Professional Documents
Culture Documents
**2سورة النساء
**3مقدمة السورة
@ وهي مدنية إل آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله" :إن
ال يأمركسم أن تؤدوا المانات إلى أهلهسا" [النسساء ]58 :على مسا يأتسي بيانسه .قال النقاش :وقيسل:
نزلت عنسد هجرة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن مكسة إلى المدينسة .وقسد قال بعسض الناس :إن قوله
تعالى" :يسسا أيهسسا الناس" حيسسث وقسسع إنمسسا هسسو مكسسي؛ وقاله علقمسسة وغيره ،فيشبسسه أن يكون صسسدر
السورة مكيا ،وما نزل بعد الهجرة فإنما هو مدني .وقال النحاس :هذه السورة مكية.
قلت :والصحيح الول ،فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت :ما نزلت سورة النساء
إل وأنسا عنسد رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم؛ تعنسي قسد بنسى بهسا .ول خلف بيسن العلماء أن النسبي
صلى ال عليه وسلم إنما بنى بعائشة بالمدينة .ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية ل شك فيها .وأما
من قال :إن قوله" .يا أيها الناس" مكي حيث وقع فليس بصحيح؛ فإن البقرة مدنية وفيها قوله" :يا
أيها الناس" في موضعين ،وقد تقدم .وال أعلم
**3اليسة{ 1 :يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم مسن نفسس واحدة وخلق منهسا زوجهسا وبسث
منهما رجال كثيرا ونساء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا}
@قوله تعالى" :يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم" قسد مضسى فسي "البقرة" اشتقاق "الناس"
ومعنسى التقوى والرب والخلق والزوج والبسث ،فل معنسى للعادة .وفسي اليسة تنسبيه على الصسانع.
وقال "واحدة" على تأنيسث لفسظ النفسس .ولفسظ النفسس يؤنسث وإن عنسي بسه مذكسر .ويجوز فسي الكلم
"من نفس واحد" وهذا على مراعاة المعنى؛ إذ المراد بالنفس آدم عليه السلم؛ قاله مجاهد وقتادة.
وهسسي قراءة ابسسن أبسسي عبلة "واحسسد" بغيسسر هاء" .وبسسث" معناه فرق ونشسسر فسسي الرض؛ ومنسسه
"وزرابي مبثوثة" [الغاشية ]16 :وقد تقدم في "البقرة" .و"منهما" يعني آدم وحواء .قال مجاهد:
خلقست حواء مسن مقصسيرى آدم .وفسي الحديسث( :خلقست المرأة مسن ضلع عوجاء) ،وقسد مضسى فسي
البقرة" .رجال كثيرا ونسساء" حصسر ذريتهمسا فسي نوعيسن؛ فاقتضسى أن الخنثسى ليسس بنوع ،لكسن له
حقيقسة ترده إلى هذيسن النوعيسن وهسي الدميسة فيلحسق بأحدهمسا ،على مسا تقدم ذكره فسي "البقرة" مسن
اعتبار نقص العضاء وزيادتها.
@قوله تعالى" :واتقوا ال الذي تسسساءلون بسسه والرحام" كرر التقاء تأكيدا وتنبيهسسا لنفوس
المأموريسسسن .و"الذي" فسسسي موضسسسع نصسسسب على النعسسست" .والرحام" معطوف .أي اتقوا ال أن
تعصسوه ،واتقوا الرحام أن تقطعوهسا .وقرأ أهسل المدينسة "تسسّاءلون" بإدغام التاء فسي السسين .وأهسل
الكوفسسة بحذف التاء ،لجتماع تاءيسسن ،وتخفيسسف السسسين؛ لن المعنسسى يعرف؛ وهسسو كقوله" :ول
تعاونوا على الثم" [المائدة ]2 :و"تنزل" وشبهه .وقرأ إبراهيم النخعي وقتادة والعمش وحمزة
"الرحام" بالخفض .وقد تكلم النحويون في ذلك .فأما البصريون فقال رؤساؤهم :هو لحن ل تحل
القراءة بسسسه .وأمسسسا الكوفيون فقالوا :هسسسو قبيسسسح؛ ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علة قبحسسسه؛ قال
النحاس :فيما علمت.
وقال سسيبويه :لم يعطسف على المضمسر المخفوض؛ لنسه بمنزلة التنويسن ،والتنويسن ل يعطسف
عليه .وقال جماعة :هو معطوف على المكني؛ فإنهم كانوا يتساءلون بها ،يقول الرجل :سألتك بال
والرحم؛ هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد ،وهو الصحيح في المسألة ،على ما يأتي .وضعفه
أقوام منهسسم الزجاج ،وقالوا :يقبسسح عطسسف السسسم الظاهسسر على المضمسسر فسسي الخفسسض إل بإظهار
الخافسض؛ كقوله "فخسسفنا بسه وبداره الرض" [القصسص ]81 :ويقبسح "مررت بسه وزيسد" .قال
الزجاج عسسن المازنسسي :لن المعطوف والمعطوف عليسسه شريكان .يحسسل كسسل واحسسد منهمسسا محسسل
صساحبه؛ فكمسا ل يجوز "مررت بزيسد وك" كذلك ل يجوز "مررت بسك وزيسد" .وأمسا سسيبويه فهسي
عنده قبيحة ول تجوز إل في الشعر؛ كما قال:
فاذهب فما بك واليام من عجب فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
عطف "اليام" على الكاف في "بك" بغير الباء للضرورة .وكذلك قول الخر:
وما بينها والكعب مهوى نفانف نعلق في مثل السواري سيوفنا
عطف "الكعب" على الضمير في "بينها" ضرورة .وقال أبو علي :ذلك ضعيف في القياس .وفي
كتاب التذكرة المهديسة عسن الفارسسي أن أبسا العباس المسبرد قال :لو صسليت خلف إمام يقرأ "مسا أنتسم
بمصرخي" [إبراهيم ]22 :و"اتقوا ال الذي تساءلون به والرحام" لخذت نعلي ومضيت .قال
الزجاج :قراءة حمزة مع ضعفها وقبحها في العربية خطأ عظيم في أصول أمر الدين؛ لن النبي
صسلى ال عليسه وسسلم قال( :ل تحلفوا بآبائكسم) فإذا لم يجسز الحلف بغيسر ال فكيسف يجوز بالرحسم.
ورأيست إسسماعيل بسن إسسحاق يذهسب إلى أن الحلف بغيسر ال أمسر عظيسم ،وإنسه خاص ل تعالى .قال
النحاس :وقول بعضهم "والرحام" قسم خطأ من المعنى والعراب؛ لن الحديث عن النبي صلى
ال عليه وسلم يدل على النصب .وروى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن
أبيسه قال :كنسا عنسد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم حتسى جاء قوم مسن مضسر حفاة عراة ،فرأيست وجسه
رسول ال صلى ال عليه وسلم يتغير لما رأى من فاقتهم؛ ثم صلى الظهر وخطب الناس فقال( :يا
أيهسسا الناس اتقوا ربكسسم ،إلى :والرحام)؛ ثسسم قال( :تصسسدق رجسسل بديناره تصسسدق رجسسل بدرهمسسه
تصسدق رجسل بصساع تمره )...وذكسر الحديسث .فمعنسى هذا على النصسب؛ لنسه حضهسم على صسلة
أرحامهسسم .وأيضسسا فقسسد صسسح عسسن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم (مسسن كان حالفسسا فليحلف بال أو
ليصسسمت) .فهذا يرد قول مسسن قال :المعنسسى أسسسألك بال وبالرحسسم .وقسسد قال أبسسو إسسسحاق :معنسسى
"تساءلون به" يعني تطلبون حقوقكم به .ول معنى للخفض أيضا مع هذا.
قلت :هذا ما وقفت عليه من القول .لعلماء اللسان في منع قراءة "والرحام" بالخفض ،واختاره
ابن عطية .ورده المام أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم القشيري ،واختار العطف فقال :ومثل
هذا الكلم مردود عند أئمة الدين؛ لن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى ال
عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة ،وإذا ثبت شيء عن النبي صلى ال عليه وسلم فمن رد ذلك
فقسد رد على النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ،واسستقبح مسا قرأ بسه ،وهذا مقام محذور ،ول يقلد فيسه أئمسة
اللغة والنحو؛ فإن العربية تتلقى من النبي صلى ال عليه وسلم ،ول يشك أحد في فصاحته .وأما
مسسا ذكسسر مسسن الحديسسث ففيسسه نظسسر؛ لنسسه عليسسه السسسلم قال لبسسي العشراء( :وأبيسسك لو طعنسست فسسي
خاصرته) .ثم النهي إنما جاء في الحلف بغير ال ،وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فل نهي فيه.
قال القشيري :وقسد قيسل هذا إقسسام بالرحسم ،أي اتقوا ال وحسق الرحسم؛ كمسا تقول :افعسل كذا وحسق
أبيك .وقد جاء في التنزيل" :والنجم" ،والطور ،والتين ،لعمرك" وهذا تكلف
وقلت :ل تكلف فيه فإنه ل يبعد أن يكون "والرحام" من هذا القبيل ،فيكون أقسم بها كما أقسم
بمخلوقاتسه الدالة على وحدانيتسه وقدرتسه تأكيدا لهسا حتسى قرنهسا بنفسسه .وال أعلم .ول أن يقسسم بمسا
شاء ويمنع ما شاء ويبيح ما شاء ،فل يبعد أن يكون قسما .والعرب تقسم بالرحم .ويصح أن تكون
الباء مرادة فحذفها كما حذفها في قوله:
ول ناعب إل ببين غرابها مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
فجسر وإن لم يتقدم باء .قال ابسن الدهان أبسو محمسد سسعيد بسن مبارك :والكوفسي يجيسز عطسف الظاهسر
على المجرور ول يمنع منه .ومنه قوله:
من حمر الجلة جأب حشور آبك أيه بي أو مصدر
ومنه:
واليام من عجب فاذهب فما بك
وقول الخر:
والكعب غوط نفانف وما بينها
ومنه:
فحسبك والضحاك سيف مهند
وقول الخر:
له مصعدا فيها ول الرض مقعدا وقد رام آفاق السماء فلم يجد
وقول الخر:
ما حم من أمر غيبه وقعا ما إن بها والمور من تلف
وقول الخر:
أحتفي كان فيها أم سواها أمر على الكتيبة لست أدري
فس "سواها" مجرور الموضع بفي .وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى" :وجعلنا لكم فيها معايش
ومسسن لسسستم له برازقيسسن" [الحجسسر ]20 :فعطسسف على الكاف والميسسم .وقرأ عبدال بسسن يزيسسد
"والرحام" بالرفسع على البتداء ،والخسبر مقدر ،تقديره :والرحام أهسل أن توصسل .ويحتمسل أن
يكون إغراء؛ لن من العرب من يرفع المغرى .وأنشد الفراء:
عمير ومنهم السفاح إن قوما منهم عمير وأشباه
أخو النجدة السلح السلح لجديرون باللقاء إذا قال
وقد قيل :إن "والرحام" بالنصب عطف على موضع به؛ لن موضعه نصب ،ومنه قوله:
فلسنا بالجبال ول الحديدا
وكانوا يقولون :أنشدك بال والرحم .والظهر أنه نصب بإضمار فعل كما ذكرنا.
@ اتفقست الملة على أن صسلة الرحسم واجبسة وأن قطيعتهسا محرمسة .وقسد صسح أن النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم قال لسسماء وقسد سسألته أأصسل أمسي (نعسم صسلي أمسك) فأمرهسا بصسلتها وهسي كافرة.
فلتأكيدهسا دخسل الفضسل فسي صسلة الكافسر ،حتسى انتهسى الحال بأبسي حنيفسة وأصسحابه فقالوا بتوارث
ذوي الرحام إن لم يكسن عصسبة ول فرض مسسمى ،ويعتقون على مسن اشتراهسم مسن ذوي رحمهسم
لحرمسة الرحسم؛ وعضدوا ذلك بمسا رواه أبسو داود أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :مسن ملك ذا
رحم محرم فهو حر) .وهو قول أكثر أهل العلم .روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه
وعبدال بسن مسسعود ،ول يعرف لهمسا مخالف مسن الصسحابة .وهسو قول الحسسن البصسري وجابر بسن
زيسد وعطاء والشعسبي والزهري ،وإليسه ذهسب الثوري وأحمسد وإسسحاق .ولعلمائنسا فسي ذلك ثلثسة
أقوال :الول -أنسسه مخصسسوص بالباء والجداد .الثانسسي -الجناحان يعنسسي الخوة .الثالث -كقول
أبي حنيفة .وقال الشافعي :ل يعتق عليه إل أولده وآباؤه وأمهاته ،ول يعتق عليه إخوته ول أحد
مسسن ذوي قرابتسسه ولحمتسسه .والصسسحيح الول للحديسسث الذي ذكرناه وأخرجسسه الترمذي والنسسسائي.
وأحسن طرقه رواية النسائي له؛ رواه من حديث ضمرة عن سفيان عن عبدال بن دينار عن ابن
عمسر قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسن ملك ذا رحسم محرم فقسد عتسق عليسه) .وهسو
حديث ثابت بنقل العدل عن العدل ولم يقدح فيه أحد من الئمة بعلة توجب تركه؛ غير أن النسائي
قال فسي آخره :هذا حديسث منكسر .وقال غيره :تفرد بسه ضمرة .وهذا هسو معنسى المنكسر والشاذ فسي
اصطلح المحدثين .وضمرة عدل ثقة ،وانفراد الثقة بالحديث ل يضره .وال أعلم.
@ واختلفوا مسن هذا الباب فسي ذوي المحارم مسن الرضاعسة .فقال أكثسر أهسل العلم ل يدخلون فسي
مقتضى الحديث .وقال شريك القاضي بعتقهم .وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الب
ل يعتسق على البسن إذا ملكسه؛ واحتجوا بقوله عليسه السسلم( :ل يجزي ولد والدا إل أن يجده مملوكسا
فيشتريسه فيعتقسه) .قالوا :فإذا صسح الشراء فقسد ثبست الملك ،ولصساحب الملك التصسرف .وهذا جهسل
منهسم بمقاصسد الشرع؛ فإن ال تعالى يقول" :وبالوالديسن إحسسانا" [السسراء ]23 :فقسد قرن بيسن
عبادتسه وبيسن الحسسان للوالديسن فسي الوجوب ،وليسس مسن الحسسان أن يبقسى والده فسي ملكسه وتحست
سلطانه؛ فإذا يجب عليه عتقه إما لجل الملك عمل بالحديث (فيشتريه فيعتقه) ،أو لجل الحسان
عمل بالية .ومعنى الحديث عند الجمهور أن الولد لما تسبب إلى عتق أبيه باشترائه نسب الشرع
العتق إليه نسبة اليقاع منه .وأما اختلف العلماء فيمن يعتق بالملك ،فوجه القول الول ما ذكرناه
من معنى الكتاب والسنة ،ووجه الثاني إلحاق القرابة القريبة المحرمة بالب المذكور في الحديث،
ول أقرب للرجسل مسن ابنسه فيحمسل على الب ،والخ يقاربسه فسي ذلك لنسه يدلي بالبوة؛ فإنسه يقول:
أنا ابن أبيه .وأما القول الثالث فمتعلقه حديث ضمرة وقد ذكرناه .وال أعلم.
@قوله تعالى" :والرحام" الرحسم اسسم لكافسة القارب مسن غيسر فرق بيسن المحرم وغيره .وأبسو
حنيفة يعتبر الرحم المحرم في منع الرجوع في الهبة ،ويجوز الرجوع في حق بني العمام مع أن
القطيعة موجودة والقرابة حاصلة؛ ولذلك تعلق بها الرث والولية وغيرهما من الحكام .فاعتبار
المحرم زيادة على نسسص الكتاب مسسن غيسسر مسسستند .وهسسم يرون ذلك نسسسخا ،سسسيما وفيسسه إشارة إلى
التعليل بالقطيعة ،وقد جوزوها في حق بني العمام وبني الخوال والخالت .وال أعلم.
@قوله تعالى" :إن ال كان عليكم رقيبا" (أي حفيظا)؛ عن ابن عباس ومجاهد .ابن زيد :عليما.
وقيسسل" :رقيبسسا" حافظسسا؛ قيسسل :بمعنسسى فاعسسل .فالرقيسسب مسسن صسسفات ال تعالى ،والرقيسسب :الحافسسظ
والمنتظسر؛ تقول رقبست أرقسب رقبسة ورقبانسا إذا انتظرت .والمرقسب :المكان العالي المشرف ،يقسف
عليسه الرقيسب .والرقيسب :السسهم الثالث مسن السسبعة التسي لهسا أنصسباء .ويقال :إن الرقيسب ضرب مسن
الحيات ،فهو لفظ مشترك .وال أعلم.
**3اليسة{ 2 :وآتوا اليتامسى أموالهسم ول تتبدلوا الخسبيث بالطيسب ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم
إنه كان حوبا كبيرا}
@قوله تعالى" :وآتوا اليتامى أموالهم" وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاما؛ كقوله" :وألقي السحرة
سساجدين "[العراف ]120 :ول سسحر مسع السسجود ،فكذلك ل يتسم مسع البلوغ .وكان يقال للنسبي
صلى ال عليه وسلم" :يتيم أبي طالب" استصحابا لما كان" .وآتوا" أي أعطوا .واليتاء العطاء.
ولفلن أتسو ،أي عطاء .أبسو زيسد :أتوت الرجسل آتوه إتاوة ،وهسي الرشوة .واليتيسم مسن لم يبلغ الحلم،
وقسد تقدم فسي "البقرة" مسستوفى .وهذه اليسة خطاب للولياء والوصسياء .نزلت -فسي قول مقاتسل
والكلبسي -فسي رجسل مسن غطفان كان معسه مال كثيسر لبسن أخ له يتيسم ،فلمسا بلغ اليتيسم طلب المال
فمنعه عمه؛ فنزلت ،فقال العم :نعوذ بال من الحوب الكبير! ورد المال .فقال النبي صلى ال عليه
وسلم( :من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره) يعني جنته .فلما قبض الفتى المال أنفقه
في سبيل ال ،فقال عليه السلم( :ثبت الجر وبقي الوزر) .فقيل :كيف يا رسول ال؟ فقال( :ثبت
الجر للغلم وبقي الوزر على والده) لنه كان مشركا.
@ وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين :أحدهما -إجراء الطعام والكسوة ما دامت الولية؛ إذ ل
يمكسن إل ذلك لمسن ل يسستحق الخسذ الكلى والسستبداد كالصسغير والسسفيه الكسبير .الثانسي -اليتاء
بالتمكن وإسلم المال إليه ،وذلك عند البتلء والرشاد ،وتكون تسميته مجازا ،المعنى :الذي كان
يتيمسا ،وهسو اسستصحاب السسم؛ كقوله تعالى" :وألقسي السسحرة سساجدين" [العراف ]120 :أي
الذيسن كانوا سسحرة .وكان يقال للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم" :يتيسم أبسي طالب" .فإذا تحقسق الولي
رشده حرم عليسه إمسساك ماله عنسه وكان عاصسيا .وقال أبسو حنيفسة :إذا بلغ خمسسا وعشريسن سسنة
أعطي ماله كله على كل حال ،لنه يصير جدا.
قلت :لمسا لم يذكسر ال تعالى فسي هذه اليسة إيناس الرشسد وذكره فسي قوله تعالى" :وابتلوا اليتامسى
حتسسى إذا بلغوا النكاح فإن آنسسستم منهسسم رشدا فادفعوا إليهسسم أموالهسسم" [النسسساء .]6 :قال أبسسو بكسسر
الرازي الحنفي في أحكام القرآن :لما لم يقيد الرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما،
فأقول :إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد ،وجب دفع المال إليه ،وإن كان
دون ذلك لم يجسب ،عمل باليتيسن .وقال أبسو حنيفسة :لمسا بلغ رشده صسار يصسلح أن يكون جدا فإذا
صسار يصسلح أن يكون جدا فكيسف يصسح إعطاؤه المال بعلة اليتسم وباسسم اليتيسم؟! وهسل ذلك إل فسي
غايسة البعسد؟ .قال ابسن العربسي :وهذا باطسل ل وجسه له؛ ل سسيما على أصسله الذي يرى المقدرات ل
تثبت قياسا وإنما تؤخذ من جهة النص ،وليس في هذه المسألة .وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن
شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ول تتبدلوا الخبيث بالطيب" أي ل تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة،
ول الدرهم الطيب بالزيف .وكانوا في الجاهلية لعدم الدين ل يتحرجون عن أموال اليتامى ،فكانوا
يأخذون الطيسب والجيسد مسن أموال اليتامسى ويبدلونسه بالرديسء مسن أموالهسم؛ ويقولون :اسسم باسسم
ورأس برأس؛ فنهاهسم ال عسن ذلك .هذا قول سسعيد بسن المسسيب والزهري والسسدي والضحاك وهسو
ظاهر الية .وقيل :المعنى ل تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وهو مالكم.
وقال مجاهد وأبو صالح وباذان :ل تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلل
من عند ال .وقال ابن زيد :كان أهل الجاهلية ل يورثون النساء والصبيان ويأخذ الكبر الميراث.
عطاء :ل تربسسح على يتيمسسك الذي عندك وهسسو غسسر صسسغير .وهذان القولن خارجان عسسن ظاهسسر
الية؛ فإنه يقال :تبدل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه .ومنه البدل.
@قوله تعالى" :ول تأكلوا أموالهسم إلى أموالكسم" قال مجاهسد :وهذه اليسة ناهيسة عسن الخلط فسي
النفاق؛ فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ،ثم نسخ بقوله "وإن تخالطوهم
فإخوانكسم" [البقرة .]220 :وقال ابسن فورك عسن الحسسن :تأول الناس فسي هذه اليسة النهسي عسن
الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم ،فخفف عنهم في آية البقرة .وقالت طائفة من المتأخرين :إن "إلى"
بمعنى مع ،كقوله تعالى" :من أنصاري إلى ال" [الصف .]14 :وأنشد القتبي:
إلى عنن مستوثقات الواصر يسدون أبواب القباب بضمر
وليسسس بجيسسد .وقال الحذاق" :إلى" على بابهسسا وهسسي تتضمسسن الضافسسة ،أي ل تضيفوا أموالهسسم
وتضموها إلى أموالكم في الكل .فنهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالكل
والنتفاع.
@قوله تعالى" :إنه كان حوبا كبيرا" "إنه "أي الكل" كان حوبا كبيرا" (أي إثما كبيرا)؛ عن ابن
عباس والحسسن وغيرهمسا .يقال :حاب الرجسل يحوب حوبسا إذا أثسم .وأصسله الزجسر للبسل؛ فسسمي
الثسم حوبسا؛ لنسه يزجسر عنسه وبسه .ويقال فسي الدعاء :اللهسم اغفسر حوبتسي؛ أي إثمسي .والحوبسة أيضسا
الحاجة .ومنه في الدعاء :إليك أرفع حوبتي؛ أي حاجتي .والحوب الوحشة؛ ومنه قوله عليه السلم
لبسي أيوب( :إن طلق أم أيوب لحوب) .وفيسه ثلث لغات "حوبسا" بضسم الحاء وهسي قراءة العامسة
ولغسة أهسل الحجاز .وقرأ الحسسن "حوبسا" بفتسح الحاء .وقال الخفسش :وهسي لغسة تميسم .مقاتسل :لغسة
الحبش.
والحوب المصسدر ،وكذلك الحيابسة .والحوب السسم .وقرأ أبسي بسن كعسب "حابسا" على المصسدر
مثسسسل القال .ويجوز أن يكون اسسسسما مثسسسل الزاد .والحوأب (بهمزة بعسسسد الواو) .المكان الواسسسسع.
والحوأب ماء أيضسا .ويقال :ألحسق ال بسه الحوبسة أي المسسكنة والحاجسة؛ ومنسه قولهسم :بات بحيبسة
سوء .وأصل الياء الواو .وتحوب فلن أي تعبد وألقى الحوب عن نفسه .والتحوب أيضا التحزن.
وهو أيضا الصياح الشديد؛ كالزجر ،وفلن يتحوب من كذا أي يتوجع وقال طفيل:
من الغيظ في أكبادنا والتحوب فذوقوا كما ذقنا غداة محجر
**3اليسة{ 3 :وإن خفتسم أل تقسسطوا فسي اليتامسى فانكحوا مسا طاب لكسم مسن النسساء مثنسى وثلث
ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل تعولوا}
@قوله تعالى" :وإن خفتم" شرط ،وجوابه "فانكحوا" .أي إن خفتم أل تعدلوا في مهورهن وفي
النفقة عليهن "فانكحوا ما طاب لكم" أي غيرهن .وروى الئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير
عن عائشة في قول ال تعالى" :وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلث ورباع" قالت :يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه
مالهسا وجمالهسا فيريسد وليهسا أن يتزوجهسا مسن غيسر أن يقسسط فسي صسداقها فيعطيهسا مثسل مسا يعطيهسا
غيره ،فنهوا أن ينكحوهسن إل أن يقسسطوا لهسن ويبلغوا بهسن أعلى سسنتهن مسن الصسداق وأمروا أن
ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .وذكر الحديث .وقال ابن خويز منداد :ولهذا قلنا إنه يجوز
أن يشتري الوصسي مسن مال اليتيسم لنفسسه ،ويسبيع مسن نفسسه مسن غيسر محاباة .وللموكسل النظسر فيمسا
اشترى وكيله لنفسسه أو باع منهسا .وللسسلطان النظسر فيمسا يفعله الوصسي مسن ذلك .فأمسا الب فليسس
لحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ؛ وقد مضى في "البقرة"
القول فسي هذا .وقال الضحاك والحسسن وغيرهمسا :إن اليسة ناسسخة لمسا كان فسي الجاهليسة وفسي أول
السسسلم؛ مسسن أن للرجسسل أن يتزوج مسن الحرائر مسسا شاء ،فقصسسرتهن اليسة على أربسع .وقال ابسن
عباس وابن جبير وغيرهما( :المعنسى وإن خفتم أل تقسسطوا في اليتامسى فكذلك خافوا فسي النسساء)؛
لنهسسم كانوا يتحرجون فسسي اليتامسسى ول يتحرجون فسسي النسساء و"خفتسسم" مسسن الضداد؛ فإنسه يكون
المخوف منسه معلوم الوقوع ،وقسد يكون مظنونسا؛ فلذلك اختلف العلماء فسي تفسسير هذا الخوف .فقال
أبسو عسبيدة" :خفتسم" بمعنسى أيقنتسم .وقال آخرون" :خفتسم" ظننتسم .قال ابسن عطيسة :وهذا الذي اختاره
الحذاق ،وأنسه على بابسه مسن الظسن ل مسن اليقيسن .التقديسر مسن غلب على ظنسه التقصسير فسي القسسط
لليتيمسة فليعدل عنهسا .و"تقسسطوا" معناه تعدلوا .يقال :أقسسط الرجسل إذا عدل .وقسسط إذا جار وظلم
صاحبه .قال ال تعالى" :وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" [الجن ]15 :يعني الجائرون .وقال
عليه السلم( :المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة) يعني العادلين .وقرأ ابن وثاب
والنخعي "تقسطوا" بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة "ل" كأنه قال :وإن خفتم أن تجوروا.
@قوله تعالى" :فانكحوا ما طاب لكم من النساء" إن قيل :كيف جاءت "ما" للدميين وإنما أصلها
لمسا ل يعقسل؛ فعنسه أجوبسة خمسسة :الول -أن "مسن" و"مسا" قسد يتعاقبان؛ قال ال تعالى" :والسسماء
وما بناها" [الشمس ]5 :أي ومن بناها .وقال "فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على
رجلين ومنهم من يمشي على أربع" [النور .]45:فما ههنا لمن يعقل وهن النساء؛ لقوله بعد ذلك
"مسن النسساء" مبينسا لمبهسم .وقرأ ابسن أبسي عبلة "مسن طاب" على ذكسر مسن يعقسل .الثانسي :قال
البصريون" :ما" تقع للنعوت كما تقع لما ل يعقل يقال :ما عندك؟ فيقال :ظريف وكريم .فالمعنى
فانكحوا الطيسسب مسسن النسسساء؛ أي الحلل ،ومسسا حرمسسه ال فليسسس بطيسسب .وفسسي التنزيسسل "ومسسا رب
العالميسن" فأجابسه موسسى على وفسق مسا سسأل؛ وسسيأتي .الثالث :حكسى بعسض الناس أن "مسا" فسي هذه
الية ظرفية ،أي ما دمتم تستحسنون النكاح قال ابن عطية :وفي هذا المنزع ضعف .جواب رابع:
قال الفراء "مسسسا" ههنسسسا مصسسسدر .وقال النحاس :وهذا بعيسسسد جدا؛ ل يصسسسح فانكحوا الطيبسسسة .قال
الجوهري :طاب الشيء يطيب طيبة وتطيابا .قال علقمة:
كأن تطيابها في النف مشموم
جواب خامسس :وهسو أن المراد بمسا هنسا العقسد؛ أي فانكحوا نكاحسا طيبسا .وقراءة ابسن أبسي عبلة ترد
هذه القوال الثلثسة .وحكسى أبسو عمرو بسن العلء أن أهسل مكسة إذا سسمعوا الرعسد قالوا :سسبحان مسا
سسسبح له الرعسسد .أي سسسبحان مسسن سسسبح له الرعسسد .ومثله قولهسسم :سسسبحان مسسا سسسخركن لنسسا .أي مسسن
سخركن .واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى" :وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى" ليس
له مفهوم؛ إذ قسد أجمسع المسسلمون على أن مسن لم يخسف القسسط فسي اليتامسى له أن ينكسح أكثسر مسن
واحدة :اثنتيسن أو ثلثسا أو أربعسا كمسن خاف .فدل على أن اليسة نزلت جوابسا لمسن خاف ذلك ،وأن
حكمها أعم من ذلك.
@ تعلق أبسو حنيفسة بهذه اليسة فسي تجويزه نكاح اليتيمسة قبسل البلوغ .وقال :إنمسا تكون يتيمسة قبسل
البلوغ ،وبعسد البلوغ هسي امرأة مطلقسة ل يتيمسة؛ بدليسل أنسه لو أراد البالغسة لمسا نهسى عسن حطهسا عسن
صسداق مثلهسا؛ لنهسا تختار ذلك فيجوز إجماعسا .وذهسب مالك والشافعسي والجمهور مسن العلماء إلى
أن ذلك ل يجوز حتسسى تبلغ وتسسستأمر؛ لقوله تعالى" :ويسسستفتونك فسسي النسسساء" [النسسساء]127 :
والنسساء اسسم ينطلق على الكبار كالرجال فسي الذكور ،واسسم الرجسل ل يتناول الصسغير؛ فكذلك اسسم
النسساء ،والمرأة ل يتناول الصسغيرة .وقسد قال" :فسي يتامسى النسساء" [النسساء ]127 :والمراد بسه
هناك اليتامى هنا؛ كما قالت عائشة رضي ال عنها .فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الية فل تزوج
إل بإذنهسا ،ول تنكسح الصسغيرة إذ ل إذن لهسا ،فإذا بلغست جاز نكاحهسا لكسن ل تزوج إل بإذنهسا .كمسا
رواه الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال :زوجني خالي قدامة بن
مظعون بنسست أخيسسه عثمان بسسن مظعون ،فدخسسل المغيرة بسسن شعبسسة على أمهسسا ،فأرغبهسسا فسسي المال
وخطبها إليها ،فرفع شأنها إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال قدامة :يا رسول ال ابنة أخي وأنا
وصسي أبيهسا ولم أقصسر بهسا ،زوجتهسا مسن قسد علمست فضله وقرابتسه .فقال له رسسول ال صسلى ال
عليسسه وسسسلم( :إنهسسا يتيمسسة واليتيمسسة أولى بأمرهسسا) فنزعسست منسسي وزوجهسسا المغيرة بسسن شعبسسة .قال
الدارقطني :لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع ،وإنما سمعه من عمر بن حسين عنه .ورواه ابن
أبسي ذئب عسن عمسر بسن حسسين عسن نافسع عسن عبدال بسن عمسر :أنسه تزوج بنست خاله عثمان بسن
مظعون قال :فذهبست أمهسا إلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالت :إن ابنتسي تكره ذلك .فأمره
النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن يفارقهسا ففارقهسا .وقال( :ول تنكحوا اليتامسى حتسى تسستأمروهن فإذا
سكتن فهو إذنها) .فتزوجها بعد عبدال المغيرة بن شعبة .فهذا يرد ما يقوله أبو حنيفة من أنها إذا
بلغست لم تحتسج إلى ولي ،بناء على أصسله فسي عدم اشتراط الولي فسي صسحة النكاح .وقسد مضسى فسي
"البقرة" ذكره؛ فل معنى لقولهم :إن هذا الحديث محمول على غير البالغة لقوله (إل بإذنها) فإنه
كان ل يكون لذكر اليتيم معنى وال أعلم.
@ وفسي تفسسير عائشسة لليسة مسن الفقسه مسا قال بسه مالك صسداق المثسل ،والرد إليسه فيمسا فسسد مسن
الصداق ووقع الغبن في مقداره؛ لقولها( :بأدنى من سنة صداقها) .فوجب أن يكون صداق المثل
معروفا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم .وقد قال مالك :للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا
لهسا .أي صسدقات وأكفاء .وسسئل مالك عسن رجسل زوج ابنتسه غنيسة مسن ابسن أخ له فقيسر فاعترضست
أمهسا فقال :إنسي لرى لهسا فسي ذلك متكلمسا .فسسوغ لهسا فسي ذلك الكلم حتسى يظهسر هسو مسن نظره مسا
يسسقط اعتراض الم عليسه .وروى "ل أرى" بزيادة اللف والول أصسح .وجائز لغيسر اليتيمسة أن
تنكسح بأدنسى مسن صسداق مثلهسا؛ لن اليسة إنمسا خرجست فسي اليتامسى .هذا مفهومهسا وغيسر اليتيمسة
بخلفها.
فإذا بلغست اليتيمسة وأقسسط الولي فسي صسداقها جاز له أن يتزوجهسا ،ويكون هسو الناكسح والمنكسح
على مسا فسسرته عائشسة .وبسه قال أبسو حنيفسة والوزاعسي والثوري وأبسو ثور ،وقاله مسن التابعيسن
الحسن وربيعة ،وهو قول الليث .وقال زفر والشافعي :ل يجوز له أن يتزوجها إل بإذن السلطان،
أو يزوجهسا منسه ولي لهسا هسو أقعسد بهسا منسه؛ أو مثله فسي القعود؛ وأمسا أن يتولى طرفسي العقسد بنفسسه
فيكون ناكحسا منكحسا فل .واحتجوا بأن الوليسة شرط مسن شروط العقسد لقوله عليسه السسلم( :ل نكاح
إل بولي وشاهدي عدل) .فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب؛ فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد
مسن المذكوريسن .وفسي المسسألة قول ثالث ،وهسو أن تجعسل أمرهسا إلى رجسل يزوجهسا منسه .روي هذا
عن المغيرة بن شعبة ،وبه قال أحمد ،ذكره ابن المنذر.
@قوله تعالى" :مسا طاب لكسم مسن النسساء" معناه مسا حسل لكسم؛ عسن الحسسن وابسن جسبير وغيرهمسا.
واكتفسى بذكسر مسن يجوز نكاحسه؛ لن المحرمات مسن النسساء كثيسر .وقرأ ابسن إسسحاق والجحدري
وحمزة "طاب" "بالمالة" وفي مصحف أبي "طيب" بالياء؛ فهذا دليل المالة" .من النساء" دليل
على أنه ل يقال نساء إل لمن بلغ الحلم .وواحد النساء نسوة ،ول واحد لنسوة من لفظه ،ولكن يقال
امرأة.
@قوله تعالى" :مثنى وثلث ورباع" وموضعها من العراب نصب على البدل من "ما" وهي
نكرة ل تنصسرف؛ لنهسا معدولة وصسفة؛ كذا قال أبسو علي .وقال الطسبري :هسي معارف؛ لنهسا ل
يدخلهسسا اللف واللم ،وهسسي بمنزلة عمسسر فسسي التعريسسف؛ قال الكوفسسي .وخطسسأ الزجاج هذا القول.
وقيسل :لم ينصسرف؛ لنسه معدول عسن لفظسه ومعناه ،فأحاد معدول عسن واحسد واحسد ،ومثنسى معدولة
عسن اثنيسن اثنيسن ،وثلث معدولة عسن ثلثسة ثلثسة ،ورباع عسن أربعسة أربعسة .وفسي كسل واحسد منهسا
لغتان :فعال ومفعسسل؛ يقال أحاد وموحسسد وثناء ومثنسسى وثلث ومثلث ورباع ومربسسع ،وكذلك إلى
معشسر وعشار .وحكسى أبسو إسسحاق الثعلبسي لغسة ثالثسة :أحسد وثنسى وثلث وربسع مثسل عمسر وزفسر.
وكذلك قرأ النخعسي فسي هذه اليسة .وحكسى المهدوي عسن النخعسي وابسن وثاب "ثلث وربسع" بغيسر
ألف في ربع فهو مقصور من رباع استخفافا؛ كما قال:
يحرد حرد الجنة المغلة أقبل سيل جاء من عند ال
قال الثعلبي :ول يزاد من هذا البناء على الربع إل بيت جاء عن الكميت:
ست فوق الرجال خصال عشارا فلم يستريثوك حتى رميس
يعنسي طعنست عشرة .وقال ابسن الدهان :وبعضهسم يقسف على المسسموع وهسو مسن أحاد إلى رباع ول
يعتبر بالبيت لشذوذه .وقال أبو عمرو بن الحاجب :ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلث ومثلث
ورباع ومربسع .وهسل يقال فيمسا عداه إلى التسسعة أو ل يقال؟ فيسه خلف أصسحها أنسه لم يثبست .وقسد
نص البخاري في صحيحه على ذلك .وكونه معدول عن معناه أنه ل يستعمل في موضع تستعمل
فيسسه العداد غيسسر المعدولة؛ تقول :جاءنسسي اثنان وثلثسسة ،ول يجوز مثنسسى وثلث حتسسى يتقدم قبله
جمسع ،مثسل جاءنسي القوم أحاد وثناء وثلث ورباع مسن غيسر تكرار .وهسي فسي موضسع الحال هنسا
وفي الية ،وتكون صفة؛ ومثال كون هذه العداد صفة يتبين في قوله تعالى" :أولي أجنحة مثنى
وثلث ورباع" [فاطر ]1 :فهي صفة للجنحة وهي نكرة .وقال ساعدة بن جؤية:
ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد ولكنما أهلي بواد أنيسه
وأنشد الفراء:
بأربعة منكم وآخر خامس قتلنا به من بين مثنى وموحد
فوصف ذئابا وهي نكرة بمثنى وموحد ،وكذلك بيت الفراء؛ أي قتلنا به ناسا ،فل تنصرف إذا هذه
السسسماء فسسي معرفسسة ول نكرة .وأجاز الكسسسائي والفراء صسسرفه فسسي العدد على أنسسه نكرة .وزعسسم
الخفش أنه إن سمى به صرفه في المعرفة والنكرة؛ لنه قد زال عنه العدل.
@ اعلم أن هذا العدد مثنى وثلث ورباع ل يدل على إباحة تسع ،كما قال من بعد فهمه للكتاب
والسسنة ،وأعرض عمسا كان عليسه سسلف هذه المسة ،وزعسم أن الواو جامعسة؛ وعضسد ذلك بأن النسبي
صلى ال عليه وسلم نكح تسعا ،وجمع بينهن في عصمته .والذي صار إلى هذه الجهالة ،وقال هذه
المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين ،وكذلك ثلث ورباع .وذهب بعض
أهسل الظاهسر أيضسا إلى أقبسح منهسا ،فقالوا بإباحسة الجمسع بيسن ثمان عشرة؛ تمسسكا منسه بأن العدل فسي
تلك الصسيغ يفيسد التكرار والواو للجمسع؛ فجعسل مثنسى بمعنسى اثنيسن اثنيسن وكذلك ثلث ورباع .وهذا
كله جهسل باللسسان والسسنة ،ومخالفسة لجماع المسة ،إذ لم يسسمع عسن أحسد مسن الصسحابة ول التابعيسن
أنه جمسع فسي عصمته أكثسر مسن أربع .وأخرج مالك فسي موطئه ،والنسسائي والدارقطنسي فسي سسننهما
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لغيلن بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة( :اختر منهن
أربعا وفارق سائرهن) .في كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال :أسلمت وعندي ثمان نسوة،
فذكرت ذلك للنسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم فقال( :اختسسر منهسسن أربعسسا) .وقال مقاتسسل :إن قيسسس بسسن
الحارث كان عنده ثمان نسسوة حرائر؛ فلمسا نزلت هذه اليسة أمره رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
أن يطلق أربعسا ويمسسك أربعسا .كذا قال" :قيسس بسن الحارث" ،والصسواب أن ذلك كان حارث بسن
قيس السدي كما ذكر أبو داود .وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير :أن ذلك كان
حارث بن قيس ،وهو المعروف عند الفقهاء .وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فذلك
من خصوصياته؛ على ما يأتي بيانه في "الحزاب" .وأما قولهم :إن الواو جامعة؛ فقد قيل ذلك،
لكسن ال تعالى خاطسب العرب بأفصسح اللغات .والعرب ل تدع أن تقول تسسعة وتقول اثنيسن وثلثسة
وأربعسة .وكذلك تسستقبح ممسن يقول :اعسط فلنسا أربعسة سستة ثمانيسة ،ول يقول ثمانيسة عشسر .وإنمسا
الواو فسي هذا الموضسع بدل؛ أي انكحوا ثلثسا بدل مسن مثنسى ،ورباع بدل مسن ثلث؛ ولذلك عطسف
بالواو ولم يعطسسف بأو .ولو جاء بأو لجاز إل يكون لصسساحب المثنسسى ثلث ،ول لصسساحب الثلث
رباع .وأما قولهم :إن مثنى تقتضي اثنين ،وثلث ثلثة ،ورباع أربعة ،فتحكم بما ل يوافقهم أهل
اللسسان عليسه ،وجهالة منهسم .وكذلك جهسل الخريسن ،بأن مثنسى تقتضسي اثنيسن اثنيسن ،وثلث ثلثسة
ثلثسة ،ورباع أربعسة أربعسة ،ولم يعلموا أن اثنيسن اثنيسن ،.وثلثسا ثلثسا ،وأربعسا أربعسا ،حصسر للعدد.
ومثنسسى وثلث ورباع بخلفهسا .ففسي العدد المعدول عنسسد العرب زيادة معنسسى ليسسست فسسي الصسل؛
وذلك أنهسسا إذا قالت :جاءت الخيسسل مثنسسى ،إنمسسا تعنسسي بذلك اثنيسسن اثنيسسن؛ أي جاءت مزدوجسسة .قال
الجوهري :وكذلك معدول العدد .وقال غيره :إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلث أو أحاد أو عشار،
فإنمسا تريسد أنهسم جاؤوك واحدا واحدا ،أو اثنيسن اثنيسن ،أو ثلثسة ثلثسة ،أو عشرة عشرة ،وليسس هذا
المعنى في الصل؛ لنك إذا قلت جاءني قوم ثلثة ثلثة ،أو قوم عشرة عشرة ،فقد حصرت عدة
القوم بقولك ثلثسسة وعشرة .فإذا قلت جاؤونسسي رباع وثناء فلم تحصسسر عدتهسسم .وإنمسسا تريسسد أنهسسم
جاؤوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين .وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب ،فقصرهم كل صيغة
على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم.
@ وأما اختلف علماء المسلمين في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع :فقال مالك والشافعي :عليه
الحسد إن كان عالمسا .وبسه قال أبسو ثور .وقال الزهري :يرجسم إذا كان عالمسا ،وإن كان جاهل أدنسى
الحدين الذي هو الجلد ،ولها مهرها ويفرق بينهما ول يجتمعان أبدا .وقالت طائفة :ل حد عليه في
شيء من ذلك .هذا قول النعمان .وقال يعقوب ومحمد :يحد في ذات المحرم ول يحد في غير ذلك
من النكاح .وذلك مثل أن يتزوج مجوسية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغير شهود،
أو أمة تزوجها بغير إذن مولها .وقال أبو ثور :إذا علم أن هذا ل يحل له يجب أن يحد فيه كله إل
التزوج بغيسر شهود .وفيسه قول ثالث قاله النخعسي فسي الرجسل ينكسح الخامسسة متعمدا قبسل أن تنقضسي
عدة الرابعة من نسائه :جلد مائة ول ينفى .فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر
فكيف بما فوقها.
@ ذكر الزبير بن بكار حدثني إبراهيم الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال :أتت امرأة إلى
عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه؛ فقالت :يسا أميسر المؤمنيسن ،إن زوجسي يصسوم النهار ويقوم الليسل
وأنا أكره أن أشكوه ،وهو يعمل بطاعة ال عز وجل .فقال لها :نعم الزوج زوجك :فجعلت تكرر
عليسه القول وهسو يكرر عليهسا الجواب .فقال له كعسب السسدي :يسا أميسر المؤمنيسن ،هذه المرأة تشكسو
زوجهسا فسي مباعدتسه إياهسا عسن فراشسه .فقال عمسر( :كمسا فهمست كلمهسا فاقسض بينهمسا) .فقال كعسب:
علي بزوجهسا ،فأتسي بسه فقال له :إن امرأتسك هذه تشكوك .قال :أفسي طعام أم شراب؟ قال ل .فقالت
المرأة:
ألهى خليلي عن فراشي مسجده يا أيها القاضي الحكيم رشده
فاقض القضا كعب ول تردده زهده في مضجعي تعبده
فلست في أمر النساء أحمده نهاره وليله ما يرقده
فقال زوجها:
أني امرؤ أذهلني ما قد نزل زهدني في فرشها وفي الحجل
الطول وفي كتاب ال تخويف جلل في سورة النحل وفي السبع
فقال كعب:
نصيبها في أربع لمن عقل إن لها عليك حقا يا رجل
فأعطها ذاك ودع عنك العلل
ثسم قال :إن ال عسز وجسل قسد أحسل لك مسن النسساء مثنسى وثلث ورباع ،فلك ثلثسة أيام ولياليهسن تعبسد
فيهسن ربسك .فقال عمسر( :وال مسا أدري مسن أي أمريسك أعجسب؟ أمسن فهمسك أمرهمسا أم مسن حكمسك
بينهمسا؟ اذهسب فقسد وليتسك قضاء البصسرة) .وروى أبسو هدبسة إبراهيسم بسن هدبسة حدثنسا أنسس بسن مالك
قال :أتست النسبي صسلى ال عليسه وسسلم امرأة تسستعدي زوجهسا ،فقالت :ليسس لي مسا للنسساء؛ زوجسي
يصوم الدهر .قال( :لك يوم وله يوم ،للعبادة يوم وللمرأة يوم).
@قوله تعالى" :فإن خفتم أل تعدلوا" قال الضحاك وغيره :في الميل والمحبة والجماع والعشرة
والقسسم بيسن الزوجات الربسع والثلث والثنتيسن "فواحدة" فمنسع مسن الزيادة التسي تؤدي إلى ترك
العدل فسسي القسسسم وحسسسن العشرة .وذلك دليسسل على وجوب ذلك ،وال أعلم .وقرئت بالرفسسع ،أي
فواحدة فيهسسا كفايسسة أو كافيسسة .وقال الكسسسائي :فواحدة تقنسسع .وقرئت بالنصسسب بإضمار فعسسل ،أي
فانكحوا واحدة.
@قوله تعالى" :أو مسا ملكست أيمانكسم" يريسد الماء .وهسو عطسف على "فواحدة" أي إن خاف أل
يعدل في واحدة فما ملكت يمينه .وفي هذا دليل على أل حق لملك اليمين في الوطء ول القسم؛ لن
المعنسسى "فإن خفتسسم أل تعدلوا" فسسي القسسسم "فواحدة أو مسسا ملكسست أيمانكسسم" فجعسسل ملك اليميسسن كله
بمنزلة واحدة ،فانتفسى بذلك أن يكون للماء حسق فسي الوطسء أو فسي القسسم .إل أن ملك اليميسن فسي
العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق .وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح،
واليميسن مخصسوصة بالمحاسسن لتمكنهسا .أل ترى أنهسا المنفقسة؟ كمسا قال عليسه السسلم( :حتسى ل تعلم
شماله مسا تنفسق يمينسه) وهسي المعاهدة المبايعسة ،وبهسا سسميت الليسة يمينسا ،وهسي المتلقيسة لرايات
المجد؛ كما قال:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
@قوله تعالى" :ذلك أدنى أل تعولوا" أي ذلك أقرب إلى أل تميلوا عن الحق وتجوروا؛ عن ابن
عباس ومجاهسد وغيرهمسسا .يقال :عال الرجسسل يعول إذا جار ومال .ومنسه قولهسسم :عال السسهم عسن
الهدف مال عنه .قال ابن عمر( :إنه لعائل الكيل والوزن)؛ قال الشاعر:
قول الرسول وعالوا في الموازين قالوا اتبعنا رسول ال واطرحوا
أي جاروا .وقال أبو طالب:
له شاهد من نفسه غير عائل بميزان صدق ل يغل شعيرة
يريد غير مائل .وقال آخر:
لقد عال الزمان على عيالي ثلثة أنفس وثلث ذود
أي جار ومال .وعال الرجسسل يعيسسل إذا افتقسسر فصسسار عالة .ومنسسه قوله تعالى" :وإن خفتسسم عيلة"
[التوبة .]28 :ومنه قول الشاعر:
وما يدري الغني متى يعيل وما يدري الفقير متى غناه
وهسو عائل وقوم عيلة ،والعيلة والعالة الفاقسة ،وعالنسي الشيسء يعولنسي إذا غلبنسي وثقسل علي ،وعال
المر اشتد وتفاقم .وقال الشافعي" :أل تعولوا" [النساء ]3 :أل تكثر عيالكم .قال الثعلبي :وما قال
هذا غيره ،وإنمسا يقال :أعال يعيسل إذا كثسر عيال .وزعسم ابسن العربسي أن عال على سسبعة معان ل
ثامسن لهسا ،يقال :عال مال ،الثانسي زاد ،الثالث جار ،الرابسع افتقسر ،الخامسس أثقسل؛ حكاه ابسن دريسد.
قالت الخنساء:
ويكفي العشيرة ما عالها
السسادس عال قام بمؤونسة العيال؛ ومنسه قوله عليسه السسلم( :وابدأ بمسن تعول) .السسابع عال غلب؛
ومنه عيل صبره .أي غلب .ويقال :أعال الرجل كثر عيال .وأما عال بمعنى كثر عياله فل يصح.
قلت :أمسا قول الثعلبسي "مسا قاله غيره" فقسد أسسنده الدارقطنسي فسي سسننه عسن زيسد بسن أسسلم ،وهسو
قول جابر بن زيد؛ فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه .وأما ما ذكره
ابسسن العربسسي مسسن الحصسسر وعدم الصسسحة فل يصسسح .وقسسد ذكرنسسا :عال المسسر اشتسسد وتفاقسسم؛ حكاه
الجوهري .وقال الهروي فسي غريبسه" :وقال أبسو بكسر :يقال عال الرجسل فسي الرض يعيسل فيهسا أي
ضرب فيهسا .وقال الحمسر :يقال عالنسي الشيسء يعيلنسي عيل ومعيل إذا أعجزك" .وأمسا عال كثسر
عياله فذكره الكسائي وأبو عمر الدوري وابن العرابي .قال الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة:
العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله .وقال أبو حاتم :كان الشافعي أعلم بلغة العرب
منا ،ولعله لغة .قال الثعلبي المفسر :قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب :سألت أبا عمر الدوري عن
هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال :هي لغة حمير؛ وأنشد:
بل شك وإن أمشى وعال وإن الموت يأخذ كل حي
يعني وإن كثرت ماشيته وعياله .وقال أبو عمرو بن العلء :لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيت
أن آخذ عن لحن لحنا .وقرأ طلحة بن مصرف "أل تعيلوا" وهي حجة الشافعي رضي ال عنه.
قال ابن عطية :وقدح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال :إن ال تعالى قد أباح كثرة
السواري وفي ذلك تكثير العيال ،فكيف يكون أقرب إلى أل يكثر العيال .وهذا القدح غير صحيح؛
لن السسسراري إنمسسا هسسي مال يتصسسرف فيسسه بالبيسسع ،وإنمسسا العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق
الواجبة .وحكى ابن العرابي أن العرب تقول :عال الرجل إذا كثر عياله.
@ تعلق بهذه الية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعا ،لن ال تعالى قال" :فانكحوا ما طاب لكم
من النساء" يعني ما حل "مثنى وثلث ورباع" ولم يخص عبدا من حر .وهو قول داود والطبري
وهسسو المشهور عسسن مالك وتحصسسيل مذهبسسه على مسسا فسسي موطئه ،وكذلك روى عنسسه ابسسن القاسسسم
وأشهسب .وذكسر ابسن المواز أن ابسن وهسب روى عسن مالك أن العبسد ل يتزوج إل اثنتيسن؛ قال وهسو
قول الليسسث .قال أبسو عمسسر :قال الشافعسسي وأبسو حنيفسسة وأصسسحابهما والثوري والليسسث بسن سسسعد :ل
يتزوج العبد أكثر من اثنتين؛ وبه قال أحمد وإسحاق .وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي
طالب وعبدالرحمن بن عوف في العبد ل ينكح أكثر من اثنتين؛ ول أعلم لهم مخالفا من الصحابة.
وهسسو قول الشعسسبي وعطاء وابسسن سسسيرين والحكسسم وإبراهيسسم وحماد .والحجسسة لهذا القول القياس
الصسسحيح على طلقسسه وحده .وكسسل مسسن قال حده نصسسف حسسد الحسسر ،وطلقسسه تطليقتان ،وإيلؤه
شهران ،ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال :تناقض في قوله "ينكح أربعا" وال أعلم.
**3الية{ 4 :وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}
@قوله تعالى" :وآتوا النساء صدقاتهن" الصدقات جمع ،الواحدة صدقة .قال الخفش :وبنو تميم
يقولون صسدقة والجمسع صسدقات ،وإن شئت فتحست وإن شئت أسسكنت .قال المازنسي :يقال صسداق
المرأة بالكسر ،ول يقال بالفتح .وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النحاس .والخطاب في
هذه اليسة للزواج؛ قال ابسن عباس وقتادة وابسن زيسد وابسن جريسج( .أمرهسم ال تعالى بأن يتسبرعوا
بإعطاء المهور نحلة منهم لزواجهم) .وقيل :الخطاب للولياء؛ قاله أبو صالح .وكان الولي يأخذ
مهسر المرأة ول يعطيهسا شيئا ،فنهوا عسن ذلك وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهسن .قال فسي روايسة الكلبسي:
أن أهسل الجاهليسة كان الولي إذا زوجهسا فإن كانست معسه فسي العشرة لم يعطهسا مسن مهرهسا كثيرا ول
قليل ،وإن كانسست غريبسسة حملهسسا على بعيسسر إلى زوجهسسا ولم يعطهسسا شيئا غيسسر ذلك البعيسسر؛ فنزل:
"وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة" .وقال المعتمسر بسن سسليمان عسن أبيسه :زعسم حضرمسي المراد باليسة
المتشاغرون الذيسن كانوا يتزوجون امرأة بأخرى ،فأمروا أن يضربوا المهور .والول أظهسر؛ فإن
الضمائر واحدة وهسي بجملتهسا للزواج فهسم المراد؛ لنسه قال" :وإن خفتسم أل تقسسطوا فسي اليتامسى"
إلى قوله" :وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة" .وذلك يوجسب تناسسق الضمائر وأن يكون الول فيهسا هسو
الخر.
@ هذه الية تدل على وجوب الصداق للمرأة ،وهو مجمع عليه ول خلف فيه إل ما روي عن
بعسض أهسل العلم مسن أهسل العراق أن السسيد إذا زوج عبده مسن أمتسه أنسه ل يجسب فيسه صسداق؛ وليسس
بشيسء؛ لقوله تعالى "وآتوا النسساء صسدقاتهن نحلة" فعسم .وقال" :فانكحوهسن بإذن أهلهسن وأتوهسن
أجورهسن بالمعروف" [النسساء .]25 :وأجمسع العلماء أيضسا أنسه ل حسد لكثيره ،واختلفوا فسي قليله
على ما يأتي بيانه في قوله" :وآتيتم إحداهن قنطارا" [النساء .]20 :وقرأ الجمهور " صَدُقاتهن"
بفتسح الصساد وضسم الدال .وقرأ قتادة "صُسدْقاتهن" بضسم الصساد وسسكون الدال .وقرأ النخعسي وابسن
صدُ َق َتهُنّ"
وثاب بضمهما والتوحيد " ُ
@قوله تعالى" :نحلة" النّحلة والنّحلة ،بكسسر النون وضمهسا لغتان .وأصسلها مسن العطاء؛ نحلت
فلنسا شيئا أعطيتسه .فالصسداق عطيسة مسن ال تعالى للمرأة .وقيسل" :نحلة" أي عسن طيسب نفسس مسن
الزواج من غير تنازع .وقال قتادة :معنى "نحلة" فريضة واجبة .ابن جريج وابن زيد :فريضة
مسسسماة .قال أبسسو عبيسسد :ول تكون النحلة إل مسسسماة معلومسسة .وقال الزجاج" :نحلة" تدينسسا .والنحلة
الديانسسسة والملة .يقال .هذا نحلتسسسه أي دينسسسه .وهذا يحسسسسن مسسسع كون الخطاب للولياء الذيسسسن كانوا
يأخذونه في الجاهلية ،حتى قال بعض النساء في زوجها:
ل يأخذ الحلوان من بناتنا
تقول :ل يفعل ما يفعله غيره .فانتزعه ال منهم وأمر به للنساء .و"نحلة" منصوبة على أنها حال
مسن الزواج بإضمار فعسل مسن لفظهسا تقديره أنحلوهسن نحلة .وقيسل :هسي نصسب وقيسل على التفسسير.
وقيل :هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال.
@قوله تعالى" :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" مخاطبة للزواج ،ويدل بعمومه على أن هبة
المرأة صسداقها لزوجهسا بكرا كانست أو ثيبسا جائزة؛ وبسه قال جمهور الفقهاء .ومنسع مالك مسن هبسة
البكسر الصسداق لزوجهسا وجعسل ذلك للولي مسع أن الملك لهسا .وزعسم الفراء أنسه مخاطبسة للولياء؛
لنهسم كانوا يأخذون الصسداق ول يعطون المرأة منسه شيئا ،فلم يبسح لهسم منسه إل مسا طابست بسه نفسس
المرأة .والقول الول أصسح؛ لنسه لم يتقدم للولياء ذكسر ،والضميسر فسي "منسه" عائد على الصسداق.
وكذلك قال عكرمة وغيره .وسبب الية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه
إلى الزوجات فنزلت "فإن طبن لكم".
@ واتفسق العلماء على أن المرأة المالكسة لمسر نفسسها إذا وهبست صسداقها لزوجهسا نفسذ ذلك عليهسا،
ول رجوع لهسا فيسه .إل أن شريحسا رأى الرجوع لهسا فيسه ،واحتسج بقوله" :فإن طبسن لكسم عنسه شيسء
منه نفسا" وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا .قال ابن العربي :وهذا باطل؛ لنها قد طابت وقد
أكسل فل كلم لهسا؛ إذ ليسس المراد صسورة الكسل ،وإنمسا هسو كنايسة عسن الحلل والسستحلل ،وهذا
بين.
فإن شرطست عليسه عنسد عقسد النكاح أل يتزوج عليهسا ،وحطست عنسه لذلك شيئا مسن صسداقها ،ثسم
تزوج عليها فل شيء لها عليه في رواية ابن القاسم؛ لنها شرطت عليه ما ل يجوز شرطه .كما
اشترط أهسل بريرة أن تعتقهسا عائشسة والولء لبائعهسا ،فصسحح النسبي صسلى ال عليسه وسسلم العقسد
وأبطل الشرط .كذلك ههنا يصح إسقاط بعض الصداق عنه وتبطل الزيجة .قال ابن عبدالحكم :إن
كان بقي من صداقها مثل صداق مثلها أو أكثر لم ترجع عليه بشيء ،وإن كانت وضعت عنه شيئا
من صداقها فتزوج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها؛ لنه شرط على نفسه شرطا وأخذ عنه
عوضا كان لها واجبا أخذه منه ،فوجب عليه الوفاء لقوله عليه السلم( :المؤمنون عند شروطهم).
@ وفسي اليسة دليسل على أن العتسق ل يكون صسداقا؛ لنسه ليسس بمال؛ إذ ل يمكسن المرأة هبتسه ول
الزوج أكله .وبسه قال مالك وأبسو حنيفسة وزفسر ومحمسد والشافعسي .وقال أحمسد بسن حنبسل وإسسحاق
ويعقوب :يكون صداقا ول مهر لها غير العتق؛ على حديث صفية -رواه الئمة -أن النبي صلى
ال عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها .وروي عن أنس أنه فعله ،وهو راوي حديث صفية.
وأجاب الولون بأن قالوا :ل حجسسة فسسي حديسسث صسسفية؛ لن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم كان
مخصسوصا فسي النكاح بأن يتزوج بغيسر صسداق ،وقسد أراد زينسب فحرمست على زيسد فدخسل عليهسا
بغير ولي ول صداق .فل ينبغي الستدلل بمثل هذا؛ وال أعلم.
@قوله تعالى" :نفسا" قيل :هو منصوب على البيان .ول يجيز سيبويه ول الكوفيون أن يتقدم ما
كان منصوبا على البيان ،وأجاز ذلك المازني وأبو العباس المبرد إذا كان العامل فعل .وأنشد:
وما كان نفسا بالفراق تطيب
وفسي التنزيسل "خشعسا أبصسارهم يخرجون" [القمسر ]7 :فعلى هذا يجوز "شحمسا تفقأت .ووجهسا
حسسنت" .وقال أصسحاب سسيبويه :إن "نفسسا" منصسوبة بإضمار فعسل تقديره أعنسي نفسسا ،وليسست
منصوبة على التمييز؛ وإذا كان هذا فل حجة فيه .وقال الزجاج .الرواية:
وما كان نفسي...
واتفق الجميع على أنه ل يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غير متصرف كعشرين درهما.
@قوله تعالى" :فكلوه" ليس المقصود صورة الكل ،وإنما المراد به الستباحة بأي طريق كان،
وهسو المعنسي بقوله فسي اليسة التسي بعدهسا "إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا" [النسساء.]10 :
وليسس المراد نفسس الكسل؛ إل أن الكسل لمسا كان أوفسى أنواع التمتسع بالمال عسبر عسن التصسرفات
بالكسل .ونظيره قوله تعالى" :إذا نودي للصسلة من يوم الجمعسة فاسسعوا إلى ذكسر ال وذروا البيع"
[الجمعة ]9 :يعلم أن صورة البيع غير مقصودة ،وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر ال تعالى مثل
النكاح وغيره؛ ولكن ذكر البيع لنه أهم ما يشتغل به عن ذكر ال تعالى.
@قوله تعالى" :هنيئا مريئا" منصسوب على الحال مسن الهاء فسي "كلوه" وقيسل :نعست لمصسدر
محذوف ،أي أكل هنيئا بطيسسب النفسسس .هنأه الطعام والشراب يهنوه ،ومسسا كان هنيئا؛ ولقسسد هنسسؤ،
والمصدر الهنء .وكل ما لم يأت بمشقة ول عناء فهو هنيء .وهنيء اسم فاعل من هنؤ كظريف
مسن ظرف .وهنسئ يهنسأ فهسو هنيسء على فعسل كزمسن .وهنأنسي الطعام ومرأنسي على التباع؛ فإذا لم
يذكسر "هنأنسي" قلت :أمرأنسي الطعام باللف ،أي انهضسم .قال أبسو علي :وهذا كمسا جاء فسي الحديسث
(ارجعسن مأزورات غيسر مأجورات) .فقلبوا الواو مسن "موزورات" ألفسا إتباعسا للفسظ مأجورات.
وقال أبسو العباس عن ابن العرابسي :يقال هنيسء وهنأنسي ومرأنسي وأمرأنسي ول يقال مرئنسي؛ حكاه
الهروي .وحكسى القشيري أنسه يقال :هنئنسي ومرئنسي بالكسسر يهنأنسي ويمرأنسي ،وهسو قليسل .وقيسل:
"هنيئا" ل إثم فيه ،و"مريئا" ل داء فيه .قال كثير:
لعزة من أعراضنا ما استحلت هنيئا مريئا غير داء مخامر
ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئا وهبته امرأته من مهرها فقال له :كل من الهنيء المريء.
وقيل :الهنيء الطيب المساغ الذي ل ينغصه شيء ،والمريء المحمود العاقبة ،التام الهضم الذي
ل يضر ول يؤذي .يقول :ل تخافون في الدنيا به مطالبة ،ول في الخرة تبعة .يدل عليه ما روى
ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن هذه الية "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا
فكلوه" فقال( :إذا جادت لزوجهسا بالعطيسة طائعسة غيسر مكرهسة ل يقضسي بسه عليكسم سسلطان ،ول
يؤاخذكم ال تعالى به في الخرة) وروي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال( :إذا اشتكى
أحدكم شيئا فليسأل امرأته درهما من صداقها ثم ليشتر به عسل فليشربه بماء السماء؛ فيجمع ال
عز وجل له الهنيء والمريء والماء المبارك) .وال أعلم.
**3اليسة{ 5 :ول تؤتوا السسفهاء أموالكسم التسي جعسل ال لكسم قيامسا وارزقوهسم فيهسا واكسسوهم
وقولوا لهم قول معروفا}
@ لمسا أمسر ال تعالى بدفسع أموال اليتامسى إليهسم فسي قوله" :وآتوا اليتامسى أموالهسم" وإيصسال
الصدقات إلى الزوجات ،بين أن السفيه وغير البالغ ل يجوز دفع ماله إليه .فدلت الية على ثبوت
الوصسي والولي والكفيسل لليتام .وأجمسع أهسل العلم على أن الوصسية إلى المسسلم الحسر الثقسة العدل
جائزة .واختلفوا فسي الوصسية إلى المرأة الحرة؛ فقال عوام أهسل العلم :الوصسية لهسا جائزة .واحتسج
أحمسد بأن عمسر رضسي ال عنسه أوصسى إلى حفصسة .وروي عسن عطاء بسن أبسي رباح أنسه قال فسي
رجل أوصى إلى امرأته قال :ل تكون المرأة وصيا؛ فإن فعل حولت إلى رجل من قومه .واختلفوا
فسي الوصسية إلى العبسد؛ فمنعسه الشافعسي وأبسو ثور ومحمسد ويعقوب .وأجازه مالك والوزاعسي وابسن
عبدالحكم .وهو قول النخعي إذا أوصى إلى عبده .وقد مضى القول في هذا في "البقرة" مستوفى.
@قوله تعالى" :السسفهاء" قسد مضسى فسي "البقرة" معنسى السسفه لغسة .واختلف العلماء فسي هؤلء
السفهاء ،من هم؟ فروى سالم الفطس عن سعيد بن جبير قال :هم اليتامى ل تؤتوهم أموالكم .قال
النحاس :وهذا مسن أحسسن مسا قيسل فسي اليسة .وروى إسسماعيل بسن أبسي خالد عسن أبسي مالك قال :هسم
الولد الصسغار ،ل تعطوهسم أموالكسم فيفسسدوها وتبقوا بل شيسء .وروى سسفيان عسن حميسد العرج
عن مجاهد قال :هم النساء .قال النحاس وغيره :وهذا القول ل يصح؛ إنما تقول العرب في النساء
سسفائه أو سسفيهات؛ لنسه الكثسر فسي جمسع فعيلة .ويقال :ل تدفسع مالك مضاربسة ول إلى وكيسل ل
يحسن التجارة .وروي عن عمر أنه قال :من لم يتفقه فل يتجر في سوقنا؛ فذلك قوله تعالى" :ول
تؤتوا السسسفهاء أموالكسسم" يعنسسي الجهال بالحكام .ويقال :ل تدفسسع إلى الكفار؛ ولهذا كره العلماء أن
يوكسل المسسلم ذميسا بالشراء والبيسع ،أو يدفسع إليسه مضاربسة .وقال أبسو موسسى الشعري رضسي ال
عنه( :السفهاء هنا كل من يستحق الحجر) .وهذا جامع .وقال ابن خويز منداد :وأما الحجر على
السفيه فالسفيه له أحوال :حال يحجر عليه لصغره ،وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره ،وحالة لسوء
نظره لنفسسه فسي ماله .فأمسا المغمسسى عليسه فاسستحسن مالك أل يحجسسر عليسه لسسسرعة زوال مسا بسه.
والحجسر يكون مرة فسي حسق النسسان ومرة فسي حسق غيره؛ فأمسا المحجور عليسه فسي حسق نفسسه مسن
ذكرنا .والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين ،والمفلس وذات الزوج
لحسق الزوج ،والبكسر فسي حسق نفسسها .فأمسا الصسغير والمجنون فل خلف فسي الحجسر عليهمسا .وأمسا
الكسبير فلنسه ل يحسسن النظسر لنفسسه فسي ماله ،ول يؤمسن منسه إتلف ماله فسي غيسر وجسه ،فأشبسه
الصسسسبي؛ وفيسسسه خلف يأتسسسي .ول فرق بيسسسن أن يتلف ماله فسسسي المعاصسسسي أو القرب والمباحات.
واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب؛ فمنهم من حجر عليه ،ومنهم من لم يحجر عليه .والعبد
ل خلف فيسه .والمديان ينزع مسا بيده لغرمائه؛ لجماع الصسحابة ،وفعسل عمسر ذلك بأسسيفع جهينسة؛
ذكره مالك فسي الموطسأ .والبكسر مسا دامست فسي الخدر محجور عليهسا؛ لنهسا ل تحسسن النظسر لنفسسها.
حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس ،وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع .وأما ذات
الزوج فلن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال( :ل يجوز لمرأة ملك زوجهسا عصسمتها قضاء
في مالها إل في ثلثها).
قلت :وأمسا الجاهسل بالحكام وإن كان غيسر محجور عليسه لتنميتسه لماله وعدم تدبيره ،فل يدفسع
إليسه المال؛ لجهله بفاسسد البياعات وصسحيحها ومسا يحسل ومسا يحرم منهسا .وكذلك الذمسي مثله فسي
الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره .وال أعلم.
واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخاطبين على هذا ،وهي للسفهاء؛ فقيل :أضافها إليهم لنها
بأيديهسسم وهسسم الناظرون فيهسسا فنسسسبت إليهسسم اتسسساعا؛ كقوله تعالى" :فسسسلموا على أنفسسسكم" [النور:
]61وقوله "فاقتلوا أنفسسكم" [البقرة .]54 :وقيسل :أضافهسا إليهسم لنهسا مسن جنسس أموالهسم؛ فإن
الموال جعلت مشتركسسة بيسسن الخلق تنتقسسل مسسن يسسد إلى يسسد ،ومسسن ملك إلى ملك ،أي هسسي لهسسم إذا
احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم ،وبها قوام أمركم.
وقول ثان قاله أبسسو موسسسى الشعري وابسسن عباس والحسسسن وقتادة( :أن المراد أموال المخاطسسبين
حقيقسة) .قال ابسن عباس( :ل تدفسع مالك الذي هسو سسبب معيشتسك إلى امرأتسك وابنسك وتبقسى فقيرا
تنظسر إليهسم وإلى مسا فسي أيديهسم؛ بسل كسن أنست الذي تنفسق عليهسم) .فالسسفهاء على هذا هسم النسساء
والصبيان؛ صغار ولد الرجل وامرأته .وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء.
ودلت الية على جواز الحجر على السفيه؛ لمر ال عز وجل بذلك في قوله" :ول تؤتوا السفهاء
أموالكسم" وقال "فإن كان الذي عليسه الحسق سسفيها أو ضعيفسا" [البقرة .]282 :فأثبست الوليسة على
السسفيه كمسا أثبتهسا على الضعيسف .وكان معنسى الضعيسف راجعسا إلى الصسغير ،ومعنسى السسفيه إلى
الكبير البالغ؛ لن السفه اسم ذم ول يذم النسان على ما لم يكتسبه ،والقلم مرفوع عن غير البالغ،
فالذم والحرج منفيان عنه؛ قاله الخطابي.
@ واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه؛ فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم:
إن فعسل السسفيه وأمره كله جائز حتسسى يضرب المام على يده .وهسو قول الشافعسسي وأبسي يوسسف.
وقال ابسن القاسسم :أفعال غيسر جائزة وإن لم يضرب عليسه المام .وقال أصسبغ :إن كان ظاهسر السسفه
فأفعاله مردودة ،وإن كان غير ظاهر السفه فل ترد أفعاله حتى يحجر عليه المام .واحتج سحنون
لقول مالك بأن قال :لو كانست أفعال السسفيه مردودة قبسل الحجسر مسا أحتاج السسلطان أن يحجسر على
أحسد .وحجسة ابسن القاسسم مسا رواه البخاري مسن حديسث جابر أن رجل أعتسق عبدا ليسس له مال غيره
فرده النبي صلى ال عليه وسلم ولم يكن حجر عليه قبل ذلك.
@ واختلفوا في الحجر على الكبير؛ فقال مالك وجمهور الفقهاء :يحجر عليه .وقال أبو حنيفة :ل
يحجسر على مسن بلغ عاقل إل أن يكون مفسسدا لماله؛ فإذا كان كذلك منسع مسن تسسليم المال إليسه حتسى
يبلغ خمسا وعشرين سنة ،فإذا بلغها سلم إليه بكل حال ،سواء كان مفسدا أو غير مفسد؛ لنه يحبل
منسه لثنتسي عشرة سسنة ،ثسم يولد له لسستة أشهسر فيصسير جدا وأبسا ،وأنسا أسستحي أن أحجسر على مسن
يصسسلح أن يكون جدا .وقيسسل عنسسه :إن فسسي مدة المنسسع مسسن المال إذا بلغ مفسسسدا ينفسسذ تصسسرفه على
الطلق ،وإنمسا يمنسع مسن تسسليم المال احتياطسا .وهذا كله ضعيسف فسي النظسر والثسر .وقسد روى
الدارقطنسي :حدثنسا محمسد بسن أحمسد بسن الحسسن الصسواف أخبرنسا حامسد بسن شعيسب أخبرنسا شريسح بسن
يونسس أخبرنسا يعقوب بسن إبراهيسم -هسو أبسو يوسسف القاضسي -أخبرنسا هشام بسن عروة عسن أبيسه أن
عبدال بسسن جعفسسر أتسسى الزبيسسر فقال :إنسسي اشتريسست بيسسع كذا وكذا ،وإن عليسسا يريسسد أن يأتسسي أميسسر
المؤمنين فيسأله أن يحجر علي فيه .فقال الزبير :أنا شريكك في البيع .فأتى علي عثمان فقال :إن
ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه .فقال الزبير :فأنا شريكه في البيع .فقال عثمان :كيف
أحجسر على رجسل فسي بيسع شريكسه فيسه الزبيسر؟ قال يعقوب :أنسا آخسذ بالحجسر وأراه ،وأحجسر وأبطسل
بيسع المحجور عليه وشراءه ،وإذا اشترى أو باع قبسل الحجسر أجزت بيعسه .قال يعقوب بسن إبراهيسم:
وإن أبسا حنيفسة ل يحجسر ول يأخسذ بالحجسر .فقول عثمان :كيسف أحجسر على رجسل ،دليسل على جواز
الحجسسر على الكسسبير؛ فإن عبدال بسسن جعفسسر ولدتسسه أمسسه بأرض الحبشسسة ،وهسسو أول مولود ولد فسسي
السلم بها ،وقدم مع أبيه على النبي صلى ال عليه وسلم عام خيبر فسمع منه وحفظ عنه .وكانت
خيبر سنة خمس من الهجرة .وهذا يرد على أبي حنيفة قوله .وستأتي حجته إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :التسي جعسل ال لكسم قيامسا" أي لمعاشكسم وصسلح دينكسم .وفسي "التسي" ثلث لغات:
التسي واللت بكسسر التاء واللت بإسسكانها .وفسي تثنيتهسا أيضسا ثلث لغات :اللتان واللتسا بحذف النون
واللتان بشد النون .وأما الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء ال تعالى.
والقيام والقوام :مسسا يقيمسسك بمعنسسى .يقال :فلن قيام أهله وقوام بيتسسه ،وهسسو الذي يقيسسم شأنسسه ،أي
يصلحه .ولما انكسرت القاف من قوام أبدلوا الواو ياء .وقراءة أهل المدينة "قيما "بغير ألف .قال
الكسائي والفراء :قيما وقواما بمعنى قياما ،وانتصب عندهما على المصدر .أي ول تؤتوا السفهاء
أموالكسم التسي تصسلح بهسا أموركسم فيقوموا بهسا قيامسا .وقال الخفسش :المعنسى قائمسة بأموركسم .يذهسب
إلى أنهسا جمسع .وقال البصسريون :قيمسا جمسع قيمسة؛ كديمسة وديسم ،أي جعلهسا ال قيمسة للشياء .وخطسأ
أبو علي هذا القول وقال :هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم ،ولكن شذت في الرد إلى الياء كما
شذ قولهم :جياد في جمع جواد ونحوه .وقوما وقواما وقياما معناها ثباتا في صلح الحال ودواما
فسي ذلك .وقرأ الحسسن والنخعسي "اللتسي" جعسل على جمسع التسي ،وقراءة العامسة "التسي" على لفسظ
الجماعسسة .قال الفراء :الكثسسر فسسي كلم العرب "النسسساء اللواتسسي ،والموال التسسي" وكذلك غيسسر
الموال؛ ذكره النحاس.
@قوله تعالى" :وارزقوهم فيها واكسوهم" قيل :معناه اجعلوا لهم فيها أو افرضوا لهم فيها .وهذا
فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجته وبنيه الصاغر .فكان هذا دليل على وجوب نفقة الولد
على الوالد والزوجسة على زوجهسا .وفسي البخاري عسن أبسي هريرة رضسي ال عنسه قال :قال النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم( :أفضسل الصسدقة مسا ترك غنسى واليسد العليسا خيسر مسن اليسد السسفلى وابدأ بمسن
تعول تقول المرأة إمسا أن تطعمنسي وإمسا أن تطلقنسي ويقول العبسد أطعمنسي واسستعملني ويقول البسن
أطعمني إلى من تدعني) ؟ فقالوا :يا أبا هريرة ،سمعت هذا من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قال :ل ،هذا مسن كيسس أبسي هريرة! .قال المهلب :النفقسة على الهسل والعيال واجبسة بإجماع؛ وهذا
الحديث حجة في ذلك.
@ قال ابن المنذر :واختلفوا في نفقة من بلغ من البناء ول مال له ول كسب؛ فقالت طائفة :على
الب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتلموا ،وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن .فإن طلقها
بعد البناء أو مات عنها فل نفقة لها على أبيها .وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها.
@ ول نفقة لولد الولد على الجد؛ هذا قول مالك .وقالت طائفسة :ينفق على ولد ولده حتى يبلغوا
الحلم والمحيسض .ثسم ل نفقسة عليسه إل أن يكونوا زمنسى ،وسسواء فسي ذلك الذكور والناث مسا لم يكسن
لهسم أموال ،وسسواء فسي ذلك ولده أو ولد ولده وإن سسفلوا مسا لم يكسن لهسم أب دونسه يقدر على النفقسة
عليهسم؛ هذا قول الشافعسي .وأوجبست طائفسة النفقسة لجميسع الطفال والبالغيسن مسن الرجال والنسساء إذا
لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد؛ على ظاهر قوله عليه السلم لهند( :خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف) .وفسي حديسث أبسي هريرة (يقول البسن أطعمنسي إلى مسن تدعنسي؟) يدل على أنسه
إنمسا يقول ذلك مسن ل طاقسة له على الكسسب والتحرف .ومسن بلغ سسن الحلم فل يقول ذلك؛ لنسه قسد
بلغ حسد السسعي على نفسسه والكسسب لهسا ،بدليسل قوله تعالى" :حتسى إذا بلغوا النكاح" [النسساء]6 :
اليسة .فجعسل بلوغ النكاح حدا فسي ذلك .وفسي قوله( :تقول المرأة إمسا أن تطعمنسي وإمسا أن تطلقنسي)
يرد على مسن قال :ل يفرق بالعسسار ويلزم المرأة الصسبر؛ وتتعلق النفقسة بذمتسه بحكسم الحاكسم .هذا
قول عطاء والزهري .وإليسسه ذهسسب الكوفيون متمسسسكين بقوله تعالى" :وإن كان ذو عسسسرة فنظرة
إلى ميسسرة" [البقرة .]280 :قالوا :فوجسب أن ينظسر إلى أن يوسسر .وقوله تعالى" :وأنكحوا
اليامى منكم" [النور ]32 :الية .قالوا :فندب تعالى إلى إنكاح الفقير؛ فل يجوز أن يكون الفقر
سسببا للفرقسة وهسو مندوب منعسه إلى النكاح .ول حجسة لهسم فسي هذه اليسة على مسا يأتسي بيانسه فسي
موضعها .والحديث نص في موضع الخلف .وقيل :الخطاب لولي اليتيم لينفق عليه من ماله الذي
له تحت نظره؛ على ما تقدم من الخلف في إضافة المال .فالوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله
وحاله؛ فإن كان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا وحواضن ووسع عليه في النفقة .وإن كان كبيرا
قدر له ناعسم اللباس وشهسي الطعام والخدم .وإن كان دون ذلك فبحسسبه .وإن كان دون ذلك فخشسن
الطعام واللباس قدر الحاجسسة .فإن كان اليتيسسم فقيرا ل مال له وجسسب على المام القيام بسسه مسسن بيسست
المال؛ فإن لم يفعسل المام وجسب ذلك على المسسلمين الخسص بسه فالخسص .وأمسه أخسص بسه فيجسب
عليهسسا إرضاعسسه والقيام بسسه .ول ترجسسع عليسسه ول على أحسسد .وقسسد مضسسى فسسي البقرة عنسسد قوله:
"والوالدات يرضعن أولدهن" [البقرة.]233 :
@قوله تعالى" :وقولوا لهم قول معروفا" أراد تليين الخطاب والوعد الجميل .واختلف في القول
المعروف؛ فقيسسل :معناه ادعوا لهسسم :بارك ال فيكسسم ،وحاطكسسم وصسسنع لكسسم ،وأنسسا ناظسسر لك ،وهذا
الحتياط يرجسع نفعسه إليسك .وقيسل :معناه وعدوهسم وعدا حسسنا؛ أي إن رشدتسم دفعنسا إليكسم أموالكسم.
ويقول الب لبنسسه :مالي إليسسك مصسسيره ،وأنسست إن شاء ال صسساحبه إذا ملكسست رشدك وعرفسست
تصرفك.
**3اليسة{ 6 :وابتلوا اليتامسى حتسى إذا بلغوا النكاح فإن آنسستم منهسم رشدا فادفعوا إليهسم أموالهسم
ول تأكلوهسا إسسرافا وبدارا أن يكسبروا ومسن كان غنيسا فليسستعفف ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف
فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بال حسيبا}
@قوله تعالى" :وابتلوا اليتامى" البتلء الختبار؛ وقد تقدم .وهذه الية خطاب للجميع في بيان
كيفيسة دفسع أموالهسم .وقيسل :إنهسا نزلت فسي ثابست بسن رفاعسة وفسي عمسه .وذلك أن رفاعة توفسي وترك
ابنه وهو صغير ،فأتى عم ثابت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إن ابن أخي يتيم في حجري
فما يحل لي من ماله ،ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل ال تعالى هذه الية.
@ واختلف العلماء فسي معنسى الختبار؛ فقيسل :هسو أن يتأمسل الوصسي أخلق يتيمسه ،ويسستمع إلى
أغراضه ،فيحصل له العلم بنجابته ،والمعرفة بالسعي في مصالحه وضبط ماله ،والهمال لذلك.
فإذا توسسم الخيسر قال علماؤنسا وغيرهسم :ل بأس أن يدفسع إليسه شيئا مسن ماله يبيسح له التصسرف فيسه،
فإن نماه وحسن النظر فيه فقد وقع الختبار ،ووجب على الوصي تسليم جميع ماله إليه .وإن أساء
النظسر فيه وجب عليه إمساك ماله عنده .وليس في العلماء من يقول :إنه إذا اختبر الصبي فوجده
رشيدا ترتفع الولية عنه ،وأنه يجب دفع ماله إليه وإطلق يده في التصرف؛ لقوله تعالى" :حتى
إذا بلغوا النكاح" .وقال جماعسة مسن الفقهاء :الصسغير ل يخلو مسن أحسد أمريسن؛ إمسا أن يكون غلمسا
أو جاريسة؛ فإن كان غلمسا رد النظسر إليسه فسي نفقسة الدار شهرا ،أو أعطاه شيئا نزرا يتصسرف فيسه؛
ليعرف كيف تدبيره وتصرفه ،وهو مع ذلك يراعيه لئل يتلفه؛ فإن أتلفه فل ضمان على الوصي.
فإذا رآه متوخيسا سسلم إليسه ماله وأشهسد عليسه .وإن كانست جاريسة رد إليهسا مسا يرد إلى ربسة البيست مسن
تدبيسر بيتهسسا والنظسسر فيسسه ،فسي السسستغزال والسسستقصاء على الغزالت فسسي دفسع القطسسن وأجرتسه،
واسستيفاء الغزل وجودتسه .فإن رآهسا رشيدة سسلم أيضسا إليهسا مالهسا وأشهسد عليهسا .وإل بقيسا تحست
الحجسر حتسى يؤنسس رشدهمسا .وقال الحسسن ومجاهسد وغيرهمسا :اختسبروهم فسي عقولهسم وأديانهسم
وتنمية أموالهم.
@قوله تعالى" :حتسى إذا بلغوا النكاح" أي الحلم؛ لقوله تعالى" :وإذا بلغ الطفال منكسم الحلم"
[النور ]59 :أي البلوغ ،وحال النكاح .والبلوغ يكون بخمسسة أشياء :ثلثسة يشترك فيهسا الرجال
والنسساء ،واثنان يختصسان بالنسساء وهمسا الحيسض والحبسل .فأمسا الحيسض والحبسل فلم يختلف العلماء
فسي أنسه بلوغ ،وأن الفرائض والحكام تجسب بهمسا .واختلفوا فسي الثلثسة؛ فأمسا الثبات والسسن فقال
الوزاعسسي والشافعسسي وابسسن حنبسسل :خمسسس عشرة سسسنة بلوغ لمسسن لم يحتلم .وهسسو قول ابسسن وهسسب
وأصسبغ وعبدالملك بسن الماجشون وعمسر بسن عبدالعزيسز وجماعسة مسن أهسل المدينسة ،واختاره ابسن
العربسسي .وتجسسب الحدود والفرائض عندهسسم على مسسن بلغ هذا السسسن .قال أصسسبغ بسسن الفرج :والذي
نقول بسه إن حسد البلوغ الذي تلزم بسه الفرائض والحدود خمسس عشرة سسنة؛ وذلك أحسب مسا فيسه إلي
وأحسنه عندي؛ لنه الحد الذي يسهم فيه في الجهاد ولمن حضر القتال .واحتج بحديث ابن عمر إذ
عرض يوم الخندق وهسو ابسن خمسس عشرة سسنة فأجيسز ،ولم يجسز يوم أحسد؛ لنسه كان ابسن أربسع
عشرة سنة .أخرجه مسلم .قال أبو عمر بن عبدالبر :هذا فيمن عرف مولده ،وأما من جهل مولده
وعدة سنه أو جحده فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضسي ال عنه أنه
كتسب إلى أمراء الجناد( :أل تضربوا الجزيسة إل على مسن جرت عليه المواسسي) .وقال عثمان فسي
غلم سسرق :انظروا إن كان قسد اخضسر مئزره فاقطعوه .وقال عطيسة القرظسي :عرض رسسول ال
صلى ال عليه وسلم بني قريظة؛ فكل من أنبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ ،ومن لم ينبت منهم
استحياه؛ فكنت فيمن لم ينبت فتركني .وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما :ل يحكم لمن لم يحتلم حتى
يبلغ ما لم يبلغه أحد إل احتلم ،وذلك سبع عشرة سنة؛ فيكون عليه حينئذ الحد إذا أتى ما يجب عليه
الحسد .وقال مالك مرة :بلوغسه أن يغلظ صسوته وتنشسق أرنبتسه .وعسن أبسي حنيفسة روايسة أخرى :تسسع
عشرة سسنة؛ وهسي الشهسر .وقال فسي الجاريسة :بلوغهسا لسسبع عشرة سسنة وعليهسا النظسر .وروى
اللؤلئي عنسسه ثمان عشرة سسسنة .وقال داود :ل يبلغ بالسسسن مسسا لم يحتلم ولو بلغ أربعيسسن سسسنة .فأمسسا
النبات فمنهسسم مسسن قال :يسسستدل بسسه على البلوغ؛ روي عسسن ابسسن القاسسسم وسسسالم ،وقال مالك مرة،
والشافعسي فسي أحسد قوليسه ،وبسه قال أحمسد وإسسحاق وأبسو ثور .وقيسل :هسو بلوغ؛ إل أنسه يحكسم بسه فسي
الكفار فيقتسل مسن أنبست ويجعسل مسن لم ينبست فسي الذراري؛ قاله الشافعسي فسي القول الخسر؛ لحديسث
عطية القرظي .ول اعتبار بالخضرة والزغب ،وإنما يترتب الحكم على الشعر .وقال ابن القاسم:
سسمعت مالكسا يقول :العمسل عندي على حديسث عمسر بسن الخطاب :لو جرت عليسه المواسسي لحددتسه.
قال أصبغ :قال لي ابن القاسم وأحب إلي أل يقام عليه الحد إل باجتماع النبات والبلوغ .وقال أبو
حنيفسة :ل يثبست بالنبات حكسم ،وليسس هسو ببلوغ ول دللة على البلوغ .وقال الزهري وعطاء :ل
حد على من لم يحتلم؛ وهو قول الشافعي ،ومال إليه مالك مرة ،وقال به بعض أصحابه .وظاهره
عدم اعتبار النبات والسن .قال ابن العربي" :إذا لم يكن حديث ابن عمر دليل في السن فكل عدد
يذكرونه من السنين فإنه دعوى ،والسن التي أجازها رسول ال صلى ال عليه وسلم أولى من سن
لم يعتبرهسا ،ول قام فسي الشرع دليسل عليهسا ،وكذلك اعتسبر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم النبات فسي
بني قريظة؛ فمن عذيري ممن ترك أمرين اعتبرهما النبي صلى ال عليه وسلم فيتأوله ويعتبر ما
لم يعتبره النبي صلى ال عليه وسلم لفظا ،ول جعل ال له في الشريعة نظرا".
قلت :هذا قوله هنسا ،وقال فسي سسورة النفال عكسسه؛ إذ لم يعرج على حديسث ابسن عمسر هناك،
وتأوله كما تأول علماؤنا ،وأن موجبه الفرق بين من يطيق القتال ويسهم له وهو ابن خمس عشرة
سسنة ،ومسن ل يطيقسه فل يسسهم له فيجعسل فسي العيال .وهسو الذي فهمسه عمسر بسن عبدالعزيسز مسن
الحديث .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإن آنسستم منهسم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" "آنسستم" أي أبصسرتم ورأيتسم؛ ومنسه
قوله تعالى" :آنس من جانب الطور نارا" [ 29القصص] أي أبصر ورأى .قال الزهري :تقول
العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا؛ معناه تبصر .قال النابغة:
...على مستأنس وحد
أراد ثورا وحشيسا يتبصسر هسل يرى قانصسا فيحذره .وقيسل :آنسست وأحسسست ووجدت بمعنسى واحسد؛
ومنه قوله تعالى" :فإن آنستم منهم رشدا" أي علمتم .والصل فيه أبصرتم .وقراءة العامة "رشدا"
بضسم الراء وسسكون الشيسن .وقرأ السسلمي وعيسسى والثقفسي وابسن مسسعود رضسي ال عنهسم "رشدا"
بفتسح الراء والشيسن ،وهمسا لغتان .وقيسل :رشدا مصسدر رشسد .ورشدا مصسدر رشسد ،وكذلك الرشاد.
وال أعلم.
@ واختلف العلماء فسي تأويسل "رشدا" فقال الحسسن وقتادة وغيرهمسا :صسلحا فسي العقسل والديسن.
وقال ابن عباس والسدي والثوري( :صلحا في العقل وحفظ المال) .قال سعيد بن جبير والشعبي:
إن الرجسل ليأخسذ بلحيتسه ومسا بلغ رشده؛ فل يدفسع إلى اليتيسم ماله وإن كان شيخسا حتسى يؤنسس منسه
رشده .وهكذا قال الضحاك :ل يعطسى اليتيسم وإن بلغ مائة سسنة حتسى يعلم منسه إصسلح ماله .وقال
مجاهسد" :رشدا" يعنسي فسي العقسل خاصسة .وأكثسر العلماء على أن الرشسد ل يكون إل بعسد البلوغ،
وعلى أنسه إن لم يرشسد بعسد بلوغ الحلم وإن شاخ ل يزول الحجسر عنسه؛ وهسو مذهسب مالك وغيره.
وقال أبسسو حنيفسسة :ل يحجسسر على الحسسر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال ،ولو كان أفسسسق الناس وأشدهسسم
تبذيرا إذا كان عاقل .وبسه قال زفسر بسن الهذيسل؛ وهسو مذهسب النخعسي .واحتجوا فسي ذلك بمسا رواه
قتادة عسن أنسس أن حبان بسن منقسذ كان يبتاع وفسي عقدتسه ضعسف ،فقيسل :يسا رسسول ال احجسر عليسه؛
فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف .فاستدعاه النبي صلى ال عليه وسلم فقال( :ل تبع) .فقال :ل أصبر.
فقال له( :فإذا بايعست فقسل ل خلبسة ولك الخيار ثلثسا) .قالوا :فلمسا سسأل القوم الحجسر عليسه لمسا كان
في تصرفه من الغبن ولم يفعل عليه السلم ،ثبت أن الحجر ل يجوز .وهذا ل حجة لهم فيه؛ لنه
مخصوص بذلك على ما بيناه في البقرة ،فغيره بخلفه .وقال الشافعي :إن كان مفسدا لماله ودينه،
أو كان مفسسسدا لماله دون دينسسه حجسسر عليسسه ،وإن كان مفسسسدا لدينسسه مصسسلحا لماله فعلى وجهيسسن:
أحدهمسا يحجسر عليسه؛ وهسو اختيار أبسي العباس بسن شريسح .والثانسي ل حجسر عليسه؛ وهسو اختيار
إسسحاق المروزي ،والظهسر مسن مذهسب الشافعسي .قال الثعلبسي :وهذا الذي ذكرناه مسن الحجسر على
السفيه قول عثمان وعلي والزبير وعائشة وابن عباس وعبدال بن جعفر رضوان ال عليهم ،ومن
التابعيسن شريسح ،وبه قال الفقهاء :مالك وأهسل المدينسة والوزاعسي وأهسل الشام وأبو يوسسف ومحمسد
وأحمد وإسحاق وأبو ثور .قال الثعلبي :وادعى أصحابنا الجماع في هذه المسألة.
@ إذا ثبت هذا فاعلم أن دفع المال يكون بشرطين :إيناس الرشد والبلوغ ،فإن وجد أحدهما دون
الخر لم يجز تسليم المال ،كذلك نص الية .وهو رواية ابن القاسم وأشهب وابن وهب عن مالك
في الية .وهو قول جماعة الفقهاء إل أبا حنيفة وزفر والنخعي فإنهم أسقطوا إيناس الرشد ببلوغ
خمس وعشرين سنة .قال أبو حنيفة :لكونه جدا وهذا يدل على ضعف قوله ،وضعف ما احتج به
أبو بكر الرازي في أحكام القرآن له من استعمال اليتين حسب ما تقدم؛ فإن هذا من باب المطلق
والمقيد ،والمطلق يرد إلى المقيد باتفاق أهل الصول .وماذا يغني كونه جدا إذا كان غير جد ،أي
بخست .إل أن علماءنسا شرطوا فسي الجاريسة دخول الزوج بهسا مسع البلوغ ،وحينئذ يقسع البتلء فسي
الرشسسد .ولم يره أبسسو حنيفسسة والشافعسسي ،ورأوا الختبار فسسي الذكسسر والنثسسى على مسسا تقدم .وفرق
علماؤنسا بينهمسا بأن قالوا :النثسى مخالفسة للغلم لكونهسا محجوبسة ل تعانسي المور ول تسبرز لجسل
البكارة فلذلك وقف فيها على وجود النكاح؛ فبه تفهم المقاصد كلها .والذكر بخلفها؛ فإنه بتصرفه
وملقاتسسه للناس مسسن أول نشئه إلى بلوغسسه يحمسسل له الختبار ،ويكمسسل عقله بالبلوغ ،فيحصسسل له
الغرض .وما قاله الشافعي أصوب؛ فإن نفس الوطء بإدخال الحشفة ل يزيدها في رشدها إذا كانت
عارفسسة بجميسسع أمورهسا ومقاصسسدها ،غيسسر مبذرة لمالهسا .ثسم زاد علماؤنسا فقالوا :ل بسد بعسد دخول
زوجهسسا مسسن مضسسي مدة مسسن الزمان تمارس فيهسسا الحوال .قال ابسسن العربسسي :وذكسسر علماؤنسسا فسسي
تحديدهسا أقوال عديدة؛ منهسا الخمسسة العوام والسستة والسسبعة فسي ذات الب .وجعلوا فسي اليتيمسة
التسي ل أب لهسا ول وصسي عليهسا عامسا واحدا بعسد الدخول ،وجعلوا فسي المولى عليهسا مؤبدا حتسى
يثبست رشدهسا .وليسس فسي هذا كله دليسل ،وتحديسد العوام فسي ذات الب عسسير؛ وأعسسر منسه تحديسد
العام فسي اليتيمسة .وأمسا تمادي الحجسر فسي المولى عليهسا حتسى يتسبين رشدهسا فيخرجهسا الوصسي عنسه،
أو يخرجهسا الحكسم منسه فهسو ظاهسر القرآن .والمقصسود مسن هذا كله داخسل تحست قوله تعالى" :فإن
آنسستم منهسم رشدا" فتعيسن اعتبار الرشسد ولكسن يختلف إيناسسه بحسسب اختلف حال الراشسد .فاعرفسه
وركب عليه واجتنب التحكم الذي ل دليل عليه.
@ واختلفوا فيمسا فعلتسه ذات الب فسي تلك المدة؛ فقيسل :هسو محمول على الرد لبقاء الحجسر ،ومسا
عملتسه بعده فهسو محمول على الجواز .وقال بعضهسم :مسا عملتسه فسي تلك المدة محمول على الرد إل
أن يتبين فيه السداد ،وما عملته بعد ذلك محمول على المضاء حتى يتبين فيه السفه.
واختلفوا فسي دفسع المال إلى المحجور عليسه هسل يحتاج إلى السسلطان أم ل؟ فقالت فرقسة :ل بسد مسن
رفعسسه إلى السسسلطان ،ويثبسست عنده رشده ثسسم يدفسسع إليسسه ماله .وقالت فرقسسة :ذلك موكول إلى اجتهاد
الوصسي دون أن يحتاج إلى رفعسه إلى السسلطان .قال ابسن عطيسة :والصسواب فسي أوصسياء زماننسا أل
يستغنى عن رفعه إلى السلطان وثبوت الرشد عنده ،لما حفظ من تواطؤ الوصياء على أن يرشد
الصبي ،ويبرأ المحجور عليه لسفهه وقلة تحصيله في ذلك الوقت.
@ فإذا سلم المال إليه بوجود الرشد ،ثم عاد إلى السفه بظهور تبذير وقلة تدبير عاد إليه الحجر
عندنا ،وعند الشافعي في أحد قوليه .وقال أبو حنيفة :ل يعود؛ لنه بالغ عاقل؛ بدليل جواز إقراره
فسي الحدود والقصساص .ودليلنسا قوله تعالى" :ول تؤتوا السسفهاء أموالكسم التسي جعسل ال لكسم قيامسا"
[النسساء ]5 :وقال تعالى" :فإن كان الذي عليسه الحسق سسفيها أو ضعيفسا أو ل يسستطيع أن يمسل هسو
فليملل وليسه بالعدل" [البقرة ]282 :ولم يفرق بيسن أن يكون محجورا سسفيها أو يطرأ ذلك عليسه
بعد الطلق.
@ ويجوز للوصسي أن يصسنع فسي مال اليتيسم مسا كان للب أن يصسنع مسن تجارة وإبضاع وشراء
وبيسع .وعليسه أن يؤدي الزكاة مسن سسائر أمواله :عيسن وحرث وماشيسة وفطرة .ويؤدي عنسه أروش
الجنايات وقيسم المتلفات ،ونفقسة الوالديسن وسسائر الحقوق اللزمسة .ويجوز أن يزوجسه ويؤدي عنسه
الصداق ،ويشتري له جارية يتسررها ،ويصالح له وعليه على وجه النظر له .وإذا قضى الوصي
بعض الغرماء وبقي من المال بقية تفي ما عليه من الدين كان فعل الوصي جائزا .فإن تلف باقي
المال فل شيسء لباقسي الغرماء على الوصسي ول على الذيسن اقتضوا .وإن اقتضسى الغرماء جميسع
المال ثسسم أتسسى غرماء آخرون فإن كان عالمسسا بالديسسن الباقسسي أو كان الميسست معروفسسا بالديسسن الباقسسي
ضمسن الوصسي لهؤلء الغرماء مسا كان يصسيبهم فسي المحاصسة ،ورجسع على الذيسن اقتضوا دينهسم
بذلك .وإن لم يكسن عالمسا بذلك ،ول كان الميست معروفسا بالديسن فل شيسء على الوصسي .وإذا دفسع
الوصسي ديسن الميست بغيسر إشهاد ضمسن .وأمسا إن أشهسد وطال الزمان حتسى مات الشهود فل شيسء
عليه .وقد مضى في البقرة عند قوله تعالى" :وإن تخالطوهم فإخوانكم" [البقرة ]220 :من أحكام
الوصي في النفاق وغيره ما فيه كفاية ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :ول تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا" ليس يريد أن أكل مالهم من غير إسراف
جائز ،فيكون له دليل خطاب ،بل المراد ول تأكلوا أموالهم فإنه إسراف .فنهى ال سبحانه وتعالى
الوصسياء عسن أكسل أموال اليتامسى بغيسر الواجسب المباح لهسم؛ على مسا يأتسي بيانسه .والسسراف فسي
اللغسسة الفراط ومجاوزة الحسسد .وقسسد تقدم فسسي آل عمران والسسسرف الخطسسأ فسسي النفاق .ومنسسه قول
الشاعر:
ما في عطائهم من ول سرف أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية
أي ليس يخطئون مواضع العطاء .وقال آخر:
أسرفتم فأجبنا أننا سرف وقال قائلهم والخيل تخبطهم
قال النضسر بسن شميسل :السسرف التبذيسر ،والسسرف الغفلة .وسسيأتي لمعنسى السسراف زيادة بيان فسي
"النعام" إن شاء ال تعالى" .وبدارا" معناه ومبادرة كبرهم ،وهو حال البلوغ .والبدار والمبادرة
كالقتال والمقاتلة .وهسو معطوف على "إسسرافا" .و"أن يكسبروا" فسي موضسع نصسب بسس "بدارا" ،أي
ل تستغنم مال محجورك فتأكله وتقول أبادر كبره لئل يرشد ويأخذ ماله)؛ عن ابن عباس وغيره.
@قوله تعالى" :ومسن كان غنيسا فليسستعفف" بيسن ال تعالى مسا يحسل لهسم مسن أموالهسم؛ فأمسر الغنسي
بالمسساك وأباح للوصسي الفقيسر أن يأكسل مسن مال وليسه بالمعروف .يقال :عسف الرجسل عسن الشيسء
واستعف إذا أمسك .والستعفاف عن الشيء تركه .ومنه قوله تعالى" :وليستعفف الذين ل يجدون
نكاحسا" [النور .]33 :والعفسة :المتناع عمسا ل يحسل ول يجسب فعله .روى أبسو داود مسن حديسث
حسسين المعلم عسن عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده أن رجل أتسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم
فقال :إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم .قال :فقال( :كل من مال يتيمك غير مسرف ول مباذر ول
متأثل).
@ واختلف العلماء مسن المخاطسب والمراد بهذه اليسة؟ ففسي صسحيح مسسلم عسن عائشسة فسي قوله
تعالى" :ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قالت :نزلت فسي ولي اليتيسم الذي يقوم عليسه ومصسلحه
إذا كان محتاجا جاز أن يأكل منه .في رواية :بقدر ماله بالمعروف .وقال بعضهم :المراد اليتيم إن
كان غنيا وسع عليه وأعف عن ماله ،وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره؛ قال ربيعة ويحيى بن سعيد.
والول قول الجمهور وهسو الصسحيح؛ لن اليتيسم ل يخاطسب بالتصسرف فسي ماله لصسغره ولسسفهه.
وال أعلم.
@ واختلف الجمهور في الكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم( :هو القرض إذا احتاج ويقضى إذا
أيسر)؛ قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية ،وهو
قول الوزاعي .ول يستسلف أكثر من حاجته .قال عمر( :أل إني أنزلت نفسي من مال ال منزلة
الولي مسن مال اليتيسم ،إن اسستغنيت اسستعففت ،وإن افتقرت أكلت بالمعروف؛ فإذا أيسسرت قضيست).
روى عبدال بسن المبارك عسن عاصسم عسن أبسي العاليسة "ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قال:
قرضسا -ثسم تل "فإذا دفعتسم إليهسم أموالهسم فاشهدوا عليهسم" .وقول ثان -روي عسن إبراهيسم وعطاء
والحسسن البصسري والنخعسي وقتادة :ل قضاء على الوصسي الفقيسر فيمسا يأكسل بالمعروف؛ لن ذلك
حسق النظسر ،وعليسه الفقهاء .قال الحسسن :هسو طعمسة مسن ال له؛ وذلك أنسه يأكسل مسا يسسد جوعتسه،
ويكتسسي مسا يسستر عورتسه ،ول يلبسس الرفيسع مسن الكتان ول الحلل .والدليسل على صسحة هذا القول
إجماع المة على أن المام الناظر للمسلمين ل يجب عليه غرم ما أكل بالمعروف؛ لن ال تعالى
قد فرض سهمه في مال ال .فل حجة لهم في قول عمر( :فإذا أيسرت قضيت) -أن لو صح .وقد
روي عسن ابسن عباس وأبسي العاليسة والشعسبي أن (الكسل بالمعروف هسو كالنتفاع بألبان المواشسي،
واسسستخدام العبيسسد ،وركوب الدواب إذا لم يضسسر بأصسسل المال؛ كمسسا يهنسسأ الجرباء ،وينشسسد الضالة،
ويلوط الحوض ،ويجذ التمر .فأما أعيان الموال وأصولها فليس للوصي أخذها) .وهذا كله يخرج
مسسع قول الفقهاء :إنسسه يأخسذ بقدر أجسسر عمله؛ وقالت بسسه طائفسة وأن ذلك هسو المعروف ،ول قضاء
عليه ،والزيادة على ذلك محرمة .وفرق الحسن بن صالح بن حي -ويقال ابن حيان -بين وصي
الب والحاكسسم؛ فلوصسسي الب أن يأكسسل بالمعروف ،وأمسسا وصسسي الحاكسسم فل سسسبيل له إلى المال
بوجسه؛ وهسو القول الثالث .وقول رابسع روي عسن مجاهسد قال :ليسس له أن يأخسذ قرضسا ول غيره.
وذهسسب إلى أن اليسسة منسسسوخة ،نسسسخها قوله تعالى" :يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا ل تأكلوا أموالكسسم بينكسسم
بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن تراض منكسم" [النسساء ]29 :وهذا ليسس بتجارة .وقال زيسد بسن
أسسلم :إن الرخصسة فسي هذه اليسة منسسوخة بقوله تعالى" :إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا"
[النساء ]10 :الية .وحكى بشر بن الوليد عن ابن يوسف قال :ل أدري ،لعل هذه الية منسوخة
بقوله عز وجل" :يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض
منكم" [النساء .]29 :وقول خامس -وهو الفرق بين الحضر والسفر؛ فيمنع إذا كان مقيما معه
فسي المصسر .فإذا احتاج أن يسسافر مسن أجله فله أن يأخسذ مسا يحتاج إليسه ،ول يقتنسي شيئا؛ قاله أبسو
حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد .وقول سادس -قال أبو قلبة :فليأكل بالمعروف مما يجني من
الغلة؛ فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ول غيره.
وقول سسابع -روى عكرمسة عسن ابسن عباس "ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" قال( :إذا احتاج
واضطسر) .وقال الشعسبي :كذلك إذا كان منسه بمنزلة الدم ولحسم الخنزيسر أخسذ منسه؛ فإن وجسد أوفسى.
قال النحاس :وهذا ل معنى له لنه إذا اضطر هزا الضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيمه
أو غيره مسن قريسب أو بعيسد .وقال ابسن عباس أيضسا والنخعسي( :المراد أن يأكسل الوصسي بالمعروف
من مال نفسه حتى ل يحتاج إلى مال اليتيم؛ فيستعفف الغنى بغناه ،والفقير يقتر على نفسه حتى ل
يحتاج إلى مال يتيمسه) .قال النحاس :وهذا مسن أحسسن مسا روي فسي تفسسير اليسة؛ لن أموال الناس
محظورة ل يطلق شيء منها إل بحجة قاطعة.
قلت :وقسسد اختار هذا القول الكيسسا الطسسبري فسسي أحكام القرآن له؛ فقال" :توهسسم متوهمون مسسن
السسلف بحكسم اليسة أن للوصسي أن يأكسل مسن مال الصسبي قدرا ل ينتهسى إلى حسد السسرف ،وذلك
خلف مسا أمسر ال تعالى بسه مسن قوله" - :ل تأكلوا أموالكسم بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن
تراض منكسم" ول يتحقسق ذلك فسي مال اليتيسم .فقوله" :ومسن كان غنيسا فليسستعفف" يرجسع إلى أكسل
مال نفسسسه دون مال اليتيسسم .فمعناه ول تأكلوا أموال اليتيسسم مسسع أموالكسسم ،بسسل اقتصسسروا على أكسسل
أموالكسم .وقسد دل عليسه قوله تعالى" :ول تأكلوا أموالهسم إلى أموالكسم إنسه كان حوبسا كسبيرا" [النسساء:
]2وبان بقوله تعالى" :ومسن كان غثيسا فليسستعفف ومسن كان فقيرا فليأكسل بالمعروف" القتصسار
على البلغسة ،حتسى ل يحتاج إلى أكسل مال اليتيسم؛ فهذا تمام معنسى اليسة .فقسد وجدنسا آيات محكمات
تمنسع أكسل مال الغيسر دون رضاه ،سسيما فسي حسق اليتيسم .وقسد وجدنسا هذه اليسة محتملة للمعانسي،
فحملهسسا على موجسسب اليات المحكمات متعيسسن .فإن قال مسسن ينصسسر مذهسسب السسسلف :إن القضاة
يأخذون أرزاقهسسم لجسسل عملهسسم للمسسسلمين ،فهل كان الوصسسي كذلك إذا عمسسل لليتيسسم ،ولم ل يأخسسذ
الجرة بقدر عمله؟ قيل له :اعلم أن أحدا من السلف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع
غنسى الوصسي ،بخلف القاضسي؛ فذلك فارق بيسن المسسألتين .وأيضسا فالذي يأخذه الفقهاء والقضاة
والخلفاء القائمون بأمور السسسلم ل يتعيسسن له مالك .وقسسد جعسسل ال ذلك المال الضائع لصسسناف
بأوصساف ،والقضاة مسن جملتهسم ،والوصسي إنمسا يأخسذ بعمله مال شخسص معيسن مسن غيسر رضاه؛
وعمله مجهول وأجرته مجهولة وذلك بعيد عن الستحقاق.
قلت :وكان شيخنسا المام أبسو العباس يقول :إن كان مال اليتيسم كثيرا يحتاج إلى كسبير قيام عليسه
بحيسث يشغسل الولي عسن حاجاتسه ومهماتسه فرض له فيسه أجسر عمله ،وإن كان تافهسا ل يشغله عسن
حاجاته فل يأكل منه شيئا؛ غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القليل من الطعام والسمن،
غير مضر به ول مستكثر له ،بل على ما جرت العادة بالمسامحة فيه .قال شيخنا :وما ذكرته من
الجرة ،ونيل اليسير من التمر واللبن كل واحد منهما معروف؛ فصلح حمل الية على ذلك .وال
أعلم.
قلت :والحتراز عنه أفضل ،إن شاء ال.
وأما ما يأخذه قاضي القسمة ويسميه رسما ونهب أتباعه فل أدرى له وجها ول حل ،وهم داخلون
فسسي عموم قوله تعالى" :إن الذيسسن يأكلون أموال اليتامسسى ظلمسسا إنمسسا يأكلون فسسي بطونهسسم نارا"
[النساء.]10 :
@قوله تعالى" :فإذا دفعتسم إليهسم أموالهسم فأشهدوا عليهسم" أمسر ال تعالى بالشهاد تنبيهسا على
التحصسين وزوال للتهسم .وهذا الشهاد مسستحب عنسد طائفسة مسن العلماء؛ فإن القول قول الوصسي؛
لنه أمين .وقالت طائفة :هو فرض؛ وهو ظاهر الية ،وليس بأمين فيقبل قوله ،كالوكيل إذا زعم
أنه قد رد ما دفع إليه أو المودع ،وإنما هو أمين للب ،ومتى ائتمنه الب ل يقبل قوله على غير.
أل ترى أن الوكيسل لو أدعسى أنسه قسد دفسع لزيسد مسا أمره بسه بعدالتسه لم يقبسل قوله إل ببينسة؛ فكذلك
الوصسي .ورأى عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه وابسن جسبير أن هذا الشهاد إنمسا هسو على دفسع
الوصسي فسي يسسره مسا اسستقرضه مسن مال يتيمسه حالة فقره .قال عسبيدة :هذه اليسة دليسل على وجوب
القضاء على من أكل؛ المعنى :فإذا اقترضتم أو أكلتم فأشهدوا إذا غرمتم .والصحيح أن اللفظ يعم
هذا وسسواه .والظاهسر أن المراد إذا أنفقتسم شيئا على المولى عليسه فأشهدوا ،حتسى ولو وقسع خلف
أمكن إقامة البينة؛ فإن كل مال قبض على وجه المانة بإشهاد ل يبرأ منه إل بالشهاد على دفعه،
لقوله تعالى" :فأشهدوا" فإذا دفسسع لمسسن دفسسع إليسسه بغيسسر إشهاد فل يحتاج فسسي دفعهسسا لشهاد إن كان
قبضها بغير إشهاد .وال أعلم.
@ كمسا على الوصسي والكفيسل حفسظ مال يتيمسه والتثميسر له ،كذلك عليسه حفسظ الصسبي فسي بدنسه.
فالمال يحفظه بضبطه ،والبدن يحفظه بأدبه .وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" .وروي أن رجل
قال للنبي صلى ال عليه وسلم :إن في حجري يتيما أآكل من ماله؟ قال( :نعم غير متأثل مال ول
واق مالك بماله) .قال :يسسا رسسسول ال ،أفأضربسسه؟ قال( :مسسا كنسست ضاربسسا منسسه ولدك) .قال ابسسن
العربي :وإن لم يثبت مسندا فليس يجد أحد عنه ملتحدا.
@قوله تعالى" :وكفى بال حسيبا" أي كفى ال حاسبا لعمالكم ومجازيا بها .ففي هذا وعيد لكل
جاحد حق .والباء زائدة ،وهو في موضع رفع.
**3اليسة{ 7 :للرجال نصسيب ممسا ترك الوالدان والقربون وللنسساء نصسيب ممسا ترك الوالدان
والقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}
@ لمسا ذكسر ال تعالى أمسر اليتامسى وصسله بذكسر المواريسث .ونزلت اليسة فسي أوس بسن ثابست
النصساري ،توفسي وترك امرأة يقال لهسا :أم كجسة وثلث بنات له منهسا؛ فقام رجلن همسا ابنسا عسم
الميست ووصسياه يقال لهمسا :سسويد وعرفجسة؛ فأخذا ماله ولم يعطيسا امرأتسه وبناتسه شيئا ،وكانوا فسي
الجاهليسسة ل يورثون النسسساء ول الصسسغير وإن كان ذكرا ،ويقولون :ل يعطسسى إل مسسن قاتسسل على
ظهور الحيل ،وطاعن بالرمح ،وضارب بالسيف ،وحاز الغنيمة .فذكرت أم كجة ذلك لرسول ال
صلى ال عليه وسلم فدعاهما ،فقال :يا رسول ال ،ولدها ل يركب فرسا ،ول يحمل كل ول ينكأ
عدوا .فقال عليسه السسلم( :انصسرفا حتسى أنظسر مسا يحدث ال لي فيهسن) .فأنزل ال هذه اليسة ردا
عليهسم ،وإبطال لقولهسم وتصسرفهم بجهلهسم؛ فإن الورثسة الصسغار كان ينبغسي أن يكونوا أحسق بالمال
من الكبار ،لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم ،فعكسوا الحكم ،وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم،
وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم.
@ قال علماؤنا :في هذه الية فوائد ثلث :الولى :بيان علة الميراث وهي القرابة .الثانية :عموم
القرابسة كيفمسا تصسرفت مسن قريسب أو بعيسد .الثالثسة :إجمال النصسيب المفروض .وذلك مسبين فسي آيسة
المواريث؛ فكان في هذه الية توطئة للحكم ،وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي.
@ الثالثة :ثبت أن أبا طلحة لما تصدق بماله -بئر حاء -وذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم
قال له( :اجعلها في فقراء أقاربك) فجعلها لحسان وأبي .قال أنس( :وكانا أقرب إليه مني) .قال أبو
داود :بلغنسي عسن محمسد بسن عبدال النصساري أنسه قال :أبسو طلحسة النصساري زيسد بسن سسهل بسن
السود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار .وحسان بن ثابت
بن المنذر بن حرام يجتمعان في الب الثالث وهو حرام .وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد
بسن معاويسة بسن عمرو بسن مالك بسن النجار .قال النصساري :بيسن أبسى طلحسة وأبسي سستة آباء .قال:
وعمرو بسن مالك يجمسع حسسان وأبسي بسن كعسب وأبسا طلحسة .قال أبسو عمسر :فسي هذا مسا يقضسي على
القرابة أنها ما كانت في هذا القعدد ونحوه ،وما كان دونه فهو أحرى أن يلحقه اسم القرابة.
@ الرابعة :قوله تعالى" :مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" أثبت ال تعالى للبنات نصيبا في
الميراث ولم يبين كم هو؛ فأرسل النبي صلى ال عليه وسلم إلى سويد وعرفجة أل يفرقا من مال
أوس شيئا؛ فإن ال جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا .فنزلت "يوصيكم
ال في أولدكم" [النساء ]11 :إلى قوله تعالى" :الفوز العظيم" [النساء ]13 :فأرسل إليهما (أن
أعطيا أم كجة الثمن مما ترك أوس ،ولبناته الثلثين ،ولكما بقية المال).
@ الخامسة :استدل علماؤنا بهذه اليسة فسي قسسمة المتروك على الفرائض إذا كان فيه تغيير عن
حاله ،كالحمام والبيسست وبيدر الزيتون والدار التسسي تبطسسل منافعهسسا بإقرار أهسسل السسسهام فيهسسا .فقال
مالك :يقسسم ذلك وإن لم يكسن فسي نصسيب أحدهسم مسا ينتفسع بسه؛ لقوله تعالى" :ممسا قسل منسه أو كثسر
نصسيبا مفروضسا" .وهو قول ابسن كنانسة ،وبسه قال الشافعسي ،ونحوه قول أبسي حنيفسة .قال أبسو حنيفسة:
في الدار الصغيرة بين اثنين فطلب أحدهما القسمة وأبى صاحبه قسمت له .وقال ابن أبي ليلى :إن
كان فيهم من ل ينتفع بما يقسم له فل يقسم .وكل قسسم يدخل فيه الضرر على أحدهما دون الخر
فإنه ل يقسم؛ وهو قول أبي ثور .قال ابن المنذر :وهو أصح القولين .ورواه ابن القاسم عن مالك
فيمسسا ذكسسر ابسسن العربسسي .قال ابسسن القاسسسم :وأنسسا أرى أن كسسل مسسا ل ينقسسسم مسسن الدور والمنازل
والحمامات ،وفسي قسسمته الضرر ول ينتفسع بسه إذا قسسم ،أن يباع ول شفعسة فيسه؛ لقوله عليسه السسلم:
(الشفعسة فسي كسل مسا ل يقسسم فإذا وقعست الحدود فل شفعسة) .فجعسل عليسه السسلم الشفعسة فسي كسل مسا
يتأتى فيه إيقاع الحدود ،وعلق الشفعة فيما لم يقسم مما يمكن إيقاع الحدود فيه .هذا دليل الحديث.
قلت :ومسن الحجسة لهذا القول مسا خرجسه الدارقطنسي مسن حديسث ابسن جريسج أخسبرني صسديق بسن
موسسى عسن محمسد بسن أبسي بكسر عسن أبيسه عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال( :ل تعضيسة على
أهل الميراث إل ما حمل القسم) .قال أبو عبيد :هو أن يموت الرجل ويدع شيئا إن قسم بين ورثته
كان فسي ذلك ضرر على جميعهسم أو على بعضهسم .يقول :فل يقسسم؛ وذلك مثسل الجوهرة والحمام
والطيلسسان ومسا أشبسه ذلك .والتعضيسة التفريسق؛ يقال :عضيست الشيسء إذا فرقتسه .ومنسه قوله تعالى:
"الذيسن جعلوا القرآن عضيسن" [الحجسر .]91 :وقال تعالى" :غيسر مضار" [النسساء ]12 :فنفسى
المضارة .وكذلك قال عليسسه السسسلم( :ل ضرر ول ضرار) .وأيضسسا فإن اليسسة ليسسس فيهسسا تعرض
للقسمة ،وإنما اقتضت الية وجوب الحظ والنصيب للصغير والكبير قليل كان أو كثيرا ،ردا على
الجاهليسة فقال" :للرجال نصسيب" "وللنسساء نصسيب" [النسساء ]32 :وهذا ظاهسر جدا .فأمسا إبراز
ذلك النصيب فإنما يؤخذ من دليل آخر؛ وذلك بأن يقول الوارث :قد وجب لي نصيب بقول ال عز
وجسل فمكنونسي منسه؛ فيقول له شريكسه :أمسا تمكينسك على الختصساص فل يمكسن؛ لنسه يؤدي إلى
ضرر بيني وبينك من إفساد المال ،وتغيير الهيئة ،وتنقيص القيمة؛ فيقع الترجيح .والظهر سقوط
القسمة فيه يبطل المنفعة وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل .وال الموفق.
قال الفراء" :نصسسيبا مفروضسسا" هسسو كقولك :قسسسما واجبسسا ،وحقسسا لزمسسا؛ فهسسو اسسسم فسسي معنسسى
المصسسسدر فلهذا انتصسسسب .الزجاج :أنتصسسسب على الحال .أي لهؤلء أنصسسسباء فسسسي حال الفرض.
الخفش :أي جعل ال لهم نصيبا .والمفروض :المقدر :الواجب.
**3اليسة{ 8 :وإذا حضسر القسسمة أولوا القربسى واليتامسى والمسساكين فارزقوهسم منسه وقولوا لهسم
قول معروفا}
@ بيسن ال تعالى أن مسن لم يسستحق شيئا إرثسا وحضسر القسسمة ،وكان مسن القارب أو اليتامسى
والفقراء الذيسسسسن ل يرثون أن يكرموا ول يحرموا ،إن كان المال كثيرا؛ والعتذار إليهسسسسم إن كان
عقارا أو قليل الرضسخ .وإن كان عطاء مسن القليسل ففيسه أجسر عظيسم؛ درهسم يسسبق مائة ألف .فاليسة
على هذا القول محكمة؛ قاله ابن عباس .وامتثل ذلك جماعة من التابعين :عروة بن الزبير وغيره،
وأمر به أبو موسى الشعري وروي عن ابن عباس (أنها منسوخة نسخها قوله تعالى" :يوصيكم
ال فسي أولدكسم للذكسر مثسل حسظ النثييسن" [النسساء )]11 :وقال سسعيد بسن المسسيب :نسسخها آيسة
الميراث والوصسية .وممسن قال إنهسا منسسوخة أبسو مالك وعكرمسة والضحاك .والول أصسح؛ فإنهسا
مبينسة اسستحقاق الورثسة لنصسيبهم ،واسستحباب المشاركسة لمسن ل نصسيب له ممسن حضرهسم .قال ابسن
جسبير :ضيسع الناس هذه اليسة .قال الحسسن :ولكسن الناس شحوا .وفسي البخاري عسن ابسن عباس فسي
قوله تعالى" :وإذا حضسر القسسمة أولوا القربسى واليتامسى والمسساكين" قال( :هسي محكمسة وليسست
بمنسوخة) .وفي رواية قال( :إن ناسا يزعمون أن هذه الية نسخت ،ل وال ما نسخت ولكنها مما
تهاون بهسسا؛ همسسا واليان :وال يرث وذلك الذي يرزق ،ووال ل يرث وذلك الذي يقول بالمعروف،
ويقول :ل أملك لك أن أعطيك) .قال ابن عباس( :أمر ال المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا
أرحامهسم ،ويتاماهسم ومسساكينهم مسن الوصسية ،فإن لم تكسن وصسية وصسل لهسم مسن الميراث) .قال
النحاس :فهذا أحسن ما قيل في الية ،أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير ،والشكسر ل
عسز وجسل .وقالت طائفسة :هذا الرضسخ واجسب على جهسة الفرض ،تعطسي الورثسة لهذه الصسناف مسا
طابسست بسسه نفوسسسهم ،كالماعون والثوب الخلق ومسسا خسسف .حكسسى هذا القول ابسسن عطيسسة والقشيري.
والصسسحيح أن هذا على الندب؛ لنسسه لو كان فرضسسا لكان اسسستحقاقا فسسي التركسسة ومشاركسسة فسسي
الميراث ،لحسد الجهتيسن معلوم وللخسر مجهول .وذلك مناقسض للحكمسة ،وسسبب للتنازع والتقاطسع.
وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الية المحتضرون الذين يقسمون أموالهم بالوصية ،ل
الورثسة .وروي عسن ابسن عباس وسسعيد بسن المسسيب وابسن زيسد( .فإذا أراد المريسض أن يفرق ماله
بالوصايا وحضره من ل يرث ينبغي له أل يحرمه) .وهذا وال أعلم -يتنزل حيث كانت الوصية
واجبة ،ولم تنزل آية الميراث .والصحيح الول وعليه المعول.
@ فإذا كان الوارث صغيرا ل يتصرف في ماله؛ فقالت طائفة :يعطي ولي الوارث الصغير من
مال محجوره بقدر مسا يرى .وقيسل :ل يعطسي بسل يقول لمسن حضسر القسسمة :ليسس لي شيسء مسن هذا
المال إنمسا هسو لليتيسم ،فإذا بلغ عرفتسه حقكسم .فهذا هسو القول المعروف .وهذا إذا لم يوص الميست له
بشيء؛ فإن أوصى يصرف له ما أوصى .ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الية
أن يصسنع لهسم طعامسا يأكلونسه؛ وفعل ذلك ،ذبحسا شاة مسن التركسة ،وقال عسبيدة :لول هذه اليسة لكان
هذا من مالي .وروى قتادة عن يحيى بن يعمر قال :ثلث محكمات تركهن الناس :هذه الية ،وآية
الستئذان "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" [النور ،]58 :وقوله" :يا أيها الناس
إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" [الحجرات.]13 :
@قوله تعالى" :منسه" الضميسر عائد على معنسى القسسمة؛ إذ هسي بمعنسى المال والميراث؛ لقوله
تعالى" :ثم استخرجها من وعاء أخيه" [يوسف ]76 :أي السقاية؛ لن الصواع مذكر .ومنه قوله
عليه السلم( :واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين ال حجاب) فأعاد مذكرا على معنى الدعاء.
وكذلك قوله لسسويد بسن طارق الجعفسي حيسن سسأل عسن الخمسر (إنسه ليسس بدواء ولكنسه داء) فأعاد
الضميسر على معنسى الشراب .ومثله كثيسر .يقال :قاسسمه المال وتقاسسماه واقتسسماه ،والسسم القسسمة
مؤنثسسة؛ والقسسسم مصسسدر قسسسمت الشيسسء فانقسسسم ،والموضسسع مقسسسم مثسسل مجلس ،وتقسسسمهم الدهسسر
فتقسموا ،أي فرقهم فتفرقوا .والتقسيم التفريق .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وقولوا لهسم قول معروفسا" قال سسعيد بسن جسبير :يقال لهسم خذوا بورك لكسم .وقيسل:
قولوا مسع الرزق وددت أن لو كان أكثسر مسن هذا .وقيسل :ل حاجسة مسع الرزق إلى عذر ،نعسم إن لم
يصرف إليهم شيء فل أقل من قول جميل ونوع اعتذار.
**3اليسة{ 9 :وليخسش الذيسن لو تركوا مسن خلفهسم ذريسة ضعافسا خافوا عليهسم فليتقوا ال وليقولوا
قول سديدا}
@قوله تعالى" :وليخش" حذفت اللف من "ليخش" للجزم بالمر ،ول يجوز عند سيبويه إضمار
لم المر قياسا على حروف الجر إل في ضرورة الشعر .وأجاز الكوفيون حذف اللم مع الجزم؛
وأنشد الجميع:
إذا ما خفت من شيء تبال محمد تفد نفسك كل نفس
أراد لتفسد ،ومفعول "يخسش" محذوف لدللة الكلم عليسه .و"خافوا" جواب "لو" .التقديسر لو تركوا
لخافوا .ويجوز حذف اللم فسسسي جواب "لو" .وهذه اليسسسة قسسسد اختلف العلماء فسسسي تأويلهسسسا؛ فقالت
طائفة( :هذا وعظ للوصياء ،أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولدكم من بعدكم)؛ قاله ابن
عباس .ولهذا قال ال تعالى" :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء .]10 :وقالت طائفة:
المراد جميسع الناس ،أمرهسم باتقاء ال فسي اليتام وأولد الناس؛ وإن لم يكونوا فسي حجورهسم .وأن
يشددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده .ومن هذا ما حكاه الشيباني قال :كنا
على قسطنطينية في عسكر مسلمة بن عبدالملك ،فجلسسنا يومسا فسي جماعسة من أهل العلم فيهسم ابسن
الديلمسي ،فتذاكروا مسا يكون مسن أهوال آخسر الزمان .فقلت له :يسا أبسا بشسر ،ودي أل يكون لي ولد.
فقال لي :مسا عليسك ! مسا مسن نسسمة قضسى ال بخروجهسا مسن رجسل إل خرجست ،أحسب أو كره ،ولكسن
إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق ال في غيرهم؛ ثم تل الية .وفي رواية :أل أدلك على أمر إن أنت
أدركتسسه نجاك ال منسسه ،وإن تركسست ولدا مسسن بعدك حفظهسسم ال فيسسك؟ فقلت :بلى ! فتل هذه اليسسة
"وليخش الذين لو تركوا" إلى آخرها.
قلت :ومسن هذا المعنسى مسا روى محمسد بسن كعسب القرظسي عسن أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم قال( :مسن أحسسن الصسدقة جاز على الصسراط ومسن قضسى حاجسة أرملة أخلف ال فسي
تركتسسه) .وقول ثالث قاله جمسسع مسسسن المفسسسرين :هذا فسسسي الرجسسسل يحضره الموت فيقول له مسسن
بحضرتسه عنسد وصسيته :إن ال سسيرزق ولدك فأنظسر لنفسسك ،وأوص بمالك فسي سسبيل ال ،وتصسدق
وأعتسق .حتسى يأتسي على عامسة ماله أو يسستغرقه فيضسر ذلك بورثتسه؛ فنهوا عسن ذلك .فكأن اليسة
تقول لهسسم( :كمسسا تخشون على ورثتكسسم وذريتكسسم بعدكسسم ،فكذلك فاخشوا على ورثسسة غيركسسم ول
تحملوه على تبذيسسر ماله)؛ قاله ابسسن عباس وقتادة والسسسدي وابسسن جسسبير والضحاك ومجاهسسد .روى
سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال( :إذا حضر الرجل الوصية فل ينبغي أن يقول أوص بمالك
فإن ال تعالى رازق ولدك ،ولكسن يقول قدم لنفسسك واترك لولدك)؛ فذلك قوله تعالى" :فليتقوا ال".
وقال مقسسم وحضرمسي :نزلت فسي عكسس هذا ،وهسو أن يقول للمحتضسر مسن يحضره :أمسسك على
ورثتسك ،وأبسق لولدك فليسس أحسد أحسق بمالك مسن أولدك ،وينهاه عسن الوصسية ،فيتضرر بذلك ذوو
القربسى وكسل مسن يسستحق أن يوصسى له؛ فقيسل لهسم :كمسا تخشون على ذريتكسم وتسسرون بأن يحسسن
إليهسم ،فكذلك سسددوا القول فسي جهسة المسساكين واليتامسى ،واتقوا ال فسي ضررهسم .وهذان القولن
مبنيان على وقسست وجوب الوصسسية قبسسل نزول آيسسة المواريسسث؛ روي عسسن سسسعيد بسسن جسسبير وابسسن
المسسيب .قال ابسن عطيسة :وهذان القولن ل يطرد واحسد منهمسا فسي كسل الناس ،بسل الناس صسنفان؛
يصسسلح لحدهمسسا القول الواحسسد ،ولخسسر القول الثانسسي .وذلك أن الرجسسل إذا ترك ورثتسسه مسسستقلين
بأنفسسهم أغنياء حسسن أن يندب إلى الوصسية ،ويحمسل على أن يقدم لنفسسه .وإذا ترك ورثسة ضعفاء
مهمليسسن مقليسسن حسسسن أن يندب إلى الترك لهسسم والحتياط؛ فإن أجره فسسي قصسسد ذلك كأجره فسسي
المساكين ،فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه.
قلت :وهذا التفصيل صحيح؛ لقوله عليه السلم لسعد( :إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن
تذرهسم عالة يتكففون الناس) .فإن لم يكسن للنسسان ولد ،أو كان وهسو غنسي مسستقل بنفسسه وماله عسن
أبيسه فقسد أمسن عليسه؛ فالولى بالنسسان حينئذ تقديسم ماله بيسن يديسه حتسى ل ينفقسه مسن بعده فيمسا ل
يصلح ،فيكون وزره عليه.
@قوله تعالى" :وليقولوا قول سديدا" السديد :العدل والصواب من القول؛ أي مروا المريض بأن
يخرج من ماله ما عليه من الحقوق الواجبة ،ثم يوصي لقرابته بقدر ما ل يضر بورثته الصغار.
وقيسل :المعنسى قولوا للميست قول عدل ،وهسو أن يلقنسه بل إله إل ال ،ول يأمره بذلك ،ولكسن يقول
ذلك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقن .هكذا قال النبي صلى ال عليه وسلم( :لقنوا موتاكم ل إله إل
ال) ولم يقل مروهم؛ لنه لو أمر بذلك لعله يغضب ويجحد .وقيل :المراد اليتيم؛ أن ل ينهروه ول
يستخفوا به.
**3اليسة{ 10 :إن الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا إنمسا يأكلون فسي بطونهسم نارا وسسيصلون
سعيرا}
@قوله تعالى" :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" روي أنها نزلت في رجل من غطفان يقال
له :مرثسد بسن زيسد ،ولي مال ابسن أخيسه وهسو يتيسم صسغير فأكله؛ فأنزل ال تعالى فيسه هذه اليسة ،قال
مقاتسل بسن حيان؛ ولهذا قال الجمهور :إن المراد الوصسياء الذيسن يأكلون مسا لم يبسح لهسم مسن مال
اليتيسم .وقال ابسن زيسد :نزلت فسي الكفار الذيسن كانوا ل يورثون النسساء ول الصسغار .وسسمي أخسذ
المال على كل وجوهه أكل؛ لما كان المقصود هو الكل وبه أكثر إتلف الشياء .وخص البطون
بالذكسر لتسبيين نقصسهم ،والتشنيسع عليهسم بضسد مكارم الخلق .وسسمى المأكول نارا بمسا يؤول إليسه؛
كقوله تعالى" :إنسي أرانسي أعصسر خمرا" [يوسسف ]36 :أي عنبسا .وقيسل :نارا أي حرامسا؛ لن
الحرام يوجب النار ،فسماه ال تعالى باسمه .وروى أبو سعيد الخدري قال :حدثنا النبي صلى ال
عليه وسلم عن ليلة أسسري به قال( :رأيست قوما لهم مشافسر كمشافر البل وقد وكسل بهم من يأخسذ
بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم فقلت يا جبريل من هؤلء قال
هسم الذيسن يأكلون أموال اليتامسى ظلمسا) .فدل الكتاب والسسنة على أن أكسل مال اليتيسم مسن الكبائر.
وقال صلى ال عليه وسلم( :اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر فيها (وأكل مال اليتيم).
