You are on page 1of 259

‫تابع ‪ :‬تفسير سورة الكهف‬

‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سُأ َن ّب ُئكَ ِب َتأْوِيلِ مَا لَ ْم تَ سْ َتطِع‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ هَـذَا فِرَا قُ َب ْينِي َو َب ْينِ كَ َ‬
‫صبْرا }‪.‬‬
‫عَّليْ ِه َ‬
‫حرِ َفَأرَد تّ‬
‫ن َي ْعمَلُو نَ فِي ا ْل َب ْ‬
‫{َأمّا ال سّفِينَ ُة َفكَانَ تْ ِلمَ سَاكِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫غصْبا }‪.‬‬
‫ل سَفِينَةٍ َ‬
‫خذُ كُ ّ‬
‫ن أَعِي َبهَا َوكَانَ َورَآءَهُم مِّلكٌ َي ْأ ُ‬
‫أَ ْ‬
‫حرِ‬
‫يقول‪ :‬أ ما ِفعْلــي مـا فعلت ب ـالسفـينة‪ ,‬فلنهـا كانـت لقوم م ساكين َي ْعمَلُو نَ فِــي ال َب ْ‬
‫فأَ َردْتُ أنْ أعِيبَها بـالـخَرق الذي خرقتها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17524‬ـ حدثن ـي م ـحمد ا بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬فأَ َردْتُ أنْ أعِيبَها قال‪ :‬أخرقها‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫غصْبـا وكان أمامهم و ُقدّامهم ملك‪ .‬كما‪:‬‬
‫خذُ كُلّ سَفِـينَةٍ َ‬
‫وقوله‪ :‬وكانَ َورَاءَ ُه ْم مَِلكٌ َي ْأ ُ‬
‫‪ 17525‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ج َهنَــمُ وهـي بــين‬
‫وكانَـ َورَاءَهُم ْـ مَلِكٌـ قال قتادة‪ :‬أمامهـم‪ ,‬أل ترى أنـه يقول‪ :‬مِن ْـ َورَائِهم ْـ َ‬
‫أيديهم‪.‬‬
‫‪ 17526‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان فـي القرآن‪:‬‬
‫وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفـينة صحيحة غصبـا‪ .‬وقد ذُكر عن ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قرأ ذلك‪ :‬وكان أمامهم ملك‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد جعل بعض أهل الـمعرفة بكلم العرب «وراء» من حروف الضداد‪,‬‬
‫وزعم أنه يكون لـما هو أمامه ولـما خـلفه‪ ,‬واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫عتِـي َوقَوْمي تَـمِيـمٌ والفَلةُ َورَائيَا‬
‫سمْعي وطا َ‬
‫أ َي ْرجُو َبنُو َمرْوَانَ َ‬
‫بـمعنى أمامي‪ ,‬وقد أغفل وجه الصواب فـي ذلك‪ .‬وإنـما قـيـل لـما بـين يديه‪ :‬هو‬
‫ورائي‪ ,‬لنك من ورائه‪ ,‬فأنت ملقـيه كما هو ملقـيك‪ ,‬فصار‪ :‬إذ كان ملقـيك‪ ,‬كأنه من‬
‫ورائك وأنت أمامه‪ .‬وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة ل يجيز أن يقال لرجل بـين‬
‫يديـك‪ :‬هـو ورائي‪ ,‬ول إذا كان وراءك أن يقال‪ :‬هـو أمامـي‪ ,‬ويقول‪ :‬إنــما يجوز ذلك فــي‬
‫الـمواقـيت من اليام والزمنة كقول القائل‪ :‬وراءك برد شديد‪ ,‬وبـين يديك حرّ شديد‪ ,‬لنك‬
‫أنت وراءه‪ ,‬فجاز لنه شيء يأتـي‪ ,‬فكأنه إذا لـحقك صار من ورائك‪ ,‬وكأنك إذا بلغته صار‬
‫بـين يديك‪ .‬قال‪ :‬فلذلك جاز الوجهان‪.‬‬
‫خرْق هذا العالــم السـفـينة‬
‫سـفِـينَةٍ غَصـْبـا فــيقول القائل‪ :‬فمـا أغنـى َ‬
‫خذُ كُلّ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ي ْأ ُ‬
‫التـي ركبها عن أهلها‪ ,‬إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها‪َ ,‬معِيبها وغير معيبها‪ ,‬وما‬
‫كان وجـه اعتلله فــي خرقهـا بأنـه خرقهـا‪ ,‬لن وراءهـم ملك يأخـذ كلّ سـفـينة غصـبـا؟‬
‫قـيـل‪ :‬إن معنى ذلك‪ ,‬أنه يأخذ كل سفـينة صحيحة غصبـا‪ ,‬ويدع منها كلّ معيبة‪ ,‬ل أنه‬
‫كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها‪ .‬فإن قال‪ :‬وما الدلـيـل علـى أن ذلك كذلك؟ قـيـل‪:‬‬
‫قوله‪ :‬فَأرَدْتُـ أن ْـ أعِيبَهـا فأبــان بذلك أنـه إنــما عابهـا‪ ,‬لن الــمعيبة منهـا ل يعرض لهـا‪,‬‬
‫ل سفـينة صحيحة غصبـا علـى أن‬
‫فـاكتفـى بذلك من أن يقال‪ :‬وكان وراءهم ملك يأخذ ك ّ‬
‫ذلك فـي بعض القراءات كذلك‪.‬‬
‫‪ 17527‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬هي فـي حرف ابن مسعود‪« :‬وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفـينة صالـحة غصبـا»‪.‬‬
‫‪ 17528‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ال ـحسن بن‬
‫دينار‪ ,‬عن ال ـحكم بن عي ـينة‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ف ـي قراءة‬
‫أُبـي‪« :‬وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفـينة صالـحة غصبـا»‪ .‬وإنـما عبتها لردّه عنها‪.‬‬
‫‪17529‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ابـن جريـج وكانَـ‬
‫ل سَفِـينَةٍ غَصْبـا فإذا خـلفوه أصلـحوها بزفت فـاستـمتعوا بها‪ .‬قال‬
‫ك َي ْأخُذُ كُ ّ‬
‫َورَاءَهُمْ مَلِ ٌ‬
‫جبَـائِي‪ ,‬أن اسم الرجل الذي يأخذ‬
‫ابن جريج‪ :‬أخبرنـي وهب بن سلـيـمان‪ ,‬عن شعيب الـ َ‬
‫ن بُدد‪.‬‬
‫كلّ سفـينة غصبـا‪ُ :‬ه َددُ ب ُ‬

‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سُأ َن ّب ُئكَ ِب َتأْوِيلِ مَا لَ ْم تَ سْ َتطِع‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ هَـذَا فِرَا قُ َب ْينِي َو َب ْينِ كَ َ‬
‫صبْرا }‪.‬‬
‫عَّليْ ِه َ‬
‫حرِ َفَأرَد تّ‬
‫ن َي ْعمَلُو نَ فِي ا ْل َب ْ‬
‫{َأمّا ال سّفِينَ ُة َفكَانَ تْ ِلمَ سَاكِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫غصْبا }‪.‬‬
‫ل سَفِينَةٍ َ‬
‫خذُ كُ ّ‬
‫ن أَعِي َبهَا َوكَانَ َورَآءَهُم مِّلكٌ َي ْأ ُ‬
‫أَ ْ‬
‫حرِ‬
‫يقول‪ :‬أ ما ِفعْلــي مـا فعلت ب ـالسفـينة‪ ,‬فلنهـا كانـت لقوم م ساكين َي ْعمَلُو نَ فِــي ال َب ْ‬
‫فأَ َردْتُ أنْ أعِيبَها بـالـخَرق الذي خرقتها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17524‬ـ حدثن ـي م ـحمد ا بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬فأَ َردْتُ أنْ أعِيبَها قال‪ :‬أخرقها‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫غصْبـا وكان أمامهم و ُقدّامهم ملك‪ .‬كما‪:‬‬
‫خذُ كُلّ سَفِـينَةٍ َ‬
‫وقوله‪ :‬وكانَ َورَاءَ ُه ْم مَِلكٌ َي ْأ ُ‬
‫‪ 17525‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ج َهنَــمُ وهـي بــين‬
‫وكانَـ َورَاءَهُم ْـ مَلِكٌـ قال قتادة‪ :‬أمامهـم‪ ,‬أل ترى أنـه يقول‪ :‬مِن ْـ َورَائِهم ْـ َ‬
‫أيديهم‪.‬‬
‫‪ 17526‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان فـي القرآن‪:‬‬
‫وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفـينة صحيحة غصبـا‪ .‬وقد ذُكر عن ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قرأ ذلك‪ :‬وكان أمامهم ملك‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد جعل بعض أهل الـمعرفة بكلم العرب «وراء» من حروف الضداد‪,‬‬
‫وزعم أنه يكون لـما هو أمامه ولـما خـلفه‪ ,‬واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫عتِـي َوقَوْمي تَـمِيـمٌ والفَلةُ َورَائيَا‬
‫سمْعي وطا َ‬
‫أ َي ْرجُو َبنُو َمرْوَانَ َ‬
‫بـمعنى أمامي‪ ,‬وقد أغفل وجه الصواب فـي ذلك‪ .‬وإنـما قـيـل لـما بـين يديه‪ :‬هو‬
‫ورائي‪ ,‬لنك من ورائه‪ ,‬فأنت ملقـيه كما هو ملقـيك‪ ,‬فصار‪ :‬إذ كان ملقـيك‪ ,‬كأنه من‬
‫ورائك وأنت أمامه‪ .‬وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة ل يجيز أن يقال لرجل بـين‬
‫يديـك‪ :‬هـو ورائي‪ ,‬ول إذا كان وراءك أن يقال‪ :‬هـو أمامـي‪ ,‬ويقول‪ :‬إنــما يجوز ذلك فــي‬
‫الـمواقـيت من اليام والزمنة كقول القائل‪ :‬وراءك برد شديد‪ ,‬وبـين يديك حرّ شديد‪ ,‬لنك‬
‫أنت وراءه‪ ,‬فجاز لنه شيء يأتـي‪ ,‬فكأنه إذا لـحقك صار من ورائك‪ ,‬وكأنك إذا بلغته صار‬
‫بـين يديك‪ .‬قال‪ :‬فلذلك جاز الوجهان‪.‬‬
‫خرْق هذا العالــم السـفـينة‬
‫سـفِـينَةٍ غَصـْبـا فــيقول القائل‪ :‬فمـا أغنـى َ‬
‫خذُ كُلّ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ي ْأ ُ‬
‫التـي ركبها عن أهلها‪ ,‬إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها‪َ ,‬معِيبها وغير معيبها‪ ,‬وما‬
‫كان وجـه اعتلله فــي خرقهـا بأنـه خرقهـا‪ ,‬لن وراءهـم ملك يأخـذ كلّ سـفـينة غصـبـا؟‬
‫قـيـل‪ :‬إن معنى ذلك‪ ,‬أنه يأخذ كل سفـينة صحيحة غصبـا‪ ,‬ويدع منها كلّ معيبة‪ ,‬ل أنه‬
‫كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها‪ .‬فإن قال‪ :‬وما الدلـيـل علـى أن ذلك كذلك؟ قـيـل‪:‬‬
‫قوله‪ :‬فَأرَدْتُـ أن ْـ أعِيبَهـا فأبــان بذلك أنـه إنــما عابهـا‪ ,‬لن الــمعيبة منهـا ل يعرض لهـا‪,‬‬
‫ل سفـينة صحيحة غصبـا علـى أن‬
‫فـاكتفـى بذلك من أن يقال‪ :‬وكان وراءهم ملك يأخذ ك ّ‬
‫ذلك فـي بعض القراءات كذلك‪.‬‬
‫‪ 17527‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬هي فـي حرف ابن مسعود‪« :‬وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفـينة صالـحة غصبـا»‪.‬‬
‫‪ 17528‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ال ـحسن بن‬
‫دينار‪ ,‬عن ال ـحكم بن عي ـينة‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ف ـي قراءة‬
‫أُبـي‪« :‬وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفـينة صالـحة غصبـا»‪ .‬وإنـما عبتها لردّه عنها‪.‬‬
‫‪17529‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ابـن جريـج وكانَـ‬
‫ل سَفِـينَةٍ غَصْبـا فإذا خـلفوه أصلـحوها بزفت فـاستـمتعوا بها‪ .‬قال‬
‫ك َي ْأخُذُ كُ ّ‬
‫َورَاءَهُمْ مَلِ ٌ‬
‫جبَـائِي‪ ,‬أن اسم الرجل الذي يأخذ‬
‫ابن جريج‪ :‬أخبرنـي وهب بن سلـيـمان‪ ,‬عن شعيب الـ َ‬
‫ن بُدد‪.‬‬
‫كلّ سفـينة غصبـا‪ُ :‬ه َددُ ب ُ‬

‫‪81‬‬ ‫و‬ ‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ط ْغيَانا‬
‫ن َفخَشِينَآ أَن ُيرْهِ َق ُهمَا ُ‬
‫ن َأبَوَاهُ مُ ْؤ ِم َنيْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََأمّا ا ْلغُلَ ُم فَكَا َ‬
‫خيْرا ّمنْ ُه زَكَـاةً وََأ ْقرَبَ ُرحْما }‪.‬‬
‫َوكُفْرا * َفأَ َر ْدنَآ أَن ُي ْبدَِل ُهمَا َر ّب ُهمَا َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وأمـا الغلم‪ ,‬فإنـه كان كافرا‪ ,‬وكان أبواه مؤمنــين‪ ,‬فعلــمنا أنـه‬
‫يرهقه ما‪ .‬يقول‪ :‬يغشيه ما طغيا نا‪ ,‬و هو ال ستكبـار عل ـى ال‪ ,‬وكفرا به‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬وقد ذُكر ذلك فـي بعض الـحروف‪ .‬وأما الغلم فكان كافرا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17530‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫«وأمّا الغُل مُ فَكا نَ كافِرا» فـي حرف أُبـيّ‪ ,‬وكان أبواه مؤمنـين فَأ َردْنَا أَ نْ ُي ْبدَِل ُهمَا َر ّب ُهمَا‬
‫خيْرا ِمنْهُ َزكَاةً وََأ ْقرَبَ ُرحْما‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 17531‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَأمّا الغُل مُ فَكا نَ أ َبوَاه‬
‫خشِي نا و هي ف ـي م صحف ع بد ال‪« :‬فخَا فَ‬
‫مُ ْو ِمنَ ـيْنِ وكان كافرا ب عض القراءة‪ .‬وقوله‪ :‬فَ َ‬
‫طغْيانا وكُفْرا»‪.‬‬
‫ن يُرْهِ َقهُما ُ‬
‫َربّكَ أ ْ‬
‫‪ 17532‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو قت ـيبة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـجبـار بن‬
‫عبـاس الهمْدانـي‪ ,‬عنا بن إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن‬
‫طبِعَ يَ ْو َم طُبِ َع كافِرا»‪.‬‬
‫ضرُ ُ‬
‫كعب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬الغُلمُ اّلذِي َقتَلَ ُه الـخَ ِ‬
‫وال ـخشية وال ـخوف توجهه ما العرب إل ـى مع نى الظ نّ‪ ,‬وتو جه هذه ال ـحروف إل ـى‬
‫مع نى العل ـم ب ـالشيء الذي يُدرك من غ ير ج هة ال ـحسّ والعيان‪ .‬و قد ب ـيّنا ذلك بشواهده‬
‫فـي غير هذا الـموضع‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫خشِينا فـي هذا الـموضع‪:‬‬
‫وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول‪ :‬معنى قوله َ‬
‫كرهنـا‪ ,‬لنّـ ال ل يخشَى‪ .‬وقال فــي بعـض القراءات‪ :‬فخاف ربكـُ‪ ,‬قال‪ :‬وهـو مثـل خفـت‬
‫الرجلـين أن يعول‪ ,‬وهو ل يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فأَ َردْنَا أَن ْـ ُي ْبدِلَهُمَا َربّهُمَا‪ :‬اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه جماعـة مـن قرّاء‬
‫ال ـمكيـين وال ـمدنـيـين والب صريـين‪« :‬فَأ َردْنَا َأ نْ ُي ْبدَِلهُمَا َر ّبهُمَا»‪ .‬وكان بعض هم يعتلّ‬
‫ن ظَلَـمُوا‪,‬‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشدّدا فـي عامّة القرآن‪ ,‬كقول ال عزّ وجلّ‪َ :‬فبَدّ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإذَا َبدّلْنـا آيَ ًة مَكان َـ إيَةٍ‪ ,‬فألــحق قوله‪ :‬فأَ َردْنَا أَن ْـ ُي ْبدِلَهُمَا بِه‪ .‬وقرأ ذلك عامّة قرّاء‬
‫ن ُي ْبدَِلهُمَا بتـخفـيف الدال‪ .‬وكان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربـية‬
‫الكوفة‪ :‬فأَ َر ْدنَا أَ ْ‬
‫يقول‪ :‬أبدل ُيبْدِل بـالتـخفـيف و َبدّل يُبدّل بـالتشديد‪ :‬بـمعنى واحد‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عندي‪ :‬أنه ما قراءتان متقارب تا ال ـمعنى‪ ,‬قد قرأ بكلّ واحدة‬
‫ل أبدل أبَوَي‬
‫منهما جماعة من القرّاء‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن ال عزّ وج ّ‬
‫الغلم الذي قتله صاحب موسى منه بجارية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17533‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ها شم بن القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمبـارك بن سعيد‪,‬‬
‫خيْرا ِمنْ ُه َزكَاةً وََأقْرَبَ ُرحْما‬
‫ن ُي ْبدَِلهُمَا َر ّبهُمَا َ‬
‫قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قـيس فـي قوله‪ :‬فأَ َر ْدنَا َأ ْ‬
‫قال‪ :‬بلغنـي أنها جارية‪.‬‬
‫‪17534‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪,‬‬
‫أخبرنـي سلـيـمان بن أميّة أنه سمع يعقوب بن عاصم يقول‪ُ :‬أ ْب ِدلَ مكان الغلم جارية‪.‬‬
‫خثَ ـيـم‪ ,‬أ نه سمع سعيد بن‬
‫‪ 17535‬ـ قال ا بن جر يج‪ :‬وأخبرن ـي ع بد ال بن عثمان بن ُ‬
‫جبـير يقول‪ :‬أبدل مكان الغلم جارية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أبدلهما ربهما بغلم مسلـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫خيْرا‬
‫ن ُي ْبدِلَ ُهمَا َربّ ُهمَا َ‬
‫‪17536‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج فأَ َر ْدنَا َأ ْ‬
‫ِمنْهُ َزكَاةً وََأ ْقرَبَ ُرحْما قال‪ :‬كانت أمه حُبلـى يومئذ بغلم مسلـم‪.‬‬
‫‪ 17537‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫أنه ذكر الغلم الذي قتله الـخضر‪ ,‬فقال‪ :‬قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا علـيه حين قتل‪,‬‬
‫ولو بقـي كان فـيه هلكهما‪ ,‬فلـيرض امرؤ بقضاء ال‪ ,‬فإن قضاء ال للـمؤمن فـيـماط‬
‫يكره خير له من قضائه فـيـما يحبّ‪.‬‬
‫خيْرا ِمنْهُ زَكاةً يقول‪ :‬خيرا من الغلم الذي قتله صلحا ودينا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫‪17538‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬فَأرَ ْدنَا‬
‫خيْرا ِمنْهُ َزكَا ًة قال‪ :‬السلم‪.‬‬
‫ن ُي ْبدِلَ ُهمَا َر ّب ُهمَا َ‬
‫أَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْقرَ بَ ُرحْما اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وأقرب‬
‫رحمة بوالديه وأب ّر بهما من الـمقتول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17539‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر عن قتادة‬
‫وأ ْقرَبَ ُرحْما‪ :‬أبرّ بوالديه‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سيعد‪ ,‬عن قتادة وأ ْقرَبَ ُرحْما أي أقرب خيرا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للـمقتول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17540‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج وأ ْقرَبَ ُرحْما‬
‫أرحم به منهما بـالذي قتل الـخضر‪.‬‬
‫وكان بعـض أهـل العربــية يتأوّل ذلك‪ :‬وأقرب أن يرحماه والرّحْم‪ :‬مصـدر رحمـت‪ ,‬يقال‪:‬‬
‫َرحِم ته َرحْ مة ورُح ما‪ .‬وكان ب عض الب صريـين يقول‪ :‬من الرّحِم والقرا بة‪ .‬و قد يقال‪ :‬رُحْم‬
‫عسُر‪ ,‬وهُلْك وهُلُك‪ ,‬واستشهد لقوله ذلك ببـيت العجاج‪:‬‬
‫عسْر و ُ‬
‫و ُرحُم مثل ُ‬
‫ج ُرحْمُ َمنْ َتعَوّجا‬
‫ولَـمْ ُتعَوّ ْ‬
‫ول و جه للرّحي ـم ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬لن ال ـمقتول كان الذي أبدل ال م نه والد يه ولدا‬
‫لبوي الـمقتول‪ ,‬فقرابتهما من والديه‪ ,‬وقربهما منه فـي الرّحيـم سواء‪ .‬وإنـما معنى ذلك‪:‬‬
‫وأقرب من ال ـمقتول أن ير حم والد يه ف ـيبرهما ك ما قال قتادة‪ .‬و قد يتو جه الكلم إل ـى أن‬
‫يكون معناه‪ .‬وأقرب أن يرحماه‪ ,‬غ ير أ نه ل قائل من أ هل تأوي ـل تأوّله كذلك‪ .‬فإذ ل ـم ي كن‬
‫فـيه قائل‪ ,‬فـالصواب فـيه ما قلنا لـما بـيّنا‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حتَهُ‬
‫ن َت ْ‬
‫ن فِي ا ْل َمدِينَةِ َوكَا َ‬
‫ل َميْنِ َيتِي َميْ ِ‬
‫جدَارُ َفكَانَ ِلغُ َ‬
‫{وََأمّا ا ْل ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫حمَةً مّن ّربّ كَ‬
‫س َتخْ ِرجَا كَنزَ ُهمَا َر ْ‬
‫شدّ ُهمَا َويَ ْ‬
‫ك أَن َيبُْلغَآ َأ ُ‬
‫ن َأبُو ُهمَا صَالِحا َفأَرَادَ َربّ َ‬
‫كَن ٌز ّل ُهمَا َوكَا َ‬
‫صبْرا }‪.‬‬
‫سطِـع عَّليْ ِه َ‬
‫ل مَا َلمْ َت ْ‬
‫عنْ َأ ْمرِي ذَِلكَ َتأْوِي ُ‬
‫َومَا َفعَ ْلتُهُ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره م خبرا عن قول صاحب مو سى‪ :‬وأ ما ال ـحائط الذي أقم ته‪ ,‬فإ نه كان‬
‫لغلمين يتـيـمين فـي الـمدينة‪ ,‬وكان تـحته كنزلهما‪.‬‬
‫صحُفـا ف ـيها علِ ـم مدفو نة‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ذ كل الك نز‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كان ُ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17541‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حتَ ُه َكنْزٌ َلهُما قال‪ :‬كان تـحته كنْزُ علـم‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس وكانَ تَـ ْ‬
‫‪17542‬ـ حدثنا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ :‬وكانَ‬
‫تَـحْتَ ُه َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬كان كنز علـم‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫حتَهُ َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬علـم‪.‬‬
‫عن سعيد بن جبـير وكانَ تَـ ْ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن‬
‫ن تَـحْتَ ُه َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬علـم‪.‬‬
‫سعيد بن جبـير وكا َ‬
‫‪ 17543‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫حتَهُ َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬صحف لغلمين فـيها علـم‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫قوله وكا َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫صحف علـم‪.‬‬
‫‪ 17544‬ـ حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هنادة ابنة مالك الشيبـانـية‪ ,‬قالت‪:‬‬
‫سمعت صاحبـي حماد بن الولـيد الثقـفـي يقول‪ :‬سمعت جعفر بن مـحمد يقول فـي قول‬
‫حتَهُ َك ْنزٌ َلهُمـا قال‪ :‬سـطران ونصـف‪ ,‬لــم يتــمّ الثالث‪« :‬عجبـت‬
‫وكانـ تَــ ْ‬
‫َ‬ ‫ال عزّ وجلّ‪:‬‬
‫للـموقن بـالرزق كيف يتعب‪ ,‬وعجبت للـموقن بـالـحساب كيف يغفل‪ ,‬وعجبت للـموقن‬
‫خ ْردَلِ أتــيْنا بِهـا َوكَفــى بِنـا‬
‫حبّ ٍة مِن ْـ َ‬
‫بــالـموت كيـف يفرح» وقـد قال‪ :‬وَإن ْـ كان َـ ِمثْقالَ َ‬
‫حا سِبِـينَ قالت‪ :‬وذكر أنهما حُفِظا بصلح أبـيهما‪ ,‬ولـم يذكر منهما صلح‪ ,‬وكان بـينهما‬
‫وبـين الب الذي حُفظا به سبعة آبـاء‪ ,‬كان نساجا‪.‬‬
‫‪ 17545‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن بن ندبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن مـحمد‪ ,‬عن‬
‫نعي ـم العنـبريّ‪ ,‬وكان مـن جُلسـاء الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت ال ـحسن يقول فــي قوله‪ :‬وكا نَ‬
‫تَـحْتَ ُه َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬لوح من ذهب مكتوب فـيه‪« :‬بسم ال الرحمَن الرحيـم‪ :‬عجبت لـمن‬
‫يؤمن كيف يحزن وعجبت لـمن يوقن بـالـموت كيف يفرح وعجبت لـمن يعرف الدنـيا‬
‫وتقلبها بأهلها‪ ,‬كيف يطمئنّ إلـيها ل إله إل ال‪ ,‬مـحمد رسول ال»‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي ابن إسحاق‪ ,‬عن الـحسن بن عمارة‪ ,‬عن‬
‫الـحكم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه كان يقول‪ :‬ما كان الكنز إل علْـما‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن حم يد‪,‬‬
‫صحُف من علـم‪.‬‬
‫حتَ ُه َكنْزٌ َلهُما قال‪ُ :‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله وكانَ تَـ ْ‬
‫‪ 17546‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و عب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي ع بد ال بن عياش‪ ,‬عن‬
‫عمر مولـى غُفْرة‪ ,‬قال‪ :‬إن الكنز الذي قال ال فـي السورة التـي يذكر فـيها الكهف وكا نَ‬
‫تَـحْتَ ُه َك ْنزٌ َلهُما قال‪ :‬كان لوحا من ذهب مصمت‪ ,‬مكتوبـا فـيه‪ :‬بسم ال الرحمَن الرحيـم‪.‬‬
‫ب مـمن‬
‫عجَ ٌ‬
‫ب مـمن أيقن بـالقدر ثم نَ صِب‪َ ,‬‬
‫عجَ ٌ‬
‫عجَ بٌ مـمن عرف الـموت ثم ضحك‪َ ,‬‬
‫َ‬
‫أيقن بـالـموت ثم أمن‪ ,‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ,‬وأن مـحمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان مالً مكنوزا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حتَهُ‬
‫‪ 17547‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عكرمة وكا نَ تَـ ْ‬
‫َكنْ ٌز َلهُما قال‪ :‬كنز مال‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن أب ـي ح صين‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو داود‪ ,‬عـن شعبـة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي أبـو حُصـَين‪ ,‬عـن‬
‫عكرمة‪ ,‬مثله‪ ,‬قال شعبة‪ :‬ولـم نسمعه منه‪.‬‬
‫‪ 17548‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‬
‫حرّم عل ـينا‪,‬‬
‫ل الك نز ل ـمن كان قبل نا‪ ,‬و ُ‬
‫حتَهُ َك ْنزٌ َلهُ ما قال‪ :‬مال له ما‪ ,‬قال قتادة‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫وكا نَ تَ ـ ْ‬
‫ل لمـة‪ ,‬ويحرّم علــى‬
‫ل مـن أمره مـا يشاء‪ ,‬ويحرّم‪ ,‬وهـي السـنن والفرائض‪ ,‬ويح ّ‬
‫فإن ال يُح ّ‬
‫أخرى‪ ,‬لكنّ ال ل يقبل من أحد مضى إل الخلص والتوحيد له‪.‬‬
‫عكْر مة‪ ,‬لن الـمعروف من‬
‫وأولـى التأويـلـين فـي ذلك ب ـالصواب‪ :‬القول الذي قاله ِ‬
‫كلم العرب أن الكنز اسم لـما يكنز من من مال‪ ,‬وأن كلّ ما كنز فقد وقع علـيه اسم كنز‪,‬‬
‫فإن التأويـل مصروف إلـى الغلب من استعمال الـمخاطبـين بـالتنزيـل‪ ,‬ما لـم يأت‬
‫دلـيـل يجب من أجله صرفه إلـى غير ذلك‪ ,‬لعلل قد بـيّناها فـي غير موضع‪.‬‬
‫شدّهُما يقول‪ :‬فأراد ربك أن يدركا ويبلغا‬
‫ن َيبْلُغا أ ُ‬
‫وقوله‪ :‬وكان أبُوهُما صَالِـحا فأرَادَ َربّ كَ أ ْ‬
‫قوتهما وشدّتهما‪ ,‬ويستـخرجا حينئذ كنزهما الـمكنوز تـحت الـجدار الذي أقمته‪ ,‬رحمة من‬
‫ربـك بهمـا‪ ,‬يقول‪ :‬فعلت فعـل هذا بــالـجدار‪ ,‬رحمـة مـن ربـك للــيتـيـمين‪ .‬وكان ابـن‬
‫عبـاس يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17549‬ـ حدثن ـي مو سى بن ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن م سعر‪ ,‬عن ع بد‬
‫ال ـملك بن مي سرة‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله وَكا نَ أبُوهُ ما‬
‫صالِـحا قال‪ :‬حُفِظا بصلح أبـيهما‪ ,‬وما ذكر منهما صلح‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬عن عبد الـملك بن ميسرة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَمـا َفعَ ْلتُهُـ عَن ْـ أ ْمرِي يقول‪ :‬ومـا فعلت يـا موسـى جميـع الذي رأيتنــي فعلتـه عـن‬
‫رأيـي‪ ,‬ومن تلقاء نفسي‪ ,‬وإنـما فعلته عن أمر ال إياي به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن أ ْمرِي‪ :‬كان‬
‫‪17550‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما َفعَ ْلتُ هُ عَ ْ‬
‫عبدا مأمورا‪ ,‬فمضى لمر ال‪.‬‬
‫ن أمْرِي ما رأيت‬
‫‪17551‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ :‬وَما َفعَ ْلتُهُ عَ ْ‬
‫أجمع ما فعلته عن نفسي‪.‬‬
‫سطِعْ عَلَـيْهِ صَبْرا يقول‪ :‬هذا الذي ذكرت لك من السبـاب‬
‫وقوله‪ :‬ذَلِ كَ َت ْأوِيـلُ ما لَـمْ تَ ْ‬
‫التـي من أجلها فعلت الفعال التـي استنكرتها منـي‪ ,‬تأويـل‪ .‬يقول‪ :‬ما تؤول إلـيه وترجع‬
‫الفعال التـي لـم تسطع علـى ترك مسألتك إياي عنها‪ ,‬وإنكارك لها صبرا‪.‬‬
‫وهذه القصص التـي أخبر ال عزّ وجلّ نبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم بها عن موسى‬
‫وتقدمـ إلــيه بترك السـتعجال بعقوبـة الــمشركين الذيـن كذّبوه‬
‫ٌ‬ ‫وصـاحبه‪ ,‬تأديـب منـه له‪,‬‬
‫واستهزؤوا به وبكتابه‪ ,‬وإعلم منه له أن أفعاله بهم وإن جرت فـيـما ترى العين بـما قد‬
‫يجري مثله أحيا نا لول ـيائه‪ ,‬فإن تأوي ـله صائر ب هم إل ـى أحوال أعدائه ف ـيها‪ ,‬ك ما كا نت‬
‫أفعال صاحب مو سى واق عة بخلف ال صحة ف ـي الظا هر ع ند مو سى‪ ,‬إذ ل ـم ي كن عال ـما‬
‫بعواقب ها‪ ,‬و هي ماض ية عل ـى ال صحة ف ـي ال ـحقـيقة وآئلة إل ـى ال صواب ف ـي العاق بة‪,‬‬
‫خذُهُم ْـ بِــمَا كَسَـبُوا َل َعجّلَ َلهُم ْـ‬
‫حمَةِ َلوْ يُوءَا ِ‬
‫ينـبىء عـن صـحة ذلك قوله‪َ :‬و َربّكَـ ا ْل َغفُورُ ذُو ال ّر ْ‬
‫ن دُو ِن هِ َم ْوئِل‪ .‬ثم عقب ذلك بقصة موسى وصاحبه‪ ,‬يعلـم‬
‫جدُوا مِ ْ‬
‫ن َي ِ‬
‫ع ٌد لَ ْ‬
‫ل َلهُ مْ مَوْ ِ‬
‫ال َعذَا بَ بَ ْ‬
‫ل جلله تعجيـل العذاب لهؤلء الـمشركين‪ ,‬بغير ن ظر منه لهم‪ ,‬وإن ذلك‬
‫نب ـيه أن تر كه ج ّ‬
‫فـيـما َيحْ سِب من ل علـم له بـما اللهمدبر فـيهم‪ ,‬نظرا منه لهم‪ ,‬لن تأويـل ذلك صائر‬
‫خزْيَ‬
‫إل ـى هلك هم وبوار هم ب ـالسيف ف ـي الدن ـيا وا ستـحقاقهم من ال ف ـي الَخرة ال ـ َ‬
‫الدائم‪.‬‬

‫‪85– 83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سأَتْلُواْ عََل ْيكُم ّمنْ ُه ِذكْرا *‬
‫ن قُلْ َ‬
‫سأَلُو َنكَ عَن ذِي الْ َق ْر َنيْ ِ‬
‫{ َويَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سبَبا }‪.‬‬
‫سبَبا * َفَأتْبَعَ َ‬
‫شيْ ٍء َ‬
‫ِإنّا َم ّكنّا لَ ُه فِي الرْضِ وَآ َت ْينَا ُه مِن كُلّ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬ويسـألك يـا مــحمد هؤلء‬
‫الـمشركون عن ذي القرن ـين ما كان شأ نه‪ ,‬وما كانت قصته‪ ,‬ف قل ل هم‪ :‬سأتلو علـيكم من‬
‫خبره ذكرا يقول‪ :‬سأقصّ علـيكم منه خبرا‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬إن الذين سألوا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن أمر ذي القرنـين‪ ,‬كانوا قوما من أهل الكتاب‪ .‬فأما الـخبر بأن الذين سألوه‬
‫عن ذلك كانوا مشر كي قو مه ف قد ذكرناه ق بل‪ .‬وأ ما ال ـخبر بأن الذ ين سألوه‪ ,‬كانوا قو ما من‬
‫أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 17552‬ـ فحدثنا به أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حبـاب عن ابن لهيعة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد‬
‫الرح من بن زياد بن أن عم‪ ,‬عن شيخ ين من ن ـجيب‪ ,‬قال‪ :‬أحده ما ل صاحبه‪ :‬انطلق ب نا إل ـى‬
‫عقبة بن عامر نتـحدّث‪ ,‬قال‪ :‬فأتـياه فقال‪ :‬جئنا لتـحدثنا‪ ,‬فقال‪ :‬كنت يوما أخدم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فخرجت من عنده‪ ,‬فلقـينـي قوم من أهل الكتاب‪ ,‬فقالوا‪ :‬نريد أن نسأل‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فــاستأذن لنـا علــيه‪ ,‬فدخــلت علــيه‪ ,‬فأخـبرته‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫«مالـي ومالهم‪ ,‬مالـي علـم إل ما علـمنـي ال»‪ ,‬ثم قال‪« :‬اسكب لـي ماء»‪ ,‬فتوضأ ثم‬
‫صلـى‪ ,‬قال‪ :‬فما فرغ حتـى عرفت السرور فـي وجهه‪ ,‬ثم قال‪« :‬أدخـلهم علـيّ‪ ,‬ومن‬
‫رأ يت من أ صحابـي» فدخ ـلوا فقاموا ب ـين يد يه‪ ,‬فقال‪« :‬إن شئت ـم سألتـم فأ خبرتكم ع ما‬
‫ت ـجدونه ف ـي كتاب كم مكتوب ـا‪ ,‬وإن شئت ـم أ خبرتكم»‪ ,‬قالوا‪ :‬بل ـى أخبر نا‪ ,‬قال‪« :‬جئت ـم‬
‫تسألونـي عن ذي القرنـين‪ ,‬وما تـجدونه فـي كتابكم‪ :‬كان شبـابـا من الروم‪ ,‬فجاء فبنى‬
‫مدي نة م صر ال سكندرية فل ـما فرغ جاءه ملك فعل به ف ـي ال سماء‪ ,‬فقال له ما ترى؟ فقال‪:‬‬
‫أرى مدينت ـي ومدائن‪ ,‬ثم عل به‪ ,‬فقال‪ :‬ما ترى؟ فقال‪ :‬أرى مدينت ـي‪ ,‬ثم عل به فقال‪ :‬ما‬
‫ترى؟ قال‪ :‬أرى الرض‪ ,‬قال‪ :‬فهذا ألـيـم مـحيط بـالدنـيا‪ ,‬إن ال بعثنـي إلـيك تعلـم‬
‫الـجاهل‪ ,‬وتثبت العالـم‪ ,‬فأتـى به السدّ‪ ,‬وهو جبلن لـينان َيزْلَق عنهما كل شيء‪ ,‬ثم مضى‬
‫بـه حتــى جاوز يأجوج ومأجوج‪ ,‬ثـم مضـى بـه إلــى أمـة أخرى‪ ,‬وجوههـم وجوه الكلب‬
‫يقاتلون يأجوج ومأجوج‪ ,‬ثم مضى به حتـى قطع به أمة أخرى يقاتلون هؤلء الذين وجوههم‬
‫وجوه الكلب‪ ,‬ثم مضى حتـى قطع به هؤلء إلـى أمة أخرى قد سماهم»‪.‬‬
‫واختلف أ هل العل ـم ف ـي ال ـمعنى الذي من أجله ق ـيـل لذي القرن ـين‪ :‬ذو القرن ـين‪,‬‬
‫حيِــي فضُرب‬
‫ضرِب علــى قَرنـه فهلك‪ ,‬ثـم ُأ ْ‬
‫فقال بعضهـم‪ :‬قــيـل له ذلك مـن أجـل أنـه ُ‬
‫علـى القرن الَخر فهلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17553‬ـ حدث نا ا بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن عبـيد ال ـ ُم ْكتِب‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ب ال فأح به‪,‬‬
‫الطّفَ ـيـل‪ ,‬قال‪ :‬سأل ا بن الكوّاء عل ـيا عن ذي القرن ـين‪ ,‬فقال‪ :‬هو ع بد أح ّ‬
‫وناصـح ال فنصـحه‪ ,‬فأمرهـم بتقوى ال فضربوه علــى قَرْنـه فقتلوه‪ ,‬ثـم بعثـه ال‪ ,‬فضربوه‬
‫علـى قرنه فمات‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حبـيب بن أبـي ثابت‪ ,‬عن‬
‫أب ـي الطف ـيـل‪ ,‬قال‪ :‬سئل عل ـيّ رضوان ال عل ـيه عن ذي القرن ـين‪ ,‬فقال‪ :‬كان عبدا‬
‫ناصح ال فناصحه‪ ,‬فدعا قومه إلـى ال‪ ,‬فضربوه علـى قرنه فمات‪ ,‬فأحياه ال‪ ,‬فدعا قومه‬
‫إلـى ال‪ ,‬فضربوه علـى قرنه فمات‪ ,‬فسمي ذا القرنـين‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن القاسم‬
‫بن أب ـي َبزّة‪ ,‬عن أب ـي الطف ـيـل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عل ـيا و سألوه عن ذي القرن ـين أنب ـيا‬
‫ح ال فن صحه‪ ,‬فبع ثه ال إل ـى قو مه‪,‬‬
‫ب ال فأح به‪ ,‬ونا صَ َ‬
‫كان؟ قال‪ :‬كان عبدا صالـحا‪ ,‬أح ّ‬
‫فضربوه ضربتـين فـي رأسه‪ ,‬فسمي ذا القرنـين‪ ,‬وفـيكم الـيوم مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 17554‬ـ حدثنـي به م ـحمد بن سهل البخار يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إسماعيـل بن عبد الكري ـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثن ـي عبد الصمد بن مع قل‪ ,‬قال‪ :‬قال و هب بن من به‪ :‬كان ذو القرن ـين مَلِ كا‪ ,‬فقـيـل‬
‫ـمّي ذا القرنــين؟ قال‪ :‬اختلف فــيه أهـل الكتاب‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬مَلَك الروم‬
‫له‪ :‬فلــم س ُ‬
‫وفـارس‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كان فـي رأسه شبه القرنـين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما سمي ذلك لن صفحتـي رأسه كانتا من نـحاس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17555‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي من ل أتهم‬
‫عن وهب بن منبه الـيـمانـي‪ ,‬قال‪ :‬إنـما سمي ذا القرنـين أن صفحتـي رأسه كانتا من‬
‫نـحاس‪.‬‬
‫شيْ ٍء سبَبـا يقول‪ :‬إنا وطأنا له فـي الرض‪,‬‬
‫ن كُلّ َ‬
‫وقوله‪ :‬إنّا َمكّنا لَ ُه الرْ ضِ وآتَـيْنا ُه مِ ْ‬
‫شيْءٍ سبَبـا يقول‪ :‬وآت ـيناه من كلّ ش يء‪ :‬يعن ـي ما يت سبب إل ـيه و هو‬
‫ل َ‬
‫وآتَ ـيْناهُ ِم نْ كُ ّ‬
‫العلـم به‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17556‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل شَيْ ٍء سبَبـا يقول‪ :‬علـما‪.‬‬
‫ن كُ ّ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وآتَـيْناهُ مِ ْ‬
‫‪ 17557‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وآتَـيْناهُ مِ نْ كُلّ‬
‫شيْءٍ سبَبـا‪ :‬أي علـما‪.‬‬
‫َ‬
‫‪17558‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وآتَـيْناهُ ِمنْ‬
‫شيْءٍ سبَبـا قال‪ :‬من كلّ شيء علـما‪.‬‬
‫كُلّ َ‬
‫‪17559‬ــ حدثنـا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ل شيء‪.‬‬
‫شيْءٍ سبَبـا قال‪ :‬علـم ك ّ‬
‫ل َ‬
‫وآتَـيْناهُ ِمنْ كُ ّ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫شيْءٍ سبَبـا علـما‪.‬‬
‫ل َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس وآتَـيْناهُ ِمنْ كُ ّ‬
‫‪ 17560‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫شيْ ٍء سبَبـا يقول‪ :‬علـما‪.‬‬
‫ن كُلّ َ‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وآتَـيْناهُ مِ ْ‬
‫وقوله‪َ :‬فأَ ْتبَ عَ سبَبـا اختل فت القراء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـمدينة والب صرة‪:‬‬
‫«فـاتّبع» بوصل اللف‪ ,‬وتشديد التاء‪ ,‬بـمعنى‪ :‬سلك وسار‪ ,‬من قول القائل‪ :‬اتّبعتُ أثر فلن‪:‬‬
‫َعـ بهمـز‪ ,‬وتــخفـيف التاء‪,‬‬
‫إذا قــفوته وسـرت وراءه‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء الكوفـة َفَأ ْتب َ‬
‫بـمعنى لـحق‪.‬‬
‫وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب‪ :‬قراءة من قرأ‪« :‬فـا ّتبَعَ» بوصل اللف‪ ,‬وتشديد‬
‫التاء‪ ,‬لن ذلك خبر من ال تعالـى ذكره عن مسير ذي القرنـين فـي الرض التـي مكن‬
‫له فـيها‪ ,‬ل عن لـحاقه السبب‪ ,‬وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17561‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سبَبـا» يعنـي بـالسبب‪ :‬الـمنزل‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس «فـا ّتبَعَ َ‬
‫‪ 17562‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سبَبـا قال‪ :‬منزلً وطريقا ما بـين الـمشرق والـمغرب‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫حدثن ـي القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عُمارة السـديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبــيد ال بـن موسـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا‬
‫سبَبـا» قال‪ :‬طريقا فـي الرض‪.‬‬
‫إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي يحيى‪ ,‬عن مـجاهد «فـا ّتبَعَ َ‬
‫سبَبـا»‪ :‬ات بع‬
‫‪ 17563‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة «ف ـاتّبَ َع َ‬
‫منازل الرض ومعالـمها‪.‬‬
‫‪ 17564‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله «ف ـا ّتبَعَ‬
‫ن ل ـي صَرْحا َلعَلّ ـي أبْلُ غُ‬
‫سبَبـا» قال‪ :‬هذه الَن سبب الطرق ك ما قال فرعون يا هاما نُ ا ْب ِ‬
‫َ‬
‫ت قال‪ :‬طُرق السموات‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫سبَـابَ أسْبـابَ ال ّ‬
‫ال ْ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫سبَبـا» قال‪ :‬منازل الرض‪.‬‬
‫قوله‪« :‬فـا ّتبَعَ َ‬
‫‪ 17565‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سبَبـا» قال‪ :‬الـمنازل‪.‬‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله‪« :‬فـا ّتبَعَ َ‬

‫‪86‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْي نٍ‬
‫ب فِي َ‬
‫جدَهَا َت ْغرُ ُ‬
‫شمْ سِ َو َ‬
‫ب ال ّ‬
‫حّتىَ ِإذَا بَلَ غَ َم ْغرِ َ‬
‫{َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حسْنا }‪.‬‬
‫ن ِإمّآ أَن ُت َعذّبَ وَِإمّآ أَن َت ّتخِ َذ فِي ِهمْ ُ‬
‫جدَ عِندَهَا قَوْما قُ ْلنَا َيذَا الْ َق ْر َنيْ ِ‬
‫ح ِمئَةٍ وَ َو َ‬
‫َ‬
‫ع ْي نٍ‬
‫ب فـي َ‬
‫جدَها َتغْرُ ُ‬
‫شمْ سِ َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬حت ـى إذَا بَلَ غَ ذو القرنـين َم ْغرِ بَ ال ّ‬
‫عيْنٍـ‬
‫ح ِمئَةٍ‪ ,‬فــاختلفت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعـض قرّاء الــمدينة والبصـرة‪ :‬فــي َ‬
‫َ‬
‫ح ِمئَةٍ بــمعنى‪ :‬أنهـا تغرب فــي عيـن ماء ذات حمأة‪ ,‬وقرأتـه جماعـة مـن قراء الــمدينة‪,‬‬
‫َ‬
‫ن حَامِيَةٍ» يعنـي أنها تغرب فـي عين ماء حارّة‪.‬‬
‫عيْ ٍ‬
‫وعامّة قرّاء الكوفة‪« :‬فـي َ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـلهم ذلك علـى نـحو اختلف القرّاء فـي قراءته‪ .‬ذكر‬
‫ح ِمئَةٍ‪:‬‬
‫ن َ‬
‫عيْ ٍ‬
‫من قال ذلك‪َ :‬ت ْغرُبُ فـي َ‬
‫‪17566‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ح ِمئَ ٍة قال‪ :‬فـي طين أسود‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عيْ ٍ‬
‫جدَها َت ْغرُبُ فـي َ‬
‫ابن عبـاس َو َ‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫ح ِمئَةٍ قال‪ :‬ذات حمأة‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عيْ ٍ‬
‫عبـاس‪ ,‬أنه كان يقرأ فـي َ‬
‫‪17567‬ـ حدثنا الـحسين بن الـجنـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن مسلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل‬
‫بن عُلَ ـية‪ ,‬عن عثمان بن حا ضر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ع بد ال بن عب ـاس يقول‪ :‬قرأ معاو ية هذه‬
‫الَ ية‪ ,‬فقال‪« :‬عَيْن حامِيَة» فقال ا بن عب ـاس‪ :‬إن ها ع ين حمئة‪ ,‬قال‪ :‬فجعل كعب ـا ب ـينهما‪,‬‬
‫قال‪ :‬فأر سل إل ـى ك عب الحب ـار‪ ,‬ف سأله‪ ,‬فقال ك عب‪ :‬أ ما الش مس فإن ها تغ يب ف ـي ثأط‪,‬‬
‫فكانت علـى ما قال ابن عبـاس‪ ,‬والثأط‪ :‬الطين‪.‬‬
‫حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي نا فع بن أب ـي نعي ـم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ع بد‬
‫ح ِمئَة ثـم فسـرها‪ :‬ذات حمأة‪ ,‬قال‬
‫عيْنِـ َ‬
‫الرحمـن العرج يقول‪ :‬كان ابـن عبــاس يقول فِــي َ‬
‫نا فع‪ :‬و سئل عن ها ك عب‪ ,‬فقال‪ :‬أنت ـم أعل ـم ب ـالقرآن من ـي‪ ,‬ولكن ـي أجد ها ف ـي الكتاب‬
‫تغيب فـي طينة سوداء‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ح ِمئَةٍ قال‪ :‬هي الـحمأة‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عيْ ٍ‬
‫جدَها َت ْغرُبُ فـي َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس َو َ‬
‫‪ 17568‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫ح ِمئَة قال‪ :‬ثأط‪.‬‬
‫ع ْينِ َ‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فِـي َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد فـي‬
‫ح ِمئَ ٍة قال‪ :‬ثأطة‪.‬‬
‫ع ْينٍ َ‬
‫ب فـي َ‬
‫قول ال عزّ ذكره َتغْرُ ُ‬
‫قال‪ :‬وأخبرن ـي عمرو بن دينار‪ ,‬عن عطاء بن أب ـي رب ـاح‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن حا ِميَةٍ فأر سلنا إل ـى ك عب‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫عيْ ٍ‬
‫ح ِمئَ ٍة وقرأ عمرو بن العاص فِ ـي َ‬
‫ع ْي نٍ َ‬
‫قرأت فِ ـي َ‬
‫إنها تغرب فـي حمأة طينة سوداء‪.‬‬
‫ح ِمئَةٍ‬
‫ع ْي نٍ َ‬
‫‪ 17569‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َت ْغرُ بُ فـي َ‬
‫والـحمئة‪ :‬الـحمأة السوداء‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مروان بن معاو ية‪ ,‬عن ورقاء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ح ِمئَ ٍة ويقول‪ :‬حمأة‬
‫ع ْي نٍ َ‬
‫سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬كان ا بن عب ـاس يقرأ هذا ال ـحرف ف ـي َ‬
‫سوداء تغرب فـيها الشمس‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي تغيب فـي عين حارّة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17570‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن حَامِيَةٍ» يقول‪ :‬فـي عين حارّة‪.‬‬
‫عيْ ٍ‬
‫جدَها َت ْغرُبُ فـي َ‬
‫عبـاس « َو َ‬
‫‪17571‬ـ حدثنا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن أبـي رجاء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحسن يقول‪:‬‬
‫ن حَا ِميَةٍ» قال‪ :‬حارّة‪.‬‬
‫عيْ ٍ‬
‫«فِـي َ‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫ن حَا ِميَةً» قال‪ :‬حارّة‪ ,‬وكذلك قرأها الـحسن‪.‬‬
‫عيْ ٍ‬
‫«فِـي َ‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان مسـتفـيضتان فــي قرأة‬
‫المصـار‪ ,‬ولكلّ واحدة منهمـا وجـه صـحيح ومعنـى مفهوم‪ ,‬وكل وجهيـه غيـر مفسـد أحدهمـا‬
‫صاحبه‪ ,‬وذلك أ نه جائز أن تكون الش مس تغرب ف ـي ع ين حارّة ذات حمأة وط ين‪ ,‬ف ـيكون‬
‫القارىء فـي عين حامية بصفتها التـي هي لها‪ ,‬وهي الـحرارة‪ ,‬ويكون القارىء فـي عين‬
‫حمئة واصفها بصفتها التـي هي بها وهي أنها ذات حمأة وطين‪ .‬وقد رُوي بكل صيغتـيها‬
‫اللتـين قلت إنهما من صفتـيها أخبـار‪.‬‬
‫‪ 17572‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا العوّام‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي مول ـى لع بد ال بن عمرو‪ ,‬عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ن ظر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫إل ـى الش مس ح ين غا بت‪ ,‬فقال‪« :‬فِ ـي نارِ اللّ هِ ال ـحامِيَةِ‪ ,‬فِ ـي نارِ اللّ هِ ال ـحامِيَةِ‪ ,‬لَوْل ما‬
‫لحْ َرقَتْ ما عَلـى الرْض»‪.‬‬
‫ن أ ْمرِ اللّ ِه َ‬
‫َيزَعُها مِ ْ‬
‫‪ 17573‬ـ حدثن ـي الف ضل بن داود الوا سطي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن‬
‫دينار‪ ,‬عن سعد بن أوس‪ ,‬عن مصدع‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب أن النبـيّ صلى‬
‫ح ِمئَةٍ‪.‬‬
‫ال عليه وسلم أقرأه‪َ :‬‬
‫ع ْندَ ها قَوْ ما ذ كر أن أولئك القوم يقال ل هم‪ :‬نا سك‪ .‬وقوله‪ :‬قُلْ نا يا ذَا ال َق ْرنَ ـيْنِ‬
‫جدَ َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َو َ‬
‫ن ُت َعذّ بَ يقول‪ :‬إما أن تقتلهم إن هم لـم يدخـلوا فـي القرار بتوحيد ال‪ ,‬ويذعنوا لك‬
‫إمّا أ ْ‬
‫خذَ فِ ـيهِمْ حُ سْنا يقول‪ :‬وإ ما أن تأ سرهم‬
‫ن َتتّ ـ ِ‬
‫ب ـما تدعو هم إل ـيه من طا عة رب هم وإمّا أ ْ‬
‫فتعلـمهم الهدى وتبصرهم الرشاد‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ف ُن َعذّبُ هُ ثُ مّ ُي َردّ إَِلىَ َربّ ِه َف ُيعَ ّذبُ هُ‬
‫{قَالَ أَمّا مَن ظَلَ مَ فَ سَ ْو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫عذَابا ّنكْرا }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول جلّ ثناؤه قال أمّا مَنْ ظَلَـمَ َفسَ ْوفَ ُن َعذّبُ ُه يقول‪ :‬أما من كفر فسوف نقتله‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17574‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ن ظَلَـمَ َفسَ ْوفَ ُن َع ّذبُهُ قال‪ :‬هو القتل‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬أمّا مَ ْ‬
‫عذَابـا ُنكْرا يقول‪ :‬ثم يرجع إلـى ال تعالـى بعد قتله‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ ُي َردّ إلـى رَبّ ِه فَـيُ َع ّذبُهُ َ‬
‫فـيعذّبه عذابـا عظيـما‪ ,‬وهو النكر‪ ,‬وذلك عذاب جهنـم‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سنَقُولُ‬
‫س َنىَ وَ َ‬
‫عمِلَ صَالِحا فَلَ ُه جَزَآ ًء ا ْلحُ ْ‬
‫{وََأمّا مَ نْ آ َم نَ َو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن َأ ْمرِنَا ُيسْرا }‪.‬‬
‫لَ ُه مِ ْ‬
‫يقول‪ :‬وأمـا مـن صـدّق ال منهـم ووحدّه‪ ,‬وعمـل بطاعتـه‪ ,‬فله عنـد ال الــحسنى‪ ,‬وهـي‬
‫الـجنة‪ ,‬جزاء يعنـي ثوابـا علـى إيـمانه‪ ,‬وطاعته ربه‪.‬‬
‫و قد اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عامّة قرّاء أ هل ال ـمدينة وب عض أ هل الب صرة‬
‫سنَى» برفع الـجزاء وإضافته إلـى الـحسنى‪.‬‬
‫جزَا ُء الـحُ ْ‬
‫والكوفة‪« :‬فََلهُ َ‬
‫وإذا قرىء ذلك كذلك‪ ,‬فله وجهان من التأويـل‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يجعل الـحسنى مرادا بها إيـمانه وأعماله الصالـحة‪ ,‬فـيكون معنى الكلم إذا‬
‫أريد بها ذلك‪ :‬وإما من آمن وعمل صالـحا فله جزاؤها‪ ,‬يعنـي جزاء هذه الفعال الـحسنة‪.‬‬
‫والو جه الثان ـي‪ :‬أن يكون معن ـيا ب ـالـحسنى‪ :‬ال ـجنة‪ ,‬وأض يف ال ـجزاء إل ـيها‪ ,‬ك ما‬
‫ن القَ ـيّـمَة والد ين‪ :‬هو‬
‫ك دِي ُ‬
‫خ ْيرٌ والدار‪ :‬هي الَخرة‪ ,‬وك ما قال‪ :‬وَذل َ‬
‫خرَةِ َ‬
‫لِ‬‫ق ـيـل وََلدَارُ ا َ‬
‫القـيـم‪.‬‬
‫حسْنى بـمعنى‪ :‬فله الـجنة جزاء فـيكون الـجزاء منصوبـا‬
‫وقرأ آخرون‪ :‬فَلَ ُه جَزَا ًء الـ ُ‬
‫علـى الـمصدر‪ ,‬بـمعنى‪ :‬يجازيهم جزاء الـجنة‪.‬‬
‫سنَى‬
‫َهـ جَزا ًء الــحُ ْ‬
‫وأولــى القراءتــين بــالصواب فــي ذلك عندي قراءة مـن قرأه‪ :‬فَل ُ‬
‫بن صب ال ـجزاء وتنوي نه عل ـى ال ـمعنى الذي و صفت‪ ,‬من أن ل هم ال ـجنة جزاء‪ ,‬ف ـيكون‬
‫الـجزاء نصبـا علـى التفسير‪.‬‬
‫ن أ ْمرِ نا يُ سْرا يقول‪ :‬و سنعلـمه ن ـحن ف ـي الدن ـيا ما ت ـيسر ل نا‬
‫ل لَ هُ ِم ْ‬
‫سنَقُو ُ‬
‫وقوله‪ :‬وَ َ‬
‫تعلـيـمه مـما يقرّ به إلـى ال ويـلـين له من القول‪ .‬وكان مـجاهدا يقول نـحوا مـما‬
‫قلنا فـي ذلك‪.‬‬
‫‪17575‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ن أ ْمرِنا ُيسْرا قال معروفـا‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدَهَا َتطْلُعُ‬
‫شمْسِ َو َ‬
‫حّتىَ ِإذَا بَلَ َغ َمطْلِعَ ال ّ‬
‫سبَبا * َ‬
‫{ثُمّ َأ ْتبَ َع َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خبْرا }‪.‬‬
‫طنَا ِبمَا َل َديْهِ ُ‬
‫ح ْ‬
‫ستْرا * َكذَلِكَ َو َقدْ َأ َ‬
‫جعَل ّل ُهمْ مّن دُو ِنهَا ِ‬
‫عََلىَ قَ ْو ٍم ّلمْ َن ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم سار وسلك ذو القرنـين طرقا ومنازل‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17576‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سبَبـا يعنـي منزلً‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ُ :‬ثمّ أ ْتبَعَ َ‬
‫سبَبـا‪ :‬منازل‬
‫‪ 17577‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ثُ ّم أ ْتبَ عَ َ‬
‫جعَلْ َلهُ مْ‬
‫جدَها َتطْلُ عُ علـى قَوْ ٍم لَ ـمْ نَـ ْ‬
‫شمْ سِ َو َ‬
‫الرض ومعالـمها‪ .‬حتـى إذَا بَلَ غَ َمطْلِ عَ ال ّ‬
‫سـتْرا‪ :‬يقول تعالــى ذكره‪ :‬ووجـد ذو القرنــين الشمـس تطلع علــى قوم لــم‬
‫ِنـ دُونهـا ِ‬
‫م ْ‬
‫نـجعل لهم من دونها سترا‪ ,‬وذلك أن أرضهم ل جبل فـيها ول شجر‪ ,‬ول تـحتـمل بناء‪,‬‬
‫سرُبون فـي السراب‪ .‬كما‪:‬‬
‫فـيسكنوا البـيوت‪ ,‬وإنـما يغورون فـي الـمياه‪ ,‬أو َي ْ‬
‫‪17578‬ـ حدثنـي إبراهيـم بن الـمستـمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن داود وأبو داود‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جعَلْ َلهُ مْ ِم نْ‬
‫حدثنا سهل بن أب ـي الصلت ال سراج‪ ,‬عن الـحسن َتطْلُ عُ عل ـى قَوْ مٍ لَ ـمْ نَـ ْ‬
‫ستْرا قال‪ :‬كا نت أر ضا ل ت ـحتـمل البناء‪ ,‬وكانوا إذا طل عت عل ـيهم الش مس تغوروا‬
‫دُون ها ِ‬
‫فــي الــماء‪ ,‬فإذا غربـت خرجوا يتراعون‪ ,‬كمـا ترعـى البهائم‪ ,‬قال‪ :‬ثـم قال الــحسن‪ :‬هذا‬
‫سمُرة‪.‬‬
‫حديث َ‬
‫‪ 17579‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة حت ـى إذَا بَلَ غَ َمطْلِ عَ‬
‫ستْرا ذُكِر ل نا أن هم كانوا ف ـي‬
‫ن دُون ها ِ‬
‫ل َلهُ مْ مِ ْ‬
‫جدَ ها َتطْلُ عُ عل ـى قَوْ مٍ لَ ـمْ نَ ـجْعَ ْ‬
‫شمْ سِ َو َ‬
‫ال ّ‬
‫مكان ل يستقرّ علـيه البناء‪ ,‬وإنـما يكونون فـي أسراب لهم‪ ,‬حتـى إذا زالت عنهم الشمس‬
‫خرجوا إلـى معايشهم وحروثهم‪ ,‬قال‪ :‬كذلك وقد أحطنا بـما لديه خبرا‪.‬‬
‫‪ 17580‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج فـي قوله‪:‬‬
‫ستْرا قال‪ :‬لـم يبنوا فـيها بناء قَطّ‪ ,‬ولـم‬
‫ل َلهُمْ مِنْ دُونها ِ‬
‫جدَها َتطْلُعُ علـى قَوْمٍ لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫َو َ‬
‫ُيبْ نَ عل ـيهم ف ـيها بناء قَ طّ‪ ,‬وكانوا إذا طل عت عل ـيهم الش مس دخ ـلوا أ سرابـا ل هم تزول‬
‫الشمس‪ ,‬أو دخـلوا البحر‪ ,‬وذلك أن أرضهم لـيس فـيها جبل‪ ,‬وجاءهم جيش مرّة‪ ,‬فقال لهم‬
‫أهل ها‪ :‬ل تطلُعَ نّ عل ـيكم الش مس وأنت ـم ب ها‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل نبرح حت ـى تطلع الش مس‪ ,‬ما هذه‬
‫ِيفـ جيـش طلعـت الشمـس هـا هنـا فماتوا‪ ,‬قال‪ :‬فذهبوا هاربــين فــي‬
‫العظام؟ قالوا‪ :‬هذه ج َ‬
‫الرض‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ستْرا قال‪ :‬بلغنا أنهم كانوا فـي مكان ل يثبت‬
‫ل َلهُ مْ مِ نْ دُونها ِ‬
‫َتطْلُ عُ علـى قَوْ مٍ لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫عل ـيهم بناء‪ ,‬فكانوا يدخ ـلون ف ـي أ سراب ل هم إذا طل عت الش مس‪ ,‬حت ـى تزول عن هم‪ ,‬ثم‬
‫يخرجون إلـى معايشهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم الزّنـج‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17581‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ستْرا قال‪ :‬يقال‪ :‬هم ال ّزنْـج‪.‬‬
‫ل َل ُهمْ مِنْ دُونها ِ‬
‫فـي قوله َتطْلُعُ علـى قَ ْومٍ لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬كذَلِ كَ فإن معناه‪ :‬ثم أت بع سببـا كذلك‪ ,‬حت ـى إذا بلغ مطلع الش مس وكذلك‪ :‬من‬
‫صلة أت بع‪ .‬وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬ثم أت بع سببـا‪ ,‬حت ـى بلغ مطلع الش مس‪ ,‬ك ما أت بع سببـا‬
‫حتـى بلغ مغربها‪.‬‬
‫خبْرا يقول‪ :‬و قد أحط نا ب ـما ع ند مطلع الش مس عال ـما‪ ,‬ل‬
‫حطْ نا بِ ـمَا َل َديْ هِ ُ‬
‫وقوله‪َ :‬و َقدْ أ َ‬
‫يخفــى علــينا مــما هنالك مـن الــخـلق وأحوالهـم وأسـبـابهم‪ ,‬ول مـن غيرهـم‪ ,‬شيـء‪.‬‬
‫وبـالذي قلنا فـي معنى الـخبر‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17582‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫خبْرا قال‪ :‬علـما‪.‬‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ُ :‬‬
‫حدثن ـي ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17583‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله َكذَل كَ َو َقدْ‬
‫خبْرا قال‪ :‬علـما‪.‬‬
‫حطْنا بِـمَا َل َديْ ِه ُ‬
‫أَ‬

‫‪94‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدَ مِن‬
‫حّتىَ ِإذَا بَلَغَـ َبيْنَـ السّـّديْنِ َو َ‬
‫{ثُمّـ َأ ْتبَعَـ سَـبَبا * َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫ل * قَالُو ْا َيذَا الْ َق ْر َنيْنِـ إِنّـ َي ْأجُوجَـ َو َم ْأجُوجَـ مُفْسِـدُو َ‬
‫دُو ِنهِمَا قَوْما لّ َيكَادُونَـ يَ ْف َقهُونَـ قَ ْو ً‬
‫سدّا }‪.‬‬
‫جعَلَ َب ْي َننَا َو َب ْي َن ُهمْ َ‬
‫ك خَرْجا عََلىَ أَن َت ْ‬
‫جعَلُ َل َ‬
‫الرْضِ َفهَلْ َن ْ‬
‫س ّديْنِ‪.‬‬
‫حتَـى إذَا بَلَ َغ بـينَ ال ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم سار طرقا ومنازل‪ ,‬وسلك سبلً َ‬
‫حتَـى‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة بعض الكوفـيـين‪َ « :‬‬
‫س ّديْنِ» بض مّ ال سين وكذلك جم يع ما ف ـي القرآن من ذلك ب ضم ال سين‪ .‬وكان‬
‫ن ال ّ‬
‫إذَا بَلَ غَ ب ـي َ‬
‫بعض قرّاء الـمكيـين يقرؤه بفتـح ذلك كله‪ .‬وكان أبو عمرو بن العلء يفتـح السين فـي‬
‫هذه ال سورة‪ ,‬ويض مّ ال سين ف ـي يس‪ ,‬ويقول‪ :‬ال سدّ ب ـالفتـح‪ :‬هو ال ـحاجز ب ـينك وب ـين‬
‫الش يء وال سدّ ب ـالضم‪ :‬ما كان من غشاوة ف ـي الع ين‪ .‬وأ ما الكوف ـيون فإن قراءة عامت هم‬
‫س ّديْنِ فإن هم ضموا ال سين‬
‫ن ال ّ‬
‫حتَ ـى إذَا بَلَ غَ ب ـي َ‬
‫ف ـي جم يع القرآن بفت ـح ال سين غ ير قوله‪َ :‬‬
‫فـي ذلك خاصة‪ .‬وروي عن عكرمة فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17584‬ـ حدثنا به أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن هارون‪ ,‬عن‬
‫سدّ‪ ,‬يعنـي بـالفتـح‪ ,‬وما كان‬
‫أيوب‪ ,‬عن عكر مة قال‪ :‬ما كان من صنعة بنـي آدم ف هو ال ّ‬
‫من صنع ال فهو السدّ‪ .‬وكان الكسائي يقول‪ :‬هما لغتان بـمعنى واحد‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان مسـتفـيضتان فــي قرأة‬
‫المصار‪ ,‬ولغتان متفقتا الـمعنى غير مختلفة‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪ ,‬ول معنى للفرق‬
‫الذي ذكر عن أبـي عمرو بن العلء‪ ,‬وعكرمة بـين السّد والسّد‪ ,‬لنا لـم نـجد لذلك شاهدا‬
‫يب ـين عن فرقان ما ب ـين ذلك عل ـى ما ح كي عنه ما‪ .‬وم ـما يب ـين ذلك أن ج مع أ هل‬
‫التأوي ـل الذي رُوي ل نا عن هم ف ـي ذلك قول‪ ,‬ل ـم ي حك ل نا عن أ حد من هم تف صيـل ب ـين‬
‫فت ـح ذلك وض مه‪ ,‬ولو كان مختلف ـي ال ـمعنى لن قل الف صل مع التأوي ـل إن شاء ال‪ ,‬ول كن‬
‫معنى ذلك كان عندهم غير مفترق‪ ,‬فـيفسر الـحرف بغير تفصيـل منهم بـين ذلك‪ .‬وأما ما‬
‫ذُكـر عـن عكرمـة فــي ذلك‪ ,‬فإن الذي نقـل ذلك عـن أيوب وهارون‪ ,‬وفــي نقله نظـر‪ ,‬ول‬
‫نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقات أصحابه‪ .‬وال سّد وال سّد جميعا‪ :‬الـحاجز بـين الشيئين‪,‬‬
‫وهمـا ههنـا فــيـما ذُكـر جبلن سـدّ مـا بــينهما‪ ,‬فردم ذو القرنــين حاجزا بــين يأجوج‬
‫ومأجوج ومن وراءهم‪ ,‬لـيقطع مادّ غوائلهم وعيثهم عنهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17585‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫سدّيْنِ» قال‪ :‬الـجبلـين الردم الذي‬
‫ن ال ّ‬
‫حتَـى إذَا بَلَ غَ بـي َ‬
‫الـخراسانـي‪ ,‬عن ابن عبـاس « َ‬
‫بــين يأجوج ومأجوج‪ ,‬أمتــين مـن وراء ردم ذي القرنــين‪ ,‬قال‪ :‬الــجبلن‪ :‬أرمينــية‬
‫وأذربـيجان‪.‬‬
‫حتَ ـى إذَا بَلَ َغ ب ـينَ‬
‫‪ 17586‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة « َ‬
‫سدّيْنِ» وهما جبلن‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫‪ 17587‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫س ّديْنِ» يعنـي بـين جبلـين‪.‬‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪« :‬بـينَ ال ّ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫س ّديْنِ» قال‪ :‬هما جبلن‪.‬‬
‫ن ال ّ‬
‫قوله‪« :‬بـي َ‬
‫ن قَ ْولً يقول عزّ ذكره‪ :‬وجد من دون السدّين‬
‫ن دُو ِنهِما قَوْما ل يَكادُو نَ يَفْ َقهُو َ‬
‫جدَ مِ ْ‬
‫وقوله َو َ‬
‫قوما ل يكادون يفقهون قول القائل سوى كلمهم‪.‬‬
‫ُونـ فقرأتـه عامـة قرّاء أهـل الــمدينة والبصـرة‬
‫وقـد اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله يَفْ َقه َ‬
‫ن قَ ْولً بفت ـح القاف وال ـياء‪ ,‬من فقَه الر جل يف قه فق ها‪ .‬وقرأ ذلك‬
‫وب عض أ هل الكو فة يَفْ َقهُو َ‬
‫عامّة قرّاء أ هل الكو فة «يُفْ ِقهُو نَ قَ ْولً» بض مّ ال ـياء وك سر القاف‪ :‬من أفق هت فل نا كذا أفق هه‬
‫إفقاها‪ :‬إذا فهمته ذلك‪.‬‬
‫وال صواب عندي من القول ف ـي ذلك‪ ,‬أنه ما قراءتان م ستفـيضتان ف ـي قراءة الم صار‪,‬‬
‫غير داف عة إحداهما الخرى وذلك أن القوم الذ ين أ خبر ال عن هم هذا ال ـخبر جائز أن يكونوا‬
‫ل لغيرهـم عنهـم‪ ,‬فــيكون صـوابـا القراءة بذلك‪ .‬وجائز أن يكونوا مـع‬
‫ل يكادون يفقهون قو ً‬
‫كونهـم كذلك كانوا ل يكادون أن يفقهوا غيرهـم لعلل‪ :‬إمـا بألسـنتهم‪ ,‬وإمـا بــمنطقهم‪ ,‬فتكون‬
‫القراءة بذلك أيضا صوابـا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إنّـ ي ْأجُوج َـ و َم ْأجُوج َـ مُفْس ِـدُونَ فِــي الرْض ِـ اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله إنّـ‬
‫ج فقرأت القرّاء من أ هل ال ـحجاز والعراق وغير هم‪« :‬إ نّ ي ْأجُو جَ و َم ْأجُو جَ»‬
‫ج و َم ْأجُو َ‬
‫ي ْأجُو َ‬
‫بغير همز علـى فـاعول من يججت ومـججت‪ ,‬وجعلوا اللفـين فـيهما زائدتـين‪ ,‬غير‬
‫عاصم بن أبـي النـجود والعرج‪ ,‬فإنه ذكر أنهما قرآ ذلك بـالهمز فـيهما جميعا‪ ,‬وجعل‬
‫الهمز فـيهما من أصل الكلم‪ ,‬وكأنهما جعل يأجوج‪ :‬يفعول من أججت‪ ,‬ومأجوج‪ :‬مفعول‪.‬‬
‫ج بألف بغ ير ه مز لجماع‬
‫والقراءة الت ـي هي القراءة ال صحيحة عند نا‪ ,‬أن ي ْأجُو جَ و َم ْأجُو َ‬
‫ال ـحجة من القرّاء عل ـيه‪ ,‬وأ نه الكلم ال ـمعروف عل ـى أل سن العرب وم نه قول رؤ بة بن‬
‫العجاج‪.‬‬
‫ستَـجاشُوا ُتبّعا‬
‫َلوْ أنّ ياجُوجَ ومَاجُوجَ معَاوعادَ عادُوا وا ْ‬
‫وهم أمّتان من وراء السدّ‪.‬‬
‫ن فِـي الرْ ضِ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الفساد الذي وصف ال به‬
‫سدُو َ‬
‫وقوله‪ :‬مِفْ ِ‬
‫هاتـين المتـين‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬كانوا يأكلون الناس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17588‬ـ حدث نا أح مد بن الول ـيد الرمل ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إبراهي ـم بن أيوب ال ـخوزانـي‪,‬‬
‫ن ي ْأجُو جَ‬
‫قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول فـي قوله إ ّ‬
‫ض قال‪ :‬كانوا يأكلون الناس‪.‬‬
‫ن فِـي الرْ ِ‬
‫سدُو َ‬
‫ج مُ ْف ِ‬
‫و َم ْأجُو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬إن يأجوج ومأجوج سـيفسدون فــي الرض‪ ,‬ل أنهـم كانوا‬
‫يومئذ يفسدون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪ ,‬وذكر صفة اتبـاع ذي القرنـين السبـاب التـي ذكرها‬
‫ال فـي هذه الَية‪ ,‬وذكر سبب بنائه للردم‪:‬‬
‫‪ 17589‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫بعض من يسوق أحاديث العاجم من أهل الكتاب‪ ,‬مـمن قد أسلـم‪ ,‬مـما توارثوا من علـم‬
‫ذي القرنــين‪ ,‬أن ذا القرنــين كان رجلً مـن أهـل مصـر اسـمه مرزِبــا بـن مردَبـة‬
‫الـيونانـي‪ ,‬من ولد يونن بن يافث بن نوح‪.‬‬
‫‪ 17590‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن ثور بن‬
‫يز يد‪ ,‬عن خالد بن معدان الكل عي‪ ,‬وكان خالد رجلً قد أدرك الناس أن ر سول ال صلى ال‬
‫حتِها بـالسْبـابِ» قال‬
‫عليه وسلم سئل عن ذي القرنـين فقال‪« :‬مَلِ كٌ مَ سَحَ الرْ ضَ مِ نْ تَـ ْ‬
‫خالد‪ :‬وسمع عمر بن الـخطاب رجلً يقول‪ :‬يا ذا القرنـين‪ ,‬فقال‪ :‬الله مّ غفرا‪ ,‬أما رضيتـم‬
‫أن ت سموا بأ سماء النب ـياء‪ ,‬حت ـى ت سموا بأ سماء ال ـملئكة؟ فإن كان ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ذلك‪ ,‬فـالـحقّ ما قال‪ ,‬والبـاطل ما خالفه‪.‬‬
‫‪17591‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬فحدثنـي‬
‫من ل أتهم عن وهب بن منبه الـيـمانـي‪ ,‬وكان له علـم بـالحاديث الول‪ ,‬أنه كان يقول‪:‬‬
‫ذو القرن ـين ر جل من الروم‪ .‬ا بن عجوز من عجائز هم‪ ,‬ل ـيس ل ها ولد غيره‪ ,‬وكان ا سمه‬
‫ال سكندر‪ .‬وإن ـما سمي ذا القرن ـين أن صفحتـي رأ سه كان تا من ن ـحاس فل ـما بلغ وكان‬
‫عبدا صالـحا‪ ,‬قال ال عزّ وجلّ له‪ :‬يا ذا القرنـين إنـي بـاعثك إلـى أمـم الرض‪ ,‬وهي‬
‫أمـم مختلفة ألسنتهم‪ ,‬وهم جميع أهل الرض ومنهم أمتان بـينهما طول الرض كله ومنهم‬
‫أمتان بـينهما عرض الرض كله‪ ,‬وأمـم فـي وسط الرض منهم الـجنّ والنس ويأجوج‬
‫ومأجوج‪ .‬فأما المتان اللتان بـينهما طول الرض‪ :‬فأمه عند مغرب الشمس‪ ,‬يقال لها‪ :‬ناسك‪.‬‬
‫وأما الخرى‪ :‬فعند مطلعها يقال لها‪ :‬منسك‪ .‬وأما اللتان بـينهما عرض الرض‪ ,‬فأمة فـي‬
‫ق طر الرض الي ـمن‪ ,‬فقال ل ها‪ :‬هاوي ـل‪ .‬وأ ما الخرى الت ـي ف ـي ق طر الرض الي سر‪,‬‬
‫فأمة يقال لها‪ :‬تأويـل فلـما قال ال له ذلك‪ ,‬قال له ذو القرنـين‪ :‬إلهي إنك قد ندبتنـي لمر‬
‫عظي ـم ل يَقدر قَدره إل أ نت‪ ,‬فأخبرن ـي عن هذه الم ـم الت ـي بعثتن ـي إل ـيها‪ ,‬بأ يّ قوّة‬
‫أكابرهم‪ ,‬وبأ يّ جمع أكاثرهم‪ ,‬وبأ يّ حيـلة أكايدهم‪ ,‬وبأ يّ صبر أقاسيهم‪ ,‬وبأ يّ لسان أناطقهم‪,‬‬
‫وكيف لـي بأن أفقه لغاتهم‪ ,‬وبأيّ سمع أعي قولهم‪ ,‬وبأيّ بصر أنفذهم‪ ,‬وبأيّ حجة أخاصمهم‪,‬‬
‫وبأيـ حلــم‬
‫ّ‬ ‫وبأيـ قسـط أعدل بــينهم‪,‬‬
‫ّ‬ ‫وبأيـ حكمـة أدبر أمرهـم‪,‬‬
‫ّ‬ ‫وبأيـ قلب أعقـل عنهـم‪,‬‬
‫ّ‬
‫أ صابرهم‪ ,‬وبأ يّ معر فة أف صل ب ـينهم‪ ,‬وبأ يّ عل ـم أت قن أمور هم‪ ,‬وبأ يّ يد أ سطو عل ـيهم‪,‬‬
‫وبأ يّ رجل أطؤهم‪ ,‬وبأ يّ طاقة أخصمهم‪ ,‬وبأ يّ جند أقاتلهم‪ ,‬وبأ يّ رفق أستألفهم‪ ,‬فإنه لـيس‬
‫الربـ‬
‫ّ‬ ‫عندي يـا إلهـي شيـء مــما ذكرت يقول لهـم‪ ,‬ول يقوى علــيهم ول يطيقهـم‪ ,‬وأنـت‬
‫الرحيـم‪ ,‬الذي ل يكلّف نفسا إل وسعها‪ ,‬ول يحملها إل طاقتها‪ ,‬ول يعنتها ول يفدحها‪ ,‬بل أنت‬
‫ترأفها وترحمها‪ .‬قال ال عزّ وجلّ‪ :‬إنـي سأطوّقك ما حمّلتك‪ ,‬أشرح لك صدرك‪ ,‬فـيسع كلّ‬
‫ل شيـء‪ ,‬وأفتــح لك‬
‫شيـء وأشرح لك فهمـك فتفقـه ك ّل شيـء‪ ,‬وأبسـط لك لسـانك‪ ,‬فتنطـق بك ّ‬
‫سـمعك فتعـي كلّ شيـء‪ ,‬وأمدّ لك بصـرك‪ ,‬فتنفـذ كلّ شيـء‪ ,‬وأدبر لك أمرك فتتقـن ك ّل شيـء‪,‬‬
‫وأحصـي لك فل يفوتـك شيـء‪ ,‬وأحفـظ علــيك فل يعزب عنـك شيـء‪ ,‬وأشدّ لك ظهرك‪ ,‬فل‬
‫يهدّك ش يء‪ ,‬وأشدّ لك رك نك فل يغل بك ش يء‪ ,‬وأشدّ لك قل بك فل يرو عك ش يء‪ ,‬وأ سخر لك‬
‫النور والظل ـمة‪ ,‬فأجعله ما جندا من جنودك‪ ,‬يهد يك النور أما مك‪ ,‬وت ـحوطك الظل ـمة من‬
‫ل ش يء‪,‬‬
‫ورائك‪ ,‬وأش ّد لك عقلك فل يهولك ش يء‪ ,‬وأب سط لك من ب ـين يد يك‪ ,‬فت سطو فوق ك ّ‬
‫ل شيء‪ ,‬وألبسك الهيبة فل يرومك شيء‪.‬‬
‫وأشدّ لك وطأتك‪ ,‬فتهدّ ك ّ‬
‫ولـما قـيـل له ذلك‪ ,‬انطلق يؤمّ المة التـي عند مغرب الشمس‪ ,‬فلـما بلغهم‪ ,‬وجد جمعا‬
‫وعددا ل يحصيه إل ال‪ ,‬وقوّة وبأسا ل يطيقه إل ال‪ ,‬وألسنة مختلفة وأهواء متشتتة‪ ,‬وقلوبـا‬
‫متفرّقة فلـما رأى ذلك كاثرهم بـالظلـمة‪ ,‬فضرب حولهم ثلثة عساكر منها‪ ,‬فأحاطتهم من‬
‫كلّ مكان‪ ,‬وحاشتهم حتـى جمعتهم فـي مكان واحد‪ ,‬ثم أخذ علـيه بـالنور‪ ,‬فدعاهم إلـى‬
‫ال وإلـى عبـادته‪ ,‬فمنهم من آمن له‪ ,‬ومنهم من صدّ‪ ,‬فعمد إلـى الذين تولوا عنه‪ ,‬فأدخـل‬
‫علـيهم الظلـمة‪ ,‬فدخـلت فـي أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم‪ ,‬ودخـلت فـي بـيوتهم‬
‫ل جا نب من هم‪ ,‬فماجوا ف ـيها وتـحيروا‬
‫ودورهم‪ ,‬وغشيتهم من فوق هم‪ ,‬ومن ت ـحتهم و من ك ّ‬
‫فلــما أشفقوا أن يهلكوا فــيها عجوا إلــيه بصـوت واحـد‪ ,‬فكشفهـا عنهـم وأخدهـم عنوة‪,‬‬
‫فدخـلوا فـي دعوته‪ ,‬فجنّد من أهل الـمغرب أمـما عظيـمة‪ ,‬فجعلهم جندا واحدا‪ ,‬ثم انطلق‬
‫ب هم يقود هم‪ ,‬والظل ـمة ت سوقهم من خ ـلفهم وت ـحرسهم من حول هم‪ ,‬والنور أمام هم يقود هم‬
‫ويدلهم‪ ,‬وهو يسير فـي ناحية الرض الـيـمنى‪ ,‬وهو يريد المة التـي فـي قطر الرض‬
‫اليـمن التـي يقال لها هاويـل‪ ,‬وسخر ال له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظره وائتـماره‪ ,‬فل‬
‫ل أتقنه‪ .‬فـانطلق يقود تلك المـم وهي تتبعه‪ ,‬فإذا انتهى‬
‫يخطىء إذا ائتـمر‪ ,‬وإذا عمل عم ً‬
‫إلـى بحر أو مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار أمثال النعال‪ ,‬فنظمها فـي ساعة‪ ,‬ثم جعل‬
‫فـيها جميع من معه من تلك المـم وتلك الـجنود‪ ,‬فإذا قطع النهار والبحار فتقها‪ ,‬ثم دفع‬
‫ل إن سان لو حا فل يكر ثه حمله‪ ,‬فل ـم يزل كذلك دأ بة حت ـى انت هى إل ـى هاوي ـل‪,‬‬
‫إل ـى ك ّ‬
‫فع مل ف ـيها كعمله ف ـي نا سك‪ .‬فل ـما فرغ من ها م ضى عل ـى وج هه ف ـي ناح ية الرض‬
‫الـيـمنى حتـى انتهى إلـى منسك عند مطلع الشمس‪ ,‬فعمل فـيها وجند منها جنودا‪ ,‬كفعله‬
‫فـي المتـين اللتـين قبلها‪ ,‬ثم كرّ مقبلً فـي ناحية الرض الـيسرى‪ ,‬وهو يريد تأويـل‬
‫و هي ال مة الت ـي بجيال هاوي ـل‪ ,‬وه ما متقابلتان ب ـينهما عرض الرض كله فل ـما بلغ ها‬
‫عمل فـيها‪ ,‬وجند منها كفعله فـيـما قبلها فلـما فرغ منها عطف منها إلـى المـم التـي‬
‫و سط الرض من ال ـجنّ و سائر الناس‪ ,‬ويأجوج ومأجوج فل ـما كان ف ـي ب عض الطر يق‬
‫مــما يــلـي منقطـع الترك نــحو الــمشرق‪ ,‬قالت له أمـة مـن النـس صـالـحة‪ :‬يـا ذا‬
‫القرنـين‪ ,‬إن بـين هذين الـجبلـين خـلقا من خـلق ال‪ ,‬وكثـير منهم مشابه للنس‪ ,‬وهم‬
‫أشب ـاه البهائم‪ ,‬يأكلون الع شب‪ ,‬ويفتر سون الدوا بّ والوحوش ك ما تفتر سها ال سبـاع‪ ,‬ويأكلون‬
‫ل ذي روح م ـما خ ـلق ال ف ـي الرض‪,‬‬
‫خشاش الرض كل ها من ال ـحيات والعقارب‪ ,‬وك ّ‬
‫ولـيس ل خـلق ينـمو نـماءهم فـي العام الواحد‪ ,‬ول يزداد كزيادتهم‪ ,‬ول يكثر ككثرتهم‪,‬‬
‫فإن كا نت ل هم مدّة عل ـى ما نرى من ن ـمائهم وزيادت هم‪ ,‬فل ش كّ أن هم سيـملئون الرض‪,‬‬
‫ويجلون أهلهـا عنهـا ويظهرون علــيها فــيفسدون فــيها‪ ,‬ولــيست تــمرّ بنـا سـنة منـذ‬
‫جاورنا هم إل ون ـحن نتوقع هم‪ ,‬وننت ظر أن يطلع عل ـينا أوائل هم من ب ـين هذ ين ال ـجبلـين‬
‫سدّا قالَ ما َم ّكنِـي فِ ـي ِه َربّـي‬
‫جعَلَ بَـيْنَنا وبَـيْ َن ُهمْ َ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫خرْجا علـى أ ْ‬
‫ل لَ كَ َ‬
‫َفهَلْ نَـجْعَ ُ‬
‫جعَلْ بَـ ْي َنكُمْ َوبَـ ْينَ ُهمْ َردْما أعدّوا إلـيّ الصخور والـحديد والنـحاس‬
‫خيْ ٌر فأعِينُونِـي بِ ُقوّ ٍة أ ْ‬
‫َ‬
‫حتـى أرتاد بلدهم‪ ,‬وأعلـم علـمهم‪ ,‬وأقـيس ما بـين جبلـيهم‪.‬‬
‫ثم انطلق يؤم هم حت ـى د فع إل ـيهم وتو سط بلد هم‪ ,‬فوجد هم عل ـى مقدار وا حد‪ ,‬ذكر هم‬
‫وأنثا هم‪ ,‬مبلغ طول الوا حد من هم م ثل ن صف الر جل الـمربوع م نا‪ ,‬لهم مخالب ف ـي موضع‬
‫الظفـار من أيدينا‪ ,‬وأضراس وأنـياب كأضراس السبـاع وأنـيابها‪ ,‬وأحناك كأحناك البل‬
‫جرّة من البل‪ ,‬أو كقضم الفحل الـمسنّ‪ ,‬أو الفرس‬
‫قوّة تسمع لها حركة إذا أكلوا كحركة الـ ِ‬
‫القو يّ‪ ,‬وهم هلب‪ ,‬علـيهم من الشعر فـي أجسادهم ما يواريهم‪ ,‬وما يتقون به الـحرّ والبرد‬
‫إذا أصابهم ولكل واحد منهم أذنان عظيـمتان‪ :‬إحداهما وبرة ظهرها وبطنها‪ ,‬والخرى زغبة‬
‫ظهرهـا وبطنهـا‪ ,‬تَسـعانة إذا لبسـهما‪ ,‬يــلتـحف إحداهمـا‪ ,‬ويفترش الخرى‪ ,‬ويصـيف فــي‬
‫إحداهمـا‪ ,‬و َيشْتــى فــي الخرى‪ ,‬ولــيس منهـم ذكـر ول أنثـى إل وقـد عرف أجله الذي‬
‫يـموت فـيه‪ ,‬ومنقطع عمره‪ ,‬وذلك أنه ل يـموت ميت من ذكورهم حتـى يخرج من صلبه‬
‫ألف ولد‪ ,‬ول تــموت النثـى حتــى يخرج مـن رحمهـا ألف ولد‪ ,‬فإذا كان ذلك أيقـن‬
‫ب ـالـموت‪ ,‬و هم يرزقون التن ـين يام الرب ـيع‪ ,‬وي ستـمطرونه إذا ت ـحينوه ك ما ن ستـمطر‬
‫ل سـنة بواحـد‪ ,‬فــيأكلونه عامهـم كله إلــى مثله مـن العام‬
‫الغيـث لــحينه‪ ,‬فــيقذفون منـه ك ّ‬
‫القا بل‪ ,‬ف ـيغنـيهم عل ـى كثرت هم ون ـمائهم‪ ,‬فإذا أمطروا وأخ صبوا وعاشوا و سمنوا‪ ,‬ورؤي‬
‫أثره علــيهم‪ ,‬فدرّت علــيهم الناث‪ ,‬وشَبقـت منهـم الرجال الذكور‪ ,‬وإذا أخطأهـم َهزَلُوا‬
‫وأجدبوا‪ ,‬وجفرت الذكور‪ ,‬وحالت الناث‪ ,‬وتبــين أثـر ذلك علــيهم‪ ,‬وهـم يتداعون تداعـي‬
‫الـحَمام‪ ,‬ويعوُون عُواء الكلب‪ ,‬ويتسافدون حيث التقوا تسافد البهائم‪.‬‬
‫صدَفـين‪ ,‬فقاس ما بـينهما‬
‫فلـما عاين ذلك منهم ذو القرنـين انصرف إلـى ما بـين ال ّ‬
‫وهو فـي منقطع أرض الترك مـما يـلـي مشرق الشمس‪ ,‬فوجد بُعد ما بـينهما مئة فرسخ‬
‫فل ـما أن شأ ف ـي عمله‪ ,‬ح فر له أ ساسا حت ـى بلغ ال ـماء‪ ,‬ثم ج عل عر ضه خم سين فر سخا‪,‬‬
‫عرْق من جبل‬
‫وجعل حشوه الصخور‪ ,‬وطينه النـحاس‪ ,‬يذاب ثم يُصبّ علـيه‪ ,‬فصار كأنه ِ‬
‫عرْقا من‬
‫شرّفه ب ُزبَر الـحديد والنـحاس الـمذاب‪ ,‬وجعل خلله ِ‬
‫تـحت الرض‪ ,‬ثم عله و َ‬
‫نـحاس أصفر‪ ,‬فصار كأنه بُرد مـحبّر من صفرة النـحاس وحمرته وسواد الـحديد فلـما‬
‫فرغ منه وأحكمه‪ ,‬انطلق عامدا إلـى جماعة النس والـجنّ فبـينا هو يسير‪ ,‬دفع إلـى أمة‬
‫ق وبـه يعدلون‪ ,‬فوجـد أمـة مقسـطة مقتصـدة‪ ,‬يقسـمون بــالسوية‪,‬‬
‫صـالـحة يهدون بــالـح ّ‬
‫ويحكمون ب ـالعدل‪ ,‬ويتآ سون ويتراحمون‪ ,‬حال هم واحدة‪ ,‬وكل ـمتهم واحدة‪ ,‬وأخلق هم مشتب هة‪,‬‬
‫وطريقت هم م ستقـيـمة‪ ,‬وقلوب هم متأل فة‪ ,‬و سيرتهم ح سنة‪ ,‬وقبور هم بأبواب ب ـيوتهم‪ ,‬ول ـيس‬
‫علــى بــيوتهم أبواب‪ ,‬ولــيس علــيهم أمراء‪ ,‬ولــيس بــينهم قضاة‪ ,‬ولــيس بــينهم‬
‫أغنـــياء‪ ,‬ول ملوك‪ ,‬ول أشراف‪ ,‬ول يتفـــاوتون‪ ,‬ول يتفـــاضلون‪ ,‬ول يختلفون‪ ,‬ول‬
‫حطُون‪ ,‬ول يحردون‪ ,‬ول ت صيبهم الَف ـات الت ـي‬
‫يتنازعون‪ ,‬ول ي ستبّون‪ ,‬ول يقتتلون‪ ,‬ول يَ ْق َ‬
‫تصـيب الناس‪ ,‬وهـم أطول الناس أعمارا‪ ,‬ولــيس فــيهم مسـكين‪ ,‬ول فقــير‪ ,‬ول فظـّ‪ ,‬ول‬
‫غلــيظ فلــما رأى ذلك ذو القرنــين مـن أمرهـم‪ ,‬عجـب منـه وقال‪ :‬أخبرونــي أيهـا القوم‬
‫خبركم‪ ,‬فإنـي قد أحصيت الرض كلها برّها وبحرها‪ ,‬وشرقها وغربها‪ ,‬ونورها وظلـمتها‪,‬‬
‫فلـم أ جد مثل كم‪ ,‬فأخبرون ـي خبركم قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬ف سلنا عما تر يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرون ـي‪ ,‬ما ب ـال‬
‫قبور موتاكـم علــى أبواب بــيوتكم؟ قالوا‪ :‬عمدا فعلنـا ذلك لئل ننسـى الــموت‪ ,‬ول يخرج‬
‫ذِكرُه من قلوب نا قال‪ :‬ف ما ب ـال ب ـيوتكم ل ـيس عل ـيها أبواب؟ قالوا‪ :‬ل ـيس ف ـينا مت هم‪,‬‬
‫ولـيس منا إل أمين مؤتـمن قال‪ :‬فما لكم لـيس علـيكم أمراء؟ قالوا‪ :‬ل نتظالـم قال‪ :‬فما‬
‫بـالكم لـيس فـيكم حكام؟ قالوا‪ :‬ل نـختصم قال‪ :‬فما بـالكم لـيس فـيكم أغنـياء؟ قالوا‪:‬‬
‫ل نتكاثر قال‪ :‬فما بـالكم لـيس فـيكم ملوك؟ قالوا‪ :‬ل نتكابر قال‪ :‬فما بـالكم ل تتنازعون‬
‫ول تـختلفون؟ قالوا‪ :‬من ِقبَل ألفة قلوبنا وصلح ذات بـيننا قال‪ :‬فما بـالكم ل تس َتبّون ول‬
‫تقتتلون؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا غلبنا طبـائعنا بـالعزم‪ ,‬وسسنا أنفسنا بـالحلم قال‪ :‬فما بـالكم‬
‫كلـمتكم واحدة‪ ,‬وطريقتكم مستقـيـمة مستوية؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا ل نتكاذب‪ ,‬ول نتـخادع‪,‬‬
‫ول يغتاب بعض نا بع ضا قال‪ :‬فأخبرون ـي من أ ين تشاب هت قلوب كم‪ ,‬واعتدلت سيرتكم؟ قالوا‪:‬‬
‫صحّت صدورنا‪ ,‬فنزع بذلك الغلّ والـحسد من قلوبنا قال‪ :‬فما بـالكم لـيس فـيكم مسكين‬
‫ول فقـير؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا نقتسم بـالسوية قال‪ :‬فما بـالكم لـيس فـيكم ف ظّ ول غلـيظ؟‬
‫قالوا‪ :‬من قبل الذلّ والتواضع قال‪ :‬فما جعلكم أطول الناس أعمارا؟ قالوا‪ :‬من ِقبَل أنا نتعاطى‬
‫الـحقّ ونـحكم بـالعدل قال‪ :‬فما بـالكم ل تُ ْقحَطون؟ قالوا‪ :‬ل نغفل عن السغفـار قال‪ :‬فما‬
‫حرَدون؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا وطأنا أنفسنا للبلء منذ كنا‪ ,‬وأحببناه وحرصنا علـيه‪,‬‬
‫بـالكم ل تَـ ْ‬
‫فعري نا م نه قال‪ :‬ف ما ب ـالكم ل ت صيبكم الَف ـات ك ما ت صيب الناس؟ قالوا‪ :‬ل نتو كل عل ـى‬
‫غيـر ال‪ ,‬ول نعمـل بــالنواء والنــجوم قال‪ :‬حدثونــي أهكذا وجدتــم آبــاءكم يفعلون؟‬
‫قالوا‪ :‬نعـم وجدنـا آبــاءنا يرحمون مسـاكينهم‪ ,‬ويُواسـون فقراءهـم‪ ,‬وَيعفون عمـن ظلــمهم‪,‬‬
‫ويُحسنون إلـى من أساء إلـيهم‪ ,‬ويحلُـمون عمن جهل علـيهم‪ ,‬ويستغفرون لـمن سبهم‪,‬‬
‫ويَ صِلون أرحامهم‪ ,‬ويؤدّون أماناتهم‪ ,‬ويحفظون وقتهم لصلتهم‪ ,‬و ُي َوفّون بعهودهم‪ ,‬ويَصدُقون‬
‫فـي مواعيدهم‪ ,‬ول يرغبون عن أكفـائهم‪ ,‬ول يستنكفون عن أقاربهم‪ ,‬فأصلـح ال لهم بذلك‬
‫أمرهم‪ ,‬وحفظهم ما كانوا أحياء‪ ,‬وكان حقا علـى ال أن يحفظهم فـي تركتهم‪.‬‬
‫‪ 17592‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أب ـي را فع‪ ,‬عن‬
‫سدّ كُلّ َيوْمٍ‪,‬‬
‫ج َيحْ ُفرُونَ ال ّ‬
‫ن ي ْأجُوجَ و َم ْأجُو َ‬
‫أبـي هريرة‪ ,‬عن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫جعُوا َفتَـحْفِرُو َنهُ غَدا‪ ,‬فَـ ُيعِيدُ ُه الّل هُ‬
‫شمْ سِ قالَ اّلذِي عَلَـ ْيهِمْ ا ْر ِ‬
‫ن شُعا عَ ال ّ‬
‫حتـى إذَا كادُوا َيرَوْ َ‬
‫خ ُرجُون علـى‬
‫ت قالَ‪ :‬إنْ شا َء اللّهُ‪ ,‬فَـ َيحْ ُفرُونَ ُه و َي ْ‬
‫وَ ُهوَ َك َه ْي َئتِ ِه يَ ْومَ َت َركُوهُ‪ ,‬حتـى إذَا جاءَ ال َوقْ ُ‬
‫ن بِسـِها ِمهِ ْم إلــى‬
‫ن النّاس ُـ فِــي حُصـُو ِنهِمْ‪ ,‬فَــي ْرمُو َ‬
‫النّاسـِ‪ ,‬فَــَي ْنشِفُونَ الــمِياهَ‪ ,‬و َيتَــحَصّ ُ‬
‫ل الرْضـِ‪ ,‬وَعََلوْنـا أهْلَ ال سّماءِ‪,‬‬
‫السـّماءِ‪ ,‬فَــي ْرجِعُ فِــيها َك َهيْئَ ِة الدّماءِ‪ ,‬فَــيَقُولُونَ‪َ :‬ق َهرْنـا أهْ ِ‬
‫ث اللّ هُ عَلَـ ْي ِهمْ َنغَفـا فِـي أقْـفـائِهمْ َفتَ ْقتُُلهُ مْ» فقال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪:‬‬
‫فَـ َيبْعَ ُ‬
‫شكَرُ ِمنْ لُـحُو ِم ِهمْ»‪.‬‬
‫سمَنُ و َت ْ‬
‫ب الرْضِ َل َت ْ‬
‫ن دَوَا ّ‬
‫ح ّمدٍ بِـيَدِهِ إ ّ‬
‫«واّلذِي نَفْسُ مُـ َ‬
‫‪ 17593‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن عاصم بن عمر‬
‫بن قتادة النصاريّ ثم الظّفَر يّ‪ ,‬عن مـحمود بن لبـيد أخي بنـي عبد الشهل‪ ,‬عن أبـي‬
‫ح ي ْأجُو جُ و َم ْأجُو جُ‬
‫سعيد الـخدري‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬يُ ْفتَـ ُ‬
‫ن فَــيَ ْغشُونَ‬
‫ْسـلُو َ‬
‫َبـ ِين ِ‬
‫حد ٍ‬‫ل َ‬
‫ِنـ كُ ّ‬
‫ُمـ م ْ‬
‫عزّ َوجَلّ وَه ْ‬
‫ّهـ َ‬
‫ّاسـ كمَا قالَ الل ُ‬
‫خرُجُونَ علــى الن ِ‬
‫فَــَي ْ‬
‫ن إلَـ ْي ِهمْ مَوَاش َيهُ مْ‪,‬‬
‫ضمّو َ‬
‫ع ْنهُ مْ إلـى َمدَا ِئ ِنهِ مْ َوحُ صُو ِن ِهمْ‪َ ,‬ويَ ُ‬
‫الرْ ضَ‪ ,‬و َينْـحازُ الـ ُمسْلِـمُونَ َ‬
‫ن ما فِ ـيهِ‪ ,‬حت ـى‬
‫ش َربُو َ‬
‫ضهُ مْ لَ ـيَـ ُمرّ ب ـال ّنهْرَ فَ ـيَ ْ‬
‫ن َبعْ َ‬
‫فَ ـ َيشْ َربُونَ مِيا َه الرْ ضِ‪ ,‬حت ـى إ ّ‬
‫ن َبعْدَهمْ لَـيَـمُرّ بِذلكَ ال ّن ْهرِ‪ ,‬فـيَقُولُ‪ :‬لَ َق ْد كانَ هَا هُنا ماءٌ َمرّةً‪ ,‬حتـى‬
‫َيتْ ُركُوهُ يابسا‪ ,‬حتـى إ ّ‬
‫ل الرْ ضِ َقدْ‬
‫ل قائُِلهُ مْ‪ :‬هَول ِء أهْ ُ‬
‫حدٌ إلّ انْـحازَ إلـى حِ صْنٍ أوْ َمدِينَةٍ‪ ,‬قا َ‬
‫سأَ‬
‫ن النّا ِ‬
‫لَـمْ َيبْ قَ ِم َ‬
‫ح ْر َبتَ هُ‪ ,‬ثُمّ َيرْمي بها إلـى السّماءِ‪ ,‬فَت ْرجِعُ‬
‫حدُهُمْ َ‬
‫سمَاءِ‪ ,‬قالَ‪ :‬ثُمّ َي ُهزّ أ َ‬
‫غنَا ِم ْنهُمْ‪ ,‬بَقِـيَ أهْلُ ال ّ‬
‫فَرَ ْ‬
‫ضبَ ًة دَما ل ْلبِلءِ وَال ِف ْتنَةِ‪َ .‬فبَـيّنا ُهمْ علـى ذل كَ‪َ ,‬بعَ ثَ الّل هُ عَلَـ ْيهِ ْم دُودا فـي أعنا ِقهِ مْ‬
‫إلَـيْ ِه ُمخَ ّ‬
‫ُمـ حِسـّ‪ ,‬فَــيَقُولُ‬
‫ُسـمَ ُع َله ْ‬
‫ص ِبحُونَ مَ ْوتَــى‪ ,‬ل ي ْ‬
‫ِمـ فِــيُ ْ‬
‫كال ّنغَفـِ‪َ ,‬فتَــخْرجُ فِــي أعْنا ِقه ْ‬
‫ج ّردُ َرجُلٌ ِم ْنهُ مْ‬
‫ظرُ ما فعل العدوّ‪ ,‬قال‪ :‬فَ ـ َيتَـ َ‬
‫ال ـمُسلِـمُونَ‪ :‬أل َرجُلٌ َيشْري لَ نا نَفْ سَهُ‪ ,‬فَـيَ ْن ُ‬
‫ضهُم ْـ‬
‫جدُ ُهمْ مَوْتــى‪َ ,‬ب ْع ُ‬
‫طنَهـا علــى أنّهُـ مَ ُقتُولٌ‪ ,‬فــَينْزِلُ فَــَي ِ‬
‫حتَسِبـا ِلنَفْسِـهِ‪َ ,‬قدْ َو ّ‬
‫لذلكَـ مُــ ْ‬
‫عدُ ّوكُمـْ‪,‬‬
‫شرُوا‪ ,‬فإنّـ اللّه َـ َقدْ كَفــاكُمْ َ‬
‫عَلــى َبعْضـٍ‪ ,‬فَــيْنادي‪ :‬يـا َم ْعشَرَ الــُمسْلِـمِينَ‪ ,‬أل أ ْب ِ‬
‫ل لُ ـحُو ُم ُهمْ‪,‬‬
‫ن لَهَا رَعْ يٌ إ ّ‬
‫شيَهُ مْ‪ ,‬فَمَا َيكُو ُ‬
‫ن مِ نْ َمدَا ِئنِه مْ َوحُ صُو ِن ِهمْ‪َ ,‬ويُ سَ ّرحُونَ َموَا ِ‬
‫فـ َيخْرُجو َ‬
‫ن النّبـاتِ أصَابَتْ قَطّ»‪.‬‬
‫شيْءٍ مِ َ‬
‫ن َ‬
‫شكَرَتْ عَ ْ‬
‫ن ما َ‬
‫حسَ َ‬
‫ع ْن ُهمْ أ ُ‬
‫ش َكرُ َ‬
‫َفتَ ْ‬
‫‪ 17594‬ـ حدثن ـي ب حر بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن أب ـي‬
‫الزاهرية وشريح بن عبـيد‪ :‬أن يأجوج ومأجوج ثلثة أصناف‪ :‬صنف طولهم كطول الرز‪,‬‬
‫و صنف طوله وعر ضه سواء‪ ,‬و صنف يفترش أحد هم أذ نه وي ـلتـحف ب ـالخرى فتغ طى‬
‫سائر جسده‪.‬‬
‫‪ 17595‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن فِـي الرْ ضِ‬
‫سدُو َ‬
‫ن َي ْأجُو جَ و َم ْأجُوج مُفْ ِ‬
‫نإّ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬قالوا يا ذَا ال َق ْرنَـيْ ِ‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل يَـمُوتُ َرجُلٌ‬
‫قال‪ :‬كان أبو سعيد الـخُدريّ يقول‪ :‬إن نبـ ّ‬
‫ِم ْنهُ مْ حتـى يُوَل َد لِ صُ ْلبِهِ ألْ فُ َرجُلٍ» قال‪ :‬وكان عبد ال بن مسعود يعجب من كثرتهم ويقول‪:‬‬
‫ل يـموت من يأجوج ومأجوج أحد يولد له ألف رجل من صلبه‪.‬‬
‫فـالـخبر الذي ذكرناه عن وهب بن منبه فـي قصة يأجوج ومأجوج‪ ,‬يدلّ علـى أن الذين‬
‫سدُونَ فِ ـي الرْ ضِ إن ـما أعل ـموه خوفَ هم ما‬
‫ج و َم ْأجُوج مُفْ ِ‬
‫قالوا لذي القرن ـين إ نّ َي ْأجُو َ‬
‫شكَوا من هم ف سادا كان من هم ف ـيهم أو ف ـي‬
‫يُحدث من هم من الف ساد ف ـي الرض‪ ,‬ل أن هم َ‬
‫غير هم‪ ,‬والخب ـار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن هم سيكون من هم الف ساد ف ـي‬
‫الرض‪ ,‬ول دللة فـيها أنهم قد كان منهم قبل إحداث ذي القرنـين السدّ الذي أحدثه بـينهم‬
‫وبـين من دونهم من الناس فـي الناس غيرهم إفساد‪.‬‬
‫سدُونَ‬
‫ج و َم ْأجُوج مُفْ ِ‬
‫ن َي ْأجُو َ‬
‫فإذا كان ذلك كذلك بـالذي بـيّنا‪ ,‬فـالصحيح من تأويـل قوله إ ّ‬
‫فِـي الرْضِ إن يأجوج ومأجوج سيفسدون فـي الرض‪.‬‬
‫خرْ جا اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عامّة قرّاء ال ـمدينة‬
‫جعَلُ لَ كَ َ‬
‫وقوله َفهَلْ نَ ـ ْ‬
‫خرْجا كأنهم نـحوا به نـحو الـمصدر من‬
‫جعَلُ لَ كَ َ‬
‫والبصرة وبعض أهل الكوفة‪َ :‬فهَلْ نَـ ْ‬
‫خرَاجـا»‬
‫ـ َ‬
‫جعَلُ لَك َ‬
‫خرْج الرأس‪ ,‬وذلك جعله‪ .‬وقرأتـه عامّـة قرّاء الكوفــيـين‪َ « :‬فهَلْ نَــ ْ‬
‫َ‬
‫بـاللف‪ ,‬وكأنهم نـحوا به نـحو السم‪ ,‬وعنوا به أجرة علـى بنائك لنا سدّا بـيننا وبـين‬
‫هؤلء القوم‪.‬‬
‫خرَاجا»‬
‫ك َ‬
‫جعَلُ لَ َ‬
‫وأولـى القراءتـين فـي ذلك عدنا بـالصواب قراءة من قرأه‪َ « :‬فهَلْ نَـ ْ‬
‫ب ـاللف‪ ,‬لن القوم ف ـيـما ذُ كر عن هم‪ ,‬إن ـما عرضوا عل ـى ذي القرن ـين أن يعطوه من‬
‫جعَلْ بَـ ْي َن ُكمْ‬
‫أموالهم ما يستعين به علـى بناء السدّ‪ ,‬وقد بـين ذلك بقوله‪ :‬فَأعِينُونِـي بقُ ّوةٍ أ ْ‬
‫وبَــيْ َن ُهمْ َردْمـا ولــم يعرضوا علــيه جزيـة رؤوسـهم‪ .‬والــخراج عنـد العرب‪ :‬هـو الغلة‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17596‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫خرَا جا» قال‪ :‬أجرا علَ ـى أ نْ تَ ـجعَلَ‬
‫جعَلُ لَ كَ َ‬
‫ال ـخراسانـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس « َفهَلْ نَ ـ ْ‬
‫سدّا‪.‬‬
‫بَـيْ َننَا َوبَـ ْي َن ُهمْ َ‬
‫‪ 17597‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫خرَاجا» قال‪ :‬أجرا‪.‬‬
‫جعَلُ َلكَ َ‬
‫فـي قوله‪َ « :‬فهَلْ نَـ ْ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫خرَاجا» قال‪ :‬أجرا‪.‬‬
‫جعَلُ َلكَ َ‬
‫« َفهَلْ نَـ ْ‬
‫جعَلَ بَــْي َننَا َوبَــْينَ ُهمْ سَـدّا يقول‪ :‬قالوا له‪ :‬هـل نــجعل لك خراجـا‬
‫وقوله‪ :‬علَــى أن ْـ تَــ ْ‬
‫حت ـى أن ت ـجعل ب ـيننا وب ـين يأجوج ومأجوج حاجزا يح جز ب ـيننا وب ـينهم‪ ,‬وي ـمنعهم‬
‫من الـخروج إلـينا‪ ,‬وهو السدّ‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َب ْي َنكُ مْ‬
‫جعَ ْ‬
‫خ ْيرٌ َفأَعِينُونِي بِقُ ّوةٍ َأ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ مَا َمكّنّي فِي هِ رَبّي َ‬
‫َو َب ْي َن ُهمْ َردْما }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال ذو القرنـين‪ :‬الذي مكننـي فـي عمل ما سألتـمونـي من السدّ‬
‫بـينكم وبـين هؤلء القوم ربـي‪ ,‬ووطأه لـي‪ ,‬وقوّانـي علـيه‪ ,‬خير من جُعلكم‪ ,‬والجرة‬
‫الت ـي تعرضون ها عل ـيّ لبناء ذلك‪ ,‬وأك ثر وأط يب‪ ,‬ول كن أعينون ـي من كم بقوّة‪ ,‬أعينون ـي‬
‫بفَعلة وصناع يُحسنون البناء والعمل‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪17598‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫جعَلْ بَ ـ ْي َن ُكمْ َوبَ ـ ْي َن ُهمْ‬
‫خ ْيرٌ فَأَعِينون ـي بقُ َوةٍ قال‪ :‬برجال أ ْ‬
‫م ـجاهد ما َم ّكنّ ـي فِ ـي ِه َربّ ـي َ‬
‫َردْ ما وقال ما مكن ـي‪ ,‬فأد غم إحدى النون ـين ف ـي الخرى‪ ,‬وإن ـما هو ما مكنن ـي ف ـيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أجعَلْ بَــْي َن ُكمْ َوبَــيْ َن ُهمْ َردْمـا يقول‪ :‬أجعـل بــينكم وبــين يأجوج ومأجوج ردمـا‪.‬‬
‫والردم‪ :‬حا جز ال ـحائط وال سدّ‪ ,‬إل أ نه أم نع م نه وأشدّ‪ ,‬يقال م نه‪ :‬قد ردم فلن مو ضع كذا‬
‫يَردِ مه َردْ ما ورُدا ما ويقال أي ضا‪ :‬رَدّم ثو به يرد مه‪ ,‬و هو ثوب ُم َردّم‪ :‬إذا كان كث ـير الرقاع‬
‫ومنه قول عنترة‪:‬‬
‫ت الدّارَ َب ْعدَ تَوَ ّهمِ‬
‫عرَفْ َ‬
‫ن ُم َترَ ّدمِأمْ هَلْ َ‬
‫ش َعرَاءُ مِ ْ‬
‫ل غا َدرَ ال ّ‬
‫هَ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17599‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جعَلْ بَـ ْينَ ُكمْ َوبَـ ْي َن ُهمْ َردْما قال‪ :‬هو كأش ّد الـحجاب‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْ‬
‫‪ 17600‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذ كر ل نا أن رجلً‬
‫ْهـ لــي»‪ ,‬قال‪ :‬كأنـه البرد‬
‫قال‪ :‬يـا نبــيّ ال قـد رأيـت سـدّ يأجوج ومأجوج‪ ,‬قال‪« :‬ا ْن َعت ُ‬
‫الـمـحّبر‪ ,‬طريقة سوداء‪ ,‬وطريقة حمراء‪ ,‬قالَ‪َ « :‬قدْ رأ َيتَهُ»‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫و‬ ‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫الصـدَ َفيْنِ قَالَ‬
‫ْنـ ّ‬‫حّتىَ ِإذَا سـَا َوىَ َبي َ‬
‫حدِيدِ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬آتُونِي ُز َبرَ ا ْل َ‬
‫ُوهـ وَمَا‬
‫ظهَر ُ‬
‫عوَاْ أَن َي ْ‬
‫اسـطَا ُ‬
‫ْهـ ِقطْرا * فَم َا ْ‬
‫ِغـ عََلي ِ‬
‫ِيـ ُأ ْفر ْ‬
‫ل آتُون َ‬
‫َهـ نَارا قَا َ‬
‫جعَل ُ‬
‫حّتىَ ِإذَا َ‬
‫ان ُفخُو ْا َ‬
‫ستَطَاعُواْ َلهُ نَقْبا }‪.‬‬
‫اْ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬قال ذو القرنــين للذيـن سـألوه أن يجعـل بــينهم وبــين يأجوج ومأجوج‬
‫سدّا آتونِ ـي أي جيئون ـي ِب ُزبَر ال ـحديد‪ ,‬و هي ج مع ُزبْرة‪ ,‬وال ّزبْرة‪ :‬القط عة من ال ـحديد‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 17601‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫حدِيدِ يقول‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ز َبرَ الـ َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حدِيدِ قال‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬آتُونِـي ُز َبرَ الـ َ‬
‫‪ 17602‬ـ حدثنـي إسماعيـل بن سيف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن مسهر‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن‬
‫حدِيدِ قال‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫أبـي صالـح‪ ,‬قوله‪ُ :‬زبَرَ الـ َ‬
‫‪ 17603‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫حدِيدِ قال‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي يحيى عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬آتُونِـي ُز َبرَ الـ َ‬
‫حدِيدِ‪ :‬أي‬
‫‪17604‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة آتُونِـي ُزبَرُ الـ َ‬
‫فَلَق الـحديث‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫حدِيدِ قال‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫قوله‪ :‬آتُونِـي ُز َبرُ الـ َ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫حدِيدِ قال‪ :‬قطع الـحديد‪.‬‬
‫عبـاس‪ :‬آتُونِـي ُزبَرَ الـ َ‬
‫وقوله‪ :‬حتــى إذَا سـاوَى بــينَ الصـّدفَـيْنِ يقول ع ّز ذكره‪ :‬فآتُوهُـ ُزبَر الــحديد‪ ,‬فجعلهـا‬
‫بـين الصدفـين حتـى إذا ساوى بـين الـجبلـين بـما جعل بـينهما من زُبر الـحديد‪,‬‬
‫ويقال‪ :‬سوّى‪ .‬والصدفـان‪ :‬ما بـين ناحيتـي الـجبلـين ورؤوسهما ومنه قوله الراجز‪:‬‬
‫ح َيتَـيْها وأعالـي الرّ ْكنَـيْنِ‬
‫صدُفَـيْنِنا ِ‬
‫ض ال ّ‬
‫عرْ ِ‬
‫خذَتْ ما بـينَ َ‬
‫قدْ أ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17605‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ص َدفَـيْنِ يقول‪ :‬بـين الـجبلـين‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله بـينَ ال ّ‬
‫حدثن ـي م ـحمد‪ ,‬بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫صدَفـين‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬هو سدّ كان ب ـين َ‬
‫سدّيْ ِ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬حت ـى إذَا بَلَ غَ ب ـينَ ال ّ‬
‫والصدفـان‪ :‬الـجبلن‪.‬‬
‫‪17606‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫صدَفَـيْنِ رؤوس الـجبلـين‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ال ّ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17607‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا مُعاذ يقول‪ :‬حدثنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن يعنــي الــجبلـين‪ ,‬وهمـا مـن قبـل‬
‫الصـدَفَـيْ ِ‬
‫ّ‬ ‫سـمعت الضحاك يقول فــي قوله‪ :‬بــينَ‬
‫أرمينـية وأذربـيجان‪.‬‬
‫‪ 17608‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة حتـى إذَا ساوَى ب ـينَ‬
‫ن وهما الـجبلن‪.‬‬
‫الصّ َدفَـيْ ِ‬
‫‪ 17609‬ـ حدثنـي أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫ن منصـوبة الصـاد والدال‪ ,‬وقال‪ :‬بــين الــجبلـين‪,‬‬
‫الصـَدفَـيْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫إبراهيــم أنـه قرأهـا‪ :‬بــي َ‬
‫ل واحدة من ها جما عة من القراء‪ :‬الفت ـح‬
‫وللعرب ف ـي ال صدفـين‪ :‬لغات ثلث‪ ,‬و قد قرأ بك ّ‬
‫فـي الصاد والدال‪ ,‬وذلك قراءة عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة والضمّ فـيهما‪ ,‬وهي قراءة‬
‫أهل البصرة والضم فـي الصاد وتسكين الدال‪ ,‬وذلك قراءة بعض أهل مكة والكوفة‪ .‬والفتـح‬
‫فـي الصاد والدال أشهر هذه اللغات‪ ,‬والقراءة بها أعجب إلـيّ‪ ,‬وإن كنت مستـجيزا القراءة‬
‫بجميعها‪ ,‬لتفـاق معانـيها‪ .‬وإنـما اخترت الفتـح فـيهما لـما ذكرت من العلة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قالَ انْ ُفخُوا يقول عزّ ذكره‪ ,‬قال للفعلة‪ :‬انفخوا النار علـى هذه الزّبر من الـحديد‪.‬‬
‫جعَلَ ُه نارا وفـي الكلم متروك‪ ,‬وهو فنفخوا‪ ,‬حتـى إذا جعل ما ب ـين‬
‫وقوله‪ :‬حتـى إذَا َ‬
‫ل آتُونِ ـي ُأ ْفرِ غْ عَلَ ـيْ ِه قَطْرا ف ـاختلفت القرّاء ف ـي قراءة‬
‫ال صدفـين من ال ـحديد نارا قا َ‬
‫ل آتُونِـي بـم ّد اللف من‬
‫ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة‪ ,‬وبعض أهل الكوفة‪ :‬قا َ‬
‫آتُونِـي بـمعنى‪ :‬أعطونـي قطرا أفرغ علـيه‪ .‬وقرأه بعض قرّاء الكوفة‪ ,‬قال‪« :‬ا ْئتُونِـي»‬
‫بو صل اللف‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬جيئون ـي ِقطْرا أفرغ عل ـيه‪ ,‬ك ما عل ـيه‪ :‬أخذت ال ـخطام‪ ,‬وأخذت‬
‫ب ـالـخطام‪ ,‬وجئ تك زيدا‪ ,‬وجئ تك بزبر‪ .‬و قد يتو جه مع نى ذلك إذا قرىء كذلك إل ـى مع نى‬
‫أعطونــي‪ ,‬فــيكون كأنـه قارئه أراد مدّ اللف مـن آتونــي‪ ,‬فترك الهمزة الولــى مـن‬
‫آتونـي‪ ,‬وإذا سقطت الولـى همز الثانـية‪).‬‬
‫وقوله‪ُ :‬أ ْفرِ غْ عَلَ ـيْ ِه قِطْرا يقول‪ :‬أ صبّ عل ـيه قطرا‪ ,‬والقِطْر‪ :‬النّ ـحاس‪ .‬وبن ـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17610‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله ُأ ْف ِرغْ عَلَـيْ ِه قِطْرا قال‪ :‬القِطر‪ :‬النـحاس‪.‬‬
‫‪ 17611‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17612‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ُ :‬أ ْف ِرغْ عَلَـيْ ِه قِطْرا‪ :‬يعنـي النـحاس‪.‬‬
‫‪ 17613‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ُأ ْفرِ غْ عَلَ ـيْ ِه ِقطْرا أي‬
‫النـحاس لـيـلزمه به‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي قوله ُأ ْفرِ غْ‬
‫عَلَـيْ ِه قِطْرا قال‪ :‬نـحاسا‪.‬‬
‫وكان ب عض أ هل العل ـم بكلم العرب من أ هل الب صرة يقول‪ :‬القِ طر‪ :‬ال ـحديد ال ـمذاب‪,‬‬
‫ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫جزَارا مِنَ اقْطا ِر الـحَديدِ الـ ُم َنعّتِ‬
‫حُساما كَلَ ْونِ الـمِلْـحِ صَافٍ حَديدُه ُ‬
‫ُوهـ يقول ع ّز ذكره‪ :‬فمـا اسـطاع يأجوج ومأجوج أن يَعلُوا‬
‫أنـ َيظْ َهر ُ‬
‫وقوله‪ :‬فَمَا اسـْطاعُوا ْ‬
‫الردم الذي جعله ذو القرنـين حاجزا بـينهم‪ ,‬وبـين من دونهم من الناس‪ ,‬ف ـيصيروا فو قه‬
‫وينزلوا منه إلـى الناس‪.‬‬
‫يقال م نه‪ :‬ظ هر فلن فوق الب ـيت‪ :‬إذا عله وم نه قول الناس‪ :‬ظ هر فلن عل ـى فلن‪ :‬إذا‬
‫ستَطاعُوا َل هُ نَقْب ـا يقول‪ :‬ول ـم ي ستطيعوا أن ينقبوه من أ سفله‪ .‬وبن ـحو‬
‫قهره وعله‪ .‬وَ ما ا ْ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17614‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَمَا ا سْطاعُوا أ نْ‬
‫ستَطاعُوا لَ ُه نَقْبـا‪ :‬أي من أسفله‪.‬‬
‫َيظْ َهرُوهُ من قوله‪ :‬وَما ا ْ‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي قوله فَمَا‬
‫ظ َهرُو ُه قال‪ :‬ما استطاعوا أن ينزعوه‪.‬‬
‫اسْطاعُوا أنْ َي ْ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة فَمَا‬
‫ستَطاعُوا َلهُ نَقْبـا‪.‬‬
‫ظ َهرُو ُه قال‪ :‬أن يرتقُوه وَما ا ْ‬
‫اسْطاعُوا أنْ َي ْ‬
‫‪17615‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪َ ,‬فمَا اسْطاعُوا‬
‫ستَطاعُوا لَ ْه نَقْبـا‪.‬‬
‫ن َيظْ َهرُوهُ قال‪ :‬أن يرتقُوه وَما ا ْ‬
‫أْ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثـن حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج فَمَا اسـْطاعُوا أن ْـ‬
‫ستَطاعُوا لَ ُه نَقْبـا‪ :‬أي ينقبوه من أسفله‪.‬‬
‫َيظْ َهرُوهُ قال‪ :‬يعلوه وَما ا ْ‬
‫واختلف أهل العربـية فـي وجه حذف التاء من قوله‪ :‬فَمَا ا سْطاعُوا فقال بعض نـحويـي‬
‫الب صرة‪ :‬ف عل ذلك لن ل غة العرب أن تقول‪ :‬ا سطاع ي سطيع‪ ,‬يريدون ب ها‪ :‬ا ستطاع ي ستطيع‪,‬‬
‫ول كن حذفوا التاء إذا جُم عت مع الطاء ومخرجه ما وا حد‪ .‬قال‪ :‬وقال بعض هم‪ :‬ا ستاع‪ ,‬فحذف‬
‫الطاء لذلك‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬أسطاع يسطيع‪ ,‬فجعلها من القطع كأنها أطاع يطيع‪ ,‬فجعل ال سين‬
‫عوضـا مـن إسـكان الواو‪ .‬وقال بعـض نــحويـيّ الكوفـة‪ :‬هذا حرف اسـتعمل فكثـر حتــى‬
‫حذف‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلَ هُ‬
‫ع ُد رَبّي َ‬
‫حمَ ٌة مّن رّبّي َفِإذَا جَآءَ وَ ْ‬
‫{قَالَ هَ ـذَا َر ْ‬ ‫القول فــي تأوي ـل قوله تعالــى‪:‬‬
‫عدُ َربّي حَقّا }‪.‬‬
‫َدكّآءَ َوكَانَ وَ ْ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬فل ـما رأى ذو القرن ـين أن يأجوج ومأجوج ل ي ستطيعون أن يظهروا ما‬
‫بنـي من الردم‪ ,‬ول يقدرون عل نقبه‪ ,‬قال‪ :‬هذا الذي بنـيته وسوّيته حاجزا بـين هذه المة‪,‬‬
‫ومن دون الردم رحمة من ربـي رحم بها من دون الردم من الناس‪ ,‬فأعاننـي برحمته لهم‬
‫حتـى بنـيته وسوّيته لـيكفّ بذلك غائلة هذه المة عنهم‪.‬‬
‫َهـ َدكّاءَ يقول‪ :‬فإذا جاء وعـد ربــي الذي جعله ميقاتـا‬
‫جعَل ُ‬
‫ع ُد َربّــي َ‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫لظهور هذه المـة وخروجهـا مـن وراء هذا الردم لهـم‪ ,‬جعله دكاء‪ ,‬يقول‪ :‬سـوّاه بــالرض‪,‬‬
‫فألز قه ب ها‪ ,‬من قول هم‪ :‬نا قة دكاء‪ :‬م ستوية الظ هر ل سنام ل ها‪ .‬وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬جعله‬
‫مدكوكا‪ ,‬فقـيـل‪ :‬دكاء‪ .‬وكان قتادة يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪17616‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فإذَا جاءَ وَعدُ‬
‫جعَلَه َدكّاءَ قال‪ :‬ل أدري الـجبلـين يعنـي به‪ ,‬أو ما بـينهما‪.‬‬
‫رَبـي َ‬
‫وذُ كر أن ذلك يكون كذلك ب عد ق تل عي سى ا بن مري ـم عل ـيه ال سلم الدجال‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17617‬ـ حدثنـي أحمد بن إبراهيـم الدورقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫العوّام‪ ,‬عن جبلة بن سحيـم‪ ,‬عن مؤثر‪ ,‬و هو ا بن عفـارة العبدي‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ« :‬لقِـيتُ لَـيْـلَ َة السْرَاءِ إ ْبرَاهِيـمَ َومُوسَى وَعيسَى‬
‫ل ْمرَ إلـى إ ْبرَاهِيـمَ فَقالَ إ ْبرَاهِيـمُ‪ :‬ل عِلْـمَ لـي بِها‪ ,‬فَ َردّوا‬
‫عةِ‪َ ,‬و َردّوا ا َ‬
‫َفتَذَاكرُوا أمْر ال سّا َ‬
‫ل ْمرَ إلـى عِيسَى قالَ عِيسَى‪ :‬أمّا‬
‫المْ َر إلـى مُوسَى‪ ,‬فقالَ مُوسَى‪ :‬ل عِلْـمَ لـي بها‪َ ,‬ف َردّوا ا َ‬
‫ع ِهدَ‬
‫ن دُو نَ َو ْقتِها‪َ ,‬‬
‫ع ِهدَ إلـيّ بِـمَا هُ َو كائِ ٌ‬
‫ن َربّـي قَدْ َ‬
‫قِـيامُ ال سّاعَ ِة ل َيعْلَـمُ ُه إلّ الّل هُ‪ ,‬وََل ِك ّ‬
‫ن ال ّدجّالَ خار جٌ‪ ,‬وأّن هُ ُمهْبطي إلَـيْه‪َ ,‬ف َذكَرَ أ نّ َمعَ ُه قَ صَ َبتَـيْنِ‪ ,‬فإذَا رآنِـي أهَْل َك هُ الّل هُ‪,‬‬
‫إلـيّ أ ّ‬
‫جرَ لَـيَقُولُ‪ :‬يا مُسْلِـمُ َهذَا كافِرٌ‬
‫شَ‬‫جرَ وال ّ‬
‫حَ‬‫ب الرّصَاصُ‪ ,‬حتـى إنّ الـ َ‬
‫ب كمَا َيذُو ُ‬
‫قالَ‪ :‬فَـيَذُو ُ‬
‫ج و َم ْأجُو جَ مِ نْ‬
‫ستَ ْقبِلُ ُهمْ َي ْأجُو ُ‬
‫س إلـى بِلدِهِمْ وأوْطا ِنهِ ْم فَـ َي ْ‬
‫فـا ْقتُلْهُ‪ ,‬فَـيُهِْل ُك ُهمْ اللّ هُ‪َ ,‬و َي ْرجِعُ النا ُ‬
‫ل شَ ِربُوهـُ‪,‬‬
‫ل أكَلُوهـُ‪ ,‬وَال يَــمُرّونَ عَلــى ماءِ إ ّ‬
‫شيْءٍ إ ّ‬
‫ُونـ عَلــى َ‬
‫ْسـلُونَ‪ ,‬ل َي ْأت َ‬
‫ْبـ َين ِ‬
‫حد ٍ‬‫كُلّ َ‬
‫شكُو َن ُهمْ‪ ,‬فأدْعُوا الّل هَ عَلَـ ْيهِمْ فَـيُـمِيتُ ُهمْ حتـى تَـجْوَى الرْ ضُ‬
‫فـيَ ّرجِعُ النّا سُ إلـيّ‪ ,‬فَـ َي ْ‬
‫سفُ‬
‫جرّ أجْ سادَ ُهمْ‪ ,‬ف ـيُـلْقِـي ِهمْ فِ ـي ال َبحْرِ‪ ,‬ثُ مّ َينْ ِ‬
‫ل ال ـ َمطَرُ‪ ,‬فَ ـ َي ُ‬
‫حهِ مُ‪ ,‬فَ ـ َينْزِ ُ‬
‫ن َنتْ نِ رِي ِ‬
‫مِ ْ‬
‫ك إذا كان كذلك‪ ,‬فَإ نّ‬
‫ن ذل َ‬
‫ال ـجِبـالَ حت ـى َتكُو نَ الرْ ضُ كالدي ـم‪َ ,‬فعَ ِهدَ إل ـيّ َربّ ـي أ ّ‬
‫عةَ ِم ْنهُ مْ كال ـحامِلِ ال ـ ُمتِـمّ اّلتِ ـي ل َي ْدرِي أهْلُ ها مَت ـى تَ ْفجَوهُ مْ ِبوِلدِ ها‪ ,‬لَ ـيْلً أوْ‬
‫ال سّا َ‬
‫نَهارا»‪.‬‬
‫‪17618‬ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـيّ‪ ,‬عن أصبع بن زيد‪ ,‬عن‬
‫العوّام بن حوشب‪ ,‬عن جبلة بن سحيـم‪ ,‬عن مؤثر بن عَفـازَة‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لـما أُ سْري برسول ال صلى ال عليه وسلم التقـي هو وإبراهيـم وموسى وعيسى علـيهم‬
‫ال سلم‪ .‬فتذاكروا أ مر ال ساعة‪ .‬فذ كر ن ـحو حد يث إبراهي ـم الدورق ـي عن هشي ـم‪ ,‬وزاد‬
‫فـيه‪ :‬قال العوّام بن حوشب‪ :‬فوجدت تصديق ذلك فـي كتاب ال تعالـى‪ ,‬قال ال عزّ وجلّ‪:‬‬
‫ق فإذَا هِيَ‬
‫عدُ الـحَ ّ‬
‫حدَبٍ َينْ سِلُونَ وَا ْقتَرَبَ الوَ ْ‬
‫ن كُلّ َ‬
‫حتـى إذَا ُفتِـحَتْ ي ْأجُو جُ و َم ْأجُو جُ وَهُ مْ ِم ْ‬
‫عدُ َربّ ـي حَقّا‬
‫ن وَ ْ‬
‫جعَلَ ُه َدكّاءَ وكا َ‬
‫ع ُد رَبّ ـي َ‬
‫ن كَ َفرُوا وقال‪ :‬فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫شاخِ صَ ٌة أبْ صَارُ اّلذِي َ‬
‫يقول‪ :‬وكان و عد رب ـي الذي و عد خ ـلقه ف ـي د كّ هذا الردم‪ ,‬وخروج هؤلء القوم عل ـى‬
‫الناس‪ ,‬وعيثهم فـيه‪ ,‬وغير ذلك من وعده حقا‪ ,‬لنه ل يخـلف الـميعاد فل يقع غير ما وعد‬
‫أنه كائن‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫و‬ ‫‪99‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج فِي َبعْ ضٍ َونُفِ خَ فِي الصّورِ‬
‫ضهُ مْ يَ ْو َم ِئذٍ َيمُو ُ‬
‫{ َو َت َر ْكنَا َب ْع َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عرْضا }‪.‬‬
‫ج َه ّنمَ يَ ْو َم ِئذٍ لّ ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫ع َرضْنَا َ‬
‫جمْعا * وَ َ‬
‫َفجَ َم ْعنَا ُهمْ َ‬
‫ك الـجبـال‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وتركنا عبـادنا يوم يأتـيهم وعدنا الذي وعدناهم‪ ,‬بأنا ند ّ‬
‫و َننْ سِفها عن الرض ن سفـا‪ ,‬فنذر ها قا عا صفصفـا‪ ,‬بعض هم ي ـموج ف ـي ب عض‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫يختلط جنهم بإنسهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17619‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب الق مي‪ ,‬عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن ش يخ من‬
‫ج فــي َبعْض ٍـ قال‪ :‬إذا ماج الــجنّ‬
‫ُمـ يَ ْو َم ِئذٍ يَــمُو ُ‬
‫ضه ْ‬‫بنــي فزارة‪ ,‬فــي قوله‪َ :‬و َت َركْنـا َب ْع َ‬
‫وال نس‪ ,‬قال إبل ـيس‪ :‬فأ نا أعل ـم ل كم عل ـم هذا ال مر‪ ,‬ف ـيظعن إل ـى ال ـمشرق‪ ,‬ف ـيجد‬
‫الـملئكة قد قطعوا الرض‪ ,‬ثم يظعن إلـى الـمغرب‪ ,‬فـيجد الـملئكة قد قطعوا الرض‪,‬‬
‫ثم يصعد يـمينا وشمالً إلـى أقصى الرض‪ ,‬فـيجد الـملئكة قطعوا الرض‪ ,‬فـيقول‪ :‬ما‬
‫مـن مَــحِيص‪ ,‬فبــينا هـو كذلك‪ ,‬إذ عرض له طريـق كالشراك‪ ,‬فأخـذ علــيه هـو وذريّتـه‪,‬‬
‫خزّان النار‪ ,‬قال‪ :‬يـا‬
‫فبــينـما هـم علــيه‪ ,‬إذ هجموا علــى النار‪ ,‬فأخرج ال خازنـا مـن ُ‬
‫إبلـيس ألـم تكن لك الـمنزلة عند ربك‪ ,‬ألـم تكن فـي الـجنان؟ فـيقول‪ :‬لـيس هذا يوم‬
‫عتاب‪ ,‬لو أن ال فرض علـيّ فريضة لعبدته فـيها عبـادة لـم يعبده مثلها أحد من خـلقه‪,‬‬
‫ف ـيقول‪ :‬فإن ال قد فرض عل ـيك فري ضة‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬ما هي؟ ف ـيقول‪ :‬يأمرك أن تدخ ـل‬
‫النار‪ ,‬فـيتلكأ علـيه‪ ,‬فـيقول به وبذرّيته بجناحيه‪ ,‬فـيقذفهم فـي النار‪ ,‬فَتزفر النار زفرة فل‬
‫يبقـى مَلَك مقرّب‪ ,‬ول نبـيّ مرسل إل جثى لركبتـيه‪.‬‬
‫‪ 17620‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬و َت َركْ نا‬
‫ض قال‪ :‬هذا أوّل الق ـيامة‪ ,‬ثم ن فخ ف ـي ال صور عل ـى أ ثر‬
‫ج ف ـي َبعْ ٍ‬
‫ضهُ مْ َي ْو َم ِئذٍ يَ ـمُو ُ‬
‫َبعْ َ‬
‫ذلك فجمعناهم جمعا‪.‬‬
‫َونُ ِف خَ فِـي ال صّورِ قد ذكرنا اختلف أهل التأويـل فـيـما مضى فـي ال صّور‪ ,‬وما هو‪,‬‬
‫عنِـي به‪ .‬واخترنا ال صواب من القول فـي ذلك بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي‬
‫وما ُ‬
‫هذا الـموضع‪ ,‬غير أنا نذكر فـي هذا الـموضع بعض ما لـم نذكر فـي ذلك الـموضع‬
‫من الخبـار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17621‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا أ سلـم‪ ,‬عن ب شر بن شغاف‪ ,‬عن ع بد ال بن عمرو‪ ,‬عن النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫خ فِـيهِ»‪.‬‬
‫ن ُينْفَ ُ‬
‫وسلم أن أعرابـيا سأله عن الصّور‪ ,‬قال‪َ « :‬قرْ ٌ‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معاو ية بن هشام‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سلـيـمان الت ـيـميّ‪,‬‬
‫عن العجلـي‪ ,‬عن بشر بن شغاف‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 17622‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحارث القنطري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي بكير‪ ,‬قال‪ :‬كنت‬
‫فـي جنازة عمر بن ذرّ فلقـيت مالك بن مغول‪ ,‬فحدثنا عن عطية العوفـي‪ ,‬عن أبـي سعيد‬
‫ب ال َقرْ نِ َقدِ ا ْلتَقَ مَ‬
‫ال ـخُدريّ‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬كيْ فَ أ ْنعَ مُ وَ صَاحِ ُ‬
‫صغَى بـالذُنُ مَتـى يُو ْء َمرُ» فش قّ ذلك علـى أصحاب رسول ال صلى‬
‫ج ْبهَةَ‪ ,‬وأ ْ‬
‫َوحَنى الـ َ‬
‫ل مِنًى ما أقالُوا‬
‫جتَ ـمَعَ أهْ ُ‬
‫سبُنا اللّ هُ وَعَل ـى اللّ هِ َت َوكّلْ نا‪ ,‬ول ِو ا ْ‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪« :‬قُولُوا حَ ْ‬
‫ذلكَ ال َقرْنَ» كذا قال‪ ,‬وإنـما هو ماأقلوا‪.‬‬
‫حدثنــي أ بو السـائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حفـص‪ ,‬عن الــحجاج‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬عن أبــي سـعيد‬
‫ب ال َقرْ نِ َقدِ ا ْلتَقَم‬
‫ال ـخُدريّ‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬كيْ فَ أ ْنعَ مُ وَ صَاحِ ُ‬
‫سبُنا الّل هُ‪,‬‬
‫جحَ ظَ ب َع ْينَـيْهِ»‪ ,‬قالوا‪ :‬ما نقول يارسول ال؟ قال‪« :‬قُولُوا‪ :‬حَ ْ‬
‫ظهْرَ ُه َو َ‬
‫ال َقرْ نَ‪َ ,‬وحَنى َ‬
‫تَ َوكّلْنا علَـى الّلهِ»‪.‬‬
‫‪ 17623‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬كيْفَ أ ْنعَمُ وَصَاحِبُ ال َقرْن قَدِ ا ْل َتقَمَ ال َقرْنَ‪,‬‬
‫خ فِـيهِ»‪ ,‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫ستَـمِعُ مَتـى يُو ْء َمرُ فَـ َينْفُ ُ‬
‫ج ْبهَتَ هُ‪ ,‬يَ ْ‬
‫َوحَنى َ‬
‫سبُنا اللّهُ َو ِن ْعمَ ال َوكِيـلُ‪ ,‬تَ َوكّلنا علـى اللّهِ»‪.‬‬
‫حْ‬‫وسلم‪ :‬فكيف نقول؟ قال‪« :‬تَقُولُونَ‪َ :‬‬
‫حدثنا أ بو كر يب والـحسن بن عر فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أسبـاط‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعيب بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد أبو العلء‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عطية‬
‫العوفـيّ‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخُدريّ‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬كيْ فَ أ ْنعَ مُ‬
‫ن َينْفُ خَ‪ ,‬وَلَوْ‬
‫ن مَتـى يُو ْء َمرُ أ ْ‬
‫لذُ ِ‬
‫ج ْبهَةَ‪ ,‬وأ صْغَى بـا ُ‬
‫ن َقدِ ا ْلتَقَ َم الْ َقرْ نَ َوحَنى الـ َ‬
‫ب ال َقرْ ِ‬
‫وَ صَاحِ ُ‬
‫ن يُقِلّو ُه مِ نَ الرْ ضِ‪ ,‬ما َقدَرُوا عَلَ ـيْهِ» قال‪:‬‬
‫جتَ ـ َمعُوا عل ـى ال َقرْ نَ علَ ـى أ ْ‬
‫ن أهْلَ مِنًى ا ْ‬
‫أ ّ‬
‫فأُبِلسَ أصحابُ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وشقّ علـيهم‪ ,‬قال‪ :‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫حسْبُنا الّلهُ َو ِن ْعمَ ال َوكِيـلُ‪ ,‬عَلـى الّل ِه تَ َوكّلْنا»‪.‬‬
‫عليه وسلم‪« :‬قُولُوا‪َ :‬‬
‫‪17624‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن بـن مــحمد الــمـحاربـيّ‪ ,‬عـن‬
‫إسماعيـل بن رافع الـمدنـي‪ ,‬عن يزيد بن فلن‪ ,‬عن رجل من النصار‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫كعب الْ ُقرَظ يّ‪ ,‬عن رجل من النصار‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫سرَافِـيـلَ‪,‬‬
‫ت وّلرْ ضِ‪ ,‬خَـلَقَ ال صّورَ‪ ,‬فأعْطا ُه إ ْ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن خَ ـ ْلقِ ال ّ‬
‫و سلم‪« :‬لَـمّا فَرَ غَ اللّ هَ ِم ْ‬
‫صرُهُ إلـى العَرْشِ َي ْن َتظِرُ مَتـى يُو ْء َمرُ»‪ .‬قال أبو هريرة‪:‬‬
‫ص بَ َ‬
‫َفهُوَ َوضَعَ هُ عَلـى فِـي ِه شاخِ ٌ‬
‫خ فِـي ِه ثَلثُ‬
‫عظِيـمٌ ُينْفَ ُ‬
‫يا رسول ال‪ ,‬ما الصّور؟ قال‪« :‬قَرْنٌ»‪ .‬قال‪ :‬وكيف هو؟ قال‪َ « :‬قرْنٌ َ‬
‫ـ‬
‫ـعْقِ‪ ,‬والثّاِلثَةُ‪ :‬نَ ْفخَ ُة القِــيامِ ِلرَب ّ‬
‫خةُ الص ّ‬
‫خةُ ال َفزَعـِ‪ ,‬والثّانِــيَةُ‪ :‬نَ ْف َ‬
‫نَفَخاتـٍ‪ :‬الُولــى‪ :‬نَ ْف َ‬
‫العالَـمِينَ»‪.‬‬
‫جمْعا يقول‪ :‬فجمعنا جميع الـخـلق حينئذ لـموقـف الـحساب جميعا‪.‬‬
‫ج َمعْناهُ مْ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ف َ‬
‫عرْضا يقول‪ :‬وأبرزنا جهنـم يوم ينفخ فـي الصور‪,‬‬
‫ج َهنّـمَ َي ْو َم ِئذٍ للكا ِفرِينَ َ‬
‫عرَضْنا َ‬
‫وقوله‪ :‬و َ‬
‫فأظهرناهـا للكافريـن بــال‪ ,‬حتــى يروهـا ويعاينوهـا كهيئة السـراب ولو جعـل الفعـل لهـا‬
‫قـيـل‪ :‬أعرضت إذا استبـانت‪ ,‬كما قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫خ ّرتْكأسْيافٍ بأ ْيدِي ُمصْلِتِـينا‬
‫ش َم َ‬
‫ع َرضَتِ الـيَـمامَ ُة وا ْ‬
‫وأ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17625‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪,‬‬
‫عن سلـمة بن كهيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الزعراء‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬يقوم الـخـلق ل إذا نفخ‬
‫فـي الصور‪ ,‬قـيام رجل واحد‪ ,‬ثم يتـمثّل ال عزّ وجلّ فما يـلقاه أحد من الـخلئق كان‬
‫يعبـد مـن دون ال شيئا إل وهـو مرفوع له يتبعـه‪ ,‬قال‪ :‬فــيـلقـى الــيهود فــيقول‪ :‬مـن‬
‫عزَيرا‪ ,‬قال‪ :‬فــيقول‪ :‬هـل يسـركم الــماء؟ فــيقولون نعـم‪,‬‬
‫تعبدون؟ قال‪ :‬فــيقولون‪ :‬نعبـد ُ‬
‫عرْ ضا ثم‬
‫ج َهنّ ـمَ َي ْو َمئِ ٍذ للكا ِفرِي نَ َ‬
‫ع َرضْ نا َ‬
‫ف ـيريهم جهن ـم و هي كهيئة ال سراب‪ ,‬ثم قرأ وَ َ‬
‫ي ـلقـى الن صارى ف ـيقول‪ :‬من تعبدون؟ ف ـيقولون‪ :‬نع بد ال ـمسيح‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬هل ي سركم‬
‫الـماء‪ ,‬فـيقولون نعم‪ ,‬قال‪ :‬فـيريهم جهنـم وهي كهيئة السراب‪ ,‬ثم كذلك لـمن كان يعبد‬
‫سئُولُونَ‪.‬‬
‫من دون ال شيئا‪ ,‬ثم قرأ عبد ال َوقِـفوهُم إ ّن ُهمْ َم ْ‬

‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غطَآءٍ عَن ِذ ْكرِي َوكَانُو ْا لَ‬
‫ع ُي ُنهُم ْـ فِي ِ‬
‫{اّلذِين َـ كَانَت ْـ أَ ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫سمْعا }‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ستَطِيعُو َ‬
‫َي ْ‬
‫يقول تعالــى‪ :‬وعرضنـا جهنــم يومئذ للكافريـن الذيـن كانوا ل ينظرون فــي آيات ال‪,‬‬
‫ف ـيتفكّرون ف ـيها ول يتأمّلون حج جه‪ ,‬ف ـيعتبرون ب ها‪ ,‬ف ـيتذكرون وين ـيبون إل ـى توح يد‬
‫سـمْعا يقول‪ :‬وكانوا ل يطيقون أن يسـمعوا‬
‫ن َ‬‫َسـَتطِيعُو َ‬
‫ال‪ ,‬وينقادون لمره ونهيـه‪ ,‬وكانُوا ل ي ْ‬
‫ذ كر ال الذي ذكّر هم به‪ ,‬وب ـيانه الذي ب ـيّنه ل هم ف ـي إي كتا به‪ ,‬بخذلن ال إيا هم‪ ,‬وغل بة‬
‫شغْلِهـم بــالكفر بــال وطاعـة الشيطان‪ ,‬فــيتعظون بـه‪ ,‬ويتدبّرونـه‪,‬‬
‫الشقاء علــيهم‪ ,‬و ُ‬
‫فـيعرفون الهدى من الضللة‪ ,‬والكفر من اليـمان‪ .‬وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17626‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سمْعا قال‪ :‬ل يعقلون‪.‬‬
‫ستَطِيعُونَ َ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ل َي ْ‬
‫‪17627‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد وكانُوا‬
‫سمْعا قال‪ :‬ل يعلـمون‪.‬‬
‫س َتطِيعُونَ َ‬
‫ل َي ْ‬
‫ن كانَت‬
‫‪ 17628‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله اّلذِي َ‬
‫عنْ ِذ ْكرِى‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هؤلء أهل الكفر‪.‬‬
‫ع ُي ُن ُهمْ فـي غِطاءٍ َ‬
‫أْ‬

‫‪102‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عبَادِي مِن دُونِ يَ أَوِْليَآءَ‬
‫خذُواْ ِ‬
‫ن كَ َفرُوَاْ أَن َي ّت ِ‬
‫ب اّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ{ :‬أ َفحَ سِ َ‬
‫ن نُ ُزلً }‪.‬‬
‫ج َه ّنمَ لِ ْلكَافِرِي َ‬
‫ع َت ْدنَا َ‬
‫ِإنّآ أَ ْ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬أفظـن الذيـن كفروا بــال مـن عبدة الــملئكة والــمسيح‪ ,‬أن يتــخذوا‬
‫عبـادي الذ ين عبدوهم من دون ال أولـياء‪ ,‬يقول كل بل هم لهم أعداء‪ .‬وبن ـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17629‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫خذُوا عِبـادِي مِنْ دُونِـي أوْلِـياءَ قال‪ :‬يعنـي من يعبد الـمسيح‬
‫ن كَ َفرُوا أنْ َيتّـ ِ‬
‫أ َفحَسِبَ الّذي َ‬
‫ابـن مريــم والــملئكة‪ ,‬وهـم عبــاد ال‪ ,‬ولــم يكونوا للكفــار أولــياء‪ .‬وبهذه القراءة‪,‬‬
‫أعن ـي بك سر ال سين من أ َفحَ سبَ ب ـمعنى الظ نّ قرأت هذا ال ـحرف قرّاء الم صار‪ .‬ورُوي‬
‫ب الّذيِ نَ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طالب رضي ال عنه وعكرِمة ومـجاهد أنهم قرءوا ذلك أ َفحَ سْ ُ‬
‫كَ َفرُوا بتسـكين السـين‪ ,‬ورفـع الــحرف بعدهـا‪ ,‬بــمعنى‪ :‬أفحسـبهم ذلك‪ :‬أي أفكفــاهم أن‬
‫يتـخذوا عبـادي من دونـي أولـياء من عبـاداتـي وموالتـي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17630‬ـ حُدثت عن إسحاق بن يوسف الزرق‪ ,‬عن عمران بن حدير‪ ,‬عن عكرمة أفَحَ سْبُ‬
‫الّذينَ كَ َفرُوا قال‪ :‬أفحسبهم ذلك‪.‬‬
‫ن بكسر السين‪,‬‬
‫حسِبَ اّلذِي َ‬
‫والقراءة التـي نقرؤها هي القراءة التـي علـيها قرّاء المصار أ َف َ‬
‫بـمعنى أفظنّ‪ ,‬لجماع الـحجة من القرّاء علـيها‪.‬‬
‫ج َهنّـمَ للْكا ِفرِينَ ُن ُزلً يقول‪ :‬أعددنا لـمن كفر بـال جهنـم منزلً‪.‬‬
‫ع َتدْنا َ‬
‫وقوله‪ :‬إنّا أ ْ‬

‫‪104‬‬ ‫و‬ ‫‪103‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن َأ ّنهُ مْ‬
‫سبُو َ‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا وَهُ ْم َيحْ َ‬
‫س ْع ُيهُمْ فِي ا ْل َ‬
‫ل * اّلذِي نَ ضَلّ َ‬
‫عمَا ً‬
‫سرِينَ أَ ْ‬
‫ل هَلْ ُن َن ّب ُئكُم بِالخْ َ‬
‫{قُ ْ‬
‫صنْعا }‪.‬‬
‫حسِنُونَ ُ‬
‫ُي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُلْ يا مـحمد لهؤلء الذين يبغون‬
‫عنَت َك ويجادلونـك بــالبـاطل‪ ,‬ويحاورونـك بــالـمسائل مـن أهـل الكتابــين‪ :‬الــيهود‪,‬‬
‫َ‬
‫خسَرِينَ أعمالً يعنـي بـالذين أتعبوا أنفسهم فـي عمل‬
‫لْ‬‫ل ُن َن ّب ُئكُ مْ أيها القوم بـا َ‬
‫والنصارى هَ ْ‬
‫عطَب ـا وهل كا ول ـم يدركوا طلب ـا‪ ,‬كال ـمشتري سلعة‬
‫يبغون به رب حا وفضلً‪ ,‬فنالوا به َ‬
‫يرجو بها فضلً وربحا‪ ,‬فخاب رجاؤه‪ ,‬وخسر بـيعه‪ ,‬ووكس فـي الذي رجا فضله‪.‬‬
‫عنِـي به الرهبـانْ والقسوس‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ُ :‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17631‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمقبري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حيوة بن شريح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫السكن بن أبـي كريـمة‪ ,‬أن أمه أخبرته أنها سمعت أبـا خميصة عبد ال بن قـيس يقول‪:‬‬
‫خسَرِينَ أعمالً‪ :‬هم‬
‫لْ‬‫ل ُن َن ّب ُئكُ مْ ب ـا َ‬
‫سمعت عل ـيّ بن أب ـي طالب يقول ف ـي هذه الَ ية قُلْ هَ ْ‬
‫الرهبـان الذين حبسوا أنفسهم فـي الصوامع‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت حيوة يقول‪ :‬ثن ـي ال سكن بن أب ـي‬
‫ي بن أبـي طالب‬
‫كريـمة‪ ,‬عن أمه أخبرته أنها سمعت عبد ال بن قـيس يقول‪ :‬سمعت علـ ّ‬
‫يقول‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 17632‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫صنْعا‬
‫ن ُ‬
‫سنُو َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ ُيحْ ِ‬
‫سبُو َ‬
‫هلل بن يِساف‪ ,‬عن مصعب بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لبـي‪ :‬وَهُ مْ َيحْ َ‬
‫أهم الـحَرورية؟ قال‪ :‬هم أصحاب الصوامع‪.‬‬
‫‪ 17633‬ـ حدثنا فضالة بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬قال بزيع‪ :‬سأل رجل الضحاك عن هذه الَية قُلْ هَلْ‬
‫سرِينَ أعمالً قال‪ :‬هم القِسيسون والرهبـان‪.‬‬
‫لخْ َ‬
‫ُن َن ّبئُ ُكمْ بـا َ‬
‫‪ 17634‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن هلل بن يِساف‪ ,‬عن مصعب بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬قال سعد‪ :‬هم أصحاب الصوامع‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن ابن سعد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لسعد‪ :‬يا أبت هَلْ‬
‫سرِينَ أعمالً أهـم الــحَرورية‪ ,‬فقال‪ :‬ل‪ ,‬ولكنهـم أصـحاب الصـوامع‪ ,‬ولكـن‬
‫لخْ َ‬
‫ُمـ بــا َ‬
‫ُن َن ّبئُك ْ‬
‫الـحَرورية قوم زاغوا فأزاغ ال قلوبهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم جميع أهل الكتابـين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17635‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ُمـ‬
‫عمرو بـن مرة‪ ,‬عـن مصـعب بـن سـعد‪ ,‬قال‪ :‬سـألت أبــي عـن هذه الَيـة قُلْ َهلْ ُن َن ّب ُئك ْ‬
‫سعْ ُي ُهمْ ف ـي ال ـحَيا ِة ال ّدنْ ـيا أ هم ال ـحَرورية؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬هم‬
‫ن ضَلّ َ‬
‫سرِينَ أعمالً الّذي َ‬
‫لخْ َ‬
‫ب ـا َ‬
‫أهـل الكتاب‪ ,‬الــيهود والنصـارى‪ .‬أمـا الــيهود فكذبوا بــمـحمد‪ .‬وأمـا النصـارى فكفروا‬
‫ع ْهدَ اللّ هِ‬
‫بـالـجنة وقالوا‪ :‬لـيس فـيها طعام ول شراب‪ ,‬ولكن الـحَرورية الّذي نَ َينْ ُقضُو نَ َ‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ْسـدُونَ فــي الرض أُوَلئ َ‬
‫ُوصـلَ َويُف ِ‬
‫أنـ ي َ‬
‫ِهـ ْ‬
‫ّهـ ب ِ‬
‫ُونـ مـا أ َمرَ الل ُ‬
‫طع َ‬ ‫ِهـ ويَ َق ْ‬
‫ِنـ َبعْ ِد مِيثاق ِ‬
‫م ْ‬
‫ن فكان سعد يسميهم الفـاسقـين‪.‬‬
‫سرُو َ‬
‫الـخا ِ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن إبراهيـم بن‬
‫حرّة عـن مصـعب بـن سـعد بـن أبــي وقاص‪ ,‬عـن أبــيه‪ ,‬فــي قوله قُلْ هَلْ ُن َن ّب ُئكُم ْـ‬
‫أبــي ُ‬
‫ن أعمالً قال‪ :‬هم الـيهود والنصارى‪.‬‬
‫خسَرِي َ‬
‫لْ‬‫بـا َ‬
‫‪17636‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن أبـي حرب بن أبـي السود‬
‫سرِينَ أعمالً‬
‫لخْ َ‬
‫ل ُن َن ّبئُكُمْ بـا َ‬
‫عن زاذان‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬أنه سئل عن قوله‪ :‬قُلْ هَ ْ‬
‫قال‪ :‬هم كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم علـى حقّ‪ ,‬فأشركوا بربهم‪ ,‬وابتدعوا فـي دينهم‪ ,‬الذين‬
‫يجتهدون فـي البـاطل‪ ,‬ويحسبون أنهم علـى حقّ‪ ,‬ويجتهدون فـي الضللة‪ ,‬ويحسبون أنهم‬
‫علـى هدى‪ ,‬فضلّ سعيهم ف ـي الـحياة الدن ـيا‪ ,‬وهم يح سبون أنهم يح سنون صنعا ثم رف عِ‬
‫صوته‪ ,‬فقال‪ :‬وما أهل النار منهم ببعيد‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل هم الـخوارج‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17637‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬عن سفـيان بن سَلَـمة‪ ,‬عن سلـمة بن‬
‫ل هَلْ ُن َن ّب ُئكُ مْ‬
‫ُكهَي ـل‪ ,‬عن أب ـي الطف ـيـل‪ ,‬قال‪ :‬سأل ع بد ال بن الكوّاء عل ـيا عن قوله‪ :‬قُ ْ‬
‫ن أعمالً قال‪ :‬أنتـم يا أهل حَروراء‪.‬‬
‫خسَرِي َ‬
‫لْ‬‫بـا َ‬
‫حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أيوب‪ ,‬عن أبـي صخر‪ ,‬عن‬
‫أب ـي معاو ية البجل ـي‪ ,‬عن أب ـي ال صهبـاء البكر يّ‪ ,‬عن عل ـيّ بن أب ـي طالب‪ ,‬أن ا بن‬
‫ن أعمالً فقال علــيّ‪ :‬أنـت‬
‫سرِي َ‬
‫خَ‬‫ـ بــالَ ْ‬
‫الكوّاء سـأله‪ ,‬عـن قول ال عزّ وجلّ‪ :‬هَلْ ُن َن ّب ُئكُم ْ‬
‫وأصحابك‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن سلـمة بن‬
‫كهيـل‪ ,‬عن أبـي الطفـيـل‪ ,‬قال‪ :‬قام ابن الكوّاء إلـى علـيّ‪ ,‬فقال‪ :‬مَن الخسرين أعمالً‬
‫الذي ضلّ سعيهم فـي الـحياة الدنـيا‪ ,‬وهم يحسبون أنهم يحسبون صنعا‪ ,‬قال‪ :‬ويْـلَك أهلُ‬
‫حَروراء منهم‪.‬‬
‫عثْ مة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مو سى بن يعقوب بن‬
‫حدثنا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن خالد ا بن َ‬
‫ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو ال ـحويرث‪ ,‬عن نا فع بن جب ـير بن مط عم‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن الكوّاء‬
‫لعل ـيّ بن أبـي طالب‪ :‬ما الخ سرين أعمالً الذين ضلّ سعيهم فـي الـحياة الدن ـيا؟ قال‪:‬‬
‫أنت وأصحابك‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ل عنـى بقوله‪ :‬هَلْ ُن َن ّب ُئك ْ‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندنـا‪ ,‬أن يقال‪ :‬إن ال عزّ وج ّ‬
‫سرِينَ أعمالً كلّ عامل عملً يحسبه فـيه مصيبـا‪ ,‬وأنه ال بفعله ذلك مطيع مرض‪,‬‬
‫لخْ َ‬
‫بـا َ‬
‫وهو بفعله ذلك ال مسخط‪ ,‬وعن طريق أهل اليـمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم‬
‫من أهل الجتهاد فـي ضللتهم‪ ,‬وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بـال كفرة‪ ,‬من أهل أ يّ‬
‫دين كانوا‪.‬‬
‫و قد اختلف أ هل العرب ـية ف ـي و جه ن صب قوله أعمالً‪ ,‬فكان ب عض ن ـحويـي الب صرة‬
‫يقول‪ :‬ن صب ذلك ل نه ل ـما أدخ ـل اللف واللم والنون ف ـي الخ سرين ل ـم يو صل إل ـى‬
‫الضافـة‪ ,‬وكانـت العمال مـن الخسـرين فلذلك نصـب‪ .‬وقال غيره‪ :‬هذا بــاب الفعـل‬
‫سرَى‪ ,‬ول تدخـل فـيه الواو‪ ,‬ول يكون‬
‫وال ُفعْلَـى‪ ,‬مثل الفضل وال ُفضْلَـى‪ ,‬والخسر والـخُ ْ‬
‫ف ـيه مف سر‪ ,‬ل نه قد انف صل ب ـمن هو كقوله الف ضل وال ُفضْلَ ـى‪ ,‬وإذا جاء م عه مف سر كان‬
‫للوّل والَخر‪ ,‬وقال‪ :‬أل ترى أنك تقول‪ :‬مررت برجل حَ سَنٍ وجها‪ ,‬فـيكون الـحسن للرجل‬
‫والو جه‪ ,‬وكذلك كب ـير عقلً‪ ,‬و ما أشب هه قال‪ :‬وإن ـما جاز ف ـي الخ سرين‪ ,‬ل نه ردّه إل ـى‬
‫الفْعَل والَ َفعَلة‪ .‬قال‪ :‬وسمعت العرب تقول‪ :‬الوّلت دخولً‪ ,‬والَخرات خروجا‪ ,‬فصار للوّل‬
‫والثانـي كسائر البـاب قال‪ :‬وعلـى هذا يقاس‪.‬‬
‫س ْع ُيهُ ْم فـي الـحَياةِ ال ّدنْـيا يقول‪ :‬هم الذين لـم يكن عملهم الذي عملوه‬
‫ن ضَلّ َ‬
‫وقوله‪ :‬الّذيِ َ‬
‫ف ـي حيات هم الدن ـيا عل ـى هدى وا ستقامة‪ ,‬بل كان عل ـى جور وضللة‪ ,‬وذلك أن هم عملوا‬
‫صنْعا يقول‪ :‬وهم‬
‫ن ُ‬
‫سنُو َ‬
‫سبُونَ أ ّنهُ مْ يُح ِ‬
‫بغير ما أمرهم ال به بل علـى كفر منهم به‪ ,‬وهُ مْ يح َ‬
‫يظنون أنهم بفعلهم ذلك ل مطيعون‪ ,‬وفـيـما ندب عبـاده إلـيه م ـجتهدون‪ ,‬وهذا من أدلّ‬
‫الدلئل علـى خطأ قول من زعم أنه ل يكفر بـال أحد إل من حيث يقصد إلـى الكفر بعد‬
‫العل ـم بوحدان ـيته‪ ,‬وذلك أن ال تعال ـى ذكره أ خبر عن هؤلء الذ ين و صف صفتهم ف ـي‬
‫هذه الَية‪ ,‬أن سعيهم الذي سعوا فـي الدنـيا ذهب ضللً‪ ,‬وقد كانوا يحسبون أنهم مـحسنون‬
‫ف ـي صنعهم ذلك‪ ,‬وأ خبر عن هم أن هم هم الذ ين كفروا بآيات رب هم‪ .‬ولو كان القول ك ما قال‬
‫الذ ين زعموا أ نه ل يك فر ب ـال أ حد إل من ح يث يعل ـم‪ ,‬لو جب أن يكون هؤلء القوم ف ـي‬
‫عمل هم الذي أ خبر ال عن هم أن هم كانوا يح سبون ف ـيه أن هم يح سنون صنعه‪ ,‬كانوا مثاب ـين‬
‫مأجور ين علـيها‪ ,‬ول كن القول بخلف ما قالوا‪ ,‬فأ خبر جلّ ثناؤه عن هم أن هم ب ـال كفرة‪ ,‬وأن‬
‫صنْعا عملً‪ ,‬وال صنّع وال صنّعة وال صنـيع‬
‫سنُونَ ُ‬
‫أعمال هم حاب طة‪ .‬وزعن ـي بقوله‪ :‬أ ّنهُ ْم ُيحْ ِ‬
‫واحد‪ ,‬يقال‪ :‬فرس صنـيع بـمعنى مصنوع‪.‬‬

‫‪105‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمَاُلهُ مْ‬
‫ت أَ ْ‬
‫ح ِبطَ ْ‬
‫ت َربّهِ مْ وَلِقَا ِئ ِه فَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ{ :‬أوْلَـ ِئكَ اّلذِي نَ كَ َفرُو ْا بِآيَا ِ‬
‫فَلَ نُقِيمُ َل ُهمْ يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ َوزْنا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هؤلء الذ ين و صفنا صفتهم‪ ,‬الخ سرون أعمالً‪ ,‬الذ ين كفروا بحُ جج‬
‫ت أعمالهُ مْ يقول‪ :‬فبطلت أعمال هم‪ ,‬فل ـم ي كن ل ها ثواب ين فع‬
‫ح ِبطَ ْ‬
‫رب هم وأدل ته‪ ,‬وأنكروا لقاءه فَ َ‬
‫أصحابها فـي الَخرة‪ ,‬بل لهم منها عذاب وخِزي طويـل فَل نُقِـيـ ُم َلهُ مْ يَوْمَ القِـيامَةِ َوزْنا‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فل نـجعل لهم ثقلً‪ .‬وإنـما عنى بذلك‪ :‬أنهم ل تثقل بهم موازينهم‪ ,‬لن‬
‫الـموازين إنـما تثقل بـالعمال الصالـحة‪ ,‬ولـيس لهؤلء شيء من العمال الصالـحة‪,‬‬
‫فتثقل به موازينهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17638‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪,‬‬
‫عن شمر‪ ,‬عن أبـي يحيى عن كعب‪ ,‬قال‪ :‬يؤتـى يوم القـيامة برجل عظيـم طويـل‪ ,‬فل‬
‫يزن عند ال جناح بعوضة‪ ,‬اقرأوا‪ :‬فَل نُقِـيـمُ َل ُهمْ القـيامَةِ َوزْنا‪.‬‬
‫‪17639‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الصلت‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي الزناد‪ ,‬عن صالـح‬
‫لكُولِ‬
‫مولـى التوأمة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول صلى ال عليه وسلم‪« :‬يُ ْؤتَـى بـا َ‬
‫ن جَنا حَ َبعُوضَةٍ» ثم قرأ فَل نُقِ ـيـ ُم َلهُ مْ يَوْ مَ القِ ـيامَةِ‬
‫ن فَل يَزِ ُ‬
‫الشّرُوب الطّوِي ـلِ‪ ,‬فَ ـيُوزَ ُ‬
‫َوزْنا‬
‫‪106‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خذُوَ ْا آيَاتِي َورُ سُلِي‬
‫ج َهنّ مُ بِمَا كَ َفرُواْ وَا ّت َ‬
‫جزَآؤُهُ مْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬ذَلِ كَ َ‬
‫ُهزُوا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أولئك ثواب هم جهن ـم بكفر هم ب ـال‪ ,‬وات ـخاذهم آيات كتا به‪ ,‬وح جج‬
‫سخْريا‪ ,‬واستهزائهم برسله‪.‬‬
‫رسله ُ‬

‫‪108‬‬ ‫و‬ ‫‪107‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل َي ْبغُونَ‬
‫جنّاتُ الْ ِف ْردَوْسِ ُن ُزلً * خَاِلدِينَ فِيهَا َ‬
‫ت َلهُمْ َ‬
‫عمِلُو ْا الصّاِلحَاتِ كَانَ ْ‬
‫ن آ َمنُواْ َو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{ِإ ّ‬
‫ح َولً }‪.‬‬
‫ع ْنهَا ِ‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن الذين صدقوا بـال ورسوله‪ ,‬وأقرّوا بتوحيد ال وما أنزل من كتبه‬
‫وعملوا بطاعته‪ ,‬كانت لهم بساتـين الفردوس‪ ,‬والفردوس‪ :‬معظم الـجنة‪ ,‬كما قال أمية‪:‬‬
‫ت مَنازُِل ُهمْ إذْ ذاكَ ظا ِهرَ ًةفِـيها الفَراديسُ والفُومانُ وال َبصَلُ‬
‫كانَ ْ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى الفردوس فقال بعضهم‪ :‬عنى به أفضل الـجنة وأوسطها‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17640‬ـ حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـاس بن الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد بن‬
‫زريع‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬الفردوس‪ :‬رَبوة الـجنة وأوسطها وأفضلها‪.‬‬
‫‪ 17641‬ـ حدثنا أح مد بن سريج الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الهي ثم أبو ب شر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الفرج بن‬
‫فضالة‪ ,‬عن لقمان‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬سئل أبو أسامة عن الفردوس‪ ,‬فقال‪ :‬هي سرّة الـجنة‪.‬‬
‫‪ 17642‬ـ حدث نا أح مد بن أب ـي سريج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن عمرو الن صيبـي‪ ,‬عن أب ـي‬
‫علـيّ‪ ,‬عن كعب‪ ,‬قال‪ :‬لـيس فـي الـجنان جنة أعلـى من جنة الفردوس‪ ,‬وفـيها الَمرون‬
‫بـالـمعروف‪ ,‬والناهون عن الـمنكر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو البستان بـالرومية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17643‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل الرملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن كثـير‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬الفردوس‪ :‬بستان بـالرومية‪.‬‬
‫حدث نا العب ـاس بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬ا بن جر يج‪ :‬أخبرن ـي ع بد ال عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو البستان الذي فـيه العناب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17644‬ـ حدثنا عبـاس بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن يزيد‬
‫بن أب ـي زياد‪ ,‬عن ع بد ال بن ال ـحارث‪ ,‬عن ك عب‪ ,‬قال‪ :‬جنات الفردوس الت ـي ف ـيها‬
‫العناب‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك‪ ,‬ما تظاهرت به الخب ـار عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17645‬ـ حدثنا به أحمد بن أبـي سريج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا همام بن‬
‫يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن أسلـم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عن عبـادة بن الصامت‪ ,‬عن النبـيّ‬
‫جتَـينِ مَ سِيرَةُ عا مٍ وال ِف ْردَوْ سُ‬
‫ل َدرَ َ‬
‫جنّ ُة ِمئَةُ َد َرجَةٍ‪ ,‬ما بـينَ كُ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬الـ َ‬
‫ّهـ فــاسألُوهُ‬
‫ِنـ فَ ْوقِهـا‪ ,‬فإذَا سـأ ْلتُـمُ الل َ‬
‫ْسـ م ْ‬
‫أعْلهـا َد َرجَةً‪َ ,‬و ِمنْهـا النهَارُ الرْ َبعَةُ‪ ,‬وال ِفرْدَو ُ‬
‫ال ِف ْردَوْسَ»‪.‬‬
‫حدثنا موسى بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا همام بن يحيى‪ ,‬عن زيد بن‬
‫أسلـم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عن عُبـادة بن الصامت‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫جتَ ـينِ كمَا ب ـينَ ال سّما ِء والرْ ضِ‪ ,‬أعْل ها ال ِف ْردَوْ سُ‪,‬‬
‫ل دَ َر َ‬
‫جنّةُ ِم َئةُ َد َرجَةٍ ما ب ـينَ كُ ّ‬
‫«ال ـ َ‬
‫جنّةِ ال ْر َبعَةُ‪ ,‬فإذَا سأ ْلتُـمُ الّلهَ فـاسألُو ُه ال ِف ْردَوْسَ»‪.‬‬
‫و ِمنْها تُ َفجّر أنهَارُ الـ َ‬
‫‪ 17646‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو يحيى بن سلـيـمان‪ ,‬عن‬
‫هلل بن أسامة‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬أو أبـي سعيد الـخُدريّ‪ ,‬عن رسول‬
‫جنّةِ‬
‫سطُ ال ـ َ‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم أ نه قال‪« :‬إذَا سأ ْلتُـ ُم اللّ هَ ف ـاسألُو ُه ال ِف ْردَوْ سَ‪ ,‬فإنّ ها أوْ َ‬
‫جنّةِ»‪.‬‬
‫جرُ أنهارُ الـ َ‬
‫عرْشُ ال ّرحْمنِ تَبـا َركَ َوتَعالـى‪ ,‬و ِم ْنهُ تَ َف ّ‬
‫وأعْلَـى الـجَنّةِ‪َ ,‬وفَ ْوقَها َ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فلـيح‪ ,‬عن هلل‪ ,‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبـي عمرة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم مثله‪ ,‬إل أنه قال‪:‬‬
‫جرُ»‪.‬‬
‫جرُ أو َتتَ َف ّ‬
‫ل أيضا‪َ « :‬ومِنهُ تُ َف ّ‬
‫جنّةِ» وقا َ‬
‫« َوسَطُ الـ َ‬
‫‪ 17647‬ـ حدثن ـي عمار بن بكار الكل عي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد‬
‫العز يز بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد بن أ سلـم‪ ,‬عن عطاء بن ي سار‪ ,‬عن معاذ بن ج بل‪ ,‬أن‬
‫جتَـينِ كمَا‬
‫ن كُلّ َد َر َ‬
‫جنّةِ ِمئَ َة َد َرجَةٍ‪ ,‬ما بـي َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬إنّ فِـي الـ َ‬
‫عرْ شُ ال ّرحْم نِ‪ ,‬و ِمنْها‬
‫سطُها‪ ,‬وفَ ْوقُها َ‬
‫ن ال سّماءِ والرْ ضِ‪ ,‬وال ِف ْردَوْ سُ أعْلَـى الـجنّةِ وأوْ َ‬
‫ب ـي َ‬
‫جنّةِ‪ ,‬فإذَا سألْتُـمُ ال َفسَلُو ُه ال ِف ْردَوْسَ»‪.‬‬
‫تَ َفجّر أنهَارُ الـ َ‬
‫‪17648‬ــ حدث نا أح مد بن من صور‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال صمد بن ع بد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫جنّا تُ ال ِف ْردَوْ سِ‬
‫الـحارث بن عمير‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬‬
‫ِنـ ِفضّةٍ‬
‫َتانـ م ْ‬
‫ِنـ شَيْءٍ‪ ,‬وَا ْثن ِ‬
‫َبـ حِلْــيَ ُتهُما وآنِــَي ُتهُما‪ ,‬وَمـا فِــيهِما م ْ‬
‫ِنـ ذَه ٍ‬
‫َتانـ م ْ‬
‫أ ْربَعَةٌ‪ ,‬ا ْثن ِ‬
‫ن شَيْءٍ»‪.‬‬
‫حِلْـيَ ُتهُما وآنِـ َي ُتهُما‪ ,‬وَما فِـيهِما مِ ْ‬
‫‪17649‬ـ حدثنا أحمد بن أبـي سريج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو قدامة‪ ,‬عن أبـي‬
‫عمران ال ـجونـي‪ ,‬عن أب ـي ب كر بن ع بد ال بن ق ـيس‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال‬
‫جنّاتُـ ال ِف ْردَوْسِـ أ ْربَعـٌ‪ِ :‬ثنْتانِـ مِن ْـ ذَهَبٍـ حِلْــيَتهُما وآنِــَي ُتهُما وَمـا‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم‪َ « :‬‬
‫ن مِنْ ِفضّ ٍة حِلْـ َي ُتهُما وآنِـ َي ُتهُما وَما فِـيهِما»‪.‬‬
‫فِـيهِما‪َ ,‬و ِثنْتا ِ‬
‫‪ 17650‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن ح فص‪ ,‬عن ش مر‪ ,‬قال‪ :‬خ ـلق ال ج نة‬
‫ل يوم خميـس‪ ,‬فــيقول‪ :‬ازدادي طيبــا لولــيائي‪,‬‬
‫الفردوس بــيده‪ ,‬فهـو يفتــحها فــي ك ّ‬
‫ازدادي حسنا لولـيائي‪.‬‬
‫حدث نا ا بن البرق ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي مري ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا م ـحمد بن جع فر وا بن‬
‫الدراورد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد بن أ سلـم‪ ,‬عن عطاء بن ي سار‪ ,‬عن معاذ بن ج بل‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن ال سّماءِ‬
‫ل َد َرجَةٍ ِمنْ ها كَمَا ب ـي َ‬
‫جنّةِ ِم َئةَ َد َرجَةٍ‪ ,‬كُ ّ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إ نّ للْ ـ َ‬
‫والرْضِ‪ ,‬أعْلَـى َدرَجَ ًة ِمنْها ال ِف ْردَوْسُ»‪.‬‬
‫‪ 17651‬ـ حدثنـي أحمد بن يحيى الصوفـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الفرج الطائ يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ج ْندَب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمُرة بن ُ‬
‫الولـيد بن مسلـم‪ ,‬عن سعيد بن بشير‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬عن َ‬
‫حسَنُها»‪.‬‬
‫جنّةِ‪ِ ,‬هيَ أ ْوسَطُها وأ ْ‬
‫س مِنْ َربْ َوةِ الـ َ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال ِف ْردَوْ ُ‬
‫حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن أبــي عديـّ‪ ,‬قال‪ :‬أنبأنـا إسـماعيـل بـن مسـلـم‪ ,‬عـن‬
‫ن ال ِف ْردَوْ سَ‬
‫الـحسن‪ ,‬عن سمرة بن جندب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا رسول ال صلى ال عليه و سلم‪« :‬أ ّ‬
‫سنُها وأ ْر َفعُها»‪.‬‬
‫حَ‬‫جنّةِ وأ ْ‬
‫ِهيَ أعْلَـى الـ َ‬
‫‪ 17652‬ـ حدثنـي مـحمد بن مرزوق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح بن عبـادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬عن أنس بن مالك أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال للربـيع ابنة النضر‪« :‬يا أُ مّ‬
‫ن ا ْبنَ كِ أ صَابَ ال ِف ْردَوْ سَ العْلَـى»‪ .‬والفردوس‪ :‬ربوة الـجنة وأوسطها‬
‫حارثَةَ‪ ,‬إنّها جِنا نٌ‪ ,‬وإ ّ‬
‫وأفضلها‪.‬‬
‫وقوله‪ُ :‬ن ُزلً يقول‪ :‬منازل وم ساكن‪ ,‬وال ـمنزل‪ :‬من النزول‪ ,‬و هو من نزول ب عض الناس‬
‫علـى بعض‪ .‬وأما ال ّنزْل‪ :‬فهو ال ّريْع‪ ,‬يقال‪ :‬ما لطعامكم هذا َنزْل‪ ,‬يراد به ال ّريْع‪ ,‬وما وجدنا‬
‫عندكم نزلً‪ :‬أي نزولً‪.‬‬
‫عنْهـا حِ َولً يقول‪ :‬ل يريدون عنهـا‬
‫ُونـ َ‬
‫ِينـ يقول‪ :‬لبثــين فــيها أبدا ل َي ْبغ َ‬
‫وقوله‪ :‬خاِلد َ‬
‫صغَرا‪ ,‬وعاج‬
‫ت ـح ّولً‪ ,‬و هو م صدر ت ـحوّلت‪ ,‬أخرج إل ـى أ صله‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬صغُر ي صغُر ِ‬
‫عوَجا‪.‬‬
‫يعوج ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17653‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل قال‪ :‬متـح ّولً‪.‬‬
‫عنْها حِ َو ً‬
‫مـجاهد ل َي ْبغُونَ َ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 17654‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت مخـلد بن الـحسين يقول‪ :‬وسئل‬
‫عنها‪ ,‬قال‪ :‬سمعت بعض أصحاب أنس يقول‪ :‬قال‪« :‬يقول أوّلهم دخولً إنـما أدخـلنـي ال‬
‫أوّلهم‪ ,‬لنه لـيس أحد أفضل منـي‪ ,‬ويقول آخرهم دخولً‪ :‬إنـما أخرنـي ال‪ ,‬لنه لـيس‬
‫أحد أعطاه ال مثل الذي أعطانـي»‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرُ َقبْلَ أَن‬
‫ت رَبّي َلنَ ِفدَ ا ْل َب ْ‬
‫حرُ ِمدَادا ّلكَِلمَا ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قُل لّ ْو كَا نَ ا ْل َب ْ‬
‫ج ْئنَا ِب ِمثْلِ ِه َمدَدا }‪.‬‬
‫تَن َفدَ كَِلمَاتُ َربّي وََلوْ ِ‬
‫حرُ ِمدَادا‬
‫ل يا م ـحمد‪ :‬لَ ْو كا نَ ال َب ْ‬
‫يقول عز ذُكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قُ ْ‬
‫جئْنَا‬
‫ت َربّ ـي وََلوْ ِ‬
‫ن َتنْ َفدَ كَلِ ـما ُ‬
‫لأ ْ‬
‫لِلقل ـم الذي يُك تب به كَلِ ـماتِ َربّ ـي َلنَ ِفدَ ماء ال َبحْ ُر قَبْ َ‬
‫بِ ـ ِمثْلِهِ مددا يقول‪ :‬ولو مددنا الب حر ب ـمثل ما ف ـيه من ال ـماء مددا‪ ,‬من قول القائل‪ :‬جئتك‬
‫مددا لك‪ ,‬وذلك من مع نى الزيادة‪ .‬و قد ذُ كر عن بعض هم‪ :‬ولو جئ نا ب ـمثله مددا‪ ,‬كأن قارىء‬
‫ذلك كذلك أراد‪ :‬لنفد البحر قبل أن تنفد كلـمات ربـي‪ ,‬ولو زدنا بـمثل ما فـيه من الـمداد‬
‫الذي يكتب به مدادا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17655‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثن ـي ال ـحارث قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪,‬‬
‫حرُ ِمدَادا لكلـمات ربـي للقلـم‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ال َب ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حرُ ِمدَادا‬
‫‪ 17656‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬لوْ كا نَ ال َب ْ‬
‫ت َربّـي يقول‪ :‬إذا لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلـمات ال وحكمه‪.‬‬
‫لكَلِـما ِ‬

‫‪110‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدٌ‬
‫حىَ إِلَ يّ َأ ّنمَآ إِلَـ ُه ُكمْ إِلَـهٌ وَا ِ‬
‫شرٌ ّمثُْلكُ مْ يُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُلْ ِإ ّنمَآ َأ َناْ َب َ‬
‫حدَا }‪.‬‬
‫ش ِركْ ِب ِعبَادَ ِة َربّ ِه َأ َ‬
‫عمَلً صَالِحا َولَ ُي ْ‬
‫ن َيرْجُو لِقَآ َء َربّهِ فَ ْل َي ْعمَلْ َ‬
‫َفمَن كَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قل لهؤلء الـمشركين يا مـحمد‪ :‬إنـما أنا بشر مثلكم من بنـي آدم‬
‫ل علـم لـي إل ما علـمنـي ال وإن ال يوحي إلـيّ أن معبودكم الذي يجب علـيكم أن‬
‫ن كا نَ َيرْجُو لِقا َء َربّ هِ‬
‫تعبدوه ول تشركوا به شيئا‪ ,‬معبود وا حد ل ثان ـي له‪ ,‬ول شر يك َفمَ ْ‬
‫يقول‪ :‬فمـن يخاف ربـه يوم لقائه‪ ,‬ويراقبـه علــى معاصـيه‪ ,‬ويرجوا ثوابـه علــى طاعتـه‬
‫ل صـَالِـحا يقول‪ :‬فلــيخـلص له العبــادة‪ ,‬ولــيفرد له الربوبــية‪ .‬وبنــحو‬
‫عمَ ً‬
‫فَلْــَي ْعمَلْ َ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17657‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن الرب ـيع بن‬
‫ن كانَ َي ْرجُو لِقا َء رَبّ ِه قال‪ :‬ثواب ربه‪.‬‬
‫أبـي راشد‪ ,‬عن سعيد بن جبـير َفمَ ْ‬
‫شرِ كْ ِبعِبـادَ ِة َربّ هِ أحَدا يقول‪ :‬ول يجعل له شريكا فـي عبـادته إياه‪ ,‬وإنـما‬
‫وقوله‪ :‬وَل ُي ْ‬
‫يكون جاعلً له شريكـا بعبــادته إذا راءى بعمله الذي ظاهره أنـه ل وهـو مريـد بـه غيره‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17658‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عبـيد‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫ش ِركْ ِبعِبـادَ ِة رَبّ ِه أحَدا‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس وَل ُي ْ‬
‫شرِ كْ ِبعِبـادَةِ‬
‫‪ 17659‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان وَل ُي ْ‬
‫َربّهِ أحَدا قال‪ :‬ل يرائي‪.‬‬
‫‪ 17660‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ع بد‬
‫ب ال ـجهاد‬
‫الكري ـم ال ـجزري‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬قال‪ :‬جاء ر جل‪ ,‬فقال‪ :‬يا نب ـيّ ال إن ـي أح ّ‬
‫ن كا نَ‬
‫ب أن يرى موطنـي ويرى مكانـي‪ ,‬فأنزل ال عزّ وجل‪َ :‬فمَ ْ‬
‫فـي سبـيـل ال‪ ,‬وأح ّ‬
‫ل صَالِـحا وَل ُيشْ ِركْ ِبعِبـادَ ِة َربّ ِه أحَدا‪.‬‬
‫عمَ ً‬
‫َيرْجُو لِقا َء َربّه فَلْـ َي ْعمَلْ َ‬
‫‪17661‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد ومسلـم بن خالد الزنـجي عن صدقة بن يسار‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلـى النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر نـحوه‪ ,‬وزاد فـيه‪ :‬وإنـي أعمل العمل وأتصدّق وأح بّ أن يراه الناس‬
‫وسائر الـحديث نـحوه‪.‬‬
‫‪17662‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ,‬عن العمش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا حمزة أ بو عمارة مول ـى بن ـي ها شم‪ ,‬عن ش هر بن حو شب‪ ,‬قال‪ :‬جاء ر جل إل ـى‬
‫عُبـادة بن الصامت‪ ,‬فسأله فقال‪ :‬أنبئنـي عما أسألك عنه‪ ,‬أرأيت رجلً يصلـي يبتغي وجه‬
‫حمَد‪ ,‬فقال عبـادة‪ :‬لـيس له شيء‪,‬‬
‫حمَد ويصوم ويبتغي وجه ال ويح بّ أن ُي ْ‬
‫ب أن ُي ْ‬
‫ال ويح ّ‬
‫إن ال عزّ وجلّ يقول‪ :‬أ نا خ ير شر يك‪ ,‬ف من كان له م عي شر يك ف هو له كله‪ ,‬ل حا جة ل ـي‬
‫فـيه‪.‬‬
‫‪ 17663‬ـ حدثنا أبو عامر إسماعيـل بن عمرو ال سّكونـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن عمار‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا ابن عياش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قـيس الكندي‪ ,‬أنه سمع معاوية بن أبـي سفـيان تل‬
‫شرِ كْ ِبعِب ـادَةِ َربّ هِ أحَدا‬
‫عمَلً صَالِـحا وَل ُي ْ‬
‫ن كا نَ َيرْجُو لِقا َء رَب ِه فَلْ ـ َي ْعمَلْ َ‬
‫هذه الَ ية‪َ :‬فمَ ْ‬
‫وقال‪ :‬إنها آخر آية أنزلت من القرآن‪.‬‬

‫سورة مريم‬
‫سورة مريـم مكية‬
‫وآياتها ثمان وتسعون‬
‫بِسمِ الّلهِ الرحمَن ال ّرحِيـمِ‬
‫‪1‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬كَهيعَصَ }‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى ذكره‪ :‬كاف من كهي عص فقال بعض هم‪:‬‬
‫تأوي ـل ذلك أن ها حرف من ا سمه الذي هو كب ـير‪ ,‬دلّ به عل ـيه‪ ,‬وا ستغنى بذكره عن ذ كر‬
‫بـاقـي السم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17664‬ـ حدثن ـي أ بو ح صين ع بد ال بن أح مد بن يو نس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ثر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ح صين‪ ,‬عن إ سماعيـل بن را شد‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس ف ـي هذه الَ ية‬
‫كهيعص قال‪ :‬كبـير‪ ,‬يعنـي بـالكبـير‪ :‬الكاف من كهيعص‪.‬‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا أبو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن را شد‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬كان يقول كهيعص قال‪ :‬كاف‪ :‬كبـير‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن إدريس‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير فـي كهيعص قال‪ :‬كاف‪ :‬كبـير‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الر حم بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ح صين‪ ,‬عن‬
‫إسماعيـل‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الكاف من ذلك حرف من حروف اسمه الذي هو كاف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17665‬ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شريك‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد‪,‬‬
‫فـي قوله كهيعص قال‪ :‬كاف‪ :‬كافٍ‪.‬‬
‫‪17666‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو روق‪ ,‬عن الضحاك بن‬
‫مزاحم فـي قوله‪ :‬كهيعص قال‪ :‬كاف‪ :‬كافٍ‪.‬‬
‫‪17667‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام عن عنبسة‪ ,‬عن الكلبـي مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو كريـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17668‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‬
‫كهيعص قال‪ :‬كاف من كريـم‪.‬‬
‫وقال الذ ين ف سروا ذلك هذا التف سير الهاء من كهي عص‪ :‬حرف من حروف ا سمه الذي هو‬
‫هاد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17669‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو حصين‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان يقول فـي الهاء من كهيعص‪ :‬هاد‪.‬‬
‫حدث نا أ بو ح صين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ثر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح صين‪ ,‬عن إ سماعيـل بن را شد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن حُصَين‪ ,‬عن إسماعيـل‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي يحيى بن طلـحة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬ها‪:‬‬
‫هاد‪.‬‬
‫‪17670‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو روق‪ ,‬عن الضحاك بن‬
‫مزاحم‪ ,‬فـي قوله كهيعص قال‪ :‬ها‪ :‬هاد‪.‬‬
‫‪17671‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عنبسة‪ ,‬عن الكلبـيّ‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫واختلفوا فـي تأويـل الـياء من ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو حرف من حروف اسمه الذي هو‬
‫يـمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17672‬ـ حدثن ـي أ بو ح صين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ثر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح صين‪ ,‬عن إ سماعيـل بن‬
‫راشد‪ ,‬عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪« :‬يا» من كهيعص ياء يـمين‪.‬‬
‫حدثنا أبو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن را شد‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حُصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير مثله‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن حُصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير ياء‪ :‬يـمين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17673‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‬
‫كهيعص قال‪ :‬يا‪ :‬من حكيـم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي حرف من قول القائل‪ :‬يا من يجير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17674‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن الضريس‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الربـيع بن أنس فـي قوله كهيعص قال‪ :‬يا من يجير ول يجار علـيه‪.‬‬
‫واختلف متأوّلو ذلك كذلك فــي معنـى العيـن‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬هـي حرف مـن حروف اسـمه‬
‫الذي هو عالـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17675‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد كهيعص قال‪:‬‬
‫عين من عالـم‪.‬‬
‫‪17676‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن الكلبـي‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17677‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن‬
‫راشد‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17678‬ـ حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ,‬عن العلء بن الـمسيب بن رافع‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬فـي قوله كهيعص قال‪ :‬عين‪ :‬من عالـم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17679‬ـ حدثن ـي أ بو ح صين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ثر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح صين‪ ,‬عن إ سماعيـل بن‬
‫راشد‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس كهيعص عين‪ :‬عزيز‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي يح يى بن طل ـحة ال ـيربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ ,‬فـي قوله كهيعص قال‪ :‬عين عزيز‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17680‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو روق‪ ,‬عن الضحاك بن‬
‫مزاحم‪ ,‬فـي قوله كهيعص قال‪ :‬عين‪ :‬عدل‪.‬‬
‫وقال الذيـن تأوّلوا ذلك هذا التأويــل‪ :‬الصـاد مـن قوله كهيعـص‪ :‬حرف مـن حروف اسـمه‬
‫الذي هو صادق‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 17681‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن‬
‫راشد‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان يقول فـي كهيعص صاد‪ :‬صادق‪.‬‬
‫حدثنـي أبو حصين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير مثله‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن إسماعيـل بن راشد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17682‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو روق‪ ,‬عن الضحاك بن‬
‫مزاحم‪ ,‬قال‪ :‬صاد‪ :‬صادق‪.‬‬
‫حدثنـي يحيى بن طلـحة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬صادق‪ ,‬يعنـي‬
‫الصاد من كهيعص‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد كهي عص قال‪ :‬صاد‬
‫صادق‪.‬‬
‫‪17683‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عنبسة‪ ,‬عن الكلبـي‪ ,‬قال‪ :‬صادق‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذه الكلـمة كلها اسم من أسماء ال تعالـى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17684‬ـ حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سالـم بن قتـيبة‪ ,‬عن أبـي بكر‬
‫ال ُهذَل ـيّ‪ ,‬عن عات كة‪ ,‬عن ف ـاطمة اب نة عل ـيّ قالت‪ :‬كان عل ـيّ يقول‪ :‬يا كهي عص‪ :‬اغ فر‬
‫لـي‪.‬‬
‫‪ 17685‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬كهيعص قال‪ :‬فإنه قسم أقسم ال به‪ ,‬وهو من أسماء ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كلّ حرف من ذلك اسم من أسماء ال عزّ وجلّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17686‬ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬عن عبد‬
‫العزيز بن مسلـم القسملـي‪ ,‬عن الربـيع بن أنس‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬قال‪ :‬كهيعص لـيس‬
‫منها حرف إل وهو اسم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هذه الكلـمة اسم من أسماء القرآن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17687‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‬
‫فـي قوله كهيعص قال‪ :‬اسم من أسماء القرآن‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقول فـي ذلك عندنا نظير القول فـي الـم وسائر فواتـح سور القرآن‬
‫الت ـي افتت ـحت أوائل ها بحروف ال ـمعجم‪ ,‬و قد ذكر نا ذلك ف ـيـما م ضى ق بل‪ ,‬فأغ نى عن‬
‫إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْبدَهُ َز َك ِريّآ * ِإذْ نَا َدىَ َربّ ُه ِندَآءً خَ ِفيّا *‬
‫حمَةِ َربّكَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ { :‬ذ ْكرُ َر ْ‬
‫ب شَ ِقيّا }‪.‬‬
‫شيْبا وََلمْ َأ ُكنْ ِبدُعَآ ِئكَ رَ ّ‬
‫ش َتعَلَ الرّأْسُ َ‬
‫ن ا ْل َعظْمُ ِمنّي وَا ْ‬
‫قَالَ رَبّ ِإنّي وَهَ َ‬
‫اختلف أهل العربـية فـي الرافع للذكر‪ ,‬والناصب للعبد‪ ,‬فقال بعض نـحويـي البصرة‬
‫نقصـ علــيك ذكـر رحمـة ربـك عبده‪ ,‬وانتصـب العبـد‬
‫ّ‬ ‫فــي معنـى ذلك كأنـه قال‪ :‬مــما‬
‫ب ـالرحمة ك ما تقول‪ :‬ذ كر ضرب ز يد عمرا‪ .‬وقال ب عض ن ـحويـي الكو فة‪ :‬رف عت الذ كر‬
‫بكهي عص‪ ,‬وإن شئت أضمرت هذا ذ كر رح مة ر بك‪ ,‬قال‪ :‬وال ـمعنى ذ كر ر بك عبده برحم ته‬
‫تقديـم وتأخير‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقول الذي هو الصواب عندي فـي ذلك أن يقال‪ :‬الذكر مرفوع بـمضمر‬
‫م ـحذوف‪ ,‬و هو هذا ك ما ف عل ذلك ف ـي غير ها من ال سور‪ ,‬وذلك كقول ال‪َ :‬برَاءَ ٌة مِ نَ الّل هِ‬
‫َورَسـُوِل ِه وكقوله‪ :‬سـُورَةٌ أ ْنزَلْناهـا ونــحو ذلك‪ .‬والعبـد منصـوب بــالرحمة‪ ,‬وزكريـا فــي‬
‫موضع نصب‪ ,‬لنه بـيان عن العبد‪ ,‬فتأويـل الكلم‪ :‬هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إ ْذ نادَى َربّ هُ ِندَا ًء خَفِ ـيّا يقول ح ين د عا ر به‪ ,‬و سأله بنداء خف ـيّ‪ ,‬يعن ـي‪ :‬و هو‬
‫مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل كراهته منه للرياء‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17688‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إذْ نادَى َربّ هُ ِندَاءً‬
‫خَفِـيّا أي سرّا‪ ,‬وإن ال يعلـم القلب النقـيّ‪ ,‬ويسمع الصوت الـخفـيّ‪.‬‬
‫‪ 17689‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪ :‬إذْ‬
‫نادَى َربّ ُه ِندَاءً خَفِـيّا قال‪ :‬ل يريد رياء‪.‬‬
‫‪ 17690‬ـ حدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫ب إنّـي وَ َه نَ‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬رغب زكريا فـي الولد‪ ,‬فقام فصلـى‪ ,‬ثم دعا ربه سرّا‪ ,‬فقال‪ :‬رَ ّ‬
‫ضيّا‪.‬‬
‫جعَ ْلهُ رَبّ َر ِ‬
‫ال َعظْمُ ِمنّـي‪ ...‬إلـى وَا ْ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ رَ بّ إنّ ـي وَهَ نَ ال َعظْ مُ ِمنّ ـي يقول تعال ـى ذكره‪ ,‬فكان نداؤه ال ـخفـيّ الذي‬
‫ن ضعف ورقّ من الكبر‪,‬‬
‫ن ال َعظْمُ ِمنّـي يعنـي بقوله وَهَ َ‬
‫نادى به ربه أن قال‪ :‬رَبّ إنّـي وَهَ َ‬
‫كما‪:‬‬
‫ن العَظْمُ‬
‫‪17691‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قالَ رَبّ إنّـي وَهَ َ‬
‫ِمنّـي أي ضعف العظم منـي‪.‬‬
‫‪ 17692‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن ابن‬
‫ن ال َعظْ ُم ِمنّ ـي قال‪ :‬نَ ـحَل الع ظم‪ .‬قال ع بد‬
‫أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَهَ َ‬
‫الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬الثوريّ‪ :‬وبلغنـي أن زكريا كان ابن سبعين سنة‪.‬‬
‫شيْب‪ ,‬فقال بعض نـحويّـي البصرة‪:‬‬
‫وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه النصب فـي ال ّ‬
‫شيْب ـا‬
‫ن صب عل ـى ال ـمصدر من مع نى الكلم‪ ,‬كأ نه ح ين قال‪ :‬اشت عل‪ ,‬قال‪ :‬شاب‪ ,‬فقال‪َ :‬‬
‫علـى الـمصدر‪ .‬قال‪ :‬ولـيس هو فـي معنى‪ :‬تفقأت شحما وامتلت ماء‪ ,‬لن ذلك لـيس‬
‫بـمصدر‪ .‬وقال غيره‪ :‬نصب الشيب علـى التفسير‪ ,‬لنه يقال‪ :‬اشتعل شي بُ رأسي‪ ,‬واشتعل‬
‫رأسي شيبـا‪ ,‬كما يقال‪ :‬تفقّأت شحما‪ ,‬وتفقّأ شحمي‪.‬‬
‫ن ِبدُعائِ كَ رَ بّ شَقِـيّا يقول‪ :‬ولـم أشق يا ر بّ بدعائك‪ ,‬لنك لـم تـخيب‬
‫وقوله‪ :‬ولَـمْ أكُ ْ‬
‫دعائي قبل إذ كنت أدعوك فـي حاجتـي إلـيك‪ ,‬بل كنت تـجيب وتقضي حاجتـي قبلك‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 17693‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬ولَـمْ‬
‫ن بدُعا ِئكَ رَبّ شَقِـيّا يقول‪ :‬قد كنت تعرّفنـي الجابة فـيـما مضى‪.‬‬
‫أكُ ْ‬

‫‪6‬‬ ‫و‬ ‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت ا ْمرَأَتِي عَاقِرا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَإِنّي خِ ْف تُ ا ْل َموَالِ يَ مِن َورَآئِي َوكَانَ ِ‬
‫ضيّا }‪.‬‬
‫ب رَ ِ‬
‫جعَلْهُ رَ ّ‬
‫ب وَا ْ‬
‫ل َيعْقُو َ‬
‫َفهَبْ لِي مِن ّل ُد ْنكَ وَِليّا * َي ِر ُثنِي َو َيرِثُ مِنْ آ ِ‬
‫يقول‪ :‬وإن ـي خ فت بن ـي ع مي وع صبتـي من ورائي‪ .‬يقول‪ :‬من بعدي أن يرثون ـي‪,‬‬
‫وق ـيـل‪ :‬ع نى بقوله مِ نْ َورَائي من قدّامي ومن ب ـين يد يّ وقد ب ـيّنت جواز ذلك فـيـما‬
‫مضى قبل‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17694‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ـ َورَائي يعنــي‬
‫ي مِن ْ‬
‫ـ الــمَوَالِـ َ‬
‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬وإنّــي خِفْت ُ‬
‫بـالـموالـي‪ :‬الكَللة الولـياء أن يرثوه‪ ,‬فوهب ال له يحيى‪.‬‬
‫‪ 17695‬ـ حدثنا يحيى بن داود الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن أبـي‬
‫ي مِنْ َورَائي قال‪ :‬العصبة‪.‬‬
‫ت الـمَوَالِـ َ‬
‫صالـح فـي قوله‪ :‬وإنّـي خِفْ ُ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن أبـي صالـح فـي قوله‬
‫ت الـمَوَالِـيَ مِنْ َورَائي قال‪ :‬خاف موالـيَ الكللة‪.‬‬
‫وإنّـي خِفْ ُ‬
‫حدث نا م ـجاهد بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل بن أب ـي خالد‪ ,‬عن‬
‫أبـي صالـح بنـحوه‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل بن أب ـي خالد‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ت الـمَوَالِـيَ مِنْ َورَائي قال‪ :‬يعنـي الكللة‪.‬‬
‫صالـح وإنّـي خِفْ ُ‬
‫‪ 17696‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ت الـمَوَالِـيَ مِنْ َورَائي قال‪ :‬ال َعصَبة‪.‬‬
‫مـجاهد فـي قول ال‪ :‬خِفْ ُ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17697‬ـ حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ت الـمَوَالِـيَ مِنْ َورَائي قال‪ :‬العصبة‪.‬‬
‫وإنّـي خِفْ ُ‬
‫‪ 17698‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وإنّـي خِفْ تُ‬
‫الـمَوَالِـيَ مِ نْ َورَائي والـموالـي‪ :‬ه نّ العصبة‪ ,‬والـموالـي‪ :‬جمع مولـى‪ ,‬والـمولـى‬
‫والولـيّ فـي كلم العرب واحد‪.‬‬
‫وقرأت قراء المصار‪ :‬وإنّـي خِفْتُ الـمَوَالِـيَ بـمعنى‪ :‬الـخوف الذي هو خلف المن‪.‬‬
‫ت ال ـمَوَالـيَ» بتشد يد الف ـاء وفت ـح‬
‫وروي عن عثمان بن عف ـان أ نه قرأه‪« :‬وإنّ ـي خَ ّف ِ‬
‫ال ـخاء من ال ـخفة‪ ,‬كأ نه و جه تأوي ـل الكلم‪ :‬وإن ـي ذه بت ع صبتـي و من يرثن ـي من‬
‫بن ـي أعما مي‪ .‬وإذا قرىء ذلك كذلك كا نت ال ـياء من ال ـموالـي م سكنة غ ير مت ـحركة‪,‬‬
‫لنها تكون فـي موضع رفع بخفّتْ‪.‬‬
‫َتـ امْرأتــي عاقِرا يقول‪ :‬وكانـت زوجتــي ل تلد‪ ,‬يقال منـه‪ :‬رجـل عاقـر‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وكان ِ‬
‫وامرأة عاقر بلفظ واحد‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ضرِ‬
‫ع ْذرِي َلدَى كُلّ مَـحْ َ‬
‫ع َورَ عاقِراجَبـانا َفمَا ُ‬
‫ن ُكنْتُ أ ْ‬
‫س الفَتـى أ ْ‬
‫َل ِبئْ َ‬
‫وقوله‪َ :‬فهَبْ لـي ِمنْ َل ُد ْنكَ وَلِـيّا يقول‪ :‬فـارزقنـي من عندك ولدا وارثا ومعينا)‪.‬‬
‫ب يقول‪ :‬يرثنـي من بعد وفـاتـي مالـي‪ ,‬ويرث من‬
‫وقوله‪َ :‬ي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آلِ َيعْقُو َ‬
‫آل يعقوب النبوّة‪ ,‬وذلك أن زكر يا كان من ولد يعقوب‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17699‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن أبـي صالـح‪,‬‬
‫قوله َي ِرثُنِـي َو َيرِثُ ِمنْ آلِ َيعْقُوبَ يقول‪ :‬يرث مالـي‪ ,‬ويرث من آل يعقوب النبوّة‪.‬‬
‫حدث نا م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل‪ ,‬عن أب ـي صالـح ف ـي قوله‬
‫ل َيعْقُوبَ قال‪ :‬يرث مالـي‪ ,‬ويرث من آل يعقوب النبوّة‪.‬‬
‫َيرِ ُثنِـي َو َيرِثُ ِمنْ آ ِ‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل بن أب ـي خالد‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ب قال‪ :‬يرثنـي مالـي‪ ,‬ويرث من آل يعقوب‬
‫ل َيعْقُو َ‬
‫صالـح‪ ,‬فـي قوله َي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آ ِ‬
‫النبوّة‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل بن أب ـي خالد‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ب قال‪ :‬يكون نبـيا كما كانت أبـاؤه أنبـياء‪.‬‬
‫ل َيعْقُو َ‬
‫صالـح‪ ,‬فـي قوله َي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آ ِ‬
‫‪ 17700‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل َيعْقُو بَ قال‪ :‬وكان وارث ته عل ـما‪ ,‬وكان زكر يا من ذرّ ية‬
‫م ـجاهد َيرِ ُثنِ ـي َو َيرِ ثُ ِم نْ آ ِ‬
‫يعقوب‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان وارثته علـما‪ ,‬وكان زكريا من ذرية يعقوب‪.‬‬
‫‪ 17701‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ب قال‪ :‬نبوّته وعلـمه‪.‬‬
‫عن الـحسن‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آلِ َيعْقُو َ‬
‫‪ 17702‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬عن مبـارك‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬رحِ مَ الّل ُه أخِي َز َك ِريّا‪ ,‬ما كا نَ عَلَـيْهِ ِم نْ َو َرثَ ِة مالِ ِه حِي نَ‬
‫ل َيعْقُوبَ»‪.‬‬
‫ن َل ُد ْنكَ وَلِـيّا‪َ ,‬ي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آ ِ‬
‫ل َفهَبْ لـي مِ ْ‬
‫يَقُو ُ‬
‫‪ 17703‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِ نْ‬
‫ل َيعْقُو بَ قال‪ :‬كان ال ـحسن يقول‪ :‬يرث نبوّ ته وعل ـمه‪ .‬قال قتادة‪ :‬ذُكـر ل نا أن نبــيّ ال‬
‫آِ‬
‫ب قال‪:‬‬
‫صلى ال عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الَية‪ ,‬وأتـى علـى َي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آلِ َيعْقُو َ‬
‫«رحم ال زكريا ما كان علـيه من ورثته»‪.‬‬
‫‪ 17704‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬أن النبـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪َ « :‬يرْحَمُ اللّهُ َز َك ِريّا وَما كانَ عَلَـيْ ِه مِنْ َو َر َثتِ هِ‪َ ,‬و َي ْرحَمُ الّل ُه لُوطا إنْ‬
‫شدِيدٍ»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫كانَ لَـ َيأْوِي إلـى ُركْ ٍ‬
‫‪17705‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ َفهَبْ لـي مِ نْ‬
‫ب قال‪ :‬يرث نبوّتـي ونبوّة آل يعقوب‪.‬‬
‫َل ُد ْنكَ وَلِـيّا َي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ مِنْ آلِ َيعْقُو َ‬
‫ُوبـ فقرأت ذلك عام ّة قرّاء‬
‫ِنـ آلِ َيعْق َ‬
‫ِثـ م ْ‬
‫واختلف القرّاء فــي قراءة قوله‪َ :‬يرِ ُثنِــي َو َير ُ‬
‫الـمدينة ومكة وجماعة من أهل الكوفة‪َ :‬ي ِر ُثنِـي َو َيرِثُ برفع الـحرفـين كلـيهما‪ ,‬بـمعنى‪:‬‬
‫فهب الذي يرثنـي ويرث من آل يعقوب‪ ,‬علـى أن يرثنـي ويرث من آل يعقوب‪ ,‬من صلة‬
‫الولــيّ‪ .‬وقرأ ذلك جماعـة مـن قرّاء أهـل الكوفـة والبصـرة‪َ « :‬ي ِر ْثنِــي و َيرِثـْ» بجزم‬
‫الـحرفـين علـى الـجزاء والشرط‪ ,‬بـمعنى‪ :‬فهب لـي من لدنك ولـيا فإنه يرثنـي إذا‬
‫وهبته لـي‪ .‬وقال الذين قرأوا ذلك كذلك‪ :‬إنـما ح سُن ذلك فـي هذا الـموضع‪ ,‬لن يرثنـي‬
‫من آ ية غير التـي قبل ها‪ .‬قالوا‪ :‬وإنـما يح سُن أن يكون مثل هذا صلة‪ ,‬إذا كان غير منقطع‬
‫صدّ ُقنِـي‪.‬‬
‫عما هو له صلة‪ ,‬كقوله‪ِ :‬ردْءا ُي َ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولــى القراءتــين عندي فــي ذلك بــالصواب قراءة مـن قرأه برفـع‬
‫الـحرفـين علـى الصلة للولـيّ‪ ,‬ل نّ الولـيّ نكرة‪ ,‬وأن زكريا إنـما سأل ربه أن يهب له‬
‫ولـيا يكون بهذه الصفة‪ ,‬كما رُوي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ل أنه سأله ولـيا‪ ,‬ثم‬
‫أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته‪ ,‬لن ذلك لو كان كذلك‪ ,‬كان ذلك من زكريا دخولً‬
‫فـي علـم الغيب الذي قد حجبه ال عن خـلقه‪.‬‬
‫جعَلْ ُه رَ بّ َرضِيّا يقول‪ :‬واج عل يا ر بّ الول ـيّ الذي ته به ل ـي مرض يا ترضاه‬
‫وقوله‪ :‬وَا ْ‬
‫أنت ويرضاه عبـادك دينا وخُـلُقا وخَـلْقا‪ .‬والرضي‪ :‬فعيـل صرف من مفعول إلـيه‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جعَل ّلهُ مِن َقبْلُ‬
‫ح َيىَ لَمْ َن ْ‬
‫سمُ ُه َي ْ‬
‫شرُكَ ِبغُلَمٍ ا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ي َزكَ ِريّآ ِإنّا ُن َب ّ‬
‫س ِميّا }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ف ـاستـجاب له ر به‪ ,‬فقال له‪ :‬يا زكر يا إ نا نبشرك بهبت نا لك غل ما‬
‫اسمه يحيى‪ .‬كان قتادة يقول‪ :‬إنـما سماه ال يحيى لحيائه إياه بـاليـمان‪.‬‬
‫شرُ كَ‬
‫‪ 17706‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله يا َزكَ ِريّا إنّا ُن َب ّ‬
‫حيَى عبد أحياه ال لليـمان‪.‬‬
‫بغُلم اسمُهُ َي ْ‬
‫سـ ِميّا اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل ذلك‪ ,‬فقال‬
‫ِنـ َقبْلُ َ‬
‫َهـ م ْ‬
‫جعَلْ ل ُ‬
‫وقوله‪ :‬لَــمْ نَــ ْ‬
‫بعضهم‪ :‬معناه لـم تلد مثله عاقر قط‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17707‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫سمِيّا يقول‪ :‬لـم تلد العواقر مثله ولدا قط‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫ل لَ ُه مِ ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله لـيحيى‪ :‬لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬لـم نـجعل له من قبله مثلً‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17708‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سالـم بن قتـيبة‪,‬‬
‫س ِميّا قال‪:‬‬
‫ل َ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫ل لَ هُ مِ ْ‬
‫قال‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫شبـيها‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي‬
‫س ِميّا قال‪ :‬مثلً‪.‬‬
‫ل لَ ُه مِنْ َقبْلُ َ‬
‫قوله لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ ,‬أنه لـم يسمّ بـاسمه أحد قبله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل لَ ُه مِنْ‬
‫‪17709‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫س ِميّا لـم يسمّ به أحد قبله‪.‬‬
‫َقبْلُ َ‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة ف ـي قوله لَ ـمْ‬
‫س ِميّا قال‪ :‬لـم يسمّ يحيى أحد قبله‪.‬‬
‫ل لَ ُه مِنْ َقبْلُ َ‬
‫نَـجْعَ ْ‬
‫‪17710‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17711‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم‬
‫س ِميّا قال‪ :‬لـم يسمّ أحد قبله بهذا السم‪.‬‬
‫جعَلْ َلهُ ِمنْ َقبْلُ َ‬
‫فـي قول ال‪ :‬لَـمْ نَـ ْ‬
‫شرُ كَ‬
‫ن الّل هَ ُي َب ّ‬
‫‪ 17712‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ إ ّ‬
‫سمِيّا لـم يسمّ أحد قبله يحيى‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫ل لَ ُه مِ ْ‬
‫حيَى لَـمْ نَـجْعَ ْ‬
‫بغُل ٍم اسمُهُ َي ْ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذا القول أعن ـي قول من قال‪ :‬ل ـم ي كن ل ـيحيى ق بل يح يى أ حد سمي‬
‫بــاسمه أشبـه بتأويــل ذلك‪ ,‬وإنــما معنـى الكلم‪ :‬لــم نــجعل للغلم الذي نهـب لك الذي‬
‫اسمه يحيى من قبله أحدا مسمى بـاسمه‪ ,‬والسميّ‪ :‬فعيـل صرف من مفعول إلـيه‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب َأّنىَ َيكُو نُ لِي غُلَ مٌ َوكَانَ تِ ا ْمرَأَتِي عَاقِرا َو َقدْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ رَ ّ‬
‫ع ِتيّا }‪.‬‬
‫ن ا ْل ِك َبرِ ِ‬
‫بََلغْتُ مِ َ‬
‫ن لـي غُلم‪ ,‬ومن‬
‫ب أنّـي يكو ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال زكريا لـما بشره ال بـيحيى‪ :‬ر ّ‬
‫أ يّ وجه يكون لـي ذلك‪ ,‬وامرأتـي عاقر ل تـحبل‪ ,‬وقد ضعُفت من الكبر عن مبـاضعة‬
‫الن ساء أبأن تقوّينـي علـى ما ضعفت عنه من ذلك‪ ,‬وتـجعل زوجتـي ولودا‪ ,‬فإنك القادر‬
‫علـى ذلك وعلـى ما تشاء‪ ,‬أم بأن أنكح زوجة غير زوجتـي العاقر‪ ,‬يستثبت ربه الـخبر‪,‬‬
‫عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد‪ ,‬الذي بشره ال به‪ ,‬ل إنكارا منه صلى ال عليه وسلم‬
‫حق ـيقة كون ما وعده ال من الولد‪ ,‬وك يف يكون ذلك م نه إنكارا لن يرز قه الولد الذي بشّره‬
‫ث مِ نْ آلِ‬
‫ن َل ُدنْ كَ وَلِـيّا َي ِر ُثنِـي َو َيرِ ُ‬
‫به‪ ,‬وهو الـمبتدىء مسألة ربه ذلك بقوله‪َ :‬فهَ بْ لـي مِ ْ‬
‫شيْبـا‪ .‬وقال السدّي فـي ذلك ما‪:‬‬
‫ش َتعَلَ الرّأسُ َ‬
‫ظمُ مِنـي وَا ْ‬
‫ب بعد قوله إنّـي وَ َهنَ ال َع ْ‬
‫َيعْقُو َ‬
‫‪ 17713‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪,‬‬
‫س ِميّا‬
‫جعَلْ َل ُه مِ نْ َقبْلُ َ‬
‫حيَى لَـمْ نَـ ْ‬
‫شرُ كَ بغُلم اسمُهُ َي ْ‬
‫ن الّل َه ُيبَ ّ‬
‫قال‪ :‬نادى جبرائيـل زكريا‪ :‬إ ّ‬
‫فلــما سـمع النداء‪ ,‬جاءه الشيطان فقال‪ :‬يـا زكريـا إن الصـوت الذي سـمعت لــيس مـن ال‪,‬‬
‫إنـما هو من الشيطان يسخر بك‪ ,‬ولو كان من ال أوحاه إلـيك كما يوحي إلـيك غيره من‬
‫ي ال ِكبَرُ وَا ْمرَأتِـي‬
‫ن لـي غُل مٌ يقول‪ :‬من أين يكون َو َقدْ بََل َغنِـ َ‬
‫المر‪ ,‬فش كّ وقال‪ :‬إنّـي َيكُو ُ‬
‫عا ِقرٌ‪.‬‬
‫عتِــيّا يقول‪ :‬وقـد عتوت مـن الكـبر فصـرت نــحل العظام‬
‫ِنـ ال ِك َبرِ ِ‬
‫ْتـ م َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َقدْ بََلغ ُ‬
‫عُتوّا‪ ,‬وعسى يعسو‬
‫عتِـيّا و ُ‬
‫يابسها‪ ,‬يقال منه للعود الـيابس‪ :‬عود عاتٍ وعاسٍ‪ ,‬وقد عتا يعتو ِ‬
‫ل متناه إلـى غايته فـي كبر أو فساد‪ ,‬أو كفر‪ ,‬فهو عات وعاس‪ .‬وبنـحو‬
‫عِ سِيا وعسوّا‪ ,‬وك ّ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17714‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬قد عل ـمتُ ال سنة كل ها‪ ,‬غ ير أن ـي ل أدري أكان ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم يقرأ فـي الظهر والعصر أم ل‪ ,‬ول أدري كيف كان يقرأ هذا الـحرف‪َ :‬وقَ ْد بََلغْ تُ مِ نَ‬
‫سيّا»‪.‬‬
‫عِ‬‫عتِـيّا أو « ِ‬
‫ال ِكبَرِ ِ‬
‫‪ 17715‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬يعنـي بـالعِتـيّ‪ :‬الكبر‪..‬‬
‫ن ال ِك َبرِ ِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َوقَ ْد بََلغْتُ مِ َ‬
‫‪ 17716‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬نُـحول العظم‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17717‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬سنّا‪ ,‬وكان ابن بضع وسبعين سنة‪.‬‬
‫ن ال ِك َبرِ ِ‬
‫فـي قوله مِ َ‬
‫‪ 17718‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬و َقدْ بَلَغْت‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬العتـيّ‪ :‬الذي قد عتا عن الولد فـيـما يرى نفسه ل يولد له‪.‬‬
‫ن ال ِكبَرِ ِ‬
‫مِ َ‬
‫‪ 17719‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد بن‬
‫ن الك َبرِ عتـيّا قال‪ :‬هو الكبر‪.‬‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬و َقدْ بََلغْتُ م َ‬

‫‪10‬‬ ‫و‬ ‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك هُوَ عَلَ يّ َهيّ نٌ َوقَدْ خََل ْقتُ كَ مِن قَبْلُ وَلَ مْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َكذَلِ كَ قَالَ َربّ َ‬
‫ث َليَالٍ سَ ِويّا }‪.‬‬
‫ك َألّ ُتكَّلمَ النّاسَ ثَلَ َ‬
‫جعَل ِليَ آ َيةً قَالَ آ َي ُت َ‬
‫باْ‬
‫شيْئا * قَالَ رَ ّ‬
‫َتكُ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال ال لزكريا مـجيبـا له قالَ كَذل كَ يقول‪ :‬هكذا المر كما تقول من‬
‫أنّ امرأتك عاقر‪ ,‬وأنك قد بلغت من الكبر العتـيّ‪ ,‬ولكن ربك يقول‪ :‬خـلْق ما بشّرتك به من‬
‫الغلم الذي ذكرت لك أن اسمه يحيى علـيّ هين‪ ,‬فهو إذن من قوله‪ :‬قالَ َربّكَ ُهوَ عَلـيّ َهيّنٌ‬
‫كناية عن الـخـلق‪.‬‬
‫شيْئا يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولـيس خـلق ما وعدتك‬
‫ن قَبْلُ ولَـمْ تَك َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َقدْ خـلَ ْق ُتكَ مِ ْ‬
‫أن أه به لك من الغلم الذي ذكرت لك أمره م نك مع كبر سنك‪ ,‬وع قم زوج تك بأع جب من‬
‫خـلقـيك‪ ,‬فإنـي قد خـلقتك‪ ,‬فأنشأتك بشرا سويا من قبل خـلقـي ما بشرتك بأنـي واهبه‬
‫لك من الولد‪ ,‬ولـم تك شيئا‪ ,‬فكذلك أخـلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر‪ ,‬مع‬
‫عِتـيك ووهن عظامك‪ ,‬واشتعال شيب رأسك‪.‬‬
‫جعَلْ لـي آيَة يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال زكريا‪ :‬يا ربّ اجعل لـي علـما‬
‫باْ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ رَ ّ‬
‫ن إلـى‬
‫ودلـيلً علـى ما بشّرَتنـي به ملئكتك من هذا الغلم عن أمرك ورسالتك‪ ,‬لـيطمئ ّ‬
‫ذلك قلبـي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17720‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬قالَ رَ بّ‬
‫ب اجعل لـي آية أن هذا منك‪.‬‬
‫جعَلْ لـي آيَ ًة قال‪ :‬قال ر ّ‬
‫اْ‬
‫‪ 17721‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ :‬قال ر بّ‪ ,‬فإن‬
‫كان هذا الصوت منك فـاجعل لـي آية‪.‬‬
‫سـ ِويّا يقول جلّ ثناؤه‪ :‬علمتـك لذلك‪,‬‬
‫َلثـ لَــيالٍ َ‬
‫َ‬ ‫ّاسـ ث‬
‫ُكـ لذلك ألّ ُتكَلّــمَ الن َ‬
‫قال ال آ َيت َ‬
‫ودلـيـلك علـيه أن ل تكلـم الناس ثلث لـيال وأنت سويّ صحيح‪ ,‬ل علة بك من خرس‬
‫ول مرض يـمنعك من الكلم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17722‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل سَ ِويّا قال‪ :‬اعتقل لسانه من غير مرض‪.‬‬
‫ث لَـيا ٍ‬
‫عبـاس ثَل َ‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫قوله ثَلثَ لَـيالٍ سَ ِويّا يقول‪ :‬من غير خرس‪.‬‬
‫‪ 17723‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله ثَلثَ لَـيالٍ سَ ِويّا قال‪ :‬ل يـمنعك من الكلم مرض‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد ألّ‬
‫س ثَلثَ لَـيالٍ سَ ِويّا قال‪ :‬صحيحا ل يـمنعك من الكلم مرض‪.‬‬
‫ُتكَلّـمَ النّا َ‬
‫ل ُتكَلّـمَ النّا سَ‬
‫‪ 17724‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قالَ آ َيتُ كَ أ ّ‬
‫ث لَـيالٍ سَ ِويّا من غير بأس ول خرس‪ ,‬وإنـما عوقب بذلك لنه سأل آية بعد ما شافهته‬
‫ثَل َ‬
‫الـملئكة مشافهة‪ ,‬أُخذ بلسانه حتـى ما كان يفـيض الكلم إل أومأ إيـماء‪.‬‬
‫‪17725‬ــ حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬عـن‬
‫س ِويّا قال‪ :‬سويا من غير خرس‪.‬‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله ثَلثَ لَـيالٍ َ‬
‫‪ 17726‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله قالَ آ َيتُ كَ ألّ‬
‫س ثَل ثَ لَـيالٍ سَ ِويّا وأنت صحيح‪ ,‬قال‪ :‬فحبس لسانه‪ ,‬فكان ل يستطيع أن يكلـم‬
‫ُتكَلّـمَ النّا َ‬
‫أحدا‪ ,‬وهو فـي ذلك يسبح‪ ,‬ويقرأ التوراة ويقرأ النـجيـل‪ ,‬فإذا أراد كلم الناس لـم يستطع‬
‫أن يكلـمهم‪.‬‬
‫‪ 17727‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ليتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه الـيـمانـي‪ ,‬قال‪ :‬أخذ ال بلسانه من غير سوء‪ ,‬فجعل ل يطيق الكلم‪ ,‬وإنـما كلمه‬
‫لقو مه ب ـالشارة‪ ,‬حت ـى م ضت الثل ثة اليام الت ـي جعل ها ال آ ية ل ـمصداق ما وعده من‬
‫هبته له‪.‬‬
‫‪ 17728‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ قالَ آ َيتُ كَ ألّ‬
‫خرَس إل رمزا‪ ,‬ف ـاعتُقل ل سانه ثل ثة أيام‬
‫ث لَ ـيالٍ سَ ِويّا يقول‪ :‬من غ ير َ‬
‫س ثَل َ‬
‫ُتكَلّ ـمَ النّا َ‬
‫وثلث لـيال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬السويّ من صفة اليام‪ ,‬قالوا‪ :‬ومعنى الكلم‪ :‬قال‪ :‬آيتك أل تكلـم الناس ثلث‬
‫لـيال متتابعات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17729‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ل سَ ِويّا‪ :‬قال‪ :‬ثلث‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ آ َيتُ كَ ألّ ُتكَلّـمَ النّا سَ ثَل ثَ لَـيا ٍ‬
‫لـيال متتابعات‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبّحُواْ‬
‫حىَ إَِل ْيهِ مْ أَن َ‬
‫حرَا بِ َفأَ ْو َ‬
‫ى قَ ْومِ ِه مِ نَ ا ْل ِم ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬فخَرَ جَ عََل َ‬
‫شيّا }‪.‬‬
‫عِ‬‫ُبكْرَ ًة وَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فخرج زكر يا عل ـى قو مه من مُ صَله ح ين حُ بس ل سانه عن كلم‬
‫الناس‪ ,‬آ ية من ال له عل ـى حق ـيقة وعده إياه ما و عد‪ .‬فكان ا بن جر يج يقول ف ـي مع نى‬
‫خروجه من مـحرابه‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪17730‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج َفخَرَجَ علـى‬
‫قَ ْومِ ِه مِنَ الـمِـحْرابِ قال‪ :‬أشرف علـى قومه من الـمـحراب‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد بـيّنا معنى الـمـحراب فـيـما مضى قبل‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته‬
‫فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪ 17731‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬فخَرَ جَ‬
‫عَلـى قومِ ِه مِ نَ الـمِـحْرابِ قال‪ :‬الـمـحراب‪ :‬مُ صَله‪ ,‬وقرأ‪ :‬فَنا َدتْ هُ الـمَلئِكَةُ وَ ُه َو قائ مٌ‬
‫ُيصَلّـي فِـي الـمِـحْرَابِ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَأوْحَى إلَــْي ِهمْ يقول‪ :‬أشار إلــيهم‪ ,‬وقـد تكون تلك الشارة بــالـيد وبــالكتاب‬
‫وبغ ير ذلك‪ ,‬م ـما يف هم به ع نه ما ير يد‪ .‬وللعرب ف ـي ذلك لغتان‪ :‬وَحَى‪ ,‬وأو حى ف من قال‪:‬‬
‫وَحَى‪ ,‬قال ف ـي يف عل‪ :‬يَحِي و من قال‪ :‬أو حى‪ ,‬قال‪ :‬يُوحِي‪ ,‬وكذلك أَومَى ووَمَى‪ ,‬ف من قال‪:‬‬
‫َومَى‪ ,‬قال فـي يفعل يَـمِي ومن قال أَومَى‪ ,‬قال يُومِي‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ال ـمعنى الذي به أو حى إلــى قو مه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬أو حى‬
‫إلـيهم إشارة بـالـيد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17732‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد َفأَ ْوحَى‪ :‬فأشار زكريا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17733‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه َفأَ ْوحَى إلَـ ْي ِهمْ قال‪ :‬الوحي‪ :‬الشارة‪.‬‬
‫‪ 17734‬ـ حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة فأَوْحَى‬
‫إلَـ ْيهِمْ قال‪ :‬أومى إلـيهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى أوحى‪ :‬كتب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17735‬ـ حدثنا مـحمود بن خداش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد بن العوّام‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪,‬‬
‫شيّا قال‪:‬‬
‫عِ‬‫س ّبحُوا ُبكْرَ ًة وَ َ‬
‫ن َ‬
‫عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬فأَ ْوحَى إلَـ ْيهِمْ أ ْ‬
‫كتب لهم فـي الرض‪.‬‬
‫‪ 17736‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن الثور يّ‪ ,‬عن ابن أبـي لـيـلـى‪,‬‬
‫عن الـحكم فأَ ْوحَى إلَـيْ ِهمْ قال‪ :‬كتب لهم‪.‬‬
‫‪ 17737‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ َفخَرَ جَ عَل ـى‬
‫عشِيّا‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬فأَوْحَى‬
‫س ّبحُوا ُب ْكرَةً وَ َ‬
‫ن َ‬
‫قَ ْومِ هِ مِ نَ ال ـمِـحْرابِ فك تب ل هم ف ـي كتاب أ ْ‬
‫إلَـ ْيهِمْ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أمرهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17738‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬فأَوْحَى‬
‫شيّا قال‪ :‬ما أدري كتابـا كتبه لهم‪ ,‬أو إشارة أشارها‪ ,‬وال أعلـم‪,‬‬
‫عِ‬‫س ّبحُوا ُبكْرَ ًة وَ َ‬
‫إلَـ ْيهِمْ أ نْ َ‬
‫سبّحوا بكرة وعشيا‪ ,‬وهو ل يكلـمهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أمرهم أن َ‬
‫عشِيّا قد ب ـيّنت ف ـيـما م ضى الوجوه الت ـي ين صرف ف ـيها‬
‫س ّبحُوا ُب ْكرَةً وَ َ‬
‫وقوله‪ :‬أ نْ َ‬
‫التسـبـيح‪ ,‬وقـد يجوز فــي هذا الــموضع أن يكون عَنَى بـه التسـبـيح الذي هـو ذكـر ال‪,‬‬
‫فـيكون أمرهم بـالفراغ لذكر ال فـي طرفـي النهار بـالتسبـيح‪ ,‬ويجوز أن يكون عنى‬
‫به الصلة‪ ,‬فـيكون أمرهم بـالصلة فـي هذين الوقتـين‪ .‬وكان قتادة يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪17739‬ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫شيّا قال‪ :‬أَ ْومَى إلـيهم أن صلوا بكرة وعشيا‪.‬‬
‫عِ‬‫س ّبحُوا ُب ْكرَةً َو َ‬
‫ن َ‬
‫فـي قوله‪ :‬فأَ ْوحَي إلَـ ْي ِهمْ أ ْ‬

‫‪ 12‬و ‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حنَانا مّن‬
‫ص ِبيّا * َو َ‬
‫حكْ مَ َ‬
‫خذِ ا ْل ِكتَا بَ بِ ُقوّةٍ وَآ َت ْينَا ُه ا ْل ُ‬
‫ح َيىَ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ي َي ْ‬
‫ن تَ ِقيّا }‪.‬‬
‫ّل ُدنّا َو َزكَاةً َوكَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فولد لزكر يا يح يى‪ ,‬فل ـما ولد‪ ,‬قال ال له‪ :‬يا يح يى‪ ,‬خذ هذا الكتاب‬
‫بقوّة‪ ,‬يعنـي كتاب ال الذي أنزله علـى موسى‪ ,‬وهو التوراة‪ .‬بقوّة‪ ,‬يقول‪ :‬بجدّ‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪17740‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫خذِ الكِتابَ بِ ُقوّ ٍة قال‪ :‬بجدّ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 17741‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ب بِقُ ّوةٍ قال‪ :‬بجدّ‪.‬‬
‫خذِ الكِتا َ‬
‫مـجاهد ُ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال ابن زيد فـي ذلك ما‪:‬‬
‫حيَى‬
‫‪ 17742‬ـ حدثنـي به يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا َي ْ‬
‫خذِ الكِتابَ بِ ُقوّ ٍة قال‪ :‬القوّة‪ :‬أن يعمل ما أمره ال به‪ ,‬ويجانب فـيه ما نهاه ال‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد بـيّنت معنى ذلك بشواهده فـيـما مضى من كتابنا هذا‪ ,‬فـي سورة آل‬
‫عمران‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫صبِـيّا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وأعطيناه الف هم لكتاب ال ف ـي حال‬
‫ح ْكمَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وآتَ ـيْناهُ ال ـ ُ‬
‫صبـاه قبل بلوغه أسنان الرجال‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 17743‬ـ حدثنا أحمد بن منـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الـمبـارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي معمر‪,‬‬
‫صبِـيّا قال‪ :‬بلغن ـي أن ال صبـيان‬
‫ول ـم يذكره عن أ حد ف ـي هذه الَ ية وآتَ ـيْنا ُه ال ـحُ ْكمَ َ‬
‫صبِـيّا‪.‬‬
‫قالوا لـيحيى‪ :‬اذهب بنا نلعب‪ ,‬فقال‪ :‬ما للعب خُـلِقتُ‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬وآتَـيْنا ُه الـحُ ْكمَ َ‬
‫ِنـ َلدُنّا يقول تعالــى ذكره‪ :‬ورحمـة منـا ومــحبة له آتــيناه الــحكم‬
‫وقوله‪َ :‬وحَنانـا م ْ‬
‫صبـيا‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحنان‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬الرحمة‪ ,‬ووجهوا الكلم‬
‫إلـى نـحو الـمعنى الذي وجهناه إلـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17744‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫ن َل ُدنّا يقول‪ :‬ورحمة من عندنا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬وحَنانا مِ ْ‬
‫‪ 17745‬ـ حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬رحمة‪.‬‬
‫سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬فـي هذه الَية َوحَنانا مِ ْ‬
‫‪17746‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬رحمة من عندنا‪.‬‬
‫َوحَنانا مِ ْ‬
‫‪ 17747‬ـ حدث نا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا جو يبر‪ ,‬عن‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬رحمة من عندنا ل يـملك عطاءها أحد غيرنا‪.‬‬
‫الضحاك‪ ,‬قوله‪َ :‬وحَنانا مِ ْ‬
‫حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫ن َل ُدنّا يقول‪ :‬رحمة من عندنا‪ ,‬ل يقدر علـى‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله َوحَنانا مِ ْ‬
‫أن يعطيها أحد غيرنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ورحمة من عندنا لزكريا‪ ,‬آتـيناه الـحكم صبـيا‪ ,‬وفعلنا به‬
‫الذي فعلنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17748‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وحَنا نا مِ نْ َلدُنّا‬
‫يقول‪ :‬رحمة من عندنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وتعطفـا من عندنا علـيه‪ ,‬فعلنا ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17749‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬تعطفـا من ربه علـيه‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬وحَنانا مِ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ال ـحنان‪ :‬ال ـمـحبة‪ .‬ووجهوا مع نى الكلم إل ـى‪ :‬وم ـحبة من‬
‫عندنا فعلنا ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17750‬ـ حدثنا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن يح يى بن سعيد‪ ,‬عن عكر مة‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬مـحبة علـيه‪.‬‬
‫َوحَنانا مِ ْ‬
‫‪ 17751‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬وحَنانا قال‪:‬‬
‫أما الـحَنان فـالـمـحبة‪.‬‬
‫وقال آخرون معناه تعظيـما منا له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17752‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تـميـلة‪ ,‬عن أبـي حمزة‪ ,‬عن‬
‫ن َل ُدنّا قال‪ :‬تعظيـما من لدنا‪ .‬وقد ذكر عن ابن‬
‫جابر‪ ,‬عن عطاء بن أبـي ربـاح َوحَنانا ِم ْ‬
‫عبـاس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬ل أدري ما الـحنان‪.‬‬
‫‪17753‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬وال ما أدري ما حنانا‪.‬‬
‫حنَانَك يـا ربنـا‪ ,‬وحَنانَــيك كمـا قال طَرَفـة بـن العبـد فــي‬
‫حنَانَك لغتان‪َ :‬‬
‫وللعرب فــي َ‬
‫حنانـيك‪:‬‬
‫ن مِن بعض‬
‫شرّ أ ْهوَ ُ‬
‫حَنانَـ ْيكَ بعضُ ال ّ‬ ‫أبـا ُم ْن ِذرٍ أ ْفنَـيْتَ فـاسْ َت ْبقِ َب ْعضَنا‬
‫وقال امرؤ القـيس فـي اللغة الخرى‪:‬‬
‫َمعِيزَ ُهمُ حَنا َنكَ ذَا الـحَنانِ‬ ‫ن جَ ْرمٍ‬
‫شمَـجَي بْ ِ‬
‫ويَـمْنَـحُها َبنُو َ‬
‫وقـد اختلف أهـل العربــية فــي «حنانــيك» فقال بعضهـم‪ :‬هـو تثنــية «حنان»‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬بل هي لغة لـيست بتثنـية قالوا‪ :‬وذلك كقولهم‪ :‬حَوَالـيك وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫طعْنا َوخْضا‬
‫وَ‬ ‫ضَرْبـا َهذَا َذ ْيكَ‬
‫وقد سوّي ب ـين جميع ذلك الذ ين قالوا حنانـيك تثنـية‪ ,‬فـي أن كل ذلك تثن ـية‪ .‬وأصل‬
‫ذلك أعنـي الـحنان‪ ,‬من قول القائل‪ :‬ح نّ فلن إلـى كذا‪ ,‬وذلك إذا ارتاح إلـيه واشتاق‪ ,‬ثم‬
‫ن فلن علـى فلن‪ ,‬إذا وصف بـالتعطّف علـيه والرقة به‪ ,‬والرحمة له‪ ,‬كما قال‬
‫يقال‪ :‬تـحّن َ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ل مَقامٍ مَقال‬
‫فإنّ ِلكُ ّ‬ ‫حنّنْ عَلـيّ َهدَاكَ الـمَلِـيكُ‬
‫تَـ َ‬
‫ن فلن علـى فلن‪ ,‬يقال‬
‫بـمعنى‪ :‬تعطّف علـيّ‪ .‬فـالـحنان‪ :‬مصدر من قول القائل‪ :‬ح ّ‬
‫حنّته‪,‬‬
‫منه‪ :‬حننت علـيه‪ ,‬فأنا أح نّ علـيه حنـينا وحنانا‪ ,‬ومن ذلك قـيـل لزوجة الرجل‪َ :‬‬
‫لتـحننه علـيها وتعطفه‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ت‬
‫حّنةٌ َوبَـيْ ُ‬
‫س َر ْيتُولَـم َتضِ ْرنِـي َ‬
‫ت دُجىً َ‬
‫وَلَـيْـلَ ٍة ذَا ِ‬
‫وقوله‪َ :‬و َزكَا ًة يقول تعالـى ذكره‪ :‬وآتـينا يحيى الـحكم صبـيا‪ ,‬وزكاة‪ :‬وهو الطهارة من‬
‫الذنوب‪ ,‬واستعمال بدنه فـي طاعة ربه‪ ,‬فـالزكاة عطف علـى الـحكم من قوله‪ :‬وآتَـيْناهُ‬
‫حكْمَ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫الـ ُ‬
‫‪ 17754‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وزَكا ًة قال‪ :‬الزكاة‪:‬‬
‫العمل الصالـح‪.‬‬
‫‪17755‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬وزَكاةً‬
‫قال‪ :‬العمل الصالـح الزكيّ‪.‬‬
‫‪ 17756‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬فـي قوله وزَكا ًة يعنـي العمل الصالـح الزاكيّ‪.‬‬
‫وكانـ تَقِــيّا يقول تعالــى ذكره‪ :‬وكان ل خائفــا مؤدّيـا فرائضـه‪ ,‬مــجتنبـا‬
‫َ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫مـحارمه مسارعا فـي طاعته‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17757‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس َوزَكا ًة وكانَ تَقِـيّا قال‪ :‬طهر فلـم يعمل بذنب‪.‬‬
‫‪ 17758‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬خبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬وزَكاةً وكا نَ‬
‫تَقِـيّا قال‪ :‬أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫و‬ ‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لمٌ عََل ْي هِ َيوْ مَ‬
‫صيّا * وَ سَ َ‬
‫جبّارا عَ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َبرّا بِوَاِل َديْ هِ وَلَ مْ يَكُن َ‬
‫وُِلدَ َويَ ْو َم َيمُوتُ َويَ ْو َم ُي ْبعَثُ حَيا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وكان برّا بوالديه‪ ,‬مسارعا فـي طاعتهما ومـحبتهما‪ ,‬غير عا قّ بهما‬
‫جبّـارا عَ صِيّا يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ولـم يكن مستكبرا عن طاعة ربه وطاعة والديه‪,‬‬
‫ن َ‬
‫ولَـمْ َيكُ ْ‬
‫ولكنه كان ل ولوالديه متواضعا متذللً‪ ,‬يأتـمر لـما أمر به‪ ,‬وينتهى عما ُنهِي عنه‪ ,‬ل َي ْعصِي‬
‫ربه‪ ,‬ول والديه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬عَصِـيّا فعيــل بــمعنى أنـه ذو عصـيان‪ ,‬مـن قول القائل‪ :‬عَصـَى فلن ربـه‪ ,‬فهـو‬
‫يعصيه عصيا‪.‬‬
‫ت و َيوْ مَ ُي ْبعَ ثُ حَيّا يقول‪ :‬وأمان من ال يوم ولد‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬سَلمٌ عَلَ ـيْهِ َيوْ مَ وُِلدَ و َيوْ َم يَ ـمُو ُ‬
‫من أن يناله الشيطان من السوء‪ ,‬بـما ينال به بنـي آدم‪ ,‬وذلك أنه رُوي عن رسول ال صلى‬
‫حيَى بْ نِ‬
‫ل َبنِـي آدَ َم َي ْأتِـي يَوْ َم القِـيامَةِ وَلَ ُه َذنْبٌ إلّ ما كا نَ ِمنْ َي ْ‬
‫ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬كُ ّ‬
‫َزكَ ِريّا»‪.‬‬
‫‪17759‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن العاص‪ ,‬أ نه سمع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪17760‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫صيّا قال‪ :‬كان ابن الـمسيب يذ كر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬ما‬
‫جبّ ـارا عَ ِ‬
‫َ‬
‫ن َزكَ ِريّا»‪.‬‬
‫حيَى بْ َ‬
‫حدٍ يَـلْقـي الّلهَ َي ْومَ القِـيامَةِ‪ ,‬إلّ ذَا َذنْبٍ‪ ,‬إلّ َي ْ‬
‫نأَ‬
‫مِ ْ‬
‫قال‪ :‬وقال قتادة‪ :‬ما أذنب‪ ,‬ول هم بـامرأة‪.‬‬
‫ت يقول‪ :‬وأمان من ال تعال ـى ذكره له من فَتّانَ ـيِ ال قبر‪ ,‬و من هول‬
‫وقوله‪ :‬ويَوْ مَ يَ ـمُو ُ‬
‫ث حَيّا يقول‪ :‬وأمان له من عذاب ال يوم الق ـيامة‪ ,‬يوم الفزع ال كبر‪ ,‬من‬
‫ال ـمطلع َويَوْ مَ ُي ْبعَ ُ‬
‫أن يروعه شيء‪ ,‬أو أن يفزعه ما يفزع الـخـلق‪ .‬وقد ذكر ابن عيـينة فـي ذلك ما‪:‬‬
‫حدثنـي أحمد بن منصور الفَـيروزِيّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي صدقة بن الفضل قال‪ :‬سمعت ابن‬
‫عط ية يقول‪ :‬أو حش ما يكون ال ـخـلق ف ـي ثل ثة موا طن‪ :‬يوم يولد ف ـيرى نف سه خار جا‬
‫مـما كان فـيه‪ ,‬ويوم يـموت فـيرى قوما لـم يكن عاينهم‪ ,‬ويوم يُبعث فـيرى نفسه فـي‬
‫مـحشر عظيـم‪ ,‬قال‪ :‬فأكرم ال فـيها يحيى بن زكريا‪ ,‬فخصه بـالسلم علـيه‪ ,‬فقال سَلمٌ‬
‫حيّا‪.‬‬
‫ت و َي ْومَ ُي ْبعَثُ َ‬
‫عَلَـيْ ِه يَ ْومَ وُِلدَ و َي ْومَ يَـمُو ُ‬
‫‪ 17761‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬أن ال ـحسن قال‪ :‬إن‬
‫عيسى ويحيى التقـيا فقال له عيسى‪ :‬استغفر لـي‪ ,‬أنت خير منـي‪ ,‬فقال له الَخر‪ :‬استغفر‬
‫لـي‪ ,‬أنت خير منـي‪ ,‬فقال له عيسى‪ :‬أنت خير منـي‪ ,‬سَلّـمت علـى نفسي‪ ,‬وسلّـم ال‬
‫علـيك‪ ,‬فعرف وال فضلها‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫و‬ ‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرْقِيا *‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْل ِكتَابِ َم ْريَمَ ِإذِ ان َت َبذَتْ ِمنْ أَهِْلهَا َمكَانا َ‬
‫حنَا َف َت َمثّلَ َلهَا َبشَرا سَ ِويّا }‪.‬‬
‫حجَابا َفأَ ْرسَ ْلنَآ إَِل ْيهَآ رُو َ‬
‫خذَتْ مِن دُو ِنهِم ِ‬
‫فَا ّت َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واذكر يا مـحمد فـي كتاب ال‬
‫ق مري ـم اب نة عمران‪ ,‬ح ين اعتزلت من أهل ها‪ ,‬وانفردت عن هم‪,‬‬
‫الذي أنزله عل ـيك ب ـالـح ّ‬
‫طرْح‪ ,‬و قد ب ـيّنا ذلك بشواهده ف ـيـما م ضى قبلُ‪ .‬وبن ـحو‬
‫و هو افت عل من النّ بذ‪ ,‬والنّ بذ‪ :‬ال ّ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17762‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَا ْذكُ ْر فِـي‬
‫الكِتابِ َم ْريَـمَ إذِ ا ْن َت َبذَتْ أي انفردت من أهلها‪.‬‬
‫‪17763‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن الصّلْت‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫شرْقِـيّا قال‪:‬‬
‫أبو ُكدَينة‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس إذِ ا ْن َت َبذَ تْ ِم نْ أهْلِها مَكانا َ‬
‫خرجت مكانا شرقـيا‪.‬‬
‫‪ 17764‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬خر جت‬
‫مري ـم إل ـى جا نب ال ـمـحراب ل ـحيض أ صابها‪ ,‬و هو قوله‪ :‬ف ـانتبذت من أهل ها مكا نا‬
‫شرقـيا‪ :‬فـي شرقـيّ الـمـحراب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬مَكانا شَ ْرقِـيّا يقول‪ :‬فتنـحت واعتزلت من أهلها فـي موضع ِقبَلَ مَشرق الشمس‬
‫دون مَغربها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪17765‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ش ْرقِـيّا قال‪ :‬من ِقبَل الـمشرق‪.‬‬
‫مَكانا َ‬
‫‪17766‬ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن عبد ال‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن‬
‫ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬إن ـي لعل ـم خ ـلق ال ل يّ ش يء ات ـخذت الن صارى ال ـمشرق قبلة؟‬
‫لقول ال‪ :‬فـانتبذت من أهلها مكانا شرقـيا‪ ,‬فـاتـخذوا ميلد عيسى قبلة‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا داود‪ ,‬عـن عامـر‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17767‬ـ حدثن ـي سلـيـمان بن ع بد ال ـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا م ـحمد بن ال صّلْت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو ُكدَينة‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إن أهل الكتاب كتب علـيهم‬
‫ن أهْلِها‬
‫الصلة إلـى البـيت‪ ,‬والـحجّ ل‪ ,‬وما صرفهم عنهما إل قـيـل ربك إذِ ا ْن َت َبذَ تْ مِ ْ‬
‫ش ْرقِـيّا فصلوا قبل مطلع الشمس‪.‬‬
‫مَكانا َ‬
‫‪ 17768‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة إذِ ا ْن َت َبذَ تْ مِ نْ أهْلِها مَكانا‬
‫شَ ْرقِـيّا قال‪ :‬شاسعا متنـحيا‪ ,‬وقـيـل‪ :‬إنها إنـما صارت بـمكان يـلـي مشرق الشمس‪,‬‬
‫لن ما ي ـلـي ال ـمشرق عند هم كان خيرا م ـما ي ـلـي ال ـمغرب‪ ,‬وكذلك ذلك ف ـيـما‬
‫ذُكر عند العرب‪.‬‬
‫ن دُو ِنهِ مْ حِجاب ـا يقول‪ :‬ف ـاتـخذت من دون أهل ها سترا ي سترها‬
‫خذَتْ مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ف ـاتّـ َ‬
‫عنهم وعن الناس‪ .‬وذُكر عن ابن عبـاس‪ ,‬أنها صارت بـمكان يـلـي الـمشرق‪ ,‬لن ال‬
‫أظلها بـالشمس‪ ,‬وجعل لها منها حجابـا‪.‬‬
‫‪ 17769‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ش ْرقِـيّا قال‪ :‬مكانا أظلتها الشمس‬
‫ت مِ نْ أهْلِها مَكانا َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ا ْن َتبَذَ ْ‬
‫أن يراها أحد منهم‪.‬‬
‫وقال غيره فـي ذلك ما‪.‬‬
‫خذَتْ مِ نْ‬
‫ي فـاتّـ َ‬
‫‪ 17770‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫دو ِن ِهمْ حِجابـا من الـجدران‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فأرْ سَلْنا إلَ ـيْها رُوحَ نا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فأر سلنا إل ـيها ح ين انتبذت من أهل ها‬
‫مكانا شرقـيا‪ ,‬واتـخذت من دونهم حجابـا‪ :‬جبريـل‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17771‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فأرْ سَلْنا إلَ ـيْها‬
‫رُوحَنا قال‪ :‬أرسل إلـيها فـيـما ذُكر لنا جبريـل‪.‬‬
‫‪ 17772‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬وجدت عندها جبريـل قد مثله ال بشرا سويا‪.‬‬
‫‪17773‬ــ حدثنـا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫فأ ْرسَلْنا إلَـيْها رُوحَنا قال‪ :‬جبريـل‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد الصمد‬
‫بن معقل بن أخي وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت وهب بن منبه‪ ,‬قال‪ :‬أرسل ال جبريـل إلـى مريـم‪,‬‬
‫ل لها بشرا سويا‪.‬‬
‫َفمَثَ َ‬
‫‪ 17774‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬فل ـما‬
‫طهرت‪ ,‬يعن ـي مري ـم من حيض ها‪ ,‬إذا هي برجل مع ها‪ ,‬و هي قوله‪ :‬فأرْ سَلْنا إلَـيْها رُوحَ نا‬
‫س ِويّا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فتش به ل ها ف ـي صورة آدم يّ سويّ ال ـخـلق‬
‫ل لَ ها َبشَرا َ‬
‫َفتَ ـمَثّ َ‬
‫منهم‪ ,‬يعنـي فـي صورة رجل من بنـي آدم معتدل الـخـلق‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫و‬ ‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ِإ ّنمَآ‬
‫ت تَ ِقيّا * قَا َ‬
‫حمَـنِ مِن كَ إِن كُن َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ تْ ِإنّ يَ َأعُو ُذ بِال ّر ْ‬
‫ب َلكِ غُلَما َز ِكيّا }‪.‬‬
‫َأ َناْ َرسُولُ َر ّبكِ لَِهَ َ‬
‫ل يريدها‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فخافت مريـم رسولنا‪ ,‬إذ تـمثّل لها بشرا سويا‪ ,‬وظنته رج ً‬
‫علـى نفسها‪.‬‬
‫‪ 17775‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله إنّـي‬
‫ن ُكنْتَ تَقِـيّا قال‪ :‬خشيت أن يكون إنـما يريدها علـى نفسها‪.‬‬
‫ن ِم ْنكَ إ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫أعُوذُ بـال ّر ْ‬
‫ي فَتَـ َمثّلَ َلهَا َبشَرا‬
‫‪ 17776‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫ن ُكنْتَ تَقِـيّا‪.‬‬
‫ن ِم ْنكَ إ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫سَ ِويّا فلـما رأته فزعت منه وقالت‪ :‬إنّـي أعُوذُ بـال ّر ْ‬
‫فقالت‪ :‬إن ـي أعوذ أي ها الر جل ب ـالرحمن م نك‪ ,‬تقول‪ :‬أ ستـجير ب ـالرحمن م نك أن تنال‬
‫من ـي ما حرّ مه عل ـيك إن ك نت ذا تقوى له تتق ـي م ـحارمه‪ ,‬وت ـجتنب معا صيه لن من‬
‫عنَت‪ :‬إنـي أعوذ بـالرحمن منك‬
‫كان ل تقـيا‪ ,‬فإنه يجتنب ذلك‪ .‬ولو وجه ذلك إلـى أنها َ‬
‫إن كنت تتقـي ال فـي استـجارتـي واستعاذتـي به منك كان وجها‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17777‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ن ُكنْتَ َتقِـيّا ول ترى إل أنه رجل من بنـي آدم‪.‬‬
‫ن ِم ْنكَ إ ْ‬
‫منبه قالَتْ إنّـي أعُوذُ بـال ّرحْمَ ِ‬
‫‪17778‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬وذكر قَصَص‬
‫حمَنِ ِمنْ كَ إ نْ ُكنْ تَ‬
‫مريـم فقال‪ :‬قد علـمت أن التقـيّ ذو نُهية حين قالت‪ :‬إنّـي أعُوذُ بـال ّر ْ‬
‫تَقِـيّا قالَ إنّـمَا أنا رَسُولُ َر ّبكِ‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فقال ل ها روح نا‪ :‬إن ـما أ نا ر سول ر بك يا مري ـم أر سلنـي إل ـيك‬
‫لهَبَ لكِ غُلما زكيا‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عامّة قرّاء ال ـحجاز والعراق غ ير أب ـي عمرو‪:‬‬
‫ب لَ كِ ب ـمعنى‪ :‬إن ـما أ نا ر سول ر بك‪ :‬يقول‪ :‬أر سلنـي إل ـيك ل هب لك غُلَ ما َزكِيّا‬
‫لِءَهَ َ‬
‫علـى الـحكاية‪ .‬وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلء‪« :‬لِـ َيهَبَ لَ كِ غُلما َز ِكيّا» بـمعنى‪ :‬إنـما‬
‫أنا رسول ربك أرسلنـي إلـيك لـيهب ال لك غلما زكيا‪.‬‬
‫ب لَ كِ‬
‫لءَهَ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القراءة فـي ذلك‪ ,‬ما علـيه قرّاء المصار‪ ,‬وهو ِ‬
‫ب ـاللف دون ال ـياء‪ ,‬لن ذلك كذلك ف ـي م صاحف ال ـمسلـمين‪ ,‬وعل ـيه قراءة قدي ـمهم‬
‫وحديثهـم‪ ,‬غيـر أبــي عمرو‪ ,‬وغيـر جائز خلفهـم فــيـما أجمعوا علــيه‪ ,‬ول سـائغ لحـد‬
‫زاكـ‬
‫ٍ‬ ‫خلف مصـاحفهم‪ ,‬والغلم الزكيـّ‪ :‬هـو الطاهـر مـن الذنوب وكذلك تقول العرب‪ :‬غلم‬
‫وزكيّ‪ ,‬وعال وعلـيّ‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫و‬ ‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرٌ وَلَ ْم أَكُ َب ِغيّا *‬
‫سسْنِي َب َ‬
‫ن لِي غُلَمٌ وَلَمْ َيمْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَتْ َأّنىَ َيكُو ُ‬
‫ضيّا }‪.‬‬
‫ن َأمْرا مّ ْق ِ‬
‫حمَةً ّمنّا َوكَا َ‬
‫جعَلَهُ آ َيةً لّ ْلنّاسِ َو َر ْ‬
‫ك هُوَ عََليّ َهّينٌ وَِل َن ْ‬
‫قَالَ َكذَِلكَ قَالَ َربّ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قالت مريـم لـجبريـل‪ :‬أنّـي َيكُو نُ لـي غُل مٌ من أ يّ وجه يكون‬
‫لــي غلم؟ أمـن قِب َل زوج أتزوّج‪ ,‬فأرزقـه منـه‪ ,‬أم يبتدىء ال فــيّ خــلقه ابتداء ولَــمْ‬
‫سنِـي َبشَرٌ من ولد آدم بنكاح حلل ولَ ـمْ أ كُ إذ ل ـم ي ـمسسنـي من هم أ حد عل ـى‬
‫يَ ـ ْمسَ ْ‬
‫وجه الـحلل َب ِغيّا بغيت ففعلت ذلك من الوجه الـحرام‪ ,‬فحملته من زنا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17779‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ ولَ ـمْ أ كُ َبغِيّا‬
‫يقول‪ :‬زانـية‪.‬‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال لها جبري ـل‪ :‬هكذا المر كما‬
‫قالَ كَذل كِ قالَ َربّ كِ هُوَ عَلـيّ َهيّ ٌ‬
‫تصفـين‪ ,‬من أنك لـم يـمسسك بشر ولـم تكونـي بغيا‪ ,‬ولكن ربك قال‪ :‬هو علـيّ هين‪:‬‬
‫ي خـلقه وهبته لك من غير‬
‫ي هين ل يتعذّر علـ ّ‬
‫أي خَـلْق الغلم الذي قلت أن أهبه لك علـ ّ‬
‫فحل يفتـحلك‪.‬‬
‫ّاسـ يقول‪ :‬وكـي نــجعل الغلم الذي نهبـه لك علمـة وحجـة علــى‬
‫جعَلَ ُه آيَ ًة للن ِ‬
‫وَِلنَــ ْ‬
‫حمَ ًة مِنّا يقول‪ :‬ورح مة م نا لك‪ ,‬ول ـمن آ من به و صدّقه أخ ـلقه م نك‬
‫خ ـلقـي أه به لك‪َ .‬ورَ ْ‬
‫ن أمْرا مَ ْقضِيّا يقول‪ :‬وكان خ ـلقه م نك أمرا قد قضاه ال‪ ,‬وم ضى ف ـي حك مه و سابق‬
‫وكا َ‬
‫علـمه أنه كائن منك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17780‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي من ل أتهم‪ ,‬عن‬
‫ن أمْرا مَ ْقضِيّا أي إن ال قد عزم علـى ذلك‪ ,‬فلـيس منه بدّ‪.‬‬
‫وهب بن منبه وكا َ‬

