You are on page 1of 18

‫الكتاب ‪ :‬رسالة التوابع والزوابع‬

‫الؤلف ‪ :‬أبو عامر بن شُهيد الشجعي الندلسي (التوف ‪426 :‬هـ)‬

‫الدخل زهي بن ني‬


‫ل أبا بكر ظنّ رميته فأصميتَ‪ ،‬وحَدسٌ أملته فما أشويت أبدَيتَ بما وجه الليّة‪ ،‬وكشفت إن ُغرّةِ القيقة‪ ،‬حي لحت صاحبك الذي‬
‫تكسّبته ورأيته قد أخذ بأطراف السّماء‪ ،‬فألف بي قمريها‪ ،‬ونظم فرقديها‪ ،‬فكلما رأى ثغرا سدّه بسُهاها‪ ،‬أو لَح خرقا رمّه بزُباناها‪ ،‬إل غي‬
‫ذلك‪ .‬فقلت‪ :‬كيف أون الُكم صبيا‪ ،‬وهز بدعِ نلة الكلم فاساقط عليه رُطبا؛ أما إن به شيطانا يهديه‪ ،‬وشيصباناَ يأتيه وأقسم أنّ له تابعة‬
‫تُنجدُه‪ ،‬وزابعة تؤيدّه‪ ،‬ليس هذا ف قدرة النس‪ ،‬ول هذا النفس لذه النفس‪ .‬فأما وقد قُلتها‪ ،‬أبا بكرٍ‪ ،‬فأصِخ أسعك العجب العُجاب‪ :‬كنت‬
‫أيّام كُتاب الجاء‪ ،‬أحِ ّن إل الدباء‪ ،‬وأصبُو إل تأليف الكلم؛ فاتبعتُ الدّواوين‪ ،‬وجلستُ إل الساتيذ‪ ،‬فنبض ل عِرقُ الفهم‪ ،‬ود ّر ل شريانٌ‬
‫العلم‪ ،‬بوادّ روحانية‪ ،‬وقليلُ اللتماح من النظر يزيدن‪ ،‬ويَسييُ الطالعةِ من الكتب يُفيدُن‪ ،‬إذ صادف ش ّن العلم طبقة‪ .‬ول أكُن كالثلجِ تقتبس‬
‫ت رجل طيه أشراكا‪ ،‬فانثالث ل العجائب‪ ،‬وانالت عليّ الرغائب‪.‬‬
‫منه نارا‪ ،‬ول كالمار يملُ أسفارا‪ .‬فطعنت ثُغرة البيان دراكا‪ ،‬وأعلق ُ‬
‫جزِعتُ‬
‫ت أهواه مدّة ذلك ا َللَل‪ ،‬ف َ‬
‫وكان ل أوائِل صبوت هوى اشت ّد به كلفي‪ ،‬ث لقن بعد َم َللٌ ف أثناء ذلك الَيل‪ .‬فاتفق أن مات من كن ُ‬
‫وأخذتُ ف رثائه يوما ف الائرِ‪ ،‬وقد أُبمت علي أبوابُه‪ ،‬وانفردتُ فقلت‪:‬‬
‫تول الِمامُ بظبِ الُدُورِ‪ ... ،‬وفازَ الرّدى بالغزالِ الغريرِ‬
‫إل أن انتهيتُ إل العتذا ِر من ا َللَل الذي كان‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫ك ل عن قِلىً‪ ... ،‬ول عن فسادٍ جرى ف ضميي‬
‫وكنتُ َملُِت َ‬
‫س أدهم كما َبقَل وجهُه‪ ،‬قد اتكأ على رُمه‪ ،‬وصاح ب‪ :‬أعجزا يا فت‬
‫س ببابِ الجلِس على فر ٍ‬
‫ج عليّ القولُ وأُفحمتُ‪،‬فإذا أنا بفار ٍ‬
‫فأُرت َ‬
‫النس؟ قلتُ‪ :‬ل وأبيك‪ ،‬للكلمِ أحيان‪ ،‬وهذا شأنُ النسان! قال ل‪ :‬قُل بعده‪:‬‬
‫كمِثلِ مَللِ الفت للنعيم‪ ... ،‬إذا دامَ فيه‪ ،‬وحالِ السّرورِ‬
‫فأثبتّ إجازته‪ ،‬وقلت له‪ :‬بأب أنت! من أنت؟ قال‪ :‬أنا زُهيُ ابن نُمي من أشج ِع النِ‪ .‬فقلتُ‪ :‬وما الذي حداكَ إل التصوّ ِر ل؟ فقال‪ :‬هوى‬
‫ل بك أيها الوجهُ الوضاح‪ ،‬صادفن قلبا إليك مقلوبا‪ ،‬وهوى نوك منوبا‪ .‬وتادثنا حينا ث قال‪ :‬مت‬
‫فيك‪ ،‬ورغبةٌ ف اصطفائك‪ .‬قلت‪ :‬أه ً‬
‫شِئتَ استِحضاري فأنشد هذه البيات‪:‬‬
‫وال زُهيَ الُبّ‪ ،‬يا عز‪ ،‬إنه ‪ ...‬إذا ذكرته الذّاكراتُ أتاها‬
‫إذا جرتِ الفواهُ يوما يذكرها ‪ ...‬يُخّيلُ ل أن أقّبلُ فاها‬
‫ت ‪ ...‬أجارعُ مِنْ داري‪ ،‬هوى لواها‬
‫فأغشى ديار الذّاكرين‪ ،‬وإن نأ ُ‬
‫وأوثب الدهم جدار الائط ث غاب عن‪ .‬وكنتُ‪ ،‬أبا بكرٍ‪ ،‬مت أُرِتجَ عليّ‪ ،‬أو انقطع ب مسلك‪ ،‬أو خانن أُسلوبٌ أنشدُ البيات فيمثّل ل‬
‫صاحب‪ ،‬فأسيُ إل ما أرغب‪ ،‬وأدركُ بقريت ما أطلُب‪ .‬وتأكدت صًحبتنا‪ ،‬وجرت قصص لول أن يطول الكتابُ لذكرتُ أكثرها‪ ،‬لكن ذاكرٌ‬
‫بعضها‪.‬‬
‫الفصل الول‬
‫توابع الشعراء‬
‫شيطان امرئ القيس‬
‫تذاكرتُ يوما مع زُهي بن نُميٍ أخبار الُطباء والشعّراء‪ ،‬وما كان يأل ُفهُم من توابع والزوابع‪ ،‬وقلتُ‪ :‬هل حيلةٌ ف لقاء من اتفق منهم؟ قال‪:‬‬
‫حت أستأذن شيخنا‪ .‬وطار عن ث انصرف كلمحٍ بالبَصَر‪ ،‬وقد أُذن له‪ ،‬فقال‪ُ :‬حلّ على مت الَوادِ‪ .‬فصرنا عليه؛ وسار بنا كالطائر يتابُ الوّ‬
‫ت جوا ل كجوّنا‪ ،‬متفرع الشجر‪ ،‬عطر الزّهر؛ فقال ل‪ :‬حللتَ أرض الن‬
‫ت أرضا ل كأرضنا‪ ،‬وشارف ُ‬
‫فالوّ‪ ،‬ويقطعُ الدّوّ فالدّوّ‪ ،‬حت التمح ُ‬
‫أبا عامر‪ ،‬فبمن تُريدُ أن نبدأ؟ قلتُ‪ :‬الطباء أول بالتقدي‪ ،‬لكن إل الشعراء أشواق‪ .‬قال‪ :‬فمن تُري ُد منهم؟ قلت‪ :‬صاحب امرئ القيس‪ .‬فأما‬
‫العنان إل وادٍ من الدوية ذي دَوحٍ تتكسرُ أشجارُه‪ ،‬وتترنُ أطياره‪ ،‬فصاح‪ :‬يا عُتيبةُ بن نوفل‪ ،‬بسقط اللّوى فحومل‪ ،‬و ِي دارةِ جُلجُل‪ ،‬إلّ ما‬
‫س على فرسٍ شقراء كأنا تلتهب‪،‬‬
‫عرضتَ علينا وجهك‪ ،‬وأنشدتنا من شعرك‪ ،‬وسعت من النسي‪ ،‬وعرّفتنا كيف إجازتُك له! فظهر لنا فار ٌ‬
‫فقال‪ :‬حياك ال يا زُهي‪ ،‬وحيّا صاحبك أهذا فتاهُم؟ قلتُ‪ :‬هو هذا‪ ،‬وأيّ جرةٍ يا عتُيبة! فقال ل‪ :‬أنشد؛ فقلتُ‪ :‬السيدُ أول بالنشاد‪ .‬فتطامح‬
‫طرفُه‪ ،‬واهتزّ عطفه‪ ،‬وقبض عنانَ الشقراء وضربا بالسّوط‪ ،‬فسمت تُحضر طُولً عنّا‪ ،‬وكرّ فاستقبلنا بالصّعدةِ هازا لا‪ ،‬ث ركزها وجعل يُنشد‪:‬‬
‫ق بعدما كان أقصرا ‪...‬‬
‫سا لك شو ٌ‬
‫حت أكمَلها ث قال‪ :‬ل‪ :‬أنشِد؛ فهمتُ باليصة‪ ،‬ث اشتدّت قُوى نفسي وأنشدت‪:‬‬
‫َشجَ ْتهُ مَعا ٍن من سُليمى وأدْؤ ُر ‪...‬‬
‫ت فيها إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫ف رأسها ‪َ ...‬ت ِزلّ با ريحُ الصّبا فتحدّرُ‬
‫ومِن ُقبّ ٍة ل يُدركُ الطّر ُ‬
‫تكلّفتُها والليلُ قد جاش برهُ‪ ،‬وقد جعلت أمواج ُه تتكسرُ‬
‫ط أسرُ‬
‫ومن تت حضن أبيضٌ ذو سفاسقٍ‪ ... ،‬وف الكفّ من عسّال ِة ال ّ‬
‫ت يافعا‪ ... ،‬مُقِيلنِ من ج ّد الفت حي يعُثرُ‬
‫هُما صاحباي من لدُن كن ُ‬
‫فذا جدولٌ ف الغم ِد تُسقى به الن‪ ،‬وذا غُصُ ٌن ف الكفّ يُجن فيثُمرُ‬
‫ت تأملن عُتيبةُ ث قال‪ :‬اذهب أجزتُك‪ .‬وغاب عنّا‪.‬‬
‫فلما انتهي ُ‬
‫شيطان طرفة‬
‫ح بارا‪،‬‬
‫فقال ل زُهي‪ :‬من تُريدُ بعدُ؟ قلتُ‪ :‬صاحب طرفة‪ .‬فجزعنا وادي عُتيبة‪ ،‬وركضنا حت انتهينا إل غيض ٍة شجرُها شجران‪ :‬سامٌ يفو ُ‬
‫وشح ٌر يعبق هنديا وعارا‪ .‬فرأينا عينا معينةً تسيل‪ ،‬ويدُورُ ماءها فلكيا ول يُل‪ .‬فصاح به زهي‪ :‬يا عنترُ بن العجلن‪ ،‬حلّ بك زهيٌ وصاحبه‪،‬‬
‫فبخَولة‪ ،‬وما قطعت معها من ليلة‪ ،‬إ ّل ما عرضت وجهك لنا! فبدا إلينا راكبٌ جيلُ الوجه‪ ،‬قد توشح السّيف‪ ،‬واشتمل عليه كساء خزّ‪ ،‬وبيده‬
‫خ ّطيّ‪ ،‬فقال‪ :‬مرحبا بكُما! واستنشدن فقلتُ‪ :‬الزعيمُ أول بالنشاد؛ فأنشد‪:‬‬
‫حزّانِ الشّريف ُطلُول ‪...‬‬
‫لِسُعدى ِب ِ‬
‫حت أكملها‪ ،‬فأنشدته من قصيدة‪:‬‬
‫أمِن رسمِ دا ٍر بالعقيقِ ُمحِيلِ ‪...‬‬
‫ت إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫ث تُذعرُ وحشُ ُه ‪ ...‬على كل خوّار العنان أسيلِ‬
‫ولا هبطنا الغي َ‬
‫وثارت بناتُ العوجيّاتِ بالضّحى ‪ ...‬أبابِيلَ‪ ،‬من أعطافِ غي وبيلِ‬
‫مُسوّم ًة نعتدّها من خِيارها‪ ... ،‬لِطردِ قنيصٍ‪ ،‬أو لطردِ رعيلِ‬
‫إذا ما تغنّى الصّحبُ فوق متونِها ‪ ...‬ضُحينا‪ ،‬أجابت تتهم بصهيلِ‬
‫ت بليل‬
‫تدُوسُ با أبكا َر نو ٍر كأنّه ‪ ...‬رِدا ُء عرُوسٍ أوذن ُ‬
‫رَمينا با عُرضَ الصّوا ِر فأقعصت ‪ ...‬أغنّ قتلناهُ بغيِ قتيلِ‬
‫وبادَرَ أصحاب النّزولَ‪ ،‬فأقبلت ‪ ...‬كراديسُ من غض الشّواء نشيلِ‬
‫سحُ بالوذانِ مِنهُ‪ ... ،‬إذا ما اقتنصنا منه غي قليلِ‬
‫نُم ّ‬
‫ف شولِ‬
‫فقُلنا لسلقِيها‪ :‬أدرها سُلف ًة ‪ ...‬شولً‪ ،‬ومِن عينيك صِر َ‬
‫فقال بكأسيه مُكيعا لمرِنا‪ ... ،‬يي ُل به الدللُ كلّ مَميلِ‬
‫س كريِ منهُمُ وتليلِ‬
‫ل ‪ ...‬برأ ِ‬
‫وشَعشَ َع راحيه‪ ،‬فما زال مائ ً‬
‫إل أن ثناهُم راكدينَ‪ ،‬لا احتسوا‪ ... ،‬خليعيَ من بطش وفضل عُقولِ‬
‫ع نيلِ‬
‫نشاوى على الزّهراء‪ ،‬صرعى كأنم ‪ ...‬أساكيُ قصرٍ‪ ،‬أو جُذُو ُ‬
‫فصاحَ عنترٌ‪ :‬ل أنت! اذهب مُجازٌ‪ .‬وغاب عنّا‪ .‬ث مِلنا عنه‪.‬‬
