You are on page 1of 338

‫تابع تفسير سورة النساء‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت َأ ْيمَا ُنكُ ْم ِكتَابَ الّلهِ عََل ْيكُمْ‬
‫ن النّسَآ ِء ِإلّ مَا مََلكْ َ‬
‫ت مِ َ‬
‫{وَا ْل ُمحْصَنَا ُ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫س َتمْ َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُ نّ‬
‫غيْ َر مُ سَا ِفحِينَ فَمَا ا ْ‬
‫صنِينَ َ‬
‫ل َلكُ مْ مّا َورَاءَ ذَِلكُ مْ أَن َت ْب َتغُواْ ِبَأمْوَاِلكُ مْ ّمحْ ِ‬
‫وَُأحِ ّ‬
‫ضيْتُمْ بِهِ مِن َب ْعدِ ا ْل َفرِيضَ ِة إِنّ الّل َه كَا نَ عَلِيما‬
‫جنَا حَ عََل ْيكُمْ فِيمَا َترَا َ‬
‫ل ُ‬
‫ن ُأجُورَهُنّ َفرِيضَةً َو َ‬
‫فَآتُو ُه ّ‬
‫حكِيما }‪.‬‬
‫َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬حرّمت عليكم المحصنات من النساء‪ ,‬إل ما ملكت أيمانكم‪.‬‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫ن ال في هذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هن ذوات‬
‫واختلف أهل التأويل في المحصنات التي عناه ّ‬
‫ن السباء‪,‬‬
‫ن وبين أزواجه ّ‬
‫الزواج غير المسبيات منه نّ‪ .‬ومل كُ اليمين‪ :‬السبايا اللواتي فرّق بينه ّ‬
‫فحللن ل من صرن له بملك اليم ين من غ ير طلق كان من زوج ها الحرب يّ ل ها‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪7240‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن أبي حصين‪,‬‬
‫س َبيْتَ‪.‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كل ذات زوج إتيانها زنا‪ ,‬إل ما َ‬
‫‪ 7241‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن أبي حصين‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7242‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث نى معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫ت أيمَا ُنكُمْ} يقول‪ :‬كل امرأة‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ مِنَ النّسا ِء إلّ ما مََلكْ َ‬
‫لهـا زوج فهـي عليـك حرام إل أمـة ملكتهـا ولهـا زوج بأرض الحرب‪ ,‬فهـي لك حلل إذا‬
‫استبرأتها‪.‬‬
‫‪ 7243‬ـ وحدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن أبي‬
‫ت أيمانُكُ مْ} قال‪ :‬ما سبيتم من الن ساء‪ ,‬إذا‬
‫ن النّ سا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫قل بة في قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫س َبيْتَ المرأة ولها زوج في قومها‪ ,‬فل بأس أن تطأها‪.‬‬
‫َ‬
‫ت مِ نَ‬
‫‪ 7244‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫ل ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} قال‪ :‬كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة إل ما ملكت يمينك‬
‫النّساءِ إ ّ‬
‫من السبي وهي محصنة لها زوج‪ ,‬فل تحرم عليك به‪ .‬قال‪ :‬كان أبي يقول ذلك‪.‬‬
‫‪7245‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن مكحول في‬
‫ل ما مََلكَتْ أيمَا ُن ُكمْ} قال‪ :‬السبايا‪.‬‬
‫ن النّساءِ إ ّ‬
‫قوله‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ مِ َ‬
‫واعتلّ قائلوا هذه المقالة بالخبار التـي رُويـت أن هذه الَيـة نزلت فيمـن سـُبي مـن أَوْطاس‪.‬‬
‫ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 7246‬ـ حدثنا بشر بن معاذ قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي الخليل‪,‬‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين‬
‫عن أبي علقمة الهاشمي‪ ,‬عن أبي سعيد الخدر يّ‪ :‬أن نب ّ‬
‫بعث جيشا إلى أوطاس‪ ,‬فلقوا عدوا‪ ,‬فأصابوا سبايا له نّ أزواج من المشركين‪ ,‬فكان المسلمون‬
‫ِنـ النّسـاءِ إلّ مـا‬
‫يتأثّمون مـن غشيانهنـّ‪ ,‬فأنزل ال تبارك وتعالى هذه الَيـة‪{ :‬وال ُمحْصـَناتُ م َ‬
‫ع َددُهن‪.‬‬
‫ن حلل لكم إذا ما انقضت ِ‬
‫مََلكَتْ أيما ُنكُمْ} أي ه ّ‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن صالح أبي‬
‫الخل يل‪ :‬أن أ با علق مة الهاش مي حدّث‪ ,‬أن أ با سعيد الخدر يّ حدّث‪ :‬أن نبيّ ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم بعث يوم حنين سرية‪ ,‬فأصابوا حيّا من أحياء العرب يوم أوطاس‪ ,‬فهزموهم وأصابوا لهم‬
‫سبايا‪ ,‬فكان ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتأثمون من غشيانهن من أجل‬
‫ل ما مََلكَتْ أيمَا ُن ُكمْ منهنّ‪ ,‬فحلل‬
‫أزواجهنّ‪ ,‬فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ ِمنَ النّساءِ إ ّ‬
‫لكم ذلك‪.‬‬
‫ي بن سعيد الكناني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحيم بن سليمان‪ ,‬عن أشعث بن سوار‪ ,‬عن‬
‫حدثني عل ّ‬
‫عثمان البتي‪ ,‬عن أبي الخليل‪ ,‬عن أبي سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬لما سبي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أهل أوطاس‪ ,‬قلنا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهنّ؟ قال‪:‬‬
‫ل ما مََلكَتْ أيمَا ُن ُكمْ}‪.‬‬
‫فنزلت هذه الَية‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ ِمنَ النّساءِ إ ّ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن عثمان البتي‪,‬‬
‫عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬أصبنا نساء من سبي أوطاس لهنّ أزواج‪ ,‬فكرهنا‬
‫أن نقع عليهنّ ولهن أزواج‪ ,‬فسألنا النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فنزلت‪{ :‬وال ُمحْصّناتُ مِنَ النّساءِ‬
‫ت أيمَانُ ُكمْ} فاستحللنا فروجهنّ‪.‬‬
‫إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي‬
‫الخل يل عن أ بي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬نزلت في يوم أوطاس‪ ,‬أ صاب الم سلمون سبايا ل هن أزواج في‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ} يقول‪ :‬إل ما أفاء ال عليكم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ما مََلكَ ْ‬
‫ن النّساءِ إ ّ‬
‫الشرك‪ ,‬فقال‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ ِم َ‬
‫فاستحللنا بها فروجهنّ‪.‬‬
‫وقال آخرون ممـن قال‪« :‬المحصـنات ذوات الزواج فـي هذا الموضـع»‪ .‬بـل هنّـ كـل ذات‬
‫زوج من الن ساء حرام على غ ير أزواجه نّ‪ ,‬إل أن تكون مملو كة اشترا ها مش تر من مول ها‬
‫ل لمشتريها‪ ,‬ويُبطل بيع سيدها إياها النكاحَ بينها وبين زوجها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فتح ّ‬
‫‪7247‬ـ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫ل ما مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ} قال‪ :‬كل ذات زوج عليك‬
‫ن النّساءِ إ ّ‬
‫عن عبد ال في قوله‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ مِ َ‬
‫حرام إل أن تشتريها‪ ,‬أو ما ملكت يمينك‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مغيرة عن إبراهيم‪ :‬أنه سئل عن‬
‫ال مة تباع ول ها زوج‪ ,‬قال‪ :‬كان ع بد ال يقول‪ :‬بيع ها طلق ها‪ ,‬ويتلو هذه الَ ية‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ‬
‫ت أيمَانُ ُكمْ}‪.‬‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫مِ َ‬
‫حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن إبراهيـم‪ ,‬عـن عبـد ال فـي قوله‪:‬‬
‫ت أيمَانُكُمْ} قال‪ :‬كل ذات زوج عليك حرام‪ ,‬إل ما اشتريت‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫{وال ُمحْصَنا ُ‬
‫بمالك ‪ ¹‬وكان يقول‪ :‬بيع المة‪ :‬طلقها‪.‬‬
‫‪7248‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫ن إل‬
‫عن ابن المسيب قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ ِم نَ النّساءِ} قال‪ :‬ه نّ ذوات الزواج حرم ال نكاحه ّ‬
‫ما ملكت يمينك‪ ,‬فبيعها طلقها‪ .‬قال معمر‪ :‬وقال الحسن مثل ذلك‪.‬‬
‫‪7249‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الحسن في‬
‫ل ما مََلكَتْ أيمَا ُن ُكمْ} قال‪ :‬إذا كان لها زوج فبيعها طلقها‪.‬‬
‫ن النّساءِ إ ّ‬
‫قوله‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ مِ َ‬
‫‪7250‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أن أبيّ بن كعب‬
‫وجابر بن عبد ال وأنس بن مالك قالوا‪ :‬بيعها طلقها‪.‬‬
‫‪ 7251‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أن أب يّ‬
‫بن كعب وجابرا وابن عباس‪ ,‬قالوا‪ :‬بيعها طلقها‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن عبيد‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬بيع‬
‫المة طلقها‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفيان‪ ,‬عـن منصـور ومغيرة‬
‫والعمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬بيع المة طلقها‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمّل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن عبد ال‪.‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراه يم‪,‬‬
‫عن عبد ال مثله‪.‬‬
‫‪ 7252‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عُلَ ية‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬طلق المة ستّ‪ :‬بيعها طلقها‪ ,‬وعتقها طلقها‪ ,‬وهبتها طلقها‪ ,‬وبراءتها طلقها‪,‬‬
‫وطلق زوجها طلقها‪.‬‬
‫‪ 7253‬ـ حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬عن عيسى بن أبي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬عن أبيّ بن كعب‪ :‬أنه قال‪ :‬بيع المة طلقها‪.‬‬
‫‪ 7254‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العلى‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬قال‪ :‬ب يع ال مة‬
‫طلقها‪ ,‬وبيعه طلقها‪.‬‬
‫‪7255‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ,‬عن أبي قلبة‪,‬‬
‫ضعِها‪ .‬يعني‪ :‬المة تباع ولها زوج‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬مشتريها أحقّ ب ُب ْ‬
‫حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المعتمر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬طلق المة‬
‫بيعها‪.‬‬
‫حدثنا حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن حبيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬عن الحسن أن أبيّا‪ ,‬قال‪ :‬بيعها‬
‫طلقها‪.‬‬
‫‪ 7256‬ـ حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن أبي قلبة‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫بيعت المة ولها زوج فسيدها أحقّ ُببْضعها‪.‬‬
‫‪ 7257‬ـ حدثنا حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬ثنى سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي معشر‪,‬‬
‫عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬بيعها طلقها‪ .‬قال‪ :‬فقيل لبراهيم‪ :‬فبيعه؟ قال‪ :‬ذلك ما ل نقول فيه شيئا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى المحصـنات فـي هذا الموضـع‪ :‬العفائف‪ .‬قالوا‪ :‬وتأويـل الَيـة‪:‬‬
‫ن بنكاح وصداق وسنة وشهود‬
‫والعفائف من النساء حرام أيضا عليكم‪ ,‬إل ما ملكت أيمانكم منه ّ‬
‫من واحدة إلى أربع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7258‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن أبي جعفر‪ ,‬عن أبي العالية‪,‬‬
‫قال‪ :‬يقول‪ :‬انكحوا ما طاب لكم من النساء‪ :‬مثَنى‪ ,‬وثل ثَ‪ ,‬ورباع‪ ,‬ثم حرم ما حرم من النسب‬
‫ت أيمَانُكُ مْ} قال‪ :‬فرجع إلى أوّل السورة‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫والصهر‪ ,‬ثم قال‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫ن حرام أيضا‪ ,‬أل بصداق وسنّة وشهود‪.‬‬
‫إلى أربع‪ ,‬فقال‪ :‬ه ّ‬
‫‪ 7259‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪,‬‬
‫عن ابن سيرين عن عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬أحلّ ال لك أرب عا في أوّل السورة‪ ,‬وحرّم نكاح كلّ محصنة‬
‫بعد الربع‪ ,‬إل ما ملكت يمينك‪ .‬قال معمر‪ :‬وأخبرني ابن طاوس عن أبيه‪ :‬إل ما ملكت يمينك‪,‬‬
‫قال‪ :‬فزو جك م ما مل كت يمي نك‪ ,‬يقول‪ :‬حرّم ال الز نا‪ ,‬ل يحلّ لك أن ت طأ امرأة إل ما مل كت‬
‫يمينك‪.‬‬
‫ي بن مسروق الكندي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحيم بن سليمان‪ ,‬عن هشام بن‬
‫‪ 7260‬ـ حدثني عل ّ‬
‫ل ما‬
‫ن النّساءِ إ ّ‬
‫حسان‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة عن قول ال تعالى‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ َ‬
‫مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ} قال‪ :‬أربع‪.‬‬
‫‪7261‬ـ حدثني عليّ بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحيم‪ ,‬عن أشعث بن سوار‪ ,‬عن ابن سيرين‪,‬‬
‫عن عبيدة‪ ,‬عن عمر بن الخطاب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7262‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‬
‫ن النّساءِ إلّ ما مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ} قال‪ :‬الربع‪ ,‬فمابعدهنّ حرام‪.‬‬
‫حصَناتُ مِ َ‬
‫في قوله‪{ :‬وال ُم ْ‬
‫‪ 7263‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫َتـ‬
‫ِنـ النّسـا ِء إلّ مـا مََلك ْ‬
‫تم َ‬‫عطاء عنهـا‪ ,‬فقال‪ :‬حرّم ال ذوات القرابـة‪ ,‬ثـم قال‪{ :‬وال ُمحْصـَنا ُ‬
‫أيمَانُ ُكمْ} يقول‪ :‬حرّم ما فوق الربع منهنّ‪.‬‬
‫‪ 7264‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن النّساءِ} قال‪ :‬الخامسة حرام كحرمة المهات والخوات‪.‬‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫السديّ‪{ :‬وال ُم ْ‬
‫عنَى بالمحصنات في هذا الموضع العفائفَ من المسلمين وأهل الكتاب‪:‬‬
‫ذكر من قال‪َ :‬‬
‫‪ 7265‬ـ حدث ني إ سحاق بن إبراه يم بن حبيب بن الشه يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عتاب بن بش ير‪ ,‬عن‬
‫خصيف‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪( :‬وال ُمحْ صَناتُ) قال‪ :‬العفيفة العاقلة من مسلمة‪,‬‬
‫أو من أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪7266‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن إدريـس‪ ,‬عـن بعـض أصـحابه‪ ,‬عـن مجاهـد‪:‬‬