‫‪23‬‬ ‫و‬ ‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صيّا * َفَأجَآءَهَا ا ْل َمخَا ضُ إَِلىَ‬
‫حمََلتْ هُ فَا ْنتَ َبذَ تْ بِ هِ َمكَانا قَ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{:‬فَ َ‬
‫سيّا }‪.‬‬
‫ت َنسْيا مّن ِ‬
‫ت َقبْلَ هَـذَا َوكُن ُ‬
‫ت يََل ْيتَنِي مِ ّ‬
‫ج ْذعِ ال ّنخْلَةِ قَالَ ْ‬
‫ِ‬
‫ن رُوحِنا‬
‫وفـي هذا الكلم متروك ُترِك ذكره استغناء بدللة ما ذكر منه عنه َفنَ َفخْنا فِـي ِه مِ ْ‬
‫ت بِ ِه مَكانا قَصيّا وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حمََلتْ ُه فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫بغلم ف َ‬
‫‪17781‬ـ حدثنـي مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد‬
‫الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه‪ ,‬قال‪ :‬سمعت وهبـا قال‪ :‬لـما أرسل ال جبريـل‬
‫ت تَقِـيّا ثم‬
‫ن ُكنْ َ‬
‫ن ِمنْ كَ إ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫إلـى مريـم تـمثّل لها بشرا سويا فقالت له‪ :‬إنّـي أعُو ُذ بـالرّ ْ‬
‫نفخ فـي جيب درعها حتـى وصلت النفخة إلـى الرحم فـاشتـملت‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬ع من ل يت هم‪ ,‬عن و هب بن من به‬
‫الـيـمانـي‪ ,‬قال‪ :‬لـما قال ذلك‪ ,‬يعنـي لـما قال جبريـل قالَ كذل كِ قالَ َربّ كَ هُوَ عَلـيّ‬
‫َهيّنٌ‪ ...‬الَية استسلـمت لمر ال‪ ,‬فنفخ فـي جيبها ثم انصرف عنها‪.‬‬
‫‪ 17782‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬طرحَ تْ‬
‫علـيها جلبـابها لـما قال جبريـل ذلك لها‪ ,‬فأخذ جبريـل بكميها‪ ,‬فنفخ فـي جيب درعها‪,‬‬
‫وكان مشقوقا من قُدامها‪ ,‬فدخـلت النفخة صدرها‪ ,‬فحملت‪ ,‬فأتتها أختها امرأة زكريا لـيـلة‬
‫تزور ها فل ـما فت ـحت ل ها الب ـاب التزمت ها‪ ,‬فقالت امرأة زكر يا‪ :‬يا مري ـم أشعرت أن ـي‬
‫حبلـى‪ ,‬قالت مريـم‪ :‬أشعرت أيضا أنـي حُبلـى‪ ,‬قالت امرأة زكريا‪ :‬إنـي وجدت ما فـي‬
‫صدّقا بكَلِـمَ ٍة مِنَ الّلهِ‪.‬‬
‫بطنـي يسجد لـما فـي بطنك‪ ,‬فذلك قوله ُم َ‬
‫‪17783‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬إنه إنـما نفخ فـي جيب درعها وكمها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فـا ْنتَ َبذَتْ ِبهِ مَكانا َقصِيّا يقول‪ :‬فـاعتزلت بـالذي حملته‪ ,‬وهو عيسى‪ ,‬وتنـحّت به‬
‫عن الناس مكا نا قَ صِيا يقول‪ :‬مكا نا نائ يا قا صيا عن الناس‪ ,‬يقال‪ :‬هو ب ـمكان قاص‪ ,‬وق صيّ‬
‫بـمعنى واحد‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ص ّي ِمنّـي ذي القاذُورَةِ الـمَقْلِـيّ‬
‫ن مَ ْق َعدَ ال َق ِ‬
‫َلتَ ْق ُعدِ ّ‬
‫يقال منه‪ :‬قصا الـمكان يقصو قصوا‪ :‬إذا تبـاعد‪ ,‬وأقصيت الشيء‪ :‬إذا أبعدته وأخّرته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17784‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫صيّا قال‪ :‬مكانا نائيا‪.‬‬
‫ت بِهِ مَكانا َق ِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫‪ 17785‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫صيّا قال‪ :‬قاصيا‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مَكانا َق ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17786‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما بلغ أن‬
‫تضع مريـم‪ ,‬خرجت إلـى جانب الـمـحراب الشرقـي منه فأتت أقصاه‪.‬‬
‫جذْعِ النّـخْـلَ ِة يقول تعالـى ذكره‪ :‬فجاء بها الـمخاض‬
‫وقوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى ِ‬
‫إلـى جذع النـخـلة‪ ,‬ثم قـيـل‪ :‬لـما أسقطت البـاء منه أجاءها‪ ,‬كما يقال‪ :‬أتـيتك بزيد‪,‬‬
‫فإذا حذفت البـاء قـيـل آتـيتك زيدا‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬آتُونِـي ُز ُبرَ الـحَدِيدِ والـمعنى‪:‬‬
‫ائتونــي بزُبَر الــحديد‪ ,‬ولكـن اللف ُمدّت لــما حذفـت البــاء‪ ,‬وكمـا قالوا‪ :‬خرجـت بـه‬
‫وأخرجته‪ ,‬وذهبت به وأذهبته‪ ,‬وإنـما هو أفعل من الـمـجيء‪ ,‬كما يقال‪ :‬جاء هو‪ ,‬وأجأته‬
‫أنـا‪ :‬أي جئت بـه‪ ,‬ومثـل مـن أمثال العرب‪« :‬شرّ مـا أجاءنــي إلــى مُخّة عرقوب»‪ ,‬وأشاء‬
‫ويقال‪ :‬شرّ ما ُيجِيئك و ُيشِيئك إلـى ذلك ومنه قول زهير‪:‬‬
‫وَجارٍ سارَ ُم ْعتَـمِدا إلَـيْ ُكمْأجا َءتْهُ الـمَـحافَةُ وَالرّجاءُ‬
‫يعنـي‪ :‬جاء به‪ ,‬وأجاءه إلـينا وأشاءك‪ :‬من لغة تـميـم‪ ,‬وأجاءك من لغة أهل العال ـية‪,‬‬
‫وإنــما تأوّل مـن تأوّل ذلك بــمعنى‪ :‬ألــجأها‪ ,‬لن الــمخاض لــما جاءهـا إلــى جذع‬
‫النـخـلة‪ ,‬كان قد ألـجأها إلـيه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17787‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ قال‪ :‬الـمخاض ألـجأها‪.‬‬
‫‪17788‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ألـجأها الـمخاض‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬وقال ابن عبـاس‪ :‬ألـجأها الـمخاض‬
‫إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫‪17789‬ــ حدثنـا موسـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـبـاط‪ ,‬عـن السـديّ فأجاءَهـا‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَةِ يقول‪ :‬ألـجأها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫ض إلـى ِ‬
‫الـمَخا ُ‬
‫‪17790‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬اضطرّها إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫إلـى ِ‬
‫واختلفوا فـي أ يّ الـمكان الذي انتبذ تْ مريـم بعيسى لوضعه‪ ,‬وأجاءها إلـيه الـمخاض‪,‬‬
‫فقال بعضهـم‪ :‬كان ذلك فــي أدنـى أرض مصـر‪ ,‬وآخـر أرض الشأم‪ ,‬وذلك أنهـا هربـت مـن‬
‫قومها لـما حملت‪ ,‬فتوجهت نـحو مصر هاربة منهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17791‬ـ حدثنا مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد‬
‫الصمد بن معقِل‪ ,‬أنه سمع وهب بن منبه يقول‪ :‬لـما اشتـملت مريـم علـى الـحمل‪ ,‬كان‬
‫مع ها قَرا بة ل ها‪ ,‬يقال له يو سف الن ـجّار‪ ,‬وكا نا منطلق ـين إل ـى ال ـمسجد الذي ع ند ج بل‬
‫ص ْهيَون‪ ,‬وكان ذلك الـمسجد يؤمئذ من أعظم مساجدهم‪ ,‬فكانت مريـم ويوسف يخدمان فـي‬
‫ِ‬
‫ذلك ال ـمسجد‪ ,‬ف ـي ذلك الزمان‪ ,‬وكان ل ـخدمته ف ضل عظي ـم‪ ,‬فرغب ـا ف ـي ذلك‪ ,‬فكا نا‬
‫ي ـلـيان معال ـجته بأنفسهما‪ ,‬تـحبـيره وكنا سته وطهوره‪ ,‬وكلّ ع مل يع مل ف ـيه‪ ,‬وكان ل‬
‫يع مل من أ هل زمانه ما أ حد أشدّ اجتهادا وعب ـادة منه ما‪ ,‬فكان أوّل من أن كر حَمْل مري ـم‬
‫صاحُبها يوسف فلـما رأى الذي بها استفظعه‪ ,‬وعظُم علـيه‪ ,‬و ُفظِع به‪ ,‬فلـم يدر علـى ماذا‬
‫يضع أمرها‪ ,‬فإذا أراد يوسف أن يتهمها‪ ,‬ذكر صلحها وبراءتها‪ ,‬وأنها لـم تغب عنه ساعة‬
‫ق طّ وإذا أراد أن يبرئ ها‪ ,‬رأى الذي ظ هر عل ـيها فل ـما اشتدّ عل ـيه ذلك كلّ ـمها‪ ,‬فكان أوّل‬
‫حرَصت علـى‬
‫كلمه إياها أن قال لها‪ :‬إنه قد حدث فـي نفسي من أمرك أمر قد خشيته‪ ,‬وقد َ‬
‫أن أميته وأكتـمه فـي نفسي‪ ,‬فغلبنـي ذلك‪ ,‬فرأيت الكلم فـيه أشفـى لصدري‪ ,‬قالت‪ :‬فقل‬
‫قولً جميلً‪ ,‬قال‪ :‬ما ك نت لقول لك إل ذلك‪ ,‬فحدث ـينـي‪ ,‬هل ين بت زرع بغ ير بذر؟ قالت‪:‬‬
‫ن عم‪ ,‬قال‪ :‬فهل تن بت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت‪ :‬ن عم‪ ,‬قال‪ :‬ف هل يكون ولد من غ ير‬
‫ذكر؟ قالت‪ :‬نعم‪ ,‬ألـم تعلـم أن ال تبـارك وتعالـى أنبت الزرع يوم خـلقه من غير بذر‪,‬‬
‫والبذر يومئذ إنـما صار من الزرع الذي أنبته ال من غير بذر أو لـم تعلـم أن ال بقدرته‬
‫أن بت الش جر بغ ير غ يث‪ ,‬وأ نه ج عل بتلك القدرة الغ يث حياة للش جر ب عد ما خ ـلق كلّ وا حد‬
‫منه ما وحده‪ ,‬أم تقول‪ :‬لن يقدر ال عل ـى أن ين بت الش جر حت ـى ا ستعان عل ـيه ب ـالـماء‪,‬‬
‫ولول ذلك لــم يقدر علــى إنبــاته؟ قال يوسـف لهـا‪ :‬ل أقول هذا‪ ,‬ولكنــي أعلــم أن ال‬
‫تبـارك وتعالـى بقدرته علـى ما يشاء يقول لذلك كن فـيكون‪ ,‬قالت مريـم‪ :‬أو لـم تعلـم‬
‫أن ال تبـارك وتعالـى خـلق آدم وامرأته من غير أنثى ول ذكر؟ قال‪ :‬بلـى‪ ,‬فلـما قالت‬
‫له ذلك‪ ,‬وقع فـي نفسه أن الذي بها شيء من ال تبـارك وتعالـى‪ ,‬وأنه ل يسعه أن يسألها‬
‫عنه‪ ,‬وذلك لـما رأى من كتـمانها لذلك‪.‬‬
‫ثم تولـى يوسف خدمة الـمسجد‪ ,‬وكفـاها كلّ عمل كانت تعمل فـيه‪ ,‬وذلك لـما رأى من‬
‫رقة جسمها‪ ,‬واصفرار لونها‪ ,‬وكلف وجهها‪ ,‬ونتوّ بطنها‪ ,‬وضعف قوّتها‪ ,‬ودأب نظرها‪ ,‬ولـم‬
‫تكن مريـم قبل ذلك كذلك فلـما دنا نفـاسها أوحى ال إلـيها أن اخرجي من أرض قومك‪,‬‬
‫فإن هم إن ظفروا بك عيروك‪ ,‬وقتلوا ولدك‪ ,‬فأف ضت ذلك إل ـى أخت ها‪ ,‬وأخت ها حينئذ حُبل ـى‪,‬‬
‫وقد بشرت بـيحيى‪ ,‬فلـما التقـيا وجدت أ ّم يحيى ما فـي بطنها خرّ لوجهه ساجدا معترفـا‬
‫لعي سى‪ ,‬ف ـاحتـملها يو سف إل ـى أرض م صر عل ـى حمار له ل ـيس ب ـينها ح ين رك بت‬
‫وبـين الكاف شيء‪ ,‬فـانطلق يوسف بها حتـى إذا كان متاخما لرض مصر فـي منقطع‬
‫بلد قومها‪ ,‬أدرك مريـم النفـاس‪ ,‬ألـجأها إلـى آريّ حمار‪ ,‬يعنـي مذود الـحمار‪ ,‬وأصل‬
‫ن ـخـلة‪ ,‬وذلك ف ـي زمان أح سبه بردا أو حرّا «الش كّ من أب ـي جع فر»‪ ,‬ف ـاشتدّ عل ـى‬
‫مريـم الـمخاض فلـما وجدت منه شدّة التـجأت إلـى النـخـلة فـاحتضنتها واحتوشتها‬
‫الـملئكة‪ ,‬قاموا صفوفـا مـحدقـين بها‪.‬‬
‫وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا‪ ,‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪17792‬ـ حدثنا به ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ليتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬لـما حضر ولدُها‪ ,‬يعنـي مريـم‪ ,‬ووجدت ما تـجد الـمرأة من الطلق‪ ,‬خرجت‬
‫من الـمدينة مغربة من إيـلـياء‪ ,‬حتـى تدركها الولدة إلـى قرية من إيـلـياء علـى ستة‬
‫أميال يقال لهـا بــيت لــحم‪ ,‬فأجاءهـا الــمخاض إلــى أصـل نــخـلة إلــيها مذود بقرة‬
‫تـحتها ربـيع من الـماء‪ ,‬فوضعته عندها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل خر جت ل ـما ح ضر وضع ها ما ف ـي بطن ها إل ـى جا نب ال ـمـحراب‬
‫الشرق ـي م نه‪ ,‬فأ تت أق صاه فأل ـجأها ال ـمخاض إل ـى جِذع الن ـخـلة‪ ,‬وذلك قول ال سدي‪,‬‬
‫وقد ذكرت الرواية به قبل‪.‬‬
‫‪ 17793‬ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪:‬‬
‫أخبرنــي الــمغيرة بـن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت ابـن عبــاس يقول‪ :‬مـا هـي إل أن حملت‬
‫فوضعت‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬وأخبرن ـي‬
‫ت فولدتْ‪.‬‬
‫الـمغيرة بن عثمان بن عبد ال أنه سمع ابن عبـاس يقول‪ :‬لـيس إل أن حمل ْ‬
‫ت َقبْلَ َهذَا ذكر أنها قالت ذلك فـي حال الطلق استـحياء من الناس‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬يا لَـيْ َتنِـي مِ ّ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 17794‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت وهي‬
‫سيّا‪.‬‬
‫ت َقبْلَ َهذَا و ُكنْتُ َنسْيا َم ْن ِ‬
‫تطلق من الـحبل استـحياء من الناس‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي مِ ّ‬
‫ت ق بل هذا الكرب الذي أ نا ف ـيه‪ ,‬وال ـحزن بولدت ـي ال ـمولود من‬
‫تقول‪ :‬يا لـيتنـي م ّ‬
‫غيـر بَعْل‪ ,‬وكنـت نِسـيا منسـيا‪ :‬شيئا نُسـي فُترك طلبـه كخرق الــحيض التــي إذا ألقــيت‬
‫وطرحت لـم تطلب ولـم تذكر‪ ,‬وكذلك كل شيء نسي وترك ولـم يطلب فهو نسيّ‪ .‬ونسي‬
‫بفت ـح النون وك سرها لغتان معروفتان من لغات العرب ب ـمعنى وا حد‪ ,‬م ثل الوَ تر والوِ تر‪,‬‬
‫والــجَسر والــجِسر‪ ,‬وبأيتهمـا قرأ القاريـء فمصـيب عندنـا وبــالكسر قرأت عامـة قرّاء‬
‫ال ـحجاز وال ـمدينة والب صرة وب عض أ هل الكو فة وب ـالفتـح قرأه أ هل الكو فة وم نه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ت‬
‫ن تُـحَ ّد ْثكَ َتبْلَ ِ‬
‫غدَتْ وَإ ْ‬
‫صهُإذَا ما َ‬
‫ن َلهَا فِـي الرْضِ ِنسْيا تَ ُق ّ‬
‫كأ ّ‬
‫ويعن ـي بقوله‪ :‬تق صه‪ :‬تطل به‪ ,‬لن ها كا نت ن سيته حت ـى ضاع‪ ,‬ثم ذكر ته فطلب ته‪ ,‬ويعن ـي‬
‫بقوله‪ :‬تبلت‪ :‬ت ـحسن وت صدّق‪ ,‬ولو و جه الن سي إل ـى ال ـمصدر من الن سيان كان صوابـا‪,‬‬
‫وذلك أن العرب فـيـما ذكر عنها تقول‪ :‬نسيته نسيانا ونسيا‪ ,‬كما قال بعضهم من طاعة الربّ‬
‫وعصي الشيطان‪ ,‬يعنـي وعصيان‪ ,‬وكما تقول أتـيته إتـيانا وأتـيا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حرَامَا‬
‫َأتُـي ال َفوَاحِشِ فِـيهِمُ َم ْعرُوفَةٌويَرَ ْونَ ِفعْلَ الـ َم ْكرُماتِ َ‬
‫سيّا مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت‪ :‬لـيتنـي كنت الشيء الذي ألقـي‪ ,‬فترك‬
‫وقوله َمنْ ِ‬
‫ونسي‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17795‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت نَ سْيا‬
‫ل َهذَا و ُكنْ ُ‬
‫ت قَبْ َ‬
‫أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي مِ ّ‬
‫َم ْنسِيّا لـم أخـلق‪ ,‬ولـم أك شيئا‪.‬‬
‫ت نَ سْيا َمنْ سِيّا‬
‫‪ 17796‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ و ُكنْ ُ‬
‫يقول‪ :‬نِسيا‪ :‬نُسي ذكري‪ ,‬ومنسيا‪ :‬تقول‪ :‬نسي أثري‪ ,‬فل يُرى لـي أثر ول عين‪.‬‬
‫سيّا‪ :‬أي شيئا‬
‫ت نَسْيا َمنْ ِ‬
‫‪17797‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة و ُكنْ ُ‬
‫ل يعرف ول يذكر‪.‬‬
‫ت نَ سْيا‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله و ُكنْ ُ‬
‫َم ْنسِيّا قال‪ :‬ل أعرف ول يدري من أنا‪.‬‬
‫‪ 17798‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن أبـي‬
‫جعفر‪ ,‬عن الربـيع بن أنس َنسْيا َم ْنسِيّا قال‪ :‬هو السقط‪.‬‬
‫‪ 17799‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي‬
‫سيّا لـم أكن فـي الرض شيئا قط‪.‬‬
‫ت َنسْيا َم ْن ِ‬
‫مِتّ َقبْلَ َهذَا و ُكنْ ُ‬
‫س ِريّا‬
‫حتَ كِ َ‬
‫جعَلَ َربّ كِ َت ْ‬
‫ل َتحْ َزنِي َقدْ َ‬
‫حتِهَآ َأ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فنَادَاهَا مِن َت ْ‬
‫ج ِنيّا }‪.‬‬
‫ج ْذعِ ال ّنخْلَةِ ُتسَاقِطْ عََل ْيكِ ُرطَبا َ‬
‫* وَ ُه ّزىَ إَِل ْيكِ ِب ِ‬
‫ن تَ ـحْتِها‬
‫اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـحجاز والعراق فَنادَا ها مِ ْ‬
‫ب ـمعنى‪ :‬فنادا ها جبرائي ـل من ب ـين يدي ها عل ـى اختلف من هم ف ـي تأوي ـله ف من متأوّل‬
‫ن تـحْتِها كذلك ومن متأوّل منهم أنه عيسى‪ ,‬وأنه ناداها من تـحتها بعد ما‬
‫منهم إذا قرأه مِ ْ‬
‫حتِها» بفتـح التاءين من‬
‫ن تَـ ْ‬
‫ولدته‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة‪« :‬فَنادَاها مِ ْ‬
‫تـحت‪ ,‬بـمعنى‪ :‬فناداها الذي تـحتها‪ ,‬علـى أن الذي تـحتها عيسى‪ ,‬وأنه الذي نادى أمه‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬الذي ناداها من تـحتها الـمَلَك‪:‬‬
‫‪ 17800‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حتِها يعنـي‪ :‬جبرائيـل‪.‬‬
‫سمعت ابن عبـاس قرأ‪ :‬فَنادَاها ِمنْ تَـ ْ‬
‫‪ 17801‬ـ حدثنـي أحمد بن عبد ال أحمد بن يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبَثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪,‬‬
‫عن عمرو بن ميـمون الَوْديّ‪ ,‬قال‪ :‬الذي ناداها الـملك‪.‬‬
‫‪ 17802‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬أنه قرأ‪ :‬فخاطبها من تـحتها‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو هشام الرفــاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن العمـش‪ ,‬عـن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة‪ .‬أنه قرأ‪ :‬فخاطبها من تـحتها‪.‬‬
‫حدثنا الرفـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة أنه‬
‫قرأها كذلك‪.‬‬
‫‪ 17803‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫حتِها قال‪ :‬جبرائيـل‪.‬‬
‫الضحاك فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حتِها‪ :‬أي‬
‫ن تَـ ْ‬
‫‪ 17804‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فَنادَاها ِم ْ‬
‫من تـحت النـخـلة‪.‬‬
‫‪ 17805‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ فَنادَاها جبرائيـل‬
‫ح َزنِـي‪.‬‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫حتِها أ ْ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫‪ 17806‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‬
‫حتِها قال‪ :‬الـمَلَك‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫فَنادَاها مِ ْ‬
‫حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫حتِها يعنـي‪ :‬جبرائيـل كان أسفل منها‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫يقول فـي قوله فَنادَاها مِ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حتِها قال‪ :‬نادا ها جبرائي ـل ول ـم يتكل ـم عي سى‬
‫ن تَ ـ ْ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬فَنادَا ها مِ ْ‬
‫حتـى أتت قومها‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬ناداها عيسى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫‪17807‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حتِها قال‪ :‬عيسى بن مريـم‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ .‬وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17808‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن فَنادَاها مِ نْ‬
‫تَـحْتِها ابنها‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال الـحسن‪:‬‬
‫هو ابنها‪.‬‬
‫‪ 17809‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ح َزنِـي‪.‬‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫حتِها أ ْ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫منبه فَنادَاها عيسى مِ ْ‬
‫‪17810‬ـ حدثنـي أبو حميد أحمد بن الـمغيرة الـحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حتِها‬
‫حدثنا مـحمد بن مهاجر‪ ,‬عن ثابت بن عجلن‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قوله فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫قال عيسى‪ :‬أما تسمع ال يقول‪ :‬فأشارَتْ إلَـيْهِ‪.‬‬
‫حتِها قال‪:‬‬
‫‪ 17811‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فَنادَاها مِ نْ تَـ ْ‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‪.‬‬
‫ح َزنِـي َقدْ جَعل َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫عيسى ناداها‪ :‬أ ْ‬
‫‪ 17812‬ـ حُدثت عن عبد ال بن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الربـيع بن أنس‪ ,‬عن أبـي‬
‫العالـية الرياحيّ‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب قال‪ :‬الذي خاطبها هو الذي حملته فـي جوفها ودخـل‬
‫من فـيها‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عند نا قول من قال‪ :‬الذي نادا ها ابن ها عي سى‪,‬‬
‫وذلك أ نه من كنا ية ذكره أقرب م نه من ذ كر جبرائي ـل‪ ,‬فردّه عل ـى الذي هو أقرب إل ـيه‬
‫ت بِ ِه مَكانا‬
‫حمََلتْ ُه فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫أولـى من ردّه علـى الذي هو أبعد منه‪ ,‬أل ترى فـي سياق قوله ف َ‬
‫صيّا يعنـي به‪ :‬فحملت عيسى فـانتبذت به‪ ,‬ثم قـيـل‪ :‬فناداها نسقا علـى ذلك من ذكر‬
‫قَ ِ‬
‫عيسى والـخبر عنه‪ .‬ولعلة أخرى‪ ,‬وهي قوله‪ :‬فأشارَ تْ إلَـيْهِ ولـم تشر إل ـيه إن شاء ال‬
‫إل وقد علـمت أنه ناطق فـي حاله تلك‪ ,‬وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بـمخاطبته‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا و ما أ خبر ال ع نه أ نه قال ل ها‬
‫جعَلَ َربّ كِ تَ ـ ْ‬
‫ح َزنِـي َقدْ َ‬
‫ن ل تَ ـ ْ‬
‫إيا ها بقوله ل ها‪ :‬أ ْ‬
‫أشيري للقوم إل ـيه‪ ,‬ولو كان ذلك قولً من جبرائي ـل‪ ,‬لكان خ ـلـيقا أن يكون ف ـي ظا هر‬
‫الـخبر‪ ,‬مبـينا أن عيسى سينطق‪ ,‬ويحتـجّ عنها للقوم‪ ,‬وأمر منه لها بأن تشير إلـيه للقوم‬
‫إذا سألوها عن حالها وحاله‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويـل الذي بـيّنا‪ ,‬فبـين أن كلتا القراءتـين‪ ,‬أعنـي مِ نْ‬
‫حتِها بـالكسر‪ ,‬و«مَنْ تَـحْتَها» بـالفتـح صواب‪ .‬وذلك أنه إذا قرىء بـالكسر كان فـي‬
‫تَـ ْ‬
‫حتِها بـالفتـح كان الفعل لـمن وهو عيسى‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫قوله فَنادَاها ذكر من عيسى‪ :‬وإذا قرىء مِ ْ‬
‫ّكـ‬
‫جعَلَ َرب ِ‬
‫فتأويــل الكلم إذن‪ :‬فناداهـا الــمولد مـن تــحتها أن ل تــحزنـي يـا أمـه َقدْ َ‬
‫س ِريّا كما‪:‬‬
‫تَـحْ َتكِ َ‬
‫‪ 17813‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله فَنادَاها مِ نْ‬
‫حتِها أ نْ ل تَ ـحْ َزنِـي قالت‪ :‬وك يف ل أحزن وأ نت م عي‪ ,‬ل ذات زوج فأقول و من زوج‪,‬‬
‫تَ ـ ْ‬
‫ول م ـملوكة فأقول من سيدي‪ ,‬أ يّ ش يء عذري ع ند الناس يا لَ ـ ْي َتنِـي مِ تّ َقبْلَ َهذَا و ُكنْ تُ‬
‫سيّا فقال لها عيسى‪ :‬أنا أكفـيك الكلم‪.‬‬
‫َنسْيا َم ْن ِ‬
‫ي فــي هذا الــموضع‪ ,‬فقال بعضهـم‪:‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنـيّ بــالسر ّ‬
‫عنـي به‪ :‬النهر الصغير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17814‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَ ّبكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫البراء بن عازب َقدْ َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سرِيّا قال‪ :‬الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫سمعت البراء يقول فـي هذه الَية َقدْ َ‬
‫‪ 17815‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا وهو نهر عيسى‪.‬‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله َقدْ َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫سـ ِريّا قال‪ :‬السـريّ‪ :‬النهـر الذي كان‬
‫ّكـ تَــحْ َتكِ َ‬
‫جعَلَ َرب ِ‬
‫أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله َقدْ َ‬
‫تـحت مريـم حين ولدته كان يجري يسمى سَريا‪.‬‬
‫‪17816‬ـ حدثنـي أبو حصين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن ميـمون‬
‫س ِريّا قال‪ :‬السريّ‪ :‬نهر يُشرب منه‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَ ّبكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫الَ ْو ِديّ‪ ,‬قال فـي هذه الَية‪َ :‬قدْ َ‬
‫حدثنـا يعقوب وأبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا حصـين‪ ,‬عـن عمرو بـن‬
‫سرِيّا قال‪ :‬هو الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫ميـمون‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬قدْ َ‬
‫‪ 17817‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬نهر بـالسريانـية‪.‬‬
‫مـجاهد َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫قال ابن جريج‪ :‬نهر إلـى جنبها‪.‬‬
‫‪ 17818‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن‪:‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَبّ كِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫الـحسن‪ ,‬فـي قوله َقدْ َ‬
‫إن السريّ‪ :‬الـجدول‪ ,‬فقال‪ :‬غلبتنا علـيك المراء‪.‬‬
‫‪ 17819‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ب كر بن عياش‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا قال‪ :‬هو الـجدول‪ ,‬النهر الصغير‪,‬‬
‫ل َربّ كِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير قَدْ َ‬
‫وهو بـالنبطية‪ :‬السريّ‪.‬‬
‫حدثنـي أبو حميد الـحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن مهاجر‪,‬‬
‫عن ثابت بن عجلن قال‪ :‬سألت سعيد بن جبـير‪ ,‬عن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬نهر‪.‬‬
‫‪17820‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬النهـر‬
‫الصغير‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬أنه قال‪ :‬هو النهر‬
‫س ِريّا‪.‬‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـحْ َتكِ َ‬
‫الصغير‪ :‬يعنـي الـجدول‪ ,‬يعنـي قوله قَ ْد َ‬
‫‪ 17821‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سلـمة بن نب ـيط‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جدول صغير بـالسريانـية‪.‬‬
‫حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‪ :‬الـجدول الصغير من النهار‪.‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله تَـ ْ‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‬
‫ل َربّكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫‪17822‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َقدْ َ‬
‫والسريّ‪ :‬هو الـجدول‪ ,‬تسميه أهل الـحجاز‪.‬‬
‫‪ 17823‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬فـي قوله سَ ِريّا قال‪:‬‬
‫هو جدول‪.‬‬
‫‪ 17824‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم وعن وهب بن‬
‫سرِيّا يعنـي ربـيع الـماء‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫منبه َقدْ َ‬
‫‪ 17825‬ـ حدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ َقدْ‬
‫س ِريّا والسريّ‪ :‬هو النهر‪.‬‬
‫حتَكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به عيسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعَلَ‬
‫‪ 17826‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ال ـحسن َقدْ َ‬
‫س ِريّا والسريّ‪ :‬عيسى نفسه‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ك تَـ ْ‬
‫َربّ ِ‬
‫جعَلَ َربّكِ‬
‫‪17827‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َقدْ َ‬
‫ي ش يء أ سرى م نه‪ ,‬قال‪ :‬والذ ين يقولون‪ :‬ال سريّ‪ :‬هو‬
‫س ِريّا يعن ـي نف سه‪ ,‬قال‪ :‬وأ ّ‬
‫ح َتكِ َ‬
‫تَ ـ ْ‬
‫النهـر لــيس كذلك النهـر‪ ,‬لو كان النهـر لكان إنــما يكون إلــى جنبهـا‪ ,‬ول يكون النهـر‬
‫تـحتها‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب ق ـيـل من قال‪ :‬ع نى به‬
‫الـجدول‪ ,‬وذلك أنه أعلـمها ما قد أعطاها ال من الـماء الذي جعله عندها‪ ,‬وقال لها وَ ُهزّي‬
‫ش َربِـي من‬
‫جنِـيّا فَكُلِـي من هذا الرطب وَا ْ‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَ ِة تُساقِطْ عَلَـ ْيكِ ُرطَبـا َ‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫ي معروف من كلم العرب أنه النهر الصغير ومنه قول‬
‫عيْنا بولدك‪ ,‬والسر ّ‬
‫هذا الـماء َو َقرّي َ‬
‫لبـيد‪:‬‬
‫لمُها‬
‫سجُورَ ًة ُمتَـجاوِرا قُ ّ‬
‫ض السّ ِريّ َوصَدّعا َم ْ‬
‫عرْ َ‬
‫َفتَ َوسّطا ُ‬
‫ويُروى‪ :‬مثلـما مسجورة‪ ,‬ويُروى أيضا‪ :‬فغارا‪.‬‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَ ِة ذكر أن الـجذع كان جذعا يابسا‪ ,‬وأمرها أن تهزّه‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫وذلك فـي أيام الشتاء‪ ,‬وهزّها إياه كان تـحريكه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17828‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَ ُهزّي‬
‫جذْعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬حركيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫‪ 17829‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَةِ قال‪ :‬كان جذعا يابسا‪ ,‬فقال لها‪:‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫جنِـيّا‪.‬‬
‫ك رُطَبـا َ‬
‫هزّيه تُساقِطْ عَلَـيْ ِ‬
‫‪ 17830‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبـا نهيك يقول‪ :‬كانت نـخـلة يابسة‪.‬‬
‫‪17831‬ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جذْ عِ‬
‫ثنـي عبد الصمد بن معقل قال‪ :‬سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫النّـخْـلَ ِة فكان الرطب يتساقط علـيها وذلك فـي الشتاء‪.‬‬
‫‪17832‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وَ ُهزّي‬
‫جذْعِ النّـخْـلَةِ‪ :‬وكان جذعا منها مقطوعا فهزّته‪ ,‬فإذا هو نـخـلة‪ ,‬وأُجري لها فـي‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫عيْنا‪.‬‬
‫ش َربِـي َوقَرّي َ‬
‫الـمـحراب نهر‪ ,‬فتساقطت النـخـلة رطبـا جنـيا فَقال لها‪ :‬كُلِـي وَا ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وهزّي إلـيك بـالنـخـلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17833‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬النـخـلة‪.‬‬
‫وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عيسى بن مي ـمون‪ ,‬عن‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬العجوة‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫‪ 17834‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن ميـمون‪,‬‬
‫جنِ ـيّا قال‪ :‬فقال‬
‫جذْ عِ النّ ـخْـلَ ِة تُ سا ِقطْ عَلَ ـ ْيكِ ُرطَب ـا َ‬
‫أ نه تل هذه الَ ية‪ :‬وَ ُهزّي إلَ ـ ْيكِ ِب ِ‬
‫عمرو‪ :‬ما من شيء خير للنفساء من التـمر والرطب‪.‬‬
‫جذْع ِـ النّــخْـلَ ِة كمـا يقال‪ :‬زوجتـك فلنـة‪,‬‬
‫وأدخــلت البــاء فــي قوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَــْيكِ ِب ِ‬
‫وزوّج تك بفل نة وك ما قال َت ْنبُ تُ بِ ـالدّهْنِ ب ـمعنى‪ :‬تن بت الد هن‪ .‬وإن ـما تف عل العرب بذلك‪,‬‬
‫لن الفعال تكنى عنها بـالبـاء‪ ,‬فـيقال إذا كنـيت عن ضربت عمرا‪ :‬فعلت به‪ ,‬وكذلك كلّ‬
‫فعـل‪ ,‬فلذلك تدخــل البــاء فــي الفعال وتــخرِج‪ ,‬فــيكون دخولهـا وخروجهـا بــمعنى‪,‬‬
‫فمع نى الكلم‪ :‬وهزّي إل ـيك جذع الن ـخـلة و قد كان لو أن ال ـمفسرين كانوا ف سروه كذلك‪:‬‬
‫وهزّي إلــيك رطبــا بجذع النــخـلة‪ ,‬بــمعنى‪ :‬علــى جذع النــخـلة‪ ,‬وجهـا صـحيحا‪,‬‬
‫ول كن ل ست أح فظ عن أ حد أ نه ف سره كذلك‪ .‬و من الشا هد عل ـى دخول الب ـاء ف ـي مو ضع‬
‫دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر‪:‬‬
‫شبَهانِ‬
‫صدْرُهُوأسْفَُلهُ بـالـمَرْخِ وال ّ‬
‫س ْدرَ َ‬
‫ِبوَادٍ يَـمانٍ ُي ْنبِتُ ال ّ‬
‫واختلف القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬تُ سَا ِقطْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء ال ـمدينة والب صرة والكو فة‪:‬‬
‫«تَسـّاقَطُ» بــالتاء مـن تسـاقط وتشديـد السـين‪ ,‬بــمعنى‪ :‬تتسـاقط علــيك النــخـلة رطبــا‬
‫جنـيا‪ ,‬ثم تُدغم إحدى التاءين فـي الخرى فتشدد‪ ,‬وكأن الذين قرأوا ذلك كذلك وجهوا معنى‬
‫الكلم إلــي‪ :‬وهزّي إلــيك بجذع النــخـلة تسـاقط النــخـلة علــيك رطبــا‪ .‬وقرأ ذلك‬
‫بعض قرّاء الكوفة‪« :‬تَساقَطُ» بـالتاء وتـخفـيف السين‪ ,‬ووجه معنى الكلم‪ ,‬إلـى مثل ما‬
‫و جه إل ـيه مشدّدو ها‪ ,‬غ ير أن هم خالفو هم ف ـي القراءة‪ .‬ورُوي عن البراء بن عازب أ نه قرأ‬
‫ذلك‪« :‬يُساقِط» بـالـياء‪.‬‬
‫‪ 17835‬ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬عن جرير بن‬
‫حازم‪ ,‬عن أب ـي إسحاق قال‪ :‬سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك‪ ,‬وكأ نه و جه مع نى الكلم‬
‫إلـي‪ :‬وهزّي إلـيك بجذع النـخـلة يتساقط الـجذع علـيك رطبـا جنـيا‪.‬‬
‫ورُوي عن أبـي نهيك أنه كان يقرؤه‪ُ « :‬تسْ ِقطُ» بضمّ التاء وإساقط اللف‪.‬‬
‫‪ 17836‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سـمعت أبــا َنهِيـك يقرؤه كذلك‪ ,‬وكأنـه وجـه معنـى الكلم إلــي‪ :‬تسـقط النــخـلة علــيك‬
‫رطبـا جنـيا‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إن هذه القراءات الثلث‪,‬‬
‫أعنـي تَ سّا َقطُ بـالتاء وتشديد السين‪ ,‬وبـالتاء وتـخفـيف السين‪ ,‬وبـالـياء وتشديد السين‪,‬‬
‫قراءات متقارب ـات ال ـمعانـي‪ ,‬قد قرأ ب كل واحدة منه نّ قرّاء أ هل معر فة ب ـالقرآن‪ ,‬فبأ يّ‬
‫ذلك قرأ القارىء فم صيب ال صواب ف ـيه‪ ,‬وذلك أن ال ـجذع إذا ت ساقط رطب ـا‪ ,‬و هو ثا بت‬
‫غير مقطوع‪ ,‬فقد تساقطت النـخـلة رطبـا‪ ,‬وإذا تساقطت النـخـلة رطبـا‪ ,‬فقد تساقطت‬
‫النـخـلة بأجمعها‪ ,‬جذعها وغير جذعها‪ ,‬وذلك أن النـخـلة ما دامت قائمة علـى أصلها‪,‬‬
‫فإن ـما هي جذع وجر يد و سعف‪ ,‬فإذا قط عت صارت جذ عا‪ ,‬ف ـالـجذع الذي أمرت مري ـم‬
‫بهزّه لـم يذكر أحد نعلـمه أنه كان جذعا مقطوعا غير السديّ‪ ,‬وقد زعم أنه عاد بهزّها إياه‬
‫ن ـخـلة‪ ,‬ف قد صار معناه ومع نى من قال‪ :‬كان ال ـمتساقط عل ـيها رطب ـا ن ـخـلة واحدا‪,‬‬
‫فتبـين بذلك صحة ما قلنا‪.‬‬
‫ل فصـرف إلــى فعيــل‬
‫جنِــيّا يعنــي مــجنـيا وإنــما كان أصـله مفعو ً‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫وال ـمـجنـي‪ :‬ال ـمأخوذ طر يا‪ ,‬و كل ما أ خذ من ثمرة‪ ,‬أو ن قل من موض عه بطراو ته ف قد‬
‫اجتنـي‪ ,‬ولذلك قـيـل‪ :‬فلن يجتنـي الكمأة ومنه قول ابن أخت جذيـمة‪:‬‬
‫ل جانٍ َيدُ ُه إلـى فِـيهْ‬
‫َهذَا جَنايَ وخِيارُ ُه فِـيهْإذْ كُ ّ‬

‫‪25‬‬ ‫و‬ ‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صيّا * َفَأجَآءَهَا ا ْل َمخَا ضُ إَِلىَ‬
‫حمََلتْ هُ فَا ْنتَ َبذَ تْ بِ هِ َمكَانا قَ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{:‬فَ َ‬
‫سيّا }‪.‬‬
‫ت َنسْيا مّن ِ‬
‫ت َقبْلَ هَـذَا َوكُن ُ‬
‫ت يََل ْيتَنِي مِ ّ‬
‫ج ْذعِ ال ّنخْلَةِ قَالَ ْ‬
‫ِ‬
‫ن رُوحِنا‬
‫وفـي هذا الكلم متروك ُترِك ذكره استغناء بدللة ما ذكر منه عنه َفنَ َفخْنا فِـي ِه مِ ْ‬
‫ت بِ ِه مَكانا قَصيّا وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حمََلتْ ُه فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫بغلم ف َ‬
‫‪17781‬ـ حدثنـي مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد‬
‫الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه‪ ,‬قال‪ :‬سمعت وهبـا قال‪ :‬لـما أرسل ال جبريـل‬
‫ت تَقِـيّا ثم‬
‫ن ُكنْ َ‬
‫ن ِمنْ كَ إ ْ‬
‫حمَ ِ‬
‫إلـى مريـم تـمثّل لها بشرا سويا فقالت له‪ :‬إنّـي أعُو ُذ بـالرّ ْ‬
‫نفخ فـي جيب درعها حتـى وصلت النفخة إلـى الرحم فـاشتـملت‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬ع من ل يت هم‪ ,‬عن و هب بن من به‬
‫الـيـمانـي‪ ,‬قال‪ :‬لـما قال ذلك‪ ,‬يعنـي لـما قال جبريـل قالَ كذل كِ قالَ َربّ كَ هُوَ عَلـيّ‬
‫َهيّنٌ‪ ...‬الَية استسلـمت لمر ال‪ ,‬فنفخ فـي جيبها ثم انصرف عنها‪.‬‬
‫‪ 17782‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬طرحَ تْ‬
‫علـيها جلبـابها لـما قال جبريـل ذلك لها‪ ,‬فأخذ جبريـل بكميها‪ ,‬فنفخ فـي جيب درعها‪,‬‬
‫وكان مشقوقا من قُدامها‪ ,‬فدخـلت النفخة صدرها‪ ,‬فحملت‪ ,‬فأتتها أختها امرأة زكريا لـيـلة‬
‫تزور ها فل ـما فت ـحت ل ها الب ـاب التزمت ها‪ ,‬فقالت امرأة زكر يا‪ :‬يا مري ـم أشعرت أن ـي‬
‫حبلـى‪ ,‬قالت مريـم‪ :‬أشعرت أيضا أنـي حُبلـى‪ ,‬قالت امرأة زكريا‪ :‬إنـي وجدت ما فـي‬
‫صدّقا بكَلِـمَ ٍة مِنَ الّلهِ‪.‬‬
‫بطنـي يسجد لـما فـي بطنك‪ ,‬فذلك قوله ُم َ‬
‫‪17783‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬إنه إنـما نفخ فـي جيب درعها وكمها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فـا ْنتَ َبذَتْ ِبهِ مَكانا َقصِيّا يقول‪ :‬فـاعتزلت بـالذي حملته‪ ,‬وهو عيسى‪ ,‬وتنـحّت به‬
‫عن الناس مكا نا قَ صِيا يقول‪ :‬مكا نا نائ يا قا صيا عن الناس‪ ,‬يقال‪ :‬هو ب ـمكان قاص‪ ,‬وق صيّ‬
‫بـمعنى واحد‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ص ّي ِمنّـي ذي القاذُورَةِ الـمَقْلِـيّ‬
‫ن مَ ْق َعدَ ال َق ِ‬
‫َلتَ ْق ُعدِ ّ‬
‫يقال منه‪ :‬قصا الـمكان يقصو قصوا‪ :‬إذا تبـاعد‪ ,‬وأقصيت الشيء‪ :‬إذا أبعدته وأخّرته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17784‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫صيّا قال‪ :‬مكانا نائيا‪.‬‬
‫ت بِهِ مَكانا َق ِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫‪ 17785‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫صيّا قال‪ :‬قاصيا‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مَكانا َق ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17786‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما بلغ أن‬
‫تضع مريـم‪ ,‬خرجت إلـى جانب الـمـحراب الشرقـي منه فأتت أقصاه‪.‬‬
‫جذْعِ النّـخْـلَ ِة يقول تعالـى ذكره‪ :‬فجاء بها الـمخاض‬
‫وقوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ إلـى ِ‬
‫إلـى جذع النـخـلة‪ ,‬ثم قـيـل‪ :‬لـما أسقطت البـاء منه أجاءها‪ ,‬كما يقال‪ :‬أتـيتك بزيد‪,‬‬
‫فإذا حذفت البـاء قـيـل آتـيتك زيدا‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬آتُونِـي ُز ُبرَ الـحَدِيدِ والـمعنى‪:‬‬
‫ائتونــي بزُبَر الــحديد‪ ,‬ولكـن اللف ُمدّت لــما حذفـت البــاء‪ ,‬وكمـا قالوا‪ :‬خرجـت بـه‬
‫وأخرجته‪ ,‬وذهبت به وأذهبته‪ ,‬وإنـما هو أفعل من الـمـجيء‪ ,‬كما يقال‪ :‬جاء هو‪ ,‬وأجأته‬
‫أنـا‪ :‬أي جئت بـه‪ ,‬ومثـل مـن أمثال العرب‪« :‬شرّ مـا أجاءنــي إلــى مُخّة عرقوب»‪ ,‬وأشاء‬
‫ويقال‪ :‬شرّ ما ُيجِيئك و ُيشِيئك إلـى ذلك ومنه قول زهير‪:‬‬
‫وَجارٍ سارَ ُم ْعتَـمِدا إلَـيْ ُكمْأجا َءتْهُ الـمَـحافَةُ وَالرّجاءُ‬
‫يعنـي‪ :‬جاء به‪ ,‬وأجاءه إلـينا وأشاءك‪ :‬من لغة تـميـم‪ ,‬وأجاءك من لغة أهل العال ـية‪,‬‬
‫وإنــما تأوّل مـن تأوّل ذلك بــمعنى‪ :‬ألــجأها‪ ,‬لن الــمخاض لــما جاءهـا إلــى جذع‬
‫النـخـلة‪ ,‬كان قد ألـجأها إلـيه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17787‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ قال‪ :‬الـمخاض ألـجأها‪.‬‬
‫‪17788‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ألـجأها الـمخاض‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬وقال ابن عبـاس‪ :‬ألـجأها الـمخاض‬
‫إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫‪17789‬ــ حدثنـا موسـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـبـاط‪ ,‬عـن السـديّ فأجاءَهـا‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَةِ يقول‪ :‬ألـجأها الـمخاض إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫ض إلـى ِ‬
‫الـمَخا ُ‬
‫‪17790‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فأجاءَها الـمَخاضُ‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬اضطرّها إلـى جذع النـخـلة‪.‬‬
‫إلـى ِ‬
‫واختلفوا فـي أ يّ الـمكان الذي انتبذ تْ مريـم بعيسى لوضعه‪ ,‬وأجاءها إلـيه الـمخاض‪,‬‬
‫فقال بعضهـم‪ :‬كان ذلك فــي أدنـى أرض مصـر‪ ,‬وآخـر أرض الشأم‪ ,‬وذلك أنهـا هربـت مـن‬
‫قومها لـما حملت‪ ,‬فتوجهت نـحو مصر هاربة منهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17791‬ـ حدثنا مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد‬
‫الصمد بن معقِل‪ ,‬أنه سمع وهب بن منبه يقول‪ :‬لـما اشتـملت مريـم علـى الـحمل‪ ,‬كان‬
‫مع ها قَرا بة ل ها‪ ,‬يقال له يو سف الن ـجّار‪ ,‬وكا نا منطلق ـين إل ـى ال ـمسجد الذي ع ند ج بل‬
‫ص ْهيَون‪ ,‬وكان ذلك الـمسجد يؤمئذ من أعظم مساجدهم‪ ,‬فكانت مريـم ويوسف يخدمان فـي‬
‫ِ‬
‫ذلك ال ـمسجد‪ ,‬ف ـي ذلك الزمان‪ ,‬وكان ل ـخدمته ف ضل عظي ـم‪ ,‬فرغب ـا ف ـي ذلك‪ ,‬فكا نا‬
‫ي ـلـيان معال ـجته بأنفسهما‪ ,‬تـحبـيره وكنا سته وطهوره‪ ,‬وكلّ ع مل يع مل ف ـيه‪ ,‬وكان ل‬
‫يع مل من أ هل زمانه ما أ حد أشدّ اجتهادا وعب ـادة منه ما‪ ,‬فكان أوّل من أن كر حَمْل مري ـم‬
‫صاحُبها يوسف فلـما رأى الذي بها استفظعه‪ ,‬وعظُم علـيه‪ ,‬و ُفظِع به‪ ,‬فلـم يدر علـى ماذا‬
‫يضع أمرها‪ ,‬فإذا أراد يوسف أن يتهمها‪ ,‬ذكر صلحها وبراءتها‪ ,‬وأنها لـم تغب عنه ساعة‬
‫ق طّ وإذا أراد أن يبرئ ها‪ ,‬رأى الذي ظ هر عل ـيها فل ـما اشتدّ عل ـيه ذلك كلّ ـمها‪ ,‬فكان أوّل‬
‫حرَصت علـى‬
‫كلمه إياها أن قال لها‪ :‬إنه قد حدث فـي نفسي من أمرك أمر قد خشيته‪ ,‬وقد َ‬
‫أن أميته وأكتـمه فـي نفسي‪ ,‬فغلبنـي ذلك‪ ,‬فرأيت الكلم فـيه أشفـى لصدري‪ ,‬قالت‪ :‬فقل‬
‫قولً جميلً‪ ,‬قال‪ :‬ما ك نت لقول لك إل ذلك‪ ,‬فحدث ـينـي‪ ,‬هل ين بت زرع بغ ير بذر؟ قالت‪:‬‬
‫ن عم‪ ,‬قال‪ :‬فهل تن بت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت‪ :‬ن عم‪ ,‬قال‪ :‬ف هل يكون ولد من غ ير‬
‫ذكر؟ قالت‪ :‬نعم‪ ,‬ألـم تعلـم أن ال تبـارك وتعالـى أنبت الزرع يوم خـلقه من غير بذر‪,‬‬
‫والبذر يومئذ إنـما صار من الزرع الذي أنبته ال من غير بذر أو لـم تعلـم أن ال بقدرته‬
‫أن بت الش جر بغ ير غ يث‪ ,‬وأ نه ج عل بتلك القدرة الغ يث حياة للش جر ب عد ما خ ـلق كلّ وا حد‬
‫منه ما وحده‪ ,‬أم تقول‪ :‬لن يقدر ال عل ـى أن ين بت الش جر حت ـى ا ستعان عل ـيه ب ـالـماء‪,‬‬
‫ولول ذلك لــم يقدر علــى إنبــاته؟ قال يوسـف لهـا‪ :‬ل أقول هذا‪ ,‬ولكنــي أعلــم أن ال‬
‫تبـارك وتعالـى بقدرته علـى ما يشاء يقول لذلك كن فـيكون‪ ,‬قالت مريـم‪ :‬أو لـم تعلـم‬
‫أن ال تبـارك وتعالـى خـلق آدم وامرأته من غير أنثى ول ذكر؟ قال‪ :‬بلـى‪ ,‬فلـما قالت‬
‫له ذلك‪ ,‬وقع فـي نفسه أن الذي بها شيء من ال تبـارك وتعالـى‪ ,‬وأنه ل يسعه أن يسألها‬
‫عنه‪ ,‬وذلك لـما رأى من كتـمانها لذلك‪.‬‬
‫ثم تولـى يوسف خدمة الـمسجد‪ ,‬وكفـاها كلّ عمل كانت تعمل فـيه‪ ,‬وذلك لـما رأى من‬
‫رقة جسمها‪ ,‬واصفرار لونها‪ ,‬وكلف وجهها‪ ,‬ونتوّ بطنها‪ ,‬وضعف قوّتها‪ ,‬ودأب نظرها‪ ,‬ولـم‬
‫تكن مريـم قبل ذلك كذلك فلـما دنا نفـاسها أوحى ال إلـيها أن اخرجي من أرض قومك‪,‬‬
‫فإن هم إن ظفروا بك عيروك‪ ,‬وقتلوا ولدك‪ ,‬فأف ضت ذلك إل ـى أخت ها‪ ,‬وأخت ها حينئذ حُبل ـى‪,‬‬
‫وقد بشرت بـيحيى‪ ,‬فلـما التقـيا وجدت أ ّم يحيى ما فـي بطنها خرّ لوجهه ساجدا معترفـا‬
‫لعي سى‪ ,‬ف ـاحتـملها يو سف إل ـى أرض م صر عل ـى حمار له ل ـيس ب ـينها ح ين رك بت‬
‫وبـين الكاف شيء‪ ,‬فـانطلق يوسف بها حتـى إذا كان متاخما لرض مصر فـي منقطع‬
‫بلد قومها‪ ,‬أدرك مريـم النفـاس‪ ,‬ألـجأها إلـى آريّ حمار‪ ,‬يعنـي مذود الـحمار‪ ,‬وأصل‬
‫ن ـخـلة‪ ,‬وذلك ف ـي زمان أح سبه بردا أو حرّا «الش كّ من أب ـي جع فر»‪ ,‬ف ـاشتدّ عل ـى‬
‫مريـم الـمخاض فلـما وجدت منه شدّة التـجأت إلـى النـخـلة فـاحتضنتها واحتوشتها‬
‫الـملئكة‪ ,‬قاموا صفوفـا مـحدقـين بها‪.‬‬
‫وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا‪ ,‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪17792‬ـ حدثنا به ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ليتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬لـما حضر ولدُها‪ ,‬يعنـي مريـم‪ ,‬ووجدت ما تـجد الـمرأة من الطلق‪ ,‬خرجت‬
‫من الـمدينة مغربة من إيـلـياء‪ ,‬حتـى تدركها الولدة إلـى قرية من إيـلـياء علـى ستة‬
‫أميال يقال لهـا بــيت لــحم‪ ,‬فأجاءهـا الــمخاض إلــى أصـل نــخـلة إلــيها مذود بقرة‬
‫تـحتها ربـيع من الـماء‪ ,‬فوضعته عندها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل خر جت ل ـما ح ضر وضع ها ما ف ـي بطن ها إل ـى جا نب ال ـمـحراب‬
‫الشرق ـي م نه‪ ,‬فأ تت أق صاه فأل ـجأها ال ـمخاض إل ـى جِذع الن ـخـلة‪ ,‬وذلك قول ال سدي‪,‬‬
‫وقد ذكرت الرواية به قبل‪.‬‬
‫‪ 17793‬ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪:‬‬
‫أخبرنــي الــمغيرة بـن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت ابـن عبــاس يقول‪ :‬مـا هـي إل أن حملت‬
‫فوضعت‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬وأخبرن ـي‬
‫ت فولدتْ‪.‬‬
‫الـمغيرة بن عثمان بن عبد ال أنه سمع ابن عبـاس يقول‪ :‬لـيس إل أن حمل ْ‬
‫ت َقبْلَ َهذَا ذكر أنها قالت ذلك فـي حال الطلق استـحياء من الناس‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬يا لَـيْ َتنِـي مِ ّ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 17794‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت وهي‬
‫سيّا‪.‬‬
‫ت َقبْلَ َهذَا و ُكنْتُ َنسْيا َم ْن ِ‬
‫تطلق من الـحبل استـحياء من الناس‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي مِ ّ‬
‫ت ق بل هذا الكرب الذي أ نا ف ـيه‪ ,‬وال ـحزن بولدت ـي ال ـمولود من‬
‫تقول‪ :‬يا لـيتنـي م ّ‬
‫غيـر بَعْل‪ ,‬وكنـت نِسـيا منسـيا‪ :‬شيئا نُسـي فُترك طلبـه كخرق الــحيض التــي إذا ألقــيت‬
‫وطرحت لـم تطلب ولـم تذكر‪ ,‬وكذلك كل شيء نسي وترك ولـم يطلب فهو نسيّ‪ .‬ونسي‬
‫بفت ـح النون وك سرها لغتان معروفتان من لغات العرب ب ـمعنى وا حد‪ ,‬م ثل الوَ تر والوِ تر‪,‬‬
‫والــجَسر والــجِسر‪ ,‬وبأيتهمـا قرأ القاريـء فمصـيب عندنـا وبــالكسر قرأت عامـة قرّاء‬
‫ال ـحجاز وال ـمدينة والب صرة وب عض أ هل الكو فة وب ـالفتـح قرأه أ هل الكو فة وم نه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ت‬
‫ن تُـحَ ّد ْثكَ َتبْلَ ِ‬
‫غدَتْ وَإ ْ‬
‫صهُإذَا ما َ‬
‫ن َلهَا فِـي الرْضِ ِنسْيا تَ ُق ّ‬
‫كأ ّ‬
‫ويعن ـي بقوله‪ :‬تق صه‪ :‬تطل به‪ ,‬لن ها كا نت ن سيته حت ـى ضاع‪ ,‬ثم ذكر ته فطلب ته‪ ,‬ويعن ـي‬
‫بقوله‪ :‬تبلت‪ :‬ت ـحسن وت صدّق‪ ,‬ولو و جه الن سي إل ـى ال ـمصدر من الن سيان كان صوابـا‪,‬‬
‫وذلك أن العرب فـيـما ذكر عنها تقول‪ :‬نسيته نسيانا ونسيا‪ ,‬كما قال بعضهم من طاعة الربّ‬
‫وعصي الشيطان‪ ,‬يعنـي وعصيان‪ ,‬وكما تقول أتـيته إتـيانا وأتـيا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حرَامَا‬
‫َأتُـي ال َفوَاحِشِ فِـيهِمُ َم ْعرُوفَةٌويَرَ ْونَ ِفعْلَ الـ َم ْكرُماتِ َ‬
‫سيّا مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت‪ :‬لـيتنـي كنت الشيء الذي ألقـي‪ ,‬فترك‬
‫وقوله َمنْ ِ‬
‫ونسي‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17795‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت نَ سْيا‬
‫ل َهذَا و ُكنْ ُ‬
‫ت قَبْ َ‬
‫أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي مِ ّ‬
‫َم ْنسِيّا لـم أخـلق‪ ,‬ولـم أك شيئا‪.‬‬
‫ت نَ سْيا َمنْ سِيّا‬
‫‪ 17796‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ و ُكنْ ُ‬
‫يقول‪ :‬نِسيا‪ :‬نُسي ذكري‪ ,‬ومنسيا‪ :‬تقول‪ :‬نسي أثري‪ ,‬فل يُرى لـي أثر ول عين‪.‬‬
‫سيّا‪ :‬أي شيئا‬
‫ت نَسْيا َمنْ ِ‬
‫‪17797‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة و ُكنْ ُ‬
‫ل يعرف ول يذكر‪.‬‬
‫ت نَ سْيا‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله و ُكنْ ُ‬
‫َم ْنسِيّا قال‪ :‬ل أعرف ول يدري من أنا‪.‬‬
‫‪ 17798‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن أبـي‬
‫جعفر‪ ,‬عن الربـيع بن أنس َنسْيا َم ْنسِيّا قال‪ :‬هو السقط‪.‬‬
‫‪ 17799‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي‬
‫سيّا لـم أكن فـي الرض شيئا قط‪.‬‬
‫ت َنسْيا َم ْن ِ‬
‫مِتّ َقبْلَ َهذَا و ُكنْ ُ‬
‫س ِريّا‬
‫حتَ كِ َ‬
‫جعَلَ َربّ كِ َت ْ‬
‫ل َتحْ َزنِي َقدْ َ‬
‫حتِهَآ َأ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فنَادَاهَا مِن َت ْ‬
‫ج ِنيّا }‪.‬‬
‫ج ْذعِ ال ّنخْلَةِ ُتسَاقِطْ عََل ْيكِ ُرطَبا َ‬
‫* وَ ُه ّزىَ إَِل ْيكِ ِب ِ‬
‫ن تَ ـحْتِها‬
‫اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـحجاز والعراق فَنادَا ها مِ ْ‬
‫ب ـمعنى‪ :‬فنادا ها جبرائي ـل من ب ـين يدي ها عل ـى اختلف من هم ف ـي تأوي ـله ف من متأوّل‬
‫ن تـحْتِها كذلك ومن متأوّل منهم أنه عيسى‪ ,‬وأنه ناداها من تـحتها بعد ما‬
‫منهم إذا قرأه مِ ْ‬
‫حتِها» بفتـح التاءين من‬
‫ن تَـ ْ‬
‫ولدته‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة‪« :‬فَنادَاها مِ ْ‬
‫تـحت‪ ,‬بـمعنى‪ :‬فناداها الذي تـحتها‪ ,‬علـى أن الذي تـحتها عيسى‪ ,‬وأنه الذي نادى أمه‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬الذي ناداها من تـحتها الـمَلَك‪:‬‬
‫‪ 17800‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حتِها يعنـي‪ :‬جبرائيـل‪.‬‬
‫سمعت ابن عبـاس قرأ‪ :‬فَنادَاها ِمنْ تَـ ْ‬
‫‪ 17801‬ـ حدثنـي أحمد بن عبد ال أحمد بن يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبَثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪,‬‬
‫عن عمرو بن ميـمون الَوْديّ‪ ,‬قال‪ :‬الذي ناداها الـملك‪.‬‬
‫‪ 17802‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬أنه قرأ‪ :‬فخاطبها من تـحتها‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو هشام الرفــاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن العمـش‪ ,‬عـن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة‪ .‬أنه قرأ‪ :‬فخاطبها من تـحتها‪.‬‬
‫حدثنا الرفـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬عن علقمة أنه‬
‫قرأها كذلك‪.‬‬
‫‪ 17803‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫حتِها قال‪ :‬جبرائيـل‪.‬‬
‫الضحاك فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حتِها‪ :‬أي‬
‫ن تَـ ْ‬
‫‪ 17804‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فَنادَاها ِم ْ‬
‫من تـحت النـخـلة‪.‬‬
‫‪ 17805‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ فَنادَاها جبرائيـل‬
‫ح َزنِـي‪.‬‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫حتِها أ ْ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫‪ 17806‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‬
‫حتِها قال‪ :‬الـمَلَك‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫فَنادَاها مِ ْ‬
‫حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫حتِها يعنـي‪ :‬جبرائيـل كان أسفل منها‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫يقول فـي قوله فَنادَاها مِ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حتِها قال‪ :‬نادا ها جبرائي ـل ول ـم يتكل ـم عي سى‬
‫ن تَ ـ ْ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬فَنادَا ها مِ ْ‬
‫حتـى أتت قومها‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬ناداها عيسى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫‪17807‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حتِها قال‪ :‬عيسى بن مريـم‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ .‬وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17808‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن فَنادَاها مِ نْ‬
‫تَـحْتِها ابنها‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال الـحسن‪:‬‬
‫هو ابنها‪.‬‬
‫‪ 17809‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ح َزنِـي‪.‬‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫حتِها أ ْ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫منبه فَنادَاها عيسى مِ ْ‬
‫‪17810‬ـ حدثنـي أبو حميد أحمد بن الـمغيرة الـحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حتِها‬
‫حدثنا مـحمد بن مهاجر‪ ,‬عن ثابت بن عجلن‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قوله فَنادَاها مِنْ تَـ ْ‬
‫قال عيسى‪ :‬أما تسمع ال يقول‪ :‬فأشارَتْ إلَـيْهِ‪.‬‬
‫حتِها قال‪:‬‬
‫‪ 17811‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فَنادَاها مِ نْ تَـ ْ‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‪.‬‬
‫ح َزنِـي َقدْ جَعل َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫ن ل تَـ ْ‬
‫عيسى ناداها‪ :‬أ ْ‬
‫‪ 17812‬ـ حُدثت عن عبد ال بن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الربـيع بن أنس‪ ,‬عن أبـي‬
‫العالـية الرياحيّ‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب قال‪ :‬الذي خاطبها هو الذي حملته فـي جوفها ودخـل‬
‫من فـيها‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عند نا قول من قال‪ :‬الذي نادا ها ابن ها عي سى‪,‬‬
‫وذلك أ نه من كنا ية ذكره أقرب م نه من ذ كر جبرائي ـل‪ ,‬فردّه عل ـى الذي هو أقرب إل ـيه‬
‫ت بِ ِه مَكانا‬
‫حمََلتْ ُه فـا ْن َتبَذَ ْ‬
‫أولـى من ردّه علـى الذي هو أبعد منه‪ ,‬أل ترى فـي سياق قوله ف َ‬
‫صيّا يعنـي به‪ :‬فحملت عيسى فـانتبذت به‪ ,‬ثم قـيـل‪ :‬فناداها نسقا علـى ذلك من ذكر‬
‫قَ ِ‬
‫عيسى والـخبر عنه‪ .‬ولعلة أخرى‪ ,‬وهي قوله‪ :‬فأشارَ تْ إلَـيْهِ ولـم تشر إل ـيه إن شاء ال‬
‫إل وقد علـمت أنه ناطق فـي حاله تلك‪ ,‬وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بـمخاطبته‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا و ما أ خبر ال ع نه أ نه قال ل ها‬
‫جعَلَ َربّ كِ تَ ـ ْ‬
‫ح َزنِـي َقدْ َ‬
‫ن ل تَ ـ ْ‬
‫إيا ها بقوله ل ها‪ :‬أ ْ‬
‫أشيري للقوم إل ـيه‪ ,‬ولو كان ذلك قولً من جبرائي ـل‪ ,‬لكان خ ـلـيقا أن يكون ف ـي ظا هر‬
‫الـخبر‪ ,‬مبـينا أن عيسى سينطق‪ ,‬ويحتـجّ عنها للقوم‪ ,‬وأمر منه لها بأن تشير إلـيه للقوم‬
‫إذا سألوها عن حالها وحاله‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويـل الذي بـيّنا‪ ,‬فبـين أن كلتا القراءتـين‪ ,‬أعنـي مِ نْ‬
‫حتِها بـالكسر‪ ,‬و«مَنْ تَـحْتَها» بـالفتـح صواب‪ .‬وذلك أنه إذا قرىء بـالكسر كان فـي‬
‫تَـ ْ‬
‫حتِها بـالفتـح كان الفعل لـمن وهو عيسى‪.‬‬
‫ن تَـ ْ‬
‫قوله فَنادَاها ذكر من عيسى‪ :‬وإذا قرىء مِ ْ‬
‫ّكـ‬
‫جعَلَ َرب ِ‬
‫فتأويــل الكلم إذن‪ :‬فناداهـا الــمولد مـن تــحتها أن ل تــحزنـي يـا أمـه َقدْ َ‬
‫س ِريّا كما‪:‬‬
‫تَـحْ َتكِ َ‬
‫‪ 17813‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله فَنادَاها مِ نْ‬
‫حتِها أ نْ ل تَ ـحْ َزنِـي قالت‪ :‬وك يف ل أحزن وأ نت م عي‪ ,‬ل ذات زوج فأقول و من زوج‪,‬‬
‫تَ ـ ْ‬
‫ول م ـملوكة فأقول من سيدي‪ ,‬أ يّ ش يء عذري ع ند الناس يا لَ ـ ْي َتنِـي مِ تّ َقبْلَ َهذَا و ُكنْ تُ‬
‫سيّا فقال لها عيسى‪ :‬أنا أكفـيك الكلم‪.‬‬
‫َنسْيا َم ْن ِ‬
‫ي فــي هذا الــموضع‪ ,‬فقال بعضهـم‪:‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنـيّ بــالسر ّ‬
‫عنـي به‪ :‬النهر الصغير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17814‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَ ّبكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫البراء بن عازب َقدْ َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سرِيّا قال‪ :‬الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫سمعت البراء يقول فـي هذه الَية َقدْ َ‬
‫‪ 17815‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا وهو نهر عيسى‪.‬‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله َقدْ َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫سـ ِريّا قال‪ :‬السـريّ‪ :‬النهـر الذي كان‬
‫ّكـ تَــحْ َتكِ َ‬
‫جعَلَ َرب ِ‬
‫أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله َقدْ َ‬
‫تـحت مريـم حين ولدته كان يجري يسمى سَريا‪.‬‬
‫‪17816‬ـ حدثنـي أبو حصين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن ميـمون‬
‫س ِريّا قال‪ :‬السريّ‪ :‬نهر يُشرب منه‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَ ّبكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫الَ ْو ِديّ‪ ,‬قال فـي هذه الَية‪َ :‬قدْ َ‬
‫حدثنـا يعقوب وأبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا حصـين‪ ,‬عـن عمرو بـن‬
‫سرِيّا قال‪ :‬هو الـجدول‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫ميـمون‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬قدْ َ‬
‫‪ 17817‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬نهر بـالسريانـية‪.‬‬
‫مـجاهد َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫قال ابن جريج‪ :‬نهر إلـى جنبها‪.‬‬
‫‪ 17818‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫س ِريّا قال‪ :‬كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن‪:‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ل رَبّ كِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫الـحسن‪ ,‬فـي قوله َقدْ َ‬
‫إن السريّ‪ :‬الـجدول‪ ,‬فقال‪ :‬غلبتنا علـيك المراء‪.‬‬
‫‪ 17819‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ب كر بن عياش‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا قال‪ :‬هو الـجدول‪ ,‬النهر الصغير‪,‬‬
‫ل َربّ كِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير قَدْ َ‬
‫وهو بـالنبطية‪ :‬السريّ‪.‬‬
‫حدثنـي أبو حميد الـحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن مهاجر‪,‬‬
‫عن ثابت بن عجلن قال‪ :‬سألت سعيد بن جبـير‪ ,‬عن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬نهر‪.‬‬
‫‪17820‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬النهـر‬
‫الصغير‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬أنه قال‪ :‬هو النهر‬
‫س ِريّا‪.‬‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـحْ َتكِ َ‬
‫الصغير‪ :‬يعنـي الـجدول‪ ,‬يعنـي قوله قَ ْد َ‬
‫‪ 17821‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سلـمة بن نب ـيط‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جدول صغير بـالسريانـية‪.‬‬
‫حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‪ :‬الـجدول الصغير من النهار‪.‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله تَـ ْ‬
‫ح َتكِ سَ ِريّا‬
‫ل َربّكِ تَـ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫‪17822‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َقدْ َ‬
‫والسريّ‪ :‬هو الـجدول‪ ,‬تسميه أهل الـحجاز‪.‬‬
‫‪ 17823‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬فـي قوله سَ ِريّا قال‪:‬‬
‫هو جدول‪.‬‬
‫‪ 17824‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم وعن وهب بن‬
‫سرِيّا يعنـي ربـيع الـماء‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫منبه َقدْ َ‬
‫‪ 17825‬ـ حدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ َقدْ‬
‫س ِريّا والسريّ‪ :‬هو النهر‪.‬‬
‫حتَكِ َ‬
‫جعَلَ َر ّبكِ تَـ ْ‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به عيسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعَلَ‬
‫‪ 17826‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ال ـحسن َقدْ َ‬
‫س ِريّا والسريّ‪ :‬عيسى نفسه‪.‬‬
‫ح َتكِ َ‬
‫ك تَـ ْ‬
‫َربّ ِ‬
‫جعَلَ َربّكِ‬
‫‪17827‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َقدْ َ‬
‫ي ش يء أ سرى م نه‪ ,‬قال‪ :‬والذ ين يقولون‪ :‬ال سريّ‪ :‬هو‬
‫س ِريّا يعن ـي نف سه‪ ,‬قال‪ :‬وأ ّ‬
‫ح َتكِ َ‬
‫تَ ـ ْ‬
‫النهـر لــيس كذلك النهـر‪ ,‬لو كان النهـر لكان إنــما يكون إلــى جنبهـا‪ ,‬ول يكون النهـر‬
‫تـحتها‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب ق ـيـل من قال‪ :‬ع نى به‬
‫الـجدول‪ ,‬وذلك أنه أعلـمها ما قد أعطاها ال من الـماء الذي جعله عندها‪ ,‬وقال لها وَ ُهزّي‬
‫ش َربِـي من‬
‫جنِـيّا فَكُلِـي من هذا الرطب وَا ْ‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَ ِة تُساقِطْ عَلَـ ْيكِ ُرطَبـا َ‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫ي معروف من كلم العرب أنه النهر الصغير ومنه قول‬
‫عيْنا بولدك‪ ,‬والسر ّ‬
‫هذا الـماء َو َقرّي َ‬
‫لبـيد‪:‬‬
‫لمُها‬
‫سجُورَ ًة ُمتَـجاوِرا قُ ّ‬
‫ض السّ ِريّ َوصَدّعا َم ْ‬
‫عرْ َ‬
‫َفتَ َوسّطا ُ‬
‫ويُروى‪ :‬مثلـما مسجورة‪ ,‬ويُروى أيضا‪ :‬فغارا‪.‬‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَ ِة ذكر أن الـجذع كان جذعا يابسا‪ ,‬وأمرها أن تهزّه‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫وذلك فـي أيام الشتاء‪ ,‬وهزّها إياه كان تـحريكه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17828‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَ ُهزّي‬
‫جذْعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬حركيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫‪ 17829‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جذْ عِ النّـخْـلَةِ قال‪ :‬كان جذعا يابسا‪ ,‬فقال لها‪:‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫جنِـيّا‪.‬‬
‫ك رُطَبـا َ‬
‫هزّيه تُساقِطْ عَلَـيْ ِ‬
‫‪ 17830‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبـا نهيك يقول‪ :‬كانت نـخـلة يابسة‪.‬‬
‫‪17831‬ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جذْ عِ‬
‫ثنـي عبد الصمد بن معقل قال‪ :‬سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫النّـخْـلَ ِة فكان الرطب يتساقط علـيها وذلك فـي الشتاء‪.‬‬
‫‪17832‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وَ ُهزّي‬
‫جذْعِ النّـخْـلَةِ‪ :‬وكان جذعا منها مقطوعا فهزّته‪ ,‬فإذا هو نـخـلة‪ ,‬وأُجري لها فـي‬
‫إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫عيْنا‪.‬‬
‫ش َربِـي َوقَرّي َ‬
‫الـمـحراب نهر‪ ,‬فتساقطت النـخـلة رطبـا جنـيا فَقال لها‪ :‬كُلِـي وَا ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وهزّي إلـيك بـالنـخـلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17833‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬النـخـلة‪.‬‬
‫وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عيسى بن مي ـمون‪ ,‬عن‬
‫ج ْذعِ النّـخْـلَ ِة قال‪ :‬العجوة‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله وَ ُهزّي إلَـ ْيكِ ِب ِ‬
‫‪ 17834‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن ميـمون‪,‬‬
‫جنِ ـيّا قال‪ :‬فقال‬
‫جذْ عِ النّ ـخْـلَ ِة تُ سا ِقطْ عَلَ ـ ْيكِ ُرطَب ـا َ‬
‫أ نه تل هذه الَ ية‪ :‬وَ ُهزّي إلَ ـ ْيكِ ِب ِ‬
‫عمرو‪ :‬ما من شيء خير للنفساء من التـمر والرطب‪.‬‬
‫جذْع ِـ النّــخْـلَ ِة كمـا يقال‪ :‬زوجتـك فلنـة‪,‬‬
‫وأدخــلت البــاء فــي قوله‪ :‬وَ ُهزّي إلَــْيكِ ِب ِ‬
‫وزوّج تك بفل نة وك ما قال َت ْنبُ تُ بِ ـالدّهْنِ ب ـمعنى‪ :‬تن بت الد هن‪ .‬وإن ـما تف عل العرب بذلك‪,‬‬
‫لن الفعال تكنى عنها بـالبـاء‪ ,‬فـيقال إذا كنـيت عن ضربت عمرا‪ :‬فعلت به‪ ,‬وكذلك كلّ‬
‫فعـل‪ ,‬فلذلك تدخــل البــاء فــي الفعال وتــخرِج‪ ,‬فــيكون دخولهـا وخروجهـا بــمعنى‪,‬‬
‫فمع نى الكلم‪ :‬وهزّي إل ـيك جذع الن ـخـلة و قد كان لو أن ال ـمفسرين كانوا ف سروه كذلك‪:‬‬
‫وهزّي إلــيك رطبــا بجذع النــخـلة‪ ,‬بــمعنى‪ :‬علــى جذع النــخـلة‪ ,‬وجهـا صـحيحا‪,‬‬
‫ول كن ل ست أح فظ عن أ حد أ نه ف سره كذلك‪ .‬و من الشا هد عل ـى دخول الب ـاء ف ـي مو ضع‬
‫دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر‪:‬‬
‫شبَهانِ‬
‫صدْرُهُوأسْفَُلهُ بـالـمَرْخِ وال ّ‬
‫س ْدرَ َ‬
‫ِبوَادٍ يَـمانٍ ُي ْنبِتُ ال ّ‬
‫واختلف القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬تُ سَا ِقطْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء ال ـمدينة والب صرة والكو فة‪:‬‬
‫«تَسـّاقَطُ» بــالتاء مـن تسـاقط وتشديـد السـين‪ ,‬بــمعنى‪ :‬تتسـاقط علــيك النــخـلة رطبــا‬
‫جنـيا‪ ,‬ثم تُدغم إحدى التاءين فـي الخرى فتشدد‪ ,‬وكأن الذين قرأوا ذلك كذلك وجهوا معنى‬
‫الكلم إلــي‪ :‬وهزّي إلــيك بجذع النــخـلة تسـاقط النــخـلة علــيك رطبــا‪ .‬وقرأ ذلك‬
‫بعض قرّاء الكوفة‪« :‬تَساقَطُ» بـالتاء وتـخفـيف السين‪ ,‬ووجه معنى الكلم‪ ,‬إلـى مثل ما‬
‫و جه إل ـيه مشدّدو ها‪ ,‬غ ير أن هم خالفو هم ف ـي القراءة‪ .‬ورُوي عن البراء بن عازب أ نه قرأ‬
‫ذلك‪« :‬يُساقِط» بـالـياء‪.‬‬
‫‪ 17835‬ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬عن جرير بن‬
‫حازم‪ ,‬عن أب ـي إسحاق قال‪ :‬سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك‪ ,‬وكأ نه و جه مع نى الكلم‬
‫إلـي‪ :‬وهزّي إلـيك بجذع النـخـلة يتساقط الـجذع علـيك رطبـا جنـيا‪.‬‬
‫ورُوي عن أبـي نهيك أنه كان يقرؤه‪ُ « :‬تسْ ِقطُ» بضمّ التاء وإساقط اللف‪.‬‬
‫‪ 17836‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سـمعت أبــا َنهِيـك يقرؤه كذلك‪ ,‬وكأنـه وجـه معنـى الكلم إلــي‪ :‬تسـقط النــخـلة علــيك‬
‫رطبـا جنـيا‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إن هذه القراءات الثلث‪,‬‬
‫أعنـي تَ سّا َقطُ بـالتاء وتشديد السين‪ ,‬وبـالتاء وتـخفـيف السين‪ ,‬وبـالـياء وتشديد السين‪,‬‬
‫قراءات متقارب ـات ال ـمعانـي‪ ,‬قد قرأ ب كل واحدة منه نّ قرّاء أ هل معر فة ب ـالقرآن‪ ,‬فبأ يّ‬
‫ذلك قرأ القارىء فم صيب ال صواب ف ـيه‪ ,‬وذلك أن ال ـجذع إذا ت ساقط رطب ـا‪ ,‬و هو ثا بت‬
‫غير مقطوع‪ ,‬فقد تساقطت النـخـلة رطبـا‪ ,‬وإذا تساقطت النـخـلة رطبـا‪ ,‬فقد تساقطت‬
‫النـخـلة بأجمعها‪ ,‬جذعها وغير جذعها‪ ,‬وذلك أن النـخـلة ما دامت قائمة علـى أصلها‪,‬‬
‫فإن ـما هي جذع وجر يد و سعف‪ ,‬فإذا قط عت صارت جذ عا‪ ,‬ف ـالـجذع الذي أمرت مري ـم‬
‫بهزّه لـم يذكر أحد نعلـمه أنه كان جذعا مقطوعا غير السديّ‪ ,‬وقد زعم أنه عاد بهزّها إياه‬
‫ن ـخـلة‪ ,‬ف قد صار معناه ومع نى من قال‪ :‬كان ال ـمتساقط عل ـيها رطب ـا ن ـخـلة واحدا‪,‬‬
‫فتبـين بذلك صحة ما قلنا‪.‬‬
‫ل فصـرف إلــى فعيــل‬
‫جنِــيّا يعنــي مــجنـيا وإنــما كان أصـله مفعو ً‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫وال ـمـجنـي‪ :‬ال ـمأخوذ طر يا‪ ,‬و كل ما أ خذ من ثمرة‪ ,‬أو ن قل من موض عه بطراو ته ف قد‬
‫اجتنـي‪ ,‬ولذلك قـيـل‪ :‬فلن يجتنـي الكمأة ومنه قول ابن أخت جذيـمة‪:‬‬
‫ل جانٍ َيدُ ُه إلـى فِـيهْ‬
‫َهذَا جَنايَ وخِيارُ ُه فِـيهْإذْ كُ ّ‬

‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ال َبشَرِ َأحَدا فَقُوِليَ‬
‫ن مِ َ‬
‫عيْنا َفِإمّا تَ َريِ ّ‬
‫ش َربِي َو َقرّي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فكُلِي وَا ْ‬
‫سيّا }‪.‬‬
‫ن صَوْما فَلَنْ ُأكَّلمَ ا ْل َي ْومَ إِن ِ‬
‫ت لِل ّرحْمَـ ِ‬
‫ِإنّي َنذَرْ ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فكل ـي من الر طب الذي يت ساقط عل ـيك‪ ,‬واشرب ـي من ماء ال سريّ‬
‫عيْنـا يقول‪ :‬وطيبــي نفسـا‬
‫الذي جعله ربـك تــحتك‪ ,‬ل تــخشي جوعـا ول عطشـا َوقَرّي َ‬
‫وَافرحـي بولدتـك إياي ول تــحزنـي‪ .‬ونصـبت العيـن لنهـا هـي الــموصوفة بــالقرار‪.‬‬
‫وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬ولتقرِر عي نك بولدك‪ ,‬ثم حوّل الف عل عن الع ين إل ـى ال ـمرأة صاحبة‬
‫العين‪ ,‬فنصبت العين إذ كان الفعل لها فـي الصل علـى التفسير‪ ,‬نظير ما فعل بقوله‪ :‬فإ نْ‬
‫ن شَيْ ٍء ِمنْ ُه نَفْ سا وإن ـما هو‪ :‬فإن طا بت أنف سهن ل كم‪ .‬وقوله‪َ :‬وضَا قَ بِهِم ذَرْ عا‬
‫طبْ نَ َلكُ مْ عَ ْ‬
‫ِ‬
‫جنِـيّا» إنـما هو يساقط علـيك رطب الـجذع‪ ,‬فحوّل‬
‫ك رُطُبـا َ‬
‫ومنه قوله‪« :‬يُسا ِقطْ عَلَـيْ ِ‬
‫الفعل إلـى الـجِذع‪ ,‬فـي قراءة من قرأه بـالـياء‪ .‬وفـي قراءة من قرأه‪ :‬تُسا ِقطْ بـالتاء‪,‬‬
‫معناه‪ :‬يساقط علـيك رطب النـخـلة‪ ,‬ثم حوّل الفعل إلـى النـخـلة‪.‬‬
‫وقد اختل فت القراء فـي قراءة قوله‪ :‬و َقرّي فأما أهل الـمدينة فقرأوه‪َ :‬وقَرّي بفت ـح القاف‬
‫علـى لغة من قال‪ :‬قَرِرت بـالـمكان َأ َقرّ به‪ ,‬و َقرِرت عينا‪َ ,‬أ َقرّ به قُرورا‪ ,‬وهي لغة قريش‬
‫فـيـما ذكر لـي وعلـيها القراءة‪ .‬وأما أهل نـجد فإنها تقول قررت به عينا أقربه قرارا‬
‫عيْ نا» بك سر القاف‪ ,‬والقراءة‬
‫وقررت ب ـالـمكان أ قر به‪ ,‬ف ـالقراءة عل ـى لغت هم‪« :‬وَقرِي َ‬
‫عندنا علـى لغة قريش بفتـح القاف‪.‬‬
‫ن ال َبشَرِ أحَدا يقول‪ :‬فإن رأ يت من بن ـي آدم أحدا يكل ـمك أو ي سائلك‬
‫وقوله‪ :‬فإمّا َت ِريَ نّ مِ َ‬
‫ن صَوْما يقول‪:‬‬
‫حمَ ِ‬
‫ت للرّ ْ‬
‫عن شيء من أمرك وأمر ولدك وسبب ولدتكه فَقُولـي إنّـي َنذَرْ ُ‬
‫ل أكلـم أحدا من بنـي آدم الـيوم فَلَنْ ُأكَلّـمَ‬
‫فقولـي‪ :‬إنـي أوجبت علـى نفسي ل صمتا أ ّ‬
‫سيّا‪.‬‬
‫الـيَ ْومَ إ ْن ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الصوم‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17837‬ـ حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معت ـمر بن سلـيـمان‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حمَنِ صَوْما صمتا‪.‬‬
‫سمعت أنس بن مالك يقول فـي هذه الَية إنّـي َن َذرْتُ لل ّر ْ‬
‫حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حمَ نِ صَوْما‬
‫أخبرنـي الـمغيرة بن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول إنّـي َن َذرْ تُ لل ّر ْ‬
‫قال‪ :‬صمتا‪.‬‬
‫‪ 17838‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حمَنِـ صَـوْما قال‪ :‬يعنــي بــالصوم‪:‬‬
‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله إنّــي َن َذرْتُـ لل ّر ْ‬
‫الصمت‪.‬‬
‫‪ 17839‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن سلـيـمان التـيـميّ‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن صَوْما َوصَمْتا»‪.‬‬
‫ت لل ّرحْمَ ِ‬
‫أنسا قرأ‪« :‬إنّـي َنذَرْ ُ‬
‫‪ 17840‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ن صَوْما أما قوله‪ :‬صَوْما فإنها صامت من الطعام والشراب والكلم‪.‬‬
‫حمَ ِ‬
‫إنّـي َن َذرْتُ لل ّر ْ‬
‫‪ 17841‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن صَوْما قال‪ :‬كان من بنـي إسرائيـل من إذا اجتهد‬
‫حمَ ِ‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬ن َذرْ تُ لل ّر ْ‬
‫صام من الكلم كما يصوم من الطعام‪ ,‬إل مِن ذكر ال‪ ,‬فقال لها ذلك‪ ,‬فقالت‪ :‬إنـي أصوم من‬
‫الكلم ك ما أ صوم من الطعام‪ ,‬إل من ذكـر ال فل ـما كل ـموها أشارت إل ـيه‪ ,‬فقالوا‪َ :‬كيْ فَ‬
‫ع ْبدُ اللّ ِه آتانِـيَ الكِتا بَ حتـى بلغ‬
‫صبِـيّا فأجابهم فقال‪ :‬إنّـي َ‬
‫ُنكَلّـمُ مَ نْ كا نَ فِـي الـ َمهْدِ َ‬
‫ل الـحَقّ اّلذِي فِـيهِ يَـمترُونَ‪.‬‬
‫ن َم ْريَـمْ قَوْ َ‬
‫ذلكَ عِيسَى ابْ ُ‬
‫واختلفوا فـي السبب الذي من أجله أمرها بـالصوم عن كلم البشر‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬أمرها‬
‫بذلك لنه لـم يكن لها حجة عند الناس ظاهرة‪ ,‬وذلك أنها جاءت وهي أيّـم بولد بـالكفّ عن‬
‫الكلم لـيكفـيها فأمرت الكلم ولدها‪ ..‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17842‬ـ حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن الـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫إسـرائيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو إسـحاق‪ ,‬عـن حارثـة‪ ,‬قال‪ :‬كنـت عنـد ابـن مسـعود‪ ,‬فجاء رجلن‬
‫ف سلـم أحده ما ول ـم ي سلـم الَ خر‪ ,‬فقال‪ :‬ما شأ نك؟ فقال أ صحابه‪ :‬حلف أن ل يكل ـم الناس‬
‫الـيوم‪ ,‬فقال عبد ال‪ :‬كلـم الناس وسلـم علـيهم‪ ,‬فإن تلك امرأة علـمت أن أحدا ل يصدّقها‬
‫أنها حملت من غير زوج‪ ,‬يعنـي بذلك مريـم علـيها السلم‪.‬‬
‫‪17843‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد لــما قال عيسـى‬
‫ل ـمريـم ل تَ ـحْ َزنِـي قالت‪ :‬وك يف ل أحزن وأ نت م عي‪ ,‬ل ذات زوج ول م ـملوكة‪ ,‬أ يّ‬
‫شيـء عذري عنـد الناس يـا لَــْي َتنِـي مِتّـ َقبْلَ َهذَا و ُكنْتُـ نَسـْيا َمنْسِـيّا فقال لهـا عيسـى‪ :‬أنـا‬
‫حمَ نِ صَوْما فَلَ نْ ُأكَلّ ـمَ‬
‫شرِ أحَدا فقُول ـي إنّ ـي َن َذرْ تُ لل ّر ْ‬
‫ن مِ نَ ال َب َ‬
‫أكف ـيك الكلم فإمّا َت َريِ ّ‬
‫سيّا قال‪ :‬هذا كله كلم عيسى لمه‪.‬‬
‫الـيَ ْومَ إ ْن ِ‬
‫‪ 17844‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ن ُأكَلّـمَ الـيَ ْو َم إنْ سِيّا‬
‫ن صَوْما فَلَ ْ‬
‫ت لل ّرحْمَ ِ‬
‫شرِ أحَدا فَقُولـي إنّـي َنذَرْ ُ‬
‫ن ال َب َ‬
‫منبه فإمّا َت َريِ نّ مِ َ‬
‫فإنـي سأكفـيك الكلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما كان ذلك آية لـمريـم وابنها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17845‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫حمَ نِ صَوْما قال ف ـي ب عض ال ـحروف‪ :‬صمتا‪ ,‬وذلك أ نك ل تلق ـي امرأة‬
‫إنّ ـي َن َذرْ تُ لل ّر ْ‬
‫جاهلة تقول‪ :‬نذرت ك ما نذرت مري ـم‪ ,‬أل تكل ـم يو ما إل ـى الل ـيـل‪ ,‬وإن ـما ج عل ال تلك‬
‫آية لـمريـم ولبنها‪ ,‬ول يحلّ لحد أن ينذر صمت يوم إلـى اللـيـل‪.‬‬
‫ن صَوْما‬
‫حمَ ِ‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فقرأ‪ :‬إنّـي َن َذرْتُ لل ّر ْ‬
‫وكانت تقرأ فـي الـحرف الوّل‪ :‬صمتا‪ ,‬وإنـما كانت آية بعثها ال لـمريـم وابنها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كا نت صائمة ف ـي ذلك ال ـيوم‪ ,‬وال صائم ف ـي ذلك الزمان كان ي صوم‬
‫عـن الطعام والشراب وكلم الناس‪ ,‬فأذن لــمريـم فــي قدر هذا الكلم ذلك الــيوم وهـي‬
‫صائمة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن مِ نَ‬
‫‪ 17846‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ فإمّا َترَيِ ّ‬
‫سيّا فكان من‬
‫ن ُأكَل ـمَ ال ـيَ ْومَ إنْ ِ‬
‫حمَ نِ صَوْما فَلَ ْ‬
‫ال َبشَرِ أحَدا يكل ـمك فَقُول ـي إنّ ـي َن َذرْ تُ لل ّر ْ‬
‫صام فـي ذلك الزمان لـم يتكلـم حتـى يـمسي‪ ,‬فقـيـل لها‪ :‬ل تزيدي علـى هذا‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْئا َف ِريّا }‪.‬‬
‫جئْتِ َ‬
‫حمِلُ ُه قَالُواْ َي َم ْريَمُ َل َقدْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فَأتَتْ بِ ِه قَ ْو َمهَا َت ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما قال ذلك عيسى لمه اطمأنت نفسها‪ ,‬وسلّـمت لمر ال‪ ,‬وحملته‬
‫حتـى أتت به قومها‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17847‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬أنساها يعنـي مريـم كرب البلء وخوف الناس ما كانت تسمع من الـملئكة من‬
‫البشارة بعيسـى‪ ,‬حتــى إذا كلّــمها‪ ,‬يعنــي عيسـى‪ ,‬وجاءهـا مصـداق مـا كان ال وعدهـا‬
‫احتـملته ثم أقبلت به إلـى قومها‪.‬‬
‫وقال السديّ فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17848‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما ولدته‬
‫ذهب الشيطان‪ ,‬فأخبر بنـي إسرائيـل أن مريـم قد ولدت‪ ,‬فأقبلوا يشتدّون‪ ,‬فدعوها فأتَ تْ بِ هِ‬
‫قَ ْومَها تَـحْمِلُهُ‪.‬‬
‫شيْئا َفرِيّا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فل ـما رأوا مري ـم‪ ,‬ورأوا‬
‫ت َ‬
‫جئْ ِ‬
‫وقوله‪ :‬قالُوا يا مَ ْريَ ـمُ لَ َق ْد ِ‬
‫مع ها الولد الذي ولد ته‪ ,‬قالوا ل ها‪ :‬يا مري ـم ل قد جئت بأ مر عج يب‪ ,‬وأحد ثت حد ثا عظي ـما‪.‬‬
‫وكلّ عامل عملً أجاده وأحسنه فقد فراه‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ت تَ ْفرِينَ ِبهِ ال َفرِيّا‬
‫حجْ ِريّاقَدْ ُكنْ ِ‬
‫ط َع َمتِنـي َدقَلً ُ‬
‫َقدْ أ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17849‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد فـي قول ال تعالـى‪َ :‬ف ِريّا قال‪ :‬عظيـما‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫شيْئا فَ ِريّا‬
‫ت َ‬
‫جئْ ِ‬
‫‪ 17850‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ل َقدْ ِ‬
‫قال‪ :‬عظيـما‪.‬‬
‫شيْئا َف ِريّا‬
‫ت َ‬
‫جئْ ِ‬
‫‪17851‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ لَ َق ْد ِ‬
‫قال‪ :‬عظيـما‪.‬‬
‫‪ 17852‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫شيْئا فَ ِريّا‪ :‬أي الفـاحشة غير‬
‫ت َ‬
‫جئْ ِ‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬لـما رأوها ورأوه معها‪ ,‬قالوا‪ :‬يا مريـم لَ َقدْ ِ‬
‫الـمقاربة‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬يُأخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ َأبُوكِ ا ْمرَأَ سَوْ ٍء َومَا كَانَتْ ُأمّكِ َب ِغيّا‬
‫}‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ال سبب الذي من أجله ق ـيـل ل ها‪ :‬يا أ خت هارون‪ ,‬و من كان‬
‫هارون هذا الذي ذكره ال‪ ,‬وأخبر أنهم نسبوا مريـم إلـى أنها أخته‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬قـيـل‬
‫ن ن سبة من هم ل ها إل ـى ال صلح‪ ,‬لن أ هل ال صلح ف ـيهم كانوا ي سمون‬
‫ت هارُو َ‬
‫ل ها يا ُأخْ َ‬
‫هارون‪ ,‬ولـيس بهارون أخي موسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17853‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ت هارُو نَ قال‪ :‬كان رجلً صالـحا فـي بنـي إسرائيـل يسمى هارون‪ ,‬فشبّهوها به‪,‬‬
‫يا ُأخْ َ‬
‫فقالوا‪ :‬يا شبـيهة هارون فـي الصلح‪.‬‬
‫ن ما‬
‫‪ 17854‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا ُأخْ تَ هارُو َ‬
‫ت ُأمّ كِ َب ِغيّا قال‪ :‬كانت من أهل بـيت يُعرفون بـالصلح‪ ,‬ول‬
‫ن أبُو كِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَ ِ‬
‫كا َ‬
‫يُعرفون بــالفساد ومـن الناس مـن يُعرفون بــالصلح ويتوالدون بـه‪ ,‬وآخرون يُعرفون‬
‫بــالفساد ويتوالدون بـه‪ ,‬وكان هارون مصـلـحا مــحببـا فــي عشيرتـه‪ ,‬ولــيس بهارون‬
‫أخي موسى‪ ,‬ولكنه هارون آخر‪ .‬قال‪ :‬وذُكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفـا‪ ,‬كلهم‬
‫يسمون هارون من بنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫‪ 17855‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن سعيد بن أبـي صدقة‪ ,‬عن مـحمد‬
‫ت هارُو نَ ل ـيس بهارون أ خي مو سى‪,‬‬
‫بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬نبئت أن كعب ـا قال‪ :‬إن قوله‪ :‬يا ُأخْ َ‬
‫قال‪ :‬فقالت له عائ شة‪ :‬كذ بت‪ ,‬قال‪ :‬يا أ ّم ال ـمؤمنـين‪ ,‬إن كان النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫قاله فهو أعلـم وأخبر‪ ,‬وإل فإنـي أجد بـينهما ستّ مئة سنة‪ ,‬قال‪ :‬فسكتت‪.‬‬
‫‪ 17856‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬يا ُأخْ تَ‬
‫ن قال‪ :‬اسم واطأ اسما‪ ,‬كم بـين هارون وبـينهما من المـم أمـم كثـيرة‪.‬‬
‫هارُو َ‬
‫‪17857‬ـ حدثنا أبو كريب وابن الـمثنى وسفـيان وابن وكيع وأبو السائب‪ ,‬قالوا‪ :‬حدثنا عبد‬
‫ال بن إدريس الودي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي يذكر عن سماك بن حرب‪ ,‬عن علقمة بن وائل‪ ,‬عن‬
‫الـمغيرة بن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬بعثنـي رسول ال صلى ال عليه وسلم إلـى أهل نـجران‪ ,‬فقالوا‬
‫لــي‪ :‬ألسـتـم تقرأون يـا ُأخْتَـ هارُونـَ؟ قلت‪ :‬بلــى وقـد علــمتـم مـا كان بــين عيسـى‬
‫خ َب ْر َتهُ مْ أ ّنهُ مْ‬
‫ومو سى‪ ,‬فرج عت إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأ خبرته‪ ,‬فقال‪« :‬أل أ ْ‬
‫ن َقبَْلهُمْ»‪.‬‬
‫سمّونَ بأ ْنبِـيائ ِهمْ وَالصّالِـحِي َ‬
‫كانُوا ُي َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم ف ـي‬
‫علق مة بن وائل‪ ,‬عن ال ـمغيرة بن شع بة‪ ,‬قال‪ :‬أر سلنـي النب ـ ّ‬
‫ب عض حوائ جه إلـى أ هل ن ـجران‪ ,‬فقالوا‪ :‬ألـيس نب ـيك يز عم أن هارون أخو مري ـم هو‬
‫أ خو مو سى؟ فل ـم أدر ما أردّ عل ـيهم حت ـى رج عت إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫ن َقبَْلهُمْ»‪.‬‬
‫ن بأسْماءِ َمنْ كا َ‬
‫سمّو َ‬
‫فذكرت له ذلك‪ ,‬فقال‪« :‬إ ّن ُهمْ كانُوا ُي َ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬عنى به هارون أخو موسى‪ ,‬ونُسبت مريـم إلـى أنها أخته لنها من ولده‪,‬‬
‫ضرِيّ‪ :‬يا أخا ُمضَر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫يقال للتـميـميّ‪ :‬يا أخا تـميـم‪ ,‬وللـمُ َ‬
‫ت هارُو نَ‬
‫‪ 17858‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ يا ُأخْ َ‬
‫قال‪ :‬كانت من بنـي هارون أخي موسى‪ ,‬وهو كما تقول‪ :‬يا أخا بنـي فلن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان ذلك رجلً منهم فـاسقا معلن الفسق‪ ,‬فنسبوها إلـيه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول فـي ذلك ما جاء به الـخبر عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الذي ذكرناه‪ ,‬وأنها نسبت إلـى رجل من قومها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ما كا نَ أبُو كِ امْرأَ سَوْ ٍء يقول‪ :‬ما كان أبوك رجل سوء يأتـي الفواحش وَما كانَ تْ‬
‫ُأ ُمكِ َب ِغيّا يقول‪ :‬وما كانت أمك زانـية‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪17859‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وَما كانَتْ ُأمّكِ‬
‫َبغِيّا قال‪ :‬زان ـية‪ .‬وقال‪ :‬وَ ما كانَ تْ ُأمّ كِ َبغِيّا ول ـم ي قل‪ :‬بغيّة‪ ,‬لن ذلك م ـما يو صف به‬
‫النساء دون الرجال‪ ,‬فجري مـجرى امرأة حائض وطالق‪ ,‬وقد كان بعضهم يشبه ذلك بقولهم‪:‬‬
‫ملـحفة جديدة وامرأة قتـيـل‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِي ا ْل َمهْ ِد صَ ِبيّا }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ {:‬فَأشَارَتْ إَِل ْيهِ قَالُو ْا َكيْفَ ُنكَّلمُ مَن كَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فل ـما قال قوم ها ذلك ل ها قالت ل هم ما أمر ها عي سى بق ـيـله ل هم‪ ,‬ثم‬
‫أشارت لهم إلـى عيسى أن كلّـموه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17860‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما قالوا‬
‫سوْءٍ وَما كانَتْ ُأمّكِ َب ِغيّا قالت لهم ما أمرها ال به‪ ,‬فلـما أرادوها بعد‬
‫ن أبُوكِ امْرأَ َ‬
‫لها‪ :‬ما كا َ‬
‫ذلك علـى الكلم أشارت إلـيه‪ ,‬إلـى عيسى‪.‬‬
‫‪17861‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فأشارَتْ إلَـي ِه قال‪:‬‬
‫أمرتهم بكلمه‪.‬‬
‫‪ 17862‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه فأشارَتْ إلَـي ِه يقول‪ :‬أشارت إلـيه أن كلّـموه‪.‬‬
‫‪17863‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قوله‬
‫فأشارَتْ إلَـيهِ أن كَلّـموه‪.‬‬
‫صبِـيّا يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال قومها لها‪:‬‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫وقوله‪ :‬قالُوا َكيْفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫صبِـيّا معنا ها‬
‫ك يف نكل ـم من وُ جد ف ـي ال ـمهد؟ وكان ف ـي قوله مَ نْ كا نَ فِ ـي ال ـ َمهْ ِد َ‬
‫ل ُكنْتُ إلّ‬
‫التـمام‪ ,‬ل التـي تقتضي الـخبر‪ ,‬وذلك شبـيه الـمعنى بكان التـي فـي قوله هَ ْ‬
‫َبشَرا رَسُولً وإنـما معنى ذلك‪ :‬هل أنا إل بشر رسول؟ وهل وجدت أو بعثت وكما قال زهير‬
‫بن أبـي سُلْـمَى‪:‬‬
‫ن لَ ْونُ اللّـيْـلِ ِمثْلَ ال َر ْندَجِ‬
‫حبِـيّةً َو َقدْ كا َ‬
‫حرّ ًة أرْ َ‬
‫جرْتُ علَـيْ ِه ُ‬
‫َز َ‬
‫بـمعنى‪ :‬وقد صار أو وُجد‪ .‬وقـيـل‪ :‬إنه عنـي بـالـمهد فـي هذا الـموضع‪ :‬حجر‬
‫أمه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17864‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة مَ نْ كا نَ فِ ـي ال ـ َمهْدِ‬
‫صبِـيّا والـمهد‪ :‬الـحجر‪.‬‬
‫َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وقد ب ـيّنا مع نى ال ـمهد ف ـيـما م ضى بشواهده‪ ,‬فأغ نى عن إعاد ته ف ـي‬
‫هذا الـموضع‪.‬‬
‫جعَلَنِي‬
‫جعَلَنِي َن ِبيّا * َو َ‬
‫ع ْبدُ اللّ هِ آتَانِ يَ ا ْل ِكتَا بَ َو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ إِنّي َ‬
‫حيّا }‪.‬‬
‫ت َ‬
‫ن مَا كُنتُ وََأ ْوصَانِي بِالصّلَةِ وَال ّزكَا ِة مَا ُدمْ ُ‬
‫ُمبَارَكا َأيْ َ‬
‫صبِـيّا‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما قال قوم مريـم لها َكيْ فَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫ع ْبدُ اللّ هِ آتانِ ـيَ‬
‫وظنوا أن ذلك من ها ا ستهزاء ب هم‪ ,‬قال عي سى ل ها متكل ـما عن أ مه‪ :‬إنّ ـي َ‬
‫الكِتاب‪ .‬وكانوا حين أشارت لهم إلـى عيسى فـيـما ذُكر عنهم غضبوا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17865‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما‬
‫أشارت ل هم إل ـى عي سى غضبوا‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل سخريتها ب نا ح ين تأمر نا أن نكل ـم هذا ال صبـيّ‬
‫صبِـيّا‪.‬‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫أشدّ علـينا من زناها قالُوا َك ْيفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫‪ 17866‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ع ْبدُ‬
‫صبِـيّا فأجابهم عيسى عنها فقال لهم إنّـي َ‬
‫ن كا نَ فِـي الـمَ ْهدِ َ‬
‫ف ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫منبه قالُوا َكيْ َ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫اللّ ِه آتانِـيَ الكِتابَ َو َ‬
‫‪ 17867‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬قالُوا َكيْ فَ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا‬
‫ي الكِتا بَ َو َ‬
‫ع ْبدُ اللّ ِه آتانِـ َ‬
‫صبِـيّا قال لهم‪ :‬إنّـي َ‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ُنكَلّـمُ َم نْ كا َ‬
‫جبّـارا شَقِـيّا فقالوا‪ :‬إن هذا لمر عظيـم‪.‬‬
‫جعَ ْلنِـي َ‬
‫فقرأ حتـى بلغ ولَـمْ َي ْ‬
‫‪ 17868‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫ع ْبدُ اللّ ِه لـم‬
‫صبِـيّا قال إنّـي َ‬
‫ن كانَ فِـي الـمَ ْهدِ َ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪َ :‬ك ْيفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫ن كانَ فِـي الـ َمهْ ِد صَبِـيّا‪.‬‬
‫يتكلـم عيسى إل عند ذلك حين قالُوا َكيْفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬آتانِـيَ الكِتا بَ يقول القائل‪ :‬أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخـلق فـي بطن أ مه‬
‫فإن معنـى ذلك بخلف مـا يظنـّ‪ ,‬وإنــما معناه‪ :‬وقضـى يوم قضـى أمور خــلقه إلــيّ أن‬
‫يؤتـينـي الكتاب‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17869‬ـ حدثنـي بشر بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الضحاك‪ ,‬يعنـي ابن مخـلد‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ل آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬قضى أن يؤتـينـي الكتاب فـيـما مضى‪.‬‬
‫سماك‪ ,‬عن عكرمة قا َ‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا سفـيان‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن‬
‫ع ْبدُ الّلهِ آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله إنّـي َ‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزّاق‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬ف ـي‬
‫ع ْبدُ الّلهِ آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬قضى أن يؤتـينـي الكتاب‪.‬‬
‫قول ال إنّـي َ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا وقد بـيّنت معنى النبـيّ واختلف الـمختلفـين فـيه‪ ,‬والصحيح‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫من القول ف ـيه عند نا بشواهده ف ـيـما م ضى ب ـما أغ نى عن إعاد ته‪ .‬وكان م ـجاهد يقول‬
‫فـي معنى النبـيّ وحده ما‪:‬‬
‫‪ 17870‬ـ حدثنا به مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬النبـيّ وحده الذي يكلـم وينزل علـيه الوحي ول يرسل‪.‬‬
‫جعََلنِــي مُبــارَكا اختلف أهـل التأويــل فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫وقوله َو َ‬
‫وجعلنـي نفـاعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17871‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلـحي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العلء‪ ,‬عن‬
‫جعََلنِـي مُبـارَكا قال‪ :‬نفـاعا‪.‬‬
‫عائشة امرأة لـيث‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد َو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬كانت بركته المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17872‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن يزيد بن خنـيس‬
‫ال ـمخزومي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت وُه يب بن ا بن الورد مول ـى بن ـي مخزوم‪ ,‬قال‪ :‬لق ـي عال ـم‬
‫عال ـما ل ـما هو فو قه ف ـي العل ـم‪ ,‬فقال له‪ :‬يرح مك ال‪ ,‬ما الذي أعلن من عل ـمي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر‪ ,‬فإنه دين ال الذي بعث به أنبـياءه إلـى عبـاده‪,‬‬
‫جعََلنِـي مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْتُ وقـيـل‪ :‬ما بركته؟ قال‪:‬‬
‫وقد اجتـمع الفقهاء علـى قول ال َو َ‬
‫المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر أينـما كان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬جعلنـي معلّـم الـخير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعََلنِــي‬
‫‪17873‬ــ حدثنــي يونـس بـن عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان فــي قوله َو َ‬
‫ت قال‪ :‬معلـما للـخير‪.‬‬
‫مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْ ُ‬
‫جعََلنِ ـي‬
‫‪ 17874‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ت قال‪ :‬معلـما للـخير حيثما كنت‪.‬‬
‫مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْ ُ‬
‫وقوله‪ :‬وأوْصـَانِـي بــالصّلةِ وَالزّكاةِ يقول‪ :‬وقضـى أن يوصـينـي بــالصلة والزكاة‪,‬‬
‫يعنـي ال ـمـحافظة عل ـى حدود ال صلة وإقامتها عل ـى ما فرض ها عل ـيّ‪ .‬وف ـي الزكاة‬
‫معنــيان‪ :‬أحدهمـا‪ :‬زكاة الموال أن يؤدّيهـا‪ .‬والَخـر‪ :‬تطهيـر الــجسد مـن دنـس الذنوب‬
‫فـيكون معناه‪ :‬وأوصانـي بترك الذنوب واجتناب الـمعاصي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ما ُدمْ تُ حَيّا يقول‪ :‬ما ك نت ح يا ف ـي الدن ـيا موجودا‪ ,‬وهذا يب ـين عن أن مع نى‬
‫الزكاة فـي هذا الـموضع‪ :‬تطهير البدن من الذنوب‪ ,‬لن الذي يوصف به عيسى صلوات ال‬
‫و سلمه عل ـيه أ نه كان ل يدّ خر شيئا ل غد‪ ,‬فت ـجب عل ـيه زكاة ال ـمال‪ ,‬إل أن تكون الزكاة‬
‫التـي كانت فرضت علـيه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته‪ ,‬فـيكون ذلك وجها صحيحا‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫و‬ ‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِي ا ْل َمهْ ِد صَ ِبيّا }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ {:‬فَأشَارَتْ إَِل ْيهِ قَالُو ْا َكيْفَ ُنكَّلمُ مَن كَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فل ـما قال قوم ها ذلك ل ها قالت ل هم ما أمر ها عي سى بق ـيـله ل هم‪ ,‬ثم‬
‫أشارت لهم إلـى عيسى أن كلّـموه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17860‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما قالوا‬
‫سوْءٍ وَما كانَتْ ُأمّكِ َب ِغيّا قالت لهم ما أمرها ال به‪ ,‬فلـما أرادوها بعد‬
‫ن أبُوكِ امْرأَ َ‬
‫لها‪ :‬ما كا َ‬
‫ذلك علـى الكلم أشارت إلـيه‪ ,‬إلـى عيسى‪.‬‬
‫‪17861‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فأشارَتْ إلَـي ِه قال‪:‬‬
‫أمرتهم بكلمه‪.‬‬
‫‪ 17862‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫منبه فأشارَتْ إلَـي ِه يقول‪ :‬أشارت إلـيه أن كلّـموه‪.‬‬
‫‪17863‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قوله‬
‫فأشارَتْ إلَـيهِ أن كَلّـموه‪.‬‬
‫صبِـيّا يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال قومها لها‪:‬‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫وقوله‪ :‬قالُوا َكيْفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫صبِـيّا معنا ها‬
‫ك يف نكل ـم من وُ جد ف ـي ال ـمهد؟ وكان ف ـي قوله مَ نْ كا نَ فِ ـي ال ـ َمهْ ِد َ‬
‫ل ُكنْتُ إلّ‬
‫التـمام‪ ,‬ل التـي تقتضي الـخبر‪ ,‬وذلك شبـيه الـمعنى بكان التـي فـي قوله هَ ْ‬
‫َبشَرا رَسُولً وإنـما معنى ذلك‪ :‬هل أنا إل بشر رسول؟ وهل وجدت أو بعثت وكما قال زهير‬
‫بن أبـي سُلْـمَى‪:‬‬
‫ن لَ ْونُ اللّـيْـلِ ِمثْلَ ال َر ْندَجِ‬
‫حبِـيّةً َو َقدْ كا َ‬
‫حرّ ًة أرْ َ‬
‫جرْتُ علَـيْ ِه ُ‬
‫َز َ‬
‫بـمعنى‪ :‬وقد صار أو وُجد‪ .‬وقـيـل‪ :‬إنه عنـي بـالـمهد فـي هذا الـموضع‪ :‬حجر‬
‫أمه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17864‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة مَ نْ كا نَ فِ ـي ال ـ َمهْدِ‬
‫صبِـيّا والـمهد‪ :‬الـحجر‪.‬‬
‫َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وقد ب ـيّنا مع نى ال ـمهد ف ـيـما م ضى بشواهده‪ ,‬فأغ نى عن إعاد ته ف ـي‬
‫هذا الـموضع‪.‬‬
‫جعَلَنِي‬
‫جعَلَنِي َن ِبيّا * َو َ‬
‫ع ْبدُ اللّ هِ آتَانِ يَ ا ْل ِكتَا بَ َو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ إِنّي َ‬
‫حيّا }‪.‬‬
‫ت َ‬
‫ن مَا كُنتُ وََأ ْوصَانِي بِالصّلَةِ وَال ّزكَا ِة مَا ُدمْ ُ‬
‫ُمبَارَكا َأيْ َ‬
‫صبِـيّا‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما قال قوم مريـم لها َكيْ فَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫ع ْبدُ اللّ هِ آتانِ ـيَ‬
‫وظنوا أن ذلك من ها ا ستهزاء ب هم‪ ,‬قال عي سى ل ها متكل ـما عن أ مه‪ :‬إنّ ـي َ‬
‫الكِتاب‪ .‬وكانوا حين أشارت لهم إلـى عيسى فـيـما ذُكر عنهم غضبوا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17865‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما‬
‫أشارت ل هم إل ـى عي سى غضبوا‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل سخريتها ب نا ح ين تأمر نا أن نكل ـم هذا ال صبـيّ‬
‫صبِـيّا‪.‬‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫أشدّ علـينا من زناها قالُوا َك ْيفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫‪ 17866‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ل يتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ع ْبدُ‬
‫صبِـيّا فأجابهم عيسى عنها فقال لهم إنّـي َ‬
‫ن كا نَ فِـي الـمَ ْهدِ َ‬
‫ف ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫منبه قالُوا َكيْ َ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫اللّ ِه آتانِـيَ الكِتابَ َو َ‬
‫‪ 17867‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬قالُوا َكيْ فَ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا‬
‫ي الكِتا بَ َو َ‬
‫ع ْبدُ اللّ ِه آتانِـ َ‬
‫صبِـيّا قال لهم‪ :‬إنّـي َ‬
‫ن فِـي الـ َم ْهدِ َ‬
‫ُنكَلّـمُ َم نْ كا َ‬
‫جبّـارا شَقِـيّا فقالوا‪ :‬إن هذا لمر عظيـم‪.‬‬
‫جعَ ْلنِـي َ‬
‫فقرأ حتـى بلغ ولَـمْ َي ْ‬
‫‪ 17868‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫ع ْبدُ اللّ ِه لـم‬
‫صبِـيّا قال إنّـي َ‬
‫ن كانَ فِـي الـمَ ْهدِ َ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪َ :‬ك ْيفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫ن كانَ فِـي الـ َمهْ ِد صَبِـيّا‪.‬‬
‫يتكلـم عيسى إل عند ذلك حين قالُوا َكيْفَ ُنكَلّـمُ مَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬آتانِـيَ الكِتا بَ يقول القائل‪ :‬أو آتاه الكتاب والوحي قبل أن يخـلق فـي بطن أ مه‬
‫فإن معنـى ذلك بخلف مـا يظنـّ‪ ,‬وإنــما معناه‪ :‬وقضـى يوم قضـى أمور خــلقه إلــيّ أن‬
‫يؤتـينـي الكتاب‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17869‬ـ حدثنـي بشر بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الضحاك‪ ,‬يعنـي ابن مخـلد‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ل آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬قضى أن يؤتـينـي الكتاب فـيـما مضى‪.‬‬
‫سماك‪ ,‬عن عكرمة قا َ‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا سفـيان‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن‬
‫ع ْبدُ الّلهِ آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله إنّـي َ‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزّاق‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬ف ـي‬
‫ع ْبدُ الّلهِ آتانِـيَ الكِتابَ قال‪ :‬قضى أن يؤتـينـي الكتاب‪.‬‬
‫قول ال إنّـي َ‬
‫جعََلنِـي َنبِـيّا وقد بـيّنت معنى النبـيّ واختلف الـمختلفـين فـيه‪ ,‬والصحيح‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫من القول ف ـيه عند نا بشواهده ف ـيـما م ضى ب ـما أغ نى عن إعاد ته‪ .‬وكان م ـجاهد يقول‬
‫فـي معنى النبـيّ وحده ما‪:‬‬
‫‪ 17870‬ـ حدثنا به مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬النبـيّ وحده الذي يكلـم وينزل علـيه الوحي ول يرسل‪.‬‬
‫جعََلنِــي مُبــارَكا اختلف أهـل التأويــل فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫وقوله َو َ‬
‫وجعلنـي نفـاعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17871‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلـحي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العلء‪ ,‬عن‬
‫جعََلنِـي مُبـارَكا قال‪ :‬نفـاعا‪.‬‬
‫عائشة امرأة لـيث‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد َو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬كانت بركته المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17872‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن يزيد بن خنـيس‬
‫ال ـمخزومي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت وُه يب بن ا بن الورد مول ـى بن ـي مخزوم‪ ,‬قال‪ :‬لق ـي عال ـم‬
‫عال ـما ل ـما هو فو قه ف ـي العل ـم‪ ,‬فقال له‪ :‬يرح مك ال‪ ,‬ما الذي أعلن من عل ـمي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر‪ ,‬فإنه دين ال الذي بعث به أنبـياءه إلـى عبـاده‪,‬‬
‫جعََلنِـي مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْتُ وقـيـل‪ :‬ما بركته؟ قال‪:‬‬
‫وقد اجتـمع الفقهاء علـى قول ال َو َ‬
‫المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر أينـما كان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬جعلنـي معلّـم الـخير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعََلنِــي‬
‫‪17873‬ــ حدثنــي يونـس بـن عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان فــي قوله َو َ‬
‫ت قال‪ :‬معلـما للـخير‪.‬‬
‫مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْ ُ‬
‫جعََلنِ ـي‬
‫‪ 17874‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ت قال‪ :‬معلـما للـخير حيثما كنت‪.‬‬
‫مُبـارَكا أ ْينَـما ُكنْ ُ‬
‫وقوله‪ :‬وأوْصـَانِـي بــالصّلةِ وَالزّكاةِ يقول‪ :‬وقضـى أن يوصـينـي بــالصلة والزكاة‪,‬‬
‫يعنـي ال ـمـحافظة عل ـى حدود ال صلة وإقامتها عل ـى ما فرض ها عل ـيّ‪ .‬وف ـي الزكاة‬
‫معنــيان‪ :‬أحدهمـا‪ :‬زكاة الموال أن يؤدّيهـا‪ .‬والَخـر‪ :‬تطهيـر الــجسد مـن دنـس الذنوب‬
‫فـيكون معناه‪ :‬وأوصانـي بترك الذنوب واجتناب الـمعاصي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ما ُدمْ تُ حَيّا يقول‪ :‬ما ك نت ح يا ف ـي الدن ـيا موجودا‪ ,‬وهذا يب ـين عن أن مع نى‬
‫الزكاة فـي هذا الـموضع‪ :‬تطهير البدن من الذنوب‪ ,‬لن الذي يوصف به عيسى صلوات ال‬
‫و سلمه عل ـيه أ نه كان ل يدّ خر شيئا ل غد‪ ,‬فت ـجب عل ـيه زكاة ال ـمال‪ ,‬إل أن تكون الزكاة‬
‫التـي كانت فرضت علـيه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته‪ ,‬فـيكون ذلك وجها صحيحا‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫و‬ ‫‪32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ي يَ ْومَ‬
‫لمُ عََل ّ‬
‫جبّارا شَ ِقيّا * وَالسّ َ‬
‫جعَلْنِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َبرّا بِوَاِل َدتِي وََل ْم َي ْ‬
‫حيّا }‪.‬‬
‫وُِلدْتّ َو َي ْومَ َأمُوتُ َو َي ْومَ ُأ ْبعَثُ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬مخـبرا عـن قــيـل عيسـى للقوم‪ :‬وجعلنــي مبــاركا وبرّا‪ :‬أي‬
‫جعلن ـي برّا بوالدت ـي‪ .‬والبرّ هو الب ـارّ‪ ,‬يقال‪ :‬هو برّ بوالده‪ ,‬وب ـا ّر به‪ ,‬وبفت ـح الب ـاء‬
‫ت هذا الـحرف قرّاء المصار‪ .‬وروي عن أبـي نهيك ما‪:‬‬
‫قرأ ْ‬
‫‪ 17875‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـمؤمن‪ ,‬عن أبـي‬
‫نهيـك أنـه قرأ‪ :‬و َبرّا بِوَاِلدَتــي مـن قول عيسـى علــيه السـلم‪ ,‬قال أبـو نهيـك‪ :‬أوصـانـي‬
‫بـالصلة والزكاة والبرّ بـالوالدين‪ ,‬كما أوصانـي بذلك‪.‬‬
‫فكأ نّ أب ـا نه يك و جه تأوي ـل الكلم إل ـى قوله َو َبرّا بِوَاِلدَت ـي هو من خبر عي سى‪ ,‬عن‬
‫وصية ال إياه به‪ ,‬كما أن قوله‪ :‬وأوْ صَانِـي بـالصّل ِة والزّكاةِ من خبره عن وصية ال إياه‬
‫بذلك‪ .‬فعل ـى هذا القول ي جب أن يكون نصب البرّ بـمعنى ع مل الوصية فـيه‪ ,‬لن ال صلة‬
‫والزكاة وإن كانتا مخفوضتـين فـي اللفظ‪ ,‬فإنهما بـمعنى النصب من أجل أنه مفعول بهما‪.‬‬
‫جبّـارا شَقِـيّا يقول‪ :‬ولـم يجعلنـي مستكبرا علـى ال فـيـما‬
‫جعَ ْلنِـي َ‬
‫وقوله‪ :‬ولَـمْ َي ْ‬
‫أمرنـي به‪ ,‬ونهانـي عنه‪ .‬شقـيا‪ ,‬ولكن ذللنـي لطاعته‪ ,‬وجعلنـي متواضعا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17876‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أنه يعنـي‬
‫عيسى‪ ,‬كان يقول‪ :‬سلونـي‪ ,‬فإن قلبـي لـيّن‪ ,‬وإنـي صغير فـي نفسي مـما أعطاه ال من‬
‫التواضع‪.‬‬
‫‪ 17877‬ـ وحدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو َبرّا بِوَاِلدَت ـي ولَ ـمْ‬
‫جبّ ـارا شَقِ ـيّا ذ كر ل نا أن امرأة رأت ا بن مَري ـم يحي ـي ال ـموتـى‪ ,‬ويُبرىء‬
‫جعَ ْلنِ ـي َ‬
‫َي ْ‬
‫الك مه والبرص‪ ,‬ف ـي آيات سلطه ال علـيهنّ‪ ,‬وأذن له فـيهنّ‪ ,‬فقالت‪ :‬طو بى للب طن الذي‬
‫حملك‪ ,‬والثدي الذي أُرض عت به‪ ,‬فقال نب ـيّ ال ا بن مري ـم يجيب ها‪ :‬طو بى ل ـمن تل كتاب‬
‫جبّـارا شَقِـيّا‪.‬‬
‫ال‪ ,‬واتبع ما فـيه ولَـ ْم َيكُنْ َ‬
‫‪ 17878‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن كثـير‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫واقد أبـي رجاء‪ ,‬عن بعض أهل العلـم‪ ,‬قال‪ :‬ل تـجد عاقّا إل وجدته جبـارا شقـيا‪ .‬ثم‬
‫جبّـارا شَقِـيّا قال‪ :‬ول تـجد سيىء الـمِلْكة إل وجدته‬
‫جعَ ْلنِـي َ‬
‫قرأ َو َبرّا بِوَاِلدَتـي ولَـمْ َي ْ‬
‫ن ُمخْتالً فَخُورا‪.‬‬
‫مختالً فخورا‪ ,‬ثم قرأ ومَا مََلكَتْ أيـمَا ُنكُمْ إنّ الّل َه ل ُيحِبّ َمنْ كا َ‬
‫حيّا يقول‪ :‬والمنة من ال علـيّ‬
‫ت و َيوْ مَ ُأ ْبعَثُ َ‬
‫وقوله‪ :‬وال سّلمُ عَلـيّ يَوْمَ وُِلدْ تُ َويَوْمَ أمُو ُ‬
‫من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا من ـي ما ينالون م ـمن يولد ع ند الولدة‪ ,‬من الط عن‬
‫ف ـيه‪ ,‬ويوم أموت‪ ,‬من هول ال ـمطلع‪ ,‬ويوم أب عث ح يا يوم الق ـيامة أن ينالن ـي الفزع الذي‬
‫ينال الناس بـمعاينتهم أهوال ذلك الـيوم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17879‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ليتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫حيّا قال‪ :‬يخبرهم فـي قصة خبره عن‬
‫ث َ‬
‫منبه وَالسّلمُ عَلـيّ َيوْمَ وُِلدْتُ َويَوَ ْم أمُوتُ َويَوْمَ ُأ ْبعَ ُ‬
‫نفسه‪ ,‬أنه ل أب له وأنه سيـموت ثم يُبعث حيا‪ ,‬يقول ال تبـارك وتعالـى‪ :‬ذل كَ عِي سَى ابْ نُ‬
‫ل الـحَقّ اّلذِي فِـيهِ يَـ ْم َترُونَ‪.‬‬
‫َمرْيَـمَ قَوْ َ‬
‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ق اّلذِي فِي ِه َي ْم ُترُونَ }‪.‬‬
‫ل ا ْلحَ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ذَِلكَ عِيسَى ابْنُ َم ْر َيمَ قَوْ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬هذا الذي بــيّنت لكـم صـفته‪ ,‬وأخـبرتكم خـبره‪ ,‬مـن أمـر الغلم الذي‬
‫حمل ته مري ـم‪ ,‬هو عي سى ا بن مري ـم‪ ,‬وهذه ال صفة صفته‪ ,‬وهذا ال ـخبر خبره‪ ,‬و هو قَوْلَ‬
‫ق يعنــي أن هذا الــخبر الذي قصـصته علــيكم قول الــحقّ‪ ,‬والكلم الذي تلوتـه‬
‫حّ‬‫الــ َ‬
‫علــيكم قول ال وخـبره‪ ,‬ل خـبر غيره‪ ,‬الذي يقـع فــيه الوهـم والشكـّ‪ ,‬والزيادة والنقصـان‪,‬‬
‫علـى ما كان يقول ال تعالـى ذكره‪ :‬فقولوا فـي عيسى أيها الناس‪ ,‬هذا القول الذي أخبركم‬
‫شدَة‪ ,‬وأنه كان ساحرا كذّابـا‪ ,‬ول ما‬
‫ال به عنه‪ ,‬ل ما قالته الـيهود‪ ,‬الذين زعموا أنه لغير رِ ْ‬
‫قالته النصارى‪ ,‬من أنه كان ل ولدا‪ ,‬وإن ال لـم يتـخذ ولدا‪ ,‬ول ينبغي ذلك له‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17880‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ل الـحَقّ قال‪ :‬ال الـحقّ‪.‬‬
‫ن َم ْريَـمَ قَوْ َ‬
‫قوله ذَِلكَ عِيسَى ابْ ُ‬
‫‪ 17881‬ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعوديّ‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن جدّه‪,‬‬
‫عن العمش‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يقولون فـي هذا الـحرف فـي قراءة عبد ال‪ ,‬قال‪:‬‬
‫اّلذِي فِ ـي ِه يَـمْ َترُونَ‪ ,‬قال‪ :‬كلـمة ال‪ .‬ولو وُجّه تأويـل ذلك إلـى‪ :‬ذلك عي سى بن مري ـم‬
‫القول ال ـحقّ‪ ,‬ب ـمعنى ذلك القول ال ـحقّ‪ ,‬ثم حذ فت اللف واللم من القول‪ ,‬وأض يف إل ـى‬
‫صدْقِ اّلذِي كَانُوا‬
‫عدَ ال ّ‬
‫الــحقّ‪ ,‬كمـا قــيـل‪ :‬إ نّ َهذَا َل ُهوَ حَ قّ الــيَقِـينِ‪ .‬وك ما قــيـل‪ :‬وَ ْ‬
‫عدُونَ‪ ,‬كان تأويلً صحيحا‪.‬‬
‫يُو َ‬
‫و قد اختفلت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عامّة قرّاء ال ـحجاز والعراق‪« :‬قَ ْولُ ال ـحَقّ»‬
‫برفع القول‪ ,‬عل ـى ما و صفت من ال ـمعنى‪ ,‬وجعلوه ف ـي إعرابه تابعا لعي سى‪ ,‬كالن عت له‪,‬‬
‫ولـيس المر فـي إعرابه عندي علـى ما قاله الذين زعموا أنه رفع علـى النعت لعيسى‪,‬‬
‫إل أن يكون مع نى القول الكل ـمة‪ ,‬عل ـى ما ذكر نا عن إبراهي ـم‪ ,‬من تأوي ـله ذلك كذلك‪,‬‬
‫فــيصحّ حينئذٍ أن يكون نعتـا لعيسـى‪ ,‬وإل فرفعـه عندي بــمضمر‪ ,‬وهـو هذا قول الــحقّ‬
‫علـى البتداء‪ ,‬وذلك أن الـخبر قد تنا هى عن ق صة عي سى وأ مه عند قوله ذَلِ كَ عِي سَى ا ْب نُ‬
‫َمرْيَـمَ ثم ابتدأ الـخبر بأن الـحقّ فـيـما فـيه تـمتري المـم من أمر عيسى‪ ,‬هو هذا‬
‫القول‪ ,‬الذي أ خبر ال به ع نه عب ـاده‪ ,‬دون غيره‪ .‬و قد قرأ ذلك عا صم بن أب ـي النّ ـجُود‬
‫وع بد ال بن عا مر ب ـالنصب‪ ,‬وكأنه ما أرادا بذلك ال ـمصدر‪ :‬ذلك عي سى ا بن مري ـم قولً‬
‫حقا‪ ,‬ثم أدخـلت فـيه اللف واللم‪ .‬وأما ما ذُكر عن ابن مسعود من قراءته‪« :‬ذَلِ كَ عِي سَى‬
‫ن مَ ْريَـم قالُ الـحقّ»‪ ,‬فإنه بـمعنى قول الـحقّ‪ ,‬مثل العاب والعيب‪ ,‬والذام والذيـم‪.‬‬
‫ابْ ُ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب من القراءة ف ـي ذلك عند نا‪ :‬الر فع‪ ,‬لجماع ال ـحجة من القرّاء‬
‫علـيه‪.‬‬
‫ن فإنـه يعنــي‪ :‬الذي فــيه يختصـمون‬
‫وأمـا قوله تعالــى ذكره‪ :‬اّلذِي فِــي ِه يَــمْ َترُو َ‬
‫ويختلفون‪ ,‬من قول هم‪ :‬مار يت فل نا‪ :‬إذا جادل ته وخا صمته‪ :‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17882‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله ذل كَ عِي سَى ا ْب نُ‬
‫ن ا َمتَرت ف ـيه ال ـيهود والنصـارى فأ ما الــيهود‬
‫ل ال ـحَقّ اّلذِي فــي ِه يَــْم َترُو َ‬
‫َمرْيَــمَ قَوْ َ‬
‫فزعموا أنه ساحر كذّاب وأما النصارى فزعموا أنه ابن ال‪ ,‬وثالث ثلثة‪ ,‬وإله‪ ,‬وكذبوا كلهم‪,‬‬
‫ولكنه عبد ال ورسوله‪ ,‬وكلـمته وروحه‪.‬‬
‫‪ 17883‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬اّلذِي‬
‫ن قال‪ :‬اختلفوا‪ ,‬فقالت فرقة‪ :‬هو عبد ال ونبـيه‪ ,‬فآمنوا به‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬بل هو‬
‫فـيهِ يَـمْ َترُو َ‬
‫ال‪ .‬وقالت فر قة‪ :‬هو ا بن ال‪ .‬تب ـارك وتعال ـى ع ما يقولون علوّا كب ـيرا‪ .‬قال‪ :‬فذلك قوله‪:‬‬
‫ب مِ نْ بَـ ْي ِن ِهمْ والتـي فـي الزخرف‪ .‬قال ِدقْـيوس ونسطور ومار يعقوب‪,‬‬
‫ف اْلحْزَا ُ‬
‫ختَلَ َ‬
‫فـا ْ‬
‫قال أحدهم حين رفع ال عيسى‪ :‬هو ال‪ ,‬وقال الَخر‪ :‬ابن ال‪ ,‬وقال الَخر‪ :‬كلـمة ال وعبده‪,‬‬
‫فقال ال ـمفتريان‪ :‬إن قول ـي هو أش به بقولك‪ ,‬وقولك بقول ـي من قول هذا‪ ,‬فهل ـمّ فلنقاتل هم‪,‬‬
‫ل قوم عالـمهم‪ ,‬فـامتروا‬
‫فقاتلوهم وأوطؤوهم إسرائيـل‪ ,‬فأخرجوا منهم أربعة نفر‪ ,‬أخرج ك ّ‬
‫ف ـي عي سى ح ين رُ فع‪ ,‬فقال أحد هم‪ :‬هو ال ه بط إل ـى الرض وأح يا من أح يا‪ ,‬وأمات من‬
‫أمات‪ ,‬ثم صعد إلـى السماء‪ ,‬وهم الـيعقوبـية‪ ,‬فقال الثلثة‪ :‬كذبت‪ ,‬ثم قال اثنان منهم للثالث‪,‬‬
‫قل أ نت ف ـيه‪ ,‬قال‪ :‬هو ا بن ال‪ ,‬و هم الن سطورية‪ ,‬فقال الثنان‪ :‬كذ بت‪ ,‬ثم قال أ حد الثن ـين‬
‫للَخر‪ :‬قل فـيه‪ ,‬قال‪ :‬هو ثالث ثلثة‪ :‬ال إله‪ ,‬وهو إله‪ ,‬وأمه إله‪ ,‬وهم السرائيـلـية ملوك‬
‫النصارى قال الرابع‪ :‬كذبت‪ ,‬هو عبد ال ورسوله وروحه وكلـمته‪ ,‬وهم الـمسلـمون‪ ,‬فكان‬
‫لكل رجل منهم أتبـاع علـى ما قال‪ ,‬فـاقتتلوا‪ ,‬فظهر علـى الـمسلـمين‪ ,‬وذلك قول ال‪:‬‬
‫حزَا بُ‬
‫ختََلفَ ال ْ‬
‫ن النّا سِ قال قتادة‪ :‬هم الذ ين قال ال‪ :‬ف ـا ْ‬
‫ن ب ـال ِقسْطِ مِ َ‬
‫ن اّلذِي نَ ي ْأ ُمرُو َ‬
‫َويَ ْقتُلُو َ‬
‫اختلفوا فـيه فصاروا أحزابـا‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫و‬ ‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪.‬‬
‫ل لَ ُه كُن فَ َيكُو نُ * وَِإ نّ الّل هَ‬
‫ضىَ َأمْرا َفِإنّمَا يَقُو ُ‬
‫س ْبحَانَهُ ِإذَا قَ َ‬
‫خذَ مِن وََلدٍ ُ‬
‫ن للّ ِه أَن َي ّت ِ‬
‫{مَا كَا َ‬
‫ط ّمسْتَقِيمٌ }‪.‬‬
‫صرَا ٌ‬
‫ع ُبدُوهُ هَـذَا ِ‬
‫َربّي َو َر ّبكُمْ فَا ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬لقد كفرت الذين قالوا‪ :‬إن عيسى ابن ال‪ ,‬وأعظموا ال ِفرْية علـيه‪ ,‬فما‬
‫ينب غي ل أن يت ـخذ ولدا‪ ,‬ول ي صلـح ذلك له ول يكون‪ ,‬بل كلّ ش يء دو نه فخ ـلقه‪ ,‬وذلك‬
‫نظير قول عمرو بن أحمر‪:‬‬
‫جبَلُ‬
‫سهْلٌ وَل َ‬
‫شرِفَةٍل ُي ْب َتغَى ُدوَنها َ‬
‫عنْقاءَ ُم ْ‬
‫فـي رأسِ خَـلْقاءَ ِمنْ َ‬
‫سبْحانَهُ يقول‪ :‬تنزيها ل وتبرئة له‬
‫خذَ فـي موضع رفع بكان‪ .‬وقوله‪ُ :‬‬
‫وأن من قوله أ نْ َيتّـ ِ‬
‫أن يكون له ما أضاف إلـيه الكافرون القائلون‪ :‬عيسى ابن ال‪ .‬وقوله‪ :‬إذَا َقضَى أمْرا فإنّـمَا‬
‫ن فَ ـ َيكُونُ يقول جل ثناؤه‪ :‬إن ـما ابتدأ ال خ ـلق عي سى ابتداء‪ ,‬وأنشأه إنشاء‪ ,‬من‬
‫يَقُول لَ ُه كُ ْ‬
‫ن فَـيَكُونُ لنه كذلك يبتدع الشياء ويخترعها‪ ,‬إنـما‬
‫غير فحل افتـحل أمه‪ ,‬ولكنه قال له‪ :‬كُ ْ‬
‫يقول‪ ,‬إذا قضى خـلق شيء أو إنشاءه‪ :‬كن فـيكون موجودا حادثا‪ ,‬ل يعظم علـيه خـلقه‪,‬‬
‫لنه ل يخـلقه بـمعاناة وكلفة‪ ,‬ول ينشئه بـمعالـجة وشدّة‪.‬‬
‫ع ُبدُو ُه اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامّة قرّاء‬
‫ن اللّ َه َربّـي َو َر ّبكُ مْ فـا ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ّ‬
‫ن الّل َه َربّـي َورَبكُ مْ» واختلف أهل العربـية فـي وجه فتـح‬
‫أهل الـمدينة والب صرة‪« :‬وأ ّ‬
‫«أن» إذا فتـحت‪ ,‬فقال بعض نـحوّيـي الكوفة‪ :‬فُتـحت ردّا علـى عيسى وعطفـا علـيه‪,‬‬
‫ب ـمعنى‪ :‬ذلك عي سى ا بن مري ـم‪ ,‬وذلك أن ال رب ـي ورب كم‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك كا نت أن‬
‫ن َربّ كَ ُمهْلِ كَ ال ُقرَى ِبظُلْـمٍ قال‪ :‬ولو‬
‫رفعا‪ ,‬وتكون بتأويـل خفض‪ ,‬كما قال‪ :‬ذَلِ كَ أ نْ لَـمْ َيكُ ْ‬
‫فت ـحت عل ـى قوله‪ :‬وأوْ صَانِـي بأن ال‪ ,‬كان وج ها‪ .‬وكان ب عض الب صريـين يقول‪ :‬وذُ كر‬
‫ذلك أيضـا عـن أبــي عمرو بـن العلء‪ ,‬وكان مــمن يقرؤه بــالفتـح إنــما فتــحت أن‬
‫بتأوي ـل َوقَضَى أن ال رب ـي وربّ كم‪ .‬وكا نت عا مة قرّاء الكوف ـيـين يقرؤو نه‪ :‬وَإ نّ الّل هَ‬
‫ي بن ك عب أ نه كان‬
‫ل لَ هُ‪ .‬وذُ كر عن أب ـ ّ‬
‫بك سر إن ب ـمعنى الن سق عل ـى قوله‪ :‬فإنّ ـما َيقُو ُ‬
‫ن فَـ َيكُونُ إنّ الّلهَ َربّـي َو َر ّب ُكمْ» بغير واو‪.‬‬
‫ل لَ ُه كُ ْ‬
‫يقرؤه‪« :‬فإنّـما يَقُو ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقراءة التـي نـختار فـي ذلك‪ :‬الكسر علـى البتداء‪ .‬وإذا قرىء كذلك‬
‫ع ْبدُ‬
‫لـم يكن لها موضع‪ ,‬وقد يجوز أ نّ يكون عطفـا علـى «إنّ» التـي مع قوله قالَ إنّـي َ‬
‫اللّ هِ آتانِ ـيَ الكِتا بَ وَإ نّ الّل َه َربّ ـي َو َر ّبكُ مْ ولو قال قائل‪ ,‬م ـمن قرأ ذلك ن صبـا‪ :‬ن صب‬
‫علـى العطف علـى الكتاب‪ ,‬بـمعنى‪ :‬آتان ـي الكتاب‪ ,‬وآتانـي أن ال رب ـي وربّكم‪ ,‬كان‬
‫وجها ح سنا‪ .‬ومع نى الكلم‪ :‬وإن ـي وأنت ـم أي ها القوم جميعا ال عبـيد‪ ,‬فإياه ف ـاعبدوا دون‬
‫غيره‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17884‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عمن ليتهم‪ ,‬عن وهب بن‬
‫ن اللّ هَ َربّ ـي َو َربّكُ مْ‬
‫من به‪ ,‬قال‪ :‬ع هد إل ـيهم ح ين أ خبرهم عن نف سه ومولده ومو ته وبع ثه إ ّ‬
‫ستَقِـيـمٌ أي إنـي وإياكم عبـيد ال‪ ,‬فـاعبدوه ول تعبدوا غيره‪.‬‬
‫ع ُبدُوهُ هذَا صِراطٌ ُم ْ‬
‫فـا ْ‬
‫ستَقِـيـمٌ يقول‪ :‬هذا الذي أو صيتكم به‪ ,‬وأ خبرتكم أن ال أمرن ـي به‬
‫وقوله‪َ :‬هذَا صِرَاطٌ مُ ْ‬
‫هو الطريق الـمستقـيـم‪ ,‬الذي من سلكه نـجا‪ ,‬ومن ركبه اهتدى‪ ,‬لنه دين ال الذي أمر به‬
‫أنبـياءه‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ِهدِ‬
‫ن كَ َفرُو ْا مِن ّم ْ‬
‫ل لّّلذِي َ‬
‫حزَا بُ مِن َب ْي ِنهِ مْ فَ ْويْ ٌ‬
‫ختَلَ فَ ال ْ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَا ْ‬
‫عظِيمٍ }‪.‬‬
‫يَ ْومٍ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فـاختلف الـمختلفون فـي عيسى‪ ,‬فصاروا أحزابـا متفرّقـين من‬
‫بـين قومه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17885‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حزَابُ ِمنْ بَـ ْي ِنهِ ْم قال‪ :‬أهل الكتاب‪.‬‬
‫ختَلَفَ اْل ْ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ختََلفَ اْلحْزَابُ‬
‫‪ 17886‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫ن بَ ـ ْي ِن ِهمْ ذُ كر ل نا أن ل ـما رُ فع ا بن مري ـم‪ ,‬انت ـخبت ب نو إ سرائيـل أرب عة من فقهائ هم‪,‬‬
‫مِ ْ‬
‫فقالوا للوّل‪ :‬ما تقول فـي عيسى؟ قال‪ :‬هو ال هبط إلـى الرض‪ ,‬فخـلق ما خـلق‪ ,‬وأحيا‬
‫صعِد إل ـى ال سماء‪ ,‬فتاب عه عل ـى ذلك ناس من الناس‪ ,‬فكا نت ال ـيعقوبـية من‬
‫ما أح يا‪ ,‬ثم َ‬
‫النصارى وقال الثلثة الَخرون‪ :‬نشهد أنك كاذب‪ ,‬فقالوا للثانـي‪ :‬ما تقول فـي عيسى؟ قال‪:‬‬
‫هو ابن ال‪ ,‬فتابعه علـى ذلك ناس من الناس‪ ,‬فكا نت النّسطورية من النصارى وقال الثنان‬
‫الَخران‪ :‬نش هد أ نك كاذب‪ ,‬فقالوا للثالث‪ :‬ما تقول ف ـي عي سى؟ قال‪ :‬هو إله‪ ,‬وأ مه إله‪ ,‬وال‬
‫إله‪ ,‬فتابعه علـى ذلك ناس من الناس‪ ,‬فكانت السرائيـلـية من النصارى‪ ,‬فقال الرابع‪ :‬أشهد‬
‫أ نك كاذب‪ ,‬ولك نه ع بد ال ور سوله‪ ,‬هو كل ـمة ال ورو حه فــاختصم القوم‪ ,‬فقال ال ـمرء‬
‫الـمسلـم‪ :‬أنشُدكم ال ما تعلـمون أن عيسى كان يَطعم الطعام‪ ,‬وأن ال تبـارك وتعالـى‪:‬‬
‫ل يطعم الطعام قالوا‪ :‬الله مّ نعم‪ ,‬قال‪ :‬هل تعلـمون أن عيسى كان ينام؟ قالوا‪ :‬الله ّم نعم‪ ,‬قال‬
‫فخصمهم الـمسلـم قال‪ :‬فـاقتتل القوم‪ .‬قال‪ :‬فذُكر لنا أن الـيعقوبـية ظهرت يومئذٍ وأصيب‬
‫ن ال ّنبِ ـيّـينَ‬
‫ن بآيا تِ ال َويَ ْقتُلُو َ‬
‫ن اّلذِي نَ َيكْ ُفرُو َ‬
‫ال ـمسلـمون‪ ,‬فأنزل ال ف ـي ذلك القرآن‪ :‬إ ّ‬
‫شرْ ُهمْ ِب َعذَابٍ ألِـيـمٍ‪.‬‬
‫ن النّاسِ َفبَ ّ‬
‫سطِ مِ َ‬
‫ن يَأمْرُ ُونَ بِـال ِق ْ‬
‫حقّ َويَ ْقتُلُونَ اّلذِي َ‬
‫ب َغيْرِ َ‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ب مِنْ بَـ ْي ِن ِهمْ اختلفوا فـيه فصاروا أحزابـا‪..‬‬
‫ف اْلحْزَا ُ‬
‫ختَلَ َ‬
‫فـا ْ‬
‫عظِي ـمٍ يقول‪ :‬فوادي جهن ـم الذي يد عي ويلً‬
‫ش َهدِ يَوْ مٍ َ‬
‫وقوله‪ :‬فَ َويْ ـلٌ لّلذِي نَ كَ َفرُوا مِ نْ َم ْ‬
‫للذ ين كفروا ب ـال‪ ,‬من الزاعم ين أن عي سى ل ولد‪ ,‬وغير هم من أ هل الك فر به من شهود هم‬
‫يوما عظيـما شأنه‪ ,‬وذلك يوم القـيامة‪ .‬وكان قتادة يقول فـي تأويـل ذلك ما‪:‬‬

