Professional Documents
Culture Documents
مجلة تدبر
384ص 24 ×17 ،سم
رقم اإليداع1438 /5883 :
بتأريخ1438/6/24 :
ردمد1658 -7642 :
Info@tadabburmag.sa
+966503072333
@tadabburmag
http://www.tadabburmag.sa
أن تكون المجلة خيار الباحثين األول لنشر بحوثهم يف تدبر القرآن
الكريم.
أن تكون وعا ًء علم ًّيا مح َّك ًما للباحثين لنشر أعمالهم العلمية يف تدبر
القرآن الكريم وما اتصل به وفق معايير مهنية عالمية للنشر.
.2الموضوعات القرآنية.
.3المقاصد القرآنية.
.4المناسبات القرآنية.
.5اإلعجاز القرآين.
.6البالغة القرآنية.
ثان ًيا :تقارير امللتقيات واملؤمترات العلمية املتصلة بتدبر القرآن الكريم.
ثالثًا :مستخلصات املشاريع والرسائل العلمية املتميزة يف املجاالت
املتصلة بتدبر القرآن الكريم.
راب ًعا :ما تطرحه هيئة التحرير من قضايا تستكتب فيها املتخصصني يف
املجاالت املتصلة بتدبر القرآن الكريم.
....::::::::::....
(عنوان البحث ،اسم الباحث والتعريف به ،بيانات التواصل معه ،عناوين
رسائله العلمية).
أما اآلية القرآنية :ف ُيشــار إليها يف المتن فقط باســم السورة يتبعه نقطتان:
ثم رقم اآلية [النساء.]55:
-1إرســال البحــث لموقع أو بريد المجلــة ُي َعدُّ تعهدً ا مــن الباحث بأن
البحث لم يسبق نشره ،وأنه غير ُم َقدَّ م للنَّشر ،ولن ُي َقدَّ َم للنَّشر فـــي جهة أخرى
حتى تنتهي إجراءات تحكيمه فـي المجلة.
حق الفحــص األَ َّولِي للبحث ،وتقريــر َأ ْهلِ َّيتِه
-2لهيئــة تحريــر المجلة ُّ
للتحكيم ،أو رفضه.
الم َحكِّمين؛ ل ُي َعدِّ ل بحثه َو ْف َقها، -3إِ ْط َ
ــا ُع الباحث على خالصة تقارير ُ
الخالف بينهما.
َ و ُي َب ِّين رأيه فيما ال َيأخذ به من أقوالهم ،و َتحسم الهيئ ُة
19
21
23
87
147
219
307
309
335
347
349
منهاجا لعباده
ً َ
ليكــون المبي َن؛
الكتــاب ُ
َ الحمــدُ هللِ َر ِّب العا َل ِميــنَ ،
أنــزل
الصالحين ﷺ الصالحيــن ،و َأ َم َر رســو َله بتدبره؛ فكان قدوة ُ
المتَدَ ِّبريــن وإمام َّ َّ
إلى يوم الدِّ ين.
ِ المبِ ِ
ــرا ُم -رضــوان اهلل عنهميــن صحابتُه الك َ و َتبِ َعــه علــى ذلــك الن َّْهــجِ ُ
الكريم؛ ِحين كانوا له َتالِين ،وبِمواعظِه
َ َ
القرآن خير َمن َتدَ َّب َر
أجمعين-؛ فكانوا َ
ُمت ََأ ِّثرين ،وألحكامه ُممتثلين ،وب َقصصه ُمعتربين.
و َتتَابــع صلحــاء األُم ِ
ــة علــى هذا إلــى يومنا هــذا؛ فجعلوا القــرآن لهم ُ َّ َ َ ُ
حيــاة ،يتلونه حق تالوته ،ويتدبرونه حــق تدبره ،ويتعلمون أحكامه ،ويتعظون
بمواعظه ،ويتخلقون بأخالقه ،ويهتدون هبديه ،ويســيرون على منهاجه ،يرون
به الحــق فيتبعونه ويدعون إليــه ،ويبصرون به الباطــل فيجتنبونه وينهون عنه،
حتى صار هذا القرآن العظيم أنسهم وسلوهتم وسعادهتم ومفزعهم ،ال يجدون
حالوة الحياة بدونه ،وال نور الطريق من غيره ،وال يعدلون إلى منهاج سواه.
إن هذه الربك َة من بركات ِ
كتاب اهلل ال يدركها إال من تدبره واتعظ به وعمل َّ
بمــا فيه ،كما قــال تعالــى ﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾
المتَواترتين( :لِتَدَّ َّب ُروا) ،أي :ل ِ َتتَدبره أنت
[ص ،]29 :ويف قــراءة أبي جعفر وعاصم ُ
-يا ُم َح َّمدُ -وأتباعك ،فيحصل بالتدبر الربكة والخير الكثير والنفع العظيم.
ونموذجا ُيحتذى
ً اهلل أن تكون هذه المجل ُة (تدبر) منار َة خير وبركة ُ
ونسأل َ
يف بقية مجاالت الدِّ راســات القرآنية ،وأن ينفع بالجهود المبذولة لالرتقاء هبا،
وبمجال َتدَ ُّبر القرآن وخوادمه ،و َي َع َّم بالربكة والخير ُكتَّا َبها و ُق َّراءها..
نال شهادة العالمية من كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية ،بالجامعة المحمدية-
الهند ،عام 2019م.
أهم النتاج العلمي:
"منهج الخطيب التبريزي يف مشكاة المصابيح وعناية العلماء به" (باللغة العربية).
"ظاهرة التكفير وخطورته" (باللغة األردية) ،وهما منشوران بمجلة النادي المحمدي ،بالجامعة
المحمدية-الهند.
....::::::::::....
Summary:
Main Findings:
Primary Recommendations:
((( ُينظر (المطلب الرابع :التد ُّبر المقاصدي لآليات) من المبحث الثالث.
((( ُينظر تفاصيل الرسائل الجامعية يف ثبت المصادر والمرجع.
((( انظر :المقاصد القرآنية :دراسة منهجية ،د .محمد بن عبد اهلل الربيعة ،ص .251
((( انظــر :مركزية المقاصد عند محمد الغزالي :مقاربة يف المفهوم والمصطلح والضرورة ،أ.د .محمد
زرمان (ص .)11 ،10
((( انظر :الموافقات ،للشاطبي (.)209-208 /4
يف التأويــل ،وفهم اآليــات وتوجيهها التوجيه األرجح ،وفهــم كثير من القضايا
الشائكة يف التفسير ،وحفظ القرآن من التحريف والتأويل والتعسف يف التفسير،
مصدرا لعلوم لــم ينزل لبياهنا،
ً ولــي أعنــاق النصوص كالذين يتخــذون القرآن
ّ
ويتكلفون يف االستدالل لنظرياهتم وآرائهم الفكر َّية ،من القرآن الكريم (((.
ق��ال ال�ش��اطبي (ت 790ه �ـ)" :مــن فهم باطن ما خوطب بــه لم ْ
يحتل على
أحــكام اهلل حتى ينال منها بالتبديل والتغييــر ،ومن وقف مع مجرد الظاهر غير
ملتفت إلى المعنى المقصود؛ اقتحم هذه المتاهات البعيدة...
فــكل من زاغ َ
ومال عــن الصراط المســتقيم؛ فبمقدار ما فاتــه من باطن
وعلما ،وكل من أصاب الحق وصادف الصواب؛ فعلى مقدار ما
ً فهما
القــرآن ً
حصل له من فهم باطنه"(((.
....::::::::::....
((( مقاربات "مقاصد القرآن الكريم" :دراسة تاريخية ،عبد الرحمن حللي (ص .)228
((( الموافقات ،للشاطبي (.)223-221 /4
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشــور ( ،)273 /26وأســماء الســور وفضائلها ،لمنيرة الدوســري
(ص.)399-396
((( سيأيت ذكر األحاديث يف المطلب الثاين :فضل ُسورة «ق».
((( رواه مسلم يف كتاب صالة العيدين (ح .)21 /3( )891
((( انظر :جمال القراء ،للســخاوي ( ،)37 /1واإلتقان يف علوم القرآن ،للســيوطي ( ،)362 /2وزاد
المسير ،البن الجوزي ( ،)3 /8ونظم الدرر ،للبقاعي (.)396 /18
((( انظر :البيان يف عد آي القرآن ،ألبي عمرو الداين (ص .)231
مســتقلة .وأ َّما كَلِمها فهي ثالث مئة وخمس وسبعون ( )375كلمة ،وحروفها
ألف وأربع مئة وأربعة وسبعون ( )1474حر ًفا.
ال�سورة (مكيتها ومدنيتها):
◈ امل�س�ألة الثالثة :مرحلة نزول ُّ
(((
هــي ُســورة مك َّية عند أغلب المفســرين ،ونقــل ابن حزم وابــن عط َّية
اإلجماع على ذلك.
واســتثنى الســيوطي((( منها قوله تعالى ﴿ :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ [ق ،]38 :ونســبه القرطبــي إلــى ابــن
عباس وقتادة(((.
وذلك لِ ا �أخرجه احلاكم وغريه �أنها نزلت ردًّا على اليهود يف قولهم :إن اهلل
اسرتاح يف اليوم السابع وهو يوم السبت(((.
ناسبة
لم َالســورة ُ
يعني :أن مقالة اليهود ُســمعت بالمدينة ،وألحقت هبذه ُّ
موقعها؛ لكن ابن عاشور ض َّعف هذا القول وعدَّ ه من التكلف(((.
املطلب الثاين :ف�ضل ُ�سورة «ق».
تضمنت
المفصل -على الصحيح ، "-و"قد َّ
(((
َّ ُسورة (ق) "أول الحزب
((( انظر :الناسخ والمنسوخ ،البن حزم (ص ،)57المحرر الوجيز ،البن عطية (.)155 /5
((( انظر :اإلتقان يف علوم القرآن ،للسيوطي (.)102 /1
((( انظر :الجامع ألحكام القرآن ،للقرطبي (.)424 /19
((( المستدرك على الصحيحين ،للحاكم النيسابوري (( ،)391 /4ح ،)3728و(( )7 /5ح .)4045
فيه أبو ســعد ســعيد بن المرزبان :ضعيف مدلــس ،وقال ابن معين :ال ُيكتَــب حديثه ،وقال الذهبي
ً
مرســا ،لم يذكــر ابن عباس .اهـ. يف "التلخيــص" :رواه عبد الرزاق ،عن ابن عيينة ،عن أبي ســعد
فالحديث ضعيف.
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)325 ،274 /26
((( تفسير ابن كثير ( .)177 /13وانظر :مصاعد النظر ،للبقاعي (.)17 /3
....::::::::::....
((( انظر :معارج التفكر ودقائق التد ُّبر ،لعبد الرحمن حسن الميداين ( ،)546 /2و(.)11 /3
((( انظر :معارج التفكر ودقائق التد ُّبر ،لعبد الرحمن حسن الميداين (.)174-172 /3
((( انظر :مفاتيح الغيب ،للرازي ( ،)145 /28والتحرير والتنوير ،البن عاشور ( ،)275 /26ومعارج
التفكر ،للميداين (.)11 /3
((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور ،للبقاعي (.)396 /18
((( فائدة :ذكر ابن القيم $أن براهين المعاد يف القرآن مبنية على ثالثة أصول ]-1[ :تقرير كمال علم
المنكِرين للبعث تعود إلى
الرب سبحانه ]-2[ ،وكمال قدرته ]-3[ ،وكمال حكمته .وذلك ألن شبه ُ
ثالثة أنواع ]-1[ :إنكار علم اهلل باألجزاء المتفرقة المختلطة بأجزاء األرض على وجه ال يحصل به
تمييز أجزاء مختلف األشــخاص ]-2[ ،وإنكار قدرة اهلل على جمــع تلك األجزاء المتفرقة ،وإعادة
األرواح إليها ]-3[ ،وإنكار الحكمة يف إحياء الموتى( .انظر :الفوائد ،البن القيم ،ص .)8-7
((( انظر :الفوائد ،البن القيم (ص .)9
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور ( ،)276 /26ومعارج التفكر ،للميداين (.)19-16 /3
سائر الكالم؛ ألن التحدي بإعجاز القرآن الكريم ،وعجز الكفار بل البشر جمي ًعا
ِ
حجة على وأســطع ٍ
برهان علــى كونه من عند اهلل، أقطع
ُ عــن معارضته بمثلــهُ -
الرســالة ،وعلى صدق ما جاء به من نبــأ ال َب ْعث بعدصــدق محمــد ﷺ يف ا ِّدعاء ِّ
ٌ
وبيان لقبــح موقفهم من تشــنيع للكفار
ٌ المــوت والجزاء والحســاب .ويف هذا
النبي ﷺ ،ومما جاء به من أمر ال َب ْعث والحساب ،وتأكيدٌ على أن القوة الحقيق َّية
هي قوة الحجة والربهان التي هبا أتى القرآن ،وعلى أن القرآن هو محور الدعوة،
السورة به ،كما ُختمت به ﴿ :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾.
ولهذا افتُتحت هذه ُّ
﴿ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ﴾ :هذه اآلية وارد ٌة يف
تعجبهم ِ
الرسالة والتكذيب بال َب ْعث ،ففيها ذكر ُّ
َع ْرض مقالة المشركين يف إنكار ِّ
الرسول اإلنكاري من إرســال رســول من جنســهم البشــري ،متع ِّللين أن كون َّ
تعجبهم من إنــذاره ﷺ إياهم عذاب اهلل
بشــرا ينايف الحكمــة الربان َّية ،وكذلك ُّ
ً
يوم القيامة ،ودعوته إياهم لإليمان بعد ال َب ْعث بعد الموت.
ويف اآليــة ما يؤكِّد على "تقبيح الممــاراة يف الحق والتعمد يف المعارضة
اتبا ًعا للهوى وتقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة غير الصائبة"((( ،فقد "أنكروا
رســالته و َف ْضل كتابه بألســنتهم نفاســة وحســدً ا ،ويف هذا ٌ
دليل علــى أن الكرب
والحســد من موانع قبــول الحق ،وأنه يفضي إلى الســفه...؛ ألهنــم عجبوا ْ
أن
حجرا ،وعجبوا
ً بشرا واســتعظموا ذلك ،وأوجبوا أن يكون اإلله
الرســول ً
كان َّ
مــن أن ُيعادوا من تراب ،وتثبت لهــم الحياة ،ولم يعجبوا أن ُيبتدؤوا من تراب
ولم يكن له أصل يف الحياة"((( ،وذلك ألن كفرهم "يقوم على سرت األدلة التي
((( معارج التفكر ودقائق التد ُّبر ،لعبد الرحمن الميداين (.)24 ،21 /3
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)280 /26
((( معارج التفكر ،لعبد الرحمن الميداين ( .)28 /3وانظر :الفوائد ،البن القيم (ص .)8-7
((( الفوائد ،البن القيم (ص .)8
((( الفوائد ،البن القيم (ص .)7
((( انظر :أيسر التفاسير ،للجزائري (.)138 /5
للمصالح الدنيا ،وأخــرى أخرو َّية ،من الداللة على اهلل ۵وصفاته التي ينتفع
هبا العبد المنيب (((.
"وفيــه إشــار ٌة إلى أن الوصــول إلى مقــام التَّبصــرة إنما هــو بال ُعبود َّية،
وبيان لفضلهم إذ ال يخلون ٌ "تشــريف لجميع المؤمنين
ٌ واإلنابة"((( ،ففي اآلية
وتعريض بإهمال ٌ ت بينهم يف ذلك،... من تبصر وتذكُّر بتلك األفعال على تفاو ٍ
ُ ُّ
التبص َر والتذكر"(((.
الكافرين ُّ
ويف هــذا داللة على "اعتبار من ال ينتفع بالشــيء ،عاد ًما له"((( ،ويف هذا
ما يؤكد على أنه ينبغي للمؤمن أن يتفكر يف مخلوقات اهلل ويتأمل دقيق صنعه؛
ــل ِ
آيات اهلل يف الكون ،تع َّلم منها أشــياء ألنَّــه " ُك َّلمــا ك ََّرر َش ِ
ــهد المتف ِّك ُر المتأ ِّم ُ
جديدة ،وزادته معرفة بحقائق عن خالقها ومبدعها" ((( ،وعلم يقينًا أنه ما ُخلق
عب ًثــا ،بــل ألجل حكمة جليلة وغاية ســامية ،وعلم أنه محاســب على أعماله،
وأنه ال بد من جزاء وحساب.
﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﴾ ((( :هذه اآليات وارد ٌة يف
دفع اســتحالة البعث وإظهار تقريبه(((ِ ،
بذكــر "أهبر اآليات وأدلها عليه ،والتي َْ
البينة ال بمجرد علمه ،فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بينة
وال إقرار؟!"(((.
شــرعت هــذه
﴿ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾َ :
اآلية يف ِذكر الحساب وأحواله ،ففيها زجر للمفرط يف األعمال يف الدنياِ ،
وذكر ِّ ٌ
مــا يقوله اهلل ۵على ســبيل الته ُّكم لإلنســان عن غفلتــه يف الدنيا عن اآلخرة،
وعدم اإليمان هبا" ،فقد أخرب ســبحانه أن اإلنسان يف غفلة من هذا الشأن الذي
حقيق بأن ال يغفل عنه وأن ال يزال على ِذكره وبالِه....
ٌ هو
ثــم أخرب أن غطاء الغفلة والذهول يكشــف عنه ذلك اليوم كما يكشــف
غطاء النوم عن القلب فيســتيقظ وعن العين فتنفتح ،فنســبة ك َْشــف هذا الغطاء
عن العبد عند المعاينة كنسبة ك َْشف غطاء النوم عنه عند االنتباه"(((.
ويف اآليــة ٌ
بيــان لكمال قــدرة اهلل بـ"ما له ســبحانه من اإلحاطــة بالتقدير
أيضا يف أسلوب بديع ،فقد د َّلت اآلية على قصور
وتقرير للنُّبوة ً
ٌ والتعجيز"(((،
العقل البشــري وعجزه عن إدراك ما ينفعه واجتناب ما يضره ،وحاجته الدائمة
الرســل،
إلى من يرشــده إلى طريق الرشــد والهداية ،ومن أجل ذلك بعث اهلل ُّ
حواســنا وال تبلغ إليه
ُّ وأنزل الكتب ،ودعا إلى اإليمان بالغيب الذي ال تدركه
الرســل
الغيب شــهادةً ،وشــهدنا ما كانت ُّ
ُ عقولنا يف هذه الدنيا" ،فإذا مِتنا صار
أخربت به ،وكان غي ًبا عنا"(((؛ كما أخربت به هذه اآلية.
اهلل قــد أحصوا عليهم كل شــيء وســوف يقدمونه هلل تعالى لمحاســبتهم"(((.
وهذا التربُّؤ واالختصام ٌ
دليل على هول الموقف.
﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾:
ُ
فـ"كمــال علمه ِ
واردتان يف بيان كمــال علم اهلل وكمــال عدله؛ هاتــان اآليتــان
ُ
وكمال عدله واطالعــه يمنع من تبديل القــول بين يديه وترويج الباطل عليــه؛
وغناه يمنع من ظلمه لعبيده"(((.
يبق ألحدفإن اهلل ســبحانه لما ب َّين الوعيد يف الدنيا على لســان رسله؛ لم َ
ُلبــس وال حجة ،فال فائدة من التخاصم إللقــاء َتبِعة الكفر على أحد الفريقين،
ألن اســتواء الفريقيــن يف الكفــر ٍ
كاف يف مؤاخذة الكل على الســواء .ويف اآلية
"تقريــر لمعنــى الظلــم يف نفوس األمــة؛ إذ ال يجوز معاقبة الجاين قبل تشــريع
ٌ
القانــون ،كما أن اهلل لم يعذب عباده إال بعد ســابق إنذار ،معه أنه خالق العباد،
الخ ْلق واألمر ،فعال لما يريد"(((.
وله َ
تنــزه اهلل ســبحانه عنه
ظلم َّوفيــه بيــان "أن مــن األمــور الممكنة ما هــو ٌ
مــع قدرتــه عليه ،وبذلك يحمــد ويثنى عليه؛ فــإن الحمد والثنــاء يقع باألمور
االختيار َّية من فعل وترك"(((.
﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ :هــذه اآليــة وارد ٌة يف "ترويــع
المدفوعين إلى جهنم أن ال يطمعوا يف أن كثرهتم يضيق هبا ســعة جهنم فيطمع
بعضهــم أن يكــون ممن ال يوجد له مكان فيها ،فحــكاه اهلل يف القرآن عربة لمن
وفيــه دالل ٌة على أنه يجدر بالمؤمن المحافظة على الطاعة وحفظ وصايا
اهلل وحدوده ،فــإذا صدرت منه فلت ٌة أعقبها بالتوبة ،ورجع إلى ربه" .فال يكفي
أن يعلن المرء إســامه ،بل عليه أن يكون مجتهدً ا يف تقوى اهلل بالعمل الصالح
واجتنــاب اآلثــام ،وأن يكون حاف ًظا لعهوده وواجباته مراق ًبا اهلل يف ِّ
ســره وعلنه
مني ًبا إليه بقلبه وجوارحه .ويف هذا ما فيه من قصد هتذيب نفس المسلم وإعداده
ِ
بارا خ ِّي ًرا راشدً ا َيق َظ القلب طاهر السريرة والنفس ً
قائما بواجباته صالحا ًّ
ً ليكون
السر والعلن"(((.
نحو اهلل والناس لذاهتا متَّق ًيا ربه يف ِّ
﴿ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﴾ :هــذه اآليــة وارد ٌة يف ِذكــر الصفــة
السر ،مع علمهم
الثالثة والرابعة من صفات المتقين ،وهو أهنم يخشونه ۵يف ِّ
برحمته الواســعة ،ويرجعون عن معصية اهلل ويقبلون على طاعته ،وال يبطلون
عملهم الصالح يف أواخر أعمارهم ،فيأتون يوم القيامة ُمنيبين.
(((
ويف هذا ما يؤكِّد على أن "الخشــية النافعة خشيته ۵يف الغيب والشهادة"،
وأنه من أســباب ُحســن الخاتمة .ويف وصفه تعالى بالرحمــة ،ووصف القلب
باإلنابة ،اســتدعا ٌء للمشركين وتلطيف بالعصاة أن ال يقنطوا من رحمة اهلل وأن
"ال ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد جر ًيا على عادة
القرآن يف تعقيب الرتهيب بالرتغيب والعكس"(((.
بســعة
ويف اقــران اســم الرحمــن بالخشــية ،تنبي ٌه علــى أن علم المتقين َ
رحمتــه ۵ال يصدُّ هــم عن خشــيته ،وأن خشــيتهم "تكــون مقرونــ ًة باألُنس
الرســول ﷺ للســورة إنما كانت لِما اشتملت عليه باالجتزاء ،وذلك أن قراءة َّ
السورة من أهم م ِ
قاصد القرآن. َ ُّ
وحــري بالباحثيــن أن يتوجهوا إلى دراســة الم ِ
قاصــد ال ُقرآن َّية يف جميع َ ٌّ
الســور التي كان رســول اهلل ﷺ يواظب علــى قراءهتا يف الســور ،خاصــ ًة تلك ُُّّ
ناســبات المختلفة ،مثل ُسورة القمر ،وســوريت األعلى والغاشية ،وسوريت الم َ
ُ
الجمعة والمنافقون ،وسوريت السجدة واإلنسان؛ فإنه ُي ِعين على فهم كتاب اهلل
صحيحا ،ويعود بالخير على المجتمع اإلسالمي وعلى الفرد المسلم.ً فهما
ً
....::::::::::....
«2 .2أســرار ترتيــب القــرآن» .الســيوطي ،جــال الدين عبــد الرحمن بن أبــي بكر (ت
911هـــ) .تحقيق :عبد القــادر أحمد عطا ،ومرزوق علي إبراهيــم .،د.ط ،القاهرة:
دار الفضيلة2002 ،م.
«3 .3أســماء سور القرآن وفضائلها» .الدوسري ،د .منيرة محمد ناصر .ط ،1السعود َّية:
دار ابن الجوزي1426 ،هـ.
«4 .4أصول يف التفســير» .العثيمين ،محمد بن صالح (ت 1421هـ) .ط ،1عين شمس:
المكتبة اإلسالم َّية1422 ،هـ2001-م.
«5 .5أضــواء البيــان يف إيضاح القــرآن بالقــرآن» .الشــنقيطي ،محمد األميــن بن محمد
المختــار الجكني (ت 1393هـ) .إشــراف :بكر بن عبــد اهلل أبو زيد .ط ،1مكة :دار
عالم الفوائد1426 ،هـ.
«6 .6اإلتقــان يف علوم القرآن» .الســيوطي ،جــال الدين عبد الرحمن بــن أبي بكر (ت
911هـ) .تحقيق :مركز الدِّ راســات ال ُقرآن َّية ،د.ط ،المدينــة المنورة :مجمع الملك
فهد لطباعة المصحف الشريف1426 ،هـ.
«7 .7الربهــان يف علوم القرآن» .الزركشــي ،بدر الدين محمد بــن عبد اهلل (ت 794هـ).
تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم .د.ط ،القاهرة :دار الرتاث ،د .ت.
«8 .8البيان يف عد آي القرآن» .الداين ،أبو عمرو األندلسي (ت 444هـ) .تحقيق :د .غانم
قدوري الحمد .ط ،1الكويت :مركز المخطوطات والرتاث والوثائق1414 ،هـ.
«1010التفســير الحديــث (مرتــب حســب ترتيــب النــزول)» .عــزت ،دروزة محمد (ت
1404هـ) .د.ط ،القاهرة :دار إحياء الكتب العرب َّية1383 ،هـ.
«1212التفســير الوســيط للقرآن الكريــم» .الطنطــاوي ،د .محمد الســيد .د.ط ،القاهرة:
مطبعة السعادة1406 ،هـ1986-م.
«1313الجامع ألحكام القرآن والمبين لما تضمنته من الســنة وآي الفرقان» .القرطبي ،أبو
عبــد اهلل ،محمــد بــن أحمد بن أبي بكــر (ت 671هـــ) .تحقيق :د .عبــد اهلل بن عبد
الرسالة1427 ،هـ2006-م.
المحسن الرتكي .ط ،1بيروت :مؤسسة ِّ
«1414الدِّ راســة التحليلية لم ِ
قاصد وأهداف الحزب الثاين والخمســين من القرآن الكريم َّ َ
(ســورة الفتح-الحجرات(-ق)-الذاريات)» .رشيد ،نصر سمير ،رسالة ماجستير،
ُ
غزة :كل َّية أصول الدين ،الجامعة اإلسالم َّية1439 ،هـ2018-م.
«1515الصفد َّية» .ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) .تحقيق :د .محمد رشــاد
سالم .ط ،1الرياض :دار الفضيلةَ ،
قبل عام 1976م.
«1616الفوائــد» .ابن قيــم الجوز َّية ،أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت 751هـ).
تحقيق :محمد عزير شمس .ط ،1مكة :دار عالم الفوائد1429 ،هـ.
«1818المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز» .ابن عط َّية ،أبو محمد عبد الحق بن غالب
األندلســي (ت 546هـ) .تحقيق :عبد الســام عبد الشايف محمد .ط ،1بيروت :دار
الكتب العلم َّية1422 ،هـ2001-م.
«1919المحكم والمحيط األعظم» .ابن ســيده ،أبو الحســن علي بن إســماعيل المرســي
(ت 458هـــ) .تحقيق :د .عبد الحميد هنــداوي .ط ،1بيروت :دار الكتب العلم َّية،
1421هـ2000-م.
«2020المستدرك على الصحيحين» ،أبو عبد اهلل الحاكم النيسابوري (ت 405هـ) ،تحقيق:
مركز البحوث وتقن َّية المعلومات ،ط ،1السعود َّية :دار التأصيل1435 ،هـ2014-م.
«2121المســتدرك على مجموع فتاوى شــيخ اإلســام ابن تيميــة» (ت 728هـ) .جمعه:
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ،ط ،1د.م :د.ن1418 ،هـ.
«2222الم ِ
قاصد ال ُقرآن َّية يف ُسورة المزمل :دراسة تحليل َّية» .العمر ،أكرم غازي الحسين .رسالة َ
ماجستير ،ماليزيا :كل َّية العلوم اإلسالم َّية ،جامعة المدينة العالم َّية1439 ،هـ2018 -م.
«2323الم ِ
قاصد ال ُقرآن َّية يف ُســورة ص» .غانية ،شــيماء .رســالة ماجســتير ،الوادي :معهد َ
العلوم اإلسالم َّية ،جامعة الشهيد حمه لخضر1439-1438 ،هـ2019-2018 /م.
«2424الم ِ
قاصــد ال ُقرآن َّيــة :دراســة منهج َّية» .الربيعــة ،د .محمد بن عبــد اهلل .مجلة معهد َ
اإلمام الشــاطبي للدراسات ال ُقرآن َّية ،جدة ،العدد ( ،)27جمادى اآلخرة 1400هـ-
فرباير 2019م.262-207 ،
«2727النبوات» .ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) .تحقيق:
د .عبد العزيز بن صالح الطويان .ط ،1الرياض :أضواء السلف1420 ،هـ2000-م.
«2828أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير» .الجزائري ،أبو بكر جابر (ت 1439هـ) ،ط،3
المدينة المنورة :مكتبة العلوم والحكم1418 ،هـ1997-م.
«2929بدائــع الفوائــد» .ابــن قيــم الجوز َّية ،أبو عبــد اهلل محمد بن أبي بكر بــن أيوب (ت
751هـ) .تحقيق :علي بن محمد العمران .ط ،1مكة :دار عالم الفوائد1429 ،هـ.
«3030بصائــر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيــز» .الفيروزآبادي ،مجد الدين محمد
بن يعقــوب (ت 817هـ) .المحقــق :محمد علي النجــار .د.ط ،القاهرة :المجلس
األعلى للشؤون اإلسالم َّية1416 ،هـ1996-م.
«3131تاج العروس من جواهر القاموس» .الزبيدي ،الســيد محمد مرتضى الحسيني (ت
1205هـ) .تحقيق :عبد الستار أحمد فراج .د.ط ،الكويت :مطبعة حكومة الكويت،
1385هـ1965-م.
«3434تفســير القرآن الكريم (مــن الحجرات إلى الحديد)» .العثيميــن ،محمد بن صالح
(ت 1421هـ) .ط ،1الرياض :دار الثريا1425 ،هـ2004-م.
«3636تفســير حدائق الروح والريحان يف روابي علوم القرآن» .الهرري ،محمد األمين بن
عبد اهلل األرمي العلوي الشافعي .إشراف ومراجعة :د .هاشم محمد علي بن حسين
مهدي .ط ،1بيروت :دار طوق النجاة1421 ،هـ2001-م.
«3737تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان» .النيسابوري ،نظام الدين الحسن بن محمد
القمي (ت 850هـ) .تحقيق :زكريا العميرات .ط ،1بيروت :دار الكتب
بن حســين ِّ
العلم َّية1416 ،هـ1996-م.
«3838تيســير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان» .الســعدي ،عبد الرحمن بن ناصر (ت
1376هـ) .اعتناء :سعد بن فواز الصميل .ط ،1السعود َّية :دار ابن الجوزي1422 ،هـ.
«4040درء تعارض العقل والنقل» .ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم
(ت 728هـ) .تحقيق :د .محمد رشاد سالم .ط ،2الرياض :جامعة اإلمام محمد بن
سعود اإلسالم َّية1411 ،هـ1991-م.
«4242روح المعاين يف تفســير القرآن العظيم والســبع المثاين» .األلوســي ،شــهاب الدين
محمــود بن عبد اهلل البغدادي (ت 1270هـــ) .تحقيق :جماعة من المحققين .ط،1
الرسالة1431 ،هـ2010-م.
بيروت :مؤسسة ِّ
«4343زاد المسير يف علم التفسير» .ابن الجوزي ،أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن
علــي بن محمد بن محمد القرشــي البغدادي (ت 597هـ) .ط ،3دمشــق :المكتب
اإلسالمي1404 ،هـ1984-م.
«4444زاد المعــاد يف هــدي خير العباد» .ابن قيم الجوز َّية ،أبو عبــد اهلل محمد بن أبي بكر
بن أيوب (ت 751هـ) .تحقيق :شــعيب األرناؤوط ،وعبد القادر األرناؤوط .ط،3
الرسالة1418 ،هـ1998-م.
بيروت :مؤسسة ِّ
«ســورة (ق) :دراســة تحليل َّيــة موضوع َّية» .ســعداوي ،عبد اهلل .رســالة ماجســتير،
ُ 4545
الجزائــر :كل َّية العلوم اإلنســان َّية واالجتماع َّيــة ،جامعة أبي بكــر بلقايد1435 ،هـ-
1436هـ2015-2014/م.
«4747صحيح مســلم -المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى
رسول اهلل ﷺ» ،مسلم ،أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري
«4848فتح القدير (الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير)» .الشوكاين ،محمد
بــن علي (ت .)1250تحقيق :د .عبد الرحمن عميرة .ط ،2المنصورة :دار الوفاء،
1418هـ1997-م.
«4949كوكبــة الخطب المنيفة من منرب الكعبة الشــريفة» ،الســديس ،عبد الرحمن بن عبد
العزيز .ط ،1مكة المكرمة :مكتبة إمام الدعوة العلم َّية1423 ،هـ2002-م.
«5050لســان العــرب» .ابن منظور ،أبــو الفضل جمــال الدين محمد بن مكــرم اإلفريقي
المصري (ت 711هـ) .ط ،3بيروت :دار صادر1414 ،هـ.
«5151مجمع البيان يف تفســير القرآن» .الطربســي ،أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل
(ت 548هـ) .ط ،1بيروت :دار المرتضى1427 ،هـ2006-م.
«5252مجموع فتاوى شــيخ اإلســام أحمد ابن تيمية (ت 728هـ)» .جمع وترتيب :عبد
الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد .د.ط ،المدينة المنورة :مجمع الملك فهد
لطباعة المصحف الشريف1425 ،هـ2004-م.
«6565منهاج السنة النبو َّية يف نقض كالم الشيعة القدر َّية» .ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس
أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) .تحقيق :د .محمد رشــاد ســالم .ط ،2الرياض:
جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالم َّية1406 ،هـ1986-م.
«6666نظرية الم ِ
قاصد عند الشــاطبي» .الريسوين ،أحمد .د.ط ،فيرجينيا :المعهد العالمي َّ َ
للفكر اإلسالمي ،دار األمان1421 ،هـ.
....::::::::::....
حصلت على الماجستير من كلية /اآلداب جامعة /األميرة نوره بنت عبد الرحمن
بأطروحة :تفسير القرآن من خالل موسوعة (نهاية األرب يف فنون األدب) للنويري جم ًعا ودراسة.
حصلــت علــى الدكتوراه مــن كلية /أصــول الدين جامعة اإلمــام محمد بن ســعود بأطروحة:
تحقيق مخطوط (تعليق مبارك يف تفســير القرآن العظيــم) لإلمام القاضي أحمدبن أبي بكر ال ُبلقيني
من المقدمة إلى نهاية سورة النحل.
أهم النتاج العلمي:
محبطات العمل من خالل سورة محمد ﷺ دراسة موضوعية.
المال واإلنسان يف القرآن( ،دراسة بالغية).
الزيادات التي وردت يف القرآن يف حق المؤمنين وحق الكافرين (دراسة موضوعية).
تناول هذا البحث الحوار من حيث تعريفه وســمات الحوار القرآين ،ثم
أربعة نماذج من حوارات األنبياء ومع أبنائهم ،ودراستها دراسة بالغية مقرونة
بفوائد تربوية ،واستخدمت فيه المنهج الوصفي واالستنباطي.
ويهدف البحث إلى استخراج األسرار البالغية مع بعض الفوائد الرتبوية
يف تلك الحوارات.
وكان من �أهم نتائجه:
حاضرا يف خطاب
ً الحوار ليس ســمة للمجتمع البشري فقط ،بل قد كان
اهلل تعالى مع المالئكة ،وحتى مع إبليس أخزاه اهلل ،ومع المخلوقات كذلك.
و�أو�صت الدرا�سة:
-1باالهتمام باســتخراج األسرار والدالالت البالغية يف القرآن الكريم؛
إلبراز روعة وعظمة التعبير القرآين.
-2عــدم التكلف يف اســتخراج الســر البالغــي ،فالقــرآن ال يحتاج إلى
التكلف؛ ألن القرآن غني بألفاظه الموجزة ،ومعانيه المعجزة.
الكلم��ات املفتاحي��ة :الحــوار ،القــرآن ،األنبيــاء ،األبنــاء ،البالغــة،
أسلوب.
....::::::::::....
Email: elafsw@gmail.com
Summary:
Main Findings:
....::::::::::....
الحمــد هلل أعطى كل شــيء خلقه ثــم هدى ،والصالة والســام األتمان
األكمالن ما صبح بدا وما ليل سجى صال ًة وسال ًما سرمد ًّيا أبدً ا،
�أما بعد:
فالقصــص القــرآين معين دفــاق ،ومــورد َّ
أخاذ ،تستســقى منــه الحكم،
وتستنتج منه العرب.
ومن بديع جمال القصص القرآين مايحوي من صور الحوار المتبادلة التي
تدل على أن الحوار سمة فاعلة من سمات المجتمع البشريُ ،تفهم به حاجات
النفوس ،ويكشــف عن ماينتجــه العقل من آداب وفكر؛ ولذلــك حوى القرآن
أنوا ًعــا عديدة من الحوارات ،ومنها :حوارات األنبيــاء ۏ مع أبنائهم ،حيث
تتجلــى فيها عظمة الهــدف ،وروعة التصوير ،وبالغة األســلوب ،حيث كانت
بيانًا للهداية القرآنية يف مجال الرتبية ،وهي وسيلة إصالح لألسرة والمجتمع.
ً
مجال لبحثي ودراســتي بذكــر بعض النماذج ممــا قادين إلى أن أجعلها
مــن الحــوارات بين األنبيــاء وأبنائهم يف القرآن ،ودراســتها دراســة بالغية مع
اســتخراج التطبيقات والفوائد التــي تنفع المربي يف حواره مــع أبنائه وطالبه،
دراسة شرفت بشرف متعلقها ومصدرها ،وهو القرآن الكريم.
وقد سلكت يف دراســة الموضوع المنهج الوصفي وتم توظيفه يف تعيين
بعض الحوارات ودراســتها دراسة بالغية أســلوبية ،ثم المنهج االستنباطي يف
استخراج الدالالت البالغية والرتبوية يف اآليات الكريمة.
....::::::::::....
التمهيد
((( الحوار فنياته واسرتاتيجياته وأساليب تعليمه ،للدكتورة منى إبراهيم اللبودي (.)20
فهــو يعطــي داللة مناقضــة ،فليس كل حــوار يأيت بالجديــد ،فقد يزيد
ً
ضالل. المرء
فاحلوار :حديث يدور بين اثنين على األقل ،ويتناول شتى الموضوعات،...
ويفرتض فيه اإلبانة عن المواقف والكشف عن خبايا النفس(((.
�أم��ا احل��وار الق��ر�آين فق��د عرف��ه النح�لاوي((( ب�أنه :كل نــداء أو خطاب أو
موجها إلى منادى أو مخاطب أو مخاطبين حول ً سؤال يوجهه القرآن ،أويحكيه
أمــر مهم بقصد توجيههم ،أو توجيــه اهتمامهم إلى هذا األمر ،أو تحقيق هدف
معين ،أو القيام بسلوك فكري أو اعتقادي أو اجتماعي أو أخالقي أو تعبدي(((.
وي�ؤخذ على هذا التعريف :إدخاله لكل نداء يف القرآن يف الحوار.
وعل��ى ه��ذا يك��ون تعري��ف احل��وار الق��ر�آين يف ه��ذا البح��ث :بأنــه تجــاوب
ومراجعــة بين طرفين أو أكثر -أ ًّيــا كان عددهم -حول موضوع معين يهم كال
الطرفين أو أحدهما بوســيلة من وســائل اإلتصال المناســبة ألطــراف الحوار
وظروفه هبدف اإلقناع ،أو تقريب وجهات النظر.