‫شيطان قيس بن الطيم‬
‫فقال ل زهي‪ :‬إل من تتُوقُ نفسُك بعدُ من الاهليّي؟ قلت‪ :‬كفان من رأيتُ؛ اصرِف وجه قصدنا أب تام‪ .‬فركضنا ذات اليمي حينا‪ ،‬ويشتدّ‬
‫ف إثرِنا فارسٌ كأنه السد‪ ،‬على فرسٍ كأنا العُقاب‪ ،‬وهو ف عدوه ذلك يُنشد‪:‬‬
‫ت ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ‪ ... ،‬لا نفذٌ‪ ،‬لول الشعاعُ‪ ،‬أضاءها‬
‫طعن ُ‬
‫ت منه‪ ،‬فقال ل زهي‪ :‬ل عليك‪ ،‬هذا أبو الطّا ِر صاحبُ قيسِ ابن الطيم‪ .‬فاستب لُبّ من إنشاده البيت‪ ،‬وازددتُ خوفا لُجرأته‪ ،‬وأنّنا‬
‫فاسترب ُ‬
‫ل نُعرّج عليه‪ .‬فصرف إليه زهيٌ وجه الدم‪ ،‬وقال‪ :‬حيّاك الُ أبا الطّار! فقال‪ :‬أهكذا يُحادُ عن أب الطار‪ ،‬ول يُخطرُ عليه؟ قال‪ :‬علمناك‬
‫صاحب قنص‪ ،‬وخفنا أن نشغلك‪ .‬فقال ل‪ :‬أنشدنا يا أشجعي‪ ،‬وأُقسم أنك إن ل تُجد ليكوننّ يوم شر‪ .‬فأنشدتُه قول من قصيدة‪ :‬منازلم‬
‫ك عَفاءها ومنها‪:‬‬
‫تبكي إلي َ‬
‫خليليّ عُوجا‪ ،‬باركَ ال فيكُما‪ ... ،‬بدارتِها الول نُحيّ فناءها!‬
‫فلم أ َر أسرابا كأسرابا الدّمى‪ ... ،‬ول ذئب مثل قد رعى‪ ،‬ثّ شاءها‬
‫ول كضل ٍل كان أهدى لصبوت‪ ... ،‬ليال يهدين الغرا ُم خِباءها‬
‫ت لا لّا سعتُ بُكاءها‬
‫ق إلّ حائِمٌ‪ ... ،‬بكي ُ‬
‫ج هذا الشو َ‬
‫وما ها َ‬
‫ت لنفسي كيف مُلكها الوى‪ ... ،‬وكيف اسَت َفزّ الغانِياتُ إباءها؟‬
‫عجِب ُ‬
‫ت عليّ أكارمٌ؛ ‪ ...‬ترضّيتُ بالعرضِ الكريِ جزاءها‬
‫ولو أنن أن ْ‬
‫ولكنّ جُرذان الثّغو ِر رمينن‪ ... ،‬فأكرمتُ نفسي أن تُريق دماءها‬
‫ت خزاءها‬
‫ت رابيا ‪ ...‬باجة نفسِ ما حُرب ُ‬
‫إليك أبا مروان ألقي ُ‬
‫هززُتكَ ف نَصري ضُحىً فكأنّن ‪ ...‬هززتُ‪ ،‬وقد جئتُ البال‪ ،‬حراءها‬
‫س ل أريدُ بقاءها‬
‫ت عُرى عزم الزّمانِ‪ ،‬وإن عَتا‪ ... ،‬بعزم ِة نف ٍ‬
‫نقض ُ‬
‫ت تبسمّ وقال‪ :‬لنع َم ما تلّصتَ! اذهب فقد أجزتُك‪.‬‬
‫فلما انتهي ُ‬
‫صاحب أب تام‬
‫ثّ انصرفنا‪ ،‬وركضنا حت انتهينا إل شجرةٍ غيناء يتفجرُ من أصلِها عيٌ كمقل ٍة حَواء‪ .‬فصاح زُهي‪ :‬يا عتابُ بن حبناء‪ ،‬حلّ بك زُهي وصاحبهُ‪،‬‬
‫فبعمروٍ والقمر الكّالِع‪ ،‬وبالرّقعةِ الفكوكةِ الطّابع‪ ،‬إلّ ما أريتنا وجهك! فانفلق ماء العي عن وجهِ فتً كفِلقةِ القمر‪ ،‬ث اشت ّق الواء صاعدا إلينا‬
‫من قعرها حت استوى معنا فقال‪ :‬حيّاك ال يا زهي‪ ،‬وحيّا صاحبك! فقلتُ‪ :‬وما الذي أسكنك قعر هذه العي يا عتاب؟ قال‪ :‬حيائي من‬
‫التّحسّ ِن باسمِ الشّعرِ وأنا ل أُحسنُه‪ .‬فصحتُ‪ :‬ويلي منه؛ كلمُ مُحدثٍ ورب الكعبة! واستنشدن فلم أُنشده إجللً له‪ ،‬ث أنشدتُه‪:‬‬
‫أبكيتَ‪ ،‬إذ َطعَ َن الفريقُ‪ ،‬فِراقَها ‪...‬‬
‫ت فيها إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫إ ّن امرُؤٌ لعب الزّمانُ بمّت‪ ... ،‬وسُقيتُ من كأس الُطوبِ دهاقها‬
‫ت ‪ُ ...‬حمُ ُر النامِ‪ ،‬فما تر ُي نُهاقها‬
‫وكبوتُ طِرفا ف العُلى‪ ،‬فاستضك ْ‬
‫وإذا ارتت نوي الُن لنالا‪ ... ،‬وقف الزّما ُن لا هُناك فعاقها‬
‫وإذا أبو يي تأ ّخرُ نفسهُ‪ ... ،‬فمت أُؤ ّملُ ف الزّمان لاقها؟‬
‫فلما انتهيتُ قال‪ :‬أنشدن من رثائك‪ .‬فأنشدتُه‪:‬‬
‫أعينَا امرَأ َن َزحَتْ عيُنهُ‪ ... ،‬ول تَعجَبا مِن ُجفُونٍ جادىِ‬
‫إذا القلبُ أحرقهُ بثّهُ‪ ... ،‬فإنّ الدامِ َع تِلوُ الفُؤادِ‬
‫يودّ الفت مَنهلً خاليا‪ ... ،‬وسعدُ الَني ِة ف كل وادِ‬
‫ويصرفُ للكو ِن ما ف يديهِ‪ ... ،‬وما الكو ُن إ ّل نذيرُ الفسادِ‬
‫ض الَوادِ‬
‫جزِ الوت رك ُ‬
‫لقد عثرَ الدّهرُ بالسابقيَ‪ ... ،‬ول يُع ِ‬
‫ب الرّدى ‪ ...‬أرِيبٌ‪ ،‬ول جاهدٌ باجتِهادِ‬
‫لعمرُكَ ما ردّ ري َ‬
‫ضرَبُوا دُونه بالسّدادِ‬
‫ب الفت‪ ... ،‬ولَ ْو َ‬
‫سِهامُ الَنايا تُصِي ُ‬
‫شهِم‪ ،‬جُرهُما‪ ... ،‬وأصميَ‪ ،‬ف دارهم‪ ،‬قومَ عادِ‬
‫أصَبَ‪ ،‬على بط ِ‬
‫وأقصع َن كلبا على ِعزّهِ‪ ... ،‬فما اعتزّ بالصّافِناتِ الِيادِ‬
‫إل أن انتهيتُ فيها إل قول‪:‬‬
‫ت يَفاعاَ وبيلَ الَرادِ‬
‫ولكنّن خانَن مَعشري‪ ... ،‬ورُد ُ‬
‫س ف غيِ هادِ؟‬
‫ت الرّأ ُ‬
‫وهل ضرب السيفُ من غيِ كفٍ؟ وهل ثب َ‬
‫فقال‪ :‬زِدن من رثائك وتريضك‪ ،‬فأنشدتُه‪:‬‬
‫أف كلّ عامٍ مصرعٌ لعظيمِ؟ ‪ ...‬أصابَ الَنايا حادثي وقديي‬
‫هوى قمرا قيس بن عيلنَ آنفا‪ ... ،‬وأوحشَ مِن كلبٍ مكانُ زعِيم‬
‫ت إذا سطتْ‪ ... ،‬وقد ُفلّ سيفي منهُمُ وعَزيي؟‬
‫فكيف لِقائي الادِثا ِ‬
‫وكيف اهتدائي ف الطُوب إذا دجت ‪ ...‬وقد فقدت عيناي ضو َء ُنجُومِ؟‬
‫ح إل بقيةً‪ ... ،‬ك ُغرّ ِة مُسودّ القميصِ بيمِ‬
‫مضى السّلفُ الوضّا ُ‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ت با الفاقَ عنّي غريبةً‪ ... ،‬نتيج َة خفاقِ الضّلوعِ كظيمِ‬
‫رَمَي ُ‬
‫لُبدي إل أهل الجى مِن بواطن‪ ... ،‬وأُدل بعُدرٍ ف ظواهر لُومِ‬
‫ف صرُومِ‬
‫أنا السّيفُ ل تتعبْ به كفّ ضاربٍ‪ ... ،‬صرو ٌم إذا صادفتُ ك ّ‬
‫سعيتُ بأحرارِ الرّجالِ‪ ،‬فخانن ‪ ...‬رجالٌ‪ ،‬ول ُأنَ ْد ِبجِ ّد عظيمِ‬
‫وضيعن المل ُك بدءا وعودةً‪ ... ،‬فضعتُ بدارٍ منهُ ُم وحَريِ‬
‫فقال‪ :‬إن كنتَ ول بُ ّد قائلً‪ ،‬فإذا دعتك نفسكُ إل القو ِل فل تكُدّ قريتك‪ ،‬فإذا أكملتَ فجمامُ ثلثة ل أقلّ‪ .‬ون ّقحْ بع َد ذلك‪ ،‬وتذ ّكرْ قوله‪:‬‬
‫ف ابنِ َعفّانَ َردّها‪ ... ،‬فثقفتُها حولً كريتا ومربَعا‬
‫شمَن خو ُ‬
‫وجَ ّ‬
‫وقد كان ف نفسي عليها زيادةٌ‪ ... ،‬فلم أ َر إ ّل أن أُطيعَ وأسَعا‬
‫ص ف العَي‪.‬‬
‫ت على رأسه‪ ،‬وغا َ‬
‫ت إلّ مُحسِ ٌن على إساءةِ زمانكَ‪ .‬فقبل ُ‬
‫وما أن َ‬
‫صاحب البحتري‬
‫ث قال ل زُهي‪ :‬من تُريد بعده؟ قلتُ‪ :‬صاحب أب نُواس؛ قال‪ :‬هو بدَيرِ حنّة منذُ أشهر‪ ،‬قد علبت عليه المر‪ ،‬ودّيرُ حنّة ف ذلك الَبل‪.‬‬
‫وعرضه عليّ‪ ،‬فإذا بيننا وبينه فراسخ‪ .‬فركضنا ساعةً وجُزنا ف ركضِنا بقص ٍر عظيمٍ قُدّامه ناوردٌ يتطاردُ فيه فُرسان‪ ،‬فقُلتُ‪ :‬لَن هذا القصرُ يا‬
‫ف أجلْ‪ ،‬إنه لن أساتيذي‪ ،،‬وقد‬
‫ك ف أن تراه؟ قلتُ‪ :‬أل ُ‬
‫ي ف ذلك النّاورد‪ ،‬فهل ل َ‬
‫زُهي؟ قال‪ :‬لطوقِ بن مالك؛ وأبُو الطّب ِع صاحبُ البُحتُر ّ‬
‫ت على فرسٍ أشعل‪ ،‬وبيده قناة‪ ،‬فقال له زُهي‪ :‬إنك مؤتّنا؛ فقال‪ :‬ل‪ ،‬صاحُبك أشخُ مارِنا من‬
‫ت أُنسِيتُه‪ .‬فصاح‪ :‬يا أبا الطّبعِ! فخرج ف ً‬
‫كُن ُ‬
‫ذلك‪ ،‬لول أنه ينقصُه‪ .‬قلتُ‪ :‬أبا الطّب ِع على رِسلِك‪ ،‬إنّ الرّجا َل ل تُكالُ بالقُفزان‪ .‬أنشدنا من شعرك‪ .‬فأنشد‪:‬‬
‫ف الرّكابِ ‪...‬‬
‫ما على الرّكبِ من وُقو ِ‬
‫ت قُلتَ شيئا‪ .‬فأنشدتُه‪:‬‬
‫حت أكملها‪ ،‬ث قال‪ :‬هاتِ إن كن َ‬
‫ب والرّبابِ ‪...‬‬
‫هذِهِ دارُ زينَ ٍ‬
‫ت فيها إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫وارتكَضنا حت مضى اللي ُل يَسعى‪ ... ،‬وأتى الصبحُ قاط َع السبابِ‬
‫ش ‪ ...‬دخلوا لل ُكمُون ف جوف غابِ‬
‫فكأنّ النجوم ف الليل جي ٌ‬
‫ت كفّه بر ْجلِ غُرابِ‬
‫ي ‪ ...‬قبض ْ‬
‫وكأن الصباح قانصُ ط ٍ‬
‫وفُت ّو َسرَوا وقد عكف اللي ‪ ...‬ل وأرخى ُمغْدَودِن الطنابِ‬
‫وكأ ّن النجومَ لّا هدَتُم ‪ ...‬أشرقَت للعيون من آدابِ‬
‫يتَ َقرّوْن جَو َز كلّ فَلةٍ‪ ... ،‬جُنْح ليلٍ‪ ،‬جَوزاؤه من ركاب‬
‫عَ ّن ذِكري لُدلِحيهم‪ ،‬فتاهوا ‪ ...‬من حديثي ف عُرض أم ٍر عُجابِ‬
‫هةٌ ف السماء تسحب ذيلً‪ ... ،‬من ذيول العُلى‪َ ،‬وجَدّ كابِ‬
‫ّ‬
‫ولو أن الدنيا كرين ُة نَجرٍ‪ ... ،‬ل تكن طُعم ًة ل َفرْس الكِلبِ‬
‫جيفةٌ أنتنتْ فطار إليها‪ ... ،‬من بن دهرها‪ ،‬فراخ الذبابِ‬
‫ومنها‪:‬‬