‫‪ 17887‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال ال‪ :‬فَ َويْ ـلٌ لّلذِي نَ‬
‫ل إذا عظيـما‪.‬‬
‫عظِيـمٍ شهدوا هو ً‬
‫ش َهدِ يَ ْومٍ َ‬
‫كَ َفرُوا ِمنْ َم ْ‬
‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن ا ْليَوْ مَ فِي‬
‫ن الظّاِلمُو َ‬
‫صرْ يَوْ مَ َي ْأتُونَنَا لَ ـكِ ِ‬
‫سمِعْ ِبهِ مْ وََأبْ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {أَ ْ‬
‫ضَلَلٍ ّمبِينٍ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره م خبرا عن حال الكافر ين به‪ ,‬ال ـجاعلـين له أندادا‪ ,‬والزاعم ين أن له‬
‫ولدا يوم ورودهـم علــيه فــي الَخرة‪ :‬لئن كانوا فــي الدنــيا عميـا عـن إبصـار الــحقّ‪,‬‬
‫والنظر إلـى حجج ال التـي تدلّ علـى وحدانـيته‪ ,‬صما عن سماع آي كتابه‪ ,‬وما دعتهم‬
‫إل ـيه ر سل ال ف ـيها من القرار بتوحيده‪ ,‬و ما ب عث به أنب ـياءه‪ ,‬ف ما أ سمعهم يوم قدوم هم‬
‫علـى رب هم فـي الَخرة‪ ,‬وأب صرهم يومئذٍ حين ل ينفعهم البصار والسماع‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫صرْ ذاك‬
‫سمِعْ ِبهِ مْ وأبْ ِ‬
‫‪ 17888‬ـ حدثنا بشر‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْ‬
‫وال يوم القـيامة‪ ,‬سمعوا حين ل ينفعهم السمع‪ ,‬وأبصروا حين ل ينفعهم البصر‪.‬‬
‫‪ 17889‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال أخبرنا عبد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‬
‫أسمِعْ ِب ِهمْ وأبْصرْ قال‪ :‬أسمعُ قومٍ وأبصرُهُم‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‬
‫صرْ يَ ْومَ ي ْأتُوننا يوم القـيامة‪.‬‬
‫أسمِعْ ِب ِهمْ وأ ْب ِ‬
‫‪17890‬ــ حدث نا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أبــي جع فر‪ ,‬عن‬
‫صرْ كيف يصنع بهم َيوْمَ‬
‫الربـيع بن أنس‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬قال‪ :‬أسمِعْ بحديثهم الـيوم وأبْ ِ‬
‫ي ْأتُونَنا ‪ 17891‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أسمِعْ‬
‫صرْ يَوْ َم ي ْأتُونَنا قال‪ :‬هذا يوم القـيامة‪ ,‬فأما الدنـيا فل‪ ,‬كانت علـى أبصارهم غشاوة‪,‬‬
‫ِبهِمْ وأبْ ِ‬
‫وفـي آذانهم وقر فـي الدنـيا فلـما كان يوم القـيامة أبصروا وسمعوا فلـم ينتفعوا‪ ,‬وقرأ‪:‬‬
‫س ِمعْنا فـا ْرجِعْنا َن ْعمَلَ صَالِـحا إنا مُو ِقنُونَ‪.‬‬
‫صرْنا و َ‬
‫َربّنا أ ْب َ‬
‫ن الــيَ ْومَ فِــي ضَللٍ ُمبِــينٍ يقول تعالــى ذكره‪ :‬لكـن الكافرون‬
‫وقوله‪َ :‬لكِنِـ الظّالِــمُو َ‬
‫الذ ين أضافوا إل ـيه ما ل ـيس من صفته‪ ,‬وافتروا عل ـيه الكذب ال ـيوم ف ـي الدن ـيا‪ ,‬ف ـي‬
‫ضلل مبـين يقول‪ :‬فـي ذهاب عن سبـيـل الـحقّ‪ ,‬وأخذ علـى غير استقامة‪ ,‬مبـين أنه‬
‫جائر عن طريق الرشد والهدى‪ ,‬لـمن تأمله وفكّر فـيه‪ ,‬ف ُهدِي لرشده‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ضيَ ال ْمرُ وَ ُه ْم فِي غَفَْلةٍ وَ ُهمْ لَ ُي ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫سرَةِ ِإ ْذ قُ ِ‬
‫حْ‬‫{وََأ ْن ِذرْ ُهمْ يَ ْومَ ا ْل َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬وأنذر يـا مــحمد هؤلء‬
‫الـمشركين بـال يوم حسرتهم وندمهم‪ ,‬علـى ما فرّطوا فـي جنب ال‪ ,‬وأورثت مساكنهم‬
‫من ال ـجنة أ هل الي ـمان ب ـال والطا عة له‪ ,‬وأدخ ـلوهم م ساكن أ هل الي ـمان ب ـال من‬
‫النار‪ ,‬وأي قن الفريقان ب ـالـخـلود الدائم‪ ,‬وال ـحياة الت ـي ل موت بعد ها‪ ,‬ف ـيا ل ها ح سرةً‬
‫وندامة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17892‬ـ حدثنا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد الرح من بن مهد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫عن سَلَـمة بن ُكهَيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الزعراء‪ ,‬عن عبد ال فـي قصة ذكرها‪ ,‬قال‪ :‬ما من‬
‫ن فس إل و هي تن ظر إل ـى ب ـيت ف ـي ال ـجنة‪ ,‬وب ـيت ف ـي النار‪ ,‬و هو يوم ال ـحسرة‪,‬‬
‫فــيرى أهـل النار البــيت الذي كان قـد أعدّه ال لهـم لو آمنوا‪ ,‬فــيقال لهـم‪ :‬لو آمنتــم‬
‫وعملت ـم صالـحا كان ل كم هذا الذي ترو نه ف ـي ال ـجنة‪ ,‬فتأخذ هم ال ـحسرة‪ ,‬ويرى أ هل‬
‫الـجنة البـيت الذي فـي النار‪ ,‬فـيقال‪ :‬لول أن َمنّ ال علـيكم‪.‬‬
‫‪17893‬ـ حدثنا أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬عن أبـي‬
‫سعيد‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬يُجاءُ بـالـمَوْتِ َيوْ مَ القِـيامَةِ فَـيُوقَـفُ‬
‫جنّ ِة هَلْ َت ْعرِفُونَـ َهذَا؟‬
‫ل الــ َ‬
‫جنّةِ والنّارِ كأنّه َكبْشٌـ أمْلَــحُ» قال‪« :‬فَــيُقالُ‪ :‬يـا أهْ َ‬
‫ن الــ َ‬
‫بــي َ‬
‫ل َتعْ ِرفُو نَ َهذَا؟‬
‫ل النّارِ هَ ْ‬
‫ش ِر ِئبّونَ َو َي ْنظُرُو نَ‪ ,‬فَـيَقُولُونَ‪َ :‬نعَ مْ‪َ ,‬هذَا الـمَوْتُ‪ ,‬فَـيُقالُ‪ :‬يا أهْ َ‬
‫فَـيَ ْ‬
‫شرَئبّونَ َو َي ْنظُرُو نَ‪ ,‬فَـيَقُولُونَ‪َ :‬نعَ مْ َهذَا الـمَوْتُ‪ ,‬ثُ مّ يُ ْؤ َمرُ بِ هِ فَـ ُي ْذبَحُ» قال‪« :‬فَـيَقُولُ‪ :‬يا‬
‫فَـيَ ْ‬
‫ل النّارِ خُـلُو ٌد فَل مَوْت» قال‪ :‬ثم قرأ رسول ال صلى‬
‫جنّ ِة خُـلُودٌ فَل مَوْت‪ ,‬وَيا أهْ َ‬
‫أهْلَ الـ َ‬
‫غفْلَةٍ وَهُ مْ ل ُي ْؤ ِمنُو نَ وأشار‬
‫حسْرَ ِة إذْ ُقضِ يَ ال ْمرُ وَهُ مْ فِـي َ‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬وأ ْنذِرْهِ ْم يَوْ َم الـ َ‬
‫بـيده فـي الدنـيا‪.‬‬
‫‪17894‬ـ حدثنـي عبـيد بن أسبـاط بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي‬
‫صالـح‪ ,‬عن أب ـي هريرة‪ ,‬عن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ف ـي هذه الَ ية وأ ْن ِذرْهُ مْ يَوْ مَ‬
‫ل النّارِ‬
‫ُمـ يُنادَى‪ :‬يـا أهْ َ‬
‫جنّةِ‪ ,‬فَــَيشْ َر ِئبّونَ‪ ,‬فَــَينْظُرونَ‪ ,‬ث ّ‬
‫ل الــ َ‬
‫حسْرَ ِة قال‪« :‬يُنادَى‪ :‬يـا أهْ َ‬
‫الــ َ‬
‫ن ال ـمَوْتَ؟ قال‪ :‬فَ ـيَقُولُونَ‪ :‬ل‪ ,‬قال‪ :‬فَ ـيُجاءُ‬
‫ل َت ْعرِفُو َ‬
‫ن فَ ـيَ ْنظُرونَ‪ ,‬فَ ـيُقالُ‪ :‬هَ ْ‬
‫ش َر ِئبّو َ‬
‫فَ ـيَ ْ‬
‫خذُ فَـ ُي ْذبَحُ‪ ,‬قالَ‪ :‬ثُمّ يُنادِي‬
‫بـالـمَوْتِ فـي صُورَةِ َكبْشٍ أمْلَـحَ‪ ,‬فـيُقال‪َ :‬هذَا الـمَوْتُ‪ ,‬ثُمّ يُ ْؤ َ‬
‫جنّ ِة خُـلُودٌ فَل مَوْت»‪ ,‬قال‪ :‬ثم قرأ وأ ْن ِذرْهُ مْ َيوْ مَ‬
‫ل النّار خُـلُو ٌد فَل مَوْ تَ‪ ,‬وَيا أهْلَ الـ َ‬
‫يا أهْ َ‬
‫ضيَ ال ْمرُ‪.‬‬
‫سرَ ِة إذْ قُ ِ‬
‫الـحَ ْ‬
‫‪ 17895‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫حسْرَ ِة قال‪ :‬يصوّر ال الـموت فـي صورة كبش‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وأ ْنذِرْهُ مْ يَوْ َم الـ َ‬
‫أملـح‪ ,‬فـيذبح‪ ,‬قال‪ :‬فـيـيأس أهل النار من الـموت‪ ,‬فل يرجونه‪ ,‬فتأخذهم الـحسرة من‬
‫أ جل ال ـخـلود ف ـي النار‪ ,‬وف ـيها أي ضا الفزع ال كبر‪ ,‬ويأ من أ هل ال ـجنة ال ـموت‪ ,‬فل‬
‫يخشونه‪ ,‬وأمنوا الـموت‪ ,‬وهو الفزع الكبر‪ ,‬لنهم يخـلدون فـي الـجنة‪ ,‬قال ابن جريج‪:‬‬
‫يحشر أهل النار حين يذبح الـموت والفريقان ينظرون‪ ,‬فذلك قوله‪ :‬إذْ ُقضِ يَ ال ْمرُ قال‪ :‬ذ بح‬
‫الـموت وَ ُهمْ فِـي غَفَْلةٍ‪.‬‬
‫‪17896‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن أبـيه أنه‬
‫أخبره أنه سمع عبـيد بن عمير فـي قصصه يقول‪ :‬يؤتَـى بـالـموت كأنه دابة‪ ,‬فـيذبح‬
‫والناس ينظرون‪.‬‬
‫‪17897‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وأ ْن ِذرْهُمْ يَوْمَ‬
‫جنْبِ الّلهِ‪.‬‬
‫ت فِـي َ‬
‫سرَتا عَلـى ما َفرّطْ ُ‬
‫حْ‬‫س يا َ‬
‫سرَ ِة قال‪ :‬يوم القـيامة‪ ,‬وقرأ أنْ تَقُولَ نَفْ ٌ‬
‫الـحَ ْ‬
‫‪ 17898‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫سرَةِ من أسماء يوم القـيامة‪ ,‬عظّمه ال‪ ,‬وحذّره عبـادَه‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله وأ ْنذِرْ ُهمْ يَ ْو َم الـحَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬إ ْذ قُضِ يَ ال ْمرُ يقول‪ :‬إذ ُفرِغ من ال ـحكم ل هل النار ب ـالـخـلود ف ـيها‪ ,‬ول هل‬
‫ـ فِــي غَفْلَ ٍة يقول‪ :‬وهؤلء‬
‫الــجنة بــمقام البـد فــيها‪ ,‬بذبـح الــموت‪ .‬وقوله‪ :‬وَهُم ْ‬
‫الــمشركون فــي غفلة عمـا ال فــاعل بهـم يوم يأتونـه خارجيـن إلــيه مـن قبورهـم‪ ,‬مـن‬
‫ن يقول‬
‫تـخـلـيده إياهم ف ـي جهنـم‪ ,‬وتوريثه مساكنهم من الـجنة غير هم وَهُ مْ ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫تعالــى ذكره‪ :‬وهـم ل يصـدّقون بــالقـيامة والبعـث‪ ,‬ومــجازاة ال إياهـم علــى سـيىء‬
‫أعمالهم‪ ,‬بـما أخبر أنه مـجازيهم به‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعُونَ }‪.‬‬
‫حنُ َنرِثُ الرْضَ َومَنْ عََل ْيهَا وَإَِل ْينَا ُي ْر َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إنّا َن ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬ل يحزنـك تكذيـب هؤلء‬
‫الــمشركين يـا مــحمد فــيـما أتــيتهم بـه مـن الــحقّ‪ ,‬فإن إلــينا مرجعهـم ومصـيرهم‬
‫ومصير جميع الـخـلق غيرهم‪ ,‬ونـحن وارثو الرض ومن علـيها من الناس‪ ,‬بفنائهم منها‪,‬‬
‫ل عامـل منهـم بعمله‪ ,‬عنـد مرجعـه إلــينا‪,‬‬
‫وبقائهـا ل مالك لهـا غيرنـا‪ ,‬ثـم علــينا جزاء ك ّ‬
‫الـمـحسن منهم بإحسانه‪ ,‬والـمسيء بإساءته‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫و‬ ‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن صِدّيقا ّن ِبيّا * ِإذْ قَالَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْل ِكتَا بِ ِإ ْبرَاهِي مَ ِإنّ ُه كَا َ‬
‫شيْئا }‪.‬‬
‫سمَعُ َولَ َي ْبصِرُ َولَ ُي ْغنِي عَنكَ َ‬
‫ت ِلمَ َت ْع ُبدُ مَا لَ َي ْ‬
‫لِبِيهِ َيَأبَ ِ‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه‪ :‬وَا ْذ ُكرْ يا مـحمد فـي كتاب ال ِإ ْبرَاهِيـمَ خـلـيـل الرحمن‪,‬‬
‫صدّيقا يقول‪ :‬كان من‬
‫فـاقصص علـى هؤلء الـمشركين قصصه وقصص أبـيه‪ِ ,‬إنّه كَا نَ ِ‬
‫أ هل ال صدق ف ـي حدي ثه وأخب ـاره ومواعيده ل يكذب‪ ,‬وال صدّيق هو الفعي ـل من ال صدق‪.‬‬
‫وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪َ .‬نبِـيّا يقول‪ :‬كان‬
‫ال قد نبأه وأوحى إلـيه‪.‬‬
‫سمَعُ يقول‪ :‬ما‬
‫ت لِ ـمَ َت ْع ُبدُ ما ل يَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬إذْ قالَ لبِ ـيهِ يقول‪ :‬اذكره ح ين قال لب ـيه يا أبَ ِ‬
‫شيْئا يقول‪ :‬ول يدفع عنك‬
‫عنْكَ َ‬
‫تصنع بعبـادة ال َوثَن الذي ل يسمع وَل ُيبْصرُ شيئا وَل ُي ْغنِـي َ‬
‫ضرّ شيـء‪ ,‬إنــما هو صـورة مصـوّرة ل تضرّ ول تنفـع‪ .‬يقول مـا تصـنع بعبــادة مـا هذه‬
‫صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك‪ ,‬وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك‪ ,‬وإذا نزل بك ضرّ‬
‫دفع عنك‪.‬‬
‫واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول الهاء فـي قوله يا أبَتِ فكان بعض نـحوّيـي أهل‬
‫البصرة يقول‪ :‬إذا وقـفت علـيها قلت‪ :‬يا أبه‪ ,‬وهي هاء زيدت نـحو قولك‪ :‬يا أمه‪ ,‬ثم يقال‪:‬‬
‫ل به‪ ,‬فصارت الهاء‬
‫يا أم إذا وصل‪ ,‬ولكنه لـما كان الب علـى حرفـين‪ ,‬كان كأنه قد أُخـ ّ‬
‫لز مة‪ ,‬و صارت ال ـياء كأن ها بعد ها‪ ,‬فلذلك قالوا‪ :‬يا أ بة أق بل‪ ,‬وج عل التاء للتأن ـيث‪ ,‬ويجوز‬
‫الترخيـم من يا أب أقبل‪ ,‬لنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلـى نفسك فـي الـمعنى مضموما‪,‬‬
‫نـحو قول العرب‪ :‬يا ر بّ اغفر لـي‪ ,‬وتقـف فـي القرآن‪ :‬يا أبه فـي الكتاب‪ .‬وقد يقـف‬
‫ب عض العرب عل ـى الهاء ب ـالتاء‪ .‬وقال ب عض ن ـحوّيـي الكو فة‪ :‬الهاء مع أ بة وأ مة هاء‬
‫وقـف‪ ,‬كثرت فـي كلمهم حتـى صارت كهاء التأنـيث‪ ,‬وأدخـلوا علـيها الضافة‪ ,‬فمن‬
‫طلب الضافة‪ ,‬فهي بـالتاء ل غير‪ ,‬لنك تطلب بعدها الـياء‪ ,‬ول تكون الهاء حينئذٍ إل تاء‪,‬‬
‫كقولك‪ :‬يا أبت ل غير‪ ,‬و من قال‪ :‬يا أبه‪ ,‬فهو الذي يقـف بـالهاء‪ ,‬ل نه ل يطلب بعد ها ياء‬
‫ومن قال‪ :‬يا أبتا‪ ,‬فإنه يقـف علـيها بـالتاء‪ ,‬ويجوز بـالهاء فأما بـالتاء‪ ,‬فلطلب ألف الندبة‪,‬‬
‫فصارت الهاء تاء لذلك‪ ,‬والوقـف بـالهاء بعيد‪ ,‬إل فـيـمن قال‪« :‬يا أميـمةَ ناصِبِ» فجعل‬
‫هذه الفتـحة من فتـحة الترخيـم‪ ,‬وكأن هذا طرف السم‪ ,‬قال‪ :‬وهذا يعيد‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬يَأبَ تِ ِإنّي قَدْ جَآ َءنِي ِم نَ ا ْلعِلْ مِ مَا لَ مْ َي ْأتِ كَ فَا ّت ِب ْعنِ يَ أَ ْهدِ كَ‬
‫صِرَاطا سَ ِويّا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال إبراهيـم لبـيه‪ :‬يا أبت إنـي قد آتانـي ال من العلـم ما لـم‬
‫صرَاطا سَ ِويّا يقول‪ :‬أبصرك هدى‬
‫يؤتك فـاتبعنـي‪ :‬يقول‪ :‬فـاقبل منـي نصيحتـي أ ْهدِ كَ ِ‬
‫الطريق الـمستوى الذي ل تضلّ فـيه إن لزمته‪ ,‬وهو دين ال الذي ل اعوجاج فـيه‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَــنِ‬
‫َانـ لِل ّر ْ‬
‫َانـ ك َ‬
‫شيْط َ‬
‫ِنـ ال ّ‬
‫َانـ إ ّ‬
‫شيْط َ‬
‫ل َت ْع ُبدِ ال ّ‬
‫َتـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬يَأب ِ‬
‫صيّا }‪.‬‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يا أبت ل تعبد الشيطان إن الشيطان كان ل عاصيا‪ .‬والعصيّ هو ذو‬
‫الع صيان‪ ,‬ك ما العل ـيـم ذو العل ـم‪ .‬و قد قال قوم من أ هل العرب ـية‪ :‬الع صيّ‪ :‬هو العا صي‪,‬‬
‫والعلــيـم هـو العالــم‪ ,‬والعريـف هـو العارف‪ ,‬واسـتشهدوا لقولهـم ذلك‪ ,‬بقول طريـف بـن‬
‫تـميـم العنبريّ‪.‬‬
‫عرِي َفهُمْ َي َت َوسّمُ‬
‫َب َعثُوا إلـيّ َ‬ ‫أوَ كُلّـما َورَدَتْ عُكاظَ َقبِـيـلَ ٌة‬
‫وقالوا‪ :‬قال عريفهم وهو يريد‪ :‬عارفهم‪ ,‬وال أعلـم‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َفتَكُو نَ‬
‫حمَ ـ ِ‬
‫عذَا بٌ مّ نَ ال ّر ْ‬
‫سكَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬يَأبَ تِ ِإنّ يَ َأخَا فُ أَن َيمَ ّ‬
‫شيْطَانِ وَِليّا }‪.‬‬
‫لِل ّ‬
‫يقول‪ :‬يا أ بت إن ـي أعل ـم أ نك إن م تّ عل ـى عب ـادة الشيطان أ نه ي ـمسك عذاب من‬
‫ْانـ وَلِــيّا يقول‪ :‬تكون له ولــيا دون ال ويتـبرأ ال منـك‪ ,‬فتهلك‪,‬‬
‫ُونـ لِلش ّيط ِ‬
‫عذاب ال َف َتك َ‬
‫والـخوف فـي هذا الـموضع بـمعنى العلـم‪ ,‬كما الـخشية بـمعنى العلـم‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ن ُيرْهِ َقهُما طُغْيانا َوكُفْرا‪.‬‬
‫َفخَشِينا أ ْ‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آِل َهتِي َيِإبْرَاهِي مُ َلئِن لّمْ تَنتَ ِه ل ْرجُ َمنّكَ‬
‫عْ‬‫ب أَن تَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َأرَاغِ ٌ‬
‫ج ْرنِي مَِليّا }‪.‬‬
‫وَا ْه ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال أ بو إبراهي ـم لبراهي ـم‪ ,‬ح ين دعاه إبراهي ـم إل ـى عب ـادة ال‬
‫ت يا إبراهيـم عن عبـادة‬
‫وترك عبـادة الشيطان‪ ,‬والبراءة من الوثان والصنام‪ :‬أرَاغِ بٌ أنْ َ‬
‫ج َمنّكَ يقول‪ :‬لرجمنك بـالكلم‪ ,‬وذلك السبّ‪,‬‬
‫ل ْر ُ‬
‫آلهتـي؟ َلئِن أنت لَـمْ َت ْنتَهِ عن ذكرها بسوء َ‬
‫والقول القبـيح‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17899‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ قال أرَاغِ بٌ أنْ تَ‬
‫ج َم ّنكَ بـالشتـيـمة والقول‪.‬‬
‫لرْ ُ‬
‫عنْ آِل َهتِـي يا إ ْبرَاهِيـمُ َل ِئنْ لَـمْ َت ْنتَ ِه َ‬
‫َ‬
‫‪ 17900‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬فـي‬
‫ج َم ّنكَ قال‪ :‬بـالقول لشتـمنك‪.‬‬
‫ل ْر ُ‬
‫ن لَـمْ َت ْنتَهِ َ‬
‫قوله‪َ :‬لئِ َ‬
‫‪ 17901‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫ل ْرجُ َم ّنكَ يعنـي‪ :‬رجْم القول‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬‬
‫جرْنِـي مَلِـيّا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى‬
‫وأما قوله‪ :‬وَا ْه ُ‬
‫ذلك‪ :‬واهجرن ـي حي نا طويلً ودهرا‪ .‬ووجّهوا مع نى ال ـملـيّ إل ـى ال ـمُلوة من الزمان‪,‬‬
‫وهو الطويـل منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17902‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ج ْرنِ ـي مَلِ ـيّا‬
‫م ـحمد بن أب ـي الوضاح‪ ,‬عن ع بد الكري ـم‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَاه ُ‬
‫قال‪ :‬دهرا‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء جمي عا‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قوله‬
‫مَلِـيّا قال حينا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17903‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن وَا ْهجُ ْرنِـي‬
‫مَلِـيّا قال‪ :‬طويلً‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬فـي‬
‫ج ْرنِـي مَلِـيّا قال‪ :‬زمانا طويلً‪.‬‬
‫قوله وَا ْه ُ‬
‫ج ْرنِ ـي مَلِ ـيّا يقزل‪:‬‬
‫‪ 17904‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سَلَـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق وَا ْه ُ‬
‫دهرا‪ ,‬والدهر‪ :‬الـملـيّ‪.‬‬
‫‪17905‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫ج ْرنِـي مَلِـيّا قال دهرا‪.‬‬
‫عن سعيد بن جبـير وَا ْه ُ‬
‫جرْنِـي مَلِـيّا قال‪:‬‬
‫‪17906‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وَا ْه ُ‬
‫أبدا‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬واهجرنــي سـَويّا سـالـما مـن عقوبتــي إياك‪ ,‬ووجّهوا‬
‫معنى الـملـيّ إلـى قول الناس‪ :‬فلن ملـيّ بهذا المر‪ :‬إذا كان مضطلعا به غنـيا فـيه‪.‬‬
‫وكأن معنى الكلم كان عندهم‪ :‬واهجرنـي وعرضُك وافر من عقوبتـي‪ ,‬وجسمك معافـى‬
‫من أذاي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن‬
‫‪ 17907‬ـ حدثنـي علـ ّ‬
‫ج ْرنِـي مَلِـيّا يقول‪ :‬اجتنبنـي‬
‫صالـح‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس وَا ْه ُ‬
‫سَ ِويّا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ج ْرنِــي مَلِــيّا قال‪ :‬اجتنبنــي سـالـما قبـل أن يصـيبك‬
‫أبــيه‪ ,‬عن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪:‬وَا ْه ُ‬
‫منـي عقوبة‪.‬‬
‫ج ْرنِـي مَلـيّا‬
‫‪ 17908‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْه ُ‬
‫قال‪ :‬سالـما‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17909‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن كثـير بن درهم أبو غسان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قرة‬
‫بن خالد‪ ,‬عن عطية الـجدلـي وَا ْهجُ ْرنِـي مَلِـيّا قال‪ :‬سالـما‪.‬‬
‫‪ 17910‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله وَا ْهجُ ْرنِـي مَلـيّا‪ :‬اجتنبنـي سالـما ل يصيبك منـي معرّة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولـى القولـين بتأويـل الَية عندي قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬واهجرنـي‬
‫ج َمنّ كَ وذلك وعيد منه له إن‬
‫لرْ ُ‬
‫سويا‪ ,‬سِلـما من عقوبتـي‪ ,‬لنه عقـيب قوله‪َ :‬ل ِئ نْ لَـمْ َت ْنتَ ِه َ‬
‫لـم ينته عن ذكر آلهته بـالسوء أن يرجمه بـالقول السيىء‪ ,‬والذي هو أولـى بأن يتبع ذلك‬
‫التقدّم إلـيه بـالنتهاء عنه قبل أن تناله العقوبة‪ ,‬فأما المر بطول هجره فل وجه له‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫و‬ ‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن بِي حَ ِفيّا *‬
‫س َتغْ ِفرُ لَ كَ َربّ يَ ِإنّ ُه كَا َ‬
‫سأَ ْ‬
‫ك َ‬
‫لمٌ عََليْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ سَ َ‬
‫ن ِبدُعَآ ِء َربّي شَ ِقيّا }‪.‬‬
‫ل َأكُو َ‬
‫سىَ َأ ّ‬
‫عَ‬‫ع َتزِلُ ُكمْ َومَا َتدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ وََأدْعُو َربّي َ‬
‫وََأ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال إبراهيـم لبـيه حين توعّده علـى نصيحته إياه ودعائه إلـى ال‬
‫ب ـالقول ال سيىء والعقو بة‪ :‬سلم عل ـيك يا أ بت‪ ,‬يقول‪ :‬أم نة من ـي لك أن أعاودك ف ـيـما‬
‫س َتغْ ِفرُ لَ كَ َربّـي يقول‪:‬‬
‫ي ما توعدتنـي علـيه بـالعقوبة‪ ,‬ولكنـي سأ ْ‬
‫كرهت‪ ,‬ولدعائك إلـ ّ‬
‫ولكن ـي سأسأل رب ـي أن ي ستر عل ـيك ذنو بك بعفوه إياك عن عقوب تك عل ـيها إّن ُه كا نَ‬
‫حفِـيّا يقول‪ :‬إن ربـي عهدته بـي لطيفـا يجيب دعائي إذا دعوته يقال منه‪ :‬تـحفـى‬
‫بِـي َ‬
‫بـي فلن‪ .‬وقد بـيّنت ذلك بشواهده فـيـما مضى‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته هاهنا‪ .‬وبنـحو‬
‫ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17911‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن بِـي حَفـيّا يقول‪ :‬لطيفـا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إّنهُ كا َ‬
‫‪17912‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إنّهُ كانَ بِـي‬
‫حَفِـيّا قال‪ :‬إنه كان بـي لطيفـا‪ ,‬فإن الـحفـيّ‪ :‬اللطيف‪.‬‬
‫ن دُو نِ الّل هِ يقول‪ :‬وأجتنب كم و ما تدعون من دون ال من‬
‫ن مِ ْ‬
‫ع َتزُِلكُ مْ وَ ما َتدْعُو َ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْ‬
‫الوثان والصـنام وأدْعُـو َربّــي يقول‪ :‬وأدعـو ربــي‪ ,‬بإخلص العبــادة له‪ ,‬وإفراده‬
‫ن ل أكُو نَ ِبدُعاءِ َربّـي شَقِـيّا يقول‪ :‬عسى أن ل أشقـى بدعاء ربـي‪,‬‬
‫بـالربوبـية عَسَى أ ْ‬
‫ولكن يجيب دعائي‪ ,‬ويعطينـي ما أسأله‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫و‬ ‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سحَاقَ‬
‫ن اللّ هِ وَ َهبْنَا َل ُه إِ ْ‬
‫ن مِن دُو ِ‬
‫ع َتزََلهُ مْ وَمَا َي ْع ُبدُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعاله‪{ :‬فَلَمّا ا ْ‬
‫صدْقٍ عَِليّا }‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫جعَ ْلنَا َل ُهمْ ِلسَا َ‬
‫جعَ ْلنَا َن ِبيّا * َووَ َه ْبنَا َل ْهمْ مّن ّرحْ َم ِتنَا َو َ‬
‫َو َيعْقُوبَ َوكُلّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فل ـما اعتزل إبراهي ـم قو مه وعب ـادة ما كانوا يعبدون من دون ال‬
‫من الوثان آن سنا وحش ته من فراق هم‪ ,‬وأبدلناه من هم ب ـمن هو خ ير من هم وأكرم عل ـى ال‬
‫جعَلْنا َنبِ ـيّا يقول‪ :‬وجعلنا هم‬
‫من هم‪ ,‬فوهب نا له اب نه إ سحاق‪ ,‬وابن اب نه يعقوب بن إسحاق وكُلّ َ‬
‫جعَلْ نا‬
‫كل هم‪ ,‬يعن ـي ب ـالكلّ إبراهي ـم وإ سحاق ويعقوب أنب ـياء وقال تعال ـى ذكره‪ :‬وكُلّ َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ورزقنا‬
‫ن َرحَمتِنا يقول ج ّ‬
‫َنبِـيّا فوحد‪ ,‬ولـم يقل أنبـياء‪ ,‬لتوحيد لفظ كلّ َووَ َهبْنا َل ُهمْ مِ ْ‬
‫جميعهم‪ ,‬يعنـي إبراهيـم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا‪ ,‬وكان الذي وهب لهم من رحمته‪ ,‬ما‬
‫بسط لهم فـي عاجل الدنـيا من سعة رزقه‪ ,‬وأغناهم بفضله‪.‬‬
‫صدْقٍ عَلِـيّا يقول تعالـى ذكره‪ :‬ورزقناهم الثناء الـحسن‪ ,‬والذكر‬
‫ن ِ‬
‫جعَلْنا َلهُ ْم لِسَا َ‬
‫وقوله َو َ‬
‫الـجميـل من الناس‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17913‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ص ْدقِ عَلِـيّا يقول‪ :‬الثناء الـحسن‪.‬‬
‫جعَلْنا َل ُهمْ لِسانَ ِ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ل ثناؤه الل سان الذي ج عل ل هم ب ـالعلوّ‪ ,‬لن جم يع أ هل ال ـملل ت ـحسن‬
‫وإن ـما و صف ج ّ‬
‫الثناء عل ـيهم‪ ,‬والعرب تقول‪ :‬قد جاءن ـي ل سان فلن‪ ,‬تعن ـي ثناءه أو ذ مه وم نه قول عا مر‬
‫بن الـحارث‪:‬‬
‫خرُ‬
‫سَ‬‫عجَبٌ ِمنْها وَل َ‬
‫مِنْ عَلْ َو ل َ‬ ‫سرّ ِبهَا‬
‫ن ل ُأ َ‬
‫إنّـي أ َت ْتنِـي لِسا ٌ‬
‫سخَر‪.‬‬
‫ويُروى‪ :‬ل كذب فـيها ول َ‬
‫حذَرُ‬
‫لَ ْو كانَ َينْ َف ُعنِـي الشْفـاقُ والـ َ‬ ‫ح َذرُها‬
‫جمّةً قد ُكنْتُ أ ْ‬
‫ت مُر َ‬
‫جاءَ ْ‬
‫ن بها‪.‬‬
‫مرجمّة‪ :‬يظ ّ‬

‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل ّن ِبيّا }‪.‬‬
‫ن رَسُو ً‬
‫ن ُمخْلِصا َوكَا َ‬
‫سىَ ِإّنهُ كَا َ‬
‫{وَا ْذ ُكرْ فِي ا ْل ِكتَابِ مُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬واذكر يا مـحمد فـي كتابنا الذي أنزلناه‬
‫إلـيك موسى بن عمران‪ ,‬واقصص علـى قومك أنه كان مخـلصا‪.‬‬
‫واختلفت القراء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين‪:‬‬
‫ن ُمخْـلِصا» بكسر اللم من الـ ُمخْـلِص‪ ,‬بـمعنى‪ :‬إنه كان يخـلص ل العبـادة‪,‬‬
‫«إنّ هُ كا َ‬
‫ويفرده بـاللوهة‪ ,‬من غير أن يجعل له فـيها شريكا‪ .‬وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة خل‬
‫كانـ ُمخْــلَصا بفتــح اللم مـن ُمخْــلَص‪ ,‬بــمعنى‪ :‬إن موسـى كان ال قـد‬
‫ّهـ َ‬‫عاصـم‪ :‬إن ُ‬
‫أخـلصه واصطفـاه لرسالته‪ ,‬وجعله نبـيا مرسلً‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي‪ :‬أنـه كان صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ُمخْـلِصا عبـادة ال‪ُ ,‬مخْـلَصا للرسالة والنبوّة‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب‪.‬‬
‫ن َرسُولً يقول‪ :‬وكان ل رسولً إلـى قومه بنـي إسرائيـل‪ ,‬ومن أرسله إلـيه نبـيا‪.‬‬
‫وكا َ‬

‫‪53‬‬ ‫و‬ ‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جيّا * وَوَ َه ْبنَا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { .‬ونَادَ ْينَا ُه مِن جَانِ بِ الطّورِ ال ْيمَ نِ َو َقرّ ْبنَا ُه َن ِ‬
‫ن َن ِبيّا }‪.‬‬
‫لَ ُه مِن ّرحْ َم ِتنَآ َأخَا ُه هَارُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ونادينا موسى من ناحية الـجبل‪ ,‬ويعنـي بـاليـمن‪ :‬يـمين موسى‪,‬‬
‫لن الـجبل ل يـمين له ول شمال‪ ,‬وإنـما ذلك كما يقال‪ :‬قام عن يـمين القبلة وعن شمالها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17914‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ب الطّو ِر اليـمَنِ قال‪ :‬جانب الـجبل اليـمن‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬مِنْ جانِ ِ‬
‫وقـد بــيّنا معنـى الطور واختلف الــمختلفـين فــيه‪ ,‬ودللنـا علــى ال صواب مـن القول‬
‫جيّا يقول‬
‫ف ـيـما م ضى‪ ,‬ب ـما أغ نى عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬وقوله‪َ :‬و َقرّبْنا هُ نَ ـ ِ‬
‫تعالــى ذكره‪ :‬وأدنــيناه مناجيـا‪ ,‬كمـا يقال‪ :‬فلن نديــم فلن ومنادمـه‪ ,‬وجلــيس فلن‬
‫ومـجالسه‪ .‬وذُكر أن ال جلّ ثناؤه أدناه‪ ,‬حتـى سمع صريف القلـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17915‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن‬
‫جيّا قال‪ُ :‬أدْنـيَ حتـى سمع صريف القلـم‪.‬‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس َوقَ ّربْناهُ نـ ِ‬
‫سيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي بكر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫‪ 17916‬ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطّو ِ‬
‫جيّا قال‪ :‬بـين‬
‫شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬قال‪ :‬أراه عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬و َق ّربْنا ُه نَـ ِ‬
‫السـماء الرابعـة‪ ,‬أو قال‪ :‬السـابعة‪ ,‬وبــين العرش سـبعون ألف حجاب‪ :‬حجاب نور‪ ,‬وحجاب‬
‫ظلــمة‪ ,‬وحجاب نور‪ ,‬وحجاب ظلــمة فمـا زال يقرب موسـى حتــى كان بــينه وبــينه‬
‫ظرْ إلَـ ْيكَ‪.‬‬
‫حجاب‪ ,‬وسمع صَريف القلـم قالَ رَبّ أ ِرنِـي أ ْن ُ‬
‫‪ 17917‬ـ حدث نا عل ـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬عن الرب ـيع‪ ,‬عن‬
‫أبـي العالـية‪ ,‬قال‪ :‬قرّبه منه حتـى سمع صريف القلـم‪.‬‬
‫جيّا قال‪:‬‬
‫‪ 17918‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن مي سرة َو َق ّربْنا هُ نَ ـ ِ‬
‫ُأ ْدنِـيَ حتـى سمع صريف القلـم فـي اللوح‪ ,‬وقال شعبة‪ :‬أردفه جبرائيـل علـيه السلم‪.‬‬
‫وقال قتادة فـي ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪17919‬ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬و َقرّبْنا ُه نَـجِيّا قال‪ :‬نـجا بصدقه‪.‬‬
‫حمَتنا أخا ُه هارُو نَ يقول‪ :‬ووهبنا لـموسى رحمة منا أخاه هارون‬
‫ن َر ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَوَ َهبْنا لَ ُه م ْ‬
‫َنبِـيّا يقول‪ :‬أيّدناه بنبوّته‪ ,‬وأعنّاه بها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17920‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عُلَ ـية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن‬
‫حمَتِنا أخا ُه هارُو نَ َنبِ ـيّا قال‪ :‬كان هارون أكبر من موسى‪,‬‬
‫ن َر ْ‬
‫عب ـاس‪ :‬قوله‪ :‬وَوَ َهبْنا لَ هُ م ْ‬
‫ولكن أراد وهب له نبوّته‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عدِ َوكَا نَ‬
‫ق الْوَ ْ‬
‫ل ِإنّ ُه كَا نَ صَادِ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْل ِكتَا بِ إِ ْ‬
‫ل ّن ِبيّا }‪.‬‬
‫رَسُو ً‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬واذ كر يا م ـحمد ف ـي الكتاب‬
‫إ سماعيـل بن إبراهي ـم‪ ,‬ف ـاقصص خبره إ نه كان ل يكذب وعده‪ ,‬ول يخ ـلف‪ ,‬ولك نه كان‬
‫إذا وعد ربه‪ ,‬أو عبدا من عبـاده وعدا وفـى به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17921‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬إنّ هُ‬
‫عدِ قال‪ :‬لـم َي ِعدْ ربه عِدة إل أنـجزها‪.‬‬
‫كانَ صَا ِدقَ ال َو ْ‬
‫‪ 17922‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي عمرو بن ال ـحارث أن‬
‫سهل بن عق ـيـل‪ ,‬حدّ ثه أن إ سماعيـل عل ـيه ال سلم و عد رجلً مكا نا أن يأت ـيه‪ ,‬فجاء‬
‫ونسي الرجل‪ ,‬فظلّ به إسماعيـل‪ ,‬وبـات حتـى جاء الرجل من الغد‪ ,‬فقال‪ :‬ما برحت من‬
‫هاهنا؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬قال‪ :‬إنـي نسيت‪ ,‬قال‪ :‬لـم أكن لبرح حتـى تأتـي‪ ,‬فبذلك كان صادقا‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضيّا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ {:‬وكَانَ َي ْأ ُمرُ أَهْلَ ُه بِالصّـلَةِ وَال ّزكَـاةِ َوكَانَ عِندَ َربّ ِه مَ ْر ِ‬
‫}‪.‬‬
‫ع ْندَ َربّ هِ َم ْرضِيّا‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكا نَ ي ْأ ُمرُ أهْلَ ُه بِإقا مة ال صّلةِ و إيتاء الزّكاةِ وكا نَ ِ‬
‫عمله‪ ,‬مـحمودا فـيـما كلفه ربه‪ ,‬غير مقصر فـي طاعته‪.‬‬
‫صدّيقا ّن ِبيّا * َورَ َف ْعنَا هُ‬
‫ن ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْل ِكتَا بِ ِإ ْدرِي سَ ِإّن هُ كَا َ‬
‫َمكَانا عَِليّا }‪.‬‬
‫صدّيقا ل يقول‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬واذ كر يا م ـحمد ف ـي كتاب نا هذا إدر يس إنّ ُه كا نَ ِ‬
‫الكذب‪َ ,‬نبِـيّانوحي إلـيه من أمرنا ما نشاء َو َر َفعْنا هُ مَكانا عَلِـيّا ذكر أن ال رفعه وهو ح يّ‬
‫إلـى السماء الرابعة‪ ,‬فذلك معنى قوله‪َ :‬و َر َفعْنا هُ مَكانا عَلِـيّا يعنـي به إلـى مكان ذي علوّ‬
‫وارتف ـاع‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬رُ فع إل ـى ال سماء ال سادسة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الراب عة‪ .‬ذ كر الروا ية‬
‫بذلك‪:‬‬
‫‪17923‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي جرير بن‬
‫حازم‪ ,‬عن سلـيـمان الع مش‪ ,‬عن ش مر بن عط ية‪ ,‬عن هلل بن ي ساف‪ ,‬قال‪ :‬سأل ا بن‬
‫عب ـاس كعب ـا وأ نا حا ضر‪ ,‬فقال له‪ :‬ما قول ال تعال ـى لدر يس َو َر َفعْنا ُه مَكا نا عَلِ ـيّا قال‬
‫ل يوم مثل عمل جميع بن ـي آدم‪,‬‬
‫ك عب‪ :‬أما إدريس‪ ,‬فإن ال أوحى إلـيه‪ :‬إن ـي رافع لك ك ّ‬
‫ب أن تزداد عملً‪ ,‬فأتاه خـلـيـل له من الـملئكة‪ ,‬فقال‪ :‬إن ال أوحى إلـيّ كذا وكذا‪,‬‬
‫فأح ّ‬
‫فكلـمْ لـي ملك الـموت‪ ,‬فل ـيؤخرنـي حتـى أزداد عملً‪ ,‬فحمله ب ـين جناح يه‪ ,‬ثم صعد‬
‫به إلـى السماء فلـما كان فـي السماء الرابعة‪ ,‬تلقاهم ملك الـموت منـحدرا‪ ,‬فكلـم ملك‬
‫الـموت فـي الذي كلـمه فـيه إدريس‪ ,‬فقال‪ :‬وأين إدريس؟ فقال‪ :‬هوذا علـى ظهري‪ ,‬قال‬
‫ملك الـموت‪ :‬فـالعجب بعثت أقبض روح إدريس فـي السماء الرابعة‪ ,‬فجعلت أقول‪ :‬كيف‬
‫أق بض رو حه فــي ال سماء الراب عة و هو ف ـي الرض؟ فق بض رو حه هناك‪ ,‬فذلك قول ال‬
‫تبـارك وتعالـى‪َ :‬ورَ َفعْناهُ مَكانا عَلِـيّا‪.‬‬
‫‪ 17924‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َر َفعْنا ُه مَكانا عَلِـيّا قال‪ :‬إدريس رُفع فلـم يـمت‪ ,‬كما رُفع عيسى‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬مثله‪ ,‬إل أ نه قال‪ :‬ول ـم‬
‫يـمت‪.‬‬
‫‪ 17925‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس َو َر َفعْنا هُ مَكا نا عَلِ ـيّا قال‪ :‬ر فع إل ـى ال سماء ال سادسة‪ ,‬فمات‬
‫فـيها‪.‬‬
‫‪17926‬ـ حدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله‪َ :‬و َر َفعْنا ُه مكا نا عل ـيا إدر يس أدر كه ال ـموت ف ـي‬
‫السماء السادسة‪.‬‬
‫‪ 17927‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد ورفعناه مكانا علـيا قال‪ :‬السماء الرابعة‪.‬‬
‫‪ 17928‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي هارون العبدي‪,‬‬
‫عن أبـي سعيد الـخدري ورفعناه مكانا علـيا قال‪ :‬فـي السماء الرابعة‪.‬‬
‫‪ 17929‬ـ حدث نا عل ـيّ بن سهيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو جع فر الرازي‪ ,‬عن‬
‫ك أ بو جع فر‬
‫الرب ـيع بن أ نس‪ ,‬عن أب ـي العال ـية الريا حي‪ ,‬عن أب ـي هريرة أو غيره «ش ّ‬
‫الرازي» قال‪ :‬ل ـما أ سري ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم صعد به جبري ـل إل ـى ال سماء‬
‫الرابعة‪ ,‬فـاستفتـح فقـيـل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبرائيـل‪ ,‬قالوا‪ :‬ومن معه؟ قال‪ :‬مـحمد‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫أوقـد أرسـل إلــيه؟ قال‪ :‬نعـم‪ ,‬قالوا‪ :‬حياه ال مـن أخ ومـن خــلـيفة‪ ,‬فنعـم الخ ونعـم‬
‫الـخـلـيفة‪ ,‬ونعم الـمـجيء جاء‪ ,‬قال‪ :‬فدخـل فإذا هو برجل‪ ,‬قال‪ :‬هذا إدريس رفعه ال‬
‫مكانا علـيا‪.‬‬
‫‪ 17930‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله ورفعناه مكانا‬
‫عل ـيا قال‪ :‬حدث نا أ نس بن مالك أن نب ـيّ ال حدث أ نه ل ـما عرج به إل ـى ال سماء قال‪:‬‬
‫أتـيت علـى إدريس فـي السماء الرابعة‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫و‬ ‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضيّا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ {:‬وكَانَ َي ْأ ُمرُ أَهْلَ ُه بِالصّـلَةِ وَال ّزكَـاةِ َوكَانَ عِندَ َربّ ِه مَ ْر ِ‬
‫}‪.‬‬
‫ع ْندَ َربّ هِ َم ْرضِيّا‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكا نَ ي ْأ ُمرُ أهْلَ ُه بِإقا مة ال صّلةِ و إيتاء الزّكاةِ وكا نَ ِ‬
‫عمله‪ ,‬مـحمودا فـيـما كلفه ربه‪ ,‬غير مقصر فـي طاعته‪.‬‬
‫صدّيقا ّن ِبيّا * َورَ َف ْعنَا هُ‬
‫ن ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْل ِكتَا بِ ِإ ْدرِي سَ ِإّن هُ كَا َ‬
‫َمكَانا عَِليّا }‪.‬‬
‫صدّيقا ل يقول‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬واذ كر يا م ـحمد ف ـي كتاب نا هذا إدر يس إنّ ُه كا نَ ِ‬
‫الكذب‪َ ,‬نبِـيّانوحي إلـيه من أمرنا ما نشاء َو َر َفعْنا هُ مَكانا عَلِـيّا ذكر أن ال رفعه وهو ح يّ‬
‫إلـى السماء الرابعة‪ ,‬فذلك معنى قوله‪َ :‬و َر َفعْنا هُ مَكانا عَلِـيّا يعنـي به إلـى مكان ذي علوّ‬
‫وارتف ـاع‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬رُ فع إل ـى ال سماء ال سادسة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الراب عة‪ .‬ذ كر الروا ية‬
‫بذلك‪:‬‬
‫‪17923‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي جرير بن‬
‫حازم‪ ,‬عن سلـيـمان الع مش‪ ,‬عن ش مر بن عط ية‪ ,‬عن هلل بن ي ساف‪ ,‬قال‪ :‬سأل ا بن‬
‫عب ـاس كعب ـا وأ نا حا ضر‪ ,‬فقال له‪ :‬ما قول ال تعال ـى لدر يس َو َر َفعْنا ُه مَكا نا عَلِ ـيّا قال‬
‫ل يوم مثل عمل جميع بن ـي آدم‪,‬‬
‫ك عب‪ :‬أما إدريس‪ ,‬فإن ال أوحى إلـيه‪ :‬إن ـي رافع لك ك ّ‬
‫ب أن تزداد عملً‪ ,‬فأتاه خـلـيـل له من الـملئكة‪ ,‬فقال‪ :‬إن ال أوحى إلـيّ كذا وكذا‪,‬‬
‫فأح ّ‬
‫فكلـمْ لـي ملك الـموت‪ ,‬فل ـيؤخرنـي حتـى أزداد عملً‪ ,‬فحمله ب ـين جناح يه‪ ,‬ثم صعد‬
‫به إلـى السماء فلـما كان فـي السماء الرابعة‪ ,‬تلقاهم ملك الـموت منـحدرا‪ ,‬فكلـم ملك‬
‫الـموت فـي الذي كلـمه فـيه إدريس‪ ,‬فقال‪ :‬وأين إدريس؟ فقال‪ :‬هوذا علـى ظهري‪ ,‬قال‬
‫ملك الـموت‪ :‬فـالعجب بعثت أقبض روح إدريس فـي السماء الرابعة‪ ,‬فجعلت أقول‪ :‬كيف‬
‫أق بض رو حه فــي ال سماء الراب عة و هو ف ـي الرض؟ فق بض رو حه هناك‪ ,‬فذلك قول ال‬
‫تبـارك وتعالـى‪َ :‬ورَ َفعْناهُ مَكانا عَلِـيّا‪.‬‬
‫‪ 17924‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َر َفعْنا ُه مَكانا عَلِـيّا قال‪ :‬إدريس رُفع فلـم يـمت‪ ,‬كما رُفع عيسى‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬مثله‪ ,‬إل أ نه قال‪ :‬ول ـم‬
‫يـمت‪.‬‬
‫‪ 17925‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس َو َر َفعْنا هُ مَكا نا عَلِ ـيّا قال‪ :‬ر فع إل ـى ال سماء ال سادسة‪ ,‬فمات‬
‫فـيها‪.‬‬
‫‪17926‬ـ حدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله‪َ :‬و َر َفعْنا ُه مكا نا عل ـيا إدر يس أدر كه ال ـموت ف ـي‬
‫السماء السادسة‪.‬‬
‫‪ 17927‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد ورفعناه مكانا علـيا قال‪ :‬السماء الرابعة‪.‬‬
‫‪ 17928‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي هارون العبدي‪,‬‬
‫عن أبـي سعيد الـخدري ورفعناه مكانا علـيا قال‪ :‬فـي السماء الرابعة‪.‬‬
‫‪ 17929‬ـ حدث نا عل ـيّ بن سهيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو جع فر الرازي‪ ,‬عن‬
‫ك أ بو جع فر‬
‫الرب ـيع بن أ نس‪ ,‬عن أب ـي العال ـية الريا حي‪ ,‬عن أب ـي هريرة أو غيره «ش ّ‬
‫الرازي» قال‪ :‬ل ـما أ سري ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم صعد به جبري ـل إل ـى ال سماء‬
‫الرابعة‪ ,‬فـاستفتـح فقـيـل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبرائيـل‪ ,‬قالوا‪ :‬ومن معه؟ قال‪ :‬مـحمد‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫أوقـد أرسـل إلــيه؟ قال‪ :‬نعـم‪ ,‬قالوا‪ :‬حياه ال مـن أخ ومـن خــلـيفة‪ ,‬فنعـم الخ ونعـم‬
‫الـخـلـيفة‪ ,‬ونعم الـمـجيء جاء‪ ,‬قال‪ :‬فدخـل فإذا هو برجل‪ ,‬قال‪ :‬هذا إدريس رفعه ال‬
‫مكانا علـيا‪.‬‬
‫‪ 17930‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله ورفعناه مكانا‬
‫عل ـيا قال‪ :‬حدث نا أ نس بن مالك أن نب ـيّ ال حدث أ نه ل ـما عرج به إل ـى ال سماء قال‪:‬‬
‫أتـيت علـى إدريس فـي السماء الرابعة‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن ذُ ّريّ ِة ءادَ مَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬أُولَـ ِئكَ اّلذِي نَ َأ ْنعَ مَ الّل هُ عََل ْيهِم مّ نَ ال ّن ِب ّييْ َ‬
‫ج َت َب ْينَآ ِإذَا ُتتَْلىَ عََل ْيهِ مْ آيَا تُ‬
‫ن َه َد ْينَا وَا ْ‬
‫سرَائِيلَ َو ِممّ ْ‬
‫حمَ ْلنَا مَ عَ نُو حٍ َومِن ذُ ّريّ ِة ِإ ْبرَاهِي مَ وَإِ ْ‬
‫ن َ‬
‫َو ِممّ ْ‬
‫سجّدا َو ُب ِكيّا }‪.‬‬
‫خرّواْ ُ‬
‫ن َ‬
‫ال ّرحْمَـ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬هؤلء الذين اقتصصتُ علـيك أنبـاءهم‬
‫ف ـي هذه ال سورة يا م ـحمد‪ ,‬الذ ين أن عم ال عل ـيهم بتوف ـيقه‪ ,‬فهدا هم لطر يق الر شد من‬
‫النبــياء مـن ذريـه آدم‪ ,‬ومـن ذريـة مـن حملنـا مـع نوح فــي الفُلك‪ ,‬ومـن ذريـة إبراهيــم‬
‫خ ـلـيـل الرح من‪ ,‬و من ذر ية إ سرائيـل‪ ,‬وم ـمن هدي نا للي ـمان ب ـال والع مل بطاع ته‬
‫واجتبـينا‪ :‬يقول‪ :‬ومـمن اصطفـينا واخترنا لرسالتنا ووحينا‪ ,‬فـالذي عنى به من ذرية آدم‬
‫إدر يس‪ ,‬والذي ع نى به من ذر ية من حمل نا مع نوح إبراهي ـم‪ ,‬والذي ع نى به من ذر ية‬
‫إبراهيـم إسحاق ويعقوب وإسماعيـل‪ ,‬والذي عنى به من ذرية إسرائيـل‪ :‬موسى وهارون‬
‫وزكر يا وعي سى وأ مه مري ـم‪ ,‬ولذلك فرق تعال ـى ذكره أن سابهم وإن كان يج مع جميع هم آدم‬
‫لن ف ـيهم من ل ـيس من ولد من كان مع نوح ف ـي ال سفـينة‪ ,‬و هو إدر يس‪ ,‬وإدر يس جدّ‬
‫نوح‪.‬‬
‫ت الرّحمنِ يقول‪ :‬إذا تتلـى علـى هؤلء الذين‬
‫وقوله تعالـى ذكره‪ :‬إذَا تُتلـى عَلَـي ِهمْ آيا ُ‬
‫أن عم ال عل ـيهم من النب ـيـين أدلة ال وحج جه الت ـي أنزل ها عل ـيهم ف ـي كت به‪ ,‬خرّوا ل‬
‫سجدا‪ ,‬ا ستكانة له وتذللً وخضو عا لمره وانق ـيادا‪َ ,‬و ُبكِيّا يقول‪ :‬خرّوا سجدا و هم ب ـاكون‪,‬‬
‫جثِـيّ‪ :‬ج مع جاث‪ ,‬فج مع و هو ف ـاعل‬
‫وال ُبكِ يّ‪ :‬ج مع ب ـاك‪ ,‬ك ما ال ُعتِ ـيّ ج مع عات وال ـ ُ‬
‫علــى فعول‪ ,‬كمـا يجمـع القاعـد قعودا‪ ,‬والــجالس جلوسـا‪ ,‬وكان القــياس أن يكون‪ :‬وبُكوّا‬
‫وعتوّا‪ ,‬ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء‪ ,‬كما قـيـل فـي جمع دلو أدل‪ .‬وفـي جمع‬
‫البهـو أبـه‪ ,‬وأصـل ذلك أفعـل أدلو وأبهـو‪ ,‬فقلبـت الواو ياء لــمـجيئها بعـد الضمـة اسـتثقالً‪,‬‬
‫وف ـي ذلك لغتان م ستفـيضتان‪ ,‬قد قرأ بكلّ واحدة عل ـماء من القرّاء ب ـالقرآن بك يا وعتوّا‬
‫بـالضمّ‪ ,‬وبكيا وعتـيا بـالكسر‪ .‬وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 17931‬ـ حدثنا ابن بشاء‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬قرأ عمر بن الـخطاب سورة مريـم فسجد وقال‪ :‬هذا السجود‪ ,‬فأين البك يّ؟‬
‫يريد‪ :‬فأين البكاء‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شهَوَا تِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فخَلَ فَ مِن َب ْعدِهِ مْ خَلْ فٌ َأضَاعُو ْا ال صّلَةَ وَا ّت َبعُو ْا ال ّ‬
‫غيّا }‪.‬‬
‫ف يَلْقُونَ َ‬
‫فَسَ ْو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فحدث من بعد هؤلء الذين ذكرت من النبـياء الذين أنعمت علـيهم‪,‬‬
‫ووصفت صفتهم فـي هذه السورة‪ ,‬خـلْف سوء خـلفوهم فـي الرض أضاعو الصلة‪.‬‬
‫ثم اختلْف أ هل التأوي ـل ف ـي صفة إضاعت هم ال صلة‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كا نت إضاعتهمو ها‬
‫تأخيرهم إياها عن مواقـيتها‪ ,‬وتضيـيعهم أوقاتها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17932‬ـ حدثنـي علـيّ بن سعد الكندي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ خَ ـلْفٌ‬
‫مو سى بن سلـيـمان‪ ,‬عن القا سم بن مخي ـمرة‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬فخَ ـَلفَ مِ ْ‬
‫أضَاعُوا الصّل َة قال‪ :‬إنـما أضاعوا الـمواقـيت‪ ,‬ولو كان تركا كان كفرا‪.‬‬
‫حدثنا إسحاق بن زيد الـخطابـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفريابـي‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫مخيـمرة‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الولـيد بن مسلـم‪ ,‬عن أبـي عمرو‪ ,‬عن‬
‫القاسم بن مخيـمرة‪ ,‬قال‪ :‬أضاعوا الـمواقـيت‪ ,‬ولو تركوها لصاروا بتركها كفـارا‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس بن ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬عن الوزا عي‪ ,‬عن‬
‫القاسم‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪17933‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ,‬عـن الوزاعـي‪ ,‬عـن‬
‫إبراهيـم بن يزيد‪ ,‬أن عمر بن عبد العزيز بعث رجلً إلـى مصر لمر أعجله للـمسلـمين‪,‬‬
‫فخرج إلــى حرسـه‪ ,‬وقـد كان تقدم إلــيهم أن ل يقوموا إذا رأوه‪ ,‬قال‪ :‬فأوسـعوا له‪ ,‬فجلس‬
‫بــينهم فقال‪ :‬أيكـم يعرف الرجـل الذي بعثناه إلــى مصـر؟ فقالوا‪ :‬كلنـا نعرفـه‪ ,‬قال‪ :‬فلــيقم‬
‫أحدث كم سنا‪ ,‬فل ـيدعه‪ ,‬فأتاه الر سول فقال‪ :‬ل تعجلن ـي أشدّ عل ـيّ ث ـيابـي‪ ,‬فأتاه فقال‪ :‬إن‬
‫الـيوم الـجمعة‪ ,‬فل تبرحن حتـى تصلـي‪ ,‬وإنا بعثناك فـي أمر أعجله للـمسلـمين‪ ,‬فل‬
‫يعجلنـك مـا بعثناك له أن تؤخـر الصـلة عـن ميقاتهـا‪ ,‬فإنـك مصـلـيها ل مــحالة‪ ,‬ثـم قرأ‪:‬‬
‫غيّا ثم قال‪ :‬لـم‬
‫شهَوَا تِ فَ سَ ْوفَ يَـلْقَ ْونَ َ‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ خَـ ْلفٌ أضَاعُوا ال صّلةَ وا ّت َبعُوا ال ّ‬
‫فخَـَلفَ مِ ْ‬
‫يكن إضاعتهم تركها‪ ,‬ولكن أضاعوا الوقت‪.‬‬
‫‪ 17934‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن الـمسعودي‪ ,‬عن القاسم بن عبد الرحمن‪,‬‬
‫والـحسن بن مسعود‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬أنه قـيـل له‪ :‬إن ال يكثر ذكر الصلة فـي القرآن‬
‫ن فقال ابن‬
‫لتِهمْ ُيحَا ِفظُو َ‬
‫ن صَلتِهمْ سَاهُونَ و عَلـى صَلَتِهمْ دَا ِئمُو نَ و عَلـى صَ َ‬
‫اّلذِي نَ هُ مْ عَ ْ‬
‫مسعود رضي ال عنه‪ :‬علـى مواقـيتها‪ ,‬قالوا‪ :‬ما كنا نرى ذلك إل علـى الترك‪ ,‬قال‪ :‬ذاك‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪ 17935‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر أ بو ح فص الب ـار‪ ,‬عن‬
‫منصـور بـن الــمعتـمر‪ ,‬قال‪ :‬قال مسـروق‪ :‬ل يحافـظ أحـد علــى الصـلوات الــخمس‪,‬‬
‫فـيكتب من الغافلـين‪ ,‬وفـي إفراطهنّ الهلكة‪ ,‬وإفراطهنّ‪ :‬إضاعتهنّ عن وقتهنّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانت إضاعتهموها‪ :‬تركها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17936‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو صخر‪,‬‬
‫ف أضَاعُوا ال صّلةَ وا ّت َبعُوا‬
‫ـلفَ مِ نْ َب ْعدِهِم ْـ خَ ـلْ ٌ‬
‫عن القرظـي‪ ,‬أ نه قال فــي هذه الَ ية َفخَـ َ‬
‫شهَوَاتِ يقول‪ :‬تركوا الصلة‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولــى التأويــلـين فــي ذلك عندي بتأويــل الَيـة‪ ,‬قول مـن قال‪:‬‬
‫أضعت ـموها ترك هم إيا ها لدللة قول ال تعال ـى ذكره بعده عل ـى أن ذلك كذلك‪ ,‬وذلك قوله‬
‫عمِلَ صَالِـحا فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنـين‬
‫ن تا بَ وآمَ نَ و َ‬
‫جلّ ثناؤه‪ :‬إلّ مَ ْ‬
‫ل ـم ي ستثن من هم من آ من‪ ,‬و هم مؤمنون ولكن هم كانوا كف ـارا ل ي صلون ل‪ ,‬ول يؤدّون له‬
‫فري ضة ف سقة قد آثروا شهوات أنف سهم عل ـى طا عة ال‪ ,‬و قد ق ـيـل‪ :‬إن الذ ين و صفهم ال‬
‫بهذه الصفة قوم من هذه المة يكونون فـي آخر الزمان‪.‬‬
‫‪ 17937‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ .‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ .‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ت فَ سَ ْوفَ يَـلْ َقوْنَ‬
‫شهَوَا ِ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فخَـَلفَ مِ نْ َب ْعدِهِ مْ خَـلْفٌ أضَاعُوا ال صّلة وا ّت َبعُوا ال ّ‬
‫غيّا قال‪ :‬عند قـيام الساعة‪ ,‬وذهاب صالـحي أمة مـحمد صلى ال عليه وسلم ينزو بعضهم‬
‫َ‬
‫علـى بعض فـي الزقة‪ .‬قال مـحمد بن عمرو‪ :‬زنا‪ .‬وقال الـحارث‪ :‬زناة‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد مثله‪,‬‬
‫وقال‪ :‬زنا‪ ,‬كما قال ابن عمرو‪.‬‬
‫‪17938‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تـميـلة‪ ,‬عن أبـي حمزة‪ ,‬عن‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ خَ ـلْفٌ‪ ...‬الَ ية‪,‬‬
‫جابر‪ ,‬عن عكر مة وم ـجاهد وعطاء بن أب ـي رب ـاح فخَ ـَلفَ مِ ْ‬
‫قال‪ :‬هم أمة مـحمد‪.‬‬
‫‪17939‬ـ وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الشيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن أبـي تـميـم بن‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ خَ ـلْفٌ أضَاعُوا ال صّلة قال‪ :‬هم ف ـي هذه ال مة‬
‫مها جر ف ـي قول ال‪ :‬فخَ ـَلفَ مِ ْ‬
‫يتراكبون ترا كب النعام وال ـحمر ف ـي الطرق‪ ,‬ل يخافون ال ف ـي ال سماء‪ ,‬ول ي ستـحيون‬
‫الناس فـي الرض‪.‬‬
‫غيّا فإنه يعنـي أن هؤلء الـخـلْف الذين خـلفوا بعد أولئك‬
‫وأما قوله‪ :‬فَ سَ ْوفَ يَـلْقَ ْونَ َ‬
‫الذين أنعم ال علـيهم من النبـيـين سيدخـلون غيا‪ ,‬وهو اسم واد من أودية جهنـم‪ ,‬أو اسم‬
‫بئر من آبـارها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17940‬ـ حدثن ـي عب ـاس بن أب ـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن زياد بن رزان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا شرقـي بن قطامي‪ ,‬عن لقمان بن عامر الـخزاعي‪ ,‬قال‪ :‬جئت أبـا أمامة صديّ بن‬
‫عجلن البـاهلـي‪ ,‬فقلت‪ :‬حدّثنا حديثا سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬فدعا‬
‫عشْرِ أوَا قٍ قُذِ فَ بِها‬
‫بطعام‪ ,‬ثم قال‪ :‬قال رسول اللهصلى ال عليه وسلم‪« :‬لَ ْو أ نّ صخْرَ ًة ِزنَةَ َ‬
‫ي وأثامٍ»‪ ,‬قال‪ :‬قُلْتُ وَما‬
‫غَ‬‫خرِيفـا‪ُ ,‬ثمّ َت ْنتَهي إلـى َ‬
‫ن َ‬
‫خمْسي َ‬
‫ج َهنّـ َم ما بََلغَتْ َق ْعرَها َ‬
‫ن شَفـيرٍ َ‬
‫مْ‬
‫صدِيدُ أهْلِ النّارِ‪ ,‬وَهُما اللّتا نِ‬
‫ج َهنّـمَ يَ سِيـلُ فِـيهِما َ‬
‫ل َ‬
‫غ يّ وَما أثا مٌ؟ قالَ‪« :‬بْئرَا نِ فـي أ سْفَ ٍ‬
‫َسـ ْوفَ يَــلْقَ ْونَ غَيّا‪ ,‬وقوله فــي‬
‫َاتـ ف َ‬
‫شهَو ٍ‬
‫ِهـ أضَاعُوا الصـّلةَ وا ّت َبعُوا ال ّ‬
‫ّهـ فِــي كِتاب ِ‬
‫َذكَرَ الل ُ‬
‫ل ذلكَ يَـ ْلقَ أثاما»‪.‬‬
‫الفُرقان‪ :‬وَل َي ْزنُونَ َو َمنْ يَ ْفعَ ْ‬
‫‪ 17941‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر بن‬
‫غيّا‬
‫ف يَـلْقَ ْونَ َ‬
‫سلـيـمان‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبـي أيوب‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو فَسَ ْو َ‬
‫قال‪ :‬واديا فـي جهنـم‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪,‬‬
‫غيّا قال‪ :‬واديا فـي النار‪.‬‬
‫ف يَـلْقَوْنَ َ‬
‫عن أبـي عبـيدة‪ ,‬عن عبد ال فَسَ ْو َ‬
‫‪ 17942‬ـ حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شع بة‪ ,‬عن‬
‫أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي عب ـيدة‪ ,‬عن ع بد ال أ نه قال ف ـي هذه الَ ية فَ سَ ْوفَ يَ ـلْقَوْنَ غَيّا‬
‫قال‪ :‬نهر فـي جهنـم خبـيث الطعم بعيد القعر‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪,‬‬
‫عن أبـي عبـيدة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬فخَـَلفَ مِنْ َب ْعدِهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصّلةَ وا ّت َبعُوا‬
‫ت فَ سَ ْوفَ يَ ـلْقَوْنَ غَيّا قال‪ :‬الغ يّ‪ :‬ن هر جهن ـم ف ـي النار‪ ,‬يعذّب ف ـيه الذ ين اتبعوا‬
‫شهَوَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫الشهوات‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن أبـي‬
‫شهَوَا تِ‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ خَـ ْلفٌ أضَاعُوا ال صّلةَ وا ّت َبعُوا ال ّ‬
‫عبـيدة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬فـي قوله فَخَـلَفَ ِم ْ‬
‫غيّا قال‪ :‬الغيّ‪ :‬نهر جهنـم فـي النار‪ ,‬يعذّب فـيه الذين اتبعوا الشهوات‪.‬‬
‫ف يَـلْقَوْنَ َ‬
‫فَسَ ْو َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن أبـي‬
‫ف يَ ـلْقَ ْونَ غَيّا قال‪ :‬ن هر ف ـي‬
‫شهَوَا تِ فَ سَ ْو َ‬
‫عب ـيدة‪ ,‬عن ع بد ال أضَاعُوا ال صّلةَ وا ّت َبعُوا ال ّ‬
‫النار يقذف فـيه الذين اتبعوا الشهوات‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بـالغيٌ فـي هذا الـموضع‪ :‬الـخسران‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17943‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫غيّا يقول‪ :‬خسرانا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فسَ ْوفَ يَـلْ َقوْنَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى به الشرّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17944‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬ف سَ ْوفَ‬
‫غيّا قال‪ :‬الغيّ‪ :‬الشرّ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫يَـلْقَوْنَ َ‬
‫ن َيغْ َو ل َي ْع َدمْ علـى ال َغيّ لئما‬
‫ح َمدِ الناسُ أ ْمرَهُ َومَ ْ‬
‫خيْرا ي ْ‬
‫ن يَـلْقَ َ‬
‫فمَ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وكلّ هذه القوال متقاربـات الـمعانـي‪ ,‬وذلك أن من ورد البئرين اللتـين‬
‫ذكرهما النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والوادي الذي ذكره ابن مسعود فـي جهنـم‪ ,‬فدخـل‬
‫ذلك‪ ,‬فقد لقـى خسرانا وشرّا‪ ,‬حسبه به شرّا‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جنّةَ‬
‫ن ا ْل َ‬
‫ل صَالِحا َفأُوْلَـ ِئكَ َي ْدخُلُو َ‬
‫عمِ َ‬
‫ل مَن تَا بَ وَآمَ نَ وَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫شيْئا }‪.‬‬
‫ل ُيظْلَمُونَ َ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فسوف يـلقـي هؤلء الـخـلف السوء الذين وصف صفتهم غيا‪ ,‬إل‬
‫عمِلَ صـَالـحا يقول‪ :‬وأطاع ال‬
‫الذيـن تابوا فراجعوا أمرا ال‪ ,‬واليــمان بـه وبرسـوله و َ‬
‫جنّةَ يقول‪:‬‬
‫ك َي ْدخُـلُونَ الـ َ‬
‫فـيـما أمره ونهاه عنه‪ ,‬وأدّى فرائضه‪ ,‬واجتنب مـحارمه فأُوَلئِ َ‬
‫فإن أولئك منهم خاصة يدخـلون ال ـجنة دون من هلك منهم علـى كفره‪ ,‬وإضاعته الصلة‬
‫شيْئا يقول‪ :‬ول يُبخ سون من جزاء أعمال هم شيئا‪,‬‬
‫ن َ‬
‫واتب ـاعه الشهوات‪ .‬وقوله‪ :‬وَل ُيظْلَ ـمُو َ‬
‫ول يجمع بـينهم وبـين الذين هلكوا من الـخـلف السوء منهم قبل توبتهم من ضللهم‪ ,‬وقبل‬
‫إنابتهم إلـى طاعة ربهم فـي جهنـم‪ ,‬ولكنهم يدخـلون مدخـل أهل اليـمان‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عبَادَ ُه بِا ْل َغيْ بِ ِإنّ ُه كَا نَ‬
‫حمَ ـنُ ِ‬
‫عدَ ال ّر ْ‬
‫ن الّتِي َو َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫جنّا تِ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬‬
‫عدُهُ َم ْأ ِتيّا }‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫ْنـ نصـب‬
‫عد ٍ‬‫ّاتـ َ‬
‫جن ِ‬ ‫عدْنـٍ‪ .‬ولوله‪َ :‬‬
‫ّاتـ َ‬
‫جن ِ‬ ‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فأولئك يدخــلون الــجنة َ‬
‫عدْ نٍ‪ :‬ب ساتـين إقا مة‪ .‬و قد ب ـيّنت ذلك ف ـيـما‬
‫جنّا تِ َ‬
‫ترج مة عن ال ـجنة‪ .‬ويعن ـي بقوله‪َ :‬‬
‫حمَ نُ عِب ـادَ ُه ب ـال َغيْبِ‬
‫عدَ ال ّر ْ‬
‫م ضى ق بل بشواهده ال ـمغنـية عن إعاد ته‪ .‬وقوله‪ :‬الت ـي َو َ‬
‫يقول‪ :‬هذه الـجنات التـي وعد الرحمن عبـاده الـمؤمنـين أن يدخـلوها بـالغيب‪ ,‬لنهم‬
‫ن وَعْد هُ مأتِـيّا يقول تعالـى ذكره‪:‬‬
‫لـم يروها ولـم يعاينوها‪ ,‬فهي غيب لهم‪ .‬وقوله‪ :‬إّن ُه كا َ‬
‫إن ال كان وعده‪ ,‬ووعده فـي هذا الـموضع موعوده‪ ,‬وهو الـجنة مأتـيا يأتـيه أولـياؤه‬
‫وأهل طاعته الذين يدخـلهموها ال‪ .‬وقال بعض نـحويـي الكوفة‪ :‬خرج الـخبر علـى أن‬
‫ل ما‬
‫الوعد هو الـمأتـيّ‪ ,‬ومعناه‪ :‬أنه هو الذي يأتـي‪ ,‬ولـم يقل‪ :‬وكان وعده آتـيا‪ ,‬لن ك ّ‬
‫أتاك فأنـت تأتــيه‪ ,‬وقال‪ :‬أل ترى أنـك تقول‪ :‬أتــيت علــى خمسـين سـنة‪ ,‬وأتـت علــىّ‬
‫خمسـون سـنة‪ ,‬وكلّ ذلك صـواب‪ ,‬وقـد بــيّنت القول فــيه‪ ,‬والهاء فــي قوله إنّهُـ مـن ذكـر‬
‫الرحمن‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِيهَا َلغْوا ِإلّ سَلَما وََلهُ مْ رِ ْز ُقهُ مْ فِيهَا ُب ْكرَةً‬
‫س َمعُو َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ّ { :‬‬
‫شيّا }‪.‬‬
‫عِ‬‫َو َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ل يسـمع هؤلء الذيـن يدخــلون الــجنة فــيها لغوا‪ ,‬وهـو ال َهدْي‬
‫والب ـاطل من القول والكلم إلّ سَلَما وهذا من ال ستثناء ال ـمنقطع‪ ,‬ومعناه‪ :‬ول كن ي سمعون‬
‫عشِيّا يقول‪ :‬ول هم‬
‫سلما‪ ,‬و هو ت ـحية ال ـملئكة إيا هم‪ .‬وقوله‪ :‬وَلهُ مْ ِرزْ ُقهُ مْ فِ ـيهَا ُب ْكرَةً وَ َ‬
‫طعامهم وما يشتهون من الـمطاعم والـمشارب فـي قدر وقت البُكرة ووقت العشيّ من نهار‬
‫أيام الدنـيا‪ ,‬وإنـما يعنـي أن الذي بـين غدائهم وعشائهم فـي الـجنة قدر ما بـين غداء‬
‫أحدنـا فــي الدنــيا وعشائه‪ ,‬وكذلك مـا بــين العشاء والغداء وذلك لنـه ل لــيـل فــي‬
‫سمَوَاتِ والرْضَ فِـي‬
‫ن و خَـلَقَ ال ّ‬
‫الـجنة ول نهار‪ ,‬وذلك كقوله‪ :‬خَـَلقَ الرْضَ فـي يو َميْ ِ‬
‫ستّةِ أيّام يعنـي به‪ :‬من أيام الدنـيا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ 17945‬ـ حدث نا عل ـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت زه ير بن‬
‫شيّا قال‪ :‬لـيس فـي الـجنة لـيـل‪ ,‬هم‬
‫عِ‬‫مـحمد‪ ,‬عن قول ال‪ :‬وَلهُ ْم رِزْقهُ مْ فِـيها ُبكْرَةٍ َو َ‬
‫فــي نور أبدا‪ ,‬ولهـم مقدار اللــيـل والنهار‪ ,‬يعرفون مقدار اللــيـل بــارخاء الــحجب‬
‫وإغلق البواب‪ ,‬ويعرفون مقدار النهار برفع الـحجب‪ ,‬وفتـح البواب‪.‬‬
‫‪17946‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الولــيد‪ ,‬عـن خــلـيد‪ ,‬عـن الــحسن‪ ,‬وذكـر أبواب‬
‫الـجنة‪ ,‬فقال‪ :‬أبواب يُرى ظاهرها من بـاطنها‪ ,‬فَتكلـم وَتكلـم‪ ,‬فتهمهم انفتـحي انغلقـي‪,‬‬
‫فتفعل‪.‬‬
‫‪ 17947‬ـ حدثنـي ابن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عامر بن يساف‪,‬‬
‫عن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬كا نت العرب ف ـي زمان هم من و جد من هم عشاء وغداء‪ ,‬فذاك النا عم ف ـي‬
‫شيّا‪ :‬قدر ما بـين غدائكم فـي الدنـيا إلـى‬
‫عِ‬‫أنفسهم‪ ,‬فأنزل ال وَلهُ مْ ِرزْ ُقهُم فِـيها ُب ْكرَةٍ وَ َ‬
‫عشائكم‪.‬‬
‫‪ 17948‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عشِي ّا قال‪ :‬كانـت العرب إذا أصـاب أحدُهـم الغداء‬
‫ُمـ فِــيها ُب ْكرَةً وَ َ‬
‫ُمـ ِرزْ ُقه ْ‬
‫فــي قوله‪ :‬وَله ْ‬
‫والعشاء عجب له‪ ,‬فأخبرهم ال أن لهم فـي الـجنة بكرة وعشيا‪ ,‬قدر ذلك الغداء والعشاء‪.‬‬
‫‪ 17949‬ـ حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬لـيس بكرة ول عش يّ‪ ,‬ولكن يؤتون به علـى ما كانوا يشتهون‬
‫فـي الدنـيا‪.‬‬
‫‪ 17950‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَلهُ مْ ِرزْ ُقهُ مْ فِـيها‬
‫عشِيّا ف ـيها ساعتان بكرة وعش يّ‪ ,‬فإن ذلك ل هم ل ـيس ثم ل ـيـل‪ ,‬إن ـما هو ضوء‬
‫ُبكْرَ ٍة و َ‬
‫ونور‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عبَا ِدنَا مَن كَانَ تَ ِقيّا }‪.‬‬
‫جّنةُ اّلتِي نُورِثُ مِنْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬تِ ْلكَ ا ْل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هذه الـجنة التـي وصفت لكم أيها الناس صفتها‪ ,‬هي الـجنة التـي‬
‫ن تَقِ ـيّا يقول‪ :‬من كان ذا‬
‫نورث ها‪ ,‬يقول‪ :‬نورث م ساكن أ هل النار ف ـيها مِ نْ عِب ـادِنا َم نْ كا َ‬
‫اتقاء عذاب ال بأداء فرائضه‪ ,‬واجتناب معاصيه‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َأ ْيدِينَا َومَا خَلْ َفنَا َومَا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومَا َن َت َنزّلُ ِإلّ ِبَأ ْمرِ َربّ كَ لَ ُه مَا َبيْ َ‬
‫سيّا }‪.‬‬
‫ن َر ّبكَ َن ِ‬
‫َبيْنَ ذَِلكَ َومَا كَا َ‬
‫ذُكـر أن هذه الَيـة نزلت مـن أجـل اسـتبطاء رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم جبرائيــل‬
‫بـالوحي‪ ,‬وقد ذكرت بعض الرواية‪ ,‬ونذكر إن شاء ال بـاقـي ما حضَرنا ذكره مـما لـم‬
‫نذكر قبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17951‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـان العجل ـي‪,‬‬
‫وقبـيصة ووكيع وحدثنا سفـيان بن وكيع قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬جميعا عن عمر بن ذرّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أب ـي يذ كر عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬أن م ـحمدا قال ل ـجبرائيـل‪:‬‬
‫ل بَأمْرِ َربّكَ لَهُ ما‬
‫«ما يَـ ْم َن ُعكَ أنْ َتزُورَنا أ ْك َثرَ مِـمّا تَزُورُنا» فنزلت هذه الَية‪ :‬ومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫سيّا قال‪ :‬هذا ال ـجواب ل ـمـحمد‬
‫ن ذل كَ ومَا كا نَ َربّ كَ نَ ِ‬
‫ب ـينَ أ ْيدِي نا ومَا خَ ـلْفَنا ومَا ب ـي َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن مع مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـملك بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن ذرّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ا بن عبـاس‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ل بأمْرِ‬
‫قال لــجبرائيـل‪« :‬مـا يَــْم َن ُعكَ أن َتزَ ُورَنـا أ ْكثَ َر مِــمّا َتزُورُنـا؟ فنزلت ومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫َربّكَ» حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن‬
‫سيّا قال‪:‬‬
‫ن رَبّ كَ نَ ِ‬
‫ل بأمْرِ َربّ كَ‪ ...‬إل ـى ومَا كا َ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله وومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫احتبس جبرائيـل عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فوجِد رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫ن أ ْيدِينا ومَا‬
‫ذلك وحزن‪ ,‬فأتاه جبرائيـل فقال‪ :‬يا مـحمد ومَا َن َتنّزلُ إلّ بأ ْمرِ َربّ كَ لَ ُه ما بـي َ‬
‫سيّا‪.‬‬
‫ن ذلكَ ومَا كانَ َر ّبكَ َن ِ‬
‫خَـلْفَنا ومَا بـي َ‬
‫‪ 17952‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬لبث جبرائيـل عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فكأن النبـيّ استبطأه‪ ,‬فلـما أتاه قال له‬
‫جبرائيـل‪ :‬ومَا َن َتنّزلُ إلّ بأ ْمرِ َر ّبكَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ل بأمْ ِر رَ ّبكَ لَهُ‬
‫‪17953‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫ما ب ـينَ أ ْيدِينا ومَا خَـلْفَنا قال‪ :‬هذا قول جبرائيـل‪ ,‬احتبس جبرائيـل فـي ب عض الوحي‪,‬‬
‫شتَقْتُ إلَـيْكَ» فقال له جبرائيـل‪ :‬ومَا‬
‫جئْتَ حتـى ا ْ‬
‫فقال نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما ِ‬
‫ل بأمْ ِر رَ ّبكَ َلهُ ما بـينَ أ ْيدِينا ومَا خَـلْفَنا»‪.‬‬
‫َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫‪ 17954‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل بأمْرِ َربّ كَ قال‪ :‬قول الـملئكة حين‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال تبـارك وتعالـى ومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫استراثهم مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كالتـي فـي الضحى‪.‬‬
‫‪17955‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬ل بث جبرائي ـل عن م ـحمد اثنت ـي عشرة ل ـيـلة‪ ,‬ويقولون‪ :‬قُل ـي‪ ,‬فل ـما جاءه قال‪:‬‬
‫ل إلّ‬
‫ن كُلّ ظَ نّ» فنزلت‪ :‬ومَا َن َتنّز ُ‬
‫ش ِركُو َ‬
‫ن ال ـمُ ْ‬
‫جبْرائِي ـلُ لَ َق ْد ِرثْ تَ عَل ـيّ حت ـى َل َقدْ ظَ ّ‬
‫أ يْ َ‬
‫سيّا‪.‬‬
‫ن َر ّبكَ َن ِ‬
‫ك ومَا كا َ‬
‫ن أ ْيدِينا ومَا خَـلْفَنا ومَا بـينَ ذل َ‬
‫بأمْرِ َر ّبكَ َلهُ ما بـي َ‬
‫‪ 17956‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬ومَا َن َتنّزلُ إلّ بأ ْمرِ َربّكَ احتبس عن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حتــى تكلــم الــمشركون فــي ذلك‪ ,‬واشتدّ ذلك عل ـى نبــيّ ال‪ ,‬فأتاه جبرائي ـل‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫اشتدّ علـيك احتبـاسنا عنك‪ ,‬وتكلـم فـي ذلك الـمشركون‪ ,‬وإنـما أنا عبد ال ورسوله‪ ,‬إذا‬
‫ل بأمْرِ َربّكَ يقول‪ :‬بقول ربك‪ .‬ثم اختلف أهل التأويـل فـي‬
‫أمرنـي بأمر أطعته ومَا َن َتنّزلُ إ ّ‬
‫تأوي ـل قوله‪ :‬لَ ُه ما ب ـينَ أ ْيدِي نا ومَا خَ ـلْفَنا ومَا ب ـينَ ذل كَ فقال بعض هم‪ :‬يعن ـي بقوله ما‬
‫ن ذل كَ النفختـين‪ .‬ذكر من قال‬
‫بـينَ أ ْيدِينا من الدنـيا‪ ,‬وبقوله‪ :‬ومَا خَـلْفَنا الَخرة ومَا بـي َ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ن أ ْيدِينا‬
‫‪17957‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن أبـي جعفر‪ ,‬عن الربـيع لَهُ ما بـي َ‬
‫ن ذلكَ النفختـين‪.‬‬
‫يعنـي الدنـيا ومَا خَـلْفَنا الَخرة ومَا بـي َ‬
‫‪ 17958‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫الربـيع‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬قال ما بـينَ أ ْيدِينا من الدنـيا ومَا خَـلْفَنا من أمر الَخرة ومَا‬
‫بـينَ ذلكَ ما بـين النفختـين‪.‬‬
‫ن ذل كَ ما ب ـين الدن ـيا‬
‫وقال آخرون‪ :‬ما ب ـينَ أ ْيدِي نا الَخرة ومَا خَـلْفَنا الدنـيا ومَا ب ـي َ‬
‫والَخرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17959‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس بـينَ أ ْيدِينا الَخرة ومَا خَـلْفَنا من الدنـيا‪.‬‬
‫‪17960‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َل ُه ما بـينَ أ ْيدِينا من أمر‬
‫ن َربّ كَ‬
‫الَخرة ومَا خَـلْفَنا من أمر الدنـيا ومَا بـينَ ذل كَ ما بـين الدنـيا والَخرة ومَا كا َ‬
‫سيّا‪.‬‬
‫َن ِ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة لَ ُه ما‬
‫بـينَ أ ْيدِينا من الَخرة وَما خَـلْفَنا من الدنـيا وَما بـينَ ذلكَ ما بـين النفختـين‪.‬‬
‫‪ 17961‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن أ ْيدِينا من الَخرة وَما خَـلْفَنا من الدنـيا‪.‬‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬ما بـي َ‬
‫وقال آخرون فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 17962‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج ما ب ـينَ‬
‫أ ْيدِي نا قال‪ :‬ما م ضى أمام نا من الدن ـيا وَ ما خَ ـلْفَنا ما يكون بعد نا من الدن ـيا والَخرة وَ ما‬
‫بـينَ ذلكَ قال‪ :‬ما بـين ما مضى أمامهم‪ ,‬وبـين ما يكون بعدهم‪.‬‬
‫وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يتأوّل ذلك له ما بـينَ أ ْيدِينا قبل أن نـخـلق‬
‫وَما خَـلْفَنا بعد الفناء وَما بـينَ ذلكَ حين كنا‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬له ما ب ـين‬
‫أيدي نا من أ مر الَخرة‪ ,‬لن ذلك ل ـم يج يء و هو جاء‪ ,‬ف هو ب ـين أيدي هم‪ ,‬فإن الغلب ف ـي‬
‫استعمال الناس إذا قالوا‪ :‬هذا المر بـين يديك‪ ,‬أنهم يعنون به ما لـم يجيء‪ ,‬وأنه جاء‪ ,‬فلذلك‬
‫قلنا‪ :‬ذلك أولـى بـالصواب‪ .‬وما خـلفنا من أمر الدنـيا‪ ,‬وذلك ما قد خـلفوه فمضى‪ ,‬فصار‬
‫خـلفهم بتـخـلـيفهم إياه‪ ,‬وكذلك تقول العرب لـما قد جاوزه الـمرء وخـلفه هو خـلفه‪,‬‬
‫ووراءه وما بـين ذلك‪ :‬ما بـين ما لـم يـمض من أمر الدنـيا إلـى الَخرة‪ ,‬لن ذلك هو‬
‫الذي بـين ذينك الوقتـين‪.‬‬
‫وإنـما قلنا‪ :‬ذلك أولـى التأويلت به‪ ,‬لن ذلك هو الظاهر الغلب‪ ,‬وإنـما يحمل تأويـل‬
‫القرآن عل ـى الغلب من معان ـيه‪ ,‬ما ل ـم ي ـمنع من ذلك ما ي جب الت سلـيـم له‪ .‬فتأ مل‬
‫الكلم إذن‪ :‬فل ت ستبطئنا يا م ـحمد ف ـي ت ـخـلفنا ع نك‪ ,‬فإ نا ل نتنزّل من ال سماء إل ـى‬
‫الرض إل بأمر ربك لنا بـالنزول إلـيها‪ ,‬ل ما هو حادث من أمور الَخرة التـي لـم تأت‬
‫وهي آتـية‪ ,‬وما قد مضى فخـلفناه من أمر الدنـيا‪ ,‬وما بـين وقتنا هذا إلـى قـيام الساعة‪.‬‬
‫بــيده ذلك كله‪ ,‬وهـو مالكـه ومصـرّفه‪ ,‬ل يــملك ذلك غيره‪ ,‬فلــيس لنـا أن نــحدث فــي‬
‫سيّا يقول‪ :‬ولـم يكن ربك ذا نسيان‪ ,‬فـيتأخر‬
‫ن َربّ كَ نَ ِ‬
‫سلطانه أمرا إل بأمره إيانا به وَما كا َ‬
‫نزولـي إلـيك بنسيانه إياك بل هو الذي ل يعزُب عنه شيء فـي السماء ول فـي الرض‬
‫فتب ـارك وتعال ـى ولك نه أعل ـم ب ـما يدبر ويق ضي ف ـي خ ـلقه‪ .‬جل ثناؤه‪ .‬وبن ـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17963‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫سيّا قال‪ :‬ما نسيك ربك‪.‬‬
‫ن َربّكَ َن ِ‬
‫مـجاهد وَما كا َ‬

‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طبِرْ‬
‫صَ‬‫ع ُبدْ هُ وَا ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَمَا َب ْينَهُمَا فَا ْ‬
‫ب ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬رّ ّ‬
‫سمِيّا }‪.‬‬
‫ل َتعْلَمُ َل ُه َ‬
‫ِل ِعبَا َدتِ ِه هَ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬لـم يكن ربك يا مـحمد ر بّ السموات والرض وما بـينهما نسيا‪,‬‬
‫لنـه لو كان نسـيا لــم يسـتقم ذلك‪ ,‬ولهلك لول حفظـه إياه‪ ,‬فــالربّ مرفوع ردّا علــى قوله‬
‫َربّكَ‪.‬‬
‫ط ِبرْ ِلعِبـا َدتِهِ يقول‪ :‬واصبر‬
‫ل لمره ونه يه وَا صْ َ‬
‫ع ُبدْه يقول‪ :‬فـالزم طاع ته‪ ,‬وذ ّ‬
‫وقوله‪ :‬ف ـا ْ‬
‫نفسك علـى النفوذ لمره ونهيه‪ ,‬والعمل بطاعته‪ ,‬تفز برضاه عنك‪ ,‬فإنه الله الذي ل مثل له‬
‫سـِميّا يقول‪ :‬هـل تعلــم يـا‬
‫َهـ َ‬
‫ل َتعْلَــمُ ل ُ‬
‫ول عدل ول شبــيه فــي جوده وكرمـه وفضله هَ ْ‬
‫م ـحمد لر بك هذا الذي أمرناك بعب ـادته‪ ,‬وال صبر عل ـى طاع ته مثلً ف ـي كر مه وجوده‪,‬‬
‫فتعبده رجاء فضله وطوله دونـه؟ كل‪ ,‬مـا ذلك بــموجود‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17964‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ب مثلً أو شبـيها‪.‬‬
‫س ِميّا يقول‪ :‬هل تعلـم للر ّ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬هلْ َتعْلَـمُ لَ ُه َ‬
‫حدثن ـي سعيد بن عثمان التنو خي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهي ـم بن مهدي‪ ,‬عن عب ـاد بن عوّام‪,‬‬
‫سمِيّا‬
‫ل َتعْلَـ ُم لَ ُه َ‬
‫عن شعبة‪ ,‬عن الـحسن بن عمارة‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله هَ ْ‬
‫قال‪ :‬شبـيها‪.‬‬
‫‪ 17965‬ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن جدّه‪,‬‬
‫س ِميّا قال‪ :‬هل تعلـم له شبـيها‪ ,‬هل‬
‫عن العمش‪ ,‬عن مـجاهد فـي هذه الَية هَلْ َتعْلَـمُ لَ ُه َ‬
‫ل تبـارك وتعالـى‪.‬‬
‫تعلـم له مث ً‬
‫س ِميّا‬
‫ل َتعْلَـمُ َل هُ َ‬
‫‪ 17966‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬هَ ْ‬
‫ل سـميّ ل ول عِدل له‪ ,‬كلّ خــلقه يق ّر له‪ ,‬ويعترف أنـه خالقـه‪ ,‬ويعرف ذلك‪ ,‬ثـم يقرأ هذه‬
‫الَية‪ :‬وََل ِئنْ سأ ْل َتهُ ْم مَنْ خَـلَ َق ُهمْ لَـيَقُوُلنّ الّلهُ‪.‬‬
‫‪ 17967‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫س ِميّا قال‪ :‬يقول‪ :‬ل شريك له ول مثل‪.‬‬
‫هَلْ َتعْلَـمُ لَ ُه َ‬