فالحوار القرآين أسلوب فريد يف قوة مبانيه ،وعمق آثاره الرتبوية والنفسية
لم يسبق إليه ،وحسبه أنه مظهر من مظاهر تجلي العناية اإللهية باإلنسان؛ ليعتز
بإنسانيته ،ويستمر يف مناجاة ربه ،وتفهم آياته وتشريعه.
◈ وللحوار القر�آين �سمات منها:
-1اإلنصــاف والموضوعية :يتســم الحــوار القرآين بإنصافــه المحاور
معارضا ،-ويمكن اســتنباط هذه الســمة مــن الحوار الذي
ً اآلخــر -وإن كان
((( القاموس المحيط ،للفيروز أبادي ()4
((( عبد الرحمن النحالوي ،ولد يف دمشــق ،اســتاذ يف دار المعلمين بجامعة دمشــق ،واستاذ مساعد يف
الكليات العلمية بالرياض وجامعة اإلمام ،باحث ومشرف ومدقق ،له مؤلفات عديدة.
((( الرتبية بالحوار.)14( ،
املبحث األول
حوار نوح ڠ مع ابنه
ِ
الطبيعة التي تظهر فيها األبو ُة يصور لنا القرآن الكريم مشهدً ا من مشاهد
بســبب عق ٍل َض ٍ ِ عليه مِن
ابن ي ْخ َشــى ِ ِ
ال، ِ الهالك عاطف ًة ملهوف ًة حاني ًة َقل َق ًة على ٍ ُ
وفِ ٍ
كر ُمظلِ ٍم ُمدْ َل ِه ٍم.
نوح مع َو َل ِد ِه يف القر�آنِ :
موقف ٍ
ِ يت�ض ُح َ
ذلك ِم ْن خالل ◈ ِ
يق��ول تع��اىل ﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾ [هود.]43 - 41 :
صالحا لركوب
ً لمــا انتهى نوح ڠ من صنع الســفينة وإعدادها إعدادا
ِ
الفئــة المؤمنة معــه ،وجعلها وســيلة لنجاته ومــن صحب ُه َأ َم َر ُه ْ
ــم بالركوب يف
فقال ﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾. السفينةَ ،
�أول ما يروعنا يف هذه الآي ِة الت�صوير البديع يف قولهِ ﴿ :ﮏ﴾ فالسفينة
وإنما ُي ْســ َت َّق ُر هبا ،ولِذا ُعدْ ّي ﴿ ﮏ ﴾ بـ (يف) ،فقد َشــ َّب َه
َب عليهاَّ ،
ال ُي ْرك ْ
ــة التــي تركــب ،ثم حذف المشــبه بــه ،و ُذكِ َر شــي ًئا مِن اهلل ۵الســفينة بالمطي ِ
َّ
لوازمــه( ،الركوب) :على ســبيل االســتعارة المكنية ،وهذه االســتعارة توحي ِ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ِ
اآليــة ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﴾ [ســبأَ .]٢ ،١ :ف َقــدَّ َم يف هــذه
لفــظ ﴿ ﭵ ﴾ على ﴿ ﭶ ﴾ إما بالفضل والكمــال ،وإما بالطبع حيث َّ
إن َ
(الرحمةَ) تشــمل أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان ،فالرحمة
بعضهم ،والعموم بالطبع قبل الخصوص(((.
تشملهم والمغفرة تخص َ
ثم يأيت تصوير المشهد الهائل الذي تربز فيه العاطفة الج َّياشة الحانية من
اق ،وكان هذا األب للولد ،فاألب هنا تنساب منه العاطفة ِرق ًة وقل ًقا على ٍ
ابن َع ٍّ
يف وقــت جريان الســفينة ﴿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [هود.]42 :
ً
هائــا يف وســط األمــواج الكثيرة عظيمــا
ً يبــدو َّ
أن ذلــك الجريــان كان
المرتفعة ،والســامع يتشــوق لســماع مثل ذلك الخرب كما َأن ُه يحتاج إِلي تقوية
الخــر وتمكينــه؛ لذا ُق ِد َّم المســندُ إليــه ﴿ ﮛ ﴾ على المســند ﴿ ﮜ ﴾ ،وألن
المقام مقام َغيب ٍة عرف المســند ِ
إليه ﴿ ﮛ ﴾ بضميــر الغيبة ،ويف التعبير بضمير ْ َ َّ
الغيبة ﴿ ﮛ ﴾ من التعظيم الكثير والتفخيم.
((( من أسرار التعبير يف القرآن صفاء الكلمة ،لـ.د /.عبد الفتاح الشين (.)227
كلمة ﴿ ﮟ﴾ ً
بــدل من (ماء)؛ ِ ِ
اختيار ــي فِي وتالحــظ ِد َّقــ َة التعبير القرآنِ
ِّ
ألن المــوج أعلى من ســطحِ الماء يف تتابع َم َع ُه ِ
بوب الر َّيــاحِ لذا كان التعبير
((( َّ
القرآنِ ِّي أدق وأنسب يف المعنى المراد.
عظيما ً
هائل فال ً بأن الموج الذي يشبه الجبال كان وتنكير ﴿ ﮟ ﴾ يشعر َّ
يقوى عليه أحد ،وال ينجو منه مخلوق.
ويف وســط هذا الهول يمد نوح ڠ بصر ُه فيجــد من الذين تخ َّل ُفوا عنه
قولــه ﴿ :ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ِ ِ
بالنداء يف ــذة َكبِ ِد ِه ،فيتوجــه إِ ِ
ليه ابنــه َف َل َ
َ ُ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾.
ِ
حضاره ليــه بالعلمية يف قول ِ ِ
ــه ﴿ ﮡ ﮢ ﴾ ،وذلــك ِ
إل وعرف المســند إِ ِ
يختص ِبه يف ِ
ذهن السامعِ. ُ
ِ
وتعيينه له بإِسم
وي�ست�شعر من النداء يف قوله ﴿ :ﮧ ﴾ العطف الشديد والشفق َة المشوبة
ابنه ِ
النداء إِيمان ِ ِ
الطريقة ،فهو يريد من هذا بالخوف والقلقَ ،ع َّله يستجيب ِ
هبذه ُ
وهدايته وركوبه معه السفينة.
ألن اســتعمال النداء بألفاظ البنوة واألبوة تفتح مغاليق النفس ،وتشــرع
أبــواب القبــول للتوجيهــات ،ولذلــك حتى مع علم نــوح بكفر ابنــه طيلة مدة
الدعــوة إال أنــه ما يزال يناديه بـ﴿ ﮧ﴾ لعل هذا النداء يف وقت الغوث والفزع
يتغلغل يف حنايا قلبه فيلين ويستجيب.
وأداة النــداء (يا) وما تشــتمل عليــه من مد تتعاون مــع باقي الرتاكيب يف
رسم الحســرة واأللم اللذين أ َل َّما بنوح ڠ ،فالمد الذي يوجد بحرف النداء
يساعد يف تصوير صرخات نوح ڠ النفسية وأناته الطويلة حزنًا على ابنه.
فتوضيح المربي أســباب التوجيه الذي يعطيه حتى يتحقق معرفة دواعي
ذلك األمر ،فقد يســري يف النفس بالطاعة واإلنقياد ،ولذلك أوضح نوح ڠ
الســبب من طلبه ابنه الركوب معه ،وهو أن عدم ركوبه ســيحيط به ويجعله يف
عداد الكافرين الذين سيغرقهم الموج.
ويف الآي��ة التالي��ة :يأيت رد االبن المغرور ذلك االبن العاق ،يقول تعالى:
﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾.
بيــه َوفِعلِ ِه ﴿ ﮧ ﮨ
قول َأ ِ
ويستشــعر من قول االبن هــذا هتَ ُكم من ِ
ٌ
ﮩ ﴾...اآليةُ.
وف�ص��ل قول��ه ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ عمــا قبلــه لما بينهما من شــبه كمال
االتصال حيث أن القول الســابق أثار سؤال تقديره( :ماذا قال الولد عقب طلب
أبيه له بالركوب معه) فقيــل ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ ،وبالغة هذا الضرب تكمن
يف أن الجملــة األولــى تثير يف النفس خواطــر وهواتف ،فتأيت الثانيــة مجيبة عن
هــذه الخوالــج ،وكأن بــذرة الجملة الثانية مضمــرة يف الجملــة األولى ،وهكذا
يتوالد الكالم وتتناســل الجمل ،ثم إن يف طي هذه الهواتف وترك اإلفصاح عنها
والتعبيــر الجهيــر هبا ضرب من وجازة الكالم واختصــاره ودمجه واكتنازه ،ولو
ذهبت تبســط ما حقه البســط لرأيت وراء كل جملة مــن هاتيك الضروب جملة
قــد تطول أو تقصــر ،ولكنها أضمرت يف تلــك الجملة ،واكتفــي يف اإلبانة عنها
باللمحة واإليماضة السريعة التي انعكست يف تحريك السامع واستثارة حسه(((.
ِ
لرحمته ،و َأ َّن رحمت ُه وتحقيق
ٌ ٍ
تفخيم ِ
الموصول ...زياد ُة دول إلى ويف ال ُع ِ
ِ
الوجوه(((. هي المعتصم ال إلى الجب ِل وهو أقوى
ِ
المــاء .وع َّب َر وامل��راد م��ن قول��ه ﴿ :ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ ،أي :ال عاصــم اليــوم من
خطئه يفِ ألمــر ِه وتنبيها ِ
البنه علــى ِ ً
وهتويل ِ
المــاء، تفخيما لِشــأن ذلك بذلــك
ً ً
ِ
بعض ِ
بالهرب إلــي يتخلص منهــا ِ
الميــاه التــي ِ
كســائر ِ
وتوهمــه أنــه ِ
تســميته،
ُ
ِ
المعهودة. ِ
المهارب
فقرن ذكر المصالح والمفاسد بالتوجيه ،حيث قد يكون جهل االبن وقلة
إدراكه لحجم الخطر وســوء العواقب ً
حائل دون االستجابة للتوجيه ،ولذلك
موضحا
ً نوح ڠ على جواب ابنه ﴿ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾
عقب ٌ
أن األمر أكرب مما تتوقع ويحيط به خيالك وفكرك.
ألن الجملــ َة ِ
جملــة ﴿ ﮯ ﮰ ﴾؛ َّ وف�ص � ُل قول �هِ ﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ ،عــن
الثانيــةَ ﴿ :ﯘﯙﯚ﴾ وقعت جوا ًبا لســؤال أثارت ُه الجملــ ُة األولي فكأن ُه قِ َيل:
الجواب ﴿ ﯙ ﯚ ﴾ ،وفصل بينهما لشبه كمال االتصال.ُ أهذا يمك ُن؟ فكان
ِ
الماء يف ِ
حين ِ
فيضان ِ
ســرعة تشــير إِلى ِ
المحاورة وحيلول ُة الموجِ يف ِ
آخر
ُ
ِ
المحاورة(((.
وقول��ه ﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ﴾ إِشــار ٌة موجــز ٌة إِ ً
يجازا بدي ًعا ألهنا تشــير
تتضح يف ســرعة ِ
اإليجاز ِ
الكافرة ،وبالغ ُة هذا ِ
الفئــة ــه وغرق من معه منلغرقِ ِ
ُ
ِ
هبالك الهالكين. قضاء اهلل
ِ
تفسير البيضاوي ،للشهاب الخفاجي (.)100/5 ((( حاشية الشهاب علي
((( التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)77/12
....::::::::::....
املبحث الثاين
حوار �إبراهيم مع ابنه �إ�سماعيل ڽ
ويف لحظة تنفيذ األمر ولم يبق إال أن تزهق الروح ،ويســيل الدم ،يفاجئه
ربه بندائــه العظيم ﴿ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾
ليكافــأ على امتثاله ألمر ربــه وتصديقه رؤيته التصديــق المخلص الذي جعله
كبده أو نفسه. ٍ
شيء حتى ولو كان هذا الشيء هو فلذة ِ يبذل يف سبيل اهلل أي
ويف قول��ه ﴿ :ﭖ ﴾ اســناد هــذا النداء إلى نفســه تعالــى ،وهذا يوحي
بمدى رضا اهلل وإعجابه بطاعة إبراهيم ڠ له تعالى ،وطاعة ولده له.
ويالحظ نداء اهلل تعالى إلبراهيم بـــأداة النداء (يا) داللة على ِع َظ ِم األمر
ِ
لشأنه ،وليسرع المنادى باالمتثال واإلجابة. وتفخيما
ً
وأكدَ تعالــى تصديق إبراهيم ڠ ،وتنفيذه األمــر بقوله ﴿ :ﭚ ﭛ ﴾
حيث اقرتن الفعل الماضي بـ﴿ ﭚ ﴾ وهذا يشعر بالمبالغة يف تحقيق التصديق؛
إذ إن التعبير بالفعل الماضي يفيد غال ًبا تحقق الوقوع وحتميته.
وأكد النص القرآين المعنى بـ(إن) ،واسمية الجملة يف قوله تعالى ﴿ :ﭞ ﭟ
ﭠﭡ﴾ حتى ال يتبادر إلى الذهن أدنى شك يف أن اهلل ۵يجازي المحسنين.
ِ
اإلشــارة ﴿ ﭟ ﴾ لإلشعار بفخامة هذا الجزاء ،وتصويره والتعبير باسم
عظيم ال يقدر قدره وال يدرك كنهــه وال مثيل له وال حد؛ إذ إن
ٌ كبير
بأنــه جــزا ٌء ٌ
هــذا الجزاء هو جزاء الصرب على أمر من الصعوبة بمكان ،فال يخفى على أحد
وحيد مجلل وعصيب.ٍ أن ذبح ٍ
ولد
ثــم يقــرر اهلل أن مــا حــدث إلبراهيم ڠ وابنه مــا هو إال
بالء عظيم فمن الصعب على النفس جرح الولد وإيجاعه ،وليس ذبحه ،يقول
تعالى ﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾.
....::::::::::....
((( خصائص التعبير القرآين وسماته البالغية ،لـ د/عبد العظيم المطعني (.)479/1
ويف هــذا التشــبيه تذكيــر بفضــل اهلل على يوســف وآبائه ۏ مــن قبله،
وإدخــال األنــس والطمأنينــة يف قلب يوســف ڠ بأن مصيره ســيكون نفس
مصير آبائه من الفضل والنعمة.
وقوله ﴿ :ﭲ﴾ كناية عن األجداد ،وهذه الكناية تصور الصالح والربكة
الذين يمتدان إلى أجداد يوسف ۏ.
ويف التعبيــر عنهمــا بــاألب مع كوهنمــا أبا جده وأبــا أبيه إشــعار بكمال
ارتباطه باألنبياء ۏ ،وتذكير معنى الولد ســر أبيه ل ِ ُي َطمئِ َن قلب ُه بما ُأخبِ َر به(((؛
وألن الجد أب يف استعمال العرب.
ويف قول��ه ﴿ :ﭳ ﭴ ﴾ إيجاز بحذف المضاف إليه ،والتقدير :من قبل هذا
الوقت الذي أنت فيه ،أو من قبلك .وهذا اإليجاز يكشف عما يف نفس يعقوب
من رغبة قوية يف تبليغ يوســف ڽ بالبشــرى بأقصى سرعة ممكنة حتى ولو
كان عن طريق حذف كلمة أو حتى حرف.
ً
تذييل يقرر مضمون الجملة الســابقة وقول��ه ﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ وقــع
ويؤكده ويحققه؛ ألن كل ما سبق يحدث على وفق مراد اهلل وحكمته ،وهو من
باب اإلطناب.
وجمل��ة ﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ استئناف بيانِي ،فقد أثارت الجملة السابقة
عليها سؤال تقديره :كيف يتم اهلل نعمته على يوسف ڠ ،فقيل ﴿ :ﭸ ﭹ ﭺ ﴾
فالفصل لشبه كمال االتصال.
....::::::::::....
ِ
بالقصة(((. إلى أبيكم وأخربوه
االلتماس ،فأخوهم األكرب
ُ وامل��راد م��ن الأمر يف قول��ه ﴿:ﮈ -ﮋ ﴾
يلتمس منهم أن يلقوا إلى أبيهم ذلك الخرب؛ ألنه ال يستطيع مواجهته.
ويالح��ظ الن��داء بـ(يا) ،و�إ�ضافة الأبِ �إىل �ضمري املتكلمني (نا) يف قولهِ:
وآص ِ
رة ِ
وشــيجة دم ِ ﴿ ﮌ﴾؛ وذلــك لتذكيــر أبيهم بما يوجــدُ بينهم وبينه مِ ْن
َ ٍّ
ن ََس ٍ
ــب ،ألهنــم يعلمــون أن ذلك الخرب قد ُينســي ُه مــا بينه وبينهــم ،والخرب هو:
أب قد ِ
الهين على ٍ ِ
باألمر عودهتم من غير أخاهم بنيامين وســرقته .وهذا ليــس
ُح ِر َم من ٍ
ابن له من ُ
قبل.
وي�أتي تعريف امل�سندِ �إلي ِه ﴿ ﮎ ﴾ بالإ�ضاف ِة لي�ؤكد املعنى ال�سابق :التذكير
ً
وإجالل له ،فهم يستعظمون سرق َة تعظيما ألبيهم
ً بوشيجة الدم وآصرة النسب
أخيهــم ويســتنكروهنا ،فهم يريدون أن يقولــوا أن أخيهم هذا لــم يكن ابن أي
ِ
األخالق والصالحِ . وإنما هو ابن نبي جليل ،وقد رباه على ٍ
أحدَّ ،
وقي��ل :يف تعليــل قولهــم ﴿ :ﮍﮎ﴾ ،ولم يقولــوا (أخانا)؛ ألنه ليس
ثرة َم َع َّز ِة أبيهم له.
شقي ًقا لهم ،أو ل ِ َك ِ
وقيل :أن الحســد لم يبق يف قلوهبم شــي ًئا من األخوة ،فهو من التعريض
بتربئة أنفسهم من صنيعه(((.
ِ
الملك اإليجاز ،والتقدير :إِ َّن ابنك ســرق يف ِ
قول ِ وقوله ﴿ :ﮏ ﴾ على
ُ
وأصحابِ ِه(((.
((( البحر المحيط ،ألبي حيان (.)313 /6
((( أورده االستاذ الدكتور عبد الفتاح خضر يف مدارسة بملتقى أهل التفسير .1427/12/20
((( التفســير الكبيــر ،للفخر الــرازي ( ،)193/9وال داعي لهذا التقدير ألهنم ذكــروا ماظهر لهم ،وهو
توضيح أن سبب فقده هو أنه سجن بسبب السرقة حتى اليتهمهم بأهنم تسببوا يف إيذائه.
َ
لمسائل البيان ،لبســيوين عبد الفتاح ( ،)158قلت وهذا:على القول بأن ((( علم البيان دراســة تحليلية
القافلة والعير هي مراده بعينها على رأي بعضهم
أبنائه ،ويتفجع على يوسف ڠ ،ألن هذا الذي حدث قد أثار أحاسيسه الكامنة،ِ
(حرضا) أغرب مــن جميــع أخواهتا من ألفــاظ الهالك، ً وكذلــك لفــظ
فاقتضى حسن الوضع يف النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها يف الغرابة
سن الجوار(((. أو االستعمال توخ ًّيا ل ِ ُح ِ
ــمهم هذا أن ينكروا على أبيهم َت َذك ُِر ِه المســتمر
واألبناء يقصدون من َقس ِ
َ
ليوســف ڠ ،وأتوا بفعل ﴿ ﯭ ﴾؛ للداللة على ذلك االســتمرار ،وقد بلغ
عظيما لدرجة جعلت العلماء يتفننون يف القول عنها.
ً اإلعجاز يف هذه اآلية مبل ًغا
فها هو �أبو الهالل الع�سكري يقول عن هذه الآية" :تحير يف فصاحته جميع
البلغاء ،وال يوجد مثله يف كالم البشر"(((.
