Professional Documents
Culture Documents
الحمد ل الذي أرسل فينا رسول كريما ،فهدانا به صراطا مستقيما ،وأنزل عليه ذكرا حكيما،جعله معجزا بيانه،
خالدا تبيانه ،قاهرا سلطانه ،ظاهرا برهانه " ،هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين " ،أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني
عليه ،وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه ،وأومن به وأتوكل عليه ،من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل
فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال ،وحده ل شريك له ،هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره
على الدين كله ولو كره المشركون ،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد ال ورسوله ،وصفيه من خلقه وخليله،
أرسله على حين فترة من الرسل ،وانقطاع من الوحي ،وضللة من المم ،وفساد من الخلق ،وانحطاط من
القيم،فبلغ الرسالة ،وأدى المانة ،ونصح المة ،وكشف ال به الغمة حتى انتقل إلى الرفيق العلى وحجته
دامغة ،ومعجزته ساطعة ،صلى ال وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم
الدين.
أما بعد ،فالسلم عليكم أيها المشائخ الكرام ،والطلبة العزة ،ورحمة ال وبركاته
أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة ونحن نلتقي في هذا الصرح العلمي في ظل العلم واليمان ،متآخين في ذات
ال تعالى ،متناصرين من أجل إعلء كلمة ال ،ومن أجل دحر كلمة الشيطان والباطل حتى يسير هذا الدين
بمشيئة ال تعالى قدما ،ويظهره ال في هذا الزمان المتأخر كما أظهره في الزمان المتقدم ،فإن ذلك هو وعد
ال الذي وعد به المؤمنين ،يقول سبحانه " :هو الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
ولو كره المشركون " ،قال من قبل ذلك " :يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم وال متم نوره ولو كره الكافرون
" ،فالباطل زهوق والحق ثابت ،ومهما هبت أعاصير الباطل فإن طود الحق ثابت ل يتزلزل ول يتزعزع،
1
بمشيئة ال تبارك وتعالى تعلو منارة دينه السلم في هذا العصر الخير كما علت من قبل ،فإن النسانية في
مشارق الرض ومغاربها تتطلع إلى هذا الدين وعطائه ،وتتطلع إلى دورة تأريخية يقوم فيها أبناء هذا الدين
تكون امتدادا لتلك الدورة التي قادها سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعدما استحكمت الجاهلية حتى ظهر
الدين على الدين كله ،وحتى طوى نوره سجاف ظلمات الجاهلية ،فعلت كلمة ال في مشارق الرض ومغاربها.
ورغم تحدي المتحدين ،ورغم تآمر المبطلين ،ورغم كذب الدجالين ظهر هذا الدين وعلت حجته وقهر برهانه،
وتجلى للعالمين سلطانه ،فالحمد ل على ذلك.
هذا ومما ل ريب فيه أن وعد ال سبحانه للمؤمنين بأن يظهر هذا الدين ل يعني أن على المؤمنين أن يتواكلوا،
وأن ل يقوموا بالجهاد من أجل مواجهة أعداء هذا الحق الذي من ال سبحانه وتعالى عليهم به ،وأن يتخاذلوا
أمام خصومهم ،ل ،بل هم مسؤولون عن هذا الدين لنه أمانة في أعناقهم ،وال سبحانه وتعالى هو قادر على
أن يظهر هذا الدين بدون داعي ،ولكن اقتضت ذلك حكمته فلذلك أرسل رسله مبشرين ومنذرين ،وقد اختتم ال
سبحانه وتعالى رسالتهم جميعا برسالة سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم التي جاءت على فترة من
الرسل ،وقد كانت الرسالت السابقة تمهيدا لها لن كل نبي جاء أخذ ال سبحانه ميثاقه بأن يؤمن به " :وإذ
أخذ ال ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال
أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا ،قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " ،وال تعالى عليم بأن
مجيء رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما يكون بعد انتقال أولئك الرسل إليه ،إل أن هذا الميثاق المأخوذ
عليهم ،وفي حقيقته مأخوذ على أممهم ،فكل أمة من أمم أولئك المرسلين مطالبة بأن تؤمن بهذا الرسول الحق،
وأن تتبع النور الذي جاء به ول يعذر أي أحد يتلكأ عن ذلك.
وكما هي سنة ال في خلقه ،فمنذ أن بعث ال سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم ظل الصراع محتدما بين
الحق والباطل ،ومهما بدى الباطل قويا مدججا بالسلح وله كثرة أنصار ،إل أنه سرعان ما تتلشى قوته أمام
الحق ،فإن الحق يقوى بالحق وهو ال سبحانه وتعالى ،وقد وعد ال سبحانه عباده بأن يظهر الحق على
الباطل ،وهذه هي سنته في الرض منذ أن خلق هذا الوجود " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو
زاهق ولكم الويل مما تصفون " " ،وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ".
ومن المعلوم أن الباطل كثيرا ما يتوارى وراء مظاهر تخدع الناظرين ،فلربما كانت صاحب دعاية الباطل
يتظاهر أمام الناس بأنه يدعو إلى خير ،وأنه يدعو إلى خدمة ذي النسانية؛ ولكن مهما قدم من خدمة إنما
وراء ذلك إتلف كرامة النسانية ،ووراء ذلك تضليل هذه الجموع من البشرية ،كما هو الشأن عند فئات
المنصرين الذين يسعون في الرض فسادا ،ويحرصون على أن يطفئوا نور ال ويأبى ال إل أن يتم نوره،
فإنهم منذ قاموا بحركاتهم التنصيرية يحاولون تدمير هذه العقيدة وتشكيك الناس فيها ،وهم ل يشتغلون بالناس
الذين هم من أبناء هذه الملة سواء اتبعوا النصرانية أو لم يتبعوها بقدر ما يشتغلون بإخراجهم من السلم،
وقطع صلتهم بال سبحانه وتعالى ،وقطع صلتهم بمواريثهم الفكرية ،وقطع صلتهم بمعاقد عزتهم ،ومناط
كرامتهم ،وهذا أمر عبرت عنه ألسنتهم ،فعندما اجتمع القساوسة في مؤتمر القدس في عام 1935بعد
مؤتمرات تقدمت في عام ،1906وعام ،1910وعام ،1911وذلك للقضاء على السلم .ثم توالت بعد ذلك
المؤتمرات وكان المحرك لهذه المؤتمرات زويمر المشهور الذي كان يقود الحملة ضد السلم .فعندما اجتمعوا
في القدس ،وتحدث بعض المؤتمرين عن فشلهم في القضاء على السلم ،وفشلهم في تنصير المسلمين ،أجاب
زويمر بقوله ( :إن مهمة التبشير التي ندبتكم من أجلها الدول المسيحية للقيام بها في البلد المحمدية ليست
2
في تنصير المسلمين ،فإن في ذلك هداية لهم وتكريما ،وإنما هي في إخراج المسلم من السلم ،وجعله مخلوقا
ل صلة له بال ،وبالتالي ل صلة له بالخلق التي تعتمد إليها المم في حياتها ،وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة
الفتح الستعماري في الممالك السلمية ..إلى أن قال :إنكم نجحتم بأنكم أخرجتم جيل ل هم لهم إل الشهوات،
فإن ترقى إلى أعلى المناصب ففي سبيل الشهوات ،وإن جمع المال فمن أجل الشهوات ،وهذه هي الغاية التي
ندبتم من أجل القيام بها )..
ولئن كانت الحركات التنصيرية تتظاهر دائما بخدمة النسانية ،فإن وراء ذلك هذه الغاية وهي تحطيم المم،
والقضاء على معنوياتها ،وإخراجها عن سبيل الفطرة وطريق الحق ،وقد دأب كل الذين ينهلون من مناهلهم
على هذا المسلك نفسه ،وبهذا يتبين الفرق الكبير الواضح بين دعوة السلم ودعاية التنصير ،فشتان بين الحق
والباطل ،والهدى والضلل والرشد والغي ،والنفع والضر ،فدعوة السلم إنما هي لجل إنقاذ النسانية .وعندما
سأل رستم القائد الفارسي ربعي بن عامر رضي ال تعالى عنه الذي كان على رأس وفد إسلمي بعدما جاءوا
إليه :ما الذي جاء بكم؟ أجابه ربعي ( :إن ال قد ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عباد ال ،ومن
جور الديان إلى عدل السلم ،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة) .فشتان بين هذه الكلمات والكلمات
التي تحدث عنها زويمر والتي تعرب عن طوايا نفوسهم وما تشتمل عليه حنايا ضمائرهم.
وفي أواخر شهر رمضان المبارك المنصرم وصلتني رسالة من بعض الطلبة المسلمين من هذا البلد السلمي
وهم يدرسون في المملكة المتحدة عما يلقونه من بعض نصارى العرب من محاولة التشكيك في السلم ،وقد
أرادوا مني الجواب على ذلك إل أنني بسبب كثرة العمال مع الكسل أيضا لم أتمكن من المسارعة إلى جوابهم،
فأرجو أن يكون في هذا اللقاء جوابا لهم عبر التسجيل بالشرطة إن شاء ال.
جاء في هذه الرسالة (...بسم ال الرحمن الرحيم ،الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على أشرف
النبياء والمرسلين ،سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..أما بعد..
نحن طلبة من سلطنة عمان ندرس في بريطانيا ،تعرفنا بأحد نصارى العرب وهو لبناني الصل ،والتقينا به
في منزل صديق له ،ودار الحديث عن الديانات ثم تمركز عن السلم والنصرانية ،وأخذ يدعي أن السلم ليس
هو الدين الحق وأن القرآن ليس من الوحي وأن محمدا صلى ال عليه وسلم ليس بنبي ول رسول ،فقلنا له
كيف تثبت لنا ذلك؟ فأخذ يأتي بما عنده ،ورددنا عليه بما عندنا من المعرفة مع إيماننا بأن السلم هو الدين
الحق ،وأن محمد صلى ال عليه وسلم هو الرسول الخاتم ،والقرآن هو كتاب ال المعجز غير المتناقض،
فنرجو منكم أن تردوا على هذه النقاط التي ادعاها هذا النصراني المشرك والتي ل نعرف الجابة عليها بسبب
جهلنا وقلة اطلعنا حتى نكون على بينة من أمرنا .وردا على هذا النصراني المشرك نرجو أن تكون الجابة
بشريط مسموع وذلك في أسرع وقت ممكن..
النقطة الولى :لقد تزوج محمد صلى ال عليه وسلم من السيدة خديجة على طريقة أهل الكتاب ،وزوجه إياها
ورقة بن نوفل ،ولم يجمع معها زوجة أخرى حتى ماتت كما هو عند النصارى..
النقطة الثانية :يقول إن محمدا كان يتعبد بالغار مع ورقة بن نوفل ،وتعلم منه بحيث استطاع أن يؤلف القرآن،
موافقا للكتب السماوية السابقة ،ولما مات ورقة أكمل تأليف القرآن وخرج عما تعلمه من ورقة بحيث أخذ
يعارض الكتب السماوية السابقة..
النقطة الثالثة :أن القرآن ليس بمعجز ،وأن هناك من كتب العرب وأشعارهم ما هو أبلغ من القرآن ،مثل
المعلقات ،ومقامات الحريري ،ويقول إن فاتحة سورة القمر " اقتربت الساعة وانشق القمر " مأخوذة من
3
قصيدة لمرئ القيس ،وقد أعطانا هذا النصراني كتابا بعنوان ( ميزان الحق ) الجزء الثالث للدكتور بندرو،
وفيه عدة نقاط نذكر بعضا منها:
أول :أن في القرآن كلمات معدلة عن لغات أخرى ،منها كلمة فروعون من اللسان المصري القديم ،وكلمتا آدم
وعدن مأخوذتان من لغة قديمة تدعى أكاديا ،وإبراهيم من لغة الشوريين ،وهاروت وماروت والصراط وحور
والجن والفردوس مأخوذة من لغة قدماء الفرس ،وتابوت ،وطاغوت وزكاة وملكوت من لغة السريان،
والحواريين من اللغة اليتوبية ،وحبر وسكينة وماعون وتوراة وجهنم من ألفاظ اليهود ،والنجيل من لغة
اليونان.
ثانيا :يحتوي القرآن على أغلط نحوية مثلما جاء في سورة آل عمران " :إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " ،والصواب :قال له كن فكان.
ثالثا :يحتوي القرآن على أغلط كتابية مثل " سلم على إل ياسين " ،والصواب :على إلياس ..وطور سينين:
والصواب سيناء..
رابعا :أن جميع الحقائق التي ذكرها القرآن جاءت من قبل في الكتاب المقدس مفصلة تفصيل ليس من ورائه
مزيد ،وأن القرآن ل يعدو كونه محتويا على ما جاءت به الكتب ،وأنه ما من أحد يجهل أن وحدانية ال مبثوثة
في فصول العهد القديم والجديد ،والكل يعلم أن هذه العقيدة هي أساس اليمان عند النصارى واليهود.