‫من شُهيدٍ ف سرّها‪ ،‬ث من أش ‪ ...‬جَ َع ف السرّ من لُباب اللبابِ‬
‫خُطبا ُء النام‪ ،‬إن عَ ّن َخطْبٌ‪ ... ،‬وأعاريبُ ف مُتون عِرابِ‬
‫حت أكملتُها‪ .‬فكأنا غشّى وج َه أب الطبع قطع ٌة من الليل‪ .‬وكرّ راجعا إل ناوَ ْردِه دون أن يُسلّم‪ .‬فصاح به زهي‪ :‬أأ َجزْتَه؟ قال‪ :‬أ َجزْتُه‪ ،‬ل‬
‫بورِك فيك من زائر‪ ،‬ول ف صاحبك أب عامر!‬
‫صاحب أب نواس‬
‫صحْتُ‪ :‬من منازل‬
‫فضربَ زهي الدهم بالسوط‪ ،‬فسار بنا ف قَنَنه‪ ،‬وسِرنا حت انتهينا إل أصل جَبل دير حَنّة‪ ،‬فش ّق سَمعي قرْع النواقيس‪ ،‬ف ِ‬
‫أب نواس‪ ،‬وربّ الكعبة العَلياء! وسِرنا نتاب أديارا وكنائس وحانات‪ ،‬حت انتهينا إل دي ٍر عظيمٍ تَعبق روائحه‪ ،‬وتَصو ُك نوافِحه‪ .‬فوقف زهي‬
‫ت لزهي‪ :‬أوَهل صِرنا بذات ا ُلكَياج؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وأقبلتْ نونا الرّهابي‪ ،‬مُشدّدة بالزناني‪ ،‬قد‬
‫ببابه وصاح‪ :‬سلمٌ على أهل دير حَنّة! فقل ُ‬
‫ل بكَ يا زهي‬
‫ت على العَكاكيز‪ ،‬بِيضَ الواجب واللحى‪ ،‬إذا نظروا إل الرء استحيا‪ ،‬مُكثِرين للتسبيح‪ ،‬عليهم هَ ْديُ السيح‪ .‬فقالوا‪ :‬أه ً‬
‫قبض ْ‬
‫من زائر‪ ،‬وبصاحبك أب عامر! ما بُغيتُك؟ قال‪ :‬حسي الدّنان‪ .‬قالوا‪ :‬إنه لفي شُرب المرة‪ ،‬منذ أيام عشرة‪ ،‬وما نُراكما منتفعي به‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ت غِزلنُه‪ ،‬وف فُرجته شيخٌ طويل الوجه والسّبَلة‪ ،‬قد افترش أضغاث زَهر‪،‬‬
‫وعلى ذلك‪ .‬ونزلنا وجاؤوا بنا إل بيتٍ قد اصطفّت دِنانه‪ ،‬وعكف ْ‬
‫ب تَعطو إل عَرارة‪ .‬فصاح به زهي‪ :‬حيّاك ال أبا اٌلحسان! فجاوب بوابٍ ل يُعقل‬
‫واتّكأ على ِزقّ خر‪ ،‬وبيده َطرْجهارة‪ ،‬وحواليه صِبيةٌ كأظْ ٍ‬
‫ت أُنشد من كلمةٍ ل طويلة‪:‬‬
‫صحْ ُ‬
‫ع ُأذُن نشوته بإحدى خَمريّاتك‪ ،‬فإنه ربا تنبّه لبعض ذلك‪ .‬ف ِ‬
‫لغَلبة المر عليه‪ .‬فقال ل زهي‪ :‬اقر ْ‬
‫صفْو خُمورهِ‬
‫ول ُربّ حانٍ قد أدرتُ بديره ‪َ ...‬خمْر الصّبا مُزجَتْ ب َ‬
‫ف فِتيةٍ جعلوا الزّقاق تِكاءَهم‪ ... ،‬مُتصاغِرين تشّعا لكبيهِ‬
‫ب كبيهِ‬
‫وال عليّ ب َطرْفه وبكفّه‪ ... ،‬فأمال مِنْ رأسي لِعَ ّ‬
‫وترنّم الناقوس عند صَلتم‪ ... ،‬ففتحْتُ من عين لرجع هَديرهِ‬
‫ح خَفيهِ‬
‫ح كلّ مُعصفَري‪ ... ،‬كالِشف خَفّره التِما ُ‬
‫يُهدي إلينا الرا َ‬
‫فصاح من حبائل نشوته‪ :‬أأشجعيّ؟ قلتُ‪ :‬أنا ذاك! فاستدعى ماء قرّاحا‪ ،‬فشرب منه وغسل وجهه‪ ،‬فأفاق واعتذر إلّ من حال‪ .‬فأدركتْن‬
‫ت ف إجلله لكانه من العِلم والشعر‪ .‬فقال ل‪ :‬أنشِد‪ ،‬أو حت أُنشدَك؟ فقلت‪ :‬إ ّن ذلك لشدّ لتأنيسي‪ ،‬على أنه ما بعدك لُحسنٍ‬
‫مَهابته‪ ،‬وأخذ ُ‬
‫إحسانٌ‪ .‬فأنشد‪:‬‬
‫ح عنكَ فأن لستُ بالصاحي‬
‫يا دير حَنّة من ذات الكَياح‪ ... ،‬من يَص ُ‬
‫ف مَفارقُ ُه ‪ ...‬من الدهان‪ ،‬عليه َسحْقُ أمساحِ‬
‫يَعتادُ ُه كلّ مَحفو ٍ‬
‫ل يدلِفون إل ما ٍء بآنيةٍ‪ ... ،‬إلّ اغتِرافا من الغُدران بالراحِ‬
‫فكدتُ وال أخرج من جِلدي طَربا‪ ،‬ث أنشد‪:‬‬
‫طرحتم من الترحال أمرا ف َغمّنا‬
‫وأنشد أيضا‪:‬‬
‫لَ ْن دِم ٌن تزداد طيبَ نسيمِ‪ ... ،‬على طول ما أ ْق َوتْ‪ ،‬وحُس َن رُسومِ‬
‫ب نعيمِ‬
‫تاف البِلى عنهمّ حت كأنا ‪ ...‬لبِسنَ‪ ،‬من القواء‪ ،‬ثو َ‬
‫ث ب ول تُنجِدْ‪ .‬فأنشدته‪:‬‬
‫واستمرّ فيها حت أكملها‪ .‬ث قال ل‪ :‬أنشِد‪ .‬فقلتُ‪ :‬وهل أبقيتَ للنشاد موضعا؟ قال‪ :‬ل بُ ّد لكَ‪ ،‬وأوعِ ْ‬
‫ق بَدا‪ ... ،‬أم سَنا الحبوبِ أوْرى أزْنُدا‬
‫ح شِي َم أ ْم بر ٌ‬
‫أصبا ٌ‬
‫ل للكُمّ‪ُ ،‬مرْخٍ للرّدا‬
‫هَبّ منْ مرقده منكَسِرا‪ ... ،‬مسِب ً‬
‫يسح النّعسةَ من عين رشا‪ ... ،‬صائ ٍد ف كل يو ٍم أسدا‬
‫شفِ من عمّك تَبيح الصّدى‬
‫قلتُ‪ :‬هَبْ ل يا حبيب قُبلةً‪ ... ،‬تَ ْ‬
‫فانْثن يهتزّ من منكبه‪ ... ،‬قائلً‪ :‬ل! ثّ أعطان اليَدا‬
‫كلّما كلّمن قّبلْتُهُ‪ ... ،‬فهْوَ إما قال قولً ردّدا‬
‫كان أن يرجع‪ ،‬من لثْمي له ‪ ...‬وارتِشاف الثغرَ منه‪ ،‬أدردا‬
‫قال ل يلعب‪ :‬خُذْ ل طائرا‪ ... ،‬فتَران الدهرَ أجري بالكُدى‬
‫ت يوما وعْده‪ ... ،‬قال ل يَم ُطلُ‪ :‬ذكّرن غَدا‬
‫وإذا استنجزْ ُ‬
‫شربَت أعطافُه خر الصّبا‪ ... ،‬وسَقاه الُسن حت َعرْبَدا‬
‫ت به‪ ،‬ف روضةٍ‪ ... ،‬أغيدا يَعرو نَباتا أغيَدا‬
‫وإذا بِ ّ‬
‫ض اللمّة مِ ْن دَمْع الندى‬
‫قام ف الليل بيدٍ أتْلعٍ‪ ... ،‬ينقُ ُ‬
‫ت صُبحا بليلٍ أسودا‬
‫َرشَأٌ‪ ،‬بل غادةٌ مكورةٌ‪ ... ،‬عمّم ْ‬
‫أ َححَتْ مِن عَضّت ف نْدها‪ّ ... ،‬ث عضّت ُحرّ وجهي َعمَدا‬
‫فأنا الجروحُ ِمنْ عضّتها‪ ... ،‬ل شَفان ال منها أبَدا!‬
‫فلمّا انتهيتُ قال‪ :‬ل أنت! وإنْ كان طبُعك مترَعا منك؟ ث قال ل‪ :‬أنشِدن من رِثائك شيئا؟ فأنشدتُه من قول ف بُنيّةٍ صغية‪:‬‬
‫أيها العتَ ّد ف أهل النّهى‪ ... ،‬ول تَ ُذبْ‪ ،‬إثر فقيدٍ‪ ،‬ولا‬
‫ت إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫ضرّ اليس صرعاتُ الَها‬
‫وإذا ا ُلسْ ُد َحمَتْ أغيالا‪ ... ،‬ل َي ُ‬
‫وغريبٌ يا اب َن أقمار العُل‪ ... ،‬أن يُراع البدرُ من فقدِ السّها‬
‫فلما انتهيتُ قال ل‪ :‬أنشِدن من رثائك أش ّد من هذا وأفصَح‪ .‬فأنشدتُ ُه من رثائي ف ابن َذكْوان‪ .‬ث قال‪ :‬أنشِدن َجحْدريّتَك من السجن؛‬
‫فأنشدته‪:‬‬
‫ب ُبحْتَب ّل الَوان بعي ِد ‪...‬‬
‫قري ٌ‬
‫ت فيها إل قول‪:‬‬
‫حت انتهي ُ‬
‫فإ ْن طال ذكْري بالُجون فإنن ‪ ...‬شقيّ بنظوم الكلم سَعيدُ‬
‫ت بِجاه أعيٌ وخدود؟‬
‫وهل كنتُ ف العشّاق أوّل عاشقٍ‪ ... ،‬هَ َو ْ‬
‫فمّن مبل ُغ الفتيان أن بعدهم ‪ ...‬مقي ٌم بدار الظالي طَريدُ‬
‫ت بذي قي ٍد يرقّ‪ ،‬وإنا ‪ ...‬على اللحظ من سُخط المام قيودُ‬
‫ولس ُ‬
‫فبكى لا طويلً‪ .‬ث قال‪ :‬أنشدْن قطع ًة من مونك‪ ،‬فقد بعُد عهدي بثلك‪ .‬فأنشدته‪:‬‬
‫وناظرةٍ تت طيّ القناع‪ ... ،‬دعاها إل ال والي داعِ‬
‫سَعَت بابنها تبغي منلً‪ ... ،‬لوصل التَّبتّل‪ ،‬والنقطاع‬
‫ت تادى كمثل الرّؤوم‪ ... ،‬تُراعي غزالً بأعلى يَفاعِ‬
‫فجاء ْ‬
‫أتتنا تبخَْت ُر ف مشيها‪ ... ،‬فحلّت بوا ٍد كثيِ السّباعِ‬
‫وريعَتْ حِذارا على طفلها‪ ... ،‬فناديتُ‪ :‬يا هذه ل تُراعي!‬
‫ط كطهر الشّجاعِ‬
‫فولّت وللمِسك من ذيلها‪ ... ،‬على الرض‪ ،‬خ ّ‬
‫فلما سع هذا البيت قام يرقُص به ويردّده‪ ،‬ث أفاق‪ ،‬ث قال‪ :‬هذا وال شيء لن نُلهمه نن‪ ،‬ث استدنان فدنوتُ منه فقبّل بي عينّ‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اذهب فإنك مُجاز‪ .‬فانصرفنا عنه واندرنا من البل‪.‬‬
‫صاحب أب الطيب‬
‫فقال ل زهي‪ :‬ومنْ تريد بعد؟ قلت له‪ :‬خاتة القوم صاحب أب الطيّب؛ فقال‪ :‬اشدُد له حَيازيك‪ ،‬وعطّر له تسمك‪ ،‬وانثُر عليه نومك‪ .‬وأمال‬
‫عنان الدهم إل طريقٍ‪ ،‬فجعل يركض بنا‪ ،‬وزهيٌ يتأمّل آثار فرسٍ لحناها هناك؟ فقلت له‪ :‬ما تتبّعك لذه الثار؟ قال‪ :‬هي آثار فرس حارثة بن‬
‫ب على كثيب‪ ،‬وبيده‬
‫س على فرسٍ بيضاء كأنه قضي ٌ‬
‫الغلّس صاحب أب الطيب‪ ،‬وقصدي هو صاحب قَنص‪ .‬فلم يزل يتقرّاها حت دفعنا إل فار ٍ‬
‫قناةٌ قد أسندها إل عنقه‪ ،‬وعلى رأسه عمامةٌ حراء قد أرخى لا عَذَبَةً صفراء‪ .‬فحيّاه زهي‪ ،‬فأحسن الردّ ناظرا من مقل ٍة شَوساء‪ ،‬قد مُلئت تيها‬
‫وعُجبا‪ .‬فعرّفه زهيٌ قصدي‪ ،‬وألقى إليه رغبت‪ .‬فقال‪ :‬بلغن أنه يتناول؛ قلت‪ :‬للضرورة الدافعة‪ ،‬وإل فالقرية غي صادعة‪ ،‬والشفْرة غي‬
‫قاطعة‪ .‬قال‪ :‬فأنشدن؛ وأكبتُه أن أستنشده‪ ،‬فأنشدته قصيدت الت أوّلا‪:‬‬
‫صلِ ‪...‬‬
‫ض قا ِ‬
‫أبرقٌ بدا أمْ لع أبي َ‬
‫حت انتهيت إل قول‪:‬‬
