643‬هـ)‪ .‬تحقيق‪:‬‬


‫د‪ .‬علي حسين البواب‪ .‬ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪ :‬مكتبة الرتاث‪1408 ،‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬

‫‪«4040‬درء تعارض العقل والنقل»‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم‬
‫(ت ‪728‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ .‬ط‪ ،2‬الرياض‪ :‬جامعة اإلمام محمد بن‬
‫سعود اإلسالم َّية‪1411 ،‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«4141‬روح البيان»‪ .‬الخلويت‪ ،‬إسماعيل حقي الربوسوي (ت ‪1137‬هـ)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬إستانبول‪:‬‬
‫المطبعة العثمان َّية‪1926 ،‬م‪.‬‬

‫‪«4242‬روح المعاين يف تفســير القرآن العظيم والســبع المثاين»‪ .‬األلوســي‪ ،‬شــهاب الدين‬
‫محمــود بن عبد اهلل البغدادي (ت ‪1270‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬جماعة من المحققين‪ .‬ط‪،1‬‬
‫الرسالة‪1431 ،‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬مؤسسة ِّ‬
‫‪«4343‬زاد المسير يف علم التفسير»‪ .‬ابن الجوزي‪ ،‬أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن‬
‫علــي بن محمد بن محمد القرشــي البغدادي (ت ‪597‬هـ)‪ .‬ط‪ ،3‬دمشــق‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪1404 ،‬هـ‪1984-‬م‪.‬‬

‫‪«4444‬زاد المعــاد يف هــدي خير العباد»‪ .‬ابن قيم الجوز َّية‪ ،‬أبو عبــد اهلل محمد بن أبي بكر‬
‫بن أيوب (ت ‪751‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬شــعيب األرناؤوط‪ ،‬وعبد القادر األرناؤوط‪ .‬ط‪،3‬‬
‫الرسالة‪1418 ،‬هـ‪1998-‬م‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬مؤسسة ِّ‬
‫«ســورة (ق)‪ :‬دراســة تحليل َّيــة موضوع َّية»‪ .‬ســعداوي‪ ،‬عبد اهلل‪ .‬رســالة ماجســتير‪،‬‬
‫‪ُ 4545‬‬
‫الجزائــر‪ :‬كل َّية العلوم اإلنســان َّية واالجتماع َّيــة‪ ،‬جامعة أبي بكــر بلقايد‪1435 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1436‬هـ‪2015-2014/‬م‪.‬‬

‫‪«4646‬صحيــح البخــاري ‪ -‬الجامع المســند الصحيح المختصر من أمور رســول اهلل ﷺ‬


‫وســننه وأيامــه»‪ .‬البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن إســماعيل بن إبراهيــم بن المغيرة‬
‫الجعفــي (ت ‪256‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بــن ناصر الناصــر‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫طوق النجاة‪1422 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«4747‬صحيح مســلم ‪ -‬المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى‬
‫رسول اهلل ﷺ»‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪80‬‬


‫(ت ‪261‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار طوق النجاة‪،‬‬
‫‪1433‬هـ‪2013-‬م‪.‬‬

‫‪«4848‬فتح القدير (الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير)»‪ .‬الشوكاين‪ ،‬محمد‬
‫بــن علي (ت ‪ .)1250‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن عميرة‪ .‬ط‪ ،2‬المنصورة‪ :‬دار الوفاء‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬

‫‪«4949‬كوكبــة الخطب المنيفة من منرب الكعبة الشــريفة»‪ ،‬الســديس‪ ،‬عبد الرحمن بن عبد‬
‫العزيز‪ .‬ط‪ ،1‬مكة المكرمة‪ :‬مكتبة إمام الدعوة العلم َّية‪1423 ،‬هـ‪2002-‬م‪.‬‬

‫‪«5050‬لســان العــرب»‪ .‬ابن منظور‪ ،‬أبــو الفضل جمــال الدين محمد بن مكــرم اإلفريقي‬
‫المصري (ت ‪711‬هـ)‪ .‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«5151‬مجمع البيان يف تفســير القرآن»‪ .‬الطربســي‪ ،‬أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل‬
‫(ت ‪548‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار المرتضى‪1427 ،‬هـ‪2006-‬م‪.‬‬

‫‪«5252‬مجموع فتاوى شــيخ اإلســام أحمد ابن تيمية (ت ‪728‬هـ)»‪ .‬جمع وترتيب‪ :‬عبد‬
‫الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬المدينة المنورة‪ :‬مجمع الملك فهد‬
‫لطباعة المصحف الشريف‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬

‫والمطالِع»‪ ،‬الســيوطي‪ ،‬جــال الدين (ت‬ ‫ِ‬


‫المقاطــع َ‬
‫‪«5353‬مراصــد المطالــع يف تناســب َ‬
‫‪911‬هـ)‪ .‬قرأه وتممه‪ :‬د‪ .‬عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬مكتبة‬
‫دار المنهاج‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«5454‬مركزيــة الم ِ‬
‫قاصد عند محمد الغزالي‪ :‬مقاربة يف المفهوم والمصطلح والضرورة»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫زرمان‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬محمد‪ .‬مركز تفسير للدراسات ال ُقرآن َّية‪ ،‬نشرة إلكرتون َّية‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الســور‪ ،‬ويســمى‪" :‬المقصد األســمى يف‬ ‫ِ‬
‫‪«5555‬مصاعــد النظر لإلشــراف علــى َمقاصد ُّ‬
‫مطابـــقة اسم كل ُســورة للمســمى"»‪ .‬البقاعي‪ ،‬برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن‬
‫عمــر الشــافعي (ت ‪885‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الســميع محمد أحمد حســنين‪ .‬ط‪،1‬‬
‫الرياض‪ :‬مكتبة المعارف‪1408 ،‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫‪«5656‬مظاهــر اإلعجاز البيــاين يف القــرآن الكريم»‪ .‬قــويف‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬أحمــد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬م‪ :‬مركز‬
‫الكتاب األكاديمي‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫‪«5757‬معارج التفكر ودقائق التد ُّبر»‪ .‬الميداين‪ ،‬عبد الرحمن حسن حبنكة (ت ‪1425‬هـ)‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار القلم‪1420 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪«5858‬معالــم التنزيل يف تفســير القرآن ‪ -‬تفســير البغــوي»‪ .‬البغوي‪ ،‬أبو محمد الحســين‬
‫بــن مســعود (ت ‪516‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمــد عبد اهلل النمر‪ ،‬وعثمــان جمعة ضمير َّية‪،‬‬
‫وسليمان مسلم الحرش‪ .‬ط‪ ،4‬الرياض‪ :‬دار طيبة‪1409 ،‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫‪«5959‬معجــم مقاييــس اللغــة»‪ .‬ابن فــارس‪ ،‬أبو الحســين أحمد بن فارس بــن زكريا (ت‬
‫‪395‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ‪1979-‬م‪.‬‬
‫‪«6060‬مفاتيح الغيب ‪ -‬التفســير الكبير»‪ .‬فخر الديــن الرازي (ت ‪606‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار الفكر‪1401 ،‬هـ‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪«6161‬مفتاح دار الســعادة ومنشــور والية العلم واإلرادة»‪ .‬ابن قيــم الجوز َّية‪ ،‬أبو عبد اهلل‬
‫محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت ‪751‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن حســن بن قائد‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬مكة‪ :‬دار عالم الفوائد‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«6262‬مقاربات "م ِ‬
‫قاصد القرآن الكريم"‪ :‬دراســة تاريخ َّيــة»‪ .‬حللي‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬مجلة‬ ‫َ‬
‫التجديــد‪ ،‬الجامعــة اإلســام َّية العالم َّية‪-‬ماليزيــا‪ ،‬م (‪ 39( ،)20‬أ)‪1438 ،‬هـــ‪-‬‬
‫‪2016‬م‪.234-193 ،‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪82‬‬


‫‪«6363‬م ِ‬
‫قاصد القرآن من تشريع األحكام»‪ .‬حامدي‪ ،‬د‪ .‬عبد الكريم‪ .‬ط‪ ،1‬دار ابن حزم‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪«6464‬مناهــل العرفــان يف علوم القــرآن»‪ .‬الزرقاين‪ ،‬محمــد عبد العظيــم (ت ‪1367‬هـ)‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬فواز أحمد زمرلي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«6565‬منهاج السنة النبو َّية يف نقض كالم الشيعة القدر َّية»‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس‬
‫أحمد بن عبد الحليم (ت ‪728‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد رشــاد ســالم‪ .‬ط‪ ،2‬الرياض‪:‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالم َّية‪1406 ،‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬
‫‪«6666‬نظرية الم ِ‬
‫قاصد عند الشــاطبي»‪ .‬الريسوين‪ ،‬أحمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬فيرجينيا‪ :‬المعهد العالمي‬ ‫َّ َ‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬دار األمان‪1421 ،‬هـ‪.‬‬

‫والســور»‪ .‬البقاعي‪ ،‬أبو الحسن برهان الدين إبراهيم‬


‫‪«6767‬نظم الدرر يف تناســب اآليات ُّ‬
‫بن عمر الشافعي (ت ‪885‬هـ)‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪1413 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪83‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فهرس املوضوعات‬

‫مستخلص البحث ‪25.........................................................‬‬


‫المقدِّ مة ‪29...................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬علم الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية ‪34......................................‬‬ ‫َ‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية ‪34...................................‬‬ ‫َ‬
‫المطلب الثاين‪ :‬أهمية الم ِ‬
‫قاصد ال ُقرآن َّية ‪36.....................................‬‬ ‫َّ َ‬
‫المبحث الثاين‪ :‬التعريف بسورة «ق» ‪38........................................‬‬
‫السورة وعدد آياهتا ومرحلة نزولها ‪38....................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اسم ُّ‬
‫المطلب الثاين‪ :‬فضل ُسورة «ق» ‪39............................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬ترتيب المصحف وترتيب النزول ‪41..........................‬‬
‫ناسبات يف ُسورة «ق» ‪41...................................‬‬
‫الم َ‬
‫المطلب الرابع‪ُ :‬‬
‫قاصدي لسورة «ق» ‪44.............................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫ُّ َ‬
‫السورة ‪44.............................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مقصد ُّ‬
‫السورة ‪46.........................................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬موضوعات ُّ‬
‫السورة ‪48.............................................‬‬ ‫ِ‬
‫المطلب الثالث‪َ :‬مقاطع ُّ‬
‫قاصدي لآليات ‪48..................................‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬التدبر الم ِ‬
‫ُّ َ‬
‫الخاتمة ‪71....................................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪75........................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪85.......................................................‬‬

‫‪85‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫البحث الثاني‬

‫أستاذ التفسير المساعد بجامعة نجران‬

‫حصلت على الماجستير من كلية‪ /‬اآلداب جامعة‪ /‬األميرة نوره بنت عبد الرحمن‬
‫بأطروحة‪ :‬تفسير القرآن من خالل موسوعة (نهاية األرب يف فنون األدب) للنويري جم ًعا ودراسة‪.‬‬
‫حصلــت علــى الدكتوراه مــن كلية ‪/‬أصــول الدين جامعة اإلمــام محمد بن ســعود بأطروحة‪:‬‬
‫تحقيق مخطوط (تعليق مبارك يف تفســير القرآن العظيــم) لإلمام القاضي أحمدبن أبي بكر ال ُبلقيني‬
‫من المقدمة إلى نهاية سورة النحل‪.‬‬
‫أهم النتاج العلمي‪:‬‬
‫محبطات العمل من خالل سورة محمد ﷺ دراسة موضوعية‪.‬‬
‫المال واإلنسان يف القرآن‪( ،‬دراسة بالغية)‪.‬‬
‫الزيادات التي وردت يف القرآن يف حق المؤمنين وحق الكافرين (دراسة موضوعية)‪.‬‬

‫البريد اإللكتروين‪elafsw@gmail.com :‬‬


‫مستخلص البحث‬

‫تناول هذا البحث الحوار من حيث تعريفه وســمات الحوار القرآين‪ ،‬ثم‬
‫أربعة نماذج من حوارات األنبياء ومع أبنائهم‪ ،‬ودراستها دراسة بالغية مقرونة‬
‫بفوائد تربوية‪ ،‬واستخدمت فيه المنهج الوصفي واالستنباطي‪.‬‬
‫ويهدف البحث إلى استخراج األسرار البالغية مع بعض الفوائد الرتبوية‬
‫يف تلك الحوارات‪.‬‬
‫وكان من �أهم نتائجه‪:‬‬
‫حاضرا يف خطاب‬
‫ً‬ ‫الحوار ليس ســمة للمجتمع البشري فقط‪ ،‬بل قد كان‬
‫اهلل تعالى مع المالئكة‪ ،‬وحتى مع إبليس أخزاه اهلل‪ ،‬ومع المخلوقات كذلك‪.‬‬
‫و�أو�صت الدرا�سة‪:‬‬
‫‪ -1‬باالهتمام باســتخراج األسرار والدالالت البالغية يف القرآن الكريم؛‬
‫إلبراز روعة وعظمة التعبير القرآين‪.‬‬
‫‪ -2‬عــدم التكلف يف اســتخراج الســر البالغــي‪ ،‬فالقــرآن ال يحتاج إلى‬
‫التكلف؛ ألن القرآن غني بألفاظه الموجزة‪ ،‬ومعانيه المعجزة‪.‬‬
‫الكلم��ات املفتاحي��ة‪ :‬الحــوار‪ ،‬القــرآن‪ ،‬األنبيــاء‪ ،‬األبنــاء‪ ،‬البالغــة‪،‬‬
‫أسلوب‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪89‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


The Eloquence of the Qur’anic Style of Dialogue:
the Prophets’ Dialogue with their
Children as a Model
Prepared by

Dr. Badria Saeed Mo’eedh Al-Wadi’ee


Assistant Professor of Tafsir at the University of Najraan

Email: elafsw@gmail.com

Summary:

This research deals with dialogue in terms of its definition


and the features of the Qur’anic dialogue.

Then it examines four models of the dialogues of the prophets


(Peace be upon them) with their children, from a rhetorical
perspective, coupled with the educative benefits that could
be drawn from them. This piece of research

uses the descriptive and deductive approaches.

The research aims to extract the rhetorical secrets as well


as some educative benefits from those dialogues.

Main Findings:

1.Dialogue is not only a distinguishing characteristic of human


society, but it is also present in the speech of Allah (Exalted
be He) with the angels, Satan himself (May Allah curse
him) and all other creatures.

91 ‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬


Recommendations of the Study:

1.More emphasis should be placed on the extraction of the


secrets and the rhetorical connotations in the Noble Qur’an
with the view to highlighting the magnificence and loftiness
of the Qur’anic expressions.

2. The rhetoric Qur’anic secrets should not be concluded in


a sophisticated manner, as the Noble Qur’an is not in need
of sophistication or mannersism; rather, it is rich in its concise
expressions and inimitable meanings.

Keywords: Dialogue, Quran, Prophets, Children, Eloquence,


Style.

....::::::::::....

‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬ 92


‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫الحمــد هلل أعطى كل شــيء خلقه ثــم هدى‪ ،‬والصالة والســام األتمان‬
‫األكمالن ما صبح بدا وما ليل سجى صال ًة وسال ًما سرمد ًّيا أبدً ا‪،‬‬
‫�أما بعد‪:‬‬
‫فالقصــص القــرآين معين دفــاق‪ ،‬ومــورد َّ‬
‫أخاذ‪ ،‬تستســقى منــه الحكم‪،‬‬
‫وتستنتج منه العرب‪.‬‬
‫ومن بديع جمال القصص القرآين مايحوي من صور الحوار المتبادلة التي‬
‫تدل على أن الحوار سمة فاعلة من سمات المجتمع البشري‪ُ ،‬تفهم به حاجات‬
‫النفوس‪ ،‬ويكشــف عن ماينتجــه العقل من آداب وفكر؛ ولذلــك حوى القرآن‬
‫أنوا ًعــا عديدة من الحوارات‪ ،‬ومنها‪ :‬حوارات األنبيــاء ۏ مع أبنائهم‪ ،‬حيث‬
‫تتجلــى فيها عظمة الهــدف‪ ،‬وروعة التصوير‪ ،‬وبالغة األســلوب‪ ،‬حيث كانت‬
‫بيانًا للهداية القرآنية يف مجال الرتبية‪ ،‬وهي وسيلة إصالح لألسرة والمجتمع‪.‬‬
‫ً‬
‫مجال لبحثي ودراســتي بذكــر بعض النماذج‬ ‫ممــا قادين إلى أن أجعلها‬
‫مــن الحــوارات بين األنبيــاء وأبنائهم يف القرآن‪ ،‬ودراســتها دراســة بالغية مع‬
‫اســتخراج التطبيقات والفوائد التــي تنفع المربي يف حواره مــع أبنائه وطالبه‪،‬‬
‫دراسة شرفت بشرف متعلقها ومصدرها‪ ،‬وهو القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد سلكت يف دراســة الموضوع المنهج الوصفي وتم توظيفه يف تعيين‬
‫بعض الحوارات ودراســتها دراسة بالغية أســلوبية‪ ،‬ثم المنهج االستنباطي يف‬
‫استخراج الدالالت البالغية والرتبوية يف اآليات الكريمة‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬وقد تناول البحث‪ :‬مقدمة‪ ،‬ومتهيدً ا‪ ،‬و�أربعة مباحث‪.‬‬
‫املقدمة‪ :‬وفيها أهمية الموضوع‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬والمنهج المستخدم‬
‫يف دراستها‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬وفيه تعريف الحوار وأهميته‪ ،‬وسمات الحوار القرآين‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪94‬‬


‫التمهيد‬

‫التمهيد‬

‫◈ تعريف احلوار و�أهميته‪:‬‬


‫كبيرا؛ إذ إن طبيعة اإلنسان تميل بفطرهتا‬
‫اهتم اإلســام بالحوار اهتما ًما ً‬
‫إلى الحوار‪ ،‬ولم ال! وهو حاجة إنســانية مهمة يتواصل فيها اإلنســان مع غيره‬
‫لنقــل آرائه‪ ،‬وأفكاره‪ ،‬وتجاربــه‪ ،‬وقيمه‪ ،‬باإلضافة إلى أنــه إحدى طرق الرتبية‬
‫المهمــة يف الحيــاة؛ ألنه وســيلة للوصول لليقين بعدما أعلــن كل طرف وجهة‬
‫نظره‪ ،‬وكشف ما لديه مما خفي على اآلخر‪.‬‬
‫ويتميز الحوار عامة أنه يتيح الفرصة لسرب أغوار النفوس‪ ،‬وتعزيز إيماهنا‪،‬‬
‫وترســيخ عقيدهتا‪ ،‬وتصحيح مفاهيمها‪ ،‬وتثبيت قيمها‪ ،‬وتعديل سلوكها‪ ،‬ومن‬
‫َثم يشعر المحاور باالطمئنان‪.‬‬
‫ومما ال شك فإن اإلسالم يهدف إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي‬
‫األمور‪ ،‬وســمو األخالق‪ ،‬وعلو اآلداب‪ ،‬وينأى بأفراده عن كل خلق ســيء أو‬
‫عم ٍل شــائن‪ ،‬ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة تربط بين عناصره‪:‬‬
‫األخوة‪ ،‬والمودة‪.‬‬
‫ويكتســب الحــوار أهميته من كونــه وســيلة للتآلف والتعــاون‪ ،‬وبديال‬
‫عن ســوء الفهــم والتقوقع والفرقة والصــراع‪ ،‬وبذلك يصبــح الحوار ضرورة‬
‫طالمــا تفاعل النــاس وتدافعوا‪ ،‬واختلفت انتماءاهتــم ومصالحهم‪ ،‬وأفكارهم‬
‫ومشاعرهم تجاه األشياء واألشخاص من حولهم(((‪.‬‬
‫(حو َر) �إىل دالالتٍ عدة‪ ،‬منها‪ :‬الرجوع عن‬
‫وي�شري التعريف اللغوي للجذر َ‬

‫((( الحوار فنياته واسرتاتيجياته وأساليب تعليمه‪ ،‬للدكتورة منى إبراهيم اللبودي (‪.)20‬‬

‫‪95‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الشــيء وإلى الشيء‪ ،‬وهي داللة تقرتب من داللة لفظة (حوار) التي تدل على‬
‫التحادث والتجاوب القولي‪ ،‬فالمحاورة‪ :‬المجاوبة‪ ،‬واستحارة‪ :‬استنطقه(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محورة‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫أيضا‪ :‬ك َّلمتُه فمــا ر َّد على‬
‫واملح��اورة‪ :‬حســن الحوار‪ ،‬ومنها ً‬
‫كالم(((‪.‬‬
‫فهي تعطي يف طياهتا داللة خلقية تتعلق بكيفية الحوار وأدبه‪ ،‬وهذا صحيح‪،‬‬
‫فالحوار يستلزم طرفين أو أكثر‪ ،‬وال يتم إال يف جو أدبي يتيح السمع والقول بين‬
‫المتحاورين‪ ،‬وتتسع داللة الحوار معجميا‪ ،‬فتكون بمعنى‪ :‬جادله(((‪.‬‬
‫والجــدال يعطي فرصــة للقول والمراجعــة بين المتحاوريــن‪ ،‬وإن كان‬
‫يهدف لإلفحام للخصم غال ًبا‪.‬‬
‫واملحاورة‪ :‬مراجعة المنطق‪ ،‬والكالم يف المخاطبة‪ ،‬وهم يتحاورون‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يرتاجعون الكالم(((‪.‬‬
‫أي�ض��ا‪ :‬مــا أحــار جوابــا‪ ،‬أي‪ :‬ما رجــع(((‪ ،‬وكذلك‪ :‬تحــاوروا تراجعوا‬
‫و� ً‬
‫الكالم بينهم(((‪ ،‬ومنه حديث النبي ﷺ‪« :‬نعوذ باهلل من الحور بعد الكور»(((‪.‬‬
‫أي�ضا‪ :‬من معاين الجذر اللغوي (حور) ما يفيد الحيرة من حار (بداللة)‬
‫و� ً‬
‫لم يهتد لسبيله‪ ،‬فهو حيران‪ ،‬وحائر‪ ،‬وهي حيراء(((‪.‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪.)750/1‬‬
‫((( أساس البالغة‪ ،‬للزمخشري (‪.)98‬‬
‫((( المعجم الوسيط‪ ،‬لمجمع اللغة العربية (‪.)212/1‬‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪ .)750/1‬وجاء يف دائرة معارف القرن العشرين‪ ،‬لمحمد فريد وجدي‪،‬‬
‫(‪" :)647/3‬تحاور الناس‪ :‬تراجعوا الكالم وتداولوه"‪.‬‬
‫((( أساس البالغة‪ ،‬للزمخشري (‪.)98‬‬
‫((( صحيح مسلم كتاب الحج‪ ،‬باب ‪57‬الحديث‪.3340‬‬
‫((( المعجم الوسيط‪ ،‬لمجمع اللغة العربية (‪.)212/1‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪96‬‬


‫التمهيد‬

‫فهــو يعطــي داللة مناقضــة‪ ،‬فليس كل حــوار يأيت بالجديــد‪ ،‬فقد يزيد‬
‫ً‬
‫ضالل‪.‬‬ ‫المرء‬
‫فاحلوار‪ :‬حديث يدور بين اثنين على األقل‪ ،‬ويتناول شتى الموضوعات‪،...‬‬
‫ويفرتض فيه اإلبانة عن المواقف والكشف عن خبايا النفس(((‪.‬‬
‫�أم��ا احل��وار الق��ر�آين فق��د عرف��ه النح�لاوي((( ب�أنه‪ :‬كل نــداء أو خطاب أو‬
‫موجها إلى منادى أو مخاطب أو مخاطبين حول‬ ‫ً‬ ‫سؤال يوجهه القرآن‪ ،‬أويحكيه‬
‫أمــر مهم بقصد توجيههم‪ ،‬أو توجيــه اهتمامهم إلى هذا األمر‪ ،‬أو تحقيق هدف‬
‫معين‪ ،‬أو القيام بسلوك فكري أو اعتقادي أو اجتماعي أو أخالقي أو تعبدي(((‪.‬‬
‫وي�ؤخذ على هذا التعريف‪ :‬إدخاله لكل نداء يف القرآن يف الحوار‪.‬‬
‫وعل��ى ه��ذا يك��ون تعري��ف احل��وار الق��ر�آين يف ه��ذا البح��ث‪ :‬بأنــه تجــاوب‬
‫ومراجعــة بين طرفين أو أكثر ‪-‬أ ًّيــا كان عددهم‪ -‬حول موضوع معين يهم كال‬
‫الطرفين أو أحدهما بوســيلة من وســائل اإلتصال المناســبة ألطــراف الحوار‬
‫وظروفه هبدف اإلقناع‪ ،‬أو تقريب وجهات النظر‪.‬‬
‫فالحوار القرآين أسلوب فريد يف قوة مبانيه‪ ،‬وعمق آثاره الرتبوية والنفسية‬
‫لم يسبق إليه‪ ،‬وحسبه أنه مظهر من مظاهر تجلي العناية اإللهية باإلنسان؛ ليعتز‬
‫بإنسانيته‪ ،‬ويستمر يف مناجاة ربه‪ ،‬وتفهم آياته وتشريعه‪.‬‬
‫◈ وللحوار القر�آين �سمات منها‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلنصــاف والموضوعية‪ :‬يتســم الحــوار القرآين بإنصافــه المحاور‬
‫معارضا‪ ،-‬ويمكن اســتنباط هذه الســمة مــن الحوار الذي‬
‫ً‬ ‫اآلخــر ‪-‬وإن كان‬
‫((( القاموس المحيط‪ ،‬للفيروز أبادي (‪)4‬‬
‫((( عبد الرحمن النحالوي‪ ،‬ولد يف دمشــق‪ ،‬اســتاذ يف دار المعلمين بجامعة دمشــق‪ ،‬واستاذ مساعد يف‬
‫الكليات العلمية بالرياض وجامعة اإلمام‪ ،‬باحث ومشرف ومدقق‪ ،‬له مؤلفات عديدة‪.‬‬
‫((( الرتبية بالحوار‪.)14( ،‬‬

‫‪97‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫دار بيــن النبــي ﷺ والمشــركين يف قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ‪[ ﴾.....‬سبأ‪.]24 :‬‬
‫‪ -2‬اإلســتمالة والرفق يف الخطاب‪ :‬يتسم المنهج القرآين بالرتفق واللين‬
‫مع المخاطبين‪ ،‬ومحاولة استمالتهم أ ًّيا كانوا حتى وإن كانوا مشركين؛ ليستميل‬
‫قلوهبــم نحو موضوع الحوار وعرض قضيته واحتمــال وقوع أحد الطرفين يف‬
‫الخطأ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ :‬يف سورة سبأ ﴿ ﭶ ﭷ ﭸ‪[ ﴾ .....‬سبأ‪.]24:‬‬
‫‪ -3‬التنــوع‪ :‬أســلوب الحــوار يف القــرآن غنــي بالقوة والفخامة وســمو‬
‫األلفاظ‪ ،‬ويتلون حسب مقتضى الحال وداعية المقام والغرض الذي من أجله‬
‫دار الحــوار‪ ،‬فمــن أمثلتــه‪ :‬الحــوارات المفصلة التي دارت بين موســى ڠ‬
‫وشــعيب‪ ،‬وإما الحوارات التي تركت بعض جوانبهــا‪ ،‬مثل‪ :‬بعض الحوارات‬
‫الواردة يف سورة يوسف ڠ‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلضمــار‪ :‬وهــو إخفــاء لبعــض جوانب الحــوار‪ ،‬وطي لشــيء من‬
‫تفاصيله‪ ،‬ففي قصة رحالت إخوة يوســف طويت المسافات المكانية والزمنية‬
‫دون أن يجد السامع انقطا ًعا يف أحداثها‪.‬‬
‫‪ -5‬الحكاية‪ :‬يعتمد أسلوب الحوار يف القرآن ‪-‬يف الغالب‪ -‬على حكاية‬
‫القول‪( :‬قال‪ ،‬وقالوا) أو األمر به‪( :‬قل‪ ،‬وقولوا)‪ .‬فهذا األسلوب يرسم خطوط‬
‫الحوار‪ ،‬ويرفع شي ًئا من مالبسات الموقف قد تحصل‪.‬‬
‫‪ -6‬مخاطبــة العقل والعاطفة م ًعا‪ :‬فهو يخاطب العقل؛ ليقنعه‪ ،‬واليهمل‬
‫العاطفــة؛ ليكون هناك تــوازن أدعى للتقبل‪ ،‬ومنه حــوار إبراهيم مع أبيه حيث‬
‫وازن بيــن النظــرة العقليــة لألمر وأشــبعها بالعاطفــة الدفاقة التــي تحضر عند‬
‫الخوف على الوالدين من أي أذى‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪98‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫املبحث األول‬
‫حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫ِ‬
‫الطبيعة التي تظهر فيها األبو ُة‬ ‫يصور لنا القرآن الكريم مشهدً ا من مشاهد‬
‫بســبب عق ٍل َض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عليه مِن‬
‫ابن ي ْخ َشــى ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الهالك‬ ‫عاطف ًة ملهوف ًة حاني ًة َقل َق ًة على ٍ ُ‬
‫وفِ ٍ‬
‫كر ُمظلِ ٍم ُمدْ َل ِه ٍم‪.‬‬
‫نوح مع َو َل ِد ِه يف القر�آنِ ‪:‬‬
‫موقف ٍ‬
‫ِ‬ ‫يت�ض ُح َ‬
‫ذلك ِم ْن خالل‬ ‫◈ ِ‬
‫يق��ول تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾ [هود‪.]43 - 41 :‬‬
‫صالحا لركوب‬
‫ً‬ ‫لمــا انتهى نوح ڠ من صنع الســفينة وإعدادها إعدادا‬
‫ِ‬
‫الفئــة المؤمنة معــه‪ ،‬وجعلها وســيلة لنجاته ومــن صحب ُه َأ َم َر ُه ْ‬
‫ــم بالركوب يف‬
‫فقال‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾‪.‬‬ ‫السفينة‪َ ،‬‬
‫�أول ما يروعنا يف هذه الآي ِة الت�صوير البديع يف قولهِ‪ ﴿ :‬ﮏ﴾ فالسفينة‬
‫وإنما ُي ْســ َت َّق ُر هبا‪ ،‬ولِذا ُعدْ ّي ﴿ ﮏ ﴾ بـ (يف)‪ ،‬فقد َشــ َّب َه‬
‫َب عليها‪َّ ،‬‬
‫ال ُي ْرك ْ‬
‫ــة التــي تركــب‪ ،‬ثم حذف المشــبه بــه‪ ،‬و ُذكِ َر شــي ًئا مِن‬ ‫اهلل ‪ ۵‬الســفينة بالمطي ِ‬
‫َّ‬
‫لوازمــه‪( ،‬الركوب)‪ :‬على ســبيل االســتعارة المكنية‪ ،‬وهذه االســتعارة توحي‬ ‫ِ‬

‫بشدة التمكن يف السفينة وتمام االستقرار هبا‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ث��م ي�أت��ي تعري��ف امل�س��ند �إلي��ه يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﮏ ﴾ بضمير الخطاب (واو‬
‫ِ‬
‫المؤمنة‪.‬‬ ‫الجماعة)؛ ألن المقام مقام خطاب من نوح ڠ للفئة‬
‫قوله ﴿ ﮔ﴾ بمادة (رسي) على مادة ( َق َّر)؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫وآثر التعبير القرآين يف ِ‬
‫َ‬
‫يتحرك‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جامد‪ ،‬أي‪ :‬أنه بعد ثباته يمكن أن‬ ‫(الر ْســو) هو ثبات الشــيء ثبا ًتا غير‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫السفينة‪ ،‬أ َّما ( َق َّر) فهي تقال على الشيء إِذا ثبت ثبو ًتا جامدً ا‪،‬‬ ‫وهذا يناسب ثبات‬
‫وأص ُله من القر‪ ،‬وهو‪ :‬الربد‪ ،‬وهو يقتضي الســكون‪ ،‬والحر يقتضي الحركة(((؛‬
‫دق‪.‬‬‫لذا كان التعبير بمادة (رسي) أنسب و َأ َّ‬
‫والتعبري بلفظ اجلاللة يف قوله‪ ﴿ :‬ﮑﮒ﴾؛ إلدخال األنس والطمأنينة‬
‫يف قلوب المؤمنين َف ُه ْم يف أمس الحاجة إلى ذلك يف تلك اللحظة‪.‬‬
‫ولمــا كان المقام مقام ٍ‬
‫بيان ‪-‬أنه لوال مغفرته تعالى ورحمته هبؤالء القوم‬
‫ما نجي منهم أحد‪ -‬جاء يف ختام اآلية بقوله‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألتباعه َبأ َّن اهلل رحمهم‬ ‫وق��د �أَ َّك � َد ال��كالم بـ‪ ﴿ :‬ﮖ﴾ و(الم االبتداء) تحقي ًقا‬
‫(((‬
‫باإلنجاء مِن ال َغرق‬ ‫ِ‬

‫ولف��ظ الربوبي��ة يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﮗ ﴾ يشــعر بمعنى الرتبيــة والحنو والرأفة‪،‬‬


‫وهذا التعبير أنسب للحالة التي كان عليها نوح ڠ والمؤمنون معه‪.‬‬
‫وجــاء ﴿ ﮘ ﴾ علــى صيغة (فعــول) التي هي من صيــغ المبالغة‪ ،‬وذلك‬
‫لإلشــعار بأن مغفرة اهلل واســعة ليس لها مثيل‪ ،‬فالذنوب التي ال تحصى وال ُتعد‬
‫هو الغافر لها والمتجاوز عنها كذلك رحمته واسعة شاملة تعم الخلق‪ ،‬وقد أشعر‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بصيغة (فعيل) ﴿ ﮙ ﴾ التي هي من صيغ المبالغة ً‬ ‫هبذا المعنى التعبير‬

‫((( مفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاين (‪.)397‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)74/12‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪100‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫وقــدم لفــظ ﴿ ﮘ ﴾ علــى ﴿ ﮙ ﴾ وهــذا التقديم أولــى؛ ألن المغفرة‬


‫سالمة‪ ،‬والرحمة غنيمة‪ ،‬والسالمة تطلب قبل الغنيمة‪.‬‬
‫ولــم يقع يف القرآن تقديم لفــظ ﴿ ﭵ ﴾ على ﴿ ﭶ ﴾ إِال يف موض ٍع‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫واحــد من القرآن‪ ،‬وهو يف ِ‬
‫ٍ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ِ‬
‫اآليــة‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﴾ [ســبأ‪َ .]٢ ،١ :‬ف َقــدَّ َم يف هــذه‬
‫لفــظ ﴿ ﭵ ﴾ على ﴿ ﭶ ﴾ إما بالفضل والكمــال‪ ،‬وإما بالطبع حيث َّ‬
‫إن‬ ‫َ‬
‫(الرحمةَ) تشــمل أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان‪ ،‬فالرحمة‬
‫بعضهم‪ ،‬والعموم بالطبع قبل الخصوص(((‪.‬‬
‫تشملهم والمغفرة تخص َ‬
‫ثم يأيت تصوير المشهد الهائل الذي تربز فيه العاطفة الج َّياشة الحانية من‬
‫اق‪ ،‬وكان هذا‬ ‫األب للولد‪ ،‬فاألب هنا تنساب منه العاطفة ِرق ًة وقل ًقا على ٍ‬
‫ابن َع ٍّ‬
‫يف وقــت جريان الســفينة ﴿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [هود‪.]42 :‬‬
‫ً‬
‫هائــا يف وســط األمــواج الكثيرة‬ ‫عظيمــا‬
‫ً‬ ‫يبــدو َّ‬
‫أن ذلــك الجريــان كان‬
‫المرتفعة‪ ،‬والســامع يتشــوق لســماع مثل ذلك الخرب كما َأن ُه يحتاج إِلي تقوية‬
‫الخــر وتمكينــه؛ لذا ُق ِد َّم المســندُ إليــه ﴿ ﮛ ﴾ على المســند ﴿ ﮜ ﴾‪ ،‬وألن‬
‫المقام مقام َغيب ٍة عرف المســند ِ‬
‫إليه ﴿ ﮛ ﴾ بضميــر الغيبة‪ ،‬ويف التعبير بضمير‬ ‫ْ َ َّ‬
‫الغيبة ﴿ ﮛ ﴾ من التعظيم الكثير والتفخيم‪.‬‬

‫((( من أسرار التعبير يف القرآن صفاء الكلمة‪ ،‬لـ‪.‬د‪ /.‬عبد الفتاح الشين (‪.)227‬‬

‫‪101‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫�أما الع ََظ َّم ُة‪ :‬فتأيت من َّ‬
‫أن هذا الضمير يعرب عن السفينة التي ينجو هبا نوح ڠ‬
‫ومن معه‪.‬‬
‫و�أما الفخامة‪ :‬فتأيت مِن َّ‬
‫أن اإلضمار فيه إهبام‪ ،‬فالشيء إذا كان مبهما كانت‬
‫ِ‬
‫معرفته‪ ،‬وهذه ميزة اإلضمار يف اآلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فهمه وتتشوق إلى‬ ‫النفس تتطلع إلي‬
‫وجــاء التعبيــر عــن جريان الســفينة بصيغــة المضــارع ﴿ ﮜ﴾‪ ،‬وذلك‬
‫تصويرا لحالها يف جريها هبم كأهنا حاضرة أمام القارئ أو السامع(((‪.‬‬
‫ً‬
‫التعبير القرآينُّ مــادة (جري) على ( َم َّر) حتى تصــور ما كانت عليه‬
‫ُ‬ ‫َوآ َث َ‬
‫ــر‬
‫ٍ‬
‫بسرعة)(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بالغة يف الحركة‪ ،‬فمادة (جري) تعني ( َم َّر‬ ‫السفينة من سرعة‬
‫و�أما مادة ( َم ّر) فتعني‪( :‬ســار وتحرك)((( فقط‪ ،‬فال تصور ما كانت عليه‬
‫ٍ‬
‫ســرعة‪ ،‬ولذلك كانت المــادة (جري) أنســب يف التعبير من كلمة‬ ‫الســفينة من‬
‫( َم ّر)؛ لنهوضها بالمعنى المراد‪.‬‬
‫وينقلنا السياق إلى التصوير البديع حيث تشبيه الموج بالجبال إذ تجري‬
‫هذه السفينة يف موجٍ مرتفع يشبه الجبال يف ضخامتها وارتفاعها‪ ،‬وقد َد َّل التشبيه‬
‫ِ‬
‫مالبسة الرياح(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض ومن‬ ‫ِ‬
‫وتطبيقه على‬ ‫ِ‬
‫األمر من حال الماء‬ ‫على ِع َظ ِم‬
‫ِ‬
‫الصورة‬ ‫ِ‬
‫يرسم‬ ‫ليحرص أحيانا أن‬ ‫محسوسا بمحسوس‬ ‫والقرآن حين يشبه‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫األمواج الضخم َة كما‬
‫َ‬ ‫النفس‪ ...‬فهــذه الجبال تصور للعين هذه‬
‫ُ‬ ‫كمــا تحس هبا‬
‫ِ‬
‫السفينة(((‪.‬‬ ‫ركاب‬ ‫تصور لنا ما يحس به‬
‫ُ‬

‫((( تفسير المنار‪ ،‬لمحمد رشيد رضا (‪.)78/12‬‬


‫((( معجم األلفاظ واألعالم القرآنية‪ ،‬لمحمد إسماعيل إبراهيم (‪.)100‬‬
‫((( المرجع السابق‪.)492( ،‬‬
‫((( الجمان يف تشبيهات القرآن‪ ،‬البن ناقيا البغدادي (‪.)126‬‬
‫((( التعبير الفني يف القرآن الكريم‪ ،‬لبكري شيخ أمين (‪.)198‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪102‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫كلمة ﴿ ﮟ﴾ ً‬
‫بــدل من (ماء)؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختيار‬ ‫ــي فِي‬ ‫وتالحــظ ِد َّقــ َة التعبير القرآنِ‬
‫ِّ‬
‫ألن المــوج أعلى من ســطحِ الماء يف تتابع َم َع ُه ِ‬
‫بوب الر َّيــاحِ لذا كان التعبير‬
‫(((‬ ‫َّ‬
‫القرآنِ ِّي أدق وأنسب يف المعنى المراد‪.‬‬
‫عظيما ً‬
‫هائل فال‬ ‫ً‬ ‫بأن الموج الذي يشبه الجبال كان‬ ‫وتنكير ﴿ ﮟ ﴾ يشعر َّ‬
‫يقوى عليه أحد‪ ،‬وال ينجو منه مخلوق‪.‬‬
‫ويف وســط هذا الهول يمد نوح ڠ بصر ُه فيجــد من الذين تخ َّل ُفوا عنه‬
‫قولــه‪ ﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنداء يف‬ ‫ــذة َكبِ ِد ِه‪ ،‬فيتوجــه إِ ِ‬
‫ليه‬ ‫ابنــه َف َل َ‬
‫َ ُ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫حضاره‬ ‫ليــه بالعلمية يف قول ِ ِ‬
‫ــه ﴿ ﮡ ﮢ ﴾‪ ،‬وذلــك ِ‬
‫إل‬ ‫وعرف المســند إِ ِ‬
‫يختص ِبه يف ِ‬
‫ذهن السامعِ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتعيينه له بإِسم‬
‫وي�ست�شعر من النداء يف قوله‪ ﴿ :‬ﮧ ﴾ العطف الشديد والشفق َة المشوبة‬
‫ابنه‬ ‫ِ‬
‫النداء إِيمان ِ‬ ‫ِ‬
‫الطريقة‪ ،‬فهو يريد من هذا‬ ‫بالخوف والقلق‪َ ،‬ع َّله يستجيب ِ‬
‫هبذه‬ ‫ُ‬
‫وهدايته وركوبه معه السفينة‪.‬‬
‫ألن اســتعمال النداء بألفاظ البنوة واألبوة تفتح مغاليق النفس‪ ،‬وتشــرع‬
‫أبــواب القبــول للتوجيهــات‪ ،‬ولذلــك حتى مع علم نــوح بكفر ابنــه طيلة مدة‬
‫الدعــوة إال أنــه ما يزال يناديه بـ﴿ ﮧ﴾ لعل هذا النداء يف وقت الغوث والفزع‬
‫يتغلغل يف حنايا قلبه فيلين ويستجيب‪.‬‬
‫وأداة النــداء (يا) وما تشــتمل عليــه من مد تتعاون مــع باقي الرتاكيب يف‬
‫رسم الحســرة واأللم اللذين أ َل َّما بنوح ڠ‪ ،‬فالمد الذي يوجد بحرف النداء‬
‫يساعد يف تصوير صرخات نوح ڠ النفسية وأناته الطويلة حزنًا على ابنه‪.‬‬

‫((( معجم األلفاظ واألعالم القرآنية‪ ،‬لمحمد إسماعيل إبراهيم (‪.)509‬‬

‫‪103‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫يقل (يا ولــدي) وذلك ألنه‬ ‫قــال ﴿ ﮧ﴾ ولم ْ‬ ‫نوحــا ڠ َ‬ ‫ويالحــظ أن ً‬
‫يخاطب ولــده الذكر‪ ،‬فكلم ُة (ابن) ال تطلق إِال على الذكر‪َ ،‬أ َّما (الولد) فيطلق‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واالبنة م ًعا‪ ،‬مما يشهد بدقة التعبير القرآين‪.‬‬ ‫على االبن‬
‫ِ‬
‫بقولــه ﴿ ﮨ ﮩ ﴾ عن رغبة نوح القويــة يف إيمان ابنه وعدم‬ ‫َو ُكن َ‬
‫ِّــي‬
‫باإل ِ‬
‫يمان‬ ‫انغماسه يف الكفر والضالل‪ ،‬فهو حث وتحضيض من نوحٍ ڠ ِ‬
‫البنه ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬ألنه يقول بعد ذلك‪ ﴿ :‬ﮪ‬ ‫مباشــرة‪ ،‬فالكناي ُة هنا عن ِ‬
‫صفة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة غير‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﴾‪ ،‬وهذه الكناية تصور قلق األب الحنون وشــدة خوفه على ابنه‬
‫الضال كما توضح حرصه الشديد على إيمانه وهدايته‪.‬‬
‫فاســتخدام التعابيــر غير المباشــرة‪ ،‬واأللفاظ المســتعارة عنــد التوجيه‬
‫والطلــب لإلنقيــاد كما عرب نوح بطلــب ابنه الركوب معهــم وليس الدخول يف‬
‫اإلســام لعلــه يجد منه اســتجابة يف وقت أحــاط الغرق بأهــل األرض إال من‬
‫ركب معه‪ ،‬ألنه يعلم أن يف ثنايا الركوب يف السفينة نجاة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ثم ي�أتي حذف املفعول من قوله‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﴾ والتقدير‪( :‬اركب معنا‬
‫يق المقام ألن بين نجاة من نجا‪ ،‬وهالك من هلك لحظات‬ ‫السفينةَ)؛ لتَعينه ول ِ ِض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المفعول يف‬ ‫تعيين‬ ‫َص عليها َأ ُ‬
‫هم مــن‬ ‫خاطفــة‪ ،‬وألن الحــرص على المع َّية والن َّ‬
‫هذا المقام(((‪.‬‬
‫وامل��راد م��ن النهي يف قولهِ‪ ﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ النصح واإلرشــاد إلى ما‬
‫بت‬ ‫ابن ِ‬
‫لع ْ‬ ‫ٍ‬
‫ملهوف‪ ،‬والحسر ُة على ٍ‬ ‫فيه الخير البنه‪ ،‬وهذا النهي يمتزج ِ‬
‫بقلق َأ ٍ‬
‫ب‬
‫بأفكار ِه األهوا ُء‪.‬‬
‫ِ‬

‫((( الحوار يف القرآن الكريم‪ ،‬لمحمد إبراهيم عبد العزيز (‪.)42‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪104‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫فتوضيح المربي أســباب التوجيه الذي يعطيه حتى يتحقق معرفة دواعي‬
‫ذلك األمر‪ ،‬فقد يســري يف النفس بالطاعة واإلنقياد‪ ،‬ولذلك أوضح نوح ڠ‬
‫الســبب من طلبه ابنه الركوب معه‪ ،‬وهو أن عدم ركوبه ســيحيط به ويجعله يف‬
‫عداد الكافرين الذين سيغرقهم الموج‪.‬‬
‫ويف الآي��ة التالي��ة‪ :‬يأيت رد االبن المغرور ذلك االبن العاق‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾‪.‬‬
‫بيــه َوفِعلِ ِه ﴿ ﮧ ﮨ‬
‫قول َأ ِ‬
‫ويستشــعر من قول االبن هــذا هتَ ُكم من ِ‬
‫ٌ‬
‫ﮩ‪ ﴾...‬اآليةُ‪.‬‬
‫وف�ص��ل قول��ه‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ عمــا قبلــه لما بينهما من شــبه كمال‬
‫االتصال حيث أن القول الســابق أثار سؤال تقديره‪( :‬ماذا قال الولد عقب طلب‬
‫أبيه له بالركوب معه) فقيــل‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾‪ ،‬وبالغة هذا الضرب تكمن‬
‫يف أن الجملــة األولــى تثير يف النفس خواطــر وهواتف‪ ،‬فتأيت الثانيــة مجيبة عن‬
‫هــذه الخوالــج‪ ،‬وكأن بــذرة الجملة الثانية مضمــرة يف الجملــة األولى‪ ،‬وهكذا‬
‫يتوالد الكالم وتتناســل الجمل‪ ،‬ثم إن يف طي هذه الهواتف وترك اإلفصاح عنها‬
‫والتعبيــر الجهيــر هبا ضرب من وجازة الكالم واختصــاره ودمجه واكتنازه‪ ،‬ولو‬
‫ذهبت تبســط ما حقه البســط لرأيت وراء كل جملة مــن هاتيك الضروب جملة‬
‫قــد تطول أو تقصــر‪ ،‬ولكنها أضمرت يف تلــك الجملة‪ ،‬واكتفــي يف اإلبانة عنها‬
‫باللمحة واإليماضة السريعة التي انعكست يف تحريك السامع واستثارة حسه(((‪.‬‬

‫((( دالالت الرتاكيب‪ ،‬لـ د‪ /‬محمد محمد أبو موسى (‪.)312‬‬

‫‪105‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫والتعبري بالفعل امل�ضارع يف قوله‪ ﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ الســتحضار صورة‬
‫اإليواء واالعتصام بالجبل فهو يحاول إقناع أبيه‪.‬‬
‫وتنكيــر ﴿ ﯓ﴾ يوحي بعظم هذا الجبل وشــدة ارتفاعه‪ ،‬فالجبل الذي‬
‫يبحث عنه الولد هو الجبل الشاهق شديد االرتفاع الذي ال تطوله الماء‪.‬‬
‫وأمــا التعبير بالفعل المضارع يف قوله‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﴾ فلإلشــعار‬
‫باســتمرار االعتصام بالجبل يف وقت الغرق‪ ،‬فاالبن يعتقد أنه سيعتصم بالجبل‬
‫فرتة كبيرة حتى ينتهي الطوفان‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهوله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ِ‬
‫لفداحة‬ ‫ِ‬
‫المدركة‬ ‫ِ‬
‫العاقلة‬ ‫ِ‬
‫األبوة‬ ‫ومــع هذا العناد تربز عاطفة‬
‫األمر‪ ،‬فيقول له‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫خطر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يدرك َ‬ ‫البنــه الذي ال‬ ‫األخير الواعي‬
‫َ‬ ‫األب نداء ُه‬
‫فيرســل ُ‬
‫أمر اهللِ إِال‬
‫عاصــم من ِ‬‫َ‬ ‫مخابــئ وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جبــال وال‬ ‫﴿ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ َأي‪ :‬ال‬
‫ِ‬
‫المفعولية‬ ‫ِ‬
‫لعالقة‬ ‫ِ‬
‫اإلســناد المجازي‬ ‫ِ‬
‫ويعص َم ُه‪ .‬وهذا من‬ ‫اهلل َأ ْن يرحم ُه‬
‫َم ْن أرا َد ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بدلي ِل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﴾ َأي‪ :‬ال معصو َم إِال َمن َرح َمه ُ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫أي�ض��ا‪ ﴿ :‬ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ﴾ القصر‬ ‫ويالح��ظ يف ه��ذا القول � ً‬
‫البديــع إِ ْذ أنــ ُه قصــر العصم َة علــى َم ْن يرحمــه اهلل يف هــذا اليوم بطريــق النفي‬
‫اإل ِ‬
‫يجاز‪ ،‬وهذا القصر‬ ‫مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجملة َ‬‫القصر تأكيدَ مضمون ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالستثناء‪ ،‬وقدْ أفا َد هذا‬
‫يوضح احتياج الناس الشديد إلى رحمة اهلل ورأفته يف هذا اليوم العصيب‪.‬‬
‫ِ‬
‫صمــة المؤمنيــن‬ ‫َو ُك ِن��ي به��ذا الق��ولِ ‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ عــن ِع‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السفينة ونجاهتم‪ ،‬وعدم عصمة غيرهم ونجاهتم‪.‬‬ ‫الموجودين يف‬
‫وكان مقت�ضى الظاهر يف الآية �أن يكون الكالم هكذا‪( :‬ال عاصم من أمر اهلل‬
‫اهلل) لكنه قال‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﴾‪.‬‬
‫إال ُ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪106‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه‬

‫ِ‬
‫لرحمته‪ ،‬و َأ َّن رحمت ُه‬ ‫وتحقيق‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫تفخيم‬ ‫ِ‬
‫الموصول‪ ...‬زياد ُة‬ ‫دول إلى‬ ‫ويف ال ُع ِ‬
‫ِ‬
‫الوجوه(((‪.‬‬ ‫هي المعتصم ال إلى الجب ِل وهو أقوى‬
‫ِ‬
‫المــاء‪ .‬وع َّب َر‬ ‫وامل��راد م��ن قول��ه‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﴾‪ ،‬أي‪ :‬ال عاصــم اليــوم من‬
‫خطئه يف‬‫ِ‬ ‫ألمــر ِه وتنبيها ِ‬
‫البنه علــى‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫وهتويل‬ ‫ِ‬
‫المــاء‪،‬‬ ‫تفخيما لِشــأن ذلك‬ ‫بذلــك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫بالهرب إلــي‬ ‫يتخلص منهــا‬ ‫ِ‬
‫الميــاه التــي‬ ‫ِ‬
‫كســائر‬ ‫ِ‬
‫وتوهمــه أنــه‬ ‫ِ‬
‫تســميته‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المعهودة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المهارب‬
‫فقرن ذكر المصالح والمفاسد بالتوجيه‪ ،‬حيث قد يكون جهل االبن وقلة‬
‫إدراكه لحجم الخطر وســوء العواقب ً‬
‫حائل دون االستجابة للتوجيه‪ ،‬ولذلك‬
‫موضحا‬
‫ً‬ ‫نوح ڠ على جواب ابنه ﴿ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾‬
‫عقب ٌ‬
‫أن األمر أكرب مما تتوقع ويحيط به خيالك وفكرك‪.‬‬
‫ألن الجملــ َة‬ ‫ِ‬
‫جملــة ﴿ ﮯ ﮰ ﴾؛ َّ‬ ‫وف�ص � ُل قول �هِ‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﴾‪ ،‬عــن‬
‫الثانيــةَ‪ ﴿ :‬ﯘﯙﯚ﴾ وقعت جوا ًبا لســؤال أثارت ُه الجملــ ُة األولي فكأن ُه قِ َيل‪:‬‬
‫الجواب ﴿ ﯙ ﯚ ﴾‪ ،‬وفصل بينهما لشبه كمال االتصال‪.‬‬‫ُ‬ ‫أهذا يمك ُن؟ فكان‬
‫ِ‬
‫الماء يف ِ‬
‫حين‬ ‫ِ‬
‫فيضان‬ ‫ِ‬
‫ســرعة‬ ‫تشــير إِلى‬ ‫ِ‬
‫المحاورة‬ ‫وحيلول ُة الموجِ يف ِ‬
‫آخر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المحاورة(((‪.‬‬
‫وقول��ه‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ﴾ إِشــار ٌة موجــز ٌة إِ ً‬
‫يجازا بدي ًعا ألهنا تشــير‬
‫تتضح يف ســرعة‬ ‫ِ‬
‫اإليجاز‬ ‫ِ‬
‫الكافرة‪ ،‬وبالغ ُة هذا‬ ‫ِ‬
‫الفئــة‬ ‫ــه وغرق من معه من‬‫لغرقِ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫هبالك الهالكين‪.‬‬ ‫قضاء اهلل‬

‫ِ‬
‫تفسير البيضاوي‪ ،‬للشهاب الخفاجي (‪.)100/5‬‬ ‫((( حاشية الشهاب علي‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)77/12‬‬

‫‪107‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫كونه من المغرقِين‪.‬‬
‫للمبالغة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التعبير على (صار)‬ ‫وإِ ُ‬
‫يثار ﴿ ﮦ ﴾ يف‬
‫وبنهايــة الحــوار تنتهي حيــاة االبن علــى الرغم من حــرص األب على‬
‫بقائهــا‪ ،‬وهبذا تنتهــي قصة االبن العــاق المغرور العنيد‪ ،‬وبقــي من بعده األب‬
‫المكلوم الحزين الذي مافتئ يسأل اهلل فيه ويثني الطلب بالعفو عنه حتى جاءه‬
‫النهي من اهلل أن يسأله ماليس له به علم على طريقة الجاهلين‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪108‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ‬

‫املبحث الثاين‬
‫حوار �إبراهيم مع ابنه �إ�سماعيل ڽ‬

‫﴿ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬ ‫يق��ول تع��اىل‪:‬‬


‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الصافات‪.]210-200 :‬‬
‫يف هــذه اآليــات يصــور لنا القــرآن الكريم حــوار إبراهيــم ڠ مع ابنه‬
‫ــرم الذي طالما‬ ‫اله ِ‬
‫تصويــرا بدي ًعا‪ ،‬ذلــك الحوار الذي يصور لنا األب الشــيخ َ‬
‫ً‬
‫صالحا‪ ،‬فأجاب‬ ‫ً‬ ‫انتظــر ابنــه‪ ،‬وطال هذا االنتظار حتى دعا ربه أن يهــب له ولدً ا‬
‫ربــه هــذه الدعوة‪ ،‬ثم بعد ذلك يســتأذنه يف ذبحــه‪ ،‬واالبن يرد عليــه ر َّدا إيمان ًيا‬
‫الــورع المطمئن ﴿ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﴾‪ ،‬وليس هذا فحســب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هادئًــا‪ ،‬رد المؤمن‬
‫صابــرا‪ ،‬لكن اهلل ‪ ‬أمتن علــى األب الحنون‬ ‫ً‬ ‫وإنمــا يعده بأن يكون‬
‫المتعلــق بابنه‪ ،‬واالبن الطائع البار؛ بأن أنزل عليهما الفداء الذي يخلص األب‬
‫من معصية الرب‪ ،‬وذبح الولد‪.‬‬
‫وتبدأ هذه اآليــات الكريمات بدعاء أبي األنبياء الذي فيه يناجي ربه بأن‬
‫يرزقه ولدً ا‪.‬‬
‫يق��ول تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾‪ ،‬ويالحظ أن إبراهيم ڠ لم يذكر‬
‫حــرف النداء مع ﴿ ﯯ﴾ يف قولــه‪ ﴿ :‬ﯯﯰﯱ‪ ﴾ ...‬اآلية‪ ،‬ولكنه أتى به مجر ًدا‪،‬‬
‫وهــذا يعــر عن شــعور إبراهيم بقربه من ربــه‪ ،‬وقربه تعالى منــه ڠ‪ ،‬وأنه ال‬
‫توجد عوائق بينهما وال وسائط‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وتكر ًّما‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫تفضل‬ ‫�بر ع��ن هذا بلفظ‪( :‬الهبة)؛ ليشــعرنا بأن هذا ســيكون‬
‫و َع َّ َ‬
‫من قِب ِل رب العالمين‪ ،‬وهذا المعنى ليس موجو ًدا يف لفظ‪( :‬ارزقني)‪.‬‬
‫والأم��ر يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﯰ﴾ مــراد بــه الدعاء‪ ،‬فإبراهيــم ڠ توجه إلى ربه‬
‫بالدعــاء متضر ًعــا أن يرزقه ولدً ا‪ ،‬وليــس أي ولد‪ ،‬وإنما يرجــو أن يكون ولدً ا‬
‫بارا‪ ،‬ولِهذا قال‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﴾‪.‬‬ ‫صالحا ًّ‬
‫ً‬
‫وج��اء الن���ص الق��ر�آين با�س��م الفاع��ل جممو ًعا؛ للإ�ش��عار ب�أن ال�ص�لاح املراد‬
‫هو‪ :‬الصالح الثابت الدائم‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إنّه ڠ أراد أن يكون ابنه‬
‫مشــتهرا بالصــاح معرو ًفا به‪ ،‬كل هذا ُف ِه َم من التعبير باســم الفاعل المجموع‬
‫ً‬
‫مما يشهد بدقة التعبير القرآين‪.‬‬
‫حليما يف المستقبل‪.‬‬
‫ً‬ ‫بشره تعالى بِ ُغال ٍم سيكون‬
‫وعلى الفور َّ‬
‫يق��ول تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶﯷ ﴾‪ ،‬فــاهلل ‪ ۵‬يخــره يف هــذه اآليــة بأنه‬
‫سيرز ُقه ولدً ا سيكون حليما يف كِب ِر ِه فكأنه ب ِّشر ِ‬
‫ببقاء ذلك الولد؛ ألن الصغير ال‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يوصف بذلك‪ ،‬فكانت البشرى من المالئكة(((‪.‬‬
‫وأطلــق لفظ ﴿ ﯷ ﴾ وهو ال يكون كذلك بمجرد مولده‪ ،‬وإنما تحدث‬
‫له هذه الصفة المثلى بعد ذلك بسنين(((‪ .‬على سبيل المجاز المرسل باعتبار ما‬
‫سيكون‪ ،‬ويف هذا المجاز مزيد من البشارة‪ ،‬وتعجيل بالمسرة‪.‬‬
‫حليما‪ ،‬وبدأ يســعى معه يف‬
‫ً‬ ‫وحينمــا جــاء الولد الحبيــب الذي ســيكون‬
‫وصربٍ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صدر َ‬ ‫منامه بِ ِس َّع ِة‬
‫ِ‬ ‫بعض األمور‪ ،‬أوحى اهلل ِ‬
‫إليه يف‬

‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)5543/7‬‬


‫((( البيــان بين عبد القاهر والســكاكي‪ ،‬لـ د‪/‬علي البدري (‪ .)147‬وانظر‪ :‬علــم البيان‪ ،‬لـ د‪/‬عبد الفتاح‬
‫الشين (‪.)146‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪110‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ‬

‫﴿ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬ ‫يق��ول تع��اىل‪:‬‬


‫ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﴾‪ .‬وجــاء أمــر اهلل ‪۵‬‬
‫إلبراهيــم ڠ بذبــح ابنه يف صورة رؤيا إكرا ًمــا إلبراهيم ڠ حتي ال ينزعج‬
‫بأمر اليقظة ﴿ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ وهذا جواب لسؤال نشأ من قوله‪:‬‬
‫﴿ ﯹﯺ﴾‪ ،‬فكأنــه قيــل‪ :‬ماذا حدث بعد بلوغ الســعي؟ فقيــل‪ ﴿ :‬ﯽﯾ﴾‪،‬‬
‫وفصل بين الجملتين لما بينهما من شبه كمال االتصال‪.‬‬
‫والرتح ِم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ويف قوله‪ ﴿:‬ﯾ ﴾ خرج النداء إلى الشفقة‬
‫وعــر بالفعــل المضــارع ﴿ ﰀ﴾ ً‬
‫بــدل مــن الفعــل الماضــي (رأيت)؛‬
‫الستحضار الصورة الماضية‪ ،‬فإبراهيم ڠ أراد أن يستحضر الحالة الماضية‬
‫لولده؛ ليجعله وكأنه يشاهدها ويرى الرؤية معه‪ .‬ويف هذا من استجالب الطاعة‬
‫والتسليم من الولد ما ال يخفى‪.‬‬
‫وامل��راد م��ن الأم��ر يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﴾ االستشــارة والرتغيب يف‬
‫الطاعة؛ ألن هذه الطاعة طاعة هلل تعالى قبل أن تكون طاعة لألب‪.‬‬
‫ويــأيت الجواب غير المتوقع من غالم يف هذه الســن‪ ،‬لكن بالتأمل نجده‬
‫بشر اهلل بحلمه يف المستقبل‪ ،‬غالم ابن نبي وسيكون نب ًّيا‪ ،‬ومن‬‫متوق ًعا من غالم ّ‬
‫نســله خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬والجواب هو‪ ﴿ :‬ﰊﰋﰌﰍﰎ ﴾‪ .‬ويالحظ‬
‫أن الغــام قــد نادى أباه مع أنــه قريب منه بحرف النداء (يا)‪ ،‬وذلك لإلشــعار‬
‫وتعظيما‪ ،‬فلم تتأثر مكانته ڠ عند ولده بأمر‬
‫ً‬ ‫توقيرا له‬
‫ً‬ ‫ببعد المنزلة والمكانة‬
‫الذبح الذي أخربه به‪.‬‬
‫وق��د طب��ع قول��ه‪ ﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﴾ بطابــع اإليجــاز بحــذف فاعل ﴿ ﰍ ﴾‬
‫والجار والمجرور به‪ ،‬وهذا يوضح مدى ســرعة امتثال الغالم إســماعيل ألمر‬
‫ِ‬
‫ربه الكريم وأبيه الحنون المحزون‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫والأمر يف قولهِ‪ ﴿ :‬ﰋ﴾ مراد منه التسليم والتفويض‪ ،‬فالغالم قد استسلم‬
‫ألمر ربه ورغبة أبيه يف تنفيذ أمر اهلل ‪ ،۵‬فالقدوة يف الرتبية أسرع ً‬
‫سبيل وأقصر‬
‫طري ًقــا المتثال األبنــاء للتوجيه‪ ،‬فامتثال إبراهيم ڠ ألمر اهلل وســرعة تنفيذه‬
‫جعل إسماعيل ڠ يمتثل أمره ويحث والده على تنفيذ األمر‪.‬‬
‫وعدل عن �أن يقول‪( :‬اذبحني) إلى ﴿ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﴾ للجمع بين الفعل‬
‫وتعليلــه‪ ،‬أي‪ :‬أذنت لك أن تذبحني؛ ألن اهلل أمــرك بذلك‪ ،‬ففيه تصديق ألبيه‪،‬‬
‫وتصديق ألمر اهلل فيه(((‪.‬‬
‫و�أوث��ر التعب�ير ب�صيغ��ة امل�ض��ارع يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﰆﰇ﴾؛ للداللــة على أن‬
‫مستمر إلى حين االمتثال به(((‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫األمر متعلق به‬
‫ثم يخرب الولد أباه بأنه ليس جاز ًعا من األمر ﴿ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔ﴾‪،‬‬
‫أي‪ :‬أنه سيكون بعد فعلته من المعروفين بالصربِ مبال ًغا يف صربه‪ ،‬ولِذا أوثر أن يقال‪:‬‬
‫﴿ ﰓ ﰔ ﴾ بصيغة اسم الفاعل مجمو ًعا ً‬
‫بدل من (صابر) اسم الفاعل مفر ًدا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ استســلم إبراهيم ڠ ألمر رب األنام واستعد لذبحِ ابنه‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪.‬‬
‫والقرآن عرب عن هذا االستســام بطريــق اإليجاز‪ ،‬فالكالم محذوف منه‬
‫المتعلــق وجــواب ﴿ ﯬ ﴾؛ ألن الكالم على تقدير فلما أســلما ألمــر اهلل‪ ،‬وت َّله‬
‫للجبيــن كان ما كان مما ينطق به الحال وال يحيط به المقال من استبشــارهما‪،‬‬
‫وشكرهما هلل على ما أنعم عليهما(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)152/23‬‬


‫((( إرشاد العقل السليم‪ ،‬ألبي السعود (‪.)416/4‬‬
‫((( ينظر‪ :‬حاشــية الشــهاب على تفســير البيضاوي‪ ،‬للشــهاب الخفاجي بتصــرف (‪ ،)281/7‬وينظر‪:‬‬
‫الفوائد المشوق إلي علوم القرآن وعلم البيان‪ ،‬البن النقيب (‪.)102‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪112‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ‬

‫ويف لحظة تنفيذ األمر ولم يبق إال أن تزهق الروح‪ ،‬ويســيل الدم‪ ،‬يفاجئه‬
‫ربه بندائــه العظيم ﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾‬
‫ليكافــأ على امتثاله ألمر ربــه وتصديقه رؤيته التصديــق المخلص الذي جعله‬
‫كبده أو نفسه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء حتى ولو كان هذا الشيء هو فلذة ِ‬ ‫يبذل يف سبيل اهلل أي‬
‫ويف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭖ ﴾ اســناد هــذا النداء إلى نفســه تعالــى‪ ،‬وهذا يوحي‬
‫بمدى رضا اهلل وإعجابه بطاعة إبراهيم ڠ له تعالى‪ ،‬وطاعة ولده له‪.‬‬
‫ويالحظ نداء اهلل تعالى إلبراهيم بـــأداة النداء (يا) داللة على ِع َظ ِم األمر‬
‫ِ‬
‫لشأنه‪ ،‬وليسرع المنادى باالمتثال واإلجابة‪.‬‬ ‫وتفخيما‬
‫ً‬
‫وأكدَ تعالــى تصديق إبراهيم ڠ‪ ،‬وتنفيذه األمــر بقوله‪ ﴿ :‬ﭚ ﭛ ﴾‬
‫حيث اقرتن الفعل الماضي بـ﴿ ﭚ ﴾ وهذا يشعر بالمبالغة يف تحقيق التصديق؛‬
‫إذ إن التعبير بالفعل الماضي يفيد غال ًبا تحقق الوقوع وحتميته‪.‬‬
‫وأكد النص القرآين المعنى بـ(إن)‪ ،‬واسمية الجملة يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ﴾ حتى ال يتبادر إلى الذهن أدنى شك يف أن اهلل ‪ ۵‬يجازي المحسنين‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلشــارة ﴿ ﭟ ﴾ لإلشعار بفخامة هذا الجزاء‪ ،‬وتصويره‬ ‫والتعبير باسم‬
‫عظيم ال يقدر قدره وال يدرك كنهــه وال مثيل له وال حد؛ إذ إن‬
‫ٌ‬ ‫كبير‬
‫بأنــه جــزا ٌء ٌ‬
‫هــذا الجزاء هو جزاء الصرب على أمر من الصعوبة بمكان‪ ،‬فال يخفى على أحد‬
‫وحيد مجلل وعصيب‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أن ذبح ٍ‬
‫ولد‬
‫ثــم يقــرر اهلل ‪ ‬أن مــا حــدث إلبراهيم ڠ وابنه مــا هو إال‬
‫بالء عظيم فمن الصعب على النفس جرح الولد وإيجاعه‪ ،‬وليس ذبحه‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وجاء النص القرآين بـ﴿ ﭣ ﴾ واســمية الجملة؛ لإلشــعار بأن هذا األمر‬
‫ال شك فيه وال مراء‪ ،‬فما من شك أن هذا األمر بالء كبير ال يقوى عليه أحد‪.‬‬
‫وضح واأللم كبير‬
‫ٌ‬ ‫وأكد هذا المعنى بوصف البالء بـ﴿ ﭧ ﴾‪ ،‬فالبالء‬
‫ويتضــح القصــر يف اآلية حيث قصر ما حــدث إلبراهيم ڠ على كونه‬
‫قصرا حقيق ًّيا‪ ،‬والطريق الذي استخدم يف هذا القصر قليل االستعمال‪،‬‬
‫بالء مبين ً‬
‫وهو‪ :‬ضمير الفصل‪.‬‬
‫وقد ساعد هذا الطريق على اإلشعار بعظم األمر وفخامة القصة‪.‬‬
‫والتعبير بالفعل الماضي يشعر بتحقق الفداء‪ ،‬ووقوعه بشكل مؤكد‪ ،‬وأن‬
‫هذا األمر كتب منذ األزل‪.‬‬
‫كبير بالــ ِغ ِ‬
‫الع َظ ِم يف‬ ‫بكبش ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وتنكيــر ﴿ ﭪ﴾ يشــعر بــأن هذا الفــداء كان‬
‫الح ِ‬
‫جــم‪ ،‬وأكــدَ هــذا المعنى بكلمــة ﴿ ﭫ ﴾‪ ،‬ثم يشــير اهلل ‪ ۵‬إلــى منزلة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وبقائه إلى يــوم الدين يف كتابــه الباقي؛ إذ‬ ‫ِ‬
‫ذكــره‪،‬‬ ‫إبراهيــم ڠ‪ ،‬وخلــود‬
‫تختــم اآليــات بقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﴾‪.‬‬
‫فقد نكر المسند إليه ﴿ ﭲ﴾ لإلشعار بعظمة هذا السالم وفخامته عظمة‬
‫وفخامة ال يدرك كنهها إال اهلل‪.‬‬
‫وكــرر ذلــك الجزاء مبالغ ًة يف الثنــاء‪ ،‬ثم ع َّل َل بأنه كان من الراســخين يف‬
‫َّ‬
‫اإليمان مع اإليقان واالطمئنان(((‪.‬‬
‫أب‪ ،‬وقد أبرزها القرآن الكريم يف شــك ِل‬
‫هــذه قصــة إبراهيم ڠ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫قصة يف سورة الصافات الكريمة حتى يستوعبها السامع‪.‬‬

‫((( صفوة التفاسير‪ ،‬لمحمد علي الصابوين (‪)37/3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪114‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ‬

‫والقصــة وهي إحــدى الجوانب الخصبــة يف األدب العربي كانت بعض‬


‫ِ‬
‫هنجا فريدً ا‪ ،‬فهو‬ ‫الكريــم إِ َّل أنه َ‬
‫هنج فيها ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أســلوب القرآن‬ ‫الخصائص البيانية يف‬
‫صة موســى‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وبعض‬ ‫كق ِ‬ ‫مختلفة؛ ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وألــوان‬ ‫ٍ‬
‫متنوعة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بعبارات‬ ‫يكررهــا‬
‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــف ڠ‪،‬‬
‫وس َ‬‫يجئ هبــا متكامل ًة يف موضــ ٍع واحد كَق َصة ُي ُ‬
‫األنبيــاء ۏ‪ ،‬وقــد ُ‬
‫وأهل الكهف(((‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( من البعد النفسي للتذوق البالغي ألسلوب القرآن الكريم (‪.)20‬‬

‫‪115‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املبحث الثالث‬
‫حوار يعقوب مع ابنه يو�سف ڽ‬
‫وخوفه عليه من ح�سد �إخوته‬

‫يقول تعاىل يف �س��ورة يو�س��ف‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬


‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾‬
‫[يوسف‪.]6-4 :‬‬
‫هــذه اآليــات الثــاث تمثل َق ِصة يوســف رؤيــاه على أبيه وهــو صغير‪،‬‬
‫وطلــب أبيــه منه أن يمتنع من قــص تلك الرؤيا على إخوته‪ ،‬خو ًفا من الحســد‬
‫والكيد له‪ ،‬وتعبير تلك الرؤيا له‪ ،‬وما فيها من البشــارة وحســن العاقبة‪ ،‬والتنبيه‬
‫ِ‬
‫الناس(((‪.‬‬ ‫شأنه عند المولى ‪ ۵‬وعند‬ ‫ظم ِ‬ ‫على ِع ِ‬
‫﴿ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬ ‫يق��ول تع��اىل‪:‬‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﴾‪.‬‬
‫ب��د�أ ه��ذا املوق��ف بالكناي��ة ع��ن الوق��ت ال��ذي ُق َّ�ص��تْ في��ه الر�ؤي��ا‪ ،‬وه��و قول��ه‬
‫تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯢﯣﯤ ﴾ فكلمــة ﴿ ﯢ ﴾ مــع الفعل الماضي ﴿ ﯣ﴾ إشــارة إلى‬
‫الوقــت الــذي ُقص فيه الرؤيا‪ ،‬وهــو الماضي حيث تســتعمل ﴿ ﯢ﴾ للماضي‬
‫غال ًبا‪ ،‬وليست شرطية(((‪.‬‬

‫((( تفسير المراغي‪ ،‬ألحمد مصطفى المراغي (‪)114/12‬‬


‫((( لمسات بيانية‪ ،‬للدكتور فاضل السامرائي (‪ ،)165‬تفسير آية‪ :86( :‬األعراف)‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪116‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‬

‫ويالحــظ تعريــف المســند إليــه ﴿ ﯤ﴾ بالعلمية‪ ،‬وذلــك ألن القرآن‬


‫يقصــد هبذا إحضاره بعينه يف ذهن الســامع أو القارئ ابتدا ًء باســم مختص به‪،‬‬
‫حتى يحدده وال يبعد الذهن عنه‪.‬‬
‫قريب منه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حاضر‬
‫ٌ‬ ‫و�أُثِرت (يا) يف النداء يف قوله‪ ﴿ :‬ﯦ ﴾ مع َّ‬
‫أن أباه كان‬
‫وذلك لإلشــعار بأهمية الخرب الملقى‪ ،‬فينزل المخاطب الحاضر منزلة الغائب‬
‫المطلوب حضوره‪ ،‬وهو كناية عن االهتمام(((‪.‬‬
‫ويدل على إنصات يعقوب واهتمامه بكالم ابنه أنه يحكي له األمر حكاية‬
‫المسرتيح الهادئ‪ ،‬ويقص عليه كامل الرؤيا دون ضجر من الوالد أو استعجال‪.‬‬
‫و�أ�شار الإمام الألو�سي عند قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﴾ إلى أن المراد‬
‫مــن النداء يف قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﰊ ﴾ التوقير والتعظيم‪ ،‬لذلــك قال‪ ﴿ :‬ﰊ ﴾‬
‫ولــم يقل‪( :‬يا أبي)‪ ،‬وهــذا مفهوم من إبدال الياء تا ًءا؛ ألهنــا تدل على المبالغة‬
‫والتعظيم له(((‪.‬‬
‫والرؤيــا التــي رآها يوســف ڠ كانت محققــ ًة مؤكدةً؛ إذ جــاء النص‬
‫القرآين مؤكدً ا بأكثر من مؤكد يف قوله‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾‪ ،‬فقد أكد النص‬
‫بالجملة االسمية‪ ،‬و(إِ َّن) لإلشعار بأن هذه الرؤيا وقعت وقو ًعا حقيق ًّيا ال شك‬
‫فيه وال مراء‪.‬‬
‫تفخيما لطول الــكالم(((‪ ،‬وإشــارة إلى ضخامة‬
‫ً‬ ‫وتكــرار فعــل ﴿ ﯨ ﴾‬
‫األمــر وعظمته‪ ،‬وهــذا اإلطناب كان مــن العوامل التي ســاعدت يف تأكيد أمر‬
‫الرؤيا فيوســف ڠ بعقــل الطفل الصغيــر رأى ضرورة لتكــرار فعل الرؤيا‪،‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)207 /10‬‬
‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)178/12‬‬
‫((( التبيان يف إعراب القرآن‪ ،‬للعكربي (‪.)722/2‬‬