وه��ا ه��و عب��د الك��رمي اخلطيب يق��ول مبي ًنا الإعج��از فيه��ا" :هل تجد نربة
تخــدش أذنــك ،واقرأهــا فهل تجــد حر ًفا يتعثــر على شــفتيك أو يضطرب يف
لســانك ،وانظر يف هذه الكلمات .....واقرأها مفردة ،ثم اقرأها مجتمعة (تاهلل،
حرضا) إهنا من غير ٍ
شك ثقيل ٌة على األذن ،وعلى اللسان". تفتأً ،
خف ثقيلها والن يابســها ،وســلس
ولكنهــا حين أصبحت يف نظم قرآين َّ
ٍ
روض جماحهــا ،وانقــاد وذل نافرها ،فإذا هي عارية عرائــس مجلوة تخطر يف
ولكأن القرآن قد تخيــر عن ٍ
عمد هذه الكلمات الثــاث ،وجاء هبا من َّ ٍ
نضيــر!
أجل ثقلها هذا ليقيم فيها شاهدً ا من شواهد إعجازه(((.
وحينما قالوا له قولتهم الســابقة المشــتملة على َق َس ِمهم الذي يدل على
حنقهم وحقدهم ّر َّد يعقوب عليهم بأنه يشــكو حزنه وهمه إلى اهلل وحده ،ألنه
ِ
بداخله. هو الذي يعلم ما
((( بديع القرآن ،البن أبي اإلصبع المصري (.)78 ،77
((( الصناعتين ،ألبي هالل العسكري.)196( ،
((( إعجاز القرآن يف دراسة كاشفة لخصائص البالغة العربية ومعاييرها ،لعبد الكريم الخطيب (،)271
وإن كان اليوافق على لفظ (عمد) كون ألفاظ القرآن جاءت مقصودة بحروفها ومعانيها ومواضعها.
ثــم بعد ذلك يوجه يعقوب ڠ أبناءه لكــي يبحثوا عن أخويهم واثقين
بــاهلل ورحمتــه غير يائســين مــن روح اهلل؛ ألنه ال ييــأس من رحمتــه إال الذين
يكفرون به تعالى.
فق��ال له��م ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ [يوسف.]87 :
ِ
للشــفقة والحب ،على الرغم مما فعلوه فيه إظهارا وناداهــم بلفظ البنوة
ً
من ضياع ولديه ،ليكون أدعى يف القبول واالمتثال.
وهذا يثبت أن قلوب اآلباء ال تزال تمتلئ بالشــفقة والعطف على األبناء
مهما فعلوا أو اقرتفوا.
واملراد من الأمر يف قوله ﴿ :ﭒﭓ﴾ التوجيه واإلرشاد ،فيعقوب ڠ
يوجههم ويرشــدهم إلى البحث عن أخويهم ،وتلمسهما ،والعودة هبما .وهذا
يشــعر بعدم تســليمه ڠ بكالمهم القديم من أن يوسف قد أكله الذئب ،وأن
أثرا،
إنــكار أبنائه الســابق يف قوله ﴿ :ﯬﯭﯮﯯ﴾ لــم يرتك عنده ً
ولم يثبط إحساسه بأهنم إليه عائدون.
وامل��راد م��ن النه��ي يف قول��ه ﴿ :ﭗﭘﭙﭚﭛ﴾ بــث األمل وشــعور
بالثقة ،فهو يرشدهم إلى الثقة باهلل ،وعدم اليأس من فرجه أبدً ا.
ووصــل جملة ﴿ ﭗ ﭘ ﴾ بجملــة ﴿ ﭓ ﴾ وذلك لما بينهما من
التوسط بين الكمالين التفاقهما يف اإلنشائية لف ًظا ومعنًى ،والفاعل فيهما واحد
وهــو الضمير العائــد إلى أبناء يعقــوب ڠ ،والجملتان تشــركان يف تصوير
األمل الذي أراد يعقوب ڠ أن يبثه يف نفوس أبنائه.
....::::::::::....
....::::::::::....
«2 .2أســاس البالغة» .الزمخشــري ،جار اهلل أبي القاســم محمود بن عمر .تحقيق :عبد
الرحيم محمود ،د.ط ،بيروت :دار المعرفة ،د.ت.
«3 .3أســاليب البيــان والصــور القرآنيــة» .د.محمــد إبراهيــم شــادي .د.ط ،دار وايف
اإلسالمية.1995 ،
«5 .5إعجاز القرآن يف دراســة كاشــفة لخصائص البالغة العربية ومعاييرها» .عبدالكريم
الخطيب .د.ط ،دار الفكر العربي ومطابع دار الكتاب العربي.1964 ،
«6 .6اإلعجاز البياين يف صيغ األلفاظ -دراســة تحليلية لإلفراد والجمع يف القرآن» .د/
محمد األمين الخضري .د.ط ،مطبعة الحسيني اإلسالمية ،د .ت.
«7 .7اإلعجــاز البيــاين للقرآن ومســائل بن األزرق» .د.عائشــة عبدالرحمــن .د.ط ،دار
المعارف ،د.ت.
«8 .8اإلكســير يف علوم التفسير» .الطويف البغدادي .تحقيق :د .عبد القادر حسين ،د.ط،
دار األوزاعي1409 ،هــ 1989 -م.
«9 .9البحر المحيط» .أبو حيان األندلســي ،محمد بن يوســف .د.ط ،بيروت :دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع1412 ،هـ 1992-م.
«1111البيان بين عبد القاهر والسكاكي» .د.علي البدري .د.ط ،دار السعادة1397 ،هـ 1977-م.
«1212التبيــان يف إعراب القرآن» .للعكربي .تحقيق :علــي محمد البيجاوي ،د.ط ،إحياء
«1313التحريــر والتنويــر» .ابن عاشــور ،محمد الطاهر بــن عاشــور .د.ط ،تونس :الدار
«1414التعبيــر الفنــي يف القــرآن الكريم» .د .بكري شــيخ أمين .د.ط ،بيــروت :دار العلم
للماليين1994 ،م.
القرطبي ،أبو عبد اهلل محمد بن أحمد .د.ط ،دار الشعب ،د.ت.
ِّ «1515الجامع ألحكام القرآن».
«1616الجمــان يف تشــبيهات القــرآن» .ابــن ناقيا البغــدادي .تحقيــق :د .مصطفي صادق
«1717الحــوار فنياته واســراتيجياته وأســاليب تعليمه» .د /منى إبراهيــم اللبودي .ط،1
«1818الحــوار يف القرآن الكريم خصائصه الرتكيبية وصــوره البيانية» .محمد إبراهيم عبد
«1919الصناعتيــن» .العســكري ،أبــو هالل الحســن بــن عبــد اهلل .تحقيق :علــي محمد
«2121القامــوس المحيط» .الفيروز أبادي ،مجــد الدين محمد بن يعقوب .ط ،5بيروت:
َّ
«الكشــاف عن حقائــق التنزيل وعيــون األقاويل يف وجــوه التأويل» .الزمخشــري، 2222
«2323المطول يف شــرح تلخيص المفتاح» .التفتازاين ،سعد الدين التفتازاين .تحقيق :عبد
«2525بحث التكــرار يف القرآن الكريم مظاهره وأســراره» .المهدي ،كمال محمد .مجلة
«2626بديع القرآن» .ابن أبي اإلصبع المصري .تقديم وتحقيق :د .محمد حفني شــرف.
«2727تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار» .محمد رشيد رضا .د.ط ،بيروت :دار
المعرفة ،د.ت.
«2828تفســير القرآن العظيم» .ابن كثير ،أبو الفداء إســماعيل بن كثير القرشــي الدمشقي.
«2929تفسير المراغي» .د.ط ،مصر :مصطفى البابي الحلبي 1365 ،هـ 1946 -م.
«3232حجة القراءات» .أبو زرعة ،عبد الرحمن بن محمد زنجلة .تحقيق :سعيد األفغاين.
د.ط ،بيروت :مؤسسة الرسالة1402 ،هـ 1982 -م.
«3333خصائص التعبير القرآين وسماته البالغية» .د .عبد العظيم المطعني .د.ط ،وهبة.1992 ،
«3434دالالت الرتاكيب دراسة بالغية» .د /محمد محمد أبو موسى .ط ،2مكتبة وهبة1408 ،هـ.
«3535دالئــل اإلعجــاز» .الجرجــاين ،عبد القاهر .تحقيق :الشــيخ محمود شــاكر .د.ط،
القاهرة :دار المدين ،د.ت.
«3636شرح عقود الجمان يف علم المعاين والبيان» .السيوطي ،جالل الدين عبدالرحمن.
د.ط ،مصر :دار إحياء الكتب العربية ،د.ت.
«3737صحيح مسلم» .مسلم بن الحجاج .تحقيق :نظر محمد الفاريابي .د.ط ،دار طيبة ،د.ت.
َ
لمســائل البيان» .بسيوين عبدالفتاح فيود .د.ط ،مؤسسة «3939علم البيان دراســة تحليلية
ِ
للنشر والتوزيعِ1418 ،هـ. ِ
للنشر والتوزي ِع ودار المعالم الثقافية اإلحساء المختار
«4141يف التــذوق الجمالي لســورة يوســف» .أبو حمــدة ،محمد علــي .د.ط ،عمان :دار
البشير.1985 - 1405 ،
«4242لسان العرب» .ابن منظور .تحقيق :يوسف خياط ،ونديم مرعشلي ،د.ط ،بيروت:
دار صادر ،ودار لسان العرب ،د.ت.
«4545معجــم األلفــاظ والعــام القرآنية» .محمد إســماعيل إبراهيــم .د.ط ،بيروت :دار
الفكر العربي ،د.ت.
«4747من أسرار التعبير يف القرآن صفاء الكلمة» .د /.عبد الفتاح الشين .د.ط ،الرياض:
دار المريخ للنشر بالرياض 1403هـ1983 -م.
....::::::::::....
حصــل على درجة الماجســتير من كلية القــرآن الكريــم .الجامعة اإلســامية بالمدينة المنورة
بأطروحته :تفسير القرآن بالقرآن من بداية المائدة إلى نهاية التوبة...
حصــل على درجــة الدكتوراه مــن كلية القــرآن الكريم .الجامعة اإلســامية بالمدينــة المنورة
بأطروحته :تحقيق المحرر الوجيز البن عطية من بداية غافر إلى نهاية الحجرات.
أهم النتاج العلمي:
بحث الحجج التي أبطلها القرآن.
نصوص من الناسخ والمنسوخ لإلمام أحمد جمعًا ودراسة.
تقوية اآلثار الغريبة بلغة العرب صحيفة الضحاك انموذجًا.
البحث َ
حول حتديد معنى م�صطلح (اال�ستفهام الإجلائي) ُ لقد دار هذا
الوارد يف القر�آن ،وذلك من جهتني:
اجله��ة الأوىل :الجهــة التأصيليــة؛ وذلــك بتعريــف المصطلــح لغــة
وذكر أساليبه ،وثمراته.واستعمالِ ،
ً
اجله��ة الثاني��ة :الجهــة التطبيقيــة؛ حيــث تــم دراســة 20موض ًعا من
المواضع التي ذكر فيها العلماء َّ
أن فيها استفها ًما إلجائ ًّيا.
ِ
حاجــة الباحثين يف علم البحث مــن األهمية بمكان مــن جهة ُ وقــد كان
التفسير إلى تحرير جميع المصطلحات الواردة يف هذا العلم ،وهذا المصطلح
لم ِ
أجد َمن تحدَّ ث عنه بالتفصيل ال يف كتب علوم القرآن وأصول التفســير وال
ٍ
واحد. ب عنه يف مكان ِ
فأحببت أن أجمع ما كُت َ
ُ يف كتب البالغة،
وقد كان ِمن نتائج البحث:
مستعمل من قِ َبل طائفة من المفسرين ليست
ٌ َّ
أن االستفهام اإللجائي
بالقليلة من لدن اإلمام الطربي إلى عصرنا اليوم.
نوع إفحا ٍم ،فألجــل ذلك يجب االهتمام به
يف االســتفهام اإللجائي ُ
يف المجادالت.
من المالحظ كثرة اســتخدام هذا األســلوب يف آيات ســورة األنعام
التي جاءت لتقرير العقيدة اإلسالمية الصحيحة.
بلغت عدد المواضع المدروسة ( )18موض ًعا.
الكلمات املفتاحية :االستفهام ،اإللجاء ،الحوار القرآين.
Email: hamad_alroga@hotmail.com
Summary:
....::::::::::....
إن الحمــد هلل َأحمده و َأســتعينه ،و ُأ َص ِّلي و ُأ َســ ِّلم علــى المبعوث رحمة
َّ
للعالمين...
�أما بعد:
لطيفَ ،ب َح َث عبار ًة تكررت يف بعض كتب التفسير يف مواطن ٌ فهذا ٌ
بحث
عدة ويف كتب مختلفة ،أراد أن ُي َب ِّين حقيقتها ،ومراد العلماء المستخدمين لها.
ٍ
ومنوال غير معهودين ،كان ٍ
طريقة ُخ ِدم على
أن المصطلح إذا است ْ وذلك َّ
ال ُبدَّ من بيانه وتحريره ،وتوضيحه للقارئين؛ لئال يشــكل عليهم بمصطلحات
ٍ
بمعان لغوية غير مقصودة. أخرى ،أو
والمصطلــح الــذي قد َتكــرر يف مواطن مــن كتب التفســير هو مصطلح
(اإللجاء) المســتخدم يف مواضع اســتُخدم فيها االستفهام يف القرآن الكريم يف
معرض الحوار القرآين الكريم ،فكان المراد من هذا البحث القيام بدراسة هذا
المصطلح من جهتين:
اجله��ة الأوىل :الجهة التأصيليــة؛ وذلك بتعريف هذا المصطلح من
الناحيــة اللغوية واالســتعمالية ،وذكر أســمائه وعالقته ببعــض المصطلحات
األخرى المستخدمة يف أنواع االستخدام ،وأساليبه ،وثمراته.
واجله��ة الثاني��ة :الجهــة التطبيقية؛ وذلك بجمــع مواضعه يف القرآن
الكريم ،ودراســة هــذه اآليات بجمع أقوال المفســرين فيهــا ،ونحو ذلك مما
يتعلق بموضوع الدراسة والبحث.
....::::::::::....
وا�صطالحا.
ً املطلب الأول :اال�ستفهام ً
لغة
اال�ستفهام ً
لغة:
طلب ال َفهم .واســ َت ْف َهمه :ســأله أن ُي ِ
فهمه .واســ َت ْف َهمني الشي َء فأفهمتَه
تفهيما(((.
ً وفهمتَه
َّ
ا�صطالحا:
ً واال�ستفهام
إن االستفهام يف اصطالح علماء اللغة والمفسرين ٌ
داخل ضمن اإلنشاء الطلبي. َّ
ومِ ن املعلوم �أ َّن كالم العرب ينق�سم �إىل ق�سمني :إخبار ،وإنشاء.
والإن�شاء نوعان :طلبي ،وغير طلبي .وكال النوعين تحته أنواع.
ويعترب االستفهام من أنواع اإلنشاء ال َّطلبي.
ٍ ٍ واإل ْعال ِم لت َْح ِصي ِل
اإل ْفها ِم ِ
ب ِ
مجهولة فائدة والأ�صل يف اال�ستفهام �أ َّنه :ط َل ُ
لدَ ى ا ْل ُمس َت ْف ِهم(((.
طلب خربِ ما ليس عندك(((.
وقد ُيقال يف تعريفهُ :
ِ
المســتفهم ال األصلي له؛ فيكون وقــد ُيراد باالســتفهام غير هذا المعنى
ِّ
ُيريد فهم شــيء أو معرفة شــيء ال يعلمه ،وإنما يريد شــي ًئا آخر ،و ُي ْستَدَ ُّل على
المعنى اآلخر المراد بالقرائن القول َّية أو الحالية(((.
((( لسان العرب ،البن منظور (.)38 /2
((( البالغة العربية ،للميداين (.)258 /1
((( جواهر البالغة يف المعاين والبيان والبديع ،للهاشمي (ص.)78
((( البالغة العربية ،للميداين (.)258 /1
ً
جممل��ة يف النق��اط الآتية على �س��بيل وفيم��ا يل��ي ه��ذه امل��رادات
االخت�صار(((:
-1ا�ستفهام الإنكار والنفي ،كقوله سبحانه ﴿ :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [الزمر] 19 :؛
أي :لست تنقذ من يف النار.
-2ا�س��تفهام التقري��ر ،ويطلــب هبــذا االســتفهام حمــل المخاطــب على
اإلقــرار واالعرتاف بأمــر ما ،كقوله تعالى ﴿ :ﭲﭳ﴾ [األعــراف]172:؛ أي:
أنا ربكم .ومنه قوله ســبحانه ﴿ :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [الزمر]36:؛ أي :اهلل كايف
جميــع عباده .فليــس المراد يف اآليتين حقيقة الســؤال ،وإنما حمل العباد على
اإلقرار بربوبية الخالق ،وكفايته لخلقه.
-3ا�س��تفهام التوبي��خ ،كقولــه تعالــى﴿ :ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾
[الصافات.]125 :
-4ا�س��تفهام التعج��ب ،كقوله تعالــى ﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ ﴾ [البقرة،]28 :
ونحوه قوله سبحانه ﴿ :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [النمل.]20 :
-5ا�س��تفهام العت��اب ،والمــراد منه معاتبة المخا َطب علــى فع ٍل ما ،كقوله
تعالــى ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾ [الحديــد،]16 :
قال ابن مسعود ﭬ :ما كان بين إسالمنا وبين أن عاتبنا اهلل هبذه اآلية إال أربع
ســنين((( .ومنه قوله سبحانه معات ًبا رسوله ﷺ ﴿ :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾
[التوبة.]43:
((( ومن أراد التوسع فلينظر :الربهان يف علوم القرآن ،للزركشي ( ،)328 /2واإلتقان يف علوم القرآن،
للسيوطي (.)269 /3
((( أخرجه مســلم يف صحيحه ،كتاب التفســير ،باب قوله تعالى ﴿ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ (،2319 /4
ح.)3027
((( أخرجه اإلمام أحمد يف مسنده (ح ،)378وأبو داود يف سننه ( ،444 /3ح ،)3670والنسائي يف سننه
( ،)286 /8ونقل ابن كثير يف تفسيره ( )499 /1عن ابن المديني" :هذا إسناد صالح صحيح".
.]53ومنه قوله سبحانه ﴿ :ﯻ﴾ [الشعراء ،]203 :فهذا منهم على جهة التمني
والرغبة حيث ال تنفع الرغبة.
-18ا�س��تفهام اال�س��تبطاء ،كقولــه تعالــى ﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﴾ [يونــس ،]48 :بدليــل قوله تعالــى ﴿ :ﭑﭒ﴾ [الحج،]47 :
وقوله ﴿ :ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [اإلســراء .]51:ومنه قوله ســبحانه ﴿ :ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ﴾ [البقرة.]214 :
أن يجور اهلل ورســوله عليهم يف الحكم .ومن هذا القبيل قوله ســبحانه ﴿ :ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الغاشية.]1 :
ومن المهم أن تعلم أن المفسرين قد يختلفون يف بعض مواضع االستفهام
فيرجــح بعضهم معنى ،ويرجح آخر معنى غيــره؛ لدليل يصلح لهذا الرتجيح.
ومن أمثلــة ذلك قوله تعالى ﴿ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ [طــه ،]17:فقد حمل
كثير من المفسرين االستفهام هنا على أنه للتقرير ،وحمله ابن عاشور على أنه
للتنبيه((( ،فتأمل ،وال يفوتنَّك هذا .
وا�صطالحا.
ً املطلب الثاين :الإجلاء لغة
الإجلاء لغة:
م�أخ��وذ م��ن يلج ��أ :يعــوذ ،وفعله لجأ ولجــئ يلجأ ،والتجــأ ،وألجأه إلى
الشيء :اضطره ،وألجأه :عصمه ،والملجأ :المعاذ ،وجمعه :أ ْلجا ٌء(((.
معان:
لثالثة ٍ
ِ فالإجلاء ي�أتي
املعنى الأول :معنى اال�ضطرار �إىل ال�ش��يء وال َق ْ ُ
��سر والت�ضييق واحلاجة
والنصوص عن العلماء كثيرة يف هذا المعنى ،أذكر
ُ �إليه ،وهو المعنى األشــهر،
منها ما يلي:
األمر إلى كذا؛ أي :اضطرين إليه"(((.