@قوله تعالى" :وسيصلون سعيرا" وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية ابن عباس بضم الياء على
اسسم مسا لم يسسم فاعله؛ مسن أصسله ال حسر النار إصسلء .قال ال تعالى" :سسأصليه سسقر" [المدثسر:
.]26وقرأ أبسو حيوة بضسم الياء وفتسح الصساد وتشديسد اللم مسن التصسلية لكثرة الفعسل مرة بعسد
أخرى .دليله قوله تعالى" :ثم الجحيم صلوه" [الحاقة .]31 :ومنه قولهم :صليته مرة بعد أخرى.
وتصليت :استدفأت بالنار .قال:
كما تصلى المقرور من قرس وقد تصليت حر حربهم
وقرأ الباقون بفتسسح الياء مسسن صسسلي النار يصسسلها صسسلى وصسسلة .قال ال تعالى" :ل يصسسلها إل
الشقسى" [الليسل .]15 :والصسلء هسو التسسخن بقرب النار أو مباشرتهسا؛ ومنسه قول الحارث بسن
عباد:
وإني لحرها اليوم صال لم أكن من جناتها علم ال
والسعير :الجمر المشتعل.
@ وهذه آية من آيات الوعيد ،ول حجة فيها لمن يكفر بالذنوب .والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك
نافذ على بعض العصاة فيصلى ثم يحترق ويموت؛ بخلف أهل النار ل يموتون ول يحيون ،فكأن
هذا جمسسع بيسسن الكتاب والسسسنة ،لئل يقسسع الخسسبر فيهمسسا على خلف مخسسبره ،سسساقط بالمشيئة عسسن
بعضهم؛ لقوله تعالى" :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء.]48 :
وهكذا القول في كل ما يرد عليك من هذا المعنى .روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون فيها
ول يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال بخطاياهم -فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا
فحمسا أذن بالشفاعسة فجيسء بهسم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنسة ثسم قيسل يسا أهسل الجنسة أفيضوا
عليهسم فينبتون كمسا تنبست الحبسة فسي حميسل السسيل) .فقال رجسل مسن القوم كأن رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم قد كان يرعى بالبادية.
**3اليات{ 14 - 11 :يوصسيكم ال فسي أولدكسم للذكسر مثسل حسظ النثييسن فإن كسن نسساء فوق
اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
إن كان له ولد فإن لم يكسن له ولد وورثسه أبواه فلمسه الثلث فإن كان له إخوة فلمسه السسدس مسن بعسد
وصسية يوصسي بهسا أو ديسن آباؤكسم وأبناؤكسم ل تدرون أيهسم أقرب لكسم نفعسا فريضسة مسن ال إن ال
كان عليمسا حكيمسا ،ولكسم نصسف مسا ترك أزواجكسم إن لم يكسن لهسن ولد فإن كان لهسن ولد فلكسم الربسع
ممسا تركسن مسن بعسد وصسية يوصسين بهسا أو ديسن ولهسن الربسع ممسا تركتسم إن لم يكسن لكسم ولد فإن كان
لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كللة أو
امرأة وله أخ أو أخست فلكسل واحسد منهمسا السسدس فإن كانوا أكثسر من ذلك فهسم شركاء فسي الثلث مسن
بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من ال وال عليم حليم ،تلك حدود ال ومن يطع
ال ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ،ومن يعص ال
ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}
@قوله تعالى" :يوصسيكم ال فسي أولدكسم" بيسن تعالى فسي هذه اليسة مسا أجمله فسي قوله" :للرجال
نصسيب" [النسساء ]32 :و"للنسساء نصسيب" فدل هذا على جواز تأخيسر البيان عسن وقست السسؤال.
وهذه الية ركن من أركان الديسن ،وعمدة مسن عمسد الحكام ،وأم من أمهات اليات؛ فإن الفرائض
عظيمسسة القدر حتسسى أنهسسا ثلث العلم ،وروي نصسسف العلم .وهسسو أول علم ينزع مسسن الناس وينسسسى.
رواه الدارقطنسسي عسسن أبسسي هريرة رضسسي ال عنسسه أن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم قال( :تعلموا
الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو أول شيء ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي).
وروي أيضسا عسن عبدال بسن مسسعود قال :قال لي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :تعلموا القرآن
وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموهسا الناس وتعلموا العلم وعلموه الناس فإنسي امرؤ مقبوض
وإن العلم سسيقبض وتظهسر الفتسن حتسى يختلف الثنان فسي الفريضسة ل يجدان مسن يفصسل بينهمسا).
وإذا ثبست هذا فاعلم أن الفرائض كان جسل علم الصسحابة ،وعظيسم مناظرتهسم ،ولكسن الخلق ضيعوه.
وقسد روى مطرف عسن مالك ،قال عبدال بسن مسسعود( :مسن لم يتعلم الفرائض والطلق والحسج فبسم
يفضسل أهسل الباديسة؟) وقال ابسن وهسب عسن مالك :كنست أسسمع ربيعسة يقول( :مسن تعلم الفرائض مسن
غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها) .قال مالك :وصدق.
@ روى أبسو داود والدارقطنسي عسن عبدال بسن عمرو بسن العاص أن رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم قال( :العلم ثلثة وما سوى ذلك فهو فضل :آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة) .قال
الخطابي أبو سليمان :الية المحكمة هي كتاب ال تعالى :واشترط فيهسا الحكام؛ لن من الي ما
هو منسوخ ل يعمل به ،وإنما يعمل بناسخه .والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى ال عليه
وسلم من السنن الثابتة .وقوله( :أو فريضة عادلة) يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما :أن يكون من العدل في القسمة؛ فتكون معدلة عل النصباء والسهام المذكورة في الكتاب
والسنة.
والوجه الخر :أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما
اخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصا .روى عكرمة قال :أرسل ابن عباس
إلى زيد بن ثابت يسأل عن امرأة تركت زوجها وأبويها .قال :للزوج النصف ،وللم ثلث ما بقي.
فقال :تجده في كتاب ال أو تقول برأي؟ قال :أقوله برأي؛ ل أفضل أما على أب .قال أبو سليمان:
فهذا مسن باب تعديسل الفريضسة إذا لم يكسن فيهسا نسص؛ وذلك أنسه اعتبرهسا بالمنصسوص عليسه ،وهسو
قوله تعالى" :وورثه أبواه فلمه الثلث" .فلما وجد نصيب الم الثلث ،وكان باقي المال هو الثلثان
للب ،قاس النصسف الفاضسل مسن المال بعسد نصسيب الزوج على كسل المال إذا لم يكسن مسع الوالديسن
ابن أو ذو سهم؛ فقسمه بينهما على ثلثة ،للم سهم وللب سهمان وهو الباقي .وكان هذا أعدل في
القسسسمة مسسن أن يعطسسي الم مسسن النصسسف الباقسسي ثلث جميسسع المال ،وللب مسسا بقسسي وهسو السسسدس،
ففضلهسا عليسه فيكون لهسا وهسي مفضولة فسي أصسل الموروث أكثسر ممسا للب وهسو المقدم والمفضسل
فسي الصسل .وذلك أعدل ممسا ذهسب إليسه ابسن عباس مسن توفيسر الثلث على الم ،وبخسس الب حقسه
برده إلى السسدس؛ فترك قوله وصسار عامسة الفقهاء إلى زيسد .قال أبسو عمسر :وقال عبدال بسن عباس
رضسي ال عنه فسي زوج وأبويسن( :للزوج النصسف ،وللم ثلث جميع المال ،وللب مسا بقسي) .وقال
في امرأة وأبوين( :للمرأة الربع ،وللم ثلث جميع المال ،والباقي للب) .وبهذا قال شريح القاضي
ومحمسد بسن سسيرين وداود بسن علي ،وفرقسة منهسم أبسو الحسسن محمسد بسن عبدال الفرضسي المصسري
المعروف بابسن اللبان فسي المسسألتين جميعسا .وزعسم أنسه قياس قول علي فسي المشتركسة .وقال فسي
موضسع آخسر :إنسه قسد روي ذلك عسن علي أيضسا .قال أبو عمسر :المعروف المشهور عن علي وزيسد
وعبدال وسسائر الصسحابة وعامسة العلماء مسا رسسمه مالك .ومسن الحجسة لهسم على ابسن عباس( :أن
البويسن إذا اشتركسا فسي الوراثسة ،ليسس معهمسا غيرهمسا ،كان للم الثلث وللب الثلثان) .وكذلك إذا
اشتركسا فسي النصسف الذي يفضسل عسن الزوج ،كانسا فيسه كذلك على ثلث وثلثيسن .وهذا صسحيح فسي
النظر والقياس.
@ واختلفست الروايات فسي سسبب نزول آيسة المواريسث؛ فروى الترمذي وأبسو داود وابسن ماجسة
والدارقطنسسي عسن جابر بسسن عبدال أن امرأة سسسعد بسسن الربيسسع قالت :يسسا رسسسول ال ،إن سسسعدا هلك
وترك بنتين وأخاه ،فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد ،وإنما تنكح النساء على أموالهن؛ فلم يجبها في
مجلسسها ذلك .ثسم جاءتسه فقالت :يسا رسسول ال ،ابنتسا سسعد؟ فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم:
(ادع لي أخاه) فجاء فقال له( :ادفسع إلى ابنتسه الثلثيسن وإلى امرأتسه الثمسن ولك مسا بقسي) .لفسظ أبسي
داود .فسسي روايسسة الترمذي وغيره :فنزلت آيسسة المواريسسث .قال :هذا حديسسث صسسحيح .وروى جابر
أيضسا قال :عادنسي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وأبسو بكسر فسي بنسي سسلمة يمشيان ،فوجدانسي ل
أعقسل ،فدعسا بماء فتوضسأ ،ثسم رش علي منسه فأفقست .فقلت :كيسف أصسنع فسي مالي يسا رسسول ال؟
فنزلت "يوصيكم ال في أولدكم" .أخرجاه في الصحيحين .وأخرجه الترمذي وفيه "فقلت يا نبي
ال كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت "يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ
النثيين" الية .قال" :حديث حسن صحيح" .وفي البخاري عن ابن عباس (أن نزول ذلك كان من
أجسل أن المال كان للولد ،والوصسية للوالديسن؛ فنسسخ ذلك بهذه اليات) .وقال مقاتسل والكلبسي :نزلت
فسي أم كجسة؛ وقسد ذكرناهسا .السسدي :نزلت بسسبب بنات عبدالرحمسن بسن ثابست أخسي حسسان بسن ثابست.
وقيل :إن أهل الجاهلية كانوا ل يورثون إل من لقى الحروب وقاتل العدو؛ فنزلت الية تبيينا أن
لكسل صسغير وكسبير حظسه .ول يبعسد أن يكون جوابسا للجميسع؛ ولذلك تأخسر نزولهسا .وال أعلم .قال
الكيا الطبري :وقد ورد في بعض الثار أن ما كانت الجاهلية تفعله من ترك توريث الصغير كان
فسي صسدر السسلم إلى أن نسسخته هذه اليسة ولم يثبست عندنسا اشتمال الشريعسة على ذلك ،بسل ثبست
خلفسه؛ فإن هذه اليسة نزلت فسي ورثسة سسعد بسن الربيسع .وقيسل :نزلت فسي ورثسة ثابست بسن قيسس بسن
شماس .والول أصح عند أهل النقل .فاسترجع رسول ال صلى ال عليه وسلم الميراث من العم،
ولو كان ذلك ثابتسا مسن قبسل فسي شرعنسا مسا اسسترجعه .ولم يثبست قسط فسي شرعنسا أن الصسبي مسا كان
يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحريم.
قلت :وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي قال :ودل نزول هذه الية على نكتة بديعة؛ وهو
أن ما كانت عليه الجاهلية تفعله من أخذ المال لم يكن في صدر السلم شرعا مسكوتا مقرا عليه؛
لنسه لو كان شرعسا مقرا عليسه لمسا حكسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم على عسم الصسبيتين برد مسا أخسذ
من مالهما؛ لن الحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما يؤثر في المستقبل فل ينقض به ما تقدم
وإنما كانت ظلمة رفعت .قاله ابن العربي.
@قوله تعالى" :يوصيكم ال في أولدكم" قالت الشافعية :قول ال تعالى "يوصيكم ال في أولدكم
"حقيقة في أولد الصلب ،فأما ولد البن فإنما يدخل فيه بطريق المجاز؛ فإذا حلف أن ل ولد له
وله ولد ابسن لم يحنسث؛ وإذا أوصسى لولد فلن لم يدخسل فيسه ولد ولده .وأبسو حنيفسة يقول :إنسه يدخسل
فيه إن لم يكن له ولد صلب .ومعلوم أن اللفاظ ل تتغير بما قالوه.
@ قال ابن المنذر :لما قال تعالى" :يوصيكم ال في أولدكم" فكان الذي يجب على ظاهر الية
أن يكون الميراث لجميسع الولد ،المؤمسن منهسم والكافسر؛ فلمسا ثبست عسن رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم أنسه قال( :ل يرث المسسلم الكافسر علم أن ال أراد بعسض الولد دون بعسض ،فل يرث المسسلم
الكافر ،ول الكافر المسلم على ظاهر الحديث.
قلت :ولمسا قال تعالى" :فسي أولدكسم" دخسل فيهسم السسير فسي أيدي الكفار؛ فإنسه يرث مسا دام تعلم
حياته على السلم .وبه قال كافة أهل العلم ،إل النخعي فإنه قال :ل يرث السير .فأما إذا لم تعلم
حياته فحكمه حكم المفقود .ولم يدخل في عموم الية ميراث النبي صلى ال عليه وسلم لقوله( :ل
نورث مسا تركنسا صسدقة) وسسيأتي بيانسه فسي "مريسم" إن شاء ال تعالى .وكذلك لم يدخسل القاتسل عمدا
لبيسه أو جده أو أخيسه أو عمسه بالسسنة وإجماع المسة ،وأنسه ل يرث مسن مال مسن قتله ول مسن ديتسه
شيئا؛ على ما تقدم بيانه في البقرة .فإن قتله خطأ فل ميراث له من الدية ،ويرث من المال في قول
مالك ،ول يرث فسي قول الشافعسي وأحمسد وسسفيان وأصسحاب الرأي ،مسن المال ول مسن الديسة شيئا؛
حسسبما تقدم بيانسه فسي البقرة .وقول مالك أصسح ،وبسه قال إسسحاق وأبسو ثور .وهسو قول سسعيد بسن
المسسيب وعطاء بسن أبسي رباح ومجاهسد والزهري والوزاعسي وابسن المنذر؛ لن ميراث مسن ورثسه
ال تعالى فسي كتابسه ثابست ل يسستثنى منسه إل بسسنة أو إجماع .وكسل مختلف فيسه فمردود إلى ظاهسر
اليات التي فيها المواريث.
@ اعلم أن الميراث كان يسستحق فسي أول السسلم بأسسباب :منهسا الحلف والهجرة والمعاقدة ،ثسم
نسخ على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قوله تعالى" :ولكل جعلنا موالي" [النساء .]33 :إن
شاء ال تعالى .وأجمع العلماء على أن الولد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه ،وكان ما
بقسي من المال للذكسر مثسل حسظ النثييسن؛ لقوله عليه السسلم( :ألحقوا الفرائض بأهلهسا) رواه الئمسة.
يعنسي الفرائض الواقعسة فسي كتاب ال تعالى .وهسي سستة :النصسف والربسع والثمسن والثلثان والثلث
والسسدس .فالنصسف فرض خمسسة :ابنسة الصسلب ،وابنسة البسن ،والخست الشقيقسة ،والخست للب،
والزوج .وكسسل ذلك إذا انفردوا عمسسن يحجبهسسم عنسسه .والربسسع فرض الزوج مسسع الحاجسسب ،وفرض
الزوجسسة والزوجات مسسع عدمسسه .والثمسسن فرض الزوجسسة والزوجات مسسع الحاجسسب .والثلثان فرض
أربع :الثنتين فصاعدا من بنات الصلب ،وبنات البن ،والخوات الشقاء ،أو للب .وكل هؤلء
إذا انفردن عمسسن يحجبهسسن عنسسه .والثلث فرض صسسنفين :الم مسسع عدم الولد ،وولد البسسن ،وعدم
الثنيسن فصساعدا مسن الخوة والخوات ،وفرض الثنيسن فصساعدا مسن ولد الم .وهذا هسو ثلث كسل
المال .فأمسا ثلث مسا يبقى فذلك للم فسي مسسألة زوج أو زوجة وأبوان؛ فللم فيهسا ثلث مسا يبقسى .وقسد
تقدم بيانسسه .وفسسي مسسسائل الجسسد مسسع الخوة إذا كان معهسسم ذو سسسهم وكان ثلث مسسا يبقسسى أحظسسى له.
والسسدس فرض سسبعة :البوان والجسد مسع الولد وولد البسن ،والجدة والجدات إذا اجتمعسن ،وبنات
البسن مسع بنست الصسلب ،والخوات للب مسع الخست الشقيقسة ،والواحسد مسن ولد الم ذكرا كان أو
أنثسى .وهذه الفرائض كلهسا مأخوذة مسن كتاب ال تعالى إل فرض الجدة والجدات فإنسه مأخوذ مسن
السسنة .والسسباب الموجبسة لهذه الفروض بالميراث ثلثسة أشياء :نسسب ثابست ،ونكاح منعقسد ،وولء
عتاقسة .وقد تجتمع الثلثة الشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولها وابن عمها .وقد يجتمع فيه
منها شيئان ل أكثر ،مثل أن يكون زوجها ومولها ،أو زوجها وابن عمها؛ فيرث بوجهين ويكون
له جميسع المال إذا انفرد :نصسفه بالزوجيسة ونصسفه بالولء أو بالنسسب .ومثسل أن تكون المرأة ابنسة
الرجل ومولته ،فيكون لها أيضا المال إذا انفردت :نصفه بالنسب ونصفه بالولء.
@ ول ميراث إل بعد أداء الدين والوصية؛ فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات،
ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره ،ثم الديون على مراتبها ،ثم يخرج من الثلث الوصايا ،وما كان في
معناهسا على مراتبهسا أيضسا ،ويكون الباقسي ميراثسا بيسن الورثسة .وجملتهسم سسبعة عشسر .عشرة مسن
الرجال :البسسن وابسسن البسسن وإن سسسفل ،والب وأب الب وهسسو الجسسد وإن عل ،والخ وابسسن الخ،
والعسم وابسن العسم ،والزوج ومولى النعمسة .ويرث مسن النسساء سسبع :البنست وبنست البسن وان سسفلت،
والم والجدة وإن علت ،والخسست والزوجسسة ،ومولة النعمسسة وهسسي المعتقسسة .وقسسد نظمهسسم بعسسض
الفضلء فقال:
مع الناث الوارثات معهم والوارثون إن أردت جمعهم
وسبع أشخاص من النسوان عشرة من جملة الذكران
البن وابن البن وابن العم وهم ،وقد حصرتهم في النظم
والجد من قبل الخ القريب والب منهم وهو في الترتيب
والزوج والسيد ثم الم وابن الخ الدنى أجل والعم
وزوجة وجدة وأخت وابنة البن بعدها والبنت
خذها إليك عدة محققه والمرأة المولة أعني المعتقه
@ لما قال تعالى" :في أولدكم" يتناول كل ولد كان موجودا أو جنينا في بطن أمه ،دنيا أو بعيدا،
مسسن الذكور أو الناث مسسا عدا الكافسسر كمسسا تقدم .قال بعضهسسم :ذلك حقيقسسة فسسي الذنيسسن مجاز فسسي
البعديسن .وقال بعضهسم :هسو حقيقسة فسي الجميسع؛ لنسه مسن التولد ،غيسر أنهسم يرثون على قدر القرب
منه؛ قال ال تعالى" :يا بني آدم" [العراف .]26 :وقال عليه السلم( :أنا سيد ولد آدم) قال( :يا
بنسسي إسسسماعيل ارموا فإن أباكسسم كان راميسسا) إل أنسسه غلب عرف السسستعمال فسسي إطلق ذلك على
العيان الدنين على تلك الحقيقة؛ فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لولد الولد شيء ،وهذا مما
أجمسع عليسه أهسل العلم .وإن لم يكسن فسي ولد الصسلب ذكسر وكان فسي ولد الولد بدء بالبنات للصسلب،
فأعطيسن إلى مبلغ الثلثيسن ،ثسم أعطسي الثلث الباقسي لولد الولد إذا اسستووا فسي القعدد ،أو كان الذكسر
أسسفل ممسن فوقسه مسن البنات ،للذكسر مثسل حسظ النثييسن .هذا قول مالك والشافعسي وأصسحاب الرأي.
وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إل ما يروى عن ابن مسعود أنه قال:
(إن كان الذكر من ولد الولد بإزاء الولد النثى رد عليها ،وإن كان أسفل منها يرد عليها)؛ مراعيا
في ذلك قوله تعالى" :فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك" [النساء ]11:فلم يجعل للبنات
وإن كثرن إل الثلثين.
قلت :هكذا ذكسر ابسن العربسي هذا التفصسيل عسن ابسن مسسعود ،والذي ذكره ابسن المنذر والباجسي
عنه( :أن ما فضل عن بنات الصلب لبني البن دون بنات البن) ،ولم يفصل .وحكاه ابن المنذر
عن أبي ثور .ونحوه حكى أبو عمر ،قال أبو عمر :وخالف في ذلك ابن مسعود فقال :وإذا استكمل
البنات الثلثين فالباقي لبني البن دون أخواتهم ،ودون من فوقهم من بنات البن ،ومن تحتهم .وإلى
هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي .وروي مثله عن علقمة .وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن
عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب ال فما
أبقت الفرائض فلولى رجل ذكر) خرجه البخاري ومسلم وغيرهما .ومن حجة الجمهور قول ال
عز وجل" :يوصيكم ال في أولدكم للذكر مثل حظ النثيين" لن ولد الولد ولد .ومن جهة النظر
والقياس أن كسل مسن يعصسب مسن فسي درجتسه فسي جملة المال فواجسب أن يعصسبه فسي الفاضسل مسن
المال؛ كأولد الصلب .فوجب بذلك أن يشرك ابن البن أخته ،كما يشرك البن للصلب أخته .فإن
احتسج لبسي ثور وداود أن بنست البسن لمسا لم ترث شيئا مسن الفاضسل بعسد الثلثيسن منفردة لم يعصسبها
أخوهسا .فالجواب أنهسا إذا كان معهسا أخوهسا قويست بسه وصسارت عصسبة معسه .وظاهسر قوله تعالى:
"يوصيكم ال في أولدكم" وهي من الولد.
@قوله تعالى" :فإن كسن نسساء فوق اثنتيسن فلهسن ثلثسا مسا ترك" اليسة .فرض ال تعالى للواحدة
النصسف ،وفرض لمسا فوق الثنتيسن الثلثيسن ،ولم يفرض للثنتيسن فرضسا منصسوصا فسي كتابسه؛ فتكلم
العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل :الجماع وهو مردود؛ لن الصسحيح عن
ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ لن ال عز وجل قال" :فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا
ما ترك" [النساء ]11 :وهذا شرط وجزاء .قال :فل أعطي البنتين الثلثين .وقيل :أعطيتا الثلثين
بالقياس على الختيسن؛ فإن ال سسبحانه لمسا قال فسي آخسر السسورة" :وله أخست فلهسا نصسف مسا ترك"
[النساء ]176 :وقال تعالى" :فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك" [النساء ]176 :فألحقت
البنتان بالختيسسن فسسي الشتراك فسسي الثلثيسسن ،وألحقسست الخوات إذا زدن على اثنتيسسن بالبنات فسسي
الشتراك في الثلثين .واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الخوات ،والجماع منعقد عليه
فهو مسلم بذلك .وقيل :في الية ما يدل على أن للبنتين الثلثين ،وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها
الثلث إذا انفردت ،علمنا أن للثنتين الثلثين .احتج بهذه الحجة ،وقال هذه المقالة إسماعيل القاضي
وأبو العباس المبرد .قال النحاس :وهذا الحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لن الختلف في البنتين
وليسس فسي الواحدة .فيقول مخالفسه :إذا ترك بنتيسن وابنسا فللبنتيسن النصسف؛ فهذا دليسل على أن هذا
فرضهسسم .وقيسسل" :فوق" زائدة أي إن كسسن نسسساء اثنتيسسن .كقوله تعالى" :فاضربوا فوق العناق"
[النفال ]12 :أي العناق .ورد هذا القول النحاس وابسن عطيسة وقال :هسو خطسأ؛ لن الظروف
وجميسع السسماء ل يجوز فسي كلم العرب أن تزاد لغيسر معنسى .قال ابسن عطيسة :ولن قوله تعالى:
"فاضربوا فوق العناق" هسو الفصسيح ،وليسست فوق زائدة بسل هسي محكمسة للمعنسى؛ لن ضربسة
العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ .كما قال دريد بن الصمة :أخفض
عن الدماغ وارفع عن العظم ،فهكذا كنت أضرب أعنان البطال .وأقوى الحتجاج في أن للبنتين
الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول .ولغة أهل الحجاز وبني أسد الثلث والربع إلى
العشسر .ولغسة بنسي تميسم وربيعسة الثلث بإسسكان اللم إلى العشسر .ويقال :ثلث القوم أثلثهسم ،وثلثست
الدراهم أثلثها إذا تممتها ثلثة ،وأثلثت هي؛ إل أنهم قالوا في المائة واللف :أمأيتها وآلفتها وأمأت
وآلفت.
@قوله تعالى" :وإن كانت واحدة فلها النصف" قرأ نافع وأهل المدينة "واحدة" بالرفع على معنى
وقعت وحدثت ،فهي كانت التامة؛ كما قال الشاعر:
فإن الشيخ يهرمه الشتاء إذا كان الشتاء فأدفئوني
والباقون بالنصسب .قال النحاس :وهذه قراءة حسسنة .أي وإن كانست المتروكسة أو المولودة "واحدة"
مثسل "فإن كسن نسساء" .فإذا كان مسع بنات الصسلب بنات ابسن ،وكان بنات الصسلب اثنتيسن فصساعدا
حجبن بنات البن أن يرثن بالفرض؛ لنه ل مدخل لبنات البن أن يرثن بالفرض في غير الثلثين.
فإن كانست بنست الصسلب واحدة فإن ابنسة البسن أو بنات البسن يرثسن مسع بنات الصسلب تكملة الثلثيسن؛
لنسه فرض يرثسه البنتان فمسا زاد .وبنات البسن يقمسن مقام البنات عنسد عدمهسن .وكذلك أبناء البنيسن
يقومون مقام البنيسسن فسسي الحجسسب والميراث .فلمسسا عدم مسسن يسسستحق منهسسن السسسدس كان ذلك لبنسست
البسن ،وهسي أولى بالسسدس مسن الخست الشقيقسة للمتوفسى .على هذا جمهور الفقهاء مسن الصسحابة
والتابعين؛ إل ما يروى عن أبي موسى وسليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف ،والنصف الثاني
للخت ،ول حق في ذلك لبنت البن .وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك؛ رواه
البخاري :حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس سمعت هزيل بن شرحبيل يقول :سئل أبو موسى
عسن ابنسة وابنسة ابسن وأخست .فقال( :للبنسسة النصسسف ،وللخسست النصسسف)؛ وأت ابسن مسسسعود فإنسه
سيتابعني .فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال( :لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين !
أقضسي فيهسا بمسا قضسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم :للبنسة النصسف ،ولبنسة البسن السسدس تكملة
الثلثيسن ،ومسا بقسي فللخست) .فأتينسا أبسا موسسى فأخسبرناه بقول ابسن مسسعود فقال( :ل تسسألوني مسا دام
هذا الحسبر فيكسم) .فإن كان مسع بنست البسن أو بنات البسن ابسن فسي درجتهسا أو أسسفل منهسا عصسبها،
فكان النصف الثاني بينهما ،للذكر مثل حظ النثيين بالغا ما بلغ -خلفا لبن مسعود على ما تقدم
إذا اسستوفى بنات الصسلب ،أو بنست الصسلب وبنات البسن الثلثيسن وكذلك يقول فسي الخست لب وأم،
وأخوات وإخوة لب :للخست مسن الب والم النصسف ،والباقسي للخوة والخوات ،مسا لم يصسبهن
من المقاسمة أكثر من السدس؛ فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن السدس تكملة الثلثين ،ولم
يزدهن على ذلك .وبه قال أبو ثور.
@ إذا مات الرجسل وترك زوجتسه حبلى فإن المال يوقسف حتسى يتسبين مسا تضسع .وأجمسع أهسل العلم
على أن الرجسسسل إذا مات وزوجتسسسه حبلى أن الولد الذي فسسسي بطنهسسسا يرث ويورث إذا خرج حيسسسا
واسستهل .وقالوا جميعسا :إذا خرج ميتسا لم يرث؛ فإن خرج حيسا ولم يسستهل فقالت طائفسة :ل ميراث
له وإن تحرك أو عطسس مسا لم يسستهل .هذا قول مالك والقاسسم بسن محمسد وابسن سسيرين والشعسبي
والزهري وقتادة .وقالت طائفسسة :إذا عرفسست حياة المولود بتحريسسك أو صسسياح أو رضاع أو نفسسس
فأحكامسه أحكام الحسي .هذا قول الشافعسي وسسفيان الثوري والوزاعسي .قال ابسن المنذر :الذي قال
الشافعي يحتمل النظر ،غير أن الخبر يمنع منه وهو قول رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما من
مولود يولد إل نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إل ابن مريم وأمه) .وهذا خبر،
ول يقع على الخبر النسخ.
@ لمسا قال تعالى" :فسي أولدكسم" تناول الخنثسى وهسو الذي له فرجان .وأجمسع العلماء على أنسه
يورث من حيث يبول؛ إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل ،وإن بال من حيث تبول
المرأة ورث ميراث المرأة .قال ابسن المنذر :ول أحفسظ عسن مالك فيسه شيئا ،بسل قسد ذكسر ابسن القاسسم
أنه هاب أن يسأل مالكا عنه .فإن بال منهما معا فالمعتبر سبق البول؛ قاله سعيد بن المسيب وأحمد
وإسحاق .وحكي ذلك عن أصحاب الرأي .وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في الخنثى:
يورثسه مسن حيسث يبول؛ فإن بال منهمسا جميعسا فمسن أيهمسا سسبق ،فإن بال منهمسا معسا فنصسف ذكسر
ونصسف أنثسى .وقال يعقوب ومحمسد :مسن أيهمسا خرج أكثسر ورث؛ وحكسي عسن الوزاعسي .وقال
النعمان :إذا خرج منهمسا معسا فهسو مشكسل ،ول أنظسر إلى أيهمسا أكثسر .وروي عنه أنسه وقسف عنسه إذا
كان هكذا .وحكسي عنسه قال :إذا أشكسل يعطسى أقسل النصسيبين .وقال يحيسى بسن آدم :إذا بال مسن حيسث
يبول الرجسل ويحيسض كمسا تحيسض المرأة ورث مسن حيسث يبول؛ لن فسي الثسر :يورث مسن مباله.
وفسي قول الشافعسي :إذا خرج منهمسا جميعسا ولم يسسبق أحدهمسا الخسر يكون مشكل ،ويعطسى مسن
الميراث ميراث أنثى ،وموقف الباقي بينه وبين سائر الورثة حتى يتبين أمره أو يصطلحوا؛ وبه
قال أبسسو ثور .وقال الشعسسبي :يعطسسي نصسسف ميراث الذكسسر ،ونصسسف ميراث النثسسى؛ وبسسه قال
الوزاعسي ،وهسو مذهسب مالك .قال ابسن شاس فسي جواهره الثمينسة ،على مذهسب مالك عالم المدينسة:
الخنثى يعتبر إذا كان ذا فرجين فرج المرأة وفرج الرجل بالمبال منهما؛ فيعطى الحكم لما بال منه
فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما ،فإن تساوى الحال اعتبر السبق ،فإن كان ذلك منهما معا
اعتسبر نبات اللحيسة أو كسبر الثدييسن ومشابهتهمسا لثدي النسساء ،فإن اجتمسع المران اعتسبر الحال عنسد
البلوغ ،فإن وجسد الحيسض حكسم بسه ،وإن وجسد الحتلم وحده حكسم بسه ،فإن اجتمعسا فهسو مشكسل.
وكذلك لو لم يكن فرج ،ل المختص بالرجال ول المختص بالنساء ،بل كان له مكان يبول منه فقط
انتظسر بسه البلوغ؛ فإن ظهرت علمسة مميزة وإل فهسو مشكسل .ثسم حيسث حكمنسا بالشكال فميراثسه
نصف نصيبي ذكر وأنثى.
قلت :هذا الذي ذكروه مسن العلمات فسي الخنثسى المشكسل .وقسد أشرنسا إلى علمسة فسي "البقرة"
وصدر هذه السورة تلحقه بأحد النوعين ،وهي اعتبار الضلع؛ وهي مروية عن علي رضي ال
عنه وبها حكم .وقد نظم بعض الفضلء العلماء حكم الخنثى في أبيات كثيرة أولها:
بالثدي واللحية والمبال وأنه معتبر الحوال
وفيها يقول:
ولم تبن وأشكلت آياته وإن يكن قد استوت حالته
ستة أثمان من النصيب فحظه من مورث القريب
وفيه ما فيه من النكال هذا الذي استحق للشكال
ما عاش في الدنيا وأل ينكحا وواجب في الحق أل ينكحا
ول اغتدى من جملة الرجال إذ لم يكن من خالص العيال
قد قاله سراة أهل العلم وكل ما ذكرته في النظم
منهم ولم يجنح إليه لوم وقد أبى الكلم فيه قوم
في ذكره وظاهر البشاعه لفرط ما يبدو من الشناعة
حكم المام المرتضى علي وقد مضى في شأنه الخفي
فللرجال ينبغي إتباعه بأنه إن نقصت أضلعه
في الحج والصلة والحكام في الرث والنكاح والحرام
فإنها من جملة النسوان وإن تزد ضلعا على الذكران
على الرجال فاغتنمها فائدة لن للنسوان ضلعا زائده
لخلق حواء وهذا القول حق إذ نقصت من آدم فيما سبق
صلى عليه ربنا دليل عليه مما قاله الرسول
قال أبو الوليد بن رشد :ول يكون الخنثى المشكل زوجا ول زوجة ،ول أبا ول أما .وقد قيل :إنه
قد وجد من له ولد من بطنه وولد من ظهره .قال ابن رشد :فإن صح ورث من ابنه لصلبه ميراث
الب كامل ،ومسن ابنسه لبطنسه ميراث الم كامل .وهذا بعيسد ،وال أعلم .وفسي سسنن الدارقطنسي عسن
أبي هانئ عمر بن بشير قال :سئل عامر الشعبي عن مولود ليس بذكر ول أنثى ،ليس له ما للذكر
ول ما للنثى ،يخرج من سرته كهيئة البول والغائط؛ فسئل عامر عن ميراثه فقال عامر :نصف
حظ الذكر ونصف حظ النثى.
@قوله تعالى" :ولبويه" أي لبوي الميت .وهذا كناية عن غير مذكور ،وجاز ذلك لدللة الكلم
عليسسه؛ كقوله" :حتسسى توارت بالحجاب" [ص ]32 :و"إنسسا أنزلناه فسسي ليلة القدر" [القدر.]1 :
و"السسدس" رفسع بالبتداء ،ومسا قبله خسبره :وكذلك "الثلث .والسسدس" .وكذلك "نصسف مسا ترك"
وكذلك "فلكسم الربسع" .وكذلك "لهسن الربسع" .و"فلهسن الثمسن" وكذلك "فلكسل واحسد منهمسا السسدس".
والبوان تثنيسسة الب والبسسة .واسسستغني بلفسسظ الم عسسن أن يقال لهسسا أبسسة .ومسسن العرب مسسن يجري
المختلفيسن مجرى المتفقيسن؛ فيغلب أحدهمسا على الخسر لخفتسه أو شهرتسه .جاء ذلك مسسموعا فسي
أسسسماء صسسالحة؛ كقولهسسم للب والم :أبوان .وللشمسسس والقمسسر :القمران .ولليسسل والنهار :الملوان.
وكذلك العمران لبى بكر وعمر رضي ال عنهما .غلبوا القمر على الشمس لخفة التذكير ،وغلبوا
عمر على أبي بكر لن أيام عمر امتدت فاشتهرت .ومن زعم أنه أراد بالعمرين عمر بن الخطاب
وعمر بسن عبدالعزيسز فليس قوله بشيسء؛ لنهسم نطقوا بالعمرين قبسل أن يروا عمر بن عبدالعزيسز؛
قال ابسن الشجري .ولم يدخسل فسي قوله تعالى" :ولبويسه" مسن عل مسن الباء دخول مسن سسفل مسن
البناء فسسي قوله "أولدكسسم"؛ لن قوله" :ولبويسسه" لفسسظ مثنسسى ل يحتمسسل العموم والجمسسع أيضسسا؛
بخلف قوله "أولدكسسم" .والدليسسل على صسسحة هذا قوله تعالى" :فإن لم يكسسن له ولد وورثسسه أبواه
فلمسه الثلث" والم العليسا جدة ول يفرض لهسا الثلث بإجماع ،فخروج الجدة عسن هذا اللفسظ مقطوع
به ،وتناوله للجد مختلف فيه .فممن قال هو أب وحجب به الخوة أبو بكر الصديق رضي ال عنه
ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك أيام حياته ،واختلفوا في ذلك بعد وفاته؛ فممن قال إنه أب ابن
عباس وعبدال بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة ،كلهسم
يجعلون الجسد عنسد عدم الب كالب سسواء ،يحجبون بسه الخوة كلهسم ول يرثون معسسه شيئا .وقال
عطاء وطاوس والحسن وقتادة .وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق .والحجة لهم قوله تعالى:
"ملة أبيكسم إبراهيسم" [الحسج" ]78 :يسا بنسي آدم" [العراف ،]26 :وقوله عليسه السسلم( :يسا بنسي
إسسماعيل ارموا فإن أباكسم كان راميسا) .وذهسب علي بسن أبسي طالب وزيسد وابسن مسسعود إلى توريسث
الجسد مسع الخوة ،ول ينقص من الثلث مسع الخوة للب والم أو للب إل مع ذوي الفروض؛ فإنه
ل ينقسص معهسم مسن السسدس شيئا فسي قول زيسد .وهسو قول مالك والوزاعسي وأبسي وسسف ومحمسد
والشافعسي .وكان علي يشرك بيسن الخوة والجسد إلى السسدس ول ينقصسه مسن السسدس شيئا مسع ذوي
الفرائض وغيرهم .وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة .وأجمع العلماء على أن الجد ل يرث مع الب
وأن البسن يحجسب أباه .وأنزلوا الجسد بمنزلة الب فسي الحجسب والميراث إذا لم يترك المتوفسى أبسا
أقرب منه في جميع المواضع .وذهب الجمهور إلى أن الجد يسقط بني الخوة من الميراث؛ إل ما
روي عسسن الشعسسبي عسسن علي أنسسه أجرى بنسسي الخوة فسسي المقاسسسمة مجرى الخوة .والحجسسة لقول
الجمهور أن هذا ذكر ل يعصب أخته فل يقاسم الجد كالعم وابن العم .قال الشعبي :أول جد ورث
في السلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه؛ مات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين فأراد عمر
أن يسستأثر بمال فاسستشار عليسا وزيدا فسي ذلك فمثل له مثل فقال( :لول أن رأيكمسا اجتمسع مسا رأيست
أن يكون ابنسي ول أكون أباه) .روى الدارقطنسي عسن زيسد بسن ثابست أن عمسر بسن الخطاب اسستأذن
عليه يوما فأذن له ،ورأسه في يد جارية له ترجله ،فنزع رأسه؛ فقال له عمر :دعها ترجلك .فقال:
يسا أميسر المؤمنيسن ،لو أرسسلت إلي جئتسك .فقال عمسر :إنمسا الحاجسة لي ،إنسي جئتسك لتنظسر فسي أمسر
الجد .فقال زيد :ل وال ! ما تقول فيه .فقال عمر :ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص ،إنما هو
شيء تراه ،فإن رأيته وافقني تبعته ،وإل لم يكن عليك فيه شيء .فأبى زيد ،فخرج مغضبا وقال:
قسد جئتسك وأنسا أظسن سستفرغ مسن حاجتسي .ثسم أتاه مرة أخرى فسي السساعة التسي أتاه فسي المرة الولى،
فلم يزل به حتى قال :فسأكتب لك فيه .فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثل .إنما مثله مثل شجرة
تنبت على ساق واحدة ،فخرج فيها غصن ثم خرج في غصن غصن آخر؛ فالساق يسقي الغصن،
فإن قطعست الغصسن الول رجسع الماء إلى الغصسن ،وإن قطعست الثانسي رجسع الماء إلى الول .فأتسى
به فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال :إن زيد بن ثابت قد قال في الجد قول وقد
أمضيته .قال :وكان عمر أول جد كان؛ فأراد أن يأخذ المال كله ،مال ابن ابنه دون إخوته ،فقسمه
بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي ال عنه.
@ وأما الجدة فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم .وأجمعوا على أن الم
تحجب أمها وأم الب .وأجمعوا على أن الب ل يحجب أم الم .واختلفوا في توريث الجدة وابنها
حسي؛ فقالت طائفسة( :ل ترث الجدة وابنهسا حسي) .روي عسن زيسد بسن ثابست وعثمان وعلي .وبسه قال
مالك والثوري والوزاعسسي وأبسسو ثور وأصسسحاب الرأي .وقالت طائفسسة( :ترث الجدة مسسع ابنهسسا).
روي عن عمر وابن مسعود وعثمان وعلي وأبي موسى الشعري ،وقال به شريح وجابر بن زيد
وعسبيدال بسن الحسسن وشريسك وأحمسد وإسسحاق وابسن المنذر .وقال :كمسا أن الجسد ل يحجبسه إل الب
كذلك الجدة ل يحجبهسا إل الم .وروى الترمذي عن عبدال قال فسي الجدة مسع ابنهسا( :إنهسا أول جدة
أطعمها رسول ال صلى ال عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي) .وال أعلم.
@ واختلف العلماء في توريث الجدات؛ فقال مالك :ل يرث إل جدتان ،أم أم وأم أب وأمهاتهما.
وكذلك روى أبسو ثور عسن الشافعسي ،وقال بسه جماعسة مسن التابعيسن .فإن انفردت إحداهمسا فالسسدس
لهسا ،وإن اجتمعتسا وقرابتهمسا سسواء فالسسدس بينهمسا .وكذلك إن كثرن إذا تسساوين فسي القعدد؛ وهذا
كله مجمع عليه .فإن قربت التي من قبل الم كان لها السدس دون غيرها ،وإن قربت التي من قبل
الب كان بينها وبين التي من قبل الم وإن بعدت .ول ترث إل جدة واحدة من قبل الم .ول ترث
الجدة أم أب الم على حال .هذا مذهب زيد بن ثابت ،وهو أثبت ما روي عنه في ذلك .وهو قول
مالك وأهسل المدينسة .وقيسل :إن الجدات أمهات؛ فإذا اجتمعسن فالسسدس لقربهسن؛ كمسا أن الباء إذا
اجتمعوا كان أحدهسم بالميراث أقربهسم؛ فكذلك البنون والخوة ،وبنسو الخوة وبنسو العسم إذا اجتمعوا
كان أحقهسسسم بالميراث أقربهسسسم؛ فكذلك المهات .قال ابسسسن المنذر :وهذا أصسسسح ،وبسسسه أقول .وكان
الوزاعسسي يورث ثلث جدات :واحدة مسسن قبسسل الم واثنتيسسن مسسن قبسسل الب .وهسسو قول أحمسسد بسسن
حنبل؛ رواه الدارقطني عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا؛
أنه كان يورث ثلث جدات :اثنتين من جهة الم وواحدة من قبل الب .وقول علي رضي ال عنه
كقول زيسد هذا .وكانسا يجعلن السسدس لقربهمسا ،مسن قبسل الم كانست أو مسن قبسل الب .ول يشركهسا
فيه من ليس في قعددها ،وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور .وأما عبدال بن مسعود
وابن عباس فكانا يورثان الجدات الربع؛ وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن
زيسد .قال ابسن المنذر :وكسل جدة إذا نسسبت إلى المتوفسى وقسع فسي نسسبها أب بيسن أميسن فليسست ترث،
في قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم.
@قوله تعالى" :لكل واحد منهما السسدس" فرض تعالى لكل واحد من البوين مع الولد السدس؛
وأبهسم الولد فكان الذكسر والنثسى فيسه سسواء .فإن مات رجسل وترك ابنسا وأبويسن فلبويسه لكسل واحسد
منهما السدس ،وما بقي فللبن .فإن ترك ابنة وأبوين فللبنة النصف وللبوين السدسان ،وما بقي
فلقرب عصسسبة وهسسو الب؛ لقول رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :مسسا أبقسست الفرائض فلولى
رجسل ذكسر) .فاجتمسع للب السستحقاق بجهتيسن :التعصسيب والفرض" .فإن لم يكسن له ولد وورثسه
أبواه فلمه الثلث" فأخبر جل ذكره أن البوين إذا ورثاه أن للم الثلث .ودل بقوله" :وورثه أبواه"
وإخباره أن للم الثلث ،أن الباقسي وهسو الثلثان للب .وهذا كمسا تقول لرجليسن :هذا المال بينكمسا ،ثسم
تقول لحدهمسا :أنست يسا فلن لك منسه ثلث؛ فإنسك حددت للخسر منسه الثلثيسن بنسص كلمسك؛ ولن قوة
الكلم فسي قوله" :وورثسه أبواه" يدل على أنهمسا منفردان عسن جميسع أهسل السسهام مسن ولد وغيره،
وليس في هذا اختلف.
قلت :وعلى هذا يكون الثلثان فرضسسا للب مسسسمى ل يكون عصسسبة ،وذكسسر ابسسن العربسسي أن
المعنسى فسي تفضيسل الب بالثلث عنسد عدم الولد الذكوريسة والنصسرة ،ووجوب المؤنسة عليسه ،وثبتست
الم على سهم لجل القرابة.
قلت :وهذا منتقسض؛ فإن ذلك موجود مسع حياتسه فلم حرم السسدس .والذي يظهسر أنسه إنمسا حرم
السسدس فسي حياته إرفاقسا بالصسبي وحياطسة على ماله؛ إذ قد يكون إخراج جزء من مال إجحافسا به.
أو أن ذلك تعبد ،وهو أولى ما يقال .وال الموفق.
إن قيل :ما فائدة زيادة الواو في قوله" :وورثه أبواه" ،وكان ظاهر الكلم أن يقول :فإن لم يكن
له ولد ورثسه أبواه .قيسل له :أراد بزيادتهسا الخبار ليسبين أنسه أمسر مسستقر ثابست ،فيخسبر عسن ثبوتسه
واسستقراره ،فيكون حال الوالديسن عنسد انفرادهمسا كحال الولديسن ،للذكسر مثسل حسظ النثييسن .ويجتمسع
للب بذلك فرضان السسهم والتعصسيب إذ يحجسب الخوة كالولد .وهذا عدل فسي الحكسم ،ظاهسر فسي
الحكمة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فلُمسه الثلث" قرأ أهسل الكوفسة "فلِمسه الثلث" وهسى لغسة حكاهسا سسيبويه .قال
الكسائي :هي لغة كثير من هوازن وهذيل؛ ولن اللم لما كانت مكسورة وكانت متصلة بالحرف
كرهوا ضمسة بعسد كسسرة ،فأبدلوا مسن الضمسة كسسرة؛ لنسه ليسس فسي الكلم فعسل .ومسن ضسم جاء بسه
على الصل؛ ولن اللم تنفصل لنها داخلة على السم .قال جميعه النحاس.
@قوله تعالى" :فإن كان له إخوة فلمسه السسدس" الخوة يحجبون الم عسن الثلث إلى السسدس،
وهذا هسو حجسب النقصسان ،وسسواء كان الخوة أشقاء أو للب أو للم ،ول سسهم لهسم .وروي عسن
ابن عباس أنه كان يقول( :السدس الذي حجب الخوة الم عنه هو للخوة) .وروي عنه مثل قول
الناس (إنسه للب) .قال قتادة :وإنمسا أخذه الب دونهسم؛ لنسه يمونهسم ويلي نكاحهسم والنفقسة عليهسم.
وأجمسع أهسل العلم على أن أخويسن فصساعدا ذكرانسا كانوا أو إناثسا مسن أب وأم ،أو مسن أب أو مسن أم
يحجبون الم عسن الثلث إلى السسدس؛ إل مسا روي عسن ابسن عباس أن (الثنيسن مسن الخوة فسي حكسم
الواحد ،ول يحجب الم أقل من ثلثة) .وقد صار بعض الناس إلى أن الخوات ل يحجبن الم من
الثلث إلى السسسدس؛ لن كتاب ال فسسي الخوة وليسسست قوة ميراث الناث مثسسل قوة ميراث الذكور
حتسى تقتضسي العسبرة اللحاق .قال الكيسا الطسبري :ومقتضسى أقوالهسم أل يدخلن مسع الخوة؛ فإن لفسظ
الخوة بمطلقسه ل يتناول الخوات ،كمسا أن لفسظ البنيسن ل يتناول البنات .وذلك يقتضسي أل تحجسب
الم بالخ الواحسد والخست مسن الثلث إلى السسدس؛ وهسو خلف إجماع المسسلمين .وإذا كسن مرادات
بالية مع الخوة كن مرادات على النفراد .واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان؛ لن التثنية جمع
شيء إلى مثله ،فالمعنى يقتضي أنها جمع .وقال عليه السلم( :الثنان فما فوقهما جماعة) .وحكي
عسن سسيبويه أنسه قال :سسألت الخليسل عسن قوله "مسا أحسسن وجوههمسا" ؟ فقال :الثنان جماعسة .وقسد
صح قول الشاعر:
ظهراهما مثل ظهور الترسين ومهمهين قذفين مرتين
وأنشد الخفش:
فقلن إن المر فينا قد شهر لما أتتنا المرأتان بالخبر
وقال آخر:
ويبخل بالسلم على الفقير يحيى بالسلم غني قوم
إذا ماتوا وصاروا في القبور أليس الموت بينهما سواء
ولما وقع الكلم في ذلك بين عثمان وابن عباس قال له عثمان( :إن قومك حجبوها -يعني قريشا
-وهسم أهسل الفصساحة والبلغسة) .وممسن قال( :إن أقسل الجمسع ثلثسة) -وإن لم يقسل بسه هنسا -ابسن
مسعود والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :من بعد وصية يوصي بها أو دين" قرأ ابن كثير (أبو عمرو وابن عامر وعاصم
"يوصى" بفتح الصاد .الباقون بالكسر ،وكذلك الخر .واختلفت الرواية فيهما عن عاصم .والكسر
اختيار أبسي عبيسد وأبسي حاتسم؛ لنسه جرى ذكسر الميست قبسل هذا .قال الخفسش :وتصسديق ذلك قوله
تعالى" :يوصين" و"توصون".
@ إن قيسل :مسا الحكمسة فسي تقديسم ذكسر الوصسية على ذكسر الديسن ،والديسن مقدم عليهسا بإجماع .وقسد
روى الترمذي عسن الحارث عسن علي أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قضسى بالديسن قبسل الوصسية،
وأنتسم تقرون الوصسية قبسل الديسن .قال :والعمسل على هذا عنسد عامسة أهسل العلم أنسه يبدأ بالديسن قبسل
الوصسية .وروى الدارقطنسي مسن حديسث عاصسم بسن ضمرة عسن علي قال :قال رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم( :الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية) .رواه عنهما أبو إسحاق الهمداني .فالجواب
مسن أوجسه خمسسة :الول :إنمسا قصسد تقديسم هذيسن الفصسلين على الميراث ولم يقصسد ترتيبهمسا فسي
أنفسهما؛ فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ .جواب ثان :لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها
اهتمامسا بهسا؛ كمسا قال تعالى" :ل يغادر صسغيرة ول كسبيرة" [الكهسف .]49 :جواب ثالث :قدمهسا
لكثرة وجودها ووقوعها؛ فصارت كاللزم لكل ميت مع نص الشرع عليها ،وأخر الدين لشذوذه،
فإنسه قسد يكون وقسد ل يكون .فبدأ بذكسر الذي ل بسد منسه ،وعطسف بالذي قسد يقسع أحيانسا .ويقوى هذا:
العطف بأو ،ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو .جواب رابع :إنما قدمت الوصية إذ هي حظ
مساكين وضعفاء ،وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال .جواب خامس:
لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها ،والدين ثابت مؤدى ذكره أو لم يذكره.
@ ولما ثبت هذا تعلق الشافعي بذلك في تقديم دين الزكاة والحج على الميراث فقال :إن الرجل
إذا فرط في زكاته وجب أخذ ذلك من رأس ماله .وهذا ظاهسر ببادئ الرأي؛ لنه حق من الحقوق
فيلزم أداؤه عنه بعد الموت كحقوق الدميين ل سيما والزكاة مصرفها إلى الدمي .وقال أبو حنيفة
ومالك :إن أوصى بها أديت من ثلثه ،وإن سكت عنها لم يخرج عنه شيء .قالوا :لن ذلك موجب
لترك الورثسة فقراء؛ إل أنسه قسد يتعمسد ترك الكسل حتسى إذا مات اسستغرق ذلك جميسع ماله فل يبقسى
للورثة حق.
@قوله تعالى" :آباؤكسم وأبناؤكسم" رفسع بالبتداء والخسبر مضمسر ،تقديره :هسم المقسسوم عليهسم وهسم
المعطون" .ل تدرون أيهسم أقرب لكسم نفعسا" قيسل :فسي الدنيسا بالدعاء والصسدقة؛ كمسا جاء فسي الثسر
(إن الرجل ليرفسع بدعاء ولده من بعده) .وفسي الحديسث الصسحيح (إذا مات الرجل انقطع عمله إل
من ثلث -فذكر -أو ولد صالح يدعو له) .وقيل( :في الخرة؛ فقد يكون البن أفضل فيشفع في
أبيسه)؛ عسن ابسن عباس والحسسن .وقال بعسض المفسسرين :إن البسن إذا كان أرفسع مسن درجسة أبيسه فسي
الخرة سسأل ال فرفسع إليسه أباه ،وكذلك الب إذا كان أرفسع مسن ابنسه؛ وسسيأتي فسي "الطور" بيانسه.
وقيل :في الدنيا والخرة؛ قال ابن زيد .واللفظ يقتضي ذلك.
@قوله تعالى" :فريضة" نصب على المصدر المؤكد ،إذ معنى "يوصيكم" يفرض عليكم .وقال
مكسي وغيره :هسي حال مؤكدة؛ والعامسل "يوصسيكم" وذلك ضعيسف .واليسة متعلقسة بمسا تقدم؛ وذلك
أنه عرف العباد أنهم كفوا مؤنة الجتهاد في إيصاء القرابة مع اجتماعهم في القرابة ،أي أن الباء
والبناء ينفسع بعضهسم بعضسا فسي الدنيسا بالتناصسر والمواسساة ،وفسي الخرة بالشفاعة .وإذا تقرر ذلك
فسسي الباء والبناء تقرر ذلك فسسي جميسسع القارب؛ فلو كان القسسسمة موكولة إلى الجتهاد لوجوب
النظر في غنى كل واحد منهم .وعند ذلك يخرج المر عن الضبط إذ قد يختلف المر ،فبين الرب
تبارك وتعالى أن الصسسلح للعبسسد أل يوكسسل إلى اجتهاده فسسي مقاديسسر المواريسسث ،بسسل بيسسن المقاديسسر
شرعسا" .إن ال كان عليمسا" أي بقسسمة المواريسث "حكيمسا" حكسم فسي قسسمتها وبينهسا لهلهسا .وقال
الزجاج" :عليما" أي بالشياء قبل خلقها "حكيما" فيما يقدره ويمضيه منها .وقال بعضهم :إن ال
سبحانه لم يزل ول يزال ،والخبر منه بالماضي كالخبر منه بالستقبال .ومذهب سيبويه أنهم رأوا
حكمة وعلما فقيل لهم :إن ال عز وجل كان كذلك لم يزل على ما رأيتم.
@قوله تعالى" :ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما
تركسن مسن بعسد وصسية يوصسين بهسا أو ديسن ولهسن الربسع ممسا تركتسم إن لم يكسن لكسم ولد فإن كان لكسم
ولد فلهسن الثمسن ممسا تركتسم مسن بعسد وصسية توصسون بهسا أو ديسن" الخطاب للرجال .والولد هنسا بنسو
الصلب وبنو بنيهم وإن سفلوا ،ذكرانا وإناثا واحدا فما زاد بإجماع .وأجمع العلماء على أن للزوج
النصسف مسع عدم الولد أو ولد الولد ،وله مسع وجوده الربسع .وترث المرأة مسن زوجهسا الربسع مسع فقسد
الولد ،والثمسن مسع وجوده .وأجمعوا على أن حكسم الواحدة مسن الزواج والثنتيسن والثلث والربسع
فسي الربسع إن لم يكسن له ولد ،وفسي الثمسن إن كان له ولد واحسد ،وأنهن شركاء فسي ذلك؛ لن ال عسز
وجسل لم يفرق بيسن حكسم الواحدة منهسن وبيسن حكسم الجميسع ،كمسا فرق بيسن حكسم الواحدة مسن البنات
والواحدة من الخوات وبين حكم الجميع منهن.
@قوله تعالى" :وإن كان رجل يورث كللة أو امرأة" الكللة مصدر؛ من تكلله النسب أي أحاط
بسه .وبسه سسمي الكليسل ،وهسي منزلة مسن منازل القمسر لحاطتهسا بالقمسر إذا احتسل بهسا .ومنسه الكليسل
أيضسسا وهسسو التاج والعصسسابة المحيطسسة بالرأس( .فإذا مات الرجسسل وليسسس له ولد ول والد فورثتسسه
كللة) .هذا قول أبسسي بكسسر الصسسديق وعمسسر وعلي وجمهور أهسسل العلم .وذكسسر يحيسسى بسسن آدم عسسن
شريك وزهير وأبي الحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن عبد قال :ما رأيتهم إل وقد تواطؤوا
وأجمعوا على أن الكللة مسسن مات ليسسس له ولد ول والد .وهكذا قال صسساحب كتاب العيسسن وأبسسو
منصسور اللغوي وابن عرفسة والقتسبي وأبو عبيسد وابسن النباري .فالب والبسن طرفان للرجسل؛ فإذا
ذهبا تكلله النسب .ومنه قيل :روضة مكللة إذا حفت بالنور .وأنشدوا:
عم بها اليهقان والذرق مسكنه روضة مكللة
يعني نبتين .وقال امرؤ القيس:
كلمع اليدين في حبي مكلل أصاح ترى برقا أريك وميضه
فسموا القرابة كللة؛ لنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ول هو منهم ،وإحاطتهم به أنهم
ينتسبون معه .كما قال أعرابي :مالي كثير ويرثني كللة متراخ نسبهم .وقال الفرزدق:
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم ورثتم قناة المجد ل عن كللة
وقال آخر:
ومولى الكللة ل يغضب وإن أبا المرء أحمى له
وقيسسل :إن الكللة مأخوذة مسسن الكلل وهسسو العياء؛ فكأنسسه يصسسير الميراث إلى الوارث عسسن بعسسد
وإعياء .قال العشى:
ول من وجى حتى تلقي محمدا فآليت ل أرثي لها من كللة
وذكسر أبسو حاتسم والثرم عسن أبسى عسبيدة قال :الكللة كسل مسن لم يرثسه أب أو ابسن أو أخ فهسو عنسد
العرب كللة .قال أبسو عمسر :ذكسر أبسي عسبيدة الخ هنسا مسع الب والبسن فسي شرط الكللة غلط ل
وجه له ،ولم يذكره في شرط الكللة غيره .وروي عن عمر بن الخطاب أن (الكللة من ل ولد له
خاصسة)؛ وروي عسن أبسي بكسر ثسم رجعسا عنسه .وقال ابسن زيسد :الكللة الحسي والميست جميعسا .وعسن
عطاء :الكللة المال .قال ابن العربي :وهذا قول طريف ل وجه له.
قلت :له وجه متبين بالعراب آنفا .وروي عن ابن العرابي أن الكللة بنو العم الباعد .وعن
السسدي أن الكللة الميست .وعنسه مثسل قول الجمهور .وهذه القوال تتسبين وجوههسا بالعراب؛ فقرأ
بعسض الكوفييسن "يورث كللة" بكسسر الراء وتشديدهسا .وقرأ الحسسن وأيوب "يورث" بكسسر الراء
وتخفيفهسا ،على اختلف عنهمسا .وعلى هاتيسن القراءتيسن ل تكون الكللة إل الورثسة أو المال .كذلك
حكسى أصسحاب المعانسي؛ فالول مسن ورث ،والثانسي مسن أورث .و"كللة" مفعوله و"كان" بمعنسى
وقسع .ومسن قرأ "يورث" بفتسح الراء احتمسل أن تكون الكللة المال ،والتقديسر :يورث وراثسة كللة
فتكون نعتسا لمصسدر محذوف .ويجوز أن تكون الكللة اسسما للورثسة وهسي خسبر كان؛ فالتقديسر :ذا
ورثة .ويجوز أن تكون تامسة بمعنسى وقسع ،و"يورث" نعست لرجل ،و"رجسل" رفع بكان ،و"كللة"
نصسب على التفسسير أو الحال؛ على أن الكللة هسو الميست ،التقديسر :وإن كان رجسل يورث متكلل
النسب إلى الميت.
@ ذكر ال عز وجل في كتابه الكللة في موضعين :آخر السورة وهنا ،ولم يذكر في الموضعين
وارثسا غيسر الخوة .فأمسا هذه اليسة فأجمسع العلماء على أن الخوة فيهسا عنسي بهسا الخوة للم؛ لقوله
تعالى" :فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث" .وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ "وله أخ أو
أخست مسن أمسه" .ول خلف بيسن أهسل العلم أن الخوة للب والم أو الب ليسس ميراثهسم كهذا؛ فدل
إجماعهم على أن الخوة المذكورين في آخر السورة هم إخوة المتوفى لبيه وأمه أو لبيه؛ لقوله
عز وجل "وإن كانوا إخوة رجال ونساء فللذكر مثل حظ النثيين" [النساء .]176 :ولم يختلفوا
أن ميراث الخوة للم ليسسسس هكذا؛ فدلت اليتان أن الخوة كلهسسسم جميعسسسا كللة .وقال الشعسسسبي:
(الكللة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة إخوة أو غيرهم من العصبة) .كذلك قال علي وابن
مسعود وزيد وابن عباس ،وهو القول الول الذي بدأنا به .قال الطبري :والصواب أن الكللة هم
الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده ،لصحة خبر جابر :فقلت يا رسول ال إنما يرثني كللة،
أفأوصي بمالي كله؟ قال( :ل).
@ قال أهسل اللغسة :يقال رجسل كللة وامرأة كللة .ول يثنسى ول يجمسع؛ لنسه مصسدر كالوكالة
والدللة والسماحة والشجاعة .وأعاد ضمير مفرد في قوله" :وله أخ" ولم يقل لهما .ومضى ذكر
الرجسل والمرأة على عادة العرب إذا ذكرت اسسمين ثسم أخسبرت عنهمسا وكانسا فسي الحكسم سسواء ربمسا
أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعا؛ تقول :من كان عنده غلم وجارية فليحسن إليه
وإليهسا وإليهمسا وإليهسم؛ قال ال تعالى" :واسستعينوا بالصسبر والصسلة وإنهسا لكسبيرة" [البقرة.]45 :
وقال تعالى" :إن يكن غنيا أو فقيرا فال أولى بهما" [النساء ]135 :ويجوز أولى بهم؛ عن الفراء
وغيره .ويقال في امرأة :مرأة ،وهو الصل .وأخ أصله أخو ،يدل عليه أخوان؛ فحذف منه وغير
على غيسسر قياس .قال الفراء ضسسم أول أخسست ،لن المحذوف منهسسا واو ،وكسسسر أول بنسست؛ لن
المحذوف منها ياء .وهذا الحذف والتعليل على غير قياس أيضا.
@قوله تعالى" :فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث" هذا التشريك يقتضي التسوية بين
الذكسر والنثسى وإن كثروا .وإذا كانوا يأخذون بالم فل يفضسل الذكسر على النثسى .وهذا إجماع مسن
العلماء ،وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والنثى سواء إل في ميراث الخوة للم .فإذا
ماتسست امرأة وتركسست زوجهسسا وأمهسسا وأخاهسسا لمهسسا فللزوج النصسسف وللم الثلث وللخ مسسن الم
السسدس .فإن تركست أخويسن وأختيسن -والمسسألة بحالهسا -فللزوج النصسف وللم السسدس وللخويسن
والختيسن الثلث ،وقسد تمست الفريضسة .وعلى هذا عامسة الصسحابة؛ لنهسم حجبوا الم بالخ والخست
من الثلث إلى السدس .وأما ابن عباس فإنه لم ير العول ولو جعل للم الثلث لعالت المسألة ،وهو
ل يرى ذلك .والعول مذكور فسي غيسر هذا الموضسع ،ليسس هذا موضعسه .فإن تركست زوجهسا وإخوة
لم وأخا لب وأم؛ فللزوج النصف ،ولخوتها لمها الثلث ،وما بقي فلخيها لمها وأبيها .وهكذا
مسسن له فرض مسسسمى أعطيسسه ،والباقسسي للعصسسبة إن فضسسل .فإن تركسست سسستة إخوة مفترقيسسن فهذه
الحماريسسسة ،وتسسسسمى أيضسسسا المشتركسسسة .قال قوم( :للخوة للم الثلث ،وللزوج النصسسسف ،وللم
السسدس) ،وسسقط الخ والخست مسن الب والم ،والخ والخست مسن الب .روي عسن علي وابسن
مسعود وأبي موسى والشعبي وشريك ويحيى بن آدم ،وبه قال أحمد بن حنبل واختاره ابن المنذر؛
لن الزوج والم والخويسن للم أصسحاب فرائض مسسماة ولم يبسق للعصسبة شيسء .وقال قوم( :الم
واحدة ،وهب أن أباهم كان حمارا ! وأشركوا بينهم في الثلث)؛ ولهذا سميت المشتركة والحمارية.
روي هذا عسن عمسر وعثمان وابسن مسسعود أيضسا وزيسد بسن ثابست ومسسروق وشريسح ،وبسه قال مالك
والشافعسي وإسسحاق .ول تسستقيم هذه المسسألة أن لو كان الميست رجل .فهذه جملة مسن علم الفرائض
تضمنتها الية ،وال الموفق للهداية.
وكانست الوراثسة فسي الجاهليسة بالرجوليسة والقوة ،وكانوا يورثون الرجال دون النسساء؛ فأبطسل ال
عسز وجسل ذلك بقوله" :للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا وللنسساء نصسيب" [النسساء ]32 :كمسا تقدم.
وكانست الوراثسة أيضسا فسي الجاهليسة وبدء السسلم بالمحالفسة ،قال ال عسز وجسل" :والذيسن عقدت
أيمانكسم" [النسساء ]33 :على مسا يأتسي بيانسه .ثسم صسارت بعسد المحالفسة بالهجرة؛ قال ال تعالى:
"والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى يهاجروا" [النفال ]72 :وسيأتي.
وهناك يأتسسي القول فسسي ذوي الرحام وميراثهسسم ،إن شاء ال تعالى .وسسسيأتي فسسي سسسورة "النور"
ميراث ابن الملعنة وولد الزنسا والمكاتسب بحول ال تعالى .والجمهور من العلماء على أن السسير
المعلوم حياتسه أن ميراثسه ثابست؛ لنسه داخسل فسي جملة المسسلمين الذيسن أحكام السسلم جاريسة عليهسم.
وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال في السير في يد العدو :ل يرث .وقد تقدم ميراث المرتد
في سورة "البقرة" والحمد ل.
@قوله تعالى" :غير مضار" نصب على الحال والعامل "يوصي" .أي يوصي بها غير مضار،
أي غيسر مدخسل الضرر على الورثسة .أي ل ينبغسي أن يوصسي بديسن ليسس عليسه ليضسر بالورثسة؛ ول
يقر بدين .فالضرار راجع إلى الوصية والدين؛ أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد على الثلث أو
يوصي لوارث ،فإن زاد فإنه يرد ،إل أن يجيزه الورثة؛ لن المنع لحقوقهم ل لحق ال تعالى .وإن
أوصسى لوارث فإنسه يرجسع ميراثسا .وأجمسع العلماء على أن الوصسية للوارث ل تجوز .وقسد تقدم هذا
فسي "البقرة" .وأمسا رجوعسه إلى الديسن فبالقرار فسي حالة ل يجوز له فيهسا؛ كمسا لو أقسر فسي مرضسه
لوارثسسه أو لصسسديق ملطسسف؛ فإن ذلك ل يجوز عندنسسا .وروي عسن الحسسسن أنسسه قرأ "غيسسر مضار
وصسية مسن ال" على الضافسة .قال النحاس :وقسد زعسم بعسض أهسل اللغسة أن هذا لحسن؛ لن اسسم
الفاعل ل يضاف إلى المصدر .والقراءة حسنة على حذف ،والمعنى :غير مضار ذي وصية ،أي
غير مضار بها ورثته في ميراثهم .وأجمع العلماء على أن إمراره بدين لغير وارث حال المرض
جائز إذا لم يكن عليه دين في الصحة.
@ فإن كان عليه دين في الصحة ببينة وأقر لجنبي بدين؛ فقالت طائفة :يبدأ بدين الصحة؛ هذا
قول النخعسسي والكوفييسسن .قالوا :فإذا اسسستوفاه صسساحبه فأصسسحاب القرار فسسي المرض يتحاصسسون.
وقالت طائفسة :همسا سسواء إذا كان لغيسر وارث .هذا قول الشافعسي وأبسي ثور وأبسي عبيسد ،وذكسر أبسو
عبيد إنه قول أهل المدينة ورواه عن الحسن.
@ قسد مضسى فسي "البقرة" الوعيسد فسي الضرار فسي الوصسية ووجوههسا .وقسد روى أبسو داود مسن
حديسث شهسر بسن حوشسب (وهسو مطعون فيسه) عسن أبسى هريرة حدثسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم قال( :إن الرجسل أو المرأة ليعمسل بطاعسة ال سستين سسنه ثسم يحضرهمسا الموت فيضاران فسي
الوصية فتجب لهما النار) .قال :وقرأ علي أبو هريرة من ههنا "من بعد وصية يوصي بها أو دين
غير مضار" حتى بلغ "ذلك الفوز العظيم" .وقال ابن عباس( :الضرار في الوصية من الكبائر)؛
ورواه عن النبي صلى ال عليه وسلم ،إل أن مشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي ل يعد
فعله مضارة فسسي ثلثسسه؛ لن ذلك حقسسه فله التصسسرف فيسسه كيسسف شاء .وفسسي المذهسسب قوله :أن ذلك
مضارة ترد .وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :وصسية" نصسب على المصسدر فسي موضسع الحال والعامسل "يوصسيكم" ويصسح أن
يعمسل فيهسا "مضار" والمعنسى أن يقسع الضرر بهسا أو بسسببها فأوقسع عليهسا تجوزا ،قال ابسن عطيسة؛
وذكسر أن الحسسن بسن أبسي الحسسن قرأ "غيسر مضار وصسية" بالضافسة؛ كمسا تقول :شجاع حرب.
وبضسة المتجرد؛ فسي قول طرفسة بسن العبسد .والمعنسى على مسا ذكرناه مسن التجوز فسي اللفسظ لصسحة
المعنسى" .وال عليسم حليسم" يعنسي عليسم بأهسل الميراث حليسم على أهسل الجهسل منكسم .وقرأ بعسض
المتقدمين "وال عليم حكيم" [النساء ]26 :يعني حكيم بقسمة الميراث والوصية.
@قوله تعالى" :تلك حدود ال" و"تلك" بمعنسى هذه ،أي هذه أحكام ال قسد بينهسا لكسم لتعرفوهسا
وتعملوا بها" .ومن يطع ال ورسوله" في قسمة المواريث فيقر بها ويعمل بها كما أمره ال تعالى
"يدخله جنات تجري من تحتها النهار" جملة في موضع نصب على النعت لجنات .وقوله "ومن
يعص ال ورسوله" يريد في قسمة المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها "ويتعد حدوده" أي يخالف
أمره "يدخله نارا خالدا فيها" .والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه ،وإن أريد به الكبائر
وتجاوز أوامر ال تعالى فالخلود مستعار لمدة ما .كما تقول :خلد ال ملكه .وقال زهير:
ول خالدا إل الجبال الرواسيا
وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع .وقرأ نافع وابن عامر "ندخله" بالنون في الموضعين ،على
معنسى الضافسة إلى نفسسه سسبحانه .الباقون بالياء كلهمسا؛ لنسه سسبق ذكسر اسسم ال تعالى أي يدخله
ال.
**3اليسة{ 15 :واللتسي يأتيسن الفاحشسة مسن نسسائكم فاسستشهدوا عليهسن أربعسة منكسم فإن شهدوا
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل}
@ لما ذكر ال تعالى في هذه السورة الحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن ،وانجر المر
إلى ذكر ميراثهن مع مواريث الرجال ،ذكر أيضا التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة ،لئل
تتوهم المرأة أنه يسوغ لها ترك التعفف.
@قوله تعالى" :واللتسي" "اللتسي" جمسع التسي ،وهسو اسسم مبهسم للمؤنسث ،وهسي معرفسة ول يجوز
نزع اللف واللم منسسه للتنكيسسر ،ول يتسسم إل بصسسلته؛ وفيسسه ثلث لغات كمسسا تقدم .ويجمسسع أيضسسا
"اللت" بحذف الياء وإبقاء الكسسرة؛ و"اللئي" بالهمزة وإثبات الياء ،و"اللء" بكسسر الهمزة
وحذف الياء ،و"الل" بحذف الهمزة .فإن جمعسست الجمسسع قلت فسسي اللتسسي :اللواتسسي ،وفسسي اللء:
اللوائي .وقسد روي عنهسم "اللوات" بحذف الياء وإبقاء الكسسرة؛ قال ابسن الشجري .قال الجوهري:
أنشد أبو عبيد:
زعمن أن قد كبرت لدات من اللواتي والتي واللت
واللوا بإسقاط التاء .وتصغير التي اللتيا بالفتح والتشديد؛ قال الراجز:
بعد اللتيا واللتيا والتي
وبعسسض الشعراء أدخسسل على "التسسي" حرف النداء ،وحروف النداء ل تدخسسل على مسسا فيسسه اللف
واللم إل في قولنا :يا ال وحده؛ فكأنه شبهها به من حيث كانت اللف واللم غير مفارقتين لها.
وقال:
وأنت بخيلة بالود عني من أجلك يالتي تيمت قلبي
ويقال :وقع في اللتيا والتي؛ وهما اسمان من أسماء الداهية.
@قوله تعالى" :يأتيسن الفاحشسة" الفاحشسة فسي هذا الموضسع الزنسا ،والفاحشسة الفعلة القبيحسة ،وهسي
مصدر كالعاقبة والعافية .وقرأ ابن مسعود "بالفاحشة" بباء الجر.
قوله تعالى" :من نسائكم" إضافة في معنى السلم وبيان حال المؤمنات؛ كما قال "واستشهدوا
شهيدين من رجالكم" [البقرة ]282 :لن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب ول يلحقها
هذا الحكم.
@قوله تعالى" :فاسستشهدوا عليهسن أربعسة منكسم" أي مسن المسسلمين ،فجعسل ال الشهادة على الزنسا
خاصة أربعة تغليظا على المدعي وسترا على العباد .وتعديل الشهود بالربعة في الزنا حكم ثابت
فسسي التوراة والنجيسسل والقرآن؛ قال ال تعالى" :والذيسسن يرمون المحصسسنات ثسسم لم يأتوا بأربعسسة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة" [النور ]4 :وقال هنا" :فاستشهدوا عليهن أربعة منكم" .وروى أبو
داود عن جابر بن عبدال قال :جاءت اليهود برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال :النبي صلى ال عليه
وسسلم (ائتونسي بأعلم رجليسن منكسم) فأتوه بابنسسي صسوريا فنشدهمسا( :كيسف تجدان أمسر هذيسن فسي
التوراة؟) قال :نجسد فسي التوراة إذا شهسد أربعسة أنهسم رأوا ذكره فسي فرجهسا مثسل الميسل فسي المكحلة
رجما .قال( :فما يمنعكما أن ترجموهما)؛ قال :ذهب سلطاننا فكرهنا القتل؛ فدعا رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم بالشهود ،فجاؤوا فشهدوا أنهسم رأوا ذكره فسي فرجهسا مثسل الميسل فسي المكحلة؛ فأمسر
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم برجمهمسا .وقال قوم :إنمسا كان الشهود فسي الزنسا أربعسة ليترتسب
شاهدان على كسل واحسد مسن الزانييسن كسسائر الحقوق؛ إذ هسو حسق يؤخسذ مسن كسل واحسد منهمسا؛ وهذا
ضعيف؛ فإن اليمين تدخل في الموال واللوث في القسامة ول مدخل لواحد منهما هنا.
ول بسد أن يكون الشهود ذكورا؛ لقوله" :منكسم" ول خلف فيسه بيسن المسة .وأن يكونوا عدول؛
لن ال تعالى شرط العدالة فسسي البيوع والرجعسسة ،وهذا أعظسسم ،وهسسو بذلك أولى .وهذا مسسن حمسسل
المطلق على المقيد بالدليل ،على ما هو مذكور في أصول الفقه .ول يكونون ذمة ،وإن كان الحكم
على ذمية ،وسيأتي ذلك في "المائدة" وتعلق أبو حنيفة بقوله" :أربعة منكم" في أن الزوج إذا كان
أحد الشهود في القذف لم يلعن .وسيأتي بيانه في "النور" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت" هذه أول عقوبات الزناة؛ وكان هذا في ابتداء
السسلم؛ قال عبادة بسن الصسامت والحسسن ومجاهسد حتسى نسسخ بالذى الذي بعده ،ثسم نسسخ ذلك بآيسة
"النور" وبالرجسم فسي الثيسب .وقالت فرقسة :بسل كان اليذاء هسو الول ثسم نسسخ بالمسساك ،ولكسن
التلوة أخرت وقدمت؛ ذكره ابن فورك ،وهذا المساك والحبس في البيوت كان في صدر السلم
قبل أن يكثر الجناة ،فلما كثروا وخشي قوتهم اتخذ لهم سجن؛ قاله ابن العربي.
@ واختلف العلماء هل كان هذا السجن حدا أو وعدا بالحد على قولين :أحدهما :أنه توعد بالحد،
والثاني :أنه حد؛ قال ابن عباس والحسن .زاد ابن زيد :وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة
لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه .وهذا يدل على أنه كان حدا بل أشد؛ غير أن ذلك الحكم كان
ممدودا إلى غايسة وهسو الذى فسي اليسة الخرى ،على اختلف التأويليسن فسي أيهمسا قبسل؛ وكلهمسا
ممدود إلى غاية وهسي قوله عليسه السسلم فسي حديسث عبادة بن الصسامت( :خذوا عنسي خذوا عنسي قسد
جعسل ال لهسن سسبيل البكسر بالبكسر جلد مائة وتغريسب عام والثيسب بالثيسب جلد مائة والرجسم) .وهذا
نحسو قوله تعالى" :ثسم أتموا الصسيام إلى الليسل" [البقرة ]187 :فإذا جاء الليسل ارتفسع حكسم الصسيام
لنتهاء غايتسه ل لنسسخه .هذا قول المحققيسن المتأخريسن مسن الصسوليين ،فإن النسسخ إنمسا يكون فسي
القولين المتعارضين من كل وجه اللذين ل يمكن الجمع بينهما ،والجمع ممكن بين الحبس والتعيير
والجلد والرجم ،وقد قال بعض العلماء :أن الذى والتعيير باق مع الجلد؛ لنهما ل يتعارضان بل
يحملن على شخص واحد .وأما الحبس فمنسوخ بإجماع ،وإطلق المتقدمين النسخ على مثل هذا
تجوز .وال أعلم.
**3اليسة{ 16 :واللذان يأتيانهسا منكسم فآذوهمسا فإن تابسا وأصسلحا فأعرضوا عنهمسا إن ال كان
توابا رحيما}
@قوله تعالى" :واللذان" "اللذان" تثنية الذي ،وكان القياس أن يقال :اللذيان كرحيان ومصطفيان
وشجيان .قال سسسيبويه :حذفسست الياء ليفرق بيسسن السسسماء المتمكنسسة والسسسماء المبهمات .وقال أبسسو
علي :حذفسست الياء تخفيفسسا ،إذ قسسد أمسسن اللبسسس فسسي اللذان؛ لن النون ل تنحذف ،ونون التثنيسسة فسسي
السسماء المتمكنسة قسد تنحذف مسع الضافسة فسي رحياك ومصسطفيا القوم؛ فلو حذفست الياء لشتبسه
المفرد بالثنيسن .وقرأ ابسن كثيسر "اللذان" بتشديسد النون؛ وهسي لغسة قريسش؛ وعلتسه أنسه جعسل التشديسد
عوضا من ألف "ذا" على ما يأتي بيانه في سورة "القصص" عند قوله تعالى" :فذانك برهانان"
[القصص .]32 :وفيها لغة أخرى "اللذا" بحذف النون .هذا قول الكوفيين .وقال البصريون :إنما
حذفت النون لطول السم بالصلة .وكذلك قرأ "هذان" و"فذانك برهانان" بالتشديد فيهما .والباقون
بالتخفيسسف .وشدد أبسسو عمرو "فذانسسك برهانان" وحدهسسا .و"اللذان" رفسسع بالبتداء .قال سسسيبويه:
المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها ،أي الفاحشة "منكم" .ودخلت الفاء في "فآذوهما" لن في
الكلم معنسى المسر؛ لنسه لمسا وصسل الذي بالفعسل تمكسن فيسه معنسى الشرط؛ إذ ل يقسع عليسه شيسء
بعينه ،فلما تمكن الشرط والبهام فيه جرى مجرى الشرط فدخلت الفاء ،ولم يعمل فيه ما قبله من
الضمار كمسسا ل يعمسسل فسسي الشرط مسسا قبله؛ فلمسسا لم يحسسسن إضمار الفعسسل قبلهمسسا لينصسسبا رفعسسا
بالبتداء؛ وهذا اختيار سيبويه .ويجوز النصب على تقدير إضمار فعل ،وهو الختيار إذا كان في
الكلم معنى المر والنهي نحو قولك :اللذين عندك فأكرمهما.
@قوله تعالى" :فآذوهمسا" قال قتادة والسسدي :معناه التوبيسخ والتعييسر .وقالت فرقسة :هسو السسب
والجفاء دون تعييسسر .ابسسن عباس :النيسسل باللسسسان والضرب بالنعال .قال النحاس :وزعسسم قوم أنسسه
منسسوخ .قلت :رواه ابسن أبسي نجيسح عسن مجاهسد قال" :واللتسي يأتيسن الفاحشسة" و"اللذان يأتيانهسا"
كان فسسي أول المسسر فنسسختهما اليسة التسي فسسي "النور" .قال النحاس :وقيسل وهسو أولى :إنسه ليسس
بمنسوخ ،وأنه واجب أن يؤدبا بالتوبيخ فيقال لهما :فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر ال عز وجل.
@ واختلف العلماء في تأويل قوله تعالى" :واللتي" وقوله" :واللذان" فقال مجاهد وغيره :الية
الولى فسي النسساء عامسة محصسنات وغيسر محصسنات ،واليسة الثانيسة فسي الرجال خاصسة .وبيسن لفسظ
التثنية صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن؛ فعقوبة النساء الحبس ،وعقوبة الرجال الذى.
وهذا قول يقتضيسه اللفسظ ،ويسستوفي نسص الكلم أصسناف الزناة .ويؤيده مسن جهسة اللفسظ قوله فسي
الولى" :مسن نسسائكم" وفسي الثانيسة "منكسم"؛ واختاره النحاس ورواه عسن ابسن عباس .وقال السسدي
وقتادة وغيرهمسسا :الولى فسسي النسسساء المحصسسنات .يريسسد :ودخسسل معهسسن مسسن أحصسسن مسسن الرجال
بالمعنسى ،والثانيسة فسي الرجسل والمرأة البكريسن .قال ابسن عطيسة :ومعنسى هذا القول تام إل أن لفسظ
الية يقلق عنه .وقد رجحه الطبري ،وأباه النحاس وقال :تغليب المؤنث على المذكر بعيد؛ لنه ل
يخرج الشيسسء إلى المجاز ومعناه صسسحيح فسسي الحقيقسسة .وقيسسل :كان المسسساك للمرأة الزانيسسة دون
الرجسل؛ فخصست المرأة بالذكسر فسي المسساك ثسم جمعسا فسي اليذاء .قال قتادة :كانست المرأة تحبسس
ويؤذيان جميعا؛ وهذا لن الرجل يحتاج إلى السعي والكتساب.
@ واختلف العلماء أيضسا فسي القول بمقتضسى حديسث عبادة الذي هسو بيان لحكام الزناة على مسا
بيناه؛ فقال بمقتضاه علي بسن أبسي طالب ل اختلف عنسه فسي ذلك ،وأنسه جلد شراحسة الهمدانيسة مائة
ورجمهسا بعسد ذلك ،وقال :جلدتهسا بكتاب ال ورجمتهسا بسسنة رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم .وقال
بهذا القول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي وإسحاق .وقال جماعة من العلماء :بل على
الثيسسسب الرجسسسم بل جلد .وهذا يروى عسسسن عمسسسر وهسسسو قول الزهري والنخعسسسي ومالك والثوري
والوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور؛ متمسكين بأن النبي صلى ال عليه وسلم
رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما ،وبقوله عليه السلم لنيس( :اغد على امرأة هذا فإن اعترفت
فارجمهسا) ولم يذكسر الجلد؛ فلو كان مشروعسا لمسا سسكت عنسه .قيسل لهسم :إنمسا سسكت عنسه؛ لنسه ثابست
بكتاب ال تعالى ،فليسسس يمتنسسع أن يسسسكت عنسسه لشهرتسسه والتنصسسيص عليسسه فسسي القرآن؛ لن قوله
تعالى" :الزانيسة والزانسي فاجلدوا كسل واحسد منهمسا مائة جلدة" [النور ]2 :يعسم جميسع الزناة .وال
أعلم .ويسسبين هذا فعسسل علي بأخذه عسسن الخلفاء رضسسي ال عنهسسم ولم ينكسسر عليسسه فقيسسل له :عملت
بالمنسوخ وتركت الناسخ .وهذا واضح.
@ واختلفوا فسي نفسي البكسر مسع الجلد؛ فالذي عليسه الجمهور أنسه ينفسى مسع الجلد؛ قاله الخلفاء
الراشدون :أبسو بكسر وعمسر وعثمان وعلي ،وهسو قول ابسن عمسر رضوان ال عليهسم أجمعيسن ،وبسه
قال عطاء وطاوس وسسسفيان ومالك وابسسن أبسسي ليلى والشافعسسي وأحمسسد وإسسسحاق وأبسسو ثور .وقال
بتركسسه حماد بسسن أبسسي سسسليمان وأبسسو حنيفسسة ومحمسسد بسسن الحسسسن .والحجسسة للجمهور حديسسث عبادة
المذكور ،وحديسث أبسي هريرة وزيسد بسن خالد ،حديسث العسسيف وفيسه :فقال النسبي صسلى ال عليسه
وسلم( :والذي نفسي بيده لقضين بينكما بكتاب ال أما غنمك وجاريتك فرد عليك) وجلد ابنه مائة
وغربه عاما .أخرجه الئمة .احتج من لم ير نفيه بحديث أبي هريرة في المة ،ذكر فيه الجلد دون
النفي .وذكر عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال :غرب عمر ربيعة بن
أبي أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر؛ فقال عمر :ل أغرب مسلما بعد هذا.
قالوا :ولو كان التغريسب حدا ل تعالى مسا تركسه عمسر بعسد .ثسم إن النسص الذي فسي الكتاب إنمسا هسو
الجلد ،والزيادة على النسص نسسخ؛ فيلزم عليسه نسسخ القاطسع بخسبر الواحسد .والجواب :أمسا حديسث أبسي
هريرة فإنما هو في الماء ل في الحرار .وقد صح عن عبدال بن عمر أنه ضرب أمته في الزنا
ونفاهسا .وأمسا حديسث عمسر وقوله :ل أغرب بعده مسسلما ،فيعنسي فسي الخمسر -وال أعلم -لمسا رواه
نافع عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم ضرب وغرب ،وأن أبا بكر ضرب وغرب ،وأن
عمسر ضرب وغرب .أخرجسه الترمذي فسي جامعسه ،والنسسائي فسي سسننه عسن أبسي كريسب محمسد بسن
العل الهمدانسي عسن عبدال بسن إدريسس عسن عسبيدال بسن عمسر عسن نافسع .قال الدارقطنسي :تفرد بسه
عبدال بسن إدريسس ولم يسسنده عنسه أحسد مسن الثقات غيسر أبسي كريسب ،وقسد صسح عسن النسبي صسلى ال
عليه وسلم النفي فل كلم لحد معه ،ومن خالفته السنة خاصمته .وبال التوفيق.
وأمسا قولهسم :الزيادة على النسص نسسخ ،فليسس بمسسلم ،بسل زيادة حكسم آخسر مسع الصسل .ثسم هسو قسد
زاد الوضوء بالنسبيذ بخسبر لم يصسح على الماء ،واشترط الفقسر فسي القربسى؛ إلى غيسر ذلك ممسا ليسس
منصوصا عليه في القرآن .وقد مضى هذا المعنى في البقرة ويأتي.
@ القائلون بالتغريب في يختلفوا في تغريب الذكر الحر ،واختلفوا في تغريب العبد والمة؛ فممن
رأى التغريب فيهما ابن عمر جلد مملوكة له في الزنا ونفاها إلى فدك وبه قال الشافعي وأبو ثور
والثوري والطسبري وداود .واختلف قول الشافعسي فسي نفسي العبسد ،فمرة قال :أسستخير ال فسي نفسي
العبد ،ومرة قال :ينفى نصف سنة ،ومرة قال :ينفى سنة إلى غير بلده؛ وبه قال الطبري.
واختلف أيضا قوله في نفي المة على قولين .وقال مالك :ينفى الرجل ول تنفى المرأة ول العبد،
ومسسن نفسسي حبسسس فسسي الموضسسع الذي ينفسسى إليسسه .وينفسسى مسسن مصسسر إلى الحجاز وشغسسب وأسسسوان
ونحوها ،ومن المدينة إلى خيبر وفدك؛ وكذلك فعل عمر بن عبدالعزيز .ونفى علي من الكوفة إلى
البصسرة .وقال الشافعسي :أقسل ذلك يوم وليلة .قال ابسن العربسي :كان أصسل النفسي أن بنسي إسسماعيل
أجمع رأيهم على أن من أحدث حدثا في الحرم غرب منه ،فصارت سنة فيهم يدينون بها؛ فلجل
ذلك استن الناس إذا أحدث أحد حدثا غرب عن بلده ،وتمادى ذلك في الجاهلية إلى أن جاء السلم
فأقره في الزنا خاصة .احتج من لم ير النفي على العبد بحديث أبي هريرة في المة؛ ولن تغريبه
عقوبسة لمالكسه تمنعسه مسن منافعسه فسي مدة تغريبسه ،ول يناسسب ذلك تصسرف الشرع ،فل يعاقسب غيسر
الجانسي .وأيضسا فقسد سسقط عنسه الجمعسة والحسج والجهاد الذي هسو حسق ل تعالى لجسل السسيد؛ فكذلك
التغريب .وال أعلم.
والمرأة إذا غربست ربمسا يكون ذلك سسببا لوقوعهسا فيمسا أخرجست مسن سسببه وهسو الفاحشسة ،وفسي
التغريسب سسبب لكشسف عورتهسا وتضييسع لحالهسا؛ ولن الصسل منعهسا مسن الخروج مسن بيتهسا وأن
صسلتها فيسه أفضسل .وقال صسلى ال عليسه وسسلم( :أعروا النسساء يلزمسن الحجال) فحصسل مسن هذا
تخصسسيص عموم حديسسث التغريسسب بالمصسسلحة المشهود لهسسا بالعتبار .وهسسو مختلف فيسسه عنسسد
الصسوليين والنظار .وشذت طائفسة فقالت :يجمسع الجلد والرجسم على الشيسخ ،ويجلد الشاب؛ تمسسكا
بلفسظ "الشيسخ" فسي حديسث زيسد بسن ثابست أنسه سسمع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول" :الشيسخ
والشيخسة إذا زنيسا فارجموهمسا البتسة" خرجسه النسسائي .وهذا فاسسد؛ لنسه قسد سسماه فسي الحديسث الخسر
"الثيب".
@قوله تعالى" :فإن تابسا" أي مسن الفاحشسة" .وأصسلحا" يعنسي العمسل فيمسا بعسد ذلك" .فأعرضوا
عنهمسا" أي اتركوا أذاهما وتعييرهمسا .وإنما كان هذا قبسل نزول الحدود .فلمسا نزلت الحدود نسسخت
هذه اليسة .وليسس المراد بالعراض الهجرة ،ولكنهسا متاركسة معرض؛ وفسي ذلك احتقار لهسم بسسبب
المعصية المتقدمة ،وبحسب الجهالة في الية الخرى .وال تواب أي راجع بعباده عن المعاصي.
**3اليتان{ 18 - 17 :إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب
فأولئك يتوب ال عليهسسم وكان ال عليمسسا حكيمسسا ،وليسسست التوبسسة للذيسسن يعملون السسسيئات حتسسى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن ول الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}
@قوله تعالى" :إنمسا التوبسة على ال" قيسل :هذه اليسة عامسة لكسل مسن عمسل ذنبسا .وقيسل :لمسن جهسل
فقسسط ،والتوبسسة لكسسل مسسن عمسسل ذنبسسا فسسي موضسسع آخسسر .واتفقسست المسسة على أن التوبسسة فرض على
المؤمنين؛ لقوله تعالى" :وتوبوا إلى ال جميعا آيه المؤمنون"[ .النور .]31 :وتصح من ذنب مع
القامسة على غيره مسن غيسر نوعه خلفسا للمعتزلة فسي قولهسم :ل يكون تائبسا مسن أقام على ذنسب .ول
فرق بيسن معصسية ومعصسية -هذا مذهسب أهسل السسنة .وإذا تاب العبسد فال سسبحانه بالخيار إن شاء
قبلها ،وإن شاء لم يقبلها .وليس قبول التوبة واجبا على ال من طريق العقل كما قال المخالف؛ لن
مسن شرط الواجسب أن يكون أعلى رتبسة مسن الموجسب عليسه ،والحسق سسبحانه خالق الخلق ومالكهسم،
والمكلف لهم؛ فل يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه ،تعالى عن ذلك ،غير أنه قد أخبر سبحانه
وهسو الصسادق فسي وعده بأنسه يقبسل التوبسة عسن العاصسين مسن عباده بقوله تعالى" :وهسو يقبسل التوبسة
عن عباده ويعفو عن السيئات" [الشورى.]25 :
وقوله" :ألم يعلموا أن ال هو يقبل التوبة عن عباده" [التوبة ]104 :وقوله" :وإني لغفار لمن
تاب" [طسه ]82 :فإخباره سسبحانه وتعالى عسن أشياء أوجبهسا على نفسسه يقتضسي وجوب تلك
الشياء .والعقيدة أنسسه ل يجسسب عليسسه شيسسء عقل؛ فأمسسا السسسمع فظاهره قبول توبسسة التائب .قال أبسسو
المعالي وغيره :وهذه الظواهسر إنمسا تعطسي غلبسة ظسن ،ل قطعسا على ال تعالى بقبول التوبسة .قال
ابن عطية :وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى .فإذا فرضنا رجل قد تاب توبة نصوحا
تامسسة الشروط فقال أبسسو المعالي :يغلب على الظسسن قبول توبتسسه .وقال غيره :يقطسسع على ال تعالى
بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز .قال ابن عطية :وكان أبي رحمه ال يميل إلى هذا القول
ويرجحسه ،وبسه أقول ،وال تعالى أرحسم بعباده مسن أن ينخرم فسي هذا التائب المفروض معنسى قوله:
"وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" [الشورى ]25 :وقوله تعالى" :وإني لغفار" [طه .]82 :وإذا
تقرر هذا فاعلم أن فسسي قوله "على ال" حذفسسا وليسسس على ظاهره ،وإنمسسا المعنسسى على فضسسل ال
ورحمته بعباده .وهذا نحو قوله صلى ال عليه وسلم لمعاذ( :أتدري ما حق العباد على ال) ؟ قال:
ال ورسوله أعلم .قال( :أن يدخلهم الجنة) .فهذا كله معناه :على فضله ورحمته بوعده الحق وقوله
الصسدق .دليله قوله تعالى" :كتسب على نفسسه الرحمسة" [النعام ]12 :أي وعسد بهسا .وقيسل" :على"
ههنسا معناهسا "عنسد" والمعنسى واحسد ،التقديسر :عنسد ال ،أي إنسه وعسد ول خلف فسي وعده أنسه يقبسل
التوبسة إذا كانست بشروطهسا المصسححة لهسا؛ وهسي أربعسة :الندم بالقلب ،وترك المعصسية فسي الحال،
والعزم على أل يعود إلى مثلهسا ،وأن يكون ذلك حياء مسن ال تعالى ل مسن غيره؛ فإذا اختسل شرط
من هذه الشروط لم تصح التوبة .وقد قيل من شروطها :العتراف بالذنب وكثرة الستغفار ،وقد
تقدم فسي "آل عمران" كثيسر من معانسي التوبة وأحكامهسا .ول خلف فيما أعلمه أن التوبة ل تسسقط
حدا؛ ولهذا قال علماؤنسا :إن السسارق والسسارقة والقاذف متسى تابوا وقامست الشهادة عليهسم أقيمست
عليهم الحدود .وقيل" :على" بمعنى "من" أي إنما التوبة من ال للذين؛ قاله أبو بكر بن عبدوس،
وال أعلم .وسيأتي في "التحريم" الكلم في التوبة النصوح والشياء التي يتاب منها.
@قوله تعالى" :للذيسن يعملون السسوء بجهالة" السسوء فسي هذه اليسة ،و"النعام"" .أنسه مسن عمسل
منكسم سسوءا بجهالة" [النعام ]54 :يعسم الكفسر والمعاصسي؛ فكسل مسن عصسى ربسه فهسو جاهسل حتسى
ينزع عن معصيته .قال قتادة :أجمع أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم على أن كل معصية فهي
بجهالة ،عمدا كانسست أو جهل؛ وقال ابسسن عباس وقتادة والضحاك ومجاهسسد والسسسدي .وروي عسسن
الضحاك ومجاهسسد أنهمسسا قال :الجهالة هنسسا العمسسد .وقال عكرمسسة :أمور الدنيسسا كلهسسا جهالة؛ يريسسد
الخاصسة بهسسا الخارجسة عسن طاعسة ال .وهذا القول جار مسع قوله تعالى" :إنمسا الحياة الدنيسسا لعسسب
ولهو" [محمد .]36 :وقال الزجاج :يعني قوله "بجهالة" اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية.
وقيسل" :بجهالة" أي ل يعلمون كنسه العقوبسة؛ ذكره ابسن فورك .قال ابسن عطيسة :وضعسف قوله هذا
ورد عليه.
@قوله تعالى" :ثسم يتوبون مسن قريسب" قال ابسن عباس والسسدي :معناه قبسل المرض والموت.
وروي عسن الضحاك أنسه قال :كسل مسا كان قبسل الموت فهسو قريسب .وقال أبسو مجلز والضحاك أيضسا
وعكرمسة وابسن زيسد وغيرهسم :قبسل المعاينسة للملئكسة والسسوق ،وأن يغلب المرء على نفسسه .ولقسد
أحسن محمود الوراق حيث قال:
قبل الممات وقبل حبس اللسن قدم لنفسك توبة مرجوة
ذخر وغنم للمنيب المحسن بادر بها غلق النفوس فإنها
قال علماؤنا رحمهم ال :وإنما صحت التوبة منه في هذا الوقت؛ لن الرجاء باق ويصح منه الندم
والعزم على ترك الفعل .وقد روى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن
ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) .قال :هذا حديث حسن غريب .ومعنى ما لم يغرغر :ما لم تبلغ
روحسه حلقومسه؛ فيكون بمنزلة الشيسء الذي يتغرغسر بسه .قال الهروي وقيسل :المعنسى يتوبون على
قرب عهسد مسن الذنسب مسن غيسر إصسرار .والمبادر فسي الصسحة أفضسل ،وألحسق لمله مسن العمسل
الصالح .والبعد كل البعد الموت؛ كما قال:
وأين مكان البعد إل مكانيا
وروى صسالح المري عسن الحسسن قال :مسن عيسر أخاه بذنسب قسد تاب إلى ال منسه ابتله ال بسه .وقال
الحسسن أيضسا :إن إبليسس لمسا هبسط قال :بعزتسك ل أفارق ابسن آدم مسا دام الروح فسي جسسده .قال ال
تعالى( :فبعزتي ل أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه).
@قوله تعالى" :وليست التوبة" نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار
فسسي حيسسن اليأس؛ كمسسا كان فرعون حيسسن صسسار فسسي غمرة الماء والغرق فلم ينفعسسه مسسا أظهسسر مسسن
اليمان؛ لن التوبسة فسي ذلك الوقست ل تنفسع ،لنهسا حال زوال التكليسف .وبهذا قال ابسن عباس وابسن
زيد وجمهور المفسرين .وأما الكفار يموتون على كفرهم فل توبة لهم في الخرة ،وإليهم الشارة
بقوله تعالى" :أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما" وهو الخلود .وإن كانت الشارة بقوله إلى الجميع فهو
فسي جهسة العصساة عذاب ل خلود معسه؛ وهذا على أن السسيئات مسا دون الكفسر؛ أي ليسست التوبسة لمسن
عمل دون الكفر من السيئات ثسم تاب عند الموت ،ول لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة .وقسد قيسل:
إن السسيئات هنسا الكفسر ،فيكون المعنسى وليسست التوبسة للكفار الذيسن يتوبون عنسد الموت ،ول للذيسن
يموتون وهسم كفار .وقال أبسو العاليسة :نزل أول اليسة فسي المؤمنيسن "إنمسا التوبسة على ال" .والثانيسة
في المنافقين" .وليست التوبة للذين يعملون السيئات" يعني قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم.
"حتى إذا حضر أحدهم الموت" يعني الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت" .قال إني تبت الن"
فليسس لهذا توبسة .ثسم ذكسر توبسة الكفار فقال تعالى" :ول الذيسن يموتون وهسم كفار أولئك أعتدنسا لهسم
عذابا أليما" أي وجيعا دائما .وقد تقدم.
**3اليسة{ 19 :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا ول تعضلوهسن لتذهبوا
ببعسض مسا آتيتموهسن إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة وعاشروهسن بالمعروف فإن كرهتموهسن فعسسى أن
تكرهوا شيئا ويجعل ال فيه خيرا كثيرا}
@قوله تعالى" :ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" هذا متصسل بمسا تقدم ذكره مسن الزوجات.
والمقصسود نفسي الظلم عنهسن وإضرارهسن؛ والخطاب للولياء .و"أن" فسي موضسع رفسع بسس "يحسل"؛
أي ل يحسل لكسم وراثسة النسساء .و"كرهسا" مصسدر فسي موضسع الحال .واختلفست الروايات وأقوال
المفسسرين فسي سسبب نزولهسا؛ فروى البخاري عسن ابسن عباس "يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن
ترثوا النسساء كرهسا ول تعضلوهسن لتذهبوا ببعسض مسا آتيتموهسن" قال :كانوا إذا مات الرجسل كان
أولياؤه أحسق بامرأتسه ،إن شاء بعضهسسم تزوجهسا ،وإن شاؤوا زوجوهسا ،وإن شاؤوا لم يزوجوهسا،
فهسم أحسق بهسا مسن أهلهسا فنزلت هذه اليسة فسي ذلك .وأخرجسه أبسو داود بمعناه .وقال الزهري وأبسو
مجلز :كان مسن عادتهسم إذا مات الرجسل يلقسي ابنسه مسن غيرهسا أو أقرب عصسبته ثوبسه على المرأة
فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إل الصداق الذي أصدقها
الميت ،وان شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما
ورثتسه مسن الميست أو تموت فيرثهسا ،فأنزل ال تعالى" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا
النسساء كرهسا" .فيكون المعنسى :ل يحسل لكسم أن ترثوهسن مسن أزواجهسن فتكونوا أزواجسا لهسن .وقيسل:
كان الوارث إن سسبق فألقسى عليهسا ثوبسا فهسو أحسق بهسا ،وإن سسبقته فذهبست إلى أهلهسا كانست أحسق
بنفسسسها؛ قال السسسدي .وقيسسل :كان يكون عنسسد الرجسسل عجوز ونفسسسه تتوق إلى الشابسسة فيكره فراق
العجوز لمالها فيمسكها ول يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها .فنزلت هذه الية.
وأمسسر الزوج أن يطلقهسسا إن كره صسسحبتها ول يمسسسكها كرهسسا؛ فذلك قوله تعالى" :ل يحسسل لكسسم أن
ترثوا النسساء كرهسا" .والمقصسود مسن اليسة إذهاب مسا كانوا عليسه فسي جاهليتهسم ،وأل تجعسل النسساء
كالمال يورثسسن عسسن الرجال كمسسا يورث المال" .وكرهسسا" بضسسم الكاف قراءة حمزة والكسسسائي،
الباقون بالفتسح ،وهمسا لغتان .وقال القتسبي :الكره (بالفتسح) بمعنسى الكراه ،والكره (بالضسم) المشقسة.
يقال :لتفعل ذلك طوعا أو كرها ،يعني طائعا أو مكرها .والخطاب للولياء .وقيل :لزواج النساء
إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية إرثها ،أو يفتدين ببعض مهورهن ،وهذا أصح .واختاره ابن
عطيسة قال :ودليسل ذلك قوله تعالى" :إل أن يأتيسن بفاحشسة) وإذا أتست بفاحشسة فليسس للولي حبسسها
حتى يذهب بمالها إجماعا من المة ،وإنما ذلك للزوج ،على ما يأتي بيانه في المسألة بعد هذا.
@قوله تعالى" :ول تعضلوهسن" قسد تقدم معنسى العضسل وأنسه المنسع فسي "البقرة"" .إل أن يأتيسن
بفاحشة مبينة" اختلف الناس في معنى الفاحشة؛ فقال الحسن :هو الزنا ،وإذا زنت البكر فإنها تجلد
مائة وتنفسى سسنة ،وترد إلى زوجهسا مسا أخذت منه .وقال أبسو قلبسة؛ إذا زنست امرأة الرجسل فل بأس
أن يضارهسا ويشسق عليهسا حتسى تفتدي منسه .وقال السسدي :إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهسن .وقال ابسن
سيرين وأبو قلبة :ل يحل له أن يأخذ منها فدية إل أن يجد على بطنها رجل ،قال ال تعالى" :إل
أن يأتين بفاحشة مبينة" .وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة :الفاحشة المبينة في هذه
اليسة البغسض والنشوز ،قالوا :فإذا نشزت حسل له أن يأخسذ مالهسا؛ وهذا هسو مذهسب مالك .قال ابسن
عطيسة :إل أنسي ل أحفسظ له نصسا فسي الفاحشسة فسي اليسة .وقال قوم :الفاحشسة البذاء باللسسان وسسوء
العشرة قول وفعل؛ وهذا فسي معنسى النشوز .ومسن أهسل العلم مسن يجيسز أخسذ المال مسن الناشسز على
جهسسة الخلع؛ إل أنسسه يرى أل يتجاوز مسسا أعطاهسسا ركونسسا إلى قوله تعالى" :لتذهبوا ببعسسض مسسا
آتيتموهن" .وقال مالك وجماعة من أهل العلم :للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك .قال ابن
عطيسة :والزنسا أصسعب على الزوج مسن النشوز والذى ،وكسل ذلك فاحشسة تحسل أخسذ المال .قال أبسو
عمسر :قول ابسن سسيرين وأبسي قلبسة عندي ليسس بشيسء؛ لن الفاحشسة قسد تكون البذاء والذى؛ ومنسه
قيسسل للبذيسسء :فاحسسش ومتفحسسش ،وعلى أنسسه لو أطلع منهسسا على الفاحشسسة كان له لعانهسسا ،وإن شاء
طلقهسا؛ وأمسا أن يضارهسا حتسى تفتدي منسه بمالهسا فليسس له ذلك ،ول أعلم أحدا قال :له أن يضارهسا
ويسيء إليها حتى تختلع منه إذا وجدها تزني غير أبي قلبة .وال أعلم .وقال ال عز وجل" :فإن
خفتم أل يقيما حدود ال" [البقرة ]229 :يعني في حسن العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها
"فل جناح عليهما فيما افتدت به" [البقرة ]229 :وقال ال عز وجل" :فإن طبن لكم عن شيء
منسه نفسسا فكلوه هنيئا مريئا" [النسساء ]4 :فهذه اليات أصسل هذا الباب .وقال عطاء الخراسساني:
كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها ،فنسخ ذلك بالحدود .وقول
رابسع "إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة "إل أن يزنيسن فيحبسسن فسي البيوت ،فيكون هذا قبسل النسسخ ،وهذا
في معنى قول عطاء ،وهو ضعيف.
@ وإذا تنزلنا على القول بأن المراد بالخطاب في العضل الولياء ففقهه أنه متى صح في ولي
أنسه عاضسل نظسر القاضسي فسي أمسر المرأة وزوجهسا .إل الب فسي بناتسه؛ فإنسه إن كان فسي عضله
صسسلح فل يعترض ،قول واحدا ،وذلك بالخاطسسب والخاطسسبين وإن صسسح عضله ففيسسه قولن فسسي
مذهب مالك :أنه كسائر الولياء ،يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه .والقول الخر
-ل يعرض له :يجوز أن يكون "تعضلوهن" جزما على النهى ،فتكون الواو عاطفة جملة كلم
مقطوعة من الولى ،ويجوز أن يكون نصبا عطفا على "أن ترثوا" فتكون الواو مشتركسة عطفست
فعل على فعسسل .وقرأ ابسسن مسسسعود "ول أن تعضلوهسسن" فهذه القراءة تقوي احتمال النصسسب ،وأن
العضل مما ل يجوز بالنص.
@قوله تعالى" :مبينة" بكسر الياء قراءة نافع وأبي عمرو ،والباقون بفتح الياء .وقرأ ابن عباس
"مبينة" بكسر الباء وسكون الياء ،من أبان الشيء ،يقال :أبان المسر بنفسه ،وأبنته وبين وبينته،
وهذه القراءات كلها لغات فصيحة.
@قوله تعالى" :وعاشروهسن بالمعروف" أي على مسا أمسر ال بسه مسن حسسن المعاشرة .والخطاب
للجميع ،إذ لكل أحد عشرة ،زوجا كان أو وليا؛ ولكن المراد بهذا المر في الغلب الزواج ،وهو
مثسل قوله تعالى" :فإمسساك بمعروف" [البقرة .]229 :وذلك توفيسة حقهسا مسن المهسر والنفقسة ،وأل
يعبسس فسي وجههسا بغيسر ذنسب ،وأن يكون منطلقسا فسي القول ل فظسا ول غليظسا ول مظهرا ميل إلى
غيرها .والعشرة :المخالطة والممازجة .ومنه قول طرفة:
لعلى عهد حبيب معتشر فلئن شطت نواها مرة
جعسسل الحسسبيب .جمعسسا كالخليسسط والغريسسق .وعاشره معاشرة ،وتعاشسسر القوم واعتشروا .فأمسسر ال
سسبحانه بحسسن صسحبة النسساء إذا عقدوا عليهسن لتكون أدمسة مسا بينهسم وصسحبتهم على الكمال ،فإنسه
أهدأ للنفسس وأهنسأ للعيسش .وهذا واجسب على الزوج ول يلزمسه فسي القضاء .وقال بعضهسم :هسو أن
يتصنع لها كما تتصنع له .وقال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي :أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي
في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية ،فقلت :ما هذا؟ قال :إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي
ودهنتني بالطيب ،وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن .وقال ابن عباس رضي ال عنه :إني أحب
أن أتزيسن لمرأتسي كمسا أحسب أن تتزيسن المرأة لي .وهذا داخسل فيمسا ذكرناه .قال ابسن عطيسة :وإلى
معنى الية ينظر قول النبي صلى ال عليه وسلم( :فاستمتع بها وفيها عوج) أي ل يكن منك سوء
عشرة مع اعوجاجها؛ فعنها تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق ،وهو سبب الخلع.
@ واسستدل علماؤنسا بقوله تعالى" :وعاشروهسن بالمعروف" على أن المرأة إذا كانست ل يكفيهسا
خادم واحسد أن عليسه أن يخدمهسا قدر كفايتهسا ،كابنسة الخليفسة والملك وشبههمسا ممسن ل يكفيهسا خادم
واحسد ،وأن ذلك هسو المعاشرة بالمعروف .وقال الشافعسي وأبسو حنيفسة :ل يلزمسه إل خادم واحسد -
وذلك يكفيهسا خدمسة نفسسها ،وليسس فسي العالم امرأة إل وخادم واحسد يكفيهسا؛ وهذا كالمقاتسل تكون له
أفراس عدة فل يسسهم له إل لفرس واحسد؛ لنسه ل يمكنسه القتال إل على فرس واحسد .قال علماؤنسا:
وهذا غلط؛ لن مثسل بنات الملوك اللتسي لهسن خدمسة كثيرة ل يكفيهسا خادم واحسد؛ لنهسا تحتاج مسن
غسل ثيابها لصلح مضجعها وغير ذلك إلى ما ل يقوم به الواحد ،وهذا بين .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإن كرهتموهن" أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز؛ فهذا
يندب فيه إلى الحتمال ،فعسى أن يؤول المر إلى أن يرزق ال منها أولدا صالحين .و"أن" رفع
بس "عسى" وأن والفعل مصدر.
قلت :ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال
عليسه وسسلم( :ل يفرك مؤمسن مؤمنسة إن كره منهسا خلقسا رضسي منهسا آخسر) أو قال (غيره) .المعنسى:
أي ل يبغضهسسا بغضسسا كليسسا يحمله على فراقهسسا .أي ل ينبغسسي له ذلك بسسل يغفسسر سسسيئتها لحسسسنتها
ويتغاضى عما يكره لما يحب .وقال مكحول :سمعت ابن عمر يقول :إن الرجل ليستخير ال تعالى
فيخار له ،فيسخط على ربه عز وجل فل يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له .وذكر ابن
العربسي قال أخسبرني أبسو القاسسم بسن حسبيب بالمهديسة ،عسن أبسي القاسسم السسيوري عسن أبسي بكسر بسن
عبدالرحمسن حيسث قال :كان الشيسخ أبسو محمسد بسن أبسي زيسد مسن العلم والديسن فسي المنزلة والمعرفسة.
وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها؛ فيقال له في أمرها ويعذل
بالصبر عليها ،فكان يقول :أنا رجل قد أكمل ال علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت
يمينسي ،فلعلهسا بعثست عقوبسة على ذنسبي فأخاف إن فارقتهسا أن تنزل بسي عقوبسة هسي أشسد منهسا .قال
علماؤنا :في هذا دليل على كراهة الطلق مع الباحة .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
قال( :إن ال ل يكره شيئا أباحه إل الطلق والكل وإن ال ليبغض المِعى إذا امتل).
**3اليتان{ 21 - 20 :وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا
منسه شيئا أتأخذونسه بهتانسا وإثمسا مبينسا ،وكيسف تأخذونسه وقسد أفضسى بعضكسم إلى بعسض وأخذن منكسم
ميثاقا غليظا}
@ لما مضى في الية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة ،وأن للزوج أخذ المال منها عقب
ذلك بذكسر الفراق الذي سسببه الزوج ،وبيسن أنسه إذا أراد الطلق مسن غيسر نشوز وسسوء عشرة فليسس
له أن يطلب منها مال.
واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهمسسسا نشوز وسسسسوء عشرة؛ فقال مالك
رضي ال عنه :للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ول يراعى تسببه هو .وقال جماعة من
العلماء :ل يجوز له أخذ المال إل أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك.
@قوله تعالى" :وآتيتم إحداهن قنطارا" فيها دليل على جواز المغالة في المهور؛ لن ال تعالى
ل يمثسل إل بمباح .وخطسب عمسر رضسي ال عنسه فقال :أل ل تغالوا فسي صسدقات النسساء فإنهسا لو
كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند ال لكان أولكم بها رسول ال؛ ما أصدق قط امرأة من نسائه
ول بناته فوق اثنتي عشرة أوقية .فقامت إليه امرأة فقالت :يا عمر ،يعطينا ال وتحرمنا! أليس ال
سسبحانه وتعالى يقول" :وآتيتسم إحداهسن قنطارا فل تأخذوا منسه شيئا" ؟ فقال عمسر :أصسابت امرأة
وأخطسأ عمسر .وفسي روايسة فأطرق عمسر ثسم قال :كسل الناس أفقسه منسك يسا عمسر ! .وفسي أخرى :امرأة
أصابت ورجل أخطأ .وترك النكار .أخرجه أبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي العجفاء
السلمي قال :خطب عمر الناس ،فذكره إلى قوله :اثنتي عشرة أوقية ،ولم يذكر :فقامت إليه امرأة.
إلى آخره .وأخرجه ابن ماجة في سننه عن أبي العجفاء ،وزاد بعد قوله :أوقية .وأن الرجل ليثقل
صدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه ،ويقول :قد كلفت إليك علق القربة -أو عرق القربة؛
وكنست رجل عربيسا مولدا مسا أدري مسا علق القربسة أو عرق القربسة .قال الجوهري :وعلق القربسة
لغسة فسي عرق القربسة .قال غيره :ويقال علق القربسة عصسامها الذي تعلق به .يقول كلفت إليسك حتسى
عصام القربة .وعرق القربة ماؤها؛ يقول :جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القربة،
وهسو ماؤهسا فسي السسفر .ويقال :بسل عرق القربسة أن يقول :نصسبت لك وتكلفست حتسى عرقست عرق
القربسة ،وهسو سسيلنها .وقيسل :إنهسم كانوا يتزودون الماء فيعلقونسه على البسل يتناوبونسه فيشسق على
الظهسر؛ ففسسر بسه اللفظان :العرق والعلق .وقال الصسمعي :عرق القربسة كلمسة معناهسا الشدة .قال:
ول أدري مسا أصسلها .قال الصسمعي :وسسمعت ابسن أبسي طرفسة وكان مسن أفصسح مسن رأيست يقول:
سمعت شيخاننا يقولون :لقيت من فولن عرق القربة ،يعنون الشدة .وأنشدني لبن الحمر:
عرق السقاء على القعود اللغب ليست بمشتمة تعد وعفوها
قال أبسو عبيسد :أراد أنسه يسسمع الكلمسة تغيظسه وليسست بشتسم فيؤاخسذ صساحبها بهسا ،وقسد أبلغست إليسه
كعرق القربة ،فقال :كعرق السقا لما لم يمكنه الشعر؛ ثم قال :على القعود اللغب ،وكان معناه أن
تعلق القربة على القعود في أسفارهم .وهذا المعنى شبيه بما كان الفراء يحكيه؛ زعم أنهم كانوا في
المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على البل يتناوبونه؛ فكان في ذلك تعب ومشقة على
الظهسسر .وكان الفراء يجعسسل هذا التفسسسير فسسي علق القربسسة باللم .وقال قوم :ل تعطسسى اليسسة جواز
المغالة بالمهور؛ لن التمثيسسل بالقنطار إنمسسا هسسو على جهسسة المبالغسسة؛ كأنسسه قال :وآتيتسسم هذا القدر
العظيم الذي ل يؤتيه أحد .وهذا كقوله( :من بنى ل مسجدا ولو كمفحص قطاة بنسى ال له بيتا فسي
الجنسة) .ومعلوم أنسه ل يكون مسسجد كمفحسص قطاة .وقسد قال صسلى ال عليسه وسسلم لبسن أبسي حدرد
وقسد جاء يسستعينه فسي مهره ،فسسأله عنسه فقال :مائتيسن؛ فغضسب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
وقال( :كأنكسم تقطعون الذهسب والفضسة مسن عرض الحرة أو جبسل) .فاسستقرأ بعسض الناس مسن هذا
منسع المغالة بالمهور؛ وهذا ل يلزم ،وإنكار النسبي صسلى ال عليسه وسسلم على هذا الرجسل المتزوج
ليس إنكارا لجل المغالة والكثار في المهور ،وإنما النكار لنه كان فقيرا في تلك الحال فأحوج
نفسه إلى الستعانة والسؤال ،وهذا مكروه باتفاق .وقد أصدق عمر أم كلثوم بنت علي من فاطمة
رضوان ال عليهم أربعين ألف درهم .وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي صلى ال عليه
وسسسلم قال لرجسسل( :أترضسسى أن أزوجسسك فلنسسة) ؟ قال :نعسسم .وقال للمرأة( :أترضيسسن أن أزوجسسك
فلنا) ؟ قالت :نعم .فزوج أحدهما من صاحب؛ فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها
شيئا ،وكان ممسن شهسد الحديبيسة وله سسهم بخيسبر؛ فلمسا حضرتسه الوفاة قال :إن رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم زوجني فلنة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا ،وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من
صداقها سهمي بخيبر؛ فأخذت سهمها فباعته بمائة ألف .وقد أجمع العلماء على أل تحديد في أكثر
الصسداق؛ لقوله تعالى" :وآتيتسم إحداهسن قنطارا" واختلفوا فسي أقله ،وسسيأتي عنسد قوله تعالى" :أن
تبتغوا بأموالكسم" [النسساء .]24 :ومضسى القول فسي تحديسد القنطار فسي "آل عمران" .وقرأ ابسن
محيصن "وآتيتم احداهن" بوصل ألف "إحداهن" وهي لغة؛ ومنه قول الشاعر:
وتسمع من تحت العجاج لها ازمل
وقول الخر:
إن لم أقاتل فألبسوني برقعا
@قوله تعالى" :فل تأخذوا منسه شيئا" قال بكسر بسن عبدال المزنسي :ل يأخسذ الزوج مسن المختلعسة
شيئا؛ لقول ال تعالى" :فل تأخذوا" ،وجعلهسسا ناسسسخة ليسسة "البقرة" .وقال ابسسن زيسسد وغيره :هسسي
منسسسوخة بقوله تعالى فسسي سسسورة البقرة "ول يحسسل لكسسم أن تأخذوا ممسسا آتيتموهسسن شيئا" [البقرة:
.]229والصسحيح أن هذه اليات محكمسة وليسس فيهسا ناسسخ ول منسسوخ وكلهسا يبنسى بعضهسا على
بعسض .قال الطسبري :هسي محكمسة ،ول معنسى لقول بكسر :إن أرادت هسي العطاء؛ فقسد جوز النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم لثابست أن يأخسذ مسن زوجتسه مسا سساق إليهسا" .بهتانسا" مصسدر فسي موضسع الحال
"وإثما" معطوف عليه "مبينا" من نعته.
@قوله تعالى" :وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض" تعليل لمنع الخذ مع الخلوة .وقال
بعضهسسم :الفضاء إذا كان معهسسا فسسي لحاف واحسسد جامسسع أو لم يجامسسع؛ حكاه الهروي وهسسو قول
الكلبسسي .وقال الفراء :الفضاء أن يخلو الرجسسل والمرأة وأن يجامعهسسا .وقال ابسسن عباس ومجاهسسد
والسسدي وغيرهسم :الفضاء فسي هذه اليسة الجماع .قال ابسن عباس :ولكسن ال كريسم يكنسى .وأصسل
الفضاء في اللغة المخالطة؛ ويقال للشيء المختلط :فضا .قال الشاعر:
وتمر فضا في عيبتي وزبيب فقلت لها يا عمتي لك ناقتي
ويقال :القوم فوضى فضا ،أي مختلطون ل أمير عليهم .وعلى أن معنى "أفضى" خل وإن لم يكن
جامسع ،هسل يتقرر المهسر بوجود الخلوة أم ل؟ اختلف علماؤنسا فسي ذلك على أربعسة أقوال :يسستقر
بمجرد الخلوة .ل يسسستقر إل بالوطسسء .يسسستقر بالخلوة فسسي بيسست الهداء .التفرقسسة بيسسن بيتسسه وبيتهسسا.
والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا ،وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ،قالوا :إذا خل بها خلوة صحيحة
يجب كمال المهر والعدة دخل بها أو لم يدخل بها؛ لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال :قال رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسن كشسف خمار امرأة ونظسر إليهسا وجسب الصسداق) .وقال عمسر :إذا
أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث .وعن علي :إذا
أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق .وقال مالك :إذا طال مكثه معها مثل السنة
ونحوهسا ،واتفقسا على أل مسسيس وطلبست المهسر كله كان لهسا .وقال الشافعسي :ل عدة عليهسا ولهسا
نصف المهر .وقد مضى في "البقرة".
@قوله تعالى" :وأخذن منكم ميثاقا غليظا" فيه ثلثة أقوال .قيل :هو قوله عليه السلم( :فاتقوا ال
في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة ال واستحللتم فروجهن بكلمة ال) .قاله عكرمة والربيع .الثاني:
قوله تعالى" :فإمسسساك بمعروف أو تسسسريح بإحسسسان" [البقرة ]229 :قاله الحسسسن وابسسن سسسيرين
وقتادة والضحاك والسسسسدي .الثالث :عقدة النكاح قول الرجسسسل :نكحسسست وملكسسست عقدة النكاح؛ قال
مجاهد وابن زيد .وقال قوم :الميثاق الغليظ الولد .وال أعلم.
**3الية{ 22 :ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء
سبيل}
@قوله تعالى" :ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم مسن النسساء" يقال :كان الناس يتزوجون امرأة الب
برضاهسا بعسد نزول قوله تعالى" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" [النسساء:
]19حتسى نزلت هذه اليسة" :ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم" فصسار حرامسا فسي الحوال كلهسا؛ لن
النكاح يقسسع على الجماع والتزوج ،فإن كان الب تزوج امرأة أو وطئهسسا بغيسسر نكاح حرمسست على
ابنه؛ على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :مسا نكسح" قيسل :المراد بهسا النسساء .وقيسل :العقسد ،أي نكاح آباؤكسم الفاسسد المخالف
لديسن ال؛ إذ ال قسد أحكسم وجسه النكاح وفصسل شروطسه .وهسو اختيار الطسبري .فسس "مسن" متعلقسة بسس
"تنكحوا" و"ما نكح" مصدر .قال :ولو كان معناه ول تنكحوا النساء اللتي نكح آباؤكم لوجب أن
يكون موضسسع "مسسا" "مسن" .فالنهسي على هذا إنمسسا وقسسع على أل ينكحوا مثسل نكاح آبائهسسم الفاسسسد.
والول أصح ،وتكون "ما" بمعنى "الذي" و"من" .والدليل عليه أن الصحابة تلقت الية على ذلك
المعنسى؛ ومنسه اسستدلت على منسع نكاح البناء حلئل الباء .وقسد كان فسي العرب قبائل قسد اعتادت
أن يخلف ابسن الرجسل على امرأة أبيسه ،وكانست هذه السسيرة فسي النصسار لزمسة ،وكانست فسي قريسش
مباحة مع التراضي .أل ترى أن عمرو بن أمية خلف على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافرا
وأبسسا معيسسط ،وكان لهسسا مسسن أميسسة أبسسو العيسسص وغيره؛ فكان بنسسو أميسسة إخوة مسسسافر وأبسسي معيسسط
وأعمامهمسا .ومسن ذلك صسفوان بسن أميسة بسن خلف تزوج بعسد أبيسه امرأتسه فاختسه بنست السسود بسن
المطلب بن أسسد ،وكان أمية قتل عنهسا .ومن ذلك منظور بن زبان خلف على مليكسة بنت خارجة،
وكانت تحت أبيه زبان بن سيار .ومن ذلك حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن.
والسسود بسن خلف تزوج امرأة أبيسه .وقال الشعسث بسن سسوار :توفسي أبسو قيسس وكان مسن صسالحي
النصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت :إني أعدك ولدا ،ولكني آتي وسول ال صلى ال عليه
وسسلم اسستأمره؛ فأتتسه فأخسبرته فأنزل ال هذه اليسة .وقسد كان فسي العرب مسن تزوج ابنتسه ،وهسو
حاجب بن زرارة تمجس وفعل هذه الفعلة؛ ذكر ذلك النضر بن شميل في كتاب المثالب .فنهى ال
المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة.
@قوله تعالى" :إل مسا قسد سسلف" أي تقدم ومضسى .والسسلف؛ مسن تقدم مسن آبائك وذوي قرابتسك.
وهذا اسستثناء منقطسع ،أي لكسن مسا قسد سسلف فاجتنبوه ودعوه .وقيسل" :إل" بمعنسى بعسد ،أي بعسد مسا
سسلف؛ كمسا قال تعالى" :ل يذوقون فيهسا الموت إل الموتسة الولى" [الدخان ]56 :أي بعسد الموتسة
الولى .وقيسل" :إل مسا قسد سسلف" أي ول مسا سسلف؛ كقوله تعالى" :ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا
إل خطأ" [النساء ]92 :يعني ول خطأ .وقيل :في الية تقديم وتأخير ،معناه :ول تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيل إل ما قد سلف .وقيل :في الية إضمار لقوله
"ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إل ما قد سلف.
@قوله تعالى" :إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيل" عقب بالذم البالغ المتتابع ،وذلك دليل على أنه
فعل انتهى من القبح إلى الغاية .قال أبو العباس :سألت ابن العرابي عن نكاح المقت فقال :هو أن
يتزوج الرجسل امرأة أبيسه إذا طلقهسا أو مات عنهسا؛ ويقال لهذا الرجسل :الضيزن .وقال ابسن عرفسة:
كانست العرب إذا تزوج الرجسل امرأة أبيسه فأولدهسا قيسل للولد :المقتسي .وأصسل المقست البغسض؛ مسن
مقتسه يمقتسه مقتسا فهسو ممقوت ومقيست .فكانست العرب تقول للرجسل مسن امرأة أبيسه :مقيست؛ فسسمى
تعالى هذا النكاح "مقتا" إذ هو ذا مقت يلحق فاعله .وقيل :المراد بالية النهي عن أن يطأ الرجل
امرأة وطئها الباء ،إل ما قد سلف من الباء في الجاهلية من الزنى بالنساء ل على وجه المناكحة
فإنسه جائز لكسم زواجهسن .وأن تطؤوا بعقسد النكاح مسا وطئه آباؤكسم مسن الزنسى؛ قال ابسن زيسد .وعليسه
فيكون الستثناء متصل ،ويكون أصل في أن الزنى ل يحرم على ما يأتي بيانه .وال أعلم.
**3الية{ 23 :حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات
الخست وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم وأخواتكسم مسن الرضاعسة وأمهات نسسائكم وربائبكسم اللتسي فسي
حجوركسم مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن فإن لم تكونوا دخلتسم بهسن فل جناح عليكسم وحلئل أبنائكسم
الذين من أصلبكم وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف إن ال كان غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :حرمست عليكسم أمهاتكسم وبناتكسم" أي نكاح أمهاتكسم ونكاح بناتكسم؛ فذكسر ال تعالى
في هذه الية ما يحل من النساء وما يحرم ،كما ذكر تحريم حليلة الب .فحرم ال سبعا من النسب
وستا من رضاع وصهر ،وألحقت السنة المتواترة سابعة؛ وذلك الجمع بين المرأة وعمتها ،ونص
عليسه الجماع .وثبتست الروايسة عسن ابسن عباس قال :حرم مسن النسسب سسبع ومسن الصسهر سسبع ،وتل
هذه اليسسسسة .وقال عمرو بسسسسن سسسسسالم مولى النصسسسسار مثسسسسل ذلك ،وقال :السسسسسابعة قوله تعالى:
"والمحصسنات" .فالسسبع المحرمات مسن النسسب :المهات والبنات والخوات والعمات والخالت،
وبنات الخ وبنات الخسسست .والسسسسبع المحرمات بالصسسسهر والرضاع :المهات مسسسن الرضاعسسسة
والخوات من الرضاعة ،وأمهات النساء والربائب وحلئل البناء والجمع بين الختين ،والسابعة
"ول تنكحوا ما نكح آبائكم" .قال الطحاوي :وكل هذا من المحكم المتفق عليه ،وغير جائز نكاح
واحدة منهسن بإجماع إل أمهات النسساء اللواتسي لم يدخسل بهسن أزواجهسن؛ فإن جمهور السسلف ذهبوا
إلى أن الم تحرم بالعقسسد على البنسسة ،ول تحرم البنسسة إل بالدخول بالم؛ وبهذا قول جمعسسي أئمسسة
الفتوى بالمصار .وقالت طائفة من السلف :الم والربيبة سواء ،ل تحرم منهما واحدة إل بالدخول
بالخرى.
قالوا :ومعنسى قوله" :وأمهات نسسائكم" أي اللتسي دخلتسم بهسن" .وربائبكسم اللتسي فسي حجوركسم
مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن" .وزعموا أن شرط الدخول راجسع إلى المهات والربائب جميعسا؛
رواه خلس عن علي بن أبي طالب .وروي عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت ،وهو قول ابن
الزبير ومجاهد .قال مجاهد :الدخول مراد في النازلتين؛ وقول الجمهور مخالف لهذا وعليه الحكم
والفتيا ،وقد شدد أهل العراق فيه حتى قالوا :لو وطئها بزنى أو قبلها أو لمسها بشهوة حرمت عليه
ابنتهسا .وعندنسا وعنسد الشافعسي إنمسا تحرم بالنكاح الصسحيح؛ والحرام ل يحرم الحلل على مسا يأتسي.
وحديسث خلس عسن علي ل تقوم بسه حجسة ،ول تصسح روايتسه عنسد أهسل العلم بالحديسث ،والصسحيح
عنسه مثسل قول الجماعسة .قال ابسن جريسج :قلت لعطاء الرجسل ينكسح المرأة ثسم ل يراهسا ول يجامعهسا
حتى يطلقها أو تحل له أمها؟ قال :ل ،هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل .فقلت له :أكان ابن عباس
يقرأ" :وأمهات نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن" ؟ قال :ل ل .وروى سسعيد عسن قتادة عسن عكرمسة عسن
ابسن عباس فسي قوله تعالى" :وأمهات نسسائكم" قال :هسي مبهمسة ل تحسل بالعقسد على البنسة؛ وكذلك
روى مالك فسي موطئه عسن زيسد بسن ثابست ،وفيسه" :فقال زيسد ل ،الم مبهمسة ليسس فيهسا شرط وإنمسا
الشرط فسي الربائب" .قال ابسن المنذر :وهذا هسو الصسحيح؛ لدخول جميسع أمهات النسساء فسي قوله
تعالى" :وأمهات نسائكم" .ويؤيد هذا القول من جهة العراب أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم
يكن نعتهما واحدا؛ فل يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات ،على
أن تكون "الظريفات" نعتا لنسائك ونساء زيد؛ فكذلك الية ل يجوز أن يكون "اللتي" من نعتهما
جميعا؛ لن الخبرين مختلفان ،ولكنه يجوز على معنى أعني .وأنشد الخليل وسيبويه:
خويربين ينقفان الهاما إن بها أكتل أو رزاما
خويربين يعني لصين ،بمعنى أعني .وينقفان :يكسران؛ نقفت رأسه كسرته .وقد جاء صريحا من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى ال عليه وسلم( :إذا نكح الرجل المرأة
فل يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج الم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء
تزوج البنت) أخرجه في الصحيحين
وإذا تقرر هذا وثبسست فاعلم أن التحريسسم ليسسس صسسفة للعيان ،والعيان ليسسست موردا للتحليسسل
والتحريسم ول مصسدرا ،وإنمسا يتعلق التكليسف بالمسر والنهسي بأفعال المكلفيسن مسن حركسة وسسكون؛
لكسن العيان لمسا كانست موردا للفعال أضيسف المسر والنهسي والحكسم إليهسا وعلق بهسا مجازا على
معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحل به.
@قوله تعالى" :أمهاتكم" تحريم المهات عام في كل حال ل يتخصص بوجه من الوجوه؛ ولهذا
يسسميه أهسل العلم المبهسم ،أي ل باب فيسه ول طريسق إليسه لنسسداد التحريسم وقوتسه؛ وكذلك تحريسم
البنات والخوات ومسن ذكسر مسن المحرمات .والمهات جمسع أمهسة؛ يقال :أم وأمهسة بمعنسى واحسد،
وجاء القرآن بهمسا .وقسد تقدم فسي الفاتحسة بيانسه .وقيسل :إن أصسل أم أمهسة على وزن فعلة مثسل قسبرة
وحمرة لطيرين ،فسقطت وعادت في الجمع .قال الشاعر:
أمهتي خندف والدوس أبي
وقيل :أصل الم أمة ،وأنشدوا:
تثوب إليها في النوائب أجمعا تقبلتها عن أمة لك طالما
ويكون جمعها أمات .قال الراعي:
أماتهن وطرقهن فحيل كانت نجائب منذر ومحرق
فالم اسم لكل أنثى لها عليك ولدة؛ فيدخل في ذلك الم دنية ،وأمهاتها وجداتها وأم الب وجداته
وإن علون .والبنست اسسم لكسل أنثسى لك عليهسا ولدة ،وإن شئت قلت :كسل أنثسى يرجسع نسسبها إليسك
بالولدة بدرجة أو درجات؛ فيدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها وبنات البناء وإن نزلن .والخت
اسسم لكسل أنثسى جاورتسك فسي أصسليك أو فسي أحدهمسا والبنات جمسع بنست ،والصسل بنيسة ،والمسستعمل
ابنسة وبنست .قال الفراء :كسسرت الباء مسن بنست لتدل الكسسرة على الياء ،وضمست اللف مسن أخست
لتدل على حذف الواو ،فإن أصل أخت أخوة ،والجمع أخوات .والعمة اسم لكل أنثى شاركت أباك
أو جدك فسي أصسليه أو فسي أحدهمسا .وإن شئت قلت :كسل ذكسر رجسع نسسبه إليسك فأختسه عمتسك .وقسد
تكون العمة من جهة الم ،وهي أخت أب أمك .والخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو
في أحدهما .وإن شئت قلت :كل أنثى رجع نسبها إليك بالولدة فأختها خالتك .وقد تكون الخالة من
جهسة الب وهسي أخست أم أبيسك .وبنست الخ اسسم لكسل أنثسى لخيسك عليهسا ولدة بواسسطة أو مباشرة؛
وكذلك بنست الخست .فهذه السسبع المحرمات مسن النسسب .وقرأ نافسع -فسي روايسة أبسي بكسر بسن أبسي
أويس -بتشديد الخاء من الخ إذا كانت فيه اللف واللم مع نقل الحركة.