‫ت أيمَانُ ُكمْ} قال‪ :‬العفائف‪.‬‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫{وال ُم ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬المحصنات في هذا الموضع ذوات الزواج‪ ,‬غير أن الذي حرم ال منهن في‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ} بالنكاح أو الملك‪ .‬ذ كر من قال‬
‫هذه الَ ية الز نا ب هن‪ ,‬وأباح هن بقوله‪{ :‬إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 7267‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬في قول ال تعالى‪{ :‬وال ُمحْصَناتُ} قال‪ :‬نهى عن الزنا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫ن النّساءِ} قال‪ :‬نهى عن الزنا أن تنكح المرأة زوجين‪.‬‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫{وال ُم ْ‬
‫‪ 7268‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن علي‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ} قال‪ :‬كل‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ َ‬
‫ذات زوج عليكم حرام‪ ,‬إل الربع اللتي ينكحن بالبينة والمهر‪.‬‬
‫‪ 7269‬ـ حدث نا أح مد بن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا و هب بن جر ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫النعمان بن را شد يحدث عن الزهري‪ ,‬عن سعيد بن الم سيب‪ :‬أ نه سئل عن المُح صنات من‬
‫النساء‪ ,‬قال‪ :‬هن ذوات الزواج‪.‬‬
‫‪7270‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫ل مـا مََلكَت ْـ أيمَا ُنكُمـْ} قال‪ :‬ذوات الزواج مـن‬
‫عـن عبـد ال‪ ,‬قال‪{ :‬وال ُمحْصـَناتُ مِنَـ النّسـاءِ إ ّ‬
‫المسلمين والمشركين‪ .‬وقال علي‪ :‬ذوات الزواج من المشركين‪.‬‬
‫‪7271‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ابن‬
‫ت مِنَ النّساءِ} قال‪ :‬كل ذات زوج عليكم حرام‪.‬‬
‫حصَنا ُ‬
‫عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬وال ُم ْ‬
‫‪7272‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن عبد الكريم‪ ,‬عن مكحول‪,‬‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪ 7273‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن الصلب بن بهرام‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫‪ 7274‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ل َلكُ مْ ما َورَاءَ‬
‫ت أيمَانُكُ مْ}‪ ...‬إلى‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫ت مِ نَ النّ سا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ا بن عباس قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫ذَِلكُ مْ} يع ني‪ :‬ذوات الزواج من الن ساء ل ي حل نكاح هن‪ ,‬يقول‪ :‬ل يخلب ول ي عد فتنشُز على‬
‫زوج ها‪ ,‬و كل امرأة ل تن كح إل ببي نة وم هر ف هي من المح صنات ال تي حرم ال إل ما مل كت‬
‫أيمانكم‪ ,‬يعني‪ :‬التي أحل ال من النساء‪ ,‬وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلث ورباع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هن نساء أهل الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7275‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى بن عب يد‪ ,‬عن‬
‫ن النّساءِ إلّ ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ}‬
‫أيوب بن أبي العوجاء عن أبي مجلز في قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ َ‬
‫قال‪ :‬نساء أهل الكتاب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هن الحرائر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7276‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حماد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سليمان بن عرعرة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫ن النّساءِ} قال‪ :‬الحرائر‪.‬‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫{وال ُم ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬المح صنات‪ :‬هن العفائف وذوات الزواج‪ ,‬وحرام كل من ال صنفين إل بنكاح‬
‫أو ملك يمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7277‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عقيل‪ ,‬عن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬وسئل عن قول ال‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ نَ النّساءِ إلّ ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نرى أنه حرم في هذه الَية المحصنات من النساء ذوات الزواج أن ينكحن مع أزواجهن ـ‬
‫والمحصـنات‪ :‬العفائف ول يحللن إل بنكاح‪ ,‬أو ملك يميـن‪ .‬والحصـان إحصـانان‪ :‬إحصـان‬
‫تزويج‪ ,‬وإحصان عفاف في الحرائر والمملوكات‪ ,‬كل ذلك حرّم ال‪ ,‬إل بنكاح أو ملك يمين‪.‬‬
‫ن يهاجرن إلى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَيـة فـي نسـاءك ّ‬
‫ن أزواج‪ ,‬فيتزوّج هن ب عض الم سلمين‪ ,‬ثم يقدم أزواجه نّ مهاجر ين‪ ,‬فن هي الم سلمون عن‬
‫وله ّ‬
‫نكاحهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7278‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حبيب‬
‫فمنعناه نّ‪¹‬‬ ‫ن‬
‫بن أ بي ثا بت عن أ بي سعيد الخدري‪ ,‬قال‪ :‬كان الن ساء يأتي نا ثم يها جر أزواجه ّ‬
‫ن النّساءِ إلّ ما مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ}‪.‬‬
‫حصَناتُ مِ َ‬
‫يعني قوله‪{ :‬وال ُم ْ‬
‫وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك‪.‬‬
‫‪7279‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫مرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رجـل لسـعيد بـن جـبير‪ :‬أمـا رأيـت ابـن عباس حيـن سـئل عـن هذه الَيـة‪:‬‬
‫ت أيمَانُ ُكمْ} فلم يقل فيها شيئا؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬كان ل يعلمها‪.‬‬
‫ن النّسا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫{وال ُم ْ‬
‫‪ 7280‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرح من بن‬
‫يحيــى‪ ,‬عن مجاهـد‪ ,‬قال‪ :‬لو أعلم من يفسـر لي هذه الَيـة لضربـت إليـه أكباد البـل‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫س َت ْم َت ْعتُ ْم بِ ِه ِم ْنهُ نّ}‪ ...‬إلى‬
‫ل ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬فَمَا ا ْ‬
‫ن النّ ساءِ إ ّ‬
‫{وال ُمحْ صَناتُ مِ َ‬
‫آخر الَية‪.‬‬
‫ن جمع محصنة‪ ,‬وهي التي قد منع فرجها بزوج‪ ,‬يقال‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فأما المحصنات فإنه ّ‬
‫صنَتْ هي فهي َتحْصُنُ حَصَانَةً‪ :‬إذا عفّت‪,‬‬
‫منه‪ :‬أحصن الرجل امرأته فهو ُيحْصِنها أحصانا وحَ ُ‬
‫وهي حاصن من النساء‪ :‬عفيفة‪ ,‬كما قال العجاج‪:‬‬
‫عنْ ِقرَافِ ال َوقْسِ‬
‫ن الذَى وَ َ‬
‫سعَ ِ‬
‫صنَاتٍ مُ ْل ِ‬
‫ن حا ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وحاصِ ٍ‬
‫ويقال أيضا إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور‪ :‬قد أحصنت فرجها فيه محصنة‪ ,‬كما‬
‫صنَتْ َف ْرجَها} بمعنى‪ :‬حفظته من الريبة ومنعته من‬
‫ع ْمرَانَ اّلتِي أحْ َ‬
‫قال جلّ ثناؤه‪َ { :‬و َم ْريَ َم ا ْبنَةَ ِ‬
‫الفجور‪ .‬وإن ما ق يل لح صون المدائن والقرى ح صون لمنع ها من أراد ها وأهل ها‪ ,‬وحفظ ها ما‬
‫وراءها م من بغا ها من أعدائها‪ ,‬ولذلك قيل للدرع درع ح صينة‪ .‬فإذا كان أ صل الح صان ما‬
‫ذكر نا مـن المنـع والح فظ فـبين أن معنـى قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ نَ النّسـاءِ}‪ :‬والممنوعات مـن‬
‫َتـ أيمَا ُنكُمـْ}‪ .‬وإذ كان ذلك معناه‪ ,‬وكان الحصـان قـد يكون‬
‫النسـاء حرام عليكـم {إلّ مـا مََلك ْ‬
‫ن قَبِْلكُ مْ} ويكون بالسلم‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ أُوتُوا الكِتا بَ مِ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫بالحرية‪ ,‬كما قال جل ثناؤه‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫ت مِ نَ‬
‫صفُ ما على ال ُمحْ صَنا ِ‬
‫ن نِ ْ‬
‫حشَ ٍة فَعََل ْيهِ ّ‬
‫ن بِفا ِ‬
‫ك ما قال تعالى ذكره‪{ :‬فإذَا ُأحْ صِنّ فإ نْ أ َتيْ َ‬
‫َمـ َي ْأتُوا بأ ْر َبعَةِ‬
‫ُمـ ل ْ‬
‫ِينـ َي ْرمُون ال ُمحْصـَناتِ ث ّ‬
‫ال َعذَابـِ} ويكون بالعفـة كمـا قال جـل ثناؤه‪{ :‬وَاّلذ َ‬
‫خصـ محصـنة دون محصـنة فـي قوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شهَدَاءَ} ويكون بالزوج ‪ ¹‬ولم يكـن تبارك وتعالى‬
‫ُ‬
‫ن النّ ساءِ} فوا جب أن يكون كل مح صنة بأي معا ني الح صان كان إح صانها‬
‫{وال ُمحْ صَناتُ مِ َ‬
‫حرا ما علي نا سفاحا أو نكا حا‪ ,‬إل ما ملك ته أيمان نا من هن بشراء‪ ,‬ك ما أبا حه ل نا كتاب ال جل‬
‫ثناؤه‪ ,‬أو نكاح على ما أطل قه ل نا تنز يل ال‪ .‬فالذي أبا حه تبارك وتعالى ل نا نكا حا من الحرائر‬
‫الر بع سوى اللوا تي حر من علي نا بالن سب وال صهر‪ ,‬و من الماء ما سبينا من العدو سوى‬
‫اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر‪ ,‬فإنهن والحرائر فيما‬
‫ي حل ويحرم بذلك المع نى متفقات المعا ني‪ ,‬و سوى اللوا تي سبيناهن من أ هل الكتاب ين ول هن‬
‫أزواج‪ ,‬فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الستبراء‪ ,‬وبعد إخراج حق ال تبارك وتعالى الذي‬
‫جعله لهل الخمس منهن‪ .‬فأما ال سّفاح فإن ال تبارك وتعالى حرمه من جميعهن‪ ,‬فلم يحلّه من‬
‫حرّة ول أمة ول مسلمة ول كافرة مشركة‪ .‬وأما المة التي لها زوج فإنها ل تحل لمالكها إل‬
‫بعد طلق زوجها إياها‪ ,‬أو وفاته وانقضاء عدتها منه‪ ,‬فأما بيع سيدها إياها فغير موجب بينها‬
‫وب ين زوج ها فرا قا ول تحليلً لمشتري ها‪ ,‬ل صحة ال خبر عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫«أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائ شة بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوّجوها م نه في‬
‫حال رق ها‪ ,‬وب ين فرا قه» ولم يج عل صلى ال عل يه و سلم ع تق عائ شة إيا ها طل قا‪ .‬ولو كان‬
‫عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلقا لم يكن لتخيير النبيّ صلى ال عليه وسلم إياها بين‬
‫‪¹‬‬ ‫المقام مع زوج ها والفراق مع نى‪ ,‬ولو جب بالع تق الفراق‪ ,‬وبزوال ملك عائ شة عن ها الطلق‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم ب ين الذي ذكر نا وب ين المقام مع زوج ها والفراق كان‬
‫فل ما خير ها ال نب ّ‬
‫معلوما أنه لم يخير بين ذلك إل والنكاح عقده ثابت‪ ,‬كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها‪ ,‬فكان‬
‫نظيرا للعتـق الذي هـو زوال ملك مالك المملوكـة ذات الزوج عنهـا البيـع الذي هـو زوال ملك‬
‫مالك ها عن ها‪ ,‬إذ كان أحده ما زوالً ببيع والَ خر بع تق في أن الفر قة ل ي جب ب ها بين ها وب ين‬
‫زوجها بهما ول بواحد منهما طلق وإن اختلفا في معان أخر‪ ,‬من أن لها في العتق الخيار في‬
‫المقام مع زوجها والفراق‪ ,‬لعلة مفارقة معنى البيع‪ ,‬وليس ذلك لها في البيع‪.‬‬
‫ن النّ ساءِ} ما وراء‬
‫ت مِ َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف يكون معن يا بال ستثناء من قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَنا ُ‬
‫الربع من الخمس إلى ما فوقه نّ بالنكاح والمنكوحات به غير مملوكات؟ قيل له‪ :‬إن ال تعالى‬
‫َتـ َأ ْيمَا ُنكُمـْ} المملوكات الرقاب دون المملوك عليهـا بعقـد النكاح‬
‫يخصـ بقوله‪{ :‬إلّ مـا مََلك ْ‬
‫ّ‬ ‫لم‬
‫ل ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} كل المعني ين‪ ,‬أع ني ملك الرق بة وملك ال ستمتاع‬
‫أمر ها‪ ,‬بل ع مّ بقوله‪{ :‬إ ّ‬
‫بالنكاح‪ ,‬لن جميع ذلك ملكته أيماننا‪ ,‬أما هذه فملك استمتاع‪ ,‬وأما هذه فملك استخدام واستمتاع‬
‫وتصريف فيما أبيح لمالكها منها‪ .‬ومن ادعى أن ال تبارك وتعالى عني بقوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ‬
‫ن النّ ساءِ} مح صنة وغ ير مح صنة‪ ,‬سوى من ذكر نا أولً بال ستثناء بقوله‪{ :‬إلّ ما مََلكَ تْ‬
‫مِ َ‬
‫ض أملك أيماننا دون بعض‪ ,‬غير الذي دللنا على أنه غير معني به‪ ,‬سئل البرهان‬
‫أيمَانُكُم} َبعْ َ‬
‫ل إل ألزم في الَخر مثله‪ .‬فإن اعتل معتل‬
‫على دعواه من أصل أو نظير‪ ,‬فلن يقول في ذلك قو ً‬
‫منكم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الَية نزلت في سبايا أوطاس‪ ,‬قيل له‪ :‬إن سبايا أوطاس‬
‫لم يوطأن بالملك والسباء دون ال سلم‪ ,‬وذلك أن هن كن مشركات من عبدة الوثان‪ ,‬وقد قا مت‬
‫الحجـة بأن نسـاء عبدة الوثان ل يحللن بالملك دون السـلم‪ ,‬وأنهـن إذا أسـلمن فرق السـلم‬
‫كنـ سـبايا حللن إذا هـن أسـلمن‬
‫أنهـ إذا ّ‬
‫كنـ أو مهاجرات‪ ,‬غيـر ّ‬
‫بينهنـ وبيـن الزواج‪ ,‬سـبايا ّ‬
‫ّ‬
‫بالستبراء‪ .‬فل حجة لمحتج في أن المحصنات اللتي عناهن بقوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ نَ النّساءِ}‬
‫ذوات الزواج من السبايا دون غيرهن بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس‬
‫لنه وإن كان فيهن نزل‪ ,‬فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة دون غيره من المعاني‬ ‫‪¹‬‬

‫التي ذكرنا‪ ,‬مع أن الَية تنزل في معنى فتع مّ ما نزلت به فيه وغيره‪ ,‬فيلزم حكمها جميع ما‬
‫عمتـه لمـا قـد بينـا مـن القول فـي العموم والخصـوص فـي كتابنـا «كتاب البيان عـن أصـول‬
‫الحكام»‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬كِتابَ الّلهِ عََل ْيكُمْ}‪.‬‬
‫يعني تعالى ذكره‪ :‬كتابا من ال عليكم‪ .‬فأخرج الكتاب ُمصَدّرا من غير لفظه‪ .‬وإنما جاز ذلك‬
‫حرّمَت ْـ عََليْكُم ُأمّها ُتكُمـْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬كِتابَـ اللّهِـ عََل ْيكُمـْ} بمعنـى‪ :‬كتـب ال‬
‫لن قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم كتابا‪.‬‬
‫وبما قلنا في ذلك‪ ,‬قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7281‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫ب اللّهِ عََل ْي ُكمْ} قال‪ :‬ما حرم عليكم‪.‬‬
‫إبراهيم‪ ,‬قال‪{ :‬كِتا َ‬
‫‪7282‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬سألت عطاء‬