‫‪67‬‬ ‫و‬ ‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيّا * َأ َولَ‬
‫خرَ جُ َ‬
‫ف ُأ ْ‬
‫لنْ سَانُ أَِإذَا مَا مِ تّ لَ سَ ْو َ‬
‫لاِ‬
‫القول فــي تأوي ـل قوله تعالــى‪َ { :‬ويَقُو ُ‬
‫شيْئا }‪.‬‬
‫ل ْنسَانُ َأنّا خَلَ ْقنَا ُه مِن َقبْلُ وََلمْ َيكُ َ‬
‫َي ْذكُرُ إ ِ‬
‫ن الكا فر الذي ل ي صدق ب ـالبعث ب عد ال ـموت‪ :‬أخرج‬
‫ل الن سا ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ويقو ُ‬
‫حيا‪ ,‬فأُبعث بعد الـمـمات وبعد البلء والفناء إنكارا منه ذلك‪ .‬يقول ال تعالـى ذكره‪ :‬أَ َو لَ‬
‫يذكرُ النسانُ الـمتعجب من ذلك الـمنكر قدرة ال علـى إحيائه بعد فنائه‪ ,‬وإيجاده بعد عدمه‬
‫فـي خـلق نفسه‪ ,‬أن ال خـلقه من قبل مـماته‪ ,‬فأنشأه بشرا سويا من غير شيء ولـمْ ي كُ‬
‫من قبل إنشائه إياه شَيئا فـيعتبر بذلك ويعلـم أن من أنشأه من غير شيء ل يعجز عن إحيائه‬
‫بعد مـماته‪ ,‬وإيجاده بعد فنائه‪.‬‬
‫وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله أوَل َي ْذ ُكرُ النْسانُ فقرأه بعض قرّاء الـمدينة والكوفة‪:‬‬
‫أوَل َي ْذكُرُ بتــخفـيف الذال‪ ,‬وقـد قرأ ذلك عامـة قرّاء الكوفـة والبصـرة والــحجاز‪« :‬أوَل‬
‫َي ّذكّرُ» بتشديد الذال والكاف‪ ,‬بـمعنى‪ :‬أو ل يتذكر‪ ,‬والتشديد أعجب إلـيّ‪ ,‬وإن كانت الخرى‬
‫جائزة‪ ,‬لن معنى ذلك‪ :‬أو ل يتفكر فـيعتبر‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ج َهنّ مَ‬
‫ل َ‬
‫ض َر ّنهُ مْ حَوْ َ‬
‫شيَاطِي نَ ثُ مّ َل ُنحْ ِ‬
‫حشُ َر ّنهُ مْ وَال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَ َو َربّ كَ َل َن ْ‬
‫ج ِثيّا }‪.‬‬
‫ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬فور بك يا م ـحمد لن ـحشرنّ‬
‫هؤلء القائلــين‪ :‬أئذا متنـا لسـوف نــخرج أحياء يوم القــيامة مـن قبورهـم‪ ,‬مقرنــين‬
‫جثِـيّا والـجثـي‪ :‬جمع الـجاثـي‪.‬‬
‫ج َهنّـ َم ِ‬
‫ض َرنّ ُهمْ حَ ْولَ َ‬
‫بأولـيائهم من الشياطين ثُ مّ َلنُـحْ ِ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 17968‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ج َهنّـمَ جِثـيّا يعنـي‪ :‬القعود‪ ,‬وهو‬
‫حوْلَ َ‬
‫ض َر ّنهُمْ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬ثُ مّ َلنُـحْ ِ‬
‫مثل قوله‪َ :‬و َترَى كُلّ أُم ٍة جاثِـيَةً‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ِتيّا }‪.‬‬
‫حمَـنِ ِ‬
‫شدّ عَلَى ال ّر ْ‬
‫ن مِن كُلّ شِيعَ ٍة َأ ّي ُهمْ َأ َ‬
‫لقول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ { :‬ثمّ َلنَنزِعَ ّ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ ,‬ثـم لنأخذن َـ مـن كلّ جماعـة منهـم أشدّهـم علــى ال عتوّا‪ ,‬وتــمرّدا‬
‫ن بهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فلنبدأ ّ‬
‫‪ 17969‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن عل ـيّ بن‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬نبدأ‬
‫حمَنِ ِ‬
‫شدّ عَلـى ال ّر ْ‬
‫ن كُلّ شِيعَ ٍة أ ّيهُمْ أ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫القمر‪ ,‬عن أبـي الحوص ثُمّ َل َن ْنزِعَ ّ‬
‫بـالكابر فـالكابر جرما‪.‬‬
‫‪ 17970‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عتِـيّا‬
‫حمَ نِ ِ‬
‫شدّ عَلـى ال ّر ْ‬
‫ل شِيعَ ٍة أ ّيهُ مْ أ َ‬
‫ن مِ نْ كُ ّ‬
‫عّ‬‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ثُ مّ َل َننْزِ َ‬
‫يقول‪ :‬أيهم أشدّ للرحمن معصية‪ ,‬وهي معصيته فـي الشرك‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫عتِـيّا يقول‪ :‬عصيا‪.‬‬
‫حمَنِ ِ‬
‫شدّ عَلـى ال ّر ْ‬
‫قوله‪ :‬أ ّي ُهمْ أ َ‬
‫‪ 17971‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ .‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عتِـيّا قال‪ :‬كفرا‪.‬‬
‫ل شِيعَةٍ قال‪ :‬أمة‪ .‬وقوله ِ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مِنْ كُ ّ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫ن بهم‪.‬‬
‫وزاد فـيه ابن جريج‪ :‬فلنبدأ ّ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والشيعة هم الـجماعة الـمتعاونون علـى المر من المور‪ ,‬يقال من ذلك‪:‬‬
‫تشايع القوم‪ :‬إذا تعاونوا ومنه قولهم للرجل الشجاع‪ :‬إنه لـمشيع‪ :‬أي معان‪ ,‬فمعنى الكلم‪ :‬ثم‬
‫ل جماعة تشايعت علـى الكفر بـال‪ ,‬أشدّهم علـى ال عتوّا‪ ,‬فلنبدأ نّ بإصلئه‬
‫ن من ك ّ‬
‫لننزع ّ‬
‫جهنــم‪ .‬والتشايـع فــي غيـر هذا الــموضع‪ :‬التفرّق ومنـه قول ال ع ّز ذكره‪ :‬وكانُوا شيَعـا‬
‫يعنـي‪ :‬فرقا ومنه قول ابن مسعود أو سعد‪ .‬إنـي أكره أن آتـي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فـيقول‪ :‬شيّعت بـين أمتـي‪ ,‬بـمعنى‪ :‬فرّقت‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ُهمْ َأوَْلىَ ِبهَا صِِليّا }‪.‬‬
‫ن أَعَْل ُم بِاّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ { :‬ثمّ َل َنحْ ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم لنـحن أعلـم من هؤلء الذين ننزعهم من كلّ شيعة أولهم بشدّة‬
‫العذاب‪ ,‬وأحقهم بعظيـم العقوبة‪ .‬وذكر عن ابن جريج أنه كان يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17972‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج ثُ مّ َلنَـحْنُ‬
‫ن ُهمْ أوْلَـى بِها صِلـيّا قال‪ :‬أولـى بـالـخـلود فـي جهنـم‪.‬‬
‫أعْلَـمُ بـاّلذِي َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذا الذي قاله ابن جر يج‪ ,‬قول ل مع نى له‪ ,‬لن ال تعال ـى ذكره أخبر أن‬
‫ل شي عة من الكفرة أشدّ هم كفرا‪ ,‬ول ش كّ أ نه ل كا فر ب ـال إل مخ ـلّد‬
‫الذ ين ينزع هم من ك ّ‬
‫فـي النار‪ ,‬فل وجه‪ ,‬وجميعهم مخـلدون فـي جهنـم‪ ,‬لن يقال‪ :‬ثم لنـحن أعلـم بـالذين‬
‫هم أح قّ ب ـالـخـلود من هؤلء ال ـمخـلدين‪ ,‬ول كن ال ـمعنى ف ـي ذلك ما ذكر نا‪ .‬و قد‬
‫يحتـمل أن يكون معناه‪ :‬ثم لنـحن أعلـم بـالذين هم أولـى ببعض طبقات جهنـم صلـيا‪.‬‬
‫والصـلـيّ‪ :‬مصـدر صـلـيت تصـلـي صـلـيا‪ ,‬والصـلـي‪ :‬فعول‪ ,‬ولكـن واوهـا انقلبـت ياء‬
‫فأدغمت فـي الـياء التـي بعدها التـي هي لم الفعل‪ ,‬فصارت ياء مشدّدة‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضيّا }‪.‬‬
‫حتْما مّ ْق ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَإِن مّنكُمْ ِإلّ وَا ِردُهَا كَانَ عََلىَ َر ّبكَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وإن من كم أي ها الناس إل وارد جهن ـم‪ ,‬كان عل ـى ر بك يا م ـحمد‬
‫إيرادهموها قضاء مقضيا‪ ,‬قد قضى ذلك وأوجبه فـي أمّ الكتاب‪.‬‬
‫واختلف أهل العلـم فـي معنى الورود الذي ذكره ال فـي هذا الـموضع‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫الدخول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17973‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيـينة عن‬
‫عمرو‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي من سمع ا بن عب ـاس يخا صم نا فع بن الزرق‪ ,‬فقال ا بن عب ـاس‪:‬‬
‫ن اللّ ِه حَ صَبُ‬
‫ن مِ نْ دُو ِ‬
‫الورود‪ :‬الدخول‪ ,‬وقال نا فع‪ :‬ل‪ ,‬فقرأ ا بن عب ـاس‪ :‬إ ّنكُ مْ وَ ما َت ْع ُبدُو َ‬
‫ج َهنّ ـمَ أ ْنتُ ـمْ لَهَا وَا ِردُو نَ أورود هو أم ل؟ وقال‪ :‬يَ ْقدُ مُ قَ ْومَ ُه يَوْ مَ القِ ـيامَ ِة فأ ْو َردَهُ مُ النّارَ‬
‫َ‬
‫َو ِبئْ سَ ال ِو ْردُ الـمَ ْورُودُ أورود هو أم ل؟ أما أنا وأنت فسندخـلها‪ ,‬فـانظر هل نـخرج منها‬
‫أم ل؟ وما أرى ال مخرجك منها بتكذيبك‪ ,‬قال‪ :‬فضحك نافع‪.‬‬
‫‪ 17974‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫بن أب ـي ربـاح‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو راشد الـحَروريّ‪ :‬ذكروا هذا فقال الـحروريّ‪ :‬ل ي سمعون‬
‫حَسيسها‪ ,‬قال ابن عبـاس‪ :‬ويـلك أمـجنون أنت؟ أين قوله تعالـى‪ :‬يَ ْقدُمُ قَ ْومَ ُه يَوْمَ القِـيامَةِ‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا‪ ,‬وقوله‪ :‬وَإنْ‬
‫ن إلـى َ‬
‫جرِمِي َ‬
‫ق الـمُـ ْ‬
‫فأ ْورَدَهُمُ النّارَ َو ِبئْسَ ال ِو ْردِ الـمَ ْورُودُ‪َ .‬ونَسُو ُ‬
‫ِم ْنكُمْ إلّ وَا ِردُها وال إن كان دعاء من مضى‪ :‬اللهمّ أخرجنـي من النار سالـما‪ ,‬وأدخـلنـي‬
‫الـجنة غانـما‪.‬‬
‫قال ابـن جريـج‪ :‬يقول‪ :‬الورود الذي ذكره ال فــي القرآن‪ :‬الدخول‪ ,‬لــيردنها كـل برّ‬
‫ج َهنّـمَ أ ْنتَـمْ َلهَا وَا ِردُو نَ َونَ سُوقُ‬
‫وفـاجر فـي القرآن أربعة أوراد فأ ْو َردَهُ مُ النّارَ َوحَ صَبُ َ‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا‪ ,‬وقوله‪ :‬وَإنْ ِم ْن ُكمْ إلّ وَا ِردُها‪.‬‬
‫ن إلـى َ‬
‫ج ِرمِي َ‬
‫الـمُـ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حتْـما َم ْقضِيّا يعرف‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُها كا نَ عَلـى َربّ كَ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫البرّ والفـاجر‪ ,‬ألـم تسمع إلـى قول ال تعالـى لفرعون‪ :‬يَ ْقدُ مُ قَ ْو َم ُه يَوْ مَ القِـيامَ ِة فأ ْورَدَهُ مُ‬
‫ج َهنّ ـمَ ِورْدا ف سمى الورود‬
‫ن إل ـى َ‬
‫النّارَ َو ِبئْ سَ ال ِو ْردِ ال ـمَ ْورُودُ‪ ,‬وقال َونَ سوق ال ـمُـجْ ِرمِي َ‬
‫فـي النار دخولً‪ ,‬ولـيس بصادر‪.‬‬
‫‪17975‬ـ حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ,‬عن بكار بن أبـي مروان‪,‬‬
‫عن خالد بن معدان‪ ,‬قال‪ :‬قال أ هل ال ـجنة ب عد ما دخ ـلوا ال ـجنة‪ :‬أل ـم يعد نا رب نا الورود‬
‫علـى النار؟ قال‪ :‬قد مررتـم علـيها وهي خامدة‪.‬‬
‫قال ابن عرفة‪ ,‬قال مروان بن معاوية‪ ,‬قال بكار بن أبـي مروان‪ ,‬أو قال‪ :‬جامدة‪.‬‬
‫‪ 17976‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مرحوم بن ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو‬
‫عمران ال ـجَوْنـيّ‪ ,‬عن أب ـي خالد قال‪ :‬تكون الرض يو ما نارا‪ ,‬فماذا أعددت ـم ل ها؟ قال‪:‬‬
‫حتْ ـما مَ ْقضِيّا ثُ مّ ُننَ ـجّي اّلذِي نَ اّتقَوْا‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُ ها كا نَ عَل ـى َربّ كَ َ‬
‫فذلك قول ال‪ :‬وَإ ْ‬
‫جثِـيّا‪.‬‬
‫ن فِـيها ِ‬
‫َو َن َذرُ الظّالِـمِي َ‬
‫‪ 17977‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن الـجريريّ‪ ,‬عن أبـي‬
‫السلـيـل‪ ,‬عن غنـيـم بن قـيس‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا ورود النار‪ ,‬فقال كعب‪ :‬تُـ ْمسَكُ النارُ للناس‬
‫كأنها متن إهالة‪ ,‬حتـى يستويَ علـيها أقدام الـخلئق َبرّهم وفـاجرهم‪ ,‬ثم يناديها مناد‪ :‬أن‬
‫خسَف بكلّ ول ـيّ ل ها‪ ,‬ول هي أعل ـم ب هم من‬
‫أم سكي أ صحابك‪ ,‬ود عي أ صحابـي‪ ,‬قال‪ :‬ف ـ ُي ْ‬
‫الرجل بولده‪ ,‬ويخرج الـمؤمنون ندية أبدانهم‪ .‬قال‪ :‬وقال كعب‪ :‬ما بـين منكبـي الـخازن‬
‫من خزنت ها م سيرة سنة‪ ,‬مع كلّ وا حد من هم عمود له شعبتان‪ ,‬يد فع به ال ّدفْ عة‪ ,‬ف ـيصرع به‬
‫فـي النار سبع مئة ألف‪.‬‬
‫‪ 17978‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن مالك بن مغول‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان أبـو ميسـرة إذا أوى إلــى فراشـه‪ ,‬قال‪ :‬يـا لــيت أمـي لــم تلدنــي‪ ,‬ثـم يبكـي‪,‬‬
‫فق ـيـل‪ :‬و ما يبك يك يا أب ـا مي سرة؟ قال‪ :‬أَخبر نا أ نا واردو ها‪ ,‬ول ـم يُخبر نا أ نا صادرون‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪ 17979‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن قـيس‪ ,‬قال‪ :‬بكى عبد ال‬
‫بن روا حة ف ـي مر ضه‪ ,‬فب كت امرأ ته‪ ,‬فقال‪ :‬ما يبكي كِ‪ ,‬قالت‪ :‬رأي تك تب كي فبك يت‪ ,‬قال ا بن‬
‫رواحة‪ :‬إنـي قد علـمت إنـي وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم ل؟‪.‬‬
‫‪ 17980‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن ِم ْن ُكمْ إلّ وَا ِردُها قال‪ :‬داخـلها‪.‬‬
‫سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانـي‪ ,‬عن ابن مسعود وَإ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن‬
‫ن ِم ْن ُكمْ إلّ وَارِدُها قال‪ :‬يدخـلها‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله وَإ ْ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬عن ا بن عي ـينة‪ ,‬عن إ سماعيـل بن‬
‫أبـي خالد‪ ,‬عن قـيس بن أبـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬كان عبد ال بن رواحة واضع رأسه فـي حجر‬
‫امرأته‪ ,‬فبكى‪ ,‬فبكت امرأته‪ ,‬قال‪ :‬ما يبكيك؟ قالت‪ :‬رأيتك تبكي فبكيت‪ ,‬قال‪ :‬إنـي ذكرت قول‬
‫ن ِم ْنكُمْ إلّ وَا ِردُها فل أدري أنـجو منها‪ ,‬أم ل؟‪.‬‬
‫ال وَإ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو الـ َمرّ علـيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَارِدُ ها‬
‫‪ 17981‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَإ ْ‬
‫يعنـي جهنـم م ّر الناس علـيها‪.‬‬
‫ن ِم ْنكُمْ‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي قوله وَإ ْ‬
‫إلّ وَارِدُها قال‪ :‬هو الـمرّ علـيها‪.‬‬
‫‪17982‬ـ حدثنا خلد بن أسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا النضر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُ ها قال‪ :‬ال صراط‬
‫إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي الحوص‪ ,‬عن ع بد ال ف ـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫عل ـى جهن ـم م ثل حدّ ال سيف‪ ,‬فت ـمرّ الطب قة الول ـى كالبرق‪ ,‬والثان ـية كالر يح‪ ,‬والثال ثة‬
‫كأجود الـخيـل‪ ,‬والرابعة كأجود البهائم‪ .‬ثم يـمرّون والـملئكة يقولون‪ :‬اللهمّ سلـم سلـم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الورود‪ :‬هو الدخول‪ ,‬ولكنه عنى الكفـار دون الـمؤمنـين‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17983‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد ال‬
‫ن ِم ْنكُمْ إلّ وَا ِردُها يعنـي الكفـار‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫بن السائب‪ ,‬عن رجل سمع ابن عبـاس يقرؤها وَإ ْ‬
‫يردها مؤمن‪.‬‬
‫‪ 17984‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن الول ـيد‬
‫ن ِم ْن ُكمْ إلّ وَا ِردُها يعنـي الكفـار‪.‬‬
‫شنّـي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة يقول وَإ ْ‬
‫ال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر‪ ,‬غير أن ورود الـمؤمن الـمرور‪ ,‬وورود‬
‫الكافر الدخول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ِم ْنكُمْ إلّ‬
‫‪17985‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫وَا ِردُها ورود الـمسلـمين الـمرور علـى الـجسر بـين ظهريها وورود الـمشركين أن‬
‫ن والزّالّ تُ يَ ْؤ َم ِئذٍ َكثِ ـيرٌ‪َ ,‬وقَدْ‬
‫يدخ ـلوها‪ ,‬قال‪ :‬وقال النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬الزّالّو َ‬
‫ن مِنَ الـمَلئكَةِ‪ ,‬دَعْوَا ُه ْم يَ ْؤ َم ِئذٍ يا ألّلهُ سَلّـمْ سَلّـمْ»‪.‬‬
‫سرَ سِماطا ِ‬
‫ط الـجِ ْ‬
‫أحا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬ورود الـمؤمن ما يصيبه فـي الدنـيا من حمّى ومرض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17986‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن عثمان بن السود‪ ,‬عن مـجاهد قال‪:‬‬
‫ل مؤمن من النار‪ ,‬ثم قرأ‪ :‬وَإنْ ِم ْن ُكمْ إلّ وَا ِردُها‪.‬‬
‫الـحمى حظّ ك ّ‬
‫‪ 17987‬ـ حدثن ـي عمران بن بكار الكل عي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ال ـمغيرة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد‬
‫الرحمن بن يزيد بن تـميـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عبـيد ال‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬عن‬
‫ل من أ صحابه و به و عك‬
‫أب ـي هريرة قال‪ :‬خرج ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يعود رج ً‬
‫وأنا م عه‪ ,‬ثم قال‪« :‬إن ال يقول‪ :‬هي ناري أ سلطها عل ـى عبدي ال ـمؤمن‪ ,‬لتكون ح ظه من‬
‫النار فـي الَخرة»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يردُها الـجميع‪ ,‬ثم يصدر عنها الـمؤمنون بأعمالهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17988‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي السدي‪ ,‬عن‬
‫ن ِم ْن ُكمْ إلّ وَا ِردُها قال‪ :‬يردُونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم‪.‬‬
‫مرّة‪ ,‬عن عبد ال وَإ ْ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫مرّة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪17989‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن عبد الـملك‪,‬‬
‫عن عبـيد ال‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كنت عند ابن عبـاس‪ ,‬فأتاه رجل يقال له أبو راشد‪ ,‬وهو‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُ ها كا نَ عَل ـى‬
‫نا فع بن الزرق‪ ,‬فقال له‪ :‬يا ا بن عب ـاس أرأ يت قول ال وَإ ْ‬
‫ضيّا قال‪ :‬أما أنا وأنت يا أبـا راشد فسنردها‪ ,‬فـانظر هل نصدر عنها أم ل؟‪.‬‬
‫حتْـما مَ ْق ِ‬
‫ك َ‬
‫َربّ َ‬
‫‪ 17990‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو‬
‫الزبـير أنه سمع جابر بن عبد ال يُسأل عن الورود‪ ,‬فقال‪« :‬نـحن يوم القـيامة علـى كوى‬
‫أو كرى‪ ,‬فوق الناس‪ ,‬فتد عي الم ـم بأوثان ها‪ ,‬و ما كا نت تع بد الوّل ف ـالوّل‪ ,‬ف ـينطلق ب هم‬
‫ل إن سان منا فق ومؤ من نورا‪ ,‬ويغ شى ظل ـمة ثم يتبعو نه‪ ,‬وعل ـى‬
‫ويتبعو نه‪ ,‬قال‪ :‬ويع طي ك ّ‬
‫جسـر جهنــم كللــيب تأخـذ مـن شاء ال‪ ,‬فَــيُطْفأ نور الــمنافق‪ ,‬وينــجو الــمؤمنون‪,‬‬
‫فتنـجو أوّل زمرة كالقمر لـيـلة البدر‪ ,‬وسبعون ألفـا ل حساب علـيهم‪ ,‬ثم الذين يـلونهم‬
‫كأضوأ ن ـجم ف ـي ال سماء‪ ,‬ثم كذلك‪ ,‬ثم ت ـحلّ الشف ـاعة ف ـيشفعون‪ ,‬ويخرج من النار من‬
‫قال ل إله إل ال م ـمن ف ـي قل به وزن شعيرة من خ ير‪ ,‬ثم ي ـلقون تلقاء ال ـجنة‪ ,‬ويهر يق‬
‫علـيهم أهل الـجنة الـماء‪ ,‬فـينبتون نبـات الشيء فـي السيـل‪ ,‬ثم يسألون فـيجعل لهم‬
‫الدنـيا وعشرة أمثالها»‪.‬‬
‫‪ 17991‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن الـمبـارك‪ ,‬عن‬
‫الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال رجـل لخيـه‪ :‬هـل أتاك بأنـك وارد النار؟ قال‪ :‬نعـم‪ ,‬قال‪ :‬فهـل أتاك أنـك‬
‫صادر عنها؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬قال‪ :‬ففـيـم الضحك؟ قال‪ :‬فما رؤي ضاحكا حتـى لـحق بـال‪.‬‬
‫‪ 17992‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عمرو بن ال ـحارث أن بكيرا‬
‫حدّثه أنه قال لبسر بن سعيد‪ :‬إن فلنا يقول‪ :‬إن ورود النار القـيام علـيها‪ .‬قال بسر‪ :‬أما أبو‬
‫هريرة فسمعته يقول‪« :‬إذا كان يوم القـيامة‪ ,‬يجتـمع الناس نادى مناد‪ :‬لـيـلـحق كل أناس‬
‫بــما كانوا يعبدون‪ ,‬فــيقوم هذا إلــى الــحجر‪ ,‬وهذا إلــى الفرس‪ ,‬وهذا إلــى الــخشبة‬
‫حتـى يبقـى الذين يعبدون ال‪ ,‬فـيأتـيهم ال‪ ,‬فإذا رأوه قاموا إلـيه‪ ,‬فـيذهب بهم فـيسلك‬
‫بهم علـى الصراط‪ ,‬وفـيه علـيق‪ ,‬فعند ذلك يؤذن بـالشفـاعة‪ ,‬فـيـم ّر الناس‪ ,‬والنبـيون‬
‫يقولون‪ :‬الله مّ سلـم سلـم»‪ .‬قال بك ير‪ :‬فكان ا بن عميرة يقول‪ :‬فناج م سلـم ومنكوس ف ـي‬
‫جهنـم ومخدوش‪ ,‬ثم ناج‪.‬‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب قول مـن قال‪ :‬يردهـا الــجميع ثـم يصـدر عنهـا‬
‫الــمؤمنون‪ ,‬فــينـجيهم ال‪ ,‬ويهوي فــيها الكفــار وورودهموهـا هـو مـا تظاهرت بـه‬
‫الخب ـار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من مرور هم عل ـى ال صراط ال ـمنصوب‬
‫علـى متن جهنـم‪ ,‬فناج مسلـم ومكدس فـيها‪.‬‬
‫ذكر الخبـار الـمروية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك‪:‬‬
‫‪ 17993‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي سفـيان‪ ,‬عن‬
‫جابر‪ ,‬عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة‪ ,‬قالت‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو فـي‬
‫ح َد ْيبِـيَةَ»‪ .‬قالت‪ :‬فقالت حفصة‪ :‬يا رسول‬
‫ش ِهدَ َبدْرا والـ ُ‬
‫حدٌ َ‬
‫بـيت حفصة‪« :‬ل َيدْخُـلُ النّارَ أ َ‬
‫ن ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُ ها؟ فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬فمَ ْه ثُ مّ‬
‫ال‪ ,‬أل ـيس ال يقول‪ :‬وَإ ْ‬
‫َينَـجّي الّلهُ اّلذِين اتّقُوا»‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن مدرك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن العمش‪,‬‬
‫عن أبـي سفـيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن أمّ مبشر‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي سفـيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫نل‬
‫أ مّ مب شر‪ ,‬عن حف صة‪ ,‬قالت‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّ ـي لَ َءرْجُو أ ْ‬
‫ش ِهدَ َبدْرا وال ـحُ َد ْيبِـيَةَ»‪ ,‬قالت‪ :‬فقلت يا ر سول ال‪ ,‬أل ـيس ال يقول وَإ نْ‬
‫حدٌ َ‬
‫َي ْدخُ ـلَ النّارَ َأ َ‬
‫ن اتّقَوْا َو َن َذرُ الظّالِ ـمِينَ فِ ـيها‬
‫س َمعِيهِ يَقُولُ‪ :‬ثُ ّم ُننَ ـجّي اّلذِي َ‬
‫ِم ْنكُ مْ إلّ وَا ِردُ ها؟ قال‪« :‬فَلَ ـمْ تَ ْ‬
‫جثِـيّا»؟‬
‫ِ‬
‫‪17994‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي عبـيد ال بن الـمغيرة بن معيقب‪ ,‬عن سلـيـمان بن عمرو بن عبد ال ِعتْوار يّ‪ ,‬أحد‬
‫بنـي لـيث‪ ,‬وكان فـي حجر أبـي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا سعيد الـخُدريّ يقول‪ :‬سمعت‬
‫ج َهنّـمَ‪ ,‬عَلَـيْ ِه حَسكٌ‬
‫ظ ْهرَ يْ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬يُوضَ عُ ال صّرَاطُ بـينَ َ‬
‫ج ومُـحْ َتبِسٌ و ُم َكدّ سٌ‬
‫ح بِ هِ‪ ,‬ث مّ نا ٍ‬
‫ستَـجِيزُ النّا سُ‪ ,‬فنَا جٍ مُ سْلِـمٌ ومَـجْرُو ٌ‬
‫سعْدانِ‪ ,‬ثُ مّ يَ ْ‬
‫كحَسكِ ال ّ‬
‫ن ال َقضَاءِ بـينَ العِبـادِ تَفَ ّق َد الـمُ ْؤ ِمنُونَ رِجالً كانُوا َم َعهُمْ فِـي‬
‫فِـيها‪ ,‬حتـى إذَا فَرَغَ اللّهُ ِم َ‬
‫جهُ مْ‪ ,‬و َي ْغزُو نَ‬
‫حّ‬‫ن َ‬
‫حجّو َ‬
‫ن زَكا َتهُ مْ َويَ صُومُون صِيا َم ُهمْ‪ ,‬و َي ُ‬
‫ل َت ُهمْ‪َ ,‬و ُي َزكّو َ‬
‫ن صَ َ‬
‫ال ّدنْ ـيا يُ صَلّو َ‬
‫ن صَلتَنا‪,‬‬
‫غزْوَهُ مْ‪ ,‬فَـيَقُولُونَ‪ :‬أ يّ َربّنا عِبـادٌ مِ نْ عِبـا ِدكَ كانُوا َمعَنا فِـي الدنْـيا‪ ,‬يُ صَلّو َ‬
‫َ‬
‫غزْو نا‪ ,‬ل َنرَاهُ مْ‪ ,‬فَ ـيَقُولُ‪:‬‬
‫حجّ نا‪ ,‬و َي ْغزُو نَ َ‬
‫ن َ‬
‫حجّو َ‬
‫ن صِيامَنا‪ ,‬و َي ُ‬
‫ن زَكاتَ نا‪َ ,‬ويَ صُومُو َ‬
‫َو ُي َزكّو َ‬
‫خ َذ ْت ُهمُ النّارُ عَلـى َقدْرِ‬
‫جدُو َنهُمْ َقدْ أ َ‬
‫خرِجُوهُ‪ ,‬فَـ َي ِ‬
‫ج ْدتُـمْ فِـيها ِم ْنهُمْ فأ ْ‬
‫اذْ َهبُوا إلـى النّارِ‪َ ,‬فمَنْ َو َ‬
‫خ َذتْ ُه إلـى نِصْفِ ساقَـيهِ‪َ ,‬و ِم ْنهُمْ مَنْ‬
‫خ َذتْهُ النّارُ إلـى َق َد َميْهِ‪َ ,‬و ِم ْنهُمْ َمنْ أ َ‬
‫نأَ‬
‫أعمالِهمْ‪َ ,‬ف ِمنْهُمْ مَ ْ‬
‫عنُ ِقهِ ولَـمْ َتغْشَ‬
‫خ َذتْهُ إلـى ُ‬
‫خ َذتْهُ إلـى َث ِديَـيْهِ‪َ ,‬و ِم ْنهُمْ مَنْ أ َ‬
‫خ َذتْ ُه إلـى ُر ْك َبتَـيْهِ‪َ ,‬و ِم ْنهُمْ مَنْ أ َ‬
‫أَ‬
‫ط َرحُو َن ُهمْ فِـي ما ِء الـحَياةِ» قِـيـلَ‪ :‬وَما ماءُ الـحَياةِ‬
‫خ ِرجُو َنهُمْ ِمنْها‪ ,‬فَـيَ ْ‬
‫ستَـ ْ‬
‫ال ُوجُو هَ‪ ,‬فَـ َي ْ‬
‫سيْـلِ‪ ,‬ثُ مّ‬
‫ن كمَا َت ْنبُ تُ ال ّزرْعَ ُة فِـي غُثاءِ ال ّ‬
‫ل الـجَنّةِ‪ ,‬فَـيَ ْن ُبتُو َ‬
‫يا رَسول الّل هِ؟ قال‪« :‬غُ سْلُ أهْ ِ‬
‫ستَـخْ ِرجُو َن ُهمْ ِمنْها‪ ,‬ثُمّ‬
‫ن ل إل َه إلّ الّل ُه ُمخْـلِصا‪ ,‬فَـيَ ْ‬
‫ن َيشْ َهدُ أ ْ‬
‫َتشْفَ ُع ال ْنبِـيا ُء فِـي كُلّ مَنْ كا َ‬
‫عبْدا فِــي قَ ْلبِه ِـ ِمثْقالُ َذرّ ٍة مِن َـ‬
‫َيتَــحَننُ اللّهُـ برحْ َمتِهِـ عَلــى مَن ْـ فِــيها‪ ,‬فَمَا َي ْترُكُـ فِــيها َ‬
‫خ َرجَهُ ِمنْها»‪.‬‬
‫ن إلّ أ ْ‬
‫الِيـمَا ِ‬
‫‪17995‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث‪,‬‬
‫عن اللـيث بن خالد‪ ,‬عن يزيد بن أبـي هلل‪ ,‬عن زيد بن أسلـم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬عن‬
‫جسْرِ يعنـي‬
‫أبـي سعيد الـخُدريّ‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ُ « :‬ي ْؤتَـى بـالـ ِ‬
‫حضَةٌ‬
‫جهَنـمَ» قلنا‪ :‬يا رسول ال وما الـجسر؟ قال‪« :‬مَد َ‬
‫ظهْرَيْ َ‬
‫ن َ‬
‫جعَلُ بـي َ‬
‫يوم القـيامة فَـ ُي ْ‬
‫جدٍ‪ ,‬يُقالُ‬
‫سكَةٌ ُمفَ ْلطَحَ ٌة لها شَوْكة عُقَـيْفـا ُء َتكُو نُ ِبنَـ ْ‬
‫مزَلّةٌ‪ ,‬عَلَـيْ ِه خَطاطِي فُ وكَللِـيبُ وحَ ْ‬
‫خيْـلِ‬
‫ْقـ وكالرّيحـِ‪ ,‬وكأجا ِودِ الــ َ‬
‫ْفـ والبَر ِ‬
‫السـعْدانُ‪ ,‬يَــُمرّ الــمُ ْؤ ِمنُونَ عَلَــيْها كالطّر ِ‬
‫لَهَا ّ‬
‫سحَبُ‬
‫خرُهُ مْ يُ ْ‬
‫ج َهنّـمَ‪ ,‬ثُ مّ يَـمُرّ آ ِ‬
‫س فِـي َ‬
‫ش مُ سْلِـمٌ‪ ,‬و َم ْكدُو ٌ‬
‫خدُو ٌ‬
‫والرّكا بِ‪ ,‬فَنا جٍ مُ سْلِـم‪ ,‬و َم ْ‬
‫ن ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ َي ْو َمئِذٍ‬
‫حقّ قَد تبَ ـيّنَ َلكُ مْ‪ ,‬مِ َ‬
‫شدَةٍ ل ـي فِ ـي ال ـ َ‬
‫شدّ مُنا َ‬
‫سحْبـا‪ ,‬فَمَا أ ْنتُ ـمْ بأ َ‬
‫َ‬
‫جبّـارِ تَبـارَك َوتَعالـى‪ ,‬إذَا رأوْ ُهمْ َقدْ نَـجَوا َوبَقِـيَ إخْوا ُنهُمْ»‪.‬‬
‫للـ َ‬
‫‪ 17996‬ـ حدثنـي أحمد بن عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن كثـير بن عُفَـير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫لَهيعة‪ ,‬عن أبـي الزبـير‪ ,‬قال‪ :‬سألت جابر بن عبد ال عن الورود‪ ,‬فقال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫خرُ مَ نْ َيبْقَـى‬
‫خرُجُوا ِمنْها‪ ,‬فآ ِ‬
‫ن النّارَ حتـى َي ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬هُ َو الدّخولُ‪ ,‬يَردُو َ‬
‫شجَرَةً‪ ,‬قالَ‪ :‬فَ ـيَقُولُ‪ :‬أ يْ رَ بّ أ ْد َننِ ـي ِمنْ ها‪,‬‬
‫َرجُلٌ عَل ـى ال صّراطِ َي ْزحَ فُ‪ ,‬فَ ـيرْفَعُ الّل ُه َل ُه َ‬
‫جنّةَ‪ ,‬قالَ‪:‬‬
‫ي رَ بّ أ ْدخِـلْنِـي الـ َ‬
‫قالَ‪ :‬فَـيُ ْدنِـيهِ الّل هُ تَبـارَكَ و َتعَالـى ِمنْها‪ ,‬قالَ‪ :‬ثُ مّ يَقُولُ‪ :‬أ ْ‬
‫ِهـ أ ْو نَــحْوُها قالَ‪:‬‬
‫شرَةُ أضْعاف ِ‬
‫عْ‬‫َكـ َو َ‬
‫ذلكـ ل َ‬
‫َ‬ ‫سـلْ‪ ,‬قالَ‪ :‬فَــيَسألُ‪ ,‬قال‪ :‬فَــيَقُولُ‪:‬‬
‫فَــيَقُولُ‪َ :‬‬
‫ضرَاسُهُ»‪.‬‬
‫حكُ حتـى َت ْبدُو َل ْهوَاتُ ُه وأ ْ‬
‫ضَ‬‫س َتهْزِىءُ بِـي؟ قالَ‪ :‬فَـيَ ْ‬
‫فَـيَقُولُ‪ :‬يا رَبّ َت ْ‬
‫‪17997‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يحيى بن أيوب «ح» وحدثنا‬
‫أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن زيد‪ ,‬عن رشدين‪ ,‬جميعا عن زياد بن فـائد‪ ,‬عن سهل بن‬
‫حرَسَ َورَا َء الـ ُمسْلِـمِينَ‬
‫معاذ‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬مَنْ َ‬
‫سمِ‪ ,‬فإنّ‬
‫ن بحرَسٍ‪ ,‬لَـمْ َيرَ النّا َر ب َعيْنِ ِه إلّ تَـحِلّ َة ال َق َ‬
‫سبِـيـلِ الّل ِه ُمتَطَوّعا‪ ,‬ل ي ْأخُذُ ُه سُلْطا ٌ‬
‫فِـي َ‬
‫ن ِم ْن ُكمْ إلّ وَارِدُها»‪.‬‬
‫اللّ َه تَعالـى يَقُولُ وَإ ْ‬
‫‪ 17998‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬أخبرنـي‬
‫ن ماتَ‬
‫الزهريّ‪ ,‬عن ابن الـمسيب عن أبـي هريرة‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬م ْ‬
‫سمِ» يعنـي‪ :‬الورود‪.‬‬
‫ل تَـحِلّةَ ال َق َ‬
‫لَ ُه ثَلثَةٌ لَـمْ تَـ َمسّهُ النّارُ إ ّ‬
‫حتْـما مَ ْقضِيّا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله‪ ,‬فقال‬
‫وأما قوله‪ :‬كا نَ عَلَـى َربّ كَ َ‬
‫بعضهم معناه‪ :‬كان علـى ربك قضاء مقضيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17999‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حتْـما قال‪ :‬قضاء‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫حتْ ـما‬
‫‪ 18000‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج َ‬
‫ضيّا قال‪ :‬قضاء‪.‬‬
‫مَ ْق ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬كان علـى ربك قسما واجبـا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18001‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عمرو داود بن ال ّز ْبرِقان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ضيّا قال‪:‬‬
‫حتْـما مَ ْق ِ‬
‫سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانـيّ‪ ,‬عن ابن مسعود كانَ عَلـى رَبّكَ َ‬
‫قسما واجبـا‪.‬‬
‫حتْـما‬
‫‪ 18002‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة كا نَ عَلـى َربّ كَ َ‬
‫ضيّا يقول‪ :‬قسما واجبـا‪.‬‬
‫مَ ْق ِ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد بـيّنت القول فـي ذلك‪.‬‬

‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ِثيّا }‪.‬‬
‫ن فِيهَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { ُثمّ ُن َنجّي اّلذِينَ اتّقَواْ ّو َن َذرُ الظّالِمِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم ننـجي من النار بعد ورود جميعهم إياها‪ ,‬الذين اتقوا فخافوه‪ ,‬بأداء‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وندع الذين ظلـموا‬
‫جثِـيّا يقول ج ّ‬
‫فرائضه واجتناب معاصيه َو َن َذرُ الظّالِـمِينَ فِـيها ِ‬
‫أنف سهم‪ ,‬فعبدوا غ ير ال‪ ,‬وع صَوا رب هم‪ ,‬وخالفوا أمره ونه يه من النار‪ ,‬جث ـيا‪ ,‬يقول‪ :‬برو كا‬
‫علـى ركبهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18003‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو َن َذرُ الظّالِ ـمِينَ فِ ـيها‬
‫جثِـيا علـى ركبهم‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن ا بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزّاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة َو َن َذرُ‬
‫جثِـيّا علـى ركبهم‪.‬‬
‫الظّالِـمينَ فِـيها ِ‬
‫‪18004‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد فــي قوله‪َ :‬و َن َذرُ‬
‫ل عنـد‬
‫جثِــيّا قال‪ :‬ال ـجُثِـيّ‪ :‬شرّ ال ـجلوس‪ ,‬ل يجلس الرجـل جاثــيا إ ّ‬
‫ن فِــيها ِ‬
‫الظّالِ ـمِي َ‬
‫كرب ينزل به‪.‬‬
‫‪ 18005‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله ثُ مّ ُننَ ـجّي اّلذِي نَ‬
‫جثِــيّا إن الناس وردوا جهنــم وهـي سـوداء مظلــمة‪ ,‬فأمـا‬
‫اتّقَوْا َو َن َذرُ الظّالِــمِينَ فِــيها ِ‬
‫ح ُتبِ سوا‬
‫الـمؤمنون فأضاءت لهم ح سناتهم‪ ,‬فأن ـجوا من ها‪ .‬وأما الكفـار فأوبقتهم أعمالهم‪ ,‬وا ْ‬
‫بذنوبهم‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن آ َمنُوَاْ‬
‫ن كَ َفرُو ْا لِّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {وَِإذَا ُتتَْلىَ عََل ْيهِ مْ آيَاتُنَا ِب ّينَا تٍ قَالَ اّلذِي َ‬
‫ن َن ِديّا }‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫خيْ ٌر مّقَاما وََأ ْ‬
‫ن َ‬
‫َأيّ الْ َفرِي َقيْ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا تتلـى علـى الناس آياتنا التـي أنزلناها علـى رسولنا مـحمد‬
‫بـينات‪ ,‬يعنـي واضحات لـمن تأمّلها وفكّر فـيها أنها أدلة علـى ما جعلها ال أدلة علـيه‬
‫لعب ـاده‪ ,‬قال الذ ين كفروا ب ـال وبكتا به وآيا ته‪ ,‬و هم قر يش‪ ,‬للذ ين آمنوا ف صدّقوا به‪ ,‬و هم‬
‫خ ْيرٌ مَقاما َيعْنـي بـالـمَقام‪ :‬موضع إقامتهم‪ ,‬وهي مساكنهم‬
‫ن َ‬
‫أصحاب مـحمد أ يّ ال َفرِيقَـيْ ِ‬
‫ومنازلهم وأحْ سَنُ َن ِديّا وهو الـمـجلس‪ ,‬يقال منه‪ :‬ندوت القوم أندوهم َندْوا‪ :‬إذا جمعتهم فـي‬
‫مـجلس‪ ,‬ويقال‪ :‬هو فـي نديّ قومه وفـي ناديهم‪ :‬بـمعنى واحد‪ .‬ومن النديّ قول حاتـم‪:‬‬
‫خ ْزرِ‬
‫عيُنٍ ُ‬
‫ي بأ ْ‬
‫ظرْ إلـ ّ‬
‫ت فِـي أُولـى ال ّن ِديّ ولَـ ْميُ ْن َ‬
‫ودُعِي ُ‬
‫أيـ‬
‫وتأويــل الكلم‪ :‬وإذا تُتلــى علــيهم آياتنـا بــيّنات‪ ,‬قال الذيـن كفروا للذيـن آمنوا‪ّ :‬‬
‫الفريقـين منا ومنكم أوسع عيشا‪ ,‬وأنعم بـالً‪ ,‬وأفضل مسكنا‪ ,‬وأحسن مـجلسا‪ ,‬وأجمع عددا‬
‫وغاشية فـي الـمـجلس‪ ,‬نـحن أم أنتـم؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18006‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫خ ْيرٌ مَقامـا وأحْسَـنُ َندِيّا قال‪ :‬الــمقام‪ :‬الــمنزل‪,‬‬
‫أبــي ظبــيان‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫والنديّ‪ :‬الـمـجلس‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن سلـيـمان‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ظبْـيان‪ ,‬عن ابن عبـاس بـمثله‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 18007‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫ن كَ َفرُوا لّلذِي َ‬
‫ت قالَ اّلذِي َ‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عبـاس وَإذَا ُتتْلَ ـى عَلَ ـ ْي ِهمْ آياتُ نا بَـيّنا ٍ‬
‫خ ْيرٌ مَقاما وََأحْ سَنُ َن ِديّا؟ قال‪ :‬الـمقام‪ :‬الـمسكن‪ ,‬والند يّ‪ :‬الـمـجلس والنّعمة‬
‫أ يّ ال َفرِيقَـيْنِ َ‬
‫ص شأن هم ف ـي‬
‫والبه جة الت ـي كانوا ف ـيها‪ ,‬و هو ك ما قال ال لقوم فرعون‪ ,‬ح ين أهلك هم وق ّ‬
‫ن و ُكنُوزٍ َومَقا ٍم كَرِي ـمٍ َو َن ْعمَ ٍة كانُوا فِ ـيها ف ـا ِكهِينَ‬
‫عيُو ٍ‬
‫جنّا تِ َو ُ‬
‫ن َ‬
‫القرآن فقال‪ :‬كَ مْ َت َركُوا مِ ْ‬
‫فــالـمقام‪ :‬الــمسكن والنعيــم‪ ,‬والنديـّ‪ :‬الــمـجلس والــمـجمع الذي كانوا يجتــمعون‬
‫ُمـ‬
‫ُونـ فِــي نادِيك ُ‬
‫قصـ علــى رسـوله فــي أمـر لوط إذ قال وَتأت َ‬
‫ّ‬ ‫فــيه‪ ,‬وقال ال فــيـما‬
‫الـ ُمنْ ُكرَ‪ ,‬والعرب تسمي الـمـجلس‪ :‬النادي‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫حسَن َن ِديّا يقول‪ :‬مـجلسا‪.‬‬
‫قوله وأ ْ‬
‫‪ 18008‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن قال‪ :‬قريش تقول ها ل صحاب م ـحمد صلى ال عل يه‬
‫ي ال َفرِيقَ ـيْ ِ‬
‫م ـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬أ ّ‬
‫حسَنُ َن ِديّا قال‪ :‬مـجالسهم‪ ,‬يقولونه أيضا‪.‬‬
‫وسلم وأ ْ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‪,‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫‪18009‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذَا ُتتْلَـى عَلَـيْهمْ‬
‫ن َن ِديّا رأوا أصحاب‬
‫خ ْيرٌ مَقاما وأحْسَ ُ‬
‫ن َ‬
‫آياتُنا بَـيّناتٍ قالَ اّلذِينَ َك َفرُوا لّلذِينَ آ َمنُوا أيّ ال َفرِيقَـي ِ‬
‫مـحمد صلى ال عليه وسلم فـي عيشهم خشونة‪ ,‬وفـيهم قَشافة‪َ ,‬فعَرّض أهل الشرك بـما‬
‫حسَنُ َن ِديّا يقول‪ :‬مـجلسا‪.‬‬
‫تسمعون قوله وأ ْ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫ن َن ِديّا قال‪ :‬الند يّ‪ :‬الـمـجلس‪ ,‬وقرأ قول ال تعالـى‪:‬‬
‫خ ْيرٌ مَقاما وأحْ سَ ُ‬
‫ن َ‬
‫قوله‪ :‬أ يّ ال َفرِيقَـيْ ِ‬
‫فَلْـ َي ْدعُ نا ِديَهْ قال‪ :‬مـجلسه‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأثَاثا َورِءْيا }‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫ن ُهمْ َأ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { َو َكمْ أَهَْل ْكنَا قَبَْل ُهمْ مّن قَرْ ٍ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وكـم أهلكنـا يـا مــحمد قبـل هؤلء القائلــين مـن أهـل الكفـر‬
‫أيـ الفريقــين خيـر مقامـا‪ ,‬وأحسـن نديـا‪,‬‬
‫للــمؤمنـين‪ ,‬إذا تُتلــى علــيهم آيات الرحمـن‪ّ ,‬‬
‫مــجالس مـن قرن هـم أكثـر متاع منازل مـن هؤلء‪ ,‬وأحسـن منهـم منظرا وأجمـل صـورا‪,‬‬
‫فأهلكنا أموالهم‪ ,‬وغيرنا صورهم ومن ذلك قول علقمة بن عبدة‪:‬‬
‫ن َنشَرْتهُلبَـيْعِ الرّئيِ فِـي الصّوَانِ الـ ُم َكعّبِ‬
‫ل ْرجُوَا ِ‬
‫ناُ‬
‫ت كَلَوْ ِ‬
‫ُك َميْ ٌ‬
‫يعنـي بـالصوان‪ :‬التـخت الذي تصان فـيه الثـياب‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18010‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫حسَنُ أثاثا َو ِرئْيا قال‪ :‬الرئي‪ :‬الـمنظر‪ ,‬والثاث‪ :‬الـمتاع‪.‬‬
‫أبـي ظبـيان‪ ,‬عن ابن عبـاس أ ْ‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ عن شع بة عن سلـيـمان عن أب ـي‬
‫ظبـيان عن ابن عبـاس قال‪ :‬الرئي الـمنظر‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫حسَنُ أثاثا َو ِرئْيا يقول‪ :‬منظرا‪.‬‬
‫قوله أ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حسَنُ أثاثا َو ِرئْيا الثاث‪ :‬الـمال‪ ,‬والرّئي‪ :‬الـمنظر‪.‬‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس أ ْ‬
‫‪ 18011‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هوذة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬فـي قوله أثاثا‬
‫َو ِرئْيا قال‪ :‬الثاث‪ :‬أحسن الـمتاع‪ ,‬والرّئي‪ :‬قال‪ :‬الـمال‪.‬‬
‫‪18012‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬يقول ال تبــارك‬
‫ن أثا ثا َو ِرئْ يا‪ :‬أي أك ثر متا عا وأح سن منزلة‬
‫ن هُ ْم أحْ سَ ُ‬
‫وتعال ـى‪ :‬وكَ ْم أهَْلكْ نا َقبَْلهُ مْ م نْ َقرْ ٍ‬
‫ومستقرّا‪ ,‬فأهلك ال أموالهم‪ ,‬وأفسد صورهم علـيهم تبـارك وتعالـى‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‬
‫حسَنُ أثاثا َو ِرئْيا قال‪ :‬أحسن صورا‪ ,‬وأكثر أموالً‪.‬‬
‫أْ‬
‫‪ 18013‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد أثاثا قال‪ :‬الـمتاع َورِئْيا قال‪ :‬فـيـما يرى الناس‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير بن قابوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪:‬‬
‫الثاث‪ :‬الـمال‪ ,‬والرّئي‪ :‬الـمنظر الـحسن‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن عطاء الــخراسانـي‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عبـاس َورِئْيا‪ :‬منظرا فـي اللون والـحسن‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاح‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن عطاء الــخراسانـي‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عبـاس َورِئيا منظرا فـي اللون والـحسن‪.‬‬
‫ن أثاثا‬
‫‪ 18014‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أحْ سَ ُ‬
‫َو ِرئْيا قال‪ :‬الرئي‪ :‬الـمنظر‪ ,‬والثاث‪ :‬الـمتاع‪ ,‬أحسن متاعا‪ ,‬وأحسن منظرا‪.‬‬
‫ن أثاثا يعنـي‬
‫‪ 18015‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول فـي قوله‪ :‬أحْ سَ ُ‬
‫الـمال َو ِرئْيا يعنـي‪ :‬الـمنظر الـحسن‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أ هل ال ـمدينة‪َ « :‬ورِيّا» غ ير مهموز‪,‬‬
‫وذلك إذا قرىء كذلك يتوجـه لوجهيـن‪ :‬أحدهمـا‪ :‬أن يكون قارئه أراد الهمزة‪ ,‬فأبدل منهـا ياء‪,‬‬
‫ف ـاجتـمعت ال ـياء ال ـمُبدلة من اله مز وال ـياء الت ـي هي لم الف عل‪ ,‬فأدغم تا‪ ,‬فجعل تا ياء‬
‫واحدة مشددة لـيُـلْـحِقُوا ذلك‪ ,‬إذ كان رأس آية‪ ,‬بنظائره من سائر رؤوس الَيات قبله وبعده‬
‫والَخر أن يكون من رويت أروي روية وريّا‪ ,‬وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلم‪ :‬وكم أهلكنا‬
‫قبل هم من قرن‪ ,‬هم أح سن متا عا‪ ,‬وأح سن نظرا ل ـماله‪ ,‬ومعر فة لتدب ـيره وذلك أن العرب‬
‫تقول‪ :‬ما أح سن رؤ ية فلن ف ـي هذا ال مر إذا كان ح سن الن ظر ف ـيه وال ـمعرفة به‪ .‬وقرأ‬
‫ذلك عا مة قرّاء العراق والكو فة والب صرة َو ِرئْ يا بهمز ها‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬رؤ ية الع ين‪ ,‬كأ نه أراد‪:‬‬
‫أح سن متا عا ومَرآة‪ .‬وحُ كي عن بعض هم أ نه قرأ‪« :‬أح سن أثا ثا وز يا»‪ ,‬ب ـالزاي‪ ,‬كأ نه أراد‬
‫الزيـ هـو الهيئة والــمنظر مـن قولهـم‪ :‬زيّــيت‬
‫ّ‬ ‫أحسـن متاعـا وهيئة ومنظرا‪ ,‬وذلك أن‬
‫الـجارية‪ ,‬بـمعنى‪ :‬زينتها وهيأتها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأ أثاثا َو ِرئْيا بـالراء‬
‫واله مز‪ ,‬لجماع ال ـحجة من أ هل التأوي ـل عل ـى أن معناه‪ :‬ال ـمنظر‪ ,‬وذلك هو من رؤ ية‬
‫العين‪ ,‬ل من الروية‪ ,‬فلذلك كان الـمهموز أولـى به‪ ,‬فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز‪ ,‬وهو‬
‫ير يد هذا ال ـمعنى‪ ,‬فغ ير مخطىء ف ـي قراء ته‪ .‬وأ ما قراء ته ب ـالزاي فقراءة خار جة‪ ,‬عن‬
‫قراءة القرّاء‪ ,‬فل أ ستـجيز القراءة ب ها ل ـخلفها قراءت هم‪ ,‬وإن كان ل هم ف ـي التأوي ـل و جه‬
‫صحيح‪.‬‬
‫واختلف أهل العربـية فـي الثاث أجمع هو أم واحد‪ ,‬فكان الحمر فـيـما ذُكر لـي عنه‬
‫يقول‪ :‬هو ج مع‪ ,‬واحدت ها أثا ثه‪ ,‬ك ما ال ـحمام ج مع واحدت ها حما مة‪ ,‬وال سحاب ج مع واحدت ها‬
‫سحابة‪ .‬وأ ما الفراء فإ نه كان يقول‪ :‬ل وا حد له‪ ,‬ك ما أن ال ـمتاع ل وا حد له‪ .‬قال‪ :‬والعرب‬
‫تـجمع الـمتاع‪ :‬أمتعة‪ ,‬وأماتـيع‪ ,‬ومتع‪ .‬قال‪ :‬ولو جمعت الثاث لقلت‪ :‬ثلثة آّثةٍ وأثث‪ .‬وأما‬
‫الرئي فإن جمعه‪ :‬آراء‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ ِإذَا‬
‫حمَـنُ َمدّا َ‬
‫ن فِي الضّلَلَ ِة فَ ْليَ ْم ُددْ َل هُ ال ّر ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {قُلْ مَن كَا َ‬
‫ض َعفُ جُندا }‪.‬‬
‫شرّ ّمكَانا وََأ ْ‬
‫ن هُ َو َ‬
‫ن ِإمّا ال َعذَابَ وَِإمّا السّاعَ َة َفسَ َيعَْلمُونَ مَ ْ‬
‫عدُو َ‬
‫رَأَوْاْ مَا يُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء الـمشركين‬
‫بربهم‪ ,‬القائلـين‪ :‬إذا تتلـى علـيهم آياتنا‪ ,‬أ يّ الفريقـين منا ومنكم خير مقاما وأحسن نديا‪,‬‬
‫من كان م نا ومن كم ف ـي الضللة جائرا عن طر يق ال ـحقّ‪ .‬سالكا غ ير سبـيـل الهدى‪,‬‬
‫فلــيـمدد له الرحمـن مدّا يقول‪ :‬فلــيطوّل له ال فــي ضللتـه‪ ,‬ولــيـمله فــيها إملء‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18016‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫حمَنُ َمدّا فلـيَدعْه ال‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فِـي الضّللَةِ فَلْـيَـ ْم ُددْ لَ ُه ال ّر ْ‬
‫فـي طغيانه‪.‬‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن إمّا ال َعذَا بَ وإمّا ال سّاعَ َة يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قل ل هم‪:‬‬
‫عدُو َ‬
‫وقوله‪ :‬حت ـى إذَا رَأوْا ما يُو َ‬
‫من كان منا ومنكم فـي الضللة‪ ,‬فلـيـمدد له الرحمن فـي ضللته إلـى أن يأتـيهم أمر‬
‫ال‪ ,‬إما عذاب عا جل‪ ,‬أو ي ـلقوا رب هم ع ند ق ـيام ال ساعة الت ـي وعد ال خ ـلقه أن يجمع هم‬
‫شرّ مَكانا ومسكنا منكم‬
‫ن هُ َو َ‬
‫س َيعْلَـمُونَ َم ْ‬
‫لها‪ ,‬فإنهم إذا أتاهم وعد ال بأحد هذين المرين فَ َ‬
‫جنْدا أهم أم أنتـم؟ ويتبـينون حينئذٍ أيّ الفريقـين خير مقاما‪ ,‬وأحسن نديا‪.‬‬
‫ض َعفُ ُ‬
‫ومنهم وأ ْ‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ْيرٌ عِندَ‬
‫ن ا ْه َتدَواْ ُهدًى وَا ْلبَا ِقيَاتُ الصّاِلحَاتُ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { َو َيزِيدُ اللّ ُه اّلذِي َ‬
‫خيْرٌ ّم َردّا }‪.‬‬
‫ك ثَوَابا َو َ‬
‫َربّ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ويزيد ال من سلك قصد الـمـحجة‪ ,‬واهتدى لسبـيـل الرشد‪ ,‬فآمن‬
‫بر به‪ ,‬و صدّق بآيا ته‪ ,‬فع مل ب ـما أمره به‪ ,‬وانت هى ع ما نهاه ع نه هدى ب ـما يت ـجدّد له من‬
‫اليـمان بـالفرائض التـي يفرضها علـيه‪ .‬ويقرّ بلزوم فرضها إياه‪ ,‬ويعمل بها‪ ,‬فذلك زيادة‬
‫ت سُورَ ٌة فَ ِم ْنهُ مْ مَ نْ‬
‫من ال ف ـي اهتدائه بآيا ته هدى عل ـى هداه‪ ,‬وذلك نظ ير قوله‪ :‬وإذَا ُأنْزِلَ ْ‬
‫ل أ ّيكُم ْـ زَا َدتْهُـ َهذِهِـ إيــمانا فأمّا اّلذِينَـ آ َمنُوا َفزَا َدتْهُم ْـ إيــمَانا وَهُم ْـ يَس ْـَت ْبشِرُونَ‪ .‬وقـد كان‬
‫يَقُو ُ‬
‫بعضهم يتأوّل ذلك‪ :‬ويزيد ال الذين اهتدوا هُدىً بناسخ القرآن ومنسوخه‪ ,‬فـيؤمن بـالناسخ‪,‬‬
‫كما آمن من قبل بـالـمنسوخ‪ ,‬فذلك زيادة هدىً من ال له علـى هُداه من قبل وَالبـاقِـياتُ‬
‫ع ْن َد رَبّ كَ َثوَابـا يقول تعالـى ذكره‪ :‬والعمال التـي أمر ال بها عبـاده‬
‫خ ْيرٌ ِ‬
‫ال صّالـحات َ‬
‫ورضي ها من هم‪ .‬الب ـاقـيات ل هم غ ير الف ـانـيات ال صالـحات‪ ,‬خ ير ع ند ر بك جزاء لهل ها‬
‫خ ْيرٌ َم َردّا عل ـيهم من مقامات هؤلء ال ـمشركين ب ـال‪ ,‬وأنديت هم الت ـي يفت ـخرون ب ها‬
‫َو َ‬
‫علـى أهل اليـمان فـي الدنـيا‪.‬‬
‫وقد بـيّنا معنى البـاقـيات الصالـحات‪ ,‬وذكرنا اختلف الـمختلفـين فـي ذلك‪ ,‬ودللنا‬
‫علـى الصواب من القول فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪18017‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن راشد‪ ,‬عن‬
‫يحيى بن أبـي كثـير عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬قال‪ :‬جلس النبـيّ صلى‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬وَالّل هُ‬
‫ل ل إل هَ إ ّ‬
‫ال عليه وسلم ذات يوم‪ ,‬فأ خذ عودا يابسا‪ ,‬فح طّ ور قه ثم قال‪« :‬إ نّ قَوْ َ‬
‫شجَرَ ِة الرّي حُ‪,‬‬
‫حطّ َورَ قَ َهذِ ِه ال ّ‬
‫سبْحانَ الّل هِ‪ ,‬تَ ـحطّ ال ـخَطايا‪ ,‬كمَا تَ ـ ُ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ وَ ُ‬
‫أ ْكبَرُ‪ ,‬وال ـ َ‬
‫ت ال صّالِـحاتُ‪ ,‬وَهُ نّ ِم نْ‬
‫ل بَـ ْي َنكَ َوبَـ ْي َنهُنّ‪ ,‬هُ نّ البـاقِـيا ُ‬
‫ن يا أبـا ال ّد ْردَاءِ َقبْلَ أ نْ يُحا َ‬
‫خذْهُ ّ‬
‫ُ‬
‫جنّةِ»‪ ,‬قال أبـو سـلـمة‪ :‬فكان أبـو الدرداء إذا ذكـر هذا الــحديث قال‪ :‬لهللنّـ ال‪,‬‬
‫ُكنُوزِ الــ َ‬
‫ولكبرنّ ال‪ ,‬ولسبحنّ ال‪ ,‬حتـى إذا رآنـي الـجاهل حسب أنـي مـجنون‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫و‬ ‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن مَالً َووَلَدا * َأطّلَ عَ‬
‫ت اّلذِي كَ َفرَ بِآيَاتِنَا َوقَالَ لُو َتيَ ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {َأ َفرََأيْ َ‬
‫عهْدا }‪.‬‬
‫حمَـنِ َ‬
‫خذَ عِندَ ال ّر ْ‬
‫ا ْل َغيْبَ َأمِ ا ّت َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬أفَرأيْتَ يا مـحمد اّلذِي كَ َفرَ بآياتِنا‬
‫حججنـا فلــم يصـدّق بهـا‪ ,‬وأنكـر وعيدنـا مـن أهـل الكفـر وَقالَ وهـو بــال كافـر وبرسـوله‬
‫ن فـي الَخرة مالً وَوَلَدا‪ .‬وذُكر أن هذه الَيات أنزلت فـي العاص بن وائل السهمي‬
‫لَوتَ ـي ّ‬
‫أبـي عمرو بن العاص‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 18018‬ـ حدث نا أ بو ال سائب و سعيد بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫مسلـم‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن خبـاب‪ ,‬قال‪ :‬كنت رجلً قَـيْنا‪ ,‬وكان لـي علـى العاص بن وائل‬
‫ديـن‪ ,‬فأتــيته أتقاضاه‪ ,‬فقال‪ :‬وال ل أقضيـك حتــى تكفـر بــمـحمد‪ ,‬فقلت‪ :‬وال ل أكفـر‬
‫ت ثم بُع ثت ك ما تقول‪ ,‬جئتن ـي‬
‫ب ـمـحمد حت ـى ت ـموت ثم تب عث‪ ,‬قال‪ :‬فقال‪ :‬فإذا أ نا م ّ‬
‫ن مالً َووَلَدا‬
‫ول ـي مال وولد‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل ال تعال ـى‪ :‬أفَرأيْ تَ اّلذِي كَ َفرَ بآياتِ نا وَقالَ لَوتَ ـي ّ‬
‫عهْدا‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬و َيأْتـينا فَرْدا‪.‬‬
‫ع ْندَ ال ّرحْمنِ َ‬
‫خذَ ِ‬
‫أطّلَعَ ال َغيْبَ أ ِم اتّـ َ‬
‫حدثنـي به أبو السائب‪ ,‬وقرأ فـي الـحديث‪ :‬وولدا‪.‬‬
‫‪ 18019‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬أن رجالً من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كانوا‬
‫السـ ْه ِميّ بديـن‪ ,‬فأتوه يتقاضونـه‪ ,‬فقال‪ :‬ألسـتـم تزعمون أن فــي‬
‫العاصـ بـن وائل ّ‬
‫َ‬ ‫يطلبون‬
‫الــجنة فضـة وذهبــا وحريرا‪ ,‬ومـن كلّ الثمرات؟ قالوا‪ :‬بلــى‪ ,‬قال‪ :‬فإن موعدكـم الَخرة‪,‬‬
‫ن مالً وولدا‪ ,‬ولوتــينّ مثـل كتابكـم الذي جئتــم بـه‪ ,‬فضرب ال مثله فــي‬
‫فوال لوتــي ّ‬
‫ن مالً‪ ...‬إلـى قوله و َي ْأتِـينا فَرْدا‪.‬‬
‫القرآن‪ ,‬فقال‪ :‬أفَرأيْتَ اّلذِي كَ َفرَ بآياتِنا وَقالَ لَوتَـي ّ‬
‫‪ 18020‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن مالً َووَلَدا قال‪ :‬العاصُ بن وائل يقوله‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬لَوتَـي ّ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18021‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أفَرأيْ تَ‬
‫ن مالً َووَلَدا فذُكر لنا أن رجالً من أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫اّلذِي كَ َفرَ بآياتِنا وَقالَ لَوتَـي ّ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬أتوا رجلً من الـمشركين يتقاضونه دينا‪ ,‬فقال‪ :‬ألـيس يزعم صاحبكم أن فـي‬
‫الــجنة حريرا وذهبــا؟ قالوا‪ :‬بلــى‪ ,‬قال فميعادكـم الــجنة‪ ,‬فوال ل أومـن بكتابكـم الذي‬
‫ع ْندَ‬
‫ب أ مِ اتّ ـخَذَ ِ‬
‫جئت ـم به‪ ,‬ا ستهزاء بكتاب ال‪ ,‬ولُوت ـينّ مالً وولدا‪ .‬يقول ال‪ :‬أطّلَ عَ ال َغيْ َ‬
‫عهْدا؟‬
‫ال ّرحْمَنِ َ‬
‫‪ 18022‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ,‬عن‬
‫لرَ تّ‪ :‬كنت قَـيْنا بـمكة‪,‬‬
‫خبّـاب بن ا َ‬
‫العمش‪ ,‬عن أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬قال َ‬
‫فك نت أع مل للعاص بن وائل‪ ,‬ف ـاجتـمعت ل ـي علـيه دراهم‪ ,‬فجئت لتقاضاه‪ ,‬فقال ل ـي‪:‬‬
‫ل أقض يك حت ـى تك فر ب ـمـحمد‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ل أك فر ب ـمـحمد حت ـى ت ـموت ثم تب عث‪,‬‬
‫قال‪ :‬فإذا بُعثت كان لـي مال وولد‪ ,‬قال‪ :‬فذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل‬
‫ن مالً وَوَلَدا‪ ...‬إل ـى وَي ْأتِ ـيَنا‬
‫ال تب ـارك وتعال ـى‪ :‬أفَرأيْ تَ اّلذِي كَ َفرَ بآياتِ نا وَقالَ لَوتَ ـي ّ‬
‫فَرْدا‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله َووَلدا فقرأ ته عامّة قرّاء ال ـمدينة والب صرة وب عض أ هل‬
‫الكو فة‪ :‬وَوَلَدا بفت ـح الواو من الولد ف ـي كلّ القرآن‪ ,‬غ ير أن أب ـا عمرو بن العلء خَ صّ‬
‫الت ـي ف ـي سورة نوح ب ـالضمّ‪ ,‬فقرأ ها‪ :‬مالُ هُ َووُ ْلدُ هُ‪ .‬وأ ما عامّة قرّاء الكو فة غ ير عا صم‪,‬‬
‫فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله مالً َووَلَدا إلـى آخر السورة‪ ,‬واللتـين فـي الزخرف‪,‬‬
‫والتـي فـي نوح‪ ,‬بـالضمّ وسكون اللم‪.‬‬
‫وقد اختلف أ هل العرب ـية ف ـي مع نى ذلك إذا ض مت واوه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ضمها وفت ـحها‬
‫حزْن والـحَزَن‪ .‬واستشهدوا لقـيـلهم‬
‫واحد‪ ,‬وإنـما هما لغتان‪ ,‬مثل قولهم ال ُعدْم وال َعدَم‪ ,‬والـ ُ‬
‫ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫ت فُلنا كانَ وُ ْل َد حِمارِ‬
‫فَلَـيْتَ فُلنا كانَ فـي َبطْنِ ُأ ّمهِوَلَـيْ َ‬
‫ويقول الـحارث بن حِلّزة‪:‬‬
‫ت مَعاشِرا َقدْ َث ّمرُوا مالً َووُ ْلدَا‬
‫وَلَ َقدْ رأيْ ُ‬
‫وقول رُؤْبة‪:‬‬
‫شيْءٍ وُ ْلدَا‬
‫خذْ مِنْ وُ ْلدِ َ‬
‫حمْد لِلّ ِه ال َعزِيزِ َف ْردَالَـمْ َيتّـ ِ‬
‫الْـ َ‬
‫ك مِن َدمّى عَ ِقبَـ ْيكِ‪ ,‬قال‪ :‬وهذا كله واحد‪ ,‬بـمعنى الولد‪ .‬وقد‬
‫وتقول العرب فـي مثلها‪ :‬وُ ْلدُ ِ‬
‫ذُكـر لــي أن قــيسا تــجعل الوُلْد جمعـا‪ ,‬والوَلد واحدا‪ .‬ولعلّ الذيـن قرأوا ذلك بــالضمّ‬
‫فـيـما اختاروا فـيه الضمّ‪ ,‬إنـما قرأوه كذلك لـيفرقوا بـين الـجمع والواحد‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬والذي هو أول ـى ب ـالصواب من القول ف ـي ذلك عندي أن الفت ـح ف ـي‬
‫والضمـ فــيها بــمعنى واحـد‪ ,‬وهمـا لغتان‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‬
‫ّ‬ ‫الواو مـن الوَلد‬
‫الصواب‪ ,‬غير أن الفتـح أشهر اللغتـين فـيها‪ .‬فـالقراءة به أعجبُ إلـيّ لذلك‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أطّلَ عَ ال َغيْ بَ يقول ع ّز ذكره‪ :‬أعلِـمَ هذا القائل هذا القول علـم الغيب‪ ,‬فعلـم أن له‬
‫عهْدا‬
‫حمَ نِ َ‬
‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫ف ـي الَخرة مالً وولدا ب ـاطلعه عل ـى عل ـم ما غاب ع نه أ ِم اتّ ـخَذَ ِ‬
‫يقول‪ :‬أم آمن بـال وعمل بـما أمر به‪ ,‬وانتهى عما نهاه عنه‪ ,‬فكان له بذلك عند ال عهدا أن‬
‫يؤتـيه ما يقول من الـمال والولد‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ع ْندَ‬
‫خذَ ِ‬
‫‪18023‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أطّلَعَ ال َغيْبَ أمِ اتَـ َ‬
‫عهْدا بعمل صالـح قدّمه‪.‬‬
‫ال ّرحْمَنِ َ‬

‫‪80‬‬ ‫و‬ ‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َن ْكتُبُ مَا يَقُولُ َو َن ُمدّ َل ُه مِ نَ ا ْل َعذَا بِ َمدّا * َو َن ِرثُ هُ مَا‬
‫ل َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى{كَ ّ‬
‫يَقُولُ َو َي ْأتِينَا َفرْدا }‪.‬‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله كل‪ :‬لـيس المر كذلك‪ ,‬ما اطلع الغيب‪ ,‬فعلـم صدق ما يقول‪,‬‬
‫وحقـيقة ما يذكر‪ ,‬ول اتـخذ عند الرحمن عهدا بـاليـمان بـال ورسوله‪ ,‬والعمل بطاعته‪,‬‬
‫س َن ْكتُبُ ما يَقُولُ‪ :‬أي سنكتب ما يقول هذا الكافر بربه‪,‬‬
‫بل كذب وكفر‪ .‬ثم قال تعالـى ذكره‪َ :‬‬
‫ب َمدّا يقول‪ :‬ونزيده من العذاب‬
‫ن ال َعذَا ِ‬
‫القائل لَوت ـيَنّ ف ـي الَخرة مالً َووَلَدا ونَ ـ ُمدّ لَ هُ ِم َ‬
‫فـي جهنـم بقـيـله الكذب والبـاطل فـي الدنـيا‪ ,‬زيادة علـى عذابه بكفره بـال‪.‬‬
‫ن فــي الَخرة مالً‬
‫ُهـ مـا َيقُولُ يقول ع ّز ذكره‪ :‬ونسـلب هذا القائل‪ :‬لوتــي ّ‬
‫وقوله‪َ :‬و َن ِرث ُ‬
‫وولدا‪ ,‬ماله وولده‪ ,‬وي صير ل نا ماله وولده دو نه‪ ,‬ويأت ـينا هو يوم الق ـيامة فردا‪ ,‬وحدَه ل مال‬
‫معه ول ولد‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18024‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬ونَ ِرثُ ُه ما يَقُولُ‪ :‬ماله وولده‪ ,‬وذلك الذي قال العاصي بن وائل‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18025‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َن ِرثُ هُ ما َيقُولُ‬
‫و َي ْأتِـينا َفرْدا‪ :‬ل مال له ول ولد‪.‬‬
‫‪ 18026‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ن مالً َووَلَدا وف ـي حرف ا بن‬
‫ف ـي قوله‪َ :‬ونَرثُ هُ ما يَقُولُ قال‪ :‬ما عنده‪ ,‬و هو قوله لَوتَ ـي ّ‬
‫مسعود‪ :‬ونرثه ما عنده‪.‬‬
‫‪ 18027‬ـ حدثنـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬و َن ِرثُ ُه ما‬
‫ل قال‪ :‬ما جمع من الدنـيا وما عمل فـيها‪ .‬قال و َي ْأتِـينا َفرْدا قال‪ :‬فردا من ذلك‪ ,‬ل يتبعه‬
‫يَقُو ُ‬
‫قلـيـل ول كثـير‪.‬‬
‫‪ 18028‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َن ِرثُهُ ما يَقُولُ‪ :‬نرثه‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫و‬ ‫‪81‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عزّا * كَلّ‬
‫ُمـ ِ‬
‫ّهـ آِل َهةً ّل َيكُونُواْ َله ْ‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫خذُواْ م ِن د ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى {وَا ّت َ‬
‫س َيكْفُرُونَ ِب ِعبَا َد ِتهِمْ َو َيكُونُونَ عََل ْي ِهمْ ضِدّا }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وات ـخذ يا م ـحمد هؤلء ال ـمشركون من قو مك آل هة يعبدون ها من‬
‫دون ال‪ ,‬لتكون هؤلء الَل هة ل هم عزّا‪ ,‬ي ـمنعونهم من عذاب ال‪ ,‬ويت ـخذون عب ـادتهموها‬
‫عند ال زُلْفَـى‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬كَلّ يقول ع ّز ذكره‪ :‬لـيس المر كما ظنوا وأمّلُوا من هذه الَلهة التـي يعبدونها من‬
‫دون ال‪ ,‬فــي أنهـا تنقذهـم مـن عذاب ال‪ ,‬وتنــجيهم منـه‪ ,‬ومـن سـوء إن أراده بهـم ربّهـم‪.‬‬
‫ن ِبعِبـادَ ِت ِهمْ يقول ع ّز ذكره‪ :‬ولكن سيكفر الَلهة فـي الَخرة بعبـادة هؤلء‬
‫س َيكْ ُفرُو َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ال ـمشركين يوم الق ـيامة إيا ها‪ ,‬وكفر هم ب ها ق ـيـلهم لرب هم‪ :‬تبرأ نا إل ـيك ما كانوا إيا نا‬
‫يعبدون‪ ,‬فجحدوا أن يكونوا عبدو هم أو أمرو هم بذلك‪ ,‬و تبرّأوا من هم‪ ,‬وذلك كفر هم بعب ـادتهم‪.‬‬
‫ضدّا فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـي تأوي ـله‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬و َيكُونُو نَ عَلَ ـ ْيهِمْ ِ‬
‫معنى ذلك‪ :‬وتكون آلهتهم علـيهم عونا‪ ,‬وقالوا‪ :‬الضدّ‪ :‬العون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18029‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫ضدّا يقول‪ :‬أعوانا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله َو َيكُونُونَ عَلَـيْ ِهمْ ِ‬
‫‪18030‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد َو َيكُونُونَ عَلَـ ْي ِهمْ ضِدّا قال‪ :‬عونا علـيهم تـخاصمهم وتكذّبهم‪.‬‬
‫‪18031‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫ضدّا قال‪ :‬أوثانهم يوم القـيامة فـي النار‪.‬‬
‫مـجاهد َو َيكُونُونَ عَلَـيْ ِهمْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بـالضدّ فـي هذا الـموضع‪ :‬ال ُقرَناء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18032‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ضدّا يقول‪ :‬يكونون علـيهم قرناء‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َو َيكُونُونَ عَلَـيْ ِهمْ ِ‬
‫‪ 18033‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َيكُونُو نَ عَلَـ ْي ِهمْ‬
‫ضِدّا قرناء فـي النار‪ ,‬يـلعن بعضهم بعضا‪ ,‬ويتبرأ بعضهم من بعض‪.‬‬
‫ضدّا‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي قوله ِ‬
‫قال‪ :‬قرناء فـي النار‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى الضدّ ههنا‪ :‬العدوّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18034‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ضدّا قال‪ :‬أعداء‪.‬‬
‫الضحاك يقول فـي قوله َو َيكُونُونَ عَلَـ ْي ِهمْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى الضدّ فـي هذا الـموضع‪ :‬البلء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18035‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬و َيكُونُو نَ‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ ضِدّا قال‪ :‬يكونون علـيهم بلء‪.‬‬
‫الضدّ‪ :‬البلء‪ ,‬والضدّ فـي كلم العرب‪ :‬هو الـخلف‪ ,‬يقال‪ :‬فلن يضادّ فلنا فـي كذا‪ ,‬إذا‬
‫كان يخال فه ف ـي صنـيعه‪ ,‬ف ـيفسد ما أ صلـحه‪ ,‬وي صلـح ما أف سده‪ ,‬وإذ كان ذلك معناه‪,‬‬
‫وكانت آلهة هؤلء الـمشركين الذين ذكرهم ال فـي هذا الـموضع يتبرّؤون منهم‪ ,‬وينتفعون‬
‫يومئذٍ‪ ,‬صاروا لهم أضدادا‪ ,‬فوصفوا بذلك‪.‬‬
‫وقـد اختلف أهـل العربــية فــي وجـه توحيـد الضدّ‪ ,‬وهـو صـفة لــجماعة‪ .‬فكان بعـض‬
‫نـحويّـي البصرة يقول‪ :‬وحد لنه يكون جماعة‪ ,‬وواحدا مثل الرصد والرصاد‪ .‬قال‪ :‬ويكون‬
‫الرّ صَد أيضا لـجماعة‪ .‬وقال بعض نـحويـي الكوفة وحّد‪ ,‬لن معناه عونا‪ ,‬وذكر أن أبـا‬
‫نهيك كان يقرأ ذلك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18036‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫س َيكْ ُفرُون يعنـي الَلهة كلها أنهم سيكفرون بعبـادتهم‪.‬‬
‫سمعت أبـا نهيك الزدي يقرأ‪ :‬كَلّ َ‬

‫‪84‬‬ ‫و‬ ‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن تَ ُؤزّهُ مْ َأزّا *‬
‫شيَاطِي نَ عَلَى ا ْلكَا ِفرِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {أَلَ مْ َترَ أَنّآ َأرْ سَ ْلنَا ال ّ‬
‫عدّا }‪.‬‬
‫فَلَ َت ْعجَلْ عََل ْي ِهمْ ِإ ّنمَا َن ُعدّ َل ُهمْ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أل ـم تر يا م ـحمد أ نا أر سلنا‬
‫الشياط ين عل ـى أ هل الك فر ب ـال تَوزّهُ مْ يقول‪ :‬ت ـحرّكهم ب ـالغواء والضلل‪ ,‬فتزعج هم‬
‫إلـى معاصي ال‪ ,‬وتغريهم بها حتـى يواقعوها أزّا إزعاجا وإغواء‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18037‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أزّا يقول‪ :‬تغريهم إغراء‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫ض فـي هذا المر‪ ,‬حتـى توقعهم فـي‬
‫عبـاس‪ :‬تؤز الكافرين إغراء فـي الشرك‪ :‬امضِ ام ِ‬
‫النار‪ ,‬امضوا فـي الغيّ امضوا‪.‬‬
‫‪ 18038‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو إدر يس‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬ف ـي قوله‬
‫تَوزّ ُهمْ أزّا قال‪ :‬تغريهم إغراء‪.‬‬
‫‪ 18039‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬تَوزّهُ ْم أزّا قال‪:‬‬
‫تزعجهم إزعاجا فـي معصية ال‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عثمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن بشير‪ ,‬عن قتادة فـي‬
‫قول ال تَوزّ ُهمْ أزّا قال‪ :‬تزعجهم إلـى معاصي ال إزعاجا‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫قوله تَوزّ ُهمْ أزّا قال تزعجهم إزعاجا فـي معاصي ال‪.‬‬
‫‪ 18040‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ألَـمْ َترَ أنّا‬
‫حمَ نِ ُنقَ ـيّضْ لَ هُ‬
‫ع نْ ِذ ْكرِ ال ّر ْ‬
‫ن َيعْ شُ َ‬
‫ن تَوزّهُ مْ أزّا فقرأ‪َ :‬ومَ ْ‬
‫أرْ سَلْنا الشّياطِي نَ عل ـى الكافرِي َ‬
‫ِينـ قال‪ :‬توزّهـم أزّا‪ ,‬قال‪ :‬تشلــيهم إشلءً علــى معاصـي ال تبــارك‬
‫َهـ َقر ٌ‬
‫شيْطانـا َفهُ َو ل ُ‬
‫َ‬
‫وتعالـى‪ ,‬وتغريهم علـيها‪ ,‬كما يغري النسان الَخر علـى الشيء‪.‬‬
‫يقال منـه‪ :‬أ َززْت فلنـا بكذا‪ ,‬إذا أغريتـه بـه أؤزّه أزّا وأزيزا‪ ,‬وسـمعت أزيـز القدر‪ :‬وهـو‬
‫صوت غلـيانها علـى النار ومنه حديث مطرف عن أبـيه‪ ,‬أنه انتهى إلـى النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو يصلـي‪ ,‬ولـجوفه أزيز كأزيز الـمرجل‪.‬‬
‫عدّا يقول عزّ ذكره‪ :‬فل تعجـل علــى هؤلء‬
‫ُمـ َ‬
‫وقوله‪ :‬فَل َت ْعجَلْ عَلَــْي ِهمْ إنّــمَا َن ُعدّ َله ْ‬
‫الكافريـن بطلب العذاب لهـم والهلك‪ ,‬يـا مــحمد إنــما تع ّد لهـم عدّا يقول‪ :‬فإنــما نؤخـر‬
‫إهلك هم ل ـيزدادوا إث ما‪ ,‬ون ـحن نعدّ أعمال هم كل ها ون ـحصيها حت ـى أنف ـاسهم لن ـجازيهم‬
‫علـى جميعها‪ ,‬ولـم نترك تعجيـل هلكهم لـخير أردناه بهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18041‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عدّا يقول‪ :‬أنفـاسهم التـي يتنفسون فـي الدنـيا‪ ,‬فهي معدودة‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـما َت ُعدّ َلهُمْ َ‬
‫كسنهم وآجالهم‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫و‬ ‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَــنِ َوفْدا * َونَسـُوقُ‬
‫ِينـ إِلَى ال ّر ْ‬
‫شرُ ا ْل ُمتّق َ‬
‫حُ‬‫ْمـ َن ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬يَو َ‬
‫ج َه ّنمَ ِورْدا }‪.‬‬
‫ن إَِلىَ َ‬
‫ا ْل ُمجْ ِرمِي َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬يوم ن ـجمع الذ ين اتقوا ف ـي الدن ـيا فخافوا عقا به‪ ,‬ف ـاجتنبوا لذلك‬
‫معاصـيه‪ ,‬وأدّوا فرائضـه إلــى ربهـم َوفْدا يعنــي بــالوفد‪ :‬الركبــان‪ .‬يقال‪ :‬وفدت علــى‬
‫فلن‪ :‬إذا قدمت علـيه‪ ,‬وأوفد القوم وفدا علـى أميرهم‪ ,‬إذا بعثوا من قبلهم بعثا‪ .‬والوفد فـي‬
‫هذا ال ـموضع ب ـمعنى ال ـجمع‪ ,‬ولك نه وا حد‪ ,‬ل نه م صدر واحد هم وا فد‪ ,‬و قد يج مع الو فد‪:‬‬
‫الوفود‪ ,‬كما قال بعض بنـي حنـيفة‪:‬‬
‫ن جِساسِ‬
‫إنّـي لَـمُـمْ َتدِحٌ َفمَا ُهوَ صَا ِنعٌرأسُ الُوفُودِ مُزاحمُ ب َ‬
‫وقد يكون الوفود فـي هذا الـموضع جمع وافد‪ ,‬كما الـجلوس جمع جالس‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18042‬ـ حدثن ـي زكر يا بن يح يى بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن ع بد‬
‫شرُ ال ـ ُمتّقِـينَ‬
‫الرح من بن إ سحاق‪ ,‬عن النعمان بن سعد‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬يوْ مَ نَ ـحْ ُ‬
‫حمَ نِ َوفْدا قال‪ :‬أ ما وال ما يح شر الو فد عل ـى أرجل هم‪ ,‬ول ي ساقون سوقا‪ ,‬ولكن هم‬
‫إل ـى ال ّر ْ‬
‫يؤتون بنوق ل ـم ير ال ـخلئق مثل ها‪ ,‬عل ـيها رِحال الذ هب‪ ,‬وأزمت ها الزبر جد‪ ,‬ف ـيركبون‬
‫علـيها حتـى يضربوا أبواب الـجنة‪.‬‬
‫‪ 18043‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مهدي‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن‬
‫حمَ نِ َوفْدا قال‪:‬‬
‫شرُ ال ـ ُمتّقِـينَ إل ـى ال ّر ْ‬
‫إ سماعيـل‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن أب ـي هريرة َيوْ مَ نَ ـحْ ُ‬
‫علـى البل‪.‬‬
‫‪18044‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫حمَنِ َوفْدا يقول‪ :‬ركبـانا‪.‬‬
‫حشُرُ الـ ُمتّقِـينَ إلـى ال ّر ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ي ْومَ نَـ ْ‬
‫‪18045‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحكم بـن بشيـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو بـن قــيس‬
‫الـملئي‪ ,‬قال‪ :‬إن الـمؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن صورة‪ ,‬وأطيبها ريحا‪ ,‬فـيقول‪:‬‬
‫هل تعرفن ـي؟ ف ـيقول‪ :‬ل إل أن ط يب ري حك وح سّن صورتك‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬كذلك ك نت ف ـي‬
‫الدنـيا أنا عملك الصالـح طالـما ركبتك فـي الدنـيا‪ ,‬فـاركبنـي أنت الـيوم‪ ,‬وتل‪ :‬يَوْ مَ‬
‫حمَنِ َوفْدا‪.‬‬
‫ن إلـى ال ّر ْ‬
‫شرُ الـ ُمتّقِـي َ‬
‫نَـحْ ُ‬
‫‪18046‬ــ حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة إل ـى‬
‫ال ّرحْمَنِ َوفْدا قال‪ :‬وفدا إلـى الـجنة‪.‬‬
‫‪ 18047‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫حمَنِ َوفْدا قال‪ :‬علـى النـجائب‪.‬‬
‫ن إلـى ال ّر ْ‬
‫حشُرُ الـ ُمتّقِـي َ‬
‫يَ ْومَ نَـ ْ‬
‫‪18048‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت سـفـيان‬
‫حمَنِ َوفْدا قال‪ :‬علـى البل النوق‪.‬‬
‫حشُرُ الـ ُمتّقِـينَ إلـى ال ّر ْ‬
‫الثوري يقول‪َ :‬ي ْومَ نَـ ْ‬
‫ج َهنّ ـمَ ِورْدا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ون سوق الكافر ين‬
‫وقوله‪َ :‬ونَ سُوقُ ال ـمُـجْرِمينَ إل ـى َ‬
‫ب ـال الذ ين أجرموا إل ـى جهن ـم عطا شا‪ .‬والوِرد‪ :‬م صدر من قول القائل‪ :‬وردت كذا أرِده‬
‫وِردا‪ ,‬ولذلك لــم يجمـع‪ ,‬وقـد وصـف بـه الــجمع‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك قال أهـل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18049‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا يقول‪ :‬عطاشا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َنسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى َ‬
‫‪ 18050‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مهدي‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن‬
‫ج َهنّــمَ ِورْدا قال‪:‬‬
‫إسـماعيـل‪ ,‬عـن رجـل‪ ,‬عـن أبــي هريرة َونَسـُوقُ الــمُـجْرِمينَ إلــى َ‬
‫عطاشا‪.‬‬
‫‪18051‬ـ حدثنـي يعقوب والفضل بن صبـاح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن عُلَـيّة‪ ,‬عن أبـي‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا قال‪:‬‬
‫رجاء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحسن يقول فـي قوله‪َ :‬ونَ سُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى َ‬
‫عطاشا‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18052‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا قال‪ :‬ظماء إلـى النار‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬إلـى َ‬
‫ن إلــى‬
‫جرِمي َ‬
‫حدث نا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سـعيد‪ ,‬عن قتادة َونَ سُوقُ ال ـمُـ ْ‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا سوقوا إلـيها وهم ظمء عطاش‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 18053‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سفـيان يقول‬
‫ج َهنّـمَ ِورْدا قال‪ :‬عطاشا‪.‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬و َنسُوقُ الـمُـجْرِمينَ إلـى َ‬

‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عهْدا }‪.‬‬
‫حمَـنِ َ‬
‫خذَ عِندَ ال ّر ْ‬
‫ن ا ّت َ‬
‫ل مَ ِ‬
‫عةَ ِإ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬لّ َيمِْلكُونَ الشّفَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ل يـملك هؤلء الكافرون بربهم يا مـحمد‪ ,‬يوم يحشر ال الـمتقـين‬
‫إل ـيه وفدا الشف ـاعة‪ ,‬ح ين يش فع أ هل الي ـمان بعض هم لب عض ع ند ال‪ ,‬ف ـيشفع بعض هم‬
‫عهْدا بـاليـمان به‪ ,‬وتصديق رسوله‪,‬‬
‫حمَ نِ فـي الدنـيا َ‬
‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫خذَ منهم ِ‬
‫لبعض إلّ مَ نِ اتّـ َ‬
‫والقرار بـما جاء به‪ ,‬والعمل بـما أمر به‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 18054‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عهْدا قال‪ :‬الع هد‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ,‬وي تبرأ‬
‫حمَ نِ َ‬
‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫خذَ ِ‬
‫ن اتّ ـ َ‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إلّ َم ِ‬
‫إلـى ال من الـحول والقوّة ول يرجو إل ال‪.‬‬
‫‪ 18055‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جُرَ يج‪ ,‬قوله‪ :‬ل‬
‫عهْدا قال‪ :‬ال ـمؤمنون يومئذ بعض هم لب عض‬
‫حمَ نِ َ‬
‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫خذَ ِ‬
‫ن اتّ ـ َ‬
‫ل مَ ِ‬
‫ن الشّف ـاعةَ إ ّ‬
‫يَ ـمِْلكُو َ‬
‫ل صالـحا‪.‬‬
‫عهْدا قال‪ :‬عم ً‬
‫ع ْن َد ال ّرحْمَنِ َ‬
‫خذَ ِ‬
‫ل مَنِ اتّـ َ‬
‫شفعاء إ ّ‬
‫‪18056‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ل يَــمْلِكُونَ‬
‫َعـ‬
‫عهْدا‪ :‬أي بطاعتـه‪ ,‬وقال فــي آيـة أخرى‪ :‬ل َتنْف ُ‬
‫َنـ َ‬
‫حم ِ‬‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫َنـ اتّــخَذَ ِ‬
‫الشّفــاعَ َة إلّ م ِ‬
‫ل لــيعلـموا أن ال يوم القــيامة يشفـع‬
‫ل مَن ْـ أذِن َـ لَهُـ ال ّرحْمَنُـ َورَضـي لَهُـ قَ ْو ً‬
‫عةُ إ ّ‬
‫الشّفــا َ‬
‫الـمؤمنـين بعضهم فـي بعض‪ ,‬ذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول‪« :‬إ نّ‬
‫ن بنـي تـمِيـمِ»‪ ,‬وكنّا نـحدّث‬
‫جنّةَ أ ْك َثرَ ِم ْ‬
‫عتِ ِه الـ َ‬
‫ن اللّهُ ِبشَفـا َ‬
‫فِـي ُأ ّمتِـي َرجُلً لَـ ُي ْدخِـلَ ّ‬
‫أن «الشهيد يشفع فـي سبعين من أهل بـيته»‪.‬‬
‫‪18057‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبـي الـملـيح‪ ,‬عن‬
‫ت مِ نْ‬
‫عتِـي لِ ـمَنْ ما َ‬
‫عوف بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إ نّ شفَ ـا َ‬
‫شيْئا»‪.‬‬
‫ُأ ّمتِـي ل ُيشْ ِركُ بـاللّ ِه َ‬
‫ن فـي موضع نصب علـى الستثناء‪ ,‬ول يكون خفضا بضمير‬
‫ل مَ ْ‬
‫و «مَن» فـي قوله‪ :‬إ ّ‬
‫اللم‪ ,‬ولكن قد يكون نصبـا فـي الكلم فـي غير هذا الـموضع‪ ,‬وذلك كقول القائل‪ :‬أردت‬
‫ال ـمرور ال ـيوم إل العدوّ‪ ,‬فإن ـي ل أ مر به‪ ,‬ف ـيستثنى العدوُ من ال ـمعنى‪ ,‬ول ـيس ذلك‬
‫عهْدا لن معنى الكلم‪ :‬ل‬
‫حمَنِ َ‬
‫ع ْندَ ال ّر ْ‬
‫ن اتّـخَذَ ِ‬
‫ن الشّفـاعَ َة إلّ مَ ِ‬
‫كذلك فـي قوله‪ :‬ل يَـمِْلكُو َ‬
‫ي ـملك هؤلء الكف ـار إل من آ من ب ـال‪ ,‬ف ـالـمؤمنون ل ـيسوا من أعداد الكافر ين‪ ,‬و من‬
‫نصـبه علــى أن معناه إل لــمن اتــخذ عنـد الرحمـن عهدا‪ ,‬فإنـه ينبغـي أن يجعـل قوله ل‬
‫ي ـملكون الشف ـاعة لل ـمتقـين‪ ,‬ف ـيكون مع نى الكلم حينئذ يوم ن ـحشر ال ـمتقـين إل ـى‬
‫الرح من وفدا‪ ,‬ل ي ـملكون الشف ـاعة‪ ,‬إل من ات ـخذ ع ند الرح من عهدا‪ .‬ف ـيكون معناه ع ند‬
‫ذلك‪ :‬إل ل ـمن ات ـخذ ع ند الرح من عهدا‪ .‬فأ ما إذا ج عل ل ي ـملكون الشف ـاعة خبرا عن‬
‫الــمـجرمين‪ ,‬فإن «مـن» تكون حينئذ نصـبـا علــى أنـه اسـتثناء منقطـع‪ ,‬فــيكون معنـى‬
‫الكلم‪ :‬ل يـملكون الشفـاعة‪ ,‬لكن من اتـخذ عند الرحمن عهدا يـملكه‪.‬‬

‫‪90- 88‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْئا ِإدّا * َتكَادُ‬
‫ج ْئتُ مْ َ‬
‫حمَـنُ وَلَدا * لَ َق ْد ِ‬
‫خذَ ال ّر ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُواْ ا ّت َ‬
‫جبَالُ َهدّا }‪.‬‬
‫خرّ ا ْل ِ‬
‫شقّ الرْضُ َو َت ِ‬
‫طرْنَ ِم ْنهُ َوتَن َ‬
‫سمَاوَاتُ َيتَ َف ّ‬
‫ال ّ‬
‫شيْئا إدّا‬
‫ج ْئتُ ـمْ َ‬
‫حمَ نُ وَلَدا لَ َق ْد ِ‬
‫خذَ ال ّر ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وقال هؤلء الكافرون ب ـال اتّ ـ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره للقائلـين ذلك من خـلقه‪ :‬لقد جئتـم أيها الناس شيئا عظيـما من القول‬
‫منكرا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18058‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل عظيـما‪.‬‬
‫شيْئا إدّا يقول‪ :‬قو ً‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫شيْئا إدّا يقول‪ :‬لقـد جئتــم شيئا عظيــما وهـو‬
‫ج ْئتُــمْ َ‬
‫أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس قوله‪ :‬لَ َق ْد ِ‬
‫الـمنكر من القول‪.‬‬
‫‪ 18059‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‪,‬‬
‫شيْئا‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله َ‬
‫إدّا قال‪ :‬عظيـما‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18060‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫شيْئا إدّا قال‪ :‬عظيـما‪.‬‬
‫فـي قوله َ‬
‫ج ْئتُـمْ‬
‫‪ 18061‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن زيد فـي قوله‪ :‬لَ َق ْد ِ‬
‫شيْئا إدّا قال‪ :‬جئتـم شيئا كبـيرا من المر حين دعوا للرحمن ولدا‪.‬‬
‫َ‬
‫وفــي الدّ لغات ثلث‪ ,‬يقال‪ :‬لقـد جئت شيئا إدّا‪ ,‬بكسـر اللف‪ ,‬وأدّا بفتــح اللف‪ ,‬ومدّهـا‪,‬‬
‫عل ـى مثال مادّ ف ـاعل‪ .‬وقرأ قرّاء الم صار‪ ,‬وب ها نقرأ‪ ,‬و قد ذ كر عن أب ـي ع بد الرح من‬
‫ال سلـمي أ نه قرأ ذلك بفت ـح اللف‪ ,‬ول أرى قراء ته كذلك ل ـخلفها قراءة قرّاء الم صار‪,‬‬
‫والعرب تقول لكلّ أمر عظيـم‪ :‬إدّ‪ ,‬وإمر‪ ,‬ونكر ومنه قوله الراجز‪:‬‬
‫عدَاءُ ِمنّـي ُنكْرَادَا ِهيَ ٌة دَهْياءَ إدّا إمْرا‬
‫َقدْ لَقِـيَ ال ْ‬
‫ومنه قول الَخر‪:‬‬
‫حثْلِ إدا‬
‫فِـي َلهَثٍ ِمنْ ُه َو َ‬
‫طرْ نَ ِمنْ هُ يقول تعالــى ذكره‪ :‬تكاد السـموات يتشّقْ قن قطعـا من‬
‫سمَوَاتُ َيتَ َف ّ‬
‫وقوله‪َ :‬تكَادُ ال ّ‬
‫حمَ نُ وَلَدا‪ ,‬ومنه قـيـل‪َ :‬فطَر نابُه‪ :‬إذا انش قّ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫قـيـلهم‪ :‬اتّـخَذَ ال ّر ْ‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18062‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عوْا‬
‫ن دَ ُ‬
‫ل َهدّا أ ْ‬
‫خرّ ال ـجِبـا ُ‬
‫طرْ نَ ِمنْ هُ َو َت ْنشَ قّ الرْ ضُ وتَ ـ ِ‬
‫ت َيتَ َف ّ‬
‫سمَوَا ُ‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬تكَادُ ال ّ‬
‫لل ّرحْمَنِ وَلَدا قال‪ :‬إن الشرك فزعت منه السموات والرض والـجبـال‪ ,‬وجميع الـخلئق إل‬
‫الثقل ـين‪ ,‬وكادت أن تزول م نه لعظ مة ال‪ ,‬وك ما ل ين فع مع الشرك إح سان ال ـمشرك‪ ,‬كذلك‬
‫نر جو أن يغ فر ال ذنوب ال ـموحّدين‪ .‬وقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ« :‬ل ّقنُوا َموْتاكُ مْ‬
‫ت لَ ُه الـجَنّةُ» قالُوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬فمن قالها‬
‫جبَ ْ‬
‫ع ْندَ َم ْوتِهِ َو َ‬
‫ل اللّهُ‪َ ,‬فمَنْ قَالَها ِ‬
‫ن ل إلهَ إ ّ‬
‫شَهادَ َة أ ْ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫فـي صحته؟ قال‪« :‬تل كَ أ ْوجَ بُ وأ ْوجَ بُ»‪ .‬ثم قال‪« :‬وَاّلذِي نَفْ سِي بـ َيدِهِ َلوْ جِي َء بـال ّ‬
‫ضعَ تْ‬
‫ح َتهُنّ‪ ,‬فَ ُوضِعْ نَ ف ـي كِ ّفةِ ال ـمِيزَانِ‪َ ,‬و ُو ِ‬
‫وال َرضِي نَ وَ ما ف ـيهِنّ وَ ما بَ ـيْ َنهُنّ وَ ما تَ ـ ْ‬
‫جحَتْ ِبهِنّ»‪.‬‬
‫خرَى‪َ ,‬ل َر َ‬
‫لْ‬‫ل اللّ ُه فِـي الكِ ّفةِ ا ُ‬
‫ن ل إلهَ إ ّ‬
‫شَهادَةُ أ ْ‬
‫جرَيـج‪ ,‬عـن‬
‫‪18063‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن ُ‬
‫خرّ الـجِبـالُ َهدّا ذُكر لنا أن كعبـا‬
‫ن ِمنْهُ َو َت ْنشَقّ الرْضُ وتَـ ِ‬
‫ت َيتَ َفطّرْ َ‬
‫سمَوَا ُ‬
‫مـجاهد َتكَادُ ال ّ‬
‫كان يقول‪ :‬غضبت الـملئكة‪ ,‬واستعرت جهنـم‪ ,‬حين قالوا ما قالوا‪.‬‬
‫خرّ ال ـجبـالُ‬
‫وقوله‪َ :‬و َت ْنشَ قّ الرْ ضُ يقول‪ :‬وتكاد الرض تنش قّ‪ ,‬فتن صدع من ذلك وتَ ـ ِ‬
‫َهدّا يقول‪ :‬وتكاد الـجبـال يسقط بعضها علـى بعض سقوطا‪ .‬والهدّ‪ :‬السقوط‪ ,‬وهو مصدر‬
‫هددت‪ ,‬فأنا أهدّ هدّا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18064‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وتَـخِرّ الـجِبـالُ َهدّا يقول‪ :‬هدما‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جُريـج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫عبـاس‪ :‬وتَـخِرّ الـجِبـالُ َهدّا قال‪ :‬الهدّ‪ :‬النقضاض‪.‬‬
‫‪ 18065‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وتَ ـخِرّ‬
‫الــجِبـالُ َهدّا قال‪ :‬غضبــا ل‪ .‬قال‪ :‬ولقـد دعـا هؤلء الذيـن جعلوا ل هذا الذي غضبـت‬
‫ال سموات والرض وال ـجبـال من قول هم‪ ,‬ل قد ا ستتابهم ودعا هم إل ـى التو بة‪ ,‬فقال‪ :‬لَ َقدْ كَ َفرَ‬
‫ن إله إلّ إل هٌ‬
‫ن اللّهَ ثالِثُ ثَلثَ ٍة قالوا‪ :‬هو وصاحبته وابنه‪ ,‬جعلوها إلهين معه وَما مِ ْ‬
‫ن قالُوا إ ّ‬
‫اّلذِي َ‬
‫س َتغْ ِف ُرنَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحيـمٌ‪.‬‬
‫حدٌ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬و َي ْ‬
‫وَا ِ‬

‫‪93‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪91‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَن‬
‫حمَــنِ وَلَدا * وَمَا يَنبَغِي لِل ّرحْمَــ ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬أَن دَعَوْا لِل ّر ْ‬
‫عبْدا }‪.‬‬
‫حمَـنِ َ‬
‫ل آتِي ال ّر ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْضِ ِإ ّ‬
‫َي ّتخِذَ وَلَدا * إِن كُلّ مَن فِي ال ّ‬
‫لنـ دَعَوا للرحمـن ولدا‪ .‬ف‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وتكاد الــجبـال أن تــخ ّر انقضاضـا‪ْ ,‬‬
‫«أن» ف ـي مو ضع ن صب ف ـي قول ب عض أ هل العرب ـية‪ ,‬لت صالها ب ـالفعل‪ ,‬وف ـي قول‬
‫غيره ف ـي مو ضع خ فض بضم ير ال ـخافض وقد ب ـيّنا ال صواب من القول ف ـي ذلك ف ـي‬
‫غير موضع من كتابنا هذا بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫حمَنِ وَلَدا يعنـي بقوله‪ :‬أنْ َدعَوْا‪ :‬أن جعلوا له ولدا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن دَعَوْا لل ّر ْ‬
‫وقال‪ :‬أ ْ‬
‫ص ْدرِ‬
‫جدْ ُه ب َغيْبٍ غيرَ ُم ْن َتصِحِ ال ّ‬
‫ن َت ِغ ْبتَـ ِ‬
‫ن َتدْعُو َنصِيحا وَإ ْ‬
‫أل رُبّ مَ ْ‬
‫وقال ابن أحمر‪:‬‬
‫ش ْبرَقَهاوكنتُ أدْعُو قَذَاها الث ِمدَ ال َق ِردَا‬
‫حشْرا فَ َ‬
‫أ ْهوَى َلهَا ِمشْقَصا َ‬
‫خذَ وَلَدا يقول‪ :‬وما يصلـح ل أن يتـخذ ولدا‪ ,‬لنه لـيس‬
‫حمَنِ أنْ َيتّـ ِ‬
‫وقوله‪ :‬وَما َي ْنبَغِي لل ّر ْ‬
‫كال ـخـلق الذ ين تغلب هم الشهوات‪ ,‬وتضطر هم اللذّات إل ـى جماع الناث‪ ,‬ول ولد يحدث إل‬
‫من أنثى‪ ,‬وال يتعالـى عن أن يكون كخـلقه‪ ,‬وذلك كقول ابن أحمر‪:‬‬
‫جبَلُ‬
‫سهْلٌ وَل َ‬
‫شرِفَةٍما ينبغي دُونَها َ‬
‫عنْقاءَ ُم ْ‬
‫فِـي رأسِ خَـلْقاءَ ِمنْ َ‬
‫يعنـي‪ :‬ل يصلـح ول يكون‪.‬‬
‫عبْدا يقول‪ :‬مـا جميـع مـن فــي‬
‫حمَنِـ َ‬
‫ل آتــى ال ّر ْ‬
‫إن ْـ كُلّ مَن ْـ فِــي السّـمَوَاتِ والرْضِـ إ ّ‬
‫عبْدا‬
‫حمَ نِ َ‬
‫ن إلّ آت ـى ال ّر ْ‬
‫ال سموات من ال ـملئكة‪ ,‬وف ـي الرض من الب شر وال نس وال ـج ّ‬
‫يقول‪ :‬إل يأتــي ربـه يوم القــيامة عبدا له‪ ,‬ذلــيلً خاضعـا‪ ,‬مقرّا له بــالعبودية‪ ,‬ل نسـب‬
‫حمَنِ إنـما هو فـاعل من أتـيته‪ ,‬فأنا آتـيه‪.‬‬
‫بـينه وبـينه‪ .‬وقوله‪ :‬آتـى ال ّر ْ‬

‫‪95‬‬ ‫و‬ ‫‪94‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ْمـ الْ ِقيَامَةِ‬
‫ِيهـ َيو َ‬
‫ُمـ آت ِ‬
‫عدّا * َوكُّله ْ‬
‫ُمـ َ‬
‫عدّه ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬لّ َقدْ َأحْصـَا ُهمْ َو َ‬
‫فَرْدا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬لقد أحصى الرحمن خـلقه كلهم‪ ,‬وعدّهم عدا‪ ,‬فل يخفـى علـيه مبلغ‬
‫جميعهـم‪ ,‬وعرف عددهـم‪ ,‬فل يعزب عنـه منهـم أحـد وكُّلهُم ْـ آتِــيهِ َيوْم َـ القِــيامَةِ َفرْدا يقول‪:‬‬
‫وجم يع خ ـلقه سوف يرد عل ـيه يوم تقوم ال ساعة وحيدا ل نا صر له من ال‪ ,‬ول دا فع ع نه‪,‬‬
‫فـيقضي ال فـيه ما هو قاض‪ ,‬ويصنع به ما هو صانع‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫و‬ ‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَـنُ‬
‫جعَلُ َلهُ مُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫عمِلُواْ ال صّاِلحَاتِ َ‬
‫ن اّلذِي نَ آ َمنُواْ وَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬إِ ّ‬
‫ُودّا * َفِإ ّنمَا َيسّ ْرنَاهُ بَِلسَا ِنكَ ِل ُت َبشّرَ ِبهِ ا ْل ُمتّقِينَ َو ُت ْنذِرَ ِبهِ قَوْما ّلدّا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن الذ ين آمنوا بـال ور سوله‪ ,‬وصدّقوا ب ـما جاءهم من ع ند رب هم‪,‬‬
‫فعملوا به‪ ,‬فأحلوا حلله‪ ,‬وحرّموا حرامه سيجعلُ له مُ الرحم نُ ودا فـي الدنـيا‪ ,‬فـي صدور‬
‫عبـاده الـمؤمنـين‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18066‬ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن مسلـم الـملئي‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬مـحبة الناس فـي الدنـيا‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬حبـا‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫سيَ ْ‬
‫فـي قوله‪َ :‬‬
‫‪ 18067‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حمَ نُ ُودّا قال‪ :‬الو ّد من الـمسلـمين فـي‬
‫جعَلُ َلهُ مُ ال ّر ْ‬
‫سيَ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫الدنـيا‪ ,‬والرزق الـحسن‪ .‬واللسان الصادق‪.‬‬
‫‪18068‬ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن عبـيد الـ ُم ْكتِبِ‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬مـحبة فـي الـمسلـمين فـي الدنـيا‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫فـي قوله َ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن القا سم بن أب ـي بزّة‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬يحبهم ويحببهم إلـى خـلقه‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫سيَ ْ‬
‫فـي قوله‪َ :‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫جعَلُ‬
‫س َي ْ‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد َ‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬يحبهم ويحببهم إلـى الـمؤمنـين‪.‬‬
‫َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن هاشم‪ ,‬عن أبـي لـيـلـى‪ ,‬عن‬
‫الـحكم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬يحبهم ويحببهم‪.‬‬
‫‪ 18069‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي‬
‫حمَ نُ ُودّا قال‪ :‬ما أقبل عبد ال إل أقبل ال بقلوب العبـاد إلـيه‪ ,‬وزاده‬
‫جعَلُ َلهُ مُ ال ّر ْ‬
‫سيَ ْ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫من عنده‪.‬‬
‫عمِلُوا‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫حمَنُ ُودّا‪ :‬إي وال فـي قلوب أهل اليـمان‪ .‬ذُكر لنا أن َهرِم بن‬
‫جعَلُ َلهُمُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫الصّالِـحاتِ َ‬
‫حيان كان يقول‪ :‬ما أقبل ع بد بقل به إلـى ال‪ ,‬إل أقبل ال بقلوب ال ـمؤمنـين إل ـيه‪ ,‬حت ـى‬
‫يرزقه مودّتهم ورحمتهم‪.‬‬
‫‪18070‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬أن عثمان بن عفـان كان‬
‫يقول‪ :‬ما من الناس عبد يعمل خيرا ول يعمل شرّا‪ ,‬إل كساه ال رداء عمله‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن الثوريّ‪ ,‬عن مسلـم‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫حمَنُ ُودّا قال‪ :‬مـحبة‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫وذُكر أن هذه الَية نزلت فـي عبد الرحمن بن عوف‪.‬‬
‫‪ 18071‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن سعيد الواسطيّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يعقوب بن مـحمد‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عمران‪ ,‬عن عبد ال بن عثمان بن أبـي سلـيـمان بن جُبـير بن‬
‫مطعم‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن أمه أ ّم إبراهيـم ابنة أبـي عبـيدة بن عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬عن‬
‫أبـيها‪ ,‬عن عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬أنه لـما هاجر إلـى الـمدينة‪ ,‬وجَد فـي نفسه علـى‬
‫فراق أصحابه بـمكة‪ ,‬منهم شيبة بن ربـيعة‪ ,‬وعتبة بن ربـيعة‪ ,‬وأميّة بن خـلف‪ ,‬فأنزل ال‬
‫حمَنُ ُودّا‪.‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬
‫س َي ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ َ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫تعالـى‪ :‬إنّ اّلذِي َ‬
‫سرْناهُ بِلِ سا ِنكَ ِل ُتبَشّر ِب هِ ال ـ ُمتّقِـينَ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فإنّ ـما ي سّرنا يا‬
‫وقوله‪ :‬فإنّ ـما يَ ّ‬
‫م ـحمد هذا القرآن بل سانك تقرؤه‪ ,‬لتب شر به ال ـمتقـين الذ ين اتقوا عقاب ال‪ ,‬بأداء فرائ ضه‪,‬‬
‫واجتناب معا صبه‪ ,‬ب ـالـجنة‪َ .‬و ُت ْنذِرَ ِب ِه قَوْ ما ُلدّا يقول‪ :‬ولتنذر بهذا القرآن عذاب اللّه قوم كَ‬
‫مـن قريـش‪ ,‬فإنهـم أهـل لَددَ وجدل بــالبـاطل‪ ,‬ل يقبلون الــحقّ‪ .‬والّلدّ‪ :‬شدّة الــخصومة‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18072‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ُ :‬لدّا قال‪ :‬ل يستقـيـمون‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18073‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َو ُت ْنذِرَ ِبهِ قَوْما ُلدّا يقول‪ :‬لتنذر به قوما ظَلَـمة‪.‬‬
‫‪ 18074‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو ُت ْن ِذرَ بِ هِ قَوْ ما ُلدّا‪ :‬أي‬
‫جدالً بـالبـاطل‪ ,‬ذوي لَددَ وخصومة‪.‬‬
‫‪ 18075‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا م ـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن لـيث‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬و ُت ْنذِ َر بِهِ قَوْما ُلدّا قال‪ُ :‬فجّارا‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله قَوْما ُلدّا‬
‫قال‪ :‬جدالً بـالبـاطل‪.‬‬
‫‪ 18076‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬و ُتنْ ِذرَ بِ هِ‬
‫قَوْما ُلدّا قال‪ :‬اللدّ‪ :‬الظلوم‪ ,‬وقرأ قول ال‪ :‬وَ ُه َو أَلدّ الـخِصَامِ‪.‬‬
‫‪ 18077‬ـ حدث نا أ بو صالـح الضرار يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا العلء بن ع بد ال ـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫مهدي بن مي ـمون‪ ,‬عن الـحسن فـي قول ال عزّ وجلّ‪َ :‬و ُت ْنذِرَ ِب ِه قَوْما ُلدّا قال‪ :‬صْما عن‬
‫الـحقّ‪,‬‬
‫حدثنـي ابن سنان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن هارون‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقد بـيّنا معنى اللدّ فـيـما مضى بشواهده‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدٍ أَوْ‬
‫ن َأ َ‬
‫ن هَلْ ُتحِ سّ ِم ْنهُ مْ ّم ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬وكَ مْ أَهَْلكْنَا َقبَْلهُ مْ مّن َقرْ ٍ‬
‫سمَعُ َل ُهمْ ِركْزا }‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكث ـيرا أهلك نا يا م ـحمد ق بل قو مك من مشر كي قر يش‪ ,‬من قرن‪,‬‬
‫يعنـي من جماعة من الناس‪ ,‬إذا سلكوا فـي خلفـي وركوب معاصيّ مسلكهم‪ ,‬هل تـحس‬
‫سمَعُ َلهُ مْ ِركْزا‬
‫منهم من أحد‪ :‬يقول‪ :‬فهل تـحسّ أنت منهم أحدا يا مـحمد‪ ,‬فتراه وتعاينه أوْ تَ ْ‬
‫يقول‪ :‬أو تسمع لهم صوتا‪ ,‬بل بـادوا وهلكوا‪ ,‬وخَـلَت منهم دورهم‪ ,‬وأوحشت منهم منازلهم‪,‬‬
‫وصـاروا إلــى دار ل ينفعهـم فــيها إل صـالـح مـن عمـل قدّموه‪ ,‬فكذلك قومـك هؤلء‪,‬‬
‫صائرون إلـى ما صار إلـيه أولئك‪ ,‬إن لـم يُعاجلوا التوبة قبل الهلك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18078‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْو َتسْمَعُ َل ُه ْم رِكْزا قال‪ :‬صوتا‪.‬‬
‫‪ 18079‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزّاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫حدٍ أ ْو َتسْمَعُ َل ُه ْم رِكْزا؟ قال‪ :‬هل ترى عينا‪ ,‬أو تسمع صوتا‪.‬‬
‫ل تُـحِسّ ِم ْنهُمْ ِمنْ أ َ‬
‫قوله‪ :‬هَ ْ‬
‫حدٍ أوْ‬
‫ل تُ ـحِسّ ِم ْنهُ مْ أ َ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬هَ ْ‬
‫سمَعُ َل ُهمْ ِركْزا؟ يقول‪ :‬هل تسمع من صوت‪ ,‬أو ترى من عين؟‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫‪ 18080‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سمَعُ َل ُهمْ ِركْزا يعنـي‪ :‬صوتا‪.‬‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أوْ َت ْ‬
‫حدث نا أ بو ك يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمَعُ َلهُ مْ‬
‫حدٍ أوْ تَ ْ‬
‫س ِم ْنهُ مْ مِ نْ أ َ‬
‫ِركْز الناس‪ :‬أصواتهم‪ .‬قال أبو كريب‪ :‬قال سفـيان‪َ :‬هلْ تُـحِ ّ‬
‫ِركْزا؟‪.‬‬
‫‪ 18081‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬هَلْ تُـحِسّ‬
‫حسّا‪ .‬قال‪ :‬والركز‪ :‬الـحس‪.‬‬
‫حدٍ أ ْو َتسْمَعُ َل ُه ْم رِكْزا قال‪ :‬أو تسمَع لهم ِ‬
‫ِم ْنهُمْ ِمنْ أ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والركز فـي كلم العرب‪ :‬الصوت الـخفـيّ‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ب والنِـيسُ سقَامُها‬
‫غيْ ٍ‬
‫ظ ْهرِ َ‬
‫عنْ َ‬
‫َ‬ ‫جسَتْ ِذ ْكرَ النِـيسِ فَراعَها‬
‫َفتَ َو ّ‬