قال اخلليل" :ألجأنا ُ
((( وممــن حملــه على التقريــر :الماتريدي يف تأويالت أهل الســنة ( ،)248 /2والســمرقندي يف بحر
العلــوم ( ،)392 /2ومكــي يف الهداية ( )4625 /7وغيرهم .وانظر كالم ابن عاشــور يف :التحرير
والتنوير (.)207 /16
((( إيضاح شواهد اإليضاح ،للقيسي (.)551 /1
أيضــا :إيضاح شــواهد اإليضــاح ،للقيســي (،)551 /1
((( العيــن ،للفراهيــدي ( .)178 /6وانظــر ً
وهتذيــب اللغــة ،لألزهــري ( ،)131 /11والتلخيص يف معرفة أســماء األشــياء ،للعســكري (/1
،)115ومختار الصحاح ،للرازي (ص.)279
ويق��ول ال�صر�ص��ري" :ال يعنــي باإللجــاء إال :اضطراره إلــى الفعل على
وجه ال يمكنه التخلص منه"(((.
ومنه قول ال�شهاب" :جعلوا اإلرادة قسمين :إلجائية قسرية ،وغيرها"(((.
فالإجل��اء �ض��رورة ُتن��ايف الإرادة وامل�ش��يئة ،كما قال ابن عا�ش��ور" :وال حاجة
بنا إلى الخوض يف مسألة التكليف اإللجائي ،ومنافاة اإللجاء للتكليف"(((.
ِ
القلب مجــال لصاحب ٍ و�أم��ا املعن��ى اال�صطالح��ي الث��اين :فهو عد ُم وجود
ٍ
واحد يف المسألة التي ُأ ْل ِج َئ فيها. والعق ِل السليمين إال بأن يتجه إلى اختيار ٍ
خيار
أن اإليمان بأمــور الغيب ليس إيمانًا ضرور ًّيا ومنــه ما يذكره العلماء مِن َّ
اإلنســان اهلل أو رأى المالئكة ،أو عاين ُ ملج ًئا ،بعكس ما لو رأى
ذلك عند الموت ،فإنَّه يصبح اإليمان إلجائ ًّيا ضرور ًّيا.
أن اإلنســان ُي ْض َرب أو يهدد حتى يؤمن ،ال... فليس المقصود مِن ذلك َّ
بــل المقصــود هنا أنه ال يجــد قل ُبه وعق ُله ًّ
مفــرا وطري ًقا لعــدم اإليمان ،وذلك
بحواسه.
ِّ لمشاهدته األمر بعينه وإحساسه له
ق��ال اب��ن العرب��ي" :اإليمــان يف الدنيــا نظــري؛ ألن الدالئــل الدالة عليه
نظرية ،إذ لو أظهرها اهلل تعالى الظهور الب ِّين لصارت ضرورية ،فيكون اإليمان
إلجائ ًّيا ضرور ًّيا"(((.
وق��ال �صاح��ب التنوي��ر" :وإنمــا لــم يقبل التوبــة عند الغرغــرة ألهنا توبة
ومن ذلك ما ي�شاهده النا�س قبل يوم القيامة من عالمات ال�ساعة؛ قال ابن
عا�شور يف قوله تعاىل ﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ [النمل" :]82:وجملة ﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﴾ َت ْعلِيل
الخــارق للعادة؛ حيث لم ُيوقِن المشــركون بآيات القرآن ،فجعل
ِ إلظهار هذا
ذلك إلجاء لهم حين ال ين َف ُع ُهم"(((.
ومن ذلك ت�سليط العذاب عليهم؛ كما يف قوله تعاىل ﴿ :ﭛﭜ ﴾؛
أي :العــذاب الدنيوي مما يلجئ إلى الرجــوع ﴿ ،ﭝ ﭞ﴾ [الزخرف،]48 :
فس َّلط اهلل عليهم العذاب الدنيوي إلجا ًء لهم إلى الرجوع وإلى التوبة.
وم��ن ذل��ك �إلزامه��م بتمن��ي امل��وت ،كم��ا يف قول��ه تع��اىل ﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ ﯕ ﴾ [الجمعــة ،]6 :والمعنــى :إن كُنتم
الموت .وهذا إلجاء لهم حتَّى يلز َم ُهم ُث ُبوت َش ِّك ِهم
َ صادقين يف زعمكم فتمنَّوا
فيما زعموه(((.
وإذا ما استمعنا لنستمع إلى ما يقوله الطاهر بن عاشور يف آيات إحياء
األرض وحيثية استعمال (مِن) يف آية العنكبوت وجدناه يلمس هذا المعنى
البالغــي فيقول" :ولما كان ســياق الكالم هنا يف مســاق التقرير كان المقام
مقتض ًيا للتأكيد بزيادة ﴿ ﯷ ﴾ يف قوله ﴿ :ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [العنكبوت ]63:إلجا ًء
لهــم إلــى اإلقرار َّ
بــأن فاعل ذلــك هــو اهلل دون أصنامهم ،فلذلــك لم يكن
مقتضــى لزيــادة ﴿ ﯷ ﴾ يف آية البقــرة ،ويف آية الجاثيــة ﴿ :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ً
ﭬ ﴾ [البقرة ،164 :والجاثية.((("]5 :
((( التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)39 /20
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)216 /28
((( التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)29 /21
املبحث األول
الدرا�سة الت�أ�صيلية
املطلب الأول :اال�ستفهام الإجلائي عند املف�سرين ،و�أ�سما�ؤه.
لما كان مصطلح (االســتفهام اإللجائــي) ليس بالمصطلح الرائج الشــائع،
أحببت أن أذكر جمل ًة من المفسرين مِ َّمن ذكروا هذا االستفهام؛ فقد ذكر هذا النوع
ُ
من االستفهام مجموع ٌة من المفسرين ،وإن اختلفت عباراهتم يف وصفه واسمه.
وســأذكر العلماء الذين ُذكِر عنهم االســتفهام اإللجائي بطريقة صريحة،
أوردت
ُ وأ َّما َما أشــار إلى معنى اإللجاء بحيث ال ُي ْف َهم إال بالنظر والتأ ُّم ِل فقد
كال َمه يف قسم التطبيق.
ً �
أول :احل�سن الب�صري:
عن ابن جرير قال :حدَّ ثنا بِشــر بن معاذ ،قال :حدثنا يزيد بن ُز َر ْيعٍ ،قال:
حدثنا ســعيد ،عن قتادة ،قال :كان الحســن يقول يف قولــه ﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾
[الكهــف ]50:إلجــا ٌء إلى نَســبه؛ فقــال اهلل ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾
[الكهف ]50:اآلية ،وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم(((.
ف ُهن��ا ُنالحِ ��ظ �أن اال�س��تفهام ال��وارد يف قول��ه ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﴾ فيه إلجا ٌء للمســتفهم منه إلى االعرتاف بكونه أخطأ يف اتخاذه إبليس
وذريته أولياء من دون اهلل ،كون إبليس -عليه لعنة اهلل -كان من الجن.
ثان ًيا :الطيبي (ت743هـ):
ق��ال" :و﴿ ﭻ ﭼ ﴾ [األنعــام ]12:تقريــر ،قيــل :أي إلجــاء إلــى اإلقــرار.
ِ
االحرتاز عن تزكية النفس ﴿ ،ﰇ ﰈ ِ
لمجرد والتفادي عن التصريح بتخطئتهم ال
ً
تعويل على ظهــوره بمعونه المقام؛ أي :إن محذوف
ٌ ُ
المفعــول إمــا ﰉ﴾
أحق بذلك ،أو قصدً ا إلى التعميم؛ أي :إن كنتُم تعلمون شي ًئا، كنتم تعملون من ُّ
محذوف؛
ٌ ِ
الشــرط وجواب مــروك بالمرة؛ أي :إن كنتم مِ ْن ُأولي العلم،
ٌ وإما
ُ
اســتئناف من جهتِــه تعالى للجواب
ٌ أي :فأخــروين ﴿ ،ﭑ ﭒ﴾ [األنعام]82:
خــاف بيني وبينكــم يف ذلك ،وال تقدرون أن تضيفوا شــي ًئا آخــر إليه .وإتيان
السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأيت به هو عين ما يعتقده المسؤول أو يغفل
عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه الز ًما لما يعرفه ويعتقده انتهت"(((.
أي�ضا ﴿" :ﰂﰃ﴾ [األنعام ]81 :دون أن يقول :فأينا أحق باألمن:
وقال � ً
اإلشــارة إلــى أن هــذه المقابلة عامة لكل موحد ومشــرك ،ال خاصــة به وهبم،
والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد واالحرتاس
من تنفيرهم من اإلصغاء إلى قوله ،وإن كان قد علم قط ًعا أنه هو اآلمن ال هم،
كما قال الشاعر:
((( ـــك َف ِ
ـــار ُس األَ ْحـــز ِ
َاب َأ ِّيـــي َو َأ ُّي َ ُــــك َخالِ َي ْي ِ
ــــن َل َت ْع َل َم ْن ــــن َل ِق ْيت َِ
َف َلئ ْ
�أي :أينا ،ومعلوم عنده أنه هو فارس األحزاب ال المخاطب.
﴿ ﰇ ﰈ ﰉ﴾؛ أي :إن كنتم من أهل العلم والبصيرة يف هذا األمر..
فأخــروين بــذاك وب ِّينوه باألدلــة .ويف هذا إلجاء لهم إلى االعتــراف بالحق ،أو
الســكوت على الحمق والجهل .والمعنــى :أي إذا كان األمر على ما تقدم من
أن معبودي هو اهلل المتصف بتلك الصفات ،ومعبودكم هي تلك المخلوقات..
فكيف تخوفوين هبا"(((.
ثالث ع�شر :جممع البحوث:
يف قوله تعاىل ﴿ :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﴾ [األنعام ،]81:ورد
مــا نصهَ " :أيَ :فأينا يف موقــف األَمن من وقوع المكروه الــذي تخوفوننا به؟!
و( َل َّ
ـــما) فهي لالستفهام على ســبيل التقرير ،ومعنى التقرير :إلجاء المخاطب
إلــى اإلقرار بأمر يعرفه ،كقوله تعالى ﴿ :ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﴾ [الشــعراء ،]18 :و﴿ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ [الشرح ،]1:وقوله:
ــــما تعرفوا ِمنَّـــا اليقينـــا((("(((.
أ َل َّ إل ــي ــك ــم يــــا ب ــن ــي ب ــك ــر إلــيــكــم
وقال الطيبي" :تقرير ،قيل :أي إلجاء إلى اإلقرار"(((.
وق��ال عب��د اخلال��ق ع�ضيم��ة" :التقريــر ،ومعناه :حملــك المخاطب على
اإلقــرار واالعرتاف بأمر قد اســتقر عنــد ثبوته أو نفيه ،ويجب أن يليها الشــيء
الذي تقرره"(((.
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [طــه ،]86 ،85 :قــال البقاعي" :لمــا كان إخالف الموعد
المؤكد المعين الذي ال شبهة فيه ،لما نصب عليه من الدالئل الباهرة ،وأوضحه
مــن الرباهيــن الظاهرة ،ال يكون إال بنســيان لطول العهد ،أو عناد بســوء قصد،
وكان من أبلغ المقاصد وأوضح التقرير إلجاء الخصم بالســؤال إلى االعرتاف
بالمراد :سألهم عن تعيين أحد األمرين ،مع َّ
أن طول العهد ال يمكن ادعاؤه"(((.
وكما يف قوله تعاىل ﴿ :ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰉ﴾ [األنعام.(((]81 :
الأ�سلوب الرابع :أن يأيت على طريقة المناظرة.
وذل��ك كم��ا يف قول��ه تع��اىل ﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾
[األحقاف.]4 :
ــل إلــى االســتدالل على بطــان نفي ِصفة
ق��ال اب��ن عا�ش��ور :قــال" :ان َت َق َ
اإلله َّيــة عــن أصنامهــم ،فجملــة ﴿ :ﮫﮬﮭﮮ﴾ َأ ٌ
مر بإلقــاء الدَّ ليل على
إبطال اإلشراك ،وهو أصل ضاللهم.
واج ًها لهم وجاء هذا االســتدالل بأســلوب المناظرة ،فجعل النبي ﷺ م ِ
ُ
باالحتجــاج؛ ليكــون إ ْل َجــا ًء لهم إلى االعــراف بالعجز عن معارضــة ُح َّجتِه،
مرات بطريقة أمر التَّعجيز بقوله ﴿ :ﯓ ِ
وكذلــك جرى االحتجاج بعده ثالث َّ
ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﴾ .و﴿ ﮬ ﴾ اســتفهام َت ْق ِر ِير ٌّي،
فهو كناية عن معنىَ :أ ْخبِ ُرونِي ،وقد تقدم يف سورة األنعام"(((.
إلزام الحجة"(((.
الح َّجةُ ،م َقدَّ َرة
اق إبالغ ُ ال َّجةِ؛ ِل َّن الكالم َم ُس ٌ
ــوق َم َس َ خام�س��ا� :إبال ُغ ْ ُ
ً
فيه محاورة ،وليس هو محاورة حقيقية ،وهذا من أســلوب الكالم الصادر من
متكلم واحد.
إن الســامع ُم َت َل ِّه ٌ
ــف �ساد�س��ا :ج��ذب االنتب��ا ِه والت�ش��ويق لِ ��ا بع �دَه؛ إذ َّ
ً
لمعرفة الجواب.
ريا .قال السمعاين" :أمره بالجواب عقيب � ساب ًعا :هذا الأ�سلوب �أبلغ ت�أث ً
غيره عن شيء، ســأل َ ألن َمن َ الح َّجة؛ َّ
الســؤال؛ ليكون أبلغ يف التأثير ،وآكد يف ُ
تأثيرا"((( .وقال البغــويَ " :أ َم َر ُه بالجواب
ــم َع َّق َبه بالجواب ،كان ذلك أبلــغ ًُث َّ
الح َّج ِة"(((.
ؤال؛ ل َيكون أبلغ يف التأثير ،وآكد يف ُيب الس ِ ِ
َعق َ ُّ
ثام ًن��ا :تركي��ب االحتج��اج القاط��ع عل��ى ال�س ��ؤال .كمــا قال الزمخشــري
فيما ُذكِر ساب ًقا :قال يف قوله تعالى ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [األنعام:]12:
"فإذا َت َح َّيروا ولم ُيجيبوا قل :هلل.
وقال��ت فرق��ة :المعنــى :أنَّه ُأمِر هبذا الســؤال ،فكأهنم َل َّما لــم ُيجيبوا وال
َت َي َقنَّوا سألوا ،فقيل له :قل هلل.
وال�صحي��حَّ :
أن اهلل ۵أمــر محمــدً ا ﷺ بقطعهــم هبذه الحجة الســاطعة
والربهان القطعي ،الذي ال مدافعة فيه عندهم وال عند أحد؛ ليعتقد هذا المعتقد
الذي بينه وبينهم ،ثم يتركب احتجاجه عليه ،وجاء ذلك بلفظ اســتفهام وتقرير
يف قوله ﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾".
((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ،للزمخشري (.)44 /2
((( تفسير السمعاين (.)91 /2
((( معالم التنزيل ،للبغوي (.)111 /2
....::::::::::....
املبحث الثاين
درا�سة تطبيقية لآيات الإجلاء يف القر�آن الكرمي
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية (.)271 /2
((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ،للزمخشري (.)8 /2
((( البحر المحيط يف التفسير ،ألبي حيان (.)446 /4
((( الجواهر الحسان يف تفسير القرآن ،للثعالبي (.)448 /2
((( روح البيان ،للخلويت (.)13 /3
ويجوز أن ُي ْج َعــل َت ْص ِد ُير هذا الكالم باألمر بأن يقوله َم ْق ُصو ًدا به االهتِما ُم بِ َما
الو ْج ِه ا َّلذي َســنُ َب ِّينُ ُه عند قوله تعالى ﴿ :ﮟ ﮠ القو ِل على َ ِ
األمر بِ ْ َب ْعدَ فِ ْع ِل
الســورة [ ،]40واالســتفهام ُم ْســ َت ْع َم ٌل ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ يف هذه ُّ
مجازا يف ال َّت ْق ِر ِير.
ً
وإلجاؤهم إلى ُ الز ُم معناه ،وهو َت ْبكِيت المشــركين، والتَّقرير هنا ُمراد به ِ
نائي الشركي ،فهو مس َتعم ٌل يف معناه الكِ ِّ معتقدهم إبطال إلى ي ض اإلقرار بما ي ْف ِ
ِّ َ ْ ْ ُ ُ
مع معناه الصريح ،والمقصود هو المعنى الكِنَائِ ُّي. َ
الســائِ ُل الجواب عنه بما ُي ِريدُ ُه َّ
ُ ولكونه ُمرا ًدا به اإللجاء إلى اإلقرار ،كان
مــن إقــرار المســؤول ُم َح َّق ًقا ال محيــص عنه؛ إذ ال َســبِيل إلى الجحــد فيه أو
السائل جوا َبهم ،وبادرهم الجواب عنه بنفسه بقوله: ُ المغالطة ،فلِذلك لم ينتظر
الح َّج ِة ُم َقدَّ َر ًة فيه محاورة، ــوق َم َســاق إبالغ ُ ﴿ ﭼ﴾ َت ْبكِيتًا لهم؛ َّ
ألن الكال َم َم ُس ٌ
وليس هو محاور ًة حقيقيةً ،وهذا من أسلوب الكالم الصادر من ُم َت َك ِّل ٍم واحد.
فهؤالء القوم المقدَّ ر إلجاؤهم إلى الجواب ،سواء أنصفوا َفأ َق ُّروا َ
أح ِّق َّية
بالح َّج ِة ،وهذا ِ
الجــواب ،أم أنكروا وكابروا ،فقد حصــل المقصود من َد ْمغهم ُ
جواب منهم ،كما هنــا ،وكما يف قوله ٌ ــع يف القرآن ،فتار ًة ال ُيذكَــر ُأ ْســ ُل ٌ
وب ُم َّت َب ٌ
تعالــى ﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾ [الرعــد ،]16:وقولــه ﴿ :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﴾ إلى قوله ﴿ :ﮁ ﮂ ﴾ [األنعام ،]91 :وتارة َي ْذكُر ما ســ ُي ِ
جي ُبونه به ُ
ِ بعد ذكر السؤال منسو ًبا إليهم أنَّهم ُي ِ
ب عليه من جي ُبون بهُ ،ث َّم ينتَق ُل إلى ما َيت ََر َّت ُ
توبيــخٍ ونحوه ،كقوله تعالــى ﴿ :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ إلى قوله ﴿ :ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [المؤمنون.((("]89-84 :
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية ( .)302 /2وانظر :الجواهر الحسان ،للثعالبي
(.)477 /2
((( التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)280 /7
أن آلهتهم وأوثانهم ت ُْر ِشــدُ ق��ال اب��ن جري��ر" :فإنَّهم ال يقدرون أن يدَّ عوا َّ
جائرا ،وذلك أنَّهم إن ا َّدعوا ذلك لها َأك َْذ َبت ُْه ُم المشاهدةُ ،وأبان
ضال ،أو هتدي ً ًّ
وأقــروا بذلك ،فقل لهم:
ُّ االختبــار بالمعاينة ،فإذا قالوا :ال،
ُ عجزهــا عن ذلك
َ
الضال عن الهدى إلى الحق"(((. َّ فاهلل يهدي
الآية العا�ش��رة :قوله تعاىل ﴿ :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾
[الرعد.]16:
هــذه اآلية مثل آيات ســابِ َق ٍة ُأ ْل ِ
جئ فيها المشــركون إلــى اإلقرار برب
الســموات واألرض .قال المــاوردي" :قوله ﴿ :۵ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾
َأ َمر ُ
اهلل تعالى نب َّيه أن يقول لمشركي قريش ﴿ :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ُ ،ث َّم أمره
تقريــرا؛ ألنَّه جعل
ً إفهاما قالوه
ً أن يقــول لهــم﴿ :ﮁ ﮂ﴾ إن لم يقولوا ذلــك
إلزاما"(((.
ذلك ً
وقريب منه قول الزمخشري(((.
