You are on page 1of 194

‫*‪*1‬الجزء ‪ 5‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة النساء‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ وهي مدنية إل آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله‪" :‬إن‬
‫ال يأمركسم أن تؤدوا المانات إلى أهلهسا" [النسساء‪ ]58 :‬على مسا يأتسي بيانسه‪ .‬قال النقاش‪ :‬وقيسل‪:‬‬
‫نزلت عنسد هجرة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن مكسة إلى المدينسة‪ .‬وقسد قال بعسض الناس‪ :‬إن قوله‬
‫تعالى‪" :‬يسسا أيهسسا الناس" حيسسث وقسسع إنمسسا هسسو مكسسي؛ وقاله علقمسسة وغيره‪ ،‬فيشبسسه أن يكون صسسدر‬
‫السورة مكيا‪ ،‬وما نزل بعد الهجرة فإنما هو مدني‪ .‬وقال النحاس‪ :‬هذه السورة مكية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصحيح الول‪ ،‬فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت‪ :‬ما نزلت سورة النساء‬
‫إل وأنسا عنسد رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم؛ تعنسي قسد بنسى بهسا‪ .‬ول خلف بيسن العلماء أن النسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم إنما بنى بعائشة بالمدينة‪ .‬ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية ل شك فيها‪ .‬وأما‬
‫من قال‪ :‬إن قوله‪" .‬يا أيها الناس" مكي حيث وقع فليس بصحيح؛ فإن البقرة مدنية وفيها قوله‪" :‬يا‬
‫أيها الناس" في موضعين‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وال أعلم‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 1 :‬يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم مسن نفسس واحدة وخلق منهسا زوجهسا وبسث‬
‫منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم" قسد مضسى فسي "البقرة" اشتقاق "الناس"‬
‫ومعنسى التقوى والرب والخلق والزوج والبسث‪ ،‬فل معنسى للعادة‪ .‬وفسي اليسة تنسبيه على الصسانع‪.‬‬
‫وقال "واحدة" على تأنيسث لفسظ النفسس‪ .‬ولفسظ النفسس يؤنسث وإن عنسي بسه مذكسر‪ .‬ويجوز فسي الكلم‬
‫"من نفس واحد" وهذا على مراعاة المعنى؛ إذ المراد بالنفس آدم عليه السلم؛ قاله مجاهد وقتادة‪.‬‬
‫وهسسي قراءة ابسسن أبسسي عبلة "واحسسد" بغيسسر هاء‪" .‬وبسسث" معناه فرق ونشسسر فسسي الرض؛ ومنسسه‬
‫"وزرابي مبثوثة" [الغاشية‪ ]16 :‬وقد تقدم في "البقرة"‪ .‬و"منهما" يعني آدم وحواء‪ .‬قال مجاهد‪:‬‬
‫خلقست حواء مسن مقصسيرى آدم‪ .‬وفسي الحديسث‪( :‬خلقست المرأة مسن ضلع عوجاء)‪ ،‬وقسد مضسى فسي‬
‫البقرة‪" .‬رجال كثيرا ونسساء" حصسر ذريتهمسا فسي نوعيسن؛ فاقتضسى أن الخنثسى ليسس بنوع‪ ،‬لكسن له‬
‫حقيقسة ترده إلى هذيسن النوعيسن وهسي الدميسة فيلحسق بأحدهمسا‪ ،‬على مسا تقدم ذكره فسي "البقرة" مسن‬
‫اعتبار نقص العضاء وزيادتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال الذي تسسساءلون بسسه والرحام" كرر التقاء تأكيدا وتنبيهسسا لنفوس‬
‫المأموريسسسن‪ .‬و"الذي" فسسسي موضسسسع نصسسسب على النعسسست‪" .‬والرحام" معطوف‪ .‬أي اتقوا ال أن‬
‫تعصسوه‪ ،‬واتقوا الرحام أن تقطعوهسا‪ .‬وقرأ أهسل المدينسة "تسسّاءلون" بإدغام التاء فسي السسين‪ .‬وأهسل‬
‫الكوفسسة بحذف التاء‪ ،‬لجتماع تاءيسسن‪ ،‬وتخفيسسف السسسين؛ لن المعنسسى يعرف؛ وهسسو كقوله‪" :‬ول‬
‫تعاونوا على الثم" [المائدة‪ ]2 :‬و"تنزل" وشبهه‪ .‬وقرأ إبراهيم النخعي وقتادة والعمش وحمزة‬
‫"الرحام" بالخفض‪ .‬وقد تكلم النحويون في ذلك‪ .‬فأما البصريون فقال رؤساؤهم‪ :‬هو لحن ل تحل‬
‫القراءة بسسسه‪ .‬وأمسسسا الكوفيون فقالوا‪ :‬هسسسو قبيسسسح؛ ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علة قبحسسسه؛ قال‬
‫النحاس‪ :‬فيما علمت‪.‬‬
‫وقال سسيبويه‪ :‬لم يعطسف على المضمسر المخفوض؛ لنسه بمنزلة التنويسن‪ ،‬والتنويسن ل يعطسف‬
‫عليه‪ .‬وقال جماعة‪ :‬هو معطوف على المكني؛ فإنهم كانوا يتساءلون بها‪ ،‬يقول الرجل‪ :‬سألتك بال‬
‫والرحم؛ هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد‪ ،‬وهو الصحيح في المسألة‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وضعفه‬
‫أقوام منهسسم الزجاج‪ ،‬وقالوا‪ :‬يقبسسح عطسسف السسسم الظاهسسر على المضمسسر فسسي الخفسسض إل بإظهار‬
‫الخافسض؛ كقوله "فخسسفنا بسه وبداره الرض" [القصسص‪ ]81 :‬ويقبسح "مررت بسه وزيسد"‪ .‬قال‬
‫الزجاج عسسن المازنسسي‪ :‬لن المعطوف والمعطوف عليسسه شريكان‪ .‬يحسسل كسسل واحسسد منهمسسا محسسل‬
‫صساحبه؛ فكمسا ل يجوز "مررت بزيسد وك" كذلك ل يجوز "مررت بسك وزيسد"‪ .‬وأمسا سسيبويه فهسي‬
‫عنده قبيحة ول تجوز إل في الشعر؛ كما قال‪:‬‬
‫فاذهب فما بك واليام من عجب‬ ‫فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا‬
‫عطف "اليام" على الكاف في "بك" بغير الباء للضرورة‪ .‬وكذلك قول الخر‪:‬‬
‫وما بينها والكعب مهوى نفانف‬ ‫نعلق في مثل السواري سيوفنا‬
‫عطف "الكعب" على الضمير في "بينها" ضرورة‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬ذلك ضعيف في القياس‪ .‬وفي‬
‫كتاب التذكرة المهديسة عسن الفارسسي أن أبسا العباس المسبرد قال‪ :‬لو صسليت خلف إمام يقرأ "مسا أنتسم‬
‫بمصرخي" [إبراهيم‪ ]22 :‬و"اتقوا ال الذي تساءلون به والرحام" لخذت نعلي ومضيت‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬قراءة حمزة مع ضعفها وقبحها في العربية خطأ عظيم في أصول أمر الدين؛ لن النبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬ل تحلفوا بآبائكسم) فإذا لم يجسز الحلف بغيسر ال فكيسف يجوز بالرحسم‪.‬‬
‫ورأيست إسسماعيل بسن إسسحاق يذهسب إلى أن الحلف بغيسر ال أمسر عظيسم‪ ،‬وإنسه خاص ل تعالى‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وقول بعضهم "والرحام" قسم خطأ من المعنى والعراب؛ لن الحديث عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يدل على النصب‪ .‬وروى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن‬
‫أبيسه قال‪ :‬كنسا عنسد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم حتسى جاء قوم مسن مضسر حفاة عراة‪ ،‬فرأيست وجسه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يتغير لما رأى من فاقتهم؛ ثم صلى الظهر وخطب الناس فقال‪( :‬يا‬
‫أيهسسا الناس اتقوا ربكسسم‪ ،‬إلى‪ :‬والرحام)؛ ثسسم قال‪( :‬تصسسدق رجسسل بديناره تصسسدق رجسسل بدرهمسسه‬
‫تصسدق رجسل بصساع تمره‪ )...‬وذكسر الحديسث‪ .‬فمعنسى هذا على النصسب؛ لنسه حضهسم على صسلة‬
‫أرحامهسسم‪ .‬وأيضسسا فقسسد صسسح عسسن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم (مسسن كان حالفسسا فليحلف بال أو‬
‫ليصسسمت)‪ .‬فهذا يرد قول مسسن قال‪ :‬المعنسسى أسسسألك بال وبالرحسسم‪ .‬وقسسد قال أبسسو إسسسحاق‪ :‬معنسسى‬
‫"تساءلون به" يعني تطلبون حقوقكم به‪ .‬ول معنى للخفض أيضا مع هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ما وقفت عليه من القول‪ .‬لعلماء اللسان في منع قراءة "والرحام" بالخفض‪ ،‬واختاره‬
‫ابن عطية‪ .‬ورده المام أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم القشيري‪ ،‬واختار العطف فقال‪ :‬ومثل‬
‫هذا الكلم مردود عند أئمة الدين؛ لن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة‪ ،‬وإذا ثبت شيء عن النبي صلى ال عليه وسلم فمن رد ذلك‬
‫فقسد رد على النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬واسستقبح مسا قرأ بسه‪ ،‬وهذا مقام محذور‪ ،‬ول يقلد فيسه أئمسة‬
‫اللغة والنحو؛ فإن العربية تتلقى من النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يشك أحد في فصاحته‪ .‬وأما‬
‫مسسا ذكسسر مسسن الحديسسث ففيسسه نظسسر؛ لنسسه عليسسه السسسلم قال لبسسي العشراء‪( :‬وأبيسسك لو طعنسست فسسي‬
‫خاصرته)‪ .‬ثم النهي إنما جاء في الحلف بغير ال‪ ،‬وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فل نهي فيه‪.‬‬
‫قال القشيري‪ :‬وقسد قيسل هذا إقسسام بالرحسم‪ ،‬أي اتقوا ال وحسق الرحسم؛ كمسا تقول‪ :‬افعسل كذا وحسق‬
‫أبيك‪ .‬وقد جاء في التنزيل‪" :‬والنجم"‪ ،‬والطور‪ ،‬والتين‪ ،‬لعمرك" وهذا تكلف‬
‫وقلت‪ :‬ل تكلف فيه فإنه ل يبعد أن يكون "والرحام" من هذا القبيل‪ ،‬فيكون أقسم بها كما أقسم‬
‫بمخلوقاتسه الدالة على وحدانيتسه وقدرتسه تأكيدا لهسا حتسى قرنهسا بنفسسه‪ .‬وال أعلم‪ .‬ول أن يقسسم بمسا‬
‫شاء ويمنع ما شاء ويبيح ما شاء‪ ،‬فل يبعد أن يكون قسما‪ .‬والعرب تقسم بالرحم‪ .‬ويصح أن تكون‬
‫الباء مرادة فحذفها كما حذفها في قوله‪:‬‬
‫ول ناعب إل ببين غرابها‬ ‫مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة‬
‫فجسر وإن لم يتقدم باء‪ .‬قال ابسن الدهان أبسو محمسد سسعيد بسن مبارك‪ :‬والكوفسي يجيسز عطسف الظاهسر‬
‫على المجرور ول يمنع منه‪ .‬ومنه قوله‪:‬‬
‫من حمر الجلة جأب حشور‬ ‫آبك أيه بي أو مصدر‬
‫ومنه‪:‬‬
‫واليام من عجب‬ ‫فاذهب فما بك‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫والكعب غوط نفانف‬ ‫وما بينها‬
‫ومنه‪:‬‬
‫فحسبك والضحاك سيف مهند‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫له مصعدا فيها ول الرض مقعدا‬ ‫وقد رام آفاق السماء فلم يجد‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫ما حم من أمر غيبه وقعا‬ ‫ما إن بها والمور من تلف‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫أحتفي كان فيها أم سواها‬ ‫أمر على الكتيبة لست أدري‬
‫فس "سواها" مجرور الموضع بفي‪ .‬وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى‪" :‬وجعلنا لكم فيها معايش‬
‫ومسسن لسسستم له برازقيسسن" [الحجسسر‪ ]20 :‬فعطسسف على الكاف والميسسم‪ .‬وقرأ عبدال بسسن يزيسسد‬
‫"والرحام" بالرفسع على البتداء‪ ،‬والخسبر مقدر‪ ،‬تقديره‪ :‬والرحام أهسل أن توصسل‪ .‬ويحتمسل أن‬
‫يكون إغراء؛ لن من العرب من يرفع المغرى‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫عمير ومنهم السفاح‬ ‫إن قوما منهم عمير وأشباه‬
‫أخو النجدة السلح السلح‬ ‫لجديرون باللقاء إذا قال‬
‫وقد قيل‪ :‬إن "والرحام" بالنصب عطف على موضع به؛ لن موضعه نصب‪ ،‬ومنه قوله‪:‬‬
‫فلسنا بالجبال ول الحديدا‬
‫وكانوا يقولون‪ :‬أنشدك بال والرحم‪ .‬والظهر أنه نصب بإضمار فعل كما ذكرنا‪.‬‬
‫@ اتفقست الملة على أن صسلة الرحسم واجبسة وأن قطيعتهسا محرمسة‪ .‬وقسد صسح أن النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم قال لسسماء وقسد سسألته أأصسل أمسي (نعسم صسلي أمسك) فأمرهسا بصسلتها وهسي كافرة‪.‬‬
‫فلتأكيدهسا دخسل الفضسل فسي صسلة الكافسر‪ ،‬حتسى انتهسى الحال بأبسي حنيفسة وأصسحابه فقالوا بتوارث‬
‫ذوي الرحام إن لم يكسن عصسبة ول فرض مسسمى‪ ،‬ويعتقون على مسن اشتراهسم مسن ذوي رحمهسم‬
‫لحرمسة الرحسم؛ وعضدوا ذلك بمسا رواه أبسو داود أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬مسن ملك ذا‬
‫رحم محرم فهو حر)‪ .‬وهو قول أكثر أهل العلم‪ .‬روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫وعبدال بسن مسسعود‪ ،‬ول يعرف لهمسا مخالف مسن الصسحابة‪ .‬وهسو قول الحسسن البصسري وجابر بسن‬
‫زيسد وعطاء والشعسبي والزهري‪ ،‬وإليسه ذهسب الثوري وأحمسد وإسسحاق‪ .‬ولعلمائنسا فسي ذلك ثلثسة‬
‫أقوال‪ :‬الول ‪ -‬أنسسه مخصسسوص بالباء والجداد‪ .‬الثانسسي ‪ -‬الجناحان يعنسسي الخوة‪ .‬الثالث ‪ -‬كقول‬
‫أبي حنيفة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يعتق عليه إل أولده وآباؤه وأمهاته‪ ،‬ول يعتق عليه إخوته ول أحد‬
‫مسسن ذوي قرابتسسه ولحمتسسه‪ .‬والصسسحيح الول للحديسسث الذي ذكرناه وأخرجسسه الترمذي والنسسسائي‪.‬‬
‫وأحسن طرقه رواية النسائي له؛ رواه من حديث ضمرة عن سفيان عن عبدال بن دينار عن ابن‬
‫عمسر قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسن ملك ذا رحسم محرم فقسد عتسق عليسه)‪ .‬وهسو‬
‫حديث ثابت بنقل العدل عن العدل ولم يقدح فيه أحد من الئمة بعلة توجب تركه؛ غير أن النسائي‬
‫قال فسي آخره‪ :‬هذا حديسث منكسر‪ .‬وقال غيره‪ :‬تفرد بسه ضمرة‪ .‬وهذا هسو معنسى المنكسر والشاذ فسي‬
‫اصطلح المحدثين‪ .‬وضمرة عدل ثقة‪ ،‬وانفراد الثقة بالحديث ل يضره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلفوا مسن هذا الباب فسي ذوي المحارم مسن الرضاعسة‪ .‬فقال أكثسر أهسل العلم ل يدخلون فسي‬
‫مقتضى الحديث‪ .‬وقال شريك القاضي بعتقهم‪ .‬وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الب‬
‫ل يعتسق على البسن إذا ملكسه؛ واحتجوا بقوله عليسه السسلم‪( :‬ل يجزي ولد والدا إل أن يجده مملوكسا‬
‫فيشتريسه فيعتقسه)‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا صسح الشراء فقسد ثبست الملك‪ ،‬ولصساحب الملك التصسرف‪ .‬وهذا جهسل‬
‫منهسم بمقاصسد الشرع؛ فإن ال تعالى يقول‪" :‬وبالوالديسن إحسسانا" [السسراء‪ ]23 :‬فقسد قرن بيسن‬
‫عبادتسه وبيسن الحسسان للوالديسن فسي الوجوب‪ ،‬وليسس مسن الحسسان أن يبقسى والده فسي ملكسه وتحست‬
‫سلطانه؛ فإذا يجب عليه عتقه إما لجل الملك عمل بالحديث (فيشتريه فيعتقه)‪ ،‬أو لجل الحسان‬
‫عمل بالية‪ .‬ومعنى الحديث عند الجمهور أن الولد لما تسبب إلى عتق أبيه باشترائه نسب الشرع‬
‫العتق إليه نسبة اليقاع منه‪ .‬وأما اختلف العلماء فيمن يعتق بالملك‪ ،‬فوجه القول الول ما ذكرناه‬
‫من معنى الكتاب والسنة‪ ،‬ووجه الثاني إلحاق القرابة القريبة المحرمة بالب المذكور في الحديث‪،‬‬
‫ول أقرب للرجسل مسن ابنسه فيحمسل على الب‪ ،‬والخ يقاربسه فسي ذلك لنسه يدلي بالبوة؛ فإنسه يقول‪:‬‬
‫أنا ابن أبيه‪ .‬وأما القول الثالث فمتعلقه حديث ضمرة وقد ذكرناه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والرحام" الرحسم اسسم لكافسة القارب مسن غيسر فرق بيسن المحرم وغيره‪ .‬وأبسو‬
‫حنيفة يعتبر الرحم المحرم في منع الرجوع في الهبة‪ ،‬ويجوز الرجوع في حق بني العمام مع أن‬
‫القطيعة موجودة والقرابة حاصلة؛ ولذلك تعلق بها الرث والولية وغيرهما من الحكام‪ .‬فاعتبار‬
‫المحرم زيادة على نسسص الكتاب مسسن غيسسر مسسستند‪ .‬وهسسم يرون ذلك نسسسخا‪ ،‬سسسيما وفيسسه إشارة إلى‬
‫التعليل بالقطيعة‪ ،‬وقد جوزوها في حق بني العمام وبني الخوال والخالت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال كان عليكم رقيبا" (أي حفيظا)؛ عن ابن عباس ومجاهد‪ .‬ابن زيد‪ :‬عليما‪.‬‬
‫وقيسسل‪" :‬رقيبسسا" حافظسسا؛ قيسسل‪ :‬بمعنسسى فاعسسل‪ .‬فالرقيسسب مسسن صسسفات ال تعالى‪ ،‬والرقيسسب‪ :‬الحافسسظ‬
‫والمنتظسر؛ تقول رقبست أرقسب رقبسة ورقبانسا إذا انتظرت‪ .‬والمرقسب‪ :‬المكان العالي المشرف‪ ،‬يقسف‬
‫عليسه الرقيسب‪ .‬والرقيسب‪ :‬السسهم الثالث مسن السسبعة التسي لهسا أنصسباء‪ .‬ويقال‪ :‬إن الرقيسب ضرب مسن‬
‫الحيات‪ ،‬فهو لفظ مشترك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 2 :‬وآتوا اليتامسى أموالهسم ول تتبدلوا الخسبيث بالطيسب ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‬
‫إنه كان حوبا كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتوا اليتامى أموالهم" وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاما؛ كقوله‪" :‬وألقي السحرة‬
‫سساجدين "[العراف‪ ]120 :‬ول سسحر مسع السسجود‪ ،‬فكذلك ل يتسم مسع البلوغ‪ .‬وكان يقال للنسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬يتيم أبي طالب" استصحابا لما كان‪" .‬وآتوا" أي أعطوا‪ .‬واليتاء العطاء‪.‬‬
‫ولفلن أتسو‪ ،‬أي عطاء‪ .‬أبسو زيسد‪ :‬أتوت الرجسل آتوه إتاوة‪ ،‬وهسي الرشوة‪ .‬واليتيسم مسن لم يبلغ الحلم‪،‬‬
‫وقسد تقدم فسي "البقرة" مسستوفى‪ .‬وهذه اليسة خطاب للولياء والوصسياء‪ .‬نزلت ‪ -‬فسي قول مقاتسل‬
‫والكلبسي ‪ -‬فسي رجسل مسن غطفان كان معسه مال كثيسر لبسن أخ له يتيسم‪ ،‬فلمسا بلغ اليتيسم طلب المال‬
‫فمنعه عمه؛ فنزلت‪ ،‬فقال العم‪ :‬نعوذ بال من الحوب الكبير! ورد المال‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره) يعني جنته‪ .‬فلما قبض الفتى المال أنفقه‬
‫في سبيل ال‪ ،‬فقال عليه السلم‪( :‬ثبت الجر وبقي الوزر)‪ .‬فقيل‪ :‬كيف يا رسول ال؟ فقال‪( :‬ثبت‬
‫الجر للغلم وبقي الوزر على والده) لنه كان مشركا‪.‬‬
‫@ وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين‪ :‬أحدهما ‪ -‬إجراء الطعام والكسوة ما دامت الولية؛ إذ ل‬
‫يمكسن إل ذلك لمسن ل يسستحق الخسذ الكلى والسستبداد كالصسغير والسسفيه الكسبير‪ .‬الثانسي ‪ -‬اليتاء‬
‫بالتمكن وإسلم المال إليه‪ ،‬وذلك عند البتلء والرشاد‪ ،‬وتكون تسميته مجازا‪ ،‬المعنى‪ :‬الذي كان‬
‫يتيمسا‪ ،‬وهسو اسستصحاب السسم؛ كقوله تعالى‪" :‬وألقسي السسحرة سساجدين" [العراف‪ ]120 :‬أي‬
‫الذيسن كانوا سسحرة‪ .‬وكان يقال للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪" :‬يتيسم أبسي طالب"‪ .‬فإذا تحقسق الولي‬
‫رشده حرم عليسه إمسساك ماله عنسه وكان عاصسيا‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬إذا بلغ خمسسا وعشريسن سسنة‬
‫أعطي ماله كله على كل حال‪ ،‬لنه يصير جدا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لمسا لم يذكسر ال تعالى فسي هذه اليسة إيناس الرشسد وذكره فسي قوله تعالى‪" :‬وابتلوا اليتامسى‬
‫حتسسى إذا بلغوا النكاح فإن آنسسستم منهسسم رشدا فادفعوا إليهسسم أموالهسسم" [النسسساء‪ .]6 :‬قال أبسسو بكسسر‬
‫الرازي الحنفي في أحكام القرآن‪ :‬لما لم يقيد الرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد‪ ،‬وجب دفع المال إليه‪ ،‬وإن كان‬
‫دون ذلك لم يجسب‪ ،‬عمل باليتيسن‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬لمسا بلغ رشده صسار يصسلح أن يكون جدا فإذا‬
‫صسار يصسلح أن يكون جدا فكيسف يصسح إعطاؤه المال بعلة اليتسم وباسسم اليتيسم؟! وهسل ذلك إل فسي‬
‫غايسة البعسد؟‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬وهذا باطسل ل وجسه له؛ ل سسيما على أصسله الذي يرى المقدرات ل‬
‫تثبت قياسا وإنما تؤخذ من جهة النص‪ ،‬وليس في هذه المسألة‪ .‬وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن‬
‫شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتبدلوا الخبيث بالطيب" أي ل تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة‪،‬‬
‫ول الدرهم الطيب بالزيف‪ .‬وكانوا في الجاهلية لعدم الدين ل يتحرجون عن أموال اليتامى‪ ،‬فكانوا‬
‫يأخذون الطيسب والجيسد مسن أموال اليتامسى ويبدلونسه بالرديسء مسن أموالهسم؛ ويقولون‪ :‬اسسم باسسم‬
‫ورأس برأس؛ فنهاهسم ال عسن ذلك‪ .‬هذا قول سسعيد بسن المسسيب والزهري والسسدي والضحاك وهسو‬
‫ظاهر الية‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ل تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وهو مالكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد وأبو صالح وباذان‪ :‬ل تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلل‬
‫من عند ال‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬كان أهل الجاهلية ل يورثون النساء والصبيان ويأخذ الكبر الميراث‪.‬‬
‫عطاء‪ :‬ل تربسسح على يتيمسسك الذي عندك وهسسو غسسر صسسغير‪ .‬وهذان القولن خارجان عسسن ظاهسسر‬
‫الية؛ فإنه يقال‪ :‬تبدل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه‪ .‬ومنه البدل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا أموالهسم إلى أموالكسم" قال مجاهسد‪ :‬وهذه اليسة ناهيسة عسن الخلط فسي‬
‫النفاق؛ فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك‪ ،‬ثم نسخ بقوله "وإن تخالطوهم‬
‫فإخوانكسم" [البقرة‪ .]220 :‬وقال ابسن فورك عسن الحسسن‪ :‬تأول الناس فسي هذه اليسة النهسي عسن‬
‫الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم‪ ،‬فخفف عنهم في آية البقرة‪ .‬وقالت طائفة من المتأخرين‪ :‬إن "إلى"‬
‫بمعنى مع‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬من أنصاري إلى ال" [الصف‪ .]14 :‬وأنشد القتبي‪:‬‬
‫إلى عنن مستوثقات الواصر‬ ‫يسدون أبواب القباب بضمر‬
‫وليسسس بجيسسد‪ .‬وقال الحذاق‪" :‬إلى" على بابهسسا وهسسي تتضمسسن الضافسسة‪ ،‬أي ل تضيفوا أموالهسسم‬
‫وتضموها إلى أموالكم في الكل‪ .‬فنهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالكل‬
‫والنتفاع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه كان حوبا كبيرا" "إنه "أي الكل" كان حوبا كبيرا" (أي إثما كبيرا)؛ عن ابن‬
‫عباس والحسسن وغيرهمسا‪ .‬يقال‪ :‬حاب الرجسل يحوب حوبسا إذا أثسم‪ .‬وأصسله الزجسر للبسل؛ فسسمي‬
‫الثسم حوبسا؛ لنسه يزجسر عنسه وبسه‪ .‬ويقال فسي الدعاء‪ :‬اللهسم اغفسر حوبتسي؛ أي إثمسي‪ .‬والحوبسة أيضسا‬
‫الحاجة‪ .‬ومنه في الدعاء‪ :‬إليك أرفع حوبتي؛ أي حاجتي‪ .‬والحوب الوحشة؛ ومنه قوله عليه السلم‬
‫لبسي أيوب‪( :‬إن طلق أم أيوب لحوب)‪ .‬وفيسه ثلث لغات "حوبسا" بضسم الحاء وهسي قراءة العامسة‬
‫ولغسة أهسل الحجاز‪ .‬وقرأ الحسسن "حوبسا" بفتسح الحاء‪ .‬وقال الخفسش‪ :‬وهسي لغسة تميسم‪ .‬مقاتسل‪ :‬لغسة‬
‫الحبش‪.‬‬
‫والحوب المصسدر‪ ،‬وكذلك الحيابسة‪ .‬والحوب السسم‪ .‬وقرأ أبسي بسن كعسب "حابسا" على المصسدر‬
‫مثسسسل القال‪ .‬ويجوز أن يكون اسسسسما مثسسسل الزاد‪ .‬والحوأب (بهمزة بعسسسد الواو)‪ .‬المكان الواسسسسع‪.‬‬
‫والحوأب ماء أيضسا‪ .‬ويقال‪ :‬ألحسق ال بسه الحوبسة أي المسسكنة والحاجسة؛ ومنسه قولهسم‪ :‬بات بحيبسة‬
‫سوء‪ .‬وأصل الياء الواو‪ .‬وتحوب فلن أي تعبد وألقى الحوب عن نفسه‪ .‬والتحوب أيضا التحزن‪.‬‬
‫وهو أيضا الصياح الشديد؛ كالزجر‪ ،‬وفلن يتحوب من كذا أي يتوجع وقال طفيل‪:‬‬
‫من الغيظ في أكبادنا والتحوب‬ ‫فذوقوا كما ذقنا غداة محجر‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 3 :‬وإن خفتسم أل تقسسطوا فسي اليتامسى فانكحوا مسا طاب لكسم مسن النسساء مثنسى وثلث‬
‫ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل تعولوا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن خفتم" شرط‪ ،‬وجوابه "فانكحوا"‪ .‬أي إن خفتم أل تعدلوا في مهورهن وفي‬
‫النفقة عليهن "فانكحوا ما طاب لكم" أي غيرهن‪ .‬وروى الئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير‬
‫عن عائشة في قول ال تعالى‪" :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء‬
‫مثنى وثلث ورباع" قالت‪ :‬يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه‬
‫مالهسا وجمالهسا فيريسد وليهسا أن يتزوجهسا مسن غيسر أن يقسسط فسي صسداقها فيعطيهسا مثسل مسا يعطيهسا‬
‫غيره‪ ،‬فنهوا أن ينكحوهسن إل أن يقسسطوا لهسن ويبلغوا بهسن أعلى سسنتهن مسن الصسداق وأمروا أن‬
‫ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن‪ .‬وذكر الحديث‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬ولهذا قلنا إنه يجوز‬
‫أن يشتري الوصسي مسن مال اليتيسم لنفسسه‪ ،‬ويسبيع مسن نفسسه مسن غيسر محاباة‪ .‬وللموكسل النظسر فيمسا‬
‫اشترى وكيله لنفسسه أو باع منهسا‪ .‬وللسسلطان النظسر فيمسا يفعله الوصسي مسن ذلك‪ .‬فأمسا الب فليسس‬
‫لحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ؛ وقد مضى في "البقرة"‬
‫القول فسي هذا‪ .‬وقال الضحاك والحسسن وغيرهمسا‪ :‬إن اليسة ناسسخة لمسا كان فسي الجاهليسة وفسي أول‬
‫السسسلم؛ مسسن أن للرجسسل أن يتزوج مسن الحرائر مسسا شاء‪ ،‬فقصسسرتهن اليسة على أربسع‪ .‬وقال ابسن‬
‫عباس وابن جبير وغيرهما‪( :‬المعنسى وإن خفتم أل تقسسطوا في اليتامسى فكذلك خافوا فسي النسساء)؛‬
‫لنهسسم كانوا يتحرجون فسسي اليتامسسى ول يتحرجون فسسي النسساء و"خفتسسم" مسسن الضداد؛ فإنسه يكون‬
‫المخوف منسه معلوم الوقوع‪ ،‬وقسد يكون مظنونسا؛ فلذلك اختلف العلماء فسي تفسسير هذا الخوف‪ .‬فقال‬
‫أبسو عسبيدة‪" :‬خفتسم" بمعنسى أيقنتسم‪ .‬وقال آخرون‪" :‬خفتسم" ظننتسم‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وهذا الذي اختاره‬
‫الحذاق‪ ،‬وأنسه على بابسه مسن الظسن ل مسن اليقيسن‪ .‬التقديسر مسن غلب على ظنسه التقصسير فسي القسسط‬
‫لليتيمسة فليعدل عنهسا‪ .‬و"تقسسطوا" معناه تعدلوا‪ .‬يقال‪ :‬أقسسط الرجسل إذا عدل‪ .‬وقسسط إذا جار وظلم‬
‫صاحبه‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" [الجن‪ ]15 :‬يعني الجائرون‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪( :‬المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة) يعني العادلين‪ .‬وقرأ ابن وثاب‬
‫والنخعي "تقسطوا" بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة "ل" كأنه قال‪ :‬وإن خفتم أن تجوروا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء" إن قيل‪ :‬كيف جاءت "ما" للدميين وإنما أصلها‬
‫لمسا ل يعقسل؛ فعنسه أجوبسة خمسسة‪ :‬الول ‪ -‬أن "مسن" و"مسا" قسد يتعاقبان؛ قال ال تعالى‪" :‬والسسماء‬
‫وما بناها" [الشمس‪ ]5 :‬أي ومن بناها‪ .‬وقال "فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على‬
‫رجلين ومنهم من يمشي على أربع" [النور‪ .]45:‬فما ههنا لمن يعقل وهن النساء؛ لقوله بعد ذلك‬
‫"مسن النسساء" مبينسا لمبهسم‪ .‬وقرأ ابسن أبسي عبلة "مسن طاب" على ذكسر مسن يعقسل‪ .‬الثانسي‪ :‬قال‬
‫البصريون‪" :‬ما" تقع للنعوت كما تقع لما ل يعقل يقال‪ :‬ما عندك؟ فيقال‪ :‬ظريف وكريم‪ .‬فالمعنى‬
‫فانكحوا الطيسسب مسسن النسسساء؛ أي الحلل‪ ،‬ومسسا حرمسسه ال فليسسس بطيسسب‪ .‬وفسسي التنزيسسل "ومسسا رب‬
‫العالميسن" فأجابسه موسسى على وفسق مسا سسأل؛ وسسيأتي‪ .‬الثالث‪ :‬حكسى بعسض الناس أن "مسا" فسي هذه‬
‫الية ظرفية‪ ،‬أي ما دمتم تستحسنون النكاح قال ابن عطية‪ :‬وفي هذا المنزع ضعف‪ .‬جواب رابع‪:‬‬
‫قال الفراء "مسسسا" ههنسسسا مصسسسدر‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وهذا بعيسسسد جدا؛ ل يصسسسح فانكحوا الطيبسسسة‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬طاب الشيء يطيب طيبة وتطيابا‪ .‬قال علقمة‪:‬‬
‫كأن تطيابها في النف مشموم‬
‫جواب خامسس‪ :‬وهسو أن المراد بمسا هنسا العقسد؛ أي فانكحوا نكاحسا طيبسا‪ .‬وقراءة ابسن أبسي عبلة ترد‬
‫هذه القوال الثلثسة‪ .‬وحكسى أبسو عمرو بسن العلء أن أهسل مكسة إذا سسمعوا الرعسد قالوا‪ :‬سسبحان مسا‬
‫سسسبح له الرعسسد‪ .‬أي سسسبحان مسسن سسسبح له الرعسسد‪ .‬ومثله قولهسسم‪ :‬سسسبحان مسسا سسسخركن لنسسا‪ .‬أي مسسن‬
‫سخركن‪ .‬واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى‪" :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى" ليس‬
‫له مفهوم؛ إذ قسد أجمسع المسسلمون على أن مسن لم يخسف القسسط فسي اليتامسى له أن ينكسح أكثسر مسن‬
‫واحدة‪ :‬اثنتيسن أو ثلثسا أو أربعسا كمسن خاف‪ .‬فدل على أن اليسة نزلت جوابسا لمسن خاف ذلك‪ ،‬وأن‬
‫حكمها أعم من ذلك‪.‬‬
‫@ تعلق أبسو حنيفسة بهذه اليسة فسي تجويزه نكاح اليتيمسة قبسل البلوغ‪ .‬وقال‪ :‬إنمسا تكون يتيمسة قبسل‬
‫البلوغ‪ ،‬وبعسد البلوغ هسي امرأة مطلقسة ل يتيمسة؛ بدليسل أنسه لو أراد البالغسة لمسا نهسى عسن حطهسا عسن‬
‫صسداق مثلهسا؛ لنهسا تختار ذلك فيجوز إجماعسا‪ .‬وذهسب مالك والشافعسي والجمهور مسن العلماء إلى‬
‫أن ذلك ل يجوز حتسسى تبلغ وتسسستأمر؛ لقوله تعالى‪" :‬ويسسستفتونك فسسي النسسساء" [النسسساء‪]127 :‬‬
‫والنسساء اسسم ينطلق على الكبار كالرجال فسي الذكور‪ ،‬واسسم الرجسل ل يتناول الصسغير؛ فكذلك اسسم‬
‫النسساء‪ ،‬والمرأة ل يتناول الصسغيرة‪ .‬وقسد قال‪" :‬فسي يتامسى النسساء" [النسساء‪ ]127 :‬والمراد بسه‬
‫هناك اليتامى هنا؛ كما قالت عائشة رضي ال عنها‪ .‬فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الية فل تزوج‬
‫إل بإذنهسا‪ ،‬ول تنكسح الصسغيرة إذ ل إذن لهسا‪ ،‬فإذا بلغست جاز نكاحهسا لكسن ل تزوج إل بإذنهسا‪ .‬كمسا‬
‫رواه الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬زوجني خالي قدامة بن‬
‫مظعون بنسست أخيسسه عثمان بسسن مظعون‪ ،‬فدخسسل المغيرة بسسن شعبسسة على أمهسسا‪ ،‬فأرغبهسسا فسسي المال‬
‫وخطبها إليها‪ ،‬فرفع شأنها إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال قدامة‪ :‬يا رسول ال ابنة أخي وأنا‬
‫وصسي أبيهسا ولم أقصسر بهسا‪ ،‬زوجتهسا مسن قسد علمست فضله وقرابتسه‪ .‬فقال له رسسول ال صسلى ال‬
‫عليسسه وسسسلم‪( :‬إنهسسا يتيمسسة واليتيمسسة أولى بأمرهسسا) فنزعسست منسسي وزوجهسسا المغيرة بسسن شعبسسة‪ .‬قال‬
‫الدارقطني‪ :‬لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع‪ ،‬وإنما سمعه من عمر بن حسين عنه‪ .‬ورواه ابن‬
‫أبسي ذئب عسن عمسر بسن حسسين عسن نافسع عسن عبدال بسن عمسر‪ :‬أنسه تزوج بنست خاله عثمان بسن‬
‫مظعون قال‪ :‬فذهبست أمهسا إلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالت‪ :‬إن ابنتسي تكره ذلك‪ .‬فأمره‬
‫النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن يفارقهسا ففارقهسا‪ .‬وقال‪( :‬ول تنكحوا اليتامسى حتسى تسستأمروهن فإذا‬
‫سكتن فهو إذنها)‪ .‬فتزوجها بعد عبدال المغيرة بن شعبة‪ .‬فهذا يرد ما يقوله أبو حنيفة من أنها إذا‬
‫بلغست لم تحتسج إلى ولي‪ ،‬بناء على أصسله فسي عدم اشتراط الولي فسي صسحة النكاح‪ .‬وقسد مضسى فسي‬
‫"البقرة" ذكره؛ فل معنى لقولهم‪ :‬إن هذا الحديث محمول على غير البالغة لقوله (إل بإذنها) فإنه‬
‫كان ل يكون لذكر اليتيم معنى وال أعلم‪.‬‬
‫@ وفسي تفسسير عائشسة لليسة مسن الفقسه مسا قال بسه مالك صسداق المثسل‪ ،‬والرد إليسه فيمسا فسسد مسن‬
‫الصداق ووقع الغبن في مقداره؛ لقولها‪( :‬بأدنى من سنة صداقها)‪ .‬فوجب أن يكون صداق المثل‬
‫معروفا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم‪ .‬وقد قال مالك‪ :‬للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا‬
‫لهسا‪ .‬أي صسدقات وأكفاء‪ .‬وسسئل مالك عسن رجسل زوج ابنتسه غنيسة مسن ابسن أخ له فقيسر فاعترضست‬
‫أمهسا فقال‪ :‬إنسي لرى لهسا فسي ذلك متكلمسا‪ .‬فسسوغ لهسا فسي ذلك الكلم حتسى يظهسر هسو مسن نظره مسا‬
‫يسسقط اعتراض الم عليسه‪ .‬وروى "ل أرى" بزيادة اللف والول أصسح‪ .‬وجائز لغيسر اليتيمسة أن‬
‫تنكسح بأدنسى مسن صسداق مثلهسا؛ لن اليسة إنمسا خرجست فسي اليتامسى‪ .‬هذا مفهومهسا وغيسر اليتيمسة‬
‫بخلفها‪.‬‬
‫فإذا بلغست اليتيمسة وأقسسط الولي فسي صسداقها جاز له أن يتزوجهسا‪ ،‬ويكون هسو الناكسح والمنكسح‬
‫على مسا فسسرته عائشسة‪ .‬وبسه قال أبسو حنيفسة والوزاعسي والثوري وأبسو ثور‪ ،‬وقاله مسن التابعيسن‬
‫الحسن وربيعة‪ ،‬وهو قول الليث‪ .‬وقال زفر والشافعي‪ :‬ل يجوز له أن يتزوجها إل بإذن السلطان‪،‬‬
‫أو يزوجهسا منسه ولي لهسا هسو أقعسد بهسا منسه؛ أو مثله فسي القعود؛ وأمسا أن يتولى طرفسي العقسد بنفسسه‬
‫فيكون ناكحسا منكحسا فل‪ .‬واحتجوا بأن الوليسة شرط مسن شروط العقسد لقوله عليسه السسلم‪( :‬ل نكاح‬
‫إل بولي وشاهدي عدل)‪ .‬فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب؛ فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد‬
‫مسن المذكوريسن‪ .‬وفسي المسسألة قول ثالث‪ ،‬وهسو أن تجعسل أمرهسا إلى رجسل يزوجهسا منسه‪ .‬روي هذا‬
‫عن المغيرة بن شعبة‪ ،‬وبه قال أحمد‪ ،‬ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مسا طاب لكسم مسن النسساء" معناه مسا حسل لكسم؛ عسن الحسسن وابسن جسبير وغيرهمسا‪.‬‬
‫واكتفسى بذكسر مسن يجوز نكاحسه؛ لن المحرمات مسن النسساء كثيسر‪ .‬وقرأ ابسن إسسحاق والجحدري‬
‫وحمزة "طاب" "بالمالة" وفي مصحف أبي "طيب" بالياء؛ فهذا دليل المالة‪" .‬من النساء" دليل‬
‫على أنه ل يقال نساء إل لمن بلغ الحلم‪ .‬وواحد النساء نسوة‪ ،‬ول واحد لنسوة من لفظه‪ ،‬ولكن يقال‬
‫امرأة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثنى وثلث ورباع" وموضعها من العراب نصب على البدل من "ما" وهي‬
‫نكرة ل تنصسرف؛ لنهسا معدولة وصسفة؛ كذا قال أبسو علي‪ .‬وقال الطسبري‪ :‬هسي معارف؛ لنهسا ل‬
‫يدخلهسسا اللف واللم‪ ،‬وهسسي بمنزلة عمسسر فسسي التعريسسف؛ قال الكوفسسي‪ .‬وخطسسأ الزجاج هذا القول‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬لم ينصسرف؛ لنسه معدول عسن لفظسه ومعناه‪ ،‬فأحاد معدول عسن واحسد واحسد‪ ،‬ومثنسى معدولة‬
‫عسن اثنيسن اثنيسن‪ ،‬وثلث معدولة عسن ثلثسة ثلثسة‪ ،‬ورباع عسن أربعسة أربعسة‪ .‬وفسي كسل واحسد منهسا‬
‫لغتان‪ :‬فعال ومفعسسل؛ يقال أحاد وموحسسد وثناء ومثنسسى وثلث ومثلث ورباع ومربسسع‪ ،‬وكذلك إلى‬
‫معشسر وعشار‪ .‬وحكسى أبسو إسسحاق الثعلبسي لغسة ثالثسة‪ :‬أحسد وثنسى وثلث وربسع مثسل عمسر وزفسر‪.‬‬
‫وكذلك قرأ النخعسي فسي هذه اليسة‪ .‬وحكسى المهدوي عسن النخعسي وابسن وثاب "ثلث وربسع" بغيسر‬
‫ألف في ربع فهو مقصور من رباع استخفافا؛ كما قال‪:‬‬
‫يحرد حرد الجنة المغلة‬ ‫أقبل سيل جاء من عند ال‬
‫قال الثعلبي‪ :‬ول يزاد من هذا البناء على الربع إل بيت جاء عن الكميت‪:‬‬
‫ست فوق الرجال خصال عشارا‬ ‫فلم يستريثوك حتى رميس‬
‫يعنسي طعنست عشرة‪ .‬وقال ابسن الدهان‪ :‬وبعضهسم يقسف على المسسموع وهسو مسن أحاد إلى رباع ول‬
‫يعتبر بالبيت لشذوذه‪ .‬وقال أبو عمرو بن الحاجب‪ :‬ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلث ومثلث‬
‫ورباع ومربسع‪ .‬وهسل يقال فيمسا عداه إلى التسسعة أو ل يقال؟ فيسه خلف أصسحها أنسه لم يثبست‪ .‬وقسد‬
‫نص البخاري في صحيحه على ذلك‪ .‬وكونه معدول عن معناه أنه ل يستعمل في موضع تستعمل‬
‫فيسسه العداد غيسسر المعدولة؛ تقول‪ :‬جاءنسسي اثنان وثلثسسة‪ ،‬ول يجوز مثنسسى وثلث حتسسى يتقدم قبله‬
‫جمسع‪ ،‬مثسل جاءنسي القوم أحاد وثناء وثلث ورباع مسن غيسر تكرار‪ .‬وهسي فسي موضسع الحال هنسا‬
‫وفي الية‪ ،‬وتكون صفة؛ ومثال كون هذه العداد صفة يتبين في قوله تعالى‪" :‬أولي أجنحة مثنى‬
‫وثلث ورباع" [فاطر‪ ]1 :‬فهي صفة للجنحة وهي نكرة‪ .‬وقال ساعدة بن جؤية‪:‬‬
‫ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد‬ ‫ولكنما أهلي بواد أنيسه‬
‫وأنشد الفراء‪:‬‬
‫بأربعة منكم وآخر خامس‬ ‫قتلنا به من بين مثنى وموحد‬
‫فوصف ذئابا وهي نكرة بمثنى وموحد‪ ،‬وكذلك بيت الفراء؛ أي قتلنا به ناسا‪ ،‬فل تنصرف إذا هذه‬
‫السسسماء فسسي معرفسسة ول نكرة‪ .‬وأجاز الكسسسائي والفراء صسسرفه فسسي العدد على أنسسه نكرة‪ .‬وزعسسم‬
‫الخفش أنه إن سمى به صرفه في المعرفة والنكرة؛ لنه قد زال عنه العدل‪.‬‬
‫@ اعلم أن هذا العدد مثنى وثلث ورباع ل يدل على إباحة تسع‪ ،‬كما قال من بعد فهمه للكتاب‬
‫والسسنة‪ ،‬وأعرض عمسا كان عليسه سسلف هذه المسة‪ ،‬وزعسم أن الواو جامعسة؛ وعضسد ذلك بأن النسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم نكح تسعا‪ ،‬وجمع بينهن في عصمته‪ .‬والذي صار إلى هذه الجهالة‪ ،‬وقال هذه‬
‫المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين‪ ،‬وكذلك ثلث ورباع‪ .‬وذهب بعض‬
‫أهسل الظاهسر أيضسا إلى أقبسح منهسا‪ ،‬فقالوا بإباحسة الجمسع بيسن ثمان عشرة؛ تمسسكا منسه بأن العدل فسي‬
‫تلك الصسيغ يفيسد التكرار والواو للجمسع؛ فجعسل مثنسى بمعنسى اثنيسن اثنيسن وكذلك ثلث ورباع‪ .‬وهذا‬
‫كله جهسل باللسسان والسسنة‪ ،‬ومخالفسة لجماع المسة‪ ،‬إذ لم يسسمع عسن أحسد مسن الصسحابة ول التابعيسن‬
‫أنه جمسع فسي عصمته أكثسر مسن أربع‪ .‬وأخرج مالك فسي موطئه‪ ،‬والنسسائي والدارقطنسي فسي سسننهما‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لغيلن بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة‪( :‬اختر منهن‬
‫أربعا وفارق سائرهن)‪ .‬في كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال‪ :‬أسلمت وعندي ثمان نسوة‪،‬‬
‫فذكرت ذلك للنسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم فقال‪( :‬اختسسر منهسسن أربعسسا)‪ .‬وقال مقاتسسل‪ :‬إن قيسسس بسسن‬
‫الحارث كان عنده ثمان نسسوة حرائر؛ فلمسا نزلت هذه اليسة أمره رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫أن يطلق أربعسا ويمسسك أربعسا‪ .‬كذا قال‪" :‬قيسس بسن الحارث"‪ ،‬والصسواب أن ذلك كان حارث بسن‬
‫قيس السدي كما ذكر أبو داود‪ .‬وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير‪ :‬أن ذلك كان‬
‫حارث بن قيس‪ ،‬وهو المعروف عند الفقهاء‪ .‬وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فذلك‬
‫من خصوصياته؛ على ما يأتي بيانه في "الحزاب"‪ .‬وأما قولهم‪ :‬إن الواو جامعة؛ فقد قيل ذلك‪،‬‬
‫لكسن ال تعالى خاطسب العرب بأفصسح اللغات‪ .‬والعرب ل تدع أن تقول تسسعة وتقول اثنيسن وثلثسة‬
‫وأربعسة‪ .‬وكذلك تسستقبح ممسن يقول‪ :‬اعسط فلنسا أربعسة سستة ثمانيسة‪ ،‬ول يقول ثمانيسة عشسر‪ .‬وإنمسا‬
‫الواو فسي هذا الموضسع بدل؛ أي انكحوا ثلثسا بدل مسن مثنسى‪ ،‬ورباع بدل مسن ثلث؛ ولذلك عطسف‬
‫بالواو ولم يعطسسف بأو‪ .‬ولو جاء بأو لجاز إل يكون لصسساحب المثنسسى ثلث‪ ،‬ول لصسساحب الثلث‬
‫رباع‪ .‬وأما قولهم‪ :‬إن مثنى تقتضي اثنين‪ ،‬وثلث ثلثة‪ ،‬ورباع أربعة‪ ،‬فتحكم بما ل يوافقهم أهل‬
‫اللسسان عليسه‪ ،‬وجهالة منهسم‪ .‬وكذلك جهسل الخريسن‪ ،‬بأن مثنسى تقتضسي اثنيسن اثنيسن‪ ،‬وثلث ثلثسة‬
‫ثلثسة‪ ،‬ورباع أربعسة أربعسة‪ ،‬ولم يعلموا أن اثنيسن اثنيسن‪ ،.‬وثلثسا ثلثسا‪ ،‬وأربعسا أربعسا‪ ،‬حصسر للعدد‪.‬‬
‫ومثنسسى وثلث ورباع بخلفهسا‪ .‬ففسي العدد المعدول عنسسد العرب زيادة معنسسى ليسسست فسسي الصسل؛‬
‫وذلك أنهسسا إذا قالت‪ :‬جاءت الخيسسل مثنسسى‪ ،‬إنمسسا تعنسسي بذلك اثنيسسن اثنيسسن؛ أي جاءت مزدوجسسة‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬وكذلك معدول العدد‪ .‬وقال غيره‪ :‬إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلث أو أحاد أو عشار‪،‬‬
‫فإنمسا تريسد أنهسم جاؤوك واحدا واحدا‪ ،‬أو اثنيسن اثنيسن‪ ،‬أو ثلثسة ثلثسة‪ ،‬أو عشرة عشرة‪ ،‬وليسس هذا‬
‫المعنى في الصل؛ لنك إذا قلت جاءني قوم ثلثة ثلثة‪ ،‬أو قوم عشرة عشرة‪ ،‬فقد حصرت عدة‬
‫القوم بقولك ثلثسسة وعشرة‪ .‬فإذا قلت جاؤونسسي رباع وثناء فلم تحصسسر عدتهسسم‪ .‬وإنمسسا تريسسد أنهسسم‬
‫جاؤوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين‪ .‬وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب‪ ،‬فقصرهم كل صيغة‬
‫على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم‪.‬‬
‫@ وأما اختلف علماء المسلمين في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع‪ :‬فقال مالك والشافعي‪ :‬عليه‬
‫الحسد إن كان عالمسا‪ .‬وبسه قال أبسو ثور‪ .‬وقال الزهري‪ :‬يرجسم إذا كان عالمسا‪ ،‬وإن كان جاهل أدنسى‬
‫الحدين الذي هو الجلد‪ ،‬ولها مهرها ويفرق بينهما ول يجتمعان أبدا‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬ل حد عليه في‬
‫شيء من ذلك‪ .‬هذا قول النعمان‪ .‬وقال يعقوب ومحمد‪ :‬يحد في ذات المحرم ول يحد في غير ذلك‬
‫من النكاح‪ .‬وذلك مثل أن يتزوج مجوسية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغير شهود‪،‬‬
‫أو أمة تزوجها بغير إذن مولها‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إذا علم أن هذا ل يحل له يجب أن يحد فيه كله إل‬
‫التزوج بغيسر شهود‪ .‬وفيسه قول ثالث قاله النخعسي فسي الرجسل ينكسح الخامسسة متعمدا قبسل أن تنقضسي‬
‫عدة الرابعة من نسائه‪ :‬جلد مائة ول ينفى‪ .‬فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر‬
‫فكيف بما فوقها‪.‬‬
‫@ ذكر الزبير بن بكار حدثني إبراهيم الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال‪ :‬أتت امرأة إلى‬
‫عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه؛ فقالت‪ :‬يسا أميسر المؤمنيسن‪ ،‬إن زوجسي يصسوم النهار ويقوم الليسل‬
‫وأنا أكره أن أشكوه‪ ،‬وهو يعمل بطاعة ال عز وجل‪ .‬فقال لها‪ :‬نعم الزوج زوجك‪ :‬فجعلت تكرر‬
‫عليسه القول وهسو يكرر عليهسا الجواب‪ .‬فقال له كعسب السسدي‪ :‬يسا أميسر المؤمنيسن‪ ،‬هذه المرأة تشكسو‬
‫زوجهسا فسي مباعدتسه إياهسا عسن فراشسه‪ .‬فقال عمسر‪( :‬كمسا فهمست كلمهسا فاقسض بينهمسا)‪ .‬فقال كعسب‪:‬‬
‫علي بزوجهسا‪ ،‬فأتسي بسه فقال له‪ :‬إن امرأتسك هذه تشكوك‪ .‬قال‪ :‬أفسي طعام أم شراب؟ قال ل‪ .‬فقالت‬
‫المرأة‪:‬‬
‫ألهى خليلي عن فراشي مسجده‬ ‫يا أيها القاضي الحكيم رشده‬
‫فاقض القضا كعب ول تردده‬ ‫زهده في مضجعي تعبده‬
‫فلست في أمر النساء أحمده‬ ‫نهاره وليله ما يرقده‬
‫فقال زوجها‪:‬‬
‫أني امرؤ أذهلني ما قد نزل‬ ‫زهدني في فرشها وفي الحجل‬
‫الطول وفي كتاب ال تخويف جلل‬ ‫في سورة النحل وفي السبع‬
‫فقال كعب‪:‬‬
‫نصيبها في أربع لمن عقل‬ ‫إن لها عليك حقا يا رجل‬
‫فأعطها ذاك ودع عنك العلل‬
‫ثسم قال‪ :‬إن ال عسز وجسل قسد أحسل لك مسن النسساء مثنسى وثلث ورباع‪ ،‬فلك ثلثسة أيام ولياليهسن تعبسد‬
‫فيهسن ربسك‪ .‬فقال عمسر‪( :‬وال مسا أدري مسن أي أمريسك أعجسب؟ أمسن فهمسك أمرهمسا أم مسن حكمسك‬
‫بينهمسا؟ اذهسب فقسد وليتسك قضاء البصسرة)‪ .‬وروى أبسو هدبسة إبراهيسم بسن هدبسة حدثنسا أنسس بسن مالك‬
‫قال‪ :‬أتست النسبي صسلى ال عليسه وسسلم امرأة تسستعدي زوجهسا‪ ،‬فقالت‪ :‬ليسس لي مسا للنسساء؛ زوجسي‬
‫يصوم الدهر‪ .‬قال‪( :‬لك يوم وله يوم‪ ،‬للعبادة يوم وللمرأة يوم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن خفتم أل تعدلوا" قال الضحاك وغيره‪ :‬في الميل والمحبة والجماع والعشرة‬
‫والقسسم بيسن الزوجات الربسع والثلث والثنتيسن "فواحدة" فمنسع مسن الزيادة التسي تؤدي إلى ترك‬
‫العدل فسسي القسسسم وحسسسن العشرة‪ .‬وذلك دليسسل على وجوب ذلك‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقرئت بالرفسسع‪ ،‬أي‬
‫فواحدة فيهسسا كفايسسة أو كافيسسة‪ .‬وقال الكسسسائي‪ :‬فواحدة تقنسسع‪ .‬وقرئت بالنصسسب بإضمار فعسسل‪ ،‬أي‬
‫فانكحوا واحدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو مسا ملكست أيمانكسم" يريسد الماء‪ .‬وهسو عطسف على "فواحدة" أي إن خاف أل‬
‫يعدل في واحدة فما ملكت يمينه‪ .‬وفي هذا دليل على أل حق لملك اليمين في الوطء ول القسم؛ لن‬
‫المعنسسى "فإن خفتسسم أل تعدلوا" فسسي القسسسم "فواحدة أو مسسا ملكسست أيمانكسسم" فجعسسل ملك اليميسسن كله‬
‫بمنزلة واحدة‪ ،‬فانتفسى بذلك أن يكون للماء حسق فسي الوطسء أو فسي القسسم‪ .‬إل أن ملك اليميسن فسي‬
‫العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق‪ .‬وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح‪،‬‬
‫واليميسن مخصسوصة بالمحاسسن لتمكنهسا‪ .‬أل ترى أنهسا المنفقسة؟ كمسا قال عليسه السسلم‪( :‬حتسى ل تعلم‬
‫شماله مسا تنفسق يمينسه) وهسي المعاهدة المبايعسة‪ ،‬وبهسا سسميت الليسة يمينسا‪ ،‬وهسي المتلقيسة لرايات‬
‫المجد؛ كما قال‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك أدنى أل تعولوا" أي ذلك أقرب إلى أل تميلوا عن الحق وتجوروا؛ عن ابن‬
‫عباس ومجاهسد وغيرهمسسا‪ .‬يقال‪ :‬عال الرجسسل يعول إذا جار ومال‪ .‬ومنسه قولهسسم‪ :‬عال السسهم عسن‬
‫الهدف مال عنه‪ .‬قال ابن عمر‪( :‬إنه لعائل الكيل والوزن)؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫قول الرسول وعالوا في الموازين‬ ‫قالوا اتبعنا رسول ال واطرحوا‬
‫أي جاروا‪ .‬وقال أبو طالب‪:‬‬
‫له شاهد من نفسه غير عائل‬ ‫بميزان صدق ل يغل شعيرة‬
‫يريد غير مائل‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫لقد عال الزمان على عيالي‬ ‫ثلثة أنفس وثلث ذود‬
‫أي جار ومال‪ .‬وعال الرجسسل يعيسسل إذا افتقسسر فصسسار عالة‪ .‬ومنسسه قوله تعالى‪" :‬وإن خفتسسم عيلة"‬
‫[التوبة‪ .]28 :‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وما يدري الغني متى يعيل‬ ‫وما يدري الفقير متى غناه‬
‫وهسو عائل وقوم عيلة‪ ،‬والعيلة والعالة الفاقسة‪ ،‬وعالنسي الشيسء يعولنسي إذا غلبنسي وثقسل علي‪ ،‬وعال‬
‫المر اشتد وتفاقم‪ .‬وقال الشافعي‪" :‬أل تعولوا" [النساء‪ ]3 :‬أل تكثر عيالكم‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وما قال‬
‫هذا غيره‪ ،‬وإنمسا يقال‪ :‬أعال يعيسل إذا كثسر عيال‪ .‬وزعسم ابسن العربسي أن عال على سسبعة معان ل‬
‫ثامسن لهسا‪ ،‬يقال‪ :‬عال مال‪ ،‬الثانسي زاد‪ ،‬الثالث جار‪ ،‬الرابسع افتقسر‪ ،‬الخامسس أثقسل؛ حكاه ابسن دريسد‪.‬‬
‫قالت الخنساء‪:‬‬
‫ويكفي العشيرة ما عالها‬
‫السسادس عال قام بمؤونسة العيال؛ ومنسه قوله عليسه السسلم‪( :‬وابدأ بمسن تعول)‪ .‬السسابع عال غلب؛‬
‫ومنه عيل صبره‪ .‬أي غلب‪ .‬ويقال‪ :‬أعال الرجل كثر عيال‪ .‬وأما عال بمعنى كثر عياله فل يصح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمسا قول الثعلبسي "مسا قاله غيره" فقسد أسسنده الدارقطنسي فسي سسننه عسن زيسد بسن أسسلم‪ ،‬وهسو‬
‫قول جابر بن زيد؛ فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه‪ .‬وأما ما ذكره‬
‫ابسسن العربسسي مسسن الحصسسر وعدم الصسسحة فل يصسسح‪ .‬وقسسد ذكرنسسا‪ :‬عال المسسر اشتسسد وتفاقسسم؛ حكاه‬
‫الجوهري‪ .‬وقال الهروي فسي غريبسه‪" :‬وقال أبسو بكسر‪ :‬يقال عال الرجسل فسي الرض يعيسل فيهسا أي‬
‫ضرب فيهسا‪ .‬وقال الحمسر‪ :‬يقال عالنسي الشيسء يعيلنسي عيل ومعيل إذا أعجزك"‪ .‬وأمسا عال كثسر‬
‫عياله فذكره الكسائي وأبو عمر الدوري وابن العرابي‪ .‬قال الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة‪:‬‬
‫العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬كان الشافعي أعلم بلغة العرب‬
‫منا‪ ،‬ولعله لغة‪ .‬قال الثعلبي المفسر‪ :‬قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب‪ :‬سألت أبا عمر الدوري عن‬
‫هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال‪ :‬هي لغة حمير؛ وأنشد‪:‬‬
‫بل شك وإن أمشى وعال‬ ‫وإن الموت يأخذ كل حي‬
‫يعني وإن كثرت ماشيته وعياله‪ .‬وقال أبو عمرو بن العلء‪ :‬لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيت‬
‫أن آخذ عن لحن لحنا‪ .‬وقرأ طلحة بن مصرف "أل تعيلوا" وهي حجة الشافعي رضي ال عنه‪.‬‬
‫قال ابن عطية‪ :‬وقدح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال‪ :‬إن ال تعالى قد أباح كثرة‬
‫السواري وفي ذلك تكثير العيال‪ ،‬فكيف يكون أقرب إلى أل يكثر العيال‪ .‬وهذا القدح غير صحيح؛‬
‫لن السسسراري إنمسسا هسسي مال يتصسسرف فيسسه بالبيسسع‪ ،‬وإنمسسا العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق‬
‫الواجبة‪ .‬وحكى ابن العرابي أن العرب تقول‪ :‬عال الرجل إذا كثر عياله‪.‬‬
‫@ تعلق بهذه الية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعا‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم‬
‫من النساء" يعني ما حل "مثنى وثلث ورباع" ولم يخص عبدا من حر‪ .‬وهو قول داود والطبري‬
‫وهسسو المشهور عسسن مالك وتحصسسيل مذهبسسه على مسسا فسسي موطئه‪ ،‬وكذلك روى عنسسه ابسسن القاسسسم‬
‫وأشهسب‪ .‬وذكسر ابسن المواز أن ابسن وهسب روى عسن مالك أن العبسد ل يتزوج إل اثنتيسن؛ قال وهسو‬
‫قول الليسسث‪ .‬قال أبسو عمسسر‪ :‬قال الشافعسسي وأبسو حنيفسسة وأصسسحابهما والثوري والليسسث بسن سسسعد‪ :‬ل‬
‫يتزوج العبد أكثر من اثنتين؛ وبه قال أحمد وإسحاق‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي‬
‫طالب وعبدالرحمن بن عوف في العبد ل ينكح أكثر من اثنتين؛ ول أعلم لهم مخالفا من الصحابة‪.‬‬
‫وهسسو قول الشعسسبي وعطاء وابسسن سسسيرين والحكسسم وإبراهيسسم وحماد‪ .‬والحجسسة لهذا القول القياس‬
‫الصسسحيح على طلقسسه وحده‪ .‬وكسسل مسسن قال حده نصسسف حسسد الحسسر‪ ،‬وطلقسسه تطليقتان‪ ،‬وإيلؤه‬
‫شهران‪ ،‬ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال‪ :‬تناقض في قوله "ينكح أربعا" وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتوا النساء صدقاتهن" الصدقات جمع‪ ،‬الواحدة صدقة‪ .‬قال الخفش‪ :‬وبنو تميم‬
‫يقولون صسدقة والجمسع صسدقات‪ ،‬وإن شئت فتحست وإن شئت أسسكنت‪ .‬قال المازنسي‪ :‬يقال صسداق‬
‫المرأة بالكسر‪ ،‬ول يقال بالفتح‪ .‬وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النحاس‪ .‬والخطاب في‬
‫هذه اليسة للزواج؛ قال ابسن عباس وقتادة وابسن زيسد وابسن جريسج‪( .‬أمرهسم ال تعالى بأن يتسبرعوا‬
‫بإعطاء المهور نحلة منهم لزواجهم)‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب للولياء؛ قاله أبو صالح‪ .‬وكان الولي يأخذ‬
‫مهسر المرأة ول يعطيهسا شيئا‪ ،‬فنهوا عسن ذلك وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهسن‪ .‬قال فسي روايسة الكلبسي‪:‬‬
‫أن أهسل الجاهليسة كان الولي إذا زوجهسا فإن كانست معسه فسي العشرة لم يعطهسا مسن مهرهسا كثيرا ول‬
‫قليل‪ ،‬وإن كانسست غريبسسة حملهسسا على بعيسسر إلى زوجهسسا ولم يعطهسسا شيئا غيسسر ذلك البعيسسر؛ فنزل‪:‬‬
‫"وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة"‪ .‬وقال المعتمسر بسن سسليمان عسن أبيسه‪ :‬زعسم حضرمسي المراد باليسة‬
‫المتشاغرون الذيسن كانوا يتزوجون امرأة بأخرى‪ ،‬فأمروا أن يضربوا المهور‪ .‬والول أظهسر؛ فإن‬
‫الضمائر واحدة وهسي بجملتهسا للزواج فهسم المراد؛ لنسه قال‪" :‬وإن خفتسم أل تقسسطوا فسي اليتامسى"‬
‫إلى قوله‪" :‬وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة"‪ .‬وذلك يوجسب تناسسق الضمائر وأن يكون الول فيهسا هسو‬
‫الخر‪.‬‬
‫@ هذه الية تدل على وجوب الصداق للمرأة‪ ،‬وهو مجمع عليه ول خلف فيه إل ما روي عن‬
‫بعسض أهسل العلم مسن أهسل العراق أن السسيد إذا زوج عبده مسن أمتسه أنسه ل يجسب فيسه صسداق؛ وليسس‬
‫بشيسء؛ لقوله تعالى "وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة" فعسم‪ .‬وقال‪" :‬فانكحوهسن بإذن أهلهسن وأتوهسن‬
‫أجورهسن بالمعروف" [النسساء‪ .]25 :‬وأجمسع العلماء أيضسا أنسه ل حسد لكثيره‪ ،‬واختلفوا فسي قليله‬
‫على ما يأتي بيانه في قوله‪" :‬وآتيتم إحداهن قنطارا" [النساء‪ .]20 :‬وقرأ الجمهور " صَدُقاتهن"‬
‫بفتسح الصساد وضسم الدال‪ .‬وقرأ قتادة "صُسدْقاتهن" بضسم الصساد وسسكون الدال‪ .‬وقرأ النخعسي وابسن‬
‫صدُ َق َتهُنّ"‬
‫وثاب بضمهما والتوحيد " ُ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نحلة" النّحلة والنّحلة‪ ،‬بكسسر النون وضمهسا لغتان‪ .‬وأصسلها مسن العطاء؛ نحلت‬
‫فلنسا شيئا أعطيتسه‪ .‬فالصسداق عطيسة مسن ال تعالى للمرأة‪ .‬وقيسل‪" :‬نحلة" أي عسن طيسب نفسس مسن‬
‫الزواج من غير تنازع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معنى "نحلة" فريضة واجبة‪ .‬ابن جريج وابن زيد‪ :‬فريضة‬
‫مسسسماة‪ .‬قال أبسسو عبيسسد‪ :‬ول تكون النحلة إل مسسسماة معلومسسة‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬نحلة" تدينسسا‪ .‬والنحلة‬
‫الديانسسسة والملة‪ .‬يقال‪ .‬هذا نحلتسسسه أي دينسسسه‪ .‬وهذا يحسسسسن مسسسع كون الخطاب للولياء الذيسسسن كانوا‬
‫يأخذونه في الجاهلية‪ ،‬حتى قال بعض النساء في زوجها‪:‬‬
‫ل يأخذ الحلوان من بناتنا‬
‫تقول‪ :‬ل يفعل ما يفعله غيره‪ .‬فانتزعه ال منهم وأمر به للنساء‪ .‬و"نحلة" منصوبة على أنها حال‬
‫مسن الزواج بإضمار فعسل مسن لفظهسا تقديره أنحلوهسن نحلة‪ .‬وقيسل‪ :‬هسي نصسب وقيسل على التفسسير‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" مخاطبة للزواج‪ ،‬ويدل بعمومه على أن هبة‬
‫المرأة صسداقها لزوجهسا بكرا كانست أو ثيبسا جائزة؛ وبسه قال جمهور الفقهاء‪ .‬ومنسع مالك مسن هبسة‬
‫البكسر الصسداق لزوجهسا وجعسل ذلك للولي مسع أن الملك لهسا‪ .‬وزعسم الفراء أنسه مخاطبسة للولياء؛‬
‫لنهسم كانوا يأخذون الصسداق ول يعطون المرأة منسه شيئا‪ ،‬فلم يبسح لهسم منسه إل مسا طابست بسه نفسس‬
‫المرأة‪ .‬والقول الول أصسح؛ لنسه لم يتقدم للولياء ذكسر‪ ،‬والضميسر فسي "منسه" عائد على الصسداق‪.‬‬
‫وكذلك قال عكرمة وغيره‪ .‬وسبب الية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه‬
‫إلى الزوجات فنزلت "فإن طبن لكم"‪.‬‬
‫@ واتفسق العلماء على أن المرأة المالكسة لمسر نفسسها إذا وهبست صسداقها لزوجهسا نفسذ ذلك عليهسا‪،‬‬
‫ول رجوع لهسا فيسه‪ .‬إل أن شريحسا رأى الرجوع لهسا فيسه‪ ،‬واحتسج بقوله‪" :‬فإن طبسن لكسم عنسه شيسء‬
‫منه نفسا" وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا باطل؛ لنها قد طابت وقد‬
‫أكسل فل كلم لهسا؛ إذ ليسس المراد صسورة الكسل‪ ،‬وإنمسا هسو كنايسة عسن الحلل والسستحلل‪ ،‬وهذا‬
‫بين‪.‬‬
‫فإن شرطست عليسه عنسد عقسد النكاح أل يتزوج عليهسا‪ ،‬وحطست عنسه لذلك شيئا مسن صسداقها‪ ،‬ثسم‬
‫تزوج عليها فل شيء لها عليه في رواية ابن القاسم؛ لنها شرطت عليه ما ل يجوز شرطه‪ .‬كما‬
‫اشترط أهسل بريرة أن تعتقهسا عائشسة والولء لبائعهسا‪ ،‬فصسحح النسبي صسلى ال عليسه وسسلم العقسد‬
‫وأبطل الشرط‪ .‬كذلك ههنا يصح إسقاط بعض الصداق عنه وتبطل الزيجة‪ .‬قال ابن عبدالحكم‪ :‬إن‬
‫كان بقي من صداقها مثل صداق مثلها أو أكثر لم ترجع عليه بشيء‪ ،‬وإن كانت وضعت عنه شيئا‬
‫من صداقها فتزوج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها؛ لنه شرط على نفسه شرطا وأخذ عنه‬
‫عوضا كان لها واجبا أخذه منه‪ ،‬فوجب عليه الوفاء لقوله عليه السلم‪( :‬المؤمنون عند شروطهم)‪.‬‬
‫@ وفسي اليسة دليسل على أن العتسق ل يكون صسداقا؛ لنسه ليسس بمال؛ إذ ل يمكسن المرأة هبتسه ول‬
‫الزوج أكله‪ .‬وبسه قال مالك وأبسو حنيفسة وزفسر ومحمسد والشافعسي‪ .‬وقال أحمسد بسن حنبسل وإسسحاق‬
‫ويعقوب‪ :‬يكون صداقا ول مهر لها غير العتق؛ على حديث صفية ‪ -‬رواه الئمة ‪ -‬أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها‪ .‬وروي عن أنس أنه فعله‪ ،‬وهو راوي حديث صفية‪.‬‬
‫وأجاب الولون بأن قالوا‪ :‬ل حجسسة فسسي حديسسث صسسفية؛ لن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم كان‬
‫مخصسوصا فسي النكاح بأن يتزوج بغيسر صسداق‪ ،‬وقسد أراد زينسب فحرمست على زيسد فدخسل عليهسا‬
‫بغير ولي ول صداق‪ .‬فل ينبغي الستدلل بمثل هذا؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نفسا" قيل‪ :‬هو منصوب على البيان‪ .‬ول يجيز سيبويه ول الكوفيون أن يتقدم ما‬
‫كان منصوبا على البيان‪ ،‬وأجاز ذلك المازني وأبو العباس المبرد إذا كان العامل فعل‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫وما كان نفسا بالفراق تطيب‬
‫وفسي التنزيسل "خشعسا أبصسارهم يخرجون" [القمسر‪ ]7 :‬فعلى هذا يجوز "شحمسا تفقأت‪ .‬ووجهسا‬
‫حسسنت"‪ .‬وقال أصسحاب سسيبويه‪ :‬إن "نفسسا" منصسوبة بإضمار فعسل تقديره أعنسي نفسسا‪ ،‬وليسست‬
‫منصوبة على التمييز؛ وإذا كان هذا فل حجة فيه‪ .‬وقال الزجاج‪ .‬الرواية‪:‬‬
‫وما كان نفسي‪...‬‬
‫واتفق الجميع على أنه ل يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غير متصرف كعشرين درهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكلوه" ليس المقصود صورة الكل‪ ،‬وإنما المراد به الستباحة بأي طريق كان‪،‬‬
‫وهسو المعنسي بقوله فسي اليسة التسي بعدهسا "إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا" [النسساء‪.]10 :‬‬
‫وليسس المراد نفسس الكسل؛ إل أن الكسل لمسا كان أوفسى أنواع التمتسع بالمال عسبر عسن التصسرفات‬
‫بالكسل‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪" :‬إذا نودي للصسلة من يوم الجمعسة فاسسعوا إلى ذكسر ال وذروا البيع"‬
‫[الجمعة‪ ]9 :‬يعلم أن صورة البيع غير مقصودة‪ ،‬وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر ال تعالى مثل‬
‫النكاح وغيره؛ ولكن ذكر البيع لنه أهم ما يشتغل به عن ذكر ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هنيئا مريئا" منصسوب على الحال مسن الهاء فسي "كلوه" وقيسل‪ :‬نعست لمصسدر‬
‫محذوف‪ ،‬أي أكل هنيئا بطيسسب النفسسس‪ .‬هنأه الطعام والشراب يهنوه‪ ،‬ومسسا كان هنيئا؛ ولقسسد هنسسؤ‪،‬‬
‫والمصدر الهنء‪ .‬وكل ما لم يأت بمشقة ول عناء فهو هنيء‪ .‬وهنيء اسم فاعل من هنؤ كظريف‬
‫مسن ظرف‪ .‬وهنسئ يهنسأ فهسو هنيسء على فعسل كزمسن‪ .‬وهنأنسي الطعام ومرأنسي على التباع؛ فإذا لم‬
‫يذكسر "هنأنسي" قلت‪ :‬أمرأنسي الطعام باللف‪ ،‬أي انهضسم‪ .‬قال أبسو علي‪ :‬وهذا كمسا جاء فسي الحديسث‬
‫(ارجعسن مأزورات غيسر مأجورات)‪ .‬فقلبوا الواو مسن "موزورات" ألفسا إتباعسا للفسظ مأجورات‪.‬‬
‫وقال أبسو العباس عن ابن العرابسي‪ :‬يقال هنيسء وهنأنسي ومرأنسي وأمرأنسي ول يقال مرئنسي؛ حكاه‬
‫الهروي‪ .‬وحكسى القشيري أنسه يقال‪ :‬هنئنسي ومرئنسي بالكسسر يهنأنسي ويمرأنسي‪ ،‬وهسو قليسل‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫"هنيئا" ل إثم فيه‪ ،‬و"مريئا" ل داء فيه‪ .‬قال كثير‪:‬‬
‫لعزة من أعراضنا ما استحلت‬ ‫هنيئا مريئا غير داء مخامر‬
‫ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئا وهبته امرأته من مهرها فقال له‪ :‬كل من الهنيء المريء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الهنيء الطيب المساغ الذي ل ينغصه شيء‪ ،‬والمريء المحمود العاقبة‪ ،‬التام الهضم الذي‬
‫ل يضر ول يؤذي‪ .‬يقول‪ :‬ل تخافون في الدنيا به مطالبة‪ ،‬ول في الخرة تبعة‪ .‬يدل عليه ما روى‬
‫ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن هذه الية "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا‬
‫فكلوه" فقال‪( :‬إذا جادت لزوجهسا بالعطيسة طائعسة غيسر مكرهسة ل يقضسي بسه عليكسم سسلطان‪ ،‬ول‬
‫يؤاخذكم ال تعالى به في الخرة) وروي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال‪( :‬إذا اشتكى‬
‫أحدكم شيئا فليسأل امرأته درهما من صداقها ثم ليشتر به عسل فليشربه بماء السماء؛ فيجمع ال‬
‫عز وجل له الهنيء والمريء والماء المبارك)‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 5 :‬ول تؤتوا السسفهاء أموالكسم التسي جعسل ال لكسم قيامسا وارزقوهسم فيهسا واكسسوهم‬
‫وقولوا لهم قول معروفا}‬
‫@ لمسا أمسر ال تعالى بدفسع أموال اليتامسى إليهسم فسي قوله‪" :‬وآتوا اليتامسى أموالهسم" وإيصسال‬
‫الصدقات إلى الزوجات‪ ،‬بين أن السفيه وغير البالغ ل يجوز دفع ماله إليه‪ .‬فدلت الية على ثبوت‬
‫الوصسي والولي والكفيسل لليتام‪ .‬وأجمسع أهسل العلم على أن الوصسية إلى المسسلم الحسر الثقسة العدل‬
‫جائزة‪ .‬واختلفوا فسي الوصسية إلى المرأة الحرة؛ فقال عوام أهسل العلم‪ :‬الوصسية لهسا جائزة‪ .‬واحتسج‬
‫أحمسد بأن عمسر رضسي ال عنسه أوصسى إلى حفصسة‪ .‬وروي عسن عطاء بسن أبسي رباح أنسه قال فسي‬
‫رجل أوصى إلى امرأته قال‪ :‬ل تكون المرأة وصيا؛ فإن فعل حولت إلى رجل من قومه‪ .‬واختلفوا‬
‫فسي الوصسية إلى العبسد؛ فمنعسه الشافعسي وأبسو ثور ومحمسد ويعقوب‪ .‬وأجازه مالك والوزاعسي وابسن‬
‫عبدالحكم‪ .‬وهو قول النخعي إذا أوصى إلى عبده‪ .‬وقد مضى القول في هذا في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬السسفهاء" قسد مضسى فسي "البقرة" معنسى السسفه لغسة‪ .‬واختلف العلماء فسي هؤلء‬
‫السفهاء‪ ،‬من هم؟ فروى سالم الفطس عن سعيد بن جبير قال‪ :‬هم اليتامى ل تؤتوهم أموالكم‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا مسن أحسسن مسا قيسل فسي اليسة‪ .‬وروى إسسماعيل بسن أبسي خالد عسن أبسي مالك قال‪ :‬هسم‬
‫الولد الصسغار‪ ،‬ل تعطوهسم أموالكسم فيفسسدوها وتبقوا بل شيسء‪ .‬وروى سسفيان عسن حميسد العرج‬
‫عن مجاهد قال‪ :‬هم النساء‪ .‬قال النحاس وغيره‪ :‬وهذا القول ل يصح؛ إنما تقول العرب في النساء‬
‫سسفائه أو سسفيهات؛ لنسه الكثسر فسي جمسع فعيلة‪ .‬ويقال‪ :‬ل تدفسع مالك مضاربسة ول إلى وكيسل ل‬
‫يحسن التجارة‪ .‬وروي عن عمر أنه قال‪ :‬من لم يتفقه فل يتجر في سوقنا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ول‬
‫تؤتوا السسسفهاء أموالكسسم" يعنسسي الجهال بالحكام‪ .‬ويقال‪ :‬ل تدفسسع إلى الكفار؛ ولهذا كره العلماء أن‬
‫يوكسل المسسلم ذميسا بالشراء والبيسع‪ ،‬أو يدفسع إليسه مضاربسة‪ .‬وقال أبسو موسسى الشعري رضسي ال‬
‫عنه‪( :‬السفهاء هنا كل من يستحق الحجر)‪ .‬وهذا جامع‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬وأما الحجر على‬
‫السفيه فالسفيه له أحوال‪ :‬حال يحجر عليه لصغره‪ ،‬وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره‪ ،‬وحالة لسوء‬
‫نظره لنفسسه فسي ماله‪ .‬فأمسا المغمسسى عليسه فاسستحسن مالك أل يحجسسر عليسه لسسسرعة زوال مسا بسه‪.‬‬
‫والحجسر يكون مرة فسي حسق النسسان ومرة فسي حسق غيره؛ فأمسا المحجور عليسه فسي حسق نفسسه مسن‬
‫ذكرنا‪ .‬والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين‪ ،‬والمفلس وذات الزوج‬
‫لحسق الزوج‪ ،‬والبكسر فسي حسق نفسسها‪ .‬فأمسا الصسغير والمجنون فل خلف فسي الحجسر عليهمسا‪ .‬وأمسا‬
‫الكسبير فلنسه ل يحسسن النظسر لنفسسه فسي ماله‪ ،‬ول يؤمسن منسه إتلف ماله فسي غيسر وجسه‪ ،‬فأشبسه‬
‫الصسسسبي؛ وفيسسسه خلف يأتسسسي‪ .‬ول فرق بيسسسن أن يتلف ماله فسسسي المعاصسسسي أو القرب والمباحات‪.‬‬
‫واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب؛ فمنهم من حجر عليه‪ ،‬ومنهم من لم يحجر عليه‪ .‬والعبد‬
‫ل خلف فيسه‪ .‬والمديان ينزع مسا بيده لغرمائه؛ لجماع الصسحابة‪ ،‬وفعسل عمسر ذلك بأسسيفع جهينسة؛‬
‫ذكره مالك فسي الموطسأ‪ .‬والبكسر مسا دامست فسي الخدر محجور عليهسا؛ لنهسا ل تحسسن النظسر لنفسسها‪.‬‬
‫حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس‪ ،‬وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع‪ .‬وأما ذات‬
‫الزوج فلن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬ل يجوز لمرأة ملك زوجهسا عصسمتها قضاء‬
‫في مالها إل في ثلثها)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأمسا الجاهسل بالحكام وإن كان غيسر محجور عليسه لتنميتسه لماله وعدم تدبيره‪ ،‬فل يدفسع‬
‫إليسه المال؛ لجهله بفاسسد البياعات وصسحيحها ومسا يحسل ومسا يحرم منهسا‪ .‬وكذلك الذمسي مثله فسي‬
‫الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخاطبين على هذا‪ ،‬وهي للسفهاء؛ فقيل‪ :‬أضافها إليهم لنها‬
‫بأيديهسسم وهسسم الناظرون فيهسسا فنسسسبت إليهسسم اتسسساعا؛ كقوله تعالى‪" :‬فسسسلموا على أنفسسسكم" [النور‪:‬‬
‫‪ ]61‬وقوله "فاقتلوا أنفسسكم" [البقرة‪ .]54 :‬وقيسل‪ :‬أضافهسا إليهسم لنهسا مسن جنسس أموالهسم؛ فإن‬
‫الموال جعلت مشتركسسة بيسسن الخلق تنتقسسل مسسن يسسد إلى يسسد‪ ،‬ومسسن ملك إلى ملك‪ ،‬أي هسسي لهسسم إذا‬
‫احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم‪ ،‬وبها قوام أمركم‪.‬‬
‫وقول ثان قاله أبسسو موسسسى الشعري وابسسن عباس والحسسسن وقتادة‪( :‬أن المراد أموال المخاطسسبين‬
‫حقيقسة)‪ .‬قال ابسن عباس‪( :‬ل تدفسع مالك الذي هسو سسبب معيشتسك إلى امرأتسك وابنسك وتبقسى فقيرا‬
‫تنظسر إليهسم وإلى مسا فسي أيديهسم؛ بسل كسن أنست الذي تنفسق عليهسم)‪ .‬فالسسفهاء على هذا هسم النسساء‬
‫والصبيان؛ صغار ولد الرجل وامرأته‪ .‬وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء‪.‬‬
‫ودلت الية على جواز الحجر على السفيه؛ لمر ال عز وجل بذلك في قوله‪" :‬ول تؤتوا السفهاء‬
‫أموالكسم" وقال "فإن كان الذي عليسه الحسق سسفيها أو ضعيفسا" [البقرة‪ .]282 :‬فأثبست الوليسة على‬
‫السسفيه كمسا أثبتهسا على الضعيسف‪ .‬وكان معنسى الضعيسف راجعسا إلى الصسغير‪ ،‬ومعنسى السسفيه إلى‬
‫الكبير البالغ؛ لن السفه اسم ذم ول يذم النسان على ما لم يكتسبه‪ ،‬والقلم مرفوع عن غير البالغ‪،‬‬
‫فالذم والحرج منفيان عنه؛ قاله الخطابي‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه؛ فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم‪:‬‬
‫إن فعسل السسفيه وأمره كله جائز حتسسى يضرب المام على يده‪ .‬وهسو قول الشافعسسي وأبسي يوسسف‪.‬‬
‫وقال ابسن القاسسم‪ :‬أفعال غيسر جائزة وإن لم يضرب عليسه المام‪ .‬وقال أصسبغ‪ :‬إن كان ظاهسر السسفه‬
‫فأفعاله مردودة‪ ،‬وإن كان غير ظاهر السفه فل ترد أفعاله حتى يحجر عليه المام‪ .‬واحتج سحنون‬
‫لقول مالك بأن قال‪ :‬لو كانست أفعال السسفيه مردودة قبسل الحجسر مسا أحتاج السسلطان أن يحجسر على‬
‫أحسد‪ .‬وحجسة ابسن القاسسم مسا رواه البخاري مسن حديسث جابر أن رجل أعتسق عبدا ليسس له مال غيره‬
‫فرده النبي صلى ال عليه وسلم ولم يكن حجر عليه قبل ذلك‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الحجر على الكبير؛ فقال مالك وجمهور الفقهاء‪ :‬يحجر عليه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل‬
‫يحجسر على مسن بلغ عاقل إل أن يكون مفسسدا لماله؛ فإذا كان كذلك منسع مسن تسسليم المال إليسه حتسى‬
‫يبلغ خمسا وعشرين سنة‪ ،‬فإذا بلغها سلم إليه بكل حال‪ ،‬سواء كان مفسدا أو غير مفسد؛ لنه يحبل‬
‫منسه لثنتسي عشرة سسنة‪ ،‬ثسم يولد له لسستة أشهسر فيصسير جدا وأبسا‪ ،‬وأنسا أسستحي أن أحجسر على مسن‬
‫يصسسلح أن يكون جدا‪ .‬وقيسسل عنسسه‪ :‬إن فسسي مدة المنسسع مسسن المال إذا بلغ مفسسسدا ينفسسذ تصسسرفه على‬
‫الطلق‪ ،‬وإنمسا يمنسع مسن تسسليم المال احتياطسا‪ .‬وهذا كله ضعيسف فسي النظسر والثسر‪ .‬وقسد روى‬
‫الدارقطنسي‪ :‬حدثنسا محمسد بسن أحمسد بسن الحسسن الصسواف أخبرنسا حامسد بسن شعيسب أخبرنسا شريسح بسن‬
‫يونسس أخبرنسا يعقوب بسن إبراهيسم ‪ -‬هسو أبسو يوسسف القاضسي ‪ -‬أخبرنسا هشام بسن عروة عسن أبيسه أن‬
‫عبدال بسسن جعفسسر أتسسى الزبيسسر فقال‪ :‬إنسسي اشتريسست بيسسع كذا وكذا‪ ،‬وإن عليسسا يريسسد أن يأتسسي أميسسر‬
‫المؤمنين فيسأله أن يحجر علي فيه‪ .‬فقال الزبير‪ :‬أنا شريكك في البيع‪ .‬فأتى علي عثمان فقال‪ :‬إن‬
‫ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه‪ .‬فقال الزبير‪ :‬فأنا شريكه في البيع‪ .‬فقال عثمان‪ :‬كيف‬
‫أحجسر على رجسل فسي بيسع شريكسه فيسه الزبيسر؟ قال يعقوب‪ :‬أنسا آخسذ بالحجسر وأراه‪ ،‬وأحجسر وأبطسل‬
‫بيسع المحجور عليه وشراءه‪ ،‬وإذا اشترى أو باع قبسل الحجسر أجزت بيعسه‪ .‬قال يعقوب بسن إبراهيسم‪:‬‬
‫وإن أبسا حنيفسة ل يحجسر ول يأخسذ بالحجسر‪ .‬فقول عثمان‪ :‬كيسف أحجسر على رجسل‪ ،‬دليسل على جواز‬
‫الحجسسر على الكسسبير؛ فإن عبدال بسسن جعفسسر ولدتسسه أمسسه بأرض الحبشسسة‪ ،‬وهسسو أول مولود ولد فسسي‬
‫السلم بها‪ ،‬وقدم مع أبيه على النبي صلى ال عليه وسلم عام خيبر فسمع منه وحفظ عنه‪ .‬وكانت‬
‫خيبر سنة خمس من الهجرة‪ .‬وهذا يرد على أبي حنيفة قوله‪ .‬وستأتي حجته إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬التسي جعسل ال لكسم قيامسا" أي لمعاشكسم وصسلح دينكسم‪ .‬وفسي "التسي" ثلث لغات‪:‬‬
‫التسي واللت بكسسر التاء واللت بإسسكانها‪ .‬وفسي تثنيتهسا أيضسا ثلث لغات‪ :‬اللتان واللتسا بحذف النون‬
‫واللتان بشد النون‪ .‬وأما الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫والقيام والقوام‪ :‬مسسا يقيمسسك بمعنسسى‪ .‬يقال‪ :‬فلن قيام أهله وقوام بيتسسه‪ ،‬وهسسو الذي يقيسسم شأنسسه‪ ،‬أي‬
‫يصلحه‪ .‬ولما انكسرت القاف من قوام أبدلوا الواو ياء‪ .‬وقراءة أهل المدينة "قيما "بغير ألف‪ .‬قال‬
‫الكسائي والفراء‪ :‬قيما وقواما بمعنى قياما‪ ،‬وانتصب عندهما على المصدر‪ .‬أي ول تؤتوا السفهاء‬
‫أموالكسم التسي تصسلح بهسا أموركسم فيقوموا بهسا قيامسا‪ .‬وقال الخفسش‪ :‬المعنسى قائمسة بأموركسم‪ .‬يذهسب‬
‫إلى أنهسا جمسع‪ .‬وقال البصسريون‪ :‬قيمسا جمسع قيمسة؛ كديمسة وديسم‪ ،‬أي جعلهسا ال قيمسة للشياء‪ .‬وخطسأ‬
‫أبو علي هذا القول وقال‪ :‬هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم‪ ،‬ولكن شذت في الرد إلى الياء كما‬
‫شذ قولهم‪ :‬جياد في جمع جواد ونحوه‪ .‬وقوما وقواما وقياما معناها ثباتا في صلح الحال ودواما‬
‫فسي ذلك‪ .‬وقرأ الحسسن والنخعسي "اللتسي" جعسل على جمسع التسي‪ ،‬وقراءة العامسة "التسي" على لفسظ‬
‫الجماعسسة‪ .‬قال الفراء‪ :‬الكثسسر فسسي كلم العرب "النسسساء اللواتسسي‪ ،‬والموال التسسي" وكذلك غيسسر‬
‫الموال؛ ذكره النحاس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وارزقوهم فيها واكسوهم" قيل‪ :‬معناه اجعلوا لهم فيها أو افرضوا لهم فيها‪ .‬وهذا‬
‫فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجته وبنيه الصاغر‪ .‬فكان هذا دليل على وجوب نفقة الولد‬
‫على الوالد والزوجسة على زوجهسا‪ .‬وفسي البخاري عسن أبسي هريرة رضسي ال عنسه قال‪ :‬قال النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬أفضسل الصسدقة مسا ترك غنسى واليسد العليسا خيسر مسن اليسد السسفلى وابدأ بمسن‬
‫تعول تقول المرأة إمسا أن تطعمنسي وإمسا أن تطلقنسي ويقول العبسد أطعمنسي واسستعملني ويقول البسن‬
‫أطعمني إلى من تدعني) ؟ فقالوا‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬سمعت هذا من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬هذا مسن كيسس أبسي هريرة!‪ .‬قال المهلب‪ :‬النفقسة على الهسل والعيال واجبسة بإجماع؛ وهذا‬
‫الحديث حجة في ذلك‪.‬‬
‫@ قال ابن المنذر‪ :‬واختلفوا في نفقة من بلغ من البناء ول مال له ول كسب؛ فقالت طائفة‪ :‬على‬
‫الب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتلموا‪ ،‬وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن‪ .‬فإن طلقها‬
‫بعد البناء أو مات عنها فل نفقة لها على أبيها‪ .‬وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها‪.‬‬
‫@ ول نفقة لولد الولد على الجد؛ هذا قول مالك‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬ينفق على ولد ولده حتى يبلغوا‬
‫الحلم والمحيسض‪ .‬ثسم ل نفقسة عليسه إل أن يكونوا زمنسى‪ ،‬وسسواء فسي ذلك الذكور والناث مسا لم يكسن‬
‫لهسم أموال‪ ،‬وسسواء فسي ذلك ولده أو ولد ولده وإن سسفلوا مسا لم يكسن لهسم أب دونسه يقدر على النفقسة‬
‫عليهسم؛ هذا قول الشافعسي‪ .‬وأوجبست طائفسة النفقسة لجميسع الطفال والبالغيسن مسن الرجال والنسساء إذا‬
‫لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد؛ على ظاهر قوله عليه السلم لهند‪( :‬خذي ما يكفيك‬
‫وولدك بالمعروف)‪ .‬وفسي حديسث أبسي هريرة (يقول البسن أطعمنسي إلى مسن تدعنسي؟) يدل على أنسه‬
‫إنمسا يقول ذلك مسن ل طاقسة له على الكسسب والتحرف‪ .‬ومسن بلغ سسن الحلم فل يقول ذلك؛ لنسه قسد‬
‫بلغ حسد السسعي على نفسسه والكسسب لهسا‪ ،‬بدليسل قوله تعالى‪" :‬حتسى إذا بلغوا النكاح" [النسساء‪]6 :‬‬
‫اليسة‪ .‬فجعسل بلوغ النكاح حدا فسي ذلك‪ .‬وفسي قوله‪( :‬تقول المرأة إمسا أن تطعمنسي وإمسا أن تطلقنسي)‬
‫يرد على مسن قال‪ :‬ل يفرق بالعسسار ويلزم المرأة الصسبر؛ وتتعلق النفقسة بذمتسه بحكسم الحاكسم‪ .‬هذا‬
‫قول عطاء والزهري‪ .‬وإليسسه ذهسسب الكوفيون متمسسسكين بقوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسسسرة فنظرة‬
‫إلى ميسسرة" [البقرة‪ .]280 :‬قالوا‪ :‬فوجسب أن ينظسر إلى أن يوسسر‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬وأنكحوا‬
‫اليامى منكم" [النور‪ ]32 :‬الية‪ .‬قالوا‪ :‬فندب تعالى إلى إنكاح الفقير؛ فل يجوز أن يكون الفقر‬
‫سسببا للفرقسة وهسو مندوب منعسه إلى النكاح‪ .‬ول حجسة لهسم فسي هذه اليسة على مسا يأتسي بيانسه فسي‬
‫موضعها‪ .‬والحديث نص في موضع الخلف‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب لولي اليتيم لينفق عليه من ماله الذي‬
‫له تحت نظره؛ على ما تقدم من الخلف في إضافة المال‪ .‬فالوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله‬
‫وحاله؛ فإن كان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا وحواضن ووسع عليه في النفقة‪ .‬وإن كان كبيرا‬
‫قدر له ناعسم اللباس وشهسي الطعام والخدم‪ .‬وإن كان دون ذلك فبحسسبه‪ .‬وإن كان دون ذلك فخشسن‬
‫الطعام واللباس قدر الحاجسسة‪ .‬فإن كان اليتيسسم فقيرا ل مال له وجسسب على المام القيام بسسه مسسن بيسست‬
‫المال؛ فإن لم يفعسل المام وجسب ذلك على المسسلمين الخسص بسه فالخسص‪ .‬وأمسه أخسص بسه فيجسب‬
‫عليهسسا إرضاعسسه والقيام بسسه‪ .‬ول ترجسسع عليسسه ول على أحسسد‪ .‬وقسسد مضسسى فسسي البقرة عنسسد قوله‪:‬‬
‫"والوالدات يرضعن أولدهن" [البقرة‪.]233 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقولوا لهم قول معروفا" أراد تليين الخطاب والوعد الجميل‪ .‬واختلف في القول‬
‫المعروف؛ فقيسسل‪ :‬معناه ادعوا لهسسم‪ :‬بارك ال فيكسسم‪ ،‬وحاطكسسم وصسسنع لكسسم‪ ،‬وأنسسا ناظسسر لك‪ ،‬وهذا‬
‫الحتياط يرجسع نفعسه إليسك‪ .‬وقيسل‪ :‬معناه وعدوهسم وعدا حسسنا؛ أي إن رشدتسم دفعنسا إليكسم أموالكسم‪.‬‬
‫ويقول الب لبنسسه‪ :‬مالي إليسسك مصسسيره‪ ،‬وأنسست إن شاء ال صسساحبه إذا ملكسست رشدك وعرفسست‬
‫تصرفك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 6 :‬وابتلوا اليتامسى حتسى إذا بلغوا النكاح فإن آنسستم منهسم رشدا فادفعوا إليهسم أموالهسم‬
‫ول تأكلوهسا إسسرافا وبدارا أن يكسبروا ومسن كان غنيسا فليسستعفف ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف‬
‫فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بال حسيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وابتلوا اليتامى" البتلء الختبار؛ وقد تقدم‪ .‬وهذه الية خطاب للجميع في بيان‬
‫كيفيسة دفسع أموالهسم‪ .‬وقيسل‪ :‬إنهسا نزلت فسي ثابست بسن رفاعسة وفسي عمسه‪ .‬وذلك أن رفاعة توفسي وترك‬
‫ابنه وهو صغير‪ ،‬فأتى عم ثابت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن ابن أخي يتيم في حجري‬
‫فما يحل لي من ماله‪ ،‬ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فسي معنسى الختبار؛ فقيسل‪ :‬هسو أن يتأمسل الوصسي أخلق يتيمسه‪ ،‬ويسستمع إلى‬
‫أغراضه‪ ،‬فيحصل له العلم بنجابته‪ ،‬والمعرفة بالسعي في مصالحه وضبط ماله‪ ،‬والهمال لذلك‪.‬‬
‫فإذا توسسم الخيسر قال علماؤنسا وغيرهسم‪ :‬ل بأس أن يدفسع إليسه شيئا مسن ماله يبيسح له التصسرف فيسه‪،‬‬
‫فإن نماه وحسن النظر فيه فقد وقع الختبار‪ ،‬ووجب على الوصي تسليم جميع ماله إليه‪ .‬وإن أساء‬
‫النظسر فيه وجب عليه إمساك ماله عنده‪ .‬وليس في العلماء من يقول‪ :‬إنه إذا اختبر الصبي فوجده‬
‫رشيدا ترتفع الولية عنه‪ ،‬وأنه يجب دفع ماله إليه وإطلق يده في التصرف؛ لقوله تعالى‪" :‬حتى‬
‫إذا بلغوا النكاح"‪ .‬وقال جماعسة مسن الفقهاء‪ :‬الصسغير ل يخلو مسن أحسد أمريسن؛ إمسا أن يكون غلمسا‬
‫أو جاريسة؛ فإن كان غلمسا رد النظسر إليسه فسي نفقسة الدار شهرا‪ ،‬أو أعطاه شيئا نزرا يتصسرف فيسه؛‬
‫ليعرف كيف تدبيره وتصرفه‪ ،‬وهو مع ذلك يراعيه لئل يتلفه؛ فإن أتلفه فل ضمان على الوصي‪.‬‬
‫فإذا رآه متوخيسا سسلم إليسه ماله وأشهسد عليسه‪ .‬وإن كانست جاريسة رد إليهسا مسا يرد إلى ربسة البيست مسن‬
‫تدبيسر بيتهسسا والنظسسر فيسسه‪ ،‬فسي السسستغزال والسسستقصاء على الغزالت فسسي دفسع القطسسن وأجرتسه‪،‬‬
‫واسستيفاء الغزل وجودتسه‪ .‬فإن رآهسا رشيدة سسلم أيضسا إليهسا مالهسا وأشهسد عليهسا‪ .‬وإل بقيسا تحست‬
‫الحجسر حتسى يؤنسس رشدهمسا‪ .‬وقال الحسسن ومجاهسد وغيرهمسا‪ :‬اختسبروهم فسي عقولهسم وأديانهسم‬
‫وتنمية أموالهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتسى إذا بلغوا النكاح" أي الحلم؛ لقوله تعالى‪" :‬وإذا بلغ الطفال منكسم الحلم"‬
‫[النور‪ ]59 :‬أي البلوغ‪ ،‬وحال النكاح‪ .‬والبلوغ يكون بخمسسة أشياء‪ :‬ثلثسة يشترك فيهسا الرجال‬
‫والنسساء‪ ،‬واثنان يختصسان بالنسساء وهمسا الحيسض والحبسل‪ .‬فأمسا الحيسض والحبسل فلم يختلف العلماء‬
‫فسي أنسه بلوغ‪ ،‬وأن الفرائض والحكام تجسب بهمسا‪ .‬واختلفوا فسي الثلثسة؛ فأمسا الثبات والسسن فقال‬
‫الوزاعسسي والشافعسسي وابسسن حنبسسل‪ :‬خمسسس عشرة سسسنة بلوغ لمسسن لم يحتلم‪ .‬وهسسو قول ابسسن وهسسب‬
‫وأصسبغ وعبدالملك بسن الماجشون وعمسر بسن عبدالعزيسز وجماعسة مسن أهسل المدينسة‪ ،‬واختاره ابسن‬
‫العربسسي‪ .‬وتجسسب الحدود والفرائض عندهسسم على مسسن بلغ هذا السسسن‪ .‬قال أصسسبغ بسسن الفرج‪ :‬والذي‬
‫نقول بسه إن حسد البلوغ الذي تلزم بسه الفرائض والحدود خمسس عشرة سسنة؛ وذلك أحسب مسا فيسه إلي‬
‫وأحسنه عندي؛ لنه الحد الذي يسهم فيه في الجهاد ولمن حضر القتال‪ .‬واحتج بحديث ابن عمر إذ‬
‫عرض يوم الخندق وهسو ابسن خمسس عشرة سسنة فأجيسز‪ ،‬ولم يجسز يوم أحسد؛ لنسه كان ابسن أربسع‬
‫عشرة سنة‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬هذا فيمن عرف مولده‪ ،‬وأما من جهل مولده‬
‫وعدة سنه أو جحده فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضسي ال عنه أنه‬
‫كتسب إلى أمراء الجناد‪( :‬أل تضربوا الجزيسة إل على مسن جرت عليه المواسسي)‪ .‬وقال عثمان فسي‬
‫غلم سسرق‪ :‬انظروا إن كان قسد اخضسر مئزره فاقطعوه‪ .‬وقال عطيسة القرظسي‪ :‬عرض رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بني قريظة؛ فكل من أنبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ‪ ،‬ومن لم ينبت منهم‬
‫استحياه؛ فكنت فيمن لم ينبت فتركني‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما‪ :‬ل يحكم لمن لم يحتلم حتى‬
‫يبلغ ما لم يبلغه أحد إل احتلم‪ ،‬وذلك سبع عشرة سنة؛ فيكون عليه حينئذ الحد إذا أتى ما يجب عليه‬
‫الحسد‪ .‬وقال مالك مرة‪ :‬بلوغسه أن يغلظ صسوته وتنشسق أرنبتسه‪ .‬وعسن أبسي حنيفسة روايسة أخرى‪ :‬تسسع‬
‫عشرة سسنة؛ وهسي الشهسر‪ .‬وقال فسي الجاريسة‪ :‬بلوغهسا لسسبع عشرة سسنة وعليهسا النظسر‪ .‬وروى‬
‫اللؤلئي عنسسه ثمان عشرة سسسنة‪ .‬وقال داود‪ :‬ل يبلغ بالسسسن مسسا لم يحتلم ولو بلغ أربعيسسن سسسنة‪ .‬فأمسسا‬
‫النبات فمنهسسم مسسن قال‪ :‬يسسستدل بسسه على البلوغ؛ روي عسسن ابسسن القاسسسم وسسسالم‪ ،‬وقال مالك مرة‪،‬‬
‫والشافعسي فسي أحسد قوليسه‪ ،‬وبسه قال أحمسد وإسسحاق وأبسو ثور‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو بلوغ؛ إل أنسه يحكسم بسه فسي‬
‫الكفار فيقتسل مسن أنبست ويجعسل مسن لم ينبست فسي الذراري؛ قاله الشافعسي فسي القول الخسر؛ لحديسث‬
‫عطية القرظي‪ .‬ول اعتبار بالخضرة والزغب‪ ،‬وإنما يترتب الحكم على الشعر‪ .‬وقال ابن القاسم‪:‬‬
‫سسمعت مالكسا يقول‪ :‬العمسل عندي على حديسث عمسر بسن الخطاب‪ :‬لو جرت عليسه المواسسي لحددتسه‪.‬‬
‫قال أصبغ‪ :‬قال لي ابن القاسم وأحب إلي أل يقام عليه الحد إل باجتماع النبات والبلوغ‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفسة‪ :‬ل يثبست بالنبات حكسم‪ ،‬وليسس هسو ببلوغ ول دللة على البلوغ‪ .‬وقال الزهري وعطاء‪ :‬ل‬
‫حد على من لم يحتلم؛ وهو قول الشافعي‪ ،‬ومال إليه مالك مرة‪ ،‬وقال به بعض أصحابه‪ .‬وظاهره‬
‫عدم اعتبار النبات والسن‪ .‬قال ابن العربي‪" :‬إذا لم يكن حديث ابن عمر دليل في السن فكل عدد‬
‫يذكرونه من السنين فإنه دعوى‪ ،‬والسن التي أجازها رسول ال صلى ال عليه وسلم أولى من سن‬
‫لم يعتبرهسا‪ ،‬ول قام فسي الشرع دليسل عليهسا‪ ،‬وكذلك اعتسبر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم النبات فسي‬
‫بني قريظة؛ فمن عذيري ممن ترك أمرين اعتبرهما النبي صلى ال عليه وسلم فيتأوله ويعتبر ما‬
‫لم يعتبره النبي صلى ال عليه وسلم لفظا‪ ،‬ول جعل ال له في الشريعة نظرا"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قوله هنسا‪ ،‬وقال فسي سسورة النفال عكسسه؛ إذ لم يعرج على حديسث ابسن عمسر هناك‪،‬‬
‫وتأوله كما تأول علماؤنا‪ ،‬وأن موجبه الفرق بين من يطيق القتال ويسهم له وهو ابن خمس عشرة‬
‫سسنة‪ ،‬ومسن ل يطيقسه فل يسسهم له فيجعسل فسي العيال‪ .‬وهسو الذي فهمسه عمسر بسن عبدالعزيسز مسن‬
‫الحديث‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن آنسستم منهسم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" "آنسستم" أي أبصسرتم ورأيتسم؛ ومنسه‬
‫قوله تعالى‪" :‬آنس من جانب الطور نارا" [‪ 29‬القصص] أي أبصر ورأى‪ .‬قال الزهري‪ :‬تقول‬
‫العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا؛ معناه تبصر‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫‪ ...‬على مستأنس وحد‬
‫أراد ثورا وحشيسا يتبصسر هسل يرى قانصسا فيحذره‪ .‬وقيسل‪ :‬آنسست وأحسسست ووجدت بمعنسى واحسد؛‬
‫ومنه قوله تعالى‪" :‬فإن آنستم منهم رشدا" أي علمتم‪ .‬والصل فيه أبصرتم‪ .‬وقراءة العامة "رشدا"‬
‫بضسم الراء وسسكون الشيسن‪ .‬وقرأ السسلمي وعيسسى والثقفسي وابسن مسسعود رضسي ال عنهسم "رشدا"‬
‫بفتسح الراء والشيسن‪ ،‬وهمسا لغتان‪ .‬وقيسل‪ :‬رشدا مصسدر رشسد‪ .‬ورشدا مصسدر رشسد‪ ،‬وكذلك الرشاد‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فسي تأويسل "رشدا" فقال الحسسن وقتادة وغيرهمسا‪ :‬صسلحا فسي العقسل والديسن‪.‬‬
‫وقال ابن عباس والسدي والثوري‪( :‬صلحا في العقل وحفظ المال)‪ .‬قال سعيد بن جبير والشعبي‪:‬‬
‫إن الرجسل ليأخسذ بلحيتسه ومسا بلغ رشده؛ فل يدفسع إلى اليتيسم ماله وإن كان شيخسا حتسى يؤنسس منسه‬
‫رشده‪ .‬وهكذا قال الضحاك‪ :‬ل يعطسى اليتيسم وإن بلغ مائة سسنة حتسى يعلم منسه إصسلح ماله‪ .‬وقال‬
‫مجاهسد‪" :‬رشدا" يعنسي فسي العقسل خاصسة‪ .‬وأكثسر العلماء على أن الرشسد ل يكون إل بعسد البلوغ‪،‬‬
‫وعلى أنسه إن لم يرشسد بعسد بلوغ الحلم وإن شاخ ل يزول الحجسر عنسه؛ وهسو مذهسب مالك وغيره‪.‬‬
‫وقال أبسسو حنيفسسة‪ :‬ل يحجسسر على الحسسر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال‪ ،‬ولو كان أفسسسق الناس وأشدهسسم‬
‫تبذيرا إذا كان عاقل‪ .‬وبسه قال زفسر بسن الهذيسل؛ وهسو مذهسب النخعسي‪ .‬واحتجوا فسي ذلك بمسا رواه‬
‫قتادة عسن أنسس أن حبان بسن منقسذ كان يبتاع وفسي عقدتسه ضعسف‪ ،‬فقيسل‪ :‬يسا رسسول ال احجسر عليسه؛‬
‫فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف‪ .‬فاستدعاه النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬ل تبع)‪ .‬فقال‪ :‬ل أصبر‪.‬‬
‫فقال له‪( :‬فإذا بايعست فقسل ل خلبسة ولك الخيار ثلثسا)‪ .‬قالوا‪ :‬فلمسا سسأل القوم الحجسر عليسه لمسا كان‬
‫في تصرفه من الغبن ولم يفعل عليه السلم‪ ،‬ثبت أن الحجر ل يجوز‪ .‬وهذا ل حجة لهم فيه؛ لنه‬
‫مخصوص بذلك على ما بيناه في البقرة‪ ،‬فغيره بخلفه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إن كان مفسدا لماله ودينه‪،‬‬
‫أو كان مفسسسدا لماله دون دينسسه حجسسر عليسسه‪ ،‬وإن كان مفسسسدا لدينسسه مصسسلحا لماله فعلى وجهيسسن‪:‬‬
‫أحدهمسا يحجسر عليسه؛ وهسو اختيار أبسي العباس بسن شريسح‪ .‬والثانسي ل حجسر عليسه؛ وهسو اختيار‬
‫إسسحاق المروزي‪ ،‬والظهسر مسن مذهسب الشافعسي‪ .‬قال الثعلبسي‪ :‬وهذا الذي ذكرناه مسن الحجسر على‬
‫السفيه قول عثمان وعلي والزبير وعائشة وابن عباس وعبدال بن جعفر رضوان ال عليهم‪ ،‬ومن‬
‫التابعيسن شريسح‪ ،‬وبه قال الفقهاء‪ :‬مالك وأهسل المدينسة والوزاعسي وأهسل الشام وأبو يوسسف ومحمسد‬
‫وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وادعى أصحابنا الجماع في هذه المسألة‪.‬‬
‫@ إذا ثبت هذا فاعلم أن دفع المال يكون بشرطين‪ :‬إيناس الرشد والبلوغ‪ ،‬فإن وجد أحدهما دون‬
‫الخر لم يجز تسليم المال‪ ،‬كذلك نص الية‪ .‬وهو رواية ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مالك‬
‫في الية‪ .‬وهو قول جماعة الفقهاء إل أبا حنيفة وزفر والنخعي فإنهم أسقطوا إيناس الرشد ببلوغ‬
‫خمس وعشرين سنة‪ .‬قال أبو حنيفة‪ :‬لكونه جدا وهذا يدل على ضعف قوله‪ ،‬وضعف ما احتج به‬
‫أبو بكر الرازي في أحكام القرآن له من استعمال اليتين حسب ما تقدم؛ فإن هذا من باب المطلق‬
‫والمقيد‪ ،‬والمطلق يرد إلى المقيد باتفاق أهل الصول‪ .‬وماذا يغني كونه جدا إذا كان غير جد‪ ،‬أي‬
‫بخست‪ .‬إل أن علماءنسا شرطوا فسي الجاريسة دخول الزوج بهسا مسع البلوغ‪ ،‬وحينئذ يقسع البتلء فسي‬
‫الرشسسد‪ .‬ولم يره أبسسو حنيفسسة والشافعسسي‪ ،‬ورأوا الختبار فسسي الذكسسر والنثسسى على مسسا تقدم‪ .‬وفرق‬
‫علماؤنسا بينهمسا بأن قالوا‪ :‬النثسى مخالفسة للغلم لكونهسا محجوبسة ل تعانسي المور ول تسبرز لجسل‬
‫البكارة فلذلك وقف فيها على وجود النكاح؛ فبه تفهم المقاصد كلها‪ .‬والذكر بخلفها؛ فإنه بتصرفه‬
‫وملقاتسسه للناس مسسن أول نشئه إلى بلوغسسه يحمسسل له الختبار‪ ،‬ويكمسسل عقله بالبلوغ‪ ،‬فيحصسسل له‬
‫الغرض‪ .‬وما قاله الشافعي أصوب؛ فإن نفس الوطء بإدخال الحشفة ل يزيدها في رشدها إذا كانت‬
‫عارفسسة بجميسسع أمورهسا ومقاصسسدها‪ ،‬غيسسر مبذرة لمالهسا‪ .‬ثسم زاد علماؤنسا فقالوا‪ :‬ل بسد بعسد دخول‬
‫زوجهسسا مسسن مضسسي مدة مسسن الزمان تمارس فيهسسا الحوال‪ .‬قال ابسسن العربسسي‪ :‬وذكسسر علماؤنسسا فسسي‬
‫تحديدهسا أقوال عديدة؛ منهسا الخمسسة العوام والسستة والسسبعة فسي ذات الب‪ .‬وجعلوا فسي اليتيمسة‬
‫التسي ل أب لهسا ول وصسي عليهسا عامسا واحدا بعسد الدخول‪ ،‬وجعلوا فسي المولى عليهسا مؤبدا حتسى‬
‫يثبست رشدهسا‪ .‬وليسس فسي هذا كله دليسل‪ ،‬وتحديسد العوام فسي ذات الب عسسير؛ وأعسسر منسه تحديسد‬
‫العام فسي اليتيمسة‪ .‬وأمسا تمادي الحجسر فسي المولى عليهسا حتسى يتسبين رشدهسا فيخرجهسا الوصسي عنسه‪،‬‬
‫أو يخرجهسا الحكسم منسه فهسو ظاهسر القرآن‪ .‬والمقصسود مسن هذا كله داخسل تحست قوله تعالى‪" :‬فإن‬
‫آنسستم منهسم رشدا" فتعيسن اعتبار الرشسد ولكسن يختلف إيناسسه بحسسب اختلف حال الراشسد‪ .‬فاعرفسه‬
‫وركب عليه واجتنب التحكم الذي ل دليل عليه‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمسا فعلتسه ذات الب فسي تلك المدة؛ فقيسل‪ :‬هسو محمول على الرد لبقاء الحجسر‪ ،‬ومسا‬
‫عملتسه بعده فهسو محمول على الجواز‪ .‬وقال بعضهسم‪ :‬مسا عملتسه فسي تلك المدة محمول على الرد إل‬
‫أن يتبين فيه السداد‪ ،‬وما عملته بعد ذلك محمول على المضاء حتى يتبين فيه السفه‪.‬‬
‫واختلفوا فسي دفسع المال إلى المحجور عليسه هسل يحتاج إلى السسلطان أم ل؟ فقالت فرقسة‪ :‬ل بسد مسن‬
‫رفعسسه إلى السسسلطان‪ ،‬ويثبسست عنده رشده ثسسم يدفسسع إليسسه ماله‪ .‬وقالت فرقسسة‪ :‬ذلك موكول إلى اجتهاد‬
‫الوصسي دون أن يحتاج إلى رفعسه إلى السسلطان‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬والصسواب فسي أوصسياء زماننسا أل‬
‫يستغنى عن رفعه إلى السلطان وثبوت الرشد عنده‪ ،‬لما حفظ من تواطؤ الوصياء على أن يرشد‬
‫الصبي‪ ،‬ويبرأ المحجور عليه لسفهه وقلة تحصيله في ذلك الوقت‪.‬‬
‫@ فإذا سلم المال إليه بوجود الرشد‪ ،‬ثم عاد إلى السفه بظهور تبذير وقلة تدبير عاد إليه الحجر‬
‫عندنا‪ ،‬وعند الشافعي في أحد قوليه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يعود؛ لنه بالغ عاقل؛ بدليل جواز إقراره‬
‫فسي الحدود والقصساص‪ .‬ودليلنسا قوله تعالى‪" :‬ول تؤتوا السسفهاء أموالكسم التسي جعسل ال لكسم قيامسا"‬
‫[النسساء‪ ]5 :‬وقال تعالى‪" :‬فإن كان الذي عليسه الحسق سسفيها أو ضعيفسا أو ل يسستطيع أن يمسل هسو‬
‫فليملل وليسه بالعدل" [البقرة‪ ]282 :‬ولم يفرق بيسن أن يكون محجورا سسفيها أو يطرأ ذلك عليسه‬
‫بعد الطلق‪.‬‬
‫@ ويجوز للوصسي أن يصسنع فسي مال اليتيسم مسا كان للب أن يصسنع مسن تجارة وإبضاع وشراء‬
‫وبيسع‪ .‬وعليسه أن يؤدي الزكاة مسن سسائر أمواله‪ :‬عيسن وحرث وماشيسة وفطرة‪ .‬ويؤدي عنسه أروش‬
‫الجنايات وقيسم المتلفات‪ ،‬ونفقسة الوالديسن وسسائر الحقوق اللزمسة‪ .‬ويجوز أن يزوجسه ويؤدي عنسه‬
‫الصداق‪ ،‬ويشتري له جارية يتسررها‪ ،‬ويصالح له وعليه على وجه النظر له‪ .‬وإذا قضى الوصي‬
‫بعض الغرماء وبقي من المال بقية تفي ما عليه من الدين كان فعل الوصي جائزا‪ .‬فإن تلف باقي‬
‫المال فل شيسء لباقسي الغرماء على الوصسي ول على الذيسن اقتضوا‪ .‬وإن اقتضسى الغرماء جميسع‬
‫المال ثسسم أتسسى غرماء آخرون فإن كان عالمسسا بالديسسن الباقسسي أو كان الميسست معروفسسا بالديسسن الباقسسي‬
‫ضمسن الوصسي لهؤلء الغرماء مسا كان يصسيبهم فسي المحاصسة‪ ،‬ورجسع على الذيسن اقتضوا دينهسم‬
‫بذلك‪ .‬وإن لم يكسن عالمسا بذلك‪ ،‬ول كان الميست معروفسا بالديسن فل شيسء على الوصسي‪ .‬وإذا دفسع‬
‫الوصسي ديسن الميست بغيسر إشهاد ضمسن‪ .‬وأمسا إن أشهسد وطال الزمان حتسى مات الشهود فل شيسء‬
‫عليه‪ .‬وقد مضى في البقرة عند قوله تعالى‪" :‬وإن تخالطوهم فإخوانكم" [البقرة‪ ]220 :‬من أحكام‬
‫الوصي في النفاق وغيره ما فيه كفاية‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا" ليس يريد أن أكل مالهم من غير إسراف‬
‫جائز‪ ،‬فيكون له دليل خطاب‪ ،‬بل المراد ول تأكلوا أموالهم فإنه إسراف‪ .‬فنهى ال سبحانه وتعالى‬
‫الوصسياء عسن أكسل أموال اليتامسى بغيسر الواجسب المباح لهسم؛ على مسا يأتسي بيانسه‪ .‬والسسراف فسي‬
‫اللغسسة الفراط ومجاوزة الحسسد‪ .‬وقسسد تقدم فسسي آل عمران والسسسرف الخطسسأ فسسي النفاق‪ .‬ومنسسه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ما في عطائهم من ول سرف‬ ‫أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية‬
‫أي ليس يخطئون مواضع العطاء‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫أسرفتم فأجبنا أننا سرف‬ ‫وقال قائلهم والخيل تخبطهم‬
‫قال النضسر بسن شميسل‪ :‬السسرف التبذيسر‪ ،‬والسسرف الغفلة‪ .‬وسسيأتي لمعنسى السسراف زيادة بيان فسي‬
‫"النعام" إن شاء ال تعالى‪" .‬وبدارا" معناه ومبادرة كبرهم‪ ،‬وهو حال البلوغ‪ .‬والبدار والمبادرة‬
‫كالقتال والمقاتلة‪ .‬وهسو معطوف على "إسسرافا"‪ .‬و"أن يكسبروا" فسي موضسع نصسب بسس "بدارا"‪ ،‬أي‬
‫ل تستغنم مال محجورك فتأكله وتقول أبادر كبره لئل يرشد ويأخذ ماله)؛ عن ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن كان غنيسا فليسستعفف" بيسن ال تعالى مسا يحسل لهسم مسن أموالهسم؛ فأمسر الغنسي‬
‫بالمسساك وأباح للوصسي الفقيسر أن يأكسل مسن مال وليسه بالمعروف‪ .‬يقال‪ :‬عسف الرجسل عسن الشيسء‬
‫واستعف إذا أمسك‪ .‬والستعفاف عن الشيء تركه‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وليستعفف الذين ل يجدون‬
‫نكاحسا" [النور‪ .]33 :‬والعفسة‪ :‬المتناع عمسا ل يحسل ول يجسب فعله‪ .‬روى أبسو داود مسن حديسث‬
‫حسسين المعلم عسن عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده أن رجل أتسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫فقال‪ :‬إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم‪ .‬قال‪ :‬فقال‪( :‬كل من مال يتيمك غير مسرف ول مباذر ول‬
‫متأثل)‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء مسن المخاطسب والمراد بهذه اليسة؟ ففسي صسحيح مسسلم عسن عائشسة فسي قوله‬
‫تعالى‪" :‬ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قالت‪ :‬نزلت فسي ولي اليتيسم الذي يقوم عليسه ومصسلحه‬
‫إذا كان محتاجا جاز أن يأكل منه‪ .‬في رواية‪ :‬بقدر ماله بالمعروف‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬المراد اليتيم إن‬
‫كان غنيا وسع عليه وأعف عن ماله‪ ،‬وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره؛ قال ربيعة ويحيى بن سعيد‪.‬‬
‫والول قول الجمهور وهسو الصسحيح؛ لن اليتيسم ل يخاطسب بالتصسرف فسي ماله لصسغره ولسسفهه‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف الجمهور في الكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم‪( :‬هو القرض إذا احتاج ويقضى إذا‬
‫أيسر)؛ قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية‪ ،‬وهو‬
‫قول الوزاعي‪ .‬ول يستسلف أكثر من حاجته‪ .‬قال عمر‪( :‬أل إني أنزلت نفسي من مال ال منزلة‬
‫الولي مسن مال اليتيسم‪ ،‬إن اسستغنيت اسستعففت‪ ،‬وإن افتقرت أكلت بالمعروف؛ فإذا أيسسرت قضيست)‪.‬‬
‫روى عبدال بسن المبارك عسن عاصسم عسن أبسي العاليسة "ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قال‪:‬‬
‫قرضسا ‪ -‬ثسم تل "فإذا دفعتسم إليهسم أموالهسم فاشهدوا عليهسم"‪ .‬وقول ثان ‪ -‬روي عسن إبراهيسم وعطاء‬
‫والحسسن البصسري والنخعسي وقتادة‪ :‬ل قضاء على الوصسي الفقيسر فيمسا يأكسل بالمعروف؛ لن ذلك‬
‫حسق النظسر‪ ،‬وعليسه الفقهاء‪ .‬قال الحسسن‪ :‬هسو طعمسة مسن ال له؛ وذلك أنسه يأكسل مسا يسسد جوعتسه‪،‬‬
‫ويكتسسي مسا يسستر عورتسه‪ ،‬ول يلبسس الرفيسع مسن الكتان ول الحلل‪ .‬والدليسل على صسحة هذا القول‬
‫إجماع المة على أن المام الناظر للمسلمين ل يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف؛ لن ال تعالى‬
‫قد فرض سهمه في مال ال‪ .‬فل حجة لهم في قول عمر‪( :‬فإذا أيسرت قضيت) ‪ -‬أن لو صح‪ .‬وقد‬
‫روي عسن ابسن عباس وأبسي العاليسة والشعسبي أن (الكسل بالمعروف هسو كالنتفاع بألبان المواشسي‪،‬‬
‫واسسستخدام العبيسسد‪ ،‬وركوب الدواب إذا لم يضسسر بأصسسل المال؛ كمسسا يهنسسأ الجرباء‪ ،‬وينشسسد الضالة‪،‬‬
‫ويلوط الحوض‪ ،‬ويجذ التمر‪ .‬فأما أعيان الموال وأصولها فليس للوصي أخذها)‪ .‬وهذا كله يخرج‬
‫مسسع قول الفقهاء‪ :‬إنسسه يأخسذ بقدر أجسسر عمله؛ وقالت بسسه طائفسة وأن ذلك هسو المعروف‪ ،‬ول قضاء‬
‫عليه‪ ،‬والزيادة على ذلك محرمة‪ .‬وفرق الحسن بن صالح بن حي ‪ -‬ويقال ابن حيان ‪ -‬بين وصي‬
‫الب والحاكسسم؛ فلوصسسي الب أن يأكسسل بالمعروف‪ ،‬وأمسسا وصسسي الحاكسسم فل سسسبيل له إلى المال‬
‫بوجسه؛ وهسو القول الثالث‪ .‬وقول رابسع روي عسن مجاهسد قال‪ :‬ليسس له أن يأخسذ قرضسا ول غيره‪.‬‬
‫وذهسسب إلى أن اليسسة منسسسوخة‪ ،‬نسسسخها قوله تعالى‪" :‬يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا ل تأكلوا أموالكسسم بينكسسم‬
‫بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن تراض منكسم" [النسساء‪ ]29 :‬وهذا ليسس بتجارة‪ .‬وقال زيسد بسن‬
‫أسسلم‪ :‬إن الرخصسة فسي هذه اليسة منسسوخة بقوله تعالى‪" :‬إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا"‬
‫[النساء‪ ]10 :‬الية‪ .‬وحكى بشر بن الوليد عن ابن يوسف قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬لعل هذه الية منسوخة‬
‫بقوله عز وجل‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض‬
‫منكم" [النساء‪ .]29 :‬وقول خامس ‪ -‬وهو الفرق بين الحضر والسفر؛ فيمنع إذا كان مقيما معه‬
‫فسي المصسر‪ .‬فإذا احتاج أن يسسافر مسن أجله فله أن يأخسذ مسا يحتاج إليسه‪ ،‬ول يقتنسي شيئا؛ قاله أبسو‬
‫حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد‪ .‬وقول سادس ‪ -‬قال أبو قلبة‪ :‬فليأكل بالمعروف مما يجني من‬
‫الغلة؛ فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ول غيره‪.‬‬
‫وقول سسابع ‪ -‬روى عكرمسة عسن ابسن عباس "ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قال‪( :‬إذا احتاج‬
‫واضطسر)‪ .‬وقال الشعسبي‪ :‬كذلك إذا كان منسه بمنزلة الدم ولحسم الخنزيسر أخسذ منسه؛ فإن وجسد أوفسى‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬وهذا ل معنى له لنه إذا اضطر هزا الضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيمه‬
‫أو غيره مسن قريسب أو بعيسد‪ .‬وقال ابسن عباس أيضسا والنخعسي‪( :‬المراد أن يأكسل الوصسي بالمعروف‬
‫من مال نفسه حتى ل يحتاج إلى مال اليتيم؛ فيستعفف الغنى بغناه‪ ،‬والفقير يقتر على نفسه حتى ل‬
‫يحتاج إلى مال يتيمسه)‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا مسن أحسسن مسا روي فسي تفسسير اليسة؛ لن أموال الناس‬
‫محظورة ل يطلق شيء منها إل بحجة قاطعة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقسسد اختار هذا القول الكيسسا الطسسبري فسسي أحكام القرآن له؛ فقال‪" :‬توهسسم متوهمون مسسن‬
‫السسلف بحكسم اليسة أن للوصسي أن يأكسل مسن مال الصسبي قدرا ل ينتهسى إلى حسد السسرف‪ ،‬وذلك‬
‫خلف مسا أمسر ال تعالى بسه مسن قوله‪" - :‬ل تأكلوا أموالكسم بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن‬
‫تراض منكسم" ول يتحقسق ذلك فسي مال اليتيسم‪ .‬فقوله‪" :‬ومسن كان غنيسا فليسستعفف" يرجسع إلى أكسل‬
‫مال نفسسسه دون مال اليتيسسم‪ .‬فمعناه ول تأكلوا أموال اليتيسسم مسسع أموالكسسم‪ ،‬بسسل اقتصسسروا على أكسسل‬
‫أموالكسم‪ .‬وقسد دل عليسه قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا أموالهسم إلى أموالكسم إنسه كان حوبسا كسبيرا" [النسساء‪:‬‬
‫‪ ]2‬وبان بقوله تعالى‪" :‬ومسن كان غثيسا فليسستعفف ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" القتصسار‬
‫على البلغسة‪ ،‬حتسى ل يحتاج إلى أكسل مال اليتيسم؛ فهذا تمام معنسى اليسة‪ .‬فقسد وجدنسا آيات محكمات‬
‫تمنسع أكسل مال الغيسر دون رضاه‪ ،‬سسيما فسي حسق اليتيسم‪ .‬وقسد وجدنسا هذه اليسة محتملة للمعانسي‪،‬‬
‫فحملهسسا على موجسسب اليات المحكمات متعيسسن‪ .‬فإن قال مسسن ينصسسر مذهسسب السسسلف‪ :‬إن القضاة‬
‫يأخذون أرزاقهسسم لجسسل عملهسسم للمسسسلمين‪ ،‬فهل كان الوصسسي كذلك إذا عمسسل لليتيسسم‪ ،‬ولم ل يأخسسذ‬
‫الجرة بقدر عمله؟ قيل له‪ :‬اعلم أن أحدا من السلف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع‬
‫غنسى الوصسي‪ ،‬بخلف القاضسي؛ فذلك فارق بيسن المسسألتين‪ .‬وأيضسا فالذي يأخذه الفقهاء والقضاة‬
‫والخلفاء القائمون بأمور السسسلم ل يتعيسسن له مالك‪ .‬وقسسد جعسسل ال ذلك المال الضائع لصسسناف‬
‫بأوصساف‪ ،‬والقضاة مسن جملتهسم‪ ،‬والوصسي إنمسا يأخسذ بعمله مال شخسص معيسن مسن غيسر رضاه؛‬
‫وعمله مجهول وأجرته مجهولة وذلك بعيد عن الستحقاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكان شيخنسا المام أبسو العباس يقول‪ :‬إن كان مال اليتيسم كثيرا يحتاج إلى كسبير قيام عليسه‬
‫بحيسث يشغسل الولي عسن حاجاتسه ومهماتسه فرض له فيسه أجسر عمله‪ ،‬وإن كان تافهسا ل يشغله عسن‬
‫حاجاته فل يأكل منه شيئا؛ غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القليل من الطعام والسمن‪،‬‬
‫غير مضر به ول مستكثر له‪ ،‬بل على ما جرت العادة بالمسامحة فيه‪ .‬قال شيخنا‪ :‬وما ذكرته من‬
‫الجرة‪ ،‬ونيل اليسير من التمر واللبن كل واحد منهما معروف؛ فصلح حمل الية على ذلك‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والحتراز عنه أفضل‪ ،‬إن شاء ال‪.‬‬
‫وأما ما يأخذه قاضي القسمة ويسميه رسما ونهب أتباعه فل أدرى له وجها ول حل‪ ،‬وهم داخلون‬
‫فسسي عموم قوله تعالى‪" :‬إن الذيسسن يأكلون أموال اليتامسسى ظلمسسا إنمسسا يأكلون فسسي بطونهسسم نارا"‬
‫[النساء‪.]10 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا دفعتسم إليهسم أموالهسم فأشهدوا عليهسم" أمسر ال تعالى بالشهاد تنبيهسا على‬
‫التحصسين وزوال للتهسم‪ .‬وهذا الشهاد مسستحب عنسد طائفسة مسن العلماء؛ فإن القول قول الوصسي؛‬
‫لنه أمين‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬هو فرض؛ وهو ظاهر الية‪ ،‬وليس بأمين فيقبل قوله‪ ،‬كالوكيل إذا زعم‬
‫أنه قد رد ما دفع إليه أو المودع‪ ،‬وإنما هو أمين للب‪ ،‬ومتى ائتمنه الب ل يقبل قوله على غير‪.‬‬
‫أل ترى أن الوكيسل لو أدعسى أنسه قسد دفسع لزيسد مسا أمره بسه بعدالتسه لم يقبسل قوله إل ببينسة؛ فكذلك‬
‫الوصسي‪ .‬ورأى عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه وابسن جسبير أن هذا الشهاد إنمسا هسو على دفسع‬
‫الوصسي فسي يسسره مسا اسستقرضه مسن مال يتيمسه حالة فقره‪ .‬قال عسبيدة‪ :‬هذه اليسة دليسل على وجوب‬
‫القضاء على من أكل؛ المعنى‪ :‬فإذا اقترضتم أو أكلتم فأشهدوا إذا غرمتم‪ .‬والصحيح أن اللفظ يعم‬
‫هذا وسسواه‪ .‬والظاهسر أن المراد إذا أنفقتسم شيئا على المولى عليسه فأشهدوا‪ ،‬حتسى ولو وقسع خلف‬
‫أمكن إقامة البينة؛ فإن كل مال قبض على وجه المانة بإشهاد ل يبرأ منه إل بالشهاد على دفعه‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فأشهدوا" فإذا دفسسع لمسسن دفسسع إليسسه بغيسسر إشهاد فل يحتاج فسسي دفعهسسا لشهاد إن كان‬
‫قبضها بغير إشهاد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ كمسا على الوصسي والكفيسل حفسظ مال يتيمسه والتثميسر له‪ ،‬كذلك عليسه حفسظ الصسبي فسي بدنسه‪.‬‬
‫فالمال يحفظه بضبطه‪ ،‬والبدن يحفظه بأدبه‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في "البقرة"‪ .‬وروي أن رجل‬
‫قال للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن في حجري يتيما أآكل من ماله؟ قال‪( :‬نعم غير متأثل مال ول‬
‫واق مالك بماله)‪ .‬قال‪ :‬يسسا رسسسول ال‪ ،‬أفأضربسسه؟ قال‪( :‬مسسا كنسست ضاربسسا منسسه ولدك)‪ .‬قال ابسسن‬
‫العربي‪ :‬وإن لم يثبت مسندا فليس يجد أحد عنه ملتحدا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكفى بال حسيبا" أي كفى ال حاسبا لعمالكم ومجازيا بها‪ .‬ففي هذا وعيد لكل‬
‫جاحد حق‪ .‬والباء زائدة‪ ،‬وهو في موضع رفع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 7 :‬للرجال نصسيب ممسا ترك الوالدان والقربون وللنسساء نصسيب ممسا ترك الوالدان‬
‫والقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}‬
‫@ لمسا ذكسر ال تعالى أمسر اليتامسى وصسله بذكسر المواريسث‪ .‬ونزلت اليسة فسي أوس بسن ثابست‬
‫النصساري‪ ،‬توفسي وترك امرأة يقال لهسا‪ :‬أم كجسة وثلث بنات له منهسا؛ فقام رجلن همسا ابنسا عسم‬
‫الميست ووصسياه يقال لهمسا‪ :‬سسويد وعرفجسة؛ فأخذا ماله ولم يعطيسا امرأتسه وبناتسه شيئا‪ ،‬وكانوا فسي‬
‫الجاهليسسة ل يورثون النسسساء ول الصسسغير وإن كان ذكرا‪ ،‬ويقولون‪ :‬ل يعطسسى إل مسسن قاتسسل على‬
‫ظهور الحيل‪ ،‬وطاعن بالرمح‪ ،‬وضارب بالسيف‪ ،‬وحاز الغنيمة‪ .‬فذكرت أم كجة ذلك لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فدعاهما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ولدها ل يركب فرسا‪ ،‬ول يحمل كل ول ينكأ‬
‫عدوا‪ .‬فقال عليسه السسلم‪( :‬انصسرفا حتسى أنظسر مسا يحدث ال لي فيهسن)‪ .‬فأنزل ال هذه اليسة ردا‬
‫عليهسم‪ ،‬وإبطال لقولهسم وتصسرفهم بجهلهسم؛ فإن الورثسة الصسغار كان ينبغسي أن يكونوا أحسق بالمال‬
‫من الكبار‪ ،‬لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم‪ ،‬فعكسوا الحكم‪ ،‬وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم‪،‬‬
‫وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬في هذه الية فوائد ثلث‪ :‬الولى‪ :‬بيان علة الميراث وهي القرابة‪ .‬الثانية‪ :‬عموم‬
‫القرابسة كيفمسا تصسرفت مسن قريسب أو بعيسد‪ .‬الثالثسة‪ :‬إجمال النصسيب المفروض‪ .‬وذلك مسبين فسي آيسة‬
‫المواريث؛ فكان في هذه الية توطئة للحكم‪ ،‬وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي‪.‬‬
‫@ الثالثة‪ :‬ثبت أن أبا طلحة لما تصدق بماله ‪ -‬بئر حاء ‪ -‬وذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال له‪( :‬اجعلها في فقراء أقاربك) فجعلها لحسان وأبي‪ .‬قال أنس‪( :‬وكانا أقرب إليه مني)‪ .‬قال أبو‬
‫داود‪ :‬بلغنسي عسن محمسد بسن عبدال النصساري أنسه قال‪ :‬أبسو طلحسة النصساري زيسد بسن سسهل بسن‬
‫السود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار‪ .‬وحسان بن ثابت‬
‫بن المنذر بن حرام يجتمعان في الب الثالث وهو حرام‪ .‬وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد‬
‫بسن معاويسة بسن عمرو بسن مالك بسن النجار‪ .‬قال النصساري‪ :‬بيسن أبسى طلحسة وأبسي سستة آباء‪ .‬قال‪:‬‬
‫وعمرو بسن مالك يجمسع حسسان وأبسي بسن كعسب وأبسا طلحسة‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬فسي هذا مسا يقضسي على‬
‫القرابة أنها ما كانت في هذا القعدد ونحوه‪ ،‬وما كان دونه فهو أحرى أن يلحقه اسم القرابة‪.‬‬
‫@ الرابعة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" أثبت ال تعالى للبنات نصيبا في‬
‫الميراث ولم يبين كم هو؛ فأرسل النبي صلى ال عليه وسلم إلى سويد وعرفجة أل يفرقا من مال‬
‫أوس شيئا؛ فإن ال جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا‪ .‬فنزلت "يوصيكم‬
‫ال في أولدكم" [النساء‪ ]11 :‬إلى قوله تعالى‪" :‬الفوز العظيم" [النساء‪ ]13 :‬فأرسل إليهما (أن‬
‫أعطيا أم كجة الثمن مما ترك أوس‪ ،‬ولبناته الثلثين‪ ،‬ولكما بقية المال)‪.‬‬
‫@ الخامسة‪ :‬استدل علماؤنا بهذه اليسة فسي قسسمة المتروك على الفرائض إذا كان فيه تغيير عن‬
‫حاله‪ ،‬كالحمام والبيسست وبيدر الزيتون والدار التسسي تبطسسل منافعهسسا بإقرار أهسسل السسسهام فيهسسا‪ .‬فقال‬
‫مالك‪ :‬يقسسم ذلك وإن لم يكسن فسي نصسيب أحدهسم مسا ينتفسع بسه؛ لقوله تعالى‪" :‬ممسا قسل منسه أو كثسر‬
‫نصسيبا مفروضسا"‪ .‬وهو قول ابسن كنانسة‪ ،‬وبسه قال الشافعسي‪ ،‬ونحوه قول أبسي حنيفسة‪ .‬قال أبسو حنيفسة‪:‬‬
‫في الدار الصغيرة بين اثنين فطلب أحدهما القسمة وأبى صاحبه قسمت له‪ .‬وقال ابن أبي ليلى‪ :‬إن‬
‫كان فيهم من ل ينتفع بما يقسم له فل يقسم‪ .‬وكل قسسم يدخل فيه الضرر على أحدهما دون الخر‬
‫فإنه ل يقسم؛ وهو قول أبي ثور‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وهو أصح القولين‪ .‬ورواه ابن القاسم عن مالك‬
‫فيمسسا ذكسسر ابسسن العربسسي‪ .‬قال ابسسن القاسسسم‪ :‬وأنسسا أرى أن كسسل مسسا ل ينقسسسم مسسن الدور والمنازل‬
‫والحمامات‪ ،‬وفسي قسسمته الضرر ول ينتفسع بسه إذا قسسم‪ ،‬أن يباع ول شفعسة فيسه؛ لقوله عليسه السسلم‪:‬‬
‫(الشفعسة فسي كسل مسا ل يقسسم فإذا وقعست الحدود فل شفعسة)‪ .‬فجعسل عليسه السسلم الشفعسة فسي كسل مسا‬
‫يتأتى فيه إيقاع الحدود‪ ،‬وعلق الشفعة فيما لم يقسم مما يمكن إيقاع الحدود فيه‪ .‬هذا دليل الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومسن الحجسة لهذا القول مسا خرجسه الدارقطنسي مسن حديسث ابسن جريسج أخسبرني صسديق بسن‬
‫موسسى عسن محمسد بسن أبسي بكسر عسن أبيسه عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال‪( :‬ل تعضيسة على‬
‫أهل الميراث إل ما حمل القسم)‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬هو أن يموت الرجل ويدع شيئا إن قسم بين ورثته‬
‫كان فسي ذلك ضرر على جميعهسم أو على بعضهسم‪ .‬يقول‪ :‬فل يقسسم؛ وذلك مثسل الجوهرة والحمام‬
‫والطيلسسان ومسا أشبسه ذلك‪ .‬والتعضيسة التفريسق؛ يقال‪ :‬عضيست الشيسء إذا فرقتسه‪ .‬ومنسه قوله تعالى‪:‬‬
‫"الذيسن جعلوا القرآن عضيسن" [الحجسر‪ .]91 :‬وقال تعالى‪" :‬غيسر مضار" [النسساء‪ ]12 :‬فنفسى‬
‫المضارة‪ .‬وكذلك قال عليسسه السسسلم‪( :‬ل ضرر ول ضرار)‪ .‬وأيضسسا فإن اليسسة ليسسس فيهسسا تعرض‬
‫للقسمة‪ ،‬وإنما اقتضت الية وجوب الحظ والنصيب للصغير والكبير قليل كان أو كثيرا‪ ،‬ردا على‬
‫الجاهليسة فقال‪" :‬للرجال نصسيب" "وللنسساء نصسيب" [النسساء‪ ]32 :‬وهذا ظاهسر جدا‪ .‬فأمسا إبراز‬
‫ذلك النصيب فإنما يؤخذ من دليل آخر؛ وذلك بأن يقول الوارث‪ :‬قد وجب لي نصيب بقول ال عز‬
‫وجسل فمكنونسي منسه؛ فيقول له شريكسه‪ :‬أمسا تمكينسك على الختصساص فل يمكسن؛ لنسه يؤدي إلى‬
‫ضرر بيني وبينك من إفساد المال‪ ،‬وتغيير الهيئة‪ ،‬وتنقيص القيمة؛ فيقع الترجيح‪ .‬والظهر سقوط‬
‫القسمة فيه يبطل المنفعة وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل‪ .‬وال الموفق‪.‬‬
‫قال الفراء‪" :‬نصسسيبا مفروضسسا" هسسو كقولك‪ :‬قسسسما واجبسسا‪ ،‬وحقسسا لزمسسا؛ فهسسو اسسسم فسسي معنسسى‬
‫المصسسسدر فلهذا انتصسسسب‪ .‬الزجاج‪ :‬أنتصسسسب على الحال‪ .‬أي لهؤلء أنصسسسباء فسسسي حال الفرض‪.‬‬
‫الخفش‪ :‬أي جعل ال لهم نصيبا‪ .‬والمفروض‪ :‬المقدر‪ :‬الواجب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 8 :‬وإذا حضسر القسسمة أولوا القربسى واليتامسى والمسساكين فارزقوهسم منسه وقولوا لهسم‬
‫قول معروفا}‬
‫@ بيسن ال تعالى أن مسن لم يسستحق شيئا إرثسا وحضسر القسسمة‪ ،‬وكان مسن القارب أو اليتامسى‬
‫والفقراء الذيسسسسن ل يرثون أن يكرموا ول يحرموا‪ ،‬إن كان المال كثيرا؛ والعتذار إليهسسسسم إن كان‬
‫عقارا أو قليل الرضسخ‪ .‬وإن كان عطاء مسن القليسل ففيسه أجسر عظيسم؛ درهسم يسسبق مائة ألف‪ .‬فاليسة‬
‫على هذا القول محكمة؛ قاله ابن عباس‪ .‬وامتثل ذلك جماعة من التابعين‪ :‬عروة بن الزبير وغيره‪،‬‬
‫وأمر به أبو موسى الشعري وروي عن ابن عباس (أنها منسوخة نسخها قوله تعالى‪" :‬يوصيكم‬
‫ال فسي أولدكسم للذكسر مثسل حسظ النثييسن" [النسساء‪ )]11 :‬وقال سسعيد بسن المسسيب‪ :‬نسسخها آيسة‬
‫الميراث والوصسية‪ .‬وممسن قال إنهسا منسسوخة أبسو مالك وعكرمسة والضحاك‪ .‬والول أصسح؛ فإنهسا‬
‫مبينسة اسستحقاق الورثسة لنصسيبهم‪ ،‬واسستحباب المشاركسة لمسن ل نصسيب له ممسن حضرهسم‪ .‬قال ابسن‬
‫جسبير‪ :‬ضيسع الناس هذه اليسة‪ .‬قال الحسسن‪ :‬ولكسن الناس شحوا‪ .‬وفسي البخاري عسن ابسن عباس فسي‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإذا حضسر القسسمة أولوا القربسى واليتامسى والمسساكين" قال‪( :‬هسي محكمسة وليسست‬
‫بمنسوخة)‪ .‬وفي رواية قال‪( :‬إن ناسا يزعمون أن هذه الية نسخت‪ ،‬ل وال ما نسخت ولكنها مما‬
‫تهاون بهسسا؛ همسسا واليان‪ :‬وال يرث وذلك الذي يرزق‪ ،‬ووال ل يرث وذلك الذي يقول بالمعروف‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬ل أملك لك أن أعطيك)‪ .‬قال ابن عباس‪( :‬أمر ال المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا‬
‫أرحامهسم‪ ،‬ويتاماهسم ومسساكينهم مسن الوصسية‪ ،‬فإن لم تكسن وصسية وصسل لهسم مسن الميراث)‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬فهذا أحسن ما قيل في الية‪ ،‬أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير‪ ،‬والشكسر ل‬
‫عسز وجسل‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬هذا الرضسخ واجسب على جهسة الفرض‪ ،‬تعطسي الورثسة لهذه الصسناف مسا‬
‫طابسست بسسه نفوسسسهم‪ ،‬كالماعون والثوب الخلق ومسسا خسسف‪ .‬حكسسى هذا القول ابسسن عطيسسة والقشيري‪.‬‬
‫والصسسحيح أن هذا على الندب؛ لنسسه لو كان فرضسسا لكان اسسستحقاقا فسسي التركسسة ومشاركسسة فسسي‬
‫الميراث‪ ،‬لحسد الجهتيسن معلوم وللخسر مجهول‪ .‬وذلك مناقسض للحكمسة‪ ،‬وسسبب للتنازع والتقاطسع‪.‬‬
‫وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الية المحتضرون الذين يقسمون أموالهم بالوصية‪ ،‬ل‬
‫الورثسة‪ .‬وروي عسن ابسن عباس وسسعيد بسن المسسيب وابسن زيسد‪( .‬فإذا أراد المريسض أن يفرق ماله‬
‫بالوصايا وحضره من ل يرث ينبغي له أل يحرمه)‪ .‬وهذا وال أعلم ‪ -‬يتنزل حيث كانت الوصية‬
‫واجبة‪ ،‬ولم تنزل آية الميراث‪ .‬والصحيح الول وعليه المعول‪.‬‬
‫@ فإذا كان الوارث صغيرا ل يتصرف في ماله؛ فقالت طائفة‪ :‬يعطي ولي الوارث الصغير من‬
‫مال محجوره بقدر مسا يرى‪ .‬وقيسل‪ :‬ل يعطسي بسل يقول لمسن حضسر القسسمة‪ :‬ليسس لي شيسء مسن هذا‬
‫المال إنمسا هسو لليتيسم‪ ،‬فإذا بلغ عرفتسه حقكسم‪ .‬فهذا هسو القول المعروف‪ .‬وهذا إذا لم يوص الميست له‬
‫بشيء؛ فإن أوصى يصرف له ما أوصى‪ .‬ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الية‬
‫أن يصسنع لهسم طعامسا يأكلونسه؛ وفعل ذلك‪ ،‬ذبحسا شاة مسن التركسة‪ ،‬وقال عسبيدة‪ :‬لول هذه اليسة لكان‬
‫هذا من مالي‪ .‬وروى قتادة عن يحيى بن يعمر قال‪ :‬ثلث محكمات تركهن الناس‪ :‬هذه الية‪ ،‬وآية‬
‫الستئذان "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" [النور‪ ،]58 :‬وقوله‪" :‬يا أيها الناس‬
‫إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" [الحجرات‪.]13 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منسه" الضميسر عائد على معنسى القسسمة؛ إذ هسي بمعنسى المال والميراث؛ لقوله‬
‫تعالى‪" :‬ثم استخرجها من وعاء أخيه" [يوسف‪ ]76 :‬أي السقاية؛ لن الصواع مذكر‪ .‬ومنه قوله‬
‫عليه السلم‪( :‬واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين ال حجاب) فأعاد مذكرا على معنى الدعاء‪.‬‬
‫وكذلك قوله لسسويد بسن طارق الجعفسي حيسن سسأل عسن الخمسر (إنسه ليسس بدواء ولكنسه داء) فأعاد‬
‫الضميسر على معنسى الشراب‪ .‬ومثله كثيسر‪ .‬يقال‪ :‬قاسسمه المال وتقاسسماه واقتسسماه‪ ،‬والسسم القسسمة‬
‫مؤنثسسة؛ والقسسسم مصسسدر قسسسمت الشيسسء فانقسسسم‪ ،‬والموضسسع مقسسسم مثسسل مجلس‪ ،‬وتقسسسمهم الدهسسر‬
‫فتقسموا‪ ،‬أي فرقهم فتفرقوا‪ .‬والتقسيم التفريق‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقولوا لهسم قول معروفسا" قال سسعيد بسن جسبير‪ :‬يقال لهسم خذوا بورك لكسم‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫قولوا مسع الرزق وددت أن لو كان أكثسر مسن هذا‪ .‬وقيسل‪ :‬ل حاجسة مسع الرزق إلى عذر‪ ،‬نعسم إن لم‬
‫يصرف إليهم شيء فل أقل من قول جميل ونوع اعتذار‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 9 :‬وليخسش الذيسن لو تركوا مسن خلفهسم ذريسة ضعافسا خافوا عليهسم فليتقوا ال وليقولوا‬
‫قول سديدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليخش" حذفت اللف من "ليخش" للجزم بالمر‪ ،‬ول يجوز عند سيبويه إضمار‬
‫لم المر قياسا على حروف الجر إل في ضرورة الشعر‪ .‬وأجاز الكوفيون حذف اللم مع الجزم؛‬
‫وأنشد الجميع‪:‬‬
‫إذا ما خفت من شيء تبال‬ ‫محمد تفد نفسك كل نفس‬
‫أراد لتفسد‪ ،‬ومفعول "يخسش" محذوف لدللة الكلم عليسه‪ .‬و"خافوا" جواب "لو"‪ .‬التقديسر لو تركوا‬
‫لخافوا‪ .‬ويجوز حذف اللم فسسسي جواب "لو"‪ .‬وهذه اليسسسة قسسسد اختلف العلماء فسسسي تأويلهسسسا؛ فقالت‬
‫طائفة‪( :‬هذا وعظ للوصياء‪ ،‬أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولدكم من بعدكم)؛ قاله ابن‬
‫عباس‪ .‬ولهذا قال ال تعالى‪" :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء‪ .]10 :‬وقالت طائفة‪:‬‬
‫المراد جميسع الناس‪ ،‬أمرهسم باتقاء ال فسي اليتام وأولد الناس؛ وإن لم يكونوا فسي حجورهسم‪ .‬وأن‬
‫يشددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده‪ .‬ومن هذا ما حكاه الشيباني قال‪ :‬كنا‬
‫على قسطنطينية في عسكر مسلمة بن عبدالملك‪ ،‬فجلسسنا يومسا فسي جماعسة من أهل العلم فيهسم ابسن‬
‫الديلمسي‪ ،‬فتذاكروا مسا يكون مسن أهوال آخسر الزمان‪ .‬فقلت له‪ :‬يسا أبسا بشسر‪ ،‬ودي أل يكون لي ولد‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬مسا عليسك ! مسا مسن نسسمة قضسى ال بخروجهسا مسن رجسل إل خرجست‪ ،‬أحسب أو كره‪ ،‬ولكسن‬
‫إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق ال في غيرهم؛ ثم تل الية‪ .‬وفي رواية‪ :‬أل أدلك على أمر إن أنت‬
‫أدركتسسه نجاك ال منسسه‪ ،‬وإن تركسست ولدا مسسن بعدك حفظهسسم ال فيسسك؟ فقلت‪ :‬بلى ! فتل هذه اليسسة‬
‫"وليخش الذين لو تركوا" إلى آخرها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومسن هذا المعنسى مسا روى محمسد بسن كعسب القرظسي عسن أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم قال‪( :‬مسن أحسسن الصسدقة جاز على الصسراط ومسن قضسى حاجسة أرملة أخلف ال فسي‬
‫تركتسسه)‪ .‬وقول ثالث قاله جمسسع مسسسن المفسسسرين‪ :‬هذا فسسسي الرجسسسل يحضره الموت فيقول له مسسن‬
‫بحضرتسه عنسد وصسيته‪ :‬إن ال سسيرزق ولدك فأنظسر لنفسسك‪ ،‬وأوص بمالك فسي سسبيل ال‪ ،‬وتصسدق‬
‫وأعتسق‪ .‬حتسى يأتسي على عامسة ماله أو يسستغرقه فيضسر ذلك بورثتسه؛ فنهوا عسن ذلك‪ .‬فكأن اليسة‬
‫تقول لهسسم‪( :‬كمسسا تخشون على ورثتكسسم وذريتكسسم بعدكسسم‪ ،‬فكذلك فاخشوا على ورثسسة غيركسسم ول‬
‫تحملوه على تبذيسسر ماله)؛ قاله ابسسن عباس وقتادة والسسسدي وابسسن جسسبير والضحاك ومجاهسسد‪ .‬روى‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال‪( :‬إذا حضر الرجل الوصية فل ينبغي أن يقول أوص بمالك‬
‫فإن ال تعالى رازق ولدك‪ ،‬ولكسن يقول قدم لنفسسك واترك لولدك)؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬فليتقوا ال"‪.‬‬
‫وقال مقسسم وحضرمسي‪ :‬نزلت فسي عكسس هذا‪ ،‬وهسو أن يقول للمحتضسر مسن يحضره‪ :‬أمسسك على‬
‫ورثتسك‪ ،‬وأبسق لولدك فليسس أحسد أحسق بمالك مسن أولدك‪ ،‬وينهاه عسن الوصسية‪ ،‬فيتضرر بذلك ذوو‬
‫القربسى وكسل مسن يسستحق أن يوصسى له؛ فقيسل لهسم‪ :‬كمسا تخشون على ذريتكسم وتسسرون بأن يحسسن‬
‫إليهسم‪ ،‬فكذلك سسددوا القول فسي جهسة المسساكين واليتامسى‪ ،‬واتقوا ال فسي ضررهسم‪ .‬وهذان القولن‬
‫مبنيان على وقسست وجوب الوصسسية قبسسل نزول آيسسة المواريسسث؛ روي عسسن سسسعيد بسسن جسسبير وابسسن‬
‫المسسيب‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وهذان القولن ل يطرد واحسد منهمسا فسي كسل الناس‪ ،‬بسل الناس صسنفان؛‬
‫يصسسلح لحدهمسسا القول الواحسسد‪ ،‬ولخسسر القول الثانسسي‪ .‬وذلك أن الرجسسل إذا ترك ورثتسسه مسسستقلين‬
‫بأنفسسهم أغنياء حسسن أن يندب إلى الوصسية‪ ،‬ويحمسل على أن يقدم لنفسسه‪ .‬وإذا ترك ورثسة ضعفاء‬
‫مهمليسسن مقليسسن حسسسن أن يندب إلى الترك لهسسم والحتياط؛ فإن أجره فسسي قصسسد ذلك كأجره فسسي‬
‫المساكين‪ ،‬فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التفصيل صحيح؛ لقوله عليه السلم لسعد‪( :‬إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن‬
‫تذرهسم عالة يتكففون الناس)‪ .‬فإن لم يكسن للنسسان ولد‪ ،‬أو كان وهسو غنسي مسستقل بنفسسه وماله عسن‬
‫أبيسه فقسد أمسن عليسه؛ فالولى بالنسسان حينئذ تقديسم ماله بيسن يديسه حتسى ل ينفقسه مسن بعده فيمسا ل‬
‫يصلح‪ ،‬فيكون وزره عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليقولوا قول سديدا" السديد‪ :‬العدل والصواب من القول؛ أي مروا المريض بأن‬
‫يخرج من ماله ما عليه من الحقوق الواجبة‪ ،‬ثم يوصي لقرابته بقدر ما ل يضر بورثته الصغار‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬المعنسى قولوا للميست قول عدل‪ ،‬وهسو أن يلقنسه بل إله إل ال‪ ،‬ول يأمره بذلك‪ ،‬ولكسن يقول‬
‫ذلك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقن‪ .‬هكذا قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقنوا موتاكم ل إله إل‬
‫ال) ولم يقل مروهم؛ لنه لو أمر بذلك لعله يغضب ويجحد‪ .‬وقيل‪ :‬المراد اليتيم؛ أن ل ينهروه ول‬
‫يستخفوا به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 10 :‬إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا إنمسا يأكلون فسي بطونهسم نارا وسسيصلون‬
‫سعيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" روي أنها نزلت في رجل من غطفان يقال‬
‫له‪ :‬مرثسد بسن زيسد‪ ،‬ولي مال ابسن أخيسه وهسو يتيسم صسغير فأكله؛ فأنزل ال تعالى فيسه هذه اليسة‪ ،‬قال‬
‫مقاتسل بسن حيان؛ ولهذا قال الجمهور‪ :‬إن المراد الوصسياء الذيسن يأكلون مسا لم يبسح لهسم مسن مال‬
‫اليتيسم‪ .‬وقال ابسن زيسد‪ :‬نزلت فسي الكفار الذيسن كانوا ل يورثون النسساء ول الصسغار‪ .‬وسسمي أخسذ‬
‫المال على كل وجوهه أكل؛ لما كان المقصود هو الكل وبه أكثر إتلف الشياء‪ .‬وخص البطون‬
‫بالذكسر لتسبيين نقصسهم‪ ،‬والتشنيسع عليهسم بضسد مكارم الخلق‪ .‬وسسمى المأكول نارا بمسا يؤول إليسه؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬إنسي أرانسي أعصسر خمرا" [يوسسف‪ ]36 :‬أي عنبسا‪ .‬وقيسل‪ :‬نارا أي حرامسا؛ لن‬
‫الحرام يوجب النار‪ ،‬فسماه ال تعالى باسمه‪ .‬وروى أبو سعيد الخدري قال‪ :‬حدثنا النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عن ليلة أسسري به قال‪( :‬رأيست قوما لهم مشافسر كمشافر البل وقد وكسل بهم من يأخسذ‬
‫بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم فقلت يا جبريل من هؤلء قال‬
‫هسم الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا)‪ .‬فدل الكتاب والسسنة على أن أكسل مال اليتيسم مسن الكبائر‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر فيها (وأكل مال اليتيم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسيصلون سعيرا" وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية ابن عباس بضم الياء على‬
‫اسسم مسا لم يسسم فاعله؛ مسن أصسله ال حسر النار إصسلء‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬سسأصليه سسقر" [المدثسر‪:‬‬
‫‪ .]26‬وقرأ أبسو حيوة بضسم الياء وفتسح الصساد وتشديسد اللم مسن التصسلية لكثرة الفعسل مرة بعسد‬
‫أخرى‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬ثم الجحيم صلوه" [الحاقة‪ .]31 :‬ومنه قولهم‪ :‬صليته مرة بعد أخرى‪.‬‬
‫وتصليت‪ :‬استدفأت بالنار‪ .‬قال‪:‬‬
‫كما تصلى المقرور من قرس‬ ‫وقد تصليت حر حربهم‬
‫وقرأ الباقون بفتسسح الياء مسسن صسسلي النار يصسسلها صسسلى وصسسلة‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬ل يصسسلها إل‬
‫الشقسى" [الليسل‪ .]15 :‬والصسلء هسو التسسخن بقرب النار أو مباشرتهسا؛ ومنسه قول الحارث بسن‬
‫عباد‪:‬‬
‫وإني لحرها اليوم صال‬ ‫لم أكن من جناتها علم ال‬
‫والسعير‪ :‬الجمر المشتعل‪.‬‬
‫@ وهذه آية من آيات الوعيد‪ ،‬ول حجة فيها لمن يكفر بالذنوب‪ .‬والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك‬
‫نافذ على بعض العصاة فيصلى ثم يحترق ويموت؛ بخلف أهل النار ل يموتون ول يحيون‪ ،‬فكأن‬