@قوله تعالى" :وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم" وهسي فسي التحريسم مثسل مسن ذكرنسا؛ قال رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم( :يحرم مسن الرضاع مسا يحرم مسن النسسب) .وقرأ عبدال "وأمهاتكسم اللئي"
بغير تاء؛ كقوله تعالى" :واللئي يئسن من المحيض" [الطلق ]4 :قال الشاعر:
ولكن ليقتلن البريء المغفل من اللء لم يحججن يبغين حسبة
"أرضعنكسم" فإذا أرضعست المرأة طفل حرمست عليسه لنهسا أمسه ،وبنتهسا لنهسا أختسه ،وأختهسا لنهسا
خالته ،وأمها لنها جدته ،وبنت زوجها صساحب اللبن لنها أخته ،وأخته لنهسا عمته ،وأمه لنها
جدته ،وبنات بنيها وبناتها لنهن بنات إخوته وأخواته.
@ قال أبو نعيم عبيدال بن هشام الحلبي :سئل مالك عن المرأة أيحج معها أخوها من الرضاعة؟
قال :نعم .قال أبو نعيم :وسئل مالك عن امرأة تزوجت فدخل بها زوجها .ثم جاءت امرأة فزعمت
أنها أرضعتهما؛ قال :يفرق بينهما ،وما أخذت من شيء له فهو لها ،وما بقي عليه فل شيء عليه.
ثسم قال مالك :إن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم سسئل عسن مثسل هذا فأمسر بذلك؛ فقالوا :يسا رسسول ال،
إنها امرأة ضعيفة؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أليس يقال إن فلنا تزوج أخته) ؟
@ التحريم بالرضاع إنما يحصل إذا اتفق الرضاع في الحولين؛ كما تقدم في "البقرة" .ول فرق
بيسسن قليسسل الرضاع وكثيره عندنسسا إذا وصسسل إلى المعاء ولو مصسسة واحدة .واعتسسبر الشافعسسي فسسي
الرضاع شرطيسسن :أحدهمسسا خمسسس رضعات؛ لحديسسث عائشسسة قالت :كان فيمسسا أنزل ال عشسسر
رضعات معلومات يحرمسن ،ثسم نسسخن بخمسس معلومات ،وتوفسي رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
وهن مما يقرأ من القرآن .موضع الدليل منه أنها أثبتت أن العشر نسخن بخمس ،فلو تعلق التحريم
بمسا دون الخمسس لكان ذلك نسسخا للخمسس .ول يقبسل على هذا خسبر واحسد ول قياس؛ لنسه ل ينسسخ
بهمسسا .وفسسي حديسسث سسسهلة (أرضعيسسه خمسسس رضعات يحرم بهسسن) .الشرط الثانسسي :أن يكون فسسي
الحوليسسسن ،فإن كان خارجسسسا عنهمسسسا لم يحرم؛ لقوله تعالى" :حوليسسسن كامليسسسن لمسسسن أراد أن يتسسسم
الرضاعة" [البقرة .]233 :وليس بعد التمام والكمال شيء .واعتبر أبو حنيفة بعد الحولين ستة
أشهر .ومالك الشهر ونحوه .وقال زفر :ما دام يجتزئ باللبن ولم يفطم فهو رضاع وإن أتى عليه
ثلث سسنين .وقال الوزاعسي :إذا فطسم لسسنة واسستمر فطامسه فليسس بعده رضاع .وانفرد الليسث بسن
سسعد مسن بيسن العلماء إلى أن رضاع الكسبير يوجسب التحريسم؛ وهسو قول عائشسة رضسي ال عنهسا؛
وروي عسن أبسي موسسى الشعري ،وروي عنسه مسا يدل على رجوعسه عسن ذلك ،وهسو مسا رواه أبسو
حصسين عسن أبسي عطيسة قال :قدم رجسل بامرأتسه مسن المدينسة فوضعست وتورم ثديهسا ،فجعسل يمصسه
ويمجسه فدخسل فسي بطنسه جرعسة منسه؛ فسسأل أبسا موسسى فقال :بانست منسك ،وأت ابسن مسسعود فأخسبره،
ففعل؛ فأقبل بالعرابي إلى أبي موسى الشعري وقال :أرضيعا ترى هذا الشمط ! إنما يحرم من
الرضاع مسا ينبست اللحسم والعظسم .فقال الشعري :ل تسسألوني عسن شيسء وهذا الحسبر بيسن أظهركسم.
فقوله" :ل تسسألوني" يدل على أنسه رجسع عسن ذلك .واحتجست عائشسة بقصسة سسالم مولى أبسي حذيفسة
وأنسه كان رجل .فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لسسهلة بنست سسهيل( :أرضعيسه) خرجسه الموطسأ
وغيره .وشذت طائفسسة فاعتسسبرت عشسسر رضعات؛ تمسسسكا بأنسسه كان فيمسسا أنزل :عشسسر رضعات.
وكأنهسم لم يبلغهسم الناسسخ .وقال داود :ل يحرم إل بثلث رضعات؛ واحتسج بقول رسسول ال صسلى
ال عليسسه وسسسلم (ل تحرم الملجسسة والملجتان) .خرجسسه مسسسلم .وهسسو مروى عسسن عائشسسة وابسسن
الزبير ،وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ،وهو تمسك بدليل الخطاب ،وهو مختلف فيه.
وذهسسب مسسن عدا هؤلء مسسن أئمسسة الفتوى إلى أن الرضعسسة الواحدة تحرم إذا تحققسست كمسسا ذكرنسسا؛
متمسكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرضاع .وعضد هذا بما وجد من العمل عليه بالمدينة وبالقياس
على الصسهر؛ بعلة أنسه معنسى طارئ يقتضسي تأبيسد التحريسم فل يشترط فيسه العدد كالصسهر .وقال
الليث بن سعد :وأجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهسد ما يفطسر الصائم.
قال أبو عمر .لم يقف الليث على الخلف في ذلك.
قلت :وأنسسص مسسا فسسي هذا الباب قوله صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :ل تحرم المصسسة ول المصسستان)
أخرجسسه مسسسلم فسسي صسسحيحه .وهسسو يفسسسر معنسسى قوله تعالى" :وأمهاتكسسم اللتسسي أرضعنكسسم" أي
أرضعنكم ثلث رضعات فأكثر؛ غير أنه يمكن أن يحمل على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف
الرضيسسع؛ لقوله" :عشسسر رضعات معلومات .وخمسسس رضعات معلومات" .فوصسسفها بالمعلومات
إنمسا هسو تحرز ممسا يتوهسم أو يشسك فسي وصسوله إلى الجوف .ويفيسد دليسل خطابسه أن الرضعات إذا
كانسست غيسسر معلومات لم تحرم .وال أعلم .وذكسسر الطحاوي أن حديسسث الملجسسة والملجتيسسن ل
يثبت؛ لنه مرة يرويه ابن الزبير عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ومرة يرويه عن عائشة ،ومرة
يرويه عن أبيه؛ ومثل هذا الضطراب يسقطه .وروي عن عائشة أنه ل يحرم إل سبع رضعات.
وروي عنهسا أنهسا أمرت أختهسا "أم كلثوم" أن ترضسع سسالم بسن عبدال عشسر رضعات .وروي عسن
حفصسة مثله ،وروي عنهسا ثلث ،وروي عنهسا خمسس؛ كمسا قال الشافعسي رضسي ال عنسه ،وحكسي
عن إسحاق.
@قوله تعالى" :وأمهاتكم اللتي أرضعنكم" استدل به من نفى لبن الفحل ،وهو سعيد بن المسيب
وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبدالرحمن ،وقالوا :لبن الفحل ل يحرم شيئا من قبل الرجل .وقال
الجمهور :قوله تعالى" :وأمهاتكسم اللتسي أرضعنكسم" يدل على أن الفحسل أب؛ لن اللبسن منسسوب
إليسه فإنسه در بسسبب ولده .وهذا ضعيسف؛ فإن الولد خلق مسن ماء الرجسل والمرأة جميعسا ،واللبسن مسن
المرأة ولم يخرج من الرجل ،وما كان من الرجل إل وطء هو سبب لنزول الماء منه ،وإذا فصل
الولد خلق ال اللبسن مسن غيسر أن يكون مضافسا إلى الرجسل بوجسه مسا؛ ولذلك لم يكسن للرجسل حسق فسي
اللبسن ،وإنمسا اللبسن لهسا ،فل يمكسن أخسذ ذلك مسن القياس على الماء .وقول رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم( :يحرم مسن الرضاع مسا يحرم مسن النسسب) يقتضسي التحريسم مسن الرضاع ،ول يظهسر وجسه
نسسبة الرضاع إلى الرجسل مثسل ظهور نسسبة الماء إليسه والرضاع منهسا .نعسم ،الصسل فيسه حديسث
الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي ال عنها :أن أفلح أخا القعيس جاء يستأذن
عليهسا ،وهسو عمهسا مسن الرضاعسة بعسد أن نزل الحجاب .قالت :فأبيست أن آذن له؛ فلمسا جاء النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم أخسبرته فقال( :ليلج عليسك فإنسه عمسك تربست يمينسك) .وكان أبسو القعيسس زوج
المرأة التي أرضعت عائشة رضي ال عنها؛ وهذا أيضا خبر واحد .ويحتمل أن يكون "أفلح" مع
أبسي بكسر رضيعسي لبان فلذلك قال( :ليلج عليك فإنسه عمسك) .وبالجملة فالقول فيسه مشكل والعلم عند
ال ،ولكن العمل عليه ،والحتياط في التحريم أولى ،مع أن قوله تعالى" :وأحل لكم ما وراء ذلكم"
يقوي قول المخالف.
@قوله تعالى" :وأخواتكم من الرضاعة" وهي الخت لب وأم ،وهي التي أرضعتها أمك بلبان
أبيسسك؛ سسسواء أرضعتهسسا معسسك أو ولدت قبلك أو بعدك .والخسست مسسن الب دون الم ،وهسسي التسسي
أرضعتها زوجة أبيك .والخت من الم دون الب ،وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر .ثم
ذكسر التحريسم بالمصساهرة فقال تعالى" :وأمهات نسسائكم" والصسهر أربسع :أم المرأة وابنتهسا وزوجسة
الب وزوجة البن .فأم المرأة تحرم بمجرد العقد الصحيح على ابنتها على ما تقدم
@قوله تعالى" :وربائبكسم اللتسي فسي حجوركسم مسن نسسائكم اللتسي دخلتسم بهسن" هذا مسستقل بنفسسه.
ول يرجع قوله" :من نسائكم اللتي دخلتم بهن" إلى الفريق الول ،بل هو راجع إلى الربائب ،إذ
هسو أقرب مذكور كمسا تقدم .والربيبسة :بنست امرأة الرجسل مسن غيره؛ سسميت بذلك لنسه يربيهسا فسي
حجره فهسي مربوبسة ،فعيلة بمعنسى مفعولة .واتفسق الفقهاء على أن الربيبسة تحرم على زوج أمهسا إذا
دخسل بالم ،وإن لم تكسن الربيبسة فسي حجره .وشسذ بعسض المتقدميسن وأهسل الظاهسر فقالوا :ل تحرم
عليه الربيبة إل أن تكون في حجر المتزوج بأمها؛ فلو كانت في بلد آخر وفارق الم بعد الدخول
فله أن يتزوج بهسا؛ واحتجوا باليسة فقالوا :حرم ال تعالى الربيبسة بشرطيسن :أحدهمسا :أن تكون فسي
حجسر المتزوج بأمهسا .والثانسي :الدخول بالم؛ فإذا عدم أحسد الشرطيسن لم يوجسد التحريسم .واحتجوا
بقوله عليه السلم( :لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) فشرط
الحجسر .ورووا عسن علي بسن أبسي طالب إجازة ذلك .قال ابسن المنذر والطحاوي :أمسا الحديسث عسن
علي فل يثبت؛ لن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس عن علي ،وإبراهيم هذا ل يعرف،
وأكثسر أهسل العلم قسد تلقوه بالدفسع والخلف .قال أبسو عبيسد :ويدفعسه قوله( :فل تعرضسن علي بناتكسن
ول أخواتكسن) فعسم .ولم يقسل :اللئي فسي حجري ،ولكنسه سسوى بينهسن فسي التحريسم .قال الطحاوي:
وإضافتهسن إلى الحجور إنمسا ذلك على الغلب ممسا يكون عليسه الربائب؛ ل أنهسن ل يحرمسن إذا لم
يكن كذلك.
@قوله تعالى" :فإن لم تكونوا دخلتسم بهسن" يعنسي بالمهات" .فل جناح عليكسم" يعنسي فسي نكاح
بناتهسن إذا طلقتموهسن أو متسن عنكسم .وأجمسع العلماء على أن الرجسل إذا تزوج المرأة ثسم طلقهسا أو
ماتست قبسل أن يدخسل بهسا حسل له نكاح ابنتهسا .واختلفوا فسي معنسى الدخول بالمهات الذي يقسع بسه
تحريسسم الربائب؛ فروي عسسن ابسسن عباس أنسسه قال :الدخول الجماع؛ وهسسو قول طاوس وعمرو بسسن
دينار وغيرهمسا .واتفسق مالك والثوري وأبسو حنيفسة والوزاعسي والليسث على أنسه إذا مسسها بشهوه
حرمسست عليسسه أمهسسا وابنتهسسا وحرمسست على الب والبسسن ،وهسو أحسسد قولي الشافعسسي .واختلفوا فسسي
النظسر؛ فقال مالك :إذا نظسر إلى شعرهسا أو صسدرها أو شيسء مسن محاسسنها للذة حرمست عليسه أمهسا
وابنتهسسا .وقال الكوفيون :إذا نظسسر إلى فرجهسسا للشهوة كان بمنزلة اللمسسس للشهوة .وقال الثوري:
يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لمسها؛ ولم يذكر الشهوة .وقال ابن أبي ليلى :ل تحرم بالنظر
حتسى يلمسس؛ وهسو قول الشافعسي .والدليسل على أن بالنظسر يقسع التحريسم أن فيسه نوع اسستمتاع فجرى
مجرى النكاح؛ إذ الحكام تتعلق بالمعانسي ل باللفاظ .وقسد يحتمسل أن يقال :إنسه نوع مسن الجتماع
بالسسستمتاع؛ فإن النظسسر اجتماع ولقاء ،وفيسسه بيسسن المحسسبين اسسستمتاع؛ وقسسد بالغ فسسي ذلك الشعراء
فقالوا:
وإيانا فذاك بنا تدان أليس الليل يجمع أم عمرو
ويعلوها النهار كما علني نعم ،وترى الهلل كما أراه
فكيف بالنظر والمجالسة والمحادثة واللذة.
@قوله تعالى" :وحلئل أبنائكم" الحلئل جمع حليلة ،وهي الزوجة .سميت حليلة لنها تحل مع
الزوج حيسث حسل؛ .فهسي فعيلة بمعنسى فاعلة .وذهسب الزجاج وقوم إلى أنهسا مسن لفظسة الحلل؛ فهسي
حليلة بمعنى محللة .وقيل :لن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه.
أجمسع العلماء على تحريسم مسا عقسد عليسه الباء على البناء ،ومسا عقسد عليسه البناء على الباء،
كان مسع العقسد وطسء أو لم يكسن؛ لقوله تعالى" :ول تنكحوا مسا نكسح آبائكسم مسن النسساء" وقوله تعالى:
"وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم "؛ فإن نكح أحدهما نكاحا فاسدا حرم على الخر العقد عليها
كما يحرم بالصحيح؛ لن النكاح الفاسد ل يخلو :إما أن يكون متفقا على فسساده أو مختلفا فيه .فإن
كان متفقسا على فسساده لم يوجسب حكمسا وكان وجوده كعدمسه .وإن كان مختلفسا فيسه فيتعلق بسه مسن
الحرمسسة مسسا يتعلق بالصسسحيح؛ لحتمال أن يكون نكاحسسا فيدخسسل تحسست مطلق اللفسسظ .والفروج إذا
تعارض فيها التحريم والتحليل غلب التحريم .وال أعلم .قال ابن المنذر :أجمع كل من يحفظ عنه
مسن علماء المصسار على أن الرجسل إذا وطسئ امرأة بنكاح فاسسد أنهسا تحرم على أبيسه وابنسه وعلى
أجداده وولد ولده.
@ وأجمسع العلماء على أن عقسد الشراء على الجاريسة ل يحرمهسا على أبيسه وابنسه؛ فإذا اشترى
الرجسل جاريسة فلمسس أو قبسل حرمست على أبيسه وابنسه ،ل أعلمهسم يختلفون فيسه؛ فوجسب تحريسم ذلك
تسسليما لهسم .ولمسا اختلفوا فسي تحريمهسا بالنظسر دون اللمسس لم يجسز ذلك لختلفهسم .قال ابسن المنذر:
ول يصسح عسن أحسد مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم خلف مسا قلناه .وقال يعقوب
ومحمد :إذا نظر رجل في فرج امرأة من شهوة حرمت على أبيه وابنه ،وتحرم عليه أمها وابنتها.
وقال مالك :إذا وطسسئ المسسة أو قعسسد منهسسا مقعدا لذلك وإن لم يفسسض إليهسسا ،أو قبلهسسا أو باشرهسسا أو
غمزها تلذذا فل تحل لبنه .وقال الشافعي :إنما تحرم باللمس ول تحرم بالنظر دون اللمس؛ وهو
قول الوزاعي
@ واختلفوا في الوطء بالزنى هل يحرم أم ل؛ فقال أكثر أهل العلم :لو أصاب رجل امرأة بزنى
لم يحرم عليه نكاحها بذلك؛ وكذلك ل تحرم عليه امرأته إذا زنسى بأمهسا أو بابنتها ،وحسبه أن يقام
عليسه الحسد ،ثسم يدخسل بامرأتسه .ومسن زنسى بامرأة ثسم أراد نكاح أمهسا أو ابنتهسا لم تحرمسا عليسه بذلك.
وقالت طائفسسة :تحرم عليسسه .روي هذا القول عسسن عمران بسسن حصسسين؛ وبسسه قال الشعسسبي وعطاء
والحسسن وسسفيان الثوري وأحمسد وإسسحاق وأصسحاب الرأي ،وروي عسن مالك؛ وأن الزنسى يحرم
الم والبنسة وأنسه بمنزلة الحلل ،وهسو قول أهسل العراق .والصسحيح مسن قول مالك وأهسل الحجاز:
أن الزنسى ل حكسم له؛ لن ال سسبحانه وتعالى قال" :وأمهات نسسائكم" وليسست التسي زنسى بهسا مسن
أمهات نسسائه ،ول ابنتهسا مسن ربائبسه .وهسو قول الشافعسي وأبسي ثور .لنسه لمسا ارتفسع الصسداق فسي
الزنسسسى ووجوب العدة والميراث ولحقوق الولد ووجوب الحسسسد ارتفسسسع أن يحكسسسم له بحكسسسم النكاح
الجائز .وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت :سئل رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم عسن رجسل زنسى بامرأة فأراد أن يتزوجهسا أو ابنتهسا فقال( :ل يحرم الحرام الحلل
إنمسا يحرم مسا كان بنكاح) .ومسن الحجسة للقول الخسر إخبار النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عسن جريسج
وقوله( :يسسا غلم مسسن أبوك) قال :فلن الراعسسي .فهذا يدل على أن الزنسسى يحرم كمسسا يحرم الوطسسء
الحلل؛ فل تحسل أم المزنسي بهسا ول بناتهسا لباء الزانسي ول لولده؛ وهسي روايسة ابسن القاسسم فسي
المدونسة .ويسستدل بسه أيضسا على أن المخلوقسة مسن ماء الزنسى ل تحسل للزانسي بأمهسا ،وهسو المشهور.
قال عليسسه السسسلم( :ل ينظسسر ال إلى رجسسل نظسسر إلى فرج امرأة وابنتهسسا) ولم يفصسسل بيسسن الحلل
والحرام .وقال عليه السلم( :ل ينظر ال إلى من كشف قناع امرأة وابنتها) .قال ابن خويز منداد:
ولهذا قلنسا إن القبلة وسسائر وجوه السستمتاع ينشسر الحرمسة .وقال عبدالملك الماجشون :إنهسا تحسل؛
وهو الصحيح لقوله تعالى" :وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا" [الفرقان]54 :
يعنسي بالنكاح الصسحيح ،على مسا يأتسي فسي "الفرقان" بيانسه .ووجسه التمسسك مسن الحديسث على تلك
المسألتين أن النبي صلى ال عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني ،وصدق
ال نسسبته بمسا خرق له مسن العادة فسي نطسق الصسبي بالشهادة له بذلك؛ وأخسبر بهسا النسبي صسلى ال
عليه وسلم عن جريج في معرض المدح وإظهار كرامته؛ فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق ال
تعالى وبإخبار النبي صلى ال عليه وسلم عن ذلك؛ فثبتت البنوة وأحكامها.
فإن قيل :فيلزم على هذا أن تجري أحكام البنوة والبوة من التوارث والوليات وغير ذلك ،وقد
اتفق المسلمون على أنه ل توارث بينهما فلم تصح تلك النسبة؟
فالجواب :إن ذلك موجسسب مسسا ذكرناه .ومسسا انعقسسد عليسسه الجماع مسسن الحكام اسسستثنيناه ،وبقسسي
الباقي على أصل ذلك الدليل ،وال أعلم.
@ واختلف العلماء أيضسا مسن هذا الباب فسي مسسألة اللئط؛ فقال مالك والشافعسي وأبسو حنيفسة
وأصسحابهم :ل يحرم النكاح باللواط .وقال الثوري :إذا لعسب بالصسبي حرمست عليسه أمسه؛ وهسو قول
أحمسد بسن حنبل .قال :إذا تلوط بابسن امرأتسه أو أبيهسا أو أخيهسا حرمست عله امرأتسه .وقال الوزاعي:
إذا لط بغلم وولد للمفجور بسه بنست لم يجسز للفاجسر أن يتزوجهسا؛ لنهسا بنست مسن قسد دخسل بسه .وهسو
قول أحمد بن حنبل.
@قوله تعالى" :الذين من أصلبكم" تخصيص ليخرج عنه كل من كانت العرب تتبناه ممن ليس
للصسلب .ولما تزوج النسبي صلى ال عليه وسلم امرأة زيد بن حارثة قال المشركون :تزوج امرأة
ابنسسه ! وكان عليسسه السسسلم تبناه؛ على مسسا يأتسسي بيانسسه فسسي "الحزاب" .وحرمسست حليلة البسسن مسسن
الرضاع وإن لم يكسن للصسلب -بالجماع المسستند إلى قوله عليسه السسلم( :يحرم الرضاع مسا يحرم
من النسب).
@قوله تعالى" :وأن تجمعوا بين الختين" موضع "أن" رفع على العطسف على "حرمت عليكسم
أمهاتكم" .والختان لفظ يعم الجميع بنكاح وبملك يمين .وأجمعت المة على منع جمعهما في عقد
واحد من النكاح لهذه اليسة ،وقوله عليه السلم( :ل تعرضن علي بناتكسن ول أخواتكسن) .واختلفوا
في الختين بملك اليمين؛ فذهب كافة العلماء إلى أنه ل يجوز الجمع بينهما بالملك في الوطء ،وإن
كان يجوز الجمسع بينهمسا فسي الملك بإجماع؛ وكذلك المرأة وابنتهسا صسفقة واحدة .واختلفوا فسي عقسد
النكاح على أخت الجارية التي وطئها؛ فقال الوزاعي :إذا وطئ جارية له بملك اليمين لم يجز له
أن يتزوج أختهسا .وقال الشافعسي :ملك اليميسن ل يمنسع نكاح الخست .قال أبسو عمسر :مسن جعسل عقسد
النكاح كالشراء أجازه ،ومن جعله كالوطء لم يجزه .وقد أجمعوا على أنه ل يجوز العقد على أخت
الزوجسة؛ لقول ال تعالى" :وأن تجمعوا بيسن الختيسن" يعنسي الزوجتيسن بعقسد النكاح .فقسف على مسا
اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه يتبين لك الصواب إن شاء ال .وال أعلم.
@ شسذ أهسل الظاهسر فقالوا :يجوز الجمسع بيسن الختيسن بملك اليميسن فسي الوطسء؛ كمسا يجوز الجمسع
بينهمسسا فسسي الملك .واحتجوا بمسسا روي عسسن عثمان فسسي الختيسسن مسسن ملك اليميسسن" :حرمتهمسسا آيسسة
وأحلتهمسا آيسة" .ذكره عبدالرزاق حدثنسا معمسر عسن الزهري عسن قبيصسة بسن ذؤيسب أن عثمان بسن
عفان سسئل عسن الختيسن ممسا ملكست اليميسن فقال :ل آمرك ول أنهاك أحلتهمسا آيسة وحرمتهمسا آيسة.
فخرج السسائل فلقسي رجل مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم -قال معمسر :أحسسبه قال
علي -قال :وما سألت عنه عثمان؟ فأخبره بما سأل وبما أفتاه؛ فقال له :لكني أنهاك ،ولو كان لي
عليسك سسبيل ثسم فعلت لجعلتسك نكال .وذكسر الطحاوي والدارقطنسي عسن علي وابسن عباس مثسل قول
عثمان .والية التي أحلتهما قوله تعالى" :وأحل لكم ما وراء ذلكم" .ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى
إلى هذا القول؛ لنهسم فهموا مسن تأويسل كتاب ال خلفسه ،ول يجوز عليهسم تحريسف التأويسل .وممسن
قال ذلك مسن الصسحابة :عمسر وعلي وابسن مسسعود وعثمان وابسن عباس وعمار وابسن عمسر وعائشسة
وابن الزبير؛ وهؤلء أهل العلم بكتاب ال ،فمن خالفهم فهو متعسف في التأويل .وذكر ابن المنذر
أن إسحاق بن راهويه حرم الجمع بينهما بالوطء ،وأن جمهور أهل العلم كرهوا ذلك ،وجعل مالكا
فيمن كرهه .ول خلف في جواز جمعهما في الملك ،وكذلك الم وابنتها .قال ابن عطية :ويجيء
مسن قول إسسحاق أن يرجسم الجامسع بينهمسا بالوطسء ،وتسستقرأ الكراهيسة مسن قول مالك :إنسه إذا وطسئ
واحدة ثم وطئ الخرى وقف عنهما حتى يحرم إحداهما؛ فلم يلزمه حدا .قال أبو عمر( :أما قول
علي لجعلته نكال) ولم يقل لحددته حد الزاني؛ فلن من تأول آية أو سنة ولم يطأ عند نفسه حراما
فليسس بزان بإجماع وإن كان مخطئا ،إل أن يدعسي مسن ذلك مسا ل يعذر بجهله .وقول بعسض السسلف
فسي الجمسع بيسن الختيسن بملك اليميسن( :أحلتهمسا آيسة وحرمتهمسا آيسة) معلوم محفوظ؛ فكيسف يحسد حسد
الزاني من فعل ما فيه مثل هذا من الشبهة القوية؟ وبال التوفيق.
@ واختلف العلماء إذا كان يطسأ واحدة ثسم أراد أن يطسأ الخرى؛ فقال علي وابسن عمسر والحسسن
البصري والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق :ل يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الخرى
بإخراجهسا مسن ملكسه بسبيع أو عتسق ،أو بأن يزوجهسا .قال ابسن المنذر :وفيسه قول ثان لقتادة ،وهسو أنسه
إذا كان يطأ واحدة وأراد وطء الخرى فإنه ينوي تحريم الولى على نفسه وأل يقربها ،ثم يمسك
عنهما حتى يستبرئ الولى المحرمة ،ثم يغشى الثانية .وفيه قول ثالث :وهو إذا كان عنده أختان
فل يقرب واحدة منهما .هكذا قال الحكم وحماد؛ وروي معنى ذلك عن النخعي .ومذهب مالك :إذا
كان أختان عنسد رجسل بملك فله أن يطسأ أيتهمسا شاء ،والكسف عسن الخرى موكول إلى أمانتسه .فإن
أراد وطسء الخرى فيلزمسه أن يحرم على نفسسه فرج الولى بفعسل يفعله مسن إخراج عسن الملك :إمسا
بتزويسج أو بيسع أو عتسق إلى أجسل أو كتابسة أو إخدام طويسل .فإن كان يطسأ إحداهمسا ثسم وثسب على
الخرى دون أن يحرم الولى وقسف عنهمسا ،ولم يجسز له قرب إحداهمسا حتسى يحرم الخرى؛ ولم
يوكسل ذلك إلى أمانتسه؛ لنسه متهسم فيمسن قسد وطسئ؛ ولم يكسن قبسل متهمسا إذ كان لم يطسأ إل الواحدة.
ومذهسب الكوفييسن فسي هذا الباب :الثوري وأبسي حنيفسة وأصسحابه أنسه إن وطسئ إحدى أمتيسه لم يطسأ
الخرى؛ فإن باع الولى أو زوجهسا ثسم رجعست إليسه أمسسك عسن الخرى؛ وله أن يطأهسا مسا دامست
أختهسا فسي العدة مسن طلق أو وفاة .فأمسا بعسد انقضاء العدة فل ،حتسى يملك فرج التسي يطسأ غيره؛
وروي معنسى ذلك عسن علي رضسي ال عنسه .قالوا :لن الملك الذي منسع وطسء الجاريسة فسي البتداء
موجود ،فل فرق بين عودتها إليه وببن بقائها في ملكه .وقول مالك حسن؛ لنه تحريم صحيح في
الحال ول يلزم مراعاة المال؛ وحسسبه إذا حرم فرجهسا عليسه بسبيع أو بتزويسج أنهسا حرمست عليسه فسي
الحال .ولم يختلفوا في العتق؛ لنه ل يتصرف فيه بحال؛ وأما الكاتبة فقد تعجز فترجع إلى ملكه.
فإن كان عند رجل أمة يطؤها ثم تزوج أختها ففيها في المذهب ثلثة أقوال في النكاح .الثالث :في
المدونسة أنسه يوقسف عنهمسا إذا وقسع عقسد النكاح حتسى يحرم إحداهمسا مسع كراهيسة لهذا النكاح؛ إذ هسو
عقد في موضع ل يجوز فيه الوطء .وفي هذا ما يدل على أن ملك اليمين ل يمنع النكاح؛ كما تقدم
عسن الشافعسي .وفسي الباب بعينسه قول آخسر :أن النكاح ل ينعقسد؛ وهسو معنسى قول الوزاعسي .وقال
أشهب في كتاب الستبراء :عقد النكاح في الواحدة تحريم لفرج المملوكة.
@ وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها
أو أربعسسا سسسواها حتسسى تنقضسسي عدة المطلقسسة .واختلفوا إذا طلقهسسا طلقسسا ل يملك رجعتهسسا؛ فقالت
طائفسة :ليسس له أن ينكسح أختهسا ول رابعسة حتسى تنقضسي عدة التسي طلق؛ وروي عسن علي وزيسد بسن
ثابسست ،وهسسو مذهسسب مجاهسسد وعطاء بسسن أبسسي رباح والنخعسسي ،وسسسفيان الثوري وأحمسسد بسسن حنبسسل
وأصسحاب الرأي .وقالت طائفسة :له أن ينكسح أختهسا وأربعسا سسواها؛ وروي عسن عطاء ،وهسي أثبست
الروايتين عنه ،وروي عن زيد بن ثابت أيضا؛ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة
بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد .قال ابن المنذر :ول أحسبه إل قول مالك
وبه نقول.
@قوله تعالى" :إل مسا قسد سسلف" يحتمسل أن يكون معناه معنسى قوله" :إل مسا قسد سسلف" فسي قوله:
"ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف" .ويحتمل معنى زائدا وهو جواز ما سلف،
وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا ،وإذا جرى في السلم خيسر بين الختين؛
على مسا قاله مالك والشافعسي ،من غير إجراء عقود الكفار على موجسب السلم ومقتضسى الشرع؛
وسواء عقد عليهما عقدا واحدا جمع به بينهما أو جمع بينهما في عقدين .وأبو حنيفة يبطل نكاحهما
إن جمسع فسي عقسد واحسد .وروى هشام بسن عبدال عسن محمسد بسن الحسسن أنسه قال :كان أهسل الجاهليسة
يعرفون هذه المحرمات كلهسسا التسسي ذكرت فسسي هذه اليسسة إل اثنتيسسن؛ إحداهمسسا نكاح امرأة الب،
والثانيسة ،الجمسع بيسن الختيسن؛ أل ترى أنسه قال" :ول تنكحوا مسا نكسح آباؤكسم مسن النسساء إل مسا قسد
سسلف"" .وان تجمعوا بيسن الختيسن إل مسا قسد سسلف" ولم يذكسر فسي سسائر المحرمات "إل مسا قسد
سلف" .وال أعلم.
**3الية{ 24 :والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم كتاب ال عليكم وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة
ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن ال كان عليما حكيما}
@قوله تعالى" :والمحصنات" عطف على المحرمات والمذكورات قبل .والتحصن :التمنع؛ ومنه
الحصسسن لنسسه يمتنسسع فيسسه؛ ومنسسه قوله تعالى" :وعلمناه صسسنعة لبوس لكسسم لتحصسسنكم مسسن بأسسسكم"
[النسبياء ]80 :أي لتمنعكسم؛ ومنسه الحصسان للفرس (بكسسر الحاء) لنسه يمنسع صساحبه مسن الهلل.
والحصسان (بفتسح الحاء) :المرأة العفيفسة لمنعهسا نفسسها مسن الهلك .وحصسنت المرأة تحصسن فهسي
حصان؛ مثل جبنت فهي جبان .وقال حسان في عائشة رضي ال عنها:
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حصان رزان ما تزن بريبة
والمصدر الحصانة (بفتح الحاء) والحصن كالعلم .فالمراد بالمحصنات ههنا ذوات الزواج؛ يقال:
امرأة محصسنة أي متزوجسة ،ومحصسنة أي حرة؛ ومنسه "والمحصسنات مسن المؤمنات والمحصسنات
مسسن الذيسسن أوتوا الكتاب" [المائدة .]5 :ومحصسسنة أي عفيفسسه؛ قال ال تعالى" :محصسسنات غيسسر
مسسافحات" [النسساء ]25 :وقال" :محصسنين غيسر مسسافحين" .ومحصسنة ومحصسنة وحصسان أي
عفيفسة ،أي ممتنعسة مسن الفسسق ،والحريسة تمنسع الحرة ممسا يتعاطاه العبيسد .قال ال تعالى" :والذيسن
يرمون المحصسنات" [النور ]4 :أي الحرائر ،وكان عرف الماء فسي الجاهليسة الزنسى؛ أل ترى
إلى قول هنسد بنست عتبسة للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم حيسن بايعتسه" :وهسل تزنسي الحرة" ؟ والزوج
أيضسا يمنسع زوجسه مسن أن تزوج غيره؛ فبناء (ح ص ن) معناه المنسع كمسا بينسا .وسستعمل الحصسان
فسي السسلم؛ لنسه حافسظ ومانسع ،ولم يرد فسي الكتاب وورد فسي السسنة؛ ومنسه قول النسبي صسلى ال
عليه وسلم( :اليمان قيد الفتك) .ومنه قول الهذلي:
ولكن أحاطت بالرقاب السلسل فليس كعهد الدار يا أم مالك
وقال الشاعر:
يأبى عليك ال والسلم قالت هلم إلى الحديث فقلت ل
ومنه قول سحيم:
كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا
@ إذا ثبست هذا فقسد اختلف العلماء فسي تأويسل هذه اليسة؛ فقال ابسن عباس وأبسو قلبسة وابسن زيسد
ومكحول والزهري وأبو سعيد الخدري :المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الزواج خاصة،
أي هن محرمات إل ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب ،فإن تلك حلل للذي تقع في سهمه
وإن كان لهسسا زوج .وهسسو قول الشافعسسي فسسي أن السسسباء يقطسسع العصسسمة؛ وقال ابسسن وهسسب وابسسن
عبدالحكسم ورياه عسن مالك ،وقال بسه أشهسب .يدل عليسه مسا رواه مسسلم فسي صسحيحه عسن أبسي سسعيد
الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم
وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا؛ فكان ناس من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم تحرجوا من
غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ،فأنزل ال عز وجل في ذلك "والمحصنات من النساء
إل مسا ملكست أيمانكسم" .أي فهسن لكسم حلل إذا انقضست عدتهسن .وهذا نسص صسحيح صسريح فسي أن
الية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم عن وطء المسبيات ذوات الزواج؛
فأنزل ال تعالى في جوابهم "إل ما ملكت أيمانكم" .وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي
وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور ،وهسو الصسحيح إن شاء ال تعالى .واختلفوا فسي اسستبرائها بماذا يكون؛
فقال الحسن :كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يستبرئون المسبية بحيضة؛ وقد روي
ذلك مسن حديسث أبسي سسعيد الخدري فسي سسبايا أوطاس (ل توطسأ حامسل حتسى تضسع ول حائل حتسى
تحيسض) .ولم يجعسل لفراش الزوج السسابق أثرا حتسى يقال أن المسسبية مملوكسة ولكنهسا كانست زوجسة
زال نكاحها فتعتد عدة الماء ،على ما نقل عن الحسن بن صالح قال :عليها العدة حيضتان إذا كان
لهسا زوج فسي دار الحرب .وكافسة العلماء رأوا اسستبراءها واسستبراء التسي ل زوج لهسا واحدا فسي أن
الجميع بحيضة واحدة .والمشهور من مذهب مالك أنه ل فرق بين أن يسبى الزوجان مجتمعين أو
متفرقين .وروى عنه ابن بكير أنهما إن سبيا جميعا واستبقي الرجل أقرا علي نكاحهما؛ فرأى في
هذه الروايسة أن اسستبقاءه إبقاء لمسا يملكسه؛ لنسه قسد صسار له عهسد وزوجتسه مسن جملة مسا يملكسه ،فل
يحال بينه وبينها؛ وهو قول أبي حنيفة والثوري ،وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك .والصحيح
الول؛ لمسا ذكرناه؛ ولن ال تعالى قال( :إل مسا ملكست أيمانكسم) فأحال على ملك اليميسن وجعله هسو
المؤثر فيتعلق الحكم به من حيث العموم والتعليل جميعا ،إل ما خصه الدليل .وفي الية قول ثان
قاله عبدال بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وأبي بن كعب وجابر بن عبدال
وابسسن عباس فسسي روايسسة عكرمسسة :أن المراد باليسسة ذوات الزواج ،أي فهسسن حرام إل أن يشتري
الرجل المة ذات الزوج فإن بيعها طلقها والصدقة بها طلقها وأن تورث طلقها وتطليق الزوج
طلقها .قال ابن مسعود :فإذا بيعت المة ولها زوج فالمشتري أحق ببضعها وكذلك المسبية؛ كل
ذلك موجسب للفرقسة بينها وبين زوجها .قالوا :وإذا كان كذلك فل بد أن يكون بيع المسة طلقسا لهسا؛
لن الفرج محرم على اثنين في حال واحدة بإجماع من المسلمين.
قلت :وهذا يرده حديسث بريرة؛ لن عائشسة رضسى ال عنهسا اشترت بريرة وأعتقتهسا ثسم خيرهسا
النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم وكانسست ذات زوج؛ وفسسي إجماعهسسم على أن بريرة قسسد خيرت تحسست
زوجهسا مغيسث بعسد أن اشترتهسا عائشسة فأعتقتهسا لدليسل على أن بيسع المسة ليسس طلقهسا؛ وعلى ذلك
جماعسة فقهاء المصسار مسن أهسل الرأي والحديسث ،وأل طلق لهسا إل الطلق .وقسد احتسج بعضهسم
بعموم قوله :ألمسا ملكست أيمانكسم" وقياسسا على المسسبيات .ومسا ذكرناه مسن حديسث بريرة يخصسه
ويرده ،وأن ذلك إنمسا هسو خاص بالمسسبيات على حديسث أبسي سسعيد ،وهسو الصسواب والحسق إن شاء
ال تعالى .وفسي اليسة قول ثالث :روى الثوري عسن مجاهسد عسن إبراهيسم قال ابسن مسسعود فسي قوله
تعالى" :والمحصسسنات مسسن النسسساء إل مسسا ملكسست أيمانكسسم" قال :ذوات الزواج مسسن المسسسلمين
والمشركيسن .وقال علي بسن أبسي طالب :ذوات الزواج مسن المشركيسن .وفسي الموطسأ عسن سسعيد بسن
المسيب "والمحصنات من النساء "هن ذوات الزواج؛ ويرجع ذلك إلى أن ال حرم الزنى .وقالت
طائفسة :المحصسنات فسي هذه اليسة يراد بسه العفائف ،أي كسل النسساء حرام .وألبسسهن اسسم المحصسان
من كان منهن ذات زوج أو غير ذات زوج؛ إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك.
@قوله تعالى" :إل مسا ملكست أيمانكسم" قالوا :معناه بنكاح أو شراء .هذا قول أبسي العاليسة وعسبيدة
السسلماني وطاوس وسسعيد بسن جسبير وعطاء ،ورواه عسبيدة عسن عمسر؛ فأدخلوا النكاح تحست ملك
اليمين ،ويكون معنى الية عندهم في قوله تعالى" :إل ما ملكت أيمانكم "يعني تملكون عصمتهن
بالنكاح وتملكون الرقبسة بالشراء ،فكأنهسن كلهسن ملك يميسن ومسا عدا ذلك فزنسى ،وهذا قول حسسن.
وقد قال ابن عباس" :المحصنات" العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب .قال ابن عطية :وبهذا
التأويل يرجع معنى الية إلى تحريم الزنى؛ وأسد الطبري أن رجل قال لسعيد بن جبير :أما رأيت
ابن عباس حين سئل عن هذه الية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد :كان ابن عباس ل يعلمها .وأسند
أيضسسا عسسن مجاهسسد أنسسه قال :لو أعلم مسسن يفسسسر لي هذه اليسسة لضربسست إليسسه أكباد البسسل :قوله
"والمحصنات "إلى قوله "حكيما" .قال ابن عطية :ول أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس
ول كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟
@قوله تعالى" :كتاب ال عليكسم" نصسب على المصسدر المؤكسد ،أي حرمست هذه النسساء كتابسا مسن
ال عليكسسم .ومعنسسى "حرمست عليكسسم" كتسسب ال عليكسم .وقال الزجاج والكوفيون :هسو نصسب على
الغراء ،أي الزموا كتاب ال ،أو عليكم كتاب ال .وفيه نظر على ما ذكره أبو علي؛ فإن الغراء
ل يجوز فيسه تقديسم المنصسوب على حرف الغراء ،فل يقال :زيدا عليسك ،أو زيدا دونسك؛ بسل يقال:
عليسك زيدا ودونسك عمرا ،وهذا الذي قاله صسحيح على أنسه منصسوبا بسس "عليكسم" إشارة إلى مسا ثبست
فسي القرآن مسن قوله تعالى" :مثنسى وثلث ورباع" [النسساء ]3:وفسي هذا بعسد؛ والظهسر أن قوله:
"كتاب ال عليكم" إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله.
@قوله تعالى" :وأحل لكم ما وراء ذلكم" قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص "وأحل
لكسسم" ردا على "حرمسست عليكسسم" .الباقون بالفتسسح ردا على قوله تعالى" :كتاب ال عليكسسم" .وهذا
يقتضسي أل يحرم مسن النسساء إل مسن ذكسر ،وليسس كذلك؛ فإن ال تعالى قسد حرم على لسسان نسبيه مسن
لم يذكسر فسي اليسة فيضسم إليهسا ،قال ال تعالى" :ومسا آتاكسم الرسسول فخذوه ومسا نهاكسم عنسه فانتهوا"
[الحشسر .]7 :روى مسسلم وغيره عسن أبسي هريرة رضسي ال عنسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم قال" :ل يجمسع بيسن المرأة وعمتهسا ول بيسن المرأة وخالتهسا) .وقال ابسن شهاب :فنرى خالة
أبيهسا وعمسة أبيهسا بتلك المنزلة ،وقسد قيسل :إن تحريسم الجمسع بيسن المرأة وعمتهسا وخالتهسا متلقسى مسن
الية نفسها؛ لن ال تعالى حرم الجمع بين الختين ،والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع
بين الختين؛ أو لن الخالة في معنى الوالدة والعمة في معنى الوالد .والصحيح الول؛ لن الكتاب
والسنة كالشيء الواحد؛ فكأنه قال :أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب ،وما وراء ما أكملت
بسه البيان على لسسان محمسد عليسه السسلم .وقول ابسن شهاب" :فنرى خالة أبيهسا وعمسة أبيهسا بتلك
المنزلة" إنما صار إلى ذلك لنه حمل الخالة والعمة على العموم وتم له ذلك؛ لن العمة اسم لكل
أنثى شاركت أباك في أصليه أو في أحدهما والخالة كذلك كما بيناه .وفي مصنف أبي داود وغيره
عسن أبسي هريرة قال قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :ل تنكسح المرأة على عمتهسا ول العمسة
على بنت أخيها ول المرأة على خالتها ول الخالة على بنت أختها ول تنكح الكبرى على الصغرى
ول الصغرى على الكبرى) .وروى أبو داود أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين .الرواية "ل يجمع" برفع العين على
الخسبر على المشروعيسة فيتضمسن النهسي عسن ذلك ،وهذا الحديسث مجمسع على العمسل بسه فسي تحريسم
الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح .وأجاز الخوارج الجمع بين الختين وبين المرأة وعمتها وخالتها،
ول يعتسد بخلفهسم لنهسم مرقوا مسن الديسن وخرجوا منسه ،ولنهسم مخالفون للسسنة الثابتسة .وقوله( :ل
يجمع بين العمتين والخالتين) فقد أشكل على بعض أهل العلم وتحير في معناه حتى حمله على ما
يبعسد أو ل يجوز؛ فقال :معنسى بيسن العمتيسن على المجاز ،أي بيسن العمسة وبنست أخيهسا؛ فقيسل لهمسا:
عمتان ،كمسا قيسل :سسنة العمريسن أبسي بكسر وعمسر؛ قال :وبيسن الخالتيسن مثله .قال النحاس :وهذا مسن
التعسف الذي ل يكاد يسمع بمثله ،وفيه أيضا مع التعسف أنه يكون كلما مكررا لغير فائدة؛ لنه
إذا كان المعنسى نهسى أن يجمسع بيسن العمسة وبنست أخيهسا وبيسن العمتيسن يعنسي بسه العمسة وبنست أخيهسا
صار الكلم مكررا لغير فائدة؛ وأيضا فلو كان كما قال لوجب أن يكون وبين الخالة ،وليس كذلك
الحديث؛ لن الحديث (نهى أن يجمع بين العمة والخالة) .فالواجب على لفظ الحديث أل يجمع بين
امرأتيسسسن إحداهمسسسا عمسسسة الخرى والخرى خالة الخرى .قال النحاس :وهذا يخرج على معنسسسى
صسحيح ،يكون رجسل وابنسه تزوجسا امرأة وابنتهسا؛ تزوج الرجسل البنست وتزوج البسن الم فولد لكسل
واحد منهما ابنة من هاتين الزوجتين؛ فابنة الب عمة ابنة البن ،وابنة البن خالة ابنة الب .وأما
الجمسع بيسن الخالتيسن فهذا يوجسب أن يكونسا امرأتيسن كسل واحدة منهمسا خالة الخرى؛ وذلك أن يكون
رجل تزوج ابنة رجل وتزوج الخر ابنة ،فولد لكل واحد منهما ابنة ،فابنة كل واحد منهما خالة
الخرى .وأمسا الجمسع بيسن العمتيسن فيوجسب أل يجمسع بيسن امرأتيسن كسل واحدة منهمسا عمسة الخرى؛
وذلك أن يتزوج رجل أم رجل ويتزوج الخر أم الخر ،فيولد لكل واحد منهما ابنة فابنة كل واحد
منهما عمة الخرى؛ فهذا ما حرم ال على لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم مما ليس في
القرآن.
@ وإذا تقرر هذا فقد عقد العلماء فيمن يحرم الجمع بينهن عقدا حسنا؛ فروى معتمر بن سليمان
عسن فضيسل بسن ميسسرة عسن أبسي جريسر عسن الشعسبي قال :كسل امرأتيسن إذا جعلت موضسع إحداهمسا
ذكرا لم يجسز له أن يتزوج الخرى فالجمسع بينهمسا باطسل .فقلت له :عمسن هذا؟ قال :عسن أصسحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم .قال سفيان الثوري :تفسيره عندنا أن يكون من النسب ،ول يكون
بمنزلة امرأة وابنسة زوجهسا يجمسع بينهمسا إن شاء .قال أبسو عمسر :وهذا على مذهسب مالك والشافعسي
وأبسي حنيفسة والوزاعسي وسسائر فقهاء المصسار مسن أهسل الحديسث وغيرهسم فيمسا علمست ل يختلفون
فسي هذا الصسل .وقسد كره قوم مسن السسلف أن يجمسع الرجسل بيسن ابنسة رجسل وامرأتسه مسن أجسل أن
أحدهما لو كان ذكرا لم يحل له نكاح الخرى .والذي عليه العلماء أنه ل بأس بذلك ،وأن المراعى
النسب دون غيره من المصاهرة؛ ثم ورد في بعض الخبار التنبيه على العلة في منع الجمع بين
مسن ذكسر ،وذلك مسا يفضسي إليسه الجمسع مسن قطسع الرحام القريبسة ممسا يقسع بيسن الضرائر مسن الشنان
والشرور بسسبب الغيرة؛ فروى ابسن عباس قال :نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أن يتزوج
الرجسسل المرأة على العمسسة أو على الخالة ،وقال( :إنكسسم إذا فعلتسسم ذلك قطعتسسم أرحامكسسم) ذكره أبسسو
محمسد الصسيلي فسي فوائده وابسن عبدالبر وغيرهمسا .ومسن مراسسيل أبسي داود عسن حسسين بسن طلحسة
قال :نهسى رسسول ال صسلى ال عليه وسسلم أن تنكسح المرأة على أخواتهسا مخافسة القطيعسة؛ وقسد طرد
بعسض السسلف هذه العلة فمنسع الجمسع بيسن المرأة وقريبتهسا ،وسسواء كانست بنست عسم أو بنست خال أو
بنست خالة؛ روي ذلك عسن إسسحاق بسن طلحسة وعكرمسة وقتادة وعطاء فسي روايسة ابسن أبسي نجيسح،
وروى عنه ابن جريج أنه ل بأس بذلك وهو الصحيح .وقد نكح حسن بن حسين بن علي في ليلة
واحدة ابنسة محمسد بسن علي وابنسة عمسر بسن علي فجمسع بيسن ابنتسي عسم؛ ذكره عبدالرزاق .زاد ابسن
عيينسة :فأصسبح نسساؤهم ل يدريسن إلى أيتهمسا يذهبسن؛ وقسد كره مالك هذا ،وليسس بحرام عنده .وفسي
سسسماع ابسسن القاسسسم :سسسئل مالك عسسن ابنتسسي العسسم أيجمسسع بينهمسسا؟ فقال :مسسا أعلمسسه حرامسسا .قيسسل له:
أفتكرهسه؟ قال :إن ناسسا ليتقونسه؛ قال ابسن القاسسم :وهسو حلل ل بأس بسه .قال ابسن المنذر :ل أعلم
أحدا أبطل هذا النكاح .وهما داخلتان فسي جملة مسا أبيح بالنكاح غير خارجتيسن منه بكتاب ول سنة
ول إجماع ،وكذلك الجمع بين ابنتي عمة وابنتي خالة .وقال السدي في قوله تعالى" :وأحل لكم ما
وراء ذلك " :يعنسي النكاح فيمسا دون الفرج .وقيسل :المعنسى وأحسل لكسم مسا وراء ذوات المحارم مسن
أقربائكم .قتادة :يعني بذلك ملك اليمين خاصة.
@قوله تعالى" :أن تبتغوا بأموالكسم" لفسظ يجمسع التزوج والسسراء .و"أن" فسي موضسع نصسب بدل
مسن "مسا" ،وعلى قراءة حمزة فسي موضسع رفسع؛ ويحتمسل أن يكون المعنسى لن ،أو بأن؛ فتحذف
اللم أو الباء فيكون فسسي موضسسع نصسسب .و"محصسسنين" نصسسب على الحال ،ومعناه متعففيسسن عسسن
الزنسى" .غيسر مسسافحين" أي غيسر زانيسن .والسسفاح الزنسى ،وهسو مأخوذ مسن سسفح الماء ،أي صسبه
وسيلنه؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم حين سمع الدفاف في عرس( :هذا النكاح ل السفاح
ول نكاح السر) .وقد قيل :إن قوله "محصنين غير مسافحين" يحتمل وجهين :أحدهما :ما ذكرناه
وهسو الحصسان بعقسد النكاح ،تقديره اطلبوا منافسع البضسع بأموالكسم على وجسه النكاح ل على وجسه
السسفاح؛ فيكون لليسة على هذا الوجسه عموم .ويحتمسل أن يقال" :محصسنين" أي الحصسان صسفة
لهسن ،ومعناه لتزوجوهسن على شرط الحصسان فيهسن؛ والوجسه الول أولى؛ لنسه متسى أمكسن جري
اليسة على عمومهسا والتعلق بمقتضاهسا فهسو أولى؛ ولن مقتضسى الوجسه الثانسي أن المسسافحات ل
يحل التزوج بهن ،وذلك خلف الجماع.
@قوله تعالى" :بأموالكسم" أباح ال تعالى الفروج بالموال ولم يحصسل ،فوجسب إذا حصسل بغيسر
المال أل تقع الباحة به؛ لنها على غير الشرط المأذون فيه ،كما لو عقد على خمر أو خنزير أو
ما ل يصح تملكه .ويرد على أحمد قوله في أن العتق يكون صداقا؛ لنه ليس فيه تسليم مال وإنما
فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها؛ فإن الذي كان يملكه المولى من عنده لم
ينتقل إليها وإنما سقط .فإذا لم يسلم الزوج إليها شيئا ولم تستحق عليه شيئا ،وإنما أتلف به ملكه ،لم
يكسن مهرا .وهذا بيسن مسع قوله تعالى" :وأتوا النسساء" [النسساء ]4 :وذلك أمسر يقتضسي اليجاب،
وإعطاء العتق ل يصح .وقوله تعالى" :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه" [النساء ]4 :وذلك
محال في العتق ،فلم يبق أن يكون الصداق إل مال لقوله تعالى" :بأموالكم" [النسساء ]24:اختلف
من قال بذلك في قدر ذلك؛ فتعلق الشافعي بعموم قوله تعالى" :بأموالكم" في جواز الصداق بقليل
وكثيسر ،وهسو الصسحيح؛ ويعضده قوله عليسه السسلم فسي حديسث الموهوبسة (ولو خاتمسا مسن حديسد).
وقوله عليه السلم( :أنكحوا اليامى)؛ ثلثا .قيل :ما العلئق بينهم يا رسول ال؟ قال( :ما تراضى
عليسه الهلون ولو قضيبسا مسن أراك) .وقال أبسو سسعيد الخدري :سسألنا رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم عن صداق النساء فقال( :هو ما اصطلح عليه أهلوهم) .وروى جابر أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال( :لو أن رجل أعطى امرأة ملء يديه طعاما كانت به حلل) .أخرجهما الدارقطني
فسي سسننه .قال الشافعسي :كسل مسا جاز أن يكون ثمنسا لشيسء ،أو جاز أن يكون أجرة جاز أن يكون
صداقا ،وهذا قول جمهور أهل العلم .وجماعة أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها ،كلهم أجازوا
الصسسداق بقليسسل المال وكثيره ،وهسسو قول عبدال بسسن وهسسب صسساحب مالك ،واختاره ابسسن المنذر
وغيره .قال سسعيد بسن المسسيب :لو أصسدقها سسوطا حلت بسه ،وأنكسح ابنتسه مسن عبدال بسن وداعسة
بدرهميسسن .وقال ربيعسسة :يجوز النكاح بدرهسسم .وقال بعسسض أصسسحابنا فسسي تعليسسل له :وكان أشبسسه
الشياء بذلك قطسع مسن ربسع دينار أو ثلثسة دراهسم كيل .قال بعسض أصسحابنا فسي تعليسل له :وكان
أشبسه الشياء بذلك قطسع اليسد ،لن البضسع عضسو واليسد عضسو يسستباح بمقدر مسن المال ،وذلك ربسع
دينار أو ثلثسة دراهسم كيل؛ فرد مالك البضسع إليسه قياسسا على اليسد .قال أبسو عمسر :قسد تقدمسه إلى هذا
أبسو حنيفسة ،فقاس الصسداق على قطسع اليسد ،واليسد عنده ل تقطسع إل فسي دينار ذهبسا أو عشرة دراهسم
كيل ،ول صداق عنده أقل من ذلك ،وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه ،وهو قول أكثر أهل
بلده فسي قطسع اليسد ل فسي أقسل الصسداق .وقسد قال الداروردي لمالك إذ قال ل صسداق أقسل مسن ربسع
دينار :تعرقست فيهسا يسا أبسا عبدال أي سسلكت فيهسا سسبيل أهسل العراق .وقسد احتسج أبسو حنيفسة بمسا رواه
جابر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال( :ل صسداق دون عشرة دراهسم) أخرجسه الدارقطنسي.
وفي سنده مبشر بن عبيد متروك .وروي عن داود الودي عن الشعبي عن علي عليه السلم :ل
يكون المهسر أقسل مسن عشرة دراهسم .قال أحمسد بسن حنبسل :لقسن غياث بسن إبراهيسم داود الودي عسن
الشعبي عن علي :ل مهر أقل من عشرة دراهم .فصار حديثا .وقال النخعي :أقله أربعون درهما.
سعيد بن جبير :خمسون درهما .ابن شبرمة :خمسة دراهم .ورواه الدارقطني عن ابن عباس عن
علي رضي ال عنه :ل مهر أقل من خمسة دراهم.
@قوله تعالى" :فمسا اسستمتعتم بسه منهسن فآتوهسن أجورهسن فريضسة" السستمتاع التلذذ والجور
المهور؛ وسسمي المهسر أجرا لنسه أجسر السستمتاع ،وهذا نسص على أن المهسر يسسمى أجرا ،وذلك
دليل على أنه في مقابلة البضع؛ لن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا .وقد اختلف العلماء في المعقود
عليه في النكاح ما هو :بدن المرأة أو منفعة البضع أو الحل؛ ثلثة أقوال ،والظاهر المجموع؛ فإن
العقد يقتضي كل ذلك .وال أعلم.
@ واختلف العلماء فسي معنسى اليسة؛ فقال الحسسن ومجاهسد وغيرهمسا :المعنسى فمسا انتفعتسم وتلذذتسم
بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح "فآتوهن أجورهن" أي مهورهن ،فإذا جامعها مرة واحدة فقد
وجسب المهسر كامل إن كان مسسمى ،أو مهسر مثلهسا إن لم يسسم ،فإن كان النكاح فاسسدا فقسد اختلفست
الرواية عن مالك في النكاح الفاسد ،هل تستحق به مهر المثل ،أو المسمى إذا كان مهرا صحيحا؟
فقال مرة المهر المسمى ،وهو ظاهر مذهبه؛ وذلك أن ما تراضوا عليه يقين ،ومهر المثل اجتهاد
فيجسب أن يرجسع إلى مسا تيقناه؛ لن الموال ل تسستحق بالشسك .ووجسه قوله" :مهسر المثسل" أن النسبي
صلى ال عليه وسلم قال( :أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها مهر
مثلهسا بمسا اسستحل مسن فرجهسا) .قال ابسن خويسز منداد :ول يجوز أن تحمسل اليسة على جواز المتعسة؛
لن رسسسسول ال صسسسلى ال عليسسسه وسسسسلم نهسسسى عسسسن نكاح المتعسسسة وحرمسسسه؛ ولن ال تعالى قال:
"فأنكحوهسن بإذن أهلهسن "ومعلوم أن النكاح بإذن الهليسن هسو النكاح الشرعسي بولي وشاهديسن،
ونكاح المتعسة ليسس كذلك .وقال الجمهور :المراد نكاح المتعسة الذي كان فسي صسدر السسلم .وقرأ
ابسن عباس وأبسي وابسن جسبير "فمسا اسستمتعتم بسه منهسن إلى أجسل مسسمى فأتوهسن أجورهسن "ثسم نهسى
عنها النبي صلى ال عليه وسلم .وقال سعيد بن المسيب :نسختها آية الميراث؛ إذ كانت المتعة ل
ميراث فيها .وقالت عائشة والقاسم بن محمد :تحريمها ونسخها في القرآن؛ وذلك في قوله تعالى:
"والذيسسن هسسم لفروجهسسم حافظون إل على أزواجهسسم أو مسسا ملكسست أيمانكسسم فإنهسسم غيسسر ملوميسسن"
[المؤمنون .]5 :وليسست المتعسة نكاحسا ول ملك يميسن .وروى الدارقطنسي عسن علي بسن أبسي طالب
قال :نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عسن المتعسة ،قال :وإنمسا كانست لمسن لم يجسد ،فلمسا نزل
النكاح والطلق والعدة والميراث بيسن الزوج والمرأة نسسخت .وروى عسن علي رضسى ال عنسه أنسه
قال :نسسخ صسوم رمضان كسل صسوم ،ونسسخت الزكاة كسل صسدقة ،ونسسخ الطلق والعدة والميراث
المتعة ،ونسخت الضحية كل ذبح .وعن ابن مسعود قال :المتعة منسوخة نسخها الطلق والعدة
والميراث .وروى عطاء عسن ابسن عباس قال :مسا كانست المتعسة إل رحمسة مسن ال تعالى رحسم بهسا
عباده ولول نهي عمر عنها ما زنى إل شقي.
@ واختلف العلماء كسم مرة أبيحست ونسسخت؛ ففسي صسحيح مسسلم عسن عبدال قال :كنسا نغزو مسع
رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس لنا نساء؛ فقلنا :أل نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ،ثم رخص لنا
أن ننكسح المرأة بالثوب إلى أجسل .قال أبسو حاتسم البسستي فسي صسحيحه :قولهسم للنسبي صسلى ال عليسه
وسلم "أل نستخصي" دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الستمتاع ،ولو لم تكن
محظوره لم يكسن لسسؤالهم عسن هذا معنسى ،ثسم رخسص لهسم فسي الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى
أجسل ثسم نهسى عنهسا عام خيسبر ،ثسم أذن فيهسا عام الفتسح ،ثسم حرمهسا بعسد ثلث ،فهسي محرمسة إلى يوم
القيامسة .وقال ابسن العربسي :وأمسا متعسة النسساء فهسي مسن غرائب الشريعسة؛ لنهسا أبيحست فسي صسدر
السلم ثم حرمت يوم خيبر ،ثم أبيحت في غزوة أوطاس ،ثم حرمت بعد ذلك واستقر المر على
التحريسم ،وليسس لهسا أخست فسي الشريعسة إل مسسألة القبلة ،لن النسسخ طرأ عليهسا مرتيسن ثسم اسستقرت
بعسد ذلك .وقال غيره ممسن جمسع طرق الحاديسث فيهسا :إنهسا تقتضسي التحليسل والتحريسم سسبع مرات؛
فروى ابسسن أبسسي عمرة أنهسسا كانسست فسسي صسسدر السسسلم .وروى سسسلمة بسسن الكوع أنهسسا كانسست عام
أوطاس .ومن رواية علي تحريمها يوم خيبر .ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح.
قلت :وهذه الطرق كلهسا فسي صسحيح مسسلم؛ وفسي غيره عسن علي نهيسه عنهسا فسي غزوة تبوك؛
رواه إسسحاق بسن راشسد عسن الزهري عسن عبدال بسن محمسد بسن علي عسن أبيسه عسن علي ،ولم يتابسع
إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب؛ قال أبو عمر رحمه ال .وفي مصنف أبي داود
من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع ،وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي
في ذلك .وقال عمرو عن الحسن :ما حلت المتعة قط إل ثلثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ول
بعدها .وروي هذا عن سبرة أيضا؛ فهذه سبعة مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت .قال أبو جعفر
الطحاوي :كسل هؤلء الذيسن رووا عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إطلقهسا أخسبروا أنهسا كانست فسي
سسفر ،وأن النهسي لحقهسا فسي ذلك السسفر بعسد ذلك ،فمنسع منهسا ،وليسس أحسد منهسم يخسبر أنهسا كانست فسي
حضر؛ وكذلك روي عن ابن مسعود .فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى ال عليه وسلم
لهسا فسي حجسة الوداع فخارج عسن معانيهسا كلهسا؛ وقسد اعتبرنسا هذا الحرف فلم نجده إل فسي روايسة
عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز خاصة ،وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبدالعزيز بن عمر
بن عبدالعزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها ،ومحال أن
يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع؛ لنهم كانوا حجوا بالنساء ،وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم،
ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة .ويحتمل أنه لما كانت عادة النبي صلى ال عليه
وسلم تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة ،ذكر تحريمها في حجة الوداع؛ لجتماع
الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه ،فأكد ذلك حتى ل تبقى شبهة لحد يدعي تحليلها؛ ولن أهل
مكة كانوا يستعملونها كثيرا.
@ روى الليسث بن سسعد عن بكيسر بن الشج عن عمار مولى الشريسد قال :سألت ابسن عباس عن
المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال :ل سفاح ول نكاح .قلت :فما هي؟ قال :المتعة كما قال ال تعالى.
قلت :هسل عليهسا عدة؟ قال :نعسم حيضسة .قلت :يتوارثان ،قال :ل .قال أبسو عمسر :لم يختلف العلماء
مسن السسلف والخلف أن المتعسة نكاح إلى أجسل ل ميراث فيسه ،والفرقسة تقسع عنسد انقضاء الجسل مسن
غيسر طلق .وقال ابسن عطيسة" :وكانست المتعسة أن يتزوج الرجسل المرأة بشاهديسن وإذن الولي إلى
أجل مسمى؛ وعلى أن ل ميراث بينهما ،ويعطيها ما اتفقا عليه؛ فإذا انقضت المدة فليس له عليها
سسسبيل ويسسستبرئ رحمهسسا :لن الولد ل حسسق فيسسه بل شسسك ،فإن لم تحمسسل حلت لغيره .وفسسي كتاب
النحاس :في هذا خطأ وأن الولد ل يلحق في نكاح المتعة".
قلت :هذا هسو المفهوم مسن عبارة النحاس؛ فإنسه قال :وإنمسا المتعسة أن يقول لهسا :أتزوجسك يومسا -
أو مسسا أشبسسه ذلك -على أنسسه ل عدة عليسسك ول ميراث بيننسسا ول طلق ول شاهسسد يشهسسد على ذلك؛
وهذا هسو الزنسى بعينسه ولم يبسح قسط فسي السسلم؛ ولذلك قال عمسر :ل أوتسى برجسل تزوج متعسة إل
غيبته تحت الحجارة.
@ وقد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ول يلحق به الولد أو يدفع الحد للشبهة
ويلحسق بسه الولد على قوليسن؛ ولكسن يعذر ويعاقسب .وإذا لحسق اليوم الولد فسي نكاح المتعسة فسي قول
بعسض العلماء مسع القول بتحريمسه ،فكيسف ل يلحسق فسي ذلك الوقست الذي أبيسح ،فدل على أن نكاح
المتعسة كان على حكسم النكاح الصسحيح ،ويفارقسه فسي الجسل والميراث .وحكسى المهدوي عسن ابسن
عباس أن نكاح المتعسة كان بل ولي ول شهود .وفيمسا حكاه ضعسف؛ لمسا ذكرنسا .قال ابسن العربسي:
وقسد كان ابسن عباس يقول بجوازهسا ،ثسم ثبست رجوعسه عنهسا ،فانعقسد الجماع على تحريمهسا؛ فإذا
فعلها أحد رجم في مشهور المذهب .وفي رواية أخرى عن مالك :ل يرجم؛ لن نكاح المتعة ليس
بحرام ،ولكسن لصسل آخسر لعلمائنسا غريسب انفردوا بسه دون سسائر العلماء؛ وهسو أن مسا حرم بالسسنة
هسل هسو مثسل مسا حرم بالقرآن أم ل؟ فمسن روايسة بعسض المدنييسن عسن مالك أنهمسا ليسسا بسسواء؛ وهذا
ضعيسف .وقال أبسو بكسر الطرطوسسي :ولم يرخسص فسي نكاح المتعسة إل عمران بسن حصسين وابسن
عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت .وفي قول ابن عباس يقول الشاعر:
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس أقول للركب إذ طال الثواء بنا
تكون مثواك حتى مرجع الناس في بضة رخصة الطراف ناعمة
وسسائر العلماء والفقهاء مسن الصسحابة والتابعيسن والسسلف الصسالحين على أن هذه اليسة منسسوخة،
وأن المتعسة حرام .وقال أبسو عمسر :أصسحاب ابسن عباس مسن أهسل مكسة واليمسن كلهسم يرون المتعسة
حلل على مذهسسب ابسسن عباس وحرمهسسا سسسائر الناس .وقال معمسسر :قال الزهري :ازداد الناس لهسسا
مقتا حتى قال الشاعر:
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس قال المحدث لما طال مجلسه
كما تقدم.
@قوله تعالى" :أجورهن" يعم المال وغيره ،فيجوز أن يكون الصداق منافع أعيان .وقد اختلف
فسي هذا العلماء؛ فمنعسه مالك والمزنسي والليسث وأحمسد وأبسو حنيفسة وأصسحابه؛ إل أن أبسا حنيفسة قال:
إذا تزوج على ذلك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسسم لها ،ولها مهر مثلها إن دخل بها ،وإن
لم يدخل بها فلها المتعة .وكرهه ابن القاسم في كتاب محمد وأجازه أصبغ .قال ابن شاس :فإن وقع
مضسى فسي قول أكثسر الصسحاب .وهسي روايسة أصسبغ عسن ابسن القاسسم .وقال الشافعسي :النكاح ثابست
وعليه أن يعلمها ما شرط لها .فإن طلقها قبل الدخول ففيها للشافعي قولن :أحدهما أن لها نصف
أجسر تعليسم تلك السسورة ،والخسر أن لهسا نصسف مهسر مثلهسا .وقال إسسحاق :النكاح جائز .قال أبسو
الحسسسن اللخمسسي :والقول بجواز جميسسع ذلك أحسسسن .والجارة والحسسج كغيرهمسسا مسسن الموال التسسي
تتملك وتباع وتشترى .وإنمسسسا كره ذلك مالك لنسسسه يسسسستحب أن يكون الصسسسداق معجل ،والجارة
والحسج فسي معنسى المؤجسل .احتسج أهسل القول الول بأن ال تعالى قال" :بأموالكسم" [النسساء]1 0 :
وتحقيق المال ما تتعلق به الطماع ،ويعد للنتفاع ،ومنفعة الرقبة في الجارة ومنفعة التعليم للعلم
كله ليسس بمال .قال الطحاوي :والصسل المجتمسع عليسه أن رجل لو اسستأجر رجل على أن يعلمسه
سسورة من القرآن سماها ،بدرهسم لم يجز؛ لن الجارات ل تجوز إل لحد معنيين؛ إمسا على عمل
بعينسه كخياطسة ثوب ومسا أشبهسه ،وإمسا على وقست معلوم؛ وكان إذا اسستأجره على تعليسم سسورة فتلك
إجارة ل على وقسست معلوم ول على عمسسل معلوم ،وإنمسسا اسسستأجره على أن يعلم ،وقسسد يفهسسم بقليسسل
التعليم وكثيره في قليل الوقات وكثيرها .وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم
يجسز للمعانسي التسي ذكرناهسا فسي الجارات .وإذا كان التعليسم ل يملك بسه المنافسع ول أعيان الموال
ثبست بالنظسر أنسه ل تملك بسه البضاع .وال الموفسق .احتسج مسن أجاز ذلك بحديسث سسهل بسن سسعد فسي
حديث الموهوبة ،وفيه فقال( :اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن) .في رواية قال( :انطلق فقد
زوجتكهسسا فعلمهسسا مسسن القرآن) .قالوا :فقسسي هذا دليسسل على انعقاد النكاح وتأخسسر المهسسر الذي هسسو
التعليسم ،وهذا على الظاهسر مسن قوله( :بمسا معسك مسن القرآن) فإن الباء للعوض؛ كمسا تقول :خسذ هذا
بهذا ،أي عوضا منه .وقوله في الرواية الخرى( :فعلمها) نص في المر بالتعليم ،والمساق يشهد
بأن ذلك لجسل النكاح ،ول يلتفست لقول مسن قال إن ذلك كان إكرامسا للرجسل بمسا حفظسه مسن القرآن،
أي لمسا حفظسه ،فتكون الباء بمعنسى اللم؛ فإن الحديسث الثانسي يصسرح بخلفسه فسي قوله( :فعلمهسا مسن
القرآن) .ول حجسة فيمسا روي عسن أبسي طلحسة أنسه خطسب أم سسليم فقالت :إن أسسلم تزوجتسه .فأسسلم
فتزوجها؛ فل يعلم مهر كان أكرم من مهرها ،كان مهرها السلم فإن ذلك خاص به .وأيضا فإنه
ل يصل إليها منه شيء بخلف التعليم وغيره من المنافع .وقد زوج شعيب عليه السلم ابنته من
موسى عليه السلم على أن يرعى له غنما في صداقها؛ على ما يأتي بيانه في سورة "القصص".
وقسد روي مسن حديسث ابسن عباس أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال لرجسل مسن أصسحابه( :يسا
فلن هسسل تزوجسست) ؟ قال :ل ،وليسسس معسسي مسسا أتزوج بسسه .قال :أليسسس معسسك "قسسل هسسو ال أحسسد"
[الخلص]1 :؟ قال :بلى! قال( :ثلث القرآن ،أليسس معسك آية الكرسسي) ؟ قال :بلى! قال( :ربسع
القرآن ،أليسس معسك "إذا جاء نصسر ال والفتسح" [الفتسح ]1:؟ قال :بلى ! قال( :ربسع القرآن) أليسس
معك "إذا زلزلت" [الزلزلة )]1 :؟ قال :بلى ! قال( :ربع القرآن .تزوج تزوج).
قلت :وقد أخرج الدارقطنسي حديسث سسهل من حديسث ابسن مسعود ،وفيه زيادة تبين ،مسا احتج به
مالك وغيره ،وفيه فقال رسسول ال صسلى ال عليه وسسلم( :مسن ينكسح هذه) ؟ فقام ذلك الرجسل فقال:
أنسا يسا رسسول ال؛ فقال( :ألك مال) ؟ قال :ل ،يسا رسسول ال؛ قال( :فهسل تقرأ مسن القرآن شيئا) ؟.
قال :نعم ،سورة البقرة ،وسورة المفصل .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :قد أنكحتكها على
أن تقرئهسا وتعلمهسا وإذا رزقسك ال عوضتهسا) .فتزوجهسا الرجسل على ذلك .وهذا نسص -لو صسح -
فسي أن التعليسم ل يكون صسداقا .قال الدارقطنسي :تفرد بسه عتبسة بسن السسكن وهسو متروك الحديسث.
و"فريضة" نصب على المصدر في موضع الحال ،أي مفروضة.
@قوله تعالى" :ول جناح عليكسم فيما تراضيتسم به مسن بعد الفريضة" أي من زيادة ونقصسان فسي
المهسر؛ فإن ذلك سسائغ عنسد التراضسي بعسد اسستقرار الفريضسة .والمراد إبراء المرأة عسن المهسر ،أو
توفية الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول .وقال القائلون بأن الية في المتعة :هذا إشارة إلى ما
تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة في أول السلم؛ فإنه كان يتزوج الرجل المرأة شهرا على
دينار مثل ،فإذا انقضسى الشهسر فربمسا كان يقول :زيدينسي فسي الجسل أزدك فسي المهسر .فسبين أن ذلك
كان جائزا عند التراضي.
**3الية{ 25 :ومن لم يستطع منكم طول أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم
مسسن فتياتكسسم المؤمنات وال أعلم بإيمانكسسم بعضكسسم مسسن بعسسض فانكحوهسسن بإذن أهلهسسن وآتوهسسن
أجورهسن بالمعروف محصسنات غيسر مسسافحات ول متخذات أخدان فإذا أحصسن فإن أتيسن بفاحشسة
فعليهن نصف ما على المحصسنات من العذاب ذلك لمن خشسي العنت منكسم وأن تصسبروا خيسر لكسم
وال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ومسن لم يسستطع منكسم طول" نبسه تعالى على تخفيسف فسي النكاح وهسو نكاح المسة
لمسن لم يجسد الطول .واختلف العلماء .فسي معنسى الطول على ثلثسة أقوال :الول :السسعة والغنسى؛
قاله ابسن عباس ومجاهسد وسسعيد بسن جسبير والسسدي وابسن زيسد ومالك فسي المدونسة .يقال :طال يطول
طول فسسسي الفضال والقدرة .وفلن ذو طول أي ذو قدرة فسسسي مال (بفتسسسح الطاء) .وطول (بضسسسم
الطاء) فسسي ضسسد القصسسر .والمراد ههنسسا القدرة على المهسسر فسسي قول أكثسسر أهسسل العلم ،وبسسه يقول
الشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور .قال أحمسد بسن المعذل :قال عبدالملك :الطول كسل مسا يقدر بسه
على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ملي .قال :وكل ما يمكن بيعه وإجارته فهو طول .قال:
وليسست الزوجسة ول الزوجتان ول الثلثسة طول .وقال :وقسد سسمعت ذلك مسن مالك رضسي ال عنسه.
قال عبدالملك :لن الزوجسة ل ينكسح بهسا ول يصسل بهسا إلى غيرهسا إذ ليسست بمال .وقسد سسئل مالك
عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول؛ فقال :أرى أن يفرق بينهما .قيل له :إنه يخاف العنت.
قال :السسوط يضرب بسه .ثسم خففسه بعسد ذلك .القول الثانسي :الطول الحرة .وقسد اختلف قول مالك فسي
الحرة هسل هسي طول أم ل؛ فقال فسي المدونسة :ليسست الحرة بطول تمنسع مسن نكاح المسة؛ إذا لم يجسد
سعة لخرى وخاف العنت .وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول .قال اللخمي:
وهسو ظاهسر القرآن .وروي نحسو هذا عسن ابسن حسبيب ،وقال أبسو حنيفسة .فيقتضسي هذا أن مسن عنده
حرة فل يجوز له نكاح المسة لن عدم السسعة وخاف العنست ،لنسه طالب شهوة وعنده امرأة ،وقال
به الطبري واحتج له .قال أبو يوسف :الطول هو وجود الحرة تحته؛ فإذا كانت تحته حرة فهو ذو
طول ،فل يجوز له نكاح المسة .القول الثالث :الطول الجلد والصسبر لمسن أحسب أمسة وهويهسا حتسى
صار لذلك ل يستطع أن يتزوج غيرها ،فإن له أن يتزوج المة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي
بهسسا وإن كان يجسسد سسسعة فسسي المال لنكاح حرة؛ هذا قول قتادة والنخعسسي وعطاء وسسسفيان الثوري.
فيكون قوله تعالى" :لمن خشي العنت" على هذا التأويل في صفة عدم الجلد .وعلى التأويل الول
يكون تزويسسسج المسسسة معلقسسسا بشرطيسسسن :عدم السسسسعة فسسسي المال ،وخوف العنسسست؛ فل يصسسسح إل
باجتماعهمسا .وهذا هسو نسص مذهسب مالك فسي المدونسة مسن روايسة ابسن نافسع وابسن القاسسم وابسن وهسب
وابسن زياد .قال مطرف وابسن الماجشون :ل يحسل للرجسل أن ينكسح أمسة ،ول يقران إل أن يجتمسع
الشرطان كمسسا قال ال تعالى .وقال أصسسبغ .وروي هذا القول عسسن جابر بسسن عبدال وابسسن عباس
وعطاء وطاوس والزهري ومكحول ،وبسه قال الشافعسي وأبسو ثور وأحمسد وإسسحاق ،واختاره ابسن
المنذر وغيره .فإن وجد المهر وعدم النفقة فقال مالك في كتاب محمد :ل يجوز له أن يتزوج أمة.
وقال أصسبغ :ذلك جائز؛ إذ نفقسة المسة على أهلهسا إذا لم يضمهسا إليسه .وفسي اليسة قول رابسع :قال
مجاهسد :ممسا وسسع ال على هذه المسة نكاح المسة والنصسرانية ،وإن كان موسسرا .وقال بذلك أبسو
حنيفسة أيضسا ،ولم يشترط خوف العنست؛ إذا لم تكسن تحتسه حرة .قالوا :لن كسل مال يمكسن أن يتزوج
به المه يمكن أن يتزوج به الحرة؛ فالية على هذا أصل في جواز نكاح المة مطلقا .قال مجاهد:
وبه يأخذ سفيان ،وذلك أني سألته عن نكاح المة فحدثني عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن عباد
بن عبدال عن علي رضي ال عنه قال :إذا نكحت الحرة على المة كان للحرة يومان وللمة يوم.
قال :ولم ير علي به بأسا .وحجة هذا القول عموم قوله تعالى" :وأحل لكم ما وراء ذلكم" [النساء:
.]24وقوله تعالى" :ومسن لم يسستطع منكسم طول" إلى قوله" :ذلك لمسن خشسي العنست منكسم"
[النساء]25 :؛ لقوله عز وجل" :فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم
أل تعدلوا فواحدة" [النسساء .]3 :وقسد اتفسق الجميسع على أن للحسر أن يتزوج أربعسا وإن خاف أل
يعدل .قالوا :وكذلك له تزوج المسة وإن كان واجدا للطول غيسر خائف للعنست .وقسد روي عسن مالك
في الذي يجد طول لحرة أنه يتزوج أمة مع قدرته على طول الحرة؛ وذلك ضعيف من قول .وقد
قال مرة أخرى :مسا هسو بالحرام البيسن ،وأجوزه .والصسحيح أنسه ل يجوز للحسر المسسلم أن ينكسح أمسة
غيسر مسسلمة بحال ،ول له أن يتزوج بالمسة المسسلمة إل بالشرطيسن المنصسوص عليهمسا كمسا بينسا.
والعنست الزنسى؛ فإن عدم الطول ولم يخسش العنست لم يجسز له نكاح المسة ،وكذلك إن وجسد الطول
وخشي العنت.
@ فإن قدر على طول حرة كتابية فهل يتزوج المة؛ اختلف علماؤنا في ذلك ،فقيل :يتزوج المة
فإن المسة المسسلمة ل تلحسق بالكافرة ،فأمسة مؤمنسة خيسر مسن حرة مشركسة .واختاره ابسن العربسي.
وقيسسل :يتزوج الكتابيسسة؛ لن المسسة وإن كانسست تفضلهسسا باليمان فالكافرة مفضلهسسا بالحريسسة وهسسي
زوجسة .وأيضسا فإن ولدهسا يكون حرا ل يسسترق ،وولد المسة يكون رقيقسا؛ وهذا هسو الذي يتمشسى
على أصل المذهب.
@ واختلف العلماء في الرجل يتزوج الحرة على المة ولم تعلم بها؛ فقالت طائفة :النكاح ثابت.
كذلك قال سسعيد بسن المسسيب وعطاء بسن أبسي رباح والشافعسي وأبسو ثور وأصسحاب الرأي ،وروي
عسن علي .وقيسل :للحرة الخيار إذا علمست .ثسم فسي أي شيسء يكون لهسا الخيار؛ فقال الزهري وسسعيد
بسن المسسيب ومالك وأحمسد وإسسحاق فسي أن تقيسم معسه أو تفارقسه .وقال عبدالملك :فسي أن تقسر نكاح
المسة أو تفسسخه .وقال النخعسي :إذا تزوج الحرة على المسة فارق المسة إل أن يكون له منهسا ولد؛
فإن كان لم يفرق بينهمسا .وقال مسسروق :يفسسخ نكاح المسة؛ لنسه أمسر أبيسح للضرورة كالميتسة ،فإذا
ارتفعت الضرورة ارتفعت الباحة.
@ فإن كانت تحته أمتان علمت الحرة بواحدة منهما ولم تعلم بالخرى فإنه يكون لها الخيار .أل
ترى لو أن حرة تزوج عليهسا أمسة فرضيست ،ثسم تزوج عليهسا أمسة فرضيست ،ثسم تزوج عليهسا أخرى
فأنكرت كان ذلك لهسا؛ فكذلك هذه إذا لم تعلم بالمتيسن وعلمست بواحدة .قال ابسن القاسسم :قال مالك:
وإنمسا جعلنسا الخيار للحرة فسي هذه المسسائل لمسا قالت العلماء قبلي .يريسد سسعيد بسن المسسيب وابسن
شهاب وغيرهمسسا .قال مالك :ولول مسسا قالوه لرأيتسسه حلل؛ لنسسه فسسي كتاب ال حلل .فإن لم تكفسسه
الحرة واحتاج إلى أخرى ولم يقدر على صسسداقها جاز له أن يتزوج المسسة حتسسى ينتهسسي إلى أربسسع
بالتزويسج بظاهسر القرآن .رواه ابسن وهسب عسن مالك .وروى ابسن القاسسم عنسه :يرد نكاحسه .قال ابسن
العربسي :والول أصسح فسي الدليسل ،وكذلك هسو فسي القرآن؛ فإن مسن رضسي بالسسبب المحقسق رضسي
بالمسبب المرتب عليه ،وأل يكون لها خيار؛ لنها قد علمت أن له نكاح الربع؛ وعلمت أنه إن لم
يقدر على نكاح حرة تزوج أمسة ،ومسا شرط ال سسبحانه عليهسا كمسا شرطست على نفسسها ،ول يعتسبر
في شروط ال سبحانه وتعالى علمها .وهذا غاية التحقيق في الباب والنصاف فيه.
@قوله تعالى" :المحصسنات" يريسد الحرائر؛ يدل عليه التقسسيم بينهسن وبيسن الماء فسي قوله" :مسن
فتياتكسسم المؤمنات" .وقالت فرقسسة :معناه العفائف .وهسسو ضعيسسف؛ لن الماء يقعسسن تحتسسه فأجازوا
نكاح إماء أهسل الكتاب ،وحرموا البغايسا مسن المؤمنات والكتابيات .وهسو قول ابسن ميسسرة والسسدي.
وقد اختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي ل يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الماء؛ فقال مالك
وأبسسو حنيفسسة وابسسن شهاب الزهري والحارث العكلي :له أن يتزوج أربعسسا .وقال حماد بسسن أبسسي
سليمان :ليس له أن ينكح من الماء أكثر من اثنتين .وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق :ليس
له أن ينكسح مسن الماء إل واحدة .وهسو قول ابسن عباس ومسسروق وجماعسة؛ واحتجوا بقوله تعالى:
"ذلك لمن خشي العنت منكم" وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة.
@قوله تعالى" :فمسن مسا ملكست أيمانكسم" أي فليتزوج بأمسة الغيسر .ول خلف بيسن العلماء أنسه ل
يجوز له أن يتزوج أمسة نفسسه؛ لتعارض الحقوق واختلفهسا" .مسن فتياتكسم" أي المملوكات ،وهسي
جمسع فتاة .والعرب تقول للمملوك :فتسى ،وللمملوكسة فتاة .وفسي الحديسث الصسحيح( :ل يقولن أحدكسم
عبدي وأمتسي ولكسن ليقسل فتاي وفتاتسي) وسسيأتي .ولفسظ الفتسى والفتاة يطلق أيضسا على الحرار فسي
ابتداء الشباب ،فأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكبر.
@قوله تعالى" :المؤمنات" بيسن بهذا أنسه ل يجوز التزوج بالمسة الكتابيسة ،فهذه الصسفة مشترطسة
عنسسد مالك وأصسسحابه ،والشافعسسي وأصسسحابه ،والثوري والوزاعسسي والحسسسن البصسسري والزهري
ومكحول ومجاهد .وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي :نكاح المة الكتابية جائز .قال
أبو عمر :ول أعلم لهم سلفا في قولهم ،إل أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال :إماء أهل الكتاب
بمنزلة الحرائر منهسسن .قالوا :وقوله "المؤمنات" على جهسسة الوصسسف الفاضسسل وليسسس بشرط أل
يجوز غيرهسسا؛ وهذا بمنزلة قوله تعالى" :فإن خفتسسم أل تعدلوا فواحدة" فإن خاف أل يعدل فتزوج
أكثسسر مسسن واحدة جاز ،ولكسسن الفضسسل أل يتزوج؛ فكذلك هنسسا الفضسسل أل يتزوج إل مؤمنسسة ،ولو
تزوج غير المؤمنة جاز .واحتجوا بالقياس على الحرائر ،وذلك أنه لما لم يمنع قوله" :المؤمنات"
فسسسي الحرائر مسسسن نكاح الكتابيات فكذلك ل يمنسسسع قوله" :المؤمنات" فسسسي الماء مسسسن نكاح إماء
الكتابيات .وقال أشهب في المدونة :جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية .فالمنع عده أن يفضل
الزوج في الحرية والدين معا .ول خلف بين العلماء أنه ل يجوز لمسلم نكاح مجوسية ول وثنية،
وإذا كان حراما بإجماع نكاحهما فكذلك وطؤهما بملك اليمين قياسا ونظرا .وقد روي عن طاوس
ومجاهسد وعطاء وعمرو بسن دينار أنهسم قالوا :ل بأس بنكاح المسة المجوسسية بملك اليميسن .وهسو
قول شاذ مهجور لم يلتفست إليسه أحسد مسن فقهاء المصسار .وقالوا :ل يحسل أن يطأهسا حتسى تسسلم .وقسد
تقدم القول في هذه المسألة في "البقرة" مستوفى .والحمد ل.
@قوله تعالى" :وال أعلم بإيمانكسم" المعنسى أن ال عليسم ببواطسن المور ولكسم ظواهرهسا ،وكلكسم
بنو آدم وأكرمكم عند ال أتقاكم ،فل تستنكفوا من التزوج بالماء عند الضرورة ،وإن كانت حديثة
عهسد بسسباء ،أو كانست خرسساء ومسا أشبسه ذلك .ففسي اللفسظ تنسبيه على أنسه ربمسا كان إيمان أمسة أفضسل
من إيمان بعض الحرائر.
@قوله تعالى" :بعضكسم مسن بعسض" ابتداء وخسبر؛ كقولك زيسد فسي الدار .والمعنسى أنتسم بنسو آدم.
وقيسل :أنتسم مؤمنون .وقيسل :فسي الكلم تقديسم وتأخيسر؛ المعنسى :ومسن لم يسستطع منكسم طول أن ينكسح
المحصسنات المؤمنات فلينكسح بعضكسم مسن بعسض :هذا فتاة هذا ،وهذا فتاة هذا .فبعضكسم على هذا
التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح .والمقصود بهذا الكلم توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن
ولد المة وتعيره وتسميه الهجين ،فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين ل معنى
له ،وإنما انحطت المة فلم يجز للحر التزوج بها إل عند الضرورة؛ لنه تسبب إلى إرقاق الولد،
وأن المة ل تفرغ للزوج على الدوام ،لنها مشغولة بخدمة المولى.
@قوله تعالى" :فانكحوهن بإذن أهلهن" أي بولية أربابهن المالكين وإذنهم .وكذلك العبد ل ينكح
إل بإذن سسيده؛ لن العبسد مملوك ل أمسر له ،وبدنسه كله مسستغرق ،لكسن الفرق بينهمسا أن العبسد إذا
تزوج بغيسر إذن سسيده فإن أجازه السسيد جاز؛ هذا مذهسب مالك وأصسحاب الرأي ،وهسو قول الحسسن
البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي .والمة إذا تزوجت بغير إذن
أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد؛ لن نقصان النوثة في المة يمنع من انعقاد النكاح البتة .وقالت
طائفسة :إذا نكسح العبسد بغيسر إذن سسيده فسسخ نكاحسه؛ هذا قول الشافعسي والوزاعسي وداود بسن علي،
قالوا :ل تجوز إجازة المولى إن لم يحضره؛ لن العقسسد الفاسسسد ل تصسسح إجازتسسه ،فإن أراد النكاح
اسستقبله على سسنته .وقسد أجمسع علماء المسسلمين على أنسه ل يجوز نكاح العبسد بغيسر إذن سسيده .وقسد
كان ابسن عمسر يعسد العبسد بذلك زانيسا ويحده؛ وهسو قول أبسي ثور .وذكسر عبدالرزاق عسن عبدال بسن
عمر عن نافع عن ابن عمر ،وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدا له نكح
بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقها .قال :وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة
أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى ،ويرى عليه الحد،
ويعاقب الذين أنكحوهما .قال :وأخبرنا ابن جريج عن عبدال بن محمد بن عقيل قال :سمعت جابر
بن عبدال يقول :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر).
وعسن عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه :هسو نكاح حرام؛ فإن نكسح بإذن سسيده فالطلق بيسد مسن
يسسستحل الفرج .قال أبسسو عمسسر :على هذا مذهسسب جماعسسة فقهاء المصسسار بالحجاز والعراق ،ولم
يختلف عسن ابسن عباس أن الطلق بيسد السسيد؛ وتابعسه على ذلك جابر بسن زيسد وفرقسة .وهسو عنسد
العلماء شذوذ ل يعرج عليه ،وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول ال تعالى" :ضرب ال مثل عبدا
مملوكا ل يقدر على شيء" [النحل .]75 :وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن موله؛
فإن نكسح نكاحسا فاسسدا فقال الشافعسي :إن لم يكسن دخسل فل شيسء لهسا ،لن كان دخسل فعليسه المهسر إذا
عتق؛ هذا هو الصحيح من مذهبه ،وهو قول أبي يوسف ومحمد ل مهر عليه حتى يعتق .وقال أبو
حنيفسة :إن دخسل عليهسا فلهسا المهسر .وقال مالك والشافعسي :إذا كان عبسد بيسن رجليسن فأذن له أحدهمسا
في النكاح فنكح فالنكاح باطل ،فأما المة إذا أذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز ،وإن لم تباشر العقد
لكن تولي من يعقده عليها.
@قوله تعالى" :وآتوهن أجورهن" دليل على وجوب المهر في النكاح ،وأنه للمة" .بالمعروف"
معناه بالشرع والسسنة ،وهذا يقتضسي أنهسن أحسق بمهورهسن مسن السسادة ،وهسو مذهسب مالك .قال فسي
كتاب الرهون :ليسس للسسيد أن يأخسذ مهسر أمتسه ويدعهسا بل جهاز .وقال الشافعسي :الصسداق للسسيد؛
لنسسه عوض فل يكون للمسسة .أصسسله إجازة المنفعسسة فسسي الرقبسسة ،وإنمسسا ذكرت لن المهسسر وجسسب
بسسببها .وذكسر القاضسي إسسماعيل فسي أحكامسه :زعسم بعسض العراقييسن إذا زوج أمتسه مسن عبده فل
مهر .وهذا خلف الكتاب والسنة وأطنب فيه.
@قوله تعالى" :محصسسنات" أي عفائف .وقرأ الكسسسائي "محصسسنات" بكسسسر الصسساد فسي جميسع
القرآن ،إل فسي قوله تعالى" :والمحصسنات مسن النسساء" [النسساء .]24 :وقرأ الباقون بالنصسب فسي
جميع القرآن .ثم قال" :غير مسافحات" أي غير زوان ،أي معلنات بالزنى؛ لن أهل الجاهلية كان
فيهم الزواني فسي العلنيسة ،ولهن رايات منصسوبات كرايسة البيطار" .ول متخذات أخدان" أصسدقاء
على الفاحشسسة ،واحدهسسم خدن وخديسسن ،وهسسو الذي يخادنسسك ،ورجسسل خدنسسة ،إذا اتخسسذ أخذانسسا أي
أصسسحابا ،عسسن أبسسي زيسسد .وقيسسل :المسسسافحة المجاهرة بالزنسسى ،أي التسسي تكري نفسسسها لذلك .وذات
الخدن هسي التسي تزنسي سسرا .وقيسل :المسسافحة المبذولة ،وذات الخدن التسي تزنسي بواحسد .وكانست
العرب تعيب العلن بالزنى ،ول تعيب اتخاذ الخدان ،ثم رفع السلم جميع ذلك ،وفي ذلك نزل
قوله تعالى" :ول تقربوا الفواحسش مسا ظهسسر منهسا ومسا بطسن" [النعام]151 :؛ عسن ابسن عباس
وغيره.
@قوله تعالى" :فإذا أحصن" قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة .الباقون بضمها .فبالفتح
معناه أسسلمن ،وبالضسم زوجسن .فإذا زنست المسة المسسلمة جلدت نصسف جلد الحرة؛ وإسسلمها هسو
إحصسانها فسي قول الجمهور ،ابسن مسسعود والشعسبي والزهري وغيرهسم .وعليسه فل تحسد كافرة إذا
زنست ،وهسو قول الشافعسي فيمسا ذكسر ابسن المنذر .وقال آخرون :إحصسانها التزوج بحسر .فإذا زنست
المسة المسسلمة التسي لم تتزوج فل حسد عليهسا ،قال سسعيد بسن جسبير والحسسن وقتادة ،وروي عسن ابسن
عباس وأبي الدرداء ،وبه قال أبو عبيد .قال :وفي حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه سئل
عسسن حسسد المسسة فقال :إن المسسة ألقسست فروة رأسسسها مسسن وراء الدار .قال الصسسمعي :الفروة جلدة
الرأس .قال أبسو عسبيدة :وهسو لم يرد الفروة بعينهسا ،وكيسف تلقسى جلدة رأسسها مسن وراء الدار ،ولكسن
هذا مثل ! إنما أراد بالفروة القناع ،يقول ليس عليها قناع ول حجاب ،وأنها تخرج إلى كل موضع
يرسلها أهلها إليه ،ل تقدر على المتناع من ذلك؛ فتصير حيث ل تقدر على المتناع من الفجور،
مثسل رعايسة الغنسم وأداء الضريبسة ونحسو ذلك؛ فكأنسه رأى أن ل حسد عليهسا إذا فجرت؛ لهذا المعنسى.
وقالت فرقة :إحصانها التزوج ،إل أن الحد واجب على المة المسلمة غير المتزوجة بالسنة ،كما
في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل :يا رسول ال ،المة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد.
قال الزهري :فالمتزوجسسسة محدودة بالقرآن ،والمسسسسلمة غيسسسر المتزوجسسسة محدودة بالحديسسسث .قال
القاضسي إسسماعيل فسي قول مسن قال "إذا أحصسن" أسسلمن :بعسد؛ لن ذكسر اليمان قسد تقدم لهسن فسي
قوله تعالى" :مسن فتياتكسم المؤمنات" .وأمسا مسن قال" :إذا أحصسن" تزوجسن ،وأنسه ل حسد على المسة
حتسسى تتزوج؛ فإنهسسم ذهبوا إلى ظاهسسر القرآن وأحسسسبهم لم يعلموا هذا الحديسسث .والمسسر عندنسسا أن
المة إذا .زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب ال ،وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى
ال عليسه وسسلم ول رجسم عليهسا؛ لن الرجسم ل يتنصسف .قال أبسو عمسر :ظاهسر قول ال عسز وجسل
يقتضي أل حد على أمة وإن كانت مسلمة إل بعد التزويج ،ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن،
فكان ذلك زيادة بيان.
قلت :ظهر المؤمن حمى ل يستباح إل بيقين ،ول يقين مع الختلف ،لول ما جاء في صحيح
السسسنة مسسن الجلد فسسي ذلك .وال أعلم .وقال أبسسو ثور فيمسسا ذكسسر ابسسن المنذر :وإن كانوا اختلفوا فسسي
رجمهما فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين ،وإن كان إجماع فالجماع أولى.
@ واختلف العلماء فيمسن يقيسم الحسد عليهمسا؛ فقال ابسن شهاب :مضست السسنة أن يحسد العبسد والمسة
أهلوهم في الزنى ،إل أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لحد أن يفتات عليه؛ وهو مقتضى قوله
عليسه السسلم( :إذا زنست أمسة أحدكسم فليحدهسا الحسد) .وقال علي رضسي ال عنسه فسي خطبتسه :يسا أيهسا
الناس ،أقيموا على أرقامكم الحد ،من أحصن منهم ومن لم يحصن ،فإن أمة لرسول ال صلى ال
عليسه وسسلم زنست فأمرنسي أن أجلدهسا ،فإذا هسي حديسث عهسد بنفاس ،فخشيست إن أنسا جلدتهسا أقتلهسا،
فذكرت ذلك للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقال( :أحسسنت) .أخرجسه مسسلم موقوفسا عسن علي .وأسسنده
النسائي وقال فيه :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من
أحصسن منهسم ومسن لم يحصسن) وهذا نسص فسي إقامسة السسادة الحدود على المماليسك مسن أحصسن منهسم
ومسن لم يحصسن .قال مالك رضسي ال عنسه :يحسد المولى عبده فسي الزنسى وشرب الخمسر والقذف إذا
شهد عنده الشهود بذلك ،ول يقطعه في السرقة ،وإنما يقطعه المام؛ وهو قول الليث .وروي عن
جماعسة مسن الصسحابة أنهسم أقاموا الحدود على عسبيدهم ،منهسم ابسن عمسر وأنسس ،ول مخالف لهسم من
الصسحابة .وروي عسن ابسن أبسي ليلى أنسه قال :أدركست بقايسا النصسار يضربون الوليدة مسن ولئدهسم
إذا زنت ،في مجالسهم .وقال أبو حنيفة :يقيم الحدود على العبيد والماء السلطان دون المولى في
الزنى وسائر الحدود؛ وهو قول الحسن بن حي .وقال الشافعي :يحده المولى في كل حد ويقطعه؛
واحتج بالحاديث التي ذكرنا .وقال الثوري والوزاعي :يحده في الزنى؛ وهو مقتضى الحاديث،
وال أعلم .وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه السورة.
@ فإن زنت المة ثم عتقت قبل أن يحدها سيدها لم يكن له سبيل إلى حدها ،والسلطان يجلدها إذا
ثبست ذلك عنده؛ فإن زنست ثسم تزوجست لم يكسن لسسيدها أن يجلدهسا أيضسا لحسق الزوج؛ إذ قسد يضره
ذلك .وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكا للسيد ،فلو كان ،جاز للسيد ذلك لن حقهما حقه.
@ فإن أقر العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحد يجب على العبد لقراره ،ول التفات لما أنكره
المولى ،وهذا مجمسسسع عليسسسه بيسسسن العلماء .وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتسسسب والمعتسسسق بعضسسسه.
وأجمعوا أيضسا على أن المسة إذا زنست ثسم أعتقست حدت حسد الماء؛ وإذا زنست وهسي ل تعلم بالعتسق
ثم علمت وقد حدت أقيم عليها تمام حد الحرة؛ ذكره ابن المنذر.
@ واختلفوا فسي عفسو السسيد عسن عبده وأمتسه إذا زنيسا؛ فكان الحسسن البصسري يقول :له أن يعفسو.
وقال غير الحسن :ل يسعه إل إقامة الحد ،كما ل يسع السلطان أن يعفو عن حد إذا علمه ،لم يسع
السسيد كذلك أن يعفسو عسن أمتسه إذا وجسب عليهسا الحسد؛ وهذا على مذهسب أبسي ثور .قال ابسن المنذر:
وبه نقول.
@قوله تعالى" :فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" أي الجلد ويعني بالمحصنات ههنا
البكار الحرائر؛ لن الثيسسب عليهسسا الرجسسم ل يتبعسسض ،وإنمسسا قيسسل للبكسسر محصسسنة وإن لم تكسسن
متزوجة؛ لن الحصان يكون بها؛ كما يقال :أضحية قبل أن يضحي بها؛ وكما يقال للبقرة :مثيرة
قبل أن تثير .وقيل" :المحصنات" المتزوجات؛ لن عليها الضرب والرجم في الحديث ،والرجم ل
يتبعسض فصسار عليهسن نصسف الضرب .والفائدة فسي نقصسان حدهسن أنهسن أضعسف مسن الحرائر.
ويقال :إنهن ل يصسلن إلى مرادهن كمسا تصسل الحرائر .وقيل :لن العقوبة تجسب على قدر النعمسة؛
أل ترى أن ال تعالى قال لزواج النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم" :يسسا نسسساء النسسبي مسسن يأت منكسسن
بفاحشسسة مبينسسة يضاعسسف لهسسا العذاب ضعفيسسن" [الحزاب ]30:فلمسسا كانسست نعمتهسسن أكثسسر جعسسل
عقوبتهسن أشسد ،وكذلك الماء لمسا كانست نعمتهسن أقسل فعقوبتهسن أقسل .وذكسر فسي اليسة حسد الماء
خاصة ،ولم يذكر حد العبيد؛ ولكن حد العبيد والماء سواء؛ خمسون جلدة في الزنى ،وفي القذف
وشرب الخمسر أربعون؛ لن حسد المسة إنمسا نقسص لنقصسان الرق فدخسل الذكور مسن العبيسد فسي ذلك
بعلة المملوكية ،كما دخل الماء تحت قوله عليه السلم( :من أعتق شركا له في عبد) .وهذا الذي
يسسميه العلماء القياس فسي معنسى الصسل؛ ومنسه قوله تعالى" :والذيسن يرمون المحصسنات" [النور:
]6اليسة .فدخسل فسي ذلك المحصسنين قطعسا؛ على مسا يأتسي بيانسه فسي سسورة "النور" إن شاء ال
تعالى.
@ وأجمسع العلماء على أن بيسع المسة الزانيسة ليسس بيعهسا بواجسب لزم على بهسا ،وإن اختاروا له
ذلك؛ لقوله عليه السلم( :إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليبعها الحد ول يثرب عليها ثم إن زنت
فليجلدها الحد ول يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) .أخرجه
مسسسلم عسسن أبسسي هريرة .وقال أهسسل الظاهسسر بوجوب بيعهسسا فسسي الرابعسسة .منهسسم داود وغيره؛ لقوله
(فليبعهسا) وقوله( :ثسم بيعوهسا ولو بضفيسر) .قال ابسن شهاب :فل أدري بعسد الثالثسة أو الرابعسة؛
والضفيسسر الحبسسل .فإذا باعهسسا بزناهسسا؛ لنسسه عيسسب فل يحسسل أن يكتسسم .فإن يكتسسم .فإن قيسسل :إذا كان
مقصسود الحديسث إبعاد الزانيسة ووجسب على بائعهسا التعريسف بزناهسا فل ينبغسي لحسد أن يشتريهسا؛
لنهسا ممسا قسد أمرنسا بإبعادهسا .فالجواب أنهسا مال ول تضاع؛ للنهسي عسن إضاعسة المال ،ول تسسيب؛
لن ذلك إغراء لهسا بالزنسى وتمكيسن منه ،ول تحبس دائما ،فإن فيسه تعطيل منفعتهسا على سسيدها فلم
يبق إل بيعها .ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز فيمنعها من ذلك .وعلى الجملة
فعند تبدل الملك تختلف عليها الحوال .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وأن تصبروا خير لكم" أي الصبر على العزبة خير من نكاح المة ،لنه يفضي
إلى إرقاق الولد ،والغسض مسن النفسس والصسبر على مكارم الخلق أولى مسن البذالة .وروي عسن
عمر رضي ال عنه أنه قال :أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه .يعني يصير ولده رقيقا؛ فالصبر
عن ذلك أفضل لكيل يرق الولد .وقال سعيد بن جبير :ما نكاح المة من الزنى إل قريب ،قال ال
تعالى" :وأن تصسسبروا خيسر لكسم" ،أي عسن نكاح الماء .وفسسي سسسنن ابسن ماجسة عسن الضحاك بسن
مزاحسم قال :سسمعت أنسس بسن مالك يقول :سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يقول" :مسن أراد
أن يلقسسى ال طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر) .ورواه أبسو إسسسحاق الثعلبسسي مسسن حديسسث يونسسس بسسن
مرداس ،وكان خادما لنس ،وزاد :فقال أبو هريرة سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
(الحراير صلح البيت والماء هلك البيت -أو قال -فساد البيت).
**3الية{ 26 :يريد ال ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وال عليم حكيم}
@ أي ليبين لكم أمر دينكم ومصالح أمركم ،وما يحل لكم وما يحرم عليكم .وذلك يدل على امتناع
خلو واقعة عن حكم ال تعالى؛ ومنه قوله تعالى" :ما فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام]38:
على مسا يأتسي .وقال بعسد هذا" :يريسد ال أن يخفسف عنكسم" [النسساء ]28 :فجاء هذا "بأن" والول
باللم .فقال الفراء :العرب تعاقب بين لم كي وأن؛ فتأتي باللم التي على معنى "كي" في موضع
"أن" فسي أردت وأمرت؛ فيقولون :أردت أن تفعسل ،وأردت تفعسل؛ لنهمسا يطلبان المسستقبل .ول
يجوز ظننت لتفعل؛ لنك تقول ظننت أن قد قمت .وفي التنزيل "وأمرت لعدل بينكم" [الشورى:
" ]15وأمرنسسا لنسسسلم لرب العالميسسن" [النعام" .]71 :يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههسسم"
[الصف" .]8 :يريدون أن يطفئوا نور ال" [التوبة .]32 :قال الشاعر:
تمثل لي ليلى بكل سبيل أريد لنسى ذكرها فكأنما
يريسسد أن أنسسسى .قال النحاس :وخطسسأ الزجاج هذا القول وقال :لو كانسست اللم بمعنسسى "أن" لدخلت
عليها لم أخرى؛ كما تقول :جئت كي تكرمني ،ثم تقول جئت لكي تكرمني .وأنشدنا:
سراويل قيس والوفود شهود أردت لكيما يعلم الناس أنها
قال :والتقديسر إرادتسه ليسبين لكسم .قال النحاس :وزاد المسر على هذا حتسى سسماها بعسض القراء لم
أن؛ وقيل :المعنى يريد ال هذا من أجل أن يبين لكم.
@قوله تعالى" :ويهديكم سنن الذين من قبلكم" أي من أهل الحق .وقيل :معنى "يهديكم" يبين لكم
طرق الذين من قبلكم من أهسل الحق وأهسل الباطل .وقال بعض أهسل النظسر :فسي هذا دليل على أن
كسل مسا حرم ال قبسل هذه اليسة علينسا فقسد حرم على مسن كان قبلنسا .قال النحاس :وهذا غلط؛ لنسه
يكون المعنى ويبين لكم أمر من كان قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه ،وقد يكون ويبين لكم كما
بيسسن لمسسن كان قبلكسسم مسسن النسسبياء فل يومسسي بسسه إلى هذا بعينسسه .ويقال :إن قوله "يريسسد ال" ابتداء
القصة ،أي يريد ال أن يبين لكم كيفية طاعته" .ويهديكم" يعرفكم "سنن الذين من قبلكم" أنهم لما
تركوا أمري كيسف عاقبتهسم ،وأنتسم إذا فعلتسم ذلك ل أعاقبكسم ولكنسي أتوب عليكسم" .وال عليسم" بمسن
تاب "حكيم" بقبول التوبة.
**3اليتان{ 28 - 27 :وال يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل
عظيما ،يريد ال أن يخفف عنكم وخلق النسان ضعيفا}
@قوله تعالى" :وال يريسد أن يتوب عليكسم" ابتداء وخسبر .و"أن" فسي موضسع نصسب بسس "يريسد"
وكذلك "يريسد ال أن يخفسف عنكسم"؛ فسس "أن يخفسف" فسي موضسع نصسب بسس "يريسد" والمعنسى :يريسد
توبتكسم ،أي يقبلهسا فيتجاوز عسن ذنوبكسم ويريسد التخفيسف عنكسم .قيسل :هذا فسي جميسع أحكام الشرع،
وهسو الصسحيح .وقيسل :المراد بالتخفيسف نكاح المسة ،أي لمسا علمنسا ضعفكسم عسن الصسبر عسن النسساء
خففنسا عنكسم بإباحسة الماء؛ قال مجاهسد وابسن زيسد وطاوس .قال طاوس :ليسس يكون النسسان فسي
شيسء أضعسف منسه فسي أمسر النسساء .واختلف فسي تعييسن المتبعيسن للشهوات؛ فقال مجاهسد :هسم الزناة.
السسدي :هسم اليهود والنصسارى .وقالت فرقسة :هسم اليهود خاصسة؛ لنهسم أرادوا أن يتبعهسم المسسلمون
فسي نكاح الخوات مسن الب .وقال ابسن زيسد :ذلك على العموم ،وهسو الصسح .والميسل :العدول عسن
طريق الستواء؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى ل تلحقه معرة.
قوله تعالى" :وخلق النسسسان ضعيفسسا" نصسسب على الحال؛ والمعنسسى أن هواه يسسستميله وشهوتسسه
وغضبسه يسستخفانه ،وهذا أشسد الضعسف فأحتاج إلى التخفيسف .وقال طاوس :ذلك فسي أمسر النسساء
خاصة .وروي عن ابن عباس أنه قرأ "وخلق النسان ضعيفا" أي وخلق ال النسان ضعيفا ،أي
ل يصسبر عسن النسساء .قال ابسن املسسيب :لقسد أتسى علي ثمانون سسنة وذهبست إحدى عينسي وأنسا أعشسو
بالخرى وصاحبي أعمى أصم -يعني ذكره -وإني أخاف من فتنة النساء .ونحوه عن عبادة بن
الصسسامت رضسسي ال عنسسه ،قال عبادة :أل ترونسسي ل أقوم إل رفدا ول آكسسل إل مسسا لوق لي -قال
يحيى :يعني لين وسخن -وقد مات صاحبي منذ زمان -قال يحيى :يعني ذكره -وما يسرني أني
خلوت بامرأة ل تحسل لي ،وأن لي مسا تطلع عليسه الشمسس مخافسة أن يأتينسي الشيطان فيحركسه علي،
إنه ل سمع له ول بصره.
**3اليسة{ 29 :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تأكلوا أموالكسم بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن
تراض منكم ول تقتلوا أنفسكم إن ال كان بكم رحيما}
@قوله تعالى" :بالباطسل" أي بغيسر حسق .ووجوه ذلك تكثسر على مسا بيناه؛ وقسد قدمنسا معناه فسي
البقرة .ومسن أكسسل المال بالباطسسل بيسسع العربان؛ وهسو أن يأخسسذ منسسك السسسلعة أو يكتري منسسك الدابسسة
ويعطيك درهما فما فوقه ،على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛
وإن ترك ابتياع السسلعة أو كراء الدابسة فمسا أعطاك فهسو لك .فهذا ل يصسلح ول يجوز عنسد جماعسة
فقهاء المصسار مسن الحجازييسن والعراقييسن ،لنسه مسن باب بيسع القمار والغرر والمخاطرة ،وأكسل
المال بالباطسل بغيسر عوض ول هبسة ،وذلك باطسل بإجماع .وبيسع العربان مفسسوخ إذا وقسع على هذا
الوجه قبل القبض وبعده ،وترد السلعة إن كانت قائمة ،فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها .وقد روي
عسن قوم منهسم ابسن سسيرين ومجاهسد ونافسع بسن عبدالحارث وزيسد بسن أسسلم أنهسم أجازوا بيسع العربان
على ما وصفنا .وكان زيد بن أسلم يقول :أجازه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أبو عمر :هذا
ل يعرف عن النبي صلى ال عليه وسلم من وجه يصح ،وإنما ذكره عبدالرزاق عن السلمي عن
زيسد بسن أسسلم مرسسل؛ وهذا ومثله ليسس حجسة .ويحتمسل أن يكون بيسع العربان الجائز على مسا تأوله
مالك والفقهاء معسه؛ وذلك أن يعربنسه ثسم يحسسب عربانسه مسن الثمسن إذا اختار تمام البيسع .وهذا ل
خلف في جوازه عن مالك وغيره؛ وفي موطأ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم (نهى عن بيع العربان) .قال أبو عمر :قد تكلم الناس
في الثقة عنده في هذا الموضع ،وأشبه ما قيل نيه :أنه أخذه عن ابن لهيعة أو عن ابن وهب عن
ابسن لهيعسة؛ لن ابسن لهيعسة سسمعه مسن عمرو بسن شعيسب ورواه عنسه .حدث بسه عسن ابسن لهيعسة ابسن
وهسب وغيره ،وابسن لهيعسة أحسد العلماء إل أنسه يقال :إنسه احترقست كتبسه فكان إذا حدث بعسد ذلك مسن
حفظه غلط .وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح .ومنهم من يضعف
حديثه كله ،.وكان عنده علم واسع وكان كثير الحديث ،إل أن حال عندهم كما وصفنا.
@قوله تعالى" :إل أن تكون تجارة عن تراض منكسم" هذا استثناء منقطسع ،أي ولكن تجارة عن
تراض .والتجارة هي البيع والشراء؛ وهذا مثل قوله تعالى" :وأحل ال البيع وحرم الربا" [البقرة:
]275على ما تقدم .وقرئ "تجارة" ،بالرفع أي إل أن تقع تجارة؛ وعليه أنشد سيبويه:
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي
وتسمى هذه كان التامة؛ لنها تمت بفاعلها ولم تحتج إلى مفعول .وقرئ "تجارة" بالنصب؛ فتكون
كان ناقصسة؛ لنهسا ل تتسم بالسسم دون الخسبر ،فاسسمها مضمسر فيهسا ،وإن شئت قدرتسه ،أي إل أن
تكون الموال أموال تجارة؛ فحذف المضاف وأقيسم المضاف إليسه مقامسه ،وقسد تقدم هذا؛ ومنسه قوله
تعالى" :وإن كان ذو عسرة" [البقرة.]280 :
@قوله تعالى" :تجارة" التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة؛ ومنه الجر الذي يعطيه البارئ
سبحانه العبد عوضا عن العمال الصالحة التي هي بعض من فعله؛ قال ال تعالى" :يا أيها الذين
آمنوا هسل أدلكسم على تجارة تنجيكسم مسن عذاب أليسم" [الصسف .]10 :وقال تعالى" :يرجون تجارة
لن تبور" [فاطسر .]29 :وقال تعالى" :إن ال اشترى مسن المؤمنيسن أنفسسهم وأموالهسم" [التوبسة:
]111اليسة .فسسمى ذلك كله بيعسا وشراء على وجسه المجاز ،تشبيهسا بعقود الشريسة والبياعات
التي تحصل بها الغراض ،وهي نوعان :تقلب في الحضسر من غير نقلة ول سفر ،وهذا تربص
واحتكار قسد رغسب عنسه أولو القدار ،وزهسد فيسه ذوو الخطار .والثانسي تقلب المال بالسسفار ونقله
إلى المصار ،فهذا أليق بأهل المروءة ،وأعم جدوى ومنفعة ،غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا.
وقسد روي عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال( :إن المسسافر وماله لعلى قلت إل مسا وقسى ال).
يعني على خطر .وقيل :في التوراة يا ابن آدم ،أحدث سفرا أحدث لك رزقا .الطبري :وهذه الية
أدل دليل على فساد قول.
@ اعلم أن كل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض إل أن قوله "بالباطل" أخرج منها كل
عوض ل يجوز شرعسسا مسسن ربسسا أو جهالة أو تقديسسر عوض فاسسسد كالخمسسر والخنزيسسر وغيسسر ذلك.
وخرج منهسسا أيضسسا كسسل عقسسد جائز ل عوض فيسسه؛ كالقرض والصسسدقة والهبسسة ل للثواب .وجازت
عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها .فهذان طرفان متفق عليهما .وخرج منها أيضا
دعاء أخيسسك إياك إلى طعامسسه .روى أبسسو داود عسسن ابسسن عباس فسسي قوله تعالى" :ل تأكلوا أموالكسسم
بينكسم بالباطسل إل أن تكون تجارة عسن تراض منكسم" فكان الرجسل يحرج أن يأكسل عنسد أحسد مسن
الناس بعسسد مسسا نزلت هذه اليسسة؛ فنسسسخ ذلك باليسسة الخرى التسسي فسسي "النور"؛ فقال" :ليسسس على
العمسسسى حرج ول على العرج حرج ول على المريسسسض حرج ول على أنفسسسسكم أن تأكلوا مسسسن
بيوتكسم" [النور ]61 :إلى قوله "أشتاتسا"؛ فكان الرجسل الغنسي يدعسو الرجسل مسن أهله إلى طعامسه
فيقول :إني لجنح أن آكل منه -والتجنح الحرج ويقول :المسكين أحق به مني .فأحل في ذلك أن
يأكلوا مما ذكر اسم ال عليه ،وأحل طعام أهل الكتاب.
@ لو اشتريت من السوق شيئا؛ فقال لك صاحبه قبل الشراء :ذقه وأنت في حل؛ فل تأكل منه؛
لن إذنسه بالكسل لجسل الشراء؛ فربمسا ل يقسع بينكمسا شراء فيكون ذلك شبهسة ،ولكسن لو وصسف لك
صفة فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار.
@ والجمهور على جواز الغبن في التجارة؛ مثل أن يبيع رجل ياقوتة به بدرهم وهي تساوي مائة
فذلك جائز ،وأن المالك الصسسحيح الملك جائز له أن يسسبيع ماله الكثيسسر بالتافسسه اليسسسير ،وهذا مسسا ل
اختلف فيسه بيسن العلماء إذا عرف قدر ذلك ،كمسا تجوز الهبسة لو وهسب .واختلفوا فيسه إذا لم يعرف
قدر ذلك؛ فقال قوم :عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهسو جائز إذا كان رشيدا حرا بالغسا .وقالت فرقسة:
الغبسن إذا تجاوز الثلث مردود ،وإنمسا أبيسح منسه المتقارب المتعارف فسي التجارات ،وأمسا المتفاحسش
الفادح فل؛ وقال ابسن وهسب مسن أصسحاب مالك رحمسه ال .والول أصسح؛ لقوله عليسه السسلم فسي
حديث المة الزانية( .فليبعها ولو بضفير) وقوله عليه السلم لعمر( :ل تبتعه يعني القرس -ولو
أعطاكه بدرهم واحد) وقوله عليه السلم( :دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض) وقوله عليه
السلم( :ل يبغ حاضر لباد) وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ول غيره.
@قوله تعالى" :عسن تراض منكسم" أي عسن رضسى ،إل أنهسا جاءت مسن المفاعلة إذ التجارة مسن
اثنين .واختلف العلماء في التراضي؛ فقالت طائفة :تمامه وجزمه بافتراق البدان بعد عقدة البيع،
أو بأن يقول أحدهمسا لصساحبه :اختسر؛ فيقول :قسد اخترت ،وذلك بعسد العقدة أيضسا فينجزم أيضسا وإن
لم يتفرقا؛ قاله جماعة من الصحابة والتابعين ،وبه قال الشافعي والثوري والوزاعي والليث وابن
عيينسة وإسسحاق وغيرهسم .قال الوزاعسي :همسا بالخيار مسا لم يتفرقسا؛ إل بيوعسا ثلثسة :بيسع السسلطان
المغانسم ،والشركسة فسي الميراث ،والشركسة فسي التجارة؛ فإذا صسافقه فسي هذه الثلثسة فقسد وجسب البيسع
وليسسا فيسه بالخيار .وقال :وحسد التفرقسة أن يتوارى كسل واحسد منهمسا عسن صساحبه؛ وهسو قول أهسل
الشام .وقال الليسسث :التفرق أن يقوم أحدهمسسا .وكان أحمسسد بسسن حنبسسل يقول :همسسا بالخيار أبدا مسسا لم
يتفرقا بأبدانهما ،وسواء قال :اخترنا أو لم يقوله حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما؛ وقال الشافعي
أيضسا .وهسو الصسحيح فسي هذا الباب للحاديسث الواردة فسي ذلك .وهسو مروي عسن ابسن عمسر وأبسي
برزة وجماعسة مسن العلماء .وقال مالك وأبسو حنيفسة :تمام البيسع هسو أن يعقسد البيسع باللسسنة فينجزم
العقسد بذلك ويرتفسع الخيار .قال محمسد بسن الحسسن :معنسى قوله فسي الحديسث (البيعان بالخيار مسا لم
يتفرقا) أن البائع إذا قال :قد بعتك ،فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت .وهو قول أبي حنيفة،
ونص مذهب مالك أيضا ،حكاه ابن خويز منداد .وقيل :ليس له أن يرجع .وقد مضى في "البقرة".
واحتج الولون بما ثبت من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة وابن عمر وعبدال بن عمرو بن
العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وغيرهم عن النبي صلى ال عليه وسلم (البيعان بالخيار ما
لم يتفرقسا أو يقول أحدهمسا لصساحبه أختسر) .رواه أيوب عسن نافسع عسن ابسن عمسر؛ فقوله عليسه السسلم
فسي هذه الروايسة( :أو يقول أحدهمسا لصساحبه اختسر) هسو معنسى الروايسة الخرى (إل بيسع الخيار)
وقوله( :إل أن يكون بيعهمسا عسن خيار) ونحوه .أي يقول أحدهمسا بعسد تمام البيسع لصساحبه :اختسر
إنفاذ البيسع أو فسسخه؛ فإن اختار إمضاء البيسع تسم البيسع بينهسم وإن لم يتفرقسا .وكان ابسن عمسر وهسو
راوي الحديث إذا بايع أحدا وأحب أن ينفذ البيع مشى قليل ثم رجع .وفي الصول :إن من روى
حديثسسا فهسسو أعلم بتأويله ،ل سسسيما الصسسحابة إذ هسسم أعلم بالمنال وأقعسسد بالحال .وروى أبسسو داود
والدارقطنسي عسن أبسي الوضيسء قال :كنسا فسي سسفر فسي عسسكر فأتسى رجسل معسه فرس فقال له رجسل
منسا :أتسبيع هذا الفرس بهذا الغلم ؟ قال :نعسم؛ فباعسه ثسم بات معنسا ،فلمسا أصسبح قام إلى فرسسه ،فقال
له صساحبنا :مالك والفرس ! أليسس قسد بعتنيهسا ؟ فقال :مسا لي فسي هذا البيسع مسن حاجسة .فقال :مالك
ذلك ،لقد بعتني .فقال لهما القوم :هذا أبو برزة صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم فأتياه؛ فقال
لهما :أترضيان بقضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال :نعم .فقال :قال رسول ال صلى ال
عليسسه وسسسلم( :البيعان بالخيار مسسا لم يتفرقسسا) وإنسسي ل أراكمسسا افترقتمسسا .فهذان صسسحابيان قسسد علمسسا
مخرج الحديسسث وعمل بمقتضاه ،بسسل هذا كان عمسسل الصسسحابة .قال سسسالم :قال ابسسن عمسسر :كنسسا إذا
تبايعنسسا كان كسسل واحسسد منسسا بالخيار مسسا لم يفرق المتبايعان .قال :فتبايعسست أنسسا وعثمان فبعتسسه مالي
بالوادي بمال له بخيبر؛ قال :فلما بعته طفقت أنكص القهقرى ،خشية أن يرادني عثمان البيع قبل
أن أفارقه .أخرجه الدارقطني ثم قال :إن أهل اللغة فرقوا بين فرقت مخففا وفرقت مثقل؛ فجعلوه
بالتخفيسف فسي الكلم وبالتثقيسل فسي البدان .قال أحمسد بسن يحيسى ثعلب :أخسبرني ابسن العرابسي عسن
المفضسل قال :يقال فرقست بيسن الكلميسن مخففسا فافترقسا وفرقست بيسن اثنيسن مشددا فتفرقسا؛ فجعسل
الفتراق فسي القول ،والتفرق فسي البدان .احتجست المالكيسة بمسا تقدم بيانسه فسي آيسة الديسن ،وبقوله
تعالى" :أوفوا بالعقود" [المائدة ]1 :وهذان قسد تعاقدا .وفسي هذا الحديسث إبطال الوفاء بالعقود.
قالوا :وقد يكون التفرق بالقول كعقد النكاح ووقوع الطلق الذي قد سماه ال فراقا؛ قال ال تعالى:
"وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته" [النساء ]130 :وقال تعالى" :ول تكونوا كالذين تفرقوا" [آل
عمران ]105 :وقال عليه السلم( :تفترق أمتي) ولم يقل بأبدانها.
وقد روى الدارقطني وغيره عن عمرو بن شعيب قال :سمعت شعيبا يقول :سمعت عبدال بن
عمرو يقول :سسمعت النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يقول( :أيمسا رجسل ابتاع مسن رجسل بيعسة فإن كسل
واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إل أن تكون صفقة خيار فل يحل لحدهما أن يفارق
صساحبه مخافسة أن يقيله) .قالوا :فهذا يدل على أنسه قسد تسم البيسع بينهمسا قبسل الفتراق؛ لن القالة ل
تصح إل فيما قد تم من البيوع .قالوا :ومعنى قوله (المتبايعان بالخيار) أي المتساومان بالخيار ما
لم يعقدا فإذا عقدا بطسل الخيار فيسه .والجواب :أمسا مسا اعتلوا بسه مسن الفتراق بالكلم فإنمسا المراد
بذلك الديان كمسسا بيناه فسسي "آل عمران" ،وإن كان صسسحيحا فسسي بعسسض المواضسسع فهسسو فسسي هذا
الموضع غير صحيح .وبيانه أن يقال :خبرونا عن الكلم الذي وقع به الجتماع وتم به البيع ،أهو
الكلم الذي أريسد بسه الفتراق أم غيره ؟ فإن قالوا :هسو غيره فقسد أحالوا وجاؤوا بمسا ل يعقسل؛ لنسه
ليس ثم كلم غير ذلك .وإن قالوا :هو ذلك الكلم بعينه قيل لهم :كيف يجوز أن يكون الكلم الذي
بسه اجتمعسا وتسم بسه بيعهمسا ،بسه افترقسا ،هذا عيسن المحال والفاسسد مسن القول .وأمسا قوله( :ول يحسل له
أن يفارق صساحبه مخافسة أن يقيله) فمعناه -إن صسح -على الندب؛ بدليسل قوله عليسه السسلم( .مسن
أقال مسسسسلما أقاله ال عثرتسسسه) وبإجماع المسسسسلمين على أن ذلك يحسسسل لفاعله على خلف ظاهسسسر
الحديسث ،ولجماعهسم أنسه جائز له أن يفارقسه لينفسذ بيعسه ول يقيله إل أن يشاء .وفيمسا أجمعوا عليسه
مسسن ذلك رد لروايسسة مسسن روى (ل يحسسل) فإن لم يكسسن وجسسه هذا الخسسبر الندب ،وإل فهسسو باطسسل
بالجماع .وأمسا تأويسل "المتبايعان" بالمتسساومين فعدول عسن ظاهسر اللفسظ ،وإنمسا معناه المتبايعان
بعسد عقدهمسا مخيران مسا دامسا فسي مجلسسهما ،إل بيعسا يقول أحدهمسا لصساحبه فيسه :اختسر فيختار؛ فإن
الخيار ينقطسع بينهما وإن لم يتفرقا؛ فإن فرض خيار فالمعنسى :إل بيسع الخيار فإنسه يبقى الخيار بعد
التفرد بالبدان .وتتميم هذا الباب في كتب الخلف .وفي قول عمرو بن شعيب "سمعت أبي يقول
"دليسل على صسحة حديثسه؛ فسسن الدارقطنسي قال حدثنسا أبسو بكسر النيسسابوري حدثنسا محمسد بسن علي
الوراق قال :قلت لحمسد بن حنبل :شعيب سمع من أبيه شيئا ؟ قال :يقول حدثنسي أبي .قال :فقلت:
فأبوه سسمع مسن عبدال بسن عمرو؟ قال :نعسم ،أراه قسد سسمع منسه .قال الدارقطنسي سسمعت أبسا بكسر
النيسابوري يقول :هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدال بن عمرو بن العاص ،وقد صح سماع
عمرو بن شعيب من أبيه شعيب وسماع شعيب من جده عبدال بن عمرو.
@ روى الدارقطنسي عسن ابسن عمسر قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :التاجسر الصسدوق
الميسن المسسلم مسع النسبي والصسديقين والشهداء يوم القيامسة) .ويكره للتاجسر أن يحلف لجسل ترويسج
السلعة وتزيينها ،أو يصلي على الني صلى ال عليه وسلم في عرض سلعته؛ وهو أن يقول :صلى
ال على محمسسد ! مسسا أجود هذا .ويسسستحب للتاجسسر أل تشغله تجارتسسه عسسن أداء الفرائض؛ فإذا جاء
وقست الصسلة ينبغسي أن يترك تجارتسه حتسى يكون مسن أهسل هذه اليسة" :رجال ل تلهيهسم تجارة ول
بيع عن ذكر ال" [النور ]37 :وسيأتي.
@ وفسي هذه اليسة مسع الحاديسث التسي ذكرناهسا مسا يرد قول مسن ينكسر طلب القوات بالتجارات
والصناعات من المتصوفة الجهلة؛ لن ال تعالى حرم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة ،وهذا بين.
@قوله تعالى" :ول تقتلوا أنفسكم" فيه مسألة واحدة -قرأ الحسن "تُ َقتّلوا" على التكثيسر .وأجمع
أهل التأويل على أن المراد بهذه الية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا .ثم لفظها يتناول أن يقتل
الرجسل نفسسه بقصسد منسه للقتسل فسي الحرص على الدنيسا وطلب المال بأن يحمسل نفسسه على الغرر
المؤدي إلى التلف .ويحتمسسل أن يقال" :ول تقتلوا أنفسسسكم" فسسي حال ضجسسر أو غضسسب؛ فهذا كله
يتناول النهسي .وقسد احتسج عمرو بسن العاص بهذه اليسة حيسن امتنسع مسن الغتسسال بالماء البارد حيسن
أجنسب فسي غزوة ذات السسلسل خوفسا على نفسسه منسه؛ فقرر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم احتجاجسه
وضحك عنده ولم يقل شيئا .خرجه أبو داود وغيره ،وسيأتي.
**3الية{ 30 :ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا}
@قوله" :ذلك" إشارة إلى القتسل؛ لنه أقرب مذكور؛ قاله عطاء .وقيسل :هسو عائد إلى أكسل المال
بالباطل وقتل النفس؛ لن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا ،ثم ورد الوعيد حسب النهي .وقيل :هو
عام على كسل مسا نهسى عنسه مسن القضايسا ،مسن أول السسورة إلى قوله تعالى" :ومسن يفعسل ذلك" .وقال
الطسبري" :ذلك" عائد على مسا نهسى عنسه مسن آخسر وعيسد ،وذلك قوله تعالى" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل
يحسل لكسم أن ترثوا النسساء كرهسا" [النسساء ]19 :لن كسل مسا نهسى عنسه مسن أول السسورة قرن بسه
وعيد ،إل من قوله" :يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم" فإنه ل وعيد بعده إل قوله" :ومن يفعل ذلك
عدوانا" [النساء .]10والعدوان تجاوز الحد .والظلم وضع الشيء في غير موضعه ،وقد تقدم.
وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط ،وذكر العدوان والظلم مع تقارب
معانيهما لختلف ألفاظهما ،وحسن ذلك في الكلم كما قال:
وألفى قولها كذبا ومينا
وحسن العطف لختلف اللفظين؛ يقال :بعدا وسحقا؛ ومنه قول يعقوب" :إنما أشكو بثي وحزني
إلى ال" [يوسف .]86 :فحسن ذلك لختلف اللفظ .و"نصليه" معناه نمسه حرها .وقد بينا معنى
الجمسع بيسن هذه الي وحديسث أبسي سسعيد الخدري فسي العصساة وأهسل الكبائر لمسن أنفسذ عليسه الوعيسد؛
فل معنسى لعادة ذلك .وقرأ العمسش والنخعسي "نصسليه" بفتسح النون ،على أنسه منقول مسن صسلي
نارا ،أي أصسسليته؛ وفسسي الخسسبر "شاة مصسسلية" .ومسسن ضسسم النون منقول بالهمزة ،مثسسل طعمسست
وأطعمت.
**3الية{ 31 :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما}
@ لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر ،وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر،
ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر .وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء ،وأن
اللمسسة والنظرة تكفسر باجتناب الكبائر قطعسا بوعده الصسدق وقوله الحسق ،ل أنسه يجسب عليسه ذلك.