خامسا :أن قصة أصحاب الكهف غير حقيقية ،وإنما هي حكاية مكتوبة صنفها أصحاب البدع من طوائف
النصارى ،وقد ورد في كتاب لتيني إسمه ( مجد الشهداء ) كما أثبت ذلك صاحب الكتاب ( مصادر السلم ).
سادسا :أن نبي السلم قد تزوج بأكثر من أربع ،وأصحابه يجاهدون لكسب النساء والملذات ،وأن القرآن وعد
المسلمين بالملذات والحور العين والخمر رغم حرمتها وذلك في الجنة.
هذه بعض النقاط الواردة في هذا الكتاب ،ونحن نود معرفة الفترة التي تم فيها تحريف التوراة والنجيل،
والنصارى ل يعترفون بتحريف كتبهم ،ويحتجون بوجود نسخة تعود إلى القرن الرابع بعد الميلد وموجودة
حاليا بالمتحف البريطاني وهي مطابقة للكتاب الذي بين أيديهم اليوم ،ويتساءل الكثير منهم عن ما يأتي:
هل تنبأ الكتاب المقدس عن محمد صلى ال عليه وسلم؟ وأين ذلك؟ هل يمكن أن تكون فصاحة القرآن معجزة
إلهية؟ لماذا لم تكن الحداث الواردة في القرآن متسلسلة تأريخا؟ لماذا ورد ذكر المسيح عليه السلم أكثر من
ذكر محمد صلى ال عليه وسلم؟ وما سبب تكرار القصص مثل قصة فرعون وقصة عاد وثمود؟
والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته)..
ونحن في هذه الجلسة وإن كانت ل تستوعب الجوبة على كل ما سبق بالتفصيل ،إل أننا نحاول أن نضع بعض
اللمسات على ما جاء من كلم هؤلء من الهراء.
أول :إدعائهم أن النبي صلى ال عليه وسلم تزوج السيدة خديجة على طريقة أهل الكتاب.
النبي صلى ال عليه وسلم تزوج السيدة خديجة رضي ال عنها على الطريقة الحنيفية السمحة التي كان عليها
إبراهيم عليه السلم ،وتزوج غيرها أيضا بعدما نبئ عليه أفضل الصلة والسلم وشرف بالرسالة بهذه الطريقة
نفسها؛ فالزواج الذي كان بينه وبين السيدة خديجة رضي ال تعالى عنها استكمل جميع الشرائط الشرعية،
لنه كان زواجا شرعيا ،بإذنها ورضاها وبإذن أوليائها ،وبصداق شرعي ووبينة ،وهذه هي الطريقة السلمية
4
التي ظل الزواج في الشريعة السلمية مستمسكا بها إلى الن ،وسيظل مستمسكا بها إلى أن يرث ال تعالى
الرض ومن عليها.
أما دعوى أن النبي عليه أفضل الصلة والسلم تعلم ما أتى به في القرآن من ورقة بن نوفل فهذه فرية فاضحة
لمن افتراها ،لنها تدل على جهله ،إذ المشركون الذين كانوا يتحدون القرآن ما أشاروا إلى النبي صلى ال عليه
وسلم بذلك من قريب ول بعيد ،وإنما كانوا يتهمون رجل أجنبيا وهو غلم رومي كان بمكة المكرمة قينا كما
يقال ،فهم ألصقوا التهام ،إتهام رسول ال صلى ال عليه وسلم بأنه كان يتعلم ما جاء به في القرآن من ذلك
الغلم لنه وجدوه يجلس إليه في بعض الحيان .والقرآن الكريم أشار إلى ذلك عندما يقول سبحانه وتعالى" :
ولقد نعلم إنهم ليقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " .رد عليهم
بأن ذلك الذي يهمونه بتعليم رسول ال صلى ال عليه وسلم هو رجل أعجمي ،والقرآن نزل بلسان عربي مبين.
فكيف يمكن لهذا العجمي أن يتقن هذا اللسان العربي؟ وكيف يمكن للنبي صلى ال عليه وسلم بمجرد جلسات
خفيفة مع رجل أعجمي ل يتقن عليه أفضل الصلة والسلم لسانه أن ينقل هذه المعلومات الكثيرة؟ على أن
القرآن الكريم معجز بشتى وجوهه؛ فهو معجز من حيث بيانه الذي حارت به ألباب العرب ،والذي نطق القرآن
بأنه ل يمكن للعرب أن يأتوا بمثله قط ،أي بمثل هذا البيان .فإن ال سبحانه وتعالى تحدى المشركين أن يأتوا
بمثل القرآن فعجزوا ،وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ،وتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله
فعجزوا ،وقال " :فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا " قطع بأنهم لن يفعلوا ،ولم يفعلوا كما أخبر القرآن .ثم بجانب ذلك
أرخى العنان لهم أن يستظهروا بكل أحد كان ،أن يستعينوا بشهداءهم ،وأن يستظهروا بالعالمين قاطبة ،وأنبأهم
لو أنهم استظهروا بالنس والجن فهم عاجزون عن التيان بمثله .وقد وقفوا فعل عاجزين.
وإعجاز القرآن الكريم أمر اعترف به غير المسلمين ،فقد اعترف به المشركون أنفسهم الذين كانوا يواجهون
الرسول صلى ال عليه وسلم بتكذيبهم وتحدياتهم؛ فالوليد بن المغيرة عندما جاء إلى النبي صلى ال عليه
وسلم ناصحا له عن القيام بهذه الدعوة ،وتلى عليه النبي صلى ال عليه وسلم شيئا من القرآن ،حار مما
سمع ،ورجع إلى قومه وهو متأثر بما سمع ،فأراد أبو جهل أن يستفزه وقال له :إن قومك يريدون أن يجمعوا
لك مال لنك جئت إلى محمد لتعرض له ..فقال له إن قريشا يعلمون أني من أكثرهم مال..فقال له :قل فيما
سمعته منه قول يرضي قومك .قال له :ماذا عسى أن أقول! إنكم لتعلمون أني من أعلمكم بالشعر ،رجزه
وقصيده وشعر الجن ،وال ما يشبه هذا شيئا مما يقوله محمد ،وإن له لحلوة ،وإن عليه لطلوة ،وإنه لمغدق
أسفله مثمر أعله ..فأبى أبو جهل عليه إل أن يقول فيه قول فقال :إن هو إل سحر يؤثر يأثره عن غيره ،فأنزل
ال سبحانه وتعالى فيه ما أنزل.
وكذلك كان الشأن مع عتبة بن ربيعة ،إذ حار لبه مما سمع من كتاب ال تبارك وتعالى ،ووقفت همم أولئك
العقلء ،أي الذين كان فيهم شيء من العقل الذي يمكنهم به أن يسوسوا أنفسهم ،وقفت بهم عن الندفاع إلى
تحدي القرآن لنهم علموا أن لو حاولوا أن يأتوا بمثله لما كان منهم إل السفاف الذي يربأون بأنفسهم عنه.
من أجل ذلك ما حاول أبو جهل مع عتوه وكبريائه أن يقلد القرآن وأن يزعم أنه جاء بشيء مثل القرآن ،ولم
يحاول ذلك عتبة بن ربيعة ،ولم يحاول ذلك شيبة بن ربيعة ،ولم يحاول ذلك الوليد بن المغيرة ،ولم يحاول ذلك
أي من هؤلء الذين كانوا أعتى الناس في مواجهة القرآن الكريم؛ بل وقفوا أمام هذا المر حائرين ،وإنما كانوا
في تكذيبهم يكابرون أنفسهم ،وإل فقد امتل وجدانهم بالعتراف بأن القرآن الكريم معجز ،ولذلك كانوا
يتعاهدون فيما بينهم أل يحضروا مجلسا يتلو فيه النبي صلى ال عليه وسلم القرآن ،ولكنهم ينقضون هذا العهد
5
فيما بينهم ،فإذا بهم يرجعون ويستمعون إليه مرة أخرى ليمتعوا أذواقهم بما يسمعونه من بلغة القرآن .أما
الذين إنزلقت أقدامهم فحاولوا أن يقلدوا القرآن فإنهم لم يأتوا إل بالسفاف الذي ربأ الذين عندهم شيء من
العقل بأنفسهم عن التيان بمثله ،ولذلك خلد ذكر أولئك في الوغاد والسفلة الذين ل عقول لهم كمسيلمة الكذاب
وسجاح وغيرهما فإن ما جاء به بقي ضحكة عند جميع الناس.
وكما أن المتقدمين من الكفرة الجاحدين وقفوا أمام معجزة القرآن حيارى واعترف من اعترف منهم بإعجاز
القرآن وأنه ل يشبه شيئا من كلم العرب شعره ونثره ،سجعه ومرسله ،رجزه وقصيده ،كذلك نجد البلغاء من
غير المسلمين في العصور الخيرة وقفوا حائرين أمام معجزة القرآن الكريم .ولذلك كانوا يحرصون على أن
يتعلموا القرآن من أجل أن يدربوا أنفسهم على حسن البلغة في تأديتهم للكلم شعره ونثره ،كما كان ذلك من
خليل مطران ،وقد اعترف بإعجاز القرآني؛ وكذلك الديب النصراني جبر ضومط ،وكذلك الشيخ إبراهيم
اليازجي ،ووالده نصيف اليازجي ،ومن بين هؤلء أحد الثلثة من النصارى الذين بثوا اللحاد في البلد العربية
وما بين العرب ،وهو الدكتور شبل شبيل؛ إذ اللحاد بثه النصارى فيما بين العرب ،نصارى العرب هم الذين بثوا
اللحاد ،وكان الذين يتولون كبر هذا المر ثلثة :شبل شبيل هذا وسلمة موسى وفرج أنطون.
شبل شبيل هذا كتب رسالة إلى العلمة محمد رشيد رضا وبعدها أبيات بعد أن قرأ مقالت كتبها السيد رشيد
رضا في مجلة المنار عن مناقب صاحب الرسالة عليه أفضل الصلة والسلم .ماذا كتب إليه؟ كتب إليه يقول:
( إلى غزالي عصره السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار:
أنت تنظر إلى محمد كنبي وتجعله عظيما ،وأنا أنظر إليه كرجل وأجعله أعظم ،ونحن وإنا كنا في العتقاد الديني
أو المبدأ الديني على طرفي نقيض فإننا يجمع بيننا العقل الواسع والخلص في القول ،وذلك أوثق لعرى
المودة بيننا ( الحق أولى أن يقال ) ..تحت هذا العنوان جاء بأبيات..يقول:
دع من محمد في سدى قرآنه............ما قد نحاه للحمة الغايات
إني وإن أك قد كفرت بدينه..............هل أكفرن بمحكم اليات
أو ما حوت في ناصع اللفاظ من......حكم الروادع للهوى وعظات
وشرائع لو أنهم عقلوا بها.............ما قيدوا العمران بالعادات
نعم المدبر والحكيم وأنه...............رب الفصاحة مصطفى الكلمات
رجل الحجى رجل السياسة والدها......بطل حليف النصر في الغارات
ببلغة القرآن قد غلب النهى............وبسيفه أنحى على الهامات
من دونه البطال في كل الورى..........من سابق أو حاضر أو آت ).............
هكذا يعترف رجل نشأ على النصرانية الكاثوليكية ثم انتقل بعد ذلك إلى اللحاد بعظم القرآن ،وبعظم الرسول
الذي جاء بهذا القرآن ،ويعترف بأن النبي صلى ال عليه وسلم غلب النهى – أي العقول – بهذا القرآن،
ويعترف بأن النبي صلى ال عليه وسلم يفوق جميع العالمين من سابق أو حاضر أو آت ،ل يعدل بالنبي صلى
ال عليه وسلم أحدا من خلق ال.
ونجد ما يشبه هذا في كلم الشاعر الفوري اللبناني النصراني الذي كاد يعتنق السلم ،ولكن المر ل سبحانه
وتعالى ،وله الكثير من الشعار في القرآن وفي الرسول صلى ال عليه وسلم ،وسنذكر فيما بعد وصيته التي
كتبها بعدما بلغ من الكبر عتيا ،بعدما بلغ من العمر تسعين عاما إن شاء ال.