‫هذا جمسسع بيسسن الكتاب والسسسنة‪ ،‬لئل يقسسع الخسسبر فيهمسسا على خلف مخسسبره‪ ،‬سسساقط بالمشيئة عسسن‬
‫بعضهم؛ لقوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء‪.]48 :‬‬
‫وهكذا القول في كل ما يرد عليك من هذا المعنى‪ .‬روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون فيها‬
‫ول يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ‪ -‬أو قال بخطاياهم ‪ -‬فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا‬
‫فحمسا أذن بالشفاعسة فجيسء بهسم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنسة ثسم قيسل يسا أهسل الجنسة أفيضوا‬
‫عليهسم فينبتون كمسا تنبست الحبسة فسي حميسل السسيل)‪ .‬فقال رجسل مسن القوم كأن رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم قد كان يرعى بالبادية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 14 - 11 :‬يوصسيكم ال فسي أولدكسم للذكسر مثسل حسظ النثييسن فإن كسن نسساء فوق‬
‫اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك‬
‫إن كان له ولد فإن لم يكسن له ولد وورثسه أبواه فلمسه الثلث فإن كان له إخوة فلمسه السسدس مسن بعسد‬
‫وصسية يوصسي بهسا أو ديسن آباؤكسم وأبناؤكسم ل تدرون أيهسم أقرب لكسم نفعسا فريضسة مسن ال إن ال‬
‫كان عليمسا حكيمسا‪ ،‬ولكسم نصسف مسا ترك أزواجكسم إن لم يكسن لهسن ولد فإن كان لهسن ولد فلكسم الربسع‬
‫ممسا تركسن مسن بعسد وصسية يوصسين بهسا أو ديسن ولهسن الربسع ممسا تركتسم إن لم يكسن لكسم ولد فإن كان‬
‫لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كللة أو‬
‫امرأة وله أخ أو أخست فلكسل واحسد منهمسا السسدس فإن كانوا أكثسر من ذلك فهسم شركاء فسي الثلث مسن‬
‫بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من ال وال عليم حليم‪ ،‬تلك حدود ال ومن يطع‬
‫ال ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم‪ ،‬ومن يعص ال‬
‫ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوصسيكم ال فسي أولدكسم" بيسن تعالى فسي هذه اليسة مسا أجمله فسي قوله‪" :‬للرجال‬
‫نصسيب" [النسساء‪ ]32 :‬و"للنسساء نصسيب" فدل هذا على جواز تأخيسر البيان عسن وقست السسؤال‪.‬‬
‫وهذه الية ركن من أركان الديسن‪ ،‬وعمدة مسن عمسد الحكام‪ ،‬وأم من أمهات اليات؛ فإن الفرائض‬
‫عظيمسسة القدر حتسسى أنهسسا ثلث العلم‪ ،‬وروي نصسسف العلم‪ .‬وهسسو أول علم ينزع مسسن الناس وينسسسى‪.‬‬
‫رواه الدارقطنسسي عسسن أبسسي هريرة رضسسي ال عنسسه أن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم قال‪( :‬تعلموا‬
‫الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو أول شيء ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي)‪.‬‬
‫وروي أيضسا عسن عبدال بسن مسسعود قال‪ :‬قال لي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬تعلموا القرآن‬
‫وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموهسا الناس وتعلموا العلم وعلموه الناس فإنسي امرؤ مقبوض‬
‫وإن العلم سسيقبض وتظهسر الفتسن حتسى يختلف الثنان فسي الفريضسة ل يجدان مسن يفصسل بينهمسا)‪.‬‬
‫وإذا ثبست هذا فاعلم أن الفرائض كان جسل علم الصسحابة‪ ،‬وعظيسم مناظرتهسم‪ ،‬ولكسن الخلق ضيعوه‪.‬‬
‫وقسد روى مطرف عسن مالك‪ ،‬قال عبدال بسن مسسعود‪( :‬مسن لم يتعلم الفرائض والطلق والحسج فبسم‬
‫يفضسل أهسل الباديسة؟) وقال ابسن وهسب عسن مالك‪ :‬كنست أسسمع ربيعسة يقول‪( :‬مسن تعلم الفرائض مسن‬
‫غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها)‪ .‬قال مالك‪ :‬وصدق‪.‬‬
‫@ روى أبسو داود والدارقطنسي عسن عبدال بسن عمرو بسن العاص أن رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم قال‪( :‬العلم ثلثة وما سوى ذلك فهو فضل‪ :‬آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة)‪ .‬قال‬
‫الخطابي أبو سليمان‪ :‬الية المحكمة هي كتاب ال تعالى‪ :‬واشترط فيهسا الحكام؛ لن من الي ما‬
‫هو منسوخ ل يعمل به‪ ،‬وإنما يعمل بناسخه‪ .‬والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى ال عليه‬
‫وسلم من السنن الثابتة‪ .‬وقوله‪( :‬أو فريضة عادلة) يحتمل وجهين من التأويل‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون من العدل في القسمة؛ فتكون معدلة عل النصباء والسهام المذكورة في الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫والوجه الخر‪ :‬أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما‬
‫اخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصا‪ .‬روى عكرمة قال‪ :‬أرسل ابن عباس‬
‫إلى زيد بن ثابت يسأل عن امرأة تركت زوجها وأبويها‪ .‬قال‪ :‬للزوج النصف‪ ،‬وللم ثلث ما بقي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬تجده في كتاب ال أو تقول برأي؟ قال‪ :‬أقوله برأي؛ ل أفضل أما على أب‪ .‬قال أبو سليمان‪:‬‬
‫فهذا مسن باب تعديسل الفريضسة إذا لم يكسن فيهسا نسص؛ وذلك أنسه اعتبرهسا بالمنصسوص عليسه‪ ،‬وهسو‬
‫قوله تعالى‪" :‬وورثه أبواه فلمه الثلث"‪ .‬فلما وجد نصيب الم الثلث‪ ،‬وكان باقي المال هو الثلثان‬
‫للب‪ ،‬قاس النصسف الفاضسل مسن المال بعسد نصسيب الزوج على كسل المال إذا لم يكسن مسع الوالديسن‬
‫ابن أو ذو سهم؛ فقسمه بينهما على ثلثة‪ ،‬للم سهم وللب سهمان وهو الباقي‪ .‬وكان هذا أعدل في‬
‫القسسسمة مسسن أن يعطسسي الم مسسن النصسسف الباقسسي ثلث جميسسع المال‪ ،‬وللب مسسا بقسسي وهسو السسسدس‪،‬‬
‫ففضلهسا عليسه فيكون لهسا وهسي مفضولة فسي أصسل الموروث أكثسر ممسا للب وهسو المقدم والمفضسل‬
‫فسي الصسل‪ .‬وذلك أعدل ممسا ذهسب إليسه ابسن عباس مسن توفيسر الثلث على الم‪ ،‬وبخسس الب حقسه‬
‫برده إلى السسدس؛ فترك قوله وصسار عامسة الفقهاء إلى زيسد‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وقال عبدال بسن عباس‬
‫رضسي ال عنه فسي زوج وأبويسن‪( :‬للزوج النصسف‪ ،‬وللم ثلث جميع المال‪ ،‬وللب مسا بقسي)‪ .‬وقال‬
‫في امرأة وأبوين‪( :‬للمرأة الربع‪ ،‬وللم ثلث جميع المال‪ ،‬والباقي للب)‪ .‬وبهذا قال شريح القاضي‬
‫ومحمسد بسن سسيرين وداود بسن علي‪ ،‬وفرقسة منهسم أبسو الحسسن محمسد بسن عبدال الفرضسي المصسري‬
‫المعروف بابسن اللبان فسي المسسألتين جميعسا‪ .‬وزعسم أنسه قياس قول علي فسي المشتركسة‪ .‬وقال فسي‬
‫موضسع آخسر‪ :‬إنسه قسد روي ذلك عسن علي أيضسا‪ .‬قال أبو عمسر‪ :‬المعروف المشهور عن علي وزيسد‬
‫وعبدال وسسائر الصسحابة وعامسة العلماء مسا رسسمه مالك‪ .‬ومسن الحجسة لهسم على ابسن عباس‪( :‬أن‬
‫البويسن إذا اشتركسا فسي الوراثسة‪ ،‬ليسس معهمسا غيرهمسا‪ ،‬كان للم الثلث وللب الثلثان)‪ .‬وكذلك إذا‬
‫اشتركسا فسي النصسف الذي يفضسل عسن الزوج‪ ،‬كانسا فيسه كذلك على ثلث وثلثيسن‪ .‬وهذا صسحيح فسي‬
‫النظر والقياس‪.‬‬
‫@ واختلفست الروايات فسي سسبب نزول آيسة المواريسث؛ فروى الترمذي وأبسو داود وابسن ماجسة‬
‫والدارقطنسسي عسن جابر بسسن عبدال أن امرأة سسسعد بسسن الربيسسع قالت‪ :‬يسسا رسسسول ال‪ ،‬إن سسسعدا هلك‬
‫وترك بنتين وأخاه‪ ،‬فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد‪ ،‬وإنما تنكح النساء على أموالهن؛ فلم يجبها في‬
‫مجلسسها ذلك‪ .‬ثسم جاءتسه فقالت‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬ابنتسا سسعد؟ فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪:‬‬
‫(ادع لي أخاه) فجاء فقال له‪( :‬ادفسع إلى ابنتسه الثلثيسن وإلى امرأتسه الثمسن ولك مسا بقسي)‪ .‬لفسظ أبسي‬
‫داود‪ .‬فسسي روايسسة الترمذي وغيره‪ :‬فنزلت آيسسة المواريسسث‪ .‬قال‪ :‬هذا حديسسث صسسحيح‪ .‬وروى جابر‬
‫أيضسا قال‪ :‬عادنسي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وأبسو بكسر فسي بنسي سسلمة يمشيان‪ ،‬فوجدانسي ل‬
‫أعقسل‪ ،‬فدعسا بماء فتوضسأ‪ ،‬ثسم رش علي منسه فأفقست‪ .‬فقلت‪ :‬كيسف أصسنع فسي مالي يسا رسسول ال؟‬
‫فنزلت "يوصيكم ال في أولدكم"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين‪ .‬وأخرجه الترمذي وفيه "فقلت يا نبي‬
‫ال كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت "يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ‬
‫النثيين" الية‪ .‬قال‪" :‬حديث حسن صحيح"‪ .‬وفي البخاري عن ابن عباس (أن نزول ذلك كان من‬
‫أجسل أن المال كان للولد‪ ،‬والوصسية للوالديسن؛ فنسسخ ذلك بهذه اليات)‪ .‬وقال مقاتسل والكلبسي‪ :‬نزلت‬
‫فسي أم كجسة؛ وقسد ذكرناهسا‪ .‬السسدي‪ :‬نزلت بسسبب بنات عبدالرحمسن بسن ثابست أخسي حسسان بسن ثابست‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أهل الجاهلية كانوا ل يورثون إل من لقى الحروب وقاتل العدو؛ فنزلت الية تبيينا أن‬
‫لكسل صسغير وكسبير حظسه‪ .‬ول يبعسد أن يكون جوابسا للجميسع؛ ولذلك تأخسر نزولهسا‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال‬
‫الكيا الطبري‪ :‬وقد ورد في بعض الثار أن ما كانت الجاهلية تفعله من ترك توريث الصغير كان‬
‫فسي صسدر السسلم إلى أن نسسخته هذه اليسة ولم يثبست عندنسا اشتمال الشريعسة على ذلك‪ ،‬بسل ثبست‬
‫خلفسه؛ فإن هذه اليسة نزلت فسي ورثسة سسعد بسن الربيسع‪ .‬وقيسل‪ :‬نزلت فسي ورثسة ثابست بسن قيسس بسن‬
‫شماس‪ .‬والول أصح عند أهل النقل‪ .‬فاسترجع رسول ال صلى ال عليه وسلم الميراث من العم‪،‬‬
‫ولو كان ذلك ثابتسا مسن قبسل فسي شرعنسا مسا اسسترجعه‪ .‬ولم يثبست قسط فسي شرعنسا أن الصسبي مسا كان‬
‫يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحريم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي قال‪ :‬ودل نزول هذه الية على نكتة بديعة؛ وهو‬
‫أن ما كانت عليه الجاهلية تفعله من أخذ المال لم يكن في صدر السلم شرعا مسكوتا مقرا عليه؛‬
‫لنسه لو كان شرعسا مقرا عليسه لمسا حكسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم على عسم الصسبيتين برد مسا أخسذ‬
‫من مالهما؛ لن الحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما يؤثر في المستقبل فل ينقض به ما تقدم‬
‫وإنما كانت ظلمة رفعت‪ .‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوصيكم ال في أولدكم" قالت الشافعية‪ :‬قول ال تعالى "يوصيكم ال في أولدكم‬
‫"حقيقة في أولد الصلب‪ ،‬فأما ولد البن فإنما يدخل فيه بطريق المجاز؛ فإذا حلف أن ل ولد له‬
‫وله ولد ابسن لم يحنسث؛ وإذا أوصسى لولد فلن لم يدخسل فيسه ولد ولده‪ .‬وأبسو حنيفسة يقول‪ :‬إنسه يدخسل‬
‫فيه إن لم يكن له ولد صلب‪ .‬ومعلوم أن اللفاظ ل تتغير بما قالوه‪.‬‬
‫@ قال ابن المنذر‪ :‬لما قال تعالى‪" :‬يوصيكم ال في أولدكم" فكان الذي يجب على ظاهر الية‬
‫أن يكون الميراث لجميسع الولد‪ ،‬المؤمسن منهسم والكافسر؛ فلمسا ثبست عسن رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم أنسه قال‪( :‬ل يرث المسسلم الكافسر علم أن ال أراد بعسض الولد دون بعسض‪ ،‬فل يرث المسسلم‬
‫الكافر‪ ،‬ول الكافر المسلم على ظاهر الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولمسا قال تعالى‪" :‬فسي أولدكسم" دخسل فيهسم السسير فسي أيدي الكفار؛ فإنسه يرث مسا دام تعلم‬
‫حياته على السلم‪ .‬وبه قال كافة أهل العلم‪ ،‬إل النخعي فإنه قال‪ :‬ل يرث السير‪ .‬فأما إذا لم تعلم‬
‫حياته فحكمه حكم المفقود‪ .‬ولم يدخل في عموم الية ميراث النبي صلى ال عليه وسلم لقوله‪( :‬ل‬
‫نورث مسا تركنسا صسدقة) وسسيأتي بيانسه فسي "مريسم" إن شاء ال تعالى‪ .‬وكذلك لم يدخسل القاتسل عمدا‬
‫لبيسه أو جده أو أخيسه أو عمسه بالسسنة وإجماع المسة‪ ،‬وأنسه ل يرث مسن مال مسن قتله ول مسن ديتسه‬
‫شيئا؛ على ما تقدم بيانه في البقرة‪ .‬فإن قتله خطأ فل ميراث له من الدية‪ ،‬ويرث من المال في قول‬
‫مالك‪ ،‬ول يرث فسي قول الشافعسي وأحمسد وسسفيان وأصسحاب الرأي‪ ،‬مسن المال ول مسن الديسة شيئا؛‬
‫حسسبما تقدم بيانسه فسي البقرة‪ .‬وقول مالك أصسح‪ ،‬وبسه قال إسسحاق وأبسو ثور‪ .‬وهسو قول سسعيد بسن‬
‫المسسيب وعطاء بسن أبسي رباح ومجاهسد والزهري والوزاعسي وابسن المنذر؛ لن ميراث مسن ورثسه‬
‫ال تعالى فسي كتابسه ثابست ل يسستثنى منسه إل بسسنة أو إجماع‪ .‬وكسل مختلف فيسه فمردود إلى ظاهسر‬
‫اليات التي فيها المواريث‪.‬‬
‫@ اعلم أن الميراث كان يسستحق فسي أول السسلم بأسسباب‪ :‬منهسا الحلف والهجرة والمعاقدة‪ ،‬ثسم‬
‫نسخ على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قوله تعالى‪" :‬ولكل جعلنا موالي" [النساء‪ .]33 :‬إن‬
‫شاء ال تعالى‪ .‬وأجمع العلماء على أن الولد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه‪ ،‬وكان ما‬
‫بقسي من المال للذكسر مثسل حسظ النثييسن؛ لقوله عليه السسلم‪( :‬ألحقوا الفرائض بأهلهسا) رواه الئمسة‪.‬‬
‫يعنسي الفرائض الواقعسة فسي كتاب ال تعالى‪ .‬وهسي سستة‪ :‬النصسف والربسع والثمسن والثلثان والثلث‬
‫والسسدس‪ .‬فالنصسف فرض خمسسة‪ :‬ابنسة الصسلب‪ ،‬وابنسة البسن‪ ،‬والخست الشقيقسة‪ ،‬والخست للب‪،‬‬
‫والزوج‪ .‬وكسسل ذلك إذا انفردوا عمسسن يحجبهسسم عنسسه‪ .‬والربسسع فرض الزوج مسسع الحاجسسب‪ ،‬وفرض‬
‫الزوجسسة والزوجات مسسع عدمسسه‪ .‬والثمسسن فرض الزوجسسة والزوجات مسسع الحاجسسب‪ .‬والثلثان فرض‬
‫أربع‪ :‬الثنتين فصاعدا من بنات الصلب‪ ،‬وبنات البن‪ ،‬والخوات الشقاء‪ ،‬أو للب‪ .‬وكل هؤلء‬
‫إذا انفردن عمسسن يحجبهسسن عنسسه‪ .‬والثلث فرض صسسنفين‪ :‬الم مسسع عدم الولد‪ ،‬وولد البسسن‪ ،‬وعدم‬
‫الثنيسن فصساعدا مسن الخوة والخوات‪ ،‬وفرض الثنيسن فصساعدا مسن ولد الم‪ .‬وهذا هسو ثلث كسل‬
‫المال‪ .‬فأمسا ثلث مسا يبقى فذلك للم فسي مسسألة زوج أو زوجة وأبوان؛ فللم فيهسا ثلث مسا يبقسى‪ .‬وقسد‬
‫تقدم بيانسسه‪ .‬وفسسي مسسسائل الجسسد مسسع الخوة إذا كان معهسسم ذو سسسهم وكان ثلث مسسا يبقسسى أحظسسى له‪.‬‬
‫والسسدس فرض سسبعة‪ :‬البوان والجسد مسع الولد وولد البسن‪ ،‬والجدة والجدات إذا اجتمعسن‪ ،‬وبنات‬
‫البسن مسع بنست الصسلب‪ ،‬والخوات للب مسع الخست الشقيقسة‪ ،‬والواحسد مسن ولد الم ذكرا كان أو‬
‫أنثسى‪ .‬وهذه الفرائض كلهسا مأخوذة مسن كتاب ال تعالى إل فرض الجدة والجدات فإنسه مأخوذ مسن‬
‫السسنة‪ .‬والسسباب الموجبسة لهذه الفروض بالميراث ثلثسة أشياء‪ :‬نسسب ثابست‪ ،‬ونكاح منعقسد‪ ،‬وولء‬
‫عتاقسة‪ .‬وقد تجتمع الثلثة الشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولها وابن عمها‪ .‬وقد يجتمع فيه‬
‫منها شيئان ل أكثر‪ ،‬مثل أن يكون زوجها ومولها‪ ،‬أو زوجها وابن عمها؛ فيرث بوجهين ويكون‬
‫له جميسع المال إذا انفرد‪ :‬نصسفه بالزوجيسة ونصسفه بالولء أو بالنسسب‪ .‬ومثسل أن تكون المرأة ابنسة‬
‫الرجل ومولته‪ ،‬فيكون لها أيضا المال إذا انفردت‪ :‬نصفه بالنسب ونصفه بالولء‪.‬‬
‫@ ول ميراث إل بعد أداء الدين والوصية؛ فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات‪،‬‬
‫ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره‪ ،‬ثم الديون على مراتبها‪ ،‬ثم يخرج من الثلث الوصايا‪ ،‬وما كان في‬
‫معناهسا على مراتبهسا أيضسا‪ ،‬ويكون الباقسي ميراثسا بيسن الورثسة‪ .‬وجملتهسم سسبعة عشسر‪ .‬عشرة مسن‬
‫الرجال‪ :‬البسسن وابسسن البسسن وإن سسسفل‪ ،‬والب وأب الب وهسسو الجسسد وإن عل‪ ،‬والخ وابسسن الخ‪،‬‬
‫والعسم وابسن العسم‪ ،‬والزوج ومولى النعمسة‪ .‬ويرث مسن النسساء سسبع‪ :‬البنست وبنست البسن وان سسفلت‪،‬‬
‫والم والجدة وإن علت‪ ،‬والخسست والزوجسسة‪ ،‬ومولة النعمسسة وهسسي المعتقسسة‪ .‬وقسسد نظمهسسم بعسسض‬
‫الفضلء فقال‪:‬‬
‫مع الناث الوارثات معهم‬ ‫والوارثون إن أردت جمعهم‬
‫وسبع أشخاص من النسوان‬ ‫عشرة من جملة الذكران‬
‫البن وابن البن وابن العم‬ ‫وهم‪ ،‬وقد حصرتهم في النظم‬
‫والجد من قبل الخ القريب‬ ‫والب منهم وهو في الترتيب‬
‫والزوج والسيد ثم الم‬ ‫وابن الخ الدنى أجل والعم‬
‫وزوجة وجدة وأخت‬ ‫وابنة البن بعدها والبنت‬
‫خذها إليك عدة محققه‬ ‫والمرأة المولة أعني المعتقه‬
‫@ لما قال تعالى‪" :‬في أولدكم" يتناول كل ولد كان موجودا أو جنينا في بطن أمه‪ ،‬دنيا أو بعيدا‪،‬‬
‫مسسن الذكور أو الناث مسسا عدا الكافسسر كمسسا تقدم‪ .‬قال بعضهسسم‪ :‬ذلك حقيقسسة فسسي الذنيسسن مجاز فسسي‬
‫البعديسن‪ .‬وقال بعضهسم‪ :‬هسو حقيقسة فسي الجميسع؛ لنسه مسن التولد‪ ،‬غيسر أنهسم يرثون على قدر القرب‬
‫منه؛ قال ال تعالى‪" :‬يا بني آدم" [العراف‪ .]26 :‬وقال عليه السلم‪( :‬أنا سيد ولد آدم) قال‪( :‬يا‬
‫بنسسي إسسسماعيل ارموا فإن أباكسسم كان راميسسا) إل أنسسه غلب عرف السسستعمال فسسي إطلق ذلك على‬
‫العيان الدنين على تلك الحقيقة؛ فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لولد الولد شيء‪ ،‬وهذا مما‬
‫أجمسع عليسه أهسل العلم‪ .‬وإن لم يكسن فسي ولد الصسلب ذكسر وكان فسي ولد الولد بدء بالبنات للصسلب‪،‬‬
‫فأعطيسن إلى مبلغ الثلثيسن‪ ،‬ثسم أعطسي الثلث الباقسي لولد الولد إذا اسستووا فسي القعدد‪ ،‬أو كان الذكسر‬
‫أسسفل ممسن فوقسه مسن البنات‪ ،‬للذكسر مثسل حسظ النثييسن‪ .‬هذا قول مالك والشافعسي وأصسحاب الرأي‪.‬‬
‫وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إل ما يروى عن ابن مسعود أنه قال‪:‬‬
‫(إن كان الذكر من ولد الولد بإزاء الولد النثى رد عليها‪ ،‬وإن كان أسفل منها يرد عليها)؛ مراعيا‬
‫في ذلك قوله تعالى‪" :‬فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك" [النساء‪ ]11:‬فلم يجعل للبنات‬
‫وإن كثرن إل الثلثين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هكذا ذكسر ابسن العربسي هذا التفصسيل عسن ابسن مسسعود‪ ،‬والذي ذكره ابسن المنذر والباجسي‬
‫عنه‪( :‬أن ما فضل عن بنات الصلب لبني البن دون بنات البن)‪ ،‬ولم يفصل‪ .‬وحكاه ابن المنذر‬
‫عن أبي ثور‪ .‬ونحوه حكى أبو عمر‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وخالف في ذلك ابن مسعود فقال‪ :‬وإذا استكمل‬
‫البنات الثلثين فالباقي لبني البن دون أخواتهم‪ ،‬ودون من فوقهم من بنات البن‪ ،‬ومن تحتهم‪ .‬وإلى‬
‫هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي‪ .‬وروي مثله عن علقمة‪ .‬وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن‬
‫عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب ال فما‬
‫أبقت الفرائض فلولى رجل ذكر) خرجه البخاري ومسلم وغيرهما‪ .‬ومن حجة الجمهور قول ال‬
‫عز وجل‪" :‬يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ النثيين" لن ولد الولد ولد‪ .‬ومن جهة النظر‬
‫والقياس أن كسل مسن يعصسب مسن فسي درجتسه فسي جملة المال فواجسب أن يعصسبه فسي الفاضسل مسن‬
‫المال؛ كأولد الصلب‪ .‬فوجب بذلك أن يشرك ابن البن أخته‪ ،‬كما يشرك البن للصلب أخته‪ .‬فإن‬
‫احتسج لبسي ثور وداود أن بنست البسن لمسا لم ترث شيئا مسن الفاضسل بعسد الثلثيسن منفردة لم يعصسبها‬
‫أخوهسا‪ .‬فالجواب أنهسا إذا كان معهسا أخوهسا قويست بسه وصسارت عصسبة معسه‪ .‬وظاهسر قوله تعالى‪:‬‬
‫"يوصيكم ال في أولدكم" وهي من الولد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كسن نسساء فوق اثنتيسن فلهسن ثلثسا مسا ترك" اليسة‪ .‬فرض ال تعالى للواحدة‬
‫النصسف‪ ،‬وفرض لمسا فوق الثنتيسن الثلثيسن‪ ،‬ولم يفرض للثنتيسن فرضسا منصسوصا فسي كتابسه؛ فتكلم‬
‫العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل‪ :‬الجماع وهو مردود؛ لن الصسحيح عن‬
‫ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ لن ال عز وجل قال‪" :‬فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا‬
‫ما ترك" [النساء‪ ]11 :‬وهذا شرط وجزاء‪ .‬قال‪ :‬فل أعطي البنتين الثلثين‪ .‬وقيل‪ :‬أعطيتا الثلثين‬
‫بالقياس على الختيسن؛ فإن ال سسبحانه لمسا قال فسي آخسر السسورة‪" :‬وله أخست فلهسا نصسف مسا ترك"‬
‫[النساء‪ ]176 :‬وقال تعالى‪" :‬فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك" [النساء‪ ]176 :‬فألحقت‬
‫البنتان بالختيسسن فسسي الشتراك فسسي الثلثيسسن‪ ،‬وألحقسست الخوات إذا زدن على اثنتيسسن بالبنات فسسي‬
‫الشتراك في الثلثين‪ .‬واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الخوات‪ ،‬والجماع منعقد عليه‬
‫فهو مسلم بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬في الية ما يدل على أن للبنتين الثلثين‪ ،‬وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها‬
‫الثلث إذا انفردت‪ ،‬علمنا أن للثنتين الثلثين‪ .‬احتج بهذه الحجة‪ ،‬وقال هذه المقالة إسماعيل القاضي‬
‫وأبو العباس المبرد‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا الحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لن الختلف في البنتين‬
‫وليسس فسي الواحدة‪ .‬فيقول مخالفسه‪ :‬إذا ترك بنتيسن وابنسا فللبنتيسن النصسف؛ فهذا دليسل على أن هذا‬
‫فرضهسسم‪ .‬وقيسسل‪" :‬فوق" زائدة أي إن كسسن نسسساء اثنتيسسن‪ .‬كقوله تعالى‪" :‬فاضربوا فوق العناق"‬
‫[النفال‪ ]12 :‬أي العناق‪ .‬ورد هذا القول النحاس وابسن عطيسة وقال‪ :‬هسو خطسأ؛ لن الظروف‬
‫وجميسع السسماء ل يجوز فسي كلم العرب أن تزاد لغيسر معنسى‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬ولن قوله تعالى‪:‬‬
‫"فاضربوا فوق العناق" هسو الفصسيح‪ ،‬وليسست فوق زائدة بسل هسي محكمسة للمعنسى؛ لن ضربسة‬
‫العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ‪ .‬كما قال دريد بن الصمة‪ :‬أخفض‬
‫عن الدماغ وارفع عن العظم‪ ،‬فهكذا كنت أضرب أعنان البطال‪ .‬وأقوى الحتجاج في أن للبنتين‬
‫الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول‪ .‬ولغة أهل الحجاز وبني أسد الثلث والربع إلى‬
‫العشسر‪ .‬ولغسة بنسي تميسم وربيعسة الثلث بإسسكان اللم إلى العشسر‪ .‬ويقال‪ :‬ثلث القوم أثلثهسم‪ ،‬وثلثست‬
‫الدراهم أثلثها إذا تممتها ثلثة‪ ،‬وأثلثت هي؛ إل أنهم قالوا في المائة واللف‪ :‬أمأيتها وآلفتها وأمأت‬
‫وآلفت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كانت واحدة فلها النصف" قرأ نافع وأهل المدينة "واحدة" بالرفع على معنى‬
‫وقعت وحدثت‪ ،‬فهي كانت التامة؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫فإن الشيخ يهرمه الشتاء‬ ‫إذا كان الشتاء فأدفئوني‬
‫والباقون بالنصسب‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه قراءة حسسنة‪ .‬أي وإن كانست المتروكسة أو المولودة "واحدة"‬
‫مثسل "فإن كسن نسساء"‪ .‬فإذا كان مسع بنات الصسلب بنات ابسن‪ ،‬وكان بنات الصسلب اثنتيسن فصساعدا‬
‫حجبن بنات البن أن يرثن بالفرض؛ لنه ل مدخل لبنات البن أن يرثن بالفرض في غير الثلثين‪.‬‬
‫فإن كانست بنست الصسلب واحدة فإن ابنسة البسن أو بنات البسن يرثسن مسع بنات الصسلب تكملة الثلثيسن؛‬
‫لنسه فرض يرثسه البنتان فمسا زاد‪ .‬وبنات البسن يقمسن مقام البنات عنسد عدمهسن‪ .‬وكذلك أبناء البنيسن‬
‫يقومون مقام البنيسسن فسسي الحجسسب والميراث‪ .‬فلمسسا عدم مسسن يسسستحق منهسسن السسسدس كان ذلك لبنسست‬
‫البسن‪ ،‬وهسي أولى بالسسدس مسن الخست الشقيقسة للمتوفسى‪ .‬على هذا جمهور الفقهاء مسن الصسحابة‬
‫والتابعين؛ إل ما يروى عن أبي موسى وسليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف‪ ،‬والنصف الثاني‬
‫للخت‪ ،‬ول حق في ذلك لبنت البن‪ .‬وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك؛ رواه‬
‫البخاري‪ :‬حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس سمعت هزيل بن شرحبيل يقول‪ :‬سئل أبو موسى‬
‫عسن ابنسة وابنسة ابسن وأخست‪ .‬فقال‪( :‬للبنسسة النصسسف‪ ،‬وللخسست النصسسف)؛ وأت ابسن مسسسعود فإنسه‬
‫سيتابعني‪ .‬فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال‪( :‬لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين !‬
‫أقضسي فيهسا بمسا قضسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ :‬للبنسة النصسف‪ ،‬ولبنسة البسن السسدس تكملة‬
‫الثلثيسن‪ ،‬ومسا بقسي فللخست)‪ .‬فأتينسا أبسا موسسى فأخسبرناه بقول ابسن مسسعود فقال‪( :‬ل تسسألوني مسا دام‬
‫هذا الحسبر فيكسم)‪ .‬فإن كان مسع بنست البسن أو بنات البسن ابسن فسي درجتهسا أو أسسفل منهسا عصسبها‪،‬‬
‫فكان النصف الثاني بينهما‪ ،‬للذكر مثل حظ النثيين بالغا ما بلغ ‪ -‬خلفا لبن مسعود على ما تقدم‬
‫إذا اسستوفى بنات الصسلب‪ ،‬أو بنست الصسلب وبنات البسن الثلثيسن وكذلك يقول فسي الخست لب وأم‪،‬‬
‫وأخوات وإخوة لب‪ :‬للخست مسن الب والم النصسف‪ ،‬والباقسي للخوة والخوات‪ ،‬مسا لم يصسبهن‬
‫من المقاسمة أكثر من السدس؛ فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن السدس تكملة الثلثين‪ ،‬ولم‬
‫يزدهن على ذلك‪ .‬وبه قال أبو ثور‪.‬‬
‫@ إذا مات الرجسل وترك زوجتسه حبلى فإن المال يوقسف حتسى يتسبين مسا تضسع‪ .‬وأجمسع أهسل العلم‬
‫على أن الرجسسسل إذا مات وزوجتسسسه حبلى أن الولد الذي فسسسي بطنهسسسا يرث ويورث إذا خرج حيسسسا‬
‫واسستهل‪ .‬وقالوا جميعسا‪ :‬إذا خرج ميتسا لم يرث؛ فإن خرج حيسا ولم يسستهل فقالت طائفسة‪ :‬ل ميراث‬
‫له وإن تحرك أو عطسس مسا لم يسستهل‪ .‬هذا قول مالك والقاسسم بسن محمسد وابسن سسيرين والشعسبي‬
‫والزهري وقتادة‪ .‬وقالت طائفسسة‪ :‬إذا عرفسست حياة المولود بتحريسسك أو صسسياح أو رضاع أو نفسسس‬
‫فأحكامسه أحكام الحسي‪ .‬هذا قول الشافعسي وسسفيان الثوري والوزاعسي‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬الذي قال‬
‫الشافعي يحتمل النظر‪ ،‬غير أن الخبر يمنع منه وهو قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫مولود يولد إل نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إل ابن مريم وأمه)‪ .‬وهذا خبر‪،‬‬
‫ول يقع على الخبر النسخ‪.‬‬
‫@ لمسا قال تعالى‪" :‬فسي أولدكسم" تناول الخنثسى وهسو الذي له فرجان‪ .‬وأجمسع العلماء على أنسه‬
‫يورث من حيث يبول؛ إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل‪ ،‬وإن بال من حيث تبول‬
‫المرأة ورث ميراث المرأة‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬ول أحفسظ عسن مالك فيسه شيئا‪ ،‬بسل قسد ذكسر ابسن القاسسم‬
‫أنه هاب أن يسأل مالكا عنه‪ .‬فإن بال منهما معا فالمعتبر سبق البول؛ قاله سعيد بن المسيب وأحمد‬
‫وإسحاق‪ .‬وحكي ذلك عن أصحاب الرأي‪ .‬وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في الخنثى‪:‬‬
‫يورثسه مسن حيسث يبول؛ فإن بال منهمسا جميعسا فمسن أيهمسا سسبق‪ ،‬فإن بال منهمسا معسا فنصسف ذكسر‬
‫ونصسف أنثسى‪ .‬وقال يعقوب ومحمسد‪ :‬مسن أيهمسا خرج أكثسر ورث؛ وحكسي عسن الوزاعسي‪ .‬وقال‬
‫النعمان‪ :‬إذا خرج منهمسا معسا فهسو مشكسل‪ ،‬ول أنظسر إلى أيهمسا أكثسر‪ .‬وروي عنه أنسه وقسف عنسه إذا‬
‫كان هكذا‪ .‬وحكسي عنسه قال‪ :‬إذا أشكسل يعطسى أقسل النصسيبين‪ .‬وقال يحيسى بسن آدم‪ :‬إذا بال مسن حيسث‬
‫يبول الرجسل ويحيسض كمسا تحيسض المرأة ورث مسن حيسث يبول؛ لن فسي الثسر‪ :‬يورث مسن مباله‪.‬‬
‫وفسي قول الشافعسي‪ :‬إذا خرج منهمسا جميعسا ولم يسسبق أحدهمسا الخسر يكون مشكل‪ ،‬ويعطسى مسن‬
‫الميراث ميراث أنثى‪ ،‬وموقف الباقي بينه وبين سائر الورثة حتى يتبين أمره أو يصطلحوا؛ وبه‬
‫قال أبسسو ثور‪ .‬وقال الشعسسبي‪ :‬يعطسسي نصسسف ميراث الذكسسر‪ ،‬ونصسسف ميراث النثسسى؛ وبسسه قال‬
‫الوزاعسي‪ ،‬وهسو مذهسب مالك‪ .‬قال ابسن شاس فسي جواهره الثمينسة‪ ،‬على مذهسب مالك عالم المدينسة‪:‬‬
‫الخنثى يعتبر إذا كان ذا فرجين فرج المرأة وفرج الرجل بالمبال منهما؛ فيعطى الحكم لما بال منه‬
‫فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما‪ ،‬فإن تساوى الحال اعتبر السبق‪ ،‬فإن كان ذلك منهما معا‬
‫اعتسبر نبات اللحيسة أو كسبر الثدييسن ومشابهتهمسا لثدي النسساء‪ ،‬فإن اجتمسع المران اعتسبر الحال عنسد‬
‫البلوغ‪ ،‬فإن وجسد الحيسض حكسم بسه‪ ،‬وإن وجسد الحتلم وحده حكسم بسه‪ ،‬فإن اجتمعسا فهسو مشكسل‪.‬‬
‫وكذلك لو لم يكن فرج‪ ،‬ل المختص بالرجال ول المختص بالنساء‪ ،‬بل كان له مكان يبول منه فقط‬
‫انتظسر بسه البلوغ؛ فإن ظهرت علمسة مميزة وإل فهسو مشكسل‪ .‬ثسم حيسث حكمنسا بالشكال فميراثسه‬
‫نصف نصيبي ذكر وأنثى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الذي ذكروه مسن العلمات فسي الخنثسى المشكسل‪ .‬وقسد أشرنسا إلى علمسة فسي "البقرة"‬
‫وصدر هذه السورة تلحقه بأحد النوعين‪ ،‬وهي اعتبار الضلع؛ وهي مروية عن علي رضي ال‬
‫عنه وبها حكم‪ .‬وقد نظم بعض الفضلء العلماء حكم الخنثى في أبيات كثيرة أولها‪:‬‬
‫بالثدي واللحية والمبال‬ ‫وأنه معتبر الحوال‬
‫وفيها يقول‪:‬‬
‫ولم تبن وأشكلت آياته‬ ‫وإن يكن قد استوت حالته‬
‫ستة أثمان من النصيب‬ ‫فحظه من مورث القريب‬
‫وفيه ما فيه من النكال‬ ‫هذا الذي استحق للشكال‬
‫ما عاش في الدنيا وأل ينكحا‬ ‫وواجب في الحق أل ينكحا‬
‫ول اغتدى من جملة الرجال‬ ‫إذ لم يكن من خالص العيال‬
‫قد قاله سراة أهل العلم‬ ‫وكل ما ذكرته في النظم‬
‫منهم ولم يجنح إليه لوم‬ ‫وقد أبى الكلم فيه قوم‬
‫في ذكره وظاهر البشاعه‬ ‫لفرط ما يبدو من الشناعة‬
‫حكم المام المرتضى علي‬ ‫وقد مضى في شأنه الخفي‬
‫فللرجال ينبغي إتباعه‬ ‫بأنه إن نقصت أضلعه‬
‫في الحج والصلة والحكام‬ ‫في الرث والنكاح والحرام‬
‫فإنها من جملة النسوان‬ ‫وإن تزد ضلعا على الذكران‬
‫على الرجال فاغتنمها فائدة‬ ‫لن للنسوان ضلعا زائده‬
‫لخلق حواء وهذا القول حق‬ ‫إذ نقصت من آدم فيما سبق‬
‫صلى عليه ربنا دليل‬ ‫عليه مما قاله الرسول‬
‫قال أبو الوليد بن رشد‪ :‬ول يكون الخنثى المشكل زوجا ول زوجة‪ ،‬ول أبا ول أما‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه‬
‫قد وجد من له ولد من بطنه وولد من ظهره‪ .‬قال ابن رشد‪ :‬فإن صح ورث من ابنه لصلبه ميراث‬
‫الب كامل‪ ،‬ومسن ابنسه لبطنسه ميراث الم كامل‪ .‬وهذا بعيسد‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وفسي سسنن الدارقطنسي عسن‬
‫أبي هانئ عمر بن بشير قال‪ :‬سئل عامر الشعبي عن مولود ليس بذكر ول أنثى‪ ،‬ليس له ما للذكر‬
‫ول ما للنثى‪ ،‬يخرج من سرته كهيئة البول والغائط؛ فسئل عامر عن ميراثه فقال عامر‪ :‬نصف‬
‫حظ الذكر ونصف حظ النثى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولبويه" أي لبوي الميت‪ .‬وهذا كناية عن غير مذكور‪ ،‬وجاز ذلك لدللة الكلم‬
‫عليسسه؛ كقوله‪" :‬حتسسى توارت بالحجاب" [ص‪ ]32 :‬و"إنسسا أنزلناه فسسي ليلة القدر" [القدر‪.]1 :‬‬
‫و"السسدس" رفسع بالبتداء‪ ،‬ومسا قبله خسبره‪ :‬وكذلك "الثلث‪ .‬والسسدس"‪ .‬وكذلك "نصسف مسا ترك"‬
‫وكذلك "فلكسم الربسع"‪ .‬وكذلك "لهسن الربسع"‪ .‬و"فلهسن الثمسن" وكذلك "فلكسل واحسد منهمسا السسدس"‪.‬‬
‫والبوان تثنيسسة الب والبسسة‪ .‬واسسستغني بلفسسظ الم عسسن أن يقال لهسسا أبسسة‪ .‬ومسسن العرب مسسن يجري‬
‫المختلفيسن مجرى المتفقيسن؛ فيغلب أحدهمسا على الخسر لخفتسه أو شهرتسه‪ .‬جاء ذلك مسسموعا فسي‬
‫أسسسماء صسسالحة؛ كقولهسسم للب والم‪ :‬أبوان‪ .‬وللشمسسس والقمسسر‪ :‬القمران‪ .‬ولليسسل والنهار‪ :‬الملوان‪.‬‬
‫وكذلك العمران لبى بكر وعمر رضي ال عنهما‪ .‬غلبوا القمر على الشمس لخفة التذكير‪ ،‬وغلبوا‬
‫عمر على أبي بكر لن أيام عمر امتدت فاشتهرت‪ .‬ومن زعم أنه أراد بالعمرين عمر بن الخطاب‬
‫وعمر بسن عبدالعزيسز فليس قوله بشيسء؛ لنهسم نطقوا بالعمرين قبسل أن يروا عمر بن عبدالعزيسز؛‬
‫قال ابسن الشجري‪ .‬ولم يدخسل فسي قوله تعالى‪" :‬ولبويسه" مسن عل مسن الباء دخول مسن سسفل مسن‬
‫البناء فسسي قوله "أولدكسسم"؛ لن قوله‪" :‬ولبويسسه" لفسسظ مثنسسى ل يحتمسسل العموم والجمسسع أيضسسا؛‬
‫بخلف قوله "أولدكسسم"‪ .‬والدليسسل على صسسحة هذا قوله تعالى‪" :‬فإن لم يكسسن له ولد وورثسسه أبواه‬
‫فلمسه الثلث" والم العليسا جدة ول يفرض لهسا الثلث بإجماع‪ ،‬فخروج الجدة عسن هذا اللفسظ مقطوع‬
‫به‪ ،‬وتناوله للجد مختلف فيه‪ .‬فممن قال هو أب وحجب به الخوة أبو بكر الصديق رضي ال عنه‬
‫ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك أيام حياته‪ ،‬واختلفوا في ذلك بعد وفاته؛ فممن قال إنه أب ابن‬
‫عباس وعبدال بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة‪ ،‬كلهسم‬
‫يجعلون الجسد عنسد عدم الب كالب سسواء‪ ،‬يحجبون بسه الخوة كلهسم ول يرثون معسسه شيئا‪ .‬وقال‬
‫عطاء وطاوس والحسن وقتادة‪ .‬وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق‪ .‬والحجة لهم قوله تعالى‪:‬‬
‫"ملة أبيكسم إبراهيسم" [الحسج‪" ]78 :‬يسا بنسي آدم" [العراف‪ ،]26 :‬وقوله عليسه السسلم‪( :‬يسا بنسي‬
‫إسسماعيل ارموا فإن أباكسم كان راميسا)‪ .‬وذهسب علي بسن أبسي طالب وزيسد وابسن مسسعود إلى توريسث‬
‫الجسد مسع الخوة‪ ،‬ول ينقص من الثلث مسع الخوة للب والم أو للب إل مع ذوي الفروض؛ فإنه‬
‫ل ينقسص معهسم مسن السسدس شيئا فسي قول زيسد‪ .‬وهسو قول مالك والوزاعسي وأبسي وسسف ومحمسد‬
‫والشافعسي‪ .‬وكان علي يشرك بيسن الخوة والجسد إلى السسدس ول ينقصسه مسن السسدس شيئا مسع ذوي‬
‫الفرائض وغيرهم‪ .‬وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة‪ .‬وأجمع العلماء على أن الجد ل يرث مع الب‬
‫وأن البسن يحجسب أباه‪ .‬وأنزلوا الجسد بمنزلة الب فسي الحجسب والميراث إذا لم يترك المتوفسى أبسا‬
‫أقرب منه في جميع المواضع‪ .‬وذهب الجمهور إلى أن الجد يسقط بني الخوة من الميراث؛ إل ما‬
‫روي عسسن الشعسسبي عسسن علي أنسسه أجرى بنسسي الخوة فسسي المقاسسسمة مجرى الخوة‪ .‬والحجسسة لقول‬
‫الجمهور أن هذا ذكر ل يعصب أخته فل يقاسم الجد كالعم وابن العم‪ .‬قال الشعبي‪ :‬أول جد ورث‬
‫في السلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه؛ مات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين فأراد عمر‬
‫أن يسستأثر بمال فاسستشار عليسا وزيدا فسي ذلك فمثل له مثل فقال‪( :‬لول أن رأيكمسا اجتمسع مسا رأيست‬
‫أن يكون ابنسي ول أكون أباه)‪ .‬روى الدارقطنسي عسن زيسد بسن ثابست أن عمسر بسن الخطاب اسستأذن‬
‫عليه يوما فأذن له‪ ،‬ورأسه في يد جارية له ترجله‪ ،‬فنزع رأسه؛ فقال له عمر‪ :‬دعها ترجلك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫يسا أميسر المؤمنيسن‪ ،‬لو أرسسلت إلي جئتسك‪ .‬فقال عمسر‪ :‬إنمسا الحاجسة لي‪ ،‬إنسي جئتسك لتنظسر فسي أمسر‬
‫الجد‪ .‬فقال زيد‪ :‬ل وال ! ما تقول فيه‪ .‬فقال عمر‪ :‬ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص‪ ،‬إنما هو‬
‫شيء تراه‪ ،‬فإن رأيته وافقني تبعته‪ ،‬وإل لم يكن عليك فيه شيء‪ .‬فأبى زيد‪ ،‬فخرج مغضبا وقال‪:‬‬
‫قسد جئتسك وأنسا أظسن سستفرغ مسن حاجتسي‪ .‬ثسم أتاه مرة أخرى فسي السساعة التسي أتاه فسي المرة الولى‪،‬‬
‫فلم يزل به حتى قال‪ :‬فسأكتب لك فيه‪ .‬فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثل‪ .‬إنما مثله مثل شجرة‬
‫تنبت على ساق واحدة‪ ،‬فخرج فيها غصن ثم خرج في غصن غصن آخر؛ فالساق يسقي الغصن‪،‬‬
‫فإن قطعست الغصسن الول رجسع الماء إلى الغصسن‪ ،‬وإن قطعست الثانسي رجسع الماء إلى الول‪ .‬فأتسى‬
‫به فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال‪ :‬إن زيد بن ثابت قد قال في الجد قول وقد‬
‫أمضيته‪ .‬قال‪ :‬وكان عمر أول جد كان؛ فأراد أن يأخذ المال كله‪ ،‬مال ابن ابنه دون إخوته‪ ،‬فقسمه‬
‫بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪.‬‬
‫@ وأما الجدة فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم‪ .‬وأجمعوا على أن الم‬
‫تحجب أمها وأم الب‪ .‬وأجمعوا على أن الب ل يحجب أم الم‪ .‬واختلفوا في توريث الجدة وابنها‬
‫حسي؛ فقالت طائفسة‪( :‬ل ترث الجدة وابنهسا حسي)‪ .‬روي عسن زيسد بسن ثابست وعثمان وعلي‪ .‬وبسه قال‬
‫مالك والثوري والوزاعسسي وأبسسو ثور وأصسسحاب الرأي‪ .‬وقالت طائفسسة‪( :‬ترث الجدة مسسع ابنهسسا)‪.‬‬
‫روي عن عمر وابن مسعود وعثمان وعلي وأبي موسى الشعري‪ ،‬وقال به شريح وجابر بن زيد‬
‫وعسبيدال بسن الحسسن وشريسك وأحمسد وإسسحاق وابسن المنذر‪ .‬وقال‪ :‬كمسا أن الجسد ل يحجبسه إل الب‬
‫كذلك الجدة ل يحجبهسا إل الم‪ .‬وروى الترمذي عن عبدال قال فسي الجدة مسع ابنهسا‪( :‬إنهسا أول جدة‬
‫أطعمها رسول ال صلى ال عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي)‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في توريث الجدات؛ فقال مالك‪ :‬ل يرث إل جدتان‪ ،‬أم أم وأم أب وأمهاتهما‪.‬‬
‫وكذلك روى أبسو ثور عسن الشافعسي‪ ،‬وقال بسه جماعسة مسن التابعيسن‪ .‬فإن انفردت إحداهمسا فالسسدس‬
‫لهسا‪ ،‬وإن اجتمعتسا وقرابتهمسا سسواء فالسسدس بينهمسا‪ .‬وكذلك إن كثرن إذا تسساوين فسي القعدد؛ وهذا‬
‫كله مجمع عليه‪ .‬فإن قربت التي من قبل الم كان لها السدس دون غيرها‪ ،‬وإن قربت التي من قبل‬
‫الب كان بينها وبين التي من قبل الم وإن بعدت‪ .‬ول ترث إل جدة واحدة من قبل الم‪ .‬ول ترث‬
‫الجدة أم أب الم على حال‪ .‬هذا مذهب زيد بن ثابت‪ ،‬وهو أثبت ما روي عنه في ذلك‪ .‬وهو قول‬
‫مالك وأهسل المدينسة‪ .‬وقيسل‪ :‬إن الجدات أمهات؛ فإذا اجتمعسن فالسسدس لقربهسن؛ كمسا أن الباء إذا‬
‫اجتمعوا كان أحدهسم بالميراث أقربهسم؛ فكذلك البنون والخوة‪ ،‬وبنسو الخوة وبنسو العسم إذا اجتمعوا‬
‫كان أحقهسسسم بالميراث أقربهسسسم؛ فكذلك المهات‪ .‬قال ابسسسن المنذر‪ :‬وهذا أصسسسح‪ ،‬وبسسسه أقول‪ .‬وكان‬
‫الوزاعسسي يورث ثلث جدات‪ :‬واحدة مسسن قبسسل الم واثنتيسسن مسسن قبسسل الب‪ .‬وهسسو قول أحمسسد بسسن‬
‫حنبل؛ رواه الدارقطني عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا؛‬
‫أنه كان يورث ثلث جدات‪ :‬اثنتين من جهة الم وواحدة من قبل الب‪ .‬وقول علي رضي ال عنه‬
‫كقول زيسد هذا‪ .‬وكانسا يجعلن السسدس لقربهمسا‪ ،‬مسن قبسل الم كانست أو مسن قبسل الب‪ .‬ول يشركهسا‬
‫فيه من ليس في قعددها‪ ،‬وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور‪ .‬وأما عبدال بن مسعود‬
‫وابن عباس فكانا يورثان الجدات الربع؛ وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن‬
‫زيسد‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وكسل جدة إذا نسسبت إلى المتوفسى وقسع فسي نسسبها أب بيسن أميسن فليسست ترث‪،‬‬
‫في قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكل واحد منهما السسدس" فرض تعالى لكل واحد من البوين مع الولد السدس؛‬
‫وأبهسم الولد فكان الذكسر والنثسى فيسه سسواء‪ .‬فإن مات رجسل وترك ابنسا وأبويسن فلبويسه لكسل واحسد‬
‫منهما السدس‪ ،‬وما بقي فللبن‪ .‬فإن ترك ابنة وأبوين فللبنة النصف وللبوين السدسان‪ ،‬وما بقي‬
‫فلقرب عصسسبة وهسسو الب؛ لقول رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬مسسا أبقسست الفرائض فلولى‬
‫رجسل ذكسر)‪ .‬فاجتمسع للب السستحقاق بجهتيسن‪ :‬التعصسيب والفرض‪" .‬فإن لم يكسن له ولد وورثسه‬
‫أبواه فلمه الثلث" فأخبر جل ذكره أن البوين إذا ورثاه أن للم الثلث‪ .‬ودل بقوله‪" :‬وورثه أبواه"‬
‫وإخباره أن للم الثلث‪ ،‬أن الباقسي وهسو الثلثان للب‪ .‬وهذا كمسا تقول لرجليسن‪ :‬هذا المال بينكمسا‪ ،‬ثسم‬
‫تقول لحدهمسا‪ :‬أنست يسا فلن لك منسه ثلث؛ فإنسك حددت للخسر منسه الثلثيسن بنسص كلمسك؛ ولن قوة‬
‫الكلم فسي قوله‪" :‬وورثسه أبواه" يدل على أنهمسا منفردان عسن جميسع أهسل السسهام مسن ولد وغيره‪،‬‬
‫وليس في هذا اختلف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يكون الثلثان فرضسسا للب مسسسمى ل يكون عصسسبة‪ ،‬وذكسسر ابسسن العربسسي أن‬
‫المعنسى فسي تفضيسل الب بالثلث عنسد عدم الولد الذكوريسة والنصسرة‪ ،‬ووجوب المؤنسة عليسه‪ ،‬وثبتست‬
‫الم على سهم لجل القرابة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا منتقسض؛ فإن ذلك موجود مسع حياتسه فلم حرم السسدس‪ .‬والذي يظهسر أنسه إنمسا حرم‬
‫السسدس فسي حياته إرفاقسا بالصسبي وحياطسة على ماله؛ إذ قد يكون إخراج جزء من مال إجحافسا به‪.‬‬
‫أو أن ذلك تعبد‪ ،‬وهو أولى ما يقال‪ .‬وال الموفق‪.‬‬
‫إن قيل‪ :‬ما فائدة زيادة الواو في قوله‪" :‬وورثه أبواه"‪ ،‬وكان ظاهر الكلم أن يقول‪ :‬فإن لم يكن‬
‫له ولد ورثسه أبواه‪ .‬قيسل له‪ :‬أراد بزيادتهسا الخبار ليسبين أنسه أمسر مسستقر ثابست‪ ،‬فيخسبر عسن ثبوتسه‬
‫واسستقراره‪ ،‬فيكون حال الوالديسن عنسد انفرادهمسا كحال الولديسن‪ ،‬للذكسر مثسل حسظ النثييسن‪ .‬ويجتمسع‬
‫للب بذلك فرضان السسهم والتعصسيب إذ يحجسب الخوة كالولد‪ .‬وهذا عدل فسي الحكسم‪ ،‬ظاهسر فسي‬
‫الحكمة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلُمسه الثلث" قرأ أهسل الكوفسة "فلِمسه الثلث" وهسى لغسة حكاهسا سسيبويه‪ .‬قال‬
‫الكسائي‪ :‬هي لغة كثير من هوازن وهذيل؛ ولن اللم لما كانت مكسورة وكانت متصلة بالحرف‬
‫كرهوا ضمسة بعسد كسسرة‪ ،‬فأبدلوا مسن الضمسة كسسرة؛ لنسه ليسس فسي الكلم فعسل‪ .‬ومسن ضسم جاء بسه‬
‫على الصل؛ ولن اللم تنفصل لنها داخلة على السم‪ .‬قال جميعه النحاس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كان له إخوة فلمسه السسدس" الخوة يحجبون الم عسن الثلث إلى السسدس‪،‬‬
‫وهذا هسو حجسب النقصسان‪ ،‬وسسواء كان الخوة أشقاء أو للب أو للم‪ ،‬ول سسهم لهسم‪ .‬وروي عسن‬
‫ابن عباس أنه كان يقول‪( :‬السدس الذي حجب الخوة الم عنه هو للخوة)‪ .‬وروي عنه مثل قول‬
‫الناس (إنسه للب)‪ .‬قال قتادة‪ :‬وإنمسا أخذه الب دونهسم؛ لنسه يمونهسم ويلي نكاحهسم والنفقسة عليهسم‪.‬‬
‫وأجمسع أهسل العلم على أن أخويسن فصساعدا ذكرانسا كانوا أو إناثسا مسن أب وأم‪ ،‬أو مسن أب أو مسن أم‬
‫يحجبون الم عسن الثلث إلى السسدس؛ إل مسا روي عسن ابسن عباس أن (الثنيسن مسن الخوة فسي حكسم‬
‫الواحد‪ ،‬ول يحجب الم أقل من ثلثة)‪ .‬وقد صار بعض الناس إلى أن الخوات ل يحجبن الم من‬
‫الثلث إلى السسسدس؛ لن كتاب ال فسسي الخوة وليسسست قوة ميراث الناث مثسسل قوة ميراث الذكور‬
‫حتسى تقتضسي العسبرة اللحاق‪ .‬قال الكيسا الطسبري‪ :‬ومقتضسى أقوالهسم أل يدخلن مسع الخوة؛ فإن لفسظ‬
‫الخوة بمطلقسه ل يتناول الخوات‪ ،‬كمسا أن لفسظ البنيسن ل يتناول البنات‪ .‬وذلك يقتضسي أل تحجسب‬
‫الم بالخ الواحسد والخست مسن الثلث إلى السسدس؛ وهسو خلف إجماع المسسلمين‪ .‬وإذا كسن مرادات‬
‫بالية مع الخوة كن مرادات على النفراد‪ .‬واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان؛ لن التثنية جمع‬
‫شيء إلى مثله‪ ،‬فالمعنى يقتضي أنها جمع‪ .‬وقال عليه السلم‪( :‬الثنان فما فوقهما جماعة)‪ .‬وحكي‬
‫عسن سسيبويه أنسه قال‪ :‬سسألت الخليسل عسن قوله "مسا أحسسن وجوههمسا" ؟ فقال‪ :‬الثنان جماعسة‪ .‬وقسد‬
‫صح قول الشاعر‪:‬‬
‫ظهراهما مثل ظهور الترسين‬ ‫ومهمهين قذفين مرتين‬
‫وأنشد الخفش‪:‬‬
‫فقلن إن المر فينا قد شهر‬ ‫لما أتتنا المرأتان بالخبر‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ويبخل بالسلم على الفقير‬ ‫يحيى بالسلم غني قوم‬
‫إذا ماتوا وصاروا في القبور‬ ‫أليس الموت بينهما سواء‬
‫ولما وقع الكلم في ذلك بين عثمان وابن عباس قال له عثمان‪( :‬إن قومك حجبوها ‪ -‬يعني قريشا‬
‫‪ -‬وهسم أهسل الفصساحة والبلغسة)‪ .‬وممسن قال‪( :‬إن أقسل الجمسع ثلثسة) ‪ -‬وإن لم يقسل بسه هنسا ‪ -‬ابسن‬
‫مسعود والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من بعد وصية يوصي بها أو دين" قرأ ابن كثير (أبو عمرو وابن عامر وعاصم‬
‫"يوصى" بفتح الصاد‪ .‬الباقون بالكسر‪ ،‬وكذلك الخر‪ .‬واختلفت الرواية فيهما عن عاصم‪ .‬والكسر‬
‫اختيار أبسي عبيسد وأبسي حاتسم؛ لنسه جرى ذكسر الميست قبسل هذا‪ .‬قال الخفسش‪ :‬وتصسديق ذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬يوصين" و"توصون"‪.‬‬
‫@ إن قيسل‪ :‬مسا الحكمسة فسي تقديسم ذكسر الوصسية على ذكسر الديسن‪ ،‬والديسن مقدم عليهسا بإجماع‪ .‬وقسد‬
‫روى الترمذي عسن الحارث عسن علي أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قضسى بالديسن قبسل الوصسية‪،‬‬
‫وأنتسم تقرون الوصسية قبسل الديسن‪ .‬قال‪ :‬والعمسل على هذا عنسد عامسة أهسل العلم أنسه يبدأ بالديسن قبسل‬
‫الوصسية‪ .‬وروى الدارقطنسي مسن حديسث عاصسم بسن ضمرة عسن علي قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية)‪ .‬رواه عنهما أبو إسحاق الهمداني‪ .‬فالجواب‬
‫مسن أوجسه خمسسة‪ :‬الول‪ :‬إنمسا قصسد تقديسم هذيسن الفصسلين على الميراث ولم يقصسد ترتيبهمسا فسي‬
‫أنفسهما؛ فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ‪ .‬جواب ثان‪ :‬لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها‬
‫اهتمامسا بهسا؛ كمسا قال تعالى‪" :‬ل يغادر صسغيرة ول كسبيرة" [الكهسف‪ .]49 :‬جواب ثالث‪ :‬قدمهسا‬
‫لكثرة وجودها ووقوعها؛ فصارت كاللزم لكل ميت مع نص الشرع عليها‪ ،‬وأخر الدين لشذوذه‪،‬‬
‫فإنسه قسد يكون وقسد ل يكون‪ .‬فبدأ بذكسر الذي ل بسد منسه‪ ،‬وعطسف بالذي قسد يقسع أحيانسا‪ .‬ويقوى هذا‪:‬‬
‫العطف بأو‪ ،‬ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو‪ .‬جواب رابع‪ :‬إنما قدمت الوصية إذ هي حظ‬
‫مساكين وضعفاء‪ ،‬وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال‪ .‬جواب خامس‪:‬‬
‫لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها‪ ،‬والدين ثابت مؤدى ذكره أو لم يذكره‪.‬‬
‫@ ولما ثبت هذا تعلق الشافعي بذلك في تقديم دين الزكاة والحج على الميراث فقال‪ :‬إن الرجل‬
‫إذا فرط في زكاته وجب أخذ ذلك من رأس ماله‪ .‬وهذا ظاهسر ببادئ الرأي؛ لنه حق من الحقوق‬
‫فيلزم أداؤه عنه بعد الموت كحقوق الدميين ل سيما والزكاة مصرفها إلى الدمي‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫ومالك‪ :‬إن أوصى بها أديت من ثلثه‪ ،‬وإن سكت عنها لم يخرج عنه شيء‪ .‬قالوا‪ :‬لن ذلك موجب‬
‫لترك الورثسة فقراء؛ إل أنسه قسد يتعمسد ترك الكسل حتسى إذا مات اسستغرق ذلك جميسع ماله فل يبقسى‬
‫للورثة حق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬آباؤكسم وأبناؤكسم" رفسع بالبتداء والخسبر مضمسر‪ ،‬تقديره‪ :‬هسم المقسسوم عليهسم وهسم‬
‫المعطون‪" .‬ل تدرون أيهسم أقرب لكسم نفعسا" قيسل‪ :‬فسي الدنيسا بالدعاء والصسدقة؛ كمسا جاء فسي الثسر‬
‫(إن الرجل ليرفسع بدعاء ولده من بعده)‪ .‬وفسي الحديسث الصسحيح (إذا مات الرجل انقطع عمله إل‬
‫من ثلث ‪ -‬فذكر ‪ -‬أو ولد صالح يدعو له)‪ .‬وقيل‪( :‬في الخرة؛ فقد يكون البن أفضل فيشفع في‬
‫أبيسه)؛ عسن ابسن عباس والحسسن‪ .‬وقال بعسض المفسسرين‪ :‬إن البسن إذا كان أرفسع مسن درجسة أبيسه فسي‬
‫الخرة سسأل ال فرفسع إليسه أباه‪ ،‬وكذلك الب إذا كان أرفسع مسن ابنسه؛ وسسيأتي فسي "الطور" بيانسه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬في الدنيا والخرة؛ قال ابن زيد‪ .‬واللفظ يقتضي ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فريضة" نصب على المصدر المؤكد‪ ،‬إذ معنى "يوصيكم" يفرض عليكم‪ .‬وقال‬
‫مكسي وغيره‪ :‬هسي حال مؤكدة؛ والعامسل "يوصسيكم" وذلك ضعيسف‪ .‬واليسة متعلقسة بمسا تقدم؛ وذلك‬
‫أنه عرف العباد أنهم كفوا مؤنة الجتهاد في إيصاء القرابة مع اجتماعهم في القرابة‪ ،‬أي أن الباء‬
‫والبناء ينفسع بعضهسم بعضسا فسي الدنيسا بالتناصسر والمواسساة‪ ،‬وفسي الخرة بالشفاعة‪ .‬وإذا تقرر ذلك‬
‫فسسي الباء والبناء تقرر ذلك فسسي جميسسع القارب؛ فلو كان القسسسمة موكولة إلى الجتهاد لوجوب‬
‫النظر في غنى كل واحد منهم‪ .‬وعند ذلك يخرج المر عن الضبط إذ قد يختلف المر‪ ،‬فبين الرب‬
‫تبارك وتعالى أن الصسسلح للعبسسد أل يوكسسل إلى اجتهاده فسسي مقاديسسر المواريسسث‪ ،‬بسسل بيسسن المقاديسسر‬
‫شرعسا‪" .‬إن ال كان عليمسا" أي بقسسمة المواريسث "حكيمسا" حكسم فسي قسسمتها وبينهسا لهلهسا‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪" :‬عليما" أي بالشياء قبل خلقها "حكيما" فيما يقدره ويمضيه منها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إن ال‬
‫سبحانه لم يزل ول يزال‪ ،‬والخبر منه بالماضي كالخبر منه بالستقبال‪ .‬ومذهب سيبويه أنهم رأوا‬
‫حكمة وعلما فقيل لهم‪ :‬إن ال عز وجل كان كذلك لم يزل على ما رأيتم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما‬
‫تركسن مسن بعسد وصسية يوصسين بهسا أو ديسن ولهسن الربسع ممسا تركتسم إن لم يكسن لكسم ولد فإن كان لكسم‬
‫ولد فلهسن الثمسن ممسا تركتسم مسن بعسد وصسية توصسون بهسا أو ديسن" الخطاب للرجال‪ .‬والولد هنسا بنسو‬
‫الصلب وبنو بنيهم وإن سفلوا‪ ،‬ذكرانا وإناثا واحدا فما زاد بإجماع‪ .‬وأجمع العلماء على أن للزوج‬
‫النصسف مسع عدم الولد أو ولد الولد‪ ،‬وله مسع وجوده الربسع‪ .‬وترث المرأة مسن زوجهسا الربسع مسع فقسد‬
‫الولد‪ ،‬والثمسن مسع وجوده‪ .‬وأجمعوا على أن حكسم الواحدة مسن الزواج والثنتيسن والثلث والربسع‬
‫فسي الربسع إن لم يكسن له ولد‪ ،‬وفسي الثمسن إن كان له ولد واحسد‪ ،‬وأنهن شركاء فسي ذلك؛ لن ال عسز‬
‫وجسل لم يفرق بيسن حكسم الواحدة منهسن وبيسن حكسم الجميسع‪ ،‬كمسا فرق بيسن حكسم الواحدة مسن البنات‬
‫والواحدة من الخوات وبين حكم الجميع منهن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كان رجل يورث كللة أو امرأة" الكللة مصدر؛ من تكلله النسب أي أحاط‬
‫بسه‪ .‬وبسه سسمي الكليسل‪ ،‬وهسي منزلة مسن منازل القمسر لحاطتهسا بالقمسر إذا احتسل بهسا‪ .‬ومنسه الكليسل‬
‫أيضسسا وهسسو التاج والعصسسابة المحيطسسة بالرأس‪( .‬فإذا مات الرجسسل وليسسس له ولد ول والد فورثتسسه‬
‫كللة)‪ .‬هذا قول أبسسي بكسسر الصسسديق وعمسسر وعلي وجمهور أهسسل العلم‪ .‬وذكسسر يحيسسى بسسن آدم عسسن‬
‫شريك وزهير وأبي الحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن عبد قال‪ :‬ما رأيتهم إل وقد تواطؤوا‬
‫وأجمعوا على أن الكللة مسسن مات ليسسس له ولد ول والد‪ .‬وهكذا قال صسساحب كتاب العيسسن وأبسسو‬
‫منصسور اللغوي وابن عرفسة والقتسبي وأبو عبيسد وابسن النباري‪ .‬فالب والبسن طرفان للرجسل؛ فإذا‬
‫ذهبا تكلله النسب‪ .‬ومنه قيل‪ :‬روضة مكللة إذا حفت بالنور‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫عم بها اليهقان والذرق‬ ‫مسكنه روضة مكللة‬
‫يعني نبتين‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كلمع اليدين في حبي مكلل‬ ‫أصاح ترى برقا أريك وميضه‬
‫فسموا القرابة كللة؛ لنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ول هو منهم‪ ،‬وإحاطتهم به أنهم‬
‫ينتسبون معه‪ .‬كما قال أعرابي‪ :‬مالي كثير ويرثني كللة متراخ نسبهم‪ .‬وقال الفرزدق‪:‬‬
‫عن ابني مناف عبد شمس وهاشم‬ ‫ورثتم قناة المجد ل عن كللة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ومولى الكللة ل يغضب‬ ‫وإن أبا المرء أحمى له‬
‫وقيسسل‪ :‬إن الكللة مأخوذة مسسن الكلل وهسسو العياء؛ فكأنسسه يصسسير الميراث إلى الوارث عسسن بعسسد‬
‫وإعياء‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫ول من وجى حتى تلقي محمدا‬ ‫فآليت ل أرثي لها من كللة‬
‫وذكسر أبسو حاتسم والثرم عسن أبسى عسبيدة قال‪ :‬الكللة كسل مسن لم يرثسه أب أو ابسن أو أخ فهسو عنسد‬
‫العرب كللة‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬ذكسر أبسي عسبيدة الخ هنسا مسع الب والبسن فسي شرط الكللة غلط ل‬
‫وجه له‪ ،‬ولم يذكره في شرط الكللة غيره‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب أن (الكللة من ل ولد له‬
‫خاصسة)؛ وروي عسن أبسي بكسر ثسم رجعسا عنسه‪ .‬وقال ابسن زيسد‪ :‬الكللة الحسي والميست جميعسا‪ .‬وعسن‬
‫عطاء‪ :‬الكللة المال‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا قول طريف ل وجه له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬له وجه متبين بالعراب آنفا‪ .‬وروي عن ابن العرابي أن الكللة بنو العم الباعد‪ .‬وعن‬
‫السسدي أن الكللة الميست‪ .‬وعنسه مثسل قول الجمهور‪ .‬وهذه القوال تتسبين وجوههسا بالعراب؛ فقرأ‬
‫بعسض الكوفييسن "يورث كللة" بكسسر الراء وتشديدهسا‪ .‬وقرأ الحسسن وأيوب "يورث" بكسسر الراء‬
‫وتخفيفهسا‪ ،‬على اختلف عنهمسا‪ .‬وعلى هاتيسن القراءتيسن ل تكون الكللة إل الورثسة أو المال‪ .‬كذلك‬
‫حكسى أصسحاب المعانسي؛ فالول مسن ورث‪ ،‬والثانسي مسن أورث‪ .‬و"كللة" مفعوله و"كان" بمعنسى‬
‫وقسع‪ .‬ومسن قرأ "يورث" بفتسح الراء احتمسل أن تكون الكللة المال‪ ،‬والتقديسر‪ :‬يورث وراثسة كللة‬
‫فتكون نعتسا لمصسدر محذوف‪ .‬ويجوز أن تكون الكللة اسسما للورثسة وهسي خسبر كان؛ فالتقديسر‪ :‬ذا‬
‫ورثة‪ .‬ويجوز أن تكون تامسة بمعنسى وقسع‪ ،‬و"يورث" نعست لرجل‪ ،‬و"رجسل" رفع بكان‪ ،‬و"كللة"‬
‫نصسب على التفسسير أو الحال؛ على أن الكللة هسو الميست‪ ،‬التقديسر‪ :‬وإن كان رجسل يورث متكلل‬
‫النسب إلى الميت‪.‬‬
‫@ ذكر ال عز وجل في كتابه الكللة في موضعين‪ :‬آخر السورة وهنا‪ ،‬ولم يذكر في الموضعين‬
‫وارثسا غيسر الخوة‪ .‬فأمسا هذه اليسة فأجمسع العلماء على أن الخوة فيهسا عنسي بهسا الخوة للم؛ لقوله‬
‫تعالى‪" :‬فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث"‪ .‬وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ "وله أخ أو‬
‫أخست مسن أمسه"‪ .‬ول خلف بيسن أهسل العلم أن الخوة للب والم أو الب ليسس ميراثهسم كهذا؛ فدل‬
‫إجماعهم على أن الخوة المذكورين في آخر السورة هم إخوة المتوفى لبيه وأمه أو لبيه؛ لقوله‬
‫عز وجل "وإن كانوا إخوة رجال ونساء فللذكر مثل حظ النثيين" [النساء‪ .]176 :‬ولم يختلفوا‬
‫أن ميراث الخوة للم ليسسسس هكذا؛ فدلت اليتان أن الخوة كلهسسسم جميعسسسا كللة‪ .‬وقال الشعسسسبي‪:‬‬
‫(الكللة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة إخوة أو غيرهم من العصبة)‪ .‬كذلك قال علي وابن‬
‫مسعود وزيد وابن عباس‪ ،‬وهو القول الول الذي بدأنا به‪ .‬قال الطبري‪ :‬والصواب أن الكللة هم‬
‫الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده‪ ،‬لصحة خبر جابر‪ :‬فقلت يا رسول ال إنما يرثني كللة‪،‬‬
‫أفأوصي بمالي كله؟ قال‪( :‬ل)‪.‬‬
‫@ قال أهسل اللغسة‪ :‬يقال رجسل كللة وامرأة كللة‪ .‬ول يثنسى ول يجمسع؛ لنسه مصسدر كالوكالة‬
‫والدللة والسماحة والشجاعة‪ .‬وأعاد ضمير مفرد في قوله‪" :‬وله أخ" ولم يقل لهما‪ .‬ومضى ذكر‬
‫الرجسل والمرأة على عادة العرب إذا ذكرت اسسمين ثسم أخسبرت عنهمسا وكانسا فسي الحكسم سسواء ربمسا‬
‫أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعا؛ تقول‪ :‬من كان عنده غلم وجارية فليحسن إليه‬
‫وإليهسا وإليهمسا وإليهسم؛ قال ال تعالى‪" :‬واسستعينوا بالصسبر والصسلة وإنهسا لكسبيرة" [البقرة‪.]45 :‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬إن يكن غنيا أو فقيرا فال أولى بهما" [النساء‪ ]135 :‬ويجوز أولى بهم؛ عن الفراء‬
‫وغيره‪ .‬ويقال في امرأة‪ :‬مرأة‪ ،‬وهو الصل‪ .‬وأخ أصله أخو‪ ،‬يدل عليه أخوان؛ فحذف منه وغير‬
‫على غيسسر قياس‪ .‬قال الفراء ضسسم أول أخسست‪ ،‬لن المحذوف منهسسا واو‪ ،‬وكسسسر أول بنسست؛ لن‬
‫المحذوف منها ياء‪ .‬وهذا الحذف والتعليل على غير قياس أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث" هذا التشريك يقتضي التسوية بين‬
‫الذكسر والنثسى وإن كثروا‪ .‬وإذا كانوا يأخذون بالم فل يفضسل الذكسر على النثسى‪ .‬وهذا إجماع مسن‬
‫العلماء‪ ،‬وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والنثى سواء إل في ميراث الخوة للم‪ .‬فإذا‬
‫ماتسست امرأة وتركسست زوجهسسا وأمهسسا وأخاهسسا لمهسسا فللزوج النصسسف وللم الثلث وللخ مسسن الم‬
‫السسدس‪ .‬فإن تركست أخويسن وأختيسن ‪ -‬والمسسألة بحالهسا ‪ -‬فللزوج النصسف وللم السسدس وللخويسن‬
‫والختيسن الثلث‪ ،‬وقسد تمست الفريضسة‪ .‬وعلى هذا عامسة الصسحابة؛ لنهسم حجبوا الم بالخ والخست‬
‫من الثلث إلى السدس‪ .‬وأما ابن عباس فإنه لم ير العول ولو جعل للم الثلث لعالت المسألة‪ ،‬وهو‬
‫ل يرى ذلك‪ .‬والعول مذكور فسي غيسر هذا الموضسع‪ ،‬ليسس هذا موضعسه‪ .‬فإن تركست زوجهسا وإخوة‬
‫لم وأخا لب وأم؛ فللزوج النصف‪ ،‬ولخوتها لمها الثلث‪ ،‬وما بقي فلخيها لمها وأبيها‪ .‬وهكذا‬
‫مسسن له فرض مسسسمى أعطيسسه‪ ،‬والباقسسي للعصسسبة إن فضسسل‪ .‬فإن تركسست سسستة إخوة مفترقيسسن فهذه‬
‫الحماريسسسة‪ ،‬وتسسسسمى أيضسسسا المشتركسسسة‪ .‬قال قوم‪( :‬للخوة للم الثلث‪ ،‬وللزوج النصسسسف‪ ،‬وللم‬
‫السسدس)‪ ،‬وسسقط الخ والخست مسن الب والم‪ ،‬والخ والخست مسن الب‪ .‬روي عسن علي وابسن‬
‫مسعود وأبي موسى والشعبي وشريك ويحيى بن آدم‪ ،‬وبه قال أحمد بن حنبل واختاره ابن المنذر؛‬
‫لن الزوج والم والخويسن للم أصسحاب فرائض مسسماة ولم يبسق للعصسبة شيسء‪ .‬وقال قوم‪( :‬الم‬
‫واحدة‪ ،‬وهب أن أباهم كان حمارا ! وأشركوا بينهم في الثلث)؛ ولهذا سميت المشتركة والحمارية‪.‬‬
‫روي هذا عسن عمسر وعثمان وابسن مسسعود أيضسا وزيسد بسن ثابست ومسسروق وشريسح‪ ،‬وبسه قال مالك‬
‫والشافعسي وإسسحاق‪ .‬ول تسستقيم هذه المسسألة أن لو كان الميست رجل‪ .‬فهذه جملة مسن علم الفرائض‬
‫تضمنتها الية‪ ،‬وال الموفق للهداية‪.‬‬
‫وكانست الوراثسة فسي الجاهليسة بالرجوليسة والقوة‪ ،‬وكانوا يورثون الرجال دون النسساء؛ فأبطسل ال‬
‫عسز وجسل ذلك بقوله‪" :‬للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا وللنسساء نصسيب" [النسساء‪ ]32 :‬كمسا تقدم‪.‬‬
‫وكانست الوراثسة أيضسا فسي الجاهليسة وبدء السسلم بالمحالفسة‪ ،‬قال ال عسز وجسل‪" :‬والذيسن عقدت‬
‫أيمانكسم" [النسساء‪ ]33 :‬على مسا يأتسي بيانسه‪ .‬ثسم صسارت بعسد المحالفسة بالهجرة؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى يهاجروا" [النفال‪ ]72 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫وهناك يأتسسي القول فسسي ذوي الرحام وميراثهسسم‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ .‬وسسسيأتي فسسي سسسورة "النور"‬
‫ميراث ابن الملعنة وولد الزنسا والمكاتسب بحول ال تعالى‪ .‬والجمهور من العلماء على أن السسير‬
‫المعلوم حياتسه أن ميراثسه ثابست؛ لنسه داخسل فسي جملة المسسلمين الذيسن أحكام السسلم جاريسة عليهسم‪.‬‬
‫وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال في السير في يد العدو‪ :‬ل يرث‪ .‬وقد تقدم ميراث المرتد‬
‫في سورة "البقرة" والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غير مضار" نصب على الحال والعامل "يوصي"‪ .‬أي يوصي بها غير مضار‪،‬‬
‫أي غيسر مدخسل الضرر على الورثسة‪ .‬أي ل ينبغسي أن يوصسي بديسن ليسس عليسه ليضسر بالورثسة؛ ول‬
‫يقر بدين‪ .‬فالضرار راجع إلى الوصية والدين؛ أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد على الثلث أو‬
‫يوصي لوارث‪ ،‬فإن زاد فإنه يرد‪ ،‬إل أن يجيزه الورثة؛ لن المنع لحقوقهم ل لحق ال تعالى‪ .‬وإن‬
‫أوصسى لوارث فإنسه يرجسع ميراثسا‪ .‬وأجمسع العلماء على أن الوصسية للوارث ل تجوز‪ .‬وقسد تقدم هذا‬
‫فسي "البقرة"‪ .‬وأمسا رجوعسه إلى الديسن فبالقرار فسي حالة ل يجوز له فيهسا؛ كمسا لو أقسر فسي مرضسه‬
‫لوارثسسه أو لصسسديق ملطسسف؛ فإن ذلك ل يجوز عندنسسا‪ .‬وروي عسن الحسسسن أنسسه قرأ "غيسسر مضار‬
‫وصسية مسن ال" على الضافسة‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقسد زعسم بعسض أهسل اللغسة أن هذا لحسن؛ لن اسسم‬
‫الفاعل ل يضاف إلى المصدر‪ .‬والقراءة حسنة على حذف‪ ،‬والمعنى‪ :‬غير مضار ذي وصية‪ ،‬أي‬
‫غير مضار بها ورثته في ميراثهم‪ .‬وأجمع العلماء على أن إمراره بدين لغير وارث حال المرض‬
‫جائز إذا لم يكن عليه دين في الصحة‪.‬‬
‫@ فإن كان عليه دين في الصحة ببينة وأقر لجنبي بدين؛ فقالت طائفة‪ :‬يبدأ بدين الصحة؛ هذا‬
‫قول النخعسسي والكوفييسسن‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا اسسستوفاه صسساحبه فأصسسحاب القرار فسسي المرض يتحاصسسون‪.‬‬
‫وقالت طائفسة‪ :‬همسا سسواء إذا كان لغيسر وارث‪ .‬هذا قول الشافعسي وأبسي ثور وأبسي عبيسد‪ ،‬وذكسر أبسو‬
‫عبيد إنه قول أهل المدينة ورواه عن الحسن‪.‬‬
‫@ قسد مضسى فسي "البقرة" الوعيسد فسي الضرار فسي الوصسية ووجوههسا‪ .‬وقسد روى أبسو داود مسن‬
‫حديسث شهسر بسن حوشسب (وهسو مطعون فيسه) عسن أبسى هريرة حدثسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم قال‪( :‬إن الرجسل أو المرأة ليعمسل بطاعسة ال سستين سسنه ثسم يحضرهمسا الموت فيضاران فسي‬
‫الوصية فتجب لهما النار)‪ .‬قال‪ :‬وقرأ علي أبو هريرة من ههنا "من بعد وصية يوصي بها أو دين‬
‫غير مضار" حتى بلغ "ذلك الفوز العظيم"‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬الضرار في الوصية من الكبائر)؛‬
‫ورواه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إل أن مشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي ل يعد‬
‫فعله مضارة فسسي ثلثسسه؛ لن ذلك حقسسه فله التصسسرف فيسسه كيسسف شاء‪ .‬وفسسي المذهسسب قوله‪ :‬أن ذلك‬
‫مضارة ترد‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصسية" نصسب على المصسدر فسي موضسع الحال والعامسل "يوصسيكم" ويصسح أن‬
‫يعمسل فيهسا "مضار" والمعنسى أن يقسع الضرر بهسا أو بسسببها فأوقسع عليهسا تجوزا‪ ،‬قال ابسن عطيسة؛‬
‫وذكسر أن الحسسن بسن أبسي الحسسن قرأ "غيسر مضار وصسية" بالضافسة؛ كمسا تقول‪ :‬شجاع حرب‪.‬‬
‫وبضسة المتجرد؛ فسي قول طرفسة بسن العبسد‪ .‬والمعنسى على مسا ذكرناه مسن التجوز فسي اللفسظ لصسحة‬
‫المعنسى‪" .‬وال عليسم حليسم" يعنسي عليسم بأهسل الميراث حليسم على أهسل الجهسل منكسم‪ .‬وقرأ بعسض‬
‫المتقدمين "وال عليم حكيم" [النساء‪ ]26 :‬يعني حكيم بقسمة الميراث والوصية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك حدود ال" و"تلك" بمعنسى هذه‪ ،‬أي هذه أحكام ال قسد بينهسا لكسم لتعرفوهسا‬
‫وتعملوا بها‪" .‬ومن يطع ال ورسوله" في قسمة المواريث فيقر بها ويعمل بها كما أمره ال تعالى‬
‫"يدخله جنات تجري من تحتها النهار" جملة في موضع نصب على النعت لجنات‪ .‬وقوله "ومن‬
‫يعص ال ورسوله" يريد في قسمة المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها "ويتعد حدوده" أي يخالف‬
‫أمره "يدخله نارا خالدا فيها"‪ .‬والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه‪ ،‬وإن أريد به الكبائر‬
‫وتجاوز أوامر ال تعالى فالخلود مستعار لمدة ما‪ .‬كما تقول‪ :‬خلد ال ملكه‪ .‬وقال زهير‪:‬‬
‫ول خالدا إل الجبال الرواسيا‬
‫وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر "ندخله" بالنون في الموضعين‪ ،‬على‬
‫معنسى الضافسة إلى نفسسه سسبحانه‪ .‬الباقون بالياء كلهمسا؛ لنسه سسبق ذكسر اسسم ال تعالى أي يدخله‬
‫ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 15 :‬واللتسي يأتيسن الفاحشسة مسن نسسائكم فاسستشهدوا عليهسن أربعسة منكسم فإن شهدوا‬
‫فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل}‬
‫@ لما ذكر ال تعالى في هذه السورة الحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن‪ ،‬وانجر المر‬
‫إلى ذكر ميراثهن مع مواريث الرجال‪ ،‬ذكر أيضا التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة‪ ،‬لئل‬
‫تتوهم المرأة أنه يسوغ لها ترك التعفف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واللتسي" "اللتسي" جمسع التسي‪ ،‬وهسو اسسم مبهسم للمؤنسث‪ ،‬وهسي معرفسة ول يجوز‬
‫نزع اللف واللم منسسه للتنكيسسر‪ ،‬ول يتسسم إل بصسسلته؛ وفيسسه ثلث لغات كمسسا تقدم‪ .‬ويجمسسع أيضسسا‬
‫"اللت" بحذف الياء وإبقاء الكسسرة؛ و"اللئي" بالهمزة وإثبات الياء‪ ،‬و"اللء" بكسسر الهمزة‬
‫وحذف الياء‪ ،‬و"الل" بحذف الهمزة‪ .‬فإن جمعسست الجمسسع قلت فسسي اللتسسي‪ :‬اللواتسسي‪ ،‬وفسسي اللء‪:‬‬
‫اللوائي‪ .‬وقسد روي عنهسم "اللوات" بحذف الياء وإبقاء الكسسرة؛ قال ابسن الشجري‪ .‬قال الجوهري‪:‬‬
‫أنشد أبو عبيد‪:‬‬
‫زعمن أن قد كبرت لدات‬ ‫من اللواتي والتي واللت‬
‫واللوا بإسقاط التاء‪ .‬وتصغير التي اللتيا بالفتح والتشديد؛ قال الراجز‪:‬‬
‫بعد اللتيا واللتيا والتي‬
‫وبعسسض الشعراء أدخسسل على "التسسي" حرف النداء‪ ،‬وحروف النداء ل تدخسسل على مسسا فيسسه اللف‬
‫واللم إل في قولنا‪ :‬يا ال وحده؛ فكأنه شبهها به من حيث كانت اللف واللم غير مفارقتين لها‪.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫وأنت بخيلة بالود عني‬ ‫من أجلك يالتي تيمت قلبي‬
‫ويقال‪ :‬وقع في اللتيا والتي؛ وهما اسمان من أسماء الداهية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يأتيسن الفاحشسة" الفاحشسة فسي هذا الموضسع الزنسا‪ ،‬والفاحشسة الفعلة القبيحسة‪ ،‬وهسي‬
‫مصدر كالعاقبة والعافية‪ .‬وقرأ ابن مسعود "بالفاحشة" بباء الجر‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬من نسائكم" إضافة في معنى السلم وبيان حال المؤمنات؛ كما قال "واستشهدوا‬
‫شهيدين من رجالكم" [البقرة‪ ]282 :‬لن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب ول يلحقها‬
‫هذا الحكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسستشهدوا عليهسن أربعسة منكسم" أي مسن المسسلمين‪ ،‬فجعسل ال الشهادة على الزنسا‬
‫خاصة أربعة تغليظا على المدعي وسترا على العباد‪ .‬وتعديل الشهود بالربعة في الزنا حكم ثابت‬
‫فسسي التوراة والنجيسسل والقرآن؛ قال ال تعالى‪" :‬والذيسسن يرمون المحصسسنات ثسسم لم يأتوا بأربعسسة‬
‫شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" [النور‪ ]4 :‬وقال هنا‪" :‬فاستشهدوا عليهن أربعة منكم"‪ .‬وروى أبو‬
‫داود عن جابر بن عبدال قال‪ :‬جاءت اليهود برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال‪ :‬النبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم (ائتونسي بأعلم رجليسن منكسم) فأتوه بابنسسي صسوريا فنشدهمسا‪( :‬كيسف تجدان أمسر هذيسن فسي‬
‫التوراة؟) قال‪ :‬نجسد فسي التوراة إذا شهسد أربعسة أنهسم رأوا ذكره فسي فرجهسا مثسل الميسل فسي المكحلة‬
‫رجما‪ .‬قال‪( :‬فما يمنعكما أن ترجموهما)؛ قال‪ :‬ذهب سلطاننا فكرهنا القتل؛ فدعا رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم بالشهود‪ ،‬فجاؤوا فشهدوا أنهسم رأوا ذكره فسي فرجهسا مثسل الميسل فسي المكحلة؛ فأمسر‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم برجمهمسا‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنمسا كان الشهود فسي الزنسا أربعسة ليترتسب‬
‫شاهدان على كسل واحسد مسن الزانييسن كسسائر الحقوق؛ إذ هسو حسق يؤخسذ مسن كسل واحسد منهمسا؛ وهذا‬
‫ضعيف؛ فإن اليمين تدخل في الموال واللوث في القسامة ول مدخل لواحد منهما هنا‪.‬‬
‫ول بسد أن يكون الشهود ذكورا؛ لقوله‪" :‬منكسم" ول خلف فيسه بيسن المسة‪ .‬وأن يكونوا عدول؛‬
‫لن ال تعالى شرط العدالة فسسي البيوع والرجعسسة‪ ،‬وهذا أعظسسم‪ ،‬وهسسو بذلك أولى‪ .‬وهذا مسسن حمسسل‬
‫المطلق على المقيد بالدليل‪ ،‬على ما هو مذكور في أصول الفقه‪ .‬ول يكونون ذمة‪ ،‬وإن كان الحكم‬
‫على ذمية‪ ،‬وسيأتي ذلك في "المائدة" وتعلق أبو حنيفة بقوله‪" :‬أربعة منكم" في أن الزوج إذا كان‬
‫أحد الشهود في القذف لم يلعن‪ .‬وسيأتي بيانه في "النور" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت" هذه أول عقوبات الزناة؛ وكان هذا في ابتداء‬
‫السسلم؛ قال عبادة بسن الصسامت والحسسن ومجاهسد حتسى نسسخ بالذى الذي بعده‪ ،‬ثسم نسسخ ذلك بآيسة‬
‫"النور" وبالرجسم فسي الثيسب‪ .‬وقالت فرقسة‪ :‬بسل كان اليذاء هسو الول ثسم نسسخ بالمسساك‪ ،‬ولكسن‬
‫التلوة أخرت وقدمت؛ ذكره ابن فورك‪ ،‬وهذا المساك والحبس في البيوت كان في صدر السلم‬
‫قبل أن يكثر الجناة‪ ،‬فلما كثروا وخشي قوتهم اتخذ لهم سجن؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء هل كان هذا السجن حدا أو وعدا بالحد على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه توعد بالحد‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه حد؛ قال ابن عباس والحسن‪ .‬زاد ابن زيد‪ :‬وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة‬
‫لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه‪ .‬وهذا يدل على أنه كان حدا بل أشد؛ غير أن ذلك الحكم كان‬
‫ممدودا إلى غايسة وهسو الذى فسي اليسة الخرى‪ ،‬على اختلف التأويليسن فسي أيهمسا قبسل؛ وكلهمسا‬
‫ممدود إلى غاية وهسي قوله عليسه السسلم فسي حديسث عبادة بن الصسامت‪( :‬خذوا عنسي خذوا عنسي قسد‬
‫جعسل ال لهسن سسبيل البكسر بالبكسر جلد مائة وتغريسب عام والثيسب بالثيسب جلد مائة والرجسم)‪ .‬وهذا‬
‫نحسو قوله تعالى‪" :‬ثسم أتموا الصسيام إلى الليسل" [البقرة‪ ]187 :‬فإذا جاء الليسل ارتفسع حكسم الصسيام‬
‫لنتهاء غايتسه ل لنسسخه‪ .‬هذا قول المحققيسن المتأخريسن مسن الصسوليين‪ ،‬فإن النسسخ إنمسا يكون فسي‬
‫القولين المتعارضين من كل وجه اللذين ل يمكن الجمع بينهما‪ ،‬والجمع ممكن بين الحبس والتعيير‬
‫والجلد والرجم‪ ،‬وقد قال بعض العلماء‪ :‬أن الذى والتعيير باق مع الجلد؛ لنهما ل يتعارضان بل‬
‫يحملن على شخص واحد‪ .‬وأما الحبس فمنسوخ بإجماع‪ ،‬وإطلق المتقدمين النسخ على مثل هذا‬
‫تجوز‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 16 :‬واللذان يأتيانهسا منكسم فآذوهمسا فإن تابسا وأصسلحا فأعرضوا عنهمسا إن ال كان‬
‫توابا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واللذان" "اللذان" تثنية الذي‪ ،‬وكان القياس أن يقال‪ :‬اللذيان كرحيان ومصطفيان‬
‫وشجيان‪ .‬قال سسسيبويه‪ :‬حذفسست الياء ليفرق بيسسن السسسماء المتمكنسسة والسسسماء المبهمات‪ .‬وقال أبسسو‬
‫علي‪ :‬حذفسست الياء تخفيفسسا‪ ،‬إذ قسسد أمسسن اللبسسس فسسي اللذان؛ لن النون ل تنحذف‪ ،‬ونون التثنيسسة فسسي‬
‫السسماء المتمكنسة قسد تنحذف مسع الضافسة فسي رحياك ومصسطفيا القوم؛ فلو حذفست الياء لشتبسه‬
‫المفرد بالثنيسن‪ .‬وقرأ ابسن كثيسر "اللذان" بتشديسد النون؛ وهسي لغسة قريسش؛ وعلتسه أنسه جعسل التشديسد‬
‫عوضا من ألف "ذا" على ما يأتي بيانه في سورة "القصص" عند قوله تعالى‪" :‬فذانك برهانان"‬
‫[القصص‪ .]32 :‬وفيها لغة أخرى "اللذا" بحذف النون‪ .‬هذا قول الكوفيين‪ .‬وقال البصريون‪ :‬إنما‬
‫حذفت النون لطول السم بالصلة‪ .‬وكذلك قرأ "هذان" و"فذانك برهانان" بالتشديد فيهما‪ .‬والباقون‬
‫بالتخفيسسف‪ .‬وشدد أبسسو عمرو "فذانسسك برهانان" وحدهسسا‪ .‬و"اللذان" رفسسع بالبتداء‪ .‬قال سسسيبويه‪:‬‬
‫المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها‪ ،‬أي الفاحشة "منكم"‪ .‬ودخلت الفاء في "فآذوهما" لن في‬
‫الكلم معنسى المسر؛ لنسه لمسا وصسل الذي بالفعسل تمكسن فيسه معنسى الشرط؛ إذ ل يقسع عليسه شيسء‬
‫بعينه‪ ،‬فلما تمكن الشرط والبهام فيه جرى مجرى الشرط فدخلت الفاء‪ ،‬ولم يعمل فيه ما قبله من‬
‫الضمار كمسسا ل يعمسسل فسسي الشرط مسسا قبله؛ فلمسسا لم يحسسسن إضمار الفعسسل قبلهمسسا لينصسسبا رفعسسا‬
‫بالبتداء؛ وهذا اختيار سيبويه‪ .‬ويجوز النصب على تقدير إضمار فعل‪ ،‬وهو الختيار إذا كان في‬
‫الكلم معنى المر والنهي نحو قولك‪ :‬اللذين عندك فأكرمهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآذوهمسا" قال قتادة والسسدي‪ :‬معناه التوبيسخ والتعييسر‪ .‬وقالت فرقسة‪ :‬هسو السسب‬
‫والجفاء دون تعييسسر‪ .‬ابسسن عباس‪ :‬النيسسل باللسسسان والضرب بالنعال‪ .‬قال النحاس‪ :‬وزعسسم قوم أنسسه‬
‫منسسوخ‪ .‬قلت‪ :‬رواه ابسن أبسي نجيسح عسن مجاهسد قال‪" :‬واللتسي يأتيسن الفاحشسة" و"اللذان يأتيانهسا"‬
‫كان فسسي أول المسسر فنسسختهما اليسة التسي فسسي "النور"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقيسل وهسو أولى‪ :‬إنسه ليسس‬
‫بمنسوخ‪ ،‬وأنه واجب أن يؤدبا بالتوبيخ فيقال لهما‪ :‬فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر ال عز وجل‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في تأويل قوله تعالى‪" :‬واللتي" وقوله‪" :‬واللذان" فقال مجاهد وغيره‪ :‬الية‬
‫الولى فسي النسساء عامسة محصسنات وغيسر محصسنات‪ ،‬واليسة الثانيسة فسي الرجال خاصسة‪ .‬وبيسن لفسظ‬
‫التثنية صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن؛ فعقوبة النساء الحبس‪ ،‬وعقوبة الرجال الذى‪.‬‬
‫وهذا قول يقتضيسه اللفسظ‪ ،‬ويسستوفي نسص الكلم أصسناف الزناة‪ .‬ويؤيده مسن جهسة اللفسظ قوله فسي‬
‫الولى‪" :‬مسن نسسائكم" وفسي الثانيسة "منكسم"؛ واختاره النحاس ورواه عسن ابسن عباس‪ .‬وقال السسدي‬
‫وقتادة وغيرهمسسا‪ :‬الولى فسسي النسسساء المحصسسنات‪ .‬يريسسد‪ :‬ودخسسل معهسسن مسسن أحصسسن مسسن الرجال‬
‫بالمعنسى‪ ،‬والثانيسة فسي الرجسل والمرأة البكريسن‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬ومعنسى هذا القول تام إل أن لفسظ‬
‫الية يقلق عنه‪ .‬وقد رجحه الطبري‪ ،‬وأباه النحاس وقال‪ :‬تغليب المؤنث على المذكر بعيد؛ لنه ل‬
‫يخرج الشيسسء إلى المجاز ومعناه صسسحيح فسسي الحقيقسسة‪ .‬وقيسسل‪ :‬كان المسسساك للمرأة الزانيسسة دون‬
‫الرجسل؛ فخصست المرأة بالذكسر فسي المسساك ثسم جمعسا فسي اليذاء‪ .‬قال قتادة‪ :‬كانست المرأة تحبسس‬
‫ويؤذيان جميعا؛ وهذا لن الرجل يحتاج إلى السعي والكتساب‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضسا فسي القول بمقتضسى حديسث عبادة الذي هسو بيان لحكام الزناة على مسا‬
‫بيناه؛ فقال بمقتضاه علي بسن أبسي طالب ل اختلف عنسه فسي ذلك‪ ،‬وأنسه جلد شراحسة الهمدانيسة مائة‬
‫ورجمهسا بعسد ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬جلدتهسا بكتاب ال ورجمتهسا بسسنة رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬وقال‬
‫بهذا القول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي وإسحاق‪ .‬وقال جماعة من العلماء‪ :‬بل على‬
‫الثيسسسب الرجسسسم بل جلد‪ .‬وهذا يروى عسسسن عمسسسر وهسسسو قول الزهري والنخعسسسي ومالك والثوري‬
‫والوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور؛ متمسكين بأن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما‪ ،‬وبقوله عليه السلم لنيس‪( :‬اغد على امرأة هذا فإن اعترفت‬
‫فارجمهسا) ولم يذكسر الجلد؛ فلو كان مشروعسا لمسا سسكت عنسه‪ .‬قيسل لهسم‪ :‬إنمسا سسكت عنسه؛ لنسه ثابست‬
‫بكتاب ال تعالى‪ ،‬فليسسس يمتنسسع أن يسسسكت عنسسه لشهرتسسه والتنصسسيص عليسسه فسسي القرآن؛ لن قوله‬
‫تعالى‪" :‬الزانيسة والزانسي فاجلدوا كسل واحسد منهمسا مائة جلدة" [النور‪ ]2 :‬يعسم جميسع الزناة‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬ويسسبين هذا فعسسل علي بأخذه عسسن الخلفاء رضسسي ال عنهسسم ولم ينكسسر عليسسه فقيسسل له‪ :‬عملت‬
‫بالمنسوخ وتركت الناسخ‪ .‬وهذا واضح‪.‬‬
‫@ واختلفوا فسي نفسي البكسر مسع الجلد؛ فالذي عليسه الجمهور أنسه ينفسى مسع الجلد؛ قاله الخلفاء‬
‫الراشدون‪ :‬أبسو بكسر وعمسر وعثمان وعلي‪ ،‬وهسو قول ابسن عمسر رضوان ال عليهسم أجمعيسن‪ ،‬وبسه‬
‫قال عطاء وطاوس وسسسفيان ومالك وابسسن أبسسي ليلى والشافعسسي وأحمسسد وإسسسحاق وأبسسو ثور‪ .‬وقال‬
‫بتركسسه حماد بسسن أبسسي سسسليمان وأبسسو حنيفسسة ومحمسسد بسسن الحسسسن‪ .‬والحجسسة للجمهور حديسسث عبادة‬
‫المذكور‪ ،‬وحديسث أبسي هريرة وزيسد بسن خالد‪ ،‬حديسث العسسيف وفيسه‪ :‬فقال النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪( :‬والذي نفسي بيده لقضين بينكما بكتاب ال أما غنمك وجاريتك فرد عليك) وجلد ابنه مائة‬
‫وغربه عاما‪ .‬أخرجه الئمة‪ .‬احتج من لم ير نفيه بحديث أبي هريرة في المة‪ ،‬ذكر فيه الجلد دون‬
‫النفي‪ .‬وذكر عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬غرب عمر ربيعة بن‬
‫أبي أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر؛ فقال عمر‪ :‬ل أغرب مسلما بعد هذا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو كان التغريسب حدا ل تعالى مسا تركسه عمسر بعسد‪ .‬ثسم إن النسص الذي فسي الكتاب إنمسا هسو‬
‫الجلد‪ ،‬والزيادة على النسص نسسخ؛ فيلزم عليسه نسسخ القاطسع بخسبر الواحسد‪ .‬والجواب‪ :‬أمسا حديسث أبسي‬
‫هريرة فإنما هو في الماء ل في الحرار‪ .‬وقد صح عن عبدال بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا‬
‫ونفاهسا‪ .‬وأمسا حديسث عمسر وقوله‪ :‬ل أغرب بعده مسسلما‪ ،‬فيعنسي فسي الخمسر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬لمسا رواه‬
‫نافع عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم ضرب وغرب‪ ،‬وأن أبا بكر ضرب وغرب‪ ،‬وأن‬
‫عمسر ضرب وغرب‪ .‬أخرجسه الترمذي فسي جامعسه‪ ،‬والنسسائي فسي سسننه عسن أبسي كريسب محمسد بسن‬
‫العل الهمدانسي عسن عبدال بسن إدريسس عسن عسبيدال بسن عمسر عسن نافسع‪ .‬قال الدارقطنسي‪ :‬تفرد بسه‬
‫عبدال بسن إدريسس ولم يسسنده عنسه أحسد مسن الثقات غيسر أبسي كريسب‪ ،‬وقسد صسح عسن النسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم النفي فل كلم لحد معه‪ ،‬ومن خالفته السنة خاصمته‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫وأمسا قولهسم‪ :‬الزيادة على النسص نسسخ‪ ،‬فليسس بمسسلم‪ ،‬بسل زيادة حكسم آخسر مسع الصسل‪ .‬ثسم هسو قسد‬
‫زاد الوضوء بالنسبيذ بخسبر لم يصسح على الماء‪ ،‬واشترط الفقسر فسي القربسى؛ إلى غيسر ذلك ممسا ليسس‬
‫منصوصا عليه في القرآن‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في البقرة ويأتي‪.‬‬
‫@ القائلون بالتغريب في يختلفوا في تغريب الذكر الحر‪ ،‬واختلفوا في تغريب العبد والمة؛ فممن‬
‫رأى التغريب فيهما ابن عمر جلد مملوكة له في الزنا ونفاها إلى فدك وبه قال الشافعي وأبو ثور‬
‫والثوري والطسبري وداود‪ .‬واختلف قول الشافعسي فسي نفسي العبسد‪ ،‬فمرة قال‪ :‬أسستخير ال فسي نفسي‬
‫العبد‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ينفى نصف سنة‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ينفى سنة إلى غير بلده؛ وبه قال الطبري‪.‬‬
‫واختلف أيضا قوله في نفي المة على قولين‪ .‬وقال مالك‪ :‬ينفى الرجل ول تنفى المرأة ول العبد‪،‬‬
‫ومسسن نفسسي حبسسس فسسي الموضسسع الذي ينفسسى إليسسه‪ .‬وينفسسى مسسن مصسسر إلى الحجاز وشغسسب وأسسسوان‬
‫ونحوها‪ ،‬ومن المدينة إلى خيبر وفدك؛ وكذلك فعل عمر بن عبدالعزيز‪ .‬ونفى علي من الكوفة إلى‬
‫البصسرة‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬أقسل ذلك يوم وليلة‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬كان أصسل النفسي أن بنسي إسسماعيل‬
‫أجمع رأيهم على أن من أحدث حدثا في الحرم غرب منه‪ ،‬فصارت سنة فيهم يدينون بها؛ فلجل‬
‫ذلك استن الناس إذا أحدث أحد حدثا غرب عن بلده‪ ،‬وتمادى ذلك في الجاهلية إلى أن جاء السلم‬
‫فأقره في الزنا خاصة‪ .‬احتج من لم ير النفي على العبد بحديث أبي هريرة في المة؛ ولن تغريبه‬
‫عقوبسة لمالكسه تمنعسه مسن منافعسه فسي مدة تغريبسه‪ ،‬ول يناسسب ذلك تصسرف الشرع‪ ،‬فل يعاقسب غيسر‬
‫الجانسي‪ .‬وأيضسا فقسد سسقط عنسه الجمعسة والحسج والجهاد الذي هسو حسق ل تعالى لجسل السسيد؛ فكذلك‬
‫التغريب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫والمرأة إذا غربست ربمسا يكون ذلك سسببا لوقوعهسا فيمسا أخرجست مسن سسببه وهسو الفاحشسة‪ ،‬وفسي‬
‫التغريسب سسبب لكشسف عورتهسا وتضييسع لحالهسا؛ ولن الصسل منعهسا مسن الخروج مسن بيتهسا وأن‬
‫صسلتها فيسه أفضسل‪ .‬وقال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬أعروا النسساء يلزمسن الحجال) فحصسل مسن هذا‬
‫تخصسسيص عموم حديسسث التغريسسب بالمصسسلحة المشهود لهسسا بالعتبار‪ .‬وهسسو مختلف فيسسه عنسسد‬
‫الصسوليين والنظار‪ .‬وشذت طائفسة فقالت‪ :‬يجمسع الجلد والرجسم على الشيسخ‪ ،‬ويجلد الشاب؛ تمسسكا‬
‫بلفسظ "الشيسخ" فسي حديسث زيسد بسن ثابست أنسه سسمع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول‪" :‬الشيسخ‬
‫والشيخسة إذا زنيسا فارجموهمسا البتسة" خرجسه النسسائي‪ .‬وهذا فاسسد؛ لنسه قسد سسماه فسي الحديسث الخسر‬
‫"الثيب"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تابسا" أي مسن الفاحشسة‪" .‬وأصسلحا" يعنسي العمسل فيمسا بعسد ذلك‪" .‬فأعرضوا‬
‫عنهمسا" أي اتركوا أذاهما وتعييرهمسا‪ .‬وإنما كان هذا قبسل نزول الحدود‪ .‬فلمسا نزلت الحدود نسسخت‬
‫هذه اليسة‪ .‬وليسس المراد بالعراض الهجرة‪ ،‬ولكنهسا متاركسة معرض؛ وفسي ذلك احتقار لهسم بسسبب‬
‫المعصية المتقدمة‪ ،‬وبحسب الجهالة في الية الخرى‪ .‬وال تواب أي راجع بعباده عن المعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 18 - 17 :‬إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب‬
‫فأولئك يتوب ال عليهسسم وكان ال عليمسسا حكيمسسا‪ ،‬وليسسست التوبسسة للذيسسن يعملون السسسيئات حتسسى إذا‬
‫حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن ول الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمسا التوبسة على ال" قيسل‪ :‬هذه اليسة عامسة لكسل مسن عمسل ذنبسا‪ .‬وقيسل‪ :‬لمسن جهسل‬
‫فقسسط‪ ،‬والتوبسسة لكسسل مسسن عمسسل ذنبسسا فسسي موضسسع آخسسر‪ .‬واتفقسست المسسة على أن التوبسسة فرض على‬
‫المؤمنين؛ لقوله تعالى‪" :‬وتوبوا إلى ال جميعا آيه المؤمنون"‪[ .‬النور‪ .]31 :‬وتصح من ذنب مع‬
‫القامسة على غيره مسن غيسر نوعه خلفسا للمعتزلة فسي قولهسم‪ :‬ل يكون تائبسا مسن أقام على ذنسب‪ .‬ول‬
‫فرق بيسن معصسية ومعصسية ‪ -‬هذا مذهسب أهسل السسنة‪ .‬وإذا تاب العبسد فال سسبحانه بالخيار إن شاء‬
‫قبلها‪ ،‬وإن شاء لم يقبلها‪ .‬وليس قبول التوبة واجبا على ال من طريق العقل كما قال المخالف؛ لن‬
‫مسن شرط الواجسب أن يكون أعلى رتبسة مسن الموجسب عليسه‪ ،‬والحسق سسبحانه خالق الخلق ومالكهسم‪،‬‬
‫والمكلف لهم؛ فل يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه‪ ،‬تعالى عن ذلك‪ ،‬غير أنه قد أخبر سبحانه‬
‫وهسو الصسادق فسي وعده بأنسه يقبسل التوبسة عسن العاصسين مسن عباده بقوله تعالى‪" :‬وهسو يقبسل التوبسة‬
‫عن عباده ويعفو عن السيئات" [الشورى‪.]25 :‬‬
‫وقوله‪" :‬ألم يعلموا أن ال هو يقبل التوبة عن عباده" [التوبة‪ ]104 :‬وقوله‪" :‬وإني لغفار لمن‬
‫تاب" [طسه‪ ]82 :‬فإخباره سسبحانه وتعالى عسن أشياء أوجبهسا على نفسسه يقتضسي وجوب تلك‬
‫الشياء‪ .‬والعقيدة أنسسه ل يجسسب عليسسه شيسسء عقل؛ فأمسسا السسسمع فظاهره قبول توبسسة التائب‪ .‬قال أبسسو‬
‫المعالي وغيره‪ :‬وهذه الظواهسر إنمسا تعطسي غلبسة ظسن‪ ،‬ل قطعسا على ال تعالى بقبول التوبسة‪ .‬قال‬
‫ابن عطية‪ :‬وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى‪ .‬فإذا فرضنا رجل قد تاب توبة نصوحا‬
‫تامسسة الشروط فقال أبسسو المعالي‪ :‬يغلب على الظسسن قبول توبتسسه‪ .‬وقال غيره‪ :‬يقطسسع على ال تعالى‬
‫بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وكان أبي رحمه ال يميل إلى هذا القول‬
‫ويرجحسه‪ ،‬وبسه أقول‪ ،‬وال تعالى أرحسم بعباده مسن أن ينخرم فسي هذا التائب المفروض معنسى قوله‪:‬‬
‫"وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" [الشورى‪ ]25 :‬وقوله تعالى‪" :‬وإني لغفار" [طه‪ .]82 :‬وإذا‬
‫تقرر هذا فاعلم أن فسسي قوله "على ال" حذفسسا وليسسس على ظاهره‪ ،‬وإنمسسا المعنسسى على فضسسل ال‬
‫ورحمته بعباده‪ .‬وهذا نحو قوله صلى ال عليه وسلم لمعاذ‪( :‬أتدري ما حق العباد على ال) ؟ قال‪:‬‬
‫ال ورسوله أعلم‪ .‬قال‪( :‬أن يدخلهم الجنة)‪ .‬فهذا كله معناه‪ :‬على فضله ورحمته بوعده الحق وقوله‬
‫الصسدق‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬كتسب على نفسسه الرحمسة" [النعام‪ ]12 :‬أي وعسد بهسا‪ .‬وقيسل‪" :‬على"‬
‫ههنسا معناهسا "عنسد" والمعنسى واحسد‪ ،‬التقديسر‪ :‬عنسد ال‪ ،‬أي إنسه وعسد ول خلف فسي وعده أنسه يقبسل‬
‫التوبسة إذا كانست بشروطهسا المصسححة لهسا؛ وهسي أربعسة‪ :‬الندم بالقلب‪ ،‬وترك المعصسية فسي الحال‪،‬‬
‫والعزم على أل يعود إلى مثلهسا‪ ،‬وأن يكون ذلك حياء مسن ال تعالى ل مسن غيره؛ فإذا اختسل شرط‬
‫من هذه الشروط لم تصح التوبة‪ .‬وقد قيل من شروطها‪ :‬العتراف بالذنب وكثرة الستغفار‪ ،‬وقد‬
‫تقدم فسي "آل عمران" كثيسر من معانسي التوبة وأحكامهسا‪ .‬ول خلف فيما أعلمه أن التوبة ل تسسقط‬
‫حدا؛ ولهذا قال علماؤنسا‪ :‬إن السسارق والسسارقة والقاذف متسى تابوا وقامست الشهادة عليهسم أقيمست‬
‫عليهم الحدود‪ .‬وقيل‪" :‬على" بمعنى "من" أي إنما التوبة من ال للذين؛ قاله أبو بكر بن عبدوس‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وسيأتي في "التحريم" الكلم في التوبة النصوح والشياء التي يتاب منها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذيسن يعملون السسوء بجهالة" السسوء فسي هذه اليسة‪ ،‬و"النعام"‪" .‬أنسه مسن عمسل‬
‫منكسم سسوءا بجهالة" [النعام‪ ]54 :‬يعسم الكفسر والمعاصسي؛ فكسل مسن عصسى ربسه فهسو جاهسل حتسى‬
‫ينزع عن معصيته‪ .‬قال قتادة‪ :‬أجمع أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم على أن كل معصية فهي‬
‫بجهالة‪ ،‬عمدا كانسست أو جهل؛ وقال ابسسن عباس وقتادة والضحاك ومجاهسسد والسسسدي‪ .‬وروي عسسن‬
‫الضحاك ومجاهسسد أنهمسسا قال‪ :‬الجهالة هنسسا العمسسد‪ .‬وقال عكرمسسة‪ :‬أمور الدنيسسا كلهسسا جهالة؛ يريسسد‬
‫الخاصسة بهسسا الخارجسة عسن طاعسة ال‪ .‬وهذا القول جار مسع قوله تعالى‪" :‬إنمسا الحياة الدنيسسا لعسسب‬
‫ولهو" [محمد‪ .]36 :‬وقال الزجاج‪ :‬يعني قوله "بجهالة" اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية‪.‬‬
‫وقيسل‪" :‬بجهالة" أي ل يعلمون كنسه العقوبسة؛ ذكره ابسن فورك‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وضعسف قوله هذا‬
‫ورد عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثسم يتوبون مسن قريسب" قال ابسن عباس والسسدي‪ :‬معناه قبسل المرض والموت‪.‬‬
‫وروي عسن الضحاك أنسه قال‪ :‬كسل مسا كان قبسل الموت فهسو قريسب‪ .‬وقال أبسو مجلز والضحاك أيضسا‬
‫وعكرمسة وابسن زيسد وغيرهسم‪ :‬قبسل المعاينسة للملئكسة والسسوق‪ ،‬وأن يغلب المرء على نفسسه‪ .‬ولقسد‬
‫أحسن محمود الوراق حيث قال‪:‬‬
‫قبل الممات وقبل حبس اللسن‬ ‫قدم لنفسك توبة مرجوة‬
‫ذخر وغنم للمنيب المحسن‬ ‫بادر بها غلق النفوس فإنها‬
‫قال علماؤنا رحمهم ال‪ :‬وإنما صحت التوبة منه في هذا الوقت؛ لن الرجاء باق ويصح منه الندم‬
‫والعزم على ترك الفعل‪ .‬وقد روى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن‬
‫ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬ومعنى ما لم يغرغر‪ :‬ما لم تبلغ‬
‫روحسه حلقومسه؛ فيكون بمنزلة الشيسء الذي يتغرغسر بسه‪ .‬قال الهروي وقيسل‪ :‬المعنسى يتوبون على‬
‫قرب عهسد مسن الذنسب مسن غيسر إصسرار‪ .‬والمبادر فسي الصسحة أفضسل‪ ،‬وألحسق لمله مسن العمسل‬
‫الصالح‪ .‬والبعد كل البعد الموت؛ كما قال‪:‬‬
‫وأين مكان البعد إل مكانيا‬
‫وروى صسالح المري عسن الحسسن قال‪ :‬مسن عيسر أخاه بذنسب قسد تاب إلى ال منسه ابتله ال بسه‪ .‬وقال‬
‫الحسسن أيضسا‪ :‬إن إبليسس لمسا هبسط قال‪ :‬بعزتسك ل أفارق ابسن آدم مسا دام الروح فسي جسسده‪ .‬قال ال‬
‫تعالى‪( :‬فبعزتي ل أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليست التوبة" نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار‬
‫فسسي حيسسن اليأس؛ كمسسا كان فرعون حيسسن صسسار فسسي غمرة الماء والغرق فلم ينفعسسه مسسا أظهسسر مسسن‬
‫اليمان؛ لن التوبسة فسي ذلك الوقست ل تنفسع‪ ،‬لنهسا حال زوال التكليسف‪ .‬وبهذا قال ابسن عباس وابسن‬
‫زيد وجمهور المفسرين‪ .‬وأما الكفار يموتون على كفرهم فل توبة لهم في الخرة‪ ،‬وإليهم الشارة‬
‫بقوله تعالى‪" :‬أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما" وهو الخلود‪ .‬وإن كانت الشارة بقوله إلى الجميع فهو‬
‫فسي جهسة العصساة عذاب ل خلود معسه؛ وهذا على أن السسيئات مسا دون الكفسر؛ أي ليسست التوبسة لمسن‬
‫عمل دون الكفر من السيئات ثسم تاب عند الموت‪ ،‬ول لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة‪ .‬وقسد قيسل‪:‬‬
‫إن السسيئات هنسا الكفسر‪ ،‬فيكون المعنسى وليسست التوبسة للكفار الذيسن يتوبون عنسد الموت‪ ،‬ول للذيسن‬
‫يموتون وهسم كفار‪ .‬وقال أبسو العاليسة‪ :‬نزل أول اليسة فسي المؤمنيسن "إنمسا التوبسة على ال"‪ .‬والثانيسة‬
‫في المنافقين‪" .‬وليست التوبة للذين يعملون السيئات" يعني قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم‪.‬‬
‫"حتى إذا حضر أحدهم الموت" يعني الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت‪" .‬قال إني تبت الن"‬
‫فليسس لهذا توبسة‪ .‬ثسم ذكسر توبسة الكفار فقال تعالى‪" :‬ول الذيسن يموتون وهسم كفار أولئك أعتدنسا لهسم‬
‫عذابا أليما" أي وجيعا دائما‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 19 :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا ول تعضلوهسن لتذهبوا‬
‫ببعسض مسا آتيتموهسن إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة وعاشروهسن بالمعروف فإن كرهتموهسن فعسسى أن‬
‫تكرهوا شيئا ويجعل ال فيه خيرا كثيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" هذا متصسل بمسا تقدم ذكره مسن الزوجات‪.‬‬
‫والمقصسود نفسي الظلم عنهسن وإضرارهسن؛ والخطاب للولياء‪ .‬و"أن" فسي موضسع رفسع بسس "يحسل"؛‬
‫أي ل يحسل لكسم وراثسة النسساء‪ .‬و"كرهسا" مصسدر فسي موضسع الحال‪ .‬واختلفست الروايات وأقوال‬
‫المفسسرين فسي سسبب نزولهسا؛ فروى البخاري عسن ابسن عباس "يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن‬
‫ترثوا النسساء كرهسا ول تعضلوهسن لتذهبوا ببعسض مسا آتيتموهسن" قال‪ :‬كانوا إذا مات الرجسل كان‬
‫أولياؤه أحسق بامرأتسه‪ ،‬إن شاء بعضهسسم تزوجهسا‪ ،‬وإن شاؤوا زوجوهسا‪ ،‬وإن شاؤوا لم يزوجوهسا‪،‬‬
‫فهسم أحسق بهسا مسن أهلهسا فنزلت هذه اليسة فسي ذلك‪ .‬وأخرجسه أبسو داود بمعناه‪ .‬وقال الزهري وأبسو‬
‫مجلز‪ :‬كان مسن عادتهسم إذا مات الرجسل يلقسي ابنسه مسن غيرهسا أو أقرب عصسبته ثوبسه على المرأة‬
‫فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إل الصداق الذي أصدقها‬
‫الميت‪ ،‬وان شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما‬
‫ورثتسه مسن الميست أو تموت فيرثهسا‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا‬
‫النسساء كرهسا"‪ .‬فيكون المعنسى‪ :‬ل يحسل لكسم أن ترثوهسن مسن أزواجهسن فتكونوا أزواجسا لهسن‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫كان الوارث إن سسبق فألقسى عليهسا ثوبسا فهسو أحسق بهسا‪ ،‬وإن سسبقته فذهبست إلى أهلهسا كانست أحسق‬
‫بنفسسسها؛ قال السسسدي‪ .‬وقيسسل‪ :‬كان يكون عنسسد الرجسسل عجوز ونفسسسه تتوق إلى الشابسسة فيكره فراق‬
‫العجوز لمالها فيمسكها ول يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها‪ .‬فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫وأمسسر الزوج أن يطلقهسسا إن كره صسسحبتها ول يمسسسكها كرهسسا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ل يحسسل لكسسم أن‬
‫ترثوا النسساء كرهسا"‪ .‬والمقصسود مسن اليسة إذهاب مسا كانوا عليسه فسي جاهليتهسم‪ ،‬وأل تجعسل النسساء‬
‫كالمال يورثسسن عسسن الرجال كمسسا يورث المال‪" .‬وكرهسسا" بضسسم الكاف قراءة حمزة والكسسسائي‪،‬‬
‫الباقون بالفتسح‪ ،‬وهمسا لغتان‪ .‬وقال القتسبي‪ :‬الكره (بالفتسح) بمعنسى الكراه‪ ،‬والكره (بالضسم) المشقسة‪.‬‬
‫يقال‪ :‬لتفعل ذلك طوعا أو كرها‪ ،‬يعني طائعا أو مكرها‪ .‬والخطاب للولياء‪ .‬وقيل‪ :‬لزواج النساء‬
‫إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية إرثها‪ ،‬أو يفتدين ببعض مهورهن‪ ،‬وهذا أصح‪ .‬واختاره ابن‬
‫عطيسة قال‪ :‬ودليسل ذلك قوله تعالى‪" :‬إل أن يأتيسن بفاحشسة) وإذا أتست بفاحشسة فليسس للولي حبسسها‬
‫حتى يذهب بمالها إجماعا من المة‪ ،‬وإنما ذلك للزوج‪ ،‬على ما يأتي بيانه في المسألة بعد هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تعضلوهسن" قسد تقدم معنسى العضسل وأنسه المنسع فسي "البقرة"‪" .‬إل أن يأتيسن‬
‫بفاحشة مبينة" اختلف الناس في معنى الفاحشة؛ فقال الحسن‪ :‬هو الزنا‪ ،‬وإذا زنت البكر فإنها تجلد‬
‫مائة وتنفسى سسنة‪ ،‬وترد إلى زوجهسا مسا أخذت منه‪ .‬وقال أبسو قلبسة؛ إذا زنست امرأة الرجسل فل بأس‬
‫أن يضارهسا ويشسق عليهسا حتسى تفتدي منسه‪ .‬وقال السسدي‪ :‬إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهسن‪ .‬وقال ابسن‬
‫سيرين وأبو قلبة‪ :‬ل يحل له أن يأخذ منها فدية إل أن يجد على بطنها رجل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إل‬
‫أن يأتين بفاحشة مبينة"‪ .‬وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة‪ :‬الفاحشة المبينة في هذه‬
‫اليسة البغسض والنشوز‪ ،‬قالوا‪ :‬فإذا نشزت حسل له أن يأخسذ مالهسا؛ وهذا هسو مذهسب مالك‪ .‬قال ابسن‬
‫عطيسة‪ :‬إل أنسي ل أحفسظ له نصسا فسي الفاحشسة فسي اليسة‪ .‬وقال قوم‪ :‬الفاحشسة البذاء باللسسان وسسوء‬
‫العشرة قول وفعل؛ وهذا فسي معنسى النشوز‪ .‬ومسن أهسل العلم مسن يجيسز أخسذ المال مسن الناشسز على‬
‫جهسسة الخلع؛ إل أنسسه يرى أل يتجاوز مسسا أعطاهسسا ركونسسا إلى قوله تعالى‪" :‬لتذهبوا ببعسسض مسسا‬
‫آتيتموهن"‪ .‬وقال مالك وجماعة من أهل العلم‪ :‬للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك‪ .‬قال ابن‬
‫عطيسة‪ :‬والزنسا أصسعب على الزوج مسن النشوز والذى‪ ،‬وكسل ذلك فاحشسة تحسل أخسذ المال‪ .‬قال أبسو‬
‫عمسر‪ :‬قول ابسن سسيرين وأبسي قلبسة عندي ليسس بشيسء؛ لن الفاحشسة قسد تكون البذاء والذى؛ ومنسه‬
‫قيسسل للبذيسسء‪ :‬فاحسسش ومتفحسسش‪ ،‬وعلى أنسسه لو أطلع منهسسا على الفاحشسسة كان له لعانهسسا‪ ،‬وإن شاء‬
‫طلقهسا؛ وأمسا أن يضارهسا حتسى تفتدي منسه بمالهسا فليسس له ذلك‪ ،‬ول أعلم أحدا قال‪ :‬له أن يضارهسا‬
‫ويسيء إليها حتى تختلع منه إذا وجدها تزني غير أبي قلبة‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال ال عز وجل‪" :‬فإن‬
‫خفتم أل يقيما حدود ال" [البقرة‪ ]229 :‬يعني في حسن العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها‬
‫"فل جناح عليهما فيما افتدت به" [البقرة‪ ]229 :‬وقال ال عز وجل‪" :‬فإن طبن لكم عن شيء‬
‫منسه نفسسا فكلوه هنيئا مريئا" [النسساء‪ ]4 :‬فهذه اليات أصسل هذا الباب‪ .‬وقال عطاء الخراسساني‪:‬‬
‫كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها‪ ،‬فنسخ ذلك بالحدود‪ .‬وقول‬
‫رابسع "إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة "إل أن يزنيسن فيحبسسن فسي البيوت‪ ،‬فيكون هذا قبسل النسسخ‪ ،‬وهذا‬
‫في معنى قول عطاء‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫@ وإذا تنزلنا على القول بأن المراد بالخطاب في العضل الولياء ففقهه أنه متى صح في ولي‬
‫أنسه عاضسل نظسر القاضسي فسي أمسر المرأة وزوجهسا‪ .‬إل الب فسي بناتسه؛ فإنسه إن كان فسي عضله‬
‫صسسلح فل يعترض‪ ،‬قول واحدا‪ ،‬وذلك بالخاطسسب والخاطسسبين وإن صسسح عضله ففيسسه قولن فسسي‬
‫مذهب مالك‪ :‬أنه كسائر الولياء‪ ،‬يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه‪ .‬والقول الخر‬
‫‪ -‬ل يعرض له‪ :‬يجوز أن يكون "تعضلوهن" جزما على النهى‪ ،‬فتكون الواو عاطفة جملة كلم‬
‫مقطوعة من الولى‪ ،‬ويجوز أن يكون نصبا عطفا على "أن ترثوا" فتكون الواو مشتركسة عطفست‬
‫فعل على فعسسل‪ .‬وقرأ ابسسن مسسسعود "ول أن تعضلوهسسن" فهذه القراءة تقوي احتمال النصسسب‪ ،‬وأن‬
‫العضل مما ل يجوز بالنص‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مبينة" بكسر الياء قراءة نافع وأبي عمرو‪ ،‬والباقون بفتح الياء‪ .‬وقرأ ابن عباس‬
‫"مبينة" بكسر الباء وسكون الياء‪ ،‬من أبان الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬أبان المسر بنفسه‪ ،‬وأبنته وبين وبينته‪،‬‬
‫وهذه القراءات كلها لغات فصيحة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعاشروهسن بالمعروف" أي على مسا أمسر ال بسه مسن حسسن المعاشرة‪ .‬والخطاب‬
‫للجميع‪ ،‬إذ لكل أحد عشرة‪ ،‬زوجا كان أو وليا؛ ولكن المراد بهذا المر في الغلب الزواج‪ ،‬وهو‬
‫مثسل قوله تعالى‪" :‬فإمسساك بمعروف" [البقرة‪ .]229 :‬وذلك توفيسة حقهسا مسن المهسر والنفقسة‪ ،‬وأل‬
‫يعبسس فسي وجههسا بغيسر ذنسب‪ ،‬وأن يكون منطلقسا فسي القول ل فظسا ول غليظسا ول مظهرا ميل إلى‬
‫غيرها‪ .‬والعشرة‪ :‬المخالطة والممازجة‪ .‬ومنه قول طرفة‪:‬‬
‫لعلى عهد حبيب معتشر‬ ‫فلئن شطت نواها مرة‬
‫جعسسل الحسسبيب‪ .‬جمعسسا كالخليسسط والغريسسق‪ .‬وعاشره معاشرة‪ ،‬وتعاشسسر القوم واعتشروا‪ .‬فأمسسر ال‬
‫سسبحانه بحسسن صسحبة النسساء إذا عقدوا عليهسن لتكون أدمسة مسا بينهسم وصسحبتهم على الكمال‪ ،‬فإنسه‬
‫أهدأ للنفسس وأهنسأ للعيسش‪ .‬وهذا واجسب على الزوج ول يلزمسه فسي القضاء‪ .‬وقال بعضهسم‪ :‬هسو أن‬
‫يتصنع لها كما تتصنع له‪ .‬وقال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي‪ :‬أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي‬
‫في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي‬
‫ودهنتني بالطيب‪ ،‬وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن‪ .‬وقال ابن عباس رضي ال عنه‪ :‬إني أحب‬
‫أن أتزيسن لمرأتسي كمسا أحسب أن تتزيسن المرأة لي‪ .‬وهذا داخسل فيمسا ذكرناه‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وإلى‬
‫معنى الية ينظر قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فاستمتع بها وفيها عوج) أي ل يكن منك سوء‬
‫عشرة مع اعوجاجها؛ فعنها تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق‪ ،‬وهو سبب الخلع‪.‬‬
‫@ واسستدل علماؤنسا بقوله تعالى‪" :‬وعاشروهسن بالمعروف" على أن المرأة إذا كانست ل يكفيهسا‬
‫خادم واحسد أن عليسه أن يخدمهسا قدر كفايتهسا‪ ،‬كابنسة الخليفسة والملك وشبههمسا ممسن ل يكفيهسا خادم‬
‫واحسد‪ ،‬وأن ذلك هسو المعاشرة بالمعروف‪ .‬وقال الشافعسي وأبسو حنيفسة‪ :‬ل يلزمسه إل خادم واحسد ‪-‬‬
‫وذلك يكفيهسا خدمسة نفسسها‪ ،‬وليسس فسي العالم امرأة إل وخادم واحسد يكفيهسا؛ وهذا كالمقاتسل تكون له‬
‫أفراس عدة فل يسسهم له إل لفرس واحسد؛ لنسه ل يمكنسه القتال إل على فرس واحسد‪ .‬قال علماؤنسا‪:‬‬
‫وهذا غلط؛ لن مثسل بنات الملوك اللتسي لهسن خدمسة كثيرة ل يكفيهسا خادم واحسد؛ لنهسا تحتاج مسن‬
‫غسل ثيابها لصلح مضجعها وغير ذلك إلى ما ل يقوم به الواحد‪ ،‬وهذا بين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كرهتموهن" أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز؛ فهذا‬
‫يندب فيه إلى الحتمال‪ ،‬فعسى أن يؤول المر إلى أن يرزق ال منها أولدا صالحين‪ .‬و"أن" رفع‬
‫بس "عسى" وأن والفعل مصدر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪( :‬ل يفرك مؤمسن مؤمنسة إن كره منهسا خلقسا رضسي منهسا آخسر) أو قال (غيره)‪ .‬المعنسى‪:‬‬
‫أي ل يبغضهسسا بغضسسا كليسسا يحمله على فراقهسسا‪ .‬أي ل ينبغسسي له ذلك بسسل يغفسسر سسسيئتها لحسسسنتها‬
‫ويتغاضى عما يكره لما يحب‪ .‬وقال مكحول‪ :‬سمعت ابن عمر يقول‪ :‬إن الرجل ليستخير ال تعالى‬
‫فيخار له‪ ،‬فيسخط على ربه عز وجل فل يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له‪ .‬وذكر ابن‬
‫العربسي قال أخسبرني أبسو القاسسم بسن حسبيب بالمهديسة‪ ،‬عسن أبسي القاسسم السسيوري عسن أبسي بكسر بسن‬
‫عبدالرحمسن حيسث قال‪ :‬كان الشيسخ أبسو محمسد بسن أبسي زيسد مسن العلم والديسن فسي المنزلة والمعرفسة‪.‬‬
‫وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها؛ فيقال له في أمرها ويعذل‬
‫بالصبر عليها‪ ،‬فكان يقول‪ :‬أنا رجل قد أكمل ال علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت‬
‫يمينسي‪ ،‬فلعلهسا بعثست عقوبسة على ذنسبي فأخاف إن فارقتهسا أن تنزل بسي عقوبسة هسي أشسد منهسا‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬في هذا دليل على كراهة الطلق مع الباحة‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬إن ال ل يكره شيئا أباحه إل الطلق والكل وإن ال ليبغض المِعى إذا امتل)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 21 - 20 :‬وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا‬
‫منسه شيئا أتأخذونسه بهتانسا وإثمسا مبينسا‪ ،‬وكيسف تأخذونسه وقسد أفضسى بعضكسم إلى بعسض وأخذن منكسم‬
‫ميثاقا غليظا}‬
‫@ لما مضى في الية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة‪ ،‬وأن للزوج أخذ المال منها عقب‬
‫ذلك بذكسر الفراق الذي سسببه الزوج‪ ،‬وبيسن أنسه إذا أراد الطلق مسن غيسر نشوز وسسوء عشرة فليسس‬
‫له أن يطلب منها مال‪.‬‬
‫واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهمسسسا نشوز وسسسسوء عشرة؛ فقال مالك‬
‫رضي ال عنه‪ :‬للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ول يراعى تسببه هو‪ .‬وقال جماعة من‬
‫العلماء‪ :‬ل يجوز له أخذ المال إل أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتيتم إحداهن قنطارا" فيها دليل على جواز المغالة في المهور؛ لن ال تعالى‬
‫ل يمثسل إل بمباح‪ .‬وخطسب عمسر رضسي ال عنسه فقال‪ :‬أل ل تغالوا فسي صسدقات النسساء فإنهسا لو‬
‫كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند ال لكان أولكم بها رسول ال؛ ما أصدق قط امرأة من نسائه‬
‫ول بناته فوق اثنتي عشرة أوقية‪ .‬فقامت إليه امرأة فقالت‪ :‬يا عمر‪ ،‬يعطينا ال وتحرمنا! أليس ال‬
‫سسبحانه وتعالى يقول‪" :‬وآتيتسم إحداهسن قنطارا فل تأخذوا منسه شيئا" ؟ فقال عمسر‪ :‬أصسابت امرأة‬
‫وأخطسأ عمسر‪ .‬وفسي روايسة فأطرق عمسر ثسم قال‪ :‬كسل الناس أفقسه منسك يسا عمسر !‪ .‬وفسي أخرى‪ :‬امرأة‬
‫أصابت ورجل أخطأ‪ .‬وترك النكار‪ .‬أخرجه أبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي العجفاء‬
‫السلمي قال‪ :‬خطب عمر الناس‪ ،‬فذكره إلى قوله‪ :‬اثنتي عشرة أوقية‪ ،‬ولم يذكر‪ :‬فقامت إليه امرأة‪.‬‬
‫إلى آخره‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في سننه عن أبي العجفاء‪ ،‬وزاد بعد قوله‪ :‬أوقية‪ .‬وأن الرجل ليثقل‬
‫صدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه‪ ،‬ويقول‪ :‬قد كلفت إليك علق القربة ‪ -‬أو عرق القربة؛‬
‫وكنست رجل عربيسا مولدا مسا أدري مسا علق القربسة أو عرق القربسة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وعلق القربسة‬
‫لغسة فسي عرق القربسة‪ .‬قال غيره‪ :‬ويقال علق القربسة عصسامها الذي تعلق به‪ .‬يقول كلفت إليسك حتسى‬
‫عصام القربة‪ .‬وعرق القربة ماؤها؛ يقول‪ :‬جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القربة‪،‬‬
‫وهسو ماؤهسا فسي السسفر‪ .‬ويقال‪ :‬بسل عرق القربسة أن يقول‪ :‬نصسبت لك وتكلفست حتسى عرقست عرق‬
‫القربسة‪ ،‬وهسو سسيلنها‪ .‬وقيسل‪ :‬إنهسم كانوا يتزودون الماء فيعلقونسه على البسل يتناوبونسه فيشسق على‬
‫الظهسر؛ ففسسر بسه اللفظان‪ :‬العرق والعلق‪ .‬وقال الصسمعي‪ :‬عرق القربسة كلمسة معناهسا الشدة‪ .‬قال‪:‬‬
‫ول أدري مسا أصسلها‪ .‬قال الصسمعي‪ :‬وسسمعت ابسن أبسي طرفسة وكان مسن أفصسح مسن رأيست يقول‪:‬‬
‫سمعت شيخاننا يقولون‪ :‬لقيت من فولن عرق القربة‪ ،‬يعنون الشدة‪ .‬وأنشدني لبن الحمر‪:‬‬
‫عرق السقاء على القعود اللغب‬ ‫ليست بمشتمة تعد وعفوها‬
‫قال أبسو عبيسد‪ :‬أراد أنسه يسسمع الكلمسة تغيظسه وليسست بشتسم فيؤاخسذ صساحبها بهسا‪ ،‬وقسد أبلغست إليسه‬
‫كعرق القربة‪ ،‬فقال‪ :‬كعرق السقا لما لم يمكنه الشعر؛ ثم قال‪ :‬على القعود اللغب‪ ،‬وكان معناه أن‬
‫تعلق القربة على القعود في أسفارهم‪ .‬وهذا المعنى شبيه بما كان الفراء يحكيه؛ زعم أنهم كانوا في‬
‫المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على البل يتناوبونه؛ فكان في ذلك تعب ومشقة على‬
‫الظهسسر‪ .‬وكان الفراء يجعسسل هذا التفسسسير فسسي علق القربسسة باللم‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تعطسسى اليسسة جواز‬
‫المغالة بالمهور؛ لن التمثيسسل بالقنطار إنمسسا هسسو على جهسسة المبالغسسة؛ كأنسسه قال‪ :‬وآتيتسسم هذا القدر‬
‫العظيم الذي ل يؤتيه أحد‪ .‬وهذا كقوله‪( :‬من بنى ل مسجدا ولو كمفحص قطاة بنسى ال له بيتا فسي‬
‫الجنسة)‪ .‬ومعلوم أنسه ل يكون مسسجد كمفحسص قطاة‪ .‬وقسد قال صسلى ال عليسه وسسلم لبسن أبسي حدرد‬
‫وقسد جاء يسستعينه فسي مهره‪ ،‬فسسأله عنسه فقال‪ :‬مائتيسن؛ فغضسب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫وقال‪( :‬كأنكسم تقطعون الذهسب والفضسة مسن عرض الحرة أو جبسل)‪ .‬فاسستقرأ بعسض الناس مسن هذا‬
‫منسع المغالة بالمهور؛ وهذا ل يلزم‪ ،‬وإنكار النسبي صسلى ال عليسه وسسلم على هذا الرجسل المتزوج‬
‫ليس إنكارا لجل المغالة والكثار في المهور‪ ،‬وإنما النكار لنه كان فقيرا في تلك الحال فأحوج‬
‫نفسه إلى الستعانة والسؤال‪ ،‬وهذا مكروه باتفاق‪ .‬وقد أصدق عمر أم كلثوم بنت علي من فاطمة‬
‫رضوان ال عليهم أربعين ألف درهم‪ .‬وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسسسلم قال لرجسسل‪( :‬أترضسسى أن أزوجسسك فلنسسة) ؟ قال‪ :‬نعسسم‪ .‬وقال للمرأة‪( :‬أترضيسسن أن أزوجسسك‬
‫فلنا) ؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬فزوج أحدهما من صاحب؛ فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها‬
‫شيئا‪ ،‬وكان ممسن شهسد الحديبيسة وله سسهم بخيسبر؛ فلمسا حضرتسه الوفاة قال‪ :‬إن رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم زوجني فلنة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا‪ ،‬وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من‬
‫صداقها سهمي بخيبر؛ فأخذت سهمها فباعته بمائة ألف‪ .‬وقد أجمع العلماء على أل تحديد في أكثر‬
‫الصسداق؛ لقوله تعالى‪" :‬وآتيتسم إحداهسن قنطارا" واختلفوا فسي أقله‪ ،‬وسسيأتي عنسد قوله تعالى‪" :‬أن‬
‫تبتغوا بأموالكسم" [النسساء‪ .]24 :‬ومضسى القول فسي تحديسد القنطار فسي "آل عمران"‪ .‬وقرأ ابسن‬
‫محيصن "وآتيتم احداهن" بوصل ألف "إحداهن" وهي لغة؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وتسمع من تحت العجاج لها ازمل‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫إن لم أقاتل فألبسوني برقعا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تأخذوا منسه شيئا" قال بكسر بسن عبدال المزنسي‪ :‬ل يأخسذ الزوج مسن المختلعسة‬
‫شيئا؛ لقول ال تعالى‪" :‬فل تأخذوا"‪ ،‬وجعلهسسا ناسسسخة ليسسة "البقرة"‪ .‬وقال ابسسن زيسسد وغيره‪ :‬هسسي‬
‫منسسسوخة بقوله تعالى فسسي سسسورة البقرة "ول يحسسل لكسسم أن تأخذوا ممسسا آتيتموهسسن شيئا" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]229‬والصسحيح أن هذه اليات محكمسة وليسس فيهسا ناسسخ ول منسسوخ وكلهسا يبنسى بعضهسا على‬
‫بعسض‪ .‬قال الطسبري‪ :‬هسي محكمسة‪ ،‬ول معنسى لقول بكسر‪ :‬إن أرادت هسي العطاء؛ فقسد جوز النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم لثابست أن يأخسذ مسن زوجتسه مسا سساق إليهسا‪" .‬بهتانسا" مصسدر فسي موضسع الحال‬
‫"وإثما" معطوف عليه "مبينا" من نعته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض" تعليل لمنع الخذ مع الخلوة‪ .‬وقال‬
‫بعضهسسم‪ :‬الفضاء إذا كان معهسسا فسسي لحاف واحسسد جامسسع أو لم يجامسسع؛ حكاه الهروي وهسسو قول‬
‫الكلبسسي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الفضاء أن يخلو الرجسسل والمرأة وأن يجامعهسسا‪ .‬وقال ابسسن عباس ومجاهسسد‬
‫والسسدي وغيرهسم‪ :‬الفضاء فسي هذه اليسة الجماع‪ .‬قال ابسن عباس‪ :‬ولكسن ال كريسم يكنسى‪ .‬وأصسل‬
‫الفضاء في اللغة المخالطة؛ ويقال للشيء المختلط‪ :‬فضا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وتمر فضا في عيبتي وزبيب‬ ‫فقلت لها يا عمتي لك ناقتي‬
‫ويقال‪ :‬القوم فوضى فضا‪ ،‬أي مختلطون ل أمير عليهم‪ .‬وعلى أن معنى "أفضى" خل وإن لم يكن‬
‫جامسع‪ ،‬هسل يتقرر المهسر بوجود الخلوة أم ل؟ اختلف علماؤنسا فسي ذلك على أربعسة أقوال‪ :‬يسستقر‬
‫بمجرد الخلوة‪ .‬ل يسسستقر إل بالوطسسء‪ .‬يسسستقر بالخلوة فسسي بيسست الهداء‪ .‬التفرقسسة بيسسن بيتسسه وبيتهسسا‪.‬‬
‫والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا خل بها خلوة صحيحة‬
‫يجب كمال المهر والعدة دخل بها أو لم يدخل بها؛ لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسن كشسف خمار امرأة ونظسر إليهسا وجسب الصسداق)‪ .‬وقال عمسر‪ :‬إذا‬
‫أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث‪ .‬وعن علي‪ :‬إذا‬
‫أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا طال مكثه معها مثل السنة‬
‫ونحوهسا‪ ،‬واتفقسا على أل مسسيس وطلبست المهسر كله كان لهسا‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬ل عدة عليهسا ولهسا‬
‫نصف المهر‪ .‬وقد مضى في "البقرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأخذن منكم ميثاقا غليظا" فيه ثلثة أقوال‪ .‬قيل‪ :‬هو قوله عليه السلم‪( :‬فاتقوا ال‬
‫في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة ال واستحللتم فروجهن بكلمة ال)‪ .‬قاله عكرمة والربيع‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فإمسسساك بمعروف أو تسسسريح بإحسسسان" [البقرة‪ ]229 :‬قاله الحسسسن وابسسن سسسيرين‬
‫وقتادة والضحاك والسسسسدي‪ .‬الثالث‪ :‬عقدة النكاح قول الرجسسسل‪ :‬نكحسسست وملكسسست عقدة النكاح؛ قال‬
‫مجاهد وابن زيد‪ .‬وقال قوم‪ :‬الميثاق الغليظ الولد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء‬
‫سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم مسن النسساء" يقال‪ :‬كان الناس يتزوجون امرأة الب‬
‫برضاهسا بعسد نزول قوله تعالى‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" [النسساء‪:‬‬
‫‪ ]19‬حتسى نزلت هذه اليسة‪" :‬ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم" فصسار حرامسا فسي الحوال كلهسا؛ لن‬
‫النكاح يقسسع على الجماع والتزوج‪ ،‬فإن كان الب تزوج امرأة أو وطئهسسا بغيسسر نكاح حرمسست على‬
‫ابنه؛ على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مسا نكسح" قيسل‪ :‬المراد بهسا النسساء‪ .‬وقيسل‪ :‬العقسد‪ ،‬أي نكاح آباؤكسم الفاسسد المخالف‬
‫لديسن ال؛ إذ ال قسد أحكسم وجسه النكاح وفصسل شروطسه‪ .‬وهسو اختيار الطسبري‪ .‬فسس "مسن" متعلقسة بسس‬
‫"تنكحوا" و"ما نكح" مصدر‪ .‬قال‪ :‬ولو كان معناه ول تنكحوا النساء اللتي نكح آباؤكم لوجب أن‬
‫يكون موضسسع "مسسا" "مسن"‪ .‬فالنهسي على هذا إنمسسا وقسسع على أل ينكحوا مثسل نكاح آبائهسسم الفاسسسد‪.‬‬
‫والول أصح‪ ،‬وتكون "ما" بمعنى "الذي" و"من"‪ .‬والدليل عليه أن الصحابة تلقت الية على ذلك‬
‫المعنسى؛ ومنسه اسستدلت على منسع نكاح البناء حلئل الباء‪ .‬وقسد كان فسي العرب قبائل قسد اعتادت‬
‫أن يخلف ابسن الرجسل على امرأة أبيسه‪ ،‬وكانست هذه السسيرة فسي النصسار لزمسة‪ ،‬وكانست فسي قريسش‬
‫مباحة مع التراضي‪ .‬أل ترى أن عمرو بن أمية خلف على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافرا‬
‫وأبسسا معيسسط‪ ،‬وكان لهسسا مسسن أميسسة أبسسو العيسسص وغيره؛ فكان بنسسو أميسسة إخوة مسسسافر وأبسسي معيسسط‬
‫وأعمامهمسا‪ .‬ومسن ذلك صسفوان بسن أميسة بسن خلف تزوج بعسد أبيسه امرأتسه فاختسه بنست السسود بسن‬
‫المطلب بن أسسد‪ ،‬وكان أمية قتل عنهسا‪ .‬ومن ذلك منظور بن زبان خلف على مليكسة بنت خارجة‪،‬‬
‫وكانت تحت أبيه زبان بن سيار‪ .‬ومن ذلك حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن‪.‬‬
‫والسسود بسن خلف تزوج امرأة أبيسه‪ .‬وقال الشعسث بسن سسوار‪ :‬توفسي أبسو قيسس وكان مسن صسالحي‬
‫النصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت‪ :‬إني أعدك ولدا‪ ،‬ولكني آتي وسول ال صلى ال عليه‬
‫وسسلم اسستأمره؛ فأتتسه فأخسبرته فأنزل ال هذه اليسة‪ .‬وقسد كان فسي العرب مسن تزوج ابنتسه‪ ،‬وهسو‬
‫حاجب بن زرارة تمجس وفعل هذه الفعلة؛ ذكر ذلك النضر بن شميل في كتاب المثالب‪ .‬فنهى ال‬
‫المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مسا قسد سسلف" أي تقدم ومضسى‪ .‬والسسلف؛ مسن تقدم مسن آبائك وذوي قرابتسك‪.‬‬
‫وهذا اسستثناء منقطسع‪ ،‬أي لكسن مسا قسد سسلف فاجتنبوه ودعوه‪ .‬وقيسل‪" :‬إل" بمعنسى بعسد‪ ،‬أي بعسد مسا‬
‫سسلف؛ كمسا قال تعالى‪" :‬ل يذوقون فيهسا الموت إل الموتسة الولى" [الدخان‪ ]56 :‬أي بعسد الموتسة‬
‫الولى‪ .‬وقيسل‪" :‬إل مسا قسد سسلف" أي ول مسا سسلف؛ كقوله تعالى‪" :‬ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا‬
‫إل خطأ" [النساء‪ ]92 :‬يعني ول خطأ‪ .‬وقيل‪ :‬في الية تقديم وتأخير‪ ،‬معناه‪ :‬ول تنكحوا ما نكح‬
‫آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيل إل ما قد سلف‪ .‬وقيل‪ :‬في الية إضمار لقوله‬
‫"ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إل ما قد سلف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيل" عقب بالذم البالغ المتتابع‪ ،‬وذلك دليل على أنه‬
‫فعل انتهى من القبح إلى الغاية‪ .‬قال أبو العباس‪ :‬سألت ابن العرابي عن نكاح المقت فقال‪ :‬هو أن‬
‫يتزوج الرجسل امرأة أبيسه إذا طلقهسا أو مات عنهسا؛ ويقال لهذا الرجسل‪ :‬الضيزن‪ .‬وقال ابسن عرفسة‪:‬‬
‫كانست العرب إذا تزوج الرجسل امرأة أبيسه فأولدهسا قيسل للولد‪ :‬المقتسي‪ .‬وأصسل المقست البغسض؛ مسن‬
‫مقتسه يمقتسه مقتسا فهسو ممقوت ومقيست‪ .‬فكانست العرب تقول للرجسل مسن امرأة أبيسه‪ :‬مقيست؛ فسسمى‬
‫تعالى هذا النكاح "مقتا" إذ هو ذا مقت يلحق فاعله‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالية النهي عن أن يطأ الرجل‬
‫امرأة وطئها الباء‪ ،‬إل ما قد سلف من الباء في الجاهلية من الزنى بالنساء ل على وجه المناكحة‬
‫فإنسه جائز لكسم زواجهسن‪ .‬وأن تطؤوا بعقسد النكاح مسا وطئه آباؤكسم مسن الزنسى؛ قال ابسن زيسد‪ .‬وعليسه‬
‫فيكون الستثناء متصل‪ ،‬ويكون أصل في أن الزنى ل يحرم على ما يأتي بيانه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات‬
‫الخست وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم وأخواتكسم مسن الرضاعسة وأمهات نسسائكم وربائبكسم اللتسي فسي‬
‫حجوركسم مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن فإن لم تكونوا دخلتسم بهسن فل جناح عليكسم وحلئل أبنائكسم‬
‫الذين من أصلبكم وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف إن ال كان غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حرمست عليكسم أمهاتكسم وبناتكسم" أي نكاح أمهاتكسم ونكاح بناتكسم؛ فذكسر ال تعالى‬
‫في هذه الية ما يحل من النساء وما يحرم‪ ،‬كما ذكر تحريم حليلة الب‪ .‬فحرم ال سبعا من النسب‬
‫وستا من رضاع وصهر‪ ،‬وألحقت السنة المتواترة سابعة؛ وذلك الجمع بين المرأة وعمتها‪ ،‬ونص‬
‫عليسه الجماع‪ .‬وثبتست الروايسة عسن ابسن عباس قال‪ :‬حرم مسن النسسب سسبع ومسن الصسهر سسبع‪ ،‬وتل‬
‫هذه اليسسسسة‪ .‬وقال عمرو بسسسسن سسسسسالم مولى النصسسسسار مثسسسسل ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬السسسسسابعة قوله تعالى‪:‬‬
‫"والمحصسنات"‪ .‬فالسسبع المحرمات مسن النسسب‪ :‬المهات والبنات والخوات والعمات والخالت‪،‬‬
‫وبنات الخ وبنات الخسسست‪ .‬والسسسسبع المحرمات بالصسسسهر والرضاع‪ :‬المهات مسسسن الرضاعسسسة‬
‫والخوات من الرضاعة‪ ،‬وأمهات النساء والربائب وحلئل البناء والجمع بين الختين‪ ،‬والسابعة‬
‫"ول تنكحوا ما نكح آبائكم"‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وكل هذا من المحكم المتفق عليه‪ ،‬وغير جائز نكاح‬
‫واحدة منهسن بإجماع إل أمهات النسساء اللواتسي لم يدخسل بهسن أزواجهسن؛ فإن جمهور السسلف ذهبوا‬
‫إلى أن الم تحرم بالعقسسد على البنسسة‪ ،‬ول تحرم البنسسة إل بالدخول بالم؛ وبهذا قول جمعسسي أئمسسة‬
‫الفتوى بالمصار‪ .‬وقالت طائفة من السلف‪ :‬الم والربيبة سواء‪ ،‬ل تحرم منهما واحدة إل بالدخول‬
‫بالخرى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومعنسى قوله‪" :‬وأمهات نسسائكم" أي اللتسي دخلتسم بهسن‪" .‬وربائبكسم اللتسي فسي حجوركسم‬
‫مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن"‪ .‬وزعموا أن شرط الدخول راجسع إلى المهات والربائب جميعسا؛‬
‫رواه خلس عن علي بن أبي طالب‪ .‬وروي عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت‪ ،‬وهو قول ابن‬
‫الزبير ومجاهد‪ .‬قال مجاهد‪ :‬الدخول مراد في النازلتين؛ وقول الجمهور مخالف لهذا وعليه الحكم‬
‫والفتيا‪ ،‬وقد شدد أهل العراق فيه حتى قالوا‪ :‬لو وطئها بزنى أو قبلها أو لمسها بشهوة حرمت عليه‬
‫ابنتهسا‪ .‬وعندنسا وعنسد الشافعسي إنمسا تحرم بالنكاح الصسحيح؛ والحرام ل يحرم الحلل على مسا يأتسي‪.‬‬
‫وحديسث خلس عسن علي ل تقوم بسه حجسة‪ ،‬ول تصسح روايتسه عنسد أهسل العلم بالحديسث‪ ،‬والصسحيح‬
‫عنسه مثسل قول الجماعسة‪ .‬قال ابسن جريسج‪ :‬قلت لعطاء الرجسل ينكسح المرأة ثسم ل يراهسا ول يجامعهسا‬
‫حتى يطلقها أو تحل له أمها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل‪ .‬فقلت له‪ :‬أكان ابن عباس‬
‫يقرأ‪" :‬وأمهات نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن" ؟ قال‪ :‬ل ل‪ .‬وروى سسعيد عسن قتادة عسن عكرمسة عسن‬
‫ابسن عباس فسي قوله تعالى‪" :‬وأمهات نسسائكم" قال‪ :‬هسي مبهمسة ل تحسل بالعقسد على البنسة؛ وكذلك‬
‫روى مالك فسي موطئه عسن زيسد بسن ثابست‪ ،‬وفيسه‪" :‬فقال زيسد ل‪ ،‬الم مبهمسة ليسس فيهسا شرط وإنمسا‬
‫الشرط فسي الربائب"‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وهذا هسو الصسحيح؛ لدخول جميسع أمهات النسساء فسي قوله‬
‫تعالى‪" :‬وأمهات نسائكم"‪ .‬ويؤيد هذا القول من جهة العراب أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم‬
‫يكن نعتهما واحدا؛ فل يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات‪ ،‬على‬
‫أن تكون "الظريفات" نعتا لنسائك ونساء زيد؛ فكذلك الية ل يجوز أن يكون "اللتي" من نعتهما‬
‫جميعا؛ لن الخبرين مختلفان‪ ،‬ولكنه يجوز على معنى أعني‪ .‬وأنشد الخليل وسيبويه‪:‬‬
‫خويربين ينقفان الهاما‬ ‫إن بها أكتل أو رزاما‬
‫خويربين يعني لصين‪ ،‬بمعنى أعني‪ .‬وينقفان‪ :‬يكسران؛ نقفت رأسه كسرته‪ .‬وقد جاء صريحا من‬
‫حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا نكح الرجل المرأة‬
‫فل يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج الم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء‬
‫تزوج البنت) أخرجه في الصحيحين‬
‫وإذا تقرر هذا وثبسست فاعلم أن التحريسسم ليسسس صسسفة للعيان‪ ،‬والعيان ليسسست موردا للتحليسسل‬
‫والتحريسم ول مصسدرا‪ ،‬وإنمسا يتعلق التكليسف بالمسر والنهسي بأفعال المكلفيسن مسن حركسة وسسكون؛‬
‫لكسن العيان لمسا كانست موردا للفعال أضيسف المسر والنهسي والحكسم إليهسا وعلق بهسا مجازا على‬
‫معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحل به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمهاتكم" تحريم المهات عام في كل حال ل يتخصص بوجه من الوجوه؛ ولهذا‬
‫يسسميه أهسل العلم المبهسم‪ ،‬أي ل باب فيسه ول طريسق إليسه لنسسداد التحريسم وقوتسه؛ وكذلك تحريسم‬
‫البنات والخوات ومسن ذكسر مسن المحرمات‪ .‬والمهات جمسع أمهسة؛ يقال‪ :‬أم وأمهسة بمعنسى واحسد‪،‬‬
‫وجاء القرآن بهمسا‪ .‬وقسد تقدم فسي الفاتحسة بيانسه‪ .‬وقيسل‪ :‬إن أصسل أم أمهسة على وزن فعلة مثسل قسبرة‬
‫وحمرة لطيرين‪ ،‬فسقطت وعادت في الجمع‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أمهتي خندف والدوس أبي‬
‫وقيل‪ :‬أصل الم أمة‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬
‫تثوب إليها في النوائب أجمعا‬ ‫تقبلتها عن أمة لك طالما‬
‫ويكون جمعها أمات‪ .‬قال الراعي‪:‬‬
‫أماتهن وطرقهن فحيل‬ ‫كانت نجائب منذر ومحرق‬
‫فالم اسم لكل أنثى لها عليك ولدة؛ فيدخل في ذلك الم دنية‪ ،‬وأمهاتها وجداتها وأم الب وجداته‬
‫وإن علون‪ .‬والبنست اسسم لكسل أنثسى لك عليهسا ولدة‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬كسل أنثسى يرجسع نسسبها إليسك‬
‫بالولدة بدرجة أو درجات؛ فيدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها وبنات البناء وإن نزلن‪ .‬والخت‬
‫اسسم لكسل أنثسى جاورتسك فسي أصسليك أو فسي أحدهمسا والبنات جمسع بنست‪ ،‬والصسل بنيسة‪ ،‬والمسستعمل‬
‫ابنسة وبنست‪ .‬قال الفراء‪ :‬كسسرت الباء مسن بنست لتدل الكسسرة على الياء‪ ،‬وضمست اللف مسن أخست‬
‫لتدل على حذف الواو‪ ،‬فإن أصل أخت أخوة‪ ،‬والجمع أخوات‪ .‬والعمة اسم لكل أنثى شاركت أباك‬