‫ترددَ فيها البقُ حت حسبُتهُ ‪ ...‬يشي إل ن ٍم الرّب بالناملِ‬
‫ض غلئلِ‬
‫ربً نسجت أيدي الغَمام للُبسها ‪ ...‬غلئ َل صُفرا‪ ،‬فوق بي ِ‬
‫سهرتُ با أرعى النجوم وأنما ‪ ...‬طوالع للراعي‪ ،‬غي أوافلِ‬
‫وقد فغرتْ فاها با كلّ زهرةٍ‪ ... ،‬إل كل ضَرعٍ للغَمامة حافلِ‬
‫ومرّت جيوش الُزن رَهوا‪ ،‬كأنا ‪ ...‬عساكر زَْنجٍ مذهَباتُ الناصِلِ‬
‫وحلّقتِ الضراء ف ُغرّ شُهبها‪ ... ،‬ك ُلجّة برٍ ُكلّلتْ باليعاللِ‬
‫جرّة سائلِ‬
‫تال با زُهر الكواكب نرجِسا‪ ... ،‬على شطّ وادٍ للم َ‬
‫ش واهنِ الدعم مائلِ‬
‫وتلمحُ من جَوزائها ف غُروبا ‪ ...‬نسا ُقطَ عر ٍ‬
‫وتسب صقرا واقعا دَبَرانا‪ ... ،‬بعُشّ الثريا فوق حر الواصلِ‬
‫وبَد َر الدجى فيها غديرا‪ ،‬وحوله ‪ ...‬نومٌ كطلعات المام النواهلِ‬
‫كأن الدجى هّي‪ ،‬ودمعي نومه‪ ... ،‬تدّر إشفاقا لدهر الراذلِ‬
‫ب با يظى به كل عاقلِ‬
‫هوتْ أنم العلياء إلّ أقلّها‪ ... ،‬وغِ َ‬
‫ت أن الهل إحدى الفضائلِ‬
‫ت ف خلفٍ إذا ما لحتُهم ‪ ...‬تبيّن ُ‬
‫وأصبح ُ‬
‫وما طاب ف هذي البيّة أخرٌ‪ ... ،‬إذا هو ل يُنج ْد بطِيب الوائلِ‬
‫جةً‪ ... ،‬فأبكي بعَيْن ذُبلّ تلك الصواهلِ‬
‫أرى ُحمُرا فوق الصواهلِ ّ‬
‫ب إذا قيبل‪ :‬زوّروا‪ ... ،‬بكتْ من تأنّيهم صُدو ُر الرسائلِ‬
‫ت كُتّا ٍ‬
‫ورُبّ َ‬
‫وناقل فِ ْق ٍه ل ي َر ال قلبه‪ ... ،‬يظ ّن بأن الدين حِفظُ السائلِ‬
‫وحاملِ رمحٍ راحَ‪ ،‬فوق مَضائه‪ ... ،‬به كاعبا ف اليّ ذات مغازلِ‬
‫حُبّوا بالُن دون‪ ،‬وغودِرتُ دونم ‪ ...‬أرودُ المان ف رياض الباطلِ‬
‫وما هي إل هةٌ أشجعّيةٌ‪ ... ،‬ونفْسٌ أبتْ ل من طِلب الرذائلِ‬
‫ت بدّه‪ ... ،‬إذا لتلقّان بنحْسِ القاِتلِ‬
‫وفهمٍ لو البِرجيسُ جئ ُ‬
‫ولّا طَما بر البَيان بفطرت‪ ... ،‬وأغرقَ قرْن الشمس بعض جداول‬
‫ت إل خي الورى ك ّل حرّةٍ ‪ ...‬من الدح‪ ،‬ل تَخ ُملْ ِبرَعي المائلِ‬
‫رحل ُ‬
‫ت لفضلِ القول أبلُ ُغ ساكتا‪ ... ،‬وإ ْن ساء حُسّادي مدى كلّ قائلِ‬
‫وكد ُ‬
‫فلما انتهيتُ قال‪ :‬أنشدن أشدّ من هذا‪ .‬فأنشدتُه قصيدت‪:‬‬
‫هاتيكَ دارُهُمُ ف ِقفْ بَعانِها ‪...‬‬
‫فلما انتهيتُ‪ ،‬قال لزهي‪ :‬إن امت ّد به طلق ال ُعمُر‪ ،‬فل ب ّد أن بنفث بدُرر‪ ،‬وما أُراه إل سيُحتضَر‪ ،‬بي قريةٍ كالمر‪ ،‬وهّ ٍة تضع أخصه على‬
‫ل وضعتُه على صَلعة النسر؟ فاستضحك إلّ وقال‪ :‬اذهب فقد أجزتُك بذه النّكتة‪ .‬فقبّلتُ على رأسه وانصرفنا‪.‬‬
‫مف ِرقِ البدر‪ .‬فقلت‪ :‬ه ّ‬
‫الفصل الثان‬
‫توابع الكتاب‬
‫صاحبا الاحظ وعبد الميد‬
‫فقال ل زهي‪ :‬من تريد بعده؟ فقلت‪ :‬ملْ ب إل الُطباء‪ ،‬فقد قضيتُ وَطَرا من الشعراء‪ .‬فركضنا حينا طاعني ف مطلع الشمس‪ ،‬ولقينا فارسا‬
‫ت العناء إليهم على‬
‫أسرّ إل زهي‪ ،‬وانزع عنا‪ ،‬فقال ل زهي‪ :‬جُمعتْ لك خُطباء ال ّن َبرْج دُهان‪ ،‬وبيننا وبينهم فرسخان‪ ،‬فقد كُفي ُ‬
‫انفرادهم‪ .‬قلت‪ :‬ل ذاك؟ قال‪ :‬لل َفرْق بي كلمي اختلف فيه فتيان الن‪.‬‬
‫وانتهينا إل ا َلرْج فإذا بنادٍ عظيم‪ ،‬قد جع كل زعيم‪ ،‬فصاح زهي‪ :‬السلم على فُرسان الكلم‪ .‬فردّوا وأشاروا بالنول‪ .‬فأفرجوا حت صرنا‬
‫مركز هالةِ ملسهم‪ ،‬والكل منهم ناظرٌ إل شيخٍ أصلع‪ ،‬جاحظ العي اليُمن‪ ،‬على رأسه قلَنسوةٌ بيضاء طويلة‪ .‬فقلت سرّا لزهي‪ :‬من ذلك؟‬
‫قال‪ :‬عُتْبةُ بن أرقم صاحب الاحظ‪ ،‬وكُنيتُه أبو عُيينة‪ .‬قلت‪ :‬بأب هو! ليس رغبت سواه‪ ،‬وغي صاحب عبد الميد‪ .‬فقال ل‪ :‬إنه ذلك الشيخ‬
‫ك للكلم‬
‫الذي إل جنبه‪ .‬وعرّفه صَغوي إليه وقول فيه‪ .‬فاستدنان وأخذ ف الكلم معي‪ ،‬فصمت أهل الجلس‪ ،‬فقال‪ :‬إنك لطيب‪ ،‬وحائ ٌ‬
‫مُجيد‪ ،‬لول أنك مُغْزىً بالسجع‪ ،‬فكلمك نظ ٌم ل نثر‪.‬‬
‫ت ف نفسي‪ :‬قر َعكَ‪ ،‬بال‪ ،‬بقارعته‪ ،‬وجاءك بُماثَلته‪ .‬ث قلت له‪ :‬ليس هذا‪ ،‬أعزّك ال‪ ،‬منّي جَهلً بأمر السجع‪ ،‬وما ف الماثَلة والقابلة من‬
‫فقل ُ‬
‫ت بغباوة أهل الزمان‪ ،‬وبالَرا أن أحرّكهم بالزدواج‪ .‬ولو فرشتُ للكلم فيهم طَولقا‪ ،‬وتركت‬
‫ت فرسان الكلم‪ ،‬ودُهي ُ‬
‫فضْل‪ ،‬ولكن عدم ُ‬
‫لم حركة مَشُوْل‪ ،‬لكان أرفع ل عندهم‪ ،‬وأول ف نفوسهم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أهذا على تلك الناظر‪ ،‬وكبَر تلك الحابر‪ ،‬وكمال تلك الطيالس؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬إنا لِحاء الشجر‪ ،‬وليش ثّ ث ٌر ول عَبَق‪ .‬قال ل‪:‬‬
‫صدقتَ‪ ،‬إن أراك قد ماثلْتَ معي‪ .‬قلت‪ :‬كما سعت‪ .‬قال‪ :‬فكيف كلمهم بينهم؟ قلت‪ :‬ليس لسيبويه فيه عمل‪ ،‬ول للفَراهيدي إليه طريق‪،‬‬
‫ول للبَيان عليه سة‪ .‬إنا هي لُكنةٌ أعجمي ٌة يُؤدّون با العان تأدية الَجوس والنّبَط‪ .‬فصاح‪ :‬إنا ل‪ ،‬ذهبت العربُ وكلمُها! ارمهم يا هذا بسَجع‬
‫ال ُكهّان‪ ،‬فعسى أن ينفعك عندهم‪ ،‬ويُطي لك ذِكرا فيهم‪ .‬وما أُراك‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬إل ثقيل الوطأة عليهم‪ ،‬كَريهَ الجيء إليهم‪.‬‬
‫فقال الشيخ الذي إل جانبه‪ ،‬وقد علمتُ أنه صاحب عبد الميد‪ ،‬ونفسي مرتقِبةٌ إل ما يكون منه‪ :‬ل َي ُغرّنْك منه‪ ،‬أبا عُيينة‪ ،‬ما تكلّف لك من‬
‫الماثلة‪ ،‬إن السجع لطبعه‪ ،‬وإن ما أسّعك ُكلْفة‪ .‬ولو امت ّد به َطلَ ُق الكلم‪ ،‬وجرت أفراسه ف مَيْدان البَيان‪ ،‬لصلى كَودَنُه وكل بُرُثنُه‪ .‬وما أُراه‬
‫ت ف نفسي‪ :‬طبع عبد الميد ومساقُه‪ ،‬وربّ الكعبة! فقلت‬
‫إلّ من الّلكْن الذين ّذكَر‪ ،‬وإلّ فما للفصاحة ل تدِر‪ ،‬ول للعْرابية ل تومِض؟ فقل ُ‬
‫ت أم‬
‫ي عرّفن بكُنيته ‪ -‬إنّ قو َسكَ لنبع‪ ،‬وإن سهمك لسُمّ‪ ،‬أحِمارا رميتَ أن إنسانا‪ ،‬وقعقعةً طلبْ َ‬
‫جلْتَ‪ ،‬أبا هُبية‪ - ،‬وقد كان زه ٌ‬
‫له‪ :‬لقد ع ِ‬
‫ت العَنْز عم ذنبها‪ .‬الزمان دف ٌء ل ُقرّ‪،‬‬
‫بَيانا؟ وأبيك‪ ،‬إن البَيان لصعْب‪ ،‬وإنك منه لفي عباءةٍ تتكشّف عنها أسْتاه معانيك‪ ،‬تكشّف اسْ ِ‬
‫ل وقال‪ :‬أهكذا أنت يا ُأطَيلِسْ‪،‬‬
‫والكلم‪ ،‬عراقي ل شامي‪ .‬إن لرى من دم اليَربوع بكفّيك‪ ،‬وألح من كُشى الضبّ على ماضِغيك‪ .‬فتبسّم إ ّ‬
‫تركَب لكلّ نجه‪ ،‬وتعجّ إليه عجّه؟ فقلت‪ :‬الذئب أطلس‪ ،‬وإنّ التيْس ما علمْت! فصاح به أبو عُيينة‪ :‬ل تعرِض له‪ ،‬وبالَرا أن ْتلُص منه‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬المد ل خالق النام ف بطون النعام! فقال‪ :‬إنا كافي ٌة لو كان له ِجحْر‪ .‬فبَسَطان وسألن أن أقرأ عليهما من رسائلي‪ ،‬فقرأتُ رسالت‬
‫ف صفة الَبرْد والنار والطب فاستحسناها‪.‬‬
‫رسالة اللواء‬
‫ومن رسالت ف الَلواء حيث أقول‪ :‬خرجتُ ف لّ ٍة من الصحاب‪ ،‬وثَُبةٍ من التراب‪ ،‬فيهم فقي ٌه ذو َلقْم‪ ،‬ول أعرّفْ به‪ ،‬وغَري بطنٍ‪ ،‬ول أشعر‬
‫له‪ ،‬رأى الَلواء فاستخفّه الشره‪ ،‬واضطرب به الولَه‪ ،‬فدار قس ثيابه‪ ،‬وأسال من لُعابه‪ ،‬حت وقف بالكداس وخالط غَمار الناس‪ ،‬ونظر إل‬
‫ت على شوابي‪ ،‬وخالطها لُباب البّة‪ ،‬فجاءت أعذبَ من ريق‬
‫الفالوذَج فقال‪ :‬بأب هذا اللمْص‪ ،‬انظروه كأنه الفصّ؛ مُجاج ُة الزنابي‪ ،‬أُجريَ ْ‬
‫الحبّة‪.‬‬
‫ورأى البيص فقال‪ :‬بأب هذا الغال الرّخيص‪ ،‬هذا جلي ُد ساء الرّحة‪ ،‬تخضت به فأبرزت منه زُبدَ النّعمة‪ ،‬يُجرحُ باللّحظ‪ ،‬ويذوبُ من اللّفظ‪.‬‬
‫ث ابيضّ‪ ،‬قالوا باء البيض البضّ‪ ،‬قال غضّ من غَضّ‪ ،‬ما أطيب خلوة البيب‪ ،‬لول حضر ُة الرّقيب! ولح القُبيطاء‪ ،‬فصاح‪ :‬بأب نُقرةُ الفضّة‬
‫البيضاء‪ ،‬ل َت ُردّ عن العَضّة‪ .‬أبنارٍ طُبخت أم بِنُور؟ فإن أراها كقطع البدّور؛ وبلو ٍز عُجنت أم ِبجَوز؟ فإن أراها عي عجيٍ الوز‪ .‬وموشى إليها‬
