You are on page 1of 68

‫العدد (‪ - )2189‬السنة (‪)55‬‬

‫فــي هــذا العــدد‪:‬‬

‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫‪6‬‬ ‫‪.................‬‬ ‫د‪ .‬عبدالله الشايجي‪ :‬هناك خذالن عربي وإسالمي وتواطؤ دولي تجاه أهل غزة‬

‫‪8‬‬ ‫‪......................................................‬‬ ‫‪ 100‬عام على سقوط الخالفة‪ ..‬ماذا خسر املسلمون والعالم؟‬

‫‪12‬‬ ‫‪........................................................‬‬ ‫القوى األوروبية وتفتيت الوحدة اإلسالمية‪ ..‬قراءة تأريخية‬


‫ّ‬ ‫ََْ‬
‫الخالفة َمْعَلم اإلسالم املجنّي عليه! ‪.......................................................................................................‬‬
‫‪18‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪...........................................‬‬ ‫الحركات واملشاريع اإلسالمية ومحاولة سد الفجوة‪ ..‬نظرة تقييمية‬

‫‪38‬‬ ‫‪.........................................‬‬ ‫سقوط الخالفة العثمانية في مرآة السينما والدراما العربية والعاملية‬

‫‪44‬‬ ‫‪....................................................................................‬‬ ‫هل تشهد السنغال أول انقالب في تاريخها؟‬

‫‪52‬‬ ‫‪.................................................................................‬‬ ‫وه ََّبت‬


‫‪.................‬رياح التغيير‪ ..‬شعبان ورمضان‬

‫‪58‬‬ ‫‪.........................................................‬‬ ‫دروس ملهمة لألسرة املسلمة (‪ ..)2‬صاحب البصمة األولى‬

‫‪66‬‬ ‫‪............................................................................................................................‬‬ ‫قطار العالم اإلسالمي!‬


‫اِهّلل ََج ِِميع ًًا ََو ََال ََتَف َََّر ُُقوْاْ ََواْذ ُُْك ُُرو ْاْ‬‫اْعَت َِِص ُُموْاْ ِِب ََح ْْب ِِل ِ �‬ ‫( ََو ْ‬
‫ََف ََب � ََنْي ُُق ُُل ِوِب ُُك ْْم‬ ‫ْعَْمَتَ ِ �‬
‫اِهّلل ََع ََلْيْ ُُك ْْم ِِإ ْْذ ُُكنُتُ ْْم َأَ ْْع ََداء ََفَأََّل َ‬ ‫ِِن َ‬
‫َْوان ًًا ََو ُُكنُتُ ْْم ََع ََل ََى َشَ َفَا ُُح َ‬
‫ْفَْر ٍٍة‬ ‫َْبْحُْتُ م ِِب ِِن َ‬
‫ْعَْم ِِت ِِه ِِإْخ َ‬ ‫ََفَأَْص َ‬
‫ِِّمَنَ الَّن رَا� ََفَأَن ََقَذ َُُكم ِّمِْنْ ََها ََكَذ َِِل ََك ُُي ََب ُ�ُنِّي ُ�‬
‫اُهّلل ََل ُُك ْْم‬
‫ْدُْعو ََن‬ ‫آ ََي ِاِت ِِه ََل ََع ََّل ُُك ْْم ََتْهْ َت َُُدو ََن ‪ََ 103‬وْلْ َت َُُكن ِِّم ُ‬
‫نُك ْْم ُُأ ََّم ٌٌة ََي ُ‬
‫وِف ََو ََيْنْ ََهْوْ ََن ََع ِِن ا ُ�ُمْلن ََك ِِر‬
‫ْأُْم ُُرو ََن ِِباَمْل� َ ْعْ ُُر ِ‬ ‫ِِإ ََلى � َ‬
‫اَخْل ِْيِْر ََو ََي ُ‬
‫ْفِْل ُُحوَنَ ‪ََ 104‬و ََال َت َُُكو ُُنو�ا ََكاَّل َِِذيَنَ‬ ‫ََو ُُأ َ‬
‫ْوَْل ِـِئ ََك ُُه ُُم ا ُ�ُمْل ِ‬
‫اْلَْبِّيَِن ُ‬
‫َاُت‬ ‫اءُه ُُم َ‬
‫ْعِْد ََما ََج ُ‬ ‫ََتَف َََّر ُُقوْاْ ََو ْ‬
‫اْخ ََتَلَُفُ وْاْ ِِمن ََب ِ‬
‫يٌم)‬
‫َا� ََع ِِظ ٌ‬
‫ََعَذ ب‬ ‫ََل ُُه�م‬ ‫ََو ُُأ َ‬
‫ْوَْل ِـِئ�ك‬

‫وحدة مفقودة‪ ..‬وأخرى منشودة‬


‫ُُيقبــل شــهر رمضــان بأجوائــه الإيمانيــة‪ ،‬وشــعائره التعبديــة علــى أمتنــا‬
‫الإســلامية وهي تعيش حدث ًًا اســتثنائي ًًا في تاريخ الصراع الإســلامي الصهيوني‪،‬‬
‫الــذي تمثــل القضيــة الفلســطينية أحــد أبــرز فصولــه‪ ،‬بــل تعتبــر فــي مشــهدها‬
‫الحالــي أكبــر تحـ ٍ �ـٍّد يعيشــه المســلمون فــي صراعهم نحو البقاء كأمــة اختار الله‬
‫لها أن تكون الشاهدة على الأمم جميع ًًا‪.‬‬
‫ومع تلك الأجواء الروحانية التي ينتظرها أبناء الأمة في مشــهد يعبر عن‬
‫دًا رئيس ـ ًًا للشــعائر التعبديــة‪ ،‬فإن‬ ‫مظاهــر الوحــدة الإســلامية التــي تعتبــر مقص ـ ً‬
‫الواقع الذي أفرزته معركة «طوفان الأقصى»‪ ،‬مع قرب دخولها شهرها السادس‪،‬‬
‫وإن كان أظهــر الوحــدة القلبيــة والتعاطــف بيــن أبناء الجســد الواحد حزن ًًا على‬
‫آلاف الشهداء والجرحى من أبناء غزة ونسائها وأطفالها التي يعجز المجتمع‬
‫بمؤسســاته الحقوقيــة وآلاتــه الإعلاميــة حصر ما فعلته آلــة الحرب الصهيونية‪،‬‬
‫فإنهــا كذلــك أظهــرت عجــز ُُأ � ََّمـ ٍـٍة فقــدت الوحــدة الفاعلــة التــي تعمــل علــى جمــع‬
‫قواهــا ومقدراتهــا فــي مواجهــة عدوهــا المتربــص بهــا وبمقدســاتها منــذ فتــرة‬
‫زمنية!‬
‫ولعــل تلــك الأحــداث تجعــل العقــل العربــي والإســلامي الــذي ُُعمــل علــى‬
‫تشــويه ثوابته ومبادئه من خلال الطعن في نموذج الخلافة الإســلامية ليتحســر‬
‫ـاٍض تليــد لــم تكن الوحدة الإســلامية تقف فيه عند الشــجب والاســتنكار‬ ‫علــى مـ ٍ‬
‫وُينتهك‬ ‫والإدانــة وأبنــاء الأمــة فــي بقعــة من بقــاع الإســلام ُُينتقص من أطرافهــا ُ‬
‫تحِّرك الجيوش لنفــض غبار الذل والهوان‬ ‫مــن حرماتهــا‪ ،‬بــل كانــت وحدة فاعلة ِ �‬
‫عن ُُأ � ََّم ٍٍة ترى أنه من العار المرور على جرح نازف لإخوانها بالسكوت أو النسيان‪.‬‬
‫وإن تلك الأحداث لتأتي موازية لذكرى مرور قرن على إســقاط أقوى خلافة‬
‫إســلامية توســعت رقعتهــا فــي أرجــاء الأرض جغرافي ـ ًًا وزماني ـ ًًا‪ ،‬وكانــت ســبب ًًا فــي‬
‫إظهــار عــزة الأمــة ومنعتهــا حقبــة مــن التاريــخ؛ لتجعــل مجلــة «المجتمــع» مــن‬
‫كَّتابهــا ومفكريهــا تقــف مــع قرائهــا الكــرام علــى رصــد وتحليــل لأهــم مــا‬ ‫خــلال � َ‬
‫خســرته الأمــة‪ ،‬بــل العالــم أجمع‪ ،‬بغيــاب تلك القوة التي كانت وحدة المســلمين‬
‫تحــت رايــة واحــدة أقــوى مظاهرهــا‪ ،‬ويلــح واقــع المســلمين فــي غزة العــزة الذين‬
‫توحــدت عليهــم قــوى الغــرب المســيحية واليهوديــة تحت رايــة صهيونية أن تقوم‬
‫كل المؤسســات الدعويــة والإعلاميــة وأصحــاب المنابــر الفكريــة والحضاريــة‬
‫بتسليط الضوء على هذا الواقع لتصحح في عقول أبناء هذا الجيل حاجة أمة‬
‫الإسلام إلى وحدة جامعة تعطيها مقومات البقاء وتحميها من عوامل الاندثار‬
‫والفناء متى صح في عقول أبنائها بأنها أمة الجسد الواحد عمل ًًا بنداء الحق‪:‬‬
‫وِن) (الأنبياء‪.)92 :‬‬ ‫( ِِإ � ََّن ََه ِِذ ِِه ُُأ � ََّمُتُ ُُك ْْم ُُأ � ََّم ًًة ََو ِ‬
‫اِح ََد ًًة ََوَأََنَا ََر ُ�ُّب ُُك ْْم ََفاْع ُُْب ُُد ِ‬
‫الكويت‬

‫في ندوة «طوفان األقصى‪ ..‬معركة الوعي» أقامتها «اإلصالح االجتماعي»‬

‫د‪ .‬عبدالله الشايجـي‪ :‬هنـاك خـذالن عربـــــي‬


‫وإسالمـي وتواطــؤ دولــي تجـــاه أهـــل غــزة‬
‫«طوفان األقصى»‬
‫تحـ ـ ـ ـ ـ ــول كبي ـ ــر فــي‬
‫ديناميكية المشهد‬
‫بالشـ ـ ـ ــرق األوس ــط‬

‫من نتائج المعركة‬


‫أن الشباب العربي‬
‫ً‬
‫وعيًا بما‬ ‫بات أكث ــر‬
‫يجري بالمنطق ـ ـ ـ ــة‬

‫كتـب‪ -‬المحـرر المحلـي‪:‬‬

‫أطول انتخابات في العالم وستجرى‬ ‫«فالدميير بوتني» احلرب على‬ ‫األخالقي والقيمي‪ ،‬فأمريكا‬ ‫قال أستاذ العلوم السياسية في‬
‫في نوفمبر القادم‪ ،‬فاستطالعات‬ ‫أوكرانيا‪ ،‬في ‪ 24‬فبراير ‪2022‬م‪،‬‬ ‫تدعم العدوان والطغيان واإلبادة‪.‬‬ ‫جامعة الكويت د‪ .‬عبداهلل الشايجي‪:‬‬
‫الرأي تؤكد أن شعبية «بايدن»‬ ‫احتل ‪ 4‬أقاليم في شرق أوكرانيا‪،‬‬ ‫أن‬ ‫الشايجي‬ ‫وأوضح‬ ‫إن ما جرى في معركة «طوفان‬
‫أصبحت في أدنى مستوياتها‪.‬‬ ‫وقتل ‪ 10‬آالف أوكراني في بداية‬ ‫«بنيامني نتنياهو»‪ ،‬رئيس وزراء‬ ‫األقصى» حتول كبير في ديناميكية‬
‫ولفت إلى أن املعركة العسكرية‬ ‫احلرب؛ فقام الغرب مبحاكمته أمام‬ ‫االحتالل الصهيوني‪ ،‬يعلم أن‬ ‫املشهد في الشرق األوسط‪.‬‬
‫التي فاجأت بها «حماس» االحتالل‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬وأصدرت حكمًًا‬ ‫اليوم الذي ستتوقف فيه احلرب‬ ‫وأضاف الشايجي‪ ،‬في ندوة‬
‫الصهيوني بشكل صادم في ‪7‬‬ ‫ضده بالقبض عليه واتهموه بأنه‬ ‫على غزة ستبدأ تشكيل اللجان‬ ‫نظمتها جمعية اإلصالح االجتماعي‪،‬‬
‫أكتوبر قد وضعت ‪ 10‬ظواهر‬ ‫«مجرم حرب»‪ ،‬بل إن رئيس جنوب‬ ‫حملاكمته على تقصيره في ‪7‬‬ ‫الثالثاء ‪ 13‬فبراير ‪2024‬م‪ ،‬بعنوان‬
‫واملقاومة‬ ‫«حماس»‬ ‫حققتها‬ ‫أفريقيا أخبره بأنه سيتم اعتقاله‬ ‫أكتوبر ‪2023‬م‪ ،‬بعد أن جنحت‬ ‫«طوفان األقصى‪ ..‬معركة الوعي»‪،‬‬
‫الفلسطينية‪.‬‬ ‫إذا حضر قمة في بالده تنفيذًًا‬ ‫املقاومة في تدمير هيبة جيش‬ ‫أن احلرب على غزة دخلت شهرها‬
‫وأضاف أن «إسرائيل» بوغتت‬ ‫حلكم «اجلنائية الدولية»‪ ..‬ولكن‬ ‫االحتالل في ظل اعتبار بعض‬ ‫اخلامس‪ ،‬التي ال ميكن أن توصف‬
‫مرتني؛ األولى‪ :‬في حرب أكتوبر‬ ‫حينما قتل «نتنياهو» ‪ 30‬ألف مدني‬ ‫«اإلسرائيليني» أن ما حدث أكبر‬ ‫أنها طوفان لألقصى فقط‪ ،‬بل طوفان‬
‫‪1973‬م عندما وصلتها معلومات‬ ‫في غزة‪ ،‬وهناك ‪ 10‬آالف حتت‬ ‫نكسة لليهود منذ احملرقة‪ ،‬وكلما‬ ‫النتزاع احلق ومعركة النتصار احلق‬
‫استخباراتية أن هناك حتركًاً على‬ ‫األنقاض لم يستطع أحد إنقاذهم؛‬ ‫طالت احلرب فليس ذلك في‬ ‫على الباطل‪.‬‬
‫اجلبهتني املصرية والسورية ولم‬ ‫فأين النظام العاملي؟!‬ ‫مصلحة «نتنياهو»‪ ،‬وال الرئيس‬ ‫وأشار إلى أن جيش االحتالل‬
‫تتعامل معها‪ ،‬والثانية‪ :‬املفاجأة‬ ‫وبنَّي الشايجي أن الغرب‬ ‫ن‬ ‫األمريكي «جو بايدن»‪.‬‬ ‫«اإلسرائيلي» هو اجليش األكثر‬
‫الكبرى في ‪ 7‬أكتوبر ‪2023‬م؛ فكيف‬ ‫في ورطة؛ فالرئيس «بايدن» بدأ‬ ‫وتطرق الشايجي إلى النفاق‬ ‫إجرامًاً في العالم بعد أن كان يطلق‬
‫اقتحمت «حماس» اجلدار الفاصل‬ ‫يتحرك ويطلق ما يسمى ‪-‬وهمًاً‪-‬‬ ‫الغربي وازدواجية املعايير من‬ ‫على نفسه أن لديه قيمًاً‪ ،‬فأين هذه‬
‫الذي كلف مليارات الدوالرات؟!‬ ‫«حل الدولتني»‪ ،‬بعد أن أصبح وضع‬ ‫خالل مقارنته باحلرب على‬ ‫القيم حينما يقتل ويقنص األطفال‬
‫وكيف وصلت إلى األراضي احملتلة‬ ‫الدميقراطيني صعب�ا خاصة مع‬ ‫أوكرانيا واحلرب على غزة‪ ،‬مبينًًا‬ ‫والنساء؟! مؤكدًاً أن اإلعالم الغربي‬
‫حتى ‪ 40‬كيلومترًاً؟! وكيف اشتبكت‬ ‫انطالق موسم االنتخابات التي تعد‬ ‫أنه حينما شن الرئيس الروسي‬ ‫التقليدي سقط في فخ اإلفالس‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪6‬‬
‫وتابع الشايجي أنه في عام‬ ‫على مدى ساعات في انتكاسة‬
‫‪2011‬م‪ ،‬قامت «حماس» بتبادل‬ ‫للمخطط العسكري واالستخباراتي‬
‫جندي واحد بأكثر من ‪1000‬‬ ‫واألمني الصهيوني؟!‬
‫سجني ومعتقل فلسطيني في‬ ‫واعتبر الشايجي أن معركة‬
‫السجون «اإلسرائيلية»‪ ،‬مبن في‬ ‫«طوفان األقصى» من أهم املعارك‬
‫ذلك قائد «حماس» في غزة يحيى‬ ‫منذ عام ‪2008‬م؛ ألنه لم يحدث أبدًًا‬
‫السنوار‪.‬‬ ‫أن «إسرائيل» قاتلت داخل األراضي‬
‫وأشار الشايجي إلى أن‬ ‫الفلسطينية التي حتتلها‪ ،‬وهذا بحد‬
‫الظاهرة الرئيسة تتمثل في فقدان‬ ‫ذاته إجناز وتكتيك مميز‪ ،‬مشيرًاً إلى‬
‫«إسرائيل» لسمعتها وتشتتها‪،‬‬ ‫أن «إسرائيل» غير معتادة أن تخوض‬
‫حيث فشلت في حتقيق أهدافها‬ ‫حربًاً طويلة ومكلفة‪.‬‬
‫العسكرية حتى اآلن‪ ،‬وهو ما لم‬ ‫وبني أن العقدة لدى «إسرائيل»‬
‫يحدث منذ عام ‪1948‬م‪ ،‬وأضاف‬ ‫هي كيف جنحت «حماس» في بناء‬
‫أن النتائج املختلفة أدت إلى ارتباك‬ ‫أنفاق غزة؛ ففي آخر حربني قالوا‪:‬‬
‫«إسرائيل» وفقدانها السيطرة على‬ ‫إن «حماس» لم تشارك‪ ،‬والواضح‬
‫املوقف‪ ،‬مشيرًاً إلى أن «حماس»‬ ‫أنها كانت حتضر لعملية نوعية‬
‫جنحت في بناء شبكة األنفاق التي‬ ‫فكانت «طوفان األقصى»‪.‬‬
‫كانت متتد إلى عمق ‪ 10‬و‪ 20‬مترًًا‬ ‫وأشار إلى أن هناك خذالنًًا‬
‫حتت األرض‪ ،‬ولم يتوقعها أحد؛‬ ‫عربي�ا وتواطؤ�ا دولي�ا وضعفًًا‬
‫ما جعل «إسرائيل» تواجه حتديًًا‬ ‫إسالميًاً‪ ،‬وأهل غزة يرددون ما كان‬
‫جديدًاً لم تكن تتوقعه‪.‬‬ ‫يقوله السوريون ضد بشار األسد‪:‬‬
‫وأكد الشايجي أن املعركة‬ ‫«ما لنا غيرك يا اهلل»! وما يحدث‬
‫احلالية هي الوعي‪ ،‬حيث بات‬ ‫في غزة سيحدث في دول عربية‬
‫الشباب العربي أكثر وعي�ا مبا‬ ‫والكل سيصبح مبفرده!‬
‫يجري في املنطقة‪ ،‬وأصبحوا‬ ‫وتساءل الشايجي‪ :‬هل يعقل‬
‫أكثر تفهم�ا للقضية الفلسطينية‬ ‫أن نفعل هذا بالفلسطينيني وأن‬
‫وللتحديات التي تواجهها؛ ما يجعل‬ ‫نتركهم في هذه املأساة يأكلون علف‬
‫«إسرائيل» تواجه حتديات جديدة‬ ‫احليوانات شمال غزة؟! أين (ِإ �َ‬
‫َِمَّنا‬
‫في مجال اإلعالم والوعي العام‪.‬‬ ‫اُمْل�ُْؤِْمِ ُنُو ََن ِإِْخْ ََوٌةٌ) (احلجرات‪،)10 :‬‬
‫وأضاف‪ :‬منذ أكثر من‬ ‫و«انصر أخاك»؟!‬
‫حذرُت في مقاالت وندوات‬ ‫ُ‬ ‫عام‪،‬‬ ‫وأكد أن التحول الذي أنتجته‬
‫وتغريدات من أننا نتجه نحو حرب‪،‬‬ ‫«طوفان األقصى» هو في معركة‬
‫مبجرد تشكيل حكومة «نتنياهو»؛‬ ‫الوعي‪ ،‬مشير�ا إلى أن القضية‬
‫بسبب االتهامات اجلنائية التي‬ ‫الفلسطينية تهمشت خالل السنوات‬
‫تواجهه التي تتضمن خيانة األمانة‬ ‫العشر املاضية كليًاً‪ ،‬والسلطة‬
‫واالستغالل الشخصي للسلطة‪،‬‬ ‫الفلسطينية فقدت كل شيء‬
‫وهو ما دفعه لتشكيل حكومة‬ ‫فيها‪ ،‬حيث غرقت في الفساد‬
‫متطرفة إلنقاذ نفسه‪.‬‬ ‫واحملسوبية‪ ،‬وتعاونت أمني�ا مع‬
‫وختم الشايجي حديثه‬ ‫االحتالل «اإلسرائيلي»‪.‬‬
‫بالتأكيد على أن املقاومة‬ ‫وقال‪ :‬إن ما يزعج «إسرائيل»‬
‫الفلسطينية‪ ،‬بقيادة «حماس»‪،‬‬ ‫ما يجري في العواصم األوروبية من‬
‫متثل نقطة حتول في مسار‬ ‫مظاهرات داعمة لفلسطني‪ ،‬مضيفًًا‬
‫الصراع‪ ،‬محققة إجنازات عسكرية‬ ‫أن «إسرائيل» بنت سردية كاذبة على‬
‫ونفسية تاريخية‪ ،‬و ِ‬
‫مُممِّثلة حقيقية‬ ‫مدى ‪ 75‬سنة بأنها الدولة األكثر‬
‫للشعب الفلسطيني في مواجهة‬ ‫دميقراطيــــــــــــة وسط محيـــــــــط‬
‫االحتالل والظلم‪.‬‬ ‫من االستبداد!‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪7‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫‪ 100‬عام على سقوط الخالفة‪..‬‬


‫ماذا خســر المسلمون والعالـم؟‬

‫في مارس هذا العام (‪2024‬م) حتل على املسلمني‪ ،‬بل العالم أجمع‪ ،‬ذكرى مرور قرن على سقوط اخلالفة‬
‫اإلسالمية (العثمانية)‪ ،‬آخر دولة توحدت حتت لوائها أقطار اإلسالم في مشارق األرض ومغاربها‪.‬‬
‫في هذا التحقيق‪ ،‬تفتح «املجتمع» هذا امللف وتسبر أغوار تلك القضية التي شغلت املسلمني؛ أفراد ًًا وجماعات‬
‫ً‬
‫ودوًال‪ ،‬على امتداد قرن مضى وما زالت‪ ،‬مستذكرة خسارة العالم واألمة اإلسالمية وبال هذا السقوط‪.‬‬

‫عدده اليوم مليارًاً ونصف مليار مسلم ميتلك‬ ‫األفغاني‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬كان لديهم طموح بتجديد‬ ‫تحقيق‪ :‬مجاهد الصوابي ‪ -‬حسن القباني‪:‬‬
‫هائًال وامتدادًاً جغرافيًاً واسعًاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫ثقًال دميغرافيًاً‬
‫ً‬ ‫اخلالفة في إطار رابطة عربية تركية قوية‪،‬‬
‫بداية‪ ،‬يؤكد د‪ .‬رفيق عبدالسالم‪ ،‬وزير‬
‫ويتوفر على الثروات واملضايق واملمرات‬ ‫ولكن كانت األحداث أكبر منهم جميعًاً؛ إذ‬
‫اخلارجية التونسي األسبق‪ ،‬القيادي بحركة‬
‫والرسالة العاملية‪ ،‬ولكنه ال ميتلك صوتًاً موحدًًا‬ ‫انتهى األمر إلى «طالق» تاريخي بني العرب‬
‫النهضة‪ ،‬لـ«املجتمع»‪ ،‬أن املسلمني خسروا‬
‫في عالم تنافسي وشرس‪ ،‬بحكم غياب احلد‬ ‫والترك في إطار صعود القوميات‪ ،‬ومتزق شمل‬
‫الشيء الكثير بسقوط اخلالفة‪ ،‬إذ وجدوا‬
‫األدنى من االنسجام وغياب الكيان السياسي‬ ‫املسلمني تبعًاً لذلك في كيانات وطنية هشة‬ ‫أنفسهم مبا يشبه حالة ُيُْتْم سياسي‪ ،‬ونهبًًا‬
‫املوحد الذي يعبر عن صوت اإلسالم واملسلمني‪،‬‬ ‫وضعيفة‪.‬‬
‫لالحتالل األجنبي‪ ،‬وإعادة رسم احلدود‬
‫رغم أن أغلب األزمات واحلروب والصراعات‬ ‫وأعقب ذلك اشتداد القبضة الغربية على‬
‫واخلرائط بحسب أولويات وحسابات القوى‬
‫والكوارث جتري على أرض اإلسالم‪ ،‬بينما‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬ولكن خسارة العرب كانت‬
‫الكبرى؛ بل حتول اإلسالم موضع إدانة واتهام‬
‫متكنت أمم أخرى منيعة من تثبيت أقدامها‬ ‫أكثر وأثقل من غيرهم من أمم اإلسالم الكبرى‪،‬‬
‫بكل السلبيات والرذائل من عنف وإرهاب‬
‫والوقوف بند ّّية في وجه القوى الغربية الكبرى‬ ‫فقد جنح األتراك نسبيًاً في تشكيل كيان قومي‬
‫وتعصب وفشل سياسي وتنموي وغيره‪ ،‬وكأن‬
‫بعد عقود طويلة من الضعف والهوان بسبب‬ ‫وازن يضم منطقة األناضول والروملي‪ ،‬بينما‬
‫اإلسالم واملسلمني مصدر الشرور في عالم‬
‫وجود كيان سياسي يعبر عنها مثل الصني‬ ‫حتول العرب إلى كيانات ُُقطرية هشة وضعيفة‬
‫اليوم‪.‬‬
‫والهند ً‬
‫مثًال‪.‬‬ ‫ومتنازعة فيما بينها‪ ،‬ومبوازاة ذلك مت غرس‬ ‫وأضاف عبدالسالم أن اإلصالحيني‬
‫ولفت عبدالسالم إلى أن اخلالفة كنموذج‬ ‫الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي‪.‬‬ ‫اإلسالميني مثل رشيد رضا‪ ،‬وشكيب أرسالن‪،‬‬
‫تاريخي تفكك ولن تعود األمور ملا كانت عليه؛‬ ‫وأشار إلى أن عالم اإلسالم الذي يفوق‬ ‫وعبداهلل ندمي‪ ،‬ومن قبلهم جمال الدين‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪8‬‬
‫حمدا‬
‫عبدالس‬
‫األمة‬
‫الخالفة‬
‫تمتلكتف‬
‫تاريخي‬
‫نشروا‬
‫الجاهلية‬
‫العالم‬
‫الكتاني‪:‬‬
‫شلبي‪:‬‬
‫غياباألمة‬
‫الخالفة‬ ‫أعداء‬
‫القومياتحرم‬
‫اإلسالمية‬
‫الخالفة ال تزال‬
‫كنموذج‬
‫عناصر‬
‫ولن‬ ‫تفكك‬
‫حمدادوش‪:‬‬
‫عبدالسالم‪:‬‬
‫األمة‬
‫تمتلك َّ‬
‫تاريخي‬
‫نشروا‬
‫الجاهلية‬
‫العالم‬
‫األمة‬
‫الخالفة‬
‫الكتاني‪:‬‬
‫شلبي‪:‬‬
‫أعداء‬
‫غياب‬
‫القومياتحرم‬
‫اإلسالمية‬
‫حمدادوش‪:‬‬
‫عبدالسالم‪:‬‬
‫الخالفة ال تزال‬
‫كنموذج‬
‫عناصر‬
‫ولن‬ ‫تفكك‬
‫األمة‬
‫تمتلك َّ‬
‫تاريخي‬
‫عام‬ ‫نشروا‬
‫الجاهلية‬
‫العالم‬
‫ة‬
‫لخالفة‬
‫حرم‬
‫ني‪:‬‬
‫بي‪:‬‬

‫وا‬
‫كان األ‬
‫اإلمْتعود‬ ‫الوحدة‬
‫َّقتاالتزان‬
‫أجمعرمن‬
‫التي ف‬ ‫واالستئناف‬
‫كان األمور لما‬
‫اإلمْتعود‬
‫الحضاريعليه ً‬
‫الوحدة‬
‫َّقت االتزان‬
‫أجمعرمن‬
‫التي ف‬ ‫واالستئناف‬
‫كان األمور لما‬ ‫الخالفة‪..‬‬
‫اإلمْتعود‬
‫الحضاريعليه ً‬
‫الوحدة‬ ‫ط‬
‫ت االتزان‬
‫ن‬
‫الحضاري‬
‫كانت‬ ‫اإلسالمية‬
‫واألخالقي‬ ‫القيمي‬ ‫مجددا‬ ‫كانت‬ ‫اإلسالمية‬
‫واألخالقي‬ ‫القيمي‬ ‫مجددا‬ ‫كانت‬ ‫المية‬
‫األخالقي‬

‫مون والعالم؟‬
‫لى املسلمني‪ ،‬بل العالم أجمع‪ ،‬ذكرى‬
‫ية (العثمانية)‪ ،‬آخر دولة توحدت‬
‫ألرض ومغاربها‪.‬‬
‫إلى سقوط دول احل‬
‫وإم‬ ‫وكيانات‬
‫وأدىغَّيَر‬ ‫دول‬
‫احلدث ذلك في‬
‫ومت تثبيت‬
‫الغربية‪ ،‬فهو‬
‫والقيم وعلى‬ ‫احلضارة‬
‫وإمبراطوريات‪،‬‬ ‫سقوط دول‬ ‫دولة إلى‬‫وكيانات‬
‫وأدى‬ ‫دولغياب‬
‫نتيجةفي‬
‫كثيرةتثبيت ذلك‬ ‫مياه ومت‬
‫الغربية‪،‬‬
‫والقيمجرت‬
‫وعلى‬ ‫احلضارة‬
‫وإمبراطوريات‪،‬‬ ‫دول‬ ‫وأدى إلىألنسقوط‬ ‫دول وكيانات‬
‫في‬
‫الذي‬ ‫الدراماتيكي‬ ‫احلديث‪،‬‬ ‫وعدم فعالية‬ ‫اخلالفة‬ ‫القضية‬
‫وقد‬ ‫نفسه‪،‬‬ ‫تلك‬
‫يكرر‬ ‫أغوار ال‬
‫التاريخ‬ ‫هذا امللف وتسبر‬
‫القا‬
‫العامةاإلسالمية‪،‬‬ ‫األمانة‬
‫اخلالفة‬ ‫عضوغَّيَر‬
‫رأسهاوجه‬ ‫التي غاب‬
‫يوضح‬
‫واإلسالمي‪ ،‬بل‬ ‫الدولية‬
‫جانبه‪،‬‬
‫العربي‬ ‫واملؤسسات‬
‫العالممن‬ ‫الدولة‬
‫في مجرى‬‫الدولي‬ ‫القانون‬
‫املتمثلة‬
‫حقيقي‬‫اإلسالمية‪،‬‬‫العامة‬
‫إسالمي‬ ‫األمانةكيان‬
‫اخلالفة‬ ‫رأسها‬
‫وسقوط‬ ‫التي غاب‬
‫املسلمني‪ ،‬عضو‬
‫يوضح‬ ‫الدولية‬
‫جانبه‪،‬‬ ‫واملؤسسات من‬
‫املمكن‬ ‫الدولة‬
‫من‬ ‫الدولي‬
‫فيولكن‬ ‫القانون‬
‫املتمثلة‬
‫الكبير‪،‬‬ ‫العامة‬
‫النهراإلسالمية‪،‬‬
‫اإلسالمي‬ ‫األمانةفي‬
‫اخلالفة‬ ‫ضح عضورأسها‬ ‫غاب‬
‫عنه‬ ‫اخلارج بشار‬
‫للمؤمتر الشعبي لفلسطينييالعثمانية‪.‬‬ ‫ً‬
‫املسلمون متاما‪.‬‬ ‫األمة عنها‬ ‫اخلارج‬ ‫ً‬
‫متاما‪.‬‬ ‫وما‬ ‫مضى‬
‫املسلمون‬ ‫قرن‬
‫شكل من عنها‬ ‫امتداد‬ ‫على‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬
‫ودوال‬
‫البشرية جمعاء‪.‬‬ ‫االقتصادية‬ ‫مقدراتبشار‬ ‫لفلسطينييكافة‬
‫العثمانية‪.‬‬ ‫الشعبيوَّحَ د يجمع‬
‫م‬ ‫للمؤمتر‬
‫بني‬ ‫السياسي‬ ‫االرتباط‬ ‫أشكال‬ ‫لفلسطينيي اخلارج‬
‫العثمانية‪.‬وجودبشار‬
‫كبيرة األداة في‬ ‫العشرين مَّثَ‬
‫املسلمنيكانت‬
‫لقدل‬ ‫حرم‬
‫القرنخسارة‬ ‫اخلالفة‬
‫لـ«املجتمع»‪ ،‬أن‬
‫أن‬ ‫حمدادوش‬ ‫غياب‬
‫شلبي‪،‬‬ ‫اخلالفةأن‬
‫ويؤكد‬ ‫إسقاطشلبي إلى‬‫ولفت‬
‫العاملية‬
‫املائيةفي‬ ‫كبيرة‬
‫املسلمنيكانت‬
‫املمراتاألداة‬ ‫على‬
‫ويسيطرلقد‬ ‫حرم‬
‫والتجارية‪،‬خسارة‬ ‫غياب اخلالفة‬
‫لـ«املجتمع»‪ ،‬أن‬ ‫منظمةأنشلبي‪،‬‬
‫التعاون‬ ‫شلبي إلى‬
‫اخلالفة‬ ‫إطار‬
‫إسقاط‬‫ولفت‬ ‫السقوط‪.‬‬
‫اإلسالم في‬
‫األداة في‬ ‫كبيرة أمم‬ ‫املسلمنيهذا‬
‫مختلف‬
‫كانت‬ ‫وبال‬
‫إلسالمية لقد‬‫حرم خسارة‬ ‫أن‬
‫العا‬ ‫الدولية‬
‫اإلسالميةالصعيد‬
‫النزعة القومية‬ ‫العثمانية على‬ ‫للصراعات‬
‫الكبير الذي‬
‫اخلالفة‬ ‫االنفجارسقوط‬
‫واألخالقي‬ ‫بسبب‬ ‫القيمي‬ ‫حلظة‬
‫كمال‬ ‫االتزان‬ ‫والقيمية‬
‫التيمن قادها‬ ‫العالم‬
‫القومية‬‫األخالقية‬
‫الصعيد‬
‫النزعة‬ ‫اجلوانب‬ ‫اخلالفةكما غابت‬
‫العثمانية على‬
‫اإلسالمية‬ ‫واألخالقياملهمة‪،‬‬
‫الذي‬ ‫الرابطةسقوط‬ ‫القيمي‬
‫بسبب‬ ‫االتزانغرار‬
‫كمال‬ ‫على‬
‫غيرها‪،‬قادها‬
‫من‬
‫العالمالتي‬
‫القومية‬ ‫ً‬
‫النزعة مثًال‪ ،‬أو‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ذي العثمانية على‬
‫اإلسالميةالصعيد‬ ‫الفة‬
‫يدح‬ ‫السياسية الذي‬
‫واألخالقي ربط تق ُّد‬‫أتاتورك‪،‬‬ ‫اخلارطة‬
‫واالجتماعي‬ ‫على‬
‫واالقتصادي‬ ‫احلضارات غَّيَرت‬
‫القائم‬ ‫الصاخبة‪ ،‬التي‬
‫السياسي‬ ‫فكرة صراع‬
‫وتطورها‬ ‫البالد‬‫واإلحلاد‪،‬‬
‫يدحض‬‫الغاب تق ُّدم‬ ‫شريعة‬
‫واألخالقي ربط‬ ‫واالجتماعيإلى‬
‫أقدامهاالذي‬
‫أتاتورك‪،‬‬‫وحتولت‬
‫من تثبيت‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬
‫على‬ ‫منيعة‬
‫القائم‬
‫واالقتصادي‬ ‫لالحتاد‬
‫احلضاراتأخرى‬
‫متكنت أمم‬
‫السياسي‬ ‫القومية‬
‫الدولة صراع‬
‫وتطورها‬ ‫يدحضشمل‬
‫فكرة‬
‫البالد‬ ‫حلدود‬
‫العابرة تق ُّدم‬
‫ومتزق‬ ‫القوميات‪،‬‬ ‫القارية‬
‫واألخالقي ربط‬
‫الذي‬ ‫أقدامها‬
‫صعود‬ ‫إطار‬ ‫تثبيت‬ ‫علىمن‬
‫والترك في‬
‫واالجتماعي‬
‫أتاتورك‪،‬‬ ‫ةدي‬
‫االس‬ ‫امللتهب‬
‫الواحدة إلى‬ ‫االنفجار‬ ‫هذا‬ ‫بداية‬
‫والديني‪،‬لألمم‪،‬‬
‫وحتولت األمة‬ ‫اجلماعية‬‫وكانت‬
‫والعلمي‬ ‫العالم‪،‬‬
‫واإلبادة‬ ‫في‬
‫والظلم‬ ‫واألخالق‬
‫االستبداد‬ ‫القيم‬ ‫حساب‬‫الكبرى‬
‫الواحدة إلى‬ ‫على‬ ‫الشر‬
‫الغربية‬ ‫قوى‬
‫القوى‬
‫وحتولت األمة‬ ‫لألمم‪،‬‬ ‫وعلو‬
‫وجه‬ ‫اجلماعية‬
‫والديني‪،‬‬ ‫رؤية‬
‫بند ّية في‬
‫والعلمي‬ ‫يقتضي‬
‫والوقوف‬
‫واإلبادة‬ ‫األمر‬
‫والظلم‬ ‫هشة‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬‫مثًال‬
‫كيانات وطنية‬
‫االستبداد‬ ‫ً‬ ‫األوروبي‬
‫عنفيإلى‬ ‫الكبرى‬
‫لذلك‬
‫الواحدة‬ ‫ً‬
‫الغربية‬
‫األمة‬ ‫القوى‬
‫ملسلمني تبعا‬
‫حتولت‬‫مم‪،‬‬
‫الهوية اإلسالم‬ ‫بالتخلي عن‬ ‫وشريعة‬ ‫عقيدة‬ ‫الهوية اإلسالمية؛‬ ‫عن‬ ‫بالتخلي‬ ‫وشريعة‬ ‫عقيدة‬ ‫اإلسالمية؛‬ ‫الهوية‬ ‫بالتخلي‬
‫‪1914‬م‬ ‫عامي‬ ‫بني‬ ‫األولى‬ ‫العاملية‬ ‫احلرب‬ ‫مع‬ ‫بسبب‬ ‫اليوم‪.‬‬
‫والهوان‬ ‫عالم‬
‫الضعف‬ ‫في‬
‫خسرهامن‬ ‫اإلسالمية‬
‫عقود طويلة‬ ‫األقطار‬
‫بعد‬ ‫تقوده‬ ‫�ا‬ ‫مشترك‬ ‫�ا‬ ‫ومشروع‬ ‫بسبب‬ ‫والهوان‬ ‫ضعف‬
‫وهذ‬ ‫ودب الشقاق‬
‫مبحاوالت مستم‬ ‫وسلوكاً‪،‬‬‫العالموحدة األمة‬
‫خسرهاومتزقت‬ ‫قيميةوكيانات‪،‬‬‫تركيا دول‬ ‫لفصلخسارة‬ ‫مستميتة أكبر‬
‫مبحاوالت وهذه‬ ‫الشقاق‬ ‫وسلوكاً‪،‬‬
‫ودب‬ ‫وحدة األمة‬ ‫العالم‬
‫ومتزقت‬ ‫وكيانات‪،‬‬ ‫قيمية‬
‫تركيا دول‬ ‫خسارة‬ ‫لفصل‬ ‫مستميتة أكبر‬
‫مبحاوالت وهذه‬ ‫الشقاق‬ ‫ودب‬ ‫وضعيفة‪ .‬األمة‬
‫وسلوكاً‪،‬‬ ‫وحدة‬ ‫عالم‬
‫ت‬
‫و‪1918‬م‪ ،‬التي راح ضحيتها نحو ‪ 37‬مليون‬ ‫خسر بتحوله إلى رهينة‬ ‫العالم‬ ‫أن‬ ‫ويؤكد‬ ‫وتركيا‬ ‫ومصر‬ ‫وباكستان‬ ‫إندونيسيا‬ ‫مثل‬ ‫الكبرى؛‬
‫التاريخي الس‬
‫واحلض‬ ‫بعدها الكيان‬
‫أقطارها؛ وزُرع‬
‫عن‬ ‫احلضارةبني‬
‫والنزاعات‬ ‫واخلالفتلك‬
‫التيمعغابت مع‬ ‫واحلضاري‪،‬روحه‬
‫والتآمر‬ ‫التاريخي الستعادة‬ ‫الصنيالكيان‬ ‫مثل‬
‫بنيعنها عن‬
‫أقطارها؛ وزُرع‬
‫بعدها‬ ‫يعبر‬
‫احلضارة‬ ‫سياسي‬
‫والنزاعات‬ ‫غابتكيانمع‬
‫واخلالفتلك‬ ‫وجود‬
‫التيمع‬ ‫علىروحه‬
‫والتآمر‬ ‫القبضة الغربية‬
‫الستعادة‬
‫واحلضاري‪،‬‬ ‫الكيان‬
‫التاريخي‬ ‫الصني‬
‫اشتداد‬
‫ذلكوزُرع‬
‫بعدها‬ ‫وأعقبمثل‬
‫أقطارها؛‬
‫عن‬ ‫بنيعنها‬
‫ضارة‬ ‫تبر‬
‫نسمة‪ ،‬وهو ما أَّثَر على موازين القوى العاملية‪،‬‬ ‫بيد الغرب واملسيحية الصهيونية املستندة‬ ‫اتفاق‬ ‫ووجود‬
‫املتوحشة‪ .‬مث ً‬ ‫وإيران‪،‬‬ ‫السعودية‬ ‫العربية‬ ‫واململكة‬
‫املاد‬ ‫الصهيونية وسط‬
‫العاملية والقوى‬ ‫الصهيوني بينها ليعمق الفرقة والنزاع‬ ‫املتوحشة‪.‬‬
‫التوراتيةمن أجل‬
‫املاديةالغربية‬ ‫الصهيونية وسط‬
‫العاملية والقوى‬ ‫الصهيوني بينها ليعمق الفرقة والنزاع‬ ‫ال‪.‬‬ ‫والهند‬ ‫املادية كانت‬
‫التوراتيةمن أجل‬
‫الغربية‬ ‫العرب‬
‫خسارةوالقوى‬ ‫وسط‬
‫العاملية‬ ‫ولكن‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫والنزاع‬
‫الصهيونية‬ ‫لعالم الفرقة‬‫عمق‬
‫وأدى إلى سقوط دول وإمبراطوريات‪ ،‬وعلى‬ ‫إلى ركائز دينية إجنيلية توراتية التي تسيطر‬ ‫بني هذه الدول اإلسالمية الكبرى من شأنه‬
‫تنمية‪ .‬العالم العربي‬
‫انفراط عقد‬ ‫البرملاني وال نهضة وال‬
‫فال استقرار‬ ‫حمدادوش‪،‬‬
‫ناصراملسلمني؛‬ ‫يتحدث دون‬
‫واإلسالمي‬‫تنمية‪ .‬العالم العربيفيما‬ ‫كنموذج‬
‫عقد‬ ‫اخلالفةوال‬
‫انفراط‬ ‫البرملانيأنوال نهضة‬
‫عبدالسالم إلى‬
‫استقرار‬ ‫حمدادوش‪،‬‬
‫فال‬ ‫ناصرولفت‬
‫املسلمني؛‬ ‫الكبرى‪،‬يتحدث‬
‫واإلسالمي دون‬ ‫العربيفيما‬ ‫العالماإلسالم‬ ‫من أمم‬ ‫كنموذج‬
‫غيرهم‬
‫تنمية‪.‬‬
‫عقد‬ ‫اخلالفة وال‬
‫انفراط‬ ‫من‬
‫نهضة‬ ‫وأثقل‬ ‫انيأنوال‬
‫ىرار‬
‫كثر‬
‫رأسها اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬املتمثلة في الدولة‬ ‫على مقدرات العالم اليوم‪ ،‬وشكلت ركائز بناء‬ ‫شكًال من أشكال الرابطة اإلسالمية‬ ‫ً‬ ‫أن يحيي‬
‫جامعة‪ .‬الس‬ ‫اإلسالمية‬
‫أمتناإسالمية‬ ‫السلم» ثروات راية‬
‫مجتمعشلبي أن‬ ‫جامعة‪ .‬السابق والقيادي في «حركةويضيف‬ ‫أمتنا عليه؛‬
‫اإلسالمية‬ ‫ثروات كانت‬
‫األمور ملا‬
‫تعود أن‬
‫السلم»‬ ‫ولن‬
‫مجتمعشلبي‬
‫ويضيف‬‫تفكك‬ ‫«حركة‬ ‫تاريخي‬ ‫والقيادي في‬ ‫السابققومي‬
‫تشكيل كيان‬ ‫نسبياً في‬
‫اإلسالمية‬ ‫األتراكعليه؛‬
‫ثروات كانت‬
‫أمتنا‬ ‫جنحملا‬
‫األمور‬
‫فقد‬
‫سلم»‬
‫أن‬
‫العثمانية‪.‬‬ ‫إسالميةومت تثبيت ذلك في‬ ‫احلضارة والقيمرايةالغربية‪،‬‬ ‫نطام اخلالفة التاريخي‪ ،‬ولكن وفق‬ ‫جامعة‪.‬‬
‫إسالميةيشبه‬ ‫راية مبا‬
‫اجل‬ ‫ُ‬ ‫كثيرة‬ ‫مياه‬ ‫جرت‬ ‫وقد‬ ‫نفسه‪،‬‬ ‫يكرر‬ ‫ال‬ ‫التاريخ‬‫ُ‬ ‫ألن‬ ‫بينما‬ ‫والروملي‪،‬‬ ‫األناضول‬ ‫كثيرة‬ ‫مياه‬
‫منطقة‬ ‫جرت‬
‫يضم‬ ‫وقد‬
‫‪،‬صر‬
‫وازن‬
‫ولفت وحرية‬
‫حمدادوش إلى أ‬ ‫ُهكت‪،‬‬
‫اخلالفة‬ ‫املعاصرإسقاط‬
‫ومقدساتها انت‬ ‫وسيادتهافي‬‫كانتالتاريخ‬
‫األداة‬ ‫لـ«املجتمع»‪ ،‬ن أن‬
‫هبت‪،‬‬ ‫سقوط احلضارة‬
‫لقد‬ ‫اجلزائرية‪،‬‬
‫التي أنغاب‬ ‫وحرية‬
‫حمدادوش إلى‬
‫الدولية‬ ‫الدولي انتُهكت‪،‬‬
‫ولفت‬
‫واملؤسسات‬ ‫ومقدساتها‬‫املعاصر‬ ‫هبت‪ ،‬التاريخ‬
‫وسيادتهاالقانون‬ ‫املستجدة‪ .‬أن‬
‫لـ«املجتمع»‪،‬ن‬ ‫اجلزائرية‪،‬‬
‫والتحدياتاحلضارة‬
‫سقوط‬ ‫اجلديدة أن‬
‫حمدادوش إلى‬ ‫ولفت وحرية‬
‫املعطيات‬ ‫مقدساتها انتُهكت‪،‬‬
‫كثيراًالكيان الس‬
‫يسج‬ ‫البشرية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ثم‬
‫قادها كمال‬ ‫خسرت‬ ‫محطة‬
‫التي‬ ‫القوميةكما‬‫كأسوأ‬
‫لبت‪،‬‬ ‫‪1924‬م‬
‫النزعة ُس‬
‫شعوبها‬ ‫السياسييوملها‪ 3‬مارس‬
‫بسقوط‬
‫اإلسالمية‬ ‫كثيراًالكيان يسجل‬ ‫املمكن ثم‬
‫البشرية‬
‫اإلسالمية‪،‬‬‫خسرت من‬
‫متامًاً‪.‬‬ ‫ولكن‬
‫املسلمون‬‫الكبير‪،‬‬
‫محطة‬ ‫كما‬ ‫اإلسالمي‬
‫كأسوأ‬
‫لبت‪،‬عنها‬ ‫شعوبها ُس‬ ‫بسقوط النهر‬
‫‪1924‬م‬ ‫وكيانات في‬
‫مارس‬ ‫وضعيفةلها‪3‬‬
‫السياسييوم‬
‫يسجل‬
‫دول‬ ‫الكيانهشة‬ ‫كياناتثم ُق‬
‫كثيراًطرية‬ ‫املمكن‬ ‫العربمنإلى‬
‫البشرية‬
‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫حتول ولكن‬
‫خسرت‬ ‫بير‪،‬‬
‫ماطة‬
‫فعاليةعام سو‬
‫‪1924‬م‬ ‫وتطورها رسمياً‬
‫وعدم‬
‫اخلالفةاخلالفة‬ ‫املؤملةالبالد‬
‫الذكرىتق ُُّدم‬
‫دولة‬ ‫فهو ربط‬
‫غياب‬ ‫نتيجة‬
‫الذي‬ ‫اإلنسانية‪،‬‬
‫السقوط‬
‫أتاتورك‪،‬‬ ‫جبني‬
‫حرمفييعني‬
‫سوداءال‬
‫‪1924‬م‪،‬‬
‫اخلالفة‬ ‫فعالية‬
‫غيابعام‬ ‫بني‬ ‫السياسي‬
‫وعدمأنرسمياً‬
‫اخلالفة‬
‫شلبي إلى‬ ‫االرتباط‬
‫اخلالفة‬ ‫املؤملة‬
‫ولفت‬ ‫أشكال‬
‫الذكرىدولة‬ ‫من‬
‫فهوغياب‬ ‫شكل‬
‫نتيجة‬
‫العامة‬ ‫وجود‬
‫اإلنسانية‪،‬‬
‫السقوط‬
‫األمانة‬ ‫جبني‬ ‫غرس‬
‫يعني‬
‫عضو‬ ‫يوضحفي‬ ‫ذلك مت‬
‫سوداء ال‬
‫‪1924‬م‪،‬‬ ‫جانبه‪،‬‬ ‫ومبوازاة‬
‫عام‬ ‫فعالية‬
‫من‬ ‫بني‬
‫بينها‪،‬رسمياً‬ ‫السياسي‬
‫اخلالفةفيماوعدم‬
‫اخلالفة‬ ‫الرتباط‬
‫ومتنازعة‬
‫ةؤملة‬
‫لإلل‬ ‫وشريعة حقيقي‬
‫لعناصرها‪ ،‬وذلك لبقا‬ ‫إسالمي‬ ‫بالعصركيان‬
‫عقيدةالكلي‬ ‫اإلسالميةوسقوط‬
‫اإلسالمية؛‬ ‫املسلمني‪،‬‬
‫الهوية‬ ‫للخالفةعن‬
‫بالتخلي‬
‫اإلسالمية‬‫الرسمي‬ ‫لإللغاء‬
‫الذي‬
‫الفكرة‬ ‫واألخالقيلبقاء‬ ‫حقيقي‬ ‫التعاون‬
‫القيمي‬
‫لعناصرها‪ ،‬وذلك‬ ‫إسالمي‬ ‫كيان منظمة‬
‫االتزان‬
‫الكلي‬ ‫إطار‬
‫بالعصرمن‬ ‫في‬ ‫اإلسالم‬
‫وسقوط‬
‫العالم‬ ‫اإلسالمية‬ ‫مختلف أمم‬
‫املسلمني‪،‬‬
‫بشار‬ ‫للخالفة‬
‫اخلارج‬ ‫الرسمي‬
‫اإلسالمية‬‫لفلسطينيي‬ ‫العربي‪.‬‬
‫لإللغاءالفكرة‬
‫لبقاء‬ ‫الشعبي‬
‫وذلك‬ ‫العالم‬ ‫حقيقي‬ ‫التعاونقلب‬
‫للمؤمتر‬
‫لعناصرها‪،‬‬ ‫إسالميفي‬ ‫كيانمنظمة‬
‫الصهيوني‬
‫الكلي‬ ‫إطار‬
‫لكيان‬
‫صر‬
‫الفرد احل‬
‫واملجتم‬ ‫األمةتركيا‬
‫االقتصادية‬
‫مستوى‬ ‫لفصلعلى‬
‫مقدرات‬‫مستميتة‬
‫كافة غ َّير‬‫يجمعالذي‬‫مبحاوالت‬ ‫األمة‪َّ ،‬‬
‫الدراماتيكي‬
‫موحد‬ ‫احلدثًاً‬ ‫على‬
‫احلديث‪،‬فالفهوتزالوسلوك‬ ‫الفرد القائم‬
‫واملجتمع‪،‬‬ ‫احلضارات‬ ‫الرابطة‬
‫االقتصادية‬
‫مستوى‬ ‫صراع‬ ‫فكرةغرار‬
‫األمة‬
‫على‬ ‫يدحضر على‬
‫مقدرات‬ ‫غيرها‪،‬‬
‫كافة غ َّي‬ ‫ً‬
‫يجمعأوالذي‬
‫مثال‪،‬‬ ‫اإلسالميد‬
‫كبيرة‬
‫الدراماتيكي‬ ‫املسلمني َّ‬
‫موح‬ ‫احلدث‬
‫األمة‬ ‫تزال‬‫يفوقفهو‬
‫خسارة‬ ‫الذي‬
‫واملجتمع‪،‬أن‬
‫احلديث‪،‬فال‬ ‫اإلسالم‬
‫لـ«املجتمع»‪،‬‬ ‫الفرد‬‫االقتصادية‬‫الرابطة‬
‫عالم‬
‫شلبي‪،‬‬
‫مستوى‬ ‫على أن‬ ‫وأشارغرار‬
‫إلى‬
‫األمة‬ ‫ها‪،‬رعلى‬
‫مقدرات‬ ‫غ َّي‬
‫العامليةاإل ْمكان مج‬
‫واال‬ ‫عناصر‬ ‫متتلك مع‬
‫والتآمر‬
‫املائية‬ ‫واحلضاري‪،‬املمرات‬ ‫التاريخي غ َّير‬
‫ويسيطروجه‬
‫على‬ ‫والتجارية‪،‬بل‬ ‫بعدها‬
‫واإلسالمي‪،‬‬ ‫العالم عن‬
‫العربي‬
‫احلضاري‬ ‫لألمم‪،‬‬
‫اجلماعيةمجرى‬
‫واالستئناف‬ ‫واإلبادة‬
‫لالحتاد‬
‫العامليةاإل ْمكان‬
‫عناصر‬ ‫املائية‬
‫متتلك‬ ‫والظلم‬
‫االستبداد املمرات‬
‫القومية‬ ‫الدولة‬
‫ويسيطروجه‬
‫على‬ ‫حلدودر‬ ‫الصعيد‬
‫العابرة‬
‫والتجارية‪ ،‬بل غ َّي‬
‫واإلسالمي‪،‬‬ ‫على‬
‫القارية‬
‫احلضاري‬‫العربي‬‫العثمانية‬ ‫ميتلك‬
‫العالم‬ ‫اخلالفة‬
‫مجرى‬
‫واالستئناف‬ ‫كانمسلم‬ ‫سقوط‬
‫مليار‬ ‫بسبب‬
‫ونصف‬‫لالحتاد‬
‫العامليةاإل ْم‬
‫عناصر‬ ‫ملياراً‬
‫املائية‬
‫متتلك‬ ‫القومية‬ ‫دولة‬
‫على اليوم‬
‫املمرات‬ ‫عدده‬
‫وجه‬
‫البش‬
‫والقيميةيقول د‪ .‬عمر‬ ‫أجل‬
‫جديد‪ ،‬كما‬‫األخالقية‬‫من‬ ‫الغربية‬ ‫والقوى‬ ‫العاملية‬
‫حسنة‪ ،‬فهي املهمة‪ ،‬كما غابت اجلوانب من‬ ‫الصهيونية‬ ‫العالم‬
‫عبيدجمعاء‪.‬‬
‫البشرية‬ ‫خسرها‬
‫والقيميةيقول د‪ .‬عمر‬ ‫قيمية‬
‫رؤيةكما‬ ‫خسارة‬
‫يقتضي‬
‫األخالقية‬
‫جديد‪،‬‬ ‫أكبر‬
‫اجلوانب من‬ ‫وهذه‬
‫وهذا األمر‬ ‫كما‪ ،‬غابت‬ ‫ً‬ ‫واألخالقي‬
‫املهمة‪،‬مثال‬ ‫األوروبي‬
‫حسنة‪ ،‬فهي‬ ‫واالجتماعي‬
‫جمعاء‪.‬‬ ‫ً‬
‫عبيدا‪،‬‬
‫واسع‬‫واالقتصادي‬
‫البشرية‬‫ً‬
‫عمر‬‫جغرافيا‬ ‫ً‬
‫يقول د‪.‬‬ ‫السياسي‬
‫رؤيةكما‬
‫وامتدادا‬
‫والقيمية‬ ‫ً‬
‫هائال‬
‫جديد‪،‬‬ ‫ً‬
‫يقتضي‬
‫األخالقية‬ ‫منا‬
‫دميغرافي‬ ‫ق ً‬
‫األمر‬
‫ال‬
‫جلوانب‬
‫واإلحلاد‪،‬‬
‫التجربة اإلنس‬ ‫رصيد‬‫دون‬‫الغاب‬
‫متتلك‬ ‫واإلسالمي‬ ‫العربي َّثل‬
‫إلى شريعة‬ ‫وحتولت م‬
‫العشرين‬ ‫العالم‬ ‫انفراط أنعقد‬
‫القرن‬
‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫حمدادوش‬
‫املعرفة‬ ‫احلضارة‬
‫ويؤكد‬
‫ومختبر‬ ‫تلك اإلنسانية‬ ‫مع‬ ‫غابت‬
‫واإلحلاد‪،‬‬
‫التجربة‬ ‫رصيد‬ ‫روحه التي‬
‫اإلسالمية‬
‫الغاب‬
‫متتلك‬ ‫الستعادةاألقطار‬
‫شريعة‬ ‫تقوده َّثل‬
‫إلى‬ ‫وحتولت م‬
‫العشرين‬ ‫مشتركاً‬ ‫ومشروعاًإلى‬
‫القرن‬
‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫الواحدة‬
‫املعرفةأن‬
‫حمدادوش‬ ‫األمة‬ ‫وحتولت‬
‫واملمرات‬
‫ومختبر‬ ‫ويؤكد‬
‫اإلنسانية‬ ‫والديني‪،‬‬
‫واملضايق‬
‫التجربة‬ ‫والعلمي‬
‫اإلسالمية‬
‫الثروات‬
‫واإلحلاد‪،‬‬
‫رصيد‬ ‫الغاب‬
‫متتلك‬ ‫على‬‫األقطار‬
‫شريعة‬ ‫هم َّث‬
‫ويتوفر‬
‫إلىل‬
‫جامعة‪.‬‬ ‫إسالمية‬ ‫راية‬ ‫املتوحشة‪.‬‬ ‫التوراتية‬ ‫املادية‬ ‫الشقاق‬ ‫ودب‬ ‫األمة‬ ‫وحدة‬ ‫ومتزقت‬
‫حلظةموحداً‬ ‫وكيانات‪،‬‬ ‫دول‬
‫حلظ‬ ‫الدولية حساب القيم‬
‫التاريخيةواألخالق‬
‫املتمثلة في النُّبو‬ ‫الشر على‬ ‫للصراعات‬
‫الكبيروعلو قوى‬
‫االنفجارومتتلك‬
‫حلظةاخلامتة‪،‬‬ ‫وتركيا‬
‫واألخالق‬
‫املتمثلة في النُّب َّوة‬ ‫حسابومصر‬
‫القيم‬
‫التاريخية‬ ‫وباكستان‬
‫إندونيسياعلى‬
‫الدولية‬ ‫الشر‬ ‫وعلومثلقوى‬
‫للصراعات‬ ‫الكبرى؛‬
‫الكبير‬
‫االنفجارومتتلك‬ ‫اخلامتة‪،‬‬ ‫صوت َّواًة‬ ‫ميتلك‬
‫في النُّب‬ ‫وتركيا‬
‫ولكنه ال‬
‫واألخالق‬
‫املتمثلة‬ ‫ومصر‬
‫العاملية‪،‬‬
‫القيم‬
‫التاريخية‬ ‫حساب‬‫باكستان‬
‫والرسالة‬
‫ولية‬
‫لى‬
‫ولفت حمدادوش إلى أن سقوط احلضارة‬ ‫فيما يتحدث ناصر حمدادوش‪ ،‬البرملاني‬ ‫الكيان‬ ‫ُرع‬‫ُز‬ ‫و‬ ‫أقطارها؛‬ ‫بني‬ ‫والنزاعات‬ ‫واخلالف‬
‫صحة النّص السماوي الص‬
‫احمل‬ ‫َّ‬ ‫السياسية‬ ‫اخلارطةاليوم‪.‬‬
‫رتفي عالم‬ ‫واملستوعَّيب‬
‫احملفوظ التي غِ‬
‫ّص السماوي الصاخبة‪،‬‬ ‫اتفاق‬
‫ووجودة الن‬
‫صح‬
‫َّ‬ ‫السياسيةوإيران‪،‬‬
‫السعودية‬ ‫العربية‬
‫اخلارطة‬
‫اليوم‪.‬‬ ‫في عالم‬ ‫واململكة‬
‫رت‬ ‫احلد التي غ ِ َّي‬
‫واملستوعب‬ ‫السماويغياب‬
‫الصاخبة‪،‬‬
‫احملفوظ‬ ‫وشرس‪ ،‬بحكم‬ ‫اتفاقّص‬ ‫ووجودة‬
‫تنافسي الن‬ ‫صح‬
‫َّ‬ ‫وإيران‪،‬‬
‫سية عالم‬‫ةفي‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ثم الكيان السياسي لها بسقوط‬ ‫السابق والقيادي في «حركة مجتمع السلم»‬ ‫الصهيوني بينها ليعمق الفرقة والنزاع وسط‬
‫رهينةومتتلك في‬
‫العق‬ ‫امللتهبخسر بتحوله‬
‫لألفكارإلىوالقيم‪،‬‬ ‫االنفجار العالم‬
‫بداية هذاويؤكد أن‬ ‫العالم‪ ،‬وكانت‬
‫الصحيحة عن‬ ‫العقيدة‬ ‫رهينةومتتلك في‬ ‫شأنه‬
‫والقيم‪،‬‬ ‫الكبرى من‬
‫لألفكارإلى‬
‫بتحوله‬ ‫اإلسالمية‬
‫امللتهبخسر‬ ‫الدول أن‬
‫االنفجار العالم‬ ‫هذاويؤكد‬ ‫بدايةهذه‬
‫عن‬‫الصحيحةبني‬‫السياسي وكانت‬ ‫العالم‪،‬‬
‫العقيدة‬ ‫الكيانفي‬
‫وغيابومتتلك‬‫رهينة‬ ‫شأنه‬
‫والقيم‪،‬‬ ‫االنسجام‬‫الكبرى من‬
‫لألفكارإلى‬
‫بتحوله‬ ‫خسرمن‬‫ألدنى‬
‫هب‬‫مية‬ ‫م‬
‫اخلالفة رسميًاً عام ‪1924‬م‪ ،‬ال يعني السقوط‬ ‫اجلزائرية‪ ،‬لـ«املجتمع»‪ ،‬أن التاريخ املعاصر‬ ‫املسلمني؛ فال استقرار وال نهضة وال تنمية‪.‬‬
‫واإلنسان مع‬
‫واحلي‬ ‫املستندة‬ ‫الصهيونية‬
‫والكون‬ ‫اهلل‬ ‫عامي ‪1914‬م‬
‫واملسيحية‬ ‫الغرب‬ ‫بيد بني‬
‫العاملية األولى‬ ‫احلرب‬ ‫واإلنسان مع‬ ‫اإلسالمية‬
‫املستندة‬ ‫الرابطةاهلل‬
‫الصهيونية‬ ‫عامي أشكال‬
‫‪1914‬م‬
‫واملسيحية‬ ‫شك ً‬
‫الغربمن‬
‫ال‬ ‫يحيي بني‬
‫العامليةأناألولى‬
‫بيد‬ ‫واملسلمني‪،‬‬
‫احلرب‬ ‫املستندة اإلسالممع‬‫اإلسالميةصوت‬
‫الصهيونيةعن‬
‫الذي يعبر‬‫الرابطة‬‫ملوحد‬‫ال‬
‫‪19‬م‬
‫حية‬
‫اإلسالمية‬ ‫التجربةلعناصرها‪ ،‬وذلك لبقاء الفكرة‬ ‫محطةومتتلك الكلي‬ ‫واحلياة‪،‬‬ ‫‪1924‬م كأسوأ‬ ‫والكون‬
‫مارس‬ ‫يسجل يوم ‪3‬‬ ‫التجربةاإلسالمية‬ ‫ثروات أمتنا‬ ‫ومتتلك‬ ‫واحلياة‪،‬أن‬‫واإلنسان شلبي‬
‫اهلل والكون ويضيف‬
‫تسيطر للدولة و‪18‬‬ ‫التي‬ ‫توراتية‬ ‫مليون‬ ‫الفرد ‪37‬‬
‫نحو‬ ‫ضحيتهاركائز‬ ‫واحلضارةالتي راح‬
‫و‪1918‬م‪،‬‬ ‫التيوفق‬‫توراتيةولكن‬‫التاريخي‪،‬‬‫مليون‬ ‫اخلالفة‬ ‫نحو ‪37‬‬‫نطام‬ ‫يشبه‬
‫ضحيتها‬ ‫والصراعاتالتي راحمبا‬ ‫وسيادتهاو‪1918‬م‪،‬‬ ‫واحلروب‬ ‫الواقعيةوفق‬
‫األزمات‬ ‫أغلبولكن‬ ‫التاريخي‪،‬‬
‫جنيليةأن‬
‫رغم‬
‫يون‬
‫واحل‬ ‫األمة السابقة‬
‫الواقعية‬ ‫إجنيليةفال تزال‬ ‫دينية‬
‫واملجتمع‪،‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬إلى‬
‫مستوى‬ ‫على‬ ‫الذكرى املؤملة‬ ‫تسيطر‬
‫فهو للدولة‬
‫السابقة‬ ‫الواقعية‬
‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫في جبني‬ ‫إجنيلية‬
‫دينيةسوداء‬ ‫ركائز‬
‫وحرية‬ ‫ُهكت‪ ،‬إلى‬
‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫واحلضارة‬
‫ومقدساتها انُت‬ ‫للدولة‬ ‫تسيطر‬
‫التيُنُهبت‪،‬‬
‫السابقة‬ ‫توراتية‬
‫بناء األمنوذجنسم‬ ‫ركائز‬
‫امتداد‬ ‫العاملية‪،‬اليوم‪،‬‬
‫واالستئناف وشكلت‬
‫ومتتلك‬
‫احلضاري‬ ‫كانالعالم‬‫القوى‬
‫موازيناإل ْْم‬
‫مقدرات‬ ‫على على‬
‫عناصر‬ ‫عبر‬
‫متتلك‬ ‫التطبيقيما أ َّث‬
‫لهار‬ ‫بالعصروهو‬
‫األمنوذجنسمة‪،‬‬ ‫بناء‬
‫اإلسالمية‬ ‫ركائز‬
‫امتداد‬ ‫املستجدة‪.‬‬
‫وشكلت‬
‫ومتتلك‬
‫للخالفة‬ ‫الرسمي‬ ‫والتحديات‬
‫العاملية‪،‬‬
‫اليوم‪،‬‬ ‫القوى العالم‬
‫لإللغاء‬ ‫اجلديدة‬
‫مقدرات‬ ‫املعطيات‬
‫موازينًًا‬
‫علىكثير‬ ‫على‬
‫لهار عبر‬
‫البشرية‬ ‫خسرت أ َّث‬‫بينما‬
‫التطبيقيما‬
‫نسمة‪ ،‬وهو‬ ‫اإلسالم‪،‬‬
‫كما‬ ‫أرض ُُسلبت‪،‬‬
‫األمنوذج‬ ‫بناء‬ ‫ومتتلك على‬
‫ركائز‬
‫امتداد‬
‫شعوبها‬ ‫املستجدة‪.‬‬
‫جتري‬
‫وشكلت‬ ‫ديات‬
‫والكوارث‬
‫مملية‪،‬‬
‫اليوم‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪9‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫العامة للدولة اإلسالمية الكونفدرالية‪.‬‬ ‫والبربر استطاعوا بناء دولة جتمعهم‪ ،‬فكانوا‬ ‫من جديد‪ ،‬كما يقول د‪ .‬عمر عبيد حسنة‪ ،‬فهي‬
‫من ناحيته‪ ،‬يشعر املستشار التربوي‬ ‫في ثورات مستمرة منعت املسلمني من النهوض‪.‬‬ ‫متتلك رصيد التجربة اإلنسانية ومختبر املعرفة‬
‫واألكادميي املتفرغ باجلامعة العاملية مباليزيا‬ ‫ويلفت إلى أن سقوط اخلالفة كان مصيبة‬ ‫التاريخية املتمثلة في الُّنُبَّوَ ة اخلامتة‪ ،‬ومتتلك‬
‫د‪ .‬عالء حسني‪ ،‬في حديث لـ«املجتمع»‪ ،‬مبرارة‬ ‫أدت النهزام املسلمني انهزام�ا نفسيًاً‪ ،‬تاله‬ ‫ِ‬
‫واملستوِعب‬ ‫صَّحَ ة الّنّص السماوي احملفوظ‬
‫كبيرة‪ ،‬في ذكرى سقوط اخلالفة‪ ،‬موضحًاً أنها‬ ‫انهيار تام أمام احلضارة الغربية الفاسدة‪ ،‬ولوال‬ ‫لألفكار والقيم‪ ،‬ومتتلك العقيدة الصحيحة عن‬
‫كانت حصنًاً حصينًاً لألمة والستقرار العالم‪،‬‬ ‫أن اهلل تعالى هيأ احلركات اإلسالمية التي‬ ‫اهلل والكون واإلنسان واحلياة‪ ،‬ومتتلك التجربة‬
‫الُّصعد‪ ،‬وتوزعوا‬‫بهدمه خسر املسلمون على كل ُ‬ ‫قاومت بشدة كل ذلك‪ ،‬لكان املسلمون واإلسالم‬ ‫الواقعية السابقة للدولة واحلضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫فرق�ا سياسية؛ ما أذهب قوتهم‪ ،‬وأصابهم‬ ‫في وضع آخر‪.‬‬ ‫ومتتلك امتداد األمنوذج التطبيقي لها عبر‬
‫بالهوان على الناس والتخلف في كل امليادين‪،‬‬ ‫من جانبه‪ ،‬يرى املفكر اإلسالمي املصري‬ ‫الَّزَمان واملكان واإلنسان‪.‬‬
‫وهو ما أَّثَر سلبًاً على كل العالم‪ ،‬حيث خسر‬ ‫مجدي أحمد حسني‪ ،‬في حديث لـ«املجتمع»‪،‬‬ ‫ويوضح أن احلديث عن مأساة سقوط‬
‫تواجد هذا الكيان األممي‪.‬‬ ‫أن خسارة العالم واملسلمني واضحة من سقوط‬ ‫اخلالفة اإلسالمية في املاضي ال ُيُشِغِ لنا عن‬
‫ويصف د‪ .‬حسني اخلالفة بأنها كانت‬ ‫اخلالفة‪ ،‬فلم يعد هناك قطب إسالمي يشارك‬ ‫احلديث عن إمكانية االستئناف احلضاري‬
‫«صمام أمن كوني» يرعى ويعزز سبل النهضة‬ ‫في إدارة العالم‪ ،‬ولم يعد هناك حصن يحتمي‬ ‫لألمة من جديد في احلاضر واملستقبل‪ ،‬وهو‬
‫احلقيقية في مختلف مراحل استقرارها‬ ‫به املسلمون ويبنون حضارتهم بشكل مستقل‪،‬‬ ‫دور العلماء واملصلحني واملجِّدِدين‪.‬‬
‫كإطار جامع لألمة‪ ،‬بداية من العصر الراشدي‬ ‫مستدرك�ا أننا يجب أال نتباكى على سقوط‬ ‫القوميات اجلاهلية‬
‫فاألموي فالعباسي فالعثماني‪ ،‬حيث أثمر‬ ‫اخلالفة بعد مرور ‪ 100‬عام على ذلك‪ ،‬فهذه‬ ‫ويقول الشريف احلسن الكتاني‪ ،‬عضو‬
‫انضواء شعوب شتى حتت لواء اخلالفة تالقحًًا‬ ‫ُُسنة من سنن اهلل في خلقه‪ ،‬مصداقًاً لقوله‬ ‫االحتاد العاملي لعلماء املسلمني‪ ،‬لـ«املجتمع»‪ :‬إن‬
‫لألفكار وعناية بالعلم والتعليم وازدهارًاً ملختلف‬ ‫تعالى‪ََ ( :‬و ِِتْل ْ ََك األَّيَا ُُم ُنَُدَاِوِ ُلُ ََها َبَ ََنْي� ال ِ‬
‫َّنَاِس) (آل‬ ‫سقوط اخلالفة يوم عيد بالنسبة ألعداء األمة‪،‬‬
‫جوانب التقدم احلضاري والعلمي‪ ،‬وهو املنجز‬
‫عمران‪.)140 :‬‬ ‫وكان من نتائجه املريرة تقسيم دار اإلسالم‬
‫الكبير الذي بدده العالم بإسقاطه اخلالفة‪.‬‬
‫ويشدد حسني على أهمية السعي للوحدة‬ ‫لدول وأقطار متناحرة‪ ،‬وفقًاً التفاقية «سايكس‬
‫ويشير إلى أن غياب اخلالفة أدى إلى‬
‫ً‬
‫قائًال‪ :‬حري بنا أن نعيد بناء الدولة‬ ‫اإلسالمية‬ ‫وبيكو»‪ ،‬التي تركت لكل بلد قنبلة موقوتة عما‬
‫غياب التوازن الذي كان يحققه هيبتها‪،‬‬
‫اإلسالمية املوَّحَ دة‪ ،‬وقد بدأ املسلمون بالفعل‬ ‫قريب ستنفجر‪ ،‬واحتالل أغلب ديار وأقطار‬
‫واخلشية من قوة تأثير كلمة اخلليفة وقدرته‬
‫فور سقوطها بتأسيس كل احلركات اإلسالمية‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وما لم ُيُحتل ُُك ِِّبل مبعاهدات جتعله‬
‫على حشد املسلمني حتت راية اجلهاد في‬
‫وجه من يستهدف األمة؛ مما أدى إلى تدهور‬ ‫التي متوج بها بلدان العرب واملسلمني‪ ،‬في‬ ‫يتبع مصاحلهم‪.‬‬
‫حقوق املسلمني‪ ،‬وبالذات األقليات املسلمة‪،‬‬ ‫محاولة بناء دول إسالمية على مستوى‬ ‫ويضيف الكتاني أن أعداء األمة نشروا‬
‫مؤكدًاً أن االنتصارات العسكرية الكبرى التي‬ ‫األقطار‪ ،‬وعلينا أن نسعى إلى الوحدة من‬ ‫القوميات اجلاهلية التي فَّرَ قت الوحدة‬
‫حتققت على أيدي اخللفاء كانت من أهم نتائج‬ ‫جديد على أساس املفهوم الكونفدرالي للوحدة‪،‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأرجعت املسلمني لشعوب متناحرة‬
‫االستقرار السياسي العاملي في ظل التدافع‪،‬‬ ‫عبر التركيز على الوحدة في مجالي السياسة‬ ‫يكره بعضها بعضًاً‪ ،‬فال القومية العربية‬
‫الذي كان يعزز من توازن القوى والثروة‪.‬‬ ‫اخلارجية والدفاع‪ ،‬ووضع األسس الدستورية‬ ‫توِّحد البالد‪ ،‬وال الكرد والترك‬
‫استطاعت أن ِ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪10‬‬
‫قرن على سقوط الخالفة اإلسالمية‪..‬‬
‫مسار حضارة َ‬
‫قَّوضتها القوى االستعمارية!‬