‫عنها فقال‪ِ { :‬كتَابَ اللّهِ عََل ْي ُكمْ} قال‪ :‬هو الذي كتب عليكم الربع أن ل تزيدوا‪.‬‬
‫‪7283‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪,‬‬
‫ب اللّ هِ عََل ْيكُ مْ} وأشار ا بن‬
‫قال‪ :‬قلت ل عبيدة‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ نَ النّ ساءِ إلّ ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ كِتا َ‬
‫عون بأصابعه الربع‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب بـن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا هشام‪ ,‬عـن ابـن سـيرين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت عبيدة‪ ,‬عن قوله‪{ :‬كِتابَ اللّهِ عََل ْي ُكمْ} قال‪ :‬أربع‪.‬‬
‫‪ 7284‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪{ :‬كِتابَ اللّهِ عََل ْي ُكمْ}‪ :‬الربع‪.‬‬
‫‪ 7285‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬كِتا بَ الّل هِ عََل ْيكُمْ}‬
‫ل لهم‪ .‬وقرأ‪{ :‬وُأحِلّ َلكُ مْ‬
‫قال‪ :‬هذا أمر ال عليكم‪ ,‬قال‪ :‬يريد ما حرم عليهم من هؤلء وما أح ّ‬
‫ن َت ْب َتغُوا بأمْوَاِلكُ مْ}‪ ...‬إلى آ خر الَ ية‪ .‬قال‪ :‬كتاب ال علي كم الذي كت به‪ ,‬وأمره‬
‫ما َورَا َء ذَِلكُ مْ أ ْ‬
‫ب اللّهِ عََل ْي ُكمْ}‪َ :‬أ ْمرَ ال‪.‬‬
‫الذي أمركم به‪{ .‬كِتا َ‬
‫وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله‪{ :‬كِتا بَ اللّ هِ عََل ْيكُ مْ} منصوب على وجه الغراء‪,‬‬
‫ب ال‪ ,‬الزموا كتا بَ ال‪ .‬والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلم العرب‪,‬‬
‫بمعنى‪ :‬عليكم كتا َ‬
‫وذلك أنـه ل (تكاد) تنصـب بالحرف الذي تغري بـه‪ ,‬ل تكاد تقول‪ :‬أخاك عليـك وأباك دونـك‪,‬‬
‫وإن كان جائزا‪ .‬والذي هو أولى بكتاب ال أن يكون محمولً على المعروف من لسان من نزل‬
‫بلسانه هذا مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا‪ ,‬وخلف ما وجهه إليه من‬
‫زعم أنه نصب على وجه الغراء‪.‬‬
‫ن َت ْب َتغُوا بأمْوَاِل ُكمْ}‪.‬‬
‫ل َل ُكمْ ما َورَاءَ ذَِل ُكمْ أ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫ل لكم ما دون الخمس أن‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وأح ّ‬
‫تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7286‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ل َلكُم ما َورَا َء ذَِل ُكمْ}‪ :‬ما دون الربع أن تبتغوا بأموالكم‪.‬‬
‫السديّ‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫‪ 7287‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‬
‫السلمانيّ‪{ :‬وُأحِلّ َل ُكمْ ما َورَا َء ذَِلكُمْ} يعني‪ :‬ما دون الربع‪.‬‬
‫سمّى ل كم تحري مه من أقارب كم‪.‬‬
‫ل ل كم ما وراء ذل كم من َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬وأح ّ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7288‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫ل َلكُمـْ مـا َورَاءَ ذَِلكُمـْ} قال‪ :‬مـا وراءَ ذات القرابـة‪{ ,‬أن َت ْب َتغُوا‬
‫عطاء عنهـا‪ ,‬فقال‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫بأمْواِل ُكمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪{ :‬وُأحِلّ َلكُ مْ ما َورَا َء ذَِلكُ مْ}‪ :‬عدد ما أ حل ل كم من المح صنات‬
‫من النساء الحرائر ومن الماء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7289‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة في قوله‪:‬‬
‫ل َل ُكمْ ما َورَا َء ذَِل ُكمْ} قال‪ :‬ما ملكت أيمانكم‪.‬‬
‫{وُأحِ ّ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القوال في ذلك بالصواب‪ ,‬ما نحن مبينوه ‪ ¹‬وهو أن ال جلّ ثناؤه بين‬
‫لعباده المحرّمات بالن سب وال صهر‪ ,‬ثم المحرّمات من المح صنات من الن ساء‪ ,‬ثم أ خبرهم جلّ‬
‫ثناؤه أ نه قد أحلّ ل هم ما عدا هؤلء المحرّمات ال مبينات في هات ين الَيت ين أن نبتغ يه بأموال نا‬
‫نكاحا وملك يمين ل سفاحا‪.‬‬
‫هنـ وراء المحرّمات بالنسـاب والصـهار‪ ,‬فمـا‬
‫فإن قال قائل‪ :‬عرفنـا المحللت اللواتـي ّ‬
‫المحللت من المح صنات والمحرّمات منه نّ؟ ق يل‪ :‬هو ما دون الخ مس من واحدة إلى أر بع‬
‫ي من الحرائر‪ ,‬فأما ما عدا ذوات الزواج فغير عدد محصور‬
‫على ما ذكرنا عن عبيدة والسد ّ‬
‫بملك اليمين‪.‬‬
‫ل َلكُ مْ ما َورَاء ذَِلكُ مْ} عا مّ في كل محلّل ل نا من‬
‫وإن ما قل نا إن ذلك كذلك‪ ,‬لن قوله‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫ن بأولى من ب عض‪ ,‬إل أن‬
‫الن ساء أن نبتغي ها بأموال نا‪ ,‬فل يس توج يه مع نى ذلك إلى ب عض منه ّ‬
‫تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها‪ ,‬ول حجة بأن ذلك كذلك‪.‬‬
‫واختلف القراء في قراءة قوله‪{ :‬وُأحِلّ َلكُ مْ ما َورَا َء ذَِلكُ مْ} فقرأ ذلك بعض هم‪« :‬وَأحَلّ َلكُ مْ»‬
‫بف تح اللف من أحلّ‪ ,‬بمع نى‪ :‬ك تب ال علي كم وأحلّ لكم ما وراء ذل كم‪ .‬وقرأه آخرون‪{ :‬وُأحِلّ‬
‫حرّمَتْ عََل ْي ُكمْ أمّها ُتكُمْ‪ ...‬وُأحِلّ َل ُك ْم ما َورَاء ذَِلكُمْ}‪.‬‬
‫َل ُكمْ ما َورَاء ذَِلكُم} اعتبارا بقوله‪ُ { :‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة السلم‬
‫غير مختلفتي المعنى‪ ,‬فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الحقّ‪.‬‬
‫وأما معنى قوله‪{ :‬ما َورَا َء ذَِلكُ مْ} فإنه يعني‪ :‬ما عدا هؤلء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا‬
‫بأموالكم‪ ,‬يقول‪ :‬أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم‪ ,‬إما شراء بها وإما نكاحا بصداق معلوم‪ ,‬كما قال‬
‫ن ِبمَا َورَاءَ هُ} يعني‪ :‬بما عداه وبما سواه‪ .‬وأما موضع «أن» من قوله‪{ :‬أ نْ‬
‫جلّ ثناؤه‪{ :‬ويكْ ُفرُو َ‬
‫ل َلكُمْ ما َورَاءَ ذَِلكُمْ} في قراءة من‬
‫َت ْب َتغُوا بأمْوَاِلكُمْ} فرفعٌ ترجمةً عن «ما» التي في قوله‪{ :‬وُأحِ ّ‬
‫قرأ‪{ :‬وُأحِلّ} بضم اللف‪ .‬ونصبٌ على ذلك في قراءة من قرأ ذلك‪« :‬وَأحَلّ» بفتح اللف‪ .‬وقد‬
‫ل ل كم ما وراء ذل كم لن تبتغوا‪ ,‬فل ما‬
‫يحت مل الن صب في ذلك في القراءت ين على مع نى‪ :‬وأح ّ‬
‫حذ فت اللم الخاف ضة ات صلت بالف عل قبل ها فن صبت‪ .‬و قد يحت مل أن تكون في مو ضع خ فض‬
‫بهذا المعنى إذ كانت اللم في هذا الموضع معلوما أن بالكلم إليها الحاجة‪.‬‬
‫ن غ ْيرَ مُسا ِفحِينَ}‪.‬‬
‫صنِي َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ { :‬محْ ِ‬
‫صنِينَ} أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرّم عليكم من النساء بأموالكم‬
‫يعني بقوله جلّ ثناؤه‪ُ { :‬محْ ِ‬
‫غ ْيرَ ُمسَا ِفحِينَ} يقول‪ :‬غير مزانين‪ .‬كما‪:‬‬
‫{َ‬
‫‪ 7290‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫غ ْيرَ ُمسَا ِفحِينَ} قال‪ :‬زانين بكل زانية‪.‬‬
‫صنِينَ} قال‪ :‬متناكحين‪َ { .‬‬
‫ح ِ‬
‫مجاهد في قوله { ُم ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫صنِينَ} متناكحين‪{ .‬غير ُمسَا ِفحِينَ} السفاح‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫{ ُمحْ ِ‬
‫‪7291‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫غ ْيرَ مُسا ِفحِينَ} يقول‪ :‬محصنين غير زناة‪.‬‬
‫{ ُمحْصِنينَ َ‬
‫ن فَرِيضَةً}‪.‬‬
‫ن أجُورَهُ ّ‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه مِنهُنّ فَآتُوهُ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬فمَا ا ْ‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُ نّ} فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬فما نكحتم‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪{ :‬فَما ا ْ‬
‫ن فَرِيضَةً} يع ني‪ :‬صدقاتهن فري ضة‬
‫ن فجامعتموه نّ‪ ,‬يع ني من الن ساء ‪{ ¹‬فَآتُوهُ نّ ُأجُورَهُ ّ‬
‫منه ّ‬
‫معلومة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7292‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن فَآتُو ُه نّ ُأجُورَهُ نّ َفرِيضَةً} يقول‪:‬‬
‫س َت ْم َت ْعتُمْ ِب هِ ِم ْنهُ ّ‬
‫بن أي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬فَمَا ا ْ‬
‫إذا تزوّج الرجل منكم ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله‪ .‬والستمتاع هو النكاح‪ ,‬وهو‬
‫صدُقا ِتهِنّ ِنحْلَةً}‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬وآتُوا النّسا َء َ‬
‫‪ 7293‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‪,‬‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُنّ} قال‪ :‬هو النكاح‪.‬‬
‫في قوله‪َ { :‬فمَا ا ْ‬
‫‪ 7294‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُنّ}‪ :‬النكاح‪.‬‬
‫مجاهد‪َ { :‬فمَا ا ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪َ { :‬فمَا‬
‫س َتمْ َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُنّ} قال‪ :‬النكاح أراد‪.‬‬
‫اْ‬
‫س َت ْم َت ْعتُمْ ِب هِ‬
‫‪ 7295‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬فَمَا ا ْ‬
‫ن ُأجُ َورَهُ نّ َفرِيضَة}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬هذا النكاح‪ ,‬و ما في القرآن النكاح إذا أخذت ها‬
‫ن فَآتُو ُه ّ‬
‫ِم ْنهُ ّ‬
‫وا ستمتعت ب ها‪ ,‬فأعط ها أجر ها ال صداق‪ ,‬فإن وض عت لك م نه شيئا ف هو لك سائغ فرض ال‬
‫عليها العدة وفرض لها الميراث‪ .‬قال‪ :‬والستمتاع هو النكاح ههنا إذا دخل بها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬فما تمتعتم به منهنّ بأجر تمتع اللذة‪ ,‬ل بنكاح مطلق على وجه‬
‫النكاح الذي يكون بولىّ وشهود ومهر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7296‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫«فَمَا اس ْـَتمْ َت ْع ُتمْ بِهِـ ِم ْنهُنّـ إلى أجَلٍ مُسَـمّى فَآتُوهُنّـ ُأجُورَهُنّـ فَرِيضَةً وَل جُناحَـ عََل ْيكُم ْـ فِيمـا‬
‫ن َب ْعدِ الفَريضَةِ»‪ .‬فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى‪ ,‬ويشهد‬
‫ض ْيتُمْ بِهِ ِم ْ‬
‫َترَا َ‬
‫شاهدين‪ ,‬وينكح باذن وليها‪ ,‬وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برة‪ ,‬وعليها أن‬
‫تستبرىء ما في رحمها‪ ,‬وليس بينهما ميراث‪ ,‬ليس يرث واحد منهما صاحبه‪.‬‬
‫‪ 7297‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُنّ} قال‪ :‬يعني نكاح المتعة‪.‬‬
‫مجاهد‪َ { :‬فمَا ا ْ‬
‫‪ 7298‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نصير بن أبي الشعث‪,‬‬
‫قال‪ :‬ث نى حبيب ا بن أ بي ثا بت‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬قال‪ :‬أعطا ني ا بن عباس م صحفا‪ ,‬فقال‪ :‬هذا على‬
‫س َت ْمتَ ْع ُتمْ بِ هِ‬
‫قراءة أب يّ‪ .‬قال أبو كريب‪ ,‬قال يحيـى‪ :‬فرأيت المصحف عند نصير فيه‪« :‬فَما ا ْ‬
‫ِم ْنهُنّ إلى أجل مسمّى»‪.‬‬
‫‪ 7299‬ـ حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن أ بي‬
‫نضرة‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن عباس عن مت عة الن ساء‪ ,‬قال‪ :‬أ ما تقرأ سورة الن ساء؟ قال‪ :‬قلت بلى‪.‬‬
‫ن إلى أ جل م سمى»؟ قلت‪ :‬ل‪ ,‬لو قرأت ها هكذا ما‬
‫قال‪ :‬ف ما تقرأ في ها‪« :‬ف ما ا ستمتعتم به منه ّ‬
‫سألتك! قال‪ :‬فإنها كذا‪.‬‬
‫حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬ث نى ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬ث نى داود‪ ,‬عن أ بي نضرة‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن‬
‫عباس عن المتعة‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أبي‬
‫ستَ ْم َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُ نّ} قال ا بن عباس‪« :‬إلى‬
‫نضرة‪ ,‬قال‪ :‬قرأت هذه الَ ية على ا بن عباس‪{ :‬فَمَا ا ْ‬
‫أجل مسمى»‪ ,‬قال قلت‪ :‬ما أقرؤها كذلك! قال‪ :‬وال لنزلها ال كذلك ثلث مرات‪.‬‬
‫‪7300‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن عمير‪:‬‬
‫ن إلى أجل مسمّى»‪.‬‬
‫س َت ْم َت ْعتُمْ ِبهِ ِم ْنهُ ّ‬
‫أن ابن عباس قرأ‪َ « :‬فمَا ا ْ‬
‫حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي عد يّ‪ ,‬عن شع بة وث نا خلد بن أ سلم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫النضر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫‪ 7301‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬في قراءة‬
‫ن إلى أجل مسمى»‪.‬‬
‫س َت ْم َت ْعتُ ْم بِهِ ِم ْنهُ ّ‬
‫أبيّ بن كعب‪َ « :‬فمَا ا ْ‬
‫‪ 7302‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الحكم‪,‬‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ} إلى هذا المو ضع‪:‬‬
‫صنَاتُ مِن النّ سا ِء إلّ ما مََلكَ ْ‬
‫قاال‪ :‬سألته عن هذه الَ ية‪{ :‬وال ُمحْ َ‬
‫س َت ْم َت ْعتُمْ ِب هِ ِم ْنهُ نّ} أمنسوخة هي؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال الحكم‪ :‬قال عل يّ رضي ال عنه‪ :‬لول أن‬
‫{فَمَا ا ْ‬
‫عمر رضي ال عنه نهى عن المتعة ما زنى إل شقّى‪.‬‬
‫‪7303‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن عمر القارىء السديّ‪ ,‬عن‬
‫سمّى فَآتُو ُه نّ‬
‫س َتمْ َت ْع ُتمْ بِ ِه ِم ْنهُ نّ إلى أجَلٍ مُ َ‬
‫عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ‪َ « :‬فمَا ا ْ‬
‫ُأجُورَهُنّ»‪.‬‬
‫منهنـ‬
‫ّ‬ ‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى التأويليـن فـي ذلك بالصـواب تأويـل مـن تأوله‪ :‬فمـا نكحتموه‬
‫فجامعتموه فآتوهنّـ أجورهنّـ‪ ¹‬لقيام الحجـة بتحريـم ال متعـة النسـاء على غيـر وجـه النكاح‬
‫الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله اصلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪7304‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬ثنى‬
‫ن َهذِ هِ‬
‫س َت ْمتِعُوا مِ ْ‬
‫الرب يع بن سبرة الجهن يّ‪ ,‬عن أب يه أن ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال‪« :‬ا ْ‬
‫النّساءِ» والستمتاع عندنا يومئ ٍذ التزويج‪.‬‬
‫وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام في غير هذا الموضع من كتبنا بما‬