6
هؤلء يعترفون بعظم القرآن ،بل نجد من غير العرب من المستشرقين الذين درسوا القرآن من وقف حائرا أمام
معجزة القرآن ،سواء إعجازه من حيث المحتوى أو إعجازه من حيث البيان .وقد وصل إلي قبل فترة كلم
عشرات من هؤلء ،إل أنني مع السف الشديد افتقدته في هذه الفترة التي كنت فيها بحاجة ملحة إلى هذا
الكلم ،اعترفوا اعترافا صريحا بعظم القرآن ،وأن القرآن ل يمكن أن يدانيه أي كلم .على أنه سبق قبل أكثر
من ثلثي قرن أن كلفت وزارة الخارجية ووزارة التربية والتعليم في فرنسا أحد المستشرقين بترجمة اثنتين
وستين سورة من سور القرآن ،فكتب تقديما لهذه الترجمة جاء فيه ( :إن القرآن ل يمكن أن تفي بمعناه لغة إل
لغته الخاصة ول أسلوب إل أسلوبه الخاص ،فإنه أسلوب ألهي ولذلك أعجز البشر بسحر بيانه)..
كما أن المستشرق الفرنسي المسيو دير منغان تحدث عن عظمة القرآن وعظمة الرسول صلى ال عليه وسلم
في كتابه ( حياة محمد ) ،وقال فيما وصف به الرسول عليه أفضل الصلة والسلم ( :إن محمدا كان أصدق
البشر لهجة ،وأحسنهم سيرة ،وأطيبهم سريرة ،وأوفرهم عقل وهو صادق بأنه يوحى إليه)..إل أنه حاول أن
يفسر هذا الوحي تفسيرا ل يتفق مع عقائدنا ،ولكنه مع ذلك اعترف بأنه أصدق البشر لهجة ،وأوفرهم عقل،
فكيف مع ذلك يدعي مدع في هذا الوقت من النذال والوغاد أن النبي صلى ال عليه وسلم ما جاء بشيء
معجز ،وأن القرآن ليس هو من عند ال ،وأن السلم ليس هو بالدين الحق.
هذا ومما يدل دللة واضحة على كذب هذا المفتري أن القرآن الكريم أنزله ال على نبينا محمد صلى ال عليه
وسلم في أكثر من عقدين من السنين ،نزل ما نزل عليه في السفر وفي الحضر ،في السلم وفي الحرب ،في
الفرح وفي الحزن ،في الشدة وفي الرخاء ،ومع ذلك لم يوجد تناقض بين شيء وشيء مما في القرآن قط .وقد
تجلى إعجاز القرآن الكريم فيما أنزله ال سبحانه وتعالى على سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتحدث
القرآن الكريم عن بعض الحداث التي حصلت بعدما مات ورقة بن نوفل؛ وقد تحدث القرآن عن الغلبة التي
صارت للفرس على الروم ،وأن المعايير ستنقلب ،والمقاييس ستتبدل ،والنتيجة ستختلف ،فالغالب سيتحول إلى
مغلوب ،والمغلوب سيتحول إلى غالب؛ بل حدد زمان ذلك بصريح العبارة مع إشارة إلى ما يتحقق للمسلمين من
نصر يتزامن مع نصر الروم على الفرس ،فإن ال سبحانه وتعالى أنزل على النبي صلى ال عليه وسلم بعدما
أصبح الجيش الروماني جيشا ضعيفا مقهورا ،وأصبحت المبراطورية الرومانية تلفظ أنفاسها الخيرة وهي
محصورة في عاصمتها القسطنطينية وقد احتل الفرس جميع ممالكها واستولوا على جميع الشعوب التي كانت
خاضعة لها ،أنزل ال تعالى في ذلك الوقت على النبي صلى ال عليه وسلم " :غلبت الروم * في أدنى الرض
* وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين * ل المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون *بنصر
ال " آذن النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين هنا بانقلب المعايير رأسا على عقب ،وأن الذي يبدو الن
غالبا سيتحول إلى مغلوب ،ومن بدا الن مغلوبا سيتحول إلى غالب ،وذلك ل يتجاوز بضع سنين ،والبضع بين
الثلثة والعشرة .هذا الذي وقع فعل ،فالية الكريمة نزلت على النبي صلى ال عليه وسلم في العام الخامس من
بعثته عليه أفضل الصلة والسلم ،وذلك يوافق عام 616للميلد ،وما جاء عام 625للميلد إل وقد تحقق وعد
ال سبحانه وتعالى بانتصار الروم المغلوبين على الفرس الغالبين .كما أن هذا النتصار تزامن مع فرحة
المؤمنين الكبرى بأول انتصار كاسح لهم عندما استطاعوا أن يمرغوا بأنف الشرك في التراب في غزوة بدر
الكبرى " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر ال " .فهل تعلم النبي صلى ال عليه وسلم هذا من روقة بن نوفل
بعدما مات وتحول إلى الدار الخرة؟
7
ومثل هذا الهراء ما قاله أحد الكاتبين من أن النبي صلى ال عليه وسلم لما رحل في شبابه طلئع بلد الشام في
تجارة للسيدة خديجة رضي ال عنها والتقى بالراهب نسطورا تعلم منه النبي صلى ال عليه وسلم ما تعلم،
والقرآن جاء به النبي صلى ال عليه وسلم من عند نسطورا ،مع أن نسطورا الراهب عندما حدث ما حدث من
انقلب هذه الموازين التي أشار إليها القرآن وتحول الغالب إلى مغلوب والمغلوب إلى غالب ،بل عندما كانت
غلبة الفرس على الروم كان متحول إلى الوفاة ،ولعله كان رميما في التراب ،فكيف يمكن أن يتنبأ بذلك؟! وهل
يمكن مع هذا إل أن يكون القرآن من عند ال سبحانه وتعالى؟!! على أننا نوقن من أن الرسول صلى ال عليه
وسلم لم يصل إلى الممالك الرومانية والممالك الفارسية من أجل دراسة الوضاع العسكرية ،والوضاع
الجتماعية والوضاع السياسية ليتنبأ بالمستقبل ،فهو صلى ال عليه وسلم ما وصل إل إلى مشارف بلد الشام
في صباه وفي شبابه قبل أن يٌنبّأ .ثم بجانب ذلك ما كان صلى ال عليه وسلم على اطلع بأحوال الجيوش
الفارسية والجيوش الرومانية ،فكيف مع هذا يمكنه أن يتنبأ بهذه الحقائق لول أنه أوحي إليه من قبل ال؟!
ونحن نشاهد في وقتنا هذا الدول الكبرى مع الدراسات الوافية التي تقوم بها فيما يتعلق بشؤون الدول الخرى
من حيث النواحي العسكرية والجتماعية والسياسية والقتصادية وغيرها ،يتنبأ قادة هذه الدول بنتائج ول يلبث
الزمن أن يأتي بنتائج معاكسة تماما؛ فإنني أحفظ أنه عندما اشتدت المعارضة في إيران في ظل الشاه المخلوع،
أدلى بتصريح الرئيس المريكي كارتر بأنه يرى أن الشاه سيتغلب على المعارضة ،ولم يكد يمضي على هذا
التصريح شهر واحد حتى خرج الشاه وهو يحمل صندوقا من تراب إيران وهو يتشممه في منفاه .هذا مع أن
كارتر عنده البنتاجون المريكي وعنده المخابرات المريكية وعنده التقديرات العسكرية والدراسات السياسية
وغيرها ولكن مع ذلك لم يغنه ذلك كله شيئا حتى يعرف الحقيقة كيف ستكون .فكيف للنبي صلى ال عليه وسلم
أن يدرك ذلك!! كذلك عندما كان المسلمون أنفسهم مقهورين من النتيجة التي حصلت بعدما خرجوا معتمرين
في عمرة الحديبية ،وتم الصلح على ما تم عليه ،ونزل ما نزل من كتاب ال سبحانه وتعالى مما يدل على حسن
العاقبة " :إنا فتحنا لك فتحا مبينا " تعجب المسلمون من ذلك حتى قالوا لرسول ال :أوفتح هو يا رسول ال؟!
عجبوا من هذا المر ،ولكن لم يمضي على ذلك سنتان حتى تحقق الفتح المبين والحمد ل .وكم من حقائق
أخبر بها القرآن فتجلت للناس رأي العين!
النقطة التي أثارها هذا الفاك الكذاب وهي أن القرآن ليس بمعجز ،وأن هناك من كتب العرب وأشعارهم ما هو
أبلغ من القرآن كالمعلقات ومقامات الحريري إلى آخره ،نحن نتحداه بالمناظرة في هذا ،ونستعد أن نثبت له
علنا أن القرآن الكريم ل يمكن أن يرقى إليه أي كلم من كلم العرب ،وعليه أن يستظهر بمن وراءه إن كان
يستطيع إثبات ذلك ،فأنى له أن يأتي بذلك! ليأت بهذه المعلقات السبع ويقارن بينها وبين آيات ال تبارك وتعالى
البينات ،وليأت بما يدعيه أنه من شعر امرئ القيس ،أي قصيدة جاء فيها هذا المطلع الذي في سورة القمر من
قصائد امرئ القيس ،وكذلك إن أراد المقارنة بين مقامات الحريري والقرآن الكريم..أنى له أن يأتي بمثل
القرآن! يكفي شاهدا على ذلك أن من كلم العرب الذي يعتبر مثل في البلغة قولهم ( :القتل أنفى للقتل)؛ فجاء
القرآن بما تتضاءل معه هذه الجملة بحيث أصبح مثلها مع مثل جملة القرآن كمثل الذبالة أمام الغزالة أي الفتيلة
أمام الشمس ،وال سبحانه وتعالى قال " :ولكم في القصاص حياة " .وقد تميزت الجملة القرآنية على الجملة
التي كانت مثل عند العرب في البلغة بأربع عشرة ميزة منها أن الجملة المأثورة عن العرب تتكون من 14
حرفا وهذه تتكون من 10أحرف ،ومنها أن القتل ل يكون في كل حال أنفى للقتل ،فقتل العدوان ليس له هذا
8
الحكم ،بينما القرآن قال " :ولكم في القصاص " حدد ذلك بقتل القصاص ،ومنها أن الجملة التي حكيت عن
العرب حصرت ذلك في القتل مع أن القصاص يشمل القتل وغيره إلى آخر ذلك ،أربع عشرة ميزة تميزت بها
الجملة القرآنية على الجملة المأثورة عن العرب.
أما ما جاء في ذلك الكتاب الذي يسمى ( ميزان الحق ) وفي حقيقة المر تضليل الباطل ،من الدعايات ضد
القرآن ومن بينها أن في القرآن كلمات مأخوذة من لغات أخرى .نحن لو سلمنا ذلك فإننا نعتبر هذا من إعجاز
القرآن إذ النبي صلى ال عليه وسلم لم يدخل مدرسة لغات حتى يتعلم هذه اللغات الكثيرة من ألسنة متعددة،
فيها ما هو من اللغات القديمة ،وفيها ما هو من اللغات المستجدة ،لو سلم ذلك فذلك من إعجاز القرآن .النبي
صلى ال عليه وسلم ما كان يتلو من قبل القرآن من كتاب ول يخطه بيمينه فأنى له أن يحيط بهذه اللغات!! مع
أننا نقول بأن القرآن عربي ،وما فيه من الكلمات التي هي عند غير العرب استعملت من قبل نزول القرآن في
اللسان العربي فأصبحت معربة ،ومع هذا هناك دراسة قام بها أحد الردنيين في وقت متأخر؛ تثبت هذه الدراسة
أن اللغة العربية هي أم جميع اللغات ،وأن ال سبحانه وتعالى علم آدم السماء باللغة العربية ،فهذه اللغة هي أم
اللغات الخرى ،واللغات الخرى منبثقة منها.
أما الزعم الكاذب بأن القرآن يشتمل على أغلط نحوية مثلما جاء في سورة آل عمران " :إن مثل عيسى عند
ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وأن الصواب ( قال له كن فكان ) ،فهذا دليل جهل هذا
القائل ،وأنه لم يدرس العربية نفسها حتى يعرف كيف يعبر عن الماضي بالعبارة التي توحي بالستحضار في
الوقت الحاضر .وهذا مما ورد في أشعار العرب ،فالشاعر العربي يقول:
وإذا مررت بقبره فاعقر به............قوم الهجان وكل طرف سابح
وانضح جوانب قبره بدمائها..........فلقد يكون أخا دم وذبائح
مع أن المتحدث عنه هو ميت ،ما هو يكون في الحاضر وإنما كان في الماضي،ولكن عبر عن هذه الحالة
الماضية بهذا التعبير الذي يوحي بالستحضار من أجل استحضار كرمه الذي كان عليه.
على أن من المفسرين من قال بأن المراد بقول ال تبارك وتعالى " :ثم قال له كن فيكون " الخبار عن كلمة
التكوين ،وكلمة التكوين تشمل الكلمتين جميعا ( كن فيكون ) ،هذا هو الذي ذهب إليه العلمة السيد محمد رشيد
رضا صاحب ( المنار ) مع أن جمهور المفسرين ذهبوا إلى أن ما ذكر إنما هو لجل أن يستحضر السامع كيف
كان عيسى عليه السلم بمجرد كلمة كن.