ونظير الكلم في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى" :إنما التوبة على ال" [النساء:
،]17فال تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ،لكن بضميمة أخرى إلى الجتناب وهي إقامة
الفرائض .روى مسسسلم عسسن أبسسي هريرة قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :الصسسلوات
الخمسس والجمعسة إلى الجمعسة ورمضان إلى رمضان مكفرات مسا بينهسن إذا اجتنسب الكبائر .وروى
أبسو حاتسم البسستي إلى صسحيح مسسنده عسن أبسي هريرة وأبسي سسعيد الخدري أن رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال( :والذي نفسي بيده) ثلث مرات ،ثم سكت فأكب كل رجل منا
يبكسي حزينسا ليميسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ثسم قال( :مسا مسن عبسد يؤدي الصسلوات الخمسس
ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إل فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى إنها
لتصفق) ثم تل "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" .فقد تعاضد الكتاب وصحيح
السسسنة بتكفيسسر الصسسغائر قطعسسا كالنظسسر وشبهسسه .وبينسست السسسنة أن المراد بس س "تجتنبوا" ليسسس كسسل
الجتناب لجميسع الكبائر .وال أعلم .وأمسا الصسوليون فقالوا :ل يجسب على القطسع تكفيسر الصسغائر
باجتناب الكبائر ،وإنما محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة ثابتة .ودل على ذلك أنه
لو قطعنسا لمجتنسب الكبائر وممتثسل الفرائض تكفيسر صسغائره قطعسا لكانست له فسي حكسم المباح الذي
يقطسع بأل تباعسة فيسه ،وذلك نقسض لعرى الشريعسة .ول صسغيرة عندنسا .قال القشيري عبدالرحيسم:
والصسحيح أنهسا كبائر ولكسن بعضهسا أعظسم وقعسا مسن بعسض ،والحكمسة فسي عدم التمييسز أن يجتنسب
العبد جميع المعاصي.
قلت :وأيضا فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم - :ل تنظر إلى صغر الذنب ولكن
انظسر مسن عصسيت -كانست الذنوب بهذه النسسبة كلهسا كبائر ،وعلى هذا النحسو يخرج كلم القاضسي
أبسسي بكسسر بسسن الطيسسب والسسستاذ أبسسي إسسسحاق السسسفراييني وأبسسي المعالي وأبسسي نصسسر عبدالرحيسسم
القشيري وغيرهسم؛ قالوا :وإنمسا يقال لبعضهسا صسغيرة بالضافسة إلى مسا هسو أكسبر منهسا ،كمسا يقال
الزنسى صسغيرة بإضافتسه إلى الكفسر ،والقبلة المحرمسة صسغيرة بالنسسبة إلى الزنسى ،ول ذنسب عندنسا
يغفر باجتناب ذنب آخر ،بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر ،لقوله تعالى" :إن ال
ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء" [النسساء ]48 :واحتجوا بقراءة مسن قرأ "إن
تجتنبوا كبير ما تنهون عنه" على التوحيد؛ وكبير الثم الشرك .قالوا :وعلى الجمع فالمراد أجناس
الكفر .والية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى" :ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء" .واحتجوا بمسا رواه مسسلم وغيره عسن أبسي أمامسة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال:
(مسن اقتطسع حسق امرئ مسسلم بيمينسه فقسد أوجسب ال له النار وحرم عليسه الجنسة) فقال له رجسل :يسا
رسسول ال ،وإن كان شيئا يسسيرا ؟ قال( :وإن كان قضيبسا مسن أراك) .فقسد جاء الوعيسد الشديسد على
اليسير كما جاء على الكثير .وقال ابن عباس :الكبيرة كل ذنب ختمه ال بنار أو غضب أو لعنة أو
عذاب .وقال ابن مسعود :الكبائر ما نهى ال عنه في هذه السورة إلى ثلث وثلثين آية؛ وتصديقه
قوله تعالى" :إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه" .وقال طاوس :قيسل لبسن عباس الكبائر سسبع ؟ قال:
هسي إلى السسبعين أقرب .وقال سسعيد بسن جسبير :قال رجسل لبسن عباس الكبائر سسبع ؟ قال :هسي إلى
السسبعمائة أقرب منهسا إلى السسبع؛ غيسر أنسه ل كسبيرة مسع اسستغفار ول صسغيرة مسع إصسرار .وروي
عسن ابسن مسسعود أنسه قال :الكبائر أربعسة :اليأس مسن روج ال ،والقنوط مسن رحمسة ال ،والمسن مسن
مكر ال ،والشرك بال؛ دل عليها القرآن .وروي عن ابن عمر :هي تسع :قتل النفس ،وأكل الربا،
وأكسسل مال اليتيسسم ،ورمسسي المحصسسنة ،وشهادة الزور ،وعقوق الوالديسسن ،والفرار مسسن الزحسسف،
والسسسحر ،واللحاد فسسي البيسست الحرام .ومسسن الكبائر عنسسد العلماء :القمار والسسسرقة وشرب الخمسسر
وسب السسلف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع الهوى واليميسن الفاجرة والقنوط مسن رحمة
ال وسسب النسسان أبويسه -بأن يسسب رجل فيسسب ذلك الرجسل أبويسه -والسسعي فسي الرض فسسادا
-؛ إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما جاء بيانها في القرآن ،وفي أحاديث خرجها الئمة،
وقسسد ذكسسر مسسسلم فسسي كتاب اليمان منهسسا جملة وافرة .وقسسد اختلف الناس فسسي تعدادهسسا وحصسسرها
لختلف الثار فيها؛ والذي أقول :إنه قسد جاءت فيهسا أحاديسث كثيرة صحاح وحسسان لم يقصسد بها
الحصسر ،ولكن بعضها أكبر من بعسض بالنسسبة إلى مسا يكثسر ضرره ،فالشرك أكبر ذلك كله ،وهو
الذي ل يغفسسر لنسسص ال تعالى على ذلك ،وبعده اليأس مسسن رحمسسة ال؛ لن فيسسه تكذيسسب القرآن؛ إذ
يقول وقوله الحسق" :ورحمتسي وسسعت كسل شيسء" [العراف ]156 :وهسو يقول :ل يغفسر له؛ فقسد
حجسسر واسسسعا .هذا إذا كان معتقدا لذلك؛ ولذلك قال ال تعالى" :إنسه ل ييئس مسن روح ال إل القوم
الكافرون" [يوسف .]87 :وبعده القنوط؛ قال ال تعالى" :ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون"
[الحجر .]56 :وبعده المن من مكر ال فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة ال من غير
عمسل؛ قال ال تعالى" :أفأمنوا مكسر ال فل يأمسن مكسر ال إل القوم الخاسسرون" [العراف.]99 :
وقال تعالى" :وذلكسم ظنكسم الذي ظننتسم بربكسم أرداكسم فأصسبحتم مسن الخاسسرين" [فصسلت.]23 :
وبعده القتل؛ لن فيه إذهاب النفوس وإعدام الوجود ،واللواط فيه قطع النسل ،والزنى فيه اختلط
النساب بالمياه ،والخمر فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف ،وترك الصلة والذان فيه ترك
إظهار شعائر السسلم ،وشهادة الزور فيهسا اسستباحة الدماء والفروج والموال ،إلى غيسر ذلك ممسا
هو بين الضرر؛ فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده ،أو عظم ضرره في الوجود
كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة .فهذا يربط لك هذا الباب ويضبطه ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وندخلكسم مدخل كريمسا" قرأ أبسو عمرو وأكثسر الكوفييسن "مدخل" بضسم الميسم،
فيحتمسل أن يكون مصسدرا ،أي إدخال ،والمفعول محذوف أي وندخلكسم الجنسة إدخال .ويحتمسل أن
يكون بمعنسى المكان فيكون مفعول .وقرأ أهسل المدينسة بفتسح الميسم ،فيجوز أن يكون مصسدر دخسل
وهو منصوب بإضمار فعل؛ التقدير وندخلكم فتدخلون مدخل ،ودل الكلم عليه .ويجوز أن يكون
اسسم مكان فينتصسب على أنسه مفعول بسه ،أي وندخلكسم مكانسا كريمسا وهسو الجنسة .وقال أبسو سسعيد بسن
العرابسي :سسمعت أبسا داود السسجستاني يقول :سسمعت أبسا عبدال أحمسد بسن حنبسل يقول :المسسلمون
كلهم في الجنة؛ فقلت له :وكيف ؟ قال :يقول ال عز وجل" :إن تجتبوا كبائر ما تنهون ،عنه نكفر
عنكسم سسيئاتكم وندخلكسم مدخل كريمسا" يعنسي الجنسة .وقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم( :ادخرت
شفاعتي لهل الكبائر من أمتي) .فإذا كان ال عز وجل يغفر ما دون الكبائر والنبي صلى ال عليه
وسسلم يشفع فسي الكبائر فأي ذنسب يبقى على المسلمين .وقال علماؤنسا :الكبائر عند أهسل السنة تغفسر
لمسن أقلع عنهسا قبسل الموت حسسب مسا تقدم .وقسد يغفسر لمن مات عليهسا من المسسلمين كمسا قال تعالى:
"ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء" [النسساء ]48 :والمراد بذلك مسن مات على الذنوب؛ فلو كان
المراد مسن تاب قبسل الموت لم يكسن للتفرقسة بيسن الشراك وغيره معنسى؛ إذ التائب مسن الشرك أيضسا
مغفور له .وروي عن ابن مسسعود أنسه قال :خمسس آيات من سسورة النسساء هسي أحسب إلي مسن الدنيسا
جميعا ،قوله تعالى" :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" وقوله "إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر"
[النساء ]48 :الية ،وقوله تعالى" :ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه" [النساء]110 :الية ،وقوله
تعالى" :وإن تسك حسسنة يضاعفهسا" [النسساء ،]40 :وقوله تعالى" :والذيسن آمنوا بال ورسسله"
[النسساء .]152 :وقال ابن عباس :ثمان آيات فسي سورة النسساء ،هن خير لهذه المة ممسا طلعست
عليه الشمس وغربت" :يريد ال ليبين لكم" [النساء" ،]26 :وال يريد أن يتوب عليكم" [النساء:
" ،]27يريسد ال أن يخفسف عنكسم" [النسساء" ،]28 :إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه نكفسر عنكسم
سسيئاتكم" [النسساء ،]31 :اليسة" ،إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه"" ،إن ال ل يظلم مثقال ذرة"
[النساء" ،]40 :ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه"" ،ما يفعل ال بعذابكم" [النساء]147 :الية.
**3اليسة{ 32 :ول تتمنوا مسا فضسل ال بسه بعضكسم على بعسض للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا
وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا ال من فضله إن ال كان بكل شيء عليما}
@ روى الترمذي عسن أم سسلمة أنهسا قالت :يغزو الرجال ول يغزو النسساء وإنمسا لنسا نصسف
الميراث؛ فأنزل ال تعالى" :ول تتمنوا مسا فضسل ال بسه بعضكسم على بعسض" .قال مجاهسد :وأنزل
فيهسا "إن المسسلمين والمسسلمات" [الحزاب ،]35 :وكانست أم سسلمة أول ظعينسة قدمست المدينسة
مهاجرة .قال أبو عيسى :هذا حديث مرسل ،ورواه بضعهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ،مرسل
أن أم سلمة قالت كذا .وقال قتادة :كان الجاهلية ل يورثون النساء ول الصبيان؛ فلما ورثوا وجعل
للذكسر مثسل حسظ النثييسن تمنسى النسساء أن لو جعسل أنصسباؤهن كأنصسباء الرجال .وقال الرجال :إنسا
لنرجو
أن نفضل على النساء بحسناتنا في الخرة كما فضلنا عليهن في الميراث؛ فنزلت" ،ول تتمنوا ما
فضل ال به بعضكم على بعض".
@قوله تعالى" :ول تتمنوا" التمنسي نوع مسن الرادة يتعلق بالمسستقبل ،كالتلهسف نوع منهسا يتعلق
بالماضسي؛ فنهسى ال سبحانه المؤمنين عن التمنسي؛ لن فيه تعلق البال ونسيان الجل .وقسد اختلف
العلماء هسل يدخسل فسي هذا النهسي الغبطسة ،وهسي أن يتمنسى الرجسل أن يكون له حال صساحبه وإن لم
يتمسسن زوال حاله .والجمهور على إجازة ذلك :مالك وغيره؛ وهسسي المراد عنسسد بعضهسسم فسسي قوله
عليه السلم (ل حسد إل في اثنتين رجل أتاه ال القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل
أتاه ال مال فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) .فمعنى قوله" :ل حسد" أي ل غبطة أعظم وأفضل
مسن الغبطسة فسي هذيسن المريسن .وقسد نبسه البخاري على هذا المعنسى حيسث بوب على هذا الحديسث
(باب الغتباط فسي العلم والحكمسة) قال المهلب :بيسن ال تعالى فسي هذه اليسة مسا ل يجوز تمنيسه،
وذلك مسا كان من عرض الدنيسا وأشباههسا .قال ابن عطية :وأما التمنسي فسي العمال الصسالحة فذلك
هسو الحسسن ،وأمسا إذا تمنسى المرء على ال مسن غيسر أن يقرن أمنيتسه بشيسء ممسا قدمنسا ذكره فذلك
جائز؛ وذلك موجود في حديث النبي صلى ال عليه وسلم في قول( :وددت أن أحيا ثم أقتل).
قلت :هذا الحديسث هسو الذي صسدر بسه البخاري كتاب التمنسي فسي صسحيحه ،وهسو يدل على تمنسي
الخيسر وأفعال البر والرغبسة فيهسا ،وفيسه فضسل الشهادة على سسائر أعمال البر؛ لنسه عليسه السسلم
تمناهسا دون غيرهسا ،وذلك لرفيسع منزلتهسا وكرامسة أهلهسا ،فرزقسه ال إياهسا؛ لقوله( :مسا زالت أكلة
خيسبر تعادنسي الن أوان قطعست أبهري) .وفسي الصسحيح( :إن الشهيسد يقال له تمسن فيقول أتمنسى أن
أرجسع إلى الدنيسا حتسى أقتسل فسي سسبيلك مرة أخرى) .وكان رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم يتمنسى
إيمان أبسي طالب وإيمان أبسي لهسب وصسناديد قريسش مسع علمسه بأنسه ل يكون؛ وكان يقول( :واشوقاه
إلى إخوانسسي الذيسسن يجيئون مسسن بعدي يؤمنون بسسي ولم يرونسسي) .وهذا كله يدل على أن التمنسسي ل
ينهسى عنه إذا لم يكسن داعية إلى الحسسد والتباغسض ،والتمنسي المنهسي عنسه فسي اليسة من هذا القبيسل؛
فيدخسل فيسه أن يتمنسى الرجسل حال الخسر مسن ديسن أو دنيسا على أن يذهسب مسا عنسد الخسر ،وسسواء
تمنيست مسع ذلك أن يعود إليسك أو ل .وهذا هسو الحسسد بعينسه ،وهسو الذي ذمسه ال تعالى بقوله" :أم
يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء ] :ويدخل فيه أيضا خطبة الرجل على خطبة
أخيسه وبيعسه على بيعسه؛ لنسه داعيسة الحمسد والمقست .وقسد كره بعسض العلماء الغبطسة وأنهسا داخلة فسي
النهي ،والصحيح جوازها على ما بينا ،وبال توفيقنا .وقال الضحاك :ل يحل لحد أن يتمنى مال
أحسد ،ألم تسسمع الذيسن قالوا" :يسا ليست لنسا مثسل مسا أوتسي قارون" [القصسص ] :إلى أن قال" :وأصسبح
الذيسن تمنوا مكانسه بالمسس" [القصسص ] :حيسن خسسف بسه وبداره وبأمواله "لول أن مسن ال علينسا
لخسف بنا" [القصص ] :وقال الكلبي :ل يتمن الرجل مال أخيه ول امرأته ول خادمه ول دابته؛
ولكسن ليقسل :اللهسم ارزقنسي مثله .وهسو كذلك فسي التوراة ،وكذلك قوله فسي القرآن "واسسألوا ال مسن
فضله" .وقال ابن عباس :نهى ال سبحانه أن يتمنى الرجل مال فلن وأهله ،وأمر عباده المؤمنين
أن يسسألوه مسن فضله .ومسن الحجسة للجمهور قوله صسلى ال عليسه وسسلم( :إنمسا الدنيسا لربعسة نفسر:
رجسسل أتاه ال مال وعلمسسا فهسسو يتقسسي فيسسه ربسسه ويصسسل بسسه رحمسسه ويعلم ل فيسسه حقسسا فهذا بأفضسسل
المنازل ،ورجل أتاه ال علما ولم يؤته مال فهو صادق النية يقول لو أن لي مال لعملت فيه بعمل
فلن فهسو بنيتسه فأجرهمسا سسواء) الحديسث ...وقسد تقدم .خرجسه الترمذي وصسححه .وقال الحسسن :ل
يتمن أحدكم المال وما يدريه لعل هلكه فيه؛ وهذا إنما يصح إذا تمناه للدنيا ،وأما إذا تمناه للخير
فقد جوزه الشرع ،فيتمناه العبد ليصل به إلى الرب ،ويفعل ال ما يشاء.
@قوله تعالى" :للرجال نصسيب ممسا اكتسسبوا" يريسد مسن الثواب والعقاب "وللنسساء" كذلك؛ قال
قتادة .فللمرأة الجزاء على الحسسسسنة بعشسسسر أمثالهسسسا كمسسسا للرجال .وقال ابسسسن عباس :المراد بذلك
الميراث .والكتساب على هذا القول بمعنى الصابة ،للذكر مثل حظ النثيين؛ فنهى ال عز وجل
عسن التمنسي على هذا الوجسه لمسا فيسه مسن دواعسي الحسسد؛ ولن ال تعالى أعلم بمصسالحهم منهسم؛
فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم.
@قوله تعالى" :واسألوا ال من فضله" روى الترمذي عن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال
عليسه وسسلم( :سسلوا ال مسن فضله فإنسه يحسب أن يسسأل وأفضسل العبادة انتظار الفرج) وخرج أيضسا
ابسن ماجسة عسن أبسي هريرة قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسن لم يسسأل ال يغضسب
عليسسه) .وهذا يدل على أن المسسر بالسسسؤال ل تعالى واجسسب؛ وقسسد أخسسذ بعسسض العلماء هذا المعنسسى
فنظمه فقال:
وبني آدم حين يسأل يغضب ال يغضب إن تركت سؤاله
وقال أحمد بن المعذل أبو الفضل الفقيه المالكي فأحسن:
ما دونه إن سيل من حاجب التمس الرزاق عند الذي
جودا ومن يرضى عن الطالب من يبغض التارك تسأله
بغير توقيع إلى كاتب ومن إذا قال جرى قوله
وقد أشبعنا القول في هذا المعنى في كتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة" .وقال سعيد بن جبير:
"واسألوا ال من فضله" العبادة ،ليس من أمر الدنيا .وقيل :سلوه التوفيق للعمل بما يرضيه .وعن
عائشة رضي ال عنها أنها قالت :سلوا ربكم حتى الشبع؛ فإنه إن لم ييسره ال عز وجل لم يتيسر.
وقال سفيان بن عيينة :لم يأمر بالسؤال إل ليعطي.
وقرأ الكسائي وابن كثير" :وسلوا ال من فضله" بغير همز في جميع القرآن .الباقون بالهمز.
"واسألوا ال" .وأصله بالهمز إل أنه حذفت الهمزة للتخفيف .وال أعلم.
**3اليسة{ 33 :ولكسل جعلنسا موالي ممسا ترك الوالدان والقربون والذيسن عقدت أيمانكسم فآتوهسم
نصيبهم إن ال كان على كل شيء شهيدا}
@ بين تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي؛ فلينتفع كل واحد بما قسم ال له من الميراث ،ول يتمن
مال غيسر .وروى البخاري فسي كتاب الفرائض مسن روايسة سسعيد بسن جسبير عسن ابسن عباس" :ولكسل
جعلنسسا موالي ممسسا ترك الوالدان والقربون والذيسسن عاقدت أيمانكسسم" قال :كان المهاجرون حيسسن
قدموا المدينة يرث النصاري المهاجري دون ذوي رحمه؛ للخوة التي آخى رسول ال صلى ال
عليه وسلم بينهم ،فلما نزلت "ولكل جعلنا موالي" قال :نسختها "والذين عاقدت أيمانكم" .قال أبو
الحسسسن بسسن بطال :وقسسع فسسي جميسسع النسسسخ "ولكسسل جعلنسسا موالي" قال :نسسسختها "والذيسسن عاقدت
أيمانكم" .والصواب أن الية الناسخة "ولكل جعلنا موالي" والمنسوخة "والذين عاقدت أيمانكم"،
وكذا رواه الطسسبري فسسي روايتسسه .وروي ،عسسن جمهور السسسلف أن اليسسة الناسسسخة لقوله" :والذيسسن
عاقدت أيمانكسسسم" قوله تعالى فسسسي "النفال "" :وأولوا الرحام بعضهسسسم أولى ببعسسسض" [النفال:
.]75روي هذا عسن ابسن عباس وقتادة والحسسن البصسري؛ وهسو الذي أثبتسه أبسو عبيسد فسي كتاب
"الناسسخ والمنسسوخ" له .وفيهسا قول آخسر رواه الزهري عسن سسعيد بسن المسسيب قال :أمسر ال عسز
وجسل الذيسن تبنوا غيسر أبنائهسم فسي الجاهليسة وورثوا فسي السسلم أن يجعلوا لهسم نصسيبا فسي الوصسية
ورد الميراث إلى ذوي الرحسسم والعصسسبة .وقالت طائفسسة :قوله تعالى" :والذيسسن عاقدت أيمانكسسم"
محكم وليس بمنسوخ؛ وإنما أمر ال المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصباءهم من النصرة والنصيحة
ومسسا أشبسسه ذلك؛ ذكره الطسسبري عسسن ابسسن عباس" .والذيسسن عاقدت أيمانكسسم فآتوهسسم نصسسيبهم" مسسن
النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث؛ وهو قول مجاهد والسدي.
قلت :واختاره النحاس؛ ورواه عن سعيد بن جبير ،ول يصح النسخ؛ فإن الجمع ممكن كما بينه
ابسسن عباس فيمسسا ذكره الطسسبري ،ورواه البخاري عنسسه فسسي كتاب التفسسسير .وسسسيأتي ميراث "ذوي
الرحام" في "النفال" إن شاء ال تعالى.
@ قوله" :كل" في كلم العرب معناها الحاطة والعموم .فإذا جاءت مفردة فل بد أن يكون في
الكلم حذف عنسد جميسع النحوييسن؛ حتسى أن بعضهسم أجاز مررت بكسل ،مثسل قبسل وبعسد .وتقديسر
الحذف :ولكسل أحسد جعلنسا موالي ،يعنسي ورثسة" .والذيسن عاقدت أيمانكسم" يعنسي بالحلف؛ عسن قتادة.
وذلك أن الرجسسل كان يعاقسسد الرجسسل فيقول :دمسسي دمسسك ،وهدمسسي هدمسسك ،وثأري ثأرك ،وحربسسي
حربك ،وسلمي سلمك ،وترثني وأرثك ،وتطلب بي وأطلب بك ،وتعقل عني وأعقل عنك؛ فيكون
للحليف السدس من ميراث الحليف ثم نسخ.
@قوله تعالى" :موالي" أعلم أن المولى لفسظ مشترك يطلق على وجوه؛ فيسسمى المعتسق مولى
والمعتسق مولى .ويقال :المولى السسفل والعلى أيضسا .ويسسمى الناصسر المولى؛ ومنسه قوله تعالى:
"وأن الكافريسن ل مولى لهسم" [محمسد .]11 :ويسسمى ابسن العسم مولى والجار مولى .فأمسا قوله
تعالى" :ولكسل جعلنسا موالي" يريسد عصسبة؛ لقوله عليسه السسلم( :مسا أبقست السسهام فلولى عصسبة
ذكسسر) .ومسسن العصسسبات المولى العلى ل السسسفل ،على قول أكثسسر العلماء؛ لن المفهوم فسسي حسسق
المعتسق أنسه المنعسم على المعتسق ،كالموجسد له؛ فاسستحق ميراثسه لهذا المعنسى .وحكسى الطحاوي عسن
الحسسن بسن زياد أن المولى السسفل يرث مسن العلى؛ واحتسج فيسه بمسا روي أن رجل أعتسق عبدا له
لهذا الحديث ولم يترك إل المعتق فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ميراثه للغلم المعتق .قال
الطحاوي :ول معارض لهذا الحديسسث ،فوجسسب القول بسسه؛ ولنسسه إذا أمكسسن إثبات الميراث للمعتسسق
على تقديسر أنسه كان كالموجسد له ،فهسو شسبيه بالب؛ والمولى السسفل شسبيه بالبسن؛ وذلك يقتضسي
التسسوية بينهمسا فسي الميراث ،والصسل أن التصسال يعسم .وفسي الخسبر (مولى القوم منهسم) .والذيسن
خالفوا هذا وهسسم الجمهور قالوا :الميراث .يسسستدعي القرابسسة ول قرابسسة ،غيسسر أنسسا أثبتنسسا للمعتسسق
الميراث بحكسم النعام على المعتسق؛ فيقتضسي مقابلة النعام بالمجازاة ،وذلك ل ينعكسس فسي المولى
السفل .وأما البن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه ،وليس المعتق صالحا لن
يقوم مقام معتقه ،وإنما المعتق قد أنعم عليه فقابله الشرع بأن جعله أحق بموله المعتق ،ول يوجد
هذا في المولى السفل؛ فظهر الفرق بينهما وال أعلم.
@قوله تعالى" :والذيسن عقدت أيمانكسم" روى علي بسن كبشسة عسن حمزة "عقّدت" بتشديسد القاف
على التكثيسر .والمشهور عن حمزة "عقدت أيمانكم" مخففة القاف ،وهي قراءة عاصم والكسائي،
وهسسي قراءة بعيدة؛ لن المعاقدة ل تكون إل مسسن اثنيسسن فصسساعدا ،فبابهسسا فاعسسل .قال أبسسو جعفسسر
النحاس :وقراءة حمزة تجوز على غموض فسي العربية ،يكون التقديسر فيها والذيسن عقدتهسم أيمانكسم
الحلف ،وتعدى إلى مفعولين؛ وتقديره :عقدت لهم أيمانكم الحلف ،ثم حذفت اللم مثل قوله تعالى:
"وإذا كالوهم" [المطففين ]3 :أي كالوا لهم .وحذف المفعول الثاني ،كما يقال :كلتك أي كلت لك
برا .وحذف المفعول الول لنه متصل في الصلة.
@قوله تعالى" :فآتوهسم نصسيبهم إن ال كان على كسل شيسء شهيدا" أي قسد شهسد معاقدتكسم إياهسم،
وهو عز وجل يحب الوفاء.
**3اليسة{ 34 :الرجال قوامون على النسساء بمسا فضسل ال بعضهسم على بعسض وبمسا أنفقوا مسن
أموالهسسم فالصسسالحات قانتات حافظات للغيسسب بمسسا حفسسظ ال واللتسسي تخافون نشوزهسسن فعظوهسسن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل إن ال كان عليا كبيرا}
@قوله تعالى" :الرجال قوامون على النسساء" ابتداء وخسبر ،أي يقومون بالنفقسة عليهسن والذب
عنهسسن؛ وأيضسسا فإن فيهسسم الحكام والمراء ومسسن يغزو ،وليسسس ذلك فسسي النسسساء .يقال :قوام وقيسسم.
واليسة نزلت فسي سسعد بسن الربيسع نشزت عليسه امرأتسه حبيبسة بنست زيسد بسن خارجسة بسن أبسي زهيسر
فلطمهسا؛ فقال أبوهسا :يسا رسسول ال ،أفرشتسه كريمتسي فلطمهسا ! فقال عليسه السسلم( :لتقتسص مسن
زوجها) .فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ،فقال عليه السلم( :ارجعوا هذا جبريل أتاني) فأنزل ال
هذه اليسة؛ فقال عليسه السسلم( :أردنسا أمرا وأراد ال غيره) .وفسي روايسة أخرى( :أردت شيئا ومسا
أراد ال خيسر) .ونقسض الحكسم الول .وقسد قيسل :إن فسي هذا الحكسم المردود نزل "ول تعجسل بالقرآن
مسن قبسل أن يقضسى إليسك وحيسه" [طسه .]114 :ذكسر إسسماعيل بسن إسسحاق قال :حدثنسا حجاج بسن
المنهال وعارم بن الفضل -واللفظ .لحجاج -قال حدثنا جرير بن حازم قال :سمعت الحسن يقول:
إن امرأة أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت :إن زوجي لطم وجهي .فقال( :بينكما القصاص)،
فأنزل ال تعالى" :ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه" .وأمسك النبي صلى ال عليه
وسسلم حتسى نزل" :الرجال قوامون على النسساء" .وقال أبسو روق :نزلت فسي جميلة بنست أبسي وفسي
زوجها ثابت بن قيس بن شماس .وقال الكلبي :نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها
سسعد بسن الربيسع .وقيسل :سسببها قول أم سسلمة المتقدم .ووجسه النظسم أنهسن تكلمسن فسي تفضيسل الرجال
على النساء في الرث ،فنزلت "ول تتمنوا" الية .ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الرث لما
على الرجال من المهسر والنفاق؛ ثسم فائدة تفضيلهسم عائدة إليهن .ويقال :إن الرجال لهسم فضيلة فسي
زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك .وقيل :للرجال زيادة قوة في النفس والطبع
مسسا ليسسس للنسسساء؛ لن طبسسع الرجال غلب عليسسه الحرارة واليبوسسسة ،فيكون فيسسه قوة وشدة ،وطبسسع
النسساء غلب عليسه الرطوبسة والبرودة ،فيكون فيسه معنسسى الليسن والضعسف؛ فجعسل لهسم حسق القيام
عليهن بذلك ،وبقوله تعالى" :وبما أنفقوا من أموالهم".
@ ودلت هذه الية على تأديسب الرجال نسساءهم ،فإذا حفظسن حقوق الرجال فل ينبغسي أن يسسيء
الرجسل عشرتهسا .و"قوام" فعال للمبالغسة؛ مسن القيام على الشيسء والسستبداد بالنظسر فيسه وحفظسه
بالجتهاد .فقيام الرجال على النسساء هسو على هذا الحسد؛ وهسو أن يقوم بتدبيرهسا وتأديبهسا وإمسساكها
فسسي بيتهسسا ومنعهسسا مسسن البروز ،وأن عليهسسا طاعتسسه وقبول أمره مسسا لم تكسسن معصسسية؛ وتعليسسل ذلك
بالفضيلة والنفقسة والعقسل والقوة فسي أمسر الجهاد والميراث والمسر بالمعروف والنهسي عسن المنكسر.
وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية -وليس بشيء؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما
ذكرنا .وقد مضى الرد على هذا في "البقرة".
@فهسم العلماء مسن قوله تعالى" :وبمسا أنفقوا مسن أموالهسم" أنسه متسى عجسز عسن نفقتهسا لم يكسن قوامسا
عليها ،وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لجله النكاح .وفيه
دللة واضحسة مسن هذا الوجسه على ثبوت فسسخ النكاح عنسد العسسار بالنفقسة والكسسوة؛ وهسو مذهسب
مالك والشافعسي .وقال أبسو حنيفسة :ل يفسسخ؛ لقوله تعالى" :وإن كان ذو عسسرة فنظرة إلى ميسسرة"
[البقرة ]280 :وقد تقدم القول في هذا في هذه السورة.
@قوله تعالى" :فالصسالحات قانتات حافظات للغيسب" هذا كله خسبر ،ومقصسوده المسر بطاعسة
الزوج والقيام بحقه فسي ماله وفسي نفسها فسي حال غيبسة الزوج .وفسي مسسند أبي داود الطيالسسي عن
أبسي هريرة قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :خيسر النسساء التسي إذا نظرت إليهسا سسرتك
وإذا أمرتهسسا أطاعتسسك وإذا غبسست عنهسسا حفظتسسك فسسي نفسسسها ومالك) قال :وتل هذه اليسسة "الرجال
قوامون على النساء" إلى آخر الية .وقال صلى ال عليه وسلم لعمر( :أل أخبرك بخير ما يكنزه
المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته "أخرجه أبو
داود .وفسي مصسحف ابن مسسعود "فالصوالح قوانت حوافسظ" .وهذا بناء يختص بالمؤنسث .قال ابن
جنسي :والتكسسير أشبسه لفظسا بالمعنسى؛ إذ هسو يعطسي الكثرة وهسي المقصسود ههنسا .و"مسا" فسي قوله:
"بمسا حفسظ ال" مصسدرية ،أي بحفسظ ال لهسن .ويصسح أن تكون بمعنسى الزي ،ويكون العائد فسي
"حفسظ" ضميسر نصسب .وفسي قراءة أبسي جعفسر "بمسا حفسظ ال" بالنصسب .قال النحاس :الرفسع أبيسن؛
أي حافظات لمغيسب أزواجهسن بحفسظ ال ومعونتسه وتسسديده .وقيسل :بمسا حفظهسن ال فسي مهورهسن
وعشرتهن .وقيل :بما استحفظهن ال إياه من أداء المانات إلى أزواجهن .ومعنى قراءة النصب:
بحفظهن ال؛ أي بحفظهن أمره أو دينه .وقيل في التقدير :بما حفظن ال ،ثم وحد الفعل؛ كما قيل:
فإن الحوادث أودى بها
وقيل :المعنى بحفظ ال؛ مثل حفظت ال.
@قوله تعالى" :واللتسي تخافون نشوزهسن" اللتسي جمسع التسي وقسد تقدم .قال ابسن عباس :تخافون
بمعنى تعلمون وتتيقنون .وقيل هو على بابه .والنشوز العصيان؛ مأخوذ من النشز ،وهو ما ارتفع
مسن الرض .يقال :نشسز الرجسل ينشسز وينشسز إذا كان قاعدا فنهسض قائمسا؛ ومنسه قوله عسز وجسل:
"وإذا قيل انشزوا فانشزوا" [المجادلة ]11 :أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور ال
تعالى .فالمعنسى :أي تخافون عصسيانهن وتعاليهسن عمسا أوجسب ال عليهسن مسن طاعسة الزواج .وقال
أبسو منصسور اللغوي :النشوز كراهيسة كسل واحسد مسن الزوجيسن صساحبه؛ يقال :نشزت تنشسز فهسي
ناشسسسز بغيسسسر هاء .ونشصسست تنشسسص ،وهسسي السسسيئة للعشرة .وقال ابسسن فارس :ونشزت المرأة
اسسستصعبت على بعلهسسا ،ونشسسز بعلهسسا عليهسسا إذا ضربهسسا وجفاهسسا .قال ابسسن دريسسد :نشزت المرأة
ونشست ونشصت بمعنى واحد.
@قوله تعالى" :فعظوهسن" أي بكتاب ال؛ أي ذكروهسن مسا أوجسب ال عليهسن مسن حسسن الصسحبة
وجميل العشرة للزوج ،والعتراف بالدرجة التي له عليها ،ويقول :إن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :لو أمرت أحدا أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها) .وقال( :ل تمنعه نفسها وإن
كانت على ظهر قتب) .وقال( :أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى تصبح)
في رواية (حتى تراجع وتضع يدها في يده) .وما كان مثل هذا.
@قوله تعالى" :واهجروهن في المضاجع" وقرأ ابن مسعود والنخعي وغيرهما "في المضجع"
على الفراد؛ كأنسه اسسم جنسس يؤدي عسن الجمسع .والهجسر فسي المضاجسع هسو أن يضاجعهسا ويوليهسا
ظهره ول يجامعهسسا؛ عسسن ابسسن عباس وغيره .وقال مجاهسسد :جنبوا مضاجعهسسن؛ فيتقدر على هذا
الكلم حذف ،ويعضده "اهجروهسن" مسن الهجران ،وهسو البعسد؛ يقال :هجره أي تباعسد ونأى عنسه.
ول يمكسسن بعدهسسا إل بترك مضاجعتهسسا .وقال معناه إبراهيسسم النخعسسي والشعسسبي وقتادة والحسسسن
البصسري ،ورواه ابسن وهسب وابسن القاسسم عسن مالك ،واختاره ابسن العربسي وقال :حملوا المسر على
الكثر الموفي .ويكون هذا القول كما تقول :اهجره في ال .وهذا أصل مالك.
قلت :هذا قول حسسسن؛ فإن الزوج إذا أعرض عسسن فراشهسسا فإن كانسست محبسسة للزوج فذلك يشسسق
عليها فترجع للصلح ،وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها؛ فيتبين أن النشوز من قبلها .وقيل:
"اهجروهن" من الهجر وهو القبيح من الكلم ،أي غلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع
وغيره؛ قال معناه سفيان ،وروي عن ابن عباس .وقيل :أي شدوهن وثاقا في بيوتهن؛ من قولهم:
هجسر البعيسر أي ربطسه بالهجار ،وهسو حبسل يشسد بسه البعيسر ،وهسو اختيار الطسبري وقدح فسي سسائر
القوال .وفي كلمه في هذا الموضع نظر .وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه
فقال :يسا لهسا مسن هفوة من عالم بالقرآن والسسنة ! والذي حمله على هذا التأويسل حديسث غريسب رواه
ابسن وهسب عسن مالك أن أسسماء بنست أبسي بكسر الصسديق امرأة الزبيسر بسن العوام كانست تخرج حتسى
عوتسب فسي ذلك .قال :وعتسب عليهسا وعلى ضرتهسا ،فعقسد شعسر واحدة بالخرى ثسم ضربهمسا ضربسا
شديدا ،وكانت الضرة أحسن اتقاء ،وكانت أسماء ل تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكت إلى أبيها
أبي بكر رضي ال عنه فقال لها :أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ،ولعله أن يكون زوجك
في الجنة؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة .فرأى الربط والعقد مع احتمال
اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير .وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر؛ كما فعل النبي
صلى ال عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة ،وتظاهرتا عليه .ول يبلغ به الربعة
الشهر التي ضرب ال أجل عذرا للمولي.
@قوله تعالى" :واضربوهن" أمسر ال أن يبدأ النسساء بالموعظة أول ثسم بالهجران ،فإن لم ينجعسا
فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه .والضرب في هذه الية هو ضرب
الدب غيسر المسبرح ،وهسو الذي ل يكسسر عظمسا ول يشيسن جارحسة كاللكزة ونحوهسا؛ فإن المقصسود
منسسسه الصسسسلح ل غيسسسر .فل جرم إذا أدى إلى الهلك وجسسسب الضمان ،وكذلك القول فسسسي ضرب
المؤدب غلمسه لتعليسم القرآن والدب .وفسي صسحيح مسسلم( :اتقوا ال فسي النسساء فإنكسم أخذتموهسن
بأمانسة ال واسستحللتم فروجهسن بكلمسة ال ولكسم عليهسن أل يوطئن فرشكسم أحدا تكرهونسه فإن فعلن
فاضربوهن ضربا غير مبرح) الحديث .أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج ،أي ل يدخلن
منازلكسم أحدا ممسن تكرهونسه مسن القارب والنسساء الجانسب .وعلى هذا يحمسل مسا رواه الترمذي
وصححه عن عمرو بن الحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فحمد
ال وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال( :أل واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون
منهسن شيئا غيسر ذلك إل أن يأتيسن بفاحشسة مبينسة فإن فعلن فاهجروهسن فسي المضاجسع واضربوهسن
ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل أل إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم
حقسا فأمسا حقكسم على نسسائكم فل يوطئن فرشكسم مسن تكرهون ول يأذن فسي بيوتكسم مسن تكرهون أل
وحقهسن عليكسم أن تحسسنوا إليهسن فسي كسسوتهن وطعامهسن) .وقال :هذا حديسث حسسن صسحيح .فقوله:
"بفاحشسة مبينسة" [النسساء ]19 :يريسد ل يدخلن مسن يكرهسه أزواجهسن ول يغضبنهسم .وليسس المراد
بذلك الزنى؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد .وقد قال عليه الصلة والسلم( :أضربوا النساء إذا
عصينكم في معروف ضربا غير مبرح) .قال عطاء :قلت لبن عباس ما الضرب غير المبرح ؟
قال بالسسواك ونحوه .وروي أن عمسر رضسي ال عنسه ضرب امرأتسه فعذل فسي ذلك فقال :سسمعت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل يسأل الرجل فيم ضرب أهله).
@قوله تعالى" :فإن أطعنكسم" أي تركوا النشوز" .فل تبغوا عليهسن سسبيل" أي ل تجنوا عليهسن
بقول أو فعل .وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن .وقيل :المعنى
ل تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن.
@قوله تعالى" :إن ال كان عليا كبيرا" إشارة إلى الزواج بخفض الجناح ولين الجانب؛ أي إن
كنتسم تقدرون عليهسن فتذكروا قدرة ال؛ فيده بالقدرة فوق كسل يسد .فل يسستعلي أحسد على امرأتسه فال
بالمرصاد فلذلك حسن التصاف ،هنا بالعلو والكبر.
@ وإذا ثبت هذا فاعلم .أن ال عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إل هنا وفي
الحدود العظام؛ فسساوى معصسيتهن بأزواجهسن بمعصسية الكبائر ،وولى الزواج ذلك دون الئمسة،
وجعله لهسسم دون القضاة بغيسسر شهود ول بينات ائتمانسسا مسسن ال تعالى للزواج على النسسساء .قال
المهلب :إنمسا جوز ضرب النسساء مسن أجسل امتناعهسن على أزواجهسن فسي المباضعسة .واختلف فسي
وجوب ضربهسا فسي الخدمسة ،والقياس يوجسب أنسه إذا جاز ضربهسا فسي المباضعسة جاز ضربهسا فسي
الخدمسسة الواجبسسة للزوج عليهسسا بالمعروف .وقال ابسسن خويسسز منداد .والنشوز يسسسقط النفقسسة وجميسسع
الحقوق الزوجيسة ،ويجوز معسه أن يضربهسا الزوج ضرب الدب غيسر المسبرح ،والوعسظ والهجسر
حتسى ترجسع عسن نشوزهسا ،فإذا رجعست عادت حقوقهسا؛ وكذلك كسل مسا اقتضسى الدب فجائز للزوج
تأديبهسا .ويختلف الحال فسي أدب الرفيعسة والدنيئة؛ فأدب الرفيعسة العذل ،وأدب الدنيئة السسوط .وقسد
قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم( :رحسم ال امرأ علق سسوطه وأدب أهله) .وقال( :إن أبسا جهسم ل
يضع عصاه عن عاتقه) .وقال بشار:
الحر يلحى والعصا للعبد
يلحى أي يلم؛ وقال ابن دريد:
والعبد ل يردعه إل العصا واللوم للحر مقيم رادع
قال ابن المنذر :اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين
إل الناشز منهن الممتنعة .وقال أبو عمر :من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إل
أن تكون حامل .وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها .وإذا عادت الناشز إلى
زوجهسا وجسب فسي المسستقبل نفقتهسا .ول تسسقط نفقسة المرأة عسن زوجهسا لشيسء غيسر النشوز؛ ل مسن
مرض ول حيض ول نفاس ول صوم ول حج ول مغيب زوجها ول حبسه عنها في حق أو جور
غير ما ذكرنا .وال أعلم.
**3الية{ 35 :وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلحا
يوفق ال بينهما إن ال كان عليما خبيرا}
@قوله تعالى" :وإن خفتسم شقاق بينهمسا" قسد تقدم معنسى الشقاق فسي "البقرة" .فكأن كسل واحسد مسن
الزوجين يأخذ شقا غير شق صاحبه ،أي ناحية غير ناحية صاحبه .والمراد إن خفتم شقاقا بينهما؛
فأضيسسف المصسسدر إلى الظرف كقولك :يعجبنسسي سسسير الليلة المقمرة ،وصسسوم يوم عرفسسة .وفسسي
التنزيل" :بل مكر الليل والنهار" [سبأ .]33 :وقيل :إن "بين" أجري مجرى السماء وأزيل عنه
الظرفيسة؛ إذ هسو بمعنسى حالهمسا وعشرتهمسا ،أي وإن خفتسم تباعسد عشرتهمسا وصسحبهما "فابعثوا".
و"ختسم" على الخلف المتقدم .قال سسعيد بسن جسبير :الحكسم أن يعظهسا أول ،فإن قبلت وإل هجرهسا،
فإن هسي قبلت وإل ضربهسسا ،فإن هسسي قبلت وإل بعسسث الحاكسسم حكمسسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسسا،
فينظران ممن الضرر ،وعنسد ذلك يكون الخلع .وقد قيل :له أن يضرب قبل الوعظ .والول أصح
لترتيب ذلك في الية.
@ والجمهور من العلماء على أن المخاطب بقوله" :وإن خفتم" الحكام والمراء .وأن قول" :إن
يريدا إصلحا يوفق ال بينهما" يعني الحكمين؛ في قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما .أي إن يرد
الحكمان إصسلحا يوفسق ال بيسن الزوجيسن .وقيسل :المراد الزوجان؛ أي إن يرد الزوجان إصسلحا
وصسدقا فيمسا أخسبرا بسه الحكميسن "يوفسق ال بينهمسا" .وقيسل :الخطاب للولياء .يقول" :إن خفتسم" أي
علمتسم خلفسا بيسن الزوجيسن "فابعثوا حكمسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسا" والحكمان ل يكونان إل مسن
أهسسل الرجسسل والمرأة؛ إذ همسسا أقعسسد بأحوال الزوجيسسن ،ويكونان مسسن أهسسل العدالة وحسسسن النظسسر
والبصر بالفقه .فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين؛ وذلك
إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الساءة منهما .فأما إن عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه
ويجسبر على إزالة الضرر .ويقال :أن الحكسم مسن أهسل الزوج يخلو بسه ويقول له :أخسبرني بمسا فسي
نفسك أتهواها أم ل حتى أعلم مرادك ؟ فإن قال :ل حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت وفرق
بينسي وبينهسا ،فيعرف أن مسن قبله النشوز .وإن قال :إنسي أهواهسا فأرضهسا مسن مالي بمسا شئت ول
تفرق بينسسي وبينهسسا ،فيعلم أنسسه ليسسس بناشسسز .ويخلو الحكسسم مسسن جهتهسسا بالمرأة ويقول لهسسا :أتهويسسن
زوجك أم ل؛ فإن قالت :فرق بيني وبينه وأعطه من مالي ما أراد؛ فيعلم أن النشوز من قبلها .وإن
قالت :ل تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسن إلي ،علم أن النشوز ليس من قبلها.
فإذا ظهسر لهمسا الذي كان النشوز مسن قبله يقبلن عليسه بالعظسة والزجسر والنهسى؛ فذلك قوله تعالى:
"فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها".
@ قال العلماء :قسمت هذه الية النسساء تقسيما عقليا؛ لنهن إما طائعة وإما ناشز؛ والنشوز إما
أن يرجسسع إلى الطواعيسسة أو ل .فإن كان الول تركسسا؛ لمسسا رواه النسسسائي أن عقيسسل بسسن أبسسي طالب
تزوج فاطمسة بنست عتبسة بسن ربيعسة فكان إذا دخسل عليهسا تقول :يسا بنسي هاشسم ،وال ل يحبكسم قلبسي
أبدا ! أين الذين أعناقهم كأباريق الفضة ! ترد أنوفهم قبل شفاههم ،أين عتبة بن ربيعة ،أين شيبة
بسن ربيعسة؛ فيسسكت عنهسا ،حتسى دخسل عليهسا يومسا وهسو برم فقالت له :أيسن عتبسة بسن ربيعسة ؟ فقال:
على يسارك في النار إذا دخلت؛ فنشرت عليها ثيابها ،فجاءت عثمان فذكرت له ذلك؛ فأرسل ابن
عباس ومعاوية ،فقال ابن عباس :لفرقن بينهما؛ وقال معاوية :ما كنت لفرق بين شيخين من بني
عبد مناف .فأتياهما فوجداهما قد سدا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما .فإن وجداهما قد اختلفا ولم
يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في اللفة جهدهما ،وذكرا بال وبالصحبة .فإن أنابا ورجعا تركاهما،
وإن كانسا غيسر ذلك ورأيسا الفرقسة فرقسا بينهمسا .وتفريقهمسا جائز على الزوجيسن؛ وسسواء وافسق حكسم
قاضسي البلد أو خالفسه ،وكلهمسا الزوجان بذلك أو لم يوكلهمسا .والفراق فسي ذلك طلق بائن .وقال
قوم :ليسسس لهمسسا الطلق مسسا لم يوكلهمسسا الزوج فسسي ذلك ،وليعرفسسا المام؛ وهذا بناء على أنهمسسا
رسولن شاهدان .ثم المام يفرق إن أراد ويأمر الحكم بالتفريق .وهذا أحد قولي الشافعي؛ وبه قال
الكوفيون ،وهسو قول عطاء وابسن زيسد والحسسن ،وبسه قال أبسو ثور .والصسحيح الول ،لن للحكميسن
التطليسق دون توكيسل؛ وهسو قول مالك والوزاعسي وإسسحاق وروي عسن عثمان وعلي وابسن عباس،
وعن الشعبي والنخعي ،وهو قول الشافعي؛ لن ال تعالى قال" :فابعثوا حكما من أهله وحكما من
أهلها" وهذا نص من ال سبحانه بأنهما قاضيان ل وكيلن ول شاهدان .وللوكيل اسم في الشريعة
ومعنسى ،وللحكسم اسسم فسي الشريعسة ومعنسى؛ فإذا بيسن ال كسل واحسد منهمسا فل ينبغسي لشاذ -فكيسف
لعالم -أن يركسب معنسى أحدهمسا على الخسر ! .وقسد روى الدارقطنسي مسن حديسث محمسد بسن سسيرين
عن عبيدة في هذه الية "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" قال :جاء
رجل وامرأة إلى علي مع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما من
أهلهسا ،وقال للحكميسن :هسل تدريان مسا عليكمسا ؟ عليكمسا إن رأيتمسا أن تفرقسا فرقتمسا .فقالت ،المرأة:
رضيت بكتاب ال بما علي فيه ولي .وقال الزوج :أما الفرقة فل .فقال علي :كذبت ،وال ل تبرح
حتسى تقسر بمثسل الذي أقرت بسه .وهذا إسسناد صسحيح ثابست روي عسن علي مسن وجوه ثابتسة عسن ابسن
سيرين عن عبيدة؛ قال أبو عمر .فلو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما :أتدريان ما عليكما ؟ إنما
كان يقول :أتدريان بمسا وكلتمسا ؟ وهذا بيسن .احتسج أبسو حنيفسة بقول علي رضسي ال عنسه للزوج :ل
تسبرح حتسى ترضسى بمسا رضيست بسه .فدل على أن مذهبسه أنهمسا ل يفرقان إل برضسا الزوج ،وبأن
الصل المجتمع عليه أن الطلق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه .وجعله مالك ومن تابعه من
باب طلق السلطان على المولى والعنين.
@ فإن اختلف الحكمان لم ينفسذ قولهمسا ولم يلزم مسن ذلك شيسء إل مسا اجتمعسا عليسه .وكذلك كسل
حكميسن حكمسا فسي أمر؛ فإن حكم أحدهما بالفرقسة ولم يحكسم بهسا الخسر ،أو حكم أحدهما بمال وأبى
الخسر فليسسا بشيسء حتسى يتفقسا .وقال مالك فسي الحكميسن يطلقان ثلثسا قال :تلزم واحدة وليسس لهمسا
الفراق بأكثسر مسن واحدة بائنسة؛ وهسو قول ابسن القاسسم .وقال ابسن القاسسم أيضسا :تلزمسه الثلث إن
اجتمعسا عليهسا؛ وقال المغيرة وأشهسب وابسن الماجشون وأصسبغ .وقال ابسن المواز :إن حكسم أحدهمسا
بواحدة والخر بثلث فهي واحدة .وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ذلك ليس بشيء.
@ ويجزئ إرسال الواحد؛ لن ال سبحانه حكم في الزنى بأربعة شهود ،ثم قد أرسل .النبي صلى
ال عليه وسلم إلى المرأة الزانية أنيسا وحده وقال له( :إن اعترفت فأرجمها) وكذلك قال عبدالملك
في المدونة.
قلت :وإذا جاز إرسسسال الواحسسد فلو حكسسم الزوجان واحدا لجزأ ،وهسسو بالجواز أولى إذا رضيسسا
بذلك ،وإنمسا خاطسب ال بالرسسال الحكام دون الزوجيسن .فإن أرسسل الزوجان حكميسن وحكمسا نفسذ
حكمهمسا؛ لن التحكيسم عندنسا جائز ،وينفسذ فعسل الحكسم فسي كسل مسسألة .هذا إذا كان كسل واحسد منهمسا
عدل ،ولو كان غيسر عدل قال عبدالملك :حكمسه منقوض؛ لنهمسا تخاطرا بمسا ل ينبغسي مسن الغرر.
قال ابسن العربسي :والصسحيح نفوذه؛ لنسه إن كان توكيل ففعسل الوكيسل نافسذ ،وإن كان تحكيمسا فقسد
قدماه على أنفسهما وليس الغرر بمؤثر فيه كما لم يؤثر في باب التوكيل ،وباب القضاء مبني على
الغرر كله ،وليسس يلزم فيسه معرفسة المحكوم عليسه بمسا يؤول إليسه الحكسم .قال ابسن العربسي :مسسألة
الحكميسن نسص ال عليهسا وحكسم بهسا عنسد ظهور الشقاق بيسن الزوجيسن ،واختلف مسا بينهمسا .وهسي
مسسألة عظيمسة اجتمعست المسة على أصسلها فسي البعسث ،وإن اختلفوا فسي تفاصسيل مسا ترتسب عليسه.
وعجبا لهل بلدنا حيث غفلوا عن موجب الكتاب والسنة في ذلك وقالوا :يجعلن على يدي أمين؛
وفسي هذا مسن معاندة النسص مسا ل يخفسى عليكسم ،فل بكتاب ال ائتمروا ول بالقيسسة اجتزؤوا .وقسد
ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى بعث الحكمين عند الشقاق إل قاض واحد ،ول بالقضاء باليمين مع
الشاهد إل آخر ،فلما ملكني ال المر أجريت السنة كما ينبغي .ول تعجب لهل بلدنا لما غمرهم
مسن الجهالة ،ولكسن أعجسب لبسي حنيفسة ليسس للحكميسن عنده خسبر ،بسل اعجسب مرتيسن للشافعسي فإنسه
قال :الذي يشبسه ظاهسر اليسة أنسه فيمسا عسم الزوجيسن معسا حتسى يشتبسه فيسه حالهمسا .قال :وذلك أنسي
وجدت ال عسسز رجسسل أذن فسسي نشوز الزوج بأن يصسسطلحا وأذن فسسي خوفهمسسا أل يقيمسسا حدود ال
بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة .وحظر أن يأخذ الزوج مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال
زوج مكان زوج؛ فلمسا أمسر فيمسسن خفنسا الشقاق بينهمسا بالحكميسسن دل على أن حكمهمسسا غيسر حكسم
الزواج ،فإذا كان كذلك بعسث حكمسا مسن أهله وحكمسا مسن أهلهسا ،ول يبعسث الحكميسن إل مأمونيسن
برضسا الزوجيسن وتوكيلهمسا بأن يجمعسا أو يفرقسا إذا رأيسا ذلك .وذلك يدل على أن الحكميسن وكيلن
للزوجيسن .قال ابسن العربسي :هذا منتهسى كلم الشافعسي ،وأصسحابه يفرحون بسه وليسس فيسه مسا يلتفست
إليه ول يشبه نصابه في العلم ،وقد تولى الرد عليه القاضي أبو إسحاق ولم ينصفه في الكثر .أما
قوله" :الذي يشبه ظاهر الية أنه فيمسا عم الزوجين" فليس بصحيح بل هو نصه ،وهي من أبين
آيات القرآن وأوضحهسا جلء؛ فإن ال تعالى قال" :الرجال قوامون على النسساء" [النسساء- ]34 :
ومسن خاف مسن امرأتسه نشوزا وعظهسا ،فإن أنابست وإل هجرهسا فسسي المضجسع ،فإن ارعوت وإل
ضربهسا ،فإن اسستمرت فسي غلوائهسا مشسى الحكمان إليهمسا .وهذا إن لم يكسن نصسا فليسس فسي القرآن
بيان .ودعسه ل يكون نصسا ،يكون ظاهرا؛ فأمسا أن يقول الشافعسي :يشبسه الظاهسر فل ندري مسا الذي
أشبسه الظاهسر ؟ .ثسم قال" :وأذن فسي خوفهمسا أل يقيمسا حدود ال بالخلع وذلك يشبسه أن يكون برضسا
المرأة ،بسل يجسب أن يكون كذلك وهسو نصسه" .ثسم قال" :فلمسا أمسر بالحكميسن علمنسا أن حكمهمسا غيسر
حكم الزواج ،ويجب أن يكون غيره بأن ينفذ عليهما من غير اختيارهما فتتحقق الغيرية .فأما إذا
أنفذا عليهمسا مسا وكلهمسا بسه فلم يحكمسا بخلف أمرهمسا فلم تتحقسق الغيريسة" .وأمسا قوله "برضسى
الزوجيسن وتوكيلهمسا" فخطسأ صسراح؛ فإن ال سسبحانه خاطسب غيسر الزوجيسن إذا خاف الشقاق بيسن
الزوجين بإرسال الحكمين ،وإذا كان المخاطب غيرهما كيف يكون ذلك بتوكيلهما ،ول يصح لهما
حكسم إل بمسا اجتمعسا عليسه .هذا وجسه النصساف والتحقيسق فسي الرد عليسه .وفسي هذه اليسة دليسل على
إثبات التحكيسم ،وليسس كمسا تقول الخوارج إنسه ليسس التحكيسم لحسد سسوى ال تعالى .وهذه كلمسة حسق
ولكن يريدون بها الباطل.
**3اليسة{ 36 :واعبدوا ال ول تشركوا بسه شيئا وبالوالديسن إحسسانا وبذي القربسى واليتامسى
والمسساكين والجار ذي القربسى والجار الجنسب والصساحب بالجنسب وابسن السسبيل ومسا ملكست أيمانكسم
إن ال ل يحب من كان مختال فخورا}
@ أجمع العلماء على أن هذه الية من المحكم المتفق عليه ،ليس منها شيء منسوخ .وكذلك هي
في جميع الكتب .ولو لم يكن كذلك لعرف ذلك من جهة العقل ،وإن لم ينزل به الكتاب .وقد مضى
معنسسى العبوديسة وهسي التذلل والفتقار ،لمسن له الحكسم والختيار؛ فأمسر ال تعالى عباده بالتذلل له
والخلص فيسه ،فاليسة أصسل فسي خلوص العمال ل تعالى وتصسفيتها مسن شوائب الرياء وغيره؛
قال ال تعالى "فمسسسن كان يرجوا لقاء ربسسسه فليعمسسسل عمل صسسسالحا ول يشرك بعبادة ربسسسه أحدا"
[الكهف ]110 :حتى لقد قال بعض علمائنا :إنه من تطهر تبردا أو صام محما لمعدته ونوى مع
ذلك التقرب لم يجزه؛ لنسه مزج فسي نيسة التقرب نيسة دنياويسة وليسس ل إل العمسل الخالص؛ كمسا قال
تعالى" :أل ل الدين الخالص" [الزمر .]3 :وقال تعالى" :وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له
الديسن" [البينة .]5 :وكذلك إذا أحسس الرجسل بداخسل فسي الركوع وهو إمام لم ينتظره؛ لنه يخرج
ركوعسه بانتظاره عسن كونسه خالصسا ل تعالى .وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي هريرة قال :قال رسسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم( :قال ال تبارك وتعالى أنسا أغنسى الشركاء عسن الشرك مسن عمسل عمل
أشرك فيسه معسي غيري تركتسه وشركسه) .وروى الدارقطنسي عسن أنسس بن مالك قال :قال رسسول ال
صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :يجاء يوم القيامسة بصسسحف مختمسسة فتنصسب بيسسن يدي ال تعالى فيقول ال
تعالى للملئكسة القوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملئكسة وعزتسك مسا رأينسا إل خيرا فيقول ال عسز وجسل
-وهو أعلم -إن هذا كان لغيري ول أقبل اليوم من العمل إل ما كان ابتغي به وجهي) .وروي
أيضا عن الضحاك بن قيس الفهري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال تعالى يقول
أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم ل تعالى فإن
ال ل يقبسل إل مسا خلص له ول تقولوا هذا ل وللرحسم فإنهسا للرحسم وليسس ل منهسا شيسء ول تقولوا
هذا ل ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس ل تعالى منها شيء).
مسسألة :إذا ثبست هذا فاعلم أن علماءنسا رضسي ال عنهسم قالوا :الشرك على ثلث مراتسب وكله
محرم .وأصله اعتقاد شريك ل في ألوهيته ،وهو الشرك العظم وهو شرك الجاهلية ،وهو المراد
بقوله تعالى" :إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء"[ .النسساء .]48 :ويليسه
فسسي الرتبسسة اعتقاد شريسسك ل تعالى فسسي الفعسسل ،وهسسو قول مسن قال :إن موجودا مسسا غيسسر ال تعالى
يستقل بإحداث فعل وإيجاده وإن لم يعتقد كونه إلها كالقدرية مجوس هذه المة ،وقد تبرأ منهم ابن
عمسر كمسا فسي حديسث جبريسل عليسه السسلم .ويلي هذه الرتبسة الشراك فسي العبادة وهسو الرياء؛ وهسو
أن يفعسل شيئا مسن العبادات التسي أمسر ال بفعلهسا له لغيره .وهذا هسو الذي سسيقت اليات والحاديسث
لبيان تحريمسسه ،وهسسو مبطسسل للعمال وهسسو خفسسي ل يعرفسسه كسسل جاهسسل غسسبي .ورضسسي ال عسسن
المحاسسبي فقسد أوضحسه فسي كتابسه "الرعايسة" وبيسن إفسساده للعمال .وفسي سسنن ابسن ماجسة عسن أبسي
سعيد بن أبي فضالة النصاري وكان من الصحابة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا
جمع ال الولين والخرين ليوم القيامة ليوم ل ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله
ل عسز وجسل أحدا فليطلب ثوابسه مسن عنسد غيسر ال فإن ال أغنسى الشركاء عسن الشرك) .وفيسه عسن
أبسي سسعيد الخدري قال :خرج علينسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ونحسن نتذاكسر المسسيخ الدجال
فقال( :أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال ؟) قال :فقلنا بلى يا رسول ال؛
فقال( :الشرك الخفسي أن يقوم الرجسل يصسلي فيزيسن صسلته لمسا يرى مسن نظسر رجسل) .وفيسه عسن
شداد بسسن أوس قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :إن أخوف مسسا أتخوف على أمتسسي
الشراك بال أمسا إنسي لسست أقول يعبدون شمسسا ول قمرا ول وثنسا ولكسن أعمال لغيسر ال وشهوة
خفيسة) خرجسه الترمذي الحكيسم .وسسيأتي فسي آخسر الكهسف ،وفيسه بيان الشهوة الخفيسة .وروى ابسن
لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال :سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال:
(هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه) .قال سهل بن عبدال التستري رضي ال عنه :الرياء
على ثلثسة وجوه؛ أحدهسا :أن يعقد فسي أصل فعله لغيسر ال ويريسد به أن يعرف أنه ل ،فهذا صسنف
من النفاق وتشكك في اليمان .والخر :يدخل في الشيء ل فإذا اطلع عليه غير ال نشط ،فهذا إذا
تاب يزيسد أن يعيسد جميسع مسا عمسل .والثالث :دخسل فسي العمسل بالخلص وخرج بسه ل فعرف بذلك
ومدح عليسه وسسكن إلى مدحهسم؛ فهذا الرياء الذي نهسى ال عنسه .قال سسهل :قال لقمان لبنسه :الرياء
أن تطلب ثواب عملك فسسي دار الدنيسسا ،وإنمسسا عمسسل القوم للخرة .قيسسل له :فمسسا دواء الرياء ؟ قال
كتمان العمسل ،قيسسل له :فكيسسف يكتسسم العمسل ؟ قال :مسا كلفسست إظهاره مسسن العمسل فل تدخسسل فيسسه إل
بالخلص ،وما لم تكلف إظهاره أحب أل يطلع عليه إل ال .قال :وكل عمل اطلع عليه الخلق فل
تعده من العمل .وقال أيوب السختياني :ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله.
قلت :قول سهل "والثالث دخل في العمل بالخلص" إلى آخره ،إن كان سكونه وسروره إليهم
لتحصسل منزلتسه فسي قلوبهسم فيحمدوه ويجلوه ويسبروه وينال مسا يريده منهسم مسن مال أو غيره فهذا
مذموم؛ لن قلبسه مغمور فرحسا باطلعهسم عليسه ،وإن كانوا قسد اطلعوا عليسه بعسد الفراغ .فأمسا مسن
أطلع ال عليه خلقه وهو ل يحب إطلعهم عليه فيسر بصنع ال وبفضله عليه فسروره بفضل ال
طاعسة؛ كمسا قال تعالى" :قسل بفضسل ال وبرحمتسه فبذلك فليفرحوا هسو خيسر ممسا يجمعون" [يونسس:
.]58وبسط هذا وتتميمه في كتاب "الرعاية للمحاسبي" ،فمن أراده فليقف عليه هناك .وقد سئل
سهل عن حديث النبي صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم (أني أسر العمل فيطلع عليه فيعجبني)
قال :يعجبسسه مسسن جهسسة الشكسسر ل الذي أظهره ال عليسسه أو نحسسو هذا .فهذه جملة كافيسسة فسسي الرياء
وخلوص العمال .وقد مضى في "البقرة" .حقيقة الخلص .والحمد ل.
@قوله تعالى" :وبالوالدين إحسانا" قد تقدم في صدر هذه السورة أن من الحسان إليهما عتقهما،
ويأتسي فسي "سسبحان" [السسراء ]1 :حكسم برهمسا معنسى مسستوفى .وقرأ ابسن أبسي عبلة "إحسسان"
بالرفع أي واجب الحسان إليهما .الباقون بالنصب ،على معنى أحسنوا إليهما إحسانا .قال العلماء:
فأحسق الناس بعسد الخالق المنان بالشكسر والحسسان والتزام البر والطاعسة له والذعان مسن قرن ال
الحسسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان؛ فقال تعالى" :أن اشكسر لي ولوالديك.
[لقمان .]14 :وروى شعبة وهشيم الواسطيان عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبدال بن عمرو
بن العاص قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في
سخط الوالدين".
@قوله تعالى" :وبذي القربى واليتامى والمساكين" وقد مضى الكلم فيه في (البقرة).
@قوله تعالى" :والجار ذي القربسى والجار الجنسب" أمسا الجار فقسد أمسر ال تعالى بحفظسه والقيام
بحقسه والوصساة برعسي ذمتسه فسي كتابسه وعلى لسسان نسبيه .أل تراه سسبحانه أكسد ذكره بعسد الوالديسن
والقربيسن فقال تعالى" :والجار ذي القربسى" أي القريسب" .والجار الجنسب" أي الغريسب؛ قال ابسن
عباس ،وكذلك هو في اللغة .ومنه فلن أجنبي ،وكذلك الجنابة البعد .وأنشد أهل اللغة:
فإني امرؤ وسط القباب غريب فل تحرمني نائل عن جنابة
وقال العشى:
فكان حريث عن عطائي جامدا أتيت حريثا زائرا عن جنابة
وقرأ العمسسش والمفضسسل "والجار الجنسسب" بفتسسح الجيسسم وسسسكون النون وهمسسا لغتان؛ يقال :جنسسب
وجنب وأجنب وأجنبي إذا لم يكن بينهما قرابة ،وجمعه أجانب .وقيل :على تقدير حذف المضاف،
أي والجار ذي الجنسسب أي ذي الناحيسسة .وقال نوف الشامسسي" :الجار ذي القربسى" المسسسلم "والجار
الجنب" اليهودي والنصراني.
قلت :وعلى هذا فالوصساة بالجار مأمور بهسا مندوب إليهسا مسسلما كان أو كافرا ،وهسو الصسحيح.
والحسان قد يكون بمعنى المواساة ،وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الذى والمحاماة دونه.
روى البخاري عسن عائشسة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :مسا زال جبريسل يوصسيني بالجار
حتى ظننت أنه سيورثه) .وروي عن أبي شريح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :وال ل يؤمن
وال ل يؤمن وال ل يؤمن) قيل :يا رسول ال ومن ؟ قال( :الذي ل يأمن جاره بوائقه) وهذا عام
فسي كسل جار .وقسد أكسد عليسه السسلم ترك إذايتسه بقسسمه ثلث مرات ،وأنسه ل يؤمسن الكامسل مسن أذى
جاره .فينبغسسي للمؤمسسن أن يحذر أذى جاره ،وينتهسسي عمسسا نهسسى ال ورسسسوله عنسسه ،ويرغسسب فيمسسا
رضياه وحضا العباد عليه .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :الجيران ثلثة فجار له
ثلثسسة حقوق وجار له حقان وجار له حسسق واحسسد فأمسسا الجار الذي له ثلثسسة حقوق فالجار المسسسلم
القريب له حق الجوار وحق القرابة وحق السلم والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق
السلم وحق الجوار والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار).
@ روى البخاري عن عائشة قالت :قلت يا رسول ال ،إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ،قال( :إلى
أقربهمسا منسك بابسا) .فذهسب جماعسة مسن العلماء إلى أن هذا الحديسث يفسسر المراد مسن قوله تعالى:
"والجار ذي القربسسى" وأنسه القريسسب المسسسكن منسسك" .والجار الجنسسب" هسو البعيسسد المسسسكن منسسك.
واحتجوا بهذا على إيجاب الشفعة للجار ،وعضدوه وبقوله عليه السلم( :الجار أحق بصقبه) .ول
حجة في ذلك ،فإن عائشة رضي ال عنها إنما سألت النبي صلى ال عليه وسلم عمن تبدأ به من
جيرانهسا فسي الهديسة فأخبرهسا أن مسن قرب بابسه فإنسه أولى بهسا مسن غيره .قال ابسن المنذر :فدل هذا
الحديسث على أن الجار يقسع على غيسر اللصسيق .وقسد خرج أبسو حنيفسة عسن ظاهسر هذا الحديسث فقال:
إن الجار اللصسيق إذا ترك الشفعسة وطلبهسا الذي يليسه وليسس له جدار إلى الدار ول طريسق ل شفعسة
فيه له .وعوام العلماء يقولون :إن أوصى الرجل لجيرانه أعطي اللصيق وغيره؛ إل أبا حنيفة فإنه
فارق عوام العلماء وقال :ل يعطى إل اللصيق وحده.
@ واختلف الناس فسي حسد الجيرة؛ فكان الوزاعسي يقول :أربعون دارا من كل ناحية؛ وقال ابن
شهاب .وروي أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم
إلي جوارا أشدهسم لي أذى؛ فبعسث النبي صسلى ال عليه وسسلم أبسا بكسر وعمسر وعليسا يصسيحون على
أبواب المسساجد :أل إن أربعيسن دارا جار ول يدخسل الجنسة مسن ل يأمسن جاره بوائقسه .وقال علي بسن
أبي طالب :من سمع النداء فهو جار .وقالت فرقة :من سمع إقامة الصلة فهو جار ذلك المسجد.
وقالت فرقسة :من ساكن رجل فسي محلة أو مدينسة فهو جار .قال ال تعالى" :لئن لم ينته المنافقون"
[الحزاب ]60 :إلى قوله" :ثسم ل يجاورونسك فيهسا إل قليل" فجعسل تعالى اجتماعهسم فسي المدينسة
جوارا .والجيرة مراتب بعضها الصق من بعض ،أدناها الزوجة؛ كما قال:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة
@ ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :يا أبا
ذر إذا طبخست مرقسة فأكثسر ماءهسا وتعاهسد جيرانسك) .فحسض عليسه السسلم على مكارم الخلق؛ لمسا
رتسسب عليهسسا مسسن المحبسسة وحسسسن العشرة ودفسسع الحاجسسة والمفسسسدة؛ فإن الجار قسسد يتأذى بقتار قدر
جاره ،وربما تكون له ذرية فتهيج من ضعفائهم الشهوة ،ويعظم على القائم عليهم اللم والكلفة ،ل
سسيما إن كان القائم ضعيفسا أو أرملة فتعظسم المشقسة ويشتسد منهسم اللم والحسسرة .وهذه كانست عقوبسة
يعقوب فسي فراق يوسسف عليهمسا السسلم فيمسا قيسل .وكسل هذا يندفسع بتشريكهسم فسي شيسء مسن الطسبيخ
يدفسع إليهسم ،ولهذا المعنسى حسض عليسه السسلم الجار القريسب بالهديسة؛ لنسه ينظسر إلى مسا يدخسل دار
جاره ومسا يخرج منهسا ،فإذا رأى ذلك أحسب أن يشارك فيسه؛ وأيضسا فإنسه أسسرع إجابسة لجاره عندمسا
ينويسه مسن حاجسة فسي أوقات الغفلة والغرة؛ فلذلك بدأ بسه على مسن بعسد بابسه وإن كانست داره أقرب.
وال أعلم.
@ قال العلماء :لما قال عليه السلم "فأكثر ماءها" نبه بذلك على تيسير المر على البخيل تنبيها
لطيفا ،وجعل الزيادة فيما ليس له ثمن وهو الماء؛ ولذلك لم يقل :إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها؛ إذ
ل يسهل ذلك على كل أحد .ولقد أحسن القائل:
وإليه قبلي ترفع القدر قدري وقدر الجار واحدة
ول يهدى النزر اليسير المحتقر؛ لقوله عليه السلم( :ثم أنظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها
بمعروف) أي بشيسء يهدى عرفسا؛ فإن القليسل وإن كان ممسا يهدى فقسد ل يقسع ذلك الموقسع ،فلو لم
يتيسر إل القليل فليهده ول يحتقر ،وعلى المهدى إليه قبوله؛ لقوله عليه السلم( :يا نساء المؤمنات
ل تحتقرن إحداكسن لجارتهسا ولو كراع شاة محرقسا) أخرجسه مالك فسي موطئه .وكذا قيدناه (يسا نسساء
المؤمنات) بالرفسسع على غيسسر الضافسسة ،والتقديسسر :يسسا أيهسسا النسسساء المؤمنات؛ كمسسا تقول يسسا رجال
الكرام؛ فالمنادى محذوف وهو يسا أيهسا ،والنسساء فسي التقديسر النعست ليهسا ،والمؤمنات نعست للنسساء.
قد قيل :فيه :يا نساء المؤمنات بالضافة ،والول أكثر.
@ من إكرام الجار أل يمنع من غرز خشبة له إرفاقا به؛ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (ل
يمنسع أحدكسم جاره أن يغرز خشبسة فسي جداره) .ثسم يقول أبسو هريرة :مسا لي أراكسم عنهسا معرضيسن،
وال لرمين بها بين أكنافكم .روي "خشبه وخشبة" على الجمع والفراد .وروي "أكتافهم" بالتاء
و"أكنافهم" بالنون .ومعنسى "لرميسن بها" أي بالكلمسة والقصسة .وهسل يقضسى بهذا على الوجوب أو
الندب ؟ فيسه خلف بيسن العلماء .فذهسب مالك وأبسو حنيفسة وأصسحابهما إلى أن معناه الندب إلى بر
الجار والتجاوز له والحسسان إليسه ،وليسس ذلك على الوجوب؛ بدليسل قوله عليسه السسلم( :ل يحسل
مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه) .قالوا :ومعنى قوله (ل يمنع أحدكم جاره) هو مثل معنى
قوله عليسه السسلم( :إذا اسستأذنت أحدكسم امرأتسه إلى المسسجد فل يمنعهسا) .وهذا معناه عنسد الجميسع
الندب ،على ما يراه الرجل من الصلح والخير في ذلك .وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل
وإسسحاق وأبسو ثور وداود بسن علي وجماعسة أهسل الحديسث :إلى أن ذلك على الوجوب .قالوا :ولول
أن أبسا هريرة فهسم فيمسا سسمع مسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم معنسى الوجوب مسا كان ليوجسب عليهسم
غيسر واجسب .وهسو مذهسب عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه؛ فإنسه قضسى على محمسد بسن مسسلمة
للضحاك بسن خليفسة فسي الخليسج أن يمسر بسه فسي أرض محمسد بسن مسسلمة ،فقال محمسد بسن مسسلمة :ل
وال .فقال عمر :وال ليمرن به ولو على بطنك .فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك؛ رواه مالك
فسي الموطسأ .وزعسم الشافعسي فسي كتاب "الرد" أن مالكسا لم يرو عسن أحسد مسن الصسحابة خلف عمسر
في هذا الباب؛ وأنكر على مالك أنه رواه وأدخله في كتابه ولم يأخذ به ورده برأيه .قال أبو عمر:
ليس كما زعم الشافعي؛ لن محمد بن مسلمة كان رأيه في ذلك خلف رأي عمر ،ورأي النصار
أيضا كان خلفا لرأي عمر ،وعبدالرحمن بن عوف في قصة الربيع وتحويله -والربيع الساقية -
وإذا اختلفست الصسحابة وجسب الرجوع إلى النظسر ،والنظسر ،يدل على أن دماء المسسلمين وأموالهسم
وأعراضهسم بعضهسم على بعسض حرام إل مسا تطيسب بسه النفسس خاصسة؛ فهذا هسو الثابست عسن النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم .ويدل على الخلف فسي ذلك قول أبسي هريرة :مسا لي أراكسم عنهسا معرضيسن
وال لرمينكسم بهسا؛ هذا أو نحوه .أجاب الولون فقالوا :القضاء بالمرفسق خارج بالسسنة عسن معنسى
قوله عليسسه السسسلم( :ل يحسسل مال امرئ مسسسلم إل عسسن طيسسب نفسسس منسسه) لن هذا معناه التمليسسك
والستهلك وليس المرفق من ذلك؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم قد فرق بينهما في الحكم .فغير
واجب أن يجمع بين ما فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم .وحكى مالك أنه كان بالمدينة قاض
يقضي به يسمى أبو المطلب .واحتجوا من الثر بحديث العمش عن أنس قال :استشهد منا غلم
يوم أحسد فجعلت أمسه تمسسح التراب عسن وجهسه وتقول :أبشسر هنيئا لك الجنسة؛ فقال لهسا النسبي صسلى
ال عليه وسلم (وما يدريك لعله كان يتكلم فيما ل يعنيه ويمنع ما ل يضره) .والعمش ل يصح له
سماع من أنس ،وال أعلم .قاله أبو عمر.
@ ورد حديث جمع النبي صلى ال عليه وسلم فيه مرافق الجار ،وهو حديث معاذ بن جبل قال:
قلنسا يسا رسسول ال ،مسا حسق الجار ؟ قال( :إن اسستقرضك أقرضتسه وإن اسستعانك أعنتسه وإن احتاج
أعطيتسسه وإن مرض عدتسه وإن مات تبعسست جنازتسه وإن أصسسابه خيسسر سسسرك وهنيتسسه وإن أصسسابته
مصيبة ساءتك وعزيته ول تؤذه بنار قدرك إل أن تعرف له منها ول تستطل عليه بالبناء لتشرف
عليه وتسد عليه الريح إل بإذنه وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإل فأدخلها سرا ل يخرج ولدك
بشيء منه يغيظون به ولده وهل تفقهون ما أقول لكم لن يؤدي حق الجار إل القليل ممن رحم ال)
أو كلمسة نحوهسا .هذا حديسث جامسع وهسو حديسث حسسن ،فسي إسسناده أبسو الفضسل عثمان بسن مطسر
الشيباني غير مرضي.
@ قال العلماء :الحاديسث فسي إكرام الجار جاءت مطلقسة غيسر مقيدة حتسى الكافسر كمسا بينسا .وفسي
الخسسبر قالوا :يسسا رسسسول ال أنطعمهسسم مسسن لحوم النسسسك ؟ قال( :ل تطعموا المشركيسسن مسسن نسسسك
المسسلمين) .ونهيسه صسلى ال عليسه وسسلم عسن إطعام المشركيسن مسن نسسك المسسلمين يحتمسل النسسك
الواجسب فسي الذمسة الذي ل يجوز للناسسك أن يأكسل منسه ول أن يطعمسه الغنياء؛ فأمسا غيسر الواجسب
الذي يجزيسه إطعام الغنياء فجائز أن يطعمسه أهسل الذمسة .قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لعائشسة
عنسد تفريسسق لحسم الضحيسة( :ابدئي بجارنسا اليهودي) .وروي أن شاة ذبحست فسي أهسل عبدال بسن
عمرو فلمسا جاء قال :أهديتسم لجارنسا اليهودي ؟ -ثلث مرات -سسمعت رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم يقول( :ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
@قوله تعالى" :والصاحب بالجنب" أي الرفيق في السفر .وأسد الطبري أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم
غيضسة ،فقطسع قضيسبين أحدهمسا معوج ،فخرج وأعطسى لصساحبه القويسم؛ فقال :كنست يسا رسسول ال
أحق بهذا ! فقال( :كل يا فلن إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسؤول عن صحابته ولو ساعة
مسن نهار) .وقال ربيعسة بسن أبسي عبدالرحمسن :للسسفر مروءة وللحضسر مروءة؛ فأمسا المروءة فسي
السسسسفر فبذل الزاد ،وقلة الخلف على الصسسسحاب ،وكثرة المزاج فسسسي غيسسسر مسسسساخط ال .وأمسسسا
المروءة فسسي الحضسسر فالدمان إلى المسسساجد ،وتلوة القرآن وكثرة الخوان فسسي ال عسسز وجسسل.
ولبعض بني أسد -وقيل إنها لحاتم الطائي:
له مركب فضل فل حملت رجلي إذا ما رفيقي لم يكن خلف ناقتي
فل كنت ذا زاد ول كنت ذا فضل ولم يك من زادي له شطر مزودي
علي له فضل بما نال من فضلي شريكان فيما نحن فيه وقد أرى
وقال علي وابسسن مسسسعود وابسسن أبسسي ليلى" :الصسساحب بالجنسسب" الزوجسسة .ابسسن جريسسج :هسسو الذي
يصسحبك ويلزمسك رجاء نفعسك .والول أصسح؛ وهسو قول ابسن عباس وابسن جسبير وعكرمسة ومجاهسد
والضحاك .وقد تتناول الية الجميع بالعموم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وابسن السسبيل" قال مجاهسد :هسو الذي يجتاز بسك مارا .والسسبيل الطريسق؛ فنسسب
المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه .ومن الحسان إليه إعطاؤه وإرفاقه وهدايته ورشده.
@قوله تعالى" :وما ملكت أيمانكم" أمر ال تعالى بالحسان إلى المماليك ،وبين ذلك النبي صلى
ال عليه وسلم؛ فروى مسلم وغيره عن المعرور بن سويد قال :مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد
وعلى غلمه مثله ،فعلنا :يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة؛ فقال :إنه كان بيني وبين رجل من
إخوانسي كلم ،وكانست أمسه أعجميسة فعيرتسه بأمسه ،فشكانسي إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فلقيست
النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقال( :يسا أبسا ذر إنسك امرؤ فيسك جاهليسة) قلت :يسا رسسول ال ،مسن سسب
الرجال سبوا أباه وأمه .قال( :يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهسم ال تحت أيديكم
فأطعموهسم ممسا تأكلون وألبسسوهم ممسا تلبسسون ول تكلفوهسم مسا يغلبهسم فإن كلفتموهسم فأعينوهسم).
وروي عن أبي هريرة أنه ركب بغلة ذات يوم فأردف غلمه خلفه ،فقال له قائل :لو أنزلته يسعى
خلف دابتسك؛ فقال أبسو هريرة :لن يسسعى معسي ضغثان مسن نار يحرقان منسي مسا أحرقسا أحسب إلي
من أن يسعى غلمي خلفي .وخرج أبو داود عن أبي ذر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(من ليمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتسون ومن ل يليمكم منهم فبيعوه
ول تعذبوا خلق ال) .ليمكسم وافقكسم .والمليمسة الموافقسة .وروى مسسلم عسن أبسي هريرة رضسي ال
عنسه عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :للمملوك طعامسه وكسسوته ول يكلف مسن العمسل إل مسا
يطيسق) وقال عليسه السسلم( :ل يقسل أحدكسم عبدي وأمتسي بسل ليقسل فتاي وفتاتسي) وسسيأتي بيانسه فسي
سسورة يوسسف عليسه السسلم .فندب صسلى ال عليسه وسسلم السسادة إلى مكارم الخلق وحضهسم عليهسا
وأرشدهسم إلى الحسسان وإلى سسلوك طريسق التواضسع حتسى ل يروا لنفسسهم مزيسة على عسبيدهم ،إذ
الكل عبيدال والمال مال ال ،لكن سخر بعضهم لبعض ،وملك بعضهم بعضا إتماما للنعمة وتنفيذا
للحكمسة؛ فإن أطعموهسم أقسل ممسا يأكلون ،وألبسسوهم أقسل ممسا يلبسسون صسفه ومقدارا جاز إذا قام
بواجبه عليه .ول خلف في ذلك وال أعلم .وروى مسلم عن عبدال بن عمرو إذ جاءه قهرمان له
فدخسل فقال :أعطيست الرقيسق قوتهسم ؟ قال ل .قال :فأنطلق فأعطهسم ،قال رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم( :كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم).
@ ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من ضرب عبده حدا لم يأته أو لطمه فكفارته أن
يعتقسه) .ومعناه أن يضربسه قدر الحسد ولم يكسن عليسه حسد .وجاء عسن نفسر مسن الصسحابة أنهسم اقتصسوا
للخادم مسن الولد فسي الضرب وأعتقوا الخادم لمسا لم يرد القصساص وقال عليسه السسلم( :مسن قذف
مملوكسسه بالزنسسى أقام عليسسه الحسسد يوم القيامسسة ثمانيسسن) .وقال عليسسه السسسلم( :ل يدخسسل الجنسسة سسسيئ
الملكسة) .وقال عليسه السسلم( :سسوء الخلق شوم وحسسن الملكسة نماء وصسلة الرحسم تزيسد فسي العمسر
والصدقة تدفع ميتة السوء).
@ واختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحسر أو العبد؛ فروى مسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :للعبد المملوك المصلح أجران) والذي نفس أبي هريرة بيده
لول الجهاد في سبيل ال والحج وبر أمي لحببت أن أموت وأنا مملوك .وروي عن ابن عمر أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ال فله أجره مدتين).
فاسستدل بهذا ومسا كان مثله مسن فضسل العبسد؛ لنسه مخاطسب مسن جهتيسن :مطالب بعبادة ال ،مطالب
بخدمسة سسيده .وإلى هذا ذهسب أبسو عمسر يوسسف بسن عبدالبر النمري وأبسو بكسر محمسد بسن عبدال بسن
أحمد العامري البغدادي الحافظ.
اسستدل مسن فضسل الحسر بأن قال :السستقلل بأمور الديسن والدنيسا وإنمسا يحصسل بالحرار والعبسد
كالمفقود لعدم اسسستقلل ،وكاللة المصسسرفة بالقهسسر ،وكالبهيمسسة المسسسخرة بالجسسبر؛ ولذلك سسسلب
مناصسب الشهادات ومعظسم الوليات ،ونقصست حدوده عسن حدود الحرار إشعارا بخسسة المقدار،
والحسر وإن طولب مسن جهسة واحدة فوظائفسه فيهسا أكثسر ،وعناؤه أعظسم فثوابسه أكثسر .وقسد أشار إلى
هذا أبو هريرة بقوله :لول الجهاد والحج؛ أي لول النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه المور .وال
أعلم.
@ روى أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ما زال جبريل يوصيني بالجار
حتسى ظننست أنسه سسيورثه ،ومسا زال يوصسيني بالنسساء حتسى ظننست أنسه سسيحرم طلقهسن ،ومسا زال
يوصسيني بالمماليسك حتسى ظننست أنسه سسيجعل لهسم مدة إذا انتهوا إليهسا عتقوا ،ومسا زال يوصسيني
بالسواك حتى خشيت أن يحفي فمي -وروي حتى كاد -وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت
أن خيار أمتي ل ينامون ليل) .ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره.
@قوله تعالى" :إن ال ل يحسب" أي ل يرضسى" .مسن كان مختال فخورا" فنفسى سسبحانه محبتسه
ورضاه عمسن هذه صسفته؛ أي ل يظهسر عليسه آثار نعمسه فسي الخرة .وفسي هذا ضرب مسن التوعسد.
والمختال ذو الخيلء أي الكبر .والفخور :الذي يعدد مناقبه كبرا .والفخر :البذخ والتطاول .وخص
هاتين الصفتين بالذكر هنا لنهما تحملن صاحبيهما على النفة من القريب الفقير والجار الفقير
وغيرهم ممن ذكسر في الية فيضيسع أمسر ال بالحسسان إليهم .وقرأ عاصسم فيما ذكسر المفضسل عنه
"والجار الجنسب" بفتسح الجيسم وسسكون النون .قال المهدوي :هسو على تقديسر حذف المضاف؛ أي
والجار ذي الجنب أي ذي الناحية .وأنشد الخفش:
الناس جنب والمير جنب
والجنب الناحية ،أي المتنحي عن القرابة .وال أعلم.
**3الية{ 37 :الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم ال من فضله وأعتدنسا
للكافرين عذابا مهينا}
@قوله تعالى" :الذيسن يبخلون" "الذيسن" فسي موضسع نصسب على البدل مسن "مسن" فسي قوله" :مسن
كان" ول يكون صسسفة؛ لن "مسسن" و"مسسا" ل يوصسسفان ول يوصسسف بهمسسا .ويجوز أن يكون فسسي
موضسع رفسع بدل مسن المضمسر الذي فسي فخور .ويجوز أن يكون فسي موضسع رفسع فيعطسف عليسه.
ويجوز أن يكون ابتداء والخسسبر محذوف ،أي الذيسسن يبخلون ،لهسسم كذا ،أو يكون الخسسبر "إن ال ل
يظلم مثقال ذرة" [النسسساء .]40:ويجوز أن يكون منصسسوبا بإضمار أعنسسي ،فتكون اليسسة فسسي
المؤمنين؛ فتجيء الية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة ال ،فأحسنوا أيها المؤمنون
إلى من سمي فإن ال ل يحب من فيه الخلل المانعة من الحسان.
@قوله تعالى" :يبخلون ويأمرون الناس بالبخل" البخل المذموم في الشرع هو المتناع من أداء
مسسا أوجسسب ال تعالى عليسه .وهسو مثسسل قوله تعالى" :ول يحسسسبن الذيسسن يبخلون بمسسا آتاهسسم ال مسسن
فضله" [آل عمران ]180 :الية .وقد مضى في "آل عمران" القول في البخل وحقيقته ،والفرق
بينسه وبيسن الشسح مسستوفى .والمراد بهذه اليسة فسي قول ابسن عباس وغيره اليهود؛ فإنهسم جمعوا بيسن
الختيال والفخسر والبخسل بالمال وكتمان مسا أنزل ال مسن التوراة مسن نعست محمسد صسلى ال عليسه
وسسلم .وقيل :المراد المنافقون الذي كان إنفاقهسم وإيمانهسم تقية ،والمعنى إن ال ل يحب كل مختال
فخور ،ول الذين يبخلون؛ على ما ذكرنا من إعرابه.
@قوله تعالى" :وأعتدنسا للكافريسن عذابسا مهينسا" فصسل تعالى توعسد المؤمنيسن الباخليسن مسن توعسد
الكافرين بأن جعل الول عدم المحبة والثاني عذابا مهينا.
**3الية{ 38 :والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ول يؤمنون بال ول باليوم الخر ومن يكن
الشيطان له قرينا فساء قرينا}
@قوله تعالى" :والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" الية .عطف تعالى على "الذين يبخلون" [آل
عمران" :]180 :الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس" .وقيل :هو عطف على الكافرين ،فيكون في
موضع خفض .ومن رأى زيادة الواو أجاز أن يكون الثاني عنده خبرا للول .قال الجمهور نزلت
في المنافقين :لقوله تعالى" :رئاء الناس" والرئاء من النفاق .مجاهد :في اليهود .وضعفه الطبري؛
لنسه تعالى نفسى عسن هذه الصسفة اليمان بال واليوم الخسر ،واليهود ليسس كذلك .قال ابسن عطيسة:
وقول مجاهسد متجسه على المبالغسة واللزام؛ إذ إيمانهسم باليوم الخسر كاليمان مسن حيسث ل ينفعهسم.
وقيل :نزلت في مطعمي يوم بدر ،وهم رؤساء مكة؛ أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر .قال ابن
الحربي :ونفقة الرئاء تدخل في الحكام من حيث إنها ل تجزئ .قلت :ويدل على ذلك من الكتاب
قوله تعالى" :قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم" [التوبة ]53 :وسيأتي.
@قوله تعالى" :ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا" في الكلم إضمار تقديره "ول يؤمنون
بال ول باليوم الخسسر" فقرينهسسم الشيطان "ومسسن يكسسن الشيطان له قرينسسا فسسساء قرينسسا" .والقريسسن:
المقارن ،أي الصاحب والخليل وهو فعيل من القران؛ قال عدي بن زيد:
فكل قرين بالمقارن يقتدي عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه
والمعنى :من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه .ويجوز أن يكون المعنى من قرن به الشيطان
في النار "فساء قرينا" أي فبئس الشيطان قرينا ،وهو نصب على التمييز.
**3اليسة{ 39 :وماذا عليهسم لو آمنوا بال واليوم الخسر وأنفقوا ممسا رزقهسم ال وكان ال بهسم
عليما}
@ قوله" :ما" في موضع رفع بالبتداء و"ذا" خبره ،وذا بمعنى الذي .ويجوز أن يكون ما وذا
اسسما واحدا .فعلى الول تقديره ومسا الذي عليهسم ،وعلى الثانسي تقديره وأي شيسء عليهسم "لو آمنوا
بال واليوم الخسسر" ،أي صسسدقوا بواجسسب الوجود ،وبمسسا جاء بسسه الرسسسول مسسن تفاصسسيل الخرة،
"وأنفقوا مما رزقهم ال"" .وكان ال بهم عليما" تقدم معناه في غير موضع.
**3الية{ 40 :إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}
@قوله تعالى" :إن ال ل يظلم مثقال ذرة" أي ل يبخسهم ول ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة
بسل يجازيهسم بهسا ويثيبهسم عليهسا .والمراد مسن الكلم أن ال تعالى ل يظلم قليل ول كثيرا؛ كمسا قال
تعالى" :إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونسسس .]44 :والذرة :النملة الحمراء؛ عسسن ابسسن عباس
وغيره ،وهي أصغر النمل .وعنه أيضا رأس النملة .وقال يزيد بن هارون :زعموا أن الذرة ليس
لها وزن .ويحكى أن رجل وضع خبزا حتى عله الذر مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن
الخبز شيئا.
قلت :والقرآن والسنة يدلن على أن للذرة وزنا؛ كما أن للدينار ونصفه وزنا .وال أعلم .وقيل:
الذرة الخردلة؛ كمسسا قال تعالى" :فل تظلم نفسسس شيئا وإن كان مثقال حبسسة مسسن خردل أتينسسا بهسسا"
[النبياء .]47 :وقيل غير هذا ،وهي في الجملة عبارة عن أقل الشياء وأصغرها .وفي صحيح
مسسلم عسن أنسس قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :إن ال ل يظلم مؤمنسا حسسنة يعطسى بهسا
فسي الدنيسا ويجزى بهسا فسي الخرة وأمسا الكافسر فيطعسم بحسسنات مسا عمسل ل بهسا فسي الدنيسا حتسى إذا
أفضى إلى الخرة لم تكن له حسنة يجزى بها).
@قوله تعالى" :وإن تكسن حسسنة يضاعفهسا ويؤت" أي يكثسر ثوابهسا .وقرأ أهسل الحجاز "حسسنة"
بالرفع ،والعامة بالنصب؛ فعلى الول "تك" بمعنى تحدث ،فهي تامة .وعلى الثاني هي الناقصة،
أي إن تك فعلته حسنة .وقرأ الحسن "نضاعفها" بنون العظمة .والباقون بالياء ،وهي أصح؛ لقوله
"ويؤت" .وقرأ أبو رجاء "يضعفها" ،والباقون "يضاعفها" وهما لغتان معناهما التكثير .وقال أبو
عبيدة" :يضاعفها" معناه يجعله أضعافا كثيرة" ،ويضاعفها" بالتشديد يجعلها ضعفين" .من لدنه"
مسسن عنده .وفيسه أربسسع لغات :لدن ولدن ولد ولدى؛ فإذا أضافوه إلى أنفسسسهم سسددوا النون ،ودخلت
عليه "من" حيث كانت "من" الداخلة لبتداء الغاية و"لدن" كذلك ،فلما تشاكل حسن دخول "من"
عليهسا؛ ولذلك قال سسيبويه فسي لدن :إنسه الموضسع الذي هسو أول الغايسة" .أجرا عظيمسا" يعنسي الجنة.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري الطويل -حديث الشفاعة -وفيه( :حتى إذا خلص
المؤمنون مسن النار فوالذي نفسسي بيده مسا منكسم مسن أحسد بأشسد مناشدة ل فسي اسستقصاء الحسق مسن
المؤمنيسسن ل يوم القيامسسة لخوانهسسم الذيسسن فسسي النار يقولون ربنسسا كانوا يصسسومون معنسسا ويصسسلون
ويحجون فيقال لهسم أخرجوا مسن عرفتسم فتحرم صسورهم على النار فيخرجون خلقسا كثيرا قسد أخذت
النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول جل وعز
أرجعوا فمسن وجدتسم فسي قلبسه مثقال دينار مسن خيسر فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثسم يقولون ربنسا
لم نذر فيها أحدا ممسن أمرتنسا بسه ثم يقول ارجعوا فمسن وجدتم فسي قلبسه مثقال نصسف دينار من خيسر
فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثم يقولون ربنسا لم نذر فيهسا ممسن أمرتنسا أحدا ثم يقول ارجعوا فمسن
وجدتسم فسي قلبسه مثقال ذرة مسن خيسر فأخرجوه فيخرجون خلقسا كثيرا ثسم يقولون ربنسا لم نذر فيهسا
خيرا) .وكان أبسو سسعيد الخدري يقول :إن لم تصسدقوني بهذا الحديسث فاقرؤوا إن شئتسم "إن ال ل
يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" وذكر الحديث .وروي عن
ابسن مسسعود عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنه قال( :يؤتسى بالعبسد يوم القيامسة فيوقسف وينادي مناد
على رؤوس الخلئق هذا فلن بسن فلن مسن كان له عليسه حسق فليأت إلى حقسه ثسم يقول آت هؤلء
حقوقهسسم فيقول يسسا رب مسسن أيسسن لي وقسسد ذهبسست الدنيسسا عنسسي فيقول ال تعالى للملئكسسة انظروا إلى
أعماله الصسالحة فأعطوهسم منهسا فإن بقسي مثقال ذرة مسن حسسنة قالت الملئكسة يسا رب -وهسو أعلم
بذلك منهسم -قسد أعطسي لكسل ذي حسق حقسه وبقسي مثقال ذرة مسن حسسنة فيقول ال تعالى للملئكسة
ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة ومصداقه "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة
يضاعفهسا" -وإن كان عبدا شقيسا قالت الملئكسة إلهنسا فنيست حسسناته وبقيست سسيئاته وبقسي طالبون
كثيسر فيقول تعالى خذوا مسن سسيئاتهم فأضيفوهسا إلى سسيئاته ثسم صسكوا له صسكا إلى النار) .فاليسة
على هذا التأويسل فسي الخصسوم ،وأنسه تعالى ل يظلم مثقال ذرة للخصسم على الخصسم يأخسذ له منسه،
ول يظلم مثقال ذرة تبقسسى له بسسل يثيبسسه عليهسسا ويضعفهسسا له؛ فذلك قوله تعالى" :وإن تسسك حسسسنة
يضاعفها" .وروى أبو هريرة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إن ال سبحانه
يعطسسي عبده المؤمسسن بالحسسسنة الواحدة ألفسسي ألف حسسسنة) وتل "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تسسك
حسسسنة يضاعفهسسا ويؤت مسسن لدنسسه أجرا عظيمسسا" .قال عسسبيدة :قال أبسسو هريرة :وإذا قال ال "أجرا
عظيمسا" فمسن الذي يقدر قدره ! وقسد تقدم عسن ابسن عباس وابسن مسسعود :أن هذه اليسة إحدى اليات
التي هي خير مما طلعت عليه الشمس.
**3الية{ 41 :فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا}
@ فتحت الفاء الساكنين "وإذ" ظرف زمان والعامل فيه "جئنا" ذكر أبو الليث السمرقندي :حدثنا
الخليل بن أحمد قال :حدثنا ابن منيع قال :حدثنا أبو كامل قال :حدثنا فضيل عن يونس بن محمد
بسن فضالة عسن أبيسه أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أتاهسم فسي بنسي ظفسر فجلس على الصسخرة
التسي فسي بنسي ظفسر ومعه ابسن مسسعود ومعاذ وناس مسن أصسحابه فأمسر قارئا يقرأ حتسى إذا أتسى على
هذه اليسة "فكيسف إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على هؤلء شهيدا" بكسى رسسول ال صسلى
ال عليسه وسسلم حتسى اخضلت وجنتاه؛ فقال( :يسا رب هذا على مسن أنسا بيسن ظهرانيهسم فكيسف مسن لم
أرهم) .وروى البخاري عن عبدال قال .قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اقرأ علي) قلت:
اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال( :إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأت عليه سورة "النساء" حتى
بلغست "فكيسف إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على هؤلء شهيدا" قال( :أمسسك) فإذا عيناه
تذرفان .وأخرجسه مسسلم وقال بدل قوله (أمسسك) :فرفعست رأسسي -أو غمزنسي رجسل إلى جنسبي -
فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل .قال علماؤنا :بكاء النبي صلى ال عليه وسلم إنما كان لعظيم
ما تضمنته هذه الية من هول المطلع وشدة المر؛ إذ يؤتى بالنبياء شهداء على أممهم بالتصديق
والتكذيسب ،ويؤتسى بسه صسلى ال عليسه وسسلم يوم القيامسة شهيدا .والشارة بقوله "على هؤلء" إلى
كفار قريسش وغيرهسم مسن الكفار؛ وإنمسا خسص كفار قريسش بالذكسر لن وظيفسة العذاب أشسد عليهسم
منهسا على غيرهسم؛ لعنادهسم عنسد رؤيسة المعجزات ،ومسا أظهره ال على يديسه مسن خوارق العادات.
والمعنسى فكيسف يكون حال هؤلء الكفار يوم القيامسة "إذا جئنسا مسن كسل أمسة بشهيسد وجئنسا بسك على
هؤلء شهيدا" أمعذبيسن أم منعميسن ؟ وهذا اسستفهام معناه التوبيسخ .وقيسل :الشارة إلى جميسع أمتسه.
ذكر ابن المبارك أخبرنا رجل من النصار عن المنهال بن عمر وحدثه أنه سمع سعيد بن المسيب
يقول :ليسسس مسسن يوم إل تعرض على النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم أمتسسه غدوة وعشيسسة فيعرفهسسم
بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم؛ يقول ال تبارك وتعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد"
يعنسي بنبيهسا "وجئنا بك على هؤلء شهيدا" .وموضع "كيف" نصب بفعل مضمر ،التقديسر فكيسف
يكون حالهم؛ كما ذكرنا .والفعل المضمر قد يسد مسد "إذا" ،والعامل في "إذا" "جئنا" .و"شهيدا"
حال .وفسسي الحديسسث مسسن الفقسسه جواز قراءة الطالب على الشيسسخ والعرض عليسسه ،ويجوز عكسسسه.
وسيأتي بيانه في حديث أبي في سورة "لم يكن" ،إن شاء ال تعالى .و"شهيدا" نصب على الحال.
**3الية{ 42 :يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الرض ول يكتمون ال
حديثا}
@ ضمت الواو في "عصوا" .للتقاء الساكنين ،ويجوز كسرها .وقرأ نافع وابن عامر "تسوى"
بفتح التاء والتشديد في السين .وحمزة والكسائي كذلك إل أنهما خففا السين .والباقون ضموا التاء
وخففوا السين ،مبنيا للمفعول والفاعل غير مسمى .والمعنى لو يسوي ال بهم الرض .أي يجعلهم
والرض سسواء .ومعنسى آخسر :تمنوا لو لم يبعثهسم ال وكانست الرض مسستوية عليهسم؛ لنهسم مسن
التراب نقلوا .وعلى القراءة الولى والثانية فالرض فاعلة ،والمعنى تمنوا لو انفتحت لهم الرض
فساخوا فيها؛ قاله قتادة .وقيل :الباء بمعنى على ،أي لو تسوى عليهم أي تنشق فتسوى عليهم؛ عن
الحسسن .فقراءة التشدد على الدغام ،والتخفيسف على حذف التاء .وقيسل :إنمسا تمنوا هذا حيسن رأوا
البهائم تصير ترابا وعلموا أنهم مخلدون في النار؛ وهذا معنى قوله تعالى" :ويقول الكافر يا ليتني
كنست ترابسا" [النبسأ .]40 :وقيسل :إنمسا تمنوا هذا حيسن شهدت هذه المسة للنسبياء على مسا تقدم فسي
"البقرة" عند قوله تعالى" :وكذلك جعلناكم أمة وسطا" [البقرة ]143 :الية .فتقول المم الخالية:
إن فيهسم الزناة والسراق فل تقبل شهادتهسم فيزكيهسم النبي صلى ال عليه وسلم ،فيقول المشركون:
"وال ربنا ما كنا مشركين" [النعام ]23 :فيختم على أفواههم وتشهد أرجلهم وأيديهم بما كانوا
يكسسسبون؛ فذلك قوله تعالى" :يومئذ يود الذيسسن كفروا وعصسسوا الرسسسول لو تسسسوى بهسسم الرض
"يعني تخسف بهم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ول يكتمون ال حديثسا" قال الزجاج :قال بعضهسم" :ول يكتمون ال حديثسا"
مسسستأنف؛ لن مسسا عملوه ظاهسسر عنسسد ال ل يقدرون على كتمانسسه .وقال بعضهسسم :هسسو معطوف،
والمعنسى يود لو أن الرض سسويت بهسم وأنهسم لم يكتموا ال حديثسا؛ لنسه ظهسر كذبهسم .وسسئل ابسن
عباس عسن هذه اليسة ،وعسن قوله تعالى" :وال ربنسا مسا كنسا مشركيسن" فقال :لمسا رأوا أنسه ل يدخسل
الجنسة إل أهسل السسلم قالوا" :وال ربنسا مسا كنسا مشركيسن" فختسم ال على أفواههسم وتكلمست أيديهسم
وأرجلهم فل يكتمون ال حديثا .وقال الحسن وقتادة :الخرة مواطن يكون هذا في بعضها وهذا في
بعضهسا .ومعناه أنهسم لمسا تسبين لهسم وحوسسبوا لم يكتموا .وسسيأتي لهذا مزيسد بيان فسي "النعام" إن
شاء ال تعالى.
**3اليسة{ 43 :يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سكارى حتسى تعلموا ما تقولون ول
جنبا إل عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو
لمسستم النسساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صسعيدا طيبسا فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم إن ال كان عفوا
غفورا}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى" خص ال سبحانه وتعالى بهذا
الخطاب المؤمنيسسن؛ لنهسسم كانوا يقيمون الصسسلة وقسسد أخذوا مسسن الخمسسر وأتلفسست عليهسسم أذهانهسسم
فخصسوا بهذا الخطاب؛ إذ كان الكفار ل يفعلونهسا صسحاة ول سسكارى .روى أبسو داود عسن عمسر بسن
الخطاب رضي ال عنه قال :لما نزل تحريم الخمر قال عمر :اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا؛
فنزلت اليسة التسي فسي البقرة "يسسألونك عسن الخمسر والميسسر" [البقرة ]219 :قال :فدعسي عمسر
فقرئت عليه فقال :اللهسم بيسن لنسا فسي الخمسر بيانسا شافيسا؛ فنزلت الية التسي فسي النسساء "يسا أيهسا الذيسن
آمنوا ل تقربوا الصسسلة وأنتسسم سسسكارى" فكان منادي رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم إذا أقيمسست
الصلة ينادي :أل ل يقربن الصلة سكران .فدعي عمر فقرئت عليه فقال :اللهم بين لنا في الخمر
بيانا شافيا؛ فنزلت هذه الية" :فهل أنتم منتهون" [المائدة ]91 :قال عمر :انتهينا .وقال سعيد بن
جسبير :كان الناس على أمسر جاهليتهسم حتسى يؤمروا أو ينهوا؛ فكانوا يشربونهسا أول السسلم حتسى
نزلت" :يسسألونك عسن الخمسر والميسسر قسل فيهمسا إثسم كسبير ومنافسع للناس" [البقرة .]219 :قالوا:
نشربها للمنفعة ل للثم؛ فشربها رجل فتقدم يصلي بهم فقرأ :قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون؛
فنزلت" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سسكارى" .فقالوا :فسي غيسر عيسن الصسلة .فقال
عمسر :اللهسم أنزل علينسا فسي الخمسر بيانسا شافيسا؛ فنزلت" :إنمسا يريسد الشيطان" [المائدة ]91 :اليسة.
فقال عمسسر :انتهينسسا ،انتهينسسا .ثسسم طاف منادي رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم :أل إن الخمسسر قسسد
حرمست؛ على مسا يأتسسي بيانسسه فسسي "المائدة" إن شاء ال تعالى :وروى الترمذي عسن علي بسن أبسسي
طالب قال :صسنع لنسا عبدالرحمسن بسن عوف طعامسا فدعانسا وسسقانا مسن الخمسر ،فأخذت الخمسر منسا،
وحضرت الصلة فقدموني فقرأت" :قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون" [الكافرون]2 - 1 :
ونحن نعبد ما تعبدون .قال :فأنزل ال تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى
حتى تعلموا ما تقولون" .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح .ووجه التصال والنظم بما قبله
أنسه قال سسبحانه وتعالى" :واعبدوا ال ول تشركوا بسه شيئا" [النسساء .]36 :ثسم ذكسر بعسد اليمان
الصسلة التسي هسي رأس العبادات؛ ولذلك يقتسل تاركهسا ول يسسقط فرضهسا ،وانجسر الكلم إلى ذكسر
شروطها التي ل تصح إل بها.
@ والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر؛ إل الضحاك فإنه
قال :المراد سسكر النوم؛ لقوله عليسه السسلم( :إذا نعسس أحدكسم فسي الصسلة فليرقسد حتسى يذهسب عنسه
النوم ،فإنسه ل يدري لعله يسستغفر فيسسب نفسسه) .وقال عسبيدة السسلماني" :وأنتسم سسكارى" يعنسي إذا
كنت حاقنا؛ لقوله عليه السلم( :ل يصلين أحدكم وهو حاقن) في رواية (وهو ضام بين فخذيه).
قلت :وقول الضحاك وعبيدة صحيح المعنى؛ فإن المطلوب من المصلي القبال على ال تعالى
بقلبسه وترك اللتفات إلى غيره ،والخلو عسن كسل مسا يشوش عليسه مسن نوم وحقنسة وجوع ،وكسل مسا
يشغسل البال ويغيسر الحال .قال صسلى ال عليسه وسسلم( :إذا حضسر العشاء وأقيمست الصسلة فابدؤوا
بالعشاء) .فراعى صلى ال عليه وسلم زوال كل مشوش يتعلق به الخاطر ،حتى يقبل على عبادة
ربسه بفراغ قلبسه وخالص لبسه ،فيخشسع فسي صسلته .ويدخسل فسي هذه اليسة" :قسد أفلح المؤمنون الذيسن
هسم فسي صسلتهم خاشعون" [المؤمنون ]2 - 1 :على مسا يأتسي بيانسه .وقال ابسن عباس :إن قوله
تعالى :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تقربوا الصسلة وأنتسم سسكارى" منسسوخ بآيسة المائدة" :إذا قمتسم إلى
الصسلة فاغسسلوا" [المائدة ]6 :اليسة .فأمروا على هذا القول بأل يصسلوا سسكارى؛ ثسم أمروا بأن
يصلوا على كل حال؛ وهذا قبل التحريم .وقال مجاهد :نسخت بتحريم الخمر .وكذلك قال عكرمة
وقتادة ،وهو الصحيح في الباب لحديث علي المذكور .وروي أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه
قال :أقيمت الصلة فنادى منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يقربن الصلة سكران؛ ذكره
النحاس .وعلى قول الضحاك وعبيدة الية محكمة ل نسخ فيها.
@قوله تعالى" :ل تقربوا" إذا قيل :ل تقرب بفتح الراء كان معناه ل تلبس بالفعل ،وإذا كان بضم
الراء كان معناه ل تدن منسسه .والخطاب لجماعسسة المسسة الصسساحين .وأمسسا السسسكران إذا عدم الميسسز
لسسكره فليسس بمخاطسب فسي ذلك الوقست لذهاب عقله؛ وإنمسا هسو مخاطسب بامتثال مسا يجسب عليسه،
وبتكفير ما ضيع في وقت سكره من الحكام التي تقرر تكليفه إياها قبل السكر.
@قوله تعالى" :الصسسلة" اختلف العلماء فسسي المراد بالصسسلة هنسسا؛ فقالت طائفسسة :هسسي العبادة
المعروفة نفسها؛ وهو قول أبي حنيفة؛ ولذلك قال "حتى تعلموا ما تقولون" .وقالت طائفة :المراد
مواضسسع الصسسلة؛ وهسسو قول الشافعسسي ،فحذف المضاف .وقسسد قال تعالى "لهدمسست صسسوامع وبيسسع
وصلوات" [الحج ]40 :فسمى مواضع الصلة صلة .ويدل على هذا التأويل قوله تعالى" :ول
جنبسسا إل عابري سسسبيل "هذا يقتضسسي جواز العبور للجنسسب فسسي المسسسجد ل الصسسلة فيسسه .وقال أبسسو
حنيفسسة :المراد بقوله تعالى" :ول جنبسسا إل عابري سسسبيل" المسسسافر إذا لم يجسسد الماء فإنسسه يتيمسسم
ويصسلي؛ وسسيأتي بيانسه .وقالت طائفسة :المراد الموضسع والصسلة معسا؛ لنهسم كانوا حينئذ ل يأتون
المسجد إل للصلة ول يصلون إل مجتمعين ،فكانا متلزمين.
@قوله تعالى" :وأنتم سكارى" ابتداء وخبر ،جملة في موضع الحال من "تقربوا" .و"سكارى"
جمسع سسكران؛ مثسل كسسلن وكسسالى .وقرأ النخعسي "سسكرى" بفتسح السسين على مثال فعلى ،وهسو
تكسير سكران؛ وإنما كسر على سكرى لن السكر آفة تلحق العقل فجرى مجرى صرعى وبابه.
وقرأ العمسسش "سسسكرى" كحبلى فهسسو صسفة مفردة؛ وجاز الخبار بالصسسفة المفردة عسن الجماعسة
على مسا يسستعملونه من الخبار عن الجماعة بالواحد .والسسكر :نقيسض الصحو؛ يقال :سكر يسسكر
مسسكرا ،مسن باب حمسد يحمسد .وسسكرت عينسه تسسكر أي تحيرت؛ ومنسه قوله تعالى" :إنمسا سسكرت
أبصارنا" [الحجر .]15 :وسكرت الشق سددته .فالسكران قد انقطع عما كان عليه من العقل.
@ وفي هذه الية دليل بل نص على أن الشرب كان مباحا في أول السلم حتى ينتهي بصاحبه
إلى السسكر .وقال قوم :السسكر محرم فسي العقسل ومسا أبيسح فسي شيسء مسن الديان؛ وحملوا السسكر فسي
هذه اليسسة على النوم .وقال القفال :يحتمسسل أنسسه كان أبيسسح لهسسم مسسن الشراب مسسا يحرك الطبسسع إلى
السخاء والشجاعة والحمية.
قلت :وهذا المعنى موجود في أشعارهم؛ وقد قال حسان.
ونشربها فتتركنا ملوكا
وقسد أشبعنسا هذا المعنسى فسي "البقرة" .قال القفال :فأمسا مسا يزيسل العقسل حتسى يصسير صساحبه فسي حسد
الجنون والغماء فما أبيح قصده ،بل لو اتفق من غير قصد فيكون مرفوعا عن صاحبه.
قلت :هذا صسسسحيح ،وسسسسيأتي بيانسسسه فسسسي "المائدة" إن شاء ال تعالى فسسسي قصسسسة حمزة .وكان
المسسلمون لمسا نزلت هذه اليسة يجتنبون الشرب أوقات الصسلوات ،فإذا صسلوا العشاء شربوهسا؛ فلم
يزالوا على ذلك حتسسى نزل تحريمهسسا فسسي "المائدة" فسسي قوله تعالى" :فهسسل أنتسسم منتهون" [المائدة:
.]91
@قوله تعالى" :حتى تعلموا ما تقولون" أي حتى تعلموه متيقنين فيه من غير غلط .والسكران ل
يعلم مسا يقول؛ ولذلك قال عثمان بسن عفان رضسي ال عنسه :إن السسكران ل يلزمسه طلقسه .وروي
عسن ابسن عباس وطاوس وعطاء والقاسسم وربيعسة ،وهسو قول الليسث بسن سسعد وإسسحاق وأبسي ثور
والمزنسسسى؛ واختاره الطحاوي وقال :أجمسسسع العلماء على أن طلق المعتوه ل يجوز ،والسسسسكران
معتوه كالموسسوس معتوه بالوسسواس .ول يختلفون أن مسن شرب البنسج فذهسب عقله أن طلقسه غيسر
جائز؛ فكذلك من سكر من الشراب .وأجازت طائفة طلقه؛ وروي عن عمر بن الخطاب ومعاوية
وجماعسة مسن التابعيسن ،وهسو قول أبسي حنيفسة والثوري والوزاعسي ،واختلف فيسه قول الشافعسي.
والزمسه مالك الطلق والقود فسي الجراح والقتسل ،ولم يلزمسه النكاح والبيسع .وقال أبسو حنيفسة :أفعال
السسكران وعقوده كلهسا ثابتسة كأفعال الصساحي ،إل الردة فإنسه إذا ارتسد فإنسه ل تسبين منسه امرأتسه إل
اسستحسانا .وقال أبسو يوسسف :يكون مرتدا فسي حال سسكره؛ وهسو قول الشافعسي إل أنسه ل يقتله فسي
حال سكره ول يستتيبه .وقال المام أبو عبدال المازري :وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه ل يلزم
طلق السكران .وقال محمد بن عبدالحكم :ل يلزمه طلق ول عتاق .قال ابن شاس :ونزل الشيخ
أبو الوليد الخلف على المخلط الذي معه بقية من عقله إل أنه ل يملك الختلط من نفسه فيخطئ
ويصسسيب .قال :فأمسسا السسسكران الذي ل يعرف الرض مسسن السسسماء ول الرجسسل مسسن المرأة ،فل
اختلف فسي أنسه كالمجنون فسي جميسع أفعال وأحواله فيمسا بينسه وبيسن الناس ،وفيمسا بينسه وبيسن ال
تعالى أيضا؛ إل فيما ذهب وقته من الصلوات ،فقيل :إنها ل تسقط عنه بخلف المجنون؛ من أجل
أنسه بإدخاله السسكر على نفسسه كالمتعمسد لتركهسا حتسى خرج وقتهسا .وقال سسفيان الثوري :حسد السسكر
اختلل العقسل؛ فإذا اسستقرئ فخلط فسي قراءتسه وتكلم بمسا ل يعرف جلد .وقال أحمسد :إذا تغيسر عقله
عسن حال الصسحة فهسو سسكران؛ وحكسي عسن مالك نحوه .قال ابسن المنذر :إذا خلط فسي قراءتسه فهسو
سكران؛ استدلل بقول ال تعالى" :حتى تعلموا ما تقولون" .فإذا كان بحيث ل يعلم ما يقول تجنب
المسجد مخافة التلويث؛ ول تصح صلته وإن صلى ال عليه وسلم قضى .وإن كان بحيث يعلم ما
يقول فأتى بالصلة فحكمه حكم الصاحي.
@قوله تعالى" :ول جنبا" عطف على موضع الجملة المنصوبة فسي قوله" :حتى تعلموا" أي ل
تصسلوا وقسد أجنبتسم .ويقال :تجنبتسم وأجنبتسم وجنبتسم بمعنسى .ولفسظ الجنسب ل يؤنسث ول يثنسى ول
يجمسع؛ لنسه على وزن المصسدر كالبعسد والقرب .وربمسا خففوه فقالوا :جنسب؛ وقسد قرأه كذلك قوم.
وقال الفراء :يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة .وقيل :يجمع الجنب في لغة على أجناب؛ مثل
عنسسق وأعناق ،وطنسسب وأطناب .ومسسن قال للواحسسد جانسسب قال فسسي الجمسسع :جناب؛ كقولك :راكسسب
وركاب .والصل البعد؛ كأن الجنب بعد بخروج الماء الدافق عن حال الصلة؛ قال:
فإني امرؤ وسط القباب غريب فل تحرمي نائل عن جنابة
ورجل جنب :غريب .والجنابة مخالطة الرجل المرأة.
@والجمهور من المة على أن الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان .وروي عن
بعسض الصسحابة أل غسسل إل مسن إنزال؛ لقوله عليسه السسلم( :إنمسا الماء مسن الماء) أخرجسه مسسلم.
وفسي البخاري عسن أبسي بسن كعسب أنسه قال :يسا رسسول ال ،إذا جامسع الرجسل المرأة فلم ينزل ؟ قال:
(يغسسل مسا مسس المرأة مسن ثسم يتوضسأ ويصسلي) .قال أبسو عبدال :الغسسل أحوط؛ وذلك الخسر إنمسا
بيناه لختلفهم .وأخرجه مسلم في صحيحه بمعناه ،وقال في آخره :قال أبو العلء بن الشخير كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا كما ينسخ القرآن بعضه بعضا .قال أبو
إسحاق :هذا منسوخ .وقال الترمذي :كان هذا الحكم في أول السلم ثم نسخ.
قلت :على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المصار ،وأن الغسل يجب بنفس
التقاء الختانين .وقد كان فيه خلف بين الصحابة ثم رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبي صلى
ال عليسه وسسلم قال( :إذا جلس بيسن شعبهسا الربسع ومسس الختان الختان منسه وجسب الغسسل) .أخرجسه
مسسلم .وفسي الصسحيحين مسن حديسث أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :إذا قعسد بيسن
شعبهسا الربسع ثسم جهدهسا فقسد وجسب عليسه الغسسل) .زاد مسسلم (وإن لم ينزل) .وقال ابسن القصسار:
وأجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلف من قبلهم على الخذ بحديث (إذا التقى الختانان) وإذا صح
الجماع بعسسد الخلف كان مسسسقطا للخلف .قال القاضسسي عياض :ل نعلم أحدا قال بسسه بعسسد خلف
الصسحابة إل مسا حكسي عسن العمسش ثسم بعده داود الصسبهاني .وقسد روي أن عمسر رضسي ال عنسه
حمسسسل الناس على ترك الخسسسذ بحديسسسث (الماء مسسسن الماء) لمسسسا اختلفوا .وتأوله ابسسسن عباس على
الحتلم؛ أي إنمسا يجسب الغتسسال بالماء مسن إنزال الماء فسي الحتلم .ومتسى لم يكسن إنزال وإن
رأى أنه يجامع فل غسل .وهذا ما ل خلف فيه بين كافة العلماء.
@قوله تعالى" :إل عابري سبيل" يقال :عبرت الطريق أي قطعته من جانب إلى جانب .وعبرت
النهسر عبورا ،وهذا عبر النهسر أي شطه ،ويقال :عبر بالضسم .والمعبر ما يعبر عليه من سفينة أو
قنطرة .وهذا عابر السسبيل أي مار الطريسق .وناقسة عسبر أسسفار :ل تزال يسسافر عليهسا ويقطسع بهسا
الفلة والهاجرة لسرعة مشيها .قال الشاعر:
عبر الهواجر كالهزف الخاضب عيرانة سرح اليدين شملة
وعبر القوم ماتوا .وأنشد:
ويلعب بالجزوع وبالصبور قضاء ال يغلب كل شيء
وإن نغبر فنحن على نذور فإن نعبر فإن لنا لمات
يقول :إن متنا فلنا أقران ،وإن بقينا فل بد لنا من الموت؛ حتى كأن علينا في إتيانه نذورا.
@ واختلف العلماء في قوله" :إل عابري سبيل" فقال علي رضي ال عنه وابن عباس وابن جبير
ومجاهسسد والحكسسم :عابر السسسبيل المسسسافر .ول يصسسح لحسسد أن يقرب الصسسلة وهسسو جنسسب إل بعسسد
الغتسال ،إل المسافر فإنه يتيمم؛ وهذا قول أبي حنيفة؛ لن الغالب في الماء ل يعدم في الحضر؛
فالحاضسر يغتسسل لوجود الماء ،والمسسافر يتيمسم إذا لم يجده .قال ابسن المنذر :وقال أصسحاب الرأي
فسي الجنسب المسسافر يمسر على مسسجد فيسه عيسن ماء يتيمسم الصسعيد ويدخسل المسسجد ويسستقي منهسا ثسم
يخرج الماء مسن المسسجد .ورخصست طائفسة فسي دخول الجنسب المسسجد .واحتسج بعضهسم بقول النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم( :المؤمسن ليسس بنجسس) .قال ابسن المنذر :وبسه نقول .وقال ابسن عباس أيضسا
وابسن مسسعود وعكرمسة والنخعسي :عابر السسبيل الخاطسر المجتاز؛ وهو قول عمرو بسن دينار ومالك
والشافعسي .وقالت طائفسة :ل يمسر الجنسب فسي المسسجد إل أل يجسد بدا فيتيمسم ويمسر فيسه؛ هكذا قال
الثوري وإسسحاق بسن راهويسه .وقال أحمسد وإسسحاق فسي الجنسب :إذا توضسأ ل بأس أن يجلس فسي
المسجد حكاه ابن المنذر .وروى بعضهم في سبب الية أن قوما من النصار كانت أبواب دورهم
شارعة في المسجد ،فإذا أصاب أحدهم الجنابة أضطر إلى المرور في المسجد.
قلت :وهذا صسحيح؛ يعضده مسا رواه أبسو داود عسن جسسرة بنست دجاجسة قالت :سسمعت عائشسة
رضسي ال عنهسا تقول :جاء رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ووجوه بيوت أصسحابه شارعسة فسي
المسسجد؛ فقال( :وجهوا هذه البيوت عسن المسسجد) .ثسم دخسل النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ولم يصسنع
القوم شيئا رجاء أن تنزل لهسم رخصسة فخرج إليهسم فقال( :وجهوا هذه البيوت عسن المسسجد فإنسي ل
أحسل المسسجد لحائض ول جنسب) .وفسي صسحيح مسسلم( :ل تبقيسن فسي المسسجد خوخسة إل خوخسة أبسي
بكسسر) .فأمسسر صسسلى ال عليسسه وسسسلم بسسسد البواب لمسسا كان يؤدي ذلك إلى اتخاذا المسسسجد طريقسسا
والعبور فيسه .واسستثنى خوخسة أبسي بكسر إكرامسا له وخصسوصية؛ لنهمسا كانسا ل يفترقان غالبسا .وقسد
روي عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه لم يكسن أذن لحسد أن يمسر فسي المسسجد ول يجلس فيسه إل
علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه .ورواه عطية العوفسي عن أبسي سسعيد الخدري قال :قال رسسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسا ينبغسي لمسسلم ول يصسلح أن يجنسب فسي المسسجد إل أنسا وعلي) .قال
علماؤنا :وهذا يجوز أن يكون ذلك؛ لن بيت علي كان في المسجد ،كما كان بيت النبي صلى ال
عليسسه وسسسلم فسسي المسسسجد ،وإن كان البيتان لم يكونسسا فسسي المسسسجد ولكسسن كانسسا متصسسلين بالمسسسجد
وأبوابهما كانت في المسجد فجعلهما رسول ال صلى ال عليه وسلم من المسجد فقال( :ما ينبغي
لمسسلم) الحديسث .والذي يدل على أن بيست علي كان فسي المسسجد مسا رواه ابسن شهاب عسن سسالم بسن
عبدال قال :سسأل رجسل أبسي عسن علي وعثمان رضسي ال عنهمسا أيهمسا كان خيرا ؟ فقال له عبدال
بسن عمسر :هذا بيست رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ! وأشار إلى بيست علي إلى جنبسه ،لم يكسن فسي
المسسجد غيرهمسا؛ وذكسر الحديسث .فلم يكونسا يجنبان فسي المسسجد وإنمسا كانسا يجنبان فسي بيوتهمسا،
وبيوتهما من المسجد إذ كان أبوابهما فيه؛ فكانا يستطرقانه في حال الجنابة إذا خرجا من بيوتهما.
ويجوز أن يكون ذلك تخصسيصا لهمسا؛ وقسد كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم خسص بأشياء ،فيكون
هذا ممسا خسص بسه ،ثسم خسص النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عليسا عليسه السسلم فرخسص له فسي مسا لم
يرخسص فيسه لغيره .وإن كانست أبواب بيوتهسم فسي المسسجد ،فإنسه كان فسي المسسجد أبواب بيوت غيسر
بيتيهمسا؛ حتسى أمسر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بسسدها إل باب علي .وروى عمرو بسن ميمون عسن
ابسن عباس قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :سسدوا البواب إل باب علي) فخصسه عليسه
السلم بأن ترك بابه في المسجد ،وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد .وأما قوله( :ل تبقين في
المسجد خوخة إل خوخة أبي بكر) فإن ذلك كانت -وال أعلم -أبوابا تطلع إلى المسجد خوخات،
وأبواب البيوت خارجسة مسن المسسجد؛ فأمسر عليسه السسلم بسسد تلك الخوخات وترك خوخسة أبسي بكسر
إكرامسسسا له .والخوخات كالكوى والمشاكسسسي ،وباب علي كان باب البيسسست الذي كان يدخسسسل منسسسه
ويخرج .وقد فسر ابن عمر ذلك بقوله :ولم يكن في المسجد غيرهما .فإن قيل :فقد ثبت عن عطاء
بن يسار أنه قال :كان رجال من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضؤون
ويأتون المسسجد فيتحدثون فيسه .وهذا يدل على أن اللبسث فسي المسسجد للجنسب جائز إذا توضسأ؛ وهسو
مذهب أحمد وإسحاق كما ذكرنا .فالجواب أن الوضوء ل يرفع حدث الجنابة ،وكل موضع وضع
للعبادة وأكرم عسن النجاسسة الظاهرة ينبغسي أل يدخله مسن ل يرضسى لتلك العبادة ،ول يصسح له أن
يتلبس بها .والغالب من أحوالهم المنقولة أنهم كانوا يغتسلون في بيوتهم .فإن قيل :يبطل بالمحدث.
قلنا :ذلك يكثر وقوعه فيشق الوضوء منه؛ وفي قوله تعالى" :ول جنبا إل عابري سبيل" ما يغني
ويكفسي .وإذا كان ل يجوز له اللبسسث فسسي المسسسجد فأحرى أل يجوز له مسسس المصسسحف ول القراءة
فيه؛ إذ هو أعظم حرمة .وسيأتي بيانه في "الواقعة" إن شاء ال تعالى.
@ ويمنع الجنب عند علمائنا من قراءة القرآن غالبا إل اليات اليسيرة للتعوذ .وقد روى موسى
بسسن عقبسسة عسسن نافسسع عسسن ابسسن عمسسر قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :ل يقرأ الجنسسب
والحائض شيئا مسن القرآن) أخرجسه ابسن ماجسة .وأخرج الدارقطنسي مسن حديسث سسفيان عسن مسسعر،
وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبدال بن سلمة عن علي قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
ل يحجبسه عسن قراءة القرآن شيسء إل أن يكون جنبسا .قال سسفيان :قال لي شعبسة :مسا أحدث بحديسث
أحسسن منسه .وأخرجسه ابسن ماجسة قال :حدثنسا محمسد بسن بشار ،حدثنسا محمسد بسن جعفسر ،حدثنسا شعبسة،
عن عمرو بن مرة؛ فذكره بمعناه ،وهذا إسناد صحيح .وعن ابن عباس ،عن عبدال بن رواحة أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب؛ أخرجه الدارقطني .وروى
عن عكرمة قال :كان ابن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة
فوقع عليها؛ وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه ،فقامت فخرجت فرأته على جاريته ،فرجعت
إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت ،وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة فقال مهيسم ؟ قالت :مهيسم ! لو
أدركتسسك حيسسث رأيتسسك لوجأت بيسسن كتفيسسك بهذه الشفرة .قال :وأيسسن رأيتنسسي ؟ قالت :رأيتسسك على
الجاريسة؛ فقال :مسا رأيتنسي؛ وقسد نهسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أن يقرأ أحدنسا القرآن وهسو
جنب .قالت :فأقرأ ،وكانت ل تقرأ القرآن ،فقال:
كما لح مشهور من الفجر ساطع أتانا رسول ال يتلوا كتابه
به موقنات أن ما قال واقع أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع يبيت يجافي جنبه عن فراشه
فقالت :آمنست بال وكذبست البصسر .ثسم غدا على رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأخسبره؛ فضحسك
حتى بدت نواجذه صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :حتى تغتسلوا" نهى ال سبحانه وتعالى عن الصلة إل بعد الغتسال؛ والغتسال
معنسى معقول ،ولفظسه عنسد العرب معلوم ،يعسبر بسه عسن إمرار اليسد مسع الماء على المغسسول؛ ولذلك
فرقست العرب بيسن قولهسم :غسسلت الثوب ،وبيسن قولهسم :أفضست عليسه الماء وغمسسته فسي الماء .إذا
تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا فسي الجنسب يصسب على جسسده الماء أو ينغمسس فيسه ول يتدلك؛
فالمشهور مسسسن مذهسسسب مالك أنسسسه ل بجزئه حتسسسى يتدلك؛ لن ال سسسسبحانه وتعالى أمسسسر الجنسسسب
بالغتسال ،كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه؛ ولم يكن للمتوضئ بد من إمرار يديه مع الماء
على وجهسه ويديسه ،فكذلك جميسع جسسد الجنسب ورأسسه فسي حكسم وجسه المتوضسئ ويديسه .وهذا قول
المزني واختياره .قال أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي :وهذا هو المعقول من لفظ الغسل؛ لن
الغتسسال فسي اللغسة هسو الفتعال ،ومسن لم يمسر فلم يفعسل غيسر صسب الماء ل يسسميه أهسل اللسسان
غاسسل ،بسل يسسمونه صسابا للماء ومنغمسسا فيسه .قال :وعلى نحسو هذا جاءت الثار عسن النسبي صسلى
ال عليه وسسلم أنه قال( :تحست كل شعرة جنابسة فاغسلوا الشعسر واتقوا البشرة) قال :وإنقاؤه -وال
أعلم -ل يكون إل بتتبعه؛ على حد ما ذكرنا.
قلت :ل حجة فيما استدل به من الحديث لوجهين :أحدهما :أنه قد خولف في تأويله؛ قال سفيان
بن عيينة :المراد بقوله عليه السلم (وأنقوا البشرة) أراد غسل الفرج وتنظيفه ،وأنه كنى بالبشرة
عن الفرج .قال ابن وهب :ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحاديث من ابن عيينة.
الثانسي :إن الحديسث أخرجسه أبسو داود فسي سسننه وقال فيسه :وهذا الحديسث ضعيسف؛ كذا فسي روايسة
ابسن داسسة .وفسي روايسة اللؤلئي عنسه :الحارث بسن وجيسه ضعيسف ،حديثسه منكسر؛ فسسقط السستدلل
بالحديث ،وبقي المعول على اللسان كما بينا .ويعضده ما ثبت في صحيح الحديث أن النبي صلى
ال عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه ،فدعا بماء فأتبعه بول ولم يغسله؛ روته عائشة ،ونحوه عن
أم قيسس بنست محصسن؛ أخرجهمسا مسسلم .وقال الجمهور مسن العلماء وجماعسة الفقهاء :يجزئ الجنسب
صسب الماء والنغماس فيسه إذا أسسبغ وعسم وإن لم يتدلك؛ على مقتضسى حديسث ميمونسة وعائشسة فسي
غسل النبي صلى ال عليه وسلم .رواهما الئمة ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم كان يفيض الماء
على جسده؛ وبه قال محمد بن عبدالحكم ،وإليه رجع أبو الفرج ورواه عن مالك؛ قال :وإنما أمر
بإمرار اليدين في الغسل لنه ل يكاد من لم يمر يديه عليه يسلم من تنكب الماء عن بعض ما يجب
عليه من جسده .وقال ابن العربي :وأعجب لبي الفرج الذي روى وحكى عن صاحب المذهب أن
الغسل دون ذلك يجزئ ! وما قاله قط مالك نصا ول تخريجا ،وإنما هي من أوهامه.