الآي��ة احلادي��ة ع�ش��رة :قول��ه تع��اىل ﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ [طه.]86 ،85 :
عندمــا ذهب موســى للقاء ر ِّبه تــرك قو َمه مع أخيه هــارون موص ًيا إياهم
باالســتقامة علــى حــدود اهلل واتباع شــرعه ،ولكنهــم -كعادة بني إســرائيل-
وقال ابن كثري ﴿" :ﮱﯓﯔ ﯕﯖ﴾؛ أيَ :من مالِكها الذي خلقها
و َمن فيها مِن الحيوانات والنباتات والثمرات ،وســائر صنوف المخلوقات
﴿ﯗ ﯘﯙ﴾﴿ .ﯛﯜ﴾؛ أي :ف َي ْعت َِر ُفــون لك َّ
بأن ذلك هلل وحده
ال شريك له"((( .فقوله" :فيعرتفون لك" هو بسبب إلجائهم.
الآي��ة الثالث��ة ع�ش��رة :قول��ه تع��اىل ﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [المؤمنون.]87 ،86 :
وهذه مثل سابقتها(((.
الآية الرابعة ع�شرة :قوله تعاىل ﴿ :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺﯻﯼﯽ ﯾ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﴾ [المؤمنون.]89 ،88 :
وهذه مثل سابقتها(((.
الآية اخلام�سة ع�شرة :قوله تعاىل ﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [القصص.]63 ،62 :
يف هذه اآلية إلزا ٌم يف مقا ٍم ال ينفع معه االلتزامَّ ،
فإن هذا السؤال يكون يف
عرصــات يــوم القيامة ،حيث ال ينفع ند ٌم وال إجابة ،و ُيــراد هبذا اإللزام إحقاق
أحد ُم ْســ َك ٌة من ٍّ
شــك. الحق وإبطال الباطل يف ذلك المقام حتى ال يبقى لدى ٍ ِّ
قال ابن عاشــور" :وكان هذا ا ْل َم ْق ِصدُ إِ ْل َجا ًء ِمــن اهلل َّإياهم ل ِ ُي ْعلِنوا َتن َُّص َل ُهم مِن
ا ِّدعاء أنَّهم ُشركاء على رؤوس المأل"(((.
((( تفسير القرآن العظيم ،البن كثير (.)489 /5
((( انظر :الكشاف ،للزمخشري ( ،)522 /2والتحرير والتنوير ،البن عاشور (.)234 /7
((( انظر :المرجعين السابقين.
((( التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)159 /20
....::::::::::....
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية (.)419 /4
((( انظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور (.)192 /22
....::::::::::....
«2 .2أحــكام القــرآن» .المالكــي ،محمد بــن عبد اهلل؛ ابــن العربي المعافري اإلشــبيلي
(ت543هـــ) .راجــع أصوله وخــرج أحاديثه وعلــق عليه :محمد عبــد القادر عطا.
ط ،3بيروت :دار الكتب العلمية1424 ،هـ 2003 -م.
«3 .3إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (تفسير أبي السعود)» .العمادي ،أبو السعود
محمد بن محمد بن مصطفى (ت982هـ) .د .ط ،بيروت :دار إحياء الرتاث العربي.
«4 .4األلفاظ» .ابن الســكيت ،أبو يوسف يعقوب بن إســحاق (ت244هـ) .تحقيق :د.
فخر الدين قباوة .ط ،1مكتبة لبنان ناشرون1998 ،م.
«5 .5اإلمالء والرتقيــم يف الكتابة العربية» .إبراهيم ،عبد العليم (المتوىف بعد 1395هـ).
د .ط ،مصر :مكتبة غريب.
«6 .6االنتصارات اإلســامية يف كشف شــبه النصرانية» .الطويف ،أبو الربيع؛ نجم الدين،
ســليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الصرصري (ت716هـ) .تحقيق :ســالم بن
محمد القرين .ط ،1الرياض :مكتبة العبيكان1419 ،هـ.
«7 .7أنــوار التنزيــل وأســرار التأويــل (تفســير البيضــاوي)» .البيضاوي ،ناصــر الدين،
أبو ســعيد عبــد اهلل بن عمر بن محمد الشــيرازي (ت685هـ) .تحقيــق :محمد عبد
الرحمن المرعشلي .ط ،1بيروت :دار إحياء الرتاث العربي1418 ،هـ.
«9 .9البحــر المحيط يف التفســير» .األندلســي ،أبــو حيان محمد بن يوســف بن علي بن
يوســف بن حيــان أثير الديــن (ت745هـ) .تحقيــق :صدقي محمد جميــل .د .ط،
بيروت :دار الفكر1420 ،هـ.
«1010الربهــان يف علــوم القرآن» .الزركشــي ،أبــو عبد اهلل بــدر الدين محمد بــن عبد اهلل
بــن هبادر (ت794هـ) .تحقيــق :محمد أبو الفضل إبراهيــم .ط ،1دار إحياء الكتب
العربية1376 ،هـ 1957 -م.
«1212تــاج العروس من جواهر القاموس» .الزبيدي ،أبو الفيض محمد بن محمد بن عبد
الرزاق الحسيني الملقب بمرتضى (ت1205هـ) .تحقيق :مجموعة من المحققين.
د .ط ،دار الهداية ،د .ت.
«1313التحرير والتنوير :تحرير المعنى الســديد وتنوير العقل الجديد من تفســير الكتاب
المجيــد» .ابــن عاشــور ،محمــد الطاهــر بــن محمد بــن محمــد الطاهر التونســي
(ت1393هـ) .د .ط ،تونس :الدار التونسية للنشر1984 ،م.
«1414تفســير الشعراوي» .الشــعراوي ،محمد متولي (ت1418هـ) .د .ط ،مطابع أخبار
اليوم1997 ،م.
«1616تفســير القرآن» .الســمعاين ،أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد
المــروزي التميمــي الحنفي ثم الشــافعي (ت489هـ) .تحقيق :ياســر بــن إبراهيم،
وغنيم بن عباس بن غنيم .ط ،1الرياض :دار الوطن1418 ،هـ 1997 -م.
«1717التفســير القرآين للقرآن» .الخطيب ،عبد الكريم يونــس (ت بعد 1390هـ) .د.ط،
القاهرة :دار الفكر العربي ،د.ت.
«1919تفســير المنــار» .رضا ،محمد رشــيد (ت1354هـ) .د .ط ،الهيئــة المصرية العامة
للكتاب1990 ،م.
«2121تفســير حدائق الروح والريحان يف روابي علوم القرآن» .الهرري ،محمد األمين بن
عبد اهلل األرمي العلوي الشافعي .إشراف ومراجعة :د .هاشم محمد علي بن حسين
مهدي .ط ،1بيروت :دار طوق النجاة1421 ،هـ 2001 -م.
«2222التلخيص يف معرفة أســماء األشــياء» .العســكري ،أبو هالل الحسن بن عبد اهلل بن
ســهل بن ســعيد (ت نحو 395هـ) .عني بتحقيقه :د .عزة حســن .ط ،2دمشق :دار
طالس للدراسات والرتجمة والنشر1996 ،م.
«2424هتذيب اللغة» .األزهري ،أبو منصور محمد بن أحمد (ت370هـ) .تحقيق :محمد
عوض مرعب .ط ،1بيروت :دار إحياء الرتاث العربي2001 ،م.
«2525جامــع البيان يف تأويل القرآن» .الطربي ،محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب
اآلملي أبي جعفر (ت310هـ) .تحقيق :أحمد محمد شاكر .ط ،1مؤسسة الرسالة،
1420هـ 2000 -م.
«2626جواهــر البالغــة يف المعــاين والبيــان والبديــع» .الهاشــمي ،أحمد بــن إبراهيم بن
مصطفى (ت1362هـ) .ضبط وتدقيق وتوثيق :د .يوسف الصميلي .د .ط ،بيروت:
المكتبة العصرية ،د.ت.
«2727الجواهر الحســان يف تفســير القرآن» .الثعالبي ،أبو زيد عبــد الرحمن بن محمد بن
مخلــوف (ت875هـ) .تحقيق :الشــيخ محمد علي معوض ،والشــيخ عادل أحمد
عبد الموجود .ط ،1بيروت :دار إحياء الرتاث العربي1418 ،هـ.
«2828حاشــية السندي على ســنن النسائي» .السندي ،أبو الحســن محمد بن عبد الهادي
التتــوي نــور الديــن (ت1138هـــ) .ط ،2حلب :مكتــب المطبوعات اإلســامية،
1406هـ 1986 -م.
«2929حاشــية الشهاب على تفســير البيضاوي (عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير
البيضــاوي)» .الخفاجي ،شــهاب الدين أحمد بن محمد بــن عمر المصري الحنفي
(ت1069هـ) .د.ط ،بيروت :دار صادر ،د.ت.
«3131درر الحــكام يف شــرح مجلــة األحــكام» .أفنــدي ،علــي حيــدر خواجــة أميــن
«3232الذريعة إلى مكارم الشريعة» .األصفهاين ،أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف
بالراغــب (ت 502هـ) .تحقيق :د .أبو اليزيد أبو زيــد العجمي .د .ط ،القاهرة :دار
«3333رد المحتار على الدر المختار» .ابن عابدين ،محمد أمين بن عمر الدمشقي الحنفي
«3434روح البيان .الخلويت» ،أبو الفداء إســماعيل حقي بن مصطفى اإلستانبولي الحنفي
«3535روح المعاين يف تفســير القرآن العظيم والســبع المثاين» .األلوســي ،شــهاب الدين
محمود بن عبد اهلل الحســيني (ت1270هـ) .تحقيــق :علي عبد الباري عطية .ط،1
«3636شــرح التصريح على التوضيح» .األزهري ،خالد بن عبد اهلل بن أبي بكر بن محمد
«3939غرائب التفسير وعجائب التأويل» .الكرماين ،محمود بن حمزة بن نصر أبو القاسم
برهان الدين المعروف بتاج القراء (ت نحو 505هـ) .د .ط ،جدة :دار القبلة للثقافة
اإلسالمية /بيروت :مؤسسة علوم القرآن ،د.ت.
«4040فتوح الغيب يف الكشف عن قناع الريب» .الطيبي ،شرف الدين الحسين بن عبد اهلل
(ت743هـ) .ط ،1دبي :جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم1434 ،هـ 2013 -م.
«4242الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل» .الزمخشري ،أبو القاسم محمود بن عمر بن
أحمد جار اهلل (ت538هـ) .ط ،3بيروت :دار الكتاب العربي1407 ،هـ.
«4343اللباب يف علوم الكتاب» .ابن عادل ،أبو حفص سراج الدين عمر بن علي الحنبلي
الدمشــقي النعماين (ت775هـــ) .تحقيق :عادل أحمد عبــد الموجود وعلي محمد
معوض .ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية1419 ،هـ 1998 -م.
«4444لســان العــرب» .ابن منظــور ،أبو الفضــل محمد بن مكــرم بن علي جمــال الدين
األنصاري الرويفعي اإلفريقي (ت711هـ) .ط ،3بيروت :دار صادر1414 ،هـ.
«4747المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز» .ابن عطية ،أبو محمد عبد الحق بن غالب
بن عبد الرحمن بن تمام األندلسي المحاربي (ت542هـ) ،تحقيق :عبد السالم عبد
الشايف محمد .ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية1422 ،هـ.
«4848المحكم والمحيط األعظم» .ابن ســيده ،أبو الحســن علي بن إســماعيل المرســي
(ت458هـــ) .تحقيــق :عبد الحميــد هنداوي .ط ،1بيــروت :دار الكتــب العلمية،
1421هـ 2000 -م.
«4949مختــار الصحاح» .الرازي ،أبو عبد اهلل زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر
الحنفي (ت666هـ) ،تحقيق :يوسف الشيخ محمد .ط ،5بيروت :المكتبة العصرية
والدار النموذجية1420 ،هـ 1999 -م.
«5050المصباح المنير يف غريب الشرح الكبير» .الفيومي ،أبو العباس أحمد بن محمد بن
علي الحموي (ت نحو 770هـ) .د .ط ،بيروت :المكتبة العلمية ،د.ت.
«5151معالــم التنزيــل يف تفســير القرآن» .البغــوي ،محيي الســنة أبو محمد الحســين بن
مســعود بن محمد بن الفراء الشــافعي (ت510هـ) .تحقيق :عبــد الرزاق المهدي.
ط ،1بيروت :دار إحياء الرتاث العربي1420 ،هـ.
«5252معجم اللغة العربية المعاصرة» .عمر ،د .أحمد مختار عبد الحميد (ت1424هـ).
ط ،1عالم الكتب1429 ،هـ 2008 -م.
«5454مغنــي اللبيــب عــن كتــب األعاريــب» .ابن هشــام ،عبد اهلل بن يوســف بــن أحمد
(ت761هـــ) .تحقيــق :د .مازن المبارك ،محمــد علي حمد اهلل .ط ،6دمشــق :دار
الفكر1985 ،م.
«5555مفاتيح الغيب (تفسير الرازي)» .الرازي :أبو عبد اهلل محمد بن عمر بن الحسن بن
الحســين التيمي الملقب بفخر الدين خطيب الــري (ت606هـ) .ط ،3بيروت :دار
إحياء الرتاث العربي1420 ،هـ.
«5858نظم الدرر يف تناســب اآليات والسور» .البقاعي ،إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط
(ت885هـ) .د .ط ،القاهرة :دار الكتاب اإلسالمي ،د.ت.
«5959النكــت والعيــون» .الماوردي ،أبو الحســن علي بــن محمد بن محمــد بن حبيب
البصــري البغدادي (ت450هـ) .تحقيق :الســيد بن عبــد المقصود بن عبد الرحيم.
د .ط ،بيروت :دار الكتب العلمية ،د .ت.
«6060نكت وتنبيهات يف تفسير القرآن المجيد» .البسيلي ،أبو العباس التونسي (ت830هـ).
تقديــم وتحقيــق :محمــد الطــراين .ط ،1الــدار البيضــاء :منشــورات وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية بالمملكة المغربية ،مطبعة النجاح الجديدة1429 ،هـ 2008 -م.
«6262همع الهوامع يف شــرح جمع الجوامع» .السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي
بكر (ت911هـ) .تحقيق :عبد الحميد هنداوي .د .ط ،مصر :المكتبة التوفيقية ،د.ت.
....::::::::::....
ً
(سابقا) الباحث في مركز تفسير للدراسات القرآنية
وعضو هيئة التدريس بمعهد مكة للدراسات القرآنية
حصل على درجة الماجستير يف التفسير وعلوم القرآن جامعة أم درمان اإلسالمية بأطروحته( :منهج
القرآن يف مدح القلة وذم الكثرة).
حصــل علــى درجــة الدكتوراه يف التفســير وعلوم القــرآن جامعــة أم درمان اإلســامية بأطروحته:
(اإلصالح واإلفساد يف ضوء القرآن).
أهم النتاج العلمي:
إعجاز النظم القرآين يف اقتران السنن االجتماعية بالسنن الكونية.
نحو ختمة قرآنية تدبرية ارتقائية يف الفكر والسلوك (جمعية المحافظة على القرآن الكريم) يف األردن.
أثر التفسير الموضوعي يف االرتقاء بالعلوم الطبيعية لكرسي الدراسات القرآنية بجامعة الملك عبد العزيز.
مناسبة القصص لمقاصد السور ،مجلة الوحيين.
مناسبة األمثال لمقاصد سور القرآن ،مجلة الجامعة اإلسالمية بغزة (تفسير -حديث).
استنباط األحكام الشرعية من األمثال القرآنية مجلة المدونة ،المجمع الفقهي يف الهند.
الم ِعينة يف ضوء القرآن الكريم ،مجلة (مجمع) الماليزية التابعة لجامعة المدينة الماليزية.
األخوة ُ
البريد اإللكتروينTowfeekali@hotmail.com :
مستخلص البحث
هــذا البحث يوضح ويبين كيف أن الســورة القرآنيــة ُتظهر عظمة اهلل من
خــال أفعاله ،وما يجب على العباد من مقتضى العبودية ،وأســلوب الســورة
القرآنية يف تقرير العظمة يف قلوب العباد؛ فلكل ســورة أسلوهبا الخاص يف بيان
العظمة وما يجب نحوها من العبودية.
تن��اول ه��ذا البح��ث :المــراد بالتعظيــم ،ومــا األلفــاظ المقاربة له،
ومفهــوم العبوديــة ومقتضاها ،والمقصود باســم اهلل العظيــم وصفته العظمة،
وأثر الســورة القرآنية يف زيادة اإليمان بالعظمة اإللهية ،ومقصد سورة الحاقة،
وأغراض سورة الحاقة ،وآثار اسم اهلل العظيم وصفته العظمة يف سورة الحاقة،
وأفانين سورة الحاقة يف تقرير العظمة اإللهية ومقتضى العبودية.
وكانت �أهم النتائج:
-1لكل ســورة من سور القرآن أسلوهبا الخاص يف تعظيم اهلل ومقتضى
العبودية ،من قصص ،وأمثال ،وأقســام ،ومواعظ ،وحــوارات ،وآيات كونية،
وأسماء اهلل الحسنى وصفاته العليا ،والسنن اإللهية ،وغير ذلك من األساليب.
-2التناســق بيــن أفانيــن الســورة الواحــدة ،يف تقريــر العظمــة اإللهية،
ومقتضى العبودية بالصورة التي تنير العقول وتغذي القلوب بالخشية.
وكان من �أهم التو�صيات:
القيام بدراســة علمية يف بيان القــرآن الكريم للتعظيم ومقتضاه ،وجزائه،
وأسلوب ذلك على مستوى كل سورة.
الكلمات املفتاحية :بناء -السورة -العظمة -العبودية.
E-mail: Towfeekali@hotmail.com
Summary:
Main Findings:
Primary Recommendations:
....::::::::::....
إن الحمد هلل نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا،
ومــن ســيئات أعمالنا ،من يهــده اهلل فال مضل لــه ،ومن يضلل فــا هادي له،
وأشــهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شــريك له ،وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله،
قال تعالــى ﴿ :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمران:
....::::::::::....
املبحث األول
مبحث متهيدي
املطلب الأول :التعريف مب�صطلحات البحث.
بناء:
َــي) الباء والنون والياء أصل واحد ،وهو بناء الشــيء بضم بعضه إلى
( َبن َ
بعض .تقول :بنيت البناء ،أبنيه(((.
ال�سو َر ُة:
ُّ
ــور ُة
وس َ ــور المدينــة :حائطها المشــتمل عليهاُ ،
وس ُ
المنزلــة الرفيعةُ ،
تشــبيها هبا؛ لكونه محا ًطا هبا إحاطة ُّ
الســور بالمدينة ،أو لكوهنا منزلة ً القرآن
كمنازل القمر(((.
فكل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفيعة ومنزل ٍ
عال يرتفع القارئ منها
إلى درجة أخرى ومنزل آخر إلى أن يستكمل القرآن(((.
وا�صطالح��ا :قرآن يشــتمل على ٍ
آي ،ذي فاتحة وخاتمــة ،وأقلها ثالث ً
آيات(((.
التعظيم لغة:
َع َظ َم:
يح َيــدُ ُّل َع َلى كِ َب ٍر َو ُق َّو ٍةَ .فا ْل ِع َظ ُم: ِ ِ
يم َأ ْص ٌل َواحدٌ َصح ٌ
ِ
ا ْل َع ْيــ ُن َوال َّظا ُء َوا ْلم ُ
((( معجم مقاييس اللغة ،البن فارس.)302 /1( :
((( مفردات غريب القرآن ،للراغب األصفهاين.)434( :
((( الكليات ،للكفوي.)494( ،
((( الربهان يف علوم القرآن ،للزركشي( ،ص.)41
ويف كلتا العبادتين وضــع العبدُ ناصيته بين يدي مواله خضو ًعا لعظمته،
وافتقارا إلى عصمتــه ورحمته؛ ألن
ً ً
وتذلل لهيبتــه، واســتكانة لعزته ،وخشــية
المناســك والصلــوات هما المختصتــان بعبــادة اهلل والخضوع لــه والتواضع
لعظمته ،وقد جمع اهلل بينهما يف قوله على لســان الخليل ڠ ﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ
،]255والعلي :ذو العلو واالرتفاع على خلقه بقدرته ،و"العظيم" :ذو العظمة،
الذي كل شيء دونه ،فال شيء أعظم منه(((.