‫أغنى عن إعاد ته في هذا المو ضع‪ .‬وأما رُوي عن أب يّ بن ك عب وا بن عباس من قراءته ما‪:‬‬
‫س َتمْ َت ُع ُتمْ بِ هِ ِم ْنهُ نّ إلى أ جل م سمّى» فقراءة بخلف ما جاءت به م صاحف الم سلمين‪,‬‬
‫«فَمَا ا ْ‬
‫وغ ير جائز ل حد أن يل حق في كتاب ال تعالى شيئا لم يأت به ال خبر القا طع العذر ع من ل‬
‫يجوّز خلفه‪.‬‬
‫ن اللّ َه كانَ‬
‫ض ْيتُمْ بِ ِه مِنْ َب ْعدِ ال َفرِيضَ ِة إ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل جُناحَ عََل ْيكُمْ فِيما َترَا َ‬
‫حكِيما}‪.‬‬
‫عَلِيما َ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل حرج عليكم أيها الزواج إن‬
‫أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهنّ فريضة فيما تراضيتم به‪ ,‬من حطّ وبراءة‪ ,‬بعد‬
‫الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7305‬ـ حدث نا مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا المع مر بن سليمان‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬قال‪ :‬ز عم‬
‫حضرم يّ أن رجالً كانوا يفرضون الم هر‪ ,‬ثم ع سى أن يدرك أحد هم الع سرة‪ ,‬فقال ال‪{ :‬وَل‬
‫ض ْي ُتمْ بِ ِه مِنْ َب ْعدِ ال َفرِيضَةِ}‪.‬‬
‫جُناحَ عََل ْي ُكمْ فِيما َترَا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬ول جناح علي كم أي ها الناس في ما تراضي تم أن تم والن ساء واللوا تي‬
‫ا ستمتعتم به نّ إلى أ جل م سمى‪ ,‬إذا انق ضى ال جل الذي أجلتموه بين كم وبين هم في الفراق‪ ,‬أن‬
‫يزدنكم في الجل وتزيدوا من الجر والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهنّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7306‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ض ْيتُ ْم بِهِ ِمنْ َب ْعدِ ال َفرِيضَةِ} إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الولى‪,‬‬
‫{وَل جُناحَ عََل ْي ُكمْ فِيما َترَا َ‬
‫يع ني‪ :‬الجرة ال تي أعطا ها على تمتعه ب ها ق بل انقضاء ال جل بينهما‪ ,‬فقال‪ :‬أتمتع م نك أيضا‬
‫ض ْيتُ مْ بِ ِه مِ نْ‬
‫بكذا وكذا‪ ,‬فازداد قبل أن يستبرىء رحمها‪ ,‬ثم تنقضي المدة‪ ,‬وهو قوله‪{ :‬فِيما َترَا َ‬
‫َب ْعدِ ال َفرِيضَةِ}‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ول جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن‬
‫تؤتوهن أجورهم على استمتاعكم بهنّ من مقام وفراق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7307‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن َبعْ ِد ال َفرِيضَةِ}‬
‫ض ْيتُ مْ بِ هِ مِ ْ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَل جَنا حَ عََل ْيكُ مْ فِي ما َترَا َ‬
‫والتراضي أن يوفيها صداقها‪ ,‬ثم يخيرها‪.‬‬
‫ن من‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ول جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاته ّ‬
‫بعد الفريضة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7308‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَل جُنا حَ عََل ْيكُ مْ‬
‫ن َب ْعدِ ال َفرِيضَةِ} قال‪ :‬إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ‪.‬‬
‫ضيْ ُتمْ بِ ِه مِ ْ‬
‫فِيما َترَا َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى هذه القوال بالصواب قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ول حرج عليكم أيها‬
‫ن أجوره نّ على النكاح الذي جرى بينكم‬
‫الناس فيما تَراضيتم به أنتم ونساؤكم من عد إعطائه ّ‬
‫ل ثناؤه‪:‬‬
‫ن عليكم‪ ,‬أو إبراء أو تأخير ووضع‪ .‬وذلك نظير قوله ج ّ‬
‫وبينه نّ من ح طّ ما وجب له ّ‬
‫ن شَيْ ٍء ِمنْ ُه نَفْسا َفكُلُو ُه َهنِيئا مَرِيئَا}‪ .‬فأما الذي‬
‫طبْ نَ َلكُ مْ عَ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ن ِنحْلَةً فإ ْ‬
‫صدُقا ِتهِ ّ‬
‫{وآتُوا النّساءَ َ‬
‫قاله السدي فقول ل معنى له الفساد القول بإحلل جماع امرأة بغير نكاح ول ملك يمين‪.‬‬
‫ن اللّ َه كا نَ عَلِيما حكِيما} فإنه يعني‪ :‬إن ال كان ذا علم بما يصلحكم أيها الناس‬
‫وأما قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫في مناكح كم وغير ها من أمور كم وأمور سائر خل قه ب ما يدبر ل كم ول هم من التدب ير‪ ,‬وفي ما‬
‫يأمركم وينهاكم ‪ ¹‬ل يدخل حكمته خلل ول زلل‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله‪:‬‬
‫صنَاتِ ا ْل ُم ْؤ ِمنَا تِ َفمِ نْ مّا مََلكَ تْ َأ ْيمَانُكُم مّن‬
‫ستَطِ ْع مِنكُ مْ طَ ْولً أَن يَنكِ حَ ا ْل ُمحْ َ‬
‫{وَمَن لّ ْم يَ ْ‬
‫ن ُأجُورَهُنّ‬
‫ن أَهِْلهِنّ وَآتُوهُ ّ‬
‫ض ُكمْ مّن َبعْضٍ فَانكِحُو ُهنّ ِبِإذْ ِ‬
‫َفتَيَا ِت ُكمُ ا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ وَاللّ ُه أَعَْلمُ ِبإِيمَا ِنكُ ْم َبعْ ُ‬
‫حشَ ٍة َفعَلَ ْيهِ نّ‬
‫ن َأ َتيْ نَ بِفَا ِ‬
‫ن َفِإذَآ ُأحْ صِنّ َفإِ ْ‬
‫خدَا ٍ‬
‫خذَا تِ َأ ْ‬
‫غ ْيرَ مُ سَافِحَاتٍ َولَ ُم ّت ِ‬
‫صنَاتٍ َ‬
‫بِا ْل َمعْرُو فِ ُمحْ َ‬
‫خ ْيرٌ ّلكُمْ وَاللّ هُ‬
‫ص ِبرُواْ َ‬
‫خشِيَ ا ْل َعنَتَ ِم ْنكُمْ وَأَن تَ ْ‬
‫ن َ‬
‫ن ا ْل َعذَابِ ذَلِكَ ِلمَ ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫صنَا ِ‬
‫نِصْفُ مَا عَلَى ا ْل ُمحْ َ‬
‫غَفُورٌ ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫اختلف أهل التأويل في معنى الطول الذي ذكره ال تعالى في هذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو‬
‫الفضل والمال والسعة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7309‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ط ْولً} قال‪ :‬الغنى‪.‬‬
‫س َتطِعْ ِم ْنكُمْ َ‬
‫ن َلمْ َي ْ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7310‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ستَطِعْ ِم ْن ُكمْ طَ ْولً} يقول‪ :‬من لم يكن له سعة‪.‬‬
‫ن لَم َي ْ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ن لَ مْ‬
‫‪ 7311‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ستَطِعْ ِم ْن ُكمْ طَ ْولً} يقول‪ :‬من لم يستطع منكم سعة‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫‪ 7312‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد‬
‫س َتطِعْ ِم ْنكُمْ طَ ْولً} قال‪ :‬الطّوْل‪ :‬الغنى‪.‬‬
‫ن َلمْ َي ْ‬
‫بن جبير‪ ,‬قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫حدثنـي ابـن المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حبان بـن موسـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا‬
‫ستَطِعْ ِم ْنكُ مْ طَ ْولً} قال‪ :‬الطول‪:‬‬
‫ن لَ مْ يَ ْ‬
‫هشيم‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير في قوله‪َ { :‬و َم ْ‬
‫السعة‪.‬‬
‫‪7313‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ط ْولً} أما قوله طولً‪ :‬فسعة من المال‪.‬‬
‫س َتطِعْ ِم ْنكُمْ َ‬
‫ن َلمْ َي ْ‬
‫{ َومَ ْ‬
‫ستَطِعْ‬
‫‪ 7314‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬ومَ نْ لَ ْم يَ ْ‬
‫ط ْولً}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬طولً‪ :‬ل يجد ما ينكح به حرّة‪.‬‬
‫ِم ْنكُمْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى الطول في هذا الموضع‪ :‬الهَوَى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7315‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عبد الجبار بن عمر‪ ,‬عن ربيعة أنه‬
‫س َتطِعْ ِم ْنكُ مْ طَ ْولً} قال‪ :‬الطّوْلُ‪ :‬الهوى‪ ,‬قال‪ :‬ين كح ال مة إذا كان‬
‫ن لَ مْ يَ ْ‬
‫قال في قول ال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫هواه فيها‪.‬‬
‫حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان ربيعة يلين فيه بعض التليين‪,‬‬
‫كان يقول‪ :‬إذا خ شي على نف سه إذا أحب ها ـ أي ال مة وإن كان يقدر على نكاح غير ها فإ ني‬
‫أرى أن ينكحها‪.‬‬
‫‪ 7316‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫حماد بن سلمة‪ ,‬عن أ بي الزب ير‪ ,‬عن جابر أ نه سئل عن الحرّ يتزوّج ال مة‪ ,‬فقال‪ :‬إن كان ذا‬
‫طول فل‪ .‬قيل‪ :‬إن وقع حبّ المة في نفسه؟ قال‪ :‬إن خشي العنت فليتزوّجها‪.‬‬
‫‪ 7317‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫يتزوّج الحرّ المة إل أن ل يجد‪ .‬وكان إبراهيم يقول‪ :‬ل بأس به‪.‬‬
‫‪ 7318‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫سعَى بها‪.‬‬
‫ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عطاء يقول‪ :‬ل نكره أن ينكح ذو اليسار المة إذا خشي أن ُي ْ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوليـن فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬معنـى الطول فـي هذا‬
‫الموضع‪ :‬السعة والغنى من المال‪ ,‬لجماع الجميع على أن ال تبارك وتعالى لم يحرّم شيئا من‬
‫الشياء سوى نكاح الماء لوا جد الطول إلى الحرّة‪ ,‬فأحلّ ما حرّم من ذلك ع ند غلب ته المحرم‬
‫عليه له لقضاء لذة‪ .‬فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الماء لواجد الطول‪ ,‬فمثله‬
‫في التحريم نكاح الماء لواجد الطول‪ :‬ل يحلّ له من أجل غلبة هوى سرّه فيها‪ ,‬لن ذلك مع‬
‫وجوده الطول إلى الحرة م نه قضاء لذة وشهوة ول يس بمو ضع ضرورة تد فع ترخ صه كالمي تة‬
‫للمض طر الذي يخاف هلك نف سه فيتر خص في أكل ها ليحي ـى ب ها نف سه‪ ,‬و ما أش به ذلك من‬
‫المحرّمات اللوا تي ر خص ال لعباده في حال الضرورة والخوف على أنف سهم الهلك م نه ما‬
‫حرم علي هم من ها فيغير ها من الحوال‪ .‬ولم ير خص ال تبارك وتعالى لع بد في حرام لقضاء‬
‫لذة‪ ,‬وفـي إجماع الجميـع على أن رجلً لو غلبـه هوى امرأة حرة أو امرأة أنهـا ل تحلّ له إل‬
‫بنكاح أو شراء على مـا أذن ال بـه‪ ,‬مـا يوضـح فسـاد قول مـن قال‪ :‬معنـى الطول فـي هذا‬
‫الموضع‪ :‬الهوى‪ ,‬وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الماء‪.‬‬
‫فتأو يل الَ ية إذ كان ال مر على ما و صفنا‪ :‬ومن لم ي جد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر‪,‬‬
‫ل فـي‬
‫فلينكـح ممـا ملكـت أيمانكـم‪ .‬وأصـل الطّوْل‪ :‬الفضال‪ ,‬يقال منـه‪ :‬طال عليـه َيطُول طَ ْو ً‬
‫ل في الطول الذي هو خلف القصر‪.‬‬
‫الفضال‪ ,‬وطال َيطُول طُو ً‬
‫ن َفتَيا ِتكُ مُ‬
‫ن َي ْنكِ حَ ال ُمحْ صَناتِ المُؤْمنا تِ َف ِممّا مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ مِ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ْ‬
‫المُ ْؤمِناتِ}‪.‬‬
‫يعني بذلك‪ :‬ومن لم يستطع منكم أيها الناس طولً‪ ,‬يعني‪ :‬من الحرار أن ينكح المحصنات‬
‫ن الحرائر المؤمنات اللواتي قد صدّقن بتوحيد ال وبما جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وه ّ‬
‫من الحقّ‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في المحصنات قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7319‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫حصَناتِ} يقول‪ :‬أن ينكح الحرائر‪ ,‬فلينكح من‬
‫ح ال ُم ْ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬أنْ َي ْنكِ َ‬
‫إماء المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 7320‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ح ال ُمحْ صَناتِ المُ ْؤمِنا تِ َفمِمّا مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} قال‪ :‬المح صنات الحرائر‪,‬‬
‫ن َي ْنكَ َ‬
‫مجا هد‪ ,‬قوله‪{ :‬أ ْ‬
‫فلينكح المة المؤمنة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7321‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السدّي‪ :‬أما فيتاتكم‪ :‬فإماؤكم‪.‬‬
‫‪7322‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد‬
‫ح ال ُمحْ صَناتِ المُ ْؤمِنا تِ َف ِممّا مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ مِ نْ َفتَيا ِتكُ مُ المُ ْؤمِنا تِ} قال‪ :‬أما‬
‫ن َي ْنكِ َ‬
‫بن جبير‪{ :‬أ ْ‬
‫من لم يجد ما ينكح به الحرّة فيتزوّج المة‪.‬‬
‫‪7323‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد فـي قوله‪{ :‬أن ْـ َي ْنكِح َـ‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ ِم نْ َفتَيا ِتكُ مْ المُ ْؤمِنا تِ} قال‪ :‬من لم ي جد ما ين كح به‬
‫ال ُمحْ صَناتِ ال ُم ْؤمِنا تِ َفمِمّا مََلكَ ْ‬
‫حرة فينكح هذه المة فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها‪ ,‬ولم يحل ال ذلك لحد إل لمن ل يجد‬
‫ما ينكح به حرّة وينفق عليها‪ ,‬ولم يحلّ له حتى يخشى العنت‪.‬‬
‫‪ 7324‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫سفيان‪ ,‬عن هشام الد ستوائي‪ ,‬عن عا مر الحول‪ ,‬عن الح سن‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ل لحرة فلينكح‬
‫وسلم نهى أن تنكح المة على الحرة وتنكح الحرة على المة‪ ,‬ومن وجد طَ ْو ً‬
‫أمة‪.‬‬
‫ِحـ‬
‫{أنـ َي ْنك َ‬
‫واختلفـت القراء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه جماعـة مـن قراء الكوفييـن والمكييـن‪ْ :‬‬
‫ال ُمحْصِناتِ} بكسر الصاد مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك سوى قوله‪{ :‬وال ُمحْصَناتِ ِمنَ‬
‫أنهنـ محصـنات‬
‫ّ‬ ‫َتـ أ َيمَا ُنكُمـْ} فإنهـم فتحوا الصـاد منهـا‪ ,‬ووجهوا تأويله إلى‬
‫ل مـا مََلك ْ‬
‫النّسـاءِ إ ّ‬
‫بأزواجه نّ‪ ,‬وأن أزواجه نّ هم أح صنوهنّ‪ .‬وأ ما سائر ما في القرآن فإن هم تأوّلوا في ك سرهم‬
‫ن بالع فة‪ .‬وقرأت عا مة قراء المدي نة والعراق ذلك‬
‫ن أح صنّ أنف سه ّ‬
‫ال صاد م نه إلى أن الن ساءه ّ‬
‫كله بالف تح‪ ,‬بمع نى أن بعض هن أح صنّهن أزواج هن‪ ,‬وبعض هن أحض هن حريت هن أو إ سلمهن‪.‬‬
‫وقرأ بعـض المتقدميـن كـل ذلك بالكسـر‪ ,‬بمعنـى أنهـن عففـن وأحصـن أنفسـهنّ‪ .‬وذكرت هذه‬
‫القراءة أعني بكسر الجميع عن علقمة على الختلف في الرواية عنه‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب عندنـا مـن القول فـي ذلك أنهمـا قراءتان مسـتفيضتان فـي قراءة‬