قلت :قد روي هذا عن مالك نصا؛ قال مروان بن محمد الظاهري وهو ثقة من ثقات الشاميين:
سألت مالك بن أنس عن رجل انغمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ ،قال :مضت صلته .قال أبو
عمسر :فهذه الروايسة فيهسا لم يتدلك ول توضسأ ،وقسد أجزأه عنسد مالك .والمشهور مسن مذهبسه أنسه ل
يجزئه حتى يتدلك؛ قياسا عل غسل الوجه واليدين .وحجة الجماعة أن كل من صب عليه الماء فقد
اغتسسل .والعرب تقول :غسسلتني السسماء .وقسد حكست عائشسة وميمونسة صسفة غسسل رسسول ال صسلى
ال عليه وسلم ولم يذكرا تدلكا ،ولو كان واجبا ما تركه؛ لنه المبين عن ال مراده ،ولو فعله لنقل
عنه؛ كما نقل تخليل أصول شعره بالماء وغرفه على رأسه ،وغير ذلك من صفة غسله ووضوئه
عليسسه السسسلم .قال أبسسو عمسسر :وغيسسر نكيسسر أن يكون الغسسسل فسسي لسسسان العرب مرة بالعرك ومرة
بالصسب والفاضسة؛ وإذا كان هذا فل يمتنسع أن يكون ال جسل وعسز تعبسد عباده فسي الوضوء بإمرار
أيديهم على وجوههم مع الماء ويكون ذلك غسل ،وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غسل الجنابة
والحيسض ،ويكون ذلك غسسل موافقسا للسسنة غيسر خارج مسن اللغسة ،ويكون كسل واحسد مسن المريسن
أصل في نفسه ،ل يجب أن يرد أحدهما إلى صاحبه؛ لن الصول ل يرد بعضها إلى بعض قياسا
-وهذا ما ل خلف فيه بين علماء المة .وإنما ترد القروع قياسا على الصول .وبال التوفيق.
@ حديث ميمونة وعائشة يرد ما رواه شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه كان إذا اغتسل
مسن الجنابسة غسسل يديسه سسبعا وفرجسه سسبعا .وقسد روي عسن ابسن عمسر قال :كانست الصسلة خمسسين،
والغسل من الجنابة سبع مرار ،وغسل البول من الثوب سبع مرار؛ فلم يزل رسول ال صلى ال
عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلة خمسا ،والغسل من الجنابة مرة ،والغسل من البول مرة .قال
ابسن عبدالبر :وإسسناد هذا الحديسث عسن ابسن عمسر فيسه ضعسف وليسن ،وإن كان أبسو داود قسد خرجسه
والذي قبله عن شعبة مولى ابن عباس ،وشعبة هذا ليس بالقوي ،ويرهما حديث عائشة وميمونة.
@ ومسن لم يسستطع إمرار يده على جسسده فقسد قال سسحنون :يجعسل مسن يلي ذلك منسه ،أو يعالجسه
بخرقه .وفي الواضحة :يمر يديه على ما يدركه من جسسده ،ثم يفيض الماء حتى يعم ما لم تبلغه
يداه.
@ واختلف قول مالك فسي تخليسل الجنسب لحيتسه؛ فروى ابسن القاسسم عنسه أنسه قال :ليسس عليسه ذلك.
وروى أشهب عنه أن عليه ذلك .قال ابن عبدالحكم :ذلك هو أحب إلينا؛ لن رسول ال صلى ال
عليه وسلم كان يخلل شعره في غسل الجنابة ،وذلك عام وإن كان الظهر فيه شعر رأسه؛ وعلى
هذين القولين العلماء .ومن جهة المعنى أن استيعاب جميع الجسد في الغسل واجب ،والبشرة التي
تحت اللحية من جملته؛ فوجب إيصال الماء إليها ومباشرتها باليد .وإنما انتقل الفرض إلى الشعر
في الطهارة الصغرى لنها مبنية على التخفيف ،ونيابة البدال فيها من غير ضرورة؛ ولذلك جاز
فيها المسح على الخفين ولم يجز في الغسل.
قلت :ويعضد .هذا قوله صلى ال عليه وسلم( :تحت كل شعرة جنابة).
@ وقد بالغ قوم فأوجبوا المضمضة والستنشاق؛ لقوله تعالى" :حتى تغتسلوا" منهم أبو حنيفة؛
ولنهما من جملة الوجه وحكمهما حكم ظاهر الوجه كالخد والجبين ،فمن تركهما أعاد كمن ترك
لمعسة ،ومسن تركهمسا فسي وضوئه فل إعادة عليسه .وقال مالك :ليسستا بفرض ل فسي الجنابسة ول فسي
الوضوء؛ لنهمسا باطنان فل يجسب كداخسل الجسسد .وبذلك قال محمسد بسن جريسر الطسبري والليسث بسن
سعد والوزاعي وجماعة من التابعين .وقال ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان :هما فرض في
الوضوء والغسسل جميعسا؛ وهسو قول إسسحاق وأحمسد بسن حنبسل وبعسض أصسحاب داود .وروي عسن
الزهري وعطاء مثسل هذا القول .وروي عسن أحمسد أيضسا أن المضمضسة سسنة والسستنشاق فرض؛
وقال بسه بعسض أصسحاب داود .وحجسة مسن لم يوجبهمسا أن ال سسبحانه لم يذكرهمسا فسي كتابسه ،ول
أوجبهمسا رسسوله ول اتفسق الجميسع عليسه؛ والفرائض ل تثبست إل بهذه الوجوه .احتسج مسن أوجبهمسا
بالية ،وقوله تعالى" :فاغسلوا وجوهكم "فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الخر ،والنبي
صلى ال عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه ترك المضمضة والستنشاق في وضوئه ول في غسله من
الجنابسة؛ وهسو المسبين عسن ال مراده قول وعمل .احتسج مسن فرق بينهمسا بأن النسبي صسلى ال عليسه
وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها ،وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إل بدليل ،وفعل الستنشاق
وأمر به؛ وأمره على الوجوب أبدا.
@ قال علماؤنسا :ول بسد فسي غسسل الجنابسة مسن النيسة؛ لقوله تعالى" :حتسى تغتسسلوا" وذلك يقتضسي
النيسة؛ وبسه قال مالك والشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو ثور ،وكذلك الوضوء والتيمسم .وعضدوا هذا
وبقوله تعالى" :ومسسا أمروا إل ليعبدوا ال مخلصسسين له الديسسن "[البينسسة ]5 :والخلص النيسسة فسسي
التقرب إلى ال تعالى ،والقصسد له بأداء مسا افترض على عباده المؤمنيسن ،وقال عليسه السسلم( :إنمسا
العمال بالنيات) وهذا عمل .وقال الوزاعي والحسن :يجزئ الوضوء والتيمم بغير نية .وقال أبو
حنيفسة وأصسحابه :كسل طهارة بالماء فإنهسا تجزئ بغيسر نيسة ،ول يجزئ التيمسم إل بنيسة؛ قياسسا على
إزالة النجاسة بالجماع من البدان والثياب بغير نية .ورواه الوليد بن مسلم عن مالك.
@ وأما قدر الماء الذي يغتسل به؛ فروى مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم
المؤمنيسن رضسي ال عنهسا أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان يغتسسل مسن إناء هسو الفرق مسن
الجنابة" .الفرق "تحرك راؤه وتسكن .قال ابن وهب" :الفرق "مكيال من الخشب ،كان ابن شهاب
يقول :إنه يسع خمسة أقساط بأقساط بني أمية .وقد فسر محمد بن عيسى العشى "الفرق "فقال:
ثلثة آصع ،قال :وهي خمسة أقساط ،قال :وفي الخمسة أقساط اثنا عشر مدا بمد النبي صلى ال
عليه وسلم .وفي صحيح مسلم قال سفيان" :الفرق "ثلثة آصع .وعن أنس قال :كان النبي صلى
ال عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد .وفي رواية :يغتسل بخمسة مكاكيك
ويتوضأ بمكوك .وهذه الحاديث تدل على استحباب تقليل الماء من غير كيل ول وزن ،يأخذ منه
النسسان بقدر مسا يكفسي ول يكثسر منسه ،فإن الكثار منسه سسرف والسسرف مذموم .ومذهسب الباضيسة
الكثار من الماء ،وذلك من الشيطان.
@قوله تعالى" :وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" هذه آية التيمم ،نزلت في عبدالرحمن
بسن عوف أصسابته جنابسة وهسو جريسح؛ فرخسص له فسي أن يتيمسم ،ثسم صسارت اليسة عامسة فسي جميسع
الناس .وقيسل :نزلت بسسبب عدم الصسحابة الماء فسي غزوة "المريسسيع "حيسن انقطسع العقسد لعائشسة.
أخرج الحديسث مالك مسن روايسة عبدالرحمسن بسن القاسسم عسن أبيسه عسن عائشسة .وترجسم البخاري هذه
الية في كتاب التفسير :حدثنا محمد قال :أخبرنا عبدة ،عن هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة
رضسي ال عنهسا قالت :هلكست قلدة لسسماء فبعسث النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فسي طلبهسا رجال،
فحضرت الصسسلة وليسسسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصسسلوا وهسسم على غيسسر وضوء؛ فأنزل ال
تعالى آية التيمم.
قلت :وهذه الروايسة ليسس فيهسا ذكسر للموضسع ،وفيهسا أن القلدة كانست لسسماء؛ خلف حديسث
مالك .وذكسر النسسائي مسن روايسة علي بسن مسسهر عسن هشام بسن عروة عسن أبيسه عسن عائشسة أنهسا
اسستعارت مسن أسسماء قلدة لهسا وهسي فسي سسفر مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأنسسلت منهسا
وكان ذلك المكان يقال له الصسلصل؛ وذكسر الحديسث .ففسي هذه الروايسة عسن هشام أن القلدة كانست
لسسماء ،وأن عائشسة اسستعارتها مسن أسسماء .وهذا بيان لحديسث مالك إذا قال :انقطسع عقسد لعائشسة،
ولحديسسث البخاري إذ قال :هلكسست قلدة لسسسماء .وفيسسه أن المكان يقال له الصسسلصل .وأخرجسسه
الترمذي حدثنسا الحميدي ،حدثنسا سسفيان ،حدثنسا هشام بسن عروة عسن أبيسه ،عسن عائشسة أنهسا سسقطت
قلدتها ليلة البواء ،فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم رجلين في طلبها؛ وذكر الحديث .ففي
هذه الرواية عن هشام أيضا إضافة القلدة إليها ،لكن إضافة مستعير بدليل حديث النسائي .وقال
فسي المكان" :البواء "كمسا قال مالك ،إل أنسه مسن غيسر شسك .وفسي حديسث مالك قال :وبعثنسا البعيسر
الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته .وجاء في البخاري :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وجده.
وهذا كله صسحيح المعنسى ،وليسس اختلف النقلة فسي العقسد والقلدة ول فسي الموضسع مسا يقدح فسي
الحديسث ول يوهسن شيئا منسه؛ لن المعنسى المراد مسن الحديسث والمقصسود بسه إليسه هسو نزول التيمسم،
وقسد ثبتست الروايات فسي أمسر القلدة .وأمسا قوله فسي حديسث الترمذي :فأرسسل رجليسن قيسل :أحدهمسا
أسسيد بسن حضيسر .ولعلهمسا المراد بالرجال فسي حديسث البخاري فعسبر عنهمسا بلفسظ الجمسع ،إذ أقسل
الجمسع اثنان ،أو أردف فسي أثرهمسا غيرهمسا فصسح إطلق اللفسظ وال أعلم .فبعثوا فسي طلبهسا فطلبوا
فلم يجدوا شيئا في وجهتهم ،فلما رجعوا أثاروا البعير فوجدوه تحته .وقد روي أن أصحاب رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم أصسابتهم جراحسة ففشست فيهسم ثسم ابتلوا بالجنابسة فشكوا ذلك لرسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم فنزلت هذه اليسة .وهذا أيضسا ليسس بخلف لمسا ذكرنسا؛ فإنهسم ربمسا أصسابتهم
الجراحة في غزوتهم تلك التي قفلوا منها إذ كان فيها قتال فشكوا ،وضاع العقد ونزلت الية .وقد
قيل :إن ضياع العقد كان في غزاة بني المصطلق .وهذا أيضا ليس بخلف لقول من قال في غزاة
المريسيع ،إذ هي غزاة واحدة؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم غزا بني المصطلق في شعبان من
السسنة السسادسة مسن الهجرة ،على مسا قال خليفسة بسن خياط وأبسو عمسر بسن عبدالبر ،واسستعمل على
المدينسة أبسا ذر الغفاري .وقيسل :بسل نميلة بسن عبدال الليثسي .وأغار رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
على بني المصطلق وهم غارون ،وهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل
فقتل من قتل وسبى من سبى من النساء والذرية وكان شعارهم يومئذ :أمت أمت .وقد قيل :إن بني
المصطلق جمعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأرادوه ،فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على
ماء .فهذا ما جاء في بدء التيمم والسبب فيه .وقد قيل :إن آية المائدة آية التيمم ،على ما يأتي بيانه
هناك .قال أبو عمر :فأنزل ال تعالى آية التيمم ،وهي آية الوضوء المذكورة في سورة "المائدة"،
أو الية التي في سورة "النساء" .ليس التيمم مذكورا في غير هاتين اليتين وهما مدنيتان.
@قوله تعالى" :مرضسى "المرض عبارة عسن خروج البدن عسن حسد العتدال والعتياد ،إلى
العوجاج والشذوذ .وهسسو على ضربيسسن :كثيسسر ويسسسير؛ فإذا كان كثيرا بحيسسث يخاف الموت لبرد
الماء ،أو للعلة التسسي بسسه ،أو يخاف فوت بعسسض العضاء ،فهذا يتيمسسم بإجماع؛ إل مسسا روي عسسن
الحسسن وعطاء أنسه يتطهسر وإن مات .وهذا مردود بقوله تعالى" :ومسا جعسل عليكسم فسي الديسن مسن
حرج "[الحسج ]78 :وقوله تعالى" :ول تقتلوا أنفسسكم "[النسساء .]29 :وروى الدارقطنسي عسن
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل" :وإن كنتم مرضى أو على سفر "قال :إذا كانت
بالرجسل الجراحسة فسي سسبيل ال أو القروح أو الجدري فيجنسب فخاف أن يموت إن اغتسسل ،تيمسم.
وعن سعد بن جبير أيضا عن ابن عباس قال :رخص للمريض في التيمم بالصعيد .وتيمم عمرو
بسن العاص لمسا خاف أن يهلك مسن شدة البرد ولم يأمره صسلى ال عليسه وسسلم بغسسل ول إعادة .فإن
كان يسسسيرا إل أنسسه يخاف معسسه حدوث علة أو زيادتهسسا أو بطسسء برء فهؤلء يتيممون بإجماع مسسن
المذهب .قال ابن عطية :فيما حفظت.
قلت :قد ذكر الباجي فيه خلفا؛ قال القاضي أبو الحسن :مثل أن يخاف الصحيح نزلة أو حمى،
وكذلك إن كان المريسض يخاف زيادة مرض؛ وبنحسو ذلك قال أبسو حنيفسة .وقال الشافعسي :ل يجوز
له التيمسسم مسسع وجود الماء إل أن يخاف التلف؛ ورواه القاضسسي أبسسو الحسسسن عسسن مالك .قال ابسسن
العربسسسي" :قال الشافعسسسي ل يباح التيمسسسم للمريسسسض إل إذا خاف التلف؛ لن زيادة المرض غيسسسر
متحققسة؛ لنهسا قسد تكون وقسد ل تكون ،ول يجوز ترك الفرض المتيقسن للخوف المشكوك .قلنسا :قسد
ناقضسست؛ فإنسسك قلت إذا خاف التلف مسسن البرد تيمسسم؛ فكمسسا يبيسسح التيمسسم خوف التلف كذلك ،يسسبيحه
خوف المرض؛ لن المرض محذور كمسسا أن التلف محذور .قال :وعجبسسا للشافعسسي يقول :لو زاد
الماء على قدر قيمتسسه حبسسة لم يلزمسسه شراؤه صسسيانة للمال ويلزمسسه التيمسسم ،وهسسو يخاف على بدنسسه
المرض ! وليس لهم عليه كلم يساوي سماعه".
قلت :الصحيح من قول الشافعي فيما قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم في تفسيره :والمرض
الذي يباح له التيمسسم هسسو الذي يخاف فيسسه فوت الروح أو فوات بعسسض العضاء لو اسسستعمل الماء.
فإن خاف طول المرض فالقول الصسحيح للشافعسي :جواز التيمسم .روى أبسو داود والدارقطنسي ،عسن
يحيى بن أيوب ،عن يزيد بن أبي حبيب ،عن عمران بن أبي أنس ،عن عبدالرحمن بن جبير ،عن
عمرو بسسن العاص قال :احتلمسست فسسي ليلة باردة فسسي غزوة ذات السسسلسل فأشفقسست إن اغتسسسلت أن
أهلك؛ فتيممت ثم صليت بأصسحابي الصبح؛ فذكروا ذلك لرسول ال صسلى ال عليه وسلم فقال يا
عمرو( :صليت بأصحابك وأنت جنسب) ؟ فأخسبرته بالذي منعنسي من الغتسال وقلت :إنسي سسمعت
ال عسز وجسل يقول" :ول تقتلوا أنفسسكم إن ال كان بكسم رحيمسا "[النسساء ]29 :فضحسك نسبي ال
صسلى ال عليسه وسسلم ولم يقسل شيئا .فدل هذا الحديسث على إباحسة التيمسم مسع الخوف ل مسع اليقيسن،
وفيه إطلق اسم الجنب على المتيمم وجواز صلة المتيمم بالمتوضئين؛ وهذا أحد القولين عندنا؛
وهسو الصسحيح وهسو الذي أقرأه مالك فسي موطئه وقرئ عليسه إلى أن مات .والقول الثانسي :أنسه ل
يصلي؛ لنه أنقص فضيلة من المتوضئ ،وحكم المام أن يكون أعلى رتبة؛ وقد روى الدارقطني
من حديث جابر بن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل يؤم المتيمم المتوضئين)
إسسناده ضعيسف .وروى أبسو داود والدارقطنسي عسن جابر قال :خرجنسا فسي سسفر فأصساب رجل منسا
حجر فشجه في رأسه ثم احتلم ،فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا :ما نجد
لك رخصة وأنت تقدر على الماء؛ فاغتسل فمات ،فلما قدمنا على النبي صلى ال عليه وسلم أخبر
بذلك فقال( :قتلوه قتلهم ال أل سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال وإنما كان يكفيه أن يتيمم
ويعصسر أو يعصسب -شسك موسسى -على جرحسه خرقسة ثسم يمسسح عليهسا ويغسسل سسائر جسسده) .قال
الدارقطنسي" :قال أبسو بكسر هذه سسنة تفرد بهسا أهسل مكسة وحملهسا أهسل الجزيرة ،ولم يروه عن عطاء
عسن جابر غيسر الزبيسر بسن خريسق ،وليسس بالقوي ،وخالفسه الوزاعسي فرواه عسن عطاء عسن ابسن
عباس وهو الصواب .واختلف عن الوزاعي فقيل عنه عن عطاء ،وقيل عنه :بلغني عن عطاء،
وأرسسل الوزاعسي آخره عسن عطاء عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وهسو الصسواب .وقال ابسن أبسي
حاتم :سألت أبي وأبا زرعة عنه فقال :رواه ابن أبي العشرين ،عن الوزاعي ،عن إسماعيل بن
مسلم ،عن عطاء ،عن ابن عباس ،وأسند الحديث" .وقال داود :كل من انطلق عليه اسم المريض
فجائز له التيمم؛ لقوله تعالى" :وإن كنتم مرضى" .قال ابن عطية :وهذا قول خلف ،وإنما هو عند
علماء المسة لمسن خاف مسن اسستعمال الماء أو تأذيسه بسه كالمجدور والمحصسوب ،والعلل المخوف
عليها من الماء؛ كما تقدم عن ابن عباس.
@قوله تعالى" :أو على سسفر" يجوز التيمسم بسسبب السسفر طال أو قصسر عنسد عدم الماء ،ول
يشترط أن يكون مما تقصر فيه الصلة؛ هذا مذهب مالك وجمهور العلماء .وقال قوم :ل يتيمم إل
في سفر تقصر فيه الصلة .واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة .وهذا كله ضعيف .وال أعلم.
@ أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا ،واختلفوا فيه في الحضر؛ فذهب مالك
وأصحابه إلى أن التيمم في الحضر والسفر جائز؛ وهو قول أبي حنيفة ومحمد .وقال الشافعي :ل
يجوز للحاضسر الصسحيح أن يتيمسم إل أن يخاف التلف؛ وهسو قول الطسبري .وقال الشافعسي أيضسا
والليسث والطسبري :إذا عدم الماء فسي الحضسر مسع خوف الوقست الصسحيح والسسقيم تيمسم وصسلى ال
عليسه وسسلم ثسم أعاد .وقال أبسو يوسسف وزفسر :ل يجوز التيمسم فسي الحضسر ل لمرض ول لخوف
الوقست وقال الحسسن وعطاء :ل يتيمسم المريسض إذا وجسد الماء ،ل غيسر المريسض .وسسبب الخلف
اختلفهسم فسي مفهوم اليسة؛ فقال مالك ومسن تابعسه :ذكسر ال تعالى المرضسى والمسسافرين فسي شرط
التيمسم خرج على الغلب فيمسن ل يجسد الماء ،والحاضرون الغلب عليهسم وجوده فلذلك لم ينسص
عليهم .فكل من لم يجد الماء أو منعه منه مانع أو خاف فوات وقت الصلة ،تيمم المسافر بالنص،
والحاضسر بالمعنسى .وكذلك المريض بالنص والصحيح بالمعنسى .وأما من منعه في الحضر فقال:
إن ال تعالى جعسل التيمسم رخصسة للمريسض والمسسافر؛ كالفطسر وقصسر الصسلة ،ولم يبسح التيمسم إل
بشرطيسن ،وهمسا المرض والسسفر؛ فل دخول للحاضسر الصسحيح فسي ذلك لخروجسه مسن شرط ال
تعالى .وأمسا قول الحسسن وعطاء الذي منعسه جملة مسع وجود الماء فقال :إنمسا شرطسه ال تعالى مسع
عدم الماء ،لقوله تعالى" :فلم يجدوا ماء فتيمموا "فلم يبسح التيمسم لحسد إل عنسد فقسد الماء .وقال أبسو
عمر :ولول قول الجمهور وما روي من الثر لكان قول الحسن وعطاء صحيحا؛ وال أعلم .وقد
أجاز رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم التيمسم لعمرو بسن العاص وهسو مسسافر إذ خاف الهلك إن
اغتسسل بالماء ،فالمريسض أحرى بذلك .قلت :ومسن الدليسل على جواز التيمسم فسي الحضسر إذا خاف
فوات الصلة إن ذهب إلى الماء الكتاب والسنة:
أمسا الكتاب فقوله سسبحانه" :أو جاء أحسد منكسم من الغائط "يعنسي المقيسم إذا عدم الماء تيمسم .نسص
عليه القشيري عبدالرحيم قال :ثم يقطع النظر في وجوب القضاء؛ لن عدم الماء في الحضر عذر
نادر وفي القضاء قولن:
قلت :وهكذا نص أصحابنا فيمن تيمم في الحضر ،فهل يعيد إذا وجد الماء أم ل؛ المشهور من
مذهب مالك أنه ل يعيد وهو الصحيح .وقال ابن حبيب ومحمد بن عبدالحكم .يعيد أبدا؛ ورواه ابن
المنذر عن مالك .وقال الوليسد عنه :يغتسل وإن طلعست الشمس .وأمسا السسنة فمسا رواه البخاري عن
أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة النصاري قال :أقبل النبي صلى ال عليه وسلم من نحو "بئر
جمل" فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح
بوجهسه ويديسه ،ثسم رد عليسه السسلم .وأخرجسه مسسلم وليسس فيسه لفسظ "بئر" .وأخرجسه الدارقطنسي مسن
حديث ابن عمر وفيه "ثم رد على الرجل السلم وقال( :إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلم إل أني
لم أكن على طهر".
@قوله تعالى" :أو جاء أحسد منكسم مسن الغائط" الغائط أصسله مسا انخفسض مسن الرض ،والجمسع
الغيطان أو الغواط؛ وبسه سسمي غوطسة دمشسق .وكانست العرب تقصسد هذا الصسنف مسن المواضسع
لقضاء حاجتهسا تسسترا عسن أعيسن الناس ،ثسم سسمي الحدث الخارج مسن النسسان غائطسا للمقارنسة.
وغاط في الرض يغوط إذا غاب.
وقرأ الزهري" :مسسن الغيسسط" فيحتمسسل أن يكون أصسسله الغيسسط فخفسسف ،كهيسسن وميسست وشبهسسه.
ويحتمسل أن يكون مسن الغوط؛ بدللة قولهسم تغوط إذا أتسى الغائط ،فقلبست واو الغوط ياء؛ كمسا قالوا
فسي ل حول ل حيسل .و"أو "بمعنسى الواو ،أي إن كنتسم مرضسى أو على سسفر وجاء أحسد منكسم مسن
الغائط فتيمموا فالسسسبب الموجسسب للتيمسسم على هذا هسسو الحدث ل المرض والسسسفر؛ فدل على جواز
التيمسم فسي الحضسر كمسا بيناه .والصسحيح فسي "أو "أنهسا على بابهسا عنسد أهسل النظسر .فلو معناهسا،
وللواو معناهسا .وهذا عندهسم على الحذف ،والمعنسى وإن كنتسم مرضسى مرضسا ل تقدرون فيسه على
مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم إلى الماء .وال أعلم.
@ لفظ "الغائط "يجمع بالمعنى جميع الحداث الناقضة للطهارة الصغرى .وقد اختلف الناس في
حصسرها ،وأنبسل مسا قيسل فسي ذلك أنهسا ثلثسة أنواع ،ل خلف فيهسا فسي مذهبنسا :زوال العقسل ،خارج
معتاد ،ملمسسة .وعلى مذهسب أبسي حنيفسة مسا خرج مسن الجسسد مسن النجاسسات ،ول يراعسى المخرج
ول يعسد اللمسس .وعلى مذهسب الشافعسي ومحمسد بسن عبدالحكسم مسا خرج مسن السسبيلين ،ول يراعسى
العتياد ،ويعسد اللمسس .وإذا تقرر هذا فاعلم أن المسسلمين أجمعوا على أن مسن زال عقله بإغماء أو
جنون أو سسكر فعليسه الوضوء ،واختلفوا فسي النوم هسل هسو حدث كسسائر الحداث ؟ أو ليسس بحدث
أو مظنة حدث؛ ثلثة أقوال :طرفان وواسطة.
الطرف الول :ذهسب المزنسي أبسو إبراهيسم إسسماعيل إلى أنسه حدث ،وأن الوضوء يجسب بقليله
وكثيره كسائر الحداث؛ وهو مقتضى قول مالك في الموطأ لقوله :ول يتوضأ إل من حدث يخرج
من ذكر أو دبر أو نوم .ومقتضى حديث صفوان بن عسال أخرجه النسائي والدارقطني والترمذي
وصححه .رووه جميعا من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش فقال :أتيت صفوان بن
عسال المرادي فقلت :جئتك أسألك عن المسح على الخفين؛ قال :نعم كنت في الجيش الذي بعثهم
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فأمرنسا أن نمسسح على الخفيسن إذا نحسن أدخلناهمسا على طهسر ثلثسا
إذا سسسافرنا ،ويومسسا وليلة إذا أقمنسسا ،ول نخلعهمسسا مسسن بول ول غائط ول نوم ول نخلعهمسسا إل مسسن
جنابسة .ففسي هذا الحديسث وقول مالك التسسوية بيسن الغائط والبول والنوم .قالوا :والقياس أنسه لمسا كان
كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله كذلك .وقد روي عن علي بن أبي طالب
قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :وكاء السسسنه العينان فمسسن نام فليتوضسسأ) وهذا عام.
أخرجه أبو داود ،وأخرجه الدارقطني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى ال عليه
وسلم.
وأمسا الطرف الخسر فروي عسن أبسي موسسى الشعري مسا يدل على أن النوم عنده ليسس بحدث
على أي حال كان ،حتسى يحدث النائم حدثسا غيسر النوم؛ لنسه كان يوكسل مسن يحرسسه إذا نام .فإن لم
يخرج منسسه حدث قام مسسن نومسسه وصسسلى ال عليسسه وسسسلم؛ وروي عسسن عسسبيدة وسسسعيد بسسن المسسسيب
والوزاعسي فسي روايسة محمود بسن خالد .والجمهور على خلف هذيسن الطرفيسن .فأمسا جملة مذهسب
مالك فإن كل نائم استثقل نوما ،وطال نومه على أي حال كان ،فقد وجب عليه الوضوء؛ وهو قول
الزهري وربيعة والوزاعي في رواية الوليد بن مسلم .قال أحمد بن حنبل :فإن كان النوم خفيفا ل
يخامسر القلب ول يغمره لم يضر .وقال أبو حنيفة وأصسحابه :ل وضوء إل على من نام مضطجعا
أو متوركا .وقال الشافعي :من نام جالسا فل وضوء عليه؛ ورواه ابن وهب عن مالك .والصحيح
مسن هذه القوال مشهور مذهسب مالك؛ لحديسث ابسن عمسر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم شغسل
عنهسا ليلة يعنسي العشاء فأخرهسا حتسى رقدنسا فسي المسسجد ثسم اسستيقظنا ثسم رقدنسا ثسم اسستيقظنا ثسم خرج
علينا النبي صلى ال عليه وسلم ثم قال( :ليس أحد من أهل الرض ينتظر الصلة غيركم) رواه
الئمسة واللفسظ للبخاري؛ وهسو أصسح مسا فسي هذا الباب مسن جهسة السسناد والعمسل .وأمسا مسا قاله مالك
في موطئه وصفوان بن عسال في حديثه فمعناه :ونوم ثقيل غالب على النفس؛ بدليل هذا الحديث
ومسا كان فسي معناه .وأيضسا فقسد روى حديسث صسفوان وكيسع عسن مسسعر عسن عاصسم بسن أبسي النجود
فقال( :أو ريسح) بدل (أو نوم) ،فقال الدارقطنسي :لم يقسل فسي هذا الحديسث (أو ريسح) غيسر وكيسع عسن
مسعر.
قلت :وكيسع ثقسة إمام أخرج له البخاري ومسسلم وغيرهمسا مسن الئمسة؛ فسسقط السستدلل بحديسث
صفوان لمن تمسك به في أن النوم حدث .وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فضعيف؛ رواه الدارقطني
عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نام وهو ساجد حتى .غط أو نفخ ثم قام فصلى
ال عليسه وسسلم ،فقلت :يسا رسسول ال إنسك قسد نمست ! فقال( :إن الوضوء ل يجسب إل على مسن نام
مضطجعسسا فإنسسه إذا اضطجسسع اسسسترخت مفاصسسله) .تفرد بسسه أبسسو خالد عسسن قتادة ول يصسسح؛ قال
الدارقطنسي .وأخرجسه أبسو داود وقال :قوله( :الوضوء على مسن نام مضطجعسا) هسو حديسث منكسر لم
يروه إل أبسو خالد يزيسد الدالنسي عسن قتادة ،وروى أوله جماعسة عسن ابسن عباس لم يذكروا شيئا مسن
هذا .وقال أبسو عمسر بسن عبدالبر :هذا حديسث منكسر لم يروه أحسد مسن أصسحاب قتادة الثقات ،وإنمسا
انفرد بسسه أبسسو خالد الدالنسسي ،وأنكروه وليسسس بحجسسة فيمسسا نقسسل .وأمسسا قول الشافعسسي :على كسسل نائم
الوضوء إل على الجالس وحده ،وإن كل من زال عن حد الستواء ونام فعليه الوضوء؛ فهو قول
الطسبري وداود ،وروي عسن علي وابسن مسسعود وابسن عمسر؛ لن الجالس ل يكاد يسستثقل ،فهسو فسي
معنسى النوم الخفيسف .وقسد روى الدارقطنسي مسن حديسث عمرو بسن شعيسب ،عسن أبيسه عسن جده أن
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال( :مسن نام جالسسا فل وضوء عليسه ومسن وضسع جنبسه فعليسه
الوضوء) .وأمسا الخارج؛ فلنسا مسا رواه البخاري قال :حدثنسا قتيبسة قال :حدثنسا يزيسد بسن زريسع ،عسن
خالد ،عسن عكرمسة ،عسن عائشسة قالت :اعتكفست مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم امرأة مسن
أزواجسه فكانست ترى الدم والصسفرة والطسست تحتهسا وهسي تصسلي .فهذا خارج على غيسر المعتاد،
وإنمسا هسو عرق انقطسع فهسو مرض؛ ومسا كان هذا سسبيله ممسا يخرج مسن السسبيلين فل وضوء فيسه
عندنسا إيجابسا ،خلفسا للشافعسي كمسا ذكرنسا .وبال توفيقنسا .ويرد على الحنفسي حيسث راعسى الخارج
النجس .فصح ووضح مذهب مالك بن أنس رضي ال عنه ما تردد نفس ،وعنهم أجمعين.
@قوله تعالى" :أو لمستم النساء" قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر "لمستم".
وقرأ حمزة والكسسائي" :لمسستم "وفسي معناه ثلثسة أقوال :الول :أن يكون لمسستم جامعتسم .الثانسي:
لمستم باشرتم .الثالث :يجمع المرين جميعا .و"لمستم "بمعناه عند أكثر الناس ،إل أنه حكي عن
محمد بن يزيد أنه قال :الولى في اللغة أن يكون "لمستم "بمعنى قبلتم أو نظيره؛ لن لكل واحد
منهما فعل .قال :و"لمستم "بمعنى غشيتم ومسستم ،وليس للمرأة في هذا فعل.
واختلف العلماء فسي حكسم اليسة على مذاهسب خمسسة؛ فقالت فرقسة :الملمسسة هنسا مختصسة باليسد،
والجنب ل ذكر له إل مع الماء؛ فلم يدخل في المعنى المراد بقوله" :وإن كنتم مرضى "الية ،فل
سبيل له إلى التيمم ،وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلة حتى يجد الماء؛ روي هذا القول عن عمر
وابسن مسسعود .قال أبو عمسر :ولم يقسل بقول عمسر وعبدال فسي هذه المسسألة أحسد مسن فقهاء المصسار
مسن أهسل الرأي وحملة الثار؛ وذلك وال أعلم لحديسث عمار وعمران بسن حصسين وحديسث أبسي ذر
عن النبي صلى ال عليه وسلم في تيمم الجنب .وقال أبو حنيفة عكس هذا القول ،فقال :الملمسة
هنسا مختصسة باللمسس الذي هسو الجماع .فالجنسب يتيمسم واللمسس بيده لم يجسر له ذكسر؛ فليسس بحدث
ول هسو ناقسص لوضوئه .فإذا قبسل الرجسل امرأتسه للذة لم ينتقسض وضوءه؛ وعضدوا هذا بمسا رواه
الدارقطنسي عسن عائشسة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قبسل بعسض نسسائه ثسم خرج إلى الصسلة
ولم يتوضسسأ .قال عروة :فقلت لهسسا مسسن هسسي إل أنسست ؟ فضحكسست .وقال مالك :الملمسسس بالجماع
يتيمسم ،والملمسس باليسد يتيمسم إذا التسذ .فإذا لمسسها بغيسر شهوة فل وضوء؛ وبسه قال أحمسد وإسسحاق،
وهو مقتضى الية .وقال علي بن زياد :وإن كان عليها ثوب كثيف فل شيء عليه ،وإن كان خفيفا
فعليسه الوضوء .وقال عبدالملك بسن الماجشون :مسن تعمسد مسس امرأتسه بيده لملعبة فليتوضسأ التسذ أو
لم يلتسذ .قال القاضسي أبسو الوليسد الباجسي فسي المنتقسى :والذي تحقسق مسن مذهسب مالك وأصسحابه أن
الوضوء إنما يجب لقصده اللذة دون وجودها؛ فمن قصد اللذة بلمسه فقد وجب عليه الوضوء ،التذ
بذلك أو لم يلتذ؛ وهذا معنى ما في العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم .وأما النعاظ بمجرده
فقسد روى ابسن نافسع عسن مالك أنسه ل يوجسب وضوءا ول غسسل ذكسر حتسى يكون معسه لمسس أو مذي.
وقال الشيسسخ أبسسو إسسسحاق :مسسن أنعسسظ إنعاظسسا أنتقسسض وضوئه؛ وهذا قول مالك فسسي المدونسسة .وقال
الشافعسي :إذا أفضسى الرجسل بشيسء مسن بدنسه إلى بدن المرأة سواء كان باليسد أو بغيرهسا مسن أعضاء
الجسسسد معلق نقسسض الطهسسر بسسه؛ وهسسو قول ابسسن مسسسعود وابسسن عمسسر والزهري وربيعسسة .وقال
الوزاعي :إذا كان اللمس باليد نقض الطهر ،وإن كان بغير اليد لم ينقضه؛ لقوله تعالى" :فلمسوه
بأيديهسم" [النعام .]7 :فهذه خمسسة مذاهسب أسسدها مذهسب مالك؛ وهسو مروي عسن عمسر وابنسه
عبدال ،وهو قول عبدال بن مسعود أن الملمسة ما دون الجماع ،وأن الوضوء يجب بذلك؛ وإلى
هذا ذهسب أكثسر الفقهاء .قال ابسن العربسي :وهسو الظاهسر مسن معنسى اليسة؛ فإن قوله فسي أولهسا" :ول
جنبسا "أفاد الجماع ،وإن قوله" :أو جاء أحسد منكسم مسن الغائط" أفاد الحدث ،وإن قوله" :أو لمسستم"
أفاد اللمسسس والقبسسل .فصسسارت ثلث جمسسل لثلثسسة أحكام ،وهذه غايسسة فسسي العلم والعلم .ولو كان
المراد باللمس الجماع كان تكرارا في الكلم.
قلت :وأما ما استدل به أبو حنيفة من حديث عائشة فحديث مرسل؛ رواه وكيع ،عن العمش
عن حبيب بن أبي ثابت ،عن عروة ،عن عائشة .قال يحيى بن سعيد :وذكر حديث العمش عن
حسبيب عسن عمرو فقال :أمسا إن سسفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا ،زعسم أن حبيبسا لم يسسمع مسن
عروة شيئا؛ قال الدارقطني .فإن قيل :فأنتم تقولون بالمرسل فيلزمكم قبوله والعمل به .قلنا :تركناه
لظاهسر اليسة وعمسل الصسحابة .فإن قيسل :إن الملمسسة هسي الجماع وقسد روي ذلك عسن ابسن عباس.
قلنسا :قسد خالفسه الفاروق وابنسه وتابعهمسا عبدال بسن مسسعود وهسو كوفسي ،فمسا لكسم خالفتموه ؟ ! فإن
قيل :الملمسة من باب المفاعلة ،ول تكون إل من اثنين ،واللمس باليد إنما يكون من واحد؛ فثبت
أن الملمسة هي الجماع .قلنا :الملمسة مقتضاها التقاء البشرتين ،سواء كان ذلك من واحد أو من
اثنين؛ لن كل واحد منهما يوصف لمس وملموس.
جواب آخر :وهو أن الملمسة قد تكون من واحد؛ ولذلك نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن
بيسع الملمسسة ،والثوب ملموس وليس بلمس ،وقسد قال ابسن عمسر مخسبرا عن نفسسه "وأنسا يومئذ قسد
ناهزت الحتلم" .وتقول العرب :عاقبت اللص وطارقت النعل ،وهو كثير.
فإن قيسل :لمسا ذكسر ال سسبحانه سسبب الحدث ،وهسو المجيسء مسن الغائط ذكسر سسبب الجنابسة وهسو
الملمسسة ،فسبين الحدث والجنابسة عنسد عدم الماء ،كمسا أفاد بيان حكمهمسا عنسد وجود الماء .قلنسا :ل
نمنع حمل اللفظ على الجماع واللمس ،ويفيد الحكمين كما بينا .وقد قرئ "لمستم" كما ذكرنا .وأما
مسا ذهسب إليسه الشافعسي مسن لمسس الرجسل المرأة ببعسض أعضائه ل حائل بينسه وبينهسا لشهوة أو لغيسر
شهوة وجسب عليسه الوضوء فهسو ظاهسر القرآن أيضسا؛ وكذلك إن لمسسته هسي وجسب عليسه الوضوء،
إل الشعر؛ فإنه ل وضوء لمن مس شعر امرأته لشهوة كان أو لغير شهوة ،وكذلك السن والظفر،
فإن ذلك مخالف للبشرة .ولو احتلط فتوضسسأ إذا مسسس شعرهسسا كان حسسسنا .ولو مسسسها بيده أو مسسسته
بيدها من فوق الثوب فالتذ بذلك أو لم يلتذ لم يكن عليهما شيء حتى يفضي إلى البشرة ،وسواء في
ذلك كان متعمدا أو ساهيا ،كانت المرأة حية أو ميتة إذا كانت أجنبية .واختلف قوله إذا لمس صبية
صسسغيرة أو عجوزا كسسبيرة بيده أو واحدة مسسن ذوات محارمسسه ممسسن ل يحسسل له نكاحهسسا ،فمرة قال:
ينتقسض الوضوء؛ لقوله تعالى" :أو لمسستم النسساء "فلم يفرق .والثانسسي ل ينقسض؛ لنسه ل مدخسل
للشهوة فيهسسن .قال المروزي :قول الشافعسسي أشبسسه بظاهسسر الكتاب؛ لن ال عسسز وجسسل قال" :أو
لمسستم النسساء "ولم يقسل بشهوة ول مسن غيسر شهوة؛ وكذلك الذيسن أوجبوا الوضوء مسن أصسحاب
النبي صلى ال عليه وسلم لم يشترطوا الشهوة .قال :وكذلك عامة التابعين .قال المروزي :فأما ما
ذهب إليه مالك من مراعاة الشهوة واللذة من فوق الثوب يوجب الوضوء فقد وافقه على ذلك الليث
بسن سسعد ،ول نعلم أحدا قال ذلك غيرهمسا .قال :ول يصسح ذلك فسي النظسر؛ لن مسن فعسل ذلك فهسو
غيسر لمسس لمرأتسه ،وغيسر مماس لهسا فسي الحقيقسة ،إنمسا هو لمسس لثوبهسا .وقسد أجمعوا أنسه لو تلذذ
واشتهى أن يلمس لم يجب عليه وضوء؛ فكذلك من لمس فوق الثوب لنه غير مماس للمرأة.
قلت :أما ما ذكر من أنه لم يوافق مالكا على قول إل الليث بن سعد ،فقد ذكر الحافظ أبو عمر
بسن عبدالبر أن ذلك قول إسسحاق وأحمسد ،وروي ذلك عسن الشعسبي والنخعسي كلهسم قالوا :إذا لمسس
فالتسسذ وجسسب الوضوء ،وإن لم يلتسسذ فل وضوء .وأمسسا قوله" :ول يصسسح ذلك فسسي النظسسر" فليسسس
بصسحيح؛ وقسد جاء فسي صسحيح الخسبر عسن عائشسة قالت :كنست أنام بيسن يدي رسسول ال صسلى ال
عليسه وسسلم ورجلي فسي قبلتسه ،فإذا سسجد غمزنسي فقبضست رجلي ،وإذا قام بسسطتهما ثانيسا ،قالت:
والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح .فهذا نص في أن النبي صلى ال عليه وسلم كان الملمس ،وأنه
غمسز رجسل عائشسة؛ كمسا فسي روايسة القاسسم عسن عائشسة (فإذا أراد أن يسسجد غمسز رجلي فقبضتهمسا)
أخرجسه البخاري .فهذا يخسص عموم قوله" :أو لمسستم" فكان واجبسا لظاهسر اليسة انتقاض وضوء
كسل ملمسس كيسف لمسس .ودلت السسنة التسي هسي البيان لكتاب ال تعالى أن الوضوء على بعسض
الملمسسين دون بعسض ،وهسو مسن لم يلتسذ ولم يقصسد .ول يقال :فلعله كان على قدمسي عائشسة ثوب،
أو كان يضرب رجليها بكمه؛ فإنا نقول :حقيقة الغمز إنما هو باليد؛ ومنه غمزك الكبش أي تجسه
لتنظسر أهسو سسمين أم ل ؟ فأمسا أن يكون الغمسز الضرب بالكسم فل .والرجسل مسن النائم الغالب عليهسا
ظهورهسا مسن النائم؛ ل سسيما مسع امتداده وضيسق حاله .فهذه كانست الحال فسي ذلك الوقست؛ أل ترى
إلى قولهسا( :وإذا قام بسسطتهما) وقولهسا( :والبيوت يومئذ ليسس فيهسا مصسابيح) .وقسد جاء صسريحا
عنهسا قالت( :كنست أمسد رجلي فسي قبلة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وهسو يصسلي فإذا سسجد غمزنسي
فرفعتهمسسا ،فإذا قام مددتهمسسا) أخرجسسه البخاري .فظهسسر أن الغمسسز كان على حقيقتسسه مسسع المباشرة.
ودليسل آخسر -وهسو مسا روتسه عائشسة أيضسا رضسي ال عنهسا قالت :فقدت رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم ليلة من الفراش فالتمسسته ،فوقعست يدي على بطن قدميسه وهو فسي المسسجد وهمسا منصوبتان؛
الحديسث .فلمسا وضعست يدهسا على قدمسه وهو سساجد وتمادى فسي سسجوده كان دليل على أن الوضوء
ل ينتقض إل على بعض الملمسين دون بعض.
فإن قيسل :كان على قدمسه حائل كمسا قال المزنسي .قيسل له :القدم قدم بل حائل حتسى يثبست الحائل،
والصل الوقوف مع الظاهر؛ بل بمجموع ما ذكرنا يجتمع منه كالنص.
فإن قيسل :فقسد أجمعست المسة على أن رجل لو اسستكره امرأة فمسس ختانسه ختانهسا وهسي ل تلتسذ
لذلك ،أو كانست نائمسة فلم تلتسذ ولم تشتسه أن الغسسل واجسب عليهسا؛ فكذلك حكسم مسن قبسل أو لمسس
بشهوة أو لغيسر شهوة انتقضست طهارتسه ووجسب عليسه الوضوء؛ لن المعنسى فسي الجسسة واللمسسة
والقبلة الفعسسل ل اللذة .قلنسسا :قسسد ذكرنسسا أن العمسسش وغيره قسسد خالف فيمسسا ادعيتموه مسسن الجماع.
سسلمناه ،لكسن هذا اسستدلل بالجماع فسسي محسل النزاع فل يلزم؛ وقسد اسستدللنا على صسحة مذهبنسا
بأحاديسث صسحيحة .وقسد قال الشافعسي -فيمسا زعمتسم إنسه لم يسسبق إليسه ،وقسد سسبقه إليسه شيخسه مالك؛
كمسا هسو مشهور عندنسا "إذا صسح الحديسث فخذوا بسه ودعوا قولي "وقسد ثبست الحديسث بذلك فلم ل
تقولون بسه ؟ ! ويلزم على مذهبكسم أن مسن ضرب امرأتسه فلطمهسا بيده تأديبسا لهسا وإغلظسا عليهسا أن
ينتقض وضوءه؛ إذ المقصود وجود الفعل ،وهذا ل يقوله أحد فيما أعلم ،وال أعلم .وروى الئمة
مالك وغيره أنسه صسلى ال عليسه وسسلم كان يصسلى ال عليسه وسسلم وأمامسة بنست أبسي العاص ابنسة
زينب بنست رسسول ال صلى ال عليه وسسلم على عاتقه ،فإذا ركسع وضعهسا ،وإذا رفسع من السسجود
أعادهسا .وهذا يرد مسا قال الشافعسي فسي أحسد قوليسه :لو لمسس صسغيرة لنتقسض طهره تمسسكا بلفسظ
النسساء ،وهذا ضعيسف؛ فإن لمسس الصسغيرة كلمسس الحائط .واختلف قوله فسي ذوات المحارم لجسل
أنه ل يعتبر اللذة ،ونحن اعتبرنا اللذة فحيث وجدت وجد الحكم ،وهو وجوب الوضوء .وأما قول
الوزاعي في اعتباره اليد خاصة؛ فإن اللمس أكثر ما يستعمل باليد ،فقصره عليه دون غيره من
العضاء؛ حتى أنه لو أدخل الرجل رجليه في ثياب امرأته فمس فرجها أو بطنها ل ينتقض لذلك
وضوءه .وقال فسي الرجسل يقبسل امرأتسه :إن جاء يسسألني قلت يتوضسأ ،وإن لم يتوضسأ لم أعبه .وقال
أبو ثور :ل وضوء على من قبل امرأته أو باشرها أو لمسها .وهذا يخرج على مذهب أبي حنيفة،
وال أعلم.
@قوله تعالى" :فلم تجدوا ماء" السباب التي ل يجد المسافر معها الماء هي إما عدمه جملة أو
عدم بعضسسه ،وإمسسا أن يخاف فوات الرفيسسق ،أو على الرحسسل بسسسبب طلبسسه ،أو يخاف لصسسوصا أو
سباعا ،أو فوات الوقت ،أو عطشا على نفسه أو على غيره؛ وكذلك لطبيخ يطبخه لمصلحة بدنه؛
فإذا كان أحد هذه الشياء تيمم وصلى ال عليه وسلم .ويترتب عدمه للمريض بأل يجد من يناوله،
أو يخاف مسن ضرره .ويترتسب أيضسا عدمسه للصسحيح الحاضسر بالغلء الذي يعسم جميسع الصسناف،
أو بأن يسجن أو يربسط .وقال الحسن :يشتري الرجل الماء بماله كله ويبقى عديما ،وهذا ضعيسف،
لن ديسسن ال يسسسر .وقالت طائفسسة :يشتريسسه مسسا لم يزد على القيمسسة الثلث فصسساعدا .وقالت طائفسسة:
يشتري قيمسة الدرهسم بالدرهميسن والثلث ونحسو هذا؛ وهذا كله فسي مذهسب مالك رحمسه ال .وقيسل
لشهسسسب :أتشترى القربسسسة بعشرة دراهسسسم ؟ فقال :مسسسا أرى ذلك على الناس .وقال الشافعسسسي بعدم
الزيادة.
@ واختلف العلماء هسل طلب الماء شرط فسي صسحة التيمسم أم ل؟ فظاهسر مذهسب مالك أن ذلك
شرط ،وهو قول الشافعسي .وذهسب القاضي أبو محمسد بسن نصسر إلى أن ذلك ليسس بشرط فسي صحة
التيمم؛ وهو قول أبي حنيفة .وروي عن ابن عمر أنه كان يكون في السفر على غلوتين من طريقه
فل يعدل إليه .قال إسحاق :ل يلزمه الطلب إل في موضعه ،وذكر حديث ابن عمر ،والول أصح
وهو المشهور من مذهب مالك في الموطأ لقوله تعالى" :فلم تجدوا ماء "وهذا يقتضي أن التيمم ل
يسستعمل إل بعسد طلب الماء .وأيضسا مسن جهسة القياس أن هذا بدل مأمور بسه عنسد العجسز عسن مبدله،
فل يجزئ فعله إل مع تيقن عدم مبدله؛ كالصوم مع العتق في الكفارة.
@ وإذا ثبت هذا وعدم الماء ،فل يخلو أن يغلب على ظن المكلف اليأس من وجوده في الوقت،
أو يغلب على ظنه وجوده ويقوى رجاؤه له ،أو يتساوى عنده المران ،فهذه ثلثة أحوال :فالول:
يسستحب له التيمسم والصسلة فسي أول الوقست :لنسه إذا فاتتسه فضيلة الماء فإنسه يسستحب له أن يحرز
فضيلة أول الوقست .الثانسي :يتيمسم وسسط الوقست؛ حكاه أصسحاب مالك عنسه ،فيؤخسر الصسلة رجاء
إدراك فضيلة الماء مسا لم تفتسه فضيلة أول الوقست ،فإن فضيلة أول الوقست قسد تدرك بوسسطه لقربسه
منسه .الثالث :يؤخسر الصسلة إلى أن يجسد الماء فسي آخسر الوقست؛ لن فضيلة الماء أعظسم مسن فضيلة
أول الوقست ،لن فضيلة أول الوقست مختلف فيهسا ،وفضيلة الماء متفسق عليهسا ،وفضيلة أول الوقست
يجوز تركهسسا دون ضرورة ول يجوز ترك فضيلة الماء إل لضرورة ،والوقسست فسسي ذلك هسو آخسسر
الوقست المختار؛ قال ابسن حسبيب .ولو علم الماء فسي آخسر الوقست فتيمسم فسي أوله وصسلى فقسد قال ابسن
القاسسسم :يجزئه ،فإن وجسسد الماء أعاد فسسي الوقسست خاصسسة .وقال عبدالملك بسسن الماجشون :إن وجسسد
الماء بعد أعاد أبدا.
والذي يراعى من وجود الماء أن يجد منه ما يكفيه لطهارته ،فإن وجد أقل من كفايته تيمم ولم
يستعمل ما وجد منه .وهذا قول مالك وأصحابه؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ،وهو
قول أكثر العلماء؛ لن ال تعالى جعل فرضه أحد الشيئين ،إما الماء وإما التراب.
فإن لم يكسن الماء مغنيسا عن التيمسم كان غيسر موجود شرعسا؛ لن المطلوب مسن وجود الكفايسة .وقال
الشافعي في القول الخر :يستعمل ما معه من الماء ويتيمم؛ لنه واجد ماء فلم يتحقق شرط التيمم؛
فإذا استعمله وفقد الماء تيمم لما لم يجد .واختلف قول الشافعي أيضا فيما إذا نسي الماء في رحله
فتيمسم؛ والصسحيح أنسه يعيسد؛ لنسه إذا كان الماء عنده فهسو واجسد وإنمسا فرط .والقول الخسر ل يعيسد؛
وهو قول مالك؛ لنه إذا لم يعلمه فلم يجده.
@ وأجاز أبسو حنيفسة الوضوء بالماء المتغيسر؛ لقوله تعالى" :فلم تجدوا ماء" فقال :هذا نفسي فسي
نكرة ،وهو يعم لغة؛ فيكون مفيدا جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير؛ لنطلق اسم الماء
عليه .قلنا :النفي في النكرة يعم كما قلتم ،ولكن في الجنس ،فهو عام في كل ماء كان من سماء أو
نهسر أو عيسن عذب أو ملح .فأمسا غيسر الجنسس وهسو المتغيسر فل يدخسل فيسه؛ كمسا ل يدخسل فيسه ماء
الباقلء ول ماء الورد ،وسيأتي حكم المياه في "الفرقان" ،إن شاء ال تعالى.
@ وأجمعوا على أن الوضوء والغتسال ل يجوز بشيء من الشربة سوى النبيذ عند عدم الماء؛
وقوله تعالى" :فلم تجدوا ماء فتيمموا "يرده .والحديسسث الذي فيسسه ذكسسر الوضوء بالنسسبيذ رواه ابسسن
مسسعود ،وليسس بثابست؛ لن الذي رواه أبسو زيسد ،وهسو مجهول ل يعرف بصسحبة عبدال؛ قاله ابسن
المنذر وغيره .وسيأتي في "الفرقان "بيانه إن شاء ال تعالى.
@ الماء الذي يبيح عدمه التيمم هو الطاهر المطهر الباقي على أوصاف خلقته .وقال بعض من
ألف فسسي أحكام القرآن لمسسا قال تعالى { :فلم تجدوا ماء فتيمموا } فإنمسسا أباح التيمسسم عنسسد عدم كسسل
جزء من ماء؛ لنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه؛ سواء كان مخالطا لغيره أو منفردا بنفسه .ول
يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء؛ فلما كان كذلك لم يجز التيمم مع وجوده.
وهذا مذهسب الكوفييسن أبسي حنيفسة وأصسحابه؛ واسستدلوا على ذلك بأخبار ضعيفسة يأتسي ذكرهسا فسي
سورة "الفرقان" ،وهناك يأتي القول في الماء إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فتيمموا" التيمم مما خصت به هذه المة توسعة عليها؛ قال صلى ال عليه وسلم:
(فضلنسا على الناس بثلث جعلت لنسا الرض كلهسا مسسجدا وجعلت تربتهسا لنسا طهورا) وذكسر
الحديث ،وقد تقدم ذكر نزوله ،وذلك بسبب القلدة حسبما بيناه .وقد تقدم ذكر السباب التي تبيحه،
والكلم ههنسا فسي معناه لغسة وشرعسا ،وفسي صسفته وكيفيتسه ومسا يتيمسم بسه وله ،ومسن يجوز له التيمسم،
وشروط التيمم إلى غير ذلك من أحكامه.
فالتيمم لغة هو القصد .تيممت الشيء قصدته ،وتيممت الصعيد تعمدته ،وتيممته برمحي وسهمي
أي قصدته دون من سواه .وأنشد الخليل:
هذي البسالة ل لعب الزحاليق يممته الرمح شزرا ثم قلت له
قال الخليسل :مسن قال فسي هذا البيست أممتسه فقسد أخطسأ؛ لنسه قال" :شزرا "ول يكون الشزر إل مسن
ناحية ولم يقصد به أمامه .وقال امرؤ القيس:
بيثرب أدنى دارها نظر عال تيممتها من أذرعات وأهلها
وقال أيضا:
يفيء عليها الظل عرمضها طامي تيممت العين التي عند ضارج
آخر:
يممت بعيري غيره بلدا إني كذاك إذا ما ساءني بلد
وقال أعشى بأهلة:
من الرض من مهمة ذي شزن تيممت قيسا وكم دونه
وقال حميد بن ثور:
وهل عادة للربع أن يتكلما سل الربع أنى يممت أم طارق
وللشافعي:
بطني وعاء له ل بطن صندوق علمي معي حيثما يممت أحمله
قال ابسن السسكيت :قوله تعالى "فتيمموا صسعيدا طيبسا "أي اقصسدوا؛ ثسم كثسر اسستعمالهم لهذه الكلمسة
حتسى صسار التيمسم مسسح الوجسه واليديسن بالتراب .وقال ابسن النباري فسي قولهسم" :قسد تيمسم الرجسل
"معناه قسد مسسح التراب على وجهسه ويديسه .قلت :وهذا هسو التيمسم الشرعسي ،إذا كان المقصسود بسه
القربة .ويممت المريض فتيمم للصلة .ورجل ميمم يظفر بكل ما يطلب؛ عن الشيباني .وأنشد:
ميمم البيت رفيع المجد إنا وجدنا أعصر بن سعد
وقال آخر:
ميمم البيت كريم السنح أزهر لم يولد بنجم الشح
@ لفظ التيمسم ذكره ال تعالى في كتابسه في "البقرة "وفي هذه السورة و"المائدة "والتي في هذه
السورة هي آية التيمم .وال أعلم .وقال القاضي أبو بكر بن العربي :هذه معضلة ما وجدت لدائها
مسن دواء عنسد أحسد؛ همسا آيتان فيهمسا ذكسر التيمسم إحداهمسا فسي "النسساء" والخرى فسي "المائدة" .فل
نعلم أيسة آيسة عنست عائشسة بقولهسا" :فأنزل ال آيسة التيمسم" .ثسم قال :وحديثهسا يدل على أن التيمسم قبسل
ذلك لم يكن معلوما ول مفعول لهم.
قلت :أما قوله" :فل نعلم أية آية عنت عائشة "فهي هذه الية على ما ذكرنا .وال أعلم .وقوله:
"وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما ول مفعول لهم "في صحيح ول خلف فيه
بيسن أهسل السسير؛ لنسه معلوم أن غسسل الجنابسة لم يفترض قبسل الوضوء ،كمسا أنسه معلوم عنسد جميسع
أهسل السسير أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم منسذ افترضست عليسه الصسلة بمكسة لم يصسل إل بوضوء
مثسل وضوئنسا اليوم .فدل على أن آيسة الوضوء إنمسا نزلت ليكون فرضهسا المتقدم متلوا فسي التنزيسل.
وفسي قوله" :فنزلت آيسة التيمسم "ولم يقسل آيسة الوضوء مسا يسبين أن الذي طرأ لهسم مسن العلم فسي ذلك
الوقت حكم التيمم ل حكم الوضوء؛ وهذا بين ل إشكال فيه.
@ التيمسم يلزم كسل مكلف لزمتسه الصسلة إذا عدم الماء ودخسل ،وقست الصسلة .وقال أبسو حنيفسة
وصساحباه والمزنسي صساحب الشافعسي :يجوز قبله؛ لن طلب الماء عندهسم ليسس بشرط قياسسا على
النافلة؛ فلما جاز التيمم للنافلة دون طلب الماء جاز أيضا للفريضة .واستدلوا من السنة بقوله عليه
السلم لبي ذر( :الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج) .فسمى عليه السلم
الصعيد وضوءا كما يسمى الماء؛ فحكمه إذا حكم الماء .وال أعلم .ودليلنا قوله تعالى" :فلم تجدوا
ماء "ول يقال :لم يجسد الماء إل لمسن طلب ولم يجسد .وقسد تقدم هذا المعنسى؛ ولنهسا طهارة ضرورة
كالمسستحاضة؛ ولن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :فأينمسا أدركتسك الصسلة تيممست وصسليت).
وهو قول الشافعي وأحمد ،وهو مروي عن علي وابن عمر وابن عباس.
@ وأجمع العلماء على أن التيمم ل يرفع الجنابة ول الحدث ،وأن المتيمم لهما إذا وجد الماء عاد
جنبسسا كمسسا كان أو محدثسسا؛ لقوله عليسه السسسلم لبسسي ذر( :إذا وجدت الماء فأمسسسه جلدك) إل شيسسء
روي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن ،رواه ابن جريج وعبدالحميد بن جبير بن شيبة عنه؛ ورواه
ابن أبي ذئب عن عبدالرحمن بن حرملة عنه قال في الجنب المتيمم يجد الماء وهو على طهارته:
ل يحتاج إلى غسسل ول وضوء حتسى يحدث .وقسد روي عنسه فيمسن تيمسم وصسلى ثسم وجسد الماء فسي
الوقت أنه يتوضأ ويعيد تلك الصلة .قال ابن عبدالبر :وهذا تناقض وقلة روية .ولم يكن أبو سلمة
عندهم يفقه كفقه أصحابه التابعين بالمدينة.
@ وأجمعوا على أن مسن تيمسم على ثسم وجسد الماء قبسل الدخول فسي الصسلة بطسل تيممسه؛ وعليسه
اسستعمال الماء .والجمهور على أن مسن تيمسم وصسلى وفرغ مسن صسلته ،وقسد كان اجتهسد فسي طلبسه
الماء ولم يكسن فسي رحله أن صسلته تامسة؛ لنسه أدى فرضسه كمسا أمسر .فغيسر جائز أن توجسب عليسه
العادة بغير حجة .ومنهم من استحب له أن يعيد في الوقت إذا توضأ واغتسل .وروي عن طاوس
وعطاء والقاسسسم بسسن محمسسد ومكحول وابسسن سسسيرين والزهري وربيعسسة كلهسسم يقول :يعيسسد الصسسلة.
واسستحب الوزاعسي ذلك وقال :ليسس بواجسب؛ لمسا رواه أبسو سسعيد الخدري قال :خرج رجلن فسي
سفر فحضرت الصلة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ،ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد
أحدهمسا الصسلة بالوضوء ولم يعسد الخسر ،ثسم أتيسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فذكرا ذلك له
فقال للذي لم يعد( :أصبت السنة وأجزأتك صلتك) وقال للذي توضأ وأعاد( :لك الجر مرتين).
أخرجسه أبسو داود وقال :وغيسر ابسن نافسع يرويسه عسن الليسث عسن عميرة بسن أبسي ناجيسة عسن بكسر بسن
سسوادة عسن عطاء عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وذكسر أبسي سسعيد فسي هذا السسناد ليسس بمحفوظ.
وأخرجه الدارقطني وقال فيه :ثم وجد الماء بعد في الوقت.
@ واختلف العلماء إذا وجسد الماء بعسد دخول فسي الصسلة؛ فقال مالك :ليسس عليسه قطسع الصسلة
واسستعمال الماء وليتسم صسلته وليتوضسأ لمسا يسستقبل؛ وبهذا قال الشافعسي واختاره ابسن المنذر .وقال
أبسو حنيفسة وجماعسة منهسم أحمسد بسن حنبسل والمزنسي :يقطسع ويتوضسأ ويسستأنف الصسلة لوجود الماء.
وحجتهم أن التيمسم لما بطل بوجود الماء قبل الصلة فكذلك يبطل ما بقي منها ،وإذا بطل بعضها
بطل كلها؛ لجماع العلماء على أن المعتدة بالشهور ل يبقى عليها إل أقلها ثم تحيض أنها تستقبل
عدتهسا بالحيسض .قالوا :والذي يطرأ عليسه الماء وهسو فسي الصسلة كذلك قياسسا ونظرا .ودليلنسا قوله
تعالى" :ول تبطلوا أعمالكسم "[محمسد .]33 :وقسد اتفسق الجميسع على جواز الدخول فسي .الصسلة
بالتيمم عند عدم الماء ،واختلفوا في قطعها إذا رئي الماء؛ ولم تثبت سنة بقطعها ول إجماع .ومن
حجتهسم أيضسا أن مسن وجسب عليسه الصسوم فسي ظهار أو قتسل فصسام منسه أكثره ثسم وجسد رقبسة ل يلغسي
صومه ول يعود إلى الرقبة .وكذلك من دخل في الصلة بالتيمم ل يقطعها ول يعود إلى الوضوء
بالماء.
@ واختلفوا هل يصلى به صلوات أم يلزم التيمم لكل صلة فرض ونفل؛ فقال شريك بن عبدال
القاضي :يتيمم لكل صلة نافلة وفريضة .وقال مالك :لكل فريضة؛ لن عليه أن يبتغي الماء لكل
صسلة ،فمسن ابتغسى الماء فلم يجده فإنسه يتيمسم .وقال أبسو حنيفسة والثوري والليسث والحسسن بسن حسي
وداود :يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث؛ لنه طاهر ما لم يجد الماء؛ وليس عليه طلب الماء
إذا يئس منسسه .ومسسا قلناه أصسسح؛ لن ال عسسز وجسسل أوجسسب على كسسل قائم إلى الصسسلة طلب الماء،
وأوجب عند عدمه التيمم لستباحة الصلة قبل خروج الوقت ،فهي طهارة ضرورة ناقصة بدليل
إجماع المسسلمين على بطلنهسا بوجود الماء وإن لم يحدث؛ وليسس كذلك الطهارة بالماء .وقسد ينبنسي
هذا الخلف أيضا في جواز التيمم قبل دخول الوقت؛ فالشافعي وأهل المقالة الولى ل يجوزونه؛
لنسه لمسا قال ال تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا "ظهسر منسه تعلق أجزاء التيمسم بالحاجسة ،ول حاجسة
قبسل الوقست .وعلى هذا ل يصسلى فرضيسن بتيمسم واحسد ،وهذا بيسن .واختلف علماؤنسا فيمسن صسلى
صلتي فرض بتيمسم واحد؛ فروى يحيسى بن يحيى عن ابن القاسسم :يعيد الثانية ما دام في الوقت.
وروى أبو زيد بن أبي الغمر عنه :يعيد أبدا .وكذلك روي عن مطرف وابن الماجشون يعيد الثانية
أبدا .وهذا الذي يناظر عليه أصحابنا؛ لن طلب الماء شرط .وذكر ابن عبدوس أن ابن نافع روى
عن مالك في الذي يجمع بين الصلتين أنه يتيمم لكل صلة .وقال أبو الفرج فيمن ذكر صلوات:
إن قضاهسسن بتيمسسم واحسسد فل شيسسء عليسسه وذلك جائز له .وهذا على أن طلب الماء ليسسس بشرط.
والول أصح .وال أعلم.
@قوله تعالى" :صعيدا طيبا" الصعيد :وجه الرض كان عليه تراب أو لم يكن؛ قاله الخليل وابن
العرابسي والزجاج .قال الزجاج :ل أعلم فيسه خلفسا بيسن أهسل اللغسة ،قال ال تعالى" :وإنسا لجاعلون
ما عليها صعيدا جزرا" [الكهف ]8 :أي أرضا غليظة ل تنبت شيئا .وقال تعالى "فتصبح صعيدا
زلقا" [الكهف .]40 :ومنه قول ذي الرمة:
دبابة في عظام الرأس خرطوم كأنه بالضحى ترمي الصعيد به
وإنما سمي صعيدا لنه نهاية ما يصعد إليه من الرض .وجمع الصعيد صعدات؛ ومنه الحديث
(إياكم والجلوس في الصعدات ) .واختلف العلماء فيه من أجل تقييده بالطيب؛ فقالت طائفة :يتيمم
بوجسه الرض كله ترابسا كان أو رمل أو حجارة أو معدنسا أو سسبخة .هذا مذهسب مالك وأبسي حنيفسة
والثوري والطسبري .و"طيبسا "معناه طاهرا .وقالت فرقسة" :طيبسا "حلل؛ وهذا قلق .وقال الشافعسي
وأبو يوسف :الصعيد التراب المنبت وهو الطيب؛ قال ال تعالى" :والبلد الطيب يخرج نباته بإذن
ربه "[العراف ]58 :فل يجوز التيمم عندهم على غيره .وقال الشافعي :ل يقع الصعيد إل على
تراب ذي غبار .وذكر عبدالرزاق عن ابن عباس أنه سئل أي الصعيد أطيب ؟ فقال :الحرث .قال
أبسو عمسر :وفسي قول ابسن عباس هذا مسا يدل على أن الصسعيد يكون غيسر أرض الحرث .وقال علي
رضي ال عنه :هو التراب خاصة .وفي كتاب الخليل :تيمم بالصعيد ،أي خذ من غباره؛ حكاه ابن
فارس .وهو يقتضي التيمم بالتراب فإن الحجر الصلد ل غبار عليه .وقال الكيا الطبري :واشترط
الشافعي أن يعلق التراب باليد ويتيمم به نقل إلى أعضاء التيمم ،كالماء ينقل إلى أعضاء الوضوء.
قال الكيسا :ول شسك أن لفسظ الصسعيد ليسس نصسا فيمسا قال الشافعسي ،إل أن قول رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم( :جعلت لي الرض مسجدا وترابها طهورا ) بين ذلك.
قلت :فاسستدل أصسحاب هذه المقالة بقوله عليسه السسلم( :وجعلت تربتهسا لنسا طهورا ) وقالوا :هذا
مسن باب المطلق والمقيسد وليسس كذلك ،وإنمسا هسو مسن باب النسص على بعسض أشخاص العموم ،كمسا
قال تعالى" :فيهمسسا فاكهسسة ونخسسل ورمان" [الرحمسسن ]68 :وقسسد ذكرناه فسسي "البقرة "عنسسد قوله
"وملئكتسه ورسله وجبريل وميكائيل" [البقرة .]98 :وقد حكى أهل اللغة أن الصسعيد اسم لوجه
الرض كما ذكرنا ،وهو نص القرآن كما بينا ،وليس بعد بيان ال بيان .وقال صلى ال عليه وسلم
للجنسب( :عليسك بالصسعيد فإنسه يكفيسك ) وسسيأتي .فسي "صسعيدا "على هذا ظرف مكان .ومسن جعله
للتراب فهو مفعول به بتقديسر حذف الباء أي بصسعيد .و"طيبسا "نعت له .ومن جعل "طيبا "بمعنسى
حلل نصبه على الحال أو المصدر.
@ وإذا تقرر هذا فاعلم أن مكان الجماع ممسا ذكرناه أن يتيمسم الرجسل على تراب منبست طاهسر
غير منقول ول مغصوب .ومكان الجماع في المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف والفضة
والياقوت والزمرد والطعمسة كالخبسز واللحسم وغيرهمسا ،أو على النجاسسات .واختلف فسي غيسر هذا
كالمعادن؛ فأجيسز وهسو مذهسب مالك وغيره .ومنسع وهسو مذهسب الشافعسي وغيره .وقال ابسن خويسز
منداد :ويجوز عنسد مالك التيمسم على الحشيسش إذا كان دون الرض ،واختلف عنسه فسي التيمسم على
الثلج ففسي المدونسة والمبسسوط جوازه؛ وفسي غيرهمسا منعسه .واختلف المذهسب فسي التيمسم على العود؛
فالجمهور على المنسسع .وفسسي مختصسسر الوقار أنسسه جائز .وقيسسل :بالفرق بيسسن أن يكون منفصسسل أو
متصسل فأجيسز على المتصسل ومنسع فسي المنفصسل .وذكسر الثعلبسي أن مالكسا قال :لو ضرب بيده على
شجرة ثسسم مسسسح بهسسا أجزأه .قال :وقال الوزاعسسي والثوري :يجوز بالرض وكسسل مسسا عليهسسا مسسن
الشجسسر والحجسسر والمدر وغيرهسسا ،حتسسى قال :لو ضرب بيده عاف الجمسسد والثلج أجزأه .قال ابسسن
عطيسسة :وأمسسا التراب المنقول مسسن طيسسن أو غيره فجمهور المذهسسب على جواز التيمسسم بسسه ،وفسسي
المذهب المنع وهو في غير المذهب أكثر ،وأما ما طبخ كالجص والجر ففيه في المذهب قولن:
الجازة والمنع؛ وفي التيمم على الجدار خلف.
قلت :والصسحيح الجواز لحديسث أبي جهيسم بسن الحارث بن الصسمة النصساري قال :أقبل رسسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم مسن نحسو بئر جمسل فلقيسه رجسل فسسلم عليسه ،فلم يرد عليسه النسبي صسلى ال
عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ،ثم رد عليه السلم .أخرجه البخاري .وهو
دليل على صحة التيمم بغبر التراب كما يقول مالك ومن وافقه .ويرد على الشافعي ومن تابعه في
أن الممسسوح بسه تراب طاهسر ذو غبار يعلق باليسد .وذكسر النقاش عسن ابسن عليسة وابسن كيسسان أنهمسا
أجازا التيمسسم بالمسسسك والزعفران .قال ابسسن عطيسسة :وهذا خطسسأ بحسست مسسن جهات .قال أبسسو عمسسر:
وجماعسة العلماء على إجازة التيمسم بالسسباخ إل إسسحاق بسن راهويسه .وروي عسن ابسن عباس فيمسن
أدركسه التيمسم وهو فسي طيسن قال :يأخسذ من الطيسن فيطلي بسه بعسض جسسده ،فإذا جسف تيمسم بسه .وقال
الثوري وأحمسد :يجوز التيمسم بغبار اللبسد .قال الثعلبسي :وأجاز أبسو حنيفسة التيمسم بالكحسل والزرنيسخ
والنورة والجسص والجوهسر المسسحوق .قال :فإذا تيمسم بسسحالة الذهسب والفضسة والصسفر والنحاس
والرصاص لم يجزه؛ لنه ليس من جنس الرض.
@قوله تعالى" :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" المسح لفظ مشترك يكون بمعنى الجماع ،يقال :مسح
الرجل المرأة إذا جامعها .والمسح :مسح الشيء بالسيف وقطعه .ومسحت البل يومها إذا سارت.
والمسسحاء المرأة الرسسحاء التسي ل إسست لهسا .وبفلن مسسحة مسن جمال .والمراد هنسا بالمسسح عبارة
عسن جسر اليسد على الممسسوح خاصسة ،فإن كان بآلة فهسو عبارة عسن نقسل اللة إلى اليسد وجرهسا على
الممسسوح ،وهسو مقتضسى قوله تعالى فسي آيسة المائدة" :فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم منسه "[المائدة:
.]6فقوله "منسه "يدل على أنسه ل بسد مسن نقسل التراب إلى محسل التيمسم .وهسو مذهسب الشافعسي ول
نشترطسه نحسن؛ لن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم لمسا وضسع يديسه على الرض ورفعهمسا نفسخ فيهمسا؛
وفسي روايسة :نفسض .وذلك يدل على عدم اشتراط اللة؛ يوضحسه تيممسه على الجدار .قال الشافعسي:
لمسا لم يكسن بسد فسي مسسح الرأس بالماء مسن بلل ينقسل إلى الرأس ،فكذلك المسسح بالتراب ل بسد مسن
النقسسل .ول خلف فسسي أن حكسسم الوجسسه فسسي التيمسسم والوضوء السسستيعاب وتتبسسع مواضعسسه؛ وأجاز
بعضهم أل يتتبع كالغضون في الخفين وما بين الصابع في الرأس ،وهو في المذهب قول محمد
بن مسلمة؛ حكاه ابن عطية .وقال ال عز وجل" :بوجوهكم وأيديكم "فبدأ بالوجه قبل اليدين وبه
قال الجمهور .ووقع في البخاري من حديث عمار في "باب التيمم ضربة "ذكر اليدين قبل الوجه.
وقال بعض أهل العلم قياسا على تنكيس الوضوء.
@ واختلف العلماء أين يبلغ بالتيمم في اليدين؛ فقال ابن شهاب :إلى المناكب .وروي عن أبي بكر
الصسسديق .وفسسي مصسسنف أبسسي داود عسسن العمسسش أن رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم مسسسح إلى
أنصسساف ذراعيسسه .قال ابسسن عطيسسة :ولم يقسسل أحسسد بهذا الحديسسث فيمسسا حفظسست .وقيسسل :يبلغ بسسه إلى
المرفقين قياسا على الوضوء .وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وابن أبي سلمة
والليسث كلهسم يرون بلوغ المرفقيسن بالتيمسم فرضسا واجبسا .وبسه قال محمسد بسن عبدال بسن عبدالحكسم
وابسن نافسع ،وإليسه ذهسب إسسماعيل القاضسي .قال ابسن نافسع :مسن تيمسم إلى الكوعيسن أعاد الصسلة أبدا
وقال مالك في المدونة :يعيد في الوقت .وروى التيمم إلى المرفقين عن النبي صلى ال عليه وسلم
جابر بسن عبدال وابسن عمسر وبسه كان يقول .قال الدارقطنسي :سسئل قتادة عسن التيمسم فسي السسفر فقال:
كان ابسسن عمسسر يقول إلى المرفقيسسن .وكان الحسسسن وإبراهيسسم النخعسسي يقولن إلى المرفقيسسن .قال:
وحدثني محدث عن الشعبي عن عبدالرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر أن رسول ال صلى ال
عليسه وسسلم قال( :إلى المرفقيسن ) .قال أبسو إسسحاق :فذكرتسه لحمسد بسن حنبسل فعجسب منسه وقال مسا
أحسسسنه ! .وقالت طائفسسة :يبلغ بسسه إلى الكوعيسسن وهمسسا الرسسسغان .روي عسسن علي بسسن أبسسي طالب
والوزاعسي وعطاء والشعسبي فسي روايسة ،وبسه قال أحمسد بسن حنبسل وإسسحاق بسن راهويسه وداود بسن
علي والطسسبري .وروي عسسن مالك وهسسو قول الشافعسسي فسسي القديسسم .وقال مكحول :اجتمعسست أنسسا
والزهري فتذاكرنسسا التيمسسم فقال الزهري :المسسسح إلى الباط .فقلت :عمسسن أخذت هذا ؟ فقال :عسسن
كتاب ال عسز وجسل ،إن ال تعالى يقول" :فامسسحوا بوجوهكسم وأيديكسم "فهسي يسد كلهسا .قلت له :فإن
ال تعالى يقول" :والسسارق والسسارقة فاقطعوا أيديهمسا "[المائدة ]38 :فمسن أيسن تقطسع اليسد ؟ قال:
فخصسمته .وحكسي عسن الدراوردي أن الكوعيسن فرض والباط فضيلة .قال ابسن عطيسة :هذا قول ل
يعضده قياس ول دليسل ،وإنمسا عمسم قوم لفسظ اليسد فأوجبوه مسن المنكسب :وقاس قوم على الوضوء
فأوجبوه من المرافق وههنا جمهور المة ،ووقف قوم مع الحديث في الكوعين ،وقيس أيضا على
القطسع إذ هو حكسم شرعسي وتطهيسر كمسا هذا تطهيسر ،ووقسف قوم مسع حديسث عمار فسي الكفيسن .وهسو
قول الشعبي.
@ واختلف العلماء أيضسا هسل يكفسي فسي التيمسم ضربسة واحدة أم ل ؟ فذهسب مالك فسي المدونسة أن
التيمسسم بضربتيسسن :ضربسسة للوجسسه وضربسسة لليديسسن؛ وهسسو قول الوزاعسسي والشافعسسي وأبسسي حنيفسسة
وأصحابهم ،والثوري والليث وابن أبي سلمة .ورواه جابر بن عبدال وابن عمر عن النبي صلى
ال عليه وسلم .وقال ابن أبي الجهم :التيمم بضربة واحدة .وروي عن الوزاعي في الشهر عنه؛
وهو قول عطاء والشعبي في رواية .وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري .وهو أثبت
ما روي في ذلك من حديث عمار .قال مالك في كتاب محمد :إن تيمم بضربة واحدة أجزأه .وقال
ابن نافع :يعيد أبدا .قال أبو عمر وقال ابن أبي ليلى والحسن بن حي :ضربتان؛ يمسح بكل ضربة
منهمسا وجهسه وذراعيسه ومرفقيسه .ولم يقسل بذلك أحسد مسن أهسل العلم غيرهمسا .قال أبسو عمسر :لمسا
اختلفست الثار فسي كيفيسة التيمسم وتعارضست كان الواجسب فسي ذلك الرجوع إلى ظاهسر الكتاب ،وهسو
يدل على ضربتيسن ضربة للوجه ،ولليديسن أخرى إلى المرفقيسن ،قياسسا على الوضوء واتباعسا لفعل
ابن عمر؛ فإنه من ل يدفع علمه بكتاب ال .ولو ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك شيء
وجب الوقوف عنده .وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :إن ال كان عفوا غفورا" أي لم يزل كائنا يقبل العفو وهو السهل ،ويغفر الذنب
أي يستر عقوبته فل يعاقب.
**3اليات{ 53 - 44 :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضللة ويريدون أن
تضلوا السسبيل ،وال أعلم بأعدائكسم وكفسى بال وليسا وكفسى بال نصسيرا ،مسن الذيسن هادوا يحرفون
الكلم عسن مواضعسه ويقولون سسمعنا وعصسينا واسسمع غيسر مسسمع وراعنسا ليسا بألسسنتهم وطعنسا فسي
الديسن ولو أنهسم قالوا سسمعنا وأطعنسا واسسمع وانظرنسا لكان خيرا لهسم وأقوم ولكسن لعنهسم ال بكفرهسم
فل يؤمنون إل قليل ،يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس
وجوهسا فنردهسا على أدبارهسا أو نلعنهسم كمسا لعنسا أصسحاب السسبت وكان أمسر ال مفعول ،إن ال ل
يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء ومسن يشرك بال فقسد افترى إثمسا عظيمسا ،ألم تسر
إلى الذيسن يزكون أنفسسهم بسل ال يزكسي مسن يشاء ول يظلمون فتيل ،انظسر كيسف يفترون على ال
الكذب وكفسى بسه إثمسا مبينسا ،ألم تسر إلى الذيسن أوتوا نصسيبا مسن الكتاب يؤمنون بالجبست والطاغوت
ويقولون للذين كفروا هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيل ،أولئك الذين لعنهم ال ومن يلعن ال فلن
تجد له نصيرا ،أم لهم نصيب من الملك فإذا ل يؤتون الناس نقيرا}
@قوله تعالى" :ألم تسر إلى الذيسن أوتوا نصسيبا مسن الكتاب "إلى قوله تعالى" :فمنهسم مسن آمسن بسه
ومنهم من صد عنه "الية.
نزلت فسي يهود المدينسة ومسا والهسا .قال ابسن إسسحاق :وكان رفاعسة بسن زيسد بسن التابوت مسن
عظماء يهود ،إذا كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم لوى لسانه وقال :أرعنا سمعك يا محمد حتى
نفهمك؛ ثم طعن في السلم وعابه فأنزل ال عز وجل "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب
"إلى قوله "قليل" .ومعنسى "يشترون "يسستبدلون فهسو فسي موضسع نصسب على الحال ،وفسي الكلم
حذف تقديره يشترون الضللة بالهدى؛ كمسسسسسا قال تعالى" :أولئك الذيسسسسسن اشتروا الضللة بالهدى
"[البقرة ]16 :قاله القتسبي وغيره" .ويريدون أن تضلوا السسبيل" عطسف عليسه ،والمعنسى تضلوا
طريق الحق .وقرأ الحسن" :تضلوا "بفتح الضاد أي عن السبيل.
@قوله تعالى" :وال أعلم بأعدائكم" يريد منكم؛ فل تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم .ويجوز أن يكون
"أعلم "بمعنسى عليم؛ كقوله تعالى" :وهو أهون عليه "[الروم ]27 :أي هيسن" .وكفسى بال وليسا"
الباء زائدة؛ زيدت لن المعنسى اكتفوا بال فهسو يكفيكسم أعداءكسم .و"وليسا "و "نصسيرا" نصسب على
البيان ،وإن شئت على الحال.
@قوله تعالى" :مسن الذيسن هادوا" قال الزجاج :إن جعلت "مسن "متعلقسة بمسا قبسل فل يوقسف على
قول "نصسيرا" ،وإن جعلت منقطعسة فيجوز الوقسف على "نصسيرا "والتقديسر مسن الذيسن هادوا قوم
يحرفون الكلم؛ ثم حذف .وهذا مذهب سيبويه ،وأنشد النحويون:
يفضلها في حسب ومبسم لو قلت ما في قومها لم تيثم
قالوا :المعنسى لو قلت مسا فسي قومهسا أحسد يفضلهسا؛ ثسم حذف .وقال الفراء :المحذوف "مسن" المعنسى:
مسن الذيسن هادوا مسن يحرفون .وهذا كقوله تعالى" :ومسا منسا إل له مقام معلوم" [الصسافات]164 :
أي من له .وقال ذو الرمة:
وآخر يذري عبرة العين بالهمل فظلوا ومنهم دمعه سابق له
يريسد ومنهسم مسن دمعسه ،فحذف الموصسول .وأنكره المسبرد والزجاج؛ لن حذف الموصسول كحذف
بعض الكلمة" .يحرفون" يتأولونه على غير تأويله .وذمهم ال تعالى بذلك لنهم يفعلونه متعمدين.
وقيسل" :عسن مواضعسه" يعنسي صسفة النسبي صسلى ال عليسه وسسلم" .ويقولون سسمعنا وعصسينا" أي
سسمعنا قولك وعصسينا أمرك" .واسسمع غيسر مسسمع" قال ابسن عباس :كانوا يقولون النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم :اسسمع ل سسمعت ،هذا مرادهسم -لعنهسم ال -وهسم يظهرون أنهسم يريدون اسسمع غيسر
مسسمع مكروهسا ول أذى .وقال الحسسن ومجاهسد .معناه غيسر مسسمع منسك ،أي مقبول ول مجاب إلى
مسا تقول .قال النحاس :ولو كان كذلك لكان غيسر مسسموع منسك .وتقدم القول فسي "راعنسا" .ومعنسى
"ليا بألسنتهم" أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم .وأصل اللي الفتل ،وهو
نصسسب على المصسسدر ،وإن شئت كان مفعول مسسن أجله .وأصسسله لويسسا ثسسم أدغمسست الواو فسسي الياء.
"وطعنا" معطوف عليه أي يطعنون في الدين ،أي يقولون لصحابهم لو كان نبيا لدرى أننا نسبه،
فأظهسر ال تعالى نسبيه على ذلك فكان مسن علمات نبوتسه ،ونهاهسم عسن هذا القول .ومعنسى "أقوم"
أصسسوب لهسسم فسسي الرأي" .فل يؤمنون إل قليل "أي إل إيمانسسا قليل ل يسسستحقون بسسه اسسسم اليمان.
وقيل :معناه ل يؤمنون إل قليل منهم؛ وهذا بعيد لنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم.
@قوله تعالى" :يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا" قال ابن إسحاق :كلم رسول ال صلى
ال عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبدال بن صوريا العور وكعب بن أسد فقال لهم( :يا
معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فوال إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق ) قالوا :ما نعرف ذلك يا
محمسد .وجحدوا مسا عرفوا وأصسروا على الكفسر؛ فأنزل ال عسز وجسل فيهسم "يسا أيهسا الذيسن أوتوا
الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها "إلى آخر الية.
@قوله تعالى" :مصسدقا لمسا معكسم" نصسب على الحال" .مسن قبسل أن نطمسس وجوهسا" الطمسس
استئصال أثر الشيء؛ ومنه قوله تعالى" :فإذا النجوم طمست "[المرسلت .]8 :ونطمس ونطمس
بكسر الميم وضمها في المستقبل لغتان .ويقال في الكلم :طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس؛ يقال:
طمسس الثسر وطسسم أي أمحسى ،كله لغات؛ ومنسه قوله تعالى" :ربنسا اطمسس على أموالهسم"[يونسس:
]88أي أهلكهسا؛ عسن ابسن عرفسة .ويقال :طمسسته فطمسس لزم ومتعسد .وطمسس ال بصسره ،وهسو
مطموس البصسر إذا ذهسب أثسر العيسن؛ ومنسه قوله تعالى" :ولو نشاء لطمسسنا على أعينهسم "[يسس:
]66يقول أعميناهم.
واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الية؛ هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالنف
والفم والحاجب والعين .أو ذلك عبارة عن الضلل في قلوبهم وسلبهم التوفيق ؟ قولن .روي عن
أبي بن كعب أنه قال" :من قبل أن نطمس "من قبل أن نضلكم إضلل ل تهتدون بعده .يذهب إلى
أنسه تمثيسل وأنهسم إن لم يؤمنوا فعسل هذا بهسم عقوبسة .وقال قتادة :معناه مسن قبسل أن نجعسل الوجوه
أقفاء .أي يذهسب بالنسف والشفاه والعيسن والحواجسب؛ هذا معناه عنسد أهسل اللغسة .وروي عسن ابسن
عباس وعطيسة العوفسي :أن الطمسس أن تزال العينان خاصسة وترد فسي القفسا؛ فيكون ذلك ردا على
الدبر ويمشي القهقرى .وقال مالك رحمه ال :كان أول إسلم كعب الحبار أنه مر برجل من الليل
وهسو يقرأ هذه اليسة" :يسا أيهسا الذيسن أوتوا الكتاب آمنوا "فوضسع كفيسه على وجهسه ورجسع القهقرى
إلى بيته فأسلم مكانه وقال :وال لقد خفت أل أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي .وكذلك فعل عبدال بن
سسلم ،لمسا نزلت هذه اليسة وسسمعها أتسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قبسل أن يأتسي أهله وأسسلم
وقال :يا رسول ال ،ما كنت أدرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي .فإن قيل :كيف جاز
أن يهددهسم بطمسس الوجسه إن لم يؤمنوا ثسم لم يؤمنوا ولم يفعسل ذلك بهسم؛ فقيسل :إنسه لمسا آمسن هؤلء
ومن اتبعهسم رفع الوعيسد عن الباقيسن .وقال المبرد :الوعيسد باق منتظسر .وقال :ل بد من طمسس فسي
اليهود ومسخ قبل يوم القيامة.
@قوله تعالى" :أو نلعنهسم" أي أصسحاب الوجوه "كمسا لعنسا أصسحاب السسبت" أي نمسسخهم قردة
وخنازيسر؛ عسن الحسسن وقتادة .وقيسل :هسو خروج مسن الخطاب إلى الغيبسة "وكان أمسر ال مفعول"
أي كائنسا موجودا .ويراد بالمسر المأمور فهسو مصسدر وقسع موقسع المفعول؛ فالمعنسى أنسه متسى أراده
أوجده .وقيل :معناه أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به.
@قوله تعالى" :إن ال ل يغفسر أن يشرك به" روي أن النسبي صسلى ال عليه وسسلم تل" :إن ال
يغفر الذنوب جميعا "[الزمر ]53 :فقال له رجل :يا رسول ال والشرك ! فنزل "إن ال ل يغفر
أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء" .وهذا مسن المحكسم المتفسق عليسه الذي ل اختلف فيسه
بيسن المسة" .ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "مسن المتشابسه الذي قسد تكلم العلماء فيسه .فقال محمسد بسن
جريسر الطسبري :قسد أبانست هذه اليسة أن كسل صساحب كسبيرة ففسي مشيئة ال تعالى إن شاء عفسا عنسه
ذنبه ،وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بال تعالى .وقال بعضهم :قد بين ال تعالى ذلك
بقول" :إن تجتنبوا كبائر مسا تنهون عنسه نكفسر عنكسم سسيئاتكم "[النسساء ]31 :فاعلم أنسه يشاء أن
يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ول يغفرها لمن أتى الكبائر .وذهب بعض أهل التأويل إلى أن
هذه اليسة ناسسخة للتسي فسي آخسر "الفرقان" .قال زيسد بسن ثابست :نزلت سسورة "النسساء "بعسد "الفرقان
"بستة أشهر ،والصحيح أن ل نسخ؛ لن النسخ في الخبار يستحيل .وسيأتي بيان الجمع بين الي
فسي هذه السسورة وفسي "الفرقان "إن شاء ال تعالى .وفسي الترمذي عسن علي بسن أبسي طالب قال :مسا
فسي القرآن آيسة أحسب إلي مسن هذه اليسة "إن ال ل يغفسر أن يشرك به ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء
"قال :هذا حديث حسن غريب.
@قوله تعالى" :ألم تسر إلى الذيسن يزكون أنفسسهم" هذا اللفسظ عام فسي ظاهره ولم يختلف أحسد مسن
المتأوليسن فسي أن المراد اليهود .واختلفوا فسي المعنسى الذي زكوا بسه أنفسسهم؛ فقال قتادة والحسسن:
ذلك قولهسسم" :نحسسن أبناء ال وأحباؤه" ،وقولهسسم" :لن يدخسسل الجنسسة إل مسسن كان هودا أو نصسسارى
"وقال الضحاك والسدي :قولهم ل ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر لنا ليل وما فعلناه ليل غفر لنا
نهارا ،ونحسسن كالطفال فسسي عدم الذنوب .وقال مجاهسسد وأبسسو مالك وعكرمسسة :تقديمهسسم الصسسغار
للصلة؛ لنهم ل ذنوب عليهم .وهذا يبعد من مقصد الية .وقال ابن عباس :ذلك قولهم آباؤنا الذين
ماتوا يشفعون لنا ويزكوننا .وقال عبدال بن مسعود :ذلك ثناء بعضهم على بعض .وهذا أحسن ما
قيل؛ فإنه الظاهر من معنى الية ،والتزكية :التطهير والتبرية من الذنوب.
@ هذه اليسة وقوله تعالى" :فل تزكوا أنفسسكم" [النجسم ]32 :يقتضسي الغسض مسن المزكسي لنفسسه
بلسسانه ،والعلم بأن الزاكسي المزكسى مسن حسسنت أفعاله وزكاه ال عسز وجسل فل عسبرة بتزكيسة
النسان نفسه ،وإنما العبرة بتزكية ال له .وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال:
سميت ابنتي برة؛ فقالت لي زينب بنت أبي سلمة :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا
السسم ،وسسميت برة؛ فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :ل تزكوا أنفسسكم ال أعلم بأهسل البر
منكسم ) فقالوا :بسم نسسميها ؟ فقال( :سسموها زينسب ) .فقسد دل الكتاب والسسنة على المنسع مسن تزكيسة
النسان نفسه ،ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت
التي تقتضي التزكية؛ كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك ،لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه
السماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت ل تفيد شيئا.
@ فأما تزكية الغير ومدحه له؛ ففي البخاري من حديث أبي بكرة أن رجل ذكر عند النبي صلى
ال عليسه وسسلم فأثنسى عليسه رجسل خيرا ،فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم( :ويحسك قطعست عنسق
صساحبك -يقوله مرارا -إن كان أحدكسم مادحسا ل محالة فليقسل أحسسب كذا وكذا إن كان يرى أنسه
كذلك وحسسيبه ال ول يزكسي على ال أحدا ) فنهسى صسلى ال عليسه وسسلم أن يفرط فسي مدح الرجسل
بما ليس فيه فيدخله في ذلك العجاب والكبر ،ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة فيحمله ذلك على
تضييسع العمسل وترك الزدياد مسن الفضسل؛ ولذلك قال صسلى ال عليسه وسسلم( :ويحسك قطعست عنسق
صاحبك ) .وفي الحديث الخر (قطعتم ظهر الرجل ) حين وصفوه بما ليس فيه .وعلى هذا تأول
العلماء قوله صلى ال عليه وسلم( :احثوا التراب في وجوه المداحين ) إن المراد به المداحون في
وجوههسم بالباطسل وبمسا ليسس فيهسم ،حتسى يجعلوا ذلك بضاعسة يسستأكلون بسه الممدوح ويفتنونسه؛ فأمسا
مدح الرجسل بمسا فيسه مسن الفعسل الحسسن والمسر المحمود ليكون منسه ترغيبسا له فسي أمثاله وتحريضسا
للناس على القتداء بسه فسي أشباهسه فليسس بمداح ،وإن كان قسد صسار مادحسا بمسا تكلم بسه مسن جميسل
القول فيسه .وهذا راجسع إلى النيات "وال يعلم المفسسد مسن المصسلح" .وقسد مدح فسي الشعسر والخطسب
والمخاطبة ولم يحث في وجوه المداحين التراب ،ول أمر بذلك .كقول أبي طالب:
ثمال اليتامى عصمة للرامل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
وكمدح العباس وحسسان له فسي شعرهمسا ،ومدحسه كعسب بسن زهيسر ،ومدح هسو أيضسا أصسحابه فقال:
(إنكسم لتقلون عنسد الطمسع وتكثرون عنسد الفزع ) .وأمسا قوله صسلى ال عليسه وسسلم فسي صسحيح
الحديسث( :ل تطرونسي كمسا أطرت النصسارى عيسسى ابسن مريسم وقولوا :عبدال ورسسوله ) فمعناه ل
تصفوني بما ليس في من الصفات تلتمسون بذلك مدحي ،كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن
فيه ،فنسبوه إلى أنه ابن ال فكفروا بذلك وضلوا .وهذا يقتضي أن من رفع أمرا فوق حده وتجاوز
مقداره بمسا ليسس فيسه فمعتسد آثسم؛ لن ذلك لو جاز فسي أحسد لكان أولى الخلق بذلك رسسول ال صسلى
ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :ول يظلمون فتيل" الضمير في "يظلمون" عائد على المذكورين ممن زكى نفسه
وممسن يزكيسه ال عسز وجسل .وغيسر هذيسن الصسنفين علم أن ال تعالى ل يظلمسه مسن غيسر هذه اليسة.
والفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة؛ قال ابن عباس وعطاء ومجاهد .وقيل :القشرة التي حول
النواة بينها وبين البسرة .وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك والسدي :هو ما يخرج بين أصبعيك أو
كفيك من الوسخ إذا فتلتهما؛ فهو فعيل بمعنى مفعول .وهذا كله يرجع إلى كناية عن تحقير الشيء
وتصسسسغيره ،وأن ال ل يظلمسسسه شيئا .ومثسسسل هذا فسسسي التحقيسسسر قوله تعالى" :ول يظلمون نقيرا"
[النسساء ]124 :وهسو النكتسة التسي فسي ظهسر النواة ،ومنسه تنبست النخلة ،وسسيأتي .قال الشاعسر يذم
بعض الملوك:
ثم ل ترزأ العدو فتيل تجمع الجيش ذا اللوف وتغزو
ثسم عجسب النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن ذلك فقال" :انظسر كيسف يفترون على ال الكذب" فسي
قولهم :نحن أبناء ال وأحباؤه .وقيل :تزكيتهم لنفسهم؛ عن ابن جريج .وروي أنهم قالوا :ليس لنا
ذنوب إل كذنوب أبنائنسسا يوم تولد .والفتراء الختلق؛ ومنسسه افترى فلن على فلن أي رماه بمسسا
ليسس فيسه .وفريست الشيسء قطعتسه" .وكفسى بسه إثمسا مبينسا" نصسب على البيان .والمعنسى تعظيسم الذنسب
وذمه .العرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم.
@قوله تعالى" :ألم تسسر إلى الذيسسن أوتوا نصسسيبا مسسن الكتاب" يعنسسي اليهود "يؤمنون بالجبسست
والطاغوت" اختلف أهسل التأويسل فسي تأويسل الجبست والطاغوت؛ فقال ابسن عباس وابسن جسبير وأبسو
العاليسة :الجبست السساحر بلسسان الحبشسة ،والطاغوت الكاهسن .وقال الفاروق عمسر رضسي ال عنسه:
الجبت السحر والطاغوت الشيطان .ابن مسعود :الجبت والطاغوت ههنا كعب بن الشرف وحيي
بسن أخطسب .عكرمسة :الجبست حيسي بسن أخطسب والطاغوت كعسب بسن الشرف؛ دليله قوله تعالى:
"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت "[النسساء .]60 :قتادة :الجبست الشيطان والطاغوت الكاهسن.
وروى ابسن وهسب عسن مالك بسن أنسس :الطاغوت مسا عبسد مسن دون ال .قال :وسسمعت مسن يقول إن
الجبسست الشيطان؛ ذكره النحاس .وقيسسل :همسسا كسسل معبود مسسن دون ال ،أو مطاع فسسي معصسسية ال؛
وهذا حسسن .وأصسل الجبست الجبسس وهسو الذي ل خيسر فيسه ،فأبدلت التاء مسن السسين؛ قاله قطرب.
وقيسل :الجبست إبليسس والطاغوت أولياؤه .وقول مالك فسي هذا الباب حسسن؛ يدل عليسه قوله تعالى:
"أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت "[النحسل ]36 :وقال تعالى" :والذيسن اجتنبوا الطاغوت أن
يعبدوهسا "[الزمسر .]17 :وروى قطسن بسن المخارق عسن أبيسه قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم( :الطرق والطيرة والعيافة من الجبت ) .الطرق الزجر ،والعيافة الخط؛ خرجه أبو داود في
سننه .وقيل :الجبت كل ما حرم ال ،الطاغوت كل ما يطغي النسان .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ويقولون للذيسن كفروا" أي يقول اليهود لكفار قريسش أنتسم أهدى سسبيل مسن الذيسن
آمنوا بمحمد .وذلك أن كعب بن الشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد
ليحالفوا قريشسا على قتال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،فنزل كعسب على أبسي سسفيان فأحسسن
مثواه ،ونزلت اليهود في دور قريش فتعاقدوا وتعاهدوا ليجتمعن على قتال محمد؛ فقال أبو سفيان:
إنسك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ،ونحسن أميون ل نعلم ،فأينسا أهدى سسبيل وأقرب إلى الحسق .نحسن أم
محمد ؟ فقال كعب :أنتم وال أهدى سبيل مما عليه محمد.
@قوله تعالى" :أم لهم نصيب من الملك" أي ألهم ؟ والميم صلة" .نصيب" حظ "من الملك" وهذا
على وجه النكار؛ يعني ليس لهم من الملك شيء ،ولو كان لهم منه شيء لم يعطوا أحدا منه شيئا
لبخلهسم وحسسدهم .وقيسل :المعنسى بسل ألهسم نصسيب؛ فتكون أم منقطعسة ومعناهسا الضراب عسن الول
والسستئناف للثانسي .وقيسل :هسي عاطفسة على محذوف؛ لنهسم أنفوا مسن أتباع محمسد صسلى ال عليسه
وسسلم .والتقديسر :أهسم أولى بالنبوة ممسن أرسسلته أم لهسم نصسيب مسن الملك ؟" .فإذا ل يؤتون الناس
نقيرا "أي يمنعون الحقوق .خسبر ال عسز وجسل عنهسم بمسا يعلمسه منهسم .والنقيسر :النكتسة فسي ظهسر
النواة؛ عن ابن عباس وقتادة وغيرهما .وعن ابن عباس أيضا :النقير :ما نقر الرجل بأصبعه كما
ينقسسر الرض .وقال أبسسو العاليسسة :سسسألت ابسسن عباس عسسن النقيسسر فوضسسع طرف البهام على باطسسن
السبابة ثم رفعهما وقال :هذا النقير .والنقير :أصل خشبة ينقر وينبذ فيه؛ وفيه جاء النهي ثم نسخ.
وفلن كريم النقير أي الصل .و"إذا "هنا ملغاه غير عاملة لدخول فاء العطف عليها ،ولو نصب
لجاز .قال سسيبويه" :إذا "فسي عوامسل الفعال بمنزلة "أظسن "فسي عوامسل السسماء ،أي تلغسى إذا لم
يكسن الكلم معتمدا عليهسا ،فإن كانست فسي أول الكلم وكان الذي بعدهسا مسستقبل نصسبت؛ كقولك :أنسا
أزورك فيقول مجيبا لك :إذا أكرمك .قال عبدال بن عنتمة الضبي:
إذن يرد وقيد العير مكروب اردد حمارك ل يرتع بروضتنا
نصب لن الذي قبل "إذن "تام فوقعت ابتداء كلم .فإن وقعت متوسطة بين شيئين كقولك .زيد إذا
يزورك ألغيسست؛ فإن دخسسل عليهسسا فاء العطسسف أو واو العطسسف فيجور فيهسسا العمال واللغاء؛ أمسسا
العمال فلن ما بعد الواو يستأنف على طريق عطف الجملة على الجملة ،فيجوز في غير القرآن
فإذا ل يؤتوا .وفسي التنزيسل "وإذا ل يلبثون "[السسراء ]76 :وفسي مصسحف أبسي "وإذا ل يلبثوا".
وأمسا اللغاء فلن مسا بعسد الواو ل يكون إل بعسه كلم يعطسف عليسه ،والناصسب للفعسل عنسد سسيبويه
"إذا" لمضارعتها "أن" ،وعند الخليل أن مضمرة بعد إذا .وزعم الفراء أن إذا تكتب باللف وأنها
منونسسة .قال النحاس :وسسسمعت علي بسسن سسسليمان يقول :سسسمعت أبسسا العباس محمسسد بسسن يزيسسد يقول:
أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذاً باللف؛ إنها مثل لن وإن ،ول يدخل التنوين في الحروف.
**3اليتان{ 55 - 54 :أم يحسسدون الناس على مسا آتاهسم ال مسن فضله فقسد آتينسا آل إبراهيسم
الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ،فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا}
@قوله تعالى" :أم يحسدون" يعني اليهود" .الناس" يعني النبي صلى ال عليه وسلم خاصة؛ عن
ابسن عباس ومجاهسد وغيرهمسا .حسسدوه على النبوة وأصسحابه على اليمان بسه .وقال قتادة" :الناس
"العرب ،حسسدتهم اليهود على النبوة .الضحاك :حسسدت اليهود قريشسا؛ لن النبوة فيهسم .والحسسد
مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ رواه أنس عن النبي صلى ال
عليه وسلم .وقال الحسن :ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم ،وحزن لزم ،وعبرة
ل تنفسسد .وقال عبدال بسسن مسسسعود :ل تعادوا نعسسم ال .قيسسل له :ومسسن يعادي نعسسم ال ؟ قال :الذيسسن
يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله ،يقول ال تعالى في بعض الكتب :الحسود عدو نعمتي
متسخط لقضائي غير راض بقسمتي .ولمنصور الفقيه:
أتدري على من أسأت الدب أل قل لمن ظل لي حاسدا
إذا أنت لم ترض لي ما وهب أسأت على ال في حكمه
ويقال :الحسسد أول ذنسب عصسي ال بسه فسي السسماء ،وأول ذنسب عصسي بسه فسي الرض؛ فأمسا فسي
السماء فحسد إبليس لدم ،وأما في الرض فحسد قابيل لهابيل .ولبي العتاهية في الناس:
فكيف ولو أنصفتهم ظلموني فيا رب إن الناس ل ينصفونني
وإن شئت أبغي شيئهم منعوني وإن كان لي شيء تصدوا لخذه
وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وإن نالهم بذلي فل شكر عندهم
وإن صحبتني نعمة حسدوني وإن طرقتني نكبة فكهوا بها
وأحجب عنهم ناظري وجفوني سأمنع قلبي أن يحن إليهمو
وقيل :إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك .ولرجل من قريش:
فرموها بأباطيل الكلم حسدوا النعمة لما ظهرت
لم يضرها قول أعداء النعم وإذا ما ال أسدى نعمة
ولقد أحسن من قال:
د فإن صبرك قاتله أصبر على حسد الحسو
إن لم تجد ما تأكله فالنار تأكل بعضها
وقال بعسض أهسل التفسسير فسي قول ال تعالى" :ربنسا أرنسا الذيسن أضلنسا مسن الجسن والنسس نجعلهمسا
تحت أقدامنا ليكونا من السفلين "[فصلت .]29 :إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من
النسس قابيسل؛ وذلك أن إبليسس كان أول مسن سسن الكفسر ،وقابيسل كان أول مسن سسن القتسل ،وإنمسا كان
أصل ذلك كله الحسد .وقال الشاعر:
فيما مضى من سالف الحوال إن الغراب وكان يمشي مشية
فأصابه ضرب من التعقال حسد القطاة فرام يمشي مشيها
@قوله تعالى" :فقد آتينا" ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما.
قال همام بسن الحارث :أيدوا بالملئكسة .وقيسل :يعنسي ملك سسليمان؛ عسن ابسن عباس .وعنسه أيضسا:
المعنسى أم يحسسدون محمدا على مسا أحسل ال له مسن النسساء فيكون الملك العظيسم على هذا أنسه أحسل
لداود تسسسعا وتسسسعين امرأة ولسسسليمان أكثسسر مسسن ذلك .واختار الطسسبري أن يكون المراد مسسا أوتيسسه
سسليمان مسن الملك وتحليسل النسساء .والمراد تكذيسب اليهود والرد عليهسم فسي قولهسم :لو كان نبيسا مسا
رغسب فسي كثرة النسساء ولشغلتسه النبوة عسن ذلك؛ فأخسبر ال تعالى بمسا كان لداود وسسليمان يوبخهسم،
فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة ،فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم :ألف امرأة ؟
قالوا :نعم ثلثمائة مهرية ،وسبعمائة سرية ،وعند داود مائة امرأة .فقال لهم النبي صلى ال عليه
وسلم( :ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ) ؟ فسكتوا .وكان له يومئذ تسع نسوة.
@ يقال :إن سليمان عليه السلم كان أكثر النبياء نساء .والفائدة في كثرة تزوجه أنه كان له قوة
أربعين نبيسا ،وكل من كان أقوى فهو أكثسر نكاحا .ويقال :إنسه أراد بالنكاح كثرة العشيرة؛ لن لكسل
امرأة قسبيلتين قسبيلة مسن جهسة الب وقسبيلة مسن جهسة الم؛ فكلمسا تزوج امرأة صسرف وجوه القسبيلتين
إلى نفسه فتكون عونا له على أعدائه .ويقال :إن كل من كان أتقى فشهوته أشد؛ لن الذي ل يكون
تقيسا فإنمسا يتفرج بالنظسر والمسس ،أل ترى مسا روى فسي الخسبر( :العينان تزنيان واليدان تزنيان ).
فإذا كان فسي النظسر والمسس نوع مسن قضاء الشهوة قسل الجماع ،والمتقسي ل ينظسر ول يمسس فتكون
الشهوة مجتمعسة فسي نفسسه فيكون أكثسر جماعسا .وقال أبسو بكسر الوراق :كسل شهوة تقسسي القلب إل
الجماع فإنه يصفي القلب؛ ولهذا كان النبياء يفعلون ذلك.
@قوله تعالى" :فمنهسم مسن آمسن بسه" يعنسي بالنسبي صسلى ال عليسه وسسلم لنسه تقدم ذكره وهسو
المحسود" .ومنهم من صد عنه" أعرض فلم يؤمن به .وقيل :الضمير في "به "راجع إلى إبراهيم.
والمعنى :فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من صد عنه .وقيل :يرجع إلى الكتاب .وال أعلم.
**3الية{ 56 :إن الذين كفروا بآياتنسا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا
غيرها ليذوقوا العذاب إن ال كان عزيزا حكيما
**3اليسة - 57 :والذيسن آمنوا وعملوا الصسالحات سسندخلهم جنات تجري مسن تحتهسا النهار
خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظل ظليل}
@ قسد تقدم معنسى الصسلء أول السسورة .وقرأ حميسد بسن قيسس "نصسليهم "بفتسح النون أي نشويهسم.
يقال :شاة مصسسلية .ونصسسب "نارا "على هذه القراءة بنزع الخافسسض تقديره بنار" .كلمسسا نضجسست
جلودهم" يقال :نضج الشيء نضجا ونضجا ،وفلن نضيج الرأي محكمه .والمعنى في الية :تبدل
الجلود جلودا أخسسر .فإن قال مسسن يطعسسن فسسي القرآن مسسن الزنادقسسة :كيسسف جاز أن يعذب جلدا لم
يعصسه ؟ قيسل له :ليسس الجلد بمعذب ول معاقسب ،وإنمسا اللم واقسع على النفوس؛ لنهسا هسي التسي
تحسسسس وتعرف فتبديسسسل الجلود زيادة فسسسي عذاب النفوس .يدل عليسسسه قوله تعالى" :ليذوقوا العذاب
"وقوله تعالى" :كلمسا خبست زدناهسم سسعيرا "[السسراء .]97 :فالمقصسود تعذيسب البدان وإيلم
الرواح .ولو أراد الجلود لقال :ليذقسسن العذاب .مقاتسسل :تأكله النار كسسل يوم سسسبع مرات .الحسسسن:
سسبعين ألف مرة كلمسا أكلتهسم قيسل لهسم :عودوا فعادوا كمسا كانوا .ابسن عمسر :إذا احترقوا بدلت لهسم
جلود بيسض كالقراطيسس .وقيسل :عنسى بالجلود السسرابيل؛ كمسا قال تعالى" :وترى المجرميسن يومئذ
مقرنين في الصفاد سرابيلهم من قطران "[إبراهيم ]50 - 49 :سميت جلودا للزومها جلودهم
على المجاورة؛ كما يقال للشيء الخاص بالنسان :هو جلدة ما بين عينيه .وأنشد ابن عمر رضي
ال عنه:
وجلدة بين العين والنف سالم يلومونني في سالم وألومهم
فكلما احترقت السرابيل أعيدت .قال الشاعر:
فويل لتيم من سرابيلها الخضر كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها
فكنسى عسن الجلود بالسسرابيل .وقيسل :المعنسى أعدنسا الجلد الول جديدا؛ كمسا تقول للصسائغ :صسغ لي
مسن هذا الخاتسم خاتمسا غيره؛ فيكسسره ويصسوغ لك منسه خاتمسا .فالخاتسم المصسوغ هسو الول إل أن
الصسياغة تغيرت والفضسة واحدة .وهذا كالنفسس إذا صسارت ترابسا وصسارت ل شيسء ثسم أحياهسا ال
تعالى .وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيما مدنفا فتقول له :كيف أنت ؟ فيقول :أنا غير
الذي عهدت .فهسسسو هسسسو ،ولكسسسن حاله تغيرت .فقول القائل :أنسسسا غيسسسر الذي عهدت ،وقوله تعالى:
"غيرها" مجاز .ونظيره قوله تعالى" :يوم تبدل الرض غير الرض "[إبراهيم ]48 :وهي تلك
الرض بعينهسا إل أنهسا تغيسر آكامهسا وجبالهسا وأنهارهسا وأشجارهسا ،ويزاد فسي سسعتها ويسسوى ذلك
منها؛ على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم "عليه السلم .ومن هذا المعنى قول الشاعر:
ول الدار بالدار التي كنت أعرف فما الناس بالناس الذين عهدتهم
وقال الشعسبي :جاء رجسل إلى ابسن عباس فقال :أل ترى مسا صسنعت عائشسة .ذمست دهرهسا ،وأنشدت
بيتي لبيد:
وبقيت في خلف كجلد الجرب ذهب الذين يعاش في أكنافهم
ويعاب قائلهم وإن لم يشغب يتلذذون مجانة ومذلة
فقالت :رحسم ال لبيدا فكيسف لو أدرك زماننسا هذا ! فقال ابسن عباس :لئن ذمست عائشسة دهرهسا لقسد
ذمست "عاد" دهرهسا؛ لنسه وجسد فسي خزانسة "عاد" بعدمسا هلكوا بزمسن طويسل كأطول مسا يكون مسن
رماح ذلك الزمن عليه مكتوب:
إذ الناس ناس والبلد بلد بلد بها كنا ونحن بأهلها
البلد باقيسسة كمسسا هسسي إل أن أحوالهسسا وأحوال أهلهسسا تنكرت وتغيرت" .إن ال كان عزيزا" أي ل
يعجزه شيسء ول يفوتسه" .حكيمسا" فسي إيعاده عباده .وقوله فسي صسفة أهسل الجنسة" :وندخلهسم ظل
ظليل "يعني كثيفا ل شمس فيه .الحسن :وصف بأنه ظليل؛ لنه ل يدخله ما يدخل ظل الدنيا من
الحسر والسسموم ونحسو ذلك .وقال الضحاك :يعنسي ظلل الشجار وظلل قصسورها الكلبسي" :ظل
ظليل" يعني دائما.
**3اليسة{ 58 :إن ال يأمركسم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتسم بين الناس أن تحكموا
بالعدل إن ال نعما يعظكم به إن ال كان سميعا بصيرا}
@قوله تعالى" :إن ال يأمركسم أن تؤدوا المانات" هذه اليسة مسن أمهات الحكام تضمنست جميسع
الديسن والشرع .وقسد اختلف مسن المخاطسب بهسا؛ فقال علي بسن أبسى طالب وزيسد بسن أسسلم وشهسر بسن
حوشب وابن زيد :هذا خطاب لولة المسلمين خاصة ،فهي للنبي صلى ال عليه وسلم وأمرائه ،ثم
تتناول من بعدهم .وقال ابن جريج وغيره :ذلك خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة في أمر
مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن أبي طلحة الحجبي العبدري من بني عبدالدار ومن ابن عمه
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وكانا كافرين وقت فتح مكة ،فطلبه العباس بن عبدالمطلب لتنضاف
له السسدانة إلى السسقاية؛ فدخسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم الكعبسة فكسسسر مسا كان فيهسا مسن
الوثان ،وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الية .قال عمر بن الخطاب :وخرج رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ هذه الية ،وما كنت سمعتها قبل منه ،فدعا عثمان وشيبة فقال:
(خذاهسا خالدة تالدة ل ينزعهسا منكسم إل ظالم ) .وحكسى مكسي :أن شيبسة أراد أل يدفسع المفتاح ،ثسم
دفعه ،وقال للنبي صلى ال عليه وسلم :خذه بأمانة ال .وقال ابن عباس :الية في الولة خاصة في
أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ويردوهن إلى الزواج .والظهر في الية أنها عامة في جميع
الناس فهسسي تتناول الولة فيمسسا إليهسسم مسسن المانات فسسي قسسسمة الموال ورد الظلمات والعدل فسسي
الحكومات .وهذا اختيار الطسسبري .وتتناول مسسن دونهسسم مسسن الناس فسسي حفسسظ الودائع والتحرز فسسي
الشهادات وغيسر ذلك ،كالرجسل يحكسم فسي نازلة مسا ونحوه؛ والصسلة والزكاة وسسائر العبادات أمانسة
ال تعالى .وروي هذا المعنى مرفوعا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(القتسل فسي سسبيل ال يكفسر الذنوب كلهسا ) أو قال( :كسل شيسء إل المانسة -والمانسة فسي الصسلة
والمانسة فسي الصسوم والمانسة فسي الحديسث وأشسد ذلك الودائع ) .ذكره أبسو نعيسم الحافسظ فسي الحليسة.
وممسن قال إن اليسة عامسة فسي الجميسع البراء بسن عازب وابسن مسسعود وابسن عباس وأبسي بسن كعسب
قالوا :المانسسة فسسي كسسل شيسسء فسسي الوضوء والصسسلة والزكاة والجنابسسة والصسسوم والكيسسل والوزن
والودائع ،وقال ابن عباس :لم يرخص ال لمعسر ول لموسر أن يمسك المانة.
قلت :وهذا إجماع .وأجمعوا على أن المانات مردودة إلى أربابهسسا البرار منهسسم والفجار؛ قاله
ابن المنذر .والمانة مصدر بمعنى المفعول فلذلك جمع .ووجه النظم بما تقدم أنه تعالى أخبر عن
كتمان أهسل الكتاب صسفة محمسد صسلى ال عليسه وسسلم ،وقولهسم :إن المشركيسن أهدى سسبيل ،فكان
ذلك خيانة منهم فانجر الكلم إلى ذكر جميع المانات؛ فالية شاملة بنظمها لكل أمانة وهي أعداد
كثيرة كمسا ذكرنسا .وأمهاتهسا فسي الحكام :الوديعسة واللقطسة والرهسن والعاريسة .وروى أبسي بسن كعسب
قال :سسسمعت رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم يقول( :أد المانسسة إلى مسسن ائتمنسسك ول تخسسن مسسن
خانك ) .أخرجه الدارقطني .ورواه أنس وأبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم وقد تقدم في
"البقرة "معناه .وروى أبو أمامة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول في خطبته عام
حجسة الوداع( :العاريسة مؤداة والمنحسة مردودة والديسن مقضسي والزعيسم غارم ) .صسحيح أخرجسه
الترمذي وغيره .وزاد الدارقطنسسي :فقال رجسسل :فعهسسد ال ؟ قال( :عهسسد ال أحسسق مسسا أدي ) .وقال
بمقتضسى هذه اليسة والحديسث فسي رد الوديعسة وأنهسا مضمونسة على كسل حال كانست ممسا يغاب عليهسا
أو ل يغاب تعدي فيهسا أو لم يتعسد -عطاء والشافعسسي وأحمسسد وأشهسب .وروي أن ابسن عباس وأبسا
هريرة رضسي ال عنهمسا ضمنسا الوديعسة .وروى ابسن القاسسم عسن مالك أن مسن اسستعار حيوانسا أو
غيره مما ل يغاب عليه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ول يضمنه إل بالتعدي .وهذا قول الحسن
البصسسري والنخعسسي ،وهسسو قول الكوفييسسن والوزاعسسي قالوا :ومعنسسى قول عليسسه السسسلم( :العاريسسة
مؤداة) هو كمعنى قوله تعالى" :إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها" .فإذا تلفت المانة لم
يلزم المؤتمسن غرمهسا لنسه مصسدق فكذلك العاريسة إذا تلفست مسن غيسر تعسد؛ لنسه لم يأخذهسا على
الضمان ،فإذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها .وروي عن علي وعمر وابن مسعود
أنه ل ضمان في العارية .وروى الدارقطني عن ،عمرو بن شعيب ،عن أبيه عن جده أن رسول
ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم قال( :ل ضمان على مؤتمسسن ) .واحتسسج الشافعسسي فيمسسا اسسستدل بسسه بقول
صسفوان للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم لمسا اسستعار منسه الدراع :أعاريسة مضمونسة أو عاريسة مؤداة ؟
فقال( :بل عارية مؤداة ).
@قوله تعالى" :وإذا حكمتسم بيسن الناس أن تحكموا بالعدل" قال الضحاك :بالبينسة على المدعسي
واليميسسن على مسسن أنكسسر .وهذا خطاب للولة والمراء والحكام ،ويدخسسل فسسي ذلك بالمعنسسى جميسسع
الخلق كمسسا ذكرنسسا فسسي أداء المانات .قال صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :إن المقسسسطين يوم القيامسسة على
منابر مسن نور عسن يميسن الرحمسن وكلتسا يديسه يميسن الذيسن يعدلون فسي حكمهسم وأهليهسم ومسا ولوا ).
وقال( :كلكسم راع وكلكسم مسسؤول عسن رعيتسه فالمام راع وهسو مسسؤول عسن رعيتسه والرجسل راع
على أهله وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه والعبد راع على
مال سيده وهو مسؤول عنه أل فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .فجعل فسي هذه الحاديث
الصحيحة كل هؤلء رعاة :وحكاما على مراتبهم ،وكذلك العالم الحاكم؛ لنه إذا أفتى حكم وقضى
وفصسل بيسن الحلل والحرام ،والفرض والندب ،والصسحة والفسساد ،فجميسع ذلك أمانسة تؤدى وحكسم
يرضى .وقد تقدم في (البقرة) القول في "نعما".
@قوله تعالى" :إن ال كان سميعا بصيرا" وصف ال تعالى نفسه بأنه سميع بصير يسمع ويرى؛
كما قال تعالى" :إنني معكما أسمع وأرى" [طه ]46:فهذا طريق السمع .والعقل يدل على ذلك؛
فإن انتفاء السمع والبصر يدل على نقيضهما من العمى والصمم ،إذ المحل القابل للضدين ل يخلو
مسسن أحدهمسسا ،وهسسو تعالى مقدس عسسن النقائص ويسسستحيل صسسدور الفعال الكاملة مسسن المتصسسف،
بالنقائص؛ كخلق السسمع والبصسر ممسن ليسس له سسمع ول بصسر .وأجمعست المسة على تنزيهسه تعالى
عسن النقائص وهسو أيضسا دليسل سسمعي يكتفسى بسه مسع نسص القرآن فسي مناظرة مسن تجمعهسم كلمسة
السسلم .جسل الرب تبارك وتعالى عمسا يتوهمسه المتوهمون ويختلقسه المفترون الكاذبون "سسبحان
ربك رب العزة عما يصفون "[الصافات.]180:
**3الية{ 59 :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم
في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل}
@ لما تقدم إلى الولة في الية المتقدمة وبدأ بهم فأمرهم بأداء المانات وأن يحكموا بين الناس
بالعدل ،تقدم فسي هذه اليسة إلى الرعيسة فأمسر بطاعتسه جسل وعسز أول ،وهسي امتثال أوامره واجتناب
نواهيه ،ثم بطاعة رسوله ثانيا فيما أمر به ونهى عنه ،ثم بطاعة المراء ثالثا؛ على قول الجمهور
وأبسي هريرة وابسن عباس وغيرهسم .قال سسهل بسن عبدال التسستري :أطيعوا السسلطان فسي سسبعة:
ضرب الدراهسم والدنانيسر ،والمكاييسل والوزان ،والحكام والحسج والجمعسة والعيديسن والجهاد .قال
سسهل :وإذا نهسى السسلطان العالم أن يفتسي فليسس له أن يفتسي ،فإن أفتسى فهسو عاص وإن كان أميرا
جائرا .وقال ابسن خويسز منداد :وأمسا طاعسة السسلطان فتجسب فيمسا كان له فيسه طاعسة ،ول تجسب فيمسا
كان ل فيسسه معصسسية؛ ولذلك قلنسسا :إن ولة زماننسسا ل تجوز طاعتهسسم ول معاونتهسسم ول تعظيمهسسم،
ويجب الغزو معهم متى غزوا ،والحكم من قولهم ،وتولية المامة والحسبة؛ وإقامة ذلك على وجه
الشريعة .وإن صسلوا بنا وكانوا فسقة من جهسة المعاصسي جازت الصسلة معهم ،وإن كانوا مبتدعة
لم تجز الصلة معهم إل أن يخافوا فيصلي معهم تقية وتعاد الصلة.
قلت :روي عسن علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه أنسه قال :حسق على المام أن يحكسم بالعدل،
ويؤدي المانسة؛ فإذا فعسل ذلك وجسب على المسسلمين أن يطيعوه؛ لن ال تعالى أمرنسا بأداء المانسة
والعدل ،ثسم أمسر بطاعتسه .وقال جابر بسن عبدال ومجاهسد" :أولو المسر "أهسل القرآن والعلم؛ وهسو
اختيار مالك رحمسسه ال ،ونحوه قول الضحاك قال :يعنسسي الفقهاء والعلماء فسسي الديسن .وحكسي عسن
مجاهسد أنهسم أصسحاب محمسد صسلى ال عليسه وسسلم خاصسة .وحكسى عسن عكرمسة أنهسا إشارة إلى أبسي
بكر وعمر رضي ال عنهما خاصة .وروى سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان أنه سأل عكرمة
عسن أمهات الولد فقال :هسن حرائر .فقلت بأي شيسء ؟ قال بالقرآن .قلت :بأي شيسء فسي القرآن ؟
قال :قال ال تعالى" :أطيعوا ال وأطيعوا الرسسول وأولي المسر منكسم "وكان عمسر مسن أولي الم؛
قال :عتقت ولو بسقط .وسيأتي هذا المعنى مبينا فسي سورة "الحشسر "عند قوله تعالى" :وما آتاكسم
الرسسول فخذوه ومسا نهاكسم عنسه فانتهوا" [الحشسر .]7 :وقال ابسن كيسسان :هسم أولو العقسل ،الرأي
الذين يدبرون أمر الناس.
قلت :وأصسح هذه القوال الول والثانسي؛ أمسا الول فلن أصسل الم منهسم والحكسم إليهسم .وروى
الصسسحيحان عسسن ابسسن عباس قال :نزل "يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسسسول وأولي
المر منكم" في عبدال بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه النبي صلى ال عليه وسلم في
سرية .قال أبو عمر :وكان في عبدال بن حذافة دعابة معروفة؛ ومن دعابته أن رسول ال صلى
ال عليسسه وسسسلم أمره على سسسرية فأمرهسسم أن يجمعوا حطبسسا ويوقدوا نارا؛ فلمسسا أوقدوهسسا أمرهسسم
بالتقحسم فيهسا ،فقال لهسم :ألم يأمركسم رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بطاعتسي ؟ ! وقال( :مسن أطاع
أميري فقسد أطاعنسي ) .فقالوا :مسا آمنسا بال واتبعنسا رسسوله إل لننجسو مسن النار ! فصسوب رسسول ال
صلى ال عليه وسلم فعلهم وقال( :ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال ال تعالى" :ول تقتلوا
أنفسكم "[النساء .) ]29 :وهو حدث صحيح السناد مشهور .وروى محمد بن عمرو بن علقمة
عسن عمسر بسن الحكسم بسن ثوبان أن أبسا سسعيد الخدري قال :كان عبدال بسن حذافسة بسن قيسس ،السسهمي
من أصحاب بدر وكانت فيه دعابة .وذكر الزبير قال :حدثني عبدالجبار بن سعيد عن عبدال بن
وهب عن الليث بن سعد قال :بلغني أنه حل حزام راحلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في بعض
أسفاره ،حتى كاد رسول ال صلى ال عليه وسلم يقع .قال ابن وهب :فقلت لليث ليضحكه ؟ قال:
نعم كانت فيه دعابة .قال ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي" :أولوا المر" أصحاب السرايا .وأما
القول الثاني فيدل على صحته قوله تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول" .فأمر
تعالى برد المتنازع فيسه إلى كتاب ال وسسنة نسبيه صسلى ال عليسه وسسلم ،وليسس لغيسر العلماء معرفسة
كيفيسسة الرد إلى الكتاب والسسسنة؛ ويدل هذا على صسحة كون سسسؤال العلماء واجبسسا ،وامتثال فتواهسسم
لزمسسا .قال سسسهل بسسن عبدال رحمسسه ال :ل يزال الناس بخيسسر مسسا عظموا السسسلطان والعلماء؛ فإذا
عظموا هذيسن أصسلح ال دنياهسم وأخراهسم ،وإذا اسستخفوا بهذيسن أفسسد دنياهسم وأخراهسم .وأمسا القول
الثالث فخاص ،وأخسسص منسسه القول الرابسسع .وأمسسا الخامسسس فيأباه ظاهسسر اللفسسظ وإن كان المعنسسى
صسحيحا ،فإن العقسل لكسل فضيلة أس ،ولكسل أدب ينبوع ،وهسو الذي جعله ال للديسن أصسل وللدنيسا
عمادا ،فأوجب ال التكليف بكمال ،وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه؛ والعاقل أقرب إلى ربه تعالى من
جميسع المجتهديسن بغيسر عقسل وروى هذا المعنسى عسن ابسن عباس .وزعسم قوم أن المراد بأولي المسر
علي والئمسسة المعصسسومون .ولو كان كذلك مسسا كان لقوله" :فردوه إلى ال والرسسسول "معنسسى ،بسسل
كان يقول فردوه إلى المام وأولي المسسر ،فإن قوله عنسسد هؤلء هسسو المحكسسم على الكتاب والسسسنة.
وهذا قول مهجور مخالف لمسسا عليسسه الجمهور .وحقيقسسة الطاعسسة امتثال المسسر ،كمسسا أن المعصسسية
ضدها وهي مخالفة المر .والطاعة مأخوذة من أطاع إذا انقاد ،والمعصية مأخوذة من عصى إذا
اشتسد .و"أولو "واحدهسم "ذو "على غيسر قياس كالنسساء والبسل والخيسل ،كسل واحسد اسسم الجمسع ول
واحد له من لفظه .وقد قيل في واحد الخيل :خائل وقد تقدم.
@قوله تعالى" :فإن تنازعتم في شيء" أي تجادلتم واختلفتم؛ فكأن كل واحد ينتزع حجة الخر
ويذهبهسا .والنزع الجذب .والمنازعسة مجاذبسة الحجسج؛ ومنسه الحديسث (وأنسا أقول مسا لي ينازعنسي
القرآن ) .وقال العشى:
وقهوة مزة راووقها خضل نازعتم قضب الريحان متكئا
الخضسسل النبات الناعسسم والخضيلة الروضسسة "فسسي شيسسء" أي مسسن أمسسر دينكسسم" .فردوه إلى ال
والرسسول" أي ردوا ذلك الحكسم إلى كتاب ال أو إلى رسسوله بالسسؤال فسي حياتسه ،أو بالنظسر فسي
سنته بعد وفاته صلى ال عليه وسلم؛ هذا قول مجاهد والعمش وقتادة ،وهو الصحيح .ومن لم ير
هذا أختسسل إيمانسسه؛ لقوله تعالى" :إن كنتسسم تؤمنون بال واليوم الخسسر" .وقيسسل :المعنسسى قولوا ال
ورسسوله أعلم؛ فهذا هسو الرد .وهذا كمسا قال عمسر بسن الخطاب رضسي ال عنسه :الرجوع إلى الحسق
خيسر مسن التمادي فسي الباطسل .والقول الول أصسح؛ لقول علي رضسي ال عنسه :مسا عندنسا إل مسا فسي
كتاب ال ومسا فسي هذه الصسحيفة ،أو فهسم أعطيسه رجسل مسسلم .ولو كان كمسا قال هذا القائل لبطسل
الجتهاد الذي خسص بسه هذه المسة والسستنباط الذي أعطيهسا ،ولكسن تضرب المثال ويطلب المثال
حتى يخرج الصواب .قال أبو العالية :وذلك قوله تعالى" :ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر
منهسم لعلمسه الذيسن يسستنبطونه منهسم "[النسساء .]83 :نعسم ،مسا كان ممسا اسستأثر ال بعلمسه ولم يطلع
عليه أحدا من خلقه فذلك الذي يقال فيه :ال أعلم .وقد استنبط علي رضي ال عنه مدة أقل الحمل
-وهو ستة أشهر -من قوله تعالى" :وحمله وفصاله ثلثون شهرا "[الحقاف ]15:وقوله تعالى:
"والوالدات يرضعسن أولدهسن حوليسن كامليسن" [البقرة ]233 :فإذا فصسلنا الحوليسن مسن ثلثيسن
شهرا بقيست سستة أشهسر؛ ومثله كثيسر .وفسي قوله تعالى" :وإلى الرسسول" دليسل على أن سسنته صسلى
ال عليسه وسسلم يعمسل بهسا ويمتثسل مسا فيهسا .قال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسا نهيتكسم عنسه فاجتنبوه ومسا
أمرتكسسم بسسه فافعلوا منسسه مسسا اسسستطعتم فإنمسسا أهلك مسسن كان قبلكسسم كثرة مسسسائلهم واختلفهسسم على
أنسبيائهم ) أخرجسه مسسلم .وروى أبسو داود عسن أبسي رافسع عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :ل
ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه المر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ل ندري ما
وجدنا في كتاب ال اتبعناه ) .وعن العرباض بن سارية أنه حضر رسول ال صلى ال عليه وسلم
يخطب الناس وهو يقول( :أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن ال لم يحرم شيئا إل ما في
هذا القرآن أل وإنسسي وال قسسد أمرت ووعظسست ونهيسست عسسن أشياء إنهسسا لمثسسل القرآن أو أكثسسر ).
وأخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معديكرب بمعناه وقال :حديث حسن غريب .والقاطع قوله
تعالى" :فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة "[النور ]63 :الية .وسيأتي.
@قوله تعالى" :ذلك خير" أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة خير من التنازع" .وأحسن
تأويل" أي مرجعسا؛ مسن آل يؤول إلى كذا أي صسار .وقيسل :مسن ألت الشيسء إذا جمعتسه وأصسلحته.
فالتأويسسل جمسسع معانسسي ألفاظ أشكلت بلفسسظ ل إشكال فيسسه؛ يقال :أول ال عليسسك أمرك أي جمعسسه.
ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم.
**3الية{ 60 :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون
أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا
**3الية - 61 :وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك
صدودا}
@ روى يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال :كان بين رجل من المنافقين ورجل
مسن اليهود خصسومة ،فدعسا اليهودي المنافسق إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم؛ لنسه علم أنسه ل يقبسل
الرشوة .ودعسا المنافسق اليهودي إلى حكامهسم؛ لنسه علم أنهسم يأخذون الرشوة فسي أحكامهسم؛ فلمسسا
اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة؛ فأنزل ال تعالى في ذلك" :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم
آمنوا بمسا أنزل إليسك" يعنسي المنافسق" .ومسا أنزل مسن قبلك" يعنسي اليهودي" .يريدون أن يتحاكموا
إلى الطاغوت" إلى قوله" :ويسلموا تسليما" وقال الضحاك :دعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى
ال عليه وسلم ،ودعاه المنافق إلى كعب بن الشرف وهو "الطاغوت" ورواه أبو صالح عن ابن
عباس قال :كان بيسسن رجسسل مسسن المنافقيسسن يقال له بشسسر وبيسسن يهودي خصسسومة؛ فقال اليهودي:
انطلق بنسا إلى محمسد ،وقال المنافسق :بسل إلى كعسب بسن الشرف وهسو الذي سسماه ال "الطاغوت"
أي ذو الطغيان فأبى اليهودي أن يخاصمه إل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فلما رأى ذلك
المنافق أتى معه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضى لليهودي .فلما خرجا قال المنافق :ل
أرضسسى ،انطلق بنسسا إلى أبسسي بكسسر؛ فحكسسم لليهودي فلم يرض ذكره الزجاج وقال :انطلق بنسسا إلى
عمر فأقبل على عمر فقال اليهودي :إنا صرنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم إلى أبي بكر
فلم يرض؛ فقال عمر للمنافق :أكذلك هو ؟ قال :نعم .قال :رويدكما حتى أخرج إليكما .فدخل وأخذ
السسيف ثسم ضرب بسه المنافسق حتسى برد ،وقال :هكذا أقضسي على مسن لم يرض بقضاء ال وقضاء
رسسوله؛ وهرب اليهودي ،ونزلت اليسة ،وقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :أنست الفاروق ).