‫خروبات‪ :‬الخالفة‬ ‫بالحداد‪ :‬المسلمون‬


‫ُ‬ ‫فقدوا بسقوط‬
‫ُأسقطت ولم‬
‫تسقط‪ ..‬واألمة لم‬ ‫الخالف ـ ـ ــة الوحدة‬ ‫بعد احتاد‪ ،‬واهتمام باملصالح‬ ‫الرباط‪ -‬عبدالغني بلوط‪:‬‬
‫السياسية‬ ‫الشخصية بدل العامة‪.‬‬ ‫وصف األكادميي املغربي نور الدين باحلداد‬
‫تجن سوى مزيد‬
‫واالقتصادية‬ ‫وربط الباحث املغربي املاضي‬ ‫سقوط اخلالفة اإلسالمية قبل مائة عام بـ«الزلزال‬
‫من التفكك‬
‫والعسكرية‬ ‫باحلاضر‪ ،‬مبرز�ا كيف يتحد‬ ‫العنيف» الذي ضرب األمة اإلسالمية وهز أركانها‬
‫واالنهيار‬
‫أعداء األمة اإلسالمية اليوم؛ من‬ ‫وهوى بها إلى أسفل سافلني‪ ،‬حيث فقد املسلمون‬
‫أجل إبقائها في حالة ضعف وهوان‪ ،‬وما احلرب‬ ‫بهذا السقوط القوة والنخوة والوحدة السياسية‬
‫وحركات االنفصال‪ ،‬وقد شجع أعداء األمة‬
‫األخيرة التي تدور رحاها اليوم في غزة‪ ،‬إال‬ ‫واالجتماعية واملكانة االقتصادية والعسكرية التي‬
‫اإلسالمية على تذكية نعرات املذاهب والطوائف‬
‫عنوان بارز لهذا التآمر‪ ،‬من أجل محو وطمس‬ ‫دامت لعدة قرون‪ ،‬فيما خسر العالم مسار حضارة‬
‫واملعتقدات واللهجات وما إلى ذلك‪.‬‬
‫هوية الشعوب اإلسالمية‪.‬‬ ‫راقية كان خيرها في طريق تعميمه على اإلنسانية‬
‫وأبرز الباحث في احلضارة اإلسالمية‪ ،‬في‬
‫وشدد باحلداد على أن املسلمني لن تقوم‬ ‫جمعاء‪.‬‬
‫تصريح لـ«املجتمع»‪ ،‬أن اخلالفة اإلسالمية التي‬
‫لهم قائمة من جديد إال إذا وَّحَ د احلكام كلمتهم‬ ‫وأبرز أستاذ تاريخ املغرب املعاصر‪ ،‬في‬
‫سقطت عام ‪1924‬م ليست خيارًاً أو نظامًاً سياسيًًا‬
‫وفتحوا األبواب لشعوبهم من أجل التعبير عن‬ ‫حديث لـ«املجتمع»‪ ،‬أن اخلالفة اإلسالمية التي‬
‫ميكن املساومة عليه‪ ،‬وإمنا هي مطلب شرعي؛ ألن‬
‫طموحاتهم وإبداعاتهم في كل املجاالت‪ ،‬واالهتمام‬ ‫قوضتها أطماع خارجية للحد من إشعاع التفوق‬
‫اهلل تعالى أراد من هذه األمة أن تكون أمة واحدة‪،‬‬ ‫اإلسالمي على مدى قرون؛ علمي�ا وحضاريًًا‬
‫مبجال التربية والتعليم‪ ،‬واألخذ بأسباب التقدم‬
‫حتت راية واحدة‪ ،‬ال تستقيم وحدتها وال عبادتها‬ ‫ً‬ ‫سقوُطها ضعفًاً داخليًاً‬
‫الصناعي والتكنولوجي والقيمي‪ ،‬مع التركيز‬ ‫ممثًال‬ ‫ُ‬ ‫وعسكريًاً‪ ،‬صادف‬
‫وال عزتها بني األمم إال في ظل الوحدة‪ ،‬وهناك‬
‫على تاريخ هذه األمة اإلسالمية ونشأتها األولى‬ ‫في جور بعض حكام البالد اإلسالمية وتنافسهم‬
‫معادلة جديرة بالتصوير؛ وهي أنه كلما زادت‬
‫وازدهارها‪.‬‬ ‫على السلطة‪.‬‬
‫األمة تفككًاً؛ زاد أعداؤها توحدًاً ووحدة‪ ،‬فكأن‬
‫ُُأسقطت ولم تسقط!‬ ‫ضعف بعد قوة‬
‫انهيار وحدة األمة سبب وحدة أعدائها‪ ،‬وكأن‬
‫بدوره‪ ،‬أكد األكادميي املغربي محمد خروبات‬ ‫وذكر باحلداد كيف كانت هذه األمة‬
‫وحدة أولئك سبب انهيار وحدة األمة‪.‬‬
‫أن األمة اإلسالمية تستحضر اليوم مرور مائة‬ ‫اإلسالمية موطن إشعاع علم وحضارة‪ ،‬توسعت‬
‫وأضاف خروبات أن األمة اإلسالمية‬ ‫وازدهرت‪ ،‬وفرضت قوتها على العالم‪ ،‬حتى إن‬
‫عام على إسقاط اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬موضحًاً أن‬
‫اليوم تتغذى من ثقافة التفكك والتشرذم‪ ،‬وهذه‬ ‫اخلالفة ُأُسقطت ولم تسقط‪ ،‬وهذا اإلسقاط هو‬ ‫الغرب املسيحي كانت فرائسه ترتعب عند مرور‬
‫الثقافة تفعل فعلها في املسلمني اليوم‪ ،‬وهم اليوم‬ ‫«نكبة األمة» في العصر احلديـــــــــث‪ ،‬بحيــــــــــث‬ ‫باخرة اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬لكن مع تكالب الدول‬
‫يحملون معول الهدم بأيديهم ليساهموا في تدمير‬ ‫لـــــم جتــــــــن مـــــن هـــــــذا السقـــــــــوط ســـوى‬ ‫الغربية وتوسع أطماعها رأينا أقطارًاً إسالمية‬
‫وحدتهم‪ ،‬واقتالع جذور مقوماتهم ومناهضة‬ ‫مـزيد من التفكك واالنهيار‪ ،‬وال يخلو قطر من‬ ‫تسقط في حبالهم سريع�ا بسبب ضعف بعد‬
‫أسباب قيامهم!‬ ‫أقطار اإلسالم من فتنة الطائفية والفئوية‬ ‫قوة‪ ،‬وظلم بعد عدل‪ ،‬وذل بعد نخوة‪ ،‬وتشرذم‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪11‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫صيغ الوحدة السياسية في أدبيات الخطاب اإلسالمي المعاصر (‪)1‬‬

‫القوى األوروبية وتفتيت الوحدة اإلسالمية‪ ..‬قراءة تأريخية‬

‫املجال أمام خصوم األمة اإلسالمية‪،‬‬ ‫أدركت القوى الغربية (أوروبا) منذ حصار‬
‫فراحوا يحتلون أراضيها ُُقطرًاً ُُقطرًاً وإقليمًًا‬ ‫فيينا على يد اخلليفة العثماني سليمان‬
‫بعد آخر‪ ،‬ثم زرعوا في قلب كيانها جسمًًا‬ ‫القانوني ‪-‬وفيينا هي قلب أوروبا‪ -‬عام ‪935‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم نويري‬
‫سرطاني�ا غريب�ا («إسرائيل»)‪ ،‬ليستنزفها‬ ‫هـ‪1529 /‬م‪ ،‬أن قوة املسلمني احلقيقية تتمثل‬
‫كاتـب وباحـث أكاديمـي‪ -‬الجزائـر‬
‫في حال أجبرت قوى األمة احلية املكافحة‬ ‫في وحدتهم كأمة وحضارة لها بصمتها‬
‫االحتالل على الرحيل‪ ،‬وهو ما حدث بالفعل‪،‬‬ ‫اخلاصة‪ ،‬وأّنّ اخلالفة التي تظلهم‪ ،‬متثل‬
‫وعلى النحو الذي توقعوه في مخططاتهم‪.‬‬ ‫السياج السياسي الذي يحافظ على استمرار‬ ‫منذ سقوط التجربة األخيرة‬
‫للخالفة اإلسالمية على يد مصطفى‬
‫تفتيت الوحدة اإلسالمية‬ ‫وتأثير تلك القوة؛ لذلك بذلت ك ّّل ما بوسعها‬
‫كمال أتاتورك‪ ،‬في ‪ 27‬رجب ‪1342‬هـ‪3 /‬‬
‫لقد كان من أهم أهداف الصليبية‬ ‫من أعمال ومخططات وحتالفات سواء أكانت‬
‫مارس ‪1924‬م‪ ،‬والفكر اإلسالمي يبحث‬
‫احلاقدة والصهيونية املاكرة ‪-‬كما ص ّّرح بذلك‬ ‫سرية أو علنية‪ ،‬من أجل حل هذا الرباط‪،‬‬
‫تداعيات هذه القضية احلساسة؛‬
‫أحد أشهر جواسيس اإلجنليز املشهور في‬ ‫وتفتيت هذه الوحدة؛ لكي يسهل بعد ذلك‬
‫نظر�ا لعالقة اإلسالم كدين بالدولة‪،‬‬
‫الكتابات العربية التاريخية باسم «لورنس‬ ‫تقسيم الكيان الذي ظلت اخلالفة العثمانية‬
‫وحاجة األحكام الشرعية إلى السلطة‪،‬‬
‫العرب»(‪ )1‬عام ‪1916‬م‪ -‬تفتيت الوحدة‬ ‫مدة خمسة قرون وربع القرن‪ ،‬متثل بالنسبة‬
‫إذ إن اخلالفة تعني أساس ًًا رئاسة عموم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬خاصة في ُبُعدها السياسي‪،‬‬ ‫له املظلة الواقية من األعاصير والزوابع‬
‫املسلمني في الدنيا إلقامة أحكام الشرع‬
‫ودحر اخلالفة العثمانية وتدميرها‪ ،‬وفصل‬ ‫الها ّّبة من عدة جهات واجتاهات‪.‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ونشر الدعوة اإلسالمية‬
‫العرب عن دائرة هذه اخلالفة بصفة‬ ‫وبعد جهود مضنية ُبُذلت على مراحل‬
‫في ربوع العالم وآفاقه املختلفة وتبليغ‬
‫نهائية‪ ،‬حتى يعيشوا في دوامة من الفوضى‬ ‫مختلفة‪ ،‬أمكن لتلك القوى حتقيق الهدف‬
‫حقائق وتعاليم الرسالة اخلامتة إلى‬
‫السياسية‪ ،‬داخل دويالت صغيرة غير قابلة‬ ‫الذي سعت إليه‪ ،‬فسقطت اخلالفة العثمانية‪،‬‬ ‫الناس كافة‪.‬‬
‫للتماسك وال حتى التعاون فيما بينها‪.‬‬ ‫بعد إضعافها وإثخانها باجلراح‪ ،‬فانفسح‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪12‬‬
‫أوروبا أدركت أن قوة المسلمين‬ ‫فقد دفع اإلجنليز بالشريف حسني‪،‬‬
‫في وحدتهم والخالفة التي‬ ‫شريف مكة‪ ،‬كما كان ُيُسمى حينئذ‪ ،‬إلى‬
‫تظلهم فعملت على تفتيت هذه‬ ‫التحالف معهم ضد إخوانه املسلمني األتراك‪،‬‬
‫الوحدة وحل هذا الرباط‬ ‫مقابل وعد بوطن عربي موَّحَ د حتت إمرته‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫وسلطانه؛ غير أن ما حدث هو تقسيم البلدان‬
‫أصًال إلى دويالت أصغر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العربية املقسمة‬
‫‪ ..‬ولتحقيق هذا الهدف قامت‬
‫وذلك تنفيذًاً ملعاهدة «سايكس بيكو» املعقودة‬
‫بتجزئة اإلمبراطورية العثمانية‬
‫بني كل من فرنسا وبريطانيا عام ‪1916‬م‪.‬‬
‫إلى دول ومقاطعات وعزل البالد‬
‫وبدل الوعد بالوطن العربي املوحد‪ ،‬مت‬
‫اإلسالمية‬ ‫اإلعالن واإلقرار بوعد آخر‪ ،‬مضاد للعرب؛‬
‫هو «وعد بلفور» عام ‪1917‬م‪ ،‬القاضي بإقامة‬
‫تومـــــاس إدوارد لورنـــــــس‬ ‫‪ -2‬أن تتعهد تركيا بقطع أي صلة رسمية‬ ‫وطن قومي لليهود على أرض فلسطني‬
‫(لورنــس العـــــــــرب)‬ ‫لها باإلسالم والعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫العربية املسلمة‪ ،‬بعد احملاوالت الكثيرة‬
‫‪ -3‬أن تضمن تركيا جتميد وشل حركة‬ ‫املتكررة التي قادها تيودور هرتزل‪ ،‬مؤسس‬
‫جميع العناصر اإلسالمية ذات التأثير‬ ‫احلركة الصهيونية السياسية املعاصرة‪ ،‬في‬
‫ّّمت بعثرتها إلى ما يزيد على ‪ 20‬دولة‪.‬‬ ‫والفعالية املتبقية‪.‬‬ ‫محاولة للحصول على جزء من فلسطني من‬
‫وقد يتصور البعض أن ذلك كان بسبب‬ ‫‪ -4‬أن تسارع إلى إلغاء الدستور العثماني‬ ‫اخلليفة املسلم السلطان عبداحلميد الثاني‪،‬‬
‫الصراع الفرنسي ‪ -‬البريطاني على مناطق‬ ‫املؤَّسَ س على اإلسالم ومقاصد شريعته‪،‬‬ ‫مقابل دفع ديون الدولة العثمانية‪ ،‬واملساهمة‬
‫االحتالل واحلماية‪ ،‬لكن لو كان األمر كذلك‬ ‫واإلعالن عن الدستور التركي املدني الوضعي‬ ‫في إنقاذ اقتصادها املتدهور‪.‬‬
‫لكان نصيب التجزئة العربية االنشطار إلى‬ ‫العلماني‪.‬‬ ‫وقد واجه السلطان عبداحلميد ذلك‬
‫جزئني كبيرين أو ثالثة أو أربعة‪ ،‬لكن الذي‬ ‫فما كان من أتاتورك‪ ،‬أمام هذا املوقف‪،‬‬ ‫اإلغراء مبوقف تاريخي عظيم‪ ،‬ق ّّدم فيه‬
‫حدث بالفعل أن املناطق التي وقعت حتت‬ ‫سوى الرضوخ واالنصياع إلى شروط القوى‬ ‫مصلحة أمته املسلمة على املصلحة القومية‬
‫سيطرة االستعمار الواحد ُُجزئت و ُُمزقت شر‬ ‫االستعمارية الغربية‪ ،‬فقبل بها‪ ،‬وملا كان‬ ‫قائًال‪« :‬إن وضع‬‫ً‬ ‫الضيقة‪ ،‬حيث رد في حزم‬
‫‪-‬مثًال‪ -‬مت فصله عن سورية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ممزق؛ فلبنان‬ ‫متحمسًاً بطبعه لهذا التوجه‪ ،‬فقد نفذها‪،‬‬ ‫املشرط في جسدي وتقطيعه إربًاً إربًاً أهون‬
‫وكالهما واقع حتت هيمنة االستعمار أو‬ ‫وغالى في الوفاء بها‪ ،‬بل اإلضافة إليها(‪.)3‬‬ ‫علَّيَ من أن أعطيكم أرض�ا فتحها أمير‬
‫االنتداب الفرنسي ‪-‬كما كان ُيُسمى‪ -‬وهو‬ ‫وعندما نعود إلى تقصي الصورة‬ ‫املؤمنني اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي اهلل‬
‫األمر ذاته الذي فعله االحتالل الفرنسي في‬ ‫التاريخية لتلك الفترة‪ ،‬جند أن القوى‬ ‫عنه‪ ،‬وحررها القائد صالح الدين األيوبي»(‪.)2‬‬
‫منطقة املغرب العربي‪.‬‬ ‫الغربية في جملتها‪ ،‬كانت جادة وعازمة ‪-‬قبل‬ ‫بطبيعة احلال‪ ،‬كان تركيز عمل القوى‬
‫ولم َتَسَلَم األقطار الواقعة حتت نفوذ‬ ‫الهيمنة الكاملة على البالد اإلسالمية‪ -‬على‬ ‫الغربية منصبًاً خالل تلك املرحلة على تدمير‬
‫االستعمار البريطاني من مصير التجزئة‪،‬‬ ‫متزيق جامعة املسلمني السياسية املتمثلة‬ ‫مركز اخلالفة؛ كي يسهل بعد ذلك الفتك‬
‫حيث فصل األردن عن فلسطني‪ ،‬والسودان‬ ‫في اخلالفة العثمانية‪ ،‬كما ميزق اجلزار‬ ‫بأعضاء اجلسم‪ ،‬التي كان املركز مي ّّدها‬
‫عن مصر‪ ،‬وأصبح اخلليج العربي بدوره عدة‬ ‫ذبيحته إربًاً إربًاً‪ ،‬ولقد أدركت تلك القوى‬ ‫بالقوة واحلماية العسكرية واملعنوية وغيرها‪.‬‬
‫محميات ومناطق نفوذ(‪.)4‬‬ ‫بأن حتقيق هذا الهدف مي ّّر حتمًاً عبر جتزئة‬ ‫شروط الهدم‬
‫اجلامعة اإلسالمية‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية إلى دول ومقاطعات‬ ‫وقد ذكر الشيخ محمد محمود الصواف‬
‫لكن‪ ،‬هل استكانت األمة اإلسالمية ملا آلت‬ ‫عديدة‪ ،‬حيث ّّمت عزل إيران وأفغانستان‪،‬‬ ‫أن االستعمار الغربي اشترط على مصطفى‬
‫إليه أوضاعها؟ احلق أن قوى األمة املختلفة‬ ‫كما ّّمت عزل البالد اإلسالمية األخرى‬ ‫كمال أتاتورك‪ ،‬مقابل متكينه من اعتالء‬
‫ظلت تستبطن في أعماقها موضوع اجلامعة‬ ‫مثل أوزباكستان وطاجيكستان وأذربيجان‬ ‫السلطة في تركيا‪ ،‬على أنقاض حكم اخلالفة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أو وحدة األمة السياسية‪ ،‬وكان‬ ‫وتركستان وكازاخستان‪ ،‬وتسليمها للقوى‬ ‫اإلسالمية عدة شروط‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫التعبير عن هذه الروح ظاهرًاً في اخلطاب‬ ‫الشيوعية‪ ،‬غير أن النصيب األوفر من هذه‬ ‫‪ -1‬اإلعالن عن إلغاء اخلالفة اإلسالمية‬
‫السياسي والفكري وفي نتاج املثقفني واألدباء‬ ‫التجزئة كان من نصيب البالد العربية‪ ،‬حيث‬ ‫نهائيًاً من تركيا‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪13‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫جورج بيكو‬ ‫مارك سايكس‬ ‫كمال أتاتورك‬

‫تستعيد بها األمة اإلسالمية جامعتها أو‬ ‫إسقاط اخلالفة اإلسالمية‪.‬‬ ‫واإلعالميني‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫ََوحدتها السياسية واإلدارية واحلضارية‪،‬‬ ‫أما في زمننا هذا‪ ،‬فإن تلك القوى املعادية‬ ‫كما أن هذا النزوع أصبح شعورًاً عاطفيًًا‬
‫وهذا ما نطرحه في مقال قادم بإذن اهلل‪.‬‬ ‫ألمتنا تدرك بأن تقسيم هذه األمة إلى قوميات‬ ‫لدى شرائح اجتماعية واسعة في األمة‬
‫وطوائف وقبائل ومذاهب‪ ،‬بعد تقسيمها‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وكان هذا الشعور يتغذى على‬
‫الهوامش‬ ‫يصّب في مصلحة الصهيونية‬ ‫ّ‬ ‫إلى أقطار‪،‬‬ ‫م ّّر األيام على ما يظهر من عداء الغرب‬
‫العاملية‪ ،‬ذلك أن دولة الكيان الصهيوني‬ ‫لإلسالم‪ ،‬والسخرية بنبي اإلسالم وخامت‬
‫(‪ )1‬تومــاس إدوارد لورنــس (‪- 1888‬‬
‫تريد أن تتعامل مع مجموعة دويالت صغيرة‬ ‫املرسلني محمد بن عبداهلل صلى اهلل عليه‬
‫‪1935‬م)‪ ،‬ضابــط مخابــرات بريطانــي‪،‬‬
‫ضعيفة متصارعة‪ ،‬أفضل لها من أن تواجه‬ ‫وسلم‪ ،‬وإضعاف أخالق الشباب والنشء‬
‫مكــث في البــلاد العربية لســنوات طويلة‪،‬‬
‫دوال موَّحَ دة منسجمة في توجهاتها‪ ،‬لها عمق‬ ‫وتشكيكهم في ُُهويتهم وانتمائهم ومعتقداتهم‪.‬‬
‫واشــتهر بــدوره فــي تأييد الثــورة العربية‬
‫حضاري وسياسي واقتصادي؛ ومن أجل ذلك‬ ‫كما يتغذى من روح الصلف واالستكبار‬
‫وإشــرافه علــى حركــة الانفصــال عــن‬
‫فإنهم يدعمون األقليات‪ ،‬قصد إدارة الصراع‬ ‫الغربي‪ ،‬الذي ينظر إلى الوحدة اإلسالمية‪،‬‬
‫الخلافــة العثمانيــة‪ ،‬حتى لقــب بـ«لورنس‬
‫الطائفي والديني والقومي‪ ،‬وجعل النتائج‬ ‫خاصة في ُبُعدها وإطارها السياسي‪ ،‬كأحد‬
‫العــرب»‪ ،‬مــن أشــهر مؤلفاتــه‪« :‬القــلاع‬
‫تتصل بأهدافهم اإلستراتيجية‪.‬‬ ‫تدّل أعماله ومخططاته‬‫أبرز احملظورات؛ كما ّ‬
‫الصليبية»‪ ،‬و«أعمدة الحكمة السبعة»‪.‬‬
‫إن تلك الدوائر املعادية ألمتنا أقَّضَ‬ ‫التي تستهدف جتزئة العالم اإلسالمي‪ ،‬وخلق‬
‫(‪ )2‬خالــد ســليمان الفهــداوي‪ ،‬منهــج‬
‫مضجعها قرونًاً عديدة ذلك التماسك املتني‬ ‫كيانات سياسية جديدة في أقطاره ودوله‬
‫التعايــش بيــن المســلمين‪ ،‬دار صفحــات‬
‫والترابط الصلب بني املسلمني على اختالف‬ ‫املختلفة‪.‬‬
‫للدراســات والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪،‬‬
‫أعراقهم وأقطارهم ولغاتهم‪ ،‬فقدروا بأن‬ ‫علمًاً أن هذه اآللية ‪-‬سياسة التفريق‬
‫ص ‪.20‬‬
‫أفضل وسيلة للتغلب على هذه األمة‪ ،‬تتمثل‬ ‫والتجزئة‪ -‬قد انتهجتها تلك القوى‬
‫(‪ )3‬أحمــد بــن ســعد الغامــدي‪ ،‬الوحدة‬ ‫في جتزئتها وإنهاء وجودها الدولي‪.‬‬ ‫االستعمارية‪ ،‬منذ زمن بعيد‪ ،‬وقد آلت إلى‬
‫الإســلامية أسســها ووســائل تحقيقهــا‪،‬‬
‫وبعد أن حتقق ألعداء األمة اإلسالمية‬
‫مؤسســة الجريسي للطبع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ما أرادوا حتقيقه‪ ،‬أخذ مفكرو وعلماء وخبراء‬ ‫قوى األمة ظلت تروم للجامعة‬
‫‪1410‬هـ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫هذه األمة يفكرون في املصير السياسي‬
‫(‪ )4‬منيــر شــفيق‪ ،‬الإســلام وتحديــات‬ ‫اإلسالمية والوحدة السياسية‬
‫للعالم اإلسالمي‪ ،‬فقدموا عديد الصيغ التي‬
‫الانحطــاط المعاصــر‪ ،‬دار طــه للنشــر‪،‬‬ ‫ً‬
‫ظاهرًا في الخطاب‬ ‫وكان ذلك‬
‫من شأنها أن تتحول في يوم من األيام‪ ،‬أو‬
‫ط‪ ،1‬لندن‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫خالل مرحلة من املراحل‪ ،‬إلى إرادة سياسية‪،‬‬ ‫السياسي والفكري‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪14‬‬
‫الخالفة اإلسالمية وأوروبا‪..‬‬
‫حذر من الدور التركي في تجديد نهضة األمة‬
‫متّر مائة عام على سقوط‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫باألحرى إسقاط نظام اخلالفة الذي‬
‫تتحمل فيه القوى األوروبية قسط ًًا‬
‫كبير�ا من املسؤولية؛ ذلك أن العالقات‬
‫العثمانية ‪ -‬األوروبية اتسمت باحلذر‬
‫األوروبي الشديد واملتواصل من األتراك‬
‫املسلمني الذين كانوا ميثلون غالب ًًا سد ًًا‬
‫ً‬
‫وعامًال مهم ًًا‬ ‫منيع�ا لألمة اإلسالمية‪،‬‬
‫يفّسر‬
‫ّ‬ ‫في جتديد نهضتها؛ األمر الذي‬
‫مراوحة التعامل األوروبي بني هيبة‬
‫الدولة العثمانية في عصر قوتها وأوجها‪،‬‬
‫والسعي احلثيث عند ضعفها إلى تفكيك‬
‫أواصرها والتآمر على إسقاطها وإنهاء‬
‫نظام اخلالفة الذي مارسته ملدة أربعة‬
‫قرون (‪1924 – 1517‬م)‪.‬‬

‫في احلركة اجلهادية‪ ،‬فكافأه السلطان السلجوقي‬ ‫وشاءت األقدار أن تتواجد قوتان زمن سقوط‬
‫عالء الدين بأرض على حدود بالد الروم أقام‬ ‫اخلالفة العباسية‪ ،‬وهما املماليك في مصر‪،‬‬
‫عليها إمارة ذات والء للسلطان‪.‬‬ ‫والسالجقة في األناضول‪ ،‬ساعدتا على إحداث‬
‫ساللة أرطغرل تفتح القسطنطينية‬ ‫نهضة جديدة لألمة‪.‬‬
‫والبلقان‪:‬‬ ‫وعلى ذكر السالجقة (نسبة إلى سلجوق بن‬
‫وبعد وفاة أرطغرل‪ ،‬قام ابنه عثمان‬ ‫زقاق)‪ ،‬فإنهم ساللة تركَّيّة تنحدر من قبيلة «قنق»‬
‫باالستقالل عن السالجقة وتأسيس الدولة‬ ‫التي تنتمي بدورها إلى مجموعة أتراك الغّزّ‪،‬‬
‫العثمانية باسمه عام ‪1299‬م‪ ،‬وهذه بداية العهد‬ ‫جاؤوا من آسيا وعبروا إيران وأقاموا فيها دولة‬
‫العثماني الذي سيتواصل حتى القرن العشرين‬ ‫السالجقة الكبرى‪ ،‬ثم تقدموا نحو اإلمبراطورية‬ ‫د‪ .‬محمـد الغمقـي‬
‫في شكل دولة في مرحلة أولى‪ ،‬ثم حتولت بداية‬ ‫البيزنطية املسيحية (الروم) وهم يتسابقون على‬ ‫كاتــب ومحـلل سياســي‬
‫من عام ‪1517‬م إلى خالفة إسالمية عاصمتها‬ ‫كسب شرف حتقيق بشرى النبي صلى اهلل عليه‬
‫إسطنبول التي كانت عاصمة اإلمبراطورية‬ ‫وسلم ملن يفتح القسطنطينية عاصمة الروم؛‬ ‫األتراك السالجقة يتصدون لبيزنطة‪:‬‬
‫البيزنطية الرومانية املسيحية‪.‬‬ ‫«لتفتحن قسطنطينية‪ ،‬فلنعم األمير أميرها‬ ‫لم تكن أوروبا تتصور أن اخلالفة اإلسالمية‬
‫وُيُع ّّد سقوط القسطنطينية على يد السلطان‬ ‫ولنعم اجلند ذلك اجلند»‪ ،‬ومتكنوا من إقامة دولة‬ ‫ستعود من جديد بعد سقوط اخلالفة العباسية‬
‫محمد الفاحت عام ‪1453‬م منعرج�ا في تاريخ‬ ‫سالجقة الروم في منطقة األناضول‪.‬‬ ‫عام ‪1258‬م على يد التتار‪ ،‬بعد أن أوهنتها‬
‫العالقة بني أوروبا والعالم اإلسالمي‪ ،‬وميثل‬ ‫وفي عهدهم حصلت معركة «مالذكرد»‬ ‫سلسلة من احلروب الصليبية األوروبية املد ّّمرة‬
‫نهاية الوجود السياسي املسيحي في منطقة‬ ‫الشهيرة بني القائد ألب أرسالن والروم‪ ،‬إال‬ ‫على الشرق اإلسالمي بداية من عام ‪1096‬م‪،‬‬
‫الشرق األوسط وانحساره في أوروبا‪ ،‬وتأكد‬ ‫أن السالجقة وجدوا صعوبة في التقدم نحو‬ ‫بالرغم من حترير بيت املقدس من الصليبني على‬
‫هاجس األوروبيني بوجود خطر ميثله العنصر‬ ‫القسطنطينية‪ ،‬فجاءهم املدد من قبائل الغز‬ ‫يد صــــــالح الديـــــن األيوبـــــــــي عام ‪1187‬م في‬
‫التركي املسلم‪ ،‬حيث متكن العثمانيون منذ عهد‬ ‫التركية بقيادة أرطغرل الذي أبلى البالء احلسن‬ ‫معركة «حطني» احلاسمة‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪15‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫ُ‬
‫عُظم خاللها شأن العثمانيني‪ ،‬وأصبحوا قوة‬ ‫أورخان بن عثمان من إجناز فتوحات كبرى في‬
‫مع بداية القرن العشرين ازداد الضغط‬
‫مهابة في العالم‪ ،‬خاصة دول أوروبا التي جمعت‬ ‫أوروبا ومنطقة البلقان‪ ،‬وذلك منذ منتصف‬
‫على الدولة العثمانية ووصفت بـ«الرجل‬
‫في سياستها مع سليمان «العظيم» كما تصفه‪ ،‬بني‬ ‫القرن اخلامس عشر‪ ،‬وجتذير الوجود اإلسالمي‬
‫المريض» والتآمر إلسقاطها‬ ‫محاربته وحتريك احلروب الصليبية من جديد‬ ‫األوروبي في قلب القارة األوروبية والتصدي‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫أمام تقدم فتوحاته في أوروبا (رودس‪ ،‬املجر‪،‬‬ ‫للهيمنة الصربية على شعوب البلقان (البوسنة‬

‫الحرب العالمية األولى انتهت بهزيمة‬ ‫حدود فيينا)‪ ،‬ومهادنته‪ ،‬بل التحالف معه‪ ،‬كما‬ ‫والهرسك واجلبل األسود‪.)..‬‬
‫حصل مع ملك فرنسا فرانسوا األول منذ عام‬ ‫وجاء الرد املسيحي بإكمال عملية القضاء‬
‫ألمانيا وحلفائها وجاء القرار بمؤتمر‬
‫‪1536‬م‪ ،‬إلى حد غضب الكنسية على امللك‪.‬‬ ‫على الوجود اإلسالمي في األندلس بإسقاط‬
‫«لوزان» بإلغاء نظام الخالفة‬ ‫على‬ ‫الضعف‬ ‫مؤشرات‬ ‫برزت‬ ‫لكن‬ ‫غرناطة آخر إمارة أندلسية عام ‪1492‬م‪.‬‬
‫اإلمبراطورية العثمانية بعد أن كانت في أوج‬ ‫أوج اخلالفة العثمانية في عهد‬
‫العثماني وبأشكال مختلفة بدأت بتسريب النعرة‬
‫ق ّّوتها نهاية القرن السادس عشر‪ ،‬وتزامن ذلك مع‬ ‫السلطان سليمان‪:‬‬
‫القومية بني العرب واألتراك واألكراد والبربر‪..‬‬
‫ظهور قوى أوروبية جديدة مثل فرنسا وبريطانيا‬ ‫وبقيام اخلالفة اإلسالمية عام ‪1517‬م على‬
‫داخل املجتمع املسلم في إطار سياسية «ف ِِّرق‬
‫ذات طابع توسعي استعماري‪ ،‬استغلت عالقاتها‬ ‫يد السلطان سليم األول حفيد محمد الفاحت‪،‬‬
‫تُسد»‪ ،‬ومتزيق وحدة الصف‪ ،‬وتسريب الفكر‬ ‫ُ‬
‫وحتالفاتها مع إسطنبول للحصول على امتيازات‬ ‫قويت شوكة دولة اخلالفة العثمانية‪ ،‬ثم خلفه‬
‫العلماني (فصل الدين عن الدولة وعن حياة‬
‫قدمها بعض السالطني أمام عجزهم عن تسديد‬ ‫ابنه سليمان القانوني الذي بقي أطول فترة في‬
‫املجتمع)‪ ،‬وأصبحت فرنسا راعية للمسيحيني في‬
‫الديون‪ ،‬ومن خاللها التدخل تدريجيًاً في الشأن‬ ‫احلكم حوالي نصف قرن (‪1566 - 1520‬م)‪،‬‬
‫الشرق (خاصة في لبنان وسورية)‪.‬‬
‫«فِّرق‬
‫ِ‬ ‫التدخل العسكري وسياسة‬
‫تُسد»‪:‬‬
‫ُ‬ ‫نموذج «االتحاد األوروبي»‪ ..‬والخالفة‬
‫ثم جاءت مرحلة التدخل العسكري‬ ‫ومت فتح احلدود األوروبية الداخلية بعد‬ ‫بقدر حرص القوى األوروبية على‬
‫واالستعمار التي مهدت لها حملة عسكرية نابليون‬ ‫اتفاقية «شنغن» عام ‪1985‬م التي أقرت حرية‬ ‫إسقاط اإلمبراطورية العثمانية وإلغاء نظام‬
‫بونابرت عام ‪1798‬م على مصر الوالية العثمانية‪،‬‬ ‫انتقال األشخاص والبضائع‪ ،‬بحيث ميكن‬ ‫اخلالفة اإلسالمية في بداية القرن العشرين‪،‬‬
‫بل تقدم نابليون إلى فلسطني وحتديدًاً إلى أريحا‬ ‫للفرد أن يتنقل بني عدة عواصم أوروبية‬ ‫كان حرصها (أوروبا) على وحدتها بعد الدمار‬
‫وحاول استمالة اليهود بأول وعد لهم بوطن في‬ ‫في اليوم نفسه دون املرور بجمارك أو شرطة‬ ‫الذي تسببت فيه احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫فلسطني‪ ،‬لكن لم تنجح املبادرة‪ ،‬حتى جاءت‬ ‫حدود‪ ،‬إلى جانب وضع مؤسسات ذات ُبُ عد‬ ‫ويعتبر «روبار شومان»‪ ،‬وزير خارجية‬
‫مبادرة أخرى تعرف بـ«وعد بلفور» عام ‪1917‬م‪.‬‬ ‫إقليمي أوروبي‪ ،‬دون املساس بسيادة الدول‬ ‫فرنسا في اخلمسينيات من القرن العشرين‪،‬‬
‫ومع بداية القرن العشرين‪ ،‬ازداد الضغط‬ ‫األعضاء في االحتاد‪ ،‬وميكنها اتخاذ قرارات‬ ‫األب املؤسس لالحتاد األوروبي‪ ،‬ومن أقواله‪:‬‬
‫على الدولة العثمانية من خالل احلرب النفسية‪،‬‬ ‫لصالح األفراد واملجموعات‪ ،‬بحيث ميكن‬ ‫«لن يتم بناء أوروبا دفعة واحدة‪ ،‬وال في إطار‬
‫ونعت هذه الدولة بـ«الرجل املريض»‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫للمواطن األوروبي أن يتحاكم إلى احملكمة‬ ‫بناء كامل شامل‪ ،‬بل سيتم بناؤها من خالل‬
‫التآمر إلسقاطها‪ ،‬خاصة بعد أن رفض السلطان‬ ‫األوروبية إذا لم يجد حقه في محكمة بلده‪.‬‬ ‫حُتدث التضامن الفعلي‬ ‫إجنازات ملموسة ح‬
‫عبداحلميد الثاني إعطاء وطن لليهود في‬ ‫وأهم إجناز لالحتاد األوروبي إرساء‬ ‫بالدجة األولى»‪ ،‬ويقول أيض ًًا‪« :‬إن أوروبا‪ ،‬قبل‬
‫فلسطني حتت ضغط احلركة الصهيونية املتنامية‬ ‫عقلية التجاوز عن اخلالفات ورواسب‬ ‫أن تكون حتالف ًًا عسكري ًًا أو كيان ًًا اقتصادي ًًا‪،‬‬
‫بدعم أوروبي‪.‬‬ ‫املاضي؛ مبا فتح الطريق لدولة مثل أملانيا‬ ‫يجب أن تكون مجتمع�ا ثقافي�ا باملعنى‬
‫وكانت النتيجة عزل السلطان عبداحلميد‬ ‫لتكون قطب ًًا اقتصادي ًًا أوروبي ًًا وازن ًًا‪.‬‬ ‫األسمى لهذا املصطلح»‪.‬‬
‫الثاني عن السلطة عام ‪1909‬م‪ ،‬حتت مبرر‬ ‫ولو تأملنا في فلسفة االحتاد األوروبي‪،‬‬ ‫وبناء عليه؛ فإن من مميزات االحتاد‬
‫املطالبة بإجراء إصالحات داخل الدولة‪ ،‬وضغط‬ ‫لوجدناها أقرب ما يكون إلى نظام اخلالفة‬ ‫األوروبي السعي إلى حتقيق املصلحة العامة‬
‫حركات معارضة ذات توجه علماني مثل حركة‬ ‫اإلسالمية الذي قام على أساس توحيد‬ ‫للكتلة األوروبية‪ ،‬لتكون كتلة وازنة في القرار‬
‫«تركيا الفتاة» و«جمعية االحتاد والترقي»‪.‬‬ ‫الصف اإلسالمي وإرساء وحدة إسالمية في‬ ‫الدولي‪ ،‬شعاره «الوحدة في إطار التنوع»‪.‬‬
‫إلغاء اخلالفة ومحاربة مظاهر اإلسالم‪:‬‬ ‫إطار التنوع‪ ،‬مع فارق مهم في املرجعية؛‬ ‫وال يكون ذلك إال عن طريق توحيد الرؤى‬
‫وجاءت احلرب العاملية األولى (‪- 1914‬‬ ‫وهو أن اخلالفة اإلسالمية ترتكز نظري ًًا في‬ ‫واملواقف في القضايا املصيرية‪ ،‬والتعاون في‬
‫‪1918‬م) لتكون فرصة لتفكيك أواصر الدولة‬ ‫سياستها وقوانينها إلى الشريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫القواسم املشتركة رغم االختالفات في اللغة‬
‫العثمانية عن طريق اتفاقيات ووعود ومؤمترات‬ ‫في حني أن فكرة االحتاد األوروبي تقوم على‬ ‫واألنظمة السياسية والثقافات‪ ،‬وتوحيد‬
‫تصب في القضاء على خصم تاريخي‪ ،‬وأخطرها‬ ‫أساس قوانني وضعية علمانية‪.‬‬ ‫الصف الداخلي لرفع التحديات‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪16‬‬
‫أردوغان بنى سياسته على إحياء‬
‫التراث الحضاري للدولة العثمانية‬
‫والدفاع عن الهوية اإلسالمية‬

‫‪---------------------------------‬‬
‫َ‬
‫أوروبا لم تدرك أن عصر الهيمنة وَّلى‬
‫والعالم يتهيأ لدورة حضارية جديدة‬
‫يعود فيها المجد لإلسالم‬

‫اتفاقية «سايكس بيكو» عام ‪1916‬م‪ ،‬وهي اتفاقية‬


‫سرية تقوم على تفاهم فرنسي وبريطاني على‬
‫اقتسام الهالل اخلصيب (العراق‪ ،‬سورية‪ ،)..‬ثم‬
‫وعد رسمي بريطاني يسمى «وعد بلفور» عام‬
‫والعسكرية والسكانية (‪ 85‬مليون نسمة)‪ ،‬والهوية‬ ‫اللغة التركية بحروف التينية بعدما كانت كتابتها‬ ‫‪1917‬م بوطن لليهود في فلسطني (الذي حتقق عام‬
‫اإلسالمية املتنامية بعد أن كانت عنوانًاً ورمزًًا‬ ‫بحروف عربية‪.‬‬ ‫‪1948‬م بعد أن هيأ االنتداب البريطاني الظروف‬
‫لدولة مسلمة علمانية بامتياز في عهد أتاتورك‪.‬‬ ‫الصحوة الدينية في تركيا‪:‬‬ ‫املناسبة ومت التهجير القسري للفلسطينيني)‪.‬‬
‫وكان الرد التركي على هذا الرفض بنعت‬ ‫لكن عادت الصحوة الدينية بظهور حركات‬ ‫وانتهت احلرب بهزمية أملانيا ومعاقبة‬

‫االحتاد األوروبي بـ«النادي املسيحي املغلق»‪،‬‬ ‫إصالحية ذات توجه إسالمي‪ ،‬مثل احلركة‬ ‫حلفائها‪ ،‬ومن بينهم الدولة العثمانية‪ ،‬وجاء‬
‫النورسية؛ نسبة إلى سعيد النورسي (‪1878‬‬ ‫القرار في مؤمتر «لوزان» بإسقاطها وإلغاء نظام‬
‫وقيام أنقرة بربط حتالفات وتكتالت مع دول‬
‫‪1960-‬م)‪ ،‬ثم ظهرت احلركة اإلسالمية املعاصرة‬ ‫اخلالفة‪.‬‬
‫في آسيا الوسطى ذات غالبية عرقية تركية‪،‬‬
‫بقيادة جنم الدين أربكان‪ ،‬رئيس حزب الرفاه‪،‬‬ ‫جاء في «املوسوعة امليسرة في التاريخ‬
‫مثل تركمانستان وأذربيجان‪ ،‬عالوة على إمساك‬
‫رئيس وزراء تركيا في أواخر التسعينيات‪ ،‬ثم‬ ‫اإلسالمي» (ص ‪ )222‬للدكتور راغب السرجاني‪،‬‬
‫العصا من الوسط في ظل التوازنات الدولية‬
‫أنه مؤمتر «لوزان» عقد عام ‪1331‬هـ‪ ،‬وحضره‬
‫املتحركة عن طريق عالقات دبلوماسية مع روسيا‬ ‫تلميذه الرئيس احلالي رجب طيب أردوغان‪،‬‬
‫ممثلون من حكومة أنقرة‪ ،‬وضع اإلجنليز فيه‬
‫وحزبه العدالة والتنمية‪.‬‬
‫والصني ودول اخلليج العربي‪ ،‬والسعي إلى إرساء‬
‫شروط�ا لالعتراف باستقالل تركيا‪ ،‬عرفت‬
‫وقد بنى الرئيس أردوغان سياسته على‬
‫تعامل ندي في العالقات الدولية‪ ،‬مع االستفادة‬ ‫بشروط «كرزون األربعة»‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫إحياء التراث والعطاء احلضاري للدولة العثمانية‪،‬‬
‫من جتربة االحتاد األوروبي فيما يتعلق مبميزات‬ ‫‪ -1‬إلغاء اخلالفة العثمانية‪.‬‬
‫والدفاع عن الهوية اإلسالمية‪ ،‬وإعادة الهيبة‬
‫نظام االحتاد في توحيد الصف اإلسالمي‪ ،‬من‬ ‫‪ -2‬قطع كل صلة باإلسالم‪.‬‬
‫للدولة التركية ومجدها‪ ،‬عن طريق بنية اقتصادية‬
‫حيث التكتل مع احلفاظ على التنوع‪.‬‬ ‫‪ -3‬إخراج أنصار اخلالفة واإلسالم من‬
‫وعسكرية متينة‪ ،‬وحتولت تركيا أردوغان إلى‬
‫وتثبت املستجدات (مثل احلرب في أوكرانيا‪،‬‬ ‫البالد‪.‬‬
‫قوة إقليمية لها امتداد آسيوي وأفريقي‪ ،‬عالوة‬
‫وفي فلسطني احملتلة) أن الطرف التركي ال ميكن‬ ‫‪ -4‬اتخاذ دستور مدني ً‬
‫بدًال من دستور تركيا‬
‫على عضويتها في حلف شمال األطلسي (ناتو)؛‬
‫جتاهله أو جتاوزه‪ ،‬بل إن من مصلحة أوروبا التي‬ ‫القدمي املؤَّسَ س عن اإلسالم‪.‬‬
‫األمر الذي يفسر التخوف الكبير لدى األطراف‬
‫وحاول البعض االلتفاف حول اخلليفة‪ ،‬ولكن‬
‫تشعر بالتهديد على حدودها الشرقية أن حتافظ‬ ‫األوروبية من هذه القوة اإلقليمية الصاعدة‪ ،‬ونعت‬
‫كمال أتاتورك كان قد قويت شوكته واستطاع أن‬
‫على نوع من العالقة مع القيادة التركية احلالية‪،‬‬ ‫أردوغان بـ«السلطان» في إشارة إلى عهد اخلالفة‬ ‫يزيح كل من وقف في طريقه وأعلن إلغاء اخلالفة‬
‫وهي تع ّّول في الوقت نفسه على مرحلة ما بعد‬ ‫العثمانية!‬ ‫عام ‪1341‬هـ وأعلن قيام جمهورية تركيا‪ ،‬وألغى‬
‫أردوغان‪ ،‬وانتظار احتمال وصول قيادة جديدة‬ ‫تركيا قوة إقليمية وازنة‪:‬‬ ‫الوظائف الدينية‪ ،‬وسّلّط جنده على السكان‬
‫ذات نزعة علمانية‪ ،‬ولكن ما لم تدركه أوروبا بع ُُد‬ ‫ولعل الرفض األوروبي النضمام تركيا إلى‬ ‫يج ّّردون النساء من حجابهن‪ ،‬وجعل من نصوص‬
‫أن عصر الهيمنة قد و ّّلى‪ ،‬وأن العالم يتهيأ لدورة‬ ‫االحتاد األوروبي مؤشر كبير على هذا التخوف؛‬ ‫الدستور أن يكون له متثال في جميع أنحاء‬
‫حضارية جديدة يعود فيها املجد لإلسالم‪.‬‬ ‫إذ إن تركيا اليوم جتمع بني القوة االقتصادية‬ ‫تركيا‪ ،‬ومنع األذان باللغة العربية‪ ،‬وجعل كتابة‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪17‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫ّ‬
‫المجنــّي عليــه!‬ ‫الخالفــة ََم ْْع ََلــم اإلســالم‬