‫سورة طه‬
‫سُورَة طه مَكيّة‬
‫وآياتها خمسٌ وثلثونَ وَمائة‬
‫بِسمِ الّلهِ الرحمَن ال ّرحِيـمِ‬
‫‪3-1‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫شىَ }‪.‬‬
‫خ َ‬
‫عَليْكَ الْ ُقرْآنَ ِل َتشْ َقىَ * إِ ّل تَذْ ِكرَةً ّلمَن يَ ْ‬
‫{طه * مَآ َأنَزَ ْلنَا َ‬
‫قال أبـو جعفـر مــحمد بـن جريـر‪ :‬اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله‪ :‬طَه َـ فقال‬
‫بعضهم‪ :‬معناه يا رجل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18082‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ت ـميـلة‪ ,‬عن ال ـحسن بن وا قد‪ ,‬عن يز يد‬
‫النـحويّ‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬طه‪ :‬بـالنّبَطية‪ :‬يا رجل‪.‬‬
‫‪ 18083‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬طه ما أ ْنزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآ نَ ِل َتشْقَـى فإن قومه قالوا‪ :‬لقد‬
‫شَقِـي هذا الرجل بربه‪ ,‬فأنزل ال تعالـى ذكره طَهَ يعنـي‪ :‬يا رجل ما أ ْنزَلْنا عَلَـ ْيكَ القُرآنَ‬
‫ِل َتشْقَـى‪.‬‬
‫‪18084‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي عبد ال بن مسلـم‪ ,‬أو يعلـى بن مسلـم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير أ نه قال‪ :‬طه‪ :‬يا‬
‫رجل بـالسريانـية‪.‬‬
‫قال ابن جريج‪ :‬وأخبرنـي زمعة بن صالـح‪ ,‬عن سلـمة بن وهرام‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن‬
‫جرَيج‪ ,‬وقال مـجاهد‪ ,‬ذلك أيضا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬بذلك أيضا‪ .‬قال ابن ُ‬
‫‪ 18085‬ـ حدث نا عمران بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫طهَ قال‪ :‬يا رجل‪ ,‬كلـمه بـالنبطية‪.‬‬
‫عُمارة‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬فـي قوله‬
‫طَهَ قال‪ :‬بـالنبطية‪ :‬يا إنسان‪.‬‬
‫‪ 18086‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن قرة بن خالد‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫فـي قوله طَه قال‪ :‬يا رجل بـالنبطية‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن حُ صَين‪ ,‬عن‬
‫عكرمة فـي قوله طَ َه قال‪ :‬يا رجل‪.‬‬
‫‪ 18087‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله طَ َه قال‪ :‬يا رجل‪,‬‬
‫وهي بـالسريانـية‪.‬‬
‫‪ 18088‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرّزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة والـحسن‬
‫فـي قوله‪ :‬طَهَ قال‪ :‬يا رجل‪.‬‬
‫حُدثـت عـن الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبــا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنـا عبــيد‪ ,‬يعنــي ابـن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله طَ َه قال‪ :‬يا رجل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو اسم من أسماء ال‪ ,‬و َقسَم أقسم ال به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18089‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬طَ َه قال‪ :‬فإنه قسم أقسم ال به‪ ,‬وهو اسم من أسماء ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو حروف هجاء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هـو حروف مقطّعـة يدلّ كلّ حرف منهـا علــى معنـى‪ ,‬واختلفوا فــي ذلك‬
‫اختلفهم فـي الـم‪ ,‬وقد ذكرنا ذلك فـي مواضعه‪ ,‬وبـيّنا ذلك بشواهده‪.‬‬
‫والذي هو أولـى بـالصواب عندي من القوال فـيه‪ :‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬يا رجل‪ ,‬لنها‬
‫ك فـيـما بلغنـي‪ ,‬وأن معناها فـيهم‪ :‬يا رجل‪ ,‬أنشدت لـمتـمـم‬
‫كلـمة معروفة فـي ع َ‬
‫بن نُويرة‪:‬‬
‫ن مُوَائِل‬
‫ن يَكو َ‬
‫ل فَلَـمْ يُجبْ فخِفْتُ عَلَـيْهِ أ ْ‬
‫َهتَ ْفتُ بطَ َه فِـي القِتا ِ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ن‬
‫ك اللّ ُه فِـي ال َق ْومِ الـمَلعِي ِ‬
‫إنّ السّفـاهَ َة طَهَ ِمنْ خَل ِئقِ ُكمْل بـارَ َ‬
‫فإذا كان ذلك معروفــا فــيهم علــى مـا ذكرنـا‪ ,‬فــالواجب أن يوجـه تأويــله إلــى‬
‫ال ـمعروف ف ـيهم من معناه‪ ,‬ول سيـما إذا وا فق ذلك تأوي ـل أ هل العل ـم من ال صحابة‬
‫والتابعين‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم إذن‪ :‬يا رجل ما أنزلنا علـيك القرآن لتشقـى‪ ,‬ما أنزلناه علـيك فنكلفك ما‬
‫ل طاقة لك به من العمل‪ .‬وذُكر أنه قـيـل له ذلك بسبب ما كان يـلقـى من النّصَب والعناء‬
‫والسهر فـي قـيام اللـيـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18090‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سرَ ِمنْ ُه فكانوا‬
‫ن ِل َتشْقَـى قال‪ :‬هي مثل قوله‪ :‬فـا ْقرَءُوا ما تَـ َي ّ‬
‫مـجاهد ما أ ْنزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآ َ‬
‫يعلقون الـحبـال فـي صدورهم فـي الصلة‪.‬‬
‫‪18091‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫سرَ ِمنْ هُ‬
‫ن ِل َتشْقَـى قال‪ :‬فـي الصلة كقوله‪ :‬فـاقْرَءُوا ما تَـ َي ّ‬
‫مـجاهد ما أ ْنزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآ َ‬
‫فكانوا يعلقون الـحبـال بصدورهم فـي الصلة‪.‬‬
‫‪ 18092‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ما أ ْنزَلْنا عَلَـ ْيكَ القُرآ نَ‬
‫ِل َتشْقَـى ل وال ما جعله ال شقـيا‪ ,‬ولكن جعله رحمة ونورا‪ ,‬ودلـيلً إلـى الـجنة‪.‬‬
‫ن َيخْشَى يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما أنزلنا علـيك هذا القرآن إلّ تذكرة‬
‫ل َت ْذكِرَ ًة لِ ـمَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬إ ّ‬
‫لـمن يخشى عقاب ال‪ ,‬فـيتقـيه بأداء فرائض ربه واجتناب مـحارمه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18093‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إلّ َت ْذ ِكرَةً لِ ـمَنْ‬
‫َيخْشَى وإن ال أنزل كت به‪ ,‬وب عث ر سله رح مة ر حم ال ب ها العب ـاد‪ ,‬ل ـيتذكر ذا كر‪ ,‬وينت فع‬
‫رجـل بــما سـمع مـن كتاب ال‪ ,‬وهـو ذكـر له أنزل ال فــيه حلله وحرامـه‪ ,‬فقال‪َ :‬ت ْنزِيلً‬
‫سمَوَاتِ العُلَـى‪.‬‬
‫مِـمّنْ خَـَلقَ الرْضَ وال ّ‬
‫‪ 18094‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬إلّ َت ْذ ِكرَةً‬
‫خشَى قال‪ :‬الذي أنزلناه علـيك تذكرة لـمن يخشى‪.‬‬
‫لِـمَنْ َي ْ‬
‫ل تذكرة‬
‫فمع نى الكلم إذن‪ :‬يا ر جل ما أنزل نا عل ـيك هذا القرآن لتشق ـى به‪ ,‬ما أنزلناه إ ّ‬
‫لـمن يخشى‪.‬‬
‫و قد اختلف أ هل العرب ـية ف ـي و جه ن صب تذكرة‪ ,‬فكان ب عض ن ـحويـي الب صرة يقول‪:‬‬
‫ل تذكرة‪ .‬وكان بعض‬
‫ل من قوله لتشقـى‪ ,‬فجعله‪ :‬ما أنزلنا علـيك القرآن إ ّ‬
‫قال‪ :‬إلّ تذكرة بد ً‬
‫ن ـحويـي الكو فة يقول‪ :‬ن صبت عل ـى قوله‪ :‬ما أنزلناه إلّ تذكرة‪ .‬وكان بعض هم ين كر قول‬
‫القائل‪ :‬نصبت بدلً من قوله ِل َتشْقَـى‪ ,‬ويقول‪ :‬ذلك غير جائز‪ ,‬لن ِل َتشْقَـى فـي الـجحد‪ ,‬و‬
‫إلّ َت ْذ ِكرَةً فـي التـحقـيق‪ ,‬ولكنه تكرير‪ .‬وكان بعضهم يقول‪ :‬معنى الكلم‪ :‬ما أنزلنا علـيك‬
‫القرآن إلّ تذكرة لـمن يخشى‪ ,‬ل لتشقـى‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫و‬ ‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَـنُ‬
‫سمَاوَاتِ ا ْلعُلَى * ال ّر ْ‬
‫ن خَلَق الرْضَ وَال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬تَنزِيلً ّممّ ْ‬
‫ستَ َوىَ }‪.‬‬
‫عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬هذا القرآن تنزي ـل من الر بّ‬
‫الذي خـلق الرض والسموات العلـى‪ .‬والعُلَـى‪ :‬جمع علـيا‪.‬‬
‫واختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله‪َ :‬ت ْنزِيلً فقال بعض نـحويـي البصرة‪ :‬نصب‬
‫ذلك ب ـمعنى‪ :‬نزّل ال ذلك تنزيلً‪ .‬وقال ب عض من أن كر ذلك من ق ـيـله هذا من كلم ين‪,‬‬
‫ولكن الـمعنى‪ :‬هو تنزيـل‪ ,‬ثم أسقط هو‪ ,‬واتصل بـالكلم الذي قبله‪ ,‬فخرج منه‪ ,‬ولـم يكن‬
‫من لفظه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقولن جميعا عندي غير خطأ‪.‬‬
‫ستَوَى يقول تعال ـى ذكره‪ :‬الرح من عل ـى عر شه ارت فع‬
‫حمَ نُ عَل ـى ال َعرْ شِ ا ْ‬
‫وقوله‪ :‬ال ّر ْ‬
‫وعل‪.‬‬
‫وقد بـيّنا معنى الستواء بشواهده فـيـما مضى وذكرنا اختلف الـمختلفـين فـيه فأغنى‬
‫ذلك عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬وللر فع ف ـي الرح من وجهان‪ :‬أحده ما ب ـمعنى قوله‪:‬‬
‫تنزيلً‪ ,‬فـيكون معنى الكلم‪ :‬نزله من خـلق الرض والسموات‪ ,‬نزله الرحمن الذي علـى‬
‫اسـتَوَى لن فــي قوله اسـتوى‪ ,‬ذكرا مـن‬
‫ْشـ ْ‬
‫العرش اسـتوى‪ .‬والَخـر بقوله‪ :‬عَلــى ال َعر ِ‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الرْضِ َومَا َب ْي َن ُهمَا َومَا َتحْتَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬ل ُه مَا فِي ال ّ‬
‫ال ّثرَىَ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ل ما ف ـي ال سموات و ما ف ـي الرض و ما ب ـينهما‪ ,‬و ما ت ـحت‬
‫الثرى‪ ,‬ملكا له‪ ,‬وهو مدبر ذلك كله‪ ,‬ومصرّف جميعه‪ .‬ويعنـي بـالثرى‪ :‬الندى‪ .‬يقال للتراب‬
‫الرطـب الــمبتلّ‪ :‬ثرى منقوص‪ ,‬يقال منـه‪ :‬ثريـت الرض تثرى‪ ,‬ثرى منقوص‪ ,‬والثرى‪:‬‬
‫مصدر‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18095‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَما تَـحْتَ ال ّثرَى‬
‫وال ّثرَى‪ :‬ك ّل شيء مبتلّ‪.‬‬
‫‪ 18096‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وَما تَـحْتَ ال ّثرَى ما حفر من التراب مبتلً‪.‬‬
‫وإنـما عنى بذلك‪ :‬وما تـحت الرضين السبع‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪18097‬ـ حدثنـي مـحمد بن إبراهيـم السلـيـمي الـمعروف بـابن صدران‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن رف ـاعة‪ ,‬عن م ـحمد بن ك عب وَ ما تَ ـحْتَ ال ّثرَى قال‪:‬‬
‫الثرى‪ :‬سبع أرضين‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫و‬ ‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سرّ وََأخْفَى * الّل ُه ل إِلَـهَ‬
‫ل َفِإنّ هُ َيعْلَ مُ ال ّ‬
‫ج َهرْ بِالْقَوْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَإِن َت ْ‬
‫س َنىَ }‪.‬‬
‫حْ‬‫سمَآءُ ا ْل ُ‬
‫ِإلّ ُهوَ َلهُ ال ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإن تـجهر يا مـحمد بـالقول‪ ,‬أو تـخف به‪ ,‬فسواء عند ربك الذي‬
‫سرّ يقول‪ :‬فإ نه ل يخف ـى عل ـيه ما‬
‫له ما ف ـي ال سموات و ما ف ـي الرض فإنّ ُه َيعْلَ ـمُ ال ّ‬
‫استسررته فـي نفسك‪ ,‬فلـم تبده بجوارحك ولـم تتكلـم بلسانك‪ ,‬ولـم تنطق به وأخفـى‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله وأخْفَـى فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬وأخفـى من‬
‫السرّ‪ ,‬قال‪ :‬والذي هو أخفـى من السرّ ما حدّث به الـمرء نفسه ولـم يعمله‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 18098‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫سرّ وأخْفَـى قال‪ :‬السرّ‪ :‬ما عملته أنت وأخفـى‪ :‬ما قذف ال فـي‬
‫عن ابن عبـاس َيعْلَـمُ ال ّ‬
‫قلبك مـما لـم تعمله‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫سرّ وأخْفَ ـى يعن ـي بأخف ـى‪ :‬ما ل ـم يعمله‪ ,‬و هو‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله َيعْلَ ـمُ ال ّ‬
‫عامله وأما السرّ‪ :‬فـيعنـي ما أسرّ فـي نفسه‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫قوله َيعْلَـمُ ال سّر وأخْفَـى قال‪ :‬السرّ‪ :‬ما أسرّ ابن آدم فـي نفسه‪ .‬وأخفـى‪ :‬قال‪ :‬ما أخفـى‬
‫ابن آدم مـما هو فـاعله قبل أن يعمله‪ ,‬فـال يعلـم ذلك‪ ,‬فعلـمه فـيـما مضى من ذلك‪,‬‬
‫وما بقـي علـم واحد‪ ,‬وجميع الـخلئق عنده فـي ذلك كنفس واحدة‪ ,‬وهو قوله‪ :‬ما خَـلْ ُقكُمْ‬
‫حدَةٍ‪.‬‬
‫ل َكنَفْسٍ وَا ِ‬
‫وَل َب ْعثُ ُكمْ إ ّ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬قال سعيد بن‬
‫جُبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬السرّ‪ :‬ما أسرّ النسان فـي نفسه وأخفـى‪ :‬ما ل يعلـم النسان‬
‫مـما هو كائن‪.‬‬
‫‪ 18099‬ـ حدثن ـي زكر يا بن يح يى بن أب ـي زائدة وم ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو‬
‫عاصم‪ ,‬عن عيسى وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن‬
‫السـرّ وأخْفَــى قال‪ :‬أخفــى‪:‬‬
‫ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬فــي قول ال‪َ :‬يعْلَــمُ ّ‬
‫الوسوسة‪ .‬زاد ابن عمرو والـحارث فـي حديثـيهما‪ :‬والسرّ‪ :‬العمل الذي يسرّون من الناس‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‬
‫وأخْفَـى قال‪ :‬الوسوسة‪.‬‬
‫‪ 18100‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الحوص‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬ف ـي قوله َيعْلَ ـمُ‬
‫السّرّ وأخْفَـى قال‪ :‬أخفـى حديث نفسك‪.‬‬
‫‪ 18101‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن الـحسن الشقر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو ُكدَينة‪,‬‬
‫سرّ وأخْفَ ـى قال‪:‬‬
‫عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله َيعْلَ ـمُ ال ّ‬
‫السرّ‪ :‬ما يكون فـي نفسك الـيوم‪ .‬وأخفـى‪ :‬ما يكون فـي غد وبعد غد‪ ,‬ل يعلـمه إلّ ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬وأخفـى من السرّ ما لـم تـحدّث به نفسك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18102‬ـ حدث نا الف ضل بن ال صبـاح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫سرّ وأخْفَ ـى قال‪ :‬ال سرّ‪ :‬ما أ سررت ف ـي نف سك وأخف ـى من‬
‫جُب ـير‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬يعْلَ ـمُ ال ّ‬
‫ذلك‪ :‬ما لـم تـحدّث به نفسك‪.‬‬
‫ل فإنّ هُ‬
‫ج َهرْ بـالقَوْ ِ‬
‫‪18103‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَإ نْ تَـ ْ‬
‫سرّ وأخْفَـى كنا نـحدث أن السرّ ما حدّثت به نفسك‪ ,‬وأن أخفـى من السرّ‪ :‬ما هو‬
‫َيعْلَـمُ ال ّ‬
‫كائن مـما لـم تـحدّث به نفسك‪.‬‬
‫‪ 18104‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـيـمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو هلل‪,‬‬
‫سرّ وأخْفَ ـى قال‪ :‬يعل ـم ما أ سررت ف ـي نف سك‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا أ بو قتادة‪ ,‬قوله ف ـي َيعْلَ ـمُ ال ّ‬
‫وأخفـى‪ :‬ما لـم يكن وهو كائن‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫سرّ وأخْفَـى قال‪ :‬أخفـى من السرّ‪ :‬ما حدّثت به نفسك‪ ,‬وما لـم تـحدث به‬
‫قوله َيعْلَـمُ ال ّ‬
‫نفسك أيضا مـما هو كائن‪.‬‬
‫‪ 18105‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سرّ وأخْفَـى أما السرّ‪ :‬فما أسررت فـي نف سك‪.‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬يعْلَـ ُم ال ّ‬
‫وأما أخفـى من السرّ‪ :‬فما لـم تعمله وأنت عامله‪ ,‬يعلـم ال ذلك كله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬إنه يعلـم سرّ العبـاد‪ ,‬وأخفـى سرّ نفسه‪ ,‬فلـم يطلع علـيه‬
‫أحدا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سرّ‬
‫‪ 18106‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َيعْلَـمُ ال ّ‬
‫وأخْفَـى قال‪ :‬يعلـم أسرار العبـاد‪ ,‬وأخفـى سرّه فل يعلـم‪.‬‬
‫قال أبو جع فر‪ :‬وكأن الذ ين وجّهوا ذلك إلـى أن السرّ هو ما حدّث به الن سان غيره سرّا‪,‬‬
‫وأن أخفــى‪ :‬معناه‪ :‬مـا حدّث بـه نفسـه‪ ,‬وجهوا تأويــل أخفــى إلــى الــخفـيّ‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬قد توضع أفعل موضع الفـاعل‪ ,‬واستشهدوا لقـيـلهم ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫ح ِد‬
‫ق َلسْتُ فِـيها بأ ْو َ‬
‫طرِي ٌ‬
‫ن أمُوتَ وَإنْ أ ُمتْفتلكَ َ‬
‫تَـ َمنّى رِجالٌ أ ْ‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك‪ ,‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬يعل ـم ال سرّ وأخف ـى من ال سرّ‪ ,‬لن‬
‫ذلك هو الظا هر من الكلم ولو كان مع نى ذلك ما تأوّله ا بن ز يد‪ ,‬لكان الكلم‪ :‬وأخف ـى ال‬
‫سرّه‪ ,‬لن أخف ـى‪ :‬ف عل وا قع متعدّ‪ ,‬إذ كان ب ـمعنى ف عل عل ـى ما تأوّله ا بن ز يد‪ ,‬وف ـي‬
‫انفراد أخفـى من مفعوله‪ ,‬والذي يعمل فـيه لو كان بـمعنى فعل الدلـيـل الواضح علـى‬
‫أنه بـمعنى أفعل‪ ,‬وأن تأويـل الكلم‪ :‬فإنه يعلـم السرّ وأخفـى منه‪ .‬فإذ كان ذلك تأويـله‪,‬‬
‫فـالصواب من القول فـي معنى أخفـى من السرّ أن يقال‪ :‬هو ما علـم ال مـما أخفـى‬
‫عن العبـاد‪ ,‬ولـم يعلـموه مـما هو كائن ولـما يكن‪ ,‬لن ما ظهر وكان فغير سرّ‪ ,‬وأن ما‬
‫لـم يكن وهو غير كائن فل شيء‪ ,‬وأن ما لـم يكن وهو كائن فهو أخفـى من السرّ‪ ,‬لن ذلك‬
‫ل ال‪ ,‬ثم من أعل ـمه ذلك من عب ـاده‪ .‬وأ ما قوله تعال ـى ذكره‪ :‬الّل هُ ل إل َه إلّ‬
‫ل يعل ـمه إ ّ‬
‫هُ َو فإنـه يعنــي بـه‪ :‬الــمعبود الذي ل تصـلـح العبــادة إلّ له‪ .‬يقول‪ :‬فإياه فــاعبدوا أيهـا‬
‫ل ثناؤه‪ :‬لـمعبودكم أيها‬
‫حسْنَى يقول ج ّ‬
‫الناس دون ما سواه من الَلهة والوثان لَ ُه ال سْماءُ الـ ُ‬
‫الناس السماء الـحسنى‪ ,‬فقال‪ :‬الـحسنى‪ ,‬فوحّد‪ ,‬وهو نعت للسماء‪ ,‬ولـم يقل الحاسن‪ ,‬لن‬
‫السماء تقع علـيها هذه‪ ,‬فـيقال‪ :‬هذه أسماء‪ ,‬وهذه فـي لفظة واحدة ومنه قول العشى‪:‬‬
‫ت أطْهارِ‬
‫َوسَ ْوفَ ُيعْ ِق ُبنِـيهِ إنْ ظَ ِفرْتُ ِب ِهرَبّ غَفُورٌ َوبِـيضٌ ذا ُ‬
‫فوحد ذات‪ ,‬وهو نعت للبـيض لنه يقع علـيه هذه‪ ,‬كما قال‪ :‬حَدائ قَ ذا تَ بهج ٍة ومنه قوله‬
‫خرَى فوحد أخرى‪ ,‬وهي نعت لـمآرب‪ ,‬والـمآرب‪ :‬جمع‪ ,‬واحدتها‪ :‬مأربة‪,‬‬
‫ب ُأ ْ‬
‫جلّ ثناؤه‪ :‬مآرِ ُ‬
‫ولـم يقل أُخر‪ ,‬لـما وصفنا‪ ,‬ولو قـيـل‪ُ :‬أخَر‪ ,‬لكان صوابـا‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫و‬ ‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِهـ‬
‫ُوسـىَ * ِإذْ رَأَى نَارا فَقَالَ لهْل ِ‬
‫ِيثـ م َ‬
‫حد ُ‬‫َاكـ َ‬
‫ل َأت َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَهَ ْ‬
‫جدُ عَلَى النّارِ ُهدًى }‪.‬‬
‫ت نَارا ّلعَّليَ آتِي ُكمْ ّم ْنهَا بِ َقبَسٍ َأوْ َأ ِ‬
‫ا ْم ُكثُوَاْ ِإّنيَ آ َنسْ ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم م سلـيه ع ما ي ـلقـى من الشدّة‬
‫من مشركي قومه‪ ,‬ومعرفه ما إلـيه صائر أمره وأمرهم‪ ,‬وأنه معلـيه علـيهم‪ ,‬وموهن كيد‬
‫الكافرين‪ ,‬ويحثه علـى الـج ّد فـي أمره‪ ,‬والصبر علـى عبـادته‪ ,‬وأن يتذكر فـيـما ينوبه‬
‫ف ـيه من أعدائه من مُشر كي قو مه وغير هم‪ ,‬وف ـيـما يزاول من الجتهاد ف ـي طاع ته ما‬
‫ناب أخاه موسى صلوات ال علـيه من عدوّه‪ ,‬ثم من قومه‪ ,‬ومن بنـي إسرائيـل وما لقـي‬
‫ل صغيرا‪ ,‬ثم يافعا مترعرعا‪ ,‬ثم رجلً كاملً‪ :‬وَهَل أتاكَ يا مـحمد‬
‫فـيه من البلء والشدّة طف ً‬
‫حدِي ثُ مُو سَى ابن عمران إذْ رأى نارا؟ ذكر أن ذلك كان فـي الشتاء لـيلً‪ ,‬وأن موسى كان‬
‫َ‬
‫أضلّ الطريق فلـما رأى ضوء النار قالَ لَهْلِ ِه ما قال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18107‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫أبـي مالك‪ ,‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لـما قضى موسى الجل‪ ,‬سار بأهله‬
‫فضلّ الطريق‪ .‬قال عبد ال بن عبـاس‪ :‬كان فـي الشتاء‪ ,‬ورُفعت لهم نار فلـما رآها ظ نّ‬
‫ت نارا‪.‬‬
‫أنها نار‪ ,‬وكانت من نور ال قالَ لَهْلِ ِه ا ْم ُكثُوا إنّـي آ َنسْ ُ‬
‫‪18108‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـلـمة‪ ,‬عـن ابـن إسـحاق‪ ,‬عـن وهـب بـن منبـه‬
‫ال ـيـمانـي‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما ق ضى مو سى ال جل‪ ,‬خرج وم عه غن ـم له‪ ,‬وم عه ز ند له‪ ,‬وع صاه‬
‫فــي يده يهشّـ بهـا علــى غنــمه نهارا‪ ,‬فإذا أمسـى اقتدح بزنده نارا‪ ,‬فبــات علــيها هـو‬
‫وأهله وغن ـمه‪ ,‬فإذا أ صبح غدا بأهله وبغن ـمه‪ ,‬فتو كأ عل ـى ع صاه‪ ,‬فل ـما كا نت الل ـيـلة‬
‫التـي أراد ال بـموسى كرامته‪ ,‬وابتداءه فـيها بنبوّته وكلمه‪ ,‬أخطأ فـيه الطريق حتـى ل‬
‫يدري أين يتوجه‪ ,‬فأخرج زنده لـيقتدح نارا لهله لـيبـيتوا علـيها حتـى يصبح‪ ,‬ويعلـم‬
‫وجه سبـيـله‪ ,‬فأصلد زنده فل يورى له نارا‪ ,‬فقدح حتـى أعياه‪ ,‬لحت النار فرآها‪ ,‬ف قَالَ‬
‫جدُ عَل ـى النّارِ ُهدًى‪ .‬وع نى‬
‫لهل ِه ا ْم ُكثُوا إنّ ـي آنَ سْتُ نارا َلعَلّ ـي آتِ ـيكُ ْم ِمنْ ها ب َقبَ سٍ أ ْو أ ِ‬
‫ت نارا وجدت‪ ,‬ومـن أمثال العرب‪ :‬بعـد اطلع إيناس‪ ,‬ويقال أيضـا‪ :‬بعـد طلوع‬
‫َسـ ُ‬
‫بقوله‪ :‬آن ْ‬
‫إيناس‪ ,‬وهو مأخوذ من النس‪.‬‬
‫شعْلة‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬لعَلّــي آتِــي ُكمْ ِمنْهـا بقَبس ٍـ يقول‪ :‬لعلــي أجيئكـم مـن النار التــي آنسـت ب ُ‬
‫وال َقبَس‪ :‬هو النار فـي طَرَف العود أو القصبة‪ .‬يقول القائل لصاحبه‪ :‬أقبسنـي نارا‪ ,‬فـيعطيه‬
‫إياها فـي طرف عود أو قصبة‪ .‬وإنـما أراد موسى بقوله لهله‪َ :‬لعَلّـي آتِـي ُكمْ ِمنْها ب َقبَ سٍ‬
‫لعلـي آتـيكم بذلك لتصطلوا به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18109‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن وهب بن منبه َلعَلّـي‬
‫صطَلون‪.‬‬
‫س قال‪ :‬بقبس تَ ْ‬
‫آتِـيكُمْ ِمنْها بِ َقبَ ٍ‬
‫جدُ عَل ـى النّارِ ُهدًى دللة تدلّ عل ـى الطر يق الذي أضللناه‪ ,‬إ ما من خبر هاد‬
‫وقوله‪ :‬أوْ أ ِ‬
‫يهدينا إل ـيه‪ ,‬وإما من بـيان وعل ـم نتب ـينه به ونعر فه‪ .‬وبن ـحو الذي قلنا ف ـي ذلك‪ ,‬قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18110‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل علـى الطريق‪.‬‬
‫جدُ عَلـى النّارِ ُهدًى يقول‪ :‬من يد ّ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْو أ ِ‬
‫‪ 18111‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫جدُ عَلـى النّارِ ُهدًى قال‪ :‬هاديا يهديه الطريق‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬أ ْو أ ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫جدُ عَلـى النّارِ‬
‫‪ 18112‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد عن قتادة قوله‪ :‬أوْ أ ِ‬
‫ُهدًى‪ :‬أي هداة يهدونه الطريق‪.‬‬
‫‪18113‬ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي يحدّث‪ ,‬عن‬
‫جدُ عَلـى النّارِ ُهدًى‪.‬‬
‫قتادة‪ ,‬عن صاحب له‪ ,‬عن حديث ابن عبـاس‪ ,‬أنه زعم أنها أَيـلة أ ْو أ ِ‬
‫وقال أبـيّ‪ :‬وزعم قتادة أنه هدى الطريق‪.‬‬
‫جدُ‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله أ ْو أ ِ‬
‫عَلـى النّارِ ُهدًى قال‪ :‬من يهدينـي إلـى الطريق‪.‬‬
‫جدُ‬
‫‪ 18114‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن و هب بن من به أ ْو أ ِ‬
‫عَلـى النّارِ ُهدًى قال‪ :‬هدى عن علـم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر‪.‬‬
‫‪ 18115‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي سعيد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن‬
‫جدُ عَل ـى النّارِ ُهدًى قال‪ :‬كانوا أضلوا عن الطر يق‪,‬‬
‫عب ـاس َلعَلّ ـي آتِ ـيكُمْ ِمنْ ها بِ َقبَ سٍ أ ْو أ ِ‬
‫فقال‪ :‬لعلـي أجد من يدلنـي علـى الطريق‪ ,‬أو آتـيكم بقبس لعلكم تصطلون‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫و‬ ‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ * ِإّنيَ َأ َناْ َر ّبكَ فَاخْلَ ْع َنعَْليْكَ ِإ ّنكَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فََلمّآ َأتَاهَا نُو ِديَ َيمُو َ‬
‫س طُوًى }‪.‬‬
‫بِالْوَادِ ا ْلمُ َقدّ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما أتـى النار موسى‪ ,‬ناداه ربه‪ :‬يا مِو سَى إنّـي رَبّك فـاخْـلَعْ‬
‫َنعْلَـ ْيكَ كما‪:‬‬
‫‪18116‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن وهب بن منبه‪ ,‬قال‪ :‬خرج‬
‫مو سى ن ـحوها‪ ,‬يعن ـي ن ـحو النار‪ ,‬فإذا هي ف ـي ش جر من العل ـيق‪ ,‬وب عض أ هل الكتاب‬
‫يقول فـي عوسجة فلـما دنا استأخرت عنه فلـما رأى استئخارها رجع عنها‪ ,‬وأوجس فـي‬
‫نف سه من ها خي فة فل ـما أراد الرج عة‪ ,‬د نت م نه ثم كل ـم من الشجرة‪ ,‬فل ـما سمع ال صوت‬
‫استأنس‪ ,‬وقال ال تبـارك وتعالـى‪ :‬يا مُو سَى اخْـلَعْ َنعْلَـ ْيكَ إنّ كَ بـالوَا ِد الـمُ َقدّسِ طُوًى‬
‫فخـلعها فألفـاها‪.‬‬
‫واختلف أهـل العلــم فــي السـبب الذي مـن أجله أمـر ال موسـى بخــلع نعلــيه‪ ,‬فقال‬
‫بعض هم‪ :‬أمره بذلك‪ ,‬لنهمـا كان تا من جلد حمار م يت‪ ,‬فكره أن ي طأ به ما الوادي ال ـمقدّس‪,‬‬
‫وأراد أن يـمسه من بركة الوادي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18117‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عاصم‪,‬‬
‫عن أبـي قلبة‪ ,‬عن كعب‪ ,‬أنه رآهم يخـلعون نعالهم اخْـلَعْ َنعْلَـ ْيكَ إنّ كَ بـالوَا ِد الـمُ َقدّسِ‬
‫طُوى فقال‪ :‬كانت من جلد حمار ميت‪ ,‬فأراد ال أن يـمسه القدس‪.‬‬
‫‪ 18118‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬عن يزيد‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله فـاخْـلَعْ َنعْلَـ ْيكَ قال‪ :‬كانتا من جلد حمار ميت‪.‬‬
‫‪ 18119‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‪ ,‬أن نعل ـيه‬
‫كانتا من جلد حمار‪ ,‬فخـلعهما ثم أتاه‪.‬‬
‫حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن قَتادة‪ ,‬فــي قوله‬
‫فـاخْـلَعْ َنعْلَـ ْيكَ قال‪ :‬كانتا من جلد حمار‪ ,‬فقـيـل له اخـلعهما‪.‬‬
‫‪18120‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جُرَيـج‪ .‬قال‪:‬‬
‫وأخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن جابر الـجعفـي‪ ,‬عن‬
‫عل ـيّ بن أب ـي طالب ف ـاخْـلَعْ َنعْلَ ـيْكَ قال‪ :‬كان تا من جلد حمار‪ ,‬فق ـيـل له اخ ـلعهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال قَتادة مثل ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كانتـا مـن جلد بقـر‪ ,‬ولكـن ال أراد أن يطـأ موسـى الرض بقدميـه‪ ,‬لــيصل‬
‫إلـيه بركتها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18121‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ ,‬قال‬
‫الـحسن‪ :‬كانتا‪ ,‬يعنـي نعلـي موسى‪ ,‬من بقر‪ ,‬ولكن إنـما أراد ال أن يبـاشر بقدميه بركة‬
‫جرَيْج‪ :‬وق ـيـل ل ـمـجاهد‪ :‬زعموا أن نعل ـيه‬
‫الرض‪ ,‬وكان قد قدس مرّت ـين‪ .‬قال ا بن ُ‬
‫كانتا من جلد حمار أو ميتة‪ ,‬قال‪ :‬ل‪ ,‬ولكنه أمر أن يبـاشر بقدميه بركة الرض‪.‬‬
‫‪ 18122‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بشر‪ ,‬يعنـي ابن علـية‪ ,‬سمعت ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ك ب ـالْوَادِ ال ـمُ َقدّسِ طُوًى قال‪ :‬يقول‪ :‬أ فض بقدم يك‬
‫يقول ف ـي قوله‪ :‬ف ـاخْـلَعْ َنعْلَ ـ ْيكَ إنّ َ‬
‫إلـى بركة الوادي‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين فــي ذلك ب ـالصواب قول مـن قال‪ :‬أمره ال تعالــى‬
‫ذكره بخـلع نعلـيه لـيبـاشر بقدميه بركة الوادي‪ ,‬إذ كان واديا مقدسا‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب‪ ,‬لنه ل دللة فـي ظاهر التنزيـل علـى‬
‫أنه أمر بخـلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ول لنـجاستهما‪ ,‬ول خبر بذلك عمن يـلزم‬
‫بقوله الـحجة‪ ,‬وإن فـي قوله إنّ كَ بـالوَادِ الـمُ َقدّسِ بعقبه دلـيلً واضحا‪ ,‬علـى أنه إنـما‬
‫أمره بخـلعهما لـما ذكرنا‪ .‬ولو كان الـخبر الذي‪:‬‬
‫‪18123‬ـ حدثنا به بشر قال‪ :‬حدثنا خـلف بن خـلـيفة عن حميد بن عبد ال بن الـحارث‪,‬‬
‫عن ا بن م سعود‪ ,‬عن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال‪« :‬يَوْ مَ كَلّ ـمَ الّل ُه مُو سَى‪ ,‬كانَ تْ‬
‫ن جِ ْلدِ حِمارٍ غيرِ ُمذَكَى»‬
‫ن مِ ْ‬
‫سرَاوِيـلُ صُوفٍ‪َ ,‬و َنعْل ِ‬
‫ف وك سا ُء صُوفٍ‪ ,‬و َ‬
‫جبّ ُة صُو ٍ‬
‫عَلَ ـيْهِ ُ‬
‫صحيحا لـم نعده إلـى غيره‪ ,‬ولكن فـي إسناده نظر يجب التثبت فـيه‪.‬‬
‫واختلفت القراءة فـي قراءة قوله‪ :‬إنّـي أنا َربّ كَ فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة‪:‬‬
‫«نُودِ يَ يا مُو سَى أنّـي» بفتـح اللف من «أنـي»‪ ,‬فأ نّ علـى قراءتهم فـي موضع رفع‬
‫بقوله‪ :‬نودي‪ ,‬فإن معناه كان عندهـم‪ :‬نودي هذا القول‪ .‬وقرأه بعـض عامـة قرّاء الــمدينة‬
‫والكوفة بـالكسر‪ :‬نُودِ يَ يا موسى إنـي علـى البتداء‪ ,‬وأن معنى ذلك قـيـل‪ :‬يا موسى‬
‫إنـي‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والكسر أولـى القراءتـين عندنا بـالصواب‪ ,‬وذلك أن النداء قد حال بـينه‬
‫وبـين العمل فـي أن قوله «يا موسى»‪ ,‬وحظ قوله «نودي» أن يعمل فـي أن لو كانت قبل‬
‫قوله «يا موسى»‪ ,‬وذلك أن يقال‪ :‬نودي أن يا موسى إنـي أنا ربك‪ ,‬ول ح ظّ لها فـي «إن»‬
‫التـي بعد موسى‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬إ ّنكَ بـالوَادِ الـمُ َقدّسِ فإنه يقول‪ :‬إنك بـالوادي الـمطهر الـمبـارك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18124‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ك بـالوَادِ الـمُ َقدّسِ يقول‪ :‬الـمبـارك‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّن َ‬
‫‪ 18125‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ك بـالوَا ِد الـمُ َقدّسِ طُوًى قال‪ُ :‬قدّس بُورك مرّتـين‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله إ ّن َ‬
‫‪ 18126‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬قوله‪ :‬إنّ كَ ب ـالوَادِ‬
‫الـمُ َقدّسِ طُوًى قال‪ :‬بـالوادي الـمبـارك‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله طُوًى فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬إنـك بــالوادي‬
‫ال ـمقدس طوي ته‪ ,‬فعل ـى هذا القول من قول هم طوى م صدر خرج من غ ير لف ظه‪ ,‬كأ نه قال‪:‬‬
‫طويت الوادي الـمقدس طوى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18127‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬قوله‪ :‬إنّ كَ بـالوَا ِد الـمُ َقدّسِ طُوًى يعنـي الرض الـمقدسة‪,‬‬
‫وذلك أ نه مرّ بوادي ها ل ـيلً فطواه‪ ,‬يقال‪ :‬طو يت وادي كذا وكذا طوى من الل ـيـل‪ ,‬وارت فع‬
‫إلـى أعلـى الوادي‪ ,‬وذلك نبـيّ ال موسى صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬مرّت ـين‪ ,‬وقال‪ :‬ناداه ر به مرّت ـين فعل ـى قول هؤلء طوى‬
‫م صدر أي ضا من غ ير لف ظه‪ ,‬وذلك أن معناه عند هم‪ :‬نودي يا مو سى مرّت ـين نداء ين‪ .‬وكان‬
‫ي بن زيد العبـادي‪:‬‬
‫بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى‪ ,‬أنه بـمعنى مرّتـين‪ ,‬قول عد ّ‬
‫غ ّيكِ الـ ُم َت َردّدِ‬
‫غيْ ِر ُك ْنهِ ِهعَلـيّ طُوىً مِنْ َ‬
‫ن اللّ ْو َم فِـي َ‬
‫أعاذِلَ إ ّ‬
‫ى ونِثىً بـمعنى واحد‪.‬‬
‫وروى ذلك آخرون‪« :‬علـيّ ثِنىً»‪ :‬أي مرّة بعد أخرى‪ ,‬وقالوا‪ :‬طُو ً‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18128‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـاخْـلَ ْع َنعْلَـ ْيكَ إنّ كَ‬
‫بـالوَادِ الـمُ َقدّسِ طُوًى كنا نـحدّث أنه واد قدّس مرّتـين‪ ,‬وأن اسمه طُوَى‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬إنه قدّس طوى مرّتـين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬قال‬
‫‪ 18129‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ُ‬
‫الـحسن‪ :‬كان قد قدّس مرّتـين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل طُوى‪ :‬اسم الوادي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18130‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬طُوَى‪ :‬اسم للوادي‪.‬‬
‫‪ 18131‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ :‬طُوى‪ :‬قال‪ :‬اسم الوادي‪.‬‬
‫‪ 18132‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله ب ـالوَادِ‬
‫ال ـمُ َقدّسِ طُوًى قال‪ :‬ذاك الوادي هو طوى‪ ,‬ح يث كان مو سى‪ ,‬وح يث كان إل ـيه من ال ما‬
‫كان‪ .‬قال‪ :‬وهو نـحو الطور‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو أمر من ال لـموسى أن يطأ الوادي بقدميه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18133‬ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطوسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا صالـح بن إسحاق‪ ,‬عن جعفر بن‬
‫برقان‪ ,‬عن عكرِمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قول ال تبـارك وتعالـى‪ :‬اخْـلَعْ َنعْلَـ ْيكَ إنّ كَ‬
‫بـالوَادِ الـمُ َقدّسِ طُوًى قال‪ :‬طأ الوادي‪.‬‬
‫‪ 18134‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬عن يز يد‪ ,‬عن عكر مة‪,‬‬
‫فـي قوله‪ :‬طُوًى قال‪ :‬طأ الوادي‪.‬‬
‫‪ 18135‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن جبـير‪ ,‬فـي قول ال طُوًى قال‪ :‬طأ الرض حافـيا‪ ,‬كما تدخـل الكعبة حافـيا‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫من بركة الوادي‪.‬‬
‫جرَيـج‪ ,‬عـن‬
‫‪18136‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن ُ‬
‫مـجاهد طُوًى طأ الرض حافـيا‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعـض قرّاء الــمدينة‪« :‬طُوَى» بضـم الطاء وترك‬
‫التنوين‪ ,‬كأنهم جعلوه اسم الرض التـي بها الوادي‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن حِينَ َتوَاكُلِ البْطالِ‬
‫حنَـيْ َ‬
‫شدّوا أزْرَ ُه ِب ُ‬
‫صرُوا َنبِـ ّيهُمُ َو َ‬
‫َن َ‬
‫فل ـم يجرّ حن ـين‪ ,‬ل نه جعله ا سما للبلدة ل للوادي ولو كان جعله ا سما للوادي لجراه ك ما‬
‫ج َبتْ ُكمْ َك ْث َر ُتكُمْ‪ ,‬وكما قال الَخر‪:‬‬
‫عَ‬‫حنَـيْنٍ‪ ,‬إذْ أ ْ‬
‫قرأت القرّاء‪َ :‬ويَ ْو َم ُ‬
‫ظمَ ُهمْ ِب َبطْنِ حرَا َء نارَا‬
‫عَ‬‫أَلسْنا أ ْك َرمَ الثّقَلَـيْنِ َرحْلًوأ ْ‬
‫فلــم يجرّ حراء‪ ,‬وهـو جبـل‪ ,‬لنـه جعله اسـما للبلدة‪ ,‬فكدلك «طُوَى» فــي قراءة مـن لــم‬
‫يجره جعله اسـما للرض‪ .‬وقرأ ذلك عام ّة قرّاء أهـل الكوفـة‪ :‬طُوًى بضـم الطاء والتنويـن‬
‫وقارئو ذلك كذلك مختلفون فـي معناه علـى ما قد ذكرت من اختلف أهل التأويـل فأما من‬
‫أراد به الـمصدر من طويت‪ ,‬فل مؤنة فـي تنوينه وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي‪ ,‬فإنه‬
‫إن ـما ينوّ نه ل نه ا سم ذ كر ل مؤ نث‪ ,‬وأن لم الف عل م نه ياء‪ ,‬فزاده ذلك خ فة فأجراه ك ما قال‬
‫ن إذ كان حنـين اسم واد‪ ,‬والوادي مذكر‪.‬‬
‫حنَـيْ ٍ‬
‫ال‪َ :‬ويَ ْومَ ُ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القول ـين عندي ب ـالصواب قراءة من قرأه ب ضم الطاء والتنو ين‪,‬‬
‫ل نه إن ي كن ا سما للوادي فح ظه التنو ين ل ـما ذ كر ق بل من العلة ل ـمن قال ذلك‪ ,‬وإن كان‬
‫م صدرا أو مف سرا‪ ,‬فكذلك أي ضا حك مه التنو ين‪ ,‬و هو عندي ا سم الوادي‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫فهو فـي موضع خفض ردّا علـى الوادي‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫و‬ ‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حىَ * ِإ ّننِ يَ َأنَا اللّ ُه ل إِلَـهَ‬
‫ختَ ْرتُ كَ فَا سْ َتمِعْ ِلمَا يُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََأنَا ا ْ‬
‫ع ُب ْدنِي وََأ ِقمِ الصّلَ َة ِل ِذكْ ِريَ }‪.‬‬
‫إِل َأ َناْ فَا ْ‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة القرّاء الذين قرأوا‪« :‬وأنّا» بتشديد النون‪ ,‬و أنا‬
‫بفتـح اللف من «أنا» ردّا علـى‪ :‬نودي يا موسى‪ ,‬كأنه معنى الكلم عندهم‪ :‬نودي يا موسى‬
‫إنــي أنـا ربـك‪ ,‬وأنـا اخترتـك‪ ,‬وبهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفـة‪ .‬وأمـا عامـة قرّاء‬
‫خ َترْتُ كَ بت ـخفـيف النون عل ـى و جه‬
‫ال ـمدينة والب صرة وب عض أ هل الكو فة فقرأوه‪ :‬وأ نا ا ْ‬
‫الـخبر من ال عن نفسه أنه اختاره‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان قـد قرأ بكلّ‬
‫واحدة منهمـا قرّاء أهـل العلــم بــالقرآن‪ ,‬مـع اتفــاق معنــيـيهما‪ .‬فبأيتهمـا قرأ القارىء‬
‫فمصيب الصواب فـيه‪ .‬وتأويـل الكلم‪ :‬نودي أنّا اخترناك‪ .‬فـاجتبـيناك لرسالتنا إلـى من‬
‫ستَـمِعْ إلـى ما يُوحَى يقول‪ :‬فـاستـمع لوحينا الذي نوحيه إلـيك وعه‪,‬‬
‫نرسلك إلـيه فـا ْ‬
‫واعمل به إ ّننِـي أنا اللّ ُه يقول تعالـى ذكره‪ :‬إننـي أنا الـمعبود الذي ل تصلـح العبـادة‬
‫ل أنـا فل تعبـد غيري‪ ,‬فإنـه ل معبود تــجوز أو تصـلـح له العبــادة سـواي‬
‫إلّ له‪ ,‬ل إلَهَـ إ ّ‬
‫ع ُب ْدنِـي يقول‪ :‬فأخـلص العبـادة لـي دون كلّ ما عبد من دونـي وأقِمِ الصّل َة ِل ِذكْرِي‪.‬‬
‫فـا ْ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي تأويـل ذلك فقال بعض هم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أ قم ال صلة لـي فإ نك‬
‫إذا أقمتها ذكرتنـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18137‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أ ِقمِ الصّلةَ ِل ِذ ْكرِي قال‪ :‬إذا صلـى ذكر ربه‪.‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫عبَد ربه‪.‬‬
‫وَأ ِقمِ الصّلةَ ِل ِذ ْكرِي قال‪ :‬إذا ذكر َ‬
‫قال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وأقم الصلة حين تذكرها‪.‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18138‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مُغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم فـي قوله‪ :‬وأ ِقمِ الصّلةَ ِل ِذ ْكرِي قال‪ :‬يصلـيها حين يذكرها‪.‬‬
‫‪ 18139‬ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي عبد ال بن وهب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي ويو نس ومالك بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬عن أب ـي هريرة‪ ,‬أن‬
‫ي صَل ًة فَلْ ـيُصَلّها إذَا َذ َكرَ ها‪ ,‬قال الّل هُ‪ :‬أقِ مِ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬مَ نْ نَ سِ َ‬
‫الصّلةَ ِل ِذ ْكرِي»‪ .‬وكان الزهري يقرؤها‪ :‬أقِ ِم الصّل َة ِل ِذ ْكرِي بـمنزلة فعلـى‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى التأوي ـلـين ف ـي ذلك ب ـالصواب تأوي ـل من قال‪ :‬معناه‪ :‬أ قم‬
‫الصـلة لتذكرنــي فــيها‪ ,‬لن ذلك أظهـر معنــيـيه ولو كان معناه‪ :‬حيـن تذكرهـا‪ ,‬لكان‬
‫التنزيــل‪ :‬أقـم الصـلة لذكركهـا‪ .‬وفــي قوله‪ِ :‬ل ِذكْرِي دللة بــينة علــى صـحة مـا قال‬
‫مـجاهد فـي تأويـل ذلك ولو كانت القراءة التـي ذكرناها عن الزهري قراءة مستفـيضة‬
‫فـي قَراءة المصار‪ ,‬كان صحيحا تأويـل من تأوّله بـمعنى‪ :‬أقم الصلة حين تذكرها‪ ,‬وذلك‬
‫أن الزهري وجّه بقراءته أقِ مِ ال صّل َة ِل ِذكْرَى بـاللف ل بـالضافة‪ ,‬إلـى أقم لذكراها‪ ,‬لن‬
‫الهاء واللف حذفتا‪ ,‬وهما مرادتان فـي الكلم لـيوفق بـينها وبـين سائر رؤوس الَيات‪ ,‬إذ‬
‫كانـت بــاللف والفتــح‪ .‬ولو قال قائل فــي قراءة الزهري هذه التــي ذكرنـا عنـه‪ ,‬إنــما‬
‫قصد الزهري بفت ـحها ت صيـيره الضا فة ألفـا للتوف ـيق ب ـينه وب ـين رؤوس الَيات قبله‬
‫وبعده‪ ,‬لنه خالف بقراءته ذلك كذلك من قرأه بـالضافة‪ ,‬وقال‪ :‬إنـما ذلك كقول الشاعر‪:‬‬
‫ف ما ُأطَ ّوفُ ُثمّ آوِيإلـى ُأمّا َو ُيرْوِينِـي النّقِـيعُ‬
‫ُأطَ ّو ُ‬
‫وهو يريد‪ :‬إلـى أمي‪ ,‬وكقول العرب‪ :‬يا أبـا وأما‪ ,‬وهي تريد‪ :‬يا أبـي وأمي‪ ,‬كان له بذلك‬
‫مقال‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫و‬ ‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ِبمَا تَسْ َعىَ *‬
‫ل نَفْ ٍ‬
‫جزَىَ كُ ّ‬
‫ن السّاعَ َة آ ِتيَ ٌة َأكَادُ ُأخْفِيهَا ِل ُت ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬إِ ّ‬
‫ن ِبهَا وَا ّتبَعَ هَوَاهُ َف َت ْردَىَ }‪.‬‬
‫ل يُ ْؤمِ ُ‬
‫ع ْنهَا مَن ّ‬
‫فَلَ َيصُ ّد ّنكَ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن ال ساعة الت ـي يب عث ال ف ـيها ال ـخلئق من قبور هم ل ـموقـف‬
‫ضمـ اللف مـن أخفــيها قراءة جميـع قرّاء أمصـار‬
‫ّ‬ ‫القــيامة جائيـة أكادُ ُأخْفِــيها فعلــى‬
‫ال سلم‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬أكاد أخف ـيها من نف سي‪ ,‬لئل يطلع عل ـيها أ حد‪ ,‬وبذلك جاء تأوي ـل أك ثر‬
‫أهل العلـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18140‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫خفِـيها يقول‪ :‬ل أظهر علـيها أحدا غيري‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أكادُ ُأ ْ‬
‫‪ 18141‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن السّاعَ َة آتِـيَةٌ أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬ل تأتـيكم إلّ بغتة‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫‪18142‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ن السّاعَ َة آتِـيَةٌ أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬من نفسي‪.‬‬
‫إّ‬
‫حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي ال ـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي‬
‫قول ال‪ :‬أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬من نفسي‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬من نفسي‪.‬‬
‫‪ 18143‬ـ حدثنـي عبد العلـى بن واصل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬يخفـيها‬
‫من نفسه‪.‬‬
‫‪ 18144‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أكادُ ُأخْفِـيها وهي‬
‫فــي بعـض القراءة‪« :‬أخفــيها مـن نفسـي»‪ .‬ولعمري لقـد أخفــاها ال مـن الــملئكة‬
‫الـمقرّبـين‪ ,‬ومن النبـياء الـمرسلـين‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قال‪ :‬فـي ب عض‬
‫عةَ آتِـيَ ٌة أكادُ ُأخْفِـيها مِنْ نَ ْفسِي»‪.‬‬
‫الـحروف‪« :‬إنّ السّا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن ـما هو‪« :‬أكادُ َأخْفِ ـيها» بفت ـح اللف من أَخف ـيها ب ـمعنى‪ :‬أظهر ها‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18145‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن سهل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألنـي رجل فـي الـمسجد عن هذا البـيت‪.‬‬
‫غمِيرا‬
‫شهْرا َدمِيكابِأرِي َكيْنِ َيخْفـيانِ َ‬
‫ن ُثمّ َ‬
‫شهْ َريْ ِ‬
‫ب َ‬
‫دَا َ‬
‫فقلت‪ :‬يظهران‪ ,‬فقال ورقاء بـن إياس وهـو خــلفـي‪ :‬أقرأنــيها سـعيد بـن جبــير‪« :‬أكادُ‬
‫َأخْفِـيها» بنصب اللف‪.‬‬
‫وقد رُوي عن سعيد بن جبـير وفـاق لقول الَخرين الذين قالوا‪ :‬معناه‪ :‬أكاد أخفـيها من‬
‫نفسي‪ .‬ذكر الرواية عنه بذلك‪:‬‬
‫‪18146‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‬
‫خفِـيها قال‪ :‬من نفسي‪.‬‬
‫ن السّاعَ َة آتِـيَةٌ أكادُ ُأ ْ‬
‫بن جبـير ومنصور‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال إ ّ‬
‫حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير أكادُ ُأخْفِـيها قال‪ :‬من نفسي‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والذي هـو أولــى بتأويــل الَيـة مـن القول‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬معناه‪ :‬أكاد‬
‫أخفـيها من نفسي‪ ,‬لن تأويـل أهل التأويـل بذلك جاء‪ .‬والذي ذُكر عن سعيد بن جبـير من‬
‫قراءة ذلك بفتــح اللف قراءة ل أسـتـجيز القراءة بهـا لــخلفها قراءة الــحجة التــي ل‬
‫ل مستفـيضا‪.‬‬
‫يجوز خلفها فـيـما جاءت به نق ً‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ولــم وجهـت تأويــل قوله أكادُ ُأخْفِــيها بضـم اللف إلــى معنـى‪ :‬أكاد‬
‫أخفـيها من نفسي‪ ,‬دون توجيهه إلـى معنى‪ :‬أكاد أظهرها‪ ,‬وقد علـمت أن للخفـاء فـي‬
‫كلم العرب وجه ين‪ :‬أحده ما الظهار‪ ,‬والَ خر الكت ـمان وأن الظهار ف ـي هذا ال ـموضع‬
‫أش به بـمعنى الكلم‪ ,‬إذ كان الخف ـاء من نف سه يكاد عند السامعين أن يستـحيـل معناه‪ ,‬إذ‬
‫كان م ـحالً أن يخف ـي أ حد عن نف سه شيئا هو به عال ـم‪ ,‬وال تعالــى ذكره ل يخف ـى‬
‫عل ـيه خاف ـية؟ ق ـيـل‪ :‬ال مر ف ـي ذلك بخلف ما ظن نت‪ ,‬وإن ـما وجّه نا مع نى ُأخْفِ ـيها‬
‫بض مّ اللف إلـى معنى‪ :‬أسترها من نفسي‪ ,‬لن الـمعروف من معنى الخفـاء فـي كلم‬
‫العرب‪ :‬الستر‪ .‬يقال‪ :‬قد أخفـيت الشيء‪ :‬إذا سترته‪ .‬وأن الذين وجّهوا معناه إلـى الظهار‪,‬‬
‫اعتـمدوا علـى بـيت لمرىء القـيس ابن عابس الكندي‪.‬‬
‫‪ 18147‬ـ حُد ثت عن مع مر بن ال ـمثنى أ نه قال‪ :‬أنشدن ـيه أ بو ال ـخطاب‪ ,‬عن أهله ف ـي‬
‫بلده‪:‬‬
‫حرْبَ ل نَ ْق ُعدُ‬
‫ن َت ْبعَثُوا الـ َ‬
‫ن ُتدْ ِفنُوا الدّاءَ ل نُـخْ ِفهِوإ ْ‬
‫فإ ْ‬
‫بض مّ النون من ل نـخفه‪ ,‬ومعناه‪ :‬ل نظهره‪ ,‬فكان اعتـمادهم فـي توجيه الخفـاء فـي‬
‫هذا ال ـموضع إل ـى الظهار عل ـى ما ذكروا من سماعهم هذا الب ـيت‪ ,‬عل ـى ما و صفت‬
‫من ضم النون من نـخفه‪ .‬وقد أنشدنـي الثقة عن الفرّاء‪:‬‬
‫فإنْ َت ْدفِنُوا الدّا َء ل نَـخْفِهِ‬
‫بفتـح النون من نـخفه‪ ,‬من خفـيته أخفـيه‪ ,‬وهو أولـى بـالصواب لنه الـمعروف من‬
‫كلم العرب‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان الفتــح فــي اللف مـن أَخفــيها غيـر جائز عندنـا‬
‫لـما ذكرنا‪ ,‬ثبت وصحّ الوجه الَخر‪ ,‬وهو أن معنى ذلك‪ :‬أكاد استرها من نفسي‪.‬‬
‫وأما وجه صحة القول فـي ذلك‪ ,‬فهو أن ال تعالـى ذكره خاطب بـالقرآن العرب علـى‬
‫ما يعرفونه من كلمهم وجرى به خطابهم بـينهم فلـما كان معروفـا فـي كلمهم أن يقول‬
‫أحدهم إذا أراد الـمبـالغة فـي الـخبر عن إخفـائه شيئا هو له مسرّ‪ :‬قد كدت أن أخفـي‬
‫هذا المر عن نفسي من شدّة استسراري به‪ ,‬ولو قدرت أخفـيه عن نفسي أخفـيته‪ ,‬خاطبهم‬
‫عل ـى ح سب ما قد جرى به ا ستعمالهم ف ـي ذلك من الكلم ب ـينهم‪ ,‬و ما قد عرفوه ف ـي‬
‫منطقهم‪ .‬وقد قـيـل فـي ذلك أقوال غير ما قلنا‪ ,‬وإنـما اخترنا هذا القول علـى غيره من‬
‫القوال ل ـموافقة أقوال أ هل العل ـم من ال صحابة والتابع ين‪ ,‬إذ ك نا ل ن ستـجيز ال ـخلف‬
‫علـيهم‪ ,‬فـيـما استفـاض القول به منهم‪ ,‬وجاء عنهم مـجيئا يقطع العذر‪ .‬فأما الذين قالوا‬
‫ف ـي ذلك غ ير قول نا م ـمن قال ف ـيه عل ـى و جه النتزاع من كلم العرب‪ ,‬من غ ير أن‬
‫يعزوه إلــى إمام مـن الصـحابة أو التابعيـن‪ ,‬وعلــى وجـه يحتــمل الكلم غيـر وجهـه‬
‫ال ـمعروف‪ ,‬فإن هم اختلفوا ف ـي معناه ب ـينهم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬يحت ـمل معناه‪ :‬أر يد أخف ـيها‬
‫قال‪ :‬وذلك معروف ف ـي الل غة‪ .‬وذُ كر أ نه حُ كي عن العرب أن هم يقولون‪ :‬أولئك أ صحابـي‬
‫الذين أكاد أنزل علـيهم‪ ,‬وقال‪ :‬معناه‪ :‬ل أنزل إلّ علـيهم‪ .‬قال‪ :‬وحُكي‪ :‬أكاد أبرح منزلـي‪:‬‬
‫أي ما أبرح منزلـي‪ ,‬واحتـجّ ببـيت أنشده لبعض الشعراء‪:‬‬
‫عهْد الصّبـابَ ِة ما َمضَى‬
‫خ ْيرُ إرَادَةٍلَ ْو عادَ ِمنْ َ‬
‫كادَتْ و ِكدْتُ َوتِلكَ َ‬
‫ل نفس بـما‬
‫وقال‪ :‬يريد‪ :‬بكادت‪ :‬أرادت قال‪ :‬فـيكون الـمعنى‪ :‬أريد أخفـيها لتـجزى ك ّ‬
‫تسعى‪ .‬قال‪ :‬ومـما يُشبه ذلك قول زيد الـخيـل‪:‬‬
‫ن يَكا ُد قِ ْرنُ ُه َي َتنَفّسُ‬
‫حهُ َفمَا إ ْ‬
‫سرِيعٌ إلـى ال َهيْجاءِ شاكٍ سِل ُ‬
‫َ‬
‫وقال‪ :‬كأنه قال‪ :‬فما يتنفس قرنه‪ ,‬وإل ضعف الـمعنى قال‪ :‬وقال ذو ال ّرمّة‪:‬‬
‫ن حُبّ َميّ َة َي ْبرَحُ‬
‫حبّـينَ لَـمْ َي َك ْدرَسِيسُ ال َهوَى مِ ْ‬
‫غّيرَ ال ّن ْأيُ الـمُـ ِ‬
‫إذا َ‬
‫قال‪ :‬ول ـيس الـمعنى‪ :‬ل ـم ي كد يبرح‪ :‬أي ب عد يُ سر‪ ,‬و يبرح بعد عُ سر وإن ـما الـمعنى‪:‬‬
‫لـم يبرح‪ ,‬أو لـم يرد يبرح‪ ,‬وإل ضعف الـمعنى قال‪ :‬وكذلك قول أبـي النـجم‪:‬‬
‫طبَـا‬
‫خَ‬‫ضطَلِعُ العْدا َء والـ ُ‬
‫ن أتاكَ َن ِعيّ فـا ْن ُدبَنّ أبـاقَدْ كادَ َي ْ‬
‫وَإ ْ‬
‫ل لـم يكن مدحا إذا أراد كاد ولـم يرد يفعل‪.‬‬
‫وقال‪ :‬يكون الـمعنى‪ :‬قد اضطلع العداء‪ ,‬وإ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬إن الساعة آتـية أكاد‪ ,‬قال‪ :‬وانتهى الـخبر عند قوله أكاد لن‬
‫معناه‪ :‬أكاد أن آتـي بها قال‪ :‬ثم ابتدأ فقال‪ :‬ولكنـي أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذلك نظير قول ابن ضابىء‪:‬‬
‫َهمَـمْتُ ولَـمْ أ ْفعَلْ و ِكدْتُ ولَـ ْي َتنِـي َت َركْتُ علـى عُثمانَ َت ْبكِي أقا ِربُ ُه‬
‫فقال‪ :‬كدت‪ ,‬ومعناه‪ :‬كدت أفعل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى أُخفــيها‪ :‬أظهرهـا‪ ,‬وقالوا‪ :‬الخفــاء والسـرار قـد توجههمـا العرب‬
‫إلـى معنى الظهار‪ ,‬واستشهد بعضهم لقـيـله ذلك ببـيت الفرزدق‪:‬‬
‫ن أضْ َمرَا‬
‫حرُو ِريّ اّلذِي كا َ‬
‫سيْ َفهُأسَرّ الـ َ‬
‫ج ّردَ َ‬
‫فَلَـمّا رأى الـحَجّاجَ َ‬
‫وأسـرّوا ال ّندَامَةَ‬
‫َ‬ ‫وقال‪ :‬عَنَـى بقوله‪ :‬أسـرّ‪ :‬أظهـر‪ .‬قال‪ :‬وقـد يجوز أن يكون معنـى قوله‪:‬‬
‫وأظهروها‪ .‬قال‪ :‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬يا لَـ ْيتَنا ُن َردّ وَل ُن َكذّبَ بآياتِ َربّنا‪ .‬وقال جميع هؤلء الذين‬
‫حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أكاد أخفـيها من نفسي‪ ,‬أن يكون أراد‪:‬‬
‫ل هذه القوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلم‬
‫أخفـيها من قِبلـي ومن عندي‪ .‬وك ّ‬
‫إلـى غير وجهه الـمعروف‪ ,‬وغير جائز توجيه معانـي كلم ال إلـى غير الغلب علـيه‬
‫من وجو هه ع ند ال ـمخاطبـين به‪ ,‬فف ـي ذلك مع خلف هم تأوي ـل أ هل العل ـم ف ـيه شا هد‬
‫عدل علـى خطأ ما ذهبوا إلـيه فـيه‪.‬‬
‫سعَى يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن الساعة آتـية لتـجزى كلّ‬
‫س بِـمَا تَ ْ‬
‫ل نَفْ ٍ‬
‫وقوله‪ِ :‬لتُـجْزَى كُ ّ‬
‫ل نفس امتـحنها ربها بـالعبـادة فـي الدنـيا بـما تسعى‪ ,‬يقول‪ :‬بـما‬
‫نفس يقول‪ :‬لتثاب ك ّ‬
‫عنْهـا يقول تعالــى ذكره‪ :‬فل‬
‫تعمـل مـن خيـر وشرّ‪ ,‬وطاعـة ومعصـية‪ .‬وقوله‪ :‬فَلَ يَص ُـّدنّكَ َ‬
‫يردّنك يا موسى عن التأهّب للساعة‪ ,‬من ل يؤمن بها‪ ,‬يعنـي‪ :‬من ل يقرّ بقـيام الساعة‪ ,‬ول‬
‫ي صدّق ب ـالبعث ب عد ال ـمـمات‪ ,‬ول ير جو ثواب ـا‪ ,‬ول يخاف عقاب ـا‪ .‬وقوله‪ :‬وَا ّتبَ عَ َهوَا هُ‬
‫يقول‪ :‬اتبـع هوى نفسـه‪ ,‬وخالف أمـر ال ونهيـه فَت ْردَى يقول‪ :‬فتهلك إن أنـت أنصـددت عـن‬
‫التأهّب لل ساعة‪ ,‬و عن الي ـمان ب ها‪ ,‬وبأن ال ب ـاعث ال ـخـلق لق ـيامها من قبور هم ب عد‬
‫عنْها كناية‬
‫فنائهم بصدّ من كفر بها‪ .‬وكان بعضهم يزعم أن الهاء واللف من قوله فَل يَصُ ّدنّك َ‬
‫ن َربّ كَ‬
‫عن ذكر اليـمان‪ ,‬قال‪ :‬وإنـما قـيـل عنها وهي كناية عن اليـمان كما قـيـل إ ّ‬
‫ن َبعْدِها َلغَفُورٌ َرحِيـمٌ يذهب إلـى الفعلة‪ ,‬ولـم يجر لليـمان ذكر فـي هذا الـموضع‪,‬‬
‫مِ ْ‬
‫فـيجعل ذلك من ذكره‪ ,‬وإنـما جرى ذكر الساعة‪ ,‬فهو بأن يكون من ذكرها أولـى‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومَا تِ ْلكَ ِب َيمِي ِنكَ َيمُوسَىَ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ومـا هذه التــي فــي يــمينك يـا موسـى؟ فــالبـاء فــي قوله‬
‫بِـيَـمِي ِنكَ من صلة تلك‪ ,‬والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي ومنه قول يزيد بن مفرغ‪:‬‬
‫ن طَلِـيقُ‬
‫حمَلِـي َ‬
‫عَدسْ ما ِل َعبّـادٍ عَلَـ ْيكِ إمارَةٌأ ِمنْتِ وَ َهذَا تَـ ْ‬
‫كأنه قال‪ :‬والذي تـحملـين طلـيق‪.‬‬
‫ل قائلً أن يقول‪ :‬وما وجه استـخبـار ال موسى عما فـي يده؟ ألـم يكن عالـما بأن‬
‫ولع ّ‬
‫الذي فـي يده عصا؟ قـيـل له‪ :‬إن ذلك علـى غير الذي ذهبتَ إلـيه‪ ,‬وإنـما قال ذلك عزّ‬
‫ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى‪ ,‬وهي خشبة‪ ,‬فنبهه علـيها‪ ,‬وقرّره بأنها خشبة يتوكأ‬
‫ش بها علـى غنـمه‪ ,‬لـيعرّفه قُدر ته عل ـى ما يشاء‪ ,‬وعظم سلطانه‪ ,‬ونفـاذ‬
‫علـيها‪ ,‬ويه ّ‬
‫ب بتـحويـله إياها حيّة تسعى‪ ,‬إذا أراد ذلك به لـيجعل ذلك لـموسى آية‬
‫أمره فـيـما أح ّ‬
‫مع سائر آياته إلـى فرعون وقومه‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ َنمِي وَلِ يَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ هِ يَ عَ صَايَ َأتَ َو ّكأُ عََل ْيهَا وَأَهُ شّ ِبهَا عََلىَ َ‬
‫خ َرىَ }‪.‬‬
‫فِيهَا مَآرِبُ ُأ ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره مخـبرا عـن موسـى‪ :‬قال موسـى مــجيبـا لربـه‪ :‬هِي َـ عَصـَايَ أ َت َو ّكأُ‬
‫غنَـمِي يقول‪ :‬أضرب بها الشجر الـيابس فـيسقط ورقها وترعاه‬
‫ش بِها عَلـى َ‬
‫عَلَـيْها وأهُ ّ‬
‫ش فلن الش جر يه شّ ه شا‪ :‬إذا اخت بط ورق أغ صانها ف سقط ورق ها ك ما‬
‫غن ـمي‪ ,‬يقال م نه‪ :‬ه ّ‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫لرَاكِ وا ْلبَشامِ‬
‫عمِ ا َ‬
‫ن نا ِ‬
‫ش بـا ْلعْصَا عَلـى أغْنامِيمِ ْ‬
‫أهُ ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18148‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قَتادة‪,‬‬
‫غنَـمِي قال‪ :‬أخبط بها الشجر‪.‬‬
‫ش بِها عَلـى َ‬
‫فـي قوله‪ :‬وأهُ ّ‬
‫غنَـمِي قال‪:‬‬
‫ش بِ ها عَل ـى َ‬
‫حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأهُ ّ‬
‫أخبط‪.‬‬
‫غنَـمي قال‪:‬‬
‫ش بِ ها عَل ـى َ‬
‫حدثنا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأهُ ّ‬
‫ش علـى غنـمه ورق الشجر‪.‬‬
‫كان نبـيّ ال موسى صلى ال عليه وسلم يه ّ‬
‫‪ 18149‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ وأَهُ شّ بِ ها‬
‫غنَـمِي يقول‪ :‬أضرب بها الشجر للغنـم‪ ,‬فـيقع الورق‪.‬‬
‫عَلـى َ‬
‫‪ 18150‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ه يَ عَ صَايَ‬
‫غنَـمي قال‪ :‬يتوكأ علـيها حين يـمشي مع الغنـم‪ ,‬ويه شّ‬
‫ش بِها عَلـى َ‬
‫أتَ َو ّكأُ عَلَـيْها وأهُ ّ‬
‫بها‪ ,‬ويحرّك الشجر حتـى يسقط الورق الـحبَلة وغيرها‪.‬‬
‫‪ 18151‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬عن عكر مة‬
‫غنَـمِي قال‪ :‬أضرب بها الشجر‪ ,‬فـيسقط من ورقها علـيّ‪.‬‬
‫ش بِها عَلـى َ‬
‫وأهُ ّ‬
‫حدثنـي عبد ال بن أحمد بن شبويه‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ح سين‪,‬‬
‫غنَــمِي قال‪ :‬أضرب بهـا الشجـر‪ ,‬فــيتساقط‬
‫قال‪ :‬سـمعت عكرِمـة يقول وأهُشّـ بِهـا عَلــى َ‬
‫الورق علـى غنـمي‪.‬‬
‫‪ 18152‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫غنَـمِي يقول‪ :‬أضرب بها الشجر حتـى يسقط‬
‫الضحاك يقول فـي قوله وأهُ شّ بِـا عَلـى َ‬
‫منه ما تأكل غنـمي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَلــيَ فــيها مآرِبُـ ُأخْرَى يقول‪ :‬ولــي فــي عصـاي هذه حوائج أخرى‪ ,‬وهـي‬
‫جمع مأربة‪ ,‬وفـيها للعرب لغات ثلث‪ :‬مأرُبة بضم الراء‪ ,‬ومأرَبة بفتـحها‪ ,‬ومأرِبه بكسرها‪,‬‬
‫و هي مفعلة من قول هم‪ :‬ل أرب ل ـي ف ـي هذا ال مر‪ :‬أي ل حا جة ل ـي ف ـيه‪ .‬وف ـيـل‬
‫سنَى وقد بـيّنت‬
‫«أخرى» وهن مآرب جمع‪ ,‬ولـم يقل أُخر‪ ,‬كما قـيـل‪َ :‬ل ُه ال سْماءُ الـحُ ْ‬
‫العلة ف ـي توج يه ذلك هنالك‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي مع نى ال ـمآرب‪ ,‬قال أ هل التأوي ـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18153‬ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن جميع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سماك بن‬
‫خرَى قال‪ :‬حوائج‬
‫ب ُأ ْ‬
‫حرب‪ ,‬عن عكرِ مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَل ـي فِ ـيها مآرِ ُ‬
‫أخرى قد علـمتها‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫خرَى يقول‪ :‬حاجة أخرى‪.‬‬
‫قوله وَلـي فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫‪ 18154‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى عن ا بن‬
‫خرَى قال‪ :‬حاجات‪.‬‬
‫أبـي نـجيح عن مـجاهد وَلِـيَ فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫‪ 18155‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي‬
‫ب ُأخْرَى قال‪ :‬حاجات ومنافع‪.‬‬
‫نـجيح وَلـيَ فِـيها مآرِ ُ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد وَلـيَ‬
‫خرَى قال‪ :‬حاجات‪.‬‬
‫فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫‪ 18156‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ وَلـيَ‬
‫خرَى يقول‪ :‬حوائج أخرى أحمل علـيها الـمزود والسقاء‪.‬‬
‫فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫خرَى‬
‫ب ُأ ْ‬
‫‪18157‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَلـيَ فِـيها مآرِ ُ‬
‫قال‪ :‬حوائج أخرى‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬فـي قوله وَلـيَ‬
‫خرَى قال‪ :‬حاجات منافع أخرى‪.‬‬
‫فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫‪ 18158‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن و هب بن من به وَلـيَ‬
‫خرَى‪ :‬أي منافع أخرى‪.‬‬
‫فِـيها مآرِبُ ُأ ْ‬
‫‪18159‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَلـيَ فِـيها‬
‫خرَى قال‪ :‬حوائج أخرى سوى ذلك‪.‬‬
‫ب ُأ ْ‬
‫مآرِ ُ‬
‫‪ 18160‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫خرَى قال‪ :‬حاجات أخرى‪.‬‬
‫الضحاك يقول فـي قوله مآرِبُ ُأ ْ‬

‫‪21‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى * قَالَ‬
‫س َع َ‬
‫حيّ ٌة تَ ْ‬
‫سىَ * َفأَلْقَاهَا َفإِذَا هِ يَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ أَ ْل ِقهَا َيمُو َ‬
‫سيَر َتهَا الُوَلىَ }‪.‬‬
‫س ُنعِيدُهَا ِ‬
‫ل َتخَفْ َ‬
‫خذْهَا َو َ‬
‫ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال ال ل ـموسى‪ :‬ألق ع صاك الت ـي ب ـيـمينك يا مو سى‪ ,‬يقول ال‬
‫جل جلله‪ :‬فألقاها موسى‪ ,‬فجعلها ال حية تسعى‪ ,‬وكانت قبل ذلك خشبة يابسة‪ ,‬وعصا يتوكأ‬
‫ش بها علـى غنـمه‪ ,‬فصارت حية بأمر ال‪ ,‬كما‪:‬‬
‫علـيها ويه ّ‬
‫‪ 18161‬ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن جميع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سماك بن‬
‫حرب‪ ,‬عن عكرِمة‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬لـما قـيـل لـموسى‪ :‬ألقها يا موسى‪ ,‬ألقاها فإذَا‬
‫سعَى ولـم تكن قبل ذلك حية قال‪ :‬فمرّت بشجرة فأكلتها‪ ,‬ومرّت بصخرة فـابتلعتها‬
‫حيّ ٌة تَ ْ‬
‫هِيَ َ‬
‫قال‪ :‬فج عل مو سى ي سمع و قع ال صخرة ف ـي جوف ها قال‪ :‬فول ـى مدبرا‪ ,‬فنودي أن يا مو سى‬
‫خذْهَا وَل ت ـخفْ‪ ,‬فل ـم يأخذ ها فق ـيـل له ف ـي‬
‫خذ ها‪ ,‬فل ـم يأخذ ها ثم نودي الثان ـية‪ :‬أن ُ‬
‫ل ِمنِـين فأخذها‪.‬‬
‫ناَ‬
‫الثالثة‪ :‬إ ّنكَ مِ َ‬
‫‪ 18162‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪,‬‬
‫سعَى فلَـمّا‬
‫حيّ ٌة تَ ْ‬
‫قال‪ :‬قال له‪ ,‬يعنـي لـموسى ربه‪ :‬ألْقِها يا مُو سَى يعنـي فألْقاها فإذَا هِ يَ َ‬
‫خفّ إنّ ـي ل يَخا فُ‬
‫ب فنودي‪ :‬يا مُو سَى ل تَ ـ َ‬
‫رآ ها َت ْه َتزّ كأنّ ها جا نّ وَلّ ـى ُم ْدبِرا ولَـمْ ُيعَقّ ْ‬
‫َل َديّ الـمُ ْرسَلُونَ‪.‬‬
‫‪ 18163‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن وهب بن منبه‪ ,‬قال ألْقِها‬
‫سعَى تهتزّ‪ ,‬لها أنـياب وهيئة كما شاء ال أن تكون‪ ,‬فرأى أمرا‬
‫حيّ ٌة َت ْ‬
‫يا مُوسَى فألْقاها فإذَا ِهيَ َ‬
‫س ُنعِيدُها سِيرَتها‬
‫فظي عا‪ ,‬فول ـى ُم ْدبِرا‪ ,‬ولَ ـم يُعقّب فناداه ر به‪ :‬يا مُو سَى أقبلْ وَل ت ـخفْ َ‬
‫الُولـى‪.‬‬
‫خفْ يقول تعالــى ذكره قال ال لــموسى‪ :‬خـذ الــحية‪ ,‬والهاء‬
‫خذْهـا وَل تَــ َ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ ُ‬
‫س ُنعِيدُها سِيرَتها‬
‫خفْ يقول‪ :‬ول ت ـخف من هذه ال ـحية َ‬
‫واللف من ذ كر ال ـحية‪ .‬وَل تَ ـ َ‬
‫الُول ـى يقول‪ :‬فإ نا سنعيدها لهيئت ها الول ـى الت ـي كا نت عل ـيها ق بل أن ن صيّرها ح ية‪,‬‬
‫ونردّها عصا كما كانت‪ .‬يقال لكل من كان علـى أمر فتركه‪ ,‬وتـحوّل عنه ثم راجعه‪ :‬عاد‬
‫فلن سيرته الولـى‪ ,‬وعاد لسيرته الولـى‪ ,‬وعاد إلـى سيرته الولـى‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18164‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله سِيرَتها الُولـى يقول‪ :‬حالتها الولـى‪.‬‬
‫‪ 18165‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد سِيرَتها الُولـى قال‪ :‬هيئتها‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫س ُنعِيدُها‬
‫‪ 18166‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن وهب بن منبه َ‬
‫سِيرَتها الُولـى أي سنردّها عصا كما كانت‪.‬‬
‫س ُنعِيدُها سِيرَتها الُولـى‬
‫‪ 18167‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َ‬
‫قال‪ :‬إلـى هيئتها الولـى‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫و‬ ‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ ْيرِ سُوَ ٍء آيَةً‬
‫خرُجْ َب ْيضَآ َء مِنْ َ‬
‫جنَاحِكَ َت ْ‬
‫ضمُمْ َيدَكَ إَِلىَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَا ْ‬
‫خرَىَ * ِل ُن ِر َيكَ مِنْ آيَا ِتنَا ا ْل ُك ْب َرىَ }‪.‬‬
‫ُأ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬واضم ـم يا مو سى يدك‪ ,‬فضع ها ت ـحت عضدك وال ـجناحان ه ما‬
‫ال ـيدان‪ ,‬كذلك رُوي ال ـخبر عن أب ـي هُريرة وك عب الحب ـار‪ .‬وأ ما أ هل العرب ـية‪ ,‬فإن هم‬
‫يقولون‪ :‬هما الـجنبـان‪ .‬وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز‪:‬‬
‫صدْ ِر والـجَناحِ‬
‫ضمّهُ لل ّ‬
‫أ ُ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18168‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حكَ قال‪ :‬كفه تـحت عضده‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إلـى جَنا ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن غيرِ سُو ٍء ذكر أن موسى علـيه السلم كان رجل آدم‪ ,‬فأدخـل‬
‫خرُجْ بَـ ْيضَا َء مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬تَـ ْ‬
‫يده ف ـي جي به‪ ,‬ثم أخرج ها ب ـيضاء من غ ير سوء‪ ,‬من غ ير برص‪ ,‬م ثل الثل ـج‪ ,‬ثم ردّ ها‪,‬‬
‫فخرجت كما كانت علـى لونه‪.‬‬
‫‪18169‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن وهب بن منبه‪.‬‬
‫‪ 18170‬ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن يزيد بن أبـي زياد‪,‬‬
‫خرُجْ بَـيْضَاءَ ِمنْ غي ِر سُو ٍء قال‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫عن مقسم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله تَـ ْ‬
‫‪ 18171‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن غيرِ سُوءٍ قال‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫مـجاهد مِ ْ‬
‫‪18172‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬فـي قوله بَـيْضاءَ‬
‫ن غيرِ سُو ٍء قال‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة مِ نْ غيرِ سُوءٍ قال‪ :‬من غ ير‬
‫برص‪.‬‬
‫خرُجْ بَـ ْيضَاءَ‬
‫ي تَـ ْ‬
‫‪18173‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫ن غيرِ سُو ٍء قال‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫‪ 18174‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن غيرِ سُوءٍ قال‪ :‬من غير برص‪.‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله مِ ْ‬
‫‪ 18175‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قرة‪ ,‬عن الـحسن فـي‬
‫قول ال‪ :‬بَ ـيْضَا َء مِ نْ غيرِ سُو ٍء قالَ‪ :‬أخرج ها ال من غ ير سوء‪ ,‬من غ ير برص‪ ,‬فعل ـم‬
‫موسى أنه لقـي ربه‪.‬‬
‫خرَى يقول‪ :‬وهذه علمـة ودللة أخرى غيـر الَيـة التــي أريناك قبلهـا مـن‬
‫وقوله‪ :‬آ َيةً ُأ ْ‬
‫تـحويـل العصا حية تسعى علـى حقـيقة ما بعثناك به من الرسالة لـمن بعثناك إلـيه‪.‬‬
‫ون صب آ ية عل ـى ات صالها ب ـالفعل‪ ,‬إذ ل ـم يظ هر ل ها ما يرفع ها من هذه أو هي‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ِل ُنرِيَ كَ مِ نْ آياتِنا ال ُكبْرَى يقول تعالـى ذكره‪ :‬واضمـم يدك يا موسى إلـى جناحك‪ ,‬تـخرج‬
‫بـيضاء من غير سوء‪ ,‬كي نريك من أدلتنا الكبرى علـى عظيـم سلطاننا وقُدرتنا‪ .‬وقال‪:‬‬
‫سنَى وقد بـيّنا ذلك هنالك‪ .‬وكان‬
‫حْ‬‫ن آياتِنا كما قال‪َ :‬لهُ السْماءُ الـ ُ‬
‫الكبرى‪ ,‬فوحّد‪ ,‬وقد قال‪ :‬مِ ْ‬
‫ب عض أ هل الب صرة يقول‪ :‬إن ـما ق ـيـل ال كبرى‪ ,‬ل نه أر يد ب ها التقدي ـم‪ ,‬كأن معنا ها عنده‪:‬‬
‫ط َغىَ *‬
‫ب إَِلىَ ِفرْعَ ْونَ ِإنّ ُه َ‬
‫لنريك الكبرى من آياتنا‪ ).‬القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬اذْهَ ْ‬
‫سرْ لِ يَ َأ ْمرِي * وَاحْلُلْ عُ ْقدَ ًة مّن لّ سَانِي * يَفْ َقهُو ْا قَوْلِي *‬
‫صدْرِي * َويَ ّ‬
‫ب اشْرَ حْ لِي َ‬
‫قَالَ رَ ّ‬
‫ن أَهْلِي * هَارُونَ َأخِي }‪.‬‬
‫جعَل لّي َوزِيرا مّ ْ‬
‫وَا ْ‬
‫عوْ نَ إّن هُ‬
‫ب يا موسى إلـى فِرْ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه موسى صلوات ال علـيه‪ :‬اذْهَ ْ‬
‫طَغَى يقول‪ :‬إ نه ت ـجاوز قدره‪ ,‬وت ـمرّد عل ـى ر به و قد ب ـيّنا مع نى الطغيان ب ـما م ضى‬
‫بـما أغنى عن إعادته‪ ,‬فـي هذا الـموضع وفـي الكلم مـحذوف استغنـي بفهم السامع‬
‫طغَى فـادعه إلـى توحيد ال وطاعته‪,‬‬
‫ن إنّ هُ َ‬
‫ب إلـى ِفرْعَ ْو َ‬
‫بـما ذكر منه‪ ,‬وهو قوله‪ :‬اذْهَ ْ‬
‫صدْرِي يقول‪ :‬ر بّ اشرح لـي صدري‪,‬‬
‫شرَ حْ لـي َ‬
‫وإرسال بنـي إسرائيـل معك قالَ رَ بّ ا ْ‬
‫سرْ لـي أ ْمرِي يقول‪:‬‬
‫لعي عنك ما تودعه من وحيك‪ ,‬وأجترىء به علـى خطاب فرعون َويَ ّ‬
‫وسهل علـيّ القـيام بـما تكلفنـي من الرسالة‪ ,‬وتـحملنـي من الطاعة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18176‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قول ال‪ :‬رَ بّ‬
‫ح لـي صَ ْدرِي قال‪ :‬جرأة لـي‪.‬‬
‫اشْرَ ْ‬
‫ن لِسانِـي يقول‪ :‬وأطلق لسانـي بـالـمنطق‪ ,‬وكانت فـيه فـيـما‬
‫وقوله‪ :‬وَاحْلُلْ عُ ْقدَ ًة مِ ْ‬
‫ذ كر عُج مة عن الكلم الذي كان من إلقائه ال ـجمرة إل ـى ف ـيه يوم ه مّ فرعون بقتله‪ .‬ذ كر‬
‫الرواية بذلك عمن قاله‪:‬‬
‫‪ 18177‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن لِسانِـي قال‪ :‬عجمة لـجمرة نار‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬فـي قوله‪ :‬عُ ْق َدةً مِ ْ‬
‫أدخ ـلها ف ـي ف ـيه عن أ مر امرأة فرعون‪ ,‬تردّ به ع نه عقو بة فرعون‪ ,‬ح ين أ خذ مو سى‬
‫بلـحيته وهو ل يعقل‪ ,‬فقال‪ :‬هذا عد ّو لـي‪ ,‬فقالت له‪ :‬إنه ل يعقل‪.‬‬
‫حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح وَاحْلُلْ‬
‫ن لِسـانِـي ل ـجمرة نار أدخ ـلها فــي ف ـيه عن أمـر امرأة فرعون‪ ,‬تدرأ به ع نه‬
‫عُ ْق َدةً مِ ْ‬
‫عقوبة فرعون‪ ,‬حين أخذ موسى بلـحيته وهو ل يعقل‪ ,‬فقال‪ :‬هذا عدوّ لـي‪ ,‬فقالت له‪ :‬إنه ل‬
‫يعقل‪ ,‬هذا قول سعيد بن جبـير‪.‬‬
‫‪18178‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جرَيـج‪ ,‬عـن‬
‫ن لِسانِـي قال‪ :‬عجمة الـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَاحْلُلْ عُ ْقدَ ًة مِ ْ‬
‫أمر امرأة فرعون تردّ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلـحيته‪.‬‬
‫‪18179‬ــ حدثنـا موسـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـبـاط‪ ,‬عـن السـديّ‪ ,‬قال‪ :‬لــما‬
‫تـحرّك الغلم‪ ,‬يعنـي موسى‪ ,‬أورته أمه آسية صبـيا‪ ,‬فبـينـما هي ترقصه وتلعب به‪ ,‬إذ‬
‫ناولته فرعون‪ ,‬وقالت‪ :‬خذه فلـما أخذه إلـيه أخذ موسى بلـحيته فنتفها‪ ,‬فقال فرعون‪ :‬علـيّ‬
‫خذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ ل يعقل‪,‬‬
‫عسَى أنْ َينْ َفعَنا أوْ َنتّـ ِ‬
‫بـالذبـاحين‪ ,‬قالت آسية‪ :‬ل تَ ْقتُلُوهُ َ‬
‫وإنـما صنع هذا من صبـاه‪ ,‬وقد علـمتَ أنه لـيس فـي أهل مصر أحلـى منى أنا أضع‬
‫له حل ـيا من ال ـياقوت‪ ,‬وأ ضع له جمرا‪ ,‬فإن أ خذ ال ـياقوت ف هو يع قل ف ـاذبحه‪ ,‬وإن أ خذ‬
‫الـجمر فإنـما هو صبـيّ فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر‪ ,‬فجاء جبرائيـل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فطرح فـي يده جمرة‪ ,‬فطرحها موسى فـي فـيه‪ ,‬فأحرقت لسانه‪ ,‬فهو‬
‫ن لِ سانِـي َيفْ َقهُوا قَوْل ـي‪ ,‬فزالت عن مو سى من أ جل‬
‫ع ْقدَةً ِم ْ‬
‫الذي يقول ال عزّ وجلّ وَاحْلُلْ ُ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫جعَلْ لـي‬
‫وقوله‪ :‬يَ ْف َقهُوا قَوْلـي يقول‪ :‬يفقهوا عنـي ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلم وَا ْ‬
‫ن أهْلِـي يقول‪ :‬واجعلـي لـي عونا من أهل بـيتـي هارُون أخِي‪ .‬وفـي نصب‬
‫َوزِيرا مِ ْ‬
‫هارون وجهان‪ :‬أحدهما أن يكون هارون منصوبـا علـى الترجمة عن الوزير‪.‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫‪ 18180‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫ابن عبـاس‪ :‬كان هارون أكبر من موسى‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكَ‬
‫س ّب َ‬
‫ش ِركْ ُه فِ يَ َأ ْمرِي * كَ يْ نُ َ‬
‫ش ُددْ بِ هِ َأ ْزرِي * وََأ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬ا ْ‬
‫ت ِبنَا َبصِيرا }‪.‬‬
‫َكثِيرا * َو َن ْذ ُك َركَ َكثِيرا * ِإ ّنكَ كُن َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره م خبرا عن مو سى أ نه سأل ر به أن يشدد أزره بأخ يه هارون‪ .‬وإن ـما‬
‫ش ُددْ بِ ِه أزْرِي ق ّو ظهري‪ ,‬وأعنّـي به‪ .‬يقال منه‪ :‬قد أزر فلن فلنا‪ :‬إذا أعانه‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬ا ْ‬
‫وشدّ ظهره‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18181‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬اشْ ُددْ ِبهِ أ ْزرِي يقول‪ :‬أشدد به ظهري‪.‬‬
‫ش ُددْ بِ هِ‬
‫‪ 18182‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬ا ْ‬
‫أزْرِي يقول‪ :‬اشدد به أمري‪ ,‬وقوّنـي به‪ ,‬فإن لـي به قوّة‪.‬‬
‫شرِكْ ُه فِ ـي أ ْمرِي يقول‪ :‬واجعله نب ـيا م ثل ما جعلتن ـي نب ـيا‪ ,‬وأر سله م عي‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْ‬
‫سبّحكَ َكثِـيرا يقول‪ :‬كي نعظمك بـالتسبـيح لك كثـيرا َونَذ ُكرَكَ َكثِـيرا‬
‫إلـى فرعون كَيْ نُ َ‬
‫ت بِ نا بَ صِيرا يقول‪ :‬إ نك ك نت ذا ب صر ب نا ل يخف ـى عل ـيك من أفعال نا‬
‫فن ـحمدك إنّ كَ ُكنْ َ‬
‫شيء‪.‬‬
‫شدُد بِ ِه أزْرِي» بفتـح اللف من أشدد‬
‫وذُكر عن عبد ال بن أبـي إسحاق أنه كان يقرأ‪َ« :‬أ ْ‬
‫«وُأشْرِكْه فِ ـي أ ْمرِي» ب ضم اللف من أشر كه‪ ,‬بـمعنى ال ـخبر من مو سى عن نف سه‪ ,‬أ نه‬
‫يف عل ذلك‪ ,‬ل عل ـى و جه الدعاء‪ .‬وإذا قرىء ذلك كذلك جزم أشدد وأشرك عل ـى ال ـجزاء‪,‬‬
‫أو جواب الدعاء‪ ,‬وذلك قراءة ل أرى القراءة ب ها‪ ,‬وإن كان ل ها و جه مفهوم‪ ,‬ل ـخلفها قراءة‬
‫الـحجة التـي ل يجوز خلفها‪.‬‬

‫‪38- 36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ * وََل َقدْ َمنَنّا عََليْ كَ َمرّةً‬
‫ك َيمُو َ‬
‫ت سُؤَْل َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ َقدْ أُوتِي َ‬
‫حىَ }‪.‬‬
‫ح ْينَآ إَِلىَ ُأ ّمكَ مَا يُو َ‬
‫خرَىَ * ِإذْ َأ ْو َ‬
‫ُأ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال ال لـموسى صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد أعطيت ما سألت يا موسى‬
‫ربـك مـن شرحـه صـدرك وتــيسيره لك أمرك‪ ,‬وحلّ عقدة لسـانك‪ ,‬وتصـيـير أخيـك هارون‬
‫خرَى يقول‬
‫وزيرا لك‪ ,‬وش ّد أزرك بـه‪ ,‬وإشراكـه فــي الرسـالة معـك وَلَ َقدْ َمنَنّا عَلَــْيكَ َمرّ ًة ُأ ُ‬
‫تعالـى ذكره‪ :‬ولقد تطوّلنا علـيك يا موسى قبل هذه الـمرّة مرّة أخرى‪ ,‬وذلك حين أوحينا‬
‫ل مولود ذ كر من قو مك ما أوحي نا‬
‫إل ـى أ مك‪ ,‬إذ ولد تك ف ـي العام الذي كان فرعون يق تل ك ّ‬
‫إل ـيها ثم ف سّر تعال ـى ذكره ما أو حى إل ـى أ مه‪ ,‬فقال‪ :‬هو أن اقذف ـيه ف ـي التابوت فأن‬
‫فـي موضع نصب ردّا علـى «ما» التـي فـي قوله‪ :‬ما يُوحَى‪ ,‬وترجمة عنها‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْقذِفِي ِه فِي التّابُو تِ فَا ْقذِفِي ِه فِي ا ْليَ مّ فَ ْليُلْقِ ِه ا ْليَ ّم بِال سّاحِلِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أ ِ‬
‫ع ْي ِنيَ }‪.‬‬
‫صنَعَ عََلىَ َ‬
‫حبّ ًة ّمنّي وَِلُت ْ‬
‫ع ُدوّ ّلهُ وَأَلْ َقيْتُ عََل ْيكَ َم َ‬
‫ع ُدوّ لّي وَ َ‬
‫َي ْأخُذْهُ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد من نا عل ـيك يا مو سى مرّة أخرى ح ين أوحي نا إل ـى أ مك‪ ,‬أن‬
‫اقذفـي ابنك موسى حين ولدتك فـي التابوت فـاقْ ِذفِـي ِه فِـي الـيَـمّ يعنـي بـالـيـم‪:‬‬
‫النــيـل فَلْــيُـلْقِهِ الــيَـمّ بــالساحِلِ يقول‪ :‬فــاقذفـيه فــي الــيـم‪ ,‬يــلقه الــيـم‬
‫ب ـالساحل‪ ,‬و هو جزاء أخرج مخرج ال مر‪ ,‬كأن ال ـيـم هو ال ـمأمور‪ ,‬ك ما قال جلّ ثناؤه‪:‬‬
‫ل خَطَاياكُ ْم يعنـي‪ :‬اتبعوا سبـيـلنا نـحمل عنكم خطاياكم‪ ,‬ففعلت‬
‫سبِـيـَلنَا و ْلنَـحْمِ ْ‬
‫ا ّت ِبعُوا َ‬
‫شرَعة آل فرعون‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ذلك أمه به فألقاه الـيـم بـ َم ْ‬
‫‪ 18183‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬لـما ولدت موسى أمه‬
‫أرضع ته‪ ,‬حت ـى إذا أ مر فرعون بق تل الولدان من سنته تلك عمدت إل ـيه‪ ,‬ف صنعت به ما‬
‫أمر ها ال تعال ـى‪ ,‬جعل ته ف ـي تابوت صغير‪ ,‬ومهدت له ف ـيه‪ ,‬ثم عمدت إل ـى الن ـيـل‬
‫فقذفته فـيه‪ ,‬وأصبح فرعون فـي مـجلس له كان يجلسه علـى شفـير النـيـل كلّ غداة‪,‬‬
‫فبـينا هو جالس‪ ,‬إذ مرّ النـيـل بـالتابوت فقذف به وآسية ابنة ُمزَاحم امرأته جالسة إلـى‬
‫جن به‪ ,‬فقال‪ :‬إن هذا لش يء ف ـي الب حر‪ ,‬فأتون ـي به‪ ,‬فخرج إل ـيه أعوا نه حت ـى جاءوا به‪,‬‬
‫ففت ـح التابوت فإذا ف ـيه صبـيّ ف ـي مهده‪ ,‬فألق ـى ال عل ـيه م ـحبته‪ ,‬وع طف عل ـيه‬
‫عدُ ّو لَ ُه فرعون هو العدوّ‪ ,‬كان ل ولـموسى‪.‬‬
‫عدُ ّو لـي َو َ‬
‫خذْهُ َ‬
‫نفسه‪ .‬وعنى جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ي ْأ ُ‬
‫‪ 18184‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫فـاقْ ِذفِـي ِه فِـي الـيَـمّ وهو البحر‪ ,‬وهو النـيـل‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ال ـمـحبة الت ـي قال ال جلّ ثناؤه وأ ْلقَ ـيْتُ عَلَ ـ ْيكَ‬
‫مَـحَبّ ًة ِمنّـي فقال بعضهم‪ :‬عنى بذلك أنه حببه إلـى عبـاده‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18185‬ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي والعبـاس بن مـحمد الدوري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫حسين الـجعفـي عن موسى بن قبس الـحضرمي‪ ,‬عن سلـمة بن كهيـل‪ ,‬فـي قول ال‪:‬‬
‫صدَائي‪ :‬حببتك‬
‫حبّ ًة منّ ـي قال عبـاس‪ :‬حبب تك إلـى عب ـادي وقال ال ّ‬
‫وألْقَـيْتُ عَلَ ـ ْيكَ مَ ـ َ‬
‫إلـى خـلقـي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أي حسنت خـلقك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18186‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي إبراهيـم بن مهدي‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن‬
‫حبّ ًة منّـي قال‪ :‬حسنا وملحة‪.‬‬
‫الـحكم بن أبـان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قوله‪ :‬وألْقَـيْتُ عَلَـ ْيكَ مَـ َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬والذي هو أول ـى ب ـالصواب من القول ف ـي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال ألق ـى‬
‫حبّ ًة ِمنّـي فحببه إلـى آسية‬
‫ل ثناؤه وألْقَـيْتَ عَلَـ ْيكَ مَـ َ‬
‫مـحبته علـى موسى‪ ,‬كما قال ج ّ‬
‫امرأة فرعون‪ ,‬حتـى تبنّته وغذّته وربّته‪ ,‬وإلـى فرعون‪ ,‬حتـى كفّ عنه عاديته وشرّه‪ .‬وقد‬
‫ق ـيـل‪ :‬إن ـما ق ـيـل‪ :‬وألق ـيت عل ـيك م ـحبة من ـي‪ ,‬ل نه حب به إل ـى كل من رآه‪.‬‬
‫ومع نى ألْقَ ـيْتُ عَلَ ـ ْيكَ مَ ـحَبّ ًة ِمنّ ـي حبب تك إل ـيهم يقول الر جل لَ خر إذا أح به‪ :‬ألق ـيت‬
‫علـيك رحمتـي‪ :‬أي مـحبتـي‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ْعنَا كَ‬
‫ى مَن َيكْفُلُ ُه فَ َر َ‬
‫ل هَلْ َأدُّلكُ مْ عََل َ‬
‫ختُ كَ َفتَقُو ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إذْ َت ْمشِ يَ ُأ ْ‬
‫سنِينَ فِ يَ‬
‫ت ِ‬
‫ن ا ْلغَ مّ َو َف َتنّا كَ ُفتُونا فََلبِثْ َ‬
‫ج ْينَا كَ مِ َ‬
‫ت نَفْسا َفنَ ّ‬
‫حزَ نَ َوقَتَلْ َ‬
‫ل َت ْ‬
‫ع ْينُها َو َ‬
‫إَِلىَ ُأمّ كَ كَ يْ تَ َقرّ َ‬
‫جئْتَ عََلىَ َقدَرٍ َيمُوسَىَ }‪.‬‬
‫ن ُثمّ ِ‬
‫أَهْلِ َم ْديَ َ‬
‫ع ْينِــي فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫ُصـنَعَ عَلــى َ‬
‫اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله وَِلت ْ‬
‫ولتغذى وتربى علـى مـحبتـي وإرادتـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18187‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قَتادة‪,‬‬
‫ع ْينِـي قال‪ :‬هو غذاؤه‪ ,‬ولتُغذى علـى عينـي‪.‬‬
‫صنَعَ عَلـى َ‬
‫فـي قوله‪ :‬وِلُت ْ‬
‫صنَعَ‬
‫‪ 18188‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وَِلتُ ْ‬
‫ع ْينِـي قال‪ :‬جعله فـي بـيت الـملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الـملك‪ ,‬فتلك‬
‫عَلـى َ‬
‫الصنعة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وأنت بعينـي فـي أحوالك كلها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَ يج وَِلتُ صْنَعَ‬
‫‪ 18189‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫ع ْينِـي قال‪ :‬أنت بعينـي إذ جعلتك أمك فـي التابوت‪ ,‬ثم فـي البحر‪ ,‬و إ ْذ تَـ ْمشِي‬
‫عَلـى َ‬
‫صنَعَ» بفتـح التاء‪ .‬وتأوّله كما‪:‬‬
‫خ ُتكَ‪ .‬وقرأ ابن نهيك‪« :‬وَِل َت ْ‬
‫ُأ ْ‬
‫‪ 18190‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ع ْينِــي» فسـألته عـن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬ولتعمـل علــى‬
‫سـمعت أبــا نهيـك يقرأ «وَِلتَص ْـنَعَ عَلــى َ‬
‫عينـي‪.‬‬
‫ُصـنَعَ بضـم التاء‪ ,‬لجماع‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والقراءة التــي ل أسـتـجيز القراءة بغيرهـا وَِلت ْ‬
‫الــحجة مـن القرّاء علــيها‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فأولــى التأويــلـين بـه‪ ,‬التأويــل الذي‬
‫حبّةً ِمنّ ـي ولتغذى عل ـى عين ـي‪ ,‬ألق ـيت عل ـيك‬
‫تأوّله قَتادَة‪ ,‬و هو‪ :‬وَأ ْلقَ ـيْتُ عَلَ ـ ْيكَ مَ ـ َ‬
‫ع ْينِـي بـمرأى منـي ومـحبة وإرادة‪.‬‬
‫الـمـحبة منـي‪ .‬وعنى بقوله‪ :‬عَلـى َ‬
‫ُهـ يقول تعالــى ذكره‪ :‬حيـن‬
‫َنـ َيكْفُل ُ‬
‫ُمـ عَلــى م ْ‬
‫ل هَلْ أدُّلك ْ‬
‫ُكـ َفتَقُو ُ‬
‫خت َ‬‫وقوله‪ :‬إ ْذ تَــمْشِي ُأ ْ‬
‫ت ـمشي أخ تك تتب عك حت ـى وجد تك‪ ,‬ثم تأت ـي من يطلب ال ـمراضع لك‪ ,‬فتقول‪ :‬هل أدل كم‬
‫ختُ كَ استغناء بدللة الكلم‬
‫علـى من يكلفه؟ وحذف من الكلم ما ذكرت بعد قوله إ ْذ تَـ ْمشِي ُأ ْ‬
‫علـيه‪ .‬وإنـما قالت أخت موسى ذلك لهم لِـما‪:‬‬
‫‪ 18191‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ِهـ قُصـّيهِ فلــما التقطـه آل فرعون‪ ,‬وأرادوا له‬
‫خت ِ‬‫لْ‬
‫َتـ ِ‬
‫لــما ألقتـه أمـه فــي الــيـم قال ْ‬
‫الـمرضعات‪ ,‬فلـم يأخذ من أحد من النساء‪ ,‬وجعل النساء يطلبن ذلك لـينزلن عند فرعون‬
‫ل بَ ـيْتٍ َيكْفُلُونَ ُه َلكُ مْ وَهُ مْ لَ هُ‬
‫ل أدُّلكُ مْ عَل ـى أهْ ِ‬
‫ف ـي الرضاع‪ ,‬فأ بى أن يأ خذ‪ ,‬فقالت أخ ته‪ :‬هَ ْ‬
‫صحُونَ؟ فأخذو ها وقالوا‪ :‬بل قد عرفِت هذا الغُلم‪ ,‬فدلّ ـينا عل ـى أهله‪ ,‬قالت‪ :‬ما أعر فه‪,‬‬
‫نا ِ‬
‫ولكن إنـما قلت هم للـملك ناصحون‪.‬‬
‫‪ 18192‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬قالت‪ ,‬يعنـي أ مّ موسى‬
‫جنُ بٍ وَهُ مْ ل‬
‫صرَتْ بِ هِ عَ نْ ُ‬
‫لخ ته‪ :‬ق صّيه ف ـانظري ماذا يفعلون به‪ ,‬فخر جت ف ـي ذلك َفبَ ُ‬
‫شعُرُو نَ و قد احتاج إل ـى الرضاع والت ـمس الثدي‪ ,‬وجمعوا له ال ـمراضع ح ين ألق ـى ال‬
‫َي ْ‬
‫مـحبتهم علـيه‪ ,‬فل يؤتـى بـامرأة‪ ,‬فـيقبل ثديها‪ ,‬فـيرمضهم ذلك‪ ,‬فـيؤتـى بـمرضع‬
‫بعد مرضع‪ ,‬فل يقبل شيئا منهم‪ ,‬فقالت لهم أخته حين رأت من وجدهم به وحرصهم عل ـيه‬
‫ن أي ل ـمنزلته عند كم وحر صكم‬
‫صحُو َ‬
‫هَلْ أدُّلكُ مْ عَل ـى أهْلِ بَ ـيْتٍ َيكْفُلُونَ ُه لكُم وَهُ مْ َل ُه نا ِ‬
‫ل أدُّلكُ مْ عَل ـى مَ نْ َيكْفُُل ُه هل أدل كم عل ـى من يض مه‬
‫عل ـى م سرّة ال ـملك‪ ,‬وع نى بقوله‪ :‬هَ ْ‬
‫إلـيه فـيحفظه ويرضعه ويربـيه‪ .‬وقـيـل‪ :‬معنى و َكفّلَها َزكَ ِريّا ضمها‪.‬‬
‫ع ْينُها وَل تَـحْزَن يقول تعالـى ذكره‪ :‬فرددناك إلـى‬
‫جعْناكَ إلـى ُأمّكَ كَيْ َت َقرّ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ف َر َ‬
‫أ مك ب عد ما صرت ف ـي أيدي آل فرعون‪ ,‬كي ـما تقرّ عين ها ب سلمتك ون ـجاتك من الق تل‬
‫والغرق ف ـي ال ـيـم‪ ,‬وكيل ت ـحزن عل ـيك من ال ـخوف من فرعون عل ـيك أن يقتلك‪,‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 18193‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬لـما قالت أخت موسى‬
‫ل هم ما قالت‪ ,‬قالوا‪ :‬هات‪ ,‬فأ تت أ مه فأخبرت ها‪ ,‬ف ـانطلقت مع ها حت ـى أتت هم‪ ,‬فناولو ها إياه‬
‫فلـما وضعته فـي حجرها أخذ ثديها‪ ,‬وسرّوا بذلك منه‪ ,‬وردّه ال إلـى أمه كي تقرّ عينها‪,‬‬
‫ول تـحزن‪ ,‬فبلغ لطف ال لها وله‪ ,‬أن ردّ علـيها ولدها وعطف علـيها نفع فرعون وأهل‬
‫بـيته مع المنة من القتل الذي يتـخوف علـى غيره‪ ,‬فكأنهم كانوا من أهل بـيت فرعون‬
‫فـي المان والسعة‪ ,‬فكان علـى فرش فرعون وسرره‪.‬‬
‫ْتـ نَفْسـا يعنــي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬قتله القبطـي الذي قتله حيـن اسـتغاثه علــيه‬
‫وقوله‪َ :‬و َقتَل َ‬
‫ن الغَ مّ يقول تعالـى ذكره‪ :‬فنـجيناك من‬
‫جيْناكَ ِم َ‬
‫السرائيـلـي‪ ,‬فوكزه موسى‪ .‬وقوله‪َ :‬فنَـ ّ‬
‫غمك بقتلك النفس التـي قتلت‪ ,‬إذ أرادوا أن يقتلوك بها فخـلصناك منهم‪ ,‬حتـى هربت إلـى‬
‫أهل مدين‪ ,‬فلـم يصلوا إلـى قتلك وقودك‪ .‬وكان قتله إياه فـيـما ذُكر خطأ‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪18194‬ـ حدثنـي واصل بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫سالـم‪ ,‬عن عبد ال بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬إنّـمَا َقتَلَ‬
‫ن الغَ مّ َو َف َتنّا كَ‬
‫ج ّينْاكَ مِ َ‬
‫ن خَ طأ‪ ,‬فقال اللّ ُه لَ هُ‪َ :‬و َقتَلْ تَ نَفْ سا َفنَ ـ َ‬
‫عوْ َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫مُو سَى اّلذِي َقتَلَ مِ نْ آ ِ‬
‫ُفتُونا»‪.‬‬
‫‪ 18195‬ـ حدثن ـي زكر يا بن يح يى بن أب ـي زائدة‪ ,‬وم ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو‬
‫عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا‬
‫جيْناك مِنَ ال َغمّ قال‪ :‬من قتل النفس‪.‬‬
‫عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد َفنَـ ّ‬
‫ن الغَ مّ النفس‬
‫جيْناكَ مِ َ‬
‫‪ 18196‬ـ حدثنا ِبشْر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفنَـ ّ‬
‫التـي قتل‪.‬‬
‫ّاكـ ُفتُونـا فقال بعضهـم‪ :‬ابتلــيناك ابتلء‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله َوفَ َتن َ‬
‫واختبرناك اختبـارا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18197‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َف َتنّاكَ ُفتُونا يقول‪ :‬اختبرناك اختبـارا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ ,‬و َف َتنّاكَ فُتُونا قال‪ :‬ابتلـيت بلء‪.‬‬
‫‪ 18198‬ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد الَملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫أ صبغ بن ز يد ال ـجهنـي‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا القا سم بن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت عبد ال بن عبـاس‪ ,‬عن قول ال لـموسى َو َف َتنّا كَ ُفتُونا فسألته علـى الفتون ما هي؟‬
‫فقال ل ـي‪ :‬ا ستأنف النهار يا بن جب ـير‪ ,‬فإن ل ها حدي ثا طويلً‪ ,‬قال‪ :‬فل ـما أ صبحت غدوت‬
‫علــى ابـن عبــاس لنتــجز منـه مـا وعدنــي‪ ,‬قال‪ :‬فقال ابـن عبــاس‪ :‬تذاكـر فرعون‬
‫وجلساؤه ما وعد ال إبراهيـم أن يجعل فـي ذرّيته أنبـياء وملوكا‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬إن بنـي‬
‫إسـرائيـل ينتظرون ذلك ومـا يشكون‪ ,‬ولقـد كانوا يظنون أنـه يوسـف بـن يعقوب فلــما هلك‬
‫قالوا‪ :‬لـيس هكذا كان ال وعد إبراهيـم‪ ,‬فقال فرعون‪ :‬فكيف ترون؟ قال‪ :‬فأتـمروا بـينهم‪,‬‬
‫وأجمعوا أمر هم عل ـى أن يب عث رجالً مع هم الشف ـار يطوفون ف ـي بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬فل‬
‫يجدون مولودا ذكرا إل ذبحوه فلـما رأوا أن الكبـار من بنـي إسرائيـل يـموتون بآجالهم‪,‬‬
‫وأن ال صغار يذبحون قالوا‪ :‬يو شك أن تفنوا بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬فت صيرون إل ـى أن تب ـاشروا‬
‫ل أبناؤ هم‪,‬‬
‫ل مولود ذ كر‪ ,‬ف ـيق ّ‬
‫من العمال وال ـخدمة الت ـي كانوا يكفون كم‪ ,‬ف ـاقتلوا عا ما ك ّ‬
‫ودعوا عامـا ل تقتلوا منهـم أحدا‪ ,‬فتشبّـ الصـغار مكان مـن يــموت مـن الكبــار‪ ,‬فإنهـم لن‬
‫يكثروا ب ـمن ت ستـحيون من هم‪ ,‬فت ـخافون مكاثرت هم إيا كم‪ ,‬ولن يقلوا ب ـمن تقتلون‪ ,‬فأجمعوا‬
‫أمرهم علـى ذلك‪.‬‬
‫فحملت أ ّم موسى بهارون فـي العام الـمقبل الذي ل يذبح فـيه الغلـمان‪ ,‬فولدته علنـية‬
‫آم نة‪ ,‬حت ـى إذا كان العام ال ـمقبل حملت ب ـموسى‪ ,‬فو قع ف ـي قلب ها اله مّ وال ـحزن‪ ,‬وذلك‬
‫من الفتون يا ا بن جب ـير‪ ,‬م ـما دخ ـل عل ـيه ف ـي ب طن أ مه م ـما يراد به‪ ,‬فأو حى ال‬
‫ح َزنِـي إنّا رَادّو هُ إلَـ ْيكِ وَجاعِلُو هُ ِم نَ الـ ُمرْسَلِـينَ‪ ,‬وأمرها إذا‬
‫ل تَـخافِـي وَل تَـ ْ‬
‫إلـيها أ ّ‬
‫ولدته أن تـجعله فـي تابوت ثم تلقـيه فـي الـيـم فلـما ولدته فعلت ما أمرت به‪ ,‬حتـى‬
‫إذا توارى عن ها ابن ها أتا ها إبل ـيس‪ ,‬فقالت ف ـي نف سها‪ :‬ما صنعت ب ـابنـي لو ذ بح عندي‪,‬‬
‫ي من أن ألقـيه بـيدي إلـى حيتان البحر ودوابه‪ ,‬فـانطلق به‬
‫ب إلـ ّ‬
‫فواريته وكفنته كان أح ّ‬
‫الـماء حتـى أوفـى به عند فرضة مستقـى جواري آل فرعون‪ ,‬فرأينه فأخذنه‪ ,‬فهمـمن أن‬
‫ن لبعض‪ :‬إن فـي هذا مالً‪ ,‬وإنا إن فتـحناه لـم تصدّقنا امرأة‬
‫يفتـحن البـاب‪ ,‬فقال بعضه ّ‬
‫فرعون بـما وجدنا فـيه‪ ,‬فحملنه كهيئته لـم يحرّكن منه شيئا‪ ,‬حتـى دفعنه إلـيها فلـما‬
‫فتـحته رأت فـيه الغلم‪ ,‬فأُلقـي علـيه منها مـحبة لـم يُـلق مثلها منها علـى أحد من‬
‫ح فُؤَادُ ُأمّ مُوسَى فـارِغا من كلّ شيء إل من ذكر موسى‪.‬‬
‫صبَ َ‬
‫الناس وأ ْ‬
‫فلـما سمع الذبّـاحون بأمره أقبلوا إلـى امرأة فرعون بشفـارهم يريدون أن يذبحوه‪ ,‬وذلك‬
‫من الفتون يا ا بن جُب ـير فقالت للذب ـاحين‪ :‬ان صرفوا عن ـي‪ ,‬فإن هذا الوا حد ل يز يد ف ـي‬
‫بنـي إسرائيـل‪ ,‬فآتـي فرعون فأستوهبه إياه‪ ,‬فإن وهبه لـي كنتـم قد أحسنتـم وأجملتـم‪,‬‬
‫وإن أ مر بذب حه ل ـم أل ـمكم‪ .‬فل ـما أ تت به فرعون قالت‪ :‬قرّةُ عَي نٍ لِ ـي وَلَ كَ قال فرعون‪:‬‬
‫يكون لك‪ ,‬وأمـا أنـا فل حاجـة لــي فــيه‪ .‬فقال‪ :‬والذي يحلف بـه لو أقرّ فرعون أن يكون له‬
‫قرّة عين كما أقرّت به‪ ,‬لهداه ال به كما هدى به امرأته‪ ,‬ولكن ال حرمه ذلك‪ .‬فأرسلت إلـى‬
‫ل أن ثى ل ها ل بن‪ ,‬لت ـختار له ظِئرا‪ ,‬فج عل كل ـما أخذ ته امرأة من هم لترض عه‬
‫من حول ها من ك ّ‬
‫ل ـم يق بل ثدي ها‪ ,‬حت ـى أشف قت امرأة فرعون أن ي ـمتنع من الل بن ف ـيـموت‪ ,‬فحزن ها ذلك‪,‬‬
‫فأمرت به فأخرج إلـى السوق مـجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يأخذ منها‪ ,‬فلـم يقبل‬
‫من أحد‪.‬‬
‫ي ابنـي‪ ,‬أو‬
‫وأصبحت أ ّم موسى‪ ,‬فقالت لخته‪ :‬قُ صّيه واطلبـيه‪ ,‬هل تسمعين له ذكرا‪ ,‬أح ّ‬
‫ب البحر وحيتانه؟ ونسيت الذي كان ال وعدها‪ ,‬فبصرت به أخته عن جنب وهم‬
‫قد أكلته دوا ّ‬
‫ل يشعرون‪ ,‬فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤورات‪ :‬أنا أدلكم علـى أهل بـيت يكفلونه لكم‬
‫وهم له ناصحون‪ ,‬فأخذوها وقالوا‪ :‬وما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه؟ حتـى شكوا فـي‬
‫ذلك‪ ,‬وذلك من الفتون يا ابن جُبـير فقالت‪ :‬نصحهم له وشفقتهم علـيه‪ ,‬رغبتهم فـي ظؤورة‬
‫الــملك‪ ,‬ورجاء منفعتـه‪ ,‬فتركوهـا فــانطلقت إلــى أمهـا فأخبرتهـا الــخبر‪ ,‬فجاءت فلــما‬
‫وضع ته ف ـي حجر ها نزا إل ـى ثدي ها حت ـى امتل جنب ـاه‪ ,‬ف ـانطلق ال ُبشَراء إل ـى امرأة‬
‫فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لبنك ظئرا‪ ,‬فأرسلت إلـيها‪ ,‬فأتـيت بها وبه فلـما رأت ما‬
‫ي صنع ب ها قالت‪ :‬امكث ـي عندي حت ـى ترض عي ابن ـي هذا فإن ـي ل ـم أح بّ ح به شيئا ق طّ‬
‫قال‪ :‬فقالت‪ :‬ل أسـتطيع أن أدع بــيتـي وولدي‪ ,‬فــيضيع‪ ,‬فإن طابـت نفسـك أن تعطينــيه‪,‬‬
‫فأذهب به إلـى بـيتـي فـيكون معي ل آلوه خيرا فعلت‪ ,‬وإل فإنـي غير تاركة بـيتـي‬
‫وولدي وذكرت أ مّ مو سى ما كان ال وعد ها‪ ,‬فتعا سرت عل ـى امرأة فرعون‪ ,‬وأيق نت أن ال‬
‫تب ـارك وتعال ـى من ـجز وعده‪ ,‬فرج عت ب ـابنها إل ـى ب ـيتها من يوم ها‪ ,‬فأنب ته ال نب ـاتا‬
‫ح سنا‪ ,‬وحف ظه ل ـما ق ضى ف ـيه‪ ,‬فل ـم يزل ب نو إ سرائيـل و هم م ـجتـمعون ف ـي ناح ية‬
‫الـمدينة يـمتنعون به من الظلـم والسخرة التـي كانت فـيهم‪.‬‬
‫فلـما ترعرع قالت امرأة فرعون ل مّ موسى‪ :‬أزيرينـي ابنـي‪ .‬فوعدتها يوما تزيرها إياه‬
‫ن أحد منكم إل استقبل ابنـي بهدية‬
‫فـيه‪ ,‬فقالت لـخواصّها وظؤورتها وقهارمتها‪ :‬ل يبقـي ّ‬
‫ل ما ي صنع كلّ إن سان من كم فل ـم تزل‬
‫وكرا مة ل ـيرى ذلك‪ ,‬وأ نا ب ـاعثة أمي نة ت ـحصي ك ّ‬
‫الهدية والكرامة والتـحف تستقبله من حين خرج من بـيت أمه إلـى أن دخـل علـى امرأة‬
‫فرعون‪ .‬فل ـما دخ ـل عل ـيها ن ـحلته وأكرم ته‪ ,‬وفر حت به‪ ,‬وأعجب ها ما رأت من حُ سن‬
‫أثر ها عل ـيه‪ ,‬وقالت‪ :‬انطل قن به إل ـى فرعون‪ ,‬فل ـينـحله‪ ,‬ول ـيكرمه‪ .‬فل ـما دخ ـلوا به‬
‫عل ـيه جعل ته ف ـي حجره‪ ,‬فتناول مو سى ل ـحية فرعون حت ـى مدّ ها‪ ,‬فقال عدوّ من أعداء‬
‫ال‪ :‬أل ترى ما وعد ال إبراهيـم أنه سيصرعك ويعلوك‪ ,‬فأر سِلْ إلـى الذبـاحين لـيذبحوه‬
‫وذلك من الفتون يا ابن جُبـير‪ ,‬بعد كلّ بلء ابتلـي به وأريد به‪ .‬فجاءت امرأة فرعون تسعى‬
‫إلـى فرعون‪ ,‬فقالت‪ :‬ما بدا لك فـي هذا الصبـيّ الذي قد وهبته لـي؟ قال‪ :‬أل ترين يزعم‬
‫أ نه سيصرعنـي ويعلون ـي‪ ,‬فقالت‪ :‬اج عل ب ـينـي وب ـينك أمرا تعرف ف ـيه ال ـحقّ‪ ,‬ائت‬
‫ّبهنـ إلــيه‪ ,‬فإن بطـش بــاللؤلؤتـين واجتنـب الــجمرتـين‬
‫بجمرتــين ولؤلؤتــين‪ ,‬فقر ّ‬
‫علـمت أنه يعقل وإن تناول الـجمرتـين ولـم يرد اللؤلؤتـين‪ ,‬فـاعلـم أن أحدا ل يؤثر‬
‫الــجمرتـين علــى اللؤلؤتــين وهـو يعقـل‪ ,‬فقرّب ذلك إلــيه‪ ,‬فتناول الــجمرتـين‪,‬‬
‫فنزعوهما منه مخافة أن تـحرقا يده‪ ,‬فقالت الـمرأة‪ :‬أل ترى؟ فصرفه ال عنه بعد ما قد ه مّ‬
‫به‪ ,‬وكان ال بـالغا فـيه أمره‪.‬‬
‫فل ـما بلغ أشدّه‪ ,‬وكان من الرجال‪ ,‬ل ـم ي كن أ حد من آل فرعون يخ ـلص إل ـى أ حد من‬
‫بنـي إسرائيـل معه بظلـم ول سخرة‪ ,‬حتـى امتنعو كلّ امتناع‪ .‬فبـينـما هو يـمشي ذات‬
‫يوم فـي ناحية الـمدينة‪ ,‬إذ هو برجلـين يقتتلن‪ ,‬أحدهما من بنـي إسرائيـل‪ ,‬والَخر من‬
‫آل فرعون‪ ,‬فـاستغاثه السرائيـلـي علـى الفرعونـي‪ ,‬فغضب موسى واشتدّ غضبه‪ ,‬لنه‬
‫تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل‪ ,‬وحفظه لهم‪ ,‬ول يعلـم الناس إل أنـما‬
‫ذلك من قِبَل الرضا عة غ ير أ مّ مو سى‪ ,‬إل أن يكون ال أطلع مو سى من ذلك عل ـى ما ل ـم‬
‫ـد إل ال‬
‫ـز موســى الفرعونـــي فقتله‪ ,‬ولـــيس يراهمــا أحـ‬
‫يطلع علـــيه غيره فوكـ‬
‫شيْطا نِ إنّه عَد ّو مُضلّ ُمبِـينٌ‬
‫عمَل ال ّ‬
‫والسرائيـلـي‪ ,‬فقال موسى حين قتل الرجل‪َ :‬هذَا مِ نْ َ‬
‫ح فِـي‬
‫صبَ َ‬
‫ثم قال‪ :‬رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي فـاغْ ِفرْ لِـي َفغَ َفرَ َل ُه إن ُه ُهوَ الغَفُورُ ال ّرحِيـم فأ ْ‬
‫الـمَدِينَ ِة خائِفـا َيتَ َرقّ بُ الخبـار‪ ,‬فأتـى فرعون‪ ,‬فقـيـل له‪ :‬إن بنـي إسرائيـل قد قتلوا‬
‫رجلً من آل فرعون‪ ,‬فخُذ لنا بحقنا ول ترخص لهم فـي ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬ابغونـي قاتله ومن شهد‬
‫علــيه‪ ,‬لنـه ل يسـتقـيـم أن يقضـي بغيـر بــيّنه ول ثبـت‪ ,‬فطلبوا له ذلك فبــينـما هـم‬
‫يطوفون ل يجدون َثبَ تا‪ ,‬إذ مرّ موسـى من ال غد‪ ,‬فرأى ذلك ال سرائيـلـي يقا تل فرعون ـيا‪,‬‬
‫ف ـاستغاثه ال سرائيـلـي عل ـى الفرعون ـي‪ ,‬ف صادف مو سى و قد ندم عل ـى ما كان م نه‬
‫ب ـالمس وكره الذي رأى‪ ,‬فغ ضب مو سى‪ ,‬فمدّ يده و هو ير يد أن يب طش ب ـالفرعونـي‪ ,‬قال‬
‫ك َلغَوِ يّ ُمبِـينٌ فنظر السرائيـلـي موسى‬
‫للسرائيـلـي لـما فعل بـالمس والـيوم إنّ َ‬
‫بعد ما قال‪ ,‬فإذا هو غضبـان كغضبه بـالمس الذي قتل فـيه الفرعونـي‪ ,‬فخاف أن يكون‬
‫بعد ما قال له إنّكَ َل َغوِيّ ُمبِـينٌ أن يكون إياه أراد‪ ,‬ولـم يكن أراده‪ ,‬وإنـما أراد الفرعونـي‪,‬‬
‫ن تَ ْقتَُلنِ ـي كمَا َقتَلْ تَ نَفْ سا‬
‫فخاف ال سرائيـلـي‪ ,‬فحا جز الفرعون ـي فقال‪ :‬يا مُو سَى أ ُترِيدُ أ ْ‬
‫لمْسِ وإنــما قال ذلك مخافـة أن يكون إياه أراد موسـى لــيقتله‪ ,‬فتتاركـا فــانطلق‬
‫بــا َ‬
‫الفرعونـي إلـى قومه‪ ,‬فأخبرهم بـما سمع من السرائيـلـي من الـخبر حين يقول‪ :‬أتريد‬
‫أن تقتلنــي كمـا قتلت نفسـا بــالمس؟ فأرسـل فرعون الذبــاحين‪ ,‬فسـلك موسـى الطريـق‬
‫العظم‪ ,‬فطلبوه وهم ل يخافون أن يفوتهم‪ .‬وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى الـمدينة‪,‬‬
‫فـاختصر طريقا قريبـا حتـى سبقهم إلـى موسى‪ ,‬فأخبره الـخبر‪ ,‬وذلك من الفتون يا ابن‬
‫جُبـير‪.‬‬
‫‪ 18199‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فُتُونا قال‪ :‬بلءً‪ ,‬إلقاؤه فـي التابوت‪ ,‬ثم فـي البحر‪ ,‬ثم التقاط آل فرعون إياه‪,‬‬
‫ثم خروجه خائفـا‪.‬‬
‫«شكـ أبـو عاصـم»‪ ,‬وقال‬
‫ّ‬ ‫قال مــحمد بـن عمرو‪ ,‬وقال أبـو عاصـم‪ :‬خائفــا‪ ,‬أو جائعـا‬
‫الـحارث‪ :‬خائفـا يترقب‪ ,‬ولـم يشكّ‪.‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫وَقال‪ :‬خَائِفـا َيتَرقّبُ‪ ,‬ولـم يشكّ‪.‬‬
‫‪ 18200‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قوله‪َ :‬و َف َتنّا كَ ُفتُونا يقول‪:‬‬
‫ابتلـيناك بلءً‪.‬‬
‫‪ 18201‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬و َف َتنّاكَ ُفتُونا هو البلء علـى إثر البلء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أخـلصناك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18202‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ك فُتُونا أخـلصناك إخلصا‪.‬‬
‫عن مـجاهد َو َف َتنّا َ‬
‫‪18203‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن يعلـى بن‬
‫م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سعيد بن جُب ـير‪ ,‬يف سّر هذا ال ـحرف‪َ :‬و َفتَنّا كَ ُفتُو نا قال‪ :‬أخ ـلصناك‬
‫إخلصا‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وقـد بــيّنا فــيـما مضـى مـن كتابنـا هذا معنـى الفتنـة‪ ,‬وأنهـا البتلء‬
‫والختبـار بـالدلة الـمُغنـية عن العادة فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫َنـ وهذا الكلم قـد حذف منـه بعـض مـا بـه تــمامه‬
‫سـنِـينَ فِــي أهْلِ َم ْدي َ‬
‫ْتـ ِ‬
‫وقوله‪ :‬فََل ِبث َ‬
‫اكتف ـاء بدللة ما ذ كر عم حذف‪ .‬ومع نى الكلم‪ :‬وفتناك فتو نا‪ ,‬فخر جت خائف ـا إل ـى أ هل‬
‫مدين‪ ,‬فلبثت سنـين فـيهم‪.‬‬
‫جئْ تَ عَل ـى قَ َدرٍ يا مُو سَى يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ثم جئت للو قت الذي أرد نا إر سالك‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ ِ‬
‫إلـى فرعون ر سولً ول ـمقداره‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأوي ـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18204‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ثُ مّ جئْ تَ عَلـى َق َدرٍ يا مُو سَى يقول‪ :‬لقد جئت لـميقات يا‬
‫موسى‪.‬‬
‫‪ 18205‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬عَل ـى َقدَ ٍر يا‬
‫مُوسَى قال‪ :‬موعد‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫علـى ذي موعد‪.‬‬
‫‪ 18206‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله‪ :‬عَلـى َقدَرٍ يا مُوسَى قال‪ :‬قدر الرسالة والنبوّة‪.‬‬
‫والعرب تقول‪ :‬جاء فلن علـى قدر‪ :‬إذا جاء لـميقات الـحاجة إلـيه ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ل الـخِلفَةَ أ ْو كانَتْ لَ ُه َقدَراكمَا أتَـى َربّهُ مُوسعى عَلـى قَ َدرِ‬
‫نا َ‬

‫‪43‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك بِآيَاتِي َولَ‬
‫ب أَن تَ وََأخُو َ‬
‫ط َن ْع ُتكَ ِلنَفْ سِي * اذْهَ ْ‬
‫{وَا صْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن ِإنّ ُه طَ َغىَ }‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ى فِرْ َ‬
‫َت ِنيَا فِي ِذ ْكرِي * اذْ َهبَآ إَِل َ‬
‫طنَ ْع ُتكَ ِلنَفْ سِي أنعمت علـيك يا موسى هذه النعم‪ ,‬ومننت علـيك‬
‫صَ‬‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وَا ْ‬
‫هذه الــمنن‪ ,‬اجتبــاء منــي لك‪ ,‬واختــيارا لرسـالتـي والبلغ عنــي‪ ,‬والقــيام بأمري‬
‫ونهيـي اذْهَ بْ أنْ تَ وأخُو كَ هارون بِآياتـي يقول‪ :‬بأدلتـي وحججي‪ ,‬اذهبـا إلـى فرعون‬
‫بهـا إنـه تــمرّد فــي ضلله وغيـه‪ ,‬فأبلغـه رسـالتـي وَل َتنِــيا فِــي ِذكْري يقول‪ :‬ول‬
‫تضعف ـا ف ـي أن تذكران ـي ف ـيـما أمرتك ما ونهيتك ما‪ ,‬فإن ذكرك ما إيّاي يقوّي عزائمك ما‪,‬‬
‫ويثبـت أقدامكمـا‪ ,‬لنكمـا إذا ذكرتــمانـي‪ ,‬ذكرتــما َمنّــي علــيكما ِنعَمـا جمّة‪ ,‬و ِمنَنـا ل‬
‫تـحصى كثرة‪ .‬يقال منه‪ :‬وَنى فلن فـي هذا المر‪ ,‬وعن هذا المر‪ :‬إذا ضعف‪ ,‬وهو َينِـي‬
‫َونْـيا كما قال العجاج‪:‬‬
‫غبَ ْر‬
‫ح ّمدٌ ُمذْ أنْ غَ َفرْلَهُ الل ُه ما َمضَى وَما َ‬
‫َفمَا وَنى مُـ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18207‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتنِـيا يقول‪ :‬ل تبطئا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله وَل َتنِـيا فِـي ِذكْرِي يقول‪ :‬ول تضعفـا فـي ذكري‪.‬‬
‫‪18202‬حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتنِـيا فِـي ِذكْرِي قال‪ :‬ل تضعفـا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد تَنـيا‬
‫تضعفـا‪.‬‬
‫‪ 18208‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتنِ ـيا فِ ـي‬
‫ِذكْرِي يقول‪ :‬ل تضعفـا فـي ذكري‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَل‬
‫َتنِـيا فِـي ِذكْرِي قال‪ :‬ل تضعفـا‪.‬‬
‫‪ 18209‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وَل َتنِـيا فِـي ِذ ْكرِي يقول‪ :‬ل تضعفـا‪.‬‬
‫‪ 18210‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَل َتنِـيا‬
‫فِـي ِذ ْكرِي قال‪ :‬الوانـي‪ :‬هو الغافل الـمفرط‪ ,‬ذلك الوانـي‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شىَ * قَالَ َر ّبنَآ ِإ ّننَا‬
‫ل ّليّنا ّلعَلّ ُه َي َت َذكّرُ َأ ْو َيخْ َ‬
‫ل لَ هُ قَ ْو ً‬
‫{فَقُو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫طغَىَ }‪.‬‬
‫َنخَافُ أَن يَ ْف ُرطَ عََل ْينَآ أَ ْو أَن َي ْ‬
‫ل لــيّنا‪ .‬ذُكـر أن القول اللــين‬
‫يقول تعالــى ذكره لــموسى وهارون‪ :‬فقول لفرعون قو ً‬
‫الذي أمرهما ال أن يقوله له‪ ,‬هو أن يكنـياه‪.‬‬
‫‪ 18211‬ـ حدثنـي جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الزرق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن مـحمد‬
‫الثقـفـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن صالـح‪ ,‬عن السديّ‪ :‬فَقُول لَ ُه قَ ْولً لَـيّنا قال‪ :‬كنـياه‪.‬‬
‫ّهـ فــي هذا الــموضع‪ ,‬فقال‬
‫ّهـ َي َت َذكّرُ أوْ َيخْشَى اختلف فــي معنـى قوله‪َ :‬لعَل ُ‬
‫وقوله‪َ :‬لعَل ُ‬
‫بعضهم معناها ههنا الستفهام‪ ,‬كأنهم وجهوا معنى الكلم إلـى‪ :‬فقول له قول لـينا‪ ,‬فـانظرا‬
‫هل يتذكر ويراجع أو يخشى ال فـيرتدع عن طغيانه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18212‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫خشَى يقول‪ :‬هل يتذكر أو يخشى‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬لعَّلهُ َي َت َذ ّكرُ أ ْو َي ْ‬
‫ن إنّ هُ‬
‫ل هه نا كي‪ .‬ووجّهوا مع نى الكلم إل ـى اذهبَ ـا إل ـى ِفرْعَوْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى لع ّ‬
‫طَغَى ف ـادعواه وعظاه ل ـيتذكر أو يخ شى‪ ,‬ك ما يقول القائل‪ :‬اع مل عملك لعلك تأ خذ أجرك‪,‬‬
‫بــمعنى‪ :‬لتأخـذ أجرك‪ ,‬وافرغ مـن عملك لعلنـا نتغدّى‪ ,‬بــمعنى‪ :‬لنتغدى‪ ,‬أو حتــى نتغدى‪,‬‬
‫ولكل هذين القولـين وجه حسن‪ ,‬ومذهب صحيح‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قال َربّ نا إنّ نا نَ ـخافُ أ نْ يَ ْفرُ طَ عَلَ ـيْنا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال مو سى وهارون‪:‬‬
‫ربنا إننا نـخاف فرعون إن نـحن دعوناه إلـى ما أمرتنا أن ندعوه إلـيه‪ ,‬أن يعجل علـينا‬
‫بــالعقوبة وهـو مـن قولهـم‪ :‬فرط منــي إلــى فلن أمـر‪ :‬إذا سـبق منـه ذلك إلــيه‪ ,‬ومنـه‪:‬‬
‫فـارط القوم‪ ,‬وهو الـمتعجل الـمتقدّم أمامهم إلـى الـماء أو الـمنزل كما قال الراجز‪:‬‬
‫عجِلْ‬
‫قَ ْد فَرَط العِلْـجُ عَلَـيْنا وَ َ‬
‫وأما الفراط‪ :‬فهو السراف والشطاط والتعدّي‪ .‬يقال منه‪ :‬أفرطت فـي قولك‪ :‬إذا أسرف‬
‫فـيه وتعدّى‪ .‬وأما التفريط‪ :‬فإنه التوانـي‪ .‬يقال منه‪ :‬فرّطت فـي هذا المر حتـى فـات‪:‬‬
‫إذا توانى فـيه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18213‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد أنْ يَ ْف ُرطَ عَلَـيْنا قال‪ :‬عقوبة منه‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 18214‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إنّنا نَـخافُ‬
‫طغَى قال‪ :‬نـخاف أن يعجل علـينا إذ نبلغه كلمك أو أمرك‪ ,‬يفرط‬
‫ن َي ْ‬
‫ن يَ ْفرُ طَ عَلَـيْنا أ ْو أ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ويعجل‪ .‬وقرأ ل تَـخافـا إنّنـي َم َعكُما أسمَعُ وأرَى‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫و‬ ‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَعُ وََأ َرىَ * َف ْأتِيَا ُه فَقُول ِإنّا‬
‫ل َتخَافَآ ِإ ّننِي َم َع ُكمَآ أَ ْ‬
‫{قَالَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫لمُ عََلىَ َمنِ ا ّتبَعَ‬
‫ج ْئنَاكَ بِآيَ ٍة مّن ّربّكَ وَالسّ َ‬
‫سرَائِيلَ َولَ ُت َع ّذ ْب ُهمْ قَدْ ِ‬
‫ل َر ّبكَ َفأَ ْرسِلْ َم َعنَا َب ِنيَ ِإ ْ‬
‫رَسُو َ‬
‫ا ْل ُهدَىَ }‪.‬‬
‫يقول ال تعالــى ذكره‪ :‬قال ال لــموسى وهارون‪ :‬ل تَــخافـا فرعون إ ّننِــي َم َعكُمـا‬
‫أعينكما علـيه‪ ,‬وأبصركما أسمَعُ ما يجري بـينكما وبـينه‪ ,‬فأفهمكما ما تـحاورانه به وأرَى‬
‫ما تفعلن ويفعل‪ ,‬ل يخفـى علـيّ من ذلك شيء فَ ْأتِـياهُ فَقُول له إنّا رَ سُول َربّ كَ‪ .‬وبنـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18215‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج قالَ ل تَ ـخافـا إ ّننِ ـي‬
‫سمَ ُع وأرَى ما يحاوركما‪ ,‬فأوحي إلـيكما فتـجاوبـانه‪.‬‬
‫َم َعكُما أ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ف ْأتِـياهُ فَقُول إنّا رَ سُول رَبّكَ أرسلنا إلـيك يأمرك أن ترسل معنا بنـي إسرائيـل‪,‬‬
‫جئْنا كَ بآيَةٍ معجزة مِن ْـ َربّكَـ‬
‫فأرسـلهم معنـا ول تعذّبهـم بــما تكلف هم من العمال الرديئة َقدْ ِ‬
‫علـى أنه أرسلنا إلـيك بذلك‪ ,‬إن أنت لـم تصدّقنا فـيـما نقول لك أريناكها‪ ,‬والسّلمُ عَلـى‬
‫ن ا ّتبَعَ ال ُهدَى يقول‪ :‬والسلمة لـمن اتبع هدى ال‪ ,‬وهو بـيانه‪ .‬يقال‪ :‬السلم علـى من اتبع‬
‫مَ ِ‬
‫الهدى‪ ,‬ولـمن اتبع بـمعنى واحد‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْل َعذَا بَ عََلىَ مَن َكذّ بَ َوتَوَّلىَ *‬
‫ي إَِليْنَآ َأ ّ‬
‫{إِنّا قَدْ أُوحِ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ل شَي ٍء خَلْقَ ُه ُثمّ َه َدىَ }‪.‬‬
‫طىَ كُ ّ‬
‫عَ‬‫سىَ * قَالَ َر ّبنَا اّل ِذيَ أَ ْ‬
‫قَالَ َفمَن ّر ّب ُكمَا َيمُو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لرسـوله موسـى وهارون‪ :‬قول لفرعون إنـا قـد أو حى إل ـينا ر بك أن‬
‫عذابـه الذي ل نفــاد له‪ ,‬ول انقطاع علــى مـن كذب بــما ندعوه إلــيه مـن توحيـد ال‬
‫وطاعته‪ ,‬وإجابة رسله َوتَوّلـى يقول‪ :‬وأدبر مُعرضا عما جئناه به من الـحقّ‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن ال َعذَا بَ عَلـى‬
‫‪ 18216‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ ّ‬
‫ن َكذّبَ َو َتوَلّـى كذّب بكتاب ال‪ ,‬وتولـى عن طاعة ال‪.‬‬
‫مَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ َفمَ نْ َر ّبكُما يا مُوسَى فـي هذا الكلم متروك‪ ,‬ترك ذكره استغناء بدللة ما ذكر‬
‫علـيه عنه‪ ,‬وهو قوله‪َ :‬ف ْأتِـيا ُه فقال له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته‪ ,‬فقال فرعون لهما‬
‫ن رَ ّبكُ ما يا مُو سَى فخاطب موسى وحده بقوله‪ :‬يا مو سى‪ ,‬وقد و جه الكلم قبل ذلك إل ـى‬
‫َفمَ ْ‬
‫موسـى وأخيـه‪ .‬وإنــما فعـل ذلك كذلك‪ ,‬لن الــمـجاوبة إنــما تكون مـن الواحـد وإن كان‬
‫ال ـخطاب ب ـالـجماعة ل من ال ـجميع‪ ,‬وذلك نظ ير قوله‪ :‬نَ سِيا حُ َوتُه ما وكان الذي يح مل‬
‫الـحوت واحد‪ ,‬وهو فتـى موسى‪ ,‬يدلّ علـى ذلك قوله‪ :‬إنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ‬
‫ن أ ْذ ُكرَهُ‪.‬‬
‫شيْطانُ أ ْ‬
‫إلّ ال ّ‬
‫شيْءٍ خَ ـلْقَ ُه ثُ مّ َهدَى يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال مو سى له‬
‫ل َ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ َربّ نا اّلذِي أعْطَى كُ ّ‬
‫ل ش يء خ ـلقه‪ ,‬يعن ـي‪ :‬نظ ير خ ـلقه ف ـي ال صورة والهيئة‬
‫م ـجيبـا‪ :‬رب نا الذي أع طى ك ّ‬
‫كالذكور مـن بنــي آدم‪ ,‬أعطاهـم نظيـر خــلقهم مـن الناث أزواجـا‪ ,‬وكالذكور مـن البهائم‪,‬‬
‫أعطاها نظير خـلقها‪ ,‬وفـي صورتها وهيئتها من الناث أزواجا‪ ,‬فلـم يعط النسان خلف‬
‫خـلقه‪ ,‬فـيزوّجه بـالناث من البهائم‪ ,‬ول البهائم بـالناث من النس‪ ,‬ثم هداهم للـمأتـي‬
‫الذي منه النسل والنـماء كيف يأتـيه‪ ,‬ولسائر منافعه من الـمطاعم والـمشارب‪ ,‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬بنـحو الذي قلنا فـيه‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18217‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل شيـء زوجـة‪ ,‬ثـم هداه‬
‫ُمـ َهدَى يقول‪ :‬خــلق لك ّ‬
‫شيْءٍ خَــلْقَ ُه ث ّ‬
‫عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬أعْطَى كُلّ َ‬
‫لـمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده‪.‬‬
‫‪ 18218‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ :‬قالَ َربّ نا اّلذِي‬
‫ل دابة خـلقها زوجا‪ ,‬ثم هدى للنكاح‪.‬‬
‫شيْ ٍء خَـلْقَهُ ُث ّم َهدَى يقول‪ :‬أعطى ك ّ‬
‫عطَى كُلّ َ‬
‫أْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله ثُمّ َهدَى أنه هداهم إلـى الُلفة والجتـماع والـمناكحة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18219‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ُمـ َهدَى يعنــي‪ :‬هدى‬
‫شيْءٍ خَــلْ َقهُ ث ّ‬
‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬اّلذِي أعْطَى كُلّ َ‬
‫بعضهم إلـى بعض‪ ,‬ألّف بـين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضا‪.‬‬
‫ل ش يء صورته‪ ,‬و هي خ ـلقه الذي خ ـلقه به‪ ,‬ثم هداه‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬أع طى ك ّ‬
‫لـما يُصلـحه من الحتـيال للغذاء والـمعاش‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18220‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ل شيء‬
‫شيْءٍ خَـلْ َقهُ ثُ مّ َهدَى قال‪ :‬أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى ك ّ‬
‫عطَى كُلّ َ‬
‫فـي قوله‪ :‬أ ْ‬
‫إلـى معيشته‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪:‬‬
‫ل دابـة‪ ,‬ثـم هداهـا لــما يُصـلـحها‪,‬‬
‫ُمـ َهدَى قال‪ :‬سـوّى خــلق ك ّ‬
‫شيْءٍ خَــلْقَهُ ث ّ‬
‫ل َ‬
‫أعْطَى كُ ّ‬
‫فعلّـمها إياه‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ُمـ َهدَى قال‪ :‬سـوّى خــلق كلّ دابـة ثـم هداهـا لــما‬
‫شيْءٍ خَــلْقَ ُه ث ّ‬
‫َربّنـا اّلذِي أعْط َى كُلّ َ‬
‫يُصـلـحها وعلّــمها إياه‪ ,‬ولــم يجعـل الناس فــي خــلق البهائم‪ ,‬ول خــلق البهائم فــي‬
‫خـلق الناس‪ ,‬ولكن خـلق كلّ شيء فقدّره تقديرا‪.‬‬
‫حدثنـا مــحمد بـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عن حميـد عن‬
‫شيْءٍ خَـلْقَ ُه ُثمّ َهدَى قال‪ :‬هداه إلـى حيـلته ومعيشته‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عطَى كُ ّ‬
‫مـجاهد أ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أعطى كلّ شيء ما يُصلـحه‪ ,‬ثم هداه له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18221‬ـ حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ل شيء ما يُصلـحه‪ .‬ثم هداه له‪.‬‬
‫شيْ ٍء خَـلْقَهُ قال‪ :‬أعطى ك ّ‬
‫عطَى كُلّ َ‬
‫أْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي تأويـل ذلك‪ ,‬لنه جلّ ثناؤه أخبر أنه‬
‫أعطى كلّ شيء خـلقه‪ ,‬ول يعطي الـمعطي نفسه‪ ,‬بل إنـما يعطي ما هو غيره‪ ,‬لن العطية‬
‫تقتضي الـمعطي الـمُعطَى والعطية‪ ,‬ول تكون العطية هي الـمعْطَى‪ ,‬وإذا لـم تكن هي هو‪,‬‬
‫وكا نت غيره‪ ,‬وكا نت صورة كلّ خ ـلق ب عض أجزائه‪ ,‬كان معلو ما أ نه إذا ق ـيـل‪ :‬أع طى‬
‫النسان صورته‪ ,‬إنـما يعنـي أنه أعطى بعض الـمعانـي التـي به مع غيره دعي إنسانا‪,‬‬
‫فكأن قائله قال‪ :‬أعطى كلّ خـلق نفسه‪ ,‬ولـيس ذلك إذا وجه إلـيه الكلم بـالـمعروف من‬
‫معان ـي العط ية‪ ,‬وإن كان قد يحت ـمله الكلم‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬ف ـالصوب من معان ـيه‬
‫ل شيء أعطاه ربه مثل خـلقه‪ ,‬فزوّجه به‪ ,‬ثم هداه لـما بـيّنا‪ ,‬ثم‬
‫أن يكون موجها إلـى أن ك ّ‬
‫شيْءٍ خَـلْقَه كما يقال‪ :‬عبد ال مثل السد‪ ,‬ثم يحذف مثل‪,‬‬
‫عطَى كُلّ َ‬
‫ترك ذكر مثل‪ ,‬وقـيـل أ ْ‬
‫فـيقول‪ :‬عبد ال السد‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى * قَالَ عِ ْلمُهَا عِندَ رَبّي فِي‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ فَمَا بَالُ ا ْل ُقرُو نِ الُوَل َ‬
‫ِكتَابٍ لّ َيضِلّ َربّي َولَ يَنسَى }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال فرعون ل ـموسى‪ ,‬إذ و صف مو سى ر به جلّ جلله ب ـما و صفه‬
‫به من عظيـم السلطان‪ ,‬وكثرة النعام علـى خـلقه والفضال‪ :‬فما شأن المـم الـخالـية‬
‫من قبلنا لـم تقرّ بـما تقول‪ ,‬ولـم تصدّق بـما تدعو إلـيه‪ ,‬ولـم تـخـلص له العبـادة‪,‬‬
‫ولكن ها عبدت الَل هة والوثان من دو نه‪ ,‬إن كان ال مر عل ـى ما ت صف من أن الشياء كل ها‬
‫خـلقه‪ ,‬وأنها فـي نعمه تتقلّب‪ ,‬وفـي ِمنَنه تتصرف؟ فأجابه موسى فقال‪ :‬علـم هذه المـم‬
‫الت ـي م ضت من قبل نا ف ـيـما فعلت من ذلك‪ ,‬ع ند رب ـي ف ـي كتاب‪ :‬يعن ـي ف ـي أ مّ‬
‫الكتاب‪ ,‬ل عل ـم ل ـي بأمر ها‪ ,‬و ما كان سبب ضلل من ضلّ من هم فذ هب عن د ين ال ل‬
‫َيضِلّ َربّـي يقول‪ :‬ل يخطىء ربـي فـي تدبـيره وأفعاله‪ ,‬فإن كان عذّب تلك القرون فـي‬
‫عاجل‪ ,‬وعجل هلكها‪ ,‬فـالصواب ما فعل‪ ,‬وإن كان أخر عقابها إلـى القـيامة‪ ,‬فـالـحقّ ما‬
‫ل َينْسـَى فــيترك فعـل مـا فعْله حكمـة‬
‫فعـل‪ ,‬هـو أعلــم بــما يفعـل‪ ,‬ل يخطىء ربــي و َ‬
‫وصواب‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18222‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل رَبّـي وَل َي ْنسَى يقول‪ :‬ل يخطىء ربـي ول ينسى‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فِـي كِتابٍ ل يَضِ ّ‬
‫‪ 18223‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَا بَـالُ ال ُقرُو نِ‬
‫ع ْندَ‬
‫الُولــى يقول فمـا أعمـى القرون الولــى‪ ,‬فوكلهـا نبــي ال موكلً فقال‪ :‬عِلْــمُها ِ‬
‫َربّـي‪ ...‬الَية يقول‪ :‬أي أعمارها وآجالها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله ل َيضِلّ َربّـي وَل َي ْنسَى واحدا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18224‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ل َيضِلّ َربّـي وَل َي ْنسَى قال‪ :‬هما شيء واحد‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ل مـا كان‬
‫والعرب تقول‪ :‬ضلّ فلن منزله‪ :‬إذا أخطأه‪ ,‬يضله بغيـر ألف‪ ,‬وكذلك ذلك فــي ك ّ‬
‫من شيء ثابت ل يبرح‪ ,‬فأخطأه مريده‪ ,‬فإنها تقول‪ :‬أضله‪ ,‬فأما إذا ضاع منه ما يزول بنفسه‬
‫من دا بة ونا قة و ما أش به ذلك من الـحيوان الذي ينفلت منه فـيذهب‪ ,‬فإن ها تقلو‪ :‬أضلّ فلن‬
‫بعيره أو شا ته أو ناق ته يُضله ب ـاللف‪ .‬و قد ب ـيّنا مع نى الن سيان ف ـيـما م ضى ق بل ب ـما‬
‫أغنى عن إعادته‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبُلً وَأَنزَلَ‬
‫ل َلكُمُ الرْضَ َمهْدا وَسََلكَ َلكُمْ فِيهَا ُ‬
‫جعَ َ‬
‫{اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫شّتىَ }‪.‬‬
‫جنَا بِ ِه َأزْوَاجا مّن ّنبَاتٍ َ‬
‫سمَآ ِء مَآءً َفَأخْ َر ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫مِ َ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي قراءة قوله َمهْدا فقرأ ته عامّة قرّاء ال ـمدينة والب صرة‪« :‬اّلذِي‬
‫جعَلَ َلكُ مُ الرْ ضَ مِهادا بك سر ال ـمِيـم من ال ـمِهاد وإل ـحاق ألف ف ـيه ب عد الهاء‪ ,‬وكذلك‬
‫َ‬
‫عمل هم ذلك ف ـي كلّ القرآن‪ .‬وز عم ب عض من اختار قراءة ذلك كذلك‪ ,‬أ نه إن ـما اختاره من‬
‫أ جل أن ال ـمهاد‪ :‬ا سم ال ـموضّع‪ ,‬وأن ال ـمهد الف عل قال‪ :‬و هو م ثل الفرش والفراش‪ .‬وقرأ‬
‫ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين‪َ :‬مهْدا بـمعنى‪ :‬الذي مهد لكم الرض مهدا‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن يقال‪ :‬إنه ما قراءتان م ستفـيضتان ف ـي قَرأة الم صار‬
‫مشهورتان‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـيها‪.‬‬
‫سبُلً يقول‪ :‬وأن هج ل كم ف ـي الرض طر قا‪ .‬والهاء ف ـي قوله‬
‫وقوله‪ :‬وَ سََلكَ َلكُ مْ ف ـيها ُ‬
‫فـيها‪ :‬من ذكر الرض‪ ,‬كما‪:‬‬
‫سبُلً‪ :‬أي‬
‫‪18225‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَسََلكَ َلكُمْ فِـيها ُ‬
‫طرقا‪.‬‬
‫ن نَبـاتٍ‬
‫ن السّماءِ ماءً يقلو‪ :‬وأنزل من السماء مطرا فأخرجنا به أزْوَاجا مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْنزَلَ مِ َ‬
‫شتّـى وهذا خبر من ال تعالـى ذكره عن إنعامه علـى خـلقه بـما يحدث لهم من الغيث‬
‫َ‬
‫الذي ينزله من سمائه إلـى أرضه‪ ,‬بعد تناهي خبره عن جواب موسى فرعون عما سأله عنه‬
‫وثنائه علـى ربه بـما هو أهله‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فأخرجنا نـحن أيها الناس بـما ننزل من‬
‫السماء من ماء أزواجا‪ ,‬يعنـي ألوانا من نبـات شتـى‪ ,‬يعنـي مختلفة الطعوم‪ ,‬والرايـيح‬
‫والـمنظر‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18226‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫شتّـى يقول‪ :‬مختلف‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ِ :‬منْ نَبـاتٍ َ‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لوْلِي ال ّن َهىَ }‪.‬‬
‫ليَاتٍ ُ‬
‫{كُلُواْ وَارْعَوْا َأ ْنعَا َمكُمْ ِإنّ فِي ذَِلكَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬كلوا أي ها الناس من ط يب ما أخرج نا ل كم ب ـالغيث الذي أنزلناه من‬
‫ال سماء إل ـى الرض من ثمار ذلك وطعا مه‪ ,‬و ما هو من أقوات كم وغذائ كم‪ ,‬وارعوا ف ـيـما‬
‫هو أرزاق بهائمكم منه وأقواتها أنعامكم إ نّ فِـي ذل كَ لَيا تٍ يقول‪ :‬إن فـيـما وصفت فـي‬
‫هذه الَيـة مـن قدرة ربكـم‪ ,‬وعظيــم سـلطانه لَيات‪ :‬يعنــي لدللت وعلمات تدلّ علــى‬
‫وحدانـية ربكم‪ ,‬وأن ل إله لكم غيره ُأوِلـي ال ّنهَى يعنـي‪ :‬أهل الـحجى والعقول‪ .‬والنهي‪:‬‬
‫شيَة‪.‬‬
‫جمع نُهية‪ ,‬كما ال ُكشَي‪ :‬جمع ُك ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وال ُكشَي‪ :‬شحمة تكون فـي جوف الض بّ‪ ,‬شبـيهة بـالسرّة وخ صّ تعالـى‬
‫ذكره بأن ذلك آيات لولـي ال ّنهَي‪ ,‬لنهم أهل التفكّر والعتبـار‪ ,‬وأهل التدبر والتعاظ‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خ َرىَ }‪.‬‬
‫خ ِرجُ ُكمْ تَارَةً ُأ ْ‬
‫{ ِم ْنهَا خَلَ ْقنَا ُكمْ َوفِيهَا ُنعِي ُدكُمْ َو ِم ْنهَا ُن ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬مـن الرض خــلقناكم أيهـا الناس‪ ,‬فأنشأناكـم أجسـاما ناطقـة َوفِــيها‬
‫ُنعِي ُدكُ مْ يقول‪ :‬وفـي الرض نعيدكم بعد مـماتكم‪ ,‬فن صيركم ترابـا‪ ,‬كما كنت ـم ق بل إنشائنا‬
‫خ ِرجُ ُكمْ يقول‪ :‬و من الرض ن ـخرجكم ك ما كنت ـم ق بل م ـماتكم‬
‫ل كم بشرا سويا َو ِمنْ ها نُ ـ ْ‬
‫خرَى يقول‪ :‬مرّة أخرى‪ ,‬كما‪:‬‬
‫أحياء‪ ,‬فننشئكم منها‪ ,‬كما أنشأناكم أوّل مرّة‪ .‬وقوله‪ :‬تارَةً ُأ ْ‬
‫خ ِرجُ ُكمْ تارَةً‬
‫‪ 18227‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو ِمنْ ها نُ ـ ْ‬
‫خرَى يقول‪ :‬مرّة أخرى‪.‬‬
‫ُأ ْ‬
‫خرَى‬
‫‪ 18228‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬تارَةً ُأ ْ‬
‫قال‪ :‬مرّة أخرى الـخـلق الَخر‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فتأويـل الكلم إذن‪ :‬من الرض أخرجناكم ولـم تكونوا شيئا خـلقا سويا‪,‬‬
‫وسنـخرجكم منها بعد مـماتكم مرّة أخرى‪ ,‬كما أخرجناكم منها أوّل مرّة‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{وَلَ َقدْ َأ َر ْينَا ُه آيَا ِتنَا كُّلهَا فَ َكذّبَ وََأ َبىَ }‪.‬‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد أري نا فرعون آيات نا‪ ,‬يعن ـي أدلت نا وحجج نا عل ـى حق ـيقة ما‬
‫أرسلنا به رسولـينا‪ ,‬موسى وهارون إلـيه كلها َف َكذّ بَ وَأبَى أن يقبل من موسى وهارون ما‬
‫ق استكبـارا وعتوّا‪.‬‬
‫جاءا به من عند ربهما من الـح ّ‬