‫وقد عدّل صاحبُها بدرهي‪ ،‬وانتهشها بالنّابي‪ ،‬فصاح‪ :‬القارعة ما القارعة؟! هِية! وي ٌل للمرء من فيه! ورأى الزّلبِية‪ ،‬فقال‪ :‬ويلٌ لمها الزانية‪،‬‬
‫سجَتْ‪ ،‬أم من صِفاقِ قلب أُلفت؟ فإن أجدُ مكانا من نفسي مكينا‪ ،‬وحبل هواها على كبدي متينا‪ ،‬فمن أين وصلت كفّ طابها‬
‫أبأحشائي نُ ِ‬
‫إل باطن‪ ،‬فاقتطعتها من دواجن؟ والعزيز الغفار‪ ،‬لطلُبنها بالثأر! ومشى إليها‪ ،‬فتلمظ له لسانُ اليزان‪ ،‬فأجفل يصيحُ‪ :‬الثّعبان الثّعبان! ورُفع له‬
‫ترُ النّشا‪ ،‬غي مهضوم الشا‪ ،‬فقال‪ :‬مهيم! من أين لكم جن نلة مري؟ ما أنتم إلّ السّحار‪ ،‬وما جزاؤكم إلّ السيفُ والنار‪ .‬وهم أن يأخذ‬
‫منها‪ .‬فأثبت ف صدره العصا‪ ،‬فجلس القُرفُصا‪ ،‬يُذري الدّموع‪ ،‬ويُبدي الُشُوع‪ .‬وما منّا أحد إلّ عن الضّحك قد تلّد‪ .‬فرقت له ضُلوعي‪،‬‬
‫ت أنّ فيه غيُ مُضيعي‪ .‬وقد تمل الصّدقةُ على ذوي وفر‪ ،‬وف كل ذي كبدٍ رطب ٍة أجر‪ .‬فأمرتُ الغلم بابتِياع أرطالٍ منها تمعُ أنواعها‬
‫وعلم ُ‬
‫الت أنطقته وتتوي على ضُروبا الت أضرعته‪ ،‬وجاء با وسِرنا إل مكا ٍن خالٍ طيّب‪ ،‬كوصف الُهلّب‪:‬‬
‫ب لِباغِي النّسكِ خلوُت ُه ‪ ...‬وفيه سترٌ على الفُتّاكِ إن فتكوا‬
‫خانٌ تطي ُ‬
‫فصّبها رطبة الوُقوع‪ ،‬كراديس كقطعِ الُذوع؛ فجعل يقط ُع ويبلغُ‪ ،‬ويدحُوا فاه ويَدفع‪ ،‬وعيناه تبصّان كأنما جرتان‪ ،‬وقد برزتا على وجهه‬
‫كأنما خُصيتان‪ ،‬وأنا أقولُ له‪ :‬على رسلك أبا فلن! البطنةُ تُذهبُ الفطنة! فلما التقم جُملة جاهيها‪ ،‬وأتى على مآخيها‪ ،‬ووصل خورنقها‬
‫بسديرها‪ ،‬تشأ فهبت منه ريحٌ عقيم‪ ،‬أيقنا لا بالعذاب الليم‪ .‬فنثرتنا شذر مذَر‪ ،‬وفرّقتنا شغر بغر‪ ،‬فالتحمنا منه الظّريان‪ ،‬وصدّق الب فيه‬
‫العيانُ‪ :‬نفح ذلك فشرّد النعام‪ ،‬ونفخ هذا فبدّد النام‪ ،‬فلم نتمع بعدها‪ ،‬والسّلم‪ .‬فاستحسناها‪ ،‬وضحكا عليها‪ ،‬وقال‪ :‬إنّ لسجعك موضعا‬
‫من القلب‪ ،‬ومكانا من النفس‪ ،‬وقد أعرته من طبعك‪ ،‬وحلوة لفظك‪ ،‬وملحةِ سوقك‪ ،‬ما أزال أفنه‪ ،‬ورفع غينه‪ ،‬وقد بلغنا أنك ل تُجازى ف‬
‫أبناء جنسك‪ ،‬ول يُملّ من الطعن عليك‪ ،‬والعتراض لك‪ .‬فمن أشدّهم عليك؟ قلت‪ :‬جارانِ دارُها صَقَب‪ ،‬وثالثٌ نابته ُنوَب‪ ،‬فامتطى ظهر‬
‫النّوى‪ ،‬وألقت به ف سرقُسطة العصا‪ .‬فقال‪ :‬إل أب ممد تُشي‪ ،‬وأب القاسم وأب بكر؟ قلت‪ :‬أجل قال‪ :‬فأين بلغتَ فيهم؟ قلت‪ :‬أما أبو ممدٍ‬
‫فانتضى عليّ لسانه عند الستعي‪ ،‬وساعدته زراقةٌ استهواها من الاسدين‪ ،‬وبلغن ذلك فأنشدتُه شعرا‪ ،‬منه‪:‬‬
‫ش صُدورُهم ‪ ...‬عليّ؛ وإن منهم فارغُ الصّدرِ‬
‫وُبلّغتُ تي ُ‬
‫أصاخُوا إل قول فأسعت مُعجزا‪ ... ،‬وغاصوا على سري فأعياهم أمري‬
‫فقال فريقٌ‪ :‬ليس ذا الشعرُ شعره؛ ‪ ...‬وقال فريقٌ‪ :‬أ ُي ُن الِ‪ ،‬ما ندري‬
‫أما علمُوا أن إل العلم طامحٌ‪ ... ،‬وأن الذي سبقا على عرقه يري؟‬
‫وما كلّ من قاد الياد يسُوسُها؛ ‪ ...‬ول كلّ من أجرى يُقال له‪ :‬مُجري‬
‫لبِ‬
‫شكُوكِ من ا ُ‬
‫فمن شاء فليخب فإن حاضرٌ‪ ... ،‬ول شيء أجلى لل ّ‬
‫وأما أبو بكر فأقصر‪ ،‬واقتصر على قوله‪ :‬له تابع ٌة تؤيدُه‪ .‬وأما أبو القاسم الفليلي فمكانُه من نفسي مكي‪ ،‬وحُبه بفؤادي دخيل؛ على أنه حاملٌ‬
‫عليّ‪ ،‬ومنتسب إلّ‪.‬‬
‫صاحب الفليلي‬
‫فصاحا‪ :‬يا أنفَ النّاقة بن معمر‪ ،‬مِن سُكا ِن خيب! فقام إليهما جنّ أشط ربعةٌ وارمُ النف‪ ،‬يتظالعُ ف مشيته‪ ،‬كاسرا لطرفِه‪ ،‬وزاويا لنفه‪ ،‬وهو‬
‫ينشد‪:‬‬
‫ب غيُهُم‪ ... ،‬ومن يُسوي بأنفِ الناقة الذّنبا؟‬
‫قومٌ ه ُم النف والذنا ُ‬
‫فقال ل‪ :‬هذا صاحبُ أب القاسم‪ ،‬ما قولك فيه يا أنف الناقة؟ قال‪ :‬فتًى ل أعرف على من قرأ‪ .‬فقلت لنفسي‪ :‬العصا من العُصية! إن ل تُعرب‬
‫عن ذاتك‪ ،‬وتُظهري بعض أدواتك‪ ،‬وأنت بي فرسانِ الكلمِ‪ ،‬ل يطر لك بعدها طائر‪ ،‬وكنت غرضا لكل حجرٍ عابر‪.‬‬
‫ت للبيان بزتهُ‪ ،‬فقلتُ‪ :‬وأنا أيضا ل أعرف على من قرأت‪ .‬قال‪ :‬ألثلي يُقال هذا؟ فقلت‪ :‬فكان ماذا؟ قال‪:‬‬
‫وأخذتُ للكلم أهبته‪ ،‬ولبس ُ‬
‫فطارحن كتاب الليل‪ .‬قلتُ‪ :‬هو عندي ف زنبيل‪ .‬قال‪ :‬فناظرن على كتاب سيبويه‪ .‬قلتُ‪ :‬خريت الرّةُ عندي عليه‪ ،‬وعلى شرح ابن‬
‫درستويه‪ .‬فقال ل‪ :‬دع عنك‪ ،‬أبا أبو البيان‪ .‬قلت‪ :‬له الُ! إنّما كمُغن وسط‪ ،‬ل يُحس ُن فيُطرب‪ ،‬ول يُسيء فيلهي‪ .‬قال‪ :‬لقد علّمنيه‬
‫الؤدّبُون‪ .‬قلتُ‪ :‬ليس هو من شأنم‪ ،‬إنا هو من تعليم ال تعال حيث قال‪ " :‬الرّحنُ َعلّمَ القُرآ َن خلقَ النسا َن َع ّلمَهُ البَيان " ‪ .‬ليس من شعرٍ‬
‫يُفسّر‪ ،‬ول أرضٍ تُكسّر‪ .‬هيهات‪ ،‬حت يكون السكُ من أنفاسك‪ ،‬والعنبُ من أنفاسك‪ ،‬وحت يكون مسا ُقكَ عذبا‪ ،‬وكلمُك رطبا‪ ،‬ونفسُك‬
‫من نَفسك‪ ،‬وقليبُك من قلبِك‪ ،‬وحت تتناول الوضيع فترفعه‪ ،‬والرفيعَ فتضعه‪ ،‬والقبيح فتحسنه! قال‪ :‬أسعن مثالً‪ .‬قلتُ‪ :‬حت تصف بُرغُوثا‬
‫فتقول‪:‬‬
‫صفة برغوث‬
‫أسودُ زني‪ ،‬وأهيّ وحشي؛ ليس بوانٍ ول زُميل‪ ،‬وكأنه جُزء ل يتجزأ من ليل؛ أو شُونيزة‪ ،‬أوثقتها غريزة؛ أو نقطةُ مِداد‪ ،‬أو سويداءُ قلبِ‬
‫قُراد؛ شُربه عب‪ ،‬ومشيه وثب؛ يكمنُ ناره‪ ،‬ويسري ليله؛ يدارك بطع ٍن مؤل‪ ،‬ويستحلّ دم كل كافرٍ ومُسلم؛ مُساو ٌر للساورة‪ُ ،‬ي ّر ذيله على‬
‫ك ستر كل حِجاب‪ ،‬ول يفل ببوّاب؛ مناهل العيش العذبة‪ ،‬ويصلُ إل الحراج الرّطبة‪ ،‬ل ينعُ منه أمي‪ ،‬ول‬
‫البابر يتكفر بأرفع الثياب‪ ،‬ويهت ُ‬
‫ينف ُع فيه غيةُ غيور‪ ،‬وهو أحقر كل حقي؛ شرّه مبثوث‪ ،‬وعهده منكوث‪ ،‬وكذلك كلّ بُرغُوث‪ ،‬كفى نقصا للنسان‪ ،‬ودللةً على قُدرةِ‬
‫الرّحَن‪.‬‬
‫صفة ثعلب‬
‫وحت تصف ثعلبا فتقول‪ :‬أدهى من عمرو‪ ،‬وأفتكُ من قاتل حُذيفة ابن بدر؛ كثيُ الوقائع ف السلمي‪ ،‬مُغرى بإراقة دماء الؤذني؛ إذا رأى‬
‫ط ف إدامه‪ ،‬وجالينوسُ ف اعتدال طعامه‪ ،‬غداؤه حامٌ أو دجاج‪ ،‬عشاؤه تدرُج‬
‫الفُرصة انتهزها‪ ،‬وإذا طلبته الكُماةُ أعجزها؛ وهو مع ذلك يُقرا ُ‬
‫أو ُدرّاج‪.‬‬
‫صاحب بديع الزمان‬
‫وكان فيما يقابلُن من ناديهم متًى قد رمان بطرفه‪ ،‬واتّكأ ل على كفّه‪ ،‬فقال‪ :‬تّي ٌل على الكلم لطيفٌ‪ ،‬وأبيك! فقلت‪ :‬وكيف ذلك؟ قال‪:‬‬
‫أوما علمت أنّ الواصف إذا وصف ل يتقدّم إل صفته‪ ،‬ول سُلط الكلمُ على نعته‪ ،‬اكتفى بقليل الحسان‪ ،‬واحجتزى بيسي البيان؟ لنه ل‬
‫ت لزُهي‪ :‬من هذا؟ قال‪:‬‬
‫ق يُضاف إل مساقه‪ .‬وهذه نسكت ٌة بغذاذية‪ ،‬أن لك با يا فت الغرب؟ فقل ُ‬
‫يتقدم وصفٌ بُقرنُ بوصفه‪ ،‬ول جرى مسا ٌ‬
‫زبدةُ القب‪ ،‬صاحب بديع الزمان‪ .‬فقلتُ‪ :‬يا زبدة القب‪ ،‬اقترح ل قال‪ :‬صف جاريةً‪ .‬فوصفتُها‪ .‬قال‪ :‬أحسنت ما شئت أن تُحسن! قلتُ‪:‬‬
‫أسعن وصفك للماء‪ .‬قال‪ :‬ذلك من العُقم‪ .‬قلت‪ :‬بيات هاته‪ .‬قال‪ :‬أزرق كعي السنّور‪ ،‬صافٍ كقضيب البلور؛ انتُخب من الفُرات واستعمل‬
‫بعد البيات‪ ،‬فجاء كلسان الشمعة‪ ،‬ف صفاء الدمعة‪.‬‬
‫فقلتُ‪ :‬انظره‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬كأنه عصيُ صباح‪ ،‬أو ذوبُ قمرٍ لياح؛ ينضبّ من إنائه‪ ،‬انصباب الكوكب من سائه؛ العي حانُوته‪ ،‬والفمُ عفريتُه‪،‬‬
‫كأنه خيطٌ من غزلٍ فُلق‪ ،‬أو مص ٌر يُضربُ به من ورق يُرف ُع عنك فتردى‪ ،‬ويُصدع به قلبك فتحيا‪.‬‬
‫فلمّا انتهيت ف الصفة‪ ،‬ضرب زُبد ُة القب الرض برجله‪ ،‬فانفرجت له عن مثل برهُوت‪ ،‬وتد هدى إليها‪ ،‬واجتمعت عليه‪ ،‬وغابت عينه‪،‬‬
‫ظ أنفٍ النّاق ِة عليّ‪.‬‬