وكذلك ادعاء بأن قول ال تبارك وتعالى " سلم على إل ياسين " خطأ مردود فإن إل ياسين لغة في إلياس،
ومن المفسرين من قال بأن إل ياسين هنا جمع لـ( إلياس ) ،والمراد بذلك إلياس وأتباعه ،كما يقال ( المهلبين )
للمهلب وأتباعه؛ أو أن الصل إلياسيين فيكون المراد بذلك التباع بطريقة النسبة إلى إلياس ،ولكن مع هذه
الياء ياء النسب كما وقع ذلك في قول ال تبارك وتعالى " :ولو نزلناه على بعض العجمين " والصلى ( على
بعض العجميين ) .ومثل ذلك ( طور سينين ) فإن سينين لغة في سيناء.
وأما احتواء الكتاب المقدس الذي عندهم على الحقائق القرآنية فنحن نتحداهم بأن يأتوا في الكتاب المقدس بما
يدل على أن الروم سيهزمون فارس بعدما تهزمهم فارس ،ونتحداهم أن يأتوا ببيان هذا الفتح الذي أشار إليه
القرآن الكريم للمسلمين ،ونتحداهم بأن يأتوا ببيان يكشف على أن المة السلمية ستقع فيها فتنة كما تحدث
بذلك القرآن قبل وقوع هذه الفتنة بقوله سبحانه " :واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " نتحداهم
أن يأتوا بذلك .على أنه لو كان ذلك كذلك ،فإنه مما يدل على أن النبي صلى ال عليه وسلم أٌنزل هذا القرآن
9
عليه من قبل ال ،كيف وهو عليه أفضل الصلة والسلم رجل أمي ما كان يقرأ من قبله من كتاب ول يخطه
بيمينه أنى له أن يطلع على ما في الكتاب المقدس ،ويحتوي على ذلك كله حتى يعبر عنه بهذا اللسان العربي
المبين بهذا السلوب اللهي المعجز!!
أما الزعم بأن قصة أصحاب الكهف ليست حقيقية فهو زعم باطل ،وكفى حجة على أنها قصة واقعة أن كتبا من
كتب أهل الكتاب أثبتتها ،وهي وإن لم تكن شائعة عندهم إل أن اطلع النبي صلى ال عليه وسلم ومعرفته بها ل
يمكن أن يكون إل بوحي يوحى إليه من عند ال سبحانه وتعالى.
وما قالوه من أن النبي صلى ال عليه وسلم حاول أن يتميز عن أصحابه بزواجه بأكثر من أربع ،وأن هذا
تدليل شهوانيته إلى آخر ما وصفوه به حاشاه عن ذلك صلى ال عليه وسلم فهو مردود ،لن النبي عليه أفضل
الصلة والسلم لو كان همه في الشهوات لحرص على تزوج أبكار ،ومن الذي كان يأنف أن يزوج النبي صلى
ال عليه وسلم! وأي امرأة كانت ل تتشرف بأن تكون في كنف بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلة والسلم!
أي رجل ل يرى تزويج النبي صلى ال عليه وسلم شرفا له وهو يؤمن به صلى ال عليه وسلم ويعتبره قائدا
له! ولئن كان أبو سفيان في حال شدة عدائه له عندما سمع بأن ابنته تزوجها النبي صلى ال عليه وسلم قال( :
ذلك الفحل ل يقلع أنفه ) فكيف بالمؤمنين ! وهو عليه أفضل الصلة والسلم ما تزوج هذه النساء إل بعدما
جاوز مرحلة الشباب .أما في مرحلة الشباب فقد تزوج السيدة خديجة رضي ال عنها التي تتقدمه بخمسة
عشر عاما ،ومع ذلك كله ظل النبي صلى ال عليه وسلم حريصا على الستمساك بها وحدها في تلكم المرحلة.
أما زواجه فيما بعد فقد كان لحكم بالغة منها أنه كان يتألف البيوتات بالصهار إليها ،ومنها أنه صلى ال عليه
وسلم أراد أن تكون في بيوت أزواجه مدارس لنساء المسلمين بحيث تتلقى أزواجه منه صلى ال عليه وسلم
تعاليم الدين وتبثها في نساء المؤمنين،وهذا ما ل يمكن أن يقوم به العدد القليل لو كانت عنده زوجة أو زوجتان
أو ثلث زوجات.
ولم يكن هم الصحابة رضي ال تعالى عنهم في الشهوات وإنما كان همهم في إعلء كلمة ال ،ولو كان همهم
في الشهوات لما كان يخرج أحدهم عن نساءه لينازل المشركين في ميادين المعركة وهو يحرص على
الستشهاد في سبيل ال ،فإن من همه شهواته ل يمكن أن يفوت هذه الملذات ،ملذات الحياة ،حرصا على لقاء
ال عز وجل.
أما تحريف التوراة والنجيل فذلك أمر ل يشك فيه بما نجده من الباطيل في هذين الكتابين بسبب ما لحقهما من
التحريف والتبديل ،وقد اعترف بذ لك الدارسون من غير المسلمين مع اعترافهم بأن القرآن ظل هو الكتاب
الوحيد الذي لم تمتد إليه يد التحريف والتبديل .وقد كان من بين هؤلء الدارسين الدكتور موريس بوكاي وهو
طبيب فرنسي جراح أراد أن يتعلم اللغة العربية من أجل أن يتعامل مع العرب ،فأراد أول أن يدرس المعلقات
السبع ،ولكنه آثر دراسة القرآن ،ثم أخذ يقرأ القرآن وجاء إلى قول ال سبحانه وتعالى " :ولقد خلقنا النسان
من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين * " حار عندما قرأ هذه الية الكريمة وعلم
أن هذا القرآن من عند ال ،إذ ل يمكن إل ال تبارك وتعالى وحده ،ول يمكن للبشر الذين كانوا متأخرين في
الميادين الطبية في تلك العصور السابقة أن يكتشفوا هذه الحقائق التي كشف عنها العلم الن ،فكيف برجل أمي
كان ناشئا في بيئة أمية ،بيئة بدائية ،وكان بجانب ذلك غير متصل بالطباء وغير متصل بأصحاب المعارف من
أهل عصره!! هذا دعاه إلى استقصاء ما يمكن أن يصل إليه من المعارف الطبية التي يشير إليها القرآن،
10
وعندما اكتشف أي حقيقة من هذه الحقائق ثبت له إعجاز القرآن الكريم .ثم بعد ذلك حاول أن ينظر إلى
العهدين :العهد القديم والعهد الجديد ،هل لهما الميزة الموجودة في القرآن ،فإذا به يرى الحديث عن الحقائق
العلمية في العهدين القديم والجديد قليل جدا ،ومع قلة ما ورد فيه من الحديث عن الحقائق العلمية يجده
متصادما مع هذه الحقائق! بينما ما في القرآن متفق .واستعان على ذلك بعلماء الفلك وعلماء طبقات الرض،
وجميع أصحاب التخصصات العلمية فإذا به يكتشف هذا السر العجيب في القرآن .فخرج بهذه النتيجة التي ل
شك فيها بأن الكتاب الوحيد الذي ظل على ما هو عليه لم تمتد إليه يد التحريف والتبديل هو القرآن .وألف في
ذلك كتابا سماه ( العلم في التوراة والنجيل والقرآن ) ،وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية وإلى اللغة
النجليزية ،وهو كتاب متداول.
كما أن ما يعترف به النصارى أنفسهم من التطورات التي حصلت في معتقداتهم ودياناتهم نتيجة اجتماع
أحبارهم وقساوسهم وأساقفتهم في مجامعهم الدينية شاهد على تبديل ما في العهدين القديم والجديد .ومن بين
هؤلء الذين اعترفوا بهذه الحقيقة الشاعر الذي أشرنا إليه،الشاعر الخوري ،وهو المعروف بالشاعر القروي.
فعندما بلغ تسعين عاما من العمر كتب وصيته التي جاء فيها ( :لقد أثبتت المصارد التأريخية أن يسوع
المسيح عليه السلم كان يعبد ال الواحد الحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ،وظل
على ذلك أتباعه إلى القرن الثالث عندما تنصر قسطنطين عاهل الروم فأدخل في النصرانية بدعة التثليث،
وماله على ذلك بعض الساقفة وفي مقدمتهم مكاريوس الذي لقب نفسه ( أرثوذكس ) أي مستقيم الرأي.
وعارضه جماعة من الساقفة في مقدمتهم آريوس .وعدقت بينهما مجامع للحوار ،فاز فيها آريوس بالحجة
القاطعة والحق اليقين؛ ولكن السلطة التي هي مصدر البلء وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق،
وظل الحق يتململ في قيده ممنتظرا آريوسا جديدا) ....ثم قال ( :وكم أتمنى وأنا الرثوذوكسي المولد أن يكون
هذا الريوس بطريركا بطل ينفي عن ديننا وصمة ألصقها به غرباء غربيون ،وكثيرا ما كان الغرب مصدرنا
بلءنا الديني والسياسي معا )....ثم أتبع ذلك قوله ( :وإيمانا مني بنبوة نبيبا العربي وتصديقا مني بمعجزته
القرآن أردت أن أكون قدوة لخواني أدباء النصرانية فأدخل في دين ال ،ولكنني رأيت إصلح ديننا الول خيرا
من النتقال عنه إلى الدين الجديد ،وكخطوة في هذا السبيل أعلن عن عزوفي عن أرثوذوكسية المكاريوسية
إلى أرثوذوكسية الريوسية ...إلخ ما جاء في هذه الوصية ).
فالشواهد هنا متعددة .أول :أن النصرانية جاءت ببدع ،بدعة التثليث ،وهي ناتجة عما ظل عالقا بأذهان
الرومانيين من العقائد الرومانية الوثنية السابقة .ثم بجانب ذلك يقول بأن الحوار كان ساخنا ما بين جانبي
الحق والباطل ،ولكن السلطة هي التي أسكتت صوت الحق ،وهي التي أطلقت لسان الباطل ،وهي التي حرصت
على إطفاء جذوة اليمان بترسيخ هذه العقيدة الضالة ،ومع هذا كله أيضا يعترف بأن الدين الحق هو دين ال
السلم ،يعترف للسلم بأنه دين ال ،ومعنى ذلك أن ما عداه ليس هو بدين ال ،ويعترف بأن النبي صلى ال
عليه وسلم هو رسول ال ،ويعترف بأن القرآن هو معجز لنبوة نبينا محمد صلى ال عليه وسلم .فإذن هذه
اعترافات واضحة ،شهد شاهد من أهلهم بما يثبت أن ما عندهم مبدل ومحرف ،وأن الحق هو ما في هذا القرآن
وما كان عليه النبي عليه أفضل الصلة والسلم.
بجانب ذلك أيضا هم يعترفون بما حصل من المور المخالقة للعقل والنقل في معتقداتهم ،وأن هذه المعتقدات
جدد فيها في المجامع التي كانوا يعقدونها ،فالمجامع كانت تقدم وتؤخر ،وتخفي وتعلن ،وتبدل ما شاءت وتفعل
ما تشاء ،كأنما هذه المجامع وكل إليها أمر الدين ،فالدين راجع إليها ل إلى الوحي .هذا دليل التبديل والتغيير.
11
على أننا نجد الناجيل الربعة التي يعترفون بها بالجماع مختلفة في طبيعة المسيح عليه السلم اختلفا عجيبا
كإنجيل مرقس وإنجيل يوحنا وإنجيل متّى وإنجيل يوقا مختلفة اختلفا عجيبا في طبيعة المسيح ،فنجد في أحدها
بأن المسيح هو عبد ،وفي الثاني هو إنسان ،وفي الثالث هو ابن ل ،وفي الرابع هو ال .ثم نجد في تقديم هذه
ن ل وهو
الناجيل ،تقديم ترجمتها بالعربية ،بأنه ل فارق؛ هذا العبد هو المعني بأنه إنسان ،وهو المعني بأنه اب ٌ
المعني بأنه ال .فإذن كيف يكون هذا العبد هو ال؟!! وهذا أمر ناقشت فيه أساقفتهم وقساوستهم وما
استطاعوا إل أن يجيبوا بقولهم ( هذه حقائق غامضة علينا أن نسلم بها ،ل يمكن لعقولنا أن تصل إلى هذه
الحقائق )!! .قلنا لهم :كيف تسلمون لمور متناقضة يدل العقل على أنها متناقضة؟!! ومن جملة ما ذكروه بأن
سألتهم عن المسيح عليه السلم هل ولد أو لم يولد؟ قالوا :مولود.... .الشيخ ( صاحب المحاضرة ) :حملت به
مريم وولدته؟ قالوا :نعم ( .الشيخ ) :طيب ولدت ربا وال انسانا؟ قالوا :ولدت إنسانا (..الشيخ ) :كيف صار من
بعد ربا؟!!! كيف صار هو ال؟!!! قالوا :هكذا! إلتحم الناسوت باللهوت فصار هو ال! ( .الشيخ ) :من الذي
خلقه؟ألم يخلقه ال؟!! قالوا :هو كان في الزل مسيح ولكنه خلقه من بعد .سبحان ال!! هل ال تعالى خلق
نفسه؟؟!! ما هذا العجب ؟! ما هذه الهراء؟!!