‫‪58‬‬ ‫و‬ ‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ِركَ َيمُوسَـىَ *‬
‫خ ِرجَنَا مِن ْـ َأ ْرضِنَا بِس ِـ ْ‬
‫ج ْئتَنَا ِل ُت ْ‬
‫{قَالَ َأ ِ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ت َمكَانا سُوًى }‪.‬‬
‫ن َولَ أَن َ‬
‫جعَلْ َب ْي َننَا َو َب ْي َنكَ مَ ْوعِدا لّ ُنخْلِ ُفهُ َنحْ ُ‬
‫سحْرٍ ّمثْلِ ِه فَا ْ‬
‫فََلنَ ْأ ِت َي ّنكَ ِب ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال فرعون ل ـما أريناه آيات نا كل ها لر سولنا مو سى‪ :‬أجئت نا يا مو سى‬
‫ل بَـ ْينَنا‬
‫سحْ ٍر ِمثْلِ ِه فـاجْعَ ْ‬
‫ك بِ ِ‬
‫لتـخرجنا من منازلنا ودورنا بسحرك هذا الذي جئتنا به فََلنْأتِـ َينّ َ‬
‫َوبَــْي َنكَ مَ ْوعِدا ل نتعدّاه‪ ,‬لنــجيء بسـحر مثـل الذي جئت بـه‪ ,‬فننظـر أينـا يغلب صـاحبه‪ ,‬ل‬
‫نــخـلف ذلك الــموعد نَــحْنُ وَل أنْتَـ مَكانـا سُـوًى يقول‪ :‬بــمكان عدل بــيننا وبــينك‬
‫و َنصَف‪.‬‬
‫وقـد اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الــحجاز والبصـرة وبعـض‬
‫الكوفـيـين‪« :‬مَكانا سِوًى» بكسر السين‪ ,‬وقرأته عامة قرّاء الكوفة‪ :‬مَكانا سُوًى بضمها‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ ,‬أنه ما لغتان‪ ,‬أعن ـي الك سر وال ضم‬
‫ف ـي ال سين من « سوى» مشهورتان ف ـي العرب‪ .‬و قد قرأت ب كل واحدة منه ما عل ـماء من‬
‫القرّاء‪ ,‬مـع اتفــاق معنــيـيهما‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ .‬وللعرب فــي ذلك إذا كان‬
‫ب ـمعنى العدل والن صب ل غة هي أش هر من الك سر وال ضم و هو الفت ـح‪ ,‬ك ما قال جلّ ثناؤه‬
‫َتعَالُوا إل ـى كَلِ ـمَ ٍة سَوَا ٍء بَ ـينَنا َوبَ ـ ْي َن ُكمْ وإذا فت ـح ال سين م نه مدّ‪ .‬وإذا ك سرت أو ض مت‬
‫قصر‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عيْلنَ وال ِف ْزرِ‬
‫ن حَلّ ِببَ ْلدَ ٍةسُوًى بـينَ قَـيْسٍ قَـيْسٍ َ‬
‫ن أبـانا كا َ‬
‫فإ ّ‬
‫عدَى‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫عدَى‪ ,‬و ُ‬
‫ونظير ذلك من السماء‪ :‬طُوَى‪ ,‬وطَوَى وثَنى و ُثنَى وَ َ‬
‫ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18229‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬مَكانا سُوًى قال‪ :‬منصفـا بـينهم‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عن ابـن جُرَيـج‪ ,‬عـن مــجاهد‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 18230‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة مَكا نا سوًى‪ :‬أي عادلً‬
‫بـيننا وبـينك‪.‬‬
‫‪ 18231‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬مَكانا سُوًى‬
‫قال‪ :‬نصفـا بـيننا وبـينك‪.‬‬
‫‪ 18232‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫ل بَ ـ ْينَنا َوبَ ـ ْي َنكَ مَ ْوعِدا ل نُ ـخْـلِفُهُ نَ ـحْنُ وَل أنْ تَ مَكا نا سُوًى قال‪ :‬يقول‪ :‬عدلً‪.‬‬
‫ف ـاجْعَ ْ‬
‫وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 18233‬ـ حدثن ـي به يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬مَكا نا‬
‫سُوًى قال‪ :‬مكانا مستويا يتبـين للناس ما فـيه‪ ,‬ل يكون صوب ول شيء فـيغيب بعض ذلك‬
‫عن بعض مست ٍو حين يرى‪.‬‬

‫‪59‬و ‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرَ النّاسُـ ضُحًى *‬
‫حَ‬‫ع ُدكُم ْـ يَوْمُـ الزّينَةِ وَأَن ُي ْ‬
‫{قَالَ َموْ ِ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ن َفجَمَ َع َكيْدَ ُه ُثمّ َأ َتىَ }‪.‬‬
‫عوْ ُ‬
‫َفتَوَّلىَ فِرْ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬قال موسـى لفرعون‪ ,‬حيـن سـأله أن يجعـل بــينه وبــينه موعدا‬
‫للجتـماع‪ :‬موعدكم للجتـماع يَوْ مُ الزّينَةِ يعنـي يوم عيد كان لهم‪ ,‬أو سوق كانوا يتزيّنون‬
‫ل فجّـ وناح ية ضُحًى فذلك موعـد ما‬
‫شرَ النّاسُـ يقول‪ :‬وأن يُسـاق الناس من ك ّ‬
‫حَ‬‫ف ـيه وأ نْ ُي ْ‬
‫بـينـي وبـينك للجتـماع‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 18234‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ضحًى فإنه يوم‬
‫شرَ النّا سُ ُ‬
‫ن ُيحْ َ‬
‫ع ُدكُ مْ يَوْ مُ الزّينَةِ وأ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ مَ ْو ِ‬
‫زينة يجتـمع الناس إلـيه ويحشر الناس له‪.‬‬
‫ع ُدكُ مْ‬
‫جرَيج قال َموْ ِ‬
‫‪ 18235‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫ضحًى إلـى عيد لهم‪.‬‬
‫شرَ النّاسُ ُ‬
‫حَ‬‫يَ ْومُ الزّينَ ِة قال‪ :‬يوم زينة لهم‪ ,‬ويوم عيد لهم وأنْ ُي ْ‬
‫‪ 18236‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد يَوْ ُم الزّينَ ِة قال‪ :‬يوم‬
‫السوق‪.‬‬
‫‪ 18237‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد َي ْومُ الزّينَةِ‪ :‬موعدهم‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ي قال مو سى‪:‬‬
‫‪ 18238‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سد ّ‬
‫ضحًى وذلك يوم عيد لهم‪.‬‬
‫حشَرَ النّاسُ ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫ع ُد ُكمْ َي ْومُ الزّينَةِ وأ ْ‬
‫مَوْ ِ‬
‫ع ُدكُ مْ َيوْ مُ الزّينَ ِة يوم عيد‬
‫‪18239‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قالَ مَ ْو ِ‬
‫ضحًى يجتـمعون لذلك الـميعاد الذي وعدوه‪.‬‬
‫شرَ النّاسُ ُ‬
‫حَ‬‫كان لهم‪ .‬وقوله‪ :‬وأنْ ُي ْ‬
‫ع ُدكُمْ‬
‫ل مَوْ َ‬
‫‪18240‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬قا َ‬
‫يَ ْومُ الزّينَ ِة قال‪ :‬يوم العيد‪ ,‬يوم يتفرّغ الناس من العمال‪ ,‬ويشهدون ويحضُرون ويرون‪.‬‬
‫ع ُدكُ مْ يَوْ مُ الزّينَ ُة يوم‬
‫‪ 18241‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق قالَ َموْ ِ‬
‫ن من‬
‫شرَ النّا سُ ضُحًى حت ـى يحضروا أمري وأمرك‪ ,‬وأ ّ‬
‫ن ُيحْ َ‬
‫ع يد كان فرعون يخرج له وأ ْ‬
‫ضحًى رفع بـالعطف علـى قوله يَوْ مُ الزّينَةِ‪ .‬وذُكر عن أبـي نهيك‬
‫شرَ النّا سُ ُ‬
‫حَ‬‫قوله وأ نْ ي ْ‬
‫فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪18242‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬عبد الـمؤمن‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا‬
‫حشَرَ النّاسُ ضحًى يعنـي فرعون يحشر قومه‪.‬‬
‫ن ُي ْ‬
‫نهيك يقول‪ :‬وأ ْ‬
‫عوْ نُ يقول تعالـى ذكره‪ :‬فأدبر فرعون معرضا عما أتاه به من الـحقّ‬
‫وقوله‪َ :‬فتَوَلّـى فِرْ َ‬
‫فجَمَعَ َك ْيدَ ُه يقول‪ :‬فجمع مكره‪ ,‬وذلك جمعُه سحرتَه بعد أخذه إياهم بتعلـمه‪ ,‬ثُمّ أتَـى يقول‪ :‬ثم‬
‫جاء للـموعد الذي وعده موسى‪ ,‬وجاء بسحرته‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح َتكُم‬
‫سِ‬‫ل تَ ْف َترُواْ عَلَى اللّ هِ َكذِبا َفيُ ْ‬
‫سىَ َويَْلكُ مْ َ‬
‫{قَالَ َلهُ مْ مّو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ب مَنِ ا ْف َت َرىَ }‪.‬‬
‫ِب َعذَابٍ َو َقدْ خَا َ‬
‫يقل تعالـى ذكره‪ :‬قَالَ مُوسَى للسحرة لـما جاء بهم فرعون‪َ :‬ويْـَلكُمْ ل تَ ْف َترُوا عَلـى اللّهِ‬
‫حتَ ُكمْ ِب َعذَابٍ فـيستأصلكم بهلك‬
‫سِ‬‫َكذِبـا يقول‪ :‬ل تـختلفوا علـى ال كذبـا‪ ,‬ول تتقوّلوه فَـ ُي ْ‬
‫سحَت‪ ,‬وأسحت‪ ,‬وَسَحت‪ ,‬أكثر من أسحت‪ ,‬يقال منه‪ :‬سحت‬
‫فـيبـيدكم‪ .‬وللعرب فـيه لغتان‪َ :‬‬
‫الدهر‪ ,‬وأسحت مال فلن‪ :‬إذا أهلكه فهو يَ سْحَته سحتا‪ ,‬وأسحته يُ سْحته إسحاتا‪ .‬ومن السحات‬
‫قول الفرزدق‪:‬‬
‫سحَتا أوْ مُـجَّلفُ‬
‫ن الـمَالِ إلّ ُم ْ‬
‫عمِ َ‬
‫ض زَمانٍ يا بْنَ َمرْ َونَ لَـمْ َيدَ ْ‬
‫وَعَ ّ‬
‫ويُروى‪ :‬إل مسحت أو مـجلف‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18243‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫حتَكم ِب َعذَابٍ يقول‪ :‬فـيهلككم‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فَـ ُيسْ ِ‬
‫ح َتكُمْ ِب َعذَا بٍ يقول‬
‫سِ‬‫‪ 18244‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة فَ ـ ُي ْ‬
‫يستأصلكم بعذاب‪.‬‬
‫حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬فــي قوله‪:‬‬
‫حتَ ُكمْ ِب َعذَابٍ قال‪ :‬فـيستأصلكم بعذاب فـيهلككم‪.‬‬
‫سِ‬‫فَـ ُي ْ‬
‫سحِ َت ُكمْ‬
‫‪ 18245‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فَـ ُي ْ‬
‫ِب َعذَابٍ قال‪ :‬يهلككم هلكا لـيس فـيه بقـيّة‪ ,‬قال‪ :‬والذي يسحت لـيس فـيه بقـية‪.‬‬
‫سحِ َت ُكمْ ِب َعذَا بٍ‬
‫ي فَـ ُي ْ‬
‫‪ 18246‬ـ حدثنا موسى قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫يقول يهلككم بعذاب‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أ هل ال ـمدينة والب صرة وب عض أ هل‬
‫ح َتكُمْ‬
‫سِ‬‫ح َت ُكمْ» بفتـح الـياء من سحت يَسحت‪ .‬وقرأته عامة قرّاء الكوفة‪ :‬فَـيُ ْ‬
‫سَ‬‫الكوفة‪« :‬فَـيَ ْ‬
‫بضم الـياء من أسحت ُيسْحِت‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان‪ ,‬ولغتان معروفتان بـمعنى‬
‫واحـد‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ ,‬غيـر أن الفتــح فــيها أعجـب إلــيّ لنهـا لغـة أهـل‬
‫العالـية‪ ,‬وهي أفصح‪ ,‬والخرى وهي الضمّ فـي نـجد‪.‬‬
‫َنـ ا ْفتَرَى يقول‪ :‬ولــم يظفـر مـن يخــلق كذبــا وبقوله‪ ,‬بكذبـه ذلك‪,‬‬
‫خابـ م ِ‬
‫َ‬ ‫وقوله‪َ :‬و َقدْ‬
‫بحاجته التـي طلبها به‪ ,‬ورجا إدراكها به‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫و‬ ‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِنـ‬
‫ى * قَالُوَ ْا إ ْ‬
‫َسـرّو ْا ال ّنجْ َو َ‬
‫ُمـ وَأ َ‬
‫ُمـ َب ْي َنه ْ‬
‫{ َف َتنَازَعُوَ ْا َأ ْمرَه ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫طرِي َق ِتكُ ُم ا ْل ُمثْلَىَ }‪.‬‬
‫سحْرِ ِهمَا َو َيذْ َهبَا بِ َ‬
‫ض ُكمْ ِب ِ‬
‫ن َأرْ ِ‬
‫خ ِرجَا ُكمْ مّ ْ‬
‫حرَانِ ُيرِيدَانِ أَن ُي ْ‬
‫هَـذَانِ َلسَا ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فتنازع السحرة أمرهم بـينهم‪ .‬وكان تنازعهم أمرهم بـينهم فـيـما‬
‫ذكر أن قال بعضهم لبعض‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 18247‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬فتَنازَعُوا أ ْمرَهُ مْ‬
‫سرّوا النّ ـجْوَى قال السحرة ب ـينهم‪ :‬إن كان هذا ساحرا فإ نا سنغلبه‪ ,‬وإن كان من‬
‫بَ ـ ْي َنهُمْ وأ َ‬
‫السماء فله أمر‪.‬‬
‫وقال آخرون بل هو أن بعضهم قال لبعض‪ :‬ما هذا القول بقول ساحر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18248‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت عن و هب بن‬
‫من به‪ ,‬قال‪ :‬ج مع كلّ ساحر حب ـاله وع صيه‪ ,‬وخرج مو سى م عه أخوه يتكىء عل ـى ع صاه‪,‬‬
‫حتـى أتـى الـمـجمع‪ ,‬وفرعون فـي مـجلسه‪ ,‬معه أشراف أهل مـملكته‪ ,‬قد است َكفّ له‬
‫حتَ ُكمْ‬
‫سِ‬‫الناس‪ ,‬فقال موسـى للسـحرة حيـن جاءهـم‪َ :‬ويْــَل ُكمْ ل تَ ْفتَروا عَلــى اللّه ِـ َكذِبــا فَــُي ْ‬
‫ب مَنِ ا ْف َترَى فترادّ السحرة بـينهم‪ ,‬وقال بعضهم لبعض‪ :‬ما هذا بقول ساحر‪.‬‬
‫ِب َعذَابٍ َو َقدْ خا َ‬
‫سرّوا النّـجْوَى يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأسرّوا السحرة الـمناجاة بـينهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وأ َ‬
‫ثم اختلف أ هل العلـم السرار الذي أ سروه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو قول بعض هم لبعض‪ :‬إن كان‬
‫هذا ساحرا فإنا سنغلبه‪ ,‬وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا‪ .‬وقال آخرون فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 18249‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت عن و هب بن‬
‫خرِجاكُ مْ مِ نْ‬
‫نيْ‬
‫حرَانِ ُيرِيدَا نه أ ْ‬
‫من به‪ ,‬قال‪ :‬أشار بعضهـم إلــى ب عض بتناج‪ :‬إ نْ َهذَا نِ ل سَا ِ‬
‫سحْرِهِما‪.‬‬
‫ض ُكمْ ِب ِ‬
‫أرْ ِ‬
‫‪ 18250‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪َ :‬فتَنازَعُوا‬
‫ن َهذَا نِ‬
‫أ ْمرَهُ مْ بَ ـ ْي َن ُهمْ وأ سَرّوا النّ ـجْوَى من دون مو سى وهارون‪ ,‬قالوا ف ـي ن ـجواهم‪ :‬إ ْ‬
‫حرَهُما َو َيذْهَبـا ِبطَرِي َق ِتكُ مْ الـ ُمثْلَـى قالوا‪ :‬إن‬
‫سْ‬‫ن أ ْرضِكُ مْ بِ ِ‬
‫خرِجاكُ مْ مِ ْ‬
‫ن أ نْ ُي ْ‬
‫حرَانِ ُيرِيدا ِ‬
‫لَسا ِ‬
‫هذان ل ساحران‪َ ,‬ي ْعنُون بقول هم‪ :‬إن هذان مو سى وهارون‪ ,‬ل ساحران يريدان أن يخرجا كم من‬
‫أرضكم بسحرهما‪ ,‬كما‪:‬‬
‫حرَانِ‬
‫ن لَسا ِ‬
‫ن َهذَا ِ‬
‫‪ 18251‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ ْ‬
‫سحْرِهِما موسى وهارون صلـى ال علـيهما‪.‬‬
‫ض ُكمْ ِب ِ‬
‫ن أرْ ِ‬
‫ن ُيخْرِجا ُكمْ مِ ْ‬
‫ُيرِيدَانِ أ ْ‬
‫حرَانِ فقرأ ته عا مة قرّاء الم صار‪« :‬إ نّ‬
‫ن لَ سا ِ‬
‫ن َهذَا ِ‬
‫و قد اختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬إ ْ‬
‫َهذَا نِ» بتشديد إن وبـاللف فـي هذان‪ ,‬وقالوا‪ :‬قرأنا ذلك كذلك‪ .‬وكان بعض أهل العربـية‬
‫مـن أهـل البصـرة يقول‪« :‬إن» خفــيفة فــي معنـى ثقــيـلة‪ ,‬وهـي لغـة لقوم يرفعون بهـا‪,‬‬
‫ويدخـلون اللم لـيفرقوا بـينها وبـين التـي تكون فـي معنى ما‪ .‬وقال بعض نـحويـيّ‬
‫الكو فة‪ :‬ذلك عل ـى وجه ين‪ :‬أحده ما عل ـى ل غة بن ـي ال ـحارث بن ك عب و من جاور هم‪,‬‬
‫يجعلون الثنـين فـي رفعهما ونصبهما وخفضهما بـاللف‪ .‬وقد أنشدنـي رجل من الَ سْد‬
‫عن بعض بنـي الـحارث بن كعب‪:‬‬
‫ىمَساغا لِنابـاهُ الشّجاعُ لَصمّـما‬
‫طرَاقَ الشّجاعِ وَلَ ْو رَأ َ‬
‫فأطْ َرقَ إ ْ‬
‫قال‪ :‬وح كى ع نه أي ضا‪ :‬هذا خط يدا أ خي أعر فه‪ ,‬قال‪ :‬وذلك وإن كان قل ـيلً أق ـيس‪ ,‬لن‬
‫العرب قالوا‪ :‬مسـلـمون‪ ,‬فجعلوا الواو تابعـة للضمـة‪ ,‬لنهـا ل تعرب‪ ,‬ثـم قالوا‪ :‬رأيـت‬
‫الـمسلـمين‪ ,‬فجعلوا الـياء تابعة لكسرة الـميـم قالوا‪ :‬فلـما رأوا الـياء من الثنـين ل‬
‫ل حال‪ .‬قال‪:‬‬
‫يـمكنهم كسر ما قبلها‪ ,‬وثبت مفتوحا‪ ,‬تركوا اللف تتبعه‪ ,‬فقالوا‪ :‬رجلن فـي ك ّ‬
‫وقـد اجتــمعت العرب علــى إثبــات اللف فــي كلم الرجلــين‪ ,‬فــي الرفـع والنصـب‬
‫ى الرجلــين‪ ,‬ومررت‬
‫والــخفض‪ ,‬وهمـا اثنان‪ ,‬إل بنــي كنانـة‪ ,‬فإنهـم يقولون‪ :‬رأيـت كِلَــ ِ‬
‫بكل ـي الرجل ـين‪ ,‬و هي قب ـيحة قل ـيـلة َمضَوا عل ـى الق ـياس‪ .‬قال‪ :‬والو جه الَ خر أن‬
‫تقول‪ :‬وجدت اللف من هذا دعامة‪ ,‬ولـيست بلم «فَعلَـى» فلـما بنـيت زدت علـيها نونا‪,‬‬
‫ل حال‪ ,‬ك ما قالت العرب الذي‪ ,‬ثم زادوا نو نا‬
‫ثم تر كت اللف ثاب تة عل ـى حال ها ل تزول بك ّ‬
‫تدلّ علـى الـجمع‪ ,‬فقالوا‪ :‬الذين فـي رفعهم ونصبهم وخفضهم‪ ,‬كما تركوا هذان فـي رفعه‬
‫ون صبه وخف ضه‪ .‬قال‪ :‬وكان الق ـياس أن يقولوا‪ :‬اّلذُون‪ .‬وقال آ خر من هم‪ :‬ذلك من ال ـجزم‬
‫الـمرسل‪ ,‬ولو نصب لـخرج إلـى النبساط‪.‬‬
‫‪18252‬ـ وحُدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو عمرو وعيسى بن عمر‬
‫ويو نس‪ ,‬إن هذ ين ل ساحران ف ـي الل فظ‪ ,‬وك تب «هذان» ك ما يريدون الكتاب‪ ,‬والل فظ صواب‪.‬‬
‫قال‪ :‬وز عم أ بو ال ـخطاب أ نه سمع قو ما من بن ـي كنا نة وغير هم‪ ,‬يرفعون الثن ـين ف ـي‬
‫مو ضع ال ـجرّ والن صب‪ .‬قال‪ :‬وقال ب شر بن هلل‪ :‬إن ب ـمعنى البتداء واليجاب‪ .‬أل ترى‬
‫أن ها تع مل ف ـيـما ي ـلـيها‪ ,‬ول تع مل ف ـيـما ب عد الذي بعد ها‪ ,‬فتر فع ال ـخبر ول تن صبه‪,‬‬
‫كما نصبت السم‪ ,‬فكان مـجاز «إن هذان لساحران»‪ ,‬مـجاز كلمين‪َ ,‬مخْرجه‪ :‬إنه‪ :‬إي َنعَم‪,‬‬
‫ثم قلت‪ :‬هذان ساحران‪ .‬أل ترى أنهم يرفعون الـمشترك كقول ضابىء‪:‬‬
‫ب‬
‫ن َيكُ أ ْمسَى بـالـ َمدِينَ ِة َرحُْلهُفإنّـي َوقَـيّا ٌر ِبهَا َل َغرِي ُ‬
‫َفمَ ْ‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ب‬
‫عضَ ِ‬
‫ن ِمثْلَ َقرْنِ ال ْ‬
‫ت هَوَازِ َ‬
‫غدُوّها َورَواحَها َترَكْ ْ‬
‫سيُوفَ ُ‬
‫إنّ ال ّ‬
‫قال‪ :‬ويقول بعضهـم‪ :‬إن ال وملئكتُهُـ يصـلون علــى النبــيّ‪ ,‬فــيرفعون علــى شركـة‬
‫حرِمين يقولون‪ :‬إن‬
‫البتداء‪ ,‬ول يعملون فــيه إنـّ‪ .‬قال‪ :‬وقـد سـمعت الفصـحاء مـن الــمُـ ْ‬
‫الــحمدَ والنعمةُ لك والــملكُ‪ ,‬ل شريـك لك‪ .‬قال‪ :‬وقرأهـا قوم علــى تــخفـيف نون إن‬
‫وإسكانها‪ .‬قال‪ :‬ويجوز لنهم قد أدخـلوا اللم فـي البتداء وهي فصل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫شهْ َربَهْ‬
‫س ل َعجُوزٌ َ‬
‫ُأمّ الـحُلَـيْ ِ‬
‫قال‪ :‬وزعـم قوم أنـه ل يجوز‪ ,‬لنـه إذا خفـف نوّن «إن» فل بدّ له مـن أن يدخــل «إل»‬
‫فـيقول‪ :‬إن هذا إل ساحران‪.‬‬
‫ن بتشد يد نون ها‪ ,‬وهذان ب ـاللف‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب من القراءة ف ـي ذلك عند نا‪ :‬إ ّ‬
‫لجماع الـحجة من القرّاء عل ـيه‪ ,‬وأنه كذلك هو ف ـي خ طّ الـمصحف‪ .‬ووجهه إذا قرىء‬
‫كذلك مشابه ته الذ ين إذ زادوا عل ـى الذي النون‪ ,‬وأقرّ ف ـي جم يع الحوال العراب عل ـى‬
‫ن زيدت عل ـى هذا نون وأقرّ ف ـي جم يع أحوال العراب عل ـى‬
‫ن َهذَا ِ‬
‫حالة واحدة‪ ,‬فكذلك إ ّ‬
‫حال واحدة‪ ,‬وهـي لغـة بلــحرث بـن كعـب‪ ,‬وخثعـم‪ ,‬وزبــيد‪ ,‬ومـن ولــيهم مـن قبــائل‬
‫الـيـمن‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬و َيذْهَب ـا بطَرِي َق ِتكُ مْ ال ـ ُمثْلَـى يقول‪ :‬ويغلب ـا عل ـى ساداتكم وأشراف كم‪ ,‬يقال‪ :‬هو‬
‫طري قة قو مه ونظورة قو مه‪ ,‬ونظيرت هم إذا كان سيدهم وشريف هم وال ـمنظور إل ـيه‪ ,‬يقال ذلك‬
‫للواحـد والــجمع‪ ,‬وربــما جمعوا‪ ,‬فقالوا‪ :‬هؤلء طرائق قومهـم ومنـه قول ال تبــارك‬
‫طرَائ قَ ِقدَادا وهؤلء نظائر قومهم‪ .‬وأما قوله‪ :‬الـ ُمثْلَـى فإنها تأنـيث المثل‪,‬‬
‫وتعالـى‪ُ :‬كنّا َ‬
‫يقال للـمؤنث‪ ,‬خذ الـمثلـى منهما‪ .‬وفـي الـمذكر‪ :‬خذ المثل منهما‪ ,‬ووحدت الـمثلـى‪,‬‬
‫سنَى‪ ,‬و قد يحت ـمل أن يكون‬
‫حْ‬‫و هي صفة ون عت لل ـجماعة‪ ,‬ك ما ق ـيـل‪ :‬ل هُ ال سْما ُء ال ـ ُ‬
‫الـمُثلـى أنثت لتأنـيث الطريقة‪.‬‬
‫طرِي َقتِ ُكمُ الـ ُمثْلَـى قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي معنى قوله‪ِ :‬ب َ‬
‫‪ 18253‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫طرِي َق ِتكُمُ الـمُثلَـى يقول‪ :‬أمثلكم وهم بنو إسرائيـل‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َيذْهَبـا ِب َ‬
‫‪ 18254‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َيذْهَبـا ِبطَرِي َق ِت ُكمُ الـمُثْلَـى قال‪ :‬أولـي العقل والشرف والنساب‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي‬
‫قوله َو َيذْهَبـا ِبطَرِي َق ِت ُكمُ الـ ُمثْلَـى قال‪ :‬أولـي العقول والشراف والنساب‪.‬‬
‫‪ 18255‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫طرِي َقتِكُ مُ ال ـ ُمثْلَـى وطريقت هم ال ـمُثلـى يومئذٍ كا نت ب نو إ سرائيـل‪ ,‬وكانوا أك ثر‬
‫َو َيذْهَب ـا ِب َ‬
‫القوم عددا وأموالً وأولدا‪ .‬قال عدوّ ال‪ :‬إنـما يريدان أن يذهبـا بهم لنفسهما‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‬
‫ِبطَرِي َق ِت ُكمُ الـ ُمثْلَـى قال‪ :‬ببنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫‪ 18256‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ َو َيذْ َهبَ ـا‬
‫ِبطَرِي َق ِت ُكمُ الـ ُمثْلَـى يقول‪ :‬يذهبـا بأشراف قومكم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬ويغيرا سنتكم ودين كم الذي أنت ـم عل ـيه‪ ,‬من قول هم‪ :‬فلن ح سن‬
‫الطريقة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18257‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬و َيذْهَب ـا‬
‫ُمـ الــُمثْلَـى قال‪ :‬يذهبــا بــالذي أنتــم علــيه‪ ,‬يغيـر مـا أنتــم علــيه‪ .‬وقرأ‪:‬‬
‫ِبطَرِي َق ِتك ُ‬
‫ظ ِهرَ فِ ـي الرْ ضِ‬
‫ن ُي َبدّلَ دِي َنكُ مْ أوْ أ نْ ُي ْ‬
‫َذرُونِ ـي أ ْقتُلْ مُو سَى وَل ـ ْي ْدعُ َربّ هُ إنّ ـي أخا فُ أ ْ‬
‫ُمـ الــُمثْلَـى وقال‪ :‬يقول طريقتكـم الــيوم طريقـة‬
‫الفَسـادَ قال‪ :‬هذا قوله‪َ :‬و َيذْهَبــا ِبطَرِي َق ِتك ُ‬
‫طرِي َق ِتكُمُ‬
‫حسنة‪ ,‬فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة‪ .‬ورُوي عن علـي فـي معنى قوله‪َ :‬و َيذْهَبـا ِب َ‬
‫الـ ُمثْلَـى ما‪:‬‬
‫‪18258‬ـ حدثنا به القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرحمن‬
‫بن إسحاق‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬يصرفـان وجوه الناس إلـيهما‪.‬‬
‫طرِي َق ِتكُ مُ الـ ُمثْلَـى وإن‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا القول الذي قاله ابن زيد فـي قوله‪ :‬و َيذْهَبـا ِب َ‬
‫كان قولً له وجه يحتـمله الكلم‪ ,‬فإن تأويـل أهل التأويـل خلفه‪ ,‬فل أستـجيز لذلك القول‬
‫به‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫َنـ‬
‫ْمـ م ِ‬
‫َحـ ا ْليَو َ‬
‫صـفّا َو َقدْ َأفْل َ‬
‫ُمـ ا ْئتُو ْا َ‬
‫ُمـ ث ّ‬
‫ج ِمعُواْ َك ْي َدك ْ‬
‫{ َفَأ ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫س َتعْلَىَ }‪.‬‬
‫اْ‬
‫ُمـ فقرأتـه عامـة قرّاء الــمدينة والكوفـة‬
‫جمِعُوا َك ْي َدك ْ‬
‫اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ :‬فأ ْ‬
‫جمِعُوا‪ ,‬ووجّهوا معنى ذلك إلـى‪ :‬فأحكموا كيدكم‪ ,‬واعزموا‬
‫ج ِمعُوا َك ْيدَكُ مْ بهمز اللف من فأ ْ‬
‫فأ ْ‬
‫عل ـيه من قول هم‪ :‬أج مع فلن ال ـخروج‪ ,‬وأج مع عل ـى ال ـخروج‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬أز مع عل ـيه‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫جمَعُ‬
‫ن يَوْما وأ ْمرِيَ مُـ ْ‬
‫غ ُدوَ ْ‬
‫يا لَـيْت شعْرِي والـمُنى ل َتنْ َف ُعهَلْ أ ْ‬
‫يعن ـي بقوله‪« :‬م ـجمع» قد أح كم وعزم عل ـيه وم نه قول النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫جمِعْ عَلـى الصّ ْومِ مِن اللّـيْـلِ فَل صَوْم َلهُ»‪.‬‬
‫ن لَـمْ ُي ْ‬
‫«مَ ْ‬
‫ج ِمعُوا َكيْد كُ مْ» بوصل اللف‪ ,‬وترك همزها‪ ,‬من‬
‫وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة‪« :‬فـا ْ‬
‫جمعت الشيء‪ ,‬كأنه وجّهه إلـى معنى‪ :‬فل تدَعوا من كيدكم شيئا إل جئتـم به‪ .‬وكان بعض‬
‫جمَ عَ‬
‫قارئي هذه القراءة يعتلّ ف ـيـما ذُ كر ل ـي لقراء ته ذلك كذلك بقوله‪ :‬فَتَوّل ـى ِفرْعَ ْو نُ َف َ‬
‫َك ْيدَهُ‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب فـي قراءة ذلك عندنا همز اللف من أجمع‪ ,‬لجماع الـحجة من‬
‫القرّاء علـيه‪ ,‬وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفـين‪ ,‬فل وجه لن يقال لهم‪ :‬اجمعوا ما‬
‫دعيت ـم له م ـما أنت ـم به عال ـمون‪ ,‬لن ال ـمرء إن ـما يج مع ما ل ـم ي كن عنده إل ـى ما‬
‫عنده‪ ,‬ول ـم ي كن ذلك يوم تز يد ف ـي عل ـمهم ب ـما كانوا يعملو نه من ال سحر‪ ,‬بل كان يوم‬
‫إظهاره‪ ,‬أو كان متفرّقا مـما هو عنده‪ ,‬بعضه إلـى بعض‪ ,‬ولـم يكن السحر متفرّقا عندهم‬
‫ُمـ وذلك أن‬
‫َهـ فغيـر شبــيه الــمعنى بقوله فَأجِمعُوا َك ْي َدك ْ‬
‫َعـ َك ْيد ُ‬
‫جم َ‬‫فــيجمعونه‪ .‬وأمـا قوله‪َ :‬ف َ‬
‫فرعون كان هو الذي يج مع ويحت فل ب ـما يغلب به مو سى م ـما ل ـم ي كن عنده م ـجتـمعا‬
‫حاضرا‪ ,‬فقـيـل‪ :‬فتولـى فرعون فجمع كيده‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ ا ْئتُوا صَفّـا يقول‪ :‬احضروا وجيئوا صفـا وال صفّ هه نا م صدر‪ ,‬ولذلك و حد‪,‬‬
‫ومعناه‪ :‬ثم ائتوا صفوفـا‪ ,‬وللصفّ فـي كلم العرب موضع آخر‪ ,‬وهو قول العرب‪ :‬أتـيت‬
‫الصفّ الـيوم‪ ,‬يعنـي به الـمصلـى الذي يصلـى فـيه‪.‬‬
‫ح الــيَ ْو َم مَنِـ اس ْـَتعْلَـى يقول‪ :‬قـد ظفـر بحاجتـه الــيوم مـن عل علــى‬
‫وقوله‪َ :‬و َقدْ أفْلَــ َ‬
‫صاحبه فقهره‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18259‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قل‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت عن و هب بن‬
‫من به‪ ,‬قال‪ :‬ج مع فرعون الناس لذلك ال ـجمع‪ ,‬ثم أ مر ال سحرة فقال‪ :‬ا ْئتُوا صَفّـا َوقَدْ أفْلَ ـحَ‬
‫س َتعْلَـى أي قد أفلـح من أفلـج الـيوم علـى صاحبه‪.‬‬
‫ناْ‬
‫الـيَ ْومَ مَ ِ‬

‫‪66‬‬ ‫و‬ ‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَلْ َقىَ *‬
‫ل مَ ْ‬
‫سىَ ِإمّآ أَن تُلْقِيَ وَِإمّآ أَن ّنكُونَ َأوّ َ‬
‫{قَالُواْ َيمُو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫س َعىَ }‪.‬‬
‫حرِهِمْ َأ ّنهَا َت ْ‬
‫سْ‬‫خيّلُ إَِل ْيهِ مِن ِ‬
‫صيّ ُهمْ ُي َ‬
‫ع ِ‬
‫حبَاُل ُهمْ َو ِ‬
‫قَالَ بَلْ أَلْقُو ْا فَِإذَا ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فأجمعت السحرة كيدهم‪ ,‬ثم أتوا صفـا فقالوا لـموسى‪ :‬يا مُوسعى إمّا‬
‫ن ألْقَ ـى وترك ذ كر ذلك من الكلم اكتف ـاء بدللة الكلم‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن تُلْقِ ـيَ وإمّا أ نْ َنكُو نَ أوّ َ‬
‫أ ْ‬
‫علـيه‪.‬‬
‫واختلف فــي مبلغ عدد السـحرة الذيـن أتوا يومئذٍ صـفـا‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬كانوا سـبعين ألف‬
‫ساحر‪ ,‬مع كلّ ساحر منهم حبل وعصا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18260‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن هشام الدستوائي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا القا سم بن أب ـي بزّة‪ ,‬قال‪ :‬ج مع فرعون سبعين ألف ساحر‪ ,‬فألقوا سبعين ألف ح بل‪,‬‬
‫وسبعين ألف عصا فألقـى موسى عصاه‪ ,‬فإذا هي ثعبـان مبـين فـاغر به فـاه‪ ,‬فـابتلع‬
‫سجّدا عند ذلك‪ ,‬فما رفعوا رءوسهم حتـى رأوا الـجنة‬
‫سحَرَ ُة ُ‬
‫حبـالهم وعصيهم‪َ ,‬فأُلْقِـيَ ال ّ‬
‫ن البَـيّنات‪.‬‬
‫ن نُ ْؤ ِث َركَ عَلـى ما جاءنا مِ َ‬
‫والنار وثواب أهلهما‪ ,‬فعند ذلك قالُوا لَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانوا نـيفـا وثلثـين ألف رجل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18261‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬قَالو يا‬
‫ن قالَ لهُ مْ مُو سَى‪ :‬ألقوا‪ ,‬فألقوا حبـالهم‬
‫ن نَكو نَ نـحْنُ الـمُلْقِـي َ‬
‫مُو سَى إمّا أ نْ تُلْقِـيَ وَإمّا أ ْ‬
‫وعصيهم‪ ,‬وكانوا بضعة وثلثـين ألف رجل لـيس منهم رجل إل ومعه حبل وعصا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانوا خمسة عشر ألفـا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18262‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حد ثت عن و هب بن‬
‫ل ساحر حبـاله وعصيه‪.‬‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬صف خمسة عشر ألف ساحر‪ ,‬مع ك ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬كانوا تسع مئة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫‪ 18263‬ـ حدثنا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫السـحرة ثلث مئة مـن العريـش‪ ,‬وثلث مئة مـن فــيوم‪ ,‬ويشكون فــي ثلث مئة مـن‬
‫السكندرية فقالوا لـموسى‪ :‬إما أن تلقـي ما معك قبلنا‪ ,‬وإما أن نلقـي ما معنا قبلك‪ ,‬وذلك‬
‫ن ف ـي قوله‪ :‬إمّا أ نْ ف ـي مو ضع ن صب‪ ,‬وذلك أن‬
‫ن ألْقَ ـى وأ ّ‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن َنكُو نَ أوّ َ‬
‫قوله‪ :‬وإمّا أ ْ‬
‫معنى الكلم‪ :‬اختر يا موسى أحد هذين المرين‪ :‬إما أن تلقـي قبلنا‪ ,‬وإما أن نكون أوّل من‬
‫ألقـي‪ ,‬ولو قال قائل‪ :‬هو رفع‪ ,‬كان مذهبـا‪ ,‬كأنه وجّهه إلـى أنه خبر‪ ,‬كقول القائل‪:‬‬
‫صدِيقُ‬
‫َفسِيرَا فإمّا حاجَ ًة تَ ْقضِيانِهاوإمّا مَقِـيـلٌ صَالِـحٌ و َ‬
‫ل ألْقُوا يقول تعالــى ذكره‪ :‬قال موسـى للسـحرة‪ :‬بـل ألقوا أنتــم مـا معكـم‬
‫وقوله‪ :‬قالَ بَ ْ‬
‫حرِهِ ْم أنّهَا تَ سْعَى‪ ,‬وف ـي هذا‬
‫سْ‬‫ن ِ‬
‫خيّ ـلُ إلَ ـيْهِ ِم ْ‬
‫قبل ـي‪ .‬وقوله‪ :‬فإذَا حِب ـالُ ُهمْ وَع صِ ّي ُهمْ ُي َ‬
‫الكلم متروك‪ ,‬وهـو‪ :‬فألقوا مـا معهـم مـن الــحبـال والعصـيّ‪ ,‬فإذا حبــالهم‪ ,‬ترك ذكره‬
‫ا ستغناء بدللة الكلم الذي ذ كر عل ـيه ع نه‪ .‬وذُ كر أن ال سحرة سحروا ع ين مو سى وأع ين‬
‫الناس قبل أن يـلقوا حبـالهم وعصيهم‪ ,‬فخيـل حينئ ٍذ إلـى موسى أنها تسعى‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18264‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت عن و هب بن‬
‫ن ألْقَـى قالَ بَلْ أ ْلقُوا فكان أوّل‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن َنكُو نَ أوّ َ‬
‫ن تُلْقِـيَ وَإمّا أ ْ‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬قالوا يا موسى‪ ,‬إمّا أ ْ‬
‫ل ر جل‬
‫ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون‪ ,‬ثم أبصار الناس بعد‪ ,‬ثم ألقـى ك ّ‬
‫منهم ما فـي يده من العصي والـحبـال‪ ,‬فإذا هي حيات كأمثال الـحبـال‪ ,‬قد ملت الوادي‬
‫يركب بعضها بعضا‪.‬‬
‫خيّــلُ‬
‫خيّــلُ إلَــيْ ِه فقرأ ذلك عامـة قرّاء المصـار ُي َ‬
‫واختلفـت القراءة فــي قراءة قوله‪ُ :‬ي َ‬
‫إلَ ـيْهِ ب ـالـياء ب ـمعنى‪ :‬يخي ـل إل ـيهم سعيها‪ .‬وإذا قرىء ذلك كذلك‪ ,‬كا نت «أن» ف ـي‬
‫مو ضع ر فع‪ .‬ورُوي عن ال ـحسن الب صري أ نه كان يقرؤه‪« :‬تُ ـخَيّـلُ» ب ـالتاء‪ ,‬ب ـمعنى‪:‬‬
‫تـخيـل حبـالهم وعصيهم بأنها تسعى‪ .‬ومن قرأ ذلك كذلك‪ ,‬كانت «أن» فـي موضع نصب‬
‫لتعلق تــخيـل بهـا‪ .‬وقـد ذُكـر عـن بعضهـم أنـه كان يقرؤه‪« :‬تُــخَيّـلُ إلَــيْهِ» بــمعنى‪:‬‬
‫تتــخيـل إلــيه‪ .‬وإذا قرىء ذلك كذلك أيضـا ف«أن» فــي موضـع نصـب بــمعنى‪:‬‬
‫تتـخيـل بـالسعي لهم‪.‬‬
‫خيّ ـلُ ب ـالـياء‪ ,‬لجماع ال ـحجة من‬
‫والقراءة الت ـي ل يجوز عندي ف ـي ذلك غير ها ُي َ‬
‫القراء علـيه‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪67‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سهِ خِي َفةً مّوسَىَ * قُ ْلنَا لَ َتخَفْ ِإنّكَ أَنتَ‬
‫س فِي نَفْ ِ‬
‫{ َفأَ ْوجَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫حيْ ثُ‬
‫ح ال سّاحِرُ َ‬
‫ل يُفْلِ ُ‬
‫حرٍ َو َ‬
‫ص َنعُواْ َك ْيدُ سَا ِ‬
‫صنَعُوَ ْا ِإ ّنمَا َ‬
‫العَْلىَ * وَأَلْ قِ مَا فِي َيمِينِ كَ تَلْقَ فْ مَا َ‬
‫َأ َتىَ }‪.‬‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬فأوجـس فــي نفسـه خوفــا موسـى فوجده‪ .‬وقوله‪ :‬قُلْنـا ل‬
‫خفْ إنّ كَ أنْ تَ العْلَـى يقول تعالـى ذكره‪ :‬قلنا لـموسى إذ أوجس فـي نفسه خي فة‪ :‬ل‬
‫تَـ َ‬
‫ت الَعْلَـى علـى هؤلء السحرة‪ ,‬وعلـى فرعون وجنده‪ ,‬والقاهر لهم وألْقِ ما‬
‫خفْ إنّكَ أنْ َ‬
‫تَـ َ‬
‫ص َنعُوا يقول‪ :‬وألق عصاك تبتلع حبـالهم وعصيهم التـي سحروها‬
‫ك تَلْقَـفْ ما َ‬
‫فِـي يَـمينِ َ‬
‫حتـى خيـل إلـيك أنها تسعى‪.‬‬
‫حرٍ اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء‬
‫صـَنعُوا َك ْيدُ سـا ِ‬
‫وقوله‪ :‬إنّــمَا َ‬
‫حرٍ بر فع ك يد وب ـاللف ف ـي‬
‫صنَعُوا َك ْيدُ سا ِ‬
‫ال ـمدينة والب صرة وب عض قرّاء الكو فة إنّ ـمَا َ‬
‫ساحر بـمعنى‪ :‬إن الذي صنعه هؤلء السحرة كيد من ساحر‪ .‬وقرأ ذلك عامة قرّاء الكو فة‪:‬‬
‫سحْرٍ» برفع الكيد وبغير اللف فـي السحر بـمعنى إن الذي صنعوه كيد‬
‫صنَعُوا َك ْيدُ ِ‬
‫«إنّـمَا َ‬
‫سحر‪.‬‬
‫والقول فــي ذلك عندي أنهمـا قراءتان مشهورتان متقاربتـا الــمعنى‪ ,‬وذلك أن الكيـد هـو‬
‫الــمكر والــخدعة‪ ,‬فــالساحر مكره وخدعتـه مـن سـحر يسـحر‪ ,‬ومكـر السـحر وخدعتـه‪:‬‬
‫تــخيـله إلــى الــمسحور‪ ,‬علــى خلف مـا هـو بـه فــي حقــيقته‪ ,‬فــالساحر كائد‬
‫بـالسحر‪ ,‬والسحر كائد بـالتـخيـيـل‪ ,‬فإلـى أيهما أضفت الكيد فهو صواب‪ .‬وقد ذُكر عن‬
‫حرٍ» بن صب كم يد‪ .‬و من قرأ ذلك كذلك‪ ,‬ج عل إن ـما حرف ـا واحدا‬
‫سْ‬‫بعض هم أ نه قرأ‪َ « :‬ك ْيدَ ِ‬
‫وأعمل صنعوا فـي كيد‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وهذه قراءة ل أسـتـجيز القراءة بهـا لجماع الــحجة مـن القرّاء علــى‬
‫خلفها‪.‬‬
‫حيْ ثُ أتَ ـى يقول‪ :‬ول يظ فر ال ساحر ب سحره ب ـما طلب أ ين‬
‫ح ال سّاحِ ُر َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل يُفْلِ ـ ُ‬
‫كان‪ .‬وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقول‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أن الساحر يُقتل حيث وُجد‪ .‬وذكر بعض‬
‫حرُ أيْ نَ َأتَـى» وقال‪:‬‬
‫ح ال سّا ِ‬
‫نـحويـي البصرة‪ ,‬أن ذلك فـي حرف ابن مسعود‪« :‬وَل يُفْلِـ ُ‬
‫العرب تقول‪ :‬جئ تك من ح يث ل تعل ـم‪ ,‬و من أ ين ل تعل ـم‪ .‬وقال غيره من أ هل العرب ـية‬
‫الول‪ :‬جزاء يقتل الساحر حيث أتـى وأين أتـى وقال‪ :‬وما قول العرب‪ :‬جئتك من حيث ل‬
‫تعل ـم‪ ,‬و من أ ين ل تعل ـم‪ ,‬فإن ـما هو جواب ل ـم يف هم‪ ,‬ف ـاستفهم ك ما قالوا‪ :‬أي ال ـماء‬
‫والعشب‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫و‬ ‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ *‬
‫سجّدا قَالُوَ ْا آ َمنّا ِبرَ بّ هَارُو نَ َومُو َ‬
‫سحَرَ ُة ُ‬
‫{ َفأُلْقِ يَ ال ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫طعَ نّ َأ ْي ِد َيكُ مْ وََأ ْرجَُلكُ مْ مّ نْ‬
‫حرَ فَلُ َق ّ‬
‫سْ‬‫ن َلكُ مْ ِإنّ ُه َل َكبِي ُركُ مُ اّلذِي عَّل َمكُ مُ ال ّ‬
‫ن ءَاذَ َ‬
‫قَالَ آمَنتُ مْ لَ ُه َقبْلَ أَ ْ‬
‫عذَابا وََأبْ َقىَ }‪.‬‬
‫شدّ َ‬
‫ن َأ ّينَآ َأ َ‬
‫جذُوعِ ال ّنخْلِ وََل َتعَْلمُ ّ‬
‫لصَّل َبنّ ُكمْ فِي ُ‬
‫لفٍ َو ُ‬
‫خِ َ‬
‫وف ـي هذا الكلم متروك قد ا ستغنى بدللة ما ترك عل ـيه هو‪ :‬فألق ـى مو سى ع صاه‪,‬‬
‫سجّدا قالُوا آمَنّا ِبرَ بّ هارُو نَ َومُو سَى وذ كر أن مو سى‬
‫حرَةُ ُ‬
‫سَ‬‫فتلق ـفت ما صنعوا فأُلْق ـيَ ال ّ‬
‫لـما ألقـى ما فـي يده تـحوّل ثعبـانا‪ ,‬فـالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الـحبـال‬
‫والعصيّ‪ .‬ذكر الرواية عمن قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18265‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬لـما اجت ـمعوا‬
‫سهِ‬
‫س فِ ـي نَفْ ِ‬
‫حرِهِمْ أنّ ها تَ سْعَى فأ ْوجَ َ‬
‫سْ‬‫ن ِ‬
‫وألقوا ما ف ـي أيدي هم من ال سحر‪ ,‬خي ـل إلَ ـيْهِ ِم ْ‬
‫خفْ إنّ كَ أنْ تَ العْلَ ـى وألْ قِ ما فِ ـي يَ ـمِي ِنكَ تَلْقَ ـفْ ما صَ َنعُوا‬
‫خِيفَ ًة مُو سَى قُلْ نا ل تَ ـ َ‬
‫فألقـى عصاه فإذا هي ثعبـان مبـين‪ .‬قال‪ :‬فتـحت فما لها مثل ال ّدحْل‪ ,‬ثم وضعت مشفرها‬
‫ل شيء ألقوه من السحر‪ ,‬ثم جاء إلـيها فقبض‬
‫علـى الرض ورفعت الَخر‪ ,‬ثم استوعبت ك ّ‬
‫ل آ َم ْنتُـمْ لَهُ َقبْلَ‬
‫علـيها‪ ,‬فإذا هي عصا‪ ,‬فخرّ السحرة سجدا قالُوا آ َمنّا ِبرَبّ هارُونَ وَموسَى قا َ‬
‫حرَ فَلُ َقطّعَنّ أ ْي ِد َيكُمْ وَأ ْرجَُلكُمْ مِنْ خِلفٍ قال‪ :‬فكان‬
‫سْ‬‫ن َلكُمْ إّن ُه َل َكبِـي ُر ُكمْ اّلذِي عَلّـ َمكُمُ ال ّ‬
‫أنْ آ َذ َ‬
‫ع النّـخْـلِ قال‪ :‬فكان‬
‫جذُو ِ‬
‫أوّل من قطع اليدي والرجل من خلف فرعون َولُصَلّ َب ّن ُكمْ فِـي ُ‬
‫أوّل من صلب فـي جذوع النـخـل فرعون‪.‬‬
‫‪18266‬ــ حدثنـا موسـى بـن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـبـاط‪ ,‬عـن السـديّ‬
‫سهِ خِي َفةً مُوسَى فأوحى ال إلـيه ل تَـخَفْ وألْقِ ما فـي يَـمِي َنكَ تَلْقَـف ما‬
‫فأ ْوجَسَ فِـي نَفْ ِ‬
‫ن فألْقَـى عَ صَا ُه فأكلت كلّ حية لهم فلـما رأوا ذلك سجدوا وقَالُوا آ َمنّا بِرَ بّ ا ْلعَالَـمِينَ‬
‫يأ ِفكُو َ‬
‫رَبّ هَارُونَ َومُوسَى‪.‬‬
‫‪18267‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُدثت عن وهب بن منبه‬
‫فأ ْوجَسَ فِـي نَ ْفسِ ِه خيفَ ًة مُوسَى لـما رأى ما ألقوا من الـحبـال والعصيّ وخيـل إلـيه أنها‬
‫تسعى‪ ,‬وقال‪ :‬وال إن كانت لعصيا فـي أيديهم‪ ,‬ولقد عادت حيات‪ ,‬وما تعدو عصاي هذه‪ ,‬أو‬
‫صنَعُوا‬
‫صنَعُوا إنّـمَا َ‬
‫كما حدّث نفسه‪ ,‬فأوحى ال إلـيه أن ألْ قِ ما فـي يَـمِينكَ تَلْقَـفْ ما َ‬
‫ث أتَـى وفرح موسى فألقـى عصاه من يده‪ ,‬فـاستعرضت‬
‫حيْ ُ‬
‫ح ال سّاحرِ َ‬
‫حرٍ وَل يُفْلِـ ُ‬
‫َك ْيدُ سا ِ‬
‫ما ألقوا من حب ـالهم وع صيهم‪ ,‬و هي حيات ف ـي ع ين فرعون وأع ين الناس ت سعى‪ ,‬فجعلت‬
‫تلقـفها‪ ,‬تبتلعها حية حية‪ ,‬حتـى ما يرى بـالوادي قلـيـل ول كثـير مـما ألقوا‪ ,‬ثم أخذها‬
‫موسـى فإذا هي عصـا ف ـي يده ك ما كانـت‪ ,‬وو قع ال سحرة سـجدا‪ ,‬قالوا‪ :‬آمنـا بربّـ هارون‬
‫وموسى‪ ,‬لو كان هذا سحر ما غلبنا‪.‬‬
‫ن َلكُ مْ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وقال فرعون لل سحرة‪ :‬أ صدّقتـم‬
‫ن آذَ َ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ آ َم ْنتُ ـمْ َل ُه َقبْلَ أ ْ‬
‫وأقررت ـم ل ـموسى ب ـما دعا كم إل ـيه من ق بل أن أطلق ذلك ل كم إنّ ُه لكَب ـيركُم يقول‪ :‬إن‬
‫سحْرَ‪ .‬كما‪:‬‬
‫موسى لعظيـمكم الّذي عَلّـ َم ُكمُ ال ّ‬
‫‪ 18268‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت عن و هب بن‬
‫ب هارُونَ َومُوسَى قال لهم فرعون‪ ,‬وأسف ورأى الغلبة‬
‫منبه‪ ,‬قال‪ :‬لـما قالت السحرة‪ :‬آ َمنّا ِبرَ ّ‬
‫حرَ‪ :‬أي لعظيـم السحار‬
‫سْ‬‫والبـينة‪ :‬آ َم ْنتُـمْ َلهُ َقبْلع أنْ آ َذنَ َلكُمْ إّنهُ َل َكبِـيرُ ُكمْ اّلذِي عَلّـمَ ُكمُ ال ّ‬
‫ن أيدي كم وأرجل كم‬
‫طعَ نّ أ ْي ِد َيكُ مْ وأ ْرجَُلكُ مْ مِ نْ خِل فٍ يقول‪ :‬فلقطع ّ‬
‫لقَ ّ‬
‫الذي عل ـمكم‪ .‬وقوله‪ :‬فَ ُ‬
‫مخالفــا بــين قطـع ذلك‪ ,‬وذلك أن يقطـع يــمنى الــيدين ويسـرى الرجلــين‪ ,‬أو يسـرى‬
‫الـيدين‪ ,‬ويـمنى الرجلـين‪ ,‬فـيكون ذلك قطعا من خلف‪ ,‬وكان فـيـما ذُكر أوّل من فعل‬
‫ُوعـ النّــخْـلِ يقول‪:‬‬
‫جذ ِ‬ ‫ُصـّل َب ّنكُمْ فِــي ُ‬
‫ذلك فرعون‪ ,‬وقـد ذكرنـا الروايـة بذلك‪ .‬وقوله‪َ :‬ول َ‬
‫ولصلبنكم علـى جذوع النـخـل‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫جدَعا‬
‫ن إلّ بأ ْ‬
‫شيْبـا ُ‬
‫طسَتْ َ‬
‫عَ‬‫ج ْذعِ نَـخْـلَ ٍةفَل َ‬
‫ُه ْم صَلَبُوا ال َع ْب ِديّ فِـي ِ‬
‫يعنــي علــى جذع نــخـلة‪ ,‬وإنــما قــيـل‪ :‬فــي جذوع‪ ,‬لن الــمصلوب علــى‬
‫الـخشبة يرفع فـي طولها‪ ,‬ثم يصير علـيها‪ ,‬فـيقال‪ :‬صلب علـيها‪.‬‬
‫‪ 18269‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ولُ صَّل َب ّنكُمْ فِـي‬
‫جذُو عِ النّ ـخْـلِ ل ـما رأى ال سحرة ما جاء به عرفوا أ نه من ال فخروا سجدا‪ ,‬وآمنوا ع ند‬
‫ُ‬
‫طعَنّ أ ْي ِد َي ُكمْ وَأ ْرجُلَكمْ مِنْ خِلفٍ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ذلك‪ ,‬قال عدوّ ال‪ :‬فَلُ َق ّ‬
‫‪ 18270‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‬
‫ع النّـخْـلِ فقتلهم وقطعهم‪,‬‬
‫جذُو ِ‬
‫ن أ ْي ِد َيكُمْ وأ ْرجَُلكُمْ مِن خِلفٍ َولُصَّل َب ّن ُكمْ فِـي ُ‬
‫طعَ ّ‬
‫لقْ ّ‬
‫فرعون‪َ :‬‬
‫صبْرا َوتَ َوفّنا مُسْلِـمِينَ وقال‪ :‬كانوا‬
‫كما قال عبد ال بن عبـاس حين قالوا‪َ :‬ربّنا أ ْفرِغْ عَلَـيْنا َ‬
‫فـي أوّل النهار سحرة‪ ,‬وفـي آخر النهار شهداء‪.‬‬
‫ن أي ها ال سحرة أي نا أشدّ عذاب ـا‬
‫عذَاب ـا وأبْقَ ـى يقول‪ :‬ولتعل ـم ّ‬
‫شدّ َ‬
‫وقوله‪ :‬وََل َتعْلَ ـمُنّ أيّ نا أ َ‬
‫لكم‪ ,‬وأدوم‪ ,‬أنا أو موسى‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫و‬ ‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طرَنَا‬
‫ن ا ْل َب ّينَا تِ وَاّلذِي َف َ‬
‫ى مَا جَآ َءنَا مِ َ‬
‫{قَالُو ْا لَن نّ ْؤ ِثرَ كَ عََل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خطَايَانَا وَمَآ‬
‫حيَاةَ ال ّدنْيَآ * إِنّآ آمَنّا ِب َربّنَا ِل َيغْ ِفرَ لَنَا َ‬
‫فَاقْ ضِ مَآ أَن تَ قَا ضٍ ِإنّمَا َتقْضِي هَ ـذِ ِه ا ْل َ‬
‫خيْرٌ وََأبْ َقىَ }‪.‬‬
‫حرِ وَاللّ ُه َ‬
‫سْ‬‫َأ ْكرَهْ َتنَا عََليْ ِه مِنَ ال ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قالت ال سحرة لفرعون لــما توعدهـم ب ـما توعّد هم به‪ :‬لَ نْ نُ ْؤ ِثرَ كَ‬
‫ن البّ ـيّناتِ يعن ـي من ال ـحجج والدلة‬
‫فنتب عك ونكذّب من أجلك مو سى عَل ـى ما جاءَ نا مِ َ‬
‫عل ـى حق ـيقة ما دعا هم إل ـيه مو سى‪ .‬وَاّلذِي َفطَرَ نا يقول‪ :‬قالوا‪ :‬لن نؤثرك عل ـى الذي‬
‫جاء نا من الب ـينات‪ ,‬وعل ـى الذي فطر نا‪ .‬ويعن ـي بقوله‪َ :‬فطَر نا خ ـلقنا ف ـالذي من قوله‪:‬‬
‫وَاّلذِي َفطَرنا خفض علـى قوله‪ :‬ما جاءَنا‪ ,‬وقد يحتـمل أن يكون قوله‪ :‬وَاّلذِي َفطَرنا خفضا‬
‫عل ـى الق سم‪ ,‬ف ـيكون مع نى الكلم‪ :‬لن نؤثرك عل ـى ما جاء نا من الب ـيّنات وال‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ت قا ضٍ يقول‪ :‬فـاصنع ما أنت صانع‪ ,‬واعمل بنا ما بدا لك إنـما تَ ْقضِي َهذِ هِ‬
‫فـاقْضِ ما أنْ َ‬
‫ال ـحَيا َة الدّن ـيا يقول‪ :‬إن ـما تقدر أن تعذّب نا ف ـي هذه ال ـحياة الدن ـيا الت ـي تف نى‪ .‬ون صب‬
‫الـحياة الدنـيا علـى الوقت وجعلت إنـما حرفـا واحدا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18271‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حُدثت عن وهب بن منبه‬
‫طرَ نا أي عل ـى ال عل ـى ما جاء نا من‬
‫ن نُؤْثرَ كَ عَل ـى ما جاءَ نا مِ نَ البَ ـيّناتِ وَاّلذِي فَ َ‬
‫لَ ْ‬
‫حيَاةَ‬
‫ت قا ضٍ‪ :‬أي ا صنع ما بدا لك إنّ ـمَا تَقْضِي َهذِ ِه ال ـ َ‬
‫ال ـحجج مع ب ـينة ف ـاقْضِ ما أنْ َ‬
‫الدّنـيا أي لـيس سلطان إل فـيها‪ ,‬ثم ل سلطان لك بعده‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إنّا آمَنّا ِب َربّنـا لِــَيغْ ِفرَ لَنـا خَطايانـا يقول تعالــى ذكره‪ :‬إنـا أقررنـا بتوحيـد ربنـا‪,‬‬
‫وصدقنا بوعده ووعيده‪ .‬وأن ما جاء به موسى ح قّ لِـيَغْ ِفرَ لَنا خَطايانا يقول‪ :‬لـيعفو لنا عن‬
‫سحْرِ يقول‪ :‬لـيغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬وتعلـمنا ما‬
‫ذنوبنا فـيسترها علـينا وَما أ ْكرَ ْهتَنا عَلَـيْ ِه مِن ال ّ‬
‫تعلـمناه من السحر‪ ,‬وعملنا به الذي أكرهتنا علـى تعلّـمه والعمل به‪ .‬وذُكر أن فرعون كان‬
‫أخذهم بتعلـيـم السحر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18272‬ـ حدثن ـي مو سى بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا نعي ـم بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان بن‬
‫عي ـينة‪ ,‬عن أب ـي سعيد‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قول ال تب ـارك وتعال ـى‪:‬‬
‫حرِ قال‪ :‬غل ـمان دفع هم فرعون إلـى ال سحرة‪ ,‬تعل ـمهم السحر‬
‫سْ‬‫ن ال ّ‬
‫وَما أ ْكرَ ْهتَ نا عَلَـيْهِ ِم َ‬
‫بـالفَرَما‪.‬‬
‫‪ 18273‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَما أ ْكرَ ْهتَنا‬
‫حرِ قال‪ :‬أمرهم بتعلـم السحر‪ ,‬قال‪ :‬تركوا كتاب ال‪ ,‬وأمروا قومهم بتعلـيـم‬
‫سْ‬‫ن ال ّ‬
‫عَلَـيْهِ مِ َ‬
‫السحر‪.‬‬
‫حرِ قال‪ :‬أمرتنا أن نتعلـمه‪.‬‬
‫سْ‬‫ن ال ّ‬
‫وَما أ ْكرَهْتَنا عَلَـيْهِ مِ َ‬
‫خ ْيرٌ وأبْقَ ـى يقول‪ :‬وال خ ير م نك يا فرعون جزاء ل ـمن أطا عه‪ ,‬وأبق ـى‬
‫وقوله‪ :‬وَاللّ هُ َ‬
‫عذابـا لـمن عصاه وخالف أمره‪ ,‬كما‪:‬‬
‫خ ْيرٌ وأبْقَـى‪ :‬خير منك‬
‫‪ 18274‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق وَاللّه َ‬
‫ثوابـا‪ ,‬وأبقـى عذابـا‪.‬‬
‫‪ 18275‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أب ـي مع شر‪ ,‬عن‬
‫خ ْيرٌ وأبْقَـى قال‪ :‬خيرا منك إن‬
‫مـحمد بن كعب‪ ,‬ومـحمد بن قـيس فـي قول ال‪ :‬وَاللّ هُ َ‬
‫ُأطِيع‪ ,‬وأبقـى منك عذابـا إن عُصي‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫و‬ ‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت فِيهَا َولَ‬
‫ج َهنّمَ لَ َيمُو ُ‬
‫ن لَ هُ َ‬
‫ت رَبّ ُه ُمجْرِما َفإِ ّ‬
‫{ِإنّ هُ مَن َيأْ ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عمِلَ الصّاِلحَاتِ َفأُوْلَـ ِئكَ َل ُهمُ ال ّدرَجَاتُ ا ْلعَُلىَ }‪.‬‬
‫حيَىَ * َومَن َي ْأتِ ِه مُ ْؤمِنا َقدْ َ‬
‫َي ْ‬
‫ن يأْ تِ ر به من خ ـلقه‬
‫يقول تعال ـى ذكره م خبرا عن ق ـيـل ال سحرة لفرعون‪ :‬إنّ ُه مَ ْ‬
‫ج َهنّـمَ يقول‪ :‬فإن له جهنـم مأوى ومسكنا‪ ,‬جزاء‬
‫ن لَ هُ َ‬
‫جرِما يقول‪ :‬مكتسبـا الكفر به‪ ,‬فإ ّ‬
‫مُـ ْ‬
‫ت فِـيها فتـخرج نفسه وَل َيحْيا فتستقرّ نفسه فـي مقرّها فتطمئ نّ‪,‬‬
‫له علـى كفره ل يَـمُو ُ‬
‫ل الصـّالِـحاتِ‬
‫عمِ َ‬
‫ولكن ها تتعلق ب ـالـحناجر منهـم َومَ نْ َي ْأتِ هِ ُم ْؤمِنـا موحدا ل يُشرك به َقدْ َ‬
‫ك َلهُ مُ ال ّدرَجا تُ العُلَ ـى يقول‪:‬‬
‫يقول‪ :‬قد ع مل ما أمره به ر به‪ ,‬وانت هى ع ما نهاه ع نه فأُوَلئِ َ‬
‫فأولئك الذين لهم درجات الـجنة العُلَـى‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِيهَا َوذَِلكَ‬
‫ح ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِي َ‬
‫جرِي مِن َت ْ‬
‫ن َت ْ‬
‫عدْ ٍ‬
‫جنّاتُ َ‬
‫{َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جزَآءُ مَن َت َزكّىَ }‪.‬‬
‫َ‬
‫ل الصّالِـحاتِ فأُوَل ِئكَ َل ُهمُ ال ّدرَجاتُ العُلَـى‪ .‬ثم‬
‫عمِ َ‬
‫ن َي ْأتِ ِه مُ ْؤمِنا َقدْ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪َ :‬ومَ ْ‬
‫عدْنٍ يعنـي‪ :‬جنات إقامة ل ظعن عنها‬
‫جنّاتُ َ‬
‫بـين تلك الدرجات العلـى ما هي‪ ,‬فقال‪ :‬هن َ‬
‫ن تَـحْتِها النهَارُ يقول‪ :‬تـجري من تـحت أشجارها‬
‫ول نفـاد لها ول فناء تَـجْرِي مِ ْ‬
‫النهار خاِلدِينَ فِـيها يقول‪ :‬ماكثـين فـيها إلـى غير غاية مـحدودة فـالـجنات من قوله‬
‫ع ْدنٍ مرفوعة بـالردّ علـى الدرجات‪ ,‬كما‪:‬‬
‫جنّاتُ َ‬
‫َ‬
‫‪18276‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫عدْن‪.‬‬
‫ل الصّالِـحاتِ َفأُوَل ِئكَ َل ُهمُ ال ّدرَجاتُ العُلـى قال‪َ :‬‬
‫عمِ َ‬
‫ن ي ْأتِ ِه مُ ْؤمِنا َقدْ َ‬
‫َومَ ْ‬
‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬وَذل كَ جَزاءُ مَ نْ َت َزكّى يقول‪ :‬وهذه الدرجات العُلـى التـي هي جنات عدن علـى ما‬
‫ل جلله ثواب من تز كى‪ ,‬يعن ـي‪ :‬من تطهر من الذنوب‪ ,‬فأطاع ال ف ـيـما أمره‪,‬‬
‫و صف ج ّ‬
‫ولـم يدنس نفسه بـمعصيته فـيـما نهاه عنه‪).‬‬
‫ب َلهُ مْ‬
‫سرِ ِب ِعبَادِي فَاضْرِ ْ‬
‫سىَ َأ نْ أَ ْ‬
‫حيْنَآ إَِلىَ مُو َ‬
‫{وَلَ َقدْ َأ ْو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫شىَ }‪.‬‬
‫خَ‬‫حرِ َيبَسا لّ َتخَافُ َدرَكا َولَ َت ْ‬
‫طَرِيقا فِي ا ْل َب ْ‬
‫حيْنا إلـى نبـينا مُو سَى إذ تابعنا له الـحجج علـى فرعون‪,‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وَلَ َقدْ أ ْو َ‬
‫سرِ لـيلً بِعبـادِي يعنـي‬
‫فأبى أن يستـجيب لمر ربه‪ ,‬وطغى وتـمادى فـي طغيانه أ نْ أ ْ‬
‫حرِ َيبَ سا يقول‪ :‬ف ـاتـخذ ل هم‬
‫طرِي قا فِ ـي ال َب ْ‬
‫ضرِبْ َلهُ مْ َ‬
‫بعب ـادي من بن ـي إ سرائيـل ف ـا ْ‬
‫فـي البحر طريقا يابسا‪ .‬والـ َيبَس والـ َيبْس‪ :‬يجمع أيبـاس‪ ,‬تقول‪ :‬وقـفوا فـي أيبـاس من‬
‫الرض‪ .‬والـ َيبْس الـمخفف‪ :‬يجمع يبوس‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18277‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله َيبَسا قال‪ :‬يابسا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُ َريْج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬ل تَـخافُ َدرَكا وَل تَـخْشَى فإ نه يعنـي‪ :‬ل ت ـخاف من فرعون وجنوده أن‬
‫يدركوك مـن ورائك‪ ,‬ول تــخشى غرقـا مـن بــين يديـك و َوحَلً‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي‬
‫تأويـل ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18278‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫خشَى يقول‪ :‬ل تـخافُ من آل فرعون َدرَكا وَل‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ل تـخافُ َدرَكا وَل تَـ ْ‬
‫حرِ غرقا‪.‬‬
‫ن ال َب ْ‬
‫تَـخْشِى مِ َ‬
‫‪ 18279‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ل تَ ـخافُ َدرَ كا وَل‬
‫تَـخْشَى يقول‪ :‬ل تـخاف أن يدركك فرعون من بعدك ول تـخشى الغرق أمامك‪.‬‬
‫جرَيْج‪ :‬قال‬
‫‪ 18280‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ُ‬
‫أ صحاب مو سى‪ :‬هذا فرعون قد أدرك نا‪ ,‬وهذا الب حر قد غشي نا‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬ل تَ ـخافُ َدرَ كا‬
‫خشَى من البحر وحلً‪.‬‬
‫أصحاب فرعون وَل تَـ ْ‬
‫‪18281‬ــ حدثنــي أحمـد بـن الولــيد الرملــي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو بـن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫خشَى قال‪ :‬ال َوحَل‪.‬‬
‫هشيـم‪ ,‬عن بعض أصحابه‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ل تَـخافُ َدرَكا وَل تَـ ْ‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله ل تَـخافُ َدرَكا فقرأته عامّة قرّاء المصار غير العمش‬
‫ط ِبرْ عَلَ ـيْها ل نَ سأُلكَ ِرزْ قا‬
‫وحمزة‪ :‬ل تَ ـخافُ دَرَ كا عل ـى ال ستئناف بل‪ ,‬ك ما قال‪ :‬وَا صْ َ‬
‫فرفـع‪ ,‬وأكثـر مـا جاء فــي هذا المـر الــجواب مـع «ل»‪ .‬وقرأ ذلك العمـش وحمزة «ل‬
‫خشَى علـى الستئناف‪ ,‬كما‬
‫خفْ َدرَكا» فجزما ل تـخاف علـى الـجزاء‪ ,‬ورفعا وَل تَـ ْ‬
‫تَـ َ‬
‫ل تَ ـخْشَى‬
‫قال جلّ ثناؤه‪ :‬يُوَلّوكُ ُم الدْب ـارَ ثُ مّ ل ُينْ صَرُونَ ف ـاستأنف ب ثم‪ ,‬ولو نوى بقوله‪ :‬و َ‬
‫الـجزم‪ ,‬وفـيه الـياء‪ ,‬كان جائزا‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫جنِـيكِ الـجَنى‬
‫ج ْذعَ َي ْ‬
‫ُهزّي إلَـ ْيكِ الـ ِ‬
‫ف علــى وجـه الرفـع‪ ,‬لن ذلك أفصـح‬
‫وأعجـب القراءتــين إلــيّ أن أقرأ بهـا‪ :‬ل تــخا ُ‬
‫اللغتــين‪ ,‬وإن كا نت الخرى جائزة‪ .‬وكان ب عض ن ـحويـي البصـرة يقول‪ :‬مع نى قوله‪ :‬ل‬
‫تَ ـخافُ َدرَ كا اضرب ل هم طري قا ل ت ـخاف ف ـيه در كا‪ ,‬قال‪ :‬وحذف ف ـيه‪ ,‬ك ما تقول‪ :‬ز يد‬
‫شيْئا أي ل‬
‫س َ‬
‫ن نَفْ ٍ‬
‫أكر مت‪ ,‬وأ نت تر يد‪ :‬أكرم ته‪ ,‬وك ما تقول‪ :‬وَاتّقُوا يَوْ ما ل تَ ـجْزِي نَفْ سٌ عَ ْ‬
‫ت ـجزى ف ـيه‪ .‬وأ ما ن ـحويو الكو فة فإن هم ينكرون حذف ف ـيه إل ف ـي ال ـمواقـيت‪ ,‬ل نه‬
‫يصلـح فـيها أن يقال‪ :‬قمت الـيوم وفـي الـيوم‪ ,‬ول يجيزون ذلك فـي السماء‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫و‬ ‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شيَهُ مْ *‬
‫غِ‬‫ن ا ْليَ مّ مَا َ‬
‫جنُو ِد هِ َف َغشِ َيهُ مْ مّ َ‬
‫{ َفَأ ْت َب َعهُ مْ ِفرْعَ ْو نُ ِب ُ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫وََأضَلّ ِفرْعَ ْونُ قَ ْو َمهُ َومَا َه َدىَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فسرى موسى ببنـي إسرائيـل إذا أوحينا إلـيه أن أَ سْربهم‪ ,‬فأتبعهم‬
‫فرعون بجنوده حين قطعوا البحر‪ ,‬فغشي فرعون وجنده من الـيـم ما غشيهم‪ ,‬فغرقوا جميعا‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وجاوز فرعون بقو مه عن سواء ال سبـيـل‪,‬‬
‫وَأضَلّ ِفرْعَ ْو نُ قَ ْو َم هُ وَ ما َهدَى يقول ج ّ‬
‫وأخذ بهم علـى غير استقامة‪ ,‬وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار‪ ,‬بأمرهم بـالكفر بـال‪,‬‬
‫وتكذ يب ر سله وَ ما َهدَى يقول‪ :‬و ما سلك ب هم الطر يق ال ـمستقـيـم‪ ,‬وذلك أ نه نها هم عن‬
‫اتبـاع رسول ال موسى‪ ,‬والتصديق به‪ ,‬فأطاعوه‪ ,‬فلـم يهدهم بأمره إياهم بذلك‪ ,‬ولـم يهتدوا‬
‫بـاتبـاعهم إياه‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫و‬ ‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ع ْدنَاكُ مْ جَانِ بَ‬
‫عدُ ّوكُ مْ وَوَا َ‬
‫ج ْينَاكُ مْ مّ نْ َ‬
‫{ َي َبنِي إِ سْرَائِيلَ َقدْ أَن َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫طغَوْ ْا فِيهِ َف َيحِلّ‬
‫ط ّيبَاتِ مَا َرزَ ْقنَاكُمْ َولَ َت ْ‬
‫ى * كُلُواْ مِن َ‬
‫الطّورِ ال ْيمَنَ َو َنزّ ْلنَا عََل ْيكُمُ ا ْلمَنّ وَالسّلْ َو َ‬
‫ضبِي فَ َقدْ َه َوىَ }‪.‬‬
‫غ َ‬
‫ضبِي َومَن َيحْلِلْ عََليْهِ َ‬
‫غ َ‬
‫عََل ْي ُكمْ َ‬
‫غشِيَ فرعون قومه من الـيـم‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما نـجا موسى بقومه من البحر‪ ,‬و َ‬
‫عدْناكُ مْ‬
‫عدُ ّوكُ مْ فرعون َووَا َ‬
‫جيْنا ُكمْ مِ نْ َ‬
‫ما غشيهم‪ ,‬قلنا لقوم موسى‪ :‬يَا َبنِـي إ سْرَائِيـلَ َقدْ أنْـ َ‬
‫جانِبَـ الطّورِ اليــمَنَ َو َنزّلْنـا عَلَ ـ ْيكُ ُم الــمَنّ وال سّلْوَى وقـد ذكر نا كيـف كا نت مواعدة ال‬
‫مو سى وقو مه جا نب الطور الي ـمن‪ .‬و قد ب ـيّنا ال ـمنّ وال سلوى ب ـاختلف ال ـمختلفـين‬
‫فـيهما‪ ,‬وذكرنا الشواهد علـى الصواب من القول فـي ذلك فـيـما مضى قبل‪ ,‬بـما أغنى‬
‫عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫جيْنا ُكمْ فكانـت عامـة قرّاء الــمدينة والبصـرة‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪َ :‬قدْ ْأنْــ َ‬
‫يقرءونه‪ :‬قَد أنْـجَيْنا ُكمْ بـالنون واللف وسائر الـحروف الخر معه كذلك‪ ,‬وقرأ ذلك عامة‬
‫ج ْيتُ ُكمْ» بـالتاء‪ ,‬وكذلك سائر الـحروف الخر‪ ,‬إل قوله‪َ :‬و َنزّلْنا عَلَـ ْي ُكمُ‬
‫قرّاء الكوفة‪َ « :‬قدْ أنْـ َ‬
‫الـمَنّ والسّلْوَى فإنهم وافقوا الَخرين فـي ذلك وقرءوه بـالنون واللف‪.‬‬
‫والقول ف ـي ذلك عندي أنه ما قراءتان معروفتان ب ـاتفـاق ال ـمعنى‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء‬
‫ذلك فمصيب‪.‬‬
‫ت ما َرزَقْناكُ مْ يقول تعالـى ذكره لهم‪ :‬كلوا يا بنـي إسرائيـل من‬
‫طيّبـا ِ‬
‫وقوله‪ :‬كُلُوا ِم نْ َ‬
‫طغَوْا فِـيهِ يقول‪ :‬ول تعتدوا فـيه‪,‬‬
‫شهيات رزقنا الذي رزقناكم‪ ,‬وحلله الذي طيبناه لكم وَل َت ْ‬
‫ول يظلـم فـيه بعضكم بعضا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18282‬ـ حدث نا عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫طغَوْا فِـيهِ يقول‪ :‬ول تظلـموا‪.‬‬
‫عبـاس قول‪ :‬وَل َت ْ‬
‫ضبِـي يقول‪ :‬فـينزل علـيكم عقوبتـي‪ ,‬كما‪:‬‬
‫غ َ‬
‫وقوله‪ :‬فَـ َيحِلّ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫‪ 18283‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَ ـيَحلّ عَلَ ـ ْيكُمْ‬
‫ضبِـي يقول‪ :‬فـينزل علـيكم غضبـي‪.‬‬
‫غ َ‬
‫َ‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـحجاز وال ـمدينة والب صرة والكو فة‬
‫ل بكسر اللم‪ .‬ووجهوا معناه إلـى‪ :‬فـيجب علـيكم‬
‫فَـ َيحِلّ عَلَـيْ ُكمْ بكسر الـحاء َو َم نْ َيحْلِ ْ‬
‫غضبــي‪ .‬وقرأ ذلك جماعـة مـن أهـل الكوفـة‪« :‬فَــيَحُلّ عَلَــْي ُكمْ» بضـم الــحاء‪ ,‬ووجهوا‬
‫تأويـله إلـى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه‪ :‬فـيقع وينزل علـيكم غضبـي‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب من القول ف ـي ذلك أنه ما قراءتان مشهورتان قد قرأ ب كل واحدة‬
‫منه ما عل ـماء من القرّاء‪ ,‬و قد حذّر ال الذ ين ق ـيـل ل هم هذا القول من بن ـي إ سرائيـل‬
‫وقوع بأسه بهم ونزوله بـمعصيتهم إياه إن هم عصوه‪ ,‬وخوّفهم وجوبه لهم‪ ,‬فسواء قرىء ذلك‬
‫بـالوقوع أو بـالوجوب‪ ,‬لنهم كانوا قد خوّفوا الـمعنـيـين كلـيهما‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِلَ صَاِلحَا ُثمّ ا ْه َت َدىَ }‪.‬‬
‫{وَِإنّي َلغَفّارٌ ّلمَن تَابَ وَآمَنَ َو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من ي جب عل ـيه غضب ـي‪ ,‬ف ـينزل به‪ .‬ف قد هوى‪ ,‬يقول ف قد تردّى‬
‫فشقـي‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18284‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فَ َق ْد هَوَى يقول‪ :‬فقد شقِـي‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وإنّـي َلغَفّـارٌ لِـمَنْ تا بَ يقول‪ :‬وإنـي لذو غفر لـمن تاب من شركه‪ ,‬فرجع منه‬
‫إلـى اليـمان لـي وآمن‪ ,‬يقول‪ :‬وأخـلص لـي اللوهة‪ ,‬ولـم يشرك فـي عبـادته إياي‬
‫ل صَالِـحا يقول‪ :‬وأدّى فرائضي التـي افترضتها علـيه‪ ,‬واجتنب معاصيّ‪ .‬ثُ مّ‬
‫غيري‪ .‬وَعمِ َ‬
‫ا ْه َتدَى يقول‪ :‬ثم لزم ذلك‪ ,‬فـاستقام ولـم يضيع شيئا منه‪.‬‬
‫ل صَالِـحا ثُ مّ‬
‫ن تا بَ وآ َم نَ وَعمِ َ‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي تأوي ـل قوله‪ :‬وإنّ ـي َلغَ ّفرٌ لِ ـمَ ْ‬
‫ا ْه َتدَى قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18285‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ن تا بَ من الشرك وآ َم نَ يقول‪ :‬وحّد ال وَعمِلَ صَالِـحا‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وإنّ ـي َلغَفّ ـارٌ لِ ـمَ ْ‬
‫يقول‪ :‬أدّى فرائضي‪.‬‬
‫‪ 18286‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وإنّ ـي َلغَفّ ـارٌ‬
‫ل صَالِـحا فـيـما بـينه وبـين ال‪.‬‬
‫عمِ َ‬
‫ب من ذنبه وآ َمنَ به وَ َ‬
‫لِـمَنْ تا َ‬
‫‪ 18287‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن أبـي جعفر الراز يّ‪,‬‬
‫ب من الشرك وآمَ نَ يقول‪ :‬وأخـلص ل‪ ,‬وعمل فـي‬
‫ن تا َ‬
‫عن الربـيع وإنّـي َلغَفـّارٌ لِـمَ ْ‬
‫إخلصه‪.‬‬
‫واختلفوا ف ـي مع نى قوله‪ :‬ثُ مّ ا ْه َتدَى فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬ل ـم يشكُك ف ـي إي ـمانه‪ .‬ذ كر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18288‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ث ّم ا ْه َتدَى يقول‪ :‬لـم يشكُك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ثم لزم اليـمان والعمل الصالـح‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18289‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ثُ مّ ا ْه َتدَى يقول‪ :‬ثم لزم‬
‫السلم حتـى يـموت علـيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ثم استقام‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18290‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن أبـي جعفر الراز يّ‪,‬‬
‫عن الربـيع بن أنس ُثمّ ا ْه َتدَى قال‪ :‬أخذ بسنة نبـيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬أصاب العمل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18291‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد فــي قوله‪ :‬وَعمِلَ‬
‫صَالِـحا ُثمّ ا ْه َتدَى قال‪ :‬أصاب العمل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬عرف أمر مُثـيبه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18292‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن الكلبـيّ وإنّـي َلغَفّـارٌ لِـمَنْ‬
‫ن من الشرك وَعمِلَ صَالِـحا أدّى ما افتر ضت عل ـيه ثُ مّ ا ْه َتدَى عرف‬
‫ب من الذ نب وآ َم َ‬
‫تا َ‬
‫مثـيبه إن خيرا فخيرا‪ ,‬وإن شرّا فشرّا‪ .‬وقال آخرون بـما‪:‬‬
‫‪18293‬ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاريّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن شاكر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ثابتا‬
‫البُنان ـيّ يقول ف ـي قوله‪ :‬وإنّ ـي َلغَفّ ـارٌ لِ ـمَنْ تا بَ وآ َم نَ وَعمِلَ صَالِـحا ثُ مّ ا ْه َتدَى قال‪:‬‬
‫إلـى ولية أهل بـيت النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وإنــما اخترنـا القول الذي اخترنـا فــي ذلك‪ ,‬مـن أجـل أن الهتداء هـو‬
‫الستقامة علـى هدى‪ ,‬ول معنى للستقامة علـيه إل وقد جمعه اليـمان والعمل الصالـح‬
‫والتوبة‪ ,‬فمن فعل ذلك وثبت علـيه‪ ,‬فل شكّ فـي اهتدائه‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫و‬ ‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى * قَالَ هُ مْ ُأوْلءِ عََلىَ‬
‫عجَلَ كَ عَن قَومِ كَ َيمُو سَ َ‬
‫{وَمَآ َأ ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ضىَ }‪.‬‬
‫ت إَِل ْيكَ رَبّ ِل َت ْر َ‬
‫عجِلْ ُ‬
‫َأ َثرِي وَ َ‬
‫وأيـ شيـء أعجلك عـن قومـك يـا موسـى‪ ,‬فتقدمتهـم‬
‫ّ‬ ‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ومـا أعجلك؟‬
‫وخ ـلّفتهم وراءك‪ ,‬ول ـم ت كن مع هم؟ قال هُ مْ أُولءِ عَل ـى َأ َثرَي يقول‪ :‬قو مي عل ـى أثري‬
‫ب ِل َترْضَى يقول‪ :‬وعجلت أنا فسبقتهم ربّ‪ ,‬كيـما ترضى‬
‫ت إلَـ ْيكَ رَ ّ‬
‫عجِلْ ُ‬
‫يَـلْـحَقُون بـي‪ .‬وَ َ‬
‫عنـي‪.‬‬

‫ل ثناؤه‪ ,‬فـيـما بلغنا‪,‬‬


‫وإنـما قال ال تعالـى ذكره لـموسى‪ :‬ما أعجلك عن قومك؟ لنه ج ّ‬
‫ح ين ن ـجاه وبن ـي إ سرائيـل من فرعون وقو مه‪ ,‬وق طع ب هم الب حر‪ ,‬وعدَ هم جا نب الطور‬
‫اليـمن‪ ,‬فتعجّل موسى إلـى ربه‪ ,‬وأقام هارون من بنـي إسرائيـل‪ ,‬يسير بهم علـى أثر‬
‫موسى‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 18294‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬و عد ال مو سى ح ين‬
‫أهلك فرعون وقو مه ون ـجاه وقو مه‪ ,‬ثلث ـين ل ـيـلة‪ ,‬ثم أت ـمها بع شر‪ ,‬فت ـمّ ميقات ر به‬
‫أربعين لـيـلة‪ ,‬تلقاه فـيها بـما شاء‪ ,‬فـاستـخـلف موسى هارون من بنـي إسرائيـل‪,‬‬
‫ومعه السامريّ‪ ,‬يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به‪ ,‬فلـما كلـم ال موسى‪ ,‬قال له‬
‫ت إلَـ ْيكَ رَبّ ِل َترْضَى‪.‬‬
‫عجِلْ ُ‬
‫ن قَ ْو ِمكَ يا موسى قالَ ُهمْ أُولءِ عَلـى أثَرِي وَ َ‬
‫عجََلكَ عَ ْ‬
‫ما أ ْ‬
‫عجِلْ تُ‬
‫‪ 18295‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬وَ َ‬
‫إلَـ ْيكَ رَبّ ِل َترْضَى قال‪ :‬لرضيك‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫و‬ ‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك مِن َب ْعدِ كَ وََأضَّلهُ مُ ال سّا ِمرِيّ *‬
‫{قَالَ َفإِنّا َقدْ َفتَنّا قَ ْومَ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ل يَقَوْ مِ أَلَ ْم َي ِعدْكُ مْ َر ّبكُ مْ َوعْدا حَ سَنا َأفَطَالَ عََل ْيكُ ُم ا ْل َعهْدُ‬
‫ضبَا نَ أَ سِفا قَا َ‬
‫غ ْ‬
‫ى قَ ْومِ هِ َ‬
‫فَ َرجَ عَ مُو سَىَ إَِل َ‬
‫عدِي }‪.‬‬
‫ب مّن رّ ّب ُكمْ َفَأخْلَ ْفتُ ْم مّوْ ِ‬
‫غضَ ٌ‬
‫َأمْ َأرَدتّمْ أَن َيحِلّ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫يقول ال تعالـى ذكره قال ال لـموسى‪ :‬فإنا يا موسى قد ابتلـينا قومك من بعدك بعبـادة‬
‫ن َب ْعدِكَ‪ :‬من بعد فراقك إياهم‪ .‬يقول‬
‫العجل‪ ,‬وذلك كان فتنتهم من بعد موسى‪ .‬ويعنـي بقوله‪ :‬مِ ْ‬
‫ال تبــارك وتعالــى‪ :‬وأضَّلهُمُـ السـّا ِم ِريّ وكان إضلل السـامريّ إياهـم دعاءه إياهـم إلــى‬
‫عبـادة العجل‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬ف َرجَعَ مُوسَى إلـى قومه يقول‪ :‬فـانصرف موسى إلـى قومه من بنـي إسرائيـل‬
‫غضْبـانَ أ سِفـا متغيظا علـى قومه‪ ,‬حزينا لـما أحدثوه بعده‬
‫بعد انقضاء الربعين لـيـلة َ‬
‫من الكفر بـال‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 18296‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن أسِفـا يقول‪ :‬حزينا‪ .‬وقال فـي الزخرف‪ :‬فَلَـمّا‬
‫غضْبـا َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪َ :‬‬
‫آسَفُونا يقول‪ :‬أغضبونا‪ ,‬والسف علـى وجهين‪ :‬الغضب‪ ,‬والـحزن‪.‬‬
‫غضْب ـانَ‬
‫‪ 18297‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ َ‬
‫أسِفـا يقول‪ :‬حزينا‪.‬‬
‫‪18298‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَـمّا َرجَعَ مُوسَى‬
‫ن أسِفـا‪ :‬أي حزينا علـى ما صنع قومه من بعده‪.‬‬
‫غضْبـا َ‬
‫إلـى قَ ْومِهِ َ‬
‫‪ 18299‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬أسِفـا قال‪ :‬حزينا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قالَ يا قَوْ مِ أَلْـم َي ِع ْدكُ مْ َر ّبكُ مْ وَعْدا حَ سَنا يقول‪ :‬ألـم يعدكم ربكم أنه غفـار لـمن‬
‫تاب وآ من وع مل صالـحا ثم اهتدى‪ ,‬ويعد كم جا نب الطور الي ـمن‪ ,‬وينزل عل ـيكم ال ـمنّ‬
‫والسلوى‪ ,‬فذلك وعد ال الـحسن بنـي إسرائيـل الذي قال لهم موسى‪ :‬ألـم يعدكموه ربكم‪.‬‬
‫ُمـ يقول‪ :‬أفطال‬
‫ِنـ َر ّبك ْ‬
‫َبـ م ْ‬
‫غض ٌ‬‫أنـ َيحِلّ عَلَــْي ُكمْ َ‬
‫أمـ أ َر ْدتُــمْ ْ‬
‫وقوله‪ :‬أفَطالَ عَلَــيْ ُكمُ ا ْل َع ْهدُ ْ‬
‫عل ـيكم الع هد ب ـي‪ ,‬وبجمي ـل ن عم ال عند كم‪ ,‬وأياد يه لدي كم‪ ,‬أم أردت ـم أن يحلّ عل ـيكم‬
‫غضب من ربكم‪ :‬يقول‪ :‬أم أردتـم أن يجب علـيكم غضب من ربكم فتستـحقوه بعبـادتكم‬
‫الع جل‪ ,‬وكفر كم ب ـال‪ ,‬فأخ ـلفتـم موعدي‪ .‬وكان إخلف هم موعده‪ ,‬عكوف هم عل ـى الع جل‪,‬‬
‫وتركهم السير علـى أثر موسى للـموعد الذي كان ال وعدهم‪ ,‬وقولهم لهارون إذ نهاهم عن‬
‫ن حتـى‬
‫ن َنبْرَ حَ عَلَـيْ ِه عاكِفِـي َ‬
‫عبـادة العجل‪ ,‬ودعاهم إلـى السير معه فـي أثر موسى‪ :‬لَ ْ‬
‫َيرْجِ َع إلَـيْنا مُوسَى‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫و‬ ‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمّ ْلنَآ أَ ْوزَارا مّن‬
‫عدَ كَ ِبمَ ْل ِكنَا وَلَـكِنّا ُ‬
‫{قَالُواْ مَآ َأخْلَ ْفنَا مَ ْو ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عجْلً جَ سَدا ّل هُ خُوَا ٌر فَقَالُواْ هَ ـذَآ‬
‫زِينَ ِة الْ َقوْ مِ فَ َق َذفْنَاهَا َف َكذَلِ كَ أَلْقَى ال سّا ِمرِيّ * َفَأخْرَ جَ َلهُ مْ ِ‬
‫سيَ }‪.‬‬
‫سىَ َفنَ ِ‬
‫إِلَـ ُهكُمْ وَإِلَـ ُه مُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال قوم موسى لـموسى‪ :‬ما أخـلفنا موعدك‪ ,‬يعنون بـموعده‪ :‬عهده‬
‫الذي كان عهده إلـيهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18300‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى «ح» وحدثنا‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عدِي قال‪ :‬عهدي‪ ,‬وذلك العهد والـموعد هو ما بـيّناه قبل‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مَوْ ِ‬
‫ل ذكره عنهم أنهم أقروا علـى أنفسهم بـالـخطأ‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنا لـم‬
‫وقوله‪ :‬بِـمِ ْلكِنا يخبر ج ّ‬
‫نطق حمل أنفسنا علـى الصواب‪ ,‬ولـم نـملك أمرنا حتـى وقعنا فـي الذي وقعنا فـيه من‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫وقـد اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الــمدينة‪« :‬بِــمَ ْلكِنا» بفتــح‬
‫ال ـميـم‪ ,‬وقرأ ته عا مة قرّاء الكو فة‪« :‬بِ ـمُ ْلكِنا» ب ضم ال ـميـم‪ ,‬وقرأه ب عض أ هل الب صرة‬
‫بِ ـمِلْكِنا ب ـالكسر‪ .‬فأ ما الفت ـح والض مّ فه ما ب ـمعنى وا حد‪ ,‬وه ما بقدرت نا وطاقت نا‪ ,‬غ ير أن‬
‫أحدهما مصدر‪ ,‬والَخر اسم‪ .‬وأما الكسر فهو بـمعنى ملك الشيء وكونه للـمالك‪.‬‬
‫واختلف أيضا أهل التأويـل فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬ما أخـلفنا موعدك بأمرنا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18301‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ عن ا بن‬
‫ك بِـمَ ْلكِنا يقول‪ :‬بأمرنا‪.‬‬
‫ع َد َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ما أخْـلَفْنا مَوْ ِ‬
‫‪ 18302‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬بِـمَ ْلكِنا قال‪ :‬بأمرنا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬بطاقتنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫عدَ كَ‬
‫‪ 18303‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قالُوا ما أخْـلَفْنا مَوْ ِ‬
‫بِـمَلْكِنا‪ :‬أي بطاقتنا‪.‬‬
‫‪ 18304‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السدي‪ :‬قالُوا ما أخْـلَفْنا‬
‫ك بِـمَ ْلكِنا يقول‪ :‬بطاقتنا‪.‬‬
‫ع َد َ‬
‫مَوْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬ما أخـلفنا موعدك بهوانا‪ ,‬ولكنا لـم نـملك أنفسنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18305‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ما أخْـلَفْنا‬
‫ك بِ ـمَ ْلكِنا قال‪ :‬يقول بهوانا‪ ,‬قال‪ :‬ولك نه جاءت ثلثة‪ ,‬قال ومعهم حلـيّ استعاروه من‬
‫عدَ َ‬
‫مَوْ ِ‬
‫آل فرعون‪ ,‬وثـياب‪.‬‬
‫ل هذه القوال الثلثة فـي ذلك متقاربـات الـمعنى‪ ,‬لن من لـم يهلك‬
‫وقال أبو جعفر‪ :‬وك ّ‬
‫نف سه‪ ,‬لغل بة هواه عل ـى ما أ مر‪ ,‬فإ نه ل ي ـمتنع ف ـي الل غة أن يقول‪ :‬ف عل فلن هذا ال مر‪,‬‬
‫وهو ل يـملك نف سه وفعله‪ ,‬وهو ل يضبطها وفعله وهو ل يطيق تركه‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫فسواء بأيّ القراءات الثلث قرأ ذلك القارىء‪ ,‬وذلك أن من كسر الـميـم من الـملك‪ ,‬فإنـما‬
‫يو جه مع نى الكلم إل ـى ما أخ ـلفنا موعدك‪ ,‬ون ـحن ن ـملك الوف ـاء به لغل بة أنف سنا إيا نا‬
‫علـى خلفه‪ ,‬وجعله من قول القائل‪ :‬هذا ملك فلن لـما يـملكه من الـمـملوكات‪ ,‬وأن من‬
‫فت ـحها‪ ,‬فإ نه يو جه مع نى الكلم إل ـى ن ـحو ذلك‪ ,‬غ ير أ نه يجعله م صدرا من قول القائل‪:‬‬
‫ملكت الشيء أملكه ملكا وملكة‪ ,‬كما يقال‪ :‬غلبت فلنا أغلبه غَلبـا وغَلَبة‪ ,‬وأن من ضمها فإنه‬
‫وجّه معناه إلـى ما أخـلفنا موعدك بسلطاننا وقدرتنا‪ ,‬أي ونـحن نقدر أن نـمتنع منه‪ ,‬لن‬
‫كل من قهر شيئا فقد صار له السلطان علـيه‪ .‬وقد أنكر بعض الناس قراءة من قرأه بـالضمّ‪,‬‬
‫ي ملك كان يومئذٍ لبنـي إسرائيـل‪ ,‬وإنـما كانوا بـمصر مستضعفـين‪ ,‬فأغفل معنى‬
‫فقال‪ :‬أ ّ‬
‫القوم وذهب غير مرادهم ذهابـا بعيدا وقارئو ذلك بـالضم لـم يقصدوا الـمعنى الذي ظنه‬
‫هذا الـمنكر علـيهم ذلك‪ ,‬وإنـما قصدوا إلـى أن معناه‪ :‬ما أخـلفنا موعدك بسلطان كانت‬
‫لنا علـى أنفسنا نقدر أن نردّها عما أتت‪ ,‬لن هواها غلبنا علـى إخلفك الـموعد‪.‬‬
‫ل وأحمالً من زينة القوم‪,‬‬
‫ن زِينَةِ القَوْ مِ يقول‪ :‬ولكنا حملنا أثقا ً‬
‫حمّلْنا أ ْوزَارا مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وََل ِكنّا ُ‬
‫يعنون من حلـيّ آل فرعون وذلك أن بنـي إسرائيـل لـما أراد موسى أن يسير بهم لـيلً‬
‫من م صر بأ مر ال إياه بذلك‪ ,‬أمر هم أن ي ستعيروا من أمت عة آل فرعون وحل ـيهم‪ ,‬وقال‪ :‬إن‬
‫ال مغنـمكم ذلك‪ ,‬ففعلوا‪ ,‬واستعاروا من حلـىّ نسائهم وأمتعتهم‪ ,‬فذلك قولهم لـموسى حين‬
‫عدِي‬
‫ن رَ ّبكُمْ فَأخْـلَ ْفتُـمْ مَ ْو ِ‬
‫ب مِ ْ‬
‫غضَ ٌ‬
‫ن َيحِلّ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫قال لهم أفَطَالَ عَلَـ ْيكُمُ ال َع ْهدُ أ ْم أرَ ْدتُـمْ أ ْ‬
‫ن زِينَةٍ ال َقوْ مِ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫حمّلْنا أوْزارا ِم ْ‬
‫عدَ كَ بِـمَ ْلكِنا‪ ,‬وََل ِكنّا ُ‬
‫قَالُوا ما أخْـلَفْنا َموْ ِ‬
‫ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18306‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حمّلْنا أوْزارا ِم نْ زِينَةِ القَوْ مِ فهو ما كان مع بنـي‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وََل ِكنّا ُ‬
‫إسرائيـل من حلـيّ آل فرعون‪ ,‬يقول‪ :‬خطئونا بـما أصبنا من حلـيّ عدوّنا‪.‬‬
‫‪ 18307‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن زِينَ ِة ال َقوْمِ قال‪ :‬هي الـحلـيّ التـي استعاروا‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْوزَارا قال‪ :‬أثقالً‪ .‬وقوله‪ :‬مِ ْ‬
‫من آل فرعون‪ ,‬فهي الثقال‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد وََل ِكنّا‬
‫ل مِنْ زِينَ ِة القَ ْو ِم قال‪ :‬حلـيهم‪.‬‬
‫حمّلْنا أ ْوزَارا قال‪ :‬أثقا ً‬
‫ُ‬
‫حمّلْ نا‬
‫‪ 18308‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ وََلكِنّا ُ‬
‫ن زِينةِ ال َق ْومِ يقول‪ :‬من حلـيّ القبط‪.‬‬
‫أ ْوزَارا مِ ْ‬
‫حمّلْنا‬
‫‪ 18309‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وََل ِكنّا ُ‬
‫ن زِينَةِ ال َقوْ مِ قال‪ :‬ال ـحلـيّ الذي ا ستعاروه‪ .‬والث ـياب ل ـيست من الذنوب ف ـي‬
‫أ ْوزَارا مِ ْ‬
‫شيء‪ ,‬لو كانت الذنوب كانت حملناها نـحملها‪ ,‬فلـيست من الذنوب فـي شيء‪.‬‬
‫حمّلْنا بضم‬
‫واختلفت القرّاء فـي قبراءة ذلك‪ ,‬فقرأ عامة قرّاء الـمدينة وبعض الـمكيـين‪ُ :‬‬
‫الـحاء وتشديد الـميـم بـمعنى أن موسى يحملهم ذلك‪ .‬وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة‬
‫حمَلْنا» بتـخفـيف الـحاء والـميـم وفتـحهما‪ ,‬بـمعنى أنهم حملوا‬
‫وبعض الـمكيـين‪َ « :‬‬
‫ذلك من غير أن يكلفهم حمله أحد‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقول عندي فـي تأويـل ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى‪,‬‬
‫لن القوم حملوا‪ ,‬وأن موسى قد أمرهم بحمله‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَ َق َذفْنا ها يقول‪ :‬فألق ـينا تلك الوزار من زي نة القوم ف ـي ال ـحفرة َفكَذَل كَ ألْقَ ـى‬
‫ال سّا ِمرِيّ يقول‪ :‬فك ما قذف نا ن ـحن تلك الثقال‪ ,‬فكذلك ألق ـى ال سامريّ ما كان م عه من تر بة‬
‫حافر فرس جبريـل‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18310‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد قوله‪ :‬فَ َقذَفْناها قال‪ :‬فألقـيناها َف َكذَلكَ ألْقَـى السّامِريّ‪ :‬كذلك صنع‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‬
‫فَ َقذَفْناها قال‪ :‬فألقـيناها َف َكذَِلكَ ألْقَـى السّامِ ِريّ فكذلك صنع‪.‬‬
‫‪18311‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة فَ َق َذفْناها‪ :‬أي فنبذناها‪.‬‬
‫ل جَ سَدا لَ ُه خُوَارٌ يقول‪ :‬فأخرج ل هم ال سامريّ م ـما قذفوه وم ـما‬
‫عجْ ٍ‬
‫خرَ جَ َلهُ مْ ِ‬
‫وقوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫ل جسدا له خوار‪ ,‬ويعنـي بـالـخوار‪ :‬الصوت‪ ,‬وهو صوت البقر‪.‬‬
‫ألقاه عج ً‬
‫ثم اختلف أهل العلـم فـي كيفـية إخراج السامريّ العجل‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬صاغه صياغة‪,‬‬
‫ثم ألقـى من تراب حافر فرس جبرئيـل فـي فمه فخار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18312‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفكَذل كَ ألْقَ ـى ال سّامرِيّ‬
‫قال‪ :‬كان ال وقّت لـموسى ثلثـين لـيـلة ثم أتـمها بعشر فلـما مضت الثلثون قال عدوّ‬
‫ال السـامري‪ :‬إنــما أصـابكم الذي أصـابكم عقوبـة بــالـحلـيّ الذي كان معكـم‪ ,‬فهلــموا‬
‫وكانت حلـيا تعيروها من آل فرعون‪ ,‬فساروا وهي معهم‪ ,‬فقذفوها إلـيه‪ ,‬فصوّرها صورة‬
‫بقرة‪ ,‬وكان قد صرّ ف ـي عمام ته أو ف ـي ثو به قب ضة من أ ثر فرس جبرئي ـل‪ ,‬فقذف ها مع‬
‫ل جَسـَدا لَهُـ خُوَارٌ فجعـل يخور خوار البقـر‪ ,‬فقال‪َ :‬هذَا‬
‫خرَجَـ َلهُم ْـ عجْ ً‬
‫الــحلـيّ والصـورة َفَأ ْ‬
‫إل ُه ُكمْ وإَلهُ مُوسَى‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬لـما استبطأ‬
‫موسى قومه قال لهم السامريّ‪ :‬إنـما احتبس علـيكم لجل ما عندكم من الـحلـيّ‪ ,‬وكانوا‬
‫ا ستعاروا حل ـيا من آل فرعون فجمعوه فأعطوه ال سامريّ ف صاغ م نه عجلً‪ ,‬ثم أ خذ القب ضة‬
‫التـي قبض من أثر الفرس‪ ,‬فرس الـملك‪ ,‬فنبذها فـي جوفه‪ ,‬فإذا هو عجل جسد له خوار‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬هذا إلهكم وإله موسى‪ ,‬ولكن موسى نسي ربه عندكم‪.‬‬
‫وقال آخرون فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪18313‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬أخذ‬
‫ال سامريّ من تر بة ال ـحافر‪ ,‬حا فر فرس جبرئي ـل ف ـانطلق مو سى وا ستـخـلف هارون‬
‫عل ـى بن ـي إ سرائيـل وواعد هم ثلث ـين ل ـيـلة‪ ,‬فأت ـمها ال بع شر‪ ,‬قال ل هم هارون‪ :‬يا‬
‫بنــي إسـرائيـل إن الغنــيـمة ل تــحلّ لكـم‪ ,‬وإن حلــي القبـط إنــما هـو غنــيـمة‪,‬‬
‫ف ـاجمعوها جمي عا‪ ,‬ف ـاحفروا ل ها حفرة ف ـادفنوها‪ ,‬فإن جاء مو سى فأحل ها أخذت ـموها‪ ,‬وإلّ‬
‫كان شيئا لـم تأكلوه‪ .‬فجمعوا ذلك الـحلـيّ فـي تلك الـحفرة‪ ,‬فجاء السامريّ بتلك القبضة‬
‫فقذف ها فأخرج ال من ال ـحلـيّ عجلً ج سدا له خوار‪ ,‬وعدّت ب نو إ سرائيـل مو عد مو سى‪,‬‬
‫فعدوا اللـيـلة يوما‪ ,‬والـيوم يوما فلـما كان لعشرين خرج لهم العجل فلـما رأوه قال لهم‬
‫سيَ فعكفوا عل ـيه يعبدو نه‪ ,‬وكان يخور وي ـمشي فَكذَل كَ‬
‫ال سامريّ‪َ :‬هذَا إل ُهكُ مْ وَإلَ ُه مُو سَى َفنَ ِ‬
‫ألْقَــى السـّامِ ِريّ ذلك حيـن قال لهـم هارون‪ :‬احفروا لهذا الــحلـيّ حفرة واطرحوه فــيها‪,‬‬
‫فطرحوه‪ ,‬فقذف السـامريّ تربتـه‪ .‬وقوله‪ :‬فقَالَ َهذَا إل ُهكُم ْـ وَإلَه مُوسـَى يقول‪ :‬فقال قوم موسـى‬
‫الذين عبدوا العجل‪ :‬هذا معبودكم ومعبود موسى‪ .‬وقوله َف َنسِيَ يقول‪ :‬فضلّ وترك‪.‬‬
‫ي من قائله و من الذي و صف به و ما معناه‪ ,‬فقال‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي قوله َفنَ سِ َ‬
‫بعض هم‪ :‬هذا من ال خبر عن ال سامريّ‪ ,‬وال سامريّ هو ال ـموصوف به‪ ,‬وقالوا‪ :‬معناه‪ :‬أ نه‬
‫ترك الدين الذي بعث ال به موسى وهو السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18314‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن حكيـم بن‬
‫جُبــير‪ ,‬عـن سـعيد بـن جبــير‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬يقول ال‪َ :‬فنَسِـيَ‪ :‬أي ترك مـا كان‬
‫علـيه من السلم‪ ,‬يعنـي السامري‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذا خبر من ال عن ال سامري‪ ,‬أ نه قال لبن ـي إ سرائيـل‪ ,‬وأ نه و صف‬
‫موسى بأنه ذهب يطلب ربه‪ ,‬فأضلّ موضعه‪ ,‬وهو هذا العجل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18315‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس فَ َقذَفْناها يعنـي زينة القوم حين أمرنا السامريّ لـما قبض قبضة‬
‫من أثر جبرائيـل علـيه السلم‪ ,‬فألقـى القبضة علـى حلـيهم فصار عجلً جسدا له خوار‬
‫سيَ يعن ـي‪ :‬ن سي مو سى‪ ,‬ضلّ ع نه فل ـم‬
‫فَقالُوا َهذَا إل ُهكُ مْ وإلَ هُ مُو سَى الذي انطلق يطل به َفنَ ِ‬
‫يهتد له‪.‬‬
‫‪ 18316‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفنَ سيَ يقول‪ :‬طلب هذا‬
‫موسى فخالفه الطريق‪.‬‬
‫سيَ يقول‪ :‬قال‬
‫حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة َفنَ ِ‬
‫السامريّ‪ :‬موسى نسي ربه عندكم‪.‬‬
‫‪ 18317‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سيَ موسى‪ ,‬قال‪ :‬هم يقولونه‪ :‬أخطأ الربّ العجل‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فَ َن ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد َفنَ سِيَ‬
‫قال‪ :‬نسي موسى‪ ,‬أخطأ الربّ العجل‪ ,‬قوم موسى يقولونه‪.‬‬
‫ي فَنَ سِيَ يقول‪:‬‬
‫‪ 18318‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه‪.‬‬
‫‪ 18319‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪َ :‬هذَا إل ُهكُ مْ‬
‫سيَ قال‪ :‬يقول‪ :‬فنسي حيث وعده ربه ههنا‪ ,‬ولكنه نسي‪.‬‬
‫وَإَلهُ مُوسَى فَ َن ِ‬
‫‪ 18320‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا مُعاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سيَ يقول‪ :‬نسي موسى ربه فأخطأه‪ ,‬وهذا‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬هذَا إل ُهكُ مْ وَإَل هُ مُو سَى َفنَ ِ‬
‫العجل إله موسى‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والذي هو أولـى بتأويـل ذلك القول الذي ذكرناه عن هؤلء‪ ,‬وهو أن ذلك‬
‫خبر من ال عزّ ذكره عن ال سامريّ أ نه و صف مو سى بأ نه ن سي ر به‪ ,‬وأ نه ر به الذي ذ هب‬
‫يريده هو الع جل الذي أخر جه ال سامري‪ ,‬لجماع ال ـحجة من أ هل التأوي ـل عل ـيه‪ ,‬وأ نه‬
‫عقـيب ذكر موسى‪ ,‬وهو أن يكون خبرا من السامريّ عنه بذلك أشبه من غيره‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضرّا َولَ‬
‫ن َألّ َي ْرجِ عُ إَِل ْيهِ مْ قَ ْولً َولَ َيمْلِ كُ َلهُ مْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ{ :‬أفَلَ َيرَوْ َ‬
‫ن فَا ّت ِبعُونِي وََأطِيعُوَاْ‬
‫حمَـ ُ‬
‫ن مِن َقبْلُ يَ َقوْمِ ِإ ّنمَا ُفتِنتُمْ بِهِ وَإِنّ َر ّبكُمُ ال ّر ْ‬
‫نَفْعا * وَلَ َق ْد قَالَ َلهُمْ هَارُو ُ‬
‫سىَ }‪.‬‬
‫حّتىَ َي ْرجِعَ إَِل ْينَا مُو َ‬
‫ن َ‬
‫َأ ْمرِي * قَالُواْ لَن ّن ْبرَحَ عََليْهِ عَاكِفِي َ‬
‫عبَدة العجل‪ ,‬والقائلـين له َهذَا إل ُهكُ مْ وَإَل ُه مُو سَى َفنَ سِيَ‪ ,‬وعابهم‬
‫يقول تعالـى ذكره موبخا َ‬
‫بذلك‪ ,‬و سفّه أحلم هم ب ـما فعلوا ونالوا م نه‪ :‬أفل يرون أن الع جل الذي زعموا أ نه إلهكم وإله‬
‫مو سى ل يكل ـمهم‪ ,‬وإن كلّ ـموه ل ـم يردّ عل ـيهم جواب ـا‪ ,‬ول يقدر عل ـى ضرّ ول ن فع‪,‬‬
‫فكيف يكون ما كانت هذه صفته إلها؟ كما‪:‬‬
‫‪18321‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ .‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد ل َي ْرجِعُ إلَـيْهمْ قَ ْولً العجل‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد أفَل‬
‫ل قال‪ :‬العجل‪.‬‬
‫ن ألّ يَرجِعُ إلَـ ْيهِمْ قَ ْو ً‬
‫َيرَوْ َ‬
‫ن ألّ‬
‫‪ 18322‬ـ حدث نا بِ شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال ال‪ :‬أفَل َيرَوْ َ‬
‫ضرّا وَل نَفْعا‪.‬‬
‫َيرْجِ ُع إلَـيْ ِهمْ ذلك العجل الذي اتـخذوه قولً وَل يَـمِْلكُ َل ُهمْ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَلَ َقدْ قالَ َلهُم ْـ هارُونُـ من ْـ قَبْل‪ :‬يقول‪ :‬لقـد قال لعبدة العجـل مـن بنــي إسـرائيـل‬
‫هارون‪ ,‬من ق بل رجوع مو سى إل ـيهم‪ ,‬وق ـيـله ل هم ما قال‪ ,‬م ـما أ خبر ال ع نه إنّ ـمَا‬
‫ُفتِ ْنتُـمْ بِهِ يقول‪ :‬إنـما اختبر ال إيـمانكم ومـحافظتكم علـى دينكم بهذا العجل‪ ,‬الذي أحدث‬
‫ك فـي دينه‪,‬‬
‫فـيهم الـخوار‪ ,‬لـيعلـم به الصحيح اليـمان منكم من الـمريض القلب‪ ,‬الشا ّ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 18323‬ـ حدثن ـي مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال ل هم‬
‫هارون‪ :‬إنّـما ُفتِ ْنتُـمْ بِهِ يقول‪ :‬إنـما ابتلـيتـم به‪ ,‬يقول‪ :‬بـالعجل‪.‬‬
‫ن فـا ّت ِبعُونِـي وأطيعُوا أ ْمرِي‪ :‬يقول‪ :‬وإن ربكم الرحمن الذي يع مّ‬
‫حمَ ُ‬
‫ن َر ّبكُ مُ ال ّر ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ّ‬
‫جم يع ال ـخـلق نع مه‪ ,‬ف ـاتّبعونـي عل ـى ما آمر كم به من عب ـادة ال‪ ,‬وترك عب ـادة‬
‫الع جل‪ ,‬وأطيعوا أمري ف ـيـما آمر كم به من طا عة ال‪ ,‬وإخلص العب ـادة له‪ .‬وقوله‪ :‬قالُوا‬
‫عبَدة العجـل مـن قوم موسـى‪ :‬لن نزال علــى العجـل‬
‫لَن ْـ َنبْرَحَـ عَلَــيْ ِه عاكِفــينَ يقول‪ :‬قال َ‬
‫مقـيـمين نعبده‪ ,‬حتـى يرجع إلـينا موسى‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َنـ‬
‫ُمـ ضَلّوَ ْا * َألّ َت ّت ِبع ِ‬
‫َكـ ِإذْ رََأ ْي َته ْ‬
‫ُونـ مَا َم َنع َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قَالَ َي َهر ُ‬
‫ت َبيْ نَ َبنِ يَ‬
‫خشِي تُ أَن تَقُولَ َفرّقْ َ‬
‫ل بِرَأْ سِي ِإنّي َ‬
‫ح َيتِي َو َ‬
‫خذْ بِِل ْ‬
‫صيْتَ َأ ْمرِي * قَالَ يَا ْب َنأُ مّ لَ َت ْأ ُ‬
‫َأ َفعَ َ‬
‫ِإسْرَآئِيلَ وََلمْ َت ْرقُبْ قَوْلِي }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال موسى لخيه هارون لـما فرغ من خطاب قومه ومراجعته إياهم‬
‫علـى ما كان من خطأ فعلهم‪ :‬يا هارون أ يّ شيء منعك إذ رأيتهم ضلوا عن دينهم‪ ,‬فكفروا‬
‫بـال وعبدوا العجل أل تتبعنـي‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عذل موسى علـيه أخاه من تركه اتبـاعه‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬عذله علـى تركه السير بـمن أطاعه فـي أثره علـى ما كان عهد إلـيه‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18324‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن حكيـم بن جبـير‪ ,‬عن‬
‫ن نَبرَحَ عَلَـيْ ِه عاكِفِـينَ حتـى‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لـما قال القوم‪َ :‬ل ْ‬
‫َيرْجِ عَ إلَـيْنا مُو سَى أقام هارون فـيـمن تبعه من الـمسلـمين مـمن لـم يُفتتن‪ ,‬وأقام من‬
‫يعبد العجل علـى عبـادة العجل‪ ,‬وتـخوّف هارون إن سار بـمن معه من الـمسلـمين أن‬
‫سرَائِيـلَ ولَـ ْم تَ ْرقُبْ قَوْلـي وكان له هائبـا مطيعا‪.‬‬
‫يقول له موسى‪ :‬فَ ّرقْتَ بـينَ بَنـي إ ْ‬
‫‪ 18325‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ما َم َنعَ كَ إذْ‬
‫رأيْ َت ُهمْ ضَلّوا ألّ َت ّت ِبعَنِ قال‪ :‬تدعهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عذله علـى تركه أن يصلـح ما كان من فساد القوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18326‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جُرَ يج‪ ,‬قوله‪ :‬ما‬
‫َنـ قال‪ :‬أمـر موسـى هارون أن يصـلـح‪ ,‬ول يتبـع سـبـيـل‬
‫ُمـ ضَلّوا ألّ َت ّت ِبع ِ‬
‫َكـ إذْ رأ ْي َته ْ‬
‫َم َنع َ‬
‫خذْ‬
‫ُمـ ل َت ْأ ُ‬
‫ْنـ أ ّ‬
‫ل يـا اب َ‬
‫َصـيْتَ أ ْمرِي بذلك‪ ,‬وقوله‪ :‬قا َ‬
‫َنـ أفَع َ‬
‫أنـ ل َت ّت ِبع ِ‬
‫الــمفسدين‪ ,‬فذلك قوله‪ْ :‬‬
‫بِلِــحْ َيتِـي وَل بِرأسـِي وفــي هذا الكلم متروك‪ ,‬ترك ذكره اسـتغناء بدللة الكلم علــيه‪,‬‬
‫وهو‪ :‬ثم أخذ موسى بلـحية أخيه هارون ورأسه يجرّه إلـيه‪ ,‬فقال هارون‪ :‬يا بْ نَ أُ مّ ل َت ْأخُذْ‬
‫بِلِـحْ َيتِـي وَل بِرأسِي‪.‬‬
‫ب قَوْلـي فـاختلف‬
‫ن َبنِـي إ سْرائيـلَ وَلَـمْ َت ْرقُ ْ‬
‫ل َفرّقْ تَ بـي َ‬
‫ن تَقُو َ‬
‫وقوله‪ :‬إنّـي خَشي تُ أ ْ‬
‫أهل العلـم فـي صفة التفريق بـينهم‪ ,‬الذي خشيه هارون‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬كان هارون خاف‬
‫أن يسير بـمن أطاعه‪ ,‬وأقام علـى دينه فـي أثر موسى‪ ,‬ويخـلف عبدة العجل‪ ,‬وقد قالُوا له‬
‫ن حتـى َي ْرجِ عَ إلَـيْنا مُو سَى فـيقول له موسى فَ ّرقْ تَ بـينَ َنبِـي‬
‫ن َنبْرَ حَ عَلَـيْ ِه عاكِفـي َ‬
‫لَ ْ‬
‫إسْرائِيـلَ ولَـمْ َت ْرقُبْ قَوْلـي بسيرك بطائفة‪ ,‬وتركك منهم طائفة وراءك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18327‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قول ال تعال ـى‪ :‬ما‬
‫خشِيتُـ أن ْـ تَقُول َفرّقْتَـ بــينَ َبنِــي‬
‫َم َنعَكَـ إذْ رأ ْي َتهُم ْـ ضَلّوا ألّ َت ّت ِبعَنِـ أفَعَصَـيْتَ أ ْمرِي قال‪َ :‬‬
‫إسْرائِيـلَ ولَـمْ َت ْرقُبْ قَوْلـي قال‪ :‬خشيت أن يتبعنـي بعضهم ويتـخـلف بعضهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬خشيت أن نقتتل فـيقتل بعضنا بعضا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫خشِيتُ‬
‫‪18328‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج إنّـي َ‬
‫ب قَوْل ـي قال‪ :‬كنا نكون فرقت ـين ف ـيقتل‬
‫ن َبنِـي إ سْرائِيـلَ ولَـمْ َترْقُ ْ‬
‫ل َفرّقْ تَ ب ـي َ‬
‫ن تَقُو َ‬
‫أ ْ‬
‫بعضنا بعضا حتـى نتفـانى‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولـى القول ـين ف ـي ذلك بـالصواب‪ ,‬القول الذي قاله ا بن عبـاس من‬
‫أن موسى عذل أخاه هارون علـى تركه اتبـاع أمره بـمن اتبعه من أهل اليـمان‪ ,‬فقال له‬
‫هارون‪ :‬إنــي خشيـت أن تقول‪ ,‬فرّقـت بــين جماعتهـم‪ ,‬فتركـت بعضهـم وراءك‪ ,‬وجئت‬
‫حمَ نُ‬
‫ببعض هم‪ ,‬وذلك ب ـيّن ف ـي قول هارون للقول يا قَو مِ إنّ ـمَا ُف ِت ْنتُ ـمْ بِ هِ وَإ نّ َر ّبكُ مُ ال ّر ْ‬
‫َحـ عَلَــيْهِ عاكفِــينَ‬
‫َنـ َن ْبر َ‬
‫فــا ّت ِبعُونِـي وأطِيعُوا أ ْمرِي وفــي جواب القوم له وقــيـلهم ل ْ‬
‫حتـى َي ْرجِعَ إلَـيْنا مُوسَى‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ولَــمْ َترْقُب ْـ قَوْلــي يقول‪ :‬ولــم تنظـر قولــي وتــحفظه‪ .‬مـن مراقبـة الرجـل‬
‫الشيء‪ ,‬وهي مناظرته بحفظه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫‪ 18329‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫ابن عبـاس‪ :‬ولَـمْ َترْقُبْ قَوْلـي قال‪ :‬لـم تـحفظ قولـي‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫و‬ ‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صرُواْ‬
‫طبُ كَ يَ سَامِ ِريّ * قَالَ بَ صُرْتُ ِبمَا لَ مْ َيبْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َفمَا خَ ْ‬
‫ت لِي نَ ْفسِي }‪.‬‬
‫ل فَ َن َب ْذ ُتهَا َو َكذَِلكَ سَوّلَ ْ‬
‫بِ ِه فَ َقبَضْتُ َق ْبضَةً ّمنْ َأ َثرِ ال ّرسُو ِ‬
‫طبُ كَ يا سا ِمرِيّ قال مو سى لل سامري‪ :‬ف ما شأ نك يا‬
‫خ ْ‬
‫يعن ـي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬فمَا َ‬
‫سامري‪ ,‬وما الذي دعاك إلـى ما فعلته‪ ,‬كما‪:‬‬
‫طبُ كَ يا‬
‫خ ْ‬
‫‪ 18330‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َفمَا َ‬
‫سامِ ِريّ قال‪ :‬ما أمرك؟ ما شأنك؟ ما هذا الذي أدخـلك فـيـما دخـلت فـيه‪.‬‬
‫طبُ كَ يا‬
‫خ ْ‬
‫ل فما َ‬
‫ي قا َ‬
‫‪ 18331‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫سامِ ِريّ قال‪ :‬مالك يا سامريّ؟‬
‫صرُوا بِهِ يقول‪ :‬قال السامريّ‪ :‬علـمت ما لـم يعلـموه‪ ,‬وهو‬
‫صرْتُ بِـمَا لَـمْ َيبْ ُ‬
‫وقوله‪ :‬بَ ُ‬
‫فعلت من البصيرة‪ :‬أي صرت بـما عملت بصيرا عالـما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَيج‪ ,‬قال‪ :‬لـما‬
‫‪ 18332‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫أمـ السـامريّ‪ :‬لو نــحيته عنــي حتــى ل أراه‪ ,‬ول أدري قتله‪,‬‬
‫قتـل فرعون الولدان قالت ّ‬
‫فجعل ته ف ـي غار‪ ,‬فأت ـى جبرئي ـل‪ ,‬فج عل ك فّ نف سه ف ـي ف ـيه‪ ,‬فج عل يُرض عه الع سل‬
‫ت قَ ْبضَ ًة مِنْ‬
‫واللبن‪ ,‬فلـم يزل يختلف إلـيه حتـى عرفه‪ ,‬فمن ثم معرفته إياه حين قال‪ :‬فَ َق َبضْ ُ‬
‫أ َثرِ الرّسُولِ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هـي بــمعنى‪ :‬أبصـرت مـا لــم يبصـروه‪ .‬وقالوا‪ :‬يقال‪ :‬بصـرت بــالشيء‬
‫وأبصرته‪ ,‬كما يقال‪ :‬أسرعت وسرعت ما شئت‪ .‬ذكر من قال‪ :‬هو بـمعنى أبصرت‪:‬‬
‫صرْتُ بِ ـمَا لَ ـمْ‬
‫‪ 18333‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة قال بَ ُ‬
‫صرُوا بِهِ يعنـي فرس جبرئيـل علـيه السلم‪.‬‬
‫َيبْ ُ‬
‫ن أ َثرِ الرّ سُولِ يقول‪ :‬قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيـل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَ َق َبضْ تُ َق ْبضَةً مِ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18334‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن حكيـم بن‬
‫جبـير‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لـما قذفت بنو إسرائيـل ما كان معهم‬
‫من زينة آل فرعون فـي النار‪ ,‬وتكسرت‪ ,‬ورأى السامريّ أثر فرس جبرئيـل علـيه السلم‪,‬‬
‫ل جسدا له خوار‪,‬‬
‫فأخذ ترابـا من أثر حافره‪ ,‬ثم أقبل إلـى النار فقذفه فـيها‪ ,‬وقال‪ :‬كن عج ً‬
‫فكان للبلء والفتنة‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ق بض قب ضة م نه من أ ثر جبرئي ـل‪ ,‬فألق ـى القب ضة عل ـى‬
‫ل جسدا له خوار‪ ,‬فقال‪ :‬هذا إلهكم وإله موسى‪.‬‬
‫حلـيهم فصار عج ً‬
‫‪ 18335‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل َف َنبَ ْذتُها قال‪ :‬من تـحت حافر فرس‬
‫ن أثَر الرّ سُو ِ‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬فَ َق َبضْ تُ َق ْبضَةً مِ ْ‬
‫ل جسـدا له خوار‪,‬‬
‫جبرئيــل‪ ,‬نبذه السـامريّ علــى حلــية بنــي إسـرائيـل‪ ,‬فــانسبك عج ً‬
‫حفـيف الريح فـيه فهو خواره‪ ,‬والعجل‪ :‬ولد البقرة‪.‬‬
‫صرْتُ‬
‫واختلف القرّاء فـي قراءة هذين الـحرفـين‪ ,‬فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة بَ ُ‬
‫صرُوا ِب هِ ب ـالـياء‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬قال ال سامريّ‪ :‬ب صرت ب ـما ل ـم يب صر به ب نو‬
‫بِ ـمَا لَ ـمْ َيبْ ُ‬
‫صرُوا بهِ» بـالتاء علـى وجه‬
‫صرْتُ بِـمَا لَـمْ َتبْ ُ‬
‫إسرائيـل‪ .‬وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة‪َ « :‬ب ُ‬
‫الــمخاطبة لــموسى صـلى ال عليـه وسـلم وأصـحابه‪ ,‬بــمعنى‪ :‬قال السـامريّ لــموسى‪:‬‬
‫بصرت بـما لـم تبصر به أنت وأصحابك‪.‬‬
‫والقول فــي ذلك عندي أنهمـا قراءتان معروفتان‪ ,‬قـد قرأ بكـل واحدة منهمـا علــماء مـن‬
‫القرّاء مع صحة مع نى كل واحدة منه ما‪ ,‬وذلك أ نه جائز أن يكون ال سامريّ رأى جبرئي ـل‪,‬‬
‫فكان عنده ما كان بأن حدث ته نف سه بذلك أو بغ ير ذلك من ال سبـاب‪ ,‬أن تراب حا فر فر سه‬
‫الذي كان علـيه يصلـح لـما حدث عنه حين نبذه فـي جوف العجل‪ ,‬ولـم يكن علـم ذلك‬
‫ت بِـمَا لَـمْ‬
‫عند موسى‪ ,‬ول عند أصحابه من بنـي إسرائيـل‪ ,‬فلذلك قال لـموسى‪« :‬بَ صُرْ ُ‬
‫ت بِـما لَـمْ َيبْ صُرُوا‬
‫َتبْ صُرُوا ب هِ» أي علـمت بـما لـم تعلـموا به‪ .‬وأما إذا قرىء بَ صُرْ ُ‬
‫بِ ِه بـالـياء‪ ,‬فل مؤنة فـيه‪ ,‬لنه معلوم أن بنـي إسرائيـل لـم يعلـموا ما الذي يصلـح‬
‫له ذلك التراب‪.‬‬
‫ل فإن قرّاء المصـار علــى قراء ته بــالضاد‪,‬‬
‫وأمـا قوله‪ :‬فَ َق َبضْتُـ َق ْبضَةً مِن ْـ أ َثرِ الرّ سُو ِ‬
‫بـمعنى‪ :‬فأخذت بكفـي ترابـا من تراب أثر فرس الرسول‪ .‬وروي عن الـحسن البصري‬
‫وقتادة ما‪:‬‬
‫‪ 18336‬ـ حدثنـي أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن عبـاد بن‬
‫عوف‪ ,‬عن الـحسن أنه قرأها‪« :‬فَ َق َبصْتُ َق ْبصَةً» بـالصاد‪.‬‬
‫‪18337‬ـ وحدثنـي أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن عبـاد‪ ,‬عن‬
‫قَتادة م ثل ذ كر ب ـالصاد‪ .‬ب ـمعنى‪ :‬أخذت بأ صابعي من تراب أ ثر فرس الر سول‪ ,‬والقب ضة‬
‫عند العرب‪ :‬الخذ بـالكفّ كلها‪ ,‬والقبصة‪ :‬الخذ بأطراف الصابع‪.‬‬
‫ت لــي َنفْسـِي يقول‪ :‬وكمـا فعلت مـن إلقائي‬
‫سـوّلَ ْ‬
‫َكـ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ف َن َب ْذتُهـا يقول‪ :‬فألقــيتها و َكذَل َ‬
‫القب ضة التـي قبضت من أ ثر الفرس علـى الـحلـية التـي أو قد علـيها حتـى انسبكت‬
‫ت لِ ـي نَفْ سِي يقول‪ :‬زي نت ل ـي نف سي أ نه يكون ذلك‬
‫ف صارت عجلً ج سدا له خوار‪ .‬سَوّلَ ْ‬
‫كذلك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ت لِ ـي‬
‫ك سَوّلَ ْ‬
‫‪ 18338‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬و َكذَلِ َ‬
‫نَ ْفسِي قال‪ :‬كذلك حدثتنـي نفسي‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫و‬ ‫‪97‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل لَ مِ سَاسَ وَِإ نّ‬
‫حيَاةِ أَن تَقُو َ‬
‫ن لَ كَ فِي ا ْل َ‬
‫{قَالَ فَاذْهَ بْ َفإِ ّ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حرّ َقنّ ُه ثُ مّ َلنَن سِ َفّنهُ فِي ا ْليَ مّ نَ سْفا‬
‫ى إِلَـهِكَ اّلذِي ظَلْ تَ عََل ْي هِ عَاكِفا ّل ُن َ‬
‫لَ كَ مَ ْوعِدا لّن ُتخْلَ َف هُ وَانظُرْ إَِل َ‬
‫شيْءٍ عِلْما }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ل هُوَ َوسِعَ كُ ّ‬
‫* ِإ ّنمَآ إِلَـ ُه ُكمُ اللّ ُه اّلذِي ل إِلَـهَ ِإ ّ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬قال موسـى للسـامريّ‪ :‬فــاذهب فإن لك فــي أيام حياتـك أن تقول‪:‬‬
‫لم ساس‪ :‬أي ل أم سّ‪ ,‬ول أُم سّ‪ ..‬وذُ كر أن مو سى أ مر بن ـي إ سرائيـل أن ل يؤاكلوه‪ ,‬ول‬
‫يخالطوه‪ ,‬ول يبــايعوه‪ ,‬فلذلك قال له‪ :‬إن لك فــي الــحياة أن تقول لمسـاس‪ ,‬فبقــي ذلك‬
‫فـيـما ذكر فـي قبـيـلته‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18339‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان وال السامريّ‬
‫عظيـما من عظماء بنـي إسرائيـل‪ ,‬من قبـيـلة يقال لها سامرة‪ ,‬ولكن عد ّو ال نافق بعد‬
‫ل لمِساسَ‬
‫ما قطع البحر مع بنـي إسرائيـل‪ .‬قوله‪ :‬فـاذْهَبْ فإ نّ لَ كَ فِـي الـحَيا ِة أ نْ تَقو َ‬
‫فبقاياهم الـيوم يقولون لمساس‪.‬‬
‫ن لَ كَ َموْعِدا َل نْ تُ ـخْـلَفَ ُه اختل فت القرّاء ف ـي قراء ته‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أ هل‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ّ‬
‫َنـ تُــخْـلَفَهُ بضـم التاء وفتــح اللم بــمعنى‪ :‬وإن لك موعدا لعذابـك‬
‫الــمدينة والكوفـة ل ْ‬
‫وعقوب تك عل ـى ما فعلت من إضللك قو مي حت ـى عبدوا الع جل من دون ال‪ ,‬لن يخ ـلفكه‬
‫ن لَ كَ َموْعِدا َل نْ تُـخْـلِفَهُ» بض مّ‬
‫ال‪ ,‬ولكن يذيقكه‪ .‬وقرأ ذلك الـحسن وقَتادة وأبو نهيك‪« :‬وَإ ّ‬
‫التاء وكسر اللم‪ ,‬بـمعنى‪ :‬وإن لك موعدا لن تـخـلفه أنت يا سامريّ‪ ,‬وتأوّلوه بـمعنى‪ :‬لن‬
‫تغيب عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18340‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمؤمن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبـا نهيك يقرأ «لَن تُـخْـلِفَ ُه أنْتَ» يقول‪ :‬لن تغيب عنه‪.‬‬
‫‪18341‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة وَإنّـ لَكَـ َموْعِدا لَن ْـ‬
‫تُـخْـلِفَ ُه يقول‪ :‬لن تغيب عنه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى‪ ,‬لنه ل‬
‫ش كّ أن ال موف وعده لـخـلقه بحشرهم لـموقـف الـحساب‪ ,‬وأن الـخـلق موافون ذلك‬
‫الــيوم‪ ,‬فل ال مخــلفهم ذلك‪ ,‬ول هـم مخــلفوه بــالتـخـلف عنـه‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء‬
‫فمصيب الصواب فـي ذلك‪.‬‬
‫ظرْ إلـى إلهِكَ اّلذِي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا يقول‪ :‬وانظر إلـى معبودك الذي ظلت‬
‫وقوله‪ :‬وَا ْن ُ‬
‫علـيه مقـيـما تعبده‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18342‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ظَلْتَ عَلَـيْ ِه عاكِفـا الذي أقمت علـيه‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ك الّذي ظَلْ تَ عَلَ ـيْ ِه عاكِف ـا‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬فقال له مو سى‪ :‬ا ْنظُ ْر إل ـى إلهِ َ‬
‫يقول‪ :‬الذي أقمـت علــيه‪ .‬وللعرب فــي ظلت‪ :‬لغتان‪ :‬الفتــح فــي الظاء‪ ,‬وبهـا قرأ قرّاء‬
‫المصار‪ ,‬والكسر فـيها وكأن الذين كسروا نقلوا حركة اللم التـي هي عين الفعل من ظللت‬
‫إل ـيها‪ ,‬و من فت ـحها أقرّ حركت ها الت ـي كا نت ل ها ق بل أن يحذف من ها ش يء‪ ,‬والعرب تف عل‬
‫سسْت ومِسْت وفـي همـمت‬
‫فـي الـحروف التـي فـيها التضعيف ذاك‪ ,‬فـيقولون فـي مَ ِ‬
‫بذلك‪ :‬همت به‪ ,‬وهل أحست فلنا وأحسسته‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حسْنَ ِبهِ َفهُنّ إلَـيْ ِه شُوسُ‬
‫ن العِتاقَ ِمنَ الـمَطاياأ َ‬
‫خَل أ ّ‬
‫حرَ َقنّ ُه اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامّة قرْاء الــحجاز والعراق‬
‫وقوله‪َ :‬لنُــ َ‬
‫حرّ َقنّ ُه ب ضم النون وتشد يد الراء‪ ,‬ب ـمعنى لن ـحرقنه ب ـالنار قط عة قط عة‪ .‬ورُوي عن‬
‫َلنُ ـ َ‬
‫الـحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك‪َ« :‬لنُـحْ ِرقَنّهُ» بضم النون‪ ,‬وتـخفـيف الراء‪ ,‬بـمعنى‪:‬‬
‫حرُ َقنّهُ» بفتـح النون وضم‬
‫لنـحرقنه بـالنار إحراقة واحدة‪ ,‬وقرأه أبو وجعفر القارىء‪َ« :‬لنَـ ْ‬
‫الراء بـمعنى‪ :‬لنبردنه بـالـمبـارد من حرقته أحرقه وأحرّقه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ح ُرقُونا‬
‫حبَـ ْي ٍبنُـيُوَب ُهمُ عَلَـيْنا َي ْ‬
‫ِبذِي ِفرْقَـيْنِ َي ْومَ َبنُو ُ‬
‫وال صواب ف ـي ذلك عند نا من القراءة َلنُ ـحَ ّر َقنّهُ ب ضم النون وتشد يد الراء‪ ,‬من الحراق‬
‫بـالنار‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18343‬ـ حدثنـي علـيّ قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حرّ َقنّهُ يقول‪ :‬بـالنار‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬لنُـ َ‬
‫‪ 18344‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حرّ َقنّهُ فحرّقه ثم ذراه فـي الـيـم‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس َلنُـ َ‬
‫وإنــما اخترت هذه القراءة لجمال الــحجة مـن القرّاء علــيها‪ .‬وأمـا أبـو جعفـر‪ ,‬فإنــي‬
‫أحسبه ذهب إلـى ما‪:‬‬
‫‪ 18345‬ـ حدث نا به مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط عن ال سديّ‪:‬‬
‫ظرْ إل ـى إلهِ كَ اّلذِي ظَلْ تَ عَلَ ـيْهِ عاكِف ـا َلنُ ـحَ ّرقَنّ ُه ثُ مّ َل َننْ سِ َفنّ ُه فِ ـي ال ـيَـمّ نَ سْفـا ثم‬
‫وَا ْن ُ‬
‫أخذه فذبحه‪ ,‬ثم حرقه بـالـمبرد‪ ,‬ثم ذراه فـي الـيـم‪ ,‬فلـم يبق بحر يومئذٍ إل وقع فـيه‬
‫شيء منه‪.‬‬
‫ظرْ إلـى إلهِ كَ اّلذِي‬
‫‪ 18346‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَا ْن ُ‬
‫حرّ َقنّ ُه ثُ مّ َل َننْ سِ َفنّهُ فِ ـي ال ـيَـمّ نَ سْفـا قال‪ :‬وف ـي ب عض القراءة‪:‬‬
‫ظَلْ تَ عَلَ ـيْ ِه عاكِف ـا َلنُ ـ َ‬
‫لنذبحنه ثم لنـحرقنه‪ ,‬ثم لننسفنه فـي الـيـمّ نسفـا‪.‬‬
‫‪18347‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي حرف‬
‫ح ِرقَنّ ُه ثُ ّم َل َننْ سِ َفنّهُ‬
‫ك اّلذِي ظَلْ تَ عَلَـيْ ِه عاكِفـا لَن ْذ َبحَنّ ُه ثُ مّ َلنُـ ْ‬
‫ابن مسعود‪« :‬وَا ْنظُرْ إلـى إلهِ َ‬
‫فِـي الـيـ ّم َنسْفـا»‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ثُمّ َل َننْ سِ َفنّ ُه فِـي الـيَـمّ نَ سْفـا يقول‪ :‬ثم لنذرّينه فـي البحر تذرية يقال منه‪ :‬نسف‬
‫فلن الطعام بـالـمنسف‪ :‬إذا ذراه فطير عنه قشوره وترابه بـالـيد أو الريح‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ :‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18348‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ث ّم َل َننْسِ َفنّ ُه فِـي الَـيـمّ َنسْفـا يقول‪ :‬لنذرينه فـي البحر‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬ذراه فـي الـيـمّ‪ ,‬والـيـمّ‪ :‬البحر‪.‬‬
‫‪ 18349‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬ذراه فـي‬
‫الـيـم‪.‬‬
‫‪ 18350‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـي الـيـمّ‪ ,‬قال‪ :‬فـي‬
‫البحر‪.‬‬
‫َهـ إلّ ُهوَ يقول‪ :‬مـا لكـم أيهـا القوم معبود‪ ,‬إل الذي له‬
‫ّهـ اّلذِي ل إل َ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫وقوله‪ :‬إنّــمَا إل ُهك ُ‬
‫شيْءٍ‬
‫ل َ‬
‫عبـادة جميع الـخـلق ل تصلـح العبـادة لغيره‪ ,‬ول تَنبغي أن تكون إل له وَ سِعَ كُ ّ‬
‫عِلْـما يقول‪ :‬أحاط بكل شيء علـما فعلـمه‪ ,‬فل يخفـى علـيه منه شيء ول يضيق علـيه‬
‫عل ـم جم يع ذلك‪ .‬يقال م نه‪ :‬فلن ي سع لهذا ال مر‪ :‬إذا أطا قه وقوى عل ـيه‪ ,‬ول ي سع له‪ :‬إذا‬
‫عجز عنه فلـم يطقه ولـم يقو علـيه‪ .‬وكان قتادة يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫شيْءٍ‬
‫‪ 18351‬ـ حدث نا بِ شر قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَ سِ َع كُلّ َ‬
‫عِلْـما يقول‪ :‬مل كلّ شيء علـما تبـارك وتعالـى‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫و‬ ‫‪99‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبَقَ َو َقدْ آ َت ْينَا كَ مِن‬
‫{ َكذَلِ كَ نَ ُق صّ عََليْ كَ مِ نْ َأ ْنبَآ ِء مَا َقدْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫حمِلُ َي ْومَ الْ ِقيَامَةِ ِوزْرا }‪.‬‬
‫عنْ ُه َفِإنّهُ َي ْ‬
‫عرَضَ َ‬
‫ن أَ ْ‬
‫ّل ُدنّا ِذكْرا * مّ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬كما قصصنا علـيك يا مـحمد‬
‫ك مِ نْ‬
‫ن بأ مو سى وفرعون وقو مه وأخب ـار بن ـي إ سرائيـل مع مو سى َكذَل كَ نَ ُق صّ عَلَ ـيْ َ‬
‫سبَقَ يقول‪ :‬كذلك ن ـخبرك بأنب ـاء الشياء الت ـي قد سبقت من قبلك‪ ,‬فل ـم‬
‫أنْب ـا ِء ما َقدْ َ‬
‫تشاهدهـا ولــم تعاينهـا‪ .‬وقوله‪َ :‬و َقدْ آتَــيْناكَ مِن ْـ َلدُنّا ِذكْرا يقول تعالــى ذكره لــمـحمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬وقد آتـيناك يا مـحمد من عندنا ذكرا يَتذكر به‪ ,‬ويتعظ به أهل العقل‬
‫عرَ ضَ‬
‫والف هم‪ ,‬و هو هذا القرآن الذي أنزله ال عل ـيه‪ ,‬فجعله ذكرى للعال ـمين‪ .‬وقوله َم نْ أ ْ‬
‫ل يَوْ مَ‬
‫حمِ ُ‬
‫عنْ ُه يقول تعال ـى ذكره‪ :‬من ولّ ـى ع نه فأدبر فل ـم ي صدّق به ول ـم يقرّ‪ ,‬فإ نه َي ْ‬
‫َ‬
‫ل ثقـيلً‪ ,‬وذلك الثم العظيـم‪,‬‬
‫القِـيامَة ِوزْرا يقول‪ :‬فإنه يأتـي ربه يوم القـيامة يحمل حم ً‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 18352‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬يَ ْومَ القِـيامَةِ ِوزْرا قال‪ :‬إثما‪.‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ .‬عن ابن ُ‬