‫‪117‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫إنــكارا لما رآه منا ًمــا‪ ،‬وال بدع يف هذا‬
‫ً‬ ‫وكأنــه توقــع ڠ من أبيه اســتغرا ًبا‪ ،‬أو‬
‫الص َبا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ يف ميعة ِ‬ ‫صح‪ ،‬إِ ْذ كان‬
‫التوقع من يوسف إن َّ‬
‫وإيثار التعبير بالفعل الماضي ﴿ ﯨ ﴾ يؤازر التكرار يف اإلشعار بتحقق‬
‫رؤياه لِما يف الفعل الماضي من تحقق الوقوع‪.‬‬
‫وقدم قوله‪ ﴿ :‬ﯩﯪﯫ﴾ و َأ َّخ َر ك ًُّل من ﴿ ﯬﯭ﴾‪ ،‬ولم يندرجا‬
‫يف عموم الكواكب؛ إلظهار مزيتهما وشرفهما(((‪.‬‬
‫كما يالحظ تقدمي ال�شم�س على القمر يف قوله‪ ﴿ :‬ﯬﯭ﴾‪ ،‬وذلك‬
‫نورا‪ ،‬وأكثر نف ًعا من القمر‪ .‬وإِ َّما لكوهنا أعلى‬
‫إِ َّما لكوهنا‪ :‬أعظم جر ًما‪ ،‬وأسطع ً‬
‫ِ‬
‫فلكه(((‪.‬‬ ‫مكانًا منه‪ ،‬وكون فلكها أبسط من‬
‫ويالح��ظ �أن‪ :‬وضــع (الكواكــب) يف خانــة‪ ﴿ ،‬ﯬ ﯭ ﴾ يف خانــة‬
‫أخــرى‪ ،‬كان على قــدر رائع من البالغة للداللة على أن والدته ســوف تتوقف‬
‫عن الحمل‪ ،‬وقد حصل‪ ،‬وأن زوجة أبيه وأم إخوته ســوف تكون من الهالكين‬
‫قبــل زوجهــا وقبل أبنائهــا‪ ،‬ولو لم يكن قد حصــل لما رأينــا الحديث عنها يف‬
‫صفرا(((‪.‬‬
‫الرحلة قد كان ً‬
‫ويت�ض��ح الت�صوي��ر يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﯰ ﴾ حيــث شــبهت الكواكــب‬
‫والشــمس والقمر ُبأناس يعقلون‪ ،‬ثم حذف المشبه به‪ ،‬وذكر شيء من لوازمه‪،‬‬
‫وهو‪ :‬الســجود على سبيل االســتعارة المكنية‪ .‬وهذه االستعارة تصور الطاعة‬
‫العمياء واالنقياد التام من الكواكب والشــمس والقمر ليوسف ڠ وذلها له‪،‬‬
‫مما يوحي بفضل اهلل العظيم عليه‪.‬‬

‫((( فتح القدير‪ ،‬للشوكاين (‪ ،)25/3‬وينظر‪ :‬روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)179/12‬‬


‫((( المرجع السابق (‪.)178/12‬‬
‫((( يف التذوق الجمالي لسورة يوسف دراسة نقدية ابداعية‪ ،‬لمحمد علي أبو حمدة (‪.)53‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪118‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‬

‫ووصف الكواكب والشــمس والقمر بجمــع العاقل ﴿ ﯰ ﴾؛ ألنه‬


‫جعلهم كاإلنس يف السجود والطواعية فجعلهم كاإلنس يف الجمع والتذكير(((‪.‬‬
‫وقد وصف فعل غير العاقل بوصف العاقل‪ ،‬وهو السجود؛ للداللة على‬
‫أهنا إلهام ال مجرد أضغاث أحالم(((‪.‬‬
‫‪ ‬والكواك��ب وال�شم���س �أج��رام �س��ماوية ف�لا ي�أت��ي منها م��ا ي�أتي من‬
‫العقالء‪ ،‬وقد �أجراها القر�آن يف هذه الآية جمري العقالء يف مو�ضعني‪:‬‬
‫‪� ‬أولهم��ا‪ :‬أعــاد يف قوله‪ ﴿ :‬ﯮ﴾ حيث أعاد عليها الضمير الذي يعاد‬
‫بــه على العقــاء‪ ،‬وكان حــق التعبير أن يقــال‪( :‬رأيتها)‪ ،‬ويف هــذا فائدة تكرار‬
‫الجمل والعبارات التي يحتاجها المحاور يف حواره‪ ،‬وتظهر أهميته يف التنبيه‬
‫لالســتيقاظ إذا طال الكالم وخشــيت نســيان األول‪ ،‬أعيد ثانية تطرية له‬
‫وتجديدً ا لعهده(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيهما‪ :‬يف قوله ﴿ ﯰ﴾ حيث أجري عليه الوصف الذي من حقه‬
‫أن يجري على العقالء‪ ،‬وكان حق التعبير أن يقال‪( :‬ساجدة)‪ ،‬ال ﴿ ﯰ ﴾‪.‬‬
‫‪ ‬ولتوجيه ذلك طريقان‪:‬‬
‫�أولهم��ا ‪-‬ذكره املف�س��رون‪ -‬وه��و‪ :‬ألنه لما وصفها بما هو خاص بالعقالء‬
‫–وهو الســجود‪ ،‬وإن كان سجود كل شي بحسبه ليس سجود هذه المخلوقات‬
‫وضــع جباهها على األرض((( – أجري عليها حكمهم‪ ،‬كأهنا عاقلة‪ ،‬وهذا كثير‬

‫((( ينظر‪ :‬معاين القرآن‪ ،‬لألخفش (‪.)587/2‬‬


‫((( تفسير المنير‪ ،‬للزحيلي (‪.)206/11‬‬
‫((( الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي (‪.)104/3‬‬
‫((( مجموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية (‪.)284/21‬‬

‫‪119‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫حكما من أحكامه‬
‫ً‬ ‫شائع يف كالمهم أن يالبس الشيء من بعض الوجوه‪ ،‬فيعطي‬
‫إظهارا ألثر المالبسة والمقاربة‪ ،‬وهذا توجيه حسن مقبول‪.‬‬
‫ً‬
‫رموزا وكنايات عن عاقلين حيث صرح المفســرون‬
‫ً‬ ‫ثانيهم��ا‪ :‬أن تكــون‬
‫بــأن المراد مــن‪( :‬الكواكــب) إخوته‪( ،‬والشــمس والقمر)‪ :‬أبــواه – لما كانت‬
‫كذلك – عوملت معاملتهم فأجري عليها ما جري عليهما‪.‬‬
‫والف��رق ب�ين التوجيه�ين‪ :‬أن األول عــام يمكــن أن ينتفــع بــه يف غير هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬والثاين خاص به دون سواه(((‪.‬‬
‫يظهــر من هــذا أن يوســف ڠ كان غال ًما ليــس كالغلمــان‪ ،‬وال صب ًّيا‬
‫الصبي للكواكب أن يراهــا حواليه أو‬ ‫َخ ْي ُل يف رؤيــا‬ ‫ِ‬
‫كالصبيــان؛ ألن أكثر مــا ُيت َ‬
‫ّ‬
‫الصبي له يف‬
‫َّ‬ ‫بجواره‪َ .‬أ َّما أن يراها ســاجد ًة فهذا هو العجب مما يشــعر بأن هذا‬
‫المســتقبل شــأن عظيم‪ .‬ذلك األمر جعل أباه يحذره مــن أن يقص تلك الرؤيا‬
‫على إخوته حتى ال يكيدوا له‪.‬‬
‫ويف الآي��ة التالي��ة‪ :‬يحذر يعقوب ڠ ولده يوســف من قص رؤياه على‬
‫إخوته خو ًفا من كيدهم له؛ إذ إن الشيطان كيده واضح مؤثر‪.‬‬
‫يق��ول تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [يوسف‪.]5 :‬‬
‫ويالحــظ أن يعقوب ڠ قــد نادى ابنه يوســف بلفظ البنــوة مصحو ًبا‬
‫بحــرف النــداء (يا) يف قوله‪ ﴿ :‬ﭬ﴾ مع وجوده معــه يف المكان ليحفز الذهن‬
‫الســتقبال النصــح‪ ،‬والتنبيه على أن ما ســيأيت مهم‪ ،‬ولإلشــارة إلــى بعد منزلة‬
‫يوسف ڠ ً‬
‫تنزيل لبعد المنزلة منزلة بعد المكان‪.‬‬

‫((( خصائص التعبير القرآين وسماته البالغية‪ ،‬لـ د‪/‬عبد العظيم المطعني (‪.)479/1‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪120‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‬

‫وقد نادى يعقوب ڠ ولده بصيغة التصغير فقال ﴿ ﭬ ﴾‪ ،‬وذلك ألن‬


‫المقام مقام شفقة وعطف وحنو‪.‬‬
‫و ُأثــر يف التعبير صيغة النهي ﴿ ﭓ ﭔ ﴾‪ ،‬وذلك لإلشــعار بالقلق الزائد‬
‫من األب على االبن‪ ،‬فزيادة المبنى أسهمت يف زيادة يف المعنى (التحذير) مما‬
‫يوحي بحرص ذلك األب على نجاة ولده‪.‬‬
‫وإضافة الرؤيا إلى ضمير يوسف ڠ يف قوله‪ ﴿ :‬ﭕ ﴾‪ ،‬لإلشعار بأن‬
‫هذه الرؤيا عظيمة يف مغزاها ومؤداها‪ ،‬وكأهنا بإضافتها هذه اكتســبت الشــرف‬
‫والعظمة من المضاف إليه‪.‬‬
‫وتنكيــر ﴿ ﭚﭛ ﴾ للتعظيم والتهويل‪ ،‬فيعقــوب ڠ يعلم أن ذلك الكيد‬
‫عظيمــا ً‬
‫هائل لذا نكــر لفظ ﴿ ﭚ﴾‪ ،‬فقــال‪ ﴿ :‬ﭘﭙ﴾‪ ،‬ولم يقل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ســيكون‬
‫فيكيدوا لك الكيد‪ ،‬ويف هذا مزيد من النصح والتحذير ليوسف ڠ‪.‬‬
‫وآثر التعبير القرآين لفظ (الكيد) على لفظ (المكر) مع أهنما متقاربان يف‬
‫المعنى‪ ،‬فالمكر مثل الكيد يف أنه ال يكون إال مع تدبر وفكر إال أن الكيد أقوى‬
‫قهرا سواء علِ َم أو ال‪.‬‬
‫من المكر‪ ،‬والكيد اسم إليقاع المكروه بالغير ً‬
‫وقــد أوقع أبناء يعقوب ڠ بأخيهــم المكروه دون علمه يف ما بعد؛ لذا‬
‫كان لفظ (الكيد) أنسب يف التعبير عن المعنى المراد‪.‬‬
‫ثم يعلل القرآن على لســان يعقوب التحذيــر بجملة ﴿ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﴾‪ ،‬وهذه الجملة واقعة استئنا ًفا بيان ًّيا؛ إذ إن الجملة السابقة عليها قد‬
‫أثارت سؤاال‪ ،‬تقديره‪( :‬لماذا يقع منهم هذا الكيد؟)‪ ،‬فقيل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ‪،﴾...‬‬
‫عما قبلها لما بينهما من شبه كمال االتصال‪.‬‬
‫ففصلت هذه الجملة َّ‬

‫‪121‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ولمــا كان يوســف متعج ًبا مما أخربه بــه أبوه كان كمن ينكــر األمر؛ لذا‬
‫تزاحمت المؤكدات على هذه الجملة ﴿ ﭜ ﴾‪ ،‬وإســمية الجملة ً‬
‫تنزيل ليوسف‬
‫منزلة المنكر يف أمر عداوة الشيطان لإلنسان‪.‬‬
‫وتعريف المســند إليه ﴿ ﭝ﴾ يوحي بأن يوسف يعلم تلك العداوة‪،‬‬
‫وأهنــا هي العــداوة المعهودة من الشــيطان البــن آدم؛ إذ أن (ال) يف قوله‪:‬‬
‫﴿ ﭝ ﴾ للعهد‪ ،‬وهذا يشــعر بأن يوســف ليس صب ًّيا كالصبيان العادية‪ ،‬فال‬
‫ِ‬
‫ب يوسف ڽ‪.‬‬ ‫يوجد صبي يخاطب من أبيه كما ُخوط َ‬
‫وقرن التعليل بالتوجيه مناسب لسرعة اإلمتثال من األبناء عند توجيههم‪،‬‬
‫فعلل يعقوب ڠ سبب توقعه وجود مكيدة ليوسف بسبب وسوسة الشيطان‬
‫التي ال تفارق ابن آدم إال بمنة اهلل عليه‪.‬‬
‫وتقديم الجار والمجرور يف قوله ﴿ ﭞ ﴾ على ﴿ ﭟ﴾ يوحي بعداوة‬
‫الشــيطان القديمــة‪ ،‬ومالصقته لبني آدم‪ ،‬فال يفرت أبدً ا عــن إغوائهم وإضاللهم‬
‫وال يمل‪ ،‬ويف ذلك منتهى التحذير منه‪.‬‬
‫وتنكير المســند ﴿ ﭟ ﴾ يوحي بأن هذه العداوة من ذلك الشيطان كثيرة‬
‫هائلة تستطيع أن تحرض ً‬
‫أخا على الكيد ألخيه‪ ،‬واإلضرار به‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن األبناء معرضين لوقوع الحسد والكيد فيما بينهم مما‬
‫علت مرتبتهم يف الفضل‪ ،‬وحسن الرتبية‪ ،‬ولذلك البد للوالدين من التنبه لهذا‪،‬‬
‫وإخماد كل شرارات العداوة التي قد تكون‪.‬‬
‫ثم ينتقل يعقوب ڠ من تحذير ابنه إلى تبشيره بتفضيله ‪-‬كتفضيل أبويه‬
‫من قبل‪ ،‬وإتمام النعمة عليه‪ -‬وأن هذا سيكون على وفق علم اهلل وحكمته‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪122‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‬

‫يقول تعاىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [يوسف‪.]6 :‬‬
‫�ص �دَّر يعق��وب ڠ قول��ه بكلم��ة‪ ﴿ :‬ﭢ ﴾ إشــارة إلــى العنايــة الربانية‬
‫المدلــول عليهــا مــن الرؤيا‪ ،‬وكذلك جــاءت لتعقد التشــبيه بيــن االختيارين‪،‬‬
‫فالمشــبه هــو اختيار ربه له‪ ،‬واصطفاؤه على البشــر‪ ،‬والمشــبه بــه هو االجتباء‬
‫البعيد الذي شــوهد آثاره من خالل ســجود تلك الكواكب له‪ ،‬ووجه الشبه هو‬
‫االصطفاء واالختيار العجيب‪.‬‬
‫وذكرت ﴿ ﭢ ﴾ هنا لعقد التشبيه لما يف هذا األمر من عجب وغرابة‪،‬‬
‫وهذا شأن اســتعمالها يف التشبيه‪ ،‬والتشبيه يوحي بعلو منزلة يوسف ڠ عند‬
‫ربه وارتفاع شأنه‪.‬‬
‫واملراد من الت�ش��بيه بيان امل�ضاهاة‪� .....‬أي‪ :‬كما سخرت لك تلك األجرام‬
‫العظام يسخر لك وجوه الناس ونواصيهم مذعنين لطاعتك خاضعين لك على‬
‫وجه االستكانة(((‪.‬‬
‫ويف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ تقديم للمفعــول (كاف الخطاب) على‬
‫الفاعل ﴿ ﭤ﴾؛ ألن الغرض هنا ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬بيان من وقع عليه فعل االجتباء‪.‬‬
‫فاالجتبــاء واقــع على ســيدنا يوســف ڠ‪ ،‬وبيــان هــذا كان أهم عند‬
‫يعقوب ڠ ولذا ُقدِّ َم‪.‬‬
‫وآثــر التعبير القــرآين لفظ ﴿ ﭣ ﴾ ً‬
‫بدل من (يختــارك) أو (يفضلك)‪،‬‬
‫ألن ﴿ ﭣ ﴾ مشــتق مــن جبيت الشــيء إذا خلصته لنفســك(((‪ ،‬واجتباء اهلل‬

‫((( إرشاد العقل السليم‪ ،‬ألبي السعود (‪.)80/3‬‬


‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬مادة‪" :‬ج‪-‬ب‪-‬ى"‪.‬‬

‫‪123‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫العبد تخصيصه بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النِعم بال سعي من العبد‪،‬‬
‫وذلك لألنبياء‪ ،‬وبعض ممن يقارهبم من الصديقين والشهداء(((‪ ،‬فمادة (جبى)‬
‫تدور حول معاين الصفوة من الشيء‪ ،‬واالستخالص‪ ،‬واالختصاص الحاصلة‬
‫ٍ‬
‫ســعي منه‪ ،‬وهذه المعــاين غال ًبا ما تكون مــن اهلل لعبده‪،‬‬ ‫للمصطفــى بــدون أي‬
‫وهــذه الــدالالت وااليحاءات ال يتحملهــا لفظ (يختــار) أو (يفضل) لذا كان‬
‫لفظ ﴿ ﭣ ﴾ أنسب للمقام‪.‬‬
‫وتعريف امل�سند �إليه بالإ�ضافة يف قوله‪ ﴿ :‬ﭤ﴾؛ وذلك لإلشعار بتشريف‬
‫وتعظيم يوسف ڠ فقد أضفت اإلضافة على يوسف ڠ عظمة وفخامة‪.‬‬
‫والغر���ض م��ن اخل�بر يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ إظهــار الغبطــة‬
‫والسرور‪ ،‬وإدخال البشرى على قلب يوسف ڠ‪ ،‬وإعالمه بالخير المتوقع له‪.‬‬
‫ورتــب التعليــم علــى االجتباء؛ ألنــه يكون االختيــار ثــم التعليم‪ ،‬ذلك‬
‫التعليم الذي يجعله عظيم الشــأن‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن اهلل ‪‬‬
‫ُيتِم نعمته ومنَّته عليه‪.‬‬
‫و�آثر التعبري بالفعل امل�ضارع يف قوله‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾؛ وذلك‬
‫الســتحضار مشــهد التعلم واستشــعار هــذه المنــة‪ ،‬وكأهنا مشــاهدة يف لحظة‬
‫اإلخبار‪ ،‬ويف هذا من البشرى ما ال يخفى‪.‬‬
‫ويت�ض��ح الت�ش��بيه يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶ﴾ حيث ش َّبه إتمام نعمة اهلل ‪ ‬ومنته على يوسف ڠ‬
‫بإتمام نعمة اهلل على آبائه من قبل‪ ،‬واألداة التي عقدت الصلة بين المشبه والمشبه‬
‫به (الكاف)‪ ،‬ووجه الشبه إتمام النعمة وكمالها وتحققها للطرفين‪.‬‬
‫((( المفــردات يف غريب القــرآن‪ ،‬للراغب األصفهــاين (‪ ،)87‬وانظر‪ :‬المعجم الوســيط‪ ،‬لمجمع اللغة‬
‫العربية (‪.)106/1‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪124‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‬

‫ويف هــذا التشــبيه تذكيــر بفضــل اهلل على يوســف وآبائه ۏ مــن قبله‪،‬‬
‫وإدخــال األنــس والطمأنينــة يف قلب يوســف ڠ بأن مصيره ســيكون نفس‬
‫مصير آبائه من الفضل والنعمة‪.‬‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬ﭲ﴾ كناية عن األجداد‪ ،‬وهذه الكناية تصور الصالح والربكة‬
‫الذين يمتدان إلى أجداد يوسف ۏ‪.‬‬
‫ويف التعبيــر عنهمــا بــاألب مع كوهنمــا أبا جده وأبــا أبيه إشــعار بكمال‬
‫ارتباطه باألنبياء ۏ‪ ،‬وتذكير معنى الولد ســر أبيه ل ِ ُي َطمئِ َن قلب ُه بما ُأخبِ َر به(((؛‬
‫وألن الجد أب يف استعمال العرب‪.‬‬
‫ويف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﴾ إيجاز بحذف المضاف إليه‪ ،‬والتقدير‪ :‬من قبل هذا‬
‫الوقت الذي أنت فيه‪ ،‬أو من قبلك‪ .‬وهذا اإليجاز يكشف عما يف نفس يعقوب‬
‫من رغبة قوية يف تبليغ يوســف ڽ بالبشــرى بأقصى سرعة ممكنة حتى ولو‬
‫كان عن طريق حذف كلمة أو حتى حرف‪.‬‬
‫ً‬
‫تذييل يقرر مضمون الجملة الســابقة‬ ‫وقول��ه‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ وقــع‬
‫ويؤكده ويحققه؛ ألن كل ما سبق يحدث على وفق مراد اهلل وحكمته‪ ،‬وهو من‬
‫باب اإلطناب‪.‬‬
‫وجمل��ة‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ استئناف بيانِي‪ ،‬فقد أثارت الجملة السابقة‬
‫عليها سؤال تقديره‪ :‬كيف يتم اهلل نعمته على يوسف ڠ‪ ،‬فقيل‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﴾‬
‫فالفصل لشبه كمال االتصال‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)188/12‬‬

‫‪125‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫امل َ ْب َح ُ‬
‫ـــث الرابع‬
‫حوار يعقوب ڠ مع �أبنائه وعتابه لهم‬
‫حينما �ضيعوا �أخاهم بنيامني‬

‫﴿ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬ ‫و�س� َ�ف‪:‬‬


‫يق��ول تع��اىل يف �س��ور ِة ُي ُ‬
‫ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [يوسف‪.]87-81 :‬‬
‫هــذه اآليات الكريمات توضــح الحوار الذي حــدث بين يعقوب ڠ‬
‫ِ‬
‫الســرقة التي اهتم هبا أخوهم‪ ،‬فأخوهم الذي أرسله معهم أبوهم‪،‬‬ ‫وأبنائه حول‬
‫ووعدوه بحفظه وقد ُح ِ‬
‫ج َز منهم‪.‬‬
‫األمر صع ًبا عليهم‪ ،‬واستيأسوا‪ ،‬فأشار كبيرهم ْ‬
‫بأن يرجعوا إلى‬ ‫فكان هذا ُ‬
‫أبيهــم‪ ،‬ويخربوه بأن ابنه ســرق‪ ،‬و ُأ ِخ َذ بما ســرق‪ ،‬وما قلنا إال مــا علمناه‪ ،‬وما‬
‫غيب‪ ،‬وما ُكنَّا حافظين له‪.‬‬ ‫َ‬
‫يحدث‪ ،‬ألن هذا ٌ‬ ‫توقعنا أن‬
‫يقول تعاىل‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالحذف‪ ،‬والتقدير‪ :‬ارجعوا‬ ‫ويتضح اإليجاز يف اآلية‪ ،‬وقد تحقق اإليجاز‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪126‬‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‬

‫ِ‬
‫بالقصة(((‪.‬‬ ‫إلى أبيكم وأخربوه‬
‫االلتماس‪ ،‬فأخوهم األكرب‬
‫ُ‬ ‫وامل��راد م��ن الأمر يف قول��ه‪ ﴿:‬ﮈ ‪ -‬ﮋ ﴾‬
‫يلتمس منهم أن يلقوا إلى أبيهم ذلك الخرب؛ ألنه ال يستطيع مواجهته‪.‬‬
‫ويالح��ظ الن��داء بـ(يا)‪ ،‬و�إ�ضافة الأبِ �إىل �ضمري املتكلمني (نا) يف قولهِ‪:‬‬
‫وآص ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬
‫وشــيجة دم ِ‬ ‫﴿ ﮌ﴾؛ وذلــك لتذكيــر أبيهم بما يوجــدُ بينهم وبينه مِ ْن‬
‫َ ٍّ‬
‫ن ََس ٍ‬
‫ــب‪ ،‬ألهنــم يعلمــون أن ذلك الخرب قد ُينســي ُه مــا بينه وبينهــم‪ ،‬والخرب هو‪:‬‬
‫أب قد‬ ‫ِ‬
‫الهين على ٍ‬ ‫ِ‬
‫باألمر‬ ‫عودهتم من غير أخاهم بنيامين وســرقته‪ .‬وهذا ليــس‬
‫ُح ِر َم من ٍ‬
‫ابن له من ُ‬
‫قبل‪.‬‬
‫وي�أتي تعريف امل�سندِ �إلي ِه ﴿ ﮎ ﴾ بالإ�ضاف ِة لي�ؤكد املعنى ال�سابق‪ :‬التذكير‬
‫ً‬
‫وإجالل له‪ ،‬فهم يستعظمون سرق َة‬ ‫تعظيما ألبيهم‬
‫ً‬ ‫بوشيجة الدم وآصرة النسب‬
‫أخيهــم ويســتنكروهنا‪ ،‬فهم يريدون أن يقولــوا أن أخيهم هذا لــم يكن ابن أي‬
‫ِ‬
‫األخالق والصالحِ ‪.‬‬ ‫وإنما هو ابن نبي جليل‪ ،‬وقد رباه على‬ ‫ٍ‬
‫أحد‪َّ ،‬‬
‫وقي��ل‪ :‬يف تعليــل قولهــم‪ ﴿ :‬ﮍﮎ﴾‪ ،‬ولم يقولــوا (أخانا)؛ ألنه ليس‬
‫ثرة َم َع َّز ِة أبيهم له‪.‬‬
‫شقي ًقا لهم‪ ،‬أو ل ِ َك ِ‬

‫وقيل‪ :‬أن الحســد لم يبق يف قلوهبم شــي ًئا من األخوة‪ ،‬فهو من التعريض‬
‫بتربئة أنفسهم من صنيعه(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫الملك‬ ‫اإليجاز‪ ،‬والتقدير‪ :‬إِ َّن ابنك ســرق يف ِ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫وقوله‪ ﴿ :‬ﮏ ﴾ على‬
‫ُ‬
‫وأصحابِ ِه(((‪.‬‬
‫((( البحر المحيط‪ ،‬ألبي حيان (‪.)313 /6‬‬
‫((( أورده االستاذ الدكتور عبد الفتاح خضر يف مدارسة بملتقى أهل التفسير ‪.1427/12/20‬‬
‫((( التفســير الكبيــر‪ ،‬للفخر الــرازي (‪ ،)193/9‬وال داعي لهذا التقدير ألهنم ذكــروا ماظهر لهم‪ ،‬وهو‬
‫توضيح أن سبب فقده هو أنه سجن بسبب السرقة حتى اليتهمهم بأهنم تسببوا يف إيذائه‪.‬‬

‫‪127‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وهذا الحذف يشــعر بأن أخوة يوســف غير مقتنعين بســرقة أخيهم‪ ،‬فهم‬
‫يعلمون جيدً ا بأن تلك السرقة مزعومة‪ ،‬وأن أخاهم بريء من تلك السرقة‪ .‬كما‬
‫يكشف هذا اإليجاز عن رغبتهم القوية يف إيصال فكرهتم بأقصى سرعة ألبيهم‬
‫حتى يفكر معهم يف ح ٍل إلنقاذ أخيهم من ورطته‪.‬‬
‫ويت�ضح الق�ص ُر يف قولهِ‪ ﴿ :‬ﮐﮑﮒﮓﮔ﴾ حيث قصروا شهادهتم‬
‫على الذي يعلمونه فقط‪ .‬وهذا القصر قد جاء عن طريق النفي واالستثناء‪ ،‬وهو‬
‫الذي يناسب المقام؛ إذ أن هذ المقام يحتاج إلى ٍ‬
‫تأكيد‪ ،‬والقصر يوحي بصدقهم‬
‫فيمــا يقولون‪ ،‬وبراءهتم مما يظنه أبوهم من أهنم الســبب يف ضيا ِع أخيهم‪ ،‬كما‬
‫يشعر هذا القصر بأهنم لم يقطعوا بسرقة أخيهم‪.‬‬
‫عما‬
‫وقول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮕﮖﮗﮘ﴾ احرتاس‪ ،‬فهم يحرتســون َّ‬
‫ِ‬
‫التلطف مع أبيهم يف‬ ‫ــر َق ِة أخيهم‪ ،‬وهو إِما ل ِ َق ِ‬
‫صــد‬ ‫بس ِ‬
‫َّ‬ ‫يفهمــه أبوهــم من قطعهم َ‬
‫الش ُك يف‬
‫أمانة أخيهم ما خالجهم َّ‬ ‫الســرقة‪ ،‬وإِما ألهنم علموا من ِ‬
‫ِ‬ ‫ابنه إلى‬ ‫ســبة ِ‬
‫نِ ِ‬
‫َّ‬
‫الس ِر َق ِة من ُه(((‪.‬‬
‫وقو ِع َ‬
‫بأن أباهم ال يصدقهم فيما يقولون‪ ،‬وفيها‬ ‫توضح ِعلمهم َّ‬ ‫ُ‬ ‫وتأيت اآلية التي‬
‫بنفس ِه‪ ،‬والقافلة التي كانوا فيها‪.‬‬
‫يطلبون من أبيهم أن يسأل أهل مِصر ِ‬
‫َ‬
‫يق��ول تعاىل‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﴾‬
‫[يوسف‪.]82 :‬‬
‫وامل��راد م��ن الأم��ر يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﴾ التضرع والتوســل‪ ،‬فهؤالء‬
‫األبناء يتضرعون ألبيهم ويتوســلون إليه بأن يســأل أهل القرية التي كانوا فيها‪،‬‬
‫ويتأكد مما قالوه له‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)39/13‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪128‬‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‬

‫ويمكننــا القــول بأن لفظ ﴿ ﮛ﴾ به مجاز مرســل عالقتــه الحالية؛ إِ ْذ‬


‫أطلق المحــل‪ ،‬وأراد الحال فيه‪ .‬وهذا المجاز صور التالزم الشــديد والعالقة‬
‫القوية بين القرية وأهلها بحيث يمكن التعبير بأحدهما عن اآلخر‪.‬‬
‫أيضا‪ّ ،‬‬
‫ألن المســئولين هنا‬ ‫ِ‬
‫بالحذف ً‬ ‫ويف قو ِلهِ‪ ﴿ :‬ﮟﮠﮡﮢ﴾ مجاز‬
‫هم أهل ِ‬
‫العير‪.‬‬
‫ويف العــدول عــن الحقيقــة إلــى المجــاز إشــارة إلى ذيــو ِع ِ‬
‫أمر الســرقة‬
‫والعير ‪-‬أي‪ :‬الجمادات والحيوان‪-‬‬ ‫واشــتهارها إلى درجة أنه لو سئلت القرية ِ‬
‫لنطقت هبا وأجابت(((‪.‬‬
‫و(إن)‬ ‫ِ‬
‫الجملة‪َّ ،‬‬ ‫وجــاء النص القــرآين ﴿ ﮤﮥ﴾ مؤكدً ا بإســمية‬
‫الداخلة على الخرب‪ ،‬ألهنم يعلمون أن أباهم منكِ ٌر لك ِل ما يقولون‪ ،‬فجاء التأكيد‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحال‪.‬‬ ‫مطاب ًقا ل ِ ُمقتَضي‬
‫﴿ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [يوسف‪.]82 :‬‬
‫هــذه اآلية اســتئناف بياين‪ ،‬ولِذا ُف ِص َ‬
‫ــل بينها وبين ما قبلهــا؛ ألهنا جواب‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫يــر من الجم ِل التي قالوهــا ألبيهم‪ .‬والتقدير‪ :‬ماذا قــال أبوهم عندما‬‫لســؤال ُأث َ‬
‫فقيل‪ :‬قال‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‪ ﴾....‬اآلية‪.‬‬ ‫سمع منهم ذلك)؟ َ‬
‫حقير‪،‬‬
‫والتنكري يف قو ِلهِ‪ ﴿ :‬ﮬ﴾ يشعر بالتحقير‪ ،‬فأبوهم يرى أن ما فعلوه ٌ‬
‫بتكذيبِ ِه لهم‪،‬‬
‫وفيــه اهتام لهم بأهنــم هم الذين دبروا ذلــك‪ ،‬كما يوحي التنكيــر ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وعد ِم تصديقهم‪.‬‬

‫َ‬
‫لمسائل البيان‪ ،‬لبســيوين عبد الفتاح (‪ ،)158‬قلت وهذا‪:‬على القول بأن‬ ‫((( علم البيان دراســة تحليلية‬
‫القافلة والعير هي مراده بعينها على رأي بعضهم‬

‫‪129‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ويت�ض��ح احل��ذف يف قول �هِ‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﴾‪ ،‬ويحتمــل أن يكــون حذ ًفــا‬
‫للمسند إليه‪ ،‬والتقدير‪ :‬فأمري صرب جميل‪ ،‬ويحتمل حذف المسند‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫فصرب جميل أجمل‪ ،‬والغرض من الحذف على االحتمالين تكثير الفائدة‪.‬‬
‫ســر الحــذف‪ ،‬إذ يقول الظاهــر أن الحذف هنا‬
‫وللســيوطي رأي آخر يف ِّ‬
‫لضيق المقام(((‪.‬‬
‫وســواء أكان الحذف للمســند إليه أم للمســند فقد أفاد المعنى وأضفى‬
‫عليه مبالغة‪.‬‬
‫والتلذ ِذ‬
‫ُ‬ ‫وتعريف امل�سند �إليه بالعلمي ِة يف قولهِ‪ ﴿ :‬ﮱﯓ﴾‪ ،‬وذلك للترب ُِك‬
‫بإسم اهللِ ‪ ،۵‬وطمأنة نفسه وإدخال األنس يف قلبه‪.‬‬
‫ِ‬
‫وكلمــة ﴿ ﯗ ﴾ يف قولــه‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾ تشــعر بثقــة‬
‫يعقــوب ڠ القوية بربه‪ ،‬وتؤكد أن أبناءه ســيعودون إليه م ًعا‪ ،‬وتمنع احتمال‬
‫أن أحدهم هو الذي يأيت يعقوب واآلخر ال يأيت لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯖ ﴾‪.‬‬
‫ِ‬
‫وإسمية‬ ‫وجاء الن�ص القر�آين‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ مؤكدٌ ب (إِ َّن)‬
‫الجملة‪ ،‬وضمير الفصــلِ‪ ،‬وذلك لتنزيل أبنائه منزلة َم ْن ُينكِ ُر علم اهلل وحكمته‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫توبيخا لهم وتبكيتًا‪.‬‬
‫ويتضــح القصر عن طريق ضميــر الفصل‪ ،‬وتعريف المســند ب(ال) يف‬
‫القول السابق‪ ﴿ :‬ﯙﯚﯛﯜ﴾؛ إذ قصر العلم والحكمة على اهلل ‪،۵‬‬
‫والقصر يشعر بأن هاتين الصفتين مختصتان باهلل ‪ ۵‬وال تتعداه إلى ِ‬
‫غيره‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حزينة يبعدُ فيها عن‬ ‫ٍ‬
‫بصــورة‬ ‫األب المنكوب‬
‫يصور ُ‬
‫ُ‬ ‫ثم يأيت المشــهدُ الذي‬

‫((( شرح عقود الجمان يف علم المعاين والبيان‪ ،‬للسيوطي (‪.)21‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪130‬‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‬

‫أبنائه‪ ،‬ويتفجع على يوسف ڠ‪ ،‬ألن هذا الذي حدث قد أثار أحاسيسه الكامنة‪،‬‬‫ِ‬

‫بص ٍر إلى أعمى‪.‬‬ ‫ِ‬


‫لدرجة أنه ذهب بصره فتحول من م ِ‬ ‫وقد كان هذا الحزن بال ًغا‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫وبين (أسفى) و(يوســف) جناس االشتقاق‪ ،‬وقد أدى هذا الجناس إلى‬
‫ً‬
‫جمال وعذوبة رقيقة هادئة‬ ‫ِ‬
‫الذهن‪ ،‬كما أضفى هذا الجناس‬ ‫ِ‬
‫وتنبيه‬ ‫ثراء المعنى‬
‫تتناسب وجو الحزن واألسى الذي يخيم على المكان‪.‬‬
‫ِ‬
‫جملــة ﴿ ﮧ ﴾ لمــا‬ ‫جملــة ﴿ ﯤﯥﯦﯧ﴾ علــى‬ ‫ِ‬ ‫وعطــف‬
‫ِ‬
‫الخربيــة لف ًظا ومعنى‪ ،‬والفاعل‬ ‫ِ‬
‫التوســط بين الكمالين التفاقهما يف‬ ‫بينهمــا من‬
‫فيهما واحد‪ ،‬وقد اشرتكا يف تصوير ما عليه يعقوب ڠ من حزن وألم‪.‬‬
‫وكن��ى الق��ر�آن الك��رمي ع��ن ذه��ابِ ب�صر ِه وعم��اه بقو ِل �هِ‪ ﴿ :‬ﯤﯥ﴾‪،‬‬
‫وهــذه الكناية تصــور مدى األلم والحزن الذي كم قاســاه‪ ،‬وكمية البكاء الذي‬
‫بكاه يعقوب ڠ بسبب فراق أبنائه‪.‬‬
‫وي�أتي الت�صوير اال�ستعاري يف قوله‪ ﴿ :‬ﯨﯩ﴾ حيث ش َّبه قلبه المليء‬
‫ِ‬
‫وتركه‬ ‫ِ‬
‫صــره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالماء‪ ،‬وشــ َّبهه يف‬ ‫ِ‬
‫بالقربة الممتلئة‬ ‫بالحــزن على يوســف ڠ‬
‫ِ‬
‫بالماء‪ ،‬حتى ال يخرج‬ ‫ِ‬
‫المليئة‬ ‫برابط ربط على فم القربــة‬‫ٍ‬ ‫غير اهللِ‬
‫الشــكوى إلى ِ‬
‫ِ‬
‫التصريحية‪ ،‬وهذه‬ ‫ِ‬
‫االستعارة‬ ‫منها شــيء‪ ،‬وهذا هو معنى ال َك ْظ ِم((( على ســبيل‬
‫ِ‬
‫صربه‬ ‫صدر يعقــوب ڠ ومدى‬ ‫ِ‬ ‫الحزن ِ‬
‫والض ِ‬
‫يــق يف‬ ‫ِ‬ ‫االســتعارة تصور مــدى‬
‫در ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كالرابط على َص ِ‬ ‫بحيث يجعله‬
‫حــزن بالــ ٍغ إال أن ِحقدهم منعهم‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ألبيهــم من‬ ‫وعلــى الرغــم مما حدث‬
‫وض ِيقهم من ذكره‬
‫مــن أن يخففــوا عن أبيهم‪ ،‬بل قالوا له ما يدل علــى حنقهم‪ِ ،‬‬
‫َ‬
‫ليوسف ڠ‪.‬‬
‫((( القرآن إعجازه وبالغته‪ ،‬لـ د‪/‬عبد القادر حسين (‪.)84‬‬

‫‪131‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫﴿ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴ‬ ‫يق��ول تع��اىل‪:‬‬
‫ﯵ ﯶ ﴾ [يوسف‪]85 :‬‬
‫ٍ‬
‫حرف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالقســم ﴿ ﯬ ﯭ ﴾‪ ،‬وهو علــى اإليجاز بحــذف‬ ‫تبــدأ اآليــة‬
‫والتقدير‪ :‬تاهلل ال ُ‬
‫تفتأ‪.‬‬
‫وتقدير (ال) هنا مقصود‪ ،‬وسوغ حذفها لزوال اللبس‪ ،‬إ ْذ لو أريد اإلثبات‬
‫ِ‬
‫إرادة النفي‪ ،‬ف ُقدّ ر حرفه(((‪.‬‬ ‫فلما لم يؤكد َّ‬
‫دل على‬ ‫َّ‬
‫(لتفتأن)‪َّ ،‬‬ ‫لقال‬
‫لكن الدكتورة عائ�شة عبد الرحمن ترى‪ :‬أن تقدير الحرف هنا ال معنى له؛‬
‫ألنه متى جاء الســياق والمعنى واضح مستغنًا عن الحرف المحذوف‪ ،‬فتقديره‬
‫أو تأويلــه فضول مــن القول‪ ،‬فهي تقول‪" :‬والذي نفهمــه أنه متى أطرد الحذف‬
‫حتما مستغن ًيا عن المحذوف‪ ،‬وال وجه إذن لتقدير الحرف‪ ،‬وكان ذكره‬
‫فالسياق ً‬
‫من الفضول أو الحشو الذي يتنزه عنه الكالم البليغ‪ً ،‬‬
‫فضل عن البيان المعجز"‪.‬‬
‫المســمى بـ(ائتالف اللفظ مع‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫جميل‪ ،‬وهو‬ ‫وهــذه اآلية تحــوي فنًّا بدي ًعا‬
‫المعنى)(((‪.‬‬
‫إذ إنــه ‪ ‬لمــا أيت بأغــرب ألفــاظ القســم بالنســبة ألخواهتــا‪،‬‬
‫ً‬
‫اســتعمال‪ ،‬وأبعد عــن أفهام العامة‪ ،‬و(البــاء والواو) أعرف‬ ‫‪-‬فــإن (التاء) أقل‬
‫ً‬
‫واســتعمال يف الــكالم‪ -‬أتى اهلل‬ ‫عنــد الكافة‪ ،‬وهــي أكثر دورانًا على األلســنة‬
‫‪ ‬بأغــرب صيغ األفعــال التي ترفــع وتنصب األخبار بالنســبة إلى‬
‫أخواهتــا‪ ،‬فإن (كان) وما قارهبا أعــرف عند الكافة من (تفتأ)‪ ،‬وهم لـ(كان) وما‬
‫ً‬
‫استعمال منها‪.‬‬ ‫قارهبا أكثر‬
‫((( اإلكسير يف علوم التفسير‪ ،‬للطويف البغدادي‪)225( ،‬‬
‫((( ائتــاف اللفظ مع المعنى‪" :‬هــو أن تكون ألفاظ المعنى المراد متالئمــة بعضها مع بعض ليس فيها‬
‫لفظة نابية أو قلقة على أخواهتا بحيث يمكن استبدالها"‪ ،‬إعراب القرآن الكريم وبيانه‪ ،‬لمحي الدين‬
‫الدرويش (‪.)37/5‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪132‬‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‬

‫(حرضا) أغرب مــن جميــع أخواهتا من ألفــاظ الهالك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلــك لفــظ‬
‫فاقتضى حسن الوضع يف النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها يف الغرابة‬
‫سن الجوار(((‪.‬‬ ‫أو االستعمال توخ ًّيا ل ِ ُح ِ‬
‫ــمهم هذا أن ينكروا على أبيهم َت َذك ُِر ِه المســتمر‬
‫واألبناء يقصدون من َقس ِ‬
‫َ‬
‫ليوســف ڠ‪ ،‬وأتوا بفعل ﴿ ﯭ ﴾؛ للداللة على ذلك االســتمرار‪ ،‬وقد بلغ‬
‫عظيما لدرجة جعلت العلماء يتفننون يف القول عنها‪.‬‬
‫ً‬ ‫اإلعجاز يف هذه اآلية مبل ًغا‬
‫فها هو �أبو الهالل الع�سكري يقول عن هذه الآية‪" :‬تحير يف فصاحته جميع‬
‫البلغاء‪ ،‬وال يوجد مثله يف كالم البشر"(((‪.‬‬
‫وه��ا ه��و عب��د الك��رمي اخلطيب يق��ول مبي ًنا الإعج��از فيه��ا‪" :‬هل تجد نربة‬
‫تخــدش أذنــك‪ ،‬واقرأهــا فهل تجــد حر ًفا يتعثــر على شــفتيك أو يضطرب يف‬
‫لســانك‪ ،‬وانظر يف هذه الكلمات‪ .....‬واقرأها مفردة‪ ،‬ثم اقرأها مجتمعة (تاهلل‪،‬‬
‫حرضا) إهنا من غير ٍ‬
‫شك ثقيل ٌة على األذن‪ ،‬وعلى اللسان"‪.‬‬ ‫تفتأ‪ً ،‬‬
‫خف ثقيلها والن يابســها‪ ،‬وســلس‬
‫ولكنهــا حين أصبحت يف نظم قرآين َّ‬
‫ٍ‬
‫روض‬ ‫جماحهــا‪ ،‬وانقــاد وذل نافرها‪ ،‬فإذا هي عارية عرائــس مجلوة تخطر يف‬
‫ولكأن القرآن قد تخيــر عن ٍ‬
‫عمد هذه الكلمات الثــاث‪ ،‬وجاء هبا من‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫نضيــر!‬
‫أجل ثقلها هذا ليقيم فيها شاهدً ا من شواهد إعجازه(((‪.‬‬
‫وحينما قالوا له قولتهم الســابقة المشــتملة على َق َس ِمهم الذي يدل على‬
‫حنقهم وحقدهم ّر َّد يعقوب عليهم بأنه يشــكو حزنه وهمه إلى اهلل وحده‪ ،‬ألنه‬
‫ِ‬
‫بداخله‪.‬‬ ‫هو الذي يعلم ما‬
‫((( بديع القرآن‪ ،‬البن أبي اإلصبع المصري (‪.)78 ،77‬‬
‫((( الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري‪.)196( ،‬‬
‫((( إعجاز القرآن يف دراسة كاشفة لخصائص البالغة العربية ومعاييرها‪ ،‬لعبد الكريم الخطيب (‪،)271‬‬
‫وإن كان اليوافق على لفظ (عمد) كون ألفاظ القرآن جاءت مقصودة بحروفها ومعانيها ومواضعها‪.‬‬

‫‪133‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫﴿ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ [يوسف‪.]86 :‬‬
‫ويتضــح القصــر يف اآليــة حيث قصــر يعقــوب ڠ بثه وشــكواه على‬
‫قصــرا حقيق ًّيا‪ ،‬وذكرت ﴿ ﯹ ﴾ دون النفي واالســتثناء ً‬
‫مثل‪ ،‬ألن شــكوى‬ ‫ً‬ ‫اهلل‬
‫يعقوب ڠ إلى اهلل وحده أمر مألوف ومأنوس يف النفس ومتوقع منه ڠ يف‬
‫الظروف التي مر هبا‪ ،‬وهذا األصل يف القصر بـ﴿ ﯹ ﴾‪ ،‬والقصر يصور احتياج‬
‫يعقوب ڠ الشديد إلى ربه‪ ،‬وأنه ال يشكو أبدً ا إلى غيره‪.‬‬
‫وقد ذكر بع�ض �أهل اللغة((( �أن يوجد مماثلة بني قوله‪ ﴿ :‬ﯻ ﴾ ﴿ ﯼ ﴾‬
‫"همي"‪ ،‬وقيل‪ :‬أشد الحزن(((‪.‬‬
‫فـ﴿ ﯻ ﴾ قال يف معناه ابن عباس‪َّ :‬‬
‫وق��د �أعق��ب كالم��ه بقول��ه‪ ﴿ :‬ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ﴾؛ لينبههم إلى‬
‫قصــور عقولهم عن إدراك المقاصــد العالية ليعلموا أهنم دون مرتبة أن يعلموه‬
‫أو يلوموه(((‪.‬‬
‫وقول��ه‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃﰄ﴾ تعريــض بوقــوع مــا ُي ْع َت َقــدُ أنه‬
‫محال من عودة يوسف ڠ وأخيه‪.‬‬
‫وق��د ع � َّد اب��ن �أب��ي الإ�صبع هذه الآية م��ن ال�ضرب الأول من االن�س��جام‪ ،‬فهو‬
‫يقول‪" :‬فأنت ترى سهولة هذا النظم‪ ،‬وعذوبة هذه األلفاظ‪ ،‬وما يف هذا الكالم‬
‫من االنسجام مع ما فيه من التعطف يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﴾‪ ،‬و﴿ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﴾‪ ،‬وهــو أوجز من األول؛ ليــأيت يف الكالم تعطف يزيده حســنًا‪ ،‬وفيه زيادة‬
‫خضوع وترقيق مع تمكين فاصلة اآلية"(((‪.‬‬
‫((( المماثلــة‪ :‬هــي تماثل األلفاظ يف المعنى مــع اختالف اللفظ‪ .‬انظر‪ :‬بديع القــرآن‪ ،‬البن أبي األصبع‬
‫المصري (‪ .)107‬وقد أنكرها بعض المحققين‪ ،‬ألن كل لفظ يف القرآن له داللته المستقلة‪.‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي (‪.)3480/4‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)45/4‬‬
‫((( بديع القرآن‪ ،‬البن أبي األصبع المصري (‪.)166‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪134‬‬


‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه‬

‫ثــم بعد ذلك يوجه يعقوب ڠ أبناءه لكــي يبحثوا عن أخويهم واثقين‬
‫بــاهلل ورحمتــه غير يائســين مــن روح اهلل؛ ألنه ال ييــأس من رحمتــه إال الذين‬
‫يكفرون به تعالى‪.‬‬
‫فق��ال له��م‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [يوسف‪.]87 :‬‬
‫ِ‬
‫للشــفقة والحب‪ ،‬على الرغم مما فعلوه فيه‬ ‫إظهارا‬ ‫وناداهــم بلفظ البنوة‬
‫ً‬
‫من ضياع ولديه‪ ،‬ليكون أدعى يف القبول واالمتثال‪.‬‬
‫وهذا يثبت أن قلوب اآلباء ال تزال تمتلئ بالشــفقة والعطف على األبناء‬
‫مهما فعلوا أو اقرتفوا‪.‬‬
‫واملراد من الأمر يف قوله‪ ﴿ :‬ﭒﭓ﴾ التوجيه واإلرشاد‪ ،‬فيعقوب ڠ‬
‫يوجههم ويرشــدهم إلى البحث عن أخويهم‪ ،‬وتلمسهما‪ ،‬والعودة هبما‪ .‬وهذا‬
‫يشــعر بعدم تســليمه ڠ بكالمهم القديم من أن يوسف قد أكله الذئب‪ ،‬وأن‬
‫أثرا‪،‬‬
‫إنــكار أبنائه الســابق يف قوله‪ ﴿ :‬ﯬﯭﯮﯯ﴾ لــم يرتك عنده ً‬
‫ولم يثبط إحساسه بأهنم إليه عائدون‪.‬‬
‫وامل��راد م��ن النه��ي يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﭗﭘﭙﭚﭛ﴾ بــث األمل وشــعور‬
‫بالثقة‪ ،‬فهو يرشدهم إلى الثقة باهلل‪ ،‬وعدم اليأس من فرجه أبدً ا‪.‬‬
‫ووصــل جملة ﴿ ﭗ ﭘ ﴾ بجملــة ﴿ ﭓ ﴾ وذلك لما بينهما من‬
‫التوسط بين الكمالين التفاقهما يف اإلنشائية لف ًظا ومعنًى‪ ،‬والفاعل فيهما واحد‬
‫وهــو الضمير العائــد إلى أبناء يعقــوب ڠ‪ ،‬والجملتان تشــركان يف تصوير‬
‫األمل الذي أراد يعقوب ڠ أن يبثه يف نفوس أبنائه‪.‬‬

‫‪135‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ويف هــذا فائــدة تربوية بأن يفســح لألوالد مجال يف تصحيــح إخطائهم‪،‬‬
‫وكأن ردهم السابق يحتاج إلى زيادة ٍ‬
‫تحر وتدقيق ليحصلوا المطلوب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ووا�ضح ما يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾‪.‬‬
‫قصــرا حقيق ًّيا‬
‫ً‬ ‫مــن قصر فهــو يقصر اليأس مــن روح اهلل علــى الكافرين‬
‫ِ‬
‫ألبنائــه من نتيجة‬ ‫طريقــه النفي واالســتثناء‪ ،‬ويف هذا القصــر تخويف وتحذير‬
‫اليأس من رحمة اهلل‪.‬‬
‫عما قبلها لشــبه كمال االتصال؛ ألن‬
‫وفصل بين جملة ﴿ ﭝﭞﭟ‪َّ ﴾...‬‬
‫ً‬
‫ســؤال تقديره‪( :‬لمــاذا ال تيأس؟) فقيل‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ‬ ‫الجملــة التي قبلها قد أثارت‬
‫ﭟ‪ ﴾...‬إلخ‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪136‬‬


‫‪E‬‬

‫وفيها �أهم نتائج البحث مع التو�صيات واملقرتحات‪:‬‬


‫حاضرا يف‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬الحــوار ليس ســمة للمجتمع البشــري فقط‪ ،‬بل قــد كان‬
‫خطاب اهلل تعالى مع المالئكة‪ ،‬وحتى مع إبليس والمخلوقات‪.‬‬
‫‪ -2‬ال تتبدل لغة الحنان والعطف من اآلباء لألوالد مهما كانت الظروف‬
‫والمواقف‪.‬‬
‫‪ -3‬يقــوم حوار اآلباء مع أوالدهم على أســاس حفظ كرامة االبن مهما‬
‫كان تصرفــه ســي ًئا‪ ،‬ويتضح مــن خالل حوار نوح مــع ابنه الكافــر الذي مازال‬
‫يتحنن عليه‪ ،‬ويناديه بنداء البنوة‪.‬‬
‫‪ -4‬القــدوة مطلــب للتأثيــر والرتبية‪ ،‬ويتضــح جل ًّيا من خــال النظر يف‬
‫توجيهات األنبياء ۏ يف حواراهتم‪.‬‬
‫‪ -5‬بث األمل باهلل وحده‪ ،‬وإسناد األمور كلها للخالق الواحد المتصرف‬
‫يثبت أركان العقيدة الصحيحة يف نفوس األبناء كما فعل يعقوب يف كل مواقف‬
‫الضنك التي مر هبا‪.‬‬
‫‪ -6‬الحــوار من أســرع وأنجع طــرق التعليم والتواصــل المثمر وتغذية‬
‫العقل بالفهم الصحيح لمجريات األحداث وحقائق األمور‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وتو�صي الدرا�سة بـ‪:‬‬
‫‪ -1‬االهتمام باســتخراج األسرار والدالالت البالغية يف القرآن الكريم؛‬
‫إلبراز روعة وعظمة التعبير القرآين‪.‬‬
‫‪ -2‬عــدم التكلف يف اســتخراج الســر البالغــي‪ ،‬فالقــرآن ال يحتاج إلى‬
‫التكلف؛ ألن القرآن غني بألفاظه الموجبة‪ ،‬ومعانيه المعجزة‪.‬‬
‫‪ -3‬دراســة منهــج القــرآن يف توطيــد عالقــة األوالد باآلبــاء مــن خالل‬
‫توجيهات القرآن وأسرار خطابه‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪138‬‬


‫‪1 .1‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪«2 .2‬أســاس البالغة»‪ .‬الزمخشــري‪ ،‬جار اهلل أبي القاســم محمود بن عمر‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫الرحيم محمود‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«3 .3‬أســاليب البيــان والصــور القرآنيــة»‪ .‬د‪.‬محمــد إبراهيــم شــادي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار وايف‬
‫اإلسالمية‪.1995 ،‬‬

‫ومنهاجــا»‪ .‬د‪.‬عبد الغني محمد ســعد بركة‪ .‬د‪.‬ط‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪«4 .4‬أســلوب الدعــوة القرآنية بالغة‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«5 .5‬إعجاز القرآن يف دراســة كاشــفة لخصائص البالغة العربية ومعاييرها»‪ .‬عبدالكريم‬
‫الخطيب‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر العربي ومطابع دار الكتاب العربي‪.1964 ،‬‬

‫‪«6 .6‬اإلعجاز البياين يف صيغ األلفاظ ‪ -‬دراســة تحليلية لإلفراد والجمع يف القرآن»‪ .‬د‪/‬‬
‫محمد األمين الخضري‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مطبعة الحسيني اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«7 .7‬اإلعجــاز البيــاين للقرآن ومســائل بن األزرق»‪ .‬د‪.‬عائشــة عبدالرحمــن‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«8 .8‬اإلكســير يف علوم التفسير»‪ .‬الطويف البغدادي‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد القادر حسين‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫دار األوزاعي‪1409 ،‬هــ ‪1989 -‬م‪.‬‬

‫‪«9 .9‬البحر المحيط»‪ .‬أبو حيان األندلســي‪ ،‬محمد بن يوســف‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪1412 ،‬هـ ‪1992-‬م‪.‬‬

‫‪139‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«1010‬البعد النفســي للتذوق البالغي ألســلوب القرآن الكريم»‪ .‬أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحيم محمود‬

‫زلط‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1111‬البيان بين عبد القاهر والسكاكي»‪ .‬د‪.‬علي البدري‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار السعادة‪1397 ،‬هـ ‪1977-‬م‪.‬‬

‫‪«1212‬التبيــان يف إعراب القرآن»‪ .‬للعكربي‪ .‬تحقيق‪ :‬علــي محمد البيجاوي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬إحياء‬

‫الكتب العربية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1313‬التحريــر والتنويــر»‪ .‬ابن عاشــور‪ ،‬محمد الطاهر بــن عاشــور‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬تونس‪ :‬الدار‬

‫التونسية للنشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1414‬التعبيــر الفنــي يف القــرآن الكريم»‪ .‬د‪ .‬بكري شــيخ أمين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيــروت‪ :‬دار العلم‬

‫للماليين‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪«1515‬الجامع ألحكام القرآن»‪.‬‬

‫‪«1616‬الجمــان يف تشــبيهات القــرآن»‪ .‬ابــن ناقيا البغــدادي‪ .‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬مصطفي صادق‬

‫الجويني‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1717‬الحــوار فنياته واســراتيجياته وأســاليب تعليمه»‪ .‬د‪ /‬منى إبراهيــم اللبودي‪ .‬ط‪،1‬‬

‫القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪1423 ،‬هـ‪2003 -‬م‪.‬‬

‫‪«1818‬الحــوار يف القرآن الكريم خصائصه الرتكيبية وصــوره البيانية»‪ .‬محمد إبراهيم عبد‬

‫العزيز‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة الشروق‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1919‬الصناعتيــن»‪ .‬العســكري‪ ،‬أبــو هالل الحســن بــن عبــد اهلل‪ .‬تحقيق‪ :‬علــي محمد‬

‫البجاوي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ن‪1371 ،‬هـ‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪140‬‬


‫‪«2020‬الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان المنسوب خط ًئا البن ال َق ِّي ِم الجوزية»‪.‬‬

‫تحقيق جماعة من العلماء‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2121‬القامــوس المحيط»‪ .‬الفيروز أبادي‪ ،‬مجــد الدين محمد بن يعقوب‪ .‬ط‪ ،5‬بيروت‪:‬‬

‫مؤسسة الرسالة‪1416 ،‬هـ‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫َّ‬
‫«الكشــاف عن حقائــق التنزيل وعيــون األقاويل يف وجــوه التأويل»‪ .‬الزمخشــري‪،‬‬ ‫‪2222‬‬

‫محمود بن عمر‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪1430 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«2323‬المطول يف شــرح تلخيص المفتاح»‪ .‬التفتازاين‪ ،‬سعد الدين التفتازاين‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫الحميد هنداوي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2424‬المعجم الوسيط»‪ .‬مجمع اللغة العربية‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ن‪.2004 ،‬‬

‫‪«2525‬بحث التكــرار يف القرآن الكريم مظاهره وأســراره»‪ .‬المهدي‪ ،‬كمال محمد‪ .‬مجلة‬

‫الزهراء‪.202 ،1990 - 1410 ،)8( ،‬‬

‫‪«2626‬بديع القرآن»‪ .‬ابن أبي اإلصبع المصري‪ .‬تقديم وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد حفني شــرف‪.‬‬

‫د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬دار النهضة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2727‬تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار»‪ .‬محمد رشيد رضا‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬

‫المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2828‬تفســير القرآن العظيم»‪ .‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إســماعيل بن كثير القرشــي الدمشقي‪.‬‬

‫تحقيق‪ :‬سامي السالمة‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«2929‬تفسير المراغي»‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬مصطفى البابي الحلبي‪ 1365 ،‬هـ ‪ 1946 -‬م‪.‬‬

‫‪141‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«3030‬تفسير المنير»‪ .‬د‪ /‬وهبه الزحيلي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ 1411 ،‬هـ ‪.1991 -‬م‪.‬‬
‫ِ‬
‫تفسير البيضاوي»‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬إحياء الرتاث العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪«3131‬حاشية الشهاب علي‬

‫‪«3232‬حجة القراءات»‪ .‬أبو زرعة‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد زنجلة‪ .‬تحقيق‪ :‬سعيد األفغاين‪.‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1402 ،‬هـ ‪1982 -‬م‪.‬‬

‫‪«3333‬خصائص التعبير القرآين وسماته البالغية»‪ .‬د‪ .‬عبد العظيم المطعني‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬وهبة‪.1992 ،‬‬

‫‪«3434‬دالالت الرتاكيب دراسة بالغية»‪ .‬د‪ /‬محمد محمد أبو موسى‪ .‬ط‪ ،2‬مكتبة وهبة‪1408 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«3535‬دالئــل اإلعجــاز»‪ .‬الجرجــاين‪ ،‬عبد القاهر‪ .‬تحقيق‪ :‬الشــيخ محمود شــاكر‪ .‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار المدين‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«3636‬شرح عقود الجمان يف علم المعاين والبيان»‪ .‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبدالرحمن‪.‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«3737‬صحيح مسلم»‪ .‬مسلم بن الحجاج‪ .‬تحقيق‪ :‬نظر محمد الفاريابي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«3838‬صفوة التفاسير»‪ .‬الصابوين‪ ،‬محمد علي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الصابوين‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫َ‬
‫لمســائل البيان»‪ .‬بسيوين عبدالفتاح فيود‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪«3939‬علم البيان دراســة تحليلية‬
‫ِ‬
‫للنشر والتوزيعِ‪1418 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للنشر والتوزي ِع ودار المعالم الثقافية اإلحساء‬ ‫المختار‬

‫‪«4040‬علم البيان»‪ .‬د عبدالفتاح الشين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬ن‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪«4141‬يف التــذوق الجمالي لســورة يوســف»‪ .‬أبو حمــدة‪ ،‬محمد علــي‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬عمان‪ :‬دار‬
‫البشير‪.1985 - 1405 ،‬‬

‫‪«4242‬لسان العرب»‪ .‬ابن منظور‪ .‬تحقيق‪ :‬يوسف خياط‪ ،‬ونديم مرعشلي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫دار صادر‪ ،‬ودار لسان العرب‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪142‬‬


‫‪«4343‬معــاين القــرآن»‪ .‬األخفش‪ .‬تحقيــق د‪ .‬عبد األميــر محمد أمين الــورد‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ 1405 ،‬هـ ‪.1985 -‬‬

‫‪«4444‬معجم األلفاظ واألعالم القرآنية»‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«4545‬معجــم األلفــاظ والعــام القرآنية»‪ .‬محمد إســماعيل إبراهيــم‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«4646‬مفــردات يف غريب القرآن»‪ .‬الراغب األصفهاين‪ ،‬الحســين بن محمد بن المفضل‪.‬‬


‫تحقيق وضبط‪ :‬محمد سيد كيالين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«4747‬من أسرار التعبير يف القرآن صفاء الكلمة»‪ .‬د‪ /.‬عبد الفتاح الشين‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬الرياض‪:‬‬
‫دار المريخ للنشر بالرياض ‪1403‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪143‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فهرس املوضوعات‬

‫مستخلص البحث ‪89.........................................................‬‬


‫المقدِّ مة ‪93....................................................................‬‬
‫التمهيد ‪95....................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حوار نوح ڠ مع ابنه ‪99................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬حوار إبراهيم مع ابنه إسماعيل ڽ ‪109....................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حوار يعقوب مع ابنه يوسف ڽ‪116.....................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حوار يعقوب ڠ مع أبنائه بعد فقد يوسف وأخيه ‪126.....‬‬
‫الخاتمة ‪137...................................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪139.......................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪145......................................................‬‬

‫‪145‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫البحث الثالث‬

‫األستاذ المساعد بقسم التفسير وعلوم القرآن‪ -‬كلية‬


‫القرآن الكريم‪ -‬بالجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‬

‫حصــل على درجة الماجســتير من كلية القــرآن الكريــم‪ .‬الجامعة اإلســامية بالمدينة المنورة‬
‫بأطروحته‪ :‬تفسير القرآن بالقرآن من بداية المائدة إلى نهاية التوبة‪...‬‬
‫حصــل على درجــة الدكتوراه مــن كلية القــرآن الكريم‪ .‬الجامعة اإلســامية بالمدينــة المنورة‬
‫بأطروحته‪ :‬تحقيق المحرر الوجيز البن عطية من بداية غافر إلى نهاية الحجرات‪.‬‬
‫أهم النتاج العلمي‪:‬‬
‫بحث الحجج التي أبطلها القرآن‪.‬‬
‫نصوص من الناسخ والمنسوخ لإلمام أحمد جمعًا ودراسة‪.‬‬
‫تقوية اآلثار الغريبة بلغة العرب صحيفة الضحاك انموذجًا‪.‬‬

‫البريد اإللكتروين‪hamad_alroga@hotmail.com :‬‬


‫مستخلص البحث‬

‫البحث َ‬
‫حول حتديد معنى م�صطلح (اال�ستفهام الإجلائي)‬ ‫ُ‬ ‫لقد دار هذا‬
‫الوارد يف القر�آن‪ ،‬وذلك من جهتني‪:‬‬
‫‪ ‬اجله��ة الأوىل‪ :‬الجهــة التأصيليــة؛ وذلــك بتعريــف المصطلــح لغــة‬
‫وذكر أساليبه‪ ،‬وثمراته‪.‬‬‫واستعمال‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬اجله��ة الثاني��ة‪ :‬الجهــة التطبيقيــة؛ حيــث تــم دراســة ‪ 20‬موض ًعا من‬
‫المواضع التي ذكر فيها العلماء َّ‬
‫أن فيها استفها ًما إلجائ ًّيا‪.‬‬
‫ِ‬
‫حاجــة الباحثين يف علم‬ ‫البحث مــن األهمية بمكان مــن جهة‬ ‫ُ‬ ‫وقــد كان‬
‫التفسير إلى تحرير جميع المصطلحات الواردة يف هذا العلم‪ ،‬وهذا المصطلح‬
‫لم ِ‬
‫أجد َمن تحدَّ ث عنه بالتفصيل ال يف كتب علوم القرآن وأصول التفســير وال‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ب عنه يف مكان‬ ‫ِ‬
‫فأحببت أن أجمع ما كُت َ‬
‫ُ‬ ‫يف كتب البالغة‪،‬‬
‫وقد كان ِمن نتائج البحث‪:‬‬
‫مستعمل من قِ َبل طائفة من المفسرين ليست‬
‫ٌ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫أن االستفهام اإللجائي‬
‫بالقليلة من لدن اإلمام الطربي إلى عصرنا اليوم‪.‬‬
‫نوع إفحا ٍم‪ ،‬فألجــل ذلك يجب االهتمام به‬
‫‪ ‬يف االســتفهام اإللجائي ُ‬
‫يف المجادالت‪.‬‬
‫‪ ‬من المالحظ كثرة اســتخدام هذا األســلوب يف آيات ســورة األنعام‬
‫التي جاءت لتقرير العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪.‬‬
‫‪ ‬بلغت عدد المواضع المدروسة (‪ )18‬موض ًعا‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬االستفهام‪ ،‬اإللجاء‪ ،‬الحوار القرآين‪.‬‬

‫‪149‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


Compulsory Question in the Qur’anic Dialogue:
a Thorough Applied study
Prepared by:

Dr. Hamid bin Radi bin Muslih Ar-Rouqi


Assistant Professor at the Department of Tafsir and the

Qur’anic Sciences, the College of the Noble Qur’an, the

Islamic University of Madinah

Email: hamad_alroga@hotmail.com

Summary:

This research deals with the meaning of the term “compulsory


question” in the Noble Qur’an, from two aspects:

The first detailed aspect is based on the linguistic and technical


definition of the term in question, its methods and advantages.

The second applied aspect explores twenty instances of


compulsory question according to the views of the scholars
concerned.

The research is of paramount importance, especially because


the researchers of the Science of Tafsir are badly in need of
editing all the related terms. As far as I know, no one dis-
cussed this term in detail neither in the Qur’anic sciences,
the Principles of Tafsir nor rhetoric. That’s why I like to collect
all that was written about it in this very study.

151 ‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬


Findings of the Study:

- Compulsory question is used by a group of exegetes, from


the time of Imam Al-Tabari until now.

- Compulsory question is confutative, and thus more attention


should be focused on it with respect to polemics.

- It is noticeable that this method is frequently used in the


verses of the chapter of Al-An’ām to establish the sound
Islamic faith.

- The places studied number 18.

Key words: question, compulsion, Qur’anic dialogue.

....::::::::::....

‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬ 152


‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫إن الحمــد هلل َأحمده و َأســتعينه‪ ،‬و ُأ َص ِّلي و ُأ َســ ِّلم علــى المبعوث رحمة‬
‫َّ‬
‫للعالمين‪...‬‬
‫�أما بعد‪:‬‬
‫لطيف‪َ ،‬ب َح َث عبار ًة تكررت يف بعض كتب التفسير يف مواطن‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا ٌ‬
‫بحث‬
‫عدة ويف كتب مختلفة‪ ،‬أراد أن ُي َب ِّين حقيقتها‪ ،‬ومراد العلماء المستخدمين لها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومنوال غير معهودين‪ ،‬كان‬ ‫ٍ‬
‫طريقة‬ ‫ُخ ِدم على‬
‫أن المصطلح إذا است ْ‬ ‫وذلك َّ‬
‫ال ُبدَّ من بيانه وتحريره‪ ،‬وتوضيحه للقارئين؛ لئال يشــكل عليهم بمصطلحات‬
‫ٍ‬
‫بمعان لغوية غير مقصودة‪.‬‬ ‫أخرى‪ ،‬أو‬
‫والمصطلــح الــذي قد َتكــرر يف مواطن مــن كتب التفســير هو مصطلح‬
‫(اإللجاء) المســتخدم يف مواضع اســتُخدم فيها االستفهام يف القرآن الكريم يف‬
‫معرض الحوار القرآين الكريم‪ ،‬فكان المراد من هذا البحث القيام بدراسة هذا‬
‫المصطلح من جهتين‪:‬‬
‫‪ ‬اجله��ة الأوىل‪ :‬الجهة التأصيليــة؛ وذلك بتعريف هذا المصطلح من‬
‫الناحيــة اللغوية واالســتعمالية‪ ،‬وذكر أســمائه وعالقته ببعــض المصطلحات‬
‫األخرى المستخدمة يف أنواع االستخدام‪ ،‬وأساليبه‪ ،‬وثمراته‪.‬‬
‫‪ ‬واجله��ة الثاني��ة‪ :‬الجهــة التطبيقية؛ وذلك بجمــع مواضعه يف القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ودراســة هــذه اآليات بجمع أقوال المفســرين فيهــا‪ ،‬ونحو ذلك مما‬
‫يتعلق بموضوع الدراسة والبحث‪.‬‬

‫‪153‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫َّ‬
‫محــل اســتفهام واستشــكال من‬ ‫وذلــك لكــي ال يبقــى هــذا المصطلح‬
‫الباحثين والمتخصصين والقارئين‪.‬‬
‫ُ‬
‫البحث بعنوان (االســتفهام اإللجائي يف الحــوار القرآين‪:‬‬ ‫وقــد جاء هــذا‬
‫دراسة تأصيلية تطبيقية)‪.‬‬
‫أســأل اهلل ‪ ‬أن ُيت َِّمم بالخير‪ ،‬وأن يعين على إتمام المراد‪ ،‬إنه‬
‫القادر على كل شيء‪ ،‬وبه المستعان وعليه التكالن‪.‬‬
‫مو�ضوع البحث‪:‬‬
‫دراسة أسلوب االستفهام اإللجائي يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫عدم وجود البحوث الشافية حول هذا األسلوب المستخدم يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫�أ�سئلة البحث‪:‬‬
‫‪ ‬ما معنى االستفهام اإللجائي؟‬
‫‪ ‬ما ثمرات استخدامه؟‬ ‫ ‬
‫‪ ‬ما مواضع استعماله؟‬
‫‪ ‬ما المواضع القرآنية التي استُخدم فيها هذا األسلوب؟‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫بلغت عدد المواضع التي تمت دراستها يف هذا البحث ثمانية عشر موض ًعا‪.‬‬
‫م�صطلحات البحث‪:‬‬
‫االستفهام ‪ -‬اإللجاء ‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع و�أ�سباب اختياره‪:‬‬
‫‪ -1‬االســتفادة من هذا األســلوب القرآين الذي ُيلجئ غير المؤمنين إلى‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪154‬‬


‫اإلقرار بصحة المسائل اإليمانية‪ ،‬وباالعرتاف بما ال سبيل إلى جحده‪ ،‬بحسب‬
‫المقام الذي ُخوطِبوا فيه‪ ،‬كإقرارهم بالربوبية التي تدل على اإلقرار باأللوهية‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريــر معنــى بعض المصطلحــات واأللفاظ المســتخدمة يف كتب‬
‫التفسير‪ ،‬والذي قد ال ُي َتنَ َّبه له بسبب عدم كثرة دورانه؛ مثل مصطلح (اإللجاء)‪.‬‬
‫‪ -3‬عــدم وجــود البحــوث الســابقة التي تتحــدث عن هــذا الموضوع‪،‬‬
‫ور ْفد متخصصي التفسير هبذا البحث اللطيف‪.‬‬
‫فأردت إثراء المكتبة اإلسالمية َ‬
‫‪ -4‬توجيــه أنظــار الباحثين إلى وجود مصطلحات يف كتب التفســير‪ ،‬ال‬
‫يكثــر تداولها‪ ،‬ويقل تكرارها‪ ،‬وهي صالحة للبحــث؛ لتحرير هذا المصطلح‪،‬‬
‫و َمن يستخدمه‪ ،‬وما المصطلحات المرادفة له‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ُخ ِد َمت هذه األســاليب يف‬
‫‪ -5‬زيــادة فهمنــا للقرآن الكريم‪ ،‬ولماذا اســت ْ‬
‫وأيضا ليســتفيد منها المســلمون يف محاوراهتم مع غيرهم من‬
‫هذه المقامات‪ً ،‬‬
‫أصحاب التوجهات األخرى؛ يف سبيل إقناعهم‪ ،‬ومحاورهتم بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان نو ٍع من أنواع البالغة المستخدمة يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫َ‬
‫الحــظ الباحــث أثناء تدريســه مقرر التفســير ورود هذا األســلوب‬ ‫‪-7‬‬
‫االستفهامي يف أكثر مِن موطن‪ ،‬مِ َّما جذبه لدراسته‪.‬‬
‫للحجة‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫مجال‬ ‫‪ -8‬أسلوب (االستفهام اإللجائي) الذي ال يرتك للخصم‬
‫كثيرا‪ ،‬ولــم ُي َط َّبــق على آيات االســتفهام‬
‫والربهــان؛ هــو أســلوب لم يــدرس ً‬
‫اإللجائية يف القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪155‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ســابقة متخصصة يف هذا‬ ‫ٍ‬
‫كتابــة‬ ‫لــم أجد ‪-‬بعــد البحث واال ِّطــاع‪ -‬أي‬
‫الموضوع‪ ،‬إال ما هو موجود يف ثنايا كتب التفسير المختلفة‪ .‬وقد تمت مراجع ُة‬
‫كتب التفسير‪ ،‬وعلوم القرآن‪ ،‬ومعاين القرآن‪ ،‬وكتب البالغة عمو ًما‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫يتكون البحث من‪ :‬مقدمة‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬ومبحثين‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬وفهارس‪.‬‬
‫التمهيد‪ ،‬وفيه‪ :‬التعريف بمفردات العنوان‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الأول‪ :‬االستفهام لغةً‪،‬‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬اإللجاء لغةً‪،‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬الدرا�سة الت�أ�صيلية‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬االستفهام اإللجائي عند المفسرين‪ ،‬وأسماؤه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أساليب اإللجاء‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ثمرات اإللجاء‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬درا�سة تطبيقية لآيات الإجلاء‪.‬‬
‫اخلامتة‪ ،‬وفيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫الفهار�س‪ ،‬والمشتملة على‪:‬‬
‫‪ -‬فهرس المصادر والمراجع‪.‬‬
‫‪ -‬فهرس الموضوعات‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪156‬‬


‫منهج البحث‪:‬‬
‫هنجا تأصيل ًّيــا لتأصيل مفهوم االســتفهام اإللجائي‪ ،‬ثم‬
‫ســينهج البحــث ً‬
‫هنجا اســتقرائ ًّيا الســتقراء جميع المواضع وتحليلها بحسب ما ُيحتاج إليه من‬
‫ً‬
‫األدوات التي يحتاجها المفسر‪.‬‬
‫و�سيتبع البحث ما يلتزم به الباحثون يف العرف الأكادميي �أثناء كتابة‬
‫البحوث املحكمة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ ‬االلتزام بكتابة البحث باإلمالء الحديث‪ ،‬ومراعاة عالمات الرتقيم‪.‬‬
‫‪ ‬االلتزام بكتابة اآليات القرآنية بالرسم العثماين‪ ،‬وفق أحد برامج النشر‬
‫المكتبية‪.‬‬
‫‪ ‬االلتــزام بخدمــة البحث من جميــع النواحي المحتاج إليهــا‪ ،‬تعلي ًقا‪،‬‬
‫وشرحا‪ ،‬وفهرسةً‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪157‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫التمهيد‬
‫التعريف مبفردات العنوان‬

‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الأول‪ :‬اال�ستفهام ً‬
‫لغة‬
‫‪ ‬اال�ستفهام ً‬
‫لغة‪:‬‬
‫طلب ال َفهم‪ .‬واســ َت ْف َهمه‪ :‬ســأله أن ُي ِ‬
‫فهمه‪ .‬واســ َت ْف َهمني الشي َء فأفهمتَه‬
‫تفهيما(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫وفهمتَه‬
‫َّ‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬واال�ستفهام‬
‫إن االستفهام يف اصطالح علماء اللغة والمفسرين ٌ‬
‫داخل ضمن اإلنشاء الطلبي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ومِ ن املعلوم �أ َّن كالم العرب ينق�سم �إىل ق�سمني‪ :‬إخبار‪ ،‬وإنشاء‪.‬‬
‫والإن�شاء نوعان‪ :‬طلبي‪ ،‬وغير طلبي‪ .‬وكال النوعين تحته أنواع‪.‬‬
‫ويعترب االستفهام من أنواع اإلنشاء ال َّطلبي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واإل ْعال ِم لت َْح ِصي ِل‬
‫اإل ْفها ِم ِ‬
‫ب ِ‬
‫مجهولة‬ ‫فائدة‬ ‫والأ�صل يف اال�ستفهام �أ َّنه‪ :‬ط َل ُ‬
‫لدَ ى ا ْل ُمس َت ْف ِهم(((‪.‬‬
‫طلب خربِ ما ليس عندك(((‪.‬‬
‫وقد ُيقال يف تعريفه‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫المســتفهم ال‬ ‫األصلي له؛ فيكون‬ ‫وقــد ُيراد باالســتفهام غير هذا المعنى‬
‫ِّ‬
‫ُيريد فهم شــيء أو معرفة شــيء ال يعلمه‪ ،‬وإنما يريد شــي ًئا آخر‪ ،‬و ُي ْستَدَ ُّل على‬
‫المعنى اآلخر المراد بالقرائن القول َّية أو الحالية(((‪.‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور (‪.)38 /2‬‬
‫((( البالغة العربية‪ ،‬للميداين (‪.)258 /1‬‬
‫((( جواهر البالغة يف المعاين والبيان والبديع‪ ،‬للهاشمي (ص‪.)78‬‬
‫((( البالغة العربية‪ ،‬للميداين (‪.)258 /1‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪158‬‬


‫التمهيد‬

‫ً‬
‫جممل��ة يف النق��اط الآتية على �س��بيل‬ ‫‪ ‬وفيم��ا يل��ي ه��ذه امل��رادات‬
‫االخت�صار(((‪:‬‬
‫‪ -1‬ا�ستفهام الإنكار والنفي‪ ،‬كقوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [الزمر‪] 19 :‬؛‬
‫أي‪ :‬لست تنقذ من يف النار‪.‬‬
‫‪ -2‬ا�س��تفهام التقري��ر‪ ،‬ويطلــب هبــذا االســتفهام حمــل المخاطــب على‬
‫اإلقــرار واالعرتاف بأمــر ما‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭲﭳ﴾ [األعــراف‪]172:‬؛ أي‪:‬‬
‫أنا ربكم‪ .‬ومنه قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [الزمر‪]36:‬؛ أي‪ :‬اهلل كايف‬
‫جميــع عباده‪ .‬فليــس المراد يف اآليتين حقيقة الســؤال‪ ،‬وإنما حمل العباد على‬
‫اإلقرار بربوبية الخالق‪ ،‬وكفايته لخلقه‪.‬‬
‫‪ -3‬ا�س��تفهام التوبي��خ‪ ،‬كقولــه تعالــى‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾‬
‫[الصافات‪.]125 :‬‬
‫‪ -4‬ا�س��تفهام التعج��ب‪ ،‬كقوله تعالــى‪ ﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﴾ [البقرة‪،]28 :‬‬
‫ونحوه قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [النمل‪.]20 :‬‬
‫‪ -5‬ا�س��تفهام العت��اب‪ ،‬والمــراد منه معاتبة المخا َطب علــى فع ٍل ما‪ ،‬كقوله‬
‫تعالــى‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [الحديــد‪،]16 :‬‬
‫قال ابن مسعود ﭬ‪ :‬ما كان بين إسالمنا وبين أن عاتبنا اهلل هبذه اآلية إال أربع‬
‫ســنين(((‪ .‬ومنه قوله سبحانه معات ًبا رسوله ﷺ‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾‬
‫[التوبة‪.]43:‬‬

‫((( ومن أراد التوسع فلينظر‪ :‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي (‪ ،)328 /2‬واإلتقان يف علوم القرآن‪،‬‬
‫للسيوطي (‪.)269 /3‬‬
‫((( أخرجه مســلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب التفســير‪ ،‬باب قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ (‪،2319 /4‬‬
‫ح‪.)3027‬‬

‫‪159‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -6‬ا�ستفهام التذكري‪ ،‬والمراد هبذا االستفهام تذكير المخا َطب ٍ‬
‫بأمر ما‪ ،‬نحو‬
‫قولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقــرة‪ .]33:‬وعلــى هذا‬
‫النحو قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [يوسف‪.]89 :‬‬
‫‪ -7‬ا�س��تفهام االفتخ��ار‪ ،‬كقوله تعالــى‪ ﴿ :‬ﭺﭻﭼﭽ ﴾ [الزخرف‪،]51 :‬‬
‫قصد فرعون بذلك االفتخار على موسى ڠ‪.‬‬
‫‪ -8‬ا�س��تفهام التهوي��ل والتخوي��ف‪ ،‬كقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ [الحاقــة‪ ،]3-1:‬ومنه قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾‬
‫[يونس‪.]50:‬‬
‫أمر ما‪ ،‬كقوله سبحانه‪:‬‬‫‪ -9‬ا�س��تفهام التفخيم‪ ،‬وهو استفهام يراد منه تفخيم ٍ‬
‫﴿ ﮟﮠﮡﮢ ﴾ [المطففيــن‪]19 :‬؛ أي‪ :‬مــا الــذي أعلمــك يــا محمــد أي شــيء‬
‫عليون؟ على جهة التفخيم والتعظيم له يف المنزلة الرفيعة‪ .‬ومن هذا القبيل قوله‬
‫سبحانه‪ ﴿ :‬ﮃﮄﮅﮆ ﮇ ﴾ [الواقعة‪]27:‬؛ أي‪ :‬إن شأهنم عظيم عند اهلل‪  .‬‬
‫كقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾‬ ‫‪ -10‬ا�س��تفهام التكث�ير‪،‬‬
‫[الزخرف‪ ،]6 :‬والمعنى‪ :‬ما أكثر ما أرســلنا من األنبياء‪ .‬وعلى هذا قوله ســبحانه‪:‬‬
‫﴿ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ [اإلسراء‪.]17 :‬‬
‫‪ -11‬ا�ستفهام الت�سوية بني �أمرين‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ [البقرة‪]6 :‬؛ أي‪ :‬إنذاركم وعدمه سواء‪.‬‬
‫‪ -12‬ا�س��تفهام الأم��ر والطلب‪ ،‬كقولــه تعالى‪ ﴿ :‬ﭳﭴ ﭵ﴾ [المائدة‪]91 :‬؛‬
‫أي‪ :‬انتهوا؛ ولهذا قال عمر ﭬ‪" :‬انتهينا يا رسول اهلل"(((‪ .‬ومنه قوله سبحانه‪:‬‬
‫﴿ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [آل عمران‪]20 :‬؛ أي‪ :‬أسلموا‪.‬‬

‫((( أخرجه اإلمام أحمد يف مسنده (ح‪ ،)378‬وأبو داود يف سننه (‪ ،444 /3‬ح‪ ،)3670‬والنسائي يف سننه‬
‫(‪ ،)286 /8‬ونقل ابن كثير يف تفسيره (‪ )499 /1‬عن ابن المديني‪" :‬هذا إسناد صالح صحيح"‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪160‬‬


‫التمهيد‬

‫‪ -13‬ا�س��تفهام التنبي��ه والتفك��ر‪ ،‬كقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬


‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [البقــرة‪ ،]243 :‬والمعنــى يف هــذا ونحوه‪ :‬انظر‬
‫بفكــرك يف هذه األمــور‪ ،‬وتنبه لما تحملــه من دالالت وإرشــادات‪ .‬ومن هذا‬
‫القبيل قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾ [البقرة‪.]130:‬‬
‫‪ -14‬ا�س��تفهام الرتغي��ب‪ ،‬وهو اســتفهام يراد منه الرتغيــب يف فعل ٍ‬
‫أمر ما‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ﴾ [البقرة‪ .]245:‬ومنه قوله ســبحانه‪:‬‬
‫﴿ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [الصف‪.]10:‬‬
‫‪ -15‬ا�ستفهام النهي‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯩ﴾ [التوبة‪]13 :‬؛ أي‪ :‬ال تخشوا‬
‫الكفار‪ .‬ومنه قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ [االنفطار‪]6:‬؛ أي‪ :‬ال تغرت‪.‬‬
‫‪ -16‬ا�س��تفهام الدع��اء‪ ،‬وهو كالنهي إال أنه مــن األدنى إلى األعلى‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [األعراف‪]155 :‬؛ أي‪ :‬ال هتلكنا‪ .‬وجعل بعضهم‬
‫مــن هــذا القبيــل قولــه ســبحانه‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬
‫[البقرة‪]30:‬؛ أي‪ :‬ال تجعل يف األرض من يفســد فيها؛ إذ هم لم يســتفهموا؛ ألن‬
‫اهلل سبحانه قال‪ ﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾‪.‬‬
‫‪ -17‬ا�ستفهام التمني‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [األعراف‪:‬‬

‫‪ .]53‬ومنه قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﯻ﴾ [الشعراء‪ ،]203 :‬فهذا منهم على جهة التمني‬
‫والرغبة حيث ال تنفع الرغبة‪.‬‬
‫‪ -18‬ا�س��تفهام اال�س��تبطاء‪ ،‬كقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﴾ [يونــس‪ ،]48 :‬بدليــل قوله تعالــى‪ ﴿ :‬ﭑﭒ﴾ [الحج‪،]47 :‬‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [اإلســراء‪ .]51:‬ومنه قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ﴾ [البقرة‪.]214 :‬‬

‫‪161‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -19‬ا�س��تفهام التح�ضي���ض‪ ،‬بمعنــى الحــض على فع ٍل مــا‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‬
‫[التوبة‪ ،]104 :‬والمراد‪ :‬التحضيض على التوبة والصدقة والرتغيب فيهما‪ .‬ونحو‬
‫ذلك قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [النور‪.]22:‬‬
‫‪ -20‬ا�س��تفهام التجاه��ل‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [الفرقان‪ ،]60:‬قالوا‬
‫ذلــك على ســبيل التجاهــل والوقاحة‪ .‬ومنــه قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯ ﯰ﴾ [ســبأ‪ ،]7:‬يعنــون به النبــي ﷺ‪ ،‬والتعبير عنه ﷺ بذلك‬
‫من باب التجاهل‪.‬‬
‫‪ -21‬ا�س��تفهام التحق�ير‪ ،‬كقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾‬
‫[األنبيــاء‪ ،]21 :‬فالمــراد مــن االســتفهام هنا تحقير هــذه اآللهة‪ .‬ونحــو هذا قوله‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ [الشعراء‪ ،]70:‬استفهام بمعنى التحقير‪.‬‬
‫‪ -22‬ا�س��تفهام اال�س��تبعاد‪ ،‬كقوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﯗﯘ ﴾ [الصافات‪،]17:‬‬
‫أيضا آباؤنا؟ على زيادة االســتبعاد‪ ،‬يعنون أهنم أقدم‪ ،‬فبعثهم‬
‫والمعنى‪ :‬أ ُيبعث ً‬
‫أبعد وأبطل؛ ونحوه كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [الرعد‪.]5 :‬‬
‫‪ -23‬ا�ستفهام التهكم واال�ستهزاء‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ﴾ [هود‪ ،]87 :‬قالوا له ذلك على ســبيل التهكم‪ .‬ومنه قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [البقرة‪ ،]140 :‬إذ ال مشــاركة بينهم وبين اهلل يف العلم حتى يسأل‪:‬‬
‫علما أم اهلل؟ ولكن ذلك على سبيل التهكم هبم واالستهزاء‪.‬‬
‫أهم أزيد ً‬
‫‪ -24‬ا�ستفهام الإخبار‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞ ﴾ [النور‪ ،]50:‬فاآلية تخرب عن المنافقين‪ ،‬وأن أمرهم ال يخرج عن‬
‫أن يكون يف قلوهبم مرض الزم لها‪ ،‬أو قد عرض لها شك يف الدين‪ ،‬أو يخافون‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪162‬‬


‫التمهيد‬

‫أن يجور اهلل ورســوله عليهم يف الحكم‪ .‬ومن هذا القبيل قوله ســبحانه‪ ﴿ :‬ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الغاشية‪.]1 :‬‬
‫ومن المهم أن تعلم أن المفسرين قد يختلفون يف بعض مواضع االستفهام‬
‫فيرجــح بعضهم معنى‪ ،‬ويرجح آخر معنى غيــره؛ لدليل يصلح لهذا الرتجيح‪.‬‬
‫ومن أمثلــة ذلك قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [طــه‪ ،]17:‬فقد حمل‬
‫كثير من المفسرين االستفهام هنا على أنه للتقرير‪ ،‬وحمله ابن عاشور على أنه‬
‫للتنبيه(((‪ ،‬فتأمل‪ ،‬وال يفوتنَّك هذا‪  .‬‬
‫وا�صطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الإجلاء لغة‬
‫‪ ‬الإجلاء لغة‪:‬‬
‫م�أخ��وذ م��ن يلج ��أ‪ :‬يعــوذ‪ ،‬وفعله لجأ ولجــئ يلجأ‪ ،‬والتجــأ‪ ،‬وألجأه إلى‬
‫الشيء‪ :‬اضطره‪ ،‬وألجأه‪ :‬عصمه‪ ،‬والملجأ‪ :‬المعاذ‪ ،‬وجمعه‪ :‬أ ْلجا ٌء(((‪.‬‬
‫معان‪:‬‬
‫لثالثة ٍ‬
‫ِ‬ ‫فالإجلاء ي�أتي‬
‫‪ ‬املعنى الأول‪ :‬معنى اال�ضطرار �إىل ال�ش��يء وال َق ْ ُ‬
‫��سر والت�ضييق واحلاجة‬
‫والنصوص عن العلماء كثيرة يف هذا المعنى‪ ،‬أذكر‬
‫ُ‬ ‫�إليه‪ ،‬وهو المعنى األشــهر‪،‬‬
‫منها ما يلي‪:‬‬
‫األمر إلى كذا؛ أي‪ :‬اضطرين إليه"(((‪.‬‬
‫قال اخلليل‪" :‬ألجأنا ُ‬
‫((( وممــن حملــه على التقريــر‪ :‬الماتريدي يف تأويالت أهل الســنة (‪ ،)248 /2‬والســمرقندي يف بحر‬
‫العلــوم (‪ ،)392 /2‬ومكــي يف الهداية (‪ )4625 /7‬وغيرهم‪ .‬وانظر كالم ابن عاشــور يف‪ :‬التحرير‬
‫والتنوير (‪.)207 /16‬‬
‫((( إيضاح شواهد اإليضاح‪ ،‬للقيسي (‪.)551 /1‬‬
‫أيضــا‪ :‬إيضاح شــواهد اإليضــاح‪ ،‬للقيســي (‪،)551 /1‬‬
‫((( العيــن‪ ،‬للفراهيــدي (‪ .)178 /6‬وانظــر ً‬
‫وهتذيــب اللغــة‪ ،‬لألزهــري (‪ ،)131 /11‬والتلخيص يف معرفة أســماء األشــياء‪ ،‬للعســكري (‪/1‬‬
‫‪ ،)115‬ومختار الصحاح‪ ،‬للرازي (ص‪.)279‬‬

‫‪163‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وقال الزبيدي‪" :‬ألجأه إلى كذا‪ :‬اضطره إليه وأحوجه"(((‪.‬‬
‫عكس االختيار(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يكون اإللجا ُء‬ ‫فعلى هذا‬
‫‪ ‬واملعنى الثاين‪� :‬إ�سناد الأمر �إىل الغري‪.‬‬
‫جاء يف املعجم الو�سيط‪" :‬ألجأ أمره إلى اهلل‪ :‬أسنده وفوضه"(((‪.‬‬
‫وجاء يف القامو�س الفقهي‪" :‬ألجأ أمره إلى اهلل‪ :‬أسنده"(((‪.‬‬
‫‪ ‬واملعنى الثالث‪ :‬حماية ال�شخ�ص‪.‬‬
‫الشخص‪ :‬حما ُه من مكروه"(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫جاء يف املعجم الو�سيط‪" :‬ألجأ‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬الإجلاء‬
‫قبل أن ُن َب ِّين معنى (االستفهام اإللجائي) ال ُبدَّ أن يتضح لنا معنى اإللجاء‬
‫يف اصطــاح علمــاء أصول الديــن والفقهاء والمفســرين؛ حيــث إن ُم ْصطلح‬
‫اإللجــاء يســتخدم يف هــذه العلوم علــى معنيين‪ ،‬ال ُبــدَّ من تبيينهمــا َّ‬
‫ألن معنى‬
‫(االستفهام اإللجائي) يرجع إلى أحد هذين المعنيين فقط‪.‬‬
‫�أما املعنى اال�صطالحي الأول‪ :‬فهو الإكراه وال َق ْ�س ُر‪.‬‬
‫ق��ال اب��ن العرب��ي يف تف�س�ير بع�ضه��م‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‬
‫[اإلنســان‪" :]30:‬ومنهــم َمن قــال‪ :‬إن معناه‪ :‬إال أن يشــاء اهلل إلجائــي إليه‪ ،‬وهذا‬
‫ــور التكليف فيه باإللزام؛ ألن اإلكراه على‬ ‫فاســد؛ َّ‬
‫فإن اهلل لو ألجأه إليه لم ُيت ََص َّ‬
‫فعل الشيء مع األمر به عندهم محال‪ ،‬فال وجه لقولهم بحال"(((‪.‬‬
‫((( تاج العروس‪ ،‬للزبيدي (‪.)419 /1‬‬
‫((( مقاالت اإلسالميين‪ ،‬لألشعري (ص‪.)544‬‬
‫((( المعجم الوسيط (‪.)815 /2‬‬
‫((( القاموس الفقهي‪ ،‬ألبو حبيب (‪.)328 /1‬‬
‫((( المعجم الوسيط (‪.)815 /2‬‬
‫((( أحكام القرآن‪ ،‬البن العربي (‪.)231 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪164‬‬


‫التمهيد‬

‫ويق��ول ال�صر�ص��ري‪" :‬ال يعنــي باإللجــاء إال‪ :‬اضطراره إلــى الفعل على‬
‫وجه ال يمكنه التخلص منه"(((‪.‬‬
‫ومنه قول ال�شهاب‪" :‬جعلوا اإلرادة قسمين‪ :‬إلجائية قسرية‪ ،‬وغيرها"(((‪.‬‬
‫فالإجل��اء �ض��رورة ُتن��ايف الإرادة وامل�ش��يئة‪ ،‬كما قال ابن عا�ش��ور‪" :‬وال حاجة‬
‫بنا إلى الخوض يف مسألة التكليف اإللجائي‪ ،‬ومنافاة اإللجاء للتكليف"(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫القلب‬ ‫مجــال لصاحب‬ ‫ٍ‬ ‫و�أم��ا املعن��ى اال�صطالح��ي الث��اين‪ :‬فهو عد ُم وجود‬
‫ٍ‬
‫واحد يف المسألة التي ُأ ْل ِج َئ فيها‪.‬‬ ‫والعق ِل السليمين إال بأن يتجه إلى اختيار ٍ‬
‫خيار‬
‫أن اإليمان بأمــور الغيب ليس إيمانًا ضرور ًّيا‬ ‫ومنــه ما يذكره العلماء مِن َّ‬
‫اإلنســان اهلل ‪ ‬أو رأى المالئكة‪ ،‬أو عاين‬ ‫ُ‬ ‫ملج ًئا‪ ،‬بعكس ما لو رأى‬
‫ذلك عند الموت‪ ،‬فإنَّه يصبح اإليمان إلجائ ًّيا ضرور ًّيا‪.‬‬
‫أن اإلنســان ُي ْض َرب أو يهدد حتى يؤمن‪ ،‬ال‪...‬‬ ‫فليس المقصود مِن ذلك َّ‬
‫بــل المقصــود هنا أنه ال يجــد قل ُبه وعق ُله ًّ‬
‫مفــرا وطري ًقا لعــدم اإليمان‪ ،‬وذلك‬
‫بحواسه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫لمشاهدته األمر بعينه وإحساسه له‬
‫ق��ال اب��ن العرب��ي‪" :‬اإليمــان يف الدنيــا نظــري؛ ألن الدالئــل الدالة عليه‬
‫نظرية‪ ،‬إذ لو أظهرها اهلل تعالى الظهور الب ِّين لصارت ضرورية‪ ،‬فيكون اإليمان‬
‫إلجائ ًّيا ضرور ًّيا"(((‪.‬‬
‫وق��ال �صاح��ب التنوي��ر‪" :‬وإنمــا لــم يقبل التوبــة عند الغرغــرة ألهنا توبة‬

‫((( االنتصارات اإلسالمية يف كشف شبه النصرانية‪ ،‬للطويف (‪.)468 /1‬‬


‫((( عناية القاضي وكفاية الراضي‪ ،‬للشهاب (‪.)148 /5‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)542 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬نكت وتنبيهات يف تفسير القرآن المجيد‪ ،‬للبسيلي (‪.)585 /3‬‬

‫‪165‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫إلجاء؛ فقد شــاهد هول المطلع ورأى المالئكة‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﴾ [الفرقان‪ .((("]22 :‬وهذا ليس إلجا ًء قســر ًّيا ال يمكن التخلص منه؛ َّ‬
‫فإن‬
‫إبليس قد رأى مِن ذلك شي ًئا وعرفه ومع ذلك لم يؤمن‪.‬‬
‫"ســنة اهلل تعالى تكليف الناس باإليمان من‬
‫ولأجل ذلك يقول الألو�س��ي‪ُ :‬‬
‫دون إلجاء"(((‪.‬‬
‫درته‪-‬‬ ‫‪-‬ج َّل ْ‬
‫ــت ُق َ‬ ‫جل � َزرِيُّ ‪" :‬البارئ َ‬
‫وق��ال القا�ض��ي �ص��در ال ِّدي��ن َم ْوهُ ��وب ا َ‬
‫قــادرا على إلجاء‬
‫ً‬ ‫أســاليب مختلفة على مجاري تصريــف أقداره؛ فإنَّه كان‬ ‫ُ‬ ‫لــه‬
‫المشركين إلى اإلقرار بنبوة محمد ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الشعراء‪ ،]4:‬ولكنه سبحانه أرسل رسو َله على أسال ِ ِ‬
‫يب‬
‫الواقِ َعة مِن أهل َّ‬
‫الزمان"(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب وا ْل ُم َس َّببات وجاري ال َعوائد َ‬
‫وق��ال ال�ش��يخ ال�ش��عراوي‪" :‬كذلــك يقــول الحــق يف موضع آخــر بالقرآن‬
‫الكريــم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬
‫ﭣﭤ﴾ [اإلســراء‪ ،]67:‬ذلك أنه عندما يصاب اإلنســان بحادث جســيم فهو‬
‫ال يكذب على نفسه‪ ،‬حتى الكافر باهلل عندما يجد أن كل األسباب المادية التي‬
‫إلها واحدً ا خال ًقا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب"(((‪.‬‬ ‫أمامه ال تنفعه فهو يلجأ ويعرتف َّ‬
‫بأن هناك ً‬
‫ج َئ ٍة للناس إلى االعرتاف بالحق من المعنى‬ ‫وقد جاءت الشريعة بأنوا ٍع م ْل ِ‬
‫ُ‬
‫اإللجائــي بمعنــاه االصطالحي الثاين؛ فمن ذلك المباهلة‪ ،‬يقول ابن عاشــور‪:‬‬
‫"وهذا الدُّ عاء إلى المباهلة إلجاء لهم إلى أن يعرتفوا بالحق أو ي ُك ُّفوا"(((‪.‬‬
‫((( التنوير شرح الجامع الصغير‪ ،‬للصنعاين (‪.)406 /3‬‬
‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)61 /10‬‬
‫((( الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي (‪.)122 /2‬‬
‫((( تفسير الشعراوي (‪.)1952 /4‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)265 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪166‬‬


‫التمهيد‬

‫ومن ذلك ما ي�شاهده النا�س قبل يوم القيامة من عالمات ال�ساعة؛ قال ابن‬
‫عا�شور يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [النمل‪" :]82:‬وجملة‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ َت ْعلِيل‬
‫الخــارق للعادة؛ حيث لم ُيوقِن المشــركون بآيات القرآن‪ ،‬فجعل‬
‫ِ‬ ‫إلظهار هذا‬
‫ذلك إلجاء لهم حين ال ين َف ُع ُهم"(((‪.‬‬
‫ومن ذلك ت�سليط العذاب عليهم؛ كما يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭛﭜ ﴾؛‬
‫أي‪ :‬العــذاب الدنيوي مما يلجئ إلى الرجــوع‪ ﴿ ،‬ﭝ ﭞ﴾ [الزخرف‪،]48 :‬‬
‫فس َّلط اهلل عليهم العذاب الدنيوي إلجا ًء لهم إلى الرجوع وإلى التوبة‪.‬‬
‫وم��ن ذل��ك �إلزامه��م بتمن��ي امل��وت‪ ،‬كم��ا يف قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ ﯕ ﴾ [الجمعــة‪ ،]6 :‬والمعنــى‪ :‬إن كُنتم‬
‫الموت‪ .‬وهذا إلجاء لهم حتَّى يلز َم ُهم ُث ُبوت َش ِّك ِهم‬
‫َ‬ ‫صادقين يف زعمكم فتمنَّوا‬
‫فيما زعموه(((‪.‬‬
‫وإذا ما استمعنا لنستمع إلى ما يقوله الطاهر بن عاشور يف آيات إحياء‬
‫األرض وحيثية استعمال (مِن) يف آية العنكبوت وجدناه يلمس هذا المعنى‬
‫البالغــي فيقول‪" :‬ولما كان ســياق الكالم هنا يف مســاق التقرير كان المقام‬
‫مقتض ًيا للتأكيد بزيادة ﴿ ﯷ ﴾ يف قوله‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [العنكبوت‪ ]63:‬إلجا ًء‬
‫لهــم إلــى اإلقرار َّ‬
‫بــأن فاعل ذلــك هــو اهلل دون أصنامهم‪ ،‬فلذلــك لم يكن‬
‫مقتضــى لزيــادة ﴿ ﯷ ﴾ يف آية البقــرة‪ ،‬ويف آية الجاثيــة‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ً‬
‫ﭬ ﴾ [البقرة‪ ،164 :‬والجاثية‪.((("]5 :‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)39 /20‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)216 /28‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)29 /21‬‬

‫‪167‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫بل َّ‬
‫إن بني إســرائيل اســتخدموا هذا النوع من اإللجاء مع موســى ڠ؛‬
‫وذلك كما ذكــره عنهم ‪ ۵‬يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [البقرة‪،]61 :‬‬
‫تدل على استغراق النفي ألزمنة فع ِل ﴿ ﮟ ﴾ مِن َّأولها إلى آخرها‪،‬‬ ‫فإن ﴿ ﮞ ﴾ ُّ‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهــو معنــى التَّأبِيد‪ ،‬ويف ذلك إلجاء لموســى َأن ُيبــادر ُّ‬
‫بالســؤال‪ ،‬ي ُظنُّون أنَّهم‬
‫والسلوى بعد ذلك الحين(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أيأسوه من قبول الم ِّن َّ‬
‫لجئ‪،‬‬
‫والإك��راه يف ا�صط�لاح فقه��اء احلنفي��ة قال��وا‪" :‬اإلكــراه قســمان‪ُ :‬م ٌ‬
‫وغير ملجئ‪.‬‬
‫فأ َّمــا الملجئ فهــو الذي يكــون بالتهديد بإتالف النفــس أو عضو منها‪،‬‬
‫يهم اإلنســان أمره‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا النوع من‬ ‫أو بإتــاف جميع المال‪ ،‬أو بقتل َمن ُّ‬
‫اإلكراه يعدم الرضا ويفسد االختيار دون أن ُي ْع ِد َمه‪.‬‬
‫وأمــا اإلكراه غير الملجــئ فهو الذي يكون بما ال ُي َف ِّو ُت النفس أو بعض‬
‫األعضاء‪ ،‬كالحبس لمدة قصيرة والضرب الذي ال يخشى معه الموت أو تلف‬
‫شــيء من األعضاء‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا النوع من اإلكراه ُي ْع ِدم الرضا؛ لكنه ال يفســد‬
‫االختيــار‪ ،‬لعدم اضطرار المكره إلــى إتيان ما أكره عليه لتمكنه من الصرب على‬
‫تحمل ما ُهدِّ د به‪ ،‬بخالف القسم األول"(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫البيان بل وزاد عليهما‬ ‫الراغب األصفهاينُّ نوعي اإللجاء غايــة‬ ‫وقد ب َّيــن‬
‫ُ‬
‫ثال ًثا يف كالم طويــل نقلتُه لتوضيح المعنى هنا غاية اإليضاح‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ما‬
‫يســتحق به من األفعال اللوم وما ال يســتحق به ذلك األفعــال ضربان‪ :‬إرادي‪،‬‬
‫وغير إرادي‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)521 /1‬‬
‫((( المصبــاح المنير‪ ،‬للفيومي (‪ ،)666 /2‬والمبســوط‪ ،‬للسرخســي (‪ ،)48 /24‬ورد المحتار‪ ،‬البن‬
‫عابدين (‪.)80 /5‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪168‬‬


‫التمهيد‬

‫والإرادي �ضربان‪ :‬ضرب عن روية‪ ،‬وضرب ال عن روية‪.‬‬


‫فال��ذي ع��ن روية �ضربان؛ �أحدهما‪ :‬الذي عن روية تظن يف غاية الشــرف‪،‬‬
‫وهو ما يكون بحسب النفس الناطقة‪ ،‬ويسمى االختيار‪ ،‬وهو طلب ما هو خير‬
‫اختيارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫له‪ ،‬ويستحق به أبدً ا الحمد إذا كان على الحقيقة‬
‫والثاين‪ :‬عن روية فيما ليس هو يف غاية الشرف‪ ،‬وذلك إما بحسب القوة‬
‫الغضبية‪ :‬وهو دفع ما يضره‪ ،‬وإما بحســب القوة الشــهوية‪ .‬وكل منهما إذا كان‬
‫ناقصا عما يوجبه‬
‫بقــدر ما يوجبه العقل يســتحق بــه الحمد‪ ،‬وإذا كان زائــدً ا أو ً‬
‫العقل يستحق به الذم‪.‬‬
‫والإرادي الذي عن غري روية واختيا ٍر �ضربان‪:‬‬
‫والثاين‪ :‬ما يفعله بغيره‪.‬‬ ‫ ‬‫�أحدهما‪ :‬ما يفعله يف نفسه‪.‬‬
‫وكل واحد منهما �ضربان‪ :‬نفع وضر‪ .‬فما قصد به نفع نفســه فقد يســتحق‬
‫به الحمد‪ ،‬وما قصد به نفع غيره فقد يســتحق به الحمد والشكر م ًعا‪ ،‬وما قصد‬
‫به ضر نفســه فقد يســتحق به الذم‪ ،‬ومــا قصد به ضر غيره فقد يســتحق به الذم‬
‫والعتب عليه‪.‬‬
‫وغري الإرادي ثالثة �أ�ضرب‪:‬‬
‫ال�ض��رب الأول‪ :‬أن يكــون قســر ًّيا‪ ،‬وهــو‪ :‬ما يكون مبدؤه مــن خارج وال‬
‫يكــون من أربابه معونة بوجه‪ ،‬كمن دفعته ريح فســقط على آنية فكســرها‪ ،‬فال‬
‫مالمة فيه بوجه‪.‬‬
‫والث��اين‪ :‬أن يكــون إلجائ ًّيــا كمن أكرهه ســلطان على أن يفعــل ً‬
‫فعل ما‪،‬‬
‫قبيحا جدًّ ا‪ ،‬والســبب الملجئ إليه خفي ًفا‪ ،‬يســتحق‬
‫وهــذا متى كان الملجأ إليه ً‬
‫مرتكبه الذم‪ ،‬كمن ُيضرب ليقتل إنسانًا‪ .‬ومتى كان الملجأ إليه ليس بجد قبيح‪،‬‬

‫‪169‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫عظيما‪ ،‬ال يستحق مرتكبه الذم‪ ،‬كمن يوضع على حلقه‬
‫ً‬ ‫والســبب الملجئ إليه‬
‫الســيف و ُيهــدَّ د أن ُيقتل إن لــم يتكلم بكالم قبيــح‪ ،‬وكالهما يقال لــه‪ :‬إكراه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬الخطأ‪ ،‬وهو ما يكون مبدؤه من صاحبه"(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معينة على‬ ‫و�أ َّما الإجلاء يف اال�س��تفهام فهو أن ُي ْض َط َّر المســؤول إلى إجابة‬
‫ٍ‬
‫ص منه‪.‬‬ ‫وجه ال يمكن التخ ُّل ُ‬
‫ِ‬
‫أن اإللجاء يف هذا المقام ليس إلجا ًء ح ِّســ ًّيا ُيدْ َفع ُ‬
‫الناس‬ ‫فيتبين مما ســبق َّ‬
‫عقلي‪ ،‬فهو من معنى‬ ‫ٌّ‬ ‫معنوي‬
‫ٌّ‬ ‫محيصا عنه‪ ،‬وإنما هو إلجاء‬
‫ً‬ ‫إليــه دف ًعا ال يجدون‬
‫الإجل��اء اال�صطالح��ي الث��اين؛ حيث إن الســامع والمســؤول لو ف َّكــر يف إجابة‬
‫ســؤال السائل َل َما َو َجدَ غير هذه اإلجابة إن كان ُي َف ِّكر بطريقة سليمة بعيدة عن‬
‫الهوى والتعصب‪ ،‬وإال فيمكن للقائل عنا ًدا أن يجيب عن السؤال واالستفهام‬
‫اإللجائي بما يخالف العقل والواقع‪.‬‬
‫ــف االختيــار و ُي ْع ِدم‬
‫أن اإللجــاء يف هــذا المقــام ُي ْض ِع ُ‬
‫وخال�ص��ة الق��ول‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫بعض‬ ‫الرضــا‪ ،‬ولكنــه ال ُي ْع ِدم االختيار‪ .‬ويدل على ذلك مــا د َّلت عليه ُ‬
‫التي اســتخدم فيها االستفهام اإللجائي مِن أهنم أرادوا َّأل ُي ِق ُّروا بالجواب‪ ،‬قال‬
‫األلوســي‪" :‬وقولــه ‪ ﴿ :‬ﭻﭼ ﴾ [األنعــام‪ ]12 :‬تقريــر للجــواب نيابة‬
‫بأن الكل له ‪ ،‬وفيه إشــارة إلى أن‬ ‫عنهــم‪ ،‬أو إلجــاء لهم إلى اإلقرار َّ‬
‫الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث ال يقدر على إنكاره منكِر‪ ،‬وال على دفعه‬
‫دافِع‪ ،‬فإن أمر السائل بالجواب إنما يحسن ‪-‬كما قال اإلمام(((‪ -‬يف موضع يكون‬
‫فيه الجواب كذلك‪ ،‬قيل‪ :‬وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا يف الجواب مع تعينه"(((‪.‬‬

‫((( الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ ،‬للراغب األصفهاين (ص‪.)296‬‬


‫((( المقصود باإلمام هو الرازي‪ ،‬وانظر قوله يف‪ :‬مفاتيح الغيب (‪.)488 /12‬‬
‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)98 /4‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪170‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫املبحث األول‬
‫الدرا�سة الت�أ�صيلية‬
‫املطلب الأول‪ :‬اال�ستفهام الإجلائي عند املف�سرين‪ ،‬و�أ�سما�ؤه‪.‬‬
‫لما كان مصطلح (االســتفهام اإللجائــي) ليس بالمصطلح الرائج الشــائع‪،‬‬
‫أحببت أن أذكر جمل ًة من المفسرين مِ َّمن ذكروا هذا االستفهام؛ فقد ذكر هذا النوع‬
‫ُ‬
‫من االستفهام مجموع ٌة من المفسرين‪ ،‬وإن اختلفت عباراهتم يف وصفه واسمه‪.‬‬
‫وســأذكر العلماء الذين ُذكِر عنهم االســتفهام اإللجائي بطريقة صريحة‪،‬‬
‫أوردت‬
‫ُ‬ ‫وأ َّما َما أشــار إلى معنى اإللجاء بحيث ال ُي ْف َهم إال بالنظر والتأ ُّم ِل فقد‬
‫كال َمه يف قسم التطبيق‪.‬‬
‫‪ً �‬‬
‫أول‪ :‬احل�سن الب�صري‪:‬‬
‫عن ابن جرير قال‪ :‬حدَّ ثنا بِشــر بن معاذ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن ُز َر ْيعٍ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا ســعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬كان الحســن يقول يف قولــه‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾‬
‫[الكهــف‪ ]50:‬إلجــا ٌء إلى نَســبه؛ فقــال اهلل‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‬
‫[الكهف‪ ]50:‬اآلية‪ ،‬وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم(((‪.‬‬
‫ف ُهن��ا ُنالحِ ��ظ �أن اال�س��تفهام ال��وارد يف قول��ه‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﴾ فيه إلجا ٌء للمســتفهم منه إلى االعرتاف بكونه أخطأ يف اتخاذه إبليس‬
‫وذريته أولياء من دون اهلل‪ ،‬كون إبليس ‪-‬عليه لعنة اهلل‪ -‬كان من الجن‪.‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬الطيبي (ت‪743‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال‪" :‬و﴿ ﭻ ﭼ ﴾ [األنعــام‪ ]12:‬تقريــر‪ ،‬قيــل‪ :‬أي إلجــاء إلــى اإلقــرار‪.‬‬

‫((( جامع البيان‪ ،‬للطربي (‪.)540 /1‬‬

‫‪171‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الجوهري‪ :‬تقرير اإلنسان بالشيء‪ :‬حمله على اإلقرار به‪ .‬واألولى أن يكون من‬
‫تقرير الشــيء‪ :‬إذا جعل يف مكانه‪ .‬الجوهري‪ :‬قررت عنده الخرب حتى اســتقر‪.‬‬
‫أي‪ :‬قرر الجواب ألجلهم‪ ،‬فكأن قوله قولهم‪ ،‬ألنه ال خالف بينه وبينهم"(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثال ًثا‪ :‬ال�سيوطي (ت‪911‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال ال�س��يوطي‪" :‬قال ال ِّ‬
‫طيبي‪ :‬يعني إذا ســئلوا عن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾؟ [األنعــام‪ ،]12:‬ال محيــد لهــم إال أن يقولــوا‪ :‬اهلل‪ ﴿ ،‬ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [لقمــان‪ .]25:‬اهـــ‪ .‬قوله‪( :‬تقرير لهم)‪.‬‬
‫قال الشيخ سعد الدين‪ :‬أي‪ :‬إلجاء إلى اإلقرار بأن الكل هلل‪َّ ،‬‬
‫ألن هذا من الظهور‬
‫بحيث ال يقدر أحد أن ينكره"(((‪.‬‬
‫‪ ‬راب ًعا‪� :‬أبو ال�سعود (ت‪982‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال �أب��و ال�س��عود‪" :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﰂﰃﰄﰅ﴾ [األنعام‪ٌ ]81:‬‬
‫ناطق‬
‫ــب على إنكار خوفِه ‪-‬عليه الصالة والســام‪ -‬يف‬
‫حتما فإنه كالم مر َّت ٌ‬
‫ب ُبطالنــه ً‬
‫ٌ‬
‫ســوق إللجائهم إلى‬ ‫محــل األمــن مع تحقق عــدم خوفهم يف محــل الخوف َم‬
‫االعتراف باســتحقاقه ‪-‬عليه الصالة والســام‪ -‬لما هــو عليه من األمن وبعدم‬
‫شــع َر ِة باســتحقاقهم‬ ‫ِ‬
‫اســتحقاقهم لما هم عليه‪ ،‬وإنما جيء بصيغة التفضي ِل الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــوق الكالم على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بس ْ‬‫لــه يف الجملة الســتنزالهم عن ُرتبة المكابرة واالعتســاف َ‬
‫والفريق‬
‫ُ‬ ‫الفريــق اآلم ُن يف محل األمــن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َســنن اإلنصاف‪ ،‬والمــرا ُد بالفريقين‪:‬‬
‫أحق‬‫الكريم علــى أن ُيقال‪ :‬فأ ُّينا ُّ‬ ‫النظم‬ ‫محــل الخوف‪ ،‬فإيثار ما ِ‬
‫عليه‬ ‫ِّ‬ ‫اآلمــ ُن يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫الحكم‬ ‫الحــق بالتنبيه على ع َّلة ُ‬
‫ِّ‬ ‫اإللجاء إلى الجواب‬ ‫باألمــن أنا أم أنتم؛ لتأكيد‬

‫((( فتوح الغيب‪ ،‬للطيبي (‪.)32 /6‬‬


‫((( نواهد األبكار‪ ،‬للسيوطي (‪.)337 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪172‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫ِ‬
‫االحرتاز عن تزكية النفس‪ ﴿ ،‬ﰇ ﰈ‬ ‫ِ‬
‫لمجرد‬ ‫والتفادي عن التصريح بتخطئتهم ال‬
‫ً‬
‫تعويل على ظهــوره بمعونه المقام؛ أي‪ :‬إن‬ ‫محذوف‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫المفعــول إمــا‬ ‫ﰉ﴾‬
‫أحق بذلك‪ ،‬أو قصدً ا إلى التعميم؛ أي‪ :‬إن كنتُم تعلمون شي ًئا‪،‬‬ ‫كنتم تعملون من ُّ‬
‫محذوف؛‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الشــرط‬ ‫وجواب‬ ‫مــروك بالمرة؛ أي‪ :‬إن كنتم مِ ْن ُأولي العلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وإما‬
‫ُ‬
‫اســتئناف من جهتِــه تعالى للجواب‬
‫ٌ‬ ‫أي‪ :‬فأخــروين‪ ﴿ ،‬ﭑ ﭒ﴾ [األنعام‪]82:‬‬

‫الحق الذي ال محيد عنه"(((‪.‬‬


‫ِّ‬
‫خام�سا‪� :‬شهاب الدين اخلفاجي (ت‪1069‬هـ)‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫قال �شهاب الدين اخلفاجي‪" :‬قوله‪( :‬وهو سؤال تبكيت) يف األساس‪ :‬بكته‬
‫بالحجة غلبه وألزمه ما سكت به لعجزه عن الجواب عنه‪ ،‬والمقصود‪ :‬أنه تقريع‬
‫لهم وتوبيخ‪ .‬قوله‪( :‬تقرير لهم) التقرير له معنيان‪ :‬الحمل على اإلقرار‪ ،‬والتثبيت‬
‫قارا متمكنًا‪ ،‬ومنه تقرير المســألة‪ ،‬وكالهما مما نطقت به كتب اللغة‬
‫بأن يجعله ًّ‬
‫كما ذكره الطيبي ‪ .$‬ومعناه على الثاين‪ :‬أنه تقرير للجواب ألجلهم؛ أي‪ :‬نيابة‬
‫عنهم كما يف الكشاف‪ ،‬وعلى األول إلجاء إلى اإلقرار بأن الكل له‪ ،‬ألن هذا من‬
‫الظهور بحيث ال يقدر على إنكاره أحد كما قاله النحرير((("(((‪.‬‬
‫�ساد�سا‪� :‬إ�سماعيل حقي (ت‪1127‬هـ)‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫ق��ال‪ ﴿" :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﴾ [األنعام‪ ]12:‬إلجاء ألهل مكة‬
‫إلــى اإلقرار بأن الكل من العقالء وغيرهم هلل خل ًقا ومل ًكا وتصر ًفا‪ ،‬كأنه يقول‪:‬‬

‫((( إرشاد العقل السليم‪ ،‬ألبي السعود (‪.)156 /3‬‬


‫((( المقصود به سعد الدين التفتازاين؛ ألن الشهاب قال يف الحاشية (‪" :)101 /4‬فقال النحرير يف شرح‬
‫المفتاح"‪ .‬وكذلك يف (‪.)165 /4‬‬
‫((( حاشية الشهاب على البيضاوي (‪.)27 /4‬‬

‫‪173‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫هل لكم سبيل إلى عدم اإلقرار بذلك‪ ،‬مع كونه من الظهور بحيث ال يقدر أحد‬
‫على إنكاره"(((‪.‬‬
‫وقال‪ ﴿" :‬ﭧ ﭨ ﴾ [األنعام‪ ]19 :‬إلجاء لهم إلى اإلقرار بإشراكهم؛‬
‫إذ ال سبيل لهم إلى إنكاره الشتهارهم به"(((‪.‬‬
‫‪� ‬ساب ًعا‪ :‬حممد ر�شيد ر�ضا (ت‪1354‬هـ)‪:‬‬
‫قال‪ ﴿" :‬ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ﴾ [األنعام‪]12:‬؛ أي‪ُ :‬قل أ ُّيها َّ‬
‫الرســول‬
‫عما ِج ْئت َُهــم به مِن أمــر التَّوحيد‬ ‫ِ‬
‫لقومــك الجاحديــن لرســالتك ا ْل ُمعرضيــن َّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫والبعث وا ْلج َزاء‪ :‬لِمن هذه المخلوقات يف العالم ُك ِّله ُع ِ ِ‬
‫وس ْفل ِّيه؟ ُّ‬
‫السؤال‬ ‫لو ِّيه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أن ال َع َر َب كانت تؤمن‬ ‫السابِقة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تمهيد ل ُح َّجة جديدة‪ ،‬وقد َب َّينَّا يف تفسير اآليات َّ‬
‫كل مــا فيهما و َمن فيهما‬ ‫وأن َّ‬
‫الســماوات واألرض‪َّ ،‬‬ ‫ــأن اهلل تعالــى هو خالق َّ‬ ‫بِ َّ‬
‫ِ‬
‫(((‬
‫وج َز َم يف ال َك َّشاف‬
‫مع غيرهم‪َ ،‬‬ ‫م ْلك و َعبِيد له‪ ،‬ولفظ ﴿ ﭶ ﴾ يشــمل ال ُعقالء َ‬
‫وأن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ﴾ تقريــر لهم؛ أي‪ :‬هو اهلل ال‬ ‫الســؤال لل َّت ْبكِيــت‪َّ ،‬‬ ‫بأن ُّ‬‫َّ‬
‫ِخالف بيني وبينكم يف ذلك‪ ،‬وال َت ْق ِد ُرون َأن ُت ِضي ُفوا شي ًئا مِن ُه إلى غيره‪ .‬وقال‬
‫الر ِاز ُّي‪:‬‬
‫ــر ِار‪ ،‬وقال َّ‬ ‫تقرير للجواب نياب ًة عنهــم‪ ،‬أو إِ ْل َجاء لهم إلى ِ‬
‫اإل ْق َ‬ ‫ٌ‬ ‫غيــره‪:‬‬
‫ِ‬
‫الموض ِع ا َّلذي‬ ‫أول‪ُ ،‬ث َّم بالجواب ثان ًيا(((‪ .‬وهذا إنَّما َي ْح ُســ ُن يف‬
‫بالســؤال ً‬ ‫َأ َم َر ُه ُّ‬
‫يكــون الجواب فيه قد َب َل َغ يف ال ُّظ ُهور إلى حيث ال َي ْق ِد ُر على إنكاره ُمنْكِ ٌر وال‬
‫َي ْق ِد ُر على َد ْف ِع ِه َدافِ ٌع"(((‪.‬‬
‫((( روح البيان‪ ،‬للقنوجي (‪.)13 /3‬‬
‫((( روح البيان‪ ،‬للقنوجي (‪.)17 /3‬‬
‫((( الكشاف‪ ،‬للزمخشري (‪.)8 /2‬‬
‫((( مفاتيح الغيب‪ ،‬للرازي (‪.)489 /12‬‬
‫((( تفسير المنار‪ ،‬لمحمد رشيد رضا (‪.)271 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪174‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫أن هذه المقابلــة عا َّم ٌة ِّ‬


‫لكل‬ ‫وق��ال‪ ﴿" :‬ﰂ ﰃ﴾ [األنعــام‪ ]81:‬هــي بيان َّ‬
‫خاصة‬‫ــر ٌك‪ ،‬ال َّ‬ ‫إن أحد الفريقين ُم َو ِّحدٌ واآلخر ُم ْش ِ‬ ‫ــر ٍك‪ ،‬مِــن حيث َّ‬ ‫ُم َو ِّح ٍد و ُم ْش ِ‬
‫إن ُن ْك َت َت ُه ِال ْحتِ َر ُاز عن تزكية النفس‪،‬‬‫بــه وهبم‪ ،‬فهي ُمت ََض ِّمنَ ٌة ل ِ ِع َّل ِة األمن‪ .‬وقيل‪َّ :‬‬
‫الح ِقيق باألمن‪ ،‬ولكنَّه ع َّبر باســم‬ ‫واســم التَّفضيل علــى غير بابه‪ ،‬فالمراد أ ُّينــا َ‬ ‫ُ‬
‫اســتِ َنزال ِ ِه ْم عــن ُمنتهــى الباطِــل ‪-‬وهو ا ِّدعاؤهــم أن َُّهم هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َّت ْفضيــل ناط ًقــا يف ْ‬
‫الحقيقون باألمن‪ ،‬وأنَّه هو الحقيق بالخوف‪ -‬إلى الوسط النَّ َظ ِر ِّي بين األمرين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واحتِ ً‬
‫رازا َعن َتنفيرهم مــن اإلصغاء إلى قوله ُك ِّله‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫أح ُّق‪ْ ،‬‬‫أي الفريقيــن َ‬ ‫وهــو ُّ‬
‫أحق باألمــن ‪-‬أو إِن كُنتُم مِن أهل العلم‬ ‫قــال‪ ﴿ :‬ﰇﰈ ﰉ﴾؛ أي‪ :‬أ ُّيهمــا ُّ‬
‫والبصيــرة يف هذا األمر‪ -‬فأخربوين بذلــك‪ ،‬و َب ِّينُوه بالدَّ الئل‪ ،‬وهــذا إِ ْل َجا ٌء إلى‬
‫وت على ا ْل َح َما َق ِة َوا ْل َج ْهلِ"(((‪.‬‬ ‫أو الس ُك ِ‬
‫االعتراف با ْل َح ِّق ِ ُّ‬
‫‪ ‬ثام ًنا‪ :‬الألو�سي (ت‪1370‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال‪" :‬وقولــه ‪﴿ :‬ﭻﭼ﴾ [األنعــام‪ ]19 :‬تقريــر للجــواب نيابة‬
‫بــأن الكل له ‪ ،‬وفيه إشــارة إلى‬ ‫عنهــم‪ ،‬أو إلجاء لهــم إلى اإلقرار َّ‬
‫أن الجــواب قد بلغ من الظهور إلى حيــث ال يقدر على إنكاره منكِر‪ ،‬وال على‬
‫دفعه دافِع‪ ،‬فإن أمر الســائل بالجواب إنما يحسن ‪-‬كما قال اإلمام‪ -‬يف موضع‬
‫يكــون فيه الجــواب كذلك‪ ،‬قيل‪ :‬وفيه إشــارة إلى أهنم تثاقلــوا يف الجواب مع‬
‫تعينه لكوهنم محجوجين"(((‪.‬‬
‫‪ ‬تا�س ًعا‪ :‬املراغي (ت‪1371‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال املراغ��ي‪﴿" :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [األنعــام‪]12 :‬؛ أي‪ :‬قــل أيها‬
‫((( تفسير المنار‪ ،‬لمحمد رشيد رضا (‪.)482 /7‬‬
‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)98 /4‬‬

‫‪175‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الرســول لقومــك الجاحديــن لرســالتك المعرضين عــن دعوتــك‪ :‬لمن هذه‬
‫المخلوقات علو ّيها وسفل ّيها؟‬
‫بأن اهلل خالــق الســموات واألرض‪َّ ،‬‬
‫وأن كل ما‬ ‫قــد كانت العــرب تؤمن َّ‬
‫فيهمــا ملــك وعبيد له‪ ،‬كما قــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ﴾ [لقمان‪.]25 :‬‬
‫واملق�صود من ال�س�ؤال التبكيت والتوبيخ‪.‬‬
‫﴿ﭻﭼ﴾ هــذا تقريــر للجواب نيابة عنهم‪ ،‬أو إلجاء لهــم إلى اإلقرار بأن‬
‫الكل له ســبحانه وال خالف بيني وبينكم ىف ذلك وال تقدرون أن تضيفوا شــي ًئا‬
‫آخر إليه"(((‪.‬‬
‫وق��ال‪ ﴿" :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [األنعام‪ ،]81 :‬الفريقان‪ :‬فريق الموحدين‬
‫الذيــن يعبــدون اهلل وحــده ويخافونه ويرجونــه دون غيره‪ ،‬وفريق المشــركين‬
‫الذين استكربوا تأثير بعض األسباب فاتخذوا ما اتخذوا من اآللهة واألرباب‪،‬‬
‫ونســبوا إلى بعضها النفع والضر كالشــمس والقمر والمالئكة‪ -‬أي فأي هذين‬
‫الفريقين أحق وأجدر باألمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته‪.‬‬
‫ونكتة التعبير بـ ﴿ ﰂ ﰃ ﴾ دون أن يقول‪ :‬فأينا أحق باألمن؛ اإلشارة‬
‫إلــى أن هــذه المقابلــة عامة لــكل موحد ومشــرك‪ ،‬ال خاصة به وهبــم‪ ،‬والبعد‬
‫عــن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجــاج والعناد‪ ،‬واالحرتاس من‬
‫تنفيرهم من اإلصغاء إلى قوله‪﴿ :‬ﰇﰈ ﰉ﴾؛ أي‪ :‬إن كنتم من أهل العلم‬
‫والبصيــرة يف هذا األمر فأخربوين بذاك وب ِّينــوه باألدلة‪ ،‬وىف هذا إلجاء لهم إلى‬
‫االعتراف بالحق‪ ،‬أو السكوت على الحمق والجهل"(((‪.‬‬

‫((( تفسير المراغي (‪.)86 /7‬‬


‫((( تفسير المراغي (‪.)178 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪176‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫عا�شرا‪ :‬عبد الكرمي اخلطيب (ت بعد ‪1390‬هـ)‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪‬‬
‫قال‪" :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ﴾ [العنكبوت‪.]61 :‬‬
‫بعد هــذه الوقفة مــع هــؤالء المؤمنين الذيــن حملهم المشــركون على‬
‫الهجرة من أوطاهنم‪ ،‬بما أخذوهم به من بأســاء وضراء‪ -‬عادت اآليات لتلقي‬
‫المشــركين بقذائفهــا المد ّمــرة‪ ،‬التي ّ‬
‫تدك هبا حصون الشــرك‪ ،‬وهتــدم قالعه‪،‬‬
‫بحجتها الدامغة‪ ،‬وبياهنا المبين‪...‬‬
‫﴿ ﮯﮰﮱﯓﯔ‬ ‫فامل�ش��ركون هن��ا‪ ،‬يف مواجه��ة �س ��ؤال‪ ،‬ه��و‪:‬‬
‫ﯕ ﯖ ﴾؟‬
‫وإنه ال يجرؤ أحد منهم أن يجيب بأن آلهتهم تلك الجاثمة على األرض‬
‫هي التي خلقت السموات واألرض‪ ،‬وأهنا هي التي سخرت الشمس والقمر‪...‬‬
‫ّ‬
‫ســخر؟ جواب واحــد‪ ،‬هو اهلل الذي‬ ‫فمــن إذن الــذي خلق؟ ومن الذي‬
‫ّ‬
‫وســخر الشــمس والقمر‪ ...‬إهنــم ال ينكرون هذا‪،‬‬ ‫خلق الســموات واألرض‬
‫وال ســبيل لهم إلى إنكاره‪ ..‬وإذن فكيف يصرفون وجوههم عن اهلل‪ ،‬ويقبلون‬
‫السفه‬ ‫ً‬
‫وضالل؟ وبلى إنه ّ‬ ‫سفها‬
‫على هذه الدّ مى يعبدوهنا من دونه؟ أليس هذا ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫والضياع ً‬
‫والضالل ّ‬
‫وقول��ه تع��اىل‪﴿ :‬ﯚﯛ﴾ هو تعقيب على هذا الســؤال‪ ،‬وعلى الجواب‬
‫وإلزاما‪ ،‬إذ ال جواب لهم غيره! ﴿ ﯛﯜ ﴾"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫الذي أجابوا به نط ًقا‪ ،‬أو إلجا ًء‪،‬‬
‫وق��ال‪" :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [العنكبوت‪.]63:‬‬

‫((( التفسير القرآين للقرآن‪ ،‬للخطيب (‪.)464 /11‬‬

‫‪177‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وه��ذا �س ��ؤال �آخ��ر ي�س ��أله امل�ش��ركون‪ ﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﴾؟ فما جواهبم على هذا؟‬
‫كرها‪َّ -‬‬
‫أن اهلل هو الذي خلق الســموات واألرض‬ ‫لقــد أقروا ‪-‬طو ًعــا أو ً‬
‫أمرا ال يمكن المجادلــة فيه‪ ،‬وال يجد‬ ‫ّ‬
‫وســخر الشــمس والقمر‪ ..‬إذ كان ذلــك ً‬
‫أي عقل‪ -‬مهما َل َّج يف الضالل والعناد‪ً -‬‬
‫سبيل إلى المماراة‪ ،‬والتمحك‪..‬‬ ‫معه َّ‬
‫وعلــى هذا‪ ،‬فإنه وقد ســ ّلم بــأن اهلل هو الذي خلق الســموات واألرض‬
‫وســخر الشــمس والقمر‪ ،‬ال بد أن يس ّلم بأنه ســبحانه هو الذي يملك كل ما يف‬
‫ّ‬
‫يصرف كل شيء فيهما‪..‬‬
‫السموات وما يف األرض‪ ،‬وأنه هو سبحانه الذي ّ‬
‫فما ينزل من السماء من ماء‪ ،‬فهو من أمر اهلل‪ ،‬ومن قدرته‪ ،‬وتدبيره‪ ..‬وما‬
‫يحدث هذا الماء من آثار يف األرض‪ ،‬فهو من أمر اهلل‪ ،‬ومن قدرته‪ ،‬وتدبيره‪..‬‬
‫وإذن‪ ،‬فــا جواب لهؤالء المشــركين إال اإلقرار‪ ،‬بــأن اهلل هو الذي نزل‬
‫من السماء ما ًء فأحيا به األرض بعد موهتا‪ ..‬فهذا من ذاك‪ ،‬أو من بعض ذاك‪..‬‬
‫وقول��ه تع��اىل‪﴿ :‬ﯽﯾﯿ﴾ هــو تعقيب على هــذا اإلقرار‪ ،‬الذي ألجأ‬
‫المشركين إليه‪ ،‬ما طلع عليهم من آيات اهلل‪ ،‬فأتوا إليه مذعنين‪..‬‬
‫نظرا إلى نعم اهلل‪ ،‬حيث قهر جال ُلها المشــركين‬
‫وهذا مما يجدد للمؤمن ً‬
‫الضاليــن‪ ،‬فاعرتفوا برب هذه النعم‪ ،‬وأضافوهــا إليه‪ ..‬وإن الحمد والوالء هلل‪،‬‬
‫هو ما ينبغي أن يس ّبح به المؤمن يف هذا المقام‪ ،‬مقام تلك النعمة الجليلة‪ ،‬وهي‬
‫نزول الماء من السماء‪ ،‬وما لهذا الماء من آثار يف بعث الحياة يف الحياة!"(((‪.‬‬
‫‪ ‬حادي ع�شر‪ :‬ابن عا�شور (ت‪1393‬هـ)‪:‬‬
‫ابن عاشور هو أكثر من اعتنى ببيان هذا النوع مِن المفسرين‪.‬‬
‫((( التفسير القرآين للقرآن‪ ،‬للخطيب (‪.)465 /11‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪178‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫يف قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ﴾ [األنعــام‪ ]12:‬قــال‪:‬‬


‫ُ‬
‫الســائل من‬ ‫ِ‬
‫اإلقرار‪ ،‬كان الجواب عنه بما يريده‬ ‫"ولِكَونِ ِ‬
‫ــه ُمرا ًدا به اإللجا ُء إلى‬ ‫ْ‬
‫محيص عنه؛ إذ ال سبيل إلى الجحد فيه أو ا ْل ُمغا َلطة‪،‬‬
‫َ‬ ‫إقرار المسؤول ُم َح َّق ًقا ال‬
‫فلذلك لم ينتظر منه جوا ًبا"(((‪.‬‬
‫ويف قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [األنعــام‪ ،]46:‬قــال ابــن‬
‫ِ‬
‫الســامعين إلى‬‫عاشــور‪" :‬وهو اســتفهام ُم ْســ َت ْع َم ٌل يف التَّقرير ُيقصد منه إلجاء َّ‬
‫للســمع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غيــر اهلل يأتيهم بذلك؛ ألنَّه الخالق َّ‬
‫النَّظــر يف جوابــه‪ ،‬ف ُيوقنوا أنَّه ال إله ُ‬
‫أن األصنام ال تخلق"(((‪.‬‬ ‫واألبصار والعقول‪ ،‬فإنَّهم ال ُينكرون َّ‬
‫﴿ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬ ‫ويف قول��ه تع��اىل‪:‬‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‬
‫[األنعام‪ ،]64 ،63:‬قال ابن عاشور‪" :‬واالستفهام ُم ْس َت ْع َم ٌل يف التقرير واإللجاء"(((‪.‬‬
‫﴿ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ويف قول��ه تع��اىل‪:‬‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ِ‬
‫المقصد إلجا ًء من‬ ‫ﮑ﴾ [القصــص‪ ،]63 ،62:‬قال ابن عاشــور‪" :‬وكان هــذا‬
‫اهلل إياهم لِ ُي ْع ِلنوا تن َُّص َل ُهم مِن ا ِّدعاء أنَّهم ُشركاء على ُر ُؤوس َ‬
‫الملِ"(((‪.‬‬
‫ويف قول��ه تع��اىل‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [العنكبــوت‪ ،]63:‬قــال‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)368 ،150 /7‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)234 /7‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)280 /7‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)159 /20‬‬

‫‪179‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ابن عاشــور‪" :‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾ [الــروم‪ ،]50:‬وقــال‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﴾ [الروم‪ ،]19 :‬و َل َّما كان ســياق الكالم هنا يف َمســاق التَّقرير كان‬
‫ا ْل َمقــام ُمقتض ًيا لِلتَّأكِيد بِزيادة ﴿ ﯷ ﴾ يف قولــه‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ إلجا ًء لهم إلى‬
‫قتضى لزيادة‬‫بأن فاعل ذلك هــو اهلل دون أصنامهم؛ فلذلك لم يكــن ُم ً‬ ‫اإلقــرار َّ‬
‫(مِن) يف آية البقرة‪ ،‬ويف الجاثية [‪ ﴿ ]5‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾"(((‪.‬‬
‫﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ويف قول��ه تع��اىل‪:‬‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾‬
‫ــل إلى االســتدالل على بطالن نفي ِصفــة اإلله َّية عن‬
‫[األحقــاف‪ ،]4:‬قــال‪" :‬ان َت َق َ‬
‫أصنامهم‪ ،‬فجملة‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾ َأ ٌ‬
‫مر بإلقاء الدَّ ليل على إبطال اإلشراك‪،‬‬
‫وهو أصل ضاللهم‪.‬‬
‫واج ًها لهم‬ ‫وجاء هذا االســتدالل بأســلوب المناظرة‪ ،‬فجعل النبي ﷺ م ِ‬
‫ُ‬
‫باالحتجــاج؛ ليكــون إ ْل َجــا ًء لهم إلى االعتــراف بالعجز عن معارضــة ُح َّجتِه‪،‬‬
‫مرات بطريقة أمر التَّعجيز بقوله‪ ﴿ :‬ﯓ‬ ‫ِ‬
‫وكذلــك جرى االحتجاج بعده ثالث َّ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﴾‪ .‬و﴿ ﮬ ﴾ اســتفهام َت ْق ِر ِير ٌّي‪،‬‬
‫فهو كناية عن معنى‪َ :‬أ ْخبِ ُرونِي‪ ،‬وقد تقدم يف سورة األنعام"(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثاين ع�شر‪ :‬ال�شيخ الهرري (من املعا�صرين‪ :‬ت‪1441‬هـ)‪:‬‬
‫ق��ال‪" :‬وعبــارة المراغــي هنــا قولــه‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﴾ [األنعــام‪ ]12:‬هــذا تقريــر‬
‫للجــواب نيابة عنهم‪ ،‬أو إلجاء لهم إلــى اإلقرار بأن الكل له ‪ ،‬وال‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)29 /21‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)9 /26‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪180‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫خــاف بيني وبينكــم يف ذلك‪ ،‬وال تقدرون أن تضيفوا شــي ًئا آخــر إليه‪ .‬وإتيان‬
‫السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأيت به هو عين ما يعتقده المسؤول أو يغفل‬
‫عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه الز ًما لما يعرفه ويعتقده انتهت"(((‪.‬‬
‫أي�ضا‪ ﴿" :‬ﰂﰃ﴾ [األنعام‪ ]81 :‬دون أن يقول‪ :‬فأينا أحق باألمن‪:‬‬
‫وقال � ً‬
‫اإلشــارة إلــى أن هــذه المقابلة عامة لكل موحد ومشــرك‪ ،‬ال خاصــة به وهبم‪،‬‬
‫والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد واالحرتاس‬
‫من تنفيرهم من اإلصغاء إلى قوله‪ ،‬وإن كان قد علم قط ًعا أنه هو اآلمن ال هم‪،‬‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫(((‬ ‫ـــك َف ِ‬
‫ـــار ُس األَ ْحـــز ِ‬
‫َاب‬ ‫َأ ِّيـــي َو َأ ُّي َ‬ ‫ُــــك َخالِ َي ْي ِ‬
‫ــــن َل َت ْع َل َم ْن‬ ‫ــــن َل ِق ْيت َ‬‫ِ‬
‫َف َلئ ْ‬
‫�أي‪ :‬أينا‪ ،‬ومعلوم عنده أنه هو فارس األحزاب ال المخاطب‪.‬‬
‫﴿ ﰇ ﰈ ﰉ﴾؛ أي‪ :‬إن كنتم من أهل العلم والبصيرة يف هذا األمر‪..‬‬
‫فأخــروين بــذاك وب ِّينوه باألدلــة‪ .‬ويف هذا إلجاء لهم إلى االعتــراف بالحق‪ ،‬أو‬
‫الســكوت على الحمق والجهل‪ .‬والمعنــى‪ :‬أي إذا كان األمر على ما تقدم من‬
‫أن معبودي هو اهلل المتصف بتلك الصفات‪ ،‬ومعبودكم هي تلك المخلوقات‪..‬‬
‫فكيف تخوفوين هبا"(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثالث ع�شر‪ :‬جممع البحوث‪:‬‬
‫يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﴾ [األنعام‪ ،]81:‬ورد‬
‫مــا نصه‪َ " :‬أي‪َ :‬فأينا يف موقــف األَمن من وقوع المكروه الــذي تخوفوننا به؟!‬

‫((( تفسير حدائق الروح والريحان‪ ،‬للهرري (‪.)228 /2‬‬


‫((( البيت بال نسبة يف شرح التصريح‪ ،‬لألزهري (‪ ،)44 /2‬والمحتسب‪ ،‬البن جني (‪ ،)254 /1‬ومغني‬
‫اللبيب‪ ،‬البن هشام (ص‪ ،)141‬وهمع الهوامع‪ ،‬للسيوطي (‪.)51 /2‬‬
‫((( تفسير حدائق الروح والريحان‪ ،‬للهرري (‪.)431 /8‬‬

‫‪181‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ويف هذا إلجا ٌء لهم إِلى االعرتاف باســتحقاقه ‪-‬عليه الصالة والســام‪ -‬األَمن‬
‫ْ‬
‫والطمأنينة دوهنم"(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪� :‬أ�سما�ؤه‪:‬‬
‫وتقريرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتبني مما �سبق �أ َّن علماء التف�سري ي�سمونه‪ :‬إلجا ًء‪،‬‬
‫والفرق بني الإجلاء والتقرير‪:‬‬
‫يظهر من تعاريف بعض العلماء أهنم ال ُي َف ِّر ُقون بين اإللجاء والتقرير‪.‬‬
‫ق��ال الر�ض��ي‪" :‬ومعنــى التقريــر‪ :‬إلجــاء المخاطــب إلــى اإلقــرار بأمــر‬
‫(لم)‬
‫يعرفــه" ‪ .‬وقــال يف موضع آخــر‪" :‬وإذا دخلــت همزة االســتفهام على ْ‬
‫(((‬

‫و( َل َّ‬
‫ـــما) فهي لالستفهام على ســبيل التقرير‪ ،‬ومعنى التقرير‪ :‬إلجاء المخاطب‬
‫إلــى اإلقرار بأمر يعرفه‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [الشــعراء‪ ،]18 :‬و﴿ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ [الشرح‪ ،]1:‬وقوله‪:‬‬
‫ــــما تعرفوا ِمنَّـــا اليقينـــا((("(((‪.‬‬
‫أ َل َّ‬ ‫إل ــي ــك ــم يــــا ب ــن ــي ب ــك ــر إلــيــكــم‬
‫وقال الطيبي‪" :‬تقرير‪ ،‬قيل‪ :‬أي إلجاء إلى اإلقرار"(((‪.‬‬
‫وق��ال عب��د اخلال��ق ع�ضيم��ة‪" :‬التقريــر‪ ،‬ومعناه‪ :‬حملــك المخاطب على‬
‫اإلقــرار واالعرتاف بأمر قد اســتقر عنــد ثبوته أو نفيه‪ ،‬ويجب أن يليها الشــيء‬
‫الذي تقرره"(((‪.‬‬

‫((( التفسير الوسيط لمجمع البحوث (‪.)1279 /3‬‬


‫((( شرح الكافية‪ ،‬للرضي (‪ .)251 /2‬وانظر‪ :‬همع الهوامع‪ ،‬للسيوطي (‪.)56 /2‬‬
‫((( البيت لعمرو بن كلثوم يف معلقته‪ .‬انظر‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬للزوزين (‪.)230 /1‬‬
‫((( شرح الكافية‪ ،‬للرضي (‪ .)83 /4‬وانظر‪ :‬دراسات ألسلوب القرآن‪ ،‬لعضيمة (‪.)610 /2‬‬
‫((( فتوح الغيب‪ ،‬للطيبي (‪.)32 /6‬‬
‫((( دراسات ألسلوب القرآن‪ ،‬لعضيمة (‪.)610 /2‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪182‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫�رق لطي� ٌ�ف ب�ين التقري��ر والإجل��اء‪َّ ،‬‬


‫و�ضحه ابن عا�ش��ور‬ ‫واحل��ق �أ َّن��ه يوج��د ف� ٌ‬
‫مجازا يف ال َّت ْق ِر ِير‪ .‬والتَّقرير هنا ُمراد به ِ‬
‫الزم معناه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بقوله‪" :‬واالستفهام ُم ْس َت ْع َم ٌل‬
‫وإلجاؤهم إلى اإلقرار بما ُي ْف ِضي إلى إبطال معتقدهم‬ ‫ُ‬ ‫وهو َت ْبكِيت المشركين‪،‬‬
‫مع معناه الصريــح‪ ،‬والمقصود هو‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫نائــي َ‬
‫الشــركي‪ ،‬فهو ُم ْســ َت ْع َمل يف معناه الك ِّ‬
‫المعنى الكِنَائِ ُّي‪.‬‬
‫الســائِ ُل‬
‫الجواب عنه بما ُي ِريدُ ُه َّ‬
‫ُ‬ ‫ولكونه ُمرا ًدا به اإللجاء إلى اإلقرار‪ ،‬كان‬
‫مــن إقــرار المســؤول ُم َح َّق ًقا ال محيــص عنه؛ إذ ال َســبِيل إلى الجحــد فيه أو‬
‫السائل جوا َبهم‪ ،‬وبادرهم الجواب عنه بنفسه"(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المغالطة‪ ،‬فلِذلك لم ينتظر‬
‫كنائــي وليس معنًى‬
‫ٌّ‬ ‫فب َّيــن أن اإللجــاء من الزم معنــى التقرير‪ ،‬فهو معنًى‬
‫صريحا‪ ،‬فتب َّين هبذا الفرق بين التقرير واإللجاء وأهنما ليسا بنو ٍع واحد‪.‬‬
‫ً‬
‫أي�ضا �أ َّن الألو�سي ف َّرق بينهما فقال‪" :‬وقوله‬
‫ومما يدل على التغاير بينهما � ً‬
‫‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ﴾ تقريــر للجواب نيابة عنهــم‪ ،‬أو إلجاء لهم إلى اإلقرار‬
‫بأن الكل له ‪((("‬؛ فاســتخدامه (أو) بين التقرير واإللجاء ُّ‬
‫يدل على‬
‫أنه يوجد فرق بينهما‪.‬‬
‫أي�ضا ما قاله �ش��هاب الدين اخلفاج��ي‪" :‬قوله‪( :‬تقرير‬
‫ومم��ا ي��دل على ذلك � ً‬
‫قارا متمكنًا‪،‬‬
‫لهم) التقرير له معنيان‪ :‬الحمل على اإلقرار‪ ،‬والتثبيت بأن يجعله ًّ‬
‫ومنه تقرير المسألة‪ ،‬وكالهما مما نطقت به كتب اللغة كما ذكره الطيبي ‪.$‬‬
‫ومعناه على الثاين‪ :‬أنه تقرير للجواب ألجلهم؛ أي‪ :‬نيابة عنهم كما يف الكشاف‪،‬‬
‫وعلى األول إلجاء إلى اإلقرار بأن الكل له‪ ،‬ألن هذا من الظهور بحيث ال يقدر‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)368 ،150 /7‬‬


‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪ .)98 /4‬وانظر‪ :‬تفسير المنار‪ ،‬لمحمد رشيد رضا (‪.)271 /7‬‬

‫‪183‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫واضح يف أن التقرير له معنيان‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٌ‬ ‫على إنكاره أحد كما قاله النحرير"(((‪ .‬فهذا‬
‫اإللجاء أحد معنييه‪.‬‬
‫ويدل على ذلك � ً‬
‫أي�ضا �أ َّن ابن عا�ش��ور جعل الإجلاء نتيجة للتقرير‪ ،‬فقال يف‬
‫قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﴾ [األنعام‪ ،]46:‬قال ابن عاشور‪" :‬وهو‬
‫ِ‬
‫استفهام ُم ْس َت ْع َم ٌل يف التَّقرير ُيقصد منه إلجاء َّ‬
‫السامعين إلى النَّظر يف جوابه"(((‪،‬‬
‫فجعل اإللجاء هو مقصود التقرير‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على التغاير بينهما‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أ�ساليب الإجلاء‪.‬‬
‫☚ للإجلاء �أ�ساليب �أربعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الجواب‬
‫َ‬ ‫الس ُ‬
‫ائل‬ ‫ســؤال‪ ،‬ثم يتو َّلــى َّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫السائل‬ ‫‪ ‬الأ�سلوب الأول‪ :‬أن يســأل‬
‫لنفســه بنفسه بما يريده؛ ألن المسؤول ال يسعه إال أن يجيب بذلك‪ ،‬أو يضطره‬
‫ِ‬
‫حد‪ .‬نحو قوله تعالى‪﴿ :‬ﮱ‬ ‫للجواب بما يريد السائل ألنَّه ال َي ْقد ُر أن ُي َكابِ َر َو َي ْج َ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [المؤمنون‪:‬‬

‫‪َ ،]85 ،84‬فقد ذكر الجواب‪.‬‬


‫‪ ‬الأ�سلوب الثاين‪ :‬أال ُي ْذك َُر جواب مِن المسؤولين‪ ،‬بل يجيب السائل‪ ،‬كما‬
‫يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [الرعد‪ ]16:‬إذ ال سبيل إلى الجحد‪.‬‬
‫َ‬
‫المسؤول بين أمرين‪ ،‬وأحدهما ال‬ ‫ُ‬
‫السائل‬ ‫‪ ‬الأ�س��لوب الثالث‪ :‬أن ُي َخ ِّي َر‬
‫لج ُئه إلــى اإلجابة الثانية‪ ،‬وذلك كما يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮰ‬ ‫يمكــن أن يجيب به‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ‬

‫((( حاشية الشهاب على البيضاوي (‪.)27 /4‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)234 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪184‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [طــه‪ ،]86 ،85 :‬قــال البقاعي‪" :‬لمــا كان إخالف الموعد‬
‫المؤكد المعين الذي ال شبهة فيه‪ ،‬لما نصب عليه من الدالئل الباهرة‪ ،‬وأوضحه‬
‫مــن الرباهيــن الظاهرة‪ ،‬ال يكون إال بنســيان لطول العهد‪ ،‬أو عناد بســوء قصد‪،‬‬
‫وكان من أبلغ المقاصد وأوضح التقرير إلجاء الخصم بالســؤال إلى االعرتاف‬
‫بالمراد‪ :‬سألهم عن تعيين أحد األمرين‪ ،‬مع َّ‬
‫أن طول العهد ال يمكن ادعاؤه"(((‪.‬‬
‫وكما يف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰉ﴾ [األنعام‪.(((]81 :‬‬
‫‪ ‬الأ�سلوب الرابع‪ :‬أن يأيت على طريقة المناظرة‪.‬‬
‫وذل��ك كم��ا يف قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾‬
‫[األحقاف‪.]4 :‬‬
‫ــل إلــى االســتدالل على بطــان نفي ِصفة‬
‫ق��ال اب��ن عا�ش��ور‪ :‬قــال‪" :‬ان َت َق َ‬
‫اإلله َّيــة عــن أصنامهــم‪ ،‬فجملــة‪ ﴿ :‬ﮫﮬﮭﮮ﴾ َأ ٌ‬
‫مر بإلقــاء الدَّ ليل على‬
‫إبطال اإلشراك‪ ،‬وهو أصل ضاللهم‪.‬‬
‫واج ًها لهم‬ ‫وجاء هذا االســتدالل بأســلوب المناظرة‪ ،‬فجعل النبي ﷺ م ِ‬
‫ُ‬
‫باالحتجــاج؛ ليكــون إ ْل َجــا ًء لهم إلى االعــراف بالعجز عن معارضــة ُح َّجتِه‪،‬‬
‫مرات بطريقة أمر التَّعجيز بقوله‪ ﴿ :‬ﯓ‬ ‫ِ‬
‫وكذلــك جرى االحتجاج بعده ثالث َّ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﴾‪ .‬و﴿ ﮬ ﴾ اســتفهام َت ْق ِر ِير ٌّي‪،‬‬
‫فهو كناية عن معنى‪َ :‬أ ْخبِ ُرونِي‪ ،‬وقد تقدم يف سورة األنعام"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)327 /12‬‬