بعدها قلت لهم :أين أنتم من عقيدة القرآن وعرض القرآن للعقيدة! فإن ال تبارك وتعالى لم يكبت عقول البشر
بل أمر البشر أن يطلقوا عقولهم ليستلهموا الحقائق من وراء ذلك .ال سبحانه وتعالى يقول " :وإلهكم إله
واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم " ،ثم يقول بعد ذلك " :إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل
والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل ال من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد
موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون * "
أنبأنا ال سبحانه وتعالى هنا بأنه إله واحد ،ثم أحالنا على هذا الملكوت الواسع لننظر آيات ال تعالى الكبرى
فيه ،ففي خلق السماوات والرض ،وما بين هذه السماوات وما بين الرض من الترابط برباط الجاذبية ،وكون
كل جزء من هذا الكون مشدودا إلى بقية الجزاء بحيث يمثل الكون كله وحدة متكاملة ل يمكن بأي حال من
الحوال أن يستقل جزء منه عن بقية الجزاء دليل على وحدانية الخالق ،فإنه لو كان هنالك عدد من الخالقين
لكانت لكل واحد منهم إرادة مستقلة ،ومع تعدد الرادات ل بد من أن يكون اختلف بينهم في المراد .وبجانب
هذا أيضا ما نراه في هذا الكون من كون الطبيعة متلئمة ،فال سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماء من أجل
النبات ،إنبات ما ينفع الناس والنعام في هذه الرض ،وجعل الرياح تسير بسنن تعود منفعتها على الناس،
وسخر الفلك في البحر ،إلى غير ذلك من هذه اليات .وكذلك يقول ال سبحانه وتعالى " :قل الحمد ل وسلم
على عباده الذين اصطفى آال خير أما يشركون * أمن خلق السماوات والرض وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا
به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع ال بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الرض قرارا
وجعل خللها أنهارا وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع ال بل أكثرهم ل يعلمون * أمن يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الرض أإله مع ال قليل ما تذكرون * أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن
يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع ال تعالى ال عما يشركون * أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم
من السماء والرض أإله مع ال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * " فقالوا :ونحن نؤمن أيضا بإله واحد..
طيب ما معنى إذن كون هذا الله الواحد أخرج بعضه فجعله مخلوقا ثم جعله محمول به ثم بعد ذلك أعاده إلى
نفسه فالتحم به فصار هو عينه ،كيف هذا يمكن أن يصدقه عقل أحد من الناس؟!! سبحان ال!
12
وهكذا نجد هذه العقول تتقبل هذه الفكار السقيمة ،فأين العقول؟!! أين التفكير؟!! أين الحالة على الفكر والعقل
والفهم والدراك في القرآن الكريم؟!!
وهم من عجائب ما يأتون به يقولون بأن ال ثالث ثلثة ،هناك أب وابن وروح القدس ،هم يقولون بأن الثلثة
واحد؟ كيف يكون الثلثة واحد والواحد ثلثة؟!!!!!!! هذا أمر مرفوض رياضيا مرفوض عقليا ،مرفوض بكل
مقاييس البشر .كيف يمكن أن يكون ذلك؟! وكيف للعقل أن يصدق هذه السخافات؟!!.
فوجود كتاب منذ القرن الرابع إذن ل يستنكر لن الضللة بدأت عندهم منذ القرن الثالث لما تنصر قسطنطين
وأدخل ما أدخل من العقائد الرومانية الوثنية القديمة في الديانة النصرانية ،فأصبحت هذه النصرانية كما نراها
الن .على أنه مما يدل أن هناك الكثير الكثير من التحريفات بالنسبة إلى العهد الجديد نفسه بغض النظر عن
العهد القديم ،مما يدل على ذلك حركة لوثر التي قام بها؛ فلوثر هذا هل كان نبيا يوحى إليه ..ل..إنما هو رجل
حسبما يقولون أنه مصلح .ولكنه كان ناقما على البابا ،وقال بأن البابا ملعون ،ووصف البابا بالكفر ،ووصف
البابا بالكذب ،ووصف البابا بالباطيل كلها ،وفي المقابل أيضا أصدر البابا في حقه قرار الحرمان وجعله
مطرودا من الرحمة إلى غير ذلك ،والبروتستنت يقولون بأن لوثر أنكر على الكنيسة الفاتيكانية أكثر من تسعين
نقطة واعتبرها ضللة ،واعتبرها خروجا عن الدين .فإذا كان لوثر أنكر هذه الشياء أل يدل ذلك على الكنيسة
الكاثوليكية قامت بتحريف التعاليم التي جاء بها المسيح عليه السلم؟! ثم في المقابل أيضا الكاثوليك ينددون
بالبروتستنت ويكفرون اللوثريين .هذا دليل على أن التحريف مستمر عندهم .ومعهم آخر مناقشة حصلت بيني
وبين بعضهم ذكرت لهم بناء على ما تقدم يجب أن تنظروا إلى نفس المعتقدات في الحركة الصلحية هذه..
فقالوا :نعم ،فهناك من ينادي بأن الصلح في حاجة إلى إصلح.
أما السؤال الذي يقول بأنهم يتساءلون عن الكتاب المقدس هل ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأين
يوجد ذلك؟ فنقول نعم ،نحن نؤمن إيمانا جازما بأن النبي صلى ال عليه وسلم مذكور في التوراة والنجيل "
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر " ،وال تبارك وتعالى
أخبرنا عنهم بأنهم " يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " ولكنهم يتعامون عن الحقيقة .ونحن نقطع بأنهم حرفوا
الكلم عن مواضعه ،وبدلوا وقدموا وأخروا ،وحاولوا أن يأولوا أيضا ما تبقى عندهم من النصوص بحسب
أهوائهم .ومع هذا كله ،ففي نفس الناجيل الربعة بشارات ببعثته صلى ال عليه وسلم .الناجيل الربعة مبشرة
ببعثته صلى ال عليه وسلم ،فلمحات البشائر لم يستطيعوا طمسها مع ما لحق هذه الناجيل من التحريف
والتبديل .وبالنسبة إلى العهد القديم كذلك مع ما قام به اليهود من تحريف التوراة وتغييرها ،وتقديم ما قدموا
فيها وتأخير ما أخروا مع تحريفهم الكلم عن مواضعه ،فإن التوراة تشتمل إلى الن على التبشير بالنبي صلى
ال عليه وسلم ،ونحن في هذه الجلسة ل يمكننا أن نلم بهذه البشائر لنها تحتاج إلى جلسات متعددة ،ولكننا
نشير إليها بعض الشارات.
أول في الباب الثامن عشر من سفر التثنية للتوراة جاء " :فقال الرب لي نعم جميع ما قالوا وسوف أقيم لهم
نبيا مثلك " أي ال تبارك وتعالى يخاطب بهذا موسى عليه السلم " وسوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين إخوتهم
وأجعل كلمي في فمه ،ويكلمهم بكل شيء آمرهم به ومن لم يطع كلمه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم
من ذلك " .هذه إشارة بأن ال سبحانه وتعالى سوف يبعث من إخوتهم – أي إخوة السرائيليين .-من هم
13
إخوتهم؟ بنو إسماعيل؛ لن إسرائيل بن إسحاق ،إسرائيل هو يعقوب ،ويعقوب بن اسحاق ،وإسحاق بن
إبراهيم ،وإسماعيل بن إبراهيم .فإذن هذا النبي من ولد إسماعيل وهو سيدنا رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ول غبار على ذلك ،ولو حاول المتأخرون من اليهود بأن يجعلوا هذه البشارة هي بشارة بيوشع بن نون،
وكذلك البروتستنت من النصارى زعموا أن هذه البشارة هي بشارة بالمسيح عليه السلم ،ولكن ذلك مردود،
وقد تحدث العلمة المحقق الشيخ رحمت ال العثماني الهندي في كتابه " إظهار الحق " بما يرد هذه الشبه
من شتى الوجوه ،ونحن نختصر بعض هذه الوجوه التي ذكرها.
فأولها :أن اليهود المعاصرين لعيسى كانوا ينتظرون نبيا آخر بشر به في هذا الباب ،ذلك لنه جاء في الباب
الول من إنجيل يوحنا هكذا ،وهذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم الكهنة واللويين ليسألوه من
أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح..وسألوه :إذن ماذا أنت إيليا؟ فقال :أنا لست إيليا..فسألوه:
أنت النبي؟ فأجاب :ل ..ومن المعلوم أن مرادهم بالنبي هو النبي المعهود الذي بشر به موسى هنا لن تعريفه
للعهد..والكهنة واللويّون كانوا من علماء اليهود ،وكانوا واقفين على كتبهم..فعرفوا أن يحيى نبي ولكنهم
شكوا في كونه المسيح ،أو إيليا أو النبي المعهود المبشر به على لسان موسى .ول يمكن أن يكون هو يوشع
لن زمانه متقدم فقد كان في عهد موسى عليه السلم ،وقد تقدم على يحيى بكثير من القرون ،فل يمكن أن
يكون هو المقصود ،فكيف يجهلونه لو كان هو المراد!
ثانيها :أن من نصوص هذه البشارة ( مثلك )" أقيم لهم نبيا مثلك " ،مع العلم أن كل من يوشع وعيسى ل
يمكن كونهما مثل موسى ،لنهما من بني إسرائيل ،وليس من الممكن أن يكون في بني إسرائيل مثل موسى في
أنبيائهم ،فقد جاء في الية العاشرة من الباب الرابع والثلثين من سفر التثنية " :ولم يقم بعد ذلك نبي في
إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه" ،وللفارق المعروف بين يوشع وموسى لن موسى صاحب
كتاب ويوشع ليس كذلك وإنما هو تابع لشريعته ،وبناء على معتقد النصارى في المسيح عليه السلم ل يكون
مثل موسى لنهم يعتقدون ألوهيته ول يعتقدون ألوهية موسى ،ولنهم يعتقدون أنه صار ملعونا لشفاعة
الخلق ،ول يعتقدون ذلك في موسى ،كما صرح به بولس في الباب الثالث من رسالته إلى أهل غلطية؛
ويعتقدون فيه أنه دخل الجحيم بعد موته كما صرح به في عقائد أهل التثليث ول يعتقدون ذلك في موسى ،وأنه
صلب من أجل كفارة خطيئة البشر وموسى لم يكن كذلك .ثم أن شريعة موسى فيها الحدود والتعزيرات ،وأحكام
الغسل والطهارات ،والمحرمات من المأكولت والمشروبات ،بخلف شريعة عيسى حسبما يشهد به النجيل
المتداول عندهم .وموسى كان رئيسا مطاعا في قومه تنفذ أوامره ونواهيه ،ولم يكن عيسى كذلك.
ثالثها :أنه جاء في هذه البشارة النص على أن المبشر به يبعث من بين إخوتهم ،ول ريب أن السباط الثني
عشر كانوا في ذلك الوقت موجودين مع موسى عليه السلم ،فلو كان ذلك النبي منهم لقال بأنه منهم ل من بين
إخوتهم ،لن الستعمال الحقيقي لهذا اللفظ يقتضي أن ل يكون المبشر به له علقة الصلبية والبطنية ببني
إسرائيل ،ويدل عليه استعماله بهذا المدلول في مواضع من سفر التكوين في حق إسماعيل عليه السلم كما
جاء في الباب السادس عشر بلفظ " وقبلة جميع إخوته ينصب المضارب " وفي الباب الخامس والعشرين بلفظ
" أقام بحضرة جميع إخوته " ،وكذلك في سفر التثنية في الباب الثاني جاء " :ستجوزون في تخوم إخوتكم
بني عيسو الذين في ساعير وسيخشونكم ،فلما جزن إخوتنا الذين يسكنون ساعير..إلى آخره " وهؤلء إخوة
بني إسرائيل وليسوا منهم وكذلك النبي هو من ذرية إسماعيل ،وليس من ذرية إسرائيل ،وما ورد بخلف ذلك
فهو من المجاز الذي ل يصار إليه إل مع القرينة.
14
رابعها :انه جاء في هذه البشارة لفظ " :سوف يقيم " ،ويوشع يومئذ كان موجودا حاضرا عند موسى ،داخل
في بني إسرائيل نبيا في ذلك الوقت فل يصدق عليه هذا الوصف.