‫أو جدك فسي أصسليه أو فسي أحدهمسا‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬كسل ذكسر رجسع نسسبه إليسك فأختسه عمتسك‪ .‬وقسد‬
‫تكون العمة من جهة الم‪ ،‬وهي أخت أب أمك‪ .‬والخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو‬
‫في أحدهما‪ .‬وإن شئت قلت‪ :‬كل أنثى رجع نسبها إليك بالولدة فأختها خالتك‪ .‬وقد تكون الخالة من‬
‫جهسة الب وهسي أخست أم أبيسك‪ .‬وبنست الخ اسسم لكسل أنثسى لخيسك عليهسا ولدة بواسسطة أو مباشرة؛‬
‫وكذلك بنست الخست‪ .‬فهذه السسبع المحرمات مسن النسسب‪ .‬وقرأ نافسع ‪ -‬فسي روايسة أبسي بكسر بسن أبسي‬
‫أويس ‪ -‬بتشديد الخاء من الخ إذا كانت فيه اللف واللم مع نقل الحركة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم" وهسي فسي التحريسم مثسل مسن ذكرنسا؛ قال رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬يحرم مسن الرضاع مسا يحرم مسن النسسب)‪ .‬وقرأ عبدال "وأمهاتكسم اللئي"‬
‫بغير تاء؛ كقوله تعالى‪" :‬واللئي يئسن من المحيض" [الطلق‪ ]4 :‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ولكن ليقتلن البريء المغفل‬ ‫من اللء لم يحججن يبغين حسبة‬
‫"أرضعنكسم" فإذا أرضعست المرأة طفل حرمست عليسه لنهسا أمسه‪ ،‬وبنتهسا لنهسا أختسه‪ ،‬وأختهسا لنهسا‬
‫خالته‪ ،‬وأمها لنها جدته‪ ،‬وبنت زوجها صساحب اللبن لنها أخته‪ ،‬وأخته لنهسا عمته‪ ،‬وأمه لنها‬
‫جدته‪ ،‬وبنات بنيها وبناتها لنهن بنات إخوته وأخواته‪.‬‬
‫@ قال أبو نعيم عبيدال بن هشام الحلبي‪ :‬سئل مالك عن المرأة أيحج معها أخوها من الرضاعة؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال أبو نعيم‪ :‬وسئل مالك عن امرأة تزوجت فدخل بها زوجها‪ .‬ثم جاءت امرأة فزعمت‬
‫أنها أرضعتهما؛ قال‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬وما أخذت من شيء له فهو لها‪ ،‬وما بقي عليه فل شيء عليه‪.‬‬
‫ثسم قال مالك‪ :‬إن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم سسئل عسن مثسل هذا فأمسر بذلك؛ فقالوا‪ :‬يسا رسسول ال‪،‬‬
‫إنها امرأة ضعيفة؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أليس يقال إن فلنا تزوج أخته) ؟‬
‫@ التحريم بالرضاع إنما يحصل إذا اتفق الرضاع في الحولين؛ كما تقدم في "البقرة"‪ .‬ول فرق‬
‫بيسسن قليسسل الرضاع وكثيره عندنسسا إذا وصسسل إلى المعاء ولو مصسسة واحدة‪ .‬واعتسسبر الشافعسسي فسسي‬
‫الرضاع شرطيسسن‪ :‬أحدهمسسا خمسسس رضعات؛ لحديسسث عائشسسة قالت‪ :‬كان فيمسسا أنزل ال عشسسر‬
‫رضعات معلومات يحرمسن‪ ،‬ثسم نسسخن بخمسس معلومات‪ ،‬وتوفسي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫وهن مما يقرأ من القرآن‪ .‬موضع الدليل منه أنها أثبتت أن العشر نسخن بخمس‪ ،‬فلو تعلق التحريم‬
‫بمسا دون الخمسس لكان ذلك نسسخا للخمسس‪ .‬ول يقبسل على هذا خسبر واحسد ول قياس؛ لنسه ل ينسسخ‬
‫بهمسسا‪ .‬وفسسي حديسسث سسسهلة (أرضعيسسه خمسسس رضعات يحرم بهسسن)‪ .‬الشرط الثانسسي‪ :‬أن يكون فسسي‬
‫الحوليسسسن‪ ،‬فإن كان خارجسسسا عنهمسسسا لم يحرم؛ لقوله تعالى‪" :‬حوليسسسن كامليسسسن لمسسسن أراد أن يتسسسم‬
‫الرضاعة" [البقرة‪ .]233 :‬وليس بعد التمام والكمال شيء‪ .‬واعتبر أبو حنيفة بعد الحولين ستة‬
‫أشهر‪ .‬ومالك الشهر ونحوه‪ .‬وقال زفر‪ :‬ما دام يجتزئ باللبن ولم يفطم فهو رضاع وإن أتى عليه‬
‫ثلث سسنين‪ .‬وقال الوزاعسي‪ :‬إذا فطسم لسسنة واسستمر فطامسه فليسس بعده رضاع‪ .‬وانفرد الليسث بسن‬
‫سسعد مسن بيسن العلماء إلى أن رضاع الكسبير يوجسب التحريسم؛ وهسو قول عائشسة رضسي ال عنهسا؛‬
‫وروي عسن أبسي موسسى الشعري‪ ،‬وروي عنسه مسا يدل على رجوعسه عسن ذلك‪ ،‬وهسو مسا رواه أبسو‬
‫حصسين عسن أبسي عطيسة قال‪ :‬قدم رجسل بامرأتسه مسن المدينسة فوضعست وتورم ثديهسا‪ ،‬فجعسل يمصسه‬
‫ويمجسه فدخسل فسي بطنسه جرعسة منسه؛ فسسأل أبسا موسسى فقال‪ :‬بانست منسك‪ ،‬وأت ابسن مسسعود فأخسبره‪،‬‬
‫ففعل؛ فأقبل بالعرابي إلى أبي موسى الشعري وقال‪ :‬أرضيعا ترى هذا الشمط ! إنما يحرم من‬
‫الرضاع مسا ينبست اللحسم والعظسم‪ .‬فقال الشعري‪ :‬ل تسسألوني عسن شيسء وهذا الحسبر بيسن أظهركسم‪.‬‬
‫فقوله‪" :‬ل تسسألوني" يدل على أنسه رجسع عسن ذلك‪ .‬واحتجست عائشسة بقصسة سسالم مولى أبسي حذيفسة‬
‫وأنسه كان رجل‪ .‬فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لسسهلة بنست سسهيل‪( :‬أرضعيسه) خرجسه الموطسأ‬
‫وغيره‪ .‬وشذت طائفسسة فاعتسسبرت عشسسر رضعات؛ تمسسسكا بأنسسه كان فيمسسا أنزل‪ :‬عشسسر رضعات‪.‬‬
‫وكأنهسم لم يبلغهسم الناسسخ‪ .‬وقال داود‪ :‬ل يحرم إل بثلث رضعات؛ واحتسج بقول رسسول ال صسلى‬
‫ال عليسسه وسسسلم (ل تحرم الملجسسة والملجتان)‪ .‬خرجسسه مسسسلم‪ .‬وهسسو مروى عسسن عائشسسة وابسسن‬
‫الزبير‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد‪ ،‬وهو تمسك بدليل الخطاب‪ ،‬وهو مختلف فيه‪.‬‬
‫وذهسسب مسسن عدا هؤلء مسسن أئمسسة الفتوى إلى أن الرضعسسة الواحدة تحرم إذا تحققسست كمسسا ذكرنسسا؛‬
‫متمسكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرضاع‪ .‬وعضد هذا بما وجد من العمل عليه بالمدينة وبالقياس‬
‫على الصسهر؛ بعلة أنسه معنسى طارئ يقتضسي تأبيسد التحريسم فل يشترط فيسه العدد كالصسهر‪ .‬وقال‬
‫الليث بن سعد‪ :‬وأجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهسد ما يفطسر الصائم‪.‬‬
‫قال أبو عمر‪ .‬لم يقف الليث على الخلف في ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأنسسص مسسا فسسي هذا الباب قوله صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬ل تحرم المصسسة ول المصسستان)‬
‫أخرجسسه مسسسلم فسسي صسسحيحه‪ .‬وهسسو يفسسسر معنسسى قوله تعالى‪" :‬وأمهاتكسسم اللتسسي أرضعنكسسم" أي‬
‫أرضعنكم ثلث رضعات فأكثر؛ غير أنه يمكن أن يحمل على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف‬
‫الرضيسسع؛ لقوله‪" :‬عشسسر رضعات معلومات‪ .‬وخمسسس رضعات معلومات"‪ .‬فوصسسفها بالمعلومات‬
‫إنمسا هسو تحرز ممسا يتوهسم أو يشسك فسي وصسوله إلى الجوف‪ .‬ويفيسد دليسل خطابسه أن الرضعات إذا‬
‫كانسست غيسسر معلومات لم تحرم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وذكسسر الطحاوي أن حديسسث الملجسسة والملجتيسسن ل‬
‫يثبت؛ لنه مرة يرويه ابن الزبير عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومرة يرويه عن عائشة‪ ،‬ومرة‬
‫يرويه عن أبيه؛ ومثل هذا الضطراب يسقطه‪ .‬وروي عن عائشة أنه ل يحرم إل سبع رضعات‪.‬‬
‫وروي عنهسا أنهسا أمرت أختهسا "أم كلثوم" أن ترضسع سسالم بسن عبدال عشسر رضعات‪ .‬وروي عسن‬
‫حفصسة مثله‪ ،‬وروي عنهسا ثلث‪ ،‬وروي عنهسا خمسس؛ كمسا قال الشافعسي رضسي ال عنسه‪ ،‬وحكسي‬
‫عن إسحاق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأمهاتكم اللتي أرضعنكم" استدل به من نفى لبن الفحل‪ ،‬وهو سعيد بن المسيب‬
‫وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبدالرحمن‪ ،‬وقالوا‪ :‬لبن الفحل ل يحرم شيئا من قبل الرجل‪ .‬وقال‬
‫الجمهور‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم" يدل على أن الفحسل أب؛ لن اللبسن منسسوب‬
‫إليسه فإنسه در بسسبب ولده‪ .‬وهذا ضعيسف؛ فإن الولد خلق مسن ماء الرجسل والمرأة جميعسا‪ ،‬واللبسن مسن‬
‫المرأة ولم يخرج من الرجل‪ ،‬وما كان من الرجل إل وطء هو سبب لنزول الماء منه‪ ،‬وإذا فصل‬
‫الولد خلق ال اللبسن مسن غيسر أن يكون مضافسا إلى الرجسل بوجسه مسا؛ ولذلك لم يكسن للرجسل حسق فسي‬
‫اللبسن‪ ،‬وإنمسا اللبسن لهسا‪ ،‬فل يمكسن أخسذ ذلك مسن القياس على الماء‪ .‬وقول رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم‪( :‬يحرم مسن الرضاع مسا يحرم مسن النسسب) يقتضسي التحريسم مسن الرضاع‪ ،‬ول يظهسر وجسه‬
‫نسسبة الرضاع إلى الرجسل مثسل ظهور نسسبة الماء إليسه والرضاع منهسا‪ .‬نعسم‪ ،‬الصسل فيسه حديسث‬
‫الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي ال عنها‪ :‬أن أفلح أخا القعيس جاء يستأذن‬
‫عليهسا‪ ،‬وهسو عمهسا مسن الرضاعسة بعسد أن نزل الحجاب‪ .‬قالت‪ :‬فأبيست أن آذن له؛ فلمسا جاء النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم أخسبرته فقال‪( :‬ليلج عليسك فإنسه عمسك تربست يمينسك)‪ .‬وكان أبسو القعيسس زوج‬
‫المرأة التي أرضعت عائشة رضي ال عنها؛ وهذا أيضا خبر واحد‪ .‬ويحتمل أن يكون "أفلح" مع‬
‫أبسي بكسر رضيعسي لبان فلذلك قال‪( :‬ليلج عليك فإنسه عمسك)‪ .‬وبالجملة فالقول فيسه مشكل والعلم عند‬
‫ال‪ ،‬ولكن العمل عليه‪ ،‬والحتياط في التحريم أولى‪ ،‬مع أن قوله تعالى‪" :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم"‬
‫يقوي قول المخالف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأخواتكم من الرضاعة" وهي الخت لب وأم‪ ،‬وهي التي أرضعتها أمك بلبان‬
‫أبيسسك؛ سسسواء أرضعتهسسا معسسك أو ولدت قبلك أو بعدك‪ .‬والخسست مسسن الب دون الم‪ ،‬وهسسي التسسي‬
‫أرضعتها زوجة أبيك‪ .‬والخت من الم دون الب‪ ،‬وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر‪ .‬ثم‬
‫ذكسر التحريسم بالمصساهرة فقال تعالى‪" :‬وأمهات نسسائكم" والصسهر أربسع‪ :‬أم المرأة وابنتهسا وزوجسة‬
‫الب وزوجة البن‪ .‬فأم المرأة تحرم بمجرد العقد الصحيح على ابنتها على ما تقدم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وربائبكسم اللتسي فسي حجوركسم مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن" هذا مسستقل بنفسسه‪.‬‬
‫ول يرجع قوله‪" :‬من نسائكم اللتي دخلتم بهن" إلى الفريق الول‪ ،‬بل هو راجع إلى الربائب‪ ،‬إذ‬
‫هسو أقرب مذكور كمسا تقدم‪ .‬والربيبسة‪ :‬بنست امرأة الرجسل مسن غيره؛ سسميت بذلك لنسه يربيهسا فسي‬
‫حجره فهسي مربوبسة‪ ،‬فعيلة بمعنسى مفعولة‪ .‬واتفسق الفقهاء على أن الربيبسة تحرم على زوج أمهسا إذا‬
‫دخسل بالم‪ ،‬وإن لم تكسن الربيبسة فسي حجره‪ .‬وشسذ بعسض المتقدميسن وأهسل الظاهسر فقالوا‪ :‬ل تحرم‬
‫عليه الربيبة إل أن تكون في حجر المتزوج بأمها؛ فلو كانت في بلد آخر وفارق الم بعد الدخول‬
‫فله أن يتزوج بهسا؛ واحتجوا باليسة فقالوا‪ :‬حرم ال تعالى الربيبسة بشرطيسن‪ :‬أحدهمسا‪ :‬أن تكون فسي‬
‫حجسر المتزوج بأمهسا‪ .‬والثانسي‪ :‬الدخول بالم؛ فإذا عدم أحسد الشرطيسن لم يوجسد التحريسم‪ .‬واحتجوا‬
‫بقوله عليه السلم‪( :‬لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) فشرط‬
‫الحجسر‪ .‬ورووا عسن علي بسن أبسي طالب إجازة ذلك‪ .‬قال ابسن المنذر والطحاوي‪ :‬أمسا الحديسث عسن‬
‫علي فل يثبت؛ لن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس عن علي‪ ،‬وإبراهيم هذا ل يعرف‪،‬‬
‫وأكثسر أهسل العلم قسد تلقوه بالدفسع والخلف‪ .‬قال أبسو عبيسد‪ :‬ويدفعسه قوله‪( :‬فل تعرضسن علي بناتكسن‬
‫ول أخواتكسن) فعسم‪ .‬ولم يقسل‪ :‬اللئي فسي حجري‪ ،‬ولكنسه سسوى بينهسن فسي التحريسم‪ .‬قال الطحاوي‪:‬‬
‫وإضافتهسن إلى الحجور إنمسا ذلك على الغلب ممسا يكون عليسه الربائب؛ ل أنهسن ل يحرمسن إذا لم‬
‫يكن كذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم تكونوا دخلتسم بهسن" يعنسي بالمهات‪" .‬فل جناح عليكسم" يعنسي فسي نكاح‬
‫بناتهسن إذا طلقتموهسن أو متسن عنكسم‪ .‬وأجمسع العلماء على أن الرجسل إذا تزوج المرأة ثسم طلقهسا أو‬
‫ماتست قبسل أن يدخسل بهسا حسل له نكاح ابنتهسا‪ .‬واختلفوا فسي معنسى الدخول بالمهات الذي يقسع بسه‬
‫تحريسسم الربائب؛ فروي عسسن ابسسن عباس أنسسه قال‪ :‬الدخول الجماع؛ وهسسو قول طاوس وعمرو بسسن‬
‫دينار وغيرهمسا‪ .‬واتفسق مالك والثوري وأبسو حنيفسة والوزاعسي والليسث على أنسه إذا مسسها بشهوه‬
‫حرمسست عليسسه أمهسسا وابنتهسسا وحرمسست على الب والبسسن‪ ،‬وهسو أحسسد قولي الشافعسسي‪ .‬واختلفوا فسسي‬
‫النظسر؛ فقال مالك‪ :‬إذا نظسر إلى شعرهسا أو صسدرها أو شيسء مسن محاسسنها للذة حرمست عليسه أمهسا‬
‫وابنتهسسا‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬إذا نظسسر إلى فرجهسسا للشهوة كان بمنزلة اللمسسس للشهوة‪ .‬وقال الثوري‪:‬‬
‫يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لمسها؛ ولم يذكر الشهوة‪ .‬وقال ابن أبي ليلى‪ :‬ل تحرم بالنظر‬
‫حتسى يلمسس؛ وهسو قول الشافعسي‪ .‬والدليسل على أن بالنظسر يقسع التحريسم أن فيسه نوع اسستمتاع فجرى‬
‫مجرى النكاح؛ إذ الحكام تتعلق بالمعانسي ل باللفاظ‪ .‬وقسد يحتمسل أن يقال‪ :‬إنسه نوع مسن الجتماع‬
‫بالسسستمتاع؛ فإن النظسسر اجتماع ولقاء‪ ،‬وفيسسه بيسسن المحسسبين اسسستمتاع؛ وقسسد بالغ فسسي ذلك الشعراء‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫وإيانا فذاك بنا تدان‬ ‫أليس الليل يجمع أم عمرو‬
‫ويعلوها النهار كما علني‬ ‫نعم‪ ،‬وترى الهلل كما أراه‬
‫فكيف بالنظر والمجالسة والمحادثة واللذة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحلئل أبنائكم" الحلئل جمع حليلة‪ ،‬وهي الزوجة‪ .‬سميت حليلة لنها تحل مع‬
‫الزوج حيسث حسل؛‪ .‬فهسي فعيلة بمعنسى فاعلة‪ .‬وذهسب الزجاج وقوم إلى أنهسا مسن لفظسة الحلل؛ فهسي‬
‫حليلة بمعنى محللة‪ .‬وقيل‪ :‬لن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه‪.‬‬
‫أجمسع العلماء على تحريسم مسا عقسد عليسه الباء على البناء‪ ،‬ومسا عقسد عليسه البناء على الباء‪،‬‬
‫كان مسع العقسد وطسء أو لم يكسن؛ لقوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا مسا نكسح آبائكسم مسن النسساء" وقوله تعالى‪:‬‬
‫"وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم "؛ فإن نكح أحدهما نكاحا فاسدا حرم على الخر العقد عليها‬
‫كما يحرم بالصحيح؛ لن النكاح الفاسد ل يخلو‪ :‬إما أن يكون متفقا على فسساده أو مختلفا فيه‪ .‬فإن‬
‫كان متفقسا على فسساده لم يوجسب حكمسا وكان وجوده كعدمسه‪ .‬وإن كان مختلفسا فيسه فيتعلق بسه مسن‬
‫الحرمسسة مسسا يتعلق بالصسسحيح؛ لحتمال أن يكون نكاحسسا فيدخسسل تحسست مطلق اللفسسظ‪ .‬والفروج إذا‬
‫تعارض فيها التحريم والتحليل غلب التحريم‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه‬
‫مسن علماء المصسار على أن الرجسل إذا وطسئ امرأة بنكاح فاسسد أنهسا تحرم على أبيسه وابنسه وعلى‬
‫أجداده وولد ولده‪.‬‬
‫@ وأجمسع العلماء على أن عقسد الشراء على الجاريسة ل يحرمهسا على أبيسه وابنسه؛ فإذا اشترى‬
‫الرجسل جاريسة فلمسس أو قبسل حرمست على أبيسه وابنسه‪ ،‬ل أعلمهسم يختلفون فيسه؛ فوجسب تحريسم ذلك‬
‫تسسليما لهسم‪ .‬ولمسا اختلفوا فسي تحريمهسا بالنظسر دون اللمسس لم يجسز ذلك لختلفهسم‪ .‬قال ابسن المنذر‪:‬‬
‫ول يصسح عسن أحسد مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم خلف مسا قلناه‪ .‬وقال يعقوب‬
‫ومحمد‪ :‬إذا نظر رجل في فرج امرأة من شهوة حرمت على أبيه وابنه‪ ،‬وتحرم عليه أمها وابنتها‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬إذا وطسسئ المسسة أو قعسسد منهسسا مقعدا لذلك وإن لم يفسسض إليهسسا‪ ،‬أو قبلهسسا أو باشرهسسا أو‬
‫غمزها تلذذا فل تحل لبنه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إنما تحرم باللمس ول تحرم بالنظر دون اللمس؛ وهو‬
‫قول الوزاعي‬
‫@ واختلفوا في الوطء بالزنى هل يحرم أم ل؛ فقال أكثر أهل العلم‪ :‬لو أصاب رجل امرأة بزنى‬
‫لم يحرم عليه نكاحها بذلك؛ وكذلك ل تحرم عليه امرأته إذا زنسى بأمهسا أو بابنتها‪ ،‬وحسبه أن يقام‬
‫عليسه الحسد‪ ،‬ثسم يدخسل بامرأتسه‪ .‬ومسن زنسى بامرأة ثسم أراد نكاح أمهسا أو ابنتهسا لم تحرمسا عليسه بذلك‪.‬‬
‫وقالت طائفسسة‪ :‬تحرم عليسسه‪ .‬روي هذا القول عسسن عمران بسسن حصسسين؛ وبسسه قال الشعسسبي وعطاء‬
‫والحسسن وسسفيان الثوري وأحمسد وإسسحاق وأصسحاب الرأي‪ ،‬وروي عسن مالك؛ وأن الزنسى يحرم‬
‫الم والبنسة وأنسه بمنزلة الحلل‪ ،‬وهسو قول أهسل العراق‪ .‬والصسحيح مسن قول مالك وأهسل الحجاز‪:‬‬
‫أن الزنسى ل حكسم له؛ لن ال سسبحانه وتعالى قال‪" :‬وأمهات نسسائكم" وليسست التسي زنسى بهسا مسن‬
‫أمهات نسسائه‪ ،‬ول ابنتهسا مسن ربائبسه‪ .‬وهسو قول الشافعسي وأبسي ثور‪ .‬لنسه لمسا ارتفسع الصسداق فسي‬
‫الزنسسسى ووجوب العدة والميراث ولحقوق الولد ووجوب الحسسسد ارتفسسسع أن يحكسسسم له بحكسسسم النكاح‬
‫الجائز‪ .‬وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت‪ :‬سئل رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم عسن رجسل زنسى بامرأة فأراد أن يتزوجهسا أو ابنتهسا فقال‪( :‬ل يحرم الحرام الحلل‬
‫إنمسا يحرم مسا كان بنكاح)‪ .‬ومسن الحجسة للقول الخسر إخبار النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عسن جريسج‬
‫وقوله‪( :‬يسسا غلم مسسن أبوك) قال‪ :‬فلن الراعسسي‪ .‬فهذا يدل على أن الزنسسى يحرم كمسسا يحرم الوطسسء‬
‫الحلل؛ فل تحسل أم المزنسي بهسا ول بناتهسا لباء الزانسي ول لولده؛ وهسي روايسة ابسن القاسسم فسي‬
‫المدونسة‪ .‬ويسستدل بسه أيضسا على أن المخلوقسة مسن ماء الزنسى ل تحسل للزانسي بأمهسا‪ ،‬وهسو المشهور‪.‬‬
‫قال عليسسه السسسلم‪( :‬ل ينظسسر ال إلى رجسسل نظسسر إلى فرج امرأة وابنتهسسا) ولم يفصسسل بيسسن الحلل‬
‫والحرام‪ .‬وقال عليه السلم‪( :‬ل ينظر ال إلى من كشف قناع امرأة وابنتها)‪ .‬قال ابن خويز منداد‪:‬‬
‫ولهذا قلنسا إن القبلة وسسائر وجوه السستمتاع ينشسر الحرمسة‪ .‬وقال عبدالملك الماجشون‪ :‬إنهسا تحسل؛‬
‫وهو الصحيح لقوله تعالى‪" :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا" [الفرقان‪]54 :‬‬
‫يعنسي بالنكاح الصسحيح‪ ،‬على مسا يأتسي فسي "الفرقان" بيانسه‪ .‬ووجسه التمسسك مسن الحديسث على تلك‬
‫المسألتين أن النبي صلى ال عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني‪ ،‬وصدق‬
‫ال نسسبته بمسا خرق له مسن العادة فسي نطسق الصسبي بالشهادة له بذلك؛ وأخسبر بهسا النسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم عن جريج في معرض المدح وإظهار كرامته؛ فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق ال‬
‫تعالى وبإخبار النبي صلى ال عليه وسلم عن ذلك؛ فثبتت البنوة وأحكامها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فيلزم على هذا أن تجري أحكام البنوة والبوة من التوارث والوليات وغير ذلك‪ ،‬وقد‬
‫اتفق المسلمون على أنه ل توارث بينهما فلم تصح تلك النسبة؟‬
‫فالجواب‪ :‬إن ذلك موجسسب مسسا ذكرناه‪ .‬ومسسا انعقسسد عليسسه الجماع مسسن الحكام اسسستثنيناه‪ ،‬وبقسسي‬
‫الباقي على أصل ذلك الدليل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضسا مسن هذا الباب فسي مسسألة اللئط؛ فقال مالك والشافعسي وأبسو حنيفسة‬
‫وأصسحابهم‪ :‬ل يحرم النكاح باللواط‪ .‬وقال الثوري‪ :‬إذا لعسب بالصسبي حرمست عليسه أمسه؛ وهسو قول‬
‫أحمسد بسن حنبل‪ .‬قال‪ :‬إذا تلوط بابسن امرأتسه أو أبيهسا أو أخيهسا حرمست عله امرأتسه‪ .‬وقال الوزاعي‪:‬‬
‫إذا لط بغلم وولد للمفجور بسه بنست لم يجسز للفاجسر أن يتزوجهسا؛ لنهسا بنست مسن قسد دخسل بسه‪ .‬وهسو‬
‫قول أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين من أصلبكم" تخصيص ليخرج عنه كل من كانت العرب تتبناه ممن ليس‬
‫للصسلب‪ .‬ولما تزوج النسبي صلى ال عليه وسلم امرأة زيد بن حارثة قال المشركون‪ :‬تزوج امرأة‬
‫ابنسسه ! وكان عليسسه السسسلم تبناه؛ على مسسا يأتسسي بيانسسه فسسي "الحزاب"‪ .‬وحرمسست حليلة البسسن مسسن‬
‫الرضاع وإن لم يكسن للصسلب ‪ -‬بالجماع المسستند إلى قوله عليسه السسلم‪( :‬يحرم الرضاع مسا يحرم‬
‫من النسب)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تجمعوا بين الختين" موضع "أن" رفع على العطسف على "حرمت عليكسم‬
‫أمهاتكم"‪ .‬والختان لفظ يعم الجميع بنكاح وبملك يمين‪ .‬وأجمعت المة على منع جمعهما في عقد‬
‫واحد من النكاح لهذه اليسة‪ ،‬وقوله عليه السلم‪( :‬ل تعرضن علي بناتكسن ول أخواتكسن)‪ .‬واختلفوا‬
‫في الختين بملك اليمين؛ فذهب كافة العلماء إلى أنه ل يجوز الجمع بينهما بالملك في الوطء‪ ،‬وإن‬
‫كان يجوز الجمسع بينهمسا فسي الملك بإجماع؛ وكذلك المرأة وابنتهسا صسفقة واحدة‪ .‬واختلفوا فسي عقسد‬
‫النكاح على أخت الجارية التي وطئها؛ فقال الوزاعي‪ :‬إذا وطئ جارية له بملك اليمين لم يجز له‬
‫أن يتزوج أختهسا‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬ملك اليميسن ل يمنسع نكاح الخست‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬مسن جعسل عقسد‬
‫النكاح كالشراء أجازه‪ ،‬ومن جعله كالوطء لم يجزه‪ .‬وقد أجمعوا على أنه ل يجوز العقد على أخت‬
‫الزوجسة؛ لقول ال تعالى‪" :‬وأن تجمعوا بيسن الختيسن" يعنسي الزوجتيسن بعقسد النكاح‪ .‬فقسف على مسا‬
‫اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه يتبين لك الصواب إن شاء ال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ شسذ أهسل الظاهسر فقالوا‪ :‬يجوز الجمسع بيسن الختيسن بملك اليميسن فسي الوطسء؛ كمسا يجوز الجمسع‬
‫بينهمسسا فسسي الملك‪ .‬واحتجوا بمسسا روي عسسن عثمان فسسي الختيسسن مسسن ملك اليميسسن‪" :‬حرمتهمسسا آيسسة‬
‫وأحلتهمسا آيسة"‪ .‬ذكره عبدالرزاق حدثنسا معمسر عسن الزهري عسن قبيصسة بسن ذؤيسب أن عثمان بسن‬
‫عفان سسئل عسن الختيسن ممسا ملكست اليميسن فقال‪ :‬ل آمرك ول أنهاك أحلتهمسا آيسة وحرمتهمسا آيسة‪.‬‬
‫فخرج السسائل فلقسي رجل مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ‪ -‬قال معمسر‪ :‬أحسسبه قال‬
‫علي ‪ -‬قال‪ :‬وما سألت عنه عثمان؟ فأخبره بما سأل وبما أفتاه؛ فقال له‪ :‬لكني أنهاك‪ ،‬ولو كان لي‬
‫عليسك سسبيل ثسم فعلت لجعلتسك نكال‪ .‬وذكسر الطحاوي والدارقطنسي عسن علي وابسن عباس مثسل قول‬
‫عثمان‪ .‬والية التي أحلتهما قوله تعالى‪" :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم"‪ .‬ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى‬
‫إلى هذا القول؛ لنهسم فهموا مسن تأويسل كتاب ال خلفسه‪ ،‬ول يجوز عليهسم تحريسف التأويسل‪ .‬وممسن‬
‫قال ذلك مسن الصسحابة‪ :‬عمسر وعلي وابسن مسسعود وعثمان وابسن عباس وعمار وابسن عمسر وعائشسة‬
‫وابن الزبير؛ وهؤلء أهل العلم بكتاب ال‪ ،‬فمن خالفهم فهو متعسف في التأويل‪ .‬وذكر ابن المنذر‬
‫أن إسحاق بن راهويه حرم الجمع بينهما بالوطء‪ ،‬وأن جمهور أهل العلم كرهوا ذلك‪ ،‬وجعل مالكا‬
‫فيمن كرهه‪ .‬ول خلف في جواز جمعهما في الملك‪ ،‬وكذلك الم وابنتها‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ويجيء‬
‫مسن قول إسسحاق أن يرجسم الجامسع بينهمسا بالوطسء‪ ،‬وتسستقرأ الكراهيسة مسن قول مالك‪ :‬إنسه إذا وطسئ‬
‫واحدة ثم وطئ الخرى وقف عنهما حتى يحرم إحداهما؛ فلم يلزمه حدا‪ .‬قال أبو عمر‪( :‬أما قول‬
‫علي لجعلته نكال) ولم يقل لحددته حد الزاني؛ فلن من تأول آية أو سنة ولم يطأ عند نفسه حراما‬
‫فليسس بزان بإجماع وإن كان مخطئا‪ ،‬إل أن يدعسي مسن ذلك مسا ل يعذر بجهله‪ .‬وقول بعسض السسلف‬
‫فسي الجمسع بيسن الختيسن بملك اليميسن‪( :‬أحلتهمسا آيسة وحرمتهمسا آيسة) معلوم محفوظ؛ فكيسف يحسد حسد‬
‫الزاني من فعل ما فيه مثل هذا من الشبهة القوية؟ وبال التوفيق‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء إذا كان يطسأ واحدة ثسم أراد أن يطسأ الخرى؛ فقال علي وابسن عمسر والحسسن‬
‫البصري والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق‪ :‬ل يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الخرى‬
‫بإخراجهسا مسن ملكسه بسبيع أو عتسق‪ ،‬أو بأن يزوجهسا‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وفيسه قول ثان لقتادة‪ ،‬وهسو أنسه‬
‫إذا كان يطأ واحدة وأراد وطء الخرى فإنه ينوي تحريم الولى على نفسه وأل يقربها‪ ،‬ثم يمسك‬
‫عنهما حتى يستبرئ الولى المحرمة‪ ،‬ثم يغشى الثانية‪ .‬وفيه قول ثالث‪ :‬وهو إذا كان عنده أختان‬
‫فل يقرب واحدة منهما‪ .‬هكذا قال الحكم وحماد؛ وروي معنى ذلك عن النخعي‪ .‬ومذهب مالك‪ :‬إذا‬
‫كان أختان عنسد رجسل بملك فله أن يطسأ أيتهمسا شاء‪ ،‬والكسف عسن الخرى موكول إلى أمانتسه‪ .‬فإن‬
‫أراد وطسء الخرى فيلزمسه أن يحرم على نفسسه فرج الولى بفعسل يفعله مسن إخراج عسن الملك‪ :‬إمسا‬
‫بتزويسج أو بيسع أو عتسق إلى أجسل أو كتابسة أو إخدام طويسل‪ .‬فإن كان يطسأ إحداهمسا ثسم وثسب على‬
‫الخرى دون أن يحرم الولى وقسف عنهمسا‪ ،‬ولم يجسز له قرب إحداهمسا حتسى يحرم الخرى؛ ولم‬
‫يوكسل ذلك إلى أمانتسه؛ لنسه متهسم فيمسن قسد وطسئ؛ ولم يكسن قبسل متهمسا إذ كان لم يطسأ إل الواحدة‪.‬‬
‫ومذهسب الكوفييسن فسي هذا الباب‪ :‬الثوري وأبسي حنيفسة وأصسحابه أنسه إن وطسئ إحدى أمتيسه لم يطسأ‬
‫الخرى؛ فإن باع الولى أو زوجهسا ثسم رجعست إليسه أمسسك عسن الخرى؛ وله أن يطأهسا مسا دامست‬
‫أختهسا فسي العدة مسن طلق أو وفاة‪ .‬فأمسا بعسد انقضاء العدة فل‪ ،‬حتسى يملك فرج التسي يطسأ غيره؛‬
‫وروي معنسى ذلك عسن علي رضسي ال عنسه‪ .‬قالوا‪ :‬لن الملك الذي منسع وطسء الجاريسة فسي البتداء‬
‫موجود‪ ،‬فل فرق بين عودتها إليه وببن بقائها في ملكه‪ .‬وقول مالك حسن؛ لنه تحريم صحيح في‬
‫الحال ول يلزم مراعاة المال؛ وحسسبه إذا حرم فرجهسا عليسه بسبيع أو بتزويسج أنهسا حرمست عليسه فسي‬
‫الحال‪ .‬ولم يختلفوا في العتق؛ لنه ل يتصرف فيه بحال؛ وأما الكاتبة فقد تعجز فترجع إلى ملكه‪.‬‬
‫فإن كان عند رجل أمة يطؤها ثم تزوج أختها ففيها في المذهب ثلثة أقوال في النكاح‪ .‬الثالث‪ :‬في‬
‫المدونسة أنسه يوقسف عنهمسا إذا وقسع عقسد النكاح حتسى يحرم إحداهمسا مسع كراهيسة لهذا النكاح؛ إذ هسو‬
‫عقد في موضع ل يجوز فيه الوطء‪ .‬وفي هذا ما يدل على أن ملك اليمين ل يمنع النكاح؛ كما تقدم‬
‫عسن الشافعسي‪ .‬وفسي الباب بعينسه قول آخسر‪ :‬أن النكاح ل ينعقسد؛ وهسو معنسى قول الوزاعسي‪ .‬وقال‬
‫أشهب في كتاب الستبراء‪ :‬عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة‪.‬‬
‫@ وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها‬
‫أو أربعسسا سسسواها حتسسى تنقضسسي عدة المطلقسسة‪ .‬واختلفوا إذا طلقهسسا طلقسسا ل يملك رجعتهسسا؛ فقالت‬
‫طائفسة‪ :‬ليسس له أن ينكسح أختهسا ول رابعسة حتسى تنقضسي عدة التسي طلق؛ وروي عسن علي وزيسد بسن‬
‫ثابسست‪ ،‬وهسسو مذهسسب مجاهسسد وعطاء بسسن أبسسي رباح والنخعسسي‪ ،‬وسسسفيان الثوري وأحمسسد بسسن حنبسسل‬
‫وأصسحاب الرأي‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬له أن ينكسح أختهسا وأربعسا سسواها؛ وروي عسن عطاء‪ ،‬وهسي أثبست‬
‫الروايتين عنه‪ ،‬وروي عن زيد بن ثابت أيضا؛ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة‬
‫بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ول أحسبه إل قول مالك‬
‫وبه نقول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مسا قسد سسلف" يحتمسل أن يكون معناه معنسى قوله‪" :‬إل مسا قسد سسلف" فسي قوله‪:‬‬
‫"ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف"‪ .‬ويحتمل معنى زائدا وهو جواز ما سلف‪،‬‬
‫وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا‪ ،‬وإذا جرى في السلم خيسر بين الختين؛‬
‫على مسا قاله مالك والشافعسي‪ ،‬من غير إجراء عقود الكفار على موجسب السلم ومقتضسى الشرع؛‬
‫وسواء عقد عليهما عقدا واحدا جمع به بينهما أو جمع بينهما في عقدين‪ .‬وأبو حنيفة يبطل نكاحهما‬
‫إن جمسع فسي عقسد واحسد‪ .‬وروى هشام بسن عبدال عسن محمسد بسن الحسسن أنسه قال‪ :‬كان أهسل الجاهليسة‬
‫يعرفون هذه المحرمات كلهسسا التسسي ذكرت فسسي هذه اليسسة إل اثنتيسسن؛ إحداهمسسا نكاح امرأة الب‪،‬‬
‫والثانيسة‪ ،‬الجمسع بيسن الختيسن؛ أل ترى أنسه قال‪" :‬ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم مسن النسساء إل مسا قسد‬
‫سسلف"‪" .‬وان تجمعوا بيسن الختيسن إل مسا قسد سسلف" ولم يذكسر فسي سسائر المحرمات "إل مسا قسد‬
‫سلف"‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم كتاب ال عليكم وأحل لكم ما وراء‬
‫ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة‬
‫ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن ال كان عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمحصنات" عطف على المحرمات والمذكورات قبل‪ .‬والتحصن‪ :‬التمنع؛ ومنه‬
‫الحصسسن لنسسه يمتنسسع فيسسه؛ ومنسسه قوله تعالى‪" :‬وعلمناه صسسنعة لبوس لكسسم لتحصسسنكم مسسن بأسسسكم"‬
‫[النسبياء‪ ]80 :‬أي لتمنعكسم؛ ومنسه الحصسان للفرس (بكسسر الحاء) لنسه يمنسع صساحبه مسن الهلل‪.‬‬
‫والحصسان (بفتسح الحاء)‪ :‬المرأة العفيفسة لمنعهسا نفسسها مسن الهلك‪ .‬وحصسنت المرأة تحصسن فهسي‬
‫حصان؛ مثل جبنت فهي جبان‪ .‬وقال حسان في عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫وتصبح غرثى من لحوم الغوافل‬ ‫حصان رزان ما تزن بريبة‬
‫والمصدر الحصانة (بفتح الحاء) والحصن كالعلم‪ .‬فالمراد بالمحصنات ههنا ذوات الزواج؛ يقال‪:‬‬
‫امرأة محصسنة أي متزوجسة‪ ،‬ومحصسنة أي حرة؛ ومنسه "والمحصسنات مسن المؤمنات والمحصسنات‬
‫مسسن الذيسسن أوتوا الكتاب" [المائدة‪ .]5 :‬ومحصسسنة أي عفيفسسه؛ قال ال تعالى‪" :‬محصسسنات غيسسر‬
‫مسسافحات" [النسساء‪ ]25 :‬وقال‪" :‬محصسنين غيسر مسسافحين"‪ .‬ومحصسنة ومحصسنة وحصسان أي‬
‫عفيفسة‪ ،‬أي ممتنعسة مسن الفسسق‪ ،‬والحريسة تمنسع الحرة ممسا يتعاطاه العبيسد‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬والذيسن‬
‫يرمون المحصسنات" [النور‪ ]4 :‬أي الحرائر‪ ،‬وكان عرف الماء فسي الجاهليسة الزنسى؛ أل ترى‬
‫إلى قول هنسد بنست عتبسة للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم حيسن بايعتسه‪" :‬وهسل تزنسي الحرة" ؟ والزوج‬
‫أيضسا يمنسع زوجسه مسن أن تزوج غيره؛ فبناء (ح ص ن) معناه المنسع كمسا بينسا‪ .‬وسستعمل الحصسان‬
‫فسي السسلم؛ لنسه حافسظ ومانسع‪ ،‬ولم يرد فسي الكتاب وورد فسي السسنة؛ ومنسه قول النسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬اليمان قيد الفتك)‪ .‬ومنه قول الهذلي‪:‬‬
‫ولكن أحاطت بالرقاب السلسل‬ ‫فليس كعهد الدار يا أم مالك‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫يأبى عليك ال والسلم‬ ‫قالت هلم إلى الحديث فقلت ل‬
‫ومنه قول سحيم‪:‬‬
‫كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا‬
‫@ إذا ثبست هذا فقسد اختلف العلماء فسي تأويسل هذه اليسة؛ فقال ابسن عباس وأبسو قلبسة وابسن زيسد‬
‫ومكحول والزهري وأبو سعيد الخدري‪ :‬المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الزواج خاصة‪،‬‬
‫أي هن محرمات إل ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب‪ ،‬فإن تلك حلل للذي تقع في سهمه‬
‫وإن كان لهسسا زوج‪ .‬وهسسو قول الشافعسسي فسسي أن السسسباء يقطسسع العصسسمة؛ وقال ابسسن وهسسب وابسسن‬
‫عبدالحكسم ورياه عسن مالك‪ ،‬وقال بسه أشهسب‪ .‬يدل عليسه مسا رواه مسسلم فسي صسحيحه عسن أبسي سسعيد‬
‫الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم‬
‫وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا؛ فكان ناس من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم تحرجوا من‬
‫غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين‪ ،‬فأنزل ال عز وجل في ذلك "والمحصنات من النساء‬
‫إل مسا ملكست أيمانكسم"‪ .‬أي فهسن لكسم حلل إذا انقضست عدتهسن‪ .‬وهذا نسص صسحيح صسريح فسي أن‬
‫الية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم عن وطء المسبيات ذوات الزواج؛‬
‫فأنزل ال تعالى في جوابهم "إل ما ملكت أيمانكم"‪ .‬وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي‬
‫وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور‪ ،‬وهسو الصسحيح إن شاء ال تعالى‪ .‬واختلفوا فسي اسستبرائها بماذا يكون؛‬
‫فقال الحسن‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يستبرئون المسبية بحيضة؛ وقد روي‬
‫ذلك مسن حديسث أبسي سسعيد الخدري فسي سسبايا أوطاس (ل توطسأ حامسل حتسى تضسع ول حائل حتسى‬
‫تحيسض)‪ .‬ولم يجعسل لفراش الزوج السسابق أثرا حتسى يقال أن المسسبية مملوكسة ولكنهسا كانست زوجسة‬
‫زال نكاحها فتعتد عدة الماء‪ ،‬على ما نقل عن الحسن بن صالح قال‪ :‬عليها العدة حيضتان إذا كان‬
‫لهسا زوج فسي دار الحرب‪ .‬وكافسة العلماء رأوا اسستبراءها واسستبراء التسي ل زوج لهسا واحدا فسي أن‬
‫الجميع بحيضة واحدة‪ .‬والمشهور من مذهب مالك أنه ل فرق بين أن يسبى الزوجان مجتمعين أو‬
‫متفرقين‪ .‬وروى عنه ابن بكير أنهما إن سبيا جميعا واستبقي الرجل أقرا علي نكاحهما؛ فرأى في‬
‫هذه الروايسة أن اسستبقاءه إبقاء لمسا يملكسه؛ لنسه قسد صسار له عهسد وزوجتسه مسن جملة مسا يملكسه‪ ،‬فل‬
‫يحال بينه وبينها؛ وهو قول أبي حنيفة والثوري‪ ،‬وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك‪ .‬والصحيح‬
‫الول؛ لمسا ذكرناه؛ ولن ال تعالى قال‪( :‬إل مسا ملكست أيمانكسم) فأحال على ملك اليميسن وجعله هسو‬
‫المؤثر فيتعلق الحكم به من حيث العموم والتعليل جميعا‪ ،‬إل ما خصه الدليل‪ .‬وفي الية قول ثان‬
‫قاله عبدال بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وأبي بن كعب وجابر بن عبدال‬
‫وابسسن عباس فسسي روايسسة عكرمسسة‪ :‬أن المراد باليسسة ذوات الزواج‪ ،‬أي فهسسن حرام إل أن يشتري‬
‫الرجل المة ذات الزوج فإن بيعها طلقها والصدقة بها طلقها وأن تورث طلقها وتطليق الزوج‬
‫طلقها‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬فإذا بيعت المة ولها زوج فالمشتري أحق ببضعها وكذلك المسبية؛ كل‬
‫ذلك موجسب للفرقسة بينها وبين زوجها‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا كان كذلك فل بد أن يكون بيع المسة طلقسا لهسا؛‬
‫لن الفرج محرم على اثنين في حال واحدة بإجماع من المسلمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يرده حديسث بريرة؛ لن عائشسة رضسى ال عنهسا اشترت بريرة وأعتقتهسا ثسم خيرهسا‬
‫النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم وكانسست ذات زوج؛ وفسسي إجماعهسسم على أن بريرة قسسد خيرت تحسست‬
‫زوجهسا مغيسث بعسد أن اشترتهسا عائشسة فأعتقتهسا لدليسل على أن بيسع المسة ليسس طلقهسا؛ وعلى ذلك‬
‫جماعسة فقهاء المصسار مسن أهسل الرأي والحديسث‪ ،‬وأل طلق لهسا إل الطلق‪ .‬وقسد احتسج بعضهسم‬
‫بعموم قوله‪ :‬ألمسا ملكست أيمانكسم" وقياسسا على المسسبيات‪ .‬ومسا ذكرناه مسن حديسث بريرة يخصسه‬
‫ويرده‪ ،‬وأن ذلك إنمسا هسو خاص بالمسسبيات على حديسث أبسي سسعيد‪ ،‬وهسو الصسواب والحسق إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وفسي اليسة قول ثالث‪ :‬روى الثوري عسن مجاهسد عسن إبراهيسم قال ابسن مسسعود فسي قوله‬
‫تعالى‪" :‬والمحصسسنات مسسن النسسساء إل مسسا ملكسست أيمانكسسم" قال‪ :‬ذوات الزواج مسسن المسسسلمين‬
‫والمشركيسن‪ .‬وقال علي بسن أبسي طالب‪ :‬ذوات الزواج مسن المشركيسن‪ .‬وفسي الموطسأ عسن سسعيد بسن‬
‫المسيب "والمحصنات من النساء "هن ذوات الزواج؛ ويرجع ذلك إلى أن ال حرم الزنى‪ .‬وقالت‬
‫طائفسة‪ :‬المحصسنات فسي هذه اليسة يراد بسه العفائف‪ ،‬أي كسل النسساء حرام‪ .‬وألبسسهن اسسم المحصسان‬
‫من كان منهن ذات زوج أو غير ذات زوج؛ إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مسا ملكست أيمانكسم" قالوا‪ :‬معناه بنكاح أو شراء‪ .‬هذا قول أبسي العاليسة وعسبيدة‬
‫السسلماني وطاوس وسسعيد بسن جسبير وعطاء‪ ،‬ورواه عسبيدة عسن عمسر؛ فأدخلوا النكاح تحست ملك‬
‫اليمين‪ ،‬ويكون معنى الية عندهم في قوله تعالى‪" :‬إل ما ملكت أيمانكم "يعني تملكون عصمتهن‬
‫بالنكاح وتملكون الرقبسة بالشراء‪ ،‬فكأنهسن كلهسن ملك يميسن ومسا عدا ذلك فزنسى‪ ،‬وهذا قول حسسن‪.‬‬
‫وقد قال ابن عباس‪" :‬المحصنات" العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وبهذا‬
‫التأويل يرجع معنى الية إلى تحريم الزنى؛ وأسد الطبري أن رجل قال لسعيد بن جبير‪ :‬أما رأيت‬
‫ابن عباس حين سئل عن هذه الية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد‪ :‬كان ابن عباس ل يعلمها‪ .‬وأسند‬
‫أيضسسا عسسن مجاهسسد أنسسه قال‪ :‬لو أعلم مسسن يفسسسر لي هذه اليسسة لضربسست إليسسه أكباد البسسل‪ :‬قوله‬
‫"والمحصنات "إلى قوله "حكيما"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ول أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس‬
‫ول كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتاب ال عليكسم" نصسب على المصسدر المؤكسد‪ ،‬أي حرمست هذه النسساء كتابسا مسن‬
‫ال عليكسسم‪ .‬ومعنسسى "حرمست عليكسسم" كتسسب ال عليكسم‪ .‬وقال الزجاج والكوفيون‪ :‬هسو نصسب على‬
‫الغراء‪ ،‬أي الزموا كتاب ال‪ ،‬أو عليكم كتاب ال‪ .‬وفيه نظر على ما ذكره أبو علي؛ فإن الغراء‬
‫ل يجوز فيسه تقديسم المنصسوب على حرف الغراء‪ ،‬فل يقال‪ :‬زيدا عليسك‪ ،‬أو زيدا دونسك؛ بسل يقال‪:‬‬
‫عليسك زيدا ودونسك عمرا‪ ،‬وهذا الذي قاله صسحيح على أنسه منصسوبا بسس "عليكسم" إشارة إلى مسا ثبست‬
‫فسي القرآن مسن قوله تعالى‪" :‬مثنسى وثلث ورباع" [النسساء‪ ]3:‬وفسي هذا بعسد؛ والظهسر أن قوله‪:‬‬
‫"كتاب ال عليكم" إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم" قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص "وأحل‬
‫لكسسم" ردا على "حرمسست عليكسسم"‪ .‬الباقون بالفتسسح ردا على قوله تعالى‪" :‬كتاب ال عليكسسم"‪ .‬وهذا‬
‫يقتضسي أل يحرم مسن النسساء إل مسن ذكسر‪ ،‬وليسس كذلك؛ فإن ال تعالى قسد حرم على لسسان نسبيه مسن‬
‫لم يذكسر فسي اليسة فيضسم إليهسا‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ومسا آتاكسم الرسسول فخذوه ومسا نهاكسم عنسه فانتهوا"‬
‫[الحشسر‪ .]7 :‬روى مسسلم وغيره عسن أبسي هريرة رضسي ال عنسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم قال‪" :‬ل يجمسع بيسن المرأة وعمتهسا ول بيسن المرأة وخالتهسا)‪ .‬وقال ابسن شهاب‪ :‬فنرى خالة‬
‫أبيهسا وعمسة أبيهسا بتلك المنزلة‪ ،‬وقسد قيسل‪ :‬إن تحريسم الجمسع بيسن المرأة وعمتهسا وخالتهسا متلقسى مسن‬
‫الية نفسها؛ لن ال تعالى حرم الجمع بين الختين‪ ،‬والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع‬
‫بين الختين؛ أو لن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد‪ .‬والصحيح الول؛ لن الكتاب‬
‫والسنة كالشيء الواحد؛ فكأنه قال‪ :‬أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب‪ ،‬وما وراء ما أكملت‬
‫بسه البيان على لسسان محمسد عليسه السسلم‪ .‬وقول ابسن شهاب‪" :‬فنرى خالة أبيهسا وعمسة أبيهسا بتلك‬
‫المنزلة" إنما صار إلى ذلك لنه حمل الخالة والعمة على العموم وتم له ذلك؛ لن العمة اسم لكل‬
‫أنثى شاركت أباك في أصليه أو في أحدهما والخالة كذلك كما بيناه‪ .‬وفي مصنف أبي داود وغيره‬
‫عسن أبسي هريرة قال قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ل تنكسح المرأة على عمتهسا ول العمسة‬
‫على بنت أخيها ول المرأة على خالتها ول الخالة على بنت أختها ول تنكح الكبرى على الصغرى‬
‫ول الصغرى على الكبرى)‪ .‬وروى أبو داود أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين‪ .‬الرواية "ل يجمع" برفع العين على‬
‫الخسبر على المشروعيسة فيتضمسن النهسي عسن ذلك‪ ،‬وهذا الحديسث مجمسع على العمسل بسه فسي تحريسم‬
‫الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح‪ .‬وأجاز الخوارج الجمع بين الختين وبين المرأة وعمتها وخالتها‪،‬‬
‫ول يعتسد بخلفهسم لنهسم مرقوا مسن الديسن وخرجوا منسه‪ ،‬ولنهسم مخالفون للسسنة الثابتسة‪ .‬وقوله‪( :‬ل‬
‫يجمع بين العمتين والخالتين) فقد أشكل على بعض أهل العلم وتحير في معناه حتى حمله على ما‬
‫يبعسد أو ل يجوز؛ فقال‪ :‬معنسى بيسن العمتيسن على المجاز‪ ،‬أي بيسن العمسة وبنست أخيهسا؛ فقيسل لهمسا‪:‬‬
‫عمتان‪ ،‬كمسا قيسل‪ :‬سسنة العمريسن أبسي بكسر وعمسر؛ قال‪ :‬وبيسن الخالتيسن مثله‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا مسن‬
‫التعسف الذي ل يكاد يسمع بمثله‪ ،‬وفيه أيضا مع التعسف أنه يكون كلما مكررا لغير فائدة؛ لنه‬
‫إذا كان المعنسى نهسى أن يجمسع بيسن العمسة وبنست أخيهسا وبيسن العمتيسن يعنسي بسه العمسة وبنست أخيهسا‬
‫صار الكلم مكررا لغير فائدة؛ وأيضا فلو كان كما قال لوجب أن يكون وبين الخالة‪ ،‬وليس كذلك‬
‫الحديث؛ لن الحديث (نهى أن يجمع بين العمة والخالة)‪ .‬فالواجب على لفظ الحديث أل يجمع بين‬
‫امرأتيسسسن إحداهمسسسا عمسسسة الخرى والخرى خالة الخرى‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا يخرج على معنسسسى‬
‫صسحيح‪ ،‬يكون رجسل وابنسه تزوجسا امرأة وابنتهسا؛ تزوج الرجسل البنست وتزوج البسن الم فولد لكسل‬
‫واحد منهما ابنة من هاتين الزوجتين؛ فابنة الب عمة ابنة البن‪ ،‬وابنة البن خالة ابنة الب‪ .‬وأما‬
‫الجمسع بيسن الخالتيسن فهذا يوجسب أن يكونسا امرأتيسن كسل واحدة منهمسا خالة الخرى؛ وذلك أن يكون‬
‫رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الخر ابنة‪ ،‬فولد لكل واحد منهما ابنة‪ ،‬فابنة كل واحد منهما خالة‬
‫الخرى‪ .‬وأمسا الجمسع بيسن العمتيسن فيوجسب أل يجمسع بيسن امرأتيسن كسل واحدة منهمسا عمسة الخرى؛‬
‫وذلك أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الخر أم الخر‪ ،‬فيولد لكل واحد منهما ابنة فابنة كل واحد‬
‫منهما عمة الخرى؛ فهذا ما حرم ال على لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم مما ليس في‬
‫القرآن‪.‬‬
‫@ وإذا تقرر هذا فقد عقد العلماء فيمن يحرم الجمع بينهن عقدا حسنا؛ فروى معتمر بن سليمان‬
‫عسن فضيسل بسن ميسسرة عسن أبسي جريسر عسن الشعسبي قال‪ :‬كسل امرأتيسن إذا جعلت موضسع إحداهمسا‬
‫ذكرا لم يجسز له أن يتزوج الخرى فالجمسع بينهمسا باطسل‪ .‬فقلت له‪ :‬عمسن هذا؟ قال‪ :‬عسن أصسحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال سفيان الثوري‪ :‬تفسيره عندنا أن يكون من النسب‪ ،‬ول يكون‬
‫بمنزلة امرأة وابنسة زوجهسا يجمسع بينهمسا إن شاء‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وهذا على مذهسب مالك والشافعسي‬
‫وأبسي حنيفسة والوزاعسي وسسائر فقهاء المصسار مسن أهسل الحديسث وغيرهسم فيمسا علمست ل يختلفون‬
‫فسي هذا الصسل‪ .‬وقسد كره قوم مسن السسلف أن يجمسع الرجسل بيسن ابنسة رجسل وامرأتسه مسن أجسل أن‬
‫أحدهما لو كان ذكرا لم يحل له نكاح الخرى‪ .‬والذي عليه العلماء أنه ل بأس بذلك‪ ،‬وأن المراعى‬
‫النسب دون غيره من المصاهرة؛ ثم ورد في بعض الخبار التنبيه على العلة في منع الجمع بين‬
‫مسن ذكسر‪ ،‬وذلك مسا يفضسي إليسه الجمسع مسن قطسع الرحام القريبسة ممسا يقسع بيسن الضرائر مسن الشنان‬
‫والشرور بسسبب الغيرة؛ فروى ابسن عباس قال‪ :‬نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أن يتزوج‬
‫الرجسسل المرأة على العمسسة أو على الخالة‪ ،‬وقال‪( :‬إنكسسم إذا فعلتسسم ذلك قطعتسسم أرحامكسسم) ذكره أبسسو‬
‫محمسد الصسيلي فسي فوائده وابسن عبدالبر وغيرهمسا‪ .‬ومسن مراسسيل أبسي داود عسن حسسين بسن طلحسة‬
‫قال‪ :‬نهسى رسسول ال صسلى ال عليه وسسلم أن تنكسح المرأة على أخواتهسا مخافسة القطيعسة؛ وقسد طرد‬
‫بعسض السسلف هذه العلة فمنسع الجمسع بيسن المرأة وقريبتهسا‪ ،‬وسسواء كانست بنست عسم أو بنست خال أو‬
‫بنست خالة؛ روي ذلك عسن إسسحاق بسن طلحسة وعكرمسة وقتادة وعطاء فسي روايسة ابسن أبسي نجيسح‪،‬‬
‫وروى عنه ابن جريج أنه ل بأس بذلك وهو الصحيح‪ .‬وقد نكح حسن بن حسين بن علي في ليلة‬
‫واحدة ابنسة محمسد بسن علي وابنسة عمسر بسن علي فجمسع بيسن ابنتسي عسم؛ ذكره عبدالرزاق‪ .‬زاد ابسن‬
‫عيينسة‪ :‬فأصسبح نسساؤهم ل يدريسن إلى أيتهمسا يذهبسن؛ وقسد كره مالك هذا‪ ،‬وليسس بحرام عنده‪ .‬وفسي‬
‫سسسماع ابسسن القاسسسم‪ :‬سسسئل مالك عسسن ابنتسسي العسسم أيجمسسع بينهمسسا؟ فقال‪ :‬مسسا أعلمسسه حرامسسا‪ .‬قيسسل له‪:‬‬
‫أفتكرهسه؟ قال‪ :‬إن ناسسا ليتقونسه؛ قال ابسن القاسسم‪ :‬وهسو حلل ل بأس بسه‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬ل أعلم‬
‫أحدا أبطل هذا النكاح‪ .‬وهما داخلتان فسي جملة مسا أبيح بالنكاح غير خارجتيسن منه بكتاب ول سنة‬
‫ول إجماع‪ ،‬وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابنتي خالة‪ .‬وقال السدي في قوله تعالى‪" :‬وأحل لكم ما‬
‫وراء ذلك "‪ :‬يعنسي النكاح فيمسا دون الفرج‪ .‬وقيسل‪ :‬المعنسى وأحسل لكسم مسا وراء ذوات المحارم مسن‬
‫أقربائكم‪ .‬قتادة‪ :‬يعني بذلك ملك اليمين خاصة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تبتغوا بأموالكسم" لفسظ يجمسع التزوج والسسراء‪ .‬و"أن" فسي موضسع نصسب بدل‬
‫مسن "مسا"‪ ،‬وعلى قراءة حمزة فسي موضسع رفسع؛ ويحتمسل أن يكون المعنسى لن‪ ،‬أو بأن؛ فتحذف‬
‫اللم أو الباء فيكون فسسي موضسسع نصسسب‪ .‬و"محصسسنين" نصسسب على الحال‪ ،‬ومعناه متعففيسسن عسسن‬
‫الزنسى‪" .‬غيسر مسسافحين" أي غيسر زانيسن‪ .‬والسسفاح الزنسى‪ ،‬وهسو مأخوذ مسن سسفح الماء‪ ،‬أي صسبه‬
‫وسيلنه؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم حين سمع الدفاف في عرس‪( :‬هذا النكاح ل السفاح‬
‫ول نكاح السر)‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن قوله "محصنين غير مسافحين" يحتمل وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما ذكرناه‬
‫وهسو الحصسان بعقسد النكاح‪ ،‬تقديره اطلبوا منافسع البضسع بأموالكسم على وجسه النكاح ل على وجسه‬
‫السسفاح؛ فيكون لليسة على هذا الوجسه عموم‪ .‬ويحتمسل أن يقال‪" :‬محصسنين" أي الحصسان صسفة‬
‫لهسن‪ ،‬ومعناه لتزوجوهسن على شرط الحصسان فيهسن؛ والوجسه الول أولى؛ لنسه متسى أمكسن جري‬
‫اليسة على عمومهسا والتعلق بمقتضاهسا فهسو أولى؛ ولن مقتضسى الوجسه الثانسي أن المسسافحات ل‬
‫يحل التزوج بهن‪ ،‬وذلك خلف الجماع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بأموالكسم" أباح ال تعالى الفروج بالموال ولم يحصسل‪ ،‬فوجسب إذا حصسل بغيسر‬
‫المال أل تقع الباحة به؛ لنها على غير الشرط المأذون فيه‪ ،‬كما لو عقد على خمر أو خنزير أو‬
‫ما ل يصح تملكه‪ .‬ويرد على أحمد قوله في أن العتق يكون صداقا؛ لنه ليس فيه تسليم مال وإنما‬
‫فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها؛ فإن الذي كان يملكه المولى من عنده لم‬
‫ينتقل إليها وإنما سقط‪ .‬فإذا لم يسلم الزوج إليها شيئا ولم تستحق عليه شيئا‪ ،‬وإنما أتلف به ملكه‪ ،‬لم‬
‫يكسن مهرا‪ .‬وهذا بيسن مسع قوله تعالى‪" :‬وأتوا النسساء" [النسساء‪ ]4 :‬وذلك أمسر يقتضسي اليجاب‪،‬‬
‫وإعطاء العتق ل يصح‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه" [النساء‪ ]4 :‬وذلك‬
‫محال في العتق‪ ،‬فلم يبق أن يكون الصداق إل مال لقوله تعالى‪" :‬بأموالكم" [النسساء‪ ]24:‬اختلف‬
‫من قال بذلك في قدر ذلك؛ فتعلق الشافعي بعموم قوله تعالى‪" :‬بأموالكم" في جواز الصداق بقليل‬
‫وكثيسر‪ ،‬وهسو الصسحيح؛ ويعضده قوله عليسه السسلم فسي حديسث الموهوبسة (ولو خاتمسا مسن حديسد)‪.‬‬
‫وقوله عليه السلم‪( :‬أنكحوا اليامى)؛ ثلثا‪ .‬قيل‪ :‬ما العلئق بينهم يا رسول ال؟ قال‪( :‬ما تراضى‬
‫عليسه الهلون ولو قضيبسا مسن أراك)‪ .‬وقال أبسو سسعيد الخدري‪ :‬سسألنا رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم عن صداق النساء فقال‪( :‬هو ما اصطلح عليه أهلوهم)‪ .‬وروى جابر أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬لو أن رجل أعطى امرأة ملء يديه طعاما كانت به حلل)‪ .‬أخرجهما الدارقطني‬
‫فسي سسننه‪ .‬قال الشافعسي‪ :‬كسل مسا جاز أن يكون ثمنسا لشيسء‪ ،‬أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون‬
‫صداقا‪ ،‬وهذا قول جمهور أهل العلم‪ .‬وجماعة أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها‪ ،‬كلهم أجازوا‬
‫الصسسداق بقليسسل المال وكثيره‪ ،‬وهسسو قول عبدال بسسن وهسسب صسساحب مالك‪ ،‬واختاره ابسسن المنذر‬
‫وغيره‪ .‬قال سسعيد بسن المسسيب‪ :‬لو أصسدقها سسوطا حلت بسه‪ ،‬وأنكسح ابنتسه مسن عبدال بسن وداعسة‬
‫بدرهميسسن‪ .‬وقال ربيعسسة‪ :‬يجوز النكاح بدرهسسم‪ .‬وقال بعسسض أصسسحابنا فسسي تعليسسل له‪ :‬وكان أشبسسه‬
‫الشياء بذلك قطسع مسن ربسع دينار أو ثلثسة دراهسم كيل‪ .‬قال بعسض أصسحابنا فسي تعليسل له‪ :‬وكان‬
‫أشبسه الشياء بذلك قطسع اليسد‪ ،‬لن البضسع عضسو واليسد عضسو يسستباح بمقدر مسن المال‪ ،‬وذلك ربسع‬
‫دينار أو ثلثسة دراهسم كيل؛ فرد مالك البضسع إليسه قياسسا على اليسد‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬قسد تقدمسه إلى هذا‬
‫أبسو حنيفسة‪ ،‬فقاس الصسداق على قطسع اليسد‪ ،‬واليسد عنده ل تقطسع إل فسي دينار ذهبسا أو عشرة دراهسم‬
‫كيل‪ ،‬ول صداق عنده أقل من ذلك‪ ،‬وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه‪ ،‬وهو قول أكثر أهل‬
‫بلده فسي قطسع اليسد ل فسي أقسل الصسداق‪ .‬وقسد قال الداروردي لمالك إذ قال ل صسداق أقسل مسن ربسع‬
‫دينار‪ :‬تعرقست فيهسا يسا أبسا عبدال أي سسلكت فيهسا سسبيل أهسل العراق‪ .‬وقسد احتسج أبسو حنيفسة بمسا رواه‬
‫جابر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬ل صسداق دون عشرة دراهسم) أخرجسه الدارقطنسي‪.‬‬
‫وفي سنده مبشر بن عبيد متروك‪ .‬وروي عن داود الودي عن الشعبي عن علي عليه السلم‪ :‬ل‬
‫يكون المهسر أقسل مسن عشرة دراهسم‪ .‬قال أحمسد بسن حنبسل‪ :‬لقسن غياث بسن إبراهيسم داود الودي عسن‬
‫الشعبي عن علي‪ :‬ل مهر أقل من عشرة دراهم‪ .‬فصار حديثا‪ .‬وقال النخعي‪ :‬أقله أربعون درهما‪.‬‬
‫سعيد بن جبير‪ :‬خمسون درهما‪ .‬ابن شبرمة‪ :‬خمسة دراهم‪ .‬ورواه الدارقطني عن ابن عباس عن‬
‫علي رضي ال عنه‪ :‬ل مهر أقل من خمسة دراهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمسا اسستمتعتم بسه منهسن فآتوهسن أجورهسن فريضسة" السستمتاع التلذذ والجور‬
‫المهور؛ وسسمي المهسر أجرا لنسه أجسر السستمتاع‪ ،‬وهذا نسص على أن المهسر يسسمى أجرا‪ ،‬وذلك‬
‫دليل على أنه في مقابلة البضع؛ لن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا‪ .‬وقد اختلف العلماء في المعقود‬
‫عليه في النكاح ما هو‪ :‬بدن المرأة أو منفعة البضع أو الحل؛ ثلثة أقوال‪ ،‬والظاهر المجموع؛ فإن‬
‫العقد يقتضي كل ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فسي معنسى اليسة؛ فقال الحسسن ومجاهسد وغيرهمسا‪ :‬المعنسى فمسا انتفعتسم وتلذذتسم‬
‫بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح "فآتوهن أجورهن" أي مهورهن‪ ،‬فإذا جامعها مرة واحدة فقد‬
‫وجسب المهسر كامل إن كان مسسمى‪ ،‬أو مهسر مثلهسا إن لم يسسم‪ ،‬فإن كان النكاح فاسسدا فقسد اختلفست‬
‫الرواية عن مالك في النكاح الفاسد‪ ،‬هل تستحق به مهر المثل‪ ،‬أو المسمى إذا كان مهرا صحيحا؟‬
‫فقال مرة المهر المسمى‪ ،‬وهو ظاهر مذهبه؛ وذلك أن ما تراضوا عليه يقين‪ ،‬ومهر المثل اجتهاد‬
‫فيجسب أن يرجسع إلى مسا تيقناه؛ لن الموال ل تسستحق بالشسك‪ .‬ووجسه قوله‪" :‬مهسر المثسل" أن النسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها مهر‬
‫مثلهسا بمسا اسستحل مسن فرجهسا)‪ .‬قال ابسن خويسز منداد‪ :‬ول يجوز أن تحمسل اليسة على جواز المتعسة؛‬
‫لن رسسسسول ال صسسسلى ال عليسسسه وسسسسلم نهسسسى عسسسن نكاح المتعسسسة وحرمسسسه؛ ولن ال تعالى قال‪:‬‬
‫"فأنكحوهسن بإذن أهلهسن "ومعلوم أن النكاح بإذن الهليسن هسو النكاح الشرعسي بولي وشاهديسن‪،‬‬
‫ونكاح المتعسة ليسس كذلك‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬المراد نكاح المتعسة الذي كان فسي صسدر السسلم‪ .‬وقرأ‬
‫ابسن عباس وأبسي وابسن جسبير "فمسا اسستمتعتم بسه منهسن إلى أجسل مسسمى فأتوهسن أجورهسن "ثسم نهسى‬
‫عنها النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬نسختها آية الميراث؛ إذ كانت المتعة ل‬
‫ميراث فيها‪ .‬وقالت عائشة والقاسم بن محمد‪ :‬تحريمها ونسخها في القرآن؛ وذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫"والذيسسن هسسم لفروجهسسم حافظون إل على أزواجهسسم أو مسسا ملكسست أيمانكسسم فإنهسسم غيسسر ملوميسسن"‬
‫[المؤمنون‪ .]5 :‬وليسست المتعسة نكاحسا ول ملك يميسن‪ .‬وروى الدارقطنسي عسن علي بسن أبسي طالب‬
‫قال‪ :‬نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عسن المتعسة‪ ،‬قال‪ :‬وإنمسا كانست لمسن لم يجسد‪ ،‬فلمسا نزل‬
‫النكاح والطلق والعدة والميراث بيسن الزوج والمرأة نسسخت‪ .‬وروى عسن علي رضسى ال عنسه أنسه‬
‫قال‪ :‬نسسخ صسوم رمضان كسل صسوم‪ ،‬ونسسخت الزكاة كسل صسدقة‪ ،‬ونسسخ الطلق والعدة والميراث‬
‫المتعة‪ ،‬ونسخت الضحية كل ذبح‪ .‬وعن ابن مسعود قال‪ :‬المتعة منسوخة نسخها الطلق والعدة‬
‫والميراث‪ .‬وروى عطاء عسن ابسن عباس قال‪ :‬مسا كانست المتعسة إل رحمسة مسن ال تعالى رحسم بهسا‬
‫عباده ولول نهي عمر عنها ما زنى إل شقي‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء كسم مرة أبيحست ونسسخت؛ ففسي صسحيح مسسلم عسن عبدال قال‪ :‬كنسا نغزو مسع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس لنا نساء؛ فقلنا‪ :‬أل نستخصي؟ فنهانا عن ذلك‪ ،‬ثم رخص لنا‬
‫أن ننكسح المرأة بالثوب إلى أجسل‪ .‬قال أبسو حاتسم البسستي فسي صسحيحه‪ :‬قولهسم للنسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم "أل نستخصي" دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الستمتاع‪ ،‬ولو لم تكن‬
‫محظوره لم يكسن لسسؤالهم عسن هذا معنسى‪ ،‬ثسم رخسص لهسم فسي الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى‬
‫أجسل ثسم نهسى عنهسا عام خيسبر‪ ،‬ثسم أذن فيهسا عام الفتسح‪ ،‬ثسم حرمهسا بعسد ثلث‪ ،‬فهسي محرمسة إلى يوم‬
‫القيامسة‪ .‬وقال ابسن العربسي‪ :‬وأمسا متعسة النسساء فهسي مسن غرائب الشريعسة؛ لنهسا أبيحست فسي صسدر‬
‫السلم ثم حرمت يوم خيبر‪ ،‬ثم أبيحت في غزوة أوطاس‪ ،‬ثم حرمت بعد ذلك واستقر المر على‬
‫التحريسم‪ ،‬وليسس لهسا أخست فسي الشريعسة إل مسسألة القبلة‪ ،‬لن النسسخ طرأ عليهسا مرتيسن ثسم اسستقرت‬
‫بعسد ذلك‪ .‬وقال غيره ممسن جمسع طرق الحاديسث فيهسا‪ :‬إنهسا تقتضسي التحليسل والتحريسم سسبع مرات؛‬
‫فروى ابسسن أبسسي عمرة أنهسسا كانسست فسسي صسسدر السسسلم‪ .‬وروى سسسلمة بسسن الكوع أنهسسا كانسست عام‬
‫أوطاس‪ .‬ومن رواية علي تحريمها يوم خيبر‪ .‬ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه الطرق كلهسا فسي صسحيح مسسلم؛ وفسي غيره عسن علي نهيسه عنهسا فسي غزوة تبوك؛‬
‫رواه إسسحاق بسن راشسد عسن الزهري عسن عبدال بسن محمسد بسن علي عسن أبيسه عسن علي‪ ،‬ولم يتابسع‬
‫إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب؛ قال أبو عمر رحمه ال‪ .‬وفي مصنف أبي داود‬
‫من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع‪ ،‬وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي‬
‫في ذلك‪ .‬وقال عمرو عن الحسن‪ :‬ما حلت المتعة قط إل ثلثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ول‬
‫بعدها‪ .‬وروي هذا عن سبرة أيضا؛ فهذه سبعة مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت‪ .‬قال أبو جعفر‬
‫الطحاوي‪ :‬كسل هؤلء الذيسن رووا عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إطلقهسا أخسبروا أنهسا كانست فسي‬
‫سسفر‪ ،‬وأن النهسي لحقهسا فسي ذلك السسفر بعسد ذلك‪ ،‬فمنسع منهسا‪ ،‬وليسس أحسد منهسم يخسبر أنهسا كانست فسي‬
‫حضر؛ وكذلك روي عن ابن مسعود‪ .‬فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لهسا فسي حجسة الوداع فخارج عسن معانيهسا كلهسا؛ وقسد اعتبرنسا هذا الحرف فلم نجده إل فسي روايسة‬
‫عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز خاصة‪ ،‬وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبدالعزيز بن عمر‬
‫بن عبدالعزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها‪ ،‬ومحال أن‬
‫يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع؛ لنهم كانوا حجوا بالنساء‪ ،‬وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم‪،‬‬
‫ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة‪ .‬ويحتمل أنه لما كانت عادة النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة‪ ،‬ذكر تحريمها في حجة الوداع؛ لجتماع‬
‫الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه‪ ،‬فأكد ذلك حتى ل تبقى شبهة لحد يدعي تحليلها؛ ولن أهل‬
‫مكة كانوا يستعملونها كثيرا‪.‬‬
‫@ روى الليسث بن سسعد عن بكيسر بن الشج عن عمار مولى الشريسد قال‪ :‬سألت ابسن عباس عن‬
‫المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال‪ :‬ل سفاح ول نكاح‪ .‬قلت‪ :‬فما هي؟ قال‪ :‬المتعة كما قال ال تعالى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هسل عليهسا عدة؟ قال‪ :‬نعسم حيضسة‪ .‬قلت‪ :‬يتوارثان‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬لم يختلف العلماء‬
‫مسن السسلف والخلف أن المتعسة نكاح إلى أجسل ل ميراث فيسه‪ ،‬والفرقسة تقسع عنسد انقضاء الجسل مسن‬
‫غيسر طلق‪ .‬وقال ابسن عطيسة‪" :‬وكانست المتعسة أن يتزوج الرجسل المرأة بشاهديسن وإذن الولي إلى‬
‫أجل مسمى؛ وعلى أن ل ميراث بينهما‪ ،‬ويعطيها ما اتفقا عليه؛ فإذا انقضت المدة فليس له عليها‬
‫سسسبيل ويسسستبرئ رحمهسسا‪ :‬لن الولد ل حسسق فيسسه بل شسسك‪ ،‬فإن لم تحمسسل حلت لغيره‪ .‬وفسسي كتاب‬
‫النحاس‪ :‬في هذا خطأ وأن الولد ل يلحق في نكاح المتعة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا هسو المفهوم مسن عبارة النحاس؛ فإنسه قال‪ :‬وإنمسا المتعسة أن يقول لهسا‪ :‬أتزوجسك يومسا ‪-‬‬
‫أو مسسا أشبسسه ذلك ‪ -‬على أنسسه ل عدة عليسسك ول ميراث بيننسسا ول طلق ول شاهسسد يشهسسد على ذلك؛‬
‫وهذا هسو الزنسى بعينسه ولم يبسح قسط فسي السسلم؛ ولذلك قال عمسر‪ :‬ل أوتسى برجسل تزوج متعسة إل‬
‫غيبته تحت الحجارة‪.‬‬
‫@ وقد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ول يلحق به الولد أو يدفع الحد للشبهة‬
‫ويلحسق بسه الولد على قوليسن؛ ولكسن يعذر ويعاقسب‪ .‬وإذا لحسق اليوم الولد فسي نكاح المتعسة فسي قول‬
‫بعسض العلماء مسع القول بتحريمسه‪ ،‬فكيسف ل يلحسق فسي ذلك الوقست الذي أبيسح‪ ،‬فدل على أن نكاح‬
‫المتعسة كان على حكسم النكاح الصسحيح‪ ،‬ويفارقسه فسي الجسل والميراث‪ .‬وحكسى المهدوي عسن ابسن‬
‫عباس أن نكاح المتعسة كان بل ولي ول شهود‪ .‬وفيمسا حكاه ضعسف؛ لمسا ذكرنسا‪ .‬قال ابسن العربسي‪:‬‬
‫وقسد كان ابسن عباس يقول بجوازهسا‪ ،‬ثسم ثبست رجوعسه عنهسا‪ ،‬فانعقسد الجماع على تحريمهسا؛ فإذا‬
‫فعلها أحد رجم في مشهور المذهب‪ .‬وفي رواية أخرى عن مالك‪ :‬ل يرجم؛ لن نكاح المتعة ليس‬
‫بحرام‪ ،‬ولكسن لصسل آخسر لعلمائنسا غريسب انفردوا بسه دون سسائر العلماء؛ وهسو أن مسا حرم بالسسنة‬
‫هسل هسو مثسل مسا حرم بالقرآن أم ل؟ فمسن روايسة بعسض المدنييسن عسن مالك أنهمسا ليسسا بسسواء؛ وهذا‬
‫ضعيسف‪ .‬وقال أبسو بكسر الطرطوسسي‪ :‬ولم يرخسص فسي نكاح المتعسة إل عمران بسن حصسين وابسن‬
‫عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت‪ .‬وفي قول ابن عباس يقول الشاعر‪:‬‬
‫يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس‬ ‫أقول للركب إذ طال الثواء بنا‬
‫تكون مثواك حتى مرجع الناس‬ ‫في بضة رخصة الطراف ناعمة‬
‫وسسائر العلماء والفقهاء مسن الصسحابة والتابعيسن والسسلف الصسالحين على أن هذه اليسة منسسوخة‪،‬‬
‫وأن المتعسة حرام‪ .‬وقال أبسو عمسر‪ :‬أصسحاب ابسن عباس مسن أهسل مكسة واليمسن كلهسم يرون المتعسة‬
‫حلل على مذهسسب ابسسن عباس وحرمهسسا سسسائر الناس‪ .‬وقال معمسسر‪ :‬قال الزهري‪ :‬ازداد الناس لهسسا‬
‫مقتا حتى قال الشاعر‪:‬‬
‫يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس‬ ‫قال المحدث لما طال مجلسه‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أجورهن" يعم المال وغيره‪ ،‬فيجوز أن يكون الصداق منافع أعيان‪ .‬وقد اختلف‬
‫فسي هذا العلماء؛ فمنعسه مالك والمزنسي والليسث وأحمسد وأبسو حنيفسة وأصسحابه؛ إل أن أبسا حنيفسة قال‪:‬‬
‫إذا تزوج على ذلك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسسم لها‪ ،‬ولها مهر مثلها إن دخل بها‪ ،‬وإن‬
‫لم يدخل بها فلها المتعة‪ .‬وكرهه ابن القاسم في كتاب محمد وأجازه أصبغ‪ .‬قال ابن شاس‪ :‬فإن وقع‬
‫مضسى فسي قول أكثسر الصسحاب‪ .‬وهسي روايسة أصسبغ عسن ابسن القاسسم‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬النكاح ثابست‬
‫وعليه أن يعلمها ما شرط لها‪ .‬فإن طلقها قبل الدخول ففيها للشافعي قولن‪ :‬أحدهما أن لها نصف‬
‫أجسر تعليسم تلك السسورة‪ ،‬والخسر أن لهسا نصسف مهسر مثلهسا‪ .‬وقال إسسحاق‪ :‬النكاح جائز‪ .‬قال أبسو‬
‫الحسسسن اللخمسسي‪ :‬والقول بجواز جميسسع ذلك أحسسسن‪ .‬والجارة والحسسج كغيرهمسسا مسسن الموال التسسي‬
‫تتملك وتباع وتشترى‪ .‬وإنمسسسا كره ذلك مالك لنسسسه يسسسستحب أن يكون الصسسسداق معجل‪ ،‬والجارة‬
‫والحسج فسي معنسى المؤجسل‪ .‬احتسج أهسل القول الول بأن ال تعالى قال‪" :‬بأموالكسم" [النسساء‪]1 0 :‬‬
‫وتحقيق المال ما تتعلق به الطماع‪ ،‬ويعد للنتفاع‪ ،‬ومنفعة الرقبة في الجارة ومنفعة التعليم للعلم‬
‫كله ليسس بمال‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬والصسل المجتمسع عليسه أن رجل لو اسستأجر رجل على أن يعلمسه‬
‫سسورة من القرآن سماها‪ ،‬بدرهسم لم يجز؛ لن الجارات ل تجوز إل لحد معنيين؛ إمسا على عمل‬
‫بعينسه كخياطسة ثوب ومسا أشبهسه‪ ،‬وإمسا على وقست معلوم؛ وكان إذا اسستأجره على تعليسم سسورة فتلك‬
‫إجارة ل على وقسست معلوم ول على عمسسل معلوم‪ ،‬وإنمسسا اسسستأجره على أن يعلم‪ ،‬وقسسد يفهسسم بقليسسل‬
‫التعليم وكثيره في قليل الوقات وكثيرها‪ .‬وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم‬
‫يجسز للمعانسي التسي ذكرناهسا فسي الجارات‪ .‬وإذا كان التعليسم ل يملك بسه المنافسع ول أعيان الموال‬
‫ثبست بالنظسر أنسه ل تملك بسه البضاع‪ .‬وال الموفسق‪ .‬احتسج مسن أجاز ذلك بحديسث سسهل بسن سسعد فسي‬
‫حديث الموهوبة‪ ،‬وفيه فقال‪( :‬اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)‪ .‬في رواية قال‪( :‬انطلق فقد‬
‫زوجتكهسسا فعلمهسسا مسسن القرآن)‪ .‬قالوا‪ :‬فقسسي هذا دليسسل على انعقاد النكاح وتأخسسر المهسسر الذي هسسو‬
‫التعليسم‪ ،‬وهذا على الظاهسر مسن قوله‪( :‬بمسا معسك مسن القرآن) فإن الباء للعوض؛ كمسا تقول‪ :‬خسذ هذا‬
‫بهذا‪ ،‬أي عوضا منه‪ .‬وقوله في الرواية الخرى‪( :‬فعلمها) نص في المر بالتعليم‪ ،‬والمساق يشهد‬
‫بأن ذلك لجسل النكاح‪ ،‬ول يلتفست لقول مسن قال إن ذلك كان إكرامسا للرجسل بمسا حفظسه مسن القرآن‪،‬‬
‫أي لمسا حفظسه‪ ،‬فتكون الباء بمعنسى اللم؛ فإن الحديسث الثانسي يصسرح بخلفسه فسي قوله‪( :‬فعلمهسا مسن‬
‫القرآن)‪ .‬ول حجسة فيمسا روي عسن أبسي طلحسة أنسه خطسب أم سسليم فقالت‪ :‬إن أسسلم تزوجتسه‪ .‬فأسسلم‬
‫فتزوجها؛ فل يعلم مهر كان أكرم من مهرها‪ ،‬كان مهرها السلم فإن ذلك خاص به‪ .‬وأيضا فإنه‬
‫ل يصل إليها منه شيء بخلف التعليم وغيره من المنافع‪ .‬وقد زوج شعيب عليه السلم ابنته من‬
‫موسى عليه السلم على أن يرعى له غنما في صداقها؛ على ما يأتي بيانه في سورة "القصص"‪.‬‬
‫وقسد روي مسن حديسث ابسن عباس أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال لرجسل مسن أصسحابه‪( :‬يسا‬
‫فلن هسسل تزوجسست) ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬وليسسس معسسي مسسا أتزوج بسسه‪ .‬قال‪ :‬أليسسس معسسك "قسسل هسسو ال أحسسد"‬
‫[الخلص‪]1 :‬؟ قال‪ :‬بلى! قال‪( :‬ثلث القرآن‪ ،‬أليسس معسك آية الكرسسي) ؟ قال‪ :‬بلى! قال‪( :‬ربسع‬
‫القرآن‪ ،‬أليسس معسك "إذا جاء نصسر ال والفتسح" [الفتسح‪ ]1:‬؟ قال‪ :‬بلى ! قال‪( :‬ربسع القرآن) أليسس‬
‫معك "إذا زلزلت" [الزلزلة‪ )]1 :‬؟ قال‪ :‬بلى ! قال‪( :‬ربع القرآن‪ .‬تزوج تزوج)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد أخرج الدارقطنسي حديسث سسهل من حديسث ابسن مسعود‪ ،‬وفيه زيادة تبين‪ ،‬مسا احتج به‬
‫مالك وغيره‪ ،‬وفيه فقال رسسول ال صسلى ال عليه وسسلم‪( :‬مسن ينكسح هذه) ؟ فقام ذلك الرجسل فقال‪:‬‬
‫أنسا يسا رسسول ال؛ فقال‪( :‬ألك مال) ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬يسا رسسول ال؛ قال‪( :‬فهسل تقرأ مسن القرآن شيئا) ؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬سورة البقرة‪ ،‬وسورة المفصل‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬قد أنكحتكها على‬
‫أن تقرئهسا وتعلمهسا وإذا رزقسك ال عوضتهسا)‪ .‬فتزوجهسا الرجسل على ذلك‪ .‬وهذا نسص ‪ -‬لو صسح ‪-‬‬
‫فسي أن التعليسم ل يكون صسداقا‪ .‬قال الدارقطنسي‪ :‬تفرد بسه عتبسة بسن السسكن وهسو متروك الحديسث‪.‬‬
‫و"فريضة" نصب على المصدر في موضع الحال‪ ،‬أي مفروضة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جناح عليكسم فيما تراضيتسم به مسن بعد الفريضة" أي من زيادة ونقصسان فسي‬
‫المهسر؛ فإن ذلك سسائغ عنسد التراضسي بعسد اسستقرار الفريضسة‪ .‬والمراد إبراء المرأة عسن المهسر‪ ،‬أو‬
‫توفية الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول‪ .‬وقال القائلون بأن الية في المتعة‪ :‬هذا إشارة إلى ما‬
‫تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة في أول السلم؛ فإنه كان يتزوج الرجل المرأة شهرا على‬
‫دينار مثل‪ ،‬فإذا انقضسى الشهسر فربمسا كان يقول‪ :‬زيدينسي فسي الجسل أزدك فسي المهسر‪ .‬فسبين أن ذلك‬
‫كان جائزا عند التراضي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬ومن لم يستطع منكم طول أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم‬
‫مسسن فتياتكسسم المؤمنات وال أعلم بإيمانكسسم بعضكسسم مسسن بعسسض فانكحوهسسن بإذن أهلهسسن وآتوهسسن‬
‫أجورهسن بالمعروف محصسنات غيسر مسسافحات ول متخذات أخدان فإذا أحصسن فإن أتيسن بفاحشسة‬
‫فعليهن نصف ما على المحصسنات من العذاب ذلك لمن خشسي العنت منكسم وأن تصسبروا خيسر لكسم‬
‫وال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن لم يسستطع منكسم طول" نبسه تعالى على تخفيسف فسي النكاح وهسو نكاح المسة‬
‫لمسن لم يجسد الطول‪ .‬واختلف العلماء‪ .‬فسي معنسى الطول على ثلثسة أقوال‪ :‬الول‪ :‬السسعة والغنسى؛‬
‫قاله ابسن عباس ومجاهسد وسسعيد بسن جسبير والسسدي وابسن زيسد ومالك فسي المدونسة‪ .‬يقال‪ :‬طال يطول‬
‫طول فسسسي الفضال والقدرة‪ .‬وفلن ذو طول أي ذو قدرة فسسسي مال (بفتسسسح الطاء)‪ .‬وطول (بضسسسم‬
‫الطاء) فسسي ضسسد القصسسر‪ .‬والمراد ههنسسا القدرة على المهسسر فسسي قول أكثسسر أهسسل العلم‪ ،‬وبسسه يقول‬
‫الشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور‪ .‬قال أحمسد بسن المعذل‪ :‬قال عبدالملك‪ :‬الطول كسل مسا يقدر بسه‬
‫على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ملي‪ .‬قال‪ :‬وكل ما يمكن بيعه وإجارته فهو طول‪ .‬قال‪:‬‬
‫وليسست الزوجسة ول الزوجتان ول الثلثسة طول‪ .‬وقال‪ :‬وقسد سسمعت ذلك مسن مالك رضسي ال عنسه‪.‬‬
‫قال عبدالملك‪ :‬لن الزوجسة ل ينكسح بهسا ول يصسل بهسا إلى غيرهسا إذ ليسست بمال‪ .‬وقسد سسئل مالك‬
‫عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول؛ فقال‪ :‬أرى أن يفرق بينهما‪ .‬قيل له‪ :‬إنه يخاف العنت‪.‬‬
‫قال‪ :‬السسوط يضرب بسه‪ .‬ثسم خففسه بعسد ذلك‪ .‬القول الثانسي‪ :‬الطول الحرة‪ .‬وقسد اختلف قول مالك فسي‬
‫الحرة هسل هسي طول أم ل؛ فقال فسي المدونسة‪ :‬ليسست الحرة بطول تمنسع مسن نكاح المسة؛ إذا لم يجسد‬
‫سعة لخرى وخاف العنت‪ .‬وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول‪ .‬قال اللخمي‪:‬‬
‫وهسو ظاهسر القرآن‪ .‬وروي نحسو هذا عسن ابسن حسبيب‪ ،‬وقال أبسو حنيفسة‪ .‬فيقتضسي هذا أن مسن عنده‬
‫حرة فل يجوز له نكاح المسة لن عدم السسعة وخاف العنست‪ ،‬لنسه طالب شهوة وعنده امرأة‪ ،‬وقال‬
‫به الطبري واحتج له‪ .‬قال أبو يوسف‪ :‬الطول هو وجود الحرة تحته؛ فإذا كانت تحته حرة فهو ذو‬
‫طول‪ ،‬فل يجوز له نكاح المسة‪ .‬القول الثالث‪ :‬الطول الجلد والصسبر لمسن أحسب أمسة وهويهسا حتسى‬
‫صار لذلك ل يستطع أن يتزوج غيرها‪ ،‬فإن له أن يتزوج المة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي‬
‫بهسسا وإن كان يجسسد سسسعة فسسي المال لنكاح حرة؛ هذا قول قتادة والنخعسسي وعطاء وسسسفيان الثوري‪.‬‬
‫فيكون قوله تعالى‪" :‬لمن خشي العنت" على هذا التأويل في صفة عدم الجلد‪ .‬وعلى التأويل الول‬
‫يكون تزويسسسج المسسسة معلقسسسا بشرطيسسسن‪ :‬عدم السسسسعة فسسسي المال‪ ،‬وخوف العنسسست؛ فل يصسسسح إل‬
‫باجتماعهمسا‪ .‬وهذا هسو نسص مذهسب مالك فسي المدونسة مسن روايسة ابسن نافسع وابسن القاسسم وابسن وهسب‬
‫وابسن زياد‪ .‬قال مطرف وابسن الماجشون‪ :‬ل يحسل للرجسل أن ينكسح أمسة‪ ،‬ول يقران إل أن يجتمسع‬
‫الشرطان كمسسا قال ال تعالى‪ .‬وقال أصسسبغ‪ .‬وروي هذا القول عسسن جابر بسسن عبدال وابسسن عباس‬
‫وعطاء وطاوس والزهري ومكحول‪ ،‬وبسه قال الشافعسي وأبسو ثور وأحمسد وإسسحاق‪ ،‬واختاره ابسن‬
‫المنذر وغيره‪ .‬فإن وجد المهر وعدم النفقة فقال مالك في كتاب محمد‪ :‬ل يجوز له أن يتزوج أمة‪.‬‬
‫وقال أصسبغ‪ :‬ذلك جائز؛ إذ نفقسة المسة على أهلهسا إذا لم يضمهسا إليسه‪ .‬وفسي اليسة قول رابسع‪ :‬قال‬
‫مجاهسد‪ :‬ممسا وسسع ال على هذه المسة نكاح المسة والنصسرانية‪ ،‬وإن كان موسسرا‪ .‬وقال بذلك أبسو‬
‫حنيفسة أيضسا‪ ،‬ولم يشترط خوف العنست؛ إذا لم تكسن تحتسه حرة‪ .‬قالوا‪ :‬لن كسل مال يمكسن أن يتزوج‬
‫به المه يمكن أن يتزوج به الحرة؛ فالية على هذا أصل في جواز نكاح المة مطلقا‪ .‬قال مجاهد‪:‬‬
‫وبه يأخذ سفيان‪ ،‬وذلك أني سألته عن نكاح المة فحدثني عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن عباد‬
‫بن عبدال عن علي رضي ال عنه قال‪ :‬إذا نكحت الحرة على المة كان للحرة يومان وللمة يوم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم ير علي به بأسا‪ .‬وحجة هذا القول عموم قوله تعالى‪" :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم" [النساء‪:‬‬
‫‪ .]24‬وقوله تعالى‪" :‬ومسن لم يسستطع منكسم طول" إلى قوله‪" :‬ذلك لمسن خشسي العنست منكسم"‬
‫[النساء‪]25 :‬؛ لقوله عز وجل‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم‬
‫أل تعدلوا فواحدة" [النسساء‪ .]3 :‬وقسد اتفسق الجميسع على أن للحسر أن يتزوج أربعسا وإن خاف أل‬
‫يعدل‪ .‬قالوا‪ :‬وكذلك له تزوج المسة وإن كان واجدا للطول غيسر خائف للعنست‪ .‬وقسد روي عسن مالك‬
‫في الذي يجد طول لحرة أنه يتزوج أمة مع قدرته على طول الحرة؛ وذلك ضعيف من قول‪ .‬وقد‬
‫قال مرة أخرى‪ :‬مسا هسو بالحرام البيسن‪ ،‬وأجوزه‪ .‬والصسحيح أنسه ل يجوز للحسر المسسلم أن ينكسح أمسة‬
‫غيسر مسسلمة بحال‪ ،‬ول له أن يتزوج بالمسة المسسلمة إل بالشرطيسن المنصسوص عليهمسا كمسا بينسا‪.‬‬
‫والعنست الزنسى؛ فإن عدم الطول ولم يخسش العنست لم يجسز له نكاح المسة‪ ،‬وكذلك إن وجسد الطول‬
‫وخشي العنت‪.‬‬
‫@ فإن قدر على طول حرة كتابية فهل يتزوج المة؛ اختلف علماؤنا في ذلك‪ ،‬فقيل‪ :‬يتزوج المة‬
‫فإن المسة المسسلمة ل تلحسق بالكافرة‪ ،‬فأمسة مؤمنسة خيسر مسن حرة مشركسة‪ .‬واختاره ابسن العربسي‪.‬‬
‫وقيسسل‪ :‬يتزوج الكتابيسسة؛ لن المسسة وإن كانسست تفضلهسسا باليمان فالكافرة مفضلهسسا بالحريسسة وهسسي‬
‫زوجسة‪ .‬وأيضسا فإن ولدهسا يكون حرا ل يسسترق‪ ،‬وولد المسة يكون رقيقسا؛ وهذا هسو الذي يتمشسى‬
‫على أصل المذهب‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في الرجل يتزوج الحرة على المة ولم تعلم بها؛ فقالت طائفة‪ :‬النكاح ثابت‪.‬‬
‫كذلك قال سسعيد بسن المسسيب وعطاء بسن أبسي رباح والشافعسي وأبسو ثور وأصسحاب الرأي‪ ،‬وروي‬
‫عسن علي‪ .‬وقيسل‪ :‬للحرة الخيار إذا علمست‪ .‬ثسم فسي أي شيسء يكون لهسا الخيار؛ فقال الزهري وسسعيد‬
‫بسن المسسيب ومالك وأحمسد وإسسحاق فسي أن تقيسم معسه أو تفارقسه‪ .‬وقال عبدالملك‪ :‬فسي أن تقسر نكاح‬
‫المسة أو تفسسخه‪ .‬وقال النخعسي‪ :‬إذا تزوج الحرة على المسة فارق المسة إل أن يكون له منهسا ولد؛‬
‫فإن كان لم يفرق بينهمسا‪ .‬وقال مسسروق‪ :‬يفسسخ نكاح المسة؛ لنسه أمسر أبيسح للضرورة كالميتسة‪ ،‬فإذا‬
‫ارتفعت الضرورة ارتفعت الباحة‪.‬‬
‫@ فإن كانت تحته أمتان علمت الحرة بواحدة منهما ولم تعلم بالخرى فإنه يكون لها الخيار‪ .‬أل‬
‫ترى لو أن حرة تزوج عليهسا أمسة فرضيست‪ ،‬ثسم تزوج عليهسا أمسة فرضيست‪ ،‬ثسم تزوج عليهسا أخرى‬
‫فأنكرت كان ذلك لهسا؛ فكذلك هذه إذا لم تعلم بالمتيسن وعلمست بواحدة‪ .‬قال ابسن القاسسم‪ :‬قال مالك‪:‬‬
‫وإنمسا جعلنسا الخيار للحرة فسي هذه المسسائل لمسا قالت العلماء قبلي‪ .‬يريسد سسعيد بسن المسسيب وابسن‬
‫شهاب وغيرهمسسا‪ .‬قال مالك‪ :‬ولول مسسا قالوه لرأيتسسه حلل؛ لنسسه فسسي كتاب ال حلل‪ .‬فإن لم تكفسسه‬
‫الحرة واحتاج إلى أخرى ولم يقدر على صسسداقها جاز له أن يتزوج المسسة حتسسى ينتهسسي إلى أربسسع‬
‫بالتزويسج بظاهسر القرآن‪ .‬رواه ابسن وهسب عسن مالك‪ .‬وروى ابسن القاسسم عنسه‪ :‬يرد نكاحسه‪ .‬قال ابسن‬
‫العربسي‪ :‬والول أصسح فسي الدليسل‪ ،‬وكذلك هسو فسي القرآن؛ فإن مسن رضسي بالسسبب المحقسق رضسي‬
‫بالمسبب المرتب عليه‪ ،‬وأل يكون لها خيار؛ لنها قد علمت أن له نكاح الربع؛ وعلمت أنه إن لم‬
‫يقدر على نكاح حرة تزوج أمسة‪ ،‬ومسا شرط ال سسبحانه عليهسا كمسا شرطست على نفسسها‪ ،‬ول يعتسبر‬
‫في شروط ال سبحانه وتعالى علمها‪ .‬وهذا غاية التحقيق في الباب والنصاف فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المحصسنات" يريسد الحرائر؛ يدل عليه التقسسيم بينهسن وبيسن الماء فسي قوله‪" :‬مسن‬
‫فتياتكسسم المؤمنات"‪ .‬وقالت فرقسسة‪ :‬معناه العفائف‪ .‬وهسسو ضعيسسف؛ لن الماء يقعسسن تحتسسه فأجازوا‬
‫نكاح إماء أهسل الكتاب‪ ،‬وحرموا البغايسا مسن المؤمنات والكتابيات‪ .‬وهسو قول ابسن ميسسرة والسسدي‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي ل يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الماء؛ فقال مالك‬
‫وأبسسو حنيفسسة وابسسن شهاب الزهري والحارث العكلي‪ :‬له أن يتزوج أربعسسا‪ .‬وقال حماد بسسن أبسسي‬
‫سليمان‪ :‬ليس له أن ينكح من الماء أكثر من اثنتين‪ .‬وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق‪ :‬ليس‬
‫له أن ينكسح مسن الماء إل واحدة‪ .‬وهسو قول ابسن عباس ومسسروق وجماعسة؛ واحتجوا بقوله تعالى‪:‬‬
‫"ذلك لمن خشي العنت منكم" وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمسن مسا ملكست أيمانكسم" أي فليتزوج بأمسة الغيسر‪ .‬ول خلف بيسن العلماء أنسه ل‬
‫يجوز له أن يتزوج أمسة نفسسه؛ لتعارض الحقوق واختلفهسا‪" .‬مسن فتياتكسم" أي المملوكات‪ ،‬وهسي‬
‫جمسع فتاة‪ .‬والعرب تقول للمملوك‪ :‬فتسى‪ ،‬وللمملوكسة فتاة‪ .‬وفسي الحديسث الصسحيح‪( :‬ل يقولن أحدكسم‬
‫عبدي وأمتسي ولكسن ليقسل فتاي وفتاتسي) وسسيأتي‪ .‬ولفسظ الفتسى والفتاة يطلق أيضسا على الحرار فسي‬
‫ابتداء الشباب‪ ،‬فأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكبر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المؤمنات" بيسن بهذا أنسه ل يجوز التزوج بالمسة الكتابيسة‪ ،‬فهذه الصسفة مشترطسة‬
‫عنسسد مالك وأصسسحابه‪ ،‬والشافعسسي وأصسسحابه‪ ،‬والثوري والوزاعسسي والحسسسن البصسسري والزهري‬
‫ومكحول ومجاهد‪ .‬وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي‪ :‬نكاح المة الكتابية جائز‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬ول أعلم لهم سلفا في قولهم‪ ،‬إل أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال‪ :‬إماء أهل الكتاب‬
‫بمنزلة الحرائر منهسسن‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله "المؤمنات" على جهسسة الوصسسف الفاضسسل وليسسس بشرط أل‬
‫يجوز غيرهسسا؛ وهذا بمنزلة قوله تعالى‪" :‬فإن خفتسسم أل تعدلوا فواحدة" فإن خاف أل يعدل فتزوج‬
‫أكثسسر مسسن واحدة جاز‪ ،‬ولكسسن الفضسسل أل يتزوج؛ فكذلك هنسسا الفضسسل أل يتزوج إل مؤمنسسة‪ ،‬ولو‬
‫تزوج غير المؤمنة جاز‪ .‬واحتجوا بالقياس على الحرائر‪ ،‬وذلك أنه لما لم يمنع قوله‪" :‬المؤمنات"‬
‫فسسسي الحرائر مسسسن نكاح الكتابيات فكذلك ل يمنسسسع قوله‪" :‬المؤمنات" فسسسي الماء مسسسن نكاح إماء‬
‫الكتابيات‪ .‬وقال أشهب في المدونة‪ :‬جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية‪ .‬فالمنع عده أن يفضل‬
‫الزوج في الحرية والدين معا‪ .‬ول خلف بين العلماء أنه ل يجوز لمسلم نكاح مجوسية ول وثنية‪،‬‬
‫وإذا كان حراما بإجماع نكاحهما فكذلك وطؤهما بملك اليمين قياسا ونظرا‪ .‬وقد روي عن طاوس‬
‫ومجاهسد وعطاء وعمرو بسن دينار أنهسم قالوا‪ :‬ل بأس بنكاح المسة المجوسسية بملك اليميسن‪ .‬وهسو‬
‫قول شاذ مهجور لم يلتفست إليسه أحسد مسن فقهاء المصسار‪ .‬وقالوا‪ :‬ل يحسل أن يطأهسا حتسى تسسلم‪ .‬وقسد‬
‫تقدم القول في هذه المسألة في "البقرة" مستوفى‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال أعلم بإيمانكسم" المعنسى أن ال عليسم ببواطسن المور ولكسم ظواهرهسا‪ ،‬وكلكسم‬
‫بنو آدم وأكرمكم عند ال أتقاكم‪ ،‬فل تستنكفوا من التزوج بالماء عند الضرورة‪ ،‬وإن كانت حديثة‬
‫عهسد بسسباء‪ ،‬أو كانست خرسساء ومسا أشبسه ذلك‪ .‬ففسي اللفسظ تنسبيه على أنسه ربمسا كان إيمان أمسة أفضسل‬
‫من إيمان بعض الحرائر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعضكسم مسن بعسض" ابتداء وخسبر؛ كقولك زيسد فسي الدار‪ .‬والمعنسى أنتسم بنسو آدم‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬أنتسم مؤمنون‪ .‬وقيسل‪ :‬فسي الكلم تقديسم وتأخيسر؛ المعنسى‪ :‬ومسن لم يسستطع منكسم طول أن ينكسح‬
‫المحصسنات المؤمنات فلينكسح بعضكسم مسن بعسض‪ :‬هذا فتاة هذا‪ ،‬وهذا فتاة هذا‪ .‬فبعضكسم على هذا‬
‫التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح‪ .‬والمقصود بهذا الكلم توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن‬
‫ولد المة وتعيره وتسميه الهجين‪ ،‬فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين ل معنى‬
‫له‪ ،‬وإنما انحطت المة فلم يجز للحر التزوج بها إل عند الضرورة؛ لنه تسبب إلى إرقاق الولد‪،‬‬
‫وأن المة ل تفرغ للزوج على الدوام‪ ،‬لنها مشغولة بخدمة المولى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانكحوهن بإذن أهلهن" أي بولية أربابهن المالكين وإذنهم‪ .‬وكذلك العبد ل ينكح‬
‫إل بإذن سسيده؛ لن العبسد مملوك ل أمسر له‪ ،‬وبدنسه كله مسستغرق‪ ،‬لكسن الفرق بينهمسا أن العبسد إذا‬
‫تزوج بغيسر إذن سسيده فإن أجازه السسيد جاز؛ هذا مذهسب مالك وأصسحاب الرأي‪ ،‬وهسو قول الحسسن‬
‫البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي‪ .‬والمة إذا تزوجت بغير إذن‬
‫أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد؛ لن نقصان النوثة في المة يمنع من انعقاد النكاح البتة‪ .‬وقالت‬
‫طائفسة‪ :‬إذا نكسح العبسد بغيسر إذن سسيده فسسخ نكاحسه؛ هذا قول الشافعسي والوزاعسي وداود بسن علي‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ل تجوز إجازة المولى إن لم يحضره؛ لن العقسسد الفاسسسد ل تصسسح إجازتسسه‪ ،‬فإن أراد النكاح‬
‫اسستقبله على سسنته‪ .‬وقسد أجمسع علماء المسسلمين على أنسه ل يجوز نكاح العبسد بغيسر إذن سسيده‪ .‬وقسد‬
‫كان ابسن عمسر يعسد العبسد بذلك زانيسا ويحده؛ وهسو قول أبسي ثور‪ .‬وذكسر عبدالرزاق عسن عبدال بسن‬
‫عمر عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدا له نكح‬
‫بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقها‪ .‬قال‪ :‬وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة‬
‫أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى‪ ،‬ويرى عليه الحد‪،‬‬
‫ويعاقب الذين أنكحوهما‪ .‬قال‪ :‬وأخبرنا ابن جريج عن عبدال بن محمد بن عقيل قال‪ :‬سمعت جابر‬
‫بن عبدال يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر)‪.‬‬
‫وعسن عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه‪ :‬هسو نكاح حرام؛ فإن نكسح بإذن سسيده فالطلق بيسد مسن‬
‫يسسستحل الفرج‪ .‬قال أبسسو عمسسر‪ :‬على هذا مذهسسب جماعسسة فقهاء المصسسار بالحجاز والعراق‪ ،‬ولم‬
‫يختلف عسن ابسن عباس أن الطلق بيسد السسيد؛ وتابعسه على ذلك جابر بسن زيسد وفرقسة‪ .‬وهسو عنسد‬
‫العلماء شذوذ ل يعرج عليه‪ ،‬وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول ال تعالى‪" :‬ضرب ال مثل عبدا‬
‫مملوكا ل يقدر على شيء" [النحل‪ .]75 :‬وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن موله؛‬
‫فإن نكسح نكاحسا فاسسدا فقال الشافعسي‪ :‬إن لم يكسن دخسل فل شيسء لهسا‪ ،‬لن كان دخسل فعليسه المهسر إذا‬
‫عتق؛ هذا هو الصحيح من مذهبه‪ ،‬وهو قول أبي يوسف ومحمد ل مهر عليه حتى يعتق‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفسة‪ :‬إن دخسل عليهسا فلهسا المهسر‪ .‬وقال مالك والشافعسي‪ :‬إذا كان عبسد بيسن رجليسن فأذن له أحدهمسا‬
‫في النكاح فنكح فالنكاح باطل‪ ،‬فأما المة إذا أذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز‪ ،‬وإن لم تباشر العقد‬
‫لكن تولي من يعقده عليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتوهن أجورهن" دليل على وجوب المهر في النكاح‪ ،‬وأنه للمة‪" .‬بالمعروف"‬
‫معناه بالشرع والسسنة‪ ،‬وهذا يقتضسي أنهسن أحسق بمهورهسن مسن السسادة‪ ،‬وهسو مذهسب مالك‪ .‬قال فسي‬
‫كتاب الرهون‪ :‬ليسس للسسيد أن يأخسذ مهسر أمتسه ويدعهسا بل جهاز‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬الصسداق للسسيد؛‬
‫لنسسه عوض فل يكون للمسسة‪ .‬أصسسله إجازة المنفعسسة فسسي الرقبسسة‪ ،‬وإنمسسا ذكرت لن المهسسر وجسسب‬
‫بسسببها‪ .‬وذكسر القاضسي إسسماعيل فسي أحكامسه‪ :‬زعسم بعسض العراقييسن إذا زوج أمتسه مسن عبده فل‬
‫مهر‪ .‬وهذا خلف الكتاب والسنة وأطنب فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محصسسنات" أي عفائف‪ .‬وقرأ الكسسسائي "محصسسنات" بكسسسر الصسساد فسي جميسع‬
‫القرآن‪ ،‬إل فسي قوله تعالى‪" :‬والمحصسنات مسن النسساء" [النسساء‪ .]24 :‬وقرأ الباقون بالنصسب فسي‬
‫جميع القرآن‪ .‬ثم قال‪" :‬غير مسافحات" أي غير زوان‪ ،‬أي معلنات بالزنى؛ لن أهل الجاهلية كان‬
‫فيهم الزواني فسي العلنيسة‪ ،‬ولهن رايات منصسوبات كرايسة البيطار‪" .‬ول متخذات أخدان" أصسدقاء‬
‫على الفاحشسسة‪ ،‬واحدهسسم خدن وخديسسن‪ ،‬وهسسو الذي يخادنسسك‪ ،‬ورجسسل خدنسسة‪ ،‬إذا اتخسسذ أخذانسسا أي‬
‫أصسسحابا‪ ،‬عسسن أبسسي زيسسد‪ .‬وقيسسل‪ :‬المسسسافحة المجاهرة بالزنسسى‪ ،‬أي التسسي تكري نفسسسها لذلك‪ .‬وذات‬
‫الخدن هسي التسي تزنسي سسرا‪ .‬وقيسل‪ :‬المسسافحة المبذولة‪ ،‬وذات الخدن التسي تزنسي بواحسد‪ .‬وكانست‬
‫العرب تعيب العلن بالزنى‪ ،‬ول تعيب اتخاذ الخدان‪ ،‬ثم رفع السلم جميع ذلك‪ ،‬وفي ذلك نزل‬
‫قوله تعالى‪" :‬ول تقربوا الفواحسش مسا ظهسسر منهسا ومسا بطسن" [النعام‪]151 :‬؛ عسن ابسن عباس‬
‫وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا أحصن" قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة‪ .‬الباقون بضمها‪ .‬فبالفتح‬
‫معناه أسسلمن‪ ،‬وبالضسم زوجسن‪ .‬فإذا زنست المسة المسسلمة جلدت نصسف جلد الحرة؛ وإسسلمها هسو‬
‫إحصسانها فسي قول الجمهور‪ ،‬ابسن مسسعود والشعسبي والزهري وغيرهسم‪ .‬وعليسه فل تحسد كافرة إذا‬
‫زنست‪ ،‬وهسو قول الشافعسي فيمسا ذكسر ابسن المنذر‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إحصسانها التزوج بحسر‪ .‬فإذا زنست‬
‫المسة المسسلمة التسي لم تتزوج فل حسد عليهسا‪ ،‬قال سسعيد بسن جسبير والحسسن وقتادة‪ ،‬وروي عسن ابسن‬
‫عباس وأبي الدرداء‪ ،‬وبه قال أبو عبيد‪ .‬قال‪ :‬وفي حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه سئل‬
‫عسسن حسسد المسسة فقال‪ :‬إن المسسة ألقسست فروة رأسسسها مسسن وراء الدار‪ .‬قال الصسسمعي‪ :‬الفروة جلدة‬
‫الرأس‪ .‬قال أبسو عسبيدة‪ :‬وهسو لم يرد الفروة بعينهسا‪ ،‬وكيسف تلقسى جلدة رأسسها مسن وراء الدار‪ ،‬ولكسن‬
‫هذا مثل ! إنما أراد بالفروة القناع‪ ،‬يقول ليس عليها قناع ول حجاب‪ ،‬وأنها تخرج إلى كل موضع‬
‫يرسلها أهلها إليه‪ ،‬ل تقدر على المتناع من ذلك؛ فتصير حيث ل تقدر على المتناع من الفجور‪،‬‬
‫مثسل رعايسة الغنسم وأداء الضريبسة ونحسو ذلك؛ فكأنسه رأى أن ل حسد عليهسا إذا فجرت؛ لهذا المعنسى‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬إحصانها التزوج‪ ،‬إل أن الحد واجب على المة المسلمة غير المتزوجة بالسنة‪ ،‬كما‬
‫في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬المة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬فالمتزوجسسسة محدودة بالقرآن‪ ،‬والمسسسسلمة غيسسسر المتزوجسسسة محدودة بالحديسسسث‪ .‬قال‬
‫القاضسي إسسماعيل فسي قول مسن قال "إذا أحصسن" أسسلمن‪ :‬بعسد؛ لن ذكسر اليمان قسد تقدم لهسن فسي‬
‫قوله تعالى‪" :‬مسن فتياتكسم المؤمنات"‪ .‬وأمسا مسن قال‪" :‬إذا أحصسن" تزوجسن‪ ،‬وأنسه ل حسد على المسة‬
‫حتسسى تتزوج؛ فإنهسسم ذهبوا إلى ظاهسسر القرآن وأحسسسبهم لم يعلموا هذا الحديسسث‪ .‬والمسسر عندنسسا أن‬
‫المة إذا‪ .‬زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب ال‪ ،‬وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى‬
‫ال عليسه وسسلم ول رجسم عليهسا؛ لن الرجسم ل يتنصسف‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬ظاهسر قول ال عسز وجسل‬
‫يقتضي أل حد على أمة وإن كانت مسلمة إل بعد التزويج‪ ،‬ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن‪،‬‬
‫فكان ذلك زيادة بيان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ظهر المؤمن حمى ل يستباح إل بيقين‪ ،‬ول يقين مع الختلف‪ ،‬لول ما جاء في صحيح‬
‫السسسنة مسسن الجلد فسسي ذلك‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال أبسسو ثور فيمسسا ذكسسر ابسسن المنذر‪ :‬وإن كانوا اختلفوا فسسي‬
‫رجمهما فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين‪ ،‬وإن كان إجماع فالجماع أولى‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيمسن يقيسم الحسد عليهمسا؛ فقال ابسن شهاب‪ :‬مضست السسنة أن يحسد العبسد والمسة‬
‫أهلوهم في الزنى‪ ،‬إل أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لحد أن يفتات عليه؛ وهو مقتضى قوله‬
‫عليسه السسلم‪( :‬إذا زنست أمسة أحدكسم فليحدهسا الحسد)‪ .‬وقال علي رضسي ال عنسه فسي خطبتسه‪ :‬يسا أيهسا‬
‫الناس‪ ،‬أقيموا على أرقامكم الحد‪ ،‬من أحصن منهم ومن لم يحصن‪ ،‬فإن أمة لرسول ال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم زنست فأمرنسي أن أجلدهسا‪ ،‬فإذا هسي حديسث عهسد بنفاس‪ ،‬فخشيست إن أنسا جلدتهسا أقتلهسا‪،‬‬
‫فذكرت ذلك للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقال‪( :‬أحسسنت)‪ .‬أخرجسه مسسلم موقوفسا عسن علي‪ .‬وأسسنده‬
‫النسائي وقال فيه‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من‬
‫أحصسن منهسم ومسن لم يحصسن) وهذا نسص فسي إقامسة السسادة الحدود على المماليسك مسن أحصسن منهسم‬
‫ومسن لم يحصسن‪ .‬قال مالك رضسي ال عنسه‪ :‬يحسد المولى عبده فسي الزنسى وشرب الخمسر والقذف إذا‬
‫شهد عنده الشهود بذلك‪ ،‬ول يقطعه في السرقة‪ ،‬وإنما يقطعه المام؛ وهو قول الليث‪ .‬وروي عن‬
‫جماعسة مسن الصسحابة أنهسم أقاموا الحدود على عسبيدهم‪ ،‬منهسم ابسن عمسر وأنسس‪ ،‬ول مخالف لهسم من‬
‫الصسحابة‪ .‬وروي عسن ابسن أبسي ليلى أنسه قال‪ :‬أدركست بقايسا النصسار يضربون الوليدة مسن ولئدهسم‬
‫إذا زنت‪ ،‬في مجالسهم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يقيم الحدود على العبيد والماء السلطان دون المولى في‬
‫الزنى وسائر الحدود؛ وهو قول الحسن بن حي‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يحده المولى في كل حد ويقطعه؛‬
‫واحتج بالحاديث التي ذكرنا‪ .‬وقال الثوري والوزاعي‪ :‬يحده في الزنى؛ وهو مقتضى الحاديث‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه السورة‪.‬‬
‫@ فإن زنت المة ثم عتقت قبل أن يحدها سيدها لم يكن له سبيل إلى حدها‪ ،‬والسلطان يجلدها إذا‬
‫ثبست ذلك عنده؛ فإن زنست ثسم تزوجست لم يكسن لسسيدها أن يجلدهسا أيضسا لحسق الزوج؛ إذ قسد يضره‬
‫ذلك‪ .‬وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكا للسيد‪ ،‬فلو كان‪ ،‬جاز للسيد ذلك لن حقهما حقه‪.‬‬
‫@ فإن أقر العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحد يجب على العبد لقراره‪ ،‬ول التفات لما أنكره‬
‫المولى‪ ،‬وهذا مجمسسسع عليسسسه بيسسسن العلماء‪ .‬وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتسسسب والمعتسسسق بعضسسسه‪.‬‬
‫وأجمعوا أيضسا على أن المسة إذا زنست ثسم أعتقست حدت حسد الماء؛ وإذا زنست وهسي ل تعلم بالعتسق‬
‫ثم علمت وقد حدت أقيم عليها تمام حد الحرة؛ ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫@ واختلفوا فسي عفسو السسيد عسن عبده وأمتسه إذا زنيسا؛ فكان الحسسن البصسري يقول‪ :‬له أن يعفسو‪.‬‬
‫وقال غير الحسن‪ :‬ل يسعه إل إقامة الحد‪ ،‬كما ل يسع السلطان أن يعفو عن حد إذا علمه‪ ،‬لم يسع‬
‫السسيد كذلك أن يعفسو عسن أمتسه إذا وجسب عليهسا الحسد؛ وهذا على مذهسب أبسي ثور‪ .‬قال ابسن المنذر‪:‬‬
‫وبه نقول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" أي الجلد ويعني بالمحصنات ههنا‬
‫البكار الحرائر؛ لن الثيسسب عليهسسا الرجسسم ل يتبعسسض‪ ،‬وإنمسسا قيسسل للبكسسر محصسسنة وإن لم تكسسن‬
‫متزوجة؛ لن الحصان يكون بها؛ كما يقال‪ :‬أضحية قبل أن يضحي بها؛ وكما يقال للبقرة‪ :‬مثيرة‬
‫قبل أن تثير‪ .‬وقيل‪" :‬المحصنات" المتزوجات؛ لن عليها الضرب والرجم في الحديث‪ ،‬والرجم ل‬
‫يتبعسض فصسار عليهسن نصسف الضرب‪ .‬والفائدة فسي نقصسان حدهسن أنهسن أضعسف مسن الحرائر‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إنهن ل يصسلن إلى مرادهن كمسا تصسل الحرائر‪ .‬وقيل‪ :‬لن العقوبة تجسب على قدر النعمسة؛‬
‫أل ترى أن ال تعالى قال لزواج النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪" :‬يسسا نسسساء النسسبي مسسن يأت منكسسن‬
‫بفاحشسسة مبينسسة يضاعسسف لهسسا العذاب ضعفيسسن" [الحزاب‪ ]30:‬فلمسسا كانسست نعمتهسسن أكثسسر جعسسل‬
‫عقوبتهسن أشسد‪ ،‬وكذلك الماء لمسا كانست نعمتهسن أقسل فعقوبتهسن أقسل‪ .‬وذكسر فسي اليسة حسد الماء‬
‫خاصة‪ ،‬ولم يذكر حد العبيد؛ ولكن حد العبيد والماء سواء؛ خمسون جلدة في الزنى‪ ،‬وفي القذف‬
‫وشرب الخمسر أربعون؛ لن حسد المسة إنمسا نقسص لنقصسان الرق فدخسل الذكور مسن العبيسد فسي ذلك‬
‫بعلة المملوكية‪ ،‬كما دخل الماء تحت قوله عليه السلم‪( :‬من أعتق شركا له في عبد)‪ .‬وهذا الذي‬
‫يسسميه العلماء القياس فسي معنسى الصسل؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬والذيسن يرمون المحصسنات" [النور‪:‬‬
‫‪ ]6‬اليسة‪ .‬فدخسل فسي ذلك المحصسنين قطعسا؛ على مسا يأتسي بيانسه فسي سسورة "النور" إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@ وأجمسع العلماء على أن بيسع المسة الزانيسة ليسس بيعهسا بواجسب لزم على بهسا‪ ،‬وإن اختاروا له‬
‫ذلك؛ لقوله عليه السلم‪( :‬إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليبعها الحد ول يثرب عليها ثم إن زنت‬
‫فليجلدها الحد ول يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر)‪ .‬أخرجه‬
‫مسسسلم عسسن أبسسي هريرة‪ .‬وقال أهسسل الظاهسسر بوجوب بيعهسسا فسسي الرابعسسة‪ .‬منهسسم داود وغيره؛ لقوله‬
‫(فليبعهسا) وقوله‪( :‬ثسم بيعوهسا ولو بضفيسر)‪ .‬قال ابسن شهاب‪ :‬فل أدري بعسد الثالثسة أو الرابعسة؛‬
‫والضفيسسر الحبسسل‪ .‬فإذا باعهسسا بزناهسسا؛ لنسسه عيسسب فل يحسسل أن يكتسسم‪ .‬فإن يكتسسم‪ .‬فإن قيسسل‪ :‬إذا كان‬
‫مقصسود الحديسث إبعاد الزانيسة ووجسب على بائعهسا التعريسف بزناهسا فل ينبغسي لحسد أن يشتريهسا؛‬
‫لنهسا ممسا قسد أمرنسا بإبعادهسا‪ .‬فالجواب أنهسا مال ول تضاع؛ للنهسي عسن إضاعسة المال‪ ،‬ول تسسيب؛‬
‫لن ذلك إغراء لهسا بالزنسى وتمكيسن منه‪ ،‬ول تحبس دائما‪ ،‬فإن فيسه تعطيل منفعتهسا على سسيدها فلم‬
‫يبق إل بيعها‪ .‬ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز فيمنعها من ذلك‪ .‬وعلى الجملة‬
‫فعند تبدل الملك تختلف عليها الحوال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تصبروا خير لكم" أي الصبر على العزبة خير من نكاح المة‪ ،‬لنه يفضي‬
‫إلى إرقاق الولد‪ ،‬والغسض مسن النفسس والصسبر على مكارم الخلق أولى مسن البذالة‪ .‬وروي عسن‬
‫عمر رضي ال عنه أنه قال‪ :‬أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه‪ .‬يعني يصير ولده رقيقا؛ فالصبر‬
‫عن ذلك أفضل لكيل يرق الولد‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬ما نكاح المة من الزنى إل قريب‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬وأن تصسسبروا خيسر لكسم"‪ ،‬أي عسن نكاح الماء‪ .‬وفسسي سسسنن ابسن ماجسة عسن الضحاك بسن‬
‫مزاحسم قال‪ :‬سسمعت أنسس بسن مالك يقول‪ :‬سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول‪" :‬مسن أراد‬
‫أن يلقسسى ال طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر)‪ .‬ورواه أبسو إسسسحاق الثعلبسسي مسسن حديسسث يونسسس بسسن‬
‫مرداس‪ ،‬وكان خادما لنس‪ ،‬وزاد‪ :‬فقال أبو هريرة سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫(الحراير صلح البيت والماء هلك البيت ‪ -‬أو قال ‪ -‬فساد البيت)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬يريد ال ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وال عليم حكيم}‬
‫@ أي ليبين لكم أمر دينكم ومصالح أمركم‪ ،‬وما يحل لكم وما يحرم عليكم‪ .‬وذلك يدل على امتناع‬
‫خلو واقعة عن حكم ال تعالى؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام‪]38:‬‬
‫على مسا يأتسي‪ .‬وقال بعسد هذا‪" :‬يريسد ال أن يخفسف عنكسم" [النسساء‪ ]28 :‬فجاء هذا "بأن" والول‬
‫باللم‪ .‬فقال الفراء‪ :‬العرب تعاقب بين لم كي وأن؛ فتأتي باللم التي على معنى "كي" في موضع‬
‫"أن" فسي أردت وأمرت؛ فيقولون‪ :‬أردت أن تفعسل‪ ،‬وأردت تفعسل؛ لنهمسا يطلبان المسستقبل‪ .‬ول‬
‫يجوز ظننت لتفعل؛ لنك تقول ظننت أن قد قمت‪ .‬وفي التنزيل "وأمرت لعدل بينكم" [الشورى‪:‬‬
‫‪" ]15‬وأمرنسسا لنسسسلم لرب العالميسسن" [النعام‪" .]71 :‬يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههسسم"‬
‫[الصف‪" .]8 :‬يريدون أن يطفئوا نور ال" [التوبة‪ .]32 :‬قال الشاعر‪:‬‬
‫تمثل لي ليلى بكل سبيل‬ ‫أريد لنسى ذكرها فكأنما‬
‫يريسسد أن أنسسسى‪ .‬قال النحاس‪ :‬وخطسسأ الزجاج هذا القول وقال‪ :‬لو كانسست اللم بمعنسسى "أن" لدخلت‬
‫عليها لم أخرى؛ كما تقول‪ :‬جئت كي تكرمني‪ ،‬ثم تقول جئت لكي تكرمني‪ .‬وأنشدنا‪:‬‬
‫سراويل قيس والوفود شهود‬ ‫أردت لكيما يعلم الناس أنها‬
‫قال‪ :‬والتقديسر إرادتسه ليسبين لكسم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وزاد المسر على هذا حتسى سسماها بعسض القراء لم‬
‫أن؛ وقيل‪ :‬المعنى يريد ال هذا من أجل أن يبين لكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويهديكم سنن الذين من قبلكم" أي من أهل الحق‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "يهديكم" يبين لكم‬
‫طرق الذين من قبلكم من أهسل الحق وأهسل الباطل‪ .‬وقال بعض أهسل النظسر‪ :‬فسي هذا دليل على أن‬
‫كسل مسا حرم ال قبسل هذه اليسة علينسا فقسد حرم على مسن كان قبلنسا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا غلط؛ لنسه‬
‫يكون المعنى ويبين لكم أمر من كان قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه‪ ،‬وقد يكون ويبين لكم كما‬
‫بيسسن لمسسن كان قبلكسسم مسسن النسسبياء فل يومسسي بسسه إلى هذا بعينسسه‪ .‬ويقال‪ :‬إن قوله "يريسسد ال" ابتداء‬
‫القصة‪ ،‬أي يريد ال أن يبين لكم كيفية طاعته‪" .‬ويهديكم" يعرفكم "سنن الذين من قبلكم" أنهم لما‬
‫تركوا أمري كيسف عاقبتهسم‪ ،‬وأنتسم إذا فعلتسم ذلك ل أعاقبكسم ولكنسي أتوب عليكسم‪" .‬وال عليسم" بمسن‬
‫تاب "حكيم" بقبول التوبة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 28 - 27 :‬وال يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل‬
‫عظيما‪ ،‬يريد ال أن يخفف عنكم وخلق النسان ضعيفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يريسد أن يتوب عليكسم" ابتداء وخسبر‪ .‬و"أن" فسي موضسع نصسب بسس "يريسد"‬
‫وكذلك "يريسد ال أن يخفسف عنكسم"؛ فسس "أن يخفسف" فسي موضسع نصسب بسس "يريسد" والمعنسى‪ :‬يريسد‬
‫توبتكسم‪ ،‬أي يقبلهسا فيتجاوز عسن ذنوبكسم ويريسد التخفيسف عنكسم‪ .‬قيسل‪ :‬هذا فسي جميسع أحكام الشرع‪،‬‬
‫وهسو الصسحيح‪ .‬وقيسل‪ :‬المراد بالتخفيسف نكاح المسة‪ ،‬أي لمسا علمنسا ضعفكسم عسن الصسبر عسن النسساء‬
‫خففنسا عنكسم بإباحسة الماء؛ قال مجاهسد وابسن زيسد وطاوس‪ .‬قال طاوس‪ :‬ليسس يكون النسسان فسي‬
‫شيسء أضعسف منسه فسي أمسر النسساء‪ .‬واختلف فسي تعييسن المتبعيسن للشهوات؛ فقال مجاهسد‪ :‬هسم الزناة‪.‬‬
‫السسدي‪ :‬هسم اليهود والنصسارى‪ .‬وقالت فرقسة‪ :‬هسم اليهود خاصسة؛ لنهسم أرادوا أن يتبعهسم المسسلمون‬
‫فسي نكاح الخوات مسن الب‪ .‬وقال ابسن زيسد‪ :‬ذلك على العموم‪ ،‬وهسو الصسح‪ .‬والميسل‪ :‬العدول عسن‬
‫طريق الستواء؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى ل تلحقه معرة‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وخلق النسسسان ضعيفسسا" نصسسب على الحال؛ والمعنسسى أن هواه يسسستميله وشهوتسسه‬
‫وغضبسه يسستخفانه‪ ،‬وهذا أشسد الضعسف فأحتاج إلى التخفيسف‪ .‬وقال طاوس‪ :‬ذلك فسي أمسر النسساء‬
‫خاصة‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قرأ "وخلق النسان ضعيفا" أي وخلق ال النسان ضعيفا‪ ،‬أي‬
‫ل يصسبر عسن النسساء‪ .‬قال ابسن املسسيب‪ :‬لقسد أتسى علي ثمانون سسنة وذهبست إحدى عينسي وأنسا أعشسو‬
‫بالخرى وصاحبي أعمى أصم ‪ -‬يعني ذكره ‪ -‬وإني أخاف من فتنة النساء‪ .‬ونحوه عن عبادة بن‬
‫الصسسامت رضسسي ال عنسسه‪ ،‬قال عبادة‪ :‬أل ترونسسي ل أقوم إل رفدا ول آكسسل إل مسسا لوق لي ‪ -‬قال‬
‫يحيى‪ :‬يعني لين وسخن ‪ -‬وقد مات صاحبي منذ زمان ‪ -‬قال يحيى‪ :‬يعني ذكره ‪ -‬وما يسرني أني‬
‫خلوت بامرأة ل تحسل لي‪ ،‬وأن لي مسا تطلع عليسه الشمسس مخافسة أن يأتينسي الشيطان فيحركسه علي‪،‬‬
‫إنه ل سمع له ول بصره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 29 :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تأكلوا أموالكسم بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن‬
‫تراض منكم ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالباطسل" أي بغيسر حسق‪ .‬ووجوه ذلك تكثسر على مسا بيناه؛ وقسد قدمنسا معناه فسي‬
‫البقرة‪ .‬ومسن أكسسل المال بالباطسسل بيسسع العربان؛ وهسو أن يأخسسذ منسسك السسسلعة أو يكتري منسسك الدابسسة‬
‫ويعطيك درهما فما فوقه‪ ،‬على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛‬
‫وإن ترك ابتياع السسلعة أو كراء الدابسة فمسا أعطاك فهسو لك‪ .‬فهذا ل يصسلح ول يجوز عنسد جماعسة‬
‫فقهاء المصسار مسن الحجازييسن والعراقييسن‪ ،‬لنسه مسن باب بيسع القمار والغرر والمخاطرة‪ ،‬وأكسل‬
‫المال بالباطسل بغيسر عوض ول هبسة‪ ،‬وذلك باطسل بإجماع‪ .‬وبيسع العربان مفسسوخ إذا وقسع على هذا‬
‫الوجه قبل القبض وبعده‪ ،‬وترد السلعة إن كانت قائمة‪ ،‬فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها‪ .‬وقد روي‬
‫عسن قوم منهسم ابسن سسيرين ومجاهسد ونافسع بسن عبدالحارث وزيسد بسن أسسلم أنهسم أجازوا بيسع العربان‬
‫على ما وصفنا‪ .‬وكان زيد بن أسلم يقول‪ :‬أجازه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أبو عمر‪ :‬هذا‬
‫ل يعرف عن النبي صلى ال عليه وسلم من وجه يصح‪ ،‬وإنما ذكره عبدالرزاق عن السلمي عن‬
‫زيسد بسن أسسلم مرسسل؛ وهذا ومثله ليسس حجسة‪ .‬ويحتمسل أن يكون بيسع العربان الجائز على مسا تأوله‬
‫مالك والفقهاء معسه؛ وذلك أن يعربنسه ثسم يحسسب عربانسه مسن الثمسن إذا اختار تمام البيسع‪ .‬وهذا ل‬
‫خلف في جوازه عن مالك وغيره؛ وفي موطأ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه‬
‫عن جده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم (نهى عن بيع العربان)‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬قد تكلم الناس‬
‫في الثقة عنده في هذا الموضع‪ ،‬وأشبه ما قيل نيه‪ :‬أنه أخذه عن ابن لهيعة أو عن ابن وهب عن‬
‫ابسن لهيعسة؛ لن ابسن لهيعسة سسمعه مسن عمرو بسن شعيسب ورواه عنسه‪ .‬حدث بسه عسن ابسن لهيعسة ابسن‬
‫وهسب وغيره‪ ،‬وابسن لهيعسة أحسد العلماء إل أنسه يقال‪ :‬إنسه احترقست كتبسه فكان إذا حدث بعسد ذلك مسن‬
‫حفظه غلط‪ .‬وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح‪ .‬ومنهم من يضعف‬
‫حديثه كله‪ ،.‬وكان عنده علم واسع وكان كثير الحديث‪ ،‬إل أن حال عندهم كما وصفنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكسم" هذا استثناء منقطسع‪ ،‬أي ولكن تجارة عن‬
‫تراض‪ .‬والتجارة هي البيع والشراء؛ وهذا مثل قوله تعالى‪" :‬وأحل ال البيع وحرم الربا" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]275‬على ما تقدم‪ .‬وقرئ "تجارة"‪ ،‬بالرفع أي إل أن تقع تجارة؛ وعليه أنشد سيبويه‪:‬‬
‫إذا كان يوم ذو كواكب أشهب‬ ‫فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي‬
‫وتسمى هذه كان التامة؛ لنها تمت بفاعلها ولم تحتج إلى مفعول‪ .‬وقرئ "تجارة" بالنصب؛ فتكون‬
‫كان ناقصسة؛ لنهسا ل تتسم بالسسم دون الخسبر‪ ،‬فاسسمها مضمسر فيهسا‪ ،‬وإن شئت قدرتسه‪ ،‬أي إل أن‬
‫تكون الموال أموال تجارة؛ فحذف المضاف وأقيسم المضاف إليسه مقامسه‪ ،‬وقسد تقدم هذا؛ ومنسه قوله‬
‫تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسرة" [البقرة‪.]280 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تجارة" التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة؛ ومنه الجر الذي يعطيه البارئ‬
‫سبحانه العبد عوضا عن العمال الصالحة التي هي بعض من فعله؛ قال ال تعالى‪" :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا هسل أدلكسم على تجارة تنجيكسم مسن عذاب أليسم" [الصسف‪ .]10 :‬وقال تعالى‪" :‬يرجون تجارة‬
‫لن تبور" [فاطسر‪ .]29 :‬وقال تعالى‪" :‬إن ال اشترى مسن المؤمنيسن أنفسسهم وأموالهسم" [التوبسة‪:‬‬
‫‪ ]111‬اليسة‪ .‬فسسمى ذلك كله بيعسا وشراء على وجسه المجاز‪ ،‬تشبيهسا بعقود الشريسة والبياعات‬
‫التي تحصل بها الغراض‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬تقلب في الحضسر من غير نقلة ول سفر‪ ،‬وهذا تربص‬
‫واحتكار قسد رغسب عنسه أولو القدار‪ ،‬وزهسد فيسه ذوو الخطار‪ .‬والثانسي تقلب المال بالسسفار ونقله‬
‫إلى المصار‪ ،‬فهذا أليق بأهل المروءة‪ ،‬وأعم جدوى ومنفعة‪ ،‬غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا‪.‬‬
‫وقسد روي عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال‪( :‬إن المسسافر وماله لعلى قلت إل مسا وقسى ال)‪.‬‬
‫يعني على خطر‪ .‬وقيل‪ :‬في التوراة يا ابن آدم‪ ،‬أحدث سفرا أحدث لك رزقا‪ .‬الطبري‪ :‬وهذه الية‬
‫أدل دليل على فساد قول‪.‬‬
‫@ اعلم أن كل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض إل أن قوله "بالباطل" أخرج منها كل‬
‫عوض ل يجوز شرعسسا مسسن ربسسا أو جهالة أو تقديسسر عوض فاسسسد كالخمسسر والخنزيسسر وغيسسر ذلك‪.‬‬
‫وخرج منهسسا أيضسسا كسسل عقسسد جائز ل عوض فيسسه؛ كالقرض والصسسدقة والهبسسة ل للثواب‪ .‬وجازت‬
‫عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها‪ .‬فهذان طرفان متفق عليهما‪ .‬وخرج منها أيضا‬
‫دعاء أخيسسك إياك إلى طعامسسه‪ .‬روى أبسسو داود عسسن ابسسن عباس فسسي قوله تعالى‪" :‬ل تأكلوا أموالكسسم‬
‫بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن تراض منكسم" فكان الرجسل يحرج أن يأكسل عنسد أحسد مسن‬
‫الناس بعسسد مسسا نزلت هذه اليسسة؛ فنسسسخ ذلك باليسسة الخرى التسسي فسسي "النور"؛ فقال‪" :‬ليسسس على‬
‫العمسسسى حرج ول على العرج حرج ول على المريسسسض حرج ول على أنفسسسسكم أن تأكلوا مسسسن‬
‫بيوتكسم" [النور‪ ]61 :‬إلى قوله "أشتاتسا"؛ فكان الرجسل الغنسي يدعسو الرجسل مسن أهله إلى طعامسه‬
‫فيقول‪ :‬إني لجنح أن آكل منه ‪ -‬والتجنح الحرج ويقول‪ :‬المسكين أحق به مني‪ .‬فأحل في ذلك أن‬
‫يأكلوا مما ذكر اسم ال عليه‪ ،‬وأحل طعام أهل الكتاب‪.‬‬
‫@ لو اشتريت من السوق شيئا؛ فقال لك صاحبه قبل الشراء‪ :‬ذقه وأنت في حل؛ فل تأكل منه؛‬
‫لن إذنسه بالكسل لجسل الشراء؛ فربمسا ل يقسع بينكمسا شراء فيكون ذلك شبهسة‪ ،‬ولكسن لو وصسف لك‬
‫صفة فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار‪.‬‬
‫@ والجمهور على جواز الغبن في التجارة؛ مثل أن يبيع رجل ياقوتة به بدرهم وهي تساوي مائة‬
‫فذلك جائز‪ ،‬وأن المالك الصسسحيح الملك جائز له أن يسسبيع ماله الكثيسسر بالتافسسه اليسسسير‪ ،‬وهذا مسسا ل‬
‫اختلف فيسه بيسن العلماء إذا عرف قدر ذلك‪ ،‬كمسا تجوز الهبسة لو وهسب‪ .‬واختلفوا فيسه إذا لم يعرف‬
‫قدر ذلك؛ فقال قوم‪ :‬عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهسو جائز إذا كان رشيدا حرا بالغسا‪ .‬وقالت فرقسة‪:‬‬
‫الغبسن إذا تجاوز الثلث مردود‪ ،‬وإنمسا أبيسح منسه المتقارب المتعارف فسي التجارات‪ ،‬وأمسا المتفاحسش‬
‫الفادح فل؛ وقال ابسن وهسب مسن أصسحاب مالك رحمسه ال‪ .‬والول أصسح؛ لقوله عليسه السسلم فسي‬
‫حديث المة الزانية‪( .‬فليبعها ولو بضفير) وقوله عليه السلم لعمر‪( :‬ل تبتعه يعني القرس ‪ -‬ولو‬
‫أعطاكه بدرهم واحد) وقوله عليه السلم‪( :‬دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض) وقوله عليه‬
‫السلم‪( :‬ل يبغ حاضر لباد) وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ول غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسن تراض منكسم" أي عسن رضسى‪ ،‬إل أنهسا جاءت مسن المفاعلة إذ التجارة مسن‬
‫اثنين‪ .‬واختلف العلماء في التراضي؛ فقالت طائفة‪ :‬تمامه وجزمه بافتراق البدان بعد عقدة البيع‪،‬‬
‫أو بأن يقول أحدهمسا لصساحبه‪ :‬اختسر؛ فيقول‪ :‬قسد اخترت‪ ،‬وذلك بعسد العقدة أيضسا فينجزم أيضسا وإن‬
‫لم يتفرقا؛ قاله جماعة من الصحابة والتابعين‪ ،‬وبه قال الشافعي والثوري والوزاعي والليث وابن‬
‫عيينسة وإسسحاق وغيرهسم‪ .‬قال الوزاعسي‪ :‬همسا بالخيار مسا لم يتفرقسا؛ إل بيوعسا ثلثسة‪ :‬بيسع السسلطان‬
‫المغانسم‪ ،‬والشركسة فسي الميراث‪ ،‬والشركسة فسي التجارة؛ فإذا صسافقه فسي هذه الثلثسة فقسد وجسب البيسع‬
‫وليسسا فيسه بالخيار‪ .‬وقال‪ :‬وحسد التفرقسة أن يتوارى كسل واحسد منهمسا عسن صساحبه؛ وهسو قول أهسل‬
‫الشام‪ .‬وقال الليسسث‪ :‬التفرق أن يقوم أحدهمسسا‪ .‬وكان أحمسسد بسسن حنبسسل يقول‪ :‬همسسا بالخيار أبدا مسسا لم‬
‫يتفرقا بأبدانهما‪ ،‬وسواء قال‪ :‬اخترنا أو لم يقوله حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما؛ وقال الشافعي‬
‫أيضسا‪ .‬وهسو الصسحيح فسي هذا الباب للحاديسث الواردة فسي ذلك‪ .‬وهسو مروي عسن ابسن عمسر وأبسي‬
‫برزة وجماعسة مسن العلماء‪ .‬وقال مالك وأبسو حنيفسة‪ :‬تمام البيسع هسو أن يعقسد البيسع باللسسنة فينجزم‬
‫العقسد بذلك ويرتفسع الخيار‪ .‬قال محمسد بسن الحسسن‪ :‬معنسى قوله فسي الحديسث (البيعان بالخيار مسا لم‬
‫يتفرقا) أن البائع إذا قال‪ :‬قد بعتك‪ ،‬فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت‪ .‬وهو قول أبي حنيفة‪،‬‬
‫ونص مذهب مالك أيضا‪ ،‬حكاه ابن خويز منداد‪ .‬وقيل‪ :‬ليس له أن يرجع‪ .‬وقد مضى في "البقرة"‪.‬‬
‫واحتج الولون بما ثبت من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة وابن عمر وعبدال بن عمرو بن‬
‫العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وغيرهم عن النبي صلى ال عليه وسلم (البيعان بالخيار ما‬
‫لم يتفرقسا أو يقول أحدهمسا لصساحبه أختسر)‪ .‬رواه أيوب عسن نافسع عسن ابسن عمسر؛ فقوله عليسه السسلم‬
‫فسي هذه الروايسة‪( :‬أو يقول أحدهمسا لصساحبه اختسر) هسو معنسى الروايسة الخرى (إل بيسع الخيار)‬
‫وقوله‪( :‬إل أن يكون بيعهمسا عسن خيار) ونحوه‪ .‬أي يقول أحدهمسا بعسد تمام البيسع لصساحبه‪ :‬اختسر‬
‫إنفاذ البيسع أو فسسخه؛ فإن اختار إمضاء البيسع تسم البيسع بينهسم وإن لم يتفرقسا‪ .‬وكان ابسن عمسر وهسو‬
‫راوي الحديث إذا بايع أحدا وأحب أن ينفذ البيع مشى قليل ثم رجع‪ .‬وفي الصول‪ :‬إن من روى‬
‫حديثسسا فهسسو أعلم بتأويله‪ ،‬ل سسسيما الصسسحابة إذ هسسم أعلم بالمنال وأقعسسد بالحال‪ .‬وروى أبسسو داود‬
‫والدارقطنسي عسن أبسي الوضيسء قال‪ :‬كنسا فسي سسفر فسي عسسكر فأتسى رجسل معسه فرس فقال له رجسل‬
‫منسا‪ :‬أتسبيع هذا الفرس بهذا الغلم ؟ قال‪ :‬نعسم؛ فباعسه ثسم بات معنسا‪ ،‬فلمسا أصسبح قام إلى فرسسه‪ ،‬فقال‬
‫له صساحبنا‪ :‬مالك والفرس ! أليسس قسد بعتنيهسا ؟ فقال‪ :‬مسا لي فسي هذا البيسع مسن حاجسة‪ .‬فقال‪ :‬مالك‬
‫ذلك‪ ،‬لقد بعتني‪ .‬فقال لهما القوم‪ :‬هذا أبو برزة صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم فأتياه؛ فقال‬
‫لهما‪ :‬أترضيان بقضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليسسه وسسسلم‪( :‬البيعان بالخيار مسسا لم يتفرقسسا) وإنسسي ل أراكمسسا افترقتمسسا‪ .‬فهذان صسسحابيان قسسد علمسسا‬
‫مخرج الحديسسث وعمل بمقتضاه‪ ،‬بسسل هذا كان عمسسل الصسسحابة‪ .‬قال سسسالم‪ :‬قال ابسسن عمسسر‪ :‬كنسسا إذا‬
‫تبايعنسسا كان كسسل واحسسد منسسا بالخيار مسسا لم يفرق المتبايعان‪ .‬قال‪ :‬فتبايعسست أنسسا وعثمان فبعتسسه مالي‬
‫بالوادي بمال له بخيبر؛ قال‪ :‬فلما بعته طفقت أنكص القهقرى‪ ،‬خشية أن يرادني عثمان البيع قبل‬
‫أن أفارقه‪ .‬أخرجه الدارقطني ثم قال‪ :‬إن أهل اللغة فرقوا بين فرقت مخففا وفرقت مثقل؛ فجعلوه‬
‫بالتخفيسف فسي الكلم وبالتثقيسل فسي البدان‪ .‬قال أحمسد بسن يحيسى ثعلب‪ :‬أخسبرني ابسن العرابسي عسن‬
‫المفضسل قال‪ :‬يقال فرقست بيسن الكلميسن مخففسا فافترقسا وفرقست بيسن اثنيسن مشددا فتفرقسا؛ فجعسل‬
‫الفتراق فسي القول‪ ،‬والتفرق فسي البدان‪ .‬احتجست المالكيسة بمسا تقدم بيانسه فسي آيسة الديسن‪ ،‬وبقوله‬
‫تعالى‪" :‬أوفوا بالعقود" [المائدة‪ ]1 :‬وهذان قسد تعاقدا‪ .‬وفسي هذا الحديسث إبطال الوفاء بالعقود‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وقد يكون التفرق بالقول كعقد النكاح ووقوع الطلق الذي قد سماه ال فراقا؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته" [النساء‪ ]130 :‬وقال تعالى‪" :‬ول تكونوا كالذين تفرقوا" [آل‬
‫عمران‪ ]105 :‬وقال عليه السلم‪( :‬تفترق أمتي) ولم يقل بأبدانها‪.‬‬
‫وقد روى الدارقطني وغيره عن عمرو بن شعيب قال‪ :‬سمعت شعيبا يقول‪ :‬سمعت عبدال بن‬
‫عمرو يقول‪ :‬سسمعت النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يقول‪( :‬أيمسا رجسل ابتاع مسن رجسل بيعسة فإن كسل‬
‫واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إل أن تكون صفقة خيار فل يحل لحدهما أن يفارق‬
‫صساحبه مخافسة أن يقيله)‪ .‬قالوا‪ :‬فهذا يدل على أنسه قسد تسم البيسع بينهمسا قبسل الفتراق؛ لن القالة ل‬
‫تصح إل فيما قد تم من البيوع‪ .‬قالوا‪ :‬ومعنى قوله (المتبايعان بالخيار) أي المتساومان بالخيار ما‬
‫لم يعقدا فإذا عقدا بطسل الخيار فيسه‪ .‬والجواب‪ :‬أمسا مسا اعتلوا بسه مسن الفتراق بالكلم فإنمسا المراد‬
‫بذلك الديان كمسسا بيناه فسسي "آل عمران"‪ ،‬وإن كان صسسحيحا فسسي بعسسض المواضسسع فهسسو فسسي هذا‬
‫الموضع غير صحيح‪ .‬وبيانه أن يقال‪ :‬خبرونا عن الكلم الذي وقع به الجتماع وتم به البيع‪ ،‬أهو‬
‫الكلم الذي أريسد بسه الفتراق أم غيره ؟ فإن قالوا‪ :‬هسو غيره فقسد أحالوا وجاؤوا بمسا ل يعقسل؛ لنسه‬
‫ليس ثم كلم غير ذلك‪ .‬وإن قالوا‪ :‬هو ذلك الكلم بعينه قيل لهم‪ :‬كيف يجوز أن يكون الكلم الذي‬
‫بسه اجتمعسا وتسم بسه بيعهمسا‪ ،‬بسه افترقسا‪ ،‬هذا عيسن المحال والفاسسد مسن القول‪ .‬وأمسا قوله‪( :‬ول يحسل له‬
‫أن يفارق صساحبه مخافسة أن يقيله) فمعناه ‪ -‬إن صسح ‪ -‬على الندب؛ بدليسل قوله عليسه السسلم‪( .‬مسن‬
‫أقال مسسسسلما أقاله ال عثرتسسسه) وبإجماع المسسسسلمين على أن ذلك يحسسسل لفاعله على خلف ظاهسسسر‬
‫الحديسث‪ ،‬ولجماعهسم أنسه جائز له أن يفارقسه لينفسذ بيعسه ول يقيله إل أن يشاء‪ .‬وفيمسا أجمعوا عليسه‬
‫مسسن ذلك رد لروايسسة مسسن روى (ل يحسسل) فإن لم يكسسن وجسسه هذا الخسسبر الندب‪ ،‬وإل فهسسو باطسسل‬
‫بالجماع‪ .‬وأمسا تأويسل "المتبايعان" بالمتسساومين فعدول عسن ظاهسر اللفسظ‪ ،‬وإنمسا معناه المتبايعان‬
‫بعسد عقدهمسا مخيران مسا دامسا فسي مجلسسهما‪ ،‬إل بيعسا يقول أحدهمسا لصساحبه فيسه‪ :‬اختسر فيختار؛ فإن‬
‫الخيار ينقطسع بينهما وإن لم يتفرقا؛ فإن فرض خيار فالمعنسى‪ :‬إل بيسع الخيار فإنسه يبقى الخيار بعد‬
‫التفرد بالبدان‪ .‬وتتميم هذا الباب في كتب الخلف‪ .‬وفي قول عمرو بن شعيب "سمعت أبي يقول‬
‫"دليسل على صسحة حديثسه؛ فسسن الدارقطنسي قال حدثنسا أبسو بكسر النيسسابوري حدثنسا محمسد بسن علي‬
‫الوراق قال‪ :‬قلت لحمسد بن حنبل‪ :‬شعيب سمع من أبيه شيئا ؟ قال‪ :‬يقول حدثنسي أبي‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫فأبوه سسمع مسن عبدال بسن عمرو؟ قال‪ :‬نعسم‪ ،‬أراه قسد سسمع منسه‪ .‬قال الدارقطنسي سسمعت أبسا بكسر‬
‫النيسابوري يقول‪ :‬هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدال بن عمرو بن العاص‪ ،‬وقد صح سماع‬
‫عمرو بن شعيب من أبيه شعيب وسماع شعيب من جده عبدال بن عمرو‪.‬‬
‫@ روى الدارقطنسي عسن ابسن عمسر قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬التاجسر الصسدوق‬
‫الميسن المسسلم مسع النسبي والصسديقين والشهداء يوم القيامسة)‪ .‬ويكره للتاجسر أن يحلف لجسل ترويسج‬
‫السلعة وتزيينها‪ ،‬أو يصلي على الني صلى ال عليه وسلم في عرض سلعته؛ وهو أن يقول‪ :‬صلى‬
‫ال على محمسسد ! مسسا أجود هذا‪ .‬ويسسستحب للتاجسسر أل تشغله تجارتسسه عسسن أداء الفرائض؛ فإذا جاء‬
‫وقست الصسلة ينبغسي أن يترك تجارتسه حتسى يكون مسن أهسل هذه اليسة‪" :‬رجال ل تلهيهسم تجارة ول‬
‫بيع عن ذكر ال" [النور‪ ]37 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫@ وفسي هذه اليسة مسع الحاديسث التسي ذكرناهسا مسا يرد قول مسن ينكسر طلب القوات بالتجارات‬
‫والصناعات من المتصوفة الجهلة؛ لن ال تعالى حرم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة‪ ،‬وهذا بين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقتلوا أنفسكم" فيه مسألة واحدة ‪ -‬قرأ الحسن "تُ َقتّلوا" على التكثيسر‪ .‬وأجمع‬
‫أهل التأويل على أن المراد بهذه الية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا‪ .‬ثم لفظها يتناول أن يقتل‬
‫الرجسل نفسسه بقصسد منسه للقتسل فسي الحرص على الدنيسا وطلب المال بأن يحمسل نفسسه على الغرر‬
‫المؤدي إلى التلف‪ .‬ويحتمسسل أن يقال‪" :‬ول تقتلوا أنفسسسكم" فسسي حال ضجسسر أو غضسسب؛ فهذا كله‬
‫يتناول النهسي‪ .‬وقسد احتسج عمرو بسن العاص بهذه اليسة حيسن امتنسع مسن الغتسسال بالماء البارد حيسن‬
‫أجنسب فسي غزوة ذات السسلسل خوفسا على نفسسه منسه؛ فقرر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم احتجاجسه‬
‫وضحك عنده ولم يقل شيئا‪ .‬خرجه أبو داود وغيره‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا}‬
‫@قوله‪" :‬ذلك" إشارة إلى القتسل؛ لنه أقرب مذكور؛ قاله عطاء‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو عائد إلى أكسل المال‬
‫بالباطل وقتل النفس؛ لن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا‪ ،‬ثم ورد الوعيد حسب النهي‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫عام على كسل مسا نهسى عنسه مسن القضايسا‪ ،‬مسن أول السسورة إلى قوله تعالى‪" :‬ومسن يفعسل ذلك"‪ .‬وقال‬
‫الطسبري‪" :‬ذلك" عائد على مسا نهسى عنسه مسن آخسر وعيسد‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل‬
‫يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" [النسساء‪ ]19 :‬لن كسل مسا نهسى عنسه مسن أول السسورة قرن بسه‬
‫وعيد‪ ،‬إل من قوله‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم" فإنه ل وعيد بعده إل قوله‪" :‬ومن يفعل ذلك‬
‫عدوانا" [النساء ‪ .]10‬والعدوان تجاوز الحد‪ .‬والظلم وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط‪ ،‬وذكر العدوان والظلم مع تقارب‬
‫معانيهما لختلف ألفاظهما‪ ،‬وحسن ذلك في الكلم كما قال‪:‬‬
‫وألفى قولها كذبا ومينا‬
‫وحسن العطف لختلف اللفظين؛ يقال‪ :‬بعدا وسحقا؛ ومنه قول يعقوب‪" :‬إنما أشكو بثي وحزني‬
‫إلى ال" [يوسف‪ .]86 :‬فحسن ذلك لختلف اللفظ‪ .‬و"نصليه" معناه نمسه حرها‪ .‬وقد بينا معنى‬
‫الجمسع بيسن هذه الي وحديسث أبسي سسعيد الخدري فسي العصساة وأهسل الكبائر لمسن أنفسذ عليسه الوعيسد؛‬
‫فل معنسى لعادة ذلك‪ .‬وقرأ العمسش والنخعسي "نصسليه" بفتسح النون‪ ،‬على أنسه منقول مسن صسلي‬
‫نارا‪ ،‬أي أصسسليته؛ وفسسي الخسسبر "شاة مصسسلية"‪ .‬ومسسن ضسسم النون منقول بالهمزة‪ ،‬مثسسل طعمسست‬
‫وأطعمت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما}‬
‫@ لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر‪ ،‬وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر‪،‬‬
‫ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر‪ .‬وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء‪ ،‬وأن‬
‫اللمسسة والنظرة تكفسر باجتناب الكبائر قطعسا بوعده الصسدق وقوله الحسق‪ ،‬ل أنسه يجسب عليسه ذلك‪.‬‬
‫ونظير الكلم في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى‪" :‬إنما التوبة على ال" [النساء‪:‬‬
‫‪ ،]17‬فال تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر‪ ،‬لكن بضميمة أخرى إلى الجتناب وهي إقامة‬
‫الفرائض‪ .‬روى مسسسلم عسسن أبسسي هريرة قال‪ :‬قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬الصسسلوات‬
‫الخمسس والجمعسة إلى الجمعسة ورمضان إلى رمضان مكفرات مسا بينهسن إذا اجتنسب الكبائر‪ .‬وروى‬
‫أبسو حاتسم البسستي إلى صسحيح مسسنده عسن أبسي هريرة وأبسي سسعيد الخدري أن رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال‪( :‬والذي نفسي بيده) ثلث مرات‪ ،‬ثم سكت فأكب كل رجل منا‬
‫يبكسي حزينسا ليميسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ثسم قال‪( :‬مسا مسن عبسد يؤدي الصسلوات الخمسس‬
‫ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إل فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى إنها‬
‫لتصفق) ثم تل "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"‪ .‬فقد تعاضد الكتاب وصحيح‬
‫السسسنة بتكفيسسر الصسسغائر قطعسسا كالنظسسر وشبهسسه‪ .‬وبينسست السسسنة أن المراد بس س "تجتنبوا" ليسسس كسسل‬
‫الجتناب لجميسع الكبائر‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأمسا الصسوليون فقالوا‪ :‬ل يجسب على القطسع تكفيسر الصسغائر‬
‫باجتناب الكبائر‪ ،‬وإنما محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة ثابتة‪ .‬ودل على ذلك أنه‬
‫لو قطعنسا لمجتنسب الكبائر وممتثسل الفرائض تكفيسر صسغائره قطعسا لكانست له فسي حكسم المباح الذي‬
‫يقطسع بأل تباعسة فيسه‪ ،‬وذلك نقسض لعرى الشريعسة‪ .‬ول صسغيرة عندنسا‪ .‬قال القشيري عبدالرحيسم‪:‬‬
‫والصسحيح أنهسا كبائر ولكسن بعضهسا أعظسم وقعسا مسن بعسض‪ ،‬والحكمسة فسي عدم التمييسز أن يجتنسب‬
‫العبد جميع المعاصي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأيضا فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم‪ - :‬ل تنظر إلى صغر الذنب ولكن‬
‫انظسر مسن عصسيت ‪ -‬كانست الذنوب بهذه النسسبة كلهسا كبائر‪ ،‬وعلى هذا النحسو يخرج كلم القاضسي‬
‫أبسسي بكسسر بسسن الطيسسب والسسستاذ أبسسي إسسسحاق السسسفراييني وأبسسي المعالي وأبسسي نصسسر عبدالرحيسسم‬