ونزل جبريل وقال :إن عمر فرق بين الحق والباطل؛ فسمي الفاروق .وفي ذلك نزلت اليات كلها
إلى قوله" :ويسسسلموا تسسسليما "[النسسساء ]65 :وانتصسسب" :ضلل "على المعنسسى ،أي فيضلون
ضلل؛ ومثله قوله تعالى" :وال أنبتكسسم مسسن الرض نباتسسا "[نوح .]17 :وقسسد تقدم هذا المعنسسى
مسسستوفى .و"صسسدودا "اسسسم للمصسسدر عنسسد الخليسسل ،والمصسسدر الصسسد .والكوفيون يقولون :همسسا
مصدران.
**3الية{ 62 :فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بال إن أردنا إل
إحسانا وتوفيقا
**3الية - 63 :أولئك الذين يعلم ال ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم
قول بليغا}
@ أي "فكيف" يكون حالهم ،أو "فكيف" يصنعون "إذا أصابتهم مصيبة" أي ترك الستعانة بهم،
ومسا يلحقهسم مسن الذل فسي قوله" :فقسل لن تخرجوا معسي أبدا ولن تقاتلوا معسي عدوا "[التوبسة.]83 :
وقيل :يريد قتل صاحبهم "بما قدمت أيديهم "وتم الكلم .ثم ابتدأ يخبر عن فعلهم؛ وذلك أن عمر
لما قتل صاحبهم جاء قومه يطلبون ديته ويحلفون ما نريد بطلب ديته إل الحسان وموافقة الحق.
وقيل :المعنى ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة إل التوفيق بين الخصوم ،والحسان بالتقريب
في الحكم .ابن كيسان :عدل وحقا؛ نظيرها "وليحلفن إن أردنا إل الحسنى" [التوبة .]107 :فقال
ال تعالى مكذبسسا لهسسم" :أولئك الذيسسن يعلم ال مسسا فسسي قلوبهسسم "قال الزجاج :معناه قسسد علم ال أنهسسم
منافقون .والفائدة لنسا :اعلموا أنهسم منافقون" .فأعرض عنهسم" قيسل :عسن عقابهسم .وقيسل :عسن قبول
اعتذارهم "وعظهم" أي خوفهم .قيل في المل" .وقل لهم في أنفسهم قول بليغا" أي ازجرهم بأبلغ
الزجسر فسي السسر والخلء .الحسن :قسل لهسم إن أظهرتم ما فسي قلوبكسم قتلتكسم .وقسد بلغ القول بلغة؛
ورجسل بليسغ يبلغ بلسسانه كنسه مسا فسي قلبسه .والعرب تقول :أحمسق بلغ وبلغ ،أي نهايسة فسي الحماقسة.
وقيسل :معناه يبلغ مسا يريسد وإن كان أحمسق .ويقال :إن قوله تعالى" :فكيسف إذا أصسابتهم مصسيبة بمسا
قدمسست أيديهسسم "نزل فسسي شأن الذيسسن بنوا مسسسجد الضرار؛ فلمسسا أظهسسر ال نفاقهسسم ،وأمرهسسم بهدم
المسجد حلفوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم :ما أردنا ببناء المسجد إل طاعة
ال وموافقة الكتاب.
**3اليسة{ 64 :ومسا أرسسلنا مسن رسسول إل ليطاع بإذن ال ولو أنهسم إذ ظلموا أنفسسهم جاؤوك
فاستغفروا ال واستغفر لهم الرسول لوجدوا ال توابا رحيما}
@قوله تعالى" :وما أرسلنا من رسول" "من "زائدة للتوكيد" .إل ليطاع" فيما أمر به ونهى عنه.
"بإذن ال" بعلم ال .وقيل :بتوفيق ال" .ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا ال واستغفر
لهسم الرسسول" روى أبسو صسادق عسن علي قال :قدم علينسا أعرابسي بعسد مسا دفنسا رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم بثلثة أيام ،فرمى بنفسه على قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وحثا على رأسه من
ترابسه؛ فقال :قلت يسا رسسول ال فسسمعنا قولك ،ووعيست عسن ال فوعينسا عنسك ،وكان فيمسا أنزل ال
عليك "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم "الية ،وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي .فنودي من القبر أنه
قد غفر لك" .لوجدوا ال توابا رحيما" أي قابل لتوبتهم ،وهما مفعولن ل غير.
**3اليسة{ 65 :فل وربسك ل يؤمنون حتسى يحكموك فيمسا شجسر بينهسم ثسم ل يجدوا فسي أنفسسهم
حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}
@ قال مجاهسد وغيره :المراد بهذه اليسة مسن تقدم ذكره ممسن أراد التحاكسم إلى الطاغوت وفيهسم
نزلت .وقال الطسسبري :قوله "فل "رد على مسسا تقدم ذكره؛ تقديره فليسسس المسسر كمسسا يزعمون أنهسسم
آمنوا بمسا أنزل إليسك ،ثسم اسستأنف القسسم بقوله" :وربسك ل يؤمنون" .وقال غيره :إنمسا قدم "ل "على
القسسم اهتمامسا بالنفسي وإظهارا لقوتسه ،ثسم كرره بعسد القسسم تأكيدا للتهمسم بالنفسي ،وكان يصسح إسسقاط
"ل "الثانيسة ويبقسى أكثسر الهتمام بتقديسم الولى ،وكان يصسح إسسقاط الولى ويبقسى معنسى النفسي
ويذهسب معنسى الهتمام .و"شجسر "معناه اختلف واختلط؛ ومنسه الشجسر لختلف أغصسانه .ويقال
لعصي الهودج :شجار؛ لتداخل بعضها في بعض .قال الشاعر:
والقوم ضنك للقاء قيام نفسي فداؤك والرماح شواجر
وقال طرفة:
وسعاة الناس في المر الشجر وهم الحكام أرباب الهدى
وقالت طائفسة :نزلت فسي الزبيسر مسع النصساري ،وكانست الخصسومة فسي سسقي بسستان؛ فقال عليسه
السسلم للزبيسر( :اسسق أرضسك ثسم أرسسل الماء إلى أرض جارك ) .فقال الخصسم :أراك تحابسي ابسن
عمتسك؛ فتلون وجسه رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وقال للزبيسر( :اسسق ثسم احبسس الماء حتسى يبلغ
الجدر ) ونزل" :فل وربسك ل يؤمنون" .الحديسث ثابست صسحيح رواه البخاري عسن علي بسن عبدال
عسن محمسد بسن جعفسر عسن معمسر ،ورواه مسسلم عسن قتيبسة كلهمسا عسن الزهري .واختلف أهسل هذا
القول فسسي الرجسسل النصسساري؛ فقال بعضهسسم :هسو رجسسل مسسن النصسسار مسسن أهسسل بدر .وقال مكسسي
والنحاس :هسو حاطسب بسن أبسي بلتعسة .وقال الثعلبسي والواحدي والمهدوي :هسو حاطسب .وقيسل :ثعلبسة
بسن حاطسب .وقيسل غيره :والصسحيح القول الول؛ لنسه غيسر معيسن ول مسسمى؛ وكذا فسي البخاري
ومسسلم أنسه رجسل مسن النصسار .واختار الطسبري أن يكون نزول اليسة فسي المنافسق واليهودي .كمسا
قال مجاهد؛ ثم تتناول بعمومها قصة الزبير .قال ابن العربي :وهو الصحيح؛ فكل من اتهم رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم فسي الحكسم فهسو كافسر ،لكسن النصساري زل زله فأعرض عنسه النسبي صسلى
ال عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه ،وأنها كانت فلتة وليست لحد بعد النبي صلى ال
عليه وسلم .وكل من لم يرض بحكم الحاكم وطعن فيه ورده فهي ردة يستتاب( .أما إن طعن في
الحاكسسم نفسسسه ل فسسي الحكسسم فله تعزيره وله أن يصسسفح عنسسه وسسسيأتي بيان هذا فسسي آخسسر سسسورة
"العراف" إن شاء ال تعالى.
@ وإذا كان سبب نزول هذه الية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أنه عليه السلم سلك مع الزبير
وخصسمه مسسلك الصسلح فقال( :اسسق يسا زبيسر ) لقربسه مسن الماء (ثسم أرسسل الماء إلى جارك ) .أي
تساهل في حقك ول تستوفه وعجل في إرسال الماء إلى جارك .فحضه على المسامحة والتيسير،
فلما سمع النصاري هذا لم يرض بذلك وغضب؛ لنه كان يربد أل يمسك الماء أصل ،وعند ذلك
نطسسق بالكلمسسة الجائرة المهلكسسة الفاقرة فقال :أن كان ابسسن عمتسسك ؟ بمسسد همزة "أن "المفتوحسسة على
جهسة النكار؛ أي أتحكسم له علي لجسل أنسه قرابتسك ؟ .فعنسد ذلك تلون وجسه النسبي صسلى ال عليسه
وسلم غضبا عليه ،وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له .وعليه ل يقال :كيف حكم في
حال غضبه وقد قال( :ل يقضى القاضي وهو غضبان ) ؟ فإنا نقول :لنه معصوم من الخطأ في
التبليسغ والحكام ،بدليسل العقسل الدال على صسسدقه فيمسسا يبلغسه عسن ال تعالى فليسس مثسل غيره مسن
الحكام .وفي هذا الحديث إرشاد الحاكم إلى الصلح بين الخصوم وإن ظهر الحق .ومنعه مالك،
واختلف فيسه قول الشافعسي .وهذا الحديسث حجسة واضحسة على الجواز؛ فإن اصسطلحوا وإل اسستوفى
لذي الحق حقه وثبت الحكم.
@ واختلف أصسحاب مالك فسي صسفة إرسسال الماء العلى إلى السسفل؛ فقال ابسن حسبيب :يدخسل
صاحب العلى جميع الماء في حائطه ويسقي به ،حتى إذا بلغ الماء من قاعة الحائط إلى الكعبين
مسسن القائم فيسسه أغلق مدخسسل الماء ،وصسسرف مسسا زاد مسسن الماء على مقدار الكعسسبين إلى مسسن يليسسه،
فيصنع به مثل ذلك حتى يبلغ السيل إلى أقصى الحوائط .وهكذا فسره لي مطرف وابن الماجشون.
وقاله ابن وهب .وقال ابن القاسم :إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين أرسله كله إلى من
تحته ول يحبس منه شيئا في حائطه .قال ابن حبيب :وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي وهم
أعلم بذلك؛ لن المدينة دارهما ومها كانت القضية وفيها جرى العمل.
@ روى مالك عن عبدال بن أبي بكر أنه بلغه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في سيل
مهزور ومذينسب( :يمسسك حتسى الكعسبين ثسم يرسسل العلى على السسفل ) .قال أبسو عمسر" :ل أعلم
هذا الحديسث يتصسل عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن وجسه مسن الوجوه ،وأرفسع أسسانيده مسا ذكره
محمسد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى ال عليه وسلم أتاه أهل مهزور
فقضسى أن الماء إذا بلغ الكعسبين لم يحبسس العلى .وذكسر عبدالرزاق عسن أبسي حازم القرطسبي عسن
أبيه عن جده عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن يحبس على كل حائط
حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل .وغيره من السيول كذلك .وسئل أبو بكر البزار عن حديث هذا الباب
فقال :لست أحفظ فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثا يثبت .قال أبو عمر :في هذا المعنى -
وإن لم يكن بهذا اللفظ حديث ثابت مجتمع على صحته .رواه ابن وهب عن الليث بن سعد ويونس
بن يزيد جميعا عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبدال بن الزبير حدثه عن الزبير أنه
خاصم رجل من النصسار قسد شهسد بدرا مسع رسسول ال صلى ال عليه وسلم فسي شراج الحرة كانا
يسقيان بها كلهما النخل؛ فقال النصاري :سرح الماء؛ فأبى عليه ،فاختصما إلى النبي صلى ال
عليسه وسسلم" وذكسر الحديسث .قال أبسو عمسر :وقوله فسي الحديسث( :يرسسل ) وفسي الحديسث الخسر (إذا
بلغ الماء الكعسسبين لم يحبسسس العلى ) يشهسسد لقول ابسسن القاسسسم .ومسسن جهسسة النظسسر أن العلى لو لم
يرسسل إل مسا زاد على الكعسبين ل يقطسع ذلك الماء فسي أقسل مدة ،ولم ينتسه حيسث ينتهسي إذا أرسسل
الجميع ،وفي إرسال الجميع بعد أخذ العلى منه ما بلغ الكعبين أعم فائدة وأكثر نفعا فيما قد جعل
الناس فيه شركاء؛ فقول ابن القاسم أولى على كل حال .هذا إذا لم يكن أصله ملكا للسفل مختصا
به ،فإن ما استحق بعمل أو بملك صحيح أو استحقاق قديم وثبوت ملك فكل على حقه على حسب
ما كان من ذلك بيده وعلى أصل مسألته .وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :ثسم ل يجدوا فسي أنفسسهم حرجسا ممسا قضيست" أي ضيقسا وشكسا؛ ومنسه قيسل للشجسر
الملتسف :حرج وحرجسة ،وجمعهسا حراج .وقال الضحاك :أي إثمسا بإنكارهسم مسا قضيست" .ويسسلموا
تسسليما" أي ينقادوا لمرك فسي القضاء .وقال الزجاج" :تسسليما "مصسدر مؤكسد؛ فإذا قلت :ضربست
ضربسا فكأنسك قلت ل أشسك فيسه؛ وكذلك "ويسسلموا تسسليما "أي ويسسلموا لحكمسك تسسليما ل يدخلون
على أنفسهم شكا.
**3اليسة{ 68 - 67 - 66 :ولو أنسا كتبنسا عليهسم أن اقتلوا أنفسسكم أو اخرجوا مسن دياركسم مسا
فعلوه إل قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ،وإذا لتيناهم من لدنا
أجرا عظيما ،ولهديناهم صراطا مستقيما}
@ سبب نزولها ما روى أن ثابت بن قيس بن شماس تفاخر هو ويهودي؛ فقال اليهودي :وال لقد
كتسب علينسا أن نقتسل أنفسسنا فقتلنسا ،وبلغست القتلى سسبعين ألفسا؛ فقال ثابست :وال لو كتسب ال علينسا أن
اقتلوا أنفسسكم لفعلنسا .وقال أبسو إسسحاق السسبيعي :لمسا نزلت "ولو أنسا كتبنسا عليهسم "اليسة ،قال رجسل:
لو أمرنسا لفعلنسا ،والحمسد ل الذي عافانسا .فبلغ ذلك رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال( :إن مسن
أمتسي رجال اليمان أثبست فسي قلوبهسم مسن الجبال الرواسسي ) .قال ابسن وهسب قال مالك :القائل ذلك
هسو أبسو بكسر الصسديق رضسي ال عنسه؛ وهكذا ذكسر مكسي أنسه أبسو بكسر .وذكسر النقاش أنسه عمسر بسن
الخطاب رضسي ال عنسه .وذكسر عسن أبسي بكسر رضسي ال عنسه أنسه قال :لو كتسب علينسا ذلك لبدأت
بنفسي وأهل بيتي .وذكر أبو الليث السمرقندي :أن القائل منهم عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت
بسن قيسس ،قالوا :لو أن ال أمرنسا أن نقتسل أنفسسنا أو نخرج مسن ديارنسا لفعلنسا؛ فقال النسبي صسلى ال
عليه وسلم( :اليمان أثبت في قلوبنا الرجال من الجبال الرواسي ) .و"لو "حرف يدل على امتناع
الشيسء لمتناع غيره؛ فأخسبر ال سسبحانه أنسه لم يكتسب ذلك علينسا رفقسا بنسا لئل تظهسر معصسيتنا .فكسم
مسن أمسر قصسرنا عنسه مسع خفتسه فكيسف بهذا المسر مسع ثقله ! لكسن أمسا وال لقسد ترك المهاجرون
مسسساكنهم خاويسة وخرجوا يطلبون بهسسا عيشسسة راضيسسة" .مسسا فعلوه" أي القتسسل والخروج "إل قليسسل
منهم" "قليل "بدل من الواو ،والتقدير ما فعله أحد إل قليل .وأهل الكوفة يقولون :هو على التكرير
ما فعلوه ما فعله إل قليل منهم .وقرأ عبدال بن عامر وعيسى بن عمر "إل قليل "على الستثناء.
وكذلك هسو فسي مصساحف أهسل الشام .الباقون بالرفسع ،والرفسع أجود عنسد جميسع النحوييسن .وقيسل:
انتصب على إضمار فعل ،تقديره إل أن يكون قليل منهم .وإنما صار الرفع أجود لن اللفظ أولى
مسن المعنى ،وهو أيضسا يشتمل على المعنى .وكان مسن القليسل أبو بكسر وعمر وثابست بن قيسس كمسا
ذكرنسا .وزاد الحسسن ومقاتسل وعمار وابسن مسسعود وقسد ذكرناهمسا" .ولو أنهسم فعلوا مسا يوعظون بسه
لكان خيرا لهم" أي فسي الدنيسا والخرة" .وأشسد تثبيتسا" أي على الحسق" .وإذا لتيناهسم من لدنسا أجرا
عظيما" أي ثوابا في الخرة .وقيل :اللم لم الجواب ،و"إذا "دالة على الجزاء ،والمعنى لو فعلوا
ما يوعظون به لتيناهم.
**3الية - 69 :ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
**3الية - 70 :ذلك الفضل من ال وكفى بال عليما}
@قوله تعالى" :ومسن يطسع ال والرسسول" لمسا ذكسر تعالى المسر الذي لو فعله المنافقون حيسن
وعظوا بسه وأنابوا إليسه لنعسم عليهسم ،ذكسر بعسد ذلك ثواب مسن يفعله .وهذه اليسة تفسسير قوله تعالى:
"اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم "[الفاتحة ]7 - 6:وهي المراد في قوله عليه
السلم عند موته (اللهم الرفيق العلى ) .وفي البخاري عن عائشة قالت :سمعت رسول ال صلى
ال عليه وسلم يقول( :ما من نبي يمرض إل خير بين الدنيا والخرة ) كان في شكواه الذي مرض
فيسه أخذتسه بحسة شديدة فسسمعته يقول( :مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم مسن النسبيين والصسديقين والشهداء
والصسالحين ) فعلمست أنسه خيسر .وقالت طائفسة :إنمسا نزلت هذه اليسة لمسا قال عبدال بسن زيسد بسن
عبدربه النصاري -الذي أري الذان : -يا رسول ال ،إذا مت ومتنا كنت في عليين ل نراك ول
نجتمع بك؛ وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الية .وذكر مكي عن عبدال هذا وأنه لما مات النبي
صلى ال عليه وسلم قال :اللهم أعمني حتى ل أري شيئا بعده؛ فعمي مكانه .وحكاه القشري فقال:
اللهسم أعمنسي فل أرى شيئا بعسد حبيسبي حتسى ألقسى حبيسبي؛ فعمسي مكانسه .وحكسى الثعلبسي :أنهسا نزلت
في ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه ،فأتاه ذات
يوم وقسد تغيسر لونسه ونحسل جسسمه ،يعرف فسي وجهسه الحزن؛ فقال له( :يسا ثوبان مسا غيسر لونسك )
فقال :يسا رسسول ال مسا بسي ضسر ول وجسع ،غيسر أنسي إذا لم أرك اشتقست إليسك واسستوحشت وحشسة
شديدة حتسى ألقاك ،ثسم ذكرت الخرة وأخاف أل أراك هناك؛ لنسي عرفست أنسك ترفسع مسع النسبيين
وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك ،وإن لم أدخل فذلك حين ل أراك أبدا؛
فأنزل ال تعالى هذه اليسسة .ذكره الواحدي عسسن الكلبسسي .وأسسسند عسسن مسسسروق قال :قال أصسسحاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم :ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ،فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا؛
فأنزل ال تعالى" :ومسن يطسع ال والرسسول فأولئك مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم مسن النسبيين" .وفسي
طاعسة ال طاعسة رسسوله ولكنسه ذكره تشريفسا لقدره وتنويهسا باسسمه صسلى ال عليسه وسسلم وعلى آله.
"فأولئك مسع الذيسن أنعسم ال عليهسم" أي هسم معهسم فسي دار واحدة ونعيسم واحسد يسستمتعون برؤيتهسم
والحضور معهم ،ل أنهم يساوونهم في الدرجة؛ فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للتباع في الدنيا
والقتداء .وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله ،وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول .قال ال تعالى:
"ونزعنا ما في صدورهم من غل "[العراف .]43 :والصديق فعيل ،المبالغ في الصدق أو في
التصسديق ،والصسديق هسو الذي يحقسق بفعله مسا يقول بلسسانه .وقيسل :هسم فضلء أتباع النسبياء الذيسن
يسسبقونهم إلى التصسديق كأبسي بكسر الصسديق .وقسد تقدم فسي البقرة اشتقاق الصسديق ومعنسى الشهيسد.
والمراد هنسا بالشهداء عمسر وعثمان وعلي ،والصسالحين سسائر الصسحابة رضسي ال عنهسم أجمعيسن.
وقيل "الشهداء" القتلى في سبيل ال" .والصالحين" صالحي أمة محمد رسول ال صلى ال عليه
وسلم.
قلت :واللفسظ يعسم كسل صسالح وشهيسد ،وال أعلم .والرفسق ليسن الجانسب .وسسمي الصساحب رفيقسا
لرتفاقسسك بصسسحبته؛ ومنسسه الرفقسسة لرتفاق بعضهسسم ببعسسض .ويجوز "وحسسسن أولئك رفقاء" .قال
الخفش" :رفيقا "منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء؛ وقال :انتصب على التمييز فوحد لذلك؛
فكأن المعنسى وحسسن كسل واحسد منهسم رفيقسا .كمسا قال تعالى" :ثسم نخرجكسم طفل "[الحسج ]5 :أي
نخرج كسسل واحسسد منكسسم طفل .وقال تعالى" :ينظرون مسسن طرف خفسسي "[الشورى ]45:وينظسسر
معنى هذه الية قوله صلى ال عليه وسلم( :خير الرفقاء أربعة) ولم يذكر ال تعالى هنا إل أربعة
فتأمله.
@ فسي هذه اليسة دليسل على خلفسة أبسي بكسر رضسي ال عنه؛ وذلك أن ال تعالى لمسا ذكسر مراتسب
أوليائه فسي كتابسه بدأ بالعلى منهسم وهسم النسبيون ،ثسم ثنسى بالصسديقين ولم يجعسل بينهمسا واسسطة.
وأجمسع المسسلمون على تسسمية أبسى بكسر الصسديق رضسي ال عنسه صسديقا ،كمسا أجمعوا على تسسمية
محمسد عليه السلم رسول ،وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسول ال صلى ال عليه
وسلم لم يجز أن يتقدم بعده أحد .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ذلك الفضل من ال" أخبر تعالى أنهم لم ينالوا الدرجة .بطاعتهم بل نالوها بفضل
ال تعالى وكرمسه .خلفسا لمسا قالت المعتزلة :إنمسا ينال العبسد ذلك بفعله .فلمسا امتسن ال سسبحانه على
أوليائه بمسسا آتاهسسم مسسن فضله ،وكان ل يجوز لحسسد أن يثنسسي على نفسسسه بمسسا لم يفعله دل ذلك على
بطلن قولهم .وال أعلم.
**3الية{ 71 :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم" هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد
صلى ال عليه وسلم ،وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل ال وحماية الشرع .ووجه النظم
والتصسال بمسا قبسل أنسه لمسا ذكسر طاعسة ال وطاعسة رسسوله ،أمسر أهسل الطاعسة بالقيام بإحياء دينسه
وإعلء دعوتسسه ،وأمرهسسم أل يقتحموا على عدوهسسم على جهالة حتسسى يتحسسسسوا إلى مسسا عندهسسم،
ويعلموا كيسف يردون عليهسم ،فذلك أثبست لهسم فقال" :خذوا حذركسم "فعلمهسم مباشرة الحروب .ول
ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل كما تقدم في "آل عمران "ويأتي .والحذر والحذر لغتان
كالمثل والمثل .قال القراء :أكثر الكلم الحذر ،والحذر مسموع أيضا؛ يقال :خذ حذرك ،أي أحذر.
وقيل :خذوا السلح حذرا؛ لنه به الحذر والحذر ل يدفع القدر.
@ خلفسا للقدريسة فسي قولهسم :إن الحذر يدفسع ويمنسع مسن مكائد العداء ،ولو لم يكسن كذلك مسا كان
لمرهسم بالحذر معنسى .فيقال لهسم :ليسس فسي اليسة دليسل على أن الحذر ينفسع مسن القدر شيئا؛ ولكنسا
تعبدنا بأل نلقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث (اعقلها وتوكل ) .وإن كان القدر جاريا على ما
قضسسى ،ويفعسسل ال مسسا يشاء ،فالمراد منسسه طمأنينسسة النفسسس ،ل أن ذلك ينفسسع مسسن القدر وكذلك أخسسذ
الحذر .الدليسل على ذلك أن ال تعالى أثنسى على أصسحاب نسبيه صسلى ال عليسه وسسلم بقوله" :قسل لن
يصيبنا إل ما كتب ال لنا "[التوبة ]51 :فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلم
معنى.
@قوله تعالى" :فانفروا ثبات" يقال :نفسر ينفسر (بكسسر الفاء ) نفيرا .ونفرت الدابسة تنفسر (بضسم
الفاء) نفورا؛ المعنسسى :انهضوا لقتال العدو .واسسستنفر المام الناس دعاهسسم إلى النفسسر ،أي للخروج
إلى قتال العدو .والنفير اسم للقوم الذين ينفرون ،وأصله من النفار والنفور وهو الفزع؛ ومنه قوله
تعالى" :ولوا على أدبارهسم نفورا "[السسراء ]46 :أي نافريسن .ومنسه نفسر الجلد أي ورم .وتخلل
رجسل بالقصسب فنفسر فمسه أي ورم .قال أبسو عبيسد :إنمسا هسو مسن نفار الشيسء مسن الشيسء وهسو تجافيسه
عنسسه وتباعده منسسه .قال ابسسن فارس :النفسسر عدة رجال مسسن ثلثسسة إلى عشرة .والنفيسسر النفسسر أيضسسا،
وكذلك النفسسر والنفرة ،حكاهسسا الفراء بالهاء .ويوم النفسسر :يوم ينفسسر الناس عسسن منسسى" .ثبات "معناه
جماعات متفرقات .ويقال :ثبين يجمع جمع السلمة في التأنيث والتذكير .قال عمرو بن كلثوم:
فتصبح خيلنا عصبا ثبينا فأما يوم خشينا عليهم
كنايسة عسن السسرايا ،الواحدة ثبسة وهسي العصسابة مسن الناس .وكانست فسي الصسل الثبيسة .وقسد ثسبيت
الجيش جعلتهم ثبة ثبة .والثبة :وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس :وربما
توهم الضعيف في العربية أنهما واحد ،وأن أحدهما من الخر؛ وبينهما فرق ،فثبة الحوض يقال
فسي تصسغيرها :ثويبسة؛ لنهسا مسن ثاب يثوب .ويقال فسي ثبسة الجماعسة :ثيبسة .قال غيسر :فثبسة الحوض
محذوفسة الواو وهسو عيسن الفعسل ،وثبسة الجماعسة معتسل اللم مسن ثبسا يثبسو مثسل خل يخلو .ويجوز أن
يكون الثبسسة بمعنسسى الجماعسسة مسسن ثبسسة الحوض؛ لن الماء إذا ثاب اجتمسسع؛ فعلى هذا تصسسغر بسسه
الجماعسة ثوبية فتدخسل إحدى الياءيسن فسي الخرى .وقسد قيسل :إن ثبسة الجماعسة إنمسا اشتقست مسن ثسبيت
على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره فيعود إلى الجتماع.
@قوله تعالى" :أو انفروا جميعا" معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلم؛ قاله ابن عباس
وغيره .ول تخرج السرايا إل بإذن المام ليكون متجسسا لهم ،عضدا من ورائهم ،وربما احتاجوا
إلى درئه .وسيأتي حكم السرايا وغنائمهم وأحكام الجيوش ووجوب النفير في "النفال "و "براءة
"[التوبة] إن شاء ال تعالى.
@ ذكر ابن خويز منداد :وقيل إن هذه الية منسوخة بقوله تعالى" :انفروا خفافا وثقال" وبقوله:
"إل تنفروا يعذبكم "[التوبة]39:؛ ولن يكون "انفروا خفافا وثقال "[التوبة ]41 :منسوخا بقوله:
"فانفروا ثبات أو انفروا جميعسا "و بقوله" :ومسا كان المؤمنون لينفروا كافسة" [التوبسة]122 :
أولى؛ لن فرض الجهاد تقرر على الكفايسة ،فمتسى سسد الثغور بعسض المسسلمين أسسقط الفرض عسن
الباقيسسن .والصسسحيح أن اليتيسسن جميعسسا محكمتان ،إحداهمسسا فسسي الوقسست الذي يحتاج فيسسه إلى تعيسسن
الجميع ،والخرى عند الكتفاء بطائفة دون غيرها.
**3الية - 72 :وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم ال علي إذ لم أكن معهم
شهيدا
**3الية - 73 :ولئن أصابكم فضل من ال ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت
معهم فأفوز فوزا عظيما}
@قوله تعالى" :وإن منكسم لمسن ليبطئن" يعنسي المنافقيسن .والتبطئة والبطاء التأخسر ،تقول :مسا
أبطأك عنسسا؛ فهسسو لزم .ويجوز بطأت فلنسسا عسسن كذا أي أخرتسسه؛ فهسسو متعسسد .والمعنيان مراد فسسي
اليسسة؛ فكانوا يقعدون عسسن الخروج ويقعدون غيرهسسم .والمعنسسى إن مسسن دخلئكسسم وجنسسسكم وممسسن
أظهسر إيمانسه لكسم .فالمنافقون فسي ظاهسر الحال مسن أعداد المسسلمين بإجراء أحكام المسسلمين عليهسم.
واللم فسي قوله "لمسن "لم توكيسد ،والثانيسة لم قسسم ،و"مسن "فسي موضسع نصسب ،وصسلتها "ليبطئن
"لن فيسه معنسى اليميسن ،والخسبر "منكسم" .وقرأ مجاهسد والنخعسي والكلبسي "وإن منكسم لمسن ليبطئن
"بالتخفيف ،والمعنى واحد .وقيل :المراد بقوله "وإن منكم لمن ليبطئن "بعض المؤمنين؛ لن ال
خاطبهسسم بقوله" :وإن منكسسم "وقسسد فرق ال تعالى بيسسن المؤمنيسسن والمنافقيسسن بقوله "ومسسا هسسم منكسسم
"[التوبسة ]56 :وهذا يأباه مسساق الكلم وظاهره .وإنمسا جمسع بينهسم فسي الخطاب مسن جهسة الجنسس
والنسسب كمسا بينسا ل مسن جهسسة اليمان .هذا قول الجمهور وهسو الصسسحيح إن شاء ال تعالى ،وال
أعلم .يدل عليه قوله "فإن أصابتكم مصيبة" أي قتل وهزيمة "قال قد أنعم ال علي" يعني بالقعود،
وهذا ل يصسدر إل مسن منافسق؛ ل سسيما فسي ذلك الزمان الكريسم ،بعيسد أن يقول مؤمسن .وينظسر إلى
هذه الية ما رواه الئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم إخبارا عن المنافقين (إن
أثقل صلة عليهم صسلة العشاء وصلة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لتوهما ولو حبوا ) الحديث.
في رواية (ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها ) يعني صلة العشاء .يقول :لو لح شيء
مسن الدنيسا يأخذونسه وكانوا على يقيسن منسه لبادروا إليسه .وهسو معنسى قوله" :ولئن أصسابكم فضسل مسن
ال" أي غنيمسسة وفتسسح "ليقولن" هذا المنافسسق قول نادم حاسسسد "يسسا ليتنسسي كنسست معهسسم فأفوز فوزا
عظيمسا" "كأن لم يكسن بينكسم وبينسه مودة "فالكلم فيسه تقديسم وتأخيسر .وقيسل :المعنسى "ليقولن كأن لم
يكسن بينكسم وبينسه مودة "أي كأن لم يعاقدكسم على الجهاد .وقيسل :هسو فسي موضسع نصسب على الحال.
وقرأ الحسسن "ليقولن" بضسم اللم على معنسى "مسن"؛ لن معنسى قوله "لمسن ليبطئن" ليسس يعنسي
رجل بعينسه .ومسن فتسح اللم أعاد فوحسد الضميسر على لفسظ "مسن" .وقرأ ابسن كثيسر وحفسص عسن
عاصم "كأن لم تكن "بالتاء على لفظ المودة .ومن قرأ بالياء جعل مودة بمعنى الود .وقول المنافق
"يا ليتني كنت معهم "على وجه الحسد أو السف على فوت الغنيمة مع الشك في الجزاء من ال.
"فأفوز" جواب التمنسي ولذلك نصسب .وقرأ الحسسن "فأفوز" بالرفسع على أنسه تمنسى الفوز ،فكأنسه
قال :يا ليتني أفوز فوزا عظيما .والنصب على الجواب؛ والمعنى إن أكن معهم أفز .والنصب فيه
بإضمار "أن" لنه محمول على تأويل المصدر؛ التقدير يا ليتني كان لي حضور ففوز.
**3الية{ 74 :فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة ومن يقاتل في سبيل ال
فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما}
@قوله تعالى" :فليقاتل في سبيل ال" الخطاب للمؤمنين؛ أي فليقاتل في سبيل ال الكفار "الذين
يشرون "أي يبيعون ،أي يبذلون أنفسهم وأموالهم ل عر وجل "بالخرة "أي بثواب الخرة.
@قوله تعالى" :ومسن يقاتسل فسي سسبيل ال" شرط" .فيقتسل أو يغلب "عطسف عليسه ،والمجازاة
"فسسوف نؤتيسه أجرا عظيمسا" .ومعنسى "فيقتسل "فيسستشهد" .أو يغلب "يظفسر فيغنسم .وقرأت طائفسة
"ومسن يقاتسل ""فليقاتسل "بسسكون لم المسر .وقرأت فرقسة "فليقاتسل "بكسسر لم المسر .فذكسر تعالى
غايتي حالة المقاتل واكتفى بالغايتين عما بينهما؛ ذكره ابن عطية.
@ ظاهسر اليسة يقتضسي التسسوية بيسن مسن قتسل شهيدا أو انقلب غانمسا .وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي
هريرة قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :تضمسن ال لمسن خرج فسي سسبيله ل يخرجسه إل
جهاد فسسي سسسبيلي وإيمان بسسي وتصسسديق برسسسلي فهسسو علي ضامسسن أن أدخله الجنسسة أو أرجعسسه إلى
مسكنه الذي خرج منه نائل ما نال من أجر أو غنيمة ) وذكر الحديث .وفيه عن عبدال بن عمرو
أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قال( :مسا مسن غازيسة تغزو فسي سسبيل ال فيصسيبون الغنيمسة إل
تعجلوا ثلثسي أجرهسم مسن الخرة ويبقسى لهسم الثلث وإن لم يصسيبوا غنيمسة تسم لهسم أجرهسم) .فقوله:
(نائل ما نال من أجر أو غنيمة) يقتضي أن لمن يستشهد من المجاهدين أحد المرين؛ إما الجر
إن لم يغنم ،وإما الغنيمة ول أجر ،بخلف حديث عبدال بن عمرو ،ولما كان هذا قال قوم :حديث
عبدال بسن عمرو ليسس بشيسء؛ لن فسي إسسناده حميسد بسن هانسئ وليسس بمشهور ،ورجحوا الحديسث
الول عليه لشهرته .وقال آخرون :ليس بينهما تعارض ول اختلف .و"أو "في حديث أبي هريرة
بمعنى الواو ،كما يقول الكوفيون وقد دلت عليه رواية أبي داود فإنه قال فيه( :من أجر وغنيمة )
بالواو الجامعسة .وقسد رواه بعسض رواة مسسلم بالواو الجامعسة أيضسا .وحميسد بسن هانسئ مصسري سسمع
أبا عبدالرحمن الحبلى وعمرو بن مالك ،وروى عنه حيوة بن شريح وابن وهب؛ فالحديث الول
محمول على مجرد النيسسة والخلص فسسي الجهاد؛ فذلك الذي ضمسسن ال له إمسسا الشهادة ،وإمسسا رده
إلى أهله مأجورا غانما ،ويحمل الثاني على ما إذا نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم ،فلما انقسمت
نيته انحط أجره؛ فقد دلت السنة على أن للغانم أجرا كما دل عليه الكتاب فل تعارض .ثم قيل :إن
نقص أجر الغانم على من يغنم إنما هو بما فتح ال عليه من الدنيا فتمتع به وأزال عن نفسه شظف
عيشسه؛ ومسن أخفسق فلم يصسب شيئا بقسي على شظسف عيشسه والصسبر على حالتسه ،فبقسي أجره موفرا
بخلف الول .ومثله قوله فسسي الحديسسث الخسسر( :فمنسسا مسسن مات لم يأكسسل مسسن أجره شيئا -منهسسم
مصعب بن عمير -ومنا من أينعت له تمرته فهو يهدبها ).
**3اليسة - 75 :ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال والمسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان
الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك
نصيرا}
@قوله تعالى" :ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال" حسض على الجهاد .وهسو يتضمسن تخليسص
المسستضعفين مسن أيدي الكفرة المشركيسن الذيسن يسسومونهم سسوء العذاب ،ويفتنونهسم عسن الديسن؛
فأوجسب تعالى الجهاد لعلء كلمتسه وإظهار دينسه واسستنقاذ المؤمنيسن الضعفاء مسن عباده ،وإن كان
في ذلك تلف النفوس .وتخليص السارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالموال؛
وذلك أوجسسسب لكونهسسسا دون النفوس إذ هسسسي أهون منهسسسا .قال مالك :واجسسسب على الناس أن يفدوا
السسارى بجميسع أموالهسم .وهذا ل خلف فيسه؛ لقوله عليسه السسلم (فكوا العانسي ) وقسد مضسى فسي
"البقرة" .وكذلك قالوا :عليهسم أن يواسوهم فإن المواسساة دون المفاداة .فإن كان السسير غنيسا فهسل
يرجع عليه الفادي أم ل؛ قولن للعلماء ،أصحهما الرجوع.
@قوله تعالى" :والمستضعفين" عطف على اسم ال عز وجل ،أي وفي سبيل المستضعفين ،فإن
خلص المسسستضعفين مسسن سسسبيل ال .وهذا اختيار الزجاج وقال الزهري .وقال محمسسد بسسن يزيسسد:
أختار أن يكون المعنسسى وفسسي المسسستضعفين فيكون عطفسسا على السسسبيل؛ أي وفسسي المسسستضعفين
لستنقاذهم؛ فالسبيلن مختلفان .ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلل كفرة
قريسش وأذاهسم وهسم المعنيون بقوله عليسه السسلم( :اللهسم أنسج الوليسد بسن الوليسد وسسلمة بسن هشام
وعياش بسسن أبسسي ربيعسسة والمسسستضعفين مسسن المؤمنيسسن) .وقال ابسسن عباس :كنسست أنسسا وأمسسي مسسن
المسستضعفين .فسي البخاري عنسه "إل المسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان "فقال :كنست أنسا
وأمي ممن عذر ال ،أنا من الولدان وأمي من النساء.
@قوله تعالى" :مسن هذه القريسة الظالم أهلهسا" القريسة هنسا مكسة بإجماع مسن المتأوليسن .ووصسفها
بالظلم وإن كان الفعسسل للهسسل لعلقسسة الضميسسر .وهذا كمسسا تقول :مررت بالرجسسل الواسسسعة داره،
والكريسم أبوه ،والحسسنة جاريتسه .وإنمسا وصسف الرجسل بهسا للعلقسة اللفظيسة بينهمسا وهسو الضميسر ،فلو
قلت :مررت بالرجسل الكريسم عمسر ولم تجسز المسسألة؛ لن الكرم لعمرو فل يجوز أن يجعسل صسفة
لرجسل إل بعلقسة وهسي الهاء .ول تثنسى هذه الصسفة ول تجمسع ،لنهسا تقوم مقام الفعسل ،فالمعنسى أي
التسي ظلم أهلهسا ولهذا لم يقسل الظالميسن .وتقول :مررت برجليسن كريسم أبواهمسا حسسنة جاريتاهمسا،
وبرجال كريسسم آباؤهسسم حسسسنة جواريهسسم" .واجعسسل لنسسا مسسن لدنسسك" أي مسسن عندك" .وليسسا" أي مسسن
يستنقذنا "واجعل لنا من لدنك نصيرا" أي ينصرنا عليهم.
**3اليسة{ 76 :الذيسن آمنوا يقاتلون فسي سسبيل ال والذيسن كفروا يقاتلون فسي سسبيل الطاغوت
فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
@قوله تعالى" :الذين آمنوا يقاتلون في سبيل ال" أي في طاعته" .والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطاغوت" قال أبو عبيدة والكسائي :الطاغوت يذكر ويؤنث .قال أبو عبيد :وإنما ذكر وأنث لنهم
كانوا يسمون الكاهن والكاهنة طاغوتا .قال :حدثنا حجاج عن ابن جريج قال :حدثنا أبو الزبير أنه
سمع جابر بن عبدال وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال :كانت في جهينة واحدة
وفسي أسسلم واحدة ،وفسي كسل حسي واحدة .قال أبسو إسسحاق :الدليسل على أنسه الشيطان قوله عسز وجسل:
"فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيسد الشيطان كان ضعيفسا" أي مكره ومكر من اتبعسه .ويقال :أراد به
يوم بدر حيسسن قال للمشركيسسن "ل غالب لكسسم اليوم مسسن الناس وإنسسي جار لكسسم فلمسسا تراءت الفئتان
نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم" [النفال ]48 :على ما يأتي.
**3اليسة{ 77 :ألم تسر إلى الذيسن قيسل لهسم كفوا أيديكسم وأقيموا الصسلة وآتوا الزكاة فلمسا كتسب
عليهسم القتال إذا فريسق منهسم يخشون الناس كخشيسة ال أو أشسد خشيسة وقالوا ربنسا لم كتبست علينسا
القتال لول أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والخرة خير لمن اتقى ول تظلمون فتيل}
@ روى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبدالرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا
النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بمكسة فقالوا :يسا نسبي ال ،كنسا فسي عسز ونحسن مشركون ،فلمسا آمنسا صسرنا
أذلة ؟ فقال( :إنسسي أمرت بالعفسسو فل تقاتلوا القوم ) .فلمسسا حول ال تعالى إلى المدينسسة أمره بالقتال
فكفوا ،فنزلت اليسة .أخرجسه النسسائي فسي سسننه ،وقاله الكلبسي .وقال مجاهسد :هسم يهود .قال الحسسن:
هي في المؤمنين؛ لقوله" :يخشون الناس" أي مشركي مكة "كخشية ال" فهي على ما طبع عليه
البشسسر مسسن المخافسسة ل على المخالفسسة .قال السسسدي :هسسم قوم أسسسلموا قبسسل فرض القتال فلمسسا فرض
كرهوه .وقيل :هو وصف للمنافقين؛ والمعنى يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من
ال" .أو أشد خشية" أي عندهم وفي اعتقادهم.
قلت :وهذا أشبسه بسسياق اليسة ،لقوله" :وقالوا ربنسا لم كتبست علينسا القتال لول أخرتنسا إلى أجسل
قريسسب "أي هل ،ول يليهسسا إل الفعسسل .ومعاذ ال أن يصسسدر هذا القول مسسن صسسحابي كريسسم يعلم أن
الجال محدودة والرزاق مقسومة ،بل كانوا لوامر ال ممتثلين سامعين طائعين ،يرون الوصول
إلى الدار الجلة خيرا مسن المقام فسي الدار العاجلة ،على مسا هسو معروف مسن سسيرتهم رضسي ال
عنهسم .اللهسم إل أن يكون قائله ممسن لم يرسسخ فسي اليمان قدمسه ،ول انشرح بالسسلم جنانسه ،فإن
أهل اليمان متفاضلون فمنهم الكامل ومنهم الناقص ،وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تلحقه
فيه المشقة وتدركه فيه الشدة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قل متاع الدنيا قليل" ابتداء وخبر .وكذا "والخرة خير لمن اتقى" أي المعاصي؛
وقد مضى القول في هذا في "البقرة" ومتاع الدنيا منفعتها والستمتاع بلذاتها وسماه قليل لنه ل
بقاء له .وقال النبي صلى ال عليه وسلم (مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح
وتركها ) وقد تقدم هذا المعنى في "البقرة "مستوفى.
**3اليسة{ 78 :أيسن مسا تكونوا يدرككسم الموت ولو كنتسم فسي بروج مشيدة وإن تصسبهم حسسنة
يقولوا هذه من عند ال وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند ال فما لهؤلء القوم
ل يكادون يفقهون حديثا}
@قوله تعالى" :أينمسا تكونوا يدرككسم الموت" شرط ومجازاة ،و"مسا" زائدة وهذا الخطاب عام
وإن كان المراد المنافقين أو ضعفة المؤمنين الذين قالوا" :لول أخرتنا إلى أجل قريب "أي إلى أن
نموت بآجالنا ،وهو أشبه المنافقين كما ذكرنا ،لقولهم لما أصيب أهل أحد ،قالوا" :لو كانوا عندنا
ما ماتوا وما قتلوا "[آل عمران ]156 :فرد ال عليهم "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في
بروج مشيدة "قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه .وواحد البروج برج ،وهو البناء المرتفع
والقصر العظيم .قال طرفة يصف ناقة:
بان بشيد واجر وأحجار كأنها برج رومي تكففها
وقرأ طلحة بن سليمان "يدرككم "برفع الكاف على إضمار الفاء ،وهو قليل لم يأت إل في الشعر
نحو قوله:
ل يشكرها من يفعل الحسنات ا ُ
أراد فال يشكرها.
واختلف العلماء وأهسسل التأويسسل فسسي المراد بهذه البروج ،فقال الكثسسر وهسسو الصسسح .إنسسه أراد
البروج فسي الحصسون التسي فسي الرض المبنيسة ،لنهسا غايسة البشسر فسي التحصسن والمنعسة ،فمثسل ال
لهم بها .وقال قتادة :في قصور محصنة .وقاله ابن جريج والجمهور ،ومنه قول عامر بن الطفيل
للنبي صلى ال عليه وسلم :هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد :البروج القصور .ابن
عباس :البروج الحصسسسسسون والطام والقلع .ومعنسسسسسى "مشيدة "مطولة ،قال الزجاج والقتسسسسسبي.
عكرمسة :المزينسة بالشيسد وهسو الجسص .قال قتادة :محصسنة .والمشيسد والمشيسد سسواء ،ومنسه "وقصسر
مشيسد "[الحسج ]45 :والتشديسد للتكثيسر .وقيسل المشيسد المطول ،والمشيسد المطلي بالشيسد .يقال :شاد
البنيان وأشاد بذكره .وقال السدي :المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية .وحكى هذا القول
مكسي عسن مالك وأنسه قال أل ترى إلى قوله تعالى" :والسسماء ذات البروج "[البروج ]1 :و"جعسل
فسي السسماء بروجسا "[الفرقان" ]61 :ولقسد جعلنسا فسي السسماء بروجسا "[الحجسر .]16 :وحكاه ابسن
العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك .وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال" :في بروج مشيدة"
معناه في قصور من حديد .قال ابن عطية :وهذا ل يعطيه ظاهر اللفظ.
@ هذه الية ترد على القدرية في الجال ،لقوله تعالى" :أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في
بروج مشيدة "فعرفهسسم بذلك أن الجال متسسى انقضسست فل بسسد مسسن مفارقسسة الروح الجسسسد ،كان ذلك
بقتسسل أو موت أو غيسسر ذلك ممسسا أجرى ال العادة بزهوقهسسا بسسه .وقالت المعتزلة :إن المقتول لو لم
يقتله القاتسسسل لعاش .وقسسسد تقدم الرد عليهسسسم فسسسي "آل عمران "ويأتسسسي فوافقوا بقولهسسسم هذا الكفار
والمنافقين.
@ اتخاذ البلد وبنائها ليمتنع بها في حفظ الموال والنفوس ،وهي سنة ال في عباده .وفي ذلك
أدل دليسسل على رد قول مسسن يقول :التوكسسل ترك السسسباب ،فإن اتخاذ البلد مسسن أكسسبر السسسباب
وأعظمها وقد أمرنا بها ،واتخذها النبياء وحفروا حولها الخنادق عدة وزيادة في التمنع .وقد قيل
للحنف :ما حكمة السور ؟ فقال :ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه .الرابعة :وإذا تنزلنا على
قول مالك والسسدي فسي أنهسا بروج السسماء ،فسبروج الفلك اثنسا عشسر برجسا مشيدة مسن الرفسع ،وهسي
الكواكسب العظام .وقيسل للكواكسب بروج لظهورهسا ،مسن برج يسبرج إذا ظهسر وارتفسع؛ ومنسه قوله:
"ول تسبرجن تسبرج الجاهليسة الولى "[الحزاب ]33 :وخلقهسا ال تعالى منازل للشمسس والقمسر
وقدره فيها ،ورتب الزمنة عليها ،وجعلها جنوبية وشمالية دليل على المصالح وعلما على القبلة،
وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد غير ذلك من أحوال المعاش.
@قوله تعالى" :وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند ال "أي إن يصب المنافقين خصب قالوا:
هذا مسسن عنسسد ال" .وإن تصسسبهم سسسيئة "أي جدب ومحسسل قالوا :هذا مسسن عندك ،أي أصسسابنا ذلك
بشؤمسسك وشؤم أصسسحابك .وقيسسل :الحسسسنة السسسلمة والمسسن ،والسسسيئة المراض والخوف .وقيسسل:
الحسنة الغنى ،والسيئة الفقر .وقيل :الحسنة النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر ،والسيئة البلية والشدة
والقتسل يوم أحسد .وقيسل :الحسسنة السسراء ،والسسيئة الضراء .هذه أقوال المفسسرين وعلماء التأويسل -
ابسن عباس وغيره -فسي اليسة .وأنهسا نزلت فسي اليهود والمنافقيسن ،وذلك أنهسا لمسا قدم رسسول ال
صلى ال عليه وسلم المدينة عليهم قالوا :ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا
هذا الرجسل وأصسحابه .قال ابسن عباس :ومعنسى "مسن عندك "أي بسسوء تدبيرك .وقيسل" :مسن عندك
"بشؤمك ،كما ذكرنا ،أي بشؤمك الذي لحقنا ،قالوه على جهة التطير .قال ال تعالى" :قل كل من
عنسسد ال" أي الشدة والرخاء والظفسسر والهزيمسسة مسسن عنسسد ال ،أي بقضاء ال وقدره ".فمال هؤلء
القوم" يعني المنافقين "ل يكادون يفقهون حديثا" أي ما شأنهم ل يفقهون أن كل من عند ال.
**3الية{ 79 :ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس
رسول وكفى بال شهيدا}
@قوله تعالى" :ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي ما أصابك يا
محمد من خصب ورخاء وصحة وسلمة فبفضل ال عليك وإحسانه إليك ،وما أصابك من جدب
وشدة فبذنب أتيته عوقبت عليه .والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته .أي ما أصابكم
يسا معشسر الناس مسن خصسب واتسساع رزق فمسن تفضسل ال عليكسم ،ومسا أصسابكم مسن جدب وضيسق
رزق فمسن أنفسسكم؛ أي مسن أجسل ذنوبكسم وقسع ذلك بكسم .قال الحسسن والسسدي وغيرهمسا؛ كمسا قال
تعالى" :يسسا أيهسسا النسسبي إذا طلقتسسم النسسساء "[الطلق .]1:وقسسد قيسسل :الخطاب للنسسسان والمراد بسسه
الجنسس؛ كمسا قال تعالى" :والعصسر إن النسسان لفسي خسسر "[العصسر ]2 - 1:أي إن الناس لفسي
خسر ،أل تراه استثنى منهم فقال "إل الذين آمنوا "ول يستثنى إل من جملة أو جماعة .وعلى هذا
التأويسسل يكون قوله "مسسا أصسسابك" اسسستئنافا .وقيسسل :فسسي الكلم حذف تقديره يقولون؛ وعليسسه يكون
الكلم متصسسل؛ والمعنسسى فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثسسا حتسسى يقولوا مسسا أصسسابك مسسن
حسنة فمن ال .وقيل :إن ألف الستفهام مضمرة؛ والمعنى أفمن نفسك ؟ ومثله قوله وتعالى" :فلما
رأى القمسر بازغسا قال هذا ربسي" [النعام ]77 :والمعنسى أو تلك نعمسة ؟ وكذا قوله تعالى" :فلمسا
رأى القمر بازغا قال هذا ربي "[النعام ]77 :أي أهذا ربي ؟ قال أبو خراش الهذلي:
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم رموني وقالوا يا خويلد لم تُرع
أراد "أهسم "فأضمسر ألف السستفهام وهسو كثيسر وسسيأتي .قال الخفسش "مسا "بمعنسى الذي .وقيسل :هسو
شرط .قال النحاس :والصواب قول الخفش؛ لنه نزل في شيء بعينه من الجدب ،وليس هذا من
المعاصسي فسي شيسء ولو كان منهسا لكان ومسا أصسبت مسن سسيئة .وروى عبدالوهاب بسن مجاهسد عسن
أبيه عن ابن عباس وأبي وابن مسعود "ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصسابك من سيئة فمن
نفسسسك وأنسسا كتبتهسسا عليسسك "فهذه قراءة على التفسسسير ،وقسسد أثبتهسسا بعسسض أهسسل الزيسسغ مسسن القرآن،
والحديسث بذلك عسن ابسن مسسعود وأبسي منقطسع؛ لن مجاهدا لم يسر عبدال ول أبيسا .وعلى قول مسن
قال :الحسنة الفتح والغنيمة يوم بدر ،والسيئة ما أصابهم يوم أحد؛ أنهم عوقبوا عند خلف الرماة
الذيسسن أمرهسسم رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم أن يحموا ظهره ول يسسبرحوا مسسن مكانهسسم ،فرأوا
الهزيمسة على قريسش والمسسلمون يغنمون أموالهسم فتركوا مصسافهم ،فنظسر خالد بسن الوليسد وكان مسع
الكفار يومئذ ظهسر رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم قسد انكشسف مسن الرماة فأخسذ سسرية مسن الخيسل
ودار حتى صار خلف المسلمين وحمل عليهم ،ولم يكن خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم من
الرماة إل صاحب الراية ،حفظ وصية رسول ال صلى ال عليه وسلم فوقف حتى استشهد مكانه؛
على مسسا تقدم فسسي "آل عمران "بيانسسه .فأنزل ال تعالى نظيسسر هذه اليسسة وهسسو قوله تعالى" :أولمسسا
أصابتكم مصيبة "[آل عمران ]165 :يعني يوم أحد "قد أصبتم مثليها "يعني يوم بدر "قلتم أنى
هذا قل هو من عند أنفسكم" .ول يجوز أن تكون الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت
القدريسة؛ إذ لو كان كذلك لكان مسا أصسبت كمسا قدمنسا ،إذ هسو بمعنسى الفعسل عندهسم والكسسب عندنسا،
وإنمسا تكون الحسسنة الطاعسة والسسيئة المعصسية فسي نحسو قوله" :مسن جاء بالحسسنة فله عشسر أمثالهسا
ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها "[النعام ]160:وأما في هذه الية فهي كما تقدم شرحنا له
مسسن الخصسسب والجدب والرخاء والشدة على نحسسو مسسا جاء فسسي آيسسة "العراف "وهسسي قوله تعالى:
.]130 "ولقسسد أخذنسسا آل فرعون بالسسسنين ونقسسص مسسن الثمرات لعلهسسم يذكرون "[العراف:
"بالسسنين "بالجدب سسنة بعسد سسنة؛ حبسس المطسر عنهسم فنقصست ثمارهسم وغلت أسسعارهم" .فإذا
جاءتهسسم الحسسسنة قالوا لنسسا هذه وإن تصسسبهم سسسيئة يطيروا بموسسسى ومسسن معسسه "أي يتشاءمون بهسسم
ويقولون هذا مسن أجسل أتباعنسا لك وطاعتنسا إياك؛ فرد ال عليهسم بقوله" :أل إنمسا طائرهسم عنسد ال
"[العراف ]131 :يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من ال
تعالى ل صنع فيه لمخلوق؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبي صلى ال عليه
وسسلم حيسث قال" :وإن تصسبهم سسيئة يقولوا هذه مسن عندك قسل كسل مسن عنسد ال "كمسا قال" :أل إنمسا
طائرهسسم عنسسد ال "وكمسسا قال تعالى" :ومسسا أصسسابكم يوم التقسسى الجمعان فبإذن ال" [آل عمران:
]166أي بقضاء ال وقدره وعلمه ،وآيات الكتاب يشهد بعضها لبعض .قال علماؤنا :ومن كان
يؤمسن بال واليوم الخسر فل يشسك فسي أن كسل شيسء بقضاء ال وقدره وإرادتسه ومشيئتسه؛ كمسا قال
تعالى" :ونبلوكسم بالشسر والخيسر فتنسة "[النسبياء ]35 :وقال تعالى" :وإذا أراد ال بقوم سسوءا فل
مرد له وما لهم من دونه من وال "[الرعد.]11 :
مسألة :وقد تجاذب بعض جهال أهل السنة هذه الية واحتج بها؛ كما تجاذبها القدرية واحتجوا
بهسا ،ووجسه احتجاجهسم بهسا أن القدريسة يقولون :إن الحسسنة ههنسا الطاعسة ،والسسيئة المعصسية؛ قالوا:
وقسد نسسب المعصسية فسي قوله تعالى" :ومسا أصسابك مسن سسيئة فمسن نفسسك "إلى النسسان دون ال
تعالى؛ فهذا وجسه تعلقهسم بهسا .ووجسه تعلق الخريسن منهسا قوله تعالى" :قسل كسل مسن عنسد ال "قالوا:
فقسد أضاف الحسسنة والسسيئة إلى نفسسه دون خلقسه .وهذه اليسة إنمسا يتعلق بهسا الجهال مسن الفريقيسن
جميعسا؛ لنهسم بنوا ذلك على أن السسيئة هسي المعصسية ،وليسست كذلك لمسا بيناه .وال أعلم .والقدريسة
إن قالوا "ما أصابك من حسنة "أي من طاعة "فمن ال "فليس هذا اعتقادهم؛ لن اعتقادهم الذي
بنوا عليسه مذهبهسم أن الحسسنة فعسل المحسسن والسسيئة فعسل المسسيء .وأيضسا فلو كان لهسم فيهسا حجسة
لكان يقول :مسا أصسبت مسن حسسنة ومسا أصسبت مسن سسيئة؛ لنسه الفاعسل للحسسنة والسسيئة جميعسا ،فل
يضاف إليه إل بفعله لهما ل بفعل غيره .نص على هذه المقالة المام أبو الحسن شبيب بن إبراهيم
بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغلصم في إفحام المخاصم.
@قوله تعالى" :وأرسسلناك للناس رسسول" مصسدر مؤكسد ،ويجوز أن يكون المعنسى ذا رسسالة
"وكفى بال شهيدا" نصب على البيان والباء زائدة ،أي كفى ال شهيدا على صدق رسالة نبيه وأنه
صادق.
**3الية{ 80 :من يطع الرسول فقد أطاع ال ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}
@قوله تعالى" :من يطع الرسول فقد أطاع ال" أعلم ال تعالى أن طاعة رسوله صلى ال عليه
وسسلم طاعسة له .وفسي صسحيح مسسلم عسن أبسي هريرة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال( :مسن
أطاعنسي فقسد أطاع ال ومسن يعصسني فقسد عصسى ال ومسن يطسع الميسر فقسد أطاعنسي ومسن يعسص
المير فقد عصاني ) في رواية( .ومن أطاع أميري ،ومن عصى أميري ).
@قوله تعالى" :ومن تولى" أي أعرض "فما أرسلناك عليهم حفيظا" أي حافظا ورقيبا لعمالهم،
إنمسسا عليسسك البلغ .وقال القتسسبي :محاسسسبا؛ فنسسسخ ال هذا بآيسسة السسسيف وأمره بقتال مسسن خالف ال
ورسوله.
**3اليتان{ 82 - 81 :ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول
وال يكتسب مسا يسبيتون فأعرض عنهسم وتوكسل على ال وكفسى بال وكيل ،أفل يتدبرون القرآن ولو
كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا}
@قوله تعالى" :ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول وال يكتب
مسا يسبيتون" أي أمرنسا طاعسة ،ويجوز "طاعسة" بالنصسب ،أي نطيسع طاعسة ،وهسي قراءة نصسر بسن
عاصسسم والحسسسن والجحدري .وهذا فسسي المنافقيسسن فسسي قول أكثسسر المفسسسرين؛ أي يقولون إذا كانوا
عندك :أمرنا طاعة ،أو نطيع طاعة ،وقولهم هذا ليس بنافع؛ لن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيع
حقيقسة ،لن ال تعالى لم يحقسق طاعتهسم بمسا أظهروه ،فلو كانست الطاعسة بل اعتقاد حقيقسة لحكسم بهسا
لهسسم؛ فثبسست أن الطاعسسة بالعتقاد مسسع وجودهسسا" .فإذا برزوا" أي خرجوا "مسسن عندك بيسست طائفسسة
منهسم" فذكسر الطائفسة لنهسا فسي معنسى رجال .وأدغسم الكوفيون التاء فسي الطاء؛ لنهمسا مسن مخرج
واحد ،واستقبح ذلك الكسائي في الفعل وهو عند البصريين غير .قبيح .ومعنى "بيت "زور وموه.
وقيسل :غيسر وبدل وحرف؛ أي بدلوا قول النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فيمسا عهده إليهسم وأمرهسم بسه..
والتبييت التبديل؛ ومنه قول الشاعر:
وكانوا أتوني بأمر نكر أتوني فلم أرض ما بيتوا
وهل ينكح العبد حر لحر لنكح أيمهم منذرا
آخر:
سك قاتله ال عبدا كفورا بيت قولي عبدالمليس
وبيسست الرجسسل المسسر إذا دبر ليل؛ قال ال تعالى" :إذ يسسبيتون مسسا ل يرضسسى مسسن القول "[النسسساء:
.]108والعرب تقول :أمر بيت بليل إذا أحكم .وإنما خص الليل بذلك لنه وقت يتفرغ فيه .قال
الشاعر:
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء أجمعوا أمرهم بليل فلما
ومن هذا بيت الصيام .والبيوت :الماء يبيت ليل .والبيوت :المر يبيت عليه صاحبه مهتما به؛ قال
الهذلي:
إذا خفت بيوت أمر عضال وأجعل فقرتها عدة
والتسبييت والبيات أن يأتسي العدو ليل .وبات يفعسل كذا إذا فعله ليل؛ كمسا يقال :ظسل بالنهار .وبيست
الشيء قدر .فإن قيل :فما وجه الحكمة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال" :بيت طائفة منهم "؟ قيل:
إنمسا عسبر عسن حال مسن علم أنسه بقسي على كفره ونفاقسه ،وصسفح عمسن علم أنسه سسيرجع عسن ذلك.
وقيسل :إنمسا عسبر عسن حال مسن شهسد وحار فسي أمره ،وأمسا مسن سسمع وسسكت فلم يذكره .وال أعلم.
"وال يكتب ما يبيتون" أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه .وقال الزجاج :المعنى ينزله
عليسك فسي الكتاب .وفسي هذه اليسة دليسل على أن مجرد القول ل يفيسد شيئا كمسا ذكرنسا؛ فإنهسم قالوا:
طاعسة ،ولفظوا بهسا ولم يحقسق ال طاعتهسم ول حكسم لهسم بصسحتها؛ لنهسم لم يعتقدوهسا .فثبست أنسه ل
يكون المطيع مطيعا إل باعتقادها مع وجودها.
قوله تعالى" :فأعرض عنهسسم" أي ل تخسسبر بأسسسمائهم؛ عسسن الضحاك ،يعنسسي المنافقيسسن .وقيسسل :ل
تعاقبهسم" .وتوكسل على ال وكفسى بال وكيل" ثسم أمره بالتوكسل عليسه والثقسة بسه فسي النصسر على
عدوه .ويقال :إن هذا منسوخ بقوله تعالى" :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين "[التوبة]73 :
@قوله تعالى" :أفل يتدبرون القرآن" ثم عاب المنافقين بالعراض عن التدبر في القرآن والتفكر
فيه وفي معانيه .تدبرت الشيء فكرت في عاقبته .وفي الحديث (ل تدابروا ) أي ل يولي بعضكم
بعضا دبره .وأدبر القوم مضى أمرهم إلى آخره .والتدبير أن يدبر النسان أمره كأنه ينظر إلى ما
تصسسير إليسسه عاقبتسسه .ودلت هذه اليسسة وقوله تعالى" :أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهسسا"
[محمد ]24 :على وجوب التدبر فسي القرآن ليعرف معناه .فكان في هذا رد على فساد قول من
قال :ل يؤخسذ مسن تفسسيره إل مسا ثبست عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ،ومنسع أن يتأول على مسا
يسسوغه لسسان العرب .وفيسه دليسل على المسر بالنظسر والسستدلل وإبطال التقليسد ،وفيسه دليسل على
إثبات القياس.
@قوله تعالى" :ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا" أي تفاوتا وتناقضا؛ عن ابن
عباس وقتادة وابسسسن زيسسسد .ول يدخسسسل فسسسي هذا اختلف ألفاظ القراءات وألفاظ المثال والدللت
ومقادير السور واليات .وإنما أراد اختلف التناقض والتفاوت .وقيل :المعنى لو كان ما تخبرون
بسه مسن عنسد غيسر ال لختلف .وقيسل :إنسه ليسس مسن متكلم يتكلم كلمسا كثيرا إل وجسد فسي كلمسه
اختلف كثير؛ إما في الوصف واللفظ؛ وإما في جودة المعنى ،وإما في التناقض ،وإما في الكذب.
فأنزل ال عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره؛ لنهم ل يجدون فيه اختلفا في وصف ول ردا له في
معنى ،ول تناقضا ول كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون.
**3اليسة{ 83 :وإذا جاءهسم أمسر مسن المسن أو الخوف أذاعوا بسه ولو ردوه إلى الرسسول وإلى
أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولول فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل
قليل}
@قوله تعالى" :وإذا جاءهسم أمسر مسن المسن" فسي "إذا "معنسى الشرط ول يجازى بهسا وإن زيدت
عليها "ما "وهي قليلة الستعمال .قال سيبويه .والجيد ما قال كعب بن زهير:
مغرب الشمس ناشطا مذعورا وإذا ما تشاء تبعث منها
يعنسي أن الجيسد ل يجزم بإذا مسا كمسا لم يجزم فسي هذا البيست ،وقسد تقدم فسي أول "البقرة" .والمعنسى
أنهم إذا سمعوا شيئا من المور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم "أو الخوف "وهو ضد
هذا "أذاعوا بسسه" أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا بسسه قبسسل أن يقفوا على حقيقتسسه .فقيسسل :كان هذا مسسن
ضعفة المسلمين؛ عن الحسن؛ لنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى ال عليه وسلم ويظنون أنهم ل
شيسء عليهسم فسي ذلك .وقال الضحاك وابسن زيسد :هسو فسي المنافقيسن فنهوا عسن ذلك لمسا يلحقهسم مسن
الكذب في الرجاف.
@قوله تعالى" :ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم" أي لم يحدثوا به ولم يفشوه حتى
يكون النبي صلى ال عليه وسلم هو الذي يحدث به ويفشيه .أو أولو المر وهم أهل العلم والفقه؛
عسسن الحسسسن وقتادة وغيرهمسسا .السسسدي وابسسن زيسسد :الولة .وقيسسل :أمراء السسسرايا" .لعلمسسه الذيسسن
يسسستنبطونه منهسسم" أي يسسستخرجونه ،أي لعلموا مسسا ينبغسسي أن يفشسسى منسسه ومسسا ينبغسسي أن يكتسسم.
والسستنباط مأخوذ مسن اسستنبطت الماء إذا اسستخرجته .والنبسط :الماء المسستنبط أول مسا يخرج مسن
ماء البئر أول ما تحفر .وسمي النبط نبطا لنهم يستخرجون ما في الرض .والستنباط في اللغة
الستخراج ،وهو يدل على الجتهاد إذا عدم النص والجماع كما تقدم.
@قوله تعالى" :ولول فضل ال عليكم ورحمته" رفع بالبتداء عند سيبويه ،ول يجوز أن يظهر
الخبر عنده .والكوفيون يقولون :رفع بلول" .لتبعتم الشيطان إل قليل" في هذه الية ثلثة أقوال؛
قال ابسسن عباس وغيره :المعنسسى أذاعوا بسسه إل قليل منهسسم لم يذع ولم يفسسش .وقاله جماعسسة مسسن
النحويين :الكسائي والخفش وأبو عبيد وأبو حاتم والطبري .وقيل :المعنى لعلمه الذين يستنبطونه
منهسم إل قليل منهسم؛ عسن الحسسن وغيره ،واختاره الزجاج قال :لن هذا السستنباط الكثسر يعرفسه؛
لنسه اسستعلم خسبر .واختار الول الفراء قال :لن علم السسرايا إذا ظهسر علمسه المسستنبط وغيره،
والذاعة تكون في مضى دون بعض .قال الكلبي عنه :فلذلك استحسنت الستثناء من الذاعة .قال
النحاس :فهذان قولن على المجاز ،يريسسد أن فسسي الكلم تقديمسسا وتأخيرا .وقول ثالث بغيسسر مجاز:
يكون المعنسسى ولول فضسسل ال عليكسسم ورحمتسسه بأن بعسسث فيكسسم رسسسول أقام فيكسسم الحجسسة لكفرتسسم
وأشركتم إل قليل منكم فإنه كان يوحد .وفيه قول رابع -قال الضحاك :المعنى لتبعتم الشيطان إل
قليل ،أي إن أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم حدثوا أنفسهم بأمر من الشيطان إل قليل ،يعني
الذيسن امتحسن ال قلوبهسم للتقوى .وعلى هذا القول يكون قوله "إل قليل "مسستثنى مسن قوله "لتبعتسم
الشيطان" .قال المهدوي :وأنكسسر هذا القول أكثسسر العلماء ،إذ لول فضسسل ال ورحمتسسه لتبسسع الناس
كلهم الشيطان.
**3الية{ 84 :فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك وحرض المؤمنين عسى ال أن يكف بأس
الذين كفروا وال أشد بأسا وأشد تنكيل}
@قوله تعالى" :فقاتسل فسي سسبيل ال" هذه الفاء متعلقسة بقوله "ومسن يقاتسل فسي سسبيل ال فيقتسل أو
يغلب فسسوف نؤتيسه أجرا عظيمسا" [النسساء" ]74 :فقاتسل فسي سسبيل ال" أي مسن أجسل هذا فقاتسل.
وقيسل :هي متعلقة بقوله" :ومسا لكسم ل تقاتلون فسي سسبيل ال .فقاتسل" .كأن هذا المعنسى :ل تدع جهاد
العدو والستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك؛ لنه وعده بالنصر .قال الزجاج:
أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده؛ لنه قد ضمن له النصرة .قال
ابن عطية" :هذا ظاهر اللفظ ،إل أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون المة مدة ما؛
فالمعنى وال أعلم أنه خطاب له في اللفظ ،وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه؛ أي أنت
يا محمد وكل واحد من أمتك القول له؛ "فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك" .ولهذا ينبغي لكل
مؤمن أن يجاهسد ولو وحده؛ ومن ذلك قول النسبي صسلى ال عليه وسلم( :وال لقاتلنهسم حتى تنفرد
سسالفتي ) .وقول أبسي بكسر وقست الردة :ولو خالفتنسي يمينسي لجاهدتهسا بشمالي .وقيسل :إن هذه اليسة
نزلت في موسم بدر الصغرى؛ فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد واعد رسول ال صلى ال عليه
وسلم موسم بدو الصغرى؛ فلما جاء الميعاد خرج إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبعين
راكبسسا فلم يحضسسر أبسسو سسسفيان ولم يتفسسق قتال .وهذا على معنسسى مسسا قاله مجاهسسد كمسسا تقدم فسسي "آل
عمران" .ووجسسه النظسسم على هذا والتصسسال بمسسا قبسسل أنسسه وصسسف المنافقيسسن بالتخليسسط وإيقاع
الراجيف ،ثم أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالعراض عنهم وبالجد في القتال في سبيل ال وإن
لم يساعده أحد على ذلك.
@قوله تعالى" :ل تكلف إل نفسك" "تكلف "مرفوع لنه مستقبل ،ولم يجزم لنه ليس علة للول.
وزعسم الخفسش أنسه يجوز جزمسه" .إل نفسسك "خسبر مسا لم يسسم فاعله؛ والمعنسى ل تلزم فعسل غيرك
ول تؤاخذ به.
@قوله تعالى" :وحرض المؤمنين" أي حضهم على الجهاد والقتال .يقال :حرضت فلنا على كذا
إذا أمرتسه بسه .وحارض فلن على المسر وأكسب وواظسب بمعنسى واحسد" .عسسى ال أن يكسف بأس
الذين كفروا" إطماع ،والطماع من ال عز وجل واجب .على أن الطمع قد جاء فسي كلم العرب
على الوجوب؛ ومنه قوله تعالى" :والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين "[الشعراء.]82 :
وقال ابن مقبل:
يتنازعون جوائز المثال ظني بهم كعسى وهم بتنوفة
قوله تعالى" :وال أشسسد بأسسسا" أي صسسولة وأعظسسم سسسلطانا وأقدر بأسسسا على مسسا يريده" .وأشسسد
تنكيل" أي عقوبسسة؛ عسسن الحسسسن وغيره .قال ابسسن دريسسد :رماه ال بنكلة ،أي رماه بمسسا ينكله .قال:
ونكلت بالرجل تنكيل من النكال .والمنكل الشيء الذي ينكل بالنسان .قال:
وأرم على أقفائهم بمنكل
@إن قال قائل :نحن نرى الكفار في بأس وشدة ،وقلتم :إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد؟
قيل له :قد وجد هذا الوعد ول يلزم وجوده على الستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثل فقد
صسسدق الوعسسد؛ فكسسف ال بأس المشركيسسن ببدر الصسسغرى ،وأخلفوا مسسا كانوا عاهدوه مسسن الحرب
والقتال "وكفسسى ال المؤمنيسسن القتال "[الحزاب ]25 :وبالحديبيسسة أيضسسا عمسسا راموه مسسن الغدر
وانتهاز الفرصة ،ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرة ،وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم
فسي الصسلح ،وهسو المراد بقوله تعالى" :وهسو الذي كسف أيديهسم عنكسم "[الفتسح ]24 :على مسا يأتسي.
وقد ألقى ال في قلوب الحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ول قتال؛ كما قال تعالى "وكفى
ال المؤمنين القتال" .وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم ،فهذا كله بأس قد
كفسه ال عسن المؤمنيسن ،مسع أنسه قسد دخسل مسن اليهود والنصسارى العدد الكثيسر والجسم الغفيسر تحست
الجزيسسة صسساغرين وتركوا المحاربسسة داخريسسن ،فكسسف ال بأسسسهم عسسن المؤمنيسسن .والحمسسد ل رب
العالمين.
**3الية{ 85 :من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل
منها وكان ال على كل شيء مقيتا}
@قوله تعالى" :من يشفع "أصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع وهو الزوج في العدد؛ ومنه
الشفيسع؛ لنسه يصسير مسع صساحب الحاجسة شفعسا .ومنسه ناقسة شفوع إذا جمعست بيسن محلبيسن فسي حلبسة
واحدة .وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها .والشفع ضم واحد إلى واحد .والشفعة ضم ملك
الشريك إلى ملكك؛ فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك ،فهي على التحقيق إظهار لمنزلة
الشفيع عند المشفع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له.
@ واختلف المتأولون فسي هذه اليسة؛ فقال مجاهسد والحسسن وابسن زيسد وغيرهسم هسي فسي شفاعات
الناس بينهم في حوائجهم؛ فمن يشفع لينفع فله نصبب ،ومن يشفع ليضر فله كفل .وقيل :الشفاعة
الحسسنة هسي فسي البر والطاعسة ،والسسيئة فسي المعاصسي .فمسن شفسع شفاعسة حسسنة ليصسلح بيسن اثنيسن
اسستوجب الجسر ،ومسن سسعى بالنميمسة والغيبسة أثسم ،وهذا قريسب مسن الول .وقيسل :يعنسي بالشفاعسة
الحسسنة الدعاء للمسسلمين ،والسسيئة الدعاء عليهسم .وفسي صسحيح الخسبر( :مسن دعسا بظهسر الغيسب
استجيب له وقال الملك آمين ولك بمثل ) .هذا هو النصيب ،وكذلك في الشر؛ بل يرجع شؤم دعائه
عليه .وكانت اليهود تدعو على المسلمين .وقيل :المعنى من يكن شفعا لصاحبه في الجهاد يكن له
نصيبه من الجر ،ومن يكن شفعا لخر في باطل يكن له نصيبه من الوزر .وعن الحسن أيضا:
الحسنة ما يجوز في الدين ،والسيئة ما ل يجوز فيه .وكأن هذا القول جامع .والكفل الوزر والثم؛
عن الحسن وقتادة .السدي وابن زيد هو النصيب .واشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير
على سسنامه لئل يسسقط .يقال :اكتفلت البعيسر إذا أدرت على سسنامه كسساء وركبست عليسه .ويقال له:
اكتفل لنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا من الظهر .ويستعمل في النصيب من الخير
والشر ،وفي كتاب ال تعالى "يؤتكم كفلين من رحمته "[الحديد .]28 :والشافع يؤجر فيما يجوز
وإن لم يشفسسع؛ لنسسه تعالى قال "مسسن يشفسسع "ولم يقسسل يشفسسع .وفسسي صسسحيح مسسسلم (اشفعوا تؤجروا
وليقض ال على لسان نبيه ما أحب).
@قوله تعالى" :وكان ال على كسل شيسء مقيتسا" "مقيتسا "معناه مقتدرا؛ ومنسه قول الزبيسر بسن
عبدالمطلب:
وكنت على مساءته مقيتا وذي ضغن كففت النفس عنه
أي قديرا .فالمعنى إن ال تعالى يعطي كل إنسان قوته؛ ومنه قوله عليه السلم( :كفى بالمرء إثما
أن يضيع من يقيت ) .على من رواه هكذا ،أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره؛
ذكره ابسن عطيسة .يقول منسه :قتسه أقوتسه قوتسا ،وأقتسه أقيتسه إقاتسة فأنسا قائت ومقيست .وحكسى الكسسائي:
أقات يقيت .وأما قول الشاعر:
.. .إني على الحساب مقيت
فقال فيه الطبري :إنه من غير هذا المعنى المتقدم ،وإنه بمعنى الموقوف .وقال أبو عبيدة :المقيت
الحافسسظ .وقال الكسسسائي :المقيسست المقتدر .وقال النحاس :وقول أبسسي عسسبيدة أولى لنسسه مشتسسق مسسن
القوت ،والقوت معناه مقدار مسا يحفسظ النسسان .وقال الفراء :المقيست الذي يعطسي كسل رجسل قوتسه.
وجاء فسي الحديسث( :كفسى بالمرء إثمسا أن يضيسع مسن يقوت ) و"يقيست "ذكره الثعلبسي :وحكسى ابسن
فارس في المجمل :المقيت المقتدر ،والمقيت الحافظ والشاهد ،وما عنده قيت ليلة وقوت ليلة .وال
أعلم.
**3اليسة{ 86 :وإذا حييتسم بتحيسة فحيوا بأحسسن منهسا أو ردوهسا إن ال كان على كسل شيسء
حسيبا}
@قوله تعالى" :وإذا حييتسم بتحيسة" التحيسة تفعلة مسن حييست؛ الصسل تحييسة مثسل ترضيسة وتسسمية،
فأدغموا الياء في الياء .والتحية السلم .وأصل التحية الدعاء بالحياة .والتحيات ل ،أي السلم من
الفات .وقيسسل :الملك .قال عبدال بسسن صسسالح العجلي :سسسألت الكسسسائي عسسن قوله "التحيات ل "مسسا
معناه ؟ فقال :التحيات مثل البركات؛ فقلت :ما معنى البركات ؟ فقال :ما سمعت فيها شيئا .وسألت
عنهسا محمسد بسن الحسسن فقال :هسو شيسء تعبدال بسه عباده .فقدمست الكوفسة فلقيست عبدال بسن إدريسس
فقلت :إنسسي سسسألت الكسسسائي ومحمدا عسسن قول "التحيات ل "فأجابانسسي بكذا وكذا؛ فقال عبدال بسسن
إدريس :إنهما ل علم لهما بالشعر وبهذه الشياء ؟ ! التحية الملك؛ وأنشد:
وأنيخ على تحية بجندي أؤم بها أبا قابوس حتى
وأنشد ابن خويز منداد:
أنيخ على تحيته بجندي أسير به إلى النعمان حتى
يريد على ملكه .وقال آخر:
قد نلته إل التحية ولكل ما نال الفتى
وقال القتسسبي :إنمسسا قال "التحيات ل "على الجمسسع؛ لنسسه كان فسسي الرض ملوك يحيون بتحيات
مختلفات؛ فيقال لبعضهم :أبيت اللعن ،ولبعضهم :اسلم وانعم ،ولبعضهم :عش ألف سنة .فقيل لنا:
قولوا التحيات ل؛ أي اللفاظ التي تدل على الملك ،ويكنى بها عنه ل تعالى .ووجه النظم بما قبل
أنسه قال :إذا خرجتسم للجهاد كمسا سسبق بسه المسر فحييتسم فسي سسفركم بتحيسة السسلم ،فل تقولوا لمسن
ألقى إليكم السلم لست مؤمنا ،بل ردوا جواب السلم؛ فإن أحكام السلم تجري عليهم.
@ واختلف العلماء في معنى الية وتأويلها؛ فروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الية
فسي تشميست العاطسس والرد على المشمست .وهذا ضعيسف؛ إذ ليسس فسي الكلم دللة على ذلك ،أمسا
الرد على المشمست فممسا يدخسل بالقياس فسي معنسى رد التحيسة ،وهذا هسو منحسى مالك إن صسح ذلك
عنه .وال أعلم .وقال ابن خويز منداد :وقد يجوز أن تحمل هذه الية على الهبة إذا كانت للثواب؛
فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها.
قلت :ونحو هذا قال أصحاب أبي حنيفة ،قالوا :التحية هنا الهدية؛ لقوله تعالى" :أو ردوها "ول
يمكن رد السلم بعينه .وظاهر الكلم يقتضي أداء التحية بعينها وهي الهدية ،فأمر بالتعويض إن
قبسل أو الرد بعينسه ،وهذا ل يمكسن فسي السسلم .وسسيأتي بيان حكسم الهبسة للثواب والهديسة فسي سسورة
"الروم "عند قوله" :وما آتيتم من ربا "[الروم ]39 :إن شاء ال تعالى .والصحيح أن التحية ههنا
السسسلم؛ لقوله تعالى" :وإذا جاؤوك حيوك بمسسا لم يحيسسك بسسه ال "[المجادلة .]8 :وقال النابغسسة
الذبياني:
وأكسية الضريج فوق المشاجب تحييهم بيض الولئد بينهم
أراد :ومسسلم عليهسم .وعلى هذا جماعسة المفسسرين .وإذا ثبست هذا وتقرر ففقسه اليسة أن يقال :أجمسع
العلماء على أن البتداء بالسلم سنة مرغب فيها ،ورده فريضة؛ لقوله تعالى" :فحيوا بأحسن منها
أو ردوهسسا" .واختلفوا إذا رد واحسسد مسسن جماعسسة هسسل يجزئ أو ل؛ فذهسسب مالك والشافعسسي إلى
الجزاء ،وأن المسسسلم قسسد رد عليسسه مثسسل قوله .وذهسسب الكوفيون إلى أن رد السسسلم مسسن الفروض
المتعينسسة؛ قالوا :والسسسلم خلف الرد؛ لن البتداء بسسه تطوع ورده فريضسسة .ولو رد غيسسر المسسسلم
عليهسم لم يسسقط ذلك عنهسم فرض الرد ،فدل على أن رد السسلم يلزم كسل إنسسان بعينسه؛ حتسى قال
قتادة والحسن :إن المصلي يرد السلم كلما إذا سلم عليه ول يقطع ذلك عليه صلته؛ لنه فعل ما
أمسر بسه .والناس على خلفسه .احتسج الولون بمسا رواه أبسو داود عسن علي بسن أبسي طالب عسن النسبي
صلى ال عليه وسلم قال( :يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ،ويجزئ عن الجلوس أن
يرد أحدهسم ) .وهذا نسص فسي موضسع الخلف .قال أبسو عمسر :وهسو حديسث حسسن ل معارض له،
وفسي إسسناده سسعيد بسن خالد ،وهسو سسعيد بسن خالد الخزاعسي مدنسي ليسس بسه بأس عنسد بعضهسم؛ وقسد
ضعفه بعضهم منهم أبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وجعلوا حديثه هذا منكرا؛ لنه انفرد
فيه بهذا السناد؛ على أن عبدال بن الفضل لم يسمع من عبيدال بن أبي رافع؛ بينهما العرج في
غيسر مسا حديسث .وال أعلم .واحتجوا أيضسا بقوله عليسه السسلم( :يسسلم القليسل على الكثيسر) .ولمسا
أجمعوا على أن الواحسد يسسلم على الجماعسة ول يحتاج إلى تكريره على عداد الجماعسة ،كذلك يرد
الواحد عن الجماعة وينوب عن الباقين كفروض الكفاية .وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم قال( :يسسلم الراكسب على الماشسي وإذا سسلم واحسد مسن القوم أجزأ عنهسم ).
قال علماؤنسا :وهذا يدل على أن الواحسد يكفسي فسي الرد؛ لنسه ل يقال أجزأ عنهسم إل فيمسا قسد وجسب.
وال أعلم.
قلت :هكذا تأول علماؤنا هذا الحديث وجعلوه حجة في جواز رد الواحد؛ وفيه قلق.
@قوله تعالى" :فحيوا بأحسن منها أو ردوها" رد الحسن أن يزيد فيقول :عليك السلم ورحمة
ال؛ لمسن قال :سسلم عليسك .فإن قال :سسلم عليسك ورحمسة ال؛ زدت فسي ردك :وبركاتسه .وهذا هسو
النهاية فل مزيد .قال ال تعالى مخبرا عن البيت الكريم "رحمة ال وبركاته" [هود ]73 :على ما
يأتي بيانه إن شاء ال تعالى .فإن انتهى بالسلم غايته ،زدت في ردك الواو في أول كلمك فقلت:
وعليك السلم ورحمة ال وبركاته .والرد بالمثل أن تقول لمن قال السلم عليك :عليك السلم ،إل
أنسه ينبغسي أن يكون السسلم كله بلفسظ الجماعسة ،وإن كان المسسلم عليسه واحدا .روى العمسش عسن
إبراهيم النخعي قال :إذا سلمت على الواحد فقل :السلم عليكم ،فإن معه الملئكة .وكذلك الجواب
يكون بلفسظ الجمسع؛ قال ابسن أبسي زيسد :يقول المسسلم السسلم عليكسم ،ويقول الراد وعليكسم السسلم ،أو
يقول السلم عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قوله "أو ردوها "ول تقل في ردك :سلم عليك.
@ والختيار فسي التسسليم والدب فيسه تقديسم اسسم ال تعالى على اسسم المخلوق؛ قال ال تعالى:
"سسلم على إل ياسسين "[الصسافات .]130 :وقال فسي قصسة إبراهيسم عليسه السسلم" :رحمسة ال
وبركاتسه عليكسم أهل البيست "[هود .]73 :وقال مخسبرا عن إبراهيسم" :سلم عليك "[مريم.]47 :
وفسي صسحيحي البخاري ومسسلم مسن حديسث أبسي هريرة قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم:
(خلق ال عسز وجسل آدم على صسورته طول سستون ذراعسا فلمسا خلقسه قال اذهسب فسسلم على أولئك
النفسر وهسم نفسر مسن الملئكسة جلوس فاسستمع مسا يحيونسك فإنهسا تحيتسك وتحيسة ذريتسك -قال -فذهسب
فقال السسلم عليكسسم فقالوا السسلم عليسسك ورحمسة ال -قال -فزادوه ورحمسة ال -قال -فكسسل مسن
يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الن ).
قلت :فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبعا :الولى :الخبار عن صفة خلق آدم .الثانية:
أنسسا ندخسسل الجنسة عليهسسا بفضله .الثالثسة :تسسسليم القليسل على الكثيسسر .الرابعسة :تقديسسم اسسسم ال تعالى.
الخامسة :الرد بالمثل لقولهم :السلم عليكم .السادسة :الزيادة في الرد .السابعة :إجابة الجميع بالرد
كما يقول الكوفيون .وال أعلم.
@ فإن رد فقدم اسسم المسسلم عليسه لم يأت محرمسا ول مكروهسا؛ لثبوتسه عسن النسبي صسلى ال عليسه
وسلم حيث قال للرجل الذي لم يحسن الصلة وقد سلم عليه( :وعليك السلم أرجع فصل فإنك لم
تصسل ) .وقالت عائشسة :وعليسه السسلم ورحمسة ال؛ حيسن أخبرهسا النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن
جبريل يقرأ عليها السلم .أخرجه البخاري .وفي حديث عائشة من الفقه أن الرجل إذا أرسل إلى
رجسل بسسلمه فعليسه أن يرد .كمسا يرد عليسه إذا شافهسه .وجاء رجسل إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم
فقال :إن أبسي يقرئك السسلم؛ فقال( :عليسك وعلى أبيسك السسلم ) .وقسد روى النسسائي وأبسو داود مسن
حديث جابر بن سليم قال :لقيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :عليك السلم يا رسول ال؛
فقال( :ل تقل عليك السلم فإن عليك السلم تحية الميت ولكن قل السلم عليك) .وهذا الحديث ل
يثبست؛ إل أنسه لمسا جرت عادة العرب بتقديسم اسسم المدعسو عليسه فسي الشسر كقولهسم :عليسه لعنسة ال
وغضب ال .قال ال تعالى" :وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين"[ .ص .]78 :وكان ذلك أيضا دأب
الشعراء وعادتهم في تحية الموتى؛ كقولهم:
ورحمته ما شاء أن يترحما عليك سلم ال قيس بن عاصم
وقال آخر وهو الشماخ:
يد ال في ذاك الديم الممزق عليك سلم من أمير وباركت
نهاه عن ذلك ،ل أن ذاك هو اللفظ المشروع فسي حق الموتى؛ لنسه عليه السسلم ثبت عنه أنه سسلم
على الموتسسى كمسسا سسسلم على الحياء فقال( :السسسلم عليكسسم دار قوم مؤمنيسسن وإنسسا إن شاء ال بكسسم
لحقون ) .فقالت عائشسسة :قلت يسسا رسسسول ال ،كيسسف أقول إذا دخلت المقابر ؟ قال( :قولي السسسلم
عليكم أهل الديار من المؤمنين ) الحديث؛ وسيأتي في سورة "ألهاكم" [التكاثر] إن شاء ال تعالى.
قلت :وقسد يحتمسل أن يكون حديسث عائشسة وغيره فسي السسلم على أهسل القبور جميعهسم إذا دخلهسا
وأشرف عليها ،وحديث جابر بن سليم خاص بالسلم على المرور المقصود بالزيارة .وال أعلم.
@ من السنة تسليم الراكب على الماشي ،والقائم على القاعد ،والقليل على الكثير؛ هكذا جاء في
صسحيح مسسلم مسن حديسث أبسي هريرة .قال :قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :يسسلم الراكسب )
فذكره فبدأ بالراكب لعلو مرتبته؛ ولن ذلك أبعد له من الزهو ،وكذلك قيل في الماشي مثله .وقيل:
لما كان القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية بذلك على الماشي؛ لن حاله على العكس
مسسن ذلك .وأمسسا تسسسليم القليسسل على الكثيسسر فمراعاة لشرفيسسة جمسسع المسسسلمين وأكثريتهسسم .وقسسد زاد
البخاري فسي هذا الحديسث (ويسسلم الصسغير على الكسبير ) .وأمسا تسسليم الكسبير على الصسغير فروى
أشعث عن الحسن أنه كان ل يرى التسليم على الصسبيان؛ قال :لن الرد فرض والصبي ل يلزمه
الرد فل ينبغسسي أن يسسسلم عليهسسم .وروي عسسن ابسسن سسسيرين أنسسه كان يسسسلم على الصسسبيان ولكسسن ل
يسسمعهم .وقال أكثسر العلماء :التسسليم عليهسم أفضسل مسن تركسه .وقسد جاء فسي الصسحيحين عسن سسيار
قال :كنست أمشسي مسع ثابست فمسر بصسبيان فسسلم عليهسم ،وذكسر أنسه كان يمشسي مسع أنسس فمسر بصسبيان
فسلم عليهم ،وحدث أنه كان يمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم.
لفسظ مسسلم .وهذا مسن خلقسه العظيسم صسلى ال عليسه وسسلم ،وفيسه تدريسب للصسغير وحسض على تعليسم
السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة فيه؛ فلتقتد.
وأما التسليم على النساء فجائز إل على الشابات منهن خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطان
أو خائنسة عسن .وأمسا المتجالت والعجسز فحسسن للمسن فيمسا ذكرناه؛ هذا قول عطاء وقتادة ،وإليسه
ذهب مالك وطائفة من العلماء .ومنعه الكوفيون إذا لم يكن منهن ذوات محرم وقالوا :لما سقط عن
النسسساء الذان والقامسسة والجهسسر بالقراءة فسسي الصسسلة سسسقط عنهسسن رد السسسلم فل يسسسلم عليهسسن.
والصسحيح الول لمسا خرجسه البخاري عسن سسهل بسن سسعد قال :كنسا نفرح بيوم الجمعسة .قلت ولم ؟
قال :كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة -قال ابن مسلمة :نخل بالمدينة -فتأخذ من أصول السلق
فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير ،فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلم عليها فتقدمه إلينا
فنفرح من أجله :وما كنا نقيل ول نتغدى إل بعد الجمعة .تكركر أي تطحن؛ قاله القتبي.
@ والسنة في السلم والجواب الجهر؛ ول تكفي الشارة بالصبع والكف عند الشافعي ،وعندنا
تكفي إذا كان على بعد؛ روى ابن وهب عن ابن مسعود قال :السلم اسم من أسماء ال عز وجل
وضعسسه ال فسسي الرض فأفشوه بينكسسم؛ فإن الرجسسل إذا سسسلم على القوم فردوا عليسسه كان له عليهسسم
فضل درجة لنه ذكرهم ،فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب .وروى العمش
عسن عمرو بسن مرة عسن عبدال بسن الحارث قال :إذا سسلم الرجسل على القوم كان له فضسل درجسة،
فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملئكة ولعنتهم .فإذا رد المسلم عليه أسمع جوابه؛ لنه إذا لم يسمع
المسسلم لم يكسن جوابسا له؛ أل ترى أن المسسلم إذا سسلم بسسلم لم يسسمعه المسسلم عليسه لم يكسن ذلك منسه
سسلما ،فكذلك إذا أجاب بجواب لم يسسمع منسه فليسس بجواب .وروي أن النسبي صسلى ال عليه وسسلم
قال( :إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فأقعدوا بالمانة ول يرفعن بعضكم حديث
بعض ) .قال ابن وهب :وأخبرني أسامة بن زيد عن نافع قال :كنت أساير رجل من فقهاء الشام
يقال له عبدال بسن زكريسا فحبسستني دابتسي تبول ،ثسم أدركتسه ولم أسسلم عليسه؛ فقال :أل تسسلم ؟ فقلت:
إنما كنت معك آنفا؛ فقال :وإن صح؛ لقد كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتسايرون
فيفرق بينهم الشجر فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض.
@ وأما الكافر فحكم الرد عليه أن يقال له :وعليكم .قال ابن عباس وغيره :المراد بالية" :وإذا
حييتسم بتحيسة "فإذا كانست مسن مؤمسن "فحيوا بأحسسن منهسا "وإن كانست مسن كافسر فردوا على مسا قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقال لهم( :وعليكم ) .وقال عطاء :الية في المؤمنين خاصة،
ومن سلم من غيرهم قيل له :عليك؛ كما جاء في الحديث.
قلت :فقسسد جاء إثبات الواو وإسسسقاطها فسسي صسسحيح مسسسلم (عليسسك ) بغيسسر واو وهسسي الروايسسة
الواضحة المعنى ،وأما مع إثبات الواو ففيها إشكال؛ لن الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه
أن يدخسل معهسم فيمسا دعوا بسه علينسا مسن الموت أو مسن سسامة ديننسا؛ فاختلف المتأولون لذلك على
أقوال :أولهسا أن يقال :إن الواو على بابهسا مسن العطسف ،غيسر أنسا نجاب عليهسم ول يجابون علينسا،
كمسا قال صسلى ال عليسه وسسلم .وقيسل :هسي زائدة .وقيسل :للسستئناف .والولى أولى .وروايسة حذف
الواو أحسن معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر ،وعليها من العلماء الكثر.
@ واختلف فسي رد السسلم على أهل الذمة هسل هو واجسب كالرد على المسلمين؛ وإليه ذهسب ابن
عباس والشعبي وقتادة تمسكا بعموم الية وبالمر بالرد عليهم في صحيح السنة .وذهب مالك فيما
روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب؛ فإن رددت فقل :عليك .واختار ابن طاوس
أن يقول في الرد عليهم :علك السلم .أي ارتفع عنك .واختار بعض علمائنا السلم (بكسر السين
) يعنسي بسه الحجارة .وقول مالك وغيره فسي ذلك كاف شاف كمسا جاء فسي الحديسث ،وسسيأتي فسي
سورة "مريم "القول في ابتدائهم بالسلم عند قوله تعالى إخبارا عن إبراهيم في قوله لبيه "سلم
عليك "[مريم .]47 :وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل
تدخلون الجنسة حتسى تؤمنوا ول تؤدوا حتسى تحابوا أول أدلكسم على شيسء إذا فعلتموه تحاببتسم أفشوا
السلم بينكم ) .وهذا يقتضي إفشاءه بين المسلمين دون المشركين .وال أعلم.
@ ول يسلم على المصلي فإن سلم عليه فهو بالخيار إن شاء رد بالشارة بإصبعه وإن شاء أمسك
حتسى يفرغ مسن الصسلة ثسم يرد .ول ينبغسي أن يسسلم على مسن يقضسي حاجتسه فإن فعسل لم يلزمسه أن
يرد عليه .دخل رجل على النبي صلى ال عليه وسلم في مثل هذه الحال فقال له( :إذا وجدتني أو
رأيتنسي على هذه الحسل فل تسسلم علي فإنسك إن سسلمت علي لم أرد عليسك ) .ول يسسلم على مسن يقرأ
القرآن فيقطسع عليسه قراءته ،وهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء أمسسك حتسى يفرغ ثسم يرد ،ول يسسلم
على من دخسل الحمام وهو كاشسف العورة ،أو كان مشغول بمسا له دخل بالحمام ،ومن كان بخلف
ذلك سلم عليه.
@قوله تعالى" :إن ال كان على كل شيء حسيبا" معناه حفيظا .وقيل :كافيا؛ من قولهم :أحسبني
كذا أي كفاني ،ومثله حسبك ال .وقال قتادة :محاسبا كما يقال :أكيل بمعنى مواكل .وقيل :هو فعيل
من الحساب ،وحسنت هذه الصفة هنا؛ لن معنى الية في أن يزيد النسان أو ينقص أو يوفي قدر
ما يجيء به .روى النسائي عن عمران بن حصين قال :كنا عند النبي صلى ال عليه وسلم فجاء
رجل فسلم ،فقال :السلم عليكم فرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال( :عشر ) ثم جلس،
ثم جاء آخر فسلم فقال :السلم عليكم ورحمة ال؛ فرد عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال:
(عشرون ) ثسم جلس وجاء آخسر فقال :السسلم عليكسم ورحمسة ال وبركاتسه؛ فرد عليسه رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم وقال( :ثلثون ) .وقسد جاء هذا الخسبر مفسسرا وهسو أن مسن قال لخيسه المسسلم:
سلم عليكم كتب له عشر حسنات ،فإن قال :السلم عليكم ورحمة ال كتب له عشرون حسنة .فإن
قال :السسلم عليكسم ورحمسة ال وبركاتسه كتسب له ثلثون حسسنة ،وكذلك لمسن رد مسن الجسر .وال
أعلم.
**3اليسة{ 87 :ال ل إله إل هسو ليجمعنكسم إلى يوم القيامسة ل ريسب فيسه ومسن أصسدق مسن ال
حديثا}
@قوله تعالى" :ال ل إله إل هو" ابتداء وخبر .واللم في قول "ليجمعنكم "لم القسم؛ نزلت في
الذين شكوا في البعث فأقسم ال تعالى بنفسه .وكل لم بعدها نون مشددة فهو لم القسم .ومعناه في
الموت وتحت الرض "إلى يوم القيامة ل ريب فيه" وقال بعضهم" :إلى" صلة في الكلم ،معناه
ليجمعنكسم يوم القيامسة .وسسميت القيامسة قيامسة لن الناس يقومون فيسه لرب العالميسن جسل وعسز؛ قال
ال تعالى" :أل يظسن أولئك أنهسم مبعوثون ليوم عظيسم .يوم يقوم الناس لرب العالميسن" [المطففيسن:
.]6 - 4وقيسل :سسمي يوم القيامسة لن الناس يقومون مسن قبورهسم إليهسا؛ قال ال تعالى" :يوم
يخرجون مسسن الجداث سسسراعا "[المعارج ]43 :وأصسسل القيامسسة الواو" .ومسسن أصسسدق مسسن ال
حديثسا" نصسب على البيان ،والمعنسى ل أحسد أصسدق مسن ال .وقرأ حمزة والكسسائي "ومسن أزدق"
بالزاي .الباقون :بالصاد ،وأصله الصاد إل أن لقرب مخرجها جعل مكانها زاي.
**3الية{ 88 :فما لكم في المنافقين فئتين وال أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل
ال ومن يضلل ال فلن تجد له سبيل}
@قوله تعالى" :فما لكم في المنافقين فئتين" "فئتين "أي فرقتين مختلفتين .روى مسلم عن زيد بن
ثابت أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه ،فكان أصحاب النبي
صسلى ال عليسه وسسلم فيهسم فرقتيسن؛ فقال بعضهسم :نقتلهسم .وقال بعضهسم :ل؛ فنزلت "فمسا لكسم فسي
المنافقيسن فئتيسن" .وأخرجسه الترمذي فزاد :وقال( :إنهسا طيبسة ) وقال( :إنهسا تنفسي الخسبيث كمسا تنفسي
النار خبسث الحديسد ) قال :حديسث حسسن صسحيح .وقال البخاري( :إنهسا طيبسة تنفسي الخبسث كمسا تنفسي
النار خبث الفضة ) .والمعني بالمنافقين هنا عبدال بن أبي وأصحابه الذين خذلوا رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم يوم أحسد ورجعوا بعسسكرهم بعسد أن خرجوا؛ كمسا تقدم فسي "آل عمران" .وقال ابسن
عباس :هسم فوم بمكسة آمنوا وتركوا الهجرة ،قال الضحاك :وقالوا إن ظهسر محمسد -صسلى ال عليسه
وسلم -فقد عرفنا ،وإن ظهر قومنا فهو أحب إلينا .فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولونهم وقوم
يتبرؤون منهم؛ فقال ال عز وجل" :فما لكم في المنافقين فئتين" .وذكر أبو سلمة بن عبدالرحمن
عسن أبيسه أنهسا نزلت فسي قوم جاؤوا إلى المدينسة وأظهروا السسلم؛ فأصسابهم وباء المدينسة وحماهسا؛
فأركسوا فخرجوا من المدينة ،فاستقبلهم نفر من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا :ما لكم
رجعتم ؟ فقالوا :أصابنا وباء المدينة فاجتويناها؛ فقالوا :ما لكم في رسول ال صلى ال عليه وسلم
أسسوة؟ فقال بعضهسم :نافقوا .وقال بعضهسم :لم ينافقوا ،هسم مسسلمون؛ فأنزل ال عسز وجل" :فمسا لكسم
فسي المنافقيسن فئتيسن وال أركسسهم بمسا كسسبوا "اليسة .حتسى جاؤوا المدينسة يزعمون أنهسم مهاجرون،
ثم ارتدوا بعد ذلك ،فاستأذنوا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون
فيهسا ،فاختلف فيهسم المؤمنون فقائل يقول :هسم منافقون ،وقائل يقول :هسم مؤمنون؛ فسبين ال تعالى
نفاقهم وأنزل هذه الية وأمر بقتلهم.
قلت :وهذان القولن يعضدهمسسا سسسياق آخسسر اليسسة مسسن قوله تعالى" :حتسسى يهاجروا" [النسسساء:
،]89والول أصح نقل ،وهو اختيار البخاري ومسلم والترمذي .و"فئتين "نصب على الحال؛
كمسسا يقال :مالك قائمسسا ؟ عسسن الخفسسش .وقال الكوفيون :هسسو خسسبر "مسسا لكسسم "كخسسبر كان وظننسست،
وأجازوا إدخال اللف واللم فيسسسه وحكسسسى الفراء" :أركسسسسهم ،وركسسسسهم "أي ردهسسسم إلى الكفسسسر
ونكسهم؛ وقال النضر بن شميل والكسائي :والركس والنكس قلب الشيء على رأسه ،أو رد أوله
على آخره ،والمركوس المنكوس .وفي قراءة عبدال وأبي رضي ال عنهما "وال ركسهم" .وقال
ابن رواحة:
كسواد الليل يتلوها فتن أركسوا في فتنة مظلمة
أي نكسسسوا .وارتكسسس فلن فسسي أمسسر كان نجسسا منسسه .والركوسسسية قوم بيسسن النصسسارى والصسسابئين.
والراكسس الثور وسسط البدر والثيران حواليسه حيسن الدياس" .أتريدون أن تهدوا مسن أضسل ال" أي
ترشدوه إلى الثواب بأن يحكسسم لهسسم بحكسسم المؤمنيسسن" .فلن تجسسد له سسسبيل" أي طريقسسا إلى الهدى
والرشد وطلب الحجة .وفي هذا رد على القدرية وغيرهم القائلين بخلق هداهم وقد تقدم.
**3اليتان{ 90 - 89 :ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فل تتخذوا منهم أولياء حتى
يهاجروا فسسي سسسبيل ال فإن تولوا فخذوهسسم واقتلوهسسم حيسسث وجدتموهسسم ول تتخذوا منهسسم وليسسا ول
نصسيرا ،إل الذيسن يصسلون إلى قوم بينكسم وبينهسم ميثاق أو جاؤوكسم حصسرت صسدورهم أن يقاتلوكسم
أو يقاتلوا قومهم ولو شاء ال لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم
فما جعل ال لكم عليهم سبيل}
@قوله تعالى" :ودوا لو تكفرون" أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرع سواء؛ فأمر
ال تعالى بالبراءة منهسم فقال" :فل تتخذوا منهسم أولياء حتسى يهاجروا "؛ كمسا قال تعالى" :مسا لكسم
مسن وليتهسم مسن شيسء حتسى يهاجروا "[النفال ]72 :والهجرة أنواع :منهسا الهجرة إلى المدينسة
لنصسسرة النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم ،وكانسست هذه واجبسسة أول السسسلم حتسسى قال( :ل هجرة بعسسد
الفتح ) .وكذلك هجرة المنافقين مع النبي صلى ال عليه وسلم في الغزوات ،وهجره من أسلم في
دار الحرب فإنهسسا واجبسسة .وهجرة المسسسلم مسسا حرم ال عليسسه؛ كمسسا قال صسسلى ال عليسسه وسسسلم:
(والمهاجسر مسن هجسر مسا حرم ال عليسه ) .وهاتان الهجرتان ثابتتان الن .وهجرة أهسل المعاصسي
حتى يرجعوا تأديبا لهم فل يكلمون ول يخالطون حتى يتوبوا؛ كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم
مسسع كعسسب وصسساحبيه" .فإن تولوا فخذوهسسم واقتلوهسسم "يقول :إن أعرضوا عسسن التوحيسسد والهجرة
فأسروهم واقتلوهم" .حيث وجدتموهم" عام في الماكن من حل وحرم .وال أعلم.
@ ثسم اسستثنى فقال تعالى" :إل الذيسن يصسلون" اسستثناء أي يتصسلون بهسم ويدخلون فيمسا بينهسم مسن
الجوار والحلف؛ المعنسى :فل تقتلوا قومسا بينهسم وبيسن مسن بينكسم وبينهسم عهسد فإنهسم على عهدهسم ثسم
انتسسخت العهود فانتسسخ هذا .هذا قول مجاهسد وابسن زيسد وغيرهسم ،وهسو أصسح مسا قيسل فسي معنسى
الية .قال أبو عبيد :يصلون ينتسبون؛ ومنه قول العشى:
وبكر سبتها والنوف رواغم إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل
يريسد إذا انتسسبت .قال المهدوي :وأنكره العلماء؛ لن النسسب ل يمنسع مسن قتال الكفار وقتلهسم .وقال
النحاس :وهذا غلط عظيسم؛ لنسه يذهسب إلى أن ال تعالى حظسر أن يقاتسل أحسد بينسه وبيسن المسسلمين
نسسب ،والمشركون قسد كان بينهسم وبيسن السسابقين الوليسن أنسساب ،وأشسد مسن هذا الجهسل بأنسه كان ثسم
نسسخ؛ لن أهسل التأويسل مجمعون على أن الناسسخ له "براءة "وإنمسا نزلت "براءة" بعسد الفتسح وبعسد
أن انقطعت الحروب .وقال معناه الطبري.
قلت :حمسل بعسض العلماء معنسى ينتسسبون على المان؛ أي إن المنتسسب إلى أهسل المان آمسن إذا
أمن الكل منهم ،ل على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة .واختلف في هؤلء الذين كان بينهم
وبين النبي صلى ال عليه وسلم ميثاق؛ فقيل :بنو مدلج .عن الحسن :كان بينهم وبين قريش عقد،
وكان بيسن قريسش وبيسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عهسد .وقال عكرمسة :نزلت فسي هلل بسن
عويمر وسراقة بن جعشسم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي صلى ال عليه
وسلم عهد .وقيل :خزاعة .وقال الضحاك عن ابن عباس :أنه أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق
بني بكر بن زيد بن مناة ،كانوا في الصلح والهدنة.
@ في هذه الية دليل على إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل السلم إذا كان في الموادعة
مصلحة للمسلمين ،على ما يأتي بيانه في "النفال وبراءة "إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :أو جاؤوكم حصرت صدورهم" أي ضاقت .وقال لبيد:
جرداء يحصر دونها جرامها أسهلت وانتصبت كجذع منيفة
أي تضيق صدورهم من طول هذه النخلة؛ ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلم على المتكلم.
والحصر الكتوم للسر؛ قال جرير:
حصرا بسرك يا أميم ضنينا ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا
ومعنسى "حصسرت "قسد حصسرت فأضمرت قسد؛ قال الفراء :وهسو حال مسن المضمسر المرفوع فسي
"جاؤوكسم "كمسا تقول :جاء فلن ذهسب عقله ،أي قسد ذهسب عقله .وقيسل :هسو خسبر بعسد خسبر قاله
الزجاج .أي جاؤوكسم ثسم أخسبر فقال" :حصسرت صسدورهم "فعلى هذا يكون "حصسرت "بدل مسن
"جاؤوكسم "كمسا قيسل" :حصسرت "فسي موضسع خفض على النعست لقوم .وفسي حرف أبسي "إل الذيسن
يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم "ليس فيه "أو جاؤوكم" .وقيل :تقديره أو
جاؤوكسسم رجال أو قومسسا حصسسرت صسسدورهم؛ فهسسي صسسفة موصسسوف منصسسوب على الحال .وقرأ
الحسسن "أو جاؤوكسم حصسرة صسدورهم "نصسب على الحال ،ويجوز رفعسه على البتداء والخسبر.
وحكسسى "أو جاؤوكسسم حصسسرت صسسدورهم" ،ويجوز الرفسسع .وقال محمسسد بسسن يزيسسد" :حصسسرت
صسدورهم "هسو دعاء عليهسم؛ كمسا تقول :لعسن ال الكافسر؛ وقال المسبرد .وضعفسه بعسض المفسسرين
وقال :هذا يقتضسسي أل يقاتلوا قومهسسم؛ وذلك فاسسسد؛ لنهسسم كفار وقومهسسم كفار .وأجيسسب بأن معناه
صحيح ،فيكون عدم القتال في حق المسلمين تعجيزا لهم ،وفي حق قومهم تحقيرا لهم .وقيل" :أو
"بمعنسى الواو؛ كأنسه يقول :إلى قوم بينكسم وبينهسم ميثاق وجاؤوكسم ضيقسة صسدورهم عسن قتالكسم
والقتال معكم فكرهوا قتال الفريقين .ويحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك فهو نوع من العهد ،أو
قالوا نسسلم ول نقاتسل؛ فيحتمسل أن يقبسل ذلك منهسم فسي أول السسلم حتسى يفتسح ال قلوبهسم للتقوى
ويشرحها للسلم .والول أظهر .وال أعلم" .أو يقاتلوا "في موضع نصب؛ أي عن أن يقاتلوكم.
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لسلطهم عليكم فلقاتلوكم" تسليط ال تعالى المشركين على المؤمنين
هسو بأن يقدرهسم على ذلك ويقويهسم إمسا عقوبسة ونقمسة عنسد إذاعسة المنكسر وظهور المعاصسي ،وإمسا
ابتلء واختبارا كما قال تعالى" :ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم"
[محمسد ،]31:وإمسا تمحيصسا للذنوب كمسا قال تعالى" :وليمحسص ال الذيسن آمنوا "[آل عمران:
]141ول أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء .ووجه النظم والتصال بما
قبل أي اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إل أن يهاجروا ،وإل أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق
فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم ،وإل الذين جاؤوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو
يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فل تقتلوهم.
**3اليسة{ 91 :سستجدون آخريسن يريدون أن يأمنوكسم ويأمنوا قومهسم كسل مسا ردوا إلى الفتنسة
أركسسوا فيهسا فإن لم يعتزلوكسم ويلقوا إليكسم السسلم ويكفوا أيديهسم فخذوهسم واقتلوهسم حيسث ثقفتموهسم
وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا}
@قوله تعالى" :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم" معناها معنى الية الولى.
قال قتادة :نزلت في قوم من تهامة طلبوا المان من النبي صلى ال عليه وسلم ليأمنوا عنده وعند
قومهسم .مجاهسد :هسي فسي قوم مسن أهسل مكسة .وقال السسدي :نزلت فسي نعيسم بسن مسسعود كان يأمسن
المسسلمين والمشركيسن .وقال الحسسن :هذا فسي قوم مسن المنافقيسن .وقيسل :نزلت فسي أسسد وغطفان
قدموا المدينة فأسلموا ثم رجعوا إلى ديارهم فأظهروا الكفر.
@قوله تعالى" :كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها" قرأ يحيى بن وثاب والعمش "ردوا "بكسر
الراء؛ لن الصسسل "رددوا "فأدغسسم وقلبسست الكسسسرة على الراء" .إلى الفتنسسة "أي الكفسسر "أركسسسوا
فيهسا" .وقيسل :أي سستجدون مسن يظهسر لكسم الصسلح ليأمنوكسم ،وإذا سسنحت لهسم فتنسة كان مسع أهلهسا
عليكسسم .ومعنسسى "أركسسسوا فيهسسا "أي انتكسسسوا عسسن عهدهسسم الذيسسن عاهدوا .وقيسسل :أي إذا دعوا إلى
الشرك رجعوا وعادوا إليه.
**3اليسة{ 92 :ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ ومسن قتسل مؤمنسا خطسأ فتحريسر رقبسة
مؤمنسة وديسة مسسلمة إلى أهله إل أن يصسدقوا فإن كان مسن قوم عدو لكسم وهسو مؤمسن فتحريسر رقبسة
مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين توبة من ال وكان ال عليما حكيما}
@قوله تعالى" :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ" هذه آية من أمهات الحكام .والمعنى ما
ينبغسي لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ؛ فقوله" :ومسا كان "ليسس على النفسي وإنمسا هسو على التحريسم
والنهسي ،كقوله" :ومسا كان لكسم أن تؤذوا رسسول ال "[الحزاب ]53:ولو كانست على النفسي لمسا
وجسد مؤمسن قتسل مؤمنسا قسط؛ لن مسا نفاه ال فل يجوز وجوده ،كقوله تعالى" :مسا كان لكسم أن تنبتوا
شجرها "[النمل .]60:فل يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبدا .وقال قتادة :المعنى ما كان له ذلك
فسي عهسد ال .وقيسل :مسا كان له ذلك فيمسا سسلف ،كمسا ليسس له الن ذلك بوجسه ،ثسم اسستثنى اسستثناء
منقطعسا ليسس مسن الول وهسو الذي يكون فيسه "إل "بمعنسى "لكسن "والتقديسر مسا كان له أن يقتله البتة
لكسن إن قتله خطسأ فعليسه كذا؛ هذا قول سسيبويه والزجاج رحمهمسا ال .ومسن السستثناء المنقطسع قوله
تعالى" :ما لهم به من علم إل اتباع الظن "[النساء :]157:وقال النابغة:
عيت جوابا وما بالربع من أحد وقفت فيها أصيلنا أسائلها
والنوي كالحوض بالمظلومة الجلد إل الواري ليا ما أبينها
فلما لم تكن "الواري "من جنس أحد حقيقة لم تدخل في لفظه .ومثله قول الخر:
إل السباع ومر الريح بالغرف أمسى سقام خلء ل أنيس به
وقال آخر:
إل اليعافير وإل العيس وبلدة ليس بها أنيس
وقال آخر:
ول ظل إل أن تعذ من النخل وبعض الرجال نخلة ل جنى لها
أنشده سيبويه؛ ومثله كثير ،ومن أبدعه قول جرير:
على الرض إل ذيل مرط مرحل من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ
كأنه قال :لم تطأ على الرض إل أن تطأ ذيل البرد .ونزلت الية بسبب قتل عياش بن أبي ربيعة
الحارث بن يزيد بن أبي أنيسة العامري لحنة كانت بينهما ،فلما هاجر الحارث مسلما لقيه عياش
فقتله ولم يشعر بإسلمه ،فلما أخبر أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إنه قد كان
مسن أمري وأمسر الحارث مسا قسد علمست ،ولم أشعسر بإسسلمه حتسى قتلتسه فنزلت اليسة .وقيسل :هسو
اسستثناء متصسل ،أي ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا ول يقتسص منسه إل أن يكون خطسأ؛ فل يقتسص
منسه؛ ولكسن فيسه كذا وكذا .ووجسه آخسر وهسو أن يقدر كان بمعنسى اسستقر ووجسد؛ كأنسه قال :ومسا وجسد
وما تقرر وما ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ إذ هو مغلوب فيه أحيانا؛ فيجيء الستثناء على
هذين التأويلين غير منقطع .وتتضمن الية على هذا إعظام العمد وبشاعة شأنه؛ كما تقول :ما كان
لك يا فلن أن تتكلم بهذا إل ناسيا ؟ إعظاما للعمد والقصد مع حظر الكلم به البتة .وقيل :المعنى
ول خطسسأ .قال النحاس :ول يجوز أن تكون "إل" بمعنسسى الواو ،ول يعرف ذلك فسسي كلم العرب
ول يصح في المعنى؛ لن الخطأ ل يحظر .ول يفهم من دليل خطابه جواز قتل الكافر المسلم فإن
المسسسلم محترم الدم ،وإنمسسا خسسص المؤمسسن بالذكسسر تأكيدا لحنانسسه وأخوتسسه وشفقتسسه وعقيدتسسه .وقرأ
العمسسش "خطاء "ممدودا فسسي المواضسسع الثلثسسة .ووجوه الخطسسأ كثيرة ل تحصسسى يربطهسسا عدم
القصد؛ مثل أن يرمي صفوف المشركين فيصيب مسلما .أو يسعى بين يديه من يستحق القتل من
زان أو محارب أو مرتسد فطلبسه ليقتله فلقسي غيره فظنسه هسو فقتله فذلك خطسأ .أو يرمسي إلى غرض
فيصيب إنسانا أو ما جرى مجراه؛ وهذا مما ل خلف فيه .والخطأ اسم من أخطأ خطأ وإخطاء إذا
لم يصسنع عسن تعمسد؛ فالخطسأ السسم يقوم مقام الخطاء .ويقال لمسن أراد شيئا ففعسل غيسر :أخطسأ،
ولمن فعل غير الصواب :أخطأ .قال ابن المنذر :قال ال تبارك وتعالى" :وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا إل خطأ "إلى قوله تعالى" :ودية مسلمة إلى أهله "فحكم ال جل ثناؤه في المؤمن يقتل خطأ
بالديسة ،وثبتست السسنة الثابتسة عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على ذلك وأجمسع أهسل العلم على
القول به.
@ ذهب داود إلى القصساص بين الحر والعبد فسي النفس ،وفي كل ما يستطاع القصاص فيه من
العضاء؛ تمسسسكا بقوله تعالى" :وكتبنسسا عليهسسم فيهسسا أن النفسسس بالنفسسس "[المائدة ]45 :إلى قوله
تعالى" :والجروح قصساص "[المائدة ،]45 :وقوله عليسه السسلم( :المسسلمون تتكافسأ دماؤهسم ) فلم
يفرق بين حر وعبد؛ وهو قول ابن أبي ليلى .وقال أبو حنيفة وأصحابه :ل قصاص بين الحرار
والعبيسد إل فسي النفسس فيقتسل الحسر بالعبسد ،كمسا يقتسل العبسد بالحسر ،ول قصساص بينهمسا فسي شيسء مسن
الجراح والعضاء .وأجمع العلماء على أن قوله تعالى" :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ"
أنسه لم يدخسل فيسه العبيسد ،وإنمسا أريسد بسه الحرار دون العبيسد؛ فكذلك قوله عليسه السسلم( :المسسلمون
تتكافسأ دماؤهسم ) أريسد بسه الحرار خاصسة .والجمهور على ذلك وإذا لم يكسن قصساص بيسن العبيسد
والحرار فيما دون النفس فالنفس أحرى بذلك؛ وقد مضى هذا في "البقرة".
@قوله تعالى" :فتحرير رقبة مؤمنة" أي فعليه تحرير رقبة؛ هذه الكفارة التي أوجبها ال تعالى
فسي كفارة القتسل والظهار أيضسا على مسا يأتسي .واختلف العلماء فيمسا يجزئ منهسا ،فقال ابسن عباس
والحسسن والشعسبي والنخعسي وقتادة وغيرهسم :الرقبسة المؤمنسة هسي التسي صسلت وعقلت اليمان ،ل
تجزئ فسي ذلك الصسغيرة ،وهسو الصسحيح فسي هذا الباب قال عطاء بسن أبسي رباح :يجزئ الصسغير
المولود بين مسلمين .وقال جماعة منهم مالك والشافعي :يجزئ كل من حكم له بحكم في الصلة
عليسسه إن مات ودفنسسه .وقال مالك :مسسن صسسلى وصسسام أحسسب إلي .ول يجزئ فسسي قول كافسسة العلماء
أعمى ول مقعد ول مقطوع اليدين أو الرجلين ول أشلهما ،ويجزئ عند أكثرهم العرج والعور.
قال مالك :إل أن يكون عرجسسا شديدا .ول يجزئ عنسسد مالك والشافعسسي وأكثسسر العلماء أقطسسع إحدى
اليديسن أو إحدى الرجليسن ،ويجزئ عنسد أبسي حنيفسة وأصسحابه .ول يجزئ عنسد أكثرهسم المجنون
المطبسسق ول يجزئ عنسسد مالك الذي يجسسن ويفيسسق ،ويجزئ عنسسد الشافعسسي .ول يجزئ عنسسد مالك
المعتسسق إلى سسسنين ،ويجزئ عنسسد الشافعسسي .ول يجزئ المدبر عنسسد مالك والوزاعسسي وأصسسحاب
الرأي ،ويجزئ فسي قول الشافعسي وأبسي ثور ،واختاره ابسن المنذر .وقال مالك :ل يصسح مسن أعتسق
بعضسه؛ لقوله تعالى" :فتحريسر رقبسة" .ومسن أعتسق البعسض ل يقال حرر رقبسة وإنمسا حرر بعضهسا.
واختلفوا أيضسسا فسسي معناهسسا فقيسسل :أوجبسست تمحيصسسا وطهورا لذنسسب القاتسسل ،وذنسسه ترك الحتياط
والتحفسظ حتسى هلك على يديسه امرؤ محقون الدم .وقيسل :أوجبست بدل مسن تعطيسل حسق ال تعالى فسي
نفس القتيل ،فإنه كان له في نفسه حق وهو التنعم بالحياة والتصرف فيما أحل له تصرف الحياء.
وكان ل سسبحانه فيسه حسق ،وهسو أنسه كان عبدا مسن عباده يجسب له مسن أمسر العبوديسة صسغيرا كان أو
كسبيرا حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا ما يتميسز به عن البهائم والدواب ،ويرتجى مع ذلك أن
يكون مسن نسسله مسن يعبسد ال ويطيعسه ،فلم يخسل قاتله مسن أن يكون فوت منسه السسم الذي ذكرنسا،
والمعنسسى الذي وصسسفنا ،فلذلك ضمسسن الكفارة .وأي واحسسد مسسن هذيسسن المعنييسسن كان ،ففيسسه بيان أن
النسص وإن وقسع على القاتسل خطسأ فالقاتسل عمدا مثله ،بسل أولى بوجوب الكفارة عليسه منسه ،على مسا
يأتي بيانه ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وديسة مسسلمة" الديسة مسا يعطسى عوضسا عسن دم القتيسل إلى وليسه" .مسسلمة" مدفوعسة
مؤداة ،ولم يعيسن ال فسي كتابسه مسا يعطسى فسي الديسة ،وإنمسا فسي اليسة إيجاب الديسة مطلقسا ،وليسس فيهسا
إيجابهسا على العاقلة أو على القاتسل ،وإنمسا أخسذ ذلك مسن السسنة ،ول شسك أن إيجاب المواسساة على
العاقلة خلف قياس الصسسول فسسي الغرامات وضمان المتلفات ،والذي وجسسب على العاقلة لم يجسسب
تغليظسا ،ول أن وزر القاتسل عليهسم ولكنسه مواسساة محضسة .واعتقسد أبسو حنيفسة أنهسا باعتبار النصسرة
فأوجبهسا على أهسل ديوانسه .وثبتست الخبار عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بأن الديسة مائة مسن
البسسل ،ووداهسسا صسسلى ال عليسسه وسسسلم فسسي عبدال بسسن سسسهل المقتول بخيسسبر لحويصسسة ومحيصسسة
وعبدالرحمن ،فكان ذلك بيانا على لسان نبيه عليه السلم لمجمل كتابه .وأجمع أهل العلم عل أن
على أهسل البسل مائة مسن البسل واختلفوا فيمسا يجسب على غيسر أهسل البسل؛ فقالت طائفسة :على أهسل
الذهسب ألف دينار ،وهسم أهسل الشام ومصسر والمغرب؛ هذا قول مالك وأحمسد وإسسحاق وأصسحاب
الرأي والشافعسي فسي أحسد قوليسه ،فسي القديسم .وروي هذا عسن عمسر وعروة بسن الزبيسر وقتادة .وأمسا
أهسل الورق فاثنسا عشسر ألف درهسم ،وهسم أهسل العراق وفارس وخراسسان؛ هذا مذهسب مالك على مسا
بلغه عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق
اثنسسي عشسسر ألف درهسسم .وقال المزنسسي :قال الشافعسسي الديسسة البسسل؛ فإن أعوزت فقيمتهسسا بالدراهسسم
والدنانير على ما قومها عمر ،ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق.
وقال أبسو حنيفسة (أصسحابه والثوري :الديسة مسن الورق عشرة آلف درهسم .رواه الشعسبي عسن عسبيدة
عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار ،وعلى أهل الورق عشرة آلف درهم ،وعلى
أهسل البقسر مائتسي بقرة ،وعلى أهسل الشاء ألف شاة ،وعلى أهسل البسل مائة مسن البسل ،وعلى أهسل
الحلل مائتسي حلة .قال أبسو عمسر :فسي هذا الحديسث مسا يدل على أن الدنانيسر والدراهسم صسنف مسن
أصناف الدية ل على وجه البدل والقيمة؛ وهو الظاهر من الحديث عن عثمان وعلي وابن عباس.
وخالف أبو حنيفة ما رواه عن عمر في البقر والشاء والحلل .وبه قال عطاء وطاوس وطائفة من
التابعيسن ،وهسو قول الفقهاء السسبعة المدنييسن .قال ابسن المنذر :وقالت طائفسة :ديسة الحسر المسسلم مائة
مسن البسل ل ديسة غيرهسا كمسا فرض رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم .هذا قول الشافعسي وبسه قال
طاوس .قال ابن المنذر :دية الحر المسلم مائة من البل في كل زمان ،كما فرض رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم .واختلفست الروايات عسن عمسر رضسي ال عنسه فسي أعداد الدراهسم ومسا منهسا شيسء
يصح عنه لنها مراسيل ،وقد عرفتك مذهب الشافعي وبه ونقول.
@ واختلف الفقهاء في أسنان دية البل؛ فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قضسى أن من قتل خطأ فديته مائة من البل :ثلثون بنت
مخاض ،وثلثون بنسست لبون ،وثلثون حقسسة ،وعشسسر بنسسي لبون .قال الخطابسسي :هذا الحديسسث ل
أعرف أحدا قال بسسه مسسن الفقهاء ،وإنمسسا قال أكثسسر العلماء :ديسسة الخطسسأ أخماس .كذا قال أصسسحاب
الرأي والثوري ،وكذلك مالك وابسن سسيرين وأحمسد بسن حنبسل إل أنهسم اختلفوا فسي الصسناف؛ قال
أصسحاب الرأي وأحمسد :خمسس بنسو مخاض ،وخمسس بنات مخاض ،وخمسس بنات لبون ،وخمسس
حقاق ،وخمسسس جذاع .وروي هذا القول عسسن ابسسن مسسسعود .وقال مالك والشافعسسي :خمسسس حقاق،
وخمس جذاع ،وخمس بنات لبون ،وخمس بنات مخاض ،وخمس بنو لبون .وحكي هذا القول عن
عمسسر بسسن عبدالعزيسسز وسسسليمان بسسن يسسسار والزهري وربيعسسة والليسسث بسسن سسسعد .قال الخطابسسي:
ولصحاب الرأي فيه أثر ،إل أن راويه عبدال بن خشف بن مالك وهو مجهول ل يعرف إل بهذا
الحديسث .وعدل الشافعسي عسن القول بسه .لمسا ذكرنسا مسن العلة فسي راويسه ،ولن فيسه بنسي مخاض ول
مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات .وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم في
قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر مائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض .قال
أبو عمر :وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبدال بن مسعود أن رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم جعسل الديسة فسي الخطسأ أخماسسا ،إل أن هذا لم يرفعسه إل خشسف بسن مالك الكوفسي
الطائي وهو مجهول؛ لنه لم يروه عنه إل زيد بن جبير بن حرمل الطائي الجشمي من بني جشم
بن معاوية أحد ثقات الكوفيين.
قلت :قد ذكسر الدارقطنسي فسي سسننه حديث خشسف بن مالك من رواية حجاج بسن أرطاة عن زيسد
بسن جسبير عسن خشسف بسن مالك عسن عبدال بسن مسسعود قال :قضسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
فسسي ديسسة الخطسسأ مائة مسسن البسسل؛ منهسسا عشرون حقسسة ،وعشرون جذعسسة ،وعشرون بنات لبون،
وعشرون بنات مخاض ،وعشرون بنسو مخاض .قال الدارقطنسي" :هذا حديسث ضعيسف غيسر ثابست
عنسد أهسل المعرفسة بالحديسث مسن وجوه عدة؛ أحدهسا أنسه مخالف لمسا رواه أبسو عسبيدة بسن عبدال بسن
مسعود عن أبيه بالسند الصحيح عنه ،الذي ل مطعن فيه ول تأويل عليه ،وأبو عبيدة أعلم بحديث
أبيسه وبمذهبسه وفتياه من خشسف بن مالك ونظرائه ،وعبدال بن مسسعود أتقى لربه وأشح على دينسه
مسن أن يروي عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أنسه يقضسي بقضاء ويفتسي هسو بخلفسه؛ هذا ل
يتوهم مثله على عبدال بن مسعود وهو القائل في مسألة وردت عليه لم يسمع فيها من رسول ال
صسسلى ال عليسسه وسسسلم شيئا ولم يبلغسسه عنسسه فيهسسا قول :أقول فيهسسا برأي فإن يكسسن صسسوابا فمسسن ال
ورسسوله ،وإن يكسن خطسأ فمنسي؛ ثسم بلغسه بعسه ذلك أن فتياه فيهسا وافسق قضاء رسسول ال صسلى ال
عليسه وسسلم فسي مثلهسا ،فرآه أصسحابه عنسد ذلك فرح فرحسا شديدا لم يروه فرح مثله ،لموافقسة فتياه
قضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم .فمن كانت هذه صفته وهذا حال فكيف يصح عنه أن يروي
عسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم شيئا ويخالفسه .ووجسه آخسر :وهسو أن الخسبر المرفوع الذي فيسه
ذكسر بنسي المخاض ل نعلمسه رواه إل خشسف بسن مالك عسن ابسن مسسعود وهسو رجسل مجهول لم يروه
عنسه إل زيسد بسن جسبير بسن حرمسل الجشمسي وأهسل العلم بالحديسث ل يحتجون بخسبر ينفرد بروايتسه
رجسل غيسر معروف ،وإنمسا يثبست العلم عندهسم بالخسبر إذا كان راويسه عدل مشهورا ،أو رجل قسد
ارتفسع عنه اسسم الجهالة ،وارتفاع اسسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلن فصساعدا؛ فإذا كانت هذه
صسفته ارتفسع عنسه حينئذ اسسم الجهالة ،وصسار حينئذ معروفسا .فأمسا مسن لم يرو عنسه إل رجسل واحسد
وانفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه عليه غيره .وال أعلم.
ووجسه آخسر :وهسو أن حديسث خشسف بسن مالك ل نعلم أحدا رواه عسن زيسد بسن جسبير عنسه إل
الحجاج بسن أرطأة ،والحجاج رجسل مشهور بالتدليسس وبأنسه يحدث عمسن لم يلقسه ولم يسسمع منسه؛
وترك الروايسة عنسه سسفيان بسن عيينسة ويحيسى بسن سسعيد القطان وعيسسى بسن يونسس بعسد أن جالسسوه
وخبروه ،وكفاك بهم علما بالرجل ونبل .وقال يحيى بن معين :حجاج بن أرطأة ل يحتج بحديثه.
وقال عبدال بن إدريس :سمعت الحجاج يقول ل ينبل الرجل حتى يدع الصلة في الجماعة .وقال
عيسسى بسن يونسس :سسمعت الحجاج يقول :أخرج إلى الصسلة يزاحمنسي الحمالون والبقالون .وقال
جرير :سمعت الحجاج يقول :أهلكني حب المال والشرف .وذكر أوجها أخر؛ منها أن جماعة من
الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج بن أرطأة فاختلفوا عليه فيه .إلى غير ذلك مما يطول ذكره؛
وفيمسا ذكرناه مما ذكروه كفاية ودللة على ضعف ما ذهب إليسه الكوفيون فسي الديسة ،وإن كان ابسن
المنذر مسع جللتسه قسد اختاره على مسا يأتسي .وروى حماد بسن سسلمة حدثنسا سسليمان التيمسي عسن أبسي
مجلز عن أبي عبيدة أن ابن مسعود قال :دية الخطأ خمسة أخماس عشرون حقة ،وعشرون جذعة
وعشرون بنات مخاض ،وعشرون بنات لبون وعشرون بنسسسي لبون ذكور .قال الدارقطنسسسي :هذا
إسناد حسن ورواته ثقات ،وقد روي عن علقمة عن عبدال نحو هذا.
قلت :وهذا هو مذهب مالك والشافعي أن الدية تكون مخمسة .قال الخطابي :وقد روي عن نفر
مسن العلماء أنهسم قالوا ديسة الخطسأ أرباع؛ وهسم الشعسبي والنخعسي والحسسن البصسري ،وإليسه ذهسب
إسسسحاق بسسن راهويسسه؛ إل أنهسسم قالوا :خمسسس وعشرون جذعسسة وخمسسس وعشرون حقسسة وخمسسس
وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض .وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب .قال
أبو عمر :أما قول مالك والشافعي فروي عن سليمان بن يسار وليس فيه عن صحابي شيء؛ ولكن
عليه عمل أهل المدينة .وكذلك حكى ابن جريج عن ابن شهاب.