خامسها :أنه جاء في هذه البشارة لفظ " أجعل كلمي في فمه " وهو إشارة إلى أن ذلك النبي ينزل عليه
الكتاب ،وإلى أنه يكون أميا حافظا لما ينزل عليه ،ول سصدق شيء من هذين الوصفين على يوشع.
سادسها :أن من نصوصها " ومن لم يطع كلمه فأنا أكون المنتقم منه " وهو وعيد بما يصيب الكفار من هلك
على أيدي المؤمنين ،وهذا ما ل ينطبق على عيسى عليه السلم ،لن شريعته خالية من أحكام الجهاد والتعزير
والحدود والقصاص ،ول يمكن أن يراد بذلك العقاب الخروي أو ما عدى ما ذكر من العقاب الدنيوي لنهما ل
يختصان بإنكارة نبوة نبي دون آخر،فكل من أنكر نبوة نبي يصاب بهذين العقابين.
سابعها :أن في الكتاب العمال هكذا " فتوبوا وارجعوا كي تمحى خطاياكم حتى إذا تأتي أزمنة الراحة من قدام
وجه الرب ويرسل المنادي لكم وهو يسوع المسيح ،الذي إياه ينبغي للسماء أن تقبله إلى الزمان الذي يسترد
فيه كل شيء تكلم به ال على أفواه أنبياءه القديسين منذ الدهر..إن موسى قال :إن الرب إلهكم يقيم لكم نبيا من
إخوتكم مثلي له تسمعون في كل ما يكلمكم به ويكون كل نفس ل تسمع النبي تهلك من الشعب " .وقد أتبع ذلك
العلمة رحمت ال قوله ( :هذه العبارة حسب التراجم الفارسية تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح
عليه السلم وأن المسيح ل بد أن تقبله السماء ،إلى زمان ظهور هذا النبي ومن ترك التعصب الباطل من
النصارى وتأمل في عبارة بطرس ظهر له أن هذا القول من بطرس يكفي لبطال ادعاء علماء البروتستنت أن
هذه البشارة في حق عيسى عليه السلم وهذه الوجوه السبعة التي ذكرها تصدق في حق محمد صلى ال عليه
وسلم لنه غير المسيح عليه السلم ويماثل موسى عليه السلم في أمور كثيرة) ،وقد عدد منها العلمة رحمت
ال العثماني عشرين وجها ولكن تركناها اختصارا من أجل الوقت .ثم قال ( :وهكذا أمور تظهر إذا ٌتأٌمل في
شريعتهما ولذلك قال ال تعالى في كلمه المجيد " إنا أرسلنا إليكم رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون
رسول " ،وكان من إخوة بني إسرائيل لنه من بني إسماعيل ،وأنزل عليه الكتاب وكان أميا جٌعل كلم ال في
فمه ،وكان ينطق بالوحي كما قال ال تعالى " :وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحيٌ يوحى *" ،وكان
مأمورا بالجهاد ،وقد انتقم ال لجله من صناديد قريش ،والكاسرة والقياصرة وغيرهم؛ وظهر قبل نزول
المسيح من السماء ،وكان للسماء أن تقبل المسيح عليه السلم إلى ظهوره ليرد كل شيء إلى أصله ،ويمحق
الشرك والتثليث وعبادة الوثان ).
هذا ومن البشائر أيضا ما جاء في الباب الثالث والثلثين من سفر التثنية ونص ترجمته إلى العربية " :وقالوا
جاء الرب لنا من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من فاران " ول ريب أن مجيء الرب أُريد به مجيء
أمره سبحانه وتعالى الذي هو وحي ،ومجيئه من سيناء إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلم ،وإشراقه من
ساعير إعطاؤه النجيل لعيسى عليه السلم ،واستعلنه من فاران إنزاله القرآن بجبل حراء على نبينا عليه
أفضل الصلة والسلم ،فإن فاران هي مكة بدليل ما جاء من بيان حال إسماعيل عليه السلم من سفر التكوين،
ونص ترجمته " :وكان ال معه ونمى وسكن في البّريّة وصار شابا يرمي بالسهام وسكن يرّيّة فاران " .فإذن
فاران هي مكة .ول شك أن إسماعيل عليه السلم كان سكناه بمكة.ول يجوز أن يكون المراد أن النار لما ظهرت
بطور سيناء وظهرت بساعير ومن فاران أيضا فانتشرت في هذه المواضع لن ال لو خلق ال في موضع ل
يقال جاء ال من ذلك الموضع إل إذا أتبع تلك الواقعة وحيا نزل بذلك الموضع أو عقوبة أو نحوهما .وقد
اعترفوا بأن الوحي تبع النار التي رآها موسى بطور سيناء فل بد أن يكون في ساعير وفاران مثله.
15
هذا وفي الية العشرين من الباب السابع والعشرين من سفر التكوين إشارة أخرى نص ترجمتها إلى العربية
":وعلى إسماعيل أستجيب لك هو ذا أباركه وأكبره وأكثره جدا فسيجد اثني عشر رئيسا وأجعله لشعب كبير
" ،ول ريب في إشارة الجملة الخيرة إلى نبينا عليه الصلة والسلم ،لنه لم يكن ولد في ولد إسماعيل من كان
له أتباع مثله ،وقد حكى ال تعالى دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ببعثته في قوله حكاية عنهما " :ربنا
وابعث فيهم رسول منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم * ".
ومما جاء من البشائر في سفر التكوين ما ترجمته إلى العربية " :فل يزول القضيب من يهوذا والمدبر من
فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر المم " ،ول ريب أن الشارة بقضيب يهوذا إلى حكم موسى عليه
السلم وخلفائه ،والمدبر الذي من فخذه هو المسيح عليه السلم لنه أيضا من ذرية إسرائيل ،والذي له الكل
وإياه تنتظر المم هو نبينا عليه أفضل الصلة والسلم ،لن ال سبحانه وتعالى بشر به جميع النبيين وأخذ
مواثيقهم بأن يؤمنوا به " وإذ أخذ ال ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين ".
هذا والنصوص في الناجيل الربعة كلها موجودة التي تدل على هذا ولكن نقتصر على الشيء الذي يمكن أن
يسمح به الوقت .في الباب الثالث من إنجيل ( متّـى ) ما ترجمته " :وفي تلك اليام جاء يوحنا المعمدان يكرز
في البرية اليهودية قائل توبوا لنه قد اقترب ملكوت السماوات " ،وفي الباب الرابع من إنجيل متّى ما ترجمته
" :ولما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف إلى الجليل من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لنه قد
اقترب ملكوت السماوات وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز بشارة الملكوت ولما أرسل
الحواريين إلى البلد السرائيلية للدعوة والوعظ وصاهم بوصايا منها هذه الوصية أيضا وفيما أنتم ذاهبون
اكرزوا قائلين إنه قد اقترب ملكوت السماوات "...ونحو ذلك .وجاء في وصايا التلميد السبعين كما في إنجيل
لوقا ،وهو يعني أن كل من المسيح ويحيى عليهما السلم والحواريين وتلميذهم السبعين بشروا بمجيء
الملكوت وهذا يعني أن الملكوت لم يكن في عهدهم وإنما يبشرون بشيء سيأت ،فهو أمر منتظر ،وما هو إل
ظهور نبوة نبينا الخاتم صلى ال عليه وسلم ،وذلك يعتضد بما جاء في الباب الحادي والعشرين من إنجيل
متّى " :لذلك أقول إن ملكوت ال ينزع منهم ويعطى لمة تعمل أسمارها " ،وما هذه المة إل أمة نبينا صلى
ال عليه وسلم .ويعتضد ذلك بما جاء من وصف هذا الملكوت في الباب الثالث عشر من إنجيل متّى والباب
العشرين منه مما تركت ذكره اختصارا.
أما إنجيل برنابا ففيه تصريح بالتبشير به صلى ال عليه وسلم من غير غموض ومن غير تحريف ،وهم
يكابرون في كون هذا النجيل كتابا مقدسا ،بل ينفون عنه صفة القدسية ،وهو مما كان محظورا تداوله حسب
القرارات التي صدرت من بابا الفاتيكان منذ قرون كثيرة لجل أنهم حرصوا بعدما طمسوا الحقائق وراحوا
يلصقون بدينهم ما ألصقوا من وثنيات الرومان إلى غير ذلك ،فخافوا أن يظهر هذا الحق ،حق التوحيد ،من
خلل هذا النجيل ،وقد حرصوا كل الحرص على إخفائه ،وعندما ناقشت أحد أساقفتهم :قال ل نعترف بقدسية
هذا...فسألته :متى كتب؟ واعترف بأنه كتب بعد ثلثة عشر عاما من رفع المسيح .سألته عن بقية الناجيل،
فاعترف أنها بعد عقود من السنين ،فإذن هذا النجيل هو أسبق من الناجيل الربعة التي يزعمون أنها كتبت
بعد مضي عقود من السنين من رفع المسيح عليه السلم ،وبجانب ذلك هم ألصقوا بهذه الناجيل ما ألصقوا من
تحريفات بسبب نفس ما أشرنا إليه سابقا من دخول معتقدات وثنية عندهم .ومن جملة ما جاء في إنجيل برنابا
16
" :وأنا – أي المسيح عليه السلم يقول – وإن كنت بريئا – أي مما يقوله الخرون من كونه إلها أو أنه ابن
ال – لكن بعض الناس لما قالوا إنه ال أو ابن ال كره ال هذا القول ،واقتضت مشيئته أل تضحك الشياطين
يوم القيامة مني ول يستهزءون بي ،فأراد بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الستهزاء في الدنيا بسبب موت
يهوذا ويظن كل شخص أني صلبت لكن هذه الهانة والستهزاء يبقيان إلى أن يجيء محمد رسول ال " هذا
بصريح العبارة " فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس ".
وجاء في الفصل الثاني والسبعين من هذا النجيل أن المسيح عليه السلم أخبر الحواريين أنه سينصرف عن
هذا العالم ثم قال " :فبكى حينئذ رسله قائلين يا معلم لماذا تتركنا؟ لنا الحرى بنا أن نموت من أن تتركنا أجاب
يسوع :ل تضطرب قلوبكم ول تخافوا لني لست أنا الذي خلقكم بل ال الذي خلقكم يحميكم أما بخصوصي فقد
أتيت لهيء الطريق لرسول ال الذي سيأتي بخلص العالم ولكن احذروا أن تغشوا فإنه سيأتي أنبياء كذبة
كثيرون يأخذون كلمي وينجسون إنجيلي .حينئذ قال دراوس :يا معلم اذكر لنا علمة لنعرفه؟ أجاب يسوع :إنه
ل يأتي في زمانكم بل بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي ول يكاد يوجد ثلثون مؤمنا في ذلك الوقت يريح ال
العالم ويرسل رسوله الذي تستقر على رأسه ضبابة بيضاء " هذي بشارة صريحة بالرسول العظم صلى ال
عليه وسلم.
وفي الفصل السابع والتسعين من إنجيل برنابا أيضا " :ولكن تعزيته هي مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي
كاذب فيّ ،وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره لنه هكذا وعد ال أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أنه ل نهاية لدينه
لن ال سيحفظه صحيحا " وهناك الكثير الكثير من النصوص الصريحة في إنجيل برنابا التي تدل على بعثة
النبي صلى ال عليه وسلم ،وذكر صاحب المنار العلمة السيد رشيد رضا في تفسيره بأن العلمة الشيخ محمد
بيرن وهو أحد علماء الحنفية بتونس نقل عن إنجليزي بأنه اطلع على نسخة من النجيل مكتوبة بالقلم
الحميري في دار الكتب البابوية بالفاتيكان ،إطلع في هذا النجيل على هذا النص " :ومبشرا برسول يأتي من
بعدي اسمه أحمد " ،وذكر أن هذا النجيل مما كتب في وقت متقدم ،والظاهر أن البابا أراد أن يطمر هناك وكان
من جملة الكتب التي كان محجورا تداولها .وكذلك ذكر صاحب المنار أن إنجيل برنابا ذكر في الكتب التي كتبت
في القرن الثاني والقرن الثالث الميلديين ،وهو ما يدل على أنه كان موجودا منذ عهود متقدمة .هذا كله مما
يدل على أن البشارة بنبينا محمد صلى ال عليه وسلم بشارة واضحة وصريحة.