‫القشيري وغيرهسم؛ قالوا‪ :‬وإنمسا يقال لبعضهسا صسغيرة بالضافسة إلى مسا هسو أكسبر منهسا‪ ،‬كمسا يقال‬
‫الزنسى صسغيرة بإضافتسه إلى الكفسر‪ ،‬والقبلة المحرمسة صسغيرة بالنسسبة إلى الزنسى‪ ،‬ول ذنسب عندنسا‬
‫يغفر باجتناب ذنب آخر‪ ،‬بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬إن ال‬
‫ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء" [النسساء‪ ]48 :‬واحتجوا بقراءة مسن قرأ "إن‬
‫تجتنبوا كبير ما تنهون عنه" على التوحيد؛ وكبير الثم الشرك‪ .‬قالوا‪ :‬وعلى الجمع فالمراد أجناس‬
‫الكفر‪ .‬والية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى‪" :‬ويغفر ما دون ذلك لمن‬
‫يشاء"‪ .‬واحتجوا بمسا رواه مسسلم وغيره عسن أبسي أمامسة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪:‬‬
‫(مسن اقتطسع حسق امرئ مسسلم بيمينسه فقسد أوجسب ال له النار وحرم عليسه الجنسة) فقال له رجسل‪ :‬يسا‬
‫رسسول ال‪ ،‬وإن كان شيئا يسسيرا ؟ قال‪( :‬وإن كان قضيبسا مسن أراك)‪ .‬فقسد جاء الوعيسد الشديسد على‬
‫اليسير كما جاء على الكثير‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬الكبيرة كل ذنب ختمه ال بنار أو غضب أو لعنة أو‬
‫عذاب‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬الكبائر ما نهى ال عنه في هذه السورة إلى ثلث وثلثين آية؛ وتصديقه‬
‫قوله تعالى‪" :‬إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه"‪ .‬وقال طاوس‪ :‬قيسل لبسن عباس الكبائر سسبع ؟ قال‪:‬‬
‫هسي إلى السسبعين أقرب‪ .‬وقال سسعيد بسن جسبير‪ :‬قال رجسل لبسن عباس الكبائر سسبع ؟ قال‪ :‬هسي إلى‬
‫السسبعمائة أقرب منهسا إلى السسبع؛ غيسر أنسه ل كسبيرة مسع اسستغفار ول صسغيرة مسع إصسرار‪ .‬وروي‬
‫عسن ابسن مسسعود أنسه قال‪ :‬الكبائر أربعسة‪ :‬اليأس مسن روج ال‪ ،‬والقنوط مسن رحمسة ال‪ ،‬والمسن مسن‬
‫مكر ال‪ ،‬والشرك بال؛ دل عليها القرآن‪ .‬وروي عن ابن عمر‪ :‬هي تسع‪ :‬قتل النفس‪ ،‬وأكل الربا‪،‬‬
‫وأكسسل مال اليتيسسم‪ ،‬ورمسسي المحصسسنة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬وعقوق الوالديسسن‪ ،‬والفرار مسسن الزحسسف‪،‬‬
‫والسسسحر‪ ،‬واللحاد فسسي البيسست الحرام‪ .‬ومسسن الكبائر عنسسد العلماء‪ :‬القمار والسسسرقة وشرب الخمسسر‬
‫وسب السسلف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع الهوى واليميسن الفاجرة والقنوط مسن رحمة‬
‫ال وسسب النسسان أبويسه ‪ -‬بأن يسسب رجل فيسسب ذلك الرجسل أبويسه ‪ -‬والسسعي فسي الرض فسسادا‬
‫‪ -‬؛ إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما جاء بيانها في القرآن‪ ،‬وفي أحاديث خرجها الئمة‪،‬‬
‫وقسسد ذكسسر مسسسلم فسسي كتاب اليمان منهسسا جملة وافرة‪ .‬وقسسد اختلف الناس فسسي تعدادهسسا وحصسسرها‬
‫لختلف الثار فيها؛ والذي أقول‪ :‬إنه قسد جاءت فيهسا أحاديسث كثيرة صحاح وحسسان لم يقصسد بها‬
‫الحصسر‪ ،‬ولكن بعضها أكبر من بعسض بالنسسبة إلى مسا يكثسر ضرره‪ ،‬فالشرك أكبر ذلك كله‪ ،‬وهو‬
‫الذي ل يغفسسر لنسسص ال تعالى على ذلك‪ ،‬وبعده اليأس مسسن رحمسسة ال؛ لن فيسسه تكذيسسب القرآن؛ إذ‬
‫يقول وقوله الحسق‪" :‬ورحمتسي وسسعت كسل شيسء" [العراف‪ ]156 :‬وهسو يقول‪ :‬ل يغفسر له؛ فقسد‬
‫حجسسر واسسسعا‪ .‬هذا إذا كان معتقدا لذلك؛ ولذلك قال ال تعالى‪" :‬إنسه ل ييئس مسن روح ال إل القوم‬
‫الكافرون" [يوسف‪ .]87 :‬وبعده القنوط؛ قال ال تعالى‪" :‬ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون"‬
‫[الحجر‪ .]56 :‬وبعده المن من مكر ال فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة ال من غير‬
‫عمسل؛ قال ال تعالى‪" :‬أفأمنوا مكسر ال فل يأمسن مكسر ال إل القوم الخاسسرون" [العراف‪.]99 :‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬وذلكسم ظنكسم الذي ظننتسم بربكسم أرداكسم فأصسبحتم مسن الخاسسرين" [فصسلت‪.]23 :‬‬
‫وبعده القتل؛ لن فيه إذهاب النفوس وإعدام الوجود‪ ،‬واللواط فيه قطع النسل‪ ،‬والزنى فيه اختلط‬
‫النساب بالمياه‪ ،‬والخمر فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف‪ ،‬وترك الصلة والذان فيه ترك‬
‫إظهار شعائر السسلم‪ ،‬وشهادة الزور فيهسا اسستباحة الدماء والفروج والموال‪ ،‬إلى غيسر ذلك ممسا‬
‫هو بين الضرر؛ فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده‪ ،‬أو عظم ضرره في الوجود‬
‫كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة‪ .‬فهذا يربط لك هذا الباب ويضبطه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وندخلكسم مدخل كريمسا" قرأ أبسو عمرو وأكثسر الكوفييسن "مدخل" بضسم الميسم‪،‬‬
‫فيحتمسل أن يكون مصسدرا‪ ،‬أي إدخال‪ ،‬والمفعول محذوف أي وندخلكسم الجنسة إدخال‪ .‬ويحتمسل أن‬
‫يكون بمعنسى المكان فيكون مفعول‪ .‬وقرأ أهسل المدينسة بفتسح الميسم‪ ،‬فيجوز أن يكون مصسدر دخسل‬
‫وهو منصوب بإضمار فعل؛ التقدير وندخلكم فتدخلون مدخل‪ ،‬ودل الكلم عليه‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫اسسم مكان فينتصسب على أنسه مفعول بسه‪ ،‬أي وندخلكسم مكانسا كريمسا وهسو الجنسة‪ .‬وقال أبسو سسعيد بسن‬
‫العرابسي‪ :‬سسمعت أبسا داود السسجستاني يقول‪ :‬سسمعت أبسا عبدال أحمسد بسن حنبسل يقول‪ :‬المسسلمون‬
‫كلهم في الجنة؛ فقلت له‪ :‬وكيف ؟ قال‪ :‬يقول ال عز وجل‪" :‬إن تجتبوا كبائر ما تنهون‪ ،‬عنه نكفر‬
‫عنكسم سسيئاتكم وندخلكسم مدخل كريمسا" يعنسي الجنسة‪ .‬وقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ادخرت‬
‫شفاعتي لهل الكبائر من أمتي)‪ .‬فإذا كان ال عز وجل يغفر ما دون الكبائر والنبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم يشفع فسي الكبائر فأي ذنسب يبقى على المسلمين‪ .‬وقال علماؤنسا‪ :‬الكبائر عند أهسل السنة تغفسر‬
‫لمسن أقلع عنهسا قبسل الموت حسسب مسا تقدم‪ .‬وقسد يغفسر لمن مات عليهسا من المسسلمين كمسا قال تعالى‪:‬‬
‫"ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء" [النسساء‪ ]48 :‬والمراد بذلك مسن مات على الذنوب؛ فلو كان‬
‫المراد مسن تاب قبسل الموت لم يكسن للتفرقسة بيسن الشراك وغيره معنسى؛ إذ التائب مسن الشرك أيضسا‬
‫مغفور له‪ .‬وروي عن ابن مسسعود أنسه قال‪ :‬خمسس آيات من سسورة النسساء هسي أحسب إلي مسن الدنيسا‬
‫جميعا‪ ،‬قوله تعالى‪" :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" وقوله "إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر"‬
‫[النساء‪ ]48 :‬الية‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه" [النساء‪]110 :‬الية‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬وإن تسك حسسنة يضاعفهسا" [النسساء‪ ،]40 :‬وقوله تعالى‪" :‬والذيسن آمنوا بال ورسسله"‬
‫[النسساء‪ .]152 :‬وقال ابن عباس‪ :‬ثمان آيات فسي سورة النسساء‪ ،‬هن خير لهذه المة ممسا طلعست‬
‫عليه الشمس وغربت‪" :‬يريد ال ليبين لكم" [النساء‪" ،]26 :‬وال يريد أن يتوب عليكم" [النساء‪:‬‬
‫‪" ،]27‬يريسد ال أن يخفسف عنكسم" [النسساء‪" ،]28 :‬إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه نكفسر عنكسم‬
‫سسيئاتكم" [النسساء‪ ،]31 :‬اليسة‪" ،‬إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه"‪" ،‬إن ال ل يظلم مثقال ذرة"‬
‫[النساء‪" ،]40 :‬ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه"‪" ،‬ما يفعل ال بعذابكم" [النساء‪]147 :‬الية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 32 :‬ول تتمنوا مسا فضسل ال بسه بعضكسم على بعسض للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا‬
‫وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا ال من فضله إن ال كان بكل شيء عليما}‬
‫@ روى الترمذي عسن أم سسلمة أنهسا قالت‪ :‬يغزو الرجال ول يغزو النسساء وإنمسا لنسا نصسف‬
‫الميراث؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تتمنوا مسا فضسل ال بسه بعضكسم على بعسض"‪ .‬قال مجاهسد‪ :‬وأنزل‬
‫فيهسا "إن المسسلمين والمسسلمات" [الحزاب‪ ،]35 :‬وكانست أم سسلمة أول ظعينسة قدمست المدينسة‬
‫مهاجرة‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث مرسل‪ ،‬ورواه بضعهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‪ ،‬مرسل‬
‫أن أم سلمة قالت كذا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان الجاهلية ل يورثون النساء ول الصبيان؛ فلما ورثوا وجعل‬
‫للذكسر مثسل حسظ النثييسن تمنسى النسساء أن لو جعسل أنصسباؤهن كأنصسباء الرجال‪ .‬وقال الرجال‪ :‬إنسا‬
‫لنرجو‬
‫أن نفضل على النساء بحسناتنا في الخرة كما فضلنا عليهن في الميراث؛ فنزلت‪" ،‬ول تتمنوا ما‬
‫فضل ال به بعضكم على بعض"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتمنوا" التمنسي نوع مسن الرادة يتعلق بالمسستقبل‪ ،‬كالتلهسف نوع منهسا يتعلق‬
‫بالماضسي؛ فنهسى ال سبحانه المؤمنين عن التمنسي؛ لن فيه تعلق البال ونسيان الجل‪ .‬وقسد اختلف‬
‫العلماء هسل يدخسل فسي هذا النهسي الغبطسة‪ ،‬وهسي أن يتمنسى الرجسل أن يكون له حال صساحبه وإن لم‬
‫يتمسسن زوال حاله‪ .‬والجمهور على إجازة ذلك‪ :‬مالك وغيره؛ وهسسي المراد عنسسد بعضهسسم فسسي قوله‬
‫عليه السلم (ل حسد إل في اثنتين رجل أتاه ال القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل‬
‫أتاه ال مال فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)‪ .‬فمعنى قوله‪" :‬ل حسد" أي ل غبطة أعظم وأفضل‬
‫مسن الغبطسة فسي هذيسن المريسن‪ .‬وقسد نبسه البخاري على هذا المعنسى حيسث بوب على هذا الحديسث‬
‫(باب الغتباط فسي العلم والحكمسة) قال المهلب‪ :‬بيسن ال تعالى فسي هذه اليسة مسا ل يجوز تمنيسه‪،‬‬
‫وذلك مسا كان من عرض الدنيسا وأشباههسا‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وأما التمنسي فسي العمال الصسالحة فذلك‬
‫هسو الحسسن‪ ،‬وأمسا إذا تمنسى المرء على ال مسن غيسر أن يقرن أمنيتسه بشيسء ممسا قدمنسا ذكره فذلك‬
‫جائز؛ وذلك موجود في حديث النبي صلى ال عليه وسلم في قول‪( :‬وددت أن أحيا ثم أقتل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الحديسث هسو الذي صسدر بسه البخاري كتاب التمنسي فسي صسحيحه‪ ،‬وهسو يدل على تمنسي‬
‫الخيسر وأفعال البر والرغبسة فيهسا‪ ،‬وفيسه فضسل الشهادة على سسائر أعمال البر؛ لنسه عليسه السسلم‬
‫تمناهسا دون غيرهسا‪ ،‬وذلك لرفيسع منزلتهسا وكرامسة أهلهسا‪ ،‬فرزقسه ال إياهسا؛ لقوله‪( :‬مسا زالت أكلة‬
‫خيسبر تعادنسي الن أوان قطعست أبهري)‪ .‬وفسي الصسحيح‪( :‬إن الشهيسد يقال له تمسن فيقول أتمنسى أن‬
‫أرجسع إلى الدنيسا حتسى أقتسل فسي سسبيلك مرة أخرى)‪ .‬وكان رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يتمنسى‬
‫إيمان أبسي طالب وإيمان أبسي لهسب وصسناديد قريسش مسع علمسه بأنسه ل يكون؛ وكان يقول‪( :‬واشوقاه‬
‫إلى إخوانسسي الذيسسن يجيئون مسسن بعدي يؤمنون بسسي ولم يرونسسي)‪ .‬وهذا كله يدل على أن التمنسسي ل‬
‫ينهسى عنه إذا لم يكسن داعية إلى الحسسد والتباغسض‪ ،‬والتمنسي المنهسي عنسه فسي اليسة من هذا القبيسل؛‬
‫فيدخسل فيسه أن يتمنسى الرجسل حال الخسر مسن ديسن أو دنيسا على أن يذهسب مسا عنسد الخسر‪ ،‬وسسواء‬
‫تمنيست مسع ذلك أن يعود إليسك أو ل‪ .‬وهذا هسو الحسسد بعينسه‪ ،‬وهسو الذي ذمسه ال تعالى بقوله‪" :‬أم‬
‫يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء‪ ] :‬ويدخل فيه أيضا خطبة الرجل على خطبة‬
‫أخيسه وبيعسه على بيعسه؛ لنسه داعيسة الحمسد والمقست‪ .‬وقسد كره بعسض العلماء الغبطسة وأنهسا داخلة فسي‬
‫النهي‪ ،‬والصحيح جوازها على ما بينا‪ ،‬وبال توفيقنا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ل يحل لحد أن يتمنى مال‬
‫أحسد‪ ،‬ألم تسسمع الذيسن قالوا‪" :‬يسا ليست لنسا مثسل مسا أوتسي قارون" [القصسص‪ ] :‬إلى أن قال‪" :‬وأصسبح‬
‫الذيسن تمنوا مكانسه بالمسس" [القصسص‪ ] :‬حيسن خسسف بسه وبداره وبأمواله "لول أن مسن ال علينسا‬
‫لخسف بنا" [القصص‪ ] :‬وقال الكلبي‪ :‬ل يتمن الرجل مال أخيه ول امرأته ول خادمه ول دابته؛‬
‫ولكسن ليقسل‪ :‬اللهسم ارزقنسي مثله‪ .‬وهسو كذلك فسي التوراة‪ ،‬وكذلك قوله فسي القرآن "واسسألوا ال مسن‬
‫فضله"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نهى ال سبحانه أن يتمنى الرجل مال فلن وأهله‪ ،‬وأمر عباده المؤمنين‬
‫أن يسسألوه مسن فضله‪ .‬ومسن الحجسة للجمهور قوله صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬إنمسا الدنيسا لربعسة نفسر‪:‬‬
‫رجسسل أتاه ال مال وعلمسسا فهسسو يتقسسي فيسسه ربسسه ويصسسل بسسه رحمسسه ويعلم ل فيسسه حقسسا فهذا بأفضسسل‬
‫المنازل‪ ،‬ورجل أتاه ال علما ولم يؤته مال فهو صادق النية يقول لو أن لي مال لعملت فيه بعمل‬
‫فلن فهسو بنيتسه فأجرهمسا سسواء) الحديسث‪ ...‬وقسد تقدم‪ .‬خرجسه الترمذي وصسححه‪ .‬وقال الحسسن‪ :‬ل‬
‫يتمن أحدكم المال وما يدريه لعل هلكه فيه؛ وهذا إنما يصح إذا تمناه للدنيا‪ ،‬وأما إذا تمناه للخير‬
‫فقد جوزه الشرع‪ ،‬فيتمناه العبد ليصل به إلى الرب‪ ،‬ويفعل ال ما يشاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا" يريسد مسن الثواب والعقاب "وللنسساء" كذلك؛ قال‬
‫قتادة‪ .‬فللمرأة الجزاء على الحسسسسنة بعشسسسر أمثالهسسسا كمسسسا للرجال‪ .‬وقال ابسسسن عباس‪ :‬المراد بذلك‬
‫الميراث‪ .‬والكتساب على هذا القول بمعنى الصابة‪ ،‬للذكر مثل حظ النثيين؛ فنهى ال عز وجل‬
‫عسن التمنسي على هذا الوجسه لمسا فيسه مسن دواعسي الحسسد؛ ولن ال تعالى أعلم بمصسالحهم منهسم؛‬
‫فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسألوا ال من فضله" روى الترمذي عن عبدال قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪( :‬سسلوا ال مسن فضله فإنسه يحسب أن يسسأل وأفضسل العبادة انتظار الفرج) وخرج أيضسا‬
‫ابسن ماجسة عسن أبسي هريرة قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسن لم يسسأل ال يغضسب‬
‫عليسسه)‪ .‬وهذا يدل على أن المسسر بالسسسؤال ل تعالى واجسسب؛ وقسسد أخسسذ بعسسض العلماء هذا المعنسسى‬
‫فنظمه فقال‪:‬‬
‫وبني آدم حين يسأل يغضب‬ ‫ال يغضب إن تركت سؤاله‬
‫وقال أحمد بن المعذل أبو الفضل الفقيه المالكي فأحسن‪:‬‬
‫ما دونه إن سيل من حاجب‬ ‫التمس الرزاق عند الذي‬
‫جودا ومن يرضى عن الطالب‬ ‫من يبغض التارك تسأله‬
‫بغير توقيع إلى كاتب‬ ‫ومن إذا قال جرى قوله‬
‫وقد أشبعنا القول في هذا المعنى في كتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة"‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫"واسألوا ال من فضله" العبادة‪ ،‬ليس من أمر الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬سلوه التوفيق للعمل بما يرضيه‪ .‬وعن‬
‫عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬سلوا ربكم حتى الشبع؛ فإنه إن لم ييسره ال عز وجل لم يتيسر‪.‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة‪ :‬لم يأمر بالسؤال إل ليعطي‪.‬‬
‫وقرأ الكسائي وابن كثير‪" :‬وسلوا ال من فضله" بغير همز في جميع القرآن‪ .‬الباقون بالهمز‪.‬‬
‫"واسألوا ال"‪ .‬وأصله بالهمز إل أنه حذفت الهمزة للتخفيف‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 33 :‬ولكسل جعلنسا موالي ممسا ترك الوالدان والقربون والذيسن عقدت أيمانكسم فآتوهسم‬
‫نصيبهم إن ال كان على كل شيء شهيدا}‬
‫@ بين تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي؛ فلينتفع كل واحد بما قسم ال له من الميراث‪ ،‬ول يتمن‬
‫مال غيسر‪ .‬وروى البخاري فسي كتاب الفرائض مسن روايسة سسعيد بسن جسبير عسن ابسن عباس‪" :‬ولكسل‬
‫جعلنسسا موالي ممسسا ترك الوالدان والقربون والذيسسن عاقدت أيمانكسسم" قال‪ :‬كان المهاجرون حيسسن‬
‫قدموا المدينة يرث النصاري المهاجري دون ذوي رحمه؛ للخوة التي آخى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بينهم‪ ،‬فلما نزلت "ولكل جعلنا موالي" قال‪ :‬نسختها "والذين عاقدت أيمانكم"‪ .‬قال أبو‬
‫الحسسسن بسسن بطال‪ :‬وقسسع فسسي جميسسع النسسسخ "ولكسسل جعلنسسا موالي" قال‪ :‬نسسسختها "والذيسسن عاقدت‬
‫أيمانكم"‪ .‬والصواب أن الية الناسخة "ولكل جعلنا موالي" والمنسوخة "والذين عاقدت أيمانكم"‪،‬‬
‫وكذا رواه الطسسبري فسسي روايتسسه‪ .‬وروي‪ ،‬عسسن جمهور السسسلف أن اليسسة الناسسسخة لقوله‪" :‬والذيسسن‬
‫عاقدت أيمانكسسسم" قوله تعالى فسسسي "النفال "‪" :‬وأولوا الرحام بعضهسسسم أولى ببعسسسض" [النفال‪:‬‬
‫‪ .]75‬روي هذا عسن ابسن عباس وقتادة والحسسن البصسري؛ وهسو الذي أثبتسه أبسو عبيسد فسي كتاب‬
‫"الناسسخ والمنسسوخ" له‪ .‬وفيهسا قول آخسر رواه الزهري عسن سسعيد بسن المسسيب قال‪ :‬أمسر ال عسز‬
‫وجسل الذيسن تبنوا غيسر أبنائهسم فسي الجاهليسة وورثوا فسي السسلم أن يجعلوا لهسم نصسيبا فسي الوصسية‬
‫ورد الميراث إلى ذوي الرحسسم والعصسسبة‪ .‬وقالت طائفسسة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬والذيسسن عاقدت أيمانكسسم"‬
‫محكم وليس بمنسوخ؛ وإنما أمر ال المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصباءهم من النصرة والنصيحة‬
‫ومسسا أشبسسه ذلك؛ ذكره الطسسبري عسسن ابسسن عباس‪" .‬والذيسسن عاقدت أيمانكسسم فآتوهسسم نصسسيبهم" مسسن‬
‫النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث؛ وهو قول مجاهد والسدي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واختاره النحاس؛ ورواه عن سعيد بن جبير‪ ،‬ول يصح النسخ؛ فإن الجمع ممكن كما بينه‬
‫ابسسن عباس فيمسسا ذكره الطسسبري‪ ،‬ورواه البخاري عنسسه فسسي كتاب التفسسسير‪ .‬وسسسيأتي ميراث "ذوي‬
‫الرحام" في "النفال" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ قوله‪" :‬كل" في كلم العرب معناها الحاطة والعموم‪ .‬فإذا جاءت مفردة فل بد أن يكون في‬
‫الكلم حذف عنسد جميسع النحوييسن؛ حتسى أن بعضهسم أجاز مررت بكسل‪ ،‬مثسل قبسل وبعسد‪ .‬وتقديسر‬
‫الحذف‪ :‬ولكسل أحسد جعلنسا موالي‪ ،‬يعنسي ورثسة‪" .‬والذيسن عاقدت أيمانكسم" يعنسي بالحلف؛ عسن قتادة‪.‬‬
‫وذلك أن الرجسسل كان يعاقسسد الرجسسل فيقول‪ :‬دمسسي دمسسك‪ ،‬وهدمسسي هدمسسك‪ ،‬وثأري ثأرك‪ ،‬وحربسسي‬
‫حربك‪ ،‬وسلمي سلمك‪ ،‬وترثني وأرثك‪ ،‬وتطلب بي وأطلب بك‪ ،‬وتعقل عني وأعقل عنك؛ فيكون‬
‫للحليف السدس من ميراث الحليف ثم نسخ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬موالي" أعلم أن المولى لفسظ مشترك يطلق على وجوه؛ فيسسمى المعتسق مولى‬
‫والمعتسق مولى‪ .‬ويقال‪ :‬المولى السسفل والعلى أيضسا‪ .‬ويسسمى الناصسر المولى؛ ومنسه قوله تعالى‪:‬‬
‫"وأن الكافريسن ل مولى لهسم" [محمسد‪ .]11 :‬ويسسمى ابسن العسم مولى والجار مولى‪ .‬فأمسا قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولكسل جعلنسا موالي" يريسد عصسبة؛ لقوله عليسه السسلم‪( :‬مسا أبقست السسهام فلولى عصسبة‬
‫ذكسسر)‪ .‬ومسسن العصسسبات المولى العلى ل السسسفل‪ ،‬على قول أكثسسر العلماء؛ لن المفهوم فسسي حسسق‬
‫المعتسق أنسه المنعسم على المعتسق‪ ،‬كالموجسد له؛ فاسستحق ميراثسه لهذا المعنسى‪ .‬وحكسى الطحاوي عسن‬
‫الحسسن بسن زياد أن المولى السسفل يرث مسن العلى؛ واحتسج فيسه بمسا روي أن رجل أعتسق عبدا له‬
‫لهذا الحديث ولم يترك إل المعتق فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ميراثه للغلم المعتق‪ .‬قال‬
‫الطحاوي‪ :‬ول معارض لهذا الحديسسث‪ ،‬فوجسسب القول بسسه؛ ولنسسه إذا أمكسسن إثبات الميراث للمعتسسق‬
‫على تقديسر أنسه كان كالموجسد له‪ ،‬فهسو شسبيه بالب؛ والمولى السسفل شسبيه بالبسن؛ وذلك يقتضسي‬
‫التسسوية بينهمسا فسي الميراث‪ ،‬والصسل أن التصسال يعسم‪ .‬وفسي الخسبر (مولى القوم منهسم)‪ .‬والذيسن‬
‫خالفوا هذا وهسسم الجمهور قالوا‪ :‬الميراث‪ .‬يسسستدعي القرابسسة ول قرابسسة‪ ،‬غيسسر أنسسا أثبتنسسا للمعتسسق‬
‫الميراث بحكسم النعام على المعتسق؛ فيقتضسي مقابلة النعام بالمجازاة‪ ،‬وذلك ل ينعكسس فسي المولى‬
‫السفل‪ .‬وأما البن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه‪ ،‬وليس المعتق صالحا لن‬
‫يقوم مقام معتقه‪ ،‬وإنما المعتق قد أنعم عليه فقابله الشرع بأن جعله أحق بموله المعتق‪ ،‬ول يوجد‬
‫هذا في المولى السفل؛ فظهر الفرق بينهما وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيسن عقدت أيمانكسم" روى علي بسن كبشسة عسن حمزة "عقّدت" بتشديسد القاف‬
‫على التكثيسر‪ .‬والمشهور عن حمزة "عقدت أيمانكم" مخففة القاف‪ ،‬وهي قراءة عاصم والكسائي‪،‬‬
‫وهسسي قراءة بعيدة؛ لن المعاقدة ل تكون إل مسسن اثنيسسن فصسساعدا‪ ،‬فبابهسسا فاعسسل‪ .‬قال أبسسو جعفسسر‬
‫النحاس‪ :‬وقراءة حمزة تجوز على غموض فسي العربية‪ ،‬يكون التقديسر فيها والذيسن عقدتهسم أيمانكسم‬
‫الحلف‪ ،‬وتعدى إلى مفعولين؛ وتقديره‪ :‬عقدت لهم أيمانكم الحلف‪ ،‬ثم حذفت اللم مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫"وإذا كالوهم" [المطففين‪ ]3 :‬أي كالوا لهم‪ .‬وحذف المفعول الثاني‪ ،‬كما يقال‪ :‬كلتك أي كلت لك‬
‫برا‪ .‬وحذف المفعول الول لنه متصل في الصلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآتوهسم نصسيبهم إن ال كان على كسل شيسء شهيدا" أي قسد شهسد معاقدتكسم إياهسم‪،‬‬
‫وهو عز وجل يحب الوفاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 34 :‬الرجال قوامون على النسساء بمسا فضسل ال بعضهسم على بعسض وبمسا أنفقوا مسن‬
‫أموالهسسم فالصسسالحات قانتات حافظات للغيسسب بمسسا حفسسظ ال واللتسسي تخافون نشوزهسسن فعظوهسسن‬
‫واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل إن ال كان عليا كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الرجال قوامون على النسساء" ابتداء وخسبر‪ ،‬أي يقومون بالنفقسة عليهسن والذب‬
‫عنهسسن؛ وأيضسسا فإن فيهسسم الحكام والمراء ومسسن يغزو‪ ،‬وليسسس ذلك فسسي النسسساء‪ .‬يقال‪ :‬قوام وقيسسم‪.‬‬
‫واليسة نزلت فسي سسعد بسن الربيسع نشزت عليسه امرأتسه حبيبسة بنست زيسد بسن خارجسة بسن أبسي زهيسر‬
‫فلطمهسا؛ فقال أبوهسا‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬أفرشتسه كريمتسي فلطمهسا ! فقال عليسه السسلم‪( :‬لتقتسص مسن‬
‫زوجها)‪ .‬فانصرفت مع أبيها لتقتص منه‪ ،‬فقال عليه السلم‪( :‬ارجعوا هذا جبريل أتاني) فأنزل ال‬
‫هذه اليسة؛ فقال عليسه السسلم‪( :‬أردنسا أمرا وأراد ال غيره)‪ .‬وفسي روايسة أخرى‪( :‬أردت شيئا ومسا‬
‫أراد ال خيسر)‪ .‬ونقسض الحكسم الول‪ .‬وقسد قيسل‪ :‬إن فسي هذا الحكسم المردود نزل "ول تعجسل بالقرآن‬
‫مسن قبسل أن يقضسى إليسك وحيسه" [طسه‪ .]114 :‬ذكسر إسسماعيل بسن إسسحاق قال‪ :‬حدثنسا حجاج بسن‬
‫المنهال وعارم بن الفضل ‪ -‬واللفظ‪ .‬لحجاج ‪ -‬قال حدثنا جرير بن حازم قال‪ :‬سمعت الحسن يقول‪:‬‬
‫إن امرأة أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬إن زوجي لطم وجهي‪ .‬فقال‪( :‬بينكما القصاص)‪،‬‬
‫فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه"‪ .‬وأمسك النبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم حتسى نزل‪" :‬الرجال قوامون على النسساء"‪ .‬وقال أبسو روق‪ :‬نزلت فسي جميلة بنست أبسي وفسي‬
‫زوجها ثابت بن قيس بن شماس‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها‬
‫سسعد بسن الربيسع‪ .‬وقيسل‪ :‬سسببها قول أم سسلمة المتقدم‪ .‬ووجسه النظسم أنهسن تكلمسن فسي تفضيسل الرجال‬
‫على النساء في الرث‪ ،‬فنزلت "ول تتمنوا" الية‪ .‬ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الرث لما‬
‫على الرجال من المهسر والنفاق؛ ثسم فائدة تفضيلهسم عائدة إليهن‪ .‬ويقال‪ :‬إن الرجال لهسم فضيلة فسي‬
‫زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك‪ .‬وقيل‪ :‬للرجال زيادة قوة في النفس والطبع‬
‫مسسا ليسسس للنسسساء؛ لن طبسسع الرجال غلب عليسسه الحرارة واليبوسسسة‪ ،‬فيكون فيسسه قوة وشدة‪ ،‬وطبسسع‬
‫النسساء غلب عليسه الرطوبسة والبرودة‪ ،‬فيكون فيسه معنسسى الليسن والضعسف؛ فجعسل لهسم حسق القيام‬
‫عليهن بذلك‪ ،‬وبقوله تعالى‪" :‬وبما أنفقوا من أموالهم"‪.‬‬
‫@ ودلت هذه الية على تأديسب الرجال نسساءهم‪ ،‬فإذا حفظسن حقوق الرجال فل ينبغسي أن يسسيء‬
‫الرجسل عشرتهسا‪ .‬و"قوام" فعال للمبالغسة؛ مسن القيام على الشيسء والسستبداد بالنظسر فيسه وحفظسه‬
‫بالجتهاد‪ .‬فقيام الرجال على النسساء هسو على هذا الحسد؛ وهسو أن يقوم بتدبيرهسا وتأديبهسا وإمسساكها‬
‫فسسي بيتهسسا ومنعهسسا مسسن البروز‪ ،‬وأن عليهسسا طاعتسسه وقبول أمره مسسا لم تكسسن معصسسية؛ وتعليسسل ذلك‬
‫بالفضيلة والنفقسة والعقسل والقوة فسي أمسر الجهاد والميراث والمسر بالمعروف والنهسي عسن المنكسر‪.‬‬
‫وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية ‪ -‬وليس بشيء؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما‬
‫ذكرنا‪ .‬وقد مضى الرد على هذا في "البقرة"‪.‬‬
‫@فهسم العلماء مسن قوله تعالى‪" :‬وبمسا أنفقوا مسن أموالهسم" أنسه متسى عجسز عسن نفقتهسا لم يكسن قوامسا‬
‫عليها‪ ،‬وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لجله النكاح‪ .‬وفيه‬
‫دللة واضحسة مسن هذا الوجسه على ثبوت فسسخ النكاح عنسد العسسار بالنفقسة والكسسوة؛ وهسو مذهسب‬
‫مالك والشافعسي‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬ل يفسسخ؛ لقوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسسرة فنظرة إلى ميسسرة"‬
‫[البقرة‪ ]280 :‬وقد تقدم القول في هذا في هذه السورة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فالصسالحات قانتات حافظات للغيسب" هذا كله خسبر‪ ،‬ومقصسوده المسر بطاعسة‬
‫الزوج والقيام بحقه فسي ماله وفسي نفسها فسي حال غيبسة الزوج‪ .‬وفسي مسسند أبي داود الطيالسسي عن‬
‫أبسي هريرة قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬خيسر النسساء التسي إذا نظرت إليهسا سسرتك‬
‫وإذا أمرتهسسا أطاعتسسك وإذا غبسست عنهسسا حفظتسسك فسسي نفسسسها ومالك) قال‪ :‬وتل هذه اليسسة "الرجال‬
‫قوامون على النساء" إلى آخر الية‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم لعمر‪( :‬أل أخبرك بخير ما يكنزه‬
‫المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته "أخرجه أبو‬
‫داود‪ .‬وفسي مصسحف ابن مسسعود "فالصوالح قوانت حوافسظ"‪ .‬وهذا بناء يختص بالمؤنسث‪ .‬قال ابن‬
‫جنسي‪ :‬والتكسسير أشبسه لفظسا بالمعنسى؛ إذ هسو يعطسي الكثرة وهسي المقصسود ههنسا‪ .‬و"مسا" فسي قوله‪:‬‬
‫"بمسا حفسظ ال" مصسدرية‪ ،‬أي بحفسظ ال لهسن‪ .‬ويصسح أن تكون بمعنسى الزي‪ ،‬ويكون العائد فسي‬
‫"حفسظ" ضميسر نصسب‪ .‬وفسي قراءة أبسي جعفسر "بمسا حفسظ ال" بالنصسب‪ .‬قال النحاس‪ :‬الرفسع أبيسن؛‬
‫أي حافظات لمغيسب أزواجهسن بحفسظ ال ومعونتسه وتسسديده‪ .‬وقيسل‪ :‬بمسا حفظهسن ال فسي مهورهسن‬
‫وعشرتهن‪ .‬وقيل‪ :‬بما استحفظهن ال إياه من أداء المانات إلى أزواجهن‪ .‬ومعنى قراءة النصب‪:‬‬
‫بحفظهن ال؛ أي بحفظهن أمره أو دينه‪ .‬وقيل في التقدير‪ :‬بما حفظن ال‪ ،‬ثم وحد الفعل؛ كما قيل‪:‬‬
‫فإن الحوادث أودى بها‬
‫وقيل‪ :‬المعنى بحفظ ال؛ مثل حفظت ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واللتسي تخافون نشوزهسن" اللتسي جمسع التسي وقسد تقدم‪ .‬قال ابسن عباس‪ :‬تخافون‬
‫بمعنى تعلمون وتتيقنون‪ .‬وقيل هو على بابه‪ .‬والنشوز العصيان؛ مأخوذ من النشز‪ ،‬وهو ما ارتفع‬
‫مسن الرض‪ .‬يقال‪ :‬نشسز الرجسل ينشسز وينشسز إذا كان قاعدا فنهسض قائمسا؛ ومنسه قوله عسز وجسل‪:‬‬
‫"وإذا قيل انشزوا فانشزوا" [المجادلة‪ ]11 :‬أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور ال‬
‫تعالى‪ .‬فالمعنسى‪ :‬أي تخافون عصسيانهن وتعاليهسن عمسا أوجسب ال عليهسن مسن طاعسة الزواج‪ .‬وقال‬
‫أبسو منصسور اللغوي‪ :‬النشوز كراهيسة كسل واحسد مسن الزوجيسن صساحبه؛ يقال‪ :‬نشزت تنشسز فهسي‬
‫ناشسسسز بغيسسسر هاء‪ .‬ونشصسست تنشسسص‪ ،‬وهسسي السسسيئة للعشرة‪ .‬وقال ابسسن فارس‪ :‬ونشزت المرأة‬
‫اسسستصعبت على بعلهسسا‪ ،‬ونشسسز بعلهسسا عليهسسا إذا ضربهسسا وجفاهسسا‪ .‬قال ابسسن دريسسد‪ :‬نشزت المرأة‬
‫ونشست ونشصت بمعنى واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعظوهسن" أي بكتاب ال؛ أي ذكروهسن مسا أوجسب ال عليهسن مسن حسسن الصسحبة‬
‫وجميل العشرة للزوج‪ ،‬والعتراف بالدرجة التي له عليها‪ ،‬ويقول‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬لو أمرت أحدا أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها)‪ .‬وقال‪( :‬ل تمنعه نفسها وإن‬
‫كانت على ظهر قتب)‪ .‬وقال‪( :‬أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى تصبح)‬
‫في رواية (حتى تراجع وتضع يدها في يده)‪ .‬وما كان مثل هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واهجروهن في المضاجع" وقرأ ابن مسعود والنخعي وغيرهما "في المضجع"‬
‫على الفراد؛ كأنسه اسسم جنسس يؤدي عسن الجمسع‪ .‬والهجسر فسي المضاجسع هسو أن يضاجعهسا ويوليهسا‬
‫ظهره ول يجامعهسسا؛ عسسن ابسسن عباس وغيره‪ .‬وقال مجاهسسد‪ :‬جنبوا مضاجعهسسن؛ فيتقدر على هذا‬
‫الكلم حذف‪ ،‬ويعضده "اهجروهسن" مسن الهجران‪ ،‬وهسو البعسد؛ يقال‪ :‬هجره أي تباعسد ونأى عنسه‪.‬‬
‫ول يمكسسن بعدهسسا إل بترك مضاجعتهسسا‪ .‬وقال معناه إبراهيسسم النخعسسي والشعسسبي وقتادة والحسسسن‬
‫البصسري‪ ،‬ورواه ابسن وهسب وابسن القاسسم عسن مالك‪ ،‬واختاره ابسن العربسي وقال‪ :‬حملوا المسر على‬
‫الكثر الموفي‪ .‬ويكون هذا القول كما تقول‪ :‬اهجره في ال‪ .‬وهذا أصل مالك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قول حسسسن؛ فإن الزوج إذا أعرض عسسن فراشهسسا فإن كانسست محبسسة للزوج فذلك يشسسق‬
‫عليها فترجع للصلح‪ ،‬وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها؛ فيتبين أن النشوز من قبلها‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"اهجروهن" من الهجر وهو القبيح من الكلم‪ ،‬أي غلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع‬
‫وغيره؛ قال معناه سفيان‪ ،‬وروي عن ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬أي شدوهن وثاقا في بيوتهن؛ من قولهم‪:‬‬
‫هجسر البعيسر أي ربطسه بالهجار‪ ،‬وهسو حبسل يشسد بسه البعيسر‪ ،‬وهسو اختيار الطسبري وقدح فسي سسائر‬
‫القوال‪ .‬وفي كلمه في هذا الموضع نظر‪ .‬وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه‬
‫فقال‪ :‬يسا لهسا مسن هفوة من عالم بالقرآن والسسنة ! والذي حمله على هذا التأويسل حديسث غريسب رواه‬
‫ابسن وهسب عسن مالك أن أسسماء بنست أبسي بكسر الصسديق امرأة الزبيسر بسن العوام كانست تخرج حتسى‬
‫عوتسب فسي ذلك‪ .‬قال‪ :‬وعتسب عليهسا وعلى ضرتهسا‪ ،‬فعقسد شعسر واحدة بالخرى ثسم ضربهمسا ضربسا‬
‫شديدا‪ ،‬وكانت الضرة أحسن اتقاء‪ ،‬وكانت أسماء ل تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكت إلى أبيها‬
‫أبي بكر رضي ال عنه فقال لها‪ :‬أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح‪ ،‬ولعله أن يكون زوجك‬
‫في الجنة؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة‪ .‬فرأى الربط والعقد مع احتمال‬
‫اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير‪ .‬وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر؛ كما فعل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة‪ ،‬وتظاهرتا عليه‪ .‬ول يبلغ به الربعة‬
‫الشهر التي ضرب ال أجل عذرا للمولي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واضربوهن" أمسر ال أن يبدأ النسساء بالموعظة أول ثسم بالهجران‪ ،‬فإن لم ينجعسا‬
‫فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه‪ .‬والضرب في هذه الية هو ضرب‬
‫الدب غيسر المسبرح‪ ،‬وهسو الذي ل يكسسر عظمسا ول يشيسن جارحسة كاللكزة ونحوهسا؛ فإن المقصسود‬
‫منسسسه الصسسسلح ل غيسسسر‪ .‬فل جرم إذا أدى إلى الهلك وجسسسب الضمان‪ ،‬وكذلك القول فسسسي ضرب‬
‫المؤدب غلمسه لتعليسم القرآن والدب‪ .‬وفسي صسحيح مسسلم‪( :‬اتقوا ال فسي النسساء فإنكسم أخذتموهسن‬
‫بأمانسة ال واسستحللتم فروجهسن بكلمسة ال ولكسم عليهسن أل يوطئن فرشكسم أحدا تكرهونسه فإن فعلن‬
‫فاضربوهن ضربا غير مبرح) الحديث‪ .‬أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج‪ ،‬أي ل يدخلن‬
‫منازلكسم أحدا ممسن تكرهونسه مسن القارب والنسساء الجانسب‪ .‬وعلى هذا يحمسل مسا رواه الترمذي‬
‫وصححه عن عمرو بن الحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحمد‬
‫ال وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال‪( :‬أل واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون‬
‫منهسن شيئا غيسر ذلك إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة فإن فعلن فاهجروهسن فسي المضاجسع واضربوهسن‬
‫ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل أل إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم‬
‫حقسا فأمسا حقكسم على نسسائكم فل يوطئن فرشكسم مسن تكرهون ول يأذن فسي بيوتكسم مسن تكرهون أل‬
‫وحقهسن عليكسم أن تحسسنوا إليهسن فسي كسسوتهن وطعامهسن)‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديسث حسسن صسحيح‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"بفاحشسة مبينسة" [النسساء‪ ]19 :‬يريسد ل يدخلن مسن يكرهسه أزواجهسن ول يغضبنهسم‪ .‬وليسس المراد‬
‫بذلك الزنى؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد‪ .‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪( :‬أضربوا النساء إذا‬
‫عصينكم في معروف ضربا غير مبرح)‪ .‬قال عطاء‪ :‬قلت لبن عباس ما الضرب غير المبرح ؟‬
‫قال بالسسواك ونحوه‪ .‬وروي أن عمسر رضسي ال عنسه ضرب امرأتسه فعذل فسي ذلك فقال‪ :‬سسمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل يسأل الرجل فيم ضرب أهله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أطعنكسم" أي تركوا النشوز‪" .‬فل تبغوا عليهسن سسبيل" أي ل تجنوا عليهسن‬
‫بقول أو فعل‪ .‬وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫ل تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال كان عليا كبيرا" إشارة إلى الزواج بخفض الجناح ولين الجانب؛ أي إن‬
‫كنتسم تقدرون عليهسن فتذكروا قدرة ال؛ فيده بالقدرة فوق كسل يسد‪ .‬فل يسستعلي أحسد على امرأتسه فال‬
‫بالمرصاد فلذلك حسن التصاف‪ ،‬هنا بالعلو والكبر‪.‬‬
‫@ وإذا ثبت هذا فاعلم‪ .‬أن ال عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إل هنا وفي‬
‫الحدود العظام؛ فسساوى معصسيتهن بأزواجهسن بمعصسية الكبائر‪ ،‬وولى الزواج ذلك دون الئمسة‪،‬‬
‫وجعله لهسسم دون القضاة بغيسسر شهود ول بينات ائتمانسسا مسسن ال تعالى للزواج على النسسساء‪ .‬قال‬
‫المهلب‪ :‬إنمسا جوز ضرب النسساء مسن أجسل امتناعهسن على أزواجهسن فسي المباضعسة‪ .‬واختلف فسي‬
‫وجوب ضربهسا فسي الخدمسة‪ ،‬والقياس يوجسب أنسه إذا جاز ضربهسا فسي المباضعسة جاز ضربهسا فسي‬
‫الخدمسسة الواجبسسة للزوج عليهسسا بالمعروف‪ .‬وقال ابسسن خويسسز منداد‪ .‬والنشوز يسسسقط النفقسسة وجميسسع‬
‫الحقوق الزوجيسة‪ ،‬ويجوز معسه أن يضربهسا الزوج ضرب الدب غيسر المسبرح‪ ،‬والوعسظ والهجسر‬
‫حتسى ترجسع عسن نشوزهسا‪ ،‬فإذا رجعست عادت حقوقهسا؛ وكذلك كسل مسا اقتضسى الدب فجائز للزوج‬
‫تأديبهسا‪ .‬ويختلف الحال فسي أدب الرفيعسة والدنيئة؛ فأدب الرفيعسة العذل‪ ،‬وأدب الدنيئة السسوط‪ .‬وقسد‬
‫قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬رحسم ال امرأ علق سسوطه وأدب أهله)‪ .‬وقال‪( :‬إن أبسا جهسم ل‬
‫يضع عصاه عن عاتقه)‪ .‬وقال بشار‪:‬‬
‫الحر يلحى والعصا للعبد‬
‫يلحى أي يلم؛ وقال ابن دريد‪:‬‬
‫والعبد ل يردعه إل العصا‬ ‫واللوم للحر مقيم رادع‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين‬
‫إل الناشز منهن الممتنعة‪ .‬وقال أبو عمر‪ :‬من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إل‬
‫أن تكون حامل‪ .‬وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها‪ .‬وإذا عادت الناشز إلى‬
‫زوجهسا وجسب فسي المسستقبل نفقتهسا‪ .‬ول تسسقط نفقسة المرأة عسن زوجهسا لشيسء غيسر النشوز؛ ل مسن‬
‫مرض ول حيض ول نفاس ول صوم ول حج ول مغيب زوجها ول حبسه عنها في حق أو جور‬
‫غير ما ذكرنا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلحا‬
‫يوفق ال بينهما إن ال كان عليما خبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن خفتسم شقاق بينهمسا" قسد تقدم معنسى الشقاق فسي "البقرة"‪ .‬فكأن كسل واحسد مسن‬
‫الزوجين يأخذ شقا غير شق صاحبه‪ ،‬أي ناحية غير ناحية صاحبه‪ .‬والمراد إن خفتم شقاقا بينهما؛‬
‫فأضيسسف المصسسدر إلى الظرف كقولك‪ :‬يعجبنسسي سسسير الليلة المقمرة‪ ،‬وصسسوم يوم عرفسسة‪ .‬وفسسي‬
‫التنزيل‪" :‬بل مكر الليل والنهار" [سبأ‪ .]33 :‬وقيل‪ :‬إن "بين" أجري مجرى السماء وأزيل عنه‬
‫الظرفيسة؛ إذ هسو بمعنسى حالهمسا وعشرتهمسا‪ ،‬أي وإن خفتسم تباعسد عشرتهمسا وصسحبهما "فابعثوا"‪.‬‬
‫و"ختسم" على الخلف المتقدم‪ .‬قال سسعيد بسن جسبير‪ :‬الحكسم أن يعظهسا أول‪ ،‬فإن قبلت وإل هجرهسا‪،‬‬
‫فإن هسي قبلت وإل ضربهسسا‪ ،‬فإن هسسي قبلت وإل بعسسث الحاكسسم حكمسسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسسا‪،‬‬
‫فينظران ممن الضرر‪ ،‬وعنسد ذلك يكون الخلع‪ .‬وقد قيل‪ :‬له أن يضرب قبل الوعظ‪ .‬والول أصح‬
‫لترتيب ذلك في الية‪.‬‬
‫@ والجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله‪" :‬وإن خفتم" الحكام والمراء‪ .‬وأن قول‪" :‬إن‬
‫يريدا إصلحا يوفق ال بينهما" يعني الحكمين؛ في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما‪ .‬أي إن يرد‬
‫الحكمان إصسلحا يوفسق ال بيسن الزوجيسن‪ .‬وقيسل‪ :‬المراد الزوجان؛ أي إن يرد الزوجان إصسلحا‬
‫وصسدقا فيمسا أخسبرا بسه الحكميسن "يوفسق ال بينهمسا"‪ .‬وقيسل‪ :‬الخطاب للولياء‪ .‬يقول‪" :‬إن خفتسم" أي‬
‫علمتسم خلفسا بيسن الزوجيسن "فابعثوا حكمسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسا" والحكمان ل يكونان إل مسن‬
‫أهسسل الرجسسل والمرأة؛ إذ همسسا أقعسسد بأحوال الزوجيسسن‪ ،‬ويكونان مسسن أهسسل العدالة وحسسسن النظسسر‬
‫والبصر بالفقه‪ .‬فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين؛ وذلك‬
‫إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الساءة منهما‪ .‬فأما إن عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه‬
‫ويجسبر على إزالة الضرر‪ .‬ويقال‪ :‬أن الحكسم مسن أهسل الزوج يخلو بسه ويقول له‪ :‬أخسبرني بمسا فسي‬
‫نفسك أتهواها أم ل حتى أعلم مرادك ؟ فإن قال‪ :‬ل حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرق‬
‫بينسي وبينهسا‪ ،‬فيعرف أن مسن قبله النشوز‪ .‬وإن قال‪ :‬إنسي أهواهسا فأرضهسا مسن مالي بمسا شئت ول‬
‫تفرق بينسسي وبينهسسا‪ ،‬فيعلم أنسسه ليسسس بناشسسز‪ .‬ويخلو الحكسسم مسسن جهتهسسا بالمرأة ويقول لهسسا‪ :‬أتهويسسن‬
‫زوجك أم ل؛ فإن قالت‪ :‬فرق بيني وبينه وأعطه من مالي ما أراد؛ فيعلم أن النشوز من قبلها‪ .‬وإن‬
‫قالت‪ :‬ل تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسن إلي‪ ،‬علم أن النشوز ليس من قبلها‪.‬‬
‫فإذا ظهسر لهمسا الذي كان النشوز مسن قبله يقبلن عليسه بالعظسة والزجسر والنهسى؛ فذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫"فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها"‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬قسمت هذه الية النسساء تقسيما عقليا؛ لنهن إما طائعة وإما ناشز؛ والنشوز إما‬
‫أن يرجسسع إلى الطواعيسسة أو ل‪ .‬فإن كان الول تركسسا؛ لمسسا رواه النسسسائي أن عقيسسل بسسن أبسسي طالب‬
‫تزوج فاطمسة بنست عتبسة بسن ربيعسة فكان إذا دخسل عليهسا تقول‪ :‬يسا بنسي هاشسم‪ ،‬وال ل يحبكسم قلبسي‬
‫أبدا ! أين الذين أعناقهم كأباريق الفضة ! ترد أنوفهم قبل شفاههم‪ ،‬أين عتبة بن ربيعة‪ ،‬أين شيبة‬
‫بسن ربيعسة؛ فيسسكت عنهسا‪ ،‬حتسى دخسل عليهسا يومسا وهسو برم فقالت له‪ :‬أيسن عتبسة بسن ربيعسة ؟ فقال‪:‬‬
‫على يسارك في النار إذا دخلت؛ فنشرت عليها ثيابها‪ ،‬فجاءت عثمان فذكرت له ذلك؛ فأرسل ابن‬
‫عباس ومعاوية‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬لفرقن بينهما؛ وقال معاوية‪ :‬ما كنت لفرق بين شيخين من بني‬
‫عبد مناف‪ .‬فأتياهما فوجداهما قد سدا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما‪ .‬فإن وجداهما قد اختلفا ولم‬
‫يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في اللفة جهدهما‪ ،‬وذكرا بال وبالصحبة‪ .‬فإن أنابا ورجعا تركاهما‪،‬‬
‫وإن كانسا غيسر ذلك ورأيسا الفرقسة فرقسا بينهمسا‪ .‬وتفريقهمسا جائز على الزوجيسن؛ وسسواء وافسق حكسم‬
‫قاضسي البلد أو خالفسه‪ ،‬وكلهمسا الزوجان بذلك أو لم يوكلهمسا‪ .‬والفراق فسي ذلك طلق بائن‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬ليسسس لهمسسا الطلق مسسا لم يوكلهمسسا الزوج فسسي ذلك‪ ،‬وليعرفسسا المام؛ وهذا بناء على أنهمسسا‬
‫رسولن شاهدان‪ .‬ثم المام يفرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق‪ .‬وهذا أحد قولي الشافعي؛ وبه قال‬
‫الكوفيون‪ ،‬وهسو قول عطاء وابسن زيسد والحسسن‪ ،‬وبسه قال أبسو ثور‪ .‬والصسحيح الول‪ ،‬لن للحكميسن‬
‫التطليسق دون توكيسل؛ وهسو قول مالك والوزاعسي وإسسحاق وروي عسن عثمان وعلي وابسن عباس‪،‬‬
‫وعن الشعبي والنخعي‪ ،‬وهو قول الشافعي؛ لن ال تعالى قال‪" :‬فابعثوا حكما من أهله وحكما من‬
‫أهلها" وهذا نص من ال سبحانه بأنهما قاضيان ل وكيلن ول شاهدان‪ .‬وللوكيل اسم في الشريعة‬
‫ومعنسى‪ ،‬وللحكسم اسسم فسي الشريعسة ومعنسى؛ فإذا بيسن ال كسل واحسد منهمسا فل ينبغسي لشاذ ‪ -‬فكيسف‬
‫لعالم ‪ -‬أن يركسب معنسى أحدهمسا على الخسر !‪ .‬وقسد روى الدارقطنسي مسن حديسث محمسد بسن سسيرين‬
‫عن عبيدة في هذه الية "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" قال‪ :‬جاء‬
‫رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما من‬
‫أهلهسا‪ ،‬وقال للحكميسن‪ :‬هسل تدريان مسا عليكمسا ؟ عليكمسا إن رأيتمسا أن تفرقسا فرقتمسا‪ .‬فقالت‪ ،‬المرأة‪:‬‬
‫رضيت بكتاب ال بما علي فيه ولي‪ .‬وقال الزوج‪ :‬أما الفرقة فل‪ .‬فقال علي‪ :‬كذبت‪ ،‬وال ل تبرح‬
‫حتسى تقسر بمثسل الذي أقرت بسه‪ .‬وهذا إسسناد صسحيح ثابست روي عسن علي مسن وجوه ثابتسة عسن ابسن‬
‫سيرين عن عبيدة؛ قال أبو عمر‪ .‬فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما‪ :‬أتدريان ما عليكما ؟ إنما‬
‫كان يقول‪ :‬أتدريان بمسا وكلتمسا ؟ وهذا بيسن‪ .‬احتسج أبسو حنيفسة بقول علي رضسي ال عنسه للزوج‪ :‬ل‬
‫تسبرح حتسى ترضسى بمسا رضيست بسه‪ .‬فدل على أن مذهبسه أنهمسا ل يفرقان إل برضسا الزوج‪ ،‬وبأن‬
‫الصل المجتمع عليه أن الطلق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه‪ .‬وجعله مالك ومن تابعه من‬
‫باب طلق السلطان على المولى والعنين‪.‬‬
‫@ فإن اختلف الحكمان لم ينفسذ قولهمسا ولم يلزم مسن ذلك شيسء إل مسا اجتمعسا عليسه‪ .‬وكذلك كسل‬
‫حكميسن حكمسا فسي أمر؛ فإن حكم أحدهما بالفرقسة ولم يحكسم بهسا الخسر‪ ،‬أو حكم أحدهما بمال وأبى‬
‫الخسر فليسسا بشيسء حتسى يتفقسا‪ .‬وقال مالك فسي الحكميسن يطلقان ثلثسا قال‪ :‬تلزم واحدة وليسس لهمسا‬
‫الفراق بأكثسر مسن واحدة بائنسة؛ وهسو قول ابسن القاسسم‪ .‬وقال ابسن القاسسم أيضسا‪ :‬تلزمسه الثلث إن‬
‫اجتمعسا عليهسا؛ وقال المغيرة وأشهسب وابسن الماجشون وأصسبغ‪ .‬وقال ابسن المواز‪ :‬إن حكسم أحدهمسا‬
‫بواحدة والخر بثلث فهي واحدة‪ .‬وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشيء‪.‬‬
‫@ ويجزئ إرسال الواحد؛ لن ال سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود‪ ،‬ثم قد أرسل‪ .‬النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيسا وحده وقال له‪( :‬إن اعترفت فأرجمها) وكذلك قال عبدالملك‬
‫في المدونة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا جاز إرسسسال الواحسسد فلو حكسسم الزوجان واحدا لجزأ‪ ،‬وهسسو بالجواز أولى إذا رضيسسا‬
‫بذلك‪ ،‬وإنمسا خاطسب ال بالرسسال الحكام دون الزوجيسن‪ .‬فإن أرسسل الزوجان حكميسن وحكمسا نفسذ‬
‫حكمهمسا؛ لن التحكيسم عندنسا جائز‪ ،‬وينفسذ فعسل الحكسم فسي كسل مسسألة‪ .‬هذا إذا كان كسل واحسد منهمسا‬
‫عدل‪ ،‬ولو كان غيسر عدل قال عبدالملك‪ :‬حكمسه منقوض؛ لنهمسا تخاطرا بمسا ل ينبغسي مسن الغرر‪.‬‬
‫قال ابسن العربسي‪ :‬والصسحيح نفوذه؛ لنسه إن كان توكيل ففعسل الوكيسل نافسذ‪ ،‬وإن كان تحكيمسا فقسد‬
‫قدماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثر فيه كما لم يؤثر في باب التوكيل‪ ،‬وباب القضاء مبني على‬
‫الغرر كله‪ ،‬وليسس يلزم فيسه معرفسة المحكوم عليسه بمسا يؤول إليسه الحكسم‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬مسسألة‬
‫الحكميسن نسص ال عليهسا وحكسم بهسا عنسد ظهور الشقاق بيسن الزوجيسن‪ ،‬واختلف مسا بينهمسا‪ .‬وهسي‬
‫مسسألة عظيمسة اجتمعست المسة على أصسلها فسي البعسث‪ ،‬وإن اختلفوا فسي تفاصسيل مسا ترتسب عليسه‪.‬‬
‫وعجبا لهل بلدنا حيث غفلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذلك وقالوا‪ :‬يجعلن على يدي أمين؛‬
‫وفسي هذا مسن معاندة النسص مسا ل يخفسى عليكسم‪ ،‬فل بكتاب ال ائتمروا ول بالقيسسة اجتزؤوا‪ .‬وقسد‬
‫ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى بعث الحكمين عند الشقاق إل قاض واحد‪ ،‬ول بالقضاء باليمين مع‬
‫الشاهد إل آخر‪ ،‬فلما ملكني ال المر أجريت السنة كما ينبغي‪ .‬ول تعجب لهل بلدنا لما غمرهم‬
‫مسن الجهالة‪ ،‬ولكسن أعجسب لبسي حنيفسة ليسس للحكميسن عنده خسبر‪ ،‬بسل اعجسب مرتيسن للشافعسي فإنسه‬
‫قال‪ :‬الذي يشبسه ظاهسر اليسة أنسه فيمسا عسم الزوجيسن معسا حتسى يشتبسه فيسه حالهمسا‪ .‬قال‪ :‬وذلك أنسي‬
‫وجدت ال عسسز رجسسل أذن فسسي نشوز الزوج بأن يصسسطلحا وأذن فسسي خوفهمسسا أل يقيمسسا حدود ال‬
‫بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة‪ .‬وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال‬
‫زوج مكان زوج؛ فلمسا أمسر فيمسسن خفنسا الشقاق بينهمسا بالحكميسسن دل على أن حكمهمسسا غيسر حكسم‬
‫الزواج‪ ،‬فإذا كان كذلك بعسث حكمسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسا‪ ،‬ول يبعسث الحكميسن إل مأمونيسن‬
‫برضسا الزوجيسن وتوكيلهمسا بأن يجمعسا أو يفرقسا إذا رأيسا ذلك‪ .‬وذلك يدل على أن الحكميسن وكيلن‬
‫للزوجيسن‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬هذا منتهسى كلم الشافعسي‪ ،‬وأصسحابه يفرحون بسه وليسس فيسه مسا يلتفست‬
‫إليه ول يشبه نصابه في العلم‪ ،‬وقد تولى الرد عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الكثر‪ .‬أما‬
‫قوله‪" :‬الذي يشبه ظاهر الية أنه فيمسا عم الزوجين" فليس بصحيح بل هو نصه‪ ،‬وهي من أبين‬
‫آيات القرآن وأوضحهسا جلء؛ فإن ال تعالى قال‪" :‬الرجال قوامون على النسساء" [النسساء‪- ]34 :‬‬
‫ومسن خاف مسن امرأتسه نشوزا وعظهسا‪ ،‬فإن أنابست وإل هجرهسا فسسي المضجسع‪ ،‬فإن ارعوت وإل‬
‫ضربهسا‪ ،‬فإن اسستمرت فسي غلوائهسا مشسى الحكمان إليهمسا‪ .‬وهذا إن لم يكسن نصسا فليسس فسي القرآن‬
‫بيان‪ .‬ودعسه ل يكون نصسا‪ ،‬يكون ظاهرا؛ فأمسا أن يقول الشافعسي‪ :‬يشبسه الظاهسر فل ندري مسا الذي‬
‫أشبسه الظاهسر ؟‪ .‬ثسم قال‪" :‬وأذن فسي خوفهمسا أل يقيمسا حدود ال بالخلع وذلك يشبسه أن يكون برضسا‬
‫المرأة‪ ،‬بسل يجسب أن يكون كذلك وهسو نصسه"‪ .‬ثسم قال‪" :‬فلمسا أمسر بالحكميسن علمنسا أن حكمهمسا غيسر‬
‫حكم الزواج‪ ،‬ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتتحقق الغيرية‪ .‬فأما إذا‬
‫أنفذا عليهمسا مسا وكلهمسا بسه فلم يحكمسا بخلف أمرهمسا فلم تتحقسق الغيريسة"‪ .‬وأمسا قوله "برضسى‬
‫الزوجيسن وتوكيلهمسا" فخطسأ صسراح؛ فإن ال سسبحانه خاطسب غيسر الزوجيسن إذا خاف الشقاق بيسن‬
‫الزوجين بإرسال الحكمين‪ ،‬وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما‪ ،‬ول يصح لهما‬
‫حكسم إل بمسا اجتمعسا عليسه‪ .‬هذا وجسه النصساف والتحقيسق فسي الرد عليسه‪ .‬وفسي هذه اليسة دليسل على‬
‫إثبات التحكيسم‪ ،‬وليسس كمسا تقول الخوارج إنسه ليسس التحكيسم لحسد سسوى ال تعالى‪ .‬وهذه كلمسة حسق‬
‫ولكن يريدون بها الباطل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 36 :‬واعبدوا ال ول تشركوا بسه شيئا وبالوالديسن إحسسانا وبذي القربسى واليتامسى‬
‫والمسساكين والجار ذي القربسى والجار الجنسب والصساحب بالجنسب وابسن السسبيل ومسا ملكست أيمانكسم‬
‫إن ال ل يحب من كان مختال فخورا}‬
‫@ أجمع العلماء على أن هذه الية من المحكم المتفق عليه‪ ،‬ليس منها شيء منسوخ‪ .‬وكذلك هي‬
‫في جميع الكتب‪ .‬ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل‪ ،‬وإن لم ينزل به الكتاب‪ .‬وقد مضى‬
‫معنسسى العبوديسة وهسي التذلل والفتقار‪ ،‬لمسن له الحكسم والختيار؛ فأمسر ال تعالى عباده بالتذلل له‬
‫والخلص فيسه‪ ،‬فاليسة أصسل فسي خلوص العمال ل تعالى وتصسفيتها مسن شوائب الرياء وغيره؛‬
‫قال ال تعالى "فمسسسن كان يرجوا لقاء ربسسسه فليعمسسسل عمل صسسسالحا ول يشرك بعبادة ربسسسه أحدا"‬
‫[الكهف‪ ]110 :‬حتى لقد قال بعض علمائنا‪ :‬إنه من تطهر تبردا أو صام محما لمعدته ونوى مع‬
‫ذلك التقرب لم يجزه؛ لنسه مزج فسي نيسة التقرب نيسة دنياويسة وليسس ل إل العمسل الخالص؛ كمسا قال‬
‫تعالى‪" :‬أل ل الدين الخالص" [الزمر‪ .]3 :‬وقال تعالى‪" :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له‬
‫الديسن" [البينة‪ .]5 :‬وكذلك إذا أحسس الرجسل بداخسل فسي الركوع وهو إمام لم ينتظره؛ لنه يخرج‬
‫ركوعسه بانتظاره عسن كونسه خالصسا ل تعالى‪ .‬وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي هريرة قال‪ :‬قال رسسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬قال ال تبارك وتعالى أنسا أغنسى الشركاء عسن الشرك مسن عمسل عمل‬
‫أشرك فيسه معسي غيري تركتسه وشركسه)‪ .‬وروى الدارقطنسي عسن أنسس بن مالك قال‪ :‬قال رسسول ال‬
‫صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬يجاء يوم القيامسة بصسسحف مختمسسة فتنصسب بيسسن يدي ال تعالى فيقول ال‬
‫تعالى للملئكسة القوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملئكسة وعزتسك مسا رأينسا إل خيرا فيقول ال عسز وجسل‬
‫‪ -‬وهو أعلم ‪ -‬إن هذا كان لغيري ول أقبل اليوم من العمل إل ما كان ابتغي به وجهي)‪ .‬وروي‬
‫أيضا عن الضحاك بن قيس الفهري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال تعالى يقول‬
‫أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم ل تعالى فإن‬
‫ال ل يقبسل إل مسا خلص له ول تقولوا هذا ل وللرحسم فإنهسا للرحسم وليسس ل منهسا شيسء ول تقولوا‬
‫هذا ل ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس ل تعالى منها شيء)‪.‬‬
‫مسسألة‪ :‬إذا ثبست هذا فاعلم أن علماءنسا رضسي ال عنهسم قالوا‪ :‬الشرك على ثلث مراتسب وكله‬
‫محرم‪ .‬وأصله اعتقاد شريك ل في ألوهيته‪ ،‬وهو الشرك العظم وهو شرك الجاهلية‪ ،‬وهو المراد‬
‫بقوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء"‪[ .‬النسساء‪ .]48 :‬ويليسه‬
‫فسسي الرتبسسة اعتقاد شريسسك ل تعالى فسسي الفعسسل‪ ،‬وهسسو قول مسن قال‪ :‬إن موجودا مسسا غيسسر ال تعالى‬
‫يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونه إلها كالقدرية مجوس هذه المة‪ ،‬وقد تبرأ منهم ابن‬
‫عمسر كمسا فسي حديسث جبريسل عليسه السسلم‪ .‬ويلي هذه الرتبسة الشراك فسي العبادة وهسو الرياء؛ وهسو‬
‫أن يفعسل شيئا مسن العبادات التسي أمسر ال بفعلهسا له لغيره‪ .‬وهذا هسو الذي سسيقت اليات والحاديسث‬
‫لبيان تحريمسسه‪ ،‬وهسسو مبطسسل للعمال وهسسو خفسسي ل يعرفسسه كسسل جاهسسل غسسبي‪ .‬ورضسسي ال عسسن‬
‫المحاسسبي فقسد أوضحسه فسي كتابسه "الرعايسة" وبيسن إفسساده للعمال‪ .‬وفسي سسنن ابسن ماجسة عسن أبسي‬
‫سعيد بن أبي فضالة النصاري وكان من الصحابة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا‬
‫جمع ال الولين والخرين ليوم القيامة ليوم ل ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله‬
‫ل عسز وجسل أحدا فليطلب ثوابسه مسن عنسد غيسر ال فإن ال أغنسى الشركاء عسن الشرك)‪ .‬وفيسه عسن‬
‫أبسي سسعيد الخدري قال‪ :‬خرج علينسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ونحسن نتذاكسر المسسيخ الدجال‬
‫فقال‪( :‬أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال ؟) قال‪ :‬فقلنا بلى يا رسول ال؛‬
‫فقال‪( :‬الشرك الخفسي أن يقوم الرجسل يصسلي فيزيسن صسلته لمسا يرى مسن نظسر رجسل)‪ .‬وفيسه عسن‬
‫شداد بسسن أوس قال‪ :‬قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬إن أخوف مسسا أتخوف على أمتسسي‬
‫الشراك بال أمسا إنسي لسست أقول يعبدون شمسسا ول قمرا ول وثنسا ولكسن أعمال لغيسر ال وشهوة‬
‫خفيسة) خرجسه الترمذي الحكيسم‪ .‬وسسيأتي فسي آخسر الكهسف‪ ،‬وفيسه بيان الشهوة الخفيسة‪ .‬وروى ابسن‬
‫لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال‪:‬‬
‫(هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه)‪ .‬قال سهل بن عبدال التستري رضي ال عنه‪ :‬الرياء‬
‫على ثلثسة وجوه؛ أحدهسا‪ :‬أن يعقد فسي أصل فعله لغيسر ال ويريسد به أن يعرف أنه ل‪ ،‬فهذا صسنف‬
‫من النفاق وتشكك في اليمان‪ .‬والخر‪ :‬يدخل في الشيء ل فإذا اطلع عليه غير ال نشط‪ ،‬فهذا إذا‬
‫تاب يزيسد أن يعيسد جميسع مسا عمسل‪ .‬والثالث‪ :‬دخسل فسي العمسل بالخلص وخرج بسه ل فعرف بذلك‬
‫ومدح عليسه وسسكن إلى مدحهسم؛ فهذا الرياء الذي نهسى ال عنسه‪ .‬قال سسهل‪ :‬قال لقمان لبنسه‪ :‬الرياء‬
‫أن تطلب ثواب عملك فسسي دار الدنيسسا‪ ،‬وإنمسسا عمسسل القوم للخرة‪ .‬قيسسل له‪ :‬فمسسا دواء الرياء ؟ قال‬
‫كتمان العمسل‪ ،‬قيسسل له‪ :‬فكيسسف يكتسسم العمسل ؟ قال‪ :‬مسا كلفسست إظهاره مسسن العمسل فل تدخسسل فيسسه إل‬
‫بالخلص‪ ،‬وما لم تكلف إظهاره أحب أل يطلع عليه إل ال‪ .‬قال‪ :‬وكل عمل اطلع عليه الخلق فل‬
‫تعده من العمل‪ .‬وقال أيوب السختياني‪ :‬ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول سهل "والثالث دخل في العمل بالخلص" إلى آخره‪ ،‬إن كان سكونه وسروره إليهم‬
‫لتحصسل منزلتسه فسي قلوبهسم فيحمدوه ويجلوه ويسبروه وينال مسا يريده منهسم مسن مال أو غيره فهذا‬
‫مذموم؛ لن قلبسه مغمور فرحسا باطلعهسم عليسه‪ ،‬وإن كانوا قسد اطلعوا عليسه بعسد الفراغ‪ .‬فأمسا مسن‬
‫أطلع ال عليه خلقه وهو ل يحب إطلعهم عليه فيسر بصنع ال وبفضله عليه فسروره بفضل ال‬
‫طاعسة؛ كمسا قال تعالى‪" :‬قسل بفضسل ال وبرحمتسه فبذلك فليفرحوا هسو خيسر ممسا يجمعون" [يونسس‪:‬‬
‫‪ .]58‬وبسط هذا وتتميمه في كتاب "الرعاية للمحاسبي"‪ ،‬فمن أراده فليقف عليه هناك‪ .‬وقد سئل‬
‫سهل عن حديث النبي صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم (أني أسر العمل فيطلع عليه فيعجبني)‬
‫قال‪ :‬يعجبسسه مسسن جهسسة الشكسسر ل الذي أظهره ال عليسسه أو نحسسو هذا‪ .‬فهذه جملة كافيسسة فسسي الرياء‬
‫وخلوص العمال‪ .‬وقد مضى في "البقرة"‪ .‬حقيقة الخلص‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبالوالدين إحسانا" قد تقدم في صدر هذه السورة أن من الحسان إليهما عتقهما‪،‬‬
‫ويأتسي فسي "سسبحان" [السسراء‪ ]1 :‬حكسم برهمسا معنسى مسستوفى‪ .‬وقرأ ابسن أبسي عبلة "إحسسان"‬
‫بالرفع أي واجب الحسان إليهما‪ .‬الباقون بالنصب‪ ،‬على معنى أحسنوا إليهما إحسانا‪ .‬قال العلماء‪:‬‬
‫فأحسق الناس بعسد الخالق المنان بالشكسر والحسسان والتزام البر والطاعسة له والذعان مسن قرن ال‬
‫الحسسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان؛ فقال تعالى‪" :‬أن اشكسر لي ولوالديك‪.‬‬
‫[لقمان‪ .]14 :‬وروى شعبة وهشيم الواسطيان عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبدال بن عمرو‬
‫بن العاص قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في‬
‫سخط الوالدين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبذي القربى واليتامى والمساكين" وقد مضى الكلم فيه في (البقرة)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والجار ذي القربسى والجار الجنسب" أمسا الجار فقسد أمسر ال تعالى بحفظسه والقيام‬
‫بحقسه والوصساة برعسي ذمتسه فسي كتابسه وعلى لسسان نسبيه‪ .‬أل تراه سسبحانه أكسد ذكره بعسد الوالديسن‬
‫والقربيسن فقال تعالى‪" :‬والجار ذي القربسى" أي القريسب‪" .‬والجار الجنسب" أي الغريسب؛ قال ابسن‬
‫عباس‪ ،‬وكذلك هو في اللغة‪ .‬ومنه فلن أجنبي‪ ،‬وكذلك الجنابة البعد‪ .‬وأنشد أهل اللغة‪:‬‬
‫فإني امرؤ وسط القباب غريب‬ ‫فل تحرمني نائل عن جنابة‬
‫وقال العشى‪:‬‬
‫فكان حريث عن عطائي جامدا‬ ‫أتيت حريثا زائرا عن جنابة‬
‫وقرأ العمسسش والمفضسسل "والجار الجنسسب" بفتسسح الجيسسم وسسسكون النون وهمسسا لغتان؛ يقال‪ :‬جنسسب‬
‫وجنب وأجنب وأجنبي إذا لم يكن بينهما قرابة‪ ،‬وجمعه أجانب‪ .‬وقيل‪ :‬على تقدير حذف المضاف‪،‬‬
‫أي والجار ذي الجنسسب أي ذي الناحيسسة‪ .‬وقال نوف الشامسسي‪" :‬الجار ذي القربسى" المسسسلم "والجار‬
‫الجنب" اليهودي والنصراني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا فالوصساة بالجار مأمور بهسا مندوب إليهسا مسسلما كان أو كافرا‪ ،‬وهسو الصسحيح‪.‬‬
‫والحسان قد يكون بمعنى المواساة‪ ،‬وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الذى والمحاماة دونه‪.‬‬
‫روى البخاري عسن عائشسة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬مسا زال جبريسل يوصسيني بالجار‬
‫حتى ظننت أنه سيورثه)‪ .‬وروي عن أبي شريح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬وال ل يؤمن‬
‫وال ل يؤمن وال ل يؤمن) قيل‪ :‬يا رسول ال ومن ؟ قال‪( :‬الذي ل يأمن جاره بوائقه) وهذا عام‬
‫فسي كسل جار‪ .‬وقسد أكسد عليسه السسلم ترك إذايتسه بقسسمه ثلث مرات‪ ،‬وأنسه ل يؤمسن الكامسل مسن أذى‬
‫جاره‪ .‬فينبغسسي للمؤمسسن أن يحذر أذى جاره‪ ،‬وينتهسسي عمسسا نهسسى ال ورسسسوله عنسسه‪ ،‬ويرغسسب فيمسسا‬
‫رضياه وحضا العباد عليه‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬الجيران ثلثة فجار له‬
‫ثلثسسة حقوق وجار له حقان وجار له حسسق واحسسد فأمسسا الجار الذي له ثلثسسة حقوق فالجار المسسسلم‬
‫القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق السلم والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق‬
‫السلم وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار)‪.‬‬
‫@ روى البخاري عن عائشة قالت‪ :‬قلت يا رسول ال‪ ،‬إن لي جارين فإلى أيهما أهدي‪ ،‬قال‪( :‬إلى‬
‫أقربهمسا منسك بابسا)‪ .‬فذهسب جماعسة مسن العلماء إلى أن هذا الحديسث يفسسر المراد مسن قوله تعالى‪:‬‬
‫"والجار ذي القربسسى" وأنسه القريسسب المسسسكن منسسك‪" .‬والجار الجنسسب" هسو البعيسسد المسسسكن منسسك‪.‬‬
‫واحتجوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار‪ ،‬وعضدوه وبقوله عليه السلم‪( :‬الجار أحق بصقبه)‪ .‬ول‬
‫حجة في ذلك‪ ،‬فإن عائشة رضي ال عنها إنما سألت النبي صلى ال عليه وسلم عمن تبدأ به من‬
‫جيرانهسا فسي الهديسة فأخبرهسا أن مسن قرب بابسه فإنسه أولى بهسا مسن غيره‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬فدل هذا‬
‫الحديسث على أن الجار يقسع على غيسر اللصسيق‪ .‬وقسد خرج أبسو حنيفسة عسن ظاهسر هذا الحديسث فقال‪:‬‬
‫إن الجار اللصسيق إذا ترك الشفعسة وطلبهسا الذي يليسه وليسس له جدار إلى الدار ول طريسق ل شفعسة‬
‫فيه له‪ .‬وعوام العلماء يقولون‪ :‬إن أوصى الرجل لجيرانه أعطي اللصيق وغيره؛ إل أبا حنيفة فإنه‬
‫فارق عوام العلماء وقال‪ :‬ل يعطى إل اللصيق وحده‪.‬‬
‫@ واختلف الناس فسي حسد الجيرة؛ فكان الوزاعسي يقول‪ :‬أربعون دارا من كل ناحية؛ وقال ابن‬
‫شهاب‪ .‬وروي أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم‬
‫إلي جوارا أشدهسم لي أذى؛ فبعسث النبي صسلى ال عليه وسسلم أبسا بكسر وعمسر وعليسا يصسيحون على‬
‫أبواب المسساجد‪ :‬أل إن أربعيسن دارا جار ول يدخسل الجنسة مسن ل يأمسن جاره بوائقسه‪ .‬وقال علي بسن‬
‫أبي طالب‪ :‬من سمع النداء فهو جار‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬من سمع إقامة الصلة فهو جار ذلك المسجد‪.‬‬
‫وقالت فرقسة‪ :‬من ساكن رجل فسي محلة أو مدينسة فهو جار‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬لئن لم ينته المنافقون"‬
‫[الحزاب‪ ]60 :‬إلى قوله‪" :‬ثسم ل يجاورونسك فيهسا إل قليل" فجعسل تعالى اجتماعهسم فسي المدينسة‬
‫جوارا‪ .‬والجيرة مراتب بعضها الصق من بعض‪ ،‬أدناها الزوجة؛ كما قال‪:‬‬
‫أيا جارتا بيني فإنك طالقة‬
‫@ ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا أبا‬
‫ذر إذا طبخست مرقسة فأكثسر ماءهسا وتعاهسد جيرانسك)‪ .‬فحسض عليسه السسلم على مكارم الخلق؛ لمسا‬
‫رتسسب عليهسسا مسسن المحبسسة وحسسسن العشرة ودفسسع الحاجسسة والمفسسسدة؛ فإن الجار قسسد يتأذى بقتار قدر‬
‫جاره‪ ،‬وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعفائهم الشهوة‪ ،‬ويعظم على القائم عليهم اللم والكلفة‪ ،‬ل‬
‫سسيما إن كان القائم ضعيفسا أو أرملة فتعظسم المشقسة ويشتسد منهسم اللم والحسسرة‪ .‬وهذه كانست عقوبسة‬
‫يعقوب فسي فراق يوسسف عليهمسا السسلم فيمسا قيسل‪ .‬وكسل هذا يندفسع بتشريكهسم فسي شيسء مسن الطسبيخ‬
‫يدفسع إليهسم‪ ،‬ولهذا المعنسى حسض عليسه السسلم الجار القريسب بالهديسة؛ لنسه ينظسر إلى مسا يدخسل دار‬
‫جاره ومسا يخرج منهسا‪ ،‬فإذا رأى ذلك أحسب أن يشارك فيسه؛ وأيضسا فإنسه أسسرع إجابسة لجاره عندمسا‬
‫ينويسه مسن حاجسة فسي أوقات الغفلة والغرة؛ فلذلك بدأ بسه على مسن بعسد بابسه وإن كانست داره أقرب‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬لما قال عليه السلم "فأكثر ماءها" نبه بذلك على تيسير المر على البخيل تنبيها‬
‫لطيفا‪ ،‬وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء؛ ولذلك لم يقل‪ :‬إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها؛ إذ‬
‫ل يسهل ذلك على كل أحد‪ .‬ولقد أحسن القائل‪:‬‬
‫وإليه قبلي ترفع القدر‬ ‫قدري وقدر الجار واحدة‬
‫ول يهدى النزر اليسير المحتقر؛ لقوله عليه السلم‪( :‬ثم أنظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها‬
‫بمعروف) أي بشيسء يهدى عرفسا؛ فإن القليسل وإن كان ممسا يهدى فقسد ل يقسع ذلك الموقسع‪ ،‬فلو لم‬
‫يتيسر إل القليل فليهده ول يحتقر‪ ،‬وعلى المهدى إليه قبوله؛ لقوله عليه السلم‪( :‬يا نساء المؤمنات‬
‫ل تحتقرن إحداكسن لجارتهسا ولو كراع شاة محرقسا) أخرجسه مالك فسي موطئه‪ .‬وكذا قيدناه (يسا نسساء‬
‫المؤمنات) بالرفسسع على غيسسر الضافسسة‪ ،‬والتقديسسر‪ :‬يسسا أيهسسا النسسساء المؤمنات؛ كمسسا تقول يسسا رجال‬
‫الكرام؛ فالمنادى محذوف وهو يسا أيهسا‪ ،‬والنسساء فسي التقديسر النعست ليهسا‪ ،‬والمؤمنات نعست للنسساء‪.‬‬
‫قد قيل‪ :‬فيه‪ :‬يا نساء المؤمنات بالضافة‪ ،‬والول أكثر‪.‬‬
‫@ من إكرام الجار أل يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به؛ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (ل‬
‫يمنسع أحدكسم جاره أن يغرز خشبسة فسي جداره)‪ .‬ثسم يقول أبسو هريرة‪ :‬مسا لي أراكسم عنهسا معرضيسن‪،‬‬
‫وال لرمين بها بين أكنافكم‪ .‬روي "خشبه وخشبة" على الجمع والفراد‪ .‬وروي "أكتافهم" بالتاء‬
‫و"أكنافهم" بالنون‪ .‬ومعنسى "لرميسن بها" أي بالكلمسة والقصسة‪ .‬وهسل يقضسى بهذا على الوجوب أو‬
‫الندب ؟ فيسه خلف بيسن العلماء‪ .‬فذهسب مالك وأبسو حنيفسة وأصسحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر‬
‫الجار والتجاوز له والحسسان إليسه‪ ،‬وليسس ذلك على الوجوب؛ بدليسل قوله عليسه السسلم‪( :‬ل يحسل‬
‫مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه)‪ .‬قالوا‪ :‬ومعنى قوله (ل يمنع أحدكم جاره) هو مثل معنى‬
‫قوله عليسه السسلم‪( :‬إذا اسستأذنت أحدكسم امرأتسه إلى المسسجد فل يمنعهسا)‪ .‬وهذا معناه عنسد الجميسع‬
‫الندب‪ ،‬على ما يراه الرجل من الصلح والخير في ذلك‪ .‬وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل‬
‫وإسسحاق وأبسو ثور وداود بسن علي وجماعسة أهسل الحديسث‪ :‬إلى أن ذلك على الوجوب‪ .‬قالوا‪ :‬ولول‬
‫أن أبسا هريرة فهسم فيمسا سسمع مسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم معنسى الوجوب مسا كان ليوجسب عليهسم‬
‫غيسر واجسب‪ .‬وهسو مذهسب عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه؛ فإنسه قضسى على محمسد بسن مسسلمة‬
‫للضحاك بسن خليفسة فسي الخليسج أن يمسر بسه فسي أرض محمسد بسن مسسلمة‪ ،‬فقال محمسد بسن مسسلمة‪ :‬ل‬
‫وال‪ .‬فقال عمر‪ :‬وال ليمرن به ولو على بطنك‪ .‬فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك؛ رواه مالك‬
‫فسي الموطسأ‪ .‬وزعسم الشافعسي فسي كتاب "الرد" أن مالكسا لم يرو عسن أحسد مسن الصسحابة خلف عمسر‬
‫في هذا الباب؛ وأنكر على مالك أنه رواه وأدخله في كتابه ولم يأخذ به ورده برأيه‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫ليس كما زعم الشافعي؛ لن محمد بن مسلمة كان رأيه في ذلك خلف رأي عمر‪ ،‬ورأي النصار‬
‫أيضا كان خلفا لرأي عمر‪ ،‬وعبدالرحمن بن عوف في قصة الربيع وتحويله ‪ -‬والربيع الساقية ‪-‬‬
‫وإذا اختلفست الصسحابة وجسب الرجوع إلى النظسر‪ ،‬والنظسر‪ ،‬يدل على أن دماء المسسلمين وأموالهسم‬
‫وأعراضهسم بعضهسم على بعسض حرام إل مسا تطيسب بسه النفسس خاصسة؛ فهذا هسو الثابست عسن النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬ويدل على الخلف فسي ذلك قول أبسي هريرة‪ :‬مسا لي أراكسم عنهسا معرضيسن‬
‫وال لرمينكسم بهسا؛ هذا أو نحوه‪ .‬أجاب الولون فقالوا‪ :‬القضاء بالمرفسق خارج بالسسنة عسن معنسى‬
‫قوله عليسسه السسسلم‪( :‬ل يحسسل مال امرئ مسسسلم إل عسسن طيسسب نفسسس منسسه) لن هذا معناه التمليسسك‬
‫والستهلك وليس المرفق من ذلك؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم قد فرق بينهما في الحكم‪ .‬فغير‬
‫واجب أن يجمع بين ما فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وحكى مالك أنه كان بالمدينة قاض‬
‫يقضي به يسمى أبو المطلب‪ .‬واحتجوا من الثر بحديث العمش عن أنس قال‪ :‬استشهد منا غلم‬
‫يوم أحسد فجعلت أمسه تمسسح التراب عسن وجهسه وتقول‪ :‬أبشسر هنيئا لك الجنسة؛ فقال لهسا النسبي صسلى‬
‫ال عليه وسلم (وما يدريك لعله كان يتكلم فيما ل يعنيه ويمنع ما ل يضره)‪ .‬والعمش ل يصح له‬
‫سماع من أنس‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قاله أبو عمر‪.‬‬
‫@ ورد حديث جمع النبي صلى ال عليه وسلم فيه مرافق الجار‪ ،‬وهو حديث معاذ بن جبل قال‪:‬‬
‫قلنسا يسا رسسول ال‪ ،‬مسا حسق الجار ؟ قال‪( :‬إن اسستقرضك أقرضتسه وإن اسستعانك أعنتسه وإن احتاج‬
‫أعطيتسسه وإن مرض عدتسه وإن مات تبعسست جنازتسه وإن أصسسابه خيسسر سسسرك وهنيتسسه وإن أصسسابته‬
‫مصيبة ساءتك وعزيته ول تؤذه بنار قدرك إل أن تعرف له منها ول تستطل عليه بالبناء لتشرف‬
‫عليه وتسد عليه الريح إل بإذنه وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإل فأدخلها سرا ل يخرج ولدك‬
‫بشيء منه يغيظون به ولده وهل تفقهون ما أقول لكم لن يؤدي حق الجار إل القليل ممن رحم ال)‬
‫أو كلمسة نحوهسا‪ .‬هذا حديسث جامسع وهسو حديسث حسسن‪ ،‬فسي إسسناده أبسو الفضسل عثمان بسن مطسر‬
‫الشيباني غير مرضي‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬الحاديسث فسي إكرام الجار جاءت مطلقسة غيسر مقيدة حتسى الكافسر كمسا بينسا‪ .‬وفسي‬
‫الخسسبر قالوا‪ :‬يسسا رسسسول ال أنطعمهسسم مسسن لحوم النسسسك ؟ قال‪( :‬ل تطعموا المشركيسسن مسسن نسسسك‬
‫المسسلمين)‪ .‬ونهيسه صسلى ال عليسه وسسلم عسن إطعام المشركيسن مسن نسسك المسسلمين يحتمسل النسسك‬
‫الواجسب فسي الذمسة الذي ل يجوز للناسسك أن يأكسل منسه ول أن يطعمسه الغنياء؛ فأمسا غيسر الواجسب‬
‫الذي يجزيسه إطعام الغنياء فجائز أن يطعمسه أهسل الذمسة‪ .‬قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لعائشسة‬
‫عنسد تفريسسق لحسم الضحيسة‪( :‬ابدئي بجارنسا اليهودي)‪ .‬وروي أن شاة ذبحست فسي أهسل عبدال بسن‬
‫عمرو فلمسا جاء قال‪ :‬أهديتسم لجارنسا اليهودي ؟ ‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم يقول‪( :‬ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والصاحب بالجنب" أي الرفيق في السفر‪ .‬وأسد الطبري أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫غيضسة‪ ،‬فقطسع قضيسبين أحدهمسا معوج‪ ،‬فخرج وأعطسى لصساحبه القويسم؛ فقال‪ :‬كنست يسا رسسول ال‬
‫أحق بهذا ! فقال‪( :‬كل يا فلن إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسؤول عن صحابته ولو ساعة‬
‫مسن نهار)‪ .‬وقال ربيعسة بسن أبسي عبدالرحمسن‪ :‬للسسفر مروءة وللحضسر مروءة؛ فأمسا المروءة فسي‬
‫السسسسفر فبذل الزاد‪ ،‬وقلة الخلف على الصسسسحاب‪ ،‬وكثرة المزاج فسسسي غيسسسر مسسسساخط ال‪ .‬وأمسسسا‬
‫المروءة فسسي الحضسسر فالدمان إلى المسسساجد‪ ،‬وتلوة القرآن وكثرة الخوان فسسي ال عسسز وجسسل‪.‬‬
‫ولبعض بني أسد ‪ -‬وقيل إنها لحاتم الطائي‪:‬‬
‫له مركب فضل فل حملت رجلي‬ ‫إذا ما رفيقي لم يكن خلف ناقتي‬
‫فل كنت ذا زاد ول كنت ذا فضل‬ ‫ولم يك من زادي له شطر مزودي‬
‫علي له فضل بما نال من فضلي‬ ‫شريكان فيما نحن فيه وقد أرى‬
‫وقال علي وابسسن مسسسعود وابسسن أبسسي ليلى‪" :‬الصسساحب بالجنسسب" الزوجسسة‪ .‬ابسسن جريسسج‪ :‬هسسو الذي‬
‫يصسحبك ويلزمسك رجاء نفعسك‪ .‬والول أصسح؛ وهسو قول ابسن عباس وابسن جسبير وعكرمسة ومجاهسد‬
‫والضحاك‪ .‬وقد تتناول الية الجميع بالعموم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وابسن السسبيل" قال مجاهسد‪ :‬هسو الذي يجتاز بسك مارا‪ .‬والسسبيل الطريسق؛ فنسسب‬
‫المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه‪ .‬ومن الحسان إليه إعطاؤه وإرفاقه وهدايته ورشده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما ملكت أيمانكم" أمر ال تعالى بالحسان إلى المماليك‪ ،‬وبين ذلك النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم؛ فروى مسلم وغيره عن المعرور بن سويد قال‪ :‬مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد‬
‫وعلى غلمه مثله‪ ،‬فعلنا‪ :‬يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة؛ فقال‪ :‬إنه كان بيني وبين رجل من‬
‫إخوانسي كلم‪ ،‬وكانست أمسه أعجميسة فعيرتسه بأمسه‪ ،‬فشكانسي إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فلقيست‬
‫النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقال‪( :‬يسا أبسا ذر إنسك امرؤ فيسك جاهليسة) قلت‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬مسن سسب‬
‫الرجال سبوا أباه وأمه‪ .‬قال‪( :‬يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهسم ال تحت أيديكم‬
‫فأطعموهسم ممسا تأكلون وألبسسوهم ممسا تلبسسون ول تكلفوهسم مسا يغلبهسم فإن كلفتموهسم فأعينوهسم)‪.‬‬
‫وروي عن أبي هريرة أنه ركب بغلة ذات يوم فأردف غلمه خلفه‪ ،‬فقال له قائل‪ :‬لو أنزلته يسعى‬
‫خلف دابتسك؛ فقال أبسو هريرة‪ :‬لن يسسعى معسي ضغثان مسن نار يحرقان منسي مسا أحرقسا أحسب إلي‬
‫من أن يسعى غلمي خلفي‪ .‬وخرج أبو داود عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(من ليمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتسون ومن ل يليمكم منهم فبيعوه‬
‫ول تعذبوا خلق ال)‪ .‬ليمكسم وافقكسم‪ .‬والمليمسة الموافقسة‪ .‬وروى مسسلم عسن أبسي هريرة رضسي ال‬
‫عنسه عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬للمملوك طعامسه وكسسوته ول يكلف مسن العمسل إل مسا‬
‫يطيسق) وقال عليسه السسلم‪( :‬ل يقسل أحدكسم عبدي وأمتسي بسل ليقسل فتاي وفتاتسي) وسسيأتي بيانسه فسي‬
‫سسورة يوسسف عليسه السسلم‪ .‬فندب صسلى ال عليسه وسسلم السسادة إلى مكارم الخلق وحضهسم عليهسا‬
‫وأرشدهسم إلى الحسسان وإلى سسلوك طريسق التواضسع حتسى ل يروا لنفسسهم مزيسة على عسبيدهم‪ ،‬إذ‬
‫الكل عبيدال والمال مال ال‪ ،‬لكن سخر بعضهم لبعض‪ ،‬وملك بعضهم بعضا إتماما للنعمة وتنفيذا‬
‫للحكمسة؛ فإن أطعموهسم أقسل ممسا يأكلون‪ ،‬وألبسسوهم أقسل ممسا يلبسسون صسفه ومقدارا جاز إذا قام‬
‫بواجبه عليه‪ .‬ول خلف في ذلك وال أعلم‪ .‬وروى مسلم عن عبدال بن عمرو إذ جاءه قهرمان له‬
‫فدخسل فقال‪ :‬أعطيست الرقيسق قوتهسم ؟ قال ل‪ .‬قال‪ :‬فأنطلق فأعطهسم‪ ،‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪( :‬كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم)‪.‬‬
‫@ ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من ضرب عبده حدا لم يأته أو لطمه فكفارته أن‬
‫يعتقسه)‪ .‬ومعناه أن يضربسه قدر الحسد ولم يكسن عليسه حسد‪ .‬وجاء عسن نفسر مسن الصسحابة أنهسم اقتصسوا‬
‫للخادم مسن الولد فسي الضرب وأعتقوا الخادم لمسا لم يرد القصساص وقال عليسه السسلم‪( :‬مسن قذف‬
‫مملوكسسه بالزنسسى أقام عليسسه الحسسد يوم القيامسسة ثمانيسسن)‪ .‬وقال عليسسه السسسلم‪( :‬ل يدخسسل الجنسسة سسسيئ‬
‫الملكسة)‪ .‬وقال عليسه السسلم‪( :‬سسوء الخلق شوم وحسسن الملكسة نماء وصسلة الرحسم تزيسد فسي العمسر‬
‫والصدقة تدفع ميتة السوء)‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحسر أو العبد؛ فروى مسلم عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬للعبد المملوك المصلح أجران) والذي نفس أبي هريرة بيده‬
‫لول الجهاد في سبيل ال والحج وبر أمي لحببت أن أموت وأنا مملوك‪ .‬وروي عن ابن عمر أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ال فله أجره مدتين)‪.‬‬
‫فاسستدل بهذا ومسا كان مثله مسن فضسل العبسد؛ لنسه مخاطسب مسن جهتيسن‪ :‬مطالب بعبادة ال‪ ،‬مطالب‬
‫بخدمسة سسيده‪ .‬وإلى هذا ذهسب أبسو عمسر يوسسف بسن عبدالبر النمري وأبسو بكسر محمسد بسن عبدال بسن‬
‫أحمد العامري البغدادي الحافظ‪.‬‬
‫اسستدل مسن فضسل الحسر بأن قال‪ :‬السستقلل بأمور الديسن والدنيسا وإنمسا يحصسل بالحرار والعبسد‬
‫كالمفقود لعدم اسسستقلل‪ ،‬وكاللة المصسسرفة بالقهسسر‪ ،‬وكالبهيمسسة المسسسخرة بالجسسبر؛ ولذلك سسسلب‬
‫مناصسب الشهادات ومعظسم الوليات‪ ،‬ونقصست حدوده عسن حدود الحرار إشعارا بخسسة المقدار‪،‬‬
‫والحسر وإن طولب مسن جهسة واحدة فوظائفسه فيهسا أكثسر‪ ،‬وعناؤه أعظسم فثوابسه أكثسر‪ .‬وقسد أشار إلى‬
‫هذا أبو هريرة بقوله‪ :‬لول الجهاد والحج؛ أي لول النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه المور‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@ روى أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ما زال جبريل يوصيني بالجار‬
‫حتسى ظننست أنسه سسيورثه‪ ،‬ومسا زال يوصسيني بالنسساء حتسى ظننست أنسه سسيحرم طلقهسن‪ ،‬ومسا زال‬
‫يوصسيني بالمماليسك حتسى ظننست أنسه سسيجعل لهسم مدة إذا انتهوا إليهسا عتقوا‪ ،‬ومسا زال يوصسيني‬
‫بالسواك حتى خشيت أن يحفي فمي ‪ -‬وروي حتى كاد ‪ -‬وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت‬
‫أن خيار أمتي ل ينامون ليل)‪ .‬ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال ل يحسب" أي ل يرضسى‪" .‬مسن كان مختال فخورا" فنفسى سسبحانه محبتسه‬
‫ورضاه عمسن هذه صسفته؛ أي ل يظهسر عليسه آثار نعمسه فسي الخرة‪ .‬وفسي هذا ضرب مسن التوعسد‪.‬‬
‫والمختال ذو الخيلء أي الكبر‪ .‬والفخور‪ :‬الذي يعدد مناقبه كبرا‪ .‬والفخر‪ :‬البذخ والتطاول‪ .‬وخص‬
‫هاتين الصفتين بالذكر هنا لنهما تحملن صاحبيهما على النفة من القريب الفقير والجار الفقير‬
‫وغيرهم ممن ذكسر في الية فيضيسع أمسر ال بالحسسان إليهم‪ .‬وقرأ عاصسم فيما ذكسر المفضسل عنه‬
‫"والجار الجنسب" بفتسح الجيسم وسسكون النون‪ .‬قال المهدوي‪ :‬هسو على تقديسر حذف المضاف؛ أي‬
‫والجار ذي الجنب أي ذي الناحية‪ .‬وأنشد الخفش‪:‬‬
‫الناس جنب والمير جنب‬
‫والجنب الناحية‪ ،‬أي المتنحي عن القرابة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم ال من فضله وأعتدنسا‬
‫للكافرين عذابا مهينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيسن يبخلون" "الذيسن" فسي موضسع نصسب على البدل مسن "مسن" فسي قوله‪" :‬مسن‬
‫كان" ول يكون صسسفة؛ لن "مسسن" و"مسسا" ل يوصسسفان ول يوصسسف بهمسسا‪ .‬ويجوز أن يكون فسسي‬
‫موضسع رفسع بدل مسن المضمسر الذي فسي فخور‪ .‬ويجوز أن يكون فسي موضسع رفسع فيعطسف عليسه‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون ابتداء والخسسبر محذوف‪ ،‬أي الذيسسن يبخلون‪ ،‬لهسسم كذا‪ ،‬أو يكون الخسسبر "إن ال ل‬
‫يظلم مثقال ذرة" [النسسساء‪ .]40:‬ويجوز أن يكون منصسسوبا بإضمار أعنسسي‪ ،‬فتكون اليسسة فسسي‬
‫المؤمنين؛ فتجيء الية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة ال‪ ،‬فأحسنوا أيها المؤمنون‬
‫إلى من سمي فإن ال ل يحب من فيه الخلل المانعة من الحسان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يبخلون ويأمرون الناس بالبخل" البخل المذموم في الشرع هو المتناع من أداء‬
‫مسسا أوجسسب ال تعالى عليسه‪ .‬وهسو مثسسل قوله تعالى‪" :‬ول يحسسسبن الذيسسن يبخلون بمسسا آتاهسسم ال مسسن‬
‫فضله" [آل عمران‪ ]180 :‬الية‪ .‬وقد مضى في "آل عمران" القول في البخل وحقيقته‪ ،‬والفرق‬
‫بينسه وبيسن الشسح مسستوفى‪ .‬والمراد بهذه اليسة فسي قول ابسن عباس وغيره اليهود؛ فإنهسم جمعوا بيسن‬
‫الختيال والفخسر والبخسل بالمال وكتمان مسا أنزل ال مسن التوراة مسن نعست محمسد صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد المنافقون الذي كان إنفاقهسم وإيمانهسم تقية‪ ،‬والمعنى إن ال ل يحب كل مختال‬
‫فخور‪ ،‬ول الذين يبخلون؛ على ما ذكرنا من إعرابه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأعتدنسا للكافريسن عذابسا مهينسا" فصسل تعالى توعسد المؤمنيسن الباخليسن مسن توعسد‬
‫الكافرين بأن جعل الول عدم المحبة والثاني عذابا مهينا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ول يؤمنون بال ول باليوم الخر ومن يكن‬
‫الشيطان له قرينا فساء قرينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" الية‪ .‬عطف تعالى على "الذين يبخلون" [آل‬
‫عمران‪" :]180 :‬الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس"‪ .‬وقيل‪ :‬هو عطف على الكافرين‪ ،‬فيكون في‬
‫موضع خفض‪ .‬ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبرا للول‪ .‬قال الجمهور نزلت‬
‫في المنافقين‪ :‬لقوله تعالى‪" :‬رئاء الناس" والرئاء من النفاق‪ .‬مجاهد‪ :‬في اليهود‪ .‬وضعفه الطبري؛‬
‫لنسه تعالى نفسى عسن هذه الصسفة اليمان بال واليوم الخسر‪ ،‬واليهود ليسس كذلك‪ .‬قال ابسن عطيسة‪:‬‬
‫وقول مجاهسد متجسه على المبالغسة واللزام؛ إذ إيمانهسم باليوم الخسر كاليمان مسن حيسث ل ينفعهسم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في مطعمي يوم بدر‪ ،‬وهم رؤساء مكة؛ أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر‪ .‬قال ابن‬
‫الحربي‪ :‬ونفقة الرئاء تدخل في الحكام من حيث إنها ل تجزئ‪ .‬قلت‪ :‬ويدل على ذلك من الكتاب‬
‫قوله تعالى‪" :‬قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم" [التوبة‪ ]53 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا" في الكلم إضمار تقديره "ول يؤمنون‬
‫بال ول باليوم الخسسر" فقرينهسسم الشيطان "ومسسن يكسسن الشيطان له قرينسسا فسسساء قرينسسا"‪ .‬والقريسسن‪:‬‬
‫المقارن‪ ،‬أي الصاحب والخليل وهو فعيل من القران؛ قال عدي بن زيد‪:‬‬
‫فكل قرين بالمقارن يقتدي‬ ‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه‬
‫والمعنى‪ :‬من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه‪ .‬ويجوز أن يكون المعنى من قرن به الشيطان‬
‫في النار "فساء قرينا" أي فبئس الشيطان قرينا‪ ،‬وهو نصب على التمييز‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 39 :‬وماذا عليهسم لو آمنوا بال واليوم الخسر وأنفقوا ممسا رزقهسم ال وكان ال بهسم‬
‫عليما}‬
‫@ قوله‪" :‬ما" في موضع رفع بالبتداء و"ذا" خبره‪ ،‬وذا بمعنى الذي‪ .‬ويجوز أن يكون ما وذا‬
‫اسسما واحدا‪ .‬فعلى الول تقديره ومسا الذي عليهسم‪ ،‬وعلى الثانسي تقديره وأي شيسء عليهسم "لو آمنوا‬
‫بال واليوم الخسسر"‪ ،‬أي صسسدقوا بواجسسب الوجود‪ ،‬وبمسسا جاء بسسه الرسسسول مسسن تفاصسسيل الخرة‪،‬‬
‫"وأنفقوا مما رزقهم ال"‪" .‬وكان ال بهم عليما" تقدم معناه في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال ل يظلم مثقال ذرة" أي ل يبخسهم ول ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة‬
‫بسل يجازيهسم بهسا ويثيبهسم عليهسا‪ .‬والمراد مسن الكلم أن ال تعالى ل يظلم قليل ول كثيرا؛ كمسا قال‬
‫تعالى‪" :‬إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونسسس‪ .]44 :‬والذرة‪ :‬النملة الحمراء؛ عسسن ابسسن عباس‬
‫وغيره‪ ،‬وهي أصغر النمل‪ .‬وعنه أيضا رأس النملة‪ .‬وقال يزيد بن هارون‪ :‬زعموا أن الذرة ليس‬
‫لها وزن‪ .‬ويحكى أن رجل وضع خبزا حتى عله الذر مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن‬
‫الخبز شيئا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقرآن والسنة يدلن على أن للذرة وزنا؛ كما أن للدينار ونصفه وزنا‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الذرة الخردلة؛ كمسسا قال تعالى‪" :‬فل تظلم نفسسس شيئا وإن كان مثقال حبسسة مسسن خردل أتينسسا بهسسا"‬
‫[النبياء‪ .]47 :‬وقيل غير هذا‪ ،‬وهي في الجملة عبارة عن أقل الشياء وأصغرها‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسسلم عسن أنسس قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬إن ال ل يظلم مؤمنسا حسسنة يعطسى بهسا‬
‫فسي الدنيسا ويجزى بهسا فسي الخرة وأمسا الكافسر فيطعسم بحسسنات مسا عمسل ل بهسا فسي الدنيسا حتسى إذا‬
‫أفضى إلى الخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تكسن حسسنة يضاعفهسا ويؤت" أي يكثسر ثوابهسا‪ .‬وقرأ أهسل الحجاز "حسسنة"‬
‫بالرفع‪ ،‬والعامة بالنصب؛ فعلى الول "تك" بمعنى تحدث‪ ،‬فهي تامة‪ .‬وعلى الثاني هي الناقصة‪،‬‬
‫أي إن تك فعلته حسنة‪ .‬وقرأ الحسن "نضاعفها" بنون العظمة‪ .‬والباقون بالياء‪ ،‬وهي أصح؛ لقوله‬
‫"ويؤت"‪ .‬وقرأ أبو رجاء "يضعفها"‪ ،‬والباقون "يضاعفها" وهما لغتان معناهما التكثير‪ .‬وقال أبو‬
‫عبيدة‪" :‬يضاعفها" معناه يجعله أضعافا كثيرة‪" ،‬ويضاعفها" بالتشديد يجعلها ضعفين‪" .‬من لدنه"‬
‫مسسن عنده‪ .‬وفيسه أربسسع لغات‪ :‬لدن ولدن ولد ولدى؛ فإذا أضافوه إلى أنفسسسهم سسددوا النون‪ ،‬ودخلت‬
‫عليه "من" حيث كانت "من" الداخلة لبتداء الغاية و"لدن" كذلك‪ ،‬فلما تشاكل حسن دخول "من"‬
‫عليهسا؛ ولذلك قال سسيبويه فسي لدن‪ :‬إنسه الموضسع الذي هسو أول الغايسة‪" .‬أجرا عظيمسا" يعنسي الجنة‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري الطويل ‪ -‬حديث الشفاعة ‪ -‬وفيه‪( :‬حتى إذا خلص‬
‫المؤمنون مسن النار فوالذي نفسسي بيده مسا منكسم مسن أحسد بأشسد مناشدة ل فسي اسستقصاء الحسق مسن‬
‫المؤمنيسسن ل يوم القيامسسة لخوانهسسم الذيسسن فسسي النار يقولون ربنسسا كانوا يصسسومون معنسسا ويصسسلون‬
‫ويحجون فيقال لهسم أخرجوا مسن عرفتسم فتحرم صسورهم على النار فيخرجون خلقسا كثيرا قسد أخذت‬
‫النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول جل وعز‬
‫أرجعوا فمسن وجدتسم فسي قلبسه مثقال دينار مسن خيسر فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثسم يقولون ربنسا‬
‫لم نذر فيها أحدا ممسن أمرتنسا بسه ثم يقول ارجعوا فمسن وجدتم فسي قلبسه مثقال نصسف دينار من خيسر‬
‫فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثم يقولون ربنسا لم نذر فيهسا ممسن أمرتنسا أحدا ثم يقول ارجعوا فمسن‬
‫وجدتسم فسي قلبسه مثقال ذرة مسن خيسر فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثسم يقولون ربنسا لم نذر فيهسا‬
‫خيرا)‪ .‬وكان أبسو سسعيد الخدري يقول‪ :‬إن لم تصسدقوني بهذا الحديسث فاقرؤوا إن شئتسم "إن ال ل‬
‫يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" وذكر الحديث‪ .‬وروي عن‬
‫ابسن مسسعود عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنه قال‪( :‬يؤتسى بالعبسد يوم القيامسة فيوقسف وينادي مناد‬
‫على رؤوس الخلئق هذا فلن بسن فلن مسن كان له عليسه حسق فليأت إلى حقسه ثسم يقول آت هؤلء‬
‫حقوقهسسم فيقول يسسا رب مسسن أيسسن لي وقسسد ذهبسست الدنيسسا عنسسي فيقول ال تعالى للملئكسسة انظروا إلى‬
‫أعماله الصسالحة فأعطوهسم منهسا فإن بقسي مثقال ذرة مسن حسسنة قالت الملئكسة يسا رب ‪ -‬وهسو أعلم‬
‫بذلك منهسم ‪ -‬قسد أعطسي لكسل ذي حسق حقسه وبقسي مثقال ذرة مسن حسسنة فيقول ال تعالى للملئكسة‬
‫ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة ومصداقه "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة‬
‫يضاعفهسا" ‪ -‬وإن كان عبدا شقيسا قالت الملئكسة إلهنسا فنيست حسسناته وبقيست سسيئاته وبقسي طالبون‬
‫كثيسر فيقول تعالى خذوا مسن سسيئاتهم فأضيفوهسا إلى سسيئاته ثسم صسكوا له صسكا إلى النار)‪ .‬فاليسة‬
‫على هذا التأويسل فسي الخصسوم‪ ،‬وأنسه تعالى ل يظلم مثقال ذرة للخصسم على الخصسم يأخسذ له منسه‪،‬‬
‫ول يظلم مثقال ذرة تبقسسى له بسسل يثيبسسه عليهسسا ويضعفهسسا له؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬وإن تسسك حسسسنة‬
‫يضاعفها"‪ .‬وروى أبو هريرة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن ال سبحانه‬
‫يعطسسي عبده المؤمسسن بالحسسسنة الواحدة ألفسسي ألف حسسسنة) وتل "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تسسك‬
‫حسسسنة يضاعفهسسا ويؤت مسسن لدنسسه أجرا عظيمسسا"‪ .‬قال عسسبيدة‪ :‬قال أبسسو هريرة‪ :‬وإذا قال ال "أجرا‬
‫عظيمسا" فمسن الذي يقدر قدره ! وقسد تقدم عسن ابسن عباس وابسن مسسعود‪ :‬أن هذه اليسة إحدى اليات‬
‫التي هي خير مما طلعت عليه الشمس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا}‬
‫@ فتحت الفاء الساكنين "وإذ" ظرف زمان والعامل فيه "جئنا" ذكر أبو الليث السمرقندي‪ :‬حدثنا‬
‫الخليل بن أحمد قال‪ :‬حدثنا ابن منيع قال‪ :‬حدثنا أبو كامل قال‪ :‬حدثنا فضيل عن يونس بن محمد‬
‫بسن فضالة عسن أبيسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أتاهسم فسي بنسي ظفسر فجلس على الصسخرة‬
‫التسي فسي بنسي ظفسر ومعه ابسن مسسعود ومعاذ وناس مسن أصسحابه فأمسر قارئا يقرأ حتسى إذا أتسى على‬
‫هذه اليسة "فكيسف إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على هؤلء شهيدا" بكسى رسسول ال صسلى‬
‫ال عليسه وسسلم حتسى اخضلت وجنتاه؛ فقال‪( :‬يسا رب هذا على مسن أنسا بيسن ظهرانيهسم فكيسف مسن لم‬
‫أرهم)‪ .‬وروى البخاري عن عبدال قال‪ .‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اقرأ علي) قلت‪:‬‬
‫اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال‪( :‬إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأت عليه سورة "النساء" حتى‬
‫بلغست "فكيسف إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على هؤلء شهيدا" قال‪( :‬أمسسك) فإذا عيناه‬
‫تذرفان‪ .‬وأخرجسه مسسلم وقال بدل قوله (أمسسك)‪ :‬فرفعست رأسسي ‪ -‬أو غمزنسي رجسل إلى جنسبي ‪-‬‬
‫فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬بكاء النبي صلى ال عليه وسلم إنما كان لعظيم‬
‫ما تضمنته هذه الية من هول المطلع وشدة المر؛ إذ يؤتى بالنبياء شهداء على أممهم بالتصديق‬
‫والتكذيسب‪ ،‬ويؤتسى بسه صسلى ال عليسه وسسلم يوم القيامسة شهيدا‪ .‬والشارة بقوله "على هؤلء" إلى‬
‫كفار قريسش وغيرهسم مسن الكفار؛ وإنمسا خسص كفار قريسش بالذكسر لن وظيفسة العذاب أشسد عليهسم‬
‫منهسا على غيرهسم؛ لعنادهسم عنسد رؤيسة المعجزات‪ ،‬ومسا أظهره ال على يديسه مسن خوارق العادات‪.‬‬
‫والمعنسى فكيسف يكون حال هؤلء الكفار يوم القيامسة "إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على‬
‫هؤلء شهيدا" أمعذبيسن أم منعميسن ؟ وهذا اسستفهام معناه التوبيسخ‪ .‬وقيسل‪ :‬الشارة إلى جميسع أمتسه‪.‬‬
‫ذكر ابن المبارك أخبرنا رجل من النصار عن المنهال بن عمر وحدثه أنه سمع سعيد بن المسيب‬
‫يقول‪ :‬ليسسس مسسن يوم إل تعرض على النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم أمتسسه غدوة وعشيسسة فيعرفهسسم‬
‫بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم؛ يقول ال تبارك وتعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد"‬
‫يعنسي بنبيهسا "وجئنا بك على هؤلء شهيدا"‪ .‬وموضع "كيف" نصب بفعل مضمر‪ ،‬التقديسر فكيسف‬
‫يكون حالهم؛ كما ذكرنا‪ .‬والفعل المضمر قد يسد مسد "إذا"‪ ،‬والعامل في "إذا" "جئنا"‪ .‬و"شهيدا"‬
‫حال‪ .‬وفسسي الحديسسث مسسن الفقسسه جواز قراءة الطالب على الشيسسخ والعرض عليسسه‪ ،‬ويجوز عكسسسه‪.‬‬
‫وسيأتي بيانه في حديث أبي في سورة "لم يكن"‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ .‬و"شهيدا" نصب على الحال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الرض ول يكتمون ال‬
‫حديثا}‬
‫@ ضمت الواو في "عصوا"‪ .‬للتقاء الساكنين‪ ،‬ويجوز كسرها‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر "تسوى"‬
‫بفتح التاء والتشديد في السين‪ .‬وحمزة والكسائي كذلك إل أنهما خففا السين‪ .‬والباقون ضموا التاء‬
‫وخففوا السين‪ ،‬مبنيا للمفعول والفاعل غير مسمى‪ .‬والمعنى لو يسوي ال بهم الرض‪ .‬أي يجعلهم‬
‫والرض سسواء‪ .‬ومعنسى آخسر‪ :‬تمنوا لو لم يبعثهسم ال وكانست الرض مسستوية عليهسم؛ لنهسم مسن‬
‫التراب نقلوا‪ .‬وعلى القراءة الولى والثانية فالرض فاعلة‪ ،‬والمعنى تمنوا لو انفتحت لهم الرض‬
‫فساخوا فيها؛ قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬الباء بمعنى على‪ ،‬أي لو تسوى عليهم أي تنشق فتسوى عليهم؛ عن‬
‫الحسسن‪ .‬فقراءة التشدد على الدغام‪ ،‬والتخفيسف على حذف التاء‪ .‬وقيسل‪ :‬إنمسا تمنوا هذا حيسن رأوا‬
‫البهائم تصير ترابا وعلموا أنهم مخلدون في النار؛ وهذا معنى قوله تعالى‪" :‬ويقول الكافر يا ليتني‬
‫كنست ترابسا" [النبسأ‪ .]40 :‬وقيسل‪ :‬إنمسا تمنوا هذا حيسن شهدت هذه المسة للنسبياء على مسا تقدم فسي‬
‫"البقرة" عند قوله تعالى‪" :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا" [البقرة‪ ]143 :‬الية‪ .‬فتقول المم الخالية‪:‬‬
‫إن فيهسم الزناة والسراق فل تقبل شهادتهسم فيزكيهسم النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيقول المشركون‪:‬‬
‫"وال ربنا ما كنا مشركين" [النعام‪ ]23 :‬فيختم على أفواههم وتشهد أرجلهم وأيديهم بما كانوا‬
‫يكسسسبون؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬يومئذ يود الذيسسن كفروا وعصسسوا الرسسسول لو تسسسوى بهسسم الرض‬
‫"يعني تخسف بهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يكتمون ال حديثسا" قال الزجاج‪ :‬قال بعضهسم‪" :‬ول يكتمون ال حديثسا"‬
‫مسسستأنف؛ لن مسسا عملوه ظاهسسر عنسسد ال ل يقدرون على كتمانسسه‪ .‬وقال بعضهسسم‪ :‬هسسو معطوف‪،‬‬
‫والمعنسى يود لو أن الرض سسويت بهسم وأنهسم لم يكتموا ال حديثسا؛ لنسه ظهسر كذبهسم‪ .‬وسسئل ابسن‬
‫عباس عسن هذه اليسة‪ ،‬وعسن قوله تعالى‪" :‬وال ربنسا مسا كنسا مشركيسن" فقال‪ :‬لمسا رأوا أنسه ل يدخسل‬
‫الجنسة إل أهسل السسلم قالوا‪" :‬وال ربنسا مسا كنسا مشركيسن" فختسم ال على أفواههسم وتكلمست أيديهسم‬
‫وأرجلهم فل يكتمون ال حديثا‪ .‬وقال الحسن وقتادة‪ :‬الخرة مواطن يكون هذا في بعضها وهذا في‬
‫بعضهسا‪ .‬ومعناه أنهسم لمسا تسبين لهسم وحوسسبوا لم يكتموا‪ .‬وسسيأتي لهذا مزيسد بيان فسي "النعام" إن‬
‫شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 43 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سكارى حتسى تعلموا ما تقولون ول‬
‫جنبا إل عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو‬
‫لمسستم النسساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صسعيدا طيبسا فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم إن ال كان عفوا‬
‫غفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى" خص ال سبحانه وتعالى بهذا‬
‫الخطاب المؤمنيسسن؛ لنهسسم كانوا يقيمون الصسسلة وقسسد أخذوا مسسن الخمسسر وأتلفسست عليهسسم أذهانهسسم‬
‫فخصسوا بهذا الخطاب؛ إذ كان الكفار ل يفعلونهسا صسحاة ول سسكارى‪ .‬روى أبسو داود عسن عمسر بسن‬
‫الخطاب رضي ال عنه قال‪ :‬لما نزل تحريم الخمر قال عمر‪ :‬اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا؛‬
‫فنزلت اليسة التسي فسي البقرة "يسسألونك عسن الخمسر والميسسر" [البقرة‪ ]219 :‬قال‪ :‬فدعسي عمسر‬
‫فقرئت عليه فقال‪ :‬اللهسم بيسن لنسا فسي الخمسر بيانسا شافيسا؛ فنزلت الية التسي فسي النسساء "يسا أيهسا الذيسن‬
‫آمنوا ل تقربوا الصسسلة وأنتسسم سسسكارى" فكان منادي رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم إذا أقيمسست‬
‫الصلة ينادي‪ :‬أل ل يقربن الصلة سكران‪ .‬فدعي عمر فقرئت عليه فقال‪ :‬اللهم بين لنا في الخمر‬
‫بيانا شافيا؛ فنزلت هذه الية‪" :‬فهل أنتم منتهون" [المائدة‪ ]91 :‬قال عمر‪ :‬انتهينا‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جسبير‪ :‬كان الناس على أمسر جاهليتهسم حتسى يؤمروا أو ينهوا؛ فكانوا يشربونهسا أول السسلم حتسى‬
‫نزلت‪" :‬يسسألونك عسن الخمسر والميسسر قسل فيهمسا إثسم كسبير ومنافسع للناس" [البقرة‪ .]219 :‬قالوا‪:‬‬
‫نشربها للمنفعة ل للثم؛ فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ‪ :‬قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون؛‬
‫فنزلت‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سسكارى"‪ .‬فقالوا‪ :‬فسي غيسر عيسن الصسلة‪ .‬فقال‬
‫عمسر‪ :‬اللهسم أنزل علينسا فسي الخمسر بيانسا شافيسا؛ فنزلت‪" :‬إنمسا يريسد الشيطان" [المائدة‪ ]91 :‬اليسة‪.‬‬
‫فقال عمسسر‪ :‬انتهينسسا‪ ،‬انتهينسسا‪ .‬ثسسم طاف منادي رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪ :‬أل إن الخمسسر قسسد‬
‫حرمست؛ على مسا يأتسسي بيانسسه فسسي "المائدة" إن شاء ال تعالى‪ :‬وروى الترمذي عسن علي بسن أبسسي‬
‫طالب قال‪ :‬صسنع لنسا عبدالرحمسن بسن عوف طعامسا فدعانسا وسسقانا مسن الخمسر‪ ،‬فأخذت الخمسر منسا‪،‬‬
‫وحضرت الصلة فقدموني فقرأت‪" :‬قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون" [الكافرون‪]2 - 1 :‬‬
‫ونحن نعبد ما تعبدون‪ .‬قال‪ :‬فأنزل ال تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى‬
‫حتى تعلموا ما تقولون"‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬ووجه التصال والنظم بما قبله‬
‫أنسه قال سسبحانه وتعالى‪" :‬واعبدوا ال ول تشركوا بسه شيئا" [النسساء‪ .]36 :‬ثسم ذكسر بعسد اليمان‬
‫الصسلة التسي هسي رأس العبادات؛ ولذلك يقتسل تاركهسا ول يسسقط فرضهسا‪ ،‬وانجسر الكلم إلى ذكسر‬
‫شروطها التي ل تصح إل بها‪.‬‬
‫@ والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر؛ إل الضحاك فإنه‬
‫قال‪ :‬المراد سسكر النوم؛ لقوله عليسه السسلم‪( :‬إذا نعسس أحدكسم فسي الصسلة فليرقسد حتسى يذهسب عنسه‬
‫النوم‪ ،‬فإنسه ل يدري لعله يسستغفر فيسسب نفسسه)‪ .‬وقال عسبيدة السسلماني‪" :‬وأنتسم سسكارى" يعنسي إذا‬
‫كنت حاقنا؛ لقوله عليه السلم‪( :‬ل يصلين أحدكم وهو حاقن) في رواية (وهو ضام بين فخذيه)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول الضحاك وعبيدة صحيح المعنى؛ فإن المطلوب من المصلي القبال على ال تعالى‬
‫بقلبسه وترك اللتفات إلى غيره‪ ،‬والخلو عسن كسل مسا يشوش عليسه مسن نوم وحقنسة وجوع‪ ،‬وكسل مسا‬
‫يشغسل البال ويغيسر الحال‪ .‬قال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬إذا حضسر العشاء وأقيمست الصسلة فابدؤوا‬
‫بالعشاء)‪ .‬فراعى صلى ال عليه وسلم زوال كل مشوش يتعلق به الخاطر‪ ،‬حتى يقبل على عبادة‬
‫ربسه بفراغ قلبسه وخالص لبسه‪ ،‬فيخشسع فسي صسلته‪ .‬ويدخسل فسي هذه اليسة‪" :‬قسد أفلح المؤمنون الذيسن‬
‫هسم فسي صسلتهم خاشعون" [المؤمنون‪ ]2 - 1 :‬على مسا يأتسي بيانسه‪ .‬وقال ابسن عباس‪ :‬إن قوله‬
‫تعالى‪ :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سسكارى" منسسوخ بآيسة المائدة‪" :‬إذا قمتسم إلى‬
‫الصسلة فاغسسلوا" [المائدة‪ ]6 :‬اليسة‪ .‬فأمروا على هذا القول بأل يصسلوا سسكارى؛ ثسم أمروا بأن‬
‫يصلوا على كل حال؛ وهذا قبل التحريم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬نسخت بتحريم الخمر‪ .‬وكذلك قال عكرمة‬
‫وقتادة‪ ،‬وهو الصحيح في الباب لحديث علي المذكور‪ .‬وروي أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫قال‪ :‬أقيمت الصلة فنادى منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يقربن الصلة سكران؛ ذكره‬
‫النحاس‪ .‬وعلى قول الضحاك وعبيدة الية محكمة ل نسخ فيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تقربوا" إذا قيل‪ :‬ل تقرب بفتح الراء كان معناه ل تلبس بالفعل‪ ،‬وإذا كان بضم‬
‫الراء كان معناه ل تدن منسسه‪ .‬والخطاب لجماعسسة المسسة الصسساحين‪ .‬وأمسسا السسسكران إذا عدم الميسسز‬
‫لسسكره فليسس بمخاطسب فسي ذلك الوقست لذهاب عقله؛ وإنمسا هسو مخاطسب بامتثال مسا يجسب عليسه‪،‬‬
‫وبتكفير ما ضيع في وقت سكره من الحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الصسسلة" اختلف العلماء فسسي المراد بالصسسلة هنسسا؛ فقالت طائفسسة‪ :‬هسسي العبادة‬
‫المعروفة نفسها؛ وهو قول أبي حنيفة؛ ولذلك قال "حتى تعلموا ما تقولون"‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬المراد‬
‫مواضسسع الصسسلة؛ وهسسو قول الشافعسسي‪ ،‬فحذف المضاف‪ .‬وقسسد قال تعالى "لهدمسست صسسوامع وبيسسع‬
‫وصلوات" [الحج‪ ]40 :‬فسمى مواضع الصلة صلة‪ .‬ويدل على هذا التأويل قوله تعالى‪" :‬ول‬
‫جنبسسا إل عابري سسسبيل "هذا يقتضسسي جواز العبور للجنسسب فسسي المسسسجد ل الصسسلة فيسسه‪ .‬وقال أبسسو‬
‫حنيفسسة‪ :‬المراد بقوله تعالى‪" :‬ول جنبسسا إل عابري سسسبيل" المسسسافر إذا لم يجسسد الماء فإنسسه يتيمسسم‬
‫ويصسلي؛ وسسيأتي بيانسه‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬المراد الموضسع والصسلة معسا؛ لنهسم كانوا حينئذ ل يأتون‬
‫المسجد إل للصلة ول يصلون إل مجتمعين‪ ،‬فكانا متلزمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنتم سكارى" ابتداء وخبر‪ ،‬جملة في موضع الحال من "تقربوا"‪ .‬و"سكارى"‬
‫جمسع سسكران؛ مثسل كسسلن وكسسالى‪ .‬وقرأ النخعسي "سسكرى" بفتسح السسين على مثال فعلى‪ ،‬وهسو‬
‫تكسير سكران؛ وإنما كسر على سكرى لن السكر آفة تلحق العقل فجرى مجرى صرعى وبابه‪.‬‬
‫وقرأ العمسسش "سسسكرى" كحبلى فهسسو صسفة مفردة؛ وجاز الخبار بالصسسفة المفردة عسن الجماعسة‬
‫على مسا يسستعملونه من الخبار عن الجماعة بالواحد‪ .‬والسسكر‪ :‬نقيسض الصحو؛ يقال‪ :‬سكر يسسكر‬
‫مسسكرا‪ ،‬مسن باب حمسد يحمسد‪ .‬وسسكرت عينسه تسسكر أي تحيرت؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬إنمسا سسكرت‬
‫أبصارنا" [الحجر‪ .]15 :‬وسكرت الشق سددته‪ .‬فالسكران قد انقطع عما كان عليه من العقل‪.‬‬
‫@ وفي هذه الية دليل بل نص على أن الشرب كان مباحا في أول السلم حتى ينتهي بصاحبه‬
‫إلى السسكر‪ .‬وقال قوم‪ :‬السسكر محرم فسي العقسل ومسا أبيسح فسي شيسء مسن الديان؛ وحملوا السسكر فسي‬
‫هذه اليسسة على النوم‪ .‬وقال القفال‪ :‬يحتمسسل أنسسه كان أبيسسح لهسسم مسسن الشراب مسسا يحرك الطبسسع إلى‬
‫السخاء والشجاعة والحمية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا المعنى موجود في أشعارهم؛ وقد قال حسان‪.‬‬
‫ونشربها فتتركنا ملوكا‬
‫وقسد أشبعنسا هذا المعنسى فسي "البقرة"‪ .‬قال القفال‪ :‬فأمسا مسا يزيسل العقسل حتسى يصسير صساحبه فسي حسد‬
‫الجنون والغماء فما أبيح قصده‪ ،‬بل لو اتفق من غير قصد فيكون مرفوعا عن صاحبه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا صسسسحيح‪ ،‬وسسسسيأتي بيانسسسه فسسسي "المائدة" إن شاء ال تعالى فسسسي قصسسسة حمزة‪ .‬وكان‬
‫المسسلمون لمسا نزلت هذه اليسة يجتنبون الشرب أوقات الصسلوات‪ ،‬فإذا صسلوا العشاء شربوهسا؛ فلم‬
‫يزالوا على ذلك حتسسى نزل تحريمهسسا فسسي "المائدة" فسسي قوله تعالى‪" :‬فهسسل أنتسسم منتهون" [المائدة‪:‬‬
‫‪.]91‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى تعلموا ما تقولون" أي حتى تعلموه متيقنين فيه من غير غلط‪ .‬والسكران ل‬
‫يعلم مسا يقول؛ ولذلك قال عثمان بسن عفان رضسي ال عنسه‪ :‬إن السسكران ل يلزمسه طلقسه‪ .‬وروي‬
‫عسن ابسن عباس وطاوس وعطاء والقاسسم وربيعسة‪ ،‬وهسو قول الليسث بسن سسعد وإسسحاق وأبسي ثور‬
‫والمزنسسسى؛ واختاره الطحاوي وقال‪ :‬أجمسسسع العلماء على أن طلق المعتوه ل يجوز‪ ،‬والسسسسكران‬
‫معتوه كالموسسوس معتوه بالوسسواس‪ .‬ول يختلفون أن مسن شرب البنسج فذهسب عقله أن طلقسه غيسر‬
‫جائز؛ فكذلك من سكر من الشراب‪ .‬وأجازت طائفة طلقه؛ وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية‬
‫وجماعسة مسن التابعيسن‪ ،‬وهسو قول أبسي حنيفسة والثوري والوزاعسي‪ ،‬واختلف فيسه قول الشافعسي‪.‬‬
‫والزمسه مالك الطلق والقود فسي الجراح والقتسل‪ ،‬ولم يلزمسه النكاح والبيسع‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬أفعال‬
‫السسكران وعقوده كلهسا ثابتسة كأفعال الصساحي‪ ،‬إل الردة فإنسه إذا ارتسد فإنسه ل تسبين منسه امرأتسه إل‬
‫اسستحسانا‪ .‬وقال أبسو يوسسف‪ :‬يكون مرتدا فسي حال سسكره؛ وهسو قول الشافعسي إل أنسه ل يقتله فسي‬
‫حال سكره ول يستتيبه‪ .‬وقال المام أبو عبدال المازري‪ :‬وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه ل يلزم‬
‫طلق السكران‪ .‬وقال محمد بن عبدالحكم‪ :‬ل يلزمه طلق ول عتاق‪ .‬قال ابن شاس‪ :‬ونزل الشيخ‬
‫أبو الوليد الخلف على المخلط الذي معه بقية من عقله إل أنه ل يملك الختلط من نفسه فيخطئ‬
‫ويصسسيب‪ .‬قال‪ :‬فأمسسا السسسكران الذي ل يعرف الرض مسسن السسسماء ول الرجسسل مسسن المرأة‪ ،‬فل‬
‫اختلف فسي أنسه كالمجنون فسي جميسع أفعال وأحواله فيمسا بينسه وبيسن الناس‪ ،‬وفيمسا بينسه وبيسن ال‬
‫تعالى أيضا؛ إل فيما ذهب وقته من الصلوات‪ ،‬فقيل‪ :‬إنها ل تسقط عنه بخلف المجنون؛ من أجل‬
‫أنسه بإدخاله السسكر على نفسسه كالمتعمسد لتركهسا حتسى خرج وقتهسا‪ .‬وقال سسفيان الثوري‪ :‬حسد السسكر‬
‫اختلل العقسل؛ فإذا اسستقرئ فخلط فسي قراءتسه وتكلم بمسا ل يعرف جلد‪ .‬وقال أحمسد‪ :‬إذا تغيسر عقله‬
‫عسن حال الصسحة فهسو سسكران؛ وحكسي عسن مالك نحوه‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬إذا خلط فسي قراءتسه فهسو‬
‫سكران؛ استدلل بقول ال تعالى‪" :‬حتى تعلموا ما تقولون"‪ .‬فإذا كان بحيث ل يعلم ما يقول تجنب‬
‫المسجد مخافة التلويث؛ ول تصح صلته وإن صلى ال عليه وسلم قضى‪ .‬وإن كان بحيث يعلم ما‬
‫يقول فأتى بالصلة فحكمه حكم الصاحي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جنبا" عطف على موضع الجملة المنصوبة فسي قوله‪" :‬حتى تعلموا" أي ل‬
‫تصسلوا وقسد أجنبتسم‪ .‬ويقال‪ :‬تجنبتسم وأجنبتسم وجنبتسم بمعنسى‪ .‬ولفسظ الجنسب ل يؤنسث ول يثنسى ول‬
‫يجمسع؛ لنسه على وزن المصسدر كالبعسد والقرب‪ .‬وربمسا خففوه فقالوا‪ :‬جنسب؛ وقسد قرأه كذلك قوم‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة‪ .‬وقيل‪ :‬يجمع الجنب في لغة على أجناب؛ مثل‬
‫عنسسق وأعناق‪ ،‬وطنسسب وأطناب‪ .‬ومسسن قال للواحسسد جانسسب قال فسسي الجمسسع‪ :‬جناب؛ كقولك‪ :‬راكسسب‬
‫وركاب‪ .‬والصل البعد؛ كأن الجنب بعد بخروج الماء الدافق عن حال الصلة؛ قال‪:‬‬
‫فإني امرؤ وسط القباب غريب‬ ‫فل تحرمي نائل عن جنابة‬
‫ورجل جنب‪ :‬غريب‪ .‬والجنابة مخالطة الرجل المرأة‪.‬‬
‫@والجمهور من المة على أن الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان‪ .‬وروي عن‬
‫بعسض الصسحابة أل غسسل إل مسن إنزال؛ لقوله عليسه السسلم‪( :‬إنمسا الماء مسن الماء) أخرجسه مسسلم‪.‬‬
‫وفسي البخاري عسن أبسي بسن كعسب أنسه قال‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬إذا جامسع الرجسل المرأة فلم ينزل ؟ قال‪:‬‬
‫(يغسسل مسا مسس المرأة مسن ثسم يتوضسأ ويصسلي)‪ .‬قال أبسو عبدال‪ :‬الغسسل أحوط؛ وذلك الخسر إنمسا‬
‫بيناه لختلفهم‪ .‬وأخرجه مسلم في صحيحه بمعناه‪ ،‬وقال في آخره‪ :‬قال أبو العلء بن الشخير كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعضا‪ .‬قال أبو‬
‫إسحاق‪ :‬هذا منسوخ‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬كان هذا الحكم في أول السلم ثم نسخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المصار‪ ،‬وأن الغسل يجب بنفس‬
‫التقاء الختانين‪ .‬وقد كان فيه خلف بين الصحابة ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى‬
‫ال عليسه وسسلم قال‪( :‬إذا جلس بيسن شعبهسا الربسع ومسس الختان الختان منسه وجسب الغسسل)‪ .‬أخرجسه‬
‫مسسلم‪ .‬وفسي الصسحيحين مسن حديسث أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬إذا قعسد بيسن‬
‫شعبهسا الربسع ثسم جهدهسا فقسد وجسب عليسه الغسسل)‪ .‬زاد مسسلم (وإن لم ينزل)‪ .‬وقال ابسن القصسار‪:‬‬
‫وأجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلف من قبلهم على الخذ بحديث (إذا التقى الختانان) وإذا صح‬
‫الجماع بعسسد الخلف كان مسسسقطا للخلف‪ .‬قال القاضسسي عياض‪ :‬ل نعلم أحدا قال بسسه بعسسد خلف‬
‫الصسحابة إل مسا حكسي عسن العمسش ثسم بعده داود الصسبهاني‪ .‬وقسد روي أن عمسر رضسي ال عنسه‬
‫حمسسسل الناس على ترك الخسسسذ بحديسسسث (الماء مسسسن الماء) لمسسسا اختلفوا‪ .‬وتأوله ابسسسن عباس على‬
‫الحتلم؛ أي إنمسا يجسب الغتسسال بالماء مسن إنزال الماء فسي الحتلم‪ .‬ومتسى لم يكسن إنزال وإن‬
‫رأى أنه يجامع فل غسل‪ .‬وهذا ما ل خلف فيه بين كافة العلماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل عابري سبيل" يقال‪ :‬عبرت الطريق أي قطعته من جانب إلى جانب‪ .‬وعبرت‬
‫النهسر عبورا‪ ،‬وهذا عبر النهسر أي شطه‪ ،‬ويقال‪ :‬عبر بالضسم‪ .‬والمعبر ما يعبر عليه من سفينة أو‬
‫قنطرة‪ .‬وهذا عابر السسبيل أي مار الطريسق‪ .‬وناقسة عسبر أسسفار‪ :‬ل تزال يسسافر عليهسا ويقطسع بهسا‬
‫الفلة والهاجرة لسرعة مشيها‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫عبر الهواجر كالهزف الخاضب‬ ‫عيرانة سرح اليدين شملة‬
‫وعبر القوم ماتوا‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ويلعب بالجزوع وبالصبور‬ ‫قضاء ال يغلب كل شيء‬
‫وإن نغبر فنحن على نذور‬ ‫فإن نعبر فإن لنا لمات‬
‫يقول‪ :‬إن متنا فلنا أقران‪ ،‬وإن بقينا فل بد لنا من الموت؛ حتى كأن علينا في إتيانه نذورا‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في قوله‪" :‬إل عابري سبيل" فقال علي رضي ال عنه وابن عباس وابن جبير‬
‫ومجاهسسد والحكسسم‪ :‬عابر السسسبيل المسسسافر‪ .‬ول يصسسح لحسسد أن يقرب الصسسلة وهسسو جنسسب إل بعسسد‬
‫الغتسال‪ ،‬إل المسافر فإنه يتيمم؛ وهذا قول أبي حنيفة؛ لن الغالب في الماء ل يعدم في الحضر؛‬
‫فالحاضسر يغتسسل لوجود الماء‪ ،‬والمسسافر يتيمسم إذا لم يجده‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وقال أصسحاب الرأي‬
‫فسي الجنسب المسسافر يمسر على مسسجد فيسه عيسن ماء يتيمسم الصسعيد ويدخسل المسسجد ويسستقي منهسا ثسم‬
‫يخرج الماء مسن المسسجد‪ .‬ورخصست طائفسة فسي دخول الجنسب المسسجد‪ .‬واحتسج بعضهسم بقول النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬المؤمسن ليسس بنجسس)‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وبسه نقول‪ .‬وقال ابسن عباس أيضسا‬
‫وابسن مسسعود وعكرمسة والنخعسي‪ :‬عابر السسبيل الخاطسر المجتاز؛ وهو قول عمرو بسن دينار ومالك‬
‫والشافعسي‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬ل يمسر الجنسب فسي المسسجد إل أل يجسد بدا فيتيمسم ويمسر فيسه؛ هكذا قال‬
‫الثوري وإسسحاق بسن راهويسه‪ .‬وقال أحمسد وإسسحاق فسي الجنسب‪ :‬إذا توضسأ ل بأس أن يجلس فسي‬
‫المسجد حكاه ابن المنذر‪ .‬وروى بعضهم في سبب الية أن قوما من النصار كانت أبواب دورهم‬
‫شارعة في المسجد‪ ،‬فإذا أصاب أحدهم الجنابة أضطر إلى المرور في المسجد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صسحيح؛ يعضده مسا رواه أبسو داود عسن جسسرة بنست دجاجسة قالت‪ :‬سسمعت عائشسة‬
‫رضسي ال عنهسا تقول‪ :‬جاء رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ووجوه بيوت أصسحابه شارعسة فسي‬
‫المسسجد؛ فقال‪( :‬وجهوا هذه البيوت عسن المسسجد)‪ .‬ثسم دخسل النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ولم يصسنع‬
‫القوم شيئا رجاء أن تنزل لهسم رخصسة فخرج إليهسم فقال‪( :‬وجهوا هذه البيوت عسن المسسجد فإنسي ل‬
‫أحسل المسسجد لحائض ول جنسب)‪ .‬وفسي صسحيح مسسلم‪( :‬ل تبقيسن فسي المسسجد خوخسة إل خوخسة أبسي‬
‫بكسسر)‪ .‬فأمسسر صسسلى ال عليسسه وسسسلم بسسسد البواب لمسسا كان يؤدي ذلك إلى اتخاذا المسسسجد طريقسسا‬
‫والعبور فيسه‪ .‬واسستثنى خوخسة أبسي بكسر إكرامسا له وخصسوصية؛ لنهمسا كانسا ل يفترقان غالبسا‪ .‬وقسد‬
‫روي عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه لم يكسن أذن لحسد أن يمسر فسي المسسجد ول يجلس فيسه إل‬
‫علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه‪ .‬ورواه عطية العوفسي عن أبسي سسعيد الخدري قال‪ :‬قال رسسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسا ينبغسي لمسسلم ول يصسلح أن يجنسب فسي المسسجد إل أنسا وعلي)‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬وهذا يجوز أن يكون ذلك؛ لن بيت علي كان في المسجد‪ ،‬كما كان بيت النبي صلى ال‬
‫عليسسه وسسسلم فسسي المسسسجد‪ ،‬وإن كان البيتان لم يكونسسا فسسي المسسسجد ولكسسن كانسسا متصسسلين بالمسسسجد‬
‫وأبوابهما كانت في المسجد فجعلهما رسول ال صلى ال عليه وسلم من المسجد فقال‪( :‬ما ينبغي‬
‫لمسسلم) الحديسث‪ .‬والذي يدل على أن بيست علي كان فسي المسسجد مسا رواه ابسن شهاب عسن سسالم بسن‬
‫عبدال قال‪ :‬سسأل رجسل أبسي عسن علي وعثمان رضسي ال عنهمسا أيهمسا كان خيرا ؟ فقال له عبدال‬
‫بسن عمسر‪ :‬هذا بيست رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ! وأشار إلى بيست علي إلى جنبسه‪ ،‬لم يكسن فسي‬
‫المسسجد غيرهمسا؛ وذكسر الحديسث‪ .‬فلم يكونسا يجنبان فسي المسسجد وإنمسا كانسا يجنبان فسي بيوتهمسا‪،‬‬
‫وبيوتهما من المسجد إذ كان أبوابهما فيه؛ فكانا يستطرقانه في حال الجنابة إذا خرجا من بيوتهما‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون ذلك تخصسيصا لهمسا؛ وقسد كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم خسص بأشياء‪ ،‬فيكون‬
‫هذا ممسا خسص بسه‪ ،‬ثسم خسص النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عليسا عليسه السسلم فرخسص له فسي مسا لم‬
‫يرخسص فيسه لغيره‪ .‬وإن كانست أبواب بيوتهسم فسي المسسجد‪ ،‬فإنسه كان فسي المسسجد أبواب بيوت غيسر‬
‫بيتيهمسا؛ حتسى أمسر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بسسدها إل باب علي‪ .‬وروى عمرو بسن ميمون عسن‬
‫ابسن عباس قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬سسدوا البواب إل باب علي) فخصسه عليسه‬
‫السلم بأن ترك بابه في المسجد‪ ،‬وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد‪ .‬وأما قوله‪( :‬ل تبقين في‬
‫المسجد خوخة إل خوخة أبي بكر) فإن ذلك كانت ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أبوابا تطلع إلى المسجد خوخات‪،‬‬
‫وأبواب البيوت خارجسة مسن المسسجد؛ فأمسر عليسه السسلم بسسد تلك الخوخات وترك خوخسة أبسي بكسر‬
‫إكرامسسسا له‪ .‬والخوخات كالكوى والمشاكسسسي‪ ،‬وباب علي كان باب البيسسست الذي كان يدخسسسل منسسسه‬
‫ويخرج‪ .‬وقد فسر ابن عمر ذلك بقوله‪ :‬ولم يكن في المسجد غيرهما‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد ثبت عن عطاء‬
‫بن يسار أنه قال‪ :‬كان رجال من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضؤون‬
‫ويأتون المسسجد فيتحدثون فيسه‪ .‬وهذا يدل على أن اللبسث فسي المسسجد للجنسب جائز إذا توضسأ؛ وهسو‬
‫مذهب أحمد وإسحاق كما ذكرنا‪ .‬فالجواب أن الوضوء ل يرفع حدث الجنابة‪ ،‬وكل موضع وضع‬
‫للعبادة وأكرم عسن النجاسسة الظاهرة ينبغسي أل يدخله مسن ل يرضسى لتلك العبادة‪ ،‬ول يصسح له أن‬
‫يتلبس بها‪ .‬والغالب من أحوالهم المنقولة أنهم كانوا يغتسلون في بيوتهم‪ .‬فإن قيل‪ :‬يبطل بالمحدث‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ذلك يكثر وقوعه فيشق الوضوء منه؛ وفي قوله تعالى‪" :‬ول جنبا إل عابري سبيل" ما يغني‬
‫ويكفسي‪ .‬وإذا كان ل يجوز له اللبسسث فسسي المسسسجد فأحرى أل يجوز له مسسس المصسسحف ول القراءة‬
‫فيه؛ إذ هو أعظم حرمة‪ .‬وسيأتي بيانه في "الواقعة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ ويمنع الجنب عند علمائنا من قراءة القرآن غالبا إل اليات اليسيرة للتعوذ‪ .‬وقد روى موسى‬
‫بسسن عقبسسة عسسن نافسسع عسسن ابسسن عمسسر قال‪ :‬قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬ل يقرأ الجنسسب‬
‫والحائض شيئا مسن القرآن) أخرجسه ابسن ماجسة‪ .‬وأخرج الدارقطنسي مسن حديسث سسفيان عسن مسسعر‪،‬‬
‫وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبدال بن سلمة عن علي قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ل يحجبسه عسن قراءة القرآن شيسء إل أن يكون جنبسا‪ .‬قال سسفيان‪ :‬قال لي شعبسة‪ :‬مسا أحدث بحديسث‬
‫أحسسن منسه‪ .‬وأخرجسه ابسن ماجسة قال‪ :‬حدثنسا محمسد بسن بشار‪ ،‬حدثنسا محمسد بسن جعفسر‪ ،‬حدثنسا شعبسة‪،‬‬
‫عن عمرو بن مرة؛ فذكره بمعناه‪ ،‬وهذا إسناد صحيح‪ .‬وعن ابن عباس‪ ،‬عن عبدال بن رواحة أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب؛ أخرجه الدارقطني‪ .‬وروى‬
‫عن عكرمة قال‪ :‬كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة‬
‫فوقع عليها؛ وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه‪ ،‬فقامت فخرجت فرأته على جاريته‪ ،‬فرجعت‬
‫إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت‪ ،‬وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة فقال مهيسم ؟ قالت‪ :‬مهيسم ! لو‬
‫أدركتسسك حيسسث رأيتسسك لوجأت بيسسن كتفيسسك بهذه الشفرة‪ .‬قال‪ :‬وأيسسن رأيتنسسي ؟ قالت‪ :‬رأيتسسك على‬
‫الجاريسة؛ فقال‪ :‬مسا رأيتنسي؛ وقسد نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أن يقرأ أحدنسا القرآن وهسو‬
‫جنب‪ .‬قالت‪ :‬فأقرأ‪ ،‬وكانت ل تقرأ القرآن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كما لح مشهور من الفجر ساطع‬ ‫أتانا رسول ال يتلوا كتابه‬
‫به موقنات أن ما قال واقع‬ ‫أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا‬
‫إذا استثقلت بالمشركين المضاجع‬ ‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه‬
‫فقالت‪ :‬آمنست بال وكذبست البصسر‪ .‬ثسم غدا على رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأخسبره؛ فضحسك‬
‫حتى بدت نواجذه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى تغتسلوا" نهى ال سبحانه وتعالى عن الصلة إل بعد الغتسال؛ والغتسال‬
‫معنسى معقول‪ ،‬ولفظسه عنسد العرب معلوم‪ ،‬يعسبر بسه عسن إمرار اليسد مسع الماء على المغسسول؛ ولذلك‬
‫فرقست العرب بيسن قولهسم‪ :‬غسسلت الثوب‪ ،‬وبيسن قولهسم‪ :‬أفضست عليسه الماء وغمسسته فسي الماء‪ .‬إذا‬
‫تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا فسي الجنسب يصسب على جسسده الماء أو ينغمسس فيسه ول يتدلك؛‬
‫فالمشهور مسسسن مذهسسسب مالك أنسسسه ل بجزئه حتسسسى يتدلك؛ لن ال سسسسبحانه وتعالى أمسسسر الجنسسسب‬
‫بالغتسال‪ ،‬كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه؛ ولم يكن للمتوضئ بد من إمرار يديه مع الماء‬
‫على وجهسه ويديسه‪ ،‬فكذلك جميسع جسسد الجنسب ورأسسه فسي حكسم وجسه المتوضسئ ويديسه‪ .‬وهذا قول‬
‫المزني واختياره‪ .‬قال أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي‪ :‬وهذا هو المعقول من لفظ الغسل؛ لن‬
‫الغتسسال فسي اللغسة هسو الفتعال‪ ،‬ومسن لم يمسر فلم يفعسل غيسر صسب الماء ل يسسميه أهسل اللسسان‬
‫غاسسل‪ ،‬بسل يسسمونه صسابا للماء ومنغمسسا فيسه‪ .‬قال‪ :‬وعلى نحسو هذا جاءت الثار عسن النسبي صسلى‬
‫ال عليه وسسلم أنه قال‪( :‬تحست كل شعرة جنابسة فاغسلوا الشعسر واتقوا البشرة) قال‪ :‬وإنقاؤه ‪ -‬وال‬
‫أعلم ‪ -‬ل يكون إل بتتبعه؛ على حد ما ذكرنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل حجة فيما استدل به من الحديث لوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه قد خولف في تأويله؛ قال سفيان‬
‫بن عيينة‪ :‬المراد بقوله عليه السلم (وأنقوا البشرة) أراد غسل الفرج وتنظيفه‪ ،‬وأنه كنى بالبشرة‬
‫عن الفرج‪ .‬قال ابن وهب‪ :‬ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحاديث من ابن عيينة‪.‬‬
‫الثانسي‪ :‬إن الحديسث أخرجسه أبسو داود فسي سسننه وقال فيسه‪ :‬وهذا الحديسث ضعيسف؛ كذا فسي روايسة‬
‫ابسن داسسة‪ .‬وفسي روايسة اللؤلئي عنسه‪ :‬الحارث بسن وجيسه ضعيسف‪ ،‬حديثسه منكسر؛ فسسقط السستدلل‬
‫بالحديث‪ ،‬وبقي المعول على اللسان كما بينا‪ .‬ويعضده ما ثبت في صحيح الحديث أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه‪ ،‬فدعا بماء فأتبعه بول ولم يغسله؛ روته عائشة‪ ،‬ونحوه عن‬
‫أم قيسس بنست محصسن؛ أخرجهمسا مسسلم‪ .‬وقال الجمهور مسن العلماء وجماعسة الفقهاء‪ :‬يجزئ الجنسب‬
‫صسب الماء والنغماس فيسه إذا أسسبغ وعسم وإن لم يتدلك؛ على مقتضسى حديسث ميمونسة وعائشسة فسي‬
‫غسل النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬رواهما الئمة‪ ،‬وأن النبي صلى ال عليه وسلم كان يفيض الماء‬
‫على جسده؛ وبه قال محمد بن عبدالحكم‪ ،‬وإليه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك؛ قال‪ :‬وإنما أمر‬
‫بإمرار اليدين في الغسل لنه ل يكاد من لم يمر يديه عليه يسلم من تنكب الماء عن بعض ما يجب‬
‫عليه من جسده‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬وأعجب لبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن‬
‫الغسل دون ذلك يجزئ ! وما قاله قط مالك نصا ول تخريجا‪ ،‬وإنما هي من أوهامه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد روي هذا عن مالك نصا؛ قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثقة من ثقات الشاميين‪:‬‬
‫سألت مالك بن أنس عن رجل انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ‪ ،‬قال‪ :‬مضت صلته‪ .‬قال أبو‬
‫عمسر‪ :‬فهذه الروايسة فيهسا لم يتدلك ول توضسأ‪ ،‬وقسد أجزأه عنسد مالك‪ .‬والمشهور مسن مذهبسه أنسه ل‬
‫يجزئه حتى يتدلك؛ قياسا عل غسل الوجه واليدين‪ .‬وحجة الجماعة أن كل من صب عليه الماء فقد‬
‫اغتسسل‪ .‬والعرب تقول‪ :‬غسسلتني السسماء‪ .‬وقسد حكست عائشسة وميمونسة صسفة غسسل رسسول ال صسلى‬
‫ال عليه وسلم ولم يذكرا تدلكا‪ ،‬ولو كان واجبا ما تركه؛ لنه المبين عن ال مراده‪ ،‬ولو فعله لنقل‬
‫عنه؛ كما نقل تخليل أصول شعره بالماء وغرفه على رأسه‪ ،‬وغير ذلك من صفة غسله ووضوئه‬
‫عليسسه السسسلم‪ .‬قال أبسسو عمسسر‪ :‬وغيسسر نكيسسر أن يكون الغسسسل فسسي لسسسان العرب مرة بالعرك ومرة‬
‫بالصسب والفاضسة؛ وإذا كان هذا فل يمتنسع أن يكون ال جسل وعسز تعبسد عباده فسي الوضوء بإمرار‬
‫أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذلك غسل‪ ،‬وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غسل الجنابة‬
‫والحيسض‪ ،‬ويكون ذلك غسسل موافقسا للسسنة غيسر خارج مسن اللغسة‪ ،‬ويكون كسل واحسد مسن المريسن‬
‫أصل في نفسه‪ ،‬ل يجب أن يرد أحدهما إلى صاحبه؛ لن الصول ل يرد بعضها إلى بعض قياسا‬