‫((( انظر ما قاله الشيخ الهرري يف تفسير حدائق الروح والريحان (‪ )431 /8‬عند هذه اآلية‪.‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)9 /26‬‬

‫‪185‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املطلب الثالث‪ :‬ثمرات اال�ستفهام الإجلائي‪.‬‬
‫واله ِتم��ا ُم ِب��ا بع � َد ِف ْع��ل الأم��ر‪ ،‬قــال تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫‪ً �‬‬
‫أول‪ :‬التقري��ر ِ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ [األنعــام‪ ،]12:‬فقوله‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ﴾ ســؤال تبكيــت‪ ،‬و﴿ﭻ ﭼ﴾ تقريــر لهم؛ أي‪ :‬هــو اهلل‪ ،‬ال خالف بيني‬
‫وبينكم‪ ،‬وال تقدرون أن تضيفوا شي ًئا منه إلى غيره(((‪.‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪َ :‬ت ْبكِيتُ امل�شركني‪.‬‬
‫الش ْركِ ِّي‪.‬‬
‫‪ ‬ثال ًثا‪ :‬اعرتاف امل�س�ؤول باملراد؛ بما ُي ْف ِضي إلى إبطال معتقدهم ِّ‬
‫قال البقاعي‪" :‬مِن أبلغ المقاصد وأوضح التقرير‪ :‬إلجاء الخصم بالســؤال إلى‬
‫االعرتاف بالمراد"(((‪.‬‬
‫حل َّج��ة‪ ،‬فهؤالء القوم المقــدَّ ر إلجاؤهم إلى الجواب‪،‬‬
‫‪ ‬راب ًع��ا‪ :‬د َْم ُغ ُه��م با ُ‬
‫ِ‬
‫الجواب‪ ،‬أم أنكروا وكابروا‪ ،‬فقد حصل المقصود من‬ ‫أنص ُفوا َفأ َق ُّروا َح ِّق َّي َة‬
‫سواء َ‬
‫بالح َّجة‪ .‬وذلك كما نرى من فرعون عندما ناظره موسى ڠ يف اآليات‬
‫َد ْمغهم ُ‬
‫المذكــورة بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [الشــعراء‪ ،]10:‬ثم‬
‫ســأله تلك األســئلة التي لم يجد لها حيل ًة يف مناظرهتا كقوله‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﴾ [الشــعراء‪]30:‬؟ فلــم يجــد فرعون بدًّ ا وال حيل ًة من االســتجابة‪ ،‬فلجأ إلى‬
‫التهديد والوعيد الذي يلجأ إليه من ُأ ْس ِقط يف يده‪.‬‬
‫ق��ال الزخم�ش��ري‪ ﴿" :‬ﮔ ﮕ﴾؛ أي‪ :‬أنزلــه اهلل‪ ،‬فإنَّهــم ال يقــدرون أن‬
‫ُيناكــروك‪ ﴿ ،‬ﭽ ﭾﭿ ﮀ﴾ يف باطلهم الذي يخوضون فيه‪ ،‬وال عليك بعد‬

‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)8 /2‬‬


‫((( نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)327 /12‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪186‬‬


‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية‬

‫إلزام الحجة"(((‪.‬‬
‫الح َّجة‪ُ ،‬م َقدَّ َرة‬
‫اق إبالغ ُ‬ ‫ال َّجةِ؛ ِل َّن الكالم َم ُس ٌ‬
‫ــوق َم َس َ‬ ‫خام�س��ا‪� :‬إبال ُغ ْ ُ‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫فيه محاورة‪ ،‬وليس هو محاورة حقيقية‪ ،‬وهذا من أســلوب الكالم الصادر من‬
‫متكلم واحد‪.‬‬
‫إن الســامع ُم َت َل ِّه ٌ‬
‫ــف‬ ‫�ساد�س��ا‪ :‬ج��ذب االنتب��ا ِه والت�ش��ويق لِ ��ا بع �دَه؛ إذ َّ‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫لمعرفة الجواب‪.‬‬
‫ريا‪ .‬قال السمعاين‪" :‬أمره بالجواب عقيب‬ ‫‪� ‬ساب ًعا‪ :‬هذا الأ�سلوب �أبلغ ت�أث ً‬
‫غيره عن شيء‪،‬‬ ‫ســأل َ‬ ‫ألن َمن َ‬ ‫الح َّجة؛ َّ‬
‫الســؤال؛ ليكون أبلغ يف التأثير‪ ،‬وآكد يف ُ‬
‫تأثيرا"(((‪ .‬وقال البغــوي‪َ " :‬أ َم َر ُه بالجواب‬
‫ــم َع َّق َبه بالجواب‪ ،‬كان ذلك أبلــغ ً‬‫ُث َّ‬
‫الح َّج ِة"(((‪.‬‬
‫ؤال؛ ل َيكون أبلغ يف التأثير‪ ،‬وآكد يف ُ‬‫يب الس ِ‬ ‫ِ‬
‫َعق َ ُّ‬
‫‪ ‬ثام ًن��ا‪ :‬تركي��ب االحتج��اج القاط��ع عل��ى ال�س ��ؤال‪ .‬كمــا قال الزمخشــري‬
‫فيما ُذكِر ساب ًقا‪ :‬قال يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [األنعام‪:]12:‬‬
‫"فإذا َت َح َّيروا ولم ُيجيبوا قل‪ :‬هلل‪.‬‬
‫وقال��ت فرق��ة‪ :‬المعنــى‪ :‬أنَّه ُأمِر هبذا الســؤال‪ ،‬فكأهنم َل َّما لــم ُيجيبوا وال‬
‫َت َي َقنَّوا سألوا‪ ،‬فقيل له‪ :‬قل هلل‪.‬‬
‫وال�صحي��ح‪َّ :‬‬
‫أن اهلل ‪ ۵‬أمــر محمــدً ا ﷺ بقطعهــم هبذه الحجة الســاطعة‬
‫والربهان القطعي‪ ،‬الذي ال مدافعة فيه عندهم وال عند أحد؛ ليعتقد هذا المعتقد‬
‫الذي بينه وبينهم‪ ،‬ثم يتركب احتجاجه عليه‪ ،‬وجاء ذلك بلفظ اســتفهام وتقرير‬
‫يف قوله‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾"‪.‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)44 /2‬‬
‫((( تفسير السمعاين (‪.)91 /2‬‬
‫((( معالم التنزيل‪ ،‬للبغوي (‪.)111 /2‬‬

‫‪187‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬تا�س ًعا‪ :‬الإ�شارة �إىل ظهور اجلواب مبا ال ُي ْقدَر على ر ِّده‪ .‬قال األلوسي‪:‬‬
‫"وقولــه ‪﴿ :‬ﭻ ﭼ﴾ تقرير للجــواب نيابة عنهــم‪ ،‬أو إلجاء لهم‬
‫إلــى اإلقرار بأن الكل له ‪ ،‬وفيه إشــارة إلــى أن الجواب قد بلغ‬
‫مــن الظهــور إلى حيث ال يقدر على إنكاره منكِــر‪ ،‬وال على دفعه دافِع‪ ،‬فإن‬
‫أمــر الســائل بالجواب إنما يحســن ‪-‬كما قال اإلمــام‪ -‬يف موضع يكون فيه‬
‫الجواب كذلك"(((‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( روح المعاين‪ ،‬لأللوسي (‪.)98 /4‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪188‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫املبحث الثاين‬
‫درا�سة تطبيقية لآيات الإجلاء يف القر�آن الكرمي‬

‫‪ ‬الآي��ة الأوىل‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ [آل عمران‪.]125 ،124 :‬‬
‫قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﴾‪ ،‬فيــه إلجــا ٌء لهم إلى أن يختــاروا اإلجابة بـ‬
‫﴿ﭹ﴾‪ .‬قــال ابــن عطية‪" :‬وقوله تعالــى‪﴿ :‬ﭮﭯ﴾ تقريــر على اعتقادهم‬
‫الكفايــة يف هــذا العــدد مِــن المالئكة‪ ،‬ومن حيــث كان األمــر بينًا يف ِ‬
‫نفســه َّ‬
‫أن‬ ‫َ ِّ‬
‫المالئكــة كافية‪ ،‬بادر المتكلــم إلى الجواب؛ ليبني ما يســتأنف من قوله عليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫األمــور ال َب ِّينة التي ال‬ ‫فقــال‪﴿ :‬ﭹ﴾‪ ،‬وهي جواب المقررين‪ ،‬وهذا َي ْح ُســ ُن يف‬
‫محيد يف جواهبا‪ ،‬ونحوه قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﴾ [األنعام‪.((("]19:‬‬
‫‪ ‬الآي��ة الثاني��ة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ﴾ [األنعام‪.]12:‬‬
‫هــذه اآلية مِن أكثــر اآليات التــي تحدَّ ث عنهــا المفســرون وأثبتوا فيها‬
‫االستفهام اإللجائي‪ ،‬وذلك أنَّه عندما سألهم‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾‪،‬‬
‫لم ِ‬
‫يجــدُ وا إجاب ًة ُيجيبون هبا إال إجابة واحدةً‪ ،‬وهي‪﴿ :‬ﭻ ﭼ﴾‪ ،‬قال الماتريدي‬
‫يف تفســير هذه اآليــة‪" :‬تقديره‪ :‬فإن أجابوك وإال فقــل‪ :‬هلل‪ ،‬وقيل‪ :‬تقديره‪ :‬فقل‬
‫هلل‪ ،‬فإنهم ال ينكرون"(((‪.‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪.)503 /1‬‬
‫((( غرائب التفسير وعجائب التأويل‪ ،‬للكرماين (‪.)354 /1‬‬

‫‪189‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫قال الزخم�ش��ري‪" :‬فإذا َت َح َّيروا ولم ُيجيبوا قل‪ :‬هلل‪ ،‬وقالت فرقة‪ :‬المعنى‬
‫أنَّه ُأمِر هبذا الســؤال‪ ،‬فكأهنم َل َّما لم ُيجيبوا وال َت َي َقنَّوا ســألوا‪ ،‬فقيل له‪ :‬قل‪ :‬هلل‪،‬‬
‫والصحيح َّ‬
‫أن اهلل ‪ ۵‬أمر محمدً ا ڠ بقطعهم بهذه الحجة الساطعة والبرهان‬
‫القطعي‪ ،‬الذي ال مدافعة فيه عندهم وال عند أحد‪ ،‬ليعتقد هذا المعتقد الذي بينه‬
‫وبينهــم‪ ،‬ثم يرتكب احتجاجه عليه‪ ،‬وجاء ذلك بلفظ اســتفهام وتقرير يف قوله‪:‬‬
‫المحاجة إذا ســأل اإلنسان خصمه بأمر‬
‫ّ‬ ‫﴿ﭵﭶﭷﭸﭹ﴾‪ ،‬والوجه يف‬
‫ال يدافعه الخصم فيه‪ :‬أن يســبقه بعد التقرير إليه مبادرة إلى الحجة"(((‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"الذي ال مدافعة فيه عندهم وال عند أحد"‪ ،‬و"ســأل اإلنســان خصمه بأمر ال‬
‫يدافعه الخصم فيه" َب ِّي ٌن يف اإللجاء‪.‬‬
‫وقال الزخم�شري‪" :‬قوله‪ ﴿ :‬ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ﴾‪ :‬سؤال تبكيت‪،‬‬
‫و﴿ﭻ ﭼ﴾‪ :‬تقريــر لهــم؛ أي‪ :‬هو اهلل ال خــاف بيني وبينكــم‪ ،‬وال تقدرون أن‬
‫تضيفوا شي ًئا منه إلى غيره"(((‪ .‬فقوله‪" :‬ال تقدرون" هو معنى اإللجاء‪.‬‬
‫وق��د ق��ال مبث��ل قول الزخم�ش��ري‪ :‬أبو حيان(((‪ ،‬والثعالبي(((‪ ،‬وإســماعيل‬
‫حقي(((‪.‬‬
‫وو�ضحه �أميا تو�ضي��ح بقوله‪" :‬جملة ﴿ﭴ ﭵ‬
‫ف�ص��ل ابن عا�ش��ور ذلك َّ‬
‫وق��د َّ‬
‫فإن هذا االســتدالل َت َض َّم َن‬
‫ريــر يف َمقا ِم االســتدالل‪َّ ،‬‬‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ﴾ َت ْك ٌ‬
‫اســتِ ْفها ًما َت ْق ِر ِير ًّيــا‪ ،‬والتقرير مِن مقتضيات ال َّت ْك ِر ِير‪ ،‬لذلــك َل ْم ُت ْع َطف الجملة‪.‬‬

‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪.)271 /2‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)8 /2‬‬
‫((( البحر المحيط يف التفسير‪ ،‬ألبي حيان (‪.)446 /4‬‬
‫((( الجواهر الحسان يف تفسير القرآن‪ ،‬للثعالبي (‪.)448 /2‬‬
‫((( روح البيان‪ ،‬للخلويت (‪.)13 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪190‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫ويجوز أن ُي ْج َعــل َت ْص ِد ُير هذا الكالم باألمر بأن يقوله َم ْق ُصو ًدا به االهتِما ُم بِ َما‬
‫الو ْج ِه ا َّلذي َســنُ َب ِّينُ ُه عند قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ‬ ‫القو ِل على َ‬ ‫ِ‬
‫األمر بِ ْ‬ ‫َب ْعدَ فِ ْع ِل‬
‫الســورة [‪ ،]40‬واالســتفهام ُم ْســ َت ْع َم ٌل‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ يف هذه ُّ‬
‫مجازا يف ال َّت ْق ِر ِير‪.‬‬
‫ً‬
‫وإلجاؤهم إلى‬ ‫ُ‬ ‫الز ُم معناه‪ ،‬وهو َت ْبكِيت المشــركين‪،‬‬ ‫والتَّقرير هنا ُمراد به ِ‬
‫نائي‬ ‫الشركي‪ ،‬فهو مس َتعم ٌل يف معناه الكِ‬ ‫ِّ‬ ‫معتقدهم‬ ‫إبطال‬ ‫إلى‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫اإلقرار بما ي ْف ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مع معناه الصريح‪ ،‬والمقصود هو المعنى الكِنَائِ ُّي‪.‬‬ ‫َ‬
‫الســائِ ُل‬ ‫الجواب عنه بما ُي ِريدُ ُه َّ‬
‫ُ‬ ‫ولكونه ُمرا ًدا به اإللجاء إلى اإلقرار‪ ،‬كان‬
‫مــن إقــرار المســؤول ُم َح َّق ًقا ال محيــص عنه؛ إذ ال َســبِيل إلى الجحــد فيه أو‬
‫السائل جوا َبهم‪ ،‬وبادرهم الجواب عنه بنفسه بقوله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫المغالطة‪ ،‬فلِذلك لم ينتظر‬
‫الح َّج ِة ُم َقدَّ َر ًة فيه محاورة‪،‬‬ ‫ــوق َم َســاق إبالغ ُ‬ ‫﴿ ﭼ﴾ َت ْبكِيتًا لهم؛ َّ‬
‫ألن الكال َم َم ُس ٌ‬
‫وليس هو محاور ًة حقيقيةً‪ ،‬وهذا من أسلوب الكالم الصادر من ُم َت َك ِّل ٍم واحد‪.‬‬
‫فهؤالء القوم المقدَّ ر إلجاؤهم إلى الجواب‪ ،‬سواء أنصفوا َفأ َق ُّروا َ‬
‫أح ِّق َّية‬
‫بالح َّج ِة‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫الجــواب‪ ،‬أم أنكروا وكابروا‪ ،‬فقد حصــل المقصود من َد ْمغهم ُ‬
‫جواب منهم‪ ،‬كما هنــا‪ ،‬وكما يف قوله‬ ‫ٌ‬ ‫ــع يف القرآن‪ ،‬فتار ًة ال ُيذكَــر‬ ‫ُأ ْســ ُل ٌ‬
‫وب ُم َّت َب ٌ‬
‫تعالــى‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [الرعــد‪ ،]16:‬وقولــه‪ ﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ إلى قوله‪ ﴿ :‬ﮁ ﮂ ﴾ [األنعام‪ ،]91 :‬وتارة َي ْذكُر ما ســ ُي ِ‬
‫جي ُبونه به‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بعد ذكر السؤال منسو ًبا إليهم أنَّهم ُي ِ‬
‫ب عليه من‬ ‫جي ُبون به‪ُ ،‬ث َّم ينتَق ُل إلى ما َيت ََر َّت ُ‬
‫توبيــخٍ ونحوه‪ ،‬كقوله تعالــى‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ إلى قوله‪ ﴿ :‬ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [المؤمنون‪.((("]89-84 :‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)150 /7‬‬

‫‪191‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬الآي��ة الثالث��ة‪ :‬قوله تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳ ﴾ [األنعام‪.]46 :‬‬
‫يف هــذه اآليــة الكريمة جاء االســتفهام بقولــه تعالــى‪ ﴿ :‬ﭦﭧ﴾‪ ،‬بعد أن‬
‫هدَّ دهم بأخذ ســمعهم وأبصارهم والختم على قلوهبم‪ ،‬وبعد تخ ُّيل هذه الحالة‬
‫حيــث ُي ْصبِح اإلنســان ضائ ًعا يف ظلمــات العمى َّ‬
‫والص َمــم والجهل‪ ،‬فكان هذا‬
‫االستفها ُم ملج ًئا لهم إلى اإليمان بأنَّه ال يمكن أن يأتيهم بسمع وبصر وعقل إال‬
‫الرؤية؛ ِلنَّه استفهام؛ أي‪َ :‬أ َعلِ ْمتُم‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ .‬قال ابن عاشور‪ ﴿" :‬ﭦ ﭧ ﴾ ُم َع ِّل ٌق لفعل ُّ‬
‫شك‪ ،‬وهو استفهام مستعمل يف التَّقرير‪ُ ،‬يقصد‬ ‫جواب هذا االستفهام أم أنتم يف ٍّ‬
‫الس ِام ِعين إلى النَّظر يف جوابه‪ ،‬ف ُيوقنون أنَّه ال إله غير اهلل يأتيهم بذلك؛‬
‫إلجا ُء َّ‬
‫منه َ‬
‫أن األصنام ال تخلق‪،‬‬ ‫للســمع واألبصار والعقول‪ ،‬فإهنم ال ينكرون َّ‬ ‫ألنَّه الخالق َّ‬
‫ولذلك قال لهم القرآن‪ ﴿ :‬ﭣﭤﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪ ﴾ [النحل‪.((("]17:‬‬
‫‪ ‬الآي��ة الرابع��ة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ﴾ [األنعام‪.]64 ،63 :‬‬
‫العرب يف أســفارها‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫تكون عليــه‬ ‫ٍ‬
‫حــال‬ ‫ِ‬
‫بوصف‬ ‫جــاءت هــذه اآلية‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫وخاصة البحــر‪ ،‬حيث يكون اإلنســان يف‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والبحــر‪،‬‬ ‫ضيا ُعهــا يف ظلمــات الــرِّ‬
‫نفســه يف‬ ‫ُ‬
‫اإلنســان َ‬ ‫ظلمات ال يســتطيع الهروب منها‪ ،‬واالفتكاك عنها‪ ،‬فيتأ َّم ُل‬
‫ذلــك الوقت‪َ ،‬مــن الذي يمكن أن ينجيــه من ظلمات الرب والبحــر هذه‪ ،‬فكان‬
‫العــرب يف تلــك األوقــات ال يلجــأون إال إلــى اهلل ‪ ،‬ويرتكون ما‬
‫ُ‬
‫يعبدونه مــن األوثان واألصنام‪ ،‬فبعد أن اســتفهمهم بقوله‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)234 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪192‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ﴾‪ ،‬ألجأهــم إلى‬


‫اإلجابة بقوله‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪.‬‬
‫ق��ال القا�ض��ي �أب��و حممد‪" :‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮜﮝﮞ﴾ اآلية‪ ،‬ســبق يف‬
‫المجادلــة إلــى الجواب؛ إذ ال محيــد عنه"(((‪ .‬وقوله‪" :‬ال محيــد عنه" هذا هو‬
‫معنى اإللجاء‪.‬‬
‫وق��ال اب��ن عا�ش��ور‪" :‬وقولــه‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤ‬
‫دائي‪ ،‬و َل َّما كان هذا الكال ُم هتديدً ا‪ ،‬وافتُتِح‬‫ﮥ﴾ [األنعام‪ ]64 ،63 :‬اســتِ ْئن ٌ ِ‬
‫َاف ابت ٌّ‬
‫أن المقصو َد بضمائر الخطاب هم المشركون دون‬ ‫التقريري‪ ،‬تع َّين َّ‬
‫ِّ‬ ‫باالستفهام‬
‫المسلمين‪ ،‬وأصرح من ذلك قو ُل ُه‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪.‬‬
‫و ِ�إع��اد ُة الأم � ِر بالق��ول لالهتم��ا ِم‪ ،‬كم��ا تق �دَّم بيا ُن��ه عن��د قوله تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [األنعام‪ ]40 :‬اآلية‪ ،‬واالســتفهام ُم ْس َت ْع َم ٌل‬
‫ناز ُعون فيه بحسب عقائد ِّ‬
‫الش ْرك"(((‪.‬‬ ‫يف التقرير واإللجاء؛ لكون ذلك ال ُي َ‬
‫‪ ‬الآية اخلام�س��ة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﴾‬
‫[األنعام‪.]81:‬‬
‫ِ‬
‫النــاس بين يــدي اهلل ‪ ‬يوم‬ ‫ِ‬
‫وقــوف‬ ‫هــذه اآليــة تتحــدَّ ُ‬
‫ث عن‬
‫غيره‪،‬‬
‫القيامة‪ ،‬حيث جا َء يف ذلك اليوم َمن أطاعه‪ ،‬وجاء َمن عصاه وأشرك معه َ‬
‫ففي ذلك الموقف يســأل اهلل ‪ ‬هذا الســؤال لهــؤالء األقوام الذين‬

‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪ .)302 /2‬وانظر‪ :‬الجواهر الحسان‪ ،‬للثعالبي‬
‫(‪.)477 /2‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)280 /7‬‬

‫‪193‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ضلوا وعبــدوا معه غيره‪ ،‬فقــال ســبحانه‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾‪ ،‬ثم جاءت‬
‫الفرار منها! فكيف يكون آمنًا من عصاه وأشرك معه‬
‫َ‬ ‫اإلجابة التي ال يستطيعون‬
‫غيره‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾‪.‬‬
‫ناطــق ب ُبطالنه‬
‫ٌ‬ ‫ق��ال �أب��و ال�س��عود‪" :‬قولــه تعالــى‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾‬
‫ب على إنــكار خوفِه ‪-‬عليه الصالة والســام‪ -‬يف محل‬
‫حتمــا؛ فإنــه كالم مر َّت ٌ‬
‫ً‬
‫األمن‪ ،‬مع تحقق عدم خوفهم يف محل الخوف َم ٌ‬
‫سوق إللجائهم إلى االعتراف‬
‫باستحقاقه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لما هو عليه من األمن‪ ،‬وبعدم استحقاقِهم‬
‫شــع َر ِة باســتحقاقهم له يف الجملة‬
‫لما هم عليه‪ ،‬وإنما جيء بصيغة التفضي ِل الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بس ْوق الكالم على َسنن اإلنصاف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الســتنزالهم عن ُرتبة المكابرة واالعتساف َ‬
‫والفريق اآلمــ ُن يف ِّ‬
‫محل‬ ‫ُ‬ ‫الفريــق اآلمــ ُن يف محل األمــن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والمــرا ُد بالفريقيــن‪:‬‬
‫أحــق باألمن أنا أم‬
‫الكريم علــى أن ُيقال‪ :‬فأ ُّينا ُّ‬ ‫النظم‬ ‫ِ‬
‫عليــه‬ ‫فإيثــار َما‬ ‫الخــوف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحكم‪ ،‬والتفادي عن‬ ‫الحق بالتنبيه على ع ّلة ُ‬ ‫اإللجاء إلى الجواب ِّ‬ ‫أنتم؛ لتأكيد‬
‫ِ‬
‫االحرتاز عن تزكية النفس"(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لمجرد‬ ‫التصريح بتخطئتهم‪ ،‬ال‬
‫وق��ال اله��رري‪" :‬قولــه تعالــى‪﴿ :‬ﰂ ﰃ﴾ دون أن يقــول‪ :‬فأينا أحق‬
‫باألمــن‪ :‬اإلشــارة إلى أن هــذه المقابلة عامــة لكل موحد ومشــرك‪ ،‬ال خاصة‬
‫بــه وهبم‪ ،‬والبعد عن التصريــح بخطئهم الذي ربما يدعو إلــى اللجاج والعناد‬
‫واالحــراس من تنفيرهم من اإلصغاء إلــى قوله‪ ،‬وإن كان قد علم قط ًعا أنه هو‬
‫اآلمن ال هم‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ـــــك َف ِ‬
‫ـــــار ُس األَ ْحز ِ‬
‫َاب‬ ‫َأ ِّيـــــي َو َأ ُّي َ‬ ‫ُـــك َخالِ َي ْي ِ‬
‫ـــن َل َت ْع َل َم ْ‬
‫ـــن‬ ‫ـــن َل ِق ْيت َ‬‫ِ‬
‫َف َلئ ْ‬
‫�أي‪ :‬أينا‪ ،‬ومعلوم عنده أنه هو فارس األحزاب ال المخاطب‪.‬‬

‫((( إرشاد العقل السليم‪ ،‬ألبي السعود (‪.)156 /3‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪194‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫﴿ ﰇﰈ ﰉ﴾؛ أي‪ :‬إن كنتم من أهل العلم والبصيرة يف هذا األمر‪..‬‬


‫فأخــروين بــذاك وب ِّينوه باألدلــة‪ .‬ويف هذا إلجاء لهم إلى االعتــراف بالحق‪ ،‬أو‬
‫السكوت على الحمق والجهل"(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآية ال�ساد�سة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [األنعام‪.]91:‬‬
‫كذ َبه ُأ َم ٌم مِن الناس وطوائف‪ ،‬ومِن هؤالء الذين‬
‫عندمــا ُب ِع َث النبي ﷺ؛ َّ‬
‫كذبــوه ُأ َّمة اليهود‪ ،‬الذين بالغوا يف التكذيــب به حتى قالوا‪ ﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ٍ‬
‫بسؤال واستفها ٍم يسألهم عن الكتاب الذي‬ ‫وهنا بعد مقولتهم هذه جي َء‬ ‫ﭞ﴾‪ُ ،‬‬
‫نــزل عليهم‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾‪ ،‬وهو ســؤال ال يســتطيعون إال‬ ‫ُأ ِ‬
‫واحدة ال محيد عنها‪ ،‬وهو‪ :‬اهلل الذي أنزل هذا الكتاب‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بإجابــة‬ ‫أن يجيبــوا عنه‬
‫ٍ‬
‫شــيء مِن قِ َبــ ِل اهلل ‪ ‬على عباده‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فيكــون ر ًّدا على نفيهم عدم نزول‬
‫فكان هذا االستفهام استفها ًما إلجائ ًّيا‪.‬‬
‫قال الزخم�شري‪﴿" :‬ﭺ ﭻ﴾ أي‪ :‬أنزله اهلل‪ ،‬فإنَّهم ال يقدرون أن ُيناكروك‪،‬‬
‫﴿ ﭽﭾﭿﮀ﴾ يف باطلهــم الــذي يخوضــون فيــه‪ ،‬وال عليــك بعد إلزام‬
‫الحجة"(((‪.‬‬
‫إشعارا‬
‫ً‬ ‫جيب عنهم‬
‫أمر لرسول اهلل ﷺ بأن ُي َ‬ ‫وقال �أبو ال�س��عود‪﴿" :‬ﭺ ﭻ﴾ ٌ‬
‫الجواب بحيــث ال محيدَ عنــه‪ ،‬وإيذانًا بأنهم ُأفحموا ولــم ِ‬
‫يقدروا على‬ ‫ِ‬ ‫بتع ُّيــن‬
‫أصل"(((‪.‬‬
‫التكلم ً‬
‫((( تفسير حدائق الروح والريحان‪ ،‬للهرري (‪.)431 /8‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)44 /2‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم‪ ،‬ألبي السعود (‪.)162 /3‬‬

‫‪195‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ٍ‬
‫بصفة من صفات اهلل‬ ‫وق��ال اب��ن عا�ش��ور‪" :‬قد َج ِه ُلوا ما ُي ْف ِضي إلى الجهل‬
‫وجهلوا رحمته للناس ولط َفه هبم‪.‬‬ ‫تعالى التي هي صفة الكالم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫النفــي لنفي‬ ‫ــم جميع البشــر؛ لوقــوع النكرة يف ســياق‬ ‫و َمقا ُل ُهــم هــذا َي ُع ُّ‬
‫ــي للدَّ َللة على‬ ‫ويعــم جميــع ما أنــزل باقرتانه بـــ ﴿ﭝ﴾ يف ح ِّيــز النَّ ْف ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الجنــس‪،‬‬
‫الوحي على البشر بِنَ ْفي المتع ِّلق‬ ‫تعالى‬ ‫إنزال اهللِ‬
‫أيضا‪ ،‬و َي ُع ُّم َ‬
‫َ‬ ‫اســتغراق الجنس ً‬
‫هبذين ال ُع ُمو َم ْي ِن‪.‬‬
‫ح َمهم‬ ‫والمراد بـ ﴿ ﭞ﴾ هنا َشــيء من الوحي‪ ،‬ولذلك أمر اهلل نبيه بأن ي ْف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ْ ٌ‬
‫فذكَّرهم بأمرٍ‬ ‫باســتفهام تقريرٍ وإلجاء بقوله‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ َ‬
‫ال يســتطيعون جحــدَ ه؛ لتواتــره يف بالد العرب‪ ،‬وهو رســالة موســى‪ ،‬ومجيئه‬
‫ِ‬
‫المجاور م َّكةَ‪ ،‬واليهو ُد َيت ََر َّد ُدون على‬ ‫بالتوراة‪ ،‬وهي ُتدْ َرس بين اليهود يف البلد‬
‫َــر َّد ُدون على َي ْث ِر َب ومــا حولها‪ ،‬وفيها‬ ‫مكــ َة يف التجــارة وغيرهــا‪ُ ،‬‬
‫وأهل مكة َيت َ‬
‫وأحبارهم‪ ،‬وهبــذا لم ُي َذك ِّْرهم اهلل برســالة إبراهيــم ڠ؛ ألنَّهم كانوا‬ ‫ُ‬ ‫اليهــو ُد‬
‫ف يف كيفية رســالته‬ ‫اهلل أنــزل عليه ُص ُح ًفا‪ ،‬فــكان قد َي َت َط َّر ُق ُه اختِ َل ٌ‬
‫أن َ‬ ‫يجهلــون َّ‬
‫اآلية بقوله‪:‬‬ ‫آخر ِ‬ ‫ِ‬
‫الجواب َ‬‫ُ‬ ‫إنكاره كما اقتضــاه‬ ‫َ‬ ‫و ُن ُبو َءته‪ ،‬وإذا كان ذلك ال يســع‬
‫فانتقض قولهم‪ ﴿ :‬ﭘ‬ ‫َ‬ ‫أحد من البشر كتا ًبا‪،‬‬ ‫أن اهلل أنزل على ٍ‬ ‫﴿ﭺ ﭻ﴾‪ ،‬فقد َث َب َت َّ‬
‫وج َب ٍة ُج ْزئِ َّي ٍة"(((‪.‬‬
‫بم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب قاعدة نقض السالبة الكل َّية ُ‬ ‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ﴾ على َح َس ِ‬
‫ُ‬
‫السائل‬ ‫جواب االســتفهام التقريري‪ ،‬وقد تو َّلى‬
‫ُ‬ ‫وقال‪" :‬وقوله‪﴿ :‬ﭺ ﭻ﴾‬
‫الجواب لنفسه بنفسه؛ ألن المسؤول ال يسعه إال أن يجيب بذلك؛ ألنَّه ال َي ْق ِد ُر‬
‫َ‬
‫أن ُيكَابِ َر‪ ،‬على ما َق َّر ْر ُت ُه يف تفســير قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ‬
‫ﭼ﴾ [األنعام‪.((("]12:‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)363 /7‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)368 /7‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪196‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫‪ ‬الآي��ة ال�س��ابعة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬


‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [يونس‪.]31 :‬‬
‫يف هذه اآلية إلزا ٌم للمشركين الذين لم يرضوا أن ُي َو ِّحدوا اهلل ‪ ۵‬ويرتكوا‬
‫عبــادة األوثان‪ ،‬جاءت هذه االســتفهامات المتتالية اإللجائية التي تلجئهم إلى‬
‫أن يقولوا‪ :‬إنَّه ال يفعل ذلك إال اهلل ‪ .‬قال الزمخشــري‪" :‬قوله‪:‬‬
‫﴿ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ حتــى قــال‪﴿ :‬ﯱ‬
‫ﯲ﴾ [يونــس‪ ،]31:‬ثــم قال‪ ﴿ :‬ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [يونــس‪ ،]32:‬فكأنَّهم كانوا‬
‫وحــذارا مِن إلزام‬
‫ً‬ ‫وضرارا‬
‫ً‬ ‫ومر ًة كانوا يتلعثمــون عنا ًدا‬
‫مــرةً‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ُيق ُّرون بألســنتهم ّ‬
‫الحجــة‪ ،‬ونحــوه قولــه ‪﴿ :۵‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [الرعــد‪ ،]16:‬وأمره أن يقول لهــم بعد اإللزام واإللجام‬
‫الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم"(((‪.‬‬
‫وقال ابن عطية‪" :‬هذا توقيف وتوبيخ واحتجاج ال محيد عن التزامه"(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآية الثامنة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ﴾ [يونس‪.]34:‬‬
‫احتــوت هــذه اآلي ُة علــى اســتفها ٍم إلجائي‪ُ ،‬أ ْل ِ‬
‫جــئ فيه المشــركون إلى‬ ‫ٍّ‬
‫بأن اهلل هو المســتحق للعبادة‪ ،‬وذلك عن طريق اســتفهامهم عن إبداء‬ ‫اإلقــرار َّ‬
‫فلما كانت اإلجابة ال؛ كان‬
‫الخلق وإعادته هل يفعل ذلك أحدٌ من شــركائهم؟ َّ‬
‫ذلك إلجا ًء لهم إلى االعرتاف بوحدانية اهلل ‪.‬‬

‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)581 /3‬‬


‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪.)117 /3‬‬

‫‪197‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ق��ال �أب��و جعفر الطربي‪" :‬القول يف تأويل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ﴾ [يونس‪ .]34:‬يقول ‪-‬تعالى‬
‫ْــره‪ -‬لنبيه محمــد ﷺ‪ ﴿ :‬ﭑ ﴾ يا محمــد ﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ يعني‪ :‬مِن اآللهة‬ ‫ِ‬
‫ذك ُ‬
‫ث‬ ‫ٍ‬
‫شــيء مِن غير أصل‪ ،‬ف ُي ْح ِد ُ‬ ‫واألوثان ﴿ﭕﭖﭗ﴾ يقول‪َ :‬من ُينشــئ َخ ْلق‬
‫خل َقــه ابتــدا ًء‪﴿ ،‬ﭟ ﭠ﴾ يقول‪ :‬ثم ُيفنيه بعد إنشــائه‪ ،‬ثم يعيــده كهيئته قبل أن‬
‫يفن َيه‪ ،‬فإنَّهم ال يقدرون على دعوى ذلك لها‪ ،‬ويف ذلك الحجة القاطعة والدَّ اللة‬
‫أرباب‪ ،‬وهي هلل يف العبادة شــركاء‪ ،‬كاذبون‬
‫ٌ‬ ‫الواضحة على أنهم يف دعواهم أنها‬
‫مفرتون‪ ،‬فقل لهم حينئذ يا محمد‪ :‬اهلل يبدأ الخلق‪ ،‬فينشــئه من غير شــيء"(((‪.‬‬
‫ففــي قوله‪" :‬فإهنــم ال يقدرون على دعــوى ذلك لها" معنى اإللجــاء‪ ،‬وإن لم‬
‫ينص عليه ‪.$‬‬
‫َّ‬
‫وقريب من هذا ما قاله الزمخشري(((‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬الآية التا�س��عة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾‬
‫[يونس‪.]35 :‬‬
‫يف ه��ذه الآي��ات ا�س��تفهامان �إجلائ َّي��ان متتالي��ان‪ :‬أولهمــا كان فيه الســؤال‬
‫فلما‬
‫وجد فيهم من يهدي إلى الحق؟ َّ‬ ‫عن الشــركاء الذين ُيشــرك هبم مع اهلل‪ :‬أ ُي َ‬
‫لم يســتطيعوا أن ُي ْثبِتوا ذلــك لغير اهلل؛ جاء االســتفهام اإللجائي الثاين‪ :‬أيكون‬
‫الحق؟ أم يكون االتباع لِمن ال يســتطيع أن يهتدي إال‬‫بــاع لمن يهــدي إلى ِّ‬ ‫اال ِّت ُ‬
‫هبداية غيره له؟!‬

‫((( جامع البيان‪ ،‬للطربي (‪.)85 /15‬‬


‫((( انظر‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)346 /2‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪198‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫أن آلهتهم وأوثانهم ت ُْر ِشــدُ‬ ‫ق��ال اب��ن جري��ر‪" :‬فإنَّهم ال يقدرون أن يدَّ عوا َّ‬
‫جائرا‪ ،‬وذلك أنَّهم إن ا َّدعوا ذلك لها َأك َْذ َبت ُْه ُم المشاهدةُ‪ ،‬وأبان‬
‫ضال‪ ،‬أو هتدي ً‬ ‫ًّ‬
‫وأقــروا بذلك‪ ،‬فقل لهم‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫االختبــار بالمعاينة‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬ال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عجزهــا عن ذلك‬
‫َ‬
‫الضال عن الهدى إلى الحق"(((‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فاهلل يهدي‬
‫‪ ‬الآية العا�ش��رة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾‬
‫[الرعد‪.]16:‬‬
‫هــذه اآلية مثل آيات ســابِ َق ٍة ُأ ْل ِ‬
‫جئ فيها المشــركون إلــى اإلقرار برب‬
‫الســموات واألرض‪ .‬قال المــاوردي‪" :‬قوله ‪ ﴿ :۵‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾‬

‫َأ َمر ُ‬
‫اهلل تعالى نب َّيه أن يقول لمشركي قريش‪ ﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾‪ُ ،‬ث َّم أمره‬
‫تقريــرا؛ ألنَّه جعل‬
‫ً‬ ‫إفهاما قالوه‬
‫ً‬ ‫أن يقــول لهــم‪﴿ :‬ﮁ ﮂ﴾ إن لم يقولوا ذلــك‬
‫إلزاما"(((‪.‬‬
‫ذلك ً‬
‫وقريب منه قول الزمخشري(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآي��ة احلادي��ة ع�ش��رة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [طه‪.]86 ،85 :‬‬
‫عندمــا ذهب موســى للقاء ر ِّبه تــرك قو َمه مع أخيه هــارون موص ًيا إياهم‬
‫باالســتقامة علــى حــدود اهلل واتباع شــرعه‪ ،‬ولكنهــم ‪-‬كعادة بني إســرائيل‪-‬‬

‫((( جامع البيان‪ ،‬للطربي (‪.)87 /15‬‬


‫((( النكت والعيون‪ ،‬للماوردي (‪.)105 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري (‪.)522 /2‬‬

‫‪199‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫خالفــوا أمره‪ ،‬وعبــدوا ِ‬
‫الع ْج َل من بعده‪ ،‬فجاءهم هبذا االســتفهام مخ ِّي ًرا إياهم‬
‫بين خيارين ال يســتطيعون إال اختيار أحدهما‪ ،‬فــكان االختيار بين أمرين‪ :‬هل‬
‫طال عليكم العهد؟ وهذا ال يمكن أن يختاروه‪ ،‬وكان الخيار الثاين‪ :‬هل أردتم‬
‫غضب من ربكم؟! فألجأهم إلى اختيار هذه اإلجابة وإن كانوا‬
‫ٌ‬ ‫أن يحل عليكم‬
‫لم يريدوا ذلك ً‬
‫أصل‪.‬‬
‫ق��ال البقاع��ي‪" :‬لمــا كان إخالف الموعد المؤكد المعين الذي ال شــبهة‬
‫فيــه‪ ،‬لما نصب عليه من الدالئــل الباهرة‪ ،‬وأوضحه مــن الرباهين الظاهرة‪ ،‬ال‬
‫يكــون إال بنســيان لطول العهد‪ ،‬أو عناد بســوء قصد‪ ،‬وكان مــن أبلغ المقاصد‬
‫وأوضــح التقرير إلجاء الخصم بالســؤال إلــى االعتراف بالمراد‪ :‬ســألهم عن‬
‫تعيين أحد األمرين‪ ،‬مع َّ‬
‫أن طول العهد ال يمكن ادعاؤه"(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآي��ة الثاني��ة ع�ش��رة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [المؤمنون‪.]85 ،84 :‬‬
‫وهــذه اآلية شــبيه ٌة بآيات ســابقة كان فيها إلجا ٌء إلى اإلقــرار بأحق َّي ِة اهلل‬
‫بالعبادة دون َمن سواه‪.‬‬
‫ق��ال القا�ضي البي�ض��اوي‪ ﴿" :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﴾‬
‫وتقريرا‬
‫ً‬ ‫إن كنتــم مِن أهل العلم‪ ،‬أو مِــن العالمين بذلك‪ ،‬فيكون اســتهان ًة هبم‪،‬‬
‫إلزاما بما ال يمكن لِ َمن‬ ‫لفرط جهالتهم‪ ،‬حتى جهلوا مثل هذا َ ِ‬
‫الجل ِّي الواضح؛ ً‬
‫إنكاره‪ ،‬ولذلك أخرب عــن جواهبم قبــل أن ُيجيبوا‪ ،‬فقال‪:‬‬‫ُ‬ ‫له َم ْســ َك ٌة ِمن العلــم‬
‫اإل ِ‬
‫قــرار بأنه‬ ‫ألن العقــل الصريــح قد اضطرهــم بأدنى نظرٍ إلى ِ‬‫﴿ﯛ ﯜ﴾ َّ‬
‫جلي يف معنى اإللجاء‪.‬‬‫خالقها" ‪ .‬فقوله‪" :‬إلزا ًما"‪ ،‬و"قد اضطرهم" ٌّ‬
‫(((‬

‫((( نظم الدرر‪ ،‬للبقاعي (‪.)327 /12‬‬


‫((( أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬للبيضاوي (‪.)93 /4‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪200‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫وقال ابن كثري‪ ﴿" :‬ﮱﯓﯔ ﯕﯖ﴾؛ أي‪َ :‬من مالِكها الذي خلقها‬
‫و َمن فيها مِن الحيوانات والنباتات والثمرات‪ ،‬وســائر صنوف المخلوقات‬
‫﴿ﯗ ﯘﯙ﴾‪﴿ .‬ﯛﯜ﴾؛ أي‪ :‬ف َي ْعت َِر ُفــون لك َّ‬
‫بأن ذلك هلل وحده‬
‫ال شريك له"(((‪ .‬فقوله‪" :‬فيعرتفون لك" هو بسبب إلجائهم‪.‬‬
‫‪ ‬الآي��ة الثالث��ة ع�ش��رة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [المؤمنون‪.]87 ،86 :‬‬
‫وهذه مثل سابقتها(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآية الرابعة ع�شرة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻﯼﯽ ﯾ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﴾ [المؤمنون‪.]89 ،88 :‬‬
‫وهذه مثل سابقتها(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآية اخلام�سة ع�شرة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [القصص‪.]63 ،62 :‬‬
‫يف هذه اآلية إلزا ٌم يف مقا ٍم ال ينفع معه االلتزام‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا السؤال يكون يف‬
‫عرصــات يــوم القيامة‪ ،‬حيث ال ينفع ند ٌم وال إجابة‪ ،‬و ُيــراد هبذا اإللزام إحقاق‬
‫أحد ُم ْســ َك ٌة من ٍّ‬
‫شــك‪.‬‬ ‫الحق وإبطال الباطل يف ذلك المقام حتى ال يبقى لدى ٍ‬ ‫ِّ‬
‫قال ابن عاشــور‪" :‬وكان هذا ا ْل َم ْق ِصدُ إِ ْل َجا ًء ِمــن اهلل َّإياهم ل ِ ُي ْعلِنوا َتن َُّص َل ُهم مِن‬
‫ا ِّدعاء أنَّهم ُشركاء على رؤوس المأل"(((‪.‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير (‪.)489 /5‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكشاف‪ ،‬للزمخشري (‪ ،)522 /2‬والتحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)234 /7‬‬
‫((( انظر‪ :‬المرجعين السابقين‪.‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)159 /20‬‬

‫‪201‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬الآية ال�ساد�سة ع�شرة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ﴾ [العنكبوت‪.]61:‬‬
‫ُت َق ِّر ُر هذه اآلية كما ُت َق ِّر ُر سابقا ُتها وحدانية اهلل ‪ ‬يف ربوبيته‪ ،‬والتي‬
‫ُيلتزم هبا وحدانيته يف ألوهيته‪ ،‬ولنذكر يف هذا المقا ِم ما قاله عبد الكريم الخطيب يف‬
‫أســلوب جمالي حيث يوضح المراد من اإللجاء هنا بقوله‪﴿" :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ٍ‬
‫ٍّ‬
‫ﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ﴾ بعــد هــذه الوقفة مع هؤالء‬
‫المؤمنين الذين حملهم المشــركون على الهجرة من أوطاهنم‪ ،‬بما أخذوهم به‬
‫من بأساء وضراء‪ -‬عادت اآليات لتلقي المشركين بقذائفها المد ّمرة‪ ،‬التي ّ‬
‫تدك‬
‫هبا حصون الشرك‪ ،‬وهتدم قالعه‪ ،‬بحجتها الدامغة‪ ،‬وبياهنا المبين‪...‬‬
‫فامل�شركون هنا‪ ،‬يف مواجهة �س�ؤال‪ ،‬هو‪ ﴿ :‬ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕ‬
‫ﯖ﴾؟‬
‫وإنه ال يجرؤ أحد منهم أن يجيب بأن آلهتهم تلك الجاثمة على األرض‬
‫هي التي خلقت السموات واألرض‪ ،‬وأهنا هي التي سخرت الشمس والقمر‪...‬‬
‫ّ‬
‫ســخر؟ جواب واحــد‪ ،‬هو اهلل الذي‬ ‫فمــن إذن الــذي خلق؟ ومن الذي‬
‫ّ‬
‫وســخر الشــمس والقمر‪ ...‬إهنــم ال ينكرون هذا‪،‬‬ ‫خلق الســموات واألرض‬
‫وال ســبيل لهم إلى إنكاره‪ ..‬وإذن فكيف يصرفون وجوههم عن اهلل‪ ،‬ويقبلون‬
‫السفه‬ ‫ً‬
‫وضالل؟ وبلى إنه ّ‬ ‫سفها‬
‫على هذه الدّ مى يعبدوهنا من دونه؟ أليس هذا ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫والضياع ً‬
‫والضالل ّ‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯚ ﯛ﴾ هو تعقيب على هذا السؤال‪ ،‬وعلى الجواب‬
‫وإلزاما‪ ،‬إذ ال جواب لهم غيره! ﴿ﯗﯘﯙ﴾"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫الذي أجابوا به نط ًقا‪ ،‬أو إلجا ًء‪،‬‬

‫((( التفسير القرآين للقرآن‪ ،‬للخطيب (‪.)464 /11‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪202‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء‬

‫‪ ‬الآي��ة ال�س��ابعة ع�ش��رة‪ :‬قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬


‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾‬
‫[العنكبوت‪.]63:‬‬
‫اآليات ِتر ُد يف مقام إقرار اســتحقاق اهلل للوحدانية َ‬
‫دون َمن ُي ْع َبدُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ِ‬
‫زالت‬
‫معــه مِن قِ َب ِل المشــركين‪ ،‬فجا ُء اإللزام لهم واإللجاء بــأن يقولوا‪ :‬اهلل هو الذي‬
‫نزل الماء من السماء‪ ،‬وهو الذي يحيي األرض بعد موهتا‪.‬‬
‫ق��ال اب��ن عا�ش��ور‪" :‬قال تعالــى‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ﴾ [الروم‪ ،]50:‬وقال‪ ﴿ :‬ﭵﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻ ﴾ [الروم‪ ،]19:‬و َل َّما كان سياق الكالم هنا يف َمساق التَّقرير‬
‫كان ا ْل َمقــام ُمقتض ًيا لِلتَّأكِيد بِزيــادة ﴿ ﯷ ﴾ يف قوله‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ إلجا ًء لهم‬
‫قتضى لزيادة‬
‫بأن فاعل ذلك هو اهلل دون أصنامهم؛ فلذلك لم يكن ُم ً‬
‫إلى اإلقرار َّ‬
‫(مِن) يف آية البقرة‪ ،‬ويف الجاثية [‪ ﴿ ]5‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾"(((‪.‬‬
‫‪ ‬الآية الثامنة ع�شرة‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [سبأ‪.]24 :‬‬
‫وهذه إحدى اآليات التي ُيحتج هبا على َّ‬
‫أن الرازق هو اهلل‪ ،‬فهو المستحق‬
‫خالق غير اهلل‪.‬‬
‫للعبادة‪ ،‬ألنَّه ال يمكن أن يقولوا‪ :‬إنَّه يوجد ٌ‬
‫ق��ال اب��ن عطي��ة‪" :‬أمر اهلل تعالى نب َّيه على جهــة االحتجاج وإقامة الدليل‬
‫أن الــرزاق لهــم من الســماوات واألرض َمن هــو‪ ،‬ثم أمــره أن يقتضب‬ ‫علــى َّ‬
‫ووجمة من الســؤال‪ ،‬وإذ ال‬
‫االحتجاج بأن يأيت جواب الســؤال؛ إذ هم يف هبتة َ‬
‫جواب لهم وال لمفطور إال بأن يقول هو اهلل‪ ،‬وهذه السبيل يف كل سؤال جوابه‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)29 /21‬‬

‫‪203‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫المحتــج ُيريــد أن يقتضب ويتجاوز إلــى ُح َّج ٍة أخرى‬
‫َّ‬ ‫يف غايــة الوضــوح؛ َّ‬
‫ألن‬
‫فصل يف بيان معناه مِن حيث هو‬ ‫يوردها‪ ،‬ونظائر هذا يف القرآن كثيرة"(((‪ .‬وهنا ّ‬
‫سؤال وجواب من نفس السائل ألجأهم به حيث قال‪" :‬وإذ ال جواب لهم وال‬
‫لمفطور إال بأن يقول هو اهلل"‪.‬‬
‫وقال ابن عاشور((( بما ُيفيد معنى ما قاله ابن عطية‪.‬‬
‫فهذا تطبيق عملي من المفسرين ‪-‬رحمهم اهلل تعالى‪ -‬يف بيان هذا النوع‬
‫من االستفهام وأهميته‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية (‪.)419 /4‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور (‪.)192 /22‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪204‬‬


‫‪E‬‬

‫‪ ‬تو�صلت ِمن خالل درا�ستي لآيات الإجلاء �إىل ما يلي‪:‬‬


‫أن طائفة ليست بالقليلة مِن المفسرين من لدن اإلمام الطربي وحتى‬
‫‪َّ -1‬‬
‫عصرنا هذا قد تكلموا عن هذا االستفهام اإللجائي‪.‬‬
‫‪ -2‬يف االستفهام اإللجائي دالل ٌة على ُق َّوة ُ‬
‫الح َّجة والبيان يف القرآن الكريم‪،‬‬
‫قريش بجنس ما برعوا فيه‪ ،‬وهو الفصاحة والبالغة يف الخطاب‪.‬‬ ‫حيث ُأ ْف ِحم ٌ‬
‫‪ -3‬االستفهام مستعمل يف التقرير واإللجاء‪ ،‬كما أنَّه مستعمل يف اإلنكار‪،‬‬
‫وه ُل َّم َج ّرا‪.‬‬
‫ويف التهكم والسخرية‪َ ،‬‬
‫أن المتكلــم ُيبــادر إلــى الجــواب ليبني ما يســتأنف مِن قولــه عليه‪،‬‬
‫‪َّ -4‬‬
‫فيقول‪ :‬جوا ًبا عن المقررين‪َ :‬بلى‪ ،‬حيث كان األمر بينًا يف نفســه‪ ،‬وهذا يحســن‬
‫يف األمور البينة التي ال محيد يف جواهبا‪.‬‬
‫‪ -5‬إبالغ الحجة؛ َّ‬
‫ألن الكالم مسوق مساق إبالغ الحجة‪ ،‬مقدرة فيه محاورة‪،‬‬
‫وليس هو محاور ًة حقيقية‪ ،‬وهذا من أسلوب الكالم الصادر من متكلم واحد‪.‬‬
‫‪ -6‬جــذب االنتبــاه والتشــويق لما بعــده؛ إذ َّ‬
‫إن الســامع متلهف لمعرفة‬
‫الجواب‪ ،‬فهو أبلغ َت ْأثِ ًيرا‪.‬‬
‫‪ -7‬من المالحظ كثرة اســتخدام هذا األســلوب يف آيات سورة األنعام‪،‬‬
‫ومــن المعلوم والمتقرر عند أهل التخصص َّ‬
‫أن هذه الســورة قد جاءت لتقرير‬
‫العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪.‬‬

‫‪205‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -8‬بلغت عدد المواضع (‪ )18‬موض ًعا‪.‬‬
‫وأوصي طلبة العلم بمزيد اعتناء هبذا النوع من االستفهام؛ إذ فيه ما سبق‬
‫ذكره‪ ،‬وفيه من التقرير والفصاحة ما يظهر إعجاز القرآن‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪206‬‬


‫‪«1 .1‬اإلتقــان يف علــوم القــرآن»‪ .‬الســيوطي‪ ،‬عبــد الرحمــن بن أبــي بكر جــال الدين‬
‫(ت‪911‬هـــ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمــد أبــو الفضــل إبراهيــم‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬الهيئة المصريــة العام‬
‫للكتاب‪1394 ،‬هـ ‪1974 -‬م‪.‬‬

‫‪«2 .2‬أحــكام القــرآن»‪ .‬المالكــي‪ ،‬محمد بــن عبد اهلل؛ ابــن العربي المعافري اإلشــبيلي‬
‫(ت‪543‬هـــ)‪ .‬راجــع أصوله وخــرج أحاديثه وعلــق عليه‪ :‬محمد عبــد القادر عطا‪.‬‬
‫ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1424 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬

‫‪«3 .3‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (تفسير أبي السعود)»‪ .‬العمادي‪ ،‬أبو السعود‬
‫محمد بن محمد بن مصطفى (ت‪982‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪.‬‬

‫‪«4 .4‬األلفاظ»‪ .‬ابن الســكيت‪ ،‬أبو يوسف يعقوب بن إســحاق (ت‪244‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫فخر الدين قباوة‪ .‬ط‪ ،1‬مكتبة لبنان ناشرون‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪«5 .5‬اإلمالء والرتقيــم يف الكتابة العربية»‪ .‬إبراهيم‪ ،‬عبد العليم (المتوىف بعد ‪1395‬هـ)‪.‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة غريب‪.‬‬

‫‪«6 .6‬االنتصارات اإلســامية يف كشف شــبه النصرانية»‪ .‬الطويف‪ ،‬أبو الربيع؛ نجم الدين‪،‬‬
‫ســليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الصرصري (ت‪716‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬ســالم بن‬
‫محمد القرين‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪1419 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«7 .7‬أنــوار التنزيــل وأســرار التأويــل (تفســير البيضــاوي)»‪ .‬البيضاوي‪ ،‬ناصــر الدين‪،‬‬
‫أبو ســعيد عبــد اهلل بن عمر بن محمد الشــيرازي (ت‪685‬هـ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمد عبد‬
‫الرحمن المرعشلي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪1418 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪207‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«8 .8‬إيضــاح شــواهد اإليضــاح»‪ .‬القيســي‪ ،‬أبو علي؛ الحســن بــن عبــد اهلل (ت القرن‬
‫السادس)‪ .‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد بن حمود الدعجاين‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪1408 ،‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬

‫‪«9 .9‬البحــر المحيط يف التفســير»‪ .‬األندلســي‪ ،‬أبــو حيان محمد بن يوســف بن علي بن‬
‫يوســف بن حيــان أثير الديــن (ت‪745‬هـ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬صدقي محمد جميــل‪ .‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الفكر‪1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«1010‬الربهــان يف علــوم القرآن»‪ .‬الزركشــي‪ ،‬أبــو عبد اهلل بــدر الدين محمد بــن عبد اهلل‬
‫بــن هبادر (ت‪794‬هـ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيــم‪ .‬ط‪ ،1‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪1376 ،‬هـ ‪1957 -‬م‪.‬‬

‫‪«1111‬البالغة العربية»‪ .‬الميداين‪ ،‬لعبد الرحمن بن حسن َح َبنَّكة الدمشقي (ت‪1425‬هـ)‪.‬‬


‫ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ /‬بيروت‪ :‬الدار الشامية‪1416 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬

‫‪«1212‬تــاج العروس من جواهر القاموس»‪ .‬الزبيدي‪ ،‬أبو الفيض محمد بن محمد بن عبد‬
‫الرزاق الحسيني الملقب بمرتضى (ت‪1205‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪.‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬دار الهداية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«1313‬التحرير والتنوير‪ :‬تحرير المعنى الســديد وتنوير العقل الجديد من تفســير الكتاب‬
‫المجيــد»‪ .‬ابــن عاشــور‪ ،‬محمــد الطاهــر بــن محمد بــن محمــد الطاهر التونســي‬
‫(ت‪1393‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية للنشر‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫‪«1414‬تفســير الشعراوي»‪ .‬الشــعراوي‪ ،‬محمد متولي (ت‪1418‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬مطابع أخبار‬
‫اليوم‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪208‬‬


‫‪«1515‬تفســير القرآن العظيــم»‪ .‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إســماعيل بن عمر القرشــي البصري‬
‫ثم الدمشــقي (ت‪774‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬ســامي بن محمد ســامة‪ .‬ط‪ ،2‬دار طيبة للنشر‬
‫والتوزيع‪1420 ،‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫‪«1616‬تفســير القرآن»‪ .‬الســمعاين‪ ،‬أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد‬
‫المــروزي التميمــي الحنفي ثم الشــافعي (ت‪489‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬ياســر بــن إبراهيم‪،‬‬
‫وغنيم بن عباس بن غنيم‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬دار الوطن‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬

‫‪«1717‬التفســير القرآين للقرآن»‪ .‬الخطيب‪ ،‬عبد الكريم يونــس (ت بعد ‪1390‬هـ)‪ .‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«1818‬تفســير المراغي»‪ .‬المراغي‪ ،‬أحمد بن مصطفى (ت‪1371‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬شــركة‬


‫مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪1365 ،‬هـ ‪1946 -‬م‪.‬‬

‫‪«1919‬تفســير المنــار»‪ .‬رضا‪ ،‬محمد رشــيد (ت‪1354‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬الهيئــة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫‪«2020‬التفســير الوســيط للقرآن الكريــم»‪ .‬مجموعة من العلماء بإشــراف مجمع البحوث‬


‫اإلسالمية باألزهر‪ .‬ط‪ ،1‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪1393 ،‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬

‫‪«2121‬تفســير حدائق الروح والريحان يف روابي علوم القرآن»‪ .‬الهرري‪ ،‬محمد األمين بن‬
‫عبد اهلل األرمي العلوي الشافعي‪ .‬إشراف ومراجعة‪ :‬د‪ .‬هاشم محمد علي بن حسين‬
‫مهدي‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار طوق النجاة‪1421 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪«2222‬التلخيص يف معرفة أســماء األشــياء»‪ .‬العســكري‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد اهلل بن‬
‫ســهل بن ســعيد (ت نحو ‪395‬هـ)‪ .‬عني بتحقيقه‪ :‬د‪ .‬عزة حســن‪ .‬ط‪ ،2‬دمشق‪ :‬دار‬
‫طالس للدراسات والرتجمة والنشر‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪209‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«2323‬التنويــر شــرح الجامــع الصغيــر»‪ .‬الصنعــاين‪ ،‬محمــد بــن إســماعيل بــن صــاح‬
‫(ت‪1182‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد إســحاق محمد إبراهيم‪ .‬ط‪ ،1‬الرياض‪ :‬مكتبة دار‬
‫السالم‪1432 ،‬هـ ‪2011 -‬م‪.‬‬

‫‪«2424‬هتذيب اللغة»‪ .‬األزهري‪ ،‬أبو منصور محمد بن أحمد (ت‪370‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫عوض مرعب‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪«2525‬جامــع البيان يف تأويل القرآن»‪ .‬الطربي‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب‬
‫اآلملي أبي جعفر (ت‪310‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ .‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪1420‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫‪«2626‬جواهــر البالغــة يف المعــاين والبيــان والبديــع»‪ .‬الهاشــمي‪ ،‬أحمد بــن إبراهيم بن‬
‫مصطفى (ت‪1362‬هـ)‪ .‬ضبط وتدقيق وتوثيق‪ :‬د‪ .‬يوسف الصميلي‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2727‬الجواهر الحســان يف تفســير القرآن»‪ .‬الثعالبي‪ ،‬أبو زيد عبــد الرحمن بن محمد بن‬
‫مخلــوف (ت‪875‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬الشــيخ محمد علي معوض‪ ،‬والشــيخ عادل أحمد‬
‫عبد الموجود‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪1418 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«2828‬حاشــية السندي على ســنن النسائي»‪ .‬السندي‪ ،‬أبو الحســن محمد بن عبد الهادي‬
‫التتــوي نــور الديــن (ت‪1138‬هـــ)‪ .‬ط‪ ،2‬حلب‪ :‬مكتــب المطبوعات اإلســامية‪،‬‬
‫‪1406‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫‪«2929‬حاشــية الشهاب على تفســير البيضاوي (عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير‬
‫البيضــاوي)»‪ .‬الخفاجي‪ ،‬شــهاب الدين أحمد بن محمد بــن عمر المصري الحنفي‬
‫(ت‪1069‬هـ)‪ .‬د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪210‬‬


‫‪«3030‬دراسات ألسلوب القرآن الكريم»‪ .‬عضيمة‪ ،‬محمد عبد الخالق (ت‪1404‬هـ)‪ .‬د‪.‬‬

‫ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الحديث‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«3131‬درر الحــكام يف شــرح مجلــة األحــكام»‪ .‬أفنــدي‪ ،‬علــي حيــدر خواجــة أميــن‬

‫(ت‪1353‬هـ)‪ .‬تعريب‪ :‬فهمي الحسيني‪ .‬ط‪ ،1‬دار الجيل‪1411 ،‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫‪«3232‬الذريعة إلى مكارم الشريعة»‪ .‬األصفهاين‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف‬

‫بالراغــب (ت ‪502‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد أبو زيــد العجمي‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬

‫السالم‪1428 ،‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬

‫‪«3333‬رد المحتار على الدر المختار»‪ .‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين بن عمر الدمشقي الحنفي‬

‫(ت‪1252‬هـ)‪ .‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪«3434‬روح البيان‪ .‬الخلويت»‪ ،‬أبو الفداء إســماعيل حقي بن مصطفى اإلستانبولي الحنفي‬

‫(ت‪1127‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪«3535‬روح المعاين يف تفســير القرآن العظيم والســبع المثاين»‪ .‬األلوســي‪ ،‬شــهاب الدين‬

‫محمود بن عبد اهلل الحســيني (ت‪1270‬هـ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬علي عبد الباري عطية‪ .‬ط‪،1‬‬

‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«3636‬شــرح التصريح على التوضيح»‪ .‬األزهري‪ ،‬خالد بن عبد اهلل بن أبي بكر بن محمد‬

‫(ت‪905‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1421 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫‪«3737‬شــرح المعلقات السبع»‪ .‬الزوزين‪ ،‬حســين بن أحمد بن حسين (ت‪486‬هـ)‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫دار إحياء الرتاث العربي‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«3838‬العيــن»‪ .‬الفراهيدي‪ ،‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم البصري‬
‫(ت‪170‬هـــ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬مهــدي المخزومــي ود‪ .‬إبراهيــم الســامرائي‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار‬
‫ومكتبة الهالل‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«3939‬غرائب التفسير وعجائب التأويل»‪ .‬الكرماين‪ ،‬محمود بن حمزة بن نصر أبو القاسم‬
‫برهان الدين المعروف بتاج القراء (ت نحو ‪505‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬جدة‪ :‬دار القبلة للثقافة‬
‫اإلسالمية‪ /‬بيروت‪ :‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«4040‬فتوح الغيب يف الكشف عن قناع الريب»‪ .‬الطيبي‪ ،‬شرف الدين الحسين بن عبد اهلل‬
‫(ت‪743‬هـ)‪ .‬ط‪ ،1‬دبي‪ :‬جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم‪1434 ،‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬

‫واصطالحا»‪ .‬أبو حبيب‪ ،‬د‪ .‬سعدي‪ .‬ط‪ ،2‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪«4141‬القاموس الفقهي لغ ًة‬
‫‪1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪«4242‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل»‪ .‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر بن‬
‫أحمد جار اهلل (ت‪538‬هـ)‪ .‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1407 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«4343‬اللباب يف علوم الكتاب»‪ .‬ابن عادل‪ ،‬أبو حفص سراج الدين عمر بن علي الحنبلي‬
‫الدمشــقي النعماين (ت‪775‬هـــ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عادل أحمد عبــد الموجود وعلي محمد‬
‫معوض‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1419 ،‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬

‫‪«4444‬لســان العــرب»‪ .‬ابن منظــور‪ ،‬أبو الفضــل محمد بن مكــرم بن علي جمــال الدين‬
‫األنصاري الرويفعي اإلفريقي (ت‪711‬هـ)‪ .‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«4545‬المبســوط»‪ .‬السرخسي‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة (ت‪483‬هـ)‪،‬‬


‫د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪212‬‬


‫‪«4646‬المحتســب يف تبيين وجوه شــواذ القراءات واإليضاح عنها»‪ .‬ابــن جني‪ ،‬أبو الفتح‬
‫عثمــان الموصلي (ت‪392‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬وزارة األوقاف‪ -‬المجلس األعلى للشــؤون‬
‫اإلسالمية‪1420 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫‪«4747‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز»‪ .‬ابن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب‬
‫بن عبد الرحمن بن تمام األندلسي المحاربي (ت‪542‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم عبد‬
‫الشايف محمد‪ .‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1422 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«4848‬المحكم والمحيط األعظم»‪ .‬ابن ســيده‪ ،‬أبو الحســن علي بن إســماعيل المرســي‬
‫(ت‪458‬هـــ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬عبد الحميــد هنداوي‪ .‬ط‪ ،1‬بيــروت‪ :‬دار الكتــب العلمية‪،‬‬
‫‪1421‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫‪«4949‬مختــار الصحاح»‪ .‬الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر‬
‫الحنفي (ت‪666‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪ .‬ط‪ ،5‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‬
‫والدار النموذجية‪1420 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫‪«5050‬المصباح المنير يف غريب الشرح الكبير»‪ .‬الفيومي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد بن‬
‫علي الحموي (ت نحو ‪770‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العلمية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«5151‬معالــم التنزيــل يف تفســير القرآن»‪ .‬البغــوي‪ ،‬محيي الســنة أبو محمد الحســين بن‬
‫مســعود بن محمد بن الفراء الشــافعي (ت‪510‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبــد الرزاق المهدي‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«5252‬معجم اللغة العربية المعاصرة»‪ .‬عمر‪ ،‬د‪ .‬أحمد مختار عبد الحميد (ت‪1424‬هـ)‪.‬‬
‫ط‪ ،1‬عالم الكتب‪1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬

‫‪213‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«5353‬المعجم الوسيط»‪ .‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«5454‬مغنــي اللبيــب عــن كتــب األعاريــب»‪ .‬ابن هشــام‪ ،‬عبد اهلل بن يوســف بــن أحمد‬
‫(ت‪761‬هـــ)‪ .‬تحقيــق‪ :‬د‪ .‬مازن المبارك‪ ،‬محمــد علي حمد اهلل‪ .‬ط‪ ،6‬دمشــق‪ :‬دار‬
‫الفكر‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪«5555‬مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)»‪ .‬الرازي‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر بن الحسن بن‬
‫الحســين التيمي الملقب بفخر الدين خطيب الــري (ت‪606‬هـ)‪ .‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار‬
‫إحياء الرتاث العربي‪1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«5656‬مقــاالت اإلســاميين واختــاف المصليــن»‪ .‬األشــعري‪ ،‬أبــو الحســين علي بن‬


‫إسماعيل (ت‪324‬هـ)‪ .‬عني بتصحيحه‪ :‬هلموت ريرت‪ .‬ط‪ ،3‬ألمانيا‪ :‬دار فرانزشتايز‪،‬‬
‫‪1400‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬

‫‪«5757‬الموسوعة الفقهية الكويتية»‪ .‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالكويت‪.‬‬

‫‪«5858‬نظم الدرر يف تناســب اآليات والسور»‪ .‬البقاعي‪ ،‬إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط‬
‫(ت‪885‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«5959‬النكــت والعيــون»‪ .‬الماوردي‪ ،‬أبو الحســن علي بــن محمد بن محمــد بن حبيب‬
‫البصــري البغدادي (ت‪450‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬الســيد بن عبــد المقصود بن عبد الرحيم‪.‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪«6060‬نكت وتنبيهات يف تفسير القرآن المجيد»‪ .‬البسيلي‪ ،‬أبو العباس التونسي (ت‪830‬هـ)‪.‬‬
‫تقديــم وتحقيــق‪ :‬محمــد الطــراين‪ .‬ط‪ ،1‬الــدار البيضــاء‪ :‬منشــورات وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية بالمملكة المغربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪214‬‬


‫‪«6161‬نواهــد األبــكار وشــوارد األفكار (حاشــية الســيوطي على تفســير البيضــاوي)»‪.‬‬
‫الســيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر جالل الديــن (ت‪911‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬مكة‪ :‬جامعة‬
‫أم القرى ‪ -‬كلية الدعوة وأصول الدين‪1424 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬

‫‪«6262‬همع الهوامع يف شــرح جمع الجوامع»‪ .‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر (ت‪911‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ .‬د‪ .‬ط‪ ،‬مصر‪ :‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪215‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فهرس املوضوعات‬

‫مستخلص البحث ‪149........................................................‬‬


‫المقدِّ مة ‪153...................................................................‬‬
‫أهمية الموضوع ‪154...........................................................‬‬
‫أسباب اختياره‪154.............................................................‬‬
‫خطة البحث ‪156...............................................................‬‬
‫منهج البحث‪157...............................................................‬‬
‫التمهيد‪ :‬التعريف بمفردات العنوان ‪158........................................‬‬
‫واصطالحا ‪158................................‬‬
‫ً‬ ‫المطلب األول‪ :‬االستفهام لغةً‪،‬‬
‫واصطالحا‪163....................................‬‬
‫ً‬ ‫المطلب الثاين‪ :‬اإللجاء لغةً‪،‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الدراسة التأصيلية ‪171.........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االستفهام اإللجائي عند المفسرين‪ ،‬وأسماؤه ‪171..............‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬أساليب اإللجاء ‪184............................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬ثمرات اإللجاء ‪186...........................................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬دراسة تطبيقية آليات اإللجاء يف القرآن الكريم ‪189..............‬‬
‫الخاتمة ‪205...................................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪207.......................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪217......................................................‬‬

‫‪217‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫البحث الرابع‬

‫ً‬
‫(سابقا)‬ ‫الباحث في مركز تفسير للدراسات القرآنية‬
‫وعضو هيئة التدريس بمعهد مكة للدراسات القرآنية‬
‫حصل على درجة الماجستير يف التفسير وعلوم القرآن جامعة أم درمان اإلسالمية بأطروحته‪( :‬منهج‬
‫القرآن يف مدح القلة وذم الكثرة)‪.‬‬
‫حصــل علــى درجــة الدكتوراه يف التفســير وعلوم القــرآن جامعــة أم درمان اإلســامية بأطروحته‪:‬‬
‫(اإلصالح واإلفساد يف ضوء القرآن)‪.‬‬
‫أهم النتاج العلمي‪:‬‬
‫إعجاز النظم القرآين يف اقتران السنن االجتماعية بالسنن الكونية‪.‬‬
‫نحو ختمة قرآنية تدبرية ارتقائية يف الفكر والسلوك (جمعية المحافظة على القرآن الكريم) يف األردن‪.‬‬
‫أثر التفسير الموضوعي يف االرتقاء بالعلوم الطبيعية لكرسي الدراسات القرآنية بجامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬
‫مناسبة القصص لمقاصد السور‪ ،‬مجلة الوحيين‪.‬‬
‫مناسبة األمثال لمقاصد سور القرآن‪ ،‬مجلة الجامعة اإلسالمية بغزة (تفسير‪ -‬حديث)‪.‬‬
‫استنباط األحكام الشرعية من األمثال القرآنية مجلة المدونة‪ ،‬المجمع الفقهي يف الهند‪.‬‬
‫الم ِعينة يف ضوء القرآن الكريم‪ ،‬مجلة (مجمع) الماليزية التابعة لجامعة المدينة الماليزية‪.‬‬
‫األخوة ُ‬
‫البريد اإللكتروين‪Towfeekali@hotmail.com :‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫هــذا البحث يوضح ويبين كيف أن الســورة القرآنيــة ُتظهر عظمة اهلل من‬
‫خــال أفعاله‪ ،‬وما يجب على العباد من مقتضى العبودية‪ ،‬وأســلوب الســورة‬
‫القرآنية يف تقرير العظمة يف قلوب العباد؛ فلكل ســورة أسلوهبا الخاص يف بيان‬
‫العظمة وما يجب نحوها من العبودية‪.‬‬
‫تن��اول ه��ذا البح��ث‪ :‬المــراد بالتعظيــم‪ ،‬ومــا األلفــاظ المقاربة له‪،‬‬
‫ومفهــوم العبوديــة ومقتضاها‪ ،‬والمقصود باســم اهلل العظيــم وصفته العظمة‪،‬‬
‫وأثر الســورة القرآنية يف زيادة اإليمان بالعظمة اإللهية‪ ،‬ومقصد سورة الحاقة‪،‬‬
‫وأغراض سورة الحاقة‪ ،‬وآثار اسم اهلل العظيم وصفته العظمة يف سورة الحاقة‪،‬‬
‫وأفانين سورة الحاقة يف تقرير العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‪.‬‬
‫وكانت �أهم النتائج‪:‬‬
‫‪ -1‬لكل ســورة من سور القرآن أسلوهبا الخاص يف تعظيم اهلل ومقتضى‬
‫العبودية‪ ،‬من قصص‪ ،‬وأمثال‪ ،‬وأقســام‪ ،‬ومواعظ‪ ،‬وحــوارات‪ ،‬وآيات كونية‪،‬‬
‫وأسماء اهلل الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬والسنن اإللهية‪ ،‬وغير ذلك من األساليب‪.‬‬
‫‪ -2‬التناســق بيــن أفانيــن الســورة الواحــدة‪ ،‬يف تقريــر العظمــة اإللهية‪،‬‬
‫ومقتضى العبودية بالصورة التي تنير العقول وتغذي القلوب بالخشية‪.‬‬
‫وكان من �أهم التو�صيات‪:‬‬
‫القيام بدراســة علمية يف بيان القــرآن الكريم للتعظيم ومقتضاه‪ ،‬وجزائه‪،‬‬
‫وأسلوب ذلك على مستوى كل سورة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬بناء‪ -‬السورة‪ -‬العظمة‪ -‬العبودية‪.‬‬

‫‪221‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


Basing the Chapter of Al-Haqqah on the
Glorification of Allah (Exalted be He) and the
Requisites of Devotion
Prepared by

Dr. Tawfiq Ali Zabadi


and a faculty member at Makkah Institute for Qur’anic Studies

E-mail: Towfeekali@hotmail.com

Summary:

This research clarifies how the Qur’anic chapter demon-


strates the Greatness of Allah (Exalted be He) through His
actions and the requirements of devotion that devoted wor-
shippers must fulfill. It also shows how the Qur’anic chapter
inculcates Allah’s Greatness in the minds of His devoted
worshippers. Each chapter has its own style of highlighting
Greatness and the requisites of devotion.

This research deals with the meaning of glorification, the


related close terms, the concept of devotion and its
requirements, the meaning of Allah’s Name “the Magnifi-
cent” and the attribute “Greatness”, and the impact of the
Qur’anic chapter on enhanced faith in divine Greatness. It
also discusses the aims and objectives of the chapter of
Al-Haqqah, how Allah’s Name “the Magnificent” and His At-
tribute “Greatness” are portrayed in the same chapter and

223 ‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬


the techniques it uses to confirm divine Greatness and the
requirements of devotion.

Main Findings:

1- Each of the Qur’anic chapters has its own style of exalting


Allah and explaining the requirements of devotion, including
stories, parables, moral lessons, dialogues, cosmic wonders,
the Best Names of Allah (Exalted be He), His Supreme
Attributes, divine normative precedents, and so on.

2- There is significant consistency between the techniques


that each Qur’anic chapter uses to confirm divine Great-
ness and the requisites of devotion in a way that illumi-
nates minds and nourishes hearts with awe and reverence.

Primary Recommendations:

A scientific study should be conducted on how the Noble


Qur’an handles glorification, its requirements, and its rec-
ompense at the level of each chapter.