ونحن نقدر الكلمات التي يقولها المعترفون بالحقيقة وإن لم يأخذوا بمقتضى هذه الحقيقة ،إل أن كلمة الحق
والعتراف بالحق فضيلة من أي أحد كان ،فكثير ممن اعترفوا بالحقائق نقدر هذه العترافات التي تصدر عنهم
فيما يتعلق بنبينا العظم صلى ال عليه وسلم ،ودينه السلم ومعتقداتنا الصحيحة .من ضمن هؤلء الذين
اعترفوا بهذه الحقيقة الرحالة وندوم فيليبس الذي زار هذه السلطنة قبل نحو أربعين عاما ،وكتب كتابا بعنوان
( رحلة إلى عمان ) ،ترجمه إلى العربية محمد أمين عبد ال ،وطبعته وزارة التراث القومي والثقافة بالسلطنة
في عام 1401هـ 1981 -م ،وقد قارن هنالك ما بين إنصاف المسلمين وإجحاف النصارى ،ونقدر لهذه الكلمات
التي اعترف فيها بالحقيقة ،فكان مما جاء في هذه الترجمة في صفحة " : 25-24ويرى العربي أن المسيحية
هي شكل من أشكال الديانات نقية في الصل – أي في روحها – ثم تم تحريفها بعد ذلك ،بينما القرآن الذي ل
يضاهى هو الكلمة الخالدة ل ،وبمقارنة عيسى بن مريم بالرسول الكريم محمد صلى ال عليه وسلم ذلك السم
17
الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بال سبحانه وتعالى ،نجد أنه بينما أعطى القرآن سيدنا عيسى وضعا مميزا وذكر أنه
كلمة من ال وروح من ال وذكر أنه وليد العذراء مريم بل خطيئة ،نجد أن النجيل ل يشير إلى النبي محمد
بشيء بعد أن حرفوه " ،ويعترف بأنه حرف ،ويقصد بذلك طمس المعالم الواضحة البينة وإل فالشارات
موجودة كما ذكرنا ،يعني أنهم حاولوا أن يطمسوا حتى الشارة "،نجد أن النجيل ل يشير إلى النبي محمد
بشيء بعد أن حرفوه طمسا لمعالم النبي محمد عليه الصلة والسلم الذي كانت رسالته السلم وكان القرآن
هو المعجزة التي قامت عليها رسالته ،والواقع أن الرسول الكريم قد تميز بأنه كان لديه كل المؤهلت المطلوبة
لقيادة الدعوة الموحى بها إليه من ربه جل وعل ،وقد أصبحت كذلك بالفعل في المدينة ،هذا إلى جانب درايته
الكافية بالتقاليد السائدة وقدم كنبي عنصرا جديدا للمجتمع القبلي ولغيره من المجتمعات ،ولم يقم بإلغاء القانون
التقليدي فقط ولكنه قدم أيضا قانونا إلهيا وهو القانون العلى والعظم ،وخلق مجتمعا سياسيا أكبر وهو المة
أو الدولة السلمية .ومع أنه لم يخلع على نفسه أي ألقاب لبراز شخصيته فإن المليين من أتباعه قد أعطوه
ألقابا كثيرة وعالية كتكريم له .وأثناء معركة مع اليهود أصيب الرسول عليه السلم في وجهه فجذبه أبو عبيدة
فلحظ نزيف الدم من وجهه الكريم فمص أبو عبيدة الدم ،وحينئذ قال الرسول ما معناه :من لمس دمي لم تمسه
النار في الخرة أبدا .وقد كانت هنالك محاولت للرتداد عن الدين وخاصة بعض محاولت التنصير ،ولكنها لم
تنجح لن السلم قد بني على عقيدة راسخة وإيمان غير مزعزع ليكون الديانة الحقيقية الوحيدة ولذلك فإن
الرتداد عنها هو حماقة واضحة "...
هذا ثم يقول في صفحة " : 30وخلصة القول إن الدين السلمي يعني الكثير للمسلم في حياته اليومية أكثر
مما يعنيه الدين المسيحي في حياة المسيحيين اليومية ،ويمكن لمسيحيي الغرب أن يتعلموا من مسلمي الشرق
فالمسيحي ذو القلب الضعيف ل بد أن يتأنى وهو يسير في الوضاعة والمذلة فينظر لحترام المسلم لنفسه حيث
الروح والكرامة والمساواة المطلقة للنسان تجاه ال ،ويجب علينا أن نشهد لهؤلء الرجال بل خوف ول تردد
أنهم هم المؤمنون ".
وقد كتب جوزيف بيت دارس اللغة العربية يقول " :هل كان المسيحيون على استعداد للعتراف بالمسيح
والخلص له بشدة على النحو الذي يخلص به أتباع محمد صلى ال عليه وسلم له؟ وهل كانوا على استعداد
للسير كما سار المسلمون في طريق السلم الحنيف؟ إن الحقيقة كلما كانت أقوى كان النسان أشد حكمة
وإيمانا ولهذا فللمسلم دور سليم يعرفه ،فإذا كان له القدرة على تغيير الشيء الباطل كان عليه أن يغيره ،وإن
لم يكن له تأثير فلينكره ،وليس هذا بالدرجة الفضل " .وهو في هذا يشير إلى الحديث (( إذا رأى أحدكم منكرا
فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان )).
هذا وهناك أحد المستشرقين الفرنسيين وهو لمارتين في القرن التاسع عشر للميلد ،ولد في القرن الثامن
عشر وعاش في القرن التاسع عشر .يقول لمارتين " :إن إنسانا لم ينهض أبدا متطوعا أو غير متطوع لمثل
هذا الهدف السمى – يعني ما قام به الرسول العظم صلى ال عليه وسلم – لن هذا الهدف كان فوق طاقة
البشر .لقد كان تحطيم تلك الحواجز من الوهام والحلم التي حالت بين النسان وخالقه والخذ بيد النسان
إلىعتبة ربه وتحقيق عقيدة التوحيدة النقية العقلية المعقولة الساطعة في ضباب هذه الوثنية السائدة واللهة
المادية وذلك الهدف السمى والعلى .إنه لم يحمل إنسان مثل هذه المسؤولية الضخمة والمهمة العظيمة
الجليلة التي لم تخرج عن طوق البشر بمثل هذه الوسائل الحقيرة الضئيلة " إلى أن قال " :والروع من ذلك
أنه هز تلك الصنام واللهة والديان والتصورات والعقائد والنصوص النسانية هزة عنيفة .إنه بنى على
18
أساس ذلك الكتاب الذي تعتبر كل كلمة منه مصدر تشريع قومية ربانية ألفت بين أفراد كل جيل وسللة ولغة.
إن الميزة الخالدة لهذه المة التي كونها لنا محمد صلى ال عليه وسلم أنها شديدة المقت والتقزز من اللهة
الباطلة شديدة الحب ل الذي ينزه عن المادة وشوائبها ،وهذا هو الحب الذي يدفعه إلى الثأر والنتصاف من كل
إهانة توجه إلى الذات اللهية وهذا الحب الذي يعتبر أساس سائر الفضائل عند هذه المة .لقد كان إخضاع ثلث
العالم لهذه العقيدة الجديدة من مأثرتهم بل ريب لكن الصح أنه كان معجزة العقل ل معجزة فرد واحد لن
العلن بعقيدة التوحيد في زمن كانت تئن فيه الدنيا تحت وطأة أصنام ل حصر لها كان معجزة مستقلة بذاتها،
وما لبث محمد صلى ال عليه وسلم أن أعلن هذه العقيدة أمام هذا المل حتى أقفرت المعابد القديمة من عبادها،
فل داعي فيها ول مجيب ،وتكهرب ثلث العالم بحرارة اليمان ".
هذه العترفات التي تصدر من العقلء ومن أهل العقل .فإذن هذا الفاك الذي يحاول أن يجترئ على مقام النبوة
ويجترئ على القرآن الكريم لم يرحم نفسه ،ولم يشفق على نفسه من ظهوره بمظهر الهزئ والسخرية عند
الناس ،وإل لصان نفسه عن ابتذالها بمثل هذه الكلمات التي يقولها ،وهي ل تؤدي به إل أن يصبح محتقرا أمام
الكل ،لنها تدل على سخافته وتدل على أنه ل يبالي بما يزري به من أجل تحقيق الحقد الكامن الذي امتل به
صدره وهو كناطح صخرة يوما ليوهنها ،،،،فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل..
ونسأل ال سبحانه وتعالى أن يثبتنا على الحق ،وأن يديم لنا ديننا ،اللهم أعز السلم والمسلمين ،وأذل الشرك
والمشركين ،واقطع دابر أعداء الدين ،واستأصل شأفتهم ،واجعلنا من عبادك المخلصين ،ومن حزبك المفلحين،
ومن جندك الغالبين ،ومن أوليائك المتقين ،واجعلنا من ورثة جنة النعيم ،واحفظ لنا كتابك الكريم ،ووفقنا للعمل
به والذب عنه ونشره في بقاع الرض ووفقنا لنشر دينك الذي ارتضيته لنا في مشارق الرض ومغاربها إنك
ربنا على كل شيء قدير وبالجابة جدير نعم المولى ونعم النصير ،وصلى ال وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،وأشكركم ،والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته...
ولكن قبل أن أترك هذا الكرسي وهذه المنصة ،هنا الن ما بين أيدينا الن أخ عزيز من إخواننا الذين اهتموا
بدراسة الديانات الخرى ،ومواجهة أصحاب هذه الديانات بحجة السلم وبمعجزة القرآن ،وكثيرا ما اطلع على
ما لم نطلع عليه من عوار هذه الديانات وهو قد حاور كثيرا من القساوسة والمنصرين ،وهو الخ أحمد
المخيني ،فنرجو أن يتكلم ببعض الكلمات هنا ،وال تعالى يمدنا وإياه بالتوفيق.
19
يتركوهم في بحر عميق من الشك والحيرة والضلل ،ول يسمحوا لهم أو يتعبوا من هؤلء الشخاص ناس ل
يحبون الحقيقة ،وينأون عن الحقيقة بشكل فظيع جدا ،ويتمنى أن يخلق جيل خاصا به مكون من جميع الديانات
حسب ما يتوافق مع رأيه .وبالتالي طبعا ينحرف ويذهب إلى الضللة.
إذا استطعت أنا أن ألخص في كلمات بسيطة بعضا من الشياء التي قد تحدث ،وتحدث كثيرا نعم بالنسبة للطلبة
في بريطانيا ،أنا تعلمت في بريطانيا .بالنسبة للنصارى هناك القضايا التي تناقش طبعا قضايا التثليث ،قضايا
تحريف القرآن ،قضايا تعدد الزوجات للنبي صلى ال عليه وسلم ،قضايا أن السلم لم يمنح المرأة حقها وهم
يعرفون كل المعرفة أن السلم هو أول دين أعطى للمرأة حقها الصحيح .من القضايا الخرى التي بدأت حديثا
يتكلمون عن أن القرآن – بلغت الشيخ بهذا الموضوع ،وهذا الموضوع بادي في عمان بشكل فظيع جدا – أن
القرآن وضع من قبل إله ،هذا الله باللغة العربية على أنه مذكر نزل على لسان رجل في مجتمع ملئه رجال
فسر من قبل رجال ،وبالتالي ل غرو أن يكون متحيزا للرجال ،والعنصرية بالنسبة للنساء .وبالتالي ترى أن
الكثير من النساء في هذا المجتمع للسف بدأن للستماع إلى هذه النظرية ،وبدأن في التحقيق فيها وبدأن في
الدفاع عنها .وقد تناقض الواحدة نفسها ولكن أنا أؤمن بال ،إذا آمنت بال يجب أن تؤمني بما يقول ال
سبحانه وتعالى والسلم عقائديا يجب أن يؤمن به ككل ،ول يمكن أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بالبعض
الخر.
من الشكال الخرى التي طبعا يناقضوا بها أنفسهم مسألة – مثلما ذكر الشيخ – ناسوتية ولهوتية المسيح.
وفعل مثلما تفضل الشيخ جميع النقاشات التي معهم يصرحوا إن مسألة الناسوتية واللهوتية مسألة خصت بها
المسيحية ،مسألة غامضة وهي ما تميز المسيحية عن جميع الديانات ،وبالتالي هم ليس من المطلوب منهم أن
يفهموا هذا الغموض ،ولكن مطلوب منهم أن يؤمنوا به ،وأن يعيشوا في هذه الهوة السحيقة من هذا الغموض
بدون الرجوع أو النقاش فيه .وقد اعتبروا أن النقاش في هذا الموضوع كفرا ،لنه طبعا يمس حقيقة أساسية
في الديانة عندهم.
النقطة التي دائما نفس الشي عادة ل تناقش معهم لنهم يحسون بضعفهم في هذه النقطة مسألة صلب المسيح.