قلت :قد ذكرنا عن ابن مسسعود ما يوافق ما صار إليه مالك والشافعسي .قال أبو عمر :وأسنان
البل في الدبات لم تؤخذ قياسا ول نظرا ،وإنما أخذت اتباعا وتسليما ،وما أخذ من جهة الثر فل
مدخل فيه للنظر؛ فكل يقول بما قد صح عنده من سلفه؛ رضي ال عنهم أجمعين.
قلت :وأمسا مسا حكاه الخطابسي مسن أنسه ل يعلم مسن قال بحديسث عمرو بسن شعيسب فقسد حكاه ابسن
المنذر عن طاوس ومجاهد ،إل أن مجاهدا جعل مكان بنت مخاض ثلثين جذعة .قال ابن المنذر:
وبالقول الول أقول .يريسد قول عبدال وأصسحاب الرأي الذي ضعفسه الدارقطنسي والخطابسي ،وابسن
عبدالبر قال :لنسه القسل ممسا قيسل؛ وبحديسث .مرفوع عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يوافسق هذا
القول.
قلت :وعجبسسا لبسسن المنذر ؟ مسسع نقده واجتهاده كيسسف قال بحديسسث لم يوافقسسه أهسسل النقسسد على
صحته ! لكن الذهول والنسيان قد يعتري النسان ،وإنما الكمال لعزة ذي الجلل.
@ ثبتت الخبار عن النبي المختار محمد صلى ال عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة،
وأجمسع أهسل العلم على القول بسه .وفسي إجماع أهسل العلم أن الديسة فسي الخطسأ على العاقلة دليسل على
أن المراد من قول النبي صلى ال عليه وسلم لبي رمثة حيث دخل عليه ومعه ابنه( :إنه ل يجني
عليسك ول تجنسي عليسه ) العمسد دون الخطسأ .وأجمعوا على أن مسا زاد على ثلث الديسة على العاقلة.
واختلفوا فسي الثلث؛ والذي عليسه جمهور العلماء أن العاقلة ل تحمسل عمدا ول اعترافسا ول صسلحا،
ول تحمسل مسن ديسة الخطسأ إل مسا جاوز الثلث ومسا دون الثلث فسي مال الجانسي .وقالت طائفسة :عقسل
الخطأ على عاقلة الجاني ،قلت الجناية أو كثرت؛ لن من غرم الكثر غرم القل .كما عقل العمد.
في مال الجاني قل أو كثر؛ هذا قول الشافعي.
@ وحكمهسا أن تكون منجمسة على العاقلة ،والعاقلة العصسبة .وليسس ولد المرأة إذا كان مسن غيسر
عصسبتها مسن العاقلة .ول الخوة مسن الم بعصسبة لخوتهسم مسن الب والم ،فل يعقلون عنهسم شيئا.
وكذلك الديوان ل يكون عاقلة فسسي قول جمهور أهسسل الحجاز .وقال الكوفيون :يكون عاقلة إن كان
من أهل الديوان؛ فتنجم الدية على العاقلة في ثلثة أعوام على ما قضاه عمر وعلي؛ لن البل قد
تكون حوامل فتضر به .وكان النبي صلى ال عليه وسلم يعطيها دفعة واحدة لغراض؛ منها أنه
كان يعطيها صلحا وتسديدا .ومنها أنه كان يعجلها تأليفا .فلما تمهد السلم قدرتها الصحابة على
هذا النظام؛ قاله ابسن العربسي .وقال أبسو عمسر :أجمسع العلماء قديمسا وحديثسا أن الديسة على العاقلة ل
تكون إل فسي ثلث سسنين ول تكون فسي أقسل منهسا .وأجمعوا على أنهسا على البالغيسن مسن الرجال.
وأجمسع أهسل السسير والعلم أن الديسة كانست فسي الجاهليسة تحملهسا العاقلة فأقرهسا رسسول ال صسلى ال
عليسه وسسلم فسي السسلم ،وكانوا يتعاقلون بالنصسرة؛ ثسم جاء السسلم فجرى المسر على ذلك حتسى
جعسل الديوان .واتفسق الفقهاء عسل روايسة ذلك والقول بسه .وأجمعوا أنسه لم يكسن فسي زمسن رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم ول زمسن أبسي بكسر ديوان ،وأن عمسر جعسل الديوان وجمسع بيسن الناس ،وجعسل
أهل كل ناحية يدا ،وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو.
@ قلت :وممسا ينخرط فسي سسلك هذا الباب ويدخسل فسي نظامسه قتسل الجنيسن فسي بطسن أمسه؛ وهسو أن
يضرب بطن أمه فتلقيه حيا ثم يموت؛ فقال كافة العلماء :فيه الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد
القسامة .وقيل :بغير قسامة .واختلفوا فيما به تعلم حياته بعد اتفاقهم على أنه إذا استهل صارخا أو
ارتضع أو تنفس نفسا محققة حي ،فيه الدية كاملة؛ فإن تحرك فقال الشافعي وأبو حنيفة :الحركة
تدل على حياتسه .وقال مالك :ل ،إل أن يقارنهسا طول إقامسة .والذكسر والنثسى عنسد كافسة العلماء فسي
الحكسم سسواء .فإن ألقتسه ميتسا ففيسه غرة :عبسد أو وليدة .فإن لم تلقسه وماتست وهسو فسي جوفهسا لم يخرج
فل شيء فيه .وهذا كله إجماع ل خلف فيه .وروي عن الليث بن سعد وداود أنهما قال في المرأة
إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها :ففيه الغرة ،وسواء رمته قبل موتها أو
بعسد موتهسا؛ المعتسبر حياة أمسه فسي وقست ضربهسا ل غيسر .وقال سسائر الفقهاء :ل شيسء فيسه إذا خرج
ميتسا مسن بطنهسا بعسد موتهسا .قال الطحاوي محتجسا لجماعة الفقهاء بأن قال :قد أجمعوا والليسث معهسم
على أنسه لو ضرب بطنهسا وهسي حيسة فماتست والجنيسن فسي بطنهسا ولم يسسقط أنسه ل شيسء فيسه؛ فكذلك
إذا سقط بعد موتها.
@ ول تكون الغرة إل بيضاء .قال أبو عمرو بن العلء في قول رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(في الجنين غرة عبد أو أمة ) -لول أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أراد بالغرة معنى لقال:
في الجنين عبد أو أمة ،ولكنه عنى البياض؛ فل يقبل في الدية إل غلم أبيض أو جارية بيضاء ،ل
يقبل فيها أسود ول سوداء .واختلف العلماء في قيمتها؛ فقال مالك :تقوم بخمسين دينارا أو ستمائة
درهم؛ نصف عشر دية الحر المسلم ،وعشر دية أمه الحرة؛ وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر
أهل المدينة .وقال أصحاب الرأي :قيمتها خمسمائة درهم .وقال الشافعي :سن الغرة سبع سنين أو
ثمان سنين؛ وليس عليه أن يقبلها معيبة .ومقتضى مذهب مالك أنه مخير بين إعطاء غرة أو عشر
ديسسة الم ،مسسن الذهسسب عشرون دينارا إن كانوا أهسسل ذهسسب ،ومسسن الورق -إن كانوا أهسسل ورق -
سستمائة درهسم ،أو خمسس فرائض مسن البسل .قال مالك وأصسحابه :هسي فسي مال الجانسي؛ وهسو قول
الحسسن بسن حسي .وقال أبسو حنيفسة والشافعسي وأصسحابهما ،هسي على العاقلة .وهسو أصسح؛ لحديسث
المغيرة بسن شعبسة أن امرأتيسن كانتسا تحست رجليسن مسن النصسار -فسي روايسة فتغايرتسا -فضربست
إحداهما الخرى بعمود فقتلتها ،فاختصم إلى النبي صلى ال عليه وسلم الرجلن فقال :ندي من ل
صاح ول أكل ،ول شرب ول استهل .فمثل ذلك يطل ! ،فقال( :أسجع كسجع العراب ) ؟ فقضى
فيسه غرة وجعلهسا على عاقلة المرأة .وهسو حديسث ثابست صسحيح ،نسص فسي موضسع الخلف يوجسب
الحكم .ولما كانت دية المرأة المضروبة على العاقلة كان الجنين كذلك في القياس والنظر .واحتج
علماؤنا بقول الذي قضي عليه :كيف أغرم ؟ قالوا :وهذا يدل على أن الذي قضي عليه معين وهو
الجانسي .ولو أن ديسة الجنيسن قضسى بهسا على العاقلة لقال :فقال الذي قضسى عليهسم .وفسي القياس أن
كل جان جنايته عليه ،إل ما قام بخلفه الدليل الذي ل معارض له؛ مثل إجماع ل يجوز خلفه ،أو
نص سنة من جهة نقل الحاد العدول ل معارض لها ،فيجب الحكم بها ،وقد قال ال تعالى" :ول
تكسب كل نفس إل عليها ولتزر وازرة وزر أخرى" [النعام.]164 :
@ ول خلف بين العلماء أن الجنين إذا خرج حيا فيه الكفارة مع الدية .واختلفوا في الكفارة إذا
خرج ميتسسا؛ فقال مالك :فيسسه الغرة والكفارة .وقال أبسسو حنيفسسة والشافعسسسي :فيسسه الغرة ول كفارة.
واختلفوا فسسي ميراث الغرة عسسن الجنيسسن؛ فقال مالك والشافعسسي وأصسسحابهما :الغرة فسسي الجنيسسن
موروثة عن الجنين على كتاب ال تعالى؛ لنها دية .وقال أبو حنيفة وأصحابه :الغرة للم وحدها؛
لنها جناية جنى عليها بقطع عضو من أعضائها وليست بدية .ومن الدليل على ذلك أنه لم يعتبر
فيسه الذكسر والنثسى كمسا يلزم فسي الديات ،فدل على أن ذلك كالعضسو .وكان ابسن هرمسز يقول :ديتسه
لبويه خاصة؛ لبيه ثلثاها ولمه ثلثها ،من كان منهما حيا كان ذلك له ،فإن كان أحدهما قد مات
كانت للباقي منهما أبا كان أو أما ،ول يرث الخوة شيئا.
@قوله تعالى" :إل أن يصسدقوا" أصسله "أن يتصسدقوا "فأدغمسست التاء فسسي الصسساد .والتصسسدق
العطاء؛ يعنسي إل أن يسبرئ الولياء ورثسة المقتول القاتليسن ممسا أوجسب لهسم مسن الديسة عليهسم .فهسو
اسسستثناء ليسسس مسسن الول .وقرأ أبسسو عبدالرحمسسن ونبيسسح "إل أن تصسسدقوا "بتخفيسسف الصسساد والتاء.
وكذلك قرأ أبسو عمرو ،إل أنسه شدد الصساد .ويجوز على هذه القراءة حذف التاء الثانيسة ،ول يجوز
حذفها على قراءة الياء .وفي حرف أبي وابن مسعود "إل أن يتصدقوا" .وأما الكفارة التي هي ل
تعالى فل تسسقط بإبرائهسم؛ لنسه أتلف شخصسا فسي عبادة ال سسبحانه ،فعليسه أن يخلص آخسر لعبادة
ربه وإنما تسقط الدية التي هي حق لهم .وتجب الكفارة في مال الجاني ول تتحمل.
@قوله تعالى" :فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن" هذه مسألة المؤمن يقتل في بلد الكفار أو
فسسي حروبهسسم على أنسسه مسسن الكفار .والمعنسسى عنسسد ابسسن عباس وقتادة والسسسدي وعكرمسسة ومجاهسسد
والنخعسي :فإن كان هذا المقتول رجل مؤمنسا قسد أمن وبقسي فسي قومسه وهسم كفرة "عدو لكسم "فل دية
فيه؛ وإنما كفارته تحرير .الرقبة .وهو المشهور من قول مالك ،وبه قال أبو حنيفة .وسقطت الدية
لوجهين :أحدهما :أن أولياء القتيل كفار فل يصح أن تدفع إليهم فيتقووا بها .والثاني :أن حرمة هذا
الذي آمسن ولم يهاجسر قليلة ،فل ديسة؛ لقوله تعالى" :والذيسن آمنوا ولم يهاجروا مسا لكسم مسن وليتهسم
مسن شيسء حتسى يهاجروا "[النفال .]72 :وقالت طائفسة :بسل الوجسه فسي سسقوط الديسة أن الولياء
كفار فقسط؛ فسسواء كان القتسل خطسأ بيسن أظهسر المسسلمين أو بيسن قومسه ولم يهاجسر أو هاجسر ثسم رجسع
إلى قومه كفارته التحرير ول دية فيه ،إذ ل يصح دفعها إلى الكفار ،ولو وجبت الدية لوجبت لبيت
المال على بيت المال؛ فل تجب الدية في هذا الموضع وإن جرى القتل في بلد السلم .هذا قول
الشافعسسي وبسسه قال الوزاعسسي والثوري وأبسسو ثور .وعلى القول الول إن قتسسل المؤمسسن فسسي بلد
المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة.
قلت :ومن هذا الباب ما جاء في صسحيح مسلم عن أسامة قال :بعثنا رسول ال صلى ال عليه
وسسلم فسي سسرية فصسبحنا الحرقات مسن جهينسة فأدركست رجل فقال :ل إله إل ال؛ فطعنتسه فوقسع فسي
نفسي من ذلك ،فذكرته للنبي صلى ال عليه وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أقال ل
إله إل ال وقتلته ) ! قال :قلت يا رسول ال ،إنما قالها خوفا من السلح؛ قال( :أفل شققت عن قلبه
حتى تعلم أقالها أم ل ؟ ) .فلم يحكم عليه صلى ال عليه وسلم بقصاص ول دية .وروي عن أسامة
أنه قال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم استغفر لي بعد ثلث مرات ،وقال( :أعتق رقبة ) ولم
يحكم بقصاص ول دية .فقال علماؤنا :أما سقوط القصاص فواضح إذ لم يكن القتل عدوانا؛ وأما
سقوط الدية فلوجه ثلثة :الول :لنه كان أذن له في أصل القتال فكان عنه إتلف نفس محترمة
غلطسا كالخاتسن والطسبيب .الثانسي :لكونسه مسن العدو ولم يكسن له ولي مسن المسسلمين تكون له ديتسه؛
لقوله تعالى" :فإن كان من قوم عدو لكم "كما ذكرنا .الثالث :أن أسامة اعترف بالقتل ولم تقم بذلك
بينة ول تعقل العاقلة اعترافا ،ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وإن كان من قوم بينكسم وبينهسم ميثاق" هذا فسي الذمي والمعاهسد يقتسل خطسأ فتجب
الديسسة والكفارة؛ قال ابسسن عباس والشعسسبي والنخعسسي والشافعسسي .واختاره الطسسبري قال :إل أن ال
سسبحانه وتعالى أبهمسه ولم يقسل وهسو مؤمسن ،كمسا قال فسي القتيسل مسن المؤمنيسن ومسن أهسل الحرب.
وإطلقه ما قيد قبل يدل على أنه خلفه .وقال الحسن وجابر بن زيد وإبراهيم أيضا :المعنى وإن
كان المقتول خطسأ مؤمنسا مسن قوم معاهديسن لكسم فعهدهسم يوجسب أنهسم أحسق بديسة صساحبهم ،فكفارتسه
التحريسر وأداء الديسة .وقرأهسا الحسسن" :وإن كان مسن قوم بينكسم وبينهسم ميثاق وهسو مؤمسن" .قال
الحسسن :إذا قتسل المسسلم الذمسي فل كفارة عليسه .قال أبسو عمسر :وأمسا اليسة فمعناهسا عنسد أهسل الحجاز
مردود على قوله" :ومسا كان لمؤمسن أن يقتسل مؤمنسا إل خطسأ "ثسم قال تعالى" :وإن كان مسن قوم"
يريسد ذلك المؤمسن .وال أعلم .قال ابسن العربسي :والذي عندي أن الجملة محمولة حمسل المطلق على
المقيد.
قلت :وهذا معنسى مسا قال الحسسن وحكاه أبسو عمسر عسن أهسل الحجاز .وقوله "فديسة مسسلمة "على
لفسظ النكرة ليسس يقتضسي ديسة بعينهسا .وقيسل :هذا فسي مشركسي العرب الذيسن كان بينهسم وبيسن النسبي
عليه السلم عهد على أن يسلموا أو يؤذنوا بحرب إلى أجل معلوم :فمن قتل منهم وجبت فيه الدية
والكفارة ثسم نسسخ بقوله تعالى" :براءة مسن ال ورسسوله إلى الذيسن عاهدتسم مسن المشركيسن "[التوبسة:
.]1
@ وأجمسع العلماء على أن ديسة المرأة على النصسف مسن ديسة الرجسل؛ قال أبسو عمسر :إنمسا صسارت
ديتهسا -وال أعلم -على النصسف مسن ديسة الرجسل مسن أجسل أن لهسا نصسف ميراث الرجسل ،وشهادة
امرأتين بشهادة رجل .وهذا إنما هو في دية الخطأ ،وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء
لقوله عز وجل" :النفس بالنفس "[المائدة .]45 :و"الحر بالحر "كما تقدم في "البقرة".
@ روى الدارقطني من حديث موسى بن علي بن رباح اللخمي قال :سمعت أبي يقول إن أعمى
كان ينشد في الموسم في خلفة عمر بن الخطاب رضي ال عنه وهو يقول:
هل يعقل العمى الصحيح المبصرا يا أيها الناس لقيت منكرا
خرا مما كلهما تكسرا
وذلك أن العمسسى كان يقوده بصسسير فوقعسسا فسسي بئر ،فوقسسع العمسسى على البصسسير فمات البصسسير؛
فقضسى عمسر بعقسل البصسير على العمسى .وقسد اختلف العلماء فسي رجسل يسسقط على آخسر فيموت
أحدهمسا؛ فروي عسن ابسن الزبيسر :يضمسن العلى السسفل ،ول يضمسن السسفل العلى .وهذا قول
شريسح والنخعسي وأحمسد وإسسحاق .وقال مالك فسي رجليسن جسر أحدهمسا صساحبه .حتسى سسقطا وماتسا:
على عاقلة الذي جبذه الديسة .قال أبسو عمسر :مسا أظسن فسي هذا خلفسا -وال أعلم -إل مسا قال بعسض
المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي :يضمن نصف الدية؛ لنه مات من فعله ،ومن سقوط
السساقط عليسه .وقال الحكسم وابسن شبرمسة :إن سسقط رجسل على رجسل مسن فوق بيست فمات أحدهمسا،
قال :يضمن الحي منهما .وقال الشافعي في رجلين يصدم أحدهما الخر فماتا ،قال :دية المصدوم
على عاقلة الصادم ،ودية الصادم هدر .وقال في الفارسين إذا اصطدما فماتا :على كل واحد منهما
نصسف ديسة صساحبه؛ لن كسل واحسد منهمسا مات مسن فعسل نفسسه وفعسل صساحبه؛ وقال عثمان البتسي
وزفسر .وقال مالك والوزاعسي والحسسن بسن حسي وأبسو حنيفسة وأصسحابه فسي الفارسسين يصسطدمان
فيموتان :على كل واحد منهما دية الخر على عاقلته .قال ابن خويز منداد :وكذلك عندنا السفينتان
تصسطدمان إذا لم يكسن النوتسي صسرف السسفينة ول الفارس صسرف الفرس .وروي عسن مالك فسي
السفينتين والفارسين .على كل واحد منهما الضمان لقيمة ما أتلف لصاحبه كامل.
@ واختلف العلماء مسن هذا الباب فسي تفصسيل ديسة أهسل الكتاب؛ فقال مالك وأصسحابه :هسي على
النصف من دية المسلم ،ودية المجوسي ثمانمائة درهم ،ودية نسائهم على النصف من ذلك .روي
هذا القول عن عمسر بسن عبدالعزيسز وعروة بسن الزبيسر وعمرو بن شعيسب وقال بسه أحمسد بسن حنبسل.
وهذا المعنى قد روى فيه سليمان بن بلل ،عن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة،
عسسن عمرو بسسن شعيسسب ،عسسن أبيسسه ،عسسن جده أن النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم جعسسل ديسسة اليهودي
والنصراني على النصف من دية المسلم .وعبدالرحمن هذا قد روى عنه الثوري أيضا .وقال ابن
عباس والشعسبي والنخعسسي :المقتول مسسن أهسل العهسسد خطسسأ ل تبالي مؤمنسسا كان أو كافرا على عهسسد
قومه فيه الدية كدية المسلم؛ وهو قول أبي حنيفة والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي؛ جعلوا
الديات كلهسا سسواء ،المسسلم واليهودي والنصسراني والمجوسسي والمعاهسد والذمسي ،وهسو قول عطاء
والزهري وسعيد بن المسيب .وحجتهم قوله تعالى" :فدية "وذلك يقتضي الدية كاملة كدية المسلم.
وعضدوا هذا بما رواه محمد بن إسحاق ،عن داود بن الحصين ،عن عكرمة ،عن ابن عباس في
قصة بني قريظة والنضير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل ديتهم سواء دية كاملة .قال أبو
عمسر :هذا حديسث فيسه ليسن وليسس فسي مثله حجسة .وقال الشافعسي :ديسة اليهودي والنصسراني ثلث ديسة
المسلم ،ودية المجوسي ثمانمائة درهم؛ وحجته أن ذلك أقل ما قيل في ذلك ،والذمة بريئة إل بيقين
أو حجسة .وروي هذا القول عسن عمسر وعثمان ،وبسه قال ابسن المسسيب وعطاء والحسسن وعكرمسة
وعمرو بن دينار وأبو ثور وإسحاق.
@قوله تعالى" :فمن لم يجد" أي الرقبة ول اتسع ماله لشرائها" .فصيام شهرين" أي فعليه صيام
شهريسن" .متتابعيسن "حتسى لو أفطسر يومسا اسستأنف؛ هذا قول الجمهور .وقال مكسي عسن الشعسبي :إن
صسيام الشهريسن يجزئ عسن الديسة والعتسق لمسن لم يجسد .قال ابسن عطيسة :وهذا القول وهسم؛ لن الديسة
إنما هي على العاقلة وليست على القاتل .والطبري حكى هذا القول عن مسروق.
@ والحيض ل يمنع التتابع من غير خلف ،وإنها إذا طهرت ولم تؤخر وصلت باقي صيامها بما
سسلف منسه ،ل شيسء عليهسا غيسر ذلك إل أن تكون طاهرا قبسل الفجسر فتترك صسيام ذلك اليوم عالمسة
بطهرها ،فإن فعلت استأنفت عند جماعة من العلماء؛ قاله أبو عمر .واختلفوا في المريض الذي قد
صسام مسن شهري التتابسع بعضهسا على قوليسن؛ فقال مالك :وليسس لحسد وجسب عليسه صسيام شهريسن
متتابعين في كتاب ال تعالى أن يفطر إل من عذر أو مرض أو حيض ،وليس له أن يسافر فيفطر.
وممسسن قال يبنسسي فسسي المرض سسسعيد بسسن المسسسيب وسسسليمان بسسن يسسسار والحسسسن والشعسسبي وعطاء
ومجاهسد وقتادة وطاوس .وقال سسعيد بسن جسبير والنخعسي والحكسم بسن عيينسة وعطاء الخراسساني:
يسستأنف فسي المرض؛ وهسو قول أبسي حنيفسة وأصسحابه والحسسن بسن حسي؛ وأحسد قولي الشافعسي؛ وله
قول آخسر :أنسه يبنسي كمسا قال مالك .وقال ابسن شبرمسة :يقضسي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب،
كصوم رمضان .قال أبو عمر :حجة من قال يبني لنه معذور في قطع التتابع لمرضه ولم يتعمد،
وقسد تجاوز ال عسن غيسر المتعمسد .وحجسة مسن قال يسستأنف لن التتابسع فرض ل يسسقط لعذر ،وإنمسا
يسقط المأثم؛ قياسا على الصلة؛ لنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن.
@قوله تعالى" :توبة من ال" نصب على المصدر ،ومعناه رجوعا .وإنما مست حاجة المخطئ
إلى التوبسة لنسه لم يتحرز وكان مسن حقسه أن يتحفسظ .وقيسل :أي فليأت بالصسيام تخفيفسا مسن ال تعالى
عليسه بقبول الصسوم بدل عسن الرقبسة؛ ومنسه قوله تعالى" :علم ال أنكسم كنتسم تختانون أنفسسكم فتاب
عليكسم "[البقرة ]187 :أي خفسف ،وقوله تعالى" :علم أن لن تحصسوه فتاب عليكسم" [المزمسل:
.]20
قوله تعالى" :وكان ال" أي فسسي أزله وأبده" .عليمسسا" بجميسسع المعلومات "حكيمسسا "فيمسسا حكسسم
وأبرم.
**3الية{ 93 :ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد
له عذابا عظيما}
@قوله تعالى" :ومسن يقتسل ""مسن "شرط ،وجوابسه "فجزاؤه "وسسيأتي .واختلف العلماء فسي صسفة
المتعمسد فسي القتسل؛ فقال عطاء والنخعسي وغيرهمسا :هسو مسن قتسل بحديدة كالسسيف والخنجسر وسسنان
الرمسح ونحسو ذلك مسن المشحوذ المعسد للقطسع أو بمسا يعلم أن فيسه الموت مسن ثقال الحجارة ونحوهسا.
وقالت فرقسة :المتعمسد كسل مسن قتسل بحديدة كان القتسل أو بحجسر أو بعصسا أو بغيسر ذلك؛ وهذا قول
الجمهور.
@ ذكر ال عز وجل في كتابه العمد والخطأ ولم يذكر شبه العمد وقد اختلف العلماء في القول به؛
فقال ابن المنذر :أنكر ذلك مالك ،وقال :ليس في كتاب ال إل العمد والخطأ .وذكره الخطابي أيضا
عسن مالك وزاد :وأمسا شبسه العمسد فل نعرفسه .قال أبسو عمسر :أنكسر مالك والليسث بسن سسعد شبسه العمسد؛
فمن قتل عندهما بما ل يقتل مثله غالبا كالعضة واللطمة وضربة السوط والقضيب وشبه ذلك فإنه
عمد وفيه القود .قال أبو عمر :وقال بقولهما جماعة من الصحابة والتابعين .وذهب جمهور فقهاء
المصسار إلى أن هذا كله شبسه العمسد .وقسد ذكسر عسن مالك وقال ابسن وهسب وجماعسة مسن الصسحابة
والتابعيسن .قال ابسن المنذر :وشبسه العمسد يعمسل بسه عندنسا .وممسن أثبست شبسه العمسد الشعسبي والحكسم
وحماد والنخعي وقتادة وسفيان الثري وأهل العراق والشافعي ،وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب
وعلي بن أبي طالب رضي ال عنهما.
قلت :وهو الصحيح؛ فإن الدماء أحق ما احتيط لها إذ الصل صيانتها في أهبها ،فل تستباح إل
بأمرين ل إشكال فيه ،وهذا فيه إشكال؛ لنه لما كان مترددا بين العمد والخطأ حكم له بشبه العمد؛
فالضرب مقصسود والقتسل غيسر مقصسود ،وإنمسا وقسع بغيسر القصسد فيسسقط القود وتغلظ الديسة .وبمثسل
هذا جاءت السسنة؛ روى أبسو داود مسن حديسث عبدال بسن عمرو أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم
قال" :أل إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من البل منها أربعون في بطونها
أولدها ) .وروى الدارقطني عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :العمد قود
اليد والخطأ عقل ل قود فيه ومن قتل في عمية بحجر أو عصا أو سوط فهو دية مغلظة في أسنان
البسل ) .وروي أيضسا مسن حديسث سسليمان بسن موسسى عسن عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده قال:
قال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :عقسل شبسه العمسد مغلظ مثسل قتسل العمسد ول يقتسل صساحبه ).
وهذا نص .وقال طاوس في الرجل يصاب في ماء الرميا في القتال بالعصا أو السوط أو الترامي
بالحجارة يودي ول يقتل به من أجل أنه ل يدرك ،من قاتله .وقال أحمد بن حنبل :العميا هو المر
العمسى للعصسبية ل تسستبين مسا وجهسه .وقال إسسحاق :هذا فسي تحارج القوم وقتسل .بعضهسم بعضسا.
فكأن أصله من التعمية وهو التلبيس؛ ذكره الدارقطني.
@ مسألة :واختلف القائلون بشبه العمد في الدية المغلظة ،فقال عطاء والشافعي :هي ثلثون حقة
وثلثون جذعسة وأربعون خلفسة .وقسد روي هذا القول عسن عمسر وزيسد بسن ثابست والمغيرة بسن شعبسة
وأبي موسى الشعري؛ وهو مذهب مالك حيث يقول بشبه العمد ،ومشهور مذهبه أنه لم يقل به إل
في مثل قصة المدلجي بابنه حيث ضربه بالسيف .وقيل :هي مربعة ربع بنات لبون ،وربع حقاق،
وربسع جذاع ،وربسع بنات مخاض .هذا قول النعمان ويعقوب؛ وذكره أبسو داود عسن سسفيان عسن أبسي
إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي .وقيل :هي مخمسة :عشرون بنت مخاض وعشرون بنت
لبون وعشرون ابسسن لبون وعشرون حقسسة وعشرون جذعسسة؛ هذا قول أبسسي ثور .وقيسسل :أربعون
جذعسة إلى بازل عامهسا وثلثون حقسة ،وثلثون بنات لبون .وروي عسن عثمان بسن عفان وبسه قال
الحسن البصري وطاوس والزهري .وقيل :أربع وثلثون خلفة إلى بازل عامها ،وثلث وثلثون
حقسة ،وثلث وثلثون جذعسة؛ وبسه قال الشعسبي والنخعسي ،وذكره أبسو داود عسن أبسي الحوص عسن
أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي.
@ واختلفوا فيمن تلزمه دية شبه العمد؛ فقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وقتادة
وأبسو ثور :هسو عليسه فسي ماله .وقال الشعسبي والنخعسي والحكسم والشافعسي والثوري وأحمسد وإسسحاق
وأصسسحاب الرأي :هسسو على العاقلة .قال ابسسن المنذر :قول الشعسسبي أصسسح؛ لحديسسث أبسسي هريرة أن
النبي صلى ال عليه وسلم جعل دية الجنين على عاقلة الضاربة.
@ أجمسع العلماء على أن العاقلة ل تحمسل ديسة العمسد وأنهسا فسي مال الجانسي؛ وقسد تقدم ذكرهسا فسي
"البقرة" .وقد أجمعوا على أن على القاتل خطأ الكفارة؛ واختلفوا فيها في قتل العمد؛ فكان مالك
والشافعي يريان على قاتل العمد الكفارة كما في الخطأ .قال الشافعي :إذا وجبت الكفارة في الخطأ
فلن تجسب فسي العمسد أولى .وقال :إذا شرع السسجود فسي السسهو فلن يشرع فسي العمسد أولى ،وليسس
مسا ذكره ال تعالى فسي كفارة العمسد بمسسقط مسا قسد وجسب فسي الخطسأ .وقسد قيسل :إن القاتسل عمدا إنمسا
تجسب عليسه الكفارة إذا عفسي عنسه فلم يقتسل ،فأمسا إذا قتسل قودا فل كفارة عليسه تؤخسذ مسن ماله .وقيسل
تجسب .ومسن قتسل نفسسه فعليسه الكفارة فسي ماله .وقال الثوري وأبسو ثور وأصسحاب الرأي :ل تجسب
الكفارة إل حيسث أوجبهسا ال تعالى .قال ابسن المنذر :وكذلك نقول؛ لن الكفارات عبادات ول يجوز
التمثيسل .وليسس يجوز لحسد أن يفرض فرضسا يلزمسه عباد ال إل بكتاب أو سسنة أو إجماع ،وليسس
مع من فرض على القاتل عمدا كفارة حجة من حيث ذكرت.
@ واختلفوا فسي الجماعسة يقتلون الرجسل خطسأ؛ فقالت طائفسة :على كسل واحسد منهسم الكفارة؛ كذلك
قال الحسسن وعكرمسة والنخعسي والحارث العكلي ومالك والثوري والشافعسي وأحمسد وإسسحاق وأبسو
ثور وأصحاب الرأي .وقالت طائفة :عليهم كلهم كفارة واحدة؛ هكذا قال أبو ثور ،وحكي ذلك عن
الوزاعي .وفرق الزهري بين العتق والصوم؛ فقال في الجماعة يرمون بالمنجنيق فيقتلون رجل:
عليهم كلهم عتق رقبة ،وإن كانوا ل يجدون فعلى كل واحد منهم صوم شهرين متتابعين.
@ روى النسائي :أخبرنا الحسن بن إسحاق المروزي -ثقة قال :حدثنا خالد بن خداش قال :حدثنا
حاتم بن إسماعيل عن بشير بن المهاجر عن عبدال بن بريدة عن أبيه قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم( :قتل المؤمن أعظم عند ال من زوال الدنيا ) .وروي عن عبدال قال :قال رسول
ال( :أول ما يحاسب به العبد الصلة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) .وروى إسماعيل بن
إسحاق عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبدال بن عباس أنه سأل سائل فقال :يا أبا العباس ،هل
للقاتسل توبسة ؟ فقال له ابسن عباس كالمتعجسب مسن مسسألته :ماذا تقول ! مرتيسن أو ثلثسا .ثسم قال ابسن
عباس :ويحك ! أنى له توبة ! سمعت نبيكم صلى ال عليه وسلم يقول( :يأتي المقتول معلقا رأسه
بإحدى يديسسه متلببسسا قاتله بيده الخرى تشخسسب أوداجسسه دمسسا حتسسى يوقفسسا فيقول المقتول ل سسسبحانه
وتعالى رب هذا قتلني فيقول ال تعالى للقاتل تعست ويذهب به إلى النار ) .وعن الحسن قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما نازلت ربي في شيء ما نازلته في قتل المؤمن فلم يجبني ).
@ واختلف العلماء فسي قاتسل العمسد هسل له مسن توبسة ؟ فروى البخاري عسن سسعيد بسن جسبير قال:
اختلف فيهسا أهسل الكوفسة ،فرحلت فيهسا إلى ابسن عباس ،فسسألته عنهسا فقال :نزلت هذه اليسة "ومسن
يقتسل مؤمنسا متعمدا فجزاؤه جهنسم "هسي آخسر مسا نزل ومسا نسسخها شيسء .وروى النسسائي عنسه قال:
سسسألت ابسن عباس هسسل لمسسن قتسسل مؤمنسسا متعمدا مسن توبسسة ؟ قال :ل .وقرأت عليسسه اليسسة التسسي فسسي
الفرقان" :والذين ل يدعون مع ال إلها آخر "[الفرقان ]68 :قال :هذه آية مكية نسختها آية مدنية
"ومسن يقتسل مؤمنسا متعمدا فجزائه جهنسم خالدا فيهسا وغضسب ال عليسه" .وروي عسن زيسد بسن ثابست
نحوه ،وإن آيسة النسساء نزلت بعسد آيسة الفرقان بسستة أشهسر ،وفسي روايسة بثمانيسة أشهسر؛ ذكرهمسا
النسسائي عسن زيسد بسن ثابست .وإلى عموم هذه اليسة مسع هذه الخبار عسن زيسد وابسن عباس ذهبست
المعتزلة وقالوا :هذا مخصسص عموم قوله تعالى" :ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "[النسساء]48 :
ورأوا أن الوعيسد نافسذ حتمسا على كسل قاتسل؛ فجمعوا بيسن اليتيسن بأن قالوا :التقديسر ويغفسر مسا دون
ذلك لمسن يشاء إل مسن قتسل عمدا .وذهسب جماعسة مسن العلماء منهسم .عبدال بسن عمسر -وهسو أيضسا
مروي عسسن زيسسد وابسسن عباس -إلى أن له توبسسة .روى يزيسسد بسسن هارون قال :أخبرنسسا أبسسو مالك
الشجعسي عسن سسعد بسن عسبيدة قال :جاء رجسل إلى ابسن عباس فقال ألمسن قتسل مؤمنسا متعمدا توبسة ؟
قال :ل ،إل النار؛ قال :فلما ذهب قال له جلساؤه :أهكذا كنت تفتينا ؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة
مقبولة؛ قال :إنسي لحسسبه رجل مغضبسا يريسد أن يقتسل مؤمنسا .قال :فبعثوا فسي إثره فوجدوه كذلك.
وهذا مذهسسب أهسسل السسسنة وهسسو الصسسحيح ،وإن هذه اليسسة مخصسسوصة ،ودليسسل التخصسسيص آيات
وأخبار .وقسد أجمعوا على أن اليسة نزلت فسي مقيسس بسن ضبابسة؛ وذلك أنسه كان قسد أسسلم هسو وأخوه
هشام بن ضبابة؛ فوجد هشاما قتيل في بني النجار فأخبر بذلك النبي صلى ال عليه وسلم ،فكتب
له إليهم أن يدفعوا إليه قاتل أخيه وأرسل معه رجل من بني فهر؛ فقال بنو النجار :وال ما نعلم له
قاتل ولكنسا نؤدي الديسة؛ فأعطوه مائة مسن البسل؛ ثسم انصسرفا راجعيسن إلى المدينسة فعدا مقيسس على
الفهري فقتله بأخيه وأخذ البل وانصرف إلى مكة كافرا مرتدا؛ وجعل ينشد:
سراة بني النجار أرباب فارع قتلت به فهرا وحملت عقله
وكنت إلى الوثان أول راجع حللت به وتري وأدركت ثورتي
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل أؤمنه في حل ول حرم ) .وأمر بقتله يوم فتح مكة وهو
متعلق بالكعبسة .وإذا ثبست هذا بنقسل أهسل التفسسير وعلماء الديسن فل ينبغسي أن يحمسل على المسسلمين،
ثسم ليسس الخسذ بظاهسر اليسة بأولى مسن الخسذ بظاهسر قوله" :إن الحسسنات يذهبسن السسيئات "[هود:
]114وقوله تعالى" :وهو الذي يقبل التوبة عن عباده "[الشورى ]25 :وقوله" :ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء "[النساء .]48 :والخذ بالظاهرين تناقض فل بد من التخصيص .ثم إن الجمع بين
آيسة "الفرقان "وهذه اليسة ممكسن فل نسسخ ول تعارض ،وذلك أن يحمسل مطلق آيسة "النسساء "على
مقيسد آيسة "الفرقان "فيكون معناه فجزاؤه كذا إل مسن تاب؛ ل سسيما وقسد اتحسد الموجسب وهسو القتسل
والموجسب وهسو التواعسد بالعقاب .وأمسا الخبار فكثيرة كحديسث عبادة بسن الصسامت الذي قال فيسه:
(تبايعونسي على أل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تسسرقوا ول تقتلوا النفسس التسي حرم ال إل
بالحسق فمسن وفسى منكسم فأجره على ال ومسن أصساب شيئا مسن ذلك فعوقسب بسه فهسو كفارة له ومسن
أصاب من ذلك شيئا فستره ال عليه فأمره إلى ال إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) .رواه الئمة
أخرجه الصحيحان .وكحديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم في الذي قتل مائة نفس.
أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه وغيرهما إلى غير ذلك من الخبار الثابتة .ثم إنهم
قسد أجمعوا معنسا فسي الرجسل يشهسد عليسه بالقتسل ،ويقسر بأنسه قتسل عمدا ،ويأتسي السسلطان الولياء فيقام
عليسه الحسد ويقتسل قودا ،فهذا غيسر متبسع فسي الخرة ،والوعيسد غيسر نافسذ عليسه إجماعسا على مقتضسى
حديسسث عبادة؛ فقسسد انكسسسر عليهسسم مسسا تعلقوا بسسه مسسن عموم قوله تعالى" :ومسسن يقتسسل مؤمنسسا متعمدا
فجزاؤه جهنم "ودخله التخصيص بما ذكرنا ،وإذا كان كذلك فالوجه أن هذه الية مخصوصة كما
بينسسا ،أو تكون محمولة على مسسا حكسسي عسسن ابسسن عباس أنسسه قال :متعمدا معناه مسسستحل لقتله؛ فهذا
أيضا يؤول إلى الكفر إجماعا .وقالت جماعة :إن القاتل في المشيئة تاب أو لم يتب؛ قال أبو حنيفة
وأصحابه .فإن قيل :إن قوله تعالى" :فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه "دليل على
كفره؛ لن ال تعالى ل يغضسسب إل على كافسسر خارج مسسن اليمان .قلنسسا :هذا وعيسسد ،والخلف فسسي
الوعيد كرم؛ كما قال:
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وإني متى أوعدته أو وعدته
وقسد تقدم .جواب ثان :إن جازاه بذلك؛ أي هسو أهسل لذلك ومسستحقه لعظيسم ذنبسه .نسص على هذا أبسو
مجلز لحسق بسن حميسد وأبو صسالح وغيرهمسا .وروى أنسس بن مالك عن رسسول ال صسلى ال عليسه
وسسلم أنسه قال( :إذا وعسد ال لعبسد ثوابسا فهسو منجزه وإن أوعسد له العقوبسة فله المشيئة إن شاء عاقبسه
وإن شاء عفسا عنسه ) .وفسي هذيسن التأويليسن دخسل؛ أمسا الول -فقال القشيري :وفسي هذا نظسر؛ لن
كلم الرب ل يقبسل الخلف إل أن يراد بهذا تخصسيص العام؛ فهسو إذا جائز فسي الكلم .وأمسا الثانسي:
وإن روي أنسسه مرفوع فقال النحاس :وهذا الوجسسه الغلط فيسسه بيسسن ،وقسسد قال ال عسسز وجسسل" :ذلك
جزاؤهم جهنم بما كفروا "[الكهف ]106 :ولم يقل أحد :إن جازاهم؛ وهو خطأ في العربية لن
بعده "وغضسب ال عليسه "وهسو محمول على معنسى جازاه .وجواب ثالث :فجزاؤه جهنسم إن لم يتسب
وأصسر على الذنسب حتسى وافسى ربسه على الكفسر بشؤم المعاصسي .وذكسر هبسة ال فسي كتاب "الناسسخ
والمنسسوخ "أن هذه اليسة منسسوخة بقوله تعالى" :ويغفسر مسا دون ذلك لمسن يشاء "[النسساء،]48 :
وقال :هذا إجماع الناس إل ابن عباس وابن عمر فإنهما قال هي محكمة .وفي هذا الذي قال نظر؛
لنسه موضسع عموم وتخصسيص ل موضسع نسسخ؛ قال ابسن عطيسة .قلت :هذا حسسن؛ لن النسسخ ل
يدخل الخبار إنما المعنى فهو يجزيه .وقال النحاس في "معاني القرآن "له :القول فيه عند العلماء
أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب ،فإن تاب فقد بين أمره بقوله" :وإني لغفار لمن تاب
"[طه ]82 :فهذا ل يخرج عنه ،والخلود ل يقتضي الدوام ،قال ال تعالى" :وما جعلنا لبشر من
قبلك الخلد "[النبياء ]34 :الية .وقال تعالى" :يحسب أن ماله أخلده "[الهمزة .]3 :وقال زهير:
ول خالدا إل الجبال الرواسيا
وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غيسسر معنسسى التأبيسسد؛ فإن هذا يزول بزوال الدنيسسا .وكذلك
العرب تقول :لخلدن فلنا في السجن؛ والسجن ينقطع ويفنى ،وكذلك المسجون .ومثله قولهم في
الدعاء :خلد ال ملكه وأبد أيامه .وقد تقدم هذا كله لفظا ومعنى .والحمد ل.
**3اليسة{ 94 :يسا أيهسا الذيسن آمنوا إذا ضربتسم فسي سسبيل ال فتسبينوا ول تقولوا لمسن ألقسى إليكسم
السسلم لسست مؤمنسا تبتغون عرض الحياة الدنيسا فعنسد ال مغانسم كثيرة كذلك كنتسم مسن قبسل فمسن ال
عليكم فتبينوا إن ال كان بما تعملون خبيرا}
@قوله تعالى" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا إذا ضربتسم فسي سسبيل ال" هذا متصسل بذكسر القتسل والجهاد.
والضرب :السسسير فسسي الرض؛ تقول العرب :ضربسست فسسي الرض إذا سسسرت لتجارة أو غزو أو
غيره؛ مقترنسة بفسي .وتقول :ضربست الرض دون "فسي" إذا قصسدت قضاء حاجسة النسسان؛ ومنسه
قول النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يخرج الرجلن يضربان الغائط يتحدثان كاشفين عن فرجيهما
فإن ال يمقست على ذلك ) .وهذه اليسة نزلت فسي قوم مسن المسسلمين مروا فسي سسفرهم برجسل معسه
جمل وغنيمة يبيعها فسلم على القوم وقال :ل إله إل ال محمد رسول ال؛ فحمل عليه أحدهم فقتله.
فلما ذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم شق عليه ونزلت الية .وأخرجه البخاري عن عطاء عن
ابسن عباس قال :قال ابسن عباس :كان رجسل فسي غنيمسة له فلحقسه المسسلمون فقال :السسلم عليكسم؛
فقتلوه وأخذوا غنيمته؛ فأنزل ال تعالى ذلك إلى قوله" :عرض الحياة الدنيا "تلك الغنيمة .قال :قرأ
ابن عباس "السلم" .في غير البخاري :وحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم ديته إلى أهله ورد
عليه غنيماته.
واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة ،فالذي عليه الكثر وهو في سير ابن إسحاق
ومصسسنف أبسسي داود والسسستيعاب لبسسن عبدالبر أن القاتسسل محلم بسسن جثامسسة ،والمقتول عامسسر بسسن
الضبط فدعا عليه السلم على محلم فما عاش بعد ذلك إل سبعا ثم دفن فلم تقبله الرض ثم دفن
فلم تقبله ثسم دفسن ثالثسة فلم تقبله؛ فلمسا رأوا أن الرض ل تقبله ألقوه فسي بعسض تلك الشعاب؛ وقال
عليسه السسلم( :إن الرض لتقبسل مسن هسو شسر منسه ) .قال الحسسن :أمسا إنهسا تحبسس مسن هسو شسر منسه
ولكنسه وعسظ القوم أل يعودوا .وفسي سسنن ابسن ماجسة عسن عمران بسن حصسين قال :بعسث رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم جيشسا مسن المسسلمين إلى المشركيسن فقاتلوهسم قتال شديدا ،فمنحوهسم أكتافهسم
فحمسل رجسل مسن لحمتسي على رجسل مسن المشركيسن بالرمسح فلمسا غشيسه قال :أشهسد أن ل إله إل ال؛
إنسي مسسلم؛ فطعنسه فقتله؛ فأتسى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال :يسا رسسول ال ،هلكست ! قال:
(ومسا الذي صسنعت ) ؟ مرة أو مرتيسن ،فأخسبره بالذي صسنع .فقال له رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم( :فهل شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه ) فقال :يا رسول ال لو شققت بطنه أكنت أعلم ما
فسي قلبسه ؟ قال( :ل فل أنست قبلت مسا تكلم بسه ول أنست تعلم مسا فسي قلبسه ) .فسسكت عنسه رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم فلم يلبسث إل يسسيرا حتسى مات فدفناه ،فأصسبح على وجسه الرض .فقلنسا :لعسل
عدوا نبشسسه ،فدفناه ثسسم أمرنسسا غلماننسسا يحرسسسونه فأصسسبح على ظهسسر الرض .فقلنسسا :لعسسل الغلمان
نعسوا ،فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الرض ،فألقيناه في بعض تلك الشعاب .وقيل:
إن القاتسل أسسامة بسن زيسد والمقتول مرداس بسن نهيسك الغطفانسي ثسم الفزاري مسن بنسي مرة مسن أهسل
فدك .وقال ابن القاسم عن مالك .وقيل :كان مرداس هذا قد أسلم من الليلة وأخبر بذلك أهله؛ ولما
عظسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم المسر على أسسامة حلف عنسد ذلك أل يقاتسل رجل يقول :ل إله إل
ال .وقسسد تقدم القول فيسسه .وقيسسل :القاتسسل أبسسو قتادة .وقيسسل :أبسسو الدرداء .ول خلف أن الذي لفظتسسه
الرض حيسسن مات هسسو محرم الذي ذكرناه .ولعسسل هذه الحوال جرت فسسي زمان متقارب فنزلت
الية في الجميع .وقد روي أن النبي صلى ال عليه وسلم رد على أهل المسلم الغنم والجمل وحمل
ديتسه على طريسق الئتلف وال أعلم .وذكسر الثعلبسي أن أميسر تلك السسرية رجسل يقال له غالب بسن
فضالة الليثي .وقيل :المقداد حكاه السهيلي.
@قوله تعالى" :فتبينوا" أي تأملوا .و"تبينوا "قراءة الجماعة ،وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم،
وقال :من أمر بالتسبين فقد أمر بالتثسبيت؛ يقال :تبينت المسر وتبين المسر بنفسسه ،فهو متعسد ولزم.
وقرأ حمزة "فتثبتوا "مسسن التثبسست بالثاء مثلثسسة وبعدهسسا باء بواحدة "وتسسبينوا "فسسي هذا أوكسسد؛ لن
النسسان قسد يتثبست ول يسبين .وفسي "إذا "معنسى الشرط ،فلذلك دخلت الفاء فسي قوله "فتسبينوا" .وقسد
يجازى بها كما قال:
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
والجيد أل يجازى بها كما قال الشاعر:
وإذا ترد إلى قليل تقنع والنفس راغبة إذا رغبتها
والتسبين التثبست فسي القتسل واجسب حضرا وسسفرا ول خلف فيسه ،وإنمسا خسص السسفر بالذكسر لن
الحادثة التي فيها نزلت الية وقعت في السفر.
@قوله تعالى" :ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا" السلم والسلم ،والسلم واحد ،قال
البخاري .وقرئ بهسا كلهسا .واختار أبسو عبيسد القاسسم بسن سسلم "السسلم" .وخالفسه أهسل النظسر فقالوا:
"السلم "ههنا أشبه؛ لنه بمعنى النقياد والتسليم ،كما قال عز وجل" :فألقوا السلم ما كنا نعمل من
سوء "[النحل ]28 :فالسلم الستسلم والنقياد .أي ل تقولوا لمن ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر
دعوتكسم لسست مؤمنسا .وقيسل :السسلم قول السسلم عليكسم ،وهسو راجسع إلى الول؛ لن سسلمه بتحيسة
السسسلم مؤذن بطاعتسسه وانقياده ،ويحتمسسل أن يراد بسسه النحياز والترك .قال الخفسسش :يقال فلن
سلم إذا كان ل يخالط أحدا .والسلم (بشد السين وكسرها وسكون اللم) الصلح.
وروي عن أبي جعفر أنه قرأ "لست مؤمَنا "بفتح الميم الثانية ،من آمنته إذا أجرته فهو مؤمن.
@ والمسلم إذا لقي الكافر ول عهد له جاز له قتله؛ فإن قال :ل إله إل ال لم يجز قتله؛ لنه قد
اعتصم بعصام السلم المانع من دمه وماله وأهله :فإن قتله بعد ذلك قتل به .وإنما سقط القتل عن
هؤلء لجل أنهم كانوا في صدر السلم وتأولوا أنه قالها متعوذا وخوفا من السلح ،وأن العاصم
قولهسا مطمئنسا ،فأخسبر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أنسه عاصسم كيفمسا قالهسا؛ ولذلك قال لسسامة( :أفل
شققست عسن قلبسه حتسى تعلم أقالهسا أم ل ) أخرجسه مسسلم .أي تنظسر أصسادق هسو فسي قوله أم كاذب ؟
وذلك ل يمكن فلم يبق إل أن يبين عنه لسانه .وفي هذا من الفقه باب عظيم ،وهو أن الحكام تناط
بالمظان والظواهر ل على القطع واطلع السرائر.
فإن قال :سلم عليكم فل ينبغي أن يقتل أيضا حتى يعلم ما وراء هذا؛ لنه موضع إشكال .وقد
قال مالك في الكافر يوجد فيقول :جئت مستأمنا أطلب المان :هذه أمور مشكلة ،وأرى أن يرد إلى
مأمنه ول يحكم له بحكم السلم؛ لن الكفر قد ثبت له فل بد أن يظهر منه ما يدل على قوله ،ول
يكفسي أن يقول أنسا مسسلم ول أنسا مؤمسن ول أن يصسلي حتسى يتكلم بالكلمسة العاصسمة التسي علق النسبي
صلى ال عليه وسلم الحكم بها عليه في قوله( :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال ).
@ فإن صلى أو فعل فعل من خصائص السلم فقد اختلف فيه علماؤنا؛ فقال ابن العربي :نرى
أنه ل يكون بذلك مسلما ،أما أنه يقال له :ما وراء هذه الصلة ؟ فإن قال :صلة مسلم ،قيل له :قل
ل إله إل ال؛ فإن قالها تبين صدقه ،وإن أبى علمنا أن ذلك تلعب ،وكانت عند من يرى إسلمه
ردة؛ والصسحيح أنسه كفسر أصسلي ليسس بردة .وكذلك هذا الذي قال :سسلم عليكسم ،يكلف الكلمسة؛ فإن
قالهسا تحقسق رشاده ،وإن أبسى تسبين عناده وقتسل .وهذا معنسى قوله" :فتسبينوا "أي المسر المشكسل ،أو
"تثبتوا "ول تعجلوا المعنيان سواء .فإن قتله أحد فقد أتى منهيا عنه .فإن قيل :فتغليظ النبي صلى
ال عليسسه وسسسلم على محلم ،ونبذه مسسن قسسبره كيسسف مخرجسسه ؟ قلنسسا :لنسسه علم مسسن نيتسسه أنسسه لم يبال
بإسلمه فقتله متعمدا لجل الحنة التي كانت بينهما في الجاهلية.
@قوله تعالى" :تبتغون عرض الحياة الدنيا" أي تبتغون أخذ ماله :ويسمى متاع الدنيا عرضا لنه
عارض زائل غيسر ثابست .قال أبسو عسبيدة :يقال جميسع متاع الحياة الدنيسا عرض بفتسح الراء؛ ومنسه:
(الدنيسا عرض حاضسر يأكسل منهسا البر والفاجسر ) .والعرض (بسسكون الراء ) مسا سسوى الدنانيسر
والدراهم؛ فكل عرض عرض ،وليس كل عرض عرضا .وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال
عليسه وسسلم( :ليسس الغنسى عسن كثرة العرض إنمسا الغنسى غنسى النفسس ) .وقسد أخسذ بعسض العلماء هذا
المعنى فنظمه:
فإنك ل تدري أتصبح أم تمسي تقنع بما يكفيك واستعمل الرضا
إنما يكون الغنى والفقر من قبل النفس فليس الغنى عن كثرة المال
وهذا يصحح قول أبي عبيدة :فإن المال يشمل كل ما يتمول .وفي كتاب العين :العرض ما نيل من
الدنيسا؛ ومنسه قوله تعالى" :تريدون عرض الدنيسا "[النفال ]67 :وجمعسه عروض .وفسي المجمسل
لبن فارس :والعرض ما يعترض النسان من مرض أو نحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال
قسل أو كثسر .والعرض مسن الثاث مسا كان غيسر نقسد .وأعرض الشيسء إذا ظهسر وأمكسن .والعرض
خلف الطول.
@قوله تعالى" :فعند ال مغانم كثيرة" عدة من ال تعالى بما يأتي به على وجهه ومن حله دون
ارتكاب محظور ،أي فل تتهافتوا" .كذلك كنتسم مسن قبسل "أي كذلك كنتسم تخفون إيمانكسم عسن قومكسم
خوفسا منكسم على أنفسسكم حتسى مسن ال عليكسم بإعزاز الديسن وغلبسة المشركيسن ،فهسم الن كذلك كسل
واحد منهم في قومه متربص أن يصل إليكم ،فل يصلح إذ وصل إليكم أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره.
وقال ابن زيد :المعنى كذلك كنتم كفرة "فمن ال عليكم "بأن أسلمتم فل تنكروا أن يكون هو كذلك
ثم يسلم لحينه حين لقيكم فيجب أن تتثبتوا في أمره.
@ اسستدل بهذه اليسة مسن قال :إن اليمان هسو القول ،لقوله تعالى" :ول تقولوا لمسن ألقسى إليكسم
السسلم لسست مؤمنسا" .قالوا :ولمسا منسع أن يقال لمسن قال ل إله إل ال لسست مؤمنسا منسع مسن قتلهسم
بمجرد القول .ولول اليمان الذي هسو هذا القول لم يعسب قولهسم .قلنسا :إنمسا شسك القوم فسي حالة أن
يكون هذا القول منسه تعوذا فقتلوه ،وال لم يجعسل لعباده غيسر الحكسم بالظاهسسر؛ وقسد قال صسلى ال
عليسسه وسسسلم( :أمرت أن أقاتسسل الناس حتسسى يقولوا ل إله إل ال ) وليسسس فسسي ذلك أن اليمان هسسو
القرار فقط؛ أل ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين حسب ما تقدم بيانه في
"البقرة "وقد كشف البيان في هذا قوله عليه السلم( :أفل شققت عن قلبه ) ؟ فثبت أن اليمان هو
القرار وغيره ،وأن حقيقتسه التصسديق بالقلب ،ولكسن ليسس للعبسد طريسق إليسه إل مسا سسمع منسه فقسط.
واستدل بهذا أيضا من قال :إن الزنديق تقبل توبته إذا أظهر السلم؛ قال :لن ال تعالى لم يفرق
بيسن الزنديسق وغيره متسى أظهسر السسلم .وقسد مضسى القول فسي هذا فسي أول البقرة .وفيهسا رد على
القدريسة ،فإن ال تعالى أخسبر أنسه مسن على المؤمنيسن مسن بيسن جميسع الخلق بأن خصسهم بالتوفيسق،
والقدرية تقول :خلقهم كلهم لليمان .ولو كان كما زعموا لما كان لختصاص المؤمنين بالمنة من
بين الخلق معنى.
@قوله تعالى" :فتبينوا" أعاد المر بالتبيين للتأكيد" .إن ال كان بما تعملون خبيرا "تحذير عن
مخالفة أمر ال؛ أي احفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم.
**3اليسة{ 96 - 95 :ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن غيسر أولي الضرر والمجاهدون فسي
سبيل ال بأموالهم وأنفسهم فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد
ال الحسنى وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ،درجات منه ومغفرة ورحمة وكان
ال غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :ل يستوي القاعدون من المؤمنين "قال ابن عباس :ل يستوي القاعدون عن بدر
والخارجون إليهسا .ثسم قال" :غيسر أولي الضرر "والضرر الزمانسة .روى الئمسة واللفسظ لبسي داود
عن زيد بن ثابت قال :كنت إلى جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ
رسول ال صلى ال عليه وسلم على فخذي ،فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم ثسم سسري عنسه فقال( :اكتسب ) فكتبست فسي كتسف "ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن
والمجاهدون فسسي سسسبيل ال "إلى آخسسر اليسسة؛ فقام ابسسن أم مكتوم -وكان رجل أعمسسى -لمسسا سسسمع
فضيلة المجاهديسن فقال :يسا رسسول ال ،فكيسف بمسن ل يسستطيع الجهاد مسن المؤمنيسن ؟ فلمسا قضسى
كلمه غشيت رسول ال صلى ال عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ،ووجدت من ثقلها
في المرة الثانية كما وجدت في المرة الولى ،ثم سري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
(اقرأ يا زيد ) فقرأت "ل يستوي القاعدون من المؤمنين "فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"غيسر أولي الضرر "اليسة كلهسا .قال زيسد :فأنزلهسا ال وحدهسا فألحقتهسا؛ والذي نفسسي بيده لكأنسي
أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف .وفي البخاري عن مقسم مولى عبدال بن الحارث أنه سمع
ابسن عباس يقول" :ل يسستوي القاعدون مسن المؤمنيسن "عسن بدر والخارجون إلى بدر .قال العلماء:
أهسل الضرر هسم أهسل العذار إذ قسد أضرت بهسم حتسى منعتهسم الجهاد .وصسح وثبست فسي الخسبر أنسه
عليه السلم قال -وقد قفل من بعض غزواته( :إن بالمدينة رجال ما قطعتم واديا ول سرتم مسيرا
إل كانوا معكسسم أولئك قوم حبسسسهم العذر ) .فهذا يقتضسسي أن صسساحب العذر يعطسسى أجسسر الغازي؛
فقيسل :يحتمسل أن يكون أجره مسساويا وفسي فضسل ال متسسع ،وثوابسه فضسل ل اسستحقاق؛ فيثيسب على
النيسسة الصسسادقة مال يثيسسب على الفعسسل .وقيسسل :يعطسسى أجره مسسن غيسسر تضعيسسف فيفضله الغازي
بالتضعيف للمباشرة .وال أعلم.
قلت :والقول الول أصسسسح -إن شاء ال -للحديسسسث الصسسسحيح فسسسي ذلك (إن بالمدينسسسة رجال )
ولحديث أبي كبشة النماري قوله عليه السلم (إنما الدنيا لربعة نفر ) الحديث وقد تقدم في سورة
"آل عمران" .ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر (إذا مرض العبد قال ال تعالى اكتبوا لعبدي ما
كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ).
@ وقسد تمسسك بعسض العلماء بهذه اليسة بأن أهسل الديوان أعظسم أجرا مسن أهسل التطوع؛ لن أهسل
الديوان لمسسا كانوا متملكيسسن بالعطاء ،ويصسسرفون فسسي الشدائد ،وتروعهسسم البعوث والوامسسر ،كانوا
أعظسم مسن المتطوع؛ لسسكون جأشسه ونعمسة باله فسي الصسوائف الكبار ونحوهسا .قال ابسن محيريسز:
أصسحاب العطاء أفضسل مسن المتطوعسة لمسا يروعون .قال مكحول :روعات البعوث تنفسي روعات
القيامة.
@ وتعلق بها أيضا من قال :إن الغنى أفضل من الفقر؛ لذكر ال تعالى المال الذي يوصل به إلى
صسالح العمال .وقسد اختلف الناس فسي هذه المسسألة مسع اتفاقهسم أن مسا أحوج مسن الفقسر مكروه ،ومسا
أبطسر مسن الغنسى مذموم؛ فذهسب قوم إلى تفضيسل الغنسي ،لن الغنسي مقتدر والفقيسر عاجسز ،والقدرة
أفضسل مسن العجسز .قال الماوردي :وهذا مذهسب مسن غلب عليسه حسب النباهسة .وذهسب آخرون إلى
تفضيسل الفقسر ،لن الفقيسر تارك والغنسي ملبسس ،وترك الدنيسا أفضسل مسن ملبسستها .قال الماوردي:
وهذا مذهسب مسن غلب عليسه حسب السسلمة .وذهسب آخرون إلى تفضيسل التوسسط بيسن المريسن بأن
يخرج عن حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة المرين ،وليسلم من مذمة الحالين.
قال الماوردي :وهذا مذهسب مسن يرى تفضيسل العتدال وأن (خيسر المور أوسسطها ) .ولقسد أحسسن
الشاعر الحكيم حيث قال:
ومن رغبة يوما إلى غير مرغب أل عائذا بال من عدم الغنى
@قوله تعالى" :غير أولي الضرر "قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو "غير "بالرفع؛ قال الخفش:
هو نعت للقاعدين؛ لنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير؛ والمعنى
ل يسسستوي القاعدون غيسسر أولي الضرر؛ أي ل يسسستوي القاعدون الذيسسن هسسم غيسسر أولي الضرر.
والمعنسى ل يسستوي القاعدون الصسحاء؛ قال الزجاج .وقرأ أبسو حيوة "غيسر "جعله نعتسا للمؤمنيسن؛
أي مسن المؤمنيسن الذيسن هسم غيسر أولي الضرر مسن المؤمنيسن الصسحاء .وقرأ أهسل الحرميسن "غيسر
"بالنصسب على السستثناء مسن القاعديسن أو مسن المؤمنيسن؛ أي إل أولي الضرر فإنهسم يسستوون مسع
المجاهدين .وإن شئت على الحال من القاعدين؛ أي ل يستوي القاعدون من الصحاء أي في حال
صحتهم؛ وجازت الحال منهم؛ لن لفظهم لفظ المعرفة ،وهو كما تقول :جاءني زيد غير مريض.
وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فضسل ال المجاهديسن بأموالهسم وأنفسسهم على القاعديسن درجسة "وقسد قال بعسد هذا:
"درجات منسه ومغفرة ورحمسة "فقال قوم :التفضيسل بالدرجسة ثسم بالدرجات إنمسا هسو مبالغسة وبيان
وتأكيسد .وقيسل :فضسل ال المجاهديسن على القاعديسن مسن أولي الضرر بدرجسة واحدة ،وفضسل ال
المجاهديسن على القاعديسن مسن غيسر عذر درجات؛ قال ابسن جريسج والسسدي وغيرهمسا .وقيسل :إن
معنى درجة علو ،أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ .فهذا معنى درجة ،ودرجات
يعني في الجنة .قال ابن محيريز :سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الجواد سبعين سنة.
و"درجات "بدل مسسن أجسسر وتفسسسير له ،ويجوز نصسسبه أيضسسا على تقديسسر الظرف؛ أي فضلهسسم
بدرجات ،ويجوز أن يكون توكيدا لقول "أجرا عظيمسا "لن الجسر العظيسم هسو الدرجات والمغفرة
والرحمسسة ،ويجوز الرفسسع؛ أي ذلك درجات .و"أجرا "نصسسب بسس "فضسسل "وإن شئت كان مصسسدرا
وهسو أحسسن ،ول ينتصسب بسس "فضسل "لنسه قسد اسستوفى مفعوليسه وهمسا قوله" :المجاهديسن "و "على
القاعديسن "؛ وكذا "درجسة" .فالدرجات منازل بعضهسا أعلى مسن بعسض .وفسي الصسحيح عسن النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم (إن فسي الجنة مائة درجسة أعدها ال للمجاهديسن فسي سسبيله بين الدرجتين كمسا
بيسن السسماء والرض )" .وكل وعسد ال الحسسنى ""كل "منصسوب بسس "وعسد "و "الحسسنى "الجنسة؛
أي وعسسد ال كل الحسسسنى .ثسسم قيسسل :المراد (بكسسل ) المجاهدون خاصسسة .وقيسسل :المجاهدون وأولو
الضرر .وال أعلم.
**3اليات{ 99 - 97 :إن الذيسن توفاهسم الملئكسة ظالمسي أنفسسهم قالوا فيسم كنتسم قالوا كنسا
مسسستضعفين فسسي الرض قالوا ألم تكسسن أرض ال واسسسعة فتهاجروا فيهسسا فأولئك مأواهسسم جهنسسم
وسساءت مصسيرا ،إل المسستضعفين مسن الرجال والنسساء والولدان ل يسستطيعون حيلة ول يهتدون
سبيل ،فأولئك عسى ال أن يعفو عنهم وكان ال عفوا غفورا}
@ المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى ال عليه وسلم اليمان
بسه ،فلمسا هاجسر النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أقاموا مسع قومهسم وفتسن منهسم جماعسة فافتتنوا ،فلمسا كان
أمسر بدر خرج منهسم قوم مسع الكفار؛ فنزلت اليسة .وقيسل :إنهسم لمسا اسستحقروا عدد المسسلمين دخلهسم
شسك فسي دينهسم فارتدوا فقتلوا على الردة؛ فقال المسسلمون :كان أصسحابنا هؤلء مسسلمين وأكرهوا
على الخروج فاسسسستغفروا لهسسسم؛ فنزلت اليسسسة .والول أصسسسح .روى البخاري عسسسن محمسسسد بسسسن
عبدالرحمن قال :قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته
فنهاني عن ذلك أشد النهي ،ثم قال :أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين
يكثرون سواد المشركين على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب
أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل؛ فأنزل ال تعالى" :إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم".
@قوله تعالى" :توفاهسم الملئكسة "يحتمسل أن يكون فعل ماضيسا لم يسستند بعلمسة تأنيسث ،إذ تأنيسث
لفسسظ الملئكسسة غيسسر حقيقسسي ،ويحتمسسل أن يكون فعل مسسستقبل على معنسسى تتوفاهسسم؛ فحذفسست إحدى
التاءين .وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار .وقيل :تقبض أرواحهم؛ وهو
أظهسر .وقيسل :المراد بالملئكسة ملك الموت؛ لقوله تعالى" :قسل يتوفاكسم ملك الموت الذي وكسل بكسم
"[السسجدة .]11 :و"ظالمسي أنفسسهم "نصسب على الحال؛ أي فسي حال ظلمهسم أنفسسهم ،والمراد
ظالمين أنفسهم فحذف النون استخفافا وأضاف؛ كما قال تعالى" :هديا بالغ الكعبة "[المائدة.]95 :
وقول الملئكة "فيم كنتم" سؤال تقريع وتوبيخ ،أي أكنتم في أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم
أم كنتسم مشركيسن ! وقول هؤلء" :كنسا مسستضعفين فسي الرض" يعنسي مكسة ،اعتذار غيسر صسحيح؛
إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ،ثم وقفتهم الملئكة على دينهم بقولهم "ألم تكن أرض
ال واسسعة" .ويفيسد هذا السسؤال والجواب أنهسم ماتوا مسسلمين ظالميسن لنفسسهم فسي تركهسم الهجرة،
وإل فلو ماتوا كافريسن لم يقسل لهسم شيسء مسن هذا ،وإنمسا أضرب عسن ذكرهسم فسي الصسحابة لشدة مسا
واقعوه ،ولعدم تعين أحدهم باليمان ،واحتمال ردته .وال أعلم .ثم استثنى تعالى منهم من الضمير
الذي هسو الهاء والميسم فسي "مأواهسم "مسن كان مسستضعفا حقيقسة مسن زمنسى الرجال وضعفسة النسساء
والولدان؛ كعياش بسن أبسي ربيعسة وسسلمة بسن هشام وغيرهسم الذيسن دعسا لهسم الرسسول صسلى ال عليسه
وسلم .قال ابن عباس :كنت أنا وأمي ممن عنى ال بهذه الية؛ وذلك أنه كان من الولدان إذ ذاك،
وأمسسه هسسي أم الفضسسل بنسست الحارث واسسسمها لبابسسة ،وهسسي أخسست ميمونسسة ،وأختهسسا الخرى لبابسسة
الصسغرى ،وهسن تسسع أخوات قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فيهسن( :الخوات مؤمنات ) ومنهسن
سسلمى والعصسماء وحفيدة ويقال فسي حفيدة :أم حفيسد ،واسسمها هزيلة .هسن سست شقائق وثلث لم؛
وهن سلمى ،وسلمة ،وأسماء .بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ،ثم امرأة أبي بكر
الصديق ،ثم امرأة علي رضى ال عنهم أجمعين.
@قوله تعالى" :فيسم كنتسم" سسؤال توبيسخ ،وقسد تقدم .والصسل "فيمسا "ثسم حذفست اللف فرقسا بيسن
السستفهام والخسبر ،والوقسف عليهسا (فيمسه ) لئل تحذف اللف والحركسة .والمراد بقوله" :ألم تكسن
أرض ال واسسسسعة" المدينسسسة؛ أي ألم تكونوا متمكنيسسسن قادريسسسن على الهجرة والتباعسسسد ممسسسن كان
يستضعفكم ! وفي هذه الية دليل على هجران الرض التي يعمل فيها بالمعاصي .وقال سعيد بن
جسسبير :إذا عمسسل بالمعاصسسي فسسي أرض فاخرج منهسسا؛ وتل "ألم تكسسن أرض ال واسسسعة فتهاجروا
فيها" .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان
شسبرا اسستوجب الجنسة وكان رفيسق إبراهيسم ومحمسد عليهمسا السسلم )" .فأولئك مأواهسم جهنسم "أي
مثواهم النار .وكانت الهجرة واجبة على كل من أسلم" .وساءت مصيرا "نصب على التفسير.
وقوله تعالى" :ل يستطيعون حيلة" الحيلة لفظ عام لنواع أسباب التخلص .والسبيل سبيل المدينة؛
فيمسا ذكسر مجاهسد والسسدي وغيرهمسا ،والصسواب أنسه عام فسي جميسع السسبل .وقوله تعالى" :فأولئك
عسى ال أن يعفو عنهم" هذا الذي ل حيلة له في الهجرة ل ذنب له حتى يعفى عنه؛ ولكن المعنى
أنسه قسد يتوهسم أنسه يجسب تحمسل غايسة المشقسة فسي الهجرة ،حتسى أن مسن لم يتحمسل تلك المشقسة يعاقسب
فأزال ال ذلك الوهسم؛ إذ ل يجسب تحمسل غايسة المشقسة ،بسل كان يجوز ترك الهجرة عنسد فقسد الزاد
والراحلة .فمعنسسى اليسسة؛ فأولئك ل يسسستقصى عليهسسم فسسي المحاسسسبة؛ ولهذا قال" :وكان ال عفوا
غفورا "والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد ،وقد تقدم.
**3اليسة{ 100 :ومسن يهاجسر فسي سسبيل ال يجسد فسي الرض مراغمسا كثيرا وسسعة ومسن يخرج
من بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :ومن يهاجر في سبيل ال يجد" شرط وجوابه" .في الرض مراغما" اختلف في
تأويسل المراغسم؛ فقال مجاهسد :المراغسم المتزحزح .وقال ابسن عباس والضحاك والربيسع وغيرهسم:
المراغم المتحول والمذهب .وقال ابن زيد :والمراغم المهاجر؛ وقاله أبو عبيدة .قال النحاس :فهذه
القوال متفقسسة المعانسسي .فالمراغسسم المذهسسب والمتحول فسسي حال هجرة ،وهسسو اسسسم الموضسسع الذي
يراغسم فيسه ،وهسو مشتسق مسن الرغام .ورغسم أنسف فلن أي لصسق بالتراب .وراغمست فلنسا هجرتسه
وعاديته ،ولم أبال إن رغم أنفه .وقيل :إنما سمي مهاجرا ومراغما لن الرجل كان إذا أسلم عادى
قومسه وهجرهسم ،فسسمى خروجسه مراغمسا ،وسسمى مصسيره إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم هجرة.
وقال السدي :المراغم المبتغي للمعيشة .وقال ابن القاسم :سمعت مالكا يقول :المراغم الذهاب في
الرض .وهذا كله تفسسسير بالمعنسسى ،وكله قريسسب بعضسسه مسسن بعسسض؛ فأمسسا الخاص باللفظسسة فإن
المراغسم موضسع المراغمسة كمسا ذكرنسا ،وهسو أن يرغسم كسل واحسد مسن المتنازعيسن أنسف صساحبه بأن
يغلبسسه على مراده؛ فكأن كفار قريسسش أرغموا أنوف المحبوسسسين بمكسسة ،فلو هاجسسر منهسسم مهاجسسر
لرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم ،فتلك المنعة هي موضع المراغمة .ومنه قول النابغة.
عزيز المراغم والمهرب كطرد يلذ بأركانه
@قوله تعالى" :وسسعة" أي فسي الرزق؛ قال ابسن عباس والربيسع والضحاك .وقال قتادة :المعنسى
سسسعة مسسن الضللة إلى الهدى ومسسن العلة إلى الغنسسى .وقال مالك :السسسعة سسسعة البلد .وهذا أشبسسه
بفصسساحة العرب؛ فإن بسسسعة الرض وكثرة المعاقسسل تكون السسسعة فسسي الرزق ،واتسسساع الصسسدر
لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج .ونحو هذا المعنى قول الشاعر:
وجدت وراي منفسحا عريضا وكنت إذا خليل رام قطعي
آخر:
في الرض ذات الطول والعرض لكان لي مضطرب واسع
@ قال مالك :هذه الية دالة على أنه ليس لحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير
الحق .وقال :والمراغم الذهاب في الرض ،والسعة سعة البلد على ما تقدم .واستدل أيضا بعض
العلماء بهذه اليسة على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثسم مات قبسل القتال له سسهمه وإن لم يحضسر
الحرب؛ رواه ابسن لهيعسة عسن يزيسد بسن أبسي حسبيب عسن أهسل المدينسة .وروي ذلك عسن ابسن المبارك
أيضا.
@قوله تعالى" :ومسن يخرج مسن بيتسه مهاجرا إلى ال ورسسوله" قال عكرمسة مولى ابسن عباس:
طلبست اسسم هذا الرجسل أربسع عشرة سسنة حتسى وجدتسه .وفسي قول عكرمسة هذا دليسل على شرف هذا
العلم قديمسا ،وأن العتناء بسه حسسن والمعرفسة بسه فضسل؛ ونحسو منسه قول ابسن عباس :مكثست سسنين
أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ما يمنعني
إل مهابتسسه .والذي ذكره عكرمسسة هسسو ضمرة بسسن العيسسص أو العيسسص بسسن ضمرة بسسن زنباع؛ حكاه
الطسبري عسن سسعيد بسن جسبير .ويقال فيسه :ضميرة أيضسا .ويقال :جندع بسن ضمرة مسن بنسي ليسث،
وكان مسن المسستضعفين بمكسة وكان مريضسا ،فلمسا سسمع مسا أنزل ال فسي الهجرة قال :أخرجونسي؛
فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم ،فأنزل ال فيه "ومن يخرج من
بيته مهاجرا "الية .وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه :خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة ،وأنه
هاجسر إلى أرض الحبشسة فنهشتسه حيسة فسي الطريسق فمات قبسل أن يبلغ أرض الحبشسة؛ فنزلت فيسه
اليسسة ،وال أعلم .وحكسسى أبسسو الفرج الجوزي أنسسه حسسبيب بسسن ضمرة .وقيسسل :ضمرة بسسن جندب
الضمري؛ عسن السسدي .وحكسي عسن عكرمسة أنسه جندب بسن ضمرة الجندعسي .وحكسي عسن ابسن جابر
أنسه ضمرة بسن بغيسض الذي مسن بنسي ليسث .وحكسى المهدوي أنسه ضمرة بسن ضمرة بسن نعيسم .وقيسل:
ضمرة بسن خزاعسة ،وال أعلم .وروى معمسر عسن قتادة قال :لمسا نزلت "إن الذيسن توفاهسم الملئكسة
ظالمي أنفسهم "الية ،قال رجل من المسلمين وهو مريض :وال ما لي من عذر ! إني لدليل في
الطريسق ،وإنسي لموسسر فاحملونسي .فحملوه فأدركسه الموت فسي الطريسق؛ فقال أصسحاب النسبي صسلى
ال عليه وسلم :لو بلغ إلينا لتم أجره؛ وقد مات بالتنعيم .وجاء بنوه إلى النبي صلى ال عليه وسلم
وأخسبروه بالقصسة ،فنزلت هذه اليسة "ومسن يخرج مسن بيتسه مهاجرا "اليسة .وكان اسسمه ضمرة بسن
جندب ،ويقال :جندب بسسسن ضمرة على مسسسا تقدم" .وكان ال غفورا" لمسسسا كان منسسسه مسسسن الشرك.
"رحيما" حين قبل توبته.
@ قال ابن العربي :قسم العلماء رضي ال عنهم الذهاب في الرض قسمين :هربا وطلبا؛ فالول
ينقسسسم إلى سسستة أقسسسام :الول :الهجرة وهسسي الخروج مسسن دار الحرب إلى دار السسسلم ،وكانسست
فرضسا فسي أيام النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ،وهذه الهجرة باقيسة مفروضسة إلى يوم القيامسة ،والتسي
انقطعست بالفتسح هسي القصسد إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم حيسث كان؛ فإن بقسي فسي دار الحرب
عصسى؛ ويختلف فسي حاله .الثانسي :الخروج مسن أرض البدعسة؛ قال ابسن القاسسم :سسمعت مالكسا يقول
ل يحسل لحسد أن يقيسم بأرض يسسب فيهسا السسلف .قال ابسن العربسي :وهذا صسحيح؛ فإن المنكسر إذا لم
تقدر أن تغيره فزل عنسسه ،قال ال تعالى" :وإذا رأيسست الذيسسن يخوضون فسسي آياتنسسا فأعرض عنهسسم
"إلى قوله "الظالمين" [النعام .]68 :الثالث :الخروج من أرض غلب عليها الحرام :فإن طلب
الحلل فرض على كل مسلم .الرابع :الفرار من الذية في البدن؛ وذلك فضل من ال أرخص فيه،
فإذا خشسسي على نفسسسه فقسسد أذن ال فسسي الخروج عنسسه والفرار بنفسسسه ليخلصسسها مسسن ذلك المحذور.
وأول مسسن فعله إبراهيسسم عليسسه السسسلم؛ فإنسسه لمسسا خاف مسسن قومسسه قال" :إنسسي مهاجسسر إلى ربسسي
"[العنكبوت ،]26 :وقال" :إنسي ذاهسب إلى ربسي سسيهدين "[الصسافات .]99 :وقال مخسبرا عسن
موسى" :فخرج منها خائفا يترقب" [القصص .]21 :الخامس :خوف المرض في البلد الوخمة
والخروج منهسا إلى الرض النزهسة .وقسد أذن صسلى ال عليسه وسسلم للرعاة حيسن اسستوخموا المدينسة
أن يخرجوا إلى المسسرح فيكونوا فيسه حتسى يصسحوا .وقسد اسستثنى مسن ذلك الخروج مسن الطاعون؛
فمنع ال سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى ال عليه وسلم ،وقد تقدم بيانه في "البقرة".
بيسد أن علماءنسا قالوا :هسو مكروه .السسادس :الفرار خوف الذيسة فسي المال؛ فإن حرمسة مال المسسلم
كحرمة دمه ،والهل مثله وأوكد .وأما قسم الطلب فينقسم قسمين :طلب دين وطلب دنيا.
فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام :الول :سفر العبرة؛ قال ال تعالى" :أولم
يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم "[الروم ]9 :وهو كثير .ويقال :إن
ذا القرنين إنما طاف الرض ليرى عجائبها .وقيل :لينفذ الحق فيها .الثاني 3 :سفر الحج .والول
وإن كان ندبسا فهذا فرض .الثالث :سسفر الجهاد وله أحكامسه .الرابسع :سسفر المعاش؛ فقسد يتعذر على
الرجسل معاشسه مسع القامسة فيخرج فسي طلبسه ل يزيسد عليسه .مسن صسيد أو احتطاب أو احتشاش؛ فهسو
فرض عليسه .الخامسس :سسفر التجارة والكسسب الزائد على القوت ،وذلك جائز بفضسل ال سسبحانه
وتعالى ،قال ال تعالى" :ليسسس عليكسسم جناح أن تبتغوا فضل مسسن ربكسسم" [البقرة ]198 :يعنسسي
التجارة ،وهسي نعمسة مسن ال بهسا فسي سسفر الحسج ،فكيسف إذا انفردت .السسادس :فسي طلب العلم وهسو
مشهور .السسابع :قصسد البقاع؛ قال صسلى ال عليسه وسسلم( :ل تشسد الرحال إل إلى ثلثسة مسساجد ).
الثامسن :الثغور للرباط بهسا وتكثيسر سسوادها للذب عنهسا .التاسسع :زيارة الخوان فسي ال تعالى :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :زار رجل أخا له في قرية فأرصد ال له ملكا على مدرجته فقال
أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال :هل لك من نعمة تربها عليه قال ل غير أني أحببته
في ال عز وجل قال فإني رسول ال إليك بأن ال قد أحبك كما أحببته فيه ) .رواه مسلم وغيره.
**3الية{ 101 :وإذا ضربتم في الرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة إن خفتم
أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا}
@قوله تعالى" :ضربتسم "سسافرتم ،وقسد تقدم .واختلف العلماء فسي حكسم القصسر فسي السسفر؛ فروي
عن جماعة أنه فرض .وهو قول عمر بن عبدالعزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي
سليمان؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي ال عنها (فرضت الصلة ركعتين ركعتين الحديث ،ول
حجة فيه لمخالفتها له؛ فإنه كانت تتم في السفر وذلك يوهنه .وإجماع فقهاء المصار على أنه ليس
بأصسل يعتسبر فسي صسلة المسسافر خلف المقيسم؛ وقسد قال غيرهسا مسن الصسحابة كعمسر وابسن عباس
وجبير بن مطعم( :إن الصلة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة )
رواه مسسلم عسن ابسن عباس .ثسم إن حديسث عائشسة قسد رواه ابسن عجلن عسن صسالح بسن كيسسان عسن
عروة عن عائشة قالت :فرض رسول ال صلى ال عليه وسلم الصلة ركعتين ركعتين .وقال فيه
الوزاعسي عسن ابسن شهاب عسن عروة عسن عائشسة قالت :فرض ال الصسلة على رسسول ال صسلى
ال عليسه وسسلم ركعتيسن ركعتيسن؛ الحديسث ،وهذا اضطراب .ثسم إن قولهسا( :فرضست الصسلة ) ليسس
على ظاهره؛ فقسد خرج عنسه صسلة المغرب والصسبح؛ فإن المغرب مسا زيسد فيهسا ول نقسص منهسا.
وكذلك الصسبح ،وهذا كله يضعسف متنسه ل سسنده .وحكسى ابسن الجهسم أن أشهسب روى عسن مالك أن
القصر فرض ،ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة،
وهسو قول الشافعسي ،وهسو الصسحيح على مسا يأتسي بيانسه إن شاء ال .ومذهسب عامسة البغدادييسن مسن
المالكييسسن أن الفرض التخييسسر؛ وهسسو قول أصسسحاب الشافعسسي .ثسسم اختلفوا فسسي أيهمسسا أفضسسل؛ فقال
بعضهم :القصر أفضل؛ وهو قول البهري وغيره .وقيل :إن التمام أفضل؛ وحكي عن الشافعي.
وحكسى أبسو سسعيد الفروي المالكسي أن الصسحيح على مسا يأتسي مذهسب مالك التخييسر للمسسافر فسي
التمام والقصر.
قلت :وهسو الذي يظهسر مسن قوله سسبحانه وتعالى" :فليسس عليكسم جناح أن تقصسروا من الصسلة"
إل أن مالكا رحمه ال يستحب له القصر ،وكذلك يرى عليه العادة في الوقت إن أتم .وحكى أبو
مصعب في "مختصره "عن مالك وأهل المدينة قال :القصر في السفر للرجال والنساء سنة .قال
أبو عمسر :وحسبك بهذا فسي مذهب مالك ،مع أنسه لم يختلف فول :أن من أتسم فسي السفر يعيسد مسا دام
فسسي الوقسست؛ وذلك اسسستحباب عنسسد مسسن فهسسم ،ل إيجاب .وقال الشافعسسي :القصسسر فسسي غيسسر الخوف
بالسسنة ،وأمسا فسي الخوف مسع السسفر فبالقرآن والسسنة؛ ومسن صسلى أربعسا فل شيسء عليسه ،ول أحسب
لحسد أن يتسم فسي السسفر رغبسة عسن السسنة .وقال أبسو بكسر الثرم :قلت لحمسد بسن حنبسل للرجسل أن
يصلي في السفر أربعا ؟ قال :ل ،ما يعجبني ،السنة ركعتان .وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن
رجل من آل خالد بن أسيد ،أنه سأل عبدال بن عمر فقال :يا أبا عبدالرحمن إنا نجد صلة الخوف
وصلة الحضر في القرآن ول نجد صلة السفر ؟ فقال عبدال بن عمر :يا ابن أخي إن ال تبارك
وتعالى بعسث إلينسا محمدا صسلى ال عليسه وسسلم ول نعلم شيئا ،فإنسا نفعسل كمسا رأيناه يفعسل .ففسي هذا
الخبر قصر الصلة في السفر من غير خوف ستة ل فريضة؛ لنها ل ذكر لها في القرآن ،وإنما
القصسر المذكور فسي القرآن إذا كان سسفرا وخوفسا واجتمعسا؛ فلم يبسح القصسر فسي كتابسه إل مسع هذيسن
الشرطين .ومثله في القرآن" :ومن لم يستطع منكم طول أن ينكح "[النساء ]25 :الية ،وقد تقدم.
ثسم قال تعالى" :فإذا اطمأننتسم فأقيموا الصسلة "[النسساء ]103:أي فأتموهسا؛ وقصسر رسسول ال
صلى ال عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إل المغرب في أسفاره كلها آمنا ل يخاف إل ال تعالى؛
فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى ال عليه وسلم ،زيادة في أحكام ال تعالى كسائر ما سنة وبينه،
مما ليس له في القرآن ذكر .وقوله" :كما رأيناه يفعل" مع حديث عمر حيث سأل رسول ال صلى
ال عليسه وسسلم عسن القصسر فسي السسفر مسن غيسر خوف؛ فقال( :تلك صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم
فأقبلوا صسدقته ) يدل على أن ال تعالى قسد يبيسح الشيسء فسي كتابسه بشرط ثسم يبيسح ذلك الشيسء على
لسان نبيه من غير ذلك الشرط .وسأل حنظلة ابن عمر عن صلة السفر فقال :ركعتان.
قلت :فأيسن قوله تعالى" :إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "ونحسن آمنون؛ قال :سسنة رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم .فهذا ابسن عمسر قسد أطلق عليهسا سسنة؛ وكذلك قال ابسن عباس .فأيسن المذهسب
عنهمسا ؟ قال أبسو عمسر :ولم يقسم مالك إسسناد هذا الحديسث؛ لنسه لم يسسم الرجسل الذي سسأل ابسن عمسر،
وأسسقط مسن السسناد رجل ،والرجسل الذي لم يسسمه هسو أميسة بسن عبدال بسن خالد بسن أسسيد بسن أبسي
العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ،وال أعلم.
@ واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلة؛ فقال داود :تقصر في كل سفر طويل
أو قصير ،ولو كان ثلثة أميال من حيث تؤتى الجمعة؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد
الهنائي قال :سألت أنس بن مالك عن قصر الصلة فقال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا
خرج مسسيرة ثلثسة أميال أو ثلثسة فراسسخ -شعبسة الشاك -صسلى ركعتيسن .وهذا ل حجسة فيسه؛ لنسه
مشكوك فيه ،وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر ،وكان سفرا طويل زائدا
على ذلك ،وال أعلم .قال ابسن العربسي :وقسد تلعسب قوم بالديسن فقالوا :إن مسن خرج مسن البلد إلى
ظاهره قصسر وأكسل ،وقائل هذا أعجمسي ل يعرف السسفر عنسد العرب أو مسستخف بالديسن ،ولول أن
العلماء ذكروه لها رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني ،ول أفكر فيه بفضول قلبي .ولم يذكر حد السفر
الذي يقسع بسه القصسر ل فسي القرآن ول فسي السسنة ،وإنمسا كان كذلك لنهسا كانست لفظسة عربيسة مسستقر
علمهسسا عنسسد العرب الذيسسن -خاطبهسسم ال تعالى بالقرآن؛ فنحسسن نعلم قطعسسا أن مسسن برز عسسن الدور
لبعض المور أنه ل يكون مسافرا لغة ول شرعا ،وإن مشى مسافرا ثلثة أيام فإنه مسافر قطعا.
كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا؛ لقول النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يحل
لمرأة تؤمسن بال واليوم الخسر أن تسسافر مسسيرة يوم إل مسع ذي محرم منهسا ) وهذا هسو الصسحيح،
لنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك ،ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه ،وروي مرة (يوما
وليلة ) ومرة (ثلثة أيام ) فجاء إلى عبدال بن عمر فعول على فعله ،فإنه كان يقصر الصلة إلى
رئم ،وهسي أربعسة برد؛ لن ابسن عمسر كان كثيسر القتداء بالنسبي صسلى ال عليسه وسسلم .قال غيره:
وكافسة العلماء على أن القصسر إنمسا شرع تخفيفسا ،وإنمسا يكون فسي السسفر الطويسل الذي تلحسق بسه
المشقسة غالبسا ،فراعسى مالك والشافعسي وأصسحابهما والليسث والوزاعسي وفقهاء أصسحاب الحديسث
أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما .وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام ،لنه لم يرد بقول:
مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله ،وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله
ول يمكنه الرجوع إليهم .وفي البخاري :وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة
برد ،وهسي سستة عشسر فرسسخا ،وهذا مذهسب مالك .وقال الشافعسي والطسبري :سستة وأربعون ميل.
وعسن مالك فسي العتبيسة فيمسن خرج إلى ضيعتسه على خمسسة وأربعيسن ميل قال :يقصسر ،وهسو أمسر
متقارب .وعسن مالك فسي الكتسب المنثورة :أنسه يقصسر فسي سستة وثلثيسن ميل ،وهسي تقرب مسن يوم
وليلة .وقال يحيسى بسن عمسر :يعيسد أبدا .ابسن عبدالحكسم :فسي الوقست ! .وقال الكوفيون :ل يقصسر فسي
أقسل من مسسيرة ثلثسة أيام؛ وهو قول عثمان وابسن مسسعود وحذيفسة .وفسي صسحيح البخاري عن ابسن
عمسر أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :ل تسسافر المرأة ثلثسة أيام إل مسع ذي محرم ) .قال أبسو
حنيفسة :ثلثسة أيام ولياليهسا بسسير البسل ومشسي القدام .وقال الحسسن والزهري :تقصسر الصسلة فسي
مسسيرة يوميسن؛ وروي هذا القول عسن مالك ،ورواه أبسو سسعيد الخدري عسن النسبي صسلى ال عليسه
وسلم قال( :ل تسافر المرأة مسيرة ليلتين إل مع زوج أو ذي محرم ) .وقصر ابن عمر في ثلثين
ميل ،وأنس في خمسة عشر ميل .وقال الوزاعي :عامة العلماء في القصر على اليوم التام ،وبه
نأخسذ .قال أبسو عمسر :اضطربست الثار المرفوعسة فسي هذا الباب كمسا ترى فسي ألفاظهسا؛ ومجملهسا
عندي -وال أعلم -أنها خرجت على أجوبة السائلين ،فحدث كل واحد بمعنى ما سمع ،كأنه قيل
له صلى في وقت ما :هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير محرم ؟ فقال :ل .وقيل له في وقت آخر:
هسل تسسافر المرأة يوميسن بغيسر محرم ؟ فقال :ل .وقال له آخسر :هسل تسسافر المرأة مسسيرة ثلثسة أيام
بغيسر محرم ؟ فقال :ل .وكذلك معنسى الليلة والبريسد على مسا روي ،فأدى كسل واحسد مسا سسمع على
المعنسسى ،وال أعلم .ويجمسسع معانسسي الثار فسسي هذا الباب -وإن اختلفسست ظواهرهسسا -الحظسسر على
المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير محرم ،قصيرا كان أو طويل .وال أعلم.
@ واختلفوا فسي نوع السسفر الذي تقصسر فيسه الصسلة ،فأجمسع الناس على الجهاد والحسج والعمرة
وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس .واختلفوا فيما سوى ذلك ،فالجمهور على جواز القصر
في السفر المباح كالتجارة ونحوها .وروي عن ابن مسعود أنه قال :ل تقصر الصلة إل في حج
أو جهاد .وقال عطاء :ل تقصسر إل فسي سسفر طاعسة وسسبيل مسن سسبل الخيسر .وروي عنسه أيضسا:
تقصسسر فسسي كسسل السسسفر المباح مثسسل قول الجمهور .وقال مالك :إن خرج للصسسيد ل لمعاشسسه ولكسسن
متنزها ،أو خرج لمشاهدة بلدة متنزها ومتلذذا يقصر .والجمهور من العلماء على أنه ل قصر في
سفر المعصية؛ كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما .وروي عن أبي حنيفة والوزاعي إباحة
القصر في جميع ذلك ،وروي عن مالك .وقد تقدم في "البقرة "واختلفوا عن أحمد ،فمرة قال بقول
الجمهور ،ومرة قال :ل يقصر إل في حج أو عمرة .والصحيح ما قال الجمهور ،لن القصر إنما
شرع تخفيفسا عسن المسسافر للمشقات اللحقسة فيسه ،ومعونتسه على مسا هسو بصسدده ممسا يجوز ،وكسل
السسفار فسي ذلك سسواء؛ لقوله تعالى" :وإذا ضربتسم فسي الرض فليسس عليكسم جناح "أي إثسم "أن
تقصروا من الصلة "فعم .وقال عليه السلم (خير عباد ال الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا ).
وقال الشعبي :إن ال يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه .وأما سفر المعصية فل
يجوز القصر فيه؛ لن ذلك يكون عونا له على معصية ال .وال تعالى يقول" :وتعاونوا على البر
والتقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان "[المائدة]2 :
@ واختلفوا متسى يقصسر ،فالجمهور على أن المسسافر ل يقصسر حتسى يخرج مسن بيوت القريسة،
وحينئذ هو ضارب في الرض ،وهو قول مالك في المدونة .ولم يحد مالك في القرب حدا .وروي
عنسه إذا كانست قريسة تجمسع أهلهسا فل يقصسر أهلهسا حتسى يجاوزوهسا بثلثسة أميال ،وإلى ذلك فسسي
الرجوع .وإن كانسست ل تجمسسع أهلهسسا قصسسروا إذا جاوزوا بسسساتينها .وروي عسسن الحارث بسسن أبسسي
ربيعسة أنه أراد سسفرا فصسلى بهسم ركعتيسن فسي منزله ،وفيهسم السسود بسن يزيسد وغيسر واحسد أصسحاب
ابن مسعود ،وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى .قلت :ويكون معنى الية على هذا:
"وإذا ضربتسم فسي الرض "أي إذا عزمتسم على الضرب فسي الرض .وال أعلم .وروي عسن
مجاهد أنه قال :ل يقصر المسافر يومه الول حتى الليل .وهذا شاذ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن
مالك أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلى الظهسر بالمدينسة أربعسا وصسلى العصسر بذي الحليفة
ركعتين .أخرجه الئمة ،وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة.
الخامسة :وعلى المسافر أن ينوي القصر من حين الحرام؛ فإن افتتح الصلة بنية القصر ثم عزم
على المقام فسسي أثناء صسسلته جعلهسسا نافلة ،وإن كان ذلك بعسسد أن صسسلى منهسسا ركعسسة أضاف إليهسسا
أخرى وسسلم ،ثسم صسلى صسلة مقيسم .قال الزهري وابسن الجلب :هذا -وال أعلم -اسستحباب ولو
بنسى على صسلته وأتمهسا أجزأتسه صسلته .قال أبسو عمسر :هسو عندي كمسا قال؛ لنهسا ظهسر ،سسفرية
كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس.
@ واختلف العلماء من هذا الباب في مدة القامة التي إذا نواها المسافر أتم؛ فقال مالك والشافعي
والليث بن سعد والطبري وأبو ثور :إذا نوى القامة أربعة أيام أتم؛ وروي عن سعيد بن المسيب.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري :إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم ،وإن كان أقل قصر .وهو
قول ابسن عمسر وابسن عباس ول مخالف لهمسا مسن الصسحابة فيمسا ذكسر الطحاوي ،وروي عسن سسعيد
أيضا .وقال أحمد :إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلة مكتوبة قصر ،وإن زاد على ذلك
أتم ،وبه قال داود .والصحيح ما قاله مالك؛ لحديث ابن الحضرمي عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلثة أيام ثم يصدر .أخرجه الطحاوي وابن ماجة
وغيرهما .ومعلوم أن الهجرة إذ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة ل يجوز؛ فجعل النبي
صلى ال عليه وسلم للمهاجر ثلثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه ،ولم يحكم لها بحكم المقام
ول فسي حيسز القامسة ،وأبقسى عليسه فيهسا حكسم المسسافر ،ومنعسه مسن مقام الرابسع ،فحكسم له بحكسم
الحاضسر القاطسن؛ فكان ذلك أصسل معتمدا عليسه .ومثله مسا فعله عمسر رضسي ال عنسه حيسن أجلى
اليهود لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فجعل لهم مقام ثلثة أيام في قضاء أمورهم .قال ابن
العربسي :وسسمعت بعسض أحبار المالكيسة يقول :إنمسا كانست الثلثسة اليام خارجسة عسن حكسم القامسة؛
لن ال تعالى أرجسأ فيهسا مسن أنزل بسه العذاب وتيقسن الخروج عسن الدنيسا؛ فقال تعالى" :تمتعوا فسي
داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب "[هود.]65 :
وفسي المسسألة قول غيسر هذه القوال ،وهسو أن المسسافر يقصسر أبدا حتسى يرجسع إلى وطنسه ،أو
ينزل وطنا له .روي عن أنسس أنه أقام سنتين بنيسسابور يقصسر الصلة .وقال أبسو مجلز :قلت لبن
عمر :إني آتي المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة؛ فقال :صل ركعتين .وقال أبو
إسسحاق السسبيعي :أقمنسا بسسجستان ومعنسا رجال مسن أصسحاب ابسن مسسعود سسنتين نصسلي ركعتيسن.
وأقام ابسن عمسر بأذربيجان يصسلي ركعتيسن ركعتيسن؛ وكان الثلج حال بينهسم وبيسن القفول :قال أبسو
عمسر :محمسل هذه الحاديسث عندنسا على أن ل نيسة لواحسد مسن هؤلء المقيميسن هذه المدة؛ وإنمسا مثسل
ذلك أن يقول :أخرج اليوم ،أخرج غدا؛ وإذا كان هكذا فل عزيمة ههنا على القامة.
@ روى مسلم عن عروة عن عائشة قالت :فرض ال الصلة حين فرضها ركعتين ،ثم أتمها في
الحضسر ،وأقرت صسلة السسفر على الفريضسة الولى .قال الزهري :فقلت لعروة مسا بال عائشسة تتسم
فسي السسفر ؟ قال :إنهسا تأولت مسا تأول عثمان .وهذا جواب ليسس بمسستوعب .وقسد اختلف الناس فسي
تأويسسل إتمام عثمان وعائشسسة رضسسي ال عنهمسسا على أقوال :فقال معمسسر عسسن الزهري :إن عثمان
رضي ال عنه إنما صلى بمنى أربعا لنه أجمع على القامة بعد الحج .وروى مغيرة عن إبراهيم
أن عثمان صسلى أربعسا لنسه اتخذهسا وطنسا .وقال يونسس عسن الزهري قال :لمسا اتخسذ عثمان الموال
بالطائف وأراد أن يقيسم بهسا صسلى أربعسا .قال :ثم أخذ به الئمة بعده .وقال أيوب عن الزهري ،إن
عثمان بسن عفان أتسم الصسلة بمنسسى مسن أجسل العراب؛ لنهسم كثروا عامئذ فصسلى بالناس أربعسسا
ليعلمهسم أن الصسلة أربسع .ذكسر هذه القوال كلهسا أبسو داود فسي مصسنفه فسي كتاب المناسسك فسي باب
الصسلة بمنسى .وذكسر أبسو عمسر فسي (التمهيسد ) قال ابسن جريسج :وبلغنسي إنمسا أوفاهسا عثمان أربعسا
بمنسى ،مسن أجسل أن أعرابيسا ناداه فسي مسسجد الخيسف بمنسى فقال :يسا أميسر المؤمنيسن ،مسا زلت أصسليها
ركعتيسن منسذ رأيتسك عام الول؛ فخشسي عثمان أن يظسن جهال الناس أنمسا الصسلة ركعتان .قال ابسن
جريسج :وإنمسا أوفاهسا بمنسى فقسط .قال أبسو عمسر :وأمسا التأويلت فسي إتمام عائشسة فليسس منهسا شيسء
يروى عنهسسا ،وإنمسسا هسسي ظنون وتأويلت ل يصسسحبها دليسسل .وأضعسسف مسسا قيسسل فسسي ذلك :إنهسسا أم
المؤمنيسن ،وإن الناس حيسث كانوا هسم بنوهسا ،وكان منازلهسم منازلهسا ،وهسل كانست أم المؤمنيسن إل
أنها زوج النبي أبي المؤمنين صلى ال عليه وسلم وهو الذي سن القصر في أسفاره وفي غزواته
وحجسه وعمره .وفسي قراءة أبسي بسن كعسب ومصسحفه "النسبي أولى بالمؤمنيسن مسن أنفسسهم وأزواجسه
أمهاتهسم وهسو أب لهسم" .وقال مجاهسد فسي قوله تعالى" :هؤلء بناتسي هسن أطهسر لكسم "[هود]78 :
قال :لم يكن بناته ولكن كن نساء أمته ،وكل نبي فهو أبو أمته.
قلت :وقسد اعترض على هذا بأن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم كان مشرعسا ،وليسست هسي كذلك
فانفصل .وأضعف من هذا قول من قال :إنها حيث أتمت لم تكن في سفر جائز؛ وهذا باطل قطعا،
فإنهسا كانست أخوف ل وأتقسى مسن أن تخرج فسي سسفر ل يرضاه .وهذا التأويسل عليهسا مسن أكاذيسب
الشيعسة المبتدعسة وتشنيعاتهسم؛ سسبحانك هذا بهتان عظيسم ! وإنمسا خرجست رضسي ال عنهسا مجتهدة
محتسسبة تريسد أن تطفسئ نار الفتنسة ،إذ هسي أحسق أن يسستحيا منهسا فخرجست المور عسن الضبسط.
وسيأتي بيان هذا المعنى إن شاء ال تعالى .وقيل :إنها أتمت لنها لم تكن ترى القصر إل في الحج
والعمرة والغزوة .وهذا باطسل؛ لن ذلك لم ينقسل عنهسا ول عرف مسن مذهبهسا ،ثسم هسي قسد أتمست فسي
سسفرها إلى علي .وأحسسن مسا قيسل فسي قصسرها وإتمامهسا أنهسا أخذت برخصسة ال؛ لتري الناس ،أن
التمام ليسس فيسه حرج وإن كان غيره أفضسل .وقسد قال عطاء :القصسر سسنة ورخصسة ،وهو الراوي
عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صام وأفطر وأتم الصلة وقصر في السفر ،رواه
طلحسة بسن عمسر .وعنسه قال :كسل ذلك كان يفعسل رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،صسام وأفطسر
وقصسر الصسلة وأتسم .وروى النسسائي بإسسناد صسحيح أن عائشسة اعتمرت مسع رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت :يا رسول ال ،بأبي أنت وأمي ! قصرت
وأتممست وأفطرت وصسمت ؟ فقال( :أحسسنت يسا عائشسة ) ومسا عاب علي .كذا هسو مقيسد بفتسح التاء
الولى وضم الثانية في الكلمتين .وروى الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان
يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم؛ قال إسناده صحيح.
@قوله تعالى" :أن تقصسروا من الصلة ""أن "فسي موضع نصب ،أي في أن تقصسروا .قال أبو
عبيسد :فيهسا ثلث لغات :قصسرت الصسلة وقصسرتها وأقصسرتها .واختلف العلماء فسي تأويله ،فذهسب
جماعسة مسن العلماء إلى أنسه القصسر إلى اثنتيسن مسن أربسع فسي الخوف وغيره؛ لحديسث يعلي بسن أميسة
على مسا يأتسي .وقال آخرون :إنمسا هسو قصسر الركعتيسن إلى ركعسة ،والركعتان فسي السسفر إنمسا هسي
تمام ،كمسا قال عمسر رضسي ال عنسه :تمام غيسر قصسر ،وقصسرها أن تصسير ركعسة .قال السسدي :إذا
صليت في السفر ركعتين فهو تمام ،والقصر ل يحل إل أن تخاف ،فهذه الية مبيحة أن تصلي كل
طائفسة ركعسة ل تزيسد عليهسا شيئا ،ويكون للمام ركعتان .وروي نحوه عسن ابسن عمسر وجابر بسن
عبدال وكعسب ،وفعله حذيفسة بطبرسستان وقسد سسأله الميسر سسعيد بسن العاص عسن ذلك .وروى ابسن
عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة لكل طائفة ولم يقضوا.
وروى جابر بسن عبدال أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم صسلى كذلك بأصسحابه يوم محارب خصسفة
وبني ثعلبة .وروى أبو هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى كذلك بين ضجنان وعسفان.
قلت :في صسحيح مسلم عن ابن عباس قال :فرض ال الصسلة على لسان نسبيكم صلى ال عليه
وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .وهذا يؤيد هذا القول ويعضده ،إل
أن القاضي أبا بكر بن العربي ذكر في كتابه المسمى (بالقبس) :قال علماؤنا رحمة ال عليهم هذا
الحديث مردود بالجماع.
قلت :وهذا ل يصسسح ،وقسسد ذكسسر هسسو وغيره الخلف والنزاع فلم يصسسح مسسا ادعوه مسسن الجماع
وبال التوفيق .وحكى أبو بكر الرازي الحنفي في (أحكام القرآن ) أن المراد بالقصر ههنا القصر
فسسي صسسفة الصسسلة بترك الركوع والسسسجود إلى اليماء ،وبترك القيام إلى الركوع .وقال آخرون:
هذه الية مبيحة للقصسر من حدود الصلة وهيئتهسا عند المسايفة واشتعال الحرب ،فأبيح لمن هذه
حاله أن يصسسلي إيماء برأسسسه ،ويصسسلي ركعسسة واحدة حيسسث توجسسه ،إلى تكسسبيرة؛ على مسسا تقدم فسسي
"البقرة" .ورجسح الطسبري هذا القول وقال :إنسه يعادل قوله تعالى" :فإذا اطمأننتسم فأقيموا الصسلة
"[النساء ]103 :أي بحدودها وهيئتها الكاملة.
قلت :هذه القوال الثلثة في المعنى متقاربة ،وهي مبنية على أن فرض المسافر القصر ،وإن
الصسلة فسي حقسه مسا نزلت إل ركعتيسن ،فل قصسر .ول يقال فسي العزيمسة ل جناح ،ول يقال فيمسا
شرع ركعتيسن إنسه قصسر ،كمسا ل يقال فسي صسلة الصسبح ذلك .وذكسر ال تعالى القصسر بشرطيسن
والذي يعتسسبر فيسسه الشرطان صسسلة الخوف؛ هذا مسسا ذكره أبسسو بكسسر الرازي فسسي (أحكام القرآن )
واحتج به ،ورد عليه بحديث يعلى بن أمية على ما يأتي آنفا إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :إن خفتسم" خرج الكلم على الغالب ،إذ كان الغالب على المسسلمين الخوف فسي
السفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر :ما لنا نقصر وقد أمنا .قال عمر :عجبت مما عجبت
منسه فسسألت رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عسن ذلك فقال( :صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم فاقبلوا
صدقته ).
قلت :وقسد اسستدل أصسحاب الشافعسي وغيرهسم على الحنفيسة بحديسث يعلى بسن أميسة هذا فقالوا :إن
قوله" :مسا لنسا نقصسر وقسد أمنسا "دليسل قاطسع على أن مفهوم اليسة القصسر فسي الركعات .قال الكيسا
الطسبري :ولم يذكسر أصسحاب أبسي حنيفسة على هذا تأويل يسساوي الذكسر؛ ثسم إن صسلة الخوف ل
يعتبر فيها الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في الرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في
بلدنا فتجوز صلة الخوف؛ فل يعتبر وجود الشرطين على ما قال .وفي قراءة أبي "أن تقصروا
مسن الصسلة أن يفتنكسم الذيسن كفروا "بسسقوط "إن خفتسم" .والمعنسى على قراءتسه :كراهيسة أن يفتنكسم
الذيسن كفروا .وثبست فسي مصسحف عثمان رضسي ال عنسه "إن خفتسم" .وذهسب جماعسة إلى أن هذه
اليسة إنمسا هسي مبيحسة للقصسر فسي السسفر للخائف مسن العدو؛ فمسن كان آمنسا فل قصسر له .روي عسن
عائشة رضى ال عنها أنها كانت تقول في السفر :أتموا صلتكم؛ فقالوا :إن رسول ال صلى ال
عليسه وسسلم كان يقصسر ،فقالت :إنسه كان فسي حرب وكان يخاف ،وهسل أنتسم تخافون ؟ .وقال عطاء:
كان يتسم مسن أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم عائشسة وسسعد بسن أبسي وقاص وأتسم عثمان،
ولكسن ذلك معلل بعلل تقدم بعضهسا .وذهسب جماعسة إلى أن ال تعالى لم يبسح القصسر فسي كتابسه إل
بشرطيسن :السسفر والخوف ،وفسي غيسر الخوف بالسسنة ،منهسم الشافعسي وقسد تقدم .وذهسب آخرون إلى
أن قوله تعالى" :إن خفتسم "ليسس متصسل بمسا قبسل ،وإن الكلم تسم عنسد قوله" :مسن الصسلة "ثسم افتتسح
فقال" :إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "فأقسم لهسم يسا محمسد صسلة الخوف .وقوله" :إن الكافريسن.
كانوا لكسسم عدوا مبينسسا "كلم معترض ،قاله الجرجانسسي وذكره المهدوي وغيرهمسسا .ورد هذا القول
القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي .قال القشيري أبو نصر :وفي الحمل على هذا تكلف شديد،
وإن أطنب الرجل -يريد الجرجاني -في التقدير وضرب المثلة .وقال ابن العربي :وهذا كله لم
يفتقر إليه عمر ول ابنه ول يعلي بن أمية معهما.
قلت :قسد جاء حديسث بمسا قاله الجرجانسي ذكره القاضسي أبسو الوليسد بسن رشسد فسي مقدماتسه ،وابسن
عطيسة أيضسا فسي تفسسيره عسن علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه أنسه قال :سسأل قوم مسن التجار
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالوا :إنسا نضرب فسي الرض فكيسف نصسلي ؟ فأنزل ال تعالى:
"وإذا ضربتسم فسي الرض فليسس عليسم جناح أن تقصسروا مسن الصسلة "ثسم انقطسع الكلم ،فلمسا كان
بعسد ذلك بحول غزا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فصسلى الظهسر ،فقال المشركون :لقسد أمكنكسم
محمسد وأصسحابه مسن ظهورهسم هل شددتسم عليهسم ؟ فقال قائل منهسم :إن لهسم أخرى فسي أثرهسا فأنزل
ال تعالى بيسن الصسلتين "إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "إلى آخسر صسلة الخوف .فإن صسح هذا
الخبر فليس لحد معه مقال ،ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن .وقد روى عن
ابسسن عباس أيضسسا مثله ،قال :إن قوله تعالى" :وإذا ضربتسسم فسسي الرض فليسسس عليكسسم جناح أن
تقصسروا من الصسلة "نزلت في الصلة فسي السفر ،ثسم نزل "إن خفتم أن يفتنكسم الذيسن كفروا "فسي
الخوف بعدهسا بعام .فاليسة على هذا تضمنست قضيتيسن وحكميسن .فقوله" :وإذا ضربتسم فسي الرض
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة "يعني به في السفر؛ وتم الكلم ،ثم ابتدأ فريضة أخرى
فقدم الشرط؛ والتقديسر :إن خفتسم أن يفتنكسم الذيسن كفروا وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة .والواو
زائدة ،والجواب "فلتقسم طائفسة منهسم معسك" .وقوله" :إن الكافريسن كانوا لكسم عدوا مبينسا "اعتراض.
وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة ،وهو حديث عمر إذ روى أن النبي صلى ال عليه
وسسلم قال له( :هذه صسدقة تصسدق ال بهسا عليكسم فاقبلوا صسدقته ) .قال النحاس :مسن جعسل قصسر
النبي صلى ال عليه وسلم في غير خوف وفعله في ذلك ناسخا للية فقد غلط؛ لنه ليس في الية
منسع للقصسر فسي المسن ،وإنمسا فيهسا إباحسة القصسر فسي الخوف فقسط" .أن يفتنكسم الذيسن كفروا" قال
الفراء :أهسل الحجاز يقولون فتنست الرجسل .وربيعسة وقيسس وأسسد وجميسع أهسل نجسد يقولون أفتنست
الرجل .وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقال :فتنته جعلت فيه فتنة مثل أكحلته ،وافتنته جعلته مفتتنا.
وزعسم الصسمعي أنسه ل يعرف أفتنتسه" .إن الكافريسن كانوا لكسم عدوا مبينسا" "عدوا "ههنسا بمعنسى
أعداء .وال أعلم.
**3اليسة{ 102 :وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة فلتقسم طائفسة منهسم معسك وليأخذوا أسسلحتهم
فإذا سسجدوا فليكونوا مسن ورائكسم ولتأت طائفسة أخرى لم يصسلوا فليصسلوا معسك وليأخذوا حذرهسم
وأسسلحتهم ود الذيسن كفروا لو تغفلون عسن أسسلحتكم وأمتعتكسم فيميلون عليكسم ميلة واحدة ول جناح
عليكسم إن كان بكسم أذى مسن مطسر أو كنتسم مرضسى أن تضعوا أسسلحتكم وخذوا حذركسم إن ال أعسد
للكافرين عذابا مهينا}
@قوله تعالى" :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة "روى الدارقطني عن أبي عياش الزرقي قال:
كنسا مسع رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم بعسسفان ،فاسستقبلنا المشركون ،عليهسم خالد بسن الوليسد وهسم
بيننا وبين القبلة ،فصلى بنا النبي صلى ال عليه وسلم الظهر ،فقالوا :قد كانوا على حال لو أصبنا
غرتهسم؛ قال :ثسم قالوا تأتسي الن عليهسم صسلة هسي أحسب إليهسم مسن أبنائهسم وأنفسسهم؛ قال :فنزل
جبريسل عليسه السسلم بهذه اليسة بيسن الظهسر والعصسر "وإذا كنست فيهسم فأقمست لهسم الصسلة" .وذكسر
الحديث .وسيأتي تمامه إن شاء ال تعالى .وهذا كان سبب إسلم خالد رضي ال عنه .وقد اتصلت
هذه الية بما سبق من ذكر الجهاد .وبين الرب تبارك وتعالى أن الصلة ل تسقط بعذر السفر ول
بعذر الجهاد وقتال العدو ،ولكسن فيهسا رخسص على مسا تقدم فسي "البقرة "وهذه السسورة ،بيانسه مسن
اختلف العلماء .وهذه الية خطاب للنسبي صسلى ال عليسه وسسلم ،وهسو يتناول المراء بعده إلى يوم
القيامسة ،ومثله قوله تعالى" :خسذ مسن أموالهسم صسدقة" [التوبسة ]103 :هذا قول كافسة العلماء .وشسذ
أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقال :ل نصلي صلة الخوف بعد النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإن
الخطاب كان خاصا له بقوله تعالى" :وإذا كنت فيهم "وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لن النبي
صسلى ال عليسه وسسلم ليسس كغيره فسي ذلك ،وكلهسم كان يحسب أن يأتسم بسه ويصسلي خلفسه ،وليسس أحسد
بعده يقوم فسي الفضسل مقامسه ،والناس بعده تسستوي أحوالهسم وتتقارب؛ فلذلك يصسلي المام بفريسق
ويأمسر مسن يصسلي بالفريسق الخسر ،وأمسا أن يصسلوا بإمام واحسد فل .وقال الجمهور :إنسا قسد أمرنسا
باتباعه والتأسي به في غير ما آية وغير حديث ،فقال تعالى" :فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصسيبهم فتنسة[" ...النور ]63 :وقال صسلى ال عليسه وسسلم( :صسلوا كمسا رأيتمونسي أصسلي ) .فلزم
اتباعسه مطلقسا حتسى يدل دليسل واضسح على الخصسوص؛ ولو كان مسا ذكروه دليل على الخصسوص
للزم قصسر الخطابات على مسن توجهست له ،وحينئذ كان يلزم أن تكون الشريعسة قاصسرة على مسن
خوطب بها؛ ثم إن الصحابة رضوان ال عليهم أجمعين اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلة
وعدوه إلى غير النبي صلى ال عليه وسلم ،وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال .وقد قال تعالى" :وإذا
رأيست ،الذيسن يخوضون فسي آياتنسا فأعرض عنهسم حتسى يخوضوا فسي حديسث غيره "[النعام]68 :
وهذا خطاب له ،وأمتسسه داخلة فيسه ،ومثله كثيسسر .وقال تعالى" :خسسذ مسن أموالهسسم صسسدقة "[التوبسة:
]103وذلك ل يوجب القتصار عليه وحده ،وأن من بعده يقوم في ذلك مقامه؛ فكذلك في قوله:
"وإذا كنست فيهسم" .أل ترى أن أبسا بكسر الصسديق فسي جماعسة الصسحابة رضسي ال عنهسم قاتلوا مسن
تأول فسي الزكاة مثسل مسا تأولتموه فسي صسلة الخوف .قال أبسو عمسر :ليسس فسي أخسذ الزكاة التسي قسد
استوى فيها النبي صلى ال عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء ما يشبه صلة من صلى خلف النبي
صسلى ال عليسه وسسلم وصسلى خلف غيره؛ لن أخسذ الزكاة فائدتهسا توصسيلها للمسساكين ،وليسس فيهسا
فضل للمعطى كما في الصلة فضل للمصلي خلفه.
@قوله تعالى" :فلتقسم طائفسة منهسم معسك" يعنسي جماعسة منهسم جماعسة منهسم تقسف معسك فسي الصسلة.
"ليأخذوا أسلحتهم "يعني الذين يصلون معك .ويقال" :وليأخذوا أسلحتهم "الذين هم بإزاء العدو،
على مسا يأتسي بيانسه .ولم يذكسر ال تعالى فسي اليسة لكسل طائفسة إل ركعسة واحدة ،ولكسن روى فسي
الحاديث أنهم أضافوا إليها أخرى ،على ما يأتي .وحذفت الكسرة من قوله" :فلتقم "و "فليكونوا"
لثقلها .وحكى الخفش والقراء والكسائي أن لم المر ولم كي ولم الجحود يفتحن .وسيبويه يمنع
مسن ذلك لعلة موجبسة ،وهسى الفرق بيسن لم الجسر ولم التأكيسد .والمراد مسن هذا المسر النقسسام ،أي
وسائرهم وجاه العدو حذر من توقع حملته.
وقسد اختلفست الروايات فسي هيئة صسلة الخوف ،واختلف العلماء لختلفهسا؛ فذكسر ابسن القصسار
أنسه صسلى ال عليسه وسسلم صسلها فسي عشرة مواضسع .قال ابسن العربسي :روي عسن النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم أنسه صسلى صسلة الخوف أربعسا وعشريسن مرة .وقال المام أحمسد بسن حنبسل ،وهسو إمام
أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه :ل أعلم أنه روى في صلة الخوف إل حديث ثابت.
وهسي كلهسا صسحاح ثابتسة ،فعلى أي حديسث صسلى منهسا المصسلي صسلة الخوف أجزأه إن شاء ال.
وكذلك قال أبو جعفر الطبري .وأما مالك وسائر أصحابه إل أشهب فذهبوا في صلة الخوف إلى
حديث سهل بن أبي حثمة ،وهو ما رواه في موطئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن
صسالح بسن خوات النصساري أن سسهل بسن أبسي حثمسة حدثسه أن صسلة الخوف أن يقوم المام ومعسه
طائفسة مسن أصسحابه وطائفسة مواجهسة العدو ،فيركسع المام ركعسة وسسجد بالذيسن معسه ثسم يقوم ،فإذا
اسستوى قائمسا ثبست ،وأتموا لنفسسهم الركعسة الباقيسة ثسم يسسلمون وينصسرفون والمام قائم ،فيكونون
وجاه العدو ،ثم يقبل الخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء المام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم
يسلم ،فيقومون ويركعون لنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون .قال ابن القاسم صاحب مالك :والعمل
عند مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات .قال ابن القاسم :وقد كان يأخذ بحديث
مزيد بن رومان ثم رجع إلى هذا .قال أبو عمر :حديث القاسم وحديث يزيد بن رومان كلهما عن
صالح بن خوات :إل أن بينهما فصل في السلم ،ففي حديث القاسم أن المام يسلم بالطائفة الثانية
ثم يقومون فيقضون لنفسهم الركعة ،وفي حديث يزيد بن رومان أنه ينتظرهم ويسلم بهم .وبه قال
الشافعسسي وإليسسه ذهسسب؛ قال الشافعسسي :حديسسث يزيسسد بسسن رومان عسسن صسسالح بسسن خوات هذا أشبسسه
الحاديث في صلة الخوف بظاهر كتاب ال ،وبه أقول .ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم
القياس على سسائر الصسلوات ،فسي أن المام ليسس له أن ينتظسر أحدا سسبقه بشيسء منهسا ،وأن السسنة
المجتمسع عليهسا أن يقضسي المأمومون مسا سسبقوا بسه بعسد سسلم المام .وقول أبسي ثور فسي هذا الباب
كقول مالك ،وقال أحمد كقول الشافعي في المختار عنده؛ وكان ل يعيب من فعل شيئا من الوجه
المرومة في صلة الخوف.
وذهسب أشهسب مسن أصسحاب مالك إلى حديسث ابسن عمسر قال :صسلى رسسول ال صسلى ال عليسه
وسلم صلة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الخرى مواجهة العدو ،ثم انصرفوا وقاموا
مقام أصسحابهم مقبليسن على العدو ،وجاء أولئك ثسم صسلى بهسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ركعسة ثسم
سسلم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ،ثسم قضسى هؤلء ركعسة وهؤلء ركعسة .وقال ابسن عمسر :فإذا كان
خوف أكثسر مسن ذلك صسلى راكبسا أو قائمسا يومسئ إيماء ،أخرجسه البخاري ومسسلم ومالك وغيرهسم.
وإلى هذه الصسفة ذهسب الوزاعسي ،وهسو الذي ارتضاه أبسو عمسر بسن عبدالبر ،قال :لنسه أصسحها
إسنادا ،وقد ورد بنقل أهل المدينة وبهم الحجة على من خالفهم ،ولنه أشبه بالصول ،لن الطائفة
الولى والثانيسة لم يقضوا الركعسة إل بعسد خروج النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن الصسلة ،وهسو
المعروف من سنته المجتمع عليها في سائر الصلوات .وأما الكوفيون :أبو حنيفة وأصحابه إل أبا
يوسسف القاضسي يعقوب فذهبوا إلى حديسث عبدال بسن مسسعود ،أخرجسه أبسو داود والدارقطنسي قال:
صسلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلة الخوف فقاموا صسفين ،صسفا خلف النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم وصسفا مسستقبل العدو ،فصسلى بهسم النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ركعسة؛ وجاء الخرون
فقاموا مقامهسم ،واسستقبل هؤلء العدو فصسلى بهسم رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ثسم سسلم ،فقام
هؤلء فصسلوا لنفسسهم ركعسة ثسم سسلموا ثسم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مسستقبلين العدو ،ورجسع أولئك
إلى مقامهسم فصسلوا لنفسسهم ركعسة ثسم سسلموا .وهذه الصسفة والهيئة هسي الهيئة المذكورة فسي حديسث
ابسن عمسر إل أن بينهمسا فرقسا؛ وهو أن قضاء أولئك فسي حديسث ابسن عمسر يظهسر أنسه فسي حالة واحدة
ويبقسسى المام كالحارس وحده ،وههنسسا قضاؤهسسم متفرق على صسسفة صسسلتهم .وقسسد تأول بعضهسسم
حديث ابن عمر على ما جاء في حديث ابن مسعود .وقد ذهب إلى حديث ابن مسعود الثوري -في
إحدى الروايات الثلث عنسه -وأشهسب بسن عبدالعزيسز فيمسا ذكسر أبسو الحسسن اللخمسي عنسه ،والول
ذكره أبو عمر وابن يونس وابن حبيب عنه .وروى أبو داود من حديث حذيفة وأبي هريرة وابن
عمسر أنسه عليسه السسلم صسلى بكسل طائفسة ركعسة ولم يقضوا ،وهسو مقتضسى حديسث ابسن عباس "وفسي
الخوف ركعسة" .وهذا قول إسسحاق .وقسد تقدم فسي "البقرة "الشارة إلى هذا ،وأن الصسلة أولى بمسا
احتيسط لهسا ،وأن حديسث ابسن عباس ل تقوم بسه حجسة ،وقوله فسي حديسث حذيفسة وغيره" :ولم يقضوا
"أي في علم من روى ذلك ،لنه قسد روي أنهسم قضوا ركعة في تلك الصلة بعينهسا ،وشهادة من
زاد أولى .ويحتمسسل أن يكون المراد لم يقضوا ،أي لم يقضوا إذا أمنوا ،وتكون فائدة أن الخائف إذا
أمسن ل يقضسي مسا صسلى على تلك الهيئة مسن الصسلوات فسي الخوف ،قال جميعسه أبسو عمسر .وفسي
صحيح مسلم عن جابر أنه عليه الصلة والسلم صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا ،وصلى بالطائفة
الخرى ركعتيسسن .قال :فكان لرسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم أربسسع ركعات وللقوم ركعتان.
وأخرجه أبو داود والدارقطني من حديث الحسن عن أبي بكرة وذكرا فيه أنه سلم من كل ركعتين.
وأخرجسه الدارقطنسي أيضسا عسن الحسسن عسن جابر أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم صسلى بهسم
ركعتين ثم سلم ،ثم صلى بالخرين ركعتين ثم سلم .قال أبو داود :وبذلك كان الحسن يفتي ،وروي
عسسن الشافعسسي .وبسسه يحتسسج كسسل مسسن أجاز اختلف نيسسة المام والمأموم فسسي الصسسلة ،وهسسو مذهسسب
الشافعي والوزاعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود .وعضدوا هذا بحديث جابر :أن معاذا كان
يصسلي مسع النسبي صسلى ال عليسه وسسلم العشاء ثسم يأتسي فيؤم قومسه ،الحديسث .وقال الطحاوي :إنمسا
كان هذا فسي أول السسلم إذ كان يجوز أن تصسلي الفريضسة مرتيسن ثسم نسسخ ذلك ،وال أعلم .فهذه
أقاويل العلماء في صلة الخوف.
@وهذه الصسلة المذكورة فسي القرآن إنمسا يحتاج إليهسا والمسسلمون مسستدبرون القبلة ووجسه العدو
القبلة ،وإنما اتفق هذا بذات الرقاع ،فأما بعسفان والموضع الخر فالمسلمون كانوا في قبالة القبلة.
ومسا ذكرناه مسن سسبب النزول فسي قصسة خالد بسن الوليسد ل يلئم تفريسق القوم إلى طائفتيسن ،فإن فسي
الحديث بعد قوله" :فأقمت لهم الصلة "قال :فحضرت الصلة فأمرهم النبي صلى ال عليه وسلم
أن يأخذوا السسلح وصسفنا خلفسه صسفين ،قال :ثسم ركسع فركعنسا جميعسا ،قال :ثسم رفسع فرفعنسا جميعسا،
قال :ثسم سسجد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم بالصسف الذي يليسه قال :والخرون قيام يحرسسونهم ،فلمسا
سسجدوا وقاموا جلس الخرون فسسجدوا فسي مكانهسم ،قال :ثسم تقدم هؤلء فسي مصساف هؤلء وجاء
هؤلء إلى مصساف هؤلء ،قال :ثسم ركسع فركعوا جميعسا ،ثسم رفسع فرفعوا جميعسا ،ثسم سسجد النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم والصسف الذي يليسه ،والخرون قيام ،يحرسسونهم فلمسا جلس الخرون سسجدوا
ثم سلم عليهم .قال :فصلها رسول ال صلى ال عليه وسلم مرتين :مرة بعسفان ومرة في أرض
بني سليم .وأخرجه أبو داود من حديث أبي عياش الزرقي وقال :وهو قول الثوري وهو أحوطها.
وأخرجسه أبسو عيسسى الترمذي مسن حديسث أبسي هريرة أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم نزل بيسن
ضجنان وعسسفان؛ الحديسث .وفيسه أنسه عليسه السسلم صسدعهم صسدعين وصسلى بكسل طائفسة ركعسة،
فكانت للقوم ركعة ركعة ،وللنبي صلى ال عليه وسلم ركعتان ،قال :حديث حسن صحيح غريب.
وفسي الباب عسن عبدال بسن مسسعود وزيسد بسن ثابست وابسن عباس وجابر وأبسي عياش الزرقسي واسسمه
زيد بن الصامت ،وابن عمر وحذيفة وأبي بكر وسهل بن أبي حثمة.
قلت :ول تعارض بيسن هذه الروايات ،فلعله صسلى بهسم صسلة كمسا جاء فسي حديسث أبسي عياش
مجتمعين ،وصلى بهم صلة أخرى متفرقين كما جاء في حديث أبي هريرة ،ويكون فيه حجة لمن
يقول صلة الخوف ركعة .قال الخطابي :صلة الخوف أنواع صلها النبي صلى ال عليه وسلم
في أيام مختلفة وأشكال متباينة ،يتوخى فيها كلها ما هو أحوط للصلة وأبلغ في الحراسة.
@واختلفوا في كيفية صلة المغرب ،فروى الدارقطني عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى
ال عليه وسلم صلى بالقوم صلة المغرب ثلث ركعات ثم انصرفوا ،وجاء الخرون فصلى بهم
ثلث ركعات ،فكانسست للنسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم سسستا وللقوم ثلثسسا ثلثسسا ،وبسسه قال الحسسسن.
والجمهور فسي صسلة المغرب على خلف هذا ،وهسو أنسه يصسلي بالولى ركعتيسن وبالثانيسة ركعسة،
وتقضي على اختلف أصولهم فيه متى يكون ؟ هل قبل سلم المام أو بعده .هذا قول مالك وأبي
حنيفسة ،لنسه أحفسظ لهيئة الصسلة .وقال الشافعسي :يصسلي بالولى ركعسة ،لن عليسا رضسي ال عنسه
فعلها ليلة الهرير ،وال تعالى أعلم.
@واختلفوا فسي صسلة الخوف عنسد التحام الحرب وشدة القتال وخيسف خروج الوقست فقال مالك
والثوري والوزاعسسي والشافعسسي وعامسسة العلماء :يصسسلي كيفمسسا أمكسسن ،لقول ابسسن عمسسر :فإن كان
خوف أكثسسر مسن ذلك فيصسلي راكبسا أو قائمسا يومسئ إيماء .قال فسسي الموطسأ :مسسستقبل القبلة وغيسر
مسستقبلها ،وقسد تقدم فسي "البقرة "قول الضحاك وإسسحاق .وقال الوزاعسي :إن كان تهيسأ الفتسح ولم
يقدروا على الصسلة صسلوا إيماء كسل امرئ لنفسسه؛ فإن لم يقدروا على اليماء أخروا الصسلة حتسى
ينكشسسف القتال ويأمنوا فيصسسلوا ركعتيسسن ،فإن لم يقدروا صسسلوا ركعسسة سسسجدتين ،فإن لم يقدروا
يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا؛ وبه قال مكحول.
قلت :وحكاه الكيا الطبري في "أحكام القرآن "له عن أبي حنيفة وأصحابه ،قال الكيا :وإذا كان
الخوف أشسسد مسسن ذلك وكان التحام القتال فإن المسسسلمين يصسسلون على مسسا أمكنهسسم مسسستقبلي القبلة
ومسستدبريها؛ وأبسو حنيفسة وأصسحابه الثلثسة متفقون على أنهسم ل يصسلون والحالة هذه بسل يؤخرون
الصسسلة .وإن قاتلوا فسسي الصسلة قالوا :فسسدت الصسلة وحكسي عسن الشافعسسي أنسه إن تابسسع الطعسسن
والضرب فسدت صلته.
قلت :وهذا القول يدل على صحة قول أنس :حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر،
واشتسد اشتعال القتال فلم نقدر على الصسلة إل بعسد ارتفاع النهار؛ فصسليناها ونحسن مسع أبسي موسسى
ففتح لنا .قال أنس :وما يسرني بتلك الصلة الدنيا وما فيها ،ذكره البخاري وإليه كان يذهب شيخنا
السستاذ أبسو جعفسر أحمسد بسن محمسد بسن محمسد القيسسي القرطسبي المعروف بأبسي حجسة؛ وهسو اختيار
البخاري فيما يظهر؛ لنه أردفه بحديث جابر ،قال :جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش
ويقول :يا رسول ال ،ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ،فقال النبي صلى ال عليه
وسلم( :وأنا وال ما صليتها ) قال :فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعد ما غربت الشمس
ثم صلى المغرب بعدها.
@ واختلفوا في صلة الطالب والمطلوب؛ فقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء ،كل واحد
منهمسا يصسلي على دابتسه .وقال الوزاعسي والشافعسي وفقهاء أصسحاب الحديسث وابسن عبدالحكسم :ل
يصسسلي الطالب إل بالرض وهسسو الصسسحيح؛ لن الطلب تطوع ،والصسسلة المكتوبسسة فرضهسسا أن
تصسلي بالرض حيثمسا أمكسن ذلك ،ول يصسليها راكسب إل خائف شديسد خوفسه وليسس كذلك الطالب.
وال أعلم.
@ واختلفوا أيضسا فسي العسسكر إذا رأوا سسوادا فظنوه عدوا فصسلوا صسلة الخوف ثسم بان لهسم أنسه
غيسر شيسء؛ فلعلمائنسا فيسه روايتان :إحداهمسا يعيدون ،وبسه قال أبسو حنيفسة .والثانيسة ل إعادة عليهسم،
وهسو أظهسر قولي الشافعسي .ووجسه الولى أنهسم تسبين لهسم الخطسأ فعادوا إلى الصسواب كحكسم الحاكسم.
ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كما لو أخطؤوا القبلة؛ وهذا أولى لنهم فعلوا ما
أمروا به .وقد يقال :يعيدون في الوقت ،فأما بعد خروجه فل .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وليأخذوا أسلحتهم "وقال" :وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم "هذا وصاة بالحذر وأخذ
السلح لئل ينال العدو أمله ويدرك فرصته .والسلح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ،قال
عنترة:
سلحي بعد عري وافتضاح كسوت الجعد بني أبان
يقول :أعرته سلحي ليمتنع بها بعد عريه من السلح .قال ابن عباس" :وليأخذوا أسلحتهم "يعني
الطائفسسة التسسي وجاه العدو ،لن المصسسلية ل تحارب .وقال غيره :هسسي المصسسلية أي وليأخسسذ الذيسسن
صسلوا أول أسسلحتهم ،ذكره ،الزجاج .قال :ويحتمسل أن تكون الطائفسة الذيسن هسم فسي الصسلة أمروا
بحمسل السسلح؛ أي فلتقسم طائفسة منهسم معسك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهسب للعدو .النحاس :يجوز أن
يكون للجميسع؛ لنسه أهيسب .للعدو .ويحتمسل أن يكون للتسي وجاه العدو خاصسة .قال أبسو عمسر :أكثسر
أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلحه إذا صلى في الخوف ،ويحملون قوله" :وليأخذوا أسلحتهم
"على الندب؛ لنه شيء لول الخوف لم يجب أخذه؛ فكان المر به ندبا .وقال أهل الظاهر :أخذ
السلح في صلة الخوف واجب لمر ال به ،إل لمن كان به أذى من مطر ،فإن كان ذلك جاز له
وضع سلحه .قال ابن العربي :إذا صلوا أخذوا سلحهم عند الخوف ،وبه قال الشافعي وهو نص
القرآن .وقال أبسو حنيفسة :ل يحملونهسا؛ لنسه لو وجسب عليهسم حملهسا لبطلت الصسلة بتركهسا .قلنسا :لم
يجب حملها لجل الصلة وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا.