‫‪ -‬وهذا ما ل خلف فيه بين علماء المة‪ .‬وإنما ترد القروع قياسا على الصول‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@ حديث ميمونة وعائشة يرد ما رواه شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه كان إذا اغتسل‬
‫مسن الجنابسة غسسل يديسه سسبعا وفرجسه سسبعا‪ .‬وقسد روي عسن ابسن عمسر قال‪ :‬كانست الصسلة خمسسين‪،‬‬
‫والغسل من الجنابة سبع مرار‪ ،‬وغسل البول من الثوب سبع مرار؛ فلم يزل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلة خمسا‪ ،‬والغسل من الجنابة مرة‪ ،‬والغسل من البول مرة‪ .‬قال‬
‫ابسن عبدالبر‪ :‬وإسسناد هذا الحديسث عسن ابسن عمسر فيسه ضعسف وليسن‪ ،‬وإن كان أبسو داود قسد خرجسه‬
‫والذي قبله عن شعبة مولى ابن عباس‪ ،‬وشعبة هذا ليس بالقوي‪ ،‬ويرهما حديث عائشة وميمونة‪.‬‬
‫@ ومسن لم يسستطع إمرار يده على جسسده فقسد قال سسحنون‪ :‬يجعسل مسن يلي ذلك منسه‪ ،‬أو يعالجسه‬
‫بخرقه‪ .‬وفي الواضحة‪ :‬يمر يديه على ما يدركه من جسسده‪ ،‬ثم يفيض الماء حتى يعم ما لم تبلغه‬
‫يداه‪.‬‬
‫@ واختلف قول مالك فسي تخليسل الجنسب لحيتسه؛ فروى ابسن القاسسم عنسه أنسه قال‪ :‬ليسس عليسه ذلك‪.‬‬
‫وروى أشهب عنه أن عليه ذلك‪ .‬قال ابن عبدالحكم‪ :‬ذلك هو أحب إلينا؛ لن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان يخلل شعره في غسل الجنابة‪ ،‬وذلك عام وإن كان الظهر فيه شعر رأسه؛ وعلى‬
‫هذين القولين العلماء‪ .‬ومن جهة المعنى أن استيعاب جميع الجسد في الغسل واجب‪ ،‬والبشرة التي‬
‫تحت اللحية من جملته؛ فوجب إيصال الماء إليها ومباشرتها باليد‪ .‬وإنما انتقل الفرض إلى الشعر‬
‫في الطهارة الصغرى لنها مبنية على التخفيف‪ ،‬ونيابة البدال فيها من غير ضرورة؛ ولذلك جاز‬
‫فيها المسح على الخفين ولم يجز في الغسل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويعضد‪ .‬هذا قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬تحت كل شعرة جنابة)‪.‬‬
‫@ وقد بالغ قوم فأوجبوا المضمضة والستنشاق؛ لقوله تعالى‪" :‬حتى تغتسلوا" منهم أبو حنيفة؛‬
‫ولنهما من جملة الوجه وحكمهما حكم ظاهر الوجه كالخد والجبين‪ ،‬فمن تركهما أعاد كمن ترك‬
‫لمعسة‪ ،‬ومسن تركهمسا فسي وضوئه فل إعادة عليسه‪ .‬وقال مالك‪ :‬ليسستا بفرض ل فسي الجنابسة ول فسي‬
‫الوضوء؛ لنهمسا باطنان فل يجسب كداخسل الجسسد‪ .‬وبذلك قال محمسد بسن جريسر الطسبري والليسث بسن‬
‫سعد والوزاعي وجماعة من التابعين‪ .‬وقال ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان‪ :‬هما فرض في‬
‫الوضوء والغسسل جميعسا؛ وهسو قول إسسحاق وأحمسد بسن حنبسل وبعسض أصسحاب داود‪ .‬وروي عسن‬
‫الزهري وعطاء مثسل هذا القول‪ .‬وروي عسن أحمسد أيضسا أن المضمضسة سسنة والسستنشاق فرض؛‬
‫وقال بسه بعسض أصسحاب داود‪ .‬وحجسة مسن لم يوجبهمسا أن ال سسبحانه لم يذكرهمسا فسي كتابسه‪ ،‬ول‬
‫أوجبهمسا رسسوله ول اتفسق الجميسع عليسه؛ والفرائض ل تثبست إل بهذه الوجوه‪ .‬احتسج مسن أوجبهمسا‬
‫بالية‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬فاغسلوا وجوهكم "فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الخر‪ ،‬والنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه ترك المضمضة والستنشاق في وضوئه ول في غسله من‬
‫الجنابسة؛ وهسو المسبين عسن ال مراده قول وعمل‪ .‬احتسج مسن فرق بينهمسا بأن النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها‪ ،‬وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إل بدليل‪ ،‬وفعل الستنشاق‬
‫وأمر به؛ وأمره على الوجوب أبدا‪.‬‬
‫@ قال علماؤنسا‪ :‬ول بسد فسي غسسل الجنابسة مسن النيسة؛ لقوله تعالى‪" :‬حتسى تغتسسلوا" وذلك يقتضسي‬
‫النيسة؛ وبسه قال مالك والشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور‪ ،‬وكذلك الوضوء والتيمسم‪ .‬وعضدوا هذا‬
‫وبقوله تعالى‪" :‬ومسسا أمروا إل ليعبدوا ال مخلصسسين له الديسسن "[البينسسة‪ ]5 :‬والخلص النيسسة فسسي‬
‫التقرب إلى ال تعالى‪ ،‬والقصسد له بأداء مسا افترض على عباده المؤمنيسن‪ ،‬وقال عليسه السسلم‪( :‬إنمسا‬
‫العمال بالنيات) وهذا عمل‪ .‬وقال الوزاعي والحسن‪ :‬يجزئ الوضوء والتيمم بغير نية‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفسة وأصسحابه‪ :‬كسل طهارة بالماء فإنهسا تجزئ بغيسر نيسة‪ ،‬ول يجزئ التيمسم إل بنيسة؛ قياسسا على‬
‫إزالة النجاسة بالجماع من البدان والثياب بغير نية‪ .‬ورواه الوليد بن مسلم عن مالك‪.‬‬
‫@ وأما قدر الماء الذي يغتسل به؛ فروى مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم‬
‫المؤمنيسن رضسي ال عنهسا أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان يغتسسل مسن إناء هسو الفرق مسن‬
‫الجنابة‪" .‬الفرق "تحرك راؤه وتسكن‪ .‬قال ابن وهب‪" :‬الفرق "مكيال من الخشب‪ ،‬كان ابن شهاب‬
‫يقول‪ :‬إنه يسع خمسة أقساط بأقساط بني أمية‪ .‬وقد فسر محمد بن عيسى العشى "الفرق "فقال‪:‬‬
‫ثلثة آصع‪ ،‬قال‪ :‬وهي خمسة أقساط‪ ،‬قال‪ :‬وفي الخمسة أقساط اثنا عشر مدا بمد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وفي صحيح مسلم قال سفيان‪" :‬الفرق "ثلثة آصع‪ .‬وعن أنس قال‪ :‬كان النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد‪ .‬وفي رواية‪ :‬يغتسل بخمسة مكاكيك‬
‫ويتوضأ بمكوك‪ .‬وهذه الحاديث تدل على استحباب تقليل الماء من غير كيل ول وزن‪ ،‬يأخذ منه‬
‫النسسان بقدر مسا يكفسي ول يكثسر منسه‪ ،‬فإن الكثار منسه سسرف والسسرف مذموم‪ .‬ومذهسب الباضيسة‬
‫الكثار من الماء‪ ،‬وذلك من الشيطان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم‬
‫تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" هذه آية التيمم‪ ،‬نزلت في عبدالرحمن‬
‫بسن عوف أصسابته جنابسة وهسو جريسح؛ فرخسص له فسي أن يتيمسم‪ ،‬ثسم صسارت اليسة عامسة فسي جميسع‬
‫الناس‪ .‬وقيسل‪ :‬نزلت بسسبب عدم الصسحابة الماء فسي غزوة "المريسسيع "حيسن انقطسع العقسد لعائشسة‪.‬‬
‫أخرج الحديسث مالك مسن روايسة عبدالرحمسن بسن القاسسم عسن أبيسه عسن عائشسة‪ .‬وترجسم البخاري هذه‬
‫الية في كتاب التفسير‪ :‬حدثنا محمد قال‪ :‬أخبرنا عبدة‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة‬
‫رضسي ال عنهسا قالت‪ :‬هلكست قلدة لسسماء فبعسث النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فسي طلبهسا رجال‪،‬‬
‫فحضرت الصسسلة وليسسسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصسسلوا وهسسم على غيسسر وضوء؛ فأنزل ال‬
‫تعالى آية التيمم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه الروايسة ليسس فيهسا ذكسر للموضسع‪ ،‬وفيهسا أن القلدة كانست لسسماء؛ خلف حديسث‬
‫مالك‪ .‬وذكسر النسسائي مسن روايسة علي بسن مسسهر عسن هشام بسن عروة عسن أبيسه عسن عائشسة أنهسا‬
‫اسستعارت مسن أسسماء قلدة لهسا وهسي فسي سسفر مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأنسسلت منهسا‬
‫وكان ذلك المكان يقال له الصسلصل؛ وذكسر الحديسث‪ .‬ففسي هذه الروايسة عسن هشام أن القلدة كانست‬
‫لسسماء‪ ،‬وأن عائشسة اسستعارتها مسن أسسماء‪ .‬وهذا بيان لحديسث مالك إذا قال‪ :‬انقطسع عقسد لعائشسة‪،‬‬
‫ولحديسسث البخاري إذ قال‪ :‬هلكسست قلدة لسسسماء‪ .‬وفيسسه أن المكان يقال له الصسسلصل‪ .‬وأخرجسسه‬
‫الترمذي حدثنسا الحميدي‪ ،‬حدثنسا سسفيان‪ ،‬حدثنسا هشام بسن عروة عسن أبيسه‪ ،‬عسن عائشسة أنهسا سسقطت‬
‫قلدتها ليلة البواء‪ ،‬فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم رجلين في طلبها؛ وذكر الحديث‪ .‬ففي‬
‫هذه الرواية عن هشام أيضا إضافة القلدة إليها‪ ،‬لكن إضافة مستعير بدليل حديث النسائي‪ .‬وقال‬
‫فسي المكان‪" :‬البواء "كمسا قال مالك‪ ،‬إل أنسه مسن غيسر شسك‪ .‬وفسي حديسث مالك قال‪ :‬وبعثنسا البعيسر‬
‫الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته‪ .‬وجاء في البخاري‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وجده‪.‬‬
‫وهذا كله صسحيح المعنسى‪ ،‬وليسس اختلف النقلة فسي العقسد والقلدة ول فسي الموضسع مسا يقدح فسي‬
‫الحديسث ول يوهسن شيئا منسه؛ لن المعنسى المراد مسن الحديسث والمقصسود بسه إليسه هسو نزول التيمسم‪،‬‬
‫وقسد ثبتست الروايات فسي أمسر القلدة‪ .‬وأمسا قوله فسي حديسث الترمذي‪ :‬فأرسسل رجليسن قيسل‪ :‬أحدهمسا‬
‫أسسيد بسن حضيسر‪ .‬ولعلهمسا المراد بالرجال فسي حديسث البخاري فعسبر عنهمسا بلفسظ الجمسع‪ ،‬إذ أقسل‬
‫الجمسع اثنان‪ ،‬أو أردف فسي أثرهمسا غيرهمسا فصسح إطلق اللفسظ وال أعلم‪ .‬فبعثوا فسي طلبهسا فطلبوا‬
‫فلم يجدوا شيئا في وجهتهم‪ ،‬فلما رجعوا أثاروا البعير فوجدوه تحته‪ .‬وقد روي أن أصحاب رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم أصسابتهم جراحسة ففشست فيهسم ثسم ابتلوا بالجنابسة فشكوا ذلك لرسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم فنزلت هذه اليسة‪ .‬وهذا أيضسا ليسس بخلف لمسا ذكرنسا؛ فإنهسم ربمسا أصسابتهم‬
‫الجراحة في غزوتهم تلك التي قفلوا منها إذ كان فيها قتال فشكوا‪ ،‬وضاع العقد ونزلت الية‪ .‬وقد‬
‫قيل‪ :‬إن ضياع العقد كان في غزاة بني المصطلق‪ .‬وهذا أيضا ليس بخلف لقول من قال في غزاة‬
‫المريسيع‪ ،‬إذ هي غزاة واحدة؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم غزا بني المصطلق في شعبان من‬
‫السسنة السسادسة مسن الهجرة‪ ،‬على مسا قال خليفسة بسن خياط وأبسو عمسر بسن عبدالبر‪ ،‬واسستعمل على‬
‫المدينسة أبسا ذر الغفاري‪ .‬وقيسل‪ :‬بسل نميلة بسن عبدال الليثسي‪ .‬وأغار رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫على بني المصطلق وهم غارون‪ ،‬وهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل‬
‫فقتل من قتل وسبى من سبى من النساء والذرية وكان شعارهم يومئذ‪ :‬أمت أمت‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن بني‬
‫المصطلق جمعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأرادوه‪ ،‬فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على‬
‫ماء‪ .‬فهذا ما جاء في بدء التيمم والسبب فيه‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن آية المائدة آية التيمم‪ ،‬على ما يأتي بيانه‬
‫هناك‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬فأنزل ال تعالى آية التيمم‪ ،‬وهي آية الوضوء المذكورة في سورة "المائدة"‪،‬‬
‫أو الية التي في سورة "النساء"‪ .‬ليس التيمم مذكورا في غير هاتين اليتين وهما مدنيتان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مرضسى "المرض عبارة عسن خروج البدن عسن حسد العتدال والعتياد‪ ،‬إلى‬
‫العوجاج والشذوذ‪ .‬وهسسو على ضربيسسن‪ :‬كثيسسر ويسسسير؛ فإذا كان كثيرا بحيسسث يخاف الموت لبرد‬
‫الماء‪ ،‬أو للعلة التسسي بسسه‪ ،‬أو يخاف فوت بعسسض العضاء‪ ،‬فهذا يتيمسسم بإجماع؛ إل مسسا روي عسسن‬
‫الحسسن وعطاء أنسه يتطهسر وإن مات‪ .‬وهذا مردود بقوله تعالى‪" :‬ومسا جعسل عليكسم فسي الديسن مسن‬
‫حرج "[الحسج‪ ]78 :‬وقوله تعالى‪" :‬ول تقتلوا أنفسسكم "[النسساء‪ .]29 :‬وروى الدارقطنسي عسن‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل‪" :‬وإن كنتم مرضى أو على سفر "قال‪ :‬إذا كانت‬
‫بالرجسل الجراحسة فسي سسبيل ال أو القروح أو الجدري فيجنسب فخاف أن يموت إن اغتسسل‪ ،‬تيمسم‪.‬‬
‫وعن سعد بن جبير أيضا عن ابن عباس قال‪ :‬رخص للمريض في التيمم بالصعيد‪ .‬وتيمم عمرو‬
‫بسن العاص لمسا خاف أن يهلك مسن شدة البرد ولم يأمره صسلى ال عليسه وسسلم بغسسل ول إعادة‪ .‬فإن‬
‫كان يسسسيرا إل أنسسه يخاف معسسه حدوث علة أو زيادتهسسا أو بطسسء برء فهؤلء يتيممون بإجماع مسسن‬
‫المذهب‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فيما حفظت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكر الباجي فيه خلفا؛ قال القاضي أبو الحسن‪ :‬مثل أن يخاف الصحيح نزلة أو حمى‪،‬‬
‫وكذلك إن كان المريسض يخاف زيادة مرض؛ وبنحسو ذلك قال أبسو حنيفسة‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬ل يجوز‬
‫له التيمسسم مسسع وجود الماء إل أن يخاف التلف؛ ورواه القاضسسي أبسسو الحسسسن عسسن مالك‪ .‬قال ابسسن‬
‫العربسسسي‪" :‬قال الشافعسسسي ل يباح التيمسسسم للمريسسسض إل إذا خاف التلف؛ لن زيادة المرض غيسسسر‬
‫متحققسة؛ لنهسا قسد تكون وقسد ل تكون‪ ،‬ول يجوز ترك الفرض المتيقسن للخوف المشكوك‪ .‬قلنسا‪ :‬قسد‬
‫ناقضسست؛ فإنسسك قلت إذا خاف التلف مسسن البرد تيمسسم؛ فكمسسا يبيسسح التيمسسم خوف التلف كذلك‪ ،‬يسسبيحه‬
‫خوف المرض؛ لن المرض محذور كمسسا أن التلف محذور‪ .‬قال‪ :‬وعجبسسا للشافعسسي يقول‪ :‬لو زاد‬
‫الماء على قدر قيمتسسه حبسسة لم يلزمسسه شراؤه صسسيانة للمال ويلزمسسه التيمسسم‪ ،‬وهسسو يخاف على بدنسسه‬
‫المرض ! وليس لهم عليه كلم يساوي سماعه"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح من قول الشافعي فيما قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم في تفسيره‪ :‬والمرض‬
‫الذي يباح له التيمسسم هسسو الذي يخاف فيسسه فوت الروح أو فوات بعسسض العضاء لو اسسستعمل الماء‪.‬‬
‫فإن خاف طول المرض فالقول الصسحيح للشافعسي‪ :‬جواز التيمسم‪ .‬روى أبسو داود والدارقطنسي‪ ،‬عسن‬
‫يحيى بن أيوب‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن عمران بن أبي أنس‪ ،‬عن عبدالرحمن بن جبير‪ ،‬عن‬
‫عمرو بسسن العاص قال‪ :‬احتلمسست فسسي ليلة باردة فسسي غزوة ذات السسسلسل فأشفقسست إن اغتسسسلت أن‬
‫أهلك؛ فتيممت ثم صليت بأصسحابي الصبح؛ فذكروا ذلك لرسول ال صسلى ال عليه وسلم فقال يا‬
‫عمرو‪( :‬صليت بأصحابك وأنت جنسب) ؟ فأخسبرته بالذي منعنسي من الغتسال وقلت‪ :‬إنسي سسمعت‬
‫ال عسز وجسل يقول‪" :‬ول تقتلوا أنفسسكم إن ال كان بكسم رحيمسا "[النسساء‪ ]29 :‬فضحسك نسبي ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم ولم يقسل شيئا‪ .‬فدل هذا الحديسث على إباحسة التيمسم مسع الخوف ل مسع اليقيسن‪،‬‬
‫وفيه إطلق اسم الجنب على المتيمم وجواز صلة المتيمم بالمتوضئين؛ وهذا أحد القولين عندنا؛‬
‫وهسو الصسحيح وهسو الذي أقرأه مالك فسي موطئه وقرئ عليسه إلى أن مات‪ .‬والقول الثانسي‪ :‬أنسه ل‬
‫يصلي؛ لنه أنقص فضيلة من المتوضئ‪ ،‬وحكم المام أن يكون أعلى رتبة؛ وقد روى الدارقطني‬
‫من حديث جابر بن عبدال قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يؤم المتيمم المتوضئين)‬
‫إسسناده ضعيسف‪ .‬وروى أبسو داود والدارقطنسي عسن جابر قال‪ :‬خرجنسا فسي سسفر فأصساب رجل منسا‬
‫حجر فشجه في رأسه ثم احتلم‪ ،‬فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا‪ :‬ما نجد‬
‫لك رخصة وأنت تقدر على الماء؛ فاغتسل فمات‪ ،‬فلما قدمنا على النبي صلى ال عليه وسلم أخبر‬
‫بذلك فقال‪( :‬قتلوه قتلهم ال أل سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال وإنما كان يكفيه أن يتيمم‬
‫ويعصسر أو يعصسب ‪ -‬شسك موسسى ‪ -‬على جرحسه خرقسة ثسم يمسسح عليهسا ويغسسل سسائر جسسده)‪ .‬قال‬
‫الدارقطنسي‪" :‬قال أبسو بكسر هذه سسنة تفرد بهسا أهسل مكسة وحملهسا أهسل الجزيرة‪ ،‬ولم يروه عن عطاء‬
‫عسن جابر غيسر الزبيسر بسن خريسق‪ ،‬وليسس بالقوي‪ ،‬وخالفسه الوزاعسي فرواه عسن عطاء عسن ابسن‬
‫عباس وهو الصواب‪ .‬واختلف عن الوزاعي فقيل عنه عن عطاء‪ ،‬وقيل عنه‪ :‬بلغني عن عطاء‪،‬‬
‫وأرسسل الوزاعسي آخره عسن عطاء عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وهسو الصسواب‪ .‬وقال ابسن أبسي‬
‫حاتم‪ :‬سألت أبي وأبا زرعة عنه فقال‪ :‬رواه ابن أبي العشرين‪ ،‬عن الوزاعي‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وأسند الحديث"‪ .‬وقال داود‪ :‬كل من انطلق عليه اسم المريض‬
‫فجائز له التيمم؛ لقوله تعالى‪" :‬وإن كنتم مرضى"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا قول خلف‪ ،‬وإنما هو عند‬
‫علماء المسة لمسن خاف مسن اسستعمال الماء أو تأذيسه بسه كالمجدور والمحصسوب‪ ،‬والعلل المخوف‬
‫عليها من الماء؛ كما تقدم عن ابن عباس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو على سسفر" يجوز التيمسم بسسبب السسفر طال أو قصسر عنسد عدم الماء‪ ،‬ول‬
‫يشترط أن يكون مما تقصر فيه الصلة؛ هذا مذهب مالك وجمهور العلماء‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يتيمم إل‬
‫في سفر تقصر فيه الصلة‪ .‬واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة‪ .‬وهذا كله ضعيف‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا‪ ،‬واختلفوا فيه في الحضر؛ فذهب مالك‬
‫وأصحابه إلى أن التيمم في الحضر والسفر جائز؛ وهو قول أبي حنيفة ومحمد‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل‬
‫يجوز للحاضسر الصسحيح أن يتيمسم إل أن يخاف التلف؛ وهسو قول الطسبري‪ .‬وقال الشافعسي أيضسا‬
‫والليسث والطسبري‪ :‬إذا عدم الماء فسي الحضسر مسع خوف الوقست الصسحيح والسسقيم تيمسم وصسلى ال‬
‫عليسه وسسلم ثسم أعاد‪ .‬وقال أبسو يوسسف وزفسر‪ :‬ل يجوز التيمسم فسي الحضسر ل لمرض ول لخوف‬
‫الوقست وقال الحسسن وعطاء‪ :‬ل يتيمسم المريسض إذا وجسد الماء‪ ،‬ل غيسر المريسض‪ .‬وسسبب الخلف‬
‫اختلفهسم فسي مفهوم اليسة؛ فقال مالك ومسن تابعسه‪ :‬ذكسر ال تعالى المرضسى والمسسافرين فسي شرط‬
‫التيمسم خرج على الغلب فيمسن ل يجسد الماء‪ ،‬والحاضرون الغلب عليهسم وجوده فلذلك لم ينسص‬
‫عليهم‪ .‬فكل من لم يجد الماء أو منعه منه مانع أو خاف فوات وقت الصلة‪ ،‬تيمم المسافر بالنص‪،‬‬
‫والحاضسر بالمعنسى‪ .‬وكذلك المريض بالنص والصحيح بالمعنسى‪ .‬وأما من منعه في الحضر فقال‪:‬‬
‫إن ال تعالى جعسل التيمسم رخصسة للمريسض والمسسافر؛ كالفطسر وقصسر الصسلة‪ ،‬ولم يبسح التيمسم إل‬
‫بشرطيسن‪ ،‬وهمسا المرض والسسفر؛ فل دخول للحاضسر الصسحيح فسي ذلك لخروجسه مسن شرط ال‬
‫تعالى‪ .‬وأمسا قول الحسسن وعطاء الذي منعسه جملة مسع وجود الماء فقال‪ :‬إنمسا شرطسه ال تعالى مسع‬
‫عدم الماء‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فلم يجدوا ماء فتيمموا "فلم يبسح التيمسم لحسد إل عنسد فقسد الماء‪ .‬وقال أبسو‬
‫عمر‪ :‬ولول قول الجمهور وما روي من الثر لكان قول الحسن وعطاء صحيحا؛ وال أعلم‪ .‬وقد‬
‫أجاز رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم التيمسم لعمرو بسن العاص وهسو مسسافر إذ خاف الهلك إن‬
‫اغتسسل بالماء‪ ،‬فالمريسض أحرى بذلك‪ .‬قلت‪ :‬ومسن الدليسل على جواز التيمسم فسي الحضسر إذا خاف‬
‫فوات الصلة إن ذهب إلى الماء الكتاب والسنة‪:‬‬
‫أمسا الكتاب فقوله سسبحانه‪" :‬أو جاء أحسد منكسم من الغائط "يعنسي المقيسم إذا عدم الماء تيمسم‪ .‬نسص‬
‫عليه القشيري عبدالرحيم قال‪ :‬ثم يقطع النظر في وجوب القضاء؛ لن عدم الماء في الحضر عذر‬
‫نادر وفي القضاء قولن‪:‬‬
‫قلت‪ :‬وهكذا نص أصحابنا فيمن تيمم في الحضر‪ ،‬فهل يعيد إذا وجد الماء أم ل؛ المشهور من‬
‫مذهب مالك أنه ل يعيد وهو الصحيح‪ .‬وقال ابن حبيب ومحمد بن عبدالحكم‪ .‬يعيد أبدا؛ ورواه ابن‬
‫المنذر عن مالك‪ .‬وقال الوليسد عنه‪ :‬يغتسل وإن طلعست الشمس‪ .‬وأمسا السسنة فمسا رواه البخاري عن‬
‫أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة النصاري قال‪ :‬أقبل النبي صلى ال عليه وسلم من نحو "بئر‬
‫جمل" فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح‬
‫بوجهسه ويديسه‪ ،‬ثسم رد عليسه السسلم‪ .‬وأخرجسه مسسلم وليسس فيسه لفسظ "بئر"‪ .‬وأخرجسه الدارقطنسي مسن‬
‫حديث ابن عمر وفيه "ثم رد على الرجل السلم وقال‪( :‬إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلم إل أني‬
‫لم أكن على طهر"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو جاء أحسد منكسم مسن الغائط" الغائط أصسله مسا انخفسض مسن الرض‪ ،‬والجمسع‬
‫الغيطان أو الغواط؛ وبسه سسمي غوطسة دمشسق‪ .‬وكانست العرب تقصسد هذا الصسنف مسن المواضسع‬
‫لقضاء حاجتهسا تسسترا عسن أعيسن الناس‪ ،‬ثسم سسمي الحدث الخارج مسن النسسان غائطسا للمقارنسة‪.‬‬
‫وغاط في الرض يغوط إذا غاب‪.‬‬
‫وقرأ الزهري‪" :‬مسسن الغيسسط" فيحتمسسل أن يكون أصسسله الغيسسط فخفسسف‪ ،‬كهيسسن وميسست وشبهسسه‪.‬‬
‫ويحتمسل أن يكون مسن الغوط؛ بدللة قولهسم تغوط إذا أتسى الغائط‪ ،‬فقلبست واو الغوط ياء؛ كمسا قالوا‬
‫فسي ل حول ل حيسل‪ .‬و"أو "بمعنسى الواو‪ ،‬أي إن كنتسم مرضسى أو على سسفر وجاء أحسد منكسم مسن‬
‫الغائط فتيمموا فالسسسبب الموجسسب للتيمسسم على هذا هسسو الحدث ل المرض والسسسفر؛ فدل على جواز‬
‫التيمسم فسي الحضسر كمسا بيناه‪ .‬والصسحيح فسي "أو "أنهسا على بابهسا عنسد أهسل النظسر‪ .‬فلو معناهسا‪،‬‬
‫وللواو معناهسا‪ .‬وهذا عندهسم على الحذف‪ ،‬والمعنسى وإن كنتسم مرضسى مرضسا ل تقدرون فيسه على‬
‫مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ لفظ "الغائط "يجمع بالمعنى جميع الحداث الناقضة للطهارة الصغرى‪ .‬وقد اختلف الناس في‬
‫حصسرها‪ ،‬وأنبسل مسا قيسل فسي ذلك أنهسا ثلثسة أنواع‪ ،‬ل خلف فيهسا فسي مذهبنسا‪ :‬زوال العقسل‪ ،‬خارج‬
‫معتاد‪ ،‬ملمسسة‪ .‬وعلى مذهسب أبسي حنيفسة مسا خرج مسن الجسسد مسن النجاسسات‪ ،‬ول يراعسى المخرج‬
‫ول يعسد اللمسس‪ .‬وعلى مذهسب الشافعسي ومحمسد بسن عبدالحكسم مسا خرج مسن السسبيلين‪ ،‬ول يراعسى‬
‫العتياد‪ ،‬ويعسد اللمسس‪ .‬وإذا تقرر هذا فاعلم أن المسسلمين أجمعوا على أن مسن زال عقله بإغماء أو‬
‫جنون أو سسكر فعليسه الوضوء‪ ،‬واختلفوا فسي النوم هسل هسو حدث كسسائر الحداث ؟ أو ليسس بحدث‬
‫أو مظنة حدث؛ ثلثة أقوال‪ :‬طرفان وواسطة‪.‬‬
‫الطرف الول‪ :‬ذهسب المزنسي أبسو إبراهيسم إسسماعيل إلى أنسه حدث‪ ،‬وأن الوضوء يجسب بقليله‬
‫وكثيره كسائر الحداث؛ وهو مقتضى قول مالك في الموطأ لقوله‪ :‬ول يتوضأ إل من حدث يخرج‬
‫من ذكر أو دبر أو نوم‪ .‬ومقتضى حديث صفوان بن عسال أخرجه النسائي والدارقطني والترمذي‬
‫وصححه‪ .‬رووه جميعا من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش فقال‪ :‬أتيت صفوان بن‬
‫عسال المرادي فقلت‪ :‬جئتك أسألك عن المسح على الخفين؛ قال‪ :‬نعم كنت في الجيش الذي بعثهم‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأمرنسا أن نمسسح على الخفيسن إذا نحسن أدخلناهمسا على طهسر ثلثسا‬
‫إذا سسسافرنا‪ ،‬ويومسسا وليلة إذا أقمنسسا‪ ،‬ول نخلعهمسسا مسسن بول ول غائط ول نوم ول نخلعهمسسا إل مسسن‬
‫جنابسة‪ .‬ففسي هذا الحديسث وقول مالك التسسوية بيسن الغائط والبول والنوم‪ .‬قالوا‪ :‬والقياس أنسه لمسا كان‬
‫كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله كذلك‪ .‬وقد روي عن علي بن أبي طالب‬
‫قال‪ :‬قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬وكاء السسسنه العينان فمسسن نام فليتوضسسأ) وهذا عام‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬وأخرجه الدارقطني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وأمسا الطرف الخسر فروي عسن أبسي موسسى الشعري مسا يدل على أن النوم عنده ليسس بحدث‬
‫على أي حال كان‪ ،‬حتسى يحدث النائم حدثسا غيسر النوم؛ لنسه كان يوكسل مسن يحرسسه إذا نام‪ .‬فإن لم‬
‫يخرج منسسه حدث قام مسسن نومسسه وصسسلى ال عليسسه وسسسلم؛ وروي عسسن عسسبيدة وسسسعيد بسسن المسسسيب‬
‫والوزاعسي فسي روايسة محمود بسن خالد‪ .‬والجمهور على خلف هذيسن الطرفيسن‪ .‬فأمسا جملة مذهسب‬
‫مالك فإن كل نائم استثقل نوما‪ ،‬وطال نومه على أي حال كان‪ ،‬فقد وجب عليه الوضوء؛ وهو قول‬
‫الزهري وربيعة والوزاعي في رواية الوليد بن مسلم‪ .‬قال أحمد بن حنبل‪ :‬فإن كان النوم خفيفا ل‬
‫يخامسر القلب ول يغمره لم يضر‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصسحابه‪ :‬ل وضوء إل على من نام مضطجعا‬
‫أو متوركا‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬من نام جالسا فل وضوء عليه؛ ورواه ابن وهب عن مالك‪ .‬والصحيح‬
‫مسن هذه القوال مشهور مذهسب مالك؛ لحديسث ابسن عمسر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم شغسل‬
‫عنهسا ليلة يعنسي العشاء فأخرهسا حتسى رقدنسا فسي المسسجد ثسم اسستيقظنا ثسم رقدنسا ثسم اسستيقظنا ثسم خرج‬
‫علينا النبي صلى ال عليه وسلم ثم قال‪( :‬ليس أحد من أهل الرض ينتظر الصلة غيركم) رواه‬
‫الئمسة واللفسظ للبخاري؛ وهسو أصسح مسا فسي هذا الباب مسن جهسة السسناد والعمسل‪ .‬وأمسا مسا قاله مالك‬
‫في موطئه وصفوان بن عسال في حديثه فمعناه‪ :‬ونوم ثقيل غالب على النفس؛ بدليل هذا الحديث‬
‫ومسا كان فسي معناه‪ .‬وأيضسا فقسد روى حديسث صسفوان وكيسع عسن مسسعر عسن عاصسم بسن أبسي النجود‬
‫فقال‪( :‬أو ريسح) بدل (أو نوم)‪ ،‬فقال الدارقطنسي‪ :‬لم يقسل فسي هذا الحديسث (أو ريسح) غيسر وكيسع عسن‬
‫مسعر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكيسع ثقسة إمام أخرج له البخاري ومسسلم وغيرهمسا مسن الئمسة؛ فسسقط السستدلل بحديسث‬
‫صفوان لمن تمسك به في أن النوم حدث‪ .‬وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فضعيف؛ رواه الدارقطني‬
‫عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نام وهو ساجد حتى‪ .‬غط أو نفخ ثم قام فصلى‬
‫ال عليسه وسسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬يسا رسسول ال إنسك قسد نمست ! فقال‪( :‬إن الوضوء ل يجسب إل على مسن نام‬
‫مضطجعسسا فإنسسه إذا اضطجسسع اسسسترخت مفاصسسله)‪ .‬تفرد بسسه أبسسو خالد عسسن قتادة ول يصسسح؛ قال‬
‫الدارقطنسي‪ .‬وأخرجسه أبسو داود وقال‪ :‬قوله‪( :‬الوضوء على مسن نام مضطجعسا) هسو حديسث منكسر لم‬
‫يروه إل أبسو خالد يزيسد الدالنسي عسن قتادة‪ ،‬وروى أوله جماعسة عسن ابسن عباس لم يذكروا شيئا مسن‬
‫هذا‪ .‬وقال أبسو عمسر بسن عبدالبر‪ :‬هذا حديسث منكسر لم يروه أحسد مسن أصسحاب قتادة الثقات‪ ،‬وإنمسا‬
‫انفرد بسسه أبسسو خالد الدالنسسي‪ ،‬وأنكروه وليسسس بحجسسة فيمسسا نقسسل‪ .‬وأمسسا قول الشافعسسي‪ :‬على كسسل نائم‬
‫الوضوء إل على الجالس وحده‪ ،‬وإن كل من زال عن حد الستواء ونام فعليه الوضوء؛ فهو قول‬
‫الطسبري وداود‪ ،‬وروي عسن علي وابسن مسسعود وابسن عمسر؛ لن الجالس ل يكاد يسستثقل‪ ،‬فهسو فسي‬
‫معنسى النوم الخفيسف‪ .‬وقسد روى الدارقطنسي مسن حديسث عمرو بسن شعيسب‪ ،‬عسن أبيسه عسن جده أن‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬مسن نام جالسسا فل وضوء عليسه ومسن وضسع جنبسه فعليسه‬
‫الوضوء)‪ .‬وأمسا الخارج؛ فلنسا مسا رواه البخاري قال‪ :‬حدثنسا قتيبسة قال‪ :‬حدثنسا يزيسد بسن زريسع‪ ،‬عسن‬
‫خالد‪ ،‬عسن عكرمسة‪ ،‬عسن عائشسة قالت‪ :‬اعتكفست مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم امرأة مسن‬
‫أزواجسه فكانست ترى الدم والصسفرة والطسست تحتهسا وهسي تصسلي‪ .‬فهذا خارج على غيسر المعتاد‪،‬‬
‫وإنمسا هسو عرق انقطسع فهسو مرض؛ ومسا كان هذا سسبيله ممسا يخرج مسن السسبيلين فل وضوء فيسه‬
‫عندنسا إيجابسا‪ ،‬خلفسا للشافعسي كمسا ذكرنسا‪ .‬وبال توفيقنسا‪ .‬ويرد على الحنفسي حيسث راعسى الخارج‬
‫النجس‪ .‬فصح ووضح مذهب مالك بن أنس رضي ال عنه ما تردد نفس‪ ،‬وعنهم أجمعين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو لمستم النساء" قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر "لمستم"‪.‬‬
‫وقرأ حمزة والكسسائي‪" :‬لمسستم "وفسي معناه ثلثسة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أن يكون لمسستم جامعتسم‪ .‬الثانسي‪:‬‬
‫لمستم باشرتم‪ .‬الثالث‪ :‬يجمع المرين جميعا‪ .‬و"لمستم "بمعناه عند أكثر الناس‪ ،‬إل أنه حكي عن‬
‫محمد بن يزيد أنه قال‪ :‬الولى في اللغة أن يكون "لمستم "بمعنى قبلتم أو نظيره؛ لن لكل واحد‬
‫منهما فعل‪ .‬قال‪ :‬و"لمستم "بمعنى غشيتم ومسستم‪ ،‬وليس للمرأة في هذا فعل‪.‬‬
‫واختلف العلماء فسي حكسم اليسة على مذاهسب خمسسة؛ فقالت فرقسة‪ :‬الملمسسة هنسا مختصسة باليسد‪،‬‬
‫والجنب ل ذكر له إل مع الماء؛ فلم يدخل في المعنى المراد بقوله‪" :‬وإن كنتم مرضى "الية‪ ،‬فل‬
‫سبيل له إلى التيمم‪ ،‬وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلة حتى يجد الماء؛ روي هذا القول عن عمر‬
‫وابسن مسسعود‪ .‬قال أبو عمسر‪ :‬ولم يقسل بقول عمسر وعبدال فسي هذه المسسألة أحسد مسن فقهاء المصسار‬
‫مسن أهسل الرأي وحملة الثار؛ وذلك وال أعلم لحديسث عمار وعمران بسن حصسين وحديسث أبسي ذر‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم في تيمم الجنب‪ .‬وقال أبو حنيفة عكس هذا القول‪ ،‬فقال‪ :‬الملمسة‬
‫هنسا مختصسة باللمسس الذي هسو الجماع‪ .‬فالجنسب يتيمسم واللمسس بيده لم يجسر له ذكسر؛ فليسس بحدث‬
‫ول هسو ناقسص لوضوئه‪ .‬فإذا قبسل الرجسل امرأتسه للذة لم ينتقسض وضوءه؛ وعضدوا هذا بمسا رواه‬
‫الدارقطنسي عسن عائشسة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قبسل بعسض نسسائه ثسم خرج إلى الصسلة‬
‫ولم يتوضسسأ‪ .‬قال عروة‪ :‬فقلت لهسسا مسسن هسسي إل أنسست ؟ فضحكسست‪ .‬وقال مالك‪ :‬الملمسسس بالجماع‬
‫يتيمسم‪ ،‬والملمسس باليسد يتيمسم إذا التسذ‪ .‬فإذا لمسسها بغيسر شهوة فل وضوء؛ وبسه قال أحمسد وإسسحاق‪،‬‬
‫وهو مقتضى الية‪ .‬وقال علي بن زياد‪ :‬وإن كان عليها ثوب كثيف فل شيء عليه‪ ،‬وإن كان خفيفا‬
‫فعليسه الوضوء‪ .‬وقال عبدالملك بسن الماجشون‪ :‬مسن تعمسد مسس امرأتسه بيده لملعبة فليتوضسأ التسذ أو‬
‫لم يلتسذ‪ .‬قال القاضسي أبسو الوليسد الباجسي فسي المنتقسى‪ :‬والذي تحقسق مسن مذهسب مالك وأصسحابه أن‬
‫الوضوء إنما يجب لقصده اللذة دون وجودها؛ فمن قصد اللذة بلمسه فقد وجب عليه الوضوء‪ ،‬التذ‬
‫بذلك أو لم يلتذ؛ وهذا معنى ما في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم‪ .‬وأما النعاظ بمجرده‬
‫فقسد روى ابسن نافسع عسن مالك أنسه ل يوجسب وضوءا ول غسسل ذكسر حتسى يكون معسه لمسس أو مذي‪.‬‬
‫وقال الشيسسخ أبسسو إسسسحاق‪ :‬مسسن أنعسسظ إنعاظسسا أنتقسسض وضوئه؛ وهذا قول مالك فسسي المدونسسة‪ .‬وقال‬
‫الشافعسي‪ :‬إذا أفضسى الرجسل بشيسء مسن بدنسه إلى بدن المرأة سواء كان باليسد أو بغيرهسا مسن أعضاء‬
‫الجسسسد معلق نقسسض الطهسسر بسسه؛ وهسسو قول ابسسن مسسسعود وابسسن عمسسر والزهري وربيعسسة‪ .‬وقال‬
‫الوزاعي‪ :‬إذا كان اللمس باليد نقض الطهر‪ ،‬وإن كان بغير اليد لم ينقضه؛ لقوله تعالى‪" :‬فلمسوه‬
‫بأيديهسم" [النعام‪ .]7 :‬فهذه خمسسة مذاهسب أسسدها مذهسب مالك؛ وهسو مروي عسن عمسر وابنسه‬
‫عبدال‪ ،‬وهو قول عبدال بن مسعود أن الملمسة ما دون الجماع‪ ،‬وأن الوضوء يجب بذلك؛ وإلى‬
‫هذا ذهسب أكثسر الفقهاء‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬وهسو الظاهسر مسن معنسى اليسة؛ فإن قوله فسي أولهسا‪" :‬ول‬
‫جنبسا "أفاد الجماع‪ ،‬وإن قوله‪" :‬أو جاء أحسد منكسم مسن الغائط" أفاد الحدث‪ ،‬وإن قوله‪" :‬أو لمسستم"‬
‫أفاد اللمسسس والقبسسل‪ .‬فصسسارت ثلث جمسسل لثلثسسة أحكام‪ ،‬وهذه غايسسة فسسي العلم والعلم‪ .‬ولو كان‬
‫المراد باللمس الجماع كان تكرارا في الكلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأما ما استدل به أبو حنيفة من حديث عائشة فحديث مرسل؛ رواه وكيع‪ ،‬عن العمش‬
‫عن حبيب بن أبي ثابت‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة‪ .‬قال يحيى بن سعيد‪ :‬وذكر حديث العمش عن‬
‫حسبيب عسن عمرو فقال‪ :‬أمسا إن سسفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا‪ ،‬زعسم أن حبيبسا لم يسسمع مسن‬
‫عروة شيئا؛ قال الدارقطني‪ .‬فإن قيل‪ :‬فأنتم تقولون بالمرسل فيلزمكم قبوله والعمل به‪ .‬قلنا‪ :‬تركناه‬
‫لظاهسر اليسة وعمسل الصسحابة‪ .‬فإن قيسل‪ :‬إن الملمسسة هسي الجماع وقسد روي ذلك عسن ابسن عباس‪.‬‬
‫قلنسا‪ :‬قسد خالفسه الفاروق وابنسه وتابعهمسا عبدال بسن مسسعود وهسو كوفسي‪ ،‬فمسا لكسم خالفتموه ؟ ! فإن‬
‫قيل‪ :‬الملمسة من باب المفاعلة‪ ،‬ول تكون إل من اثنين‪ ،‬واللمس باليد إنما يكون من واحد؛ فثبت‬
‫أن الملمسة هي الجماع‪ .‬قلنا‪ :‬الملمسة مقتضاها التقاء البشرتين‪ ،‬سواء كان ذلك من واحد أو من‬
‫اثنين؛ لن كل واحد منهما يوصف لمس وملموس‪.‬‬
‫جواب آخر‪ :‬وهو أن الملمسة قد تكون من واحد؛ ولذلك نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن‬
‫بيسع الملمسسة‪ ،‬والثوب ملموس وليس بلمس‪ ،‬وقسد قال ابسن عمسر مخسبرا عن نفسسه "وأنسا يومئذ قسد‬
‫ناهزت الحتلم"‪ .‬وتقول العرب‪ :‬عاقبت اللص وطارقت النعل‪ ،‬وهو كثير‪.‬‬
‫فإن قيسل‪ :‬لمسا ذكسر ال سسبحانه سسبب الحدث‪ ،‬وهسو المجيسء مسن الغائط ذكسر سسبب الجنابسة وهسو‬
‫الملمسسة‪ ،‬فسبين الحدث والجنابسة عنسد عدم الماء‪ ،‬كمسا أفاد بيان حكمهمسا عنسد وجود الماء‪ .‬قلنسا‪ :‬ل‬
‫نمنع حمل اللفظ على الجماع واللمس‪ ،‬ويفيد الحكمين كما بينا‪ .‬وقد قرئ "لمستم" كما ذكرنا‪ .‬وأما‬
‫مسا ذهسب إليسه الشافعسي مسن لمسس الرجسل المرأة ببعسض أعضائه ل حائل بينسه وبينهسا لشهوة أو لغيسر‬
‫شهوة وجسب عليسه الوضوء فهسو ظاهسر القرآن أيضسا؛ وكذلك إن لمسسته هسي وجسب عليسه الوضوء‪،‬‬
‫إل الشعر؛ فإنه ل وضوء لمن مس شعر امرأته لشهوة كان أو لغير شهوة‪ ،‬وكذلك السن والظفر‪،‬‬
‫فإن ذلك مخالف للبشرة‪ .‬ولو احتلط فتوضسسأ إذا مسسس شعرهسسا كان حسسسنا‪ .‬ولو مسسسها بيده أو مسسسته‬
‫بيدها من فوق الثوب فالتذ بذلك أو لم يلتذ لم يكن عليهما شيء حتى يفضي إلى البشرة‪ ،‬وسواء في‬
‫ذلك كان متعمدا أو ساهيا‪ ،‬كانت المرأة حية أو ميتة إذا كانت أجنبية‪ .‬واختلف قوله إذا لمس صبية‬
‫صسسغيرة أو عجوزا كسسبيرة بيده أو واحدة مسسن ذوات محارمسسه ممسسن ل يحسسل له نكاحهسسا‪ ،‬فمرة قال‪:‬‬
‫ينتقسض الوضوء؛ لقوله تعالى‪" :‬أو لمسستم النسساء "فلم يفرق‪ .‬والثانسسي ل ينقسض؛ لنسه ل مدخسل‬
‫للشهوة فيهسسن‪ .‬قال المروزي‪ :‬قول الشافعسسي أشبسسه بظاهسسر الكتاب؛ لن ال عسسز وجسسل قال‪" :‬أو‬
‫لمسستم النسساء "ولم يقسل بشهوة ول مسن غيسر شهوة؛ وكذلك الذيسن أوجبوا الوضوء مسن أصسحاب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لم يشترطوا الشهوة‪ .‬قال‪ :‬وكذلك عامة التابعين‪ .‬قال المروزي‪ :‬فأما ما‬
‫ذهب إليه مالك من مراعاة الشهوة واللذة من فوق الثوب يوجب الوضوء فقد وافقه على ذلك الليث‬
‫بسن سسعد‪ ،‬ول نعلم أحدا قال ذلك غيرهمسا‪ .‬قال‪ :‬ول يصسح ذلك فسي النظسر؛ لن مسن فعسل ذلك فهسو‬
‫غيسر لمسس لمرأتسه‪ ،‬وغيسر مماس لهسا فسي الحقيقسة‪ ،‬إنمسا هو لمسس لثوبهسا‪ .‬وقسد أجمعوا أنسه لو تلذذ‬
‫واشتهى أن يلمس لم يجب عليه وضوء؛ فكذلك من لمس فوق الثوب لنه غير مماس للمرأة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما ما ذكر من أنه لم يوافق مالكا على قول إل الليث بن سعد‪ ،‬فقد ذكر الحافظ أبو عمر‬
‫بسن عبدالبر أن ذلك قول إسسحاق وأحمسد‪ ،‬وروي ذلك عسن الشعسبي والنخعسي كلهسم قالوا‪ :‬إذا لمسس‬
‫فالتسسذ وجسسب الوضوء‪ ،‬وإن لم يلتسسذ فل وضوء‪ .‬وأمسسا قوله‪" :‬ول يصسسح ذلك فسسي النظسسر" فليسسس‬
‫بصسحيح؛ وقسد جاء فسي صسحيح الخسبر عسن عائشسة قالت‪ :‬كنست أنام بيسن يدي رسسول ال صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم ورجلي فسي قبلتسه‪ ،‬فإذا سسجد غمزنسي فقبضست رجلي‪ ،‬وإذا قام بسسطتهما ثانيسا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح‪ .‬فهذا نص في أن النبي صلى ال عليه وسلم كان الملمس‪ ،‬وأنه‬
‫غمسز رجسل عائشسة؛ كمسا فسي روايسة القاسسم عسن عائشسة (فإذا أراد أن يسسجد غمسز رجلي فقبضتهمسا)‬
‫أخرجسه البخاري‪ .‬فهذا يخسص عموم قوله‪" :‬أو لمسستم" فكان واجبسا لظاهسر اليسة انتقاض وضوء‬
‫كسل ملمسس كيسف لمسس‪ .‬ودلت السسنة التسي هسي البيان لكتاب ال تعالى أن الوضوء على بعسض‬
‫الملمسسين دون بعسض‪ ،‬وهسو مسن لم يلتسذ ولم يقصسد‪ .‬ول يقال‪ :‬فلعله كان على قدمسي عائشسة ثوب‪،‬‬
‫أو كان يضرب رجليها بكمه؛ فإنا نقول‪ :‬حقيقة الغمز إنما هو باليد؛ ومنه غمزك الكبش أي تجسه‬
‫لتنظسر أهسو سسمين أم ل ؟ فأمسا أن يكون الغمسز الضرب بالكسم فل‪ .‬والرجسل مسن النائم الغالب عليهسا‬
‫ظهورهسا مسن النائم؛ ل سسيما مسع امتداده وضيسق حاله‪ .‬فهذه كانست الحال فسي ذلك الوقست؛ أل ترى‬
‫إلى قولهسا‪( :‬وإذا قام بسسطتهما) وقولهسا‪( :‬والبيوت يومئذ ليسس فيهسا مصسابيح)‪ .‬وقسد جاء صسريحا‬
‫عنهسا قالت‪( :‬كنست أمسد رجلي فسي قبلة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وهسو يصسلي فإذا سسجد غمزنسي‬
‫فرفعتهمسسا‪ ،‬فإذا قام مددتهمسسا) أخرجسسه البخاري‪ .‬فظهسسر أن الغمسسز كان على حقيقتسسه مسسع المباشرة‪.‬‬
‫ودليسل آخسر ‪ -‬وهسو مسا روتسه عائشسة أيضسا رضسي ال عنهسا قالت‪ :‬فقدت رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم ليلة من الفراش فالتمسسته‪ ،‬فوقعست يدي على بطن قدميسه وهو فسي المسسجد وهمسا منصوبتان؛‬
‫الحديسث‪ .‬فلمسا وضعست يدهسا على قدمسه وهو سساجد وتمادى فسي سسجوده كان دليل على أن الوضوء‬
‫ل ينتقض إل على بعض الملمسين دون بعض‪.‬‬
‫فإن قيسل‪ :‬كان على قدمسه حائل كمسا قال المزنسي‪ .‬قيسل له‪ :‬القدم قدم بل حائل حتسى يثبست الحائل‪،‬‬
‫والصل الوقوف مع الظاهر؛ بل بمجموع ما ذكرنا يجتمع منه كالنص‪.‬‬
‫فإن قيسل‪ :‬فقسد أجمعست المسة على أن رجل لو اسستكره امرأة فمسس ختانسه ختانهسا وهسي ل تلتسذ‬
‫لذلك‪ ،‬أو كانست نائمسة فلم تلتسذ ولم تشتسه أن الغسسل واجسب عليهسا؛ فكذلك حكسم مسن قبسل أو لمسس‬
‫بشهوة أو لغيسر شهوة انتقضست طهارتسه ووجسب عليسه الوضوء؛ لن المعنسى فسي الجسسة واللمسسة‬
‫والقبلة الفعسسل ل اللذة‪ .‬قلنسسا‪ :‬قسسد ذكرنسسا أن العمسسش وغيره قسسد خالف فيمسسا ادعيتموه مسسن الجماع‪.‬‬
‫سسلمناه‪ ،‬لكسن هذا اسستدلل بالجماع فسسي محسل النزاع فل يلزم؛ وقسد اسستدللنا على صسحة مذهبنسا‬
‫بأحاديسث صسحيحة‪ .‬وقسد قال الشافعسي ‪ -‬فيمسا زعمتسم إنسه لم يسسبق إليسه‪ ،‬وقسد سسبقه إليسه شيخسه مالك؛‬
‫كمسا هسو مشهور عندنسا "إذا صسح الحديسث فخذوا بسه ودعوا قولي "وقسد ثبست الحديسث بذلك فلم ل‬
‫تقولون بسه ؟ ! ويلزم على مذهبكسم أن مسن ضرب امرأتسه فلطمهسا بيده تأديبسا لهسا وإغلظسا عليهسا أن‬
‫ينتقض وضوءه؛ إذ المقصود وجود الفعل‪ ،‬وهذا ل يقوله أحد فيما أعلم‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وروى الئمة‬
‫مالك وغيره أنسه صسلى ال عليسه وسسلم كان يصسلى ال عليسه وسسلم وأمامسة بنست أبسي العاص ابنسة‬
‫زينب بنست رسسول ال صلى ال عليه وسسلم على عاتقه‪ ،‬فإذا ركسع وضعهسا‪ ،‬وإذا رفسع من السسجود‬
‫أعادهسا‪ .‬وهذا يرد مسا قال الشافعسي فسي أحسد قوليسه‪ :‬لو لمسس صسغيرة لنتقسض طهره تمسسكا بلفسظ‬
‫النسساء‪ ،‬وهذا ضعيسف؛ فإن لمسس الصسغيرة كلمسس الحائط‪ .‬واختلف قوله فسي ذوات المحارم لجسل‬
‫أنه ل يعتبر اللذة‪ ،‬ونحن اعتبرنا اللذة فحيث وجدت وجد الحكم‪ ،‬وهو وجوب الوضوء‪ .‬وأما قول‬
‫الوزاعي في اعتباره اليد خاصة؛ فإن اللمس أكثر ما يستعمل باليد‪ ،‬فقصره عليه دون غيره من‬
‫العضاء؛ حتى أنه لو أدخل الرجل رجليه في ثياب امرأته فمس فرجها أو بطنها ل ينتقض لذلك‬
‫وضوءه‪ .‬وقال فسي الرجسل يقبسل امرأتسه‪ :‬إن جاء يسسألني قلت يتوضسأ‪ ،‬وإن لم يتوضسأ لم أعبه‪ .‬وقال‬
‫أبو ثور‪ :‬ل وضوء على من قبل امرأته أو باشرها أو لمسها‪ .‬وهذا يخرج على مذهب أبي حنيفة‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء" السباب التي ل يجد المسافر معها الماء هي إما عدمه جملة أو‬
‫عدم بعضسسه‪ ،‬وإمسسا أن يخاف فوات الرفيسسق‪ ،‬أو على الرحسسل بسسسبب طلبسسه‪ ،‬أو يخاف لصسسوصا أو‬
‫سباعا‪ ،‬أو فوات الوقت‪ ،‬أو عطشا على نفسه أو على غيره؛ وكذلك لطبيخ يطبخه لمصلحة بدنه؛‬
‫فإذا كان أحد هذه الشياء تيمم وصلى ال عليه وسلم‪ .‬ويترتب عدمه للمريض بأل يجد من يناوله‪،‬‬
‫أو يخاف مسن ضرره‪ .‬ويترتسب أيضسا عدمسه للصسحيح الحاضسر بالغلء الذي يعسم جميسع الصسناف‪،‬‬
‫أو بأن يسجن أو يربسط‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يشتري الرجل الماء بماله كله ويبقى عديما‪ ،‬وهذا ضعيسف‪،‬‬
‫لن ديسسن ال يسسسر‪ .‬وقالت طائفسسة‪ :‬يشتريسسه مسسا لم يزد على القيمسسة الثلث فصسساعدا‪ .‬وقالت طائفسسة‪:‬‬
‫يشتري قيمسة الدرهسم بالدرهميسن والثلث ونحسو هذا؛ وهذا كله فسي مذهسب مالك رحمسه ال‪ .‬وقيسل‬
‫لشهسسسب‪ :‬أتشترى القربسسسة بعشرة دراهسسسم ؟ فقال‪ :‬مسسسا أرى ذلك على الناس‪ .‬وقال الشافعسسسي بعدم‬
‫الزيادة‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء هسل طلب الماء شرط فسي صسحة التيمسم أم ل؟ فظاهسر مذهسب مالك أن ذلك‬
‫شرط‪ ،‬وهو قول الشافعسي‪ .‬وذهسب القاضي أبو محمسد بسن نصسر إلى أن ذلك ليسس بشرط فسي صحة‬
‫التيمم؛ وهو قول أبي حنيفة‪ .‬وروي عن ابن عمر أنه كان يكون في السفر على غلوتين من طريقه‬
‫فل يعدل إليه‪ .‬قال إسحاق‪ :‬ل يلزمه الطلب إل في موضعه‪ ،‬وذكر حديث ابن عمر‪ ،‬والول أصح‬
‫وهو المشهور من مذهب مالك في الموطأ لقوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء "وهذا يقتضي أن التيمم ل‬
‫يسستعمل إل بعسد طلب الماء‪ .‬وأيضسا مسن جهسة القياس أن هذا بدل مأمور بسه عنسد العجسز عسن مبدله‪،‬‬
‫فل يجزئ فعله إل مع تيقن عدم مبدله؛ كالصوم مع العتق في الكفارة‪.‬‬
‫@ وإذا ثبت هذا وعدم الماء‪ ،‬فل يخلو أن يغلب على ظن المكلف اليأس من وجوده في الوقت‪،‬‬
‫أو يغلب على ظنه وجوده ويقوى رجاؤه له‪ ،‬أو يتساوى عنده المران‪ ،‬فهذه ثلثة أحوال‪ :‬فالول‪:‬‬
‫يسستحب له التيمسم والصسلة فسي أول الوقست‪ :‬لنسه إذا فاتتسه فضيلة الماء فإنسه يسستحب له أن يحرز‬
‫فضيلة أول الوقست‪ .‬الثانسي‪ :‬يتيمسم وسسط الوقست؛ حكاه أصسحاب مالك عنسه‪ ،‬فيؤخسر الصسلة رجاء‬
‫إدراك فضيلة الماء مسا لم تفتسه فضيلة أول الوقست‪ ،‬فإن فضيلة أول الوقست قسد تدرك بوسسطه لقربسه‬
‫منسه‪ .‬الثالث‪ :‬يؤخسر الصسلة إلى أن يجسد الماء فسي آخسر الوقست؛ لن فضيلة الماء أعظسم مسن فضيلة‬
‫أول الوقست‪ ،‬لن فضيلة أول الوقست مختلف فيهسا‪ ،‬وفضيلة الماء متفسق عليهسا‪ ،‬وفضيلة أول الوقست‬
‫يجوز تركهسسا دون ضرورة ول يجوز ترك فضيلة الماء إل لضرورة‪ ،‬والوقسست فسسي ذلك هسو آخسسر‬
‫الوقست المختار؛ قال ابسن حسبيب‪ .‬ولو علم الماء فسي آخسر الوقست فتيمسم فسي أوله وصسلى فقسد قال ابسن‬
‫القاسسسم‪ :‬يجزئه‪ ،‬فإن وجسسد الماء أعاد فسسي الوقسست خاصسسة‪ .‬وقال عبدالملك بسسن الماجشون‪ :‬إن وجسسد‬
‫الماء بعد أعاد أبدا‪.‬‬
‫والذي يراعى من وجود الماء أن يجد منه ما يكفيه لطهارته‪ ،‬فإن وجد أقل من كفايته تيمم ولم‬
‫يستعمل ما وجد منه‪ .‬وهذا قول مالك وأصحابه؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه‪ ،‬وهو‬
‫قول أكثر العلماء؛ لن ال تعالى جعل فرضه أحد الشيئين‪ ،‬إما الماء وإما التراب‪.‬‬
‫فإن لم يكسن الماء مغنيسا عن التيمسم كان غيسر موجود شرعسا؛ لن المطلوب مسن وجود الكفايسة‪ .‬وقال‬
‫الشافعي في القول الخر‪ :‬يستعمل ما معه من الماء ويتيمم؛ لنه واجد ماء فلم يتحقق شرط التيمم؛‬
‫فإذا استعمله وفقد الماء تيمم لما لم يجد‪ .‬واختلف قول الشافعي أيضا فيما إذا نسي الماء في رحله‬
‫فتيمسم؛ والصسحيح أنسه يعيسد؛ لنسه إذا كان الماء عنده فهسو واجسد وإنمسا فرط‪ .‬والقول الخسر ل يعيسد؛‬
‫وهو قول مالك؛ لنه إذا لم يعلمه فلم يجده‪.‬‬
‫@ وأجاز أبسو حنيفسة الوضوء بالماء المتغيسر؛ لقوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء" فقال‪ :‬هذا نفسي فسي‬
‫نكرة‪ ،‬وهو يعم لغة؛ فيكون مفيدا جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير؛ لنطلق اسم الماء‬
‫عليه‪ .‬قلنا‪ :‬النفي في النكرة يعم كما قلتم‪ ،‬ولكن في الجنس‪ ،‬فهو عام في كل ماء كان من سماء أو‬
‫نهسر أو عيسن عذب أو ملح‪ .‬فأمسا غيسر الجنسس وهسو المتغيسر فل يدخسل فيسه؛ كمسا ل يدخسل فيسه ماء‬
‫الباقلء ول ماء الورد‪ ،‬وسيأتي حكم المياه في "الفرقان"‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ وأجمعوا على أن الوضوء والغتسال ل يجوز بشيء من الشربة سوى النبيذ عند عدم الماء؛‬
‫وقوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا ماء فتيمموا "يرده‪ .‬والحديسسث الذي فيسسه ذكسسر الوضوء بالنسسبيذ رواه ابسسن‬
‫مسسعود‪ ،‬وليسس بثابست؛ لن الذي رواه أبسو زيسد‪ ،‬وهسو مجهول ل يعرف بصسحبة عبدال؛ قاله ابسن‬
‫المنذر وغيره‪ .‬وسيأتي في "الفرقان "بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ الماء الذي يبيح عدمه التيمم هو الطاهر المطهر الباقي على أوصاف خلقته‪ .‬وقال بعض من‬
‫ألف فسسي أحكام القرآن لمسسا قال تعالى‪ { :‬فلم تجدوا ماء فتيمموا } فإنمسسا أباح التيمسسم عنسسد عدم كسسل‬
‫جزء من ماء؛ لنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه؛ سواء كان مخالطا لغيره أو منفردا بنفسه‪ .‬ول‬
‫يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء؛ فلما كان كذلك لم يجز التيمم مع وجوده‪.‬‬
‫وهذا مذهسب الكوفييسن أبسي حنيفسة وأصسحابه؛ واسستدلوا على ذلك بأخبار ضعيفسة يأتسي ذكرهسا فسي‬
‫سورة "الفرقان"‪ ،‬وهناك يأتي القول في الماء إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتيمموا" التيمم مما خصت به هذه المة توسعة عليها؛ قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(فضلنسا على الناس بثلث جعلت لنسا الرض كلهسا مسسجدا وجعلت تربتهسا لنسا طهورا) وذكسر‬
‫الحديث‪ ،‬وقد تقدم ذكر نزوله‪ ،‬وذلك بسبب القلدة حسبما بيناه‪ .‬وقد تقدم ذكر السباب التي تبيحه‪،‬‬
‫والكلم ههنسا فسي معناه لغسة وشرعسا‪ ،‬وفسي صسفته وكيفيتسه ومسا يتيمسم بسه وله‪ ،‬ومسن يجوز له التيمسم‪،‬‬
‫وشروط التيمم إلى غير ذلك من أحكامه‪.‬‬
‫فالتيمم لغة هو القصد‪ .‬تيممت الشيء قصدته‪ ،‬وتيممت الصعيد تعمدته‪ ،‬وتيممته برمحي وسهمي‬
‫أي قصدته دون من سواه‪ .‬وأنشد الخليل‪:‬‬
‫هذي البسالة ل لعب الزحاليق‬ ‫يممته الرمح شزرا ثم قلت له‬
‫قال الخليسل‪ :‬مسن قال فسي هذا البيست أممتسه فقسد أخطسأ؛ لنسه قال‪" :‬شزرا "ول يكون الشزر إل مسن‬
‫ناحية ولم يقصد به أمامه‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫بيثرب أدنى دارها نظر عال‬ ‫تيممتها من أذرعات وأهلها‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫يفيء عليها الظل عرمضها طامي‬ ‫تيممت العين التي عند ضارج‬
‫آخر‪:‬‬
‫يممت بعيري غيره بلدا‬ ‫إني كذاك إذا ما ساءني بلد‬
‫وقال أعشى بأهلة‪:‬‬
‫من الرض من مهمة ذي شزن‬ ‫تيممت قيسا وكم دونه‬
‫وقال حميد بن ثور‪:‬‬
‫وهل عادة للربع أن يتكلما‬ ‫سل الربع أنى يممت أم طارق‬
‫وللشافعي‪:‬‬
‫بطني وعاء له ل بطن صندوق‬ ‫علمي معي حيثما يممت أحمله‬
‫قال ابسن السسكيت‪ :‬قوله تعالى "فتيمموا صسعيدا طيبسا "أي اقصسدوا؛ ثسم كثسر اسستعمالهم لهذه الكلمسة‬
‫حتسى صسار التيمسم مسسح الوجسه واليديسن بالتراب‪ .‬وقال ابسن النباري فسي قولهسم‪" :‬قسد تيمسم الرجسل‬
‫"معناه قسد مسسح التراب على وجهسه ويديسه‪ .‬قلت‪ :‬وهذا هسو التيمسم الشرعسي‪ ،‬إذا كان المقصسود بسه‬
‫القربة‪ .‬ويممت المريض فتيمم للصلة‪ .‬ورجل ميمم يظفر بكل ما يطلب؛ عن الشيباني‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ميمم البيت رفيع المجد‬ ‫إنا وجدنا أعصر بن سعد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ميمم البيت كريم السنح‬ ‫أزهر لم يولد بنجم الشح‬
‫@ لفظ التيمسم ذكره ال تعالى في كتابسه في "البقرة "وفي هذه السورة و"المائدة "والتي في هذه‬
‫السورة هي آية التيمم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬هذه معضلة ما وجدت لدائها‬
‫مسن دواء عنسد أحسد؛ همسا آيتان فيهمسا ذكسر التيمسم إحداهمسا فسي "النسساء" والخرى فسي "المائدة"‪ .‬فل‬
‫نعلم أيسة آيسة عنست عائشسة بقولهسا‪" :‬فأنزل ال آيسة التيمسم"‪ .‬ثسم قال‪ :‬وحديثهسا يدل على أن التيمسم قبسل‬
‫ذلك لم يكن معلوما ول مفعول لهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما قوله‪" :‬فل نعلم أية آية عنت عائشة "فهي هذه الية على ما ذكرنا‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما ول مفعول لهم "في صحيح ول خلف فيه‬
‫بيسن أهسل السسير؛ لنسه معلوم أن غسسل الجنابسة لم يفترض قبسل الوضوء‪ ،‬كمسا أنسه معلوم عنسد جميسع‬
‫أهسل السسير أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم منسذ افترضست عليسه الصسلة بمكسة لم يصسل إل بوضوء‬
‫مثسل وضوئنسا اليوم‪ .‬فدل على أن آيسة الوضوء إنمسا نزلت ليكون فرضهسا المتقدم متلوا فسي التنزيسل‪.‬‬
‫وفسي قوله‪" :‬فنزلت آيسة التيمسم "ولم يقسل آيسة الوضوء مسا يسبين أن الذي طرأ لهسم مسن العلم فسي ذلك‬
‫الوقت حكم التيمم ل حكم الوضوء؛ وهذا بين ل إشكال فيه‪.‬‬
‫@ التيمسم يلزم كسل مكلف لزمتسه الصسلة إذا عدم الماء ودخسل‪ ،‬وقست الصسلة‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‬
‫وصساحباه والمزنسي صساحب الشافعسي‪ :‬يجوز قبله؛ لن طلب الماء عندهسم ليسس بشرط قياسسا على‬
‫النافلة؛ فلما جاز التيمم للنافلة دون طلب الماء جاز أيضا للفريضة‪ .‬واستدلوا من السنة بقوله عليه‬
‫السلم لبي ذر‪( :‬الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج)‪ .‬فسمى عليه السلم‬
‫الصعيد وضوءا كما يسمى الماء؛ فحكمه إذا حكم الماء‪ .‬وال أعلم‪ .‬ودليلنا قوله تعالى‪" :‬فلم تجدوا‬
‫ماء "ول يقال‪ :‬لم يجسد الماء إل لمسن طلب ولم يجسد‪ .‬وقسد تقدم هذا المعنسى؛ ولنهسا طهارة ضرورة‬
‫كالمسستحاضة؛ ولن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬فأينمسا أدركتسك الصسلة تيممست وصسليت)‪.‬‬
‫وهو قول الشافعي وأحمد‪ ،‬وهو مروي عن علي وابن عمر وابن عباس‪.‬‬
‫@ وأجمع العلماء على أن التيمم ل يرفع الجنابة ول الحدث‪ ،‬وأن المتيمم لهما إذا وجد الماء عاد‬
‫جنبسسا كمسسا كان أو محدثسسا؛ لقوله عليسه السسسلم لبسسي ذر‪( :‬إذا وجدت الماء فأمسسسه جلدك) إل شيسسء‬
‫روي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن‪ ،‬رواه ابن جريج وعبدالحميد بن جبير بن شيبة عنه؛ ورواه‬
‫ابن أبي ذئب عن عبدالرحمن بن حرملة عنه قال في الجنب المتيمم يجد الماء وهو على طهارته‪:‬‬
‫ل يحتاج إلى غسسل ول وضوء حتسى يحدث‪ .‬وقسد روي عنسه فيمسن تيمسم وصسلى ثسم وجسد الماء فسي‬
‫الوقت أنه يتوضأ ويعيد تلك الصلة‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬وهذا تناقض وقلة روية‪ .‬ولم يكن أبو سلمة‬
‫عندهم يفقه كفقه أصحابه التابعين بالمدينة‪.‬‬
‫@ وأجمعوا على أن مسن تيمسم على ثسم وجسد الماء قبسل الدخول فسي الصسلة بطسل تيممسه؛ وعليسه‬
‫اسستعمال الماء‪ .‬والجمهور على أن مسن تيمسم وصسلى وفرغ مسن صسلته‪ ،‬وقسد كان اجتهسد فسي طلبسه‬
‫الماء ولم يكسن فسي رحله أن صسلته تامسة؛ لنسه أدى فرضسه كمسا أمسر‪ .‬فغيسر جائز أن توجسب عليسه‬
‫العادة بغير حجة‪ .‬ومنهم من استحب له أن يعيد في الوقت إذا توضأ واغتسل‪ .‬وروي عن طاوس‬
‫وعطاء والقاسسسم بسسن محمسسد ومكحول وابسسن سسسيرين والزهري وربيعسسة كلهسسم يقول‪ :‬يعيسسد الصسسلة‪.‬‬
‫واسستحب الوزاعسي ذلك وقال‪ :‬ليسس بواجسب؛ لمسا رواه أبسو سسعيد الخدري قال‪ :‬خرج رجلن فسي‬
‫سفر فحضرت الصلة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا‪ ،‬ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد‬
‫أحدهمسا الصسلة بالوضوء ولم يعسد الخسر‪ ،‬ثسم أتيسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فذكرا ذلك له‬
‫فقال للذي لم يعد‪( :‬أصبت السنة وأجزأتك صلتك) وقال للذي توضأ وأعاد‪( :‬لك الجر مرتين)‪.‬‬
‫أخرجسه أبسو داود وقال‪ :‬وغيسر ابسن نافسع يرويسه عسن الليسث عسن عميرة بسن أبسي ناجيسة عسن بكسر بسن‬
‫سسوادة عسن عطاء عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وذكسر أبسي سسعيد فسي هذا السسناد ليسس بمحفوظ‪.‬‬
‫وأخرجه الدارقطني وقال فيه‪ :‬ثم وجد الماء بعد في الوقت‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء إذا وجسد الماء بعسد دخول فسي الصسلة؛ فقال مالك‪ :‬ليسس عليسه قطسع الصسلة‬
‫واسستعمال الماء وليتسم صسلته وليتوضسأ لمسا يسستقبل؛ وبهذا قال الشافعسي واختاره ابسن المنذر‪ .‬وقال‬
‫أبسو حنيفسة وجماعسة منهسم أحمسد بسن حنبسل والمزنسي‪ :‬يقطسع ويتوضسأ ويسستأنف الصسلة لوجود الماء‪.‬‬
‫وحجتهم أن التيمسم لما بطل بوجود الماء قبل الصلة فكذلك يبطل ما بقي منها‪ ،‬وإذا بطل بعضها‬
‫بطل كلها؛ لجماع العلماء على أن المعتدة بالشهور ل يبقى عليها إل أقلها ثم تحيض أنها تستقبل‬
‫عدتهسا بالحيسض‪ .‬قالوا‪ :‬والذي يطرأ عليسه الماء وهسو فسي الصسلة كذلك قياسسا ونظرا‪ .‬ودليلنسا قوله‬
‫تعالى‪" :‬ول تبطلوا أعمالكسم "[محمسد‪ .]33 :‬وقسد اتفسق الجميسع على جواز الدخول فسي‪ .‬الصسلة‬
‫بالتيمم عند عدم الماء‪ ،‬واختلفوا في قطعها إذا رئي الماء؛ ولم تثبت سنة بقطعها ول إجماع‪ .‬ومن‬
‫حجتهسم أيضسا أن مسن وجسب عليسه الصسوم فسي ظهار أو قتسل فصسام منسه أكثره ثسم وجسد رقبسة ل يلغسي‬
‫صومه ول يعود إلى الرقبة‪ .‬وكذلك من دخل في الصلة بالتيمم ل يقطعها ول يعود إلى الوضوء‬
‫بالماء‪.‬‬
‫@ واختلفوا هل يصلى به صلوات أم يلزم التيمم لكل صلة فرض ونفل؛ فقال شريك بن عبدال‬
‫القاضي‪ :‬يتيمم لكل صلة نافلة وفريضة‪ .‬وقال مالك‪ :‬لكل فريضة؛ لن عليه أن يبتغي الماء لكل‬
‫صسلة‪ ،‬فمسن ابتغسى الماء فلم يجده فإنسه يتيمسم‪ .‬وقال أبسو حنيفسة والثوري والليسث والحسسن بسن حسي‬
‫وداود‪ :‬يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث؛ لنه طاهر ما لم يجد الماء؛ وليس عليه طلب الماء‬
‫إذا يئس منسسه‪ .‬ومسسا قلناه أصسسح؛ لن ال عسسز وجسسل أوجسسب على كسسل قائم إلى الصسسلة طلب الماء‪،‬‬
‫وأوجب عند عدمه التيمم لستباحة الصلة قبل خروج الوقت‪ ،‬فهي طهارة ضرورة ناقصة بدليل‬
‫إجماع المسسلمين على بطلنهسا بوجود الماء وإن لم يحدث؛ وليسس كذلك الطهارة بالماء‪ .‬وقسد ينبنسي‬
‫هذا الخلف أيضا في جواز التيمم قبل دخول الوقت؛ فالشافعي وأهل المقالة الولى ل يجوزونه؛‬
‫لنسه لمسا قال ال تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا "ظهسر منسه تعلق أجزاء التيمسم بالحاجسة‪ ،‬ول حاجسة‬
‫قبسل الوقست‪ .‬وعلى هذا ل يصسلى فرضيسن بتيمسم واحسد‪ ،‬وهذا بيسن‪ .‬واختلف علماؤنسا فيمسن صسلى‬
‫صلتي فرض بتيمسم واحد؛ فروى يحيسى بن يحيى عن ابن القاسسم‪ :‬يعيد الثانية ما دام في الوقت‪.‬‬
‫وروى أبو زيد بن أبي الغمر عنه‪ :‬يعيد أبدا‪ .‬وكذلك روي عن مطرف وابن الماجشون يعيد الثانية‬
‫أبدا‪ .‬وهذا الذي يناظر عليه أصحابنا؛ لن طلب الماء شرط‪ .‬وذكر ابن عبدوس أن ابن نافع روى‬
‫عن مالك في الذي يجمع بين الصلتين أنه يتيمم لكل صلة‪ .‬وقال أبو الفرج فيمن ذكر صلوات‪:‬‬
‫إن قضاهسسن بتيمسسم واحسسد فل شيسسء عليسسه وذلك جائز له‪ .‬وهذا على أن طلب الماء ليسسس بشرط‪.‬‬
‫والول أصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬صعيدا طيبا" الصعيد‪ :‬وجه الرض كان عليه تراب أو لم يكن؛ قاله الخليل وابن‬
‫العرابسي والزجاج‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ل أعلم فيسه خلفسا بيسن أهسل اللغسة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وإنسا لجاعلون‬
‫ما عليها صعيدا جزرا" [الكهف‪ ]8 :‬أي أرضا غليظة ل تنبت شيئا‪ .‬وقال تعالى "فتصبح صعيدا‬
‫زلقا" [الكهف‪ .]40 :‬ومنه قول ذي الرمة‪:‬‬
‫دبابة في عظام الرأس خرطوم‬ ‫كأنه بالضحى ترمي الصعيد به‬
‫وإنما سمي صعيدا لنه نهاية ما يصعد إليه من الرض‪ .‬وجمع الصعيد صعدات؛ ومنه الحديث‬
‫(إياكم والجلوس في الصعدات )‪ .‬واختلف العلماء فيه من أجل تقييده بالطيب؛ فقالت طائفة‪ :‬يتيمم‬
‫بوجسه الرض كله ترابسا كان أو رمل أو حجارة أو معدنسا أو سسبخة‪ .‬هذا مذهسب مالك وأبسي حنيفسة‬
‫والثوري والطسبري‪ .‬و"طيبسا "معناه طاهرا‪ .‬وقالت فرقسة‪" :‬طيبسا "حلل؛ وهذا قلق‪ .‬وقال الشافعسي‬
‫وأبو يوسف‪ :‬الصعيد التراب المنبت وهو الطيب؛ قال ال تعالى‪" :‬والبلد الطيب يخرج نباته بإذن‬
‫ربه "[العراف‪ ]58 :‬فل يجوز التيمم عندهم على غيره‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يقع الصعيد إل على‬
‫تراب ذي غبار‪ .‬وذكر عبدالرزاق عن ابن عباس أنه سئل أي الصعيد أطيب ؟ فقال‪ :‬الحرث‪ .‬قال‬
‫أبسو عمسر‪ :‬وفسي قول ابسن عباس هذا مسا يدل على أن الصسعيد يكون غيسر أرض الحرث‪ .‬وقال علي‬
‫رضي ال عنه‪ :‬هو التراب خاصة‪ .‬وفي كتاب الخليل‪ :‬تيمم بالصعيد‪ ،‬أي خذ من غباره؛ حكاه ابن‬
‫فارس‪ .‬وهو يقتضي التيمم بالتراب فإن الحجر الصلد ل غبار عليه‪ .‬وقال الكيا الطبري‪ :‬واشترط‬
‫الشافعي أن يعلق التراب باليد ويتيمم به نقل إلى أعضاء التيمم‪ ،‬كالماء ينقل إلى أعضاء الوضوء‪.‬‬
‫قال الكيسا‪ :‬ول شسك أن لفسظ الصسعيد ليسس نصسا فيمسا قال الشافعسي‪ ،‬إل أن قول رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬جعلت لي الرض مسجدا وترابها طهورا ) بين ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فاسستدل أصسحاب هذه المقالة بقوله عليسه السسلم‪( :‬وجعلت تربتهسا لنسا طهورا ) وقالوا‪ :‬هذا‬
‫مسن باب المطلق والمقيسد وليسس كذلك‪ ،‬وإنمسا هسو مسن باب النسص على بعسض أشخاص العموم‪ ،‬كمسا‬
‫قال تعالى‪" :‬فيهمسسا فاكهسسة ونخسسل ورمان" [الرحمسسن‪ ]68 :‬وقسسد ذكرناه فسسي "البقرة "عنسسد قوله‬
‫"وملئكتسه ورسله وجبريل وميكائيل" [البقرة‪ .]98 :‬وقد حكى أهل اللغة أن الصسعيد اسم لوجه‬
‫الرض كما ذكرنا‪ ،‬وهو نص القرآن كما بينا‪ ،‬وليس بعد بيان ال بيان‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‬
‫للجنسب‪( :‬عليسك بالصسعيد فإنسه يكفيسك ) وسسيأتي‪ .‬فسي "صسعيدا "على هذا ظرف مكان‪ .‬ومسن جعله‬
‫للتراب فهو مفعول به بتقديسر حذف الباء أي بصسعيد‪ .‬و"طيبسا "نعت له‪ .‬ومن جعل "طيبا "بمعنسى‬
‫حلل نصبه على الحال أو المصدر‪.‬‬
‫@ وإذا تقرر هذا فاعلم أن مكان الجماع ممسا ذكرناه أن يتيمسم الرجسل على تراب منبست طاهسر‬
‫غير منقول ول مغصوب‪ .‬ومكان الجماع في المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف والفضة‬
‫والياقوت والزمرد والطعمسة كالخبسز واللحسم وغيرهمسا‪ ،‬أو على النجاسسات‪ .‬واختلف فسي غيسر هذا‬
‫كالمعادن؛ فأجيسز وهسو مذهسب مالك وغيره‪ .‬ومنسع وهسو مذهسب الشافعسي وغيره‪ .‬وقال ابسن خويسز‬
‫منداد‪ :‬ويجوز عنسد مالك التيمسم على الحشيسش إذا كان دون الرض‪ ،‬واختلف عنسه فسي التيمسم على‬
‫الثلج ففسي المدونسة والمبسسوط جوازه؛ وفسي غيرهمسا منعسه‪ .‬واختلف المذهسب فسي التيمسم على العود؛‬
‫فالجمهور على المنسسع‪ .‬وفسسي مختصسسر الوقار أنسسه جائز‪ .‬وقيسسل‪ :‬بالفرق بيسسن أن يكون منفصسسل أو‬
‫متصسل فأجيسز على المتصسل ومنسع فسي المنفصسل‪ .‬وذكسر الثعلبسي أن مالكسا قال‪ :‬لو ضرب بيده على‬
‫شجرة ثسسم مسسسح بهسسا أجزأه‪ .‬قال‪ :‬وقال الوزاعسسي والثوري‪ :‬يجوز بالرض وكسسل مسسا عليهسسا مسسن‬
‫الشجسسر والحجسسر والمدر وغيرهسسا‪ ،‬حتسسى قال‪ :‬لو ضرب بيده عاف الجمسسد والثلج أجزأه‪ .‬قال ابسسن‬
‫عطيسسة‪ :‬وأمسسا التراب المنقول مسسن طيسسن أو غيره فجمهور المذهسسب على جواز التيمسسم بسسه‪ ،‬وفسسي‬
‫المذهب المنع وهو في غير المذهب أكثر‪ ،‬وأما ما طبخ كالجص والجر ففيه في المذهب قولن‪:‬‬
‫الجازة والمنع؛ وفي التيمم على الجدار خلف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصسحيح الجواز لحديسث أبي جهيسم بسن الحارث بن الصسمة النصساري قال‪ :‬أقبل رسسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم مسن نحسو بئر جمسل فلقيسه رجسل فسسلم عليسه‪ ،‬فلم يرد عليسه النسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه‪ ،‬ثم رد عليه السلم‪ .‬أخرجه البخاري‪ .‬وهو‬
‫دليل على صحة التيمم بغبر التراب كما يقول مالك ومن وافقه‪ .‬ويرد على الشافعي ومن تابعه في‬
‫أن الممسسوح بسه تراب طاهسر ذو غبار يعلق باليسد‪ .‬وذكسر النقاش عسن ابسن عليسة وابسن كيسسان أنهمسا‬
‫أجازا التيمسسم بالمسسسك والزعفران‪ .‬قال ابسسن عطيسسة‪ :‬وهذا خطسسأ بحسست مسسن جهات‪ .‬قال أبسسو عمسسر‪:‬‬
‫وجماعسة العلماء على إجازة التيمسم بالسسباخ إل إسسحاق بسن راهويسه‪ .‬وروي عسن ابسن عباس فيمسن‬
‫أدركسه التيمسم وهو فسي طيسن قال‪ :‬يأخسذ من الطيسن فيطلي بسه بعسض جسسده‪ ،‬فإذا جسف تيمسم بسه‪ .‬وقال‬
‫الثوري وأحمسد‪ :‬يجوز التيمسم بغبار اللبسد‪ .‬قال الثعلبسي‪ :‬وأجاز أبسو حنيفسة التيمسم بالكحسل والزرنيسخ‬
‫والنورة والجسص والجوهسر المسسحوق‪ .‬قال‪ :‬فإذا تيمسم بسسحالة الذهسب والفضسة والصسفر والنحاس‬
‫والرصاص لم يجزه؛ لنه ليس من جنس الرض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" المسح لفظ مشترك يكون بمعنى الجماع‪ ،‬يقال‪ :‬مسح‬
‫الرجل المرأة إذا جامعها‪ .‬والمسح‪ :‬مسح الشيء بالسيف وقطعه‪ .‬ومسحت البل يومها إذا سارت‪.‬‬
‫والمسسحاء المرأة الرسسحاء التسي ل إسست لهسا‪ .‬وبفلن مسسحة مسن جمال‪ .‬والمراد هنسا بالمسسح عبارة‬
‫عسن جسر اليسد على الممسسوح خاصسة‪ ،‬فإن كان بآلة فهسو عبارة عسن نقسل اللة إلى اليسد وجرهسا على‬
‫الممسسوح‪ ،‬وهسو مقتضسى قوله تعالى فسي آيسة المائدة‪" :‬فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم منسه "[المائدة‪:‬‬
‫‪ .]6‬فقوله "منسه "يدل على أنسه ل بسد مسن نقسل التراب إلى محسل التيمسم‪ .‬وهسو مذهسب الشافعسي ول‬
‫نشترطسه نحسن؛ لن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لمسا وضسع يديسه على الرض ورفعهمسا نفسخ فيهمسا؛‬
‫وفسي روايسة‪ :‬نفسض‪ .‬وذلك يدل على عدم اشتراط اللة؛ يوضحسه تيممسه على الجدار‪ .‬قال الشافعسي‪:‬‬
‫لمسا لم يكسن بسد فسي مسسح الرأس بالماء مسن بلل ينقسل إلى الرأس‪ ،‬فكذلك المسسح بالتراب ل بسد مسن‬
‫النقسسل‪ .‬ول خلف فسسي أن حكسسم الوجسسه فسسي التيمسسم والوضوء السسستيعاب وتتبسسع مواضعسسه؛ وأجاز‬
‫بعضهم أل يتتبع كالغضون في الخفين وما بين الصابع في الرأس‪ ،‬وهو في المذهب قول محمد‬
‫بن مسلمة؛ حكاه ابن عطية‪ .‬وقال ال عز وجل‪" :‬بوجوهكم وأيديكم "فبدأ بالوجه قبل اليدين وبه‬
‫قال الجمهور‪ .‬ووقع في البخاري من حديث عمار في "باب التيمم ضربة "ذكر اليدين قبل الوجه‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم قياسا على تنكيس الوضوء‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أين يبلغ بالتيمم في اليدين؛ فقال ابن شهاب‪ :‬إلى المناكب‪ .‬وروي عن أبي بكر‬
‫الصسسديق‪ .‬وفسسي مصسسنف أبسسي داود عسسن العمسسش أن رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم مسسسح إلى‬
‫أنصسساف ذراعيسسه‪ .‬قال ابسسن عطيسسة‪ :‬ولم يقسسل أحسسد بهذا الحديسسث فيمسسا حفظسست‪ .‬وقيسسل‪ :‬يبلغ بسسه إلى‬
‫المرفقين قياسا على الوضوء‪ .‬وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وابن أبي سلمة‬
‫والليسث كلهسم يرون بلوغ المرفقيسن بالتيمسم فرضسا واجبسا‪ .‬وبسه قال محمسد بسن عبدال بسن عبدالحكسم‬
‫وابسن نافسع‪ ،‬وإليسه ذهسب إسسماعيل القاضسي‪ .‬قال ابسن نافسع‪ :‬مسن تيمسم إلى الكوعيسن أعاد الصسلة أبدا‬
‫وقال مالك في المدونة‪ :‬يعيد في الوقت‪ .‬وروى التيمم إلى المرفقين عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫جابر بسن عبدال وابسن عمسر وبسه كان يقول‪ .‬قال الدارقطنسي‪ :‬سسئل قتادة عسن التيمسم فسي السسفر فقال‪:‬‬
‫كان ابسسن عمسسر يقول إلى المرفقيسسن‪ .‬وكان الحسسسن وإبراهيسسم النخعسسي يقولن إلى المرفقيسسن‪ .‬قال‪:‬‬
‫وحدثني محدث عن الشعبي عن عبدالرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر أن رسول ال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم قال‪( :‬إلى المرفقيسن )‪ .‬قال أبسو إسسحاق‪ :‬فذكرتسه لحمسد بسن حنبسل فعجسب منسه وقال مسا‬
‫أحسسسنه !‪ .‬وقالت طائفسسة‪ :‬يبلغ بسسه إلى الكوعيسسن وهمسسا الرسسسغان‪ .‬روي عسسن علي بسسن أبسسي طالب‬
‫والوزاعسي وعطاء والشعسبي فسي روايسة‪ ،‬وبسه قال أحمسد بسن حنبسل وإسسحاق بسن راهويسه وداود بسن‬
‫علي والطسسبري‪ .‬وروي عسسن مالك وهسسو قول الشافعسسي فسسي القديسسم‪ .‬وقال مكحول‪ :‬اجتمعسست أنسسا‬
‫والزهري فتذاكرنسسا التيمسسم فقال الزهري‪ :‬المسسسح إلى الباط‪ .‬فقلت‪ :‬عمسسن أخذت هذا ؟ فقال‪ :‬عسسن‬
‫كتاب ال عسز وجسل‪ ،‬إن ال تعالى يقول‪" :‬فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم "فهسي يسد كلهسا‪ .‬قلت له‪ :‬فإن‬
‫ال تعالى يقول‪" :‬والسسارق والسسارقة فاقطعوا أيديهمسا "[المائدة‪ ]38 :‬فمسن أيسن تقطسع اليسد ؟ قال‪:‬‬
‫فخصسمته‪ .‬وحكسي عسن الدراوردي أن الكوعيسن فرض والباط فضيلة‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬هذا قول ل‬
‫يعضده قياس ول دليسل‪ ،‬وإنمسا عمسم قوم لفسظ اليسد فأوجبوه مسن المنكسب‪ :‬وقاس قوم على الوضوء‬
‫فأوجبوه من المرافق وههنا جمهور المة‪ ،‬ووقف قوم مع الحديث في الكوعين‪ ،‬وقيس أيضا على‬
‫القطسع إذ هو حكسم شرعسي وتطهيسر كمسا هذا تطهيسر‪ ،‬ووقسف قوم مسع حديسث عمار فسي الكفيسن‪ .‬وهسو‬
‫قول الشعبي‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضسا هسل يكفسي فسي التيمسم ضربسة واحدة أم ل ؟ فذهسب مالك فسي المدونسة أن‬
‫التيمسسم بضربتيسسن‪ :‬ضربسسة للوجسسه وضربسسة لليديسسن؛ وهسسو قول الوزاعسسي والشافعسسي وأبسسي حنيفسسة‬
‫وأصحابهم‪ ،‬والثوري والليث وابن أبي سلمة‪ .‬ورواه جابر بن عبدال وابن عمر عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وقال ابن أبي الجهم‪ :‬التيمم بضربة واحدة‪ .‬وروي عن الوزاعي في الشهر عنه؛‬
‫وهو قول عطاء والشعبي في رواية‪ .‬وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري‪ .‬وهو أثبت‬
‫ما روي في ذلك من حديث عمار‪ .‬قال مالك في كتاب محمد‪ :‬إن تيمم بضربة واحدة أجزأه‪ .‬وقال‬
‫ابن نافع‪ :‬يعيد أبدا‪ .‬قال أبو عمر وقال ابن أبي ليلى والحسن بن حي‪ :‬ضربتان؛ يمسح بكل ضربة‬
‫منهمسا وجهسه وذراعيسه ومرفقيسه‪ .‬ولم يقسل بذلك أحسد مسن أهسل العلم غيرهمسا‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬لمسا‬
‫اختلفست الثار فسي كيفيسة التيمسم وتعارضست كان الواجسب فسي ذلك الرجوع إلى ظاهسر الكتاب‪ ،‬وهسو‬
‫يدل على ضربتيسن ضربة للوجه‪ ،‬ولليديسن أخرى إلى المرفقيسن‪ ،‬قياسسا على الوضوء واتباعسا لفعل‬
‫ابن عمر؛ فإنه من ل يدفع علمه بكتاب ال‪ .‬ولو ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك شيء‬
‫وجب الوقوف عنده‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال كان عفوا غفورا" أي لم يزل كائنا يقبل العفو وهو السهل‪ ،‬ويغفر الذنب‬
‫أي يستر عقوبته فل يعاقب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 53 - 44 :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضللة ويريدون أن‬
‫تضلوا السسبيل‪ ،‬وال أعلم بأعدائكسم وكفسى بال وليسا وكفسى بال نصسيرا‪ ،‬مسن الذيسن هادوا يحرفون‬
‫الكلم عسن مواضعسه ويقولون سسمعنا وعصسينا واسسمع غيسر مسسمع وراعنسا ليسا بألسسنتهم وطعنسا فسي‬
‫الديسن ولو أنهسم قالوا سسمعنا وأطعنسا واسسمع وانظرنسا لكان خيرا لهسم وأقوم ولكسن لعنهسم ال بكفرهسم‬
‫فل يؤمنون إل قليل‪ ،‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس‬
‫وجوهسا فنردهسا على أدبارهسا أو نلعنهسم كمسا لعنسا أصسحاب السسبت وكان أمسر ال مفعول‪ ،‬إن ال ل‬
‫يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء ومسن يشرك بال فقسد افترى إثمسا عظيمسا‪ ،‬ألم تسر‬
‫إلى الذيسن يزكون أنفسسهم بسل ال يزكسي مسن يشاء ول يظلمون فتيل‪ ،‬انظسر كيسف يفترون على ال‬
‫الكذب وكفسى بسه إثمسا مبينسا‪ ،‬ألم تسر إلى الذيسن أوتوا نصسيبا مسن الكتاب يؤمنون بالجبست والطاغوت‬
‫ويقولون للذين كفروا هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيل‪ ،‬أولئك الذين لعنهم ال ومن يلعن ال فلن‬
‫تجد له نصيرا‪ ،‬أم لهم نصيب من الملك فإذا ل يؤتون الناس نقيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تسر إلى الذيسن أوتوا نصسيبا مسن الكتاب "إلى قوله تعالى‪" :‬فمنهسم مسن آمسن بسه‬
‫ومنهم من صد عنه "الية‪.‬‬
‫نزلت فسي يهود المدينسة ومسا والهسا‪ .‬قال ابسن إسسحاق‪ :‬وكان رفاعسة بسن زيسد بسن التابوت مسن‬
‫عظماء يهود‪ ،‬إذا كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم لوى لسانه وقال‪ :‬أرعنا سمعك يا محمد حتى‬
‫نفهمك؛ ثم طعن في السلم وعابه فأنزل ال عز وجل "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب‬
‫"إلى قوله "قليل"‪ .‬ومعنسى "يشترون "يسستبدلون فهسو فسي موضسع نصسب على الحال‪ ،‬وفسي الكلم‬
‫حذف تقديره يشترون الضللة بالهدى؛ كمسسسسسا قال تعالى‪" :‬أولئك الذيسسسسسن اشتروا الضللة بالهدى‬
‫"[البقرة‪ ]16 :‬قاله القتسبي وغيره‪" .‬ويريدون أن تضلوا السسبيل" عطسف عليسه‪ ،‬والمعنسى تضلوا‬
‫طريق الحق‪ .‬وقرأ الحسن‪" :‬تضلوا "بفتح الضاد أي عن السبيل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال أعلم بأعدائكم" يريد منكم؛ فل تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫"أعلم "بمعنسى عليم؛ كقوله تعالى‪" :‬وهو أهون عليه "[الروم‪ ]27 :‬أي هيسن‪" .‬وكفسى بال وليسا"‬
‫الباء زائدة؛ زيدت لن المعنسى اكتفوا بال فهسو يكفيكسم أعداءكسم‪ .‬و"وليسا "و "نصسيرا" نصسب على‬
‫البيان‪ ،‬وإن شئت على الحال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مسن الذيسن هادوا" قال الزجاج‪ :‬إن جعلت "مسن "متعلقسة بمسا قبسل فل يوقسف على‬
‫قول "نصسيرا"‪ ،‬وإن جعلت منقطعسة فيجوز الوقسف على "نصسيرا "والتقديسر مسن الذيسن هادوا قوم‬
‫يحرفون الكلم؛ ثم حذف‪ .‬وهذا مذهب سيبويه‪ ،‬وأنشد النحويون‪:‬‬
‫يفضلها في حسب ومبسم‬ ‫لو قلت ما في قومها لم تيثم‬
‫قالوا‪ :‬المعنسى لو قلت مسا فسي قومهسا أحسد يفضلهسا؛ ثسم حذف‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المحذوف "مسن" المعنسى‪:‬‬
‫مسن الذيسن هادوا مسن يحرفون‪ .‬وهذا كقوله تعالى‪" :‬ومسا منسا إل له مقام معلوم" [الصسافات‪]164 :‬‬
‫أي من له‪ .‬وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫وآخر يذري عبرة العين بالهمل‬ ‫فظلوا ومنهم دمعه سابق له‬
‫يريسد ومنهسم مسن دمعسه‪ ،‬فحذف الموصسول‪ .‬وأنكره المسبرد والزجاج؛ لن حذف الموصسول كحذف‬
‫بعض الكلمة‪" .‬يحرفون" يتأولونه على غير تأويله‪ .‬وذمهم ال تعالى بذلك لنهم يفعلونه متعمدين‪.‬‬
‫وقيسل‪" :‬عسن مواضعسه" يعنسي صسفة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪" .‬ويقولون سسمعنا وعصسينا" أي‬
‫سسمعنا قولك وعصسينا أمرك‪" .‬واسسمع غيسر مسسمع" قال ابسن عباس‪ :‬كانوا يقولون النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪ :‬اسسمع ل سسمعت‪ ،‬هذا مرادهسم ‪ -‬لعنهسم ال ‪ -‬وهسم يظهرون أنهسم يريدون اسسمع غيسر‬
‫مسسمع مكروهسا ول أذى‪ .‬وقال الحسسن ومجاهسد‪ .‬معناه غيسر مسسمع منسك‪ ،‬أي مقبول ول مجاب إلى‬
‫مسا تقول‪ .‬قال النحاس‪ :‬ولو كان كذلك لكان غيسر مسسموع منسك‪ .‬وتقدم القول فسي "راعنسا"‪ .‬ومعنسى‬
‫"ليا بألسنتهم" أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم‪ .‬وأصل اللي الفتل‪ ،‬وهو‬
‫نصسسب على المصسسدر‪ ،‬وإن شئت كان مفعول مسسن أجله‪ .‬وأصسسله لويسسا ثسسم أدغمسست الواو فسسي الياء‪.‬‬
‫"وطعنا" معطوف عليه أي يطعنون في الدين‪ ،‬أي يقولون لصحابهم لو كان نبيا لدرى أننا نسبه‪،‬‬
‫فأظهسر ال تعالى نسبيه على ذلك فكان مسن علمات نبوتسه‪ ،‬ونهاهسم عسن هذا القول‪ .‬ومعنسى "أقوم"‬
‫أصسسوب لهسسم فسسي الرأي‪" .‬فل يؤمنون إل قليل "أي إل إيمانسسا قليل ل يسسستحقون بسسه اسسسم اليمان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه ل يؤمنون إل قليل منهم؛ وهذا بعيد لنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا" قال ابن إسحاق‪ :‬كلم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبدال بن صوريا العور وكعب بن أسد فقال لهم‪( :‬يا‬
‫معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فوال إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق ) قالوا‪ :‬ما نعرف ذلك يا‬
‫محمسد‪ .‬وجحدوا مسا عرفوا وأصسروا على الكفسر؛ فأنزل ال عسز وجسل فيهسم "يسا أيهسا الذيسن أوتوا‬
‫الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها "إلى آخر الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مصسدقا لمسا معكسم" نصسب على الحال‪" .‬مسن قبسل أن نطمسس وجوهسا" الطمسس‬
‫استئصال أثر الشيء؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬فإذا النجوم طمست "[المرسلت‪ .]8 :‬ونطمس ونطمس‬
‫بكسر الميم وضمها في المستقبل لغتان‪ .‬ويقال في الكلم‪ :‬طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس؛ يقال‪:‬‬
‫طمسس الثسر وطسسم أي أمحسى‪ ،‬كله لغات؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬ربنسا اطمسس على أموالهسم"[يونسس‪:‬‬
‫‪ ]88‬أي أهلكهسا؛ عسن ابسن عرفسة‪ .‬ويقال‪ :‬طمسسته فطمسس لزم ومتعسد‪ .‬وطمسس ال بصسره‪ ،‬وهسو‬
‫مطموس البصسر إذا ذهسب أثسر العيسن؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬ولو نشاء لطمسسنا على أعينهسم "[يسس‪:‬‬
‫‪ ]66‬يقول أعميناهم‪.‬‬
‫واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الية؛ هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالنف‬
‫والفم والحاجب والعين‪ .‬أو ذلك عبارة عن الضلل في قلوبهم وسلبهم التوفيق ؟ قولن‪ .‬روي عن‬
‫أبي بن كعب أنه قال‪" :‬من قبل أن نطمس "من قبل أن نضلكم إضلل ل تهتدون بعده‪ .‬يذهب إلى‬
‫أنسه تمثيسل وأنهسم إن لم يؤمنوا فعسل هذا بهسم عقوبسة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معناه مسن قبسل أن نجعسل الوجوه‬
‫أقفاء‪ .‬أي يذهسب بالنسف والشفاه والعيسن والحواجسب؛ هذا معناه عنسد أهسل اللغسة‪ .‬وروي عسن ابسن‬
‫عباس وعطيسة العوفسي‪ :‬أن الطمسس أن تزال العينان خاصسة وترد فسي القفسا؛ فيكون ذلك ردا على‬
‫الدبر ويمشي القهقرى‪ .‬وقال مالك رحمه ال‪ :‬كان أول إسلم كعب الحبار أنه مر برجل من الليل‬
‫وهسو يقرأ هذه اليسة‪" :‬يسا أيهسا الذيسن أوتوا الكتاب آمنوا "فوضسع كفيسه على وجهسه ورجسع القهقرى‬
‫إلى بيته فأسلم مكانه وقال‪ :‬وال لقد خفت أل أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي‪ .‬وكذلك فعل عبدال بن‬
‫سسلم‪ ،‬لمسا نزلت هذه اليسة وسسمعها أتسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قبسل أن يأتسي أهله وأسسلم‬
‫وقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ما كنت أدرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف جاز‬
‫أن يهددهسم بطمسس الوجسه إن لم يؤمنوا ثسم لم يؤمنوا ولم يفعسل ذلك بهسم؛ فقيسل‪ :‬إنسه لمسا آمسن هؤلء‬
‫ومن اتبعهسم رفع الوعيسد عن الباقيسن‪ .‬وقال المبرد‪ :‬الوعيسد باق منتظسر‪ .‬وقال‪ :‬ل بد من طمسس فسي‬
‫اليهود ومسخ قبل يوم القيامة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو نلعنهسم" أي أصسحاب الوجوه "كمسا لعنسا أصسحاب السسبت" أي نمسسخهم قردة‬
‫وخنازيسر؛ عسن الحسسن وقتادة‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو خروج مسن الخطاب إلى الغيبسة "وكان أمسر ال مفعول"‬
‫أي كائنسا موجودا‪ .‬ويراد بالمسر المأمور فهسو مصسدر وقسع موقسع المفعول؛ فالمعنسى أنسه متسى أراده‬
‫أوجده‪ .‬وقيل‪ :‬معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغفسر أن يشرك به" روي أن النسبي صسلى ال عليه وسسلم تل‪" :‬إن ال‬
‫يغفر الذنوب جميعا "[الزمر‪ ]53 :‬فقال له رجل‪ :‬يا رسول ال والشرك ! فنزل "إن ال ل يغفر‬
‫أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء"‪ .‬وهذا مسن المحكسم المتفسق عليسه الذي ل اختلف فيسه‬
‫بيسن المسة‪" .‬ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "مسن المتشابسه الذي قسد تكلم العلماء فيسه‪ .‬فقال محمسد بسن‬
‫جريسر الطسبري‪ :‬قسد أبانست هذه اليسة أن كسل صساحب كسبيرة ففسي مشيئة ال تعالى إن شاء عفسا عنسه‬
‫ذنبه‪ ،‬وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بال تعالى‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬قد بين ال تعالى ذلك‬
‫بقول‪" :‬إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه نكفسر عنكسم سسيئاتكم "[النسساء‪ ]31 :‬فاعلم أنسه يشاء أن‬
‫يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ول يغفرها لمن أتى الكبائر‪ .‬وذهب بعض أهل التأويل إلى أن‬
‫هذه اليسة ناسسخة للتسي فسي آخسر "الفرقان"‪ .‬قال زيسد بسن ثابست‪ :‬نزلت سسورة "النسساء "بعسد "الفرقان‬
‫"بستة أشهر‪ ،‬والصحيح أن ل نسخ؛ لن النسخ في الخبار يستحيل‪ .‬وسيأتي بيان الجمع بين الي‬
‫فسي هذه السسورة وفسي "الفرقان "إن شاء ال تعالى‪ .‬وفسي الترمذي عسن علي بسن أبسي طالب قال‪ :‬مسا‬
‫فسي القرآن آيسة أحسب إلي مسن هذه اليسة "إن ال ل يغفسر أن يشرك به ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء‬
‫"قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تسر إلى الذيسن يزكون أنفسسهم" هذا اللفسظ عام فسي ظاهره ولم يختلف أحسد مسن‬
‫المتأوليسن فسي أن المراد اليهود‪ .‬واختلفوا فسي المعنسى الذي زكوا بسه أنفسسهم؛ فقال قتادة والحسسن‪:‬‬
‫ذلك قولهسسم‪" :‬نحسسن أبناء ال وأحباؤه"‪ ،‬وقولهسسم‪" :‬لن يدخسسل الجنسسة إل مسسن كان هودا أو نصسسارى‬
‫"وقال الضحاك والسدي‪ :‬قولهم ل ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر لنا ليل وما فعلناه ليل غفر لنا‬
‫نهارا‪ ،‬ونحسسن كالطفال فسسي عدم الذنوب‪ .‬وقال مجاهسسد وأبسسو مالك وعكرمسسة‪ :‬تقديمهسسم الصسسغار‬
‫للصلة؛ لنهم ل ذنوب عليهم‪ .‬وهذا يبعد من مقصد الية‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ذلك قولهم آباؤنا الذين‬
‫ماتوا يشفعون لنا ويزكوننا‪ .‬وقال عبدال بن مسعود‪ :‬ذلك ثناء بعضهم على بعض‪ .‬وهذا أحسن ما‬
‫قيل؛ فإنه الظاهر من معنى الية‪ ،‬والتزكية‪ :‬التطهير والتبرية من الذنوب‪.‬‬
‫@ هذه اليسة وقوله تعالى‪" :‬فل تزكوا أنفسسكم" [النجسم‪ ]32 :‬يقتضسي الغسض مسن المزكسي لنفسسه‬
‫بلسسانه‪ ،‬والعلم بأن الزاكسي المزكسى مسن حسسنت أفعاله وزكاه ال عسز وجسل فل عسبرة بتزكيسة‬
‫النسان نفسه‪ ،‬وإنما العبرة بتزكية ال له‪ .‬وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال‪:‬‬
‫سميت ابنتي برة؛ فقالت لي زينب بنت أبي سلمة‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا‬
‫السسم‪ ،‬وسسميت برة؛ فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ل تزكوا أنفسسكم ال أعلم بأهسل البر‬
‫منكسم ) فقالوا‪ :‬بسم نسسميها ؟ فقال‪( :‬سسموها زينسب )‪ .‬فقسد دل الكتاب والسسنة على المنسع مسن تزكيسة‬
‫النسان نفسه‪ ،‬ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت‬
‫التي تقتضي التزكية؛ كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك‪ ،‬لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه‬
‫السماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت ل تفيد شيئا‪.‬‬
‫@ فأما تزكية الغير ومدحه له؛ ففي البخاري من حديث أبي بكرة أن رجل ذكر عند النبي صلى‬
‫ال عليسه وسسلم فأثنسى عليسه رجسل خيرا‪ ،‬فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ويحسك قطعست عنسق‬
‫صساحبك ‪ -‬يقوله مرارا ‪ -‬إن كان أحدكسم مادحسا ل محالة فليقسل أحسسب كذا وكذا إن كان يرى أنسه‬
‫كذلك وحسسيبه ال ول يزكسي على ال أحدا ) فنهسى صسلى ال عليسه وسسلم أن يفرط فسي مدح الرجسل‬
‫بما ليس فيه فيدخله في ذلك العجاب والكبر‪ ،‬ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة فيحمله ذلك على‬
‫تضييسع العمسل وترك الزدياد مسن الفضسل؛ ولذلك قال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ويحسك قطعست عنسق‬
‫صاحبك )‪ .‬وفي الحديث الخر (قطعتم ظهر الرجل ) حين وصفوه بما ليس فيه‪ .‬وعلى هذا تأول‬
‫العلماء قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬احثوا التراب في وجوه المداحين ) إن المراد به المداحون في‬
‫وجوههسم بالباطسل وبمسا ليسس فيهسم‪ ،‬حتسى يجعلوا ذلك بضاعسة يسستأكلون بسه الممدوح ويفتنونسه؛ فأمسا‬
‫مدح الرجسل بمسا فيسه مسن الفعسل الحسسن والمسر المحمود ليكون منسه ترغيبسا له فسي أمثاله وتحريضسا‬
‫للناس على القتداء بسه فسي أشباهسه فليسس بمداح‪ ،‬وإن كان قسد صسار مادحسا بمسا تكلم بسه مسن جميسل‬
‫القول فيسه‪ .‬وهذا راجسع إلى النيات "وال يعلم المفسسد مسن المصسلح"‪ .‬وقسد مدح فسي الشعسر والخطسب‬
‫والمخاطبة ولم يحث في وجوه المداحين التراب‪ ،‬ول أمر بذلك‪ .‬كقول أبي طالب‪:‬‬
‫ثمال اليتامى عصمة للرامل‬ ‫وأبيض يستسقى الغمام بوجهه‬
‫وكمدح العباس وحسسان له فسي شعرهمسا‪ ،‬ومدحسه كعسب بسن زهيسر‪ ،‬ومدح هسو أيضسا أصسحابه فقال‪:‬‬
‫(إنكسم لتقلون عنسد الطمسع وتكثرون عنسد الفزع )‪ .‬وأمسا قوله صسلى ال عليسه وسسلم فسي صسحيح‬
‫الحديسث‪( :‬ل تطرونسي كمسا أطرت النصسارى عيسسى ابسن مريسم وقولوا‪ :‬عبدال ورسسوله ) فمعناه ل‬
‫تصفوني بما ليس في من الصفات تلتمسون بذلك مدحي‪ ،‬كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن‬
‫فيه‪ ،‬فنسبوه إلى أنه ابن ال فكفروا بذلك وضلوا‪ .‬وهذا يقتضي أن من رفع أمرا فوق حده وتجاوز‬
‫مقداره بمسا ليسس فيسه فمعتسد آثسم؛ لن ذلك لو جاز فسي أحسد لكان أولى الخلق بذلك رسسول ال صسلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يظلمون فتيل" الضمير في "يظلمون" عائد على المذكورين ممن زكى نفسه‬
‫وممسن يزكيسه ال عسز وجسل‪ .‬وغيسر هذيسن الصسنفين علم أن ال تعالى ل يظلمسه مسن غيسر هذه اليسة‪.‬‬
‫والفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة؛ قال ابن عباس وعطاء ومجاهد‪ .‬وقيل‪ :‬القشرة التي حول‬
‫النواة بينها وبين البسرة‪ .‬وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك والسدي‪ :‬هو ما يخرج بين أصبعيك أو‬
‫كفيك من الوسخ إذا فتلتهما؛ فهو فعيل بمعنى مفعول‪ .‬وهذا كله يرجع إلى كناية عن تحقير الشيء‬
‫وتصسسسغيره‪ ،‬وأن ال ل يظلمسسسه شيئا‪ .‬ومثسسسل هذا فسسسي التحقيسسسر قوله تعالى‪" :‬ول يظلمون نقيرا"‬
‫[النسساء‪ ]124 :‬وهسو النكتسة التسي فسي ظهسر النواة‪ ،‬ومنسه تنبست النخلة‪ ،‬وسسيأتي‪ .‬قال الشاعسر يذم‬
‫بعض الملوك‪:‬‬
‫ثم ل ترزأ العدو فتيل‬ ‫تجمع الجيش ذا اللوف وتغزو‬
‫ثسم عجسب النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن ذلك فقال‪" :‬انظسر كيسف يفترون على ال الكذب" فسي‬
‫قولهم‪ :‬نحن أبناء ال وأحباؤه‪ .‬وقيل‪ :‬تزكيتهم لنفسهم؛ عن ابن جريج‪ .‬وروي أنهم قالوا‪ :‬ليس لنا‬
‫ذنوب إل كذنوب أبنائنسسا يوم تولد‪ .‬والفتراء الختلق؛ ومنسسه افترى فلن على فلن أي رماه بمسسا‬
‫ليسس فيسه‪ .‬وفريست الشيسء قطعتسه‪" .‬وكفسى بسه إثمسا مبينسا" نصسب على البيان‪ .‬والمعنسى تعظيسم الذنسب‬
‫وذمه‪ .‬العرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تسسر إلى الذيسسن أوتوا نصسسيبا مسسن الكتاب" يعنسسي اليهود "يؤمنون بالجبسست‬
‫والطاغوت" اختلف أهسل التأويسل فسي تأويسل الجبست والطاغوت؛ فقال ابسن عباس وابسن جسبير وأبسو‬
‫العاليسة‪ :‬الجبست السساحر بلسسان الحبشسة‪ ،‬والطاغوت الكاهسن‪ .‬وقال الفاروق عمسر رضسي ال عنسه‪:‬‬
‫الجبت السحر والطاغوت الشيطان‪ .‬ابن مسعود‪ :‬الجبت والطاغوت ههنا كعب بن الشرف وحيي‬
‫بسن أخطسب‪ .‬عكرمسة‪ :‬الجبست حيسي بسن أخطسب والطاغوت كعسب بسن الشرف؛ دليله قوله تعالى‪:‬‬
‫"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "[النسساء‪ .]60 :‬قتادة‪ :‬الجبست الشيطان والطاغوت الكاهسن‪.‬‬
‫وروى ابسن وهسب عسن مالك بسن أنسس‪ :‬الطاغوت مسا عبسد مسن دون ال‪ .‬قال‪ :‬وسسمعت مسن يقول إن‬
‫الجبسست الشيطان؛ ذكره النحاس‪ .‬وقيسسل‪ :‬همسسا كسسل معبود مسسن دون ال‪ ،‬أو مطاع فسسي معصسسية ال؛‬
‫وهذا حسسن‪ .‬وأصسل الجبست الجبسس وهسو الذي ل خيسر فيسه‪ ،‬فأبدلت التاء مسن السسين؛ قاله قطرب‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬الجبست إبليسس والطاغوت أولياؤه‪ .‬وقول مالك فسي هذا الباب حسسن؛ يدل عليسه قوله تعالى‪:‬‬
‫"أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت "[النحسل‪ ]36 :‬وقال تعالى‪" :‬والذيسن اجتنبوا الطاغوت أن‬
‫يعبدوهسا "[الزمسر‪ .]17 :‬وروى قطسن بسن المخارق عسن أبيسه قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪( :‬الطرق والطيرة والعيافة من الجبت )‪ .‬الطرق الزجر‪ ،‬والعيافة الخط؛ خرجه أبو داود في‬
‫سننه‪ .‬وقيل‪ :‬الجبت كل ما حرم ال‪ ،‬الطاغوت كل ما يطغي النسان‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون للذيسن كفروا" أي يقول اليهود لكفار قريسش أنتسم أهدى سسبيل مسن الذيسن‬
‫آمنوا بمحمد‪ .‬وذلك أن كعب بن الشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد‬
‫ليحالفوا قريشسا على قتال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬فنزل كعسب على أبسي سسفيان فأحسسن‬
‫مثواه‪ ،‬ونزلت اليهود في دور قريش فتعاقدوا وتعاهدوا ليجتمعن على قتال محمد؛ فقال أبو سفيان‪:‬‬
‫إنسك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم‪ ،‬ونحسن أميون ل نعلم‪ ،‬فأينسا أهدى سسبيل وأقرب إلى الحسق‪ .‬نحسن أم‬
‫محمد ؟ فقال كعب‪ :‬أنتم وال أهدى سبيل مما عليه محمد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم لهم نصيب من الملك" أي ألهم ؟ والميم صلة‪" .‬نصيب" حظ "من الملك" وهذا‬
‫على وجه النكار؛ يعني ليس لهم من الملك شيء‪ ،‬ولو كان لهم منه شيء لم يعطوا أحدا منه شيئا‬
‫لبخلهسم وحسسدهم‪ .‬وقيسل‪ :‬المعنسى بسل ألهسم نصسيب؛ فتكون أم منقطعسة ومعناهسا الضراب عسن الول‬
‫والسستئناف للثانسي‪ .‬وقيسل‪ :‬هسي عاطفسة على محذوف؛ لنهسم أنفوا مسن أتباع محمسد صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم‪ .‬والتقديسر‪ :‬أهسم أولى بالنبوة ممسن أرسسلته أم لهسم نصسيب مسن الملك ؟‪" .‬فإذا ل يؤتون الناس‬
‫نقيرا "أي يمنعون الحقوق‪ .‬خسبر ال عسز وجسل عنهسم بمسا يعلمسه منهسم‪ .‬والنقيسر‪ :‬النكتسة فسي ظهسر‬
‫النواة؛ عن ابن عباس وقتادة وغيرهما‪ .‬وعن ابن عباس أيضا‪ :‬النقير‪ :‬ما نقر الرجل بأصبعه كما‬
‫ينقسسر الرض‪ .‬وقال أبسسو العاليسسة‪ :‬سسسألت ابسسن عباس عسسن النقيسسر فوضسسع طرف البهام على باطسسن‬
‫السبابة ثم رفعهما وقال‪ :‬هذا النقير‪ .‬والنقير‪ :‬أصل خشبة ينقر وينبذ فيه؛ وفيه جاء النهي ثم نسخ‪.‬‬
‫وفلن كريم النقير أي الصل‪ .‬و"إذا "هنا ملغاه غير عاملة لدخول فاء العطف عليها‪ ،‬ولو نصب‬
‫لجاز‪ .‬قال سسيبويه‪" :‬إذا "فسي عوامسل الفعال بمنزلة "أظسن "فسي عوامسل السسماء‪ ،‬أي تلغسى إذا لم‬
‫يكسن الكلم معتمدا عليهسا‪ ،‬فإن كانست فسي أول الكلم وكان الذي بعدهسا مسستقبل نصسبت؛ كقولك‪ :‬أنسا‬
‫أزورك فيقول مجيبا لك‪ :‬إذا أكرمك‪ .‬قال عبدال بن عنتمة الضبي‪:‬‬
‫إذن يرد وقيد العير مكروب‬ ‫اردد حمارك ل يرتع بروضتنا‬
‫نصب لن الذي قبل "إذن "تام فوقعت ابتداء كلم‪ .‬فإن وقعت متوسطة بين شيئين كقولك‪ .‬زيد إذا‬
‫يزورك ألغيسست؛ فإن دخسسل عليهسسا فاء العطسسف أو واو العطسسف فيجور فيهسسا العمال واللغاء؛ أمسسا‬
‫العمال فلن ما بعد الواو يستأنف على طريق عطف الجملة على الجملة‪ ،‬فيجوز في غير القرآن‬
‫فإذا ل يؤتوا‪ .‬وفسي التنزيسل "وإذا ل يلبثون "[السسراء‪ ]76 :‬وفسي مصسحف أبسي "وإذا ل يلبثوا"‪.‬‬
‫وأمسا اللغاء فلن مسا بعسد الواو ل يكون إل بعسه كلم يعطسف عليسه‪ ،‬والناصسب للفعسل عنسد سسيبويه‬
‫"إذا" لمضارعتها "أن"‪ ،‬وعند الخليل أن مضمرة بعد إذا‪ .‬وزعم الفراء أن إذا تكتب باللف وأنها‬
‫منونسسة‪ .‬قال النحاس‪ :‬وسسسمعت علي بسسن سسسليمان يقول‪ :‬سسسمعت أبسسا العباس محمسسد بسسن يزيسسد يقول‪:‬‬
‫أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذاً باللف؛ إنها مثل لن وإن‪ ،‬ول يدخل التنوين في الحروف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 55 - 54 :‬أم يحسسدون الناس على مسا آتاهسم ال مسن فضله فقسد آتينسا آل إبراهيسم‬
‫الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما‪ ،‬فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يحسدون" يعني اليهود‪" .‬الناس" يعني النبي صلى ال عليه وسلم خاصة؛ عن‬
‫ابسن عباس ومجاهسد وغيرهمسا‪ .‬حسسدوه على النبوة وأصسحابه على اليمان بسه‪ .‬وقال قتادة‪" :‬الناس‬
‫"العرب‪ ،‬حسسدتهم اليهود على النبوة‪ .‬الضحاك‪ :‬حسسدت اليهود قريشسا؛ لن النبوة فيهسم‪ .‬والحسسد‬
‫مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ رواه أنس عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم‪ ،‬وحزن لزم‪ ،‬وعبرة‬
‫ل تنفسسد‪ .‬وقال عبدال بسسن مسسسعود‪ :‬ل تعادوا نعسسم ال‪ .‬قيسسل له‪ :‬ومسسن يعادي نعسسم ال ؟ قال‪ :‬الذيسسن‬
‫يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‪ ،‬يقول ال تعالى في بعض الكتب‪ :‬الحسود عدو نعمتي‬
‫متسخط لقضائي غير راض بقسمتي‪ .‬ولمنصور الفقيه‪:‬‬
‫أتدري على من أسأت الدب‬ ‫أل قل لمن ظل لي حاسدا‬
‫إذا أنت لم ترض لي ما وهب‬ ‫أسأت على ال في حكمه‬
‫ويقال‪ :‬الحسسد أول ذنسب عصسي ال بسه فسي السسماء‪ ،‬وأول ذنسب عصسي بسه فسي الرض؛ فأمسا فسي‬
‫السماء فحسد إبليس لدم‪ ،‬وأما في الرض فحسد قابيل لهابيل‪ .‬ولبي العتاهية في الناس‪:‬‬
‫فكيف ولو أنصفتهم ظلموني‬ ‫فيا رب إن الناس ل ينصفونني‬
‫وإن شئت أبغي شيئهم منعوني‬ ‫وإن كان لي شيء تصدوا لخذه‬
‫وإن أنا لم أبذل لهم شتموني‬ ‫وإن نالهم بذلي فل شكر عندهم‬
‫وإن صحبتني نعمة حسدوني‬ ‫وإن طرقتني نكبة فكهوا بها‬
‫وأحجب عنهم ناظري وجفوني‬ ‫سأمنع قلبي أن يحن إليهمو‬
‫وقيل‪ :‬إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك‪ .‬ولرجل من قريش‪:‬‬
‫فرموها بأباطيل الكلم‬ ‫حسدوا النعمة لما ظهرت‬
‫لم يضرها قول أعداء النعم‬ ‫وإذا ما ال أسدى نعمة‬
‫ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫د فإن صبرك قاتله‬ ‫أصبر على حسد الحسو‬
‫إن لم تجد ما تأكله‬ ‫فالنار تأكل بعضها‬
‫وقال بعسض أهسل التفسسير فسي قول ال تعالى‪" :‬ربنسا أرنسا الذيسن أضلنسا مسن الجسن والنسس نجعلهمسا‬
‫تحت أقدامنا ليكونا من السفلين "[فصلت‪ .]29 :‬إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من‬
‫النسس قابيسل؛ وذلك أن إبليسس كان أول مسن سسن الكفسر‪ ،‬وقابيسل كان أول مسن سسن القتسل‪ ،‬وإنمسا كان‬
‫أصل ذلك كله الحسد‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫فيما مضى من سالف الحوال‬ ‫إن الغراب وكان يمشي مشية‬
‫فأصابه ضرب من التعقال‬ ‫حسد القطاة فرام يمشي مشيها‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقد آتينا" ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما‪.‬‬
‫قال همام بسن الحارث‪ :‬أيدوا بالملئكسة‪ .‬وقيسل‪ :‬يعنسي ملك سسليمان؛ عسن ابسن عباس‪ .‬وعنسه أيضسا‪:‬‬
‫المعنسى أم يحسسدون محمدا على مسا أحسل ال له مسن النسساء فيكون الملك العظيسم على هذا أنسه أحسل‬
‫لداود تسسسعا وتسسسعين امرأة ولسسسليمان أكثسسر مسسن ذلك‪ .‬واختار الطسسبري أن يكون المراد مسسا أوتيسسه‬
‫سسليمان مسن الملك وتحليسل النسساء‪ .‬والمراد تكذيسب اليهود والرد عليهسم فسي قولهسم‪ :‬لو كان نبيسا مسا‬
‫رغسب فسي كثرة النسساء ولشغلتسه النبوة عسن ذلك؛ فأخسبر ال تعالى بمسا كان لداود وسسليمان يوبخهسم‪،‬‬
‫فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة‪ ،‬فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ألف امرأة ؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم ثلثمائة مهرية‪ ،‬وسبعمائة سرية‪ ،‬وعند داود مائة امرأة‪ .‬فقال لهم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ) ؟ فسكتوا‪ .‬وكان له يومئذ تسع نسوة‪.‬‬
‫@ يقال‪ :‬إن سليمان عليه السلم كان أكثر النبياء نساء‪ .‬والفائدة في كثرة تزوجه أنه كان له قوة‬
‫أربعين نبيسا‪ ،‬وكل من كان أقوى فهو أكثسر نكاحا‪ .‬ويقال‪ :‬إنسه أراد بالنكاح كثرة العشيرة؛ لن لكسل‬
‫امرأة قسبيلتين قسبيلة مسن جهسة الب وقسبيلة مسن جهسة الم؛ فكلمسا تزوج امرأة صسرف وجوه القسبيلتين‬
‫إلى نفسه فتكون عونا له على أعدائه‪ .‬ويقال‪ :‬إن كل من كان أتقى فشهوته أشد؛ لن الذي ل يكون‬
‫تقيسا فإنمسا يتفرج بالنظسر والمسس‪ ،‬أل ترى مسا روى فسي الخسبر‪( :‬العينان تزنيان واليدان تزنيان )‪.‬‬
‫فإذا كان فسي النظسر والمسس نوع مسن قضاء الشهوة قسل الجماع‪ ،‬والمتقسي ل ينظسر ول يمسس فتكون‬
‫الشهوة مجتمعسة فسي نفسسه فيكون أكثسر جماعسا‪ .‬وقال أبسو بكسر الوراق‪ :‬كسل شهوة تقسسي القلب إل‬
‫الجماع فإنه يصفي القلب؛ ولهذا كان النبياء يفعلون ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمنهسم مسن آمسن بسه" يعنسي بالنسبي صسلى ال عليسه وسسلم لنسه تقدم ذكره وهسو‬
‫المحسود‪" .‬ومنهم من صد عنه" أعرض فلم يؤمن به‪ .‬وقيل‪ :‬الضمير في "به "راجع إلى إبراهيم‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من صد عنه‪ .‬وقيل‪ :‬يرجع إلى الكتاب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬إن الذين كفروا بآياتنسا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا‬
‫غيرها ليذوقوا العذاب إن ال كان عزيزا حكيما‬
‫*‪*3‬اليسة‪ - 57 :‬والذيسن آمنوا وعملوا الصسالحات سسندخلهم جنات تجري مسن تحتهسا النهار‬
‫خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظل ظليل}‬
‫@ قسد تقدم معنسى الصسلء أول السسورة‪ .‬وقرأ حميسد بسن قيسس "نصسليهم "بفتسح النون أي نشويهسم‪.‬‬
‫يقال‪ :‬شاة مصسسلية‪ .‬ونصسسب "نارا "على هذه القراءة بنزع الخافسسض تقديره بنار‪" .‬كلمسسا نضجسست‬
‫جلودهم" يقال‪ :‬نضج الشيء نضجا ونضجا‪ ،‬وفلن نضيج الرأي محكمه‪ .‬والمعنى في الية‪ :‬تبدل‬
‫الجلود جلودا أخسسر‪ .‬فإن قال مسسن يطعسسن فسسي القرآن مسسن الزنادقسسة‪ :‬كيسسف جاز أن يعذب جلدا لم‬
‫يعصسه ؟ قيسل له‪ :‬ليسس الجلد بمعذب ول معاقسب‪ ،‬وإنمسا اللم واقسع على النفوس؛ لنهسا هسي التسي‬
‫تحسسسس وتعرف فتبديسسسل الجلود زيادة فسسسي عذاب النفوس‪ .‬يدل عليسسسه قوله تعالى‪" :‬ليذوقوا العذاب‬
‫"وقوله تعالى‪" :‬كلمسا خبست زدناهسم سسعيرا "[السسراء‪ .]97 :‬فالمقصسود تعذيسب البدان وإيلم‬
‫الرواح‪ .‬ولو أراد الجلود لقال‪ :‬ليذقسسن العذاب‪ .‬مقاتسسل‪ :‬تأكله النار كسسل يوم سسسبع مرات‪ .‬الحسسسن‪:‬‬
‫سسبعين ألف مرة كلمسا أكلتهسم قيسل لهسم‪ :‬عودوا فعادوا كمسا كانوا‪ .‬ابسن عمسر‪ :‬إذا احترقوا بدلت لهسم‬
‫جلود بيسض كالقراطيسس‪ .‬وقيسل‪ :‬عنسى بالجلود السسرابيل؛ كمسا قال تعالى‪" :‬وترى المجرميسن يومئذ‬
‫مقرنين في الصفاد سرابيلهم من قطران "[إبراهيم‪ ]50 - 49 :‬سميت جلودا للزومها جلودهم‬
‫على المجاورة؛ كما يقال للشيء الخاص بالنسان‪ :‬هو جلدة ما بين عينيه‪ .‬وأنشد ابن عمر رضي‬
‫ال عنه‪:‬‬
‫وجلدة بين العين والنف سالم‬ ‫يلومونني في سالم وألومهم‬
‫فكلما احترقت السرابيل أعيدت‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فويل لتيم من سرابيلها الخضر‬ ‫كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها‬
‫فكنسى عسن الجلود بالسسرابيل‪ .‬وقيسل‪ :‬المعنسى أعدنسا الجلد الول جديدا؛ كمسا تقول للصسائغ‪ :‬صسغ لي‬
‫مسن هذا الخاتسم خاتمسا غيره؛ فيكسسره ويصسوغ لك منسه خاتمسا‪ .‬فالخاتسم المصسوغ هسو الول إل أن‬
‫الصسياغة تغيرت والفضسة واحدة‪ .‬وهذا كالنفسس إذا صسارت ترابسا وصسارت ل شيسء ثسم أحياهسا ال‬
‫تعالى‪ .‬وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيما مدنفا فتقول له‪ :‬كيف أنت ؟ فيقول‪ :‬أنا غير‬
‫الذي عهدت‪ .‬فهسسسو هسسسو‪ ،‬ولكسسسن حاله تغيرت‪ .‬فقول القائل‪ :‬أنسسسا غيسسسر الذي عهدت‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"غيرها" مجاز‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪" :‬يوم تبدل الرض غير الرض "[إبراهيم‪ ]48 :‬وهي تلك‬
‫الرض بعينهسا إل أنهسا تغيسر آكامهسا وجبالهسا وأنهارهسا وأشجارهسا‪ ،‬ويزاد فسي سسعتها ويسسوى ذلك‬
‫منها؛ على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم "عليه السلم‪ .‬ومن هذا المعنى قول الشاعر‪:‬‬
‫ول الدار بالدار التي كنت أعرف‬ ‫فما الناس بالناس الذين عهدتهم‬
‫وقال الشعسبي‪ :‬جاء رجسل إلى ابسن عباس فقال‪ :‬أل ترى مسا صسنعت عائشسة‪ .‬ذمست دهرهسا‪ ،‬وأنشدت‬
‫بيتي لبيد‪:‬‬
‫وبقيت في خلف كجلد الجرب‬ ‫ذهب الذين يعاش في أكنافهم‬
‫ويعاب قائلهم وإن لم يشغب‬ ‫يتلذذون مجانة ومذلة‬
‫فقالت‪ :‬رحسم ال لبيدا فكيسف لو أدرك زماننسا هذا ! فقال ابسن عباس‪ :‬لئن ذمست عائشسة دهرهسا لقسد‬
‫ذمست "عاد" دهرهسا؛ لنسه وجسد فسي خزانسة "عاد" بعدمسا هلكوا بزمسن طويسل كأطول مسا يكون مسن‬
‫رماح ذلك الزمن عليه مكتوب‪:‬‬
‫إذ الناس ناس والبلد بلد‬ ‫بلد بها كنا ونحن بأهلها‬
‫البلد باقيسسة كمسسا هسسي إل أن أحوالهسسا وأحوال أهلهسسا تنكرت وتغيرت‪" .‬إن ال كان عزيزا" أي ل‬
‫يعجزه شيسء ول يفوتسه‪" .‬حكيمسا" فسي إيعاده عباده‪ .‬وقوله فسي صسفة أهسل الجنسة‪" :‬وندخلهسم ظل‬
‫ظليل "يعني كثيفا ل شمس فيه‪ .‬الحسن‪ :‬وصف بأنه ظليل؛ لنه ل يدخله ما يدخل ظل الدنيا من‬
‫الحسر والسسموم ونحسو ذلك‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يعنسي ظلل الشجار وظلل قصسورها الكلبسي‪" :‬ظل‬
‫ظليل" يعني دائما‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 58 :‬إن ال يأمركسم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتسم بين الناس أن تحكموا‬
‫بالعدل إن ال نعما يعظكم به إن ال كان سميعا بصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يأمركسم أن تؤدوا المانات" هذه اليسة مسن أمهات الحكام تضمنست جميسع‬
‫الديسن والشرع‪ .‬وقسد اختلف مسن المخاطسب بهسا؛ فقال علي بسن أبسى طالب وزيسد بسن أسسلم وشهسر بسن‬
‫حوشب وابن زيد‪ :‬هذا خطاب لولة المسلمين خاصة‪ ،‬فهي للنبي صلى ال عليه وسلم وأمرائه‪ ،‬ثم‬
‫تتناول من بعدهم‪ .‬وقال ابن جريج وغيره‪ :‬ذلك خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة في أمر‬
‫مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن أبي طلحة الحجبي العبدري من بني عبدالدار ومن ابن عمه‬
‫شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وكانا كافرين وقت فتح مكة‪ ،‬فطلبه العباس بن عبدالمطلب لتنضاف‬
‫له السسدانة إلى السسقاية؛ فدخسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم الكعبسة فكسسسر مسا كان فيهسا مسن‬
‫الوثان‪ ،‬وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الية‪ .‬قال عمر بن الخطاب‪ :‬وخرج رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ هذه الية‪ ،‬وما كنت سمعتها قبل منه‪ ،‬فدعا عثمان وشيبة فقال‪:‬‬
‫(خذاهسا خالدة تالدة ل ينزعهسا منكسم إل ظالم )‪ .‬وحكسى مكسي‪ :‬أن شيبسة أراد أل يدفسع المفتاح‪ ،‬ثسم‬
‫دفعه‪ ،‬وقال للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬خذه بأمانة ال‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬الية في الولة خاصة في‬
‫أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ويردوهن إلى الزواج‪ .‬والظهر في الية أنها عامة في جميع‬
‫الناس فهسسي تتناول الولة فيمسسا إليهسسم مسسن المانات فسسي قسسسمة الموال ورد الظلمات والعدل فسسي‬
‫الحكومات‪ .‬وهذا اختيار الطسسبري‪ .‬وتتناول مسسن دونهسسم مسسن الناس فسسي حفسسظ الودائع والتحرز فسسي‬
‫الشهادات وغيسر ذلك‪ ،‬كالرجسل يحكسم فسي نازلة مسا ونحوه؛ والصسلة والزكاة وسسائر العبادات أمانسة‬
‫ال تعالى‪ .‬وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(القتسل فسي سسبيل ال يكفسر الذنوب كلهسا ) أو قال‪( :‬كسل شيسء إل المانسة ‪ -‬والمانسة فسي الصسلة‬
‫والمانسة فسي الصسوم والمانسة فسي الحديسث وأشسد ذلك الودائع )‪ .‬ذكره أبسو نعيسم الحافسظ فسي الحليسة‪.‬‬
‫وممسن قال إن اليسة عامسة فسي الجميسع البراء بسن عازب وابسن مسسعود وابسن عباس وأبسي بسن كعسب‬
‫قالوا‪ :‬المانسسة فسسي كسسل شيسسء فسسي الوضوء والصسسلة والزكاة والجنابسسة والصسسوم والكيسسل والوزن‬
‫والودائع‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬لم يرخص ال لمعسر ول لموسر أن يمسك المانة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا إجماع‪ .‬وأجمعوا على أن المانات مردودة إلى أربابهسسا البرار منهسسم والفجار؛ قاله‬
‫ابن المنذر‪ .‬والمانة مصدر بمعنى المفعول فلذلك جمع‪ .‬ووجه النظم بما تقدم أنه تعالى أخبر عن‬
‫كتمان أهسل الكتاب صسفة محمسد صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وقولهسم‪ :‬إن المشركيسن أهدى سسبيل‪ ،‬فكان‬
‫ذلك خيانة منهم فانجر الكلم إلى ذكر جميع المانات؛ فالية شاملة بنظمها لكل أمانة وهي أعداد‬
‫كثيرة كمسا ذكرنسا‪ .‬وأمهاتهسا فسي الحكام‪ :‬الوديعسة واللقطسة والرهسن والعاريسة‪ .‬وروى أبسي بسن كعسب‬
‫قال‪ :‬سسسمعت رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم يقول‪( :‬أد المانسسة إلى مسسن ائتمنسسك ول تخسسن مسسن‬
‫خانك )‪ .‬أخرجه الدارقطني‪ .‬ورواه أنس وأبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم وقد تقدم في‬
‫"البقرة "معناه‪ .‬وروى أبو أمامة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول في خطبته عام‬
‫حجسة الوداع‪( :‬العاريسة مؤداة والمنحسة مردودة والديسن مقضسي والزعيسم غارم )‪ .‬صسحيح أخرجسه‬
‫الترمذي وغيره‪ .‬وزاد الدارقطنسسي‪ :‬فقال رجسسل‪ :‬فعهسسد ال ؟ قال‪( :‬عهسسد ال أحسسق مسسا أدي )‪ .‬وقال‬
‫بمقتضسى هذه اليسة والحديسث فسي رد الوديعسة وأنهسا مضمونسة على كسل حال كانست ممسا يغاب عليهسا‬
‫أو ل يغاب تعدي فيهسا أو لم يتعسد ‪ -‬عطاء والشافعسسي وأحمسسد وأشهسب‪ .‬وروي أن ابسن عباس وأبسا‬
‫هريرة رضسي ال عنهمسا ضمنسا الوديعسة‪ .‬وروى ابسن القاسسم عسن مالك أن مسن اسستعار حيوانسا أو‬
‫غيره مما ل يغاب عليه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ول يضمنه إل بالتعدي‪ .‬وهذا قول الحسن‬
‫البصسسري والنخعسسي‪ ،‬وهسسو قول الكوفييسسن والوزاعسسي قالوا‪ :‬ومعنسسى قول عليسسه السسسلم‪( :‬العاريسسة‬
‫مؤداة) هو كمعنى قوله تعالى‪" :‬إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها"‪ .‬فإذا تلفت المانة لم‬
‫يلزم المؤتمسن غرمهسا لنسه مصسدق فكذلك العاريسة إذا تلفست مسن غيسر تعسد؛ لنسه لم يأخذهسا على‬
‫الضمان‪ ،‬فإذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها‪ .‬وروي عن علي وعمر وابن مسعود‬
‫أنه ل ضمان في العارية‪ .‬وروى الدارقطني عن‪ ،‬عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه عن جده أن رسول‬
‫ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم قال‪( :‬ل ضمان على مؤتمسسن )‪ .‬واحتسسج الشافعسسي فيمسسا اسسستدل بسسه بقول‬
‫صسفوان للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم لمسا اسستعار منسه الدراع‪ :‬أعاريسة مضمونسة أو عاريسة مؤداة ؟‬
‫فقال‪( :‬بل عارية مؤداة )‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا حكمتسم بيسن الناس أن تحكموا بالعدل" قال الضحاك‪ :‬بالبينسة على المدعسي‬
‫واليميسسن على مسسن أنكسسر‪ .‬وهذا خطاب للولة والمراء والحكام‪ ،‬ويدخسسل فسسي ذلك بالمعنسسى جميسسع‬
‫الخلق كمسسا ذكرنسسا فسسي أداء المانات‪ .‬قال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬إن المقسسسطين يوم القيامسسة على‬
‫منابر مسن نور عسن يميسن الرحمسن وكلتسا يديسه يميسن الذيسن يعدلون فسي حكمهسم وأهليهسم ومسا ولوا )‪.‬‬
‫وقال‪( :‬كلكسم راع وكلكسم مسسؤول عسن رعيتسه فالمام راع وهسو مسسؤول عسن رعيتسه والرجسل راع‬
‫على أهله وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه والعبد راع على‬
‫مال سيده وهو مسؤول عنه أل فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )‪ .‬فجعل فسي هذه الحاديث‬
‫الصحيحة كل هؤلء رعاة‪ :‬وحكاما على مراتبهم‪ ،‬وكذلك العالم الحاكم؛ لنه إذا أفتى حكم وقضى‬
‫وفصسل بيسن الحلل والحرام‪ ،‬والفرض والندب‪ ،‬والصسحة والفسساد‪ ،‬فجميسع ذلك أمانسة تؤدى وحكسم‬
‫يرضى‪ .‬وقد تقدم في (البقرة) القول في "نعما"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال كان سميعا بصيرا" وصف ال تعالى نفسه بأنه سميع بصير يسمع ويرى؛‬
‫كما قال تعالى‪" :‬إنني معكما أسمع وأرى" [طه‪ ]46:‬فهذا طريق السمع‪ .‬والعقل يدل على ذلك؛‬
‫فإن انتفاء السمع والبصر يدل على نقيضهما من العمى والصمم‪ ،‬إذ المحل القابل للضدين ل يخلو‬
‫مسسن أحدهمسسا‪ ،‬وهسسو تعالى مقدس عسسن النقائص ويسسستحيل صسسدور الفعال الكاملة مسسن المتصسسف‪،‬‬
‫بالنقائص؛ كخلق السسمع والبصسر ممسن ليسس له سسمع ول بصسر‪ .‬وأجمعست المسة على تنزيهسه تعالى‬
‫عسن النقائص وهسو أيضسا دليسل سسمعي يكتفسى بسه مسع نسص القرآن فسي مناظرة مسن تجمعهسم كلمسة‬
‫السسلم‪ .‬جسل الرب تبارك وتعالى عمسا يتوهمسه المتوهمون ويختلقسه المفترون الكاذبون "سسبحان‬
‫ربك رب العزة عما يصفون "[الصافات‪.]180:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم‬
‫في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل}‬
‫@ لما تقدم إلى الولة في الية المتقدمة وبدأ بهم فأمرهم بأداء المانات وأن يحكموا بين الناس‬
‫بالعدل‪ ،‬تقدم فسي هذه اليسة إلى الرعيسة فأمسر بطاعتسه جسل وعسز أول‪ ،‬وهسي امتثال أوامره واجتناب‬
‫نواهيه‪ ،‬ثم بطاعة رسوله ثانيا فيما أمر به ونهى عنه‪ ،‬ثم بطاعة المراء ثالثا؛ على قول الجمهور‬
‫وأبسي هريرة وابسن عباس وغيرهسم‪ .‬قال سسهل بسن عبدال التسستري‪ :‬أطيعوا السسلطان فسي سسبعة‪:‬‬
‫ضرب الدراهسم والدنانيسر‪ ،‬والمكاييسل والوزان‪ ،‬والحكام والحسج والجمعسة والعيديسن والجهاد‪ .‬قال‬
‫سسهل‪ :‬وإذا نهسى السسلطان العالم أن يفتسي فليسس له أن يفتسي‪ ،‬فإن أفتسى فهسو عاص وإن كان أميرا‬
‫جائرا‪ .‬وقال ابسن خويسز منداد‪ :‬وأمسا طاعسة السسلطان فتجسب فيمسا كان له فيسه طاعسة‪ ،‬ول تجسب فيمسا‬
‫كان ل فيسسه معصسسية؛ ولذلك قلنسسا‪ :‬إن ولة زماننسسا ل تجوز طاعتهسسم ول معاونتهسسم ول تعظيمهسسم‪،‬‬
‫ويجب الغزو معهم متى غزوا‪ ،‬والحكم من قولهم‪ ،‬وتولية المامة والحسبة؛ وإقامة ذلك على وجه‬
‫الشريعة‪ .‬وإن صسلوا بنا وكانوا فسقة من جهسة المعاصسي جازت الصسلة معهم‪ ،‬وإن كانوا مبتدعة‬
‫لم تجز الصلة معهم إل أن يخافوا فيصلي معهم تقية وتعاد الصلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روي عسن علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه أنسه قال‪ :‬حسق على المام أن يحكسم بالعدل‪،‬‬
‫ويؤدي المانسة؛ فإذا فعسل ذلك وجسب على المسسلمين أن يطيعوه؛ لن ال تعالى أمرنسا بأداء المانسة‬
‫والعدل‪ ،‬ثسم أمسر بطاعتسه‪ .‬وقال جابر بسن عبدال ومجاهسد‪" :‬أولو المسر "أهسل القرآن والعلم؛ وهسو‬
‫اختيار مالك رحمسسه ال‪ ،‬ونحوه قول الضحاك قال‪ :‬يعنسسي الفقهاء والعلماء فسسي الديسن‪ .‬وحكسي عسن‬
‫مجاهسد أنهسم أصسحاب محمسد صسلى ال عليسه وسسلم خاصسة‪ .‬وحكسى عسن عكرمسة أنهسا إشارة إلى أبسي‬
‫بكر وعمر رضي ال عنهما خاصة‪ .‬وروى سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان أنه سأل عكرمة‬
‫عسن أمهات الولد فقال‪ :‬هسن حرائر‪ .‬فقلت بأي شيسء ؟ قال بالقرآن‪ .‬قلت‪ :‬بأي شيسء فسي القرآن ؟‬
‫قال‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسسول وأولي المسر منكسم "وكان عمسر مسن أولي الم؛‬
‫قال‪ :‬عتقت ولو بسقط‪ .‬وسيأتي هذا المعنى مبينا فسي سورة "الحشسر "عند قوله تعالى‪" :‬وما آتاكسم‬
‫الرسسول فخذوه ومسا نهاكسم عنسه فانتهوا" [الحشسر‪ .]7 :‬وقال ابسن كيسسان‪ :‬هسم أولو العقسل‪ ،‬الرأي‬
‫الذين يدبرون أمر الناس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأصسح هذه القوال الول والثانسي؛ أمسا الول فلن أصسل الم منهسم والحكسم إليهسم‪ .‬وروى‬
‫الصسسحيحان عسسن ابسسن عباس قال‪ :‬نزل "يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسسسول وأولي‬
‫المر منكم" في عبدال بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫سرية‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وكان في عبدال بن حذافة دعابة معروفة؛ ومن دعابته أن رسول ال صلى‬
‫ال عليسسه وسسسلم أمره على سسسرية فأمرهسسم أن يجمعوا حطبسسا ويوقدوا نارا؛ فلمسسا أوقدوهسسا أمرهسسم‬
‫بالتقحسم فيهسا‪ ،‬فقال لهسم‪ :‬ألم يأمركسم رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بطاعتسي ؟ ! وقال‪( :‬مسن أطاع‬
‫أميري فقسد أطاعنسي )‪ .‬فقالوا‪ :‬مسا آمنسا بال واتبعنسا رسسوله إل لننجسو مسن النار ! فصسوب رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فعلهم وقال‪( :‬ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال ال تعالى‪" :‬ول تقتلوا‬
‫أنفسكم "[النساء‪ .) ]29 :‬وهو حدث صحيح السناد مشهور‪ .‬وروى محمد بن عمرو بن علقمة‬
‫عسن عمسر بسن الحكسم بسن ثوبان أن أبسا سسعيد الخدري قال‪ :‬كان عبدال بسن حذافسة بسن قيسس‪ ،‬السسهمي‬
‫من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة‪ .‬وذكر الزبير قال‪ :‬حدثني عبدالجبار بن سعيد عن عبدال بن‬
‫وهب عن الليث بن سعد قال‪ :‬بلغني أنه حل حزام راحلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في بعض‬
‫أسفاره‪ ،‬حتى كاد رسول ال صلى ال عليه وسلم يقع‪ .‬قال ابن وهب‪ :‬فقلت لليث ليضحكه ؟ قال‪:‬‬
‫نعم كانت فيه دعابة‪ .‬قال ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي‪" :‬أولوا المر" أصحاب السرايا‪ .‬وأما‬
‫القول الثاني فيدل على صحته قوله تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول"‪ .‬فأمر‬
‫تعالى برد المتنازع فيسه إلى كتاب ال وسسنة نسبيه صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وليسس لغيسر العلماء معرفسة‬
‫كيفيسسة الرد إلى الكتاب والسسسنة؛ ويدل هذا على صسحة كون سسسؤال العلماء واجبسسا‪ ،‬وامتثال فتواهسسم‬
‫لزمسسا‪ .‬قال سسسهل بسسن عبدال رحمسسه ال‪ :‬ل يزال الناس بخيسسر مسسا عظموا السسسلطان والعلماء؛ فإذا‬
‫عظموا هذيسن أصسلح ال دنياهسم وأخراهسم‪ ،‬وإذا اسستخفوا بهذيسن أفسسد دنياهسم وأخراهسم‪ .‬وأمسا القول‬
‫الثالث فخاص‪ ،‬وأخسسص منسسه القول الرابسسع‪ .‬وأمسسا الخامسسس فيأباه ظاهسسر اللفسسظ وإن كان المعنسسى‬
‫صسحيحا‪ ،‬فإن العقسل لكسل فضيلة أس‪ ،‬ولكسل أدب ينبوع‪ ،‬وهسو الذي جعله ال للديسن أصسل وللدنيسا‬
‫عمادا‪ ،‬فأوجب ال التكليف بكمال‪ ،‬وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه؛ والعاقل أقرب إلى ربه تعالى من‬
‫جميسع المجتهديسن بغيسر عقسل وروى هذا المعنسى عسن ابسن عباس‪ .‬وزعسم قوم أن المراد بأولي المسر‬
‫علي والئمسسة المعصسسومون‪ .‬ولو كان كذلك مسسا كان لقوله‪" :‬فردوه إلى ال والرسسسول "معنسسى‪ ،‬بسسل‬
‫كان يقول فردوه إلى المام وأولي المسسر‪ ،‬فإن قوله عنسسد هؤلء هسسو المحكسسم على الكتاب والسسسنة‪.‬‬
‫وهذا قول مهجور مخالف لمسسا عليسسه الجمهور‪ .‬وحقيقسسة الطاعسسة امتثال المسسر‪ ،‬كمسسا أن المعصسسية‬
‫ضدها وهي مخالفة المر‪ .‬والطاعة مأخوذة من أطاع إذا انقاد‪ ،‬والمعصية مأخوذة من عصى إذا‬
‫اشتسد‪ .‬و"أولو "واحدهسم "ذو "على غيسر قياس كالنسساء والبسل والخيسل‪ ،‬كسل واحسد اسسم الجمسع ول‬
‫واحد له من لفظه‪ .‬وقد قيل في واحد الخيل‪ :‬خائل وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تنازعتم في شيء" أي تجادلتم واختلفتم؛ فكأن كل واحد ينتزع حجة الخر‬
‫ويذهبهسا‪ .‬والنزع الجذب‪ .‬والمنازعسة مجاذبسة الحجسج؛ ومنسه الحديسث (وأنسا أقول مسا لي ينازعنسي‬
‫القرآن )‪ .‬وقال العشى‪:‬‬
‫وقهوة مزة راووقها خضل‬ ‫نازعتم قضب الريحان متكئا‬
‫الخضسسل النبات الناعسسم والخضيلة الروضسسة "فسسي شيسسء" أي مسسن أمسسر دينكسسم‪" .‬فردوه إلى ال‬
‫والرسسول" أي ردوا ذلك الحكسم إلى كتاب ال أو إلى رسسوله بالسسؤال فسي حياتسه‪ ،‬أو بالنظسر فسي‬
‫سنته بعد وفاته صلى ال عليه وسلم؛ هذا قول مجاهد والعمش وقتادة‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬ومن لم ير‬
‫هذا أختسسل إيمانسسه؛ لقوله تعالى‪" :‬إن كنتسسم تؤمنون بال واليوم الخسسر"‪ .‬وقيسسل‪ :‬المعنسسى قولوا ال‬
‫ورسسوله أعلم؛ فهذا هسو الرد‪ .‬وهذا كمسا قال عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه‪ :‬الرجوع إلى الحسق‬
‫خيسر مسن التمادي فسي الباطسل‪ .‬والقول الول أصسح؛ لقول علي رضسي ال عنسه‪ :‬مسا عندنسا إل مسا فسي‬
‫كتاب ال ومسا فسي هذه الصسحيفة‪ ،‬أو فهسم أعطيسه رجسل مسسلم‪ .‬ولو كان كمسا قال هذا القائل لبطسل‬
‫الجتهاد الذي خسص بسه هذه المسة والسستنباط الذي أعطيهسا‪ ،‬ولكسن تضرب المثال ويطلب المثال‬
‫حتى يخرج الصواب‪ .‬قال أبو العالية‪ :‬وذلك قوله تعالى‪" :‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر‬
‫منهسم لعلمسه الذيسن يسستنبطونه منهسم "[النسساء‪ .]83 :‬نعسم‪ ،‬مسا كان ممسا اسستأثر ال بعلمسه ولم يطلع‬
‫عليه أحدا من خلقه فذلك الذي يقال فيه‪ :‬ال أعلم‪ .‬وقد استنبط علي رضي ال عنه مدة أقل الحمل‬
‫‪ -‬وهو ستة أشهر ‪ -‬من قوله تعالى‪" :‬وحمله وفصاله ثلثون شهرا "[الحقاف‪ ]15:‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"والوالدات يرضعسن أولدهسن حوليسن كامليسن" [البقرة‪ ]233 :‬فإذا فصسلنا الحوليسن مسن ثلثيسن‬
‫شهرا بقيست سستة أشهسر؛ ومثله كثيسر‪ .‬وفسي قوله تعالى‪" :‬وإلى الرسسول" دليسل على أن سسنته صسلى‬
‫ال عليسه وسسلم يعمسل بهسا ويمتثسل مسا فيهسا‪ .‬قال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسا نهيتكسم عنسه فاجتنبوه ومسا‬
‫أمرتكسسم بسسه فافعلوا منسسه مسسا اسسستطعتم فإنمسسا أهلك مسسن كان قبلكسسم كثرة مسسسائلهم واختلفهسسم على‬
‫أنسبيائهم ) أخرجسه مسسلم‪ .‬وروى أبسو داود عسن أبسي رافسع عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬ل‬
‫ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه المر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ل ندري ما‬
‫وجدنا في كتاب ال اتبعناه )‪ .‬وعن العرباض بن سارية أنه حضر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يخطب الناس وهو يقول‪( :‬أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن ال لم يحرم شيئا إل ما في‬
‫هذا القرآن أل وإنسسي وال قسسد أمرت ووعظسست ونهيسست عسسن أشياء إنهسسا لمثسسل القرآن أو أكثسسر )‪.‬‬
‫وأخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معديكرب بمعناه وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬والقاطع قوله‬
‫تعالى‪" :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة "[النور‪ ]63 :‬الية‪ .‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك خير" أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة خير من التنازع‪" .‬وأحسن‬
‫تأويل" أي مرجعسا؛ مسن آل يؤول إلى كذا أي صسار‪ .‬وقيسل‪ :‬مسن ألت الشيسء إذا جمعتسه وأصسلحته‪.‬‬
‫فالتأويسسل جمسسع معانسسي ألفاظ أشكلت بلفسسظ ل إشكال فيسسه؛ يقال‪ :‬أول ال عليسسك أمرك أي جمعسسه‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون‬
‫أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا‬
‫*‪*3‬الية‪ - 61 :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك‬
‫صدودا}‬
‫@ روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال‪ :‬كان بين رجل من المنافقين ورجل‬
‫مسن اليهود خصسومة‪ ،‬فدعسا اليهودي المنافسق إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم؛ لنسه علم أنسه ل يقبسل‬
‫الرشوة‪ .‬ودعسا المنافسق اليهودي إلى حكامهسم؛ لنسه علم أنهسم يأخذون الرشوة فسي أحكامهسم؛ فلمسسا‬
‫اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة؛ فأنزل ال تعالى في ذلك‪" :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم‬
‫آمنوا بمسا أنزل إليسك" يعنسي المنافسق‪" .‬ومسا أنزل مسن قبلك" يعنسي اليهودي‪" .‬يريدون أن يتحاكموا‬
‫إلى الطاغوت" إلى قوله‪" :‬ويسلموا تسليما" وقال الضحاك‪ :‬دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬ودعاه المنافق إلى كعب بن الشرف وهو "الطاغوت" ورواه أبو صالح عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬كان بيسسن رجسسل مسسن المنافقيسسن يقال له بشسسر وبيسسن يهودي خصسسومة؛ فقال اليهودي‪:‬‬
‫انطلق بنسا إلى محمسد‪ ،‬وقال المنافسق‪ :‬بسل إلى كعسب بسن الشرف وهسو الذي سسماه ال "الطاغوت"‬
‫أي ذو الطغيان فأبى اليهودي أن يخاصمه إل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فلما رأى ذلك‬
‫المنافق أتى معه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضى لليهودي‪ .‬فلما خرجا قال المنافق‪ :‬ل‬
‫أرضسسى‪ ،‬انطلق بنسسا إلى أبسسي بكسسر؛ فحكسسم لليهودي فلم يرض ذكره الزجاج وقال‪ :‬انطلق بنسسا إلى‬
‫عمر فأقبل على عمر فقال اليهودي‪ :‬إنا صرنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم إلى أبي بكر‬
‫فلم يرض؛ فقال عمر للمنافق‪ :‬أكذلك هو ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬رويدكما حتى أخرج إليكما‪ .‬فدخل وأخذ‬
‫السسيف ثسم ضرب بسه المنافسق حتسى برد‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا أقضسي على مسن لم يرض بقضاء ال وقضاء‬
‫رسسوله؛ وهرب اليهودي‪ ،‬ونزلت اليسة‪ ،‬وقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬أنست الفاروق )‪.‬‬
‫ونزل جبريل وقال‪ :‬إن عمر فرق بين الحق والباطل؛ فسمي الفاروق‪ .‬وفي ذلك نزلت اليات كلها‬
‫إلى قوله‪" :‬ويسسسلموا تسسسليما "[النسسساء‪ ]65 :‬وانتصسسب‪" :‬ضلل "على المعنسسى‪ ،‬أي فيضلون‬
‫ضلل؛ ومثله قوله تعالى‪" :‬وال أنبتكسسم مسسن الرض نباتسسا "[نوح‪ .]17 :‬وقسسد تقدم هذا المعنسسى‬
‫مسسستوفى‪ .‬و"صسسدودا "اسسسم للمصسسدر عنسسد الخليسسل‪ ،‬والمصسسدر الصسسد‪ .‬والكوفيون يقولون‪ :‬همسسا‬
‫مصدران‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بال إن أردنا إل‬
‫إحسانا وتوفيقا‬
‫*‪*3‬الية‪ - 63 :‬أولئك الذين يعلم ال ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم‬
‫قول بليغا}‬
‫@ أي "فكيف" يكون حالهم‪ ،‬أو "فكيف" يصنعون "إذا أصابتهم مصيبة" أي ترك الستعانة بهم‪،‬‬
‫ومسا يلحقهسم مسن الذل فسي قوله‪" :‬فقسل لن تخرجوا معسي أبدا ولن تقاتلوا معسي عدوا "[التوبسة‪.]83 :‬‬
‫وقيل‪ :‬يريد قتل صاحبهم "بما قدمت أيديهم "وتم الكلم‪ .‬ثم ابتدأ يخبر عن فعلهم؛ وذلك أن عمر‬
‫لما قتل صاحبهم جاء قومه يطلبون ديته ويحلفون ما نريد بطلب ديته إل الحسان وموافقة الحق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة إل التوفيق بين الخصوم‪ ،‬والحسان بالتقريب‬
‫في الحكم‪ .‬ابن كيسان‪ :‬عدل وحقا؛ نظيرها "وليحلفن إن أردنا إل الحسنى" [التوبة‪ .]107 :‬فقال‬
‫ال تعالى مكذبسسا لهسسم‪" :‬أولئك الذيسسن يعلم ال مسسا فسسي قلوبهسسم "قال الزجاج‪ :‬معناه قسسد علم ال أنهسسم‬
‫منافقون‪ .‬والفائدة لنسا‪ :‬اعلموا أنهسم منافقون‪" .‬فأعرض عنهسم" قيسل‪ :‬عسن عقابهسم‪ .‬وقيسل‪ :‬عسن قبول‬
‫اعتذارهم "وعظهم" أي خوفهم‪ .‬قيل في المل‪" .‬وقل لهم في أنفسهم قول بليغا" أي ازجرهم بأبلغ‬
‫الزجسر فسي السسر والخلء‪ .‬الحسن‪ :‬قسل لهسم إن أظهرتم ما فسي قلوبكسم قتلتكسم‪ .‬وقسد بلغ القول بلغة؛‬
‫ورجسل بليسغ يبلغ بلسسانه كنسه مسا فسي قلبسه‪ .‬والعرب تقول‪ :‬أحمسق بلغ وبلغ‪ ،‬أي نهايسة فسي الحماقسة‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬معناه يبلغ مسا يريسد وإن كان أحمسق‪ .‬ويقال‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬فكيسف إذا أصسابتهم مصسيبة بمسا‬
‫قدمسست أيديهسسم "نزل فسسي شأن الذيسسن بنوا مسسسجد الضرار؛ فلمسسا أظهسسر ال نفاقهسسم‪ ،‬وأمرهسسم بهدم‬
‫المسجد حلفوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم‪ :‬ما أردنا ببناء المسجد إل طاعة‬
‫ال وموافقة الكتاب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 64 :‬ومسا أرسسلنا مسن رسسول إل ليطاع بإذن ال ولو أنهسم إذ ظلموا أنفسسهم جاؤوك‬