‫د‪ .‬جمال عبدالستار‬


‫الأميـن العـام لرابطـة علمـاء أهل ال ُُّس�نـة‬

‫اخلالفة ذلك ا ََمل ْْع ََلم اإلسالمي اخلالص‬


‫ألمٍة في التاريخ ادعاؤه؛ فلم‬ ‫الذي لم يسبق ٍ‬
‫بحضارٍة من حضارات‬ ‫ٍ‬ ‫يكن تقليد�ا خاص�ا‬
‫الغرب أو الشرق‪ ،‬ولكن كان هدي�ا قرآني ًًا‬
‫الوجه األمثل في واقعنا املعاصر‪ ،‬مبا يتناسب‬ ‫لتواكب مختلف العصور واألزمنة‪.‬‬ ‫وتوجيه ًًا نبوي ًًا‪ ،‬وسلوك ًًا إسالمي ًًا‪ ،‬عاشت به‬
‫وروح العصر‪ ،‬وثوابت السياسة الشرعية‪.‬‬ ‫اخلالفة تلك الشعيرة التي استطاعت‬ ‫األمة قرون ًًا عديدًةً؛ فحازت به الريادة‪ ،‬ونالت‬
‫ُظ ُِِل ََمت األمة بحرمانها من اِملِ ََظَّلةّ‬ ‫قوى الكفر والطغيان الدولي تشويه صورتها‪،‬‬ ‫به أرفع مقامات التمكني‪ ،‬وتر َّّبعت به على‬
‫السياسية لوحدتها‪ ،‬ومن التحاكم بها وفق‬ ‫وحتريف مفهومها‪ ،‬وصناعة النماذج املنسوبة‬ ‫عروش الريادة والتأثير‪.‬‬
‫ُحُِرمت من وحدة جتمع شتاتها‪،‬‬ ‫شريعة ربها‪ِ ،‬‬ ‫إلى شريعة اإلسالم زور ًًا وبهتان ًًا‪ ،‬لتقدم أسوأ‬ ‫اخلالفة تلك اِملِ ََظّلّة اجلامعة التي كانت‬
‫وحتمي مقدساتها‪ ،‬وحتفظ ثوابتها‪.‬‬ ‫النماذج باسمها‪ ،‬وأفسد القيم واملبادئ حتت‬ ‫من أسباب محافظة األمة على وحدتها‪،‬‬
‫ونحن اليوم بعد مرور مائة عام على‬ ‫رايتها املكذوبة‪.‬‬ ‫وحماية مقدراتها‪ ،‬وحراسة مقدساتها‪،‬‬
‫إسقاط اخلالفة ننظر بحسرة وأسف على ما‬ ‫واستطاعوا ‪-‬لألسف الشديد‪ -‬أن يضعوا‬ ‫والتفافها حول هويتها‪ ،‬ورعاية رابطتها‪.‬‬
‫آلت إليه حال األمة بعد ذلك احلدث املشؤوم‪،‬‬ ‫بني املسلمني وفكرة اخلالفة حاجز ًًا سميك ًًا‪،‬‬ ‫الُّسَّنّة اإلسالمية التي‬ ‫اخلالفة تلك ّ‬
‫تفُّرق‪ ،‬وتنازعت وتقاطعت‬ ‫ّ‬ ‫فتفرقت أمّيم ا‬ ‫بسبب تلك النماذج اُملَُشَ َّّوهة‪ ،‬املصنوعة في‬ ‫عاشت األمة بها مصون�ة اجلناب‪ ،‬قويَةَ‬
‫وتدابرت‪ ،‬وتسلط بعضها على بعض‪ ،‬وهانت‬ ‫دياجير املخابرات العاملية‪ ،‬حتى أضحى‬ ‫األركان‪ ،‬تهيمن الشريعة اإلسالمية على‬
‫في عيون أعدائها؛ فأضحت بالد املسلمني‬ ‫الُكَُّتَ اب والعلماء والرواد يفكرون آالف‬ ‫مجريات حياتها‪ ،‬فتحكمها بتوجيهات‬
‫وثرواتهم ً‬
‫كًأل مباح ًًا لكل ََمن ََه َّّب و ََد َّّب‪.‬‬ ‫املرات قبل أن يكتبوا سطر ًًا عنها‪ ،‬أو يعطوا‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬وحتت لوائه ورايته‪.‬‬
‫تأُّخر وانحدار‬ ‫ّ‬ ‫محاضرة عن مكانتها‪ ،‬أو خطبة عن أهميتها‪،‬‬ ‫اخلالفة تلك الشعيرة اإلسالمية التي‬
‫فمنذ إسقاط اخلالفة حتى يومنا هذا‬ ‫مقاًال يذكر بعض مناقبها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أو‬ ‫ُتُْبَت َََل به شعيرٌةٌ‬
‫نالها من التشويه ما لم ْ‬
‫وهبوٍط‬
‫ٍ‬ ‫وانحداٍر‬
‫ٍ‬ ‫تأُّخ ٍٍر‬
‫ال نرى املسلمني إال في ّ‬ ‫لقد ُظ ُِِل ََم مفهوم اخلالفة من أهله‬ ‫أخرى‪ ،‬التي ضاعت معاملها بني سوء‬
‫في جميع مناحي احلياة‪ ،‬حتى إنهم أصبحوا‬ ‫فَّرطوا فيه‪ ،‬وحينما سمحوا بارتداء‬ ‫حينما ّ‬ ‫التطبيق‪ ،‬وسطوة االستبداد حين ًًا‪ ،‬وسوء‬
‫في ذيل األمم‪ ،‬تلعب بهم الدول الكافرة كما‬ ‫عباءته لكل ََمن ََه َّّب و ََد َّّب‪ ،‬وحينما تقاعسوا‬ ‫الفهم‪ ،‬وتآمر احلاقدين على مدار العصور‬
‫يلعب الصبي بالكرة‪ ،‬بل إن األمر أشد من‬ ‫عن السعي إلقامته‪ ،‬وبذل اجلهود إلعادته‪،‬‬ ‫واألزمنة أحيان ًًا‪ ،‬وضعف أبناء اإلسالم‬
‫ذلك؛ فقد تفرق جمعهم‪ ،‬وتشتت شملهم‪،‬‬ ‫وصناعة التصورات املناسبة للتحقق به على‬ ‫املخلصني عن الدفاع عنها‪ ،‬وتطوير أدواتها‬

‫الِم َ‬
‫َظّلّة الجامعة التي كانت من أسباب محافظة األمـ ـ ــة على وحدتها وحماية مقدراتها‬ ‫الخالفة هي ِ‬
‫وانحداٍر في جميـع مناحي الحي ـ ـ ــاة‬ ‫ّ‬
‫تأُّخ ٍٍر‬ ‫من ــذ إسقــاط الخالفـ ــة حتى يومنا ال نرى المسلميـ ــن إال في‬
‫ٍ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪18‬‬
‫األمة بحاجة إلى نظام الحكم اإلسالمي المتمثل في «الوحدة اإلسالميـة» للنجـ ـ ــاة من هذه المهالك‬
‫َ‬
‫مكاَن ََها وفي علماء أمتنا ودعاتهـ ـ ــا عمي ـ ـ ــَمَ فضلهـ ـ ــا‬ ‫ل ُُن ِِع ـ ـ ــْدْ للخالفـ ـ ـ ـ ــة اإلسالميـ ـ ـ ـ ــة في عق ـ ـ ــول أجيالنـ ــا‬

‫عصر االنهزام‪ ،‬والتشُّتّ ت‪ ،‬والضياع؛ ولتكون‬ ‫وحتالفت مع أمريكا فلم تنُجُ ‪ ،‬وحتالفت مع‬ ‫وتداعت عليهم األمم كما تداعى األكلة على‬
‫ُمَُدا ََفعة‬
‫جهودنا في هذا السبيل باكورة حملة َ‬ ‫بريطانيا فلم تنجح‪ ،‬وحتالفت مع بعضها‬ ‫قصعتها‪.‬‬
‫للباطل ومنهجياته‪ ،‬والكفر وفلسفاته‪ ،‬التي‬ ‫بعض�ا على غير اإلسالم فلم حتصد إال‬ ‫فها هي القدس الشريفة استلبها منهم‬
‫ما عادت على األمة إال مبزيد من التشتت‬ ‫الُفُ رقة واخلالف‪.‬‬ ‫اليهود‪ ،‬وقامت الدولة «اإلسرائيلية» في قلب‬
‫والضياع واخلذالن‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإنه يبدو لكل ذي عينني‬ ‫األمة اإلسالمية‪ ،‬وعلى أنقاض دولة فلسطني‬
‫كما أن األمة في مثل حالتنا الراهنة‬ ‫أن األمة ال جناة لها إال باإلسالم؛ عقيدة‪،‬‬ ‫املسلمة‪ ،‬وأصبحت لها الكلمة العليا واملكانة‬
‫الَّر ِاِئُدُ اَلا‬
‫ويبّصرها‪ََ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫حتتاج إلى ََمن ّ‬
‫يبّشرها‬ ‫وشريعة‪ ،‬ومنهج ًًا‪.‬‬ ‫املرموقة في املنطقة اإلسالمية‪.‬‬
‫ََيْكْ ِِذُبُ َأَ ْْه ََلُهُ ‪ََ ،‬ف ِِل ََم ال ندفع اليأس واإلحباط‬ ‫إسالم يتمثل في العودة إلى كتاب اهلل‬ ‫وأضحى النظام الدولي الصليبي هو‬
‫رّب كرمي‪،‬‬ ‫عن أمتنا‪ ،‬ونزرع فيها اليقني في ّ‬ ‫ليحكم البالد والعباد‪ ،‬وإلى ُسُ نة رسول اهلل‬ ‫املهيِمن على البالد والعباد يتحكم في‬ ‫ِ‬
‫وغد عظيم‪ ،‬ومستقبل مبهر‪ ،‬ومتكني ورخاء؟‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم لنسير على نهجها‪،‬‬ ‫اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا وأفكارنا‪،‬‬
‫وكما قال الشيخ محمد الغزالي‬ ‫ونقتدي أثر صاحبها صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬ ‫فُضُِر ََب احلصار على غزة‪ ،‬وكانت الدول‬ ‫ِ‬
‫مستنكرًاً‪« :‬إذا كان واقع الصني عادي ًًا‪،‬‬ ‫اإلسالم الذي ال يجعل احلاكم متحّكّ م ًًا في‬ ‫املجاورة أول املنِّفّ ذين له‪ ،‬كما دمرت معالم‬
‫وأصبح الثمامنائة مليون إنسان دولة موحدة‬ ‫أرزاق الناس يحكم بالهوى‪ ،‬ويأخذ بالظن‪،‬‬ ‫الدول‪ ،‬وشوهت هوية أهلها‪ ،‬ونهبت ثرواتها‬
‫(العدد اآلن مليار وأربعمائة وتسعة ماليني‬ ‫ويعاقب ّ‬
‫بالُّشبهة‪.‬‬ ‫في العراق ومصر والشام والسودان واليمن‪..‬‬
‫ً‬
‫خياًال‬ ‫نسمة)‪ ،‬فلماذا يكون الوجود اإلسالمي‬ ‫نظام احلكم اإلسالمي‬ ‫عميٍق‪ ،‬وكل‬
‫ٍ‬ ‫باٍت‬
‫إلخ‪ ،‬والعالم اإلسالمي في ُسُ ٍ‬
‫مستبعدًاً؟ ولو كان احتاد واليات أو حتالف‬ ‫ماّسة إلى نظام احلكم‬ ‫إن األمة في حاجة ّ‬ ‫يوم تسمع من املسلمني من ينادي‪ :‬واغوثاه!‬
‫دول متآخية!‬ ‫اإلسالمي املتمثل في «الوحدة اإلسالمية»‬ ‫فال ترى له مجيب ًًا‪ ،‬وال ِلِع ْْر ِِضه حامي ًًا‪،‬‬
‫وبالطبع‪ ،‬فإن هذه احلالة املتردية لم‬ ‫لكي تنجو من هذه املهالك التي حتيط بها‬ ‫وعجزنا حتى عن الكالم اجلا ّّد‪ ،‬وال منلك‬
‫نصل إليها إال حينما ابتعدنا عن منهج اهلل‬ ‫من كل مكان؛ لذا‪ ،‬كان من الواجب علينا‬ ‫إال أن ينتظر كل منا دوره‪ ،‬وما سيفعله بنا‬
‫سبحانه في كل شؤون حياتنا‪.‬‬ ‫إعمال ُسَُّنّة التدافع‪ ،‬قال تعالى‪ََ ( :‬و ََل ْْواَلا ََدْفْ ُعُ‬ ‫األعداء‪.‬‬
‫وإنه إذا أردنا أن نستعيد مكانتنا وسط‬ ‫َّلَُهُِّدَِم ْْت ََص ََو ِاِمُعُ‬
‫َ‬ ‫ا ِِهَّلل� ال َ‬
‫َّنَاَس ََب ْْع ََضُهُ م ِِب ََب ْْع ٍٍض‬ ‫وَّحدوا صفوفهم‪،‬‬ ‫أما األعداء فقد ّ‬
‫األمم‪ ،‬فليس هناك طريق غير طريق الوحدة‬ ‫اْسُمُ ا ِِهَّلل�‬
‫اِجُدُ ُيُْذْ ََكُرُ ِِفي ََها ْ‬‫اٌت ََو ََم ََس ِ‬‫ََو ِِب ََي ٌٌع ََو ََص ََل ََو ٌ‬ ‫وأعدوا قوتهم‪ ،‬وتعاونوا على إذاللنا‪ ،‬وحتطيم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وهي ليست مستحيلة في وقتنا‬ ‫َ‬ ‫َهَّلل�‬ ‫ُهَّلل�ُ‬
‫ُصَُرَّنَ ا ََمن ََينُصُُرُُهُ ِِإَّنَ ا ََلَق َِِو ٌٌّي‬ ‫َك َِِثير ًًا ََو ََل ََين َ‬ ‫كبريائنا‪ ،‬واستغالل خيراتنا‪ ،‬ومحاصرة نظام‬
‫احلاضر‪ ،‬فمن املمكن قيامها‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫ََع ِِزيٌزٌ ) (احلج‪.)40 :‬‬ ‫ديننا‪ ،‬ومتييع رابطة اإلسالم التي تربطنا‪،‬‬
‫تقوم‪ ،‬خاصة ونحن في عصر تتكتل فيه‬ ‫فعلينا أن نكتب عن اخلالفة؛ لُنُذكر‬ ‫وإحياء العصبيات والقوميات للقضاء على‬
‫األمم وتتوحد‪.‬‬ ‫األجيال مبفهومها وفضلها ومكانتها‪،‬‬ ‫كل أمل في وحدتنا‪.‬‬
‫إننا أمة ذات تاريخ‪ ،‬وما زال بيننا كتاب‬ ‫وحاجة األمة إليها‪.‬‬ ‫وإن املنكر قد شاع ومأل البقاع‪ ،‬وصارت له‬
‫اهلل وُسُ نة رسوله‪ ،‬وهما كفيالن بإنقاذنا‪ ،‬بل‬ ‫فلنكتب عن تاريخها املجيد‪ ،‬ولنفّنّد‬ ‫الكلمة العليا في كل نظم احلياة اإلسالمية‪،‬‬
‫وإنقاذ العالم كله من مصير مظلم إن لم‬ ‫والُّشُبُ هات التي أثيرت من أبناء‬ ‫ّ‬ ‫األكاذيب‬ ‫وصار صوت احلق خافت ًًا‪ ،‬ونور اإلميان في‬
‫تتدارك اجلميع رحمة اهلل‪.‬‬ ‫جلدتنا‪ ،‬ومن احلاقدين على الدين من‬ ‫القلوب باهت ًًا‪ ،‬وصار اإلسالم نظام احلياة‬
‫إن احلضارة الغربية في طريقها إلى‬ ‫الكفار واملنافقني وأصحاب املصالح وأهل‬ ‫اإللهي الكامل ُمُ طا ََرد�ا من أنظمة احلكم‬
‫اإلفالس فلننفض عن أنفسنا غبار القرون‪،‬‬ ‫األهواء‪.‬‬ ‫اجلاهلي التي حتمل كذب�ا اسم اإلسالم‪،‬‬
‫ولنخلصها من الشوائب والرواسب التي‬ ‫ُْنُِع�د للخالفة في عقول أجيالنا‬ ‫ََفْل ِ‬ ‫اإلسالم الذي أصبح ال يحكم بالد املسلمني!‬
‫جاءتنا من هذا وذاك‪ ،‬وال سبيل أمامنا‬ ‫مكا ََن ََها‪ ،‬وفي علماء أمتنا ودعاتها عمي ََم‬ ‫جَّربت األمة أنظمة‬ ‫فما احلل إذن؟ وقد ّ‬
‫‪-‬لدنيانا وآخرتنا‪ -‬إال ديننا‪ ،‬إال نظام حكم‬ ‫فضلها‪ ،‬وفي أفكار الرواد واملؤثرين عظي ََم‬ ‫مختلفة‪ ،‬منها االشتراكي والرأسمالي‬
‫إسالمي يردنا ويرد العالم كله إلى الصواب‪،‬‬ ‫احلاجة إليها‪.‬‬ ‫وجَّربت التحالف‬ ‫ّ‬ ‫والدميقراطي وغيرها‪،‬‬
‫والرشاد‪ ،‬ولنحذر املعوقني‪.‬‬ ‫فلنكتب عنها اآلن خاصة ونحن في‬ ‫مع األقوياء؛ فتحالفت مع روسيا فلم تفلح‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪19‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫رحلة البحث عن هوية مع سقوط الخالفة العثمانية‬

‫في ‪ 27‬رجب ‪1342‬هـ‪ 3 /‬مارس‬


‫‪1924‬م‪ُُ ،‬تصدر اجلمعية الوطنية التركية‬
‫إعالٌن‬
‫ٌ‬ ‫مرسوم ًًا بإلغاء اخلالفة العثمانية‪،‬‬
‫ُُقوبل باستهجان في العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫ومحاوالت ضعيفة‪ ،‬لم يكتب لها النجاح‪،‬‬
‫إلعادتها‪ ،‬لكن هذا السقوط املدوي أنتج‬
‫توترات في الهوية‪ ،‬بدء ًًا من تركيا ذاتها‪،‬‬
‫إلى األقليات املسلمة في أوروبا وآسيا‪،‬‬
‫إلى األقاليم ذات األغلبية املسلمة‪ ،‬لتبدأ‬
‫رحلة البحث عن هوية جديدة‪.‬‬

‫‪1925‬م‪ ،‬فكان ذلك أحد جتليات توتر الهوية‬ ‫رئيسًاً لتركيا عام ‪1923‬م‪ ،‬شرع أتاتورك في‬
‫التركية التي سعى أتاتورك لفرضها قسرًاً‪.‬‬ ‫النزع القهري للهوية اإلسالمية والعثمانية‪،‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬وجدت الهوية التركية‬ ‫من خالل مشروع حتديثي علماني استبدادي‪،‬‬
‫اجلديدة نفسها أمام حتٍّدٍ آخر‪ ،‬وهو قبول‬ ‫يستبعد مظاهر الهوية اإلسالمية في الزي‬
‫مئات اآلالف من ذوي األصول التركية الذين‬ ‫والقوانني واللغة والتعليم ومؤسسات الدولة‪،‬‬
‫طردوا من أوطانهم النتماء غالبيتهم لإلسالم‪،‬‬ ‫فقد نظر أتاتورك لإلسالم كتهديد مركزي‬
‫فاستقبلت تركيا مئات اآلالف من الذين طردوا‬ ‫للهوية التركية اجلديدة؛ لذا كانت حربه‬
‫من االحتاد السوفييتي واليونان ويوغوسالفيا‬ ‫على كل عناصر الهوية اإلسالمية قمعية‬ ‫مصطفى عاشور‬
‫كاتب مهتم بالشأن الثقافي‬
‫والبلقان‪ ،‬فقد شكل إلغاء اخلالفة أزمة هوية‬ ‫واستئصالية‪ ،‬فسعى إلزاحة اإلسالم من‬
‫ووجود لكثير من األقليات املسلمة في آسيا‬ ‫املجال العام‪ ،‬من خالل القطيعة الكاملة مع‬ ‫سبق استبعا ََد اإلسالم‪ ،‬بقرار فوقي عام‬
‫وأوروبا‪ ،‬وبخاصة أقليات االحتاد السوفييتي‬ ‫املاضي العثماني بكافة إجنازاته وإخفاقاته‪.‬‬ ‫مساٍع‬
‫ٍ‬ ‫‪1924‬م‪ ،‬من تكوين الهوية التركية‪،‬‬
‫واليونان وألبانيا والبلقان؛ إذ كانت تلك الدول‬ ‫توترات هوياتية‬ ‫لبناء هوية قومية تركية لتحل مكان الهوية‬
‫ُكّن عدا ًًء عميقًاً للعثمانيني‪ُ ،‬‬
‫فـُحوربت الهوية‬ ‫ُت ّ‬ ‫لكن اجلراحة األتاتوركية للهوية العثمانية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ففي أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫اإلسالمية؛ مما وضع تلك األقليات أمام أزمة‬ ‫أنتجت توترات هوياتية في تركيا اجلديدة‪،‬‬ ‫ظهرت «الطورانية» كحركة سياسية سرية‬
‫هوياتية‪ ،‬وأمامها خيارات كلها ُُمرة‪ ،‬فإما أن‬ ‫فتشكلت قوى وحركات إسالمية سرية‬ ‫قومية‪ ،‬تدعو لتوحيد العنصر التركي‪ ،‬وقد‬
‫تنخلع من هويتها اإلسالمية‪ ،‬وتنتمي لهوية‬ ‫حافظت على الهوية اإلسالمية‪ ،‬ومارستها‬ ‫أدى اليهود(‪ )1‬دور�ا في الصياغة الفكرية‬
‫جديدة سواء في املسيحية أو الشيوعية‪ ،‬وإما‬ ‫بعيدًاً عن رقابة الدولة‪ ،‬وكانت حتديًاً للعلمنة‬ ‫والتنظيمية للحركة‪ ،‬التي اعتبرت اإلسالم‬
‫اإلبادة‪ ،‬وإما التهجير‪.‬‬ ‫القسرية‪ ،‬ومناقضة للهوية اجلديدة‪ ،‬وكذلك‬ ‫عائق�ا في بناء الهوية التركية‪ ،‬ورأت أن‬
‫كان األوروبيون يرحبون بأن تعود‬ ‫مواجهة حركات انفصالية داخلية‪ ،‬أبرزها‬ ‫اإلسالم يفتح الهوية التركية على مكونات‬
‫الهوية األوروبية مسيحية ال حضور للمكون‬ ‫حركة الشيخ سعيد بيران‪ ،‬وهي انتفاضة في‬ ‫غير تركية؛ لذا أخذت الطورانية تنبش‬
‫اإلسالمي داخلها‪ ،‬ومن ثم كان الصمت‬ ‫املناطق الكردية ضد احلكم التركي‪ ،‬رفعت‬ ‫املاضي لتبني حضورها الهوياتي بني قبائل‬
‫األوروبي عن القمع الوحشي الذي حاق بتلك‬ ‫شعار «لتحيا اخلالفة ولتسقط اجلمهورية»‪،‬‬ ‫املغول في آسيا‪.‬‬
‫األقليات‪ ،‬وزاد من معاناة األقليات أن أغلب‬ ‫لكنها انتهت بإعدام بيران في ‪ 30‬يونيو‬ ‫ومع انتخاب مصطفى كمال أتاتورك‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪20‬‬
‫الهوية التركية الجديدة واجهت‬ ‫مت تهجير ‪ 384‬ألفًاً من اليونان‪ ،‬كما توافد‬ ‫أتاتورك شرع في النزع القهري‬
‫تحدي قبول األتراك المسلمين‬ ‫األتراك املسلمون من مقدونيا عام ‪1924‬م‪،‬‬ ‫للهوية اإلسالمية والعثمانية‬
‫الذين ُ‬
‫ُطردوا من أوطانهم‬ ‫ومت تهجير ‪ 305‬آالف من يوغوسالفيا‪.‬‬ ‫بمشروع علماني استبدادي‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫وحسب اإلحصاءات التركية‪ ،‬فقد قدم‬ ‫‪---------------------------------‬‬
‫جرى دمج بين األفكار القومية‬ ‫أكثر من ‪ 800‬ألف شخص من البلقان إلى‬ ‫‪ ..‬ما أنتج توترات هوياتية‬
‫العربية والعلمانية لبناء هوية‬ ‫تركيا في الفترة ما بني عام ‪ 1923‬و‪1945‬م‪،‬‬ ‫فتشكلت حركات إسالمية سرية‬
‫جديدة مستلهمة تجارب أتاتورك‬ ‫كما توافدت هجرات من تركستان الشرقية‬ ‫حافظت على هويتها‬
‫بعد االحتالل الصيني‪.‬‬
‫القومية العربية والعلمانية والتحديث لبناء‬ ‫القومية العربية‬ ‫األنظمة التي تشكلت في البلقان وأوروبا‬
‫هوية عربية جديدة‪ ،‬ومع إلغاء اخلالفة كانت‬ ‫وعربيًاً‪ ،‬تسببت أزمات اخلالفة العثمانية‬ ‫الشرقية بعد سقوط اخلالفة كانت شيوعية‪،‬‬
‫بعض الهويات الُقُطرية أخذت في التشكل‪،‬‬ ‫بتوترات في الهوية باملنطقة العربية‪ ،‬ونشأت‬ ‫فُشنت حرب قاسية على هوية األقليات‬ ‫ُ‬
‫خاصة مع دولة االستقالل‪ ،‬كما استلهمت‬ ‫أزمة الهوية بني مسيحيي الشام‪ ،‬في البداية‪،‬‬ ‫املسلمة‪ ،‬ملسخها واستبدال هوية أخرى بها‪،‬‬
‫جتارب عربية أفكار أتاتورك في اإلعراض‬ ‫الذين بحثوا عن هوية لالنتماء‪ ،‬ووجدوا‬ ‫ففي ألبانيا‪ ،‬ورغم أن املسلمني كانوا أغلبية‬
‫عن اإلسالم في بناء الهوية الُقُطرية؛ لذا‬ ‫ضالتهم في القومية العربية‪ ،‬متأثرين‬ ‫فيها‪ ،‬فإن نظام امللك أحمد زوغو‪ ،‬الذي‬
‫حتولت الدولة القومية إلى أداة لتفكيك‬ ‫بالتجربة األملانية التي اتخذت من اللغة‬ ‫ُُوصف بأنه «أتاتورك ألبانيا»‪ ،‬سار على نهج‬
‫الهوية‪ ،‬مع جلوئها للعنف لقمع الهويات‬ ‫مركزًاً لبناء الهوية القومية‪ ،‬ومن ثم ظهرت‬ ‫أتاتورك في محاربة الهوية اإلسالمية‪ ،‬فألغى‬
‫األخرى‪.‬‬ ‫اجلمعيات القومية السرية العربية املناهضة‬ ‫احلجاب والتعليم اإلسالمي‪ ،‬وحارب كل‬
‫ولم تستطع الهوية القومية املستحدثة‬ ‫لألتراك وسياسة التتريك في نهاية القرن‬ ‫مظهر للهوية اإلسالمية‪.‬‬
‫أن تكون بوتقة للهويات املتنوعة في املجتمع‪،‬‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬ومطلع القرن العشرين‪ ،‬وظهر‬ ‫كذلك كانت هناك عمليات تصفية لكل‬
‫فكانت التوترات عميقة‪ ،‬وكان القمع عنيفًاً‪،‬‬ ‫كَّتَاب «إحياء األمة العربية» عام ‪1905‬م‪ ،‬وهو‬ ‫مظاهر الهوية اإلسالمية في البلقان‪ ،‬فوقعت‬
‫لكن الضربة القاصمة التي ُأُصيبت بها‬ ‫أول كتاب يحمل مصطلح «األمة العربية»‬ ‫بلغاريا مع تركيا اتفاقية في أكتوبر عام‬
‫القومية كهوية بديلة‪ ،‬جاءت مع انهيار الوحدة‬ ‫صراحة‪ ،‬كتبه بالفرنسية جنيب عازوري‪،‬‬ ‫‪1925‬م‪ ،‬جرى مبقتضاها تهجير الكثير من‬
‫املصرية السورية عام ‪1961‬م‪ ،‬إذ يتشابه هذا‬ ‫داعي�ا إلى انفصال العرب عن الدولة‬ ‫مسلمي بلغاريا إلى تركيا‪ ،‬فخالل ‪ 10‬سنوات‬
‫االنفصال في تأثيراته على القومية تأثير‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫غادر ‪ %35‬من مسلمي بلغاريا بالدهم‪،‬‬
‫انهيار اخلالفة عام ‪1924‬م‪ ،‬فمع انهيار‬ ‫وقد جرت عمليات دمج بني األفكار‬ ‫وقدرت األعداد بحوالي ‪ 218‬ألفًاً‪ ،‬كما‬
‫اجلمهورية العربية املتحدة عام ‪1961‬م‪،‬‬
‫انصرف العرب إلى البحث عن هوية تخص‬
‫كل دولة‪ ،‬دون البحث عن هوية جامعة‪.‬‬

‫الهامـــش‬
‫(‪ )1‬كان مــن أبــرز اليهــود الذين صاغوا‬
‫البنــاء النظــري للطورانيــة المجــري‬
‫أرمنيــوس فامبيري‪ ،‬الذي قــال صراحة‪:‬‬
‫«اإلسالم ينافــي الوطنيــة»‪ ،‬واليهــودي‬
‫الألمانــي ألبرت كوهيــن الذي تنكر تحت‬
‫اســم تركــي هو تكيــن ألب وكتــب‪« :‬يجب‬
‫أن نكون أنفســنا‪ ..‬إن جيلنا بالكامل ليس‬
‫تركيــًاً‪ ،‬ويجــب تأسيســه وإصلاحــه علــى‬
‫أسس جديدة»‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪21‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫سقوط الخالفة‪ ..‬وإشكالية الهوية‬


‫لدى الشباب المسلم‬

‫على الرغم من أن القراءة املتأنية ملا كان يدور في دولة‬


‫اخلالفة العثمانية في سنواتها األخيرة تشير بوضوح إلى أن ما حدث أمر‬
‫متوقع‪ ،‬فإن صدمة كبيرة أصابت الشباب املسلم آنذاك الذي وجد نفسه في‬
‫مأزق تاريخي لم يسبق له وجود من قبل‪.‬‬
‫فاألمر لم يكن مجرد سقوط خالفة ومن ثم قيام أخرى بديلة‪ ،‬بل‬ ‫فاطمة عبدالرؤوف‬
‫تصفية الفكرة نفسها مبا حتمله من دالالت ورموز تشكل هوية الذات املسلمة‪،‬‬ ‫على الرغم من أنه ال يوجد تناقض‬
‫بل وجد الكثير من الشباب املسلم نفسه مرغم ًا على تغيير هويته تارة حتت‬ ‫حقيقي بني الوطنية والقومية واإلسالم‪ ،‬بل‬
‫تهديد مشانق أتاتورك التي أقامها أمام املساجد‪ ،‬وأخرى بفعل عدوى األفكار‬ ‫هي دوائر متداخلة‪ ،‬فإنه مت التعامل مع هذه‬
‫الهويات باعتبارها هويات متناقضة‪ ،‬وارتبطت‬
‫التي ربطت بني التخلف واجلمود واالستبداد‪ ،‬ونظام اخلالفة الذي تصدع‬
‫الهوية الوطنية والقومية بالعلمانية املعتدلة أو‬
‫وانشقت عنه الهوية الوطنية كبديل أو الهوية القومية كبديل آخر‪.‬‬
‫املتطرفة بحسب ظروف كل بلد‪ ،‬وكان نصيب‬
‫تركيا احلد األقصى من العلمانية املتطرفة التي‬
‫على أن يحتفظ بجميع السلطات في يده‪ ،‬وهو‬ ‫كان على مستوى القيم واألفكار‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫تريد محو حتى الرموز اإلسالمية الصغيرة في‬
‫موقف سياسي جامد ال يتناسب مع األحداث‬ ‫الذي كانت أوروبا تشتعل بأفكار الثورة‬ ‫عملية خطف منظمة للهوية املسلمة‪ ،‬ومحاكاة‬
‫التي تتصاعد وتشتعل‪ ،‬وكانت احلاجة ماسة‬ ‫الفرنسية وما حتمله من قيم احلرية والفصل‬ ‫حرفية ملا حدث للمسلمني في األندلس‪.‬‬
‫ألحكام سلطانية تتسم بالتجديد وال تفرط في‬ ‫بني السلطات والثورة على سلطة الكهنوت‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من كل اجلهود التي بذلها‬
‫هوية األمة احلقيقية بعيداً عن الغبش املرتبط‬ ‫وكان رجال االحتاد والترقي وشباب تركيا‬ ‫السلطان عبداحلميد ملنع انهيار اخلالفة‬
‫باالستبداد والتقليد‪.‬‬ ‫الفتاة بجميع اجتاهاتهم يقرؤون ما ينشر‬ ‫كتحديثه للجيش والتوسع في التعليم وإنشاء‬
‫صراع الهوية‬ ‫في باريس ويعتمدون عقلية التقليد واحملاكاة‬ ‫خطوط سكك حديدية ومحاوالته للتصدي‬
‫طرح سقوط اخلالفة الكثير من التساؤالت‬ ‫للغرب لصناعة هوية جديدة‪ ،‬رفض السلطان‬ ‫جلماعة االحتاد والترقي وغير ذلك‪ ،‬فإنها‬
‫واإلشكاالت‪ ،‬وجاء سؤال الهوية كواحد من أهم‬ ‫عبداحلميد التعاطي مع ما يطرحه عليه جمال‬ ‫كانت إصالحات جزئية لصدع وشقوق كبيرة‬
‫األسئلة التي طرحت على العقل اجلمعي لألمة‪،‬‬ ‫الدين األفغاني من مخطط لإلصالح السياسي‬ ‫أصابت اخلالفة العثمانية‪.‬‬
‫فلقد مثل سقوط اخلالفة لدى البعض سقوطاً‬ ‫للدولة املترهلة ورفض احلكم الدستوري‪ ،‬وأصر‬ ‫فالتحديث احلقيقي الذي كانت حتتاجه‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪22‬‬
‫سقوط الخالفة َّ‬
‫مثل لدى البعض‬
‫ً‬
‫سقوطا للمشروع اإلسالمي‬
‫الذي كان يمنح منظومة الخالفة‬
‫الشرعية‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫‪ ..‬وكان الدافع األهم لظهور‬
‫العديد من الحركات التي دعت‬
‫إلى شمولية اإلسالم لمناحي‬
‫الحياة‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫بعد مرور قرن كامل على سقوط‬
‫الخالفة ال تزال األمة اإلسالمية‬
‫في حالة من الصراع الهوياتي!‬

‫الواقع السياسي‪ ،‬واستطاعت التوازن بني‬ ‫تأخر املسلمون وتقدم غيرهم؟! فسقوط‬ ‫للمشروع اإلسالمي الذي كان مينح منظومة‬
‫الثوابت واملتغيرات الكثيرة في املجتمع‪.‬‬ ‫اخلالفة العثمانية أثار العقل املسلم للبحث‬ ‫اخلالفة الشرعية‪ ،‬وتعالت أصوات تطالب‬
‫جنحت احلركة في محاولتها لإلصالح‬ ‫عن إجابات‪ ،‬وعن إجراء مراجعة لألفكار‬ ‫بتقليد أوروبا‪ ،‬أو كما يقول طه حسني‪« :‬إننا‬
‫بتحويل األفكار واألشخاص املؤمنني بها‬ ‫واألطروحات‪ ،‬وخاصة ما يتعلق منها باجلانب‬ ‫في هذا العصر احلديث نريد أن نتصل بأوروبا‬
‫(معظمهم من الشباب الذين كانوا يبحثون‬ ‫السياسي‪ ،‬ففي تركيا وبعد هالك أتاتورك‬ ‫اتصاالً يزداد قوة حتى نصبح جزءاً منها؛ لفظاً‬
‫عن الهوية اإلسالمية بعيداً عن اجلمود الذي‬ ‫بدأت محاوالت حثيثة القتحام قالع العسكر‬ ‫ومعنى وحقيقة وشك ً‬
‫ال»‪.‬‬
‫أصابها نتيجة سنوات التقليد والركود) إلى‬ ‫والعلمانيني مرة بتفعيل فلسفة املصلحة‪ ،‬ومرة‬ ‫حتالفت العلمانية مع الهوية الوطنية لتمثل‬
‫العمل املؤسسي‪ ،‬ومن ثم استطاعت خالل‬ ‫باقتحام مجال املال واألعمال والصناعة‪ ،‬ومرة‬ ‫ملمحاً من مالمح األمة بعد سقوط اخلالفة‪،‬‬
‫سنوات قليلة الوصول ملرحلة الكتلة احلرجة‬ ‫بالقبول بقواعد اللعبة السياسية‪ ،‬وكان الهدف‬ ‫وعلى الرغم من ذلك لم تكن حركة حترر وطني‬
‫املؤثرة‪ ،‬وأصبح لها فروع في معظم البلدان‬ ‫من ذلك كله إحياء الهوية اإلسالمية واحلصول‬ ‫حقيقية‪ ،‬وهادنت االستعمار‪ ،‬ودخلت معه في‬
‫العربية تسعى جميعاً لتجديد هوية الشباب‬ ‫على بعض املكاسب اجلزئية؛ كافتتاح املدارس‬ ‫أالعيب السياسة‪ ،‬ثم حتالفت مرة أخرى مع‬
‫املسلم‪ ،‬وإلعادة إحياء فكرة اخلالفة الراشدة‬ ‫اإلسالمية لضمان إبقاء جذوة الوعي مشتعلة‬ ‫الهوية القومية في مد جارف‪ ،‬وحتولت ملنتج‬
‫القائمة على الشورى‪ ،‬وجعل هذا من أهم‬ ‫في عقول األجيال اجلديدة‪.‬‬ ‫يشبه اخلالفة‪ ،‬لكنه مقتصر على القومية‬
‫أهداف احلركة‪ ،‬والنظر مبوضوعية لفترة‬ ‫احلركات اإلسالمية‬ ‫العربية‪ ،‬ومؤدلج بالعلمانية واالشتراكية‪ ،‬وآمن‬
‫اخلالفة العثمانية حتى في سنواتها العجاف‬ ‫أما في البالد العربية‪ ،‬فقد ظهرت العديد‬ ‫آخرون بالهوية فوق الوطنية أو األممية‪ ،‬مع‬
‫األخيرة‪.‬‬ ‫من احلركات التي تدعو لشمولية اإلسالم‬ ‫انتشار الفكر الشيوعي بني طبقات من املثقفني‬
‫واآلن‪ ،‬وقد استدار الزمان ومر قرن كامل‬ ‫ملناحي احلياة‪ ،‬فسقوط اخلالفة العثمانية كان‬ ‫والطلبة والعمال خاصة بعد جناح الثورة‬
‫على سقوط اخلالفة‪ ،‬وال تزال أمتنا في حالة‬ ‫الدافع األهم لقيام هذه احلركات‪ ،‬أو ميكن‬ ‫البلشفية‪.‬‬
‫من الصراع الهوياتي‪ ..‬سقطت الشيوعية‬ ‫القول‪ :‬إنها النتيجة األهم التي ترتبت على هذا‬ ‫أصبح هناك ما ميكن أن نطلق عليه حالة‬
‫وظن بعضهم أن التاريخ قد انتهى بانتصار‬ ‫السقوط‪ ،‬ولعل حركة اإلخوان املسلمني من أهم‬ ‫من الصراع الهوياتي بني هذه املجموعات‬
‫الرأسمالية اجلديدة‪ ،‬وحاول آخرون اختطاف‬ ‫هذه احلركات التي ظهرت بعد سقوط اخلالفة‬ ‫واأليديولوجيات‪.‬‬
‫وعي الشباب في فضاء العوملة وتذويب‬ ‫ببضع سنوات قليلة للعمل على إعادة إحياء‬ ‫وبقي القطاع األكبر من الشعوب منشغ ً‬
‫ال‬
‫هويته واختراقه وتكريس مشاعر عجز الذات‬ ‫وجتديد الهوية اإلسالمية‪.‬‬ ‫بأمور املعاش‪ ،‬متمسكاً بهويته اإلسالمية بصورة‬
‫احلضارية لديه‪ ،‬لكن معادلة املدافعة أبت إال أن‬ ‫انفتحت احلركة على كل اإلسهامات‬ ‫فطرية‪ ،‬فالهوية اإلسالمية إحدى ركائز بنائه‬
‫تقدم لنا منوذج شباب املقاومة؛ شباب «طوفان‬ ‫الفكرية السابقة لها (أفكار األفغاني‪ ،‬وعبده‪،‬‬ ‫النفسي‪ ،‬وغياب هذه الهوية عنه ميثل تهديداً‬
‫األقصى»‪ ،‬كدليل حي يكتب بدمائه الطاهرة‬ ‫ورشيد رضا)‪ ،‬ودعت لعودة اخلالفة الراشدة‪،‬‬ ‫وجودياً له‪.‬‬
‫هوية األمة احلقيقية‪.‬‬ ‫وثمنت قيمة الشورى‪ ،‬وتعاملت مبرونة مع‬ ‫َّ‬ ‫ارتبط سؤال الهوية بسؤال النهضة‪ :‬ملاذا‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪23‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫حتّول هدف استعادة اخلالفة املطلب الرئيس للعديد من الدعوات واحلركات‬


‫ّ‬ ‫منذ اإلعالن رسمي ًًا عن إلغائها عام ‪1924‬م‪،‬‬
‫واجلماعات‪ ،‬وطغى على اهتمام املفكرين واملجددين والعاملني في حقل املشروع اإلسالمي‪ ،‬الذين رأوا في سقوط اخلالفة خسارة‬
‫كبيرة‪ ،‬وانتكاسة خطيرة‪ ،‬وفقدان ًًا للتمثيل والتعبير األهم عن وحدة األمة وهويتها الثقافية‪ ،‬رغم ما كانت تعانيه من ضعف‬
‫وتبّدل في األسس التي قامت عليها اخلالفة األولى من الشورى وحق األمة في اختيار من يحكمها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتفكك‬

‫الحركات والمشاريع اإلسالمية ومحاولة‬


‫سد الفجوة‪ ..‬نظرة تقييمية‬

‫وخالل العقود الثالثة األخيرة‪ ،‬طرأ تط ّّور‬ ‫احلركة اإلسالمية الهندية (‪1924 - 1919‬م)‬
‫إشكالي متثل في تس ّّرع بعض املجموعات ذات‬ ‫واحدة من أقدم احلركات اإلسالمية التي دعت‬
‫التوّجه اإلسالمي بإعالن قيام إمارة أو خالفة‬
‫ّ‬ ‫الستعادة اخلالفة‪ ،‬فيما كانت إعادة اخلالفة‬
‫في بقعة ما ومطالبة املسلمني في العالم مببايعة‬ ‫من أهم أهداف جماعة اإلخوان املسلمني التي‬
‫األمير أو اخلليفة‪ ،‬حصل ذلك عام ‪1996‬م حني‬ ‫تأسست عام ‪1928‬م‪ ،‬وأكد مؤسسها «أن اإلخوان‬
‫أعلنت حركة «طالبان» إمارة أفغانستان اإلسالمية‬ ‫يجعلون فكرة اخلالفة والعمل إلعادتها في رأس‬
‫ومبايعة املال محمد عمر أميرًاً للمؤمنني‪ ،‬وطالبت‬ ‫منهاجهم»‪.‬‬
‫عموم املسلمني مببايعته خليفة على السمع‬ ‫وقد انبثق عن جماعة اإلخوان أو تأثر‬
‫عاطـف الجولانـي‬
‫كاتـــب ومحــلل سياســـي‬
‫والطاعة‪.‬‬ ‫مبدرستها العديد من احلركات واملجموعات‬
‫وتكرر األمر عام ‪2014‬م حني قفز «تنظيم‬ ‫اإلسالمية التي وضعت هي األخرى استعادة‬ ‫ش ّّكلت فكرة إعادة اخلالفة نقطة جذب‬
‫الدولة اإلسالمية في العراق والشام» (داعش)‬ ‫اخلالفة على رأس قائمة أهدافها وأولوياتها‪،‬‬ ‫وعامل إلهام للعديد من احلركات اإلسالمية‬
‫قفزة في الهواء‪ ،‬وأعلن قيام اخلالفة اإلسالمية‬ ‫كاجلماعة اإلسالمية في باكستان التي تأسست‬ ‫واملشاريع الفكرية‪ ،‬واستمرت احملاوالت واجلهود‬
‫وتنصيب زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خليفة‬ ‫عام ‪1941‬م‪ ،‬وحزب التحرير اإلسالمي الذي نشأ‬ ‫لتحقيق ذلك على مدار قرن كامل من الزمن ولم‬
‫للمسلمني في كل مكان‪.‬‬ ‫عام ‪1953‬م‪ ،‬وكانت عودة اخلالفة فكرته املركزية‪.‬‬ ‫تتوقف‪ ،‬وتعتبر حركة اخلالفة املعروفة أيضًاً باسم‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪24‬‬
‫وجدت نفسها مع مرور الزمن خاضعة لضغط‬ ‫الحركات اإلسالمية نجحت‬ ‫واملتعّجلة‬
‫ّ‬ ‫وع ّّبرت هذه اإلعالنات الساذجة‬
‫الواقع الُقُطري واستحقاقات الدولة الوطنية‪ ،‬ولم‬ ‫وغير الواقعية عن قصور الفهم‪ ،‬وغياب النضج‬
‫في الحفاظ على الهوية ونشر‬
‫تستطع في معظم األحيان احلفاظ على أكثر من‬ ‫الفكري والسياسي‪ ،‬وضعف إدراك الواقع‬
‫وحدة شكلية ألجسامها املمتدة جغرافيًاً على دول‬ ‫الوعي بشمولية اإلسالم‬ ‫السياسي مبعطياته وتعقيداته‪ ،‬ومنيت تلك‬
‫متعددة تتباين ظروفها وأوضاعها السياسية‪ ،‬ولم‬ ‫‪---------------------------------‬‬ ‫اخلطـــــــوات املتس ّّرعة بفشـــــــــــــــــــــــل ذريــــــــع‪،‬‬
‫يعد ممكنًاً تشكيل جسم موحد بقيادة مركزية‪،‬‬ ‫ووصلت إلى طريق مسدود‪.‬‬
‫‪ ..‬ولكنها فشلت بتحقيق حد‬
‫وعوضًاً عن ذلك جلأت إلقامة صيغ تنسيقية‬ ‫عقبات وحتديات‬
‫أدنى من الوحدة أو التنسيق‬
‫حتافظ على استقاللية كل تشكيل محلي من‬ ‫وُيُالحظ أن جهود إحياء اخلالفة واجهت‬
‫تشكيالتها وتراعي خصوصيته الوطنية‪.‬‬ ‫بين جهودها‬ ‫عقبات وحتديات كأداء‪ ،‬وضعت سدًاً منيعًاً أمام‬
‫وفي ضوء ما آل إليه الواقع العربي‬ ‫حتقيق جناح عملي على هذا الصعيد‪ ،‬ومن أهم‬
‫واإلسالمي من انقسام وجتزئة‬ ‫تلك العقبات‪:‬‬
‫وتكريس لواقع الدولة الُقُطرية أو‬ ‫‪ -‬حالة التحّفّز لدى القوى‬
‫الوطنية‪ ،‬وفي ظل ما واجهته جتارب‬ ‫الدولية إلفشال أي محاوالت إلجناز‬
‫احلركات اإلسالمية من صعوبات‬ ‫وحدة عربية أو إسالمية‪ ،‬وإلجهاض‬
‫أجلأتها العتماد صيغ التنسيق‬ ‫أي دعوات إلحياء اخلالفة‪ ،‬نتيجة‬
‫عوضًاً عن الوحدة الكاملة والقيادة‬ ‫اإلرث التاريخي السلبي واملخاوف‬
‫املركزية‪ ،‬وجدت تلك احلركات نفسها‬ ‫والهواجس من تبعات ذلك‪.‬‬
‫مضطرة إلعادة النظر في طروحاتها‬ ‫‪ -‬خضوع معظم الدول العربية‬
‫السابقة والعتماد مقاربات أكثر مرونة‬ ‫واإلسالمية لالستعمار‪ ،‬وجناح‬
‫وواقعية‪.‬‬ ‫املخططات الدولية في تكريس حالة‬
‫وبات احلديث عن اخلالفة‬ ‫االنقسام والتجزئة وتفتيت األمة‬
‫كمظلة سياسية ومرجعية دينية حتظى‬ ‫إلى دول وكيانات ضعيفة ومتناحرة‪،‬‬
‫برمزية التعبير عن وحدة األمة وعن‬ ‫من خالل التركيز في األدبيات واملناهج والبرامج‬ ‫مسلوبة اإلرادة وتابعة لنفوذ القوى‬
‫هويتها الثقافية‪ ،‬من خالل صيغ وأطر تنسيقية‬ ‫واخلطاب السياسي والدعوي على هدف استئناف‬ ‫املهيمنة‪.‬‬
‫ً‬
‫مقبوًال لدى الكثير منها‪.‬‬ ‫مرنة؛ أمرًاً‬ ‫احلياة اإلسالمية وضرورة تطبيق الشريعة‬ ‫‪ -‬سيطرة االستبداد السياسي‪ ،‬واحتكار‬
‫وقد تن ّّبه مؤسس جماعة اإلخوان املسلمني‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬والثاني‪ :‬تقدمي منوذج وصيغ عملية‬ ‫السلطة‪ ،‬وهيمنة العلمانية وفلسفتها في احلكم‬
‫حسن البنا مبكرًاً للصعوبات العملية التي تعترض‬ ‫ُتُع ّّبر جزئيًاً عن وحدة األمة وعن رفض اخلضوع‬ ‫على الكثير من األقطار العربية‪.‬‬
‫طريق إحياء اخلالفة‪ ،‬وتبّنّى فهمًاً مرنًاً ومتد ّّرجًًا‬ ‫للواقع الُقُطري وملنطق التجزئة والتفتيت‪.‬‬ ‫‪ -‬تكريس الواقع الُقُطري والدولة الوطنية‪،‬‬
‫لتحقيق ذلك‪ ،‬وأكد في «رسالة املؤمتر اخلامس»‬ ‫جناح وفشل!‬ ‫على حساب األطر السياسية اجلامعة‪.‬‬
‫عام ‪1938‬م أن األمر «يحتاج إلى كثير من‬ ‫وفي تقييم مدى جناح احلركات واملشاريع‬ ‫‪ -‬استهداف اجلماعات واحلركات اإلسالمية‬
‫التمهيدات التي ال ب ّّد منها‪ ،‬وأن اخلطوة املباشرة‬ ‫اإلسالمية في حتقيق الهدفني‪ُ ،‬يُالحظ أنها‬ ‫التي حتمل املشروع اإلسالمي وتدعو إلحياء‬
‫إلعادة اخلالفة ال ب ّّد أن تسبقها خطوات؛ ال ب ّّد‬ ‫حققت جناح�ا جيد�ا في احلفاظ على الهوية‬ ‫اخلالفة‪ ،‬والعمل على إضعافها وإقصائها وقطع‬
‫من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بني‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ونشر الوعي بشمولية اإلسالم جلميع‬ ‫الطريق على وصولها إلى مواقع التأثير والتوجيه‬
‫الشعوب اإلسالمية كلها‪ ،‬يلي ذلك تكوين األحالف‬ ‫مناحي احلياة‪ ،‬وتشكيل الرأي العام املطالب‬ ‫في دولها ومجتمعاتها‪.‬‬
‫واملعاهدات‪ ،‬وعقد املجامع واملؤمترات بني هذه‬ ‫باستئناف احلياة اإلسالمية وتطبيق الشريعة‪،‬‬ ‫وفي مواجهة الواقع الصعب والتحديات‬
‫البالد»‪.‬‬ ‫فيما كان األمر مغايرًاً فيما يتعلق بهدف تقدمي‬ ‫الكبيرة التي واجهت جهود إحياء اخلالفة‪،‬‬
‫إن التمسك بأشواق األمة وتوقها إلحياء‬ ‫النموذج والتعبير عن وحدة األمة وجتاوز قيود‬ ‫طرأ تط ّّور مهم على وعي املفكرين اإلسالميني‬
‫اخلالفة عنوانًاً للوحدة والهوية اإلسالمية من‬ ‫اجلغرافيا وسطوة الواقع الُقُطري‪.‬‬ ‫والقائمني على أمر اجلماعات واحلركات‬
‫خالل تطبيقات واقعية‪ ،‬يظل أمرًاً مهمًاً‪ ،‬رغم‬ ‫فعلى صعيد التجربة العملية‪ُ ،‬يُالحظ أن‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬مت ّّثل في إدراكهم ألهمية ملء الفراغ‬
‫إدراك صعوبة حتقيق ذلك دون قيام دول شورية‬ ‫احلركات اإلسالمية العاملة على توحيد األمة‬ ‫وس ّّد الفجوة الناجمة عن غياب اخلالفة في‬
‫دميقراطية ُتُع ّّبر عن إرادة مجتمعاتها وشعوبها‬ ‫واستعادة اخلالفة فشلت في حتقيق حد أدنى من‬ ‫تعبيرها عن الهوية الثقافية والوحدة اإلسالمية‪.‬‬
‫التي تتــــوق للوحدة واحلرية واستعادة الدور‬ ‫الوحدة أو التنسيق بني جهودها‪.‬‬ ‫فقد باتوا ُيُعنون بتحقيق هدفني أساسيني؛‬
‫واملكانة احلضارية‪.‬‬ ‫وعلى صعيد احلركة اإلسالمية الواحدة‪،‬‬ ‫األول‪ :‬إبراز الهوية الثقافية اإلسالمية لألمة‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪25‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫الخالفة والدولة القومية الحديثة‪..‬‬


‫التشابهات واالختالفات‬

‫يجتلبون بها املصلحة‪ ،‬وأمور يجتنبونها ملا‬ ‫أفلح املسلمون بعد وفاة‬
‫فيها من املفسدة‪ ،‬ويكونون مطيعني لآلمر‬ ‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم في‬
‫بتلك املقاصد‪ ،‬والناهي عن تلك املفاسد‪،‬‬ ‫ابتكار نظام سياسي لم يسبقهم‬
‫فجميع بني آدم ال بد لهم من طاعة آمر وناهٍ »‪.‬‬
‫إليه أي من األمم السالفة‪ ،‬وهو‬
‫وما ذكره ابن تيمية هو األصل في نظرية‬
‫نظام اخلالفة الذي اصطلح‬
‫«العقد االجتماعي» الذي تقوم عليه الدولة‬
‫احلديثة‪ ،‬فالبشر ال بد لهم من إطار ينظم‬ ‫الفقهاء على تعريفه بأنه «القيام‬
‫اجتماعهم اإلنساني ويحقق مصاحلهم ويدفع‬ ‫د‪ .‬فاطمــة حافــظ‬ ‫مقام صاحب الشرع لتحقيق‬
‫باحثـة فـي التاريـخ والحضـارة‬
‫عنهم األخطار التي تهددهم‪ ،‬وفي مقابلة‬ ‫مصالح الدين والدنيا»؛ لذا‬
‫هذه املنافع يتنازل األفراد طواعية عن بعض‬ ‫أصل الفقهاء لنظام اخلالفة‪ ،‬ود َّونوا‬
‫َّ‬ ‫يوصف بالثنائية ملراعاته مصالح‬
‫حرياتهم ومكتسباتهم لصالح هذا اإلطار دولة‬ ‫في طبيعته ودواعيه واألسس التي جتعل‬
‫العباد في الدارين‪ ،‬وهو في‬
‫كان أم خالفة‪.‬‬ ‫منه ضرورة من ضرورات االجتماع البشري‪،‬‬
‫وهذا ال يعني أن ثمة تطابقًاً بني اخلالفة‬ ‫ومن هؤالء ابن تيمية في كتاب «احلسبة»‪،‬‬ ‫ذلك يخالف النظم السائدة في‬
‫والدولة القومية احلديثة التي ظهرت في‬ ‫وفيه اعتبر اخلالفة ال غنى عنها؛ ألن «كل‬ ‫عصرهم؛ وهي إما نظم سلطوية‬
‫الغرب منذ ثالثة قرون وعمت العالم بعدها؛‬ ‫بني آدم ال تتم مصلحتهم ال في الدنيا وال‬ ‫دنيوية متجد سلطان الفرد أو ما‬
‫ذلك أن هناك مسائل حيوية تتقاطع فيها‬ ‫في اآلخرة إال باالجتماع والتعاون والتناصر‪،‬‬ ‫أسماه ابن خلدون بـ«الكسروية»‪،‬‬
‫اخلالفة مع الدولة القومية احلديثة‪ ،‬ومن‬ ‫فالتعاون على جلب منافعهم‪ ،‬والتناصر لدفع‬
‫أو نظم ثيوقراطية دينية تزعم‬
‫بينها مسائل السيادة والشرعية والدميقراطية‬ ‫مضارهم‪ ،‬ولهذا يقال‪ :‬اإلنسان مدني بالطبع‪،‬‬
‫أنها حتكم باسم اإلله‪.‬‬
‫وسلطة الدولة على مواطنيها‪:‬‬ ‫فإذا اجتمعوا فال بد لهم من أمور يفعلونها‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪26‬‬
‫تقاطعات جوهرية تفصل الخالفة‬ ‫حرية الدولة مكفولة إال من‬ ‫الفقهاء‪ :‬سيادة الدولة ال تنافي‬
‫عن ُنظم الحكم المعاصرة فهما‬ ‫قيدين عدم مخالفة الشرع وعدم‬ ‫الفكرة اإلسالمية ألن الحاكم نائب‬
‫متباينان ال التقاء بينهما‬ ‫اإلضرار بالمصلحة العامة لألمة‬ ‫ً‬
‫مفوضا من الله‬ ‫عن األمة وليس‬

‫املفكرين اإلسالميني هذه الدعوة إلى تبني‬ ‫‪ -‬الشرعية‪:‬‬ ‫‪ -‬السيادة‪:‬‬


‫اخليار الدميقراطي‪ ،‬مثل املودودي الذي ذهب‬ ‫القاعدة التي تُبنى عليها احلياة‬ ‫وهي في التعريف السياسي املعاصر‬
‫إلى أن الدميقراطية تضاد مفهومي احلاكمية‬ ‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية في‬ ‫«السلطة العليا التي لها حقّ إصدار القوانني‪،‬‬
‫والسيادة هلل‪ ،‬مبا تفترضه من إشعار كل شعب‬ ‫الدولة اإلسالمية مقيدة بالشرع‪ ،‬بحيث‬ ‫وإلزام النّاس بها جميعاً من دون أن تكون‬
‫أنه سيد نفسه ويحق له أن يشرع ما شاء متى‬ ‫تع ّد القواعد الشرعية الثابتة بالنص الديني‬ ‫مق ّيدة بشيء وال أن تستمد مشروع ّيتها من‬
‫شاء‪ ،‬وألنها تتبنى مبدأ األغلبية العددية حتى‬ ‫هي احلدود الطبيعية التي ال يجوز لها أن‬ ‫أحد‪ ،‬فهي سلطة واحدة مطلقة مقدسة»‪،‬‬
‫وإن كانت مسايرة لألهواء‪ ،‬لكن املفكرين‬ ‫تتخطاها‪ ،‬فالتشريعات والسياسات العامة‬ ‫وهذا التعريف يعني أمرين؛ أنها ال تعترف‬
‫اإلسالميني املعاصرين‪ ،‬مثل حسن الترابي‪،‬‬ ‫ال ينبغي أن تخرج عما قرره الشرع‪ ،‬وقد‬ ‫مبشروعية أعلى منها حتى وإن كانت إلهية‪،‬‬
‫وراشد الغنوشي‪ ،‬خالفوا ذلك‪ ،‬واعتبروا‬ ‫ذهب كثير من الفقهاء إلى أن حرية الدولة‬ ‫وأنها بذاتها مقدسة وبالتالي ال تسمح بأي‬
‫الدميقراطية هي التمثيل الصادق املعاصر‬ ‫مكفولة إال من قيدين؛ عدم مخالفة الشرع‪،‬‬ ‫سلطة أخرى تنازعها القداسة‪.‬‬