‫وانقطع أثره‪ .‬فاستضحك الستاذان من فعله‪ ،‬واشتدّ غي ُ‬
‫رجع إل أنف الناقة‬
‫فقال‪ :‬وقعت لك أوصافٌ ف شعرك تظنّ أن ل أستطيعُها؟ فقلتُ له‪ :‬وحت تصف عارضا فتقول‪:‬‬
‫ط برعاء البارقِ ما حطا‬
‫ومُرتزٍ ألقى بذي الثل كلكلً ‪ ...‬وح ّ‬
‫ح يُسمحُ للصّبا‪ ... ،‬فألقت على غيٍ التّلعِ به مِرطا‬
‫وسعى ف قيادِ الرّي ِ‬
‫وما زال يُروي حت كسا الرّب ‪ ...‬درانك‪ ،‬والغيطان من نسجه بُسطا‬
‫ح تُساقطُ قطرهُ ‪ ...‬كما نثرت حسناءُ من جيدها سطا‬
‫وعنت له ري ٌ‬
‫ول أر دُرا بدّدته بدُ الصّبا ‪ ...‬سواهُ‪ ،‬فبات النّورُ يل ُقطُه لقطا‬
‫وبتنا نُراعي الليل ل نط ِو بُرده‪ ... ،‬ول ير شيبُ الصّبح ف فرعه وخطا‬
‫ج ف فرط كبهِ‪ ... ،‬إذا رام مشيا ف تبختُره أبطا‬
‫تراه كملك الزّن ِ‬
‫مُطلً على الفاقِ والبد ُر تاجُهُ‪ ... ،‬وقد علق الوزاء من أذنه قُرطا‬
‫وحت تصف ذئبا فتقول‪:‬‬
‫ح بأُفقه ‪ ...‬أجدّ‪ ،‬لعرفانِ الصّبا‪ ،‬يتنفس‬
‫ي الرّيا ِ‬
‫إذا اجتاز عُلو ّ‬
‫تذكرَ روضا من شوي وباقرٍ‪ ... ،‬تولته أحراسٌ من الذّعر تُحرس‬
‫ق ‪ ...‬حثيث‪ ،‬إذا استشعر اللحظ يهمسُ‬
‫إذا انتابا من أذ ُؤبِ القفرِ طار ٌ‬
‫أزلّ كسا جُثمانه مُتسترا ‪ ...‬طيالس سوُدا للدّجى وهو أطلسُ‬
‫ظ خبٍ مُخادعٍ‪ ... ،‬ترى نارهُ من ماء عينيه تُقبسُ‬
‫فدلّ علي ِه ل ُ‬
‫فصاح فتيانُ الن عند هذا البيت الخي‪ :‬زاه! وعلت أنف الناقة كآبةٌ‪ ،‬وظهرت عليه مَهابةٌ‪ ،‬واختلط كلمه‪ ،‬وبدا منه ساعتئ ٍذ بوادٍ ف خطابه‪،‬‬
‫رحهُ لا من حضر‪ ،‬وأشفق عليه من أجلها من نظر‪.‬‬
‫صاحب أب إسحاق بن حام‬
‫ضرّ قريتك‪ ،‬أو ينقُص من بديهتك لو تافيت لنف الناقة‪ ،‬وصبت له؟ فإنه على‬
‫وشّر ل فتًى‪ ،‬كان إل جانبه‪ ،‬عن ساعدٍ‪ ،‬وقال ل‪ :‬وهل ي ُ‬
‫علّته زيرُ علم‪ ،‬وزنبيلُ فهم‪ ،‬وكنفُ رواية‪ .‬فقلت لزهي‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬هو أبو الداب صاحب أب إسحاق بن حُمامٍ جارل‪ .‬فقلت‪ :‬يا أبا‬
‫ضرّ أنف الناقة‪ ،‬أو ينقص من علمه‪ ،‬أو يُفلّ شفرة فهمه‪ ،‬أن يصب‬
‫الداب‪ ،‬وزهرة ريان ِة الكُتاب‪ ،‬رفقا على أخيك بغرب لسانك‪ ،‬وهل كان ُي ُ‬
‫ل على زلةٍ ترّ ف شع ٍر أو خُطبة‪ ،‬فل يهتفُ با بي تلميذه‪ ،‬ويعلها طرمذ ًة من طراميذه؟ فقال‪ :‬إنّ الشيُوخَ قد تفو أحلمهم ف النّدرة‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬إنا الرّ ُة بعد الرّة‪.‬‬
‫ط منك ببيداء حية‪ ،‬وتُفتقُ أساعنا منك بعبة‪ ،‬وما ندري أنقولُ‪:‬‬
‫ث قال ل الستاذان عُتبةُ بن أرقم‪ ،‬وأبو هُبية صاحب عبد الميد‪ :‬إنا لنخب ُ‬
‫شاعرٌ أم خطيب؟ فقلتُ‪ :‬النصاف أول‪ ،‬والصّدعُ بالق أحجى ول بُ ّد من قضاء‪ .‬فقال‪ :‬اذهب فإنك شاعرٌ خطيب‪ .‬وانفضّ المع والبصارُ‬
‫إلّ ناظرة‪ ،‬والعناق نوي مائلة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫نقاد الن‬
‫ملس أدب‬
‫س الن‪ ،‬فتذاكرنا ما تعاورته الشعرْا من العان‪ ،‬ومن زاد فأحسن الخذ‪ ،‬ومن قصر‪ .‬فأنشد قول‬
‫وحضرتُ أنا أيضا وزهيٌ ملسا من مال ِ‬
‫ض من حضر‪:‬‬
‫الفوه بع ُ‬
‫ي على آثارنا ‪ ...‬رأي عيٍ ثقةً أن ستُمار‬
‫وترى ال ّط َ‬
‫وأنشد آخر قول النابغة‪:‬‬
‫ي تتدي بعصائب‬
‫إذا ما غزوا باليش حلّق فوقهم ‪ ...‬عصائبُ ط ٍ‬
‫خ ف ثيابِ الرانبِ‬
‫تراه ّن خلف القوم خُزرا عُيونا ‪ ...‬جُلوسَ الشيو ِ‬
‫جواِنحَ‪ ،‬قد أيق ّن أنّ قبيلهُ‪ ... ،‬إذا ما التقى اليشانِ‪ ،‬أ ّو ُل غالبِ‬
‫وأنشد آخرُ قول أب نُواس‪:‬‬
‫تتأيَا ال ّطيُ غدوتهُ ‪ ...‬ثِقةً بالشّبعِ من جزره‬
‫وأنشد آخرُ قول صريع الغوان‪:‬‬
‫قد عوّد الطّي عاداتٍ وثقنَ با‪ ... ،‬فهُنّ يتبعنهُ ف كل مُرتلِ‬
‫وأنشد آخرُ قول أب تام‪:‬‬
‫ي ف الدّماء نواهلِ‬
‫ضحًى ‪ِ ...‬بعِقبانِ ط ٍ‬
‫ت عِقبا ُن أعلمهِ ُ‬
‫وقد ُظ ّللَ ْ‬
‫أقامت مع الرّاياتِ حت كأنّها ‪ ...‬من اليشِ‪ ،‬إلّ أنا ل تقابلِ‬
‫فقال شردلُ السّحاب‪ :‬كلهم قصر عن النابغة‪ ،‬لنه زاد ف العن ود ّل على أ ّن الطي إنا أكلت أعداء المدوح‪ ،‬وكلمهم كلهم مشترك يتمل‬
‫ث يقول‪:‬‬
‫أن يكون ضدّ ما نواه الشاعر‪ ،‬وإن كان أبو تام قد زاد ف العن‪ .‬وإنا الحسنُ التخلّص التنب حي ُ‬
‫ل ُه عسكرا خيلٍ إذا رمي ‪ ...‬با عسكرا ل تبق إلّ جاجه‬
‫ي القبيلي‬
‫وكان بالضرةِ فتً حسنُ البزّة‪ ،‬فاحت ّد لقول شردل‪ ،‬فقال‪ :‬المرُ على ما ذكرت يا شردل‪ ،‬ولكن ما تسأل الطيُ إذا شبعت أ ّ‬
‫الغالب؟ وأما الطيُ الخر فل أدري لي معنًى عافت الطيُ الماجم دونَ عظام السّوق والذرُع والفقارات والعصاعص؟ ولك ّن الذي خلّص‬
‫هذا العن كلّه‪ ،‬وزاد فيه‪ ،‬وأحس التركيب‪ ،‬ودلّ بلفظةٍ واحدةٍ على ما دلّ عليه شعرُ النابغة وبيتُ التنب‪ ،‬من أن القتلى الت أكلتها الطيُ‬
‫أعداءُ المدوح‪ ،‬فاتكُ بنُ الصّقعب ف قوله‪:‬‬
‫ي أ ّن كُماتهُ‪ ... ،‬إذا لقيت صي َد الكُماةِ‪ ،‬سباعُ‬
‫وتدري سباعُ الط ِ‬
‫لُ ّن لُعابٌ ف الواء وهزّةٌ‪ ... ،‬إذا جدّ بي الدّرعي قراعُ‬
‫ي جياعا فوقهُ وتردّها ‪ ...‬ظُباهُ إل الوكار وهي شباعُ‬
‫تط ُ‬
‫تلك بالحسانِ ربقةَ رِقها‪ ... ،‬فهُنّ رقي ٌق يُشترى ويُباعُ‬
‫وألمَ من أفراجها فهي طوعهُ‪ ... ،‬لدى كل حربٍ‪ ،‬والُلو ُك تُطاعُ‬
‫تُماص ُع جرحاها فيُجهزُ نقرها ‪ ...‬عليهم‪ ،‬وللطّي العتاقِ مِصاعُ‬
‫ل عرّفتن شأنه منذ حي؟ إن لرى‬
‫ت لزهي‪ :‬من فاتك بن الصّقعب؟ قال‪ :‬يعن نفسه‪ .‬قلت له‪ :‬فه ّ‬
‫فاهتزّ الجلسُ لقوله‪ ،‬وعلموا صدقه‪ .‬فقل ُ‬
‫نزعاتٍ كرية؟ وقمتُ فجلست إليه جِلسة العظّم له‪ .‬فاستدار نوي‪ ،‬مُكرما لكان‪ ،‬فقلت‪ :‬جُد أرضنا‪ ،‬أعزّك ال‪ ،‬بسحابك‪ ،‬وأمطرنا بعيونِ‬
‫آدابك‪ .‬قال‪ :‬سل عما شئت‪ .‬قلتُ‪ :‬أيّ معن سبقك إل الحسان فيه غيُك‪ ،‬فوجدته حي رُمته صعبا إل عليك أنك نفذت فيه؟ قال‪ :‬معن‬
‫قول الكندي‪:‬‬
‫سوتُ إليها بعدما نام أهلها‪ ... ،‬س ّو حباب حا ًل على حالِ‬
‫قلتُ‪ :‬أعزّكَ ال‪ ،‬هو من العُقم‪ .‬أل ترى عُمر بن أب ربيعة‪ ،‬وهو من أطبع الناس‪ ،‬حي رام الدُّنوّ منه واللام به‪ ،‬كيف افتضح ف قوله‪:‬‬
‫ونفضتُ عن النّوم أقبلتُ مشي َة ال ‪ ...‬حُبابِ‪ ،‬ورُكن خيفةَ القو ِم أزورُ‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬إنه أساء قسمة البيت‪ ،‬وأراد أن يُلطف التّوصّل‪ ،‬فجاء مُقبلً بُركت كركنه أزور‪ .‬فأعجبن ذلك منه‪ ،‬وما زلتُ مقدّما لذا العن‬
‫خ يُعلمُ بنيا له صناعة الشّعر وهو يقول له‪ :‬إذا اعتمدت معنًى قد سبقك إليه غيُك فأحسن‬
‫رجلً‪ ،‬ومؤخرّا عنه أُخرى‪ ،‬حت مررتُ بشي ٍ‬
‫تركيبه‪ ،‬وأرقّ حاشيته فاضرب عنه جُملة‪ .‬وإن ل يكن بُدّ ففي غي العروض الت تقدّم إليها ذلك الحسنُ‪ ،‬لتنشط طبيعتُك طبيعتُك‪ ،‬وتقوى‬
‫مُنّتُك‪.‬‬
‫ت أنسيته‪:‬‬
‫فتذكرتُ قول الشاعر وقد كن ُ‬
‫لا تسامى النّج ُم ف أفقهِ ‪ ...‬ولحت الوزاءُ والِرزمُ‬
‫أقبلتُ والوطء خفيفٌ كما ‪ ...‬ينسابُ من مكمنه الرقمُ‬
‫ت أنا ف ذلك‪:‬‬
‫فعلمتُ أنه صدق؛ وابن أب ربيعة لو ركب غي عروضه للص‪ .‬فقل ُ‬
‫ولا تّل من سًكرهِ ‪ ...‬فنام‪ ،‬ونامت عيو ُن العسس‬
‫دوتُ إليه‪ ،‬على بُعده‪ ... ،‬دُنُ ّو رفي ٍق ما التمس‬
‫أدبّ إليه دبيب الكرى‪ ... ،‬وأسو إليه سوّ النفس‬
‫وبتّ به ليلت ناعما‪ ... ،‬إل أن تبسمّ ثغرُ الغلس‬
‫أقبلُ منه بياض الطّل‪ ... ،‬وأرشيفُ منه سواد اللّعس‬
‫ت أحدا من الفحول؟ قلتُ‪ :‬نعم قول أب الطّيب‪:‬‬
‫فقمتُ وقبلتُ على رأسه‪ ،‬وقلت‪ :‬ل د ّر أبيك! فقال ل فاتكُ بن الصّقعب‪ :‬فهل جاذبتَ أن َ‬
‫أأخل ُع عن كتفي وأطلبهُ‪ ... ،‬وأتركُ الغيث ف غمدي وأنتجعُ؟‬