‫فاستغفروا ال واستغفر لهم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من رسول" "من "زائدة للتوكيد‪" .‬إل ليطاع" فيما أمر به ونهى عنه‪.‬‬
‫"بإذن ال" بعلم ال‪ .‬وقيل‪ :‬بتوفيق ال‪" .‬ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا ال واستغفر‬
‫لهسم الرسسول" روى أبسو صسادق عسن علي قال‪ :‬قدم علينسا أعرابسي بعسد مسا دفنسا رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم بثلثة أيام‪ ،‬فرمى بنفسه على قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وحثا على رأسه من‬
‫ترابسه؛ فقال‪ :‬قلت يسا رسسول ال فسسمعنا قولك‪ ،‬ووعيست عسن ال فوعينسا عنسك‪ ،‬وكان فيمسا أنزل ال‬
‫عليك "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم "الية‪ ،‬وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي‪ .‬فنودي من القبر أنه‬
‫قد غفر لك‪" .‬لوجدوا ال توابا رحيما" أي قابل لتوبتهم‪ ،‬وهما مفعولن ل غير‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 65 :‬فل وربسك ل يؤمنون حتسى يحكموك فيمسا شجسر بينهسم ثسم ل يجدوا فسي أنفسسهم‬
‫حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}‬
‫@ قال مجاهسد وغيره‪ :‬المراد بهذه اليسة مسن تقدم ذكره ممسن أراد التحاكسم إلى الطاغوت وفيهسم‬
‫نزلت‪ .‬وقال الطسسبري‪ :‬قوله "فل "رد على مسسا تقدم ذكره؛ تقديره فليسسس المسسر كمسسا يزعمون أنهسسم‬
‫آمنوا بمسا أنزل إليسك‪ ،‬ثسم اسستأنف القسسم بقوله‪" :‬وربسك ل يؤمنون"‪ .‬وقال غيره‪ :‬إنمسا قدم "ل "على‬
‫القسسم اهتمامسا بالنفسي وإظهارا لقوتسه‪ ،‬ثسم كرره بعسد القسسم تأكيدا للتهمسم بالنفسي‪ ،‬وكان يصسح إسسقاط‬
‫"ل "الثانيسة ويبقسى أكثسر الهتمام بتقديسم الولى‪ ،‬وكان يصسح إسسقاط الولى ويبقسى معنسى النفسي‬
‫ويذهسب معنسى الهتمام‪ .‬و"شجسر "معناه اختلف واختلط؛ ومنسه الشجسر لختلف أغصسانه‪ .‬ويقال‬
‫لعصي الهودج‪ :‬شجار؛ لتداخل بعضها في بعض‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫والقوم ضنك للقاء قيام‬ ‫نفسي فداؤك والرماح شواجر‬
‫وقال طرفة‪:‬‬
‫وسعاة الناس في المر الشجر‬ ‫وهم الحكام أرباب الهدى‬
‫وقالت طائفسة‪ :‬نزلت فسي الزبيسر مسع النصساري‪ ،‬وكانست الخصسومة فسي سسقي بسستان؛ فقال عليسه‬
‫السسلم للزبيسر‪( :‬اسسق أرضسك ثسم أرسسل الماء إلى أرض جارك )‪ .‬فقال الخصسم‪ :‬أراك تحابسي ابسن‬
‫عمتسك؛ فتلون وجسه رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وقال للزبيسر‪( :‬اسسق ثسم احبسس الماء حتسى يبلغ‬
‫الجدر ) ونزل‪" :‬فل وربسك ل يؤمنون"‪ .‬الحديسث ثابست صسحيح رواه البخاري عسن علي بسن عبدال‬
‫عسن محمسد بسن جعفسر عسن معمسر‪ ،‬ورواه مسسلم عسن قتيبسة كلهمسا عسن الزهري‪ .‬واختلف أهسل هذا‬
‫القول فسسي الرجسسل النصسساري؛ فقال بعضهسسم‪ :‬هسو رجسسل مسسن النصسسار مسسن أهسسل بدر‪ .‬وقال مكسسي‬
‫والنحاس‪ :‬هسو حاطسب بسن أبسي بلتعسة‪ .‬وقال الثعلبسي والواحدي والمهدوي‪ :‬هسو حاطسب‪ .‬وقيسل‪ :‬ثعلبسة‬
‫بسن حاطسب‪ .‬وقيسل غيره‪ :‬والصسحيح القول الول؛ لنسه غيسر معيسن ول مسسمى؛ وكذا فسي البخاري‬
‫ومسسلم أنسه رجسل مسن النصسار‪ .‬واختار الطسبري أن يكون نزول اليسة فسي المنافسق واليهودي‪ .‬كمسا‬
‫قال مجاهد؛ ثم تتناول بعمومها قصة الزبير‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو الصحيح؛ فكل من اتهم رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم فسي الحكسم فهسو كافسر‪ ،‬لكسن النصساري زل زله فأعرض عنسه النسبي صسلى‬
‫ال عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه‪ ،‬وأنها كانت فلتة وليست لحد بعد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وكل من لم يرض بحكم الحاكم وطعن فيه ورده فهي ردة يستتاب‪( .‬أما إن طعن في‬
‫الحاكسسم نفسسسه ل فسسي الحكسسم فله تعزيره وله أن يصسسفح عنسسه وسسسيأتي بيان هذا فسسي آخسسر سسسورة‬
‫"العراف" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ وإذا كان سبب نزول هذه الية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أنه عليه السلم سلك مع الزبير‬
‫وخصسمه مسسلك الصسلح فقال‪( :‬اسسق يسا زبيسر ) لقربسه مسن الماء (ثسم أرسسل الماء إلى جارك )‪ .‬أي‬
‫تساهل في حقك ول تستوفه وعجل في إرسال الماء إلى جارك‪ .‬فحضه على المسامحة والتيسير‪،‬‬
‫فلما سمع النصاري هذا لم يرض بذلك وغضب؛ لنه كان يربد أل يمسك الماء أصل‪ ،‬وعند ذلك‬
‫نطسسق بالكلمسسة الجائرة المهلكسسة الفاقرة فقال‪ :‬أن كان ابسسن عمتسسك ؟ بمسسد همزة "أن "المفتوحسسة على‬
‫جهسة النكار؛ أي أتحكسم له علي لجسل أنسه قرابتسك ؟‪ .‬فعنسد ذلك تلون وجسه النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم غضبا عليه‪ ،‬وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له‪ .‬وعليه ل يقال‪ :‬كيف حكم في‬
‫حال غضبه وقد قال‪( :‬ل يقضى القاضي وهو غضبان ) ؟ فإنا نقول‪ :‬لنه معصوم من الخطأ في‬
‫التبليسغ والحكام‪ ،‬بدليسل العقسل الدال على صسسدقه فيمسسا يبلغسه عسن ال تعالى فليسس مثسل غيره مسن‬
‫الحكام‪ .‬وفي هذا الحديث إرشاد الحاكم إلى الصلح بين الخصوم وإن ظهر الحق‪ .‬ومنعه مالك‪،‬‬
‫واختلف فيسه قول الشافعسي‪ .‬وهذا الحديسث حجسة واضحسة على الجواز؛ فإن اصسطلحوا وإل اسستوفى‬
‫لذي الحق حقه وثبت الحكم‪.‬‬
‫@ واختلف أصسحاب مالك فسي صسفة إرسسال الماء العلى إلى السسفل؛ فقال ابسن حسبيب‪ :‬يدخسل‬
‫صاحب العلى جميع الماء في حائطه ويسقي به‪ ،‬حتى إذا بلغ الماء من قاعة الحائط إلى الكعبين‬
‫مسسن القائم فيسسه أغلق مدخسسل الماء‪ ،‬وصسسرف مسسا زاد مسسن الماء على مقدار الكعسسبين إلى مسسن يليسسه‪،‬‬
‫فيصنع به مثل ذلك حتى يبلغ السيل إلى أقصى الحوائط‪ .‬وهكذا فسره لي مطرف وابن الماجشون‪.‬‬
‫وقاله ابن وهب‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين أرسله كله إلى من‬
‫تحته ول يحبس منه شيئا في حائطه‪ .‬قال ابن حبيب‪ :‬وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي وهم‬
‫أعلم بذلك؛ لن المدينة دارهما ومها كانت القضية وفيها جرى العمل‪.‬‬
‫@ روى مالك عن عبدال بن أبي بكر أنه بلغه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في سيل‬
‫مهزور ومذينسب‪( :‬يمسسك حتسى الكعسبين ثسم يرسسل العلى على السسفل )‪ .‬قال أبسو عمسر‪" :‬ل أعلم‬
‫هذا الحديسث يتصسل عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن وجسه مسن الوجوه‪ ،‬وأرفسع أسسانيده مسا ذكره‬
‫محمسد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى ال عليه وسلم أتاه أهل مهزور‬
‫فقضسى أن الماء إذا بلغ الكعسبين لم يحبسس العلى‪ .‬وذكسر عبدالرزاق عسن أبسي حازم القرطسبي عسن‬
‫أبيه عن جده عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن يحبس على كل حائط‬
‫حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل‪ .‬وغيره من السيول كذلك‪ .‬وسئل أبو بكر البزار عن حديث هذا الباب‬
‫فقال‪ :‬لست أحفظ فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثا يثبت‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬في هذا المعنى ‪-‬‬
‫وإن لم يكن بهذا اللفظ حديث ثابت مجتمع على صحته‪ .‬رواه ابن وهب عن الليث بن سعد ويونس‬
‫بن يزيد جميعا عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبدال بن الزبير حدثه عن الزبير أنه‬
‫خاصم رجل من النصسار قسد شهسد بدرا مسع رسسول ال صلى ال عليه وسلم فسي شراج الحرة كانا‬
‫يسقيان بها كلهما النخل؛ فقال النصاري‪ :‬سرح الماء؛ فأبى عليه‪ ،‬فاختصما إلى النبي صلى ال‬
‫عليسه وسسلم" وذكسر الحديسث‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وقوله فسي الحديسث‪( :‬يرسسل ) وفسي الحديسث الخسر (إذا‬
‫بلغ الماء الكعسسبين لم يحبسسس العلى ) يشهسسد لقول ابسسن القاسسسم‪ .‬ومسسن جهسسة النظسسر أن العلى لو لم‬
‫يرسسل إل مسا زاد على الكعسبين ل يقطسع ذلك الماء فسي أقسل مدة‪ ،‬ولم ينتسه حيسث ينتهسي إذا أرسسل‬
‫الجميع‪ ،‬وفي إرسال الجميع بعد أخذ العلى منه ما بلغ الكعبين أعم فائدة وأكثر نفعا فيما قد جعل‬
‫الناس فيه شركاء؛ فقول ابن القاسم أولى على كل حال‪ .‬هذا إذا لم يكن أصله ملكا للسفل مختصا‬
‫به‪ ،‬فإن ما استحق بعمل أو بملك صحيح أو استحقاق قديم وثبوت ملك فكل على حقه على حسب‬
‫ما كان من ذلك بيده وعلى أصل مسألته‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثسم ل يجدوا فسي أنفسسهم حرجسا ممسا قضيست" أي ضيقسا وشكسا؛ ومنسه قيسل للشجسر‬
‫الملتسف‪ :‬حرج وحرجسة‪ ،‬وجمعهسا حراج‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬أي إثمسا بإنكارهسم مسا قضيست‪" .‬ويسسلموا‬
‫تسسليما" أي ينقادوا لمرك فسي القضاء‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬تسسليما "مصسدر مؤكسد؛ فإذا قلت‪ :‬ضربست‬
‫ضربسا فكأنسك قلت ل أشسك فيسه؛ وكذلك "ويسسلموا تسسليما "أي ويسسلموا لحكمسك تسسليما ل يدخلون‬
‫على أنفسهم شكا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 68 - 67 - 66 :‬ولو أنسا كتبنسا عليهسم أن اقتلوا أنفسسكم أو اخرجوا مسن دياركسم مسا‬
‫فعلوه إل قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا‪ ،‬وإذا لتيناهم من لدنا‬
‫أجرا عظيما‪ ،‬ولهديناهم صراطا مستقيما}‬
‫@ سبب نزولها ما روى أن ثابت بن قيس بن شماس تفاخر هو ويهودي؛ فقال اليهودي‪ :‬وال لقد‬
‫كتسب علينسا أن نقتسل أنفسسنا فقتلنسا‪ ،‬وبلغست القتلى سسبعين ألفسا؛ فقال ثابست‪ :‬وال لو كتسب ال علينسا أن‬
‫اقتلوا أنفسسكم لفعلنسا‪ .‬وقال أبسو إسسحاق السسبيعي‪ :‬لمسا نزلت "ولو أنسا كتبنسا عليهسم "اليسة‪ ،‬قال رجسل‪:‬‬
‫لو أمرنسا لفعلنسا‪ ،‬والحمسد ل الذي عافانسا‪ .‬فبلغ ذلك رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال‪( :‬إن مسن‬
‫أمتسي رجال اليمان أثبست فسي قلوبهسم مسن الجبال الرواسسي )‪ .‬قال ابسن وهسب قال مالك‪ :‬القائل ذلك‬
‫هسو أبسو بكسر الصسديق رضسي ال عنسه؛ وهكذا ذكسر مكسي أنسه أبسو بكسر‪ .‬وذكسر النقاش أنسه عمسر بسن‬
‫الخطاب رضسي ال عنسه‪ .‬وذكسر عسن أبسي بكسر رضسي ال عنسه أنسه قال‪ :‬لو كتسب علينسا ذلك لبدأت‬
‫بنفسي وأهل بيتي‪ .‬وذكر أبو الليث السمرقندي‪ :‬أن القائل منهم عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت‬
‫بسن قيسس‪ ،‬قالوا‪ :‬لو أن ال أمرنسا أن نقتسل أنفسسنا أو نخرج مسن ديارنسا لفعلنسا؛ فقال النسبي صسلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬اليمان أثبت في قلوبنا الرجال من الجبال الرواسي )‪ .‬و"لو "حرف يدل على امتناع‬
‫الشيسء لمتناع غيره؛ فأخسبر ال سسبحانه أنسه لم يكتسب ذلك علينسا رفقسا بنسا لئل تظهسر معصسيتنا‪ .‬فكسم‬
‫مسن أمسر قصسرنا عنسه مسع خفتسه فكيسف بهذا المسر مسع ثقله ! لكسن أمسا وال لقسد ترك المهاجرون‬
‫مسسساكنهم خاويسة وخرجوا يطلبون بهسسا عيشسسة راضيسسة‪" .‬مسسا فعلوه" أي القتسسل والخروج "إل قليسسل‬
‫منهم" "قليل "بدل من الواو‪ ،‬والتقدير ما فعله أحد إل قليل‪ .‬وأهل الكوفة يقولون‪ :‬هو على التكرير‬
‫ما فعلوه ما فعله إل قليل منهم‪ .‬وقرأ عبدال بن عامر وعيسى بن عمر "إل قليل "على الستثناء‪.‬‬
‫وكذلك هسو فسي مصساحف أهسل الشام‪ .‬الباقون بالرفسع‪ ،‬والرفسع أجود عنسد جميسع النحوييسن‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫انتصب على إضمار فعل‪ ،‬تقديره إل أن يكون قليل منهم‪ .‬وإنما صار الرفع أجود لن اللفظ أولى‬
‫مسن المعنى‪ ،‬وهو أيضسا يشتمل على المعنى‪ .‬وكان مسن القليسل أبو بكسر وعمر وثابست بن قيسس كمسا‬
‫ذكرنسا‪ .‬وزاد الحسسن ومقاتسل وعمار وابسن مسسعود وقسد ذكرناهمسا‪" .‬ولو أنهسم فعلوا مسا يوعظون بسه‬
‫لكان خيرا لهم" أي فسي الدنيسا والخرة‪" .‬وأشسد تثبيتسا" أي على الحسق‪" .‬وإذا لتيناهسم من لدنسا أجرا‬
‫عظيما" أي ثوابا في الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬اللم لم الجواب‪ ،‬و"إذا "دالة على الجزاء‪ ،‬والمعنى لو فعلوا‬
‫ما يوعظون به لتيناهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪ - 69 :‬ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‬
‫*‪*3‬الية‪ - 70 :‬ذلك الفضل من ال وكفى بال عليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يطسع ال والرسسول" لمسا ذكسر تعالى المسر الذي لو فعله المنافقون حيسن‬
‫وعظوا بسه وأنابوا إليسه لنعسم عليهسم‪ ،‬ذكسر بعسد ذلك ثواب مسن يفعله‪ .‬وهذه اليسة تفسسير قوله تعالى‪:‬‬
‫"اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم "[الفاتحة‪ ]7 - 6:‬وهي المراد في قوله عليه‬
‫السلم عند موته (اللهم الرفيق العلى )‪ .‬وفي البخاري عن عائشة قالت‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول‪( :‬ما من نبي يمرض إل خير بين الدنيا والخرة ) كان في شكواه الذي مرض‬
‫فيسه أخذتسه بحسة شديدة فسسمعته يقول‪( :‬مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم مسن النسبيين والصسديقين والشهداء‬
‫والصسالحين ) فعلمست أنسه خيسر‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬إنمسا نزلت هذه اليسة لمسا قال عبدال بسن زيسد بسن‬
‫عبدربه النصاري ‪ -‬الذي أري الذان ‪ : -‬يا رسول ال‪ ،‬إذا مت ومتنا كنت في عليين ل نراك ول‬
‫نجتمع بك؛ وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الية‪ .‬وذكر مكي عن عبدال هذا وأنه لما مات النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬اللهم أعمني حتى ل أري شيئا بعده؛ فعمي مكانه‪ .‬وحكاه القشري فقال‪:‬‬
‫اللهسم أعمنسي فل أرى شيئا بعسد حبيسبي حتسى ألقسى حبيسبي؛ فعمسي مكانسه‪ .‬وحكسى الثعلبسي‪ :‬أنهسا نزلت‬
‫في ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه‪ ،‬فأتاه ذات‬
‫يوم وقسد تغيسر لونسه ونحسل جسسمه‪ ،‬يعرف فسي وجهسه الحزن؛ فقال له‪( :‬يسا ثوبان مسا غيسر لونسك )‬
‫فقال‪ :‬يسا رسسول ال مسا بسي ضسر ول وجسع‪ ،‬غيسر أنسي إذا لم أرك اشتقست إليسك واسستوحشت وحشسة‬
‫شديدة حتسى ألقاك‪ ،‬ثسم ذكرت الخرة وأخاف أل أراك هناك؛ لنسي عرفست أنسك ترفسع مسع النسبيين‬
‫وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك‪ ،‬وإن لم أدخل فذلك حين ل أراك أبدا؛‬
‫فأنزل ال تعالى هذه اليسسة‪ .‬ذكره الواحدي عسسن الكلبسسي‪ .‬وأسسسند عسسن مسسسروق قال‪ :‬قال أصسسحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا‪ ،‬فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا؛‬
‫فأنزل ال تعالى‪" :‬ومسن يطسع ال والرسسول فأولئك مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم مسن النسبيين"‪ .‬وفسي‬
‫طاعسة ال طاعسة رسسوله ولكنسه ذكره تشريفسا لقدره وتنويهسا باسسمه صسلى ال عليسه وسسلم وعلى آله‪.‬‬
‫"فأولئك مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم" أي هسم معهسم فسي دار واحدة ونعيسم واحسد يسستمتعون برؤيتهسم‬
‫والحضور معهم‪ ،‬ل أنهم يساوونهم في الدرجة؛ فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للتباع في الدنيا‬
‫والقتداء‪ .‬وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله‪ ،‬وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ونزعنا ما في صدورهم من غل "[العراف‪ .]43 :‬والصديق فعيل‪ ،‬المبالغ في الصدق أو في‬
‫التصسديق‪ ،‬والصسديق هسو الذي يحقسق بفعله مسا يقول بلسسانه‪ .‬وقيسل‪ :‬هسم فضلء أتباع النسبياء الذيسن‬
‫يسسبقونهم إلى التصسديق كأبسي بكسر الصسديق‪ .‬وقسد تقدم فسي البقرة اشتقاق الصسديق ومعنسى الشهيسد‪.‬‬
‫والمراد هنسا بالشهداء عمسر وعثمان وعلي‪ ،‬والصسالحين سسائر الصسحابة رضسي ال عنهسم أجمعيسن‪.‬‬
‫وقيل "الشهداء" القتلى في سبيل ال‪" .‬والصالحين" صالحي أمة محمد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واللفسظ يعسم كسل صسالح وشهيسد‪ ،‬وال أعلم‪ .‬والرفسق ليسن الجانسب‪ .‬وسسمي الصساحب رفيقسا‬
‫لرتفاقسسك بصسسحبته؛ ومنسسه الرفقسسة لرتفاق بعضهسسم ببعسسض‪ .‬ويجوز "وحسسسن أولئك رفقاء"‪ .‬قال‬
‫الخفش‪" :‬رفيقا "منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء؛ وقال‪ :‬انتصب على التمييز فوحد لذلك؛‬
‫فكأن المعنسى وحسسن كسل واحسد منهسم رفيقسا‪ .‬كمسا قال تعالى‪" :‬ثسم نخرجكسم طفل "[الحسج‪ ]5 :‬أي‬
‫نخرج كسسل واحسسد منكسسم طفل‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ينظرون مسسن طرف خفسسي "[الشورى‪ ]45:‬وينظسسر‬
‫معنى هذه الية قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬خير الرفقاء أربعة) ولم يذكر ال تعالى هنا إل أربعة‬
‫فتأمله‪.‬‬
‫@ فسي هذه اليسة دليسل على خلفسة أبسي بكسر رضسي ال عنه؛ وذلك أن ال تعالى لمسا ذكسر مراتسب‬
‫أوليائه فسي كتابسه بدأ بالعلى منهسم وهسم النسبيون‪ ،‬ثسم ثنسى بالصسديقين ولم يجعسل بينهمسا واسسطة‪.‬‬
‫وأجمسع المسسلمون على تسسمية أبسى بكسر الصسديق رضسي ال عنسه صسديقا‪ ،‬كمسا أجمعوا على تسسمية‬
‫محمسد عليه السلم رسول‪ ،‬وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لم يجز أن يتقدم بعده أحد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك الفضل من ال" أخبر تعالى أنهم لم ينالوا الدرجة‪ .‬بطاعتهم بل نالوها بفضل‬
‫ال تعالى وكرمسه‪ .‬خلفسا لمسا قالت المعتزلة‪ :‬إنمسا ينال العبسد ذلك بفعله‪ .‬فلمسا امتسن ال سسبحانه على‬
‫أوليائه بمسسا آتاهسسم مسسن فضله‪ ،‬وكان ل يجوز لحسسد أن يثنسسي على نفسسسه بمسسا لم يفعله دل ذلك على‬
‫بطلن قولهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم" هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل ال وحماية الشرع‪ .‬ووجه النظم‬
‫والتصسال بمسا قبسل أنسه لمسا ذكسر طاعسة ال وطاعسة رسسوله‪ ،‬أمسر أهسل الطاعسة بالقيام بإحياء دينسه‬
‫وإعلء دعوتسسه‪ ،‬وأمرهسسم أل يقتحموا على عدوهسسم على جهالة حتسسى يتحسسسسوا إلى مسسا عندهسسم‪،‬‬
‫ويعلموا كيسف يردون عليهسم‪ ،‬فذلك أثبست لهسم فقال‪" :‬خذوا حذركسم "فعلمهسم مباشرة الحروب‪ .‬ول‬
‫ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل كما تقدم في "آل عمران "ويأتي‪ .‬والحذر والحذر لغتان‬
‫كالمثل والمثل‪ .‬قال القراء‪ :‬أكثر الكلم الحذر‪ ،‬والحذر مسموع أيضا؛ يقال‪ :‬خذ حذرك‪ ،‬أي أحذر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خذوا السلح حذرا؛ لنه به الحذر والحذر ل يدفع القدر‪.‬‬
‫@ خلفسا للقدريسة فسي قولهسم‪ :‬إن الحذر يدفسع ويمنسع مسن مكائد العداء‪ ،‬ولو لم يكسن كذلك مسا كان‬
‫لمرهسم بالحذر معنسى‪ .‬فيقال لهسم‪ :‬ليسس فسي اليسة دليسل على أن الحذر ينفسع مسن القدر شيئا؛ ولكنسا‬
‫تعبدنا بأل نلقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث (اعقلها وتوكل )‪ .‬وإن كان القدر جاريا على ما‬
‫قضسسى‪ ،‬ويفعسسل ال مسسا يشاء‪ ،‬فالمراد منسسه طمأنينسسة النفسسس‪ ،‬ل أن ذلك ينفسسع مسسن القدر وكذلك أخسسذ‬
‫الحذر‪ .‬الدليسل على ذلك أن ال تعالى أثنسى على أصسحاب نسبيه صسلى ال عليسه وسسلم بقوله‪" :‬قسل لن‬
‫يصيبنا إل ما كتب ال لنا "[التوبة‪ ]51 :‬فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلم‬
‫معنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانفروا ثبات" يقال‪ :‬نفسر ينفسر (بكسسر الفاء ) نفيرا‪ .‬ونفرت الدابسة تنفسر (بضسم‬
‫الفاء) نفورا؛ المعنسسى‪ :‬انهضوا لقتال العدو‪ .‬واسسستنفر المام الناس دعاهسسم إلى النفسسر‪ ،‬أي للخروج‬
‫إلى قتال العدو‪ .‬والنفير اسم للقوم الذين ينفرون‪ ،‬وأصله من النفار والنفور وهو الفزع؛ ومنه قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولوا على أدبارهسم نفورا "[السسراء‪ ]46 :‬أي نافريسن‪ .‬ومنسه نفسر الجلد أي ورم‪ .‬وتخلل‬
‫رجسل بالقصسب فنفسر فمسه أي ورم‪ .‬قال أبسو عبيسد‪ :‬إنمسا هسو مسن نفار الشيسء مسن الشيسء وهسو تجافيسه‬
‫عنسسه وتباعده منسسه‪ .‬قال ابسسن فارس‪ :‬النفسسر عدة رجال مسسن ثلثسسة إلى عشرة‪ .‬والنفيسسر النفسسر أيضسسا‪،‬‬
‫وكذلك النفسسر والنفرة‪ ،‬حكاهسسا الفراء بالهاء‪ .‬ويوم النفسسر‪ :‬يوم ينفسسر الناس عسسن منسسى‪" .‬ثبات "معناه‬
‫جماعات متفرقات‪ .‬ويقال‪ :‬ثبين يجمع جمع السلمة في التأنيث والتذكير‪ .‬قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫فتصبح خيلنا عصبا ثبينا‬ ‫فأما يوم خشينا عليهم‬
‫كنايسة عسن السسرايا‪ ،‬الواحدة ثبسة وهسي العصسابة مسن الناس‪ .‬وكانست فسي الصسل الثبيسة‪ .‬وقسد ثسبيت‬
‫الجيش جعلتهم ثبة ثبة‪ .‬والثبة‪ :‬وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس‪ :‬وربما‬
‫توهم الضعيف في العربية أنهما واحد‪ ،‬وأن أحدهما من الخر؛ وبينهما فرق‪ ،‬فثبة الحوض يقال‬
‫فسي تصسغيرها‪ :‬ثويبسة؛ لنهسا مسن ثاب يثوب‪ .‬ويقال فسي ثبسة الجماعسة‪ :‬ثيبسة‪ .‬قال غيسر‪ :‬فثبسة الحوض‬
‫محذوفسة الواو وهسو عيسن الفعسل‪ ،‬وثبسة الجماعسة معتسل اللم مسن ثبسا يثبسو مثسل خل يخلو‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون الثبسسة بمعنسسى الجماعسسة مسسن ثبسسة الحوض؛ لن الماء إذا ثاب اجتمسسع؛ فعلى هذا تصسسغر بسسه‬
‫الجماعسة ثوبية فتدخسل إحدى الياءيسن فسي الخرى‪ .‬وقسد قيسل‪ :‬إن ثبسة الجماعسة إنمسا اشتقست مسن ثسبيت‬
‫على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره فيعود إلى الجتماع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو انفروا جميعا" معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلم؛ قاله ابن عباس‬
‫وغيره‪ .‬ول تخرج السرايا إل بإذن المام ليكون متجسسا لهم‪ ،‬عضدا من ورائهم‪ ،‬وربما احتاجوا‬
‫إلى درئه‪ .‬وسيأتي حكم السرايا وغنائمهم وأحكام الجيوش ووجوب النفير في "النفال "و "براءة‬
‫"[التوبة] إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ ذكر ابن خويز منداد‪ :‬وقيل إن هذه الية منسوخة بقوله تعالى‪" :‬انفروا خفافا وثقال" وبقوله‪:‬‬
‫"إل تنفروا يعذبكم "[التوبة‪]39:‬؛ ولن يكون "انفروا خفافا وثقال "[التوبة‪ ]41 :‬منسوخا بقوله‪:‬‬
‫"فانفروا ثبات أو انفروا جميعسا "و بقوله‪" :‬ومسا كان المؤمنون لينفروا كافسة" [التوبسة‪]122 :‬‬
‫أولى؛ لن فرض الجهاد تقرر على الكفايسة‪ ،‬فمتسى سسد الثغور بعسض المسسلمين أسسقط الفرض عسن‬
‫الباقيسسن‪ .‬والصسسحيح أن اليتيسسن جميعسسا محكمتان‪ ،‬إحداهمسسا فسسي الوقسست الذي يحتاج فيسسه إلى تعيسسن‬
‫الجميع‪ ،‬والخرى عند الكتفاء بطائفة دون غيرها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪ - 72 :‬وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم ال علي إذ لم أكن معهم‬
‫شهيدا‬
‫*‪*3‬الية‪ - 73 :‬ولئن أصابكم فضل من ال ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت‬
‫معهم فأفوز فوزا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن منكسم لمسن ليبطئن" يعنسي المنافقيسن‪ .‬والتبطئة والبطاء التأخسر‪ ،‬تقول‪ :‬مسا‬
‫أبطأك عنسسا؛ فهسسو لزم‪ .‬ويجوز بطأت فلنسسا عسسن كذا أي أخرتسسه؛ فهسسو متعسسد‪ .‬والمعنيان مراد فسسي‬
‫اليسسة؛ فكانوا يقعدون عسسن الخروج ويقعدون غيرهسسم‪ .‬والمعنسسى إن مسسن دخلئكسسم وجنسسسكم وممسسن‬
‫أظهسر إيمانسه لكسم‪ .‬فالمنافقون فسي ظاهسر الحال مسن أعداد المسسلمين بإجراء أحكام المسسلمين عليهسم‪.‬‬
‫واللم فسي قوله "لمسن "لم توكيسد‪ ،‬والثانيسة لم قسسم‪ ،‬و"مسن "فسي موضسع نصسب‪ ،‬وصسلتها "ليبطئن‬
‫"لن فيسه معنسى اليميسن‪ ،‬والخسبر "منكسم"‪ .‬وقرأ مجاهسد والنخعسي والكلبسي "وإن منكسم لمسن ليبطئن‬
‫"بالتخفيف‪ ،‬والمعنى واحد‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بقوله "وإن منكم لمن ليبطئن "بعض المؤمنين؛ لن ال‬
‫خاطبهسسم بقوله‪" :‬وإن منكسسم "وقسسد فرق ال تعالى بيسسن المؤمنيسسن والمنافقيسسن بقوله "ومسسا هسسم منكسسم‬
‫"[التوبسة‪ ]56 :‬وهذا يأباه مسساق الكلم وظاهره‪ .‬وإنمسا جمسع بينهسم فسي الخطاب مسن جهسة الجنسس‬
‫والنسسب كمسا بينسا ل مسن جهسسة اليمان‪ .‬هذا قول الجمهور وهسو الصسسحيح إن شاء ال تعالى‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪ .‬يدل عليه قوله "فإن أصابتكم مصيبة" أي قتل وهزيمة "قال قد أنعم ال علي" يعني بالقعود‪،‬‬
‫وهذا ل يصسدر إل مسن منافسق؛ ل سسيما فسي ذلك الزمان الكريسم‪ ،‬بعيسد أن يقول مؤمسن‪ .‬وينظسر إلى‬
‫هذه الية ما رواه الئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم إخبارا عن المنافقين (إن‬
‫أثقل صلة عليهم صسلة العشاء وصلة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لتوهما ولو حبوا ) الحديث‪.‬‬
‫في رواية (ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها ) يعني صلة العشاء‪ .‬يقول‪ :‬لو لح شيء‬
‫مسن الدنيسا يأخذونسه وكانوا على يقيسن منسه لبادروا إليسه‪ .‬وهسو معنسى قوله‪" :‬ولئن أصسابكم فضسل مسن‬
‫ال" أي غنيمسسة وفتسسح "ليقولن" هذا المنافسسق قول نادم حاسسسد "يسسا ليتنسسي كنسست معهسسم فأفوز فوزا‬
‫عظيمسا" "كأن لم يكسن بينكسم وبينسه مودة "فالكلم فيسه تقديسم وتأخيسر‪ .‬وقيسل‪ :‬المعنسى "ليقولن كأن لم‬
‫يكسن بينكسم وبينسه مودة "أي كأن لم يعاقدكسم على الجهاد‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو فسي موضسع نصسب على الحال‪.‬‬
‫وقرأ الحسسن "ليقولن" بضسم اللم على معنسى "مسن"؛ لن معنسى قوله "لمسن ليبطئن" ليسس يعنسي‬
‫رجل بعينسه‪ .‬ومسن فتسح اللم أعاد فوحسد الضميسر على لفسظ "مسن"‪ .‬وقرأ ابسن كثيسر وحفسص عسن‬
‫عاصم "كأن لم تكن "بالتاء على لفظ المودة‪ .‬ومن قرأ بالياء جعل مودة بمعنى الود‪ .‬وقول المنافق‬
‫"يا ليتني كنت معهم "على وجه الحسد أو السف على فوت الغنيمة مع الشك في الجزاء من ال‪.‬‬
‫"فأفوز" جواب التمنسي ولذلك نصسب‪ .‬وقرأ الحسسن "فأفوز" بالرفسع على أنسه تمنسى الفوز‪ ،‬فكأنسه‬
‫قال‪ :‬يا ليتني أفوز فوزا عظيما‪ .‬والنصب على الجواب؛ والمعنى إن أكن معهم أفز‪ .‬والنصب فيه‬
‫بإضمار "أن" لنه محمول على تأويل المصدر؛ التقدير يا ليتني كان لي حضور ففوز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 74 :‬فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة ومن يقاتل في سبيل ال‬
‫فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليقاتل في سبيل ال" الخطاب للمؤمنين؛ أي فليقاتل في سبيل ال الكفار "الذين‬
‫يشرون "أي يبيعون‪ ،‬أي يبذلون أنفسهم وأموالهم ل عر وجل "بالخرة "أي بثواب الخرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يقاتسل فسي سسبيل ال" شرط‪" .‬فيقتسل أو يغلب "عطسف عليسه‪ ،‬والمجازاة‬
‫"فسسوف نؤتيسه أجرا عظيمسا"‪ .‬ومعنسى "فيقتسل "فيسستشهد‪" .‬أو يغلب "يظفسر فيغنسم‪ .‬وقرأت طائفسة‬
‫"ومسن يقاتسل ""فليقاتسل "بسسكون لم المسر‪ .‬وقرأت فرقسة "فليقاتسل "بكسسر لم المسر‪ .‬فذكسر تعالى‬
‫غايتي حالة المقاتل واكتفى بالغايتين عما بينهما؛ ذكره ابن عطية‪.‬‬
‫@ ظاهسر اليسة يقتضسي التسسوية بيسن مسن قتسل شهيدا أو انقلب غانمسا‪ .‬وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬تضمسن ال لمسن خرج فسي سسبيله ل يخرجسه إل‬
‫جهاد فسسي سسسبيلي وإيمان بسسي وتصسسديق برسسسلي فهسسو علي ضامسسن أن أدخله الجنسسة أو أرجعسسه إلى‬
‫مسكنه الذي خرج منه نائل ما نال من أجر أو غنيمة ) وذكر الحديث‪ .‬وفيه عن عبدال بن عمرو‬
‫أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬مسا مسن غازيسة تغزو فسي سسبيل ال فيصسيبون الغنيمسة إل‬
‫تعجلوا ثلثسي أجرهسم مسن الخرة ويبقسى لهسم الثلث وإن لم يصسيبوا غنيمسة تسم لهسم أجرهسم)‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫(نائل ما نال من أجر أو غنيمة) يقتضي أن لمن يستشهد من المجاهدين أحد المرين؛ إما الجر‬
‫إن لم يغنم‪ ،‬وإما الغنيمة ول أجر‪ ،‬بخلف حديث عبدال بن عمرو‪ ،‬ولما كان هذا قال قوم‪ :‬حديث‬
‫عبدال بسن عمرو ليسس بشيسء؛ لن فسي إسسناده حميسد بسن هانسئ وليسس بمشهور‪ ،‬ورجحوا الحديسث‬
‫الول عليه لشهرته‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ليس بينهما تعارض ول اختلف‪ .‬و"أو "في حديث أبي هريرة‬
‫بمعنى الواو‪ ،‬كما يقول الكوفيون وقد دلت عليه رواية أبي داود فإنه قال فيه‪( :‬من أجر وغنيمة )‬
‫بالواو الجامعسة‪ .‬وقسد رواه بعسض رواة مسسلم بالواو الجامعسة أيضسا‪ .‬وحميسد بسن هانسئ مصسري سسمع‬
‫أبا عبدالرحمن الحبلى وعمرو بن مالك‪ ،‬وروى عنه حيوة بن شريح وابن وهب؛ فالحديث الول‬
‫محمول على مجرد النيسسة والخلص فسسي الجهاد؛ فذلك الذي ضمسسن ال له إمسسا الشهادة‪ ،‬وإمسسا رده‬
‫إلى أهله مأجورا غانما‪ ،‬ويحمل الثاني على ما إذا نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم‪ ،‬فلما انقسمت‬
‫نيته انحط أجره؛ فقد دلت السنة على أن للغانم أجرا كما دل عليه الكتاب فل تعارض‪ .‬ثم قيل‪ :‬إن‬
‫نقص أجر الغانم على من يغنم إنما هو بما فتح ال عليه من الدنيا فتمتع به وأزال عن نفسه شظف‬
‫عيشسه؛ ومسن أخفسق فلم يصسب شيئا بقسي على شظسف عيشسه والصسبر على حالتسه‪ ،‬فبقسي أجره موفرا‬
‫بخلف الول‪ .‬ومثله قوله فسسي الحديسسث الخسسر‪( :‬فمنسسا مسسن مات لم يأكسسل مسسن أجره شيئا ‪ -‬منهسسم‬
‫مصعب بن عمير ‪ -‬ومنا من أينعت له تمرته فهو يهدبها )‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪ - 75 :‬ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال والمسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان‬
‫الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك‬
‫نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال" حسض على الجهاد‪ .‬وهسو يتضمسن تخليسص‬
‫المسستضعفين مسن أيدي الكفرة المشركيسن الذيسن يسسومونهم سسوء العذاب‪ ،‬ويفتنونهسم عسن الديسن؛‬
‫فأوجسب تعالى الجهاد لعلء كلمتسه وإظهار دينسه واسستنقاذ المؤمنيسن الضعفاء مسن عباده‪ ،‬وإن كان‬
‫في ذلك تلف النفوس‪ .‬وتخليص السارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالموال؛‬
‫وذلك أوجسسسب لكونهسسسا دون النفوس إذ هسسسي أهون منهسسسا‪ .‬قال مالك‪ :‬واجسسسب على الناس أن يفدوا‬
‫السسارى بجميسع أموالهسم‪ .‬وهذا ل خلف فيسه؛ لقوله عليسه السسلم (فكوا العانسي ) وقسد مضسى فسي‬
‫"البقرة"‪ .‬وكذلك قالوا‪ :‬عليهسم أن يواسوهم فإن المواسساة دون المفاداة‪ .‬فإن كان السسير غنيسا فهسل‬
‫يرجع عليه الفادي أم ل؛ قولن للعلماء‪ ،‬أصحهما الرجوع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمستضعفين" عطف على اسم ال عز وجل‪ ،‬أي وفي سبيل المستضعفين‪ ،‬فإن‬
‫خلص المسسستضعفين مسسن سسسبيل ال‪ .‬وهذا اختيار الزجاج وقال الزهري‪ .‬وقال محمسسد بسسن يزيسسد‪:‬‬
‫أختار أن يكون المعنسسى وفسسي المسسستضعفين فيكون عطفسسا على السسسبيل؛ أي وفسسي المسسستضعفين‬
‫لستنقاذهم؛ فالسبيلن مختلفان‪ .‬ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلل كفرة‬
‫قريسش وأذاهسم وهسم المعنيون بقوله عليسه السسلم‪( :‬اللهسم أنسج الوليسد بسن الوليسد وسسلمة بسن هشام‬
‫وعياش بسسن أبسسي ربيعسسة والمسسستضعفين مسسن المؤمنيسسن)‪ .‬وقال ابسسن عباس‪ :‬كنسست أنسسا وأمسسي مسسن‬
‫المسستضعفين‪ .‬فسي البخاري عنسه "إل المسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان "فقال‪ :‬كنست أنسا‬
‫وأمي ممن عذر ال‪ ،‬أنا من الولدان وأمي من النساء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مسن هذه القريسة الظالم أهلهسا" القريسة هنسا مكسة بإجماع مسن المتأوليسن‪ .‬ووصسفها‬
‫بالظلم وإن كان الفعسسل للهسسل لعلقسسة الضميسسر‪ .‬وهذا كمسسا تقول‪ :‬مررت بالرجسسل الواسسسعة داره‪،‬‬
‫والكريسم أبوه‪ ،‬والحسسنة جاريتسه‪ .‬وإنمسا وصسف الرجسل بهسا للعلقسة اللفظيسة بينهمسا وهسو الضميسر‪ ،‬فلو‬
‫قلت‪ :‬مررت بالرجسل الكريسم عمسر ولم تجسز المسسألة؛ لن الكرم لعمرو فل يجوز أن يجعسل صسفة‬
‫لرجسل إل بعلقسة وهسي الهاء‪ .‬ول تثنسى هذه الصسفة ول تجمسع‪ ،‬لنهسا تقوم مقام الفعسل‪ ،‬فالمعنسى أي‬
‫التسي ظلم أهلهسا ولهذا لم يقسل الظالميسن‪ .‬وتقول‪ :‬مررت برجليسن كريسم أبواهمسا حسسنة جاريتاهمسا‪،‬‬
‫وبرجال كريسسم آباؤهسسم حسسسنة جواريهسسم‪" .‬واجعسسل لنسسا مسسن لدنسسك" أي مسسن عندك‪" .‬وليسسا" أي مسسن‬
‫يستنقذنا "واجعل لنا من لدنك نصيرا" أي ينصرنا عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 76 :‬الذيسن آمنوا يقاتلون فسي سسبيل ال والذيسن كفروا يقاتلون فسي سسبيل الطاغوت‬
‫فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال" أي في طاعته‪" .‬والذين كفروا يقاتلون في سبيل‬
‫الطاغوت" قال أبو عبيدة والكسائي‪ :‬الطاغوت يذكر ويؤنث‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬وإنما ذكر وأنث لنهم‬
‫كانوا يسمون الكاهن والكاهنة طاغوتا‪ .‬قال‪ :‬حدثنا حجاج عن ابن جريج قال‪ :‬حدثنا أبو الزبير أنه‬
‫سمع جابر بن عبدال وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال‪ :‬كانت في جهينة واحدة‬
‫وفسي أسسلم واحدة‪ ،‬وفسي كسل حسي واحدة‪ .‬قال أبسو إسسحاق‪ :‬الدليسل على أنسه الشيطان قوله عسز وجسل‪:‬‬
‫"فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيسد الشيطان كان ضعيفسا" أي مكره ومكر من اتبعسه‪ .‬ويقال‪ :‬أراد به‬
‫يوم بدر حيسسن قال للمشركيسسن "ل غالب لكسسم اليوم مسسن الناس وإنسسي جار لكسسم فلمسسا تراءت الفئتان‬
‫نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم" [النفال‪ ]48 :‬على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 77 :‬ألم تسر إلى الذيسن قيسل لهسم كفوا أيديكسم وأقيموا الصسلة وآتوا الزكاة فلمسا كتسب‬
‫عليهسم القتال إذا فريسق منهسم يخشون الناس كخشيسة ال أو أشسد خشيسة وقالوا ربنسا لم كتبست علينسا‬
‫القتال لول أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والخرة خير لمن اتقى ول تظلمون فتيل}‬
‫@ روى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبدالرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا‬
‫النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بمكسة فقالوا‪ :‬يسا نسبي ال‪ ،‬كنسا فسي عسز ونحسن مشركون‪ ،‬فلمسا آمنسا صسرنا‬
‫أذلة ؟ فقال‪( :‬إنسسي أمرت بالعفسسو فل تقاتلوا القوم )‪ .‬فلمسسا حول ال تعالى إلى المدينسسة أمره بالقتال‬
‫فكفوا‪ ،‬فنزلت اليسة‪ .‬أخرجسه النسسائي فسي سسننه‪ ،‬وقاله الكلبسي‪ .‬وقال مجاهسد‪ :‬هسم يهود‪ .‬قال الحسسن‪:‬‬
‫هي في المؤمنين؛ لقوله‪" :‬يخشون الناس" أي مشركي مكة "كخشية ال" فهي على ما طبع عليه‬
‫البشسسر مسسن المخافسسة ل على المخالفسسة‪ .‬قال السسسدي‪ :‬هسسم قوم أسسسلموا قبسسل فرض القتال فلمسسا فرض‬
‫كرهوه‪ .‬وقيل‪ :‬هو وصف للمنافقين؛ والمعنى يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من‬
‫ال‪" .‬أو أشد خشية" أي عندهم وفي اعتقادهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أشبسه بسسياق اليسة‪ ،‬لقوله‪" :‬وقالوا ربنسا لم كتبست علينسا القتال لول أخرتنسا إلى أجسل‬
‫قريسسب "أي هل‪ ،‬ول يليهسسا إل الفعسسل‪ .‬ومعاذ ال أن يصسسدر هذا القول مسسن صسسحابي كريسسم يعلم أن‬
‫الجال محدودة والرزاق مقسومة‪ ،‬بل كانوا لوامر ال ممتثلين سامعين طائعين‪ ،‬يرون الوصول‬
‫إلى الدار الجلة خيرا مسن المقام فسي الدار العاجلة‪ ،‬على مسا هسو معروف مسن سسيرتهم رضسي ال‬
‫عنهسم‪ .‬اللهسم إل أن يكون قائله ممسن لم يرسسخ فسي اليمان قدمسه‪ ،‬ول انشرح بالسسلم جنانسه‪ ،‬فإن‬
‫أهل اليمان متفاضلون فمنهم الكامل ومنهم الناقص‪ ،‬وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تلحقه‬
‫فيه المشقة وتدركه فيه الشدة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل متاع الدنيا قليل" ابتداء وخبر‪ .‬وكذا "والخرة خير لمن اتقى" أي المعاصي؛‬
‫وقد مضى القول في هذا في "البقرة" ومتاع الدنيا منفعتها والستمتاع بلذاتها وسماه قليل لنه ل‬
‫بقاء له‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم (مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح‬
‫وتركها ) وقد تقدم هذا المعنى في "البقرة "مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 78 :‬أيسن مسا تكونوا يدرككسم الموت ولو كنتسم فسي بروج مشيدة وإن تصسبهم حسسنة‬
‫يقولوا هذه من عند ال وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند ال فما لهؤلء القوم‬
‫ل يكادون يفقهون حديثا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أينمسا تكونوا يدرككسم الموت" شرط ومجازاة‪ ،‬و"مسا" زائدة وهذا الخطاب عام‬
‫وإن كان المراد المنافقين أو ضعفة المؤمنين الذين قالوا‪" :‬لول أخرتنا إلى أجل قريب "أي إلى أن‬
‫نموت بآجالنا‪ ،‬وهو أشبه المنافقين كما ذكرنا‪ ،‬لقولهم لما أصيب أهل أحد‪ ،‬قالوا‪" :‬لو كانوا عندنا‬
‫ما ماتوا وما قتلوا "[آل عمران‪ ]156 :‬فرد ال عليهم "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في‬
‫بروج مشيدة "قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه‪ .‬وواحد البروج برج‪ ،‬وهو البناء المرتفع‬
‫والقصر العظيم‪ .‬قال طرفة يصف ناقة‪:‬‬
‫بان بشيد واجر وأحجار‬ ‫كأنها برج رومي تكففها‬
‫وقرأ طلحة بن سليمان "يدرككم "برفع الكاف على إضمار الفاء‪ ،‬وهو قليل لم يأت إل في الشعر‬
‫نحو قوله‪:‬‬
‫ل يشكرها‬ ‫من يفعل الحسنات ا ُ‬
‫أراد فال يشكرها‪.‬‬
‫واختلف العلماء وأهسسل التأويسسل فسسي المراد بهذه البروج‪ ،‬فقال الكثسسر وهسسو الصسسح‪ .‬إنسسه أراد‬
‫البروج فسي الحصسون التسي فسي الرض المبنيسة‪ ،‬لنهسا غايسة البشسر فسي التحصسن والمنعسة‪ ،‬فمثسل ال‬
‫لهم بها‪ .‬وقال قتادة‪ :‬في قصور محصنة‪ .‬وقاله ابن جريج والجمهور‪ ،‬ومنه قول عامر بن الطفيل‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد‪ :‬البروج القصور‪ .‬ابن‬
‫عباس‪ :‬البروج الحصسسسسسون والطام والقلع‪ .‬ومعنسسسسسى "مشيدة "مطولة‪ ،‬قال الزجاج والقتسسسسسبي‪.‬‬
‫عكرمسة‪ :‬المزينسة بالشيسد وهسو الجسص‪ .‬قال قتادة‪ :‬محصسنة‪ .‬والمشيسد والمشيسد سسواء‪ ،‬ومنسه "وقصسر‬
‫مشيسد "[الحسج‪ ]45 :‬والتشديسد للتكثيسر‪ .‬وقيسل المشيسد المطول‪ ،‬والمشيسد المطلي بالشيسد‪ .‬يقال‪ :‬شاد‬
‫البنيان وأشاد بذكره‪ .‬وقال السدي‪ :‬المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية‪ .‬وحكى هذا القول‬
‫مكسي عسن مالك وأنسه قال أل ترى إلى قوله تعالى‪" :‬والسسماء ذات البروج "[البروج‪ ]1 :‬و"جعسل‬
‫فسي السسماء بروجسا "[الفرقان‪" ]61 :‬ولقسد جعلنسا فسي السسماء بروجسا "[الحجسر‪ .]16 :‬وحكاه ابسن‬
‫العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك‪ .‬وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال‪" :‬في بروج مشيدة"‬
‫معناه في قصور من حديد‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا ل يعطيه ظاهر اللفظ‪.‬‬
‫@ هذه الية ترد على القدرية في الجال‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في‬
‫بروج مشيدة "فعرفهسسم بذلك أن الجال متسسى انقضسست فل بسسد مسسن مفارقسسة الروح الجسسسد‪ ،‬كان ذلك‬
‫بقتسسل أو موت أو غيسسر ذلك ممسسا أجرى ال العادة بزهوقهسسا بسسه‪ .‬وقالت المعتزلة‪ :‬إن المقتول لو لم‬
‫يقتله القاتسسسل لعاش‪ .‬وقسسسد تقدم الرد عليهسسسم فسسسي "آل عمران "ويأتسسسي فوافقوا بقولهسسسم هذا الكفار‬
‫والمنافقين‪.‬‬
‫@ اتخاذ البلد وبنائها ليمتنع بها في حفظ الموال والنفوس‪ ،‬وهي سنة ال في عباده‪ .‬وفي ذلك‬
‫أدل دليسسل على رد قول مسسن يقول‪ :‬التوكسسل ترك السسسباب‪ ،‬فإن اتخاذ البلد مسسن أكسسبر السسسباب‬
‫وأعظمها وقد أمرنا بها‪ ،‬واتخذها النبياء وحفروا حولها الخنادق عدة وزيادة في التمنع‪ .‬وقد قيل‬
‫للحنف‪ :‬ما حكمة السور ؟ فقال‪ :‬ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه‪ .‬الرابعة‪ :‬وإذا تنزلنا على‬
‫قول مالك والسسدي فسي أنهسا بروج السسماء‪ ،‬فسبروج الفلك اثنسا عشسر برجسا مشيدة مسن الرفسع‪ ،‬وهسي‬
‫الكواكسب العظام‪ .‬وقيسل للكواكسب بروج لظهورهسا‪ ،‬مسن برج يسبرج إذا ظهسر وارتفسع؛ ومنسه قوله‪:‬‬
‫"ول تسبرجن تسبرج الجاهليسة الولى "[الحزاب‪ ]33 :‬وخلقهسا ال تعالى منازل للشمسس والقمسر‬
‫وقدره فيها‪ ،‬ورتب الزمنة عليها‪ ،‬وجعلها جنوبية وشمالية دليل على المصالح وعلما على القبلة‪،‬‬
‫وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد غير ذلك من أحوال المعاش‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند ال "أي إن يصب المنافقين خصب قالوا‪:‬‬
‫هذا مسسن عنسسد ال‪" .‬وإن تصسسبهم سسسيئة "أي جدب ومحسسل قالوا‪ :‬هذا مسسن عندك‪ ،‬أي أصسسابنا ذلك‬
‫بشؤمسسك وشؤم أصسسحابك‪ .‬وقيسسل‪ :‬الحسسسنة السسسلمة والمسسن‪ ،‬والسسسيئة المراض والخوف‪ .‬وقيسسل‪:‬‬
‫الحسنة الغنى‪ ،‬والسيئة الفقر‪ .‬وقيل‪ :‬الحسنة النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر‪ ،‬والسيئة البلية والشدة‬
‫والقتسل يوم أحسد‪ .‬وقيسل‪ :‬الحسسنة السسراء‪ ،‬والسسيئة الضراء‪ .‬هذه أقوال المفسسرين وعلماء التأويسل ‪-‬‬
‫ابسن عباس وغيره ‪ -‬فسي اليسة‪ .‬وأنهسا نزلت فسي اليهود والمنافقيسن‪ ،‬وذلك أنهسا لمسا قدم رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم المدينة عليهم قالوا‪ :‬ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا‬
‫هذا الرجسل وأصسحابه‪ .‬قال ابسن عباس‪ :‬ومعنسى "مسن عندك "أي بسسوء تدبيرك‪ .‬وقيسل‪" :‬مسن عندك‬
‫"بشؤمك‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬أي بشؤمك الذي لحقنا‪ ،‬قالوه على جهة التطير‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬قل كل من‬
‫عنسسد ال" أي الشدة والرخاء والظفسسر والهزيمسسة مسسن عنسسد ال‪ ،‬أي بقضاء ال وقدره‪ ".‬فمال هؤلء‬
‫القوم" يعني المنافقين "ل يكادون يفقهون حديثا" أي ما شأنهم ل يفقهون أن كل من عند ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس‬
‫رسول وكفى بال شهيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي ما أصابك يا‬
‫محمد من خصب ورخاء وصحة وسلمة فبفضل ال عليك وإحسانه إليك‪ ،‬وما أصابك من جدب‬
‫وشدة فبذنب أتيته عوقبت عليه‪ .‬والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪ .‬أي ما أصابكم‬
‫يسا معشسر الناس مسن خصسب واتسساع رزق فمسن تفضسل ال عليكسم‪ ،‬ومسا أصسابكم مسن جدب وضيسق‬
‫رزق فمسن أنفسسكم؛ أي مسن أجسل ذنوبكسم وقسع ذلك بكسم‪ .‬قال الحسسن والسسدي وغيرهمسا؛ كمسا قال‬
‫تعالى‪" :‬يسسا أيهسسا النسسبي إذا طلقتسسم النسسساء "[الطلق‪ .]1:‬وقسسد قيسسل‪ :‬الخطاب للنسسسان والمراد بسسه‬
‫الجنسس؛ كمسا قال تعالى‪" :‬والعصسر إن النسسان لفسي خسسر "[العصسر‪ ]2 - 1:‬أي إن الناس لفسي‬
‫خسر‪ ،‬أل تراه استثنى منهم فقال "إل الذين آمنوا "ول يستثنى إل من جملة أو جماعة‪ .‬وعلى هذا‬
‫التأويسسل يكون قوله "مسسا أصسسابك" اسسستئنافا‪ .‬وقيسسل‪ :‬فسسي الكلم حذف تقديره يقولون؛ وعليسسه يكون‬
‫الكلم متصسسل؛ والمعنسسى فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثسسا حتسسى يقولوا مسسا أصسسابك مسسن‬
‫حسنة فمن ال‪ .‬وقيل‪ :‬إن ألف الستفهام مضمرة؛ والمعنى أفمن نفسك ؟ ومثله قوله وتعالى‪" :‬فلما‬
‫رأى القمسر بازغسا قال هذا ربسي" [النعام‪ ]77 :‬والمعنسى أو تلك نعمسة ؟ وكذا قوله تعالى‪" :‬فلمسا‬
‫رأى القمر بازغا قال هذا ربي "[النعام‪ ]77 :‬أي أهذا ربي ؟ قال أبو خراش الهذلي‪:‬‬
‫فقلت وأنكرت الوجوه هم هم‬ ‫رموني وقالوا يا خويلد لم تُرع‬
‫أراد "أهسم "فأضمسر ألف السستفهام وهسو كثيسر وسسيأتي‪ .‬قال الخفسش "مسا "بمعنسى الذي‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو‬
‫شرط‪ .‬قال النحاس‪ :‬والصواب قول الخفش؛ لنه نزل في شيء بعينه من الجدب‪ ،‬وليس هذا من‬
‫المعاصسي فسي شيسء ولو كان منهسا لكان ومسا أصسبت مسن سسيئة‪ .‬وروى عبدالوهاب بسن مجاهسد عسن‬
‫أبيه عن ابن عباس وأبي وابن مسعود "ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصسابك من سيئة فمن‬
‫نفسسسك وأنسسا كتبتهسسا عليسسك "فهذه قراءة على التفسسسير‪ ،‬وقسسد أثبتهسسا بعسسض أهسسل الزيسسغ مسسن القرآن‪،‬‬
‫والحديسث بذلك عسن ابسن مسسعود وأبسي منقطسع؛ لن مجاهدا لم يسر عبدال ول أبيسا‪ .‬وعلى قول مسن‬
‫قال‪ :‬الحسنة الفتح والغنيمة يوم بدر‪ ،‬والسيئة ما أصابهم يوم أحد؛ أنهم عوقبوا عند خلف الرماة‬
‫الذيسسن أمرهسسم رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم أن يحموا ظهره ول يسسبرحوا مسسن مكانهسسم‪ ،‬فرأوا‬
‫الهزيمسة على قريسش والمسسلمون يغنمون أموالهسم فتركوا مصسافهم‪ ،‬فنظسر خالد بسن الوليسد وكان مسع‬
‫الكفار يومئذ ظهسر رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قسد انكشسف مسن الرماة فأخسذ سسرية مسن الخيسل‬
‫ودار حتى صار خلف المسلمين وحمل عليهم‪ ،‬ولم يكن خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫الرماة إل صاحب الراية‪ ،‬حفظ وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم فوقف حتى استشهد مكانه؛‬
‫على مسسا تقدم فسسي "آل عمران "بيانسسه‪ .‬فأنزل ال تعالى نظيسسر هذه اليسسة وهسسو قوله تعالى‪" :‬أولمسسا‬
‫أصابتكم مصيبة "[آل عمران‪ ]165 :‬يعني يوم أحد "قد أصبتم مثليها "يعني يوم بدر "قلتم أنى‬
‫هذا قل هو من عند أنفسكم"‪ .‬ول يجوز أن تكون الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت‬
‫القدريسة؛ إذ لو كان كذلك لكان مسا أصسبت كمسا قدمنسا‪ ،‬إذ هسو بمعنسى الفعسل عندهسم والكسسب عندنسا‪،‬‬
‫وإنمسا تكون الحسسنة الطاعسة والسسيئة المعصسية فسي نحسو قوله‪" :‬مسن جاء بالحسسنة فله عشسر أمثالهسا‬
‫ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها "[النعام‪ ]160:‬وأما في هذه الية فهي كما تقدم شرحنا له‬
‫مسسن الخصسسب والجدب والرخاء والشدة على نحسسو مسسا جاء فسسي آيسسة "العراف "وهسسي قوله تعالى‪:‬‬
‫‪.]130‬‬ ‫"ولقسسد أخذنسسا آل فرعون بالسسسنين ونقسسص مسسن الثمرات لعلهسسم يذكرون "[العراف‪:‬‬
‫"بالسسنين "بالجدب سسنة بعسد سسنة؛ حبسس المطسر عنهسم فنقصست ثمارهسم وغلت أسسعارهم‪" .‬فإذا‬
‫جاءتهسسم الحسسسنة قالوا لنسسا هذه وإن تصسسبهم سسسيئة يطيروا بموسسسى ومسسن معسسه "أي يتشاءمون بهسسم‬
‫ويقولون هذا مسن أجسل أتباعنسا لك وطاعتنسا إياك؛ فرد ال عليهسم بقوله‪" :‬أل إنمسا طائرهسم عنسد ال‬
‫"[العراف‪ ]131 :‬يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من ال‬
‫تعالى ل صنع فيه لمخلوق؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم حيسث قال‪" :‬وإن تصسبهم سسيئة يقولوا هذه مسن عندك قسل كسل مسن عنسد ال "كمسا قال‪" :‬أل إنمسا‬
‫طائرهسسم عنسسد ال "وكمسسا قال تعالى‪" :‬ومسسا أصسسابكم يوم التقسسى الجمعان فبإذن ال" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]166‬أي بقضاء ال وقدره وعلمه‪ ،‬وآيات الكتاب يشهد بعضها لبعض‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬ومن كان‬
‫يؤمسن بال واليوم الخسر فل يشسك فسي أن كسل شيسء بقضاء ال وقدره وإرادتسه ومشيئتسه؛ كمسا قال‬
‫تعالى‪" :‬ونبلوكسم بالشسر والخيسر فتنسة "[النسبياء‪ ]35 :‬وقال تعالى‪" :‬وإذا أراد ال بقوم سسوءا فل‬
‫مرد له وما لهم من دونه من وال "[الرعد‪.]11 :‬‬
‫مسألة‪ :‬وقد تجاذب بعض جهال أهل السنة هذه الية واحتج بها؛ كما تجاذبها القدرية واحتجوا‬
‫بهسا‪ ،‬ووجسه احتجاجهسم بهسا أن القدريسة يقولون‪ :‬إن الحسسنة ههنسا الطاعسة‪ ،‬والسسيئة المعصسية؛ قالوا‪:‬‬
‫وقسد نسسب المعصسية فسي قوله تعالى‪" :‬ومسا أصسابك مسن سسيئة فمسن نفسسك "إلى النسسان دون ال‬
‫تعالى؛ فهذا وجسه تعلقهسم بهسا‪ .‬ووجسه تعلق الخريسن منهسا قوله تعالى‪" :‬قسل كسل مسن عنسد ال "قالوا‪:‬‬
‫فقسد أضاف الحسسنة والسسيئة إلى نفسسه دون خلقسه‪ .‬وهذه اليسة إنمسا يتعلق بهسا الجهال مسن الفريقيسن‬
‫جميعسا؛ لنهسم بنوا ذلك على أن السسيئة هسي المعصسية‪ ،‬وليسست كذلك لمسا بيناه‪ .‬وال أعلم‪ .‬والقدريسة‬
‫إن قالوا "ما أصابك من حسنة "أي من طاعة "فمن ال "فليس هذا اعتقادهم؛ لن اعتقادهم الذي‬
‫بنوا عليسه مذهبهسم أن الحسسنة فعسل المحسسن والسسيئة فعسل المسسيء‪ .‬وأيضسا فلو كان لهسم فيهسا حجسة‬
‫لكان يقول‪ :‬مسا أصسبت مسن حسسنة ومسا أصسبت مسن سسيئة؛ لنسه الفاعسل للحسسنة والسسيئة جميعسا‪ ،‬فل‬
‫يضاف إليه إل بفعله لهما ل بفعل غيره‪ .‬نص على هذه المقالة المام أبو الحسن شبيب بن إبراهيم‬
‫بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغلصم في إفحام المخاصم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرسسلناك للناس رسسول" مصسدر مؤكسد‪ ،‬ويجوز أن يكون المعنسى ذا رسسالة‬
‫"وكفى بال شهيدا" نصب على البيان والباء زائدة‪ ،‬أي كفى ال شهيدا على صدق رسالة نبيه وأنه‬
‫صادق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال" أعلم ال تعالى أن طاعة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسسلم طاعسة له‪ .‬وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال‪( :‬مسن‬
‫أطاعنسي فقسد أطاع ال ومسن يعصسني فقسد عصسى ال ومسن يطسع الميسر فقسد أطاعنسي ومسن يعسص‬
‫المير فقد عصاني ) في رواية‪( .‬ومن أطاع أميري‪ ،‬ومن عصى أميري )‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن تولى" أي أعرض "فما أرسلناك عليهم حفيظا" أي حافظا ورقيبا لعمالهم‪،‬‬
‫إنمسسا عليسسك البلغ‪ .‬وقال القتسسبي‪ :‬محاسسسبا؛ فنسسسخ ال هذا بآيسسة السسسيف وأمره بقتال مسسن خالف ال‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 82 - 81 :‬ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول‬
‫وال يكتسب مسا يسبيتون فأعرض عنهسم وتوكسل على ال وكفسى بال وكيل‪ ،‬أفل يتدبرون القرآن ولو‬
‫كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول وال يكتب‬
‫مسا يسبيتون" أي أمرنسا طاعسة‪ ،‬ويجوز "طاعسة" بالنصسب‪ ،‬أي نطيسع طاعسة‪ ،‬وهسي قراءة نصسر بسن‬
‫عاصسسم والحسسسن والجحدري‪ .‬وهذا فسسي المنافقيسسن فسسي قول أكثسسر المفسسسرين؛ أي يقولون إذا كانوا‬
‫عندك‪ :‬أمرنا طاعة‪ ،‬أو نطيع طاعة‪ ،‬وقولهم هذا ليس بنافع؛ لن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيع‬
‫حقيقسة‪ ،‬لن ال تعالى لم يحقسق طاعتهسم بمسا أظهروه‪ ،‬فلو كانست الطاعسة بل اعتقاد حقيقسة لحكسم بهسا‬
‫لهسسم؛ فثبسست أن الطاعسسة بالعتقاد مسسع وجودهسسا‪" .‬فإذا برزوا" أي خرجوا "مسسن عندك بيسست طائفسسة‬
‫منهسم" فذكسر الطائفسة لنهسا فسي معنسى رجال‪ .‬وأدغسم الكوفيون التاء فسي الطاء؛ لنهمسا مسن مخرج‬
‫واحد‪ ،‬واستقبح ذلك الكسائي في الفعل وهو عند البصريين غير‪ .‬قبيح‪ .‬ومعنى "بيت "زور وموه‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬غيسر وبدل وحرف؛ أي بدلوا قول النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فيمسا عهده إليهسم وأمرهسم بسه‪..‬‬
‫والتبييت التبديل؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وكانوا أتوني بأمر نكر‬ ‫أتوني فلم أرض ما بيتوا‬
‫وهل ينكح العبد حر لحر‬ ‫لنكح أيمهم منذرا‬
‫آخر‪:‬‬
‫سك قاتله ال عبدا كفورا‬ ‫بيت قولي عبدالمليس‬
‫وبيسست الرجسسل المسسر إذا دبر ليل؛ قال ال تعالى‪" :‬إذ يسسبيتون مسسا ل يرضسسى مسسن القول "[النسسساء‪:‬‬
‫‪ .]108‬والعرب تقول‪ :‬أمر بيت بليل إذا أحكم‪ .‬وإنما خص الليل بذلك لنه وقت يتفرغ فيه‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء‬ ‫أجمعوا أمرهم بليل فلما‬
‫ومن هذا بيت الصيام‪ .‬والبيوت‪ :‬الماء يبيت ليل‪ .‬والبيوت‪ :‬المر يبيت عليه صاحبه مهتما به؛ قال‬
‫الهذلي‪:‬‬
‫إذا خفت بيوت أمر عضال‬ ‫وأجعل فقرتها عدة‬
‫والتسبييت والبيات أن يأتسي العدو ليل‪ .‬وبات يفعسل كذا إذا فعله ليل؛ كمسا يقال‪ :‬ظسل بالنهار‪ .‬وبيست‬
‫الشيء قدر‪ .‬فإن قيل‪ :‬فما وجه الحكمة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال‪" :‬بيت طائفة منهم "؟ قيل‪:‬‬
‫إنمسا عسبر عسن حال مسن علم أنسه بقسي على كفره ونفاقسه‪ ،‬وصسفح عمسن علم أنسه سسيرجع عسن ذلك‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬إنمسا عسبر عسن حال مسن شهسد وحار فسي أمره‪ ،‬وأمسا مسن سسمع وسسكت فلم يذكره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫"وال يكتب ما يبيتون" أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنى ينزله‬
‫عليسك فسي الكتاب‪ .‬وفسي هذه اليسة دليسل على أن مجرد القول ل يفيسد شيئا كمسا ذكرنسا؛ فإنهسم قالوا‪:‬‬
‫طاعسة‪ ،‬ولفظوا بهسا ولم يحقسق ال طاعتهسم ول حكسم لهسم بصسحتها؛ لنهسم لم يعتقدوهسا‪ .‬فثبست أنسه ل‬
‫يكون المطيع مطيعا إل باعتقادها مع وجودها‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فأعرض عنهسسم" أي ل تخسسبر بأسسسمائهم؛ عسسن الضحاك‪ ،‬يعنسسي المنافقيسسن‪ .‬وقيسسل‪ :‬ل‬
‫تعاقبهسم‪" .‬وتوكسل على ال وكفسى بال وكيل" ثسم أمره بالتوكسل عليسه والثقسة بسه فسي النصسر على‬
‫عدوه‪ .‬ويقال‪ :‬إن هذا منسوخ بقوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين "[التوبة‪]73 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفل يتدبرون القرآن" ثم عاب المنافقين بالعراض عن التدبر في القرآن والتفكر‬
‫فيه وفي معانيه‪ .‬تدبرت الشيء فكرت في عاقبته‪ .‬وفي الحديث (ل تدابروا ) أي ل يولي بعضكم‬
‫بعضا دبره‪ .‬وأدبر القوم مضى أمرهم إلى آخره‪ .‬والتدبير أن يدبر النسان أمره كأنه ينظر إلى ما‬
‫تصسسير إليسسه عاقبتسسه‪ .‬ودلت هذه اليسسة وقوله تعالى‪" :‬أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهسسا"‬
‫[محمد‪ ]24 :‬على وجوب التدبر فسي القرآن ليعرف معناه‪ .‬فكان في هذا رد على فساد قول من‬
‫قال‪ :‬ل يؤخسذ مسن تفسسيره إل مسا ثبست عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬ومنسع أن يتأول على مسا‬
‫يسسوغه لسسان العرب‪ .‬وفيسه دليسل على المسر بالنظسر والسستدلل وإبطال التقليسد‪ ،‬وفيسه دليسل على‬
‫إثبات القياس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا" أي تفاوتا وتناقضا؛ عن ابن‬
‫عباس وقتادة وابسسسن زيسسسد‪ .‬ول يدخسسسل فسسسي هذا اختلف ألفاظ القراءات وألفاظ المثال والدللت‬
‫ومقادير السور واليات‪ .‬وإنما أراد اختلف التناقض والتفاوت‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لو كان ما تخبرون‬
‫بسه مسن عنسد غيسر ال لختلف‪ .‬وقيسل‪ :‬إنسه ليسس مسن متكلم يتكلم كلمسا كثيرا إل وجسد فسي كلمسه‬
‫اختلف كثير؛ إما في الوصف واللفظ؛ وإما في جودة المعنى‪ ،‬وإما في التناقض‪ ،‬وإما في الكذب‪.‬‬
‫فأنزل ال عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره؛ لنهم ل يجدون فيه اختلفا في وصف ول ردا له في‬
‫معنى‪ ،‬ول تناقضا ول كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 83 :‬وإذا جاءهسم أمسر مسن المسن أو الخوف أذاعوا بسه ولو ردوه إلى الرسسول وإلى‬
‫أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولول فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل‬
‫قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا جاءهسم أمسر مسن المسن" فسي "إذا "معنسى الشرط ول يجازى بهسا وإن زيدت‬
‫عليها "ما "وهي قليلة الستعمال‪ .‬قال سيبويه‪ .‬والجيد ما قال كعب بن زهير‪:‬‬
‫مغرب الشمس ناشطا مذعورا‬ ‫وإذا ما تشاء تبعث منها‬
‫يعنسي أن الجيسد ل يجزم بإذا مسا كمسا لم يجزم فسي هذا البيست‪ ،‬وقسد تقدم فسي أول "البقرة"‪ .‬والمعنسى‬
‫أنهم إذا سمعوا شيئا من المور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم "أو الخوف "وهو ضد‬
‫هذا "أذاعوا بسسه" أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا بسسه قبسسل أن يقفوا على حقيقتسسه‪ .‬فقيسسل‪ :‬كان هذا مسسن‬
‫ضعفة المسلمين؛ عن الحسن؛ لنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى ال عليه وسلم ويظنون أنهم ل‬
‫شيسء عليهسم فسي ذلك‪ .‬وقال الضحاك وابسن زيسد‪ :‬هسو فسي المنافقيسن فنهوا عسن ذلك لمسا يلحقهسم مسن‬
‫الكذب في الرجاف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم" أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى‬
‫يكون النبي صلى ال عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه‪ .‬أو أولو المر وهم أهل العلم والفقه؛‬
‫عسسن الحسسسن وقتادة وغيرهمسسا‪ .‬السسسدي وابسسن زيسسد‪ :‬الولة‪ .‬وقيسسل‪ :‬أمراء السسسرايا‪" .‬لعلمسسه الذيسسن‬
‫يسسستنبطونه منهسسم" أي يسسستخرجونه‪ ،‬أي لعلموا مسسا ينبغسسي أن يفشسسى منسسه ومسسا ينبغسسي أن يكتسسم‪.‬‬
‫والسستنباط مأخوذ مسن اسستنبطت الماء إذا اسستخرجته‪ .‬والنبسط‪ :‬الماء المسستنبط أول مسا يخرج مسن‬
‫ماء البئر أول ما تحفر‪ .‬وسمي النبط نبطا لنهم يستخرجون ما في الرض‪ .‬والستنباط في اللغة‬
‫الستخراج‪ ،‬وهو يدل على الجتهاد إذا عدم النص والجماع كما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول فضل ال عليكم ورحمته" رفع بالبتداء عند سيبويه‪ ،‬ول يجوز أن يظهر‬
‫الخبر عنده‪ .‬والكوفيون يقولون‪ :‬رفع بلول‪" .‬لتبعتم الشيطان إل قليل" في هذه الية ثلثة أقوال؛‬
‫قال ابسسن عباس وغيره‪ :‬المعنسسى أذاعوا بسسه إل قليل منهسسم لم يذع ولم يفسسش‪ .‬وقاله جماعسسة مسسن‬
‫النحويين‪ :‬الكسائي والخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لعلمه الذين يستنبطونه‬
‫منهسم إل قليل منهسم؛ عسن الحسسن وغيره‪ ،‬واختاره الزجاج قال‪ :‬لن هذا السستنباط الكثسر يعرفسه؛‬
‫لنسه اسستعلم خسبر‪ .‬واختار الول الفراء قال‪ :‬لن علم السسرايا إذا ظهسر علمسه المسستنبط وغيره‪،‬‬
‫والذاعة تكون في مضى دون بعض‪ .‬قال الكلبي عنه‪ :‬فلذلك استحسنت الستثناء من الذاعة‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬فهذان قولن على المجاز‪ ،‬يريسسد أن فسسي الكلم تقديمسسا وتأخيرا‪ .‬وقول ثالث بغيسسر مجاز‪:‬‬
‫يكون المعنسسى ولول فضسسل ال عليكسسم ورحمتسسه بأن بعسسث فيكسسم رسسسول أقام فيكسسم الحجسسة لكفرتسسم‬
‫وأشركتم إل قليل منكم فإنه كان يوحد‪ .‬وفيه قول رابع ‪ -‬قال الضحاك‪ :‬المعنى لتبعتم الشيطان إل‬
‫قليل‪ ،‬أي إن أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إل قليل‪ ،‬يعني‬
‫الذيسن امتحسن ال قلوبهسم للتقوى‪ .‬وعلى هذا القول يكون قوله "إل قليل "مسستثنى مسن قوله "لتبعتسم‬
‫الشيطان"‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وأنكسسر هذا القول أكثسسر العلماء‪ ،‬إذ لول فضسسل ال ورحمتسسه لتبسسع الناس‬
‫كلهم الشيطان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك وحرض المؤمنين عسى ال أن يكف بأس‬
‫الذين كفروا وال أشد بأسا وأشد تنكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقاتسل فسي سسبيل ال" هذه الفاء متعلقسة بقوله "ومسن يقاتسل فسي سسبيل ال فيقتسل أو‬
‫يغلب فسسوف نؤتيسه أجرا عظيمسا" [النسساء‪" ]74 :‬فقاتسل فسي سسبيل ال" أي مسن أجسل هذا فقاتسل‪.‬‬
‫وقيسل‪ :‬هي متعلقة بقوله‪" :‬ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال‪ .‬فقاتسل"‪ .‬كأن هذا المعنسى‪ :‬ل تدع جهاد‬
‫العدو والستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك؛ لنه وعده بالنصر‪ .‬قال الزجاج‪:‬‬
‫أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده؛ لنه قد ضمن له النصرة‪ .‬قال‬
‫ابن عطية‪" :‬هذا ظاهر اللفظ‪ ،‬إل أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون المة مدة ما؛‬
‫فالمعنى وال أعلم أنه خطاب له في اللفظ‪ ،‬وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه؛ أي أنت‬
‫يا محمد وكل واحد من أمتك القول له؛ "فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك"‪ .‬ولهذا ينبغي لكل‬
‫مؤمن أن يجاهسد ولو وحده؛ ومن ذلك قول النسبي صسلى ال عليه وسلم‪( :‬وال لقاتلنهسم حتى تنفرد‬
‫سسالفتي )‪ .‬وقول أبسي بكسر وقست الردة‪ :‬ولو خالفتنسي يمينسي لجاهدتهسا بشمالي‪ .‬وقيسل‪ :‬إن هذه اليسة‬
‫نزلت في موسم بدر الصغرى؛ فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد واعد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم موسم بدو الصغرى؛ فلما جاء الميعاد خرج إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبعين‬
‫راكبسسا فلم يحضسسر أبسسو سسسفيان ولم يتفسسق قتال‪ .‬وهذا على معنسسى مسسا قاله مجاهسسد كمسسا تقدم فسسي "آل‬
‫عمران"‪ .‬ووجسسه النظسسم على هذا والتصسسال بمسسا قبسسل أنسسه وصسسف المنافقيسسن بالتخليسسط وإيقاع‬
‫الراجيف‪ ،‬ثم أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالعراض عنهم وبالجد في القتال في سبيل ال وإن‬
‫لم يساعده أحد على ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تكلف إل نفسك" "تكلف "مرفوع لنه مستقبل‪ ،‬ولم يجزم لنه ليس علة للول‪.‬‬
‫وزعسم الخفسش أنسه يجوز جزمسه‪" .‬إل نفسسك "خسبر مسا لم يسسم فاعله؛ والمعنسى ل تلزم فعسل غيرك‬
‫ول تؤاخذ به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحرض المؤمنين" أي حضهم على الجهاد والقتال‪ .‬يقال‪ :‬حرضت فلنا على كذا‬
‫إذا أمرتسه بسه‪ .‬وحارض فلن على المسر وأكسب وواظسب بمعنسى واحسد‪" .‬عسسى ال أن يكسف بأس‬
‫الذين كفروا" إطماع‪ ،‬والطماع من ال عز وجل واجب‪ .‬على أن الطمع قد جاء فسي كلم العرب‬
‫على الوجوب؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين "[الشعراء‪.]82 :‬‬
‫وقال ابن مقبل‪:‬‬
‫يتنازعون جوائز المثال‬ ‫ظني بهم كعسى وهم بتنوفة‬
‫قوله تعالى‪" :‬وال أشسسد بأسسسا" أي صسسولة وأعظسسم سسسلطانا وأقدر بأسسسا على مسسا يريده‪" .‬وأشسسد‬
‫تنكيل" أي عقوبسسة؛ عسسن الحسسسن وغيره‪ .‬قال ابسسن دريسسد‪ :‬رماه ال بنكلة‪ ،‬أي رماه بمسسا ينكله‪ .‬قال‪:‬‬
‫ونكلت بالرجل تنكيل من النكال‪ .‬والمنكل الشيء الذي ينكل بالنسان‪ .‬قال‪:‬‬
‫وأرم على أقفائهم بمنكل‬
‫@إن قال قائل‪ :‬نحن نرى الكفار في بأس وشدة‪ ،‬وقلتم‪ :‬إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد؟‬
‫قيل له‪ :‬قد وجد هذا الوعد ول يلزم وجوده على الستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثل فقد‬
‫صسسدق الوعسسد؛ فكسسف ال بأس المشركيسسن ببدر الصسسغرى‪ ،‬وأخلفوا مسسا كانوا عاهدوه مسسن الحرب‬
‫والقتال "وكفسسى ال المؤمنيسسن القتال "[الحزاب‪ ]25 :‬وبالحديبيسسة أيضسسا عمسسا راموه مسسن الغدر‬
‫وانتهاز الفرصة‪ ،‬ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرة‪ ،‬وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم‬
‫فسي الصسلح‪ ،‬وهسو المراد بقوله تعالى‪" :‬وهسو الذي كسف أيديهسم عنكسم "[الفتسح‪ ]24 :‬على مسا يأتسي‪.‬‬
‫وقد ألقى ال في قلوب الحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ول قتال؛ كما قال تعالى "وكفى‬
‫ال المؤمنين القتال"‪ .‬وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم‪ ،‬فهذا كله بأس قد‬
‫كفسه ال عسن المؤمنيسن‪ ،‬مسع أنسه قسد دخسل مسن اليهود والنصسارى العدد الكثيسر والجسم الغفيسر تحست‬
‫الجزيسسة صسساغرين وتركوا المحاربسسة داخريسسن‪ ،‬فكسسف ال بأسسسهم عسسن المؤمنيسسن‪ .‬والحمسسد ل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 85 :‬من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل‬
‫منها وكان ال على كل شيء مقيتا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من يشفع "أصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع وهو الزوج في العدد؛ ومنه‬
‫الشفيسع؛ لنسه يصسير مسع صساحب الحاجسة شفعسا‪ .‬ومنسه ناقسة شفوع إذا جمعست بيسن محلبيسن فسي حلبسة‬
‫واحدة‪ .‬وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها‪ .‬والشفع ضم واحد إلى واحد‪ .‬والشفعة ضم ملك‬
‫الشريك إلى ملكك؛ فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك‪ ،‬فهي على التحقيق إظهار لمنزلة‬
‫الشفيع عند المشفع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له‪.‬‬
‫@ واختلف المتأولون فسي هذه اليسة؛ فقال مجاهسد والحسسن وابسن زيسد وغيرهسم هسي فسي شفاعات‬
‫الناس بينهم في حوائجهم؛ فمن يشفع لينفع فله نصبب‪ ،‬ومن يشفع ليضر فله كفل‪ .‬وقيل‪ :‬الشفاعة‬
‫الحسسنة هسي فسي البر والطاعسة‪ ،‬والسسيئة فسي المعاصسي‪ .‬فمسن شفسع شفاعسة حسسنة ليصسلح بيسن اثنيسن‬
‫اسستوجب الجسر‪ ،‬ومسن سسعى بالنميمسة والغيبسة أثسم‪ ،‬وهذا قريسب مسن الول‪ .‬وقيسل‪ :‬يعنسي بالشفاعسة‬
‫الحسسنة الدعاء للمسسلمين‪ ،‬والسسيئة الدعاء عليهسم‪ .‬وفسي صسحيح الخسبر‪( :‬مسن دعسا بظهسر الغيسب‬
‫استجيب له وقال الملك آمين ولك بمثل )‪ .‬هذا هو النصيب‪ ،‬وكذلك في الشر؛ بل يرجع شؤم دعائه‬
‫عليه‪ .‬وكانت اليهود تدعو على المسلمين‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى من يكن شفعا لصاحبه في الجهاد يكن له‬
‫نصيبه من الجر‪ ،‬ومن يكن شفعا لخر في باطل يكن له نصيبه من الوزر‪ .‬وعن الحسن أيضا‪:‬‬
‫الحسنة ما يجوز في الدين‪ ،‬والسيئة ما ل يجوز فيه‪ .‬وكأن هذا القول جامع‪ .‬والكفل الوزر والثم؛‬
‫عن الحسن وقتادة‪ .‬السدي وابن زيد هو النصيب‪ .‬واشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير‬
‫على سسنامه لئل يسسقط‪ .‬يقال‪ :‬اكتفلت البعيسر إذا أدرت على سسنامه كسساء وركبست عليسه‪ .‬ويقال له‪:‬‬
‫اكتفل لنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا من الظهر‪ .‬ويستعمل في النصيب من الخير‬
‫والشر‪ ،‬وفي كتاب ال تعالى "يؤتكم كفلين من رحمته "[الحديد‪ .]28 :‬والشافع يؤجر فيما يجوز‬
‫وإن لم يشفسسع؛ لنسسه تعالى قال "مسسن يشفسسع "ولم يقسسل يشفسسع‪ .‬وفسسي صسسحيح مسسسلم (اشفعوا تؤجروا‬
‫وليقض ال على لسان نبيه ما أحب)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكان ال على كسل شيسء مقيتسا" "مقيتسا "معناه مقتدرا؛ ومنسه قول الزبيسر بسن‬
‫عبدالمطلب‪:‬‬
‫وكنت على مساءته مقيتا‬ ‫وذي ضغن كففت النفس عنه‬
‫أي قديرا‪ .‬فالمعنى إن ال تعالى يعطي كل إنسان قوته؛ ومنه قوله عليه السلم‪( :‬كفى بالمرء إثما‬
‫أن يضيع من يقيت )‪ .‬على من رواه هكذا‪ ،‬أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره؛‬
‫ذكره ابسن عطيسة‪ .‬يقول منسه‪ :‬قتسه أقوتسه قوتسا‪ ،‬وأقتسه أقيتسه إقاتسة فأنسا قائت ومقيست‪ .‬وحكسى الكسسائي‪:‬‬
‫أقات يقيت‪ .‬وأما قول الشاعر‪:‬‬
‫‪ .. .‬إني على الحساب مقيت‬
‫فقال فيه الطبري‪ :‬إنه من غير هذا المعنى المتقدم‪ ،‬وإنه بمعنى الموقوف‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬المقيت‬
‫الحافسسظ‪ .‬وقال الكسسسائي‪ :‬المقيسست المقتدر‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وقول أبسسي عسسبيدة أولى لنسسه مشتسسق مسسن‬
‫القوت‪ ،‬والقوت معناه مقدار مسا يحفسظ النسسان‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المقيست الذي يعطسي كسل رجسل قوتسه‪.‬‬
‫وجاء فسي الحديسث‪( :‬كفسى بالمرء إثمسا أن يضيسع مسن يقوت ) و"يقيست "ذكره الثعلبسي‪ :‬وحكسى ابسن‬
‫فارس في المجمل‪ :‬المقيت المقتدر‪ ،‬والمقيت الحافظ والشاهد‪ ،‬وما عنده قيت ليلة وقوت ليلة‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 86 :‬وإذا حييتسم بتحيسة فحيوا بأحسسن منهسا أو ردوهسا إن ال كان على كسل شيسء‬
‫حسيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا حييتسم بتحيسة" التحيسة تفعلة مسن حييست؛ الصسل تحييسة مثسل ترضيسة وتسسمية‪،‬‬
‫فأدغموا الياء في الياء‪ .‬والتحية السلم‪ .‬وأصل التحية الدعاء بالحياة‪ .‬والتحيات ل‪ ،‬أي السلم من‬
‫الفات‪ .‬وقيسسل‪ :‬الملك‪ .‬قال عبدال بسسن صسسالح العجلي‪ :‬سسسألت الكسسسائي عسسن قوله "التحيات ل "مسسا‬
‫معناه ؟ فقال‪ :‬التحيات مثل البركات؛ فقلت‪ :‬ما معنى البركات ؟ فقال‪ :‬ما سمعت فيها شيئا‪ .‬وسألت‬
‫عنهسا محمسد بسن الحسسن فقال‪ :‬هسو شيسء تعبدال بسه عباده‪ .‬فقدمست الكوفسة فلقيست عبدال بسن إدريسس‬
‫فقلت‪ :‬إنسسي سسسألت الكسسسائي ومحمدا عسسن قول "التحيات ل "فأجابانسسي بكذا وكذا؛ فقال عبدال بسسن‬
‫إدريس‪ :‬إنهما ل علم لهما بالشعر وبهذه الشياء ؟ ! التحية الملك؛ وأنشد‪:‬‬
‫وأنيخ على تحية بجندي‬ ‫أؤم بها أبا قابوس حتى‬
‫وأنشد ابن خويز منداد‪:‬‬
‫أنيخ على تحيته بجندي‬ ‫أسير به إلى النعمان حتى‬
‫يريد على ملكه‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫قد نلته إل التحية‬ ‫ولكل ما نال الفتى‬
‫وقال القتسسبي‪ :‬إنمسسا قال "التحيات ل "على الجمسسع؛ لنسسه كان فسسي الرض ملوك يحيون بتحيات‬
‫مختلفات؛ فيقال لبعضهم‪ :‬أبيت اللعن‪ ،‬ولبعضهم‪ :‬اسلم وانعم‪ ،‬ولبعضهم‪ :‬عش ألف سنة‪ .‬فقيل لنا‪:‬‬
‫قولوا التحيات ل؛ أي اللفاظ التي تدل على الملك‪ ،‬ويكنى بها عنه ل تعالى‪ .‬ووجه النظم بما قبل‬
‫أنسه قال‪ :‬إذا خرجتسم للجهاد كمسا سسبق بسه المسر فحييتسم فسي سسفركم بتحيسة السسلم‪ ،‬فل تقولوا لمسن‬
‫ألقى إليكم السلم لست مؤمنا‪ ،‬بل ردوا جواب السلم؛ فإن أحكام السلم تجري عليهم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في معنى الية وتأويلها؛ فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الية‬
‫فسي تشميست العاطسس والرد على المشمست‪ .‬وهذا ضعيسف؛ إذ ليسس فسي الكلم دللة على ذلك‪ ،‬أمسا‬
‫الرد على المشمست فممسا يدخسل بالقياس فسي معنسى رد التحيسة‪ ،‬وهذا هسو منحسى مالك إن صسح ذلك‬
‫عنه‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬وقد يجوز أن تحمل هذه الية على الهبة إذا كانت للثواب؛‬
‫فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ونحو هذا قال أصحاب أبي حنيفة‪ ،‬قالوا‪ :‬التحية هنا الهدية؛ لقوله تعالى‪" :‬أو ردوها "ول‬
‫يمكن رد السلم بعينه‪ .‬وظاهر الكلم يقتضي أداء التحية بعينها وهي الهدية‪ ،‬فأمر بالتعويض إن‬
‫قبسل أو الرد بعينسه‪ ،‬وهذا ل يمكسن فسي السسلم‪ .‬وسسيأتي بيان حكسم الهبسة للثواب والهديسة فسي سسورة‬
‫"الروم "عند قوله‪" :‬وما آتيتم من ربا "[الروم‪ ]39 :‬إن شاء ال تعالى‪ .‬والصحيح أن التحية ههنا‬
‫السسسلم؛ لقوله تعالى‪" :‬وإذا جاؤوك حيوك بمسسا لم يحيسسك بسسه ال "[المجادلة‪ .]8 :‬وقال النابغسسة‬
‫الذبياني‪:‬‬
‫وأكسية الضريج فوق المشاجب‬ ‫تحييهم بيض الولئد بينهم‬
‫أراد‪ :‬ومسسلم عليهسم‪ .‬وعلى هذا جماعسة المفسسرين‪ .‬وإذا ثبست هذا وتقرر ففقسه اليسة أن يقال‪ :‬أجمسع‬
‫العلماء على أن البتداء بالسلم سنة مرغب فيها‪ ،‬ورده فريضة؛ لقوله تعالى‪" :‬فحيوا بأحسن منها‬
‫أو ردوهسسا"‪ .‬واختلفوا إذا رد واحسسد مسسن جماعسسة هسسل يجزئ أو ل؛ فذهسسب مالك والشافعسسي إلى‬
‫الجزاء‪ ،‬وأن المسسسلم قسسد رد عليسسه مثسسل قوله‪ .‬وذهسسب الكوفيون إلى أن رد السسسلم مسسن الفروض‬
‫المتعينسسة؛ قالوا‪ :‬والسسسلم خلف الرد؛ لن البتداء بسسه تطوع ورده فريضسسة‪ .‬ولو رد غيسسر المسسسلم‬
‫عليهسم لم يسسقط ذلك عنهسم فرض الرد‪ ،‬فدل على أن رد السسلم يلزم كسل إنسسان بعينسه؛ حتسى قال‬
‫قتادة والحسن‪ :‬إن المصلي يرد السلم كلما إذا سلم عليه ول يقطع ذلك عليه صلته؛ لنه فعل ما‬
‫أمسر بسه‪ .‬والناس على خلفسه‪ .‬احتسج الولون بمسا رواه أبسو داود عسن علي بسن أبسي طالب عسن النسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم‪ ،‬ويجزئ عن الجلوس أن‬
‫يرد أحدهسم )‪ .‬وهذا نسص فسي موضسع الخلف‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وهسو حديسث حسسن ل معارض له‪،‬‬
‫وفسي إسسناده سسعيد بسن خالد‪ ،‬وهسو سسعيد بسن خالد الخزاعسي مدنسي ليسس بسه بأس عنسد بعضهسم؛ وقسد‬
‫ضعفه بعضهم منهم أبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وجعلوا حديثه هذا منكرا؛ لنه انفرد‬
‫فيه بهذا السناد؛ على أن عبدال بن الفضل لم يسمع من عبيدال بن أبي رافع؛ بينهما العرج في‬
‫غيسر مسا حديسث‪ .‬وال أعلم‪ .‬واحتجوا أيضسا بقوله عليسه السسلم‪( :‬يسسلم القليسل على الكثيسر)‪ .‬ولمسا‬
‫أجمعوا على أن الواحسد يسسلم على الجماعسة ول يحتاج إلى تكريره على عداد الجماعسة‪ ،‬كذلك يرد‬
‫الواحد عن الجماعة وينوب عن الباقين كفروض الكفاية‪ .‬وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬يسسلم الراكسب على الماشسي وإذا سسلم واحسد مسن القوم أجزأ عنهسم )‪.‬‬
‫قال علماؤنسا‪ :‬وهذا يدل على أن الواحسد يكفسي فسي الرد؛ لنسه ل يقال أجزأ عنهسم إل فيمسا قسد وجسب‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد؛ وفيه قلق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فحيوا بأحسن منها أو ردوها" رد الحسن أن يزيد فيقول‪ :‬عليك السلم ورحمة‬
‫ال؛ لمسن قال‪ :‬سسلم عليسك‪ .‬فإن قال‪ :‬سسلم عليسك ورحمسة ال؛ زدت فسي ردك‪ :‬وبركاتسه‪ .‬وهذا هسو‬
‫النهاية فل مزيد‪ .‬قال ال تعالى مخبرا عن البيت الكريم "رحمة ال وبركاته" [هود‪ ]73 :‬على ما‬
‫يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪ .‬فإن انتهى بالسلم غايته‪ ،‬زدت في ردك الواو في أول كلمك فقلت‪:‬‬
‫وعليك السلم ورحمة ال وبركاته‪ .‬والرد بالمثل أن تقول لمن قال السلم عليك‪ :‬عليك السلم‪ ،‬إل‬
‫أنسه ينبغسي أن يكون السسلم كله بلفسظ الجماعسة‪ ،‬وإن كان المسسلم عليسه واحدا‪ .‬روى العمسش عسن‬
‫إبراهيم النخعي قال‪ :‬إذا سلمت على الواحد فقل‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬فإن معه الملئكة‪ .‬وكذلك الجواب‬
‫يكون بلفسظ الجمسع؛ قال ابسن أبسي زيسد‪ :‬يقول المسسلم السسلم عليكسم‪ ،‬ويقول الراد وعليكسم السسلم‪ ،‬أو‬
‫يقول السلم عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قوله "أو ردوها "ول تقل في ردك‪ :‬سلم عليك‪.‬‬
‫@ والختيار فسي التسسليم والدب فيسه تقديسم اسسم ال تعالى على اسسم المخلوق؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"سسلم على إل ياسسين "[الصسافات‪ .]130 :‬وقال فسي قصسة إبراهيسم عليسه السسلم‪" :‬رحمسة ال‬
‫وبركاتسه عليكسم أهل البيست "[هود‪ .]73 :‬وقال مخسبرا عن إبراهيسم‪" :‬سلم عليك "[مريم‪.]47 :‬‬
‫وفسي صسحيحي البخاري ومسسلم مسن حديسث أبسي هريرة قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪:‬‬
‫(خلق ال عسز وجسل آدم على صسورته طول سستون ذراعسا فلمسا خلقسه قال اذهسب فسسلم على أولئك‬
‫النفسر وهسم نفسر مسن الملئكسة جلوس فاسستمع مسا يحيونسك فإنهسا تحيتسك وتحيسة ذريتسك ‪ -‬قال ‪ -‬فذهسب‬
‫فقال السسلم عليكسسم فقالوا السسلم عليسسك ورحمسة ال ‪ -‬قال ‪ -‬فزادوه ورحمسة ال ‪ -‬قال ‪ -‬فكسسل مسن‬
‫يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الن )‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبعا‪ :‬الولى‪ :‬الخبار عن صفة خلق آدم‪ .‬الثانية‪:‬‬
‫أنسسا ندخسسل الجنسة عليهسسا بفضله‪ .‬الثالثسة‪ :‬تسسسليم القليسل على الكثيسسر‪ .‬الرابعسة‪ :‬تقديسسم اسسسم ال تعالى‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬الرد بالمثل لقولهم‪ :‬السلم عليكم‪ .‬السادسة‪ :‬الزيادة في الرد‪ .‬السابعة‪ :‬إجابة الجميع بالرد‬
‫كما يقول الكوفيون‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فإن رد فقدم اسسم المسسلم عليسه لم يأت محرمسا ول مكروهسا؛ لثبوتسه عسن النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الصلة وقد سلم عليه‪( :‬وعليك السلم أرجع فصل فإنك لم‬
‫تصسل )‪ .‬وقالت عائشسة‪ :‬وعليسه السسلم ورحمسة ال؛ حيسن أخبرهسا النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن‬
‫جبريل يقرأ عليها السلم‪ .‬أخرجه البخاري‪ .‬وفي حديث عائشة من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى‬
‫رجسل بسسلمه فعليسه أن يرد‪ .‬كمسا يرد عليسه إذا شافهسه‪ .‬وجاء رجسل إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫فقال‪ :‬إن أبسي يقرئك السسلم؛ فقال‪( :‬عليسك وعلى أبيسك السسلم )‪ .‬وقسد روى النسسائي وأبسو داود مسن‬
‫حديث جابر بن سليم قال‪ :‬لقيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت‪ :‬عليك السلم يا رسول ال؛‬
‫فقال‪( :‬ل تقل عليك السلم فإن عليك السلم تحية الميت ولكن قل السلم عليك)‪ .‬وهذا الحديث ل‬
‫يثبست؛ إل أنسه لمسا جرت عادة العرب بتقديسم اسسم المدعسو عليسه فسي الشسر كقولهسم‪ :‬عليسه لعنسة ال‬
‫وغضب ال‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين"‪[ .‬ص‪ .]78 :‬وكان ذلك أيضا دأب‬
‫الشعراء وعادتهم في تحية الموتى؛ كقولهم‪:‬‬
‫ورحمته ما شاء أن يترحما‬ ‫عليك سلم ال قيس بن عاصم‬
‫وقال آخر وهو الشماخ‪:‬‬
‫يد ال في ذاك الديم الممزق‬ ‫عليك سلم من أمير وباركت‬
‫نهاه عن ذلك‪ ،‬ل أن ذاك هو اللفظ المشروع فسي حق الموتى؛ لنسه عليه السسلم ثبت عنه أنه سسلم‬
‫على الموتسسى كمسسا سسسلم على الحياء فقال‪( :‬السسسلم عليكسسم دار قوم مؤمنيسسن وإنسسا إن شاء ال بكسسم‬
‫لحقون )‪ .‬فقالت عائشسسة‪ :‬قلت يسسا رسسسول ال‪ ،‬كيسسف أقول إذا دخلت المقابر ؟ قال‪( :‬قولي السسسلم‬
‫عليكم أهل الديار من المؤمنين ) الحديث؛ وسيأتي في سورة "ألهاكم" [التكاثر] إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقسد يحتمسل أن يكون حديسث عائشسة وغيره فسي السسلم على أهسل القبور جميعهسم إذا دخلهسا‬
‫وأشرف عليها‪ ،‬وحديث جابر بن سليم خاص بالسلم على المرور المقصود بالزيارة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ من السنة تسليم الراكب على الماشي‪ ،‬والقائم على القاعد‪ ،‬والقليل على الكثير؛ هكذا جاء في‬
‫صسحيح مسسلم مسن حديسث أبسي هريرة‪ .‬قال‪ :‬قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬يسسلم الراكسب )‬
‫فذكره فبدأ بالراكب لعلو مرتبته؛ ولن ذلك أبعد له من الزهو‪ ،‬وكذلك قيل في الماشي مثله‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫لما كان القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية بذلك على الماشي؛ لن حاله على العكس‬
‫مسسن ذلك‪ .‬وأمسسا تسسسليم القليسسل على الكثيسسر فمراعاة لشرفيسسة جمسسع المسسسلمين وأكثريتهسسم‪ .‬وقسسد زاد‬
‫البخاري فسي هذا الحديسث (ويسسلم الصسغير على الكسبير )‪ .‬وأمسا تسسليم الكسبير على الصسغير فروى‬
‫أشعث عن الحسن أنه كان ل يرى التسليم على الصسبيان؛ قال‪ :‬لن الرد فرض والصبي ل يلزمه‬
‫الرد فل ينبغسسي أن يسسسلم عليهسسم‪ .‬وروي عسسن ابسسن سسسيرين أنسسه كان يسسسلم على الصسسبيان ولكسسن ل‬
‫يسسمعهم‪ .‬وقال أكثسر العلماء‪ :‬التسسليم عليهسم أفضسل مسن تركسه‪ .‬وقسد جاء فسي الصسحيحين عسن سسيار‬
‫قال‪ :‬كنست أمشسي مسع ثابست فمسر بصسبيان فسسلم عليهسم‪ ،‬وذكسر أنسه كان يمشسي مسع أنسس فمسر بصسبيان‬
‫فسلم عليهم‪ ،‬وحدث أنه كان يمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم‪.‬‬
‫لفسظ مسسلم‪ .‬وهذا مسن خلقسه العظيسم صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وفيسه تدريسب للصسغير وحسض على تعليسم‬
‫السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه؛ فلتقتد‪.‬‬
‫وأما التسليم على النساء فجائز إل على الشابات منهن خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطان‬
‫أو خائنسة عسن‪ .‬وأمسا المتجالت والعجسز فحسسن للمسن فيمسا ذكرناه؛ هذا قول عطاء وقتادة‪ ،‬وإليسه‬
‫ذهب مالك وطائفة من العلماء‪ .‬ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا‪ :‬لما سقط عن‬
‫النسسساء الذان والقامسسة والجهسسر بالقراءة فسسي الصسسلة سسسقط عنهسسن رد السسسلم فل يسسسلم عليهسسن‪.‬‬
‫والصسحيح الول لمسا خرجسه البخاري عسن سسهل بسن سسعد قال‪ :‬كنسا نفرح بيوم الجمعسة‪ .‬قلت ولم ؟‬
‫قال‪ :‬كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة ‪ -‬قال ابن مسلمة‪ :‬نخل بالمدينة ‪ -‬فتأخذ من أصول السلق‬
‫فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير‪ ،‬فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلم عليها فتقدمه إلينا‬
‫فنفرح من أجله‪ :‬وما كنا نقيل ول نتغدى إل بعد الجمعة‪ .‬تكركر أي تطحن؛ قاله القتبي‪.‬‬
‫@ والسنة في السلم والجواب الجهر؛ ول تكفي الشارة بالصبع والكف عند الشافعي‪ ،‬وعندنا‬
‫تكفي إذا كان على بعد؛ روى ابن وهب عن ابن مسعود قال‪ :‬السلم اسم من أسماء ال عز وجل‬
‫وضعسسه ال فسسي الرض فأفشوه بينكسسم؛ فإن الرجسسل إذا سسسلم على القوم فردوا عليسسه كان له عليهسسم‬
‫فضل درجة لنه ذكرهم‪ ،‬فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب‪ .‬وروى العمش‬
‫عسن عمرو بسن مرة عسن عبدال بسن الحارث قال‪ :‬إذا سسلم الرجسل على القوم كان له فضسل درجسة‪،‬‬
‫فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملئكة ولعنتهم‪ .‬فإذا رد المسلم عليه أسمع جوابه؛ لنه إذا لم يسمع‬
‫المسسلم لم يكسن جوابسا له؛ أل ترى أن المسسلم إذا سسلم بسسلم لم يسسمعه المسسلم عليسه لم يكسن ذلك منسه‬
‫سسلما‪ ،‬فكذلك إذا أجاب بجواب لم يسسمع منسه فليسس بجواب‪ .‬وروي أن النسبي صسلى ال عليه وسسلم‬
‫قال‪( :‬إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فأقعدوا بالمانة ول يرفعن بعضكم حديث‬
‫بعض )‪ .‬قال ابن وهب‪ :‬وأخبرني أسامة بن زيد عن نافع قال‪ :‬كنت أساير رجل من فقهاء الشام‬
‫يقال له عبدال بسن زكريسا فحبسستني دابتسي تبول‪ ،‬ثسم أدركتسه ولم أسسلم عليسه؛ فقال‪ :‬أل تسسلم ؟ فقلت‪:‬‬
‫إنما كنت معك آنفا؛ فقال‪ :‬وإن صح؛ لقد كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتسايرون‬
‫فيفرق بينهم الشجر فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض‪.‬‬
‫@ وأما الكافر فحكم الرد عليه أن يقال له‪ :‬وعليكم‪ .‬قال ابن عباس وغيره‪ :‬المراد بالية‪" :‬وإذا‬
‫حييتسم بتحيسة "فإذا كانست مسن مؤمسن "فحيوا بأحسسن منهسا "وإن كانست مسن كافسر فردوا على مسا قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقال لهم‪( :‬وعليكم )‪ .‬وقال عطاء‪ :‬الية في المؤمنين خاصة‪،‬‬
‫ومن سلم من غيرهم قيل له‪ :‬عليك؛ كما جاء في الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فقسسد جاء إثبات الواو وإسسسقاطها فسسي صسسحيح مسسسلم (عليسسك ) بغيسسر واو وهسسي الروايسسة‬
‫الواضحة المعنى‪ ،‬وأما مع إثبات الواو ففيها إشكال؛ لن الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه‬
‫أن يدخسل معهسم فيمسا دعوا بسه علينسا مسن الموت أو مسن سسامة ديننسا؛ فاختلف المتأولون لذلك على‬
‫أقوال‪ :‬أولهسا أن يقال‪ :‬إن الواو على بابهسا مسن العطسف‪ ،‬غيسر أنسا نجاب عليهسم ول يجابون علينسا‪،‬‬
‫كمسا قال صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬وقيسل‪ :‬هسي زائدة‪ .‬وقيسل‪ :‬للسستئناف‪ .‬والولى أولى‪ .‬وروايسة حذف‬
‫الواو أحسن معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر‪ ،‬وعليها من العلماء الكثر‪.‬‬
‫@ واختلف فسي رد السسلم على أهل الذمة هسل هو واجسب كالرد على المسلمين؛ وإليه ذهسب ابن‬
‫عباس والشعبي وقتادة تمسكا بعموم الية وبالمر بالرد عليهم في صحيح السنة‪ .‬وذهب مالك فيما‬
‫روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب؛ فإن رددت فقل‪ :‬عليك‪ .‬واختار ابن طاوس‬
‫أن يقول في الرد عليهم‪ :‬علك السلم‪ .‬أي ارتفع عنك‪ .‬واختار بعض علمائنا السلم (بكسر السين‬
‫) يعنسي بسه الحجارة‪ .‬وقول مالك وغيره فسي ذلك كاف شاف كمسا جاء فسي الحديسث‪ ،‬وسسيأتي فسي‬
‫سورة "مريم "القول في ابتدائهم بالسلم عند قوله تعالى إخبارا عن إبراهيم في قوله لبيه "سلم‬
‫عليك "[مريم‪ .]47 :‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل‬
‫تدخلون الجنسة حتسى تؤمنوا ول تؤدوا حتسى تحابوا أول أدلكسم على شيسء إذا فعلتموه تحاببتسم أفشوا‬
‫السلم بينكم )‪ .‬وهذا يقتضي إفشاءه بين المسلمين دون المشركين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ول يسلم على المصلي فإن سلم عليه فهو بالخيار إن شاء رد بالشارة بإصبعه وإن شاء أمسك‬
‫حتسى يفرغ مسن الصسلة ثسم يرد‪ .‬ول ينبغسي أن يسسلم على مسن يقضسي حاجتسه فإن فعسل لم يلزمسه أن‬
‫يرد عليه‪ .‬دخل رجل على النبي صلى ال عليه وسلم في مثل هذه الحال فقال له‪( :‬إذا وجدتني أو‬
‫رأيتنسي على هذه الحسل فل تسسلم علي فإنسك إن سسلمت علي لم أرد عليسك )‪ .‬ول يسسلم على مسن يقرأ‬
‫القرآن فيقطسع عليسه قراءته‪ ،‬وهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء أمسسك حتسى يفرغ ثسم يرد‪ ،‬ول يسسلم‬
‫على من دخسل الحمام وهو كاشسف العورة‪ ،‬أو كان مشغول بمسا له دخل بالحمام‪ ،‬ومن كان بخلف‬
‫ذلك سلم عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال كان على كل شيء حسيبا" معناه حفيظا‪ .‬وقيل‪ :‬كافيا؛ من قولهم‪ :‬أحسبني‬
‫كذا أي كفاني‪ ،‬ومثله حسبك ال‪ .‬وقال قتادة‪ :‬محاسبا كما يقال‪ :‬أكيل بمعنى مواكل‪ .‬وقيل‪ :‬هو فعيل‬
‫من الحساب‪ ،‬وحسنت هذه الصفة هنا؛ لن معنى الية في أن يزيد النسان أو ينقص أو يوفي قدر‬
‫ما يجيء به‪ .‬روى النسائي عن عمران بن حصين قال‪ :‬كنا عند النبي صلى ال عليه وسلم فجاء‬
‫رجل فسلم‪ ،‬فقال‪ :‬السلم عليكم فرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪( :‬عشر ) ثم جلس‪،‬‬
‫ثم جاء آخر فسلم فقال‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال؛ فرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫(عشرون ) ثسم جلس وجاء آخسر فقال‪ :‬السسلم عليكسم ورحمسة ال وبركاتسه؛ فرد عليسه رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم وقال‪( :‬ثلثون )‪ .‬وقسد جاء هذا الخسبر مفسسرا وهسو أن مسن قال لخيسه المسسلم‪:‬‬
‫سلم عليكم كتب له عشر حسنات‪ ،‬فإن قال‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال كتب له عشرون حسنة‪ .‬فإن‬
‫قال‪ :‬السسلم عليكسم ورحمسة ال وبركاتسه كتسب له ثلثون حسسنة‪ ،‬وكذلك لمسن رد مسن الجسر‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 87 :‬ال ل إله إل هسو ليجمعنكسم إلى يوم القيامسة ل ريسب فيسه ومسن أصسدق مسن ال‬
‫حديثا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال ل إله إل هو" ابتداء وخبر‪ .‬واللم في قول "ليجمعنكم "لم القسم؛ نزلت في‬
‫الذين شكوا في البعث فأقسم ال تعالى بنفسه‪ .‬وكل لم بعدها نون مشددة فهو لم القسم‪ .‬ومعناه في‬
‫الموت وتحت الرض "إلى يوم القيامة ل ريب فيه" وقال بعضهم‪" :‬إلى" صلة في الكلم‪ ،‬معناه‬
‫ليجمعنكسم يوم القيامسة‪ .‬وسسميت القيامسة قيامسة لن الناس يقومون فيسه لرب العالميسن جسل وعسز؛ قال‬
‫ال تعالى‪" :‬أل يظسن أولئك أنهسم مبعوثون ليوم عظيسم‪ .‬يوم يقوم الناس لرب العالميسن" [المطففيسن‪:‬‬
‫‪ .]6 - 4‬وقيسل‪ :‬سسمي يوم القيامسة لن الناس يقومون مسن قبورهسم إليهسا؛ قال ال تعالى‪" :‬يوم‬
‫يخرجون مسسن الجداث سسسراعا "[المعارج‪ ]43 :‬وأصسسل القيامسسة الواو‪" .‬ومسسن أصسسدق مسسن ال‬
‫حديثسا" نصسب على البيان‪ ،‬والمعنسى ل أحسد أصسدق مسن ال‪ .‬وقرأ حمزة والكسسائي "ومسن أزدق"‬
‫بالزاي‪ .‬الباقون‪ :‬بالصاد‪ ،‬وأصله الصاد إل أن لقرب مخرجها جعل مكانها زاي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬فما لكم في المنافقين فئتين وال أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل‬
‫ال ومن يضلل ال فلن تجد له سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما لكم في المنافقين فئتين" "فئتين "أي فرقتين مختلفتين‪ .‬روى مسلم عن زيد بن‬
‫ثابت أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه‪ ،‬فكان أصحاب النبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم فيهسم فرقتيسن؛ فقال بعضهسم‪ :‬نقتلهسم‪ .‬وقال بعضهسم‪ :‬ل؛ فنزلت "فمسا لكسم فسي‬
‫المنافقيسن فئتيسن"‪ .‬وأخرجسه الترمذي فزاد‪ :‬وقال‪( :‬إنهسا طيبسة ) وقال‪( :‬إنهسا تنفسي الخسبيث كمسا تنفسي‬
‫النار خبسث الحديسد ) قال‪ :‬حديسث حسسن صسحيح‪ .‬وقال البخاري‪( :‬إنهسا طيبسة تنفسي الخبسث كمسا تنفسي‬
‫النار خبث الفضة )‪ .‬والمعني بالمنافقين هنا عبدال بن أبي وأصحابه الذين خذلوا رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم يوم أحسد ورجعوا بعسسكرهم بعسد أن خرجوا؛ كمسا تقدم فسي "آل عمران"‪ .‬وقال ابسن‬
‫عباس‪ :‬هسم فوم بمكسة آمنوا وتركوا الهجرة‪ ،‬قال الضحاك‪ :‬وقالوا إن ظهسر محمسد ‪ -‬صسلى ال عليسه‬
‫وسلم ‪ -‬فقد عرفنا‪ ،‬وإن ظهر قومنا فهو أحب إلينا‪ .‬فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولونهم وقوم‬
‫يتبرؤون منهم؛ فقال ال عز وجل‪" :‬فما لكم في المنافقين فئتين"‪ .‬وذكر أبو سلمة بن عبدالرحمن‬
‫عسن أبيسه أنهسا نزلت فسي قوم جاؤوا إلى المدينسة وأظهروا السسلم؛ فأصسابهم وباء المدينسة وحماهسا؛‬
‫فأركسوا فخرجوا من المدينة‪ ،‬فاستقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬ما لكم‬
‫رجعتم ؟ فقالوا‪ :‬أصابنا وباء المدينة فاجتويناها؛ فقالوا‪ :‬ما لكم في رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أسسوة؟ فقال بعضهسم‪ :‬نافقوا‪ .‬وقال بعضهسم‪ :‬لم ينافقوا‪ ،‬هسم مسسلمون؛ فأنزل ال عسز وجل‪" :‬فمسا لكسم‬
‫فسي المنافقيسن فئتيسن وال أركسسهم بمسا كسسبوا "اليسة‪ .‬حتسى جاؤوا المدينسة يزعمون أنهسم مهاجرون‪،‬‬
‫ثم ارتدوا بعد ذلك‪ ،‬فاستأذنوا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون‬
‫فيهسا‪ ،‬فاختلف فيهسم المؤمنون فقائل يقول‪ :‬هسم منافقون‪ ،‬وقائل يقول‪ :‬هسم مؤمنون؛ فسبين ال تعالى‬
‫نفاقهم وأنزل هذه الية وأمر بقتلهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذان القولن يعضدهمسسا سسسياق آخسسر اليسسة مسسن قوله تعالى‪" :‬حتسسى يهاجروا" [النسسساء‪:‬‬
‫‪ ،]89‬والول أصح نقل‪ ،‬وهو اختيار البخاري ومسلم والترمذي‪ .‬و"فئتين "نصب على الحال؛‬
‫كمسسا يقال‪ :‬مالك قائمسسا ؟ عسسن الخفسسش‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬هسسو خسسبر "مسسا لكسسم "كخسسبر كان وظننسست‪،‬‬
‫وأجازوا إدخال اللف واللم فيسسسه وحكسسسى الفراء‪" :‬أركسسسسهم‪ ،‬وركسسسسهم "أي ردهسسسم إلى الكفسسسر‬
‫ونكسهم؛ وقال النضر بن شميل والكسائي‪ :‬والركس والنكس قلب الشيء على رأسه‪ ،‬أو رد أوله‬
‫على آخره‪ ،‬والمركوس المنكوس‪ .‬وفي قراءة عبدال وأبي رضي ال عنهما "وال ركسهم"‪ .‬وقال‬
‫ابن رواحة‪:‬‬
‫كسواد الليل يتلوها فتن‬ ‫أركسوا في فتنة مظلمة‬
‫أي نكسسسوا‪ .‬وارتكسسس فلن فسسي أمسسر كان نجسسا منسسه‪ .‬والركوسسسية قوم بيسسن النصسسارى والصسسابئين‪.‬‬
‫والراكسس الثور وسسط البدر والثيران حواليسه حيسن الدياس‪" .‬أتريدون أن تهدوا مسن أضسل ال" أي‬
‫ترشدوه إلى الثواب بأن يحكسسم لهسسم بحكسسم المؤمنيسسن‪" .‬فلن تجسسد له سسسبيل" أي طريقسسا إلى الهدى‬
‫والرشد وطلب الحجة‪ .‬وفي هذا رد على القدرية وغيرهم القائلين بخلق هداهم وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 90 - 89 :‬ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فل تتخذوا منهم أولياء حتى‬
‫يهاجروا فسسي سسسبيل ال فإن تولوا فخذوهسسم واقتلوهسسم حيسسث وجدتموهسسم ول تتخذوا منهسسم وليسسا ول‬
‫نصسيرا‪ ،‬إل الذيسن يصسلون إلى قوم بينكسم وبينهسم ميثاق أو جاؤوكسم حصسرت صسدورهم أن يقاتلوكسم‬
‫أو يقاتلوا قومهم ولو شاء ال لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم‬
‫فما جعل ال لكم عليهم سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ودوا لو تكفرون" أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرع سواء؛ فأمر‬
‫ال تعالى بالبراءة منهسم فقال‪" :‬فل تتخذوا منهسم أولياء حتسى يهاجروا "؛ كمسا قال تعالى‪" :‬مسا لكسم‬
‫مسن وليتهسم مسن شيسء حتسى يهاجروا "[النفال‪ ]72 :‬والهجرة أنواع‪ :‬منهسا الهجرة إلى المدينسة‬
‫لنصسسرة النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪ ،‬وكانسست هذه واجبسسة أول السسسلم حتسسى قال‪( :‬ل هجرة بعسسد‬
‫الفتح )‪ .‬وكذلك هجرة المنافقين مع النبي صلى ال عليه وسلم في الغزوات‪ ،‬وهجره من أسلم في‬
‫دار الحرب فإنهسسا واجبسسة‪ .‬وهجرة المسسسلم مسسا حرم ال عليسسه؛ كمسسا قال صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪:‬‬
‫(والمهاجسر مسن هجسر مسا حرم ال عليسه )‪ .‬وهاتان الهجرتان ثابتتان الن‪ .‬وهجرة أهسل المعاصسي‬
‫حتى يرجعوا تأديبا لهم فل يكلمون ول يخالطون حتى يتوبوا؛ كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫مسسع كعسسب وصسساحبيه‪" .‬فإن تولوا فخذوهسسم واقتلوهسسم "يقول‪ :‬إن أعرضوا عسسن التوحيسسد والهجرة‬
‫فأسروهم واقتلوهم‪" .‬حيث وجدتموهم" عام في الماكن من حل وحرم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ثسم اسستثنى فقال تعالى‪" :‬إل الذيسن يصسلون" اسستثناء أي يتصسلون بهسم ويدخلون فيمسا بينهسم مسن‬
‫الجوار والحلف؛ المعنسى‪ :‬فل تقتلوا قومسا بينهسم وبيسن مسن بينكسم وبينهسم عهسد فإنهسم على عهدهسم ثسم‬
‫انتسسخت العهود فانتسسخ هذا‪ .‬هذا قول مجاهسد وابسن زيسد وغيرهسم‪ ،‬وهسو أصسح مسا قيسل فسي معنسى‬
‫الية‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬يصلون ينتسبون؛ ومنه قول العشى‪:‬‬
‫وبكر سبتها والنوف رواغم‬ ‫إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل‬
‫يريسد إذا انتسسبت‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وأنكره العلماء؛ لن النسسب ل يمنسع مسن قتال الكفار وقتلهسم‪ .‬وقال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا غلط عظيسم؛ لنسه يذهسب إلى أن ال تعالى حظسر أن يقاتسل أحسد بينسه وبيسن المسسلمين‬
‫نسسب‪ ،‬والمشركون قسد كان بينهسم وبيسن السسابقين الوليسن أنسساب‪ ،‬وأشسد مسن هذا الجهسل بأنسه كان ثسم‬
‫نسسخ؛ لن أهسل التأويسل مجمعون على أن الناسسخ له "براءة "وإنمسا نزلت "براءة" بعسد الفتسح وبعسد‬
‫أن انقطعت الحروب‪ .‬وقال معناه الطبري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حمسل بعسض العلماء معنسى ينتسسبون على المان؛ أي إن المنتسسب إلى أهسل المان آمسن إذا‬
‫أمن الكل منهم‪ ،‬ل على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة‪ .‬واختلف في هؤلء الذين كان بينهم‬
‫وبين النبي صلى ال عليه وسلم ميثاق؛ فقيل‪ :‬بنو مدلج‪ .‬عن الحسن‪ :‬كان بينهم وبين قريش عقد‪،‬‬
‫وكان بيسن قريسش وبيسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عهسد‪ .‬وقال عكرمسة‪ :‬نزلت فسي هلل بسن‬
‫عويمر وسراقة بن جعشسم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم عهد‪ .‬وقيل‪ :‬خزاعة‪ .‬وقال الضحاك عن ابن عباس‪ :‬أنه أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق‬
‫بني بكر بن زيد بن مناة‪ ،‬كانوا في الصلح والهدنة‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل السلم إذا كان في الموادعة‬
‫مصلحة للمسلمين‪ ،‬على ما يأتي بيانه في "النفال وبراءة "إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو جاؤوكم حصرت صدورهم" أي ضاقت‪ .‬وقال لبيد‪:‬‬
‫جرداء يحصر دونها جرامها‬ ‫أسهلت وانتصبت كجذع منيفة‬
‫أي تضيق صدورهم من طول هذه النخلة؛ ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلم على المتكلم‪.‬‬
‫والحصر الكتوم للسر؛ قال جرير‪:‬‬
‫حصرا بسرك يا أميم ضنينا‬ ‫ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا‬
‫ومعنسى "حصسرت "قسد حصسرت فأضمرت قسد؛ قال الفراء‪ :‬وهسو حال مسن المضمسر المرفوع فسي‬
‫"جاؤوكسم "كمسا تقول‪ :‬جاء فلن ذهسب عقله‪ ،‬أي قسد ذهسب عقله‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو خسبر بعسد خسبر قاله‬
‫الزجاج‪ .‬أي جاؤوكسم ثسم أخسبر فقال‪" :‬حصسرت صسدورهم "فعلى هذا يكون "حصسرت "بدل مسن‬
‫"جاؤوكسم "كمسا قيسل‪" :‬حصسرت "فسي موضسع خفض على النعست لقوم‪ .‬وفسي حرف أبسي "إل الذيسن‬
‫يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم "ليس فيه "أو جاؤوكم"‪ .‬وقيل‪ :‬تقديره أو‬
‫جاؤوكسسم رجال أو قومسسا حصسسرت صسسدورهم؛ فهسسي صسسفة موصسسوف منصسسوب على الحال‪ .‬وقرأ‬
‫الحسسن "أو جاؤوكسم حصسرة صسدورهم "نصسب على الحال‪ ،‬ويجوز رفعسه على البتداء والخسبر‪.‬‬
‫وحكسسى "أو جاؤوكسسم حصسسرت صسسدورهم"‪ ،‬ويجوز الرفسسع‪ .‬وقال محمسسد بسسن يزيسسد‪" :‬حصسسرت‬
‫صسدورهم "هسو دعاء عليهسم؛ كمسا تقول‪ :‬لعسن ال الكافسر؛ وقال المسبرد‪ .‬وضعفسه بعسض المفسسرين‬
‫وقال‪ :‬هذا يقتضسسي أل يقاتلوا قومهسسم؛ وذلك فاسسسد؛ لنهسسم كفار وقومهسسم كفار‪ .‬وأجيسسب بأن معناه‬
‫صحيح‪ ،‬فيكون عدم القتال في حق المسلمين تعجيزا لهم‪ ،‬وفي حق قومهم تحقيرا لهم‪ .‬وقيل‪" :‬أو‬
‫"بمعنسى الواو؛ كأنسه يقول‪ :‬إلى قوم بينكسم وبينهسم ميثاق وجاؤوكسم ضيقسة صسدورهم عسن قتالكسم‬
‫والقتال معكم فكرهوا قتال الفريقين‪ .‬ويحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك فهو نوع من العهد‪ ،‬أو‬
‫قالوا نسسلم ول نقاتسل؛ فيحتمسل أن يقبسل ذلك منهسم فسي أول السسلم حتسى يفتسح ال قلوبهسم للتقوى‬
‫ويشرحها للسلم‪ .‬والول أظهر‪ .‬وال أعلم‪" .‬أو يقاتلوا "في موضع نصب؛ أي عن أن يقاتلوكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال لسلطهم عليكم فلقاتلوكم" تسليط ال تعالى المشركين على المؤمنين‬
‫هسو بأن يقدرهسم على ذلك ويقويهسم إمسا عقوبسة ونقمسة عنسد إذاعسة المنكسر وظهور المعاصسي‪ ،‬وإمسا‬
‫ابتلء واختبارا كما قال تعالى‪" :‬ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم"‬
‫[محمسد‪ ،]31:‬وإمسا تمحيصسا للذنوب كمسا قال تعالى‪" :‬وليمحسص ال الذيسن آمنوا "[آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]141‬ول أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء‪ .‬ووجه النظم والتصال بما‬
‫قبل أي اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إل أن يهاجروا‪ ،‬وإل أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق‬
‫فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم‪ ،‬وإل الذين جاؤوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو‬
‫يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فل تقتلوهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 91 :‬سستجدون آخريسن يريدون أن يأمنوكسم ويأمنوا قومهسم كسل مسا ردوا إلى الفتنسة‬
‫أركسسوا فيهسا فإن لم يعتزلوكسم ويلقوا إليكسم السسلم ويكفوا أيديهسم فخذوهسم واقتلوهسم حيسث ثقفتموهسم‬
‫وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم" معناها معنى الية الولى‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬نزلت في قوم من تهامة طلبوا المان من النبي صلى ال عليه وسلم ليأمنوا عنده وعند‬
‫قومهسم‪ .‬مجاهسد‪ :‬هسي فسي قوم مسن أهسل مكسة‪ .‬وقال السسدي‪ :‬نزلت فسي نعيسم بسن مسسعود كان يأمسن‬
‫المسسلمين والمشركيسن‪ .‬وقال الحسسن‪ :‬هذا فسي قوم مسن المنافقيسن‪ .‬وقيسل‪ :‬نزلت فسي أسسد وغطفان‬
‫قدموا المدينة فأسلموا ثم رجعوا إلى ديارهم فأظهروا الكفر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها" قرأ يحيى بن وثاب والعمش "ردوا "بكسر‬
‫الراء؛ لن الصسسل "رددوا "فأدغسسم وقلبسست الكسسسرة على الراء‪" .‬إلى الفتنسسة "أي الكفسسر "أركسسسوا‬
‫فيهسا"‪ .‬وقيسل‪ :‬أي سستجدون مسن يظهسر لكسم الصسلح ليأمنوكسم‪ ،‬وإذا سسنحت لهسم فتنسة كان مسع أهلهسا‬
‫عليكسسم‪ .‬ومعنسسى "أركسسسوا فيهسسا "أي انتكسسسوا عسسن عهدهسسم الذيسسن عاهدوا‪ .‬وقيسسل‪ :‬أي إذا دعوا إلى‬
‫الشرك رجعوا وعادوا إليه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 92 :‬ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ ومسن قتسل مؤمنسا خطسأ فتحريسر رقبسة‬
‫مؤمنسة وديسة مسسلمة إلى أهله إل أن يصسدقوا فإن كان مسن قوم عدو لكسم وهسو مؤمسن فتحريسر رقبسة‬
‫مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد‬
‫فصيام شهرين متتابعين توبة من ال وكان ال عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ" هذه آية من أمهات الحكام‪ .‬والمعنى ما‬
‫ينبغسي لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ؛ فقوله‪" :‬ومسا كان "ليسس على النفسي وإنمسا هسو على التحريسم‬
‫والنهسي‪ ،‬كقوله‪" :‬ومسا كان لكسم أن تؤذوا رسسول ال "[الحزاب‪ ]53:‬ولو كانست على النفسي لمسا‬
‫وجسد مؤمسن قتسل مؤمنسا قسط؛ لن مسا نفاه ال فل يجوز وجوده‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬مسا كان لكسم أن تنبتوا‬
‫شجرها "[النمل‪ .]60:‬فل يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبدا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنى ما كان له ذلك‬
‫فسي عهسد ال‪ .‬وقيسل‪ :‬مسا كان له ذلك فيمسا سسلف‪ ،‬كمسا ليسس له الن ذلك بوجسه‪ ،‬ثسم اسستثنى اسستثناء‬
‫منقطعسا ليسس مسن الول وهسو الذي يكون فيسه "إل "بمعنسى "لكسن "والتقديسر مسا كان له أن يقتله البتة‬
‫لكسن إن قتله خطسأ فعليسه كذا؛ هذا قول سسيبويه والزجاج رحمهمسا ال‪ .‬ومسن السستثناء المنقطسع قوله‬
‫تعالى‪" :‬ما لهم به من علم إل اتباع الظن "[النساء‪ :]157:‬وقال النابغة‪:‬‬
‫عيت جوابا وما بالربع من أحد‬ ‫وقفت فيها أصيلنا أسائلها‬
‫والنوي كالحوض بالمظلومة الجلد‬ ‫إل الواري ليا ما أبينها‬
‫فلما لم تكن "الواري "من جنس أحد حقيقة لم تدخل في لفظه‪ .‬ومثله قول الخر‪:‬‬
‫إل السباع ومر الريح بالغرف‬ ‫أمسى سقام خلء ل أنيس به‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إل اليعافير وإل العيس‬ ‫وبلدة ليس بها أنيس‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ول ظل إل أن تعذ من النخل‬ ‫وبعض الرجال نخلة ل جنى لها‬
‫أنشده سيبويه؛ ومثله كثير‪ ،‬ومن أبدعه قول جرير‪:‬‬
‫على الرض إل ذيل مرط مرحل‬ ‫من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ‬
‫كأنه قال‪ :‬لم تطأ على الرض إل أن تطأ ذيل البرد‪ .‬ونزلت الية بسبب قتل عياش بن أبي ربيعة‬
‫الحارث بن يزيد بن أبي أنيسة العامري لحنة كانت بينهما‪ ،‬فلما هاجر الحارث مسلما لقيه عياش‬
‫فقتله ولم يشعر بإسلمه‪ ،‬فلما أخبر أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنه قد كان‬
‫مسن أمري وأمسر الحارث مسا قسد علمست‪ ،‬ولم أشعسر بإسسلمه حتسى قتلتسه فنزلت اليسة‪ .‬وقيسل‪ :‬هسو‬
‫اسستثناء متصسل‪ ،‬أي ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا ول يقتسص منسه إل أن يكون خطسأ؛ فل يقتسص‬
‫منسه؛ ولكسن فيسه كذا وكذا‪ .‬ووجسه آخسر وهسو أن يقدر كان بمعنسى اسستقر ووجسد؛ كأنسه قال‪ :‬ومسا وجسد‬
‫وما تقرر وما ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ إذ هو مغلوب فيه أحيانا؛ فيجيء الستثناء على‬
‫هذين التأويلين غير منقطع‪ .‬وتتضمن الية على هذا إعظام العمد وبشاعة شأنه؛ كما تقول‪ :‬ما كان‬
‫لك يا فلن أن تتكلم بهذا إل ناسيا ؟ إعظاما للعمد والقصد مع حظر الكلم به البتة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫ول خطسسأ‪ .‬قال النحاس‪ :‬ول يجوز أن تكون "إل" بمعنسسى الواو‪ ،‬ول يعرف ذلك فسسي كلم العرب‬
‫ول يصح في المعنى؛ لن الخطأ ل يحظر‪ .‬ول يفهم من دليل خطابه جواز قتل الكافر المسلم فإن‬
‫المسسسلم محترم الدم‪ ،‬وإنمسسا خسسص المؤمسسن بالذكسسر تأكيدا لحنانسسه وأخوتسسه وشفقتسسه وعقيدتسسه‪ .‬وقرأ‬
‫العمسسش "خطاء "ممدودا فسسي المواضسسع الثلثسسة‪ .‬ووجوه الخطسسأ كثيرة ل تحصسسى يربطهسسا عدم‬
‫القصد؛ مثل أن يرمي صفوف المشركين فيصيب مسلما‪ .‬أو يسعى بين يديه من يستحق القتل من‬
‫زان أو محارب أو مرتسد فطلبسه ليقتله فلقسي غيره فظنسه هسو فقتله فذلك خطسأ‪ .‬أو يرمسي إلى غرض‬
‫فيصيب إنسانا أو ما جرى مجراه؛ وهذا مما ل خلف فيه‪ .‬والخطأ اسم من أخطأ خطأ وإخطاء إذا‬
‫لم يصسنع عسن تعمسد؛ فالخطسأ السسم يقوم مقام الخطاء‪ .‬ويقال لمسن أراد شيئا ففعسل غيسر‪ :‬أخطسأ‪،‬‬
‫ولمن فعل غير الصواب‪ :‬أخطأ‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪" :‬وما كان لمؤمن أن يقتل‬
‫مؤمنا إل خطأ "إلى قوله تعالى‪" :‬ودية مسلمة إلى أهله "فحكم ال جل ثناؤه في المؤمن يقتل خطأ‬
‫بالديسة‪ ،‬وثبتست السسنة الثابتسة عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على ذلك وأجمسع أهسل العلم على‬
‫القول به‪.‬‬
‫@ ذهب داود إلى القصساص بين الحر والعبد فسي النفس‪ ،‬وفي كل ما يستطاع القصاص فيه من‬
‫العضاء؛ تمسسسكا بقوله تعالى‪" :‬وكتبنسسا عليهسسم فيهسسا أن النفسسس بالنفسسس "[المائدة‪ ]45 :‬إلى قوله‬
‫تعالى‪" :‬والجروح قصساص "[المائدة‪ ،]45 :‬وقوله عليسه السسلم‪( :‬المسسلمون تتكافسأ دماؤهسم ) فلم‬
‫يفرق بين حر وعبد؛ وهو قول ابن أبي ليلى‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ل قصاص بين الحرار‬
‫والعبيسد إل فسي النفسس فيقتسل الحسر بالعبسد‪ ،‬كمسا يقتسل العبسد بالحسر‪ ،‬ول قصساص بينهمسا فسي شيسء مسن‬
‫الجراح والعضاء‪ .‬وأجمع العلماء على أن قوله تعالى‪" :‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ"‬
‫أنسه لم يدخسل فيسه العبيسد‪ ،‬وإنمسا أريسد بسه الحرار دون العبيسد؛ فكذلك قوله عليسه السسلم‪( :‬المسسلمون‬
‫تتكافسأ دماؤهسم ) أريسد بسه الحرار خاصسة‪ .‬والجمهور على ذلك وإذا لم يكسن قصساص بيسن العبيسد‬
‫والحرار فيما دون النفس فالنفس أحرى بذلك؛ وقد مضى هذا في "البقرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتحرير رقبة مؤمنة" أي فعليه تحرير رقبة؛ هذه الكفارة التي أوجبها ال تعالى‬
‫فسي كفارة القتسل والظهار أيضسا على مسا يأتسي‪ .‬واختلف العلماء فيمسا يجزئ منهسا‪ ،‬فقال ابسن عباس‬
‫والحسسن والشعسبي والنخعسي وقتادة وغيرهسم‪ :‬الرقبسة المؤمنسة هسي التسي صسلت وعقلت اليمان‪ ،‬ل‬
‫تجزئ فسي ذلك الصسغيرة‪ ،‬وهسو الصسحيح فسي هذا الباب قال عطاء بسن أبسي رباح‪ :‬يجزئ الصسغير‬
‫المولود بين مسلمين‪ .‬وقال جماعة منهم مالك والشافعي‪ :‬يجزئ كل من حكم له بحكم في الصلة‬
‫عليسسه إن مات ودفنسسه‪ .‬وقال مالك‪ :‬مسسن صسسلى وصسسام أحسسب إلي‪ .‬ول يجزئ فسسي قول كافسسة العلماء‬
‫أعمى ول مقعد ول مقطوع اليدين أو الرجلين ول أشلهما‪ ،‬ويجزئ عند أكثرهم العرج والعور‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬إل أن يكون عرجسسا شديدا‪ .‬ول يجزئ عنسسد مالك والشافعسسي وأكثسسر العلماء أقطسسع إحدى‬
‫اليديسن أو إحدى الرجليسن‪ ،‬ويجزئ عنسد أبسي حنيفسة وأصسحابه‪ .‬ول يجزئ عنسد أكثرهسم المجنون‬
‫المطبسسق ول يجزئ عنسسد مالك الذي يجسسن ويفيسسق‪ ،‬ويجزئ عنسسد الشافعسسي‪ .‬ول يجزئ عنسسد مالك‬
‫المعتسسق إلى سسسنين‪ ،‬ويجزئ عنسسد الشافعسسي‪ .‬ول يجزئ المدبر عنسسد مالك والوزاعسسي وأصسسحاب‬
‫الرأي‪ ،‬ويجزئ فسي قول الشافعسي وأبسي ثور‪ ،‬واختاره ابسن المنذر‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يصسح مسن أعتسق‬
‫بعضسه؛ لقوله تعالى‪" :‬فتحريسر رقبسة"‪ .‬ومسن أعتسق البعسض ل يقال حرر رقبسة وإنمسا حرر بعضهسا‪.‬‬
‫واختلفوا أيضسسا فسسي معناهسسا فقيسسل‪ :‬أوجبسست تمحيصسسا وطهورا لذنسسب القاتسسل‪ ،‬وذنسسه ترك الحتياط‬
‫والتحفسظ حتسى هلك على يديسه امرؤ محقون الدم‪ .‬وقيسل‪ :‬أوجبست بدل مسن تعطيسل حسق ال تعالى فسي‬
‫نفس القتيل‪ ،‬فإنه كان له في نفسه حق وهو التنعم بالحياة والتصرف فيما أحل له تصرف الحياء‪.‬‬
‫وكان ل سسبحانه فيسه حسق‪ ،‬وهسو أنسه كان عبدا مسن عباده يجسب له مسن أمسر العبوديسة صسغيرا كان أو‬
‫كسبيرا حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا ما يتميسز به عن البهائم والدواب‪ ،‬ويرتجى مع ذلك أن‬
‫يكون مسن نسسله مسن يعبسد ال ويطيعسه‪ ،‬فلم يخسل قاتله مسن أن يكون فوت منسه السسم الذي ذكرنسا‪،‬‬
‫والمعنسسى الذي وصسسفنا‪ ،‬فلذلك ضمسسن الكفارة‪ .‬وأي واحسسد مسسن هذيسسن المعنييسسن كان‪ ،‬ففيسسه بيان أن‬
‫النسص وإن وقسع على القاتسل خطسأ فالقاتسل عمدا مثله‪ ،‬بسل أولى بوجوب الكفارة عليسه منسه‪ ،‬على مسا‬
‫يأتي بيانه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وديسة مسسلمة" الديسة مسا يعطسى عوضسا عسن دم القتيسل إلى وليسه‪" .‬مسسلمة" مدفوعسة‬
‫مؤداة‪ ،‬ولم يعيسن ال فسي كتابسه مسا يعطسى فسي الديسة‪ ،‬وإنمسا فسي اليسة إيجاب الديسة مطلقسا‪ ،‬وليسس فيهسا‬
‫إيجابهسا على العاقلة أو على القاتسل‪ ،‬وإنمسا أخسذ ذلك مسن السسنة‪ ،‬ول شسك أن إيجاب المواسساة على‬
‫العاقلة خلف قياس الصسسول فسسي الغرامات وضمان المتلفات‪ ،‬والذي وجسسب على العاقلة لم يجسسب‬
‫تغليظسا‪ ،‬ول أن وزر القاتسل عليهسم ولكنسه مواسساة محضسة‪ .‬واعتقسد أبسو حنيفسة أنهسا باعتبار النصسرة‬
‫فأوجبهسا على أهسل ديوانسه‪ .‬وثبتست الخبار عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بأن الديسة مائة مسن‬
‫البسسل‪ ،‬ووداهسسا صسسلى ال عليسسه وسسسلم فسسي عبدال بسسن سسسهل المقتول بخيسسبر لحويصسسة ومحيصسسة‬
‫وعبدالرحمن‪ ،‬فكان ذلك بيانا على لسان نبيه عليه السلم لمجمل كتابه‪ .‬وأجمع أهل العلم عل أن‬
‫على أهسل البسل مائة مسن البسل واختلفوا فيمسا يجسب على غيسر أهسل البسل؛ فقالت طائفسة‪ :‬على أهسل‬
‫الذهسب ألف دينار‪ ،‬وهسم أهسل الشام ومصسر والمغرب؛ هذا قول مالك وأحمسد وإسسحاق وأصسحاب‬
‫الرأي والشافعسي فسي أحسد قوليسه‪ ،‬فسي القديسم‪ .‬وروي هذا عسن عمسر وعروة بسن الزبيسر وقتادة‪ .‬وأمسا‬
‫أهسل الورق فاثنسا عشسر ألف درهسم‪ ،‬وهسم أهسل العراق وفارس وخراسسان؛ هذا مذهسب مالك على مسا‬
‫بلغه عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق‬
‫اثنسسي عشسسر ألف درهسسم‪ .‬وقال المزنسسي‪ :‬قال الشافعسسي الديسسة البسسل؛ فإن أعوزت فقيمتهسسا بالدراهسسم‬
‫والدنانير على ما قومها عمر‪ ،‬ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق‪.‬‬
‫وقال أبسو حنيفسة (أصسحابه والثوري‪ :‬الديسة مسن الورق عشرة آلف درهسم‪ .‬رواه الشعسبي عسن عسبيدة‬
‫عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار‪ ،‬وعلى أهل الورق عشرة آلف درهم‪ ،‬وعلى‬
‫أهسل البقسر مائتسي بقرة‪ ،‬وعلى أهسل الشاء ألف شاة‪ ،‬وعلى أهسل البسل مائة مسن البسل‪ ،‬وعلى أهسل‬
‫الحلل مائتسي حلة‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬فسي هذا الحديسث مسا يدل على أن الدنانيسر والدراهسم صسنف مسن‬
‫أصناف الدية ل على وجه البدل والقيمة؛ وهو الظاهر من الحديث عن عثمان وعلي وابن عباس‪.‬‬
‫وخالف أبو حنيفة ما رواه عن عمر في البقر والشاء والحلل‪ .‬وبه قال عطاء وطاوس وطائفة من‬
‫التابعيسن‪ ،‬وهسو قول الفقهاء السسبعة المدنييسن‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وقالت طائفسة‪ :‬ديسة الحسر المسسلم مائة‬
‫مسن البسل ل ديسة غيرهسا كمسا فرض رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬هذا قول الشافعسي وبسه قال‬
‫طاوس‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬دية الحر المسلم مائة من البل في كل زمان‪ ،‬كما فرض رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم‪ .‬واختلفست الروايات عسن عمسر رضسي ال عنسه فسي أعداد الدراهسم ومسا منهسا شيسء‬
‫يصح عنه لنها مراسيل‪ ،‬وقد عرفتك مذهب الشافعي وبه ونقول‪.‬‬
‫@ واختلف الفقهاء في أسنان دية البل؛ فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫جده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قضسى أن من قتل خطأ فديته مائة من البل‪ :‬ثلثون بنت‬
‫مخاض‪ ،‬وثلثون بنسست لبون‪ ،‬وثلثون حقسسة‪ ،‬وعشسسر بنسسي لبون‪ .‬قال الخطابسسي‪ :‬هذا الحديسسث ل‬
‫أعرف أحدا قال بسسه مسسن الفقهاء‪ ،‬وإنمسسا قال أكثسسر العلماء‪ :‬ديسسة الخطسسأ أخماس‪ .‬كذا قال أصسسحاب‬
‫الرأي والثوري‪ ،‬وكذلك مالك وابسن سسيرين وأحمسد بسن حنبسل إل أنهسم اختلفوا فسي الصسناف؛ قال‬
‫أصسحاب الرأي وأحمسد‪ :‬خمسس بنسو مخاض‪ ،‬وخمسس بنات مخاض‪ ،‬وخمسس بنات لبون‪ ،‬وخمسس‬
‫حقاق‪ ،‬وخمسسس جذاع‪ .‬وروي هذا القول عسسن ابسسن مسسسعود‪ .‬وقال مالك والشافعسسي‪ :‬خمسسس حقاق‪،‬‬
‫وخمس جذاع‪ ،‬وخمس بنات لبون‪ ،‬وخمس بنات مخاض‪ ،‬وخمس بنو لبون‪ .‬وحكي هذا القول عن‬
‫عمسسر بسسن عبدالعزيسسز وسسسليمان بسسن يسسسار والزهري وربيعسسة والليسسث بسسن سسسعد‪ .‬قال الخطابسسي‪:‬‬
‫ولصحاب الرأي فيه أثر‪ ،‬إل أن راويه عبدال بن خشف بن مالك وهو مجهول ل يعرف إل بهذا‬
‫الحديسث‪ .‬وعدل الشافعسي عسن القول بسه‪ .‬لمسا ذكرنسا مسن العلة فسي راويسه‪ ،‬ولن فيسه بنسي مخاض ول‬
‫مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات‪ .‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر مائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبدال بن مسعود أن رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم جعسل الديسة فسي الخطسأ أخماسسا‪ ،‬إل أن هذا لم يرفعسه إل خشسف بسن مالك الكوفسي‬
‫الطائي وهو مجهول؛ لنه لم يروه عنه إل زيد بن جبير بن حرمل الطائي الجشمي من بني جشم‬
‫بن معاوية أحد ثقات الكوفيين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكسر الدارقطنسي فسي سسننه حديث خشسف بن مالك من رواية حجاج بسن أرطاة عن زيسد‬
‫بسن جسبير عسن خشسف بسن مالك عسن عبدال بسن مسسعود قال‪ :‬قضسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫فسسي ديسسة الخطسسأ مائة مسسن البسسل؛ منهسسا عشرون حقسسة‪ ،‬وعشرون جذعسسة‪ ،‬وعشرون بنات لبون‪،‬‬
‫وعشرون بنات مخاض‪ ،‬وعشرون بنسو مخاض‪ .‬قال الدارقطنسي‪" :‬هذا حديسث ضعيسف غيسر ثابست‬
‫عنسد أهسل المعرفسة بالحديسث مسن وجوه عدة؛ أحدهسا أنسه مخالف لمسا رواه أبسو عسبيدة بسن عبدال بسن‬
‫مسعود عن أبيه بالسند الصحيح عنه‪ ،‬الذي ل مطعن فيه ول تأويل عليه‪ ،‬وأبو عبيدة أعلم بحديث‬
‫أبيسه وبمذهبسه وفتياه من خشسف بن مالك ونظرائه‪ ،‬وعبدال بن مسسعود أتقى لربه وأشح على دينسه‬
‫مسن أن يروي عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أنسه يقضسي بقضاء ويفتسي هسو بخلفسه؛ هذا ل‬
‫يتوهم مثله على عبدال بن مسعود وهو القائل في مسألة وردت عليه لم يسمع فيها من رسول ال‬
‫صسسلى ال عليسسه وسسسلم شيئا ولم يبلغسسه عنسسه فيهسسا قول‪ :‬أقول فيهسسا برأي فإن يكسسن صسسوابا فمسسن ال‬
‫ورسسوله‪ ،‬وإن يكسن خطسأ فمنسي؛ ثسم بلغسه بعسه ذلك أن فتياه فيهسا وافسق قضاء رسسول ال صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم فسي مثلهسا‪ ،‬فرآه أصسحابه عنسد ذلك فرح فرحسا شديدا لم يروه فرح مثله‪ ،‬لموافقسة فتياه‬
‫قضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فمن كانت هذه صفته وهذا حال فكيف يصح عنه أن يروي‬
‫عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم شيئا ويخالفسه‪ .‬ووجسه آخسر‪ :‬وهسو أن الخسبر المرفوع الذي فيسه‬
‫ذكسر بنسي المخاض ل نعلمسه رواه إل خشسف بسن مالك عسن ابسن مسسعود وهسو رجسل مجهول لم يروه‬
‫عنسه إل زيسد بسن جسبير بسن حرمسل الجشمسي وأهسل العلم بالحديسث ل يحتجون بخسبر ينفرد بروايتسه‬
‫رجسل غيسر معروف‪ ،‬وإنمسا يثبست العلم عندهسم بالخسبر إذا كان راويسه عدل مشهورا‪ ،‬أو رجل قسد‬
‫ارتفسع عنه اسسم الجهالة‪ ،‬وارتفاع اسسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلن فصساعدا؛ فإذا كانت هذه‬
‫صسفته ارتفسع عنسه حينئذ اسسم الجهالة‪ ،‬وصسار حينئذ معروفسا‪ .‬فأمسا مسن لم يرو عنسه إل رجسل واحسد‬
‫وانفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه عليه غيره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ووجسه آخسر‪ :‬وهسو أن حديسث خشسف بسن مالك ل نعلم أحدا رواه عسن زيسد بسن جسبير عنسه إل‬
‫الحجاج بسن أرطأة‪ ،‬والحجاج رجسل مشهور بالتدليسس وبأنسه يحدث عمسن لم يلقسه ولم يسسمع منسه؛‬
‫وترك الروايسة عنسه سسفيان بسن عيينسة ويحيسى بسن سسعيد القطان وعيسسى بسن يونسس بعسد أن جالسسوه‬
‫وخبروه‪ ،‬وكفاك بهم علما بالرجل ونبل‪ .‬وقال يحيى بن معين‪ :‬حجاج بن أرطأة ل يحتج بحديثه‪.‬‬
‫وقال عبدال بن إدريس‪ :‬سمعت الحجاج يقول ل ينبل الرجل حتى يدع الصلة في الجماعة‪ .‬وقال‬
‫عيسسى بسن يونسس‪ :‬سسمعت الحجاج يقول‪ :‬أخرج إلى الصسلة يزاحمنسي الحمالون والبقالون‪ .‬وقال‬
‫جرير‪ :‬سمعت الحجاج يقول‪ :‬أهلكني حب المال والشرف‪ .‬وذكر أوجها أخر؛ منها أن جماعة من‬
‫الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج بن أرطأة فاختلفوا عليه فيه‪ .‬إلى غير ذلك مما يطول ذكره؛‬
‫وفيمسا ذكرناه مما ذكروه كفاية ودللة على ضعف ما ذهب إليسه الكوفيون فسي الديسة‪ ،‬وإن كان ابسن‬
‫المنذر مسع جللتسه قسد اختاره على مسا يأتسي‪ .‬وروى حماد بسن سسلمة حدثنسا سسليمان التيمسي عسن أبسي‬
‫مجلز عن أبي عبيدة أن ابن مسعود قال‪ :‬دية الخطأ خمسة أخماس عشرون حقة‪ ،‬وعشرون جذعة‬
‫وعشرون بنات مخاض‪ ،‬وعشرون بنات لبون وعشرون بنسسسي لبون ذكور‪ .‬قال الدارقطنسسسي‪ :‬هذا‬
‫إسناد حسن ورواته ثقات‪ ،‬وقد روي عن علقمة عن عبدال نحو هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو مذهب مالك والشافعي أن الدية تكون مخمسة‪ .‬قال الخطابي‪ :‬وقد روي عن نفر‬
‫مسن العلماء أنهسم قالوا ديسة الخطسأ أرباع؛ وهسم الشعسبي والنخعسي والحسسن البصسري‪ ،‬وإليسه ذهسب‬
‫إسسسحاق بسسن راهويسسه؛ إل أنهسسم قالوا‪ :‬خمسسس وعشرون جذعسسة وخمسسس وعشرون حقسسة وخمسسس‬
‫وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض‪ .‬وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬أما قول مالك والشافعي فروي عن سليمان بن يسار وليس فيه عن صحابي شيء؛ ولكن‬
‫عليه عمل أهل المدينة‪ .‬وكذلك حكى ابن جريج عن ابن شهاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكرنا عن ابن مسسعود ما يوافق ما صار إليه مالك والشافعسي‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وأسنان‬
‫البل في الدبات لم تؤخذ قياسا ول نظرا‪ ،‬وإنما أخذت اتباعا وتسليما‪ ،‬وما أخذ من جهة الثر فل‬
‫مدخل فيه للنظر؛ فكل يقول بما قد صح عنده من سلفه؛ رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأمسا مسا حكاه الخطابسي مسن أنسه ل يعلم مسن قال بحديسث عمرو بسن شعيسب فقسد حكاه ابسن‬
‫المنذر عن طاوس ومجاهد‪ ،‬إل أن مجاهدا جعل مكان بنت مخاض ثلثين جذعة‪ .‬قال ابن المنذر‪:‬‬
‫وبالقول الول أقول‪ .‬يريسد قول عبدال وأصسحاب الرأي الذي ضعفسه الدارقطنسي والخطابسي‪ ،‬وابسن‬
‫عبدالبر قال‪ :‬لنسه القسل ممسا قيسل؛ وبحديسث‪ .‬مرفوع عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يوافسق هذا‬
‫القول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعجبسسا لبسسن المنذر ؟ مسسع نقده واجتهاده كيسسف قال بحديسسث لم يوافقسسه أهسسل النقسسد على‬
‫صحته ! لكن الذهول والنسيان قد يعتري النسان‪ ،‬وإنما الكمال لعزة ذي الجلل‪.‬‬
‫@ ثبتت الخبار عن النبي المختار محمد صلى ال عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة‪،‬‬
‫وأجمسع أهسل العلم على القول بسه‪ .‬وفسي إجماع أهسل العلم أن الديسة فسي الخطسأ على العاقلة دليسل على‬
‫أن المراد من قول النبي صلى ال عليه وسلم لبي رمثة حيث دخل عليه ومعه ابنه‪( :‬إنه ل يجني‬
‫عليسك ول تجنسي عليسه ) العمسد دون الخطسأ‪ .‬وأجمعوا على أن مسا زاد على ثلث الديسة على العاقلة‪.‬‬
‫واختلفوا فسي الثلث؛ والذي عليسه جمهور العلماء أن العاقلة ل تحمسل عمدا ول اعترافسا ول صسلحا‪،‬‬
‫ول تحمسل مسن ديسة الخطسأ إل مسا جاوز الثلث ومسا دون الثلث فسي مال الجانسي‪ .‬وقالت طائفسة‪ :‬عقسل‬
‫الخطأ على عاقلة الجاني‪ ،‬قلت الجناية أو كثرت؛ لن من غرم الكثر غرم القل‪ .‬كما عقل العمد‪.‬‬
‫في مال الجاني قل أو كثر؛ هذا قول الشافعي‪.‬‬
‫@ وحكمهسا أن تكون منجمسة على العاقلة‪ ،‬والعاقلة العصسبة‪ .‬وليسس ولد المرأة إذا كان مسن غيسر‬
‫عصسبتها مسن العاقلة‪ .‬ول الخوة مسن الم بعصسبة لخوتهسم مسن الب والم‪ ،‬فل يعقلون عنهسم شيئا‪.‬‬
‫وكذلك الديوان ل يكون عاقلة فسسي قول جمهور أهسسل الحجاز‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬يكون عاقلة إن كان‬
‫من أهل الديوان؛ فتنجم الدية على العاقلة في ثلثة أعوام على ما قضاه عمر وعلي؛ لن البل قد‬
‫تكون حوامل فتضر به‪ .‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم يعطيها دفعة واحدة لغراض؛ منها أنه‬
‫كان يعطيها صلحا وتسديدا‪ .‬ومنها أنه كان يعجلها تأليفا‪ .‬فلما تمهد السلم قدرتها الصحابة على‬
‫هذا النظام؛ قاله ابسن العربسي‪ .‬وقال أبسو عمسر‪ :‬أجمسع العلماء قديمسا وحديثسا أن الديسة على العاقلة ل‬