‫عن مفاهيم الشورى والبيعة واإلجماع‪.‬‬ ‫وعدم اإلضرار باملصلحة العامة لألمة‪ ،‬وفي‬ ‫أما النظرية السياسية اإلسالمية كما‬
‫املقابل تتسع صالحية التشريع في الدولة‬ ‫جسدتها اخلالفة فتختلف في هذه املسألة؛‬
‫‪ -‬عالقة الدولة مبواطنيها‪:‬‬
‫املعاصرة لكل شيء إال ما عارض الدستور‪،‬‬ ‫إذ ال تعرف مثل هذه السلطة املطلقة‪ّ ،‬‬
‫وإمّنا‬
‫لم تسع اخلالفة يوماً ألن تكون العالقة‬
‫بل لها تعديل الدستور نفسه إذا ما ارتأت‬ ‫السلطة طبقاً لها ترد عليها قيود مهمة‪ ،‬ولكنها‬
‫بني احلاكم واحملكوم صلبة قوامها اإلجبار‬
‫الهيئة التأسيسية املمثلة لألمة ذلك‪.‬‬ ‫تعرف الشريعة أوامرها ونواهيها وتسعى إلى‬
‫واإللزام‪ ،‬إذ كانت العالقة بينها ذات طبيعة‬
‫‪ -‬الدميقراطية ونظام احلكم‪:‬‬ ‫تطبيقهما‪ ،‬وتعرف السلطان وتضع لتصرفاته‬
‫مرنة‪ ،‬حيث اكتفى الرسول صلى اهلل عليه‬
‫النصوص الدينية اإلسالمية ال تقدم‬ ‫إطاراً قانونياً وأخالقياً ملزماً‪ ،‬لكنها ال تعرف‬
‫وسلم وخلفاؤه بإقرار أهل القبائل على‬
‫تفصيالت يفهم منها طبيعة النظام السياسي‪،‬‬ ‫السيادة ألي جهة إنسانية فض ً‬
‫ال عن أن‬
‫عادتهم وممارساتهم دون تدخل بعد دخولهم‬
‫أو ماهية العالقة بني احلاكم واحملكوم‪ ،‬إذ‬ ‫متنحها صفة القداسة؛ ذلك أن السيادة هلل‬
‫اإلسالم واالكتفاء بإرسال العمال إليهم‪،‬‬
‫تظل هذه املسائل محل اجتهاد أهل كل عصر‬ ‫تعالى وحده‪ ،‬ال ينازعه فيه جهة أو مؤسسة‬
‫كان األمر أشبه بحكومة ال مركزية حتقق‬
‫مع التزام بالقيم اإلسالمية املؤطرة لها؛ وهي‬ ‫أو فرد‪ ،‬ومصدرها الوحي ال الدستور كما في‬
‫االتباع والطاعة‪ ،‬ومتنح كل ناحية أو قبيلة‬
‫الشورى والعدالة واملصلحة‪.‬‬ ‫الدولة احلديثة‪.‬‬
‫خصوصيتها وحريتها في إدارة شؤونها‪.‬‬ ‫وعلى هذا ظل سؤال السيادة محسوماً‬
‫وأما النظرية السياسية املعاصرة فهي‬
‫أما في الدولة احلديثة فهي مسؤولة عن‬ ‫تدعو إلى ترجيح النظام الدميقراطي على‬ ‫إسالمياً طيلة قرون‪ ،‬ولم يثر إال مع سقوط‬
‫كل شيء بالنسبة للمواطن من امليالد إلى‬ ‫غيره من النظم احلاكمة‪ ،‬مفترضة أنه النظام‬ ‫دولة اخلالفة منذ قرن‪ ،‬إذ حاول الفقهاء‬
‫الوفاة؛ فيما يخص الفرد‪ ،‬وحتى تفاصيله‪،‬‬ ‫األمثل واألجدر باالتباع‪ ،‬وقد انتقد بعض‬ ‫واملصلحون اإلسالميون تقليص الفجوة بني‬
‫وأسراره‪ ،‬وشؤونه اخلاصة‪ ،‬وهي التي تفرض‬ ‫النظريتني اإلسالمية واحلديثة‪ ،‬فذهبوا إلى‬
‫عليه ماذا يعمل وكيف يعمل ومتى وما إلى‬ ‫أن سيادة الدولة أو الشعب ال تنافي الفكرة‬
‫اإلسالم لم يقدم تفصيالت لطبيعة‬
‫ذلك‪ ،‬وال يحق االختيار في ذلك مبوجب‬ ‫اإلسالمية؛ ألن احلاكم أو اخلليفة هو نائب‬
‫النظام السياسي فهي محل‬
‫اإللزام احلكومي‪.‬‬ ‫عن األمة وليس مفوضاً من قبل اهلل‪ ،‬وليست‬
‫اجتهاد مع التزام بالقيم اإلسالمية‬
‫اخلالصة‪ ،‬أن هناك تقاطعات جوهرية‬ ‫له عصمة؛ وميكن بالتالي مراقبته وعزله‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫تفصل نظام اخلالفة عن نظم احلكم‬ ‫الخالفة لم تسع ألن تكون العالقة‬ ‫إذا خالف ضوابط الشرع‪ ،‬واألمة لها احلق‬
‫املعاصرة بحيث يبدو أنهما نظامان متباينان‬ ‫بين الحاكم والمحكوم صلبة‬ ‫واحلرية في اختيار ومبايعة احلاكم الذي تراه‬
‫ال التقاء بينهما‪.‬‬ ‫قوامها اإللزام واإلجبار بل مرنة‬ ‫مناسباً‪ ،‬وفق الضوابط الشرعية‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪27‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫لـ«المجتمع»‪:‬‬
‫حوارلـ«المجتمع»‪:‬‬
‫في حوار‬
‫عمر في‬ ‫د‪ .‬خيري‬
‫خيري عمر‬ ‫السياسية د‪.‬‬
‫العلومالسياسية‬
‫أستاذالعلوم‬
‫أستاذ‬
‫أستاذ العلوم السياسية د‪ .‬خيري عمر في حوار لـ«المجتمع»‪:‬‬
‫بفلسطين‬
‫وأضربفلسطين‬
‫العالم وأضر‬
‫خريطة العالم‬ ‫«الخالفة» َّ َّ‬
‫غيرر خريطة‬
‫غي‬ ‫سقوط«الخالفة»‬
‫سقوط‬
‫غير خريطة العالم وأضر بفلسطين‬ ‫سقوط «الخالفة» َّ‬

‫جامعة‬ ‫السياسية في‬


‫في جامعة‬ ‫العلوم السياسية‬
‫أستاذالعلوم‬
‫عمر‪،‬أستاذ‬
‫خيريعمر‪،‬‬ ‫أكدد‪.‬د‪.‬خيري‬
‫أكد‬
‫أن‬
‫أن‬ ‫األوسط‪،‬‬
‫جامعة‬ ‫قضاياالشرق‬
‫السياسية في‬
‫األوسط‪،‬‬ ‫الشرق‬ ‫قضايا‬ ‫أستاذفي‬
‫العلوم‬
‫في‬ ‫اخلبير‬
‫عمر‪،‬‬
‫اخلبير‬ ‫سابق ًا‬
‫سابق‪ً،‬ا‪،‬‬‫خيري‬‫بتركيا‬ ‫صقاريا‬
‫صقاريا د‪.‬‬
‫بتركيا‬ ‫أكد‬
‫بدولة‬ ‫الشرقوأضر‬
‫األوسط‪ ،‬أن‬
‫بدولة‬ ‫وأضر‬ ‫قضاياالعالم‪،‬‬
‫العالم‪،‬‬ ‫خريطة‬
‫خريطة‬ ‫غيررشكل‬
‫شكل في‬
‫اخلبير‬ ‫غي‪َّ ،‬‬‫سابق ًَّا‬
‫العثمانية‬ ‫سقوطالدولة‬
‫الدولةبتركيا‬
‫العثمانية‬ ‫صقاريا‬ ‫سقوط‬
‫بدولة‬
‫في‬ ‫الغربي‪ ،‬وأضر‬
‫والرغبة‬ ‫خريطة العالم‪،‬‬
‫الغربي‪،‬‬ ‫شكل‬
‫االستعمار‬
‫االستعمار‬ ‫غير‬
‫دول‬
‫دول‬ ‫أطماع َّ‬ ‫العثمانية‬
‫أطماع‬ ‫الدولة‬
‫حتتوطأة‬
‫وطأة‬ ‫سقوط‬
‫فلسطني‪،‬حتت‬
‫فلسطني‪،‬‬
‫وطأة أطماع دول االستعمار الغربي‪ ،‬والرغبة في‬ ‫حتت‬
‫أمريكا‪.‬‬
‫أمريكا‪.‬‬ ‫فلسطني‪،‬‬
‫هيمنة‬
‫هيمنة‬ ‫ظهور‬
‫ظهور‬
‫الدولة العثمانية‬
‫انتهاء الدولة‬
‫أنانتهاء‬
‫علىأن‬ ‫أمريكا‪.‬معمع«املجتمع»‪،‬‬
‫«املجتمع»‪،‬على‬ ‫فيحوار‬
‫حوار‬ ‫هيمنة‬
‫في‬ ‫ظهور‬
‫وشدد‪،‬‬
‫وشدد‪،‬‬
‫الدولة العثمانية‬
‫االستعمار‬ ‫دول‬ ‫بجانب انتهاء‬
‫تكالب دول‬
‫تكالب‬ ‫أن‬ ‫«املجتمع»‪ ،‬على‬
‫بجانب‬ ‫غالبهحوار مع‬
‫ألسباب داخلية‪،‬‬
‫داخلية‪،‬‬ ‫ألسباب‬ ‫في‬ ‫وشدد‪،‬‬
‫غالبه‬ ‫كانفيفي‬
‫كان‬
‫التجربة االستعمار‬
‫التاريخية‬ ‫تكالب دول‬
‫التجربة‬ ‫بجانب‬
‫استعادة‬
‫استعادة‬ ‫داخلية‪،‬‬
‫بإمكانية‬
‫بإمكانية‬ ‫ألسباب‬
‫يتعلق‬
‫يتعلق‬‫وفيما‬‫غالبه‬
‫وفيما‬‫عليها‪،‬‬ ‫في‬ ‫كان‬
‫الغربي‬
‫عليها‪،‬‬ ‫الغربي‬
‫التاريخية‬
‫نتيجة‬ ‫التجربة هي‬
‫استعادةأو الوحدة‬
‫الوحدة‬ ‫العودةبإمكانية‬
‫لإلمبراطورية أو‬
‫لإلمبراطورية‬ ‫يتعلق‬ ‫وفيما‬
‫أنالعودة‬ ‫عليها‪،‬‬
‫أوضحأن‬
‫أوضح‬ ‫الغربي‬
‫أخرى‪،‬‬
‫أخرى‪،‬‬‫مرة‬
‫مرة‬
‫هي نتيجة‬
‫الدولي‪.‬‬ ‫الوحدة‬
‫النظام‬
‫النظام‬ ‫وفي‬ ‫لإلمبراطورية أو‬
‫العالموفي‬
‫العالم‬‫دول‬
‫بنيدول‬ ‫العودة‬
‫موقعهابني‬
‫موقعها‬ ‫أوضح أن‬
‫لفرض‬
‫لفرض‬ ‫دول‬ ‫أخرى‪،‬‬
‫عدةدول‬ ‫مرة‬
‫تقاربعدة‬
‫تقارب‬
‫تقارب عدة دول لفرض موقعها بني دول العالم وفي النظام الدولي‪.‬‬

‫والتركي‪،‬وساهم‬
‫ونزعات‬
‫وساهم‬ ‫العثمانية‪،‬‬
‫العثمانية‪،‬‬ ‫الدولة‬
‫العربي‬
‫الدولة‬ ‫املدالً إلى‬
‫القومي‬
‫إلى‬ ‫وصوالً‬
‫وصو‬‫صعود‬ ‫األموية‬
‫في‬
‫األموية‬ ‫سويسرا‬
‫بني‬
‫سويسرا‬‫‪1923‬م‪،‬‬ ‫عام في‬
‫في‬ ‫«لوزان»‬
‫سويسرا‬
‫«لوزان»‬ ‫معاهدة‬
‫توقيع في‬
‫معاهدة‬ ‫جرى توقيع‬
‫«لوزان»‬ ‫معاهدة‬
‫جرى‬ ‫أنأن‬ ‫القباني‪:‬‬
‫حسنالقباني‪:‬‬
‫حوار‪-‬حسن‬
‫حوار‪-‬‬
‫والتركي‪،‬‬
‫وساهم‬
‫والتركي‪،‬‬ ‫العربي‬
‫العثمانية‪،‬‬
‫الدولة العربي‬
‫العثمانية‪.‬‬ ‫القومي‬
‫الدولة‬ ‫املد‬
‫إلى‬
‫واالستقاللاملدعنالقومي‬ ‫صعود‬
‫ً‬ ‫ال‬ ‫وصو‬
‫التمردفي صعود‬ ‫في‬ ‫ذلك‬
‫األموية‬
‫ذلك‬ ‫الدولة‬
‫سويسرا‬
‫الدولة‬
‫واحللفاء‪.‬‬‫ورثت‬
‫في‬
‫ورثت‬ ‫‪-‬التي‬
‫تركيا ‪-‬التي‬
‫«لوزان»‬
‫العثمانية‪-‬‬ ‫بنيمعاهدة‬
‫تركيا‬
‫الدولة‬ ‫بني‬ ‫‪1923‬م‪،‬‬
‫توقيع‬
‫ورثت‬ ‫عام‬
‫تركياجرى‬
‫‪1923‬م‪،‬‬
‫‪-‬التي‬ ‫أن‬
‫عام‬ ‫حوار‪ -‬حسن القباني‪:‬‬
‫الدولة‬
‫والتركي‪،‬‬ ‫عنعن‬ ‫العربي‬ ‫واالستقالل‬
‫القومي‬ ‫ونزعات التمرد‬ ‫ونزعات‬ ‫واحللفاء‪.‬‬ ‫العثمانية‪-‬‬ ‫• البعض يعتبر نتائج احلرب العاملية‬
‫الدولة‬
‫احلرب‬ ‫هزمية‬ ‫واالستقالل‬
‫بعد‬ ‫ذلك‬ ‫التمرداملدواكب‬
‫صعود ما‬ ‫وسرعان‬ ‫في‬ ‫ذلك‬ ‫اخلالفةالدولة‬
‫على‬ ‫‪-‬التي ورثت‬
‫تركياسقوط‬ ‫‪1923‬م‪ ،‬بني‬
‫واحللفاء‪.‬‬
‫انعكس‬ ‫كيف‬ ‫عام •‬
‫العثمانية‪-‬‬
‫ونزعات التمرد واالستقالل عن الدولة‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫على‬ ‫اخلالفة‬ ‫سقوط‬ ‫انعكس‬
‫واحللفاء‪.‬‬ ‫كيف‬ ‫•‬
‫العثمانية‪-‬‬
‫العاملية‬
‫احلرب العاملية‬
‫تفكك‬ ‫فياحلرب‬
‫نعش‬
‫نتائج‬
‫نتائج‬ ‫يعتبر‬
‫البعضيعتبر‬
‫األخير‬ ‫األولى•البعض‬
‫املسمار‬ ‫•‬
‫العثمانية‪.‬األولى‪ ،‬إلغاء اخلالفة العثمانية رسميًاً‪،‬‬ ‫العاملية‬ ‫اخلالفة على‬ ‫العامليسقوط‬
‫اجلديد؟‬ ‫انعكس‬ ‫النظام‬‫كيف‬ ‫•‬
‫صياغة‬ ‫اخلالفة‬
‫العاملية‬
‫اخلالفة‬ ‫تفكك‬
‫احلرب‬ ‫نعش‬ ‫نتائج‬‫في‬ ‫األخير‬
‫يعتبر‬ ‫املسمار‬
‫البعض‬ ‫األولى‬
‫•‬
‫احلرب‬
‫احلرب‬ ‫بعدهزمية‬
‫هزمية‬ ‫ذلكبعد‬
‫واكبذلك‬ ‫وسرعانماماواكب‬ ‫وسرعان‬
‫العثمانية‪.‬‬ ‫التناقضاتعلىفي‬
‫اجلديد؟‬
‫بزرع اخلالفة‬
‫سقوط‬
‫اجلديد؟‬ ‫العاملي‬
‫انعكس‬
‫العاملي‬
‫الغربي‬
‫النظام‬
‫كيف‬
‫النظام‬
‫العالم‬
‫صياغة‬
‫‪•-‬‬
‫صياغة قام‬ ‫مع‬ ‫تفككتتفق‬ ‫األخير في نعش‬
‫وانهيارها‪ ،‬هل‬ ‫العثمانية‬ ‫املسمار‬ ‫األولى‬
‫اخلالفة‬
‫السلطان‬‫إزاحة رسمياً‬ ‫في ‪ 3‬مارس ‪1924‬م‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك؟اخلالفة‬ ‫تفكك‬ ‫نعشمع‬‫األخيرهلفيتتفق‬
‫وانهيارها‪،‬‬ ‫العثمانية‬
‫املسمار‬ ‫األولى‬
‫احلرب‪،‬‬ ‫العثمانية‬
‫بعد هزمية‬ ‫اخلالفة‬
‫واكب ذلك‬ ‫األولى‪،‬ماإلغاء‬ ‫وسرعان‬ ‫العاملية‬ ‫بزرع التناقضات في‬ ‫الغربي‬
‫اجلديد؟‬ ‫العالم‬
‫العاملي‬ ‫النظام‬‫صياغة قام‬
‫‪-‬‬ ‫العثمانية وانهيارها‪ ،‬هل تتفق مع ذلك؟‬ ‫ذلك؟‬
‫رسمياً‪،‬‬ ‫العثمانية‬ ‫اخلالفة‬ ‫األولى‪ ،‬إلغاء‬ ‫العاملية‬ ‫التناقضات في‬
‫كيان‬ ‫على منع ظهور‬ ‫وعملبزرع‬
‫الغربي‬ ‫دول العالم‬
‫اخلالفة‪،‬‬ ‫أرجاء‪ -‬قام‬ ‫ذلك؟العثمانية‬ ‫اخلالفة‬ ‫خرجت‬
‫خطوات‬‫السلطان‬ ‫تسارعت‬ ‫بعد إزاحة‬‫ثم‬ ‫السادس‪،‬‬
‫‪1924‬م‪،‬‬ ‫محمد‬ ‫العثماني‬
‫العاملية مارس‬
‫في ‪3‬‬ ‫كيان‬ ‫على منع ظهور‬ ‫وعمل‬ ‫اخلالفة‪،‬‬ ‫دول‬ ‫أرجاء‬ ‫العثمانية‬ ‫تتفق مع‬
‫اخلالفة‬ ‫خرجت‬‫لقد هل‬ ‫لقد‬
‫العثمانيةال شك‪،‬‬
‫وانهيارها‪،‬‬‫شك‪،‬‬
‫‪-‬‬
‫العثمانية رسمياً‪،‬‬
‫السلطان‬ ‫بعد إزاحة‬ ‫اخلالفة‬
‫‪1924‬م‪،‬‬ ‫مارسإلغاء‬ ‫األولى‪،‬‬ ‫في ‪3‬‬ ‫في‬ ‫التناقضات‬
‫ظهور كيان‬
‫جرت‬
‫بزرع‬
‫وعمل على منع‬
‫العثمانية كما‬
‫الغربي‬ ‫العالم‬
‫اخلالفة‪،‬للخالفة‬
‫قام‬
‫أرجاء‪-‬دول‬
‫إمبراطوري بديل‬ ‫فقد‬‫العثمانية‬ ‫اخلالفة‬
‫اخلالفةتفكك‪،‬‬‫خرجتفي حالة‬‫خرجت‬
‫لقداألولى‬ ‫شك‪ ،‬لقد‬
‫العاملية‬ ‫احلرب‬ ‫من‪ --‬ال‬
‫ال‬
‫العالم‬
‫خطوات‬ ‫على‬ ‫القبضة‬
‫تسارعت‬ ‫إلحكام‬
‫ثم‬ ‫السادس‪،‬‬ ‫الغربي‬ ‫محمد‬ ‫االستعمار‬
‫العثماني‬ ‫جرت‬ ‫كما‬ ‫العثمانية‬ ‫للخالفة‬ ‫بديل‬ ‫إمبراطوري‬ ‫العثمانية‬
‫تفكك‪ ،‬فقد‬
‫حالة تفكك‪،‬‬ ‫في حالة‬ ‫األولى في‬ ‫شك‪،‬‬
‫العاملية األولى‬ ‫ال‬
‫احلرب‬‫من ‪-‬‬
‫خطوات‬‫السلطان‬ ‫تسارعت‬‫بعدثم إزاحة‬ ‫محمد‪1924‬م‪،‬‬
‫السادس‪،‬‬ ‫مارس‬ ‫في ‪3‬‬
‫العثماني‬ ‫ظهور كيان‬
‫جرت‬ ‫كما‬ ‫وعمل على منع‬
‫العثمانية‬ ‫للخالفة‬ ‫اخلالفة‪،‬‬ ‫أرجاء دول‬
‫إمبراطوري بديل‬ ‫فقد‬ ‫العاملية‬ ‫احلرب‬ ‫من‬
‫العالم‬ ‫على‬ ‫العثمانية‪.‬‬
‫القبضة‬ ‫للدولة‬
‫إلحكام‬ ‫الغربي‬ ‫بديل‬ ‫ظهور‬ ‫ملنع‬
‫االستعمار‬ ‫الدولة‬
‫الدولة‬
‫من‬
‫من‬
‫بداية‬
‫بداية‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫العالم‬
‫العالم‬
‫العادة في‬
‫في‬
‫العادة‬ ‫للوصول‬
‫فقد‬ ‫تفكك‪،‬‬ ‫والنمسا‬
‫أملانياحالة‬
‫في‬ ‫العامليةجانب‬
‫األولى‬ ‫وقوفها إلى‬‫احلرب‬ ‫ساهم‬‫من‬
‫خطوات‬ ‫للوصول‬ ‫والنمسا‬ ‫أملانيا‬ ‫وقوفها إلى جانب‬ ‫ساهم‬
‫العالم‬ ‫تسارعتعلى‬
‫إلحكامثم القبضة‬ ‫السادس‪،‬‬ ‫الغربي‬ ‫محمد‬ ‫العثماني‬
‫االستعمار‬ ‫كما جرت‬
‫الدولة‬ ‫من‬ ‫العثمانية‬
‫بداية‬ ‫بديل للخالفة‬
‫اإلسالمي‪،‬‬ ‫العالم‬
‫ً‬
‫إمبراطوري‬
‫األموية وصوًال إلى الدولة العثمانية‪ ،‬وساهم ذلك‬ ‫في‬ ‫العادة‬ ‫للوصول‬
‫بحيث‬
‫للوصول‬ ‫املسألةوالنمسا‬
‫الشرقية‪،‬‬
‫والنمسا‬ ‫جانبأملانيا‬
‫أملانيا‬ ‫جانب‬
‫األخيرة من‬‫وقوفهاإلى‬
‫وقوفها‬
‫للمرحلة‬‫ساهم‬
‫الكبرى»‬
‫على العالم‬ ‫العربية‬ ‫العثمانية‪.‬‬
‫القبضة‬‫«الثورة‬ ‫للدولة‬
‫إلحكام‬ ‫خلفية‬ ‫وعلىبديل‬
‫الغربي‬ ‫ظهور‬ ‫ملنع‬
‫االستعمار‬ ‫العادة في العالم اإلسالمي‪ ،‬بداية من الدولة‬ ‫الشرقية‪ ،‬بحيث‬ ‫األخيرةإلىمن املسألة‬ ‫ساهم‬
‫للمرحلة‬
‫الكبرى»‬
‫العثمانية والواليات‬
‫ملنع ظهور بديل للدولة العثمانية‪.‬‬
‫العربية‬ ‫«الثورة‬
‫العثمانية‪.‬‬
‫للدولة الدولة‬ ‫خلفية‬
‫اخلالف بني‬ ‫ظهور بديل‬‫وعلى‬
‫ملنعتفاقم‬ ‫» كانت‬
‫» كانت‬
‫سيڨر‬
‫سيڨر‬ ‫��‬
‫معاهدة «‬
‫معاهدة «‬
‫بحيث مت‬
‫مستقلة‪،‬‬
‫بحيث‬ ‫الشرقية‪،‬‬
‫لدول‬
‫الشرقية‪،‬‬ ‫وحتويلها‬‫املسألة‬
‫املسألة‬ ‫من‬
‫مت تقسيم الواليات وحتويلها لدول مستقلة‪،‬‬
‫األخيرةمن‬
‫الواليات‬ ‫األخيرة‬
‫تقسيم‬ ‫للمرحلة‬
‫للمرحلة‬ ‫مت‬
‫وعلى خلفية «الثورة العربية الكبرى»‬
‫حول‬ ‫والواليات‬
‫الكبرى»‬
‫والواليات‬ ‫االنقسام‬ ‫العثمانية‬
‫العربية‬
‫العثمانية‬
‫الدولة‬ ‫بني‬
‫خلفية «الثورة‬
‫الدولة�ا في‬
‫وخصوص‬ ‫لها‪ ،‬بني‬
‫اخلالف‬
‫اخلالف‬
‫تفاقموعلى‬
‫اخلاضعة‬
‫تفاقم‬
‫فيكانت‬
‫تقرير‬ ‫�سيڨر‬
‫األخيرة »‬ ‫معاهدة «‬
‫المرحلة‬
‫مستقلة‪ ،‬حسب‬
‫مستقلة‪،‬‬
‫أغسطس‬ ‫لدول‬
‫في ‪10‬‬
‫وحتويلها لدول‬
‫وحتويلها‬
‫الواليات »‪،‬‬
‫��سيڨرسيڨر‬ ‫معاهدة «‬
‫الواليات‬
‫تقسيم‬ ‫حسب‬
‫تقسيم‬
‫مت‬
‫حول‬
‫والواليات‬ ‫االنقسام‬
‫العثمانية‬‫الدولةاً في‬
‫وخصوص‬ ‫لها‪ ،‬بني‬ ‫اخلالف‬ ‫اخلاضعة‬
‫تفاقم‬
‫المرحلة األخيرة في تقرير‬ ‫قوية‬
‫أغسطس‬
‫ضربةوتعتبر‬ ‫‪10‬‬ ‫في‬
‫االتفاقية‪1920‬م‪،‬‬ ‫»‪،‬‬
‫�سيڨر‬
‫وتعتبر « تلك »‪ ،‬في ‪10‬‬
‫«‬
‫‪1920‬م‪�،‬سيڨر»‪ ،‬في ‪ 10‬أغسطس‬‫معاهدة‬ ‫حسب‬
‫معاهدة «‬
‫مع‬ ‫ً‬ ‫ًا‬ ‫متقارب‬ ‫بريطانيا‬
‫اخلاضعة لها‪ ،‬وخصوصاً في االنقسام ً حول‬‫جلانب‬ ‫باحلرب‬ ‫املشاركة‬ ‫تقرير‬
‫العثمانية‬‫األخيرة في‬
‫المرحلةالخالفة‬
‫مصير‬
‫أغسطس‬
‫قوية‬ ‫ضربة‬ ‫االتفاقية‬ ‫تلك‬
‫حسب معاهدة‬
‫وتعتبر‬ ‫‪1920‬م‪،‬‬
‫والياتهاحيث‬
‫قويةاً‬ ‫العثمانية‪،‬‬ ‫العثمانية‪ ،‬قوية للدولة‬
‫االتفاقية ضربة‬ ‫تلكللدولة‬
‫‪1916‬م‬
‫مع‬
‫متقارباحول‬ ‫االنقسام‬ ‫بريطانيا‬
‫بريطانيا عام‬
‫جلانباً في‬
‫«سايكس بيكو»‬
‫باحلربوخصوص‬ ‫املشاركة‬
‫اخلاضعة لها‪،‬‬
‫املشاركةتفاهمات‬ ‫ظهور‬ ‫مصير الخالفة العثمانية‬ ‫نهب‬ ‫صارت ضربة‬ ‫حيثاالتفاقية‬ ‫‪1920‬م‪ ،‬وتعتبر تلك‬
‫متقارباً مع‬ ‫باحلرب جلانب‬ ‫مصير الخالفة العثمانية‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫والياتها نهباً‬ ‫صارت‬ ‫حيث‬‫العثمانية‪ ،‬نهب�ا‬ ‫للدولة‬
‫‪1916‬م‬ ‫عام‬ ‫بيكو»‬ ‫«سايكس‬
‫املشاركة باحلرب جلانب بريطانيا متقارباً مع‬ ‫تفاهمات‬ ‫ظهور‬ ‫االحتاللاً‬
‫تعد‬ ‫األوروبية‪،‬دولوالياتها‬
‫وتاريخياً نهب‬ ‫صارت‬ ‫ألطماع‬ ‫االحتالل‬
‫حيث‬ ‫والياتها‬
‫ألطماع دول‬
‫العثمانية‪،‬‬ ‫صارت‬
‫للدولة‬
‫ونتج‬
‫األوسط‪1916،‬م‬ ‫بيكو» عام‬ ‫الشرق‬ ‫«سايكس‬ ‫تفاهماتتقسيم‬ ‫ظهور حددت‬ ‫التي‬ ‫‪---------------------------------‬‬ ‫وتاريخياً تعد‬
‫للدولة‬ ‫النهاية‬ ‫األوروبية‪،‬‬
‫تعد بداية‬ ‫االحتالل‬
‫وتاريخي�ا‬ ‫ألطماع دول‬
‫ونتج‬
‫األوسط‪1916،‬م‬ ‫بيكو» عام‬ ‫الشرق‬ ‫«سايكس‬‫تفاهماتتقسيم‬ ‫ظهور حددت‬ ‫التي‬ ‫‪---------------------------------‬‬
‫الحرب العالمية األولى‬ ‫استباحوا‬
‫تعد‬ ‫وتاريخياً‬ ‫األوروبية‪،‬حيث‬
‫العثمانية‪،‬‬ ‫للدولة‬
‫االحتالل‬ ‫األوروبية‪ ،‬دول‬
‫النهاية‬ ‫بداية‬
‫ألطماع‬
‫ونتج‬
‫حتت‬ ‫حتت‬ ‫األوسط‪،‬‬
‫ووضعها‬ ‫الشرق‬
‫لفلسطني‬ ‫تقسيم‬
‫بريطانيا‬ ‫حددت‬
‫احتالل‬ ‫التي‬
‫عنها‬ ‫الحرب العالمية األولى‬ ‫استباحوا‬
‫يصفونها في‬ ‫حيث‬‫كانوا‬‫العثمانية‪،‬‬
‫استباحوا ما‬ ‫للدولة‬ ‫حيث‬‫النهاية‬ ‫بداية‬
‫العثمانية‪،‬‬
‫ووضعها ونتج‬ ‫لفلسطنياألوسط‪،‬‬ ‫بريطانيا الشرق‬
‫احتالل تقسيم‬ ‫عنها حددت‬ ‫التي‬ ‫األولى‬ ‫العالمية‬ ‫الحرب‬
‫رجل‬
‫استباحوا‬ ‫حيثبـ«تركة‬ ‫الوقت‬ ‫هذا‬
‫العثمانية‪،‬‬ ‫للدولةفي‬
‫يصفونها‬ ‫كانوا‬
‫النهاية‬ ‫ما‬
‫بداية‬
‫حتت‬
‫عليها‪،‬‬
‫الصهيونية‬ ‫ووضعها‬
‫الصهيونية‬ ‫لفلسطني‬
‫الدولة‬ ‫بريطانيا‬
‫إلقامة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًا‬ ‫متهيد‬ ‫احتالل‬ ‫عنها‬
‫االنتداب‬ ‫تبقى من‬ ‫عصفت بما‬ ‫رجل‬ ‫بـ«تركة‬ ‫الوقت‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫يصفونها‬ ‫كانوا‬ ‫ما‬
‫الدولةووضعها حتت‬ ‫لفلسطني‬ ‫إلقامة‬‫بريطانيا‬ ‫احتاللمتهيدا‬ ‫االنتداب‬
‫عنها‬ ‫عصفت بما تبقى من‬ ‫االحتالل‬
‫ورزحت‬
‫رجل‬ ‫بـ«تركة‬‫الوقتحتت‬
‫املريض»‪،‬‬‫تركيا‬ ‫ورزحت‬
‫أوروبا‬
‫هذا‬ ‫املريض»‪،‬‬
‫يصفونهارجل‬
‫في‬ ‫الوقت بـ«تركة‬ ‫أوروبا‬
‫كانوا‬ ‫هذاما‬
‫الصهيونية‬
‫االنتداب‬
‫الفتة‬ ‫الفتة‬
‫الفرنسي‬‫الدولة‬
‫الفرنسي‬ ‫إلقامة‬
‫االحتالل‬
‫االنتداب متهيداً إلقامة الدولة الصهيونية‬
‫وضعمتهيداً‬
‫االحتالل‬
‫وضع‬ ‫االنتداب‬
‫فيما‬ ‫فيما‬
‫عليها‪،‬‬ ‫اإلمبراطوريةتبقى من‬
‫اإلسالمية‬ ‫عصفت بما‬ ‫إلى‬ ‫االحتالل‬
‫والفرنسي‪،‬‬
‫واليوناني‬
‫حتت‬ ‫تركيا‬
‫واإليطالي‬
‫البريطاني‬
‫ورزحت‬
‫واليوناني‬
‫االحتالل‬
‫املريض»‪،‬‬
‫البريطاني‬
‫أوروباحتت‬
‫أوروبا‬
‫تركيا‬
‫االحتالل‬ ‫حتت‬ ‫ورزحت تركيا‬ ‫املريض»‪،‬‬
‫اإلعالنالفتة‬
‫عن‬ ‫الفرنسي‬
‫الفرنسي الفتة‬ ‫االحتالل ما مت‬
‫وسرعان‬ ‫فيما وضع‬
‫وسورية‪،‬االحتالل‬ ‫فيما وضع‬ ‫عليها‪،‬لبنان‬
‫على‬
‫عليها‪،‬‬
‫اإلسالمية‬ ‫اإلمبراطورية‬
‫اإلمبراطورية اإلسالمية‬ ‫البريطاني واليوناني واإليطالي والفرنسي‪ ،‬إلى‬
‫إلى‬
‫توقيع‬‫والفرنسي‪،‬‬
‫أن جرى‬ ‫واإليطالي‬ ‫البريطاني واليوناني‬
‫والفرنسي‪ ،‬إلى‬ ‫واإليطالي‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪28‬‬
‫عدم إيجاد بديل محل‬
‫العثمانيين ساهم في صعود‬
‫الهيمنة األمريكية‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫«سايكس بيكو» و«وعد‬
‫بلفور» شكال المنطقة العربية‬
‫وابتلعا فلسطين‬
‫‪---------------------------------‬‬

‫سقوط اإلمبراطوريات الكبرى‬


‫يبدأ من الداخل ثم يأتي تأثير‬
‫الخارج‬

‫قادمة من تراكم القوة الشاملة وترسيخ أسباب‬ ‫السلطان عبداحلميد الثاني لهجرة‬ ‫«وعد بلفور»‪ ،‬في ‪ 2‬نوفمبر ‪1917‬م‪ ،‬بإقامة وطن‬
‫القوة االقتصادية واإلنتاجية الضخمة‪ ،‬ال ميكن‬ ‫اليهود إلى فلسطني بإسقاط دولة اخلالفة‬ ‫لليهود في فلسطني‪ ،‬لتكون القاصمة‪.‬‬
‫ألحد أن يقول لها ما تفعل‪ ،‬سواء أن تعلن وحدتها‬ ‫وحتمل فلسطني عواقب ذلك حتى اليوم؟‬ ‫الغربي‬ ‫االعتراف‬ ‫ذلك‬ ‫مع‬ ‫تزامن‬
‫أو ال تعلن‪ ،‬فاجلميع ساعتها يذعن للقوي‪ ،‬والذي‬ ‫‪ -‬ميكن اعتبار رفض السلطان العثماني‬ ‫باحلكومات القومية وتعزيز النزعات القومية‬
‫يحدث اآلن أن الصراع ما زال محتدمًاً بني قوى‬ ‫عبداحلميد الثاني ممانعة معنوية‪ ،‬وموقفًًا‬ ‫االستقاللية‪ ،‬بشكل جعل ظهور إمبراطورية‬
‫الهيمنة بكل تنوعاتها سواء أمريكا‪ ،‬أو الصني‪،‬‬ ‫تاريخيًاً‪ ،‬ساهم بشكل ما في تعزيز رؤية‬ ‫هيمنة دولية عاملية كبيرة وهي الواليات املتحدة‬
‫أو روسيا وريثة االحتاد السوفييتي‪ ،‬في محاولة‬ ‫ً‬ ‫األمريكية أمرًاً‬
‫اخلالفة كعقبة وحائط صد أمام الدول الغربية‬ ‫سهًال‪ ،‬وكأنه وراثة للعالم بعدما‬
‫الذعان طرف آلخر‪ ،‬في ساحة دولية بات‬
‫االستعمارية‪ ،‬ولكن كانت عوامل سقوط اخلالفة‬ ‫مت إسقاط اإلمبراطورية األكبر في العالم وهي‬
‫الصراع على الهيمنة فيها أولوية تلك الدول‬
‫مجتمعة سواء من ضعف الداخل أو مؤامرات‬ ‫اإلمبراطورية اإلسالمية‪.‬‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫اخلارج‪ ،‬وال حتتاج إلى هذا السبب‪.‬‬ ‫• هل كانت مراكز قوى الدول الغربية‬
‫• البعض يتحدث بعد اتهامه‬
‫لـ«داعش» بتشويه مفهوم اخلالفة أن‬ ‫كان ميكن للخالفة إن استمرت‪ ،‬بشرط‬ ‫السبب الوحيد لسقوط دولة اخلالفة‬
‫األمة بحاجة إلى صك مصطلح جديد‬ ‫تصحيح مسارها واستعادة قوتها‪ ،‬أن تكون‬ ‫العثمانية‪ ،‬أم هناك أسباب ذاتية داخلية؟‬
‫على غرار فكرة االحتاد األوروبي‪ ،‬كيف‬ ‫ظهيرًاً قويًاً لفلسطني‪ ،‬ولكن اآلن ومع استمرار‬ ‫‪ -‬سقوط اإلمبراطوريات الكبرى يبدأ من‬
‫ترى ذلك؟‬ ‫العدوان الصهيوني على قطاع غزة والضفة‪،‬‬ ‫الداخل‪ ،‬والحق�ا تتدخل العوامل اخلارجية‪،‬‬
‫‪ -‬هذه قضية متشابكة جتمع ما بني‬ ‫بعد معركة «طوفان األقصى»‪ ،‬ميكن القول‪:‬‬ ‫وطبقًاً لواقع دولة اخلالفة العثمانية في سنواته‬
‫السياسة والفقه والواقع‪ ،‬وهناك اجتهادات‬ ‫إن فلسطني استعادت جزءًاً بسيطًاً من حضور‬ ‫األخيرة‪ ،‬فقد ظهرت عالمات الضعف وزادت‬
‫فقهية في مضمار فكرة اخلالفة‪ ،‬وما أرتاح له‬ ‫الظهير املساند لها خاصة على املستوى الشعبي‬ ‫محاوالت التمرد املستمر عليها‪ ،‬وتخلفت عن‬
‫أنها مسألة ظنية‪ ،‬ميكن أن تعزز باعث الوحدة‬ ‫امتالك أسباب القوة املناسبة واملتنوعة‪ ،‬في ظل‬
‫الواسع‪.‬‬
‫حتت أي شكل مناسب‪ ،‬وعنوان مناسب‪ ،‬وأعتقد‬ ‫األزمات االقتصادية وزيادة الديون؛ ما ساهم في‬
‫• هل يقبل النظام العاملي اجلديد أي‬
‫أن متطرفي «داعش» لم تطمس تصوراتهم‬
‫وحدة لألمة اإلسالمية حتت أي مسمى‬ ‫تعزيز فرص جناح الدول الغربية االستعمارية‬
‫مفهوم الوحدة‪ ،‬وهناك مشكلة أكثر أهمية‪،‬‬
‫سواء خالفة أو احتاد الدول اإلسالمية أو‬ ‫في القضاء على اخلالفة‪ ،‬وهو ما يجب االنتباه‬
‫وهي أن التنظيمات احلركية اإلسالمية لم تقدم‬
‫تصور�ا واضحًاً حول مفهوم اخلالفة‪ ،‬ولذلك‬ ‫مسمى آخر؟‬ ‫إليه جيدًاً‪ ،‬فال ميكن إلمبراطورية أو دولة قوية‬
‫هناك فقر شديد‪ ،‬ميكن تعويضه بتصحيح مسار‬ ‫‪ -‬اإلمبراطوريات تصنع نفسها بنفسها‪،‬‬ ‫أن تسقط إال بعد أن تتفكك من الداخل كمقدمة‬
‫املنظمات القائمة في العالم اإلسالمي المتالك‬ ‫وتضع شروطها بنفسها‪ ،‬وال تستأذن من أحد‪،‬‬ ‫للدفع بها إلى حافة اجلبل‪.‬‬
‫أسباب القوة الشاملة‪.‬‬ ‫وعندما متتلك األمة اإلسالمية نهضة قوية‬ ‫عَّجل رفض‬
‫َ‬ ‫• ذكر فلسطني‪ ،‬هل‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪29‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫فلسطين‪..‬‬
‫من سعة الخالفة إلى ضيق االحتالل!‬
‫احتالٍل‬
‫ٍ‬ ‫تأتي الذكرى املئوية إللغاء اخلالفة العثمانية‪ ،‬وفلسطني تعاني ما تعانيه من‬
‫واستيطاٍن غاشم‪ ،‬ومجازر مروعة‪ ،‬ومخططات كبرى لإلحالل الديني في القدس‬
‫ٍ‬ ‫متغول‪،‬‬
‫استهداٍف مباشر ملقدسات فلسطني واألمة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫واملسجد األقصى‪ ،‬وما يتصل بها من‬
‫هذه احلالة التي تعيشها فلسطني‪ ،‬تدفع املتابع ملقارنتها مع واقع هذه البالد املباركة في‬
‫ظل اخلالفة املباركة‪ ،‬وبكل تأكيد مع ما كانت احلال عليه إبان احلكم العثماني‪ ،‬ومقارنة واقع‬
‫البالد في تلك الفترة مع ما يجري حالي ًًا‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ً‬
‫علــي إبراهيــم‬
‫سبب اهتمام السلطان باملدينة‪ ،‬في سياق حديثه‬ ‫أحْط ََم ْْن أطاعك باإلعزاز‪،‬‬ ‫موئًال‪ ..‬يا بني‪،‬‬
‫باحــث فـي شـؤون القـــدس‬
‫عن القدس عندما زارها عام ‪1082‬هـ‪1672 /‬م‪،‬‬ ‫وَأَْنِْعِ ْْم على اجلنود‪ ،‬وال يغَّرَ ك الشيطان بجندك‬
‫ويقول‪ :‬إن القانوني قد رأي النبي صلى اهلل عليه‬ ‫(بجهدك) ومبالك‪ ،‬وإَّيَاك أن تبتعد عن أهل‬ ‫كانت الدولة العثمانية دولة إسالمية عظيمة‬
‫وسلم في الرؤية وقال له‪« :‬يا سليمان‪ ،‬سوف‬ ‫الشريعة‪ ..‬يا بني‪ ،‬إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء‬ ‫منذ تأسيسها‪ ،‬واعترتها على غرار غيرها من دول‬
‫حتقق انتصارات كثيرة‪ ،‬ويجب عليك أن تنفق‬ ‫رِّب العاملني‪ ،‬وأَّنَ باجلهاد َيَ ُُع ُُّم نور ديننا كل‬
‫اهلل ِ‬ ‫اإلسالم حاالت من القوة والضعف‪ ،‬ولكنها بقيت‬
‫الغنائم على تزيني مكة واملدينة‪ ،‬وعلى حتصني‬ ‫اآلفاق‪ ،‬فَت َْْح ُُدُثُ مرضاة اهلل عز وجل‪ ..‬يا ّ‬
‫بنّي‪،‬‬ ‫سدًاً منيعًاً أمام املستعمرين وأذنابهم‪ ،‬ومن شواهد‬
‫قلعة القدس لتصد الكافرين إذا حاولوا احتاللها‬ ‫لسنا من هؤالء الذين ُيُقيمون احلروب لشهوة‬ ‫األسس التي ُبُنيت عليها اخلالفة العثمانية‪ ،‬ما‬
‫خالل حكم خلفائك‪ ..‬وعليك أن ُتُزين صخرة اهلل‪،‬‬ ‫احلكم أو سيطرة أفراد؛ فنحن باإلسالم نحيا‬ ‫نقلته كتب التاريخ عن وصية مؤسس الدولة‬
‫وأن تعيد بناء مدينة القدس»‪.‬‬ ‫ومنوت‪ ،‬وهذا يا ولدي ما أنت له أهل»‪.‬‬ ‫عثمان بن أرطغرل البنه أورخان‪ ،‬حيث ضمنت‬
‫وبعيدًاً عن دقة النقل‪ ،‬إال أن القانوني قد‬ ‫شكل السلطان سليمان القانوني منوذجًًا‬ ‫هذه الوصية دستورًاً ومنهجًاً أخالقيًاً وشرعيًاً‪،‬‬
‫ريادي�ا الهتمام العثمانيني بالقدس خاصة‬ ‫سارت عليه الدولة العثمانية في مجمل سنواتها‪.‬‬
‫السلطان سليمان القانوني شكل‬
‫وفلسطني بشكل عام‪ ،‬فقد شهدت املدينة في‬ ‫إذ يقول عثمان‪« :‬يا بني؛ إَّيَاك أن تشتغل‬
‫ً‬
‫رياديًا الهتمام العثمانيين‬ ‫ً‬
‫نموذجًا‬ ‫عهده اهتمامًاً بالغًاً من السلطان مباشرة‪ ،‬ويورد‬ ‫رُّب العاملني‪ ،‬وإذا واجهْت ََْك‬
‫بشيء لم يأمر به اهلل ُ‬
‫بفلسطين ومقدساتها‬ ‫الرحالة الشهير أوليا جلبي نص�ا لطيف�ا حول‬ ‫اُحل ْْكم معضلة فاَّتَخذ من مشورة علماء الدين‬‫في ُ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪30‬‬
‫البريطاني باب االستيطان أمام يهود أوروبا‪،‬‬ ‫من ‪ 1200‬مسجد‪ ،‬عدد منها يعود إلى الفترة‬ ‫اعتنى باملسجد األقصى عناية بالغة‪ ،‬ففي عام‬
‫وُتُشير املصادر إلى أن عدد اليهود في فلسطني‬ ‫اململوكية أو العثمانية‪ ،‬وحولت الكثير مما تبقى‬ ‫‪935‬هـ‪1528 /‬م متت أول عملية لترميم مصلى‬
‫قبل سقوط اخلالفة العثمانية بلغ نحو ‪ 50‬ألف‬ ‫من مساجد إلى مخازن أو إسطبالت‪ ،‬وبعضها إلى‬ ‫قبة الصخرة‪ ،‬وفي عام ‪949‬هـ‪1542 /‬م‪ ،‬أمر‬
‫يهودّي‪ ،‬ومع نهاية االحتالل البريطاني لفلسطني‬ ‫ّ‬ ‫للُّس ْْكر والعربدة‪ ،‬وآخر هذه املساجد قصف‬
‫أماكن ُ‬ ‫السلطان بتجديد عمارة قبة الصخرة‪ ،‬وبنى فيها‬
‫يهودّي عام‬ ‫ّ‬ ‫مستوطن‬ ‫ألف‬ ‫‪650‬‬ ‫نحو‬ ‫إلى‬ ‫وصل‬ ‫املسجد العمري في العدوان الهمجي على قطاع‬ ‫املذّهب‪ ،‬ومن ث ّّم أمر بكسوة‬
‫ّ‬ ‫‪ 16‬شباكًاً من الزجاج‬
‫‪1948‬م‪ ،‬وهو ما ُيُشكل نحو ‪ %29.5‬من السكان‪،‬‬ ‫غزة‪ ،‬وما يتصل بهذه اجلرائم املروعة من تدنيس‬ ‫مصلى قبة الصخرة املثمن بالقيشاني األزرق‬
‫ولم ُتُسهم بريطانيا في رفع عدد املستوطنني‬ ‫ملقابر املسلمني‪ ،‬وبناء املشاريع االستيطانية مقابر‬ ‫املهيب‪ ،‬الذي اشتهرت به مساجد إسطنبول‪،‬‬
‫فقط‪ ،‬بل سهلت على املستوطنني السيطرة على‬ ‫املسلمني وأوقافهم‪.‬‬ ‫وجدد في عمارة مجمل أبواب األقصى وسوره‪،‬‬
‫املزيد من األراضي‪.‬‬ ‫مواجهة االستيطان اليهودي‬ ‫إضافة إلى إقامة سور القدس الباقي حتى يومنا‬
‫ففي عام ‪1918‬م‪ ،‬بلغ مجموع األراضي‬ ‫بدأت محاوالت التصدي لالستيطان‬ ‫هذا‪ ،‬وج ّّر املياه إلى القدس‪ ،‬من خالل ربط‬
‫الفلسطينية التي كان ميلكها اليهود ‪ 650‬ألف دومن؛‬ ‫اليهودي في فلسطني في عهد السلطان العثماني‬ ‫املدينة بالبرك التي ُتُعرف حتى يومنا هذا باسمه‬
‫أي ما يشكل ‪ %2‬من إجمالي مساحة فلسطني‪،‬‬ ‫عبداملجيد األول‪ ،‬الذي أمر متصرفية القدس‬ ‫«برك سليمان»‪ ،‬وأوقف على هذه املنشآت العديد‬
‫بينما ارتفعت النسبة إلى ‪ %8‬عام ‪1948‬م‪ ،‬وهي‬ ‫إعادة قطعة أرض في املدينة‪ ،‬اشتراها طبيب‬ ‫من األوقاف لصيانتها وعدم تعطلها‪.‬‬
‫اخلطوات التي فتحت املجال أمام املستوطنني‬ ‫يهودي بريطاني‪ ،‬على أن يبيعها ألي مواطن من‬ ‫وتابع السالطني العثمانيون اهتمامهم‬
‫للسيطرة على أجزاء كبيرة من فلسطني من خالل‬ ‫الدولة العثمانية‪ ،‬ومع حتايل اليهود بالتواطؤ مع‬ ‫بفلسطني والقدس حتى أواخر عهدهم‪ ،‬فقد‬
‫القوة وتسريب األراضي وغيرها‪.‬‬ ‫القنصليات األجنبية على اإلدارة العثمانية‪ ،‬أصدر‬ ‫احلديدّي احلجازي‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬ ‫ربطوا فلسطني باخلط‬
‫ولم يشهد التاريخ اإلسالمي في فلسطني أي‬ ‫السلطان عبداحلميد الثاني قانون�ا في مارس‬ ‫ربط بني إسطنبول واملدينة املنورة؛ ما سهل على‬
‫اضطهاٍد ديني إال في فترات زمنية قليلة جدًاً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪1883‬م يحرم بيع األشياء غير املنقولة في الدولة‬ ‫املسلمني أداء فريضة احلج‪ ،‬وقبله مت مد ّ‬
‫خّط‬
‫وقفت خلفها أفكا ٌٌر دخيلة باطنية‪ ،‬بينما َنَِعِ ََم‬ ‫العثمانية لليهود األجانب‪.‬‬ ‫سكة حديد عام ‪1892‬م بني القدس وميناء يافا‪،‬‬
‫سكان فلسطني ومختلف بالد املسلمني بالسماحة‬ ‫وفي عام ‪1884‬م‪ ،‬أصدر السلطان قرارًًا‬ ‫كما ربطت القدس بخطوط التلغراف مع مصر‬
‫الدينية‪ ،‬في ظل مؤسسة اخلالفة‪ ،‬وُتُعطي سكان‬ ‫آخر منع مبوجبه الهجرة اليهود ّّية‪ ،‬مع السماح‬ ‫وبيروت وأوروبا‪ ،‬وأنشؤوا املستشفى البلدي في‬
‫البالد من األديان املختلفة حريتهم الدينية‪،‬‬ ‫لألجانب منهم بزيارة فلسطني‪ ،‬على أال تتجاوز‬ ‫الشطر الغربي للمدينة عام ‪1891‬م‪ ،‬وإدخال‬
‫وحتمي الكنائس وال ُُكُنُس على ح ّّد سواء‪.‬‬ ‫إقامتهم فيها ثالثة أشهر‪ ،‬وقد رفض السلطان‬ ‫الكهرباء إلى القدس في عام ‪1914‬م‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬شهادة للباحث الفرنسي‬ ‫عروض احلركة الصهيونية لشراء فلسطني‪،‬‬ ‫أما اليوم‪ ،‬تعمل أذرع االحتالل على هدم‬
‫فانسان لومير‪ ،‬أّنّ القدس حتى أوائل القرن‬ ‫وإقامة دولتهم عليها‪ ،‬ودفع لقاء مواقفه هذه ثمنًًا‬ ‫اآلثار اإلسالمية في القدس وفلسطني‪ ،‬وتشويه‬
‫العشرين لم تكن ميدان مناورات للمعارك القومية‬ ‫باهظًاً‪.‬‬ ‫متعمد لها‪ ،‬وبحسب مصادر فلسطينية؛ فقد‬
‫وملصالح الدول الكبرى‪ ،‬وكانت بعيدة عن حتولها‬ ‫وفي مقابل هذه اجلهود‪ ،‬فقد فتح االحتالل‬ ‫هدمت سلطات االحتالل منذ عام ‪1948‬م أكثر‬
‫إلى جزء من الوقائع اجليوسياسية واملعارك‬
‫الضارية‪ ،‬وما كان في القدس من انسجام بني‬ ‫االحتالل الصهيوني عمل‬ ‫العثمانيون ربطوا فلسطين‬
‫سكانها من األديان املختلفة قد ازدهر‪ ،‬بحسب‬ ‫على ترسيخ هوية يهودية في‬ ‫بالخط الحديدي الحجازي بين‬
‫لومير‪ ،‬في ظل السلطنة العثمانية التي امتدت‬ ‫فلسطين عامة والقدس خاصة‬ ‫إسطنبول والمدينة المنورة‬
‫سيادتها منذ عام ‪1517‬م‪ ،‬إلى أن حل محلها‬
‫االحتالل ثم االنتداب البريطانيان‪.‬‬
‫هذه الشهادة تؤكد ما عاشته فلسطني من‬
‫سالٍم وأمن في ظل احلكم العثماني‪ ،‬وكيف سمح‬ ‫ٍ‬
‫نظام «امللة» املستند إلى الشريعة على فتح املجال‬
‫أمام حراك اقتصادي وثقافي مميز‪ ،‬بينما قام‬
‫االحتالل الصليبي الفرجني بقتل آالف املسلمني‬
‫واملسيحيني الشرقيني على حد سواء في القدس‪،‬‬
‫ولم يكن منوذج اإلقصاء الديني مقتصرًاً على‬
‫االحتالل الصليبي فقط‪ ،‬فقد عمل االحتالل‬
‫الصهيوني على ترسيخ هوية يهودية في فلسطني‬
‫عامة وفي القدس على وجه اخلصوص‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪31‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫ماذا َ‬
‫قَّدم السلطان العثماني‬
‫عبدالحميد الثاني لمسلمي الصين؟‬
‫مرت العالقة بني مسلمي الصني وإخوانهم في العالم اإلسالمي بظروف متباينة‪ ،‬ارتفعت تارة وانخفضت أخرى‪ ،‬حسب‬
‫الظروف السياسية واالجتماعية للصني ولبلدان اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬وكانت الرسل والوفود تترا من وإلى الصني خالل عصور‬
‫الدولة األموية والعباسية والدول املستقلة‪ ،‬التي وافقت عصور األسرات الصينية تانغ (‪907 - 618‬م)‪ ،‬وسونغ (‪1271 - 907‬م)‪،‬‬
‫ويوان (‪1368 - 1271‬م)‪ ،‬ومينغ (‪1644 - 1368‬م)‪.‬‬
‫فلما جاء عصر أسرة تشينغ (‪1911 - 1644‬م) خضعت الصني الحتالل املانشو الشماليني‪ ،‬فتغيرت أوضاع املسلمني في الصني‬
‫كثيرًاً‪ ،‬وانقطعت الصالت الرسمية بينهم وبني والعالم اإلسالمي‪ ،‬واقتصر األمر على الزيارات الفردية التي كان يقوم بها علماء‬
‫مسلمون صينيون لبلدان العالم اإلسالمي وخاصة مكة واملدينة ومصر والقسطنطينية دار اخلالفة آنذاك‪.‬‬

‫زيارة الشيخ وانغ كوان للسلطان‬ ‫من دخول أكثر من منطقة في العالم‪ ،‬وكانت بكني‬ ‫أسامــة منصــور‬
‫عبداحلميد الثاني‪:‬‬ ‫هدفه هذه املرة رغم ُبُعد املسافات والسياسات‪.‬‬
‫وفي عام ‪1905‬م‪ ،‬سافر الشيخ وانغ كوان مع‬ ‫ففي عام ‪1890‬م‪ ،‬أرسل السلطان بعثة بقيادة‬ ‫يؤكد املؤرخون أن بداية التقارب واالنفتاح‬
‫تلميذه ماشان تينغ إلى مكة املكرمة ألداء فريضة‬ ‫األدميرال عثمان باشا إلى الصني‪ ،‬عبر ساحل‬ ‫العثماني نحو املسلمني في الصني كانت في‬
‫احلج‪ ،‬ثم اجتها بعد ذلك إلى القسطنطينية‪،‬‬ ‫اليابان‪ ،‬ووصلت في ‪ 18‬سبتمبر ‪1890‬م‪ ،‬ثم في‬ ‫عهد السلطان عبدالعزيز عام ‪1873‬م‪ ،‬الذي دعم‬
‫ملقابلة السلطان عبداحلميد الثاني‪ ،‬وملا قابلهما‬ ‫عام ‪1901‬م ومبساعدة أملانيا مت إرسال بعثة‬ ‫تركستان الشرقية املسلمة في حربها مع احلكومة‬
‫اخلليفة قَّدَ ما إليه اقتراحني؛ أولهما‪ :‬إرسال‬ ‫أخرى‪ ،‬حتت قيادة أنور باشا‪ ،‬مصطحبًاً معه اثنني‬ ‫الصينية املركزية غير عابئ مبا سيكلفه ذلك من‬
‫أساتذة إلى الصني للتدريس للمسلمني الصينيني‬ ‫من العلماء‪ ،‬وقد وصلت هذه البعثة شانغهاي‪،‬‬ ‫ثمن سياسي باهظ‪ ،‬واإلمبراطورية تعيش حالة‬
‫إلعداد جيل من العلماء‪ ،‬واآلخر‪ :‬تزويد املدرسة‬ ‫وأقامت هناك في القنصلية األملانية‪ ،‬وبعد‬ ‫الرجل املريض كما وصفها الغرب‪.‬‬
‫املزمع إنشاؤها بالكتب واملطبوعات اإلسالمية‬ ‫فشل هذه البعثة بسبب ظروف التمويل‪ ،‬عادت‬ ‫لكن اخلطوة اإلستراتيجية التي ساهمت في‬
‫تيسيرًاً للدراسة والدارسني‪.‬‬ ‫إلى أوروبا عن طريق اليابان‪ ،‬ولكن بقي العاملان‬ ‫توحيد األقلية املسلمة في الصني‪ ،‬جاءت من قبل‬
‫وقد استجاب السلطان لطلب الشيخ كوان‪،‬‬ ‫االثنان في الصني‪ ،‬حيث قاما بزيارة التجمعات‬ ‫السلطان عبداحلميد الثاني الذي أعلن أكثر من‬
‫وأكرم وفادته ومنحه وسام اخلالفة‪ ،‬وعاد الشيخ‬ ‫اإلسالمية املنتشرة في الصني‪.‬‬ ‫مرة التزامه مبشروع االحتاد اإلسالمي الذي مَّكَ نه‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪32‬‬
‫مبعوثان تركيان أسسا «المدرسة‬ ‫السلطان عبدالحميد أعلن التزامه‬ ‫بداية التقارب العثماني نحو‬
‫الحميدية» في بكين نسبة إلى‬ ‫المسلمين في الصين كانت بعهد بمشروع االتحاد اإلسالمي ودخول‬
‫الخليفة عبدالحميد الثاني‬ ‫مناطق العالم ومنها الصين‬ ‫السلطان عبدالعزيز عام ‪1873‬م‬