‫قال ل‪ :‬باذا قلتُ‪ :‬بقول‪:‬‬
‫ومن قُبةٍ ل يدركُ الطّرفُ رأسها‪ ... ،‬تزلّ با ريحُ الصّبا فتحدّرُ‬
‫إذا زاخت منها الخارم صوّبت ‪ ...‬هُويا‪ ،‬على بُعد الدى‪ ،‬وهي تأرُ‬
‫تكلفتُها‪ ،‬والليلُ قد جاش برُه‪ ... ،‬وقد جعلت أمواجهُ تتكسرُ‪،‬‬
‫ومن تت حضن أبيضٌ ذو سفاقس‪ ... ،‬وف الكف من عسالة الط أسرُ‬
‫ها صاحباي من لدّن كُنتُ يافعا‪ ... ،‬مُقيلنِ من ج ّد الفت حي يعثرُ‬
‫فذا جدولٌ ف الغمد تُسقى به الُن‪ ... ،‬وذا غُص ٌن ف الكف يُجن فيثمرُ‬
‫فقال‪ :‬وال لئن كان الغيثُ أبلغ‪ ،‬فلقد زدت زيادة مليحة طريفة‪ ،‬واخترعت معان لطيفة‪ .‬هل غيُ هذا؟ فقلتُ‪ :‬وقوله أيضا‪:‬‬
‫ت لُعابُ‬
‫وأظمأ فل أُبدي إل الاء حاج ٌة ‪ ...‬وللشمسِ فوق اليعمل ِ‬
‫قال‪ :‬باذا؟ قلتُ‪ :‬بقول‪:‬‬
‫ول أنس بالنّاوُوس الُل ‪ ...‬با أينُنا مبُوبا وحبابُها‬
‫وفتية ضربٍ من زناتة‪ ،‬مط ٍر ‪ ...‬بوبل النايا طعنها وضرابُها‬
‫وقفنا على جرٍ من الوت وقفةً‪ ... ،‬صليّ لظاه دابُ قومي ودابُها‬
‫إذا الشمسُ رامت فيه أكل لُحومنا‪ ،‬جرى جشعا فوق الياد لُعابُها‬
‫فصاح صيحةً منكرةً من صياح ال ّن كاد ينخب لا فؤادي فزعا‪ ،‬وال‪ ،‬منه! وكان بنجوةٍ منا جنّ كأنه هضبة لركتنته وتقبضه‪ ،‬يدّق ف‬
‫دُونم‪ ،‬يرمين بسهمي نافذين‪ ،‬وأنا ألو ُذ بطرف عنه‪ ،‬وأستعيذُ بال منه‪ ،‬لنه مل عين ونفسي‪ .‬فقال ل لا انتهيتُ‪ ،‬وقد استخف ُه السد‪ :‬على‬
‫من أخذت الزّمي؟ قلتُ‪ :‬وإنا أنا نفاخٌ عندك منذ اليوم؟ قال‪ :‬أجل! أعطنا كلما يرعى تلعَ الفصحاحة‪ ،‬ويستحمّ باء العُذوبة والباعة‪،‬‬
‫شديد السر جيد النّظام‪ ،‬وضعه على أي معنًى شئت‪ .‬قلت‪ :‬كأي كلم؟ قال‪ :‬ككلم أب الطّيب‪:‬‬
‫نزلنا على الكوارِ نشي كرامةً ‪ ...‬لن بان عنه‪ ،‬أن نُل ّم به ركبا‬
‫نذمّ السحاب ال ُغرّ ف فعلها به‪ ... ،‬ونُعرضُ عنها‪ ،‬كلما طلعت‪ ،‬عتبا‬
‫وكقوله‪:‬‬
‫ت أكب هةً من ناقت‪ ... ،‬حلت يدا سُرحا وخفقا مُجمرا‬
‫أرأي َ‬
‫تركت دُخان الرّمث ف أوطانا‪ ... ،‬طلما لقوم يوقدون العنبا‬
‫وتكرّمن رُكباتُها عن مب ٍك ‪ ...‬تقعان فيه‪ ،‬وليس مسكا أذفرا‬
‫فأتتك دامية الظل كأنا ‪ ...‬حُذيت قوائمها العقيق الحرا‬
‫وكقوله‪:‬‬
‫على كل طاوٍ تت طاوٍ كأنا ‪ ...‬من الدّ ِم يُسقى أو من اللّح ِم يُطعمُ‬
‫س فوقها‪ ... ،‬فكلّ حصانٍ دارعٌ مُتلثّمُ‬
‫لا تتهُم ريّ الفوار ِ‬
‫س على القنا‪ ... ،‬ولك ّن صدم الشرّ بالشرّ أحزمُ‬
‫وما ذاك بُخلً بالنّفو ِ‬
‫فأدّن وال با قرع به سعي‪ ،‬وقلت له‪ :‬أيّ ماء لو كان من جامك واستهلت به عيُ غمامك! ث استقدمتُ فأنشدته‪:‬‬
‫ول ُربّ لي ٍل للهمومِ تدّلت ‪ ...‬أستارُه فحما الصّوى بستُورهِ‬
‫ب على العُبار وج ُه عُبورهِ‬
‫كالبحر يضربُ وجههُ ف وجههِ‪ ... ،‬صع ٌ‬
‫ت هي ف قرارةِ كورهِ‬
‫طاولته من عزمي بُمضّبرٍ‪ ... ،‬أثب ّ‬
‫وعل ّى للصّب الميل مُفاضةٌ‪ ... ،‬تلقى الرّدى‪ ،‬فتكلّ دون صبوره‬
‫وبرتت من فكرت ذو ذُكرةٍ‪ ... ،‬عُهدت تُذاكرُن بطب ِع ذكيهِ‬
‫ت ف ديُورهِ‬
‫فزادا‪ ،‬إذا بعثت دياجي جنح ِه ‪ ...‬هولً عليّ‪ ،‬خبط ُ‬
‫حت بدا عبدُ العزيزِ لناظري ‪ ...‬أملي‪ ،‬فمزّقت التّجى عن نُورهِ‬
‫وأنشدته‪:‬‬
‫ت هواءها‪ ... ،‬وعصاب ٍة ل تتهم إشفاقها‬
‫ال ف أرضِ غذي َ‬
‫لطُوبِ‪ ،‬وعُوجلُوا ‪ ...‬بُمّثلٍ منها‪ ،‬فكن درياقها‬
‫نكزتُ ُم أفعى ا ُ‬
‫وافتح مغالقها بعزم ِة فيصلٍ‪ ... ،‬لو حاولت سوق الثّريا ساقها‬
‫ولو أنا منه‪ ،‬إذا ما استلها‪ ... ،‬تتعرضُ الوزاءُ‪ ،‬حلّ نطاقها‬
‫وأنشدتُه‪:‬‬
‫ل تبكيّ من اللّيال أنا ‪ ...‬حرمتك نغبة شاربٍ من مشربِ‬
‫ف الرّدى‪ ... ،‬يُستلّ من شع ِر القذالِ الشيبِ‬
‫فأقلّ ما لك عندها سي ُ‬
‫ورحيلُ عيشك كلّ رحلةِ سلعة‪ ... ،‬وفناءُ طيبكَ ف الزّمان الطيبِ‬
‫ح يًمرّ مرّ الكوكبِ‬
‫فإذا بكيت فبكّ عُمرك‪ ،‬إن ُه ‪ ...‬زجلُ النا ِ‬
‫وأنشدته‪:‬‬
‫ول أر مثلي ما له من مُعاصرِ‪ ... ،‬ول كمضائي ما ل ُه من مُضافرِ‬
‫ولو كان ل ف الو كسرٌ أؤمّهُ‪ ... ،‬ركبتُ إليه ظهر فتخا َء كاسرِ‬
‫ش علّ‪ ،‬وقد رأت ‪ ...‬ب ف آثار إحدى الكبائر‬
‫وهت بإجها ٍ‬
‫ت لا‪ :‬إن تزعي من مُخاطرٍ‪ ... ،‬نك لن تظي بغيِ الخاطرِ‬
‫فقل ُ‬
‫شت ثار الوفر من‪ ،‬وإنا ‪ ...‬لدى كل مُبيضّ العنانيز وافرِ‬
‫له ف بياضِ اليومِ يقظ ُة فاجر‪ ... ،‬وتت سواد الليل هجعةُ كافرِ‬
‫رويدك‪ ،‬حت تنظري ع ّم تنجلي ‪ ...‬غيابةُ هذا العارضِ الُتناثرِ‬
‫ودون اعتزامي هضبةٌ كسرويةٌ‪ ... ،‬من الزمِ‪ ،‬سلماني ٌة ف الكاسر‬
‫إذا ننُ أسندنا إليها‪ ،‬تبلجت ‪ ...‬مواردُنا عن نيّراتِ الصادرِ‬
‫ش من عثارها ‪ ...‬إذا ما شرقنا بالدودِ العوائر‬
‫وأنت‪ ،‬ابن حزمٍ‪ ،‬منع ٌ‬
‫وما جرّ أذيال الغن نو بيته كأروع معرورٍ ظهور الرائرِ‬
‫إذا ما تبغي نضرة العيش كرّها‪ ... ،‬لدى مشرعٍ للموت‪ ،‬لحة ناظرِ‬
‫ت كريُ العناصرِ‬
‫فسلّ من التأويلٍ فيها مهندا ‪ ...‬أخو شافعيا ٍ‬
‫ي البصائرِ‬
‫ل الرّأي‪ ،‬نا ِء عن الُدى‪ ... ،‬بعيد الرامي‪ ،‬مُستم ِ‬
‫ِلمُعتز ّ‬
‫ي ف كل فتك ٍة ‪ُ ...‬ظهُور الذاكي عن ظُهورِ النابرِ‬
‫يُطالبُ بالند ّ‬
‫وأنشدته‪:‬‬
‫وقالت النفسُ لا أن خلوتُ با‪ ... ،‬أشكو إليها الوى خلوا من النّعمِ‪:‬‬
‫تا َم أنت على الضرّاء مُضطجعٌ‪ ... ،‬مُعرّسٌ ف ديار الظّلمِ والظّلمِ؟‬
‫وف السّرى لك‪ ،‬لو أزمعت مرتلً‪ ... ،‬برءٌ من الشوق‪ ،‬أو برءٌ من العدم‬
‫ث استمرّت بفضل القو ِل تُنهضي‪ ... ،‬فقلتُ‪ :‬إن لستحيي بن الكم‬
‫الُلحفي رداء الشمس مدهمُ‪ ... ،‬والنعلي الثّريا أخص القدمِ‬
‫ألتُ بالُبّ‪ ،‬حت لو دنا أجلى‪ ... ،‬لا وجدتُ لطعم الوت من أل‬
‫وزادن كرمي عمن ولتُ به‪ ،‬ويلي من البّ‪ ،‬أو ويلي من الكرمِ‬
‫توّنتن رجالٌ طالا شكرت ‪ ...‬عهدي‪ ،‬وأثنت با راعيتُ من ذممِ‬
‫ت سُهيلً غبّ ثالثةٍ‪ ... ،‬لتقرعنّ عليّ من ندم‬
‫لئن ورد ُ‬
‫هناك ل تبتغي غي السّناءِ يدي‪ ... ،‬ول تفّ إل غي العُلى قدمي‬
‫حت ران ف أدن مواكبهم‪ ... ،‬على النّعمامة شلّلً من النّعمِ‬
‫ريان من زفراتِ اليلِ أوردُها ‪ ...‬أمواه نيظة توي فيه بال ّلجُمِ‬
‫قُدّام من قوم وجدتُهمُ ‪ ...‬أرعى لقّ العُلى من سالفِ المم‬
‫ففتح عليّ عيني كالاويتي ث قال ل‪ :‬من القائل‪:‬‬
‫طلعَ البدرُ علينا‪ ... ،‬فحسبناهُ لبيبا‬
‫والتقينا‪ ،‬فرأينا ‪ ...‬هُ بعيدا وقريبا‬
‫فيا من إذا رام معن كلمي‪ ... ،‬رأى نفس ُه نُصبَ تلك العان‬
‫شكوتُ إليك صروف الزّمانِ‪ ... ،‬فلم تعدُ أن كنت عون الزّمان‬
‫وتقصرُ عن هت قُدرت ‪ ...‬فيا ليتن لسوى من نان‬
‫ضيُ ‪ ...‬قِِ‪ ،‬أن يتمن وضيع المان‬
‫حرّ‪ ،‬عند ا َل ِ‬
‫ول غرو لل ُ‬
‫قلت‪ :‬أخي قال‪ :‬فمن القائل؟‬
‫صدودٌ‪ ،‬وإن كان البيبُ مُساعفا‪ ... ،‬وبعدٌ‪ ،‬وإن كان الزارُ قريبا‬
‫وما فتئت تلك الديارُ حبائبا ‪ ...‬لنا‪ ،‬قبل أن نلقى بنّ حبيبا‬
‫ولو أسعفتنا بالودّةِ ف الوى‪ ،‬لدني إلفا‪ ،‬أو شغلن رقيبا‬
‫وما كان يفو مرضي‪ ،‬غي أنه ‪ ...‬عدته العوادي أن يكون طبيبا‬
‫قلت‪ :‬عمي‪ .‬قال‪ :‬فمن القائل؟‬
‫أتيناك‪ ،‬ل عن حاج ٍة عرضت لنا ‪ ...‬إليك‪ ،‬ول قلبِ إليك مشوقِ‬
‫ولكننا زُرنا بفضل حلومنا ‪ ...‬حارا‪ ،‬تلقى برّنا بعُقُوقِ‬
‫قلت‪ :‬جدي‪ .‬قال‪ :‬فمن القائل؟‬
‫ويلي على أحور تياه‪ ... ،‬أحسن ما يلهُوه به الللهي‬
‫ق أفواهِ‬
‫ض ترا ِ‬
‫أقبل ف غي ٍد حكي الظّبا‪ ... ،‬بي ِ‬
‫يأمرُ فيهنّ وينهى‪ ،‬ول ‪ ...‬يعصين ُه من آمرٍ ناهي‬
‫حت إذا أمكنن أمرهُ‪ ... ،‬تركتهُ من خيف ِة الِ‬
‫قلت‪ :‬جدّ أب‪ .‬قال‪ :‬فمن القائل؟‬