‫تكون إل فسي ثلث سسنين ول تكون فسي أقسل منهسا‪ .‬وأجمعوا على أنهسا على البالغيسن مسن الرجال‪.‬‬
‫وأجمسع أهسل السسير والعلم أن الديسة كانست فسي الجاهليسة تحملهسا العاقلة فأقرهسا رسسول ال صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم فسي السسلم‪ ،‬وكانوا يتعاقلون بالنصسرة؛ ثسم جاء السسلم فجرى المسر على ذلك حتسى‬
‫جعسل الديوان‪ .‬واتفسق الفقهاء عسل روايسة ذلك والقول بسه‪ .‬وأجمعوا أنسه لم يكسن فسي زمسن رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم ول زمسن أبسي بكسر ديوان‪ ،‬وأن عمسر جعسل الديوان وجمسع بيسن الناس‪ ،‬وجعسل‬
‫أهل كل ناحية يدا‪ ،‬وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو‪.‬‬
‫@ قلت‪ :‬وممسا ينخرط فسي سسلك هذا الباب ويدخسل فسي نظامسه قتسل الجنيسن فسي بطسن أمسه؛ وهسو أن‬
‫يضرب بطن أمه فتلقيه حيا ثم يموت؛ فقال كافة العلماء‪ :‬فيه الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد‬
‫القسامة‪ .‬وقيل‪ :‬بغير قسامة‪ .‬واختلفوا فيما به تعلم حياته بعد اتفاقهم على أنه إذا استهل صارخا أو‬
‫ارتضع أو تنفس نفسا محققة حي‪ ،‬فيه الدية كاملة؛ فإن تحرك فقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬الحركة‬
‫تدل على حياتسه‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل‪ ،‬إل أن يقارنهسا طول إقامسة‪ .‬والذكسر والنثسى عنسد كافسة العلماء فسي‬
‫الحكسم سسواء‪ .‬فإن ألقتسه ميتسا ففيسه غرة‪ :‬عبسد أو وليدة‪ .‬فإن لم تلقسه وماتست وهسو فسي جوفهسا لم يخرج‬
‫فل شيء فيه‪ .‬وهذا كله إجماع ل خلف فيه‪ .‬وروي عن الليث بن سعد وداود أنهما قال في المرأة‬
‫إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها‪ :‬ففيه الغرة‪ ،‬وسواء رمته قبل موتها أو‬
‫بعسد موتهسا؛ المعتسبر حياة أمسه فسي وقست ضربهسا ل غيسر‪ .‬وقال سسائر الفقهاء‪ :‬ل شيسء فيسه إذا خرج‬
‫ميتسا مسن بطنهسا بعسد موتهسا‪ .‬قال الطحاوي محتجسا لجماعة الفقهاء بأن قال‪ :‬قد أجمعوا والليسث معهسم‬
‫على أنسه لو ضرب بطنهسا وهسي حيسة فماتست والجنيسن فسي بطنهسا ولم يسسقط أنسه ل شيسء فيسه؛ فكذلك‬
‫إذا سقط بعد موتها‪.‬‬
‫@ ول تكون الغرة إل بيضاء‪ .‬قال أبو عمرو بن العلء في قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(في الجنين غرة عبد أو أمة ) ‪ -‬لول أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أراد بالغرة معنى لقال‪:‬‬
‫في الجنين عبد أو أمة‪ ،‬ولكنه عنى البياض؛ فل يقبل في الدية إل غلم أبيض أو جارية بيضاء‪ ،‬ل‬
‫يقبل فيها أسود ول سوداء‪ .‬واختلف العلماء في قيمتها؛ فقال مالك‪ :‬تقوم بخمسين دينارا أو ستمائة‬
‫درهم؛ نصف عشر دية الحر المسلم‪ ،‬وعشر دية أمه الحرة؛ وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر‬
‫أهل المدينة‪ .‬وقال أصحاب الرأي‪ :‬قيمتها خمسمائة درهم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬سن الغرة سبع سنين أو‬
‫ثمان سنين؛ وليس عليه أن يقبلها معيبة‪ .‬ومقتضى مذهب مالك أنه مخير بين إعطاء غرة أو عشر‬
‫ديسسة الم‪ ،‬مسسن الذهسسب عشرون دينارا إن كانوا أهسسل ذهسسب‪ ،‬ومسسن الورق ‪ -‬إن كانوا أهسسل ورق ‪-‬‬
‫سستمائة درهسم‪ ،‬أو خمسس فرائض مسن البسل‪ .‬قال مالك وأصسحابه‪ :‬هسي فسي مال الجانسي؛ وهسو قول‬
‫الحسسن بسن حسي‪ .‬وقال أبسو حنيفسة والشافعسي وأصسحابهما‪ ،‬هسي على العاقلة‪ .‬وهسو أصسح؛ لحديسث‬
‫المغيرة بسن شعبسة أن امرأتيسن كانتسا تحست رجليسن مسن النصسار ‪ -‬فسي روايسة فتغايرتسا ‪ -‬فضربست‬
‫إحداهما الخرى بعمود فقتلتها‪ ،‬فاختصم إلى النبي صلى ال عليه وسلم الرجلن فقال‪ :‬ندي من ل‬
‫صاح ول أكل‪ ،‬ول شرب ول استهل‪ .‬فمثل ذلك يطل !‪ ،‬فقال‪( :‬أسجع كسجع العراب ) ؟ فقضى‬
‫فيسه غرة وجعلهسا على عاقلة المرأة‪ .‬وهسو حديسث ثابست صسحيح‪ ،‬نسص فسي موضسع الخلف يوجسب‬
‫الحكم‪ .‬ولما كانت دية المرأة المضروبة على العاقلة كان الجنين كذلك في القياس والنظر‪ .‬واحتج‬
‫علماؤنا بقول الذي قضي عليه‪ :‬كيف أغرم ؟ قالوا‪ :‬وهذا يدل على أن الذي قضي عليه معين وهو‬
‫الجانسي‪ .‬ولو أن ديسة الجنيسن قضسى بهسا على العاقلة لقال‪ :‬فقال الذي قضسى عليهسم‪ .‬وفسي القياس أن‬
‫كل جان جنايته عليه‪ ،‬إل ما قام بخلفه الدليل الذي ل معارض له؛ مثل إجماع ل يجوز خلفه‪ ،‬أو‬
‫نص سنة من جهة نقل الحاد العدول ل معارض لها‪ ،‬فيجب الحكم بها‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪" :‬ول‬
‫تكسب كل نفس إل عليها ولتزر وازرة وزر أخرى" [النعام‪.]164 :‬‬
‫@ ول خلف بين العلماء أن الجنين إذا خرج حيا فيه الكفارة مع الدية‪ .‬واختلفوا في الكفارة إذا‬
‫خرج ميتسسا؛ فقال مالك‪ :‬فيسسه الغرة والكفارة‪ .‬وقال أبسسو حنيفسسة والشافعسسسي‪ :‬فيسسه الغرة ول كفارة‪.‬‬
‫واختلفوا فسسي ميراث الغرة عسسن الجنيسسن؛ فقال مالك والشافعسسي وأصسسحابهما‪ :‬الغرة فسسي الجنيسسن‬
‫موروثة عن الجنين على كتاب ال تعالى؛ لنها دية‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬الغرة للم وحدها؛‬
‫لنها جناية جنى عليها بقطع عضو من أعضائها وليست بدية‪ .‬ومن الدليل على ذلك أنه لم يعتبر‬
‫فيسه الذكسر والنثسى كمسا يلزم فسي الديات‪ ،‬فدل على أن ذلك كالعضسو‪ .‬وكان ابسن هرمسز يقول‪ :‬ديتسه‬
‫لبويه خاصة؛ لبيه ثلثاها ولمه ثلثها‪ ،‬من كان منهما حيا كان ذلك له‪ ،‬فإن كان أحدهما قد مات‬
‫كانت للباقي منهما أبا كان أو أما‪ ،‬ول يرث الخوة شيئا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يصسدقوا" أصسله "أن يتصسدقوا "فأدغمسست التاء فسسي الصسساد‪ .‬والتصسسدق‬
‫العطاء؛ يعنسي إل أن يسبرئ الولياء ورثسة المقتول القاتليسن ممسا أوجسب لهسم مسن الديسة عليهسم‪ .‬فهسو‬
‫اسسستثناء ليسسس مسسن الول‪ .‬وقرأ أبسسو عبدالرحمسسن ونبيسسح "إل أن تصسسدقوا "بتخفيسسف الصسساد والتاء‪.‬‬
‫وكذلك قرأ أبسو عمرو‪ ،‬إل أنسه شدد الصساد‪ .‬ويجوز على هذه القراءة حذف التاء الثانيسة‪ ،‬ول يجوز‬
‫حذفها على قراءة الياء‪ .‬وفي حرف أبي وابن مسعود "إل أن يتصدقوا"‪ .‬وأما الكفارة التي هي ل‬
‫تعالى فل تسسقط بإبرائهسم؛ لنسه أتلف شخصسا فسي عبادة ال سسبحانه‪ ،‬فعليسه أن يخلص آخسر لعبادة‬
‫ربه وإنما تسقط الدية التي هي حق لهم‪ .‬وتجب الكفارة في مال الجاني ول تتحمل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن" هذه مسألة المؤمن يقتل في بلد الكفار أو‬
‫فسسي حروبهسسم على أنسسه مسسن الكفار‪ .‬والمعنسسى عنسسد ابسسن عباس وقتادة والسسسدي وعكرمسسة ومجاهسسد‬
‫والنخعسي‪ :‬فإن كان هذا المقتول رجل مؤمنسا قسد أمن وبقسي فسي قومسه وهسم كفرة "عدو لكسم "فل دية‬
‫فيه؛ وإنما كفارته تحرير‪ .‬الرقبة‪ .‬وهو المشهور من قول مالك‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬وسقطت الدية‬
‫لوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن أولياء القتيل كفار فل يصح أن تدفع إليهم فيتقووا بها‪ .‬والثاني‪ :‬أن حرمة هذا‬
‫الذي آمسن ولم يهاجسر قليلة‪ ،‬فل ديسة؛ لقوله تعالى‪" :‬والذيسن آمنوا ولم يهاجروا مسا لكسم مسن وليتهسم‬
‫مسن شيسء حتسى يهاجروا "[النفال‪ .]72 :‬وقالت طائفسة‪ :‬بسل الوجسه فسي سسقوط الديسة أن الولياء‬
‫كفار فقسط؛ فسسواء كان القتسل خطسأ بيسن أظهسر المسسلمين أو بيسن قومسه ولم يهاجسر أو هاجسر ثسم رجسع‬
‫إلى قومه كفارته التحرير ول دية فيه‪ ،‬إذ ل يصح دفعها إلى الكفار‪ ،‬ولو وجبت الدية لوجبت لبيت‬
‫المال على بيت المال؛ فل تجب الدية في هذا الموضع وإن جرى القتل في بلد السلم‪ .‬هذا قول‬
‫الشافعسسي وبسسه قال الوزاعسسي والثوري وأبسسو ثور‪ .‬وعلى القول الول إن قتسسل المؤمسسن فسسي بلد‬
‫المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا الباب ما جاء في صسحيح مسلم عن أسامة قال‪ :‬بعثنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسسلم فسي سسرية فصسبحنا الحرقات مسن جهينسة فأدركست رجل فقال‪ :‬ل إله إل ال؛ فطعنتسه فوقسع فسي‬
‫نفسي من ذلك‪ ،‬فذكرته للنبي صلى ال عليه وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أقال ل‬
‫إله إل ال وقتلته ) ! قال‪ :‬قلت يا رسول ال‪ ،‬إنما قالها خوفا من السلح؛ قال‪( :‬أفل شققت عن قلبه‬
‫حتى تعلم أقالها أم ل ؟ )‪ .‬فلم يحكم عليه صلى ال عليه وسلم بقصاص ول دية‪ .‬وروي عن أسامة‬
‫أنه قال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم استغفر لي بعد ثلث مرات‪ ،‬وقال‪( :‬أعتق رقبة ) ولم‬
‫يحكم بقصاص ول دية‪ .‬فقال علماؤنا‪ :‬أما سقوط القصاص فواضح إذ لم يكن القتل عدوانا؛ وأما‬
‫سقوط الدية فلوجه ثلثة‪ :‬الول‪ :‬لنه كان أذن له في أصل القتال فكان عنه إتلف نفس محترمة‬
‫غلطسا كالخاتسن والطسبيب‪ .‬الثانسي‪ :‬لكونسه مسن العدو ولم يكسن له ولي مسن المسسلمين تكون له ديتسه؛‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فإن كان من قوم عدو لكم "كما ذكرنا‪ .‬الثالث‪ :‬أن أسامة اعترف بالقتل ولم تقم بذلك‬
‫بينة ول تعقل العاقلة اعترافا‪ ،‬ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كان من قوم بينكسم وبينهسم ميثاق" هذا فسي الذمي والمعاهسد يقتسل خطسأ فتجب‬
‫الديسسة والكفارة؛ قال ابسسن عباس والشعسسبي والنخعسسي والشافعسسي‪ .‬واختاره الطسسبري قال‪ :‬إل أن ال‬
‫سسبحانه وتعالى أبهمسه ولم يقسل وهسو مؤمسن‪ ،‬كمسا قال فسي القتيسل مسن المؤمنيسن ومسن أهسل الحرب‪.‬‬
‫وإطلقه ما قيد قبل يدل على أنه خلفه‪ .‬وقال الحسن وجابر بن زيد وإبراهيم أيضا‪ :‬المعنى وإن‬
‫كان المقتول خطسأ مؤمنسا مسن قوم معاهديسن لكسم فعهدهسم يوجسب أنهسم أحسق بديسة صساحبهم‪ ،‬فكفارتسه‬
‫التحريسر وأداء الديسة‪ .‬وقرأهسا الحسسن‪" :‬وإن كان مسن قوم بينكسم وبينهسم ميثاق وهسو مؤمسن"‪ .‬قال‬
‫الحسسن‪ :‬إذا قتسل المسسلم الذمسي فل كفارة عليسه‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وأمسا اليسة فمعناهسا عنسد أهسل الحجاز‬
‫مردود على قوله‪" :‬ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ "ثسم قال تعالى‪" :‬وإن كان مسن قوم"‬
‫يريسد ذلك المؤمسن‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬والذي عندي أن الجملة محمولة حمسل المطلق على‬
‫المقيد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا معنسى مسا قال الحسسن وحكاه أبسو عمسر عسن أهسل الحجاز‪ .‬وقوله "فديسة مسسلمة "على‬
‫لفسظ النكرة ليسس يقتضسي ديسة بعينهسا‪ .‬وقيسل‪ :‬هذا فسي مشركسي العرب الذيسن كان بينهسم وبيسن النسبي‬
‫عليه السلم عهد على أن يسلموا أو يؤذنوا بحرب إلى أجل معلوم‪ :‬فمن قتل منهم وجبت فيه الدية‬
‫والكفارة ثسم نسسخ بقوله تعالى‪" :‬براءة مسن ال ورسسوله إلى الذيسن عاهدتسم مسن المشركيسن "[التوبسة‪:‬‬
‫‪.]1‬‬
‫@ وأجمسع العلماء على أن ديسة المرأة على النصسف مسن ديسة الرجسل؛ قال أبسو عمسر‪ :‬إنمسا صسارت‬
‫ديتهسا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬على النصسف مسن ديسة الرجسل مسن أجسل أن لهسا نصسف ميراث الرجسل‪ ،‬وشهادة‬
‫امرأتين بشهادة رجل‪ .‬وهذا إنما هو في دية الخطأ‪ ،‬وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء‬
‫لقوله عز وجل‪" :‬النفس بالنفس "[المائدة‪ .]45 :‬و"الحر بالحر "كما تقدم في "البقرة"‪.‬‬
‫@ روى الدارقطني من حديث موسى بن علي بن رباح اللخمي قال‪ :‬سمعت أبي يقول إن أعمى‬
‫كان ينشد في الموسم في خلفة عمر بن الخطاب رضي ال عنه وهو يقول‪:‬‬
‫هل يعقل العمى الصحيح المبصرا‬ ‫يا أيها الناس لقيت منكرا‬
‫خرا مما كلهما تكسرا‬
‫وذلك أن العمسسى كان يقوده بصسسير فوقعسسا فسسي بئر‪ ،‬فوقسسع العمسسى على البصسسير فمات البصسسير؛‬
‫فقضسى عمسر بعقسل البصسير على العمسى‪ .‬وقسد اختلف العلماء فسي رجسل يسسقط على آخسر فيموت‬
‫أحدهمسا؛ فروي عسن ابسن الزبيسر‪ :‬يضمسن العلى السسفل‪ ،‬ول يضمسن السسفل العلى‪ .‬وهذا قول‬
‫شريسح والنخعسي وأحمسد وإسسحاق‪ .‬وقال مالك فسي رجليسن جسر أحدهمسا صساحبه‪ .‬حتسى سسقطا وماتسا‪:‬‬
‫على عاقلة الذي جبذه الديسة‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬مسا أظسن فسي هذا خلفسا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬إل مسا قال بعسض‬
‫المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي‪ :‬يضمن نصف الدية؛ لنه مات من فعله‪ ،‬ومن سقوط‬
‫السساقط عليسه‪ .‬وقال الحكسم وابسن شبرمسة‪ :‬إن سسقط رجسل على رجسل مسن فوق بيست فمات أحدهمسا‪،‬‬
‫قال‪ :‬يضمن الحي منهما‪ .‬وقال الشافعي في رجلين يصدم أحدهما الخر فماتا‪ ،‬قال‪ :‬دية المصدوم‬
‫على عاقلة الصادم‪ ،‬ودية الصادم هدر‪ .‬وقال في الفارسين إذا اصطدما فماتا‪ :‬على كل واحد منهما‬
‫نصسف ديسة صساحبه؛ لن كسل واحسد منهمسا مات مسن فعسل نفسسه وفعسل صساحبه؛ وقال عثمان البتسي‬
‫وزفسر‪ .‬وقال مالك والوزاعسي والحسسن بسن حسي وأبسو حنيفسة وأصسحابه فسي الفارسسين يصسطدمان‬
‫فيموتان‪ :‬على كل واحد منهما دية الخر على عاقلته‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬وكذلك عندنا السفينتان‬
‫تصسطدمان إذا لم يكسن النوتسي صسرف السسفينة ول الفارس صسرف الفرس‪ .‬وروي عسن مالك فسي‬
‫السفينتين والفارسين‪ .‬على كل واحد منهما الضمان لقيمة ما أتلف لصاحبه كامل‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء مسن هذا الباب فسي تفصسيل ديسة أهسل الكتاب؛ فقال مالك وأصسحابه‪ :‬هسي على‬
‫النصف من دية المسلم‪ ،‬ودية المجوسي ثمانمائة درهم‪ ،‬ودية نسائهم على النصف من ذلك‪ .‬روي‬
‫هذا القول عن عمسر بسن عبدالعزيسز وعروة بسن الزبيسر وعمرو بن شعيسب وقال بسه أحمسد بسن حنبسل‪.‬‬
‫وهذا المعنى قد روى فيه سليمان بن بلل‪ ،‬عن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة‪،‬‬
‫عسسن عمرو بسسن شعيسسب‪ ،‬عسسن أبيسسه‪ ،‬عسسن جده أن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم جعسسل ديسسة اليهودي‬
‫والنصراني على النصف من دية المسلم‪ .‬وعبدالرحمن هذا قد روى عنه الثوري أيضا‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس والشعسبي والنخعسسي‪ :‬المقتول مسسن أهسل العهسسد خطسسأ ل تبالي مؤمنسسا كان أو كافرا على عهسسد‬
‫قومه فيه الدية كدية المسلم؛ وهو قول أبي حنيفة والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي؛ جعلوا‬
‫الديات كلهسا سسواء‪ ،‬المسسلم واليهودي والنصسراني والمجوسسي والمعاهسد والذمسي‪ ،‬وهسو قول عطاء‬
‫والزهري وسعيد بن المسيب‪ .‬وحجتهم قوله تعالى‪" :‬فدية "وذلك يقتضي الدية كاملة كدية المسلم‪.‬‬
‫وعضدوا هذا بما رواه محمد بن إسحاق‪ ،‬عن داود بن الحصين‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس في‬
‫قصة بني قريظة والنضير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل ديتهم سواء دية كاملة‪ .‬قال أبو‬
‫عمسر‪ :‬هذا حديسث فيسه ليسن وليسس فسي مثله حجسة‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬ديسة اليهودي والنصسراني ثلث ديسة‬
‫المسلم‪ ،‬ودية المجوسي ثمانمائة درهم؛ وحجته أن ذلك أقل ما قيل في ذلك‪ ،‬والذمة بريئة إل بيقين‬
‫أو حجسة‪ .‬وروي هذا القول عسن عمسر وعثمان‪ ،‬وبسه قال ابسن المسسيب وعطاء والحسسن وعكرمسة‬
‫وعمرو بن دينار وأبو ثور وإسحاق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن لم يجد" أي الرقبة ول اتسع ماله لشرائها‪" .‬فصيام شهرين" أي فعليه صيام‬
‫شهريسن‪" .‬متتابعيسن "حتسى لو أفطسر يومسا اسستأنف؛ هذا قول الجمهور‪ .‬وقال مكسي عسن الشعسبي‪ :‬إن‬
‫صسيام الشهريسن يجزئ عسن الديسة والعتسق لمسن لم يجسد‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وهذا القول وهسم؛ لن الديسة‬
‫إنما هي على العاقلة وليست على القاتل‪ .‬والطبري حكى هذا القول عن مسروق‪.‬‬
‫@ والحيض ل يمنع التتابع من غير خلف‪ ،‬وإنها إذا طهرت ولم تؤخر وصلت باقي صيامها بما‬
‫سسلف منسه‪ ،‬ل شيسء عليهسا غيسر ذلك إل أن تكون طاهرا قبسل الفجسر فتترك صسيام ذلك اليوم عالمسة‬
‫بطهرها‪ ،‬فإن فعلت استأنفت عند جماعة من العلماء؛ قاله أبو عمر‪ .‬واختلفوا في المريض الذي قد‬
‫صسام مسن شهري التتابسع بعضهسا على قوليسن؛ فقال مالك‪ :‬وليسس لحسد وجسب عليسه صسيام شهريسن‬
‫متتابعين في كتاب ال تعالى أن يفطر إل من عذر أو مرض أو حيض‪ ،‬وليس له أن يسافر فيفطر‪.‬‬
‫وممسسن قال يبنسسي فسسي المرض سسسعيد بسسن المسسسيب وسسسليمان بسسن يسسسار والحسسسن والشعسسبي وعطاء‬
‫ومجاهسد وقتادة وطاوس‪ .‬وقال سسعيد بسن جسبير والنخعسي والحكسم بسن عيينسة وعطاء الخراسساني‪:‬‬
‫يسستأنف فسي المرض؛ وهسو قول أبسي حنيفسة وأصسحابه والحسسن بسن حسي؛ وأحسد قولي الشافعسي؛ وله‬
‫قول آخسر‪ :‬أنسه يبنسي كمسا قال مالك‪ .‬وقال ابسن شبرمسة‪ :‬يقضسي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب‪،‬‬
‫كصوم رمضان‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬حجة من قال يبني لنه معذور في قطع التتابع لمرضه ولم يتعمد‪،‬‬
‫وقسد تجاوز ال عسن غيسر المتعمسد‪ .‬وحجسة مسن قال يسستأنف لن التتابسع فرض ل يسسقط لعذر‪ ،‬وإنمسا‬
‫يسقط المأثم؛ قياسا على الصلة؛ لنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬توبة من ال" نصب على المصدر‪ ،‬ومعناه رجوعا‪ .‬وإنما مست حاجة المخطئ‬
‫إلى التوبسة لنسه لم يتحرز وكان مسن حقسه أن يتحفسظ‪ .‬وقيسل‪ :‬أي فليأت بالصسيام تخفيفسا مسن ال تعالى‬
‫عليسه بقبول الصسوم بدل عسن الرقبسة؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬علم ال أنكسم كنتسم تختانون أنفسسكم فتاب‬
‫عليكسم "[البقرة‪ ]187 :‬أي خفسف‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬علم أن لن تحصسوه فتاب عليكسم" [المزمسل‪:‬‬
‫‪.]20‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وكان ال" أي فسسي أزله وأبده‪" .‬عليمسسا" بجميسسع المعلومات "حكيمسسا "فيمسسا حكسسم‬
‫وأبرم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 93 :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد‬
‫له عذابا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يقتسل ""مسن "شرط‪ ،‬وجوابسه "فجزاؤه "وسسيأتي‪ .‬واختلف العلماء فسي صسفة‬
‫المتعمسد فسي القتسل؛ فقال عطاء والنخعسي وغيرهمسا‪ :‬هسو مسن قتسل بحديدة كالسسيف والخنجسر وسسنان‬
‫الرمسح ونحسو ذلك مسن المشحوذ المعسد للقطسع أو بمسا يعلم أن فيسه الموت مسن ثقال الحجارة ونحوهسا‪.‬‬
‫وقالت فرقسة‪ :‬المتعمسد كسل مسن قتسل بحديدة كان القتسل أو بحجسر أو بعصسا أو بغيسر ذلك؛ وهذا قول‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫@ ذكر ال عز وجل في كتابه العمد والخطأ ولم يذكر شبه العمد وقد اختلف العلماء في القول به؛‬
‫فقال ابن المنذر‪ :‬أنكر ذلك مالك‪ ،‬وقال‪ :‬ليس في كتاب ال إل العمد والخطأ‪ .‬وذكره الخطابي أيضا‬
‫عسن مالك وزاد‪ :‬وأمسا شبسه العمسد فل نعرفسه‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬أنكسر مالك والليسث بسن سسعد شبسه العمسد؛‬
‫فمن قتل عندهما بما ل يقتل مثله غالبا كالعضة واللطمة وضربة السوط والقضيب وشبه ذلك فإنه‬
‫عمد وفيه القود‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين‪ .‬وذهب جمهور فقهاء‬
‫المصسار إلى أن هذا كله شبسه العمسد‪ .‬وقسد ذكسر عسن مالك وقال ابسن وهسب وجماعسة مسن الصسحابة‬
‫والتابعيسن‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وشبسه العمسد يعمسل بسه عندنسا‪ .‬وممسن أثبست شبسه العمسد الشعسبي والحكسم‬
‫وحماد والنخعي وقتادة وسفيان الثري وأهل العراق والشافعي‪ ،‬وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب‬
‫وعلي بن أبي طالب رضي ال عنهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو الصحيح؛ فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ الصل صيانتها في أهبها‪ ،‬فل تستباح إل‬
‫بأمرين ل إشكال فيه‪ ،‬وهذا فيه إشكال؛ لنه لما كان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد؛‬
‫فالضرب مقصسود والقتسل غيسر مقصسود‪ ،‬وإنمسا وقسع بغيسر القصسد فيسسقط القود وتغلظ الديسة‪ .‬وبمثسل‬
‫هذا جاءت السسنة؛ روى أبسو داود مسن حديسث عبدال بسن عمرو أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‬
‫قال‪" :‬أل إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من البل منها أربعون في بطونها‬
‫أولدها )‪ .‬وروى الدارقطني عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬العمد قود‬
‫اليد والخطأ عقل ل قود فيه ومن قتل في عمية بحجر أو عصا أو سوط فهو دية مغلظة في أسنان‬
‫البسل )‪ .‬وروي أيضسا مسن حديسث سسليمان بسن موسسى عسن عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده قال‪:‬‬
‫قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬عقسل شبسه العمسد مغلظ مثسل قتسل العمسد ول يقتسل صساحبه )‪.‬‬
‫وهذا نص‪ .‬وقال طاوس في الرجل يصاب في ماء الرميا في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي‬
‫بالحجارة يودي ول يقتل به من أجل أنه ل يدرك‪ ،‬من قاتله‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬العميا هو المر‬
‫العمسى للعصسبية ل تسستبين مسا وجهسه‪ .‬وقال إسسحاق‪ :‬هذا فسي تحارج القوم وقتسل‪ .‬بعضهسم بعضسا‪.‬‬
‫فكأن أصله من التعمية وهو التلبيس؛ ذكره الدارقطني‪.‬‬
‫@ مسألة‪ :‬واختلف القائلون بشبه العمد في الدية المغلظة‪ ،‬فقال عطاء والشافعي‪ :‬هي ثلثون حقة‬
‫وثلثون جذعسة وأربعون خلفسة‪ .‬وقسد روي هذا القول عسن عمسر وزيسد بسن ثابست والمغيرة بسن شعبسة‬
‫وأبي موسى الشعري؛ وهو مذهب مالك حيث يقول بشبه العمد‪ ،‬ومشهور مذهبه أنه لم يقل به إل‬
‫في مثل قصة المدلجي بابنه حيث ضربه بالسيف‪ .‬وقيل‪ :‬هي مربعة ربع بنات لبون‪ ،‬وربع حقاق‪،‬‬
‫وربسع جذاع‪ ،‬وربسع بنات مخاض‪ .‬هذا قول النعمان ويعقوب؛ وذكره أبسو داود عسن سسفيان عسن أبسي‬
‫إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي‪ .‬وقيل‪ :‬هي مخمسة‪ :‬عشرون بنت مخاض وعشرون بنت‬
‫لبون وعشرون ابسسن لبون وعشرون حقسسة وعشرون جذعسسة؛ هذا قول أبسسي ثور‪ .‬وقيسسل‪ :‬أربعون‬
‫جذعسة إلى بازل عامهسا وثلثون حقسة‪ ،‬وثلثون بنات لبون‪ .‬وروي عسن عثمان بسن عفان وبسه قال‬
‫الحسن البصري وطاوس والزهري‪ .‬وقيل‪ :‬أربع وثلثون خلفة إلى بازل عامها‪ ،‬وثلث وثلثون‬
‫حقسة‪ ،‬وثلث وثلثون جذعسة؛ وبسه قال الشعسبي والنخعسي‪ ،‬وذكره أبسو داود عسن أبسي الحوص عسن‬
‫أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن تلزمه دية شبه العمد؛ فقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وقتادة‬
‫وأبسو ثور‪ :‬هسو عليسه فسي ماله‪ .‬وقال الشعسبي والنخعسي والحكسم والشافعسي والثوري وأحمسد وإسسحاق‬
‫وأصسسحاب الرأي‪ :‬هسسو على العاقلة‪ .‬قال ابسسن المنذر‪ :‬قول الشعسسبي أصسسح؛ لحديسسث أبسسي هريرة أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم جعل دية الجنين على عاقلة الضاربة‪.‬‬
‫@ أجمسع العلماء على أن العاقلة ل تحمسل ديسة العمسد وأنهسا فسي مال الجانسي؛ وقسد تقدم ذكرهسا فسي‬
‫"البقرة"‪ .‬وقد أجمعوا على أن على القاتل خطأ الكفارة؛ واختلفوا فيها في قتل العمد؛ فكان مالك‬
‫والشافعي يريان على قاتل العمد الكفارة كما في الخطأ‪ .‬قال الشافعي‪ :‬إذا وجبت الكفارة في الخطأ‬
‫فلن تجسب فسي العمسد أولى‪ .‬وقال‪ :‬إذا شرع السسجود فسي السسهو فلن يشرع فسي العمسد أولى‪ ،‬وليسس‬
‫مسا ذكره ال تعالى فسي كفارة العمسد بمسسقط مسا قسد وجسب فسي الخطسأ‪ .‬وقسد قيسل‪ :‬إن القاتسل عمدا إنمسا‬
‫تجسب عليسه الكفارة إذا عفسي عنسه فلم يقتسل‪ ،‬فأمسا إذا قتسل قودا فل كفارة عليسه تؤخسذ مسن ماله‪ .‬وقيسل‬
‫تجسب‪ .‬ومسن قتسل نفسسه فعليسه الكفارة فسي ماله‪ .‬وقال الثوري وأبسو ثور وأصسحاب الرأي‪ :‬ل تجسب‬
‫الكفارة إل حيسث أوجبهسا ال تعالى‪ .‬قال ابسن المنذر‪ :‬وكذلك نقول؛ لن الكفارات عبادات ول يجوز‬
‫التمثيسل‪ .‬وليسس يجوز لحسد أن يفرض فرضسا يلزمسه عباد ال إل بكتاب أو سسنة أو إجماع‪ ،‬وليسس‬
‫مع من فرض على القاتل عمدا كفارة حجة من حيث ذكرت‪.‬‬
‫@ واختلفوا فسي الجماعسة يقتلون الرجسل خطسأ؛ فقالت طائفسة‪ :‬على كسل واحسد منهسم الكفارة؛ كذلك‬
‫قال الحسسن وعكرمسة والنخعسي والحارث العكلي ومالك والثوري والشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو‬
‫ثور وأصحاب الرأي‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬عليهم كلهم كفارة واحدة؛ هكذا قال أبو ثور‪ ،‬وحكي ذلك عن‬
‫الوزاعي‪ .‬وفرق الزهري بين العتق والصوم؛ فقال في الجماعة يرمون بالمنجنيق فيقتلون رجل‪:‬‬
‫عليهم كلهم عتق رقبة‪ ،‬وإن كانوا ل يجدون فعلى كل واحد منهم صوم شهرين متتابعين‪.‬‬
‫@ روى النسائي‪ :‬أخبرنا الحسن بن إسحاق المروزي ‪ -‬ثقة قال‪ :‬حدثنا خالد بن خداش قال‪ :‬حدثنا‬
‫حاتم بن إسماعيل عن بشير بن المهاجر عن عبدال بن بريدة عن أبيه قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬قتل المؤمن أعظم عند ال من زوال الدنيا )‪ .‬وروي عن عبدال قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال‪( :‬أول ما يحاسب به العبد الصلة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء)‪ .‬وروى إسماعيل بن‬
‫إسحاق عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبدال بن عباس أنه سأل سائل فقال‪ :‬يا أبا العباس‪ ،‬هل‬
‫للقاتسل توبسة ؟ فقال له ابسن عباس كالمتعجسب مسن مسسألته‪ :‬ماذا تقول ! مرتيسن أو ثلثسا‪ .‬ثسم قال ابسن‬
‫عباس‪ :‬ويحك ! أنى له توبة ! سمعت نبيكم صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬يأتي المقتول معلقا رأسه‬
‫بإحدى يديسسه متلببسسا قاتله بيده الخرى تشخسسب أوداجسسه دمسسا حتسسى يوقفسسا فيقول المقتول ل سسسبحانه‬
‫وتعالى رب هذا قتلني فيقول ال تعالى للقاتل تعست ويذهب به إلى النار )‪ .‬وعن الحسن قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما نازلت ربي في شيء ما نازلته في قتل المؤمن فلم يجبني )‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فسي قاتسل العمسد هسل له مسن توبسة ؟ فروى البخاري عسن سسعيد بسن جسبير قال‪:‬‬
‫اختلف فيهسا أهسل الكوفسة‪ ،‬فرحلت فيهسا إلى ابسن عباس‪ ،‬فسسألته عنهسا فقال‪ :‬نزلت هذه اليسة "ومسن‬
‫يقتسل مؤمنسا متعمدا فجزاؤه جهنسم "هسي آخسر مسا نزل ومسا نسسخها شيسء‪ .‬وروى النسسائي عنسه قال‪:‬‬
‫سسسألت ابسن عباس هسسل لمسسن قتسسل مؤمنسسا متعمدا مسن توبسسة ؟ قال‪ :‬ل‪ .‬وقرأت عليسسه اليسسة التسسي فسسي‬
‫الفرقان‪" :‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر "[الفرقان‪ ]68 :‬قال‪ :‬هذه آية مكية نسختها آية مدنية‬
‫"ومسن يقتسل مؤمنسا متعمدا فجزائه جهنسم خالدا فيهسا وغضسب ال عليسه"‪ .‬وروي عسن زيسد بسن ثابست‬
‫نحوه‪ ،‬وإن آيسة النسساء نزلت بعسد آيسة الفرقان بسستة أشهسر‪ ،‬وفسي روايسة بثمانيسة أشهسر؛ ذكرهمسا‬
‫النسسائي عسن زيسد بسن ثابست‪ .‬وإلى عموم هذه اليسة مسع هذه الخبار عسن زيسد وابسن عباس ذهبست‬
‫المعتزلة وقالوا‪ :‬هذا مخصسص عموم قوله تعالى‪" :‬ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "[النسساء‪]48 :‬‬
‫ورأوا أن الوعيسد نافسذ حتمسا على كسل قاتسل؛ فجمعوا بيسن اليتيسن بأن قالوا‪ :‬التقديسر ويغفسر مسا دون‬
‫ذلك لمسن يشاء إل مسن قتسل عمدا‪ .‬وذهسب جماعسة مسن العلماء منهسم‪ .‬عبدال بسن عمسر ‪ -‬وهسو أيضسا‬
‫مروي عسسن زيسسد وابسسن عباس ‪ -‬إلى أن له توبسسة‪ .‬روى يزيسسد بسسن هارون قال‪ :‬أخبرنسسا أبسسو مالك‬
‫الشجعسي عسن سسعد بسن عسبيدة قال‪ :‬جاء رجسل إلى ابسن عباس فقال ألمسن قتسل مؤمنسا متعمدا توبسة ؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬إل النار؛ قال‪ :‬فلما ذهب قال له جلساؤه‪ :‬أهكذا كنت تفتينا ؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة‬
‫مقبولة؛ قال‪ :‬إنسي لحسسبه رجل مغضبسا يريسد أن يقتسل مؤمنسا‪ .‬قال‪ :‬فبعثوا فسي إثره فوجدوه كذلك‪.‬‬
‫وهذا مذهسسب أهسسل السسسنة وهسسو الصسسحيح‪ ،‬وإن هذه اليسسة مخصسسوصة‪ ،‬ودليسسل التخصسسيص آيات‬
‫وأخبار‪ .‬وقسد أجمعوا على أن اليسة نزلت فسي مقيسس بسن ضبابسة؛ وذلك أنسه كان قسد أسسلم هسو وأخوه‬
‫هشام بن ضبابة؛ فوجد هشاما قتيل في بني النجار فأخبر بذلك النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكتب‬
‫له إليهم أن يدفعوا إليه قاتل أخيه وأرسل معه رجل من بني فهر؛ فقال بنو النجار‪ :‬وال ما نعلم له‬
‫قاتل ولكنسا نؤدي الديسة؛ فأعطوه مائة مسن البسل؛ ثسم انصسرفا راجعيسن إلى المدينسة فعدا مقيسس على‬
‫الفهري فقتله بأخيه وأخذ البل وانصرف إلى مكة كافرا مرتدا؛ وجعل ينشد‪:‬‬
‫سراة بني النجار أرباب فارع‬ ‫قتلت به فهرا وحملت عقله‬
‫وكنت إلى الوثان أول راجع‬ ‫حللت به وتري وأدركت ثورتي‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل أؤمنه في حل ول حرم )‪ .‬وأمر بقتله يوم فتح مكة وهو‬
‫متعلق بالكعبسة‪ .‬وإذا ثبست هذا بنقسل أهسل التفسسير وعلماء الديسن فل ينبغسي أن يحمسل على المسسلمين‪،‬‬
‫ثسم ليسس الخسذ بظاهسر اليسة بأولى مسن الخسذ بظاهسر قوله‪" :‬إن الحسسنات يذهبسن السسيئات "[هود‪:‬‬
‫‪ ]114‬وقوله تعالى‪" :‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده "[الشورى‪ ]25 :‬وقوله‪" :‬ويغفر ما دون‬
‫ذلك لمن يشاء "[النساء‪ .]48 :‬والخذ بالظاهرين تناقض فل بد من التخصيص‪ .‬ثم إن الجمع بين‬
‫آيسة "الفرقان "وهذه اليسة ممكسن فل نسسخ ول تعارض‪ ،‬وذلك أن يحمسل مطلق آيسة "النسساء "على‬
‫مقيسد آيسة "الفرقان "فيكون معناه فجزاؤه كذا إل مسن تاب؛ ل سسيما وقسد اتحسد الموجسب وهسو القتسل‬
‫والموجسب وهسو التواعسد بالعقاب‪ .‬وأمسا الخبار فكثيرة كحديسث عبادة بسن الصسامت الذي قال فيسه‪:‬‬
‫(تبايعونسي على أل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تسسرقوا ول تقتلوا النفسس التسي حرم ال إل‬
‫بالحسق فمسن وفسى منكسم فأجره على ال ومسن أصساب شيئا مسن ذلك فعوقسب بسه فهسو كفارة له ومسن‬
‫أصاب من ذلك شيئا فستره ال عليه فأمره إلى ال إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه )‪ .‬رواه الئمة‬
‫أخرجه الصحيحان‪ .‬وكحديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم في الذي قتل مائة نفس‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه وغيرهما إلى غير ذلك من الخبار الثابتة‪ .‬ثم إنهم‬
‫قسد أجمعوا معنسا فسي الرجسل يشهسد عليسه بالقتسل‪ ،‬ويقسر بأنسه قتسل عمدا‪ ،‬ويأتسي السسلطان الولياء فيقام‬
‫عليسه الحسد ويقتسل قودا‪ ،‬فهذا غيسر متبسع فسي الخرة‪ ،‬والوعيسد غيسر نافسذ عليسه إجماعسا على مقتضسى‬
‫حديسسث عبادة؛ فقسسد انكسسسر عليهسسم مسسا تعلقوا بسسه مسسن عموم قوله تعالى‪" :‬ومسسن يقتسسل مؤمنسسا متعمدا‬
‫فجزاؤه جهنم "ودخله التخصيص بما ذكرنا‪ ،‬وإذا كان كذلك فالوجه أن هذه الية مخصوصة كما‬
‫بينسسا‪ ،‬أو تكون محمولة على مسسا حكسسي عسسن ابسسن عباس أنسسه قال‪ :‬متعمدا معناه مسسستحل لقتله؛ فهذا‬
‫أيضا يؤول إلى الكفر إجماعا‪ .‬وقالت جماعة‪ :‬إن القاتل في المشيئة تاب أو لم يتب؛ قال أبو حنيفة‬
‫وأصحابه‪ .‬فإن قيل‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه "دليل على‬
‫كفره؛ لن ال تعالى ل يغضسسب إل على كافسسر خارج مسسن اليمان‪ .‬قلنسسا‪ :‬هذا وعيسسد‪ ،‬والخلف فسسي‬
‫الوعيد كرم؛ كما قال‪:‬‬
‫لمخلف إيعادي ومنجز موعدي‬ ‫وإني متى أوعدته أو وعدته‬
‫وقسد تقدم‪ .‬جواب ثان‪ :‬إن جازاه بذلك؛ أي هسو أهسل لذلك ومسستحقه لعظيسم ذنبسه‪ .‬نسص على هذا أبسو‬
‫مجلز لحسق بسن حميسد وأبو صسالح وغيرهمسا‪ .‬وروى أنسس بن مالك عن رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسسلم أنسه قال‪( :‬إذا وعسد ال لعبسد ثوابسا فهسو منجزه وإن أوعسد له العقوبسة فله المشيئة إن شاء عاقبسه‬
‫وإن شاء عفسا عنسه )‪ .‬وفسي هذيسن التأويليسن دخسل؛ أمسا الول ‪ -‬فقال القشيري‪ :‬وفسي هذا نظسر؛ لن‬
‫كلم الرب ل يقبسل الخلف إل أن يراد بهذا تخصسيص العام؛ فهسو إذا جائز فسي الكلم‪ .‬وأمسا الثانسي‪:‬‬
‫وإن روي أنسسه مرفوع فقال النحاس‪ :‬وهذا الوجسسه الغلط فيسسه بيسسن‪ ،‬وقسسد قال ال عسسز وجسسل‪" :‬ذلك‬
‫جزاؤهم جهنم بما كفروا "[الكهف‪ ]106 :‬ولم يقل أحد‪ :‬إن جازاهم؛ وهو خطأ في العربية لن‬
‫بعده "وغضسب ال عليسه "وهسو محمول على معنسى جازاه‪ .‬وجواب ثالث‪ :‬فجزاؤه جهنسم إن لم يتسب‬
‫وأصسر على الذنسب حتسى وافسى ربسه على الكفسر بشؤم المعاصسي‪ .‬وذكسر هبسة ال فسي كتاب "الناسسخ‬
‫والمنسسوخ "أن هذه اليسة منسسوخة بقوله تعالى‪" :‬ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "[النسساء‪،]48 :‬‬
‫وقال‪ :‬هذا إجماع الناس إل ابن عباس وابن عمر فإنهما قال هي محكمة‪ .‬وفي هذا الذي قال نظر؛‬
‫لنسه موضسع عموم وتخصسيص ل موضسع نسسخ؛ قال ابسن عطيسة‪ .‬قلت‪ :‬هذا حسسن؛ لن النسسخ ل‬
‫يدخل الخبار إنما المعنى فهو يجزيه‪ .‬وقال النحاس في "معاني القرآن "له‪ :‬القول فيه عند العلماء‬
‫أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب‪ ،‬فإن تاب فقد بين أمره بقوله‪" :‬وإني لغفار لمن تاب‬
‫"[طه‪ ]82 :‬فهذا ل يخرج عنه‪ ،‬والخلود ل يقتضي الدوام‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وما جعلنا لبشر من‬
‫قبلك الخلد "[النبياء‪ ]34 :‬الية‪ .‬وقال تعالى‪" :‬يحسب أن ماله أخلده "[الهمزة‪ .]3 :‬وقال زهير‪:‬‬
‫ول خالدا إل الجبال الرواسيا‬
‫وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غيسسر معنسسى التأبيسسد؛ فإن هذا يزول بزوال الدنيسسا‪ .‬وكذلك‬
‫العرب تقول‪ :‬لخلدن فلنا في السجن؛ والسجن ينقطع ويفنى‪ ،‬وكذلك المسجون‪ .‬ومثله قولهم في‬
‫الدعاء‪ :‬خلد ال ملكه وأبد أيامه‪ .‬وقد تقدم هذا كله لفظا ومعنى‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 94 :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا إذا ضربتسم فسي سسبيل ال فتسبينوا ول تقولوا لمسن ألقسى إليكسم‬
‫السسلم لسست مؤمنسا تبتغون عرض الحياة الدنيسا فعنسد ال مغانسم كثيرة كذلك كنتسم مسن قبسل فمسن ال‬
‫عليكم فتبينوا إن ال كان بما تعملون خبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا إذا ضربتسم فسي سسبيل ال" هذا متصسل بذكسر القتسل والجهاد‪.‬‬
‫والضرب‪ :‬السسسير فسسي الرض؛ تقول العرب‪ :‬ضربسست فسسي الرض إذا سسسرت لتجارة أو غزو أو‬
‫غيره؛ مقترنسة بفسي‪ .‬وتقول‪ :‬ضربست الرض دون "فسي" إذا قصسدت قضاء حاجسة النسسان؛ ومنسه‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يخرج الرجلن يضربان الغائط يتحدثان كاشفين عن فرجيهما‬
‫فإن ال يمقست على ذلك )‪ .‬وهذه اليسة نزلت فسي قوم مسن المسسلمين مروا فسي سسفرهم برجسل معسه‬
‫جمل وغنيمة يبيعها فسلم على القوم وقال‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال؛ فحمل عليه أحدهم فقتله‪.‬‬
‫فلما ذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم شق عليه ونزلت الية‪ .‬وأخرجه البخاري عن عطاء عن‬
‫ابسن عباس قال‪ :‬قال ابسن عباس‪ :‬كان رجسل فسي غنيمسة له فلحقسه المسسلمون فقال‪ :‬السسلم عليكسم؛‬
‫فقتلوه وأخذوا غنيمته؛ فأنزل ال تعالى ذلك إلى قوله‪" :‬عرض الحياة الدنيا "تلك الغنيمة‪ .‬قال‪ :‬قرأ‬
‫ابن عباس "السلم"‪ .‬في غير البخاري‪ :‬وحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم ديته إلى أهله ورد‬
‫عليه غنيماته‪.‬‬
‫واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة‪ ،‬فالذي عليه الكثر وهو في سير ابن إسحاق‬
‫ومصسسنف أبسسي داود والسسستيعاب لبسسن عبدالبر أن القاتسسل محلم بسسن جثامسسة‪ ،‬والمقتول عامسسر بسسن‬
‫الضبط فدعا عليه السلم على محلم فما عاش بعد ذلك إل سبعا ثم دفن فلم تقبله الرض ثم دفن‬
‫فلم تقبله ثسم دفسن ثالثسة فلم تقبله؛ فلمسا رأوا أن الرض ل تقبله ألقوه فسي بعسض تلك الشعاب؛ وقال‬
‫عليسه السسلم‪( :‬إن الرض لتقبسل مسن هسو شسر منسه )‪ .‬قال الحسسن‪ :‬أمسا إنهسا تحبسس مسن هسو شسر منسه‬
‫ولكنسه وعسظ القوم أل يعودوا‪ .‬وفسي سسنن ابسن ماجسة عسن عمران بسن حصسين قال‪ :‬بعسث رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم جيشسا مسن المسسلمين إلى المشركيسن فقاتلوهسم قتال شديدا‪ ،‬فمنحوهسم أكتافهسم‬
‫فحمسل رجسل مسن لحمتسي على رجسل مسن المشركيسن بالرمسح فلمسا غشيسه قال‪ :‬أشهسد أن ل إله إل ال؛‬
‫إنسي مسسلم؛ فطعنسه فقتله؛ فأتسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬هلكست ! قال‪:‬‬
‫(ومسا الذي صسنعت ) ؟ مرة أو مرتيسن‪ ،‬فأخسبره بالذي صسنع‪ .‬فقال له رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪( :‬فهل شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه ) فقال‪ :‬يا رسول ال لو شققت بطنه أكنت أعلم ما‬
‫فسي قلبسه ؟ قال‪( :‬ل فل أنست قبلت مسا تكلم بسه ول أنست تعلم مسا فسي قلبسه )‪ .‬فسسكت عنسه رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم فلم يلبسث إل يسسيرا حتسى مات فدفناه‪ ،‬فأصسبح على وجسه الرض‪ .‬فقلنسا‪ :‬لعسل‬
‫عدوا نبشسسه‪ ،‬فدفناه ثسسم أمرنسسا غلماننسسا يحرسسسونه فأصسسبح على ظهسسر الرض‪ .‬فقلنسسا‪ :‬لعسسل الغلمان‬
‫نعسوا‪ ،‬فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الرض‪ ،‬فألقيناه في بعض تلك الشعاب‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إن القاتسل أسسامة بسن زيسد والمقتول مرداس بسن نهيسك الغطفانسي ثسم الفزاري مسن بنسي مرة مسن أهسل‬
‫فدك‪ .‬وقال ابن القاسم عن مالك‪ .‬وقيل‪ :‬كان مرداس هذا قد أسلم من الليلة وأخبر بذلك أهله؛ ولما‬
‫عظسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم المسر على أسسامة حلف عنسد ذلك أل يقاتسل رجل يقول‪ :‬ل إله إل‬
‫ال‪ .‬وقسسد تقدم القول فيسسه‪ .‬وقيسسل‪ :‬القاتسسل أبسسو قتادة‪ .‬وقيسسل‪ :‬أبسسو الدرداء‪ .‬ول خلف أن الذي لفظتسسه‬
‫الرض حيسسن مات هسسو محرم الذي ذكرناه‪ .‬ولعسسل هذه الحوال جرت فسسي زمان متقارب فنزلت‬
‫الية في الجميع‪ .‬وقد روي أن النبي صلى ال عليه وسلم رد على أهل المسلم الغنم والجمل وحمل‬
‫ديتسه على طريسق الئتلف وال أعلم‪ .‬وذكسر الثعلبسي أن أميسر تلك السسرية رجسل يقال له غالب بسن‬
‫فضالة الليثي‪ .‬وقيل‪ :‬المقداد حكاه السهيلي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتبينوا" أي تأملوا‪ .‬و"تبينوا "قراءة الجماعة‪ ،‬وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم‪،‬‬
‫وقال‪ :‬من أمر بالتسبين فقد أمر بالتثسبيت؛ يقال‪ :‬تبينت المسر وتبين المسر بنفسسه‪ ،‬فهو متعسد ولزم‪.‬‬
‫وقرأ حمزة "فتثبتوا "مسسن التثبسست بالثاء مثلثسسة وبعدهسسا باء بواحدة "وتسسبينوا "فسسي هذا أوكسسد؛ لن‬
‫النسسان قسد يتثبست ول يسبين‪ .‬وفسي "إذا "معنسى الشرط‪ ،‬فلذلك دخلت الفاء فسي قوله "فتسبينوا"‪ .‬وقسد‬
‫يجازى بها كما قال‪:‬‬
‫وإذا تصبك خصاصة فتجمل‬
‫والجيد أل يجازى بها كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وإذا ترد إلى قليل تقنع‬ ‫والنفس راغبة إذا رغبتها‬
‫والتسبين التثبست فسي القتسل واجسب حضرا وسسفرا ول خلف فيسه‪ ،‬وإنمسا خسص السسفر بالذكسر لن‬
‫الحادثة التي فيها نزلت الية وقعت في السفر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا" السلم والسلم‪ ،‬والسلم واحد‪ ،‬قال‬
‫البخاري‪ .‬وقرئ بهسا كلهسا‪ .‬واختار أبسو عبيسد القاسسم بسن سسلم "السسلم"‪ .‬وخالفسه أهسل النظسر فقالوا‪:‬‬
‫"السلم "ههنا أشبه؛ لنه بمعنى النقياد والتسليم‪ ،‬كما قال عز وجل‪" :‬فألقوا السلم ما كنا نعمل من‬
‫سوء "[النحل‪ ]28 :‬فالسلم الستسلم والنقياد‪ .‬أي ل تقولوا لمن ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر‬
‫دعوتكسم لسست مؤمنسا‪ .‬وقيسل‪ :‬السسلم قول السسلم عليكسم‪ ،‬وهسو راجسع إلى الول؛ لن سسلمه بتحيسة‬
‫السسسلم مؤذن بطاعتسسه وانقياده‪ ،‬ويحتمسسل أن يراد بسسه النحياز والترك‪ .‬قال الخفسسش‪ :‬يقال فلن‬
‫سلم إذا كان ل يخالط أحدا‪ .‬والسلم (بشد السين وكسرها وسكون اللم) الصلح‪.‬‬
‫وروي عن أبي جعفر أنه قرأ "لست مؤمَنا "بفتح الميم الثانية‪ ،‬من آمنته إذا أجرته فهو مؤمن‪.‬‬
‫@ والمسلم إذا لقي الكافر ول عهد له جاز له قتله؛ فإن قال‪ :‬ل إله إل ال لم يجز قتله؛ لنه قد‬
‫اعتصم بعصام السلم المانع من دمه وماله وأهله‪ :‬فإن قتله بعد ذلك قتل به‪ .‬وإنما سقط القتل عن‬
‫هؤلء لجل أنهم كانوا في صدر السلم وتأولوا أنه قالها متعوذا وخوفا من السلح‪ ،‬وأن العاصم‬
‫قولهسا مطمئنسا‪ ،‬فأخسبر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه عاصسم كيفمسا قالهسا؛ ولذلك قال لسسامة‪( :‬أفل‬
‫شققست عسن قلبسه حتسى تعلم أقالهسا أم ل ) أخرجسه مسسلم‪ .‬أي تنظسر أصسادق هسو فسي قوله أم كاذب ؟‬
‫وذلك ل يمكن فلم يبق إل أن يبين عنه لسانه‪ .‬وفي هذا من الفقه باب عظيم‪ ،‬وهو أن الحكام تناط‬
‫بالمظان والظواهر ل على القطع واطلع السرائر‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬سلم عليكم فل ينبغي أن يقتل أيضا حتى يعلم ما وراء هذا؛ لنه موضع إشكال‪ .‬وقد‬
‫قال مالك في الكافر يوجد فيقول‪ :‬جئت مستأمنا أطلب المان‪ :‬هذه أمور مشكلة‪ ،‬وأرى أن يرد إلى‬
‫مأمنه ول يحكم له بحكم السلم؛ لن الكفر قد ثبت له فل بد أن يظهر منه ما يدل على قوله‪ ،‬ول‬
‫يكفسي أن يقول أنسا مسسلم ول أنسا مؤمسن ول أن يصسلي حتسى يتكلم بالكلمسة العاصسمة التسي علق النسبي‬
‫صلى ال عليه وسلم الحكم بها عليه في قوله‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال )‪.‬‬
‫@ فإن صلى أو فعل فعل من خصائص السلم فقد اختلف فيه علماؤنا؛ فقال ابن العربي‪ :‬نرى‬
‫أنه ل يكون بذلك مسلما‪ ،‬أما أنه يقال له‪ :‬ما وراء هذه الصلة ؟ فإن قال‪ :‬صلة مسلم‪ ،‬قيل له‪ :‬قل‬
‫ل إله إل ال؛ فإن قالها تبين صدقه‪ ،‬وإن أبى علمنا أن ذلك تلعب‪ ،‬وكانت عند من يرى إسلمه‬
‫ردة؛ والصسحيح أنسه كفسر أصسلي ليسس بردة‪ .‬وكذلك هذا الذي قال‪ :‬سسلم عليكسم‪ ،‬يكلف الكلمسة؛ فإن‬
‫قالهسا تحقسق رشاده‪ ،‬وإن أبسى تسبين عناده وقتسل‪ .‬وهذا معنسى قوله‪" :‬فتسبينوا "أي المسر المشكسل‪ ،‬أو‬
‫"تثبتوا "ول تعجلوا المعنيان سواء‪ .‬فإن قتله أحد فقد أتى منهيا عنه‪ .‬فإن قيل‪ :‬فتغليظ النبي صلى‬
‫ال عليسسه وسسسلم على محلم‪ ،‬ونبذه مسسن قسسبره كيسسف مخرجسسه ؟ قلنسسا‪ :‬لنسسه علم مسسن نيتسسه أنسسه لم يبال‬
‫بإسلمه فقتله متعمدا لجل الحنة التي كانت بينهما في الجاهلية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تبتغون عرض الحياة الدنيا" أي تبتغون أخذ ماله‪ :‬ويسمى متاع الدنيا عرضا لنه‬
‫عارض زائل غيسر ثابست‪ .‬قال أبسو عسبيدة‪ :‬يقال جميسع متاع الحياة الدنيسا عرض بفتسح الراء؛ ومنسه‪:‬‬
‫(الدنيسا عرض حاضسر يأكسل منهسا البر والفاجسر )‪ .‬والعرض (بسسكون الراء ) مسا سسوى الدنانيسر‬
‫والدراهم؛ فكل عرض عرض‪ ،‬وليس كل عرض عرضا‪ .‬وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال‬
‫عليسه وسسلم‪( :‬ليسس الغنسى عسن كثرة العرض إنمسا الغنسى غنسى النفسس )‪ .‬وقسد أخسذ بعسض العلماء هذا‬
‫المعنى فنظمه‪:‬‬
‫فإنك ل تدري أتصبح أم تمسي‬ ‫تقنع بما يكفيك واستعمل الرضا‬
‫إنما يكون الغنى والفقر من قبل النفس‬ ‫فليس الغنى عن كثرة المال‬
‫وهذا يصحح قول أبي عبيدة‪ :‬فإن المال يشمل كل ما يتمول‪ .‬وفي كتاب العين‪ :‬العرض ما نيل من‬
‫الدنيسا؛ ومنسه قوله تعالى‪" :‬تريدون عرض الدنيسا "[النفال‪ ]67 :‬وجمعسه عروض‪ .‬وفسي المجمسل‬
‫لبن فارس‪ :‬والعرض ما يعترض النسان من مرض أو نحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال‬
‫قسل أو كثسر‪ .‬والعرض مسن الثاث مسا كان غيسر نقسد‪ .‬وأعرض الشيسء إذا ظهسر وأمكسن‪ .‬والعرض‬
‫خلف الطول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعند ال مغانم كثيرة" عدة من ال تعالى بما يأتي به على وجهه ومن حله دون‬
‫ارتكاب محظور‪ ،‬أي فل تتهافتوا‪" .‬كذلك كنتسم مسن قبسل "أي كذلك كنتسم تخفون إيمانكسم عسن قومكسم‬
‫خوفسا منكسم على أنفسسكم حتسى مسن ال عليكسم بإعزاز الديسن وغلبسة المشركيسن‪ ،‬فهسم الن كذلك كسل‬
‫واحد منهم في قومه متربص أن يصل إليكم‪ ،‬فل يصلح إذ وصل إليكم أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪ :‬المعنى كذلك كنتم كفرة "فمن ال عليكم "بأن أسلمتم فل تنكروا أن يكون هو كذلك‬
‫ثم يسلم لحينه حين لقيكم فيجب أن تتثبتوا في أمره‪.‬‬
‫@ اسستدل بهذه اليسة مسن قال‪ :‬إن اليمان هسو القول‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ول تقولوا لمسن ألقسى إليكسم‬
‫السسلم لسست مؤمنسا"‪ .‬قالوا‪ :‬ولمسا منسع أن يقال لمسن قال ل إله إل ال لسست مؤمنسا منسع مسن قتلهسم‬
‫بمجرد القول‪ .‬ولول اليمان الذي هسو هذا القول لم يعسب قولهسم‪ .‬قلنسا‪ :‬إنمسا شسك القوم فسي حالة أن‬
‫يكون هذا القول منسه تعوذا فقتلوه‪ ،‬وال لم يجعسل لعباده غيسر الحكسم بالظاهسسر؛ وقسد قال صسلى ال‬
‫عليسسه وسسسلم‪( :‬أمرت أن أقاتسسل الناس حتسسى يقولوا ل إله إل ال ) وليسسس فسسي ذلك أن اليمان هسسو‬
‫القرار فقط؛ أل ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين حسب ما تقدم بيانه في‬
‫"البقرة "وقد كشف البيان في هذا قوله عليه السلم‪( :‬أفل شققت عن قلبه ) ؟ فثبت أن اليمان هو‬
‫القرار وغيره‪ ،‬وأن حقيقتسه التصسديق بالقلب‪ ،‬ولكسن ليسس للعبسد طريسق إليسه إل مسا سسمع منسه فقسط‪.‬‬
‫واستدل بهذا أيضا من قال‪ :‬إن الزنديق تقبل توبته إذا أظهر السلم؛ قال‪ :‬لن ال تعالى لم يفرق‬
‫بيسن الزنديسق وغيره متسى أظهسر السسلم‪ .‬وقسد مضسى القول فسي هذا فسي أول البقرة‪ .‬وفيهسا رد على‬
‫القدريسة‪ ،‬فإن ال تعالى أخسبر أنسه مسن على المؤمنيسن مسن بيسن جميسع الخلق بأن خصسهم بالتوفيسق‪،‬‬
‫والقدرية تقول‪ :‬خلقهم كلهم لليمان‪ .‬ولو كان كما زعموا لما كان لختصاص المؤمنين بالمنة من‬
‫بين الخلق معنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتبينوا" أعاد المر بالتبيين للتأكيد‪" .‬إن ال كان بما تعملون خبيرا "تحذير عن‬
‫مخالفة أمر ال؛ أي احفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 96 - 95 :‬ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن غيسر أولي الضرر والمجاهدون فسي‬
‫سبيل ال بأموالهم وأنفسهم فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد‬
‫ال الحسنى وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما‪ ،‬درجات منه ومغفرة ورحمة وكان‬
‫ال غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يستوي القاعدون من المؤمنين "قال ابن عباس‪ :‬ل يستوي القاعدون عن بدر‬
‫والخارجون إليهسا‪ .‬ثسم قال‪" :‬غيسر أولي الضرر "والضرر الزمانسة‪ .‬روى الئمسة واللفسظ لبسي داود‬
‫عن زيد بن ثابت قال‪ :‬كنت إلى جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على فخذي‪ ،‬فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم ثسم سسري عنسه فقال‪( :‬اكتسب ) فكتبست فسي كتسف "ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن‬
‫والمجاهدون فسسي سسسبيل ال "إلى آخسسر اليسسة؛ فقام ابسسن أم مكتوم ‪ -‬وكان رجل أعمسسى ‪ -‬لمسسا سسسمع‬
‫فضيلة المجاهديسن فقال‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬فكيسف بمسن ل يسستطيع الجهاد مسن المؤمنيسن ؟ فلمسا قضسى‬
‫كلمه غشيت رسول ال صلى ال عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي‪ ،‬ووجدت من ثقلها‬
‫في المرة الثانية كما وجدت في المرة الولى‪ ،‬ثم سري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫(اقرأ يا زيد ) فقرأت "ل يستوي القاعدون من المؤمنين "فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"غيسر أولي الضرر "اليسة كلهسا‪ .‬قال زيسد‪ :‬فأنزلهسا ال وحدهسا فألحقتهسا؛ والذي نفسسي بيده لكأنسي‬
‫أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف‪ .‬وفي البخاري عن مقسم مولى عبدال بن الحارث أنه سمع‬
‫ابسن عباس يقول‪" :‬ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن "عسن بدر والخارجون إلى بدر‪ .‬قال العلماء‪:‬‬
‫أهسل الضرر هسم أهسل العذار إذ قسد أضرت بهسم حتسى منعتهسم الجهاد‪ .‬وصسح وثبست فسي الخسبر أنسه‬
‫عليه السلم قال ‪ -‬وقد قفل من بعض غزواته‪( :‬إن بالمدينة رجال ما قطعتم واديا ول سرتم مسيرا‬
‫إل كانوا معكسسم أولئك قوم حبسسسهم العذر )‪ .‬فهذا يقتضسسي أن صسساحب العذر يعطسسى أجسسر الغازي؛‬
‫فقيسل‪ :‬يحتمسل أن يكون أجره مسساويا وفسي فضسل ال متسسع‪ ،‬وثوابسه فضسل ل اسستحقاق؛ فيثيسب على‬
‫النيسسة الصسسادقة مال يثيسسب على الفعسسل‪ .‬وقيسسل‪ :‬يعطسسى أجره مسسن غيسسر تضعيسسف فيفضله الغازي‬
‫بالتضعيف للمباشرة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول الول أصسسسح ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬للحديسسسث الصسسسحيح فسسسي ذلك (إن بالمدينسسسة رجال )‬
‫ولحديث أبي كبشة النماري قوله عليه السلم (إنما الدنيا لربعة نفر ) الحديث وقد تقدم في سورة‬
‫"آل عمران"‪ .‬ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر (إذا مرض العبد قال ال تعالى اكتبوا لعبدي ما‬
‫كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي )‪.‬‬
‫@ وقسد تمسسك بعسض العلماء بهذه اليسة بأن أهسل الديوان أعظسم أجرا مسن أهسل التطوع؛ لن أهسل‬
‫الديوان لمسسا كانوا متملكيسسن بالعطاء‪ ،‬ويصسسرفون فسسي الشدائد‪ ،‬وتروعهسسم البعوث والوامسسر‪ ،‬كانوا‬
‫أعظسم مسن المتطوع؛ لسسكون جأشسه ونعمسة باله فسي الصسوائف الكبار ونحوهسا‪ .‬قال ابسن محيريسز‪:‬‬
‫أصسحاب العطاء أفضسل مسن المتطوعسة لمسا يروعون‪ .‬قال مكحول‪ :‬روعات البعوث تنفسي روعات‬
‫القيامة‪.‬‬
‫@ وتعلق بها أيضا من قال‪ :‬إن الغنى أفضل من الفقر؛ لذكر ال تعالى المال الذي يوصل به إلى‬
‫صسالح العمال‪ .‬وقسد اختلف الناس فسي هذه المسسألة مسع اتفاقهسم أن مسا أحوج مسن الفقسر مكروه‪ ،‬ومسا‬
‫أبطسر مسن الغنسى مذموم؛ فذهسب قوم إلى تفضيسل الغنسي‪ ،‬لن الغنسي مقتدر والفقيسر عاجسز‪ ،‬والقدرة‬
‫أفضسل مسن العجسز‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وهذا مذهسب مسن غلب عليسه حسب النباهسة‪ .‬وذهسب آخرون إلى‬
‫تفضيسل الفقسر‪ ،‬لن الفقيسر تارك والغنسي ملبسس‪ ،‬وترك الدنيسا أفضسل مسن ملبسستها‪ .‬قال الماوردي‪:‬‬
‫وهذا مذهسب مسن غلب عليسه حسب السسلمة‪ .‬وذهسب آخرون إلى تفضيسل التوسسط بيسن المريسن بأن‬
‫يخرج عن حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة المرين‪ ،‬وليسلم من مذمة الحالين‪.‬‬
‫قال الماوردي‪ :‬وهذا مذهسب مسن يرى تفضيسل العتدال وأن (خيسر المور أوسسطها )‪ .‬ولقسد أحسسن‬
‫الشاعر الحكيم حيث قال‪:‬‬
‫ومن رغبة يوما إلى غير مرغب‬ ‫أل عائذا بال من عدم الغنى‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غير أولي الضرر "قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو "غير "بالرفع؛ قال الخفش‪:‬‬
‫هو نعت للقاعدين؛ لنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير؛ والمعنى‬
‫ل يسسستوي القاعدون غيسسر أولي الضرر؛ أي ل يسسستوي القاعدون الذيسسن هسسم غيسسر أولي الضرر‪.‬‬
‫والمعنسى ل يسستوي القاعدون الصسحاء؛ قال الزجاج‪ .‬وقرأ أبسو حيوة "غيسر "جعله نعتسا للمؤمنيسن؛‬
‫أي مسن المؤمنيسن الذيسن هسم غيسر أولي الضرر مسن المؤمنيسن الصسحاء‪ .‬وقرأ أهسل الحرميسن "غيسر‬
‫"بالنصسب على السستثناء مسن القاعديسن أو مسن المؤمنيسن؛ أي إل أولي الضرر فإنهسم يسستوون مسع‬
‫المجاهدين‪ .‬وإن شئت على الحال من القاعدين؛ أي ل يستوي القاعدون من الصحاء أي في حال‬
‫صحتهم؛ وجازت الحال منهم؛ لن لفظهم لفظ المعرفة‪ ،‬وهو كما تقول‪ :‬جاءني زيد غير مريض‪.‬‬
‫وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فضسل ال المجاهديسن بأموالهسم وأنفسسهم على القاعديسن درجسة "وقسد قال بعسد هذا‪:‬‬
‫"درجات منسه ومغفرة ورحمسة "فقال قوم‪ :‬التفضيسل بالدرجسة ثسم بالدرجات إنمسا هسو مبالغسة وبيان‬
‫وتأكيسد‪ .‬وقيسل‪ :‬فضسل ال المجاهديسن على القاعديسن مسن أولي الضرر بدرجسة واحدة‪ ،‬وفضسل ال‬
‫المجاهديسن على القاعديسن مسن غيسر عذر درجات؛ قال ابسن جريسج والسسدي وغيرهمسا‪ .‬وقيسل‪ :‬إن‬
‫معنى درجة علو‪ ،‬أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ‪ .‬فهذا معنى درجة‪ ،‬ودرجات‬
‫يعني في الجنة‪ .‬قال ابن محيريز‪ :‬سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الجواد سبعين سنة‪.‬‬
‫و"درجات "بدل مسسن أجسسر وتفسسسير له‪ ،‬ويجوز نصسسبه أيضسسا على تقديسسر الظرف؛ أي فضلهسسم‬
‫بدرجات‪ ،‬ويجوز أن يكون توكيدا لقول "أجرا عظيمسا "لن الجسر العظيسم هسو الدرجات والمغفرة‬
‫والرحمسسة‪ ،‬ويجوز الرفسسع؛ أي ذلك درجات‪ .‬و"أجرا "نصسسب بسس "فضسسل "وإن شئت كان مصسسدرا‬
‫وهسو أحسسن‪ ،‬ول ينتصسب بسس "فضسل "لنسه قسد اسستوفى مفعوليسه وهمسا قوله‪" :‬المجاهديسن "و "على‬
‫القاعديسن "؛ وكذا "درجسة"‪ .‬فالدرجات منازل بعضهسا أعلى مسن بعسض‪ .‬وفسي الصسحيح عسن النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم (إن فسي الجنة مائة درجسة أعدها ال للمجاهديسن فسي سسبيله بين الدرجتين كمسا‬
‫بيسن السسماء والرض )‪" .‬وكل وعسد ال الحسسنى ""كل "منصسوب بسس "وعسد "و "الحسسنى "الجنسة؛‬
‫أي وعسسد ال كل الحسسسنى‪ .‬ثسسم قيسسل‪ :‬المراد (بكسسل ) المجاهدون خاصسسة‪ .‬وقيسسل‪ :‬المجاهدون وأولو‬
‫الضرر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 99 - 97 :‬إن الذيسن توفاهسم الملئكسة ظالمسي أنفسسهم قالوا فيسم كنتسم قالوا كنسا‬
‫مسسستضعفين فسسي الرض قالوا ألم تكسسن أرض ال واسسسعة فتهاجروا فيهسسا فأولئك مأواهسسم جهنسسم‬
‫وسساءت مصسيرا‪ ،‬إل المسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان ل يسستطيعون حيلة ول يهتدون‬
‫سبيل‪ ،‬فأولئك عسى ال أن يعفو عنهم وكان ال عفوا غفورا}‬
‫@ المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى ال عليه وسلم اليمان‬
‫بسه‪ ،‬فلمسا هاجسر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أقاموا مسع قومهسم وفتسن منهسم جماعسة فافتتنوا‪ ،‬فلمسا كان‬
‫أمسر بدر خرج منهسم قوم مسع الكفار؛ فنزلت اليسة‪ .‬وقيسل‪ :‬إنهسم لمسا اسستحقروا عدد المسسلمين دخلهسم‬
‫شسك فسي دينهسم فارتدوا فقتلوا على الردة؛ فقال المسسلمون‪ :‬كان أصسحابنا هؤلء مسسلمين وأكرهوا‬
‫على الخروج فاسسسستغفروا لهسسسم؛ فنزلت اليسسسة‪ .‬والول أصسسسح‪ .‬روى البخاري عسسسن محمسسسد بسسسن‬
‫عبدالرحمن قال‪ :‬قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته‬
‫فنهاني عن ذلك أشد النهي‪ ،‬ثم قال‪ :‬أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين‬
‫يكثرون سواد المشركين على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب‬
‫أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬توفاهسم الملئكسة "يحتمسل أن يكون فعل ماضيسا لم يسستند بعلمسة تأنيسث‪ ،‬إذ تأنيسث‬
‫لفسسظ الملئكسسة غيسسر حقيقسسي‪ ،‬ويحتمسسل أن يكون فعل مسسستقبل على معنسسى تتوفاهسسم؛ فحذفسست إحدى‬
‫التاءين‪ .‬وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار‪ .‬وقيل‪ :‬تقبض أرواحهم؛ وهو‬
‫أظهسر‪ .‬وقيسل‪ :‬المراد بالملئكسة ملك الموت؛ لقوله تعالى‪" :‬قسل يتوفاكسم ملك الموت الذي وكسل بكسم‬
‫"[السسجدة‪ .]11 :‬و"ظالمسي أنفسسهم "نصسب على الحال؛ أي فسي حال ظلمهسم أنفسسهم‪ ،‬والمراد‬
‫ظالمين أنفسهم فحذف النون استخفافا وأضاف؛ كما قال تعالى‪" :‬هديا بالغ الكعبة "[المائدة‪.]95 :‬‬
‫وقول الملئكة "فيم كنتم" سؤال تقريع وتوبيخ‪ ،‬أي أكنتم في أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أم كنتسم مشركيسن ! وقول هؤلء‪" :‬كنسا مسستضعفين فسي الرض" يعنسي مكسة‪ ،‬اعتذار غيسر صسحيح؛‬
‫إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل‪ ،‬ثم وقفتهم الملئكة على دينهم بقولهم "ألم تكن أرض‬
‫ال واسسعة"‪ .‬ويفيسد هذا السسؤال والجواب أنهسم ماتوا مسسلمين ظالميسن لنفسسهم فسي تركهسم الهجرة‪،‬‬
‫وإل فلو ماتوا كافريسن لم يقسل لهسم شيسء مسن هذا‪ ،‬وإنمسا أضرب عسن ذكرهسم فسي الصسحابة لشدة مسا‬
‫واقعوه‪ ،‬ولعدم تعين أحدهم باليمان‪ ،‬واحتمال ردته‪ .‬وال أعلم‪ .‬ثم استثنى تعالى منهم من الضمير‬
‫الذي هسو الهاء والميسم فسي "مأواهسم "مسن كان مسستضعفا حقيقسة مسن زمنسى الرجال وضعفسة النسساء‬
‫والولدان؛ كعياش بسن أبسي ربيعسة وسسلمة بسن هشام وغيرهسم الذيسن دعسا لهسم الرسسول صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كنت أنا وأمي ممن عنى ال بهذه الية؛ وذلك أنه كان من الولدان إذ ذاك‪،‬‬
‫وأمسسه هسسي أم الفضسسل بنسست الحارث واسسسمها لبابسسة‪ ،‬وهسسي أخسست ميمونسسة‪ ،‬وأختهسسا الخرى لبابسسة‬
‫الصسغرى‪ ،‬وهسن تسسع أخوات قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فيهسن‪( :‬الخوات مؤمنات ) ومنهسن‬
‫سسلمى والعصسماء وحفيدة ويقال فسي حفيدة‪ :‬أم حفيسد‪ ،‬واسسمها هزيلة‪ .‬هسن سست شقائق وثلث لم؛‬
‫وهن سلمى‪ ،‬وسلمة‪ ،‬وأسماء‪ .‬بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب‪ ،‬ثم امرأة أبي بكر‬
‫الصديق‪ ،‬ثم امرأة علي رضى ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيسم كنتسم" سسؤال توبيسخ‪ ،‬وقسد تقدم‪ .‬والصسل "فيمسا "ثسم حذفست اللف فرقسا بيسن‬
‫السستفهام والخسبر‪ ،‬والوقسف عليهسا (فيمسه ) لئل تحذف اللف والحركسة‪ .‬والمراد بقوله‪" :‬ألم تكسن‬
‫أرض ال واسسسسعة" المدينسسسة؛ أي ألم تكونوا متمكنيسسسن قادريسسسن على الهجرة والتباعسسسد ممسسسن كان‬
‫يستضعفكم ! وفي هذه الية دليل على هجران الرض التي يعمل فيها بالمعاصي‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جسسبير‪ :‬إذا عمسسل بالمعاصسسي فسسي أرض فاخرج منهسسا؛ وتل "ألم تكسسن أرض ال واسسسعة فتهاجروا‬
‫فيها"‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان‬
‫شسبرا اسستوجب الجنسة وكان رفيسق إبراهيسم ومحمسد عليهمسا السسلم )‪" .‬فأولئك مأواهسم جهنسم "أي‬
‫مثواهم النار‪ .‬وكانت الهجرة واجبة على كل من أسلم‪" .‬وساءت مصيرا "نصب على التفسير‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬ل يستطيعون حيلة" الحيلة لفظ عام لنواع أسباب التخلص‪ .‬والسبيل سبيل المدينة؛‬
‫فيمسا ذكسر مجاهسد والسسدي وغيرهمسا‪ ،‬والصسواب أنسه عام فسي جميسع السسبل‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬فأولئك‬
‫عسى ال أن يعفو عنهم" هذا الذي ل حيلة له في الهجرة ل ذنب له حتى يعفى عنه؛ ولكن المعنى‬
‫أنسه قسد يتوهسم أنسه يجسب تحمسل غايسة المشقسة فسي الهجرة‪ ،‬حتسى أن مسن لم يتحمسل تلك المشقسة يعاقسب‬
‫فأزال ال ذلك الوهسم؛ إذ ل يجسب تحمسل غايسة المشقسة‪ ،‬بسل كان يجوز ترك الهجرة عنسد فقسد الزاد‬
‫والراحلة‪ .‬فمعنسسى اليسسة؛ فأولئك ل يسسستقصى عليهسسم فسسي المحاسسسبة؛ ولهذا قال‪" :‬وكان ال عفوا‬
‫غفورا "والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 100 :‬ومسن يهاجسر فسي سسبيل ال يجسد فسي الرض مراغمسا كثيرا وسسعة ومسن يخرج‬
‫من بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يهاجر في سبيل ال يجد" شرط وجوابه‪" .‬في الرض مراغما" اختلف في‬
‫تأويسل المراغسم؛ فقال مجاهسد‪ :‬المراغسم المتزحزح‪ .‬وقال ابسن عباس والضحاك والربيسع وغيرهسم‪:‬‬
‫المراغم المتحول والمذهب‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬والمراغم المهاجر؛ وقاله أبو عبيدة‪ .‬قال النحاس‪ :‬فهذه‬
‫القوال متفقسسة المعانسسي‪ .‬فالمراغسسم المذهسسب والمتحول فسسي حال هجرة‪ ،‬وهسسو اسسسم الموضسسع الذي‬
‫يراغسم فيسه‪ ،‬وهسو مشتسق مسن الرغام‪ .‬ورغسم أنسف فلن أي لصسق بالتراب‪ .‬وراغمست فلنسا هجرتسه‬
‫وعاديته‪ ،‬ولم أبال إن رغم أنفه‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سمي مهاجرا ومراغما لن الرجل كان إذا أسلم عادى‬
‫قومسه وهجرهسم‪ ،‬فسسمى خروجسه مراغمسا‪ ،‬وسسمى مصسيره إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم هجرة‪.‬‬
‫وقال السدي‪ :‬المراغم المبتغي للمعيشة‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬سمعت مالكا يقول‪ :‬المراغم الذهاب في‬
‫الرض‪ .‬وهذا كله تفسسسير بالمعنسسى‪ ،‬وكله قريسسب بعضسسه مسسن بعسسض؛ فأمسسا الخاص باللفظسسة فإن‬
‫المراغسم موضسع المراغمسة كمسا ذكرنسا‪ ،‬وهسو أن يرغسم كسل واحسد مسن المتنازعيسن أنسف صساحبه بأن‬
‫يغلبسسه على مراده؛ فكأن كفار قريسسش أرغموا أنوف المحبوسسسين بمكسسة‪ ،‬فلو هاجسسر منهسسم مهاجسسر‬
‫لرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم‪ ،‬فتلك المنعة هي موضع المراغمة‪ .‬ومنه قول النابغة‪.‬‬
‫عزيز المراغم والمهرب‬ ‫كطرد يلذ بأركانه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسسعة" أي فسي الرزق؛ قال ابسن عباس والربيسع والضحاك‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنسى‬
‫سسسعة مسسن الضللة إلى الهدى ومسسن العلة إلى الغنسسى‪ .‬وقال مالك‪ :‬السسسعة سسسعة البلد‪ .‬وهذا أشبسسه‬
‫بفصسساحة العرب؛ فإن بسسسعة الرض وكثرة المعاقسسل تكون السسسعة فسسي الرزق‪ ،‬واتسسساع الصسسدر‬
‫لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج‪ .‬ونحو هذا المعنى قول الشاعر‪:‬‬
‫وجدت وراي منفسحا عريضا‬ ‫وكنت إذا خليل رام قطعي‬
‫آخر‪:‬‬
‫في الرض ذات الطول والعرض‬ ‫لكان لي مضطرب واسع‬
‫@ قال مالك‪ :‬هذه الية دالة على أنه ليس لحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير‬
‫الحق‪ .‬وقال‪ :‬والمراغم الذهاب في الرض‪ ،‬والسعة سعة البلد على ما تقدم‪ .‬واستدل أيضا بعض‬
‫العلماء بهذه اليسة على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثسم مات قبسل القتال له سسهمه وإن لم يحضسر‬
‫الحرب؛ رواه ابسن لهيعسة عسن يزيسد بسن أبسي حسبيب عسن أهسل المدينسة‪ .‬وروي ذلك عسن ابسن المبارك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يخرج مسن بيتسه مهاجرا إلى ال ورسسوله" قال عكرمسة مولى ابسن عباس‪:‬‬
‫طلبست اسسم هذا الرجسل أربسع عشرة سسنة حتسى وجدتسه‪ .‬وفسي قول عكرمسة هذا دليسل على شرف هذا‬
‫العلم قديمسا‪ ،‬وأن العتناء بسه حسسن والمعرفسة بسه فضسل؛ ونحسو منسه قول ابسن عباس‪ :‬مكثست سسنين‬
‫أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ما يمنعني‬
‫إل مهابتسسه‪ .‬والذي ذكره عكرمسسة هسسو ضمرة بسسن العيسسص أو العيسسص بسسن ضمرة بسسن زنباع؛ حكاه‬
‫الطسبري عسن سسعيد بسن جسبير‪ .‬ويقال فيسه‪ :‬ضميرة أيضسا‪ .‬ويقال‪ :‬جندع بسن ضمرة مسن بنسي ليسث‪،‬‬
‫وكان مسن المسستضعفين بمكسة وكان مريضسا‪ ،‬فلمسا سسمع مسا أنزل ال فسي الهجرة قال‪ :‬أخرجونسي؛‬
‫فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم‪ ،‬فأنزل ال فيه "ومن يخرج من‬
‫بيته مهاجرا "الية‪ .‬وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه‪ :‬خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة‪ ،‬وأنه‬
‫هاجسر إلى أرض الحبشسة فنهشتسه حيسة فسي الطريسق فمات قبسل أن يبلغ أرض الحبشسة؛ فنزلت فيسه‬
‫اليسسة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وحكسسى أبسسو الفرج الجوزي أنسسه حسسبيب بسسن ضمرة‪ .‬وقيسسل‪ :‬ضمرة بسسن جندب‬
‫الضمري؛ عسن السسدي‪ .‬وحكسي عسن عكرمسة أنسه جندب بسن ضمرة الجندعسي‪ .‬وحكسي عسن ابسن جابر‬
‫أنسه ضمرة بسن بغيسض الذي مسن بنسي ليسث‪ .‬وحكسى المهدوي أنسه ضمرة بسن ضمرة بسن نعيسم‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫ضمرة بسن خزاعسة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وروى معمسر عسن قتادة قال‪ :‬لمسا نزلت "إن الذيسن توفاهسم الملئكسة‬
‫ظالمي أنفسهم "الية‪ ،‬قال رجل من المسلمين وهو مريض‪ :‬وال ما لي من عذر ! إني لدليل في‬
‫الطريسق‪ ،‬وإنسي لموسسر فاحملونسي‪ .‬فحملوه فأدركسه الموت فسي الطريسق؛ فقال أصسحاب النسبي صسلى‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬لو بلغ إلينا لتم أجره؛ وقد مات بالتنعيم‪ .‬وجاء بنوه إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وأخسبروه بالقصسة‪ ،‬فنزلت هذه اليسة "ومسن يخرج مسن بيتسه مهاجرا "اليسة‪ .‬وكان اسسمه ضمرة بسن‬
‫جندب‪ ،‬ويقال‪ :‬جندب بسسسن ضمرة على مسسسا تقدم‪" .‬وكان ال غفورا" لمسسسا كان منسسسه مسسسن الشرك‪.‬‬
‫"رحيما" حين قبل توبته‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬قسم العلماء رضي ال عنهم الذهاب في الرض قسمين‪ :‬هربا وطلبا؛ فالول‬
‫ينقسسسم إلى سسستة أقسسسام‪ :‬الول‪ :‬الهجرة وهسسي الخروج مسسن دار الحرب إلى دار السسسلم‪ ،‬وكانسست‬
‫فرضسا فسي أيام النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وهذه الهجرة باقيسة مفروضسة إلى يوم القيامسة‪ ،‬والتسي‬
‫انقطعست بالفتسح هسي القصسد إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم حيسث كان؛ فإن بقسي فسي دار الحرب‬
‫عصسى؛ ويختلف فسي حاله‪ .‬الثانسي‪ :‬الخروج مسن أرض البدعسة؛ قال ابسن القاسسم‪ :‬سسمعت مالكسا يقول‬
‫ل يحسل لحسد أن يقيسم بأرض يسسب فيهسا السسلف‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬وهذا صسحيح؛ فإن المنكسر إذا لم‬
‫تقدر أن تغيره فزل عنسسه‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وإذا رأيسست الذيسسن يخوضون فسسي آياتنسسا فأعرض عنهسسم‬
‫"إلى قوله "الظالمين" [النعام‪ .]68 :‬الثالث‪ :‬الخروج من أرض غلب عليها الحرام‪ :‬فإن طلب‬
‫الحلل فرض على كل مسلم‪ .‬الرابع‪ :‬الفرار من الذية في البدن؛ وذلك فضل من ال أرخص فيه‪،‬‬
‫فإذا خشسسي على نفسسسه فقسسد أذن ال فسسي الخروج عنسسه والفرار بنفسسسه ليخلصسسها مسسن ذلك المحذور‪.‬‬
‫وأول مسسن فعله إبراهيسسم عليسسه السسسلم؛ فإنسسه لمسسا خاف مسسن قومسسه قال‪" :‬إنسسي مهاجسسر إلى ربسسي‬
‫"[العنكبوت‪ ،]26 :‬وقال‪" :‬إنسي ذاهسب إلى ربسي سسيهدين "[الصسافات‪ .]99 :‬وقال مخسبرا عسن‬
‫موسى‪" :‬فخرج منها خائفا يترقب" [القصص‪ .]21 :‬الخامس‪ :‬خوف المرض في البلد الوخمة‬
‫والخروج منهسا إلى الرض النزهسة‪ .‬وقسد أذن صسلى ال عليسه وسسلم للرعاة حيسن اسستوخموا المدينسة‬
‫أن يخرجوا إلى المسسرح فيكونوا فيسه حتسى يصسحوا‪ .‬وقسد اسستثنى مسن ذلك الخروج مسن الطاعون؛‬
‫فمنع ال سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد تقدم بيانه في "البقرة"‪.‬‬
‫بيسد أن علماءنسا قالوا‪ :‬هسو مكروه‪ .‬السسادس‪ :‬الفرار خوف الذيسة فسي المال؛ فإن حرمسة مال المسسلم‬
‫كحرمة دمه‪ ،‬والهل مثله وأوكد‪ .‬وأما قسم الطلب فينقسم قسمين‪ :‬طلب دين وطلب دنيا‪.‬‬
‫فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام‪ :‬الول‪ :‬سفر العبرة؛ قال ال تعالى‪" :‬أولم‬
‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم "[الروم‪ ]9 :‬وهو كثير‪ .‬ويقال‪ :‬إن‬
‫ذا القرنين إنما طاف الرض ليرى عجائبها‪ .‬وقيل‪ :‬لينفذ الحق فيها‪ .‬الثاني‪ 3 :‬سفر الحج‪ .‬والول‬
‫وإن كان ندبسا فهذا فرض‪ .‬الثالث‪ :‬سسفر الجهاد وله أحكامسه‪ .‬الرابسع‪ :‬سسفر المعاش؛ فقسد يتعذر على‬
‫الرجسل معاشسه مسع القامسة فيخرج فسي طلبسه ل يزيسد عليسه‪ .‬مسن صسيد أو احتطاب أو احتشاش؛ فهسو‬
‫فرض عليسه‪ .‬الخامسس‪ :‬سسفر التجارة والكسسب الزائد على القوت‪ ،‬وذلك جائز بفضسل ال سسبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ليسسس عليكسسم جناح أن تبتغوا فضل مسسن ربكسسم" [البقرة‪ ]198 :‬يعنسسي‬
‫التجارة‪ ،‬وهسي نعمسة مسن ال بهسا فسي سسفر الحسج‪ ،‬فكيسف إذا انفردت‪ .‬السسادس‪ :‬فسي طلب العلم وهسو‬
‫مشهور‪ .‬السسابع‪ :‬قصسد البقاع؛ قال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ل تشسد الرحال إل إلى ثلثسة مسساجد )‪.‬‬
‫الثامسن‪ :‬الثغور للرباط بهسا وتكثيسر سسوادها للذب عنهسا‪ .‬التاسسع‪ :‬زيارة الخوان فسي ال تعالى‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬زار رجل أخا له في قرية فأرصد ال له ملكا على مدرجته فقال‬
‫أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال‪ :‬هل لك من نعمة تربها عليه قال ل غير أني أحببته‬
‫في ال عز وجل قال فإني رسول ال إليك بأن ال قد أحبك كما أحببته فيه )‪ .‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 101 :‬وإذا ضربتم في الرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة إن خفتم‬
‫أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ضربتسم "سسافرتم‪ ،‬وقسد تقدم‪ .‬واختلف العلماء فسي حكسم القصسر فسي السسفر؛ فروي‬
‫عن جماعة أنه فرض‪ .‬وهو قول عمر بن عبدالعزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي‬
‫سليمان؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي ال عنها (فرضت الصلة ركعتين ركعتين الحديث‪ ،‬ول‬
‫حجة فيه لمخالفتها له؛ فإنه كانت تتم في السفر وذلك يوهنه‪ .‬وإجماع فقهاء المصار على أنه ليس‬
‫بأصسل يعتسبر فسي صسلة المسسافر خلف المقيسم؛ وقسد قال غيرهسا مسن الصسحابة كعمسر وابسن عباس‬
‫وجبير بن مطعم‪( :‬إن الصلة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة )‬
‫رواه مسسلم عسن ابسن عباس‪ .‬ثسم إن حديسث عائشسة قسد رواه ابسن عجلن عسن صسالح بسن كيسسان عسن‬
‫عروة عن عائشة قالت‪ :‬فرض رسول ال صلى ال عليه وسلم الصلة ركعتين ركعتين‪ .‬وقال فيه‬
‫الوزاعسي عسن ابسن شهاب عسن عروة عسن عائشسة قالت‪ :‬فرض ال الصسلة على رسسول ال صسلى‬
‫ال عليسه وسسلم ركعتيسن ركعتيسن؛ الحديسث‪ ،‬وهذا اضطراب‪ .‬ثسم إن قولهسا‪( :‬فرضست الصسلة ) ليسس‬
‫على ظاهره؛ فقسد خرج عنسه صسلة المغرب والصسبح؛ فإن المغرب مسا زيسد فيهسا ول نقسص منهسا‪.‬‬
‫وكذلك الصسبح‪ ،‬وهذا كله يضعسف متنسه ل سسنده‪ .‬وحكسى ابسن الجهسم أن أشهسب روى عسن مالك أن‬
‫القصر فرض‪ ،‬ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة‪،‬‬
‫وهسو قول الشافعسي‪ ،‬وهسو الصسحيح على مسا يأتسي بيانسه إن شاء ال‪ .‬ومذهسب عامسة البغدادييسن مسن‬
‫المالكييسسن أن الفرض التخييسسر؛ وهسسو قول أصسسحاب الشافعسسي‪ .‬ثسسم اختلفوا فسسي أيهمسسا أفضسسل؛ فقال‬
‫بعضهم‪ :‬القصر أفضل؛ وهو قول البهري وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬إن التمام أفضل؛ وحكي عن الشافعي‪.‬‬
‫وحكسى أبسو سسعيد الفروي المالكسي أن الصسحيح على مسا يأتسي مذهسب مالك التخييسر للمسسافر فسي‬
‫التمام والقصر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهسو الذي يظهسر مسن قوله سسبحانه وتعالى‪" :‬فليسس عليكسم جناح أن تقصسروا من الصسلة"‬
‫إل أن مالكا رحمه ال يستحب له القصر‪ ،‬وكذلك يرى عليه العادة في الوقت إن أتم‪ .‬وحكى أبو‬
‫مصعب في "مختصره "عن مالك وأهل المدينة قال‪ :‬القصر في السفر للرجال والنساء سنة‪ .‬قال‬
‫أبو عمسر‪ :‬وحسبك بهذا فسي مذهب مالك‪ ،‬مع أنسه لم يختلف فول‪ :‬أن من أتسم فسي السفر يعيسد مسا دام‬
‫فسسي الوقسست؛ وذلك اسسستحباب عنسسد مسسن فهسسم‪ ،‬ل إيجاب‪ .‬وقال الشافعسسي‪ :‬القصسسر فسسي غيسسر الخوف‬
‫بالسسنة‪ ،‬وأمسا فسي الخوف مسع السسفر فبالقرآن والسسنة؛ ومسن صسلى أربعسا فل شيسء عليسه‪ ،‬ول أحسب‬
‫لحسد أن يتسم فسي السسفر رغبسة عسن السسنة‪ .‬وقال أبسو بكسر الثرم‪ :‬قلت لحمسد بسن حنبسل للرجسل أن‬
‫يصلي في السفر أربعا ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ما يعجبني‪ ،‬السنة ركعتان‪ .‬وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن‬
‫رجل من آل خالد بن أسيد‪ ،‬أنه سأل عبدال بن عمر فقال‪ :‬يا أبا عبدالرحمن إنا نجد صلة الخوف‬
‫وصلة الحضر في القرآن ول نجد صلة السفر ؟ فقال عبدال بن عمر‪ :‬يا ابن أخي إن ال تبارك‬
‫وتعالى بعسث إلينسا محمدا صسلى ال عليسه وسسلم ول نعلم شيئا‪ ،‬فإنسا نفعسل كمسا رأيناه يفعسل‪ .‬ففسي هذا‬
‫الخبر قصر الصلة في السفر من غير خوف ستة ل فريضة؛ لنها ل ذكر لها في القرآن‪ ،‬وإنما‬
‫القصسر المذكور فسي القرآن إذا كان سسفرا وخوفسا واجتمعسا؛ فلم يبسح القصسر فسي كتابسه إل مسع هذيسن‬
‫الشرطين‪ .‬ومثله في القرآن‪" :‬ومن لم يستطع منكم طول أن ينكح "[النساء‪ ]25 :‬الية‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫ثسم قال تعالى‪" :‬فإذا اطمأننتسم فأقيموا الصسلة "[النسساء‪ ]103:‬أي فأتموهسا؛ وقصسر رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إل المغرب في أسفاره كلها آمنا ل يخاف إل ال تعالى؛‬
‫فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬زيادة في أحكام ال تعالى كسائر ما سنة وبينه‪،‬‬
‫مما ليس له في القرآن ذكر‪ .‬وقوله‪" :‬كما رأيناه يفعل" مع حديث عمر حيث سأل رسول ال صلى‬
‫ال عليسه وسسلم عسن القصسر فسي السسفر مسن غيسر خوف؛ فقال‪( :‬تلك صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم‬
‫فأقبلوا صسدقته ) يدل على أن ال تعالى قسد يبيسح الشيسء فسي كتابسه بشرط ثسم يبيسح ذلك الشيسء على‬
‫لسان نبيه من غير ذلك الشرط‪ .‬وسأل حنظلة ابن عمر عن صلة السفر فقال‪ :‬ركعتان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأيسن قوله تعالى‪" :‬إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "ونحسن آمنون؛ قال‪ :‬سسنة رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬فهذا ابسن عمسر قسد أطلق عليهسا سسنة؛ وكذلك قال ابسن عباس‪ .‬فأيسن المذهسب‬
‫عنهمسا ؟ قال أبسو عمسر‪ :‬ولم يقسم مالك إسسناد هذا الحديسث؛ لنسه لم يسسم الرجسل الذي سسأل ابسن عمسر‪،‬‬
‫وأسسقط مسن السسناد رجل‪ ،‬والرجسل الذي لم يسسمه هسو أميسة بسن عبدال بسن خالد بسن أسسيد بسن أبسي‬
‫العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلة؛ فقال داود‪ :‬تقصر في كل سفر طويل‬
‫أو قصير‪ ،‬ولو كان ثلثة أميال من حيث تؤتى الجمعة؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد‬
‫الهنائي قال‪ :‬سألت أنس بن مالك عن قصر الصلة فقال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫خرج مسسيرة ثلثسة أميال أو ثلثسة فراسسخ ‪ -‬شعبسة الشاك ‪ -‬صسلى ركعتيسن‪ .‬وهذا ل حجسة فيسه؛ لنسه‬
‫مشكوك فيه‪ ،‬وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر‪ ،‬وكان سفرا طويل زائدا‬
‫على ذلك‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬وقسد تلعسب قوم بالديسن فقالوا‪ :‬إن مسن خرج مسن البلد إلى‬
‫ظاهره قصسر وأكسل‪ ،‬وقائل هذا أعجمسي ل يعرف السسفر عنسد العرب أو مسستخف بالديسن‪ ،‬ولول أن‬
‫العلماء ذكروه لها رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني‪ ،‬ول أفكر فيه بفضول قلبي‪ .‬ولم يذكر حد السفر‬
‫الذي يقسع بسه القصسر ل فسي القرآن ول فسي السسنة‪ ،‬وإنمسا كان كذلك لنهسا كانست لفظسة عربيسة مسستقر‬
‫علمهسسا عنسسد العرب الذيسسن ‪ -‬خاطبهسسم ال تعالى بالقرآن؛ فنحسسن نعلم قطعسسا أن مسسن برز عسسن الدور‬
‫لبعض المور أنه ل يكون مسافرا لغة ول شرعا‪ ،‬وإن مشى مسافرا ثلثة أيام فإنه مسافر قطعا‪.‬‬
‫كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا؛ لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يحل‬
‫لمرأة تؤمسن بال واليوم الخسر أن تسسافر مسسيرة يوم إل مسع ذي محرم منهسا ) وهذا هسو الصسحيح‪،‬‬
‫لنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك‪ ،‬ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه‪ ،‬وروي مرة (يوما‬
‫وليلة ) ومرة (ثلثة أيام ) فجاء إلى عبدال بن عمر فعول على فعله‪ ،‬فإنه كان يقصر الصلة إلى‬
‫رئم‪ ،‬وهسي أربعسة برد؛ لن ابسن عمسر كان كثيسر القتداء بالنسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬قال غيره‪:‬‬
‫وكافسة العلماء على أن القصسر إنمسا شرع تخفيفسا‪ ،‬وإنمسا يكون فسي السسفر الطويسل الذي تلحسق بسه‬
‫المشقسة غالبسا‪ ،‬فراعسى مالك والشافعسي وأصسحابهما والليسث والوزاعسي وفقهاء أصسحاب الحديسث‬
‫أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما‪ .‬وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام‪ ،‬لنه لم يرد بقول‪:‬‬
‫مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله‪ ،‬وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله‬
‫ول يمكنه الرجوع إليهم‪ .‬وفي البخاري‪ :‬وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة‬
‫برد‪ ،‬وهسي سستة عشسر فرسسخا‪ ،‬وهذا مذهسب مالك‪ .‬وقال الشافعسي والطسبري‪ :‬سستة وأربعون ميل‪.‬‬
‫وعسن مالك فسي العتبيسة فيمسن خرج إلى ضيعتسه على خمسسة وأربعيسن ميل قال‪ :‬يقصسر‪ ،‬وهسو أمسر‬
‫متقارب‪ .‬وعسن مالك فسي الكتسب المنثورة‪ :‬أنسه يقصسر فسي سستة وثلثيسن ميل‪ ،‬وهسي تقرب مسن يوم‬
‫وليلة‪ .‬وقال يحيسى بسن عمسر‪ :‬يعيسد أبدا‪ .‬ابسن عبدالحكسم‪ :‬فسي الوقست !‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬ل يقصسر فسي‬
‫أقسل من مسسيرة ثلثسة أيام؛ وهو قول عثمان وابسن مسسعود وحذيفسة‪ .‬وفسي صسحيح البخاري عن ابسن‬
‫عمسر أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬ل تسسافر المرأة ثلثسة أيام إل مسع ذي محرم )‪ .‬قال أبسو‬
‫حنيفسة‪ :‬ثلثسة أيام ولياليهسا بسسير البسل ومشسي القدام‪ .‬وقال الحسسن والزهري‪ :‬تقصسر الصسلة فسي‬
‫مسسيرة يوميسن؛ وروي هذا القول عسن مالك‪ ،‬ورواه أبسو سسعيد الخدري عسن النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم قال‪( :‬ل تسافر المرأة مسيرة ليلتين إل مع زوج أو ذي محرم )‪ .‬وقصر ابن عمر في ثلثين‬
‫ميل‪ ،‬وأنس في خمسة عشر ميل‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬عامة العلماء في القصر على اليوم التام‪ ،‬وبه‬
‫نأخسذ‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬اضطربست الثار المرفوعسة فسي هذا الباب كمسا ترى فسي ألفاظهسا؛ ومجملهسا‬
‫عندي ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أنها خرجت على أجوبة السائلين‪ ،‬فحدث كل واحد بمعنى ما سمع‪ ،‬كأنه قيل‬
‫له صلى في وقت ما‪ :‬هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير محرم ؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬وقيل له في وقت آخر‪:‬‬
‫هسل تسسافر المرأة يوميسن بغيسر محرم ؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬وقال له آخسر‪ :‬هسل تسسافر المرأة مسسيرة ثلثسة أيام‬
‫بغيسر محرم ؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬وكذلك معنسى الليلة والبريسد على مسا روي‪ ،‬فأدى كسل واحسد مسا سسمع على‬
‫المعنسسى‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ويجمسسع معانسسي الثار فسسي هذا الباب ‪ -‬وإن اختلفسست ظواهرهسسا ‪ -‬الحظسسر على‬
‫المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير محرم‪ ،‬قصيرا كان أو طويل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلفوا فسي نوع السسفر الذي تقصسر فيسه الصسلة‪ ،‬فأجمسع الناس على الجهاد والحسج والعمرة‬
‫وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس‪ .‬واختلفوا فيما سوى ذلك‪ ،‬فالجمهور على جواز القصر‬
‫في السفر المباح كالتجارة ونحوها‪ .‬وروي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬ل تقصر الصلة إل في حج‬
‫أو جهاد‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ل تقصسر إل فسي سسفر طاعسة وسسبيل مسن سسبل الخيسر‪ .‬وروي عنسه أيضسا‪:‬‬
‫تقصسسر فسسي كسسل السسسفر المباح مثسسل قول الجمهور‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن خرج للصسسيد ل لمعاشسسه ولكسسن‬
‫متنزها‪ ،‬أو خرج لمشاهدة بلدة متنزها ومتلذذا يقصر‪ .‬والجمهور من العلماء على أنه ل قصر في‬
‫سفر المعصية؛ كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما‪ .‬وروي عن أبي حنيفة والوزاعي إباحة‬
‫القصر في جميع ذلك‪ ،‬وروي عن مالك‪ .‬وقد تقدم في "البقرة "واختلفوا عن أحمد‪ ،‬فمرة قال بقول‬
‫الجمهور‪ ،‬ومرة قال‪ :‬ل يقصر إل في حج أو عمرة‪ .‬والصحيح ما قال الجمهور‪ ،‬لن القصر إنما‬
‫شرع تخفيفسا عسن المسسافر للمشقات اللحقسة فيسه‪ ،‬ومعونتسه على مسا هسو بصسدده ممسا يجوز‪ ،‬وكسل‬
‫السسفار فسي ذلك سسواء؛ لقوله تعالى‪" :‬وإذا ضربتسم فسي الرض فليسس عليكسم جناح "أي إثسم "أن‬
‫تقصروا من الصلة "فعم‪ .‬وقال عليه السلم (خير عباد ال الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا )‪.‬‬
‫وقال الشعبي‪ :‬إن ال يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه‪ .‬وأما سفر المعصية فل‬
‫يجوز القصر فيه؛ لن ذلك يكون عونا له على معصية ال‪ .‬وال تعالى يقول‪" :‬وتعاونوا على البر‬
‫والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان "[المائدة‪]2 :‬‬
‫@ واختلفوا متسى يقصسر‪ ،‬فالجمهور على أن المسسافر ل يقصسر حتسى يخرج مسن بيوت القريسة‪،‬‬
‫وحينئذ هو ضارب في الرض‪ ،‬وهو قول مالك في المدونة‪ .‬ولم يحد مالك في القرب حدا‪ .‬وروي‬
‫عنسه إذا كانست قريسة تجمسع أهلهسا فل يقصسر أهلهسا حتسى يجاوزوهسا بثلثسة أميال‪ ،‬وإلى ذلك فسسي‬
‫الرجوع‪ .‬وإن كانسست ل تجمسسع أهلهسسا قصسسروا إذا جاوزوا بسسساتينها‪ .‬وروي عسسن الحارث بسسن أبسسي‬
‫ربيعسة أنه أراد سسفرا فصسلى بهسم ركعتيسن فسي منزله‪ ،‬وفيهسم السسود بسن يزيسد وغيسر واحسد أصسحاب‬
‫ابن مسعود‪ ،‬وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى‪ .‬قلت‪ :‬ويكون معنى الية على هذا‪:‬‬
‫"وإذا ضربتسم فسي الرض "أي إذا عزمتسم على الضرب فسي الرض‪ .‬وال أعلم‪ .‬وروي عسن‬
‫مجاهد أنه قال‪ :‬ل يقصر المسافر يومه الول حتى الليل‪ .‬وهذا شاذ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن‬
‫مالك أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلى الظهسر بالمدينسة أربعسا وصسلى العصسر بذي الحليفة‬
‫ركعتين‪ .‬أخرجه الئمة‪ ،‬وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬وعلى المسافر أن ينوي القصر من حين الحرام؛ فإن افتتح الصلة بنية القصر ثم عزم‬
‫على المقام فسسي أثناء صسسلته جعلهسسا نافلة‪ ،‬وإن كان ذلك بعسسد أن صسسلى منهسسا ركعسسة أضاف إليهسسا‬
‫أخرى وسسلم‪ ،‬ثسم صسلى صسلة مقيسم‪ .‬قال الزهري وابسن الجلب‪ :‬هذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬اسستحباب ولو‬
‫بنسى على صسلته وأتمهسا أجزأتسه صسلته‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬هسو عندي كمسا قال؛ لنهسا ظهسر‪ ،‬سسفرية‬
‫كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء من هذا الباب في مدة القامة التي إذا نواها المسافر أتم؛ فقال مالك والشافعي‬
‫والليث بن سعد والطبري وأبو ثور‪ :‬إذا نوى القامة أربعة أيام أتم؛ وروي عن سعيد بن المسيب‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري‪ :‬إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم‪ ،‬وإن كان أقل قصر‪ .‬وهو‬
‫قول ابسن عمسر وابسن عباس ول مخالف لهمسا مسن الصسحابة فيمسا ذكسر الطحاوي‪ ،‬وروي عسن سسعيد‬
‫أيضا‪ .‬وقال أحمد‪ :‬إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلة مكتوبة قصر‪ ،‬وإن زاد على ذلك‬
‫أتم‪ ،‬وبه قال داود‪ .‬والصحيح ما قاله مالك؛ لحديث ابن الحضرمي عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلثة أيام ثم يصدر‪ .‬أخرجه الطحاوي وابن ماجة‬
‫وغيرهما‪ .‬ومعلوم أن الهجرة إذ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة ل يجوز؛ فجعل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم للمهاجر ثلثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه‪ ،‬ولم يحكم لها بحكم المقام‬
‫ول فسي حيسز القامسة‪ ،‬وأبقسى عليسه فيهسا حكسم المسسافر‪ ،‬ومنعسه مسن مقام الرابسع‪ ،‬فحكسم له بحكسم‬
‫الحاضسر القاطسن؛ فكان ذلك أصسل معتمدا عليسه‪ .‬ومثله مسا فعله عمسر رضسي ال عنسه حيسن أجلى‬
‫اليهود لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فجعل لهم مقام ثلثة أيام في قضاء أمورهم‪ .‬قال ابن‬
‫العربسي‪ :‬وسسمعت بعسض أحبار المالكيسة يقول‪ :‬إنمسا كانست الثلثسة اليام خارجسة عسن حكسم القامسة؛‬
‫لن ال تعالى أرجسأ فيهسا مسن أنزل بسه العذاب وتيقسن الخروج عسن الدنيسا؛ فقال تعالى‪" :‬تمتعوا فسي‬
‫داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب "[هود‪.]65 :‬‬
‫وفسي المسسألة قول غيسر هذه القوال‪ ،‬وهسو أن المسسافر يقصسر أبدا حتسى يرجسع إلى وطنسه‪ ،‬أو‬
‫ينزل وطنا له‪ .‬روي عن أنسس أنه أقام سنتين بنيسسابور يقصسر الصلة‪ .‬وقال أبسو مجلز‪ :‬قلت لبن‬
‫عمر‪ :‬إني آتي المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة؛ فقال‪ :‬صل ركعتين‪ .‬وقال أبو‬
‫إسسحاق السسبيعي‪ :‬أقمنسا بسسجستان ومعنسا رجال مسن أصسحاب ابسن مسسعود سسنتين نصسلي ركعتيسن‪.‬‬
‫وأقام ابسن عمسر بأذربيجان يصسلي ركعتيسن ركعتيسن؛ وكان الثلج حال بينهسم وبيسن القفول‪ :‬قال أبسو‬
‫عمسر‪ :‬محمسل هذه الحاديسث عندنسا على أن ل نيسة لواحسد مسن هؤلء المقيميسن هذه المدة؛ وإنمسا مثسل‬
‫ذلك أن يقول‪ :‬أخرج اليوم‪ ،‬أخرج غدا؛ وإذا كان هكذا فل عزيمة ههنا على القامة‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن عروة عن عائشة قالت‪ :‬فرض ال الصلة حين فرضها ركعتين‪ ،‬ثم أتمها في‬
‫الحضسر‪ ،‬وأقرت صسلة السسفر على الفريضسة الولى‪ .‬قال الزهري‪ :‬فقلت لعروة مسا بال عائشسة تتسم‬
‫فسي السسفر ؟ قال‪ :‬إنهسا تأولت مسا تأول عثمان‪ .‬وهذا جواب ليسس بمسستوعب‪ .‬وقسد اختلف الناس فسي‬
‫تأويسسل إتمام عثمان وعائشسسة رضسسي ال عنهمسسا على أقوال‪ :‬فقال معمسسر عسسن الزهري‪ :‬إن عثمان‬
‫رضي ال عنه إنما صلى بمنى أربعا لنه أجمع على القامة بعد الحج‪ .‬وروى مغيرة عن إبراهيم‬
‫أن عثمان صسلى أربعسا لنسه اتخذهسا وطنسا‪ .‬وقال يونسس عسن الزهري قال‪ :‬لمسا اتخسذ عثمان الموال‬
‫بالطائف وأراد أن يقيسم بهسا صسلى أربعسا‪ .‬قال‪ :‬ثم أخذ به الئمة بعده‪ .‬وقال أيوب عن الزهري‪ ،‬إن‬
‫عثمان بسن عفان أتسم الصسلة بمنسسى مسن أجسل العراب؛ لنهسم كثروا عامئذ فصسلى بالناس أربعسسا‬
‫ليعلمهسم أن الصسلة أربسع‪ .‬ذكسر هذه القوال كلهسا أبسو داود فسي مصسنفه فسي كتاب المناسسك فسي باب‬
‫الصسلة بمنسى‪ .‬وذكسر أبسو عمسر فسي (التمهيسد ) قال ابسن جريسج‪ :‬وبلغنسي إنمسا أوفاهسا عثمان أربعسا‬
‫بمنسى‪ ،‬مسن أجسل أن أعرابيسا ناداه فسي مسسجد الخيسف بمنسى فقال‪ :‬يسا أميسر المؤمنيسن‪ ،‬مسا زلت أصسليها‬
‫ركعتيسن منسذ رأيتسك عام الول؛ فخشسي عثمان أن يظسن جهال الناس أنمسا الصسلة ركعتان‪ .‬قال ابسن‬
‫جريسج‪ :‬وإنمسا أوفاهسا بمنسى فقسط‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬وأمسا التأويلت فسي إتمام عائشسة فليسس منهسا شيسء‬
‫يروى عنهسسا‪ ،‬وإنمسسا هسسي ظنون وتأويلت ل يصسسحبها دليسسل‪ .‬وأضعسسف مسسا قيسسل فسسي ذلك‪ :‬إنهسسا أم‬
‫المؤمنيسن‪ ،‬وإن الناس حيسث كانوا هسم بنوهسا‪ ،‬وكان منازلهسم منازلهسا‪ ،‬وهسل كانست أم المؤمنيسن إل‬
‫أنها زوج النبي أبي المؤمنين صلى ال عليه وسلم وهو الذي سن القصر في أسفاره وفي غزواته‬
‫وحجسه وعمره‪ .‬وفسي قراءة أبسي بسن كعسب ومصسحفه "النسبي أولى بالمؤمنيسن مسن أنفسسهم وأزواجسه‬
‫أمهاتهسم وهسو أب لهسم"‪ .‬وقال مجاهسد فسي قوله تعالى‪" :‬هؤلء بناتسي هسن أطهسر لكسم "[هود‪]78 :‬‬
‫قال‪ :‬لم يكن بناته ولكن كن نساء أمته‪ ،‬وكل نبي فهو أبو أمته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقسد اعترض على هذا بأن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم كان مشرعسا‪ ،‬وليسست هسي كذلك‬
‫فانفصل‪ .‬وأضعف من هذا قول من قال‪ :‬إنها حيث أتمت لم تكن في سفر جائز؛ وهذا باطل قطعا‪،‬‬
‫فإنهسا كانست أخوف ل وأتقسى مسن أن تخرج فسي سسفر ل يرضاه‪ .‬وهذا التأويسل عليهسا مسن أكاذيسب‬
‫الشيعسة المبتدعسة وتشنيعاتهسم؛ سسبحانك هذا بهتان عظيسم ! وإنمسا خرجست رضسي ال عنهسا مجتهدة‬
‫محتسسبة تريسد أن تطفسئ نار الفتنسة‪ ،‬إذ هسي أحسق أن يسستحيا منهسا فخرجست المور عسن الضبسط‪.‬‬
‫وسيأتي بيان هذا المعنى إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬إنها أتمت لنها لم تكن ترى القصر إل في الحج‬
‫والعمرة والغزوة‪ .‬وهذا باطسل؛ لن ذلك لم ينقسل عنهسا ول عرف مسن مذهبهسا‪ ،‬ثسم هسي قسد أتمست فسي‬
‫سسفرها إلى علي‪ .‬وأحسسن مسا قيسل فسي قصسرها وإتمامهسا أنهسا أخذت برخصسة ال؛ لتري الناس‪ ،‬أن‬
‫التمام ليسس فيسه حرج وإن كان غيره أفضسل‪ .‬وقسد قال عطاء‪ :‬القصسر سسنة ورخصسة‪ ،‬وهو الراوي‬
‫عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صام وأفطر وأتم الصلة وقصر في السفر‪ ،‬رواه‬
‫طلحسة بسن عمسر‪ .‬وعنسه قال‪ :‬كسل ذلك كان يفعسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬صسام وأفطسر‬
‫وقصسر الصسلة وأتسم‪ .‬وروى النسسائي بإسسناد صسحيح أن عائشسة اعتمرت مسع رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬بأبي أنت وأمي ! قصرت‬
‫وأتممست وأفطرت وصسمت ؟ فقال‪( :‬أحسسنت يسا عائشسة ) ومسا عاب علي‪ .‬كذا هسو مقيسد بفتسح التاء‬
‫الولى وضم الثانية في الكلمتين‪ .‬وروى الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬
‫يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم؛ قال إسناده صحيح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تقصسروا من الصلة ""أن "فسي موضع نصب‪ ،‬أي في أن تقصسروا‪ .‬قال أبو‬
‫عبيسد‪ :‬فيهسا ثلث لغات‪ :‬قصسرت الصسلة وقصسرتها وأقصسرتها‪ .‬واختلف العلماء فسي تأويله‪ ،‬فذهسب‬
‫جماعسة مسن العلماء إلى أنسه القصسر إلى اثنتيسن مسن أربسع فسي الخوف وغيره؛ لحديسث يعلي بسن أميسة‬
‫على مسا يأتسي‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إنمسا هسو قصسر الركعتيسن إلى ركعسة‪ ،‬والركعتان فسي السسفر إنمسا هسي‬
‫تمام‪ ،‬كمسا قال عمسر رضسي ال عنسه‪ :‬تمام غيسر قصسر‪ ،‬وقصسرها أن تصسير ركعسة‪ .‬قال السسدي‪ :‬إذا‬
‫صليت في السفر ركعتين فهو تمام‪ ،‬والقصر ل يحل إل أن تخاف‪ ،‬فهذه الية مبيحة أن تصلي كل‬
‫طائفسة ركعسة ل تزيسد عليهسا شيئا‪ ،‬ويكون للمام ركعتان‪ .‬وروي نحوه عسن ابسن عمسر وجابر بسن‬
‫عبدال وكعسب‪ ،‬وفعله حذيفسة بطبرسستان وقسد سسأله الميسر سسعيد بسن العاص عسن ذلك‪ .‬وروى ابسن‬
‫عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة لكل طائفة ولم يقضوا‪.‬‬
‫وروى جابر بسن عبدال أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم صسلى كذلك بأصسحابه يوم محارب خصسفة‬
‫وبني ثعلبة‪ .‬وروى أبو هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬في صسحيح مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬فرض ال الصسلة على لسان نسبيكم صلى ال عليه‬
‫وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة‪ .‬وهذا يؤيد هذا القول ويعضده‪ ،‬إل‬
‫أن القاضي أبا بكر بن العربي ذكر في كتابه المسمى (بالقبس)‪ :‬قال علماؤنا رحمة ال عليهم هذا‬
‫الحديث مردود بالجماع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ل يصسسح‪ ،‬وقسسد ذكسسر هسسو وغيره الخلف والنزاع فلم يصسسح مسسا ادعوه مسسن الجماع‬
‫وبال التوفيق‪ .‬وحكى أبو بكر الرازي الحنفي في (أحكام القرآن ) أن المراد بالقصر ههنا القصر‬
‫فسسي صسسفة الصسسلة بترك الركوع والسسسجود إلى اليماء‪ ،‬وبترك القيام إلى الركوع‪ .‬وقال آخرون‪:‬‬
‫هذه الية مبيحة للقصسر من حدود الصلة وهيئتهسا عند المسايفة واشتعال الحرب‪ ،‬فأبيح لمن هذه‬
‫حاله أن يصسسلي إيماء برأسسسه‪ ،‬ويصسسلي ركعسسة واحدة حيسسث توجسسه‪ ،‬إلى تكسسبيرة؛ على مسسا تقدم فسسي‬
‫"البقرة"‪ .‬ورجسح الطسبري هذا القول وقال‪ :‬إنسه يعادل قوله تعالى‪" :‬فإذا اطمأننتسم فأقيموا الصسلة‬
‫"[النساء‪ ]103 :‬أي بحدودها وهيئتها الكاملة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه القوال الثلثة في المعنى متقاربة‪ ،‬وهي مبنية على أن فرض المسافر القصر‪ ،‬وإن‬
‫الصسلة فسي حقسه مسا نزلت إل ركعتيسن‪ ،‬فل قصسر‪ .‬ول يقال فسي العزيمسة ل جناح‪ ،‬ول يقال فيمسا‬
‫شرع ركعتيسن إنسه قصسر‪ ،‬كمسا ل يقال فسي صسلة الصسبح ذلك‪ .‬وذكسر ال تعالى القصسر بشرطيسن‬
‫والذي يعتسسبر فيسسه الشرطان صسسلة الخوف؛ هذا مسسا ذكره أبسسو بكسسر الرازي فسسي (أحكام القرآن )‬
‫واحتج به‪ ،‬ورد عليه بحديث يعلى بن أمية على ما يأتي آنفا إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن خفتسم" خرج الكلم على الغالب‪ ،‬إذ كان الغالب على المسسلمين الخوف فسي‬
‫السفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر‪ :‬ما لنا نقصر وقد أمنا‪ .‬قال عمر‪ :‬عجبت مما عجبت‬
‫منسه فسسألت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عسن ذلك فقال‪( :‬صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم فاقبلوا‬
‫صدقته )‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقسد اسستدل أصسحاب الشافعسي وغيرهسم على الحنفيسة بحديسث يعلى بسن أميسة هذا فقالوا‪ :‬إن‬
‫قوله‪" :‬مسا لنسا نقصسر وقسد أمنسا "دليسل قاطسع على أن مفهوم اليسة القصسر فسي الركعات‪ .‬قال الكيسا‬
‫الطسبري‪ :‬ولم يذكسر أصسحاب أبسي حنيفسة على هذا تأويل يسساوي الذكسر؛ ثسم إن صسلة الخوف ل‬
‫يعتبر فيها الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في الرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في‬
‫بلدنا فتجوز صلة الخوف؛ فل يعتبر وجود الشرطين على ما قال‪ .‬وفي قراءة أبي "أن تقصروا‬
‫مسن الصسلة أن يفتنكسم الذيسن كفروا "بسسقوط "إن خفتسم"‪ .‬والمعنسى على قراءتسه‪ :‬كراهيسة أن يفتنكسم‬
‫الذيسن كفروا‪ .‬وثبست فسي مصسحف عثمان رضسي ال عنسه "إن خفتسم"‪ .‬وذهسب جماعسة إلى أن هذه‬
‫اليسة إنمسا هسي مبيحسة للقصسر فسي السسفر للخائف مسن العدو؛ فمسن كان آمنسا فل قصسر له‪ .‬روي عسن‬
‫عائشة رضى ال عنها أنها كانت تقول في السفر‪ :‬أتموا صلتكم؛ فقالوا‪ :‬إن رسول ال صلى ال‬
‫عليسه وسسلم كان يقصسر‪ ،‬فقالت‪ :‬إنسه كان فسي حرب وكان يخاف‪ ،‬وهسل أنتسم تخافون ؟‪ .‬وقال عطاء‪:‬‬
‫كان يتسم مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عائشسة وسسعد بسن أبسي وقاص وأتسم عثمان‪،‬‬
‫ولكسن ذلك معلل بعلل تقدم بعضهسا‪ .‬وذهسب جماعسة إلى أن ال تعالى لم يبسح القصسر فسي كتابسه إل‬
‫بشرطيسن‪ :‬السسفر والخوف‪ ،‬وفسي غيسر الخوف بالسسنة‪ ،‬منهسم الشافعسي وقسد تقدم‪ .‬وذهسب آخرون إلى‬
‫أن قوله تعالى‪" :‬إن خفتسم "ليسس متصسل بمسا قبسل‪ ،‬وإن الكلم تسم عنسد قوله‪" :‬مسن الصسلة "ثسم افتتسح‬
‫فقال‪" :‬إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "فأقسم لهسم يسا محمسد صسلة الخوف‪ .‬وقوله‪" :‬إن الكافريسن‪.‬‬
‫كانوا لكسسم عدوا مبينسسا "كلم معترض‪ ،‬قاله الجرجانسسي وذكره المهدوي وغيرهمسسا‪ .‬ورد هذا القول‬
‫القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي‪ .‬قال القشيري أبو نصر‪ :‬وفي الحمل على هذا تكلف شديد‪،‬‬
‫وإن أطنب الرجل ‪ -‬يريد الجرجاني ‪ -‬في التقدير وضرب المثلة‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬وهذا كله لم‬
‫يفتقر إليه عمر ول ابنه ول يعلي بن أمية معهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قسد جاء حديسث بمسا قاله الجرجانسي ذكره القاضسي أبسو الوليسد بسن رشسد فسي مقدماتسه‪ ،‬وابسن‬
‫عطيسة أيضسا فسي تفسسيره عسن علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه أنسه قال‪ :‬سسأل قوم مسن التجار‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالوا‪ :‬إنسا نضرب فسي الرض فكيسف نصسلي ؟ فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"وإذا ضربتسم فسي الرض فليسس عليسم جناح أن تقصسروا مسن الصسلة "ثسم انقطسع الكلم‪ ،‬فلمسا كان‬
‫بعسد ذلك بحول غزا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فصسلى الظهسر‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬لقسد أمكنكسم‬
‫محمسد وأصسحابه مسن ظهورهسم هل شددتسم عليهسم ؟ فقال قائل منهسم‪ :‬إن لهسم أخرى فسي أثرهسا فأنزل‬
‫ال تعالى بيسن الصسلتين "إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "إلى آخسر صسلة الخوف‪ .‬فإن صسح هذا‬
‫الخبر فليس لحد معه مقال‪ ،‬ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن‪ .‬وقد روى عن‬
‫ابسسن عباس أيضسسا مثله‪ ،‬قال‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬وإذا ضربتسسم فسسي الرض فليسسس عليكسسم جناح أن‬
‫تقصسروا من الصسلة "نزلت في الصلة فسي السفر‪ ،‬ثسم نزل "إن خفتم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "فسي‬
‫الخوف بعدهسا بعام‪ .‬فاليسة على هذا تضمنست قضيتيسن وحكميسن‪ .‬فقوله‪" :‬وإذا ضربتسم فسي الرض‬
‫فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة "يعني به في السفر؛ وتم الكلم‪ ،‬ثم ابتدأ فريضة أخرى‬
‫فقدم الشرط؛ والتقديسر‪ :‬إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة‪ .‬والواو‬
‫زائدة‪ ،‬والجواب "فلتقسم طائفسة منهسم معسك"‪ .‬وقوله‪" :‬إن الكافريسن كانوا لكسم عدوا مبينسا "اعتراض‪.‬‬
‫وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة‪ ،‬وهو حديث عمر إذ روى أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسسلم قال له‪( :‬هذه صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم فاقبلوا صسدقته )‪ .‬قال النحاس‪ :‬مسن جعسل قصسر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في غير خوف وفعله في ذلك ناسخا للية فقد غلط؛ لنه ليس في الية‬
‫منسع للقصسر فسي المسن‪ ،‬وإنمسا فيهسا إباحسة القصسر فسي الخوف فقسط‪" .‬أن يفتنكسم الذيسن كفروا" قال‬
‫الفراء‪ :‬أهسل الحجاز يقولون فتنست الرجسل‪ .‬وربيعسة وقيسس وأسسد وجميسع أهسل نجسد يقولون أفتنست‬
‫الرجل‪ .‬وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقال‪ :‬فتنته جعلت فيه فتنة مثل أكحلته‪ ،‬وافتنته جعلته مفتتنا‪.‬‬
‫وزعسم الصسمعي أنسه ل يعرف أفتنتسه‪" .‬إن الكافريسن كانوا لكسم عدوا مبينسا" "عدوا "ههنسا بمعنسى‬
‫أعداء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 102 :‬وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة فلتقسم طائفسة منهسم معسك وليأخذوا أسسلحتهم‬
‫فإذا سسجدوا فليكونوا مسن ورائكسم ولتأت طائفسة أخرى لم يصسلوا فليصسلوا معسك وليأخذوا حذرهسم‬
‫وأسسلحتهم ود الذيسن كفروا لو تغفلون عسن أسسلحتكم وأمتعتكسم فيميلون عليكسم ميلة واحدة ول جناح‬
‫عليكسم إن كان بكسم أذى مسن مطسر أو كنتسم مرضسى أن تضعوا أسسلحتكم وخذوا حذركسم إن ال أعسد‬
‫للكافرين عذابا مهينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة "روى الدارقطني عن أبي عياش الزرقي قال‪:‬‬
‫كنسا مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بعسسفان‪ ،‬فاسستقبلنا المشركون‪ ،‬عليهسم خالد بسن الوليسد وهسم‬
‫بيننا وبين القبلة‪ ،‬فصلى بنا النبي صلى ال عليه وسلم الظهر‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد كانوا على حال لو أصبنا‬
‫غرتهسم؛ قال‪ :‬ثسم قالوا تأتسي الن عليهسم صسلة هسي أحسب إليهسم مسن أبنائهسم وأنفسسهم؛ قال‪ :‬فنزل‬
‫جبريسل عليسه السسلم بهذه اليسة بيسن الظهسر والعصسر "وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة"‪ .‬وذكسر‬
‫الحديث‪ .‬وسيأتي تمامه إن شاء ال تعالى‪ .‬وهذا كان سبب إسلم خالد رضي ال عنه‪ .‬وقد اتصلت‬
‫هذه الية بما سبق من ذكر الجهاد‪ .‬وبين الرب تبارك وتعالى أن الصلة ل تسقط بعذر السفر ول‬
‫بعذر الجهاد وقتال العدو‪ ،‬ولكسن فيهسا رخسص على مسا تقدم فسي "البقرة "وهذه السسورة‪ ،‬بيانسه مسن‬
‫اختلف العلماء‪ .‬وهذه الية خطاب للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وهسو يتناول المراء بعده إلى يوم‬
‫القيامسة‪ ،‬ومثله قوله تعالى‪" :‬خسذ مسن أموالهسم صسدقة" [التوبسة‪ ]103 :‬هذا قول كافسة العلماء‪ .‬وشسذ‬
‫أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقال‪ :‬ل نصلي صلة الخوف بعد النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإن‬
‫الخطاب كان خاصا له بقوله تعالى‪" :‬وإذا كنت فيهم "وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لن النبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم ليسس كغيره فسي ذلك‪ ،‬وكلهسم كان يحسب أن يأتسم بسه ويصسلي خلفسه‪ ،‬وليسس أحسد‬
‫بعده يقوم فسي الفضسل مقامسه‪ ،‬والناس بعده تسستوي أحوالهسم وتتقارب؛ فلذلك يصسلي المام بفريسق‬
‫ويأمسر مسن يصسلي بالفريسق الخسر‪ ،‬وأمسا أن يصسلوا بإمام واحسد فل‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬إنسا قسد أمرنسا‬
‫باتباعه والتأسي به في غير ما آية وغير حديث‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن‬
‫تصسيبهم فتنسة‪[" ...‬النور‪ ]63 :‬وقال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬صسلوا كمسا رأيتمونسي أصسلي )‪ .‬فلزم‬
‫اتباعسه مطلقسا حتسى يدل دليسل واضسح على الخصسوص؛ ولو كان مسا ذكروه دليل على الخصسوص‬
‫للزم قصسر الخطابات على مسن توجهست له‪ ،‬وحينئذ كان يلزم أن تكون الشريعسة قاصسرة على مسن‬
‫خوطب بها؛ ثم إن الصحابة رضوان ال عليهم أجمعين اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلة‬
‫وعدوه إلى غير النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال‪ .‬وقد قال تعالى‪" :‬وإذا‬
‫رأيست‪ ،‬الذيسن يخوضون فسي آياتنسا فأعرض عنهسم حتسى يخوضوا فسي حديسث غيره "[النعام‪]68 :‬‬
‫وهذا خطاب له‪ ،‬وأمتسسه داخلة فيسه‪ ،‬ومثله كثيسسر‪ .‬وقال تعالى‪" :‬خسسذ مسن أموالهسسم صسسدقة "[التوبسة‪:‬‬
‫‪ ]103‬وذلك ل يوجب القتصار عليه وحده‪ ،‬وأن من بعده يقوم في ذلك مقامه؛ فكذلك في قوله‪:‬‬
‫"وإذا كنست فيهسم"‪ .‬أل ترى أن أبسا بكسر الصسديق فسي جماعسة الصسحابة رضسي ال عنهسم قاتلوا مسن‬
‫تأول فسي الزكاة مثسل مسا تأولتموه فسي صسلة الخوف‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬ليسس فسي أخسذ الزكاة التسي قسد‬
‫استوى فيها النبي صلى ال عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء ما يشبه صلة من صلى خلف النبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم وصسلى خلف غيره؛ لن أخسذ الزكاة فائدتهسا توصسيلها للمسساكين‪ ،‬وليسس فيهسا‬
‫فضل للمعطى كما في الصلة فضل للمصلي خلفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلتقسم طائفسة منهسم معسك" يعنسي جماعسة منهسم جماعسة منهسم تقسف معسك فسي الصسلة‪.‬‬
‫"ليأخذوا أسلحتهم "يعني الذين يصلون معك‪ .‬ويقال‪" :‬وليأخذوا أسلحتهم "الذين هم بإزاء العدو‪،‬‬
‫على مسا يأتسي بيانسه‪ .‬ولم يذكسر ال تعالى فسي اليسة لكسل طائفسة إل ركعسة واحدة‪ ،‬ولكسن روى فسي‬
‫الحاديث أنهم أضافوا إليها أخرى‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وحذفت الكسرة من قوله‪" :‬فلتقم "و "فليكونوا"‬
‫لثقلها‪ .‬وحكى الخفش والقراء والكسائي أن لم المر ولم كي ولم الجحود يفتحن‪ .‬وسيبويه يمنع‬
‫مسن ذلك لعلة موجبسة‪ ،‬وهسى الفرق بيسن لم الجسر ولم التأكيسد‪ .‬والمراد مسن هذا المسر النقسسام‪ ،‬أي‬
‫وسائرهم وجاه العدو حذر من توقع حملته‪.‬‬
‫وقسد اختلفست الروايات فسي هيئة صسلة الخوف‪ ،‬واختلف العلماء لختلفهسا؛ فذكسر ابسن القصسار‬
‫أنسه صسلى ال عليسه وسسلم صسلها فسي عشرة مواضسع‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬روي عسن النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم أنسه صسلى صسلة الخوف أربعسا وعشريسن مرة‪ .‬وقال المام أحمسد بسن حنبسل‪ ،‬وهسو إمام‬
‫أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه‪ :‬ل أعلم أنه روى في صلة الخوف إل حديث ثابت‪.‬‬
‫وهسي كلهسا صسحاح ثابتسة‪ ،‬فعلى أي حديسث صسلى منهسا المصسلي صسلة الخوف أجزأه إن شاء ال‪.‬‬
‫وكذلك قال أبو جعفر الطبري‪ .‬وأما مالك وسائر أصحابه إل أشهب فذهبوا في صلة الخوف إلى‬
‫حديث سهل بن أبي حثمة‪ ،‬وهو ما رواه في موطئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن‬
‫صسالح بسن خوات النصساري أن سسهل بسن أبسي حثمسة حدثسه أن صسلة الخوف أن يقوم المام ومعسه‬
‫طائفسة مسن أصسحابه وطائفسة مواجهسة العدو‪ ،‬فيركسع المام ركعسة وسسجد بالذيسن معسه ثسم يقوم‪ ،‬فإذا‬
‫اسستوى قائمسا ثبست‪ ،‬وأتموا لنفسسهم الركعسة الباقيسة ثسم يسسلمون وينصسرفون والمام قائم‪ ،‬فيكونون‬
‫وجاه العدو‪ ،‬ثم يقبل الخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء المام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم‬
‫يسلم‪ ،‬فيقومون ويركعون لنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون‪ .‬قال ابن القاسم صاحب مالك‪ :‬والعمل‬
‫عند مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬وقد كان يأخذ بحديث‬
‫مزيد بن رومان ثم رجع إلى هذا‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬حديث القاسم وحديث يزيد بن رومان كلهما عن‬
‫صالح بن خوات‪ :‬إل أن بينهما فصل في السلم‪ ،‬ففي حديث القاسم أن المام يسلم بالطائفة الثانية‬
‫ثم يقومون فيقضون لنفسهم الركعة‪ ،‬وفي حديث يزيد بن رومان أنه ينتظرهم ويسلم بهم‪ .‬وبه قال‬
‫الشافعسسي وإليسسه ذهسسب؛ قال الشافعسسي‪ :‬حديسسث يزيسسد بسسن رومان عسسن صسسالح بسسن خوات هذا أشبسسه‬
‫الحاديث في صلة الخوف بظاهر كتاب ال‪ ،‬وبه أقول‪ .‬ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم‬
‫القياس على سسائر الصسلوات‪ ،‬فسي أن المام ليسس له أن ينتظسر أحدا سسبقه بشيسء منهسا‪ ،‬وأن السسنة‬
‫المجتمسع عليهسا أن يقضسي المأمومون مسا سسبقوا بسه بعسد سسلم المام‪ .‬وقول أبسي ثور فسي هذا الباب‬
‫كقول مالك‪ ،‬وقال أحمد كقول الشافعي في المختار عنده؛ وكان ل يعيب من فعل شيئا من الوجه‬
‫المرومة في صلة الخوف‪.‬‬
‫وذهسب أشهسب مسن أصسحاب مالك إلى حديسث ابسن عمسر قال‪ :‬صسلى رسسول ال صسلى ال عليسه‬
‫وسلم صلة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الخرى مواجهة العدو‪ ،‬ثم انصرفوا وقاموا‬
‫مقام أصسحابهم مقبليسن على العدو‪ ،‬وجاء أولئك ثسم صسلى بهسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ركعسة ثسم‬
‫سسلم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬ثسم قضسى هؤلء ركعسة وهؤلء ركعسة‪ .‬وقال ابسن عمسر‪ :‬فإذا كان‬
‫خوف أكثسر مسن ذلك صسلى راكبسا أو قائمسا يومسئ إيماء‪ ،‬أخرجسه البخاري ومسسلم ومالك وغيرهسم‪.‬‬
‫وإلى هذه الصسفة ذهسب الوزاعسي‪ ،‬وهسو الذي ارتضاه أبسو عمسر بسن عبدالبر‪ ،‬قال‪ :‬لنسه أصسحها‬
‫إسنادا‪ ،‬وقد ورد بنقل أهل المدينة وبهم الحجة على من خالفهم‪ ،‬ولنه أشبه بالصول‪ ،‬لن الطائفة‬
‫الولى والثانيسة لم يقضوا الركعسة إل بعسد خروج النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن الصسلة‪ ،‬وهسو‬
‫المعروف من سنته المجتمع عليها في سائر الصلوات‪ .‬وأما الكوفيون‪ :‬أبو حنيفة وأصحابه إل أبا‬
‫يوسسف القاضسي يعقوب فذهبوا إلى حديسث عبدال بسن مسسعود‪ ،‬أخرجسه أبسو داود والدارقطنسي قال‪:‬‬
‫صسلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلة الخوف فقاموا صسفين‪ ،‬صسفا خلف النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم وصسفا مسستقبل العدو‪ ،‬فصسلى بهسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ركعسة؛ وجاء الخرون‬
‫فقاموا مقامهسم‪ ،‬واسستقبل هؤلء العدو فصسلى بهسم رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ثسم سسلم‪ ،‬فقام‬
‫هؤلء فصسلوا لنفسسهم ركعسة ثسم سسلموا ثسم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مسستقبلين العدو‪ ،‬ورجسع أولئك‬
‫إلى مقامهسم فصسلوا لنفسسهم ركعسة ثسم سسلموا‪ .‬وهذه الصسفة والهيئة هسي الهيئة المذكورة فسي حديسث‬
‫ابسن عمسر إل أن بينهمسا فرقسا؛ وهو أن قضاء أولئك فسي حديسث ابسن عمسر يظهسر أنسه فسي حالة واحدة‬
‫ويبقسسى المام كالحارس وحده‪ ،‬وههنسسا قضاؤهسسم متفرق على صسسفة صسسلتهم‪ .‬وقسسد تأول بعضهسسم‬
‫حديث ابن عمر على ما جاء في حديث ابن مسعود‪ .‬وقد ذهب إلى حديث ابن مسعود الثوري ‪ -‬في‬
‫إحدى الروايات الثلث عنسه ‪ -‬وأشهسب بسن عبدالعزيسز فيمسا ذكسر أبسو الحسسن اللخمسي عنسه‪ ،‬والول‬
‫ذكره أبو عمر وابن يونس وابن حبيب عنه‪ .‬وروى أبو داود من حديث حذيفة وأبي هريرة وابن‬
‫عمسر أنسه عليسه السسلم صسلى بكسل طائفسة ركعسة ولم يقضوا‪ ،‬وهسو مقتضسى حديسث ابسن عباس "وفسي‬
‫الخوف ركعسة"‪ .‬وهذا قول إسسحاق‪ .‬وقسد تقدم فسي "البقرة "الشارة إلى هذا‪ ،‬وأن الصسلة أولى بمسا‬
‫احتيسط لهسا‪ ،‬وأن حديسث ابسن عباس ل تقوم بسه حجسة‪ ،‬وقوله فسي حديسث حذيفسة وغيره‪" :‬ولم يقضوا‬
‫"أي في علم من روى ذلك‪ ،‬لنه قسد روي أنهسم قضوا ركعة في تلك الصلة بعينهسا‪ ،‬وشهادة من‬
‫زاد أولى‪ .‬ويحتمسسل أن يكون المراد لم يقضوا‪ ،‬أي لم يقضوا إذا أمنوا‪ ،‬وتكون فائدة أن الخائف إذا‬
‫أمسن ل يقضسي مسا صسلى على تلك الهيئة مسن الصسلوات فسي الخوف‪ ،‬قال جميعسه أبسو عمسر‪ .‬وفسي‬
‫صحيح مسلم عن جابر أنه عليه الصلة والسلم صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا‪ ،‬وصلى بالطائفة‬
‫الخرى ركعتيسسن‪ .‬قال‪ :‬فكان لرسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم أربسسع ركعات وللقوم ركعتان‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود والدارقطني من حديث الحسن عن أبي بكرة وذكرا فيه أنه سلم من كل ركعتين‪.‬‬
‫وأخرجسه الدارقطنسي أيضسا عسن الحسسن عسن جابر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلى بهسم‬
‫ركعتين ثم سلم‪ ،‬ثم صلى بالخرين ركعتين ثم سلم‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وبذلك كان الحسن يفتي‪ ،‬وروي‬
‫عسسن الشافعسسي‪ .‬وبسسه يحتسسج كسسل مسسن أجاز اختلف نيسسة المام والمأموم فسسي الصسسلة‪ ،‬وهسسو مذهسسب‬
‫الشافعي والوزاعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود‪ .‬وعضدوا هذا بحديث جابر‪ :‬أن معاذا كان‬
‫يصسلي مسع النسبي صسلى ال عليسه وسسلم العشاء ثسم يأتسي فيؤم قومسه‪ ،‬الحديسث‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬إنمسا‬
‫كان هذا فسي أول السسلم إذ كان يجوز أن تصسلي الفريضسة مرتيسن ثسم نسسخ ذلك‪ ،‬وال أعلم‪ .‬فهذه‬
‫أقاويل العلماء في صلة الخوف‪.‬‬
‫@وهذه الصسلة المذكورة فسي القرآن إنمسا يحتاج إليهسا والمسسلمون مسستدبرون القبلة ووجسه العدو‬
‫القبلة‪ ،‬وإنما اتفق هذا بذات الرقاع‪ ،‬فأما بعسفان والموضع الخر فالمسلمون كانوا في قبالة القبلة‪.‬‬
‫ومسا ذكرناه مسن سسبب النزول فسي قصسة خالد بسن الوليسد ل يلئم تفريسق القوم إلى طائفتيسن‪ ،‬فإن فسي‬
‫الحديث بعد قوله‪" :‬فأقمت لهم الصلة "قال‪ :‬فحضرت الصلة فأمرهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يأخذوا السسلح وصسفنا خلفسه صسفين‪ ،‬قال‪ :‬ثسم ركسع فركعنسا جميعسا‪ ،‬قال‪ :‬ثسم رفسع فرفعنسا جميعسا‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثسم سسجد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بالصسف الذي يليسه قال‪ :‬والخرون قيام يحرسسونهم‪ ،‬فلمسا‬
‫سسجدوا وقاموا جلس الخرون فسسجدوا فسي مكانهسم‪ ،‬قال‪ :‬ثسم تقدم هؤلء فسي مصساف هؤلء وجاء‬
‫هؤلء إلى مصساف هؤلء‪ ،‬قال‪ :‬ثسم ركسع فركعوا جميعسا‪ ،‬ثسم رفسع فرفعوا جميعسا‪ ،‬ثسم سسجد النسبي‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم والصسف الذي يليسه‪ ،‬والخرون قيام‪ ،‬يحرسسونهم فلمسا جلس الخرون سسجدوا‬
‫ثم سلم عليهم‪ .‬قال‪ :‬فصلها رسول ال صلى ال عليه وسلم مرتين‪ :‬مرة بعسفان ومرة في أرض‬
‫بني سليم‪ .‬وأخرجه أبو داود من حديث أبي عياش الزرقي وقال‪ :‬وهو قول الثوري وهو أحوطها‪.‬‬
‫وأخرجسه أبسو عيسسى الترمذي مسن حديسث أبسي هريرة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم نزل بيسن‬
‫ضجنان وعسسفان؛ الحديسث‪ .‬وفيسه أنسه عليسه السسلم صسدعهم صسدعين وصسلى بكسل طائفسة ركعسة‪،‬‬
‫فكانت للقوم ركعة ركعة‪ ،‬وللنبي صلى ال عليه وسلم ركعتان‪ ،‬قال‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وفسي الباب عسن عبدال بسن مسسعود وزيسد بسن ثابست وابسن عباس وجابر وأبسي عياش الزرقسي واسسمه‬
‫زيد بن الصامت‪ ،‬وابن عمر وحذيفة وأبي بكر وسهل بن أبي حثمة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تعارض بيسن هذه الروايات‪ ،‬فلعله صسلى بهسم صسلة كمسا جاء فسي حديسث أبسي عياش‬
‫مجتمعين‪ ،‬وصلى بهم صلة أخرى متفرقين كما جاء في حديث أبي هريرة‪ ،‬ويكون فيه حجة لمن‬
‫يقول صلة الخوف ركعة‪ .‬قال الخطابي‪ :‬صلة الخوف أنواع صلها النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫في أيام مختلفة وأشكال متباينة‪ ،‬يتوخى فيها كلها ما هو أحوط للصلة وأبلغ في الحراسة‪.‬‬
‫@واختلفوا في كيفية صلة المغرب‪ ،‬فروى الدارقطني عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم صلى بالقوم صلة المغرب ثلث ركعات ثم انصرفوا‪ ،‬وجاء الخرون فصلى بهم‬
‫ثلث ركعات‪ ،‬فكانسست للنسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم سسستا وللقوم ثلثسسا ثلثسسا‪ ،‬وبسسه قال الحسسسن‪.‬‬
‫والجمهور فسي صسلة المغرب على خلف هذا‪ ،‬وهسو أنسه يصسلي بالولى ركعتيسن وبالثانيسة ركعسة‪،‬‬
‫وتقضي على اختلف أصولهم فيه متى يكون ؟ هل قبل سلم المام أو بعده‪ .‬هذا قول مالك وأبي‬
‫حنيفسة‪ ،‬لنسه أحفسظ لهيئة الصسلة‪ .‬وقال الشافعسي‪ :‬يصسلي بالولى ركعسة‪ ،‬لن عليسا رضسي ال عنسه‬
‫فعلها ليلة الهرير‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫@واختلفوا فسي صسلة الخوف عنسد التحام الحرب وشدة القتال وخيسف خروج الوقست فقال مالك‬
‫والثوري والوزاعسسي والشافعسسي وعامسسة العلماء‪ :‬يصسسلي كيفمسسا أمكسسن‪ ،‬لقول ابسسن عمسسر‪ :‬فإن كان‬
‫خوف أكثسسر مسن ذلك فيصسلي راكبسا أو قائمسا يومسئ إيماء‪ .‬قال فسسي الموطسأ‪ :‬مسسستقبل القبلة وغيسر‬
‫مسستقبلها‪ ،‬وقسد تقدم فسي "البقرة "قول الضحاك وإسسحاق‪ .‬وقال الوزاعسي‪ :‬إن كان تهيسأ الفتسح ولم‬
‫يقدروا على الصسلة صسلوا إيماء كسل امرئ لنفسسه؛ فإن لم يقدروا على اليماء أخروا الصسلة حتسى‬
‫ينكشسسف القتال ويأمنوا فيصسسلوا ركعتيسسن‪ ،‬فإن لم يقدروا صسسلوا ركعسسة سسسجدتين‪ ،‬فإن لم يقدروا‬
‫يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا؛ وبه قال مكحول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكاه الكيا الطبري في "أحكام القرآن "له عن أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬قال الكيا‪ :‬وإذا كان‬
‫الخوف أشسسد مسسن ذلك وكان التحام القتال فإن المسسسلمين يصسسلون على مسسا أمكنهسسم مسسستقبلي القبلة‬
‫ومسستدبريها؛ وأبسو حنيفسة وأصسحابه الثلثسة متفقون على أنهسم ل يصسلون والحالة هذه بسل يؤخرون‬
‫الصسسلة‪ .‬وإن قاتلوا فسسي الصسلة قالوا‪ :‬فسسدت الصسلة وحكسي عسن الشافعسسي أنسه إن تابسسع الطعسسن‬
‫والضرب فسدت صلته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول يدل على صحة قول أنس‪ :‬حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر‪،‬‬
‫واشتسد اشتعال القتال فلم نقدر على الصسلة إل بعسد ارتفاع النهار؛ فصسليناها ونحسن مسع أبسي موسسى‬
‫ففتح لنا‪ .‬قال أنس‪ :‬وما يسرني بتلك الصلة الدنيا وما فيها‪ ،‬ذكره البخاري وإليه كان يذهب شيخنا‬
‫السستاذ أبسو جعفسر أحمسد بسن محمسد بسن محمسد القيسسي القرطسبي المعروف بأبسي حجسة؛ وهسو اختيار‬
‫البخاري فيما يظهر؛ لنه أردفه بحديث جابر‪ ،‬قال‪ :‬جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش‬
‫ويقول‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغرب‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬وأنا وال ما صليتها ) قال‪ :‬فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعد ما غربت الشمس‬
‫ثم صلى المغرب بعدها‪.‬‬
‫@ واختلفوا في صلة الطالب والمطلوب؛ فقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء‪ ،‬كل واحد‬
‫منهمسا يصسلي على دابتسه‪ .‬وقال الوزاعسي والشافعسي وفقهاء أصسحاب الحديسث وابسن عبدالحكسم‪ :‬ل‬
‫يصسسلي الطالب إل بالرض وهسسو الصسسحيح؛ لن الطلب تطوع‪ ،‬والصسسلة المكتوبسسة فرضهسسا أن‬
‫تصسلي بالرض حيثمسا أمكسن ذلك‪ ،‬ول يصسليها راكسب إل خائف شديسد خوفسه وليسس كذلك الطالب‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلفوا أيضسا فسي العسسكر إذا رأوا سسوادا فظنوه عدوا فصسلوا صسلة الخوف ثسم بان لهسم أنسه‬
‫غيسر شيسء؛ فلعلمائنسا فيسه روايتان‪ :‬إحداهمسا يعيدون‪ ،‬وبسه قال أبسو حنيفسة‪ .‬والثانيسة ل إعادة عليهسم‪،‬‬
‫وهسو أظهسر قولي الشافعسي‪ .‬ووجسه الولى أنهسم تسبين لهسم الخطسأ فعادوا إلى الصسواب كحكسم الحاكسم‪.‬‬
‫ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كما لو أخطؤوا القبلة؛ وهذا أولى لنهم فعلوا ما‬
‫أمروا به‪ .‬وقد يقال‪ :‬يعيدون في الوقت‪ ،‬فأما بعد خروجه فل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليأخذوا أسلحتهم "وقال‪" :‬وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم "هذا وصاة بالحذر وأخذ‬
‫السلح لئل ينال العدو أمله ويدرك فرصته‪ .‬والسلح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب‪ ،‬قال‬
‫عنترة‪:‬‬
‫سلحي بعد عري وافتضاح‬ ‫كسوت الجعد بني أبان‬
‫يقول‪ :‬أعرته سلحي ليمتنع بها بعد عريه من السلح‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬وليأخذوا أسلحتهم "يعني‬
‫الطائفسسة التسسي وجاه العدو‪ ،‬لن المصسسلية ل تحارب‪ .‬وقال غيره‪ :‬هسسي المصسسلية أي وليأخسسذ الذيسسن‬
‫صسلوا أول أسسلحتهم‪ ،‬ذكره‪ ،‬الزجاج‪ .‬قال‪ :‬ويحتمسل أن تكون الطائفسة الذيسن هسم فسي الصسلة أمروا‬
‫بحمسل السسلح؛ أي فلتقسم طائفسة منهسم معسك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهسب للعدو‪ .‬النحاس‪ :‬يجوز أن‬
‫يكون للجميسع؛ لنسه أهيسب‪ .‬للعدو‪ .‬ويحتمسل أن يكون للتسي وجاه العدو خاصسة‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬أكثسر‬
‫أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلحه إذا صلى في الخوف‪ ،‬ويحملون قوله‪" :‬وليأخذوا أسلحتهم‬
‫"على الندب؛ لنه شيء لول الخوف لم يجب أخذه؛ فكان المر به ندبا‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬أخذ‬
‫السلح في صلة الخوف واجب لمر ال به‪ ،‬إل لمن كان به أذى من مطر‪ ،‬فإن كان ذلك جاز له‬
‫وضع سلحه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬إذا صلوا أخذوا سلحهم عند الخوف‪ ،‬وبه قال الشافعي وهو نص‬
‫القرآن‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬ل يحملونهسا؛ لنسه لو وجسب عليهسم حملهسا لبطلت الصسلة بتركهسا‪ .‬قلنسا‪ :‬لم‬
‫يجب حملها لجل الصلة وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا سجدوا" الضمير في "سجدوا" للطائفة المصلية فلينصرفوا؛ هذا على بعض‬
‫الهيئات المرويسة‪ .‬وقيسل‪ :‬المعنسى فإذا سسجدوا ركعسة القضاء؛ وهذا على هيئة سسهل بسن أبسي حثمسة‪.‬‬
‫ودلت هذه الية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصلة؛ وهو كقوله عليه السلم‪( :‬إذا دخل‬
‫أحدكسسم المسسسجد فليسسسجد سسسجدتين )‪ .‬أي فليصسسل ركعتيسسن وهسسو فسسي السسسنة‪ .‬والضميسسر فسسي قوله‪:‬‬
‫"فليكونوا "يحتمل أن يكون للذين سجدوا‪ ،‬ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أول بإزاء العدو‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ود الذين كفروا" أي تمنى وأحب الكافرون غفلتكم عن أخذ السلح ليصلوا إلى‬
‫مقصسودهم؛ فسبين ال تعالى بهذا وجسه الحكمسة فسي المسر بأخسذ السسلح‪ ،‬وذكسر الحذر فسي الطائفسة‬
‫الثانيسة دون الولى؛ لنهسا أولى بأخسذ الحذر‪ ،‬لن العدو ل يؤخسر قصسده عسن هذا الوقست لنسه آخسر‬
‫الصسسلة؛ وأيضسسا يقول العدو قسسد أثقلهسسم السسسلح وكلوا‪ .‬وفسسي هذه اليسسة أدل دليسسل على تعاطسسي‬