‫اسم «املدرسة احلميدية»؛ نسبة إلى اخلليفة‬ ‫كوان إلى الصني عام ‪1906‬م ساملًاً غامنًاً‪ ،‬وعندما‬
‫عبداحلميد الثاني‪ ،‬أو بتعبير السفير الفرنسي‬ ‫التقى املسلمني هناك‪ ،‬قال متأثرًاً‪« :‬بعد أن قمت‬
‫في إسطنبول اسم «دار العلوم احلميدية في‬ ‫بزيارة تركيا‪ ،‬عرفت أنه ال سبيل لبقاء اإلسالم إال‬
‫بكني»‪ ،‬وذلك في تقرير له إلى وزارة خارجيته في‬ ‫باالهتمام بالتعليم»‪.‬‬
‫باريس‪.‬‬ ‫ومن هنا صمم على تأسيس املدارس‬
‫وقد حضر افتتاح هذه اجلامعة آالف‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فتعاون مع عدد من املسلمني في‬
‫املسلمني الصينيني‪ ،‬وحضره أيضًاً مفتي املسلمني‬ ‫تأسيس املدرسة االبتدائية في حرم مسجد‬
‫في بكني‪ ،‬والكثير من علماء املسلمني هناك‪.‬‬ ‫نيوجيه‪ ،‬واستقدم بعض األساتذة الصينيني‬
‫وفي مراسم االفتتاح‪ ،‬ألقيت اخلطبة‬ ‫للتدريس فيها‪.‬‬
‫باللغة العربية‪ ،‬ودعا اخلطيب للسلطان اخلليفة‬ ‫البعثة التركية للصني‪:‬‬
‫عبداحلميد‪ ،‬وقام مفتي بكني بترجمة اخلطبة‬ ‫وفي سبتمبر ‪1907‬م‪ ،‬أرسل السلطان‬
‫والدعاء إلى اللغة الصينية؛ وبكى أغلب املسلمني‬ ‫العثماني بعثة إلى بكني‪ ،‬تألفت من اثنني من‬
‫احلاضرين بكاء حارًاً بدافع فرحتهم‪ ،‬وأن مسلمي‬ ‫األساتذة‪ ،‬هما علي رضا‪ ،‬وكان أستاذًاً ومفتشًاً‪،‬‬
‫الصني مترابطون فيما بينهم ترابط�ا واضحًًا‬ ‫وقام بتدريس احلضارة العربية‪ ،‬واآلخر حسن‬
‫مسجد نيوجيه الذي يضم املدرسة احلميدية‬ ‫برباط الدين املتني‪ ،‬وأن إلقاء اخلطبة باللغة‬ ‫حافظ‪ ،‬وعمل مساعدًاً لزميله السابق‪.‬‬
‫العربية؛ لغة املسلمني الدينية‪ ،‬ورفع علم الدولة‬ ‫وقد أسس املبعوثان التركيان مدرسة في‬
‫المصادر‬ ‫العثمانية على باب هذه املدرسة‪ ،‬قد أثرا تأثيرًًا‬ ‫نيوجيه‪ ،‬وأقبل املسلمون عليهما‪ ،‬وقد بث هذان‬
‫‪ -1‬السعيد رزق حجاج‪ :‬المسلمون في الصين‬ ‫بالغ�ا في هؤالء الناس طيبي القلوب‪ ،‬وحرك‬ ‫الداعيان روح االنضمام إلى اخلالفة‪ ،‬ورفعا العلم‬
‫في العصر الحديث‪ ،‬مطابع حســان‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫الدموع في أعينهم‪.‬‬ ‫العثماني‪ ،‬وزارا مناطق جتمعات املسلمني‪ ،‬ونشرا‬
‫‪1408‬هـ‪1985 /‬م‪ ،‬ص‪.80‬‬ ‫في الصني اجلرائد اإلسالمية؛ عثمانية أو تركية‪،‬‬
‫وبجهود الشيخ وانغ كوان والبعثة العثمانية‬
‫‪ -2‬أكمــل الديــن إحســان أوغلــي‪ :‬الدولــة‬ ‫ومصرية‪ ،‬وروسية‪ ،‬وبلغارية‪.‬‬
‫تأسست أول مدرسة نظامية إسالمية للمعلمني‬
‫العثمانيــة تاريــخ وحضــارة‪ ،‬نقله إلــى العربية‬ ‫وكان رضا يقوم بتنظيم املدارس االبتدائية‬
‫في حرم مسجد نيوجيه‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك‬
‫صالــح ســعداوي‪ ،‬إســتانبول‪1999 ،‬م‪ ،‬نشــر‬ ‫للمسلمني الصينيني‪ ،‬كما كان مداومًاً على إرسال‬
‫أسست ‪ 4‬مدارس أخرى مماثلة في ‪ 4‬مناطق‬
‫مركــز الأبحــاث للتاريــخ والفنــون والثقافــة‬ ‫الرسائل حول نشاط املدرسة إلى دار اخلالفة‪.‬‬
‫في بكني؛ ليكون متاحًاً ألبناء املسلمني القريبة‬
‫الإسلامية‪ ،‬إستانبول‪.‬‬ ‫وبعد افتتاح املدرسة في بكني؛ خرجت‬
‫مساكنهم منها االلتحاق بها‪.‬‬
‫‪ -3‬بدر الدين حي الصيني‪ :‬تاريخ المســلمين‬ ‫الصحافة في إسطنبول بخبر مفاده أن عددًًا‬
‫فــي الصيــن فــي الماضــي والحاضــر‪ ،‬دار‬ ‫وقد عادت البعثة التركية بعد بشهور إلى‬
‫من مسلمي الصني متحمسون‪ ،‬يحبون العلم‬
‫الإنشاء والطباعة‪ ،‬طرابلس‪1394 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.92‬‬ ‫إسطنبول؛ نتيجة لبعض األحداث السياسية‪،‬‬
‫ويرغبون االستفادة من املعارف اإلسالمية‪ ،‬وأن‬
‫‪ -4‬توختي أخون أركين‪ :‬تركســتان الشــرقية‪،‬‬ ‫لكنها تركت تأثيرًاً كبيرًاً خالل الفترة التي قضتها‬
‫لديهم مؤسسات تعليمية ومدارس‪ ،‬وأن في بكني‬
‫البلد الإســلامي المنســي‪1417 ،‬هـ‪1997 /‬م‪،‬‬ ‫بالصني في أوساط املسلمني الصينيني‪ ،‬ولو ُُقدر‬
‫وحدها ‪ 38‬مسجدًاً وجامعًاً‪ ،‬يؤدي املسلمون فيها‬
‫ص‪.11‬‬ ‫لها البقاء لكان لها شأن آخر‪ ،‬وكذلك لو قدر‬
‫الصالة‪ ،‬ويدعون فيها خلليفة املسلمني السلطان‬
‫‪ -5‬محمــود يوســف لي خواين‪ :‬الشــخصيات‬ ‫للسلطان البقاء على رأس اخلالفة لكان هناك بال‬ ‫عبداحلميد الثاني‪ ،‬وأن خطبة اجلمعة في مساجد‬
‫الإســلامية البــارزة فــي الصيــن‪ ،‬دار الهــلال‬ ‫شك بعثات وبعثات‪ ،‬خاصة أن السنوات التي تلت‬ ‫وجوامع بكني ُتُقرأ باللغة العربية‪ ،‬ثم تترجم إلى‬
‫الأزرق للنشر‪ ،‬هونج كونج‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.120‬‬ ‫شهدت انتشار املدارس اإلسالمية وسط جتمعات‬ ‫اللغة الصينية‪ ،‬وأن الدعاء للسلطان عبداحلميد‬
‫‪6- Marshal Brom Hall: Islam‬‬ ‫املسلمني في مناطق الصني املختلفة‪ ،‬ولو وجد‬ ‫بصفته خليفة املسلمني ال يقتصر على بكني فقط‪،‬‬
‫‪in China Neglected Problem,‬‬ ‫القائمون على هذه املدارس شخصًاً كالسلطان‬ ‫بل ميتد إلى كل مساجد الصني وجوامعها‪.‬‬
‫‪London, Morgan and Scoots,‬‬ ‫عبداحلميد في سدة احلكم لتضاعف عددها‬ ‫وقد تأسست املدرسة في بكني (عاصمة‬
‫‪1910, p. 15.‬‬ ‫وازداد انتشارها وامتد تأثيرها‪.‬‬ ‫الصني) وأطلق عليها املسلمون الصينيون‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪33‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫كيف كانت عالقة مسلمي الهند بالخالفة العثمانية؟‬

‫د‪ .‬محمد حسن الباشا‬


‫أستــــاذ التاريــــخ الإسلامـــي‬

‫من أجل التوصل إلى فهم أكثر‬


‫دقة لعالقات املسلمني الهنود مع‬
‫الدولة العثمانية‪ ،‬ال بد من النظر‬
‫إلى اخلريطة السياسية لغرب‬
‫ووسط آسيا خالل القرون الوسطى‪،‬‬
‫وكذلك في العصر احلديث‪،‬‬
‫حيث كانت العالقات السياسية‬
‫والدبلوماسية بني احلكام الهنود‬
‫مسلم ـ ــو الهن ـ ــد اعترفـ ـ ــوا طوال الوق ـ ــت بسلط ـ ـ ــان‬ ‫والدولة العثمانية ودية للغاية‬

‫الدولـ ـ ـ ـ ــة العثمانيـ ـ ـ ـ ــة كخليف ـ ـ ـ ــة لهـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫على مدى قرون‪.‬‬

‫وسفاراتهم مع السالطني العثمانيني‪ ،‬وأعقب‬ ‫‪1482‬م)‪ ،‬ومحمود شاه (‪1518 - 1482‬م)‪،‬‬ ‫كان البهمنيون أول حكام الهند يقيمون‬
‫هذه العالقات تيبو سلطان ميسور‪ ،‬ونظام‬ ‫والسلطان العثماني محمد الثاني (‪1451‬‬ ‫اتصاالت دبلوماسية مع العثمانيني‪ ،‬وفي وقت‬
‫حيدر آباد‪ ،‬فقد أرسل كال احلاكمني‬ ‫‪1481-‬م)‪ ،‬وبايزيد الثاني (‪1512 - 1481‬م)‪،‬‬ ‫الحق تبعهم احلكام املسلمون من كجرات‪،‬‬
‫سفاراتهما إلى إسطنبول‪ ،‬وحصال على ردود‬ ‫فقد تبادال الرسائل والسفارات امللكية‪.‬‬ ‫يليها حكام املغول من الهند‪ ،‬ونظام حيدر‬
‫إيجابية من السالطني العثمانيني‪.‬‬ ‫ال سيما وجد احلاكم املغولي الهندي أكبر‬ ‫آباد‪ ،‬وتيبو سلطان ميسور‪ ،‬ونواب من آركوت‬
‫اعتراف باخلليفة‬ ‫أن عرشه غير آمن‪ ،‬لذلك بدأ بالذهاب إلى‬ ‫(مدراس)‪ ،‬وحتى خالل االحتالل البريطاني‬
‫وقد اعترف مسلمو الهند طوال الوقت‬ ‫أبعد من ذلك في الود جتاه العثمانيني‪ ،‬وكتب‬ ‫للهند كان هناك تبادل ثنائي للبعثات‬
‫بسلطان الدولة العثمانية كخليفة لهم‪ ،‬حيث‬ ‫رسالة ودية إلى السلطان سليمان القانوني‪،‬‬ ‫الدبلوماسية بني الهند والدولة العثمانية‪.‬‬
‫كانت السلطة الدينية والزمنية للخليفة‬ ‫ولكن مع منو قوة أكبر‪ ،‬منا لديه موقف‬ ‫لقد اختلف املوقف الدبلوماسي للدولة‬
‫العثماني مثيرة لالهتمام مبا فيه الكفاية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معاٍد ضد العثمانيني‪ ،‬فقد رفض االعتراف‬ ‫العثمانية جتاه احلكام الهنود خاصة احلكام‬
‫ال سيما كان للعدوان اإلمبريالي على الدولة‬ ‫بالسلطان كخليفة‪ ،‬كما اتبع جهاجنير نفس‬ ‫املسلمني‪ ،‬واختالف العالقات بني البلدين من‬
‫العثمانية عواقب بعيدة املدى‪ ،‬حيث تبنت‬ ‫السياسة‪ ،‬وتبادل احلكام املغول الالحقون‬ ‫حاكم إلى حاكم ومن وقت آلخر‪ ،‬على سبيل‬
‫القوات اإلمبريالية جميع الوسائل املمكنة‬ ‫شاهجهان‪ ،‬وأورجنزيب‪ ،‬ومحمد شاه رسائلهم‬ ‫املثال‪ :‬امللوك البهمنية محمد شاه (‪- 1463‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪34‬‬
‫مسلمون هنود أعدمهم اجليش البريطاني لرفضهم القتال ضد العثمانيني‬ ‫لقمع املوجة الثورية‪.‬‬
‫لم يتقدم املسلمون فقط في الهند‪،‬‬
‫بل الهندوس أيضًاً‪ ،‬ودعموا العثمانيني في‬
‫نضالهم ضد األوروبيني بكل الطرق والوسائل‬
‫املمكنة‪ ،‬وكانت حركة القومية اإلسالمية متثل‬
‫الشعور باألخوة بني مسلمي العالم‪ ،‬حيث‬
‫كان لها تأثير هائل على التفكير السياسي‬
‫للمسلمني الهنود‪ ،‬وتسبب في تغيير واضح‬
‫في موقفهم جتاه احلكم البريطاني‪ ،‬فقد‬
‫كان املوقف البريطاني من األحداث التي‬
‫شملت الدولة العثمانية‪ ،‬أيقظهم إلى الدوافع‬
‫الحركات اإلسالمية‬ ‫الحـ ـ ــروب التي تعرضـ ـ ـ ـ ــت‬ ‫الشريرة لإلمبريالية البريطانية‪.‬‬

‫المؤيدة للخليفة‬ ‫توحيد مسلمي الهند‬


‫لها الدولة العثمانيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫ولقد تسببت احلروب التي تعرضت لها‬
‫العثماني قاومت‬ ‫وَّحَ دت مسلمي الهند‬
‫الدولة العثمانية في توحيد مسلمي الهند‬
‫االحتالل البريطاني للهند‬ ‫ً‬
‫واحدًا‬ ‫ً‬
‫صفًا‬ ‫صفًاً واحدًاً نتيجة شعورهم باخلطر احملدق‬
‫مبستقبل الدولة العثمانية‪ ،‬وعالوة على ذلك‬
‫أتاتورك ورفاقه يرون أنه إذا أرادت تركيا أن‬ ‫مترد فيها اجلنود الهنود املسلمون‪ ،‬وهي‬ ‫فإن مواطني الهند من الهندوس‪ ،‬الذين لم‬
‫تعيش وأن جتد مكانًاً بني األمم املتحضرة‬ ‫معركة «كوت العمارة»‪ ،‬حيث رفض اجلنود‬ ‫ً‬
‫طويًال حتت ربقة‬ ‫يكن في نيتهم املكوث‬
‫في العالم‪ ،‬فيجب أن تنسى حلم إحياء‬ ‫الهنود في الفرقة السادسة الذين ُأُخذوا إلى‬ ‫االستعمار البريطاني‪ ،‬كانوا يقفون في صف‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬وبدأ أتاتورك حرب االستقالل‬ ‫ً‬
‫وبدًال من‬ ‫البصرة لغزو العراق عام ‪1916‬م‪،‬‬ ‫الدولة العثمانية‪ ،‬والتنسيق والوعي اللذان‬
‫لتركيا‪ ،‬وشن مقاومة ضد قوات احللفاء بعد‬ ‫مهاجمة األتراك بدأ اجلنود مهاجمة زمالئهم‬ ‫نشأ ما بني مسلمي الهند أثناء تلك احلرب‬
‫أن تطورت إلى حرب أهلية‪ ،‬حيث ترك القرار‬ ‫البريطانيني‪ ،‬وهربوا كلما وجدوا الفرصة من‬ ‫شكال البنية التحتية لنشوء تعاون أكثر فعالية‬
‫الذي اتخذه األتراك في حتدي القوى الغربية‬ ‫أجل االنضمام إلى اجليش العثماني‪.‬‬ ‫وتنظيمًاً لدعم الدولة العثمانية أثناء نشوب‬
‫انطباعًاً عميقًاً على املقاتلني الهنود من أجل‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى تأثير حرب‬ ‫احلرب العاملية األولى‪.‬‬
‫احلرية‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬أخذت الطبقة‬ ‫االستقالل التركية على حركة اخلالفة في‬ ‫وفي يوم ‪ 15‬فبراير ‪1915‬م ثار ‪850‬‬
‫املثقفة الهندية اهتمامًاً كبيرًاً في التطورات‬ ‫الهند‪ ،‬فقد أصبحت احلركات اإلسالمية‬ ‫مسلمًاً هنديًاً (جنديًاً سيبويًاً) ضد القادة‬
‫التي كانت حتدث في الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫املؤيدة للخليفة العثماني مناهضة لبريطانيا‬ ‫البريطانيني؛ مما أسفر عن مقتل ‪40‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬كانت حركة اخلالفة متثل‬ ‫في الهند‪ ،‬كما كان الندالع وعواقب احلرب‬ ‫ضابطًاً بريطانيًاً واالستيالء على أسلحتهم‬
‫رد فعل املسلمني الهنود على نتائج احلرب‬ ‫العاملية األولى دور في حسم مصير الدولة‬ ‫وذخائرهم‪ ،‬استمرت االنتفاضة نحو ‪ 7‬أيام‪،‬‬
‫التي أثرت على تركيا‪ ،‬ونشأت حركة اخلالفة‬ ‫العثمانية‪ ،‬وأصبح من الواضح جدًاً أن هذه‬ ‫إذ انقسم املنتفضون إلى ‪ 3‬مجموعات ولم‬
‫عندما أصبح من الواضح أن البريطانيني ال‬ ‫احلرب قد جلبت الدولة العثمانية على حافة‬ ‫ينجحوا بالسيطرة على احلصون والترسانات‬
‫مييلون إلى الوفاء بوعدهم فيما يتعلق مبصير‬ ‫الدمار‪.‬‬ ‫وحسب‪ ،‬بل أطلقوا سراح سجناء أملان‬
‫الدولة العثمانية وموقف اخلليفة‪ ،‬ولكن مع‬ ‫وانتهت بهزمية العثمانيني في احلرب‬ ‫منساويني محتجزين في السجون ومعسكرات‬
‫إلغاء اخلالفة العثمانية‪ ،‬فقدت حركة‬ ‫العاملية األولى في هدنة مودروس املوقعة في‬ ‫االعتقال البريطانية‪.‬‬
‫اخلالفة في الهند هدفها الرئيس‪.‬‬ ‫‪ 30‬أكتوبر ‪1918‬م‪ ،‬فقد كان مصطفى كمال‬ ‫كما جتدر اإلشارة إلى أن حادثة أخرى‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪35‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫الخالفة‪ ..‬والمنجزات الحضارية لألمة‬

‫مستشفى ابن طولون به خزانة كتب تحوي ‪ 100‬ألف مجلد!‬

‫أمة اإلسالم دفعت أثمان ضياع الخالفة من حريتها وكرامتها‬

‫واجلوائز‪ ،‬وبرز دور الدولة في بناء املؤسسات‬ ‫وكان خلفاء اإلسالم األولون علماء حكماء‪،‬‬
‫التعليمية الكبرى‪ ،‬فظهرت املدارس النظامية على‬ ‫وظل كثيرون منهم فيما بعد يحرصون على طلب‬ ‫د‪ .‬حمـدي شاهيـن‬
‫يد الوزير السلجوقي نظام امللك (ت ‪485‬هـ)‪،‬‬ ‫العلم‪ ،‬ويوفرون ذلك ألبنائهم ممن سيلون اخلالفة‪،‬‬ ‫أستـاذ الحضـارة والتاريـخ الإسلامـي‬
‫وُبُنيت اجلامعة املستنصرية‪ ،‬واملدرسة النورية‪،‬‬ ‫ويقدمون لهم القدوة في احترام العلم وأهله‪ ،‬وفي‬
‫واجلامع األزهر‪ ،‬والعديد من مساجد قرطبة‬ ‫كل عصر من عصور اخلالفة ميكن إيراد جملة‬ ‫قدمت دولة اخلالفة اإلسالمية منوذجًًا‬
‫وإسطنبول وغيرها‪.‬‬ ‫من األمراء واخللفاء اشتهروا بالعلم والسياسة‬ ‫للتشارك بني احلكومة والشعب في حتقيق‬
‫قال ابن كثير‪ ،‬في حوادث عام ‪631‬هـ‪:‬‬ ‫معًاً‪ ،‬مثل اخللفاء الراشدين جميعًاً‪ ،‬وجل خلفاء‬ ‫مقاصد اإلسالم وآمال األمة‪ ،‬فأفسحت املجال‬
‫«فيها كمل بناء املدرسة املستنصرية ببغداد‪ ،‬ولم‬ ‫بني أمية‪ ،‬ومنهم معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وعبدامللك‬ ‫أمام املشاركة الشعبية؛ فكان التعليم يجري ً‬
‫أوًال‬
‫ُيُ ََنب مدرسة قبلها مثلها‪ ،‬ووقفت على املذاهب‬ ‫بن مروان‪ ،‬وعمر بن عبدالعزيز‪ ،‬وكثير من اخللفاء‬ ‫في الكتاتيب واملساجد‪ ،‬وهي مؤسسات شعبية‪،‬‬
‫األربعة‪ ،‬من كل طائفة اثنان وستون فقيها‪ ،‬وأربعة‬ ‫العباسيني الكبار‪ ،‬منهم أبو جعفر املنصور‪،‬‬ ‫وأقامت احلكومة في مراحل تالية املدارس‬
‫معيدين‪ ،‬ومدرس لكل مذهب‪ ،‬وشيخ حديث‪،‬‬ ‫واملهدي‪ ،‬وهارون الرشيد‪ ،‬واملأمون‪ ،‬وكثير من‬ ‫الكبرى واجلامعات‪ ،‬وكانت الدولة تعنّين القضاة‪،‬‬
‫وقارئان وعشرة مستمعني‪ ،‬وشيخ طب‪ ،‬وعشرة‬ ‫أمراء املرابطني واملوحدين‪ ،‬وأمراء األندلس‪،‬‬ ‫وتيّسر لهم أداء‬‫ّ‬ ‫ومتنحهم مرتباتهم املالية‪،‬‬
‫من املسلمني يشتغلون بعلم الطب‪ ،‬ومكتب لأليتام‪،‬‬ ‫والقافلة متتد لتضم جماعة من العثمانيني‬ ‫أعمالهم‪ ،‬وتوظف لهم من يعينهم على أدائها‪،‬‬
‫وقدر للجميع من اخلبز واللحم واحللوى والنفقة‬ ‫منهم محمد الفاحت‪ ،‬وسليمان القانوني‪ ،‬وآخرهم‬ ‫وتنفذ أحكامهم‪ ،‬لكن الفقهاء هم من كانوا يضعون‬
‫ما فيه كفاية وافرة لكل واحد»‪ ،‬إلى أن قال‪:‬‬ ‫السلطان عبداحلميد‪.‬‬ ‫التشريعات دون تدخل من احلكومة‪ ،‬وكثير من‬
‫«ووقفت خزائن كتب لم يسمع مبثلها في كثرتها‬ ‫املدارس النظامية‬ ‫املرابطني في الثغور كانوا متطوعني‪ ،‬لكن أمر‬
‫وحسن نسخها‪ ،‬وجودة الكتب املوقوفة بها»‪.‬‬ ‫تغُّص‬
‫ُ‬ ‫وكانت مجالس اخللفاء واألمراء‬ ‫اجليوش املنظمة وتسليحهـــــــا ومرتبات رجالهـــــا‬
‫وانتشرت املؤسسات األهلية كاملساجد‬ ‫بالعلماء من كل صوب وفن‪ ،‬وتقدم لهم التسهيالت‬ ‫كان من اختصاص احلكومة‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪36‬‬
‫والكتاتيب حتى ع ّّد ابن حوقل (ت ‪367‬هـ) ‪300‬‬
‫كّتّاب في مدينة واحدة من إمارة صقلية‪ ،‬وكان‬
‫عمًال أهليًاً‪ ،‬مجانيًاً متاحًًا‬
‫ً‬ ‫التعليم في مجمله‬
‫للجميع‪ ،‬وتكفلت األوقاف اإلسالمية الضخمة‬
‫باإلنفاق على التعليم عامة‪ ،‬فكانت في دمشق‬
‫وحدها ‪ 400‬مدرسة في العصر اململوكي‪ ،‬تتنوع‬
‫بني مدارس شرعية وعملية‪ ،‬وكل مدرسة حتتوي‬
‫على مسجد‪ ،‬وقاعات للدراسة‪ ،‬وغرف لنوم‬
‫الطالب‪ ،‬ومكتبة‪ ،‬ومطبخ وحمام‪ ،‬وبعضها يحتوي‬
‫على مالعب للرياضة‪.‬‬
‫أما املشافي‪ ،‬فلم تقل العناية بها عن املدارس‬
‫واجلامعات‪ ،‬ففي عهد الوليد بن عبدامللك أنشئ‬
‫أول مستشفى في اإلسالم خاصة باملجذومني‪،‬‬
‫وأجريت لهم األرزاق‪ ،‬ولم تخل بلدة صغيرة يومئذ‬
‫قرطبة كانت تنار بالمصابيح ويستضاء بنورها ‪ 10‬أميال!‬ ‫من مستشفى فأكثر‪ ،‬حتى إن قرطبة وحدها كان‬
‫فيها ‪ 50‬مستشفى‪ ،‬وفي كثير من تلك املستشفيات‬
‫وجدت قاعات طبية وأقسام متخصصة‪ ،‬ولكل‬
‫جميًال‪ ،‬وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله‬‫ً‬ ‫قودًاً‬ ‫مليوني كتاب‪ ،‬بينما ضمت مكتبة بني عمار‬ ‫قسم أطباء‪ ،‬عليهم رئيس‪ ،‬فبعضها لألمراض‬
‫إبًال نقاالت يحمل على‬ ‫مبصر‪ :‬بلغني أن مبصر ً‬ ‫بطرابلس مليونًاً‪.‬‬ ‫الباطنية‪ ،‬وبعضها للجراحني واملج ِِّبرين‪ ،‬وبعضها‬
‫البعير منها ألف رطل‪ ،‬فإذا أتاك كتابي هذا فال‬ ‫ثم كانت جناية أعداء اإلسالم على املكتبات‬ ‫ألطباء العيون‪ ،‬أو الكحالني‪ ،‬وفي كل مستشفى‬
‫أعرفن أنه ُيُحمل على البعير أكثر من ستمائة‬ ‫على نحو ما هو مشهور في شأن املغول ملا دمروا‬ ‫عدد من الفراشني واملمرضني واملساعدين‪ ،‬ولهم‬
‫رطل‪ ،‬ونهى‪ ،‬كذلك‪ ،‬في إحدى رسائله إلى الوالة‬ ‫مكتبات العراق‪ ،‬ورموا الكتب في نهر دجلة حتى‬ ‫رواتب معلومة وافرة‪ ،‬وفي كل مستشفى صيدلية‪.‬‬
‫الناس عن ركض الفرس في غير حق‪ ،‬وكتب إلى‬ ‫تغير لون املياه من مدادها‪ ،‬وما فعله نصارى‬ ‫وكان يلحق بكل مستشفى مكتبة عامرة بكتب‬
‫صاحب السكك أال يسمحوا ألحد بإجلام دابته‬ ‫اإلسبان باملكتبات الزاخرة التي ضمت علوم الدنيا‬ ‫الطب وغيرها مما يحتاجه األطباء وتالميذهم‪،‬‬
‫بلجام ثقيل‪ ،‬أو أن ينخسها مبقرعة في أسفلها‬ ‫في األندلس بعد سيطرتهم عليها‪.‬‬ ‫حتى قالوا‪ :‬إنه كان في مستشفى ابن طولون‬
‫حديدة‪.‬‬ ‫وبينما كانت األوضاع مزرية في املدن‬ ‫بالقاهرة خزانة كتب حتتوي على ما يزيد على‬
‫وكان من وظيفة احملتسب أن مينع الناس من‬ ‫األوروبية الضحلة والقذرة في العصور‬ ‫‪ 100‬ألف مجلد في سائر العلوم‪ ،‬وأوقف عليه ما‬
‫حتميل الدواب فوق ما تطيق‪ ،‬أو تعذيبها وضربها‬ ‫الوسطى‪ ،‬جند قرطبة ‪-‬عاصمة األندلس في‬ ‫يدر عليه ألف درهم في كل سنة‪ ،‬وأحلق به مسجد‬
‫أثناء السير‪ ،‬فمن رآه يفعل ذلك أ ّّدبه وعاقبه‪.‬‬ ‫عهد عبدالرحمن الثالث‪ -‬تنار باملصابيح ً‬
‫ليًال‪،‬‬ ‫ومدرسة ومكتب لأليتام‪ ،‬وال يخرج منه كل من‬
‫وكانت النفقة على احليوان واجبة على‬ ‫ويستضيء املاشي بنورها عشرة أميال ال ينقطع‬ ‫يبرأ من مرض حتى ُيُعطى كسوة للباسه‪ ،‬ودراهم‬
‫مالكه‪ ،‬فإن امتنع أجبر على بيعه أو اإلنفاق عليه‪،‬‬ ‫عنه الضوء! أزقتها مبلطة‪ ،‬وقماماتها مرفوعة‬ ‫لنفقاته‪ ،‬حتى ال يضطر لاللتجاء إلى العمل الشاق‬
‫أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه‪ ،‬أو‬ ‫من الشوارع‪ ،‬ومحاطة باحلدائق الغّنّاء حتى كان‬ ‫فور خروجه‪ ،‬بل امتدت الرعاية الصحية لتشمل‬
‫ذبحه إذا كان مما يؤكل‪.‬‬ ‫القادم إليها يتنزه ساعات في الرياض والبساتني‬ ‫السجون‪ ،‬فكانت ثمة املشافي ومراكز اإلسعاف‪.‬‬
‫ورصدت أوقاف خاصة لتطبيب احليوانات‬ ‫قبل أن يصل إليها‪ ،‬وكان سكانها أكثر من مليون‬ ‫كانت تلكم احلال في دولة اخلالفة‪ ،‬بينما‬
‫املريضة‪ ،‬وأوقاف لرعي احليوانات ا ُُملسنة‬ ‫نسمة‪ ،‬في ذلك العصر الذي لم تكن فيه أكبر‬ ‫يروي املؤرخون قصصًاً مثيرة لألسى والشفقة‬
‫العاجزة! كان هذا يحدث في دولة اخلالفة‪ ،‬في‬ ‫مدينة في أوروبا تزيد على خمسة وعشرين ألفًاً‪،‬‬ ‫عن حال الطب لدى معاصريهم من الصليبيني‬
‫حني كانت أوروبا العصور الوسطى تتهم بعض‬ ‫وكان فيها ‪ 80‬مدرسة يتعلم فيها الفقراء مجانًاً‪،‬‬ ‫واألوروبيني‪.‬‬
‫القطط بالسحر‪ ،‬وتأمر بحرقها‪ ،‬وتعقد محاكمة‬ ‫و‪ 50‬مستشفى‪ ،‬وأما مسجدها فكانت وال تزال‬ ‫واشتد ولع احلكام واألدباء والعلماء بالكتب‪،‬‬
‫للفئران املزعجة‪ ،‬ومحاكمة أخرى للديك الذي‬ ‫آثاره حتى اليوم آية خالدة في الفن واإلبداع‪ ،‬وقل‬ ‫فكانت هناك مكتبات خاصة وعامة‪ ،‬وفي املكتبات‬
‫باض‪ ،‬ثم يحكم فيها بإعدامه على نحو ما فصل‬ ‫مثل ذلك عن بغداد حاضرة العباسيني‪ ،‬وأعظم‬ ‫العامة غرف مكتبية متخصصة‪ ،‬منها قاعات‬
‫د‪ .‬مصطفى السباعي في كتابه القيم «من روائع‬ ‫مدن العالم آنذاك قاطبة‪.‬‬ ‫مطالعة‪ ،‬وغرف حللقات الدرس‪ ،‬وغرف للنسخ‬
‫حضارتنا»‪.‬‬ ‫رعاية احليوان‬ ‫والتجليد واملوسيقى‪ ،‬وأخرى للطعام‪ ،‬والنوم‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬ذهبت اخلالفة ورونقها‪ ،‬وجنت األمة‬ ‫وامتدت رعاية دولة اخلالفة لتشمل احليوان‪،‬‬ ‫وبها موظفون متخصصون‪ ،‬منهم أمناء املكتبة‪،‬‬
‫كلها ثمار جهل وغباوة ونزق‪ ،‬ثم راحت تدفع‬ ‫فقد ضرب اخلليفة عمر بن اخلطاب ج ّّم ً‬
‫اًال ألنه‬ ‫ومترجمون‪ ،‬ومفهرسون‪ ،‬وخصصت األوقاف‬
‫أثمان ذلك من حريتها ومكانتها‪ ،‬وكرامة رجالها‬ ‫رجًال يسحب شاة‬ ‫ً‬ ‫حَّمَ ل جمله ما ال يطيق‪ ،‬ورأى‬ ‫الالزمة لإلنفاق لذلك كله‪.‬‬
‫ونسائها‪ ،‬وقوت أوالدها‪.‬‬ ‫برجلها ليذبحها‪ ،‬فقال له‪ :‬ويلك! قدها إلى املوت‬ ‫وقد ضمت مكتبة الفاطميني بالقاهرة‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪37‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫سقوط الخالفة العثمانية‬


‫في مرآة السينما والدراما العربية والعالمية‬

‫تعّرضت لتشويه وتزييف متعمدين‪ ،‬وبتخطيط مستمر‬


‫ال توجد دولة عظيمة ّ‬
‫ملا يقارب القرنني من الزمان‪ ،‬مثل دولة اخلالفة العثمانية‪ ،‬ذات التاريخ املمتد ألكثر‬
‫من ‪ 600‬عام (‪1924 - 1299‬م)‪ ،‬فقد بدأ التشويه في أدبيات السياسة األوروبية‬
‫بإطالق مفهوم «املسألة الشرقية»‪ ،‬أو باألدق «رجل أوروبا املريض»‪ ،‬في إشارة إلى‬ ‫د‪ .‬مصطفى عطية جمعة‬
‫ترقب القوى االستعمارية الغربية وسعيها إلسقاط هذه اإلمبراطورية الضخمة‪،‬‬
‫لقد متحورت دعاوى االستعمار الغربي‬
‫التي كانت رمز ًًا لوحدة املسلمني‪ ،‬وظهر ًًا حامي ًًا لشعوبهم‪ ،‬ومتّثّ ل النموذج القائد‬ ‫ضد الدولة العثمانية بأنها سبب نكبة املسلمني‬
‫ألقطاره وأقاليمه املمتدة؛ ملا لها من نفوذ روحي‪ ،‬يعود إلى مكانة السلطان العثماني‬ ‫وتأخرهم‪ ،‬وأنهم فرضوا على املسلمني العزلة‬
‫بوصفه خليفة املسلمني‪.‬‬ ‫والتخلف واجلهل‪ ،‬وأذابوا شعوب املسلمني في‬
‫ذلك اللقب الذي ناله السلطان سليم األول (‪926 - 875‬هـ‪1520 - 1470 /‬م)‪،‬‬ ‫هويتهم التركية ولغتهم‪ ،‬واحلقيقة أن كل هذا‬
‫يخالف التاريخ‪ ،‬فج ُُّل سالطني العثمانيني أجادوا‬
‫بعدما جنح في هزمية طومان باي في معركة «الريدانية» عام ‪1516‬م‪ ،‬وأسقط دولة‬
‫اللغة العربية والفارسية والالتينية‪ ،‬وكانت التركية‬
‫املماليك‪ ،‬وقد تنازل له محمد بن يعقوب ُاُملتوِّكّ ل على اهلل‪ ،‬آخر ُ‬
‫اُخللفاء العباسيني‪،‬‬ ‫نفسها ُتُكتب بأحرف عربية‪ ،‬وغالبية مفرداتها‬
‫الذي كان يقيم بالقاهرة في ظل حكم املماليك‪ ،‬عن لقب اخلالفة وشاراتها‪ ،‬لتصبح‬ ‫مأخوذة من القاموس العربي املسلم‪.‬‬
‫الدولة العثمانية دولة اخلالفة رسمي ًًا‪.‬‬ ‫كان الهدف من هذه الدعوات جليًاً‪ ،‬أال وهو‬
‫تفكيك هذه اإلمبراطورية‪ ،‬وحتويلها إلى أقطار‬
‫عكاشة ‪-‬في ثنايا احلوار‪ -‬آراء ضد اخلالفة‬ ‫التحرر‪ ،‬وأن سبب تأخر العالم اإلسالمي يعود‬ ‫ودول صغيرة‪ ،‬والسيطرة على أراضيها‪ ،‬بشعارات‬
‫العثمانية‪ ،‬وحتديدًاً السلطان سليم األول‪ ،‬الذي‬ ‫للدولة العثمانية‪ ،‬وللخالفة حتديدًاً‪ ،‬والبعض‬ ‫من مثل‪ :‬القومية العربية‪ ،‬وحترير الشعوب‪،‬‬
‫جمع الفنانني والصّنّاع املصريني املهرة‪ ،‬وأرسلهم‬ ‫أعلنها صريحة أن السبب هو اإلسالم نفسه‪ ،‬وهو‬ ‫واالنتصار للهوية الُقُطرية‪ ،‬وتعزيز االنتماء‬
‫إلى اآلستانة‪ ،‬للعمل في بناء عمارتها‪ ،‬وجتاهل‬ ‫ما نادت به النخب العربية العلمانية واملتغربة‪ ،‬وال‬ ‫حلدودها‪ ،‬وهو ما حتقق في اتفاقية «سايكس‬
‫املؤلف أنهم عادوا إلى القاهرة ثانية‪ ،‬بعد سنوات‬ ‫تزال ليومنا‪.‬‬ ‫بيكو» (‪1916‬م)‪ ،‬ومت تقسيم ممتلكات الدولة‬
‫عديدة‪ ،‬والشاهد هنا أن املسلسل ير ّّوج إلى أن‬ ‫وينهض املسلسل املصري «أرابيسك»‬ ‫العثمانية بني فرنسا وبريطانيا‪ ،‬بتوافق مع روسيا‬
‫الدولة العثمانية غ ّّيبت الهوية الُقُطرية املصرية‬ ‫(‪1994‬م) ليكون خير دليل على حملة التشويه‬ ‫القيصرية وقتئذ‪ ،‬وتواطؤ دولي‪.‬‬
‫وسرقت مبدعيها‪.‬‬ ‫ضد الدولة العثمانية‪ ،‬فقد بّثّ مؤلفه أسامة أنور‬ ‫ولألسف‪ُ ،‬خُ ِدِ عت الشعوب العربية بشعارات‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪38‬‬
‫القومي الغربي‪ ،‬غير واعني إلى أن رسالة اخلالفة‬ ‫في رمضان عام ‪2010‬م‪.‬‬ ‫لورنس العرب‬
‫العثمانية التي ترددت على ألسنة السالطني‬ ‫وفي عدد من األحاديث الصحفية‪ ،‬ذكر‬ ‫أما السينما العاملية فكانت حاضرة أيضًًا‬
‫‪-‬في هذا املسلسل‪ -‬تنتصر لإلسالم‪ ،‬وللشعوب‬ ‫املخرج أن هذا املسلسل محاولة لالعتذار عن‬ ‫في حملة التشويه‪ ،‬ويعد فيلم «لورنس العرب»‬
‫املسلمة‪ ،‬وحتمي األقليات غير املسلمة‪ ،‬دون أدنى‬ ‫الزيف التاريخي الذي حلق بصورة السالطني‬ ‫(‪1962‬م) أحد أشهر األفالم السينمائية التي‬
‫متييز على أساس عرقي أو لغوي أو جهوي‪،‬‬ ‫العثمانيني‪ ،‬وتبيان املؤامرات التي حاكتها القوى‬ ‫تناولت الرؤية الغربية لدولة اخلالفة العثمانية‪،‬‬
‫وأن الصراع لم يكن مع الدولة العثمانية التي‬ ‫الغربية إلسقاطها‪ ،‬وعندما نشاهد أحداث‬ ‫وقد اقتبست قصة الفيلم من الكتاب الشهير‬
‫حمت قلب العالم اإلسالمي وأهم أقاليمه حتى‬ ‫املسلسل‪ ،‬جند أن بداية التآمر الفعلي كان‬ ‫«أعمدة احلكمة السبعة» ملؤلفه اجلاسوس‬
‫سقوطها‪ ،‬بل إن فلسطني ضاعت بعدما سقطت‬ ‫في عهد السلطان عبدالعزيز األول (‪1830‬‬ ‫البريطاني توماس إدوارد لورنس‪.‬‬
‫اخلالفة‪ ،‬وتفككت أرضها إلى دويالت‪ ،‬ولقد جنح‬ ‫‪1876 -‬م)‪ ،‬الذي جنح بشكل كبير في إيقاف‬ ‫كان هذا الفيلم نقطة االنطالق للعاملية‬
‫هذا املسلسل‪ ،‬وللمرة األولى في إثارة السؤال عن‬ ‫التدهور املالي في الدولة‪ ،‬وعزز هيمنتها‬ ‫للممثَلَنْين بيتر أوتول‪ ،‬وعمر الشريف‪ ،‬حيث‬
‫الدور التاريخي احليوي الذي قامت به اخلالفة‬ ‫العسكرية على أقطارها‪ ،‬واسترد هيبتها‪ ،‬فكان أن‬ ‫تناولت أحداثه تفكيك الدولة العثمانية ودور‬
‫العثمانية‪ ،‬وأدركت األجيال العربية اجلديدة‬ ‫انقلب عليه الصدر األعظم (رئيس الوزراء)‪ ،‬ومعه‬ ‫أمير مكة املكرمة في إشعال ما يسمى «الثورة‬
‫الرواية املضادة‪ ،‬ملا درسته في املناهج املدرسية‪.‬‬ ‫عدد من الشخصيات اليهودية واملاسونية‪ ،‬قبل أن‬ ‫العربية الكبرى»‪ ،‬في يونيو ‪1916‬م‪ ،‬بوعود من‬
‫السلطان عبداحلميد‬ ‫ينتقل احلكم إلى ابن أخيه السلطان عبداحلميد‬ ‫السياسي البريطاني‪ ،‬املقيم في القاهرة‪ ،‬هنري‬
‫وتع ّّمقت احلقيقة أكثر مع املسلسل التركي‬ ‫الثاني‪ ،‬الذي واجه بقوة مخططات املاسون‪ ،‬وقد‬ ‫مكماهون‪ ،‬الذي بعث برسالة حتريضية إلى‬
‫الضخم‪ ،‬وعنوانه «السلطان عبداحلميد»‪ ،‬الذي‬ ‫تكالب ضده أعضاء «جماعة االحتاد والترقي»‪،‬‬ ‫علّي‪ ،‬جاء فيها‪« :‬إن جاللة‬ ‫الشريف احلسني بن ّ‬
‫جاء في ‪ 5‬أجزاء‪ ،‬خالل األعوام (‪- 2017‬‬ ‫متضامنني مع «يهود الدومنة»‪.‬‬ ‫ملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد اخلالفة‬
‫‪2021‬م)‪ ،‬بإجمالي حلقات ‪ 157‬حلقة‪ ،‬وهو من‬ ‫لقد توافر متويل سخي لهذا املسلسل؛ مما‬ ‫إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدوحة النبوية‬
‫تأليف عثمان بودور‪ ،‬وأوغور يوزونوك‪ ،‬ومن إخراج‬ ‫جعله يخرج في أبهى حلة‪ ،‬على مستوى املالبس‬ ‫املباركة»‪ ،‬وقد ُخُ ِدِ ع احلسني‪ ،‬وص ّّدق وثار‪ ،‬ثم مات‬
‫سردار أكار‪ ،‬ومتت دبلجته إلى العربية‪ ،‬واصطف‬ ‫والديكورات والتصوير‪ ،‬بجانب السرد الدرامي‬ ‫شريدًاً طريدًاً!‬
‫املاليني خلف الشاشات في مواسم سنوية متتالية‪،‬‬ ‫املفّصل للصراعات في القصور‪ ،‬واملخططات‬ ‫ّ‬ ‫وكما يقال‪ ،‬فإن الكذب ال أرجل له‪ ،‬وإن‬
‫يرون مظاهر قوة الدولة العثمانية‪ ،‬وفخامة‬ ‫في العواصم الغربية‪ ،‬التي استخدمت اليهود‬ ‫طالت مدته‪ ،‬فقد حدث انقالب فكري في الدراما‬
‫العمارة اإلسالمية‪ ،‬وشخصية عبداحلميد‪،‬‬ ‫واملاسونيني‪ ،‬والنخبة الفكرية املتغربة‪ ،‬وقد تع ّّرف‬ ‫العربية بشكل عام‪ ،‬فظهرت أعمال عمدت إلى‬
‫وهو السلطان العثماني الرابع والثالثون‪ ،‬ويع ّّده‬ ‫املشاهد العربي ألول مرة على حقيقة ما جرى‪،‬‬ ‫تقدمي الرواية احلقيقية لدولة اخلالفة‪ ،‬وتفنيد‬
‫املؤرخون املسلمون اخلليفة رقم (‪ ،)113‬وهو ابن‬ ‫بعيدًاً عن الروايات التي نشرها القوميون العرب‬ ‫سردية سقوطها املزيفة‪ ،‬ويأتي مسلسل «سقوط‬
‫السلطان عبداملجيد‪ُُ ،‬و ِِل ََد في ‪ 22‬سبتمبر ‪1842‬م‪،‬‬ ‫والطورانيون األتراك‪ ،‬التي تص ّّور سقوط اخلالفة‬ ‫اخلالفة»‪ ،‬ليكون في باكورة الدراما العربية‪،‬‬
‫وتوفي في ‪ 10‬فبراير ‪1918‬م‪،‬‬ ‫بأنه إجناز عظيم‪ ،‬وأن العرب نالوا حريتهم بعدها‪،‬‬ ‫التي تناولت بشكل مفصل هذه القضية‪ ،‬وهو‬
‫وقد كانت الدولة متر بأزمات عاصفة‬ ‫وكأن املشكلة فيما أسموه االحتالل التركي‪ ،‬وليس‬ ‫من تأليف السيناريست املصري يسري اجلندي‪،‬‬
‫ومصاعب مالية جمة‪ ،‬واشتعلت ثورات عاتية‬ ‫في االحتالل األوروبي‪.‬‬ ‫وأخرجه األردني محمد عزيزية‪ ،‬ومن بطولة‬
‫في البلقان‪ ،‬من قبل عناصر قومية توث ّّبت‬ ‫بل إن مفهوم «االحتالل التركي» الذي شاع‬ ‫الفنان السوري عباس النوري‪ ،‬ومعه عدد كبير من‬
‫لتحقيق استقاللها‪ ،‬وازدادت سرعة انتشار‬ ‫في الدراسات التاريخية العربية ناجت عن مفاهيم‬ ‫الفنانني العرب‪ ،‬وقد جرى تصوير املسلسل في‬
‫األفكار االنفصالية‪ ،‬وأصبح للوطنية معنى ُُقطري‬ ‫القومية العربية‪ ،‬التي امتاحت أفكارها من الفكر‬ ‫القاهـــــــــــــــرة وسوريـــــــــــة وتركيا‪ ،‬و ُُعــــــــــِرِ ض‬

‫الشعوب العربية ُُخ ِِدعت‬


‫بشعارات التحرر وأن سبب‬
‫تأخر العالم اإلسالمي يعود‬
‫للدولة العثمانية!‬
‫‪---------------------------------‬‬

‫«أرابيسك» يرّوّ ج إلى أن‬


‫الدولة العثمانية غ ّّيبت الهوية‬
‫ُ‬
‫الُقطرية المصرية وسرقت‬
‫مبدعيها‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪39‬‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫«سقـ ـ ـ ـ ـ ــوط الخالف ـ ـ ـ ـ ــة» قَّدَ م رواي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة حقيقيـ ـ ــة لدولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫انفصالي‪ ،‬وأخذت فكرتها تنمو ومتتد في الواليات‬
‫العثمانية‪.‬‬
‫الخالف ـ ـ ـ ـ ـ ــة وف ََّن ـ ـ ـ ـ ـ ــد سردي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة سقوطه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا المزيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫وشاهدنا كيف امتلك السلطان عبداحلميد‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫رؤية إصالحية نهضوية شاملة‪ ،‬وصاغ مشروعًًا‬
‫فكريًاً جامعًاً لألمة‪ ،‬عنوانه «اجلامعة اإلسالمية»‪،‬‬
‫السلط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان عبدالحميـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد امتـلـ ـ ـ ـ ـ ــك رؤيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة إصالحي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫في مواجهة التغريب الثقافي‪ ،‬ولدحض طروحات‬
‫نهضوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاغ مشروعـ ـ ـ ـ ـ ًـًا فكريـ ـ ـ ًـًا جامع ـ ـ ـ ـ ـ ًـًا لألمـ ـ ــة‬ ‫القوميات والوطنيات احمللية‪ ،‬وتعزيز فهم اإلسالم‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫بوصفه أيديولوجيا ومرجعية إنسانية ودينية‬
‫وقيمية‪.‬‬
‫الدرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا العربي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة والتركي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أعادت تشكيل الوع ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وتر ّّك ُُز السردية الدرامية في هذا املسلسل‬
‫المعاص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر لي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرك الروايـ ـ ـ ـ ـ ــة الصحيح ـ ـ ـ ـ ـ ــة عـ ــن الخالف ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫على آخر ‪ 13‬عامًاً من حكم السلطان عبداحلميد‪،‬‬
‫الذي استمر حكمه مدة ‪ 33‬عامًاً‪ ،‬حتى ُخُ ِِل ََع‬
‫بانتفاضة في أبريل ‪1909‬م‪ ،‬ثم وضع حتت‬
‫اإلقامة اجلبرية في قصر «أالتيني» مبدينة‬
‫سالونيك مدة ‪ 3‬أعوام‪ ،‬ونقل الحقًاً إلى قصر‬
‫«بيالربي» بإسطنبول في عام ‪1912‬م‪ ،‬ثم توفي‬
‫بعد ‪ 6‬أعوام في ‪ 10‬فبراير ‪1918‬م‪ ،‬و ُُدِفِ ن في‬
‫ضريح جده السلطان محمود الثاني مبنطقة‬
‫«تشمبرلي طاش» بإسطنبول‪.‬‬
‫أدرك السلطان عبداحلميد طبيعة املؤامرات‬
‫ضد الدولة‪ ،‬وكان شاهدًاً عن كثب خللع عمه‬
‫عبدالعزيز عن العرش‪ ،‬ثم سجن أخيه غير‬
‫الشقيق السلطان مراد اخلامس في قصر‬
‫«تشيراغان»‪ ،‬ومعلوم أن أخاه جاء للحكم نتيجة‬
‫مؤامرة؛ شاركت فيها أطراف خارجية وداخلية‪.‬‬
‫ومن حلقات هذا املسلسل نتلقى معلومات‬
‫عديدة عن جهود السلطان عبداحلميد عقب توليه‬
‫السلطة‪ ،‬فأصدر أول دستور عثماني «القانون‬
‫األساسي»‪ ،‬في ‪ 23‬ديسمبر ‪1876‬م‪ ،‬ثم عمد إلى‬
‫النهوض بالزراعة‪ ،‬وحتديث الصناعة‪ ،‬وتنشيط‬
‫التجارة‪ ،‬وإصالح القضاء‪ ،‬واالهتمام بالتعليم‬
‫املدني والعسكري والفني‪ ،‬والسلك الصحي‪،‬‬
‫واملواصالت احلديدية والبحرية والبرقية‬
‫والبريدية‪ ،‬بجانب اإلصالحات العسكرية عقب‬
‫السلطان عبداحلميد عن فلسطني‪ ،‬التي رددها‬ ‫في الشام‪ ،‬مع املدينة املنورة‪ ،‬وأذاع السلطان بيانًًا‬ ‫التقارب العثماني ‪ -‬األملاني‪ ،‬فاستقدم جنراالت‬
‫ً‬
‫قائًال‪« :‬انصحوا هرتزل‬ ‫أمام الوفد اليهودي‪،‬‬ ‫لعامة املسلمني‪ ،‬يناشدهم فيه بالتبرع‪ ،‬فش ّّكلت‬ ‫أملان لتدريب اجليش العثماني‪ ،‬وأرسل بعثات‬
‫بأال يتخذ خطوات جدية في هذا املوضوع‪ ،‬فإني‬ ‫التبرعات ثلث تكاليف املشروع‪ ،‬الذي مت االنتهاء‬ ‫عسكرية‪ ،‬واستقدم أسلحة حديثة‪.‬‬
‫ال أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض‬ ‫منه في أغسطس ‪1908‬م عندما وصل أول قطار‬ ‫مصوبتِني نحو أقاليم الدولة‬ ‫ِ‬ ‫وكانت عيناه‬
‫فلسطني‪ ،‬فهي ليست ملك مييني‪ ،‬بل ملك األمة‬ ‫إلى املدينة املنورة‪.‬‬ ‫املسلمة‪ ،‬بإنشاء قطار الشرق السريع (‪1888‬م)‪،‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه‬ ‫لقد استطاعت الدراما العربية والتركية‬ ‫ثم سعى ملد شبكة من اخلطوط احلديدية بهدف‬
‫األرض ورواها بدمه‪ ،‬فليحتفظ اليهود مباليينهم‪،‬‬ ‫أن تعيد تشكيل الوعي العربي واملسلم املعاصر‪،‬‬ ‫ربط أجزاء الدولة املترامية واالستفادة منها‬
‫وإذا مزقت دولة اخلالفة يومًاً‪ ،‬فإنهم يستطيعون‬ ‫ليدرك الرواية التاريخية الصحيحة‪ ،‬عن حقيقة‬ ‫عسكريًاً‪ ،‬حتى إن طول اخلطوط احلديدية في‬
‫آنذاك أن يأخذوا فلسطني بال ثمن‪ ..‬ولكن‬ ‫اخلالفة وما قامت به نحو قضايا األمة‪ ،‬وال‬ ‫عهده بلغ ‪ 5883‬كيلومترًاً‪ ،‬وكان أهم إجناز له‬
‫التقسيم لن يتم إال على أجسادنا»‪.‬‬ ‫تزال ذاكرة املشاهدين للدراما تستحضر مقولة‬ ‫«سكة حديد احلجاز» التي ربطت مدينة دمشق‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪40‬‬
‫مقــــــــــــاالت‬

‫رمضان‪ ..‬شهر الجهاد والعطاء‬


‫اإللكترونية أصبحت في متناول اجلميع‬ ‫بَسالم»(‪.)7‬‬ ‫َتَدُخُ لـ ـ ــوا اجل َ‬
‫َّنََة َ‬
‫سهلة ميسورة فانظر ما يطمئن قلبك‪،‬‬ ‫ويستمر دعم املجاهدين بالنفس واملال‬
‫واحتسبها جهاد ًًا مالي ًًا إلخوانك املسلمني‬ ‫اْش ََت ََرى‬ ‫{ِإَّنَ اَهّلل� َ ْ‬ ‫والعدة والعتاد والسالح؛ ِ‬
‫في غزة وعموم فلسطني؛ { ََو ََس ِاِرُعُ و ْْا ِِإ ََلى‬ ‫ُهُْم ََوَأَ ْْم ََوا ََلُهُ م ِِبَأََّنَ ََلُهُُمُ‬ ‫نُفَُس ْ‬‫ِِمَنَ اُمْل�ُْؤ ِِْم ِِن ََني َأَ َ‬ ‫د‪ .‬يوسف السند‬
‫إمام وخطيب بــوزارة الأوقــاف‬
‫الَّسََما ََواُتُ‬
‫َ‬ ‫ُضَُها‬
‫َّرَِّبُِكُْم ََو ََج ٍَّنٍَة ََع ْْر َ‬
‫ْ‬ ‫ََمْغْ ِِف ََر ٍٍة ِّمِ ن‬ ‫يِل ا ِِهّلل� ََف ََيْقْ ُتُُلُ وَنَ‬ ‫َّنََة ُيَُق َِاِتُلُ وَنَ ِِفي ََس ِِب ِ‬ ‫اَجل َ‬ ‫َ‬
‫والشؤون الإسلاميــة بالكــويت‬
‫نِفُقُ وَنَ‬ ‫ُْمَُّتَِق ََني ‪ِ 133‬‬
‫اَّلَِذيَنَ ُيُ ِ‬ ‫َّدَْت ِِلْل ِ‬ ‫اَأل ْْرُضُ ُِأُِع ْ‬ ‫ََو َ‬ ‫ََوُيُْقْ ََتُلُ وَنَ ََو ْْعد�ا ََع ََل ْْي�ه ََحّقّ �ا ِِفي ال ْ‬
‫َّتَْو ََر ِاِة‬
‫َاِظ ِِم ََني ا ْْل ََغ ْْي ََظ‬‫ِِفي الَّسََّرَ اء ََوالَّضََّرَ اء ََوا ْْلَك ِ‬ ‫ُْقُْر ِآِن ََو ََم ْْن َأَ ْْو ََفى ِِب ََع ْْه ِِد ِِه ِِمَنَ ا ِِهّلل�‬
‫يِل ََواْل ْ‬ ‫ََو ِاِإل ِِجن ِ‬
‫بعد «طوفان األقصى» نحتاج إلى‬
‫َّنَاِس ََواُهّلل�ُ ِ‬
‫ُيُِحُّبُ اْحُمْل��ْ ِِس ِِن ََني}‬ ‫ََوا ْْل ََع ِاِف ََني ََع ِِن ال ِ‬ ‫اَّلَِذي ََبا ََي ْْعُتُ م ِِب ِِه ََو ََذ ِِل ََك‬ ‫ََف ْ‬
‫اْس ََت ْْب ِِشُرُ و ْْا ِِب ََب ْْي ِِعُكُُمُ ِ‬
‫طوفان العطاء والسخاء‪ ،‬وبعد االنتصار‬
‫(آل عمران)‪.‬‬ ‫ُهَُو ا ْْل ََف ْْوُزُ ا ْْل ََع ِِظيُمُ } (التوبة‪ ،)111 :‬قال أبو‬ ‫َ‬
‫نحتاج إلى اإلعمار‪ ،‬نحتاج من يخلف أسر‬
‫أال فليحركنا إمياننا نحو إخواننا‪،‬‬ ‫جعفر‪ :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬إن اهلل ابتا ََع من‬
‫الشهداء بخير‪ ،‬وقد قال رسول اهلل صلى‬
‫ولتهزنا مشاعرنا وضميرنا وإنسانيتنا‪.‬‬ ‫املؤمنني أنفسهم وأموالهم باجلنة‪ََ ،‬و ْْعدًًا‬
‫َّهََز ََغ ِاِزي ًًا في‬ ‫«َمن ََج َ‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم‪َ :‬‬
‫انظر ماذا د ّّون هذا اإلنسان‪« :‬أطفال‬ ‫ََع ََل ْْي ِِه ََحّقّ ًًا؛ يقول‪ :‬وعدهم اجلنة جل ثناؤه‪،‬‬
‫بيِل ا ِِهَّلل� فَق َْْد ََغَزَا‪ََ ،‬و ََمن َخَ ََل ََف ََغ ِاِزي ًًا في‬ ‫ََس ِ‬
‫هزيلون مفجرون‪ ،‬أجسادهم تتطاير‬ ‫وعد ًًا عليه حق ًًا أن يوِّفِ ي لهم به‪ ،‬في كتبه‬
‫بيِل ا ِِهَّلل� بَخَ ْْي ٍٍر فَق َْْد ََغَزَا»(‪.)1‬‬ ‫ََس ِ‬
‫ممزقة‪ ،‬عظامهم مكشوفة مهشمة‪ ،‬ملقون‬ ‫املنـزلة‪ :‬التوراة واإلجنيل والقرآن‪ ،‬إذا هم‬
‫لقد كثر اليتامى‪ ،‬فإننا نحتاج التنافس‬
‫على األرض غير املعقمة‪ ،‬ال مورفني وال‬ ‫ََو ََفوا مبا عاهدوا اهلل‪ ،‬فقاتلوا في سبيله‬
‫في كفالة اليتيم‪ ،‬وقد قال رسول صلى‬
‫أدوية وال شاش حتى‪ ،‬يصارع األطباء املوت‬ ‫ونصرِة دينه أعدا ََءه‪ ،‬ف ََقَتَلوا ِ‬
‫وُقُِتلوا(‪.)8‬‬ ‫ِ‬
‫يِم‬‫وكاِفُلُ ال ََي ِِت ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬أنا‬
‫بال جدوى‪ ،‬هي الفوضى الشاملة‪ ،‬عملت‬ ‫واآلن بعد أيام حاسمة حازمة من‬
‫بإْص ََب ََع ْْي ِِه الَّسََّبَ ا ََب ِِة‬
‫وقاَل ْ‬ ‫َ‬ ‫اَجل َِّنَِة ََهَكَذا‬ ‫في َ‬
‫في ‪ 40‬دولة في إطار نشاطي اإلنساني وما‬ ‫اجلهد واجلهاد والقتال والرباط يجب أن‬
‫والُوُْس ََطى»(‪.)2‬‬ ‫ْ‬
‫رأيته بغزة األبشع إطالق ًًا‪ ،‬وأرجو أال أرى‬ ‫يكون اجلهاد املالي سيد املوقف بكل ما‬
‫وكثرت األرامل‪ ،‬فأين من يحتسب‬
‫مثيله مجددًاً»(‪.)10‬‬ ‫جتود به أنفسنا وتسمح به ظروفنا وتتسع‬
‫أجر السعي على األرملة؟ وقد قال رسول‬
‫واحلمد هلل على كل حال‪ ،‬ونعوذ باهلل‬ ‫له طاقتنا؛ {اْن ِِْفُرُ و ْْا ِِخَفَاف ًًا ََو ِِثَق ً‬
‫َاًال ََو ََج ِاِهُدُ وْْا‬
‫وكاِفُلُ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬أنا ِ‬
‫من حال أهل النار‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪،‬‬ ‫يِل ا ِِهّلل� ََذ ِِل ْ‬
‫ُكُْم َخَ ْْي ٌٌر‬ ‫ُكُْم ِِفي ََس ِِب ِ‬
‫نُفُِس ْ‬ ‫ِِبَأَ ْْم ََو ِاِل ْ‬
‫ُكُْم ََوَأَ ِ‬
‫والّس ِاِعي‬ ‫اجلنِة‪،‬‬ ‫لغيِر ِِه في‬ ‫اليتيِم لُهُ أ ْْو‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحسبنا اهلل ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫نُتُْم َت َْْع ََلُمُ و ََن} (التوبة‪)41 :‬؛ قال‬ ‫َّلَُكُْم ِِإن ُكُ ْ‬
‫ْ‬ ‫جاِه�د في‬ ‫واملسكِني‪ ،‬كاُملُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫على األ ْْرم ََل�ة‬
‫أبو جعفر‪ :‬يقول تعالى ذكره للمؤمنني به‬
‫اِهلل»(‪ ،)3‬وقال‪« :‬الَّسَ ِاِعي ع ََلى األ ْْر ََم ََل ِِة‬ ‫سبيِل ِ‬ ‫ِ‬
‫الهوامش‬ ‫وبرسوله من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫القاِئ ِِم‬
‫ِ‬ ‫بيِل ا ِِهَّلل� ‪ِ ،‬أِو‬
‫جاِه ِِد في ََس ِ‬ ‫واِملِ ْْس ِِك ِِني‪ ،‬كاُمْل�ُ ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪.‬‬ ‫عليه وسلم‪ :‬جاهدوا‪ ،‬أيها املؤمنون‪ ،‬الكفا ََر‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪.‬‬ ‫َّلَْي ََل الَّصَ ِاِئ ِِم الَّنَها ََر»(‪.)4‬‬ ‫ال ْ‬
‫بأموالكم‪ ،‬فأنفقوها في مجاهدتهم على‬
‫(‪ )3‬صحيح الجامع‬ ‫لقد عظم احلصار وزاد اجلوعى وعم‬
‫دين اهلل الذي شرعه لكم‪ ،‬حتى ينقادوا لكم‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري‪.‬‬ ‫اجلوع‪ ،‬واحلاجة إلى الطعام تزداد يوم ًًا‬
‫فيدخلوا فيه طوع ًًا أو كره ًًا‪ ،‬أو يعطوكم‬
‫(‪ )5‬حديث حسن‪.‬‬ ‫بعد يوم‪ ،‬وقد قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫(‪ )6‬حديث صحيح‪.‬‬ ‫كتاٍب‪،‬‬ ‫يٍد ََصَغَارًاً‪ ،‬إن كانوا أهل ٍ‬ ‫اجلزية عن ٍ‬
‫أو تقتلوهم‪. »..‬‬
‫(‪)9‬‬ ‫«أطِعُمُ وا الطعا ََم‪ ،‬وأفُشُ وا‬
‫ِ‬ ‫عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫(‪ )7‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري‪.‬‬ ‫فجّهز مالك وخطط ميزانيتك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السال ََم‪ُ ،‬تُو ََرُثُ وا اجلناَنَ »(‪ ،)5‬وقال‪« :‬اعُبُ دوا‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري‪.‬‬ ‫فاجلمعيات اخليرية مبختلف مسمياتها‬ ‫وأطِعُمُ وا الطعا ََم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الرحمَنَ ‪ ،‬وأفشوا الَّسَ ال ََم‪،‬‬
‫(‪ )10‬شــهادة مرعبــة من الجراح الكندي‬ ‫قد أعدت مشاريع منوعة إلعمار غزة‬ ‫اِجلنان»(‪ ،)6‬وقال‪« :‬اعُبُ دوا الرحمَنَ ‪،‬‬ ‫َتَدخلوا ِ‬
‫العائد من غزة د‪ .‬ياسر خان‪.‬‬ ‫وإلنقاذ اإلنسان في غزة‪ ،‬والروابط‬ ‫وأطِعُمُ وا الطعـ ـ ـ ــا ََم‪ ،‬وَأَفشوا الَّسَ ال ََم‪،‬‬
‫ِ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪41‬‬
‫لذكراهم العالم اإلسالمي‬
‫وفاء حالة‬