Key words: basing - chapter - Greatness –devotion.

....::::::::::....

‫ السنة الرابعة‬- ‫العدد الثامن‬ 224


‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫إن الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪،‬‬
‫ومــن ســيئات أعمالنا‪ ،‬من يهــده اهلل فال مضل لــه‪ ،‬ومن يضلل فــا هادي له‪،‬‬
‫وأشــهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شــريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله‪،‬‬
‫قال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫‪ ،]102‬وقــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬


‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [النســاء‪،]1 :‬‬
‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾ [األحزاب‪.]٧١ ،٧٠ :‬‬
‫�أما بعد‪،،‬‬
‫فإنَّه ال حياة للمســلم يف دينه إال بالقرآن‪ ،‬وال يوجد كتاب إلمام مجتهد‪،‬‬
‫وال لمصنــف مقلــد‪ ،‬يغنــي عن تدبــر كتاب اهلل؛ يف إشــعار القلــوب عظمة اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬وخشيته‪ ،‬وحبه‪ ،‬ورجاء رحمته‪ ،‬والخوف من عقابه‪.‬‬
‫ومعرفــة عظمته‪ -‬ســبحانه‪ -‬يف القــرآن من طريقيــن‪� :‬أحدهم��ا‪ :‬النظر يف‬
‫أفعالــه‪ ،‬والث��اين‪ :‬التفكــر يف آياته وتدبرهــا؛ فتلك آياته المشــهودة‪ ،‬وهذه آياته‬
‫المسموعة المعقولة‪.‬‬
‫﴿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ‬ ‫فالن��وع الأول‪ ،‬كقول��ه‪:‬‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬

‫‪225‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [البقــرة‪ ،]164 :‬وقولــه‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [آل عمران‪ ،]190 :‬وهو كثير يف القرآن‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬كقوله‪ ﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ [النســاء‪ ،]82 :‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪ ،]29 :‬وهو كثير ً‬
‫فأما المفعوالت؛ فإهنا دالة على األفعال‪ ،‬واألفعال دالة على الصفات؛ فإن‬
‫المفعول يدل على فاعل فعله وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه(((‪.‬‬
‫وق��د ع َّرفن��ا اهلل بعظمت��ه ‪ ‬م��ن خ�لال �أفعال��ه‪ :‬الدالة على إحســانه‬
‫لخلقه ورحمته هبم من إرســال الرســل وإنــزال الكتب معهم؛ ليبينــوا لعباده طريق‬
‫الحيــاة الطيبة‪ ،‬وما فيها‪ :‬من الرعاية والعناية والوالية بعباده المؤمنين يف الدنيا‪ ،‬وما‬
‫أعــد لهــم يف اآلخرة يف دار كرامته من النعيم الدائم‪ ،‬ومــا فيها‪ :‬من البطش واالنتقام‬
‫والعقوبة لغير المعظمين له ‪ ‬كما فعل بالقرى الظالمة يف الدنيا‪ ،‬وما أعده‬
‫لهم يف اليوم العظيم من أهوال ِعظام تتناسب مع ِعظم الكفر بالعظيم ‪.‬‬
‫وعلى قدر تعظيم اهلل يف القلوب؛ تكون الخشية والتذلل لعالم الغيوب‪.‬‬
‫ويف هذا البحث سوف أوضح وأبين كيف أن السورة القرآنية ُتظهر عظمة‬
‫اهلل من خالل مفعوالته‪ ،‬وما يجب على العباد من مقتضى العبودية؛ وأســلوب‬
‫السورة القرآنية يف تقرير العظمة يف قلوب العباد‪ ،‬فلكل سورة أسلوهبا الخاص‬
‫يف بيان العظمة وما يجب نحوها من الخشية‪.‬‬
‫وهذه العظمة ال يدركها �أحد من الب�شر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﴾‬
‫[األنعام‪ ،]103 :‬لكن يأيت هبا الموفقون على قدر طاقتهم البشرية‪.‬‬
‫ن�س�أل اهلل القبول احل�سن‬
‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم‪ .20 :‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪226‬‬


‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫تتحــدد مشــكلة البحــث يف إبــراز (بناء ســورة الحاقــة علــى تعظيم اهلل‬
‫ومقتضى العبودية)‪.‬‬
‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫تهدف الدرا�سة �إىل الك�شف عن (بناء �سورة احلاقة على تعظيم اهلل ومقت�ضى‬
‫العبودية)‪ .‬من خالل الإجابة عن الأ�سئلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ما المقصود بـ (بناء السورة القرآنية)؟‬
‫‪ -2‬ما المراد بالتعظيم‪ ،‬وما األلفاظ المقاربة للتعظيم؟‬
‫‪ -3‬ما مفهوم العبودية ومقتضاها؟‬
‫‪ -4‬ما المقصود باسمه العظيم وصفته العظمة؟‬
‫‪ -5‬ما أثر السورة القرآنية يف زيادة اإليمان بالعظمة اإللهية؟‬
‫‪ -6‬ما مقصد سورة الحاقة؟‬
‫‪ -7‬ما أغراض سورة الحاقة؟‬
‫‪ -8‬ما آثار اسم اهلل العظيم وصفته العظمة يف سورة الحاقة؟‬
‫‪ -9‬ما أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية؟‬
‫�أ�سباب اختيار املو�ضوع‪:‬‬
‫تحــدث جمع مــن العلماء والباحثيــن عن الوحدة الموضوعية للســورة‬
‫رئيســا‪ْ ،‬‬
‫وإن تعدَّ دت الموضوعات الفرعية‬ ‫وكيف أن الســورة تخدم موضو ًعا ً‬
‫فيهــا‪ ،‬لكنها عائدة إلــى موضوع واحد تأخــذ فيه آياته؛ بعضهــا برقاب بعض؛‬

‫‪227‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫لتحقيــق الموضــوع الرئيس‪ ،‬ولم يتطــرق أحد لموضوع (بناء الســور القرآنية‬
‫على العظمة اإللهية ومقتضى العبودية)؛ لذلك عزمت مســتعينًا باهلل إلبراز بناء‬
‫سورة الحاقة على التعظيم ومقتضى العبودية؛ كنموذج لهذا الموضوع‪.‬‬
‫�أهمية املو�ضوع‪:‬‬
‫‪ -1‬خدمة كتاب اهلل الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان إعجاز القرآن الكريم يف نظمه وبيان معانيه‪.‬‬
‫‪ -3‬إبــراز أنه كيف تُبنى الســورة القرآنية على العظمــة اإللهية ومقتضى‬
‫العبودية؟‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫نُوقِشــت رســائل علمية تناولت تعظيم اهلل مثل‪ :‬رســالة دكتوراه‪ ،‬بعنوان‬
‫(المنهــج القــرآين يف تعظيم اهلل تعالــى) قام هبا الباحث ســليمان عقاب مفضي‬
‫عمان‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫الزعبي‪ ،‬يف جامعة العلوم اإلسالمية العالمية‪َّ ،‬‬
‫ورســالة دكتــوراه أخرى بعنوان (عظمة اهلل تعالــى يف القرآن من خالل‬
‫اســم اهلل «الرب»)‪ ،‬قامت هبا الباحثة ســماح محمد عابــد المولد‪ ،‬جامعة أم‬
‫القرى‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫ومن الرســائل التي نوقشــت يف ســورة الحاقة رســالة ماجســتير بعنوان‬
‫(المضامين الرتبوية المستنبطة من سورة الحاقة وتطبيقاهتا يف الواقع المعاصر)‪،‬‬
‫قام هبا الباحث عبد الرحمن بن عابد بن حسن الشنربي‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم‬
‫الرتبية اإلسالمية‪1436 ،‬هـ‪.‬‬
‫وهذه الرسائل لم تتعرض لموضوع بحثنا‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪228‬‬


‫منهج البحث‪:‬‬
‫تقتضي طبيعة البحث تعــدد المناهج‪ ،‬ولذلك فإن الباحث جمع يف هذه‬
‫الدراسة بين االستقراء والتحليل للنصوص‪.‬‬
‫�أم��ا املنه��ج اال�س��تقرائي‪ :‬ففــي تتبــع اآليــات القرآنية يف الســورة المتعلقة‬
‫بموضوع البحث‪.‬‬
‫واملنه��ج التحليل��ي‪ :‬وذلك بتحليل النصوص المســتقرأة‪ ،‬والوقوف على‬
‫المعاين الدقيقة التي تحتملها ولها عالقة وثيقة بموضوع البحث‪.‬‬
‫وكانت خطة البحث على النحو التايل‪:‬‬
‫المقدمة‪ ،‬وتحدثت فيها عن مشــكلة البحث‪ ،‬وأهداف البحث‪ ،‬وأسباب‬
‫اختيار الموضوع‪ ،‬وأهمية الموضوع‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪.‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬مبحث متهيدي‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف بمصطلحات البحث‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العظيم من أسماء اهلل تعالى والعظمة من صفاته‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعظيم اهلل على قدر ِ‬
‫الع ْلم به‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬بناء الســورة القرآنيــة على التعريف بعظمــة اهلل المقتضية‬
‫شدة خشيته‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬أثر السورة القرآنية يف زيادة اإليمان بالعظمة اإللهية‪.‬‬
‫املطل��ب ال�ساد���س‪ :‬داللــة فواتــح الســور وخواتيمهــا‪ ،‬وفواتــح الكتاب‬
‫وخواتيمه على التعريف باهلل وبيان عظمته ومقتضى العبودية‪.‬‬

‫‪229‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املبح��ث الث��اين‪� :‬س��ورة احلاق��ة درا�س��ة تطبيقي��ة على بي��ان مظاهر‬
‫العظمة الإلهية ومقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬عظمة اهلل يف اليوم العظيم‪.‬‬
‫املطلب الث��اين‪ :‬عظمــة اهلل يف إهــاك المكذبين باليــوم العظيــم وإنجائه‬
‫المعظمين له‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬عظمة اهلل يف مشاهد القيامة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ثواب المعظمين هلل يوم القيامة‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬عقاب من ال يرجون هلل عظمة يوم القيامة‪.‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪ :‬ال َق َسم العظيم وداللته على التعظيم‪.‬‬
‫املطلب ال�سابع‪ :‬التهديد العظيم للمت ِّقول على العظيم‪.‬‬
‫املطل��ب الثامن‪ :‬الندامــة العظيمــة للمكذب بالقــرآن العظيــم‪ ،‬ومقتضى‬
‫العبودية للعظمة اإللهية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪� :‬أفانني ال�سورة يف تقرير العظمة الإلهية‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬األساليب‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الوسائل‪.‬‬
‫اخلامتة و�أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬
‫الفهار�س‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪230‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫املبحث األول‬
‫مبحث متهيدي‬
‫املطلب الأول‪ :‬التعريف مب�صطلحات البحث‪.‬‬
‫بناء‪:‬‬
‫َــي) الباء والنون والياء أصل واحد‪ ،‬وهو بناء الشــيء بضم بعضه إلى‬
‫( َبن َ‬
‫بعض‪ .‬تقول‪ :‬بنيت البناء‪ ،‬أبنيه(((‪.‬‬
‫ال�سو َر ُة‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ــور ُة‬
‫وس َ‬ ‫ــور المدينــة‪ :‬حائطها المشــتمل عليها‪ُ ،‬‬
‫وس ُ‬
‫المنزلــة الرفيعة‪ُ ،‬‬
‫تشــبيها هبا؛ لكونه محا ًطا هبا إحاطة ُّ‬
‫الســور بالمدينة‪ ،‬أو لكوهنا منزلة‬ ‫ً‬ ‫القرآن‬
‫كمنازل القمر(((‪.‬‬
‫فكل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفيعة ومنزل ٍ‬
‫عال يرتفع القارئ منها‬
‫إلى درجة أخرى ومنزل آخر إلى أن يستكمل القرآن(((‪.‬‬
‫وا�صطالح��ا‪ :‬قرآن يشــتمل على ٍ‬
‫آي‪ ،‬ذي فاتحة وخاتمــة‪ ،‬وأقلها ثالث‬ ‫ً‬
‫آيات(((‪.‬‬
‫التعظيم لغة‪:‬‬
‫َع َظ َم‪:‬‬
‫يح َيــدُ ُّل َع َلى كِ َب ٍر َو ُق َّو ٍة‪َ .‬فا ْل ِع َظ ُم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َأ ْص ٌل َواحدٌ َصح ٌ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َع ْيــ ُن َوال َّظا ُء َوا ْلم ُ‬
‫((( معجم مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.)302 /1( :‬‬
‫((( مفردات غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاين‪.)434( :‬‬
‫((( الكليات‪ ،‬للكفوي‪.)494( ،‬‬
‫((( الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي‪( ،‬ص‪.)41‬‬

‫‪231‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الشي ِء ا ْل َعظِ ِ‬
‫يم(((‪.‬‬ ‫َم ْصدَ ُر َّ ْ‬
‫يم‪ ،‬و ُيســ ِّبح العبدُ َر َّبه َف َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫والعظي��م‪ :‬م ْن صفات اهَّلل ‪ ۵‬العل ُّي ال َعظ ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حدود ال ُعقول‬ ‫وجــل َع ْن‬ ‫يم‪ :‬ا َّلذي َ‬
‫جاو َز قدْ ُر ُه‬ ‫ان َر ِّبي ا ْل َعظيــمِ)؛ وال َعظ ُ‬ ‫(ســ ْب َح َ‬
‫ُ‬
‫اإلحاط ُة بِ ُكن ِْهه وح ِق ِ‬
‫يقته(((‪.‬‬ ‫َحتَّى َل ُتت ََص َّور ِ‬
‫َ‬
‫يم)‪ :‬ال َّت ْب ِ‬
‫ج ُيل(((‪.‬‬ ‫َو(ال َّت ْع ِظ ُ‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫التعظيم‬
‫التعظيم‪ :‬معرفة العظمة‪ ،‬مع التذلل لها(((‪.‬‬
‫الألفاظ املقاربة للتعظيم‪:‬‬
‫‪ -1‬الت�سبِيح‪:‬‬
‫ِ‬
‫السوء(((‪.‬‬ ‫الت�س ِبيح‪ :‬تعظِيم اهلل وتنزيهه عن‬
‫ِّ‬
‫وصل‪.‬‬ ‫قال ‪ ﴿ :۵‬ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [آل عمران‪]41 :‬؛ أي‪:‬‬
‫قيل �س � َّبح‪ :‬ص َّلى‪ ،‬ويقال‪ :‬فرغت من ُســبحتي‪ ،‬من صاليت‪ .‬وإنما ســميت‬
‫يوحد اهلل‬ ‫ِ‬
‫فالصالة َّ‬
‫تســبيحا؛ ألن التســبيح تعظيم اهلل وتربئته من الســوء؛ َّ‬
‫ً‬ ‫الصالة‬
‫السبحة(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فيها ويحمد‪ ،‬ويوصف بكل ما يربئه من السوء؛ فلذلك ُس ِّميت الصالة ُّ‬
‫‪ -2‬ال َق ْدر‪:‬‬
‫قــال ‪ ﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ [األنعــام‪]91 :‬؛ أي‪ :‬مــا عرفــوا اهَّلل حــق‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.355 /4 :‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.409 /12 :‬‬
‫((( مختار الصحاح‪ ،‬ألبي بكر الرازي‪( ،212 :‬ع ظ م)‪.‬‬
‫((( مدارج السالكين‪ ،‬البن القيم‪.464 /2 :‬‬
‫((( معاين القرآن‪ ،‬للزجاج‪.22 /5 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.409 /1 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪232‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫معرفته‪ ،‬أو ما ع َّظموه حق عظمته ما يحتمل وسع الخلق(((‪.‬‬


‫‪ -3‬التكبري‪:‬‬
‫ِب‪ :‬ا ْل َع َظ َمةُ‪َ ،‬وك ََذل ِ َك ا ْلكِ ْب ِر َيا ُء(((‪.‬‬
‫ا ْلك ْ ُ‬
‫قــال ‪ ﴿ :۵‬ﯓﯔ ﴾ [المدثــر‪]3 :‬؛ أي‪ :‬ع ِّظــم‪ ،‬وتعظيمــه‪ :‬أن يجيبه فيما‬
‫دعــاه إليه‪ ،‬ويطيعه فيما أمره‪ ،‬وأن يتحمل ما ألزمه عمله‪ ،‬فذلك هو تعظيمه(((‪،‬‬
‫تعظيما شــديدً ا‪ ،‬ويظهر‬
‫ً‬ ‫وقــال تعالــى‪ ﴿ :‬ﯘﯙ﴾ [اإلســراء‪]111 :‬؛ أي‪ :‬ع ِّظمه‬
‫تعظيم اهلل يف شــدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب هنيه‪ ،‬والمســارعة إلى‬
‫كل ما يرضيه(((‪.‬‬
‫والف��رق ب�ين الكربي��اء والعظم��ة‪ :‬أن الكبريــاء متعلــق بالــذات‪ ،‬والعظمة‬
‫بالصفات(((‪.‬‬
‫تجاوز القدر عن‬
‫وقيل‪ :‬الكبرياء‪ :‬الترفع والتنزه عن كل نقص‪ ،‬والعظمة‪ُ :‬‬
‫اإلحاطة(((‪.‬‬
‫‪ -4‬الوقار‪:‬‬
‫والوقِ ُير‪:‬‬ ‫ــار و ُمت ََو ِّق ٌ‬
‫ــر‪َ .‬‬ ‫وو َق ٌ‬ ‫والحلــم‪ .‬يقال‪ :‬هــو َو ُق ٌ‬
‫ور‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ــكون‬‫الس‬
‫ال َوق��ا ُر‪ُّ :‬‬
‫كأن فيها َو َق ًارا لكثرهتا وبطء سيرها(((‪.‬‬ ‫العظيم من الضأن‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫القطيع‬
‫ُ‬
‫((( تأويالت أهل السنة‪ ،‬ألبي منصور الماتريدي‪.708 /8 :‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.154 /5 :‬‬
‫((( تأويالت أهل السنة‪ ،‬ألبي منصور الماتريدي‪.300 /10 :‬‬
‫((( أضواء البيان‪ ،‬للشنقيطي‪.190 /3 :‬‬
‫((( شــرح مسند أبي حنيفة‪ :‬أبو الحسن نور الدين المال الهروي القاري‪ :‬ت‪ :‬الشيخ خليل محيي الدين‬
‫الميس‪.568 /1 :‬‬
‫((( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬للقاري‪.909 /3 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب األصفهاين‪.880 :‬‬

‫‪233‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫والوقار‪ :‬العظمة المقتضية لإلجالل(((‪.‬‬
‫قــال ‪ ﴿ :‬ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﴾ [نــوح‪ ،]13 :‬عن ابن عباس ﭭ‬
‫قال‪ :‬ما لكم ال تعظمون اهلل حق عظمته(((؛ أي‪ :‬ال تخافون من بأسه ونقمته‪.‬‬
‫‪ -5‬تبارك‪:‬‬
‫برك‪:‬‬
‫الب َك ُة‪ :‬ثبوت الخير اإللهي يف الشيء(((‪.‬‬
‫ََ‬
‫جيدٌ َو َت ْجلِ ٌيل(((‪.‬‬
‫﴿ ﮣ ﮤ ﴾ [األعراف‪َ ،]54 :‬تم ِ‬
‫ْ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ [الملك‪.]1 :‬‬
‫تبارك‪ :‬تعا َظم وتعالى(((‪.‬‬
‫‪ -6‬اجلد‪:‬‬
‫َجد‪:‬‬
‫جل��دُّ ‪ :‬قطع األرض المســتوية‪ ،‬ومنه‪َ :‬جدَّ يف ســيره َي ِ‬
‫جــدُّ َجدًّ ا‪ ،‬وكذلك‬ ‫ا َ‬
‫َجدَّ يف أمره و َأ َجدَّ ‪ :‬صار ذا ِجدٍّ ‪ ...‬وســمي الفيض اإللهي َجدًّ ا‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﴾ [الجــن‪]3 :‬؛ أي‪ :‬فيضــه‪ ،‬وقيــل‪ :‬عظمتــه‪ ،‬وإضافته إليه على ســبيل‬
‫اختصاصه بملكه(((‪.‬‬
‫جلدُّ ‪ :‬العظمة والجالل(((‪.‬‬
‫ا َ‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.199 /29 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.233 /8 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.119 :‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.231 /1 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.505 /23 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.188 :‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.222 /29 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪234‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫ق��ال تعاىل‪ :‬يف ســياق تعظيم الجــن هلل‪ ﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫ﭲ ﴾ [الجن‪.]3 :‬‬
‫وق��ال اجل��ن ذل��ك؛ تمهيــدً ا وتوطئــ ًة لقولــه‪ ﴿ :‬ﭮﭯ ﭰ ﭱﭲ ﴾؛ ألن‬
‫اتخاذ الصاحبة لالفتقار إليها ألنسها وعوهنا وااللتذاذ بصحبتها‪ ،‬وكل ذلك من‬
‫آثــار االحتياج‪ ،‬واهلل تعالى الغني المطلق‪ ،‬وتعالى جــده بغناه المطلق‪ ،‬والولد‬
‫يرغب فيه لالســتعانة واألنس به‪ ،‬مع ما يقتضيه من انفصاله من أجزاء والديه؛‬
‫وكل ذلك من االفتقار واالنتقاص(((‪.‬‬
‫‪ -7‬العبودية‪:‬‬
‫أبلغ منها؛ ألهنا غاية التَّذ ُّلل‪،‬‬ ‫ال ُع ُبو ِد َّي��ة يف اللغ � ُة‪ :‬إظهار التَّذ ُّلل‪ِ ،‬‬
‫والع َبــا َد ُة ُ‬
‫وال يســتح ُّقها إال من له غاية اإلفضال‪ ،‬وهو اهلل تعالى‪ ،‬ولهذا قال‪ ﴿ :‬ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ﴾ [اإلسراء‪.(((]23 :‬‬
‫حب ُه اهلل ويرضاه من ْالَ ْق َوال‬ ‫وا ْل ِع َبادَة يف اال�صطالح‪ :‬اســم جامع لكل ما ي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الص َيــام‪َ ،‬وا ْلحج‪َ ،‬وصدق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزكَاة‪َ ،‬و ِّ‬‫ــاة‪َ ،‬و َّ‬ ‫الص َ‬ ‫واألعمــال ا ْل َباطنَــة َوال َّظاه َرة؛ َف َّ‬
‫وبر ا ْل َوالِدين‪ ،‬وص َلة ْالَ ْر َحام‪َ ،‬وا ْل َو َفاء بالعهود‪َ ،‬و ْالَمر‬ ‫ِ‬
‫الحديث‪َ ،‬و َأ َداء ْالَ َمانَة‪ُّ ،‬‬ ‫َ‬
‫جهاد ل ْلك َّفار َوا ْلمنَافِ ِقي َن‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫ال ْح َسان ل ْل َجار‬ ‫ِ‬
‫بِا ْل َم ْع ُروف َوالن َّْهي َعن ا ْل ُمنكر‪َ ،‬وا ْل َ‬
‫ُ‬
‫الســبِيل والمملوك مــن ْال َدمِ ِّيين والبهائــم‪َ ،‬والدُّ َعاء‬ ‫واليتيم والمســكين َوا ْبن َّ‬
‫الذكر َوا ْل ِق َرا َءة‪ ،‬وأمثال َذلِك من ا ْل ِع َبا َدة(((‪.‬‬ ‫َو ِّ‬
‫مقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫لكل صفة من صفات اهلل عبودي ٌة خاصة هي موجبات العلم هبا والتحقق‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.222 /29 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.542 :‬‬
‫((( العبودية‪ ،‬البن تيمية‪.44 :‬‬

‫‪235‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫بمعرفتها‪ ،‬وهذا م َّطرد يف جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح(((‪.‬‬
‫فالعبودية تقوم على العلم بالصفة اإللهية والتحقق بها‪.‬‬
‫فعبودية التعظيم‪:‬‬
‫وع ِّزه؛ ُت ْث ِمر لــه عبودية قلبية هي‪:‬‬
‫ه��ي‪ :‬معرفــة العبد بجــال اهلل وعظمته ِ‬
‫الخضوع‪ ،‬واالســتكانة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬و ُت ْث ِمر َله تِ ْل َك العبوديــة القلبية ُعب ِ‬
‫ود َّية على‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الجوارح والتي من أمثلتها‪:‬‬
‫وذل؛ ألنــه َو ْضع النواصي بين يدي‬
‫‪ -1‬يف احل��ج‪ :‬حلــق الرأس‪ :‬خضو ًعا ًّ‬
‫ً‬
‫وتذلل لعزته‪ ،‬وهو من أبلغ أنواع العبودية‪.‬‬ ‫رهبا خضو ًعا لعظمته‪،‬‬
‫‪ -2‬يف ال�ص�لاة‪ :‬ركن الركوع‪ ،‬يقول ابن القيم ‪ $‬واص ًفا حالة المصلي‬
‫ً‬
‫وتذلــا لعزته‪،‬‬ ‫يف الركــوع‪ ..." :‬ثــم يرجــع جاث ًيا له ظهــره‪ ،‬خضو ًعا لعظمته‪،‬‬
‫فنزه عظمته عن حال العبد‬
‫مسبحا له بذكر اســمه العظيم؛ َّ‬
‫ً‬ ‫واســتكانة لجربوته‪،‬‬
‫و ُذله وخضوعه‪ ،‬وقا َبل تلك العظمة هبذا الذل واالنحناء والخضوع‪ ،‬قد َتطامن‬
‫وطأطأ رأســه وطوى ظهره‪ ،‬ور ُّبه فوقه يرى خضوعه وذله ويسمع كالمه؛ فهو‬
‫ِ ِ‬
‫ُوع َف َع ِّظ ُموا فيه َّ‬
‫الر َّب ‪.(((»۵‬‬ ‫ركن تعظيم وإجالل ‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬ف َأ َّما ُّ‬
‫الرك ُ‬ ‫(((‬

‫ويف كلتا العبادتين وضــع العبدُ ناصيته بين يدي مواله خضو ًعا لعظمته‪،‬‬
‫وافتقارا إلى عصمتــه ورحمته؛ ألن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتذلل لهيبتــه‪،‬‬ ‫واســتكانة لعزته‪ ،‬وخشــية‬
‫المناســك والصلــوات هما المختصتــان بعبــادة اهلل والخضوع لــه والتواضع‬
‫لعظمته‪ ،‬وقد جمع اهلل بينهما يف قوله على لســان الخليل ڠ‪ ﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ‬

‫((( مفتاح دار السعادة‪ ،‬البن القيم‪.)92 /2( :‬‬


‫((( شفاء العليل‪ ،‬البن القيم‪.118 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُجود (‪ ،)479‬والحديث‬ ‫اب الن َّْه ِي َع ْن ق َرا َءة ا ْل ُق ْرآن في ُّ‬
‫الركُو ِع َو ُّ‬ ‫((( صحيح مسلم‪ :‬كتاب الصالة‪َ :‬ب ُ‬
‫رواه ابن عباس ﭭ‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪236‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫ــر ‪ ‬خاتــم‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ [األنعــام‪ ،]162 :‬وأ َم َ‬


‫المرسلين باإلتيان هبما فقال‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﴾ [الكوثر‪.]2 :‬‬
‫فاتحا واض ًعا رأســه منحن ًيا‬
‫ومن تعظيمه ﷺ لربه‪ :‬دخوله مكة المكرمة ً‬
‫على فرســه‪ ،‬حتى إن ذقنه تكاد تمس ســرجه تواض ًعا لربــه وخضو ًعا لعظمته‪،‬‬
‫أحل له حرمه وبلده‪ ،‬ولم يحل ألحد قبله وال ألحد بعده‪،‬‬ ‫واستكانة لعزته؛ أن َّ‬
‫ــي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«ح َّر َم اهَّللُ َم َّك َة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫روى البخاري بســنده عن ا ْبن َع َّباس ﭭ‪َ ،‬عن النَّب ِّ‬
‫ار‪ ،‬الَ ُيخْ َت َلى‬ ‫ــن ن ََه ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َح َّل ِلَح ٍد َقب ِلي‪ ،‬والَ ِلَح ٍد بع ِدي‪ُ ،‬أ ِح َّل ْ ِ‬ ‫َف َلــم ت ِ‬
‫ت لي َســا َع ًة م ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َخال ََها َوالَ ُي ْع َضدُ َش َج ُر َها‪َ ،‬والَ ُينَ َّف ُر َص ْيدُ َها‪َ ،‬والَ ُت ْل َت َق ُط ُل َق َطت َُها إِ َّل ل ُم َع ِّرف»(((‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العظيم من �أ�سماء اهلل تعاىل والعظمة من �صفاته‪.‬‬
‫العظي��م‪ :‬مــن أســماء الجالل‪ ،‬وهــي‪ :‬العظيم‪ ،‬القديــر‪ ،‬القــوي‪ ،‬المتين‪ ،‬ذو‬
‫الجالل‪ ،‬الجليل‪ ،‬وهي األسماء التي توحي بعظمة اهلل تبارك وتعالى وبالخشية منه‪.‬‬
‫وق��د ورد ا�س��مه العظي��م يف الق��ر�آن‪ ،‬ق��ال تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [البقرة‪:‬‬

‫‪ ،]255‬والعلي‪ :‬ذو العلو واالرتفاع على خلقه بقدرته‪ ،‬و"العظيم"‪ :‬ذو العظمة‪،‬‬
‫الذي كل شيء دونه‪ ،‬فال شيء أعظم منه(((‪.‬‬
‫وقال تعالــى‪ ﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [الواقعة‪ ،]74 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [الحاقة‪.]33 :‬‬
‫والعظيم‪ :‬ذو العظمة والجالل يف ُم ْلكِه وسلطانه ‪.((( ۵‬‬
‫قال ال�س��عدي ‪" :$‬العظيم‪ :‬الجامع؛ فجميع صفات العظمة والكربياء‬
‫والمجــد والبهاء الذي تحبه القلوب‪ ،‬وتعظمــه األرواح‪ ،‬ويعرف العارفون أن‬

‫اب‪َ :‬ال ُينَ َّف ُر َص ْيدُ َ‬


‫الح َرمِ‪.)1833( ،‬‬ ‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب جزاء الصيد‪َ :‬ب ٌ‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.405 /5 :‬‬
‫((( اشتقاق أسماء اهلل‪ ،‬ألبي القاسم الزجاجي‪.111 :‬‬

‫‪237‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫عظمة كل شــيء‪ ،‬وإن ج َّلت يف الصفة؛ فإهنا مضمحلــة يف جانب عظمة العلي‬
‫العظيم"(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ $‬يف نونيته(((‪:‬‬
‫ظـــــــيم ال ُيحصيــــــه من إنســــــان‬ ‫وهو العظيم بكل معنى يوجب التعــــ‬
‫واهلل تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم‪ ،‬فال يقدر مخلوق‬
‫أن ُيثنِــي عليــه كما ينبغي لــه وال ُيحصي ثناء عليه‪ ،‬بل هو كما أثنى على نفســه‬
‫وفوق ما ُيثني عليه عباده‪.‬‬
‫ومعاين التعظيم الثابتة هلل وحده نوعان‪:‬‬
‫‪� ‬أحدهما‪ :‬أنه موصوف بكل صفة كمال‪ ،‬وله من ذلك الكمال أكمله‪،‬‬
‫وأعظمه وأوســعه‪ ،‬فله العلم المحيط‪ ،‬والقدرة النافــذة‪ ،‬والكربياء‪ ،‬والعظمة‪،‬‬
‫كــف الرحمن أصغر مــن الخردلة‪،‬‬
‫ومــن عظمتــه أن الســماوات واألرض يف ِّ‬
‫كمــا قال ذلك ابن عباس((( وغيره‪ ،‬وقــال تعالى‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﴾ [الزمر‪ ،]67 :‬وقال‪ ﴿ :‬ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [فاطر‪.]41 :‬‬
‫﴿ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬ ‫وق��ال تع��اىل‪:‬‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ [الشورى‪.]5 :‬‬
‫‪ ‬الن��وع الثاين‪ :‬من معــاين عظمته تعالى أنه ال يســتحق أحد من الخلق‬
‫أن ُيع َّظــم كما ُيع َّظم اهلل؛ فيســتحق جــل جالله من عبــاده أن ُيع ِّظموه بقلوهبم‪،‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬الشيخ عبد الرحمن السعدي‪.)315 /1( :‬‬
‫((( متن القصيدة النونية‪ ،‬البن القيم‪.)214 /2( :‬‬
‫((( أخرجه أبو الشيخ يف العظمة (‪ ،)445 /2‬وأورده السيوطي يف الدر (‪ ،)248 /7‬وعزاه إلى عبد ابن‬
‫حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪238‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫وألســنتهم‪ ،‬وجوارحهــم؛ وذلك ببذل الجهــد يف معرفته‪ ،‬ومحبتــه‪ ،‬والذل له‪،‬‬


‫واالنكســار له‪ ،‬والخضوع لكربيائه‪ ،‬والخوف منه وإعمال اللسان بالثناء عليه‪،‬‬
‫وقيــام الجوارح بشــكره وعبوديته‪ .‬ومن تعظيمــه أن ُيتَّقى حق تقاته؛ فيطاع فال‬
‫حرمه‬
‫يعصــى‪ ،‬و ُيذكر فال ُينســى‪ ،‬و ُيشــكر فال ُيكفر‪ .‬ومــن تعظيمه تعظيــم ما َّ‬
‫وشــرعه من زمــان ومــكان وأعمــال‪ ﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﴾ [الحــج‪ ،]32 :‬وقــال‪ ﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﴾‬
‫[الحج‪ .]30 :‬ومن تعظيمه‪َّ :‬أل يعرتض على شيء مما خلقه أو شرعه(((‪.‬‬
‫عظيم يف كل شيء‪ ،‬عظيم يف ذاته‪ ،‬ويف أسمائه وصفاته‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فهو ‪‬‬
‫عظيم يف رحمته‪ ،‬عظيم يف قدرته‪ ،‬عظيم يف حكمته‪ ،‬عظيم يف جربوته وكربيائه‪،‬‬
‫عظيم يف هبته وعطائه‪ ،‬عظيم يف لطفه وخربته‪ ،‬عظيم يف بره وإحسانه‪ ،‬عظيم يف‬
‫عظيم يدانيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫عزته وعدله وحمده‪ ،‬فهو العظيم المطلق‪ ،‬فال أحد يساويه‪ ،‬وال‬
‫ومن قواعد التعظيم‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يثنــي العبــدُ عليه كما أثنى هو ‪ ۵‬على نفســه‪ ،‬وكمــا أثنى عليه‬
‫ــت‪َ :‬ف َقدْ ُت‬ ‫رســوله ﷺ‪ ،‬روى مســلم بســنده ع ْن َأبِــي ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ع ْن َعائِ َشــةَ‪َ ،‬قا َل ْ‬
‫ــن َقدَ َم ْي ِه َو ُه َو‬ ‫ــول اهللِ ﷺ َل ْي َلــ ًة مِ َن ا ْل ِف َر ِ‬
‫اش َفا ْلت ََم ْســ ُت ُه َف َو َق َع ْت َي ِدي َع َلى َب ْط ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ْت ك ََما‬ ‫ك َأن َ‬ ‫ــول‪َ ...« :‬ل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬ ‫ــج ِد و ُهما منْصوبت ِ‬
‫َان َو ُه َو َي ُق ُ‬ ‫في ا ْل َم ْس ِ َ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫ت َع َلى َن ْف ِس َ‬‫َأ ْثنَ ْي َ‬
‫‪ -2‬أن تعظيم اهلل ال يحيط به أحد‪ ،‬فالتكليف بالتعظيم حسب الطاقة البشرية‪.‬‬
‫‪ -3‬تعظيم ما ع َّظمه ‪ ۵‬من زمان ومكان وأعمال‪ ،‬وشعائر‪ ،‬وشرائع‪.‬‬
‫((( الحق الواضح المبين‪ ،‬عبد الرحمن الســعدي‪( :‬ص‪ )28 ،27‬وانظر‪ :‬الكافية الشــافية‪ ،‬أبو عبد اهلل؛‬
‫محمد بن عبد اهلل بن مالك الطائي الجياين‪( :‬ص‪.)117‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُجود‪.)486( ،‬‬ ‫اب‪َ :‬ما ُي َق ُال في ُّ‬
‫الركُو ِع َو ُّ‬ ‫((( صحيح مسلم‪ :‬كتاب الصالة‪َ :‬ب ُ‬

‫‪239‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وتسليما‪ ،‬وبالجوارح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتذلل‬ ‫‪ -4‬التعظيم باللسان ثنا ًء‪ ،‬وبالقلب خضو ًعا‬
‫وانكسارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫امتثال‬
‫‪ -5‬على قدر العلم باهلل ‪ ۵‬يكون تعظيمه والخشية منه‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تعظيم اهلل على قدر ال ِع ْلم به‪.‬‬
‫عل��ى ق��در عِ ل��م العب��د برب��ه ومعرفت��ه به؛ يك��ون تعظيمه ل��ه‪ ،‬وخ�ش��يته منه‪،‬‬
‫قــال تعالى يف اآلية التي َقرنت بين العلم بقدرة اهلل وعظمته وبين الخشــية منه‪:‬‬
‫﴿ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾ [فاطر‪.]28 :‬‬
‫�أي‪ :‬إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ ألنه كلما كانت المعرفة‬
‫للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت باألسماء الحسنى‪-‬‬
‫كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل‪ ،‬وكانت الخشية له أعظم وأكثر(((‪.‬‬
‫وامل��راد بالعلم��اء يف الآي��ة‪ :‬العلماء باهلل وبالشــريعة‪ ،‬وعلى حســب مقدار‬
‫العلــم يف ذلك؛ َت ْق َوى الخشــيةُ‪ ،‬فأما العلماء بعلــو ٍم ال تتعلق بمعرفة اهلل وثوابه‬
‫بمقربة لهم من خشــية اهلل‪ ،‬ذلك؛‬
‫وعقابه معرفة على وجهها؛ فليســت علومهم ِّ‬
‫ألن العالم بالشريعة ال تلتبس عليه حقائق األسماء الشرعية‪ ،‬فهو يفهم مواقعها‬
‫حق الفهم‪ ،‬ويرعاها يف مواقعها‪ ،‬ويعلم عواقبها من خير أو شر‪ ،‬فهو يأيت ويدع‬
‫من األعمال ما فيه مراد اهلل ومقصد شرعه(((‪.‬‬
‫وي�س��تدل م��ن الآي��ة عل��ى �أن��ه‪ :‬إنمــا ُي َع ِّظــم اهلل ‪ُ ۵‬‬
‫وي َب ِّجلــه حــق التعظيم‬
‫والتبجيل العلما ُء العافون به‪.‬‬

‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬ت‪ :‬سالمة‪.545 /6 :‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.305 /22 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪240‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫و�سادة العلماء املعظمون لربهم الأنبياء الكرام‪ ،‬وأعظمهم معرفة باهلل النبي‬
‫وق‪َ :‬قا َل ْت َعائِ َشةُ‪ :‬صنَع النَّبِي ﷺ َشي ًئا َفر َّخص فِ ِ‬
‫يه‪َ ،‬ف َتن ََّز َه‬ ‫محمد ﷺ‪َ ،‬ع ْن مسر ٍ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫«ما َب ُال َأ ْق َوا ٍم َي َتنَز َُّه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‬ ‫اهَّلل ُث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫ب َف َحمدَ َ‬ ‫َعنْ ُه َق ْو ٌم‪َ ،‬ف َب َل َغ َذل َك النَّبِ َّي ﷺ‪َ ،‬ف َخ َط َ‬
‫الش ْي ِء َأ ْصنَ ُع ُه‪َ ،‬ف َواهَّلل ِ إِنِّي َلَ ْع َل ُم ُه ْم بِاهَّللِ‪َ ،‬و َأ َشدُّ ُه ْم َل ُه َخ ْش َيةً»(((‪.‬‬
‫َع ِن َّ‬
‫ق��ال الن��ووي ‪" :$‬وإنمــا يكون القرب إليه ‪ ‬والخشــية له؛‬
‫على حسب َما َأ َم َر"(((‪.‬‬
‫فعلى قدر تعظيم العبد هلل ســبحانه؛ يكــون تعظيمه ألمره ونهيه‪ ،‬وتعظيم‬
‫دليل على تعظيم اآلمر‪ ،‬وتعظيم اآلمر سبب لخشيته‪.‬‬ ‫األمر ٌ‬
‫ق��ال �س��فيان الث��وري‪ ،‬ع��ن �أب��ي حي��ان التميم��ي‪ ،‬ع��ن رج��لٍ ق��ال‪ :‬كان يقــال‪:‬‬
‫وعالم‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بعالم بأمر اهلل‪،‬‬ ‫وعالم باهلل ليس‬
‫ٌ‬ ‫عالــم بأمر اهلل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عالم باهلل‬
‫العلمــاء ثالثة‪ٌ :‬‬
‫ٍ‬
‫بعالم باهلل‪ .‬فالعالم باهلل وبأمر اهلل‪ :‬الذي يخشى اهلل ويعلم الحدود‬ ‫بأمر اهلل ليس‬
‫والفرائض‪ .‬والعالم باهلل ليس بعالم بأمر اهلل‪ :‬الذي يخشى اهلل وال يعلم الحدود‬
‫وال الفرائض‪ .‬والعالم بأمر اهلل ليس بعالم باهلل‪ :‬الذي يعلم الحدود والفرائض‪،‬‬
‫وال يخشى اهلل ‪.((( ۵‬‬
‫وقال �شيخ اال�سالم ابن تيمية ‪ $‬كما نقل عنه ابن القيم يف تعظيم الأمر‬
‫برتخص جاف‪ ،‬وال ُيعرضا لتشديد ٍ‬
‫غال‪ ،‬وال يحمال‬ ‫عارضا ُّ‬
‫َّ‬ ‫والنهي‪ :‬هو أن ال ُي َ‬
‫على علة توهن االنقياد(((‪.‬‬

‫العت ِ‬
‫َــاب‪،)6101( ،‬‬ ‫ــه النَّاس بِ ِ‬
‫اج ِ‬‫ــاب م ْن َلم ُي َو ِ‬
‫َ‬ ‫((( رواه الشــيخان‪ :‬أخرجــه البخــاري‪ :‬كتاب األدب‪َ :‬ب ُ َ ْ‬
‫وأخرجه مسلم يف الفضائل باب علمه ﷺ باهلل تعالى وشدة خشيته رقم ‪.2356‬‬
‫((( المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي‪.107 /15 :‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬ت‪ :‬سالمة‪.545 /6 :‬‬
‫((( الوابل الصيب‪ ،‬البن القيم‪.10 :‬‬

‫‪241‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وعالم��ة التعظي��م للأوام��ر‪ :‬رعايــة أوقاهتــا وحدودهــا والتفتيــش على‬
‫أركاهنــا وواجباهتــا وكمالهــا‪ ،‬والحرص علــى تح ُّينها يف أوقاهتا‪ ،‬والمســارعة‬
‫إليها عند وجوهبا‪ ،‬والحزن والكآبة واألسف عند فوت حق من حقوقها‪ ،‬كمن‬
‫يحــزن على فــوت الجماعة ويعلم أنه تقبلــت منه صالته منفــر ًدا؛ فإنه قد فاته‬
‫سبعة وعشرون ضع ًفا(((‪.‬‬
‫و�أما عالمات تعظيم املناهي‪ :‬فالحرص على التباعد من مظاهنا وأســباهبا‬
‫وما يدعو إليها‪ ،‬ومجانبة كل وســيلة تقرب منها‪ ،‬كمن يهرب من األماكن التي‬
‫فيها الصور التي تقع هبا الفتنة خشية االفتتان هبا‪.‬‬
‫حذرا مما به بأس‪ ،‬وأن يجانب الفضول من المباحثات‬
‫وأن يدع ما ال بأس به ً‬
‫خشــية الوقوع يف المكروه‪ ،‬ومجانبــة من يجاهر بارتكاهبا ويحســنها ويدعو إليها‬
‫ويتهــاون هبــا وال يبالي ما ركب منهــا‪ ،‬فإن مخالطة مثل هذا داعي ٌة إلى ســخط اهلل‬
‫تعالى وغضبه‪ ،‬وال يخالطه إال من سقط من قلبه تعظيم اهلل تعالى وحرماته‪.‬‬
‫وم��ن عالم��ات تعظيم النه��ي‪ :‬أن يغضب هلل ‪ ۵‬إذا انتُهكت محارمه‪ ،‬وأن‬
‫ــي اهلل تعالى يف أرضه‪ ،‬ولــم يضلع((( بإقامة‬ ‫ِ‬
‫يجــد يف قلبه حزنًا وكســرة إذا ُعص َ‬
‫حدوده وأوامره‪ ،‬ولم يستطع هو أن يغير ذلك‪.‬‬
‫وم��ن عالم��ات تعظيم الأمر والنهي‪ :‬أن ال يسرتســل مع الرخصة إلى حدٍّ‬
‫يكون صاحبه جاف ًيا غير مستقيم على المنهج الوسط(((‪.‬‬
‫وم��ن عالم��ات تعظي��م الأمر والنه��ي‪ :‬أن ال يحمل األمر على ٍ‬
‫علة ُتضعف‬
‫ً‬
‫ممتثل ما أمر‬ ‫االنقياد والتســليم ألمر اهلل ‪ ،۵‬بل ُيســلم ألمر اهلل تعالى وحكمه‬
‫((( المرجع السابق‪.10 :‬‬
‫((( غير قادر على القيام هبا‪.‬‬
‫((( الوابل الصيب من الكلم الطيب‪ ،‬البن القيم‪.13 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪242‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫بــه ســواء ظهرت له حكمته أو لــم تظهر‪ْ ،‬‬


‫فإن ظهرت له حكمة الشــرع يف أمره‬
‫وهنيه؛ حمله ذلك على مزيد االنقياد والتسليم‪ ،‬وال يحمله ذلك على االنسالخ‬
‫منه وتركِه(((‪.‬‬
‫و�أما مراتب تعظيم الأمر‪:‬‬
‫فالتصديق به‪ ،‬ثم العزم الجازم على امتثاله‪ ،‬ثم المســارعة إليه والمبادرة‬
‫ــذل الجهد والنصح يف اإلتيــان به على أكمل‬ ‫بــه رغم القواطــع والموانع‪ ،‬ثم َب ْ‬
‫مأمورا به؛ بحيث ال يتوقف اإلنسان على معرفة حكمته‬ ‫ً‬ ‫الوجوه‪ ،‬ثم فعله لكونه‬
‫فإن ظهرت له؛ َف َع َله وإال ع َّطله‪ ،‬فهذا من عدم عظمته يف صدره‪ ،‬بل ُي َس ِّلم ألمر‬
‫ً‬
‫ممتثــا ما أمر به ســواء ظهرت لــه حكمته أو لم تظهــر؛ فإن ورد‬ ‫اهلل وحكمتــه‬
‫الشــرع بذكر حكمة األمر أو َف ِقهها العقــل؛ كانت زيادة يف البصيرة والداعية يف‬
‫االمتثــال‪ ،‬وإن لم تظهر له حكمته؛ لم ُيوهن ذلك انقياده‪ ،‬ولم يقدح يف امتثاله؛‬
‫فالمع ِّظــم ألمــر اهلل ُيجري األوامــر والنواهي علــى ما جــاءت ال يعللها بعلل‬
‫فضل عن أن يعارضها بعل ٍل تقتضي خالفها؛‬
‫توهنها وتخدش يف وجه حســنها ً‬
‫فهذا حال ورثة إبليس‪ ،‬والتسليم واالنقياد والقبول حال ورثة األنبياء(((‪.‬‬
‫املطل��ب الراب��ع‪ :‬بناء ال�س��ورة القر�آنية عل��ى التعريف بعظمة اهلل‬
‫املقت�ضية �شدة خ�شيته‪.‬‬
‫وآخرها‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫ستدل عليه‬ ‫ُ‬ ‫كل سورة ُبن ِ َيت على مقصد واحد ُيدار عليه َّأو ُلها‬
‫ُّ‬
‫فيهــا‪ ،‬فتُر َّتب المقدِّ مات الدَّ الة عليه على أتقن وجــه وأبدع هنج‪ ،‬وإذا كان فيها‬
‫جرا‪ ،‬فإذا‬
‫وهلم َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اســتدل عليه‪ ،‬وهكذا يف دليل الدليــل‪،‬‬ ‫شــيء يحتاج إلى دلي ٍل‬

‫((( المرجع السابق‪.17 :‬‬


‫((( الصواعق المرسلة يف الرد على الجهمية والمعطلة‪ ،‬البن القيم‪.1562 /4 :‬‬

‫‪243‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ِ ِ‬
‫األمر إلى غايته ُخت َ‬
‫ــم بما منْه ابتدأ‪ ،‬ثم انعطف الــكال ُم وعاد النظر عليه‬ ‫وصــل ُ‬
‫ُ‬
‫فتكون الســورة كالشجرة النَّضيرة‬ ‫األول منيع‪،‬‬ ‫على هنج َ‬
‫آخر بديع‪ ،‬و َم َّر يف غير َّ‬
‫الزينة المنظومة بعد أنيق‬
‫الم َز َّينة بأنواع ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحالية ُ‬
‫العالية والدَّ وحة البهيجة األنيقة َ‬
‫الورق بأفنان الدُّ ر وأفناهنا منعطف ًة إلى تلك المقاطع كالدوائر‪ُّ ،‬‬
‫وكل دائرة منها‬
‫السورة قد واصل‬
‫لها شــعبة متصلة بما قبلها‪ ،‬وشعبة ملتحمة بما بعدها‪ ،‬وآخر ُّ‬
‫ٍ‬
‫سورة‬ ‫أولها‪ ،‬كما الحم انتهاؤها ما بعدها وعانق ابتداؤها ما قبلها‪ ،‬فصارت ُّ‬
‫كل‬
‫الض ِّم بِلِ ِ‬
‫ين‬ ‫دائرة كربى مشــتملة على دوائر اآليات ال ُغ ِّر البديعــة النظم العجيبة َّ‬
‫ثمارها وأفنانِها(((‪.‬‬
‫تواص ِل ِ‬‫تعاطف أفنائها‪ ،‬وحسن ُ‬
‫تناسب‬
‫َ‬ ‫ــور ٍة عرف‬ ‫ِ‬
‫أن " َم ْن ح َّق َق المقصو َد م ْن ك ُِّل ُس َ‬
‫مقتضيات هذا َّ‬
‫فمن َ‬
‫آياهتا وقصصها وجميع أجزائها"(((‪.‬‬
‫فالســور ُة يف تناســب ُجملها وآياتِها ونجومِها و َمعاقِ ِدها ُتشــبه َّ‬
‫الشــجر َة‬ ‫ُّ‬
‫ذات األوراق واألغصان‪ ،‬والتي يســري فيها ك ِّلها عصار ٌة واحدة‪ ،‬فال تختلف‬
‫طعومها وال رائحتها‪ ،‬فجميع ثمارها ســواء‪ ،‬وجميع أغصاهنا وأوراقها سواء‪،‬‬
‫هــذه العصــارة يف الشــجرة هــي المقصــود والمغزى يف الســورة وهــي المبدأ‬
‫المهيمن على كل شيء فيها(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومل��ا كان ل��كل �س��ورة مق�ص��د �أو غر���ض تام وقع به��ا التحدي؛ قال ابن عا�ش��ور‬
‫(ت‪" :$ )1393 :‬وإنما كان التحدي بســورة ولم يكن بمقدار سورة من آيات‬
‫أمــورا ال تظهر خصائصها إال بالنظر إلى‬
‫ً‬ ‫القــرآن؛ ألن من جملة وجوه اإلعجاز‬
‫ٍ‬
‫مســتوف يف غــرض من األغــراض؛ وإنما تنزل ســور القــرآن يف أغراض‬ ‫كالم‬
‫الس َو ِر‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اعدُ النَّ َظ ِر ْ ِ‬
‫((( مص ِ‬
‫للبقاعي‪ .149 /1 :‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لإلش َراف َع َلى َم َقاصد ِّ‬ ‫َ َ‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬
‫الس َو ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((( مص ِ‬
‫اعدُ النَّ َظ ِر ْ‬
‫للبقاعي‪.149 /1 :‬‬
‫ّ‬ ‫لإلش َراف َع َلى َم َقاصد ِّ‬ ‫َ َ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪244‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫مقصــودة فال غنًى عن مراعاة الخصوصيات المناســبة لفواتح الكالم وخواتمه‬


‫بحسب الغرض‪ ،‬واستيفاء الغرض المسوق له الكالم‪ ،‬وصحة التقسيم‪ ،‬ونكت‬
‫اإلجمــال والتفصيــل‪ ،‬وأحــكام االنتقــال من فن إلــى آخر من فنــون الغرض‪،‬‬
‫ومناســبات االســتطراد واالعــراض والخــروج والرجــوع‪ ،‬وفصــل الجمــل‬
‫ووصلهــا‪ ،‬واإليجاز واإلطناب‪ ،‬ونحو ذلك ممــا يرجع إلى نكت مجموع نظم‬
‫الكالم‪ ،‬وتلك ال تظهر مطابقتها جلي ًة إال إذا تم الكالم واستوىف الغرض حقه"(((‪.‬‬
‫وق��ال يف مو�ض��ع �آخ��ر‪" :‬وإنما وقع التحدي بســورة َأ ْي وإن كانت قصير ًة‬
‫دون أن يتحداهــم بعــدد مــن اآليــات؛ ألن من أفانيــن البالغة مــا مرجعه إلى‬
‫مجموع نظم الكالم وصوغه بســبب الغرض الذي ســيق فيه من فواتح الكالم‬
‫وخواتمه‪ ،‬وانتقال األغراض‪ ،‬والرجوع إلى الغرض‪ ،‬وفنون الفصل‪ ،‬واإليجاز‬
‫واإلطناب‪ ،‬واالستطراد واالعرتاض"(((‪.‬‬
‫‪ ‬من �أقوال العلماء يف بناء ال�سورة‪:‬‬
‫ق��ال اب��ن القي��م (ت‪ $ )751 :‬ع��ن بن��اء �س��ورة الفاحتة‪" :‬اشــتملت على‬
‫التعريــف بالمعبــود تبــارك وتعالــى بثالثة أســماء‪ ،‬مرجع األســماء الحســنى‬
‫والصفــات العليــا إليهــا‪ ،‬ومدارهــا عليها‪ ،‬وهــي‪( :‬اهلل‪ ،‬والــرب‪ ،‬والرحمن)‪،‬‬
‫و ُبن ِ َيت السورة على اإللهية‪ ،‬والربوبية‪ ،‬والرحمة؛ فـ﴿ ﭢﭣ﴾ [الفاتحة‪ ]5 :‬مبني‬
‫علــى اإللهية‪ ،‬و﴿ ﭤﭥ﴾ [الفاتحــة‪ ]5 :‬على الربوبية‪ ،‬وطلب الهداية إلى‬
‫الصراط المستقيم بصفة الرحمة(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.337 /1 :‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.104 /1 :‬‬
‫((( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬البن القيم‪.32 /1 :‬‬

‫‪245‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وق��ال اب��ن عا�ش��ور (ت‪ )1393 :‬ع��ن بن��اء �س��ورة م��رمي‪" :‬وقــد تكرر يف هذه‬
‫السورة صفة الرحمن ست عشرة مرة‪ ،‬وذكر اسم الرحمة أربع مرات؛ فأنبأ بأن‬
‫مــن مقاصدها تحقيق وصف اهلل تعالى بصفة الرحمن‪ ،‬والرد على المشــركين‬
‫الذيــن تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى اهلل تعالى عنهم يف قوله يف ســورة‬
‫الفرقــان‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﴾‬
‫[الفرقان‪.((("]60 :‬‬
‫وقال ‪ $‬عن بناء �س��ورة غافر‪" :‬أجرى على اســم اهلل تعالى‪ -‬غافر(((‪-‬‬
‫مــن صفاتــه ما فيه تعريــض بدعوهتم إلى اإلقــاع عما هم فيــه؛ فكانت فاتحة‬
‫السورة مثل ديباجة الخطبة مشيرة إلى الغرض من تنزيل هذه السورة"(((‪.‬‬
‫وقال ‪ $‬عن بناء �س��ورة احل�ش��ر‪ :‬لما تكرر يف هذه الســورة ذكر اسم اهلل‬
‫وضمائره وصفاته أربعين مرة‪ ،‬منها أربع وعشــرون بذكر اسم الجاللة‪ ،‬وست‬
‫عشــرة مــرة بذكر ضميــره الظاهر‪ ،‬أو صفاتــه العلية‪ .‬وكان ما تضمنته الســورة‬
‫دالئل على عظيم قدرة اهلل وبديع تصرفه وحكمته‪.‬‬
‫وكان مما حوته السورة االعتبار بعظيم قدرة اهلل إذ أيد النبي ﷺ والمسلمين‬
‫ونصرهم على بني النضير ذلك النصر الخارق للعادة‪ ...‬وختم الســورة بالتذكير‬
‫والمـــ َع ِّرف بعظمة اهلل المقتضية شــدة خشــيته؛ عقب‬
‫بالقرآن الدال على الخير‪ُ ،‬‬
‫ذلك بذكر طائفة من عظيم صفات اهلل ذات اآلثار العديدة يف تصرفاته المناســبة‬
‫لغرض الســورة زياد ًة يف تعريف المؤمنين بعظمته المقتضية للمزيد من خشيته‪،‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.60 /16 :‬‬
‫((( قــال الخطابي ‪" :$‬فالغفار‪ :‬الســتار لذنوب عباده والمســدل عليهم ثوب عطفــه ورأفته‪ ،‬ومعنى‬
‫الســر يف هــذا‪ :‬أنه ال يكشــف أمر العبد لخلقــه‪ ،‬وال يهتك ســره بالعقوبة التي تشــهره يف عيوهنم"‬
‫(تفسير األسماء ‪.)38‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.77 /24 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪246‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫ِ‬
‫المعرضين‬ ‫ِ‬
‫الموجبة لمحبته‪ ،‬وزيــاد ًة يف إرهاب المعاندين‬ ‫وبالصفات الحســنى‬
‫مــن صفات بطشــه وجربوته؛ ولذلك ذكــر يف هذه اآليات الخواتم للســورة من‬
‫صفاته تعالى ما هو مختلف التعلق واآلثار للفريقين َّ‬
‫حظ ما يليق به منها(((‪.‬‬
‫عرف فيها عباده بعظمته يف‬
‫وبالت�أمل يف �سور القر�آن كلها؛ نجد أن اهلل ‪َّ ۵‬‬
‫ذاته‪ ،‬وعظمته يف ملكه‪ ،‬وعظمته يف استوائه على عرشه‪ ،‬وعظمته يف أمره وهنيه‪،‬‬
‫وعظمتــه يف إهالك عدوه‪ ،‬وعظمته يف رحمتــه بأوليائه ونصرهتم على أعدائهم‬
‫وواليته ســبحانه لهم وتربيته لهم‪ ،‬وعظمته يف تنزيل كتابه العظيم رحمة بعباده‬
‫وهدايــة لهم إلى صراطه المســتقيم‪ ،‬وعظمته يف إرســال رســله؛ ليبينوا للناس‬
‫طريق النجاة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫قول كل ًّيا‪ :‬إن كل آية يف القرآن فهي متضمنة لتعظيم اهلل واإليمان‬
‫بل نقول ً‬
‫به‪ ،‬شاهدة به‪ ،‬داعية إليه؛ فإن القرآن‪:‬‬
‫‪� ‬إم��ا خ�بر ع��ن اهلل‪ ،‬وأســمائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬فهــو التعظيم واإليمان‬
‫العلمي الخربي‪.‬‬
‫‪ ‬و�إم��ا دع��وة �إىل عبادت��ه وحده ال �ش��ريك له‪ ،‬وخل � ُع كل ما يعبد من دونه‪،‬‬
‫فهو التعظيم واإليمان اإلرادي الطلبي‪.‬‬
‫‪ ‬و�إم��ا �أم��ر ونه��ي‪ ،‬وإلــزا ٌم بطاعتــه يف هنيه وأمره‪ ،‬فهــي حقوق التعظيم‬
‫واإليمان ومكمالته‪.‬‬
‫بر ع��ن كرام��ة اهلل للمعظمني له امل�ؤمنني ب��ه وطاعته‪ ،‬وما فعل‬
‫‪ ‬و�إم��ا خ� ٌ‬
‫هبم يف الدنيا‪ ،‬وما يكرمهم به يف اآلخرة‪ ،‬فهو جزاء تعظيمه واإليمان به‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.118 /28 :‬‬

‫‪247‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫رب عن �أهل ال�ش��رك الذين ال يرجون له عظمة‪ ،‬وما فعل هبم يف‬
‫‪ ‬و�إما خ ٌ‬
‫يحل هبم يف العقبى من العذاب‪ ،‬فهو خرب عمن خرج عن‬ ‫الدنيا من النكال‪ ،‬وما ُّ‬
‫تعظيمه واإليمان به‪.‬‬
‫فتبيــن بذلك أن القرآن كله يف تعظيم اهلل واإليمــان به‪ ،‬وحقوقه وجزائه‪،‬‬
‫ويف شأن من ال يرجون هلل عظمة وجزائهم‪.‬‬
‫ف�إذا تدبر العبدُ ال�سورة القر�آنية؛ وجد فيها‪:‬‬
‫‪ -2‬حقوق هذه العظمة‪.‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر عظمة اهلل ‪ .۵‬‬
‫‪ -3‬جزاء هذه العظمة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬أفانين تقرير عظمة اهلل ‪.۵‬‬
‫على توسع يف ذلك أو إيجاز‪.‬‬
‫فالقر�آن كالم اهلل وقد جتلى اهلل فيه لعباده ب�صفاته‪:‬‬
‫‪ ‬فت��ارة يتجل��ى يف جلب��اب الهيب��ة والعظم��ة واجل�لال؛ فتخضع األعناق‪،‬‬
‫وتنكسر النفوس‪ ،‬وتخشع األصوات‪ ،‬ويذوب الكِ ْبر كما يذوب الملح يف الماء‪.‬‬
‫‪ ‬وتارة يتجلى يف �صفات اجلمال والكمال‪ ،‬وهو كمال األســماء‪ ،‬وجمال‬
‫الصفــات‪ ،‬وجمال األفعــال الدال على كمــال الذات؛ فيســتنفد حبه من قلب‬
‫العبــد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله؛ فيصبح‬
‫فؤاد عبده فار ًغا إال من محبته(((‪.‬‬

‫((( الفوائد‪ ،‬البن القيم‪.69 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪248‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫املطلب اخلام���س‪� :‬أثر ال�س��ورة القر�آنية يف زي��ادة الإميان بالعظمة‬


‫الإلهية‪.‬‬
‫جعل اهلل ‪ ۵‬إنزال القرآن شفاء للمؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾ [اإلسراء‪.]82 :‬‬
‫وكانت الســورة القرآنية إذا نزلت علــى المؤمنين؛ زادهتم إيمانًا وارتقت‬
‫هبم من علم اليقين إلى حق اليقين‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ [التوبة‪.]124 :‬‬
‫عن ابن عباس ﭭ قوله‪ ﴿ :‬ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ﴾‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان إذا أنزلت سورة؛ آمنوا هبا؛ فزادهتم إيمانًا وتصدي ًقا‪ ،‬وكانوا هبا يستبشرون(((‪.‬‬
‫اإليمان إلى الس ِ‬
‫ورة؛ ألنه يزيد بسببها(((؛‬ ‫وقوله‪ ﴿ :‬ﭲﭳ﴾‪ :‬أضاف ِ‬
‫ُّ‬
‫ألهنا أزيد لليقين والثبات‪ ،‬وأثلج للصدر(((‪.‬‬
‫❁ معنى زيادة ال�سورة لإميان �أهل الإميان‪:‬‬
‫فرض اإلقرار هبا‪ ،‬والعمل هبا‬
‫ألهنم قبل أن تنزل الســورة لم يكن لزمهم ُ‬
‫حق‪،‬‬
‫بعينهــا‪ ،‬إال يف جملــة إيماهنــم بأن كل ما جاءهم به نبيهــم ﷺ من عند اهلل ٌّ‬
‫فلما أنزل اهلل الســورة؛ لزمهــم فرض اإلقرار بأهنا بعينها مــن عند اهلل‪ ،‬ووجب‬
‫عليهــم فــرض اإليمان بما فيها مــن أحكام اهلل وحــدوده وفرائضه؛ فكان ذلك‬
‫هو الزيادة التي زادهتم نزول السورة حين نزلت من اإليمان والتصديق هبا(((‪.‬‬

‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن أبي حاتم‪.1915 /6 :‬‬


‫((( معاين القرآن‪ ،‬للزجاج‪.476 /2 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.324 /2 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.577 /14 :‬‬

‫‪249‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫❁ ومن �صور مظاهر العظمة الإلهية املقت�ضية لزيادة الإميان‪:‬‬
‫‪ -1‬ما تضمنته السورة القرآنية من إخبار‪ ،‬وأمر وهني؛ يقتضي تعظيم األمر‬
‫والنهي؛ والذي يرتتب عليه تعظيم اآلمر‪ ،‬وهذا وجه من وجوه زيادة اإليمان‪.‬‬
‫‪ -2‬وما تضمنته السورة القرآنية من دليل أو تنبيه جديد على اإليمان؛ فيكون‬
‫ف اهلل بعدة أدلة؛ فتزيد األدلة الموجبة لإليمان باهلل وعظمته‪.‬‬
‫المؤمن قد َع َر َ‬
‫‪ -3‬ومــن وجــوه الزيــادة أن الرجل ربما عارضه شــك يســير أو الحت‬
‫له شــبهة مشــغبة فإذا نزلت السورة؛ ارتفعت تلك الشــبهة واسرتاح منها‪ ،‬فهذا‬
‫أيضــا زيادة يف اإليمــان‪ ،‬إذ يرتقي اعتقاده عن مرتبة معارضة تلك الشــبهة إلى‬ ‫ً‬
‫الخلوص منها(((‪.‬‬
‫"اج ِل ْس بِنَا ن ُْؤ ِم ْن‬
‫وق��د �أثب��ت ق��ول مع��اذ بن جبل للأ�س��ود ب��ن ه�لال ﭭ‪ْ :‬‬
‫أثــرا يف زيادة اإليمان‪ ،‬وأكثر مــن الزيادة‪ ،‬وهو‬ ‫َســا َعةً" ‪ ،‬أن للســورة القرآنية ً‬
‫(((‬

‫حصول البِ ْشر لهم‪.‬‬


‫وق��د �أو�ض��ح ق��ول اهلل عل��ى ل�س��ان امل�ؤمنني يف �س��ورة حمم��د‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [محمد‪ ،]20 :‬أهنم كانوا ينتظرون‬
‫ورود الســورة ويطلبــون تنزيلها‪ ،‬وإذا تأخر عنهم التكليــف؛ كانوا يقولون هال‬
‫أمرت بشيء من العبادة خو ًفا من أن ال يؤهلوا لها‪.‬‬
‫❁ وتطلع الذين �آمنوا �إىل تنزيل �سورة‪:‬‬
‫‪ ‬إما أن يكون مجرد تعبير عن شوقهم إلى سورة جديدة من هذا القرآن‬
‫الذي يحبونه‪ ،‬ويجدون يف كل سورة منه زا ًدا جديدً ا حبي ًبا‪.‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪ ،98 /3 :‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫ان‪َ :‬باب‪َ :‬ق ْو ِل النَّبِي ﷺ‪ُ « :‬بنِي ِاإل ْس َال ُم َع َلى َخ ْم ٍ‬
‫س»‪.)10 /1( ،‬‬ ‫((( صحيح البخاري‪ :‬كِتَاب ِاإليم ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪250‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫أمرا من أمور الجهاد‪ ،‬وتفصل يف‬


‫‪ ‬وإما أن يكون تطل ًعا إلى سورة تبين ً‬
‫قضية من قضايا القتال تشغل بالهم؛ ليالقوا المشركين فيشفوا منهم غليلهم‪.‬‬
‫وهكذا يصف القــرآن العظيم حال المؤمنين المعظمين ألمر اهلل يف جدهم‬
‫يف دين اهلل‪ ،‬وحرصهم على ظهوره‪ ،‬وتمني قتال العدو‪ ،‬وفضيحة المنافقين ونحو‬
‫ذلك مما هو ظهور لإلسالم؛ فكانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ‪.‬‬
‫وق��د مدحه��م اهلل عل��ى حر�صه��م‪ ،‬وقوله��م‪ ﴿ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ أي‪ :‬تتضمن‬
‫إظهارنا‪ ،‬وأمرنا بمجاهدة العدو ونحوه(((‪.‬‬
‫وهبــذا يتضــح لكل متأمل أنــه ال يتم اإليمــان باهلل إال بتعظيمــه‪ ،‬وال يتم‬
‫ــره ون َْهيه؛ فعلــى قدر تعظيــم العبد هلل ســبحانه؛ يكون‬‫تعظيمــه إال بتعظيــم َأ ْم ِ‬
‫تعظيمه ألمره وهنيه‪ ،‬وتعظيم األمر دليل على تعظيم اآلمر‪.‬‬
‫وقــد مدح اهلل ســبحانه المؤمنيــن يف تحقيقهــم لمراتــب التعظيم لألمر‬
‫وذلك بالتصديق به وفرحهم واستبشارهم به‪ ،‬ثم العزم الجازم على امتثاله‪ ،‬ثم‬
‫المســارعة إليه والمبادرة به رغم الموانع‪ ،‬ثم َب ْذل الجهد والنصح يف اإلتيان به‬
‫على أكمل الوجوه‪.‬‬
‫املطلب ال�ساد���س‪ :‬دالل��ة فواحت ال�س��ور وخواتيمها‪ ،‬وف��واحت الكتاب‬
‫وخواتيمه على التعريف باهلل وبيان عظمته ومقت�ضى العبودية‪.‬‬
‫‪ ‬داللة فواحت ال�سور على تعظيم اهلل ‪:۵‬‬
‫يق��ول الط�بري ‪ ..." :$‬أن اهلل جــل ثنــاؤه افتتح كالمه َبو ْصف نفســه‬
‫نهجا يســلكونه يف‬ ‫ِ‬
‫بأنــه العال ُم الذي ال يخفى عليه شــيء‪َ ،‬وجعل ذلك لعباده َم ً‬
‫عظيم‬
‫َ‬ ‫ُمفتتح خطبهم ورســائلهم و ُم ِه ِّم أمورهم‪ ،‬وابتال ًء منه لهم ليستوجبوا به‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.117 /5 :‬‬

‫‪251‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الثــواب يف دار الجزاء‪ ،‬كمــا افتتح بـــ﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ [الفاتحة‪،]2 :‬‬
‫السور التي‬
‫و﴿ ﭑﭒ ﭓﭔ ﭕﭖ﴾ [األنعام‪ ]1 :‬وما أشبه ذلك من ُّ‬
‫مفاتح َبعضها تعظيم نَفسه وإجاللها‬
‫َ‬ ‫جعل َمفاتحها الحمدَ لنفســه‪ ،‬وكما جعل‬
‫بالتســبيح‪ ،‬كما قال جل ثناؤه‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ [اإلســراء‪ ،]1 :‬وما‬
‫ومفاتح‬
‫َ‬ ‫مفاتح بعضها تحميدَ نفسه‪،‬‬
‫َ‬ ‫أشبه ذلك من سائر سور القرآن‪ ،‬التي جعل‬
‫مفاتح‬
‫َ‬ ‫تعظيمهــا وتنزيهها؛ فكذلــك َجعل‬
‫َ‬ ‫بعضهــا تمجيدَ ها‪ ،‬ومفاتــح بعضها‬
‫مدائح نفسه‪ ،‬أحيانًا بالعلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫بعض حروف المعجم‪،‬‬‫الســور األُ َخر التي أوائلها ُ‬
‫وأحيانًا بالعدل واإلنصاف‪ ،‬وأحيانًا باإلفضال واإلحســان‪ ،‬بإيجاز واختصار‪،‬‬
‫اقتصاص األمور بعدَ ذلك"(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫‪ ‬داللة خواتيم ال�سور على تعظيم اهلل‪:‬‬
‫يقول ابن �أبي الأ�صبع‪" :‬وجميع خواتم الســور الفرقانية يف غاية الحســن‬
‫وهناية الكمال؛ ألهنا بين أدعية‪ ،‬ووصايا‪ ،‬وفرائض‪ ،‬وتحميد‪ ،‬وهتليل‪ ،‬ومواعظ‪،‬‬
‫تشــوف إلى‬
‫ومواعــد‪ ،‬إلــى غير ذلك من الخواتيم التي ال يبقى للنفوس بعدها ُّ‬
‫ما يقال"(((‪.‬‬
‫‪ ‬الرتتيب الرتتيلي وداللته على التعظيم‪:‬‬
‫‪ً � ‬أول‪ :‬داللة فاحتة الكتاب على تعظيم اهلل ومقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫ق��ال الإم��ام البيهق��ي ‪ :$‬العل��وم الت��ي احت��وى عليه��ا الق��ر�آن وقام��ت بها‬
‫الأديان �أربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬عل��م الأ�ص��ول‪ :‬ومــداره على معرفــة اهلل وصفاته‪ ،‬وإليه اإلشــارة بـ﴿ ﭘ‬

‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.215 /1 :‬‬


‫((( بديع القرآن‪ ،‬ابن أبي األصبع‪.347 /2 ،‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪252‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ [الفاتحة‪ ،]3 :‬ومعرفة النبوات‪ ،‬وإليه اإلشارة بـ﴿ ﭬ ﭭ‬


‫ﭮ ﴾ [الفاتحة‪ ،]7 :‬ومعرفة المعاد‪ ،‬وإليه اإلشارة بـ﴿ ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [الفاتحة‪.]4 :‬‬
‫‪ -2‬وعلم العبادات‪ :‬وإليه اإلشارة بـ﴿ ﭢ ﭣ ﴾ [الفاتحة‪.]5 :‬‬
‫‪ -3‬وعلم ال�س��لوك‪ :‬وهو عمل النفس على اآلداب الشرعية واالنقياد لرب‬
‫الربية‪ ،‬وإليه اإلشارة بـ﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [الفاتحة‪.]6 ،5 :‬‬
‫‪ -4‬وعل��م الق�ص���ص‪ ،‬وهــو االطــاع على أخبــار األمــم الســالفة والقرون‬
‫الماضية؛ ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع اهلل‪ ،‬وشقاوة من عصاه‪ ،‬وإليه‬
‫اإلشارة بقوله‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ [الفاتحة‪.(((]7 :‬‬
‫فنبه يف الفاحتة وهي مفتتح كتابه على‪:‬‬
‫‪ -1‬التعريــف بــاهلل معرف��ة اهلل و�صفات��ه‪ ،‬ومعرف��ة النب��وات‪ ،‬وهي من آثار‬
‫عظمته ورحمته‪ ،‬ومعرفة املعاد وهو يوم ظهور كمال عظمته وحكمته‪.‬‬
‫‪ -2‬وعلم العبادات‪ ،‬وهي ثمرة التعظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬وعلم ال�سلوك‪ ،‬وهو ثمرة من ثمرات تعظيم اهلل والخشية منه‪.‬‬
‫‪ -4‬علم الق�ص�ص‪ ،‬وفيه آثار عظمته بإكرام أوليائه وإهالك أعدائه‪.‬‬
‫‪ ‬ثان ًيا‪ :‬داللة خامتة الكتاب (�سورة النا�س) على التعظيم‪:‬‬
‫﴿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ﴾‬ ‫ق��ال تع��اىل‪:‬‬
‫[الناس‪.]3 -1 :‬‬
‫قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮅﮆ﴾‪ ،‬يف مجــيء ملك النــاس بعد رب الناس؛‬
‫تــدرج يف التنبيــه على تلك المعــاين العظام‪ ،‬وانتقــال بالعباد من مبــدأ اإليمان‬
‫بالــرب لما شــاهدوه من آثار عظمــة الربوبية يف الخلق والــرزق‪ ،‬وجميع تلك‬
‫((( اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬لجالل الدين السيوطي‪.364 /3 :‬‬

‫‪253‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫الكائنــات‪ ،‬كما جاء يف أول نداء وجه إليهم‪ ﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾ [البقــرة‪:‬‬

‫‪ ،]22 ،21‬كل هذه اآلثار التي لمســوها وأقــروا بموجبها‪ ،‬بأن الذي أوجدها هو‬
‫رهبــم‪ ،‬ومــن َثم ينتقلون إلى الدرجــة الثانية‪ ،‬وهي أن ربه الــذي هذه أفعاله هو‬
‫َملِ َكــه وهــو المتصرف يف تلك العوالــم‪ ،‬و َملِك ألمره وجميع شــؤونه‪ ،‬و َملِك‬
‫ألمر الدنيا واآلخرة جمي ًعا‪.‬‬
‫فإذا وصل بإقراره إلى هذا اإلدراك؛ أقر له ضرورة باأللوهية وهي المرتبة‬
‫النهايــة ﴿ ﮈ ﮉ ﴾ أي‪ :‬مألوههــم ومعبودهم‪ ،‬وهو ما خلقهم إليه‪ ﴿ ،‬ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الذاريات‪.(((]56 :‬‬
‫‪ ‬الرتتيب التنزيلي وداللته التعظيم ومقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫‪� ‬أول �سورة نزلت (العلق)‪:‬‬
‫أول ســورة نزلــت (العلق)؛ فإهنا مشــتملة علــى نظير ما اشــتملت عليه‬
‫الفاتحــة من براعة االســتهالل؛ لكوهنا أول ما أنزل من القــرآن؛ فإن فيها األمر‬
‫بالقــراءة والبــداءة فيها باســم اهلل‪ ،‬وفيها اإلشــارة إلى علم األحــكام‪ ،‬وفيها ما‬
‫يتعلــق بتوحيد الرب وإثبات ذاتــه وصفاته من صفة ذات وصفة فعل؛ ويف هذه‬
‫اإلشــارة إلى أصول الدين‪ ،‬وفيها ما يتعلق باألخبار من قوله‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾‬
‫[العلــق‪]5 :‬؛ ولهذا قيل إهنا جديرة أن تســمى عنوان القــرآن؛ ألن عنوان الكتاب‬
‫يجمع مقاصده بعبارة وجيزة يف أوله(((‪.‬‬
‫((( أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬للشنقيطي‪.175 /9 :‬‬
‫((( اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬لجالل الدين السيوطي‪.364 /3 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪254‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي‬