@قوله تعالى" :فإذا سجدوا" الضمير في "سجدوا" للطائفة المصلية فلينصرفوا؛ هذا على بعض
الهيئات المرويسة .وقيسل :المعنسى فإذا سسجدوا ركعسة القضاء؛ وهذا على هيئة سسهل بسن أبسي حثمسة.
ودلت هذه الية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصلة؛ وهو كقوله عليه السلم( :إذا دخل
أحدكسسم المسسسجد فليسسسجد سسسجدتين ) .أي فليصسسل ركعتيسسن وهسسو فسسي السسسنة .والضميسسر فسسي قوله:
"فليكونوا "يحتمل أن يكون للذين سجدوا ،ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أول بإزاء العدو.
@قوله تعالى" :ود الذين كفروا" أي تمنى وأحب الكافرون غفلتكم عن أخذ السلح ليصلوا إلى
مقصسودهم؛ فسبين ال تعالى بهذا وجسه الحكمسة فسي المسر بأخسذ السسلح ،وذكسر الحذر فسي الطائفسة
الثانيسة دون الولى؛ لنهسا أولى بأخسذ الحذر ،لن العدو ل يؤخسر قصسده عسن هذا الوقست لنسه آخسر
الصسسلة؛ وأيضسسا يقول العدو قسسد أثقلهسسم السسسلح وكلوا .وفسسي هذه اليسسة أدل دليسسل على تعاطسسي
السسسباب ،واتخاذ كسسل مسسا ينجسسي ذوي اللباب ،ويوصسسل إلى السسسلمة ،ويبلغ دار الكرامسسة" .ميلة
واحدة" مبالغة ،أي مستأصلة ل يحتاج معها إلى ثانية.
@قوله تعالى" :ول جناح عليكسم إن كان بكسم أذى مسن مطسر" اليسة .للعلماء فسي وجوب حمسل
السسلح فسي الصسلة كلم قسد أشرنسا إليسه ،فإن لم يجسب فيسستحب للحتياط .ثسم رخسص فسي المطسر
وضعه؛ لنه تبتل المبطنات وتثقل ويصدأ الحديد .وقيل :نزلت في النبي صلى ال عليه وسلم يوم
بطن نخلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يوما مطيرا وخرج النبي صلى ال
عليسه وسسلم لقضاء حاجتسه واضعسا سسلحه ،فرآه الكفار منقطعسا عسن أصسحابه فقصسده غورث بسن
الحارث فانحدر عليسه مسن الجبسل بسسيفه ،فقال :مسن يمنعسك منسي اليوم ؟ فقال( :ال ) ثسم قال( :اللهسم
اكفني الغورث بما شئت ) .فأهوى بالسيف إلى النبي صلى ال عليه وسلم ليضربه ،فانكب لوجهه
لزلقة زلقها .وذكر الواقدي أن جبريل عليه السلم دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة ،وسقط
السسيف مسن يده فأخذه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وقال( :مسن يمنعسك منسي يسا غورث ) ؟ فقال :ل
أحسد .فقال( :تشهسد لي بالحسق وأعطيسك سسيفك ) ؟ قال :ل؛ ولكسن أشهسد أل أقاتلك بعسد هذا ول أعيسن
عليسسك عدوا؛ فدفسسع إليسسه السسسيف ونزلت اليسسة رخصسسة فسسي وضسسع السسسلح فسسي المطسسر .ومرض
عبدالرحمسسن بسسن عوف مسسن جرح كمسسا فسسي صسسحيح البخاري ،فرخسسص ال سسسبحانه لهسسم فسسي ترك
السسلح والتأهب للعدو بعذر المطسر ،ثسم أمرهسم فقال" :خذوا حذركم "أي كونوا متيقظيسن ،وضعتسم
السسسلح أو لم تضعوه .وهذا يدل على تأكيسسد التأهسسب والحذر مسسن العدو فسسي كسسل الحوال وترك
السسستسلم؛ فإن الجيسسش مسسا جاءه مصسساب قسسط إل مسسن تفريسسط فسسي حذر .وقال الضحاك .فسسي قوله
تعالى" :وخذوا حذركم "يعني تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة.
**3اليتان{ 104 - 103 :فإذا قضيتسم الصسلة فاذكروا ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم فإذا
اطمأننتسم فأقيموا الصسلة إن الصسلة كانست على المؤمنيسن كتابسا موقوتسا ،ول تهنوا فسي ابتغاء القوم
إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من ال ما ل يرجون وكان ال عليما حكيما}
@قوله تعالى" :قضيتم" معناه فرغتم من صله الخوف وهذا يدل على أن القضاء يستعمل فيما
قد فعل قي وقته؛ ومنه قوله تعالى" :فإذا قضيتم مناسككم "[البقرة ]200 :وقد تقدم .الثانية :قوله
تعالى" :فاذكروا ال قيامسسا وقعودا وعلى جنوبكسسم "ذهسسب الجمهور إلى أن هذا الذكسسر المأمور بسسه.
إنمسا هسو إثسر صسلة الخوف؛ أي إذا فرغتسم مسن الصسلة فاذكروا ال بالقلب واللسسان ،على أي حال
كنتسم "قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم "وأديموا ذكره بالتكسبير والتهليسل والدعاء بالنصسر ل سسيما فسي
حال القتال .ونظيره "إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون "[النفال .]45 :ويقال:
"فإذا قضيتم الصلة "بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب ،أو قياما أو قعودا أو
على جنوبكسم إن لم تسستطيعوا القيام ،إذا كان خوفسا أو مرضسا؛ كمسا قال تعالى فسي آيسة أخرى" :فإن
خفتسم فرجال أو ركبانسا" [البقرة ]239 :وقال قوم :هذه اليسة نظيرة التسي فسي "آل عمران "؛
فروي أن عبدال بسن مسسعود رأى الناس يضجون فسي المسسجد فقال :مسا هذه الضجسة ؟ قالوا :أليسس
ال تعالى يقول "فاذكروا ال قيامسا وقعودا وعلى جنوبكسم" ؟ قال :إنمسا يعنسي بهذا الصسلة المكتوبسة
إن لم تسستطع قائمسا فقاعدا ،وإن لم تسستطع فصسل على جنبسك .فالمراد نفسس الصسلة؛ لن الصسلة
ذكر ال تعالى ،وقد اشتملت على الذكار المفروضة والمسنونة؛ والقول الول أظهر .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإذا اطمأننتم" أي أمنتم .والطمأنينة سكون النفس من الخوف" .فأقيموا الصلة"
أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر ،وبكمال عددها في الحضر" .إن الصلة كانت على
المؤمنين كتابا موقوتا" أي مؤقتة مفروضة .وقال زيد بن أسلم" :موقوتا "منجما ،أي تؤدونها في
أنجمهسسا؛ والمعنسسى عنسد أهسل اللغسة :مفروض لوقست بعينسه؛ يقال :وقتسه فهسو موقوت .ووقتسه فهسو
مؤقت .وهذا قول زيد بن أسلم بعينه .وقال" :كتابا "والمصدر مذكر؛ فلهذا قال" :موقوتا".
@قوله تعالى" :ول تهنوا" أي ل تضعفوا ،وقد تقدم في "آل عمران"" .في ابتغاء القوم" طلبهم.
قيل :نزلت في حرب أحد حيث أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين ،وكان
بالمسسلمين جراحات ،وكان أمسر أل يخرج معسه إل مسن كان فسي الوقعسة ،كمسا تقدم فسي "آل عمران"
وقيل :هذا في كل جهاد.
@قوله تعالى" :إن تكونوا تألمون" أي تتألمون ممسا أصسابكم مسن الجراح فهسم يتألمون أيضسا ممسا
يصسيبهم ،ولكسم مزيسة وهسي أنكسم ترجون ثواب ال وهسم ل يرجونسه؛ وذلك أن مسن ل يؤمسن بال .ل
يرجون مسن ال شيئا .ونظيسر هذه اليسة "إن يمسسسكم قرح فقسد مسس القوم قرح مثله "[آل عمران:
]140وقد تقدم .وقرأ عبدالرحمن العرج "أن تكونوا "بفتح الهمزة ،أي لن وقرأ منصور بن
المعتمر "إن تكونوا تألمون "بكسر التاء .ول يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها .ثم
قيسل :الرجاء هنسا بمعنسى الخوف؛ لن مسن رجسا شيئا فهسو غيسر قاطسع بحصسوله فل يخلو مسن خوف
فوت مسا يرجسو .وقال الفراء والزجاج :ل يطلق الرجاء بمعنسى الخوف إل مسع النفسي؛ كقوله تعالى:
"مسا لكسم ل ترجون ل وقارا "[نوح ]13 :أي ل تخافون ل عظمسة .وقوله تعالى" :للذيسن ل
يرجون أيام ال "[الجاثية ]14 :أي ل يخافون .قال القشيري :ول يبعد ذكر الخوف من غير أن
يكون في الكلم نفي ،ولكنها ادعيا أنه لم يوجد ذلك إل مع النفي .وال أعلم.
**3الية{ 105 :إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين
خصيما}
@ في هذه الية تشريف للنبي صلى ال عليه وسلم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه ،وتقويم أيضا
على الجادة فسي الحكسم ،وتأنيسب على مسا رفسع إليسه مسن أمسر بنسي أبيرق ! وكانوا ثلثسة إخوة :بشسر
وبشيسر ومبشسر ،وأسسير بسن عروة ابسن عسم لهسم؛ نقبوا مشربسة لرفاعسة بسن زيسد فسي الليسل وسسرقوا
أدراعا له وطعاما ،فعثر على ذلك .وقيل إن السارق بشير وحده ،وكان يكنى أبا طعمة أخذ درعا؛
قيسل :كان الدرع فسي جراب فيسه دقيسق ،فكان الدقيسق ينتثسر مسن خرق فسي الجراب حتسى انتهسى إلى
داره ،فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى ال عليه وسلم؛ فجاء
أسير بن عروة إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إن هؤلء عمدوا إلى أهل بيت
هم أهل صلح ودين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة؛ وجعل يجادل عنهم حتى غضب
رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم على قتادة ورفاعسسة؛ فأنزل ال تعالى" :ول تجادل عسسن الذيسسن
يختانون أنفسهم "[النساء ]107 :الية .وأنزل ال تعالى" :ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به
بريئا "[النسساء ]112 :وكان البريسء الذي رموه بالسسرقة لبيسد بسن سسهل .وقيسل :زيسد بسن السسمين
وقيسل :رجسل مسن النصسار .فلمسا أنزل ال مسا أنزل ،هرب ابسن أبيرق السسارق إلى مكسة ،ونزل على
سلفة بنت سعد بن شهيد؛ فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها ،وهو:
ينازعها جلد استها وتنازعه وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت
وفينا نبي عنده الوحي واضعه ظننتم بأني خفي الذي قد صنعتمو
فلمسا بلغهسا قالت :إنمسا أهديست لي شعسر حسسان؛ وأخذت رحله فطرحتسه خارج المنزل ،فهرب إلى
خيسبر وأرتسد .ثسم إنسه نقسب بيتسا ذات ليلة ليسسرق فسسقط الحائط عليسه فمات مرتدا .ذكسر هذا الحديسث
بكثيسر مسن ألفاظسه الترمذي وقال :حديسث حسسن غريسب ،ل نعلم أحدا أسسنده غيسر محمسد بسن سسلمة
الحرانسي .وذكره الليسث والطسبري بألفاظ مختلفسة .وذكسر قصسة موتسه يحيسى بسن سسلم فسي تفسسيره،
والقشري كذلك وزاد ذكسر الردة .ثم قيل :كان زيسد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين .وقيل :كان
لبيد مسلما .وذكره المهدوي ،وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له ،فدل ذلك على إسلمه عنده.
وكان بشيسر رجل منافقسا يهجسو أصسحاب النسبي صسلى ال عليسه وسسلم وينحسل الشعسر غيره ،وكان
المسلمون يقولون :وال ما هو إل شعر الخبيث .فقال شعرا يتنصل فيه؛ فمنه قوله:
نحلت وقالوا ابن البيرق قالها أو كلما قال الرجال قصيدة
وقال الضحاك :أراد النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أن يقطسع يده وكان مطاعسا ،فجاءت اليهود شاكيسن
في السلح فأخذوه وهربوا به؛ فنزل "ها أنتم هؤلء "[النساء ]109 :يعني اليهود .وال أعلم.
@قوله تعالى" :بمسا أراك ال" معناه على قوانيسن الشرع؛ إمسا بوحسي ونسص ،أو بنظسر جار على
سسنن الوحسي .وهذا أصسل فسي القياس؛ وهسو يدل على أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إذا رأى شيئا
أصساب؛ لن ال تعالى أراه ذلك ،وقسد ضمسن ال تعالى لنسبيائه العصسمة؛ فأمسا أحدنسا إذا رأى شيئا
يظنسه فل قطسع فيمسا رآه ،ولم يرد رؤيسة العيسن هنسا؛ لن الحكسم ل يرى بالعيسن .وفسي الكلم إضمار،
أي بما أراكه ال ،وفيه إضمار آخر ،وامض الحكام على ما عرفناك من غير اغترار باستدللهم.
@قوله تعالى" :ول تكسن للخائنيسن خصسيما" اسسم فاعسل؛ كقولك :جالسسته فأنسا جليسسه ،ول يكون
فعيل هنسسا بمعنسسى مفعول؛ يدل على ذلك "ول تجادل "فالخصسسيم هسسو المجادل وجمسسع الخصسسيم
خصماء .وقيل :خصيما مخاصما اسم فاعل أيضا .فنهى ال عز وجل رسول عن عضد أهل التهم
والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة .وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في
الخصسومة ل تجوز .فل يجوز لحسد أن يخاصسم عسن أحسد إل بعسد أن يعلم أنسه محسق .ومشسى الكلم
فسي السسورة على حفسظ أموال اليتامسى والناس؛ فسبين أن مال الكافسر محفوظ عليسه كمال المسسلم ،إل
في الموضع الذي أباحه ال تعالى.
@ قال العلماء :ول ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق منهم فريقا عنهم ليحموهم
ويدفعوا عنهم؛ فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى ال عليه وسلم وفيهم نزل قوله تعالى" :ول
تكسسسن للخائنيسسسن خصسسسيما "وقوله" :ول تجادل عسسسن الذيسسسن يختانون أنفسسسسهم "[النسسسساء.]107 :
والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد منه الذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين:
أحدهمسا :أنسه تعالى أبان ذلك بمسا ذكره بعسد بقوله" :هسا أنتسم هؤلء جادلتسم عنهسم فسي الحياة الدنيسا
"[النساء .]109 :والخر :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان حكما فيما بينهم ،ولذلك كان يعتذر
إليه ول يعتذر هو إلى غيره ،فدل على أن القصد لغيره.
**3الية{ 106 :واستغفر ال إن ال كان غفورا رحيما}
@ ذهسب الطبري إلى أن المعنى :استغفر ال مسن ذنبك فسي خصسامك للخائنيسن؛ فأمره بالسستغفار
لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي .وهذا مذهب من جوز الصسغائر على النبياء ،صلوات ال
عليهسم .قال ابسن عطيسة :وهذا ليسس بذنسب؛ لن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم إنمسا دافسع على الظاهسر
وهو يعتقد براءتهم .والمعنى :واستغفر ال للمذنبين من أمتك والمتخاصمين بالباطل؛ ومحلك من
الناس أن تسسسمع مسسن المتداعييسسن وتقضسسي بنحسسو مسسا تسسسمع ،وتسسستغفر للمذنسسب .وقيسسل :هسسو أمسسر
بالستغفار على طريق التسبيح ،كالرجل يقول :استغفر ال؛ على وجه التسبيح من غير أن يقصد
توبة من ذنب .وقيل :الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد بنو أبيرق ،كقوله تعالى" :يا أيها
النبي اتق ال "[الحزاب" ،]1 :فإن كنت في شك "[يونس.]94 :
**3الية{ 107 :ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن ال ل يحب من كان خوانا أثيما}
@أي ل تحاجسج عسن الذيسن يخونون أنفسسهم؛ نزلت فسي أسسير بسن عروة كمسا تقدم .والمجادلة
المخاصمة ،من الجدل وهو الفتل؛ ومنه رجل مجدول الخلق ،ومنه الجدل للصقر .وقيل :هو من
الجدالة وهي وجه الرض ،فكل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها؛ قال العجاج:
وأترك العاجز بالجدالة قد أركب الحالة بعد الحالة
منعفرا ليست له محاله
الجدالة الرض؛ من ذلك قولهم :تركته مجدل؛ أي مطروحا على الجدالة.
"إن ال ل يحب" أي ل يرضى عنه ول ينوه بذكر" .من كان خوانا أثيما" خائنا( .وخوانا ) أبلغ؛
لنه من أبنية المبالغة؛ وإنما كان ذلك لعظم قدر تلك الخيانة .وال أعلم.
**3اليتان{ 109 - 108 :يستخفون من الناس ول يستخفون من ال وهو معهم إذ يبيتون ما
ل يرضى من القول وكان ال بما يعملون محيطا ،ها أنتم هؤلء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن
يجادل ال عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيل}
@قال الضحاك :لمسسا سسسرق الدرع اتخسسذ حفرة فسسي بيتسسه وجعسسل الدرع تحسست التراب؛ فنزلت
"يستخفون من الناس ول يستخفون من ال "يقول :ل يخفى مكان الدرع على ال "وهو معهم"
أي رقيسب حفيسظ عليهسم .وقيسل" :يسستخفون مسن الناس "أي يسستترون ،كمسا قال تعالى" :ومسن هسو
مستخف بالليل "[الرعد ]10 :أي مستتر .وقيل :يستحيون من الناس ،وهذا لن الستحياء سبب
السستتار .ومعنسى "وهسو معهسم "أي بالعلم والرؤيسة والسسمع ،هذا قول أهسل السسنة .وقالت الجهميسة
والقدريسة والمعتزلة :هو بكسل مكان ،تمسسكا بهذه اليسة ومسا كان مثلهسا ،قالوا :لمسا قال "وهو معهسم"
ثبست أنسه بكسل مكان ،لنسه قسد أثبست كونسه معهسم تعالى ال عسن قولهسم ،فإن هذه صسفة الجسسام وال
تعالى متعال عسن ذلك أل ترى مناظرة بشسر فسي قول ال عسز وجسل" :مسا يكون مسن نجوى ثلثسة إل
هسو رابعهسم "[المجادلة ]7 :حيسن قال :هسو بذاتسه فسي كسل مكان فقال له خصسمه :هسو فسي قلنسسوتك
وفي حشوك وفي جوف حمارك .تعالى ال عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي ال عنه .ومعنى
"يبيتون" يقولون .قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس" .ما ل يرضى من القول" أي ما ل
يرضاه ال لهسسل طاعتسسه" .مسسن القول "أي مسسن الرأي والعتقاد ،كقولك :مذهسسب مالك الشافعسسي.
وقيل" :القول "بمعنى المقول؛ لن نفس القول ل يبيت.
@قوله تعالى" :ها أنتم هؤلء" يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه .قال الزجاج:
"هؤلء" بمعنسى الذيسن" .جادلتسم" حاججتسم" .فسي الدنيسا فمسن يجادل ال عنهسم يوم القيامسة" اسستفهام
معناه النكار والتوبيسخ" .أم مسن يكون عليهسم وكيل" الوكيسل :القائم بتدبيسر المور ،فال تعالى قائم
بتدبير خلقه .والمعنى :ل أحد يقوم بأمرهم إذا أخذهم ال بعذابه وأدخلهم النار.
**3الية{ 110 :ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال يجد ال غفورا رحيما}
@قال ابسن عباس :عرض ال التوبسة على بنسي أبيرق بهذه اليسة ،أي "ومسن يعمسل سسوءا "بأن
يسرق "أو يظلم نفسه "بأن يشرك "ثم يستغفر ال" يعني بالتوبة ،فإن الستغفار باللسان من غير
توبسة ل ينفسع ،وقسد بيناه فسي "آل عمران" .وقال الضحاك :نزلت اليسة فسي شأن وحشسي قاتسل حمزة
أشرك بال وقتسل حمزة ،ثسم جاء إلى رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم وقال :إنسي لنادم فهسل لي مسن
توبسة ؟ فنزل" :ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه "اليسة .وقيسل :المراد بهذه اليسة العموم والشمول
لجميسع الخلق .وروى سسفيان عسن أبسي إسسحاق عن السسود وعلقمسة قال :قال عبدال بسن مسسعود من
قرأ هاتيسن اليتيسن مسن سسورة "النسساء "ثسم اسستغفر له" :ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه ثسم يسستغفر
ال يجسسد ال غفورا رحيمسسا"" .ولو أنهسسم إذ ظلموا أنفسسسهم جاؤوك فاسسستغفروا ال واسسستغفر لهسسم
الرسول لوجدوا ال توابا رحيما"[النساء .]64 :وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال :كنت إذا
سسمعت حديثسا مسن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم نفعنسي ال بسه مسا شاء ،وإذا سسمعته مسن غيره
حلفتسه ،وحدثنسي أبسو بكسر وصسدق أبسو بكسر قال :مسا مسن عبسد يذنسب ذنبسا ثسم يتوضسأ ويصسلي ركعتيسن
ويسستغفر ال إل غفسر له ،ثسم تل هذه اليسة "ومسن يعمسل سسوءا أو يظلم نفسسه ثسم يسستغفر ال يجسد ال
غفورا رحيما".
**3اليتان{ 112 - 111 :ومسن يكسسب إثمسا فإنمسا يكسسبه على نفسسه وكان ال عليمسا حكيمسا،
ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا}
@قوله تعالى" :ومسن يكسسب إثمسا" أي ذنبسا "فإنمسا يكسسبه على نفسسه" أي عاقبتسه عائدة عليسه.
والكسسب مسا يجسر بسه النسسان إلى نفسسه نفعسا أو يدفسع عنسه بسه ضررا؛ ولهذا ل يسسمى فعسل الرب
تعالى كسبا.
@قوله تعالى" :ومسن يكسسب خطيئة أو إثمسا" قيسل :همسا بمعنسى واحسد كرر لختلف اللفسظ تأكيدا.
وقال الطبري :إنما فرق بين الخطيئة والثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد ،والثم ل
يكون إل عسن عمسد .وقيسل :الخطيئة مسا لم تتعمده خاصسة كالقتسل بالخطسأ .وقيسل :الخطيئة الصسغيرة،
والثم الكبيرة ،وهذه الية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم.
@قوله تعالى" :ثم يرم به بريئا" قد تقدم اسم البريء في البقرة .والهاء في "به "للثم أو للخطيئة.
لن معناها الثم ،أولهما جميعا .وقيل :ترجع إلى الكسب" .فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" تشبيه؛ إذ
الذنوب ثقسسسل ووزر فهسسسي كالمحمولت .وقسسسد قال تعالى" :وليحملن أثقالهسسسم وأثقال مسسسع أثقالهسسسم
"[العنكبوت .]13 :والبهتان من البهت ،وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء.
وروى مسسلم عسن أبسي هريرة أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :أتدرون مسا الغيبسة ) ؟ قالوا :ال
ورسسوله أعلم؛ قال( :ذكرك أخاك بمسا يكره ) .قيسل :أفرأيست إن كان فسي أخسي مسا أقول ؟ قال( :إن
كان فيسه مسا تقول فقسد اغتبتسه وإن لم يكسن فيسه فقسد بهتسه ) .وهذا نسص؛ فرمسي البريسء بهست له .يقال:
بهتسسه بهتسسا وبهتسسا وبهتانسسا إذا قال عليسسه مسسا لم يفعله .وهسسو بهات والمقول له مبهوت .ويقال :بهسست
الرجل (بالكسر ) إذا دهش وتحير .وبهت (بالضم ) مثله ،وأفصح منهما بهت ،كما قال ال تعالى:
"فبهست الذي كفسر" [البقرة ]258 :لنسه يقال :رجسل مبهوت ول يقال :باهست ول بهيست ،قال
الكسائي.
**3الية{ 113 :ولول فضل ال عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إل
أنفسسهم ومسا يضرونسك مسن شيسء وأنزل ال عليسك الكتاب والحكمسة وعلمسك مسا لم تكسن تعلم وكان
فضل ال عليك عظيما}
@قوله تعالى" :ولول فضسل ال عليسك ورحمتسه" مسا بعسد "لول" مرفوع بالبتداء عنسد سسيبويه،
والخسسبر محذوف ل يظهسسر ،والمعنسسى" :ولول فضسسل ال عليسسك ورحمتسسه "بأن نبهسسك على الحسسق،
وقيسل :بالنبوءة والعصسمة" .لهمست طائفسة منهسم أن يضلوك "عسن الحسق؛ لنهسم سسألوا رسسول ال
صلى ال عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليهودي ،فتفضل ال عز وجل على
رسوله عليه السلم بأن نبهه على ذلك وأعلمه إياه" .وما يضلون إل أنفسهم "لنهم يعملون عمل
الضاليسن ،فوباله لهسم راجسع عليهسم" .ومسا يضرونسك مسن شيسء "لنسك معصسوم" .وأنزل ال عليسك
الكتاب والحكمسة" هذا ابتداء كلم .وقيسل :الواو للحال ،كقولك :جئتسك والشمسس طالعسة؛ ومنسه قول
امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتهما
فالكلم متصسسل ،أي مسسا يضرونسسك مسسن شيسسء مسسع إنزال ال عليسسك القرآن" .والحكمسسة" القضاء
بالوحسي" .وعلمسك مسا لم تكسن تعلم" يعنسي مسن الشرائع والحكام وكان فضله عليسك كسبيرا .و"تعلم"
فسسي موضسسع نصسسب؛ لنسسه خسسبر كان .وحذفسست الضمسسة مسسن النون للجزم ،وحذفسست الواو للتقاء
الساكنين.
**3الية{ 114 :ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين
الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات ال فسوف نؤتيه أجرا عظيما}
@أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير ،وذكروه النبي صلى ال عليه وسلم .والنجوى:
السسر بيسن الثنيسن ،تقول :ناجيست فلنسا مناجاة ونجاء وهسم ينتجون ويتناجون .ونجوت فلنسا أنجوه
نجوا ،أي ناجيتسسه ،فنجوى مشتقسسة مسسن نجوت الشيسسء أنجوه ،أي خلصسسته وأفردتسسه ،والنجوة مسسن
الرض المرتفع لنفراده بارتفاعه عما حوله ،قال الشاعر:
والمستكن كمن يمشي بقرواح فمن بنجوته كمن بعقوته
فالنجوى المسسارة ،مصسدر ،وقسد تسسمى بسه الجماعسة ،كمسا يقال :قوم عدل ورضسا .قال ال تعالى:
"وإذ هسم نجوى" [السسراء ]47 :فعلى الول يكون المسر أمسر اسستثناء مسن غيسر الجنسس .وهسو
الستثناء المنقطع .وقد تقدم ،وتكون "من" في موضع رفع ،أي لكن من أمر بصدقة أو معروف
أو إصلح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير .ويجوز أن تكون "من" في موضع خفض ويكون
التقديسر :ل خيسر فسي كثيسر مسن نجواهسم إل نجوى مسن أمسر بصسدقة ثسم حذف .وعلى الثانسي وهسو أن
يكون النجوى اسسما للجماعسة المنفرديسن ،فتكون "مسن" فسي موضسع خفسض على البدل ،أي ل خيسر
فسي كثيسر مسن نجواهسم إل فيمسن أمسر بصسدقة .أو تكون فسي موضسع نصسب على قول مسن قال :مسا
مررت بأحسسد إل زيدا .وقال بعسسض المفسسسرين منهسسم الزجاج :النجوى كلم الجماعسسة المنفردة أو
الثنيسن كان ذلك سسرا أو جهرا ،وفيسه بعسد .وال أعلم .والمعروف لفسظ يعسم أعمال البر كلهسا .وقال
مقاتل :المعروف هنا الفرض ،والول أصح .وقال صلى ال عليه وسلم( :كل معروف صدقة وإن
مسن المعروف أن تلقسى أخاك بوجسه طلق ) .وقال صسلى ال عليسه وسسلم( :المعروف كاسسمه وأول
مسسن يدخسسل ،الجنسسة يوم القيامسسة المعروف وأهله ) .وقال علي بسسن أبسسي طالب رضسسي ال عنسسه :ل
يزهدنك في المعروف كفر من كفره ،فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر .وقال الحطيئة:
ل يذهب العرف بين ال والناس من يفعل الخير ل يعدم جوازيه
وأنشد الرياشي:
تحملها كفور أو شكور يد المعروف غنم حيث كانت
وعند ال ما كفر الكفور ففي شكور الشكور لها جزاء
وقال الماوردي" :فينبغسي لمسن يقدر على إسسداء المعروف أن يعجله حذار فواتسه ،ويبادر بسه خيفسة
عجزه ،وليعلم أنسه مسن فرص زمانسه ،وغنائم إمكانسه ،ول يهمله ثقسة بالقدرة عليسه ،فكسم مسن واثسق
بالقدرة فاتت فأعقبت ندما ،ومعول على مكنة زالت فأورثت خجل ،كما قال الشاعر:
حتى ابتليت فكنت الواثق الخجل ما زلت أسمع كم من واثق خجل
ولو فطسن لنوائب دهره ،وتحفسظ مسن عواقسب أمره لكانست مغانمسه مذخورة ،ومغارمسه مجبورة ،فقسد
روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه ل يدري
متسى يغلق عنسه ) .وروي عنسه صسلى ال عليسه وسسلم أنسه قال( :لكسل شيسء ثمرة وثمرة المعروف
السسسراح ) .وقيسسل لنوشروان :مسسا أعظسسم المصسسائب عندكسسم ؟ قال :أن تقدر على المعروف فل
تصطنعه حتى يفوت .وقال عبدالحميد :من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها .وقال
بعض الشعراء:
فإن لكل خافقة سكون إذا هبت رياحك فاغتنمها
فما تدري السكون متى يكون ول تغفل عن الحسان فيها
وكتب بعض ذوي الحرمات إلى وال قصر في رعاية حرمته:
أم في الحساب تمن بالنعام أعلى الصراط تريد رعية حرمتي
لحوائجي من رقدة النوام للنفع في الدنيا أريدك ،فأنتبه
وقال العباس رضسي ال عنسه :ل يتسم المعروف إل بثلث خصسال :تعجيله وتصسغيره وسستره ،فإذا
عجلته هنأته ،وإذا صغرته عظمته ،وإذا سترته أتممته .وقال بعض الشعراء:
أنه عندك مستور حقير زاد معروفك عندي عظما
وهو عند الناس مشهور خطير تتناساه كأن لم تأته
ومن شرط المعروف ترك المتنان به ،وترك العجاب بفعله ،لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط
الجر .وقد تقدم في "البقرة "بيانه.
@قوله تعالى" :أو إصلح بين الناس" عام في الدماء والموال والعراض ،وفي كل شيء يقع
التداعسي والختلف فيسه بيسن المسسلمين ،وفسي كسل كلم يراد بسه وجسه ال تعالى .وفسي الخسبر( :كلم
ابن آدم كله عليه ل له إل ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر ال تعالى ) .فأما من
طلب الرياء والترؤس فل ينال الثواب .وكتسب عمسر إلى أبسي موسسى الشعري رضسي ال عنسه :رد
الخصسوم حتسى يصسطلحوا ،فإن فصسل القضاء يورث بينهسم الضغائن .وسسيأتي فسي "المجادلة "مسا
يحرم مسن المناجاة ومسا يجوز إن شاء ال تعالى .وعسن أنسس بسن مالك رضسي ال عنسه أنسه قال :،مسن
أصلح بين أثنين أعطاه ال بكل كلمة عتق رقبة .وقال النبي صلى ال عليه وسلم لبي أيوب( :أل
أدلك على صسدقة يحبهسا ال ورسسوله ،تصسلح بيسن أناس إذا تفاسسدوا ،وتقرب بينهسم إذا تباعدوا ).
وقال الوزاعسي :مسا خطوة أحسب إلى ال عسز وجسل مسن خطوة فسي إصسلح ذات البيسن ،ومسن أصسلح
بيسن اثنيسن كتسب ال له براءة مسن النار .وقال محمسد بسن المنكدر :تنازع رجلن فسي ناحيسة المسسجد
فملت إليهمسا ،فلم أزل بهمسا حتسى اصسطلحا؛ فقال أبسو هريرة وهسو يرانسي :سسمعت رسسول ال صسلى
ال عليسه وسسلم يقول( :مسن أصسلح بيسن أثنيسن اسستوجب ثواب شهيسد ) .ذكسر هذه الخبار أبسو مطيسع
مكحول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له ،وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على
موضعها رضي ال عنه .و(ابتغاء ) نصب على المفعول من أجله.
**3اليتان{ 116 - 115 :ومسن يشاقسق الرسسول مسن بعسد مسا تسبين له الهدى ويتبسع غيسر سسبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ،إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء ومن يشرك بال فقد ضل ضلل بعيدا}
@ قال العلماء :هاتان اليتان نزلنا بسبب ابن أبيرق السارق ،لما حكم النبي صلى ال عليه وسلم
عليه بالقطسع وهرب إلى مكة وارتسد؛ قال سعيد بن جسبير :لما صسار إلى مكسة نقب بيتسا بمكسة فلحقه
المشركون فقتلوه؛ فأنزل ال تعالى" :إن ال ل يغفسسر أن يشرك بسسه "إلى قوله" :فقسسد ضسسل ضلل
بعيدا" .وقال الضحاك :قدم نفسر مسن قريسش المدينسة وأسسلموا ثسم انقلبوا إلى مكسة مرتديسن فنزلت هذه
الية "ومن يشاقق الرسول" .والمشاقة المعاداة .والية وإن نزلت في سارق الدرع أو غيره فهي
عامسسة فسسي كسسل مسن خالف طريسسق المسسسلمين .و"الهدى " :الرشسسد والبيان ،وقسسد تقدم .وقوله تعالى:
"نوله مسا تولى "يقال :إنسه نزل فيمسن ارتسد؛ والمعنسى؛ نتركسه ومسا يعبسد؛ عسن مجاهسد .أي نكله إلى
الصسنام التسي ل تنفسع ول تضسر؛ وقال مقاتسل .وقال الكلبسي؛ نزل قوله تعالى" :نوله مسا تولى "فسي
ابسسن أبيرق؛ لمسسا ظهرت حاله وسسسرقته هرب إلى مكسسة وارتسسد ونقسسب حائطسسا لرجسسل بمكسسة يقال له:
حجاج بن علط ،فسقط فبقي في النقب حتى وجد على حاله ،وأخرجوه من مكة؛ فخرج إلى الشام
فسرق بعض أموال القافلة فرجموه وقتلوه ،فنزلت "نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا".
وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو "نوِل ْه ""ونصلِ ْه "بجزم الهاء ،والباقون بكسرها ،وهما لغتان.
@ قال العلماء فسي قوله تعالى" :ومسن يشاقسق الرسسول "دليسل على صسحة القول بالجماع ،وفسي
قوله تعالى" :إن ال ل يغفسسر أن يشرك بسسه "رد على الخوارج؛ حيسسث زعموا أن مرتكسسب الكسسبيرة
كافر .وقد تقدم القول في هذا المعنى .وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال:
مسا فسي القرآن آيسة أحسب إلي مسن هذه اليسة" :إن ال ل يغفسر أن يشرك بسه ويغفسر مسا دون ذلك لمسن
يشاء "قال :هذا حديسث غريسب .قال ابسن فورك :وأجمسع أصسحابنا على أنسه ل تخليسد إل للكافسر ،وأن
الفاسسق مسن أهسل القبلة إذا مات غيسر تائب فإنسه إن عذب بالنار فل محالة أنسه يخرج منهسا بشفاعسة
الرسسول؛ أو بابتداء رحمسة مسن ال تعالى .وقال الضحاك :إن شيخسا مسن العراب جاء إلى رسسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم فقال :يسا رسسول ال ،إنسي شيسخ منهمسك فسي الذنوب والخطايسا ،إل أنسي لم
أشرك بال شيئا منسذ عرفتسه وآمنست بسه ،فمسا حالي عنسد ال ؟ فأنزل ال تعالى" :إن ال ل يغفسر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "الية.
**3الية{ 117 :إن يدعون من دونه إل إناثا وإن يدعون إل شيطانا مريدا}
@قوله تعالى" :إن يدعون مسن دونسه" أي مسن دون ال "إل إناثسا"؛ نزلت فسي أهسل مكسة إذ عبدوا
الصسنام .و"إن "نافيسة بمعنسى "مسا" .و"إناثسا" أصسناما ،يعنسي اللت والعزى ومناة .وكان لكسل حسي
صسنم يعبدونسه ويقولون :أنثسى بنسي فلن ،قال الحسسن وابسن عباس ،وأتسى مسع كسل صسنم شيطانسه
يتراءى للسسدنة والكهنسة ويكلمهسم؛ فخرج الكلم مخرج التعجسب؛ لن النثسى مسن كسل جنسس أخسسه؛
فهذا جهسسل ممسسن يشرك بال جمادا فيسسسميه أنثسسى ،أو يعتقده أنثسسى .وقيسسل" :إل إناثسسا "مواتسسا؛ لن
الموات ل روح له ،كالخشبسسة والحجسسر .والموات يخسسبر عنسسه كمسسا يخسسبر عسسن المؤنسسث ل تضاع
المنزلة؛ تقول :الحجار تجبنسسي ،كمسسا تقول :المرأة تعجبنسسي .وقيسسل" :إل إناثسسا "ملئكسسة؛ لقولهسسم:
الملئكسة بنات ال ،وهسي شفعاؤنسا عنسد ال؛ عن الضحاك .وقراءة ابسن عباس "إل وثنسا "بفتسح الواو
والثاء على إفراد اسم الجنس؛ وقرأ أيضا "وثنا "بضم الثاء والواو؛ جمع وثن .وأوثان أيضا جمع
وثن مثل أسد وآساد .النحاس :ولم يقرأ به فيما علمت.
قلت :قسد ذكسر أبسو بكسر النباري -حدثنسا أبسي حدثنسا نصسر بسن داود حدثنسا أبسو عبيسد حدثنسا حجاج
عسن ابسن جريسج عسن هشام بسن عروة عسن أبيسه عسن عائشسة رضسى ال عنهسا أنهسا كانست تقرأ" :إن
يدعون من دونه إل أوثانا" .وقرأ ابن عباس أيضا "إل أثنا" كأنه جمع وثنا على وثان؛ كما تقول:
جمسسل وجمال ،ثسسم جمسسع أوثانسسا على وثسسن؛ كمسسا تقول :مثال ومثسسل؛ ثسسم أبدل مسسن الواو همزة لمسسا
انضمت؛ كما قال عز وجل" :وإذا الرسل أقتت "[المرسلت ]11 :من الوقت؛ فأثن جمع الجمع.
وقرأ النسبي صسلى ال عليسه وسسلم" :إل أثنسا "جمسع أثيسن ،كغديسر وغدر .وحكسى الطسبري أنسه جمسع
إناث كثمار وثمسر .حكسى هذه القراءة عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم أبسو عمرو الدانسي؛ قال :وقرأ
بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة.
@قوله تعالى" :وإن يدعون إل شيطانا مريدا" يريد إبليس؛ لنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد
عبدوه؛ ونظيره فسي المعنسى" :اتخذوا أحبارهسم ورهبانهسم أربابسا مسن دون ال" [التوبسة ]31 :أي
أطاعوهسم فيمسا أمروهسم بسه؛ ل أنهسم عبدوهسم .وسسيأتي .وقسد تقدم اشتقاق لفسظ الشيطان .والمريسد:
العاتسسي المتمرد؛ فعيسسل مسسن مرد إذا عتسسا .قال الزهري :المريسسد الخارج عسسن الطاعسسة ،وقسسد مرد
الرجسل يمرد مرودا إذا عتسا وخرج عسن الطاعسة ،فهسو مارد ومريسد ومتمرد .ابسن عرفسة هسو الذي
ظهسر شره؛ ومسن هذا يقال :شجرة مرداء إذا تسساقط ورقهسا فظهرت عيدانهسا؛ ومنسه قيسل للرجسل:
أمرد ،أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه.
**3الية{ 118 :لعنه ال وقال لتخذن من عبادك نصيبا مفروضا}
@قوله تعالى" :لعنسه ال" أصسل اللعسن البعاد ،وقسد تقدم .وهسو فسي العرف إبعاد مقترن بسسخط
وغضب؛ فلعنسة ال على إبليس -عليه لعنة ال -على التعييسن جائزة ،وكذلك سسائر الكفرة الموتسى
كفرعون وهامان وأبي جهل؛ فأما الحياء فقد مضى الكلم فيه في "البقرة".
@قوله تعالى" :وقال لتخذن مسسن عبادك نصسسيبا مفروضسسا" أي وقال الشيطان؛ والمعنسسى:
لسستخلصنهم .بغوايتسي وأضلنهسم بإضللي ،وهسم الكفرة والعصساة .وفسي الخسبر (من كسل ألف واحسد
ل والباقي للشيطان ).
قلت :وهذا صسحيح معنسى؛ يعضده قوله تعالى لدم يوم القيامسة( :أبعسث بعسث النار فيقول :ومسا
بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ) .أخرجه مسلم .وبعث النار هو للمولود
مسمارا عند ولدته ،ودورانهم به يوم أسبوعه ،يقولون :ليعرفه العمار.
**3اليسة{ 119 :ولضلنهسم ولمنينهسم ولمرنهسم فليبتكسن آذان النعام ولمرنهسم فليغيرن خلق
ال ومن يتخذ الشيطان وليا من دون ال فقد خسر خسرانا مبينا}
@قوله تعالى" :ولضلنهم" أي لصسرفنهم عن طريسق الهدى" .ولمنينهسم "أي لسولن لهم ،مسن
التمنسي ،وهذا ل ينحصسر إلى واحسد مسن المنيسة ،لن كسل واحسد فسي نفسسه إنمسا يمنيسه بقدر رغبتسه
وقرائن حاله .وقيسسل :لمنينهسسم طول الحياة الخيسسر والتوبسسة والمعرفسسة مسسع الصسسرار" .ولمرنهسسم
فليبتكسن آذان النعام "البتسك القطسع ،ومنسه سسيف باتسك .أي أحملهسم على قطسع آذان البحيرة والسسائبة
ونحوه .يقال :بتكه وبتكه( ،مخففا ومشددا ) وفي يده قطعة ،والجمع بتك ،قال زهير:
طارت وفي كفه من ريشها بتك
@قوله تعالى" :ولمرنهم فليغيرن خلق ال "اللمات كلها للقسم .واختلف العلماء في هذا التغيير
إلى ماذا يرجع ،فقالت طائفة :هو الخصاء وفقء العين وقطع الذان ،قال معناه ابن عباس وأنس
وعكرمة وأبو صالح .وذلك كله تعذيب ،للحيوان ،وتحريم وتحليل بالطغيان ،وقول بغير حجة ول
برهان .والذان فسسي النعام جمال ومنفعسسة ،وكذلك غيرهسسا مسسن العضاء ،فلذلك رأى الشيطان أن
يغير بها خلق ال تعالى .وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي( :وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم
وأن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما
لم أنزل بسه سسلطانا وأمرتهسم أن يغيروا خلقسي ) .الحديسث ،أخرجسه القاضسي إسسماعيل ومسسلم أيضسا.
وروى إسماعيل قال :حدثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي
الحوص عن أبيه قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا قشف الهيئة ،قال( :هل لك من
مال ) ؟ قال قلت :نعم .قال (من أي المال ) ؟ قلت :من كل المال ،من الخيل والبل والرقيق -قال
أبو الوليد :والغنم -قال( :فإذا أتاك ال مال فلير عليك أثره ) ثم قال( :هل تنتج إبل قومك صحاحا
آذانهسا فتعمسد إلى موسسى فتشسق آذانهسا وتقول هذه بمسر وتشسق جلودهسا وتقول هذه صسرم لتحرمهسا
عليسك وعلى أهلك ) ؟ قال :قلت أجسل .قال( :وكسل مسا آتاك ال حسل وموسسى ال أحسد مسن موسسك،
وساعد ال أشد من ساعدك) .قال قلت :يا رسول ال ،أرأيت رجل نزلت به فلم يقرني ثم نزل بي
أفأقريه أم أكافئه ؟ فقال(:بل أقره ).
@ ولمسا كان هذا مسن فعسل الشيطان وأثره أمرنسا رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم "أن نسستشرف
العيسن والذن ول نضحسي بعوراء ول مقابلة ول مدابرة ول خرقاء ول شرقاء ) أخرجسه أبسو داود
عسن علي قال :أمرنسا؛ فذكره .المقابلة :المقطوعسة طرف الذن .والمدابرة المقطوعسة مؤخسر الذن.
والشرقاء :مشقوقسسة الذن .والخرقاء التسسي تخرق أذنهسسا السسسمة .والعيسسب فسسي الذن مراعسسى عنسسد
جماعة العلماء .قال مالك والليث :المقطوعة الذن أو جل الذن ل تجزئ ،والشق للميسم يجزئ،
وهسسو قول الشافعسسي وجماعسسة الفقهاء .فإن كانسست سسسكاء ،وهسسى التسسي خلقسست بل أذن فقال مالك
والشافعي :ل تجوز .وإن كانت صغيرة الذن أجزأت ،وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك.
@ وأمسا خصساء البهائم فرخسص فيسه جماعسة مسن أهسل العلم إذا قصسدت فيسه المنفعسة إمسا لسسمن أو
غيره .والجمهور من العلماء وجماعتهم على أنه ل بأس أن يضحي بالخصي ،واستحسنه بعضهم
إذا كان أسمن من غيره .ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبدالعزيز .وخصى عروة بن الزبير
بغل له .ورخسص مالك فسي خصساء ذكور الغنسم ،وإنمسا جاز ذلك لنسه ل يقصسد بسه تعليسق الحيوان
بالدين لصنم يعبد ،ول لرب يوحد .وإنما يقصد به تطييب اللحم فيما يؤكل ،وتقوية الذكر إذا انقطع
أمله عسن النثسى .ومنهسم مسن كره ذلك ،لقول النسبي صسلى ال عليسه وسسلم( :إنمسا يفعسل ذلك الذيسن ل
يعلمون ) .واختاره ابن المنذر وقال :لن ذلك ثابت عن ابن عمر ،وكان يقول :هو نماء خلق ال؛
وكره ذلك عبدالملك بسن مروان .وقال الوزاعسي :كانوا يكرهون خصساء كسل شيسء له نسسل .وقال
ابسن المنذر :وفيسه حديثان :أحدهمسا عسن ابسن عمسر أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم نهسى عسن خصساء
الغنسم والبقسر والبسل والخيسل .والخسر حديسث ابسن عباس أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم نهسى عسن
صبر الروح وخصاء البهائم .والذي في الموطأ من هذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه
كان يكره الخصساء ويقول :فيسه تمام الخلق .قال أبسو عمسر :يعنسي فسي ترك الخصساء تمام الخلق،
وروي نماء الخلق.
قلت :أسنده أبو محمد عبدالغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال :كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل تخصوا ما ينمي خلق ال ) .رواه عن الدارقطني شيخه،
قال :حدثنسسا أبسسو عبدال المعدل حدثنسسا عباس بسسن محمسسد حدثنسسا أبسسو مالك النخعسسي عسسن عمسسر بسسن
إسماعيل ،فذكره .قال الدارقطني :ورواه عبدالصمد بن النعمان عن أبي مالك.
الرابعسة :وأمسا الخصساء فسي الدمسي فمصسيبة ،فإنسه إذا خصسي بطسل قلبسه وقوتسه ،عكسس الحيوان،
وانقطع نسله المأمور به في قوله عليه السلم( :تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم المم ) ثم إن فيه
ألمسا عظيمسا ربمسا يفضسي بصساحبه إلى الهلك ،فيكون فيسه تضييسع مال وإذهاب نفسس ،وكسل ذلك
منهسي عنسه .ثسم هذه مثلة ،وقسد نهسى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم عسن المثلة ،وهسو صسحيح .وقسد كره
جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا :لو لم يشتروا
منهسسم لم يخصسسوا .ولم يختلفوا أن خصسساء بنسسي آدم ل يحسسل ول يجوز؛ لنسسه مثلة وتغييسسر لخلق ال
تعالى ،وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ول قود ،قال أبو عمر.
@ وإذا تقرر هذا فاعلم أن الوسم والشعار مستثنى من نهيه عليه السلم عن شريطة الشيطان،
وهسي مسا قدمناه مسن نهيسه عسن تعذيسب الحيوان بالنار ،والوسسم :الكسي بالنار وأصسله العلمسة ،يقال:
وسسم الشيسء يسسمه إذا علمسه بعلمسة يعرف بهسا ،ومنسه قوله تعالى" :سسيماهم فسي وجوههسم" [الفتسح:
.]29فالسيما العلمة والميسم المكواة .وثبت في صحيح مسلم عن أنس قال :رأيت في يد رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم الميسسم وهسو يسسم إبسل الصسدقة والفيسء وغيسر ذلك حتسى يعرف كسل مال
فيؤدى في حقه ،ول يتجاوز به إلى غيره.
@ والوسم جائز في كل العضاء غير الوجه ،لما رواه جابر قال :نهى رسول ال صلى ال عليه
وسسلم عسن الضرب فسي الوجسه وعسن الوسسم فسي الوجسه ،أخرجسه مسسلم .وإنمسا كان ذلك لشرفسه على
العضاء ،إذ هو مقر الحسن والجمال ،ولن به قوام الحيوان ،وقد مر النبي صلى ال عليه وسلم
برجسسسسل يضرب عبده فقال( :اتسسسسق الوجسسسسه فإن ال خلق آدم على صسسسسورته ) .أي على صسسسسورة
المضروب؛ أي وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم ،فينبغي أن يحترم لشبهه .وهذا أحسن ما قيل
فسسي تأويله وال أعلم .وقالت طائفسسة :الشارة بالتغييسسر إلى الوشسسم ومسسا جرى مجراه مسسن التصسسنع
للحسسن؛ قال ابسن مسسعود والحسسن .ومسن ذلك الحديسث الصسحيح عسن عبدال قال :قال رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم( :لعسن ال الواشمات والمسستوشمات والنامصسات والمتنمصسات والمتفلجات
للحسسن ،المغيرات خلق ال ) الحديسث أخرجسه مسسلم ،وسسيأتي بكماله فسي الحشسر إن شاء ال تعالى.
والوشسم يكون فسي اليديسن ،وهسو أن يغرز ظهسر كسف المرأة ومعصسمها بإبرة ثسم يحشسى بالكحسل أو
بالنئور فيخضسسر .وقسسد وشمسست تشسسم وشمسسا فهسسي واشمسسة .والمسسستوشمة التسسي يفعسسل ذلك بهسسا؛ قال
الهروي .وقال ابن العربي :ورجال صقلية وإفريقية يفعلونه؛ ليدل كل واحد منهم على رجلته في
حداثتسسه .قال القاضسسي عياض :ووقسسع فسسي روايسسة الهروي -أحسسد رواة مسسسلم -مكان "الواشمسسة
والمسستوشمة ""الواشيسة والمسستوشية "(بالياء مكان الميسم ) وهسو مسن الوشسي وهسو التزيسن؛ وأصسل
الوشي نسج الثوب على لونين ،وثور موشى في وجهه وقوائمه سواد؛ أي تشي المرأة نفسها بما
تفعله فيهسا مسن التنميسص والتفليسج والشسر .والمتنمصسات جمسع متنمصسة وهسي التسي تقلع الشعسر مسن
وجههسا بالمنماص ،وهسو الذي يقول الشعسر؛ ويقال لهسا النامصسة .ابسن العربسي :وأهسل مصسر ينتفون
شعسر العانسة وهسو منسه؛ فإن السسنة حلق العانسة ونتسف البسط ،فأمسا نتسف الفرج فإنسه يرخيسه ويؤذيسه،
ويبطسل كثيرا مسن المنفعسة فيسه .والمتفلجات جمسع متفلجسة ،وهسي التسي تفعسل الفلج فسي أسسنانها؛ أي
تعانيه حتى ترجع المصمتة السنان خلقة فلجاء صنعة .وفي غير كتاب مسلم" :الواشرات" ،وهي
جمع واشرة ،وهي التي تشر أسنانها؛ أي تصنع فيها أشرا ،وهي التحزيزات التي تكون في أسنان
الشبان؛ تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبها بالشابة .وهذه المور كلها قد شهدت الحاديث بلعن فاعلها
وأنها من الكبائر .واختلف فسي المعنسى الذي نهي لجلها؛ فقيل :لنهسا من باب التدليسس .وقيسل :من
باب تغيير خلق ال تعالى؛ كما قال ابن مسعود ،وهو أصح ،وهو يتضمن المعنى الول .ثم قيل:
هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيا؛ لنه من باب تغيير خلق ال تعالى ،فأما ما ل يكون باقيا
كالكحسل والتزيسن بسه للنسساء فقسد أجاز العلماء ذلك مالك وغيره .وكرهسه مالك للرجال .وأجاز مالك
أيضسا أن تشسي المرأة يديهسا بالحناء .وروي عسن عمسر إنكار ذلك وقال :إمسا أن تخضسب يديهسا كلهسا
وإمسا أن تدع ،وأنكسر مالك هذه الروايسة عسن عمسر ،ول تدع الخضاب بالحناء؛ فإن النسبي صسلى ال
عليسه وسسلم رأى امرأة ل تختضسب قال( :ل تدع إحداكسن يدهسا كأنهسا يسد رجسل) فمسا زالت تختضسب
وقد جاوزت التسعين حتى ماتت.
قال القاضسسي عياض :وجاء حديسسث بالنهسسي عسسن تسسسويد الحناء ،ذكره صسساحب المصسسابيح ول
تتعطل ،ويكون في عنقها قلدة من سير في خرز ،فإنه يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
قال لعائشة رضي ال عنها( :إنه ل ينبغي أن تكوني بغير قلدة إما بخيط وإما بسير .وقال أنس:
يسستحب للمرأة أن تعلق فسي عنقهسا فسي الصسلة ولو سسيرا .قال أبسو جعفسر الطسبري :فسي حديسث ابسن
مسسسعود دليسسل على أنسه ل يجوز تغييسسر شيسسء مسن خلقهسسا الذي خلقهسا ال عليسه بزيادة أو نقصسسان،
التماس الحسن لزوج أو غيره ،سواء فلجست أسسنانها أو وشرتهسا ،أو كان لها سسن زائدة فأزالتهسا أو
أسسنان طوال فقطعست أطرافهسا .وكذا ل يجوز لهسا حلق لحيسة أو شارب أو عنفقسة إن نبتست لهسا؛ لن
كل ذلك تغيير خلق ال .قال عياض :ويأتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد
ل يجوز له قطعسه ول نزعسه؛ لنسه مسن تغييسر خلق ال تعالى :إل أن تكون هذه الزوائد تؤلمسه فل
بأس بنزعها عند أبي جعفر وغيره.
قلت :ومسن هذا الباب قوله صسسلى ال عليسسه وسسسلم( :لعسن ال الواصسلة والمسستوصلة والواشمسسة
والمسستوشمة ) أخرجسسه مسسلم .فنهسسى صسلى ال عليسه وسسلم عسن وصسسل المرأة شعرهسسا؛ وهسو أن
يضاف إليه شعر آخر يكثر به ،والواصلة هي التي تفعل ذلك ،والمستوصلة هي التي تستدعي من
يفعل ذلك بها .مسلم عن جابر قال :زجر النبي صلى ال عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا.
وخرج عسن أسسماء بنست أبسي بكسر قالت :جاءت امرأة إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فقالت :يسا
رسسول ال ،إن لي ابنسة عريسسا أصسابتها حصسبة فتمرق شعرهسا أفأصسله ؟ فقال( :لعسن ال الواصسلة
والمسستوصلة ) .وهذا كله نسص فسي تحريسم وصسل الشعسر ،وبسه قال مالك وجماعسه العلماء .ومنعوا
الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغير ذلك؛ لنه في معنى وصله بالشعر .وشذ الليث بن
سسعد فأجاز وصسله بالصسوف والخرق ومسا ليسس بشعسر؛ وهذا أشبسه بمذهسب أهسل الظاهسر .وأباح
آخرون وضسسع الشعسسر على الرأس وقالوا :إنمسسا جاء النهسسي عسسن الوصسسل خاصسسة ،وهذه ظاهريسسة
محضسسة وإعراض عسسن المعنسسى .وشسسذ قوم فأجازوا الوصسسل مطلقسسا ،وهسسو قول باطسسل قطعسسا ترده
الحاديث .وقد روي عن عائشة رضي ال عنها ولم يصح .وروي عن ابن سيرين أنه سأل رجل
فقال :إن أمي كانت تمشط النساء ،أتراني آكل من مالها ؟ فقال :إن كانت تصل فل .ول يدخل في
النهي ما ربط منه بخيوط الحرير الملونة على وجه الزينة والتجميل ،وال أعلم.
@ وقالت طائفة :المراد بالتغيير لخلق ال هو أن ال تعالى خلق الشمس والقمر والحجار والنار
وغيرهسسا مسسن المخلوقات؛ ليعتسسبر بهسسا وينتفسسع بهسسا ،فغيرهسسا الكفار بأن جعلوهسسا آلهسسة معبودة .قال
الزجاج :إن ال تعالى خلق النعام لتركسب وتؤكسل فحرموهسا على أنفسسهم ،وجعسل الشمسس والقمسر
والحجارة مسسخرة للناس فجعلوهسا آلهسة يعبدونهسا ،فقسد غيروا مسا خلق ال .وقاله جماعسة مسن أهسل
التفسير :مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة .وروي عن ابن عباس "فليغيرن خلق ال "دين
ال؛ وقال النخعسي ،واختاره الطسبري قال :وإذا كان ذلك معناه دخسل فيسه فعسل كسل مسا نهسى ال عنسه
من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي؛ لن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي؛ أي فليغيرن
مسا خلق ال فسي دينسه .وقال مجاهسد أيضسا" :فليغيرن خلق ال "فطرة ال التسي فطسر الناس عليهسا؛
يعني أنهم ولدوا على السلم فأمرهم الشيطان بتغييره ،وهو معنى قوله عليه السلم( :كل مولود
يولد على الفطرة فأبواه يهودانسه وينصسرانه ويمجسسانه ) .فيرجسع معنسى الخلق إلى مسا أوجده فيهسم
يوم الذر مسن اليمان بسسه فسي قوله تعالى" :ألسسست بربكسسم قالوا بلى "[العراف .]172 :قال ابسن
العربسي :روي عسن طاوس أنسه كان ل يحضسر نكاح سسوداء بأبيسض ول بيضاء بأسسوده ويقول :هذا
مسسن قول ال "فليغيرن خلق ال" .قال القاضسسي :وهذا وإن كان يحتمله اللفسسظ فهسسو مخصسسوص بمسسا
أنفذه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن نكاح موله زيسد وكان أبيسض؛ بظئره بركسة الحبشيسة أم أسسامة
وكان أسود من أبيض ،وهذا مما خفي على طاوس مع علمه.
قلت :ثسسم أنكسسح أسسسامة فاطمسسة بنسست قيسسس وكانسست بيضاء قرشيسسة .وقسسد كانسست تحسست بلل أخسست
عبدالرحمن بن عوف زهرية .وهذا أيضا يخص وقد خفي عليهما.
@قوله تعالى" :ومن يتخذ الشيطان وليا من دون ال" أي يطيعه ويدع أمر ال" .فقد خسر" أي
نقص نفسه وغبنها بأن أعطى الشيطان حق ال تعالى فيه وتركه من أجله.
**3اليات{ 122 - 120 :يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا ،أولئك مأواهم جهنم
ول يجدون عنهسسا محيصسسا ،والذيسسن آمنوا وعملوا الصسسالحات سسسندخلهم جنات تجري مسسن تحتهسسا
النهار خالدين فيها أبدا وعد ال حقا ومن أصدق من ال قيل}
@قوله تعالى" :يعدهسم "المعنسى يعدهم أباطيله وترهاتسه من المال والجاه والرياسة ،وأن ل بعسث
ول عقاب ،ويوهمهسسم الفقسسر حتسسى ل ينفقوا فسسي الخيسسر "ويمنيهسسم "كذلك "ومسسا يعدهسسم الشيطان إل
غرورا "أي خديعسسة .قال ابسسن عرفسسة :الغرور مسسا رأيسست له ظاهرا تحبسسه وفيسسه باطسسن مكروه أو
مجهول .والشيطان غرور؛ لنسه يحمسل على محاب النفسس ،ووراء ذلك مسا يسسوء" .أولئك "ابتداء
"مأواهسم "ابتداء ثان "جهنسم "خسبر الثانسي والجملة خسبر الول .و"محيصسا "ملجسأ ،والفعسل منسه
حاص يحيص" .ومن أصدق من ال قيل "ابتداء وخبر" .قيل "على البيان؛ قال قيل وقول وقال،
بمعنى أي ل أحد أصدق من ال .وقد مضى الكلم على ما تضمنته هذه الي من المعاني والحمد
ل.
**3اليسة{ 123 :ليسس بأمانيكسم ول أمانسي أهسل الكتاب مسن يعمسل سسوء يجسز بسه ول يجسد له مسن
دون ال وليا ول نصيرا}
@قوله تعالى" :ليس بأمانيكسم ول أماني أهل الكتاب" وقرأ أبو جعفر المدني "ليس بأمانيكم ول
أمانسي أهسل الكتاب "بتخفيسف الياء فيهسا جميعسا .ومسن أحسسن مسا روي فسي نزولهسا مسا رواه الحكسم بسن
أبان عسن عكرمسة عسن ابسن عباس قال :قالت اليهود والنصسارى لن يدخسل الجنسة إل مسن كان منسا.
وقالت قريسش :ليسس نبعسث ،فأنزل ال "ليسس بأمانيكسم ول أمانسي أهسل الكتاب" .وقال قتادة والسسدي:
تفاخر المؤمنون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب :نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بال
منكم .وقال المؤمنون :نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على سائر الكتب ،فنزلت الية.
@قوله تعالى" :من يعمل سوءا يجز به "السوء ههنا الشرك ،قال الحسن :هذه الية في الكافر،
وقرأ "وهل يجازى إل الكفور "[سبأ .]17 :وعنه أيضا "من يعمل سوءا يجز به "قال :ذلك لمن
أراد ال هوانه ،فأمسا مسن أراد كرامتسه فل ،قسد ذكسر ال قومسا فقال" :أولئك الذيسن نتقبسل عنهسم أحسسن
مسا عملوا ونتجاوز عسن سسيئاتهم فسي أصسحاب الجنسة وعسد الصسدق الذي كانوا يوعدون" [الحقاف:
.]16وقال الضحاك :يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب .وقال الجمهور :لفظ الية
عام ،والكافسسر والمؤمسسن مجازى بعمله السسسوء ،فأمسسا مجازاة الكافسسر فالنار؛ لن كفره أوبقسسه ،وأمسسا
المؤمسن فبنكبات الدنيسا ،كمسا روى مسسلم فسي صسحيحه عسن أبسي هريرة قال :لمسا نزلت "مسن يعمسل
سسوءا يجسز بسه "بلغست مسن المسسلمين مبلغسا شديدا ،فقال رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم( :قاربوا
وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها ) .وخرج الترمذي
الحكيم في (نوادر الصول ،في الفصل الخامس والتسعين ) حدثنا إبراهيم بن المستمر الهذلي قال
حدثنا عبدالرحمن بن سليم بن حيان أبو زيد قال :سمعت أبي يذكر عن أبيه قال صحبت ابن عمر
مسن مكسة إلى المدينسة فقال لنافسع :ل تمسر بسي على المصسلوب؛ يعنسي ابسن الزبيسر ،قال :فمسا فجئه فسي
جوف الليل أن صك محمله جذعه؛ فجلس فمسح عينيه ثم قال :يرحمك ال أبا خبيب أن كنت وأن
كنست ! ولقد سمعت أباك الزبيسر يقول :قال رسول ال صسلى ال عليه وسلم (من يعمسل سسوءا يجسز
به في الدنيا أو في الخرة ) فإن يك هذا بذاك فهيه .قال الترمذي أبو عبدال :فأما فسي التنزيل فقد
أجمله فقال" :مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه ول يجسد له مسن دون ال وليسا ول نصسيرا "فدخسل فيسه البر
والفاجر والعدو والولي والمؤمن والكافر؛ ثم ميز رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا الحديث
بين الموطنين فقال( :يجز به في الدنيا أو في الخرة ) وليس يجمع عليه الجزاء في الموطنين؛ أل
ترى أن ابن عمر قال :فإن يك هذا بذاك فهيه؛ معناه أنه قاتل في حرم ال وأحدث فيه حدثا عظيما
حتى أحرق البيت ورمي الحجر السود بالمنجنيق فانصدع حتى ضبب بالفضة فهو إلى يومنا هذا
كذلك ،وسسمع للبيست أنينسا :آه آه ! فلمسا رأى ابسن عمسر فعله ثسم رآه مقتول مصسلوبا ذكسر قول رسسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم( :مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه ) .ثسم قال :إن يسك هذا القتسل بذاك الذي فعله
فهيسه؛ أي كأنسه جوزي بذلك السسوء هذا القتسل والصسلب .رحمسه ال ! ثسم ميسز رسسول ال صسلى ال
عليه وسلم في حديث آخر بين الفريقين؛ حدثنا أبي رحمه ال قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا محمد
بسن مسسلم عسن يزيسد بسن عبدال بسن أسسامة بسن الهاد الليثسي قال :لمسا نزلت "مسن يعمسل سسوءا يجسز بسه
"قال أبو بكر الصديق رضي ال عنه :ما هذه بمبقية منا؛ قال( :يا أبا بكر إنما يجزى المؤمن بها
في الدنيا ويجزى بها الكافر يوم القيامة ) .حدثنا الجارود قال حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبدة عن
إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال :لما نزلت "من يعمل سوءا يجز به
"قال أبو بكر :كيف الصلح يا رسول ال مع هذا ؟ كل شيء عملناه جزينا به ،فقال( :غفر ال لك
يا أبا بكر ألست تنصب ،ألست تحزن ،الست تصيبك اللواء ؟ .قال :بلى .قال (فذلك مما تجزون
به ) ففسر رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أجمله التنزيل من قوله" :من يعمل سوءا يجز به".
وروى الترمذي عسن أبسي بكسر الصسديق رضسي ال عنسه أنهسا لمسا نزلت قال له النسبي صسلى ال عليسه
وسلم( :أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا ال وليس لكم ذنوب وأما
الخرون فيجمسع ذلك لهسم حتسى يجزوا بسه يوم القيامسة ) .قال :حديسث غريسب :وفسي إسسناده مقال:
وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ،ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل .ومولى بن
سباع مجهول ،وقد روي هذا من غير وجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح أيضا؛ وفي الباب
عن عائشة.
قلت :خرجسه إسسماعيل بسن إسسحاق القاضسي قال حدثنسا سسليمان بسن حرب قال حدثنسا قال حدثنسا
حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الية "وإن تبدوا ما في أنفسكم
أو تخفوه" [البقرة ]284 :وعن هذه الية "من يعمل سوءا يجز به "فقالت عائشة :ما سألني أحد
منذ سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها؛ فقال( :يا عائشة ،هذه مبايعة ال بما يصسيبه من
الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع فيجدها في عيبته ،حتى إن
المؤمسن ليخرج مسن ذنوبسه كمسا يخرج التسبر مسن الكيسر ) .واسسم "ليسس "مضمسر فيهسا فسي جميسع هذه
القوال؛ والتقدير :ليس الكائن من أموركم ما تتمنونه ،بل من يعمل سوءا يجز به .وقيل :المعنى
ليس ثواب ال بأمانيكم "إذ قد تقدم "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات".
@قوله تعالى" :ول يجسد له مسن دون ال وليسا ول نصسيرا "يعنسي المشركيسن؛ لقوله تعالى" :إنسا
لننصسر رسسلنا والذيسن آمنوا فسي الحياة الدنيسا ويوم يقوم الشهاد" [غافسر .]51 :وقيسل" :مسن يعمسل
سوءا يجز به "إل أن يتوب .وقراءة الجماعة "ول يجد له "بالجزم عطفا على "يجز به" .وروى
ابن بكار عن ابن عامر "ول يجد "بالرفع استئنافا .فإن حملت الية على الكافر فليس له غدا ولي
ول نصير .وإن حملت على المؤمن فليس له ولي ول نصير دون ال.
**3الية{ 124 :ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة
ول يظلمون نقيرا}
@ شرط اليمان لن المشركيسن أدلوا بخدمسة الكعبسة وإطعام الحجيسج وقرى الضياف ،وأهسل
الكتاب بسسبقهم ،وقولهسم نحسن أبناء ال وأحباؤه؛ فسبين تعالى أن العمال الحسسنة ل تقبسل مسن غيسر
إيمان .وقرأ "يدخلون الجنسة "الشيخان أبسو عمرو وابسن كثيسر (بضسم الياء وفتسح الخاء ) على مسا لم
يسسم فاعله .الباقون بفتسح الياء وضسم الخاء؛ يعنسي يدخلون الجنسة بأعمالهسم .وقسد مضسى ذكسر النقيسر
وهي النكتة في ظهر النواة.
**3اليسة{ 125 :ومسن أحسسن دينسا ممسن أسسلم وجهسه ل وهسو محسسن واتبسع ملة إبراهيسم حنيفسا
واتخذ ال إبراهيم خليل}
@قوله تعالى" :ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا" فضل
ديسن السسلم على سسائر الديان و"أسسلم وجهسه ل "معناه أخلص دينسه ل وخضسع له وتوجسه إليسه
بالعبادة .قال ابن عباس :أراد أبا بكر الصديق رضي ال عنه .وانتصب "دينا "على البيان" .وهو
محسن "ابتداء وخبر في موضع الحال ،أي موحد فل يدخل فيه أهل الكتاب؛ لنهم تركوا اليمان
بمحمد عليه السلم .والملة الدين ،والحنيف المسلم وقد تقدم.
@قوله تعالى" :واتخسذ ال إبراهيسم خليل" قال ثعلب :إنمسا سسمي الخليسل خليل لن محبتسه تتخلل
القلب فل تدع فيه خلل إل ملته؛ وأنشد قول بشار:
وبه سمي الخليل خليل قد تخللت مسلك الروح مني
وخليسسل فعيسسل بمعنسسى فاعسسل كالعليسسم بمعنسسى العالم وقيسسل :هسسو بمعنسسى المفعول كالحسسبيب بمعنسسى
المحبوب ،وإبراهيسم كان محبسا ل وكان محبوبسا ل .وقيسل :الخليسل مسن الختصساص فال عسز وجسل
أعلم اختص إبراهيم في وقته للرسالة .واختار هذا النحاس قال :والدليل على هذا قول النبي صلى
ال عليسه وسسلم (وقسد اتخسذ ال صساحبكم خليل ) يعنسي نفسسه .وقال صسلى ال عليسه وسسلم( :لو كنست
متخذا أبا بكر خليل ) أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لختصصت أبا بكر .رضي ال عنه .وفي
هذا رد على من زعم أن النبي صلى ال عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين .وقيل:
الخليسل المحتاج؛ فإبراهيسم خليسل ال معنسى أنسه فقيسر محتاج إلى ال تعالى؛ كأنسه الذي بسه الختلل.
وقال زهير يمدح هرم بن سنان
يقول ل غالب مالي ول حرم وإن أتاه خليل يوم مسغبة
أي ل ممنوع .قال الزجاج :ومعنى الخليل :الذي ليس في محبته خلل؛ فجائز أن يكون سمي خليل
ل بأنه الذي أحبه واصطفاه محبة تامة .وجائز أن يسمى خليل ال أي فقيرا إلى ال تعالى؛ لنه لم
يجعسسل فقره ول فاقتسسه إل إلى ال تعالى مخلصسسا فسسي ذلك .والختلل الفقسسر؛ فروي أنسسه لمسسا رمسسي
بالمنجنيق وصار في الهواء أتاه جبريل عليه السلم فقال :ألك حاجة ؟ قال :أما إليك فل .فخلق ال
تعالى لبراهيسسم نصسسرته إياه .وقيسسل :سسسمي بذلك بسسسبب أنسسه مضسسى إلى خليسسل له بمصسسر ،وقيسسل:
بالموصسل ليمتار مسن عنده طعامسا فلم يجسد صساحبه ،فمل غرائره رمل وراح بسه إلى أهله فحطسه
ونام؛ ففتحسه أهله فوجدوه دقيقسا فصسنعوا له منسه ،فلمسا قدموه إليسه قال :مسن أيسن لكسم هذا ؟ قالوا :مسن
الذي جئت به من عند خليلك المصري؛ فقال :هو من عند خليلي؛ يعني ال تعالى؛ فسمي خليل ال
بذلك .وقيل :إنه أضاف رؤساء الكفار وأهدى لهم هدايا وأحسن إليهم فقالوا له :ما حاجتك ؟ قال:
حاجتي أن تسجدوا سجدة؛ فسجدوا فدعا ال تعالى وقال :اللهم إني قد فعلت ما أمكنني فافعل اللهم
ما أنت أهل لذلك؛ فوفقهم ال تعالى للسلم فاتخذه ال خليل لذلك .ويقال :لما دخلت عليه الملئكة
بشبه الدميين وجاء بعجل سمين فلم يأكلوا منه وقالوا :إنا ل نأكل شيئا بغير ثمن فقال لهم :أعطوا
ثمنسه وكلوا ،قالوا :ومسا ثمنسه ؟ قال :أن تقولوا فسي أوله باسسم ال وفسي آخره الحمسد ل ،فقالوا فيمسا
بينهسسم :حسسق على ال أن يتخذه خليل؛ فاتخذه ال خليل .وروى جابر بسسن عبدال عسسن رسسسول ال
صلى ال عليه وسلم قال( :اتخذ ال إبراهيم خليل لطعامه الطعام وإفشائه السلم وصلته بالليل
والناس نيام ) .وروى عبدال بن عمرو بسن العاص أن النسبي صلى ال عليه وسلم قال( :يا جبريل
لم اتخسذ ال إبراهيسم خليل ) ؟ قال :لطعامسه الطعام يسا محمسد .وقيسل :معنسى الخليسل الذي يوالي فسي
ال ويعادي في ال .والخلة بين الدميين الصداقة؛ مشتقة من تخلل السراء بين المتخالين .وقيل:
هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه .وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) .ولقد أحسن من
قال:
فخليله منه على خطر من لم تكن في ال خلته
آخر:
فل تثقن بكل أخي إخاء إذا ما كنت متخذا خليل
بأهل العقل منهم والحياء فإن خيرت بينهم فألصق
تفاضلت الفضائل من كفاء فإن العقل ليس له إذا ما
وقال حسان بن ثابت رضي ال عنه:
ولكن في البلء هم قليل أخلء الرجال هم كثير
فمالك عند نائبة خليل فل تغررك خلة من تؤاخي
ولكن ليس يفعل ما يقول وكل أخ يقول أنا وفي
فذاك لما يقول هو الفعول سوى خل له حسب ودين
**3الية{ 126 :ول ما في السماوات وما في الرض وكان ال بكل شيء محيطا}
@قوله تعالى" :ول مسا فسي السسماوات ومسا فسي الرض" أي ملكسا واختراعسا .والمعنسى إنسه اتخسذ
إبراهيسم خليل بحسسن طاعتسه ل لحاجتسه إلى مخالتسه ول للتكثيسر بسه والعتضاد؛ وكيسف وله مسا فسي
السموات وما في الرض ؟ وإنما أكرمه لمتثاله لمره.
@قوله تعالى" :وكان ال بكل شيء محيطا "أي أحاط علمه بكل الشياء.
**3الية{ 127 :ويستفتونك في النساء قل ال يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى
النسساء اللتسي ل تؤتونهسن مسا كتسب لهسن وترغبون أن تنكحوهسن والمسستضعفين مسن الولدان وأن
تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن ال كان به عليما}
@ نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك؛ فأمر
ال نسبيه عليسه السسلم أن يقول لهسم :ال يفتيكسم فيهسن؛ أي يسبين لكسم حكسم مسا سسألتم عنسه .وهذه اليسة
رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء ،وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل
لهسم :إن ال يفتيكسم فيهسن .روى أشهسب عسن مالك قال :كان النسبي صسلى ال عليسه وسسلم يسسأل فل
يجيسب حتسى ينزل عليسه الوحسي ،وذلك فسي كتاب ال "ويسستفتونك فسي النسساء قسل ال يفتيكسم فيهسن".
"ويسسألونك عسن اليتامسى" [البقرة .]220 :و"يسسألونك عسن الخمسر والميسسر "[البقرة.]219 :
"ويسألونك عن الجبال" [طه.]105 :
@قوله تعالى" :ومسا يتلى عليكسم" "مسا" فسي موضسع رفسع ،عطسف على اسسم ال تعالى .والمعنسى:
والقرآن يفتيكم فيهن ،وهو قوله" :فانكحوا ما طاب لكم من النساء" [النساء ]3:وقد تقدم.
وقوله تعالى" :وترغبون أن تنكحوهسن "أي وترغبون عسن أن تنكحوهسن ،ثسم حذفست "عسن" .وقيسل:
وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت "في" .قال سعيد بن جبير ومجاهد :ويرغب في نكاحها وإذا
كانسست كثيرة المال .وحديسسث عائشسسة يقوي حذف "عسسن "فإن فسسي حديثهسسا :وترغبون أن تنكحوهسسن
رغبسسة أحدكسسم عسسن يتيمتسسه التسسي تكون فسسي حجره حيسسن تكون قليلة المال والجمال؛ وقسسد تقدم أول
السورة.
**3اليسة{ 128 :وإن امرأة خافست مسن بعلهسا نشوزا أو إعراضسا فل جناح عليهمسا أن يصسلحا
بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر وأحضرت النفسس الشسح وإن تحسسنوا وتتقوا فإن ال كان بمسا تعملون
خبيرا}
@قوله تعالى" :وإن امرأة "رفسع بإضمار فعسل يفسسره مسا بعده .و"خافست "بمعنسى توقعست .وقول
مسن قال :خافست تيقنست خطسأ .قال الزجاج :المعنسى وإن امرأة .خافست مسن بعلهسا دوام النشوز .قال
النحاس :الفرق بيسن النشوز والعراض أن النشوز التباعسد ،والعراض أل يكلمهسا ول يأنسس بهسا.
ونزلت الية بسبب سودة بنت زمعة .روى الترمذي عن ابن عباس قال :خشيت سودة أن يطلقها
رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم فقالت :ل تطلقنسي وأمسسكني ،وأجعسل يومسي منسك لعائشسة؛ ففعسل
فنزلت" :فل جناح عليهمسا أن يصسالحا بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر "فمسا اصسطلحا عليسه مسن شيسء
فهو جائز ،قال :هذا حديث حسن غريب .وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن
رافع بن خديج كانت تحته خولة بنة محمد بن مسلمة ،فكره من أمرها إما كبرا وإما غيره ،فأراد
أن يطلقهسا فقالت :ل تطلقنسي واقسسم لي مسا شئت؛ فجرت السسنة بذلك فنزلت "وإن امرأة خافست مسن
بعلهسا نشوزا أو إعراضسا" .وروى البخاري عسن عائشسة رضسي ال عنهسا "وإن امرأة خافست مسن
بعلهسا نشوزا أو إعراضسا" قالت :الرجسل تكون عنده المرأة ليسس بمسستكثر منهسا يريسد أن يفارقهسا
فتقول :أجعلك مسسن شأنسسي فسسي حسسل؛ فنزلت هذه اليسسة .وقراءة العامسسة "أن يصسسالحا" .وقرأ أكثسسر
الكوفيين "أن يصلحا" .وقرأ الجحدري وعثمان البتي "أن يصلحا "والمعنى يصطلحا ثم أدغم.
@ فسي هذه اليسة من الفقه الرد على الرعن الجهال الذيسن يرون أن الرجسل إذا أخسذ شباب المرأة
وأسنت ل ينبغي أن يتبدل بها .قال ابن أبي مليكة :إن سودة بنت زمعة لما أسنت أراد النبي صلى
ال عليه وسلم أن يطلقها ،فآثرت الكون معه ،فقالت له :أمسكني وأجعل يومي لعائشة؛ ففعل صلى
ال عليه وسلم ،وماتت وهي من أزواجه.
قلت :وكذلك فعلت بنست محمسد بسن مسسلمة؛ روى مالك عسن ابسن شهاب عسن رافسع بسن خديسج أنسه
تزوج بنست محمسد بسن مسسلمة النصسارية ،فكانست عنده حتسى كسبرت ،فتزوج عليهسا فتاة شابسة ،فآثسر
الشابة عليها ،فناشدته الطلق ،فطلقها واحدة ،ثم أهملها حتى إذا كانت تحل راجعها ،ثم عاد فآثر
الشابة عليها فناشدته الطلق فطلقها واحدة ،ثم راجعها فآثر الشابة عليها فناشدته الطلق فقال :ما
شئت إنما بقيت واحدة ،فإن شئت استقررت على ما ترين من الثرة ،وإن شئت فارقتك .قالت :بل
أسستقر على الثرة .فأمسسكها على ذلك؛ ولم يسر رافسع عليسه إثمسا حيسن قرت عنده على الثرة .رواه
معمر عن الزهري بلفظه ومعناه وزاد :فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزل فيه "وإن امرأة خافت من
بعلهسا نشوزا أو إعراضسا فل جناح عليهمسا أن يصسلحا بينهمسا صسلحا والصسلح خيسر" .قال أبسو عمسر
بسن عبدالبر :قول وال أعلم" :فآثسر الشابسة عليهسا "يريسد فسي الميسل بنفسسه إليهسا والنشاط لهسا؛ ل أنسه
آثرها عليها في مطعم وملبس ومبيت؛ لن هذا ل ينبغي أن يظن بمثل رافع ،وال أعلم .وذكر أبو
بكر بن أبي شيبة قال :حدثنا أبو الحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن
أبسي طالب رضسي ال عنسه أن رجل سسأل عسن هذه اليسة فقال :هسي المرأة تكون عنسد الرجسل فتنبسو
عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه؛ فإن وضعت له من مهرها
شيئا حسسل له أن يأخسسذ وإن جعلت له مسن أيامهسسا فل حرج .وقال الضحاك :ل بأس أن ينقصسها مسن
حقهسا إذا تزوج مسن هسي أشسب منهسا وأعجسب إليسه .وقال مقاتسل بسن حيان :هسو الرجسل تكون تحتسه
المرأة الكسسبيرة فيتزوج عليهسسا الشابسسة؛ فيقول لهذه الكسسبيرة :أعطيسسك مسسن مالي على أن أقسسسم لهذه
الشابسة أكثسر ممسا أقسسم لك مسن الليسل والنهار؛ فترضسى الخرى بمسا اصسطلحا عليسه؛ وإن أبست أل
ترضى فعليه أن يعدل بينهما في القسم
@ قال علماؤنا :وفي هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة؛ بأن يعطي الزوج على أن
تصسسبر هسسي ،أو تعطسسي هسسي على أن يؤثسسر الزوج ،أو على أن يؤثسسر ويتمسسسك بالعصسسمة ،أو يقسسع
الصسسلح على الصسسبر والثرة مسسن غيسسر عطاء؛ فهذا كله مباح .وقسسد يجوز أن تصسسالح إحداهسسن
صاحبتها عن يومها بشيء تعطيها ،كما فعل أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ وذلك أن رسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم كان غضسب على صسفية ،فقالت لعائشسة :أصسلحي بينسي وبيسن رسسول ال
صسلى ال عليسه وسسلم ،وقسد وهبست يومسي لك .ذكره ابسن خويسز منداد فسي أحكامسه عسن عائشسة قالت:
وجسد رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على صسفية فسي شيسء؛ فقالت لي صسفية :هسل لك أن ترضيسن
رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم عنسسي ولك يومسسي ؟ قالت :فلبسسست خمارا كان عندي مصسسبوغا
بزعفران ونضحتسه ،ثسم جئت فجلسست إلى جنسب رسسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :إليسك عني
فإنسه ليسس بيومسك ) .فقلت :ذلك فضسل ال يؤتيسه مسن يشاء؛ وأخسبرته الخسبر ،فرضسي عنهسا .وفيسه أن
ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض ل يجوز إل بإذن المفضولة ورضاها.
@ قرأ الكوفيون "يصسلحا" .والباقون "أن يصسالحا" .الجحدري "يصسلحا" فمسن قرأ "يصسالحا
"فوجهه أن المعروف في كلم العرب إذا كان بين قوم تشاجر أن يقال :تصالح القوم ،ول يقال:
أصسلح القوم ؟ ولو كان أصسلح لكان مصسدره إصسلحا .ومسن قرأ "يصسلحا "فقسد اسستعمل مثله فسي
التشاجسر والتنازع؛ كمسا قال "فاصسلح بينهسم" .ونصسب قوله" :صسلحا" على هذه القراءة على أنسه
مفعول ،وهو اسم مثل العطاء من أعطيت .فأصلحت صلحا مثل أصلحت أمرا؛ وكذلك هو مفعول
أيضسا على قراءة مسن قرأ "يصسالحا "لن تفاعسل قسد جاء متعديسا؛ ويحتمسل أن يكون مصسدرا حذفست
زوائده .ومسسن قرأ "يصسسلحا "فالصسسل "يصسستلح "ثسسم صسسار إلى يصسسطلحا ،ثسسم أبدلت الطاء صسسادا
وأدغمت فيها الصاد؛ ولم تبدل الصاد طاء لما فيها من امتداد الزفير.
@قوله تعالى" :والصلح خير" لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس
ويزول بسه الخلف خيسر على الطلق .ويدخسل فسي هذا المعنسى جميسع مسا يقسع عليسه الصسلح بيسن
الرجسسل وامرأتسسه فسسي مال أو وطسسء أو غيسسر ذلك" .خيسسر "أي خيسسر مسسن الفرقسسة؛ فإن التمادي على
الخلف والشحناء والمباغضسة هسي قواعسد الشسر ،وقال عليسه السسلم فسي البغضسة( :إنهسا الحالقسة )
يعني حالقة الدين ل حالقة الشعر.
@قوله تعالى" :وأحضرت النفس الشح "إخبار بأن الشح في كل أحد .وأن النسان ل بد أن يشح
بحكسم خلقتسه وجبلتسه حتسى يحمسل صساحبه على بعسض مسا يكره؛ يقال :شسح يشسح (بكسسر الشيسن ) قال
ابسن جسبير :هسو شسح المرأة بالنفقسة مسن زوجهسا وبقسسمه لهسا أيامهسا .وقال ابسن زيسد :الشسح هنسا منسه
ومنها .وقال ابن عطية :وهذا أحسسن؛ فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجهسا ،والغالب
على الزوج الشح بنصيبه من الشابة .والشح الضبط على المعتقدات والرادة وفي الهمم والموال
ونحو ذلك ،فما أفرط منه على الدين فهو محمود ،وما أفرط منه في غيره ففيه بعض المذمة ،وهو
الذي قال ال فيه" :ومن يوق شسح نفسه فأولئك هسم المفلحون" [التغابسن .]16:وما صسار إلى حيسز
منسع الحقوق الشرعيسة أو التسي تقتضيهسا المروءة فهسو البخسل وهسي رذيلة .وإذا آل البخسل إلى هذه
الخلق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير مرجو ول صلح مأمول.
قلت :وقسد روي أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال للنصسار( :مسن سسيدكم ) ؟ قالوا :الجسد بسن
قيسس على بخسل فيسه .فقال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم( :وأي داء أدوى مسن البخسل ) ! قالوا :وكيسف
ذاك يسا رسسول ال ؟ قال( :إن قومسا نزلوا بسساحل البحسر فكرهوا لبخلهسم نزول الضياف بهسم فقالوا
ليبعسسد الرجال منسسا عسسن النسسساء حتسسى يعتذر الرجال بالرجال والنسسساء بالنسسساء ) .وقسسد تقدم ،ذكره
الماوردي.
@قوله تعالى" :وإن تحسنوا وتتقوا "شرط "فإن ال كان بما تعملون خبيرا "جوابه .وهذا خطاب
للزواج من حيث إن للزوج أن يشح ول يحسن؛ أي إن تحسنوا وتتقوا في عشرة النساء بإقامتكم
عليهن مع كراهيتكم لصحبتهن واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم.
**3الية{ 129 :ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فل تميلوا كل الميل فتذروها
كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن ال كان غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :ولن تسستطيعوا أن تعدلوا بيسن النسساء ولو حرصستم فل تميلوا كسل الميسل" أخسبر
تعالى بنفسي السستطاعة فسي العدل بيسن النسساء ،وذلك فسي ميسل الطبسع بالمحبسة والجماع والحسظ مسن
القلب .فوصسف ال تعالى حالة البشسر وأنهسم بحكسم الخلقسة ل يملكون ميسل قلوبهسم إلى بعسض دون
بعسسض؛ ولهذا كان عليسسه السسسلم يقول( :اللهسسم إن هذه قسسسمتي فيمسسا أملك فل تلمنسسي فيمسسا تملك ول
أملك) .ثم نهى فقال" :فل تميلوا كل الميل" قال مجاهد :ل تتعمدوا الساءة بل الزموا التسوية في
القسم والنفقة؛ لن هذا مما يستطاع .وسيأتي بيان هذا في "الحزاب" مبسوطا إن شاء ال تعالى.
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم( :من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).
@قوله تعالى" :فتذروهسا كالمعلقسة" أي ل هسي مطلقسة ول ذات زوج؛ قاله الحسسن .وهذا تشسبيه
بالشيسء المعلق مسن شيسء؛ لنه ل على الرض اسستقر ول على مسا علق عليسه انحمسل؛ وهذا مطرد
في قولهم في المثل" :ارض من المركب بالتعليق" .وفي عرف النحويين فمن تعليق الفعل .ومنه
في حديث أم زرع في قول المرأة :زوجي العشنق ،إن أنطق أطلق ،وإن أسكت أعلق .وقال قتادة:
كالمسسسجونة؛ وكذا قرأ أبسسي "فتذروهسسا كالمسسسجونة" .وقرأ ابسسن مسسسعود "فتذروهسسا كأنهسسا معلقسة".
وموضع "فتذروها" نصب؛ لنه جواب النهي .والكاف في "كالمعلقة" في موضع نصب أيضا.
**3اليات{ 132 - 130 :وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته وكان ال واسعا حكيما ،ول ما
فسي السسماوات ومسا فسي الرض ولقسد وصسينا الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم وإياكسم أن اتقوا ال وإن
تكفروا فإن ل مسا فسي السسماوات ومسا فسي الرض وكان ال غنيسا حميدا ،ول مسا فسي السسماوات ومسا
في الرض وكفى بال وكيل}
@قوله تعالى" :وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته "أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما
بال ،فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه ،وللمرأة من يوسع عليها .وروي عن جعفر بن محمد
أن رجل شكا إليه الفقر ،فأمره بالنكاح ،فذهب الرجل وتزوج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر ،فأمره
بالطلق؛ فسئل عن هذه الية فقال :أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه الية" :إن يكونوا فقراء يغنهم
ال من فضله" فلما لم يكن من أهل تلك الية أمرته بالطلق فقلت :فلعله من أهل هذه الية "وإن
يتفرقا يغن ال كل من سعته".
@قوله تعالى" :ولقسد وصسينا الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم "أي المسر بالتقوى كان عامسا لجميسع
المسم :وقسد مضسى القول فسي التقوى" .وإياكسم" عطسف على "الذيسن"" .أن اتقوا ال" فسي موضسع
نصب؛ قال الخفش :أي بأن اتقوا ال .وقال بعض العارفين :هذه الية هي رحى أي القرآن ،لن
جميعه يدور عليها.
@قوله تعالى" :وإن تكفروا فإن ل ما في السماوات وما في الرض وكان ال غنيا حميدا ،ول ما
فسسي السسسماوات ومسسا فسسي الرض وكفسسى بال وكيل" إن قال قائل :مسسا فائدة هذا التكريسسر ؟ فعنسسه
جوابان :أحدهمسسا :أنسسه كرر تأكيدا؛ ليتنبسسه العباد وينظروا مسسا فسسي ملكوتسسه وملكسسه وأنسسه غنسسي عسسن
العالميسن .الجواب الثانسي :أنسه كرر لفوائد :فأخسبر فسي الول أن ال تعالى يغنسي كل مسن سسعته؛ لن
له ما في السموات وما في الرض فل تنفد خزائنه .ثم قال :أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى "وإن
تكفروا "أي وإن تكفروا فإنسه غنسي عنكسم؛ لن له مسا فسي السسموات ومسا فسي الرض .ثسم أعلم فسي
الثالث بحفسسظ خلقسسه وتدبيره إياهسسم بقوله" :وكفسسى بال وكيل "لن له مسسا فسسي السسسموات ومسسا فسسي
الرض .وقال" :مسا فسي السسموات" ولم يقسل مسن فسي السسموات؛ لنسه ذهسب بسه مذهسب الجنسس ،وفسي
السموات والرض من يعقل ومن ل يعقل.
**3الية{ 133 :إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان ال على ذلك قديرا}
@قوله تعالى" :إن يشسأ يذهبكسم "يعنسي بالموت "أيهسا الناس "يريسد المشركيسن والمنافقيسن "ويأت
بآخريسن "يعنسي بغيركسم .ولمسا نزلت هذه اليسة ضرب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم على ظهسر
سسسلمان وقال( :هسسم قوم هذا ) .وقيسسل :اليسسة عامسسة ،أي وإن تكفروا يذهبكسسم ويأت بخلق أطوع ل
منكم .وهذا كما قال في آية أخرى" :وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم" [محمد:
.]38وفي الية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولية وإمارة ورياسة فل يعدل في رعيته ،أو
كان عالمسا فل يعمسل بعلمسه ول ينصسح الناس ،أن يذهبسه ويأتسي بغيره ".وكان ال على ذلك قديرا
"والقدرة صسفة أزليسة ،ل تتناهسى مقدوراتسه ،كمسا ل تتناهسى معلوماتسه ،والماضسي والمسستقبل فسي
صفاته بمعنى واحد ،وإنما خص الماضي بالذكر لئل يتوهم أنه يحدث في ذاته وصفاته .والقدرة
هي التي يكون بها الفعل ول يجوز وجود العجز معها.
**3اليسة{ 134 :مسن كان يريسد ثواب الدنيسا فعنسد ال ثواب الدنيسا والخرة وكان ال سسميعا
بصيرا}
@ أي من عمل بما افترضه ال عليه طلبا للخرة أتاه ال ذلك في الخرة ،ومن عمل طلبا للدنيا
أتاه بما كتب له في الدنيا وليس له في الخرة من ثواب؛ لنه عمل لغير ال كما قال تعالى" :وما
له فسي الخرة مسن نصسيب "[الشورى .]20 :وقال تعالى" :أولئك الذيسن ليسس لهسم فسي الخرة إل
النار" [هود .]16 :وهذا على أن يكون المراد باليسة المنافقون والكفار ،وهسو اختيار الطسبري.
وروي أن المشركيسسن كانوا ل يؤمنون بالقيامسسة ،وإنمسسا .يتقربون إلى ال تعالى ليوسسسع عليهسسم فسسي
الدنيا ويرفع عنهم مكروهها؛ فأنزل ال عز وجل "من كان يريد ثواب الدنيا فعند ال ثواب الدنيا
والخرة وكان ال سميعا بصيرا "أي يسمع ما يقولونه ويبصر ما يسرونه.
**3اليسة{ 135 :يسا أيهسا الذيسن آمنوا كونوا قواميسن بالقسسط شهداء ل ولو على أنفسسكم أو
الوالديسن والقربيسن إن يكسن غنيسا أو فقيرا فال أولى بهمسا فل تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو
تعرضوا فإن ال كان بما تعملون خبيرا}
@قوله تعالى" :كونوا قوامين ""قوامين "بناء مبالغة ،أي ليتكرر منكم القيام بالقسط ،وهو العدل
فسسي شهادتكسسم على أنفسسسكم ،وشهادة المرء على نفسسسه إقراره بالحقوق عليهسسا .ثسسم ذكسسر الوالديسسن
لوجوب برهما وعظم قدرهما ،ثم ثنى بالقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب؛ فكان الجنبي من
الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ،فجاء الكلم في السورة في حفظ حقوق الخلق في
الموال.
@ ل خلف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الية ،وأن شهادة الولد على الوالدين الب والم
ماضيسة ،ول يمنسع ذلك مسن برهمسا ،بسل مسن برهمسا أن يشهسد عليهمسا ويخلصسهما مسن الباطسل ،وهسو
معنى قوله تعالى" :قوا أنفسكم وأهليكم نارا "[التحريم ]6:فإن شهد لهما أو شهدا له وهي:
فقسد اختلف فيهسا قديمسا وحديثسا؛ فقال ابسن شهاب الزهري :كان مسن مضسى مسن السسلف الصسالح
يجيزون شهادة الوالدين والخ ،ويتأولون في ذلك قول ال تعالى" :كونوا قوامين بالقسط شهداء ل
"فلم يكسن أحسد يتهسم فسي ذلك مسن السسلف الصسالح رضوان ال عليهسم .ثسم ظهرت مسن الناس أمور
حملت الولة على اتهامهسم ،فتركست شهادة مسن يتهسم ،وصسار ذلك ل يجوز فسي الولد والوالد والخ
والزوج والزوجة ،وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن
حنبسسل .وقسسد أجاز قوم شهادة بعضهسسم لبعسسض إذا كانوا عدول .وروي عسسن عمسسر بسسن الخطاب أنسسه
أجازه؛ وكذلك روي عسن عمسر بسن عبدالعزيسز ،وبسه قال إسسحاق والثوري والمزنسي .ومذهسب مالك
جواز شهادة الخ لخيسه إذا كان عدل إل فسي النسسب .وروى عنسه ابسن وهسب أنهسا ل تجوز إذا كان
فسي عياله أو فسي نصسيب مسن مال يرثسه .وقال مالك وأبسو حنيفسة :شهادة الزوج لزوجتسه ل تقبسل؛
لتواصل منافع الملك بينهما وهي محل الشهادة .وقال الشافعي :تجوز شهادة الزوجين بعضهما
لبعض؛ لنهما أجنبيان ،وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال .والصل قبول الشهادة إل
حيسث خسص فيمسا عدا المخصسوص فبقسي على الصسل؛ وهذا ضعيسف؛ فإن الزوجيسة توجسب الحنان
والمواصلة واللفة والمحبة ،فالتهمة قوية ظاهرة .وقد روى أبو داود من حديث سليمان بن موسى
عمرو بسن شعيسب عسن أبيسه عسن جده أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم رد شهادة الخائن والخائنسة
وذي الغمسر على أخيسه ،ورد شهادة القانسع لهسل البيست وأجازهسا لغيرهسم .قال الخطابسي :ذو الغمسر
الذي بينسه وبيسن المشهود عليسه عداوة ظاهرة ،فترد شهادتسه عليسه للتهمسة .وقال أبسو حنيفسة :شهادتسه
على العدو مقبولة إذا كان عدل .والقانسسع السسسائل والمسسستطعم ،وأصسسل القنوع السسسؤال .ويقال فسسي
القانسع :إنسه المنقطسع إلى القوم يخدمهسم ويكون فسي حوائجهسم؛ وذلك مثسل الجيسر أو الوكيسل ونحوه.
ومعنسى رد هذه الشهادة التهمسة فسي جسر المنفعسة إلى نفسسه؛ لن القانسع لهسل البيست ينتفسع بمسا يصسير
إليهم من نفع .وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا فشهادته مردودة؛ كمن شهد لرجل على شراء
دار هسسو شفيعهسسا ،أو كمسسن حكسسم له على رجسسل بديسسن وهسسو مفلس ،فشهسسد المفلس على رجسسل بديسسن
ونحوه .قال الخطابسي :ومسن رد شهادة القانسع لهسل البيست بسسبب جسر المنفعسة فقياس قوله أن يرد
شهادة الزوج لزوجتسه؛ لن مسا بينهمسا مسن التهمسة فسي جسر المنفعسة أكثسر؛ وإلى هذا ذهسب أبسو حنيفسة.
والحديث حجة على من أجاز شهادة الب لبنه؛ لنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبه والميل
إليه؛ ولنه يمتلك ماله ،وقد قال صلى ال عليه وسلم( :أنت ومالك لبيك ).
وممسن ترد شهادتسه عنسد مالك البدوي على القروي؛ قال :إل أن يكون فسي باديسة أو قريسة ،فأمسا
الذي يشهسد فسي الحضسر بدويسا ويدع جيرتسه مسن أهسل الحضسر عندي مريسب .وقسد روى أبسو داود
والدارقطني عن أبي هريرة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل تجوز شهادة بدوي
على صساحب قريسة ) .قال محمسد بسن عبدالحكسم :تأول مالك هذا الحديسث على أن المراد بسه الشهادة
في الحقوق والموال ،ول ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق .وقال عامة
أهسسل العلم :شهادة البدوي إذا كان عدل يقيسسم الشهادة على وجههسسا جائزة؛ وال أعلم .وقسسد مضسسى
القول في هذا في "البقرة" ،ويأتي في "براءة "تمامها إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :شهداء ل "نصسب على النعست لسس "قواميسن" ،وإن شئت كان خسبرا بعسد خسبر .قال
النحاس :وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في "قوامين "من ذكر الذين آمنوا؛ لنه
نفسسس المعنسسى ،أي كونوا قواميسسن بالعدل عنسسد شهادتكسسم .قال ابسسن عطيسسة :والحال فيسسه ضعيفسة فسسي
المعنى؛ لنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط .ولم ينصرف "شهداء "لن فيه ألف
التأنيث.
قوله تعالى" :ل "معناه لذات ال ولوجهسسه ولمرضاتسسه وثوابسسه" .ولو على أنفسسسكم أو الوالديسسن
والقربيسسسن "متعلق بسسسس "شهداء "؛ هذا هسسسو الظاهسسسر الذي فسسسسر عليسسسه الناس ،وإن هذه الشهادة
المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لهلها ،فذلك قيامه بالشهادة على نفسه؛ كما تقدم .أدب ال جل
وعسسز المؤمنيسسن بهذا؛ كمسسا قال ابسسن عباس :أمروا أن يقولوا الحسسق ولو على أنفسسسهم .ويحتمسسل أن
يكون قوله" :شهداء ل "معناه بالوحدانيسسسسة ل ،ويتعلق قوله" :ولو على أنفسسسسسكم "ب "قواميسسسسن
"والتأويل الول أبين.
@قوله تعالى" :إن يكسن غنيسا أو فقيرا فال أولى بهمسا" في الكلم إضمار وهو اسسم كان؛ أي إن
يكسن الطالب أو المشهود غنيسا فل يراعسى لغناه ول يخاف منسه ،وإن يكسن فقيرا فل يراعسى إشفاقسا
عليسه" .فال أولى بهمسا "أي فيمسا اختار لهمسا مسن فقسر وغنسى .قال السسدي :اختصسم إلى النسبي صسلى
ال عليسه وسسلم غنسي وفقيسر ،فكان ضلعسه صسلى ال عليسه وسسلم مسع الفقيسر ،ورأى أن الفقيسر ل يظلم
الغني؛ فنزلت الية.
@قوله تعالى" :فال أولى بهمسا "إنمسا قال "بهمسا "ولم يقسل "بسه "وإن كانست "أو "إنمسا تدل على
الحصول الواحد؛ لن المعنى فال أولى بكل واحد منهما .وقال الخفش :تكون "أو" بمعنى الواو؛
أي إن يكن غنيا وفقيرا فال أولى بالخصمين كيفما كانا؛ وفيه ضعف .وقيل :إنما قال" :بهما" لنه
قد تقدم ذكرهما؛ كما قال تعالى" :وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس"[النساء.]12:
@قوله تعالى" :فل تتبعوا الهوى" نهي ،فإن اتباع الهوى مرد ،أي مهلك؛ قال ال تعالى" :فاحكم
بيسن الناس بالحسق ول تتبسع الهوى فيضلك عسن سسبيل ال "[ص ]26 :فاتباع الهوى يحمسل على
الشهادة بغير الحق ،وعلى الجور في الحكم ،إلى غير ذلك .وقال الشعبي :أخذ ال عز وجل على
الحكام ثلثسسة أشياء :أل يتبعوا الهوى ،وأل يخشوا الناس ويخشوه ،وأل يشتروا بآياتسسه ثمنسسا قليل.
"أن تعدلوا "في موضع نصب.
@قوله تعالى" :وإن تلووا أو تعرضوا" قرئ "وإن تلووا "من لويت فلنا حقه ليا إذا دفعته به،
والفعسل منه "لوى "والصسل فيسه "لوى "قلبست الياء ألفسا لحركتهسا وحركسة مسا قبلهسا ،والمصسدر "ليسا
"والصل لويا ،وليانا والصل لويانا ،ثم أدغمت الواو في الياء .وقال القتبي" :تلووا "من اللي في
الشهادة والميل إلى أحد الخصمين .وقرأ ابن عامر والكوفيون "تلوا "أراد قمتم بالمر وأعرضتم،
مسن قولك :وليست المسر ،فيكون فسي الكلم .التوبيسخ للعراض عسن القيام بالمسر وقيسل :إن معنسى
"تلوا "العراض .فالقراءة بضسم اللم تفيسد معنييسن :الوليسة والعراض ،والقراءة بواويسن تفيسد
معنسى واحدا وهسو العراض .وزعسم بعسض النحوييسن أن مسن قرأ "تلوا "فقسد لحسن؛ لنسه ل معنسى
للوليسسة ههنسسا .قال النحاس وغيره :وليسسس يلزم هذا ولكسسن تكون "تلوا "بمعنسسى "تلووا "وذلك أن
أصسله "تلووا" فاسستثقلت الضمسة على الواو بعدهسا واو أخرى .فألقيست الحركسة على اللم وحذفست
إحدى الواويسن للتقاء السساكنين؛ وهسي كالقراءة بإسسكان اللم وواويسن؛ ذكره مكسي .وقال الزجاج:
المعنسى على قراءتسه "وإن تلووا "ثسم همسز الواو الولى فصسارت "تلؤوا "ثسم خففست الهمزة بإلقاء
حركتهسسا على اللم فصسسارت "تلوا "وأصسسلها "تلووا" .فتتفسسق القراءتان على هذا التقديسسر .وذكره
النحاس ومكي وابن العربي وغيرهم .قال ابن عباس :هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي
فيكون لي القاضسي وإعراضه لحدهما على الخر؛ فاللي على هذا مطل الكلم وجره حتى يفوت
فصسل القضاء وإنفاذه للذي يميسل القاضسي إليسه .قال ابسن عطيسة :وقسد شاهدت بعسض القضاة يفعلون
ذلك ،وال حسسيب الكسل .وقال ابسن عباس أيضسا والسسدي وابسن زيسد والضحاك ومجاهسد :هسي فسي
الشهود يلوي الشاهد الشهادة بلسانه ويحرفها فل يقول الحق فيها ،أو يعرض عن أداء الحق فيها.
ولفسظ اليسة يعسم القضاء والشهادة ،وكسل إنسسان مأمور بأن يعدل .وفسي الحديسث( :لي الواجسد يحسل
عرضه وعقوبته ) .قال ابن العرابي :عقوبته حبسه ،وعرضه شكايته.
وقسد اسستدل بعسض العلماء فسي رد شهادة العبسد بهذه اليسة؛ فقال :جعسل ال تعالى الحاكسم شاهدا فسي
هذه اليسة ،وذلك أدل دليسل على أن العبسد ليسس مسن أهسل الشهادة؛ لن المقصسود منسه السستقلل بهذا
المهم إذا دعت الحاجة إليه ،ول يتأتى ذلك من العبد أصل فلذلك ردت الشهادة.
**3الية{ 136 :يا أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب
الذي أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل بعيدا}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا آمنوا" الية .نزلت في جميع المؤمنين؛ والمعنى :يا أيها الذين
صسسسسدقوا أقيموا على تصسسسسديقكم وأثبتوا عليسسسسه" .والكتاب الذي نزل على رسسسسسوله "أي القرآن.
"والكتاب الذي أنزل من قبل" أي كل كتاب أنزل على النبيين .وقرأ ابن كثيسر وأبو عمرو وابن
عامر "نزل "و "أنزل "بالضم .الباقون "نزل "و "أنزل "بالفتح .وقيل :نزلت فيمن آمن بمن تقدم
محمدا صسلى ال عليه وسسلم من النسبياء عليهسم السسلم .وقيسل :إنسه خطاب للمنافقيسن؛ والمعنسى على
هذا يسا أيهسا الذيسن آمنوا فسي الظاهسر أخلصسوا ل .وقيسل :المراد المشركون؛ والمعنسى يسا أيهسا الذيسن
آمنوا باللت والعزى والطاغوت آمنوا بال؛ أي صدقوا بال وبكتبه.
**3الية{ 137 :إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن ال ليغفر
لهم ول ليهديهم سبيل}
@ قيل :المعنى آمنوا بموسى وكفروا بعزير ،ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ،ثم ازدادوا كفرا
بمحمسد صسلى ال عليسه وسسلم .وقيسل :إن الذيسن آمنوا بموسسى ثسم آمنوا بعزيسر ،ثسم كفروا بعسد عزيسر
بالمسسيح ،وكفرت النصسارى بمسا جاء بسه موسسى وآمنوا بعيسسى ،ثسم ازدادوا كفرا بمحمسد صسلى ال
عليسه وسسلم ومسا جاء بسه مسن القرآن .فإن قيسل :إن ال تعالى ل يغفسر شيئا مسن الكفسر فكيسف قال" :إن
الذيسن آمنوا ثسم كفروا ثسم ازدادوا كفرا لم يكسن ال ليغفسر لهسم "فالجواب أن الكافسر إذا آمسن غفسر له
كفره ،فإذا رجع فكفر لم يغفر له الكفر الول؛ وهذا كما جاء في صحيح مسلم عن عبدال قال :قال
أناس لرسول ال صلى ال عليه وسلم :يا رسول ال أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال( :أما من
أحسسن منكسم فسي السسلم فل يؤاخسذ بهسا ومسن أسساء أخسذ بعمله فسي الجاهليسة والسسلم) .وفسي روايسة
(ومن أساء في السلم أخذ بالول والخر ) .الساءة هنا بمعنى الكفر؛ إذ ل يصح أن يراد بههنا
ارتكاب سسيئة ،فإنسه يلزم عليسه أل يهدم السسلم مسا سسبق قبله إل لمسن يعصسم مسن جميسع السسيئات إل
حيسن موتسه ،وذلك باطسل بالجماع .ومعنسى" :ثسم ازدادوا كفرا "أصسروا على الكفسر" .لم يكسن ال
ليغفسر لهسم ول ليهديهسم سسبيل "ليرشدهسم" .سسبيل" طريقسا إلى الجنسة .وقيسل :ل يخصسهم بالتوفيسق
يخص أولياءه .وفي هذه الية رد على أهل القدر؛ فإن ال تعالى بين أنه ل يهدي الكافرين طريق
خيسر ليعلم العبسد أنسه إنمسا ينال الهدى بال تعالى ،ويحرم الهدى بإرادة ال تعالى أيضسا .وتضمنست
الية أيضا حكم المرتدين ،وقد مضى القول فيهم في "البقرة "عند قوله تعالى" :ومن يرتدد منكم
عن دينه فيمت وهو كافر "[البقرة.]217 :
**3الية{ 138 :بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}
@ التبشير الخبار بما ظهر أثره على البشرة ،وقد تقدم بيانه في "البقرة "ومعنى النفاق.
**3اليسة{ 139 :الذيسن يتخذون الكافريسن أولياء مسن دون المؤمنيسن أيبتغون عندهسم العزة فإن
العزة ل جميعا}
@قوله تعالى" :الذيسن يتخذون الكافريسن أولياء مسن دون المؤمنيسن ""الذيسن "نعست للمنافقيسن .وفسي
هذا دليسل على أن مسن عمسل معصسية مسن الموحديسن ليسس بمنافسق؛ لنسه ل يتولى الكفار .وتضمنست
المنسسع مسسن موالة الكافسسر ،وأن يتخذوا أعوانسسا على العمال المتعلقسسة بالديسسن .وفسسي الصسسحيح عسسن
عائشة رضي ال عنها أن رجل من المشركين لحق بالنبي صلى ال عليه وسلم يقاتل معه ،فقال
له( :ارجسسع فإنسسا ل نسسستعين بمشرك)" .العزة" أي الغلبسسة ،عزه يعزه عزا إذا غلبسسه" .فإن العزة ل
جميعسا "أي الغلبة والقوة ل .قال ابن عباس" :أيبتغون عندهم "يريد بني قينقاع ،فإن ابن أبي كان
يواليهم.
**3اليتان{ 141 - 140 :وقسد نزل عليكسم فسي الكتاب أن إذا سسمعتم آيات ال يكفسر بهسا
ويستهزأ بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن ال جامع المنافقين
والكافرين في جهنم جميعا ،الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من ال قالوا ألم نكن معكم وإن
كان للكافريسن نصسيب قالوا ألم نسستحوذ عليكسم ونمنعكسم مسن المؤمنيسن فال يحكسم بينكسم يوم القيامسة
ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيل}
@قوله تعالى" :وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها ويستهزأ بها" الخطاب
لجميع من أظهر اليمان من محق ومنافق؛ لنه إذا أظهر اليمان فقد لزمه أن يمتثل أوامر كتاب
ال .فالمنزل قوله تعالى" :وإذا رأيست الذين يخوضون فسي آياتنسا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فسي
حديسث غيره "[النعام .]68 :وكان المنافقيسن يجلسسون إلى أحبار اليهود فيسسخرون مسن القرآن.
وقرأ عاصسسم ويعقوب "وقسد نزل "بفتسح النون والزاي وشدهسا؛ لتقدم اسسم ال جسل جلله فسي قوله
تعالى" :فإن العزة ل جميعسا" .وقرأ حميسد كذلك ،إل أنسه خفسف الزاي .الباقون "نزل "غيسر مسسمى
الفاعسسل" .أن إذا سسسمعتم آيات ال "موضسسع "أن إذا سسسمعتم "على قراءة عاصسسم ويعقوب نصسسب
بوقوع الفعل عليه .وفي قراءة الباقين رفع؛ لكونه اسم ما لم يسم فاعله" .يكفر بها "أي إذا سمعتم
الكفسر والسستهزاء بآيات ال؛ فأوقسع السسماع على اليات ،والمراد سسماع الكفسر والسستهزاء؛ كمسا
تقول :سمعت عبدال يلم ،أي سمعت اللوم في عبدال.
@قوله تعالى" :فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر" .إنكم إذا مثلهم
"فدل بهذا على وجوب اجتناب أصسحاب المعاصسي إذا ظهسر منهسم منكسر؛ لن مسن لم يجتنبهسم فقسد
رضي فعلهم ،والرضا بالكفر كفر؛ قال ال عز وجل" :إنكم إذا مثلهم" .فكل من جلس في مجلس
معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ،وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية
وعملوا بها؛ فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى ل يكون من أهل هذه الية.
وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز رضى ال عنه أنه أخذ قوما يشربون الخمر ،فقيل له عن أحد
الحاضرين :إنه صائم ،فحمل عليه الدب وقرأ هذه الية "إنكم إذا مثلهم "أي إن الرضا بالمعصية
معصسية؛ ولهذا يؤاخسذ الفاعسل والراضسي بعقوبسة المعاصسي حتسى يهلكوا بأجمعهسم .وهذه المماثلة
ليست في جميع الصفات ،ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة؛ كما قال:
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقسد تقدم .وإذا ثبست تجنسب أصسحاب المعاصسي كمسا بينسا فتجنسب أهسل البدع والهواء أولى .وقال
الكلبسي :قوله تعالى" :فل تقعدوا معهسم حتسى يخوضوا فسي حديسث غيره "نسسخ بقوله تعالى" :ومسا
على الذيسن يتقون مسن حسسابهم مسن شيسء "[النعام .]69 :وقال عامسة .المفسسرين :هسي محكمسة.
وروى جويبر عن الضحاك قال :دخل في هذه الية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة.
@قوله تعالى" :إن ال جامسع المنافقيسن" الصسل "جامسع" بالتنويسن فحذف اسستخفافا؛ فإنسه بمعنسى
يجمع ".الذين يتربصون بكم "يعني المنافقين ،أي ينتظرون بكم الدوائر" .فإن كان لكم فتح من ال
"أي غلبة على اليهود وغنيمة" .قالوا ألم نكن معكم "أي أعطونا من الغنيمة" .وإن كان للكافرين
نصسيب" أي ظفسر" .قالوا ألم نسستحوذ عليكسم "أي ألم نغلب عليكسم حتسى هابكسم المسسلمون وخذلناهسم
عنكسسسم .يقال :اسسسستحوذ على كذا أي غلب عليسسسه؛ ومنسسسه قوله تعالى" :اسسسستحوذ عليهسسسم الشيطان
"[المجادلة .]19 :وقيل :أصل السستحواذ الحوط؛ حاذه يحوذه حوذا إذا حاطه .وهذا الفعل جاء
على الصل ،ولو أعل لكان ألم نستحذ ،والفعل على العلل استحاذ يستحيذ ،وعلى غير العلل
اسستحوذ يسستحوذ" .ونمنعكسم مسن المؤمنيسن "أي بتخذيلنسا إياهسم عنكسم ،وتفريقنسا إياهسم ممسا يريدونسه
منكم .والية تدل على أن المنافقين كانوا يخرجون في الغزوات مع المسلمين ولهذا قالوا :ألم نكن
معكم ؟ وتدل على أنهم كانوا ل يعطونهم الغنيمة ولهذا طلبوها وقالوا :ألم نكن معكم ! ويحتمل أن
يريدوا بقولهم "ألم نكن معكم "المتنان على المسلمين .أي كنا نعلمكم بأخبارهم وكنا أنصارا لكم.
@قوله تعالى" :ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيل "للعلماء فيه تأويلت خمس:
أحدهسا :مسا روي عسن يسسيع الحضرمسي قال :كنست عنسد علي بسن أبسي طالب رضسي ال عنسه فقال له
رجسل يسا أميسر المؤمنيسن ،أرأيست قول ال" :ولن يجعسل ال للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل "كيسف
ذلك ،وهسم يقاتلوننسا ويظهرون علينسا أحيانسا ! فقال علي رضسي ال عنسه :معنسى ذلك يوم القيامسة يوم
الحكم .وكذا قال ابن عباس :ذاك يوم القيامة .قال ابن عطية :وبهذا قال جميع أهل التأويل .قال ابن
العربسسي :وهذا ضعيسسف :لعدم فائدة الخسسبر فيسسه ،وإن أوهسسم صسسدر الكلم معناه؛ لقوله تعالى" :فلله
يحكم بينكم يوم القيامة" فأخر الحكم إلى يوم القيامة .وجعل المر في الدنيا دول تغلب الكفار تارة
وتغلب أخرى؛ بمسسا رأى مسسن الحكمسسة وسسسبق مسسن الكلمسسة .ثسسم قال" :ولن يجعسسل ال للكافريسسن على
المؤمنيسن سسبيل" فتوهسم مسن توهسم أن آخسر الكلم يرجسع إلى أوله ،وذلك يسسقط فائدتسه ،إذ يكون
تكرارا.
الثاني :إن ال ل يجعل لهم سبيل يمحو به دولة المؤمنين ،ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم؛ كما
جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :وإني سألت ربي أل
يهلكها بسنة عامة وأل يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد
إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد وإني قد أعطيتك لمتك أل أهلكهم بسنة عامة وأل أسلط عليهم
عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك
بعضا ويسبي بعضهم بعضا ).
الثالث :إن ال سسبحانه ل يجعسل للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل منسه إل أن يتواصسوا بالباطسل ول
يتناهوا عسسن المنكسسر ويتقاعدوا عسسن التوبسسة فيكون تسسسليط العدو مسسن قبلهسسم؛ كمسسا قال تعالى" :ومسسا
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "[الشورى .]30 :قال ابن العربي :وهذا نفيس جدا.
قلت :ويدل عليسه قوله عليسه السسلم فسي حديسث ثوبان (حتسى يكون بعضهسم يهلك بعضسا ويسسبي
بعضهسسم بعضسسا ) وذلك أن "حتسسى "غايسسة؛ فيقتضسسي ظاهسسر الكلم أنسسه ل يسسسلط عليهسسم عدوهسسم
فيسستبيحهم إل إذا كان منهسم إهلك بعضهسم لبعسض ،وسسبي بعضهسم لبعسض ،وقسد وجسد ذلك فسي هذه
الزمان بالفتن الواقعة بيسن المسلمين؛ فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلد المسسلمين حتسى
لم يبق من السلم إل أقله؛ فنسأل ال أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه.
الرابع :إن ال سبحانه ل يجعل للكافرين على المؤمنين سبيل شرعا؛ فإن وجد فبخلف الشرع.
الخامسسسس" :ولن يجعسسسل ال للكافريسسسن على المؤمنيسسسن سسسسبيل "أي حجسسسة عقليسسسة ول شرعيسسسه
يستظهرون بها إل أبطلها ودحضت.
@ ابن العربي :ونزع علماؤنا بهذه الية في الحتجاج على أن الكافر ل يملك العبد المسلم .وبه
قال أشهسب والشافعسي :لن ال سسبحانه نفسى السسبيل للكافسر عليسه ،والملك بالشراء سسبيل ،فل يشرع
له ول ينعقد العقد بذلك .وقال ابن القاسم عن مالك ،وهو قول أبي حنيفة :إن معنى "ولن يجعل ال
للكافريسسن على المؤمنيسسن سسسبيل "فسسي دوام الملك؛ لنسسا نجسسد البتداء يكون له عليسسه وذلك بالرث.
وصسورته أن يسسلم عبسد كافسر فسي يسد كافسر فيلزم القضاء عليسه بسبيعه ،فقبسل الحكسم عليسه بسبيعه مات،
فيرث العبد المسلم وارث الكافر .فهده سبيل قد ثبت قهرا ل قصد فيه ،وإن ملك الشراء ثبت بقصد
النية ،فقد أراد الكافر تملكه باختياره ،فإن حكم بعقد بيعه وثبوت ملكه فقد حقق فيه قصده ،وجعل
له سسسبيل عليسسه .قال أبسسو عمسسر :وقسسد أجمسسع المسسسلمون على أن عتسسق النصسسراني أو اليهودي لعبده
المسسلم صسحيح نافسذ عليسه .وأجمعوا أنسه إذا أسسلم عبدالكافسر فسبيع عليسه أن ثمنسه يدفسع إليسه .فدل على
أنسه على ملكسه بيسع وعلى ملكسه ثبست العتسق له ،إل أنسه ملك غيسر مسستقر لوجوب بيعسه عليسه؛ وذلك
وال أعلم لقول ال عسز وجسل" :ولن يجعسل ال للكافريسن على المؤمنيسن سسبيل "يريسد السسترقاق
والملك والعبودية ملكا مستقرا دائما.
واختلف العلماء في شراء العبد الكافر العبد المسلم على قولين :أحدهما :البيع مفسوخ .والثاني:
البيع صحيح ويباع على المشتري.
@ واختلف العلماء أيضا من هذا الباب في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فأسلم العبد؛ فقال
مالك والشافعسي فسي أحسد قوليسه :يحال بينسه وبيسن العبسد ،ويخارج على سسيده النصسراني ،ول يباع
عليسه حتسى يتسبين أمره .فإن هلك النصسراني وعليسه ديسن قضسي دينسه مسن ثمسن العبسد المدبر ،إل أن
يكون في ماله ما يحمل المدبر فيعتق المدبر .وقال الشافعي في القول الخر :إنه يباع عليه ساعة
أسسلم؛ واختاره المزنسي؛ لن المدبر وصسية ول يجوز ترك مسسلم فسي ملك مشرك يذله ويخارجسه،
وقد صار بالسلم عدوا له .وقال الليث بن سعد :يباع النصراني من مسلم فيعتقه ،ويكون ولؤه
للذي اشتراه وأعتقه ،ويدفع إلى النصراني ثمنه .وقال سفيان والكوفيون :إذا أسلم مدبر النصراني
قوم قيمتسسه فيسسسعى فسسي قيمتسسه ،فإن مات النصسسراني قبسسل أن يفرغ المدبر مسسن سسسعايته عتسسق العبسسد
وبطلت السعاية.
**3الية{ 142 :إن المنافقين يخادعون ال وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى
يراؤون الناس ول يذكرون ال إل قليل}
@قوله تعالى" :إن المنافقيسن يخادعون ال وهسو خادعهسم" قسد مضسى فسي "البقرة "معنسى الخدع.
والخداع مسن ال مجازاتهسم على خداعهسم أولياءه ورسسله .قال الحسسن :يعطسى كسل إنسسان مسن مؤمسن
ومنافق نور يوم القيامة فيفرج المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا؛ فإذا جاؤوا إلى الصراط طفئ نور
كل منافق ،فذلك قولهم" :انظرونا نقتبس من نوركم "[الحديد.]13 :
@قوله تعالى" :وإذا قاموا إلى الصسسلة قاموا كسسسالى" أي يصسسلون مراءاة وهسسم متكاسسسلون
متثاقلون ،ل يرجون ثوابسا ول يعتقدون تركهسا عقابسا .وفسي صسحيح الحديسث( :إن أثقسل صسلة على
المنافقيسن العتمسة والصسبح ) .فإن العتمسة تأتسي وقسد أتعبهسم عمسل النهار فيثقسل عليهسم القيام إليهسا،
وصلة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من مفروح به ،ولول السيف ما قاموا.
والرياء :إظهار الجميسل ليراه الناس ،ل لتباع أمسر ال؛ وقسد تقدم بيانسه .ثسم وصسفهم بقلة الذكسر
عند المراءاة وعند الخوف .وقال صلى ال عليه وسلم ذاما لمن أخر الصلة( :تلك صلة المنافقين
-ثلثا -يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان -أو -على قرني الشيطان
قام فنقر أربعا ل يذكر ال فيها إل قليل ) رواه مالك وغيره .فقيل :وصفهم بقلة الذكر لنهم كانوا
ل يذكرون ال بقراءة ول تسبيح ،وإنما كانوا يذكرونه بالتكبير .وقيل :وصفه بالقلة لن ال تعالى
ل يقبله .وقيل :لعدم الخلص فيه .وهنا مسألتان:
الولى :بين ال تعالى في هذه الية صلة المنافقين ،وبينها رسوله محمد صلى ال عليه وسلم؛
فمن صلى كصلتهم وذكر كذكرهم لحق بهم في عدم القبول ،وخرج من مقتضى قوله تعالى" :قد
أفلح المؤمنون الذيسن هسم فسي صسلتهم خاشعون "[المؤمنون .]1 :وسسيأتي اللهسم إل أن يكون له
عذر فيقتصسر على الفرض حسسب مسا علمسه النسبي صسلى ال عليسه وسسلم .للعرابسي حيسن رآه أخسل
بالصلة فقال له( :إذا قمت إلى الصلة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم أقرأ ما تيسر معك من
القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعا ثم أرفع حتى تعتدل قائما ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أرفع
حتسى تطمئن جالسسا ثسم أفعسل ذلك فسي صسلتك كلهسا ) .رواه الئمسة .وقال صسلى ال عليسه وسسلم( :ل
صسسلة لمسسن لم يقرأ بأم القرآن) .وقال( :ل تجزئ صسسلة ل يقيسسم الرجسسل فيهسسا صسسلبه .الركوع
والسسجود) .أخرجسسه الترمذي وقال :حديسسث حسسسن صسحيح ،والعمسل على هذا عنسسد أهسسل العلم مسن
أصسسحاب النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم ومسسن بعدهسسم ،يرون أن يقيسسم الرجسسل صسسلبه فسسي الركوع
والسسجود .قال الشافعسي وأحمسد وإسسحاق :مسن ل يقيسم صسلبه فسي الركوع والسسجود فصسلته فاسسدة؛
لحديث النبي صلى ال عليه وسلم( :تجزئ صلة ل يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود).
قال ابن العربي :وذهب ابن القاسم وأبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست بفرض .وهي رواية عراقية
ل ينبغي لحد من المالكيين أن يشتغل بها .وقد مضى في "البقرة "هذا المعنى.
الثانية :قال ابن العربي :إن من صلة ليراها الناس ويرونه فيها فيشهدون له باليمان ،أو أراد
طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة جواز المامة فليسس ذلك بالرياء المنهسي عنه ،ولم يكسن عليه
حرج؛ وإنمسسا الرياء المعصسسية أن يظهرهسسا صسسيدا للناس وطريقسسا إلى الكسسل ،فهذه نيسسة ل تجزئ
وعليه العادة.
قلت :قوله "وأراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة "فيه نظر .وقد تقدم بيانه في "النساء"
فتأمله هناك .ودلت هذه اليسسة على أن الرياء يدخسسل الفرض والنفسسل؛ لقول ال تعالى" :وإذا قاموا
إلى الصلة قاموا "فعسم .وقال قوم :إنما يدخل النفسل خاصسة؛ لن الفرض واجب على جميع الناس
والنفل عرضة لذلك .وقيل بالعكس؛ لنه لو لم يأت بالنوافل لم يؤاخذ بها.
**3اليسة{ 143 :مذبذبيسن بيسن ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ومسن يضلل ال فلن تجسد له
سبيل}
@ المذبذب :المتردد بين أمرين؛ والذبذبة الضطراب .يقال :ذبذبته فتذبذب؛ ومنه قول النابغة:
ترى كل ملك دونها يتذبذب ألم تر أن ال أعطاك سورة
آخر:
مسيرة شهر للبريد المذبذب خيال لم السلسبيل ودونها
كذا روي بكسسسر الذال الثانيسسة .قال ابسسن جنسسي :أي المهتسسز القلق الذي ل يثبسست ول يتمهسسل .فهؤلء
المنافقون مترددون بيسن المؤمنيسن والمشركيسن ،ل مخلصسين اليمان ول مصسرحين بالكفسر .وفسي
صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم( :مثل المنافق كمثل الشاة العائرة
بيسن الغنميسن تعيسر إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى ) وفسي روايسة (تكسر) بدل (تعيسر) .وقرأ الجمهور
"مذبذبيسسن" بضسسم الميسسم وفتسسح الذاليسسن .وقرأ ابسسن عباس بكسسسر الذال الثانيسسة .وفسسي حرف أبسسي
"متذبذبين" .ويجوز الدغام على هذه القراءة "مذبذبين" بتشديد الذال الولى وكسر الثانية .وعن
الحسن "مذبذبين" بفتح الميم والذالين.
**3اليسة{ 144 :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تتخذوا الكافريسن أولياء من دون المؤمنيسن أتريدون أن
تجعلوا ل عليكم سلطانا مبينا}
@قوله تعالى" :يسا أيهسا الذيسن آمنوا ل تتخذوا الكافريسن أولياء" مفعولن؛ أي ل تجعلوا خاصستكم
وبطانتكسم منهسم؛ وقسد تقدم هذا المعنسى" .أتريدون أن تجعلوا ل عليكسم سسلطانا مبينسا" أي فسي تعذيبسه
إياكم بإقامته حجته عليكم إذ قد نهاكم.
**3الية{ 145 :إن المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}
@قوله تعالى" :في الدرك" .قرأ الكوفيون "الدرك" بإسكان الراء ،والولى أفصح؛ لنه يقال في
الجمع :أدراك مثل جمل وأجمال؛ قال النحاس .وقال أبو علي :هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه،
والجمع أدراك .وقيل :جمع الدرك أدرك؛ كفلس وأفلس .والنار دركات سبعة؛ أي طبقات ومنازل؛
إل أن اسستعمال العرب لكسل مسا تسسافل أدراك .يقال :للبئر أدراك ،ولمسا تعالى درج؛ فللجنسة درج،
وللنار أدراك .وقسد تقدم هذا .فالمنافسق فسي الدرك السسفل وهسي الهاويسة؛ لغلظ كفره وكثرة غوائله
وتمكنه من أذى المؤمنين .وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم
ثم الهاوية؛ وقد يسمى جميعها باسسم الطبقة الولى ،أعاذنسا ال من عذابها بمنه وكرمه .وعن ابن
مسعود في تأويل قوله تعالى" :في الدرك السفل من النار" قال :توابيت من حديد مقفلة في النار
تقفسل عليهسسم .وقال ابسن عمسسر :إن أشسد الناس عذابسا يوم القيامسسة ثلثسة :المنافقون ،ومسسن كفسسر مسسن
أصسحاب المائدة ،وآل فرعون؛ تصسديق ذلك فسي كتاب ال تعالى ،قال ال تعالى" :إن المنافقيسن فسي
الدرك السسسفل مسسن النار" .وقال تعالى أصسسحاب المائدة" :فإنسسي أعذبسسه عذابسسا ل أعذبسسه أحدا مسسن
العالمين" [المائدة .]115 :وقال في آل فرعون" :أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر.]46 :
**3اليسة{ 146 :إل الذيسن تابوا وأصسلحوا واعتصسموا بال وأخلصسوا دينهسم ل فأولئك مسع
المؤمنين وسوف يؤت ال المؤمنين أجرا عظيما}
@ استثناء ممن نافق .ومن شرط التائب .من النفاق أن يصلح في قوله وفعله ،ويعتصم بال أي
يجعله ملجسأ ومعاذا ،ويخلص دينسه ل؛ كمسا نصست عليسه .هذه اليسة؛ وإل فليسس بتائب؛ ولهذا أوقسع
أجسر المؤمنيسن فسي التسسويف لنضمام المنافقيسن إليهسم .وال أعلم .روى البخاري عسن السسود قال:
كنسا فسي حلقسة عبدال فجاء حذيفسة حتسى قام علينسا فسسلم ثسم قال :لقسد نزل النفاق على قوم خيسر منكسم،
قال السسود :سسبحان ال ! إن ال تعالى يقول" :إن المنافقيسن فسي الدرك السسفل مسن النار" .فتبسسم
عبدال وجلس حذيفة في ناحية المسجد؛ فقام عبدال فتفرق أصحابه فرماني بالحصى فأتيته .فقال
حذيفسة :عجبست مسن ضحكسه وقسد عرف مسا قلت :لقسد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكسم ثسم تابوا
فتاب ال عليهسم .وقال الفراء :معنسى "فأولئك مسع المؤمنيسن" أي مسن المؤمنيسن .وقال القتسبي :حاد
عسن كلمهسم غضبسا عليهسم فقال" :فأولئك مسع المؤمنيسن" ولم يقسل :هسم المؤمنون .وحذفست الياء مسن
"يؤت" فسي الخسط كمسا حذفست فسي اللفسظ؛ لسسكونها وسسكون اللم بعدهسا ،ومثله "يوم يناد المنادي"
[ق ]41 :و"سسندع الزبانيسة" [العلق ]18 :و"يوم يدع الداعسي" [القمسر ]6 :حذفست الواوات
للتقاء الساكنين.
**3الية{ 147 :ما يفعل ال بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان ال شاكرا عليما}
@ اسستفهام بمعنسى التقريسر للمنافقيسن .التقديسر :أي منفعسة له فسي عذابكسم إن شكرتسم وآمنتسم؛ فنبسه
تعالى أنه ل يعذب الشاكر المؤمن ،وأن تعذيبه عباده ل يزيد في ملكه ،وتركه عقوبتهم على فعلهم
ل ينقسص مسن سسلطانه .وقال مكحول :أربسع مسن كسن فيسه كسن له ،وثلث مسن كسن فيسه كسن عليسه؛
فالربسع اللتسي له :فالشكسر واليمان والدعاء والسستغفار ،قال ال تعالى" :مسا يفعسل ال بعذابكسم إن
شكرتسسم وآمنتسسم" وقال ال تعالى" :ومسسا كان ال ليعذبهسسم وأنسست فيهسسم ومسسا كان ال معذبهسسم وهسسم
يستغفرون" [النفال ]33 :وقال تعالى" :قل ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم" [الفرقان .]77 :وأما
الثلث اللتسي عليسه :فالمكسر والبغسي والنكسث؛ قال ال تعالى" :فمسن نكسث فإنمسا ينكسث على نفسسه"
[الفتسح .]10 :وقال تعالى" :ول يحيسق المكسر السسيئ إل بأهله" [فاطسر ]43 :وقال تعالى" :إنمسا
بغيكم على أنفسكم" [يونس" .]23 :وكان ال شاكرا عليما" أي يشكر عباده على طاعته .ومعنى
"يشكرهم" يثيبهم؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل ،وذلك شكر منه على عبادته.
والشكر في اللغة الظهور ،يقال :دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف ،وقد
تقدم هذا المعنى مستوفى .والعرب تقول في المثل" :أشكر من بروقة" لنها يقال :تخضر وتنضر
بظل السحاب دون مطر .وال أعلم.