‫فزاعة «اإلرهاب»‪ ..‬الطريق إلى احتالل السودان‬


‫خالـد محمـد علـي‬
‫كـاتــب ومحلـل سياســي‬

‫قتل األمريكيون ََح ََملة السالح ‪ 1768‬أمريكيًًا‬


‫منذ بداية العام اجلاري وحتى ‪ 8‬فبراير‪ ،‬وفقًًا‬
‫إلحصاءات أرشيف العنف املسلح بأمريكا‪ ،‬الذي‬
‫أفاد أيضًاً أن كل عام يتجاوز حاجز ‪ 20‬ألف قتيل‬
‫أمريكي بأيدي أمريكيني‪ ،‬وشهد عام ‪2023‬م‬
‫وحده ‪ 656‬حادث إطالق نار جماعي في جميع‬
‫أنحاء الواليات املتحدة‪ ،‬بينما يعد على أصابع‬
‫اليد الواحدة عدد األمريكيني الذين قتلوا طوال‬
‫السنوات العشر األخيرة في الشرق األوسط‪ ،‬ومع‬
‫ذلك تنتج آلة اإلعالم األمريكية آالف املقاالت‬
‫واألخبار والتقارير حول «العنف اإلسالمي»‪،‬‬
‫و«اإلرهاب اإلسالمي»‪ ،‬و«احلركات اإلسالمية‬
‫اإلرهابية»!‬
‫ولم يتوقف استهداف املسلمني والعرب‬
‫عند اإلعالم‪ ،‬ولكنه بلغ ذروته في تصريحات‬
‫الرئيس األمريكي السابق «دونالد ترمب»‪ ،‬الذي‬
‫قال‪ :‬علينا مواجهة أو القضاء على «اإلرهاب‬
‫اإلسالمي»‪ ،‬وتبعه الرئيس الفرنسي «إميانويل‬
‫اإلرهاب‪ ،‬وقد اعترفت مؤخرًاً رشا عوض‪ ،‬الناطق‬ ‫نظام عمر البشير من اإلسالميني‪ ،‬الذين يطلقون‬
‫ماكرون» الذي استخدم التعبير نفسه‪ ،‬في إشارة‬
‫الرسمي باسم تنسيقية القوى الدميقراطية‬ ‫عليهم «الكيزان»‪ ،‬وأن احلرب الدائرة اآلن هي‬
‫إلى أن املؤسسات األمريكية واألوروبية تتفق على‬
‫املدنية (تقدم)‪ ،‬في مقابلة تلفزيونية لقناة‬ ‫لطرد «الكيزان» من الهيكل القيادي للجيش‪،‬‬
‫إنتاج وتوظيف مصطلح اإلرهاب لوضع جميع‬
‫«اجلزيرة مباشر»‪ ،‬بتلقي احلركة التي يترأسها‬ ‫وجميع مؤسسات الدولة‪ ،‬فيما يسمى بـ«محاربة‬
‫دول املنطقة حتت الفزاعة التي جتعلهم يسِّلِمون‬
‫حمدوك‪ ،‬رئيس الوزراء السوداني السابق‪ ،‬دعمًًا‬ ‫التمكني»‪.‬‬
‫للمطالب األمريكية؛ خوفًاً من بطش القوة القاهرة‬
‫ماليًاً من منظمتي «الشريكان الدوليان للحوكمة»‬ ‫وجنح منتجو فزاعة اإلرهاب في حتويل‬
‫التي اتخذت أكثر صورها دموية في مشهد تدمير‬
‫الكندية‪ ،‬و«املعهد القومي للسالم»‪ ،‬التابع للحزب‬ ‫الشعار إلى استثمار داخلي لعدد كبير من الدول‬
‫غزة‪ ،‬وإبادة شعبها‪.‬‬
‫اجلمهوري األمريكي‪.‬‬ ‫العربية على رأسها السودان‪ ،‬حيث تتشكل من‬
‫صراع دموي‬
‫وكانت حكومة الثورة التي تشكلت عقب‬ ‫التيارات اليسارية‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬ونشطاء حقوق‬
‫وفي السودان‪ ،‬تندلع منذ ‪ 15‬أبريل ‪2023‬م‬
‫إسقاط البشير تتلقى جميع رواتبها ومصروفاتها‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ومجموعات سياسية تقوم بالدور‬
‫أعمال عنف دموية‪ ،‬تقوم بها جماعات التمرد‬
‫من االحتاد األوروبي‪ ،‬عبر برنامج لدعم‬ ‫الرئيس في الترويج اإلعالمي والسياسي لفزاعة‬
‫من «قوات الدعم السريع»‪ ،‬وهي مدعومة بفزاعة‬
‫الدميقراطية في أفريقيا‪ ،‬ولم يتم هذا بشكل‬ ‫اإلرهاب التي أنتجتها اإلدارة األمريكية‪ ،‬ويتبناها‬
‫تيارات يسارية وعلمانية‬
‫سري‪ ،‬ولكنه كان معلنًاً‪ ،‬حيث حددت وثيقة‬ ‫تابعوها في كل أنحاء العالم‪ ،‬حيث يزعم قائد‬
‫االحتاد أن هناك ‪ 12‬موظفًاً مبكتب حمدوك أيضًًا‬
‫ونشطاء حقوق اإلنسان‬
‫«الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)‪،‬‬
‫كانوا يتلقون رواتبهم بشكل مباشر من خارج وزارة‬ ‫يقومون بالترويج اإلعالمي‬ ‫وحاضنته السياسة «احلرية والتغيير‪ -‬تقدم»‪،‬‬
‫املالية السودانية‪.‬‬ ‫والسياسي لفزاعة «اإلرهاب»‬ ‫بزعامة عبداهلل حمدوك‪ ،‬أنهم يطاردون فلول‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪42‬‬
‫وبالرغم من ارتكاب «الدعم السريع» جرائم‬
‫حرب في كل املناطق التي احتلتها‪ ،‬وخاصة في‬
‫والية غرب دارفور التي أفادت تقارير منظمات‬
‫األمم املتحدة أن «الدعم السريع» قامت بقتل‬
‫‪ 15‬ألف من قبيلة املساليت وحدها‪ ،‬فإن رعاة‬
‫«الدعم السريع» الدوليني لم يتوقفوا كثيرًاً أمام‬
‫تلك اجلرائم‪ ،‬وال تزال االتصاالت مستمرة‬
‫بقيادات هذه القوات في محاولة مكشوفة إلصباغ‬
‫الشرعية على تصرفاتها داخل السودان‪ ،‬خاصة‬
‫بعد جناحها في السيطرة على أربع من واليات‬
‫دارفور اخلمس‪ ،‬وأجزاء كبيرة من واليات كردفان‬
‫باجلنوب‪ ،‬ووالية اجلزيرة األهم واألكبر اقتصاديًًا‬
‫بالسودان‪ ،‬واحتالل العاصمة السياسية اخلرطوم‪،‬‬
‫الحرب المستعرة بين الجيش و«الدعم السريع» شكلت‬ ‫واستمرار السيطرة عليها منذ ‪ 15‬أبريل ‪2023‬م‬
‫ً‬
‫أخطارًا جسيمة على وحدة السودان وتركيبتــه السكانيـة‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬وقد متت كل هذه العمليات بسبب‬
‫‪---------------------------------‬‬ ‫استمرار تدفقات األسلحة احلديثة واألموال على‬
‫لعنة فزاعة «اإلرهاب» أصابت السودان بإزهاق األرواح‬ ‫تلك القوات‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد شكلت تلك احلرب أخطارًا جسيمة على‬
‫وتدميـ ـ ــر المؤسسـ ـ ـ ـ ــات ونزوح المالييـ ـ ــن خارج مدنهـ ـ ـ ـ ــم‬
‫وحدة السودان‪ ،‬وعلى تركيبته السكانية‪ ،‬ليس ألن‬
‫هناك جماعات إرهابية مسلحة تهدد املصالح‬
‫‪ -5‬في عام ‪2006‬م‪ ،‬أصدر الكوجنرس‬ ‫السودان‪ ،‬وأوقفت عمل سفارتها في العاصمة‬ ‫األمريكية والغربية بالبالد‪ ،‬ولكن ألن هناك‬
‫عقوبات أمريكية ضد مسؤولني سودانيني على‬ ‫ً‬
‫عزًال‬ ‫اخلرطوم‪ ،‬في عام ‪1996‬م؛ وهو ما شَّكَ ل‬ ‫حالة رفض للهجمات االقتصادية على ثروات‬
‫رأسهم الرئيس البشير‪ ،‬ووزير دفاعه عبدالرحيم‬ ‫سياسيًاً للسودان بني الدول األوروبية‪.‬‬ ‫السودان‪ ،‬حيث تتصارع الدول الكبرى من أمريكا‪،‬‬
‫محمد حسني‪ ،‬ووزير داخليته أحمد هارون‪،‬‬ ‫‪ -3‬أحكمت واشنطن حصارها على السودان‬ ‫وأوروبا‪ ،‬والصني‪ ،‬وروسيا‪ ،‬البتالع مناجم الذهب‪،‬‬
‫وقيادي مبليشيا «اجلنجويد» علي كشيب‪ ،‬وحَّمَ ل‬ ‫في عام ‪1997‬م عندما فرضت عليه عقوبات‬ ‫واليورانيوم‪ ،‬والنحاس‪ ،‬في غرب وشمال السودان‪،‬‬
‫الكوجنرس هؤالء املسؤولية عن جرائم إبادة‬ ‫اقتصادية مشددة؛ حيث قرر الرئيس األمريكي‬ ‫إضافة إلى ثروته الزراعية واحليوانية التي تشكل‬
‫جماعية مزعومة ضد القبائل األفريقية في إقليم‬ ‫األسبق «بيل كلينتون» جتميد األصول املالية‬ ‫رابع أكبر مخزون للغذاء في العالم‪ ،‬وفقًاً لبرنامج‬
‫دارفور الذي اندلع به نزاع مسلح بني العرب‬ ‫للسودان‪ ،‬ومنع تصدير التكنولوجيا األمريكية له‪،‬‬ ‫الغذاء العاملي التابع لألمم املتحدة‪.‬‬
‫واألفارقة في عام ‪2003‬م‪.‬‬ ‫وحظر االستثمار أو التعاون االقتصادي معه‪ ،‬ولعل‬ ‫استهداف مستمر‬
‫والعجيب أن الغرب وأمريكا يساندون‬ ‫أخطر ما في هذا القرار هو اتباع الدول األوروبية‬ ‫ويعد استخدام فزاعة «اإلرهاب» في السودان‬
‫اليوم تلك القبائل املتهمة بارتكاب جرائم حرب‬ ‫لواشنطن خاصة بعد إخراج البنوك السودانية من‬ ‫أحد امليادين الكبرى التي أنتج فيها هذا الشعار‬
‫التي يتزعمها حميدتي في نزاعها مع اجليش‬ ‫النظام املالي العاملي‪.‬‬ ‫خراب�ا مستمر�ا منذ تسعينيات القرن املاضي‬
‫السوداني‪ ،‬ويبدو أنهم كانوا مجرمني وإرهابيني‬ ‫‪ -4‬في أغسطس ‪1998‬م‪ ،‬ضربت الواليات‬ ‫وحتى اآلن‪ ،‬حيث مت إخضاع البالد لعشرات‬
‫العقوبات حتت مزاعم مكافحة النظام اإلسالمي‬
‫عندما كانوا خارج السيطرة‪ ،‬وعادوا مدافعني عن‬ ‫املتحدة األمريكية بالصواريخ مصنع الشفاء‬
‫اإلرهابي في السودان الذي كان يقوده الثنائي‬
‫الدميقراطية وحراسًاً لها عندما عادوا يتحركون‬ ‫لألدوية بالعاصمة اخلرطوم بزعم أن املصنع كان‬
‫حسن الترابي‪ ،‬وعمر البشير‪ ،‬وميكن اإلشارة إلى‬
‫في الفلك األمريكي حتت راية مكافحة اإلرهاب!‬ ‫إلنتاج أسلحة كيماوية‪ ،‬على الرغم من أن املصنع‬
‫تلك العقوبات في اآلتي‪:‬‬
‫وهكذا أصابت لعنة فزاعة «اإلرهاب» في‬ ‫كانت لديه تعاقدات مع األمم املتحدة ومنظماتها‬
‫‪ -1‬أدرجت الواليات املتحدة األمريكية‬
‫السودان شعبه في أمنه؛ حيث تزهق األرواح بشكل‬ ‫الصحية لتوريد املضادات احليوية لألمراض‬
‫السودان على الئحة الدول الراعية لإلرهاب‬
‫يومي‪ ،‬وتدمر املؤسسات املدنية واالقتصادية‪،‬‬ ‫املستوطنة في الدول األفريقية‪ ،‬ولألسف فإن هذه‬ ‫في ‪ 12‬أغسطس ‪1993‬م؛ وهو ما حرم السودان‬
‫وينزح ماليني السكان خارج مدنهم‪ ،‬ويتحول أكبر‬ ‫الضربة كانت باكورة التعاون مع جماعات سودانية‬ ‫من احلصول على أي مساعدات أجنبية‪ ،‬ومنع‬
‫مخزون اقتصادي أفريقي إلى حالة من اخلوف‬ ‫محلية معارضة مع الواليات املتحدة لتنفيذ عمل‬ ‫حصوله على السالح وكل ما يتعلق به‪.‬‬
‫والقتل والدمار لم يسبق لها مثيل!‬ ‫عسكري ضد البالد‪.‬‬ ‫‪ -2‬قطعت أمريكا عالقتها الدبلوماسية مع‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪43‬‬
‫لذكراهم العالم اإلسالمي‬
‫وفاء حالة‬

‫الرئيس سال الموالي لفرنسا ألغى االنتخابات التي كانت مقررة في ‪ 25‬فبراير دون سبب محدد‬

‫بسبب إلغاء االنتخابات والرئيس الموالي لفرنسا‪..‬‬


‫هل تشهد السنغال أول انقالب في تاريخها؟‬
‫في ‪ 4‬فبراير ‪2024‬م‪ ،‬شهدت السنغال‪ ،‬وهي دولة ذات دميقراطية متجذرة منذ استقاللها‪،‬‬ ‫محمد جمال عرفة‬
‫وغالبية سكانها من املسلمني بنسبة ‪%96‬؛ احتجاجات شعبية واسعة بسبب رفض امليول‬ ‫كاتــب ومحــلل سياســـي‬
‫االستبدادية للرئيس ماكي سال املوالي لفرنسا؛ حيث قرر الرئيس إلغاء االنتخابات‪ ،‬التي‬
‫يعد إلغاء االنتخابات الرئاسية املرة األولى‬
‫كانت مقررة في ‪ 25‬فبراير ‪2024‬م دون سبب محدد‪ ،‬فيما تقول املعارضة‪ :‬إن سبب اإللغاء يعود‬
‫في تاريخ السنغال منذ عام ‪1963‬م‪ ،‬وهو العام‬
‫لسعيه منع فوز مرشح معارض لفرنسا‪ ،‬التي ُتُهيمن على القرار السياسي بالبالد‪ ،‬بالرئاسة‪.‬‬
‫الذي شهد بداية التعددية السياسية واالنتقال‬
‫لفرنسا‪ ،‬هذا املنافس هو عثمان سونكو‪ ،‬الذي‬ ‫وفي ‪ 6‬فبراير‪ ،‬مت إخراج النواب املعارضني‬ ‫السلمي للسلطة واحترام الدستور ومواعيد‬
‫ينتمي إلى حزب «باستيف»‪ ،‬وقد نسج الرئيس‬ ‫للتصويت على تأجيل االنتخابات من البرملان‬ ‫االنتخابات‪.‬‬
‫سال مؤامرة ضده‪ ،‬وأودعه السجن‪ ،‬و ََد ََعم مرشحًًا‬ ‫بقوة اجليش والدرك الوطني ألول مرة‪ ،‬وصوتت‬ ‫ما حدث كان انقالبًاً دستوريًاً على العملية‬
‫آخر ملنصب رئيس اجلمهورية في االنتخابات‬ ‫األغلبية الرئاسية لصالح ما يرغب به سال‬ ‫االنتخابية من أوثق حليف لفرنسا وبدعم من قوات‬
‫الرئاسية ُيُدعى أحمد سيكو باه يفتقر إلى‬ ‫وفرنسا‪ ،‬وحمت بذلك مصاحلها في السنغال‪،‬‬ ‫«الدرك الوطني»؛ لذا أثيرت تكهنات أن تشهد‬
‫مواٍل لفرنسا مثله!‬
‫الشعبية والكاريزما‪ ،‬ملجرد أنه ٍ‬ ‫وحصل الرئيس سال بذلك على موافقة مزورة من‬ ‫البالد انقالبًاً عسكريًاً ألول مرة ضد الرئيس‬
‫اآلن حتولت السنغال إلى ثورة ضد الرئيس‪،‬‬ ‫البرملان على التأجيل حتى ‪ 15‬ديسمبر ‪2024‬م‪،‬‬ ‫املعرقل لالنتخابات؛ ألن الدستور السنغالي مينع‬
‫ومصادمات بني الشرطة واملعارضني لتأجيل‬ ‫وأن يبقى في احلكم حتى موعد االنتخابات؛ ما‬ ‫بشكل قاطع تأجيل أو إلغاء انتخابات الرئاسة‪.‬‬
‫االنتخابات‪ ،‬وشهدت العاصمة عدة حرائق بسبب‬ ‫أشعل املظاهرات‪.‬‬ ‫الرئيس ماكي سال‪ ،‬الذي تنتهي واليته في‬
‫الفوضى‪.‬‬ ‫فرنسا السبب‬ ‫أبريل ‪2024‬م‪ ،‬وال يحق له الترشح ملرة ثالثة‪،‬‬
‫وتتصاعد األحداث بصورة درامية يخشى‬ ‫محللون يرون أن الرئيس سال‪ ،‬احلليف‬ ‫سعى لاللتفاف على الدستور وإعطاء عملية إلغاء‬
‫معها املراقبون أن يضطر اجليش للتدخل والقيام‬ ‫األبرز لفرنسا في غرب القارة األفريقية‪ ،‬سعى‬ ‫شكًال قانونيًاً‪ ،‬عبر إصدار مرسوم‬
‫ً‬ ‫االنتخابات‬
‫بانقالب عسكري‪ ،‬لتدخل البالد دوامة االنقالبات‬ ‫لتأجيل االنتخابات ألنه ال ميكنه الترشح لفترة‬ ‫رئاسي يظهر اإللغاء على أنه تأجيل‪ ،‬ثم التصويت‬
‫ألول مرة في حياتها‪ ،‬وتنهار دميقراطيتها الشهيرة‬ ‫رئاسية ثالثة‪ ،‬وبعدما ظهر منافس قوي لتولي‬ ‫على التأجيل بحيث يبقى في السلطة طوال فترة‬
‫ملجرد دوافع استبدادية من رئيسها املوالي لفرنسا‬ ‫ٍ‬
‫ومعاٍد‬ ‫رئاسة اجلمهورية يحظى مبحبة اجلماهير‬ ‫التأجيل‪ ،‬عقب انتهاء فترته الرئاسية!‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪44‬‬
‫محللون‪ :‬سال أَّجَ ل االنتخابات‬
‫لظهور منافس قوي يحظى‬
‫بمحبة الجماهير ومعا ٍٍد لفرنسا‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫فرنسا وراء تأجيل االنتخابات‬
‫لعدم سقوط السنغال بيد‬
‫مناهضيها بعدما فقدت‬
‫عثمان سونكو‬ ‫الرئيس ماكي سال‬
‫‪ 3‬دول أفريقية‬
‫الدستوري والرئيس واملعارضة تدخل الرئيس‬ ‫اإلصالحات الدستورية‪.‬‬ ‫الذي حتركه باريس ليمنع فوز مرشح يعاديها في‬
‫ليلغي االنتخابات حلني الترتيب لوضع حل‬ ‫وقد اعتبرت القوى السياسية املعاِرِ ضة وعلى‬ ‫االنتخابات املقبلة‪.‬‬
‫واختيار مرشح واضح ليس عليه أي إشكاليات‬ ‫رأسها رئيس حزب «باستيف» عثمان سونكو‪،‬‬ ‫ويقول محللون‪ :‬إن فرنسا سبب الفوضى في‬
‫ليكون خليفته ومرشح احلزب احلاكم في‬ ‫عزم الرئيس الترشح لوالية ثالثة بأنه «تفسير‬ ‫السنغال‪ ،‬وإنها تدعم خطط الرئيس لتمنع وصول‬
‫االنتخابات‪.‬‬ ‫للدستور لصاحله»‪ ،‬ودعت أنصارها إلى النزول‬ ‫ٍ‬
‫معاٍد لها للرئاسة يطالبها باخلروج من السنغال‪،‬‬
‫ويقول الباحث في الشؤون األفريقية محمد‬ ‫للشارع للوقوف أمام طموحات سال في االستمرار‬ ‫كما طالبها زعماء مالي والنيجر وغيرهما‪ ،‬وقد‬
‫األمني سوادغو‪ :‬إن هناك ‪ 3‬أسباب وراء متديد‬ ‫باحلكم‪.‬‬ ‫أقلق فرنسا تكرار سنغاليني ما فعله أبناء مالي‬
‫سال للفترة الرئاسية وتأجيل االنتخابات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫وشهدت البالد عام ‪2021‬م مظاهرات عنيفة‬ ‫والنيجر من رفعهم أعالم روسيا ومطالبتهم‬
‫األول‪ :‬صفقة الغاز السنغالي وعموالت‬ ‫شملت دكار وتييس وكبريات املدن في السنغال‪،‬‬ ‫مبغادرة فرنسا وأمريكا من أراضيهم‪ ،‬وطرح ذلك‬
‫عقودها‪ ،‬التي ينبغي أن تسلم في حدود ‪ 4‬إلى ‪9‬‬ ‫وراح ضحيتها عدد من القتلى واجلرحى‪ ،‬ثم‬ ‫تساؤالت حول‪ :‬هل تلحق السنغال بدول أفريقيا‬
‫أشهر‪ ،‬وضغط قيادات عسكرية وأمنية للحصول‬ ‫تدخلت املشيخة الصوفية وهيئات العلماء‬ ‫التي طردت فرنسا من أراضيها؟‬
‫على نصيبها‪ ،‬لهذا حتايل الرئيس لتأجيل‬ ‫املسلمني وأدوا دورًاً في إنهائها‪ ،‬ليعلن الرئيس‬ ‫واندلعت مظاهرات كبيرة في جميع أنحاء‬
‫االنتخابات ‪ 10‬أشهر ليبقى في السلطة ويحصل‬ ‫سال تخليه عن الطموح لوالية ثالثة‪.‬‬ ‫البالد‪ ،‬خاصة أمام البرملان الذي ن‬
‫قنَّن االنقالب‬
‫على العموالت‪ ،‬ويسترضي اجلنراالت بذلك حتى‬ ‫بيد أن األزمة استفحلت من جديد هذا‬ ‫الدستوري‪ ،‬وقام الرئيس املوالي لفرنسا بقطع‬
‫ال ينقلبوا عليه‪.‬‬ ‫العام (‪2024‬م) عندما أصدر املجلس الدستوري‬ ‫اإلنترنت وقمع الشعب التواق للحرية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ضعف مرشحه املفضل أحمد باه‪،‬‬ ‫في السنغال القائمة النهائية التي ضمت ‪20‬‬ ‫لعنة الفترة الثالثة!‬
‫حيث تبنّين له أنه سيخسر أمام منافسيه الشرشني‬ ‫مرشحًاً رئاسيًاً‪ ،‬ليس من بينهم كرمي واد‪ ،‬زعيم‬ ‫وترجع األزمة السياسية في السنغال إلى‬
‫أعداء سال التاريخيني الذين يتربصون به‪ ،‬للزج‬ ‫احلزب الدميقراطي السنغالي‪ ،‬جنل الرئيس‬ ‫ثأر بني الرئيس احلالي واملعارضة التي دعمت‬
‫به في السجن كما فعل بهم‪ ،‬لهذا رأت الدائرة‬ ‫السابق عبداهلل واد‪ ،‬الذي كان الرئيس احلالي‬ ‫التعديالت الدستورية التي متت املوافقة عليها‬
‫احمليطة به تأجيل االنتخابات حلني جتهيز مرشح‬ ‫يعده ليكون مرشحًاً ً‬
‫بدًال منه ورئيسًاً مستقبليًاً‪،‬‬ ‫عام ‪2016‬م‪ ،‬التي مت مبوجبها تقليص الوالية‬
‫حكومي قوي‪.‬‬ ‫حيث مت رفض ترشيح واد ألنه ثنائي اجلنسية‪،‬‬ ‫الرئاسية إلى واليتني فقط؛ ما حرم الرئيس‬
‫الثالث‪ :‬مطالبة فرنسا له بهذا التأجيل‬ ‫ومعه جنسية فرنسا مع السنغال‪ ،‬وطالب نواب‬ ‫احلالي من الترشح لفترة ثالثة‪ ،‬وقد نَّصَ الدستور‬
‫للحيلولة دون سقوط السنغال بيد مناهضي‬ ‫من احلزب الدميقراطي السنغالي (احلاكم)‬ ‫السنغالي املعَّدَ ل على أنه «ال ميكن ألحد أن يحكم‬
‫فرنسا في ظرف قياسي بعدما فقدت نفوذها في‬ ‫بتشكيل جلنة برملانية للتحقيق مع عضوين في‬ ‫البالد أكثر من فترتني متتاليتني»‪.‬‬
‫‪ 3‬بلدان (مالي‪ ،‬بوركينا فاسو‪ ،‬النيجر)‪.‬‬ ‫املجلس الدستوري التهامها بأخذ الرشوة من أجل‬ ‫لكن وضع التعديالت الدستورية بعد تولي‬
‫ويبدو أن ما سيحسم األمور تلك املظاهرات‬ ‫إبعاد واد‪ ،‬بحجة أن املجلس قبل مرشحة أخرى‬ ‫الرئيس سال واليته األولى التي بدأت عام ‪2012‬م‬
‫املندلعة في الشارع‪ ،‬وهل تتحول إلى ثورة ضد‬ ‫مزدوجة اجلنسية ورفض مرشح احلزب احلاكم‬ ‫أثار خالفات‪ ،‬ففي عام ‪2021‬م أعلن الرئيس سال‬
‫الرئيس تنتهي بعزله ومحاكمته‪ ،‬أم ينجح الرئيس‬ ‫مع أنه مثلها‪.‬‬ ‫أنه ينوي الترشح لوالية ثالثة‪ ،‬معتبرًاً أن هذه املادة‬
‫باجليش والشرطة في وأد معارضيه وسجنهم؟‬ ‫ومع تصاعد التوتر بني البرملان واملجلس‬ ‫ال تنطبق عليه؛ إذ إن واليته األولى كانت قبل‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪45‬‬
‫اقتصـــاد إسالمـــــي‬
‫وفاء لذكراهم‬

‫ً‬
‫«اقتصاديــــــــًا»‬ ‫ماذا خســــرت األمـــــة‬
‫بسقـــــــوط الخالفــــــة العثمانيـــــــة؟‬
‫شهد تاريخ املسلمني حقبة زاهرة‬
‫من خالل احلكم العثماني الذي استمر‬
‫وكَّون إمبراطورية‬
‫ألكثر من ‪ 600‬عام‪َ ،‬‬
‫دان لها العالم‪ ،‬وبعد سقوطها والقضاء‬
‫على اخلالفة العثمانية في العام ‪1924‬م‪،‬‬
‫توّحدهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لم يعد للمسلمني دولة‬
‫وباتت خسارتهم باهظة التكاليف‪ ،‬ليس‬
‫على املستوى االقتصــــــادي فحسب‪،‬‬
‫واالجتماعــــــــي‬ ‫السياســـــــــي‬ ‫بل‬
‫والثقافي كذلك‪.‬‬

‫الناتج الزراعي العثماني كان يحقق االكتفاء الذاتي ويتجه جزء منه للتصدير‬

‫فصرفت الدولة رؤوس األموال لبناء القواعد‬ ‫وحتقيق الفتوحات املنشودة‪ ،‬كما كان لـ«الوقف»‬
‫األساسية للبنى التحتية للنشاط التجاري‪،‬‬ ‫دوره املنشود‪ ،‬ال سيما في دعم التعليم والصحة‪.‬‬
‫واهتم السالطني أنفسهم وكبار رجال الدولة‬ ‫والناظر إلى األنشطة االقتصادية في الدولة‬
‫بتعزيز ذلك النشاط‪ ،‬وعلى سبيل املثال؛ حينما‬ ‫العثمانية يجد أن الناجت الزراعي كان يحقق‬
‫فتح الغازي أورخان مدينة بورصة أنشأ مباشرة‬ ‫االكتفاء الذاتي‪ ،‬بل يتجه جزء منه للتصدير‪،‬‬
‫سوقًاً جتارية‪ ،‬كما أن السلطان محمد الفاحت‬ ‫وقد كانت معظم أراضي الدولة العثمانية أراضي‬
‫بعد أن فتح القسطنطينية أنشأ سوقًاً جتارية ما‬ ‫«ميرية»؛ أي خراجية ملكيتها لبيت مال املسلمني‪،‬‬
‫زالت موجودة حتى وقتنا احلاضر؛ وهي السوق‬ ‫مع منح احلق للرعية بإيجارها أو إعارتها ببدل‬ ‫د‪ .‬أشـرف دوابــه‬
‫املسقوفة وسط إسطنبول‪ ،‬كما أن املدن العثمانية‬ ‫ُيُدفع لبيت املال يسمى «العشر»؛ وهو خراج‬ ‫أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح زعيم‬

‫الكبيرة متيزت بأسواقها مثل فليلة وسراي بوسنة‬ ‫املقاسمة الذي طبقه الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وأسكب وسالنيك‪.‬‬ ‫وسلم على اخلارج من أرض خيبر‪ ،‬وإن كان توزيع‬ ‫كان االقتصاد العثماني فريدًاً من نوعه‪ ،‬وإن‬
‫بل إن الدولة العثمانية حرصت في سياستها‬ ‫اخلارج في خيبر يتم مناصفة‪.‬‬ ‫اعتراه ضعف في بعض فتراته خاصة منذ القرن‬
‫إلنعاش التجارة على العناية بأهلها من أصحاب‬ ‫وبذلك متيز هذا النظام بالعدالة بعيدًاً عن‬ ‫السادس عشر؛ وهو ما أدى في نهاية املطاف‬
‫اخلبرة واملهارة من خالل جمعهم باملدن الكبيرة‪،‬‬ ‫النظام اإلقطاعي الذي كان يسود أوروبا ورسخ‬ ‫إلى انهيار تلك اإلمبراطورية املترامية األطراف‪،‬‬
‫مثل إسطنبول التي انتقل إليها جتار من بورصة‬ ‫للُّسخرة والظلم االقتصادي‪ ،‬فالنظام الزراعي‬ ‫ُ‬ ‫احلاملة للواء اإلسالم‪ ،‬وأصبح املسلمون من‬
‫والقاهرة‪ ،‬وكذلك سالنيك التي سكنها اليهود‬ ‫العثماني كان يعتمد على نظام «التيمار» الذي‬ ‫بعدها يتامى في وادي الذئاب الذي صنعه‬
‫الذين فروا من «محاكم التفتيش» باألندلس‪،‬‬ ‫يعني أسلوب العمل في األرض وتشغيلها‪ ،‬والوضع‬ ‫املستعمر الغربي على يديه!‬
‫وكانت من أغنى مراكز اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫احلقوقي للمزارعني واملشرفني على العمل‪ ،‬ونظام‬ ‫لقد متيز العثمانيون في إدارة ميزانية الدولة؛‬
‫وأنشطتها التجارية‪.‬‬ ‫الضرائب‪.‬‬ ‫إيرادًاً وإنفاقًاً‪ ،‬من خالل موارد أساسية كالزكاة‬
‫كما أنه ال ميكن إغفال املوقع اجلغرافي‬ ‫النشاط التجاري‬ ‫فضًال عن موارد مساعدة من‬ ‫ً‬ ‫واجلزية واخلراج‪،‬‬
‫للدولة العثمانية في تعزيز جتارتها اخلارجية‬ ‫أما التجارة‪ ،‬فرغم ما اتسم به املجتمع‬ ‫ضرائب ورسوم‪ ،‬من خالل وزارة متخصصة؛ مما‬
‫وإنعاش التجارة العاملية‪ ،‬فقد كانت اإلمبراطورية‬ ‫العثماني باملقدرة القتالية‪ ،‬فإنه لم يهمل التجارة‪،‬‬ ‫م ّّكن من توفير السيولة الالزمة للدعم احلربي‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪46‬‬
‫الدولة صرفت رؤوس األموال‬
‫لبناء القواعد األساسية للبنى‬
‫التحتية للنشاط التجاري‬
‫‪---------------------------------‬‬

‫الصناعة غطت الحاجة‬


‫المحلية وصَّدَ رت للخارج حتى‬
‫أواخر القرن الثامن عشر‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫االقتراض الخارجي وامتيازات‬
‫األجانب أديا إلى ضعف الدولة‬
‫وإفالسها ثم انهيارها‬

‫وبعد مفاوضات مطولة‪ ،‬مت إنشاء إدارة‬ ‫ولكن التسارع الصناعي الغربي كان أكثر‬ ‫العثمانية جسرًاً بني دول الشرق والغرب‪ ،‬كما‬
‫الديون العمومية العثمانية عام ‪1881‬م (في عهد‬ ‫قوة وانتشارًاً؛ فاجتاحت السلع الغربية األسواق‬ ‫أنه رغبة في تنشيط احلركة التجارية منحت‬
‫السلطان عبداحلميد الثاني) ملمارسة السيادة‬ ‫العثمانية‪ ،‬ودحرت املنسوجات األوروبية القطنية‬ ‫الدولة العثمانية امتيازات للتجار األجانب؛ وقد‬
‫األوروبية على أجزاء من مالية الدولة‪ ،‬ولتأمني‬ ‫نظيرتها العثمانية في عقر دارها‪ ،‬وحتولت الدولة‬ ‫كان هذا مسمارًاً ُُدق في نعش الدولة العثمانية‬
‫استمرارية سداد الدين الذي مت تخفيض قيمته‬ ‫العثمانية إلى مورد للمواد األولية للصناعة‬ ‫ال سيما في القرنني الثامن عشر والتاسع عشر؛‬
‫اإلسمية بحوالي النصف خالل املفاوضات‪.‬‬ ‫الغربية ال سيما القطن واحلرير والصوف‪،‬‬ ‫فمن خالل هذه االمتيازات أصبح التاجر األجنبي‬
‫وخالل العقود الثالثة التالية‪ ،‬وحتى إعالن‬ ‫وساهم في هذا الضعف؛ ضعف الدولة بصفة‬ ‫أولى بالرعاية من مثيله العثماني؛ مما ساهم في‬
‫احلرب العاملية األولى‪ ،‬كان جزء كبير من عائدات‬ ‫عامة في ظل عصيان محمد علي باشا (والي‬ ‫هيمنة التجار األجانب واألقليات غير املسلمة على‬
‫الدولة حتت سيطرة إدارة الديون‪ ،‬وقد استخدم‬ ‫مصر) وتقدمي الدولة تنازالت للغرب مبزيد من‬ ‫النشاط التجاري‪.‬‬
‫لسداد القروض‪ ،‬وعشية احلرب العاملية بلغ حجم‬ ‫االمتيازات لألجانب من خالل إجازة اتفاقية‬ ‫أما الصناعة‪ ،‬فقد غطت احلاجة احمللية‪،‬‬
‫جتارية عام ‪1838‬م‪ ،‬بدلت مبقتضاها قوانني‬ ‫وصدرت منه للخارج حتى أواخر القرن الثامن‬
‫االقتراض السنوي‪ ،‬وكذلك حجم الدين اخلارجي‬
‫اجلمارك املقلصة ألرباح التجار األجانب‪ ،‬وألغت‬ ‫عشر‪ ،‬ومثال ذلك االكتفاء الذاتي من النسيج‬
‫القائم مجددًاً النسب العالية غير العادية التي‬
‫القيود املفروضة على استيراد السلع الغربية‬ ‫وتصدير كميات كبيرة من املنسوجات إلى‬
‫شهدتها الدولة في سبعينيات القرن املاضي‪.‬‬
‫وتصدير السلع العثمانية‪.‬‬ ‫اخلارج‪ ،‬كما أن الدولة العثمانية متيزت بالصناعة‬
‫وكان من نتيجة فتح باب االقتراض اخلارجي‬
‫املصيبة الكبرى!‬ ‫ً‬
‫فضًال عن‬ ‫احلربية ال سيما صناعة املدافع‪،‬‬
‫ألول مرة في عهد عبداملجيد األول بروز املزيد من‬
‫وجاءت بعد ذلك املصيبة الكبرى‪ ،‬ففي‬ ‫توسع هذا النشاط الصناعي من خالل تصنيع‬
‫االمتيازات لألجانب وضرب سيادة الدولة؛ وهو‬
‫عام ‪1854‬م وخالل حرب القرم‪ ،‬بدأت الدولة‬ ‫اخليوط والبسط واجللود واألخشاب واخلزفيات‬
‫ما أدى في نهاية املطاف إلى ضعفها وإفالسها ثم‬
‫العثمانية في عهد السلطان عبداملجيد األول‬ ‫والنحاسيات واحلديد والسكاكني والسيوف‬
‫انهيارها فيما بعد في العام ‪1924‬م‪.‬‬
‫بيع سندات طويلة األجل في األسواق املالية‬ ‫واملسدسات والبنادق واخلياطة واألحذية والذهب‬
‫وبذلك زالت شمس تلك اإلمبراطورية‬
‫األوروبية‪ ،‬وفي العقدين التاليني توسع االقتراض‬ ‫والفضة‪.‬‬
‫العظيمة بأخطاء بعض سالطينها‪ ،‬رغم ما حققته‬
‫مببالغ كبيرة من لندن وباريس وفيينا وأماكن‬ ‫وميكن القول‪ :‬إن التطور الصناعي للدولة‬
‫في أوج عزها من قوة ورفعة للمسلمني في مشارق‬ ‫أخرى بشروط ال تتفق ومصلحتها بشكل مطرد‪،‬‬ ‫العثمانية مر مبرحلتني؛ مرحلة التصنيع وأسلوب‬
‫األرض ومغاربها‪ ،‬وبعدها صار حال بالدنا كحال‬ ‫وأدت األزمات املالية عام ‪1873‬م إلى توقف‬ ‫اإلنتاج النمطي التقليدي املتوارث‪ ،‬ومرحلة النمط‬
‫القطيع الذي يهيم في الصحراء باسم الدولة‬ ‫اإلقراض من قبل األسواق املالية األوروبية‪ ،‬كما‬ ‫احلديث بعد الثورة الصناعية في الغرب‪ ،‬التي‬
‫القومية التي خطط لها ونفذها «سايكس»‬ ‫أجبرت احلكومة على إعالن التوقف التام عن‬ ‫قلبت املوازين ضد منافسة العثمانيني للغرب ال‬
‫و«بيكو»‪ ،‬ورغم هذا اجلرح وهذا األلم ما زال‬ ‫سداد القروض عام ‪1876 - 1875‬م (في عهد‬ ‫سيما في أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬رغم اجتاه‬
‫األمل معقودًاً ليعيد التاريخ نفسه ويعود للمسلمني‬ ‫السلطان عبدالعزيز األول) التي بلغت قيمتها ‪200‬‬ ‫الدولة العثمانية إلى تشجيع إقامة مؤسسات‬
‫مجدهم وعزهم‪.‬‬ ‫مليون جنيه إسترليني‪.‬‬ ‫صناعية كبيرة‪ ،‬وفق اإلنتاج املتطور في الغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪47‬‬
‫تاريـــخ وحضــــارة‬
‫وفاء لذكراهم‬

‫اليهود‪ ..‬البداية والنهاية (‪)4‬‬


‫هجرة بني إسرائيل إلى مصر‬

‫في إكرامهم وأجزل لهم العطاء؛ ( َو َمَلَّا َج َّه َز ُهم‬ ‫وتلك األيام نداولها بني الناس‪:‬‬ ‫الشيخ خالد آل عبد الاله‬
‫ِج َهازِ ِه ْم َقا َل ائْتُونِي ِب َأ ٍخ َّل ُكم ِّم ْن أَبِي ُك ْم) (يوسف‪:‬‬
‫ب َ‬ ‫لقد دارت األيام دورتها‪ ،‬بعدما تنقلت بيوسف‬ ‫داعيـــة إسالمـــي‬
‫‪ ،)59‬وأمرهم أن يأتوا له بأخيهم راغبني أو‬ ‫من محنة إلى محنة‪ ،‬ومن فتنة إلى أخرى‪ ،‬وهو‬
‫راهبني‪.‬‬ ‫صابر محتسب مراقب لربه جل جالله‪ ،‬فتحولت‬ ‫كانت بداية بني إسرائيل في فلسطني التي‬
‫وانطلق القوم قافلني ودخلوا على أبيهم‬ ‫احملن إلى منح‪ ،‬والفنت إلى نعم‪ ،‬ليجلس يوسف‬ ‫ولدوا وترعرعوا وشبوا على ترابها‪ ،‬حيث كانت‬
‫وأخبروه مبا حدث معهم‪ ،‬فلم يزالوا به حتى‬ ‫بعد الرق والسجن على ُس ّدة احلكم وخزائن‬ ‫تلك األرض شاهدة على سوء طباعهم ومكرهم‬
‫أقنعوه بأخذ أخيهم األصغر إلى عزيز مصر‪،‬‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫وكيدهم ألخيهم الطفل البريء يوسف‪ ،‬حني غلت‬
‫وبعد أيام عادوا بأخيهم إلى مصر مرة أخرى‪،‬‬ ‫وفي مشهد فذ‪ ،‬يدخل اإلخوة العشرة على‬ ‫مراجل احلقد واحلسد في صدورهم فتخلصوا‬
‫فقصدوا باب العزيز؛ ( َو َمَلَّا َدخَ لُوا ْ َعلَى يُ ُ‬
‫وس َف آ َوى‬ ‫أخيهم يوسف العزيز‪ ،‬فيعرفهم دون أن يعرفوه‪،‬‬ ‫مطوي مظلم على‬
‫ّ‬ ‫منه بطرحه في غيابة (قعر) بئر‬
‫مِبا َكانُوا ْ‬ ‫ال تَبْتَئ ْ‬
‫ِس ِ َ‬ ‫ِإلَيْهِ أَخَ اهُ َقا َل ِإ ِّني أَنَاْ أَخُ َ‬
‫وك َف َ‬ ‫وأنى لهم أن يعرفوه وهم على يقني أن يوسف إن‬ ‫طريق القوافل بني مصر والشام‪ ،‬دون أدنى مراعاة‬
‫يَ ْع َملُو َن) (يوسف‪)69 :‬؛ فرح يوسف بلقاء شقيقه‬ ‫لم يكن ميتاً فهو عب ٌد يباع في سوق الرقيق‪.‬‬ ‫ملشاعر هذا الطفل املسكني‪.‬‬
‫الصغير‪ ،‬ثم دبر له مكيدة بأنه سرق مكيال امللك‪،‬‬ ‫لقد استعلى يوسف على كل آالمه وجراحه‬ ‫ألقوه في البئر وارحتلوا عنه وارتاحوا منه‪،‬‬
‫ليبقيه معه في قصر امللك‪ ،‬وقد كان جزاء السارق‬ ‫النازفة‪ ،‬وتعالى على أليم ذكرياته‪ ،‬وراح يعاملهم‬ ‫وهم يظنون أن قصة يوسف قد انتهت لألبد‪ ،‬وال‬
‫في شريعة نبي اهلل يعقوب أن يؤخذ عبداً عند‬ ‫بأخالق النبوة‪ ،‬بكل كرم وترحاب‪ ،‬بل لقد بالغ‬ ‫يدرون أن اهلل سيلجئهم إليه أذالء صاغرين حال‬
‫صاحب املتاع املسروق‪.‬‬ ‫كونه عزيزاً أميناً على خزائن األرض‪ ،‬ليخبرهم‬
‫بنو إسرائيل استقروا بمصر‬
‫وال تيأسوا من روح اهلل‪:‬‬ ‫ال صغيراً؛ ( َوأَ ْو َحيْنَا‬
‫مبا فعلوه معه يوم أن كان طف ً‬
‫عاد اإلخوة الى فلسطني ودخلوا على أبيهم‬ ‫وأغدق العزيز عليهم من الخيرات‬ ‫يَ ْ‬
‫ش ُع ُرو َن)‬ ‫ِإلَيْهِ لَتُنَ ِّبئَ َّن ُهم ِب َأ ْمرِ ِه ْم َهـ َذا َو ُه ْم الَ‬
‫بدون أخيهم األصغر‪ ،‬فانصدم يعقوب من هول ما‬ ‫ً‬
‫أرضا بأخصب البقاع‬ ‫وأقطعهم‬ ‫(يوسف‪.)15 :‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪48‬‬
‫كثير منهم إلى أعلى الدرجات(‪.)2‬‬ ‫تبدلت أحوالهم وكرههم المصريون‬ ‫جرى‪ ،‬وعادت الذكريات اليوسفية األولى؛ ( َوتَ َو َّلى‬
‫يقول د‪ .‬عبدالرحمن مرعي‪ ،‬في كتابه «أهل‬ ‫لما تغيرت نفوسهم وآثروا العزلة‬ ‫َعنْ ُه ْم َو َقا َل يَا أَ َسفَى َعلَى يُ ُ‬
‫وس َف َوابْيَ َّض ْت َعيْنَاهُ‬
‫الكتاب في القرآن الكرمي»‪ :‬إن بني إسرائيل دخلوا‬ ‫احْلزْنِ َف ُه َو َك ِظي ٌم) (يوسف‪ ،)84 :‬وظل يعقوب‬ ‫مِ َن ْ ُ‬
‫بحجة أنهم من نسل األنبياء‬
‫مصر أيام الهكسوس وعاشوا حياة كرمية‪ ،‬وداموا‬ ‫يشكو بثه وحزنه إلى ربه الذي ألقى في قلبه‬
‫على هذه احلال ملدة قرن من الزمان‪ ،‬قبل أن‬ ‫عليه‪ ،‬في معجزة كرمية لنبي اهلل يوسف عليه‬ ‫الطمأنينة والرضا واألمل بلقيا ما فقد من أوالده‬
‫يعانوا ويعملوا عبيداً فترة حكم فرعون ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫السالم‪ ،‬ثم أخذ اجلميع في االستعداد للهجرة من‬ ‫فنادى‪( :‬يَا بَن َِّي اذ َْهبُوا ْ َفت ََح َّس ُسوا ْ مِ ن يُ ُ‬
‫وس َف‬
‫استعباد الفراعنة لبني إسرائيل‪:‬‬ ‫فلسطني إلى مصر العزيز‪.‬‬ ‫َوأَ ِخيهِ َوالَ تَيْ َأ ُسوا ْ مِ ن َّر ْو ِح اهّللِهّ ) (يوسف‪.)87 :‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد تغيرت األحوال وتبدلت النِّعم‬ ‫تأشيرة الدخول امللكية‪:‬‬ ‫ال تثريب عليكم اليوم‪:‬‬
‫عليهم‪ ،‬وكرههم املصريون‪ ،‬ملا تغيرت نفوس‬ ‫( َوأْتُونِي ِب َأ ْه ِل ُك ْم أَ ْج َمعِ َ‬
‫ني) (يوسف‪)93 :‬؛‬ ‫عاد أوالد يعقوب إلى مصر مرة أخرى‬
‫أجيالهم وآثروا العزلة عن املصريني بحجة أنهم‬ ‫كانت هذه اجلملة مبثابة سمة الدخول وتصريح‬ ‫ليبحثوا عن يوسف وأخيه بعد ما صارحهم‬
‫من نسل األنبياء‪ ،‬فال يخالطونهم وال يناكحونهم‪،‬‬ ‫اإلقامة لبني إسرائيل على أرض مصر الطيبة‪.‬‬ ‫يعقوب بيقينه أن يوسف ما زال ح ّياً‪ ،‬فقصدوا‬
‫ال سيما وأنهم ينسبون إلى األسرة احلاكمة بعدما‬ ‫حيث أخذ يعقوب أهله وأوالده وأحفاده‬ ‫باب العزيز وقد بدا عليهم اإلرهاق من تتابع‬
‫نالوا في ظل يوسف أعلى املناصب والوظائف‪.‬‬ ‫وعبيدهم ودوابهم وأموالهم وكل متاعهم‪ ،‬وانطلق‬ ‫السفرات وبُعد املسافات وشدة القحط وقلة املال؛‬
‫لكن دوام احلال من احملال‪ ،‬واأليام دول‪ ،‬فقد‬ ‫املوكب من بدو فلسطني حتى حط رحاله في قصر‬ ‫( َفل َ َّما َدخَ لُوا ْ َعلَيْهِ َقالُوا ْ يَا أَيُّ َها الْ َعزِ ي ُز َم َّسنَا َوأَ ْهلَنَا‬
‫زالت دولة يوسف العزيز الكرمي ابن الكرمي ابن‬ ‫عزيز مصر؛ ( َفل َ َّما َدخَ لُوا ْ َعلَى يُ ُ‬
‫وس َف آ َوى ِإلَيْهِ‬ ‫الض ُّر) (يوسف‪ ،)88 :‬فلما رأى ما بهم من إرهاق‬
‫ُّ‬
‫الكرمي ابن الكرمي‪ ،‬ربيب بيت النبوة‪ ،‬سليل الكرام‪،‬‬ ‫أَبَ َويْهِ ) (يوسف‪)99 :‬؛ فأكرمهما ورحب بهما وبالغ‬ ‫وضر؛ رق حلالهم‪ ،‬وقرر أن يع ّرفهم على نفسه‬
‫واعتلى ُس َّدة احلكم فرعون ظالم قاهر‪ ،‬أنساهم‬ ‫في إكرامهما‪ ،‬وأنزلهما في أعلى منزلة؛ ( َو َر َف َع‬ ‫بتدرج حتى ال يصدموا؛ ( َقا َل َه ْل َع ِل ْمتُم َّما َف َعلْتُم‬
‫بشدة بأسه كل راحة وكل نعيم‪.‬‬ ‫أَبَ َويْهِ َعلَى الْ َع ْر ِش) (يوسف‪ ،)100 :‬وأجلسهما‬ ‫وس َف َوأَ ِخيهِ ِإ ْذ أَنتُ ْم َج ِ‬
‫اهلُو َن) (يوسف‪،)89 :‬‬ ‫ِبيُ ُ‬
‫جاء في العهد القدمي‪« :‬إن ملكاً من الفراعنة‬ ‫على كرسي الوزارة وعرش امللك‪ ،‬بينما وقف‬ ‫ذ ّكرهم بكيدهم األسود بأخيهم الصغير‪ ،‬ذ ّكرهم‬
‫جاء بعد يوسف‪ ،‬لم يعرف شأنه وال مقامه في‬ ‫اإلخوة األحد عشر أمامه‪ ،‬وخر اجلميع ليوسف‬ ‫بيوسف الذي أمروا أن يتحسسوا منه في هذه‬
‫دولة آبائه‪ ،‬فاسترق بني إسرائيل واستعبدهم» ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ساجدين سجود حتية وإجالل‪ ،‬وليس سجود‬ ‫الرحلة‪ ،‬وهنا تغيرت نظرتهم إلى العزيز وبدؤوا‬
‫وقد صور القرآن العظيم مشهد االستعباد لهم‬ ‫عبادة(‪.)1‬‬ ‫يدققون في مالمحه‪ ،‬في نبرة صوته‪ ،‬في صورته‪،‬‬
‫ض‬‫تصويراً دقيقاً‪( :‬إِنَّ فِ ْر َع ْو َن َع َاَل فِ ي ْاأْلَ ْر ِ‬ ‫وبهذا املشهد الرقيق‪ ،‬استدعى يوسف شريط‬ ‫فاملالمح هي هي‪ ،‬والصور متقاربة‪ ،‬والصوت ليس‬
‫ف َطا ِئ َف ًة ِّمنْ ُه ْم يُ َذ ِّب ُح‬ ‫َضعِ ُ‬ ‫َو َج َع َل أَ ْهل َ َها ِش َيعاً يَ ْست ْ‬ ‫الذكريات‪ ،‬يوم أن دخل على أبيه وهو طفل صغير‬ ‫عنهم بغريب؛ لذا قالوا بكل ذهول على لسان رجل‬
‫ن)‬ ‫أَبْنَاء ُه ْم َويَ ْست َْحيِي ن َ‬
‫ِساء ُه ْم ِإ َّن ُه َكا َن مِ َن ْامْلُف ِْسدِ ي َ‬ ‫بت ِإ ِّني‬‫ال‪( :‬يَا أَ ِ‬ ‫ليقص عليه رؤياه املنامية قائ ً‬ ‫ف) (يوسف‪ ،)90 :‬أنت‬‫وس ُ‬ ‫واحد‪( :‬أَ ِإ َّن َك َأَلَ َ‬
‫نت يُ ُ‬
‫(القصص‪.)4 :‬‬ ‫س َوالْ َق َم َر َرأَيْتُ ُه ْم لِي‬ ‫َرأَيْ ُت أَ َح َد َع َش َر َك ْو َكباً َو َّ‬
‫الش ْم َ‬ ‫يوسف؟ أيعقل أن يكون يوسف حياً؟ وأن يكون‬
‫ظل بنو إسرائيل على هذه احلالة من الظلم‬ ‫اجدِ ي َن) (يوسف‪ ،)4 :‬التي يرى تأويلها العملي‬
‫َس ِ‬ ‫هو العزيز الذي كانوا يتذللون بني يديه منذ قليل؟‬
‫واالضطهاد واالستضعاف واالستعباد حتى بعث‬ ‫ال‪ ،‬فقال‪( :‬يَا أَبَ ِت َهـ َذا تَ ْأوِ ي ُل ُر ْؤيَ َ‬
‫اي‬ ‫بني يديه ماث ً‬ ‫ف َو َهـ َذا أَ ِخي َق ْد َم َّن‬ ‫فأجابهم‪ :‬نعم (أَنَاْ يُ ُ‬
‫وس ُ‬
‫اهلل نبيه موسى عليه السالم الذي كان لبني‬ ‫مِ ن َقبْ ُل َق ْد َج َعل َ َها َر ِّبي َح ّقاً) (يوسف‪)100 :‬؛ إذ‬ ‫اهّللُهّ َعلَيْنَا) (يوسف‪ )90 :‬ب ِن َعم نتقلب فيها‪ ،‬حتى‬
‫إسرائيل مبثابة سفينة النجاة‪ ،‬فماذا فعل بنو‬ ‫حتولت من الرمزية النظرية حلادث مستقبلي إلى‬ ‫أوصلني ربي إلى منصب احلاكم ملصر القائم على‬
‫إسرائيل مبن أكرمهم وجناهم من سوء العذاب؟‬ ‫واقع مشاهد عملي‪.‬‬ ‫خزائن األرض‪.‬‬
‫بنو إسرائيل‪ ..‬ما بني يوسف وموسى‪:‬‬ ‫وهنا اعترفوا له بتفضيل اهلل له عليهم‪ ،‬كما‬
‫الهوامش‬
‫استقر أوالد يعقوب (بنو إسرائيل) في مصر‪،‬‬ ‫اعترفوا له بعظيم جرمهم في حقه وحق والدهم‪،‬‬
‫(‪ )1‬بتصــرف مــن كتــاب «القصــص القرآنــي»‬
‫للدكتور صالح الخالدي‪.‬‬ ‫ونزلوا برحاب عزيزها فأسكنهم وأكرمهم غاية‬ ‫فعفا عنهم ولم يثرب عليهم‪ ،‬ثم كلفهم باملهمة‬
‫(‪ )2‬العهــد القديم‪ ،‬ســفر التكوين‪ ،‬إصحاح (‪/47‬‬ ‫اإلكرام‪ ،‬وأغدق عليهم من النعم واخليرات‪،‬‬ ‫يصي َهـ َذا َف َألْقُوهُ َعلَى َو ْجهِ‬
‫األخيرة؛ (اذ َْهبُوا ْ ِبقَمِ ِ‬
‫‪.)11‬‬
‫وأقطعهم بأمر امللك أرضًاً في أخصب البقاع‪،‬‬ ‫أَبِي يَ ْأ ِت بَ ِصيراً) (يوسف‪.)93 :‬‬
‫(‪ )3‬كتــاب «أهــل الكتــاب فــي القــرآن»‪ ،‬د‪.‬‬
‫وظلت ساللتهم هكذا حينًاً من الدهر‪ ،‬تنعم بكرم‬ ‫جاء البشير حام ً‬
‫ال قميص يوسف‪ ،‬ثم ألقاه‬
‫عبدالرحمن مرعي‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ ابن خلدون (‪.)120 /1‬‬ ‫املصريني ورعايتهــــــــــــم‪ ،‬بل لقـــــــــد وصـــــــــــل‬ ‫على وجه يعقوب فارتد بصره أفضل مما كان‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪49‬‬
‫وفاء لذكراهمتــــربــــــوي‬