‫‪� ‬سورة الن�رص �آخر �سورة نزلت و�إ�ش��ارتها �إىل العظمة الإلهية ومقت�ضى‬
‫العبودية‪:‬‬
‫آخر ســورة نزلت سورة النصر فيها اإلشعار بالوفاة‪ ،‬كما أخرج البخاري‬
‫من طريق ســعيد بن جبيــر عن ابن عباس أن عمر ســألهم عن قوله‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵ﴾ [النصــر‪]1 :‬؛ فقالــوا‪ :‬فتح المدائن والقصور‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول يا‬
‫أجل ُضرب لمحمد نُعيت له نفسه(((‪.‬‬ ‫ابن عباس؟ قال‪ٌ :‬‬
‫أي�ض��ا عن��ه ق��ال‪ :‬كان عمر يدخلني مع أشــياخ بدر؛ فكأن بعضهم‬
‫و�أخ��رج � ً‬
‫لم تدخل هذا معنا ولنا أبنــاء مثله! فقال‪ :‬عمر إنه من قد‬ ‫وجد يف نفســه؛ فقال‪َ :‬‬
‫علمتــم‪ ،‬ثم دعاهم ذات يوم؛ فقــال‪ :‬ما تقولون يف قول اهلل‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﴾ [النصــر‪]1 :‬؛ فقــال بعضهم‪ :‬أمرنــا أن نحمد اهلل ونســتغفره إذا نصرنا‬
‫وفتــح علينا‪ ،‬وســكت بعضهم فلم يقل شــي ًئا؛ فقــال لي‪ :‬أكذلك تقــول يا ابن‬
‫أجل رســول اهلل ﷺ أع َل َمه به‪،‬‬
‫عبــاس؟ فقلــت‪ :‬ال قال‪ :‬فما تقول؟ قلــت‪ :‬هو ُ‬
‫قــال‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ [النصــر‪]1 :‬؛ وذلــك عالمــة أجلك؛ فســ ِّبح‬
‫بحمد ربك واستغفره إنه كان توا ًبا‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إين ال أعلم منها إال ما تقول(((‪.‬‬
‫فاحت��وت ه��ذه ال�س��ورة الكرمي��ة عل��ى مظاه��ر عظمت��ه مــن إكرامه ألوليائه‬
‫بالنصر على األعداء وفتح مفاوز البالد‪ ،‬ومقتضيات ذلك من عبودية التســبيح‬
‫بمعانيــه مــن التنزيــه‪ ،‬والتعظيم‪ ،‬والشــكر‪ ،‬وعبودية االســتغفار مــن األخطاء‬
‫والتقصيــر‪ ،‬وعبوديــة التوبة وهي العبــادة المالزمة لإلنســان يف جميع مراتب‬
‫القرب من اهلل ‪.۵‬‬

‫اب َق ْول ِ ِه‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾‬


‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب تفسير القرآن‪َ :‬ب ُ‬
‫[النصر‪.)4969( ،]2 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َق ْوله‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾‬ ‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب تفسير القرآن‪َ :‬ب ُ‬
‫[النصر‪.)4970( ،]2 :‬‬

‫‪255‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املبحث الثاين‬
‫�سورة احلاقة درا�سة تطبيقية‬
‫على بيان مظاهر العظمة الإلهية ومقت�ضى العبودية‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هذه الســورة ُبن َيت على بيــان عظمة اهلل ومقتضــى العبودية؛ فقد ذكرت‬
‫أمــورا وصفها اهلل بالعظمة يف القرآن العظيــم؛ فذكرت عظمته يف ألوهيته‪ ،‬قال‬
‫ً‬
‫تعالــى‪ ﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [الحاقــة‪ ،]33 :‬وعظمته يف ربوبيته قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [الحاقة‪ ،]52 :‬وذكرت عرشــه سبحانه‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﴾ [الحاقــة‪ ،]17 :‬الموصــوف يف القــرآن بالعظمة‪ ،‬قــال تعالى‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾ [المؤمنــون‪ ،]86 :‬وذكرت القرآن الكريم‪:‬‬
‫﴿ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [الحاقــة‪ ،]40 :‬الموصوف بالعظمة يف قوله‪ ﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [الحجر‪ ،]87 :‬وذكرت يوم القيامة و َع َّظ َمت من هوله‪:‬‬
‫﴿ ﮱﯓﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﴾ [الحاقــة‪ ،]4 -2 :‬الموصوف‬
‫بالعظمة يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﴾ [المطففين‪]6 -4 :‬؛ أي‪ :‬يف يوم عظيم الهول‪ ،‬كثير الفزع‪ ،‬جليل الخطب‪،‬‬
‫وذكــرت عــذاب المكذبين الذي ُو ِصــف يف القرآن الكريم بعــذاب يوم عظيم‬
‫على ألســنة الرسل الذين ُذكِ َرت أقوامهم يف الســورة؛ فهذا نوح َّ‬
‫حذر قومه من‬
‫العــذاب العظيم‪ ،‬قال تعالــى‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸ﴾ [األعراف‪،]59 :‬‬
‫وهــذا هود ڠ الذي أرســله اهلل إلى عاد؛ ُي َح ِّذر قومه مــن العذاب العظيم‪:‬‬
‫َّ‬
‫يحــذر‬ ‫﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [الشــعراء‪ ،]135 :‬وهــذا صالــح ڠ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪256‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫ثمــود من العذاب العظيم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﴾‬


‫[الشــعراء‪ ،]156 :‬وذكرت ال َق َســم‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﴾ [الحاقــة‪ ]40 -38 :‬الذي ُو ِص َ‬
‫ف يف القرآن بالعظيم قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ [الواقعــة‪،]77 -75 :‬‬
‫وله ســبحانه أن ُيقســم بما شــاء من خلقه‪ ،‬وهو دليل على عظمته؛ فالعظيم ال‬
‫ُي ْق ِسم إال بالعظيم‪ ،‬ويف كال ال َق َس َمين َق َسم على القرآن العظيم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وختمت باألمر بالتســبيح‪ ،‬وهو مقتضى العبودية لما ذكرته الســورة من‬
‫مظاهر التعظيم‪ ،‬وحقوقه التي قام هبا المؤمنون‪.‬‬
‫∆ مق�صد ال�سورة‪:‬‬
‫ق��ال البقاع��ي ‪ :$‬مقصودهــا‪ :‬تنزيه الخالق ببعــث الخالئق؛ إلحقاق‬
‫الحق وإزهاق الباطل(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫بعــث الخلق؛‬ ‫�أي‪ :‬مقصــود هذه الســورة بيــان قدرته ‪ ‬على‬
‫إلكرام أهل الحق‪ ،‬وإهانة أهل الباطل‪.‬‬
‫والتنزي��ه‪ :‬التربئــة‪ ،‬ونزهــت اهلل عن الســوء برأته منــه(((‪ ،‬وهي من صور‬
‫التعظيم هلل ‪.‬‬
‫∆ وبعد الت�أمل يف مفتتح ال�سورة وخامتتها وما بينهما نختار �أن يكون مق�صدها‪:‬‬
‫(بيان حقيقة تعظيم اهلل وحقوقه وجزائه‪ ،‬ومقتضى العبودية)‪.‬‬
‫∆ منا�سبتها ملا قبلها وداللة املنا�سبة على التعظيم‪:‬‬
‫ً‬
‫مجمل؛‬ ‫لما ذكر ‪ ‬يف ســورة (القلم) يوم القيامة العظيم هوله‬

‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.337 /20 :‬‬


‫((( التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬للمناوي‪.110 :‬‬

‫‪257‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فص َل سبحانه يف هذه السورة الكريمة نبأ ذلك اليوم وشأنه العظيم؛ وما يحدث‬
‫َّ‬
‫فيه من ظهور آثار عظمة اهلل ‪.‬‬
‫∆ �أغرا�ضها‪:‬‬
‫‪ -1‬اشــتملت هذه الســورة على هتويــل يوم القيامة والتعظيم من شــأنه‪،‬‬
‫المــعد لهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهتديد المكذبين بوقوعه بعظم العذاب ُ‬
‫‪ -2‬تذكيرهــم بما حل باألمــم التي كذبت هبذا اليــوم العظيم من عذاب‬
‫يف الدنيــا ثــم عذاب اآلخــرة‪ ،‬وهتديد المكذبين لرســل اهلل تعالــى باألمم التي‬
‫أشركت وكذبت‪.‬‬
‫‪ -3‬أدمــج يف ذلــك أن اهلل العظيم نجى المؤمنين مــن العذاب‪ ،‬ويف ذلك‬
‫تذكير بنعمة اهلل على البشر إذ أبقى نوعهم باإلنجاء من الطوفان‪.‬‬
‫‪ -4‬وصف أهوال من الجزاء وتفاوت الناس يومئذ فيه‪.‬‬
‫‪ -5‬وصف فظاعة حال العقاب على الكفر وعلى نبذ شــريعة اإلســام‪،‬‬
‫والتنويه بالقرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬تنزيه الرسول ﷺ المب ِّلغ عن اهلل العظيم كتابه العظيم‪.‬‬
‫يتقول عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -7‬تنزيه اهلل تعالى عن أن ُيقر من َّ‬
‫‪ -8‬تثبيت الرسول ﷺ‪.‬‬
‫‪ -9‬إنذار المشركين بتحقيق الوعيد الذي يف القرآن العظيم(((‪.‬‬
‫وبذلك بنيت �أغرا�ض هذه ال�س��ورة على التعظيم‪ :‬التعظيم من يوم القيامة‪،‬‬
‫المـــ َعد للمكذبين به‪ ،‬والتعظيم من جــزاء الموقنين به‪،‬‬
‫والتعظيــم من العذاب ُ‬
‫والتعظيم من مقام الرســول وتنزيهه عما يقول مبغضــوه‪ ،‬والتعظيم من القرآن‬
‫الذي جاء به الرسول العظيم‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪ ،111 /29 :‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪258‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫املطلب الأول‪ :‬عظمة اهلل يف اليوم العظيم‪.‬‬


‫ع َّ‬
‫ظم اهلل من يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال؛ فقال‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ [المطففيــن‪ ،]6 ،5 :‬ووصــف بالعظيــم؛ باعتبار ما يقع فيه‬
‫من األهوال‪ ،‬والحســاب الذي يكون بعــده الثواب والعقاب‪ ،‬والذي ال يقدر‬
‫قدره إال اهلل‪.‬‬
‫روى الإمام �أحمد ب�س��نده عن ابن عمر ﭭ قال‪ :‬ســمعت رسول اهلل ﷺ‬
‫يقول‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ [المطففين‪ ،]6 :‬لعظمة الرحمن تبارك وتعالى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذاهنم(((‪.‬‬
‫ــي ﷺ‬ ‫َ َّ ِ‬
‫الل ْب��نِ ُع َم � َر ﭭ‪ :‬أن النَّب َّ‬
‫وروى البخ��اري ب�س��نده َع��نْ َع ْب��دِ َّ ِ‬
‫ــح ِه إِ َلى‬
‫َق َال‪ ﴿ :‬ﯯﯰﯱﯲﯳ﴾ [المطففين‪« ]6 :‬حتَّى ي ِغيب َأحدُ هم فِي ر ْش ِ‬
‫َ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫اف ُأ ُذ َن ْي ِه»(((‪.‬‬
‫َأنْص ِ‬
‫َ‬
‫وقال تعاىل يف هذه ال�سورة معظ ًما لهذا اليوم من خالل اختيار ا�سم فريد‪:‬‬
‫﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ [الحاقة‪.]3 -1 :‬‬
‫والا َّق ُة‪:‬‬
‫◈ َْ‬
‫اســم فاعل‪ ،‬من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود‪ ،‬ومنه ﴿ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ [الزمر‪ ،]71 :‬والمراد به القيامة والبعث‪ ،‬قاله ابن عباس‬
‫وقتادة ﭭ(((‪.‬‬
‫والا َّق � ُة‪ :‬الســاعة الواجبة الوقوع الثابتة المجــيء‪ ،‬التي هي آتية ال ريب‬
‫َْ‬
‫فيها(((‪.‬‬

‫((( مسند اإلمام أحمد‪ :‬مسند عبد اهلل بن عمر (‪ ،)4862‬قال محققوه‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬
‫اب ﴿ ﯯﯰﯱﯲﯳ ﴾ [المطففين‪.)4938( ،]6 :‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب تفسير القرآن‪َ :‬ب ُ‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.356 /5 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.598 /4 :‬‬

‫‪259‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫تحــق فيها األمــور‪ ،‬ويجب فيهــا الجزاء على‬
‫ُّ‬ ‫(الا َّق � ُة)‪ :‬التــي‬
‫وال�س��اعة ْ َ‬
‫حق عليه الشيء إذا َو َجب(((‪.‬‬
‫األعمال‪ ...‬وقد َّ‬
‫قوله‪﴿ :‬ﮱ ﯓ﴾‪:‬‬
‫ً‬
‫وهتويل لما يحدث فيها‪.‬‬ ‫تعظيما‬
‫ً‬ ‫فقوله‪ :‬الحاقة ما الحاقة‪،‬‬
‫◈ ملاذا �سميت القيامة حاقة؟‬
‫سميت بذلك؛ ألهنا "موضع الحكمة‪ ،‬وإظهار جميع العظمة"(((‪ ،‬والتي‬
‫ُت ْعرف فيهــا األمور على الحقيقة؛ فيتحقق فيها الوعــد والوعيد‪ ،‬ويتحقق لكل‬
‫عامل عمله‪ ،‬ويتحقق فيها الحساب والثواب والعقاب‪.‬‬
‫عظ��م تع��اىل �أمره��ا؛ فق��ال‪ ﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾؛ تأكيــدً ا لهولهــا‬ ‫وله��ذا َّ‬
‫ظم‬ ‫المخلوقات على معنَــى َّ ِ‬
‫ِ‬
‫أن ع َ‬ ‫َْ‬ ‫وفظاعتهــا؛ ببيــان خروجها عــن دائرة علــوم‬
‫وهم ُه‪ ،‬وكي َفما‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫شأنِ َها و َمدَ ى هول ِ َها وشدَّ تِ َها‬
‫بحيث ال تكا ُد تبل ُغ ُه دراي ُة أحد وال ُ‬
‫وأعظم(((‪.‬‬ ‫أعظم من َ‬
‫ذلك‬ ‫فهي‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قدرت حال َها؛ َ‬
‫◈ ا�سم ال�سورة ومطلعها وتقريره لعظمة اهلل‪:‬‬
‫يربز معنى التعظيم يف ا�س��م القيامة املختار يف هذه ال�س��ورة‪ ،‬والذي �س��ميت‬
‫ب��ه ال�س��ورة‪( :‬الحا َّقــة)‪ ،‬وهي بلفظها ومعناها تلقي يف الحس معنى تحقق الحق‬
‫يف هذا اليوم‪ ،‬وبتكرارها تفيد التفخيم والتعظيم‪.‬‬

‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن؛ البن جرير الطربي‪.566 /23 :‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.344 /20 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.21 /9 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪260‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫املطل��ب الث��اين‪ :‬عظم��ة اهلل يف �إه�لاك املكذب�ين بالي��وم العظي��م‬


‫و�إجنائه املعظمني له‪.‬‬
‫بعــد أن ع َّظــم اهلل ‪ ۵‬مــن يــوم القيامــة؛ ع َّظم ‪ ‬من ســنته يف‬
‫إنجــاء المعظمين له‪ ،‬وإهــاك المكذبين به‪ ،‬وذكر ســبحانه القرى التي تحيط‬
‫تأثيرا وعربة وعظة؛ لمن كان‬
‫بقريش؛ ألن العظة باألقرب أبلغ أو أقوى‪ ،‬وأكثر ً‬
‫لــه قلب‪ ،‬وهي تفصيل لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﴾ [األحقاف‪" ،]27 :‬وخص بالذكر إهالك القرى‪ ،‬دون ذكر األمم؛ ألن‬
‫المواجهيــن بالتعريض هم أهــل مكة وهي أم القرى؛ فناســب أن يكون هتديد‬
‫أهلهــا بمــا أصاب القرى وأهلهــا؛ وألن تعليق فعــل (أهلكناهــا) بالقرية دون‬
‫أهلها لقصد اإلحاطة والشــمول"(((‪ ،‬فقال تعالــى‪ ﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ [الحاقة‪.]12 -6 :‬‬
‫و"القارعة" من أسماء القيامة؛ ألهنا تقرع القلوب بصدمتها(((‪.‬‬
‫والطاغي��ة‪ :‬قــال قتــادة ‪ :$‬معناه الصيحــة التي خرجــت عن حد كل‬
‫صيحــة(((‪ ،‬التــي أســكتتهم‪ ،‬والزلزلة التي أســكنتهم؛ ولهــذا كان عقاب ثمود‬
‫هبــا؛ ألهنــا طغت‪ ،‬واعتدت على صالح ڠ رســول اهلل‪ ،‬وعلــى ناقة اهلل‪ ،‬كما‬
‫يقول ســبحانه‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪-8 :‬ب‪.19 /‬‬


‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.356 /5 :‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.356 /5 :‬‬

‫‪261‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓﮔ﴾ [الشــمس‪ ،]15 :‬والطغ��وى‪ :‬اســم مصــدر يقال‪ :‬طغا طغــوا وطغيانًا‪،‬‬
‫والطغيان‪َ :‬ف ْرط الكِ ْبر‪ ،‬وفيه تعريض بتنظير مشركي قريش يف تكذيبهم بثمود يف‬
‫أن سبب تكذيبهم هو الطغيان والتك ُّبر عن اتباع من ال يرون له ً‬
‫فضل عليهم(((‪،‬‬
‫والجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫ِ‬
‫بفنون‬ ‫َّاس‬ ‫ِ‬
‫تقــرع الن َ‬
‫ُ‬ ‫بالحالــة التــي‬ ‫وقول��ه‪ ﴿ :‬ﯚﯛﯜﯝ﴾؛ أي‪:‬‬
‫واألرض والجبال بالدك‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واالنفطــار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باالنشــقاق‬ ‫ِ‬
‫واألهوال‪ ،‬والســما َء‬ ‫األفزا ِع‬
‫ِ‬
‫واالنكدار(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالطمس‬ ‫ِ‬
‫والنسف‪ ،‬والنجو َم‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾‪.‬‬
‫�أي‪ :‬شــديدة الصوت لها صرصرة‪ ،‬أو شديدة الربد تحرق بربدها‪ ،‬شديدة‬
‫العصــف كأهنا عتــت على خزاهنا فلــم يتمكنوا من ضبطهــا‪ ،‬أو على عاد؛ فلم‬
‫يقدروا على ردها(((‪.‬‬
‫قوله‪ ﴿:‬ﯹ ﴾‪.‬‬
‫�أي‪ :‬متآكلة األجواف ساقطة‪ ،‬من َخ َوى النجم‪ -‬إذا سقط للغروب‪ ،‬ومن‬
‫َخــوي المنزل‪ -‬إذا خال من قطانه‪ ،‬قالوا‪ :‬كانت تدخل من أفواههم؛ فتُخرج ما‬
‫يف أجوافهم من الحشو من أدبارهم‪ ،‬فالوصف بذلك ِ‬
‫لع َظم أجسامهم‪ ،‬وتقطيع‬
‫الريح لهم‪ ،‬وقطعها لرؤوسهم‪ ،‬وخلوهم من الحياة وتسويدها لهم(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.373 /30 :‬‬


‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.22 /9 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.22 /9 :‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.345 /20 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪262‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫‪ ‬وقد �ش َّبه القر�آن الكافرين حني �أخذهم اهلل بعقابه العاجل ب�أنهم‬
‫﴿ ﯷ ﯸ ﴾‪ ،‬وذلك يف مو�ضعني‪:‬‬
‫�أحدهما‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [الحاقة‪.]7 :‬‬
‫وثانيهما‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾ [القمر‪.]20 :‬‬
‫فتشبيههم بأعجاز النخل دون غيرها من األطراف؛ لإلشعار بأهنم أبيدوا‬
‫من أصلهم‪ ،‬فلم تبق لهم باقية‪.‬‬
‫وبــدأ ‪ ‬بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشــرفة؛‬
‫ألن التخويــف باألقرب أقعد‪ ،‬وختم بقوم نــوح ڠ؛ ألهنم كانوا جميع أهل‬
‫األرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم‪.‬‬
‫ولمــا كانت هــذه الســورة لتحقيق األمور‪ ،‬وكشــف المشــكل وإيضاح‬
‫الخفــي؛ حقق فيها زمن عذاهبــم تحقي ًقا لم يتقدم مثله‪ ،‬فذكــر األيام والليالي‪،‬‬
‫وقدم الليالي؛ ألن المصائب فيها أفظع وأقبح وأشــنع؛ لقلة المغيث‪ ،‬والجهل‬
‫بالمأخذ‪ ،‬والخفاء يف المقاصد والمنافذ(((‪.‬‬
‫وقول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾‪ :‬قــال قتــادة ‪ :$‬األذن‬
‫الواعية‪ٌ :‬‬
‫أذن عقلت عن اهلل تعالى‪ ،‬وانتفعت بما ســمعت من كتاب اهلل ‪((( ۵‬؛‬
‫فهي ٌ‬
‫أذن من شــأهنا أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه‪ ،‬وال‬
‫تضيعه برتك العمل به‪ ،‬والتنكير للداللة على قلتها‪ ،‬وأن من هذا شــأنه مع قلته؛‬
‫يتسبب لنجاة الجم الغفير‪ ،‬وإدامة نسلهم(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.344 /20 :‬‬


‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪.264 /18 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.23 /9 :‬‬

‫‪263‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪� ‬سنة اهلل يف �إجناء املعظمني له‪:‬‬
‫�أم�ضى اهلل �سنته يف �إجناء �صالح ڠ ومن �آمن معه‪ ،‬وهود ڠ ومن �آمن‬
‫صالحا ڠ ومن آمن به من‬
‫ً‬ ‫معه‪ ،‬قال البقاعي ‪" :$‬وأنجى اهلل ‪‬‬
‫بيــن ثمود ولم تضرهم الطاغية‪ ،‬وهو ًدا ڠ ومن آمن به من بين عاد لم يهلك‬
‫منهــم أحد؛ فدل ذلك داللــة واضحة على أن له تعالى تمــام العلم بالجزئيات‬
‫كما أن له كمال اإلحاطة بالكليات‪ ،‬وعلى قدرته واختياره وحكمته‪ ،‬فال يجعل‬
‫المسلم ً‬
‫أصل كالمجرم وال المسيء كالمحسن(((‪.‬‬
‫‪ ‬و�أم�ضى اهلل ‪� ۵‬سنته يف �إجناء نوح ڠ ومن �آمن معه‪:‬‬
‫وعل��ل اهلل ‪ ۵‬اختي��ار �إجنائه��م بال�س��فينة دون غريها فقال‪ ﴿ :‬ﭧ﴾؛ أي‪:‬‬
‫هــذه الفعالت العظيمة من إنجاء المؤمنين بحيــث ال يهلك منهم بذلك العذاب‬
‫أحد‪ ،‬وإهالك الكافرين بحيث ال يشــذ منهم أحد‪ ،‬وكذا الســفينة التي حملنا فيها‬
‫نوحا ڠ ومن معه بإبقائها آية من آياته وأعجوبة من بدائع بيناته وغريبة يف الدهر‬
‫ً‬
‫من أعجوباته‪...‬؛ لتســتدلوا بذلك على كمال قدرتــه تعالى‪ ،‬وتمام علمه وعظمة‬
‫تعظيما وتذللً‪.‬‬
‫ً‬ ‫رحمته وقهره؛ فيقودكم ذلك إليه‪ ،‬وتقبلوا بقلوبكم عليه(((؛‬
‫‪ ‬منا�سبة الق�ص�ص لتعظيم اهلل‪:‬‬
‫يربز معنى التعظيم يف مصارع المكذبين قو ًما بعد قوم؛ فعاد وثمود وفرعون‬
‫ُوصفوا يف القرآن بالعتو والتكرب والتجرب‪ ،‬وتعاظموا يف أنفســهم؛ فقصمهم اهلل‪،‬‬
‫يد ا ْل ُخــدْ ِر ِّي‪َ ،‬و َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪:‬‬‫ــع ٍ‬
‫كما جاء يف الحديث َعن َأبِي س ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َاري‪َ ،‬وا ْلكِ ْبرِ َيا ُء ِر َدائِي‪َ ،‬ف َم ْن نَا َز َعنِي بِ َش ْي ٍء ِمن ُْه َما َع َّذ ْب ُت ُه»(((‪.‬‬
‫«ا ْل ِع ُّز إِز ِ‬

‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.346 /20 :‬‬


‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.350 /20 :‬‬
‫اب ا ْلكِ ْب ِر‪ .)552( ،‬قال الشيخ األلباين‪ :‬صحيح‪ ،‬انظر‪ :‬السلسة الصحيحة‪.)541( ،‬‬
‫((( األدب المفرد‪َ :‬ب ُ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪264‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫‪ ‬هدايات التعظيم ومقت�ضى العبودية‪:‬‬


‫‪ ‬هدايات التعظيم‪:‬‬
‫‪ ‬قول��ه‪ ﴿ :‬ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾‪ ،‬فيــه تنبيــه علــى أن مــدار نجاهتم‬
‫محــض عصمته تعالى؛ إنما الســفينة ســبب صوري(((‪ ،‬ويف هــذا اإلنجاء بيان‬
‫لعظيــم رحمته بأوليائه‪ ،‬وعظيم قدرته‪ ،‬وعظيم حكمته يف إبقاء من يقوم عليهم‬
‫عمــران األرض‪ ،‬وفيــه حث لقريش علــى اإليمان؛ كما آمن اآلبــاء واألجداد‪،‬‬
‫وأنتم بذلك خالفتم سلفكم‪.‬‬
‫‪ ‬قول��ه‪ ﴿ :‬ﭧ ﴾؛ أي‪ :‬لنجعــل الفعلــة التــي هــي عبــارة عــن إنجاء‬
‫المؤمنيــن‪ ،‬وإغراق الكافرين﴿ ﭨ ﭩ ﴾ عربة وداللة على كمال قدرة الصانع‬
‫وحكمته‪ ،‬وقوة قهره وسعة رحمته(((‪.‬‬
‫‪ ‬مقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫الت�أمل يف ق�ص�ص ال�سابقني‪ُ ،‬بأذن عقلت عن اهلل تعالى‪ ،‬وانتفعت بما سمعت‬
‫من كتاب اهلل ‪ ،۵‬وعقل واع‪ ،‬وقلب يقظ‪ ،‬قال ابن عطية ‪ :$‬يف اآلية ثناء على‬
‫"الرجل ال َف ِهم المنور القلب‪ ،‬الذي يسمع القول؛ فيتلقاه ب َف ْهم وتدبر"(((‪.‬‬
‫‪ ‬ومن الفوائد‪:‬‬
‫‪ ‬المقصــود من قصص هذه األمم وذكــر ما حل هبم من العذاب؛ زجر‬
‫هذه األمة عن االقتداء هبم يف معصية الرسول(((‪.‬‬

‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.23 /9 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.23 /9 :‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.358 /5 :‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪.263 /18 :‬‬

‫‪265‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ــر يف تقديم قوم ثمود وعاد؛ ألهنم عرب‪ ،‬وألهنم من أقرب األمم‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬الس ُّ‬
‫المكذبــة المه َلكة لقريش يف الشــمال والجنوب‪ ،‬وهبم تكون العربة أشــد لمن‬
‫ِّ‬
‫وسمع يعي به عن اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كان له قلب ينتفع به‪،‬‬
‫‪ ‬داللة اجلمع بني فرعون وقوم لوط؟‬
‫يف الجمع بين فرعون وقوم لوط‪ ،‬مع اختالفهما زمانًا‪ ،‬ومكانًا‪ ،‬وخطيئة؛‬
‫إشارة بليغة محكمة‪ ،‬إلى ما بين القوم من نسب قريب يف الضالل‪ ،‬ال من حيث‬
‫صورته‪ ،‬ولكن من حيث واقعه ومضمونه‪.‬‬
‫منكرا‪ ،‬لم يأتــه أحد يف العالمين مــن قبلهم‪ ،‬كما‬
‫‪ ‬فق��وم ل��وط‪ ،‬قــد أتوا ً‬
‫يقول ‪ ‬على لسان نبيهم لوط ڠ‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﴾ [األعراف‪.]80 :‬‬
‫‪ ‬و�أم��ا فرع��ون فقــد كان أمة وحده يف الضالل واالســتعالء؛ ولهذا ذكر‬
‫وحــده‪ ،‬دون أن يكون معه قومه‪ ،‬فهو كيان الضــال كله‪ ،‬الذي نضح منه على‬
‫قومه رذاذ من هذا الضالل؛ فكانوا من المجرمين‪.‬‬
‫ففرعــون صــورة فريــدة يف الجباريــن‪ ،‬وقــوم لــوط صــورة فريــدة يف‬
‫المجرمين(((‪.‬‬
‫ويف الجمــع بينهما دليل على أن المســتبد الظالم ال يتمكن من الســيطرة‬
‫على شعبه إال بنشر الفواحش؛ إللهاء الناس وإشغالها بشهواهتا ونسيان المطالبة‬
‫بحقوقها‪ ،‬وما سقطت األمم واهنارت حضارهتا إال بذلك‪ ،‬والتاريخ خير شاهد‪.‬‬
‫ويف الجمع بينهما يف المصير يف القاع‪ ،‬قاع البحر لفرعون‪ ،‬وقاع األرض‬
‫لقــوم لوط‪ ،‬أهنما نازعــا اهلل يف عظمته وكربيائه‪ ،‬وتعاظما علــى عباد اهلل‪ ،‬روى‬
‫((( التفسير القرآين للقرآن‪ ،‬لعبد الكريم الخطيب‪.1129 /15 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪266‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫مســلم بســنده عن أبي مســلم األغر‪ ،‬أنه حدثه عن أبي ســعيد الخدري‪ ،‬وأبي‬
‫هريــرة قاال‪ :‬قال رســول اهلل ﷺ‪« :‬قــال اهلل‪ :‬العظمــة إزاري‪ ،‬والكبرياء ردائي‪،‬‬
‫فمن ينازعني منها شيئا عذبته»(((‪.‬‬
‫وال��رداء‪ :‬عبارة عــن الجمال والبهاء‪ ،‬والإزار‪ :‬عبارة عن الجالل والســتر‬
‫والحجــاب؛ فكأنه قال‪ :‬ال تليق الكبرياء إال بي؛ ألن من دوين صفات الحدوث‬
‫الزمة له‪ ،‬وســمة العجز ظاهرة عليــه‪ ،‬والإزار‪ :‬عبارة عــن االمتناع عن اإلدراك‬
‫علما وكيفية لذاتــه وصفاته؛ فكأنه قال‪ :‬حجبت خلقي عن إدراك‬ ‫واإلحاطــة به ً‬
‫ذاتي‪ ،‬وكيفية صفاتي بالجالل والعظمة(((‪.‬‬
‫قــد ابتلــع البحــر فرعــون ومن معــه‪ ،‬كمــا ابتلعــت األرض قــوم لوط‪،‬‬
‫واحتوهتم ومنازلهم يف بطنها؛ إهنم هووا جمي ًعا إلى القاع؛ َف َذل بذلك لعظمته ‪۵‬‬
‫لع َظم ربوبيته المتعاظمون‪.‬‬‫المتكربون‪ ،‬واستكان ِ‬

‫املطلب الثالث‪ :‬عظمة اهلل يف م�شاهد القيامة‪.‬‬


‫بعد أن ب َّين ‪ِ ‬ع َظم شــأن الحاقة بإهالك مكذبيها‪ ،‬شــرع يف بيان‬
‫نفس الحاقــة وكيفية وقوعها‪ ،‬فقــال‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ [الحاقة‪.]18 -13 :‬‬
‫العر�ش‪ :‬هو السرير المشهور فيما بين العقالء(((‪.‬‬
‫قول��ه‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾‪ :‬قــال ابــن عبــاس ﭭ‪ :‬هــي النفخــة‬
‫األولى لقيام الساعة‪ ،‬فلم يبق أحد إال مات(((‪.‬‬
‫((( صحيح مسلم‪ :‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب تحريم الكرب (‪ )2023 /4‬رقم (‪.)136‬‬
‫((( فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬للمناوي‪.484 /4 :‬‬
‫((( االعتقاد‪ ،‬للبيهقي‪( :‬ص‪.)112‬‬
‫((( الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪.264 /18 :‬‬

‫‪267‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وقول��ه‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﴾؛ أي‪ :‬قلعــت ورفعــت مــن أماكنها بمجرد‬
‫القدرة اإللهية‪ ،‬أو بتوسط الزلزلة‪ ،‬أو الريح العاصفة(((‪.‬‬
‫وملا كان املَلِك ُي ْظهِر يوم العر�ض �س��رير ملكه وحمل عزه قال‪ ﴿ :‬ﮊ ﮋ ﴾‪،‬‬
‫َــزل عليه هذا الذكر‬
‫للمن َّ‬ ‫أمرا ً‬
‫هائل مقط ًعا للقلوب‪ ،‬قال ُمؤن ًِّســا ُ‬ ‫ولمــا كان هذا ً‬
‫ُم َؤ ِّمنًا له من كل ما يحذر‪ ﴿ :‬ﮌ ﴾؛ أي‪ :‬المحسن إليك بكل ما يريده‪ ،‬ال سيما‬
‫يف ذلك اليوم بما ُي ْظ ِهر من رفعتك(((‪.‬‬
‫قوله‪ ﴿ :‬ﮑ ﮒ ﴾‪.‬‬
‫العر�ض‪ :‬عبارة عن المحاســبة والمساءلة‪ ،‬أي‪ :‬تسألون وتحاسبون‪ ،‬عرب‬
‫تشبيها له بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم(((‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عنه بذلك؛‬
‫قوله‪( :‬خافِ َيةٌ)‪ :‬سريرة‪ ،‬وحال كانت تخفى يف الدنيا بسرت اهلل عليكم‪.‬‬
‫‪ ‬منا�سبة الآيات ملق�صد التعظيم‪:‬‬
‫يــرز معنى التعظيم يف مشــهد القيامة المروع‪ ،‬ويف هنايــة الكون الرهيبة‪،‬‬
‫ويف جالل التجلي كذلك وهو أروع وأهول‪ ،‬ذلك الهول وهذا الجالل يخلعان‬
‫الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن ذلك األمر المهول‪ ،‬ويشاركان يف‬
‫تعميق ذلك المعنى يف الحس مع سائر إيقاعات السورة وإيحاءاهتا‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ثواب املعظمني هلل يوم القيامة‪.‬‬
‫ق��ال تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [الحاقة‪.]24 -19 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.23 /9 :‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.355 /20 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.24 /9 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪268‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫هذا مشــهد الناجــي يف ذلك اليــوم العظيم هولــه‪ ،‬وهو ينطلــق يف فرحة‬
‫غامرة‪ ،‬بين الجموع الحاشدة‪ ،‬تمأل الفرحة جوانحه‪.‬‬
‫وظ َننْتُ ‪ :‬علمت‪ .‬وإنما أجرى الظن مجرى العلم؛ ألن الظن الغالب يقام‬
‫َ‬
‫مقام العلم يف العادات واألحكام(((‪.‬‬
‫يخرب تعالى عن ســعادة من أويت كتابه يــوم القيامة بيمينه‪ ،‬وفرحه بذلك‪،‬‬
‫وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه‪ :‬خذوا اقرؤوا كتاب أعمالي؛ إين علمت‬
‫ٍ‬
‫ومــاق جزائي‪ ،‬فهو يف عيشــة مرضية؛ لما يراه‬ ‫يف الدنيــا وأيقنــت أين مبعوث‪،‬‬
‫من النعيم الدائم‪ ،‬يف جنــة رفيعة المكان والمكانة‪ ،‬ثمارها قريبة ممن يتناولها‪،‬‬
‫تكريما لهم‪ :‬كلوا واشــربوا ً‬
‫أكل وشر ًبا ال أذى فيه بما قدمتم من األعمال‬ ‫ً‬ ‫يقال‬
‫الصالحات يف األيام الماضية يف الدنيا‪.‬‬
‫˚ هدايات التعظيم‪:‬‬
‫بيان جزاء التعظيم يف الآخرة‪ :‬ومنها‪:‬‬
‫‪� -1‬إيتاء الكتاب باليمني‪ ،‬عالمة على أنه إيتاء كرامة وتبشير‪.‬‬
‫‪ -2‬الفرح وال�سرور و�سط ال�صاحلني‪ ،‬فالخطاب يف قوله‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﴾‬
‫للصالحين من أهل المحشر‪.‬‬
‫‪ -3‬العي�ش��ة الرا�ضية‪ ،‬فقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ ذات رضا؛ وذلك‬
‫لكوهنا صافية عن الشوائب‪ ،‬دائمة مقرونة بالتعظيم(((‪.‬‬
‫˚ ومن الفوائد‪:‬‬
‫أفــردت ضمائر الفريق الذي أويت كتابه بيمينه فيما تقدم‪ ،‬ثم جاء الضمير‬

‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.603 /4 :‬‬


‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.25 /9 :‬‬

‫‪269‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ضمير جمع عند حكاية خطاهبم؛ ألن هذه الضمائر السابقة حكيت معها أفعال‬
‫ممــا يتلبــس بكل فرد من الفريق عند إتمام حســابه‪ .‬وأما ضمير ﴿ ﮐ ﮑ ﴾‬
‫فهــو خطاب لجميــع الفريق بعد حلولهــم يف الجنة‪ ،‬كما يدخــل الضيوف إلى‬
‫المأدبــة؛ فيحيــي كل داخــل منهم بــكالم يخصه‪ ،‬فإذا اســتقروا؛ أقبــل عليهم‬
‫مضيفهم بعبارات اإلكرام(((‪.‬‬
‫˚ مقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫تقدمي الإميان والأعمال ال�صاحلة؛ فقوله‪ ﴿ :‬ﮢﮣﮤﮥﮦ﴾ كناية عن‬
‫استعداده للحساب؛ بتقديم اإليمان واألعمال الصالحة مما كان سبب سعادته(((‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬عقاب َمن ال يرجون هلل عظمة يوم القيامة‪.‬‬
‫ق��ال تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ‬
‫ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ‬
‫ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﴾ [الحاقة‪.]37 -25 :‬‬
‫فقيرا ً‬
‫ذليل‪ -‬و�سلكه‬ ‫َهلَ َك َع ِّني ُ�س ْلطا ِن َي ْه‪ُ :‬ملكي وتسلطي على الناس‪ ،‬وبقيت ً‬
‫يف ال�سل�س��لة‪ :‬أن ُتلوى على جســده حتى تلتف عليه أثناؤها‪ ،‬وهو فيما بينها مرهق‬
‫مضيق عليه ال يقدر على حركة‪ .‬والغ�سلني‪ :‬غسالة أهل النار‪ ،‬وما يسيل من أبداهنم‬
‫والاطِ ُئو َن‪ :‬اآلثمون أصحاب الخطايا(((‪ ،‬وهم المشركون‪.‬‬‫من الصديد والدم‪ْ ،‬‬
‫يخرب ‪ ‬عن من ُأ ْعطي كتاب أعماله بشماله؛ فيقول من شدة الندم‪:‬‬
‫ِ‬
‫المستوجبة لعذابي‪ ،‬ويا‬ ‫يا ليتني لم َ‬
‫أعط كتاب أعمالي لما فيه من األعمال الســيئة‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.134 /29 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.132 /29 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.604 /4 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪270‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫ليتني لم أعرف أي شيء يكون حسابي‪ ،‬ويا ليت الموتة التي متَّها كانت الموتة التي‬
‫ال ُأ ْب َعث بعدها أبدً ا‪ ،‬لم يدفع عني مالي من عذاب اهلل شي ًئا‪ ،‬غابت عني حجتي وما‬
‫وجاه‪ ،‬ويقال‪ :‬خذوه ‪-‬أيها المالئكة‪ -‬واجمعوا يده إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كنت أعتمد عليه من قوة‬
‫حرها‪ ،‬ثم أدخلوه يف سلســلة طولها ســبعون ذرا ًعا‪،‬‬‫عنقه‪ ،‬ثم أدخلوه النار ليعاين َّ‬
‫يحث غيره على إطعام المســكين‪ ،‬فليس له يوم‬ ‫إنه كان ال يؤمن باهلل العظيم‪ ،‬وال ُّ‬
‫قريب يدفع عنه العذاب‪ ،‬وليس له طعام يطعمه إال من عصارة أبدان أهل‬ ‫القيامــة ٌ‬
‫النار‪ ،‬وال يأكل ذلك الطعام إال أصحاب الذنوب والمعاصي(((‪.‬‬
‫�إن ه ��ؤالء ق��د خل��ت قلوبه��م‪ :‬مــن اإليمان بــاهلل العظيم‪ ،‬والرحمــة بالعباد‬
‫الصلي يف الجحيم؛ جزاء بما كانوا يعملون‪.‬‬ ‫المساكين؛ لذلك كان مصيرهم ِّ‬
‫❁ هدايات التعظيم‪:‬‬
‫جزاء غري املعظمني‪:‬‬
‫‪ -1‬ال�صِّ لي يف النار‪ :‬فقوله‪ ﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﴾؛ أي‪ :‬ال تصلوه إال الجحيم وهي‬
‫النار العظيمة؛ ليكون الجزاء على وفق المعصية‪ ،‬حيث كان يتعاظم على الناس(((‪.‬‬
‫‪�َ -2‬سلكه يف �سل�سلة ُتلوى على ج�سده حتى تلتف عليه‪ ،‬فقوله‪ ﴿ :‬ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﴾‪ ،‬جعــل اهلل تعالــى الســبعمائة‪ ،‬والســبعين‪ ،‬والســبعة‪،‬‬
‫مواقف وهنايات ألشياء عظام(((‪ ،‬تتناسب مع سياق السورة وجوها‪.‬‬
‫❁ ومن الفوائد‪:‬‬
‫يف و�صفه ‪ ۵‬بالعظمة يف قوله‪ ﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ لطائف‪:‬‬
‫◈ منه��ا‪ :‬أنــه لما كانت عظمة الملك موجب ًة لزيــادة النكال لمن يعانده‬

‫((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم‪ ،‬مركز تفسير للدراسات القرآنية‪.568 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.26 /9 :‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.361 /5 :‬‬

‫‪271‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫على قدر علوها‪ ،‬وكان الذي أورث هذا الشقي هذا الخزي هو تع ُّظمه على أمر‬
‫اهلل وعباده؛ أشار إلى أنه ال يستحق العظمة غيره سبحانه فقال‪ ﴿ :‬ﰐ ﴾؛ أي‪:‬‬
‫الكامل ِ‬
‫الع َظم(((‪.‬‬
‫◈ ومنها‪ :‬اإليذان بأنه المستحق للعظمة فحسب‪ ،‬فمن نسبها إلى نفسه؛‬
‫استحق أعظم العقوبات(((‪.‬‬
‫يتعرى فيه كل ذي ســلطان من ســلطانه‪ ..‬فقد‬
‫◈ ومنها‪ :‬أن يوم القيامة َّ‬
‫كان للناس يف الدنيا شيء من اإلرادة‪ ،‬والتصرف‪ ،‬والملك والسلطان‪ ،‬ولكنهم‬
‫كل شيء؛ ولهذا يقول الحق سبحانه‬‫وتعروا من ِّ‬
‫يف هذا اليوم ســلبوا كل شيء‪َّ ،‬‬
‫يف هــذا اليــوم‪ ﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﴾ [غافــر‪]16 :‬؛ «فيجيب نفســه فيقول‪ ﴿ :‬ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﴾ [غافر‪.(((»]16 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن هذا ِ‬
‫الع َظم من العذاب؛ بسبب كفرهم بعظيم‪.‬‬ ‫◈‬
‫‪ -3‬قولــه‪ ﴿ :‬ﰒﰓﰔﰕﰖ﴾؛ أي‪ :‬ال يقــوم بحق اهلل عليه من طاعته‬
‫وعبادته‪ ،‬وال ينفع خلقه ويؤدي حقهم؛ فإن هلل على العباد أن يوحدوه وال يشركوا‬
‫به شي ًئا‪ ،‬وللعباد بعضهم على بعض حق اإلحسان والمعاونة على الرب والتقوى(((‪.‬‬
‫‪ -4‬يف الآيات دليالن قويان على عِ َظم اجلرم يف حرمان امل�سكني‪:‬‬
‫�أحدهما‪ :‬عطفه على الكفر‪ ،‬وجعله قرينة له‪.‬‬
‫أن تارك الحض هبــذه المنزلة‪،‬‬‫والثاين‪ :‬ذكر الحــض دون الفعل؛ ليعلــم َّ‬
‫فكيف بتارك الفعل(((‪.‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.370 /20 :‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.26 /9 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬للطربي‪.366 /21 :‬‬
‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪.216 /8 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.605 /4 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪272‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫وخصــت هذه الخلة من خالل الكافــر بالذكر؛ ألهنا من أضر الخالل يف‬
‫البشر إذا كثرت يف قوم؛ هلك مساكنهم(((‪.‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪ :‬ال َق َ�سم العظيم وداللته على التعظيم‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [الحاقة‪.]43 -38 :‬‬
‫َأقســم اهلل بما تشاهدون‪ ،‬وأقســم بما ال تشاهدون‪ ،‬إن القرآن لكالم اهلل‪،‬‬
‫يتلوه على الناس رسوله الكريم‪ ،‬وليس بقول شاعر؛ ألنه ليس على نظم الشعر‪،‬‬
‫قليل ما تؤمنون‪ ،‬وليس بقول كاهن‪ ،‬فكالم الكهان أمر ُم َغايِر لهذا القرآن‪ً ،‬‬
‫قليل‬ ‫ً‬
‫ما تتذكرون‪ ،‬ولكنه منزل من رب الخالئق كلهم(((‪.‬‬
‫‪ ‬من مظاهر عظمة اهلل َت�أْ ِل ِ‬
‫يف ا ْل ُق ْر�آنِ ‪:‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َق ْب َل َأ ْن ُأ ْسلِ َم‪،‬‬ ‫ال َّطابِ ﭬ‪َ :‬خ َر ْج ُت َأ َت َع َّر ُض َر ُس َ‬ ‫َقا َل ُع َم ُر ْب ُن ْ َ‬
‫ت‬‫ور َة ا ْل َحا َّق ِة‪َ ،‬ف َج َع ْل ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َو َجدْ ُت ُه َقدْ َس َب َقني إِ َلى ا ْل َم ْسجد‪َ ،‬ف ُق ْم ُت َخ ْل َف ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫اس َت ْفت ََح ُس َ‬
‫آن‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ه َذا واهللِ َش ِ‬
‫ــاع ٌر ك ََما َقا َل ْت ُق َر ْي ٌش‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َأعجب ِمن ت َْألِ ِ‬
‫يف ا ْل ُق ْر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ُ ْ‬
‫َاه ٌن‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َف َقــر َأ‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ :‬ك ِ‬
‫َ‬
‫﴿ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫آخ ِ‬
‫ــر‬ ‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ﴾ [الحاقــة‪ ،]47 -42 :‬إِ َلــى ِ‬
‫السور ِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َو َق َع ْ ِ‬
‫ال ْسال ُم فِي َق ْلبِي ك َُّل َم ْوقِ ٍع(((‪.‬‬ ‫ُّ َ‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.361 /5 :‬‬
‫((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم‪ ،‬مركز تفسير للدراسات القرآنية‪.568 :‬‬
‫((( مسند اإلمام أحمد‪ :‬مسند عمر بن الخطاب (‪ ،)108‬قال محققه‪ :‬إسناده ضعيف النقطاعه‪ ،‬وأورده‬
‫الهيثمــي يف "مجمــع الزوائــد" ‪ ،62 /9‬وقال‪ :‬رواه الطرباين يف "األوســط"‪ ،‬ورجالــه ثقات إال أن‬
‫شريح بن عبيد لم يدرك عمر‪.‬‬
‫َ‬

‫‪273‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فتأمل أثر القرآن العظيم يف القلب المستعد الستقبال الحق‪.‬‬
‫ق��ال قت��ادة ب��ن دعام��ة ‪ :$‬أراد اهلل تعالى أن يعمم يف هذا القســم جميع‬
‫مخلوقاتــه‪ ،‬وقال ابن عطــاء‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ ﴾‪ ،‬من آثار القــدرة ﴿ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ من‬
‫أسرار القدرة(((‪.‬‬
‫فقد "جمع اهلل يف هذا القسم كل ما الشأن أن يقسم به من األمور العظيمة‬
‫من صفات اهلل تعالــى‪ ،‬ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته‪ ،‬إذ يجمع ذلك‬
‫كلــه الصلتان بما تبصــرون وما ال تبصرون‪ ،‬فمم��ا يب�ص��رون‪ :‬األرض والجبال‬
‫والبحــار‪ ،‬والنفــوس البشــرية‪ ،‬والســماوات والكواكــب‪ ،‬وم��ا ال يب�ص��رون‪:‬‬
‫األرواح‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬وأمور اآلخرة"(((‪.‬‬
‫‪ ‬من الفوائد‪:‬‬
‫خ�ص قوله‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾‪ ﴿ ،‬ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ بالذكر دون قولهم‪ :‬افرتاه‪،‬‬
‫أو هــو مجنون؛ ألن الوصف بكريــم كاف يف نفي أن يكون مجنونًا أو كاذ ًبا؛ إذ‬
‫ليــس المجنون وال الكاذب بكريم‪ ،‬فأما الشــاعر والكاهــن فقد كانا معدودين‬
‫عندهم من أهل الشرف(((‪.‬‬
‫املطلب ال�سابع‪ :‬التهديد العظيم للمتق ِّول على العظيم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الكــذاب عليه‪ ،‬بــل ال ُبدَّ أن يظهــر كذبه‪ ،‬وأن‬ ‫يبيــن ســبحانه أنه ال يؤ ِّيد‬
‫ينتقم منه‪ ،‬وهذه ســنته وعادته ســبحانه يف الكذاب‪ ،‬فقــال تعالى‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﴾ [الحاقة‪.]48 :‬‬
‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.362 /5 :‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.141 /29 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.142 /29 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪274‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫ــول علينا محمد بعض األقاويــل التي لم نقلها‪،‬‬ ‫يق��ول ج � َّل ذك��ره‪ :‬ولو َت َق َّ‬
‫ــرق المتصل‬ ‫ِ‬
‫النتقمنــا منــه وأخذنــا منه بالقوة منــا والقدرة‪ ،‬ثــم لقطعنا منه الع ْ‬
‫بالقلــب‪ ،‬فليس منكم مــن يمنعنا منه‪ ،‬فبعيــد أن َي َت َق َّول علينا مــن أجلكم‪ ،‬وإن‬
‫القرآن لموعظة للمتقين لرهبم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه(((‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﴾؛ أي‪ :‬كلف نفســه أن يقول مرة من الدهر كذ ًبا‪،‬‬
‫﴿ ﮈ﴾‪ :‬علــى ما لنا من صفــات العظمة والجالل والبهاء والكمال والكربياء‪،‬‬
‫﴿ ﮉ ﮊ ﴾ التــي لــم نقلهــا أو قلناهــا ولم نأذن لــه فيهــا‪ ﴿ ...‬ﮌ ﴾؛ أي‪:‬‬
‫قوة وغضب وقهــر وإهالك‪ ،‬وأكده لإلعالم بشــدة الغضب من‬ ‫أخــذ ٍ‬
‫َ‬ ‫بعظمتنــا‬
‫الكذب وشدة قبحه‪.‬‬
‫وق��د قي��ل‪ :‬إن معنــى قوله‪ ﴿ :‬ﮌﮍﮎ﴾‪ :‬ألخذنا منه باليد اليمنى من‬
‫يديه(((‪.‬‬
‫مشــيرا إلى شــدة بشــاعته‬
‫ً‬ ‫ولمــا صــور مبدأ اإلهالك بأفظع صورة؛ أتمه‬
‫حتما بــا مثنوية بما لنا مــن العظمة قط ًعا‬
‫بحــرف الرتاخــي فقــال‪ ﴿ :‬ﮐﮑ﴾ ً‬
‫يتالشــى عنــده كل قطــع‪ ﴿ ،‬ﮒ ﮓ ﴾؛ أي‪ :‬العــرق األعظــم يف العنــق الثابت‬
‫الدائم المتين الذي يســمى الوريد‪ .‬وعن ابن عباس ﭭ أنه نياط القلب‪ ،‬ويف‬
‫القاموس‪ :‬عرق يف القلب إذا انقطع مات صاحبه‪ .‬واختير التعبير به؛ ألن مادته‬
‫هبذا الرتتيب تدور على المتانة والدوام‪ ،‬فلذا كان يفوت صاحبه بفواته‪.‬‬
‫✍ هدايات التعظيم‪:‬‬
‫تقول عليه بعض األقاويل‪،‬‬
‫بيان أن كماله وحكمته وعظمته تأبى أن يقر من َّ‬
‫المتقولين عليه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫بل ال بد أن يجعله عربة لعباده‪ ،‬كما جرت بذلك سنته يف‬
‫((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم‪ ،‬مركز تفسير للدراسات القرآنية‪.568 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬للطربي‪.593 /23 :‬‬

‫‪275‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫✍ ومن الفوائد‪:‬‬
‫تقــو ًل؛ ألنــه قــول‬
‫‪ -1‬قولــه‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾‪ ،‬ســمي االفــراء ُّ‬
‫تحقيرا لها(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫متكلف واألقوال المفرتاة أقاويل؛‬
‫‪ -2‬خص اليمين عن اليسار؛ ألن ا ْل َقت ََّال إذا أراد أن يوقع الضرب يف قفاه‬
‫أخذ بيســاره‪ ،‬وإذا أراد أن يوقعه يف ِجيده وأن يكفحه بالســيف‪ ،‬وهو أشد على‬
‫المصبور؛ لنظره إلى السيف أخذ بيمينه(((‪.‬‬
‫ِّ‬
‫للمكذب بالقر�آن العظيم ومقت�ضى‬ ‫املطلب الثامن‪ :‬الندامة العظيمة‬
‫العبودية للعظمة الإلهية‪.‬‬
‫ق��ال تع��اىل‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ [الحاقة‪.]52 -49 :‬‬
‫وإنــا لنعلــم أن من بينكم َم ْن يكــذب هبذا القــرآن‪ ،‬وإن التكذيب بالقرآن‬
‫َلندامة عظيمة يوم القيامة‪ ،‬وإن القرآن لهو حق اليقين ا َّلذي ال مِ ْرية وال ريب أنَّه‬
‫فنز ْه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ربك عما ال يليق به‪ ،‬واذكر اسم ربك العظيم‪.‬‬
‫من عند اهلل‪ِّ ،‬‬
‫لمــا ع َّظم ‪ ‬يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال‪ ،‬وعظم من‬
‫طريقة إهالكه للمكذبين يف اليوم العظيم؛ ختم بتعظيم الذي بأمره تقوم الساعة‪،‬‬
‫كريما يبين‬ ‫ً‬
‫رســول ً‬ ‫وبرحمته أنزل كتا ًبا يدلهم على طريقه المســتقيم‪ ،‬وأرســل‬
‫للناس ما جاء يف الكتاب العظيم من أحكام وحكم هتديهم إلى طريق النجاة‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾‪.‬‬
‫أمر تعالى نبيه بالتســبيح باسمه العظيم‪ .‬ويف ضمن ذلك االستمرار على‬

‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.27 /9 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.607 /4 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪276‬‬


‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية ومقتضى العبودية‬

‫ــن َعامِ ٍر َق َال‪َ :‬ل َّما‬


‫رســالته‪ ،‬والمضي ألدائها وإبالغهــا(((‪ .‬وقد روي َع ْن ُع ْق َبة ْب ِ‬
‫وهــا فِــي‬ ‫ــال رس ُ ِ‬
‫«اج َع ُل َ‬‫ــول اهَّلل ﷺ‪ْ :‬‬ ‫ــت ﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ [الواقعــة‪َ ]74 :‬ق َ َ ُ‬ ‫ن ََز َل ْ‬
‫ــول اهَّللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ــت ﴿ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [األعلى‪َ ،]1 :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ُــم»‪َ ،‬ف َل َّمــا ن ََز َل ْ‬ ‫ِ‬
‫ُركُوعك ْ‬
‫«اجع ُلوها فِي سج ِ‬
‫ودك ُْم»(((‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫والتســبيح بما فيه مــن تنزيه وتمجيد‪ ،‬وبما فيه من عبودية وخشــوع؛ هو‬
‫الشعور الذي يخالج القلوب اليقظة؛ لقدرة اهلل العظيم‪ ،‬وعظمة الرب الكريم؛‬
‫وشكرا على‬
‫ً‬ ‫بالتقول عليه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫تنزيها له عن الرضا‬
‫أي‪ :‬فســبح بذكر اسمه العظيم؛ ً‬
‫الضــال‪ ،‬وعلى‬
‫وشــكرا لعصمتــه ألمتك مــن الوقوع يف َّ‬
‫ً‬ ‫مــا أوحــي إليك(((‪،‬‬
‫توفيقهم يف ا ِّتباع سنَّتك‪.‬‬
‫وم��ن الت�س��بيح املق�ترن بالتعظيم هلل بالل�س��ان م��ا رواه البخاري ب�س��نده عن‬
‫أبــي هريــرة‪ ،‬عن النبــي ﷺ قال‪« :‬كلمتــان خفيفتــان على اللســان‪ ،‬ثقيلتان يف‬
‫الميزان‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن‪ :‬سبحان اهلل العظيم‪ ،‬سبحان اهلل وبحمده»(((‪.‬‬
‫ف ��إن قي��ل‪ :‬فمــا الفائدة يف دخول الباء يف قولــه‪ ﴿ :‬ﮯﮰﮱﯓ﴾‪ ،‬ولم‬
‫تدخل يف قوله‪ ﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [األعلى‪.]1 :‬‬
‫قي��ل‪ :‬التســبيح يراد به التنزيــه والذكر المجرد دون معنــى آخر‪ ،‬ويراد به‬
‫تســبيحا‪ ،‬فإذا‬
‫ً‬ ‫ذلك مع الصالة وهو ذكر وتنزيه مع عمل؛ ولهذا تســمى الصالة‬

‫((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬البن عطية‪.363 /5 :‬‬


‫اب الت َّْسبِيحِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل في ُركُوعه َو ُس ُ‬
‫ــجوده‪ ،)869( ،‬وسنن ابن ماجه‪َ :‬ب ُ‬ ‫اب َما َي ُق ُ‬
‫ول َّ‬ ‫((( ســنن أبي داود‪َ :‬ب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــجود‪ ،‬قال األلباين‪ :‬حديث حســن‪( ،‬مشــكاة المصابيح‪ ،)879 :‬وقــال النووي‪:‬‬ ‫الركُــو ِع َو ُّ‬
‫الس ُ‬ ‫فــي ُّ‬
‫إسناده حسن‪ ،‬ورواه الحاكم يف المستدرك وقال‪ :‬صحيح‪.)3783( ،‬‬
‫((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬ألبي السعود‪.28 /9 :‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب الدعوات‪ :‬باب فضل التسبيح‪.)6406( ،‬‬

‫‪277‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫أريــد التســبيح المجرد فــا معنى للباء؛ ألنــه ال يتعدى بحرف جــر‪ ،‬ال تقول‪:‬‬
‫تنبيها‬
‫ســبحت بــاهلل‪ ،‬وإذا أردت المقرون بالفعل وهــو الصالة أدخلت البــاء؛ ً‬
‫مفتتحا باسم ربك‪ ،‬أو ناط ًقا باسم ربك(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫على ذلك المراد‪ ،‬كأنك قلت‪ :‬س ِّبح‬
‫‪� ‬أحوال املعظمني هلل رب العاملني‪:‬‬
‫‪ -1‬قال الإمام العز بن عبد ال�سالم ‪" :$‬من كانت حاله حال المعظمين‬
‫الهائبين؛ َف َذكَر العظمة‪ ،‬أو ُذك َِّر هبا كانت حاله حال المعظمين‪ ،‬وسماعه سماع‬
‫الهائبين المعظمين"(((‪.‬‬
‫‪ -2‬ويق��ول‪ ..." :‬فــإذا أردت معرفة مراتب الرجــال؛ فانظر إلى ما يظهر‬
‫عليهــم من اآلثــار‪ ،‬ويغلب عليهم من األقــوال واألعمال‪ ...‬ومــن غلب عليه‬
‫االنقباض والذل عند ذكر العظمة والجالل؛ فهو من الهائبين المعظمين"(((‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫((( بدائع الفوائد‪ ،‬البن القيم‪.20 /1 :‬‬


‫((( قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬للعز بن عبد السالم‪.221 /2 :‬‬
‫((( المرجع السابق‪.227 /2 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪278‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫املبحث الثالث‬
‫مناذج من �أفانني ال�سورة يف تقرير العظمة الإلهية‬

‫حوى القر�آن الكرمي �ضرو ًبا من فنون القول والبيان‪ ،‬ففيه‪ :‬اإلنشاء والخرب‪،‬‬
‫والمواعــظ‪ ،‬والقصص‪ ،‬واألقســام‪ ،‬واألمثــال‪ ،‬والحوار والمناظــرة‪ ،‬والجدل‪،‬‬
‫واالستدالل‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وكلها يستعملها القرآن يف إقرار قضاياه يف النفوس‪.‬‬
‫�أفانني‪:‬‬
‫قال ابن فار�س ‪:$‬‬
‫ف��ن‪ :‬الفــاء والنون أصالن صحيحان‪ ،‬يدل أحدهما علــى َت ْعن ِ َية‪ ،‬واآلخر‬
‫على ضرب من الضروب يف األشياء كلها‪.‬‬
‫واالطراد الشديد‪ .‬يقال‪ :‬فنَنْتُه فنًّا‪ ،‬إذا أطردته وعنَّيته‪.‬‬
‫َ‬ ‫فالأول‪ :‬الفن‪ ،‬وهو التعنية‬
‫والآخ��ر الأفان�ين‪ :‬أجنــاس الشــيء وطرقه‪ .‬ومنــه ال َفنن‪ ،‬وهــو الغصن‪،‬‬
‫وجمعه أفنان(((‪.‬‬
‫الـمراد‪.‬‬
‫والمعنى الثاين هو ُ‬
‫و�أفانني الكالم‪ :‬أساليبه و ُطرقه وأجناسه(((‪.‬‬
‫و�أفان�ين الق��ر�آن الك��رمي‪ :‬هــو أســلوبه وطريقتــه التي انفرد هبــا يف تأليف‬
‫كالمه واختيار ألفاظه‪.‬‬
‫ومن الأفانني‪:‬‬
‫‪ -1‬أفانين فصاحة مفردات القرآن وبالغة ُجمله‪.‬‬
‫‪ -2‬أفانين األساليب‪.‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.435 /4 :‬‬
‫((( معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬ألحمد مختار عمر‪.1746 /3 :‬‬

‫‪279‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫املطلب الأول‪� :‬أفانني ف�صاحة مفردات القر�آن وبالغة ُجمله‪.‬‬
‫ونق�صد بها هنا‪ :‬طريقته التي انفرد بها يف ت�أليف كالمه واختيار �ألفاظه‪.‬‬
‫واختيــار األلفــاظ يف النَّظــم كاختيــار الجواهــر يف ِ‬
‫العقــد الثميــن؛ يعلو‬
‫هبــا المعنى مرت ًقــى تنقطع األطمــاع دونه‪ ،‬والقــرآن يتأنق يف اختيــار األلفاظ‪،‬‬
‫كل حيث ُيؤ َّدى معناه يف دقة فائقة تكاد ُتؤمِن معها بأن هذا المكان‬ ‫ويســتخدم ًّ‬
‫إنما اختيرت له هذه اللفظة دون سواها‪.‬‬
‫ت�أم��ل قول��ه تعاىل‪ ﴿ :‬ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾ [الحاقة‪ ،]11 :‬المستعار منه‬
‫التكرب والعلو‪ ،‬والمســتعار له هو ظهور الماء‪ ،‬والجامع بينهما خروج الحد يف‬
‫االستعالء المضر‪.‬‬
‫ومنه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ﴾ [الحاقة‪]6 :‬؛ فال ُعتو‬
‫مســتعار من التكرب والشــموخ‪ ،‬والمســتعار له هو الريح‪ ،‬والجامــع بينهما هو‬
‫اإلضرار البالغ‪.‬‬
‫وهما من ا�ستعارة املعقول للمح�سو�س‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﴾ [الحاقة‪ ﴿ ،]13 :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [الحاقة‪ ،]14 :‬فإن‬
‫التاء مؤذنة بالوحدة؛ ولكنه أتى بالصفة على جهة المبالغة باإلطناب يف فخامة‬
‫وع َظ ِمه‪.‬‬
‫األمر ِ‬

‫(ما احلا َّقة)‪:‬‬


‫(ما) اســتفهامية يراد هبا التعظيم‪ ،‬وهي مبتــدأ وخربه ما بعدها‪ ،‬والجملة‬
‫خرب الحا َّقة األولى‪.‬‬
‫اختيار الألفاظ املنا�سبة ملو�ضوع ال�سورة‪:‬‬
‫‪ ‬ألفاظ تدل على ِعظم العذاب‪.‬‬
‫‪ ‬ألفاظ تدل على عظم الذنب‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪280‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫◈� ً‬
‫أول‪ :‬من الألفاظ التي تدل على ِعظم العذاب‪:‬‬
‫الطاغِ َي �ةِ‪ :‬بالواقعــة المجــاوزة للحــد يف الشــدة‪ .‬واختلــف فيها‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫‪ِ -1‬ب َّ‬
‫الرجفة‪ .‬وعن ابن عباس‪ :‬الصاعقة‪ .‬وعن قتادة‪ :‬بعث اهلل عليهم صيحة فأهمدهتم(((‪.‬‬
‫‪ -2‬ال�صر�ص��ر‪ :‬الشــديدة الصوت لها صرصرة‪ .‬وقيــل‪ :‬الباردة من الصر‪،‬‬
‫كأهنا التي كرر فيها الربد وكثر‪ :‬فهي تحرق لشدة بردها‪.‬‬
‫والعتو‪ .‬أو عتت على عاد‪ ،‬فما قدروا على ر ِّدها‬
‫ِّ‬ ‫‪ -3‬عا ِت َية‪ :‬شديدة العصف‬
‫بحيلة‪ ،‬من استتار ببناء‪ ،‬أو لياذ بجبل‪ ،‬أو اختفاء يف حفرة؛ فإهنا كانت تنزعهم من‬
‫مكامنهم وهتلكهم‪ .‬وقيل‪ :‬عتت على خزاهنا‪ ،‬فخرجت بال كيل وال وزن‪.‬‬
‫‪ -4‬را ِب َي ًة شديدة زائدة يف الشدة‪ ،‬كما زادت قبائحهم يف القبح‪.‬‬
‫ومن ح�سن اختيار الألفاظ؛ اختيار الفرائد القر�آنية‪:‬‬
‫تعريف الفرائد يف اللغة واال�صطالح‪:‬‬
‫لغة‪:‬‬
‫فرد‪ :‬الفاء والراء والدال أصل صحيح يدل على وحدة‪ ...‬والفريد‪ :‬الدر‬
‫إذا نُظم وفصل بينه بغيره(((‪.‬‬
‫والفريــد‪ ،‬بغير هــاء‪ ،‬الجوهرة النفيســة كأهنا مفردة يف نوعهــا‪ ،‬والفريدة‬
‫وهي الشذر من فضة كاللؤلؤة(((‪.‬‬
‫ا�صطالحا‪:‬‬
‫ً‬
‫"إتيان المتكلم بلفظة تتنزل من كالمه منزلة الفريدة من حب العقد‪ ،‬تدل‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.599 /4 :‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.500 /4 :‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪.332 /3 :‬‬

‫‪281‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫على ِعظم فصاحته وقوة عارضته وشدة عربيته؛ حتى إن هذه اللفظة لو سقطت‬
‫من الكالم َل َّ‬
‫عز على الفصحاء غرامتها"(((؛ أي‪ :‬خساراهتا وفقداهنا‪.‬‬
‫ومن التعريف اللغوي واال�صطالحي‪:‬‬
‫ن�س��تخل�ص �أن الفري��دة‪ :‬هــي الشــيء النفيس الذي ال نظير له ســواء أكان‬
‫ماد ًّيا كالذهب والدر‪ ،‬أو معنو ًّيا كالكالم الفريد المفصل‪.‬‬
‫و�إىل احلديث عن الفرائد وداللتها على التعظيم‪:‬‬
‫‪ -1‬ح �س م‪:‬‬
‫قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [الحاقة‪.]7 :‬‬
‫َح َ�س َم‪:‬‬
‫الحاء والسين والميم أصل واحد‪ ،‬وهو قطع الشيء عن آخره‪ .‬فاحل�سم‪:‬‬
‫القطع‪ .‬وســمي السيف حســا ًما‪ .‬ويقال‪ :‬حســامه حده؛ أي‪ :‬ذلك كان فهو من‬
‫القطع‪ .‬فأما قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ [الحاقة‪ ،]7 :‬فيقال‪ :‬هي المتتابعة‪.‬‬
‫ويقال الحسوم الشؤم‪ .‬ويقال‪ :‬سميت حسو ًما؛ ألهنا حسمت الخير عن أهلها‪.‬‬
‫وهذا القول أقيس لما ذكرناه(((‪.‬‬
‫حل ْ�س ُم‪ :‬إزالة أثر الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬قطعه َف َح َس َم ُه؛ أي‪ :‬أزال ما َّدته‪ ،‬وبه ِّ‬
‫سمي‬ ‫وا َ‬
‫بالكي‪ ،‬وقيل للشؤم المزيل ألثر من‬
‫ِّ‬ ‫ــم الداء‪ :‬إزالة أثره‬
‫وح ْس ُ‬
‫الســيف ُح َسا ًما‪َ .‬‬
‫حاسما أثرهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ناله‪ُ :‬ح ُسوم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ [الحاقة‪ ،]7 :‬قيل‪:‬‬
‫حاسما خربهم‪ ،‬وقيل‪ :‬قاط ًعا لعمرهم‪ .‬وكل ذلك داخل يف عمومه(((‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقيل‪:‬‬

‫((( تحرير التحبير‪ ،‬البن أبى األصبع‪ ،‬تحقيق د‪ .‬حفني شرف ص ‪.577 -576‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.57 /2 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.57 /2 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪282‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫ــوما) متتابعة؛ إلجماع‬ ‫ِ‬


‫(ح ُس ً‬
‫ق��ال اب��ن جري��ر الط�بري ‪ُ :$‬عني بقوله‪ُ :‬‬
‫الحجة من أهل التأويل على ذلك(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫وقال ابن عا�شور ‪" :$‬الحسوم لها‬
‫بعضا؛ أي‪ :‬ال فصل بينها‪.‬‬
‫�أحدها‪ :‬أن يكون المعنى‪ :‬يتابع بعضها ً‬
‫املعنى الثاين‪ :‬أن يكون من الحســم وهو القطع؛ أي‪ :‬حاسمة مستأصلة‪،‬‬
‫ومنه سمي السيف حسا ًما؛ ألنه يقطع‪ ،‬أي‪ :‬حسمتهم فلم تبق منهم أحدً ا‪.‬‬
‫مصدرا كالشــكور والدخول؛ فينتصب‬
‫ً‬ ‫املعن��ى الثال��ث‪ :‬أن يكون حســوم‬
‫على المفعول ألجله وعامله‪ :‬سخرها‪ ،‬أي‪ :‬سخرها عليهم الستئصالهم وقطع‬
‫دابرهم‪ ،‬وكل هذه المعاين صالح ألن ُي ْذكَر مع هذه األيام(((‪.‬‬
‫فإيثار هذا اللفظ لمناسبته لعظم العذاب المناسب لعظم الذنب‪.‬‬
‫‪�( -2‬ص ر ع)‪:‬‬
‫قول��ه تع��اىل‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [الحاقة‪.]7 :‬‬
‫�رصع‪:‬‬
‫الصاد والراء والعين أصل واحد يدل على سقوط شيء إلى األرض‪ ،‬ثم‬
‫ال�صرِي ُع من الأغ�صان‪ :‬ما َت َهدَّ َل وســقط إلى‬
‫يحمــل على ذلك ويشــتق منه‪َ ...‬و َّ‬
‫األرض‪ ...‬وم�صارع النا�س‪ :‬مساقطهم(((‪.‬‬
‫الص ْر ُع‪ :‬ال َّطرح‪ .‬يقال‪َ :‬ص َر ْع ُت ُه َص ْر ًعا(((‪.‬‬
‫وال�ص ْرعُ‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.574 /23 :‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.117 /29 :‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.342 /3 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.483 :‬‬

‫‪283‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وق��ال ابن عا�ش��ور ‪ :$‬صرعى جمــع صريع‪ ،‬وهو الملقى على األرض‬
‫ميتًا(((‪.‬‬
‫وهذا دليل على استئصالهم عن آخرهم‪.‬‬
‫وإيثار هذا اللفظ لمناسبته ِ‬
‫لعظم العذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬هـا �أوم‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [الحاقة‪.]19 :‬‬
‫ها�ؤم‪ :‬اسم فعل بمعنى ُخذ‪.‬‬
‫(هــاؤم) بتصاريفــه معتــر اســم فعل أمــر بمعنى‪ :‬خــذ‪ ،‬وبمعنــى َ‬
‫تعال‪،‬‬
‫والخطاب يف قوله‪ ﴿ :‬ﮞ ﮟ ﴾ للصالحين من أهل المحشر(((‪.‬‬
‫الم َع ِّظــم هلل ‪ ۵‬يف ذاته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإيثــار هــذا اللفــظ لبيــان ع َظم فرحــة وســرور ُ‬
‫وأفعاله‪ ،‬وأمره وهنيه‪ ،‬وحرماته‪ ،‬وشعائره‪ ،‬وشرائعه‪.‬‬
‫‪( -4‬و ت ن)‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [الحاقة‪.]46 :‬‬
‫َو َت� َ�ن‪ :‬الواو والتــاء والنون‪ :‬كلمة تدل على ثبــات ومالزمة‪ .‬وا َت َن األمر‪:‬‬
‫الزمه‪ .‬وماء واتِن‪ :‬دائم(((‪.‬‬
‫عرق يسقي الكبد‪ ،‬وإذا انقطع مات صاحبه(((‪.‬‬ ‫ني‪ٌ :‬‬ ‫وال َو ِت ُ‬
‫وإيثار هذا اللفظ لمناسبته ِ‬
‫لعظم ال َّت َقول على اهلل ‪.۵‬‬

‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.118 /29 :‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.131 /29 :‬‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.84 /6 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.483 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪284‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫‪َ -5‬وهِ َي‪:‬‬


‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [الحاقة‪.]16 :‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫الواو والهاء والحرف المعتل يدل على اسرتخاء يف شيء(((‪.‬‬
‫ــت َع َزا َلي‬
‫شــق يف األديــم وال َّثوب ونحوهمــا‪ ،‬ومنه يقال‪َ :‬و َه ْ‬
‫والوَهْ � ُ�ي‪ٌّ :‬‬
‫ٍ‬
‫شيء اسرتخى رباطه فقد َو ِه َي(((‪.‬‬ ‫حاب بمائها‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫عن ابن عبا���س ﭭ‪ :‬قولــه‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ يعني‪ِّ :‬‬
‫متمزقة‬
‫ضعيفة(((‪.‬‬
‫وق��ال الزخم�ش��ري ‪" :$‬مســرخية ســاقطة َّ‬
‫القــوة جــدًّ ا‪ ،‬بعدمــا كانت‬
‫محكمة مستمسكة"(((‪.‬‬
‫وهذا دليل على عظيم قدرته؛ ألن السماء بعدما كانت محكمة متماسكة‬
‫أصبحت متمزقة‪ ،‬ومعلوم أن السماء من أكرب ما خلق اهلل‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﴾ [غافر‪.]57 :‬‬
‫◈ ثان ًيا‪ :‬من الألفاظ التي تدل على ِعظم الذنب‪:‬‬
‫ِكات‪ :‬وهي قرى قوم لوط‪ ،‬بِا ْلخاطِ َئ ِة بالخطأ‪ ،‬أو بالفعلة‪ ،‬أو األفعال‬
‫ا ْلُ�ؤْ َتف ُ‬
‫ذات الخطأ العظيم‪.‬‬
‫التنا�سق بني الفرائد القر�آنية‬
‫اختيار هذه الفرائد يف هذه السورة؛ لمناسبتها للتعظيم‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬وجزائه‪:‬‬
‫فمثل لتصوير ِعظم العذاب اختيرت‪ :‬حسو ًما‪ ،‬صرعى‪.‬‬ ‫ً‬
‫((( مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪.146 /6 :‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.888 :‬‬
‫((( جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬البن جرير الطربي‪.582 /23 :‬‬
‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬للزمخشري‪.601 /4 :‬‬