النصرانية الن ترتكز على ركيزة واحدة فقط :صلب المسيح ،وأنه مخلص العالم ،وأنه فدى العالم بروحه،
وأن ال عز وجل – تعالى ال عما يصفون -قد حل فيه وأراد أن يغفر للعالم جميع ما حل بهم ،وأن يغفر للعالم
غضب ال .هم يقولون أن ال سبحانه وتعالى عندما أخطأ آدم وأكل من الشجرة المحرمة في ثورة غضب ال
عليه إتخذ حكما قاسيا ،ولم يكن يعني أهل – أستغفر ال العظيم – بال سبحانه وتعالى أن يصدر مثل هذا الحكم
الغاضب على آدم بطرده ونفيه من الجنة ،وبالتالي أراد ال عز وجل – تعالى ال عما يصفون – أن يكفر عن
ذنب بالنسبة لبناء البشرية ،فخلق عيسى وأحل نفسه في عيسى وذبح نفسه في عيسى بالصلب ،وبالتالي
كفر عن جميع الخطاء التي سببت أساسا من غضب ال اللمبرر له سابقا.
طبعا الن إذا إحنا استطعنا أن ننقض أن الصلب لم يتم انتقضت المسيحية برمتها ،لن يكون هناك مسيحية
حاليا ،خصوصا أن الن من الخطاء التي نتجت في النصرانية الحديثة أنهم فصوا ما يسمى بالدين الذي هو
طريقة حياة عن الدولة التي تحكم المجتمع ،عن الكنيسة الذي هو الجسم أو البدن الذي يحاول أن يجمع ما بين
الشيئين أو أن يشرع في الديانات .ل يؤمنوا بمشرع واحد ،ل يؤمنوا بأن ال سبحانه وتعالى على أنه هو
الشارع الوحيد للديانات والمبادئ والشرائع في المسيحية بل يؤمنوا أن ال سبحانه وتعالى قد يحل في شخص
وهو عن طريق روح القدس قد يوحي إليه ويشرع ما يشاء.
20
من الطرائف في عام 1994م تقريبا إنتشرت عند الكنيسة إحصائية خصوصا الكنيسة في بريطانيا أن الغالبية
العظمى من المتزوجين اسما يعيشون في البيوت بدون زواج شرعي ،وبالتالي حتى تحاول الكنيسة أن
تستقطب أعدادا كبيرة لحضور الكنيسة أصدرت في نفس بريطانيا قرارا بعدم الحاجة إلى الزواج الشرعي ،وأنه
قد يعيش الشخص مع امرأة في بيت واحد ويعتبر هذا زواجا شرعيا بدون عقد أي مراسيم ،إذا ما استطيع أن
يثبت أن هذا الشخص وهذه المرأة عاشوا مع بعضهما البعض لمدة ستة أشهر حسب القانون الوضعي
البريطاني ،لن القانون الوضعي البريطاني يمنح لي امرأة عاشت شخص حوالي ستة شهور فما فوق حقوق
الزوجة من الطلق والميراث وكل شيء .فأصبح الية بالعكس ،بدل أن تكون الكنيسة هي المشرعة للقانون في
المجتمع بدأت هي تتبع القانون الوضعي الموجود ورسم من قبل البشر .هذا ترك أثر فظيع جدا بالنسبة
للنصارى %80 - %75 ،من النصارى الموجودين في بريطانيا نصارى بالسم ،يسمى نصرانيا ،قد يذهب
إلى الكنيسة عندما يكمل أربعين يوما ويعمد ،قد تقام عليه عملية الختان ،قد ل تقام عليه ،قد يذهب إلى
الكنيسة ،قد يعرف أن هناك إله لكن يعرف أن اسمه مسيحي ،علم ذلك .إذا أردت أن تعمل إحصائية بسيطة جدا
حاول أن تتكلم مع المسيحيين الموجودين في عمان ،واسأل كم واحدا منهم قرأ النجيل أو اطلع على النجيل أو
يعرف كم كتابا في النجيل ،أو هل هناك من فرق بين النجيل البروتستنتي والنجيل الكاثوليكي .الغالبية العظمى
ليس لديهم أي فكرة ،هي المسألة مسألة هوية ،هوية شخصية ،أراد أن يكون مجموع مع أهل بلده تعصبا
مسيحيا.
هناك هدف أساسي يجب أن نبتغيه وأن نجعل من حياتنا سبيل لتحقيق هذا الهدف ،وهو أن نعرف عن هذه
الديانات بأقصى قدر ممكن .إذا نحن لم نستطع أن نعرف ونفهم هذه الديانات في كنهها ،لم نستطع أن نفهم هذه
الشعوب والمجتمعات أن ندرسها ونحللها ،من النواحي الجتماعية ،من النواحي الفلسفية العلمية الفكرية ل
نستطيع أن نتحدث معهم لنهم سبقونا في أمور علمية كثيرة .هم سبقونا في أمور فلسفية كثيرة أيضا ،وهم
يعيشون في هذا الفيلك ،فيلك الفلسفة ،إذا استطعت أن تتحدث مع أي من النصارى خصوصا القساوسة ينأى
بسرعة عن عقائد اليمان ،ويبدأ بالفلسفة ،شغلتهم ،هم خلقوا من أيام اليونان والرومان في الفلسفة .العرب
الفلسفة ليست يعني تكن لهم أساسا ،وعندما دخل العرب في الفلسفة أضاعوا أنفسهم .أما بالنسبة للمسيحيين
يعيشون على هذه الفلسفة ويعيشون أسرى لكلمهم المحرف ،ثم يحرفونه ،ثم يعيشون أسرى له ،ثم يحرفونه
ثم يعيشون أسرى له .فالمفروض منا أن نفهم أول بادئ ذي بدئ ديننا الحنيف ،أن تكون عقائدنا سليمة ،أن ل
يكن هناك أي شك يساورنا .أن نفهم معنى كلمة ل إله إل ال سبحانه وتعالى ل معبود بحق سواه ،ل إله إل هو
الول الخر الظاهر الباطن ،هو كل شيء ،هو قبل كل شيء .فإذا اعتقدنا بال سبحانه وتعالى ثم ذهبنا إلى هذه
المفاهيم استطعنا بكل سهولة أن نجد الخلل ونجد الخطأ ،ومن ثم يمكننا أن نتناقش معهم ،وأن نناقشهم
بالحرى وأن ندحض أفكارهم.
هم يتعلمون اللغة العربية ،يتعلمون الشريعة ،يتعلمون الفقه .مؤخرا زار الشيخ بروفيسور أستاذ من جامعة
شيكاغو اسمه هارولد فوبلور ،لم يترك كتابا بالعربية استطاع الوصول إليه عن الفرق بين المسيحية والسلم
إل وقرأه .قرأ كتب حتى إحياء علوم الدين للمام الغزالي .قرأ جميع الكتب عن السلم طمعا في أن يفهم
السلم أو أن يجد ثغرة في مفاهيم السلم أو الصيغة التي صيغ بها السلم من قبل علماء المسلمين حتى ينفذ
منها .وأسس برنامج ودورة تدريبية في جامعة شيكاغو طبعا المظهر لها أنه هي دورة أو برنامج تعليمي حتى
يعلم المسيحيين عن السلم وأن تكون هنالك مرورة ،وأن يكون هناك نوع من التقبل المسيحي للمسلمين،
21
ولكن في كنه المر في حقيقة المر هي مسألة لفهم السلم ومن ثم الطعن فيه ،إذا اسطاع إلى ذلك سبيل .هم
يخططون طبعا وهم يعملون على خطط طويلة المدى ،خمسين سنة مثل ،ل تتوقع أنك ممكن أن تتكلم أو أن
تكتب مقال عن السلم والمسيحية وأن يحدث أثر ،أو أن تبدو النتيجة في غضون ساعات أو أيام أو شهور.
يجب أن يكون التركيز على الخطط الطويلة المدى .أنت ابدأ الطريق ،أخوك يأتي بعدك هو يكمل الطريق لن هي
مسيرة .سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم قال (( :بلغوا عني ولو آية )) ،يجب أن نبلغ ،أن تكون حياتنا هي
مثال تطبيقي لجميع سنن النبي صلى ال عليه وسلم ،لجميع شرائع وعقائد السلم بالطريقة التي يمكن أن
يفهمها هؤلء الجانب لن الدين المعاملة.
أنا أود أن أكتفي بهذا القدر لني مثلما بلغتكم أنا ل أعرف عن هذه المواضيع بقدر ما توصل الشيخ ،وبالضافة
إلى هذا لم أتوقع أن يطلب مني أن أتكلم في هذا الموضوع .فأرجو المعذرة ،وأرجو أن يوفقنا ال جميعا لنصرة
السلم والمسلمين ،وأرجو أن تشدوا من عزمكم وأن تجمعوا إلى علمكم في دين ال سبحانه وتعالى الذي هو
أشرف علم معرفة باللغة النجليزية أو اللغة الفرنسية أو أي لغة أخرى .اللغة العربية رغم شرفها قد ل تكفي
لزمننا هذا لنك ل تستطيع أن تطلب من جميع العالم أن يتكلم العربية .ولكن يجب علينا أن نتعلم لغة أخرى حتى
نأمن شرهم .بارك ال فيكم جميعا ،ونطلب منكم الدعاء الصالح لجميع المسلمين ،وفقنا ال وإياكم والسلم
عليكم ورحمة ال وبركاته.
22
بعدما هرب ،الرجل المناظر الشيخ العثماني خشي على نفسه فرأى أن يخرج من الهند خشية التآمر عليه،
فانسحب وخرج خفية ،وفعل هو طلب بعد ذلك ،أرادوا أن يفتكوا به ولكن ال تعالى نجاه .خرج من الهند إلى
مكة المكرمة ،وظل مستخفيا في مكة ما كان يظهر نفسه ،كان يحضر حلقات العلمة السيد أحمد زيدي دحلن
في المسجد الحرام ولكن من غير أن يظهر نفسه .إذا بهذا النجليزي النصراني الذي طلب المناظرة يحاول أن
يلبس الحق بالباطل و يطمس الحقيقة .وسافر من الهند وفعل خرج من الهند بعدما أصابه الخزي ،سافر إلى
بريطانيا ثم سافر بعد ذلك من بريطانيا إلى القسطنطينية في عهد السلطان عبد العزيز .سافر إلى القسطنطينية
وادعى هناك بأنه ناظر المسلمين بالهند وأنهم اقتنعوا بالنصرانية ،وأنه ظهرت حجة النصرانية وأن المساجد
تحولت إلى كنائس .أن المساجد تحولت إلى كنائس ،وأن المسلمين تنصروا في الهند .وصل هذا الخبر إلى
السلطان عبد العزيز ،كبر ذلك عليه ،وشق عليه هذا المر عندما قرع مسامعه .فكتب رسالة إلى شريف مكة أن
يستفهم الحجاج الهنود عن هذه الحقيقة ،هل وقع ذلك فعل؟
فشريف مكة عهد إلى السيد أحمد زيدي دحلن أن يبحث .السيد أحمد زيدي دحلن تحدث بهذا في حلقته ،وكان
الشيخ رحمت ال العثماني موجودا في الحلقة نفسها .فقام له وكشف له هذه الحقيقة ،وقال :أنا الذي ناظره،
وهذا الذي وقع .فأجاب الشريف بهذا ،وحمل الشيخ إلى الشريف وسر بذلك الشريف ،وكتب رسالة مستعجلة
إلى السلطان العثماني يبشره بأن المر بعكس ما بلغه .فالسلطان العثماني طلب الشيخ رحمت ال العثماني أن
يذهب إلى تركيا .طلبه للسفر إلى تركيا ،سافر إلى تركيا ،فإذا بالنجليزي لما سمع عن الشيخ رحمت ال
العثماني وصل إلى تركيا هرب من تركيا .بعد هذا طلب السلطان العثماني من الشيخ أن يقوم بتأليف كتابه
يتحدث فيه عن هذه الحقائق التي ناظر بها في الجولة الولى والتي أعدها للمناظرة في سائر الجولت حتى
تكون هذه الحقائق ثابتة موثقة .فألف كتابا بعنوان ( إظهار الحق ) ،وهو في مجلدين ،وقد تكرمت دولة قطر
الشقيقة بطباعة هذا الكتاب ،طبع الكتاب وقدم له السيد الداعية أبو الحسن الندوي .فالحمد ل الكتاب موجود
وفيه الكثير من الحقائق ،وأنا أدعو طلبة العلم إلى دراسة هذا الكتاب وتأمل ما فيه على رغم كون لغته العربية
ركيكة لن الرجل ما كان ضليع في اللغة العربية ،وهو ألفه باللغة العربية ،وطبع الكتاب حسب ما كتبه المؤلف،
وإن كانت لغته العربية ركيكة إل أن الحقائق تبدوا واضحة من خلل هذا الكتاب .وال يوفقنا الجميع وأعتذر
عن الجابة عن السئلة بسبب ضيق الوقت والتأخير الذي حصل ،ولعل تكون لنا عودة إن شاء ال في جلسات
تالية ،وال يوفق ،وصلى ال وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
23