‫األسس النفسية للتأثير الدعوي (‪)6‬‬


‫الصمــود النفســي‬

‫يحتــاج التأثيــر الدعــوي إلــى بصيــرة تســهم فــي إدراك الواقع وفهــم الواجب تجاهــه‪ ،‬من أجــل الوصول إلى‬
‫الهــدف وتحقيــق الغايــة‪ ،‬وإن الدعــوة اإلسالميــة تتطلــع إلــى تكوين هذه البصيــرة في الدعــاة‪ ،‬حتى يدركوا‬
‫مــا تنطــوي عليــه نفــوس النــاس‪ ،‬ومــا يجــب لهم مــن مهــارات وأدوات تســتطيع أن تقودهم إلــى الصراط‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫وتأتــي هــذه السلســلة مــن المقــاالت الدعوية تحــت عنوان «األســس النفســية للتأثير الدعــوي» من أجل‬
‫الوقوف على الركائز النفسية التي يستند إليها الداعية ليحقق النجاح في مهمته السامية‪ ،‬ويأتي األساس‬
‫السادس بعنوان «الصمود النفسي»‪.‬‬

‫وسلم‪« :‬عجبًاً ألمر املؤمن‪ ،‬إن أمره كله خير‪،‬‬ ‫اْص ِِب ُُروْا ْ) (األعراف‪ ،)128 :‬وقال أيضًاً‪:‬‬ ‫ََو ْ‬ ‫د‪ .‬رمضان أبوعلي‬
‫وليس ذاك ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء‬ ‫َّتََى َيَ ْْح ُُك ََم‬
‫اْص ِِب ْْر ََح َ‬ ‫وَحى ِِإَلَْيْ ََك ََو ْ‬
‫( ََوا َِّتَِب ْْع ََما ُيُ َ‬ ‫أستاذ جامعي– دكتوراة في الدعوة الإسلامية‬
‫شكر‪ ،‬فكان خيرًاً له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر‪،‬‬ ‫اَه ُُدوا‬ ‫اُهّلل� ُ ) (يونس‪ ،)109 :‬وقال‪ََ ( :‬واَّلَِذِ ي ََن ََج َ‬ ‫نقصد بـ«الصمود النفسي» الثبات‬
‫فكان خيرًاً له»(‪.)1‬‬ ‫َّنَُه ْْم ُُسُبَُلََنَا) (العنكبوت‪ ،)69 :‬ففي‬ ‫ِفِ يَنَا َلََنَ ْْهِدِ َيَ ُ‬ ‫واالتزان والقدرة على املواجهة اإليجابية‬
‫التوظيف النفسي‪:‬‬ ‫اآليات دعوة إلى الصبر والتحمل واملجاهدة‬ ‫للضغوط املتنوعة‪ ،‬أما صمود الداعية فإنه‬
‫يسهم الصمود في تقوية النفس ودعمها‪،‬‬ ‫من أجل حتقيق الصمود النفسي والثبات‬ ‫يعني ثباته أمام حتديات الدعوة وقدرته على‬
‫ويصل بها إلى التأثير في اآلخرين‪ ،‬ويسهم‬ ‫أمام الصعوبات التي ال تقتصر على املصائب‬ ‫جتاوز صعوباتها‪.‬‬
‫في القدرة على التوافق والتأثير الفعال‪،‬‬ ‫واالبتالءات‪ ،‬بل تشمل العطايا والهبات‪،‬‬ ‫التأصيل الشرعي‪:‬‬
‫والتماسك والثبات أمام التحديات‪ ،‬مع‬ ‫فيجب الصمود جتاهها وعدم االغترار بها‪،‬‬ ‫لقد دعا اإلسالم إلى الصمود النفسي‬
‫الشعور بحالة من االستبشار والتفاؤل‬ ‫َخْل� ْيِْرِ ِفِ ْتَْنَ ًًة)‬ ‫قال تعالى‪ََ ( :‬وَنَْبُْلُو ُُكم ِبِال ِ‬
‫َّشَِّر ََوا َ‬ ‫من خالل األمر بالصبر والثبات والتحمل‬
‫واالطمئنان(‪ ،)2‬فإذا حدث ذلك فإن الشخص‬ ‫(األنبياء‪ ،)35 :‬وقال النبي صلى اهلل عليه‬ ‫واملجاهدة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬اْسَتَِعِ يُنُوا ِبِا ِِهّلل�‬
‫ْ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪50‬‬
‫يستمد الداعية من إميانه ما يعالج خوفه‬ ‫المسلم إذا استجاب لربه واستند‬ ‫الصامد يتحرك بإيجابية‪ ،‬ويندفع في اجتاه‬
‫ويدعم صموده‪ ،‬قال تعالى‪ََ ( :‬و ََال َتَِهِ ُنُوا ََو ََال‬ ‫إلى ركنه الشديد أيقن أن الباطل‬ ‫الظاهرة اإلبداعية‪ ،‬التي تتجاوز الصعوبات‬
‫َِني) (آل‬ ‫ْحَت�ْ ََزُنُوا ََوَأَنُتُ ُُم َ‬
‫اَأل ْْعَل َ ْْو ََن ِإِن ُُكنُتُم ُُّمْؤِْمِ ِن َ‬ ‫ضعيف زائل والحق قوي فاعل‬ ‫احلالية‪ ،‬وتترقب اإلشراقات املستقبلية‪.‬‬
‫عمران‪.)139 :‬‬ ‫‪---------------------------------‬‬ ‫التوظيف الدعوي‪:‬‬
‫والقارئ لقصة غالم أصحاب األخدود ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الصمود يبعث في النفس القدرة‬ ‫إذا أدرك الداعية أن الصمود أساس‬
‫يجد أن ثبات الغالم على موقفه الديني‬ ‫على مواجهة التحديات وتجاوز‬ ‫للتأثير النفسي؛ فإنه يسعى إلى اكتسابه‬
‫وصموده في مواجهة الظاملني وأعوانهم قد‬ ‫العقبات ونصرة المبادئ وتحقيق‬ ‫والتحلي به‪ ،‬ثم توظيفه في عمله الدعوي‪،‬‬
‫أدى إلى إميان القوم به‪ ،‬وعدم خشيتهم من‬ ‫الغايات‬ ‫وذلك من خالل أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫إعالن ذلك‪ ،‬حتى صاحوا قائلني‪ :‬آمنا برب‬ ‫أوًال‪ :‬االستجابة هلل ورسوله؛ فهي تغذي‬ ‫ً‬
‫جوانب احلياة‪ ،‬فيدعو إلى التفكير واالقتناع‬
‫الغالم‪.‬‬ ‫قلب املؤمن بالثبات‪ ،‬قال تعالى‪ََ ( :‬وَلَ ْْو َأَ ُ‬
‫َّنَُه ْْم‬
‫من أجل صالبة العقيدة‪ ،‬وإلى اخلشوع‬
‫وهذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫َّلَُه ْْم ََوَأَ ََشَّدَ‬
‫وَع ُُظو ََن ِِبِهِ َلَ ََكا ََن ََخْيْرًاً ُ‬
‫ََف ََعُلُوْا ْ ََما ُيُ َ‬
‫واخلضوع من أجل صالبة العبادة‪ ،‬وإلى‬
‫يضرب املثل في الصمود النفسي مبا يدعم‬ ‫َتَْثِْبِيتًاً) (النساء‪.)66 :‬‬
‫السالم وااللتزام من أجل صالبة األخالق‪،‬‬
‫التأثير الدعوي‪ ،‬فعندما ذهب املشركون إلى‬ ‫ثانيًاً‪ :‬التزود الدائم من القرآن الكرمي؛‬
‫كما يدعو إلى الصمود أمام النفس وهواها‪،‬‬
‫عمه أبي طالب‪ ،‬وطلبوا منه أن مينع الرسول‬ ‫فهو أعظم وسائل الثبات والصمود‪ ،‬قال‬
‫فال اغترار بالطاعة وال قنوط باملعصية‪.‬‬
‫من الدعوة إلى اهلل تعالى‪ ،‬وقف الرسول صلى‬ ‫عز وجل‪ََ ( :‬و ََقا ََل اَّلَِذِ ي ََن ََك ََف ُُروا َلَ ْْواَلا ُنُ ِِّز ََل‬
‫إنها الدعوة إلى الصمود والثبات‪،‬‬
‫اهلل عليه وسلم صامدًاً معتزًاً بدعوته‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫َِك ِِلُنَُثَ ِِّب ََت ِِبِهِ‬ ‫اِح ََد ًًة ََك ََذِل َ‬ ‫ََعَلَْيِْهِ اْلْ ُُق ْْرآ ُُن ُُج ْْمَل َ ًًة ََو ِ‬
‫ومجاهدة الشهوات‪ ،‬ومواجهة الشبهات‪،‬‬
‫ِمَي� يِنِي‪،‬‬ ‫الشمَس ِفِ ي ِ‬ ‫َ‬ ‫َض ُُعوا‬ ‫«َيَا ََع ُُّم‪ََ ،‬وَاَ ِِهَّلل� َلَ ْْو ََو َ‬ ‫ِيًال) (الفرقان‪ ،)32 :‬وقال‬ ‫ُُف ََؤا ََد ََك ََو ََرَّتَْلَْنَاُهُ َتَ ْْرِت ً‬
‫وترك املنكرات‪ ،‬وفعل اخليرات‪.‬‬
‫والقم ََر ِفِ ي َيَ ََساِرِ ي ََعَلَى َأَ ْْن َأَْتْ ُُر ََك ََه ََذا ا ََأْل� ْْم ََر‬ ‫ُُّص ََعَلَْيْ ََك ِمِ ْْن َأَنَبَاء ال ُُّر ُُسِلِ‬ ‫سبحانه‪ََ ( :‬و ُُكـًّال�ً َّنَُق ُ‬
‫ََحَّتَى ُيُظهره اُهَّلل� ُ ‪َ ،‬أَ ْْو َأَ ْْهِل َ‬ ‫الدليل على التأثير الناجح‪:‬‬
‫َِك ِفِ يِهِ ََما َتَ ََر ْْكُتُُهُ»‪ُ ،‬ثَُّمَ‬ ‫ََما ُنَُثَ ِِّب ُُت ِِبِهِ ُُف ََؤا ََد ََك) (هود‪.)120 :‬‬
‫تعددت األمثلة التي تدل على أن الصمود‬
‫ََقا ََم؛ ََفَلََّمَ ا ََوَّلَى ناداه أبو طالب‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن‬ ‫ثالثًاً‪ :‬اليقني بأن الباطل ضعيف ومهزوم‪،‬‬
‫ِهَّلل�‬ ‫النفسي يسهم في التأثير الدعوي‪ ،‬ومنها‪ :‬ما‬
‫أْسلمك‬ ‫أحببَت‪ََ ،‬ف ََوَاَ ِ اَلا ْ‬ ‫َ‬ ‫اذهْب فق ْْل ََما‬ ‫ْ‬ ‫َأَ ِِخي؛‬ ‫قوٌّي ومنصور؛ فإن هذا مما ُيُ ََه ِِّون‬ ‫وأن احلق ٌ‬
‫ً(‪)4‬‬ ‫كان من أمر سحرة فرعون‪ ،‬الذين حشدوا ما‬
‫لشيء أبدًا ‪.‬‬ ‫شأن الباطل‪ ،‬ويفتح باب األمل أمام الداعية‬
‫لديهم من طاقة‪ ،‬وألقوا ما بأيديهم من سحر‬
‫وعندما كادت الهزمية أن تقع باملسلمني‬ ‫َحْل� ِّقِ ََعَلَى‬ ‫ُف ِبِا َ‬ ‫الصامد‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬بَ ْْل َنَْقِْذِ ُ‬
‫وحماقة‪ ،‬حتى خاف الناس من اخلياالت‬
‫في غزوة «حنني»‪ ،‬وهرب عدد من أفراد‬ ‫َاِه ٌٌق) (األنبياء‪:‬‬ ‫اِطِلِ ََفَيَ ْْد ََم ُُغ ُُه ََف ِِإ ََذا ُُه ََو َز ِ‬ ‫اْلَْبَ ِ‬
‫العمالقة‪ ،‬وهربوا خشية القتل أو اإلعاقة‪،‬‬
‫اجليش‪ ،‬تقدم النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪.)18‬‬
‫ً‬ ‫حتى جاءتهم اإلفاقة‪ ،‬حيث أمر اهلل تعالى‬
‫قائًال‪« :‬أنا النبي ال كذب‬ ‫معلنًاً ثباته وصموده‪،‬‬ ‫رابعًاً‪ :‬دوام الدعاء واالستعانة باهلل تعالى‪،‬‬
‫موسى بإلقاء العصا في الساحة العمالقة‪،‬‬ ‫حيث قال‪ِِ ( :‬إ ْْذ َت َْْسَتَِغِ يُثُو ََن ََر ُ‬
‫أنا ابن عبد املطلب» ‪ ،‬فما أن سمع الصحابة‬
‫(‪)5‬‬
‫اَب‬ ‫اْسَت َََج َ‬ ‫َّبَُك ْْم ََف ْ‬
‫الوّضاء حتى أقبلوا بعد‬
‫ّ‬ ‫النداء‪ ،‬ورأوا املوقف‬ ‫نَت ا ََأْل� ْْعَلَى ‪ََ 68‬وَأَْلِْقِ‬
‫َِّنََك َأَ َ‬
‫وقال له‪( :‬اَلا َت َََخ ْْف ِإ َ‬
‫َلَ ُُك ْْم) (األنفال‪ ،)9 :‬وعندما استعانت امرأة‬
‫َصَنَ ُُعوا‬ ‫َصَنَ ُُعوا ِإ �َ‬
‫َِمَّنا َ‬ ‫َْف ََما َ‬ ‫َِك َتَْلَْق ْ‬ ‫ََما ِفِ ي ِِمَي� يِن َ‬
‫فرار‪ ،‬وانتصروا بعد هزمية‪.‬‬ ‫العزيز بالنسوة على سيدنا يوسف استعان‬
‫واخلالصة؛ أن الصمود يبعث في النفس‬ ‫اِح ُُر ََحْيُْثُ َأََتَى ‪69‬‬ ‫اِح ٍٍر ََواَلا ُيُ ْْف ِِل ُُح الَّسَ ِ‬
‫ََكْيْ ُُد ََس ِ‬ ‫عليهم باهلل سبحانه فاستجاب له؛ ( ََقا ََل‬
‫القدرة على مواجهة التحديات وجتاوز‬ ‫الَّسََح ََرُةُ ُُسَّجَ دًاً ََقاُلُوا آ ََمَّنَا ِِب ََر ِِّب ََها ُُرو ََن‬
‫َ‬ ‫ََفُأُْلِْقِ ََي‬ ‫الِّس ْْج ُُن َأَ ََح ُُّب ِِإَلََّيَ َّمِم�َ ا َيَ ْْد ُُعوَنَِنِي ِِإَلَْيِْهِ ََو ِِإَّالَ‬‫ََر ِِّب ِ‬
‫العقبات ونصرة املبادئ وحتقيق الغايات‪.‬‬ ‫وَسى) (طه)‪ ،‬فقد كشفت اآليات عن‬ ‫ََو ُُم َ‬ ‫ْص ُُب ِِإَلَْيِْهِ َّنَ ََوَأَ ُُكن ِِّم ََن‬ ‫ْف ََعِّنِي ََكْيْ ََدُهَُّنَ َأَ ْ‬ ‫َْصِرِ ْ‬‫َت ْ‬
‫مدى اخلوف الذي أصاب سيدنا موسى‬ ‫َص ََر ََف ََعْنْ ُُه‬ ‫اَب َلَ ُُه ََرُّبُ ُُه ََف َ‬
‫اْسَت َََج َ‬ ‫َِني ‪ََ 33‬ف ْ‬ ‫َجْل� ِ‬
‫اِهِل َ‬ ‫ا َ‬
‫الهوامش‬
‫عليه السالم حني فعل السحرة ما فعلوا‪،‬‬ ‫ََكْيْ ََدُهَُّنَ ) (يوسف)‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مســلم في صحيحه‪ 2295 /4( ،‬رقم‬
‫‪.)2999‬‬ ‫لكن اهلل تعالى عالج خوفه حني ذ ّّكره بعلو‬ ‫فإذا استجاب املسلم لربه وداوم على‬
‫(‪ )2‬الصمود النفســي من وجهة نظر علم النفس‬ ‫قدره وشرف رسالته‪ ،‬ثم زاده ثباتًاً بقوله‪( :‬اَلا‬ ‫دعائه وتزود من كتابه واستند إلى ركنه‬
‫الإيجابي‪ ،‬د‪ .‬ريم سليمون‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫َت َََخا ََفا ِِإَّنَِنِي ََم ََع ُُك ََما َأَ ْْس ََم ُُع ََوَأَ ََرى) (طه‪،)46 :‬‬ ‫الشديد وأيقن أن الباطل ضعيف زائل واحلق‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم‪ 2299 /4( ،‬رقم ‪.)3005‬‬ ‫فلما تذكر سيدنا موسى أنه األعلى بسبب‬ ‫قوي فاعل‪ ،‬فإنه ميتلئ صمودًاً نفسيًاً وعزمًًا‬
‫(‪ )4‬السيرة النبوية‪ :‬لابن هشام‪.)240 /1( ،‬‬
‫إميانه واستناده إلى ربه واستشعار معيته؛ زاد‬ ‫قويًاً وسعيًاً دعويًاً وتأثيرًاً جماهيريًاً؛ ذلك أن‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري‪ 1052 /3( ،‬رقم ‪.)2709‬‬
‫الصمود لديه‪ ،‬واستجاب القوم إليه‪ ،‬وهكذا‬ ‫اإلسالم يربي أتباعه على الصمود في كافة‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪51‬‬
‫وهَّبَت رياح التغيير‪..‬‬
‫شعبـــان ورمضــــــــــان‬
‫يترقب املسلمون في هذه األيام بلوغ شهر رمضان‪،‬‬
‫رغبة في الغفران‪ ،‬والعتق من النيران‪ ،‬ونيل أعلى درجات‬
‫اجلنان‪ ،‬ورغم هذا االهتمام يغفل الكثير عن جتهيز‬
‫قلبه الستقبال هذا الشهر الكرمي‪ ،‬فمع أن رمضان مضمار‬
‫سباق إمياني؛ هل يعقل أن يفوز متسابق لم يتأهل قبل‬
‫السباق؟!‬
‫وامتثاًال ألمر اهلل تعالى‪ََ ( :‬و ََذ ِِّك ْْر ََف ِِإ ََّن ِ‬
‫الِّذْكْ ََرى ََتنَفَ ُُع‬ ‫ً‬
‫(الذاريات‪ ،)55 :‬تعني أن نتذاكر كيفية‬ ‫ا ُُمْل� ْؤْ ِِم ِِن َ‬
‫َني)‬
‫االستعداد لتحقيق أقصى استفــــــــادة من ريـــاح التغيير‬
‫التي يحملها الشهــران شعبـان ورمضان‪ ،‬ليكون املرء من‬
‫الفائزين بإذن اهلل تعالى‪.‬‬

‫واألخذ‬ ‫النفس‬ ‫إعداد‬ ‫‪-2‬‬ ‫العبادة‪ ،‬ومينع استقباله أنوار الوحي‪ ،‬وذلك‬ ‫رقيــة محمــد‬
‫بالعزمية والهمة‪:‬‬ ‫ما يالحظه كثير من املسلمني في بداية‬
‫إن النفس حتتاج إلى العزمية والهمة‬ ‫رمضان من عدم تأثر قلوبهم بالطاعات‪ ،‬ثم‬ ‫‪ -1‬التوبة واالستغفار وصحبة‬
‫في األمور التي ال تألفها حتى تصبح‬ ‫زوال هذا األمر تدريجيًاً بالتقدم في الشهر‬ ‫القرآن‪:‬‬
‫لها عادة‪ ،‬ويجب إعداد النفس بكل ما‬ ‫مع كثرة الطاعات وطول تعرض القلب لكالم‬ ‫إن الذنوب لها أثر سيئ على القلب‪،‬‬
‫ُيُعينها على أداء الطاعات‪ ،‬وقد ذم القرآن‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫وكلما سارع العبد في التوبة منها سلم‬
‫ً‬
‫دليًال على عدم‬ ‫املهملني لذلك‪ ،‬وجعله‬ ‫ً‬
‫وعليه؛ فبدًال من تضييع أيام رمضان‬ ‫قلبه‪ ،‬وإذا لم يتب تركت أثرًاً يبقى فيه‪،‬‬
‫صدق نواياهم‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪ََ ( :‬وَلَ ْْو‬ ‫إلزالة هذا الران‪ ،‬فليبدأ املرء في إزالته‬ ‫ومع تكرار الذنوب يتكون الران على‬
‫َأَ ََرا ُُدوْا ْ اُخْل�ُ ُُرو ََج ََأل ََع ُُّدوْا ْ َلَ ُُه ُُع ً‬
‫َّدًَة ََوَلَـِكِ ن ََكِرِ َهَ‬ ‫بنَّي الشرع أهمية االستغفار في‬
‫قبله‪ ،‬وقد ن‬ ‫القلب‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه‬
‫اُهّلل� ُ ان ِِب ََعاَثَ ُُه ْْم ََفَثَ َ‬
‫َّبََط ُُه ْْم ََوِقِ ي ََل ا ْْق ُُع ُُدوْا ْ ََم ََع‬ ‫شعبان حينما جعل رفع األعمال في ليلة‬ ‫عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َاِعِدِ ي ََن) (التوبة‪.)46 :‬‬
‫اْلَْق ِ‬ ‫النصف من شعبان؛ وذلك ليحث النفوس‬ ‫قال‪« :‬إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت‬
‫ومن إعداد النفس التدرب على تدبر‬ ‫ويوقظها لكي تستعد مبكرًاً للسباق اإلمياني‬ ‫في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإذا هو نزع‬
‫القرآن؛ وذلك لتحقيق املقصد من نزوله‪،‬‬ ‫في رمضان‪.‬‬ ‫واستغفر وتاب سقل قلبه‪ ،‬وإن عاد زيد‬
‫وهو تالوته حق التالوة بفهمه والعمل به‪،‬‬ ‫فيها حتى تعلو قلبه‪ ،‬وهو الران الذي ذكر‬
‫للذنوب أثر سيئ على القلب‬
‫ومعرفة أسماء اهلل احلسنى وصفاته‬ ‫اهلل‪َ( :‬كَاَّلا َبَ ْْل ََرا ََن ََعَلَى ُُقُلُوِبِِهِ م َّمَ ا ََكاُنُوا‬
‫وكلما سارع العبد في التوبة‬ ‫َيَ ْْك ِِسُبُوَنَ) (املطففني‪( »)14 :‬رواه أبو داود‬
‫العال؛ لتستحضر النفس عظمة اهلل‬
‫تعالى وجالله فتحبه وتخشاه‪،‬‬ ‫سلم قلبه وإذا لم يتب تركت‬ ‫والترمذي)؛ وهذا الران هو ما يحجب‬
‫ومعرفة فضل رمضان وما‬ ‫ً‬
‫أثرًا يبقى فيه‬ ‫القلب عن شعوره باخلشوع ولذة‬
‫فيه من مضاعفة‬
‫الثواب والعتق من النيران؛‬
‫فذلك يدفع النفس للعمل دفعًًا‬
‫عظيمًاً‪ ،‬ومعرفة أحكام الصيام؛ ليقيم‬
‫العبد الصيام بحقه‪ ،‬وتتبع سيرة النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ثم الصاحلني؛‬
‫لالقتداء بهم‪ ،‬وكل يستعد مبا يقدر عليه؛‬
‫َِك ََفْلَْيََتََنَا ََف ِِس اُمْل�َُتََنَاِفِ ُُسوَنَ)‬
‫( ََوِفِ ي ََذِل َ‬
‫(املطففني‪.)26 :‬‬
‫‪ -3‬التنظيم والتخطيط‪:‬‬
‫شعبان‬ ‫على العبد‬ ‫من إعداد‬
‫ورمضان فرصة‬ ‫أن يجعل هدفه‬ ‫النفس التدرب على‬
‫يضع الكثيرون خطط�ا ومنظمات‬
‫لمن أراد تغيير نفسه‬ ‫من النوافل محبة‬ ‫تدبر القرآن بتالوته‬ ‫للوقت وتتبعات للعادات؛ ولكن القليل‬
‫وتصحيح عالقته مع‬ ‫الله والتدرج فيها‬ ‫وفهمه والعمل‬ ‫منهم من يضعون مخططات الستغالل‬
‫خالقه‬ ‫والزيادة منها‬ ‫بما جاء به‬ ‫األوقات في الطاعات أمثل استغالل‪،‬‬
‫وذلك حتى ال يطغى جانب له حقوق‬
‫اِخِرِ ي ََن) (غافر‪)60 :‬‬ ‫ََس ََي ْْدُخُ ُلُو ََن ََج ََه َ‬
‫َّنََم ََد ِ‬ ‫في احلديث القدسي‪« :‬إن اهلل قال‪ :‬من‬ ‫على غيره‪ ،‬وقد جاء في وصية سلمان‬
‫(رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه)‪.‬‬ ‫عادى لي وليًاً فقد آذنته باحلرب‪ ،‬وما تقرب‬ ‫الفارسي ألبي الدرداء‪ :‬إَّنَ ِِل ََر ِِّب ََك ََعَلَْيْ ََك‬
‫واستغالل األوقات الفاضلة في ذلك‬ ‫إلَّيَ عبدي بشيء أحب إلَّيَ مما افترضت‬ ‫ََحًّق�ً ا‪ ،‬و ِِلَنَْف ِِْس ََك ََعَلَْيْ ََك ََحًّق�ً ا‪ ،‬وَأِل� َ ْْهِل َ‬
‫َِك ََعَلَْيْ ََك‬
‫غنيمة كبيرة؛ لذا أكثر الصاحلون من‬ ‫عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب إلَّيَ بالنوافل‬ ‫فأْع ِِط ُُكَّلَ ِذِ ي ََحٍّقٍ ََحَّقَُهُ‪ ،‬فأَتَى النبَّيَ‬
‫ََحًّق�ً ا‪ْ ،‬‬
‫ذلَك له‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َّلََم‪ََ ،‬ف ََذ ََك ََر‬
‫اُهلل عليه وس َ‬ ‫َصَّلَى ُ‬ ‫َ‬
‫الدعاء قبل رمضان ببلوغه والتوفيق في‬ ‫حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي‬
‫َصَّلَى اُهلل عليه وس َ‬ ‫ُ‬
‫العبادة فيه ولزوم االستغفار لذلك‪.‬‬ ‫يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي‬
‫«َص ََد ََق‬
‫َّلََم‪َ :‬‬ ‫ََفَقَا ََل ال ُ‬
‫َّنَبُّي َ‬
‫ََسْل ْ ََماُنُ» (رواه البخاري)‪ ،‬فإن العبد محتاج‬
‫وختامًاً؛ شعبان ورمضان فرصة‬ ‫يبطش بها‪ ،‬ورجله التي ميشي بها‪ ،‬وإن‬
‫إلى تنظيم وقته ليعطي كل ذي حق حقه‪.‬‬
‫حقيقية ملن أراد تغيير نفسه وتصحيح‬ ‫سألني ألعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني ألعيذنه»‬
‫وجميل أن يضع املرء قائمة بالصفات‬
‫عالقته مع خالقه‪ ،‬فتلك األوقات الفاضلة‬ ‫(رواه البخاري)‪.‬‬
‫املذمومة التي يود التخلص منها في سائر‬
‫ال بد أن يغتنمها العبد وال يجعلها متر في‬ ‫فعلى العبد أن يجعل هدفه من النوافل‬
‫هذه اجلوانب‪ ،‬وحتديد مدة زمنية للعمل‬
‫غفلة منه‪ ،‬وأن يقتدي فيها بسيد اخللق‬ ‫حتصيل محبة اهلل تعالى له‪ ،‬وأن يتدرج فيها‬
‫عليها حتى تفاديها‪ ،‬وزرع الصفات اجليدة‬
‫أجمعني‪ ،‬فكما جاء في حديث عائشة‬ ‫فيصلي ركعتني ً‬
‫مثًال ثم ُيُزيدهما ألربع بعد‬
‫اجلديدة مكانها‪ ،‬ثم يعمل على تثبيتها‪ ،‬وال‬
‫قالت‪« :‬ما رأيت رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫أسبوع وهكذا؛ حتى ال يصل إلى رمضان إال‬
‫ميل إن سقط مرة أو مرات‪ ،‬فإنه «اَلا َمَي�َ ُُّل‬
‫عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إال‬ ‫وهو نشيط البدن خفيف النفس؛ فيقوى‬ ‫اُهَّلل� ُ ََحَّتَى َمَت�َ ُّلُوا» (رواه البخاري ومسلم)‪،‬‬
‫رمضان‪ ،‬وما رأيته في شهر أكثر صيامًًا‬ ‫بذلك على القيام والصيام والذكر وسائر‬ ‫ويكفي دافعًاً لذلك أن ُيُري العبد ربه من‬
‫منه في شعبان» (رواه البخاري‪ ،‬ومسلم)‪.‬‬ ‫العبادات‪.‬‬ ‫نفسه خيرًاً وهو يجاهدها‪ ،‬فإن ذلك من‬
‫وكما خص الرسول صلى اهلل عليه‬ ‫‪ -5‬الدعاء‪:‬‬ ‫أسباب الهداية؛ ( ََواَّلَِذِ ي ََن ََج َ‬
‫اَه ُُدوا ِفِ يَنَا‬
‫وسلم شعبان مبزيد من صيام التطوع‬ ‫ليس هناك أفضل من جلوء العبد لربه‬ ‫َِني)‬ ‫َّنَُه ْْم ُُسُبَُلََنَا ََوِإَِّنَ اَهَّلل�َ َمَل�َ ََع ا ْ‬
‫ْحُمْل�� ِِسِن َ‬ ‫َلََنَ ْْهِدِ َيَ ُ‬
‫عن غيره من الشهور؛ فال بد كذلك من‬ ‫ودعائه له‪ ،‬ولذا اخُتُصر فيه الدين كله‪ ،‬قال‬ ‫(العنكبوت‪.)69 :‬‬
‫زيادة الطاعات فيه ليدخل العبد السباق‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال ُُّدعاُءُ‬ ‫‪ -4‬التدرج في التزام النوافل‪:‬‬
‫الرمضاني على أمت االستعداد ليكون من‬ ‫هو العبادُةُ»‪ ،‬ثَّمَ قرأ‪ََ ( :‬و ََقا ََل ََرُّبُ ُُك ُُم ا ْْد ُُعوِنِي‬ ‫رغب اهلل سبحانه وتعالى‬
‫الفائزين برحمة اهلل وتوفيقه‪.‬‬ ‫َأَ ْْسَت َِِج ْْب َلَ ُُك ْْم ِإَِّنَ اَّلَِذِ ي ََن َيَ ْْسَتَ ْْك ِِب ُُرو ََن ََع ْْن ِِع ََبا ََدِتِي‬ ‫عباده في النوافل‪ ،‬فجاء‬
‫‪100‬عام على إسقاط اخلالفة‪ ..‬ماذا خسر العالم؟‬

‫محطات إيمانية في طريق التربية‪..‬‬

‫مدفع اإلفطار!‬

‫ليؤدي فريضة املغرب التي لن يلهيه عنها‬ ‫مدفع اإلفطار في رمضان‪:‬‬ ‫إيمان مغازي الشرقاوي‬
‫طعام أو شراب‪ ،‬وقد يصطحب معه ولده‬ ‫كان املدفع وما زال في بعض بلدان‬
‫أنا مدفع اإلفطار الذي أد ِِّوي بصوتي‬
‫أو حفيده الصغير؛ وهذا مما يزيد بهجة‬ ‫املسلمني ُيُستخدم في رمضان معلنًاً حلول‬
‫عالي�ا حني أنطلق معلن�ا للناس ساعة‬
‫اإلفطار‪ ،‬فإذا رجع إلى بيته بعد صالة‬ ‫وقت اإلفطار للصائمني‪ ،‬فيدوي صوته في‬
‫اإلفطار مع غروب كل يوم من أيام رمضان‪،‬‬
‫األرجاء عاليًاً كالرعد وكأنه يسبح بحمد ربه‬
‫املغرب وجد أنسه وسروره مع عائلته‪ ،‬حيث‬ ‫وجدُت نفسي في هذا املكان الذي‬ ‫ُ‬ ‫هكذا‬
‫شاكرًاً أ ْْن وهبه هذه القوة الصوتية الكبيرة‪،‬‬
‫مائدة الطعام احلالل قد ُُم ّّدت وعليها ما‬ ‫ال حيلة لي فيه وال اختيار‪ ،‬ومع ذلك فأنا‬
‫التي صارت كل عام ََعلمًاً على رمضان‪.‬‬
‫لذ منه وطاب‪ ،‬إنه حني ينظر إليها يتذكر‬ ‫لِص ََق بي؛ ذلك‬ ‫سعيد بهذا العمل الذي ُأ ُ ِ‬
‫وما إن يسمعه األطفال إال ويصيحون‬
‫قول النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ما أ ََك ََل‬ ‫ألنه يذ ّّكرني بشهر الصيام والقرآن‪ ،‬كنت‬
‫فرحًاً‪ :‬املدفع ضرب‪ ..‬املدفع ضرب! فيسارع‬
‫أَح ٌٌد ََطعامًاً ََق ُُّط‪ََ ،‬خْيْرًاً ِمِ ن أ ْْن َيَ ْْأ ُُك ََل ِمِ ن‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫أشعر بالفخار وأنا أرتفع عالي�ا يتعانق‬
‫بالُّسنة النبوية‬
‫ُ‬ ‫عمًال‬ ‫الصائمون إلى اإلفطار‬
‫ََع ََمِلِ َيَِدِ ِهِ» (رواه البخاري)؛ فيشكر اهلل‬ ‫صوتي مع صوت األذان معلنًاً للمسلمني‬
‫في ذلك‪ ،‬فقد قال النبي صلى اهلل عليه‬
‫وقت إفطارهم‪ ،‬فيفرح اجلميع بإمتام‬
‫الذي أعانه على الكسب الطيب‪ ،‬وحفظه‬ ‫الُّسحو ََر»‬ ‫ِ‬
‫وأِّخ ُُروا ُ‬ ‫«عِّجُلُوا اإلفطا ََر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وسلم‪:‬‬
‫صوم يومهم‪ ،‬ويفرحون كذلك بفطرهم‪،‬‬
‫من اخلوض في املال احلرام‪ ،‬كما يشكره‬ ‫(صحيح اجلامع)‪ ،‬فيتناول أحدهم التمرة أو‬
‫لكني اآلن حزين وأشعر بالعار‪ ،‬وأحس‬
‫على نعمة الصحة والعافية التي معها يحلو‬ ‫جرعة ماء اقتداء به‪ ،‬فقد جاء عن أنس بن‬
‫أنني مهان‪ ،‬وإخوتي من املدافع كذلك‬
‫الطعام‪.‬‬ ‫مالك قال‪« :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫تشعر بالعجز والهوان!‬
‫باٍت قبل أن يصلي‪ ،‬فإن‬ ‫فِط ُُر عَلَى ُُر ََط ٍ‬
‫وسلم ُيُ ِ‬
‫وإن الطعام إذا طاب ولم يدخله احلرام‬ ‫فكم متنينا معًاً أن ننطلق بقوة في‬
‫لم تكن ُُرطبات فعلى مترات‪ ،‬فإن لم تكن ََحسا‬
‫طابت النفوس وزكت‪ ،‬وصلحت اجلوارح‬ ‫اآلفاق فنعبر الفيافي والقارات لنحمي‬
‫واٍت من ماء» (رواه أبو داود)‪.‬‬ ‫ََح ََس ٍ‬
‫وسلمت‪ ،‬وكانت العبادة والدعاء أقرب‬ ‫املستضعفني في كل مكان ونرد عنهم أي‬
‫ثم يسارع الصائم بعدها إلى بيت اهلل‬
‫للقبول‪ ،‬وظهر أثر ذلك في صالح الذرية‪،‬‬ ‫عدوان! كم متنينا أن نطير بعيدًاً ونسبح‬
‫فوق البحار ملنع مدافع القتل والدمار‪،‬‬
‫وذلك من البركة في الكسب احلالل‪ ،‬وقد‬ ‫ُيُحَرَ م األطفال الجوعى‬
‫التي ُتُوَّجَ ه رؤوسها إلى األبرياء من النساء‬
‫قال النبي صلى اهلل عيه وسلم‪« :‬إَّنَ الدنيا‬ ‫بغزة اليوم من خبز‬ ‫والرجال والشيوخ والولدان‪ ،‬بل وإلى‬
‫أصاَب ِمِ ْنْها ََشي ًًئا‬
‫َ‬ ‫ُُحْل ْ ُُو�ة ََخ ِِض ََرٌةٌ‪ََ ،‬ف ََم ْْن‬
‫اإلفطار فال يجدون لقمة‬ ‫البيوت واملشافي‪ ،‬واملساجد واملآذن‪،‬‬
‫من ِِحِّلِِهِ ََف ََذ َ‬
‫اَك الذي ُيُبا ََر ُُك فيــــــــه»‬
‫منه تسد جوعهم‬ ‫فتنطلق منهـــــــا النيــــــــــران دومنـــــــــا‬
‫(صحيح اجلامع)‪.‬‬ ‫تفكير أو استئذان!‬
‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬
‫‪54‬‬
‫صرخات‬ ‫االجتماع‬
‫األطفال‬ ‫على الطعام وقت‬
‫واستغاثات النساء‬ ‫اإلفطار‪:‬‬
‫وعدوهم يبيدهم إبادة‬ ‫ها هي مائدة الطعام قد‬
‫اجلماعية في غارات‬ ‫ُُمدت استعدادًاً لتناول الطعام‬
‫وحشية ليس لها مثيل‪،‬‬ ‫وقد توالت أطباقه تفوح منها‬
‫دون التفريق بني صغير‬ ‫الرائحة الزكية التي ُتُش ِِّهي‬
‫وكبير أو رجل وامرأة‬ ‫النفوس وتدعوها لألكل منه‪.‬‬
‫أو شيخ وعجوز‪ ،‬فالكل‬ ‫يركض األوالد ويلتفون‬
‫سواسية في هذه‬ ‫ٌ‬
‫كٌّل‬ ‫حول أبيهم فرحني‪،‬‬
‫اإلبادة احلاقدة التي ال‬ ‫ميسك بيده أو ثوبه متجهني‬
‫يقرها شرع أو ُُعرف‪،‬‬ ‫حيث مائدة الطعام‪ ،‬والسعيد‬
‫وال يرضى بها دين أو‬ ‫ََمن يحظى بالقرب من أبيه‪،‬‬
‫إنسانية سوية‪ ،‬فأين‬ ‫ٌ‬
‫وكٌّل‬ ‫فيتسابقون ويتنافسون‬
‫حقوق اإلنسان واملرأة‬ ‫منهم يرغب في اجللوس‬
‫والطفل واحليوان؟!‬ ‫بينما ينطلق مدفع‬ ‫بجانبه‪ ،‬وعيونهم تتراقص من الفرحة‬
‫وبينما جتتمع عائالتنا على السفرة‬ ‫إفطارنا لتحيا أبداننا‬ ‫األَسري اليومي في رمضان‬ ‫َ‬ ‫بهذا اللقاء‬
‫بعد مدفع اإلفطار‪ ،‬جتتمع كثير من‬ ‫الذي أعاد إليهم أباهم الذي أبعده العمل‬
‫بتناول الطعام تنطلق بغزة‬
‫العائالت في غزة في قبورهم شهداء‪ ،‬أو‬ ‫والسعي والكد ليسد حاجتهم ويحفظهم‬
‫حتت األنقاض والركام أمواتًاً وأحياء‪ ،‬و ََمن‬ ‫مدافع الغدر واإلجرام‬ ‫من ذل السؤال‪ ،‬إن هذا االجتماع األسري‬
‫ً‬
‫سبيًال‪،‬‬ ‫ينج منهم ال يجدون للشبع وال ِِّر ّّي‬ ‫ُحتل‬ ‫مما مييز هذا الشهر املبارك‪ ،‬وبه ُ‬
‫وال لألمن والدفء مكانًاً! ال يجدون أسرة‬ ‫البركة في الطعام‪.‬‬
‫‪ ..‬وبينما تجتمع عائالتنا‬
‫ليجتمعوا معها على مائدة اإلفطار‪،‬‬ ‫رغيف اخلبر‪:‬‬
‫على السفرة وقت اإلفطار‬
‫وال مسجدًاً ليصلوا فيه‪ ،‬وال مستشفى‬ ‫وفي وسط املائدة جلس رغيف‬
‫ليعاجَلج وا فيه‪ ،‬وال مدرسة ليلجؤوا إليها‪،‬‬ ‫تجتمع كثير من عائالت غزة‬ ‫اخلبز متربعًاً وقد احتل أحسن مكان‬
‫وال مكان�ا آمن�ا يرحتلوا إليه! بل إنهم‬ ‫في قبورهم شهداء‬ ‫فيها‪ ،‬وكأنه يقول للجميع‪ :‬انظروا إلَّيَ ‪،‬‬
‫صائمون رغمًاً عنهم وإن كانوا من أهل‬ ‫فأنا لست مثل بقية الطعام! وقد صدق‬
‫األعذار املباح لهم الفطر! وإنهم ميارسون‬ ‫والصواريخ املوجهة؛ فيستشهد معهم وقد‬ ‫خبزنا‪ ،‬فما صار إلى أيدينا إال بعد أن‬
‫الوصال في الصيام رغمًاً عنهم وإن كان‬ ‫اختلط بدمائهم وتراب أرضهم الذي نبت فيه‬ ‫مر مبراحل عدة حتى صار خبزًاً شهيًًا‬
‫النهي قد ورد عنه‪ ،‬فال يجدون جرعة ماء‬ ‫وُيُدفن شهيدًاً فيها حتت األنقاض!‬ ‫لآلكلني‪.‬‬
‫ليتسحروا عليها في ظلمة الليل البهيم!‬ ‫إنه ُيُهان حني يأكله الشبعان أو يلقي به‬ ‫غير أن رغيف اخلبز اليوم ُيُهان وقد‬
‫هذه حالتهم ومأساتهم وكأنها خيال‪،‬‬ ‫وببقاياه في سلة املهمالت بينما ال يصل إلى‬ ‫بطشت به يد اإلنسان! ُيُهان حني ُيُح ََرم‬
‫وبينما يرفع الصائم منا يديه بدعاء‬ ‫احملرومني في البلدان الفقيرة التي أنهكتها‬ ‫منه األطفال اجلوعى في غزة وغيرها‬
‫الصائم املستجاب‪ ،‬يرفعون هم أكفهم إلى‬ ‫ً‬
‫سبيًال وقد‬ ‫احلروب فال جتد بذرته للنمو‬ ‫فال يجدون لقمة منه تسد جوعهم! ُيُهان‬
‫ربهم بدعاء املظلوم املقهور الواثق بفرجه‪،‬‬ ‫أفسدت تربته قسوة واعتداء وظلم اإلنسان!‬ ‫حني ُت ََُس ّّد املنافذ في وجهه فال يجد‬
‫فيقول اهلل تعالى لكل مظلوم‪« :‬وعَّزَتي‬ ‫بني مدفع ومدفع‪:‬‬ ‫طريقًاً ليصل إلى أيديهم ومن َثَم إلى‬
‫َّنَِك وَلَ ْْو بع ََد ِِح ٍٍني» (رواه‬ ‫ُص ََر ِ‬‫وَجالِلِي ألْنْ ُ‬
‫َ‬ ‫وبينما ينطلق مدفع إفطارنا لتحيا أبداننا‬ ‫بطونهم!‬
‫الطبرانــــــــــي)‪ ،‬وصــــــدق اهلل حني‬ ‫وتنشط بتناول الطعام‪ ،‬تنطلق في غزة دون‬ ‫إنه اليوم يستغيث استغاثة أهل‬
‫ْسرًاً)‬
‫ُهَّلل� ُ‬
‫قال‪ََ ( :‬سَيَ ْْج ََع ُُل ا َبَ ْْع ََد ُُع ْْس ٍٍر ُيُ ْ‬ ‫توقف مدافع الغدر واإلجرام من احملتلني‬ ‫غزة حني ُيُقذف معهم باملدافع‬
‫(الطـــالق‪.)7 :‬‬ ‫لتقتل منهم األبدان وتخمد األنفاس‪ ،‬فتعلو‬ ‫الثقيلة والقنابل احلارقة‬
‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬
‫‪55‬‬
‫تنميــة ذاتيـــة‬
‫وفاء لذكراهم‬

‫المد ِِّرب المتأ ِِّلق (‪)2‬‬


‫السمات الشخصية الرئيسة‬
‫والتأثير في اآلخرين‪.‬‬ ‫ويقوم املدير بتوجيه املوظفني نحو تنفيذ مهمات‬
‫ً‬
‫مثاًال لهذه النقطة بهذه القصة‪:‬‬ ‫ونضرب‬ ‫معينة يطلبها منهم‪ ،‬وجاءت كلمة الهيمنة‬
‫في يوليو ‪2003‬م‪ ،‬كنت في إحدى األسواق‬ ‫والسيطرة من حرص هذا املدير على إجناز ما‬
‫أشتري حاجات البيت من صابون ومواد‬ ‫يطلبه من موظفيه بصورة يومية ودفعهم نحو‬
‫التنظيف‪ ،‬وبينما كنت أدفع بعربة التسوق بني‬ ‫ذلك؛ فاملدرب املتألق هو الذي يحرص على‬
‫األرفف‪ ،‬إذ ببائعة تروج لصابون «أومو»‪ ،‬وبدأت‬ ‫سمة التوجيه والتطوير من أجل تنمية قدرات‬
‫حوارًاً معي‪:‬‬ ‫املتدربني ومهاراتهم‪.‬‬
‫قالت البائعة‪ :‬صابون «أومو» أفضل صابون‬ ‫وليعلم املدرب املتألق أنه ينبغي له أال‬
‫د‪ .‬موسى المزيدي‬
‫مدرب معتمد في المهارات اإلدارية والقيادية‬
‫في اخلليج‪( .‬ثم رفعت علبة من الرف ووضعتها‬ ‫يفرض رأيه على املتدربني‪ ،‬إمنا يقنعهم مبا‬
‫في عربة التسوق دون إذن مني!)‪.‬‬ ‫لديه من أفكار‪ ،‬ولهم أن يناقشوه فيها‪ ،‬ويأخذوا‬ ‫إن اختبار الشخصية الذي يعرف باختبار‬
‫قلت لها‪ :‬أنا ال أستعمل صابون «أومو» في‬ ‫ببعضها أو كلها‪ ،‬ولهم أن يرفضوها قاطبة وهو‬ ‫سمات حتليل الشخصية اختبار مت إعداده‬
‫بيتي‪( .‬قمت ورفعت العلبة من عربتي وأرجعتها‬ ‫أمر نادر‪ ،‬والنادر ال حكم له؛ حيث إن املدرب‬ ‫من قبل شركة عاملية في بريطانيا معروفة‬
‫في مكانها)‪.‬‬ ‫املتألق يبني قراراته على تق ّّبل معظم املتدربني‬ ‫باسم «توماس إنترناشيونال»‪ ،‬وقد اعُتُمد من‬
‫قالت البائعة‪ :‬يبدو أنك جتهل صفات هذا‬ ‫ألفكاره‪ ،‬ويسعى إلقناعهم بها‪ ،‬ويدرك أن قبول‬ ‫قبل جمعية علماء النفس في بريطانيا‪ ،‬وهذا‬
‫الصابون‪ ،‬إنه يزيل البقع من املالبس املتسخة‬ ‫واقتناع ‪ %90 - 80‬من املتدربني ألفكاره يعتبر‬ ‫االختبار قد أجنز بناء على نظرية في علم‬
‫بسهولة‪( .‬وسحبت العلبة من الرف للمرة‬ ‫تألقًاً في عالم التدريب‪.‬‬ ‫النفس تعرف بنظرية «‪ ،»DISC‬وتدور حول أربع‬
‫الثانية‪ ،‬ووضعتها في عربتي!)‪.‬‬ ‫في حني ال يحزن لرفض عدد قليل من‬ ‫سمات للشخصية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫قلت لها‪ :‬سيدتي‪ ،‬نحن في البيت نستعمل‬ ‫املتدربني (بحدود ‪ )%10‬ألفكاره‪ ،‬بل يجلس‬ ‫‪ -1‬التوجيه والتطوير‪:‬‬
‫صابون «إيريال»‪( .‬قمت ورفعت العلبة من‬ ‫معهم بعد الدورة ملزيد من اإليضاح والنقاش‬ ‫ينبغي أن تصل سمة التوجيه والتطوير إلى‬
‫عربتي وأرجعتها في مكانها)‪.‬‬ ‫واحلوار‪ ،‬وقد يقتنع ببعض أفكار املتدربني‬ ‫حدها األعلى لدى املد ّّرب املتأ ّّلق‪ ،‬أما عكسها‬
‫قالت البائعة‪ :‬سيدي‪ ،‬صابون «أومو» أثبت‬ ‫فيأخذ بها‪.‬‬ ‫وهي سمة الهيمنة والسيطرة فينبغي أن تصل‬
‫جدارة في دول اخلليج على مدى عقود من‬ ‫‪ -2‬اإلقناع والتأثير‪:‬‬ ‫إلى حدها األدنى؛ إذ ليس من سمات املدرب‬
‫الزمن‪( .‬ثم قامت وسحبت العلبة من الرف‬ ‫ينبغي أن تصل سمة اإلقناع والتأثير إلى‬ ‫املتألق الهيمنة والسيطرة على املتدربني‪ ،‬إمنا‬
‫للمرة الثالثة‪ ،‬ووضعتها في عربتي!)‪.‬‬ ‫حدها األعلى لدى املدرب املتألق‪ ،‬إذ إن من‬ ‫هذه هي سمة املدير الذي يدير شركة أو‬
‫قلت لها‪ :‬إن قرار شراء الصابون في بيتي‬ ‫سماته القدرة الفائقـــــــــة على اإلقـنـــــــــاع‬ ‫مؤسسة تشرف على مجموعة من املوظفني‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪56‬‬
‫المدرب المتألق يحرص على‬ ‫بيد زوجتي! (قمت ورفعت العلبة من عربتي‬
‫وأرجعتها في مكانها)‪.‬‬
‫«التوجيه والتطوير» من‬
‫قالت البائعة‪ :‬أيعقل‬
‫أجل تنمية قدرات المتدربين‬
‫أنك لست صاحب‬
‫ومهاراتهم‬
‫‪---------------------------------‬‬

‫‪ ..‬ويمتلك القدرة على اإلقناع‬


‫والتأثير في المتدربين‬
‫القرار في بيتك‪ ،‬إن‬
‫واستعمال لغة الجسد مع‬ ‫قرار شراء الصابون في كل بيت‬
‫التنوع في نغمات صوته‬ ‫قرار الزوج وليس الزوجة! (ثم‬
‫قامت وسحبت العلبة من الرف‬
‫استعمالها في خطبهم‪.‬‬ ‫حالة ملل وضجر‪ ،‬وما كان فوق ذلك يجعل‬ ‫للمرة الرابعة‪ ،‬ووضعتها في‬
‫كما يحرص املدرب املتألق في إلقائه‬ ‫املتدرب في حالة استغراب ودهشة‪.‬‬ ‫عربتي!)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬كذلك‪ ،‬أن يتجنب حشو الكالم في‬ ‫قلت لها‪ :‬إن كنت مص ّّرة على رأيك‪ ،‬تفضلي‬
‫على أن تكون كلماته ملؤها احليوية والنشاط‬
‫إلقائه؛ فيبتعد عن استعمال كلمات الربط بني‬ ‫هذا هاتفي‪ ،‬اتصلي بزوجتي وأقنعيها بتغيير‬
‫والطاقة واحلماسة‪ ،‬وُتُنطق بصوت واضح‬
‫العبارات‪ ،‬مثل‪ :‬من الطبيعي‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬من‬ ‫نوع الصابون في بيتنا من «إيريال» إلى «أومو»!‬
‫يسمعه جميع املتدربني‪.‬‬
‫الواضح‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬بصراحة‪ ..‬ويستبدل‬ ‫قالت البائعة‪ :‬نحن هنا ال نتصل بالعمالء‪،‬‬
‫وإليكم هذه القصة‪ :‬أخبرني صديقي‬
‫بهذه الكلمات سكتات زمنية تتراوح ما بني ثانية‬ ‫بل العمالء يأتون إلينا ونقنعهم بشراء بضاعتنا‪.‬‬
‫الشيخ عبدالعال سيد أحمد من جمهورية مصر‬ ‫إلى ثانيتني‪ ،‬ويحرص على أال تزيد على ذلك‬ ‫قلت لها‪ :‬هذه قمة الهيمنة والسيطرة‬
‫العربية‪ ،‬أنه اشترك في مسابقة ماليزيا العاملية‬ ‫فإنها مجلبة للملل‪.‬‬ ‫وفرض الرأي على اآلخرين‪ ،‬اسمحي لي أن‬
‫للقرآن الكرمي‪ ،‬وجاء ترتيبه الثاني على مستوى‬ ‫ولتأكيد هذه النقطة‪ ،‬نذكر هذه القصة‪:‬‬ ‫أرفع علبة الصابون من عربتي وأرجعها إلى‬
‫العالم‪ ،‬فباركت له فوزه‪ ،‬ودار بيني وبينه هذا‬ ‫دعيت في عام ‪2001‬م حلضور مؤمتر في‬ ‫الرف‪ ،‬وابحثي عن شخص غيري!‬
‫احلوار‪:‬‬ ‫الهندسة عقد مبدينة مسقط عاصمة ُُعمان‪،‬‬ ‫نستخلص العبرة من القصة السابقة أن‬
‫قال الشيخ أحمد‪ :‬هل تعلم ما الذي‬ ‫وقد كنت حريصًاً على سماع كلمة يلقيها شاب‬ ‫املدرب املتألق يعلم أنه يستطيع جر احلصان‬
‫ساعدني على الفوز؟‬ ‫مهندس من البحرين حول الفرص الوظيفية‬ ‫إلى بركة املاء في مزرعته‪ ،‬ولكنه ال يستطيع‬
‫قلت له‪ :‬ال‪ ،‬ما الذي ساعدك على الفوز؟‬ ‫للمهندسني في دول اخلليج‪.‬‬ ‫إرغامه على الشرب منها!‬
‫كانت مدة الكلمة ‪ 5‬دقائق‪ ،‬فمسكت قلمًًا‬ ‫كذلك‪ ،‬فالقدرة على اإلقناع والتأثير‬
‫قال الشيخ أحمد‪ :‬كنت حريصًاً ‪-‬قبل أن‬
‫أعتلي منصة التالوة‪ -‬على ترطيب أحبالي‬ ‫بيدي ألكتب األفكار الرئيسة‪ ،‬ولكنني لم أكتب‬ ‫تتطلب استعمال املدرب املتألق للغة جسده‪،‬‬
‫أي فكرة‪ ..‬ملاذا؟ بسبب حشو الكالم الذي‬ ‫والتنوع في نغمات صوته؛ إذ إنها متثل ‪ %93‬من‬
‫الصوتية بشربة من ماء دافئ‪.‬‬
‫مأل الشاب كلمته بها! فبدأت أحصي عددها‪،‬‬ ‫محتوى الرسائل التدريبية املراد توصيلها إلى‬
‫ثم قال الشيخ أحمد‪ :‬هل تعلم أن الشيخ‬
‫فهالني أن عددها بلغ ‪ 85‬كلمة حشو ما بني‪:‬‬ ‫املتدرب‪ ،‬أما الكلمات التي يسمعها املتدربون‬
‫محمود خليل احلصري كان يخلط مع املاء‬
‫«يعني‪ ،‬وآآآ‪ ،‬وفي احلقيقة‪ ،‬وكما تعلمون‪،‬‬ ‫من املدرب املتألق فإنها تشكل ‪ %7‬فقط من‬
‫ً‬
‫عسًال‪ ،‬وأن الشيخ عبدالباسط‬ ‫الدافئ‬
‫وبصراحة‪ ،‬ومن الواضح‪ ،‬ومن الطبيعي‪ !»..‬لقد‬ ‫محتوى الرسائل التدريبية املراد توصيلها‬
‫عبدالصمد كان يأكل حبيبات من الزبيب ليزيد‬
‫قتل الشاب كلمته بحشو الكالم‪ ،‬كان بإمكانه‬ ‫إليهم‪ ،‬وعلى الرغم من كون نسبتها قليلة‪ ،‬فإنه‬
‫صوته حالوة ونقاوة وطراوة ونداوة؟!‬ ‫استعمال سكتات قصيرة يربط بها أفكاره‪.‬‬ ‫يحرص على إلقائها بصورة معتدلة تطرب لها‬
‫ولذلك‪ ،‬نؤكد أن املدرب املتألق هو الذي‬ ‫ولذلك‪ ،‬فإن املدرب املتألق يعلم أن اخلطباء‬ ‫اآلذان وتطيب لها النفوس‪.‬‬
‫يجعل صوته واضحًاً يسمعه كل املتدربني‪.‬‬ ‫املف ّّوهني عبر تاريخنا اإلسالمي ال يستعملون‬ ‫إن أفضل إلقاء للمدرب املتألق هو الذي‬
‫في مقالنا القادم سنتطرق‪ ،‬بإذن اهلل‪ ،‬إلى‬ ‫حشو الكالم في خطبهم‪ ،‬وإمنا جاءتنا هذه‬ ‫يكون مبعدل ‪ 140 - 120‬كلمة في الدقيقة‬
‫بقية سمات املدرب املتألق‪.‬‬ ‫الظاهرة من دول الغرب‪ ،‬حيث يكثرون من‬ ‫الواحدة‪ ،‬فما كان دون ذلك يجعل املتدرب في‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪57‬‬
‫تنميــة أسريـــة‬
‫وفاء لذكراهم‬

‫دروس ملهمــة لألســرة المسلمــة (‪)2‬‬


‫صاحـــب البصمـــة األولــــى‬

‫اإلنسان الفرد هو أساس املجتمع وعماده األول‪ ،‬ومحور هذا الكون‪ ،‬وأهم‬
‫لبنة في صرحه الشامخ‪ ،‬وبنيانه السامق‪ ،‬فهو مدني واجتماعي بطبعه‪،‬‬
‫يبدأ حياته مبركب مزدوج؛ أبيه وأمه؛ لذا فاألسرة هي احملضن األول‪.‬‬
‫وهو كذلك ابن بيئته وأسرته؛ فهي تؤثر في تكوين سلوكه وأفكاره‬
‫وقيمه وعاداته ودينه وثقافته ولغته‪ ،‬وهي األرض اخلصبة التي ميكن أن‬
‫د‪ .‬محمـد البربـري‬
‫نزرع فيها كل معاني احلب والرحمة والفضيلة في نفوس الناشئة‪.‬‬ ‫داعيــــة إسالمــــي‬

‫خاطري عند معايشة قول اهلل تعالى‪ََ ( :‬واْلَْبََل َ ُُد‬ ‫فخالف سيرك املعوَّجَ واعدل‬ ‫الطاووس طائر يجمع بني اجلمال والدالل؛‬
‫َّطَِّي ُُب َيَْخْ ُُر ُُج َنَ ََباُتُ ُُه ِِب ِِإْذِْنِ ََر ِِّبِهِ ََواَّلَِذِ ي َخَ ُبَُثَ ََال َيَْخْ ُُر ُُج‬
‫ال ِ‬ ‫فإَّنَا إن عدلت معدلوُهُ‬ ‫اجلمال في هيئته‪ ،‬والدالل في مشيته‪ ،‬يتحرك‬
‫اِت ِِل ََق ْْو ٍٍم َيَ ْْش ُُك ُُروَنَ)‬
‫ُف اآلَيَ ِ‬ ‫َص ِِّر ُ‬ ‫َِك ُنُ َ‬ ‫ِِإَّالَ َنَِكِ دًاً ََك ََذِل َ‬ ‫أما ت ـ ـ ــدري أبانا كـ ـ ــل فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع‬ ‫بعزة وأناة‪ ،‬وميشي ب ُع ْجب واختيال‪ ،‬فقلَّده بنوه‬
‫(األعراف‪ ،)58 :‬يقول العاَّلا مة ابن جرير الطبري‬ ‫ُيُ جاري باخلطى من أ ّّدبوُهُ‬ ‫فسطر األصمعي شعراً يعتبر من روائع األدب‬
‫َّ‬
‫عن تفسيرها‪« :‬والبلد الطيبة تربته‪ ،‬العذبة‬ ‫وينشأ ناشـ ـ ـ ـ ـ ــُئُ الفتي ـ ـ ــان مَّنَا‬ ‫الرمزي‪:‬‬
‫مشاربه‪ ،‬يخرج نباته إذا أنزل اهلل الغيث وأرسل‬ ‫على ما كان عَّوَ ده أبوُهُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫مشى الطاووس يوم ًًا باختيال‬
‫عليه احلياة بإذنه‪ ،‬طيبًاً ثمره في حينه ووقته‪،‬‬ ‫ومن عالم احليوان إلى دنيا الناس‪ ،‬حيث إن‬ ‫فقَّلَد شكل مشيته بنوُهُ‬
‫والذي خبث ف ُُرِدِ ئت تربته‪ ،‬وملحت مشاربه ال‬ ‫العقالء يقررون أن اإلنسان ابن بيئته‪ ،‬وأن الشيء‬ ‫فقال عال ََم تختال ـ ـ ـ ــون؟ قالـ ـ ــوا‬
‫يخرج نباته إال نكدًاً؛ يعني إال عسرًاً في شدة»(‪.)2‬‬ ‫من معدنه ال ُيُستغرب‪ ،‬دارت هذه املعاني في‬ ‫بدأت به ونحن مقلدوُهُ‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪58‬‬
‫الطفل الذي يتربى على‬ ‫عمارة اإلنسان تكون من خالل‬ ‫الرجل الصالح يُحفظ في‬
‫الصدق وطلب الحالل سيكون‬ ‫األسرة فهي البيئة األولى‬ ‫ذريته بسبب حسن التربية‬
‫له مع الله حال‬ ‫وحجر األساس‬ ‫والتهذيب والتوجيه‬