‫الم صار مع اتفاق ذلك في المع نى‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب ال صواب‪ ,‬إل في الحرف‬
‫الوّل من سورة الن ساء‪ ,‬و هو قوله‪{ :‬وال ُمحْ صَناتُ مِ نَ النّ ساءِ إلّ ما مََلكَ تْ أيمَانُك مْ} فإ ني ل‬
‫أسـتجيز الكسـر فـي صـاده لتفاق قراءة المصـار على فتحهـا‪ .‬ولو كانـت القراءة بكسـرها‬
‫مسـتفيضة اسـتفاضتها بفتحهـا كان صـوابا القراءة بكسـرها مسـتفيضة اسـتفاضتها بفتحهـا كان‬
‫صوابا القراءة بها كذلك لما ذكرنا من تصرّف الحصان في المعاني التي بيناها‪ ,‬فيكون معنى‬
‫ذلك لو ك سر‪ :‬والعفائف من الن ساء حرام علي كم‪ ,‬إل ما مل كت أيمان كم‪ ,‬بمع نى أنه نّ أح صنّ‬
‫ن الشواب من الن ساء‪ ,‬ثم يقال ل كل مملو كة‬
‫ن ج مع فتاة‪ ,‬وه ّ‬
‫أنف سهنّ بالع فة‪ .‬وأ ما الفتيات فإنه ّ‬
‫ن أو شابة فتاة‪ ,‬والعبد فتى‪.‬‬
‫ذات س ّ‬
‫ُمـ‬
‫ِنـ َفتَيا ِتك ْ‬
‫ثـم اختلف أهـل العلم فـي نكاح الفتيات غيـر المؤمنات‪ ,‬وهـل عنـى ال بقوله‪{ :‬م ْ‬
‫المُؤْمنا تِ} تحريم ما عدا المؤمنات منه نّ‪ ,‬أم ذلك من ال تأديب للمؤمن ين؟ فقال بعضهم‪ :‬ذلك‬
‫من ال تعالى ذكره دللة على تحريم نكاح إماء المشركين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7325‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا سفيان‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن فَتَيا ِتكُمُ ال ُم ْؤمِناتِ} قال‪ :‬ل ينبغي أن يتزوّج مملوكة نصرانية‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬مِ ْ‬
‫ن َفتَيا ِتكُ مُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬مِ ْ‬
‫المُ ْؤمِناتِ} قال‪ :‬ل ينبغي للح ّر المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 7326‬ـ حدثنا عل يّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا عمرو‪ ,‬وسعيد بن‬
‫عبد العزيز‪ ,‬ومالك ابن أنس‪ ,‬ومالك بن عبد ال بن أبي مريم‪ ,‬يقولون‪ :‬ل يحلّ لحرّ مسلم ول‬
‫لعبد مسلم المة النصرانية‪ ,‬لن ال يقول‪{ :‬مِنْ َفتَيا ِتكُمْ ال ُم ْؤمِناتِ} يعني بالنكاح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك من ال على الرشاد والندب‪ ,‬ل على التحريم‪ .‬وممن قال ذلك جماعة من‬
‫أهل العراق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7327‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو ميسرة‪,‬‬
‫أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر‪.‬‬
‫ن أُوتُو‬
‫طيّبا تُ َوطَعا مُ اّلذِي َ‬
‫ومنهم أبو حنيفة وأ صحابه‪ .‬واعتلوا لقولهم بقول ال‪ُ{ :‬أحِلّ َلكُ مُ ال ّ‬
‫ن أُوتُوا‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن المُ ْؤمِنا تِ وَال ُمحْ صَناتُ ِم َ‬
‫ل َلكُ مْ َوطَعامُكُ مْ حِلّ َلهُ مْ وال ُمحْ صَناتُ ِم َ‬
‫الكِتا بَ حِ ّ‬
‫ل ال محصنات أهل الكتاب عاما‪ ,‬فليس‬
‫ن ُأجُورَهُ نّ} قالوا‪ :‬فقد أح ّ‬
‫ن َقبْلِكُ مْ إذَا آ َت ْي ُتمُوهُ ّ‬
‫الكِتا بَ مِ ْ‬
‫ل حد أن يخ صّ منه نّ أ مة ول حرّة‪ .‬قالوا‪ :‬ومع نى قوله‪َ { :‬فتَياتِكُ مُ المُ ْؤمِنا تِ}‪ :‬غ ير المشركات‬
‫من عبدة الوثان‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين في ذلك بال صواب قول من قال‪ :‬هو دللة على تحر يم نكاح‬
‫ل نكاح الماء‬
‫إماء أ هل الكتاب فإن هن ل يحللن إل بملك اليم ين ‪ ¹‬وذلك أن ال جلّ ثناؤه أح ّ‬
‫بشروط‪ ,‬فما لم تجتمع الشروط التي سماها فيهنّ‪ ,‬فغير جائز لمسلم نكاحهنّ‪.‬‬
‫ن بالنكاح؟ قيل‪ :‬إن التي في المائدة‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن الَية التي في المائدة تدلّ على إباحته ّ‬
‫قد أبان أن حكمها في خا صّ من محصناتهم‪ ,‬وأنها معنّى بها حرائرهم دون إمائهم‪ ,‬قوله‪{ :‬مِ نْ‬
‫َفتَيا ِتكُ مُ المُ ْؤمِنا تِ} ولي ست إحدى الَيت ين داف عة حكم ها ح كم الخرى‪ ,‬بل إحداه ما مبي نة ح كم‬
‫الخرى‪ ,‬وإنمـا تكون إحداهمـا دافعـة حكـم الخرى لو لم يكـن جائزا اجتماع حكميهمـا على‬
‫صحة‪ ,‬فأما وهما جائز اجتماع حكمهما على الصحة‪ ,‬فغير جائز أن يحكم لحدهما بأنها دافعة‬
‫حكم الخرى إل بحجة التسليم لها من خبر أو قياس‪ ,‬ول خبر بذلك ول قياس‪ ,‬والَية محتملة‬
‫ما قلنا‪ :‬والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم‪.‬‬
‫ضكُمْ ِمنْ َبعْضٍ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَالّلهُ أعَْلمُ بإِيمَانِ ُكمْ َب ْع ُ‬
‫وهذا مـن المؤخـر الذي معناه التقديـم وتأويـل ذلك‪ :‬ومـن لم يسـتطع منكـم طولً أن ينكـح‬
‫المح صنات المؤمنات‪ ,‬فم ما مل كت أيمان كم من فتيات كم المؤمنات‪ ,‬فلين كح بعض كم من ب عض‪,‬‬
‫بمعنـى‪ :‬فلينكـح هذا فتاة هذا‪ .‬فــ«الب عض» مرفوع بتأو يل الكلم‪ ,‬ومعناه إذ كان قوله‪َ { :‬فمِمّا‬
‫مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} في تأويل‪ :‬فلينكح مما ملكت أيمانكم‪ ,‬ثم ردّ بعضكم على ذلك المعنى فرفع‪ .‬ثم‬
‫قال جلّ ثناؤه‪{ :‬والّلهُ أعْلَمُ بإيمَا ِنكُمْ}‪ :‬أي وال أعلم بإيمان من آمن منكم بال ورسوله‪ ,‬وما جاء‬
‫ل لحرة من فتياتكم‬
‫به من عند ال‪ ,‬فصدق بذلك كله منكم‪ ,‬يقول‪ :‬فلينكح من لم يستطع منكم طو ً‬
‫ل لحرّة من هذا المو سر فتا ته المؤم نة ال تي قد‬
‫المؤمنات‪ ,‬لين كح هذا المق تر الذي ل ي جد طو ً‬
‫ن إلى ال‪ ,‬فإن علم ذلك إلى ال دونكــم‪ ,‬وال أعلم‬
‫أبدت اليمان فأظهرتــه وكِلوا ســرائره ّ‬
‫بسرائركم وسرائرهن‪.‬‬
‫ن أهِْلهِنّ وآتُو ُهنّ ُأجُورَهُنّ بال َم ْعرُوفِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فا ْن ِكحُو ُهنّ بإذْ ِ‬
‫ن أهْلِهنّ}‪ :‬بإذن أربابهن وأمرهم‬
‫يعني بقوله جل ثناؤه‪{ :‬فا ْنكِحُو ُهنّ} فتزوّجوهنّ‪ ,‬وبقوله‪{ :‬بإذْ ِ‬
‫إياكم بنكاحهنّ ورضاهم ويعني بقوله‪{ :‬وآتُو ُهنّ ُأجُورَهُنّ}‪ :‬وأعطوهنّ مهورهنّ‪ :‬كما‪:‬‬
‫ن ُأجُورَهُ نّ} قال‪:‬‬
‫‪ 7328‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪{ :‬وآتُو ُه ّ‬
‫الصداق‪.‬‬
‫ويعني بقوله {بال َم ْعرُوفِ} على ما تراضيتم به مما أحلّ ال لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورا‬
‫لهن‪.‬‬
‫خدَانٍ}‪.‬‬
‫خذَاتِ أ ْ‬
‫غ ْيرَ مُسافِحاتٍ وَل ُم ّت ِ‬
‫حصَناتٍ َ‬
‫القول في تأويل قوله‪ُ { :‬م ْ‬
‫خدَانـٍ}‬
‫َاتـ أ ْ‬
‫خذ ِ‬ ‫يعنـي بقوله‪ُ { :‬محْصـَناتٍ} عفيفات‪{ ,‬غيرَ مُسـافِحاتٍ} غيـر مزانيات‪{ ,‬ول ُم ّت ِ‬
‫ن في‬
‫يقول‪ :‬ول متخذات أ صدقاء على ال سفاح‪ .‬و قد ذ كر أن ذلك ق يل كذلك‪ ,‬لن الزوا ني ك ّ‬
‫الجاهلية في العرب المعلنات بالزنا‪ ,‬والمتخذات الخدان‪ :‬اللواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل‬
‫والصديق للفجور بها سرّا دون العلن بذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7329‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن‬
‫خدَانـٍ} يعنـي‪:‬‬
‫َاتـ أ ْ‬
‫أبـي طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ُ { :‬محْصـَناتٍ غي َر مُسـا ِفحَاتٍ وَل ُمتّخذ ِ‬
‫خدَانٍ} يعني‪ :‬أخلّء‪.‬‬
‫خذَاتِ أ ْ‬
‫تنكحوهنّ عفائف غير زواني في سرّ ول علنية‪{ .‬وَل ُم ّت ِ‬
‫‪ 7330‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫خدَانـٍ} ذات‬
‫َاتـ أ ْ‬
‫خذ ِ‬ ‫ابـن عباس قوله‪{ :‬غيرَ مُسـافِحاتٍ} المسـافحات‪ :‬المعالنات بالزنـا‪َ { .‬ولَ ُم ّت ِ‬
‫الخليـل الواحـد‪ .‬قال‪ :‬كان أهـل الجاهليـة يحرّمون مـا ظهـر مـن الزنـا‪ ,‬ويسـتحلون مـا خفـي‪,‬‬
‫يقولون‪ :‬أما ما ظهر منه فهو لؤم‪ ,‬وأما ما خفي فل بأس بذلك‪ .‬فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬وَل‬
‫ظهَرَ ِمنْها ما َبطَنَ}‪.‬‬
‫تَ ْق َربُوا الفَوَاحِشَ ما َ‬
‫‪7331‬ـ حدثني محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معتمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت داود يحدّث عن عامر‪,‬‬
‫قال‪ :‬الزنا زنيان‪ :‬تزني بالخدن ول تزني بغيره‪ ,‬وتكون المرأة شؤما‪ .‬ثم قرأ‪ُ { :‬محْ صَناتٍ غيرَ‬
‫خدَانٍ}‪.‬‬
‫خذَاتِ أ ْ‬
‫مُسافِحاتٍ وَل ُم ّت ِ‬
‫‪7332‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي‪:‬‬
‫أمـا المحصـنات‪ :‬فالعفائف‪ ,‬فلتنكـح المـة بإذن أهلهـا محصـنة‪ ,‬والمحصـنات‪ :‬العفائف‪ ,‬غيـر‬
‫مسافحة‪ ,‬والمسافحة‪ :‬المعالنة بالزنا‪ ,‬ول متخذة صديقا‪.‬‬
‫‪ 7333‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫خدَا نٍ} قال‪ :‬الخيلة يتخذ ها الر جل‪ ,‬والمرأة تت خذ‬
‫خذَا تِ أ ْ‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد في قوله‪{ :‬وَل ُم ّت ِ‬
‫الخليل‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7334‬ـ حدث نا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ُ { :‬محْ صَناتٍ غيرَ‬
‫خدَانـٍ} المسـافحة‪ :‬البغ يّ التـي تؤاجـر نف سها مَن عرض لهـا‪ ,‬وذات‬
‫خذَا تِ أ ْ‬
‫مُسـافِحاتٍ وَل ُم ّت ِ‬
‫الخدن‪ :‬ذات الخليل الواحد‪ .‬فنهاهم ال عن نكاحهما جميعا‪.‬‬
‫‪ 7335‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب يد بن سليمان‪,‬‬
‫ت أخْدانٍ}‬
‫حصَناتٍ غير مُسا ِفحَاتٍ وَل ُم ّتخِذَا ِ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله‪ُ { :‬م ْ‬
‫أ ما المح صنات‪ ,‬فه نّ الحرائر‪ ,‬يقول‪ :‬تزوّج حرّة‪ .‬وأما الم سافحات‪ :‬فه نّ المعلنات بغ ير مهر‪.‬‬
‫وأما متخذات أخدان‪ :‬فذات الخليل الواحد المسترّة به‪ .‬نهى ال عن ذلك‪.‬‬
‫‪ 7336‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسماعيل بن سالم‪,‬‬
‫عـن الشعـبي‪ ,‬قال‪ :‬الزنـا وجهان قـبيحان‪ ,‬أحدهمـا أخبـث مـن الَخـر‪ :‬فأمـا الذي هـو أخبثهمـا‬
‫فالمسافحة التي تفجر بمن أتاها‪ ,‬وأما الَخر فذات الخدن‪.‬‬
‫‪ 7337‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ُ { :‬محْ صَناتٍ غَيرَ‬
‫خدَا نٍ} قال‪ :‬المسافح‪ :‬الذي يَلْقَى المرأة فيفجُر بها‪ ,‬ثم يذهب وتذهب‪.‬‬
‫خذَا تِ أ ْ‬
‫مُسافِحاتٍ وَل ُم ّت ِ‬
‫والمخادن‪ :‬الذي يقيم معها على معصية ال وتقيم معه‪ ,‬فذاك «الخدان»‪.‬‬
‫حصِنّ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فإذَا ُأ ْ‬
‫اختل فت القراء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعض هم‪« :‬فإذا َأحْ صَنّ» بف تح اللف‪ ,‬بمع نى‪ :‬إذا أ سلمن‬
‫فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالسلم‪.‬‬
‫ْصـنّ} بمعنـى‪ :‬فإذا تزوجـن فصـرن ممنوعات الفروج مـن الحرام‬
‫وقرأه آخرون‪{ :‬فإذَا ُأح ِ‬
‫بالزواج‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في‬
‫ن أن ما قلنا‬
‫ن ظا ّ‬
‫أمصار السلم‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب‪ .‬فإن ظ ّ‬
‫في ذلك غ ير جائز إذ كان تا مختلف تي المع نى‪ ,‬وإن ما تجوز القراءة بالوجه ين في ما اتف قت عل يه‬
‫المعاني فقد أغفل ‪ ¹‬وذلك أن معنيـي ذلك وإن اختلفا فغير دافع أحدهما صاحبه‪ ,‬لن ال قد‬
‫أو جب على ال مة ذات ال سلم وغ ير ذات ال سلم على ل سان ر سوله صلى ال عل يه و سلم‬
‫ح ِدكُ مْ فَ ْليَجِْلدْها كِتا بَ الّل هِ وَل ُي َثرّ بْ عََليْها‪ ,‬ثُ مّ‬
‫الحد‪ ,‬فقال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا َزنَ تْ أمَ ُة أ َ‬
‫ت فَلْ َيضْ ِربْها كِتا بَ الّل هِ وَل ُي َثرّ بْ‬
‫ل يُثرّ بْ عََليْها‪ ,‬ثُ مّ إ نْ عادَ ْ‬
‫إ نْ عاد تْ فَ ْل َيضْ ِربْها كِتا بَ الّل هِ َو َ‬
‫ش ْعرٍ»‪ .‬وقال صلى ال‬
‫ن َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫حبْ ٍ‬
‫ب اللّ هِ و ْل َيبِعها وَلوْ ِب َ‬
‫ض ِربْها كِتا َ‬
‫ن زنَ تْ الرّا ِبعَ َة فَ ْليَ ْ‬
‫عََليْها‪ ,‬ثُ مّ إ ْ‬
‫حدُو َد على ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ»‪ .‬فلم يخ صص بذلك ذات زوج منه نّ ول‬
‫عل يه و سلم‪« :‬أقِيمُوا ال ُ‬
‫عليهنـ إذا فجرن بكتاب ال وأمـر‬
‫ّ‬ ‫غيـر ذات زوج‪ ,‬فالحدود واجبـة على موالي الماء إقامتهـا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل فيما‪:‬‬
‫‪7338‬ـ حدثكم به ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن أنس عن الزهري‪,‬‬
‫عن عبيد ال بن عبد ال‪ ,‬عن أبي هريرة وزيد بن خالد‪ :‬أن النبيّ صلى ال عليه وسلم سئل‬
‫ن َزنَتْ ـ‬
‫عن المة تزني ولم تحصن‪ ,‬قال‪« :‬اجِْلدْها‪ ,‬فإنْ َزنَتْ فاجِْلدْها‪ ,‬فإنْ َزنَتْ فاجِْلدْها‪ ,‬فإ ْ‬
‫فقال في الثالثة أو الرابعة ‪ :‬فَ ِب ْعهَا وَلَ ْو بِضٍفِيرٍ» والضفير‪ :‬الشعر‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن عبيد ال بن عبد ال‪ ,‬عن أبي‬
‫هريرة وزيد بن خالد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل فذكر نحوه‪.‬‬
‫فقد بين أن الحدّ الذي وجب إقامته بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم على الماء هو ما‬
‫ن بالكتاب‪ ,‬فبعد إحصانهنّ؟ قيل له‪ :‬قد بينا أن‬
‫ن‪ ¹‬فأما ما وجب من ذلك عليه ّ‬
‫كان قبل إحصانه ّ‬
‫أحد معاني الحصان‪ :‬السلم‪ ,‬وأن الَخر منه التزويج وأن الحصان كلمة تشتمل على معان‬
‫شتى‪ ,‬وليس في رواية من روى عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن المة تزنى قبل‬
‫ي صلى ال عل يه وسلم هي التي تزنى قبل التزو يج‪,‬‬
‫أن تحصن‪ ,‬بيان أن التي سئل عنها النب ّ‬
‫ن صلى ال عل يه و سلم حدّ الماء في الز نا‬
‫ج في أن الح صان الذي س ّ‬
‫فيكون ذلك ح جة لمحت ّ‬
‫هـو السـلم دون التزويـج‪ ,‬ول أنـه هـو التزويـج دون السـلم‪ .‬وإذ كان ل بيان فـي ذلك‪,‬‬
‫فالصواب من القول‪ ,‬أن كل مملوكة زنت فواجب على مولها إقامة الحدّ عليها‪ ,‬متزوّجة كانت‬
‫أو غ ير متزوّ جة‪ ,‬لظا هر كتاب ال والثا بت من سنة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬إل من‬
‫ن بما يجب التسليم له‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك تبين به صحة ما‬
‫أخرجه من جوب الحدّ عليه منه ّ‬
‫ن أن في قول ال تعالى ذكره‪َ { :‬ومَنْ َلمْ‬
‫ن ظا ّ‬
‫حصِنّ}‪ .‬فإن ظ ّ‬
‫اخترنا من القراءة في قوله‪{ :‬فإذَا ُأ ْ‬
‫ت المُ ْؤمِنا تِ َفمِمّا مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ ْم مِ نْ َفتَيا ِتكُ مُ ال ُم ْؤمِنا تِ}‬