‫خ هبنّقةٍ‪ ... ،‬يلقى العيون برأسٍ مّ ُه رار‬
‫ويح الكتابة من شي ٍ‬
‫ح إن ناحيته أبدا ‪ ...‬كأنا مات ف خيشُومه فارُ‬
‫ت الري ِ‬
‫ومن ِ‬
‫قلتُ‪ :‬أنا قال‪ :‬والذي نفس فرعون بيده‪ ،‬ل عرضتُ لك أبدا‪ ،‬إن أراك عريقا ف الكلم‪ .‬ث ق ّل واضمحلّ حت إنّ النفساء لتدوسُه‪ ،‬فل‬
‫يشغل رجليها‪ .‬فعجبتُ منه‪ ،‬وقلت لزهي‪ :‬من هذا الن؟ فقال ل‪ :‬استعذ بال منه‪ ،‬إنه ضرط ف عي رجلٍ فبدرت من قفاه‪ ،‬هذا فرعونُ ابن‬
‫الون‪ .‬فقلتُ‪ :‬أعوذُ بال العظيم‪ ،‬من النار ومن الشيطان الرّجيم! فتبسّم زهيٌ وقال ل‪ :‬هو تابعةُ رجُل كبي منكم‪ ،‬ففهمتها عنه‬
‫الفصل الرابع‬
‫حيوان الن‬
‫لغة المي‬
‫ت يوما وزهي بأرض الن أيضا نتقرّى الفوائد ونعتمدُ أندية أهل الداب منهم‪ ،‬إذ أشرفنا على قرار ٍة غناء‪ ،‬تفنرّ عن بركة ماء‪ ،‬وفيها‬
‫ومشي ُ‬
‫عان ٌة من ُحمُر الن وبغالم‪ ،‬قد أصابا أولق فهي تصطكّ بالوافر‪ ،‬وتنفُخ من الناخر‪ ،‬وقد اشت ّد ضُراطُها‪ ،‬وعل شحيجها وهاقها‪ .‬فلما بصرت‬
‫بنا أجفلت إلينا وهي تقول‪ :‬جاءكم على رجليه! فارتعتُ لذلك‪ ،‬فتبسّم زهيٌ وقد عرف القصد‪ ،‬وقال ل‪ :‬تيأ للحكم‪ .‬فلما لقت بنا بد أن‬
‫بالتفدية‪ ،‬وحيتن بالتكنية‪ .‬فقلت‪ :‬ما الطبُ‪ ،‬حُمي حاك أيتها العانة‪ ،‬وأخصب مرعاك؟ قالت‪ :‬شعران لمارٍ وبغل من عشّاقنا اختلفنا فيها‪،‬‬
‫ل بغ ٌة شهباء‪ ،‬عليها جلّها وبرقُعها‪ ،‬ل تدخل فيما دخلت فيه العانةُ من سوء العجلة وسُخفِ‬
‫وقد رضيناك حكما قلت‪ :‬حت أسع‪ .‬فقدّمت إ ّ‬
‫الركة‪ ،‬فقالت‪ :‬أحدُ الشّعرين لبغلٍ من بغالنا وهو‪:‬‬
‫على كل صب من هوا ُه دليلُ‪ ... :‬سقا ٌم على حر الوى‪ ،‬وُنحُولُ‬
‫ب داءً مُبحا‪ ،‬إذا ما اعترى بغلً فليس يزولُ‬
‫وما زال هذا ال ّ‬
‫بنفسي الت أما ملحظُ طرفها ‪ ...‬فسحرٌ‪ ،‬وأما خدّها فأسيلُ‬
‫تعبتُ با حُملتُ من ثقل حُبها‪ ... ،‬وإن لبغلٌ للثقالِ حُولُ‬
‫ل غي أنن ‪ ...‬إذا هي بالت بُلتُ حيثُ تبُولُ‬
‫وما نلتُ منها نائ ً‬
‫ي المار‪:‬‬
‫والشّعر الخرُ لدُك ٍ‬
‫دُهيتُ بذا الب منذُ هويثُ‪ ... ،‬وراثت إرادات فلستُ أريثُ‬
‫كّلفتُ بإلفي منذ عشرين حجةً‪ ... ،‬يُولُ هواها ف الشا ويعيثُ‬
‫ومال من برحِ الصّبابة ملصٌ‪ ... ،‬ول ل من فيضِ السّقامِ مُغيثُ‬
‫وغي منها قلبها ل نيمةٌ‪ ... ،‬ناها أحمّ الُصيتيِ خبيثُ‬
‫ث تروثُ‬
‫وما نلتُ منها نائلً‪ ،‬غي أنّن ‪ ...‬إذا هي راثتُ حي ُ‬
‫ففضحك زهيٌ‪ ،‬وتاسكتُ‪ ،‬وقلتُ للمنشدة‪ :‬ما هويتُ؟ قالت‪ :‬هو هويبُ‪ ،‬بلغة المي‪ .‬فقلت‪ :‬وال‪ ،‬إن للرّوثِ رائحة كريهةً‪ ،‬وقد كان أنف‬
‫الناقة أجدر أن يكم ف الشعر! فقالت‪ :‬فهمت عنك وأشارت إل العانة أ ّن دُكينا مغلوبا؛ ث انصرفت قانعة راضية‪.‬‬
‫وقالت ل البغلة‪ :‬أما تعرفن أبا عامر؟ قلت‪ :‬لو كانت ثّ علمة! فأماطت لثامها‪ ،‬فإذا هي بغلةُ أب عيسى‪ ،‬والالُ على خدها‪ ،‬فتباكينا طويلً‪،‬‬
‫ب عمرٌو عن الطوق! فما فعل الحبة بعدي‪ ،‬أهم على العهد؟ قلتُ‪:‬‬
‫وأخذنا ف ذكر أيامنا‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أبقيت منك؟ قلت‪ :‬ما ترين‪ .‬قالت‪ :‬ش ّ‬
‫ب الغِلمان‪ ،‬وشاخ الفتيان‪ ،‬وتنكرتِ اللّن؛ ومن إخوانك من بلغ المارة‪ ،‬وانتهى إل الوزارة‪ .‬فتنفستِ الصّعداء‪ ،‬وقالت‪ :‬سقاهم ال سبل‬
‫ش ّ‬
‫العهد‪ ،‬وإن حالوا عن العهد‪ ،‬ونسُوا أيام الود‪ .‬برمة الدب‪ ،‬إلّ ما أقرأتم من السلم؛ قلت‪ :‬كما تأمرين وأكثر‪.‬‬
‫الوزة الدبية‬
‫وكانت ف البكة بقُربنا إوزّ ٌة بيضاء شهلء‪ ،‬ف مثل جُثمانِ النّعامة‪ ،‬كأنا ذُ ّر عليها الكافور‪ ،‬أو لبست غلل ًة من دمقس الرير‪ ،‬ل أر أخفّ من‬
‫رأسها حركة‪ ،‬ول أحسن للماء ف ظهرها صبا‪ ،‬تثن سالفتها‪ ،‬وتكسر حدقتها‪ ،‬وتُلولبُ قمحدوتا‪ ،‬فترى الُسن مستعارا منها‪ ،‬والشكل‬
‫مأخوذا عنها‪ ،‬فصاحت بالبغلة‪ :‬لقد حكمتُهم بالور‪ ،‬ورضيتم من حاكمكم بغي الرّضا‪.‬‬
‫ت لزهي‪ :‬ما شأنا؟ قال‪ :‬هي تابع ُة شيخٍ من مشيختكم‪ ،‬تسمى العاقلة‪ ،‬وتُكن أمّ خفيف‪ ،‬وهي ذات حظٍ من الدب‪ ،‬فاستعدّ لا‪ .‬فقلتُ‪:‬‬
‫فقل ُ‬
‫أيتها الوزةُ الميلة‪ ،‬العريضةُ الطويلة‪ ،‬أيس ُن بمال حدفتيك‪ ،‬واعتدال منكبيك‪ ،‬واستقامة جناحيك‪ ،‬وطول جيدك‪ ،‬وصغر رأسك‪ ،‬مقابلةُ‬
‫الضّيف بثل هذا الكلم‪ ،‬وتلقي الطارئ الغريب بشبه هذا القال؟ وأنا الذي هت بالوزة صبابةً‪ ،‬واحتملت ف الكلف با عضّ كل مقالة؛‬
‫وأنا الذي استرجعتها إل الوطن الألوف‪ ،‬وحببتُها إل كل غطريف‪ ،‬فاتذتا السادة بأرضنا واستهلك عليها الظّرفاء منا‪ ،‬ورضيت بدلً من‬
‫العصافي‪ ،‬ومُتكلمّات الزرازير‪ ،‬ونُسيت لذّةُ المام‪ ،‬ونقارُ الدّيوك‪ ،‬ونطاحُ الكباش‪.‬‬
‫ب من كلمي‪ ،‬ث رفعت وقد اعترتا خفةٌ شديدةٌ ف مائها‪ ،‬فمرّةً سابة‪ ،‬ومرةً طائرة‪ ،‬تتغمسُ هنا وترجُ هناك‪ ،‬قد تقبب‬
‫فدخلها العُج ُ‬
‫جناحاها‪ ،‬وانتصبت ذُناباها‪ ،‬وهي تُطرب تطريب السرور؛ وهذا الفعل معروفٌ من الوز عند الفرح والرح‪ .‬ث سكنت وأقامت عُنقها‪،‬‬
‫وعرّضت صدرها‪ ،‬وعلمت بجدافيها‪ ،‬واستقبلتنا جائيةً كصدر الركب‪ ،‬فقالت‪ :‬أيها الغارّ الغرور‪ ،‬كيف تكم ف الفروع وأنت ل تُحكمُ‬
‫ب خُطبة‪ ،‬على حُكم القترح والنّصبة‪ .‬قالت‪ :‬ليس عن هذا أسالُك‪ .‬قلت‪ :‬ول بغي‬
‫الصول؟ ما الذي تُحسن؟ فقلت‪ :‬ارتال شعر‪ ،‬واقتضا ٌ‬
‫ب اللذين ها أصلُ الكلم‪ ،‬ومادّةُ‬
‫ت بذلك إحسان النّحو والغري ِ‬
‫هذا أجاوبك‪ .‬قالت حكم الواب أن يقع على أصل السؤال‪ ،‬وأنا إنا أرد ُ‬
‫ب عندي غي ما سعت‪ .‬قالت‪ :‬أُقسم أنّ هذا منك غي داخ ٍل ف باب الدل‪ .‬فقلت‪ :‬وبالدل تطلُبيننا وقد عقدنا سلمه‪،‬‬
‫البيان‪ .‬قلت‪ :‬ل جوا َ‬
‫وكُفينا حربه‪ ،‬وإنّ ما رميتكِ به منه لنف ُذ سهامه‪ ،‬وأحدّ حرابه‪ ،‬وهو من تعاليم ال‪ .‬ع ّز وجلّ‪ ،‬عندنا ف الدل ف مُحكم تنيله‪ .‬قالت‪ :‬أُقسم‬
‫ظ أدب القرآن‪ ،‬قال ال‪ ،‬عزّ وجلّ‪ ،‬ف مُحكم كتابه حاكيا‬
‫أ ّن ال ما علمك الدل ف كتابة قلت‪ :‬ممول عنك أمّ خفيف‪ ،‬ل يلزمُ الوزةّ حف ُ‬
‫عن نبيه إبراهيم‪ ،‬عليه السلم‪ " :‬رب الذي يُحيي ويُميتُ‪ ،‬قال‪ :‬أنا أُحيي وأميت " ‪ .‬فكان لذا الكلم من الكافر جواب‪ ،‬وعلى وجوبه مقال؛‬
‫ولكنّ النبّ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لا لحت له الواضح ُة القاطعةُ‪ ،‬رماهُ با‪ ،‬وأضرب عن الكلم الول‪ ،‬قال‪ " :‬فإ ّن ال يأت بالشمس من‬
‫الشرق‪ ،‬فأت با من الغرب‪ ،‬فلهت الذي كفر " وأنا ل أُحس ُن غي ارتال شعر‪ ،‬واقتضاب خُطبة‪ ،‬على حُكم الُقترح والنّصبة‪ ،‬فاهتزّت من‬
‫جانبيها‪ ،‬وحال الاء من عينيها‪ ،‬وهّت بالطيان‪ .‬ث اعتراها ما يعتري الوزّ من اللفة وحسن الرّجعة‪ ،‬فقدّمت عنُقها ورأسها إلينا نشي نونا‬
‫ف حركاتِها وما يع ِرضُ من‬
‫رويدا‪ ،‬وتنطق نطقا مُتداركا خفيا‪ ،‬وهو فعل الوز إذا أنست واستراضت وتذلّلت؛ على أن أحبّ الوزّ وأستظر ُ‬
‫سخافاتا‪.‬‬
‫ث تكلمتُ با مبسبسا‪ ،‬ولا مؤنسا‪ ،‬حت خالتتنا وقد عقدنا سلمها وكُفينا حربا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أم خفيف‪ ،‬بالذي جعل غذاءك ماء‪ ،‬وحشا رأسك‬
‫هواء‪ ،‬أل أيا أفضل‪ :‬الدبُ أم العقل؟ قالت‪ :‬بل العقل‪ .‬قلتُ‪ :‬فهل تعرفي ف اللئق أحق من إوزّة‪ ،‬ودعين من مثلهم ف الُبارى؟ قالت‪ :‬ل‬
‫قلت‪ :‬فتطلب عقل التّجربة‪ ،‬إذ ل سبيل لك إل عقل الطبيعة‪ ،‬فإذا أحرزت منه نصيبا‪ ،‬وبؤتِ منه بظ‪ ،‬فحينئذٍ ناظري ف الدب‪ .‬فانصرفت‬
‫وانصرفنا‪.‬‬
‫تت الرسالة بمد ل‪.‬‬

You might also like