‫حجر األساس‪:‬‬ ‫علي‪ :‬يا ِ‬


‫أبت‪ ،‬إن احلالل عزيز‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫فقال ابنه ّ‬ ‫إيحاءات القرآن الكرمي وداللته‪:‬‬
‫هذه حقائق ثالث في هذا السياق‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫يا بني‪ ،‬وإن قليله عند اهلل كثير ‪ ،‬والطفل الذي‬
‫(‪)4‬‬ ‫من اإليحاءات القوية والدالالت العميقة التي‬
‫أوالً‪ :‬عمارة الكون تكون باإلنسان الذي به‬ ‫يتربى على الصدق وطلب احلالل حتماً سيكون له‬ ‫تومئ إلى هذه املعاني السابقة قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫يتحقق منهج االستخالف في األرض‪.‬‬ ‫مع اهلل حال‪.‬‬ ‫( َو َقا َل نُو ٌح َّر ِّب َاَل تَ َذ ْر َعلَى ْاأْلَ ْر ِ‬
‫ض مِ َن الْ َكافِ رِ ي َن‬
‫ثانياً‪ :‬عمارة اإلنسان تكون من خالل األسرة‬ ‫ظل الفضيل يربي ولده علياً ولكنه ُم ْعرض‬ ‫َد َّياراً ‪ِ 26‬إ َّن َك إِن تَ َذ ْر ُه ْم يُ ِضلُّوا ِعبَا َد َك َو َاَل يَ ِل ُدوا‬
‫عنه‪ ،‬فاستعان باهلل وظل يدعو له ملدة ثالث‬ ‫اجراً َكفَّاراً) (نوح)‪َ ( ،‬وأَ َّما ْ ِ‬
‫اجْل َدا ُر َف َكا َن‬ ‫ِإاَّلَّ َف ِ‬
‫فهي البيئة األولى وركن الزاوية وحجر األساس‪.‬‬
‫سنوات وكان يقول في صالته‪« :‬اللهم إني‬ ‫حَتتَ ُه َكن ٌز َّل ُه َما‬
‫نْي فِ ي ْامْلَدِ ينَةِ َو َكا َن َ ْ‬ ‫ِلغ َُاَل َم ْ ِ‬
‫نْي يَتِي َم ْ ِ‬
‫ثالثاً‪ :‬دور األسرة سلباً وإيجاباً في توجيه‬
‫علي فلم أقدر فر ِّبه أنت لي»؛‬ ‫ص ِاحِلاً) (الكهف‪َ ( ،)82 :‬وا َّلذِ ي َن‬ ‫َو َكا َن أَبُو ُه َما َ‬
‫الناشئة واحلفاظ على نقاء الفطرة ليل نهار أو‬ ‫اجتهدت في تربية ّ‬
‫فتحول بفضل اهلل إلى آية في الزهد والعبادة‪،‬‬ ‫مي ٍان أَ ْ َ‬
‫حْل ْقنَا بِهِ ْم ُذ ِّر َّيتَ ُه ْم‬ ‫آ َمنُوا َوا َّت َب َعتْ ُه ْم ُذ ِّر َّيتُ ُهم ِب ِإ َ‬
‫االنحراف بها إلى شفا ُج ٍ‬
‫رف هار‪.‬‬
‫وكان يصلي حتى يزحف إلى فراشه ثم يلتفت‬ ‫َو َما أَلَتْنَا ُهم ِّم ْن َع َملِهِ م ِّمن َش ْيءٍ ُك ُّل ا ْمرِ ٍئ ِ َ‬
‫مِبا‬
‫قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ُُ « :‬كُّلُ ُُك ْْم ٍ‬
‫راٍع‬
‫َك َس َب َر ِهنيٌ) (الطور‪.)21 :‬‬
‫إلى أبيه فيقول‪ :‬يا ِ‬
‫أبت‪ ،‬سبقني املتعبدون‪ ،‬ومات‬
‫والَّرَُج ُُل‬
‫ُ‬ ‫و ُُكُّلُ ُُك ْْم ََم ْْسؤو ٌٌل عن ََر ِِعَّيَِتِِهِ ‪ ،‬واألِمِ ي ُُر ٍ‬
‫راٍع‪،‬‬ ‫في اآلية األولى دليل على أن احلية ال تلد إال‬
‫وهو ساجد في الصالة‪ ،‬وكان أبوه يقول‪ :‬رحم‬
‫أْهِلِ َبَْيِْتِِهِ ‪ ،‬وا ََمل ْْرَأَُةُ ِ‬
‫راِعَيَ ٌٌة عَلَى َبَْيْ ِِت ََز ْْو ِِجها‬ ‫راٍع عَلَى ْ‬
‫ٍ‬ ‫ُحيية‪ ،‬وأن األصل املعيوب ال يُسفِ ر عن أثر ٍ‬
‫خال‬
‫اهلل حبيبي من كان يعينني على الزهد والعبادة‪،‬‬
‫راٍع و ُُكُّلُ ُُك ْْم ََم ْْسؤو ٌٌل عن ََر ِِعَّيَِتِِهِ »(‪.)7‬‬
‫و ََوَلَِدِ ِهِ‪ََ ،‬ف ُُكُّلُ ُُك ْْم ٍ‬ ‫من العيوب‪« ،‬فقد أُلهم قلب نوح أن األرض حتتاج‬
‫هذه ثمرة طيبة لهذا الغرس املبارك الذي غرسه‬
‫وقصرا‬
‫َّ‬ ‫وغريب أمر الوالدين اللذين أهمال‬ ‫إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم اخلالص‬
‫الوالد بيده فأثمر وأورق‪ ،‬وال عجب حينئذ عندما‬
‫في تربية األوالد‪ ،‬فو ّكال أمرهم إلى من ال يجيدون‬ ‫الذي انتهى إليه القوم في زمانه‪ ،‬وأحياناً ال يصلح‬
‫يقول عبداهلل بن املبارك‪« :‬خير الناس الفضيل بن‬
‫صنعاً وال يق ّومون معوجاً‪ ،‬إهمال‪ ..‬نعم ولو كان‬ ‫أي عالج غير تطهير وجه األرض من الظاملني؛‬
‫علي»(‪ ،)5‬فصالح الفرع من‬
‫عياض‪ ،‬وخير منه ابنه ّ‬
‫وقتياً‪ ،‬لقد جعل أغلب الناس عالقتهم باألوالد‬ ‫ألن وجودهم يج ّمد الدعوة إلى اهلل نهائياً‪ ،‬ويحول‬
‫طيب األصل‪.‬‬
‫عالقة طعام وشراب وكساء‪ ،‬أما الرواء العاطفي‬ ‫بينها وبني الوصول إلى قلوب اآلخرين‪ ،‬ثم إنهم‬
‫للمربي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫رسالة‬
‫واليد احلانية والتوجيه والتعليم فيشتكي اليتم في‬ ‫يوجدون بيئة وجواً يولد فيه الكفار‪ ،‬وتوحي بالكفر‬
‫أنت صاحب البصمة األولى في حياة ولدك‪.‬‬
‫من الناشئة الصغار مبا يطبعهم به الوسط الذي‬
‫دنيا الناس‪ ،‬وفي تاريخنا اإلسالمي مناذج مضيئة‬ ‫أنت أول من ت ِّ‬
‫ُسطر بأناملك الكرمية مالمح‬
‫ينشئه الظاملون‪ ،‬فال توجد فرصة لترى الناشئة‬
‫نستلهم من مواقفها التربوية دروساً وعبراً لآلباء‬ ‫شخصية ولدك‪.‬‬ ‫النور من خالل ما تغمرهم به البيئة الضالة التي‬
‫واألمهات لتكون لهم تبصرة وذكرى‪.‬‬ ‫أنت أول من تو ِّقع في دفتر وجود ولدك‪،‬‬ ‫صنعوها»(‪.)3‬‬
‫فولدك نسخة عن سلوكك‪.‬‬ ‫وفي اآليتني الثانية والثالثة دليل أكيد على‬
‫الهوامش‬ ‫أنت أول من يبذر في أرضه بذور الفضيلة‪.‬‬ ‫أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته بسبب حسن‬
‫(‪ )1‬أرشيف ملتقى أهل الحديث (‪/125‬‬ ‫فإياك أن تأمره بالصدق وأنت َّ‬
‫كذاب على‬ ‫التربية والتهذيب والتوجيه‪ ،‬وتشمل بركة عبادته‬
‫‪.)334‬‬ ‫وزن ف َّعال‪ ،‬أو توصيه باألمانة وأنت خائن على‬ ‫لهم في الدنيا واآلخرة بشفاعته فيهم ورفع‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)495 /12‬‬ ‫وزن فاعل‪ ،‬وإياك أن تضع في امليزان ما تخجل‬ ‫درجتهم إلى أعلى درجة في اجلنة يوم القيامة‬
‫(‪ )3‬في ظالل القرآن (‪.)3717 /6‬‬ ‫منه أمام الد َّيان‪.‬‬ ‫لتقر عينه بهم‪.‬‬
‫فمن املسَّلَمات أن الطفل الصغير هو‬ ‫بني الفضيل وولده‪:‬‬
‫(‪ )4‬سير أعالم النبالء (‪.)8 /428‬‬
‫املستقبل بنفسه والتاريخ بعينه‪ ،‬فعلى ولي أمره أن‬ ‫الفضيل بن عياض قامة من القامات‪ ،‬وسيد‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪.‬‬
‫يتقي اهلل فيه‪ ،‬وأن يجعل حوله سياجًاً من التربية‬ ‫من السادات ذاع صيته في الزهد والورع‪ ،‬وسطع‬
‫(‪ )6‬تحفــة المــودود بأحــكام المولــود‬ ‫جنمه في هجر احلرص والطمع‪ ،‬كان قدوة‬
‫والتهذيب؛ «فإن أكثر األوالد إمنا جاء فسادهم من‬
‫(‪.)299‬‬ ‫قبل اآلباء وإهمالهم لهم‪ ،‬وترك تعليمهم فرائض‬ ‫صاحلة لولده‪ ،‬رباه من طفولته على كرمي اخلصال‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري (‪.)5200‬‬ ‫الدين وسننه‪ ،‬فأضاعوهم صغارًاً‪ ،‬فلم ينتفعوا‬ ‫قبل أن يبلغ مبلغ الرجال‪ ،‬قال له يوماً‪ :‬لم يتزين‬
‫بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًاً»(‪.)6‬‬ ‫الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب احلالل‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪59‬‬
‫استشـارات أسريــة‬

‫كنت غير مقتنعة! نعم كنت أمتنى أن أصل إلى‬

‫متالزمة النقد!‬
‫الصورة التي يتمناها‪.‬‬
‫لم يكن سلوكه هذا في بداية تعارفنا‬
‫ميثل مشكلة لي‪ ،‬خاصة أنه كان يسعدني جد ًا‬
‫بإشادته بي في حضور أي إنسان خاصة أهله‪،‬‬
‫أبد له أي امتعاض أو عدم ارتياح النتقاده‬ ‫لم ِ‬
‫ً‬
‫الدائم لي! كنت فعال سعيدة بذلك‪ ،‬وكنت أبرر‬
‫علي‪ ،‬خاصة أنه كان عريس ًا‬‫انتقاده لي بحرصه َّ‬
‫بكل املقاييس تتمناه أي فتاة! وعندما كنت أخلو‬
‫بنفسي كانت حتدثني عن ظاهرة كثرة انتقاده‪،‬‬
‫فكنت أقول في نفسي‪ :‬سيتغير بعد الزواج‪،‬‬
‫وإنني باستجابتي النتقاده ستزول األسباب‬
‫التي جتعله ينتقدني‪ ،‬ولكن ال‪ ..‬فمهما بذلت‬
‫وحاولت أن أتوافق مع متطلباته ألمنع أو حتى‬
‫أقلل انتقاده الدائم لي‪ ،‬إال أن لديه رصيد ًا ال‬
‫ينفد من االنتقادات‪.‬‬
‫تزوجنا وزادت املساحة املشتركة بيننا‪،‬‬
‫وتضاعفت معها االنتقادات‪ ،‬ال يترك شيئ ًا؛‬
‫زينتي‪ ،‬لباسي‪ ،‬حديثي‪ ،‬حتى وهو يغازلني أو‬
‫أثناء العالقة ال يعجبه طريقة تفاعلي معه‪:‬‬
‫«ليتك تقولي كذا وال تقولي كذا‪ ،»..‬أما البيت‬
‫فانتقد وال حرج حتى عالقتي مع األوالد!‬
‫رغم أنني واحلمد هلل‪ ،‬بشهادة اجلميع‪ ،‬على‬ ‫زوجي كرمي يغمرني بحبه وعطفه وحنانه‪،‬‬
‫خلق ودين وقدر من اجلمال والرقي‪ ،‬فإنه كثير ًا‬ ‫كذلك معي «كارت» البنك أشتري كل متطلبات‬
‫ما يقارن غيري بي‪ ،‬هذه املقارنة تؤملني وأشعر‬ ‫البيت وما أحتاجه لي شخصي ًا حتى هدايا‬
‫بظلم وإحباط شديد‪ ،‬خاصة أن من يقارنني بها‬ ‫ألهلي وصديقاتي ال يراجعني في شيء‪ ،‬وهو‬
‫أقل مني جما ًال أو ليست على خلق ودين‪.‬‬
‫أب مثالي رعايته لألوالد واهتمامه بهم مضرب‬
‫لقد مرت عالقتي بزوجي مبنعطف خطير‪،‬‬
‫املثل‪ ،‬ال يدخر جهد ًا أو ما ًال حلسن تربيتهم‪،‬‬
‫فبعد أن كنت أتقبل انتقاداته بكل حب ورغبة‬
‫حريص على صحبتهم له للمسجد والنادي‬
‫صادقة في االستفادة منها‪ ،‬وطبع ًا كنت أعطيه‬
‫رغم مشاغله اجلمة‪.‬‬
‫دون حدود‪ ،‬لكنني أيقنت أنه ال نهاية النتقاداته‪،‬‬
‫وال أمل لي أن أسمع كلمة ثناء أو تشجيع منه‪،‬‬
‫دائم اإلشادة بي في أي اجتماع عائلي أو‬
‫د‪ .‬يحيى عثمـان‬
‫حتى مع أصدقائه؛ لذا فكل من يعرفوننا يثنون‬ ‫استشاري تربوي وعالقات أسرية‬
‫لدي أي‬ ‫فجأة وجدتني وقد خارت قواي وليس ّ‬
‫عليه ويدعونني باحملظوظة!‬ ‫مستشار البحوث بمجلس الوزراء سابق ًا‬
‫رغبة في البذل‪ ،‬لم يعد حلمي أن أسمع ثناء‬
‫مه ًال سيدي‪ ،‬ال ِ‬
‫ترم رسالتي باملزبلة لن‬ ‫‪y3thman1@hotmail.com‬‬
‫ولو حتى مجاملة‪ ،‬بل ال أسمع انتقاداً‪ ،‬لم تعد‬
‫لدي رغبة في أي شيء‪ ،‬فقط أقوم باحلد األدنى‬ ‫أطيل عليك‪ ،‬رغم هذه الصورة الوردية التي‬
‫ّ‬
‫ملتطلبات البيت‪ ،‬حتى عالقتنا اخلاصة‪ ،‬ال‬ ‫يظهرني بها زوجي في حديثه عني مع اآلخرين‪،‬‬ ‫أستاذي الفاضل‪ ،‬السالم عليكم ورحمة اهلل‬
‫أمتنع عنه خوف ًا من اهلل‪ ،‬ولكن مجرد جسد دون‬ ‫ولكنه بيني وبينه دائم الشكوى مني على أتفه‬ ‫وبركاته‪ ،‬قد تعجب من مشكلتي ككل من شكوتها‬
‫روح‪ ،‬مللته واحلياة‪ ،‬ولوال وجود ثالثة أوالد ال‬ ‫األسباب‪ ،‬وعنده عدم رضا باستمرار‪ ،‬فال أسمع‬ ‫لهم‪ ،‬بدء ًا من أمي وإخوتي وأقرب صديقاتي!‬
‫ذنب لهم يحتاجون للرعاية ملا ضحيت بعمري‬ ‫منه كلمة ثناء واحدة! دائم الشكوى من أي‬ ‫ولكنني أتألم‪ ،‬فهل أجد لديكم أذن ًا صاغية‪،‬‬
‫وظللت معه‪.‬‬ ‫تصرف لي‪ ،‬فمنذ اللحظات األولى لتعارفنا‬ ‫وقلب ًا يستشعر معاناتي‪ ،‬ويساعدني على اخلروج‬
‫أستاذي الفاضل‪ ،‬هذه مشكلتي‪ ،‬بل حياتي‪،‬‬ ‫بدأ انتقادي‪ ،‬واعتبرت أن تلك ميزة! فهو صريح‬ ‫من حالة الكآبة واحلزن التي تالزمني؟!‬
‫هل لي من مخرج من بوتقة النقد؟‬ ‫واضح‪ ،‬وكنت عادة ما ألبي طلبه‪ ،‬حتى لو أنني‬ ‫سأبدأ بزوجي؛ وهو سبب تعاستي‪ ،‬نعم‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪60‬‬
‫زوجي دائم الشكوى مني ألتفه األسباب وانتقادي‬ ‫التحليل‬
‫دعونا في البداية نق ّيم هذا الزوج ولنبدأ‬
‫على أي تصـ ـ ـ ــرف فال أسم ـ ـ ـ ـ ـ ــع من ـ ـ ـ ـ ــه كلم ـ ـ ــة ثنـ ـ ـ ــاء!‬ ‫بإيجابياته من خالل ما ذكرته صاحبة‬
‫الرسالة‪:‬‬
‫كنت حريصة على إرضائه‪ ،‬وهذه قيمة كبيرة‬ ‫(لزوجتي)‪ ،‬فال ميكن أن أملّكه نفسي‪،‬‬ ‫‪ -‬زوج كرمي‪ ،‬وأنا أرى أنه كرمي جد ًا مادي ًا‪،‬‬
‫يجب أن يحرص عليها كال الزوجني‪ ،‬ولكن‬ ‫«وأعطيه شيك ًا على بياض»؛ «أنا أحبك‬ ‫ورغم أنه كرمي أيض ًا معنوي ًا‪ ،‬فإن أسلوبه‬
‫كيف؟ من املؤكد أن أحرص على حتقيق‬ ‫مهما بدا منك»! من أهم أحد أهم أسباب‬ ‫االنتقادي سيئ أيض ًا جداً‪.‬‬
‫رضا زوجي‪ ،‬ولكن دون أن يكون لذلك أثر‬ ‫املآسي في احلياة الزوجية احلب املطلق‪،‬‬ ‫‪ -‬زوج يحافظ على صورة زوجته‪ ،‬فرغم‬
‫سلبي على نفسي‪ ،‬ميكن أن يحدث ذلك على‬ ‫ألنه يعطي للمحبوب غرور ًا يطغيه‪ ،‬ويجعل‬ ‫رأيه السلبي فيها‪ ،‬فإنه يذكرها بخير‪.‬‬
‫فترات متباعدة إذا كان الزوج بظروف طارئة‪،‬‬ ‫احملب حساس ًا؛ ألنه أعطى كل شيء‪ ،‬فمتوقع‬ ‫‪ -‬أب ال يدخر جهد ًا في تربية أوالده‪،‬‬
‫وعندما يعود حلالته الطبيعية يكون ممتن ًا‬ ‫املثالية من محبوبه‪ ،‬وهذا خيال‪ ،‬كما أن‬ ‫وهذه قيمة عظيمة‪.‬‬
‫لزوجه ويعوضه خيراً‪ ،‬أما أن يكون هذا ديدن‬ ‫طبيعة البشر التغاير‪.‬‬ ‫أما سلبياته‪ ،‬فهو دائم النقد؛ «فمنذ‬
‫احلياة الزوجية‪ ،‬كما وصفت‪ ،‬فمن املؤكد أن‬ ‫لذا؛ عدم إظهار رفضك النتقاداته‬ ‫اللحظات األولى لتعارفنا بدأ انتقادي‪،‬‬
‫التراكم اليومي حلالة الكبت مع عدم القدرة‬ ‫املستمرة‪ ،‬بل إبداء سعادتك أكد له خنوعك‬ ‫واعتبرت أن تلك ميزة! فهو صريح واضح‬
‫على تخيل التغيير يصيب اإلنسان باليأس‬ ‫وأعطاه كل احلق في التمادي‪.‬‬ ‫وكنت عادة ما ألبي طلبه‪ ،‬حتى لو أنني كنت‬
‫ذكرت‪.‬‬ ‫غير مقتنعة!»‪« ،‬لم أبد له أي امتعاض أو عدم‬
‫واإلحباط‪ ،‬كما ِ‬ ‫«كنت أقول في نفسي‪ :‬سيتغير بعد‬
‫ارتياح النتقاده الدائم لي! كنت فع ًال سعيدة‬
‫هذه البيئة غير الصحية لها آثار سيئة‪،‬‬ ‫الزواج»‪ ،‬مقولة‪ ،‬بل أمنية وحلم اجلميع في‬
‫بذلك»‪.‬‬
‫ليس عليك فقط‪ ،‬ولكن أيض ًا على األوالد‪،‬‬ ‫فترة اخلطبة! ولكن هيهات؛ لذا يجب على‬
‫دائم ًا ما أركّز على فترة اخلطبة وبيان‬
‫وأتوقع كذلك زوجك‪ ،‬وإما أن تنفجر العالقة‬ ‫كل طرف بيان عدم قبوله ألي تصرف‪ ،‬وبناء‬
‫أهميتها في سلوكيات الزوجني‪ ،‬ويجب أن‬
‫بينكما نتيجة طبيعة للتوترات والتراكمات‬ ‫على مدى تأثير هذا السلوك على حياته‬
‫يوضح كل طرف ما ال يعجبه في اآلخر وما‬
‫النفسية التي يعيشها كل منكما‪ ،‬وإما أن‬ ‫الزوجية املرتقبة‪ ،‬يتأكد من أنه مت تغيير‬
‫يتمناه‪ ،‬وبناء على مدى استجابته للنموذج‬
‫يسقط أحدكما مبرض نفسي أو عضوي‪.‬‬ ‫فعلي بناء على قناعات راسخة‪ ،‬وليس مجرد‬
‫الذي يتمناه يقرر االستمرار أو االعتذار‪.‬‬
‫كما أنني أتوقع من خالل رسالتك‬ ‫وعد بالتغيير‪.‬‬ ‫كان زوجك صريح ًا واضح ًا‪ ،‬وأنت تقبلت‬
‫أنك تعانني حالة من االكتئاب حتتاج إلى‬ ‫أيض ًا بعد الزواج وزيادة مساحة التفاعل‬ ‫نقده منذ اللحظات األولى لتعارفكما‪ ،‬كما‬
‫تشخيص قبل أن تتفاقم‪.‬‬ ‫بينك وبني زوجك‪ ،‬ورغم زيادة معدل انتقاداته‪،‬‬ ‫ذكرت‪ ،‬بسعادة‪ ،‬ولم تُبدي أي اعتراض‪ ،‬مما‬ ‫ِ‬
‫أعطاه كل الثقة في أن أسلوبه متقبل‪ ،‬بل‬
‫مرحب به‪ ،‬كما أنك كنت تنفذين انتقاداته‬ ‫ّ‬
‫دون مراجعة‪ ،‬حتى لو لم تكوني مقتنعة!‬
‫خوف ًا أن تضيعي عريس ًا حتلم به أي فتاة!‬
‫وسؤالي لك (ولكل فتاة وشاب)‪ :‬كيف‬
‫هانت عليك نفسك لهذه الدرجة؟ أنت‬
‫ساهمت بالقدر األكبر فيما وصلت إليه‬
‫عالقتكما‪ ،‬لعلي ال أترك مناسبة إال وأؤكد‬
‫أن «اخلطبة ليست وعد ًا بالزواج»‪ ،‬وأنه دون‬
‫إهمال للجانب العاطفي يجب أن أدير هذه‬
‫املرحلة من حياتي مبنتهى العقالنية‪ ،‬وأن‬
‫أحتكم في مشاعري وأق ّيم الزوج (الزوجة)‬
‫احملتمل بكل موضوعية‪.‬‬
‫أيض ًا؛ مهما بلغ مقدار حبي لزوجي‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪61‬‬
‫استشـارات أسريــة‬

‫من املنطقي أن فجأة ستحققني كل‬ ‫عدم إظهار رفضك النتقاداته‬ ‫احلــــل‬
‫التغيير املطلوب‪ ،‬أرى أن تبدئي مبعاجلة‬ ‫بل إبداء سعادتك أكد له‬ ‫زوجك وهلل احلمد به محاسن جيدة؛‬
‫انتقاده لذاتك أو ًال قبل كل شيء‪.‬‬ ‫خنوعك وأعطاه كل الحق‬ ‫مثالي‪ ،‬أال‬
‫ّ‬ ‫كرم وإشادة بك أمام الغير‪ ،‬وأب‬
‫أما بخصوص مقارنتك بأخريات‪،‬‬ ‫في التمادي‬ ‫يستحق ذلك االجتهاد والبذل لتعديل‬
‫فب ّيني له‪« :‬أنا ال أقبل مقارنته بأي رجل‪،‬‬ ‫سلوكه الذي ال يروق لك؟ من املؤكد أنه‬
‫‪---------------------------------‬‬
‫ألنك أنت زوجي أنا‪ ،‬واآلخر ال قيمة له‬ ‫يستحق‪ ،‬إذن كيف؟‬
‫االتفاق على مراحل التغيير‬
‫عندي وال يخصني‪ ،‬فكيف تقبل مقارنتي‬ ‫أخلصي النية هلل‪ ،‬واجتهدي بالدعاء‬
‫والوصول إلى ما يتمناه منك‬
‫وأنا زوجتك مقارنتي بامرأة أجنبية؟»‪،‬‬ ‫أن يوفق بينكما اهلل تعالى‪.‬‬
‫وابدئي بمعالجة انتقاده‬
‫ابحثي في السبب‪ ،‬فقد يكون لهذه املرأة‬ ‫رتبي لرحلة إلى مكان هادئ ويكون‬
‫ً‬
‫أوال‬ ‫لذاتك‬
‫سلوك طيب أو محسنة‪.‬‬ ‫لألوالد ما يشغلهم‪ ،‬وابدئي حديثك بحبك‬
‫كما يتم االتفاق على أن يشيد بك على‬ ‫لي َق ُّط‪ِ :‬ل َم َف َعلْتَ َكذَا َو َكذَا؟ َو َاَل َع َ‬
‫اب َع َل َّي‬ ‫له واإلشادة به‪ ،‬وأنك متأكدة من حبه لك‬
‫أي تغيير تبذلينه‪ ،‬ويتوقف عن انتقاداته‪،‬‬ ‫شيئ ًا َق ُّط» (صحيح مسلم)‪.‬‬ ‫وحرصه على سعادتك‪ ،‬كما أنك تبذلني‬
‫أيض ًا من جانبك ب ّيني له ما ال يروق لك‬ ‫اسأليه عن كل املوضوعات ‪-‬طبع ًا‬ ‫كل طاقتك حتى حتققي ما يسعده منك‪،‬‬
‫منه خالف انتقاده لك‪.‬‬ ‫تكتبني كل ما يتفق عليه‪ -‬ماذا يتمنى‬ ‫ولكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬انتقاده لك يشعرك باأللم‪.‬‬
‫كما أود أن أوضح‪ ،‬فع ًال هناك أفراد‬ ‫وجدت‬
‫ِ‬ ‫منك؟ وعليك التعديل على رأيه إن‬ ‫ذكّريه بحديث الرسول صلى اهلل عليه‬
‫يبحثون دائم ًا عن األمثل‪ ،‬وأن هناك دائم ًا‬ ‫خير ًا منه حتى تتفقا على الصورة الذهنية‬ ‫وسلم‪« :‬من لم يشكر الناس لم يشكر َ‬
‫اهلل»‬
‫ما هو أفضل‪ ،‬وأي عمل مهما بلغ من‬ ‫التي يتمناها منك‪.‬‬ ‫(رواه أبو سعيد اخلدري‪ ،‬صحيح)‪ ،‬وقول‬
‫احلسن فيمكن أداؤه بأحسن مما مت به‪،‬‬ ‫كما يتم االتفاق على مراحل التغيير‬ ‫اهلل َص َّلى‬
‫سول ِ‬ ‫أنس بن مالك‪« :‬خَ َد ْم ُت َر َ‬
‫فعليك الصبر واالحتساب‪.‬‬ ‫والوصول إلى كل ما يتمناه منك‪ ،‬فليس‬ ‫اهَّللَُّ عليه وس َّل َم ِت ْس َع ِس ِننيَ‪َ ،‬فما أَ ْع َل ُمهُ َ‬
‫قال‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪62‬‬
‫التفكك األسري على الطريقة الحديثة!‬
‫منـى عبدالفتـاح‬
‫للوهلة األولى‪ ،‬يظن القارئ أن التفكك‬
‫األسري هو الطالق فقط‪ ،‬وما يستتبعه من خراب‬
‫البيت‪ ،‬ودمار األسرة‪ ،‬وتشريد األبناء‪ ،‬وانتقال‬
‫اخلالفات إلى ساحات وأروقة احملاكم‪.‬‬
‫لكن الواقع اجلديد فرض علينا أشكاًالً‬
‫وصورًاً غريبة من التفكك األسري‪ ،‬تخالف ما‬
‫تعارف عليه الناس‪ ،‬وتنطوي على أخطار جمة‪،‬‬
‫كونها أمناط�ا غير مألوفة‪ ،‬طالتها «املوضة»‬
‫إلكترونية‪ ،‬أو يقع في براثن عصابات النصب‬ ‫عالقة السكن واملودة والرحمة‪ ،‬وفق توصيفات‬ ‫و«احلداثة» في أسوأ صورها ومظاهرها‪.‬‬
‫واالحتيال‪.‬‬ ‫القرآن الكرمي‪ ،‬إلى ساحة اجلدل واخلالف‬ ‫صور جديدة من التفكك داخل األسرة‬
‫نحو ‪ %32‬من الفتيات املراهقات أقررن‬ ‫والقضاء‪.‬‬ ‫الواحدة‪ ،‬فرضتها تطورات العصر‪ ،‬والتسارع‬
‫بأنه عندما شعرن بالسوء جتاه أجسادهن‪ ،‬فإن‬ ‫وتتمدد صور التفكك األسري فيما نشاهده‬ ‫التقني والتكنولوجي الهائل‪ ،‬منها أسر تدير شؤون‬
‫«إنستجرام» كان السبب‪ ،‬في تأكيد على اآلثار‬ ‫عبر منصات مقاطع الفيديو‪ ،‬حيث تقع الزوجة‬ ‫حياتها عبر تطبيق «واتساب»‪ ،‬حيث ال يجتمع‬
‫الضارة لتلك التطبيقات على النساء‪ ،‬وفق دراسة‬ ‫وأطفالها أسيرة لهوس وإدمان مقاطع «تيك توك»‪،‬‬ ‫األب املنهمك في عمله بأبنائه‪ ،‬الذين يسهرون‬
‫نشرت نتائجها صحيفة «وول ستريت جورنال»‪.‬‬ ‫و«ريلز»‪ ،‬و«سناب شات»‪ ..‬وغيرها‪ ،‬وقد تصبح‬ ‫ليًال وهو نائم‪ ،‬وينامون نهارًاً‪ ،‬بينما يستيقظ هو‬
‫ً‬
‫ويبدو التفكك األسري في صور أخرى‬ ‫هي صانعة محتوى؛ فتصور حياتها‪ ،‬وتستغل‬ ‫للذهاب إلى العمل‪ ،‬حتى باتت إشعارات التطبيق‬
‫تختلف من مجتمع إلى اآلخر‪ ،‬بني زوج يقضي‬ ‫أطفالها‪ ،‬وتكشف عن خصوصيات بيتها‪ ،‬فتضع‬ ‫التكنولوجي الرابط بني أفراد األسرة‪ ،‬الذين‬
‫معظم وقته على املقهى‪ ،‬وزوجة تضيق وقتها‬ ‫األسرة بأسرها في مهب الريح‪ ،‬عرضة للحسد‬ ‫يجتمعون فقط في العالم االفتراضي‪ ،‬دون لقاء‬
‫فضًال عن اإلفراط‬‫ً‬ ‫في الثرثرة مع صديقاتها‪،‬‬ ‫والقال والقيل‪ ،‬وساحة للخالف الزوجي‪ ،‬أو أن‬ ‫حقيقي تغمره املودة واأللفة‪.‬‬
‫في متابعة التلفاز ووسائل التواصل‪ ،‬فيضيع‬ ‫تتحول إلى طاولة قمار للربح املادي‪ ،‬فتفقد‬ ‫ومن مظاهر التفكك األسري حديثًاً‪ ،‬التي‬
‫الوقت‪ ،‬وتختل املسؤوليات األسرية‪ ،‬وبالتالي يقع‬ ‫األسرة حصانتها ومناعتها ومتاسكها‪ ،‬أمام فنت‬ ‫تسللت إلى بيوتنا عبر املسلسالت واألفالم‬
‫اخلالف‪ ،‬ويحدث الشجار‪ ،‬ورمبا تبادل العنف‬ ‫وسائل التواصل‪.‬‬ ‫الهابطة‪ ،‬نوم الزوج والزوجة في غرفتني‬
‫اللفظي والبدني‪ ،‬انتهاء باالنفصال والطالق‪.‬‬ ‫أْسر‬
‫ويطال اخلطر أطفالنا‪ ،‬وقد وقعوا حتت ْ‬ ‫منفصلتني‪ ،‬بدعوى االستقاللية‪ ،‬وأن النوم‬
‫ومن أخطر صور التفكك في بعض‬ ‫«أزرار» تنقل لهم كل ما هو غريب ومثير وعنيف‪،‬‬ ‫املنفصل يؤدي إلى نوم أعمق وأكثر جودة‪ ،‬ويطيل‬
‫املجتمعات العربية‪ ،‬التخلي عن واجبات األمومة‬ ‫وقد تنزلق بهم إلى مستنقع الفنت والشهوات‪،‬‬ ‫عمر احلب والشوق بني الطرفني‪ ،‬وهي أكاذيب لم‬
‫واألبوة لصالح العمالة املنزلية الذين يتولون مهام‬ ‫ً‬
‫بديًال عن األب واألم‪،‬‬ ‫فيصبح الهاتف الذكي‬ ‫جتلب سوى املزيد من اخلراب والتفكك لألسرة‬
‫الطهي والنظافة وقيادة السيارات‪ ،‬واصطحاب‬ ‫وتصير مواقع اإلنترنت ووسائل التواصل املائدة‬ ‫املسلمة‪.‬‬
‫األبناء إلى املدارس‪ ،‬ومتابعة حتصيلهم الدراسي‪،‬‬ ‫التي يجتمع عليها الطفل كل يوم‪ ،‬بل كل ساعة‪،‬‬ ‫وقد تطور األمر حديثًاً إلى محاولة إشاعة‬
‫والعناية بهم والسهر على صحتهم‪ ،‬واللهو معهم؛‬ ‫بديًال عن االجتماع األسري لتناول اإلفطار‬ ‫ً‬ ‫ما يعرف بـ«اإلجازة الزوجية»؛ أي االبتعاد املؤقت‬
‫ما تسبب في تفكك أسري مكتوم وراء عالقة‬ ‫والغداء والعشاء معًاً‪ ،‬مقارنة مبا كانت عليه احلال‬ ‫بني الزوجني‪ ،‬باالتفاق بينهما‪ ،‬بدعوى كونها خطوة‬
‫زواج مستمرة بالفعل‪ ،‬لكن طرفيها ال يقومان‬ ‫في عهد اآلباء واألجداد‪.‬‬ ‫لكسر الروتني وشحذ الطاقة وجتديد نار احلب!‬
‫بواجباتهما جتاه أبنائهما على أكمل وجه‪.‬‬ ‫وتزداد التأثيرات السلبية مع تنامي الهوس‬ ‫دون النظر إلى آثارها السلبية‪ ،‬وإمكانية فتح باب‬
‫إن صور التفكك األسري احلديثة‪ ،‬التي غزت‬ ‫بـ«فالتر التجميل» التي تقلل من احترام الذات‬ ‫اخليانة الزوجية‪ ،‬أو أن يظن أحد الطرفني أن‬
‫أسرنا ومجتمعاتنا‪ ،‬لهي خطيرة اآلثار والنتائج‪،‬‬ ‫والثقة بالنفس‪ ،‬األمر الذي ُيُشعر مدمني تلك‬ ‫حياته أفضل‪ ،‬وأكثر راحة دون مسؤولية‪ ،‬فتكون‬
‫خاصة عند النظر إلى ارتفاع معدالت الطالق في‬ ‫الفالتر بعدم الرضا عن حياتهم‪ ،‬ومن ثم التذمر‬ ‫نتيجة هذه اإلجازة هي االنفصال والطالق‪.‬‬
‫عاملنا العربي‪ ،‬وهو ما يستوجب تطوير اخلطاب‬ ‫منها‪ ،‬أو إطالق حمى املقارنات بني هذا وذاك‪،‬‬ ‫لكن األخطر واألكثر اشمئزازًاً‪ ،‬ما ر ّّوجته‬
‫واآلليات واألدوات لتحقيق املزيد من اللحمة‬ ‫فتضيق النفس‪ ،‬وتتولد املشاعر السلبية‪ ،‬وقد‬ ‫الثقافة الغربية ومنظمات حقوق املرأة‪ ،‬من‬
‫األسرية‪ ،‬وتثبيت أركان االستقرار التي تواجه‬ ‫يشمئز الزوج أو الزوجة من شريك حياته‪ ،‬حينما‬ ‫مصطلحات دخيلة علينا‪ ،‬ومدمرة لألسرة‪ ،‬من‬
‫ريحًاً عاتية من مظاهر التفكك املبتدعة في القرن‬ ‫يبحث عن معايير اجلمال املصطنعة التي أتاحتها‬ ‫نوعية «االغتصاب الزوجي»‪ ،‬والدعوة إلى سن‬
‫احلادي والعشرين‪.‬‬ ‫الفالتر‪ ،‬ويتورط في عالقة افتراضية‪ ،‬أو خيانة‬ ‫قوانني تبيح امتناع الزوجة عن زوجها‪ ،‬وهو ما نقل‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪63‬‬
‫وفـــاء لذكـــراهــــم‬
‫وفاء لذكراهم‬

‫مصلحون رحلوا في مارس‪..‬‬ ‫عبده دسوقي‬


‫باحـث في التاريـخ الحديـث‬

‫الخاطر والعماري والواعي‬


‫ويعِّبدون الطريق أمامهم‪ ،‬ويشعلون لهم‬ ‫رغم ما في الحياة من دروب‪ ،‬فإن الله تعالى �َ‬
‫سَّخر لعباده ََمن ُُيمهدون لهم ُُسبلها‪� ِ ،‬‬
‫منارات يهتدون بها‪ ،‬وفي مقدمتهم الأنبياء المصطفون‪ ،‬ومن بعدهم العلماء والمصلحون الذين يجود الزمان بهم دائم ًًا‪.‬‬
‫وفي مارس رحل عن دنيانا بعض من هؤلاء العلماء والمصلحين‪ ،‬منهم‪:‬‬

‫و«جائــزة الدولة للعمــل الوطني» عام ‪1992‬م‪،‬‬ ‫بالبحرين‪ ،‬وذلك بفضل موهبته التي حباه الله‬
‫و«وســام المــؤرخ العربي من اتحــاد المؤرخين‬ ‫بهــا في الأدب والشــعر‪ ،‬وعضــو رابطة الأدب‬
‫العرب» عام ‪1987‬م‪.‬‬ ‫الإسلامي العالمية‪.‬‬
‫ظــل يجمع بين الدعوة الإســلامية والفكر‬ ‫وكان عضــوًاً بمجلــس الأوقــاف � ُ‬
‫الُّســنية‪،‬‬
‫والشــعر حتــى فاضت روحــه لبارئها عن عمر‬ ‫لحرصــه علــى كل مــا هــو إســلامي؛ وهــو مــا‬
‫ناهــز ‪ 68‬عامــًاً‪ ،‬مســاء الخميــس ‪ 5‬المحــرم‬ ‫دفعــه للانخراط في أنشــطة جمعيــة الإصلاح‬
‫‪1422‬هـــ‪ 29 /‬مــارس ‪2001‬م بمدينــة الرفاع‬ ‫بالبحريــن للعمــل مــن أجــل الإســلام والدعوة‬
‫بالبحرين(‪.)1‬‬ ‫إليه‪.‬‬
‫شكل المفكر الخاطر ظاهرة متفردة بدءًًا‬
‫مبارك راشد الخاطر‪..‬‬
‫مــن حقبة الســتينيات‪ ،‬حيث كان لــه دور بارز‬
‫فــي إثراء الحيــاة الأدبية والفكريــة‪ ،‬ليس في‬ ‫الشاعر والداعية‬
‫البحرين فحســب‪ ،‬وإنما على مســتوى الخليج‬
‫العربــي بأكملــه‪ ،‬وذلــك مــن خلال مســاهماته‬ ‫ولد الشــاعر والأديــب والمفكر والداعية‬
‫التي فتحت آفاقًاً جديدة للباحثين والدارسين‬ ‫مبــارك راشــد جاســم الخاطــر فــي مدينــة‬
‫لتاريخ وحضارات المنطقة‪.‬‬ ‫المحــرق بالبحريــن في عــام ‪1935‬م‪ ،‬وحرص‬
‫لقــد أثــرى المكتبــة العربيــة والإســلامية‬ ‫والــده علــى إلحاقه بالتعليــم المتمثل في ذلك‬
‫بالعديد من المؤلفات‪ ،‬مثل «المسرح التاريخي‬ ‫الوقــت بالكتاتيــب‪ ،‬قبــل أن ينتقــل لمدرســة‬
‫فــي البحرين والخليــج»‪ ،‬و«التعليم الأهلي في‬ ‫الهدايــة الخليفيــة بمدينــة المحــرق‪ ،‬ثــم توج‬
‫الخليج ما قبل التعليم الحديث»‪ ..‬وغيرهما‪.‬‬ ‫ذلك بحصوله على دبلوم التجارة‪.‬‬
‫عبدالقادر العماري‪..‬‬ ‫ويعد الخاطر شــاعرًاً مجددًاً‪ ،‬في شــعره‬ ‫عمــل بعد إتمام دراســته بــإدارة المحاكم‬
‫القاضي الشيخ‬ ‫نزعات تأملية واســتبصار لمــا في الحياة من‬ ‫فــي وزارة العدل والشــؤون الإســلامية‪ ،‬ثم في‬
‫معاٍن وجدانية‪ ،‬على نحو ما نجد في قصيدته‬ ‫ٍ‬ ‫إدارة الأوقــاف‪ ،‬قبل أن ينتقل للعمل في وزارة‬
‫يعــد الشــيخ القاضــي عبدالقــادر بــن‬ ‫«يكفيني يا عمر» التي يستلهم فيها المأثور‪.‬‬ ‫الإعــلام‪ ،‬وظــل بهــا حتــى عــام ‪1994‬م حيــث‬
‫محمد بن عمر العماري من أبرز علماء قطر‬ ‫وقــد حصــل علــى جوائــز عــدة وأوســمة‬ ‫تقاعد فيه‪.‬‬
‫والخليــج العربي‪ ،‬رغم أنه من مواليد مدينة‬ ‫وشــهادات تقديــر‪ ،‬منهــا‪« :‬جائــزة الدولــة‬ ‫لــم يقتصــر على ذلك‪ ،‬بــل كان عضوًاً في‬
‫الشــحر بمحافظة حضــر موت باليمن‪ ،‬عام‬ ‫التقديريــة فــي الأدب والإنتــاج الفكــري»‪،‬‬ ‫المجلــس الوطنــي للثقافــة والفنــون والآداب‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪64‬‬
‫د‪ .‬توفيق الواعي‪ ..‬الداعية المربي‬
‫كلية الشريعة في جامعة الكويت‪.‬‬ ‫فــي قريــة دمــاص بمركــز ميــت غمر‬
‫تعــرف إلى دعــوة الإخوان المســلمين‬ ‫التابــع لمحافظــة الدقهلية بمصر‪ ،‬ولد د‪.‬‬
‫فــي وقت مبكــر‪ ،‬وقــد أحيل إلــى القضاء‬ ‫توفيــق يوســف علــي الميتعايش‪ ،‬الشــهير‬
‫العســكري فــي عهــد حســني مبــارك عام‬ ‫بتوفيــق الواعي‪ ،‬عام ‪1930‬م‪ ،‬حيث حظى‬
‫‪2006‬م ‪-‬رغــم تواجــده فــي دولــة الكويت‬ ‫بفرصــة في التعليــم الأزهري الذي تخرج‬
‫عــام ‪1969‬م‪ ،‬وعضوًاً في المؤتمر القومي‬ ‫منــذ عــام ‪1972‬م‪ -‬بتهمــة الانضمــام‬ ‫فيه واســتمر حتى حصل على الماجستير‬
‫الإســلامي‪ ،‬وعضــوًاً فــي الاتحــاد العالمي‬ ‫لجماعة الإخوان المسلمين وتمويلها‪ ،‬وتم‬ ‫بدرجــة امتيــاز مــع مرتبــة الشــرف عــام‬
‫لعلمــاء المســلمين‪ ،‬وعضــوًاً وباحثــًاً فــي‬ ‫الحكــم عليــه فــي أبريل ‪2008‬م بالســجن‬ ‫‪1978‬م‪ ،‬كمــا حصل علــى درجة الدكتوراة‬
‫الموســوعة الفقهيــة بالكويــت‪ ،‬ورئيســًًا‬ ‫لمــدة ‪ 10‬ســنوات غيابيــًاً‪ ،‬بعدمــا حصــل‬ ‫في الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة‬
‫للجنــة تطويــر مناهــج التربيــة الإســلامية‬ ‫علــى البراءة ‪ 3‬مــرات من القضاء المدني‬ ‫عام ‪1984‬م‪ ،‬وعلى درجة أســتاذ مســاعد‬
‫فــي وزارة التربيــة الكويتيــة‪ ،‬وباحثــًاً فــي‬ ‫الطبيعي!‬ ‫عــام ‪1992‬م‪ ،‬ثــم على درجة أســتاذ بكلية‬
‫موســوعة البحــوث القرآنيــة في مؤسســة‬ ‫كان د‪ .‬الواعي ذا همة عالية ونشــاط‬ ‫الشريعة عام ‪2000‬م‪.‬‬
‫الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬وعضوًاً في اللجنة‬ ‫دعوي واســع ســواء داخل دولة الكويت أو‬ ‫ســافر إلى الكويت في وقت مبكر عام‬
‫الثقافيــة بقســم العقيــدة والدعــوة بكليــة‬ ‫خارجهــا‪ ،‬حيــث كان عضــوًاً وباحثــًاً فــي‬ ‫‪1972‬م‪ ،‬حيــث عمــل ككادر جامعــي حتــى‬
‫الشــريعة‪ -‬جامعــة الكويــت‪ ،‬وعضــوًاً فــي‬ ‫موســوعة الفقــه الإســلامي فــي القاهــرة‬ ‫أصبــح رئيس قســم العقيــدة والدعوة في‬
‫لجنــة الأبحــاث وتطويــر المناهــج بــذات‬
‫الكلية‪.‬‬ ‫رئيس محكمة الاستئناف‪ ،‬وأمضى أكثر من‬ ‫‪1935‬م‪ ،‬حيــث كانت بداية تعليمه على يدي‬
‫توفــي د‪ .‬الواعي يوم الســبت الموافق‬ ‫‪ 3‬عقود في القضاء الشرعي‪.‬‬ ‫والده الشيخ محمد بن عمر العماري‪ ،‬وأخذ‬
‫‪ 16‬مــارس ‪2019‬م‪ ،‬عــن عمــر ناهــز ‪89‬‬ ‫كان للشــيخ العماري حضور ومشاركات‬ ‫عنــه الفقه الإســلامي وعلوم اللغــة العربية‪،‬‬
‫فــي المجامــع الفقهية‪ ،‬ومنهــا مجمع الفقه‬ ‫قبل أن يســافر إلــى الخرطوم ويلتحق بكلية‬
‫عامــًاً‪ ،‬بعــد عمر حافــل بالعطــاء الدعوي‬
‫الإســلامي بجدة‪ ،‬كما شــغل عضوًاً في هيئة‬ ‫الحقوق بجامعة الخرطوم‪ ،‬ودرس في قســم‬
‫والأكاديمــي‪ ،‬وتــم دفنــه فــي مقبــرة‬
‫الرقابة الشــرعية بمصرف قطر الإسلامي‪،‬‬ ‫الشريعة‪ ،‬وتخرج فيها عام ‪1957‬م‪.‬‬
‫الصليبيخات بالكويت(‪.)3‬‬
‫وبنك قطر الدولي الإسلامي‪.‬‬ ‫كان والــده قاضيــًاً‪ ،‬حيــث تولى القضاء‬
‫اختيــر عضــوًاً فــي الاتحــاد العالمــي‬ ‫بمدينــة الشــحر عــام ‪1337‬هـــ‪ ،‬ثــم قضــاء‬
‫الهوامش‬
‫لعلمــاء المســلمين‪ ،‬وارتبــط مــع د‪ .‬يوســف‬ ‫المشقاص عام ‪1357‬هـ‪ ،‬وورث ابنه القضاء‬
‫(‪ )1‬مبــارك راشــد الخاطــر المــؤرخ‪ -‬الأديــب‪..‬‬
‫والشــاعر الداعية‪ :‬رابطة أدباء الشــام‪ 17 ،‬ســبتمبر‬ ‫القرضــاوي بعلاقة خاصــة من نوعها؛ فكان‬ ‫عنــه‪ ،‬حيــث عمل بعــد عودتــه بالقضاء في‬
‫‪2020‬م‪.‬‬ ‫يصاحبــه فــي ندواتــه ومشــاركاته الفقهيــة‬ ‫الشحر والمكلا‪ ،‬وعرف عنه العدل والوقوف‬
‫(‪ )2‬رمضــان‪ :‬وفاة الشــيخ عبدالقــادر العماري أحد‬ ‫أينمــا حــل‪ ،‬كمــا أن له الكثير مــن المؤلفات‬ ‫أمام الظلم وفعل الخير‪.‬‬
‫رمــوز العلــم والقضــاء فــي قطــر والخليــج‪ ،‬مجلــة‬
‫القيمــة‪ ،‬ورحــل الفقيــه القاضــي العمــاري‬ ‫هاجــر إلــى قطــر عــام ‪1969‬م‪ ،‬وعيــن‬
‫«المجتمع»‪ 25 ،‬مارس‪.‬‬
‫(‪ )3‬توفيــق الواعي‪ :‬موقع «إخوان ويكي»‪ 17 ،‬مارس‬
‫عــن عمــر ناهز ‪ 86‬عامًاً‪ ،‬يــوم الخميس ‪25‬‬ ‫قاضيــًاً فــي المحكمة الشــرعية‪ ،‬وتدرج في‬
‫‪2019‬م‪.‬‬ ‫مارس ‪2021‬م(‪.)2‬‬ ‫المناصــب حتــى وصــل إلــى منصــب نائــب‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪65‬‬
‫األخيرة‬

‫د‪ .‬سالـم القحطانـي‬


‫قطــار العالــم اإلسالمــي!‬ ‫رئيــس تحريــر «المجتمـع»‬

‫أن يقطع تذكرة واحدة‪ ،‬يجول فيها بني دول‬ ‫واألنصار في املدينة‪.‬‬ ‫تتنافس األمم والشعوب على القدرة‬
‫اإلسالم من جاكرتا إلى نواكشوط‪ ،‬ميّتّع‬ ‫إن هذه النصوص من اآليات واألحاديث‪،‬‬ ‫على التوحد والتكتل لتتبوأ مكانة متميزة‬
‫ظَر ْْيه بثقافات عديدة ولغات متنوعة‪،‬‬ ‫نا َ‬ ‫وغيرها‪ ،‬تقتضي أن يسعى املسلمون‬ ‫في عالم مليء باألخطار والتحديات‪ ،‬وأبرز‬
‫لكن يربطهم دين واحد‪ ،‬ويتجهون إلى ِِقبلة‬ ‫لالجتماع والتكامل‪ ،‬وأن ينبذوا األحقاد‬ ‫مثال في زمننا املعاصر االحتاد األوروبي‪،‬‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫التاريخية والرايات العنصرية‪ ،‬وحينما‬ ‫ومن نتائج هذا االحتاد جواز «‪»Eurail‬؛‬
‫ليس صعب ًًا على املسلمني حتقيق هذه‬ ‫قاموا بذلك في تاريخنا اإلسالمي؛ حتققت‬ ‫وهو جواز سفر بالقطار للسفر إلى ‪ 28‬دولة‬
‫الرؤية‪ ،‬والعودة مبجد اإلسالم التليد إلى‬ ‫القوة لدولة اإلسالم‪ ،‬وقادت العالم ‪ 500‬سنة‬ ‫أوروبية‪.‬‬
‫الصدارة بني األمم‪ ،‬لكن اجلهود املطلوبة‬ ‫منفردة‪ ،‬وشاركت غيرها من الدول في قيادة‬ ‫أال يحق للدول اإلسالمية أن تفكر‬
‫لذلك كبيرة‪ ،‬والتحديات والصعوبات‬ ‫العالم ‪ 500‬سنة أخرى؛ نعم إنها ‪ 1000‬سنة‬ ‫مبنافسة االحتاد األوروبي وغيره من‬
‫عظيمة‪.‬‬ ‫من القيادة والريادة لدولة اإلسالم‪.‬‬ ‫االحتادات والتكتالت حول العالم لتبني‬
‫ومفتاح النجاح هو االلتزام بهذا الدين‬
‫داِني ـ ـ ـ ـ ٌـٌة‬ ‫ِِإ ْْسال َ‬
‫ُمَُنـ ـ ـ ـ ـ ــا ََدال ََيـ ــاُتُ اُحلُِّبِ ِ‬ ‫مشروع وحدة يحقق لها أسباب القوة‬
‫العظيم‪ ،‬الذي تتحقق به تلك الرؤية‪ ،‬فكلما‬
‫اَحل ْْر ِِب ِِإْكْ ََراُمُ‬ ‫ِّلَِها ََأل ِِس ِيِر َ‬
‫في ِِظ َ‬ ‫والتمكني‪ ،‬خصوص ًًا أن لديها الكثير من‬
‫عاد املسلمون إلى دينهم توفرت لهم أسباب‬
‫جاِدَنَا ََيْزُْهُ و الُوُُجُ وُدُ ب ََها‬ ‫أْم ِ‬ ‫ََل ْْو ََحاُتُ ْ‬ ‫مقومات االحتاد والوحدة؛ فدينها واحد‪،‬‬
‫الوحدة والعزة والتمكني‪ ،‬وكلما ابتعدوا عنه‬
‫الَّدَْهـ ـ ِـِر َرََّسَ اُمُ‬
‫ْ‬ ‫ََق ْْد ََط َ‬
‫َّرََزْتْه ََب ََن ـ ـاُنُ‬ ‫ورسولها واحد‪ ،‬وكتابها واحد‪ ،‬وقبلتها‬
‫تسلطت عليهم أنواع الشرور واآلفات‪ ،‬كما‬
‫هذا الواجب الشرعي املضيع له أثر‬ ‫واحدة؟!‬
‫قرر ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫عظيم على أحوال املسلمني؛ في تقدمهم‬ ‫إن تلك اللحظة التي تتحقق فيها‬
‫البقِر‬
‫ِ‬ ‫أذناَب‬
‫َ‬ ‫ينِة وأخذمت‬ ‫بالِع ِ‬
‫«إذا تبايعتم ِ‬
‫ورضيتم بالزرِع وتركتم اجلها ََد؛ سلط اُهللُ‬ ‫وتأخرهم؛ ألن األمة تتقدم وتقوى مبقدار‬ ‫الوحدة بني الدول اإلسالمية تتعاظم فيها‬
‫ِ‬
‫عليكم ً‬ ‫التزامها بهذه الفريضة (الوحدة) الضرورية‬ ‫نتائج النجاح‪ ،‬وتتالشى فيها معالم الفشل‬
‫شيٌء حتى ترجعوا إلى‬ ‫ٌ‬ ‫ينزعه‬ ‫ُذًُال ال‬
‫في هذا الزمان‪ ،‬خاصة العمل على توحيد‬ ‫واخلسارة؛ فاالحتاد قوة‪.‬‬
‫ديِنكم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫األمة اإلسالمية فكري ًًا وتشريعي ًًا وسياسي ًًا‪.‬‬ ‫والوحدة اإلسالمية واجب أمر اهلل تعالى‬
‫الَّسَِف ــُنيُ‬ ‫�ق َو ِِب ِِه ََت ْْنُجُ ــو‬ ‫اِهلل ََح ـ ـ‬ ‫القضايا‬ ‫أحوال‬ ‫ستتبدل‬ ‫حينها‬ ‫به‪ ،‬وجعله وصف ًًا الزم ًًا لهذه األمة بقوله‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِِإَّنَ ِِدي ــَنَ ِ‬
‫�س َو ِِبـ ـ ـ ـ ِـِه ْجُت�ْ ََلى ُدُُجُ ـ ـوُنُ‬ ‫َ‬ ‫ْحَت� ََي ــا ُنُُفُ ــو‬‫ََو ِِب ِِه ْ‬ ‫املصيرية لألمة‪ ،‬وعلى رأسها قضية القدس‬ ‫تعالى‪ََ ( :‬و ْ‬
‫اْعَت َِِصُمُ و ْْا ِِب ََح ْْب ِِل ا ِِهّلل� ََج ِِميع ًًا ََو ََال‬
‫يَض ْْت ُحُُصُ وُنُ‬ ‫�د َو ِِب ِِه ِِر َ‬ ‫َ‬ ‫يَسـ ـ ـ ْـْت ِِب ََال‬ ‫ََو ِِب ِِه ِِس َ‬ ‫واملسجد األقصى؛ سنرى قوة اجلناب‪ ،‬وعزة‬ ‫ََتَفََّرَُقُ وْاْ) (آل عمران‪ ،)103 :‬وقوله عز وجل‪:‬‬
‫�ض َب ْْع ََد ََما‪َ ‬كَا ََد ْْت َ‪َ ‬تُهُ ـ ـوُنُ‬
‫َ‬ ‫ََو ِِب ِِه َت َْْر ِِج ـ ـ ـ ـُعُ َأَ ْْر‬ ‫املوقف‪.‬‬ ‫اِح ََدًةً) (األنبياء‪:‬‬ ‫ُأَُّمَُتُُكُْم ً‬
‫ُأَُّمًَة ََو ِ‬ ‫ْ‬ ‫(ِإَّنَ ََه ِِذ ِِه‬
‫ِ‬
‫من حق املسلمني أن يحلموا بوحدة‬ ‫سيعود املسلمون إلى التركيز على‬ ‫‪.)92‬‬
‫إسالمية يسير فيها الراكب بني بلدان‬ ‫حتقيق املصالح الكبرى‪ ،‬وسيتعالون‬ ‫ً‬
‫وعمًال‪،‬‬ ‫والُّسُ نة النبوية أكدت ذلك ً‬
‫قوًال‬
‫املسلمني بتذكرة واحدة‪ ،‬وأحالم اليوم‬ ‫على العنصريات والطبقيات وغيرها من‬ ‫حيث قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫حقائق الغد‪.‬‬ ‫جتّمع‪.‬‬
‫سفاسف األمور التي تف ّّرق وال ّ‬ ‫بذَّمَِتهم‬
‫ِ‬ ‫«املسلمون تتكافُأُ دماؤهم ويسعى‬
‫اللهم اجمع كلمة املسلمني‪ ،‬ووِّحِ د بني‬ ‫ما أعظمها من رؤية تلك التي تتوحد‬ ‫أدناُهُ م»‪ ،‬وحقق صلى اهلل عليه وسلم هذه‬
‫ً‬
‫جميًال‪.‬‬ ‫قلوبهم‪ ،‬ور ّّدهم إلى دينك رد ًًا‬ ‫فيها الدول اإلسالمية! ويستطيع الزائر لها‬ ‫ً‬
‫فعًال باملؤاخاة بني املهاجرين‬ ‫الوحدة‬

‫العدد ‪ - 2189‬شعبان ‪1445‬هـ‪ /‬مارس ‪2024‬م‬


‫‪66‬‬
‫‪١٠٠٠‬‬
‫ج‪ / ٩‬ت ج د ‪٢٠٢٤ / ٢‬‬

‫ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺎرﻣﻴﻦ‬

You might also like