‫ح ال ُمحْ صَنا ِ‬
‫ستَطِعْ ِم ْنكُ مْ طَ ْولً أ نْ َي ْنكِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن باليمان‬
‫ْصـنّ} معناه‪ :‬تزوّجـن‪ ,‬إذ كان ذكـر ذلك بعـد وصـفه ّ‬
‫دللة على أن قوله‪{ :‬فإذَا ُأح ِ‬
‫ن َفتَيا ِتكُ مُ ال ُم ْؤمِنا تِ} وحسب أن ذلك ل يحتمل معنى غير معنى التزويج‪ ,‬مع ما تقدم‬
‫بقوله‪{ :‬مِ ْ‬
‫ن باليمان‪ ,‬فقد ظ نّ خطأ ‪ ¹‬وذلك أنه غير مستحيل في الكلم أن يكون معنى‬
‫ذلك من وصفه ّ‬
‫ذلك‪ :‬ومن لم يستطع منكم طولً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فيتاتكم‬
‫المؤمنات‪ ,‬فإذا هنّـ آمـن فإن أتيـن بفاحشـة‪ ,‬فعليهنّـ نصـف مـا على المحصـنات مـن العذاب‪,‬‬
‫ن ب عد البيان ع ما ل‬
‫ن من الحدّ إذا أت ين بفاح شة ب عد إيمانه ّ‬
‫فيكون ال خبر بيا نا ع ما ي جب عليه ّ‬
‫يجوز لناكحه نّ من المؤمن ين من نكاحه نّ‪ ,‬وع من يجوز نكا حه له منه نّ‪ .‬فإذ كان ذلك غ ير‬
‫م ستحيل في الكلم فغ ير جائز ل حد صرف معناه إلى أ نه التزو يج دون السلم‪ ,‬من أ جل ما‬
‫تقدّم من وصف ال إياه نّ باليمان غير أن الذي نختار لمن قرأ‪ُ « :‬محْ صَناتٍ غ َيرَ مُسافِحاتٍ»‬
‫حشَةٍ} ب ضم اللف‪ ,‬ول من قرأ‬
‫ن بِفا ِ‬
‫ن فإ نْ أ َتيْ َ‬
‫بف تح ال صاد في هذا المو ضع أن يقرأ {فإذَا ُأحْ صِ ّ‬
‫{ ُمحْصِناتٍ} بكسر الصاد فيه‪ ,‬أن يقرأ‪« :‬فإذَا أحْصَنّ» بفتح اللف‪ ,‬لتأتلف قراءة القارىء على‬
‫مع نى وا حد و سياق وا حد‪ ,‬لقرب قوله‪« :‬مح صنات» من قوله‪{ :‬فإذَا ُأحْ صِنّ} ولو خالف من‬
‫ذلك لم يكن لحنا‪ ,‬غير أن وجه القراءة ما وصفت‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك نظير اختلف القراء في قراءته‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى‬
‫حصِنّ}‪ :‬فإذا أسلمن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫قوله {فإذَا ُأ ْ‬
‫‪ 7339‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن أبي‬
‫معشر‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬أن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬إسلمها إحصانها‪.‬‬
‫‪ 7340‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني جرير بن حازم أن سليمان بن‬
‫مهران حدثه عن إبراهيم بن يزيد‪ ,‬عن همام بن الحرث‪ :‬أن النعمان بن عبد ال بن مقرّن سأل‬
‫عبد ال بن م سعود‪ ,‬فقال‪َ :‬أمَتي ز نت؟ فقال‪ :‬اجلدها خم سين جلدة! قال‪ :‬إنها لم تحصن! فقال‬
‫ابن مسعود‪ :‬إحصانها إسلمها‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراه يم‪ :‬أن‬
‫النعمان بن مقرن سأل ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج‪ ,‬فقال‪ :‬إسلمها إحصانها‪.‬‬
‫حدثني ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم أن‬
‫النعمان قال‪ :‬قلت لبن مسعود‪ :‬أمتي زنت؟ قال‪ :‬اجلدها‪ ,‬قلت‪ :‬فإنها لم تحصن! قال‪ :‬إحصانها‬
‫إسلمها‪.‬‬
‫‪ 7341‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫عبد ال يقول‪ :‬إحصانها‪ :‬إسلمها‪.‬‬
‫‪ 7342‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسماعيل بن سالم‪ ,‬عن الشعبي أنه‬
‫تل هذه الَية‪{ :‬فإذَا ُأحْصِنّ} قال‪ :‬يقول‪ :‬إذا أسلمن‪.‬‬
‫‪7343‬ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن أبي زائدة‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الشعبي‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬المة إحصانها‪ :‬إسلمها‪.‬‬
‫‪7344‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال مغيرة‪ :‬أخبرنا عن إبراهيم أنه كان‬
‫يقول‪{ :‬فإذَا ُأحُصنّ} يقول‪ :‬إذا أسلمن‪.‬‬
‫حدثنا أبو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن أبي زائدة‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬الحصان‪:‬‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 7345‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن برد بن سنان‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫قال‪ :‬جلد عمر رضي ال عنه ولئد أبكارا من ولئد المارة في الزنا‪.‬‬
‫‪7346‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫حصِنّ} يقول‪ :‬إذا أسلمن‪.‬‬
‫{فإذَا ُأ ْ‬
‫‪ 7347‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن سالم والقاسم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حصِنّ}‪.‬‬
‫إحصانها‪ :‬إسلمها وعفافها‪ ,‬في قوله‪{ :‬فإذَا ُأ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله‪{ :‬فإذا ُأحْصِنّ}‪ :‬فإذا تزوّجن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7348‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث نى معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫حصِنّ} يعني‪ :‬إذا تزوّجن حرّا‪.‬‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬فإذا ُأ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫حصِنّ} يقول‪ :‬إذا تزوّجن‪.‬‬
‫ابن عباس أنه كان يقرأ‪{ :‬فإذَا ُأ ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن عكرمة أن ابن عباس كان يقرأ‪{ :‬فإذَا‬
‫حصِنّ} يقول‪ :‬تزوّجن‪.‬‬
‫ُأ ْ‬
‫‪7349‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ليثا‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬إحصان‬
‫المة أن ينكحها الحرّ‪ ,‬وإحصان العبد أن ينكح الحرّة‪.‬‬
‫‪ 7350‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عمرو بن مرة‪,‬‬
‫أنه سمع سعيد بن جبير يقول‪ :‬ل تضرب المة إذا زنت ما لم تتزوّج‪.‬‬
‫‪ 7351‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫حصِنّ} قال‪ :‬أحصنتهن ال ُبعُولة‪.‬‬
‫الحسن في قوله‪{ :‬فإذَا ُأ ْ‬
‫حصِنّ} قال‪:‬‬
‫‪7352‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬فإذا ُأ ْ‬
‫أحصنتهن البعولة‪.‬‬
‫‪7353‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عياض بن عبد ال‪ ,‬عن أبي الزناد‬
‫أن الشعبي أخبره‪ ,‬أن ابن عباس أخبره أنه أصاب جارية له قد كانت زنت‪ ,‬وقال‪ :‬أحصنتها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا التأويل على قراءة من قرأ‪{ :‬فإذَا ُأحْصِنّ} بضمّ اللف‪ ,‬وعلى تأويل من‬
‫حصَنّ» بفتحها‪ .‬وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا‪.‬‬
‫قرأ‪« :‬فإذا َأ ْ‬
‫ِنـ‬
‫ِصـفُ مـا على ال ُمحْصـَناتِ م َ‬
‫ِنـ ن ْ‬
‫حشَةٍ َفعََل ْيه ّ‬
‫ْنـ بِفا ِ‬
‫{فإنـ أ َتي َ‬
‫ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ال َعذَابِ}‪:‬‬
‫ن إماؤ كم‪ ,‬ب عد ما َأحْ صنّ‬
‫حشَةٍ}‪ :‬فإن أ تت فتيات كم‪ ,‬وه ّ‬
‫ن أ َتيْ نَ بِفا ِ‬
‫يع ني جل ثناؤه بقوله‪{ :‬فإ ْ‬
‫ن ال َعذَا بِ}‬
‫صفُ ما على ال ُمحْ صَناتِ مِ َ‬
‫ن نِ ْ‬
‫ن بنكاح بفاحشة‪ ,‬وهي الزنا‪َ { ,‬فعََل ْيهِ ّ‬
‫باسلم‪ ,‬أو أحص ّ‬
‫يقول‪ :‬فعليه نّ نصف ما على الحرائر من الحدّ إذا هن زنين قبل الحصان بالزواج والعذاب‬
‫الذي ذكره ال تبارك وتعالى فـي هذا الموضـع هـو الحدّ‪ .‬وذلك النصـف الذي جعله ال عذابـا‬
‫ن خمسون جلدة‪ ,‬ونفي ستة أشهر‪ ,‬وذلك نصف عام‪,‬‬
‫ن أحص ّ‬
‫لمن أتى بالفاحشة من ازاء إذا ه ّ‬
‫حوْل‪,‬‬
‫لن الوا جب على الحرّة إذا هـي أ تت بفاح شة ق بل الحصـان بالزوج‪ :‬جلد مائة‪ ,‬ونفـي َ‬
‫فالنصـف مـن ذلك خمسـون جلدة‪ ,‬ونفـي نصـف سـنة‪ ,‬وذلك الذي جعله ال عذابـا للماء‬
‫المحصنات إذا هن أتين بفاحشة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7354‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن‬
‫حصَناتِ ِمنَ الَعذَابِ}‪.‬‬
‫صفُ ما على ال ُم ْ‬
‫أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪َ { :‬فعََل ْيهِنّ ِن ْ‬
‫حشَةٍ‬
‫ن أ َتيْ نَ بِفا ِ‬
‫‪ 7355‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬فإ ْ‬
‫ن الَعذَابِ} خمسون جلدة‪ ,‬ول نفي ول رجم‪.‬‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ِ‬
‫ن ِنصْفُ مَا عَلى ال ُم ْ‬
‫َفعَلَ ْيهِ ّ‬
‫ت مِ نَ ال َعذَا بِ} وهل يكون الجلد على‬
‫صفُ مَا عَلى ال ُمحْ صَنا ِ‬
‫ن نِ ْ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف {فَعََل ْيهِ ّ‬
‫ن أن تجلد ن صف ما يلزم أبدان المح صنات‪ ,‬ك ما يقال‪:‬‬
‫أ حد؟ ق يل‪ :‬إن مع نى ذلك فلزم أبدانه ّ‬
‫عليّـ صـلة يوم‪ ,‬بمعنـى‪ :‬لزم عليّـ أن أصـلي صـلة يوم‪ ,‬وعليّـ الحجّـ والصـيام مثـل ذلك‪,‬‬
‫وكذلك عليه الحدّ بمعنى لزم له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه‪.‬‬
‫ي ال َعنَتَ ِم ْن ُكمْ}‪.‬‬
‫خشِ َ‬
‫ن َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ َلمِ ْ‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله ذلك‪ :‬هذا الذي أب حت أي ها الناس من نكاح فتيات كم المؤمنات ل من ل‬
‫يستطيع منكم طولً لنكاح المحصنات المؤمنات‪ ,‬أبحته لمن خشي العنت منكم دون غيره ممن‬
‫ل يخشى العنت‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في هذا الموضع‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو الزنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7356‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ليثا‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ِ{ :‬لمَ نْ‬
‫ت ِم ْن ُكمْ} قال‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫خشِيَ ال َعنَ َ‬
‫َ‬
‫‪ 7357‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن العوّام‪ ,‬عمن حدثه‪ ,‬عن ابن عباس‬
‫حفّ ناكح المة عن الزنا إل قليلً‪.‬‬
‫أنه قال‪ :‬ما ازَْل َ‬
‫‪ 7358‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬العنت‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن‬
‫عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬العنت‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫‪ 7359‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬ما‬
‫ازلحفّ ناكح المة عن الزنا إل قليلً‪ ,‬ذلك لمن خشي العنت منكم‪.‬‬
‫حدثنا أبو سلمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير نحوه‪.‬‬
‫‪ 7360‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫شيَ ال َعنَتَ ِم ْن ُكمْ} قال‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫خِ‬‫فضيل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية في قوله‪{ :‬ذَِلكَ ِل َمنْ َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل‪ ,‬عن عطية‬
‫العوفي‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7361‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زهير‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‬
‫ت ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫خشِيَ ال َعنَ َ‬
‫ن َ‬
‫في قوله‪ِ{ :‬لمَ ْ‬
‫‪ 7362‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبيد‪ ,‬عن الشعبي‬
‫وجويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬العنت‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية‪{ :‬ذَلِكَ‬
‫ت ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬العنت‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫خشِيَ ال َعنَ َ‬
‫ن َ‬
‫ِلمَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬العقوبة التي ُت ْعنِتُهُ‪ ,‬وهي الحدّ‪.‬‬
‫ت ِم ْنكُمْ}‪ :‬ذلك لمن خاف منكم ضررا في‬
‫خشِيَ ال َعنَ َ‬
‫والصواب من القول في قوله‪{ :‬ذَلِكَ ِلمَنْ َ‬
‫عنِ تَ فلن فهو َي ْعنَ تُ عَنتا‪ :‬إذا‬
‫دينه وبدنه‪ .‬وذلك أن العنت هو ما ضرّ الرجل‪ ,‬يقال منه‪ :‬قد َ‬
‫ع ِنتّ مْ} ويقال‪ :‬قد أعنتني‬
‫أتى ما يضره في دين أو دنيا‪ ,‬ومنه قول ال تبارك وتعالى‪َ { :‬ودّوا ما َ‬
‫فلن فهو يعنتني‪ :‬إذا نالني بمضرّة ‪ ¹‬وقد قيل‪ :‬العنت‪ :‬الهلك‪ .‬فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى‬
‫الزنا‪ ,‬قالوا‪ :‬الزنا ضرر في الدين‪ ,‬وهو من العنت‪ .‬والذين وجهوه إلى الثم‪ ,‬قالوا‪ :‬الَثام كلها‬
‫ضرر في الدين وهي من العنت‪ .‬والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحدّ‪ ,‬فإنهم‬
‫خشِ يَ‬
‫قالوا‪ :‬الح ّد مضرّة على بدن المحدود في دنياه‪ ,‬وهو من العنت‪ .‬وقد ع مّ ال بقوله‪ِ{ :‬لمَ نْ َ‬
‫ت ِم ْنكُمْ} جميع معاني العنت‪ ,‬ويجمع جميع ذلك الزنا‪ ,‬لنه يوجب العقوبة على صاحبه في‬
‫ال َعنَ َ‬
‫الدنيا بما يعنت بدنه‪ ,‬ويكتسب به إثما ومضرّة في دينه ودنياه‪ .‬وقد اتفق أهل التأويل الذي هم‬
‫أهله‪ ,‬على أن ذلك معناه‪ .‬فهـو وإن كان فـي عينـه لذّة وقضاء شهوة فإنـه بأدائه إلى العنـت‬
‫منسوب إليه موصوف به أن كان للعنت سببا‪.‬‬
‫خ ْيرٌ َل ُكمْ وَاللّهُ غَفُورٌ َرحِيمٌ}‪.‬‬
‫ص ِبرُوا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وأنْ َت ْ‬
‫ل ثناؤه بذلك‪ :‬وأن تصـبروا أيهـا الناس عـن نكاح الماء خيـر لكـم‪ ,‬وال غفور لكـم‬
‫يعنـي ج ّ‬
‫ل لكم وأذن لكم به‪ ,‬وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم‬
‫نكاح الماء أن تنكحوه نّ على ما أح ّ‬
‫أمور أنفسكم فيما بينكم وبين ال‪ ,‬رحيم بكم‪ ,‬إذ أذن لكم في نكاحه نّ عند الفتقاء وعدم الطول‬
‫للحرة‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7363‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو ب شر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫خ ْيرٌ َل ُكمْ} قال‪ :‬عن نكاح المة‪.‬‬
‫صبِرُوا َ‬
‫جبير‪{ :‬وأنْ َت ْ‬
‫ص ِبرُوا‬
‫‪7364‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ليثا عن مجاهد‪{ :‬وأنْ تَ ْ‬
‫خيْ ٌر َل ُكمْ} قال‪ :‬عن نكاح الماء‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 7365‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫خ ْيرٌ َلكُ مْ} يقول‪ :‬وأن تصبرَ ول تنكح المة فيكون ولدك مملوكين فهو‬
‫ص ِبرُوا َ‬
‫السديّ‪{ :‬وأ نْ تَ ْ‬
‫خير لك‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪:‬‬