وقال تعالــى ﴿ :ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [الواقعة ،]74 :وقال تعالى ﴿ :ﰋ
ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [الحاقة.]33 :
والعظيم :ذو العظمة والجالل يف ُم ْلكِه وسلطانه .((( ۵
قال ال�س��عدي " :$العظيم :الجامع؛ فجميع صفات العظمة والكربياء
والمجــد والبهاء الذي تحبه القلوب ،وتعظمــه األرواح ،ويعرف العارفون أن
و�سادة العلماء املعظمون لربهم الأنبياء الكرام ،وأعظمهم معرفة باهلل النبي
وقَ :قا َل ْت َعائِ َشةُ :صنَع النَّبِي ﷺ َشي ًئا َفر َّخص فِ ِ
يهَ ،ف َتن ََّز َه محمد ﷺَ ،ع ْن مسر ٍ
ْ َ َ ُّ َ َ َ ْ ُ
«ما َب ُال َأ ْق َوا ٍم َي َتنَز َُّه َ ِ ِ
ون اهَّلل ُث َّم َق َالَ :
ب َف َحمدَ َ َعنْ ُه َق ْو ٌمَ ،ف َب َل َغ َذل َك النَّبِ َّي ﷺَ ،ف َخ َط َ
الش ْي ِء َأ ْصنَ ُع ُهَ ،ف َواهَّلل ِ إِنِّي َلَ ْع َل ُم ُه ْم بِاهَّللَِ ،و َأ َشدُّ ُه ْم َل ُه َخ ْش َيةً»(((.
َع ِن َّ
ق��ال الن��ووي " :$وإنمــا يكون القرب إليه والخشــية له؛
على حسب َما َأ َم َر"(((.
فعلى قدر تعظيم العبد هلل ســبحانه؛ يكــون تعظيمه ألمره ونهيه ،وتعظيم
دليل على تعظيم اآلمر ،وتعظيم اآلمر سبب لخشيته. األمر ٌ
ق��ال �س��فيان الث��وري ،ع��ن �أب��ي حي��ان التميم��ي ،ع��ن رج��لٍ ق��ال :كان يقــال:
وعالم
ٌ ٍ
بعالم بأمر اهلل، وعالم باهلل ليس
ٌ عالــم بأمر اهلل،
ٌ عالم باهلل
العلمــاء ثالثةٌ :
ٍ
بعالم باهلل .فالعالم باهلل وبأمر اهلل :الذي يخشى اهلل ويعلم الحدود بأمر اهلل ليس
والفرائض .والعالم باهلل ليس بعالم بأمر اهلل :الذي يخشى اهلل وال يعلم الحدود
وال الفرائض .والعالم بأمر اهلل ليس بعالم باهلل :الذي يعلم الحدود والفرائض،
وال يخشى اهلل .((( ۵
وقال �شيخ اال�سالم ابن تيمية $كما نقل عنه ابن القيم يف تعظيم الأمر
برتخص جاف ،وال ُيعرضا لتشديد ٍ
غال ،وال يحمال عارضا ُّ
َّ والنهي :هو أن ال ُي َ
على علة توهن االنقياد(((.
العت ِ
َــاب،)6101( ، ــه النَّاس بِ ِ
اج ِــاب م ْن َلم ُي َو ِ
َ ((( رواه الشــيخان :أخرجــه البخــاري :كتاب األدبَ :ب ُ َ ْ
وأخرجه مسلم يف الفضائل باب علمه ﷺ باهلل تعالى وشدة خشيته رقم .2356
((( المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج :أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي.107 /15 :
((( تفسير القرآن العظيم ،البن كثير ،ت :سالمة.545 /6 :
((( الوابل الصيب ،البن القيم.10 :
ِ
المعرضين ِ
الموجبة لمحبته ،وزيــاد ًة يف إرهاب المعاندين وبالصفات الحســنى
مــن صفات بطشــه وجربوته؛ ولذلك ذكــر يف هذه اآليات الخواتم للســورة من
صفاته تعالى ما هو مختلف التعلق واآلثار للفريقين َّ
حظ ما يليق به منها(((.
عرف فيها عباده بعظمته يف
وبالت�أمل يف �سور القر�آن كلها؛ نجد أن اهلل َّ ۵
ذاته ،وعظمته يف ملكه ،وعظمته يف استوائه على عرشه ،وعظمته يف أمره وهنيه،
وعظمتــه يف إهالك عدوه ،وعظمته يف رحمتــه بأوليائه ونصرهتم على أعدائهم
وواليته ســبحانه لهم وتربيته لهم ،وعظمته يف تنزيل كتابه العظيم رحمة بعباده
وهدايــة لهم إلى صراطه المســتقيم ،وعظمته يف إرســال رســله؛ ليبينوا للناس
طريق النجاة يف الدنيا واآلخرة.
قول كل ًّيا :إن كل آية يف القرآن فهي متضمنة لتعظيم اهلل واإليمان
بل نقول ً
به ،شاهدة به ،داعية إليه؛ فإن القرآن:
� إم��ا خ�بر ع��ن اهلل ،وأســمائه وصفاته وأفعاله ،فهــو التعظيم واإليمان
العلمي الخربي.
و�إم��ا دع��وة �إىل عبادت��ه وحده ال �ش��ريك له ،وخل � ُع كل ما يعبد من دونه،
فهو التعظيم واإليمان اإلرادي الطلبي.
و�إم��ا �أم��ر ونه��ي ،وإلــزا ٌم بطاعتــه يف هنيه وأمره ،فهــي حقوق التعظيم
واإليمان ومكمالته.
بر ع��ن كرام��ة اهلل للمعظمني له امل�ؤمنني ب��ه وطاعته ،وما فعل
و�إم��ا خ� ٌ
هبم يف الدنيا ،وما يكرمهم به يف اآلخرة ،فهو جزاء تعظيمه واإليمان به.
،]22 ،21كل هذه اآلثار التي لمســوها وأقــروا بموجبها ،بأن الذي أوجدها هو
رهبــم ،ومــن َثم ينتقلون إلى الدرجــة الثانية ،وهي أن ربه الــذي هذه أفعاله هو
َملِ َكــه وهــو المتصرف يف تلك العوالــم ،و َملِك ألمره وجميع شــؤونه ،و َملِك
ألمر الدنيا واآلخرة جمي ًعا.
فإذا وصل بإقراره إلى هذا اإلدراك؛ أقر له ضرورة باأللوهية وهي المرتبة
النهايــة ﴿ ﮈ ﮉ ﴾ أي :مألوههــم ومعبودهم ،وهو ما خلقهم إليه ﴿ ،ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [الذاريات.(((]56 :
الرتتيب التنزيلي وداللته التعظيم ومقت�ضى العبودية:
� أول �سورة نزلت (العلق):
أول ســورة نزلــت (العلق)؛ فإهنا مشــتملة علــى نظير ما اشــتملت عليه
الفاتحــة من براعة االســتهالل؛ لكوهنا أول ما أنزل من القــرآن؛ فإن فيها األمر
بالقــراءة والبــداءة فيها باســم اهلل ،وفيها اإلشــارة إلى علم األحــكام ،وفيها ما
يتعلــق بتوحيد الرب وإثبات ذاتــه وصفاته من صفة ذات وصفة فعل؛ ويف هذه
اإلشــارة إلى أصول الدين ،وفيها ما يتعلق باألخبار من قوله ﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾
[العلــق]5 :؛ ولهذا قيل إهنا جديرة أن تســمى عنوان القــرآن؛ ألن عنوان الكتاب
يجمع مقاصده بعبارة وجيزة يف أوله(((.
((( أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن ،للشنقيطي.175 /9 :
((( اإلتقان يف علوم القرآن ،لجالل الدين السيوطي.364 /3 :
� سورة الن�رص �آخر �سورة نزلت و�إ�ش��ارتها �إىل العظمة الإلهية ومقت�ضى
العبودية:
آخر ســورة نزلت سورة النصر فيها اإلشعار بالوفاة ،كما أخرج البخاري
من طريق ســعيد بن جبيــر عن ابن عباس أن عمر ســألهم عن قوله ﴿ :ﭱ ﭲ
ﭳﭴﭵ﴾ [النصــر]1 :؛ فقالــوا :فتح المدائن والقصور ،قال :ما تقول يا
أجل ُضرب لمحمد نُعيت له نفسه(((. ابن عباس؟ قالٌ :
أي�ض��ا عن��ه ق��ال :كان عمر يدخلني مع أشــياخ بدر؛ فكأن بعضهم
و�أخ��رج � ً
لم تدخل هذا معنا ولنا أبنــاء مثله! فقال :عمر إنه من قد وجد يف نفســه؛ فقالَ :
علمتــم ،ثم دعاهم ذات يوم؛ فقــال :ما تقولون يف قول اهلل ﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﴾ [النصــر]1 :؛ فقــال بعضهم :أمرنــا أن نحمد اهلل ونســتغفره إذا نصرنا
وفتــح علينا ،وســكت بعضهم فلم يقل شــي ًئا؛ فقــال لي :أكذلك تقــول يا ابن
أجل رســول اهلل ﷺ أع َل َمه به،
عبــاس؟ فقلــت :ال قال :فما تقول؟ قلــت :هو ُ
قــال ﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ [النصــر]1 :؛ وذلــك عالمــة أجلك؛ فســ ِّبح
بحمد ربك واستغفره إنه كان توا ًبا ،فقال عمر :إين ال أعلم منها إال ما تقول(((.
فاحت��وت ه��ذه ال�س��ورة الكرمي��ة عل��ى مظاه��ر عظمت��ه مــن إكرامه ألوليائه
بالنصر على األعداء وفتح مفاوز البالد ،ومقتضيات ذلك من عبودية التســبيح
بمعانيــه مــن التنزيــه ،والتعظيم ،والشــكر ،وعبودية االســتغفار مــن األخطاء
والتقصيــر ،وعبوديــة التوبة وهي العبــادة المالزمة لإلنســان يف جميع مراتب
القرب من اهلل .۵
متهيد:
هذه الســورة ُبن َيت على بيــان عظمة اهلل ومقتضــى العبودية؛ فقد ذكرت
أمــورا وصفها اهلل بالعظمة يف القرآن العظيــم؛ فذكرت عظمته يف ألوهيته ،قال
ً
تعالــى ﴿ :ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ [الحاقــة ،]33 :وعظمته يف ربوبيته قال تعالى:
﴿ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [الحاقة ،]52 :وذكرت عرشــه سبحانه ﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﴾ [الحاقــة ،]17 :الموصــوف يف القــرآن بالعظمة ،قــال تعالى ﴿ :ﯢ ﯣ
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﴾ [المؤمنــون ،]86 :وذكرت القرآن الكريم:
﴿ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [الحاقــة ،]40 :الموصوف بالعظمة يف قوله ﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾ [الحجر ،]87 :وذكرت يوم القيامة و َع َّظ َمت من هوله:
﴿ ﮱﯓﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﴾ [الحاقــة ،]4 -2 :الموصوف
بالعظمة يف قوله تعالى ﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﴾ [المطففين]6 -4 :؛ أي :يف يوم عظيم الهول ،كثير الفزع ،جليل الخطب،
وذكــرت عــذاب المكذبين الذي ُو ِصــف يف القرآن الكريم بعــذاب يوم عظيم
على ألســنة الرسل الذين ُذكِ َرت أقوامهم يف الســورة؛ فهذا نوح َّ
حذر قومه من
العــذاب العظيم ،قال تعالــى ﴿ :ﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸ﴾ [األعراف،]59 :
وهــذا هود ڠ الذي أرســله اهلل إلى عاد؛ ُي َح ِّذر قومه مــن العذاب العظيم:
َّ
يحــذر ﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [الشــعراء ،]135 :وهــذا صالــح ڠ
((( مسند اإلمام أحمد :مسند عبد اهلل بن عمر ( ،)4862قال محققوه :حديث صحيح.
اب ﴿ ﯯﯰﯱﯲﯳ ﴾ [المطففين.)4938( ،]6 :
((( صحيح البخاري :كتاب تفسير القرآنَ :ب ُ
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية.356 /5 :
((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ،للزمخشري.598 /4 :
((( جامع البيان يف تأويل القرآن؛ البن جرير الطربي.566 /23 :
((( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور ،للبقاعي.344 /20 :
((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،ألبي السعود.21 /9 :
وقد �ش َّبه القر�آن الكافرين حني �أخذهم اهلل بعقابه العاجل ب�أنهم
﴿ ﯷ ﯸ ﴾ ،وذلك يف مو�ضعني:
�أحدهما :قوله تعالى ﴿ :ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﴾ [الحاقة.]7 :
وثانيهما :قوله تعالى ﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾ [القمر.]20 :
فتشبيههم بأعجاز النخل دون غيرها من األطراف؛ لإلشعار بأهنم أبيدوا
من أصلهم ،فلم تبق لهم باقية.
وبــدأ بثمود الذين هم أقرب المهلكين إلى مكة المشــرفة؛
ألن التخويــف باألقرب أقعد ،وختم بقوم نــوح ڠ؛ ألهنم كانوا جميع أهل
األرض ولم يخف أمرهم على أحد ممن بعدهم.
ولمــا كانت هــذه الســورة لتحقيق األمور ،وكشــف المشــكل وإيضاح
الخفــي؛ حقق فيها زمن عذاهبــم تحقي ًقا لم يتقدم مثله ،فذكــر األيام والليالي،
وقدم الليالي؛ ألن المصائب فيها أفظع وأقبح وأشــنع؛ لقلة المغيث ،والجهل
بالمأخذ ،والخفاء يف المقاصد والمنافذ(((.
وقول��ه تع��اىل ﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ :قــال قتــادة :$األذن
الواعيةٌ :
أذن عقلت عن اهلل تعالى ،وانتفعت بما ســمعت من كتاب اهلل ((( ۵؛
فهي ٌ
أذن من شــأهنا أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه ،وال
تضيعه برتك العمل به ،والتنكير للداللة على قلتها ،وأن من هذا شــأنه مع قلته؛
يتسبب لنجاة الجم الغفير ،وإدامة نسلهم(((.
((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،ألبي السعود.23 /9 :
((( المرجع السابق.23 /9 :
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية.358 /5 :
((( الجامع ألحكام القرآن ،للقرطبي.263 /18 :
مســلم بســنده عن أبي مســلم األغر ،أنه حدثه عن أبي ســعيد الخدري ،وأبي
هريــرة قاال :قال رســول اهلل ﷺ« :قــال اهلل :العظمــة إزاري ،والكبرياء ردائي،
فمن ينازعني منها شيئا عذبته»(((.
وال��رداء :عبارة عــن الجمال والبهاء ،والإزار :عبارة عن الجالل والســتر
والحجــاب؛ فكأنه قال :ال تليق الكبرياء إال بي؛ ألن من دوين صفات الحدوث
الزمة له ،وســمة العجز ظاهرة عليــه ،والإزار :عبارة عــن االمتناع عن اإلدراك
علما وكيفية لذاتــه وصفاته؛ فكأنه قال :حجبت خلقي عن إدراك واإلحاطــة به ً
ذاتي ،وكيفية صفاتي بالجالل والعظمة(((.
قــد ابتلــع البحــر فرعــون ومن معــه ،كمــا ابتلعــت األرض قــوم لوط،
واحتوهتم ومنازلهم يف بطنها؛ إهنم هووا جمي ًعا إلى القاع؛ َف َذل بذلك لعظمته ۵
لع َظم ربوبيته المتعاظمون.المتكربون ،واستكان ِ
هذا مشــهد الناجــي يف ذلك اليــوم العظيم هولــه ،وهو ينطلــق يف فرحة
غامرة ،بين الجموع الحاشدة ،تمأل الفرحة جوانحه.
وظ َننْتُ :علمت .وإنما أجرى الظن مجرى العلم؛ ألن الظن الغالب يقام
َ
مقام العلم يف العادات واألحكام(((.
يخرب تعالى عن ســعادة من أويت كتابه يــوم القيامة بيمينه ،وفرحه بذلك،
وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه :خذوا اقرؤوا كتاب أعمالي؛ إين علمت
ٍ
ومــاق جزائي ،فهو يف عيشــة مرضية؛ لما يراه يف الدنيــا وأيقنــت أين مبعوث،
من النعيم الدائم ،يف جنــة رفيعة المكان والمكانة ،ثمارها قريبة ممن يتناولها،
تكريما لهم :كلوا واشــربوا ً
أكل وشر ًبا ال أذى فيه بما قدمتم من األعمال ً يقال
الصالحات يف األيام الماضية يف الدنيا.
˚ هدايات التعظيم:
بيان جزاء التعظيم يف الآخرة :ومنها:
� -1إيتاء الكتاب باليمني ،عالمة على أنه إيتاء كرامة وتبشير.
-2الفرح وال�سرور و�سط ال�صاحلني ،فالخطاب يف قوله ﴿ :ﮞ ﮟ ﮠ ﴾
للصالحين من أهل المحشر.
-3العي�ش��ة الرا�ضية ،فقوله تعالى ﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ ذات رضا؛ وذلك
لكوهنا صافية عن الشوائب ،دائمة مقرونة بالتعظيم(((.
˚ ومن الفوائد:
أفــردت ضمائر الفريق الذي أويت كتابه بيمينه فيما تقدم ،ثم جاء الضمير
ليتني لم أعرف أي شيء يكون حسابي ،ويا ليت الموتة التي متَّها كانت الموتة التي
ال ُأ ْب َعث بعدها أبدً ا ،لم يدفع عني مالي من عذاب اهلل شي ًئا ،غابت عني حجتي وما
وجاه ،ويقال :خذوه -أيها المالئكة -واجمعوا يده إلى ٍ كنت أعتمد عليه من قوة
حرها ،ثم أدخلوه يف سلســلة طولها ســبعون ذرا ًعا،عنقه ،ثم أدخلوه النار ليعاين َّ
يحث غيره على إطعام المســكين ،فليس له يوم إنه كان ال يؤمن باهلل العظيم ،وال ُّ
قريب يدفع عنه العذاب ،وليس له طعام يطعمه إال من عصارة أبدان أهل القيامــة ٌ
النار ،وال يأكل ذلك الطعام إال أصحاب الذنوب والمعاصي(((.
�إن ه ��ؤالء ق��د خل��ت قلوبه��م :مــن اإليمان بــاهلل العظيم ،والرحمــة بالعباد
الصلي يف الجحيم؛ جزاء بما كانوا يعملون. المساكين؛ لذلك كان مصيرهم ِّ
❁ هدايات التعظيم:
جزاء غري املعظمني:
-1ال�صِّ لي يف النار :فقوله ﴿ :ﯿ ﰀ ﰁ ﴾؛ أي :ال تصلوه إال الجحيم وهي
النار العظيمة؛ ليكون الجزاء على وفق المعصية ،حيث كان يتعاظم على الناس(((.
�َ -2سلكه يف �سل�سلة ُتلوى على ج�سده حتى تلتف عليه ،فقوله ﴿ :ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﴾ ،جعــل اهلل تعالــى الســبعمائة ،والســبعين ،والســبعة،
مواقف وهنايات ألشياء عظام((( ،تتناسب مع سياق السورة وجوها.
❁ ومن الفوائد:
يف و�صفه ۵بالعظمة يف قوله ﴿ :ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ لطائف:
◈ منه��ا :أنــه لما كانت عظمة الملك موجب ًة لزيــادة النكال لمن يعانده
((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم ،مركز تفسير للدراسات القرآنية.568 :
((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،ألبي السعود.26 /9 :
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية.361 /5 :
وخصــت هذه الخلة من خالل الكافــر بالذكر؛ ألهنا من أضر الخالل يف
البشر إذا كثرت يف قوم؛ هلك مساكنهم(((.
املطلب ال�ساد�س :ال َق َ�سم العظيم وداللته على التعظيم.
قال تعاىل ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﴾ [الحاقة.]43 -38 :
َأقســم اهلل بما تشاهدون ،وأقســم بما ال تشاهدون ،إن القرآن لكالم اهلل،
يتلوه على الناس رسوله الكريم ،وليس بقول شاعر؛ ألنه ليس على نظم الشعر،
قليل ما تؤمنون ،وليس بقول كاهن ،فكالم الكهان أمر ُم َغايِر لهذا القرآنً ،
قليل ً
ما تتذكرون ،ولكنه منزل من رب الخالئق كلهم(((.