‫‪285‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وم��ن حي��ث عظ��م ثواب املعظم هلل اختريت‪ :‬هاؤم‪ :‬الدالة على شــدة الفرح‬
‫والسرور بين إخوانه الصالحين يف المحشر‪.‬‬
‫ومن حيث ِع َظم الت َّقول على اهلل؛ اختيرت الوتين‪.‬‬
‫تمزق السماء‪.‬‬
‫ومن حيث بيان عِ ظم �أهوال القيامة اختريت‪ :‬واهية؛ لوصف ُّ‬
‫فانتظمت الفرائد يف عقد ثمين؛ لبيان مظاهر التعظيم‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬وجزائه‪،‬‬
‫وأسلوبه‪.‬‬
‫وسبحان من هذا كالمه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أفانني الأ�ساليب‪.‬‬
‫قد ن َّوع القر�آن مِ ن ا�ستخدام الأ�ساليب التي تقرر وتدعم وتر�سخ تعظيم اهلل‬
‫يف النفو�س‪ ،‬والتي منها‪:‬‬
‫‪ -1‬التكرار‪.‬‬
‫مكررا أو مرادفه لتقرير معنى(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫وحقيقته‪ :‬إعادة اللفظ‬
‫وفائدته‪ :‬تحقيق وتثبيت معنى تعظيم اليوم اآلخر وما يحدث من حكمة‬
‫اهلل وعظمته يف النفس‪.‬‬
‫حيث تكرر يف الســورة اســم (الحاقة) ثالث مــرات؛ للتهويل والتعظيم‬
‫والتفخيم لشأهنا وما يحدث فيها‪ ،‬وتكرار (ما) ثالث مرات؛ للتهويل والتعظيم‪.‬‬
‫‪ -2‬الت�أكيد باحلروف‪:‬‬
‫بـ(إن والالم)‪:‬‬
‫التأكيد َّ‬
‫﴿ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [الحاقة‪.]48 :‬‬

‫((( الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬للزركشي‪.10 /3 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪286‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫﴿ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [الحاقة‪.]49 :‬‬
‫﴿ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [الحاقة‪.]50 :‬‬
‫﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [الحاقة‪.]51 :‬‬
‫وكل التأكيــدات خاصــة بالقرآن وأثره يف نفــوس المعظمين هلل ولكتابه‪،‬‬
‫وأثره على غير المعظمين بالحسرة والندامة‪ ،‬ثم التأكيد على أنه عند المعظمين‬
‫ارتقى من علم اليقين إلى حق اليقين‪.‬‬
‫‪ -3‬الق�صة‪.‬‬
‫�ص‪ :‬األخبار المتت َّبعة(((‪.‬‬
‫ا ْل َق َ�ص ُ‬
‫والق�صة‪ :‬الخرب عن حادثة غائبة عن المخرب هبا(((‪.‬‬
‫يق��ول البقاع��ي ‪" :$‬إن اهلل تعالــى يعــر لنا يف كل ســورة ُت ْذكَر القصة‬
‫فيها؛ بما يناســب ذلــك المقام يف األلفــاظ عما يليق من المعــاين‪ ،‬ويرتك ما ال‬
‫يقتضيه ذلك المقام"(((‪.‬‬
‫فالمناســبة الموضوعية هي التي ُت َحدِّ د القدر الذي ُي ْعرض من القصة يف‬
‫كل سورة ُت ْذكر فيها‪.‬‬
‫ومن مزايا الق�صة‪ :‬أهنا تربي العواطف الربانية‪ ،‬وتمتاز باإلقناع الفكري‪.‬‬
‫ولمــا كانت الســورة تتحدث عن عظمة اهلل وقدرتــه يف إهالك من َّ‬
‫كذب‬
‫باليــوم العظيــم يف الدنيــا؛ عــرض يف الســورة أقوا ًمــا وصفهــم اهلل يف القــرآن‬
‫باالستكبار والتعاظم‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫((( مفردات غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.671 :‬‬


‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬ابن عاشور‪.69 -66 /1 :‬‬
‫((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬للبقاعي‪.284 /1 :‬‬

‫‪287‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬ثم��ود‪ ﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾ [فصلــت‪ .]17 :‬ب َّيــن لهــم‪ ‬ســبيل الحق وطريق‬
‫عرفهم‪.‬‬
‫الرشد؛ فاختاروا العمى على البيان الذي بينه لهم‪ ،‬والهدى الذي َّ‬
‫‪ ‬عاد‪ :‬قال سبحانه يف وصف عاد‪ ﴿ :‬ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐ‬
‫ومنُّوا بشــدة تركيبهم‬
‫ﮑﮒﮓﮔ ﮕ ﴾ [فصلت‪]15 :‬؛ أي‪ :‬بغوا وعتوا وعصوا‪َ ،‬‬
‫وقواهم‪ ،‬واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس اهلل(((‪.‬‬
‫ولما جمعهم أهنم ال يرجون هلل عظمة‪ ،‬وتعاظموا على عباد اهلل؛ جمعهم‬
‫من العذاب أعظمه؛ وهو الصاعقة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [فصلت‪.]13 :‬‬
‫وجمع بين فرعون المتجبر‪ ،‬وبين قوم لوط المجرمين‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ [الحاقــة‪]9 :‬؛ ألن ًّ‬
‫كل منهمــا لــم يرجو هلل عظمة‪،‬‬
‫وتعاظم على خلق اهلل‪.‬‬
‫‪ -4‬املوعظة‪:‬‬
‫ا ْل َو ْع ُظ‪ :‬هو التذكير بالخير فيما ُّ‬
‫يرق له القلب(((‪.‬‬
‫وللموعظ��ة ثالث��ة �أركان‪ :‬موعظة وموعــوظ وواعظ‪ ،‬وتختلف الموعظة‬
‫ومحتوى بحســب حالة الموعوظ‪ ،‬ثم يظهر تأثيرها بحســب إخالص‬
‫ً‬ ‫أســلو ًبا‬
‫الواعظ وفهمه لمن يرشده‪ ،‬وبراعته الوعظية والعلمية‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﴾‪.‬‬
‫لنجعــل تلك الفعلة الدالة على عظمتنــا من إغراق قوم نوح‪ ،‬وإنجاء من‬

‫((( تفسير القرآن العظيم‪ ،‬البن كثير‪.169 /7 :‬‬


‫((( التعريفات‪ ،‬للجرجاين‪.253 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪288‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫آمن معه موعظة لكم؛ تتذكرون هبا عظمة ربكم وصدق وعده يف إنجاء أوليائه‪،‬‬
‫وإهالك أعدائه‪ ،‬وأهنا سنة ماضية إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -5‬ال َق َ�سم‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾‪.‬‬
‫هلل ‪ ‬أن ُيقســم بمــا شــاء؛ ألنــه الخالق لها‪ ،‬المتصــرف فيها‪،‬‬
‫تعظيما لــه‪ ،‬واعرتا ًفا بألوه َّيته‪ ،‬روى‬ ‫ً‬ ‫وليس لنا إال أن نقســم باهلل ســبحانه فقط‪،‬‬
‫َان َحالِ ًفا‪َ ،‬ف ْل َي ْح ِل ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف‬ ‫البخاري بسنده َع ْن َع ْبد اهَّلل ﭬ‪َ :‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن ك َ‬
‫ت»(((‪.‬‬ ‫بِاهَّلل ِ َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ‬
‫والقسم من أساليب التأكيد‪.‬‬
‫‪ -6‬الرتغيب والرتهيب‪:‬‬
‫رغب‪:‬‬
‫الســعة يف‬
‫الســعة يف الشــيء‪ ،‬وال َّر ْغ َب � ُة وال َّر َغ� ُ�ب وال َّر ْغ َبى‪َّ :‬‬
‫�أ�ص��ل ال َّر ْغ َب �ةِ‪َّ :‬‬
‫اإلرادة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [األنبياء‪.(((]90 :‬‬
‫والرتغيب‪" :‬كل ما يشوق المدعو الى االستجابة‪ ،‬وقبول الحق‪ ،‬والثبات‬
‫عليه"(((‪.‬‬
‫رهب‪:‬‬
‫تحرز واضطراب(((‪.‬‬
‫ال َّرهْ َب ُة وال ُّرهْ ُب‪ :‬مخافة مع ُّ‬

‫ف ُي ْست َْح َل ُ‬
‫ف‪.)2679( ،‬‬ ‫اب‪َ :‬ك ْي َ‬
‫((( صحيح البخاري‪ :‬كتاب الشهادات‪َ :‬ب ٌ‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.358 :‬‬
‫((( أصول الدعوة‪ ،‬عبد الكريم زيدان‪ :‬ص‪.421‬‬
‫((( المفردات يف غريب القرآن‪ ،‬لألصفهاين‪.366 :‬‬

‫‪289‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫والرتهيب‪" :‬كل ما يخيف ويحذر المدعو من عدم االستجابة‪ ،‬أو رفض‬
‫الحق‪ ،‬أو عدم الثبات عليه بعد قبوله"(((‪.‬‬
‫وميت��از الرتغي��ب والرتهي��ب‪ :‬بإثــارة االنفعــاالت وتربيــة العواطــف‪،‬‬
‫واإلقناع والربهان‪.‬‬
‫الرتغي��ب والرتهي��ب يف ال�س��ورة و�أثره��ا يف تر�س��يخ تعظي��م اهلل ‪۵‬‬
‫ومقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫املعظم�ين‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫الرتغي��ب يف ث��واب ِّ‬
‫ﮠ ﴾ [الحاقة‪.]19 :‬‬
‫املعظم�ين‪ ﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫الرتهي��ب م��ن عق��اب غ�ير ِّ‬
‫ﯧ ﴾ [الحاقة‪.]25 :‬‬
‫‪ -7‬ال�سنن الإلهية و�أثرها يف تر�سيخ التعظيم‪:‬‬
‫أوضحت السورة سنة اهلل يف إهالك المكذبين بالعظيم‪ ،‬وباليوم العظيم‪،‬‬
‫وبالقرآن العظيم‪ ،‬وبرســوله العظيم‪ ،‬واختيرت القرى المجاورة لكفار قريش‪،‬‬
‫مثــل قرى ثمود يف الحجاز‪ ،‬وقرى عاد يف اليمن‪ ،‬وفرعون يف مصر‪ ،‬وقوم لوط‬
‫يف األردن‪ ،‬وكلها قرى مجاورة لمكة أم القرى‪.‬‬
‫وأوضحت السورة سنته ‪ ‬يف إنجاء األنبياء والمؤمنين معهم‪،‬‬
‫صالحــا ڠ والمؤمنين معــه‪ ،‬ونجى هــو ًدا ڠ والمؤمنين معه‪،‬‬
‫ً‬ ‫فقــد نجى‬
‫ونجى موسى ڠ والمؤمنين معه‪ ،‬ونجى لو ًطا ڠ والمؤمنين معه‪ ،‬ونجى‬
‫نوحا ڠ والمؤمنين معه‪.‬‬
‫ً‬

‫((( المرجع السابق‪ :‬ص‪.421‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪290‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫‪ -8‬الآيات الكونية و�أثرها يف تر�سيخ التعظيم‪:‬‬


‫يــرز يف يوم القيامــة انقالب الكون كله‪ ،‬واختالل النظــام الذي قام عليه‬
‫إظهارا لعظمة خالقه ‪ ،‬وذكر من اآليات الكونية‪ ،‬كل ما‬
‫ً‬ ‫يف الدنيــا؛‬
‫إظهارا لكمال عظمته يف‬
‫ً‬ ‫ومدار يســير فيه‪ ،‬واختالله بقيــام القيامة؛‬
‫ٌ‬ ‫كان له نظا ٌم‬
‫هذا اليوم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾‪.‬‬
‫وروى البخ��اري ب�س��نده ع��ن عب��د اهلل ب��ن م�س��عود ﭬ‪ ،‬ق��ال‪ :‬جاء َحرب من‬
‫األحبــار إلى رســول اهلل ﷺ فقــال‪ :‬يا محمد إنا نجد‪ :‬أن اهلل يجعل الســموات‬
‫على إصبع‪ ،‬واألرضين على إصبع‪ ،‬والشــجر على إصبع‪ ،‬والماء والثرى على‬
‫إصبع‪ ،‬وسائر الخالئق على إصبع‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا الملك‪ .‬فضحك النبي ﷺ حتى‬
‫بدت نواجذه تصدي ًقا لقول الحرب‪ ،‬ثم قرأ رسول اهلل ﷺ‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷ ﴾ [الزمر‪.(((]67 :‬‬
‫هلل ْب� ُ�ن ُع َم � َر‪،‬‬ ‫�ال ْب� ِ�ن َع ْب��دِ اهللِ‪� ،‬أَ ْخ َ َ‬
‫�بر ِن َع ْب � ُد ا ِ‬ ‫وروى م�س��لم ب�س��نده َع��نْ َ�س� ِ ِ‬
‫ــو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪ُ ،‬ث َّم َي ْأ ُخ ُذ ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫َقا َل‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ــم َاوات َي ْ‬ ‫الس َ‬ ‫«ي ْط ِوي اهللُ ‪َّ ۵‬‬ ‫ــول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ون‪ُ .‬ث َّم َي ْط ِوي‬ ‫ون؟ َأ ْي َ‬
‫ــن ا ْل ُم َت َك ِّب ُر َ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْي َن ا ْل َج َّب ُار َ‬ ‫ــد ِه ا ْل ُي ْمنَى‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬أنَــا ا ْل َم ِل ُ‬ ‫بِي ِ‬
‫َ‬
‫ون؟ َأ ْي َن ا ْل ُم َت َك ِّب ُر َ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا ا ْل َم ِل ُ‬
‫ك َأ ْي َن ا ْل َج َّب ُار َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِش َماله‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ون؟»(((‪.‬‬ ‫ْالَ َرض َ‬
‫وهو ‪َ ‬ب َّي لنا من عظمته بقدر ما نعقله‪ ،‬كما قال‪ :‬عبد العزيز‬
‫املاج�ش��ون‪" :‬واهلل‪ ،‬ما دلهم على عظيم ما وصف من نفســه‪ ،‬وما تحيط به قبضته‬
‫ُ‬
‫((( صحيــح البخاري‪ :‬كتاب‪ :‬تفســير القــرآن‪ :‬باب‪ :‬قولــه‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ [األنعام‪،]91 :‬‬
‫(‪.)4811‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((( صحيح مسلم‪ :‬كتاب ص َفة ا ْلق َيا َمة َوا ْل َجنَّة َوالن ِ‬
‫َّار‪.)2788( ،‬‬

‫‪291‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫إال صغــر نظيرهــا منهم عندهــم‪ ،‬أن ذلك الــذي ألقى يف روعهــم وخلق على‬
‫معرفته قلوهبم"(((‪.‬‬
‫‪� -9‬أ�سماء اهلل احل�سنى وتر�سيخها ملعنى التعظيم ومقت�ضى العبودية‪:‬‬
‫ذكر اسم اهلل (الرب) أربع مرات‪.‬‬
‫﴿ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﴾ [الحاقة‪.]10 :‬‬
‫﴿ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ [الحاقة‪.]17 :‬‬
‫﴿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [الحاقة‪.]43 :‬‬
‫﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ [الحاقة‪.]52 :‬‬
‫فذكــر ‪ ‬ربوبيته العامة لعباده‪ ،‬وأنه من كمــال ربوبيته لعباده أن‬
‫يقدم لهم النصيحة‪ ،‬ويدلهم على طريق النجاة والسعادة؛ فأرسل لهم رسله ليبينوا‬
‫لهم طرق السعادة والنجاة؛ فمنهم من قبِل إحسانه‪ ،‬ومنهم من أعرض عنه‪.‬‬
‫وذكــر ربوبيتــه الخاصة بنبيــه وأوليائه‪ ،‬وهــي ربوبية الرتبيــة واإلصالح‬
‫والعناية والرعاية والوالية‪.‬‬
‫وكل هذا من كمال عظمته ورحمته وحكمته بعباده‪.‬‬
‫وقرن ربوبيته بعظمته يف قوله‪ ﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ [الحاقة‪.]52 :‬‬
‫وقرن �ألوهيته بعظمته‪ ،‬قال‪ ﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [الحاقة‪.]33 :‬‬
‫عرفهــم بعظمته وما ينبغــي لها من‬
‫وهبــذه األســماء وآثارهــا يف الســورة َّ‬
‫التذلل والخشية‪.‬‬

‫((( شرح حديث النزول‪ ،‬البن تيمية‪.116 :‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪292‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية‬

‫∆ التنا�سق بني الأفانني يف تقرير العظمة والقيام مبقت�ضى العبودية‪:‬‬


‫فالتن��وع ال��ذي احت��وت علي��ه ال�س��ورة م��ن الأفان�ين مث��ل‪ :‬اختيــار األلفــاظ‬
‫والفرائــد القرآنيــة‪ ،‬والتكــرار‪ ،‬والتأكيــد‪ ،‬والقصــة‪ ،‬والموعظــة‪ ،‬والرتغيــب‬
‫والرتهيب‪ ،‬والســنن اإللهية‪ ،‬واآليات الكونية‪ ،‬وغيــر ذلك؛ يؤدي إلى تمكين‬
‫وترســيخ تعظيم اهلل يف النفــوس‪ ،‬وتحث على اإلتيان بمقتضــى العبودية على‬
‫قدر الطاقة البشرية‪.‬‬
‫المربون من ترســيخ معنــى العظمــة اإللهية‪،‬‬ ‫وهبــذا األســلوب يتمكــن ُ‬
‫والقيــام بمقتضى العبودية‪ ،‬كما بينهــا اهلل المر ِّبي لعبــاده‪ ،‬العالِم بما يصلحهم‬
‫وينفعهم يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وبهذا �أكون قد �أنهيت البحث‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪293‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪E‬‬

‫وفيها �أهم النتائج والتو�صيات‪.‬‬


‫الحمد هلل الذي وفقني إلعداد هذا البحث‪ ،‬ونسأل اهلل القبول الحسن‪.‬‬
‫وكانت �أهم النتائج والتو�صيات‪:‬‬
‫عرف العباد بالعظمة اإللهية‪ ،‬ومقتضى العبودية على‬
‫‪ -1‬القــرآن الكريم َّ‬
‫القلب والجوارح‪.‬‬
‫‪ -2‬لكل ســورة من سور القرآن أسلوهبا الخاص يف تعظيم اهلل ومقتضى‬
‫العبودية‪ ،‬من قصص‪ ،‬وأمثال‪ ،‬وأقســام‪ ،‬ومواعظ‪ ،‬وحــوارات‪ ،‬وآيات كونية‪،‬‬
‫وأسماء اهلل الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬والسنن اإللهية‪.‬‬
‫‪ -3‬المناســبة الموضوعيــة هــي التــي تحدد مظاهــر العظمــة ومقتضى‬
‫العبودية التي تعرض يف كل سورة‪.‬‬
‫‪ -4‬يوجــد ارتبــاط وثيق ومناســبة وطيدة بين مظاهر العظمة يف الســورة‬
‫ومقصدها؛ تربز جلية لمن تأملها‪.‬‬
‫‪ -5‬التناسق بين أفانين السورة الواحدة؛ يف تقرير العظمة اإللهية ومقتضى‬
‫العبودية بالصورة التي تنير العقول‪ ،‬وتغذي القلوب بالخشية‪.‬‬
‫‪ -6‬كل ســورة تعــرض التعظيم ومقتضــاه من العبودية مــن خالل‪ ،‬بيان‬
‫مظاهــر العظمــة‪ ،‬وكيفية التحقق هبا‪ ،‬وجزاء ذلك‪ ،‬وأســلوب ترســيخ ذلك يف‬
‫القلوب؛ يظهر ذلك جل ًّيا لكل متأمل‪.‬‬

‫‪295‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫التو�صيات‪:‬‬
‫�أُو�صي الباحثني و�أق�سام القر�آن وعلومه مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬القيــام بدراســة علميــة يف بيــان القرآن الكريــم للتعظيــم ومقتضاه‪،‬‬
‫وجزائه‪ ،‬وأسلوب ذلك على مستوى كل سورة‪.‬‬
‫قســم القرآن وعلومــه يف إحدى الجامعات القيا َم بدراســة‬
‫ُ‬ ‫‪ -2‬أن يتبنــى‬
‫أفانيــن الســورة القرآنيــة مــن الكلمــات‪ ،‬والجمــل‪ ،‬والقصــص‪ ،‬واألمثــال‪،‬‬
‫والحكــم‪ ،‬واألحكام‪ ،‬والمواعظ‪ ،‬وأســماء اهلل الحســنى‪ ،‬وغيــر ذلك‪ ،‬يف بيان‬
‫وتقرير التعظيم ومقتضاه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبيــن الخطباء والعلماء أســلوب القرآن الكريم المتفرد يف تعظيم‬
‫اهلل ومقتضى ذلك‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪296‬‬


‫‪«1 .1‬اإلتقــان يف علــوم القرآن»‪ ،‬الســيوطي‪ ،‬عبــد الرحمن بــن أبي بكر‪ ،‬جــال الدين‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪1394‬هـ‪ 1974 -‬م‪.‬‬
‫‪«2 .2‬األدب المفرد»‪ ،‬المؤلف‪ ،‬البخاري‪ ،‬محمد بن إســماعيل بــن إبراهيم بن المغيرة‪،‬‬
‫أبــو عبــد اهلل‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار البشــائر‬
‫اإلسالمية‪1989 -1409 ،‬م‪.‬‬
‫‪«3 .3‬اشــتقاق أســماء اهلل»‪ ،‬الزجاجي‪ ،‬عبد الرحمن بن إســحاق البغــدادي النهاوندي‪،‬‬
‫أبو القاســم‪ ،‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عبد الحســين المبــارك‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسســة‬
‫الرسالة‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪«4 .4‬أصول الدعوة»‪ ،‬زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬الطبعة‪ :‬التاســعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسســة الرسالة‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪«5 .5‬أضــواء البيــان يف إيضاح القــرآن بالقــرآن»‪ ،‬الشــنقيطي‪ ،‬محمد األميــن بن محمد‬
‫المختار بن عبد القادر الجكني‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ 1415‬هـ‪ 1995 -‬م‪.‬‬
‫الج ْو ِز َّية‪َ ،‬أبو َع ْب ِد اهَّللِ محمد ِ‬
‫بن أبي بكر ْب ِن َأ ُّيوب‪ ،‬المحقق‪:‬‬ ‫ِِ‬
‫الفوائد»‪ ،‬ا ْبن َق ِّيم َ‬
‫ائع َ‬‫‪«6 .6‬بدَ ُ‬
‫بــد اهَّللِ َأ ُبو َز ْيد‪ ،‬الطبعــة‪ :‬األولى‪ ،‬مكة‬
‫علــي بــن محمد العمران‪ ،‬إشــراف‪ :‬بكر بن َع ِ‬
‫َ‬
‫المكرمة‪ ،‬دار عالم الفوائد‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«7 .7‬بديــع القــرآن»‪ ،‬ابن أبي اإلصبع‪ ،‬عبــد العظيم بن الواحد بن ظافــر‪ ،‬تحقيق‪ :‬حفني‬
‫محمد شرف‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪297‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«8 .8‬الربهــان يف علوم القرآن»‪ ،‬الزركشــي‪ ،‬أبو عبد اهلل بدر الديــن محمد بن عبد اهلل بن‬
‫هبــادر‪ ،‬المحقــق‪ :‬محمد أبو الفضــل إبراهيم‪ ،‬الطبعــة‪ :‬األولى‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬دار إحياء‬
‫الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركائه‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪«9 .9‬تحريــر التحبيــر يف صناعة الشــعر والنثر وبيان إعجــاز القرآن»‪ ،‬ابــن أبي اإلصبع‪،‬‬
‫عبــد العظيم بن الواحد بــن ظافر بن أبي اإلصبع العــدواين‪ ،‬البغدادي ثم المصري‪،‬‬
‫تقديــم وتحقيق‪ :‬الدكتور حفني محمد شــرف‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬الجمهورية العربية المتحدة‪-‬‬
‫المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ -‬لجنة إحياء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪«1010‬التحرير والتنوير»‪« ،‬تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب‬
‫المجيــد»‪ ،‬ابن عاشــور‪ ،‬محمد الطاهــر بن محمد بن محمد الطاهــر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫الدار التونسية للنشر‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪«1111‬تفسير أبي السعود» «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم»‪ ،‬أبو السعود‪ ،‬محمد‬
‫بن محمد بن مصطفى العمادي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪«1212‬تفســير القرآن الحكيم (تفسير المنار)»‪ ،‬رشيد رضا‪ ،‬محمد رشيد بن علي رضا بن‬
‫محمد شــمس الدين بن محمد هبــاء الدين بن منال علي خليفة القلموين الحســيني‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪«1313‬تفسير القرآن العظيم» البن أبي حاتم‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬أبو محمد عبد الرحمن بن محمد‬
‫بن إدريس بن المنذر التميمي‪ ،‬الحنظلي‪ ،‬الرازي ابن‪ ،‬المحقق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«1414‬تفســير القرآن العظيــم»‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إســماعيل بن عمر القرشــي البصري‬
‫ثم الدمشــقي‪ ،‬المحقق‪ :‬ســامي بــن محمد ســامة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬دار طيبة للنشــر‬
‫والتوزيع‪1420 ،‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪298‬‬


‫‪«1515‬التفســير القــرآين للقرآن»‪ ،‬عبد الكريــم يونس الخطيــب‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪«1616‬تفسير الماتريدي (تأويالت أهل السنة)»‪ ،‬محمد بن محمد بن محمود‪ ،‬أبو منصور‬
‫الماتريــدي‪ ،‬المحقــق‪ :‬د‪ .‬مجــدي باســلوم‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولــى‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1426 ،‬هـ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪«1717‬التوقيــف على مهمات التعاريف»‪ ،‬زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج‬
‫العارفيــن بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬عالم الكتب ‪ 38‬عبد الخالق ثروت‪1410 ،‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪«1818‬تيســير الكريم الرحمن يف تفســير كالم المنــان»‪ ،‬المؤلف‪ :‬عبــد الرحمن بن ناصر‬
‫بــن عبد اهلل الســعدي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بــن معال اللويحــق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1420 ،‬هـ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪«1919‬جامــع البيان يف تأويل القرآن»‪ ،‬الطربي‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير‬
‫بن غالب اآلملي‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد محمد شــاكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسســة‬
‫الرسالة‪ 1420 ،‬هـ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫‪«2020‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ﷺ وسننه وأيامه‪ -‬صحيح‬
‫البخــاري»‪ ،‬البخــاري‪ ،‬محمد بن إســماعيل أبو عبد اهلل‪ ،‬المحقــق‪ :‬محمد زهير بن‬
‫ناصر الناصر‪ ،‬ط (‪ ،)1‬دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم‪ ،‬ترقيم‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي)‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«2121‬الجامع ألحكام القرآن ‪ -‬تفســير القرطبي»‪ ،‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‬
‫بــن أبي بكر بن فــرح األنصاري تحقيق‪ :‬أحمد الــردوين وإبراهيم أطفيش‪ ،‬ط (‪،)2‬‬
‫القاهرة‪ ،‬دار الكتب المصرية‪1384( ،‬هـ‪1964 -‬م)‪.‬‬

‫‪299‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«2222‬الحق الواضح المبين يف شــرح توحيد االنبياء والمرســلين من الكافية الشافية»‪ ،‬تأليف‬
‫الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار ابن القيم‪ 1407 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪«2323‬ســنن ابن ماجه»‪ ،‬ابن ماجه‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬وماجه اســم أبيه‬
‫يزيــد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمــد فؤاد عبد الباقــي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار إحيــاء الكتب العربية‪-‬‬
‫فيصل عيسى البابي الحلبي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2424‬ســنن أبي داود»‪ ،‬المؤلف‪ ،‬أبو داود ســليمان بن األشــعث بن إســحاق بن بشير بن‬
‫شــداد بن عمرو األزدي الس ِ‬
‫ج ْســتاين‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬د‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ط‪ ،‬صيدا‪ -‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2525‬شــرح حديث النزول»‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبــو العباس أحمد بن عبد الحليم بن‬
‫عبد الســام بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد الحراين الحنبلي الدمشقي الطبعة‪:‬‬
‫الخامسة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪1397 ،‬هـ‪1977 -‬م‪.‬‬

‫‪«2626‬شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل»‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد‬
‫بــن أبي بكر بن أيوب بن ســعد شــمس الديــن‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنــان‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫‪1398‬هـ‪1978 -‬م‪.‬‬

‫‪«2727‬الصواعق المرســلة يف الرد على الجهمية والمعطلــة»‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن‬
‫أبي بكر بن أيوب بن ســعد شــمس الدين‪ ،‬المحقق‪ :‬علي بن محمد الدخيل اهلل‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«2828‬العبوديــة»‪ ،‬ابــن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد الســام‬
‫بن عبد اهلل بن أبي القاســم بــن محمد الحراين الحنبلي الدمشــقي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد‬
‫زهير الشاويش‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪1426 ،‬هـ‪2005 -‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪300‬‬


‫‪«2929‬الفوائد»‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين‬
‫(المتــوىف‪751 :‬هـــ)‪ ،‬الناشــر‪ :‬دار الكتــب العلمية‪ -‬بيــروت‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪ 1393‬هـ‪ 1973 -‬م‪.‬‬
‫‪«3030‬قواعد األحكام يف مصالح األنام»‪ ،‬سلطان العلماء‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز‬
‫بن عبد السالم بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬طه‬
‫عبد الرؤوف سعد‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ 1414 ،‬هـ‪ 1991 -‬م‪.‬‬
‫‪«3131‬الكشــاف عن حقائق غوامض التنزيل»‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو‬
‫بن أحمد‪ ،‬الزمخشري جار اهلل‪1407( ،‬هـ)‪ ،‬ط (‪ ،)3‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪«3232‬الكليــات معجــم يف المصطلحات والفــروق اللغوية»‪ ،‬الكفوي‪ ،‬أيوب بن موســى‬
‫الحســيني القريمي؛ أبو البقاء الحنفي‪ ،‬المحقق‪ :‬عدنان درويش‪ -‬محمد المصري‪،‬‬
‫د‪ .‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪«3333‬لســان العرب»‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن علي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن‬
‫منظور األنصاري‪ ،‬ط (‪ ،)3‬بيروت دار صادر‪1414( ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪«3434‬متــن القصيدة النونية (الكافية الشــافية)»‪ ،‬ابن قيم الجوزيــة‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن‬
‫أيوب بن سعد شمس الدين‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪«3535‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز»‪ ،‬ابن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب‬
‫بن عبد الرحمن بن تمام‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد السالم عبد الشايف محمد‪ ،‬ط (‪ ،)1‬بيروت‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪1422( ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪«3636‬مختــار الصحاح»‪ ،‬الرازي‪ ،‬زين الدين أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن عبد القادر‬
‫الحنفي‪ ،‬المحقق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ ،‬بيروت‪ -‬صيدا‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ -‬الدار النموذجية‪1420،‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬

‫‪301‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪«3737‬مدارج الســالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬محمد بن‬
‫أبي بكر بن أيوب بن ســعد شمس الدين‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد المعتصم باهلل البغدادي‪،‬‬
‫ط (‪ ،)3‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪1416( ،‬هـ‪1996 -‬م)‪.‬‬

‫‪«3838‬المســتدرك على الصحيحين»‪ ،‬ابن البيع‪ ،‬أبو عبــد اهلل الحاكم محمد بن عبد اهلل بن‬
‫محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماين النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى‬
‫عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1411 ،‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪«3939‬مســند اإلمــام أحمد بن حنبل»‪ ،‬أبو عبد اهلل أحمد بــن محمد بن حنبل بن هالل بن‬
‫أسد الشيباين‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الحديث‪،‬‬
‫‪ 1416‬هـ‪ 1995 -‬م‪.‬‬

‫‪«4040‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ﷺ»‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو‬
‫الحســن بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪«4141‬مشــكاة المصابيح»‪ ،‬التربيــزي‪ ،‬محمد بن عبد اهلل الخطيب العمــري‪ ،‬أبو عبد اهلل‪،‬‬
‫ولي الدين‪ ،‬المحقــق‪ :‬محمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫«الم ْق ِصدُ األَ ْس َمى يف ُم َطا َب َق ِة‬


‫الس َو ِر‪ ،‬و ُي َس َّمى‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫اعدُ النَّ َظ ِر ْ ِ‬
‫لإلش َراف َع َلى َم َقاصد ِّ‬
‫‪«4242‬مص ِ‬
‫َ‬
‫ــمى»»‪ ،‬إبراهيم بن عمر بن حســن الرباط بن علي بن أبي بكر‬ ‫ــم ك ُِّل س ٍ ِ‬
‫اس ِ‬
‫لم َس َّ‬
‫ــورة ل ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫البقاعي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة المعارف‪1408 ،‬هـ‪ 1987 -‬م‪.‬‬

‫‪«4343‬معاين القرآن وإعرابه»‪ ،‬الزجاج‪ ،‬إبراهيم بن السري بن سهل‪ ،‬أبو إسحاق‪ ،‬المحقق‪:‬‬
‫عبد الجليل عبده شلبي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ 1408 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪302‬‬


‫‪«4444‬معجــم اللغة العربية المعاصرة»‪ ،‬د‪ .‬أحمد مختار عبد الحميد عمر بمســاعدة فريق‬
‫عمل‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عالم الكتب‪ 1429 ،‬هـ‪ 2008 -‬م‪.‬‬
‫‪«4545‬معجــم مقاييس اللغة»‪ ،‬ابن فــارس‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكريــاء القزويني الرازي‪،‬‬
‫أبــو الحســين‪ ،‬المحقــق‪ :‬عبد الســام محمــد هــارون‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬بيــروت‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫(‪1399‬هـ‪1979 -‬م)‪.‬‬
‫محمد بن أبي‬
‫‪«4646‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة»‪ ،‬ابن قيم الجوز َّية‪َّ ،‬‬
‫بكر بن أيوب‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلم َّية‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪«4747‬المفردات يف غريب القرآن»‪ ،‬الراغب األصفهاين‪ ،‬أبو القاســم الحســين بن محمد‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬صفوان عدنان الداودي‪ ،‬ط (‪ ،)1‬بيروت‪ ،‬دار القلم‪1412( ،‬هـ)‪.‬‬
‫الز ْرقاين‪ ،‬الطبعــة‪ :‬الثالثة‪،‬‬
‫‪«4848‬مناهــل العرفــان يف علــوم القرآن»‪ ،‬محمــد عبد العظيــم ُّ‬
‫القاهرة‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪«4949‬المنهاج شــرح صحيح مســلم بن الحجاج»‪ ،‬النووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى‬
‫بن شرف‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء الرتاث العربي‪1392 ،‬م‪.‬‬
‫‪«5050‬نظم الدرر يف تناســب اآليات والسور»‪ ،‬البقاعي‪ ،‬إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط‬
‫بن علي بن أبي بكر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪«5151‬الوابــل الصيــب من الكلــم الطيب»‪ ،‬ابــن قيم الجوزيــة‪ ،‬محمد بن أبــي بكر بن‬
‫أيوب بن ســعد شمس الدين‪ ،‬تحقيق‪ :‬ســيد إبراهيم‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫الحديث‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪303‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فهرس املوضوعات‬

‫مستخلص البحث ‪221........................................................‬‬


‫المقدِّ مة ‪225..................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مبحث تمهيدي ‪231...........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بمصطلحات البحث ‪231.............................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬العظيم من أسماء اهلل تعالى والعظمة من صفاته ‪237............‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تعظيم اهلل على قدر ِ‬
‫الع ْلم به ‪240..............................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬بناء السورة القرآنية على التعريف بعظمة اهلل المقتضية شدة خشيته‪243...‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أثر السورة القرآنية يف زيادة اإليمان بالعظمة اإللهية ‪249.....‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬داللة فواتح السور وخواتيمها‪ ،‬وفواتح الكتاب وخواتيمه‬
‫على التعريف باهلل وبيان عظمته ومقتضى العبودية ‪251.........................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬سورة الحاقة دراسة تطبيقية على بيان مظاهر العظمة اإللهية‬
‫ومقتضى العبودية ‪256.........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬عظمة اهلل يف اليوم العظيم ‪259.................................‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬عظمة اهلل يف إهالك المكذبين باليوم العظيم وإنجائه المعظمين له ‪261.....‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عظمة اهلل يف مشاهد القيامة ‪267...............................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬ثواب المعظمين هلل يوم القيامة ‪268............................‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬عقاب من ال يرجون هلل عظمة يوم القيامة ‪270...............‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬ال َق َسم العظيم وداللته على التعظيم ‪273.....................‬‬
‫للمتقول على العظيم ‪274.....................‬‬
‫ِّ‬ ‫المطلب السابع‪ :‬التهديد العظيم‬

‫‪305‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫المطلب الثامن‪ :‬الندامة العظيمة للمكذب بالقرآن العظيم ومقتضى العبودية‬
‫للعظمة اإللهية ‪276............................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نماذج من أفانين السورة يف تقرير العظمة اإللهية ‪279..........‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أفانين فصاحة مفردات القرآن وبالغة ُجمله ‪280...............‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬أفانين األساليب ‪286...........................................‬‬
‫التناسق بين األفانين يف تقرير العظمة والقيام بمقتضى العبودية ‪293.............‬‬
‫الخاتمة ‪295...................................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪297.......................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪305......................................................‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪306‬‬


‫أصل هذا الكتاب‬
‫رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الماجستير يف قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين‬
‫ورشحت من القسم‬
‫بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬وقد أجيزت بتقدير «ممتاز» ُ‬
‫لجائزة البحث العلمي وذلك بتاريخ ‪1435 /1 /10‬هـ‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫َّ‬
‫إن الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪،‬‬
‫ومــن ســ ِّيئات أعمالنا‪ ،‬من يهــده اهلل فال َّ‬
‫مضل لــه‪ ،‬ومن يضلل فــا هادي له‪،‬‬
‫وأشــهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شــريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله‪،‬‬
‫﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمــران‪،]102 :‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [النساء‪ ﴿ ،]1 :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﴾ [األحزاب‪.]71 ،70 :‬‬
‫�أَ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬
‫َّ‬
‫فإن أنفع شــيء للعبد يف معاشه ومعاده هو تد ُّبر كتاب ربه‪ ،‬وإطالة تأ ُّمله‪،‬‬
‫وتالوة حروفــه‪ ،‬وإقامة حدوده‪ ،‬وا ِّتباع محكمه‪ ،‬واإليمان بمتشــاهبه‪ ،‬والتفرغ‬
‫لتعلمــه‪ ،‬والقيــام بتعليمه؛ حيــث إن هذه األمور ُت ْطلع العبــد على معالم الخير‬
‫والشــر‪ ،‬وتجعل يف يده مفاتيح كنوز الســعادة‪ ،‬وتث ِّبت اإليمان يف قلبه‪ ،‬وتشــ ِّيد‬
‫وسرورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وانشراحا‪ ،‬وهبجة‬
‫ً‬ ‫بنيانه‪ ،‬وتو ِّطد أركانه‪ ،‬وتعطيه قوة يف قلبه‪ ،‬وسعة‬
‫فالعي�ش مع القر�آن مزية ال تعدلها مزية‪ ،‬ومرتبة ال تفوقها المراتب؛ فهو‬
‫الكتــاب الذي ال ريب فيه‪ ،‬وال نقص يعرتيه‪ ،‬معجــز بلفظه ومعناه‪ُ ،‬روح األمة‬
‫عزها وقوهتا‪ ،‬وما أحوجها اليوم إلى تدبر آياته‪ ،‬والتفكر يف معانيه‪ ،‬وهلل‬
‫ومصدر ِّ‬

‫‪311‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ماسة إلى فهم‬
‫در أبي العباس شيخ اإلسالم ابن تيم َّية حين قال‪" :‬وحاجة األمة َّ‬
‫ُّ‬
‫القرآن"‪[ .‬مقدمة يف أصول التفسير‪ ،‬البن تيمية‪( :‬ص‪.])2‬‬
‫وتعتصم بحبله؛ فبــه تواجه قضاياها‪،‬‬
‫َ‬ ‫فالواجــب عليها أن تستمســك به‪،‬‬
‫وتقيــم أحكامهــا‪ ،‬وتجاهد أعداءها‪ ،‬وتصلــح دنياها‪ ،‬وتســتقبل آخرهتا‪ ﴿ ،‬ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﴾ [المائدة‪.]16 ،15 :‬‬
‫و�إ َّن من �أف�ضل ما ُيفنى فيه ال ُعمر‪ ،‬و ُيق�ضى فيه الأجل‪ :‬تدبر كتاب اهلل ‪،۵‬‬
‫وتعليما ودعوة؛ إذ إن ذلــك هو الغاية الكربى من إنزاله؛‬
‫ً‬ ‫وتفهما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمل‬ ‫علمــا‬
‫ً‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [ص‪.]29 :‬‬
‫والســنَّة‪ ،‬تب ِّين أهمية تدبر‬
‫ولقد وردت نصوص أخرى كثيرة من الكتاب ُّ‬
‫ُّ‬
‫وتحث عليه‪ ،‬وتذ ُّم تركه واإلعراض عنه؛ مما جعل العلماء السابقين‬ ‫كتاب اهلل‪،‬‬
‫ً‬
‫وتحليل‪ ،‬وترغي ًبا وترهي ًبا‪،‬‬ ‫يتكلمون عن ذلــك يف مؤلفاهتم ومصنفاهتم‪ :‬جم ًعا‬
‫فسطروا أروع الكالم والسير‪ ،‬واستنبطوا أفضل األحكام ِ‬
‫والع َبر‪.‬‬ ‫ِّ َ‬
‫وملَّا كان هذا املو�ضوع من �أهم املو�ضوعات التي ن َّبه عليها القر�آن الكرمي‪،‬‬
‫لدي الرغبة يف درا�سة هذا املو�ضوع من‬ ‫ال�سنَّة املطهرة؛ متخ�ضت َّ‬‫ودلت عليها ُّ‬
‫عدة جهات‪:‬‬
‫‪ -1‬تحرير مفهوم التد ُّبر‪ ،‬وبيان الصلة بينه وبين المفاهيم المقاربة له‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير ضوابط التد ُّبر التي يجب مراعاهتا واألخذ هبا‪.‬‬
‫‪ -3‬إيضاح الضوابط والشروط التي يجب على المتد ِّبر التزا ُمها‪.‬‬
‫متخصصة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ -4‬جمع ما يتعلق بدوافع التد ُّبر وموانعه‪ ،‬وتأصيل ذلك برسالة علمية‬
‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪312‬‬
‫‪ -5‬اســتقراء األســباب الباعثة على التد ُّبر‪ ،‬وضبطها بالضوابط العلمية‪،‬‬
‫من خالل المنهجية اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬جمع هذه األسباب وتنسيقها وتقسيمها‪.‬‬
‫ً‬
‫تأصيل علم ًّيا باألدلة والشواهد واألقوال‪.‬‬ ‫‪ ‬تأصيلها‬
‫‪ ‬تحليل ما َّدهتا العلمية وإظهار نتائجها من األحكام والفوائد‪.‬‬
‫‪ -6‬إبراز بعض المسائل المهمة يف موضوع التد ُّبر‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬تركيز الحديث عن مقاصد التد ُّبر وغاياته‪.‬‬
‫‪ ‬دراسة نتائج التد ُّبر وأثره على الفرد وعلى األمة‪.‬‬
‫‪ ‬معرفة األمور التي تمنع التد ُّبر‪ ،‬وتركيز الحديث عنها يف باب مستقل؛‬
‫نظرا ألهميتها وقلة الحديث عنها‪.‬‬
‫ً‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪313‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫اخ ِت َيا ِر ِه‬ ‫وع َو َأ ْس َب ُ‬
‫اب ْ‬ ‫َأ َ ِّ‬
‫ه َّية امل َ ْو ُض ِ‬

‫تكمن �أهمية هذا املو�ضوع يف الأمور الآتية‪:‬‬


‫أول‪ :‬أن هــذا الموضــوع هــو المقصود األعظم من إنــزال كتاب اهلل ‪۵‬‬
‫ً‬
‫إلينــا؛ فنحــن مأمورون بالعمــل بما فيه مــن األوامر والنواهــي واالعتبار‪ ،‬وال‬
‫يكــون ذلــك إال بتدبر آياتــه والتفكر يف معانيه‪ ،‬قــال اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ [ص‪.]29 :‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أن قضية التد ُّبر من أهم القضايا التي دعا إليها القرآن الكريم‪ ،‬وو َّبخ‬
‫من تركها أو هجرها يف آيات كثيرة‪.‬‬
‫ثال ًثــا‪ :‬أن التد ُّبر من ثمرات تع ُّلم القرآن الكريــم‪ ،‬والذي به ُتنال الخيرية‬
‫«خ ْي ُرك ُْم َم ْن‬
‫واألفضلية التي ب َّينها رسول اهلل ﷺ‪ ،‬يف حديث عثمان ﭬ بقوله‪َ :‬‬
‫تجرد له رسائل علمية ُتربز قيمته‪.‬‬
‫فحري أن َّ‬
‫ٌّ‬ ‫آن َو َع َّل َم ُه»‪.‬‬
‫َت َع َّل َم ا ْل ُق ْر َ‬
‫راب ًعــا‪ :‬كثرة العوائق الصارفــة يف هذه األزمان عن تد ُّبــر القرآن الكريم‪،‬‬
‫والعمل بما فيه‪.‬‬
‫خامســا‪ :‬أن مصــادر علوم القرآن الكريم والتفســير والســير؛ قد حفلت‬
‫ً‬
‫بمــادة علم َّيــة غزيرة يف هذا الموضــوع؛ فأضحى من المهم جمعها ودراســتها‬
‫تحليل واستنبا ًطا يف دراسة متخصصة‪.‬‬ ‫ً‬
‫سادســا‪ :‬االســتجابة لتوصيــة بعــض المختصيــن فيمــن كتب عــن هذا‬
‫ً‬
‫الموضوع؛ حيث ب َّينوا أن هذا الموضوع يحتاج إلى رسالة علمية متخصصة‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪314‬‬


‫الساب َِقة‬
‫ات َّ‬
‫اس ُ‬
‫الد َر َ‬
‫ِّ‬

‫بعــد البحث واالســتقصاء للموضــوع‪ ،‬والرجــوع للجامعــات ومراكز‬


‫البحــوث والمكتبــات المتخصصة يف مجال البحث العلمي مــن أمثال‪ :‬مكتبة‬
‫الملــك فهــد‪ ،‬ومكتبــة الملك عبــد العزيــز‪ ،‬ومركــز الملك فيصــل للبحوث‬
‫والدراســات اإلســامية‪ ،‬لم أقف ‪-‬حســب اطالعي‪ -‬على من أفرد موضوع‪:‬‬
‫تدبر القرآن الكريم برسالة علمية مستقلة حين تسجيل الرسالة‪.‬‬
‫وهنــاك كتــب تناولــت تدبــر القــرآن الكريــم مــن جوانب أخــرى‪ ،‬أو‬
‫علما أن المنهجية العلميــة واألفكار البحثية اختلف‬
‫تكلمت عنه بإشــارات‪ً ،‬‬
‫تناولهــا لدى الباحثين‪ ،‬وتعــددت نتائجهم‪ ،‬وهذا ي� ُّ‬
‫�دل على �أمور‪ ،‬م��ن �أهمها‪:‬‬
‫اتســاع الموضوع وكثرة مادته‪ ،‬والأمر الآخر‪ :‬أن هذا الموضوع قابل إلضافة‬
‫الجديــد‪ ،‬والوصول إلى نتائج علمية جديدة‪ ،‬التي أرجو من اهلل العلي القدير‬
‫أن يوفقنــي يف بحثهــا وعرضهــا‪ ،‬وفيمــا يلي عــرض ألبرز هــذه الكتب التي‬
‫تناولت الموضوع من جوانب أخرى‪.‬‬
‫ويتكون البحث من مقدمة‪ ،‬وثالثة �أبواب‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وفهار�س‪ ،‬وهي على‬
‫النحو الآتي‪:‬‬
‫◈ املقدمة‪ ،‬وفيها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أهمية الموضوع وأسباب اختياره‪ -2 .‬أهداف البحث‪.‬‬
‫‪ُ -4‬خ َّطة البحث‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -3‬الدراسات السابقة‪.‬‬
‫‪ -5‬منهج البحث‪.‬‬

‫‪315‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫وحكمه و�ضوابطه‪ ،‬وفيه ف�صالن‪:‬‬
‫◈ الباب الأول‪ :‬التد ُّبر مفهومه ُ‬
‫وحكمه‪ ،‬وفيه خم�سة مباحث‪:‬‬
‫‪ ‬الف�صل الأول‪ :‬مفهوم التد ُّبر ُ‬
‫املبحث الأول‪ :‬مفهوم التد ُّبر عند ال ُّلغو ِّيين‪.‬‬
‫المفسرين‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مفهوم التدبر عند‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تعريف هذا المركب اإلضايف‪( :‬تدبر القرآن الكريم)‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬المعاين المقاربة لمفهوم التدبر‪ ،‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬الفرق بين التدبر والتفسير‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬الفرق بين التدبر واالستنباط‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬الفرق بين التدبر والتفكر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الرابع‪ :‬الفرق بين التدبر والتأمل‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ُ :‬حكم التدبر‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الثاين‪� :‬ضوابط التدبر و�رشوط املتد ِّبر‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ضوابط التدبر‪ ،‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫واقــع يف جميــع معاين القــرآن فال ُيخاض يف‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬املطل��ب الأول‪ :‬أن التدبــر‬
‫كيفية الصفات اإللهية وسائر الغيبيات‪.‬‬
‫‪ ‬املطل��ب الث��اين‪ :‬االعتماد على كتب التفســير الســالمة مــن التأويالت‬
‫والشبهات‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬تقييد جميع أمور التدبر بما ورد يف الشرع‪ ،‬وترك االبتداع‪.‬‬
‫‪ ‬املطل��ب الرابع‪ :‬االقتصار علــى األحاديث واآلثار الصحيحة والوقائع‬
‫الثابتة‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪316‬‬


‫املبحث الثاين‪ :‬المتد ِّبر شروطه وآدابه‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫حق التدبر؟‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬من له ُّ‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬الشروط الواجب توافرها يف المتد ِّبر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬آداب المتد ِّبر‪.‬‬
‫◈ الباب الثاين‪ :‬دوافع تدبر القر�آن الكرمي‪ ،‬وفيه �أربعة ف�صول‪:‬‬
‫‪ ‬الف�صل الأول‪ :‬ا�ست�شعار �أهمية التدبر‪ ،‬وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الحث على التدبر‪.‬‬ ‫املبحث الأول‪ :‬اآليات واآلثار الواردة يف‬
‫املبحث الثاين‪ :‬بيان أهمية التدبر عند السلف‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬حاجة األمة إلى تدبر القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الثاين‪ :‬حت�صيل الأ�سباب الباعثة على التدبر‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬األسباب القلبية‪ ،‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬اإليمان باهلل ‪ ۵‬واالستعانة به‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬استشعار عظمة القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬اإلخالص يف طلب التدبر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الرابع‪ :‬طهارة القلب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬األسباب العلمية والعملية‪ ،‬وفيه أحد عشر مطل ًبا‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬ربط الجوارح بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬مراعاة األحوال المناسبة للقراءة‪ ،‬ويشتمل على مسائل‪:‬‬
‫‪ -‬املسألة األوىل‪ :‬القراءة يف الصالة المكتوبة‪.‬‬

‫‪317‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫التهجد‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬املسألة الثانية‪ :‬القراءة يف‬
‫‪ -‬املسألة الثالثة‪ :‬القراءة عند راحة البال والسكون‪.‬‬
‫‪ -‬املسألة الرابعة‪ :‬اختيار المكان المناسب للقراءة‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬سالمة التالوة‪ ،‬ومراعاة التجويد‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الرابع‪ :‬الرتتيل‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب اخلام�س‪ :‬الجهر بالقرآن‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب ال�ساد�س‪ :‬معرفة الوقف واالبتداء‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب ال�سابع‪ :‬المداومة على قراءة القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثامن‪ :‬فهم معاين اآليات‪ ،‬ويشتمل على مسائل‪:‬‬
‫‪ -‬املســألة األوىل‪ :‬فهم اآليات بالمأثور عن رسول اهلل ﷺ وعن الصحابة‬
‫والسلف الصالح‪.‬‬
‫وتصورها يف أثناء القراءة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬املسألة الثانية‪ :‬معرفة أسباب النزول‬
‫‪ -‬املسألة الثالثة‪ :‬إدراك المعنى ال ُّلغوي للكلمات‪.‬‬
‫‪ -‬املسألة الرابعة‪ :‬معرفة داللة اآلية وما يتعلق هبا‪.‬‬
‫‪ -‬املسألة الخامسة‪ :‬العناية بسياق اآليات‪.‬‬
‫‪ -‬املسألة السادسة‪ :‬معرفة مقاصد السور وأهدافها‪.‬‬
‫‪ -‬املسألة السابعة‪ :‬استشعار اآليات والمعاين‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب التا�سع‪ :‬البكاء والتباكي‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب العا�شر‪ :‬ترديد اآليات وتكريرها‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪318‬‬


‫‪ ‬املطلب احلادي ع�شر‪ :‬القراءة يف كتب المفسرين وفضائل القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الثالث‪ :‬الوقوف على مقا�صد التدبر وغاياته‪ ،‬وفيه �أربعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬التفكر واالعتبار‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬التفكر يف آيات اهلل المسموعة‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬التفكر يف آيات اهلل المشهودة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬خشوع القلب والجوارح‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬صور من خشوع النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬صور من خشوع السلف‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬أسباب تحصيل الخشوع‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬امتثال األوامر‪ ،‬واجتناب النواهي‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬امتثال األوامر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬اجتناب النواهي‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬استخرج ِ‬
‫الع َبر واستنباط األحكام‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬شرف هذه المنزلة وعلوها‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬شروط االستنباط‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬أساليب االستنباط‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الرابع‪ :‬معرفة �آثار التدبر‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبح��ث الأول‪ :‬أثر تدبر القرآن الكريم على الفرد والمجتمع‪ ،‬وفيه ثالثة‬
‫مطالب‪:‬‬

‫‪319‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬أثره اإليماين‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬أثره النفسي‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬أثره السلوكي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أثر تدبر القرآن الكريم على األ َّمة‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬أثره األمني‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬أثره االقتصادي‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬أثره السياسي‪.‬‬
‫◈ الباب الثالث‪ :‬موانع تدبر القر�آن الكرمي‪ ،‬وفيه ثالثة ف�صول‪:‬‬
‫‪ ‬الف�صل الأول‪ :‬الوقوع يف ال�شبهات‪ ،‬وفيه ثمانية مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬الجلوس مع أهل البدع‪ ،‬واالستماع إليهم‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬قصر تدبر القرآن على المجتهدين فقط‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الحرص على تت ُّبع شوا ِّذ القراءات‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬ا ِّتباع المتشابه من اآليات‪.‬‬
‫املبحث اخلام���س‪ :‬الحرص على كثرة التالوة والحفظ دون التدبر‪ ،‬وفيه‬
‫ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬ذكر الخالف يف هذه المسألة‪ ،‬مع بيان القول الراجح‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬المبالغة يف تجويد الحروف دون التدبر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬الحرص على الحفظ دون التدبر‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬قصر معاين القرآن على أحوال َّ‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪320‬‬


‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬قصر حديث القرآن عن األمم السابقة على من وردت فيهم‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬قصر معاين القرآن على أحوال شخصية معينة‪.‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬االنشغال بتتبع المبهمات‪.‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬ابتداع طرائق مزعومة للتدبر‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب الأول‪ :‬الطرائق المبتدعة القديمة ونقدها‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاين‪ :‬الطرائق المبتدعة المعاصرة ونقدها‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الثاين‪ :‬الوقوع يف ال�شهوات‪ ،‬وفيه خم�سة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬اإلصرار على المعاصي والذنوب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مرض القلب‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اتباع الهوى‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬االنشغال بالحياة الدنيا وزينتها‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬استماع الغناء وآالت اللهو‪.‬‬
‫‪ ‬الف�صل الثالث‪ :‬العالج القر�آين لرتك التدبر‪ ،‬وي�ش��تمل على الآيات التي‬
‫ذ َّمت ترك التدبر‪ ،‬و�أر�شدت �إىل عالجه‪.‬‬
‫◈ اخلامتة‪:‬‬
‫توصلت إليها يف هذا البحث‪ ،‬وبعض التوصيات‪.‬‬
‫تتضمن أهم النتائج التي َّ‬
‫َّ‬
‫◈ الفهار�س‪:‬‬
‫‪ ‬فهرس المصادر والمراجع‪.‬‬
‫‪ ‬فهرس الموضوعات‪.‬‬

‫‪321‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫َم ْن َه ُج ال َب ْح ِ‬
‫ث‬

‫�سلك الباحث املنهج اال�ستقرائي الو�صفي التحليلي‪َ ،‬و ْف َق ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬جمع ما يتعلق بالتدبر من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية‪ ،‬وجمع‬
‫أيضا عن التدبر يف كتب علوم القرآن وكتب المفسرين وكتب أهل ال ُّلغة‪،‬‬
‫ما ورد ً‬
‫مســتخلصا منها منهج الرســول ﷺ ومنهج أصحابه رضوان اهلل عليهم ومنهج‬
‫ً‬
‫الســلف الصالــح مــن بعدهم‪ ،‬مع اســتعراض أقوالهــم ومواقفهــم وتحليلها‪،‬‬
‫واستخراج الفوائد واألحكام ِ‬
‫والع َبر‪.‬‬
‫‪ -2‬كتابة اآليات القرآنية بالرســم العثمــاين المكتوب برواية حفص عن‬
‫عاصم‪ ،‬مع عزوها بأرقامها إلى سورها‪.‬‬
‫‪ -3‬عزو القــراءات إلى قرائها‪ ،‬وتوثيقها من مصادرها األصلية‪ ،‬مع بيان‬
‫المتواتر منها والشا ِّذ‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلفادة من المصــادر والمراجع القديمة ألصالتها‪ ،‬وكذلك الرجوع‬
‫إلــى المصــادر الحديثة من البحــوث والكتب والمجالت العلميــة‪ ،‬عند تعذر‬
‫المطلوب من المصادر القديمة‪.‬‬
‫‪ -5‬تخريج األحاديث واآلثار من مصادرها األصلية‪ ،‬مع ذكر أقوال أهل‬
‫العلــم المحققيــن يف درجتها؛ ما لم تكــن يف الصحيحيــن أو أحدهما‪ ،‬فأكتفي‬
‫بالعزو إليهما أو أحدهما‪.‬‬
‫‪ -6‬إثبــات أســماء المصــادر والمراجع يف الحاشــية‪ ،‬وأ َّمــا المعلومات‬
‫األخرى فسوف أذكرها ضمن ثبت المراجع والمصادر‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪322‬‬


‫‪ -7‬ذكر األقوال مع نسبتها إلى قائليها‪ ،‬وتوجيه الخالف وبيان الراجح بأدلته‪.‬‬
‫‪ -8‬العناية بشــرح األلفاظ والمصطلحات الغريبة‪ ،‬مع ضبطها والتعليق‬
‫عليها ما أمكن‪.‬‬
‫‪ -9‬نسبة األبيات الشعرية إلى قائليها‪ ،‬وتوثيقها من المصادر األصلية‪.‬‬
‫مرة يف‬
‫‪ -10‬التعريــف باألعــام غير المشــهورين عنــد ورودهــم أول َّ‬
‫صلب البحث‪.‬‬
‫وبعد؛ فمع هذا الجهد يف الجمع والكتابة والصياغة واالستشــارة إال أن‬
‫اهلل يأبى أن تكون العصمة لغير كتابه‪ ،‬وإنني كلما طالعت هذا البحث وراجعته‬
‫يصف هبا من‬
‫ُ‬ ‫بحذف أو زيادة أو نقصان؛ تذكرت قول ًة بديعة للقاضي ال َب ْيســاين‬
‫ٌ‬
‫إنســان كتا ًبا يف يومه‬ ‫رأيت أنه ال يكتب‬
‫هم على مثل حالي‪ ،‬حيث يقول‪" :‬إنِّي ُ‬
‫إال قــال يف غــده‪ :‬لو ُغ ِّير هذا لكان أحســن‪ ،‬ولو زيد لكان ُيستحســن‪ ،‬ولو ُقدِّ م‬
‫الع َبر‪ ،‬وهو ٌ‬
‫دليل‬ ‫هــذا لكان أفضل‪ ،‬ولو ُترك هذا لــكان أجمل؛ وهذا من أعظم ِ‬
‫على استيالء النقص على جملة ال َب َشر"‪[ .‬إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين‪،‬‬

‫للزبيدي‪.])3 /1( :‬‬


‫ويف نهاي��ة املطاف وختام الكالم‪ ،‬دون الباحث اخلال�صة العامة للبحث‬
‫مع النتائج والتو�صيات؛ وجاءت كالتايل‪:‬‬
‫‪� ‬أ َّن ُج � َّل املع��اين الت��ي وردت يف تعري��ف التدب��ر عن��د ال ُّلغوي�ين م�أخ��وذة‬
‫من‪ :‬النظر يف أدبار الشــيء‪ ،‬وعواقبه وهناياته‪ ،‬وهبذا ندرك أن دالالته يمكن أن‬
‫ترشدنا إلى أن التدبر‪ ،‬يحتاج إلى‪ :‬التتبع‪ ،‬والتعمق‪ ،‬والنظر يف مآالت األشياء‪.‬‬
‫‪� ‬أ َّن املف�س��رين املتقدم�ين مل ُّ‬
‫يخ�ص��وا التدبر بتعري��ف ا�صطالحي خا�ص‬
‫ينف��رد ع��ن التعري��ف ال ُّلغ��وي؛ ألن كلمــة التدبر من الكلمات الــواردة يف القرآن‬

‫‪323‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫على أصل معناهــا ال ُّلغوي‪ ،‬ولم تنتقل إلى اصطالح شــرعي جديد‪ ،‬فحقيقتها‬
‫َّفق على معناها‪ ،‬ولم تنتقل إلى حقيقة شرعية‪.‬‬‫ال ُّلغوية مت ٌ‬
‫‪� ‬أ َّن العلماء يف جميع تعريفاتهم للتدبر قد �صرحوا بلزوم اقرتان التدبر‬
‫بالعم��ل واالنتف��اع‪ ،‬بمعنى أنه ال بد أن يكون العمل من قصد القارئ ً‬
‫أصل؛ ألنه‬
‫الزم حصــول التدبر‪ ،‬وهذا هو الــذي يميز التدبر عن غيــره من المصطلحات‬
‫القرآنية األخرى المشاهبة مثل‪( :‬التفسير‪ ،‬واالستنباط‪ ،‬والتفكر‪ ،‬والتأمل)‪.‬‬
‫‪� ‬أ َّن ه��ذه امل�صطلح��ات امل�ش��ابهة للتدب��ر متقارب��ة ولي�س��ت مرتادف��ة‪ ،‬وإذا‬
‫َذكَر بعض أهل العلم أهنا مرتادفة‪ ،‬فإنما يقصد الرتادف الجزئي الذي يوجد يف‬
‫بعض أجزاء المعنى دون بعضها اآلخر‪.‬‬
‫كل حسب‬ ‫‪ ‬تدبر القر�آن الكرمي يف اجلملة واجب �شرعي على كل قارئ؛ ٌّ‬
‫فهمــه وقدراته وطاقاته اإلدراكية؛ ألنه ال يعذر أحــد برتك التدبر مطل ًقا؛ خاصة‬
‫وأن القرآن قد يسره اهلل للذكر‪ ﴿ :‬ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ﴾ [القمر‪.]17 :‬‬
‫‪ ‬يجب على كل م�س��لم وم�س��لمة تعلم القر�آن وتدبره على ح�س��ب قدرته‪،‬‬
‫والعمل بما علمه وتدبره؛ شريطة أن يكون هذا العلم ناش ًئا عن علم صحيح‪.‬‬
‫‪� ‬أ َّن التدبر يقع يف املعلوم من القر�آن‪ ،‬أما ما ال يدركه العقل من األمور‬
‫الغيبية وكيفياهتا التي اســتأثر اهلل بعلمهــا؛ فالواجب اإليمان هبا دون البحث يف‬
‫تفاصيلها‪ ،‬وهي مما ال يحصل بيانه من جهة العقل‪ ،‬ومتى وقع طلبها من جهته‬
‫حصل االنحراف والزيغ يف شرع اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬الواج��ب عل��ى املتدبر �أن يعتمد يف فهمه للآيات واملعاين على التفا�س�ير‬
‫ال�س��املة من الت�أويالت واالنحرافات‪ ،‬وهي تفاســير الســلف الموثوقة‪ ،‬ومن سار‬
‫علــى هنجهم من المفســرين الذين جاءوا مــن بعدهم؛ فقلما تجــد فيها الخطأ‬
‫سواء من جهة الدليل‪ ،‬أم من جهة االستدالل‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪324‬‬


‫‪� ‬آي��ة �س��ورة ﴿ ﭑ ﭒ ﴾‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭ﴾ [ق‪� ]37 :‬أ�ش��ارت �إىل ال�ش��روط الإجمالية الواجب توافرها يف املتد ِّبر‪،‬‬
‫حي القلب‪ ،‬وأن يفعل األســباب المعينة على التد ُّبر‪ ،‬وأن‬ ‫وه��ي‪ :‬كــون المتد ِّبر َّ‬
‫يجتنب األمور التي َت ْص ِر ُ‬
‫ف عن التدبر‪.‬‬
‫‪ ‬عا ّم��ة �آي��ات التدب��ر نزل��ت يف احلدي��ث ع��ن �س��ياق الكف��ار واملنافق�ين هي‬
‫تخاطب امل�ؤمنني من باب �أوىل؛ ألهنم هم أهل االنتفاع بتدبر القرآن‪ ،‬فهي تحذر‬
‫ٌ‬
‫وتوبيخ لهم‪.‬‬ ‫تحذير لنا‬
‫ٌ‬ ‫جميع المسلمين أن يسلكوا هذا الطريق‪ ،‬ففيه‬
‫‪� ‬أث ُر �أبي عبد الرحمن ال�سلمي امل�شهور هو ال ُّأ�س الذي تبنى عليه ق�ضية‬
‫التدب��ر؛ حيــث إنــه وضح بصورة جل َّيــة الطريقة المثلى لتدبــر كتاب اهلل‪ ،‬ممن‬
‫عاصر التنزيل وعرف التأويل‪.‬‬
‫‪� ‬أن تعلم القر�آن و�أخذه بالطريقة التي رويت عن ال�صحابة �أدعى للفهم‬
‫واال�س��تيعاب م��ن غريها؛ فاهلل ‪ ۵‬يقــول لنبيه‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﴾ [اإلسراء‪.]106 :‬‬
‫‪� ‬أن منه��ج ال�س��لف ال�صال��ح يف التدب��ر ُبن��ي عل��ى ركنني (الفه��م‪ ،‬والعمل)‬
‫ويربز يف اجلانب العملي؛ ألهنم كما قال ابن مســعود وابن عمر ﭭ‪" :‬وسهل‬
‫المهم الذي يفقده كثير‬
‫ُّ‬ ‫علينا العمل به"‪" ،‬رزقــوا العمل بالقرآن"‪ ،‬وهذا األمر‬
‫من الناس اليوم‪.‬‬
‫‪� ‬أن الإميان باهلل ‪ ۵‬وحمبته وتعظيمه تدفع امل�سلم لتحقيق تدبر كتاب‬
‫رب��ه‪ ،‬فمتــى آمن العبد بربه وع َّظمــه َّ‬
‫أحب كالمه وتدبره وتأثر بــه‪ ،‬وقد قال ابن‬
‫يحب اهلل؛ فإنما القرآن كالم اهلل"‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أحب القرآن فهو‬
‫مسعود ﭬ‪" :‬من َّ‬

‫‪325‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪� ‬أن عظمة كتاب اهلل متجلية من كل جانب منه‪ ،‬وا�ست�ش��عار امل�ؤمن لهذه‬
‫العظم��ة يف قلب��ه �س��بب رئي���س يف حت�صي��ل التدب��ر الإمي��اين؛ ألن العناية بالشــيء‬
‫فرع عن استشــعار عظمته‪ ،‬ولقد تتابعت كلمات السلف الصالح‬
‫واالهتمام به ٌ‬
‫يف بيان عظمة القرآن يف مواطن كثيرة ومناسبات متفرقة‪.‬‬
‫‪ ‬يجب على امل�سلم �أن يخل�ص نيته يف تدبره لكتاب اهلل تعاىل‪ ،‬وأن يقصد‬
‫به وجه اهلل؛ فإنما تكون نتيجة التدبر والتفهم على قدر النية‪.‬‬
‫‪� ‬أن الإقب��ال عل��ى الق��ر�آن واالنتفاع به وتدبره متحق��ق لأ�صحاب القلوب‬
‫احل َّية‪ ،‬فكلما كان العبد لقلبه أجمع‪ ،‬وعن الشــواغل أبعد‪ ،‬كان أقرب إلى فهم‬
‫مح ُّل تفهم القرآن وتدبره‪.‬‬
‫وتدبر ما يتلو من كتاب اهلل؛ إذ إن القلب َ‬
‫‪ ‬مراع��اة الأح��وال املنا�س��بة لق��راءة الق��ر�آن له��ا �أث��ر يف التدبر و�س�لامته‪،‬‬
‫فالقلب المشــغول والجوارح المشــغولة ال يمكن أن تتلــذذ بنعمة هذه العبادة‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫‪ ‬الأث��ر امل��روي ع��ن حذيف��ة ب��ن اليم��ان ﭬ يف بي��ان �صف��ة قيام الر�س��ول ﷺ‬
‫بالليل؛ يظهر للأمة املنهج العملي ال�سليم يف كيفية �إحياء الليل‪ ،‬ويوضح لطالب‬
‫التدبر المحور العملي الذي ينبغي أن يقتدي به يف أداء هذه العبادة الجليلة‪.‬‬
‫‪ ‬املداومة على القراءة يف التهجد فيها خريات عظيمة‪ ،‬وهي معينة جدًّا‬
‫على التدبر وت�أثر القلب وخ�شوعه‪ ،‬فال يثبت القرآن يف الصدر وال يسهل حفظه‪،‬‬
‫وييسر فهمه إال القيام به يف جوف الليل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ ‬الختي��ار امل��كان املنا�س��ب لت�لاوة الق��ر�آن �أث��ر عظي��م يف عملي��ة التدب��ر‪،‬‬
‫حيث ينبغي للقارئ أن يختار األماكن المناسبة لقراءته بعيدً ا عن قوارع الطرق‬
‫والملهيات والشاغالت التي تشغل الذهن وتصرف القلب‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪326‬‬


‫‪� ‬أن �س�لامة الت�لاوة ومراع��اة التجوي��د تع�ين عل��ى فه��م الق��ر�آن‪ ،‬ومــن‬
‫المعلوم أن مبنى الكالم قائم على المعنى‪ ،‬وسالمة النطق تزيد فهم هذا المعنى‪،‬‬
‫وتكمــل اإلدراك‪ ،‬وتعين على التدبــر‪ ،‬وإذا اختل النطق بالكلمة ولحن القارئ‬
‫فيها فإن المعنى قد يتغير؛ وذلك مما يبعد القلب عن التدبر وفهم اآليات‪.‬‬
‫‪� ‬أن الرتتي��ل ه��و زي��ن الق��ر�آن‪ ،‬وه��و مع�ين عل��ى التدب��ر ويزي��د الق��راءة‬
‫ح�لاوة واجنذا ًب��ا‪ ،‬وي�س��اعد عل��ى احلف��ظ والفه��م‪ ،‬والنفــوس تنجــذب للقــراءة‬
‫المرتلة الخاشــعة أكثــر من انجذاهبا للقراءة الخالية مــن الرتتيل‪ ،‬فإذا انجذبت‬
‫النفوس استمعت آليات رهبا بقلب مفتوح وصدر مشروح وفهم وتأمل‪.‬‬
‫‪ ‬اجلهر بال�صوت مبا يدور يف القلب �أعون على الرتكيز واالنتباه ‪-‬وهو يف‬
‫قراءة القر�آن �آكد‪ -‬والمتدبر مخير بين الجهر بالقراءة واإلسرار هبا‪ ،‬إال أنه إن كان‬
‫الجهر أنشــط له يف القراءة أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع هبا فالجهر‬
‫أفضل‪ ،‬وإن كان قري ًبا منه من يتهجد أو من يتضرر برفع صوته فاإلسرار أولى‪.‬‬
‫‪ ‬مم��ا ي�س��تعان ب��ه عل��ى فه��م الق��ر�آن وتدب��ره‪ :‬علــم الوقــف؛ فبه تتضح‬
‫الوقوف التامة‪ ،‬والكافية‪ ،‬والحســان‪ ،‬فتظهر المعاين للسامع المتأمل‪ ،‬والقارئ‬
‫المتدبــر على أكمــل وجوهها وأصحهــا‪ ،‬وأقرهبا لمأثور التفســير‪ ،‬ومعاين لغة‬
‫العرب‪ ،‬فإن اعتماد علماء الوقف واالبتداء يف وضع الوقوف وتفصيلها‪ ،‬وبيان‬
‫مبني على النظر يف معاين اآليات‪.‬‬
‫وجوهها‪ٌّ ،‬‬
‫‪ ‬من الأح�سن �أن يراعي املتدبر يف مداومته لقراءة كتاب ر ِّبه على حتزيب‬
‫مقســم يف‬
‫ثم هو فوق ذلك ّ‬ ‫ال�صحاب��ة ﭫ ال��ذي جم��ع ب�ين النظائ��ر عل��ى ن�س��قٍ ‪َّ ،‬‬
‫أعداده أحســن تقســيم بطريقة ال كلفة لمعرفتها‪ ،‬وترتيبها على األوتار‪ :‬ثالث‪،‬‬
‫وخمس‪ ،‬وسبع‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪327‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪� ‬أن يعل��م املتدب��ر �أن م��ن ت�أوي��ل الق��ر�آن م��ا ال ُي��درك عل ُم��ه �إال ببي��ان‬
‫الر�س��ول ﷺ؛ كما يقوله شــيخ المفســرين اإلمام الطربي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪-‬؛‬
‫فيحسن بالمتدبر معرفة ذلك واالطالع عليه يف مظانه‪.‬‬
‫‪ ‬معرف��ة �أ�س��باب ن��زول الق��ر�آن من الأ�س��باب ا ّلتي تع�ين املتد ّبر لكالم اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وفيها من الفوائد شيء عظيم‪.‬‬
‫‪ ‬يح�س��ن باملتدب��ر �أن يك��ون عار ًف��ا بدالالت اجلمل م��ن جهة علم البالغة‬
‫وبالأخ���ص عل��م املع��اين‪ .‬وممــا يعين على فهــم القرآن وفهم كالم أئمة الســلف‬
‫يف التفســير معرفة ما له عالقة بعلم التفسير‪ :‬كداللة الجملة االسمية والفعلية‪،‬‬
‫وداللة التقديم والتأخير يف الجملة‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫‪� ‬إدراك �إر�ش��ادات �س��ياق الآيات من اللحاق وال�س��باق مهم‪ ،‬ينبغي للمتدبر‬
‫�أن يراعيه؛ فال ينظر يف الكلمة أو الجملة مستقلة بنفسها‪ ،‬بل عليه أن ينظر إليها‬
‫يف سياق النص القرآين؛ فإن ذلك معين على تحديد المعنى المراد‪ ،‬ال سيما إذا‬
‫كان للكلمة أو الجملة أكثر من معنى‪.‬‬
‫‪( ‬مقا�ص��د ال�س��ور) م��ن العل��م الن��ادر العزي��ز‪ ،‬وه��و مه��م ل��كل طال��ب علم‬
‫يف التف�س�ير‪ ،‬ولــكل متدبــر‪ ،‬بقدر ما ذكر مــن مراعاة الضوابط مــن البحث عن‬
‫ظاهرا يف اآليات والسور‪.‬‬
‫ً‬ ‫تنصيص األئمة عليه يف كالمهم‪ ،‬أو أن يكون‬
‫‪� ‬أن تك��رار الآي��ة م��ن �ص��ور الوق��وف عل��ى املع��اين‪ ،‬حيــث إن تكرار اآلية‬
‫وأســرارا عجيبــة للمتدبر؛ ولذا‬
‫ً‬ ‫كنوزا عظيمة‪،‬‬
‫‪-‬إن أقبــل عليهــا القلب‪ -‬يفتح ً‬
‫حرص عليه العارفون المتدبرون؛ إلدراكهم أثر ذلك وفائدته‪.‬‬‫َ‬
‫‪� ‬أن تفك��ر املتدب��ر يف �آي��ات اهلل امل�س��موعة ي��ورث يف قلب��ه حمب � َة اخلال��ق‬
‫وتعظي َم��ه‪ ،‬و�إخال���ص العب��ادة ل��ه‪ ،‬والت��وكل علي��ه‪ ،‬وزي��ادة الإمي��ان واليق�ين‪ ،‬وغ�ير‬
‫ذلك من مقامات العبودية وأعمال القلوب‪.‬‬
‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪328‬‬
‫‪� ‬أن الواجب على املك َّلف �أن ي�شغل نف�سه بهذه العبادة اجلليلة (التفكر) يف‬
‫حدودها وجماالتها املن�ضبطة‪ ،‬ويتعاهدها يف جميع األحوال؛ وذلك أن التفكير‬
‫السليم يوصل صاحبه إلى الخير يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪� ‬أن يعل��م املتدب��ر �أ َّن ب��كاءه ﷺ مل يك��ن �ش��هي ًقا ورف��ع �ص��وت‪ ،‬ولك��ن كانت‬
‫تدم��ع عين��اه حت��ى تهمال‪ ،‬و ُي�س��مع ل�صدره �أزيز‪ ،‬وكان بكاؤه عند ســماعه للقرآن‬
‫بكا َء اشتياق ومحبة‪ ،‬مصاح ًبا للخوف والخشية‪.‬‬
‫‪ ‬اط�لاع املتدب��ر عل��ى قدوات املتدبرين دافع رئي���س لالقت��داء واالهتداء‪،‬‬
‫وم��ن ذل��ك‪ :‬القــراءة لألحاديــث واآلثار المروية عن رســول اهلل ﷺ يف قصص‬
‫خشوعه وتأثره‪ ،‬وكذا عن أصحابه ﭫ والتابعين‪.‬‬
‫‪ ‬م��ن �أب��رز مقا�صد التدبر وغاياته‪ :‬امتثال المتدبر لألوامر التي جاءت‬
‫يف كتــاب اهلل‪ ،‬واجتناب النواهي التي هنى عنها‪ ،‬وإن إدراك القارئ لها ومعرفته‬
‫آلثارهــا ونتائجها دافع رئيس لتتبعها يف كتاب اهلل‪ ،‬ثم االمتثال لها‪ ،‬وهي وصية‬
‫عظمى وفائدة كربى‪.‬‬
‫ملمو�س��ا ف�إن��ه �سيتم�س��ك‬
‫ً‬ ‫‪� ‬إذا مل���س املجتم��ع �آث��ار التدب��ر وعاي�ش��ها واق ًع��ا‬
‫بذلك ويحافظ عليه‪ ،‬ويبحث عن األســباب والوســائل التي تســعى لنشر علم‬
‫التدبر بين أبناء مجتمعه‪ ،‬ليحيا حياة إيمانية طيبة‪.‬‬
‫‪� ‬إن الق��وم الذي��ن يداوم��ون عل��ى ق��راءة كتاب اهلل بتدبر وخ�ش��وع هم من‬
‫َ‬
‫األبدان‬ ‫ِ‬
‫دخلــت‬ ‫الــروح إذا‬ ‫�أبع��د النا���س ع��ن احل��زن وال�ضي��ق والقل��ق‪ .‬فكمــا َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫حركتها وأحيتها‪ ،‬كذلك تدبر ال ُقرآن إذا دخل القلب أحياه ونفعه‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪� ‬إن �أثر تدبر القر�آن على الأمة جمعاء عظيم‪ ،‬و�إن من �أبرز �آثاره‪ :‬األثر‬
‫األمنــي الــذي يجمع للحياة اإلنســانية جميــع األحوال الصالحــة من الصحة‬
‫والرزق والرخاء واألمن واالستقرار والعيش الرغيد‪.‬‬