‫‪103‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ فِي‬
‫ل * يَوْ َم يُنفَ ُ‬
‫حمْ ً‬
‫ن فِي ِه وَ سَآءَ َلهُ مْ يَوْ َم الْ ِقيَامَةِ ِ‬
‫{خَاِلدِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عشْرا }‪.‬‬
‫ن َب ْي َنهُ ْم إِن ّل ِب ْثتُمْ ِإلّ َ‬
‫ن يَ ْو ِم ِئذٍ ُزرْقا * َي َتخَا َفتُو َ‬
‫جرِمِي َ‬
‫شرُ ا ْل ُم ْ‬
‫حُ‬‫الصّورِ َو َن ْ‬
‫ـن هؤلء‬
‫ـخبر جلّ ثناؤه عـ‬
‫ـم‪ ,‬فأخرج الــ‬
‫ـي وزرهـ‬
‫ـن فــ‬
‫ـى ذكره‪ :‬خالديـ‬
‫يقول تعالــ‬
‫ال ـمعرضين عن ذكره ف ـي الدن ـيا أن هم خالدون ف ـي أوزار هم‪ ,‬وال ـمعنى‪ :‬أن هم خالدون‬
‫فـي النار بأوزارهم‪ ,‬ولكن لـما كان معلوما الـمراد من الكلم اكتفـي بـما ذكر عما لـم‬
‫يذكر‪.‬‬
‫ل يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و ساء ذلك ال ـحمل والث قل من‬
‫وقوله‪ :‬وَ سا َء َلهُ مْ َيوْ مَ الق ـيامَة حمْ ً‬
‫ال ثم يوم الق ـيامة حملً‪ ,‬وح قّ ل هم أن ي سوءهم ذلك‪ ,‬و قد أورد هم مهل كة ل من ـجي من ها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18353‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫حمْلً يقول‪ :‬بئسما حملوا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَساءَ َل ُهمْ َي ْومَ القِـيامَةِ ِ‬
‫‪ 18354‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حمْلً يعنـي بذلك‪ :‬ذنوبهم‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَساءَ َل ُهمْ َي ْومَ القِـيامَ ِة ِ‬
‫خ فِـي ال صّورِ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وساء لهم يوم القـيامة‪ ,‬يوم ينفخ فـي‬
‫وقوله‪َ :‬يوْ مَ ُينْ َف ُ‬
‫خ فِـي ال صّورِ ردّ علـى يوم القـيامة‪ .‬وقد بـيّنا معنى النفخ فـي‬
‫الصور‪ ,‬فقوله‪ :‬يَوْ مَ ُينْفَ ُ‬
‫ال صور‪ ,‬وذكر نا اختلف ال ـمختلفـين ف ـي مع نى ال صور‪ ,‬وال صحيح ف ـي ذلك من القول‬
‫عندي بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع قبل‪.‬‬
‫َخـ فِــي الصـّورِ‬
‫ْمـ ُينْف ُ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء المصـار يَو َ‬
‫ب ـالـياء وضم ها عل ـى ما ل ـم ي س ّم ف ـاعله‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬يوم يأ مر ال إ سرافـيـل ف ـينفخ‬
‫ُخـ فِــي الصـّورِ» بــالنون‬
‫ْمـ َننْف ُ‬
‫فــي الصـور‪ .‬وكان أبـو عمرو بـن العلء يقرأ ذلك «يَو َ‬
‫بـمعنى‪ :‬يوم ننفخ نـحن فـي الصور‪ ,‬كأن الذي دعاه إلـى قراءة ذلك كذلك طلبه التوفـيق‬
‫ج ِرمِينَ إذ كان ل خلف بـين القرّاء فـي نـحشر أنها‬
‫حشُرُ الـمُـ ْ‬
‫بـينه وبـين قوله‪ :‬ونَـ ْ‬
‫بـالنون‪.‬‬
‫قال أبو جع فر‪ :‬والذي أختار فـي ذلك من القراءة يوم ين فخ بـالـياء علـى و جه ما لـم‬
‫يسمّ فـاعله‪ ,‬لن ذلك هو القراءة التـي علـيها قرّاء المصار وإن كان للذي قرأ أبو عمرو‬
‫وجه غير فـاسد‪.‬‬
‫شرُ الـمُـجْ ِرمِينَ َي ْو ِم ِئذٍ زُرْقا يقول تعالـى ذكره‪ :‬ونسوق أهل الكفر بـال‬
‫وقوله‪ :‬ونَـحْ ُ‬
‫يومئذٍ إلـى موقـف القـيامة زرقا‪ ,‬فقـيـل‪ :‬عنى بـالزرق فـي هذا الـموضع‪ :‬ما يظهر‬
‫فـي أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الـحشر لرأي العين من الزرق‪ .‬وقـيـل‪:‬‬
‫عمْيا‪.‬‬
‫شرُ ُهمْ يَ ْومَ القـيامَةِ عَلـى ُوجُو ِه ِهمْ ُ‬
‫أريد بذلك أنهم يحشرون عميا‪ ,‬كالذي قال ال وَنـحْ ُ‬
‫عشْرا يقول تعالــى ذكره‪ :‬يتهامسـون بــينهم‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬يتَــخا َفتُونَ بَــْي َنهُمْ إن ْـ َل ِب ْثتُــمْ إلّ َ‬
‫وي سرّ بعض هم إل ـى ب عض‪ :‬إن لبثت ـم ف ـي الدن ـيا‪ ,‬يعن ـي أن هم يقول بعض هم لب عض‪ :‬ما‬
‫لبثتـم فـي الدنـيا إل عشرا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 18355‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬يتَـخا َفتُون بَـ ْي َنهُمْ يقول‪ :‬يتسَارّون بـينهم‪.‬‬
‫ن بَـيْ َن ُهمْ‪:‬‬
‫‪18356‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬يتَـخا َفتُو َ‬
‫عشْرا‪.‬‬
‫أي يتسارّون بـينهم إنْ َل ِب ْثتُـمْ إلّ َ‬

‫‪104‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طرِيقَ ًة إِن ّل ِب ْثتُمْ ِإلّ‬
‫ل َأ ْمثَُلهُ مْ َ‬
‫ن أَعْلَمُ ِبمَا يَقُولُو نَ ِإ ْذ يَقُو ُ‬
‫{ ّنحْ ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يَوْما }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ن ـحن أعل ـم من هم ع ند إ سرارهم وت ـخافتهم ب ـينهم بق ـيـلهم إ نْ‬
‫عشْرا بــما يقولون ل يخفــى علــينا مــما يتسـاررونه بــينهم شيـء إذْ يَقُولُ‬
‫َل ِب ْثتُــمْ إلّ َ‬
‫ل يَوْ ما يقول تعال ـى ذكره ح ين يقول أو ف ـاهم عقلً‪ ,‬وأعل ـمهم‬
‫ن َل ِب ْثتُ ـمْ إ ّ‬
‫طرِيقَ ًة إ ْ‬
‫أ ْمثَُلهُ مْ َ‬
‫ف ـيهم‪ :‬إن لبثت ـم ف ـي الدن ـيا إل يو ما‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ,‬قال أ هل التأوي ـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18357‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬إذْ َيقُولُ‬
‫طرِيقَ ًة أوفـاهم عقلً‪.‬‬
‫أ ْمثَُلهُمْ َ‬
‫وإنــما عنـى جلّ ثنائه بــالـخبر عـن قــيـلهم هذا القول يومئذٍ‪ ,‬إعلم عبــاده أن أهـل‬
‫الكفر به ينسون من عظيـم ما يعاينون من هول يوم القـيامة‪ ,‬وشدّة جزعهم من عظيـم ما‬
‫يردون عل ـيه ما كانوا ف ـيه ف ـي الدن ـيا من النعي ـم واللذّات‪ ,‬ومبلغ ما عاشوا ف ـيها من‬
‫الزمان‪ ,‬حت ـى يخي ـل إل ـى أعقل هم ف ـيهم‪ ,‬وأذكر هم وأفهم هم أن هم ل ـم يعيشوا ف ـيها إل‬
‫يوما‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪105‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل يَن سِ ُفهَا رَبّي نَ سْفا * فَ َي َذرُهَا‬
‫جبَالِ فَقُ ْ‬
‫سأَلُو َنكَ عَ نِ ا ْل ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫عوَجا وَل َأمْتا }‪.‬‬
‫ل َترَىَ فِيهَا ِ‬
‫قَاعا صَ ْفصَفا * ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وي سألك يا م ـحمد قو مك عن ال ـجبـال‪ ,‬ف قل ل هم‪ :‬يذري ها رب ـي‬
‫تذرية‪ ,‬ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها‪ ,‬ود كّ بعضها علـى بعض‪ ,‬وتصيـيره إياها‬
‫هب ـاء منب ثا فَ ـ َيذَرُها قا عا صَفْصَفـا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ف ـيدع أماكن ها من الرض إذا‬
‫ن سفها ن سفـا‪ ,‬قا عا‪ :‬يعن ـي‪ :‬أر ضا مل ساء‪ ,‬صفصفـا‪ :‬يعن ـي م ستويا ل نب ـات ف ـيه‪ ,‬ول‬
‫نشز‪ ,‬ول ارتفـاع‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18358‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬قاعا صَفْصَفـا يقول‪ :‬مستويا ل نبـات فـيه‪.‬‬
‫‪18359‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله فَـيَ َذرُها قاعا‬
‫صَفْصَفـا قال‪ :‬مستويا‪ ,‬الصفصف‪ :‬الـمستوى‪.‬‬
‫‪18360‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد ال بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن لهيعة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا أ بو ال سود‪ ,‬عن عروة‪ ,‬قال‪ :‬ك نا قعودا ع ند ع بد ال ـملك ح ين قال ك عب‪ :‬إن ال صخرة‬
‫موضع قدم الرحمن يوم القـيامة‪ ,‬فقال‪ :‬كذب كعب‪ ,‬إنـما الصخرة جبل من الـجبـال‪ ,‬إن‬
‫ل َينْسِفُها َربّـي َنسْفـا فسكت عبد الـملك‪.‬‬
‫ن الـجِبـالِ فَقُ ْ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫ال يقول‪َ :‬و َي ْ‬
‫‪ 18361‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬صَفْصَفـا قال‪ :‬مستويا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وكان بعض أهل العلـم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول‪ :‬القاع‪ :‬مستنقع‬
‫الـماء‪ ,‬والصفصف‪ :‬الذي ل نبـات فـيه‪.‬‬
‫عوَجا وَل َأمْتا يقول‪ :‬ل ترى فـي الرض عوجا ول أمتا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ل َترَى فِـيها ِ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى العوج وال مت‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ع نى ب ـالعوج ف ـي هذا‬
‫الـموضع‪ :‬الودية‪ ,‬وبـالمت‪ :‬الروابـي والنشوز‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18362‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله ل تَرَى فِـيها عِوَجا وَل أمْتا يقول‪ :‬واديا‪ ,‬ول أمتا‪ :‬يقول‪ :‬رابـية‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال الـمخرمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر العقدي‪ ,‬عن عبد الواحد بن‬
‫صفوان مولـى عثمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬سئل ابن عبـاس‪ ,‬عن قوله ل َترَى فِـيها‬
‫عوَجـا وَل أمْتـا قال‪ :‬هـي الرض البــيضاء‪ ,‬أو قال‪ :‬الــملساء التــي لــيس فــيها لبنـة‬
‫ِ‬
‫مرتفعة‪.‬‬
‫‪ 18363‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫عوَجا وَل أمْتا قال‪ :‬ارتفـاعا‪ ,‬ول انـخفـاضا‪.‬‬
‫ل َترَى فِـيهَا ِ‬
‫‪18364‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله ل َترَى فِـيها‬
‫عوَجا وَل أمْتا قال‪ :‬ل تعاديَ‪ ,‬المت‪ :‬التعادي‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بـالعوج فـي هذا الـموضع‪ :‬الصدوع‪ ,‬وبـالمت‪ :‬الرتفـاع من‬
‫الَكام وأشبـاهها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18365‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قَتادة‪,‬‬
‫عوَجا قال‪ :‬صدعا وَل أمْتا يقول‪ :‬ول أكمة‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬ل َترَى فِـيها ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بـالعوج‪ :‬الـميـل‪ ,‬وبـالمت‪ :‬الثر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18366‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عوَجا وَل أمْتا يقول‪ :‬ل ترى فـيها ميلً‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ل َترَى فِـيها ِ‬
‫والمت‪ :‬الثر مثل الشراك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬المت‪ :‬الـمـحانـي والحداب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18367‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قال‪ :‬المت‪ :‬الـحدب‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب قول مـن قال‪ :‬عنـى بــالعوج‪:‬‬
‫الـميـل‪ ,‬وذلك أن ذلك هو الـمعروف فـي كلم العرب‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و هل ف ـي الرض ال ـيوم من عوج‪ ,‬ف ـيقال‪ :‬ل ترى ف ـيها يومئذٍ عو جا‪.‬‬
‫قـيـل‪ :‬إن معنى ذلك‪ :‬لـيس فـيها أودية وموانع تـمنع الناظر أو السائر فـيها عن الخذ‬
‫عل ـى ال ستقامة‪ ,‬ك ما يحتاج ال ـيوم من أ خذ ف ـي ب عض سبلها إل ـى ال خذ أحيا نا ي ـمينا‪,‬‬
‫وأحيا نا شمالً‪ ,‬ل ـما ف ـيها من ال ـجبـال والود ية والبحار‪ .‬وأ ما ال مت فإ نه ع ند العرب‪:‬‬
‫النثناء والض عف‪ .‬م سموع من هم‪ :‬م ّد حبله حت ـى ما ترك ف ـيه أم تا‪ :‬أي انثناء ومل سقاءه‬
‫حتـى ما ترك فـيه أمتا ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫س ْيرِهِ ِمنْ أمْتِ‬
‫ما فِـي انْـجذَابِ َ‬
‫يعن ـي‪ :‬من و هن وض عف‪ ,‬ف ـالواجب إذا كان ذلك مع نى ال مت عند هم أن يكون أ صوب‬
‫القوال ف ـي تأوي ـله‪ :‬ول ارتف ـاع ول ان ـخفـاض‪ ,‬لن الن ـخفـاض ل ـم ي كن إلّ عن‬
‫ارتفــاع‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأويــل الكلم‪ :‬ل ترى فــيها ميلً عـن السـتواء‪ ,‬ول‬
‫ارتفـاعا‪ ,‬ول انـخفـاضا‪ ,‬ولكنها مستوية ملساء‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬قاعا صَ ْفصَفـا‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شعَ تِ ال صْوَاتُ‬
‫خَ‬‫عوَ جَ َل هُ َو َ‬
‫ن الدّاعِ يَ لَ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬يَ ْو َم ِئذٍ َي ّت ِبعُو َ‬
‫ن فَلَ َتسْمَ ُع ِإلّ َهمْسا }‪.‬‬
‫لِل ّرحْمَـ ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬يومئ ٍذ يتبـع الناس صـوت داعـي ال الذي يدعوهـم إلــى موقــف‬
‫القـيامة‪ ,‬فـيحشرهم إلـيه ل عِ َو جَ َل هُ يقول‪ :‬ل عوج لهم عنه ول انـحراف‪ ,‬ولكنهم سراعا‬
‫إلـيه ينـحشرون‪ .‬وقـيـل‪ :‬ل عوج له‪ ,‬والـمعنى‪ :‬ل عوج لهم عنه‪ ,‬لن معنى الكلم ما‬
‫ذكرنا من أنه ل يعوجون له ول عنه‪ .‬ولكنهم يؤمونه ويأتونه‪ ,‬كما يقال فـي الكلم‪ :‬دعانـي‬
‫ن يقول‬
‫حمَ ِ‬
‫شعَ تِ ال صْوَاتُ لل ّر ْ‬
‫خَ‬‫فلن دعوة ل عوج ل ـي عن ها‪ :‬أي ل أعوج عن ها‪ .‬وقوله َو َ‬
‫تعالــى ذكره‪ :‬وسـكنت أصـوات الــخلئق للرحمـن فوصـف الصـوات بــالـخشوع‪.‬‬
‫ل من أذن له‬
‫وال ـمعنى لهل ها إنهـم خُضّع جميعهـم لربهـم‪ ,‬فل ت سمع لناطـق منهـم منطقـا إ ّ‬
‫الرحمن‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 18368‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ن يقول‪ :‬سكنت‪.‬‬
‫ت لل ّرحْمَ ِ‬
‫شعَتِ الصْوَا ُ‬
‫خَ‬‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ل َهمْسـا يقول‪ :‬إ نه وطـء القدام إلــى الــمـحشر‪ .‬وأصـله‪ :‬الصـوت‬
‫وقوله‪ :‬فَل تَس ْـمَعُ إ ّ‬
‫الـخفـيّ‪ ,‬يقال همس فلن إلـى فلن بحديثه إذا أسرّه إلـيه وأخفـاه ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫ط ْيرُ َن ِنكْ لَـمِيسَا‬
‫ن َيصْ ُدقِ ال ّ‬
‫ن بنا َهمِيسَاإ ْ‬
‫ن يَـمْشِي َ‬
‫وَهُ ّ‬
‫يعنـي بـالهمس‪ :‬صوت أخفـاف البل فـي سيرها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18369‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن عابس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫ل َهمْسا قال‪ :‬وطء القدام‪.‬‬
‫سمَعُ إ ّ‬
‫عن ابن عبـاس فَل َت ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ل َهمْسا يعنـي‪ :‬همس‬
‫سمَعُ إ ّ‬
‫حمَ نِ فَل تَ ْ‬
‫ت لل ّر ْ‬
‫شعَ تِ ال صْوَا ُ‬
‫خَ‬‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َو َ‬
‫القدام‪ ,‬وهو الوطء‪.‬‬
‫حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس فَل‬
‫سمَعُ إلّ َهمْسا يقول‪ :‬الصوت الـخفـيّ‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫‪ 18370‬ـ حدث نا إ سماعيـل بن مو سى ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شر يك‪ ,‬عن ع بد الرح من بن‬
‫ل َهمْسا قال‪ :‬وطء القدام‪.‬‬
‫سمَعُ إ ّ‬
‫الصبهانـي‪ ,‬عن عكرمة فَل َت ْ‬
‫‪ 18371‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن الـحسن‬
‫سمَعُ إلّ َهمْسا قال‪ :‬همس القدام‪.‬‬
‫فَل َت ْ‬
‫حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قادة فَل تَ سْمَ ُع إلّ َهمْسا قال قتادة‪ :‬كان‬
‫الـحسن يقول‪ :‬وقع أقدام القوم‪.‬‬
‫‪18372‬ــ حدثنــي يعقوب بـن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن علــية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن أبــي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فَل َتسْمَ ُع إلّ َهمْسا قال‪ :‬تهافتا‪ ,‬وقال‪ :‬تـخافت الكلم‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫َهمْسا قال‪ :‬خفض الصوت‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خفض الصوت‪ ,‬قال‪ :‬وأخبرنـي عبد ال بن كثـير‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كلم النسان ل تسمع‬
‫تـحرّك شفتـيه ولسانه‪.‬‬
‫‪18373‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬قوله‪ :‬فَل تَسْمَ ُع إلّ َهمْسا‬
‫يقول‪ :‬ل تسمع إلّ مشيا‪ ,‬قال‪ :‬الـمشي الهمس‪ :‬وطء القدام‪.‬‬

‫‪110‬‬ ‫و‬ ‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَـنُ َورَضِ يَ‬
‫ن َأذِ نَ َل هُ ال ّر ْ‬
‫ل مَ ْ‬
‫عةُ ِإ ّ‬
‫ل تَنفَ عُ الشّفَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬يَ ْو َم ِئذٍ ّ‬
‫ن بِهِ عِلْما }‪.‬‬
‫ن َأ ْيدِي ِهمْ َومَا خَلْ َف ُهمْ َولَ ُيحِيطُو َ‬
‫لَ ُه قَ ْولً * َيعَْلمُ مَا َبيْ َ‬
‫حمَن ُـ أن يشفـع‬
‫يقول تعالــى ذكره َي ْو َم ِئذٍ ل َتنْفَعُـ الشّفــاعَ ُة إلّ شفــاعة مَن ْـ أذِن َـ لَهُـ الرّ ْ‬
‫َو َرضِ يَ َل ُه قَ ْولً وأدخـل فـي الكلم له دلـيلً علـى إضافة القول إلـى كناية « َم نْ» وذلك‬
‫ن لَ هُ‬
‫ن أذِ َ‬
‫كقول القائل الَ خر‪ :‬رض يت لك عملك‪ ,‬ورضي ته م نك‪ ,‬ومو ضع مَن من قوله إلّ مَ ْ‬
‫نصب لنه خلف الشفـاعة‪.‬‬
‫وقوله َيعْلَـمُ ما بـينَ أ ْيدِيهِ مْ وَما خَـلْ َف ُهمْ يقول تعالـى ذكره‪ :‬يعلـم ربك يا مـحمد ما‬
‫بــين أيدي هؤلء الذيـن يتبعون الداعـي مـن أمـر القــيامة‪ ,‬ومـا الذي يصـيرون إلــيه مـن‬
‫الثواب والعقاب وَما خَـل َفهُمْ يقول‪ :‬ويعلـم أمر ما خـلفوه وراءهم من أمر الدنـيا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪18374‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َيعْلَـ ُم ما بـينَ أ ْيدِيهمْ من‬
‫أمر الساعة وَما خَـلْ َف ُهمْ من أمر الدنـيا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَل يُحيطُو نَ ب هِ علْ ـما يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول يح يط خ ـلقه به عل ـما‪ .‬ومع نى‬
‫الكلم‪ :‬أنه مـحيط بعبـاده علـما‪ ,‬ول يحيط عبـاده به علـما‪ .‬وقد زعم بعضهم أن معنى‬
‫ذلك‪ :‬أن ال يعلـم ما بـين أيدي ملئكته وما خـلفهم‪ ,‬وأن ملئكته ل يحيطون علـما بـما‬
‫ب ـين أيدي أنف سم و ما خ ـلفهم‪ ,‬وقال‪ :‬إن ـما أعل ـم بذلك الذ ين كانوا يعبدون ال ـملئكة‪ ,‬أن‬
‫ال ـملئكة كذلك ل تعل ـم ما ب ـين أيدي ها و ما خ ـلفها‪ ,‬موبخ هم بذلك ومقرّع هم بأن من كان‬
‫كذلك‪ ,‬فك يف يع بد‪ ,‬وأن العب ـادة إن ـما ت صلـح ل ـمن ل ت ـخفـى عل ـيه خاف ـية ف ـي‬
‫الرض ول فـي السماء‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حمَلَ ظُلْما }‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ب مَ ْ‬
‫حيّ ا ْل َقيّومِ َوقَدْ خَا َ‬
‫عنَتِ ا ْل ُوجُوهُ لِ ْل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َ‬
‫سرّت وجوه الــخـلق‪ ,‬واسـتسلـمت للــحيّ القــيوم الذي ل‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬اسـت َ‬
‫يـموت‪ ,‬القـيوم علـى خـلقه بتدبـيره إياهم‪ ,‬وتصريفهم لـما شاءوا‪ .‬وأصل العنو الذلّ‪,‬‬
‫يقال منه‪ :‬عنا وجهه لربه يعنو عنوا‪ ,‬يعنـي خضع له وذلّ‪ ,‬وكذلك قـيـل للسير‪ :‬عان لذلة‬
‫ال سر‪ .‬فأ ما قول هم‪ :‬أخذت الش يء عنوة‪ ,‬فإ نه يكون وإن كان معناه يؤول إل ـى هذا أن يكون‬
‫أخذه غلبة‪ ,‬ويكون أخذه عن تسلـيـم وطاعة‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ختِـياِلهَا‬
‫س لـم تلـم فـي ا ْ‬
‫ع ْنوَةًولَـمْ تَلَـحْ نَفْ ٌ‬
‫ت مُطِيعي أيّها القَلْبُ َ‬
‫ل أنْ َ‬
‫هَ ْ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ستَقاَلهَا‬
‫شرَفِـي ا ْ‬
‫حدّ الـمَ ْ‬
‫ن ِب َ‬
‫ن مَ َودّ ٍةوََلكِ ْ‬
‫عنْ َوةً عَ ْ‬
‫خذُوها َ‬
‫َفمَا أ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18375‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حيّ القَـيّومِ يقول‪ :‬ذلّت‪.‬‬
‫عنَتِ ال ُوجُو ُه للْـ َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حيّ القَـيّومِ يعنـي بعنت‪ :‬استسلـموا لـي‪.‬‬
‫عنَتِ ال ُوجُوهُ للْـ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َو َ‬
‫‪ 18376‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عنَتِ ال ُوجُو ُه قال‪ :‬خشعت‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُ َريْج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫عنَ تِ ال ُوجُو هُ‬
‫‪ 18377‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫لِلـحَيّ القَـيّومِ أي ذلّت الوجوه للـحيّ القـيوم‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫عنَتِ ال ُوجُو ُه للـحَيّ القَـيّومِ قال‪ :‬ذلت الوجوه‪.‬‬
‫قوله‪ :‬وَ َ‬
‫‪ 18378‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال طلق‪ :‬إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه‪ ,‬أو قال‪ :‬عنا‪.‬‬
‫حدثنـي أبو حُصَين عبد ال بن أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫حيّ القَ ـيّو ِم قال‪ :‬هو و ضع‬
‫عنَ تِ ال ُوجُو هُ للْ ـ َ‬
‫مرّة‪ ,‬عن طلق بن حب ـيب‪ ,‬ف ـي هذه الَ ية‪َ :‬و َ‬
‫الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه‪.‬‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن طلق بن‬
‫حيّ القَــيّومِ قال‪ :‬وهـو وضعـك جبهتـك وكفــيك‬
‫ُوهـ للْــ َ‬
‫َتـ ال ُوج ُ‬
‫عن ِ‬‫حبــيب فــي قوله‪ :‬وَ َ‬
‫وركبتـيك وأطراف قدميك فـي السجود‪.‬‬
‫حدثنا خلد بن أسلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪,‬‬
‫حيّ القَـيّومِ قال‪ :‬وضع الـجبهة والنف‬
‫عنَ تِ ال ُوجُو ُه للْـ َ‬
‫عن طلق بن حبـيب فـي قوله‪ :‬وَ َ‬
‫علـى الرض‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ :‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن طلق بن‬
‫حيّ القَـيّومِ قال‪ :‬هو السجود علـى الـجبهة والراحة‬
‫عنَتِ ال ُوجُو ُه للْـ َ‬
‫حبـيب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَ َ‬
‫والركبتـين والقدمين‪.‬‬
‫عنَ تِ‬
‫‪ 18379‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَ َ‬
‫ال ُوجُو هُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال‪ :‬استأسرت الوجوه للـحيّ القـيوم‪ ,‬صاروا أسارى كلهم له‪ .‬قال‪:‬‬
‫والعانـي‪ :‬السير‪.‬‬
‫وقد بـيّنا معنى الـحيّ القـيوم فـيـما مضى‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته هاهنا‪ .‬وقوله‪َ :‬وقَدْ‬
‫حمَلَ ظُلْــما يقول تعالــى ذكره‪ :‬ولــم يظفـر بحاجتـه وطلبتـه مـن حَمـل إلــى‬
‫خاب َـ مَن ْـ َ‬
‫موقـف القـيامة شركا بـال‪ ,‬وكفرا به‪ ,‬وعملً بـمعصيته‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 18380‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫حمَلَ ظُلْـما قال‪ :‬من حمل شركا‪.‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬و َقدْ خابَ َمنْ َ‬
‫ب مَنْ‬
‫‪18381‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬وقَدْ خا َ‬
‫حمَلَ ظُلْـما قال‪ :‬من حمل شركا‪ ,‬الظلـم هاهنا‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫َ‬

‫‪112‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فَلَ َيخَافُ ظُلْما‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومَن َي ْعمَلْ ِمنَ الصّاِلحَاتِ وَ ُهوَ ُم ْؤمِ ٌ‬
‫ل َهضْما }‪.‬‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره وتقدّست أسماؤه‪ :‬ومن يعمل من صالـحات العمال‪ ,‬وذلك فـيـما‬
‫ن يقول‪ :‬وهو مصدّق بـال‪,‬‬
‫قـيـل أداء فرائض ال التـي فرضها علـى عبـاده وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫وأنه مـجازٍ أهل طاعته وأهل معاصيه علـى معاصيهم فل يَخافُ ظُلْـما يقول‪ :‬فل يخاف‬
‫من ال أن يظلـمه‪ ,‬فـيحمل علـيه سيئات غيره‪ ,‬فـيعاقبه علـيه وَل َهضْما يقول‪ :‬ل يخاف‬
‫أن يهضمه حسناته‪ ,‬فـينقصه ثوابها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل مِنَ‬
‫‪18382‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله َومَنْ َي ْعمَ ْ‬
‫ن وإنـما يقبل ال من العمل ما كان فـي إيـمان‪.‬‬
‫الصّالِـحاتِ وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫ج َريْج‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَنْ‬
‫‪18383‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫ن قال‪ :‬زعموا أنها الفرائض‪ .‬ذكر من قال ما قلنا فـي معنى‬
‫ن الصّالِـحاتِ وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫َي ْعمَلْ مِ َ‬
‫قوله‪ :‬فَل يَخافُ ظُلْـما وَل َهضْما‪:‬‬
‫‪18384‬ـ حدثنا أبو كريب سلـيـمان بن عبد الـجبـار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬عن‬
‫إسرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس ل يَخافُ ظُلْـما وَل َهضْما قال‪ :‬هضما‪:‬‬
‫غضبـا‪.‬‬
‫حدثنـي علـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية عن علـي عن ابن عبـاس‬
‫قال‪ :‬لَ َيخَافُ ظُلْـما وَل َهضْما قال‪ :‬ل يخاف ابن آدم يوم القـيامة أن يظلـم‪ ,‬فـيزاد‬
‫علـيه فـي سيئاته‪ ,‬ول يظلـم فـيهضم فـي حسناته‪.‬‬
‫‪18385‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن فَل يَخافُ ظُلْـما‬
‫ن الصّالِـحاتِ وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫ن َي ْعمَلْ مِ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَ ُ‬
‫وَل َهضْما يقول‪ :‬أنا قاهر لكم الـيوم‪ ,‬آخذكم بقوّتـي وشدّتـي‪ ,‬وأنا قادر علـى قهركم‬
‫وهضمكم‪ ,‬فإنـما بـينـي وبـينكم العدل‪ ,‬وذلك يوم القـيامة‪.‬‬
‫‪18386‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا مُعاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬فَل يَخافُ ظُلْـما وَل َهضْما أما هضما‬
‫فهو ل يقهر الرجل الرجل بقوّته‪ ,‬يقول ال يوم القـيامة‪ :‬ل آخذكم بقوّتـي وشدتـي‪ ,‬ولكن‬
‫العدل بـينـي وبـينكم‪ ,‬ول ظلـم علـيكم‪.‬‬
‫‪18387‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬هضْما قال‪ :‬انتقاص شيء من حقّ عمله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪18388‬ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن ِمسْعر‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت حبـيب بن أبـي ثابت يقول فـي قوله‪ :‬وَل َهضْما قال‪ :‬الهضم‪ :‬النتقاص‪.‬‬
‫‪18389‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫فَل يَخاف ظُلْـما وَل َهضْما قال‪ :‬ظلـما أن يزاد فـي سيئاته‪ ,‬ول ُيهْضَم من حسناته‪.‬‬
‫ف ظلْـما وَل‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَل يَخا ُ‬
‫َهضْما قال‪ :‬ل يخاف أن يظلـم‪ ,‬فل يجزى بعمله‪ ,‬ول يخاف أن ينتقص من حقه‪ ,‬فل يوفـى‬
‫عمله‪.‬‬
‫‪18390‬ـ حدثنا الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلم بن مسكين‪ ,‬عن ميـمون‬
‫بن سِياه‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬فَل يَخافُ ظُلْـما وَل َهضْما قال‪ :‬ل ينتقص‬
‫ال من حسناته شيئا‪ ,‬ول يحمل علـيه ذنب مسيء‪.‬‬
‫وأصل الهضم‪ :‬النقص‪ ,‬يقال‪ :‬هضمنـي فلن حقـي‪ ,‬ومنه امرأة هضيـم‪ :‬أي ضامرة‬
‫البطن‪ ,‬ومنه قولهم‪ :‬قد هضم الطعام‪ :‬إذا ذهب‪ ,‬و َهضَمْت لك من حقك‪ :‬أي حططتك‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن الْ َوعِيدِ َلعَّل ُهمْ‬
‫ع َر ِبيّا َوصَ ّرفْنَا فِي ِه مِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َكذَِلكَ أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنا َ‬
‫حدِثُ َل ُهمْ ِذكْرا }‪.‬‬
‫َيتّقُونَ َأوْ ُي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬كما رغبنا أهل اليـمان فـي صالـحات العمال‪ ,‬بوعدناهم ما‬
‫وعدناهم‪ ,‬كذلك حذرنا بـالوعيد أهل الكفر بـالـمُقام علـى معاصينا‪ ,‬وكفرهم بآياتنا‪ ,‬فأنزلنا‬
‫صرّفْنا فِـي ِه مِنَ ال َوعِيدِ فبـيناه‪ :‬يقول‪ :‬وخوّفناهم فـيه‬
‫عرَبـا َو َ‬
‫هذا القرآن عربـيا‪ ,‬إذ كانوا َ‬
‫بضروب من الوعيد لعلّهم يتّقون يقول‪ :‬كي يتقونا‪ ,‬بتصريفنا ما صرّفنا فـيه من الوعيد أوْ‬
‫حدِثُ َل ُهمْ ِذكْرا يقول‪ :‬أو يحدث لهم هذا القرآن تذكرة‪ ,‬فـيعتبرون ويتعظون بفعلنا بـالمـم‬
‫ُي ْ‬
‫التـي كذّبت الرسل قبلها‪ ,‬وينزجرون عما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بـال‪ .‬وبنـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18391‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وكَذلكَ أ ْنزَلْنا ُه قُرآنا‬
‫حذّروا به من أمر ال وعقابه‪ ,‬ووقائعه‬
‫صرّفْنا فِـي ِه مِنَ ال َوعِيدِ َلعَّل ُهمْ َيتّقُونَ ما ُ‬
‫ع َربِـيّا َو َ‬
‫َ‬
‫جدّا وورعا‪.‬‬
‫حدِثُ َل ُهمْ القرآن ِذكْرا‪ :‬أي ِ‬
‫بـالمـم قبلهم أوْ ُي ْ‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله أوْ‬
‫ث َل ُهمْ ِذكْرا أن معناه‪ :‬أو‬
‫حدِ ُ‬
‫حدِث َل ُهمْ ِذكْرا قال‪ :‬جِدا وورعا‪ .‬وقد قال بعضهم فـي‪ :‬أوْ ُي ْ‬
‫ُي ْ‬
‫يحدث لهم شرفـا‪ ,‬بإيـمانهم به‪.‬‬

‫‪114‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حقّ َولَ َت ْعجَلْ بِالْ ُقرْآنِ مِن َقبْلِ إَن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فتَعَاَلىَ الّلهُ ا ْلمَِلكُ ا ْل َ‬
‫حيُ ُه َوقُل رّبّ ِز ْدنِي عِلْما }‪.‬‬
‫ى إَِل ْيكَ َو ْ‬
‫يُ ْقضَ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فـارتفع الذي له العبـادة من جميع خـلقه‪ ,‬الـملك الذي قهر سلطانه‬
‫كلّ ملك وجبـار‪ ,‬الـحقّ عما يصفه به الـمشركون من خـلفه وَل َت ْعجَلْ بـالقُرآنِ ِمنْ َقبْلِ‬
‫ل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ول تعجل يا‬
‫حيُهُ‪ :‬يقول ج ّ‬
‫ن يُ ْقضَى إلَـيْكَ َو ْ‬
‫أْ‬
‫مـحمد بـالقرآن‪ ,‬فتقرئه أصحابك‪ ,‬أو تقرأ علـيهم‪ ,‬من قبل أن يوحى إلـيك بـيان‬
‫ن كان ُي ْكتِبه ذلك‪,‬‬
‫معانـيه‪ ,‬فعوتب علـى إكتابه وإملئه ما كان ال ينزله علـيه من كتابه مَ ْ‬
‫من قبل أن يبـين له معانـيه‪ ,‬وقـيـل‪ :‬ل تتله علـى أحد‪ ,‬ول تـمله علـيه‪ ,‬حتـى‬
‫نبـينه لك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18392‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫حيَهُ قال‪ :‬ل تتله علـى أحد حتـى‬
‫ن مِنْ َقبْلِ أنْ يُ ْقضَى إلَـ ْيكَ َو ْ‬
‫قوله‪ :‬وَل َت ْعجَلْ بـالقُرآ ِ‬
‫نبـينه لك‪.‬‬
‫‪18393‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُريج‪ ,‬قال‪ :‬يقول‪:‬‬
‫ل تتله علـى أحد حتـى تتـمه لك هكذا قال القاسم‪ :‬حتـى نتـمه‪.‬‬
‫‪18394‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حيُهُ‬
‫ن يُ ْقضَى إلَـيْكَ َو ْ‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ل بـالقُرآ ِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َت ْعجَ ْ‬
‫يعنـي‪ :‬ل تعجل حتـى نبـينه لك‪.‬‬
‫‪18395‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَل َت ْعجَلْ بـالقُرآنِ ِمنْ‬
‫حيُهُ‪ :‬أي بـيانه‪.‬‬
‫ن يُ ْقضَى إلَـيْكَ َو ْ‬
‫َقبْلِ أ ْ‬
‫حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة وَل َت ْعجَلْ بـالقُرآنِ‬
‫حيُ ُه قال‪ :‬تبـيانه‪.‬‬
‫ن يُ ْقضَى إلَـ ْيكَ َو ْ‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قتادة‬
‫حيُ ُه من قبل أن يبـين لك بـيانه‪.‬‬
‫ن يُ ْقضَى إلَـ ْيكَ َو ْ‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫وقوله‪َ :‬وقُلْ رَبّ ِز ْدنِـي عِلْـما يقول تعالـى ذكره‪ :‬وقل يا مـحمد‪ :‬ربّ زدنـي علـما‬
‫إلـى ما علـمتنـي أمره بـمسألته من فوائده العلـم ما ل يعلـم‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عزْما }‪.‬‬
‫جدْ َلهُ َ‬
‫ع ِه ْدنَآ إَِلىَ ءَا َدمَ مِن َقبْلُ َف َنسِيَ وََلمْ َن ِ‬
‫{وَلَ َقدْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإن يضيع يا مـحمد هؤلء الذين نصرّف لهم فـي هذا القرآن من‬
‫الوعيد عهدي‪ ,‬ويخالفوا أمري‪ ,‬ويتركوا طاعتـي‪ ,‬ويتبعوا أمر عدوّهم إبلـيس‪ ,‬ويطيعوه‬
‫ع ِهدْنا إلَـيْ ِه يقول‪ :‬ولقد وصينا آدم‬
‫فـي خلف أمري‪ ,‬فقديـما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَ َقدْ َ‬
‫جنّةِ فوسوس إلـيه الشيطان فأطاعه‪,‬‬
‫ن الـ َ‬
‫جنّكُما م َ‬
‫خ ِر َ‬
‫جكَ فَل ُي ْ‬
‫عدُ ّو َلكَ وَِلزَ ْو ِ‬
‫وقلنا له‪ :‬إنّ َهذَا َ‬
‫وخالف أمري‪ ,‬فحلّ به من عقوبتـي ما حلّ‪.‬‬
‫وعنى جلّ ثناؤه بقوله‪ِ :‬منْ َقبْلُ هؤلء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد فـي هذا القرآن‬
‫سيَ يقول‪ :‬فترك عهدي‪ ,‬كما‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬فَ َن ِ‬
‫‪18396‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ع ِهدْنا إلـى آ َدمَ ِمنْ َقبْلُ َف َنسِيَ يقول‪ :‬فترك‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وََل َقدْ َ‬
‫‪18397‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫سيَ قال‪ :‬ترك أمر ربه‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فَ َن ِ‬
‫ع ِهدْنا‬
‫‪18398‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَلَ َقدْ َ‬
‫عدُ ّو َلكَ وَِلزَ ْوجِك فَل‬
‫عزْما قال‪ :‬قال له يا آ َدمُ َهذَا َ‬
‫جدْ لَهُ َ‬
‫سيَ وَلَـمْ نَـ ِ‬
‫ل فَ َن ِ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫إلـى آ َدمَ مِ ْ‬
‫ضحَى‪ ,‬وقرأ حتـى بلغ‪:‬‬
‫ظمَأُ فِـيها وَل تَ ْ‬
‫ن الـجَنّ ِة َفتَشْقَـى فقرأ حتـى بلغ‪ :‬ل َت ْ‬
‫ج ّن ُكمَا مِ َ‬
‫ُيخْ ِر َ‬
‫َومُ ْلكٍ ل َيبْلَـى قال‪ :‬فنسي ما عهد إلـيه فـي ذلك‪ ,‬قال‪ :‬وهذا عهد ال إلـيه‪ ,‬قال‪ :‬ولو كان‬
‫له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده‪ ,‬وأبـي أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبلـيس‪ ,‬وعصى ال‬
‫الذي كرّمه وشرّفه‪ ,‬وأمر ملئكته فسجدوا له‪.‬‬
‫‪18399‬ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬وعبد الرحمن‪ ,‬ومؤمل‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن مسلـم البطين‪ ,‬عن سعيد بن جُبـير‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إنـما سُمي النسان لنه عهد إلـيه فنسي‪.‬‬
‫عزْما اختلف أهل التأويـل فـي معنى العزم ها هنا‪ ,‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬ولَـمْ نَـجِدْ َلهُ َ‬
‫معناه الصبر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18400‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ولَـمْ نَـجِدْ َلهُ‬
‫عزْما أي صبرا‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قتادة ولَـمْ‬
‫عزْما‪ ,‬قال‪ :‬صبرا‪.‬‬
‫نَـجِدْ َلهُ َ‬
‫حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجَ ْوزَجانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو النضر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬الـحفظ‪ ,‬قالوا‪ :‬ومعناه‪ :‬ولـم نـجد له حفظا لـما عهدنا إلـيه‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جدْ لَهُ‬
‫‪18401‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن عطية ولَـمْ نَـ ِ‬
‫عزْما قال‪ :‬حفظا لـما أمرته‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ ,‬عن الشجعيّ‪ ,‬عن سفـيان‪,‬‬
‫عزْما قال‪ :‬حفظا‪.‬‬
‫عن عمرو بن قـيس‪ ,‬عن عطية‪ ,‬فـي قوله ولَـمْ نَـجِدْ َلهُ َ‬
‫حدثنا عبـاد بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قبـيصة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عمرو بن قـيس‪ ,‬عن‬
‫عزْما قال‪ :‬حفظا لـما أمرته به‪.‬‬
‫جدْ َلهُ َ‬
‫عطية‪ ,‬فـي قوله ولَـ ْم نَـ ِ‬
‫‪18402‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عزْما يقول‪ :‬لـم نـجد له حفظا‪.‬‬
‫جدْ لَهُ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ولَـمْ نَـ ِ‬
‫جدْ‬
‫‪18403‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ولَـمْ نَـ ِ‬
‫عزْما قال‪ :‬العزم‪ :‬الـمـحافظة علـى ما أمره ال تبـارك وتعالـى بحفظه‪ ,‬والتـمسك‬
‫لَهُ َ‬
‫به‪.‬‬
‫‪18404‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عزْما يقول‪ :‬لـم نـجعل له عزما‪.‬‬
‫جدْ لَهُ َ‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ولَـمْ نَـ ِ‬
‫‪18405‬ـ حدثنـي القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن فضالة‪ ,‬عن لقمان‬
‫بن عامر‪ ,‬عن أبـي أمامة قال‪ :‬لو أن أحلم بنـي آدم جمعت منذ يوم خـلق ال تعالـى آدم‬
‫إلـى يوم الساعة‪ ,‬ووضعت فـي كفة ميزان‪ ,‬ووضع حلـم آدم فـي الكفة الخرى‪ ,‬لرجح‬
‫عزْما‪.‬‬
‫جدْ لَهُ َ‬
‫حلـمه بأحلمهم‪ ,‬وقد قال ال تعالـى‪ :‬ولَـمْ نَـ ِ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأصل العزم اعتقاد القلب علـى الشيء‪ ,‬يقال منه‪ :‬عزم فلن علـى كذا‪:‬‬
‫إذا اعتقد علـيه ونواه ومن اعتقاد القلب‪ :‬حفظ الشيء‪ ,‬ومنه الصبر علـى الشيء‪ ,‬لنه ل‬
‫يجزع جازع إل من خورَ قلبه وضعفه‪ ,‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فل معنى لذلك أبلغ مـما بـينه‬
‫عزْما فـيكون تأويـله‪ :‬ولـم نـجد له‬
‫جدْ َلهُ َ‬
‫ال تبـارك وتعالـى‪ ,‬وهو قوله‪ :‬ولَـ ْم نَـ ِ‬
‫عزم قلب‪ ,‬علـى الوفـاء ال بعهده‪ ,‬ول علـى حفظ ما عهد إلـيه‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫و‬ ‫‪116‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ِإبْلِيسَ َأ َبىَ *‬
‫جدُوَاْ ِإ ّ‬
‫سَ‬‫ل َدمَ فَ َ‬
‫جدُو ْا َ‬
‫سُ‬‫ل ِئكَةِ ا ْ‬
‫{وَِإذْ قُ ْلنَا لِ ْلمَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جنّةِ َف َتشْ َقىَ }‪.‬‬
‫ن ا ْل َ‬
‫ج ّن ُكمَا مِ َ‬
‫خرِ َ‬
‫جكَ فَلَ ُي ْ‬
‫عدُ ّو ّلكَ وَِلزَ ْو ِ‬
‫فَقُ ْلنَا يَآدَمُ ِإنّ هَـذَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره معلـما نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ما كان من تضيـيع آدم‬
‫عهده‪ ,‬ومعرّفه بذلك أن ولده لن يعدوا أن يكونوا فـي ذلك علـى منهاجه‪ ,‬إل من عصمه ال‬
‫سجَدُوا إلّ إبْلِـيسَ أبَى أن يسجد له‬
‫ل َدمَ َف َ‬
‫جدُوا َ‬
‫سُ‬‫منهم‪ :‬واذكر يا مـحمد إذْ قُلْنا للْـمَلئِكَ َة ا ْ‬
‫جكَ ولذلك من شنآنه لـم يسجد لك‪ ,‬وخالف أمري فـي ذلك‬
‫عدُ ّو َلكَ وَِلزَ ْو ِ‬
‫فَقُلْنا يا آ َدمُ إنّ َهذَا َ‬
‫وعصانـي‪ ,‬فل تطيعاه فـيـما يأمر كما به‪ ,‬فـيخرجكما بـمعصيتكما ربكما‪ ,‬وطاعتكما له‬
‫ن الـجَنّ ِة َفتَشْقَـى يقول‪ :‬فـيكون عيشك من كدّ يدك‪ ,‬فذلك شقاؤه الذي حذّره به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫مِ َ‬
‫‪18406‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬أهبط إلـى آدم ثور‬
‫أحمر‪ ,‬فكان يحرث علـيه‪ ,‬ويـمسح العرق من جبـينه‪ ,‬فهو الذي قال ال تعالـى ذكره‪ :‬فَل‬
‫ن الـجَنّ ِة َفتَشْقَـى فكان ذلك شقاءه‪.‬‬
‫ج ّنكُما مِ َ‬
‫ُيخْ ِر َ‬
‫ج ّنكُما لن ابتداء‬
‫خرِ َ‬
‫وقال تعالـى ذكره‪َ :‬ف َتشْقَـى ولـم يقل‪ :‬فتشقـيا‪ ,‬وقد قال‪ :‬فَل ُي ْ‬
‫الـخطاب من ال كان لَدم علـيه السلم‪ ,‬فكان فـي إعلمه العقوبة علـى معصيته إياه‪,‬‬
‫فـيـما نهاه عنه من أكل الشجرة‪ ,‬الكفـاية من ذكر الـمرأة‪ ,‬إذ كان معلوما أن حكمها فـي‬
‫ن الشّمالِ َقعِي ٌد اجتزىء بـمعرفة السامعين معناه‪ ,‬من‬
‫عنِ الـيَـمِينِ وَعَ ِ‬
‫ذلك حكمه‪ ,‬كما قال‪َ :‬‬
‫ذكر فعل صاحبه‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪118‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ظ َمأُ فِيهَا‬
‫ل تَ ْ‬
‫ع فِيهَا َولَ َت ْع َرىَ * وََأ ّنكَ َ‬
‫ك َألّ َتجُو َ‬
‫{ِإنّ َل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل َيبَْلىَ }‪.‬‬
‫جرَ ِة ا ْلخُ ْلدِ َومُ ْلكٍ ّ‬
‫شَ‬‫ل َأدُّلكَ عََلىَ َ‬
‫ش ْيطَانُ قَالَ يَآ َدمُ هَ ْ‬
‫ى * فَ َوسْوَسَ إَِل ْيهِ ال ّ‬
‫حَ‬‫ضَ‬
‫ل تَ ْ‬
‫َو َ‬
‫نل‬
‫ن َلكَ يا آدم أ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ ,‬مخبرا عن قـيـله لَدم حين أسكنه الـجنة‪ :‬إ ّ‬
‫ع فِـيها فـي موضع نصب بإن‬
‫تَـجُوعَ فِـيها وَل َت ْعرَى‪ .‬و «أن» فـي قوله أل تَـجُو َ‬
‫التـي فـي قوله‪ :‬إنّ َلكَ‪.‬‬
‫ظ َمأُ فِـيها اختلفت القرّاء فـي قراءتها‪ ,‬فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة‬
‫ك ل َت ْ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ّن َ‬
‫ن َلكَ‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة‬
‫والكوفة بـالكسر‪ :‬وإنك‪ ,‬علـى العطف علـى قوله‪ :‬إ ّ‬
‫وعامة قرّاء الكوفة والبصرة‪ :‬وأنك‪ ,‬بفتـح ألفها عطفـا بها علـى «أن» التـي فـي قوله‪:‬‬
‫ع فِـيها»‪ .‬ووجّهوا تأويـل ذلك إلـى أن لك هذا وهذا فهذه القراءة أعجب‬
‫ن ل تَـجُو َ‬
‫«أ ْ‬
‫القراءتـين إلـيّ‪ ,‬لن ال تبـارك وتعالـى ذكره وعد ذلك آدم حين أسكنه الـجنة‪ ,‬فكون‬
‫ذلك بأن يكون عطفـا علـى أن ل تـجوع أولـى من أن يكون خبر مبتدإ‪ ,‬وإن كان الَخر‬
‫غير بعيد من الصواب‪ .‬وعنى بقوله‪ :‬ل َتظْمأُ فـيها ل تعطش فـي الـجنة ما دمت فـيها‬
‫ضحَى‪ ,‬يقول‪ :‬ل تظهر للشمس فـيؤذيك حرّها‪ ,‬كما قال ابن أبـي ربـيعة‪:‬‬
‫وَل تَ ْ‬
‫صرُ‬
‫شيّ فَـ َيخْ َ‬
‫ضتْفَـ َيضْحى وأمّا بـالع ِ‬
‫شمْسُ عا َر َ‬
‫ل أمّا ال ّ‬
‫ت َرجُ ً‬
‫رأ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18407‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ضحَى يقول‪ :‬ل يصيبك فـيها عطش ول حرّ‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وأنّك ل َتظْ َمأُ فِـيها وَل َت ْ‬
‫حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن‬
‫ضحَى يقول‪ :‬ل يصيبك حرّ ول‬
‫ظ َمأُ فِـيها وَل َت ْ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ّنكُ ل َت ْ‬
‫أذى‪.‬‬
‫‪18408‬ـ حدثنـي أحمد بن عثمان بن حكيـم الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن شريك‪,‬‬
‫ضحَى قال‪ :‬ل‬
‫ظمَأُ فِـيها وَل تَ ْ‬
‫قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن خصيف عن سعيد بن جُبـير ل َت ْ‬
‫تصيبك الشمس‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَل َتضْحَى قال‪ :‬ل تصيبك‬
‫الشمس‪.‬‬
‫شيْطَانُ يقول‪ :‬فألقـى إلـى آدم الشّيطان وحدّثه فَقالَ يا آ َدمُ هَلْ‬
‫سوَسَ إلَـيْ ِه ال ّ‬
‫وقوله‪ :‬فَ َو ْ‬
‫جرَةِ الـخُـ ْلدِ يقول‪ :‬قال له‪ :‬هل أدلك علـى شجرة إن أكلت منها خـلدت‬
‫شَ‬‫أدُّلكَ علـى َ‬
‫فلـم تـمت‪ ,‬وملكت ملكا ل ينقضى فـيبلـى‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪18409‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ قال يا أ َدمُ هَلْ‬
‫ك ل َيبْلَـى إن أكلت منها كنت مكلً مثل ال أوْ َتكُونا منَ‬
‫جرَةِ الـخُـ ْلدِ َومُ ْل ٍ‬
‫شَ‬‫أدُّلكَ عَلـى َ‬
‫الـخالِدين فل تـموتان أبدا‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪121‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خصِفَانِ عََل ْي ِهمَا‬
‫{ َفَأكَلَ ِم ْنهَا َف َبدَتْ َل ُهمَا سَوْءَا ُت ُهمَا َوطَفِقَا َي ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ج َتبَاهُ َربّ ُه فَتَابَ عََليْهِ وَ َه َدىَ }‪.‬‬
‫صىَ ءَا َدمُ َربّ ُه َفغَ َوىَ * ُثمّ ا ْ‬
‫ع َ‬
‫جنّةِ وَ َ‬
‫مِن َو َرقِ ا ْل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التـي نُهيا عن الكل منها‪ ,‬وأطاعا أمر‬
‫إبلـيس‪ ,‬وخالفـا أمر ربهما فَ َبدَتُ َلهُما سَوْآ ُتهُما يقول‪ :‬فـانكشفت لهما عوراتهما‪ ,‬وكانت‬
‫مستورة عن أعينهما‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪18410‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬إنـما أراد‪,‬‬
‫ك ل َيبْلَـى لـيبدي لهما ما‬
‫شجَرةِ الـخُـ ْلدِ َومُ ْل ٍ‬
‫ل أدُّلكَ عَلـى َ‬
‫يعنـي إبلـيس بقوله‪ :‬هَ ْ‬
‫توارى عنهما من يوآتهما‪ ,‬بهتك لبـاسهما‪ ,‬وكان قد علـم أن لهما سَوْءَة لـما كان يقرأ من‬
‫كتب الـملئكة‪ ,‬ولـم يكن آدم يعلـم ذلك‪ ,‬وكان لبـاسهما الظفر‪ ,‬فأبى آدم أن يأكل منها‪,‬‬
‫فتقدمت حوّاء‪ ,‬فأكلت ثم قالت‪ :‬يا آدم كل‪ ,‬فآنـي قد أكلت‪ ,‬فلـم يضرّنـي‪ ,‬فلـما أكل آدم‬
‫بدت لهما سوآتهما‪.‬‬
‫جنّةِ يقول‪ :‬أقبل يشدّان علـيهما من ورق‬
‫خصِفـانِ عَلَـ ْيهِما منْ َورَقِ الـ َ‬
‫وقوله‪َ :‬وطَفِقا َي ْ‬
‫الـجنة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪18411‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السدي َوطَفِقا َيخْصِفـانِ‬
‫جنّةِ يقول‪ :‬أقبل يغطيان علـيهما بورق التـين‪.‬‬
‫عَلَـ ْيهِما منْ َو َرقِ الـ َ‬
‫خصِفـانِ‬
‫‪18412‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وطَفِقا َي ْ‬
‫جنّةِ يقول‪ :‬يوصلن علـيهما من ورق الـجنة‪.‬‬
‫عَلَـ ْيهِما منْ َو َرقِ الـ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَعَصى آ َدمُ َربّ ُه َفغَوَى يقول‪ :‬وخالف أمر ربه‪ ,‬فتعدّى إلـى ما لـم يكن له أن‬
‫جتَبـاهُ َربّ ُه فَتابَ‬
‫يتعدّى إلـيه‪ ,‬من الكل من الشجرة التـي نهاه عن الكل منها‪ .‬وقوله‪ُ :‬ثمّ ا ْ‬
‫عَلَـيْهِ وَ َهدَى يقول‪ :‬اصطفـاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلـى ما يرضى‬
‫عنه‪ ,‬والعمل بطاعته‪ ,‬وذلك هو كانت توبته التـي تابها علـيه‪ .‬وقوله‪ :‬وَ َهدَى يقول‪ :‬وهداه‬
‫للتوبة‪ ,‬فوفّقه لها‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ع ُدوّ َفِإمّا َي ْأ ِت َينّكُم‬
‫ضكُ ْم ِل َبعْضٍ َ‬
‫جمِيعا َب ْع ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ ا ْه ِبطَا ِم ْنهَا َ‬
‫ن ا ّتبَعَ ُهدَايَ فَلَ َيضِلّ َولَ َيشْ َقىَ }‪.‬‬
‫ّمنّي ُهدًى فَمَ ِ‬
‫ضكُمْ‬
‫جمِيعا إلـى الرض َب ْع َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال ال تعالـى لَدم وحوّاء‪ :‬ا ْه ِبطَا َ‬
‫عدُوّ يقول‪ :‬أنتـما عد ّو إبلـيس وذرّيته‪ ,‬وإبلـيس عدّوكما وعدوّ ذرّيتكما‪.‬‬
‫ِل َبعْضٍ َ‬
‫وقوله‪ :‬فإمّا َي ْأتِـ َي ّنكُمْ ِمنّـي ُهدًى يقول‪ :‬فإن يأتكم يا آدم وحوّاء وإبلـيس منـي هدى‪:‬‬
‫يقول‪ :‬بـيان لسبـيـلـي‪ ,‬وما أختاره لـخـلقـي من دين َفمَنِ ا ّتبَعَ ُهدَايَ يقول‪ :‬فمن اتبع‬
‫بـيانـي ذلك وعمل به‪ ,‬ولـم يزغ منه فَل َيضِلّ يقول‪ :‬فل يزول عن مَـحجة الـحق‪,‬‬
‫ولكنه يرشد فـي الدنـيا ويهتدي وَل َيشْقَـى فـي الَخرة بعقاب ال‪ ,‬لن ال يدخـله‬
‫الـجنة‪ ,‬وينـجيه من عذابه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪18413‬ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫قـيس الـملئي‪ ,‬عن عكرمة عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬تضمن ال لـمن قرأ القرآن‪ ,‬واتبع ما‬
‫فـيه أن ل يضلّ فـي الدنـيا ول يشقـى فـي الَخرة‪ ,‬ثم تل هذه الَية‪َ :‬فمَنِ ا ّتبَعَ َهدَايَ فَل‬
‫َيضُلّ وَل َيشْقَـى‪.‬‬
‫حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام الرازيّ‪ ,‬عن أيوب بن موسى‪,‬‬
‫عن مرو‪ ,‬حدثنا الـملئي عن ابن عبـاس أنه قال‪ :‬إن ال قد ضمن‪ ...‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن أيوب بن يسار أبـي عبد الرحمن‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫قـيس‪ ,‬عن رجل عن ابن عبـاس‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مـحمد النسائي‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جُبـير‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عبـاس‪ :‬من قرأ القرآن واتبع ما فـيه عصمه‬
‫ن ا ّتبَعَ ُهدَايَ‬
‫ال من الضللة‪ ,‬ووقاه‪ ,‬أظنه أنه قال‪ :‬من هول يوم القـيامة‪ ,‬وذلك أنه قال‪ :‬فَمَ ِ‬
‫فَل َيضِلّ وَل َيشْقَـى فـي الَخرة‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪124‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرُهُ‬
‫حُ‬‫ن لَ ُه َمعِيشَ ًة ضَنكا َو َن ْ‬
‫عرَضَ عَن ِذ ْكرِي َفإِ ّ‬
‫ن أَ ْ‬
‫{ َومَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ع َمىَ َو َقدْ كُنتُ َبصِيرا * قَالَ َكذَِلكَ َأ َت ْتكَ آيَا ُتنَا‬
‫حشَ ْر َت ِنيَ أَ ْ‬
‫ب ِلمَ َ‬
‫ع َمىَ * قَالَ رَ ّ‬
‫يَ ْومَ ا ْلقِيامَةِ َأ ْ‬
‫َفنَسِي َتهَا َو َكذَِلكَ ا ْليَ ْو َم ُت ْنسَىَ }‪.‬‬
‫عنْ ِذكْري الذي أذكره به فتولـى عنه ولـم يقبله ولـم‬
‫عرَضَ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪َ :‬ومَنْ أ ْ‬
‫يستـجب له‪ ,‬ولـم يتعظ به فـينزجر عما هو علـيه مقـيـم من خلفه أمر ربه فإنّ َلهُ‬
‫ضنْكا يقول‪ :‬فإن له معيشة ضيقة‪ .‬والضنك من الـمنازل والماكن والـمعايش‪:‬‬
‫َمعِيشَ ًة َ‬
‫الشديد يقال‪ :‬هذا منزل ضنك‪ :‬إذا كان ضيقا‪ ,‬وعيش ضنك‪ :‬الذكر والنثى والواحد والثنان‬
‫والـجمع بلفظ واحد ومنه قول عنترة‪:‬‬
‫وإنْ َنزَلُوا بضَ ْنكٍ أنْزلِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18414‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ضنْكا يقول‪ :‬الشقاء‪.‬‬
‫ن لَ ُه َمعِيشَةً َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬فإ ّ‬
‫‪18415‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ضنْكا قال‪ :‬ضيقة‪.‬‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫‪18416‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فإنّ َلهُ‬
‫ضنْكا قال‪ :‬الضنك‪ :‬الضيق‪.‬‬
‫َمعِيشَ ًة َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫ضنْكا يقول‪ :‬ضيقة‪.‬‬
‫أبـي بزّة‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فإنّ َلهُ َمعَيشَةً َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـموضع الذي جعل ال لهؤلء الـمعرضين عن ذكره العيشة‬
‫الضنك‪ ,‬والـحال التـي جعلهم فـيها‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬جعل ذلك لهم فـي الَخرة فـي‬
‫جهنـم‪ ,‬وذلك أنهم جعل طعامهم فـيها الضريع والزقوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن مقدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن‬
‫‪18417‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـ ّ‬
‫ضنْكا قال‪ :‬فـي جهنـم‪.‬‬
‫ن لَ ُه َمعِيشَ ًة َ‬
‫عوفُ‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فإ ّ‬
‫عرَضَ‬
‫‪18418‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ومَنْ أ ْ‬
‫ت َربّهِ قال‪ :‬هؤلء أهل‬
‫ن بآيا ِ‬
‫ضنْكا فقرأ حتـى بلغ‪ :‬ولَـمْ ُي ْؤمِ ْ‬
‫ن لَ ُه َمعِيشَةً َ‬
‫عنْ ِذ ْكرِي فإ ّ‬
‫َ‬
‫الكفر‪ .‬قال‪ :‬ومعيشة ضنكا فـي النار شوك من نار وزقوم وغسلـين‪ ,‬والضريع‪ :‬شوك من‬
‫نار‪ ,‬ولـيس فـي القبر ول فـي الدنـيا معيشة‪ ,‬ما الـمعيشة والـحياة إل فـي الَخرة‪,‬‬
‫وقرأ قول ال عزّ وجلّ‪ :‬يا لَـ ْي َتنِـي َق ّدمْتُ لِـحَياتِـي قال‪ :‬لـمعيشتـي قال‪ :‬والغسلـين‬
‫والزقوم‪ :‬شيء ل يعرفه أهل الدنـيا‪.‬‬
‫ضنْكا‬
‫ن لَ ُه َمعِيشَ ًة َ‬
‫‪18419‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة فإ ّ‬
‫قال‪ :‬فـي النار‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك‪ :‬فإن له معيشة فـي الدنـيا حراما‪ .‬قال‪ :‬ووصف ال جلّ وعزّ‬
‫معيشتهم بـالضنك‪ ,‬لن الـحرام وإن اتسع فهو ضنك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18420‬ـ حدثنا مـحمد بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن واقد‪,‬‬
‫ضنْكا قال‪ :‬هي الـمعيشة التـي أوسع ال علـيه‬
‫عن يزيد‪ ,‬عن عكرِمة فـي قوله‪َ :‬معِيشَ ًة َ‬
‫من الـحرام‪.‬‬
‫‪18421‬ـ حدثنـي داود بن سلـيـمان بن يزيد الـمكتب من أهل البصرة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‬
‫بن جرير البجلـي‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن قـيس بن أبـي حازم فـي قول ال‪:‬‬
‫ضنْكا قال‪ :‬رزقا فـي معصيته‪.‬‬
‫َمعِيشَ ًة َ‬
‫‪18422‬ـ حدثنـي عبد العلـى بن واصل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعلـى بن عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫بسطام‪ ,‬عن الضحاك فإنّ َلهُ مَعيشَ ًة ضَنْكا قال‪ :‬الكسب الـخبـيث‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الصراري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن سوار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫الـيقظان عمار بن مـحمد‪ ,‬عن هارون بن مـحمد التـيـمي‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ضنْكا قال‪ :‬العمل الـخبـيث‪ ,‬والرزق السيىء‪.‬‬
‫فإنّ َلهُ َمعِيشَةً َ‬
‫وقال آخرون مـمن قال عنى أن لهؤلء القوم الـمعيشة الضنك فـي الدنـيا‪ ,‬إنـما‬
‫قـيـل لها ضنك وإن كانت واسعة‪ ,‬لنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم علـى تكذيب منهم‬
‫بـالـخـلف من ال‪ ,‬وإياس من فضل ال‪ ,‬وسوء ظنّ منهم بربهم‪ ,‬فتشتدّ لذلك علـيهم‬
‫معيشتهم وتضيق ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18423‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ضنْكا يقول‪ :‬كلّ‬
‫ن لَ ُه َمعِيشَةً َ‬
‫عنْ ِذ ْكرِي فإ ّ‬
‫عرَضَ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَنْ أ ْ‬
‫مال أعطيته عبدا من عبـادي قلّ أو كثر‪ ,‬ل يتقـينـي فـيه‪ ,‬ل خير فـيه‪ ,‬وهو الضنك‬
‫للً أعرضوا عن الـحق وكانوا أولـي سعة من الدنـيا‬
‫فـي الـمعيشة‪ .‬ويقال‪ :‬إن قوما ضُ ّ‬
‫ل لـيس بـمخـلف لهم‬
‫مكثرين‪ ,‬فكانت معيشتهم ضنكا‪ ,‬وذلك أنهم كانوا يرون أن ال عزّ وج ّ‬
‫معايشهم من سوء ظنهم بـال‪ ,‬والتكذيب به‪ ,‬فإذا كان العبد يكذّب بـال‪ ,‬ويسيء الظنّ به‪,‬‬
‫اشتدّت علـيه معيشته‪ ,‬فذلك الضنك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بذلك‪ :‬أن ذلك لهم فـي البرزخ‪ ,‬وهو عذاب القبر‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪18424‬ـ حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن عبد ال‪ ,‬عن عبد الرحمن‬
‫بن إسحاق‪ ,‬عن أبـي حازم عن النعمان بن أبـي عياش‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخدريّ‪ ,‬قال‬
‫ضنْكا قال‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫فـي قول ال‪َ :‬معِيشَ ًة َ‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بِشر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن إسحاق‪ ,‬عن أبـي حازم‪ ,‬عن النعمان بن أبـي عياش‪ ,‬عن أبـي سعيد‬
‫الـخُدريّ‪ ,‬قال‪ :‬إن الـمعيشة الضنك‪ ,‬التـي قال ال‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫حدثنـي حوثرة بن مـحمد الـمنقري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حازم‪ ,‬عن أبـي‬
‫سلـمة‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخُدريّ فإنّ َلهُ َمعِيشَ ًة ضَنْكا قال‪ :‬يضيق علـيه قبره حتـى‬
‫تـختلف أضلعه‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث‪ ,‬عن‬
‫اللـيث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن زيد‪ ,‬عن ابن أبـي هلل‪ ,‬عن أبـي حازم‪ ,‬عن أبـي سعيد‪ ,‬أنه‬
‫كان يقول‪ :‬الـمعيشة الضنك‪ :‬عذاب القبر‪ ,‬إنه يسلط علـى الكافر فـي قبره تسعة وتسعون‬
‫تنّـينا تنهشه وتـخدش لـحمه حتـى يُبعث‪ .‬وكان يقال‪ :‬لو أن تنّـينا منها نفخ الرض لـم‬
‫تنبت زرعا‪.‬‬
‫‪18425‬ـ حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬عن‬
‫أبـي سلـمة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬يطبق علـى الكافر قبره حتـى تـختلف فـيه‬
‫عمَى‪.‬‬
‫شرُهُ َي ْومَ القِـيامَةِ أ ْ‬
‫ضنْكا ونـحْ ُ‬
‫أضلعه‪ ,‬وهي الـمعيشة الضنك التـي قال ال‪َ :‬معِيشَ ًة َ‬
‫‪18426‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن‬
‫ضنْكا قال‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫أبـي صالـح والسديّ فـي قوله‪َ :‬معِيشَ ًة َ‬
‫‪18427‬ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الحمسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سفـيان الثوري‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فإنّ َلهُ‬
‫ضنْكا قال‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫َمعِيشَ ًة َ‬
‫‪18428‬ـ حدثنـي عبد الرحمن بن السود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ربـيعة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫ضنْكا قال‪ :‬عذاب‬
‫عمَيس‪ ,‬عن عبد ال بن مخارق عن أبـيه‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬معِيشَ ًة َ‬
‫ُ‬
‫القبر‪.‬‬
‫حدثنـي عبد الرحيـم البرقـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مَريـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫جعفر وابن أبـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حازم‪ ,‬عن النعمان بن أبـي عياش‪ ,‬عن أبـي سعيد‬
‫ضنْكا قال‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬
‫الـخدريّ َمعِيشَ ًة َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال‪ :‬هو عذاب القبر الذي‪:‬‬
‫‪18429‬ـ حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي عبد ال بن وهب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حجَيرة عن أبـي هريرة‪ ,‬عن رسول ال‬
‫أخبرنـي عمرو بن الـحارث‪ ,‬عن درّاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫ضنْكا‬
‫ليَةُ‪ :‬فإنّ َلهُ مَعيشَةً َ‬
‫ن فِـيـمَ ُأ ْنزِلَتْ َهذِ ِه ا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬أ َت ْدرُو َ‬
‫ض ْنكُ؟» قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عمَى أ َت ْدرُونَ ما الـ َمعِيشَةً ال ّ‬
‫حشُرُ ُه يَ ْومَ القـيامَةِ أ ْ‬
‫وَنـ ْ‬
‫ب الكافرِ فـي َقبْرِهِ‪ ,‬واّلذِي نَفْسي بـ َيدِهِ‪ ,‬إنّه لَـ ُيسَّلطُ عَلَـيْ ِه َتسْعَ ٌة َو ِتسْعُونَ ِتنّـينا‪,‬‬
‫عذَا ُ‬
‫«َ‬
‫سمِهِ‬
‫جْ‬‫ن فـي ِ‬
‫س ْبعَةُ رُؤُوسٍ‪َ ,‬ينْ ُفخُو َ‬
‫حيّة َ‬
‫حيّة‪ ,‬لكلّ َ‬
‫ن َ‬
‫سعُو َ‬
‫سعَةٌ وَت ْ‬
‫أ َتدْرُونَ ما ال ّتنِـينُ‪ :‬ت ْ‬
‫خ ِدشُونَ ُه إلـى يَ ْومِ القِـيامَةِ»‪ .‬وإن ال تبـارك وتعالـى أتبع ذلك بقوله‪:‬‬
‫سعُونَ ُه و َي ْ‬
‫َويَـ ْل َ‬
‫شدّ وأبْقَـى فكان معلوما بذلك أن الـمعيشة الضنك التـي جعلها ال لهم قبل‬
‫لخِرَ ِة أ َ‬
‫باَ‬
‫وََل َعذَا ُ‬
‫شدّ وأبْقَـى معنى‬
‫لخِرَ ِة أ َ‬
‫باَ‬
‫عذاب الَخرة‪ ,‬لن ذلك لو كان فـي الَخرة لـم يكن لقوله وََل َعذَا ُ‬
‫مفهوم‪ ,‬لن ذلك إن لـم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الَخرة‪ ,‬حتـى يكون الذي فـي الَخرة‬
‫خرَ ِة أشَدّ وأبْقَـى‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فل تـخـلو تلك‬
‫لِ‬‫أشدّ منه‪ ,‬بطل معنى قوله وََل َعذَابُ ا َ‬
‫الـمعيشة الضنك التـي جعلها ال لهم من أن تكون لهم فـي حياتهم الدنـيا‪ ,‬أو فـي قبورهم‬
‫قبل البعث‪ ,‬إذ كان لوجه لن تكون فـي الَخرة لـما قد بـيّنا‪ ,‬فإن كانت لهم فـي حياتهم‬
‫الدنـيا‪ ,‬فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر ال من الكفـار‪ ,‬فإن معيشته فـيها‬
‫ضنك‪ ,‬وفـي وجودنا كثـيرا منهم أوسع معيشة من كثـير من الـمقبلـين علـى ذكر ال‬
‫ل علـى أن ذلك لـيس كذلك‪,‬‬
‫تبـارك وتعالـى‪ ,‬القائلـين له الـمؤمنـين فـي ذلك‪ ,‬ما يد ّ‬
‫وإذ خل القول فـي ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث‪ ,‬وهو أن ذلك فـي البرزخ‪.‬‬
‫عمَى اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمى الذي ذكر ال‬
‫شرُ ُه يَ ْومَ القِـيامَةِ أ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ونَـحْ ُ‬
‫فـي هذه الَية‪ ,‬أنه يبعث هؤلء الكفـار يوم القـيامة به‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ذلك عمى عن‬
‫الـحجة‪ ,‬ل عمى عن البصر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18430‬ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الحمسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫شرُهُ‬
‫حُ‬‫سفـيان الثوري‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ونَـ ْ‬
‫عمَى قال‪ :‬لـيس له حجة‪.‬‬
‫يَ ْومَ القِـيامَةِ أ ْ‬
‫‪18431‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫عمَى قال‪ :‬عن الـحجة‪.‬‬
‫شرُهُ َي ْومَ القِـيامَةِ أ ْ‬
‫حُ‬‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ونَـ ْ‬
‫جرَيج‪ ,‬عن‬
‫‪18432‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪ ,‬وقـيـل‪ :‬يحشر أعمى البصر‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول فـي ذلك ما قال ال تعالـى ذكره‪ ,‬وهو أنه يحشر‬
‫أعمى عن الـحجة ورؤية الشيء كما أخبر جلّ ثناؤه‪ ,‬فعمّ ولـم يخصص‪.‬‬
‫ت بَصِيرا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل‬
‫عمَى َو َقدْ ُكنْ ُ‬
‫حشَ ْر َتنِـي أ ْ‬
‫ب لِـمَ َ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ رَ ّ‬
‫ذلك‪ .‬فقال بعضهم فـي ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪18433‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬عن ابن نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد قالَ رَبّ‬
‫عمَى ل حجة لـي‪.‬‬
‫حشَ ْر َتنِـي أ ْ‬
‫لِـمَ َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َقدْ ُكنْتُ َبصِيرا اختلف أهل التأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬وقد كنت بصيرا‬
‫بحجتـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن‬
‫‪18434‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫مـجاهد َوقَ ْد ُكنْتُ َبصِيرا قال‪ :‬عالـما بحجتـي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬وقد كنت ذا بصر أبصر به الشياء‪ .‬ذكر من قال ذلك‬
‫‪18435‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد َوقَ ْد ُكنْتُ َبصِيرا فـي الدنـيا‪.‬‬
‫ب لِـمَ‬
‫‪18436‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ رَ ّ‬
‫ت بَصِيرا قال‪ :‬كان بعيد البصر‪ ,‬قصير النظر‪ ,‬أعمى عن الـحقّ‪.‬‬
‫عمَى َو َقدْ ُكنْ ُ‬
‫حشَ ْر َتنِـي أ ْ‬
‫َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول فـي ذلك عندنا‪ ,‬أن ال عزّ وجلّ ثناؤه‪ ,‬عمّ بـالـخبر‬
‫عنه بوصفه نفسه بـالبصر‪ ,‬ولـم يخصص منه معنى دون معنى‪ ,‬فذلك علـى ما عمه فإذا‬
‫ب لـم حشرتنـي أعمى عن حجتـي ورؤية الشياء‪,‬‬
‫كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأويـل الَية‪ ,‬قال‪ :‬ر ّ‬
‫وقد كنت فـي الدنـيا ذا بصر بذلك كله‪.‬‬
‫عمَى مع معاينته عظيـم سلطانه‪,‬‬
‫حشَ ْر َتنِـي أ ْ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف قال هذا لربه‪ :‬لِـمَ َ‬
‫أجهل فـي ذلك الـموقـف أن يكون ل أن يفعل به ما شاء‪ ,‬أم ما وجه ذلك؟ قـيـل‪ :‬إن‬
‫ن أن ل جرم‬
‫ذلك منه مسألة لربه يعرّفه الـجرم الذي استـحقّ به ذلك‪ ,‬إذ كان قد جهله‪ ,‬وظ ّ‬
‫ي جرم حشرتنـي أعمى‪ ,‬وقد كنت من قبل‬
‫ب ليّ ذنب ول ّ‬
‫له‪ ,‬استـحق ذلك به منه‪ ,‬فقال‪ :‬ر ّ‬
‫فـي الدنـيا بصيرا وأنت ل تعاقب أحدا إل بدون ما يستـحق منك من العقاب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قالَ َكذَلكَ أ َت ْتكَ آياتنا َف َنسِيتَها يقول تعالـى ذكره‪ ,‬قال ال حينئذٍ للقائل له‪ :‬لِـمَ‬
‫ت بَصِيرا‪ :‬فعلت ذلك بك‪ ,‬فحشرتك أعمى كما أتتك آياتـي‪ ,‬وهي‬
‫عمَى َو َقدْ ُكنْ ُ‬
‫حشَ ْر َتنِـي أ ْ‬
‫َ‬
‫حججه وأدلته وبـيانه الذي بـيّنه فـي كتابه‪ ,‬فنسيتها‪ :‬يقول‪ :‬فتركتها وأعرضت عنها‪ ,‬ولـم‬
‫ك أ َتتْك هكذا أتتكَ‪.‬‬
‫تؤمن بها‪ ,‬ولـم تعمل‪ .‬وعنى بقوله َكذَل َ‬
‫وقوله‪ :‬وكذلكَ الـيَ ْومَ ُت ْنسَى يقول‪ :‬فكما نسيت آياتنا فـي الدنـيا‪ ,‬فتركتها وأعرضت عنها‪,‬‬
‫فكذلك الـيوم ننساك‪ ,‬فنتركك فـي النار‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله و َكذَلكَ الـيَ ْومَ ُت ْنسَى فقال بعضهم بـمثل الذي‬
‫قلنا فـي ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18437‬ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الحمسي‪ ,‬قال‪ ,‬حدثنا مـحمد بن عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سفـيان الثوري‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬فـي قوله‪ :‬و َكذَلكَ‬
‫الـيَ ْومَ ُت ْنسَى قال‪ :‬فـي النار‪.‬‬
‫‪18438‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬كذَلكَ أ َت ْتكَ آياتُنا فَ َنسِيتَها قال‪ :‬فتركتها و َكذَلكَ الـيَ ْومَ ُت ْنسَى‬
‫وكذلك الـيوم تترك فـي النار‪.‬‬
‫ورُوي عن قتادة فـي ذلك ما‪.‬‬
‫ك آياتُنا‬
‫‪18439‬ـ حدثنـي بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة قالَ َكذَلكَ أ َت َت َ‬
‫َفنَسِيتَها و َكذَلكَ الـيَ ْومَ ُت ْنسَى قال‪ :‬نسي من الـخير‪ ,‬ولـم ينس من الشرّ‪.‬‬
‫وهذا القول الذي قاله قَتادة قريب الـمعنى مـما قاله أبو صالـح ومـجاهد‪ ,‬لن تركه‬
‫إياهم فـي النار أعظم الشرّ لهم‪.‬‬

‫‪127‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأسْ َرفَ وََلمْ يُ ْؤمِن بِآيَاتِ َربّهِ وََل َعذَابُ‬
‫جزِي مَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َكذَِلكَ َن ْ‬
‫شدّ وََأبْ َقىَ }‪.‬‬
‫لخِرَ ِة َأ َ‬
‫اَ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وهكذا نـجزي‪ :‬أي نثـيب من أسرف فعصي ربه‪ ,‬ولـم يؤمن‬
‫شدّ‬
‫لخِرَ ِة أ َ‬
‫باَ‬
‫برسله وكتبه‪ ,‬فنـجعل له معيشة ضنكا فـي البرزخ كما قد بـيّنا قبل وََل َعذَا ُ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ولعذاب فـي الَخرة أشدّ لهم مـما وعدتهم فـي القبر من الـمعيشة‬
‫وأبْقَـى يقول ج ّ‬
‫الضنك وأبقـى يقول‪ :‬وأدوم منها‪ ,‬لنه إلـى غير أمد ول نهاية‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن الْ ُقرُونِ َي ْمشُونَ فِي‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أفَلَ ْم َيهْ ِد َل ُهمْ َكمْ أَهَْل ْكنَا َقبْلَ ُهمْ مّ َ‬
‫ليَاتٍ لُوْلِي ال ّنهَىَ }‪.‬‬
‫ن فِي ذَِلكَ َ‬
‫َمسَا ِك ِن ِهمْ إِ ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬أفلـم يهد لقومك الـمشركين‬
‫بـال‪ ,‬ومعنى يهد‪ :‬يبـين‪ .‬يقول‪ :‬أفلـم يبـين لهم كثرة ما أهلكنا قبلهم من المـم التـي‬
‫سلكت قبلها التـي يـمشون فـي مساكنهم ودورهم‪ ,‬ويرون آثار عقوبـاتنا التـي أحللناها‬
‫بهم سوء مغبة ما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بآياتنا‪ ,‬ويتعظوا بهم‪ ,‬ويعتبروا‪ ,‬وينـيبوا‬
‫إلـى الذعان‪ ,‬ويؤمنوا بـال ورسوله‪ ,‬خوفـا أن يصيبهم بكفرهم بـال مثل ما صابهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18440‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬كمْ أهَْلكْنا قَبَْل ُهمْ مِنَ‬
‫ن فِـي مَساكِ ِن ِهمْ لن قريشا كانت تتـجر إلـى الشأم‪ ,‬فتـمرّ بـمساكن عاد‬
‫ن يَـ ْمشُو َ‬
‫ال ُقرُو ِ‬
‫وثمود ومن أشبههم‪ ,‬فترى آثار وقائع ال تعالـى بهم‪ ,‬فلذلك قال لهم‪ :‬أفلـم يحذّرهم ما يرون‬
‫من فعلنا بهم بكفرهم بنا نزول مثله بهم‪ ,‬وهم علـى مثل فعلهم مقـيـمون‪ .‬وكان الفرّاء‬
‫يقول‪ :‬ل يجوز فـي كم فـي هذا الـموضع أن يكون إل نصبـا بأهلكنا وكان يقول‪ :‬وهو‬
‫وإن لـم يكن إل نصبـا‪ ,‬فإن جملة الكلم رفع بقوله‪َ :‬ي ْهدِ َل ُهمْ ويقول‪ :‬ذلك مثل قول القائل‪ :‬قد‬
‫سوَاءٌ عَلَـ ْيكُمْ أ َدعَ ْوتُـمُو ُهمْ أمْ أ ْنتُـمْ‬
‫تبـين لـي أقام عمرو أم زيد فـي الستفهام‪ ,‬وكقوله َ‬
‫صَا ِمتُونَ ويزعم أن فـيه شيئا يرفع سواء ل يظهر مع الستفهام‪ ,‬قال‪ :‬ولو قلت‪ :‬سواء‬
‫علـيكم صمتكم ودعاؤكم تبـين ذلك الرفع الذي فـي الـجملة ولـيس الذي قال الفرّاء من‬
‫ذلك‪ ,‬كما قال‪ :‬لن كم وإن كانت من حروف الستفهام فإنها لـم تـجعل فـي هذا الـموضع‬
‫للستفهام‪ ,‬بل هي واقعة موقع السماء الـموصوفة‪ .‬ومعنى الكلم ما قد ذكرنا قبل وهو‪:‬‬
‫أفلـم يبـين لهم كثرة إهلكنا قبلهم القرون التـي يـمشون فـي مساكنهم‪ ,‬أو أفلـم تهدهم‬
‫ن أهَْلكْنا» فكم واقعة‬
‫القرون الهالكة‪ .‬وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد ال‪« :‬أفَلَـمْ َي ْهدِ َل َهمْ مَ ْ‬
‫موقع من فـي قراءة عبد ال‪ ,‬هي فـي موضع رفع بقوله‪َ :‬ي ْهدِ َل ُهمْوهو أظهر وجوهه‪,‬‬
‫ح معانـيه‪ ,‬وإن كان الذي قاله وجه ومذهب علـى بعد‪.‬‬
‫وأص ّ‬
‫وقوله‪ :‬إنّ فِـي ذلكَ لَياتٍ لُولـي ال ّنهَى يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن فـيـما يعاين هؤلء‬
‫ويرون من آثار وقائعنا بـالمـم الـمكذّبة رسلها قبلهم‪ ,‬وحلول ُمثْلتنا بهم لكفرهم بـال‬
‫لَياتٍ يقول‪ :‬لدللت وعبرا وعظات لُولـي ال ّنهَى يعنـي‪ :‬لهل الـحجى والعقول‪ ,‬ومن‬
‫ينهاه عقله وفهمه ودينه عن مواقعة ما يضره‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18441‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬لُولـي ال ّنهَى يقول‪ :‬التقـى‪.‬‬
‫ك لَياتٍ‬
‫ن فِـي ذل َ‬
‫‪18442‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ ّ‬
‫لُولـي ال ّنهَى أهل الورع‪.‬‬

‫‪130-129‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمّى *‬
‫سبَقَتْ مِن ّر ّبكَ َلكَانَ ِلزَاما وََأجَلٌ ّم َ‬
‫ل كَِلمَ ٌة َ‬
‫{وَلَ ْو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سبّحْ‬
‫غرُو ِبهَا َو ِمنْ آنَآ ِء الّْليْلِ َف َ‬
‫شمْسِ َو َقبْلَ ُ‬
‫ع ال ّ‬
‫حمْدِ َر ّبكَ َقبْلَ طُلُو ِ‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ْ‬
‫صبِرْ عََلىَ مَا َيقُولُونَ َو َ‬
‫فَا ْ‬
‫ضىَ }‪.‬‬
‫ف ال ّنهَارِ َلعَّلكَ َت ْر َ‬
‫طرَا َ‬
‫وََأ ْ‬
‫ل من قضى له أجلً فإنه‬
‫ن َر ّبكَ يا مـحمد أن ك ّ‬
‫سبَقَتْ مِ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وََلوْل كَلِـمَ ٌة َ‬
‫ل يخترمه قبل بلوغه أجله وأج ٌل مسمّى يقول‪ :‬ووقت مسمى عند ربك سماه لهم فـي أمّ‬
‫الكتاب وخطه فـيه‪ ,‬هم بـالغوه ومستوفوه لَكانَ ِلزَاما يقول‪ :‬للزمهم الهلك عاجلً‪ ,‬وهو‬
‫مصدر من قول القائل‪ :‬لزم فلن فلنا يلزمه ملزمة ولزاما‪ :‬إذا لـم يفـارقه‪ ,‬وقدّم قوله‪:‬‬
‫سمّى ومعنى الكلم‪ :‬ولول كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى‬
‫ل ُم َ‬
‫لَكانَ ِلزَاما قبل قوله أجَ ٌ‬
‫لكان لزاما‪ ,‬فـاصبر علـى ما يقولون‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18443‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫سمّى الجل الـمسمى‪:‬‬
‫ن َر ّبكَ لَكانَ ِلزَاما وأجَلٌ ُم َ‬
‫ت مِ ْ‬
‫سبَقَ ْ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْل كَلِـمَةٌ َ‬
‫الدنـيا‪.‬‬
‫سبَقَتْ‬
‫‪18444‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَوْل كَلِـمَةٌ َ‬
‫سمّى وهذه من مقاديـم الكلم‪ ,‬يقول‪ :‬لول كلـمة سبقت من ربك‬
‫ل ُم َ‬
‫ن ِلزَاما وأجَ ٌ‬
‫ن رَ ّبكَ لَكا َ‬
‫مِ ْ‬
‫ل السّاعَةُ‬
‫إلـى أجل مسمى كان لزاما‪ ,‬والجل الـمسمى‪ ,‬الساعة‪ ,‬لن ال تعالـى يقول بَ ِ‬
‫عدُ ُهمْ‪ ,‬والسّاعَ ُة أدْهَى وأ َمرّ‪.‬‬
‫مَوْ ِ‬
‫‪18445‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وََلوْل كَلِـمَةٌ‬
‫سمّى قال‪ :‬هذا مقدّم ومؤخر‪ ,‬ولول كلـمة سبقت من ربك‬
‫ن ِلزَاما وأجَلٌ ُم َ‬
‫ن َر ّبكَ لَكا َ‬
‫سبَقَتْ مِ ْ‬
‫َ‬
‫وأجل مسمى لكان لزاما‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله‪ :‬لَكانَ ِلزَاما فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬لكان موتا‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18446‬ـ حدثنـي علـيّ قال‪ :‬ثنـي أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬لَكانَ ِلزَاما يقول‪ :‬موتا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه لكان قتلً‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18447‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد لَكانَ ِلزَاما واللزام‪ :‬القتل‪.‬‬
‫ص ِبرْ علـى ما َيقُولُونَ يقول جلّ ثناؤه لنبـيه‪ :‬فـاصبر يا مـحمد علـى ما‬
‫وقوله‪ :‬فـا ْ‬
‫يقول هؤلء الـمكذّبون بآيات ال من قومك لك إنك ساحر‪ ,‬وإنك مـجنون وشاعر ونـحو‬
‫ح ْمدِ َر ّبكَ يقول‪ :‬وصل بثنائك علـى ربك‪ ,‬وقال‪ :‬بحمد ربك‪.‬‬
‫سبّحْ ِب َ‬
‫ذلك من القول َو َ‬
‫والـمعنى‪ :‬بحمدك ربك‪ ,‬كما تقول‪ :‬أعجبنـي ضرب زيد‪ ,‬والـمعنى‪ :‬ضربـي زيدا‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫غرُوبِها وهي العصر َومِنْ آناءِ اللّـيْـلِ وهي‬
‫شمْسِ وذلك صلة الصبح َو َقبْلَ ُ‬
‫َقبْلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫ساعات اللـيـل‪ ,‬واحدها‪ :‬إنْـيٌ‪ ,‬علـى تقدير حمل ومنه قول الـمنـخّـل السعدي‪:‬‬
‫ل إنْـيٍ َقضَاهُ اللّـيْـلُ َي ْن َتعِلُ‬
‫ح ُم ّرتُهُفِـي كُ ّ‬
‫طفِ ال ِقدْ ِ‬
‫حُ ْلوٌ َو ُمرّ َكعِ ْ‬
‫ح صلة العشاء الَخرة‪ ,‬لنها تصلـى بعد مضيّ‬
‫سبّ ْ‬
‫ل فَ َ‬
‫ويعنـي بقوله‪َ :‬و ِمنْ آنا ِء اللّـيْـ ِ‬
‫آناء من اللـيـل‪.‬‬
‫طرَافَ النّهارِ‪ :‬يعنـي صلة الظهر والـمغرب وقـيـل‪ :‬أطراف النهار‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْ‬
‫والـمراد بذلك الصلتان اللتان ذكرنا‪ ,‬لن صلة الظهر فـي آخر طرف النهار الوّل‪,‬‬
‫وفـي أوّل طرف النهار الَخر‪ ,‬فهي فـي طرفـين منه‪ ,‬والطرف الثالث‪ :‬غروب الشمس‪,‬‬
‫وعند ذلك تصلـى الـمغرب‪ ,‬فلذلك قـيـل أطراف‪ ,‬وقد يحمل أن يقال‪ :‬أريد به طرفـا‬
‫ت قُلُوبُكما فجمع‪ ,‬والـمراد‪ :‬قلبـان‪ ,‬فـيكون‬
‫النهار‪ .‬وقـيـل‪ :‬أطراف‪ ,‬كما قـيـل صَغَ ْ‬
‫ذلك أوّل طرف النهار الَخر‪ ,‬وآخر طرفه الول‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18448‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عاصم‪,‬‬
‫غرُوبِها قال‪:‬‬
‫شمْسِ َو َقبْلَ ُ‬
‫ح ْمدِ َر ّبكَ َقبْلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫سبّحْ ِب َ‬
‫عن ابن أبـي زيد‪ ,‬عن ابن عبـاس َو َ‬
‫الصلة الـمكتوبة‪.‬‬
‫‪18449‬ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسماعيـل‬
‫بن أبـي خالد‪ ,‬عن قـيس بن أبـي حازم‪ ,‬عن جرير بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬كنا جلوسا عند رسول‬
‫ن َربّ ُكمْ كمَا َترَ ْونَ َهذَا‪,‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فرأى القمر لـيـلة البدر فقال‪« :‬إ ّن ُكمْ رَاءُو َ‬
‫شمْسِ َو َقبْلَ‬
‫ن ل ُتغَْلبُوا عَلـى صَل ٍة قَبلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫طعْتـمْ أ ْ‬
‫س َت َ‬
‫ن فِـي رُ ْؤ َيتِهِ‪ ,‬فإنِ ا ْ‬
‫ل ُتضَامُو َ‬
‫غرُوبِها»‪.‬‬
‫شمْسِ َوقَبْلَ ُ‬
‫ح ْمدِ َربّكَ َقبْلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫حبَ‬
‫سبّ ْ‬
‫غرُوبِها فـا ْفعَلُوا» ُثمّ تَل‪ :‬و َ‬
‫ُ‬
‫ح ْمدِ َربّكَ َقبْلَ طُلُوعِ‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ْ‬
‫‪18450‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج َو َ‬
‫غرُوبِها قال ابن جريج‪ :‬العصر‪ ,‬وأطراف النهار قال‪ :‬الـمكتوبة‪.‬‬
‫شمْسِ َو َقبْلَ ُ‬
‫ال ّ‬
‫سبّحْ‬
‫‪18451‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمى‪ ,‬عن قَتادة فـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫غرُوبِها قال‪ :‬صلة العصر‪َ .‬ومِنْ‬
‫شمْسِ قال‪ :‬هي صَلة الفجر َو َقبْلَ ُ‬
‫ع ال ّ‬
‫حمْ ِد رَ ّبكَ َقبْلَ طُلُو ِ‬
‫ِب َ‬
‫ف النَهارِ قال‪ :‬صلة الظهر‪.‬‬
‫آناءِ اللّـيْـلِ قال‪ :‬صلة الـمغرب والعشاء‪ .‬وأطْرا َ‬
‫‪18452‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َومِنْ آناءِ‬
‫طرَافَ النّهارِ‪ :‬قال‪ :‬من آناء اللـيـل‪ :‬ال َعتَـمة‪ .‬وأطراف النهار‪ :‬الـمغرب‬
‫ح وأ ْ‬
‫سبّ ْ‬
‫ل فَ َ‬
‫اللّـيْـ ِ‬
‫والصبح‪.‬‬
‫شمْسِ‪ ,‬لن معنى ذلك‪ :‬فسبح‬
‫ونصب قوله وأطْرافَ النهار عطفـا علـى قوله َقبْلَ طُلُوع ال ّ‬
‫بحمد ربك آخر اللـيـل‪ ,‬وأطراف النهار‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي معنى آنا ِء اللّـيْـلِ قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَيج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫‪18453‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫ابن عبـاس َومِن آنا ِء اللّـيْـلِ قال‪ :‬الـمصلـى من اللـيـل كله‪.‬‬
‫‪18454‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن أبـي رجاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الـحسن قرأ‪َ :‬و ِمنْ آناء اللّـيْـلِ قال‪ :‬من أوّله‪ ,‬وأوسطه‪ ,‬وآخره‪.‬‬
‫‪18455‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ح قال‪ :‬آناء اللـيـل‪ :‬جوف‬
‫سبّ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬و ِمنْ آنا ِء اللّـيْـلِ فَ َ‬
‫اللـيـل‪.‬‬
‫ك َترْضَى يقول‪ :‬كي ترضى‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬لعَّل َ‬
‫ك تَ ْرضَى‬
‫وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق‪َ :‬لعَّل َ‬
‫بفتـح التاء‪ .‬وكان عاصم والكسائي يقرآن ذلك‪َ« :‬لعَّلكَ ُت ْرضَى» بضم التاء‪ ,‬ورُوي ذلك عن‬
‫ن الذين قرأوا ذلك بـالفتـح‪ ,‬ذهبوا إلـى معنى‪ :‬إن ال‬
‫أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ‪ ,‬وكأ ّ‬
‫يعطيك‪ ,‬حتـى ترضى عطيّته وثوابه إياك‪ ,‬وكذلك تأوّله أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18456‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬لعَّلكَ َترْضَى‬
‫قال‪ :‬الثواب‪ ,‬ترضى بـما يثـيبك ال علـى ذلك‪.‬‬
‫ك تُ ْرضَى‬
‫جرَيج َلعَّل َ‬
‫‪18457‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫قال‪ :‬بـما ُت ْعطَى‪.‬‬
‫وكأن الذين قرأوا ذلك بـالضم‪ ,‬وجهوا معنى الكلم إلـى لعلّ ال يرضيك من عبـادتك‬
‫إياه‪ ,‬وطاعتك له‪ .‬والصواب من القول فـي ذلك عندي‪ :‬أنهما قراءتان‪ ,‬قد قرأ بكل واحدة‬
‫منهما علـماء من القرّاء‪ ,‬وهما قراءتان مستفـيضتان فـي َقرَأة المصار‪ ,‬متفقتا الـمعنى‪,‬‬
‫غير مختلفتـيه وذلك أن ال تعالـى ذكره إذا أرضاه‪ ,‬فل شكّ أنه يرضى‪ ,‬وأنه إذا رضي فقد‬
‫أرضاه ال‪ ,‬فكل واحدة منهما تدلّ علـى معنى الخرى‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‬
‫الصواب‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى مَا َم ّت ْعنَا بِ ِه َأزْوَاجا ّم ْن ُهمْ زَهْرَةَ‬
‫ع ْي َنيْكَ إَِل َ‬
‫ل َت ُمدّنّ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َ‬
‫خ ْيرٌ وََأبْ َقىَ }‪.‬‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا ِلنَ ْف ِت َن ُهمْ فِيهِ َو ِرزْقُ َر ّبكَ َ‬
‫ا ْل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ول تنظر إلـى ما جعلنا‬
‫لضُربـاء هؤلء الـمعرضين عن آيات ربهم وأشكالهم‪ُ ,‬متْعة فـي حياتهم الدنـيا‪ ,‬يتـمتعون‬
‫بها‪ ,‬من زهرة عاجل الدنـيا ونضرتها ِلنَ ْف ِت َنهُمْ فِـيهِ يقول‪ :‬لنـختبرهم فـيـما متعناهم به من‬
‫خدَع تضمـحلّ َورِ ْزقُ َر ّبكَ الذي وعدك أن‬
‫ن زائل‪ ,‬وغُرور و ُ‬
‫ذلك‪ ,‬ونبتلـيهم‪ ,‬فإِن ذلك فـا ٍ‬
‫خ ْيرٌ لك مـما متعناهم به من زهرة‬
‫يرزقكه فـي الَخرة حتـى ترضى‪ ,‬وهو ثوابه إياه َ‬
‫الـحياة الدنـيا‪ .‬وأبْقَـى يقول‪ :‬وأدوم‪ ,‬لنه لنقطاع له ول نفـاذ‪ .‬وذُكر أن هذه الَية نزلت‬
‫علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬من أجل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث‬
‫ل برهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫إلـى يهوديّ يستسلف منه طعاما‪ ,‬فأبى أن ُيسْلفه إ ّ‬
‫‪18458‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن موسى بن عبـيدة‪ ,‬عن يزيد بن عبد ال بن‬
‫قسيط‪ ,‬عن أبـي رافع‪ ,‬قال‪ :‬أرسلنـي رسول ال صلى ال عليه وسلم إلـى يهودي يستسلفه‪,‬‬
‫ل برهن‪ ,‬فحزن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬وَل تَـ ُمدّنّ‬
‫فأبى أن يعطيه إ ّ‬
‫ع َينَـ ْيكَ إلـى ما َم ّتعْنا بِ ِه أزْوَاجا مِن ُهمْ زَهْرَ َة الـحَياةِ ال ّدنْـيا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪18459‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن كثـير‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫واقد‪ ,‬عن يعقوب بن يزيد‪ ,‬عن أبـي رافع‪ ,‬قال‪ :‬نزل رسول ال صلى ال عليه وسلم ضيف‪,‬‬
‫ل برهن‪ ,‬فأخبرته‬
‫فأرسلنـي إلـى يهوديّ بـالـمدينة يستسلفه‪ ,‬فأتـيته‪ ,‬فقال‪ :‬ل أسلفه إ ّ‬
‫حمِلْ ِدرْعِي إلَـيْهِ»‬
‫ل الرْضِ‪ ,‬فـا ْ‬
‫ل السّماءِ وفِـي أهْ ِ‬
‫ن فِـي أهْ ِ‬
‫لمِي ٌ‬
‫بذلك‪ ,‬فقال‪« :‬إنّـي َ‬
‫ن الـمَثانِـي والقُرآنَ ال َعظِيـمِ‪.‬‬
‫سبْعا مِ َ‬
‫فنزلت‪ :‬وَلَ َق ْد آتَـيْناكَ َ‬
‫ع َينَـ ْيكَ إلـى ما َم ّتعْنا بِ ِه أزْوَاجا ِم ْن ُهمْ زَهْر َة الـحَياةِ ال ّدنْـيا إلـى‬
‫وقوله‪ :‬وَل تَـمُدّنّ َ‬
‫قوله‪ :‬وَالعا ِقبَ ُة للتّقْوَى‪.‬‬
‫ل منهم أشكالً‪ ,‬وبزهرة الـحياة الدنـيا‪ :‬زينة الـحياة‬
‫ويعنـي بقوله‪ :‬أزْوَاجا ِم ْن ُهمْ رجا ً‬
‫الدنـيا‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪18460‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬زَ ْهرَ َة الـحَياةِ‬
‫ال ّدنْـيا‪ :‬أي زينة الـحياة الدنـيا‪.‬‬
‫ونصب زهرة الـحياة الدنـيا علـى الـخروج من الهاء التـي فـي قوله به من َم ّتعْنا ِبهِ‪,‬‬
‫كما يقال‪ :‬مررت به الشريف الكريـم‪ ,‬فنصب الشريف الكريـم علـى فعل مررت‪ ,‬وكذلك‬
‫قوله‪ :‬إلـى ما َم ّتعْنا بِ ِه أزْوَاجا ِم ْنهُم زَ ْهرَةَ الـحَيا ِة ال ّدنْـيا تنصب علـى الفعل بـمعنى‪:‬‬
‫متعناهم به زهرة الـحياة الدنـيا وزينة لهم فِـيها‪ .‬وذكر الفراء أن بعض بنـي فقعس أنشده‪:‬‬
‫ج ْندَلِ‬
‫ن تُرابٍ َو َ‬
‫ح سَفْحِ ُكوَا ِك ٍبرَهِينَ َة َرمْسٍ مِ ْ‬
‫أ َب ْعدَ اّلذِي بـالسّفْ ِ‬
‫فنصب رهينة علـى الفعل من قوله‪« :‬أبعد الذي بـالسفح»‪ ,‬وهذا ل شكّ أنه أضعف فـي‬
‫العمل نصبـا من قوله‪َ :‬م ّتعْنا ِبهِ أزْوَاجا ِم ْنهُمْ لن العامل فـي السم وهو رهينة‪ ,‬حرف‬
‫خافض ل ناصب‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18461‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ِ :‬لنَ ْف ِت َن ُهمْ فِـيهِ قال‪:‬‬
‫خيْرٌ وأبقَـى مـما متّعنا به هؤلء من هذه الدنـيا‪.‬‬
‫ك َ‬
‫لنبتلـيهم فـيه َو ِر ْزقُ َربّ َ‬

‫‪132‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سأَُلكَ ِرزْقا ّنحْنُ‬
‫طبِرْ عََل ْيهَا لَ َن ْ‬
‫صَ‬‫ك بِالصّلَةِ وَا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَ ْأ ُمرْ أَهَْل َ‬
‫َنرْ ُز ُقكَ وَا ْلعَا ِقبَةُ لِلتّ ْق َوىَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬و ْأ ُمرْ يا مـحمد أهَْلكَ بـالصّلةِ‬
‫سئَُلكَ ِرزْقا‬
‫صطَبرْ عَلَـيْها يقول‪ :‬واصطبر علـى القـيام بها‪ ,‬وأدائها بحدودها أنت ل َن ْ‬
‫وَا ْ‬
‫يقول‪ :‬ل نسألك مالً‪ ,‬بل نكلفك عملً ببدنك‪ ,‬نؤتـيك علـيه أجرا عظيـما وثوابـا جزيلً‬
‫نَـحْنُ َن ْرزُ ُقكَ يقول‪ :‬نـحن نعطيك الـمال ونكسبكه‪ ,‬ول نسألكه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬والعاقبَةُ للتّ ْقوَى يقول‪ :‬والعاقبة الصالـحة من عمل كلّ عامل لهل التقوى‬
‫والـحثـية من ال دون من ل يخاف له عقابـا‪ ,‬ول يرجو له ثوابـا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫صطَبرْ عَلَـيْها قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فـي قوله و ْأ ُمرْ أهَْلكَ بـالصّلةِ وَا ْ‬
‫‪18462‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫ع َينَـ ْيكَ إلـى ما َم ّتعْنا بهِ‬
‫عروة إذا رأى ما عند السلطين دخـل داره‪ ,‬فقال‪ :‬ل تَـ ُمدّنّ َ‬
‫خيْرٌ وأبْقَـى و ْأمُ ْر أهَْلكَ‬
‫أزْوَاجا ِم ْن ُهمْ زَهْرَ َة الـحَياةِ ال ّدنْـيا ِلنَ ْف ِت َن ُهمْ فِـيِ َورِ ْزقُ َر ّبكَ َ‬
‫ن َنرْ ُز ُقكَ والعا ِقبَةُ للتّ ْقوَى ثم ينادي‪ :‬الصلة‬
‫صطَبرْ عَلَـيْها ل نَسألُكَ ِرزْقا نـحْ ُ‬
‫بـالصّلةِ وَا ْ‬
‫الصلة‪ ,‬يرحمكم ال‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب قال‪ ,‬حدثنا عثام‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬أنه كان إذا رأى شيئا‬
‫ط ِبرْ عَلَـيْها ل نَسأُلكَ‬
‫ك بـالصّلةِ وَاصْ َ‬
‫من الدنـيا جاء إلـى أهله‪ ,‬فقال‪ :‬الصلة و ْأ ُمرْ أهَْل َ‬
‫رِزْقا‪.‬‬
‫‪18463‬ـ حدثنا العبـاس بن عبد العظيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جعفر بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشام بن‬
‫سعد‪ ,‬عن زيد بن أسلـم‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬كان يبـيت عند عمر بن الـخطاب من غلـمانه‬
‫أنا ويرفأ‪ ,‬وكانت له من اللـيـل ساعة يصلـيها‪ ,‬فإذا قلنا ل يقوم من اللـيـل كان قـياما‪,‬‬
‫وكان إذا صلـى من اللـيـل ثم فرغ قرأ هذه الَية‪ :‬و ْأ ُمرْ أهَْلكَ بـالصّلةِ وَاصْطَبرْ‬
‫عَلَـيْها‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي هشام بن سعد‪ ,‬عن زيد بن أسلـم‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬

‫‪133‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َي ْأتِينَا بِآيَ ٍة مّن ّربّهِ َأوََلمْ َت ْأ ِتهِمْ َب ّينَ ُة مَا فِي‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُو ْا لَ ْو َ‬
‫صحُفِ الُوَلىَ }‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال هؤلء الـمشركون الذين وصف صفتهم فـي الَيات قبل‪ :‬هل‬
‫يأتـينا مـحمد بآية من ربه‪ ,‬كما أتـى قومه صالـح بـالناقة وعيسى بإحياء الـموتـى‪,‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬أو لـم يأتهم بـيان ما فـي الكتب التـي قبل‬
‫وإبراء الكمه والبرص‪ ,‬يقول ال ج ّ‬
‫هذا الكتاب من أنبـاء المـم من قبلهم التـي أهلكناهم لـما سألوا الَيات فكفروا بها لـما‬
‫أتتهم كيف عجّلنا لهم العذاب‪ ,‬وأنزلنا بأسنا بكفرهم بها‪ ,‬يقول‪ :‬فماذا يؤمنهم إن أتتهم الَية أن‬
‫يكون حالهم حال أولئك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪18464‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫حفِ الُولـى قال‪ :‬التوارة والنـجيـل‪.‬‬
‫صُ‬‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬أ َو لـمُ َت ْأتِ ِهمْ بَـ ّينَةُ ما فِـي ال ّ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين قال‪ :‬ثنـي حجاج عن ابن جريج عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫‪18465‬ـ حدثنا بِشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أوَ لَـمْ َت ْأ ِت ِهمْ بَـ ّينَةُ‬
‫حفِ الُولـى الكتب التـي خـلت من المـم التـي يـمشون فـي مساكنهم‪.‬‬
‫صُ‬‫ما فـي ال ّ‬

‫‪134‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب مّن َقبْلِ ِه لَقَالُو ْا َر ّبنَا لَوْل َأرْسَلْتَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََلوْ َأنّآ أَهَْل ْكنَاهُمْ ِب َعذَا ٍ‬
‫خ َزىَ }‪.‬‬
‫إَِل ْينَا َرسُولً َف َنتّبِ َع آيَا ِتكَ مِن َقبْلِ أَن ّنذِلّ َو َن ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولو أنا أهلكنا هؤلء الـمشركين الذين يكذّبون بهذا القرآن من قبل أن‬
‫ننزله علـيهم‪ ,‬ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلـى ما فرضنا علـيهم فـيه بعذاب ننزله‬
‫بهم بكفرهم بـال‪ ,‬لقالوا يوم القـيامة‪ ,‬إذ وردوا علـينا‪ ,‬فأردنا عقابهم‪ :‬ربنا هل أرسلت‬
‫إلـينا رسولً يدعونا إلـى طاعتك‪ ,‬فنتبع آياتك يقول‪ :‬فنتبع حجتك وأدلتك وما تنزله علـيه‬
‫من أمرك ونهيك من قبل أن نذلّ بتعذبـيك إيانا ونـخزى به‪ ,‬كما‪18466 :‬ـ حدثنـي الفضل‬
‫بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو قتـيبة سلـم بن قتـيبة‪ ,‬عن فضيـل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية‬
‫حتَـجّ عَلـى‬
‫العوفـي‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخُدريّ‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬ي ْ‬
‫اللّ ِه يَ ْومَ القـيامَ ِة ثَلثَةٌ‪ :‬الهَاِلكُ فِـي ال َف ْترَةِ‪ ,‬والـمَغْلُوبُ عَلـى عَقْلهِ‪ ,‬والصّبـيّ الصّغيرُ‪,‬‬
‫ل أ ْنتَفِع بهِ‪َ ,‬ويَقُولُ الهَاِلكُ فِـي الف ْترَةِ‪:‬‬
‫جعَلْ لـي عَقْ ً‬
‫عقْلِه‪ :‬لَـمْ تَـ ْ‬
‫فَـيَقُولُ الـ َمغْلُوبُ عَلـى َ‬
‫ت أطْ َوعَ خَـلْ ِقكَ َلكَ‪.‬‬
‫لَـمْ ي ْأتِنـي َرسُولٌ وَل نَبـيّ‪ ,‬وََلوْ أتانِـي َلكَ َرسُولٌ أ ْو نَبـيّ َل ُكنْ ُ‬
‫عقِلُ» قالَ‪:‬‬
‫صغِيرا ل أ ْ‬
‫صغِيرُ‪ُ :‬كنْتُ َ‬
‫صبِـيّ ال ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫وقرأ‪َ :‬لوْل أ ْرسَلْتَ إلَـيْنا َرسُولً و َيقُو ُ‬
‫ن فِـي علْـمِ اللّ ِه أنّه سَعيدٌ‪َ ,‬و َيتََل ّكأُ‬
‫« َفتُ ْرفَعُ َل ُهمْ نارٌ َويُقالُ َل ُهمْ‪ِ :‬ردُوها» قال‪« :‬فَـي ِردُها َمنْ كا َ‬
‫ص ْيتُـمْ‪َ ,‬ف َك ْيقَ ِبرُسُلـي لَوْ‬
‫ع َ‬
‫ن فِـي عِلْـمِ الّل ِه أنّهُ شَقِـيّ‪ ,‬فَـيَقُولُ‪ :‬إيّايَ َ‬
‫ن كا َ‬
‫عنْها مَ ْ‬
‫َ‬
‫أ َت ْتكُمْ؟»‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صحَابُ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن مَ ْ‬
‫س َتعَْلمُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُلْ كُلّ ّم َت َربّصٌ َف َت َربّصُو ْا فَ َ‬
‫ن ا ْه َتدَىَ }‪.‬‬
‫الصّرَاطِ السّ ِويّ َومَ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد‪ :‬كلكم أيها‬
‫الـمشركون بـال متربص يقول‪ :‬منتظر لـمن يكون الفلح‪ ,‬وإلـى ما يؤول أمري وأمركم‬
‫متوقـف ينتظر دوائر الزمان‪ ,‬فتربصوا يقول‪ :‬فترقبوا وانتظروا‪ ,‬فستعلـمون من أهل‬
‫الطريق الـمستقـيـم الـمعتدل الذي ل اعوجاج فـيه إذا جاء أمر ال وقامت القـيامة‪,‬‬
‫أنـحن أم أنتـم؟ ومن اهتدى يقول‪ :‬وستعلـمون حينئذٍ من الـمهتدي الذي هو علـى سنن‬
‫ن مَنْ‬
‫ستَعْلَـمُو َ‬
‫الطريق القاصد غير الـجائر عن قصده منا ومنكم‪ .‬وفـي «مَن» من قوله‪َ :‬ف َ‬
‫ب الصّراطِ السّ ِويّ‪ ,‬والثانـية من قوله‪َ :‬ومَنِ ا ْه َتدَى وَجهان‪ :‬الرفع‪ ,‬وترك إعمال‬
‫أصحَا ُ‬
‫حصَى والنصب علـى إعمال‬
‫نأْ‬
‫ح ْزبَـيْ ِ‬
‫تعلـمون فـيهما‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬ل َنعْلَـمَ أيّ الْـ ِ‬
‫تعلـمون فـيهما‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬وَااللّ ُه َيعْلَـمُ الـمُ ْفسِدَ منَ الـ ُمصْلِـحِ‪.‬‬

You might also like