من مظاهر عظمة اهلل َت�أْ ِل ِ
يف ا ْل ُق ْر�آنِ :
ول اهللِ ﷺ َق ْب َل َأ ْن ُأ ْسلِ َم، ال َّطابِ ﭬَ :خ َر ْج ُت َأ َت َع َّر ُض َر ُس َ َقا َل ُع َم ُر ْب ُن ْ َ
تور َة ا ْل َحا َّق ِةَ ،ف َج َع ْل ُ ِ ِ ِ
َف َو َجدْ ُت ُه َقدْ َس َب َقني إِ َلى ا ْل َم ْسجدَ ،ف ُق ْم ُت َخ ْل َف ُهَ ،ف ْ
اس َت ْفت ََح ُس َ
آنَ ،ق َالَ :ف ُق ْل ُتَ :ه َذا واهللِ َش ِ
ــاع ٌر ك ََما َقا َل ْت ُق َر ْي ٌشَ ،ق َال: َأعجب ِمن ت َْألِ ِ
يف ا ْل ُق ْر ِ
َ ْ َ ُ ْ
َاه ٌنَ ،ق َال: َف َقــر َأ ﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾َ ،ق َالُ :ق ْل ُت :ك ِ
َ
﴿ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
آخ ِ
ــر ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ﴾ [الحاقــة ،]47 -42 :إِ َلــى ِ
السور ِةَ ،ق َالَ :ف َو َق َع ْ ِ
ال ْسال ُم فِي َق ْلبِي ك َُّل َم ْوقِ ٍع(((. ُّ َ
((( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،البن عطية.361 /5 :
((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم ،مركز تفسير للدراسات القرآنية.568 :
((( مسند اإلمام أحمد :مسند عمر بن الخطاب ( ،)108قال محققه :إسناده ضعيف النقطاعه ،وأورده
الهيثمــي يف "مجمــع الزوائــد" ،62 /9وقال :رواه الطرباين يف "األوســط" ،ورجالــه ثقات إال أن
شريح بن عبيد لم يدرك عمر.
َ
ــول علينا محمد بعض األقاويــل التي لم نقلها، يق��ول ج � َّل ذك��ره :ولو َت َق َّ
ــرق المتصل ِ
النتقمنــا منــه وأخذنــا منه بالقوة منــا والقدرة ،ثــم لقطعنا منه الع ْ
بالقلــب ،فليس منكم مــن يمنعنا منه ،فبعيــد أن َي َت َق َّول علينا مــن أجلكم ،وإن
القرآن لموعظة للمتقين لرهبم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه(((.
قوله تعاىل ﴿ :ﮆ ﮇ ﴾؛ أي :كلف نفســه أن يقول مرة من الدهر كذ ًبا،
﴿ ﮈ﴾ :علــى ما لنا من صفــات العظمة والجالل والبهاء والكمال والكربياء،
﴿ ﮉ ﮊ ﴾ التــي لــم نقلهــا أو قلناهــا ولم نأذن لــه فيهــا ﴿ ...ﮌ ﴾؛ أي:
قوة وغضب وقهــر وإهالك ،وأكده لإلعالم بشــدة الغضب من أخــذ ٍ
َ بعظمتنــا
الكذب وشدة قبحه.
وق��د قي��ل :إن معنــى قوله ﴿ :ﮌﮍﮎ﴾ :ألخذنا منه باليد اليمنى من
يديه(((.
مشــيرا إلى شــدة بشــاعته
ً ولمــا صــور مبدأ اإلهالك بأفظع صورة؛ أتمه
حتما بــا مثنوية بما لنا مــن العظمة قط ًعا
بحــرف الرتاخــي فقــال ﴿ :ﮐﮑ﴾ ً
يتالشــى عنــده كل قطــع ﴿ ،ﮒ ﮓ ﴾؛ أي :العــرق األعظــم يف العنــق الثابت
الدائم المتين الذي يســمى الوريد .وعن ابن عباس ﭭ أنه نياط القلب ،ويف
القاموس :عرق يف القلب إذا انقطع مات صاحبه .واختير التعبير به؛ ألن مادته
هبذا الرتتيب تدور على المتانة والدوام ،فلذا كان يفوت صاحبه بفواته.
✍ هدايات التعظيم:
تقول عليه بعض األقاويل،
بيان أن كماله وحكمته وعظمته تأبى أن يقر من َّ
المتقولين عليه.
ِّ بل ال بد أن يجعله عربة لعباده ،كما جرت بذلك سنته يف
((( المختصر يف تفسير القرآن الكريم ،مركز تفسير للدراسات القرآنية.568 :
((( جامع البيان يف تأويل القرآن ،للطربي.593 /23 :
((( إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،ألبي السعود.27 /9 :
((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ،للزمخشري.607 /4 :
....::::::::::....
املبحث الثالث
مناذج من �أفانني ال�سورة يف تقرير العظمة الإلهية
حوى القر�آن الكرمي �ضرو ًبا من فنون القول والبيان ،ففيه :اإلنشاء والخرب،
والمواعــظ ،والقصص ،واألقســام ،واألمثــال ،والحوار والمناظــرة ،والجدل،
واالستدالل ،وغير ذلك ،وكلها يستعملها القرآن يف إقرار قضاياه يف النفوس.
�أفانني:
قال ابن فار�س :$
ف��ن :الفــاء والنون أصالن صحيحان ،يدل أحدهما علــى َت ْعن ِ َية ،واآلخر
على ضرب من الضروب يف األشياء كلها.
واالطراد الشديد .يقال :فنَنْتُه فنًّا ،إذا أطردته وعنَّيته.
َ فالأول :الفن ،وهو التعنية
والآخ��ر الأفان�ين :أجنــاس الشــيء وطرقه .ومنــه ال َفنن ،وهــو الغصن،
وجمعه أفنان(((.
الـمراد.
والمعنى الثاين هو ُ
و�أفانني الكالم :أساليبه و ُطرقه وأجناسه(((.
و�أفان�ين الق��ر�آن الك��رمي :هــو أســلوبه وطريقتــه التي انفرد هبــا يف تأليف
كالمه واختيار ألفاظه.
ومن الأفانني:
-1أفانين فصاحة مفردات القرآن وبالغة ُجمله.
-2أفانين األساليب.
((( مقاييس اللغة ،البن فارس.435 /4 :
((( معجم اللغة العربية المعاصرة ،ألحمد مختار عمر.1746 /3 :
◈� ً
أول :من الألفاظ التي تدل على ِعظم العذاب:
الطاغِ َي �ةِ :بالواقعــة المجــاوزة للحــد يف الشــدة .واختلــف فيها ،فقيل:
ِ -1ب َّ
الرجفة .وعن ابن عباس :الصاعقة .وعن قتادة :بعث اهلل عليهم صيحة فأهمدهتم(((.
-2ال�صر�ص��ر :الشــديدة الصوت لها صرصرة .وقيــل :الباردة من الصر،
كأهنا التي كرر فيها الربد وكثر :فهي تحرق لشدة بردها.
والعتو .أو عتت على عاد ،فما قدروا على ر ِّدها
ِّ -3عا ِت َية :شديدة العصف
بحيلة ،من استتار ببناء ،أو لياذ بجبل ،أو اختفاء يف حفرة؛ فإهنا كانت تنزعهم من
مكامنهم وهتلكهم .وقيل :عتت على خزاهنا ،فخرجت بال كيل وال وزن.
-4را ِب َي ًة شديدة زائدة يف الشدة ،كما زادت قبائحهم يف القبح.
ومن ح�سن اختيار الألفاظ؛ اختيار الفرائد القر�آنية:
تعريف الفرائد يف اللغة واال�صطالح:
لغة:
فرد :الفاء والراء والدال أصل صحيح يدل على وحدة ...والفريد :الدر
إذا نُظم وفصل بينه بغيره(((.
والفريــد ،بغير هــاء ،الجوهرة النفيســة كأهنا مفردة يف نوعهــا ،والفريدة
وهي الشذر من فضة كاللؤلؤة(((.
ا�صطالحا:
ً
"إتيان المتكلم بلفظة تتنزل من كالمه منزلة الفريدة من حب العقد ،تدل
((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ،للزمخشري.599 /4 :
((( مقاييس اللغة ،البن فارس.500 /4 :
((( لسان العرب ،البن منظور.332 /3 :
((( تحرير التحبير ،البن أبى األصبع ،تحقيق د .حفني شرف ص .577 -576
((( مقاييس اللغة ،البن فارس.57 /2 :
((( المفردات يف غريب القرآن ،لألصفهاين.57 /2 :
﴿ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ [الحاقة.]49 :
﴿ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ [الحاقة.]50 :
﴿ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ [الحاقة.]51 :
وكل التأكيــدات خاصــة بالقرآن وأثره يف نفــوس المعظمين هلل ولكتابه،
وأثره على غير المعظمين بالحسرة والندامة ،ثم التأكيد على أنه عند المعظمين
ارتقى من علم اليقين إلى حق اليقين.
-3الق�صة.
�ص :األخبار المتت َّبعة(((.
ا ْل َق َ�ص ُ
والق�صة :الخرب عن حادثة غائبة عن المخرب هبا(((.
يق��ول البقاع��ي " :$إن اهلل تعالــى يعــر لنا يف كل ســورة ُت ْذكَر القصة
فيها؛ بما يناســب ذلــك المقام يف األلفــاظ عما يليق من المعــاين ،ويرتك ما ال
يقتضيه ذلك المقام"(((.
فالمناســبة الموضوعية هي التي ُت َحدِّ د القدر الذي ُي ْعرض من القصة يف
كل سورة ُت ْذكر فيها.
ومن مزايا الق�صة :أهنا تربي العواطف الربانية ،وتمتاز باإلقناع الفكري.
ولمــا كانت الســورة تتحدث عن عظمة اهلل وقدرتــه يف إهالك من َّ
كذب
باليــوم العظيــم يف الدنيــا؛ عــرض يف الســورة أقوا ًمــا وصفهــم اهلل يف القــرآن
باالستكبار والتعاظم ،منهم:
آمن معه موعظة لكم؛ تتذكرون هبا عظمة ربكم وصدق وعده يف إنجاء أوليائه،
وإهالك أعدائه ،وأهنا سنة ماضية إلى يوم القيامة.
-5ال َق َ�سم.
قال تعاىل ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾.
هلل أن ُيقســم بمــا شــاء؛ ألنــه الخالق لها ،المتصــرف فيها،
تعظيما لــه ،واعرتا ًفا بألوه َّيته ،روى ً وليس لنا إال أن نقســم باهلل ســبحانه فقط،
َان َحالِ ًفاَ ،ف ْل َي ْح ِل ْ ِ ِ
ف البخاري بسنده َع ْن َع ْبد اهَّلل ﭬَ :أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َالَ :
«م ْن ك َ
ت»(((. بِاهَّلل ِ َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ
والقسم من أساليب التأكيد.
-6الرتغيب والرتهيب:
رغب:
الســعة يف
الســعة يف الشــيء ،وال َّر ْغ َب � ُة وال َّر َغ� ُ�ب وال َّر ْغ َبىَّ :
�أ�ص��ل ال َّر ْغ َب �ةَِّ :
اإلرادة ،قال تعالى ﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﴾ [األنبياء.(((]90 :
والرتغيب" :كل ما يشوق المدعو الى االستجابة ،وقبول الحق ،والثبات
عليه"(((.
رهب:
تحرز واضطراب(((.
ال َّرهْ َب ُة وال ُّرهْ ُب :مخافة مع ُّ
ف ُي ْست َْح َل ُ
ف.)2679( ، ابَ :ك ْي َ
((( صحيح البخاري :كتاب الشهاداتَ :ب ٌ
((( المفردات يف غريب القرآن ،لألصفهاين.358 :
((( أصول الدعوة ،عبد الكريم زيدان :ص.421
((( المفردات يف غريب القرآن ،لألصفهاين.366 :
....::::::::::....
....::::::::::....
«2323ســنن ابن ماجه» ،ابن ماجه ،أبو عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني ،وماجه اســم أبيه
يزيــد ،تحقيق :محمــد فؤاد عبد الباقــي ،د .ط ،القاهرة ،دار إحيــاء الكتب العربية-
فيصل عيسى البابي الحلبي ،د.ت.
«2424ســنن أبي داود» ،المؤلف ،أبو داود ســليمان بن األشــعث بن إســحاق بن بشير بن
شــداد بن عمرو األزدي الس ِ
ج ْســتاين ،المحقق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،د. ِّ
ط ،صيدا -بيروت ،المكتبة العصرية ،د.ت.
«2525شــرح حديث النزول» ،ابن تيمية ،تقي الدين أبــو العباس أحمد بن عبد الحليم بن
عبد الســام بن عبد اهلل بن أبي القاسم بن محمد الحراين الحنبلي الدمشقي الطبعة:
الخامسة ،بيروت ،لبنان ،المكتب اإلسالمي1397 ،هـ1977 -م.
«2626شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» ،ابن قيم الجوزية ،محمد
بــن أبي بكر بن أيوب بن ســعد شــمس الديــن ،د .ط ،بيروت ،لبنــان ،دار المعرفة،
1398هـ1978 -م.
«2727الصواعق المرســلة يف الرد على الجهمية والمعطلــة» ،ابن قيم الجوزية ،محمد بن
أبي بكر بن أيوب بن ســعد شــمس الدين ،المحقق :علي بن محمد الدخيل اهلل ،د.
ط ،الرياض ،المملكة العربية السعودية ،دار العاصمة ،د.ت.
«2828العبوديــة» ،ابــن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد الســام
بن عبد اهلل بن أبي القاســم بــن محمد الحراين الحنبلي الدمشــقي ،المحقق :محمد
زهير الشاويش ،الطبعة السابعة ،بيروت ،المكتب اإلسالمي1426 ،هـ2005 -م.
«3838المســتدرك على الصحيحين» ،ابن البيع ،أبو عبــد اهلل الحاكم محمد بن عبد اهلل بن
محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماين النيسابوري ،تحقيق :مصطفى
عبد القادر عطا ،الطبعة :األولى ،بيروت ،دار الكتب العلمية1411 ،هـ1990 -م.
«3939مســند اإلمــام أحمد بن حنبل» ،أبو عبد اهلل أحمد بــن محمد بن حنبل بن هالل بن
أسد الشيباين ،المحقق :أحمد محمد شاكر ،الطبعة :األولى ،القاهرة ،دار الحديث،
1416هـ 1995 -م.
«4040المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ﷺ» ،مسلم ،أبو
الحســن بن الحجاج القشيري النيسابوري ،المحقق :محمد فؤاد عبد الباقي ،د .ط،
بيروت ،دار إحياء الرتاث العربي ،د.ت.
«4141مشــكاة المصابيح» ،التربيــزي ،محمد بن عبد اهلل الخطيب العمــري ،أبو عبد اهلل،
ولي الدين ،المحقــق :محمد ناصر الدين األلباين ،الطبعة :الثالثة ،بيروت ،المكتب
اإلسالمي1985 ،م.
«4343معاين القرآن وإعرابه» ،الزجاج ،إبراهيم بن السري بن سهل ،أبو إسحاق ،المحقق:
عبد الجليل عبده شلبي ،الطبعة :األولى ،بيروت ،عالم الكتب 1408 ،هـ1988 -م.
....::::::::::....
َّ
إن الحمد هلل نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا،
ومــن ســ ِّيئات أعمالنا ،من يهــده اهلل فال َّ
مضل لــه ،ومن يضلل فــا هادي له،
وأشــهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شــريك له ،وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله،
﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمــران،]102 :
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ [النساء ﴿ ،]1 :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﴾ [األحزاب.]71 ،70 :
�أَ َّما َب ْعدُ :
َّ
فإن أنفع شــيء للعبد يف معاشه ومعاده هو تد ُّبر كتاب ربه ،وإطالة تأ ُّمله،
وتالوة حروفــه ،وإقامة حدوده ،وا ِّتباع محكمه ،واإليمان بمتشــاهبه ،والتفرغ
لتعلمــه ،والقيــام بتعليمه؛ حيــث إن هذه األمور ُت ْطلع العبــد على معالم الخير
والشــر ،وتجعل يف يده مفاتيح كنوز الســعادة ،وتث ِّبت اإليمان يف قلبه ،وتشــ ِّيد
وسرورا.
ً وانشراحا ،وهبجة
ً بنيانه ،وتو ِّطد أركانه ،وتعطيه قوة يف قلبه ،وسعة
فالعي�ش مع القر�آن مزية ال تعدلها مزية ،ومرتبة ال تفوقها المراتب؛ فهو
الكتــاب الذي ال ريب فيه ،وال نقص يعرتيه ،معجــز بلفظه ومعناهُ ،روح األمة
عزها وقوهتا ،وما أحوجها اليوم إلى تدبر آياته ،والتفكر يف معانيه ،وهلل
ومصدر ِّ
....::::::::::....
....::::::::::....
....::::::::::....
ف قِيمته،
إن َمن عاش مع القرآن الكريم؛ فأحيا به قل َبه ،و َع َمر به حياتهَ -ع َر َ َّ
ِ
وترديده ِ
بتالوة القرآن اهلل هبا على عباده بإنزاله؛ فاللــذة
وأدرك النعمــة التي امت َّن ُ
ُ
القرآن ِ
وتدبره والرتن ُِّم به ال ُيدركها َمن يتلوه بلسانه ،دون أن ُيالمس وتأ ُّم ِل معانيه
أصل يف حياته؛ كالماء ال يمكن أن َيستغني عنه. غاف قلبه ،ويكون ً ِش َ
قال اهلل تعاىل ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [الشورى.]52 :
ق��ال العالم��ة ال�س��عدي ﴿" :$ﭔ ﭕ ﭖ﴾ ،وهو هــذا القرآن الكريم،
والقرآن َتحيا به القلوب واألرواح،
ُ الروح َيحيا به الجســدُ ، ــماه ُروحا؛ َّ
ألن ُّ َس َّ
وتحيــا به مصالــح الدنيا والدين؛ لما فيه من الخير الكثيــر والعلم الغزير .وهو
محض مِنَّة اهلل على رسوله وعباده المؤمنين ،من غير سبب منهم". ُ
معامل التدبر:
"�ش��ركة مع��امل التدب��ر" ُمنشــأة غيــر ربحيــة ُتعنَى بتعزيز الصلــة بالقرآن
الكريم وتحبيبه وتعظيمه وتد ُّبره.
قيمتها:
مل التدبر" ال�ضو َء عليها ،وهي:
فهذه �أربع قيم ت�س ِّلط "معا ُ
◈ تحبيبه.
◈ تعزيز الصلة بالقرآن الكريم.
◈ تدبره.
◈ تعظيمه.
تقرير عــن المؤتمر القرآين الدولي الثاين يف هدايات القرآن الكريم بعنوان:
(تعظيــم اهلل تعالى يف هدايات القرآن الكريم)
تنظيم جامعة أفريقيا العالمية َّ
بالشراكة مع كرسي الهدايات القرآنية بجامعة أم القرى
يف الفترة من (1441 /5 /16 - 14هـ -الموافق من 11 -9يناير 2020م)
#
J
....::::::::::....
Managing Editor
Prof. Dr. Muhammad Bin Abdullah Al-Rbiha
Professor at the Department of Quran and
Its Seiences, Al-Qusiem University,
Editorial Secretary
Mustafa Mahmud Abdullwahed
Copyright ©
Tadabbur Magazine
×
384 P, 17 24 cm
Date: 24/6/1438
Info@tadabburmag.sa
+966503072333
@tadabburmag
http://www.tadabburmag.sa
Aims:
• Encourage academic studies leading to in-depth understanding
of the Qur’an.
....::::::::::...
2. Qur’anic themes.
....::::::::::....
....::::::::::....
Authentic researches
The size of the traditional Arabic font used for the Arabic lan-
guage shall be 16 while it shall be 12 for both the marginal an-
notations and the abstract, and 11 for tables and figures.
The Times New Roman font shall be used for the English lan-
guage with a size of 12 and a size of 10 for the footnotes, the
abstract, tables and figures.
The number of the abstract words shall not exceed 250 words,
and the abstract shall include the following elements: the sub-
ject of the research, its objectives, and its methodology, with
careful attention to its editing.
Each abstract (both the Arabic and English ones) shall be fol-
lowed by the key words expressing accurately the subject of the
research, and the primary issues addressed, with a number no
more than 6 words.
Writing the footnote shall include (the title of the book, the
name of the author, the part and page), in accordance with the
scientific method applied in documenting Islamic studies and the
Arabic language.
....::::::::::....
Subject Page