‫السسسباب‪ ،‬واتخاذ كسسل مسسا ينجسسي ذوي اللباب‪ ،‬ويوصسسل إلى السسسلمة‪ ،‬ويبلغ دار الكرامسسة‪" .‬ميلة‬
‫واحدة" مبالغة‪ ،‬أي مستأصلة ل يحتاج معها إلى ثانية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جناح عليكسم إن كان بكسم أذى مسن مطسر" اليسة‪ .‬للعلماء فسي وجوب حمسل‬
‫السسلح فسي الصسلة كلم قسد أشرنسا إليسه‪ ،‬فإن لم يجسب فيسستحب للحتياط‪ .‬ثسم رخسص فسي المطسر‬
‫وضعه؛ لنه تبتل المبطنات وتثقل ويصدأ الحديد‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في النبي صلى ال عليه وسلم يوم‬
‫بطن نخلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يوما مطيرا وخرج النبي صلى ال‬
‫عليسه وسسلم لقضاء حاجتسه واضعسا سسلحه‪ ،‬فرآه الكفار منقطعسا عسن أصسحابه فقصسده غورث بسن‬
‫الحارث فانحدر عليسه مسن الجبسل بسسيفه‪ ،‬فقال‪ :‬مسن يمنعسك منسي اليوم ؟ فقال‪( :‬ال ) ثسم قال‪( :‬اللهسم‬
‫اكفني الغورث بما شئت )‪ .‬فأهوى بالسيف إلى النبي صلى ال عليه وسلم ليضربه‪ ،‬فانكب لوجهه‬
‫لزلقة زلقها‪ .‬وذكر الواقدي أن جبريل عليه السلم دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة‪ ،‬وسقط‬
‫السسيف مسن يده فأخذه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وقال‪( :‬مسن يمنعسك منسي يسا غورث ) ؟ فقال‪ :‬ل‬
‫أحسد‪ .‬فقال‪( :‬تشهسد لي بالحسق وأعطيسك سسيفك ) ؟ قال‪ :‬ل؛ ولكسن أشهسد أل أقاتلك بعسد هذا ول أعيسن‬
‫عليسسك عدوا؛ فدفسسع إليسسه السسسيف ونزلت اليسسة رخصسسة فسسي وضسسع السسسلح فسسي المطسسر‪ .‬ومرض‬
‫عبدالرحمسسن بسسن عوف مسسن جرح كمسسا فسسي صسسحيح البخاري‪ ،‬فرخسسص ال سسسبحانه لهسسم فسسي ترك‬
‫السسلح والتأهب للعدو بعذر المطسر‪ ،‬ثسم أمرهسم فقال‪" :‬خذوا حذركم "أي كونوا متيقظيسن‪ ،‬وضعتسم‬
‫السسسلح أو لم تضعوه‪ .‬وهذا يدل على تأكيسسد التأهسسب والحذر مسسن العدو فسسي كسسل الحوال وترك‬
‫السسستسلم؛ فإن الجيسسش مسسا جاءه مصسساب قسسط إل مسسن تفريسسط فسسي حذر‪ .‬وقال الضحاك‪ .‬فسسي قوله‬
‫تعالى‪" :‬وخذوا حذركم "يعني تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 104 - 103 :‬فإذا قضيتسم الصسلة فاذكروا ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم فإذا‬
‫اطمأننتسم فأقيموا الصسلة إن الصسلة كانست على المؤمنيسن كتابسا موقوتسا‪ ،‬ول تهنوا فسي ابتغاء القوم‬
‫إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من ال ما ل يرجون وكان ال عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قضيتم" معناه فرغتم من صله الخوف وهذا يدل على أن القضاء يستعمل فيما‬
‫قد فعل قي وقته؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬فإذا قضيتم مناسككم "[البقرة‪ ]200 :‬وقد تقدم‪ .‬الثانية‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬فاذكروا ال قيامسسا وقعودا وعلى جنوبكسسم "ذهسسب الجمهور إلى أن هذا الذكسسر المأمور بسسه‪.‬‬
‫إنمسا هسو إثسر صسلة الخوف؛ أي إذا فرغتسم مسن الصسلة فاذكروا ال بالقلب واللسسان‪ ،‬على أي حال‬
‫كنتسم "قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم "وأديموا ذكره بالتكسبير والتهليسل والدعاء بالنصسر ل سسيما فسي‬
‫حال القتال‪ .‬ونظيره "إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون "[النفال‪ .]45 :‬ويقال‪:‬‬
‫"فإذا قضيتم الصلة "بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب‪ ،‬أو قياما أو قعودا أو‬
‫على جنوبكسم إن لم تسستطيعوا القيام‪ ،‬إذا كان خوفسا أو مرضسا؛ كمسا قال تعالى فسي آيسة أخرى‪" :‬فإن‬
‫خفتسم فرجال أو ركبانسا" [البقرة‪ ]239 :‬وقال قوم‪ :‬هذه اليسة نظيرة التسي فسي "آل عمران "؛‬
‫فروي أن عبدال بسن مسسعود رأى الناس يضجون فسي المسسجد فقال‪ :‬مسا هذه الضجسة ؟ قالوا‪ :‬أليسس‬
‫ال تعالى يقول "فاذكروا ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم" ؟ قال‪ :‬إنمسا يعنسي بهذا الصسلة المكتوبسة‬
‫إن لم تسستطع قائمسا فقاعدا‪ ،‬وإن لم تسستطع فصسل على جنبسك‪ .‬فالمراد نفسس الصسلة؛ لن الصسلة‬
‫ذكر ال تعالى‪ ،‬وقد اشتملت على الذكار المفروضة والمسنونة؛ والقول الول أظهر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا اطمأننتم" أي أمنتم‪ .‬والطمأنينة سكون النفس من الخوف‪" .‬فأقيموا الصلة"‬
‫أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر‪ ،‬وبكمال عددها في الحضر‪" .‬إن الصلة كانت على‬
‫المؤمنين كتابا موقوتا" أي مؤقتة مفروضة‪ .‬وقال زيد بن أسلم‪" :‬موقوتا "منجما‪ ،‬أي تؤدونها في‬
‫أنجمهسسا؛ والمعنسسى عنسد أهسل اللغسة‪ :‬مفروض لوقست بعينسه؛ يقال‪ :‬وقتسه فهسو موقوت‪ .‬ووقتسه فهسو‬
‫مؤقت‪ .‬وهذا قول زيد بن أسلم بعينه‪ .‬وقال‪" :‬كتابا "والمصدر مذكر؛ فلهذا قال‪" :‬موقوتا"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تهنوا" أي ل تضعفوا‪ ،‬وقد تقدم في "آل عمران"‪" .‬في ابتغاء القوم" طلبهم‪.‬‬
‫قيل‪ :‬نزلت في حرب أحد حيث أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين‪ ،‬وكان‬
‫بالمسسلمين جراحات‪ ،‬وكان أمسر أل يخرج معسه إل مسن كان فسي الوقعسة‪ ،‬كمسا تقدم فسي "آل عمران"‬
‫وقيل‪ :‬هذا في كل جهاد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تكونوا تألمون" أي تتألمون ممسا أصسابكم مسن الجراح فهسم يتألمون أيضسا ممسا‬
‫يصسيبهم‪ ،‬ولكسم مزيسة وهسي أنكسم ترجون ثواب ال وهسم ل يرجونسه؛ وذلك أن مسن ل يؤمسن بال‪ .‬ل‬
‫يرجون مسن ال شيئا‪ .‬ونظيسر هذه اليسة "إن يمسسسكم قرح فقسد مسس القوم قرح مثله "[آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]140‬وقد تقدم‪ .‬وقرأ عبدالرحمن العرج "أن تكونوا "بفتح الهمزة‪ ،‬أي لن وقرأ منصور بن‬
‫المعتمر "إن تكونوا تألمون "بكسر التاء‪ .‬ول يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها‪ .‬ثم‬
‫قيسل‪ :‬الرجاء هنسا بمعنسى الخوف؛ لن مسن رجسا شيئا فهسو غيسر قاطسع بحصسوله فل يخلو مسن خوف‬
‫فوت مسا يرجسو‪ .‬وقال الفراء والزجاج‪ :‬ل يطلق الرجاء بمعنسى الخوف إل مسع النفسي؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"مسا لكسم ل ترجون ل وقارا "[نوح‪ ]13 :‬أي ل تخافون ل عظمسة‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬للذيسن ل‬
‫يرجون أيام ال "[الجاثية‪ ]14 :‬أي ل يخافون‪ .‬قال القشيري‪ :‬ول يبعد ذكر الخوف من غير أن‬
‫يكون في الكلم نفي‪ ،‬ولكنها ادعيا أنه لم يوجد ذلك إل مع النفي‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 105 :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين‬
‫خصيما}‬
‫@ في هذه الية تشريف للنبي صلى ال عليه وسلم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه‪ ،‬وتقويم أيضا‬
‫على الجادة فسي الحكسم‪ ،‬وتأنيسب على مسا رفسع إليسه مسن أمسر بنسي أبيرق ! وكانوا ثلثسة إخوة‪ :‬بشسر‬
‫وبشيسر ومبشسر‪ ،‬وأسسير بسن عروة ابسن عسم لهسم؛ نقبوا مشربسة لرفاعسة بسن زيسد فسي الليسل وسسرقوا‬
‫أدراعا له وطعاما‪ ،‬فعثر على ذلك‪ .‬وقيل إن السارق بشير وحده‪ ،‬وكان يكنى أبا طعمة أخذ درعا؛‬
‫قيسل‪ :‬كان الدرع فسي جراب فيسه دقيسق‪ ،‬فكان الدقيسق ينتثسر مسن خرق فسي الجراب حتسى انتهسى إلى‬
‫داره‪ ،‬فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى ال عليه وسلم؛ فجاء‬
‫أسير بن عروة إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن هؤلء عمدوا إلى أهل بيت‬
‫هم أهل صلح ودين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة؛ وجعل يجادل عنهم حتى غضب‬
‫رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم على قتادة ورفاعسسة؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تجادل عسسن الذيسسن‬
‫يختانون أنفسهم "[النساء‪ ]107 :‬الية‪ .‬وأنزل ال تعالى‪" :‬ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به‬
‫بريئا "[النسساء‪ ]112 :‬وكان البريسء الذي رموه بالسسرقة لبيسد بسن سسهل‪ .‬وقيسل‪ :‬زيسد بسن السسمين‬
‫وقيسل‪ :‬رجسل مسن النصسار‪ .‬فلمسا أنزل ال مسا أنزل‪ ،‬هرب ابسن أبيرق السسارق إلى مكسة‪ ،‬ونزل على‬
‫سلفة بنت سعد بن شهيد؛ فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ينازعها جلد استها وتنازعه‬ ‫وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت‬
‫وفينا نبي عنده الوحي واضعه‬ ‫ظننتم بأني خفي الذي قد صنعتمو‬
‫فلمسا بلغهسا قالت‪ :‬إنمسا أهديست لي شعسر حسسان؛ وأخذت رحله فطرحتسه خارج المنزل‪ ،‬فهرب إلى‬
‫خيسبر وأرتسد‪ .‬ثسم إنسه نقسب بيتسا ذات ليلة ليسسرق فسسقط الحائط عليسه فمات مرتدا‪ .‬ذكسر هذا الحديسث‬
‫بكثيسر مسن ألفاظسه الترمذي وقال‪ :‬حديسث حسسن غريسب‪ ،‬ل نعلم أحدا أسسنده غيسر محمسد بسن سسلمة‬
‫الحرانسي‪ .‬وذكره الليسث والطسبري بألفاظ مختلفسة‪ .‬وذكسر قصسة موتسه يحيسى بسن سسلم فسي تفسسيره‪،‬‬
‫والقشري كذلك وزاد ذكسر الردة‪ .‬ثم قيل‪ :‬كان زيسد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين‪ .‬وقيل‪ :‬كان‬
‫لبيد مسلما‪ .‬وذكره المهدوي‪ ،‬وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له‪ ،‬فدل ذلك على إسلمه عنده‪.‬‬
‫وكان بشيسر رجل منافقسا يهجسو أصسحاب النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وينحسل الشعسر غيره‪ ،‬وكان‬
‫المسلمون يقولون‪ :‬وال ما هو إل شعر الخبيث‪ .‬فقال شعرا يتنصل فيه؛ فمنه قوله‪:‬‬
‫نحلت وقالوا ابن البيرق قالها‬ ‫أو كلما قال الرجال قصيدة‬
‫وقال الضحاك‪ :‬أراد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن يقطسع يده وكان مطاعسا‪ ،‬فجاءت اليهود شاكيسن‬
‫في السلح فأخذوه وهربوا به؛ فنزل "ها أنتم هؤلء "[النساء‪ ]109 :‬يعني اليهود‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بمسا أراك ال" معناه على قوانيسن الشرع؛ إمسا بوحسي ونسص‪ ،‬أو بنظسر جار على‬
‫سسنن الوحسي‪ .‬وهذا أصسل فسي القياس؛ وهسو يدل على أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إذا رأى شيئا‬
‫أصساب؛ لن ال تعالى أراه ذلك‪ ،‬وقسد ضمسن ال تعالى لنسبيائه العصسمة؛ فأمسا أحدنسا إذا رأى شيئا‬
‫يظنسه فل قطسع فيمسا رآه‪ ،‬ولم يرد رؤيسة العيسن هنسا؛ لن الحكسم ل يرى بالعيسن‪ .‬وفسي الكلم إضمار‪،‬‬
‫أي بما أراكه ال‪ ،‬وفيه إضمار آخر‪ ،‬وامض الحكام على ما عرفناك من غير اغترار باستدللهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تكسن للخائنيسن خصسيما" اسسم فاعسل؛ كقولك‪ :‬جالسسته فأنسا جليسسه‪ ،‬ول يكون‬
‫فعيل هنسسا بمعنسسى مفعول؛ يدل على ذلك "ول تجادل "فالخصسسيم هسسو المجادل وجمسسع الخصسسيم‬
‫خصماء‪ .‬وقيل‪ :‬خصيما مخاصما اسم فاعل أيضا‪ .‬فنهى ال عز وجل رسول عن عضد أهل التهم‬
‫والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة‪ .‬وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في‬
‫الخصسومة ل تجوز‪ .‬فل يجوز لحسد أن يخاصسم عسن أحسد إل بعسد أن يعلم أنسه محسق‪ .‬ومشسى الكلم‬
‫فسي السسورة على حفسظ أموال اليتامسى والناس؛ فسبين أن مال الكافسر محفوظ عليسه كمال المسسلم‪ ،‬إل‬
‫في الموضع الذي أباحه ال تعالى‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬ول ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق منهم فريقا عنهم ليحموهم‬
‫ويدفعوا عنهم؛ فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى ال عليه وسلم وفيهم نزل قوله تعالى‪" :‬ول‬
‫تكسسسن للخائنيسسسن خصسسسيما "وقوله‪" :‬ول تجادل عسسسن الذيسسسن يختانون أنفسسسسهم "[النسسسساء‪.]107 :‬‬
‫والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد منه الذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين‪:‬‬
‫أحدهمسا‪ :‬أنسه تعالى أبان ذلك بمسا ذكره بعسد بقوله‪" :‬هسا أنتسم هؤلء جادلتسم عنهسم فسي الحياة الدنيسا‬
‫"[النساء‪ .]109 :‬والخر‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان حكما فيما بينهم‪ ،‬ولذلك كان يعتذر‬
‫إليه ول يعتذر هو إلى غيره‪ ،‬فدل على أن القصد لغيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 106 :‬واستغفر ال إن ال كان غفورا رحيما}‬
‫@ ذهسب الطبري إلى أن المعنى‪ :‬استغفر ال مسن ذنبك فسي خصسامك للخائنيسن؛ فأمره بالسستغفار‬
‫لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي‪ .‬وهذا مذهب من جوز الصسغائر على النبياء‪ ،‬صلوات ال‬
‫عليهسم‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وهذا ليسس بذنسب؛ لن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إنمسا دافسع على الظاهسر‬
‫وهو يعتقد براءتهم‪ .‬والمعنى‪ :‬واستغفر ال للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل؛ ومحلك من‬
‫الناس أن تسسسمع مسسن المتداعييسسن وتقضسسي بنحسسو مسسا تسسسمع‪ ،‬وتسسستغفر للمذنسسب‪ .‬وقيسسل‪ :‬هسسو أمسسر‬
‫بالستغفار على طريق التسبيح‪ ،‬كالرجل يقول‪ :‬استغفر ال؛ على وجه التسبيح من غير أن يقصد‬
‫توبة من ذنب‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد بنو أبيرق‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬يا أيها‬
‫النبي اتق ال "[الحزاب‪" ،]1 :‬فإن كنت في شك "[يونس‪.]94 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 107 :‬ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن ال ل يحب من كان خوانا أثيما}‬
‫@أي ل تحاجسج عسن الذيسن يخونون أنفسسهم؛ نزلت فسي أسسير بسن عروة كمسا تقدم‪ .‬والمجادلة‬
‫المخاصمة‪ ،‬من الجدل وهو الفتل؛ ومنه رجل مجدول الخلق‪ ،‬ومنه الجدل للصقر‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫الجدالة وهي وجه الرض‪ ،‬فكل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها؛ قال العجاج‪:‬‬
‫وأترك العاجز بالجدالة‬ ‫قد أركب الحالة بعد الحالة‬
‫منعفرا ليست له محاله‬
‫الجدالة الرض؛ من ذلك قولهم‪ :‬تركته مجدل؛ أي مطروحا على الجدالة‪.‬‬
‫"إن ال ل يحب" أي ل يرضى عنه ول ينوه بذكر‪" .‬من كان خوانا أثيما" خائنا‪( .‬وخوانا ) أبلغ؛‬
‫لنه من أبنية المبالغة؛ وإنما كان ذلك لعظم قدر تلك الخيانة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 109 - 108 :‬يستخفون من الناس ول يستخفون من ال وهو معهم إذ يبيتون ما‬
‫ل يرضى من القول وكان ال بما يعملون محيطا‪ ،‬ها أنتم هؤلء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن‬
‫يجادل ال عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيل}‬
‫@قال الضحاك‪ :‬لمسسا سسسرق الدرع اتخسسذ حفرة فسسي بيتسسه وجعسسل الدرع تحسست التراب؛ فنزلت‬
‫"يستخفون من الناس ول يستخفون من ال "يقول‪ :‬ل يخفى مكان الدرع على ال "وهو معهم"‬
‫أي رقيسب حفيسظ عليهسم‪ .‬وقيسل‪" :‬يسستخفون مسن الناس "أي يسستترون‪ ،‬كمسا قال تعالى‪" :‬ومسن هسو‬
‫مستخف بالليل "[الرعد‪ ]10 :‬أي مستتر‪ .‬وقيل‪ :‬يستحيون من الناس‪ ،‬وهذا لن الستحياء سبب‬
‫السستتار‪ .‬ومعنسى "وهسو معهسم "أي بالعلم والرؤيسة والسسمع‪ ،‬هذا قول أهسل السسنة‪ .‬وقالت الجهميسة‬
‫والقدريسة والمعتزلة‪ :‬هو بكسل مكان‪ ،‬تمسسكا بهذه اليسة ومسا كان مثلهسا‪ ،‬قالوا‪ :‬لمسا قال "وهو معهسم"‬
‫ثبست أنسه بكسل مكان‪ ،‬لنسه قسد أثبست كونسه معهسم تعالى ال عسن قولهسم‪ ،‬فإن هذه صسفة الجسسام وال‬
‫تعالى متعال عسن ذلك أل ترى مناظرة بشسر فسي قول ال عسز وجسل‪" :‬مسا يكون مسن نجوى ثلثسة إل‬
‫هسو رابعهسم "[المجادلة‪ ]7 :‬حيسن قال‪ :‬هسو بذاتسه فسي كسل مكان فقال له خصسمه‪ :‬هسو فسي قلنسسوتك‬
‫وفي حشوك وفي جوف حمارك‪ .‬تعالى ال عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي ال عنه‪ .‬ومعنى‬
‫"يبيتون" يقولون‪ .‬قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس‪" .‬ما ل يرضى من القول" أي ما ل‬
‫يرضاه ال لهسسل طاعتسسه‪" .‬مسسن القول "أي مسسن الرأي والعتقاد‪ ،‬كقولك‪ :‬مذهسسب مالك الشافعسسي‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬القول "بمعنى المقول؛ لن نفس القول ل يبيت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ها أنتم هؤلء" يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه‪ .‬قال الزجاج‪:‬‬
‫"هؤلء" بمعنسى الذيسن‪" .‬جادلتسم" حاججتسم‪" .‬فسي الدنيسا فمسن يجادل ال عنهسم يوم القيامسة" اسستفهام‬
‫معناه النكار والتوبيسخ‪" .‬أم مسن يكون عليهسم وكيل" الوكيسل‪ :‬القائم بتدبيسر المور‪ ،‬فال تعالى قائم‬
‫بتدبير خلقه‪ .‬والمعنى‪ :‬ل أحد يقوم بأمرهم إذا أخذهم ال بعذابه وأدخلهم النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 110 :‬ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال يجد ال غفورا رحيما}‬
‫@قال ابسن عباس‪ :‬عرض ال التوبسة على بنسي أبيرق بهذه اليسة‪ ،‬أي "ومسن يعمسل سسوءا "بأن‬
‫يسرق "أو يظلم نفسه "بأن يشرك "ثم يستغفر ال" يعني بالتوبة‪ ،‬فإن الستغفار باللسان من غير‬
‫توبسة ل ينفسع‪ ،‬وقسد بيناه فسي "آل عمران"‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬نزلت اليسة فسي شأن وحشسي قاتسل حمزة‬
‫أشرك بال وقتسل حمزة‪ ،‬ثسم جاء إلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وقال‪ :‬إنسي لنادم فهسل لي مسن‬
‫توبسة ؟ فنزل‪" :‬ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه "اليسة‪ .‬وقيسل‪ :‬المراد بهذه اليسة العموم والشمول‬
‫لجميسع الخلق‪ .‬وروى سسفيان عسن أبسي إسسحاق عن السسود وعلقمسة قال‪ :‬قال عبدال بسن مسسعود من‬
‫قرأ هاتيسن اليتيسن مسن سسورة "النسساء "ثسم اسستغفر له‪" :‬ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه ثسم يسستغفر‬
‫ال يجسسد ال غفورا رحيمسسا"‪" .‬ولو أنهسسم إذ ظلموا أنفسسسهم جاؤوك فاسسستغفروا ال واسسستغفر لهسسم‬
‫الرسول لوجدوا ال توابا رحيما"[النساء‪ .]64 :‬وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬كنت إذا‬
‫سسمعت حديثسا مسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم نفعنسي ال بسه مسا شاء‪ ،‬وإذا سسمعته مسن غيره‬
‫حلفتسه‪ ،‬وحدثنسي أبسو بكسر وصسدق أبسو بكسر قال‪ :‬مسا مسن عبسد يذنسب ذنبسا ثسم يتوضسأ ويصسلي ركعتيسن‬
‫ويسستغفر ال إل غفسر له‪ ،‬ثسم تل هذه اليسة "ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه ثسم يسستغفر ال يجسد ال‬
‫غفورا رحيما"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 112 - 111 :‬ومسن يكسسب إثمسا فإنمسا يكسسبه على نفسسه وكان ال عليمسا حكيمسا‪،‬‬
‫ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يكسسب إثمسا" أي ذنبسا "فإنمسا يكسسبه على نفسسه" أي عاقبتسه عائدة عليسه‪.‬‬
‫والكسسب مسا يجسر بسه النسسان إلى نفسسه نفعسا أو يدفسع عنسه بسه ضررا؛ ولهذا ل يسسمى فعسل الرب‬
‫تعالى كسبا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسن يكسسب خطيئة أو إثمسا" قيسل‪ :‬همسا بمعنسى واحسد كرر لختلف اللفسظ تأكيدا‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬إنما فرق بين الخطيئة والثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد‪ ،‬والثم ل‬
‫يكون إل عسن عمسد‪ .‬وقيسل‪ :‬الخطيئة مسا لم تتعمده خاصسة كالقتسل بالخطسأ‪ .‬وقيسل‪ :‬الخطيئة الصسغيرة‪،‬‬
‫والثم الكبيرة‪ ،‬وهذه الية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم يرم به بريئا" قد تقدم اسم البريء في البقرة‪ .‬والهاء في "به "للثم أو للخطيئة‪.‬‬
‫لن معناها الثم‪ ،‬أولهما جميعا‪ .‬وقيل‪ :‬ترجع إلى الكسب‪" .‬فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" تشبيه؛ إذ‬
‫الذنوب ثقسسسل ووزر فهسسسي كالمحمولت‪ .‬وقسسسد قال تعالى‪" :‬وليحملن أثقالهسسسم وأثقال مسسسع أثقالهسسسم‬
‫"[العنكبوت‪ .]13 :‬والبهتان من البهت‪ ،‬وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء‪.‬‬
‫وروى مسسلم عسن أبسي هريرة أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال‪( :‬أتدرون مسا الغيبسة ) ؟ قالوا‪ :‬ال‬
‫ورسسوله أعلم؛ قال‪( :‬ذكرك أخاك بمسا يكره )‪ .‬قيسل‪ :‬أفرأيست إن كان فسي أخسي مسا أقول ؟ قال‪( :‬إن‬
‫كان فيسه مسا تقول فقسد اغتبتسه وإن لم يكسن فيسه فقسد بهتسه )‪ .‬وهذا نسص؛ فرمسي البريسء بهست له‪ .‬يقال‪:‬‬
‫بهتسسه بهتسسا وبهتسسا وبهتانسسا إذا قال عليسسه مسسا لم يفعله‪ .‬وهسسو بهات والمقول له مبهوت‪ .‬ويقال‪ :‬بهسست‬
‫الرجل (بالكسر ) إذا دهش وتحير‪ .‬وبهت (بالضم ) مثله‪ ،‬وأفصح منهما بهت‪ ،‬كما قال ال تعالى‪:‬‬
‫"فبهست الذي كفسر" [البقرة‪ ]258 :‬لنسه يقال‪ :‬رجسل مبهوت ول يقال‪ :‬باهست ول بهيست‪ ،‬قال‬
‫الكسائي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 :‬ولول فضل ال عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إل‬
‫أنفسسهم ومسا يضرونسك مسن شيسء وأنزل ال عليسك الكتاب والحكمسة وعلمسك مسا لم تكسن تعلم وكان‬
‫فضل ال عليك عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول فضسل ال عليسك ورحمتسه" مسا بعسد "لول" مرفوع بالبتداء عنسد سسيبويه‪،‬‬
‫والخسسبر محذوف ل يظهسسر‪ ،‬والمعنسسى‪" :‬ولول فضسسل ال عليسسك ورحمتسسه "بأن نبهسسك على الحسسق‪،‬‬
‫وقيسل‪ :‬بالنبوءة والعصسمة‪" .‬لهمست طائفسة منهسم أن يضلوك "عسن الحسق؛ لنهسم سسألوا رسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليهودي‪ ،‬فتفضل ال عز وجل على‬
‫رسوله عليه السلم بأن نبهه على ذلك وأعلمه إياه‪" .‬وما يضلون إل أنفسهم "لنهم يعملون عمل‬
‫الضاليسن‪ ،‬فوباله لهسم راجسع عليهسم‪" .‬ومسا يضرونسك مسن شيسء "لنسك معصسوم‪" .‬وأنزل ال عليسك‬
‫الكتاب والحكمسة" هذا ابتداء كلم‪ .‬وقيسل‪ :‬الواو للحال‪ ،‬كقولك‪ :‬جئتسك والشمسس طالعسة؛ ومنسه قول‬
‫امرئ القيس‪:‬‬
‫وقد أغتدي والطير في وكناتهما‬
‫فالكلم متصسسل‪ ،‬أي مسسا يضرونسسك مسسن شيسسء مسسع إنزال ال عليسسك القرآن‪" .‬والحكمسسة" القضاء‬
‫بالوحسي‪" .‬وعلمسك مسا لم تكسن تعلم" يعنسي مسن الشرائع والحكام وكان فضله عليسك كسبيرا‪ .‬و"تعلم"‬
‫فسسي موضسسع نصسسب؛ لنسسه خسسبر كان‪ .‬وحذفسست الضمسسة مسسن النون للجزم‪ ،‬وحذفسست الواو للتقاء‬
‫الساكنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 114 :‬ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين‬
‫الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات ال فسوف نؤتيه أجرا عظيما}‬
‫@أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير‪ ،‬وذكروه النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والنجوى‪:‬‬
‫السسر بيسن الثنيسن‪ ،‬تقول‪ :‬ناجيست فلنسا مناجاة ونجاء وهسم ينتجون ويتناجون‪ .‬ونجوت فلنسا أنجوه‬
‫نجوا‪ ،‬أي ناجيتسسه‪ ،‬فنجوى مشتقسسة مسسن نجوت الشيسسء أنجوه‪ ،‬أي خلصسسته وأفردتسسه‪ ،‬والنجوة مسسن‬
‫الرض المرتفع لنفراده بارتفاعه عما حوله‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫والمستكن كمن يمشي بقرواح‬ ‫فمن بنجوته كمن بعقوته‬
‫فالنجوى المسسارة‪ ،‬مصسدر‪ ،‬وقسد تسسمى بسه الجماعسة‪ ،‬كمسا يقال‪ :‬قوم عدل ورضسا‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وإذ هسم نجوى" [السسراء‪ ]47 :‬فعلى الول يكون المسر أمسر اسستثناء مسن غيسر الجنسس‪ .‬وهسو‬
‫الستثناء المنقطع‪ .‬وقد تقدم‪ ،‬وتكون "من" في موضع رفع‪ ،‬أي لكن من أمر بصدقة أو معروف‬
‫أو إصلح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير‪ .‬ويجوز أن تكون "من" في موضع خفض ويكون‬
‫التقديسر‪ :‬ل خيسر فسي كثيسر مسن نجواهسم إل نجوى مسن أمسر بصسدقة ثسم حذف‪ .‬وعلى الثانسي وهسو أن‬
‫يكون النجوى اسسما للجماعسة المنفرديسن‪ ،‬فتكون "مسن" فسي موضسع خفسض على البدل‪ ،‬أي ل خيسر‬
‫فسي كثيسر مسن نجواهسم إل فيمسن أمسر بصسدقة‪ .‬أو تكون فسي موضسع نصسب على قول مسن قال‪ :‬مسا‬
‫مررت بأحسسد إل زيدا‪ .‬وقال بعسسض المفسسسرين منهسسم الزجاج‪ :‬النجوى كلم الجماعسسة المنفردة أو‬
‫الثنيسن كان ذلك سسرا أو جهرا‪ ،‬وفيسه بعسد‪ .‬وال أعلم‪ .‬والمعروف لفسظ يعسم أعمال البر كلهسا‪ .‬وقال‬
‫مقاتل‪ :‬المعروف هنا الفرض‪ ،‬والول أصح‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كل معروف صدقة وإن‬
‫مسن المعروف أن تلقسى أخاك بوجسه طلق )‪ .‬وقال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬المعروف كاسسمه وأول‬
‫مسسن يدخسسل‪ ،‬الجنسسة يوم القيامسسة المعروف وأهله )‪ .‬وقال علي بسسن أبسسي طالب رضسسي ال عنسسه‪ :‬ل‬
‫يزهدنك في المعروف كفر من كفره‪ ،‬فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر‪ .‬وقال الحطيئة‪:‬‬
‫ل يذهب العرف بين ال والناس‬ ‫من يفعل الخير ل يعدم جوازيه‬
‫وأنشد الرياشي‪:‬‬
‫تحملها كفور أو شكور‬ ‫يد المعروف غنم حيث كانت‬
‫وعند ال ما كفر الكفور‬ ‫ففي شكور الشكور لها جزاء‬
‫وقال الماوردي‪" :‬فينبغسي لمسن يقدر على إسسداء المعروف أن يعجله حذار فواتسه‪ ،‬ويبادر بسه خيفسة‬
‫عجزه‪ ،‬وليعلم أنسه مسن فرص زمانسه‪ ،‬وغنائم إمكانسه‪ ،‬ول يهمله ثقسة بالقدرة عليسه‪ ،‬فكسم مسن واثسق‬
‫بالقدرة فاتت فأعقبت ندما‪ ،‬ومعول على مكنة زالت فأورثت خجل‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حتى ابتليت فكنت الواثق الخجل‬ ‫ما زلت أسمع كم من واثق خجل‬
‫ولو فطسن لنوائب دهره‪ ،‬وتحفسظ مسن عواقسب أمره لكانست مغانمسه مذخورة‪ ،‬ومغارمسه مجبورة‪ ،‬فقسد‬
‫روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه ل يدري‬
‫متسى يغلق عنسه )‪ .‬وروي عنسه صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال‪( :‬لكسل شيسء ثمرة وثمرة المعروف‬
‫السسسراح )‪ .‬وقيسسل لنوشروان‪ :‬مسسا أعظسسم المصسسائب عندكسسم ؟ قال‪ :‬أن تقدر على المعروف فل‬
‫تصطنعه حتى يفوت‪ .‬وقال عبدالحميد‪ :‬من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها‪ .‬وقال‬
‫بعض الشعراء‪:‬‬
‫فإن لكل خافقة سكون‬ ‫إذا هبت رياحك فاغتنمها‬
‫فما تدري السكون متى يكون‬ ‫ول تغفل عن الحسان فيها‬
‫وكتب بعض ذوي الحرمات إلى وال قصر في رعاية حرمته‪:‬‬
‫أم في الحساب تمن بالنعام‬ ‫أعلى الصراط تريد رعية حرمتي‬
‫لحوائجي من رقدة النوام‬ ‫للنفع في الدنيا أريدك‪ ،‬فأنتبه‬
‫وقال العباس رضسي ال عنسه‪ :‬ل يتسم المعروف إل بثلث خصسال‪ :‬تعجيله وتصسغيره وسستره‪ ،‬فإذا‬
‫عجلته هنأته‪ ،‬وإذا صغرته عظمته‪ ،‬وإذا سترته أتممته‪ .‬وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫أنه عندك مستور حقير‬ ‫زاد معروفك عندي عظما‬
‫وهو عند الناس مشهور خطير‬ ‫تتناساه كأن لم تأته‬
‫ومن شرط المعروف ترك المتنان به‪ ،‬وترك العجاب بفعله‪ ،‬لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط‬
‫الجر‪ .‬وقد تقدم في "البقرة "بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو إصلح بين الناس" عام في الدماء والموال والعراض‪ ،‬وفي كل شيء يقع‬
‫التداعسي والختلف فيسه بيسن المسسلمين‪ ،‬وفسي كسل كلم يراد بسه وجسه ال تعالى‪ .‬وفسي الخسبر‪( :‬كلم‬
‫ابن آدم كله عليه ل له إل ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر ال تعالى )‪ .‬فأما من‬
‫طلب الرياء والترؤس فل ينال الثواب‪ .‬وكتسب عمسر إلى أبسي موسسى الشعري رضسي ال عنسه‪ :‬رد‬
‫الخصسوم حتسى يصسطلحوا‪ ،‬فإن فصسل القضاء يورث بينهسم الضغائن‪ .‬وسسيأتي فسي "المجادلة "مسا‬
‫يحرم مسن المناجاة ومسا يجوز إن شاء ال تعالى‪ .‬وعسن أنسس بسن مالك رضسي ال عنسه أنسه قال‪ :،‬مسن‬
‫أصلح بين أثنين أعطاه ال بكل كلمة عتق رقبة‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم لبي أيوب‪( :‬أل‬
‫أدلك على صسدقة يحبهسا ال ورسسوله‪ ،‬تصسلح بيسن أناس إذا تفاسسدوا‪ ،‬وتقرب بينهسم إذا تباعدوا )‪.‬‬
‫وقال الوزاعسي‪ :‬مسا خطوة أحسب إلى ال عسز وجسل مسن خطوة فسي إصسلح ذات البيسن‪ ،‬ومسن أصسلح‬
‫بيسن اثنيسن كتسب ال له براءة مسن النار‪ .‬وقال محمسد بسن المنكدر‪ :‬تنازع رجلن فسي ناحيسة المسسجد‬
‫فملت إليهمسا‪ ،‬فلم أزل بهمسا حتسى اصسطلحا؛ فقال أبسو هريرة وهسو يرانسي‪ :‬سسمعت رسسول ال صسلى‬
‫ال عليسه وسسلم يقول‪( :‬مسن أصسلح بيسن أثنيسن اسستوجب ثواب شهيسد )‪ .‬ذكسر هذه الخبار أبسو مطيسع‬
‫مكحول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له‪ ،‬وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على‬
‫موضعها رضي ال عنه‪ .‬و(ابتغاء ) نصب على المفعول من أجله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 116 - 115 :‬ومسن يشاقسق الرسسول مسن بعسد مسا تسبين له الهدى ويتبسع غيسر سسبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا‪ ،‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك لمن يشاء ومن يشرك بال فقد ضل ضلل بعيدا}‬
‫@ قال العلماء‪ :‬هاتان اليتان نزلنا بسبب ابن أبيرق السارق‪ ،‬لما حكم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عليه بالقطسع وهرب إلى مكة وارتسد؛ قال سعيد بن جسبير‪ :‬لما صسار إلى مكسة نقب بيتسا بمكسة فلحقه‬
‫المشركون فقتلوه؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬إن ال ل يغفسسر أن يشرك بسسه "إلى قوله‪" :‬فقسسد ضسسل ضلل‬
‫بعيدا"‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬قدم نفسر مسن قريسش المدينسة وأسسلموا ثسم انقلبوا إلى مكسة مرتديسن فنزلت هذه‬
‫الية "ومن يشاقق الرسول"‪ .‬والمشاقة المعاداة‪ .‬والية وإن نزلت في سارق الدرع أو غيره فهي‬
‫عامسسة فسسي كسسل مسن خالف طريسسق المسسسلمين‪ .‬و"الهدى "‪ :‬الرشسسد والبيان‪ ،‬وقسسد تقدم‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"نوله مسا تولى "يقال‪ :‬إنسه نزل فيمسن ارتسد؛ والمعنسى؛ نتركسه ومسا يعبسد؛ عسن مجاهسد‪ .‬أي نكله إلى‬
‫الصسنام التسي ل تنفسع ول تضسر؛ وقال مقاتسل‪ .‬وقال الكلبسي؛ نزل قوله تعالى‪" :‬نوله مسا تولى "فسي‬
‫ابسسن أبيرق؛ لمسسا ظهرت حاله وسسسرقته هرب إلى مكسسة وارتسسد ونقسسب حائطسسا لرجسسل بمكسسة يقال له‪:‬‬
‫حجاج بن علط‪ ،‬فسقط فبقي في النقب حتى وجد على حاله‪ ،‬وأخرجوه من مكة؛ فخرج إلى الشام‬
‫فسرق بعض أموال القافلة فرجموه وقتلوه‪ ،‬فنزلت "نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا"‪.‬‬
‫وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو "نوِل ْه ""ونصلِ ْه "بجزم الهاء‪ ،‬والباقون بكسرها‪ ،‬وهما لغتان‪.‬‬
‫@ قال العلماء فسي قوله تعالى‪" :‬ومسن يشاقسق الرسسول "دليسل على صسحة القول بالجماع‪ ،‬وفسي‬
‫قوله تعالى‪" :‬إن ال ل يغفسسر أن يشرك بسسه "رد على الخوارج؛ حيسسث زعموا أن مرتكسسب الكسسبيرة‬
‫كافر‪ .‬وقد تقدم القول في هذا المعنى‪ .‬وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫مسا فسي القرآن آيسة أحسب إلي مسن هذه اليسة‪" :‬إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن‬
‫يشاء "قال‪ :‬هذا حديسث غريسب‪ .‬قال ابسن فورك‪ :‬وأجمسع أصسحابنا على أنسه ل تخليسد إل للكافسر‪ ،‬وأن‬
‫الفاسسق مسن أهسل القبلة إذا مات غيسر تائب فإنسه إن عذب بالنار فل محالة أنسه يخرج منهسا بشفاعسة‬
‫الرسسول؛ أو بابتداء رحمسة مسن ال تعالى‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إن شيخسا مسن العراب جاء إلى رسسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال‪ :‬يسا رسسول ال‪ ،‬إنسي شيسخ منهمسك فسي الذنوب والخطايسا‪ ،‬إل أنسي لم‬
‫أشرك بال شيئا منسذ عرفتسه وآمنست بسه‪ ،‬فمسا حالي عنسد ال ؟ فأنزل ال تعالى‪" :‬إن ال ل يغفسر أن‬
‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 117 :‬إن يدعون من دونه إل إناثا وإن يدعون إل شيطانا مريدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يدعون مسن دونسه" أي مسن دون ال "إل إناثسا"؛ نزلت فسي أهسل مكسة إذ عبدوا‬
‫الصسنام‪ .‬و"إن "نافيسة بمعنسى "مسا"‪ .‬و"إناثسا" أصسناما‪ ،‬يعنسي اللت والعزى ومناة‪ .‬وكان لكسل حسي‬
‫صسنم يعبدونسه ويقولون‪ :‬أنثسى بنسي فلن‪ ،‬قال الحسسن وابسن عباس‪ ،‬وأتسى مسع كسل صسنم شيطانسه‬
‫يتراءى للسسدنة والكهنسة ويكلمهسم؛ فخرج الكلم مخرج التعجسب؛ لن النثسى مسن كسل جنسس أخسسه؛‬
‫فهذا جهسسل ممسسن يشرك بال جمادا فيسسسميه أنثسسى‪ ،‬أو يعتقده أنثسسى‪ .‬وقيسسل‪" :‬إل إناثسسا "مواتسسا؛ لن‬
‫الموات ل روح له‪ ،‬كالخشبسسة والحجسسر‪ .‬والموات يخسسبر عنسسه كمسسا يخسسبر عسسن المؤنسسث ل تضاع‬
‫المنزلة؛ تقول‪ :‬الحجار تجبنسسي‪ ،‬كمسسا تقول‪ :‬المرأة تعجبنسسي‪ .‬وقيسسل‪" :‬إل إناثسسا "ملئكسسة؛ لقولهسسم‪:‬‬
‫الملئكسة بنات ال‪ ،‬وهسي شفعاؤنسا عنسد ال؛ عن الضحاك‪ .‬وقراءة ابسن عباس "إل وثنسا "بفتسح الواو‬
‫والثاء على إفراد اسم الجنس؛ وقرأ أيضا "وثنا "بضم الثاء والواو؛ جمع وثن‪ .‬وأوثان أيضا جمع‬
‫وثن مثل أسد وآساد‪ .‬النحاس‪ :‬ولم يقرأ به فيما علمت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قسد ذكسر أبسو بكسر النباري ‪ -‬حدثنسا أبسي حدثنسا نصسر بسن داود حدثنسا أبسو عبيسد حدثنسا حجاج‬
‫عسن ابسن جريسج عسن هشام بسن عروة عسن أبيسه عسن عائشسة رضسى ال عنهسا أنهسا كانست تقرأ‪" :‬إن‬
‫يدعون من دونه إل أوثانا"‪ .‬وقرأ ابن عباس أيضا "إل أثنا" كأنه جمع وثنا على وثان؛ كما تقول‪:‬‬
‫جمسسل وجمال‪ ،‬ثسسم جمسسع أوثانسسا على وثسسن؛ كمسسا تقول‪ :‬مثال ومثسسل؛ ثسسم أبدل مسسن الواو همزة لمسسا‬
‫انضمت؛ كما قال عز وجل‪" :‬وإذا الرسل أقتت "[المرسلت‪ ]11 :‬من الوقت؛ فأثن جمع الجمع‪.‬‬
‫وقرأ النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪" :‬إل أثنسا "جمسع أثيسن‪ ،‬كغديسر وغدر‪ .‬وحكسى الطسبري أنسه جمسع‬
‫إناث كثمار وثمسر‪ .‬حكسى هذه القراءة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أبسو عمرو الدانسي؛ قال‪ :‬وقرأ‬
‫بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يدعون إل شيطانا مريدا" يريد إبليس؛ لنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد‬
‫عبدوه؛ ونظيره فسي المعنسى‪" :‬اتخذوا أحبارهسم ورهبانهسم أربابسا مسن دون ال" [التوبسة‪ ]31 :‬أي‬
‫أطاعوهسم فيمسا أمروهسم بسه؛ ل أنهسم عبدوهسم‪ .‬وسسيأتي‪ .‬وقسد تقدم اشتقاق لفسظ الشيطان‪ .‬والمريسد‪:‬‬
‫العاتسسي المتمرد؛ فعيسسل مسسن مرد إذا عتسسا‪ .‬قال الزهري‪ :‬المريسسد الخارج عسسن الطاعسسة‪ ،‬وقسسد مرد‬
‫الرجسل يمرد مرودا إذا عتسا وخرج عسن الطاعسة‪ ،‬فهسو مارد ومريسد ومتمرد‪ .‬ابسن عرفسة هسو الذي‬
‫ظهسر شره؛ ومسن هذا يقال‪ :‬شجرة مرداء إذا تسساقط ورقهسا فظهرت عيدانهسا؛ ومنسه قيسل للرجسل‪:‬‬
‫أمرد‪ ،‬أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 118 :‬لعنه ال وقال لتخذن من عبادك نصيبا مفروضا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعنسه ال" أصسل اللعسن البعاد‪ ،‬وقسد تقدم‪ .‬وهسو فسي العرف إبعاد مقترن بسسخط‬
‫وغضب؛ فلعنسة ال على إبليس ‪ -‬عليه لعنة ال ‪ -‬على التعييسن جائزة‪ ،‬وكذلك سسائر الكفرة الموتسى‬
‫كفرعون وهامان وأبي جهل؛ فأما الحياء فقد مضى الكلم فيه في "البقرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال لتخذن مسسن عبادك نصسسيبا مفروضسسا" أي وقال الشيطان؛ والمعنسسى‪:‬‬
‫لسستخلصنهم‪ .‬بغوايتسي وأضلنهسم بإضللي‪ ،‬وهسم الكفرة والعصساة‪ .‬وفسي الخسبر (من كسل ألف واحسد‬
‫ل والباقي للشيطان )‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صسحيح معنسى؛ يعضده قوله تعالى لدم يوم القيامسة‪( :‬أبعسث بعسث النار فيقول‪ :‬ومسا‬
‫بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين )‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وبعث النار هو للمولود‬
‫مسمارا عند ولدته‪ ،‬ودورانهم به يوم أسبوعه‪ ،‬يقولون‪ :‬ليعرفه العمار‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 119 :‬ولضلنهسم ولمنينهسم ولمرنهسم فليبتكسن آذان النعام ولمرنهسم فليغيرن خلق‬
‫ال ومن يتخذ الشيطان وليا من دون ال فقد خسر خسرانا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولضلنهم" أي لصسرفنهم عن طريسق الهدى‪" .‬ولمنينهسم "أي لسولن لهم‪ ،‬مسن‬
‫التمنسي‪ ،‬وهذا ل ينحصسر إلى واحسد مسن المنيسة‪ ،‬لن كسل واحسد فسي نفسسه إنمسا يمنيسه بقدر رغبتسه‬
‫وقرائن حاله‪ .‬وقيسسل‪ :‬لمنينهسسم طول الحياة الخيسسر والتوبسسة والمعرفسسة مسسع الصسسرار‪" .‬ولمرنهسسم‬
‫فليبتكسن آذان النعام "البتسك القطسع‪ ،‬ومنسه سسيف باتسك‪ .‬أي أحملهسم على قطسع آذان البحيرة والسسائبة‬
‫ونحوه‪ .‬يقال‪ :‬بتكه وبتكه‪( ،‬مخففا ومشددا ) وفي يده قطعة‪ ،‬والجمع بتك‪ ،‬قال زهير‪:‬‬
‫طارت وفي كفه من ريشها بتك‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمرنهم فليغيرن خلق ال "اللمات كلها للقسم‪ .‬واختلف العلماء في هذا التغيير‬
‫إلى ماذا يرجع‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬هو الخصاء وفقء العين وقطع الذان‪ ،‬قال معناه ابن عباس وأنس‬
‫وعكرمة وأبو صالح‪ .‬وذلك كله تعذيب‪ ،‬للحيوان‪ ،‬وتحريم وتحليل بالطغيان‪ ،‬وقول بغير حجة ول‬
‫برهان‪ .‬والذان فسسي النعام جمال ومنفعسسة‪ ،‬وكذلك غيرهسسا مسسن العضاء‪ ،‬فلذلك رأى الشيطان أن‬
‫يغير بها خلق ال تعالى‪ .‬وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي‪( :‬وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم‬
‫وأن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما‬
‫لم أنزل بسه سسلطانا وأمرتهسم أن يغيروا خلقسي )‪ .‬الحديسث‪ ،‬أخرجسه القاضسي إسسماعيل ومسسلم أيضسا‪.‬‬
‫وروى إسماعيل قال‪ :‬حدثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي‬
‫الحوص عن أبيه قال‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا قشف الهيئة‪ ،‬قال‪( :‬هل لك من‬
‫مال ) ؟ قال قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال (من أي المال ) ؟ قلت‪ :‬من كل المال‪ ،‬من الخيل والبل والرقيق ‪ -‬قال‬
‫أبو الوليد‪ :‬والغنم ‪ -‬قال‪( :‬فإذا أتاك ال مال فلير عليك أثره ) ثم قال‪( :‬هل تنتج إبل قومك صحاحا‬
‫آذانهسا فتعمسد إلى موسسى فتشسق آذانهسا وتقول هذه بمسر وتشسق جلودهسا وتقول هذه صسرم لتحرمهسا‬
‫عليسك وعلى أهلك ) ؟ قال‪ :‬قلت أجسل‪ .‬قال‪( :‬وكسل مسا آتاك ال حسل وموسسى ال أحسد مسن موسسك‪،‬‬
‫وساعد ال أشد من ساعدك)‪ .‬قال قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت رجل نزلت به فلم يقرني ثم نزل بي‬
‫أفأقريه أم أكافئه ؟ فقال‪(:‬بل أقره )‪.‬‬
‫@ ولمسا كان هذا مسن فعسل الشيطان وأثره أمرنسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم "أن نسستشرف‬
‫العيسن والذن ول نضحسي بعوراء ول مقابلة ول مدابرة ول خرقاء ول شرقاء ) أخرجسه أبسو داود‬
‫عسن علي قال‪ :‬أمرنسا؛ فذكره‪ .‬المقابلة‪ :‬المقطوعسة طرف الذن‪ .‬والمدابرة المقطوعسة مؤخسر الذن‪.‬‬
‫والشرقاء‪ :‬مشقوقسسة الذن‪ .‬والخرقاء التسسي تخرق أذنهسسا السسسمة‪ .‬والعيسسب فسسي الذن مراعسسى عنسسد‬
‫جماعة العلماء‪ .‬قال مالك والليث‪ :‬المقطوعة الذن أو جل الذن ل تجزئ‪ ،‬والشق للميسم يجزئ‪،‬‬
‫وهسسو قول الشافعسسي وجماعسسة الفقهاء‪ .‬فإن كانسست سسسكاء‪ ،‬وهسسى التسسي خلقسست بل أذن فقال مالك‬
‫والشافعي‪ :‬ل تجوز‪ .‬وإن كانت صغيرة الذن أجزأت‪ ،‬وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك‪.‬‬
‫@ وأمسا خصساء البهائم فرخسص فيسه جماعسة مسن أهسل العلم إذا قصسدت فيسه المنفعسة إمسا لسسمن أو‬
‫غيره‪ .‬والجمهور من العلماء وجماعتهم على أنه ل بأس أن يضحي بالخصي‪ ،‬واستحسنه بعضهم‬
‫إذا كان أسمن من غيره‪ .‬ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبدالعزيز‪ .‬وخصى عروة بن الزبير‬
‫بغل له‪ .‬ورخسص مالك فسي خصساء ذكور الغنسم‪ ،‬وإنمسا جاز ذلك لنسه ل يقصسد بسه تعليسق الحيوان‬
‫بالدين لصنم يعبد‪ ،‬ول لرب يوحد‪ .‬وإنما يقصد به تطييب اللحم فيما يؤكل‪ ،‬وتقوية الذكر إذا انقطع‬
‫أمله عسن النثسى‪ .‬ومنهسم مسن كره ذلك‪ ،‬لقول النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬إنمسا يفعسل ذلك الذيسن ل‬
‫يعلمون )‪ .‬واختاره ابن المنذر وقال‪ :‬لن ذلك ثابت عن ابن عمر‪ ،‬وكان يقول‪ :‬هو نماء خلق ال؛‬
‫وكره ذلك عبدالملك بسن مروان‪ .‬وقال الوزاعسي‪ :‬كانوا يكرهون خصساء كسل شيسء له نسسل‪ .‬وقال‬
‫ابسن المنذر‪ :‬وفيسه حديثان‪ :‬أحدهمسا عسن ابسن عمسر أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم نهسى عسن خصساء‬
‫الغنسم والبقسر والبسل والخيسل‪ .‬والخسر حديسث ابسن عباس أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم نهسى عسن‬
‫صبر الروح وخصاء البهائم‪ .‬والذي في الموطأ من هذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه‬
‫كان يكره الخصساء ويقول‪ :‬فيسه تمام الخلق‪ .‬قال أبسو عمسر‪ :‬يعنسي فسي ترك الخصساء تمام الخلق‪،‬‬
‫وروي نماء الخلق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أسنده أبو محمد عبدالغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل تخصوا ما ينمي خلق ال )‪ .‬رواه عن الدارقطني شيخه‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنسسا أبسسو عبدال المعدل حدثنسسا عباس بسسن محمسسد حدثنسسا أبسسو مالك النخعسسي عسسن عمسسر بسسن‬
‫إسماعيل‪ ،‬فذكره‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬ورواه عبدالصمد بن النعمان عن أبي مالك‪.‬‬
‫الرابعسة‪ :‬وأمسا الخصساء فسي الدمسي فمصسيبة‪ ،‬فإنسه إذا خصسي بطسل قلبسه وقوتسه‪ ،‬عكسس الحيوان‪،‬‬
‫وانقطع نسله المأمور به في قوله عليه السلم‪( :‬تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم المم ) ثم إن فيه‬
‫ألمسا عظيمسا ربمسا يفضسي بصساحبه إلى الهلك‪ ،‬فيكون فيسه تضييسع مال وإذهاب نفسس‪ ،‬وكسل ذلك‬
‫منهسي عنسه‪ .‬ثسم هذه مثلة‪ ،‬وقسد نهسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عسن المثلة‪ ،‬وهسو صسحيح‪ .‬وقسد كره‬
‫جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا‪ :‬لو لم يشتروا‬
‫منهسسم لم يخصسسوا‪ .‬ولم يختلفوا أن خصسساء بنسسي آدم ل يحسسل ول يجوز؛ لنسسه مثلة وتغييسسر لخلق ال‬
‫تعالى‪ ،‬وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ول قود‪ ،‬قال أبو عمر‪.‬‬
‫@ وإذا تقرر هذا فاعلم أن الوسم والشعار مستثنى من نهيه عليه السلم عن شريطة الشيطان‪،‬‬
‫وهسي مسا قدمناه مسن نهيسه عسن تعذيسب الحيوان بالنار‪ ،‬والوسسم‪ :‬الكسي بالنار وأصسله العلمسة‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫وسسم الشيسء يسسمه إذا علمسه بعلمسة يعرف بهسا‪ ،‬ومنسه قوله تعالى‪" :‬سسيماهم فسي وجوههسم" [الفتسح‪:‬‬
‫‪ .]29‬فالسيما العلمة والميسم المكواة‪ .‬وثبت في صحيح مسلم عن أنس قال‪ :‬رأيت في يد رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم الميسسم وهسو يسسم إبسل الصسدقة والفيسء وغيسر ذلك حتسى يعرف كسل مال‬
‫فيؤدى في حقه‪ ،‬ول يتجاوز به إلى غيره‪.‬‬
‫@ والوسم جائز في كل العضاء غير الوجه‪ ،‬لما رواه جابر قال‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسسلم عسن الضرب فسي الوجسه وعسن الوسسم فسي الوجسه‪ ،‬أخرجسه مسسلم‪ .‬وإنمسا كان ذلك لشرفسه على‬
‫العضاء‪ ،‬إذ هو مقر الحسن والجمال‪ ،‬ولن به قوام الحيوان‪ ،‬وقد مر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫برجسسسسل يضرب عبده فقال‪( :‬اتسسسسق الوجسسسسه فإن ال خلق آدم على صسسسسورته )‪ .‬أي على صسسسسورة‬
‫المضروب؛ أي وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم‪ ،‬فينبغي أن يحترم لشبهه‪ .‬وهذا أحسن ما قيل‬
‫فسسي تأويله وال أعلم‪ .‬وقالت طائفسسة‪ :‬الشارة بالتغييسسر إلى الوشسسم ومسسا جرى مجراه مسسن التصسسنع‬
‫للحسسن؛ قال ابسن مسسعود والحسسن‪ .‬ومسن ذلك الحديسث الصسحيح عسن عبدال قال‪ :‬قال رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬لعسن ال الواشمات والمسستوشمات والنامصسات والمتنمصسات والمتفلجات‬
‫للحسسن‪ ،‬المغيرات خلق ال ) الحديسث أخرجسه مسسلم‪ ،‬وسسيأتي بكماله فسي الحشسر إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫والوشسم يكون فسي اليديسن‪ ،‬وهسو أن يغرز ظهسر كسف المرأة ومعصسمها بإبرة ثسم يحشسى بالكحسل أو‬
‫بالنئور فيخضسسر‪ .‬وقسسد وشمسست تشسسم وشمسسا فهسسي واشمسسة‪ .‬والمسسستوشمة التسسي يفعسسل ذلك بهسسا؛ قال‬
‫الهروي‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬ورجال صقلية وإفريقية يفعلونه؛ ليدل كل واحد منهم على رجلته في‬
‫حداثتسسه‪ .‬قال القاضسسي عياض‪ :‬ووقسسع فسسي روايسسة الهروي ‪ -‬أحسسد رواة مسسسلم ‪ -‬مكان "الواشمسسة‬
‫والمسستوشمة ""الواشيسة والمسستوشية "(بالياء مكان الميسم ) وهسو مسن الوشسي وهسو التزيسن؛ وأصسل‬
‫الوشي نسج الثوب على لونين‪ ،‬وثور موشى في وجهه وقوائمه سواد؛ أي تشي المرأة نفسها بما‬
‫تفعله فيهسا مسن التنميسص والتفليسج والشسر‪ .‬والمتنمصسات جمسع متنمصسة وهسي التسي تقلع الشعسر مسن‬
‫وجههسا بالمنماص‪ ،‬وهسو الذي يقول الشعسر؛ ويقال لهسا النامصسة‪ .‬ابسن العربسي‪ :‬وأهسل مصسر ينتفون‬
‫شعسر العانسة وهسو منسه؛ فإن السسنة حلق العانسة ونتسف البسط‪ ،‬فأمسا نتسف الفرج فإنسه يرخيسه ويؤذيسه‪،‬‬
‫ويبطسل كثيرا مسن المنفعسة فيسه‪ .‬والمتفلجات جمسع متفلجسة‪ ،‬وهسي التسي تفعسل الفلج فسي أسسنانها؛ أي‬
‫تعانيه حتى ترجع المصمتة السنان خلقة فلجاء صنعة‪ .‬وفي غير كتاب مسلم‪" :‬الواشرات"‪ ،‬وهي‬
‫جمع واشرة‪ ،‬وهي التي تشر أسنانها؛ أي تصنع فيها أشرا‪ ،‬وهي التحزيزات التي تكون في أسنان‬
‫الشبان؛ تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبها بالشابة‪ .‬وهذه المور كلها قد شهدت الحاديث بلعن فاعلها‬
‫وأنها من الكبائر‪ .‬واختلف فسي المعنسى الذي نهي لجلها؛ فقيل‪ :‬لنهسا من باب التدليسس‪ .‬وقيسل‪ :‬من‬
‫باب تغيير خلق ال تعالى؛ كما قال ابن مسعود‪ ،‬وهو أصح‪ ،‬وهو يتضمن المعنى الول‪ .‬ثم قيل‪:‬‬
‫هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيا؛ لنه من باب تغيير خلق ال تعالى‪ ،‬فأما ما ل يكون باقيا‬
‫كالكحسل والتزيسن بسه للنسساء فقسد أجاز العلماء ذلك مالك وغيره‪ .‬وكرهسه مالك للرجال‪ .‬وأجاز مالك‬
‫أيضسا أن تشسي المرأة يديهسا بالحناء‪ .‬وروي عسن عمسر إنكار ذلك وقال‪ :‬إمسا أن تخضسب يديهسا كلهسا‬
‫وإمسا أن تدع‪ ،‬وأنكسر مالك هذه الروايسة عسن عمسر‪ ،‬ول تدع الخضاب بالحناء؛ فإن النسبي صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم رأى امرأة ل تختضسب قال‪( :‬ل تدع إحداكسن يدهسا كأنهسا يسد رجسل) فمسا زالت تختضسب‬
‫وقد جاوزت التسعين حتى ماتت‪.‬‬
‫قال القاضسسي عياض‪ :‬وجاء حديسسث بالنهسسي عسسن تسسسويد الحناء‪ ،‬ذكره صسساحب المصسسابيح ول‬
‫تتعطل‪ ،‬ويكون في عنقها قلدة من سير في خرز‪ ،‬فإنه يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال لعائشة رضي ال عنها‪( :‬إنه ل ينبغي أن تكوني بغير قلدة إما بخيط وإما بسير‪ .‬وقال أنس‪:‬‬
‫يسستحب للمرأة أن تعلق فسي عنقهسا فسي الصسلة ولو سسيرا‪ .‬قال أبسو جعفسر الطسبري‪ :‬فسي حديسث ابسن‬
‫مسسسعود دليسسل على أنسه ل يجوز تغييسسر شيسسء مسن خلقهسسا الذي خلقهسا ال عليسه بزيادة أو نقصسسان‪،‬‬
‫التماس الحسن لزوج أو غيره‪ ،‬سواء فلجست أسسنانها أو وشرتهسا‪ ،‬أو كان لها سسن زائدة فأزالتهسا أو‬
‫أسسنان طوال فقطعست أطرافهسا‪ .‬وكذا ل يجوز لهسا حلق لحيسة أو شارب أو عنفقسة إن نبتست لهسا؛ لن‬
‫كل ذلك تغيير خلق ال‪ .‬قال عياض‪ :‬ويأتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد‬
‫ل يجوز له قطعسه ول نزعسه؛ لنسه مسن تغييسر خلق ال تعالى‪ :‬إل أن تكون هذه الزوائد تؤلمسه فل‬
‫بأس بنزعها عند أبي جعفر وغيره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومسن هذا الباب قوله صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪( :‬لعسن ال الواصسلة والمسستوصلة والواشمسسة‬
‫والمسستوشمة ) أخرجسسه مسسلم‪ .‬فنهسسى صسلى ال عليسه وسسلم عسن وصسسل المرأة شعرهسسا؛ وهسو أن‬
‫يضاف إليه شعر آخر يكثر به‪ ،‬والواصلة هي التي تفعل ذلك‪ ،‬والمستوصلة هي التي تستدعي من‬
‫يفعل ذلك بها‪ .‬مسلم عن جابر قال‪ :‬زجر النبي صلى ال عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا‪.‬‬
‫وخرج عسن أسسماء بنست أبسي بكسر قالت‪ :‬جاءت امرأة إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقالت‪ :‬يسا‬
‫رسسول ال‪ ،‬إن لي ابنسة عريسسا أصسابتها حصسبة فتمرق شعرهسا أفأصسله ؟ فقال‪( :‬لعسن ال الواصسلة‬
‫والمسستوصلة )‪ .‬وهذا كله نسص فسي تحريسم وصسل الشعسر‪ ،‬وبسه قال مالك وجماعسه العلماء‪ .‬ومنعوا‬
‫الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغير ذلك؛ لنه في معنى وصله بالشعر‪ .‬وشذ الليث بن‬
‫سسعد فأجاز وصسله بالصسوف والخرق ومسا ليسس بشعسر؛ وهذا أشبسه بمذهسب أهسل الظاهسر‪ .‬وأباح‬
‫آخرون وضسسع الشعسسر على الرأس وقالوا‪ :‬إنمسسا جاء النهسسي عسسن الوصسسل خاصسسة‪ ،‬وهذه ظاهريسسة‬
‫محضسسة وإعراض عسسن المعنسسى‪ .‬وشسسذ قوم فأجازوا الوصسسل مطلقسسا‪ ،‬وهسسو قول باطسسل قطعسسا ترده‬
‫الحاديث‪ .‬وقد روي عن عائشة رضي ال عنها ولم يصح‪ .‬وروي عن ابن سيرين أنه سأل رجل‬
‫فقال‪ :‬إن أمي كانت تمشط النساء‪ ،‬أتراني آكل من مالها ؟ فقال‪ :‬إن كانت تصل فل‪ .‬ول يدخل في‬
‫النهي ما ربط منه بخيوط الحرير الملونة على وجه الزينة والتجميل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وقالت طائفة‪ :‬المراد بالتغيير لخلق ال هو أن ال تعالى خلق الشمس والقمر والحجار والنار‬
‫وغيرهسسا مسسن المخلوقات؛ ليعتسسبر بهسسا وينتفسسع بهسسا‪ ،‬فغيرهسسا الكفار بأن جعلوهسسا آلهسسة معبودة‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬إن ال تعالى خلق النعام لتركسب وتؤكسل فحرموهسا على أنفسسهم‪ ،‬وجعسل الشمسس والقمسر‬
‫والحجارة مسسخرة للناس فجعلوهسا آلهسة يعبدونهسا‪ ،‬فقسد غيروا مسا خلق ال‪ .‬وقاله جماعسة مسن أهسل‬
‫التفسير‪ :‬مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة‪ .‬وروي عن ابن عباس "فليغيرن خلق ال "دين‬
‫ال؛ وقال النخعسي‪ ،‬واختاره الطسبري قال‪ :‬وإذا كان ذلك معناه دخسل فيسه فعسل كسل مسا نهسى ال عنسه‬
‫من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي؛ لن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي؛ أي فليغيرن‬
‫مسا خلق ال فسي دينسه‪ .‬وقال مجاهسد أيضسا‪" :‬فليغيرن خلق ال "فطرة ال التسي فطسر الناس عليهسا؛‬
‫يعني أنهم ولدوا على السلم فأمرهم الشيطان بتغييره‪ ،‬وهو معنى قوله عليه السلم‪( :‬كل مولود‬
‫يولد على الفطرة فأبواه يهودانسه وينصسرانه ويمجسسانه )‪ .‬فيرجسع معنسى الخلق إلى مسا أوجده فيهسم‬
‫يوم الذر مسن اليمان بسسه فسي قوله تعالى‪" :‬ألسسست بربكسسم قالوا بلى "[العراف‪ .]172 :‬قال ابسن‬
‫العربسي‪ :‬روي عسن طاوس أنسه كان ل يحضسر نكاح سسوداء بأبيسض ول بيضاء بأسسوده ويقول‪ :‬هذا‬
‫مسسن قول ال "فليغيرن خلق ال"‪ .‬قال القاضسسي‪ :‬وهذا وإن كان يحتمله اللفسسظ فهسسو مخصسسوص بمسسا‬
‫أنفذه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن نكاح موله زيسد وكان أبيسض؛ بظئره بركسة الحبشيسة أم أسسامة‬
‫وكان أسود من أبيض‪ ،‬وهذا مما خفي على طاوس مع علمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ثسسم أنكسسح أسسسامة فاطمسسة بنسست قيسسس وكانسست بيضاء قرشيسسة‪ .‬وقسسد كانسست تحسست بلل أخسست‬
‫عبدالرحمن بن عوف زهرية‪ .‬وهذا أيضا يخص وقد خفي عليهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يتخذ الشيطان وليا من دون ال" أي يطيعه ويدع أمر ال‪" .‬فقد خسر" أي‬
‫نقص نفسه وغبنها بأن أعطى الشيطان حق ال تعالى فيه وتركه من أجله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 122 - 120 :‬يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا‪ ،‬أولئك مأواهم جهنم‬
‫ول يجدون عنهسسا محيصسسا‪ ،‬والذيسسن آمنوا وعملوا الصسسالحات سسسندخلهم جنات تجري مسسن تحتهسسا‬
‫النهار خالدين فيها أبدا وعد ال حقا ومن أصدق من ال قيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعدهسم "المعنسى يعدهم أباطيله وترهاتسه من المال والجاه والرياسة‪ ،‬وأن ل بعسث‬
‫ول عقاب‪ ،‬ويوهمهسسم الفقسسر حتسسى ل ينفقوا فسسي الخيسسر "ويمنيهسسم "كذلك "ومسسا يعدهسسم الشيطان إل‬
‫غرورا "أي خديعسسة‪ .‬قال ابسسن عرفسسة‪ :‬الغرور مسسا رأيسست له ظاهرا تحبسسه وفيسسه باطسسن مكروه أو‬
‫مجهول‪ .‬والشيطان غرور؛ لنسه يحمسل على محاب النفسس‪ ،‬ووراء ذلك مسا يسسوء‪" .‬أولئك "ابتداء‬
‫"مأواهسم "ابتداء ثان "جهنسم "خسبر الثانسي والجملة خسبر الول‪ .‬و"محيصسا "ملجسأ‪ ،‬والفعسل منسه‬
‫حاص يحيص‪" .‬ومن أصدق من ال قيل "ابتداء وخبر‪" .‬قيل "على البيان؛ قال قيل وقول وقال‪،‬‬
‫بمعنى أي ل أحد أصدق من ال‪ .‬وقد مضى الكلم على ما تضمنته هذه الي من المعاني والحمد‬
‫ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 123 :‬ليسس بأمانيكسم ول أمانسي أهسل الكتاب مسن يعمسل سسوء يجسز بسه ول يجسد له مسن‬
‫دون ال وليا ول نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليس بأمانيكسم ول أماني أهل الكتاب" وقرأ أبو جعفر المدني "ليس بأمانيكم ول‬
‫أمانسي أهسل الكتاب "بتخفيسف الياء فيهسا جميعسا‪ .‬ومسن أحسسن مسا روي فسي نزولهسا مسا رواه الحكسم بسن‬
‫أبان عسن عكرمسة عسن ابسن عباس قال‪ :‬قالت اليهود والنصسارى لن يدخسل الجنسة إل مسن كان منسا‪.‬‬
‫وقالت قريسش‪ :‬ليسس نبعسث‪ ،‬فأنزل ال "ليسس بأمانيكسم ول أمانسي أهسل الكتاب"‪ .‬وقال قتادة والسسدي‪:‬‬
‫تفاخر المؤمنون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب‪ :‬نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بال‬
‫منكم‪ .‬وقال المؤمنون‪ :‬نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على سائر الكتب‪ ،‬فنزلت الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من يعمل سوءا يجز به "السوء ههنا الشرك‪ ،‬قال الحسن‪ :‬هذه الية في الكافر‪،‬‬
‫وقرأ "وهل يجازى إل الكفور "[سبأ‪ .]17 :‬وعنه أيضا "من يعمل سوءا يجز به "قال‪ :‬ذلك لمن‬
‫أراد ال هوانه‪ ،‬فأمسا مسن أراد كرامتسه فل‪ ،‬قسد ذكسر ال قومسا فقال‪" :‬أولئك الذيسن نتقبسل عنهسم أحسسن‬
‫مسا عملوا ونتجاوز عسن سسيئاتهم فسي أصسحاب الجنسة وعسد الصسدق الذي كانوا يوعدون" [الحقاف‪:‬‬
‫‪ .]16‬وقال الضحاك‪ :‬يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬لفظ الية‬
‫عام‪ ،‬والكافسسر والمؤمسسن مجازى بعمله السسسوء‪ ،‬فأمسسا مجازاة الكافسسر فالنار؛ لن كفره أوبقسسه‪ ،‬وأمسسا‬
‫المؤمسن فبنكبات الدنيسا‪ ،‬كمسا روى مسسلم فسي صسحيحه عسن أبسي هريرة قال‪ :‬لمسا نزلت "مسن يعمسل‬
‫سسوءا يجسز بسه "بلغست مسن المسسلمين مبلغسا شديدا‪ ،‬فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬قاربوا‬
‫وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها )‪ .‬وخرج الترمذي‬
‫الحكيم في (نوادر الصول‪ ،‬في الفصل الخامس والتسعين ) حدثنا إبراهيم بن المستمر الهذلي قال‬
‫حدثنا عبدالرحمن بن سليم بن حيان أبو زيد قال‪ :‬سمعت أبي يذكر عن أبيه قال صحبت ابن عمر‬
‫مسن مكسة إلى المدينسة فقال لنافسع‪ :‬ل تمسر بسي على المصسلوب؛ يعنسي ابسن الزبيسر‪ ،‬قال‪ :‬فمسا فجئه فسي‬
‫جوف الليل أن صك محمله جذعه؛ فجلس فمسح عينيه ثم قال‪ :‬يرحمك ال أبا خبيب أن كنت وأن‬
‫كنست ! ولقد سمعت أباك الزبيسر يقول‪ :‬قال رسول ال صسلى ال عليه وسلم (من يعمسل سسوءا يجسز‬
‫به في الدنيا أو في الخرة ) فإن يك هذا بذاك فهيه‪ .‬قال الترمذي أبو عبدال‪ :‬فأما فسي التنزيل فقد‬
‫أجمله فقال‪" :‬مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه ول يجسد له مسن دون ال وليسا ول نصسيرا "فدخسل فيسه البر‬
‫والفاجر والعدو والولي والمؤمن والكافر؛ ثم ميز رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا الحديث‬
‫بين الموطنين فقال‪( :‬يجز به في الدنيا أو في الخرة ) وليس يجمع عليه الجزاء في الموطنين؛ أل‬
‫ترى أن ابن عمر قال‪ :‬فإن يك هذا بذاك فهيه؛ معناه أنه قاتل في حرم ال وأحدث فيه حدثا عظيما‬
‫حتى أحرق البيت ورمي الحجر السود بالمنجنيق فانصدع حتى ضبب بالفضة فهو إلى يومنا هذا‬
‫كذلك‪ ،‬وسسمع للبيست أنينسا‪ :‬آه آه ! فلمسا رأى ابسن عمسر فعله ثسم رآه مقتول مصسلوبا ذكسر قول رسسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه )‪ .‬ثسم قال‪ :‬إن يسك هذا القتسل بذاك الذي فعله‬
‫فهيسه؛ أي كأنسه جوزي بذلك السسوء هذا القتسل والصسلب‪ .‬رحمسه ال ! ثسم ميسز رسسول ال صسلى ال‬
‫عليه وسلم في حديث آخر بين الفريقين؛ حدثنا أبي رحمه ال قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا محمد‬
‫بسن مسسلم عسن يزيسد بسن عبدال بسن أسسامة بسن الهاد الليثسي قال‪ :‬لمسا نزلت "مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه‬
‫"قال أبو بكر الصديق رضي ال عنه‪ :‬ما هذه بمبقية منا؛ قال‪( :‬يا أبا بكر إنما يجزى المؤمن بها‬
‫في الدنيا ويجزى بها الكافر يوم القيامة )‪ .‬حدثنا الجارود قال حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبدة عن‬
‫إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال‪ :‬لما نزلت "من يعمل سوءا يجز به‬
‫"قال أبو بكر‪ :‬كيف الصلح يا رسول ال مع هذا ؟ كل شيء عملناه جزينا به‪ ،‬فقال‪( :‬غفر ال لك‬
‫يا أبا بكر ألست تنصب‪ ،‬ألست تحزن‪ ،‬الست تصيبك اللواء ؟‪ .‬قال‪ :‬بلى‪ .‬قال (فذلك مما تجزون‬
‫به ) ففسر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أجمله التنزيل من قوله‪" :‬من يعمل سوءا يجز به"‪.‬‬
‫وروى الترمذي عسن أبسي بكسر الصسديق رضسي ال عنسه أنهسا لمسا نزلت قال له النسبي صسلى ال عليسه‬
‫وسلم‪( :‬أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا ال وليس لكم ذنوب وأما‬
‫الخرون فيجمسع ذلك لهسم حتسى يجزوا بسه يوم القيامسة )‪ .‬قال‪ :‬حديسث غريسب‪ :‬وفسي إسسناده مقال‪:‬‬
‫وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث‪ ،‬ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل‪ .‬ومولى بن‬
‫سباع مجهول‪ ،‬وقد روي هذا من غير وجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح أيضا؛ وفي الباب‬
‫عن عائشة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬خرجسه إسسماعيل بسن إسسحاق القاضسي قال حدثنسا سسليمان بسن حرب قال حدثنسا قال حدثنسا‬
‫حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الية "وإن تبدوا ما في أنفسكم‬
‫أو تخفوه" [البقرة‪ ]284 :‬وعن هذه الية "من يعمل سوءا يجز به "فقالت عائشة‪ :‬ما سألني أحد‬
‫منذ سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها؛ فقال‪( :‬يا عائشة‪ ،‬هذه مبايعة ال بما يصسيبه من‬
‫الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع فيجدها في عيبته‪ ،‬حتى إن‬
‫المؤمسن ليخرج مسن ذنوبسه كمسا يخرج التسبر مسن الكيسر )‪ .‬واسسم "ليسس "مضمسر فيهسا فسي جميسع هذه‬
‫القوال؛ والتقدير‪ :‬ليس الكائن من أموركم ما تتمنونه‪ ،‬بل من يعمل سوءا يجز به‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫ليس ثواب ال بأمانيكم "إذ قد تقدم "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يجسد له مسن دون ال وليسا ول نصسيرا "يعنسي المشركيسن؛ لقوله تعالى‪" :‬إنسا‬
‫لننصسر رسسلنا والذيسن آمنوا فسي الحياة الدنيسا ويوم يقوم الشهاد" [غافسر‪ .]51 :‬وقيسل‪" :‬مسن يعمسل‬
‫سوءا يجز به "إل أن يتوب‪ .‬وقراءة الجماعة "ول يجد له "بالجزم عطفا على "يجز به"‪ .‬وروى‬
‫ابن بكار عن ابن عامر "ول يجد "بالرفع استئنافا‪ .‬فإن حملت الية على الكافر فليس له غدا ولي‬
‫ول نصير‪ .‬وإن حملت على المؤمن فليس له ولي ول نصير دون ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 124 :‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة‬
‫ول يظلمون نقيرا}‬
‫@ شرط اليمان لن المشركيسن أدلوا بخدمسة الكعبسة وإطعام الحجيسج وقرى الضياف‪ ،‬وأهسل‬
‫الكتاب بسسبقهم‪ ،‬وقولهسم نحسن أبناء ال وأحباؤه؛ فسبين تعالى أن العمال الحسسنة ل تقبسل مسن غيسر‬
‫إيمان‪ .‬وقرأ "يدخلون الجنسة "الشيخان أبسو عمرو وابسن كثيسر (بضسم الياء وفتسح الخاء ) على مسا لم‬
‫يسسم فاعله‪ .‬الباقون بفتسح الياء وضسم الخاء؛ يعنسي يدخلون الجنسة بأعمالهسم‪ .‬وقسد مضسى ذكسر النقيسر‬
‫وهي النكتة في ظهر النواة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 125 :‬ومسن أحسسن دينسا ممسن أسسلم وجهسه ل وهسو محسسن واتبسع ملة إبراهيسم حنيفسا‬
‫واتخذ ال إبراهيم خليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا" فضل‬
‫ديسن السسلم على سسائر الديان و"أسسلم وجهسه ل "معناه أخلص دينسه ل وخضسع له وتوجسه إليسه‬
‫بالعبادة‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أراد أبا بكر الصديق رضي ال عنه‪ .‬وانتصب "دينا "على البيان‪" .‬وهو‬
‫محسن "ابتداء وخبر في موضع الحال‪ ،‬أي موحد فل يدخل فيه أهل الكتاب؛ لنهم تركوا اليمان‬
‫بمحمد عليه السلم‪ .‬والملة الدين‪ ،‬والحنيف المسلم وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتخسذ ال إبراهيسم خليل" قال ثعلب‪ :‬إنمسا سسمي الخليسل خليل لن محبتسه تتخلل‬
‫القلب فل تدع فيه خلل إل ملته؛ وأنشد قول بشار‪:‬‬
‫وبه سمي الخليل خليل‬ ‫قد تخللت مسلك الروح مني‬
‫وخليسسل فعيسسل بمعنسسى فاعسسل كالعليسسم بمعنسسى العالم وقيسسل‪ :‬هسسو بمعنسسى المفعول كالحسسبيب بمعنسسى‬
‫المحبوب‪ ،‬وإبراهيسم كان محبسا ل وكان محبوبسا ل‪ .‬وقيسل‪ :‬الخليسل مسن الختصساص فال عسز وجسل‬
‫أعلم اختص إبراهيم في وقته للرسالة‪ .‬واختار هذا النحاس قال‪ :‬والدليل على هذا قول النبي صلى‬
‫ال عليسه وسسلم (وقسد اتخسذ ال صساحبكم خليل ) يعنسي نفسسه‪ .‬وقال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬لو كنست‬
‫متخذا أبا بكر خليل ) أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لختصصت أبا بكر‪ .‬رضي ال عنه‪ .‬وفي‬
‫هذا رد على من زعم أن النبي صلى ال عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الخليسل المحتاج؛ فإبراهيسم خليسل ال معنسى أنسه فقيسر محتاج إلى ال تعالى؛ كأنسه الذي بسه الختلل‪.‬‬
‫وقال زهير يمدح هرم بن سنان‬
‫يقول ل غالب مالي ول حرم‬ ‫وإن أتاه خليل يوم مسغبة‬
‫أي ل ممنوع‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ومعنى الخليل‪ :‬الذي ليس في محبته خلل؛ فجائز أن يكون سمي خليل‬
‫ل بأنه الذي أحبه واصطفاه محبة تامة‪ .‬وجائز أن يسمى خليل ال أي فقيرا إلى ال تعالى؛ لنه لم‬
‫يجعسسل فقره ول فاقتسسه إل إلى ال تعالى مخلصسسا فسسي ذلك‪ .‬والختلل الفقسسر؛ فروي أنسسه لمسسا رمسسي‬
‫بالمنجنيق وصار في الهواء أتاه جبريل عليه السلم فقال‪ :‬ألك حاجة ؟ قال‪ :‬أما إليك فل‪ .‬فخلق ال‬
‫تعالى لبراهيسسم نصسسرته إياه‪ .‬وقيسسل‪ :‬سسسمي بذلك بسسسبب أنسسه مضسسى إلى خليسسل له بمصسسر‪ ،‬وقيسسل‪:‬‬
‫بالموصسل ليمتار مسن عنده طعامسا فلم يجسد صساحبه‪ ،‬فمل غرائره رمل وراح بسه إلى أهله فحطسه‬
‫ونام؛ ففتحسه أهله فوجدوه دقيقسا فصسنعوا له منسه‪ ،‬فلمسا قدموه إليسه قال‪ :‬مسن أيسن لكسم هذا ؟ قالوا‪ :‬مسن‬
‫الذي جئت به من عند خليلك المصري؛ فقال‪ :‬هو من عند خليلي؛ يعني ال تعالى؛ فسمي خليل ال‬
‫بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬إنه أضاف رؤساء الكفار وأهدى لهم هدايا وأحسن إليهم فقالوا له‪ :‬ما حاجتك ؟ قال‪:‬‬
‫حاجتي أن تسجدوا سجدة؛ فسجدوا فدعا ال تعالى وقال‪ :‬اللهم إني قد فعلت ما أمكنني فافعل اللهم‬
‫ما أنت أهل لذلك؛ فوفقهم ال تعالى للسلم فاتخذه ال خليل لذلك‪ .‬ويقال‪ :‬لما دخلت عليه الملئكة‬
‫بشبه الدميين وجاء بعجل سمين فلم يأكلوا منه وقالوا‪ :‬إنا ل نأكل شيئا بغير ثمن فقال لهم‪ :‬أعطوا‬
‫ثمنسه وكلوا‪ ،‬قالوا‪ :‬ومسا ثمنسه ؟ قال‪ :‬أن تقولوا فسي أوله باسسم ال وفسي آخره الحمسد ل‪ ،‬فقالوا فيمسا‬
‫بينهسسم‪ :‬حسسق على ال أن يتخذه خليل؛ فاتخذه ال خليل‪ .‬وروى جابر بسسن عبدال عسسن رسسسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬اتخذ ال إبراهيم خليل لطعامه الطعام وإفشائه السلم وصلته بالليل‬
‫والناس نيام )‪ .‬وروى عبدال بن عمرو بسن العاص أن النسبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬يا جبريل‬
‫لم اتخسذ ال إبراهيسم خليل ) ؟ قال‪ :‬لطعامسه الطعام يسا محمسد‪ .‬وقيسل‪ :‬معنسى الخليسل الذي يوالي فسي‬
‫ال ويعادي في ال‪ .‬والخلة بين الدميين الصداقة؛ مشتقة من تخلل السراء بين المتخالين‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه‪ .‬وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )‪ .‬ولقد أحسن من‬
‫قال‪:‬‬
‫فخليله منه على خطر‬ ‫من لم تكن في ال خلته‬
‫آخر‪:‬‬
‫فل تثقن بكل أخي إخاء‬ ‫إذا ما كنت متخذا خليل‬
‫بأهل العقل منهم والحياء‬ ‫فإن خيرت بينهم فألصق‬
‫تفاضلت الفضائل من كفاء‬ ‫فإن العقل ليس له إذا ما‬
‫وقال حسان بن ثابت رضي ال عنه‪:‬‬
‫ولكن في البلء هم قليل‬ ‫أخلء الرجال هم كثير‬
‫فمالك عند نائبة خليل‬ ‫فل تغررك خلة من تؤاخي‬
‫ولكن ليس يفعل ما يقول‬ ‫وكل أخ يقول أنا وفي‬
‫فذاك لما يقول هو الفعول‬ ‫سوى خل له حسب ودين‬
‫*‪*3‬الية‪{ 126 :‬ول ما في السماوات وما في الرض وكان ال بكل شيء محيطا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول مسا فسي السسماوات ومسا فسي الرض" أي ملكسا واختراعسا‪ .‬والمعنسى إنسه اتخسذ‬
‫إبراهيسم خليل بحسسن طاعتسه ل لحاجتسه إلى مخالتسه ول للتكثيسر بسه والعتضاد؛ وكيسف وله مسا فسي‬
‫السموات وما في الرض ؟ وإنما أكرمه لمتثاله لمره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكان ال بكل شيء محيطا "أي أحاط علمه بكل الشياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 127 :‬ويستفتونك في النساء قل ال يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى‬
‫النسساء اللتسي ل تؤتونهسن مسا كتسب لهسن وترغبون أن تنكحوهسن والمسستضعفين مسن الولدان وأن‬
‫تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن ال كان به عليما}‬
‫@ نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك؛ فأمر‬
‫ال نسبيه عليسه السسلم أن يقول لهسم‪ :‬ال يفتيكسم فيهسن؛ أي يسبين لكسم حكسم مسا سسألتم عنسه‪ .‬وهذه اليسة‬
‫رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء‪ ،‬وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل‬
‫لهسم‪ :‬إن ال يفتيكسم فيهسن‪ .‬روى أشهسب عسن مالك قال‪ :‬كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يسسأل فل‬
‫يجيسب حتسى ينزل عليسه الوحسي‪ ،‬وذلك فسي كتاب ال "ويسستفتونك فسي النسساء قسل ال يفتيكسم فيهسن"‪.‬‬
‫"ويسسألونك عسن اليتامسى" [البقرة‪ .]220 :‬و"يسسألونك عسن الخمسر والميسسر "[البقرة‪.]219 :‬‬
‫"ويسألونك عن الجبال" [طه‪.]105 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسا يتلى عليكسم" "مسا" فسي موضسع رفسع‪ ،‬عطسف على اسسم ال تعالى‪ .‬والمعنسى‪:‬‬
‫والقرآن يفتيكم فيهن‪ ،‬وهو قوله‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء" [النساء‪ ]3:‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬وترغبون أن تنكحوهسن "أي وترغبون عسن أن تنكحوهسن‪ ،‬ثسم حذفست "عسن"‪ .‬وقيسل‪:‬‬
‫وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت "في"‪ .‬قال سعيد بن جبير ومجاهد‪ :‬ويرغب في نكاحها وإذا‬
‫كانسست كثيرة المال‪ .‬وحديسسث عائشسسة يقوي حذف "عسسن "فإن فسسي حديثهسسا‪ :‬وترغبون أن تنكحوهسسن‬
‫رغبسسة أحدكسسم عسسن يتيمتسسه التسسي تكون فسسي حجره حيسسن تكون قليلة المال والجمال؛ وقسسد تقدم أول‬
‫السورة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 128 :‬وإن امرأة خافست مسن بعلهسا نشوزا أو إعراضسا فل جناح عليهمسا أن يصسلحا‬
‫بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر وأحضرت النفسس الشسح وإن تحسسنوا وتتقوا فإن ال كان بمسا تعملون‬
‫خبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن امرأة "رفسع بإضمار فعسل يفسسره مسا بعده‪ .‬و"خافست "بمعنسى توقعست‪ .‬وقول‬
‫مسن قال‪ :‬خافست تيقنست خطسأ‪ .‬قال الزجاج‪ :‬المعنسى وإن امرأة‪ .‬خافست مسن بعلهسا دوام النشوز‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬الفرق بيسن النشوز والعراض أن النشوز التباعسد‪ ،‬والعراض أل يكلمهسا ول يأنسس بهسا‪.‬‬
‫ونزلت الية بسبب سودة بنت زمعة‪ .‬روى الترمذي عن ابن عباس قال‪ :‬خشيت سودة أن يطلقها‬
‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالت‪ :‬ل تطلقنسي وأمسسكني‪ ،‬وأجعسل يومسي منسك لعائشسة؛ ففعسل‬
‫فنزلت‪" :‬فل جناح عليهمسا أن يصسالحا بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر "فمسا اصسطلحا عليسه مسن شيسء‬
‫فهو جائز‪ ،‬قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن‬
‫رافع بن خديج كانت تحته خولة بنة محمد بن مسلمة‪ ،‬فكره من أمرها إما كبرا وإما غيره‪ ،‬فأراد‬
‫أن يطلقهسا فقالت‪ :‬ل تطلقنسي واقسسم لي مسا شئت؛ فجرت السسنة بذلك فنزلت "وإن امرأة خافست مسن‬
‫بعلهسا نشوزا أو إعراضسا"‪ .‬وروى البخاري عسن عائشسة رضسي ال عنهسا "وإن امرأة خافست مسن‬
‫بعلهسا نشوزا أو إعراضسا" قالت‪ :‬الرجسل تكون عنده المرأة ليسس بمسستكثر منهسا يريسد أن يفارقهسا‬
‫فتقول‪ :‬أجعلك مسسن شأنسسي فسسي حسسل؛ فنزلت هذه اليسسة‪ .‬وقراءة العامسسة "أن يصسسالحا"‪ .‬وقرأ أكثسسر‬
‫الكوفيين "أن يصلحا"‪ .‬وقرأ الجحدري وعثمان البتي "أن يصلحا "والمعنى يصطلحا ثم أدغم‪.‬‬
‫@ فسي هذه اليسة من الفقه الرد على الرعن الجهال الذيسن يرون أن الرجسل إذا أخسذ شباب المرأة‬
‫وأسنت ل ينبغي أن يتبدل بها‪ .‬قال ابن أبي مليكة‪ :‬إن سودة بنت زمعة لما أسنت أراد النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يطلقها‪ ،‬فآثرت الكون معه‪ ،‬فقالت له‪ :‬أمسكني وأجعل يومي لعائشة؛ ففعل صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وماتت وهي من أزواجه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكذلك فعلت بنست محمسد بسن مسسلمة؛ روى مالك عسن ابسن شهاب عسن رافسع بسن خديسج أنسه‬
‫تزوج بنست محمسد بسن مسسلمة النصسارية‪ ،‬فكانست عنده حتسى كسبرت‪ ،‬فتزوج عليهسا فتاة شابسة‪ ،‬فآثسر‬
‫الشابة عليها‪ ،‬فناشدته الطلق‪ ،‬فطلقها واحدة‪ ،‬ثم أهملها حتى إذا كانت تحل راجعها‪ ،‬ثم عاد فآثر‬
‫الشابة عليها فناشدته الطلق فطلقها واحدة‪ ،‬ثم راجعها فآثر الشابة عليها فناشدته الطلق فقال‪ :‬ما‬
‫شئت إنما بقيت واحدة‪ ،‬فإن شئت استقررت على ما ترين من الثرة‪ ،‬وإن شئت فارقتك‪ .‬قالت‪ :‬بل‬
‫أسستقر على الثرة‪ .‬فأمسسكها على ذلك؛ ولم يسر رافسع عليسه إثمسا حيسن قرت عنده على الثرة‪ .‬رواه‬
‫معمر عن الزهري بلفظه ومعناه وزاد‪ :‬فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزل فيه "وإن امرأة خافت من‬
‫بعلهسا نشوزا أو إعراضسا فل جناح عليهمسا أن يصسلحا بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر"‪ .‬قال أبسو عمسر‬
‫بسن عبدالبر‪ :‬قول وال أعلم‪" :‬فآثسر الشابسة عليهسا "يريسد فسي الميسل بنفسسه إليهسا والنشاط لهسا؛ ل أنسه‬
‫آثرها عليها في مطعم وملبس ومبيت؛ لن هذا ل ينبغي أن يظن بمثل رافع‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وذكر أبو‬
‫بكر بن أبي شيبة قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن‬
‫أبسي طالب رضسي ال عنسه أن رجل سسأل عسن هذه اليسة فقال‪ :‬هسي المرأة تكون عنسد الرجسل فتنبسو‬
‫عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه؛ فإن وضعت له من مهرها‬
‫شيئا حسسل له أن يأخسسذ وإن جعلت له مسن أيامهسسا فل حرج‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ل بأس أن ينقصسها مسن‬
‫حقهسا إذا تزوج مسن هسي أشسب منهسا وأعجسب إليسه‪ .‬وقال مقاتسل بسن حيان‪ :‬هسو الرجسل تكون تحتسه‬
‫المرأة الكسسبيرة فيتزوج عليهسسا الشابسسة؛ فيقول لهذه الكسسبيرة‪ :‬أعطيسسك مسسن مالي على أن أقسسسم لهذه‬
‫الشابسة أكثسر ممسا أقسسم لك مسن الليسل والنهار؛ فترضسى الخرى بمسا اصسطلحا عليسه؛ وإن أبست أل‬
‫ترضى فعليه أن يعدل بينهما في القسم‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬وفي هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة؛ بأن يعطي الزوج على أن‬
‫تصسسبر هسسي‪ ،‬أو تعطسسي هسسي على أن يؤثسسر الزوج‪ ،‬أو على أن يؤثسسر ويتمسسسك بالعصسسمة‪ ،‬أو يقسسع‬
‫الصسسلح على الصسسبر والثرة مسسن غيسسر عطاء؛ فهذا كله مباح‪ .‬وقسسد يجوز أن تصسسالح إحداهسسن‬
‫صاحبتها عن يومها بشيء تعطيها‪ ،‬كما فعل أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ وذلك أن رسول‬
‫ال صسلى ال عليسه وسسلم كان غضسب على صسفية‪ ،‬فقالت لعائشسة‪ :‬أصسلحي بينسي وبيسن رسسول ال‬
‫صسلى ال عليسه وسسلم‪ ،‬وقسد وهبست يومسي لك‪ .‬ذكره ابسن خويسز منداد فسي أحكامسه عسن عائشسة قالت‪:‬‬
‫وجسد رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على صسفية فسي شيسء؛ فقالت لي صسفية‪ :‬هسل لك أن ترضيسن‬
‫رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم عنسسي ولك يومسسي ؟ قالت‪ :‬فلبسسست خمارا كان عندي مصسسبوغا‬
‫بزعفران ونضحتسه‪ ،‬ثسم جئت فجلسست إلى جنسب رسسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬إليسك عني‬
‫فإنسه ليسس بيومسك )‪ .‬فقلت‪ :‬ذلك فضسل ال يؤتيسه مسن يشاء؛ وأخسبرته الخسبر‪ ،‬فرضسي عنهسا‪ .‬وفيسه أن‬
‫ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض ل يجوز إل بإذن المفضولة ورضاها‪.‬‬
‫@ قرأ الكوفيون "يصسلحا"‪ .‬والباقون "أن يصسالحا"‪ .‬الجحدري "يصسلحا" فمسن قرأ "يصسالحا‬
‫"فوجهه أن المعروف في كلم العرب إذا كان بين قوم تشاجر أن يقال‪ :‬تصالح القوم‪ ،‬ول يقال‪:‬‬
‫أصسلح القوم ؟ ولو كان أصسلح لكان مصسدره إصسلحا‪ .‬ومسن قرأ "يصسلحا "فقسد اسستعمل مثله فسي‬
‫التشاجسر والتنازع؛ كمسا قال "فاصسلح بينهسم"‪ .‬ونصسب قوله‪" :‬صسلحا" على هذه القراءة على أنسه‬
‫مفعول‪ ،‬وهو اسم مثل العطاء من أعطيت‪ .‬فأصلحت صلحا مثل أصلحت أمرا؛ وكذلك هو مفعول‬
‫أيضسا على قراءة مسن قرأ "يصسالحا "لن تفاعسل قسد جاء متعديسا؛ ويحتمسل أن يكون مصسدرا حذفست‬
‫زوائده‪ .‬ومسسن قرأ "يصسسلحا "فالصسسل "يصسستلح "ثسسم صسسار إلى يصسسطلحا‪ ،‬ثسسم أبدلت الطاء صسسادا‬
‫وأدغمت فيها الصاد؛ ولم تبدل الصاد طاء لما فيها من امتداد الزفير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والصلح خير" لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس‬
‫ويزول بسه الخلف خيسر على الطلق‪ .‬ويدخسل فسي هذا المعنسى جميسع مسا يقسع عليسه الصسلح بيسن‬
‫الرجسسل وامرأتسسه فسسي مال أو وطسسء أو غيسسر ذلك‪" .‬خيسسر "أي خيسسر مسسن الفرقسسة؛ فإن التمادي على‬
‫الخلف والشحناء والمباغضسة هسي قواعسد الشسر‪ ،‬وقال عليسه السسلم فسي البغضسة‪( :‬إنهسا الحالقسة )‬
‫يعني حالقة الدين ل حالقة الشعر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحضرت النفس الشح "إخبار بأن الشح في كل أحد‪ .‬وأن النسان ل بد أن يشح‬
‫بحكسم خلقتسه وجبلتسه حتسى يحمسل صساحبه على بعسض مسا يكره؛ يقال‪ :‬شسح يشسح (بكسسر الشيسن ) قال‬
‫ابسن جسبير‪ :‬هسو شسح المرأة بالنفقسة مسن زوجهسا وبقسسمه لهسا أيامهسا‪ .‬وقال ابسن زيسد‪ :‬الشسح هنسا منسه‬
‫ومنها‪ .‬وقال ابن عطية‪ :‬وهذا أحسسن؛ فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجهسا‪ ،‬والغالب‬
‫على الزوج الشح بنصيبه من الشابة‪ .‬والشح الضبط على المعتقدات والرادة وفي الهمم والموال‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فما أفرط منه على الدين فهو محمود‪ ،‬وما أفرط منه في غيره ففيه بعض المذمة‪ ،‬وهو‬
‫الذي قال ال فيه‪" :‬ومن يوق شسح نفسه فأولئك هسم المفلحون" [التغابسن‪ .]16:‬وما صسار إلى حيسز‬
‫منسع الحقوق الشرعيسة أو التسي تقتضيهسا المروءة فهسو البخسل وهسي رذيلة‪ .‬وإذا آل البخسل إلى هذه‬
‫الخلق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير مرجو ول صلح مأمول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقسد روي أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال للنصسار‪( :‬مسن سسيدكم ) ؟ قالوا‪ :‬الجسد بسن‬
‫قيسس على بخسل فيسه‪ .‬فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬وأي داء أدوى مسن البخسل ) ! قالوا‪ :‬وكيسف‬
‫ذاك يسا رسسول ال ؟ قال‪( :‬إن قومسا نزلوا بسساحل البحسر فكرهوا لبخلهسم نزول الضياف بهسم فقالوا‬
‫ليبعسسد الرجال منسسا عسسن النسسساء حتسسى يعتذر الرجال بالرجال والنسسساء بالنسسساء )‪ .‬وقسسد تقدم‪ ،‬ذكره‬
‫الماوردي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تحسنوا وتتقوا "شرط "فإن ال كان بما تعملون خبيرا "جوابه‪ .‬وهذا خطاب‬
‫للزواج من حيث إن للزوج أن يشح ول يحسن؛ أي إن تحسنوا وتتقوا في عشرة النساء بإقامتكم‬
‫عليهن مع كراهيتكم لصحبتهن واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 129 :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فل تميلوا كل الميل فتذروها‬
‫كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن ال كان غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولن تسستطيعوا أن تعدلوا بيسن النسساء ولو حرصستم فل تميلوا كسل الميسل" أخسبر‬
‫تعالى بنفسي السستطاعة فسي العدل بيسن النسساء‪ ،‬وذلك فسي ميسل الطبسع بالمحبسة والجماع والحسظ مسن‬
‫القلب‪ .‬فوصسف ال تعالى حالة البشسر وأنهسم بحكسم الخلقسة ل يملكون ميسل قلوبهسم إلى بعسض دون‬
‫بعسسض؛ ولهذا كان عليسسه السسسلم يقول‪( :‬اللهسسم إن هذه قسسسمتي فيمسسا أملك فل تلمنسسي فيمسسا تملك ول‬
‫أملك)‪ .‬ثم نهى فقال‪" :‬فل تميلوا كل الميل" قال مجاهد‪ :‬ل تتعمدوا الساءة بل الزموا التسوية في‬
‫القسم والنفقة؛ لن هذا مما يستطاع‪ .‬وسيأتي بيان هذا في "الحزاب" مبسوطا إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتذروهسا كالمعلقسة" أي ل هسي مطلقسة ول ذات زوج؛ قاله الحسسن‪ .‬وهذا تشسبيه‬
‫بالشيسء المعلق مسن شيسء؛ لنه ل على الرض اسستقر ول على مسا علق عليسه انحمسل؛ وهذا مطرد‬
‫في قولهم في المثل‪" :‬ارض من المركب بالتعليق"‪ .‬وفي عرف النحويين فمن تعليق الفعل‪ .‬ومنه‬
‫في حديث أم زرع في قول المرأة‪ :‬زوجي العشنق‪ ،‬إن أنطق أطلق‪ ،‬وإن أسكت أعلق‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫كالمسسسجونة؛ وكذا قرأ أبسسي "فتذروهسسا كالمسسسجونة"‪ .‬وقرأ ابسسن مسسسعود "فتذروهسسا كأنهسسا معلقسة"‪.‬‬
‫وموضع "فتذروها" نصب؛ لنه جواب النهي‪ .‬والكاف في "كالمعلقة" في موضع نصب أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 132 - 130 :‬وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته وكان ال واسعا حكيما‪ ،‬ول ما‬
‫فسي السسماوات ومسا فسي الرض ولقسد وصسينا الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم وإياكسم أن اتقوا ال وإن‬
‫تكفروا فإن ل مسا فسي السسماوات ومسا فسي الرض وكان ال غنيسا حميدا‪ ،‬ول مسا فسي السسماوات ومسا‬
‫في الرض وكفى بال وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته "أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما‬
‫بال‪ ،‬فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه‪ ،‬وللمرأة من يوسع عليها‪ .‬وروي عن جعفر بن محمد‬
‫أن رجل شكا إليه الفقر‪ ،‬فأمره بالنكاح‪ ،‬فذهب الرجل وتزوج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر‪ ،‬فأمره‬
‫بالطلق؛ فسئل عن هذه الية فقال‪ :‬أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه الية‪" :‬إن يكونوا فقراء يغنهم‬
‫ال من فضله" فلما لم يكن من أهل تلك الية أمرته بالطلق فقلت‪ :‬فلعله من أهل هذه الية "وإن‬
‫يتفرقا يغن ال كل من سعته"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقسد وصسينا الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم "أي المسر بالتقوى كان عامسا لجميسع‬
‫المسم‪ :‬وقسد مضسى القول فسي التقوى‪" .‬وإياكسم" عطسف على "الذيسن"‪" .‬أن اتقوا ال" فسي موضسع‬
‫نصب؛ قال الخفش‪ :‬أي بأن اتقوا ال‪ .‬وقال بعض العارفين‪ :‬هذه الية هي رحى أي القرآن‪ ،‬لن‬
‫جميعه يدور عليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تكفروا فإن ل ما في السماوات وما في الرض وكان ال غنيا حميدا‪ ،‬ول ما‬
‫فسسي السسسماوات ومسسا فسسي الرض وكفسسى بال وكيل" إن قال قائل‪ :‬مسسا فائدة هذا التكريسسر ؟ فعنسسه‬
‫جوابان‪ :‬أحدهمسسا‪ :‬أنسسه كرر تأكيدا؛ ليتنبسسه العباد وينظروا مسسا فسسي ملكوتسسه وملكسسه وأنسسه غنسسي عسسن‬
‫العالميسن‪ .‬الجواب الثانسي‪ :‬أنسه كرر لفوائد‪ :‬فأخسبر فسي الول أن ال تعالى يغنسي كل مسن سسعته؛ لن‬
‫له ما في السموات وما في الرض فل تنفد خزائنه‪ .‬ثم قال‪ :‬أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى "وإن‬
‫تكفروا "أي وإن تكفروا فإنسه غنسي عنكسم؛ لن له مسا فسي السسموات ومسا فسي الرض‪ .‬ثسم أعلم فسي‬
‫الثالث بحفسسظ خلقسسه وتدبيره إياهسسم بقوله‪" :‬وكفسسى بال وكيل "لن له مسسا فسسي السسسموات ومسسا فسسي‬
‫الرض‪ .‬وقال‪" :‬مسا فسي السسموات" ولم يقسل مسن فسي السسموات؛ لنسه ذهسب بسه مذهسب الجنسس‪ ،‬وفسي‬
‫السموات والرض من يعقل ومن ل يعقل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 133 :‬إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان ال على ذلك قديرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يشسأ يذهبكسم "يعنسي بالموت "أيهسا الناس "يريسد المشركيسن والمنافقيسن "ويأت‬
‫بآخريسن "يعنسي بغيركسم‪ .‬ولمسا نزلت هذه اليسة ضرب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على ظهسر‬
‫سسسلمان وقال‪( :‬هسسم قوم هذا )‪ .‬وقيسسل‪ :‬اليسسة عامسسة‪ ،‬أي وإن تكفروا يذهبكسسم ويأت بخلق أطوع ل‬
‫منكم‪ .‬وهذا كما قال في آية أخرى‪" :‬وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم" [محمد‪:‬‬
‫‪ .]38‬وفي الية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولية وإمارة ورياسة فل يعدل في رعيته‪ ،‬أو‬
‫كان عالمسا فل يعمسل بعلمسه ول ينصسح الناس‪ ،‬أن يذهبسه ويأتسي بغيره‪ ".‬وكان ال على ذلك قديرا‬
‫"والقدرة صسفة أزليسة‪ ،‬ل تتناهسى مقدوراتسه‪ ،‬كمسا ل تتناهسى معلوماتسه‪ ،‬والماضسي والمسستقبل فسي‬
‫صفاته بمعنى واحد‪ ،‬وإنما خص الماضي بالذكر لئل يتوهم أنه يحدث في ذاته وصفاته‪ .‬والقدرة‬
‫هي التي يكون بها الفعل ول يجوز وجود العجز معها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 134 :‬مسن كان يريسد ثواب الدنيسا فعنسد ال ثواب الدنيسا والخرة وكان ال سسميعا‬
‫بصيرا}‬
‫@ أي من عمل بما افترضه ال عليه طلبا للخرة أتاه ال ذلك في الخرة‪ ،‬ومن عمل طلبا للدنيا‬
‫أتاه بما كتب له في الدنيا وليس له في الخرة من ثواب؛ لنه عمل لغير ال كما قال تعالى‪" :‬وما‬
‫له فسي الخرة مسن نصسيب "[الشورى‪ .]20 :‬وقال تعالى‪" :‬أولئك الذيسن ليسس لهسم فسي الخرة إل‬
‫النار" [هود‪ .]16 :‬وهذا على أن يكون المراد باليسة المنافقون والكفار‪ ،‬وهسو اختيار الطسبري‪.‬‬
‫وروي أن المشركيسسن كانوا ل يؤمنون بالقيامسسة‪ ،‬وإنمسسا‪ .‬يتقربون إلى ال تعالى ليوسسسع عليهسسم فسسي‬
‫الدنيا ويرفع عنهم مكروهها؛ فأنزل ال عز وجل "من كان يريد ثواب الدنيا فعند ال ثواب الدنيا‬
‫والخرة وكان ال سميعا بصيرا "أي يسمع ما يقولونه ويبصر ما يسرونه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 135 :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا كونوا قواميسن بالقسسط شهداء ل ولو على أنفسسكم أو‬
‫الوالديسن والقربيسن إن يكسن غنيسا أو فقيرا فال أولى بهمسا فل تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو‬
‫تعرضوا فإن ال كان بما تعملون خبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كونوا قوامين ""قوامين "بناء مبالغة‪ ،‬أي ليتكرر منكم القيام بالقسط‪ ،‬وهو العدل‬
‫فسسي شهادتكسسم على أنفسسسكم‪ ،‬وشهادة المرء على نفسسسه إقراره بالحقوق عليهسسا‪ .‬ثسسم ذكسسر الوالديسسن‬
‫لوجوب برهما وعظم قدرهما‪ ،‬ثم ثنى بالقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب؛ فكان الجنبي من‬
‫الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه‪ ،‬فجاء الكلم في السورة في حفظ حقوق الخلق في‬
‫الموال‪.‬‬
‫@ ل خلف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الية‪ ،‬وأن شهادة الولد على الوالدين الب والم‬
‫ماضيسة‪ ،‬ول يمنسع ذلك مسن برهمسا‪ ،‬بسل مسن برهمسا أن يشهسد عليهمسا ويخلصسهما مسن الباطسل‪ ،‬وهسو‬
‫معنى قوله تعالى‪" :‬قوا أنفسكم وأهليكم نارا "[التحريم‪ ]6:‬فإن شهد لهما أو شهدا له وهي‪:‬‬
‫فقسد اختلف فيهسا قديمسا وحديثسا؛ فقال ابسن شهاب الزهري‪ :‬كان مسن مضسى مسن السسلف الصسالح‬
‫يجيزون شهادة الوالدين والخ‪ ،‬ويتأولون في ذلك قول ال تعالى‪" :‬كونوا قوامين بالقسط شهداء ل‬
‫"فلم يكسن أحسد يتهسم فسي ذلك مسن السسلف الصسالح رضوان ال عليهسم‪ .‬ثسم ظهرت مسن الناس أمور‬
‫حملت الولة على اتهامهسم‪ ،‬فتركست شهادة مسن يتهسم‪ ،‬وصسار ذلك ل يجوز فسي الولد والوالد والخ‬
‫والزوج والزوجة‪ ،‬وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن‬
‫حنبسسل‪ .‬وقسسد أجاز قوم شهادة بعضهسسم لبعسسض إذا كانوا عدول‪ .‬وروي عسسن عمسسر بسسن الخطاب أنسسه‬
‫أجازه؛ وكذلك روي عسن عمسر بسن عبدالعزيسز‪ ،‬وبسه قال إسسحاق والثوري والمزنسي‪ .‬ومذهسب مالك‬
‫جواز شهادة الخ لخيسه إذا كان عدل إل فسي النسسب‪ .‬وروى عنسه ابسن وهسب أنهسا ل تجوز إذا كان‬
‫فسي عياله أو فسي نصسيب مسن مال يرثسه‪ .‬وقال مالك وأبسو حنيفسة‪ :‬شهادة الزوج لزوجتسه ل تقبسل؛‬
‫لتواصل منافع الملك بينهما وهي محل الشهادة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬تجوز شهادة الزوجين بعضهما‬
‫لبعض؛ لنهما أجنبيان‪ ،‬وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال‪ .‬والصل قبول الشهادة إل‬
‫حيسث خسص فيمسا عدا المخصسوص فبقسي على الصسل؛ وهذا ضعيسف؛ فإن الزوجيسة توجسب الحنان‬
‫والمواصلة واللفة والمحبة‪ ،‬فالتهمة قوية ظاهرة‪ .‬وقد روى أبو داود من حديث سليمان بن موسى‬
‫عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم رد شهادة الخائن والخائنسة‬
‫وذي الغمسر على أخيسه‪ ،‬ورد شهادة القانسع لهسل البيست وأجازهسا لغيرهسم‪ .‬قال الخطابسي‪ :‬ذو الغمسر‬
‫الذي بينسه وبيسن المشهود عليسه عداوة ظاهرة‪ ،‬فترد شهادتسه عليسه للتهمسة‪ .‬وقال أبسو حنيفسة‪ :‬شهادتسه‬
‫على العدو مقبولة إذا كان عدل‪ .‬والقانسسع السسسائل والمسسستطعم‪ ،‬وأصسسل القنوع السسسؤال‪ .‬ويقال فسسي‬
‫القانسع‪ :‬إنسه المنقطسع إلى القوم يخدمهسم ويكون فسي حوائجهسم؛ وذلك مثسل الجيسر أو الوكيسل ونحوه‪.‬‬
‫ومعنسى رد هذه الشهادة التهمسة فسي جسر المنفعسة إلى نفسسه؛ لن القانسع لهسل البيست ينتفسع بمسا يصسير‬
‫إليهم من نفع‪ .‬وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا فشهادته مردودة؛ كمن شهد لرجل على شراء‬
‫دار هسسو شفيعهسسا‪ ،‬أو كمسسن حكسسم له على رجسسل بديسسن وهسسو مفلس‪ ،‬فشهسسد المفلس على رجسسل بديسسن‬
‫ونحوه‪ .‬قال الخطابسي‪ :‬ومسن رد شهادة القانسع لهسل البيست بسسبب جسر المنفعسة فقياس قوله أن يرد‬
‫شهادة الزوج لزوجتسه؛ لن مسا بينهمسا مسن التهمسة فسي جسر المنفعسة أكثسر؛ وإلى هذا ذهسب أبسو حنيفسة‪.‬‬
‫والحديث حجة على من أجاز شهادة الب لبنه؛ لنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبه والميل‬
‫إليه؛ ولنه يمتلك ماله‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أنت ومالك لبيك )‪.‬‬
‫وممسن ترد شهادتسه عنسد مالك البدوي على القروي؛ قال‪ :‬إل أن يكون فسي باديسة أو قريسة‪ ،‬فأمسا‬
‫الذي يشهسد فسي الحضسر بدويسا ويدع جيرتسه مسن أهسل الحضسر عندي مريسب‪ .‬وقسد روى أبسو داود‬
‫والدارقطني عن أبي هريرة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل تجوز شهادة بدوي‬
‫على صساحب قريسة )‪ .‬قال محمسد بسن عبدالحكسم‪ :‬تأول مالك هذا الحديسث على أن المراد بسه الشهادة‬
‫في الحقوق والموال‪ ،‬ول ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق‪ .‬وقال عامة‬
‫أهسسل العلم‪ :‬شهادة البدوي إذا كان عدل يقيسسم الشهادة على وجههسسا جائزة؛ وال أعلم‪ .‬وقسسد مضسسى‬
‫القول في هذا في "البقرة"‪ ،‬ويأتي في "براءة "تمامها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شهداء ل "نصسب على النعست لسس "قواميسن"‪ ،‬وإن شئت كان خسبرا بعسد خسبر‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في "قوامين "من ذكر الذين آمنوا؛ لنه‬
‫نفسسس المعنسسى‪ ،‬أي كونوا قواميسسن بالعدل عنسسد شهادتكسسم‪ .‬قال ابسسن عطيسسة‪ :‬والحال فيسسه ضعيفسة فسسي‬
‫المعنى؛ لنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط‪ .‬ولم ينصرف "شهداء "لن فيه ألف‬
‫التأنيث‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ل "معناه لذات ال ولوجهسسه ولمرضاتسسه وثوابسسه‪" .‬ولو على أنفسسسكم أو الوالديسسن‬
‫والقربيسسسن "متعلق بسسسس "شهداء "؛ هذا هسسسو الظاهسسسر الذي فسسسسر عليسسسه الناس‪ ،‬وإن هذه الشهادة‬
‫المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لهلها‪ ،‬فذلك قيامه بالشهادة على نفسه؛ كما تقدم‪ .‬أدب ال جل‬
‫وعسسز المؤمنيسسن بهذا؛ كمسسا قال ابسسن عباس‪ :‬أمروا أن يقولوا الحسسق ولو على أنفسسسهم‪ .‬ويحتمسسل أن‬
‫يكون قوله‪" :‬شهداء ل "معناه بالوحدانيسسسسة ل‪ ،‬ويتعلق قوله‪" :‬ولو على أنفسسسسسكم "ب "قواميسسسسن‬
‫"والتأويل الول أبين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يكسن غنيسا أو فقيرا فال أولى بهمسا" في الكلم إضمار وهو اسسم كان؛ أي إن‬
‫يكسن الطالب أو المشهود غنيسا فل يراعسى لغناه ول يخاف منسه‪ ،‬وإن يكسن فقيرا فل يراعسى إشفاقسا‬
‫عليسه‪" .‬فال أولى بهمسا "أي فيمسا اختار لهمسا مسن فقسر وغنسى‪ .‬قال السسدي‪ :‬اختصسم إلى النسبي صسلى‬
‫ال عليسه وسسلم غنسي وفقيسر‪ ،‬فكان ضلعسه صسلى ال عليسه وسسلم مسع الفقيسر‪ ،‬ورأى أن الفقيسر ل يظلم‬
‫الغني؛ فنزلت الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فال أولى بهمسا "إنمسا قال "بهمسا "ولم يقسل "بسه "وإن كانست "أو "إنمسا تدل على‬
‫الحصول الواحد؛ لن المعنى فال أولى بكل واحد منهما‪ .‬وقال الخفش‪ :‬تكون "أو" بمعنى الواو؛‬
‫أي إن يكن غنيا وفقيرا فال أولى بالخصمين كيفما كانا؛ وفيه ضعف‪ .‬وقيل‪ :‬إنما قال‪" :‬بهما" لنه‬
‫قد تقدم ذكرهما؛ كما قال تعالى‪" :‬وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس"[النساء‪.]12:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تتبعوا الهوى" نهي‪ ،‬فإن اتباع الهوى مرد‪ ،‬أي مهلك؛ قال ال تعالى‪" :‬فاحكم‬
‫بيسن الناس بالحسق ول تتبسع الهوى فيضلك عسن سسبيل ال "[ص‪ ]26 :‬فاتباع الهوى يحمسل على‬
‫الشهادة بغير الحق‪ ،‬وعلى الجور في الحكم‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬أخذ ال عز وجل على‬
‫الحكام ثلثسسة أشياء‪ :‬أل يتبعوا الهوى‪ ،‬وأل يخشوا الناس ويخشوه‪ ،‬وأل يشتروا بآياتسسه ثمنسسا قليل‪.‬‬
‫"أن تعدلوا "في موضع نصب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تلووا أو تعرضوا" قرئ "وإن تلووا "من لويت فلنا حقه ليا إذا دفعته به‪،‬‬
‫والفعسل منه "لوى "والصسل فيسه "لوى "قلبست الياء ألفسا لحركتهسا وحركسة مسا قبلهسا‪ ،‬والمصسدر "ليسا‬
‫"والصل لويا‪ ،‬وليانا والصل لويانا‪ ،‬ثم أدغمت الواو في الياء‪ .‬وقال القتبي‪" :‬تلووا "من اللي في‬
‫الشهادة والميل إلى أحد الخصمين‪ .‬وقرأ ابن عامر والكوفيون "تلوا "أراد قمتم بالمر وأعرضتم‪،‬‬
‫مسن قولك‪ :‬وليست المسر‪ ،‬فيكون فسي الكلم‪ .‬التوبيسخ للعراض عسن القيام بالمسر وقيسل‪ :‬إن معنسى‬
‫"تلوا "العراض‪ .‬فالقراءة بضسم اللم تفيسد معنييسن‪ :‬الوليسة والعراض‪ ،‬والقراءة بواويسن تفيسد‬
‫معنسى واحدا وهسو العراض‪ .‬وزعسم بعسض النحوييسن أن مسن قرأ "تلوا "فقسد لحسن؛ لنسه ل معنسى‬
‫للوليسسة ههنسسا‪ .‬قال النحاس وغيره‪ :‬وليسسس يلزم هذا ولكسسن تكون "تلوا "بمعنسسى "تلووا "وذلك أن‬
‫أصسله "تلووا" فاسستثقلت الضمسة على الواو بعدهسا واو أخرى‪ .‬فألقيست الحركسة على اللم وحذفست‬
‫إحدى الواويسن للتقاء السساكنين؛ وهسي كالقراءة بإسسكان اللم وواويسن؛ ذكره مكسي‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫المعنسى على قراءتسه "وإن تلووا "ثسم همسز الواو الولى فصسارت "تلؤوا "ثسم خففست الهمزة بإلقاء‬
‫حركتهسسا على اللم فصسسارت "تلوا "وأصسسلها "تلووا"‪ .‬فتتفسسق القراءتان على هذا التقديسسر‪ .‬وذكره‬
‫النحاس ومكي وابن العربي وغيرهم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي‬
‫فيكون لي القاضسي وإعراضه لحدهما على الخر؛ فاللي على هذا مطل الكلم وجره حتى يفوت‬
‫فصسل القضاء وإنفاذه للذي يميسل القاضسي إليسه‪ .‬قال ابسن عطيسة‪ :‬وقسد شاهدت بعسض القضاة يفعلون‬
‫ذلك‪ ،‬وال حسسيب الكسل‪ .‬وقال ابسن عباس أيضسا والسسدي وابسن زيسد والضحاك ومجاهسد‪ :‬هسي فسي‬
‫الشهود يلوي الشاهد الشهادة بلسانه ويحرفها فل يقول الحق فيها‪ ،‬أو يعرض عن أداء الحق فيها‪.‬‬
‫ولفسظ اليسة يعسم القضاء والشهادة‪ ،‬وكسل إنسسان مأمور بأن يعدل‪ .‬وفسي الحديسث‪( :‬لي الواجسد يحسل‬
‫عرضه وعقوبته )‪ .‬قال ابن العرابي‪ :‬عقوبته حبسه‪ ،‬وعرضه شكايته‪.‬‬
‫وقسد اسستدل بعسض العلماء فسي رد شهادة العبسد بهذه اليسة؛ فقال‪ :‬جعسل ال تعالى الحاكسم شاهدا فسي‬
‫هذه اليسة‪ ،‬وذلك أدل دليسل على أن العبسد ليسس مسن أهسل الشهادة؛ لن المقصسود منسه السستقلل بهذا‬
‫المهم إذا دعت الحاجة إليه‪ ،‬ول يتأتى ذلك من العبد أصل فلذلك ردت الشهادة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 136 :‬يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب‬
‫الذي أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل بعيدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا آمنوا" الية‪ .‬نزلت في جميع المؤمنين؛ والمعنى‪ :‬يا أيها الذين‬
‫صسسسسدقوا أقيموا على تصسسسسديقكم وأثبتوا عليسسسسه‪" .‬والكتاب الذي نزل على رسسسسسوله "أي القرآن‪.‬‬
‫"والكتاب الذي أنزل من قبل" أي كل كتاب أنزل على النبيين‪ .‬وقرأ ابن كثيسر وأبو عمرو وابن‬
‫عامر "نزل "و "أنزل "بالضم‪ .‬الباقون "نزل "و "أنزل "بالفتح‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت فيمن آمن بمن تقدم‬
‫محمدا صسلى ال عليه وسسلم من النسبياء عليهسم السسلم‪ .‬وقيسل‪ :‬إنسه خطاب للمنافقيسن؛ والمعنسى على‬
‫هذا يسا أيهسا الذيسن آمنوا فسي الظاهسر أخلصسوا ل‪ .‬وقيسل‪ :‬المراد المشركون؛ والمعنسى يسا أيهسا الذيسن‬
‫آمنوا باللت والعزى والطاغوت آمنوا بال؛ أي صدقوا بال وبكتبه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 137 :‬إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن ال ليغفر‬
‫لهم ول ليهديهم سبيل}‬
‫@ قيل‪ :‬المعنى آمنوا بموسى وكفروا بعزير‪ ،‬ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى‪ ،‬ثم ازدادوا كفرا‬
‫بمحمسد صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬وقيسل‪ :‬إن الذيسن آمنوا بموسسى ثسم آمنوا بعزيسر‪ ،‬ثسم كفروا بعسد عزيسر‬
‫بالمسسيح‪ ،‬وكفرت النصسارى بمسا جاء بسه موسسى وآمنوا بعيسسى‪ ،‬ثسم ازدادوا كفرا بمحمسد صسلى ال‬
‫عليسه وسسلم ومسا جاء بسه مسن القرآن‪ .‬فإن قيسل‪ :‬إن ال تعالى ل يغفسر شيئا مسن الكفسر فكيسف قال‪" :‬إن‬
‫الذيسن آمنوا ثسم كفروا ثسم ازدادوا كفرا لم يكسن ال ليغفسر لهسم "فالجواب أن الكافسر إذا آمسن غفسر له‬
‫كفره‪ ،‬فإذا رجع فكفر لم يغفر له الكفر الول؛ وهذا كما جاء في صحيح مسلم عن عبدال قال‪ :‬قال‬
‫أناس لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال‪( :‬أما من‬
‫أحسسن منكسم فسي السسلم فل يؤاخسذ بهسا ومسن أسساء أخسذ بعمله فسي الجاهليسة والسسلم)‪ .‬وفسي روايسة‬
‫(ومن أساء في السلم أخذ بالول والخر )‪ .‬الساءة هنا بمعنى الكفر؛ إذ ل يصح أن يراد بههنا‬
‫ارتكاب سسيئة‪ ،‬فإنسه يلزم عليسه أل يهدم السسلم مسا سسبق قبله إل لمسن يعصسم مسن جميسع السسيئات إل‬
‫حيسن موتسه‪ ،‬وذلك باطسل بالجماع‪ .‬ومعنسى‪" :‬ثسم ازدادوا كفرا "أصسروا على الكفسر‪" .‬لم يكسن ال‬
‫ليغفسر لهسم ول ليهديهسم سسبيل "ليرشدهسم‪" .‬سسبيل" طريقسا إلى الجنسة‪ .‬وقيسل‪ :‬ل يخصسهم بالتوفيسق‬
‫يخص أولياءه‪ .‬وفي هذه الية رد على أهل القدر؛ فإن ال تعالى بين أنه ل يهدي الكافرين طريق‬
‫خيسر ليعلم العبسد أنسه إنمسا ينال الهدى بال تعالى‪ ،‬ويحرم الهدى بإرادة ال تعالى أيضسا‪ .‬وتضمنست‬
‫الية أيضا حكم المرتدين‪ ،‬وقد مضى القول فيهم في "البقرة "عند قوله تعالى‪" :‬ومن يرتدد منكم‬
‫عن دينه فيمت وهو كافر "[البقرة‪.]217 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 138 :‬بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}‬
‫@ التبشير الخبار بما ظهر أثره على البشرة‪ ،‬وقد تقدم بيانه في "البقرة "ومعنى النفاق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 139 :‬الذيسن يتخذون الكافريسن أولياء مسن دون المؤمنيسن أيبتغون عندهسم العزة فإن‬
‫العزة ل جميعا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيسن يتخذون الكافريسن أولياء مسن دون المؤمنيسن ""الذيسن "نعست للمنافقيسن‪ .‬وفسي‬
‫هذا دليسل على أن مسن عمسل معصسية مسن الموحديسن ليسس بمنافسق؛ لنسه ل يتولى الكفار‪ .‬وتضمنست‬
‫المنسسع مسسن موالة الكافسسر‪ ،‬وأن يتخذوا أعوانسسا على العمال المتعلقسسة بالديسسن‪ .‬وفسسي الصسسحيح عسسن‬
‫عائشة رضي ال عنها أن رجل من المشركين لحق بالنبي صلى ال عليه وسلم يقاتل معه‪ ،‬فقال‬
‫له‪( :‬ارجسسع فإنسسا ل نسسستعين بمشرك)‪" .‬العزة" أي الغلبسسة‪ ،‬عزه يعزه عزا إذا غلبسسه‪" .‬فإن العزة ل‬
‫جميعسا "أي الغلبة والقوة ل‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬أيبتغون عندهم "يريد بني قينقاع‪ ،‬فإن ابن أبي كان‬
‫يواليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 141 - 140 :‬وقسد نزل عليكسم فسي الكتاب أن إذا سسمعتم آيات ال يكفسر بهسا‬
‫ويستهزأ بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن ال جامع المنافقين‬
‫والكافرين في جهنم جميعا‪ ،‬الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من ال قالوا ألم نكن معكم وإن‬
‫كان للكافريسن نصسيب قالوا ألم نسستحوذ عليكسم ونمنعكسم مسن المؤمنيسن فال يحكسم بينكسم يوم القيامسة‬
‫ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها ويستهزأ بها" الخطاب‬
‫لجميع من أظهر اليمان من محق ومنافق؛ لنه إذا أظهر اليمان فقد لزمه أن يمتثل أوامر كتاب‬
‫ال‪ .‬فالمنزل قوله تعالى‪" :‬وإذا رأيست الذين يخوضون فسي آياتنسا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فسي‬
‫حديسث غيره "[النعام‪ .]68 :‬وكان المنافقيسن يجلسسون إلى أحبار اليهود فيسسخرون مسن القرآن‪.‬‬
‫وقرأ عاصسسم ويعقوب "وقسد نزل "بفتسح النون والزاي وشدهسا؛ لتقدم اسسم ال جسل جلله فسي قوله‬
‫تعالى‪" :‬فإن العزة ل جميعسا"‪ .‬وقرأ حميسد كذلك‪ ،‬إل أنسه خفسف الزاي‪ .‬الباقون "نزل "غيسر مسسمى‬
‫الفاعسسل‪" .‬أن إذا سسسمعتم آيات ال "موضسسع "أن إذا سسسمعتم "على قراءة عاصسسم ويعقوب نصسسب‬
‫بوقوع الفعل عليه‪ .‬وفي قراءة الباقين رفع؛ لكونه اسم ما لم يسم فاعله‪" .‬يكفر بها "أي إذا سمعتم‬
‫الكفسر والسستهزاء بآيات ال؛ فأوقسع السسماع على اليات‪ ،‬والمراد سسماع الكفسر والسستهزاء؛ كمسا‬
‫تقول‪ :‬سمعت عبدال يلم‪ ،‬أي سمعت اللوم في عبدال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر‪" .‬إنكم إذا مثلهم‬
‫"فدل بهذا على وجوب اجتناب أصسحاب المعاصسي إذا ظهسر منهسم منكسر؛ لن مسن لم يجتنبهسم فقسد‬
‫رضي فعلهم‪ ،‬والرضا بالكفر كفر؛ قال ال عز وجل‪" :‬إنكم إذا مثلهم"‪ .‬فكل من جلس في مجلس‬
‫معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء‪ ،‬وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية‬
‫وعملوا بها؛ فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى ل يكون من أهل هذه الية‪.‬‬
‫وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز رضى ال عنه أنه أخذ قوما يشربون الخمر‪ ،‬فقيل له عن أحد‬
‫الحاضرين‪ :‬إنه صائم‪ ،‬فحمل عليه الدب وقرأ هذه الية "إنكم إذا مثلهم "أي إن الرضا بالمعصية‬
‫معصسية؛ ولهذا يؤاخسذ الفاعسل والراضسي بعقوبسة المعاصسي حتسى يهلكوا بأجمعهسم‪ .‬وهذه المماثلة‬
‫ليست في جميع الصفات‪ ،‬ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة؛ كما قال‪:‬‬
‫فكل قرين بالمقارن يقتدي‬
‫وقسد تقدم‪ .‬وإذا ثبست تجنسب أصسحاب المعاصسي كمسا بينسا فتجنسب أهسل البدع والهواء أولى‪ .‬وقال‬
‫الكلبسي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فل تقعدوا معهسم حتسى يخوضوا فسي حديسث غيره "نسسخ بقوله تعالى‪" :‬ومسا‬
‫على الذيسن يتقون مسن حسسابهم مسن شيسء "[النعام‪ .]69 :‬وقال عامسة‪ .‬المفسسرين‪ :‬هسي محكمسة‪.‬‬
‫وروى جويبر عن الضحاك قال‪ :‬دخل في هذه الية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال جامسع المنافقيسن" الصسل "جامسع" بالتنويسن فحذف اسستخفافا؛ فإنسه بمعنسى‬
‫يجمع‪ ".‬الذين يتربصون بكم "يعني المنافقين‪ ،‬أي ينتظرون بكم الدوائر‪" .‬فإن كان لكم فتح من ال‬
‫"أي غلبة على اليهود وغنيمة‪" .‬قالوا ألم نكن معكم "أي أعطونا من الغنيمة‪" .‬وإن كان للكافرين‬
‫نصسيب" أي ظفسر‪" .‬قالوا ألم نسستحوذ عليكسم "أي ألم نغلب عليكسم حتسى هابكسم المسسلمون وخذلناهسم‬
‫عنكسسسم‪ .‬يقال‪ :‬اسسسستحوذ على كذا أي غلب عليسسسه؛ ومنسسسه قوله تعالى‪" :‬اسسسستحوذ عليهسسسم الشيطان‬
‫"[المجادلة‪ .]19 :‬وقيل‪ :‬أصل السستحواذ الحوط؛ حاذه يحوذه حوذا إذا حاطه‪ .‬وهذا الفعل جاء‬
‫على الصل‪ ،‬ولو أعل لكان ألم نستحذ‪ ،‬والفعل على العلل استحاذ يستحيذ‪ ،‬وعلى غير العلل‬
‫اسستحوذ يسستحوذ‪" .‬ونمنعكسم مسن المؤمنيسن "أي بتخذيلنسا إياهسم عنكسم‪ ،‬وتفريقنسا إياهسم ممسا يريدونسه‬
‫منكم‪ .‬والية تدل على أن المنافقين كانوا يخرجون في الغزوات مع المسلمين ولهذا قالوا‪ :‬ألم نكن‬
‫معكم ؟ وتدل على أنهم كانوا ل يعطونهم الغنيمة ولهذا طلبوها وقالوا‪ :‬ألم نكن معكم ! ويحتمل أن‬
‫يريدوا بقولهم "ألم نكن معكم "المتنان على المسلمين‪ .‬أي كنا نعلمكم بأخبارهم وكنا أنصارا لكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيل "للعلماء فيه تأويلت خمس‪:‬‬
‫أحدهسا‪ :‬مسا روي عسن يسسيع الحضرمسي قال‪ :‬كنست عنسد علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه فقال له‬
‫رجسل يسا أميسر المؤمنيسن‪ ،‬أرأيست قول ال‪" :‬ولن يجعسل ال للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل "كيسف‬
‫ذلك‪ ،‬وهسم يقاتلوننسا ويظهرون علينسا أحيانسا ! فقال علي رضسي ال عنسه‪ :‬معنسى ذلك يوم القيامسة يوم‬
‫الحكم‪ .‬وكذا قال ابن عباس‪ :‬ذاك يوم القيامة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وبهذا قال جميع أهل التأويل‪ .‬قال ابن‬
‫العربسسي‪ :‬وهذا ضعيسسف‪ :‬لعدم فائدة الخسسبر فيسسه‪ ،‬وإن أوهسسم صسسدر الكلم معناه؛ لقوله تعالى‪" :‬فلله‬
‫يحكم بينكم يوم القيامة" فأخر الحكم إلى يوم القيامة‪ .‬وجعل المر في الدنيا دول تغلب الكفار تارة‬
‫وتغلب أخرى؛ بمسسا رأى مسسن الحكمسسة وسسسبق مسسن الكلمسسة‪ .‬ثسسم قال‪" :‬ولن يجعسسل ال للكافريسسن على‬
‫المؤمنيسن سسبيل" فتوهسم مسن توهسم أن آخسر الكلم يرجسع إلى أوله‪ ،‬وذلك يسسقط فائدتسه‪ ،‬إذ يكون‬
‫تكرارا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن ال ل يجعل لهم سبيل يمحو به دولة المؤمنين‪ ،‬ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم؛ كما‬
‫جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬وإني سألت ربي أل‬
‫يهلكها بسنة عامة وأل يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد‬
‫إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد وإني قد أعطيتك لمتك أل أهلكهم بسنة عامة وأل أسلط عليهم‬
‫عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك‬
‫بعضا ويسبي بعضهم بعضا )‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إن ال سسبحانه ل يجعسل للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل منسه إل أن يتواصسوا بالباطسل ول‬
‫يتناهوا عسسن المنكسسر ويتقاعدوا عسسن التوبسسة فيكون تسسسليط العدو مسسن قبلهسسم؛ كمسسا قال تعالى‪" :‬ومسسا‬
‫أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "[الشورى‪ .]30 :‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا نفيس جدا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل عليسه قوله عليسه السسلم فسي حديسث ثوبان (حتسى يكون بعضهسم يهلك بعضسا ويسسبي‬
‫بعضهسسم بعضسسا ) وذلك أن "حتسسى "غايسسة؛ فيقتضسسي ظاهسسر الكلم أنسسه ل يسسسلط عليهسسم عدوهسسم‬
‫فيسستبيحهم إل إذا كان منهسم إهلك بعضهسم لبعسض‪ ،‬وسسبي بعضهسم لبعسض‪ ،‬وقسد وجسد ذلك فسي هذه‬
‫الزمان بالفتن الواقعة بيسن المسلمين؛ فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلد المسسلمين حتسى‬
‫لم يبق من السلم إل أقله؛ فنسأل ال أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إن ال سبحانه ل يجعل للكافرين على المؤمنين سبيل شرعا؛ فإن وجد فبخلف الشرع‪.‬‬
‫الخامسسسس‪" :‬ولن يجعسسسل ال للكافريسسسن على المؤمنيسسسن سسسسبيل "أي حجسسسة عقليسسسة ول شرعيسسسه‬
‫يستظهرون بها إل أبطلها ودحضت‪.‬‬
‫@ ابن العربي‪ :‬ونزع علماؤنا بهذه الية في الحتجاج على أن الكافر ل يملك العبد المسلم‪ .‬وبه‬
‫قال أشهسب والشافعسي‪ :‬لن ال سسبحانه نفسى السسبيل للكافسر عليسه‪ ،‬والملك بالشراء سسبيل‪ ،‬فل يشرع‬
‫له ول ينعقد العقد بذلك‪ .‬وقال ابن القاسم عن مالك‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪ :‬إن معنى "ولن يجعل ال‬
‫للكافريسسن على المؤمنيسسن سسسبيل "فسسي دوام الملك؛ لنسسا نجسسد البتداء يكون له عليسسه وذلك بالرث‪.‬‬
‫وصسورته أن يسسلم عبسد كافسر فسي يسد كافسر فيلزم القضاء عليسه بسبيعه‪ ،‬فقبسل الحكسم عليسه بسبيعه مات‪،‬‬
‫فيرث العبد المسلم وارث الكافر‪ .‬فهده سبيل قد ثبت قهرا ل قصد فيه‪ ،‬وإن ملك الشراء ثبت بقصد‬
‫النية‪ ،‬فقد أراد الكافر تملكه باختياره‪ ،‬فإن حكم بعقد بيعه وثبوت ملكه فقد حقق فيه قصده‪ ،‬وجعل‬
‫له سسسبيل عليسسه‪ .‬قال أبسسو عمسسر‪ :‬وقسسد أجمسسع المسسسلمون على أن عتسسق النصسسراني أو اليهودي لعبده‬
‫المسسلم صسحيح نافسذ عليسه‪ .‬وأجمعوا أنسه إذا أسسلم عبدالكافسر فسبيع عليسه أن ثمنسه يدفسع إليسه‪ .‬فدل على‬
‫أنسه على ملكسه بيسع وعلى ملكسه ثبست العتسق له‪ ،‬إل أنسه ملك غيسر مسستقر لوجوب بيعسه عليسه؛ وذلك‬
‫وال أعلم لقول ال عسز وجسل‪" :‬ولن يجعسل ال للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل "يريسد السسترقاق‬
‫والملك والعبودية ملكا مستقرا دائما‪.‬‬
‫واختلف العلماء في شراء العبد الكافر العبد المسلم على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬البيع مفسوخ‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫البيع صحيح ويباع على المشتري‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضا من هذا الباب في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فأسلم العبد؛ فقال‬
‫مالك والشافعسي فسي أحسد قوليسه‪ :‬يحال بينسه وبيسن العبسد‪ ،‬ويخارج على سسيده النصسراني‪ ،‬ول يباع‬
‫عليسه حتسى يتسبين أمره‪ .‬فإن هلك النصسراني وعليسه ديسن قضسي دينسه مسن ثمسن العبسد المدبر‪ ،‬إل أن‬
‫يكون في ماله ما يحمل المدبر فيعتق المدبر‪ .‬وقال الشافعي في القول الخر‪ :‬إنه يباع عليه ساعة‬
‫أسسلم؛ واختاره المزنسي؛ لن المدبر وصسية ول يجوز ترك مسسلم فسي ملك مشرك يذله ويخارجسه‪،‬‬
‫وقد صار بالسلم عدوا له‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬يباع النصراني من مسلم فيعتقه‪ ،‬ويكون ولؤه‬
‫للذي اشتراه وأعتقه‪ ،‬ويدفع إلى النصراني ثمنه‪ .‬وقال سفيان والكوفيون‪ :‬إذا أسلم مدبر النصراني‬
‫قوم قيمتسسه فيسسسعى فسسي قيمتسسه‪ ،‬فإن مات النصسسراني قبسسل أن يفرغ المدبر مسسن سسسعايته عتسسق العبسسد‬
‫وبطلت السعاية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 142 :‬إن المنافقين يخادعون ال وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى‬
‫يراؤون الناس ول يذكرون ال إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن المنافقيسن يخادعون ال وهسو خادعهسم" قسد مضسى فسي "البقرة "معنسى الخدع‪.‬‬
‫والخداع مسن ال مجازاتهسم على خداعهسم أولياءه ورسسله‪ .‬قال الحسسن‪ :‬يعطسى كسل إنسسان مسن مؤمسن‬
‫ومنافق نور يوم القيامة فيفرج المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا؛ فإذا جاؤوا إلى الصراط طفئ نور‬
‫كل منافق‪ ،‬فذلك قولهم‪" :‬انظرونا نقتبس من نوركم "[الحديد‪.]13 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قاموا إلى الصسسلة قاموا كسسسالى" أي يصسسلون مراءاة وهسسم متكاسسسلون‬
‫متثاقلون‪ ،‬ل يرجون ثوابسا ول يعتقدون تركهسا عقابسا‪ .‬وفسي صسحيح الحديسث‪( :‬إن أثقسل صسلة على‬
‫المنافقيسن العتمسة والصسبح )‪ .‬فإن العتمسة تأتسي وقسد أتعبهسم عمسل النهار فيثقسل عليهسم القيام إليهسا‪،‬‬
‫وصلة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من مفروح به‪ ،‬ولول السيف ما قاموا‪.‬‬
‫والرياء‪ :‬إظهار الجميسل ليراه الناس‪ ،‬ل لتباع أمسر ال؛ وقسد تقدم بيانسه‪ .‬ثسم وصسفهم بقلة الذكسر‬
‫عند المراءاة وعند الخوف‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ذاما لمن أخر الصلة‪( :‬تلك صلة المنافقين‬
‫‪ -‬ثلثا ‪ -‬يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ‪ -‬أو ‪ -‬على قرني الشيطان‬
‫قام فنقر أربعا ل يذكر ال فيها إل قليل ) رواه مالك وغيره‪ .‬فقيل‪ :‬وصفهم بقلة الذكر لنهم كانوا‬
‫ل يذكرون ال بقراءة ول تسبيح‪ ،‬وإنما كانوا يذكرونه بالتكبير‪ .‬وقيل‪ :‬وصفه بالقلة لن ال تعالى‬
‫ل يقبله‪ .‬وقيل‪ :‬لعدم الخلص فيه‪ .‬وهنا مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬بين ال تعالى في هذه الية صلة المنافقين‪ ،‬وبينها رسوله محمد صلى ال عليه وسلم؛‬
‫فمن صلى كصلتهم وذكر كذكرهم لحق بهم في عدم القبول‪ ،‬وخرج من مقتضى قوله تعالى‪" :‬قد‬
‫أفلح المؤمنون الذيسن هسم فسي صسلتهم خاشعون "[المؤمنون‪ .]1 :‬وسسيأتي اللهسم إل أن يكون له‬
‫عذر فيقتصسر على الفرض حسسب مسا علمسه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬للعرابسي حيسن رآه أخسل‬
‫بالصلة فقال له‪( :‬إذا قمت إلى الصلة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم أقرأ ما تيسر معك من‬
‫القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعا ثم أرفع حتى تعتدل قائما ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أرفع‬
‫حتسى تطمئن جالسسا ثسم أفعسل ذلك فسي صسلتك كلهسا )‪ .‬رواه الئمسة‪ .‬وقال صسلى ال عليسه وسسلم‪( :‬ل‬
‫صسسلة لمسسن لم يقرأ بأم القرآن)‪ .‬وقال‪( :‬ل تجزئ صسسلة ل يقيسسم الرجسسل فيهسسا صسسلبه‪ .‬الركوع‬
‫والسسجود)‪ .‬أخرجسسه الترمذي وقال‪ :‬حديسسث حسسسن صسحيح‪ ،‬والعمسل على هذا عنسسد أهسسل العلم مسن‬
‫أصسسحاب النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم ومسسن بعدهسسم‪ ،‬يرون أن يقيسسم الرجسسل صسسلبه فسسي الركوع‬
‫والسسجود‪ .‬قال الشافعسي وأحمسد وإسسحاق‪ :‬مسن ل يقيسم صسلبه فسي الركوع والسسجود فصسلته فاسسدة؛‬
‫لحديث النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬تجزئ صلة ل يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود)‪.‬‬
‫قال ابن العربي‪ :‬وذهب ابن القاسم وأبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست بفرض‪ .‬وهي رواية عراقية‬
‫ل ينبغي لحد من المالكيين أن يشتغل بها‪ .‬وقد مضى في "البقرة "هذا المعنى‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قال ابن العربي‪ :‬إن من صلة ليراها الناس ويرونه فيها فيشهدون له باليمان‪ ،‬أو أراد‬
‫طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة جواز المامة فليسس ذلك بالرياء المنهسي عنه‪ ،‬ولم يكسن عليه‬
‫حرج؛ وإنمسسا الرياء المعصسسية أن يظهرهسسا صسسيدا للناس وطريقسسا إلى الكسسل‪ ،‬فهذه نيسسة ل تجزئ‬
‫وعليه العادة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله "وأراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة "فيه نظر‪ .‬وقد تقدم بيانه في "النساء"‬
‫فتأمله هناك‪ .‬ودلت هذه اليسسة على أن الرياء يدخسسل الفرض والنفسسل؛ لقول ال تعالى‪" :‬وإذا قاموا‬
‫إلى الصلة قاموا "فعسم‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنما يدخل النفسل خاصسة؛ لن الفرض واجب على جميع الناس‬
‫والنفل عرضة لذلك‪ .‬وقيل بالعكس؛ لنه لو لم يأت بالنوافل لم يؤاخذ بها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 143 :‬مذبذبيسن بيسن ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ومسن يضلل ال فلن تجسد له‬
‫سبيل}‬
‫@ المذبذب‪ :‬المتردد بين أمرين؛ والذبذبة الضطراب‪ .‬يقال‪ :‬ذبذبته فتذبذب؛ ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫ترى كل ملك دونها يتذبذب‬ ‫ألم تر أن ال أعطاك سورة‬
‫آخر‪:‬‬
‫مسيرة شهر للبريد المذبذب‬ ‫خيال لم السلسبيل ودونها‬
‫كذا روي بكسسسر الذال الثانيسسة‪ .‬قال ابسسن جنسسي‪ :‬أي المهتسسز القلق الذي ل يثبسست ول يتمهسسل‪ .‬فهؤلء‬
‫المنافقون مترددون بيسن المؤمنيسن والمشركيسن‪ ،‬ل مخلصسين اليمان ول مصسرحين بالكفسر‪ .‬وفسي‬
‫صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬مثل المنافق كمثل الشاة العائرة‬
‫بيسن الغنميسن تعيسر إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى ) وفسي روايسة (تكسر) بدل (تعيسر)‪ .‬وقرأ الجمهور‬
‫"مذبذبيسسن" بضسسم الميسسم وفتسسح الذاليسسن‪ .‬وقرأ ابسسن عباس بكسسسر الذال الثانيسسة‪ .‬وفسسي حرف أبسسي‬
‫"متذبذبين"‪ .‬ويجوز الدغام على هذه القراءة "مذبذبين" بتشديد الذال الولى وكسر الثانية‪ .‬وعن‬
‫الحسن "مذبذبين" بفتح الميم والذالين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 144 :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تتخذوا الكافريسن أولياء من دون المؤمنيسن أتريدون أن‬
‫تجعلوا ل عليكم سلطانا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تتخذوا الكافريسن أولياء" مفعولن؛ أي ل تجعلوا خاصستكم‬
‫وبطانتكسم منهسم؛ وقسد تقدم هذا المعنسى‪" .‬أتريدون أن تجعلوا ل عليكسم سسلطانا مبينسا" أي فسي تعذيبسه‬
‫إياكم بإقامته حجته عليكم إذ قد نهاكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 145 :‬إن المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬في الدرك"‪ .‬قرأ الكوفيون "الدرك" بإسكان الراء‪ ،‬والولى أفصح؛ لنه يقال في‬
‫الجمع‪ :‬أدراك مثل جمل وأجمال؛ قال النحاس‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه‪،‬‬
‫والجمع أدراك‪ .‬وقيل‪ :‬جمع الدرك أدرك؛ كفلس وأفلس‪ .‬والنار دركات سبعة؛ أي طبقات ومنازل؛‬
‫إل أن اسستعمال العرب لكسل مسا تسسافل أدراك‪ .‬يقال‪ :‬للبئر أدراك‪ ،‬ولمسا تعالى درج؛ فللجنسة درج‪،‬‬
‫وللنار أدراك‪ .‬وقسد تقدم هذا‪ .‬فالمنافسق فسي الدرك السسفل وهسي الهاويسة؛ لغلظ كفره وكثرة غوائله‬
‫وتمكنه من أذى المؤمنين‪ .‬وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم‬
‫ثم الهاوية؛ وقد يسمى جميعها باسسم الطبقة الولى‪ ،‬أعاذنسا ال من عذابها بمنه وكرمه‪ .‬وعن ابن‬
‫مسعود في تأويل قوله تعالى‪" :‬في الدرك السفل من النار" قال‪ :‬توابيت من حديد مقفلة في النار‬
‫تقفسل عليهسسم‪ .‬وقال ابسن عمسسر‪ :‬إن أشسد الناس عذابسا يوم القيامسسة ثلثسة‪ :‬المنافقون‪ ،‬ومسسن كفسسر مسسن‬
‫أصسحاب المائدة‪ ،‬وآل فرعون؛ تصسديق ذلك فسي كتاب ال تعالى‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إن المنافقيسن فسي‬
‫الدرك السسسفل مسسن النار"‪ .‬وقال تعالى أصسسحاب المائدة‪" :‬فإنسسي أعذبسسه عذابسسا ل أعذبسسه أحدا مسسن‬
‫العالمين" [المائدة‪ .]115 :‬وقال في آل فرعون‪" :‬أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر‪.]46 :‬‬
‫*‪*3‬اليسة‪{ 146 :‬إل الذيسن تابوا وأصسلحوا واعتصسموا بال وأخلصسوا دينهسم ل فأولئك مسع‬
‫المؤمنين وسوف يؤت ال المؤمنين أجرا عظيما}‬
‫@ استثناء ممن نافق‪ .‬ومن شرط التائب‪ .‬من النفاق أن يصلح في قوله وفعله‪ ،‬ويعتصم بال أي‬
‫يجعله ملجسأ ومعاذا‪ ،‬ويخلص دينسه ل؛ كمسا نصست عليسه‪ .‬هذه اليسة؛ وإل فليسس بتائب؛ ولهذا أوقسع‬
‫أجسر المؤمنيسن فسي التسسويف لنضمام المنافقيسن إليهسم‪ .‬وال أعلم‪ .‬روى البخاري عسن السسود قال‪:‬‬
‫كنسا فسي حلقسة عبدال فجاء حذيفسة حتسى قام علينسا فسسلم ثسم قال‪ :‬لقسد نزل النفاق على قوم خيسر منكسم‪،‬‬
‫قال السسود‪ :‬سسبحان ال ! إن ال تعالى يقول‪" :‬إن المنافقيسن فسي الدرك السسفل مسن النار"‪ .‬فتبسسم‬
‫عبدال وجلس حذيفة في ناحية المسجد؛ فقام عبدال فتفرق أصحابه فرماني بالحصى فأتيته‪ .‬فقال‬
‫حذيفسة‪ :‬عجبست مسن ضحكسه وقسد عرف مسا قلت‪ :‬لقسد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكسم ثسم تابوا‬
‫فتاب ال عليهسم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬معنسى "فأولئك مسع المؤمنيسن" أي مسن المؤمنيسن‪ .‬وقال القتسبي‪ :‬حاد‬
‫عسن كلمهسم غضبسا عليهسم فقال‪" :‬فأولئك مسع المؤمنيسن" ولم يقسل‪ :‬هسم المؤمنون‪ .‬وحذفست الياء مسن‬
‫"يؤت" فسي الخسط كمسا حذفست فسي اللفسظ؛ لسسكونها وسسكون اللم بعدهسا‪ ،‬ومثله "يوم يناد المنادي"‬
‫[ق‪ ]41 :‬و"سسندع الزبانيسة" [العلق‪ ]18 :‬و"يوم يدع الداعسي" [القمسر‪ ]6 :‬حذفست الواوات‬
‫للتقاء الساكنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 147 :‬ما يفعل ال بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان ال شاكرا عليما}‬
‫@ اسستفهام بمعنسى التقريسر للمنافقيسن‪ .‬التقديسر‪ :‬أي منفعسة له فسي عذابكسم إن شكرتسم وآمنتسم؛ فنبسه‬
‫تعالى أنه ل يعذب الشاكر المؤمن‪ ،‬وأن تعذيبه عباده ل يزيد في ملكه‪ ،‬وتركه عقوبتهم على فعلهم‬
‫ل ينقسص مسن سسلطانه‪ .‬وقال مكحول‪ :‬أربسع مسن كسن فيسه كسن له‪ ،‬وثلث مسن كسن فيسه كسن عليسه؛‬
‫فالربسع اللتسي له‪ :‬فالشكسر واليمان والدعاء والسستغفار‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬مسا يفعسل ال بعذابكسم إن‬
‫شكرتسسم وآمنتسسم" وقال ال تعالى‪" :‬ومسسا كان ال ليعذبهسسم وأنسست فيهسسم ومسسا كان ال معذبهسسم وهسسم‬
‫يستغفرون" [النفال‪ ]33 :‬وقال تعالى‪" :‬قل ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم" [الفرقان‪ .]77 :‬وأما‬
‫الثلث اللتسي عليسه‪ :‬فالمكسر والبغسي والنكسث؛ قال ال تعالى‪" :‬فمسن نكسث فإنمسا ينكسث على نفسسه"‬
‫[الفتسح‪ .]10 :‬وقال تعالى‪" :‬ول يحيسق المكسر السسيئ إل بأهله" [فاطسر‪ ]43 :‬وقال تعالى‪" :‬إنمسا‬
‫بغيكم على أنفسكم" [يونس‪" .]23 :‬وكان ال شاكرا عليما" أي يشكر عباده على طاعته‪ .‬ومعنى‬
‫"يشكرهم" يثيبهم؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل‪ ،‬وذلك شكر منه على عبادته‪.‬‬
‫والشكر في اللغة الظهور‪ ،‬يقال‪ :‬دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف‪ ،‬وقد‬
‫تقدم هذا المعنى مستوفى‪ .‬والعرب تقول في المثل‪" :‬أشكر من بروقة" لنها يقال‪ :‬تخضر وتنضر‬
‫بظل السحاب دون مطر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

You might also like