‫خ ْيرٌ َل ُكمْ} يقول‪ :‬وأن تصبروا عن نكاح الماء خير لكم‪ ,‬وهو حلّ‪.‬‬
‫صبِرُوا َ‬
‫{وأنْ َت ْ‬
‫ص ِبرُوا‬
‫‪ 7366‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وأ نْ تَ ْ‬
‫خيْ ٌر َل ُكمْ} يقول‪ :‬وأن تصبروا عن نكاحهنّ‪ ,‬يعني‪ :‬نكاح الماء خير لكم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 7367‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫خ ْيرٌ َلكُ مْ} قال‪ :‬أن تصبروا عن نكاح‬
‫صبِرُوا َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫فضيل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية في قوله‪{ :‬وأ ْ‬
‫الماء خير لكم‪.‬‬
‫‪ 7368‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪,‬‬
‫خيْرٌ َلكُ مْ} قال‪ :‬أن تصبروا عن نكاح المة‬
‫ن تَ صْ ِبرُوا َ‬
‫قال‪ :‬أخبرنا ابن طاوس‪ ,‬عن أبيه‪{ :‬وأ ْ‬
‫خير لكم‪.‬‬
‫ي بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫‪7369‬ـ حدثني عل ّ‬
‫خ ْيرٌ َلكُمْ} قال‪ :‬وأن تصبروا عن المة خير‬
‫عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬وأنْ تَصْبرُوا َ‬
‫لكم‪.‬‬
‫ن تَ صْبرُوا} في مو ضع ر فع ب ـ«خ ير»‪ ,‬بمع نى‪ :‬وال صبر عن نكاح‬
‫و«أن» في قوله‪{ :‬وأ ْ‬
‫الماء خير لكم‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اّلذِي نَ مِن َقبِْلكُ مْ َو َيتُو بَ‬
‫سنَ َ‬
‫{ ُيرِي ُد اللّ ُه ِل ُي َبيّ نَ َلكُ مْ َو َي ْهدِ َيكُ مْ ُ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيمٌ }‪..‬‬
‫عََل ْي ُكمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ن َقبْلِكُ مْ}‬
‫سنَنَ اّلذِي نَ ِم ْ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪ُ { :‬يرِيدُ اللّ هُ ِل ُي َبيّ نَ َلكُ مْ} حلله وحرامه‪{ ,‬وَي ْه ِد َيكُ مْ ُ‬
‫يقول ولي سددكم سنن الذ ين من قبلكـم‪ ,‬يع ني‪ :‬سـبل مـن قبلكـم من أ هل اليمان بال وأ نبيائه‬
‫ومناهج هم‪ ,‬في ما حرم علي كم من نكاح المهات والبنات والخوات‪ ,‬و سائر ما حرم علي كم في‬
‫الَيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء‪{ .‬و َيتُو بَ عََل ْيكُ مْ} يقول‪ :‬يريد ال أن يرجع بكم إلى‬
‫طاعته في ذلك مما كنتم عيه من معصيته في فعلكم ذلك قبل السلم‪ ,‬وقبل أن يوحي ما أوحى‬
‫إلى نبيه من ذلك عليكم‪ ,‬ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم‪.‬‬
‫{وَالّل هُ عَلِي مٌ} يقول‪ :‬وال ذو علم بما يصلح عباده في أديانهم ودنياهم‪ ,‬وغير ذلك من أمورهم‪,‬‬
‫وبمـا يأتون ويذرون مـا أحلّ أو حرّم عليهـم حافـظ ذلك كله عليهـم‪ ,‬حكيـم بتدبيره فيهـم فـي‬
‫تصريفهم فيما صرفهم فيه‪.‬‬
‫واختلف أهل العربية في معنى قوله‪ُ { :‬يرِيدُ الّل ُه ِل ُي َبيّنَ َلكُمْ} فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ ,‬يريد ال‬
‫ل َب ْي ُنكُمْ} بكسر اللم‪ ,‬لن معناه‪:‬‬
‫عدِ َ‬
‫هذا من أجل أن يبين لكم‪ ,‬وقال‪ :‬ذلك كما قال‪{ :‬وَُأ ِمرْتُ لِءَ ْ‬
‫أمرت بهذا من أجل ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬يريد ال أن يبين لكم‪ ,‬ويهديكم سنن الذين من قبلكم ‪ ¹‬وقالوا‪ :‬من‬
‫ن مو ضع كل واحدة من‬
‫شأن العرب التعق يب ب ين كي ولم كي وأن‪ ,‬وو ضع كل واحدة منه ّ‬
‫أختها مع أردت وأمرت‪ ,‬فيقولون‪ :‬أمرتك أن تذهب ولتذ هب‪ ,‬وأردت أن تذ هب ولتذ هب‪ ,‬كما‬
‫ن أكُو نَ‬
‫تأ ْ‬
‫ب ا ْلعَاَلمِي نَ}‪ ,‬وقال في مو ضع آ خر‪« :‬وُأ ِمرْ ُ‬
‫قال ال جلّ ثناؤه‪{ :‬وُأ ِمرْ نا ِلنُ سِْلمَ ِلرَ ّ‬
‫ن أ نْ‬
‫ل مَن أ سَْلمَ»‪ ,‬وكما قال‪ُ { :‬يرِيدُو نَ ِل ُيطْ ِفئُوا نُورَ الّل هِ}‪ ,‬ثم قال في موضع آ خر‪{ :‬يُرِيدُو َ‬
‫أوّ َ‬
‫ُيطْ ِفئُوا} واعتلوا في توجيههم «أن» مع «أمرت» و«أدت» إلى معنى «كي» وتوجيه «كي» مع‬
‫ذلك إلى مع نى «أن» لطلب «أردت» و«أمرت» ال ستقبال‪ ,‬وأن ها ل ي صلح مع ها الما ضي‪ ,‬ل‬
‫يقال‪ :‬أمر تك أن ق مت ول أردت أن ق مت‪ .‬قالوا‪ :‬فل ما كا نت «أن» قد تكون مع الما ضي في‬
‫غير «أردت» و«أمرت»‪ ,‬ذكروا لها معنى الستقبال بما ل يكون معه ماض من الفعال بحال‪,‬‬
‫من «كي» واللم التي في معنى «كي»‪ ¹‬قالوا‪ :‬وكذلك جمعت العرب بينه نّ أحيانا في الحرف‬
‫الواحد‪ ,‬فقال قائلهم في الجمع‪:‬‬
‫شنّا ِب َب ْيدَاءَ بَ ْلقَعِ‬
‫أ َردْتَ ِل َكيْما أنْ َتطِيرَ بِ ِق ْر َبتِي َف َت ْت ُر َكهَا َ‬
‫ن واختلف ألفاظهنّ‪ ,‬كما قال الَخر‪:‬‬
‫ن لتفاق معانيه ّ‬
‫فجمع بينه ّ‬
‫صطِرَافِ‬
‫عصْفٍ ول ا ْ‬
‫ل الهِدانُ الجافِيبغير ل َ‬
‫قدْ َي ْكسِبُ المَا َ‬
‫فجمع بين «غير» و«ل»‪ ,‬توكيدا للنفي ‪ ¹‬قالوا‪ :‬وإنما يجوز أن يجعل «أن» مكان كي‪ ,‬وكي‬
‫مكان أن في الماكن التي ل يصحب جالب ذلك ماض من الفعال أو غير المستقبل ‪ ¹‬فأما ما‬
‫صـحبه ماض مـن الفعال وغيـر المسـتقبل فل يجوز ذلك‪ .‬ل يجوز عندهـم أن يقال‪ :‬ظننـت‬
‫ن ليقوم‪ ,‬بمعنى‪ :‬أظ نّ أن يقوم‪ ,‬لن التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من‬
‫ليقوم‪ ,‬ول أظ ّ‬
‫ن أن قد قام زيد ومع المستقبل ومع السماء‪.‬‬
‫الفعل‪ ,‬يقال‪ :‬أظ ّ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوليـن فـي ذلك بالصـواب عندي قول مـن قال‪ :‬إن اللم فـي قوله‪:‬‬
‫ن َل ُكمْ} بمعنى‪ :‬يريد ال أن يبين لكم ‪ ¹‬لما ذكرت من علة من قال إن ذلك كذلك‪.‬‬
‫{ ُيرِيدُ الّلهُ ِل ُي َبيّ َ‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهَوَا تِ أَن‬
‫ن َي ّتبِعُو نَ ال ّ‬
‫{وَالّل هُ ُيرِيدُ أَن َيتُو بَ عََل ْيكُ مْ َو ُيرِيدُ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫َتمِيلُواْ َميْلً َ‬
‫يعني بذلك تعالى ذكره‪ :‬وال يريد أني يراجع بكم طاعته‪ ,‬والنابة إليه‪ ,‬ليعفو لكم عما سلف‬
‫من آثام كم‪ ,‬ويتجاوز ل كم ع ما كان من كم في جاهليت كم من ا ستحللكم ما هو حرام علي كم من‬
‫نكاح حلئل آبائ كم وأبنائ كم‪ ,‬وغ ير ذلك م ما ك نت ت ستحلونه وتأتو نه‪ ,‬م ما كان غ ير جائز ل كم‬
‫شهَوا تِ} يقول‪ :‬ير يد الذ ين يطلبون لذات الدن يا‬
‫إتيا نه من معا صي ال {و ُيرِيدُ اّلذِي نَ َي ّت ِبعُو نَ ال ّ‬
‫وشهوات أنفسـهم فيهـا‪ ,‬أن تميلوا عـن أمـر ال تبارك وتعالى‪ ,‬فتجوروا عنـه بإتيانكـم مـا حرّم‬
‫عظِيما} جورا وعدولً عنه شديدا‪.‬‬
‫عليكم وركوبكم معاصيه { َميْلً َ‬
‫واختلف أ هل التأو يل في الذ ين و صفهم ال بأ نه يتبعون الشهوات‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هم الزناة‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7370‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫عظِيمـا} قال‪:‬‬
‫شهَوَاتـِ} قال‪ :‬الزنـا‪{ .‬أن ْـ َتمِيلُوا َميْلً َ‬
‫مجاهـد فـي قوله‪{ :‬و ُيرِيدُ اّلذِين َـ َيتّبعُونَـ ال ّ‬
‫يريدون أن تزنوا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫عظِيما} أن تكونوا مثلهم تزنون كما يزنون‪.‬‬
‫ن تَميلُوا َميْلً َ‬
‫شهَوَاتِ أ ْ‬
‫{و ُيرِيدُ اّلذِينَ َيتّبعُونَ ال ّ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث نى حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪{ :‬و ُيرِيدُ‬
‫عظِيمـا} قال‪ :‬يزنـي أهـل السـلم كمـا‬
‫شهَواتـِ} قال‪ :‬الزنـا‪{ .‬أن ْـ َتمِيلُوا َميْلً َ‬
‫اّلذِين َـ َي ّت ِبعُون َـ ال ّ‬
‫يزنون‪ .‬قال‪ :‬هي كهيئة { َودّوا َل ْو ُتدْهِنُ َف ُيدْ ِهنُونَ}‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن أ بي زائدة‪ ,‬عن ورقاء عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫شهَوَاتِ} قال‪ :‬الزنا‪{ .‬أنْ َتمِيلُوا} قال‪ :‬أن تزنوا‪.‬‬
‫مجاهد‪{ :‬و ُيرِيدُ اّلذِينَ َي ّت ِبعُونَ ال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم اليهود والنصارى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7371‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫شهَوَاتِ} قال‪ :‬هم اليهود والنصارى ‪{ ¹‬أنْ َتمِيلُوا َميْلً َ‬
‫{و ُيرِيدُ اّلذِينَ َيتّبعُونَ ال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم اليهود خا صة‪ ,‬وكا نت إرادت هم من الم سلمين اتباع شهوات هم في نكاح‬
‫الخوات من الب‪ ,‬وذلك أن هم يحلون نكاحه نّ‪ ,‬فقال ال تبارك وتعالى للمؤمن ين‪ :‬وير يد الذ ين‬
‫ن كما استحلوا‪.‬‬
‫يحللون نكاح الخوات من الب‪ ,‬أن تميلوا عن الحقّ‪ ,‬فتستحلوه ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7372‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن زيد يقول في‬
‫شهَوَاتـِ}‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬يريـد أهـل الباطـل وأهـل الشهوات فـي‬
‫قوله‪{ :‬ويُرِيدُ اّلذِينَـ َي ّت ِبعُونَـ ال ّ‬
‫عظِيما} تتبعون أمر دينهم‪ ,‬وتتركون أمر ال وأمر دينكم‪.‬‬
‫دينهم‪{ ,‬أنْ َتمِيلُوا} في دينكم { َميْلً َ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوال فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬ويريـد الذيـن‬
‫يتبعون شهوات أنف سهم من أ هل البا طل‪ ,‬وطلب الز نا‪ ,‬ونكاح الخوات من الَباء‪ ,‬وغ ير ذلك‬
‫م ما حرّ مه ال أن تميلوا ميلً عظي ما عن الح قّ‪ ,‬وع ما أذن ال ل كم ف يه‪ ,‬فتجوروا عن طاع ته‬
‫إلى معصـيته‪ ,‬وتكونوا أمثالهـم فـي اتباع شهوات أنفسـكم فيمـا حرّم ال وترك طاعتـه‪ ,‬ميلً‬
‫عظيما‪.‬‬
‫شهَوَا تِ}‬
‫ن َيتّبعُو نَ ال ّ‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب‪ ,‬لن ال عزّ وجلّ ع ّم بقوله‪{ :‬و ُيرِيدُ اّلذِي َ‬
‫فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة‪ ,‬وعمهم بوصفهم بذلك من غير وصفهم باتباع بعض‬
‫الشهوات المذمومة‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فأولى المعاني بالَية ما دلّ عليه ظاهرها دون باطنها‬
‫الذي ل شاهـد عليـه مـن أصـل أو قياس‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك كان داخلً فـي الذيـن يتبعون‬
‫الشهوات اليهود والنصارى والزناة وكل متبع باطلً‪ ,‬لن كل متبع ما نهاه ال عنه فمتبع شهوة‬
‫نفسه‪ .‬فإذ كان ذلك بتأويل الَية أولى‪ ,‬وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضعِيفا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫ق الِنسَا ُ‬
‫ع ْن ُكمْ َوخُلِ َ‬
‫{ ُيرِي ُد اللّ ُه أَن ُيخَ ّففَ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ْنكُ مْ}‪ :‬ير يد ال أن يي سر علي كم بإذ نه ل كم في‬
‫يع ني جلّ ثناأه بقوله‪ُ { :‬يرِيدُ ال أن يخَفّ فَ َ‬
‫ل لحرّة‪َ { .‬وخُلِ قَ النْ سانُ ضَعي فا} يقول‪ :‬ي سر ذلك‬
‫نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم ت ستطيعوا طو ً‬
‫عليكـم إذا كنتـم غيـر مسـتطيعي الطول للحرائر‪ ,‬لنكـم خلقتـم ضعفاء عجزة عـن ترك جماع‬
‫النساء قليلي الصبر عنه‪ ,‬فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات‪ ,‬عند خوفكم العنت على أنفسكم‪,‬‬
‫ولم تجدوا طولً لحرة لئل تزنوا‪ ,‬لقلة صبركم على ترك جماع النساء‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7373‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ع ْن ُكمْ} في نكاح المة‪ ,‬وفي كلّ شيء فيه يسر‪.‬‬
‫مجاهد‪ُ { :‬يرِيدُ الّلهُ أنْ ُيخَ ّففَ َ‬
‫‪ 7374‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد الزبيري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن‬
‫ضعِيفا} قال‪ :‬في أمر الجماع‪.‬‬
‫طاوس‪ ,‬عن أبيه‪{ :‬وخُِلقَ النْسانُ َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن طاوس‪ ,‬عن أب يه‪:‬‬
‫ضعِيفا} قال‪ :‬في أمر النساء‪.‬‬
‫{ َوخُِلقَ النْسانُ َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫ضعِيفا} قال‪ :‬في أمور النساء‪ ,‬ليس يكون النسان في شيء أضعف منه‬
‫ن َ‬
‫أبيه‪َ { :‬وخُلِ قَ النْسا ُ‬
‫في النساء‪.‬‬
‫‪ 7375‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪ُ { :‬يرِيدُ الّل ُه أ نْ‬
‫ع ْنكُ مْ} قال‪ :‬ر خص ل كم في نكاح هؤلء الماء ح ين اضطرّوا إليه نّ‪َ { ,‬وخُلِ قَ النْ سانُ‬
‫ُيخَفّ فَ َ‬
‫ضَعيفا} قال‪ :‬لو لم يرخص له فيها لم يكن إل المر الول إذا لم يجد حرّة‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل أَن‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذِين َـ آ َمنُو ْا لَ َت ْأكُلُوَ ْا َأمْوَاَلكُم ْـ َب ْي َنكُم ْـ بِا ْلبَاطِلِ ِإ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ِب ُكمْ َرحِيما }‪..‬‬
‫س ُكمْ ِإنّ الّلهَ كَا َ‬
‫ض ّم ْنكُمْ َولَ تَ ْقتُُلوَاْ َأنْ ُف َ‬
‫ن ِتجَارَةً عَن َترَا ٍ‬
‫َتكُو َ‬
‫صدّقوا ال ور سوله‪{ ,‬ل َت ْأكُلُوا أمْوَاَلكُ مْ َب ْي َنكُ مْ‬
‫ن آ َمنُوا} َ‬
‫ل ثناؤه‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫يع ني بقوله ج ّ‬
‫بالباطلِ} يقول‪ :‬ل يأكل بعضكم أموال بعض بما حرم عليه من الربا والقمار‪ ,‬وغير ذلك من‬
‫المور التي نهاكم ال عنها‪ ,‬إل أن تكون تجارة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7376‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا ل ت ْأكُلُوا أمْوَاَلكُمْ َب ْي َنكُمْ بالباطِلِ‪ ,‬إلّ أنْ َتكُونَ ِتجَارَةً عَنْ َترَاضٍ مِنكُم} نهى‬
‫{يا أيّها اّلذِي َ‬
‫عن أكلهم أموالهم بينهم بالباطل وبالربا والقمار والبخس والظلم‪ ,‬إل أن تكون تجارة‪ ,‬ليربح في‬
‫الدرهم ألفا إن استطاع‪.‬‬
‫‪7377‬ـ حدثني محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد الطحان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا داود بن أبي هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس في قوله تعالى‪{ :‬ل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَلكُ مْ َب ْي َنكُ مْ‬
‫بالباطِلِ} قال‪ :‬الرجل يشتري السلعة‪ ,‬فيردّها ويردّ معها درهما‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب عد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب‪ ,‬فيقول‪ :‬إن رضيته أخذته‪ ,‬وإل رددته ورددت معه‬