‫‪329‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬الأوىل باملتدبر للقر�آن �أن يخاف على قلبه من �أهل البدع و�أهل املعا�صي‪،‬‬
‫وأن يربأ بنفســه عن مجالسهم‪ ،‬فقد ُيمنع بجلوسه معهم واالستماع إليهم تدبر‬
‫كتاب ربه‪ ،‬وفهم مواعظه‪ ،‬وتذكر آياته‪.‬‬
‫‪ ‬ال ي�ص��ح م��ا يق��ال م��ن ق�ص��ر التدب��ر عل��ى فئ��ة معين��ة م��ن العلم��اء‪ ،‬بل‬
‫الواجــب أن ُيقبل كل مســلم على كتاب ربه‪ ،‬ويغــرف من بحره بقدر ما م َّن اهلل‬
‫تعالــى به عليه من العلم والفهم‪ ،‬وأما القول‪ :‬بقصر التدبر على المجتهد فقط‪،‬‬
‫فقول ضعيف ال مستند له‪.‬‬
‫‪ ‬الأوىل للق��ارئ �أن ي�ست�ش��عر �أن��ه املق�ص��ود ب��كل خط��اب يف الق��ر�آن؛ فــإن‬
‫أمرا أو هن ًيا قدَّ ر أنه المنهي والمأمور‪ ،‬وإن سمع وعدً ا أو وعيدً ا فكذلك‪،‬‬
‫سمع ً‬
‫وإذا ُقصد بالخطاب جميع الناس فليقدِّ ر أنه مقصود هبذا الخطاب ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ ‬من اخلط�أ �أن ال ي�سعى املرء �إىل �سماع القر�آن �إال عند مر�ضه‪� ،‬أو موت‬
‫قريب��ه‪� ،‬أو ح��ال حزن��ه فق��ط‪ ،‬أ َّمــا إذا كان يف حال صحتــه وكمال عقله وصفاء‬
‫يتشــوف إلى ســماع القرآن أو قراءته؛ ف ُي َح ِّر ُم على ن ْف ِســه السبيل‬
‫َّ‬ ‫ذهنه فإنه ال‬
‫إلى تدبر القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬االهتمام باملبهمات وبتفا�صيل احلوادث التي مل يذكرها القر�آن �صارف‬
‫فكثيــرا ما يــرد يف القرآن أعيــان وأماكــن وأعداد مبهمة لــم يب ِّينها‬
‫ً‬ ‫ع��ن التدب��ر‪،‬‬
‫الرســول ﷺ‪ ،‬وهي أمور ال يتوقف عليها عمل‪ ،‬وال يحصل بالبحث عنها علم‬
‫نافع يحتاج الناس إليه‪.‬‬
‫�بب ِّ‬
‫لتف�ش��ي الب��دع يف‬ ‫‪ ‬اجله��ل بامل�ش��روع يف عب��ادة التدب��ر وطرائق��ه �س� ٌ‬
‫ذل��ك‪ ،‬فكثيــر من الجهلة يعتمد يف وســائل تدبــره على أحاديــث وآثار وآراء‬
‫ليست صحيحة‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪330‬‬


‫‪ ‬م��ن �أعظ��م م��ا ي�ص��دُّ الق��ارئ عن تدب��ر القر�آن‪ :‬إصــراره على الذنوب‬
‫ب األكثرون‪ ،‬وكلما كانت‬‫ج َ‬‫والمعاصي‪ ،‬وهي أعظم حجــاب للقلب‪ ،‬وهبا ُح ِ‬
‫خف عن القلب‬
‫تراكما كانت معاين الكالم أشدَّ احتجا ًبا‪ ،‬وكلما َّ‬
‫ً‬ ‫الشهوات أشدَّ‬
‫أثقال الدنيا َق ُر َب تج ِّلي المعنى فيه‪.‬‬
‫‪ ‬ينبغ��ي للم�ؤم��ن �أن يعتن� َ�ي ب�س�لامة قلب��ه و�صحت��ه مِ � َ�ن الأمرا���ض؛ ف�إ َّن‬
‫محــل نظر اهلل ‪ ۵‬لعبده‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال ُق ُل��وب متر���ض كم��ا متر���ض الأب��دان‪ ،‬وهذا القلب هو‬
‫والجوارح َت َب ٌع لصالح القلب وفساده‪.‬‬
‫‪ ‬م َّتب��ع اله��وى يعتق��د ثم يبحث يف القر�آن عما يظ ُّنه مواف ًقا لهواه؛ ولذا‬
‫فل��ن ي�ص��ل مطل ًق��ا لالنتفاع بالقر�آن‪ ،‬وال بهديه‪ ،‬ولن يصل القرآن قلبه فيتدبر فيه‬
‫وينتفع بمواعظه إال إن ســعى يف التخلص من الهــوى وتصفية قلبه منه‪ ،‬وصار‬
‫وسنَّة‪.‬‬
‫هواه تب ًعا للوحي قرآنًا ُ‬
‫تبي على النحو الآتي‪ :‬وجوب‬
‫‪� ‬أن العالج القر�آين يف �ضوء �آيات التدبر َّ‬
‫اإليمان بعظمة القرآن‪ ،‬وبالعلم والعمل‪ ،‬وباإلقبال على القرآن وعدم هجره يف‬
‫جميع شــؤون الحيــاة‪ ،‬وباليقين بإحكام آياته وإتقــان ألفاظه‪ ،‬وبوجوب تطهير‬
‫القلب من األقفال‪ :‬سواء يف ذلك أقفال الشبهات والشهوات‪.‬‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫‪331‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫ال َّت ْو ِ‬
‫ص َيات‬
‫‪ ‬تو�صية للمجتمع‪ :‬تدبر القرآن عبادة جليلة من الضروري نشر علمها‬
‫يف المجتمعات اإلســامية اليوم‪ ،‬وعلى جميع المســتويات‪ ،‬بشــتى الوســائل‬
‫لتثقيف المجتمع وتعريفه بمفهوم هذه العبادة وأسباهبا وموانعها وضوابطها‪.‬‬
‫‪ ‬تو�صي��ة يف التزام ال�ضابط العام للتدبر‪ :‬وهو وجوب التزام منهاج‬
‫الســلف الصالح يف التدبــر‪ ،‬وهديهم يف تدبرهم لكتاب رهبــم‪ ،‬والوقوف على‬
‫ذكــر أحوالهم وتراجمهــم وقصصهم؛ وذلــك أن الجهل بمنهاجهــم يف عبادة‬
‫سبب ِّ‬
‫لتفشي البدع والمحدثات‪.‬‬ ‫التدبر‪ٌ ،‬‬
‫‪ ‬تو�صية للم�ش��رفني على املحا�ضن الرتبوي��ة‪ :‬بتوطين منهجية التدبر‬
‫حث التالميــذ على تنمية م َل ِ‬
‫كــة الفهم والتدبر‪،‬‬ ‫يف هــذه المحاضــن‪ ،‬ومحاولة ِّ‬
‫َ‬
‫ألجل أن يظهر ذلك يف ســلوك الدارسين وأخالقهم‪ ،‬ومن ذلك اطالعهم على‬
‫قــدوات المتدبرين ونماذج المهتديــن‪ ،‬وأن يضعوا ضمن برامجهم وخططهم‬
‫مراعاة هذا األمر؛ ألنه ثمرة إنزال القرآن‪.‬‬
‫‪ ‬تو�صي��ة جلمعي��ات حتفي��ظ الق��ر�آن الك��رمي‪ :‬بتهيئة بيئــة للتدبر يف‬
‫حلقات تحفيظ القرآن‪ ،‬والعمــل على تمليك الطالب مقومات التدبر وأدواته‬
‫ووســائله؛ كمعرفــة عظمــة اهلل تعالى وقدســية وحيه‪ ،‬وفهم مقاصد اإلســام‬
‫ومحاســنه‪ ،‬وتحسين المســتوى ال ُّلغوي‪ ،‬وفهم الغريب‪ ،‬وتنمية ملكة الرتكيز‪،‬‬
‫وقراءة التفســير الميســر لما ُيحفظ‪ ،‬وتحســين الصوت بالقرآن‪ ،‬وتكرار تالوة‬
‫اآليــة‪ ،‬والتــؤدة يف التالوة وتجنــب اإلســراع‪ ،‬والحث على التــاوة يف الليل‪،‬‬
‫وســماع القرآن من غيره بخشوع‪ ،‬والتدارس الثنائي‪ ،‬وتغليب الضبط واإلتقان‬
‫على مجرد الحفظ بدونه‪ ،‬وغير ذلك مما يعين على التدبر ويدفع ما ينافيه‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪332‬‬


‫‪ ‬تو�صي��ة للجامع��ات واملعاهد العلمي��ة والتعليم العام‪ :‬بإنشــاء ٍ‬
‫مقرر‬
‫ُيدرس يف كليات الشريعة وأصول الدين يف أصول تدبر القرآن الكريم‪ ،‬وتكليف‬
‫ماسة‬
‫لجان متخصصة لوضع مفرداته ومواضيعه؛ فالطالب والطالبات بحاجة َّ‬
‫إلى العلم والعمل بما يف القرآن فال يكفي مجرد تالوته وإقامة حروفه‪.‬‬
‫كرا���س بحثية يف التدب��ر‪ :‬وذلك بتخصيص بحوث‬
‫ٍ‬ ‫‪ ‬تو�صية ب�إن�ش��اء‬
‫مصطلحا وتطبي ًقا‪ ،‬وعقــد حلقات نقاش‬
‫ً‬ ‫وباحثيــن لخدمــة التدبر ومســتجداته‪،‬‬
‫لذلك بالتعاون مع الجمعيات والمراكز المختصة والمهتمة بتدبر القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬تو�صي��ة يف �إب��راز ثمرة التدب��ر‪ :‬وهو االهتمام بالجانــب التطبيقي‬
‫األس‬
‫للتدبــر كما رســمه وبينه أثــر أبي عبد الرحمن الســلمي المشــهور؛ فهو ُّ‬
‫الــذي تبنــى عليه قضيــة التدبر؛ حيث إنه وضــح بصورة جل َّيــة الطريقة المثلى‬
‫لتدبــر كتــاب اهلل‪ ،‬التي قامــت على ركنين أساســيين‪( :‬الفهــم‪ ،‬والعمل) وهذا‬
‫المهم الذي يفتقده أبناء األمة اليوم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫األمر‬
‫ٍ‬
‫زمــن كثرت فيه البدع‪،‬‬ ‫‪ ‬تو�صي��ة للأمة جمي ًع��ا‪ :‬والتي تعيش اآلن يف‬
‫وتالطمــت فيــه الفتــن‪ ،‬وتحكمــت فيه الشــهوات والشــبهات‪ ،‬وتغيــرت فيه‬
‫المبــادئ والمعتقــدات؛ فهــي أحوج مــا تكون إلــى تدبر كتــاب اهلل؛ بأن يتجه‬
‫صحيحا بكامل‬
‫ً‬ ‫اتجاهــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ودول‪ ،‬حكا ًما ومحكومين‪،‬‬ ‫أفرادهــا جمي ًعــا‪ ،‬شــعو ًبا‬
‫وتدبرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أحاسيسهم ومشاعرهم‪ ،‬بقلوهبم وقوالبهم‪ ،‬إلى كتاب اهلل تالوة‬
‫خالصا‪ ،‬وينفع به مؤلفه وقارئه وكاتبه يف‬
‫ً‬ ‫واهلل المسؤول أن يجعله لوجهه‬
‫الدنيا واآلخرة؛ إنه ســميع الدعاء وأهل الرجاء‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬وما‬
‫توفيقي إال باهلل عليه توكلت وإليه أنيب‪.‬‬
‫الباحث‬

‫‪333‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫إعداد‪ :‬إدارة المشروع‪.‬‬
‫مرشوع‪ :‬هدايات القرآن الكريم‬
‫(م�صحف التدبر)‬

‫ف قِيمته‪،‬‬
‫إن َمن عاش مع القرآن الكريم؛ فأحيا به قل َبه‪ ،‬و َع َمر به حياته‪َ -‬ع َر َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وترديده‬ ‫ِ‬
‫بتالوة القرآن‬ ‫اهلل هبا على عباده بإنزاله؛ فاللــذة‬
‫وأدرك النعمــة التي امت َّن ُ‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫وتدبره والرتن ُِّم به ال ُيدركها َمن يتلوه بلسانه‪ ،‬دون أن ُيالمس‬ ‫وتأ ُّم ِل معانيه‬
‫أصل يف حياته؛ كالماء ال يمكن أن َيستغني عنه‪.‬‬ ‫غاف قلبه‪ ،‬ويكون ً‬ ‫ِش َ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [الشورى‪.]52 :‬‬
‫ق��ال العالم��ة ال�س��عدي ‪﴿" :$‬ﭔ ﭕ ﭖ﴾‪ ،‬وهو هــذا القرآن الكريم‪،‬‬
‫والقرآن َتحيا به القلوب واألرواح‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الروح َيحيا به الجســدُ ‪،‬‬ ‫ــماه ُروحا؛ َّ‬
‫ألن ُّ‬ ‫َس َّ‬
‫وتحيــا به مصالــح الدنيا والدين؛ لما فيه من الخير الكثيــر والعلم الغزير‪ .‬وهو‬
‫محض مِنَّة اهلل على رسوله وعباده المؤمنين‪ ،‬من غير سبب منهم"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫معامل التدبر‪:‬‬
‫"�ش��ركة مع��امل التدب��ر" ُمنشــأة غيــر ربحيــة ُتعنَى بتعزيز الصلــة بالقرآن‬
‫الكريم وتحبيبه وتعظيمه وتد ُّبره‪.‬‬
‫قيمتها‪:‬‬
‫مل التدبر" ال�ضو َء عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫فهذه �أربع قيم ت�س ِّلط "معا ُ‬
‫◈ تحبيبه‪.‬‬ ‫ ‬
‫◈ تعزيز الصلة بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫◈ تدبره‪.‬‬ ‫ ‬
‫◈ تعظيمه‪.‬‬

‫‪337‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫خدماتها‪:‬‬
‫ويف �سبيل تر�سيخ هذه القيم ُت َقدِّم "معامل التدبر" عدة خدمات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬بنــاء قيــادات ُمتخصصة يف التعليم النوعي؛ لتصميــم مناهج وأدلة يف‬
‫التعليم النوعي للقرآن الكريم ونشره‪.‬‬
‫‪ ‬تصميــم مناهــج وأدلــة يف التعليــم النوعي للقــرآن الكريــم‪ ،‬وتقديم‬
‫ممارسات احرتافية يف ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬اإلسهام يف تعزيز الصلة بالقرآن الكريم‪ ،‬ومحبته‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬والتشجيع‬
‫على تدبره‪.‬‬
‫‪ ‬إنتاج‬
‫‪ ‬مواد ُمبتكرة لتحقيق االنتفاع بالقرآن الكريم‪ ،‬واإلسهام يف ضبطه وفق‬
‫المنهج الشرعي‪.‬‬
‫م�صحف التدبر‪:‬‬
‫‪ -1‬جاءت فكرة مشــروع "م�صحف التدبر"؛ لكون "التدبر" أحد القيم‬
‫التي تسعى معالم التدبر لرتسيخها‪.‬‬
‫يحب تدبر القرآن على اكتساب قيمة التدبر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لمن‬
‫‪ -2‬مساعدة َ‬
‫‪ -3‬لما كانت فكرة التفاسير التي على هامش المصحف الشريف خادمة‬
‫للراغبيــن يف معرفة معاين القرآن الكريم‪ -‬جاءت فكرة إصدار منتج ُيعنى بتدبر‬
‫آيات القرآن الكريم كاملة‪.‬‬
‫فدُ ِر َســت الفكرة دراسة مســتوعبة‪ ،‬و ُدعي لها المختصون‪ ،‬وأقيمت مِن‬
‫أجلهــا لقــاءات العمل‪ ،‬ووضعــت لها هيكلــة إدارية‪ ،‬وخطة عمل؛ اســتمرت‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪338‬‬


‫لســنوات‪ ،‬ما بين جمع وانتقاء وتحرير ومراجعة‪ ،‬حتى خرج المشروع بصورة‬
‫فريدة غير مسبوقة‪ ،‬برزت يف عدة مراحل نستعرضها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬املرحلة الأوىل‪ :‬بناء اخلزانة‪:‬‬
‫يف البــدء؛ اجتهد فريق العمل يف بنــاء خزانة للتدبرات‪ ،‬كانت َم ْكن ًَزا ً‬
‫كبيرا‬
‫اســت ََّل من كتب التَّفسير ما َيصلح أن يكون هدايات تدبرية‪ ،‬كما اس ُت ْكتِب ٌ‬
‫فريق‬
‫من المختصين يف الهدايات القرآنية؛ لنجد هذا ال َك َّم الضخم من التدبرات‪.‬‬
‫‪ ‬املرحلة الثانية‪ :‬اجلرد واالنتقاء‪:‬‬
‫وكانت �أبرز خطواتها‪:‬‬
‫السور واآليات‪.‬‬
‫‪ ‬فرز الهدايات المستخلصة من خزانة التدبرات بحسب ترتيب ُّ‬
‫‪ ‬انتقاء الهدايات ذات االرتباط الواضح والمباشر باآلية‪.‬‬
‫‪ ‬شمول اآليات القرآنية بالتدبر‪.‬‬
‫‪ ‬املرحلة الثالثة‪ :‬التنقيح والت�سديد‪:‬‬
‫والتحقق من‬
‫ُ‬ ‫فحــص الهدايــات؛ من حيث معناها ومناســبتها لآليــة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫سالمتها علم ًّيا‪ ،‬وموافقتها للمعايير المذكورة‪.‬‬
‫المدرجــة هدايات تدبرية‪ ،‬وليســت مجر َد‬ ‫‪ ‬التث ُّبــت مــن َّ‬
‫أن النصوص ُ‬
‫تفسير أو بيان لمعنى اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬تقييد الملحوظات والتعليقــات واالقرتاحات؛ ل ُيفاد منها يف المرحلة‬
‫التالية‪.‬‬

‫‪339‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬معايري انتقاء الهدايات‪:‬‬
‫معاي�ير انتق��اء الهداي��ات‪ ،‬والت��ي نعتق��د �أنها ُ َ‬
‫ت ِّق� ُ�ق التميز يف امل�ش��روع؛ فقد‬
‫ا�ستند فريق العمل على املعايري الآتية‪:‬‬
‫اآليات موافق ًة لمعنى اآلية ومقصدها وسياقها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬أن تكون‬
‫ِ‬
‫الس َلف َّ‬
‫الصالح‪.‬‬ ‫‪ ‬أن تكون الهداي ُة َو ْف َق َف ْه ِم َّ‬
‫أثر إيماينٌّ يف ِو ْجدَ ان القارئ يحفزه على العمل‪.‬‬‫‪ ‬أن يكون للهداية ٌ‬
‫‪ ‬البعدُ عن اإلغراب يف األلفاظ والرتاكيب والعبارات‪.‬‬
‫‪ ‬مراعاة بيان معاين غريب المفردات القرآنية يف أثناء صياغة الهدايات؛‬
‫َقدْ ر المستطاع‪.‬‬
‫الهدايات قصير ًة و ُموجز ًة ما أمكن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬أن تكون‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪340‬‬


‫‪ ‬املرحلة الرابعة‪ :‬ال�صياغة والتحبري‪:‬‬
‫‪ ‬صياغة جميع التدبرات والهدايات صياغة خاصة بالمشروع‪.‬‬
‫الم َق َّيدَ ة يف‬
‫‪ ‬االســتفادة من الملحوظــات والتعليقات واالقرتاحــات ُ‬
‫المرحلة السابقة‪.‬‬
‫الصياغة المعتمدة‪.‬‬
‫‪ ‬ضمان تطبيق معايير ِّ‬
‫‪ ‬املرحلة اخلام�سة‪ :‬املراجعة والتدقيق‪:‬‬
‫وتحريرها علم ًّيا و ُل َغ ِو ًّيا و ُأسلوب ًّيا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الم ُصوغة‪،‬‬
‫‪ ‬مراجعة جميع الهدايات َ‬
‫‪ ‬تشكيل ما ُيستحسن ضبطه من الكلمات؛ ليزداد المعنى جالء‪.‬‬
‫‪ ‬االهتمام بوضع عالمات الرتقيم حسب قواعدها المعروفة‪.‬‬
‫‪ ‬املرحلة ال�ساد�سة‪ :‬بيان الغريب‪:‬‬
‫‪ ‬تفسير األلفاظ القرآنية العربية؛ اعتما ًدا على الطبعة األخيرة المنقحة‬
‫من كتاب "الســراج يف بيان غريب القرآن"‪ ،‬وكتاب "الميســر يف غريب القرآن‬
‫الكريم"‪ ،‬وكتاب "وجه النَّهار الكاشــف عن معــاين كالم الواحد القهار"؛ مع‬
‫واختصارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تحريرا‬
‫ً‬ ‫التصرف‬
‫‪ ‬املرحلة ال�سابعة‪ :‬التقومي والتحكيم‪:‬‬
‫علمي مــن المتخصصين يف‬
‫ٌّ‬ ‫فريــق‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬وقــد تولــى القيا َم هبــذه المرحلة‬
‫والسنَّة وال ُّلغة العربية؛ حيث استعرض طائف ٌة‬
‫العقيدة والتفســير وعلوم القرآن ُّ‬
‫كل موضــع‪ ،‬يف حين اعتنى آخرون‬ ‫منهــم كامل المحتوى‪ُ ،‬مراعين الســياق يف ِّ‬
‫بالنَّظرة الشاملة‪ ،‬وضمان ا ِّطراد المنهج يف عموم الكتاب؛ بيانًا وضب ًطا وتنسي ًقا‪.‬‬

‫‪341‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬املرحلة الثامنة‪ :‬املراجعة النهائية‪:‬‬
‫‪ ‬مراجعة الهدايات واعتمادها‪.‬‬
‫‪ ‬تقويم تفسير غريب المفردات واعتما ُده‪.‬‬
‫وهكذا اســتخلصت الهدايات وصارت ُمنضبطة َمتينة من خالل المرور‬
‫هبــذه المراحــل ال َّثمان؛ لتخرج للقــارئ الكريم على ٍ‬
‫وجه نرجــو أن يكون هو‬
‫األنسب واألكثر فائدة‪.‬‬
‫وبرغــم ما ُبذل يف هذا العمل مِن جهــد يف اإلعداد والمراجعة‪ ،‬فإنه يظل‬
‫عمل بشر ًّيا ُعرضة للنقد والتَّصويب‪ ،‬وما ُأورد فيه من محتوى إنما هو ُق ٌّل من‬
‫ً‬
‫ُك ْثــر؛ فقد اجتمع لدى فريــق العمل من الهدايات والوقفــات التدبرية أضعاف‬
‫ما ن ُِشر‪ ،‬واكتفى بما ُتتيحه مساحة هامش كل صفحة من المصحف الشريف‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪342‬‬


‫‪ ‬املنتجات‪:‬‬
‫طيف َأ َّو َل ُمنتجات‬
‫الكتاب ال َّل ُ‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬كتاب "تدبر امل ُ َف َّ�صل"؛ حيث كان هذا‬
‫هذا المشروع المبارك؛ فقد استهدف ُس َو َر المفصل المبدوءة بسورة (ق) حتى‬
‫ِ‬
‫هنايــة القــرآن الكريم‪ ،‬وقــد َلقي ‪-‬بفضــل اهلل تعالى‪َ -‬ر َو ً‬
‫اجــا ورغبة من عموم‬
‫والمعنيين بتدبر كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وقد صدر منه‬ ‫الناس ً‬
‫فضل عن المتخصصين َ‬
‫ُ‬
‫ثالث طبعات‪ ،‬وستصدر الطبعة الرابعة منه قري ًبا بإذن اهلل؛ مع بعض اإلضافات‬
‫والتحسينات‪.‬‬

‫‪343‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫فريق العمل‬
‫‪ -2‬كتاب "هدايات القر�آن الكرمي"؛ حيث استكمل ُ‬
‫ِ‬
‫آيــات القرآن الكريم كاملــة بالتدبر على هامش‬ ‫‪-‬باالنتهــاء مــن هذا الكتاب‪-‬‬
‫المصحف؛ فخرجت الطبعة األولى منه عام ‪ 1440‬هـ‪ ،‬ونفدت من المكتبات‪،‬‬
‫وقــد ُروجعــت الطبع ُة الثانية منه مــرة ثانية‪ ،‬و ُأضيف إليها بعض التحســينات‪،‬‬
‫وستخرج للنور قري ًبا بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -3‬تطبيق "م�صحف التدبر" يف الهواتف الذكية؛ حيث يمكن للمستخدم‬
‫‪-‬أيضــا‪ -‬الرجوع إلى‬ ‫تــاوة كتــاب اهلل تعالى كما هو يف المصحــف‪ ،‬ويمكنه ً‬
‫آية على ِحدَ ة‪ ،‬ويمكنه كذلك الرجوع للهدايات ُم َر َّتبة‬
‫بكل ٍ‬
‫الهدايــات المتعلقة ِّ‬
‫متواليــة مع اآليات‪ ،‬مع خدمات أخرى؛ كالتــاوات الصوتية لعدد من ال ُق َّراء‪،‬‬
‫والبحــث يف الهدايات أو يف اآليات‪ ،‬وشــريط تن ُّقل بيــن الصفحات‪ ،‬وإمكانية‬
‫المشــاركة باآليات أو الهدايــات يف مواقع التَّواصل‪ ،‬مــع إمكانية إضافة صور‬
‫وإطارات لتحسين صورة المشاركة‪ ،‬وغيرها من الخدمات‪ ،‬ويف خطوة قادمة‬
‫‪-‬إن شــاء اهلل‪ -‬نعتزم تطوير النظام؛ ليســتقبل إســهامات المتدبرين من أرجاء‬
‫العالم‪ ،‬وتطوير تفاعل المحتوى مع التطبيقات األخرى لدى المستخدمين‪.‬‬
‫‪ -4‬كتــاب "ترجم��ة تدب��ر امل ُ َف َّ�ص��ل" إلــى اللغــة اإلنجليزيــة علــى هامش‬
‫برتجمة الكتاب بفضل اهلل تعالى‪ ،‬وســتخرج طبعته األولى‬ ‫ِ‬ ‫المصحف‪ ،‬وقد قمنا‬
‫للنُّور قريبا بإذن اهلل تعالى؛ ليستفيد منها الناطقون هبذه ال ُّل ِ‬
‫غة‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -5‬ترجمــة كتــاب "هداي��ات الق��ر�آن الك��رمي" إلى اللغــة اإلنجليزية وتم‬
‫إســناده إلحدى الجهات المختصة لرتجمته‪ ،‬وسيكون له األثر الطيب ‪-‬إن شاء‬
‫اهلل‪ -‬على ُمت ََحدِّ ثِي هذه اللغة‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪344‬‬


‫ر�ؤية م�ستقبلية‪:‬‬
‫واألفــكار َّ‬
‫ولدة‪ ،‬ويمكــن لهذه المنتجات الخمــس أن تزيد وتتضاعف‬
‫بفضل اهلل وتوفيقه‪.‬‬
‫علمي‬ ‫ٍ‬
‫بجهد‬ ‫‪-‬كل َمن شــارك فيه‬ ‫نســأل اهلل تعالى أن َينفع به‪ ،‬وأن يجزي َّ‬
‫ٍّ‬
‫مالي أو بدين‪ -‬خير الجزاء وأوفاه‪،‬‬ ‫أو ٍّ‬
‫الذيوع واالنتشار؛ ل ِ َي ُع َّم نف ُعه المسلمين‪،‬‬
‫اهلل أن يكتب للمشروع ُّ‬ ‫ُ‬
‫ونســأل َ‬
‫العلم والخيــر‪ ،‬وأن يجعلنــا جمي ًعا مِن أهــل القرآن‬ ‫وأن يكــون م ْل ِهمــا ألهــل ِ‬
‫ُ ً‬
‫المتدبرين له العاملين به‪.‬‬

‫و�س َّلم على َن ِب ِّينا ُ َم َّم ٍد وعلى �آلِه َ‬


‫و�ص ْحبِه �أجمعني‬ ‫و�ص َّلى ا ُ‬
‫هلل َ‬ ‫َ‬

‫‪345‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫إعداد‪ :‬إدارة المؤتمر‪.‬‬

‫تقرير عــن المؤتمر القرآين الدولي الثاين يف هدايات القرآن الكريم بعنوان‪:‬‬
‫(تعظيــم اهلل تعالى يف هدايات القرآن الكريم)‬
‫تنظيم جامعة أفريقيا العالمية َّ‬
‫بالشراكة مع كرسي الهدايات القرآنية بجامعة أم القرى‬
‫يف الفترة من (‪1441 /5 /16 - 14‬هـ ‪ -‬الموافق من ‪ 11 -9‬يناير ‪ 2020‬م)‬
‫‪#‬‬
‫‪J‬‬

‫والصالة والسالم على رسوله و ُمصطفاه‪،‬‬


‫الحمد هلل‪َّ ،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫أســاس اإليمان‪ ،‬وعليه؛‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فــإن تعظيم اهلل تعالى و َم َح َّبته ‪ ‬هما‬
‫وعمل‪ -‬مِن‬
‫ً‬ ‫وتأصيل وتطبي ًقــا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫القضيــة الكربى ‪-‬بح ًثا ودراســة‬ ‫فالعنايــ ُة هبذه‬
‫أوجب الواجبات وأشرف ال ُق ُربات؛ حيث ُعني القرآن هبذا الموضوع يف جميع‬
‫ــوره وآياته‪ ،‬وكان ح ًّقا على أهل العلم و ُط َّلبِه أن ُيعنوا به من خالل‬
‫وس َ‬‫أجزائه ُ‬
‫َج ْم ِع واستنباط هداياته‪ ،‬والعمل على تأصيل جوانبه وإبراز تطبيقاته‪.‬‬
‫م��ا دع��ا �إىل َعقد م�ؤمت��ر قر�آين عاملي ح��ول هذا املو�ض��وع‪ ،‬والذي‬
‫ِ َّ‬
‫تتمثل �أهميته يف‪:‬‬
‫‪ُ -1‬ت َم ِّثــل قضيــة «تعظيــم اهلل ‪ »۵‬جان ًبا محور ًّيــا يف العقيدة الصحيحة‪،‬‬
‫ُ‬
‫الفاعل يف توجيــه األعمال‬ ‫األثــر‬
‫ُ‬ ‫وهــي مِن أشــرف األعمــال القلبية التــي لها‬
‫والسلوك‪.‬‬
‫‪ -2‬اهتمــام القــرآن بموضــوع «تعظيم اهلل ‪»۵‬؛ من حيــث عدد اآليات‬
‫أمر َيدعو إلى‬ ‫ِ‬
‫التــي اعتنت بإبرازه‪ ،‬وتنويع األســاليب القرآنية يف َع ْرضــه‪ .‬وهو ٌ‬
‫دراســته‪ ،‬والعمل على استجماع مسائله؛ من أجل الوصول إلى الهدي القرآين‬
‫المتكامل فيه‪.‬‬

‫‪351‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -3‬عــدم وجــود دراســات علمية كافية حــول قضية «تعظيــم اهلل ‪»۵‬؛‬
‫خاصــة فيما يتعلق بالجوانب التأصيليــة والنماذج التطبيقية‪ ،‬وذلك بالرغم من‬ ‫َّ‬
‫أهمية هذه القضية‪ ،‬وما تتميز به من ال َّث َراء اإليماين وال ُبعد المعريف‪.‬‬
‫الــروح اإليمانيــة يف نفوس أفراد هذه األمة مــن خالل العناية‬
‫‪ -4‬إحيــاء ُّ‬
‫بأعمال القلوب؛ التي يف ُم َقدِّ متها ‪-‬وعلى رأسها‪ -‬قضية «تعظيم اهلل ‪.»۵‬‬
‫‪ -5‬شــدة حاجة األمة اليــوم لتناول هذه القضية اإليمانيــة الرتبوية‪ ،‬التي‬
‫مناط صالح القلوب والســلوك؛ يف زمان َض ُعف فيه موضوع التعظيم يف‬ ‫عليها ُ‬
‫نفوس بعض المسلمين‪ ،‬بسبب ُبعدهم عن هدي القرآن الكريم‪.‬‬
‫�أهداف امل�ؤمتر‪:‬‬
‫‪ -1‬التأصيل لموضوع التعظيم يف هدايات القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬إبراز نماذج تطبيقية لتعظيم اهلل يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة جهود العلماء يف َتعميق موضوع تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬نَشر ثقافة تعظيم اهلل تعالى يف المجتمعات‪.‬‬
‫املحاور الرئي�سية للم�ؤمتر‪:‬‬
‫‪ -1‬التَّأصيــل لمفهوم تعظيم اهلل تعالى يف الهدايــات‪( :‬أهميته‪ ،‬وأركانه‪،‬‬
‫ومراتبه‪ ،‬وأساليبه‪ ،‬ومجاالته‪ ،‬ومظاهره‪ ،‬وآثاره)‪.‬‬
‫‪ -2‬نماذج تطبيقية يف تعظيم اهلل تعالى يف ضوء الهدايات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -3‬جهود العلماء يف تعميق تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬دراسات ميدانية عن واقع المجتمعات من تعظيم اهلل‪ ،‬وسبل ِ‬
‫العالج‪.‬‬ ‫ُ ُ‬
‫‪ -5‬تصميم برامج فاعلة يف تعظيم اهلل‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪352‬‬


‫املحاور الفرعية‪:‬‬
‫‪ ‬املحــور األول‪ :‬التأصيل ملفهوم تعظيم اهلل تعاىل يف اهلدايات‪:‬‬
‫(أمهيتــه‪ ،‬وأركانــه‪ ،‬ومراتبــه‪ ،‬وأســاليبه‪ ،‬وجماالتــه‪ ،‬ومظاهــره‪،‬‬
‫وآثاره)‪:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم تعظيم اهلل تعالى‪ ،‬وأنواعه وألفاظه‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية تعظيم اهلل تعالى ومكانته ومظاهره ومجاالته‪.‬‬
‫‪ -3‬القواعد يف تعظيم اهلل تعالى وأركانه ومراتبه‪.‬‬
‫الس ُبل والوسائل واألساليب يف تحقيق تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ُّ -4‬‬
‫‪ -5‬العلوم الشــرعية وأثرها يف تعظيم اهلل ‪( ۵‬توجيه القراءات‪ ،‬التفسير‪،‬‬
‫المقاصد‪.)...،‬‬
‫‪ ‬املحــور الثــاين‪ :‬نامذج تطبيقيــة يف تعظيم اهلل تعاىل يف ضوء‬
‫اهلدايات القرآنية‪:‬‬
‫‪ -1‬أركان اإليمان وداللتها على تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تعظيم اهلل تعالى عند مخلوقاته‪.‬‬
‫‪ -3‬هدي النبي ﷺ يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫الس َلف يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬هدي َّ‬
‫‪ِ -5‬‬
‫العبادات واألحكام الشرعية وداللتها يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬تعظيم اهلل تعالى من خالل ال َقصص واألمثال يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪َ -7‬تدَ ُّبر القرآن الكريم ُ‬
‫وأثره يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪353‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ ‬املحور الثالث‪ :‬جهود العلامء يف تعميق تعظيم اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -1‬جهود العلماء يف إبراز تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫والم َحدِّ ثين وال ُفقهاء‪.‬‬
‫الم َف ِّسرين ُ‬
‫‪ -2‬تعظيم اهلل تعالى عند ُ‬
‫‪ -3‬تعظيم اهلل تعالى عند علماء ال ُّلغة العربية‪ ،‬واألدب‪ِّ ،‬‬
‫والشعر‪.‬‬
‫وأثره يف تعميق التعظيم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والسنَّة‪ُ ،‬‬
‫‪ -4‬اإلعجاز العلمي يف القرآن ُّ‬
‫‪ -5‬العلــوم التطبيقيــة والتجريبية ودورها يف تعظيــم اهلل تعالى‪( :‬الطب‪،‬‬
‫ال َف َلك‪ ،‬الهندسة‪ ،)...‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ ‬املحــور الرابــع‪ :‬دراســات َميدانيــة عــن واقــع املجتمعــات ِمن‬
‫وس ُب ُل العالج‪:‬‬
‫تعظيم اهلل‪ُ ،‬‬
‫‪ -1‬واقع األُ َّمة يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬أثر تعظيم اهلل تعالى يف مجاالت الحياة‪( :‬ال َع َق ِد َّية‪ ،‬األُسر َّية‪ ،‬الرتبوية‪،‬‬
‫األخالقية‪ ،‬النَّ ْف ِس َّية‪ ،‬السياسية‪ ،)...‬وغيرها‪.‬‬
‫وس ُبل عالجها‪.‬‬
‫‪ -3‬األسباب المانعة من تعظيم اهلل تعالى‪ ،‬وأضرارها‪ُ ،‬‬
‫‪ -4‬أثر تعظيم اهلل تعالى يف إصالح األُ َّمة َو َو ْحدَ هتا‪ ،‬وتحصينها من الفتن‪.‬‬
‫‪ ‬املحور اخلامس‪ :‬تصميم برامج فاعلة يف تعظيم اهلل‪:‬‬
‫الم َع ِّظمة هلل تعالى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬بناء القيادات ُ‬
‫‪ -2‬بناء مناهج تربوية للناشئة يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬وسائل التواصل المعاصرة‪ ،‬وكيفية االستفادة منها يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫مكان انعقاد امل�ؤمتر‪:‬‬
‫السودان)‪.‬‬
‫جامعة أفريقيا العالمية (الخرطوم ‪ُّ -‬‬
‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪354‬‬
‫توصيات املؤمتر‬

‫يف ُمكم تنزيل��ه‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫هلل َر ِّب العامل�ين‪ ،‬القائ��لِ‬


‫احلم � ُد ِ‬
‫والصالة‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﴾ [اإلسراء‪َّ ،]111 :‬‬
‫الم َع ِّظمين ِّ‬
‫لرب العالمين‪،‬‬ ‫والسالم على خير خلق اهلل أجمعين وقدوة ُ‬
‫َّ‬
‫�أ َّما بعد‪:‬‬
‫فبعون اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬انعقد يف مدينة الخرطوم بجمهورية السودان المؤتمر‬
‫الدولي الثاين يف الهدايات القرآنية َّ‬
‫بالشراكة بين جامعة أفريقيا العالمية وكرسي‬
‫الهدايات القرآنية بجامعــة أم القرى بمكة المكرمة؛ بعنوان‪( :‬تعظيم اهلل تعالى‬
‫يف هدايات القرآن الكريم) تحت ِشــعار‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﴾ يف المدة من (‪15 -14‬‬
‫جمــادى األولــى ‪1441‬هـ)‪ ،‬الموافــق (‪ 10 -9‬يناير ‪ ،)2020‬وقد شــارك يف‬
‫المؤتمر َج ْم ٌع من العلماء والباحثين َينتمون إلى (‪ )51‬جامعة من (‪ )23‬دولة‪،‬‬
‫و ُقدِّ م فيه (‪ )174‬بح ًثا يف محاور المؤتمر الخمسة‪.‬‬
‫وبعد انتهاء امل�ؤمتر ومناق�ش��ة �أوراق العم��ل املُ َقدَّ َمة‪َ -‬ت َو َّ�صل الباحثون‬
‫�إىل التو�صيات الآتية‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة معالم تعظيم اهلل تعالى يف سيرة النبي ﷺ ُق ِ‬
‫دوة األُ َّمة‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬إعــداد مشــاريع بحثيــة يف مجــال تعظيــم اهلل ‪۵‬؛ مثل‪( :‬أســماء اهلل‬
‫الحســنى وصفاته العليا‪ ،‬وقصص األنبياء‪ ،‬وآيات الكون)‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وداللتها‬
‫على تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬ترســيخ قِ َيــم تعظيــم اهلل تعالى يف نفوس الناشــئة يف مراحــل التعليم‬
‫والم َع ِّلمات واآلباء واألمهات للقيام بذلك‪.‬‬
‫الم َع ِّلمين ُ‬ ‫األولى‪ ،‬وتأهيل ُ‬

‫‪355‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -4‬إدخال معاين تعظيم اهلل تعالى ِضمن مفردات المقررات الدِّ راسية يف‬
‫جميع مراحل التعليم‪.‬‬
‫‪ -5‬توظيف العلوم والمعارف المتنوعة يف تحقيق تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬إعداد برامج تدريب َّية وإعالم َّية وتربو َّية و َد َع ِو َّية يف تعظيم اهلل ‪.۵‬‬
‫‪ -7‬نَشــر قِيــم تعظيم اهلل تعالــى يف المجتمع‪ ،‬وتقريبها للعا َّمة بالوســائل‬
‫المتنوعة‪.‬‬
‫‪ -8‬إعــداد مــواد ِعلم َّيــة يف تعظيــم اهلل تعالــى‪ ،‬وترجمتهــا إلــى اللغات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -9‬توظيف وسائل التِّقنية الحديثة ووسائل التَّواصل االجتماعي يف نشر‬
‫تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪َ -10‬عقد َش َراكات عالم َّية إلنتاج الربامج التطبيقية يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬ونســأل اهللَ أن ُي َك ِّل َ‬
‫ــل الجهو َد بالتَّوفيــق والتَّســديد‪ ،‬وأن يتقبل من‬
‫وآخرا‬
‫ً‬ ‫صالح األعمال‪ ،‬والحمد هلل َّأو ًل‬
‫َ‬ ‫الجميع‬

‫و�س َّلم‬ ‫و�ص َّلى ا ُ‬


‫هلل على َن ِب ِّينا ُ َم َّم ٍد وعلى �آله َ‬
‫و�ص ْحبِه َ‬ ‫َ‬

‫‪....::::::::::....‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪356‬‬


‫أبحاث املؤمتر‬

‫�أبحاث اجلل�سات االفتتاحية‪:‬‬


‫‪ -1‬أ‪.‬د‪ /‬توفيق موالي العبقري‪ ،‬من معاين التعظيم يف مباين علوم القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪ /‬عثمــان علي حســن علــي‪ ،‬أثر الخمســة مباين يف تعظيــم الخالق‬
‫الباري‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ /‬صالــح فليح المذهــان‪ ،‬تعظيم لفظ الجاللــة يف الصيغ اإلعرابية‬
‫عند النحاة‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -4‬أ‪.‬د‪ /‬علــي عبــداهلل الســكاكر‪ ،‬ضوابــط يف تعظيم اهلل ‪ ۵‬وشــعائره‪،‬‬
‫الجامعة اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -5‬أ‪.‬د‪ /‬عبــداهلل البخاري‪ ،‬أثر إصالح العقول ومنهج التفكير يف تعظيم‬
‫اهلل جل وعز‪ ،‬جامعة ابن زهر‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -6‬أ‪.‬د‪ /‬محمد عبدالعزيز العواجي‪ ،‬تعظيم اهلل يف قصص األنبياء ۏ‪،‬‬
‫الجامعة اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪ /‬طــه حميد حريش الفهداوي‪ ،‬مقاييس تعظيم اهلل تعالى يف القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪ /‬محمد أصبيحي‪ ،‬اآلثار العقدية والنفســية واألســرية لتعظيم اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬جامعة الحسن الثاين‪ ،‬المغرب‪.‬‬

‫‪357‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -9‬أ‪.‬د‪ /‬أمجــد بن محمــد زيدان‪ ،‬تعظيــم القول يف التفســير تعظيم اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪ /‬فضــان محمــد عثمــان‪ ،‬تعظيــم اهلل من خــال تدبــر القرآن‪:‬‬
‫توجيهات لغير الناطقين بالعربية‪ ،‬الجامعة الوطنية الماليزية‪ ،‬ماليزيا‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪ /‬مبــارك إبراهيــم التجاين‪ ،‬تعظيم اهلل من خالل شــعيرة الصالة‪،‬‬
‫جامعة القرآن الكريم‪ ،‬السودان‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪ /‬رشــدي بن مامو بن أوان طاهر‪ ،‬أثــر تعظيم اهلل يف تنمية أخالق‬
‫مجتمع األقليات المسلمة‪ ،‬جامعة األمير سونكال الحكومية‪ ،‬تايلند‪.‬‬
‫‪ -13‬أ‪.‬د‪ /‬أحمــد بــن خالــد شــكري‪ ،‬مظاهــر عظمــة اهلل العلــي يف آية‬
‫الكرسي‪ ،‬الجامعة األردنية‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -14‬أ‪ .‬د‪ /‬مفرح بن ســليمان القوسي‪ ،‬وسائل تعظيم اهلل وآثاره‪ ،‬جامعة‬
‫اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -15‬د‪ /‬رضــوان بن جمال األطرش‪ ،‬مواصفات الشــخصية التي تعظم‬
‫اهلل ‪ ۵‬يف القرآن الكريم‪ ،‬الجامعة اإلسالمية العالمية‪ ،‬ماليزيا‪.‬‬
‫‪ -16‬أ‪.‬د‪ /‬حســن حميتو‪ ،‬صور مشرقة من تعظيم اهلل تعالى عند السلف‬
‫الصالح‪ ،‬جامعة ابن زهر‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -17‬د‪ /‬عبد الحق غانم سيف‪ ،‬أثر تعظيم اهلل يف الحياة األسرية‪ ،‬جامعة‬
‫صنعاء‪ ،‬اليمن‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪358‬‬


‫‪ -18‬د‪ /‬مصطفــى صالــح القمــوين‪ ،‬من مالمــح تعظيم اهلل عنــد علماء‬
‫النحو‪ ،‬جامعة طرابلس‪ ،‬ليبيا‪.‬‬
‫‪ -19‬أ‪ /‬الجياللــي بوزيــري‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى وأثــره يف تزكية النفوس‪،‬‬
‫جامعة ابن زهر‪ ،‬المغرب‪.‬‬

‫�أبحاث املحور الأول ‪ :‬الت�أ�صيل ملفهوم تعظيم اهلل تعاىل يف الهدايات‪:‬‬


‫‪ -1‬د‪ .‬طــه حميد حريش الفهــداوي‪ ،‬مقاييس تعظيم اهلل تعالى يف القرآن‬
‫الكريم ‪ -‬دراسة تطبيقية‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬مفرح بن سليمان القوسي‪ ،‬وسائل تعظيم اهلل وآثاره‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬علي أبو الفتح حسين حمزة‪ ،‬أساليب تعظيم اهلل تعالى يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬عصــام الديــن أحمــد محمد بابكــر‪ ،‬قواعد تعظيــم رب األنام يف‬
‫سورة األنعام‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬إدريس علي الطيب علي‪ ،‬أصول هدايات القرآن الكريم يف تعظيم‬
‫اهلل سورة الفرقان نموذجًا‪.‬‬
‫‪ -6‬يونس سعيد‪ ،‬مقاصد الشريعة وأثرها يف تحقيق تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪ .‬مروان مصطفى حسن ربايعة‪ ،‬األساليب اللغوية الدالة على تعظيم‬
‫اهلل يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪.‬محمــد أديــب امريــر‪ ،‬من الطرق التــي عظم اهلل تعالــى ذاته هبا يف‬
‫القرآن وهداياهتا‪.‬‬

‫‪359‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -9‬خالــد محمــد حمودة‪ ،‬تكامل منهــج القرآن يف الجمــع بين المعرفة‬
‫والسلوك لتحقيق التعظيم‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪.‬محمد مهدي لخضر بن ناصر‪ ،‬ظاهرة التالزم المعريف التعظيمي‪.‬‬

‫�أبحاث املحور الثاين‪ :‬مناذج تطبيقية يف تعظيم اهلل تعاىل يف �ضوء‬


‫الهدايات القر�آنية‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪.‬محمد بن عبدالعزيز العواجي‪ ،‬تعظيم اهلل يف قصص األنبياء‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبدالرحمن بن علي الحطاب‪ ،‬دالالت القرآن على تعظيم المولى‬
‫من خالل أساليبه الدالة على األحكام‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد إبراهيم الدعيس‪ ،‬تعظيم اهلل يف ضوء هدايات آيات الحج‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪.‬رشــيد حمــداوي‪ ،‬تعظيم شــعائر اهلل وحرماته يف ضــوء الهدايات‬
‫لسورة الحج‪.‬‬
‫‪ -5‬جمانــة خالــد عبداهلل الشــيخ حســين‪ ،‬التصوير القــرآين للعالقة بين‬
‫النجوم وبين اإلنسان وأثره يف تعميق تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬نايف بن يوسف العتيبي‪ ،‬هدايات سورة الرحمن يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -7‬فوفانا يوسف‪ ،‬تعظيم اهلل من خالل هدايات األمثال القرآنية‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪.‬سامي وصل الحسيني‪ ،‬دالالت اسم اهلل يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪.‬فاضل يونس حسين‪ ،‬حجم الكون دليل على عظمة الخالق‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪.‬مايو إدريس بحر‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى يف هدايات القرآن الكريم‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪360‬‬


‫‪ -11‬د‪.‬عثمــان محمد أحمــد‪ ،‬الهدايات الجزئية يف قولــه تعالى ‪ ﴿ :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ وأثرها يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪ .‬عفــاف عطية اهلل المعبدي‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى من خالل القصص‬
‫القرآين‪.‬‬
‫‪ -13‬د‪ .‬حسن سيد سليمان‪ ،‬تدبر القرآن الكريم يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -14‬د‪ .‬عبدالرحمن بن سند الرحيلي‪ ،‬تعظيم اهلل ‪ ۵‬يف قصة أصحاب األخدود‪.‬‬
‫‪ -15‬د‪ .‬سامية بنت عطية اهلل المعبدي‪ ،‬مواطن تعظيم اهلل يف حادثة اإلفك‪.‬‬
‫‪ -16‬عادل أحمد سليمان ضحوي‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى يف سورة الفاتحة‪.‬‬
‫‪ -17‬د‪.‬فهد بن سالم رافع‪ ،‬سورة الفاتحة وأثرها يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪.‬أحمد خليفة صديق األمين‪ ،‬تعظيم اهلل يف هدايات آية الكرسي‪.‬‬
‫‪ -19‬موسى إدريس ميغا‪ ،‬كلمات اآلذان والصالة وداللتها على تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -20‬د‪.‬عبداهلل سالم بافرج‪ ،‬سجدات التالوة يف القرآن وأثرها يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -21‬د‪.‬محمد حامد محمد ســعيد‪ ،‬نمــاذج تطبيقية من آيات التعظيم يف‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -22‬د‪.‬عمــر عبدالســتار روكان الدوســري‪ ،‬المقاربــات بيــن التفســير‬
‫بالمأثور والتفسير بالرأي وأثرها يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -23‬د‪.‬محمود فهد مهيدات‪ ،‬التوجيهات االقتصادية يف السنة‪.‬‬
‫‪ -24‬د‪ .‬يحيى أحمد مشني الريثي‪ ،‬نماذج تطبيقية يف تعظيم اهلل‪.‬‬

‫‪361‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -25‬عبدالغفور اغــام عبدالغفور الرفاعي‪ ،‬تعظيم النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم هلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -26‬د‪.‬خالد عيسى أحمد‪ ،‬نماذج تطبيقية يف تعظيم اهلل يف ضوء الهدايات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -27‬د‪.‬أحمــد عبــده أحمد‪ ،‬العبــادات واألحكام الشــرعية وداللتها يف‬
‫تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -28‬عبدالمولى منصور زيدان‪ ،‬دالالت تعظيم اهلل من خالل آيات النعم‪.‬‬
‫‪ -29‬د‪.‬عبدالغني سعد الشمراين‪ ،‬هدي األنبياء يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -30‬د‪ .‬محمد أمين اهلل الغمبري‪ ،‬تعظيم اهلل من خالل سورة يوسف ڠ‪.‬‬
‫‪ -31‬د‪.‬عبداإلله أيت الهنا‪ ،‬تعظيم ذي العزة والجالل من خالل هدايات‬
‫أواخر سورة الفرقان‪.‬‬
‫‪ -32‬د‪.‬مصطفى البكري الشــيخ الهادي‪ ،‬العقوبات يف اإلسالم وداللتها‬
‫على تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -33‬محمد أحمد جنديه‪ ،‬تعظيم اهلل يف هدايات القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -34‬د‪.‬محمد عالم أبو البشر ملوك‪ ،‬المنهج النبوي يف تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -35‬د‪.‬ممــدوح خويلد الدحيالن‪ ،‬مظاهر التعظيم يف قصص أولو العزم‬
‫من الرسل‪.‬‬
‫‪ -36‬د‪.‬أحمــد كــوري الســالكي‪ ،‬أدب المؤمنين يف خطاهبــم لرهبم من‬
‫خالل القرآن‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪362‬‬


‫‪ -37‬د‪.‬عواطــف عبدالمنعــم إبراهيــم‪ ،‬تعظيــم اهلل من خــال القصص‬
‫القرآين قصة لقمان البنه‪.‬‬
‫‪ -38‬محمد أزهر النداوي‪ ،‬تعظيم اهلل يف هدايات سورة األنعام‪.‬‬
‫‪ -39‬نهى عبدالمنعم إسماعيل‪ ،‬داللة القسم على تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -40‬عبداإلله هرماشي‪ ،‬تعظيم اهلل يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -41‬د‪.‬أحمد بن سعيد البوسعيدي‪ ،‬أثر األمثال القرآنية يف تعظيم رب الربية‪.‬‬
‫‪ -42‬خالد نزال الحربي‪ ،‬تحقيق التعظيم من خالل سورة طه‪.‬‬
‫‪ -43‬د‪.‬سوجيات زبيدي‪ ،‬تدبر القرآن وأثره يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -44‬د‪.‬محمد بودبان‪ ،‬الهداية يف تعظيم اهلل ‪.۵‬‬
‫‪ -45‬د‪.‬هالة هاشم أبو زيد‪ ،‬هدايات سورة النساء يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -46‬فاطمــة أحمــد عباس البــدوي‪ ،‬فواتح الســور القرآنيــة وأثرها يف‬
‫تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -47‬نجوغو بن امباكي صمب‪ ،‬اإلقرار بأصول اإليمان وعالقته بتعظيم‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -48‬بشير عثمان محمد‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى يف الهدايات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -49‬د‪.‬هاشم بن علي األهدل‪ ،‬المعظمون هلل تعالى يف ضوء سورة الكهف‪.‬‬
‫‪ -50‬د‪.‬سعيد صالح محمد علي‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى يف هدايات القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -51‬د‪.‬محمد مرضي الشراري‪ ،‬تعميق تعظيم اهلل يف القلوب‪.‬‬
‫‪ -52‬د‪.‬سماح محمد عابد المولد‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى عند مخلوقاته‪.‬‬

‫‪363‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫�أبحاث املحور الثالث‪ :‬جهود العلماء يف تعميق تعظيم اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪.‬عطوة مضعان أبو غليون‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى عند اللغويين‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬يوسف فاوزي‪ ،‬جهود د محمد تقي الدين الهالل يف إبراز تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬صالــح فليح المذهــان‪ ،‬تعظيم لفظ الجاللــة يف الصيغ اإلعرابية‬
‫عند النحاة‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬جميل إبراهيم منديل الحمد‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى يف مقاالت أهل العربية‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬ناصر ســعود القثامــي‪ ،‬أوجه إعجاز التكامل البيــاين يف القراءات‬
‫وداللته على تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬وسيم محمد سليماين‪ ،‬تعظيم اهلل وإجالله عند علماء القراءات‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪.‬حمود محمد ردمان‪ ،‬دورابن قيم الجوزية يف تعميق تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -8‬الجياللي بوزيري‪ ،‬تعظيم اهلل عند علماء السلوك‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪.‬مصطفى صالح القموين‪ ،‬من مالمح تعظيم اهلل عند علماء النحو‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪ .‬عادل فائز‪ ،‬تعظيم اهلل عند النحاة ‪ -‬مظاهرة وآثاره‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪.‬شادي أحمد الملحم‪ ،‬تعظيم اهلل يف التجويد‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪.‬النعيم مصطفى محمد باشــري‪ ،‬جهود الشــيخ أبو زيد حمزة يف‬
‫إبراز تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -13‬نجيب العماري‪ ،‬القراءات القرآنية وأثرها يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -14‬د‪.‬نصر الدين وهابي‪ ،‬مظاهر تعظيم اهلل يف نحو سيبويه‪.‬‬

‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪364‬‬


‫‪ -15‬د‪.‬عبدالرحمن معاشي‪ ،‬مظاهر تعظيم اهلل يف اختالف القراءات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -16‬د‪.‬عبدالعزيز بن الحســين الشنقيطي‪ ،‬مظاهر تعظيم اهلل عند الشيخ‬
‫األمين ‪.$‬‬
‫‪ -17‬د‪.‬محمد سعيد ال ُعمري‪ ،‬تربية المهابة وتطبيقاهتا‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪.‬محمدحامد خالد ‪ +‬د‪.‬خالد فضيل‪ ،‬من تعظيم النحاة هلل‪.‬‬
‫‪ -19‬جمال حسن ميرغني‪ ،‬جهود الفقهاء يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -20‬د‪.‬بان حميد الراوي‪ ،‬تعظيم اهلل يف شعر الزهد‪.‬‬

‫�أبح��اث املح��ور الراب��ع‪ :‬درا�س��ات ميداني��ة عن واق��ع املجتمعات من‬


‫تعظيم اهلل و�سبل العالج‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪.‬رشدي طاهر‪ ،‬أثر تعظيم اهلل يف تنمية أخالق المجتمعات األقليات‬
‫المسلمة‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبدالحق غانم سيف سالم‪ ،‬أثر تعظيم اهلل يف الحياة األسرية‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪.‬عثمان علي حسن علي‪ ،‬أثر الخمسة مباين يف تعظيم الخالق الباري‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬محمد أصبيحي‪ ،‬اآلثار العقدية والنفسية واألسرية لتعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬سلمان عمر السنيدي‪ ،‬غرس تعظيم اهلل وأثره يف االنتفاع هبدايات القرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬محمد سيد أحمد شحاته ‪ ،‬أثر تعظيم اهلل يف تحصين المجتمع من‬
‫اإللحاد ‪ -‬دراسة يف ضوء السنة‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪ .‬علياء بنت علي بكر فلمبان‪ ،‬اآلثار الجليلة يف تعظيم رب الربية‪.‬‬

‫‪365‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


‫‪ -8‬د‪ .‬باسم حسن ورده‪ ،‬ضعف تعظيم اهلل ‪ :۵‬األسباب واألضرار والعالج‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪.‬عبدالغفــار بلقاســم بن نعيمــة‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى لنفســه يف القرآن‬
‫وآثاره المقاصديه يف هدايات الناس‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪ .‬حميد مسرار‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى وأثره يف تعزيز معالم األمن األسري‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪.‬ســعيد عمــر عبود بن دحباج‪ ،‬أثر تعزيــز تعظيم اهلل يف العصمة‬
‫من اإللحاد‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪.‬نجوى نايف شــكوكاين‪ ،‬أثر التعليل القرآين باألسماء والصفات‬
‫اإللهية يف المسلم‪.‬‬
‫‪ -13‬فوزية صالح الحنايا‪ ،‬تعظيم اهلل يف نفوس األبناء‪.‬‬
‫‪ -14‬محمد علي صالح جمعه‪ ،‬األسباب المانعة من تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -15‬إدريــس مولــودي‪ ،‬التعامل الشــكالين مع الوحــي مورث لضعف‬
‫التعظيم الوجداين‪.‬‬
‫‪ -16‬د‪.‬سيكو مارافا توري‪ ،‬موقف المدارس اإلسالمية من إجالل اهلل ‪.۵‬‬
‫‪ -17‬د‪.‬خوله محمد الزيدي‪ ،‬تعظيم اهلل عند المرأة وأثره على المجتمع‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪.‬أحمد عامر الدليمي‪ ،‬تعظيم اهلل تعالى حصانة فكرية وعلمية‪.‬‬
‫‪ -19‬د‪.‬أحمد الويزة‪ ،‬واقع المجتمعات المسلمة من عدم تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -20‬د‪.‬علــي محمــد األحمــر‪ ،‬األســباب المانعــة مــن تعظيــم اهلل يف‬
‫المجتمع النيجيري‪.‬‬
‫‪ -21‬طاهر محمدزين‪ ،‬واقع مجتمع شمال نيجيريا من التعظيم‪.‬‬
‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬ ‫‪366‬‬
‫‪ -22‬حسين محمد آدم‪ ،‬أثر تعظيم اهلل تعالى يف إصالح األمة ووحدة صفها‪.‬‬
‫‪ -23‬إبراهيم زكريا يونس‪ ،‬أثر تعظيم اهلل تعالى يف إصالح األمة ووحدهتا‪.‬‬

‫�أبحاث املحور اخلام�س‪ :‬ت�صميم برامج فاعلة يف تعظيم اهلل‪:‬‬


‫‪-1‬د‪.‬محمد عبدالســام أبو خزيم‪ ،‬مقرح بناء منهج تعليمي للناشــئة يف‬
‫تعظيم اهلل تعالى يف مقررات الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬عبدالغني علي المقبلي‪ ،‬تنمية عظمة اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬زيــن العابديــن حســين الجبوري‪ ،‬مواقــع التواصــل االجتماعي‬
‫ودورها يف نشر مفاهيم تعظيم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬فايزة و فاطمة محمد فرحاتي‪ ،‬إدارة المعرفة الدينية وأثرها يف تعظيم اهلل‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪.‬موســى محمــد علــي عبــداهلل‪ ،‬منهــج مــادة األصول اإلســامية‬
‫للمعامالت المدنية‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪.‬هناء عبدالرشيد بدوي‪ ،‬تعظيم اهلل يف بناء القيادات المعظمة‪.‬‬
‫‪ -7‬زينــب الصولــي طلحة‪ ،‬بناء قيــادات معظمة هلل علــى ضوء هدايات‬
‫قصة موسى‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪.‬عبدالمؤمن بامبا‪ ،‬منهج نموذجي يف الرتبية على التعظيم‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪.‬نجوى عبدالغفار حامد‪ ،‬دور منهج الجغرافية الطبيعية يف تعظيم اهلل‪.‬‬

‫‪367‬‬ ‫العدد الثامن ‪ -‬السنة الرابعة‬


Refereed Scientific Biannual Journal specialized in the Arbitration and Publication of
the Researches and Studies related to the Areas of Meditating on the Holy Qur’an

Number 8; volume 4 Rajab 1441 AH, corresponding to March 2020

Chairman of the Editorial Board


Prof. Dr. Muhammad bin Abdul-Aziz Al-Awaji
Professor at the Department of Interpretation
And Quranic Seienses, Islamic University

Managing Editor
Prof. Dr. Muhammad Bin Abdullah Al-Rbiha
Professor at the Department of Quran and
Its Seiences, Al-Qusiem University,

Editorial Secretary
Mustafa Mahmud Abdullwahed
Copyright ©

Tadabbur Magazine
×
384 P, 17 24 cm

ISBN: 5883/ 1438

Date: 24/6/1438

ISSN : 7642- 1658

Price: (25) Saudi Riyals or equivalent in local currency

The magazine is authorized by the Ministry of

Information , Saudi Arabia: 375

Correspondence and Subscriptions

All correspondence and subscriptions should


be addressed to the Editor-in-Chief
Prof. Muhammad ibn Abd al-Azeez al-Awaji

Kingdom of Saudi Arabia


PO Box 7119
Medina 41462

Info@tadabburmag.sa

+966503072333
@tadabburmag
http://www.tadabburmag.sa

All contributions express their authors’ views


Tadabbur Magazine

A reviewed academic periodical dedicated to the review and


publication of research and academic studies in the field of
promoting the understanding of the Qur’an. It is published
twice a year.

The magazine is licensed by the Ministry of Culture and


Information, Saudi Arabia.

Mission: To be researchers’ first choice for the publication


of their research and studies in the field of understanding
the Qur’an.

Vision: The magazine will provide an academically


reviewed facility for researchers to publish their academ-
ic studies in the in-depth understanding of the Qur’an and
related areas, observing professional publishing international
standards.

Aims:
• Encourage academic studies leading to in-depth understanding
of the Qur’an.

• Publish academic research and studies in the field of


understanding the Qur’an.

• Ensure inter-communication between academics dedicated to


Qur'anic studies and promote exchange of experience.

• Open up new areas of academic studies in the field of in-depth


understanding of the Qur’an.

....::::::::::...

Volume 4, Issue number 8 3


One: Research and studies in the field of in-depth under-
standing of the Qur’an.

1. The formulation of academic principles applicable to the


understanding of the Qur’an.

2. Qur’anic themes.

3. Objectives of the Qur’an.

4. Revelational Circumstances of the Qur’an

5. The inimitability of the Qur’an.

6. The superior excellence of the Qur’an style.

7. Teaching methods of in-depth understanding the Qur’an.

8. Deduction from the Qur’an.

Two: Reports of academic meeting and conferences re-


lated to the in-depth understanding of the Qur’an.

Three: Summaries of theses of distinction focused on the


in-depth study of the Qur’an.

Four: Issues raised by the Editorial Board so as to request


essays by specialists in the understanding of the Qur’an.

....::::::::::....

4 Volume 4, Issue number 8


Editorial Board:

1. Prof. Muhammad ibn Abd al-Azeez al-Awaji; Professor,


Department of Commentary and Qur’anic Studies at the
Islamic University. (Chairman).

2. Prof. Ibraheem ibn Salih al-Humaidi, Professor, Department


of the Qur’an and its Studies, University of al-Qasim.

3. Prof. Abd al-Rahman ibn Nasir al-Yusuf, Professor,


Department of the Qur’an and its Studies, Islamic University
of Imam Muhammad ibn Saud.

4. Prof. Yusuf ibn Abdullah al-Ulaiwi, Associate Professor,


Department of Fine Expression [al-Balaghah], Islamic
University of Imam Muhammad ibn Saud.

5. Dr. Buraik ibn Saeed al-Qarni, Associate Professor,


Department of the Qur’an and its Studies, Islamic University
of Imam Muhammad ibn Saud.

6. Prof. Muhammad ibn Abdullah al-Rabeeah, Associate


Professor, Department of the Qur’an and its Studies, University
of al-Qasim.

7. Mustafa Mahmood Abd al-Wahid, Editorial Secretary.,

....::::::::::....

Volume 4, Issue number 8 5


Consultative Committee

1. Dr.Faysal Jameel Ghazawi, The Holy Haram of Mecca” Imam”


and the Dean of the Faculty of Dawa and Fundamentals of
Religion in Um Alqura University - Mecca.

2. Prof. al-Shaid al-Bushikhi, Chairman, Board of Directors,


Mubdi‘ Foundation for Studies and Research, Morocco.

3. Prof. Fahd ibn Abd al-Rahman al-Roomi, Professor, Faculty of


Education, King Saud University, Riyadh.

4. Prof. Abd al-Rahman ibn Maadah al-Shihri, Professor, Faculty


of Education, King Saud University, Riyadh.

5. Prof. Ali ibn Ibraheem al-Zahrani, Professor of Higher Studies,


Head of the Department of Education, the Islamic University,
Madinah.

6. Prof. Yahya ibn Muhammad Zamzami, Supervisor, King


Abdullah’s Chair for the Qur’an and its Studies at Umm
al-Qura University, Makkah.

7. Professor Abd Elhakeem Mohammed Al Onays, Head of


researchers and a member of senior scholars’ board of Islamic
Affairs and Charitable Activities Department –Dubai

8. Professor Taha Hamad Abdeen, The professor of Quran Tafseer


and its Science in OM-Alqura University in Mecca.

9. Prof. Ahmad Khalid Shukri, Professor, Faculty of Islamic


Jurisprudence [Shariah], University of Jordan.

10. Prof. Ahmad ibn Muhammad al-Sharqawi, Professor of


Commentary and Qur’anic Studies, University of al-Azhar,
Cairo, Egypt.

6 Volume 4, Issue number 8


Rules and Conditions for Publication
in the Tadabbur Magazine

Firstly: Nature of the Material published:

The magazine aims to provide researchers in all countries world-


wide with an opportunity to publish their scientific outputs in the
fields related to pondering over the Holy Qur’an, on condition
that these outputs are based on originality, novelty, the ethics of
scientific research, and scientific methodology.

The Magazine publishes materials that have not been published


in the Arabic language before and and accepts the articles under
any of the following categories:

 Authentic researches

 Abstracts of projects and distinct scientific papers

 Reports on scientific forums and conferences

Secondly: Scientific Procedures for submitting Re-


searches:

1- The researches shall be in the fields of the Magazine.

2-An introduction shall be written to contain the subject of the


research, its limits, objectives, methodology, procedures, and
the research plan

3-Previous studies, if any, shall be referred to, and the researcher’s


scientific addition shall be submitted.

Volume 4, Issue number 8 7


4-The research shall be divided into sections (subjects) accord-
ing to the research plan, so that they seem to be interrelated
and coherent.

5-The research shall be written and formulated in an elaborate


scientific manner, free from any linguistic and grammatical er-
rors, with special emphasis on scientific honesty and accuracy in
documentation.

6-A conclusion shall be written to contain a comprehensive sum-


mary of the research as well as the main findings and recom-
mendations thereof.

Thirdly: Technical Procedures for submitting Re-


searches:

 The number of the research pages shall not be more than 50


pages, with an A4 size, including both the Arabic and English
abstracts, and the references, and not be less than 25 pages.

 The Page margins shall be within 2 cm from the top, bottom,


right, and left thereof, and line spacing shall be single.

 The size of the traditional Arabic font used for the Arabic lan-
guage shall be 16 while it shall be 12 for both the marginal an-
notations and the abstract, and 11 for tables and figures.

 The Times New Roman font shall be used for the English lan-
guage with a size of 12 and a size of 10 for the footnotes, the
abstract, tables and figures.

 The Quranic verses shall be written according to the Elec-


tronic Muṣḥaf of King Fahd Complex for the Printing of the Holy
Qur’an, with a font size of 14, in plain color (non-boldfaced).

8 Volume 4, Issue number 8


 The footnotes of each page shall be placed separately; the
footnote numbering for each page shall be separate, and the
footnotes shall be set automatically, not manually.

 The Research data shall be written in both Arabic and Eng-


lish languages and contain the research title, the researcher’s
name and other personal details, the contact information, and
the titles of any scientific papers.

 The number of the abstract words shall not exceed 250 words,
and the abstract shall include the following elements: the sub-
ject of the research, its objectives, and its methodology, with
careful attention to its editing.

 Each abstract (both the Arabic and English ones) shall be fol-
lowed by the key words expressing accurately the subject of the
research, and the primary issues addressed, with a number no
more than 6 words.

 The research shall be free from any linguistic, grammatical


and spelling errors.

 Writing the footnote shall include (the title of the book, the
name of the author, the part and page), in accordance with the
scientific method applied in documenting Islamic studies and the
Arabic language.

An Example: Tongue of the Arabs, by Ibn Manẓūr (2/233)

As for the Quranic verses, they shall be referred to in the text


only, along with the name of the chapter, followed by a colon (or
two dots :), and then the verse number, for example [Women: 55].

Volume 4, Issue number 8 9


Fourthly: How to document References:

The researcher shall document the references at the end


of the research as follows:

 If the reference is a book, it shall be documented as follows:


the title of the book, the author’s last name (his nickname), then
the first name and other names, the editor’s name, if any, the
edition, the publishing city, the publisher’s name, and the year
of publication.

An Example: “Al Jāmi’e Aṣṣaḥīḥ” (Authentic Comprehensive


Book)”, At-Tirmidhī, Abu Issa, Muhammad bin Īssa, edited by
Ahmed Mohamed Shaker et al. Ed. 2, Beirut, the Arab Heritage
Revival House, 2004.

 If the reference is an unpublished scientific paper, it shall be


documented as follows: the title of the paper, the last name of
the researcher (the family name), then the first name and other
names, the type of the thesis (a Master’s or PhD thesis), then
the place, the name of the college, the name of the university,
and the year.

An Example: “Ya’aqūb bin Shaybah As-Sadousi: His Impact and


Approach to Discrediting and Endorsement”, Al-Muṭairi, Ali bin
Abdullah, Master’s Thesis, Saudi Arabia, the College of Education,
King Saud University, 1418 AH.

 If the reference is an article drawn from a periodical, it shall be


documented as follows: the title of the article, the author’s last
name (the family name), then the first name and other names,
the name of the periodical, the place, the volume number (issue
number), the year of publication, and the page (s).

An Example: “Imam Affān bin Muslim Aṣ-Ṣaffār and His

10 Volume 4, Issue number 8


Approach to Receiving, Performing and Criticizing,” Al-Muṭairi,
Ali bin Abdullah, Qassim University Journal, Sharia Sciences, Qa-
ssim, volumes 3 and 1, 1431 AH, pages 35-85.

This is in addition to mentioning some abbreviations if


they are not shown in the reference details, namely:

 The phrase “without the publisher’s name” shall be


abbreviated to n. p.

 The phrase “without edition number” shall be shortened


to n. edt.

 The phrase “without date of publication” shall be abbreviated


to n. d.

 References should be alphabetised.

Fifthly: Explaining the Path of the Research pre-


sented to the Magazine:

1- Sending the research to the Magazine website or e-mail shall


be an assurance from the researcher that his piece of research
has not been published before, that it is not or will not be sub-
mitted to any entity for publication until the Magazine has com-
pleted its arbitration proceedings.

2- The Editorial Board of the Magazine has the right to the


preliminary examination of the research and to determining
whether it is eligible for arbitration or rejecting it.

3- Informing the researcher of the summary of the arbitrators’


reports, in order for him to modify his research according to it
and to demonstrate his view regarding their claims that he does
not accept, and the Board shall settle the dispute between them.

Volume 4, Issue number 8 11


4- In case that the research is approved for publication, a mes-
sage shall be sent to the researcher telling him that the research
is accepted for publication, and if the research is not accepted
for publication, a message should be sent offering the research-
er an apology for that.

5- The researcher- after publishing his work in the Magazine -


may publish it again six months after its publication.

6- In case the researcher sends his piece of research via the


website or e-mail of the Magazine, this shall mean that he accepts
the conditions for publication, and the Editorial Board is entitled
to prioritize the researches to be published.

7- The opinions expressed in the researches published shall point


to the viewpoints of the researchers only and shall not necessarily
indicate the perspectives of the Magazine.

....::::::::::....

12 Volume 4, Issue number 8


Table of Contents

Subject Page

From the Editor 19

One: Essays and Research 21

The Qur’anic Purposes


of Sura Qāf 23

Hammad Mohammed Yusuf

The Eloquence of the Qur’anic Style of Dialogue:


the Prophets’ Dialogue with their
87
Children as a Model
Dr. Badria Saeed Mo’eedh Al-Wadi’ee

Compulsory Question in the Qur’anic Dialogue:


a Thorough Applied study 147

Dr. Hamid bin Radi bin Muslih Ar-Rouqi

Basing the Chapter of Al-Haqqah on the


Glorification of Allah (Exalted be He) and the
219
Requisites of Devotion
Dr. Tawfiq Ali Zabadi

Volume 4, Issue number 8 13


Subject Page

Two: Summaries of Dissertations and


307
Academic Research

A report on a scientific thesis entitled


"Meditating on the Noble Koran" 309
Dr. Abdullatif bin Abdullah Al-Tuwaijri

A Report on the Mushaf of the Spiritual


335
Directives of the Noble Quran

Three: Reports of International Seminars


347
and Conferences

The Second International Quranic Conference


349
on the Spiritual Directives of the Noble Quran

14 Volume 4, Issue number 8

You might also like