‫درهما‪ ,‬قال‪ :‬هو الذي قال ال‪{ :‬ل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَل ُكمْ َب ْي َنكُمْ بالباطِلِ}‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَ ية بالن هي عن أن يأ كل بعض هم طعام ب عض إل بشراء‪ ,‬فأ ما‬
‫عمَى‬
‫قِرًى فإنه كان محظورا بهذه الَية‪ ,‬حتى نسخ ذلك بقوله في سورة النور‪َ{ :‬ليْ سَ على ال ْ‬
‫ِنـ‬
‫أنـ َت ْأكُلُوا م ْ‬
‫ُسـكُمْ ْ‬
‫َجـ وَل على أنْف ِ‬
‫حر ٌ‬‫ِيضـ َ‬
‫ِ‬ ‫َجـ وَل عَلَى ال َمر‬
‫حر ٌ‬‫ْرجـ َ‬
‫َجـ َولَ عَلَى الع ِ‬
‫حر ٌ‬‫َ‬
‫ُبيُو ِت ُكمْ}‪ ...‬الَية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7378‬ـ حدثني محمد بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن واضح‪ ,‬عن الحسن بن واقد‪ ,‬عن يزيد‬
‫النحو يّ‪ ,‬عن عكرمة والحسن البصريّ‪ ,‬قال في قوله‪{ :‬ل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَلكُ مْ َب ْي َنكُ مْ بالباطلِ إلّ أ نْ‬
‫ض ِم ْنكُ مْ}‪ ...‬الَية‪ ,‬فكان الرجل يتحرّج أن يأكل عند أحد من الناس بعد‬
‫ع نْ َترَا ِ‬
‫ن تِجارَةً َ‬
‫َتكُو َ‬
‫ما نزلت هذه الَية‪ ,‬فنسخ ذلك بالَية التي في سورة النور‪ ,‬فقال‪َ« :‬ليْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ أ نْ َت ْأكُلُوا‬
‫جمِي عا أ ْو أشْتا تا} فكان الر جل‬
‫ت ُأمّها ِتكُ مْ»‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬‬
‫ن ُبيُو َتكُ مْ أ ْو ُبيُو تِ آبا ِئكُ مْ أوْ ُبيُو ِ‬
‫مِ ْ‬
‫الغنيّـ يدعـو الرجـل مـن أهله إلى الطعام‪ ,‬فيقول‪ :‬إنـي لتجنـح ــ والتجنـح‪ :‬التحرّج ويقول‪:‬‬
‫المسـاكين أحقّـ منـي بـه‪ .‬فأحلّ مـن ذلك أن يأكلوا ممـا ذكـر اسـم ال عليـه‪ ,‬وأحلّ طعام أهـل‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى هذين القولين بالصواب في ذلك قول السدي‪ :‬وذلك أن ال تعالى ذكره‬
‫حرّم أ كل أموال نا بين نا بالبا طل‪ ,‬ول خلف ب ين الم سلمين أن أ كل ذلك حرام علي نا‪ ,‬فإن ال لم‬
‫يحلّ قَ طّ أكل الموال بالباطل‪ ,‬وإذا كان ذلك كذلك فل معنى لقول من قال‪ :‬كان ذلك نهيا عن‬
‫أكل الرجل طعام أخيه قرى على وجه ما أذن له‪ ,‬ثم نسخ ذلك لنقل علماء المة جميعا وجها‬
‫لها أن قرى الضيف‪ ,‬وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والسلم‪ ,‬التي حمد ال‬
‫أهل ها عل يه وندب هم إلي ها‪ ,‬وإن ال لم يحرّم ذلك في ع صر من الع صور‪ ,‬بل ندب ال عباده‪,‬‬
‫وحثهم عليه‪ ,‬وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الكل بالباطل خارج‪ ,‬ومن أن يكون ناسخا أو‬
‫منسوخا بمعزل‪ ,‬لن النسخ إنما يكون لمنسوخ‪ ,‬ولم يثبت النهي عنه‪ ,‬فيجوز أن يكون منسوخا‬
‫بالباحـة‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬صـحّ القول الذي قلناه‪ ,‬مـن أن الباطـل الذي نهـى ال عـن أكـل‬
‫الموال به‪ ,‬هو ما و صفنا م ما حر مه على عباده في تنزيله‪ ,‬أو على ل سان ر سوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وشذّ ما خالفه‪.‬‬
‫ض ِم ْنكُ مْ} فقرأها بعضهم‪{ :‬إلّ‬
‫ن َترَا ٍ‬
‫ع ْ‬
‫ن تِجارَةً َ‬
‫ل أ نْ َتكُو َ‬
‫واختلفت القراء في قراءة قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ن تِجاَرةٌ} رف عا بمع نى‪ :‬إل أن تو جد تجارة‪ ,‬أو ت قع تجارة عن تراض من كم‪ ,‬فيحلّ ل كم‬
‫أ نْ َتكُو َ‬
‫أكلها حينئذٍ بذلك المعنى‪ .‬ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه «أن تكون» تامة ههنا ل حاجة‬
‫بها إلى خبر على ما وصفت ‪ ¹‬وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة‪ .‬وقرأ ذلك‬
‫ن ِتجَارَةً} ن صبا‪ ,‬بمع نى‪ :‬إل أن تكون المْوَلُ‬
‫ن َتكُو َ‬
‫لأ ْ‬
‫آخرون‪ ,‬و هم عا مة قراء الكوفي ين‪{ :‬إ ّ‬
‫التي تأكلونها بينكم تجارة عن تراض منكم‪ ,‬فيحل لكم هنالك أكلها‪ ,‬فتكون الموال مضمرة في‬
‫قوله‪{ :‬إلّ أنْ َتكُونَ} والتجارة منصوبة على الخبر‪ .‬وكلتا القراءتين عندنا صواب جائز القراءة‬
‫بهما‪ ,‬لستفاضتهما في قراءة المصار مع تقارب معانيهما‪ .‬غير أن المر وإن كان كذلك‪ ,‬فإن‬
‫قراءة ذلك بالنصب أعجب إل يّ من قراءته بالرفع‪ ,‬لقوّة النصب من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أ نّ في‬
‫تكون ذكرا من الموال ‪ ¹‬والَ خر‪ :‬أ نه لو لم يج عل في ها ذ كر من ها ثم أفردت بالتجارة و هي‬
‫نكرة‪ ,‬كان فصيحا في كلم العرب النصب‪ ,‬إذ كانت مبنية على اسم وخبر‪ ,‬فإذا لم يظهر معها‬
‫إل نكرة واحدة نصبوا ورفعوا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عنَاقا‬
‫طعْنا َب ْي َنهُمْ وَ ِ‬
‫إذَا كانَ َ‬
‫ففي هذه الَية إبانة من ال تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب‬
‫القوات بالتجارات وال صناعات‪ ,‬وال تعالى يقول‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَلكُ مْ َب ْي َنكُ مْ‬
‫ل ذلك لها‪ .‬كما‪:‬‬
‫ض ِم ْنكُمْ}‪ :‬اكتسابا أح ّ‬
‫عنْ َترَا ٍ‬
‫ن ِتجَارَةً َ‬
‫ن َتكُو َ‬
‫بالباطلِ إلّ أ ْ‬
‫‪ 7379‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قوله‪ { :‬يا أيّ ها‬
‫ل أ نْ َتكُون تِجارَةً عَ نْ تَرا ضٍ ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬التجارة‬
‫ن آ َمنُوا ل َت ْأكُلُوا أمْوَاَلكُ مْ َب ْينَكُ مْ بالباطلِ إ ّ‬
‫اّلذِي َ‬
‫رزق من رزق ال‪ ,‬وحلل من حلل ال لمن طلبها بصدقها وبرّها‪ ,‬وقد كنا نحدّث أن التاجر‬
‫المين الصدوق مع السبعة في ظلّ العرش يوم القيامة‪.‬‬
‫عنْ تَراضٍ} فإن معناه كما‪:‬‬
‫وأما قوله‪َ { :‬‬
‫‪ 7380‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن َترَا ضٍ ِم ْنكُ مْ} في تجارة أو ب يع أو عطاء يعط يه أ حد‬
‫مجا هد في قول ال تبارك وتعالى‪{ :‬عَ ْ‬
‫أحدا‪.‬‬
‫عنْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شيل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ { :‬‬
‫َترَاضٍ ِم ْن ُكمْ} في تجارة أو بيع أو عطاء يعطيه أحد أحدا‪.‬‬
‫‪ 7381‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن القا سم‪ ,‬عن سليمان الجع في‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن‬
‫ْعـ عَن ْـ تَراضـٍ‪ ,‬وَالخيارُ َب ْعدَ‬
‫ميمون بـن مهران‪ ,‬قال‪ :‬رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ال َبي ُ‬
‫ن َيغُشّ ُمسْلِما»‪.‬‬
‫الصّفْقَةِ‪ ,‬وَل َيحِلّ لُمسْلمٍ أ ْ‬
‫‪7382‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫المما سحة ب يع هي؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ح تى يخيره التخي ير ب عد ما ي جب الب يع‪ ,‬إن شاء أ خذ وإن شاء‬
‫ترك‪.‬‬
‫واختلف أهل العلم في معنى التراضي في التجارة‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو أن يخير كل واحد من‬
‫المتبايع ين ب عد عقده ما الب يع بينه ما في ما تباي عا ف يه من إمضاء الب يع أو نق ضه‪ ,‬أو يتفرّ قا عن‬
‫مجل سهما الذي تواج با ف يه الب يع بأبدانه ما‪ ,‬عن تراض منه ما بالع قد الذي تعاقداه بينه ما ق بل‬
‫التفاسخ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7383‬ـ حدثنا ابن بشار قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن محمد بن‬
‫سيرين‪ ,‬عن شريح قال‪ :‬اختصم رجلن‪ ,‬باع أحدهما من الَخر ُب ْرنُسا‪ ,‬فقال‪ :‬إني بعت من هذا‬
‫برن سا‪ ,‬فا سترضيته فلم يرض ني‪ .‬فقال‪ :‬أر ضه ك ما أرضاك! قال‪ :‬إ ني قد أعطي ته درا هم ولم‬
‫يرض‪ .‬قال‪ :‬أرضـه كمـا أرضاك! قال‪ :‬قـد أرضيتـه فلم يرض‪ .‬فقال‪ :‬البيّعان بالخيار مـا لم‬
‫يتفرّقا‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ع بد ال بن أ بي ال سفر‪ ,‬عن‬
‫الشعبي‪ ,‬عن شريح‪ ,‬قال‪ :‬البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬عن شريج‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7384‬ـ حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬ث نى أ بو‬
‫الض حى‪ ,‬عن شر يح أ نه قال‪ :‬البيعان بالخيار ما لم يتفرّ قا‪ .‬قال‪ :‬قال أ بو الض حى‪ :‬كان شر يح‬
‫يحدّث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫‪ 7385‬ـ وحدثني الحسن بن يزيد الطحان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن منصور‪ ,‬عن عبد السلم‪,‬‬
‫عن ر جل‪ ,‬عن أ بي حو شب‪ ,‬عن ميمون‪ ,‬قال‪ :‬اشتر يت من ا بن سيرين سابريّا ف سام عل يّ‬
‫سَ ْومَة‪ ,‬فقلت‪ :‬أح سن! فقال‪ :‬إ ما أن تأ خذ وإ ما أن تدع‪ .‬فأخذت م نه‪ ,‬فل ما ز نت الث من و ضع‬
‫الدراهم‪ ,‬فقال‪ :‬اختر إما الدراهم وإما المتاع! فاخترت المتاع فأخذته‪.‬‬
‫‪7386‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن إسماعيل بن سالم‪ ,‬عن الشعبي أنه كان يقول‬
‫في البيعين‪ :‬إنهما بالخيار ما لم يتفرّقا‪ ,‬فإذا تصادر فقد وجب البيع‪.‬‬
‫‪7387‬ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الحمسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن‬
‫ي رضي ال عنه في السوق‪ ,‬فجاءته جارية إلى‬
‫دينار‪ ,‬عن طيسلة‪ ,‬قال‪ :‬كنت في السوق‪ ,‬وعل ّ‬
‫َبيّ عِ فاك هة بدر هم‪ ,‬فقالت‪ :‬أعط ني هذا! فأعطا ها إياه‪ .‬فقالت‪ :‬ل أريده أعط ني دره مي! فأ بي‪,‬‬
‫فأخذه منه عليّ فأعطاها إياه‪.‬‬
‫‪7388‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبي أنه أتى في رجل اشترى‬
‫من رجل برذونا ووجب له‪ ,‬ثم إن المبتاع ردّه قبل أن يتفرّقا‪ ,‬فقضى أنه قد وجب عليه‪ .‬فشهد‬
‫عنده أ بو الض حى أن شري حا ق ضى في مثله أن يرده على صاحبه‪ ,‬فر جع الش عبي إلى قضاء‬
‫شريح‪.‬‬
‫‪ 7389‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن‬
‫شر يح‪ ,‬أ نه كان يقول في البيع ين‪ :‬إذا اد عى المشترى أ نه قد أو جب له الب يع‪ ,‬وقال البائع‪ :‬لم‬
‫أوجب له‪ ,‬قال شاهدان عدلن أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع أو تخاير‪ ,‬وإل فيم ين البائع‪:‬‬
‫أنكما (ما) افترقتما عن بيع ول تخاير‪.‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬كان شريح يقول‪ :‬شاهدان‬
‫ذوا عدل أنكما افترقتما عن تراض بعد بيع وتخاير‪ ,‬وإل فيمينه بال ما تفرّقتما عن تراض بعد‬
‫بيع أو تخاير‪.‬‬
‫حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عون‪ ,‬عن محمد بن‬
‫سيرين‪ ,‬عن شريح أنه كان يقول‪ :‬شاهدان ذوا عدل أنهما تفرّقا عن تراض بعد بيع أو تخاير‪.‬‬
‫وعلة من قال هذه المقالة ما‪:‬‬
‫‪7390‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني نافع‪ ,‬عن‬
‫ن فَل َبيْ عَ َب ْي َنهُما حتى َيتَ َفرّقا إلّ أ نْ‬
‫ابن عمر‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬كُلّ َب ّي َعيْ ِ‬
‫ن خِيارا»‪.‬‬
‫َيكُو َ‬
‫‪ 7391‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مروان بن معاو ية‪ ,‬قال‪ :‬ث نى يحي ـى بن أيوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان أبو زرعة إذا بايع رجلً يقو له‪ :‬خيّرني! ثم يقول‪ :‬قال أبو هريرة‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ن رِضا»‪.‬‬
‫ق اثْنانِ إلّ عَ ْ‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬ل يَ ْف َترِ ُ‬
‫‪ 7392‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أيوب‪ ,‬عن أ بي قل بة‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬يا أهْلَ البَقِي عِ!» فسمعوا صوته‪ ,‬ثم قال‪« :‬يا أهْلَ‬
‫ن إلّ‬
‫ن َبيّعا ِ‬
‫ل البَقِي عِ ل َيتَ َفرّقَ ّ‬
‫البَقِي عِ!» فاشرأبوا ينظرون حتى عرفوا أنه صوته‪ ,‬ثم قال‪« :‬يا أهْ َ‬
‫عنْ رِضا»‪.‬‬
‫َ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بايع رجلً ثم‬
‫‪7393‬ـ حدثني أحمد بن محمد الطوسيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا النب ّ‬
‫خ َترْ!» فقال‪ :‬قد اخترت‪ ,‬فقال‪َ « :‬ه َكذَا ال َبيْعُ»‪.‬‬
‫قال له‪« :‬ا ْ‬
‫قالوا‪ :‬فالتجارة عن تراض هو ما كان على بي نه ال نبي صلى ال عل يه و سلم من تخي ير كل‬
‫واحد من المشترى والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما‪ ,‬أو نقضه بعد عقد البيع بينهما‬
‫وقبـل الفتراق‪ ,‬أو مـا تفرّقـا عنـه بأبدانهمـا‪ ,‬عـن تراض منهمـا بعـد مواجبـة البيـع فيـه عـن‬
‫مجلسهما‪ ,‬فما كان بخلف ذلك فليس من التجارة التي كانت بينهما عن تراض منهما‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الترا ضي في التجارة توا حب ع قد الب يع في ما تباي عه المتبايعان بينه ما عن‬
‫رضا من كل واحد منهما ما ملك عليه صاحبه وملك صاحبه عليه‪ ,‬افترقا عن مجلسهما ذلك‬
‫أو لم يفترقا‪ ,‬تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده‪.‬‬
‫وعلة مـن قال هذه المقالة‪ :‬أن البيـع إنمـا هـو بالقول‪ ,‬كمـا أن النكاح بالقول‪ ,‬ول خلف بيـن‬
‫أهـل العلم فـي الجبار فـي النكاح لحـد المتناكحيـن على صـاحبه‪ ,‬افترقـا أو لم يفترقـا عـن‬
‫مجلسـهما‪ ,‬الذي جرى ذلك فيـه قالوا‪ :‬فكذلك حكـم البيـع‪ .‬وتأوّلوا قول النـبيّ صـلى ال عليـه‬
‫وسلم‪« :‬ال َبيّعا نِ بالخيارِ ما لَمْ َيتَ َفرّقا» على أنه ما لم يتفرقا بالقول‪ .‬وومن قال هذه المقالة مالك‬
‫بن أنس‪ ,‬وأبو حنيفة‪ ,‬وأبو يوسف ومحمد‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين بال صواب في ذلك عند نا قول من قال‪ :‬إن التجارة ال تي هي‬
‫عن تراض بين المتبايعين‪ :‬ما تفرق المتبايعان على المجلس الذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع‬
‫‪¹‬‬ ‫بأبدانه ما‪ ,‬عن تراض منه ما بالع قد الذي جرى بينه ما‪ ,‬و عن تخي ير كل وا حد منه ما صاحبه‬
‫لصحة الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بما‪:‬‬
‫‪ 7394‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أيوب‪ ,‬وحدث نا ا بن‬
‫بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫ن َبيْعُ خِيارٍ» وربما قال‪« :‬أوْ يَقُولُ‬
‫ن بالخِيارِ ما لَمْ َيتَ َفرّقا‪ ,‬أ ْو َيكُو َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال َبيّعا ِ‬
‫خ َترْ»‪.‬‬
‫لخَرِ ا ْ‬
‫حدُهُما ل َ‬
‫أَ‬
‫فإذ كان ذلك عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم صحيحا‪ ,‬فل يس يخلو قول أ حد المتبايع ين‬
‫ل صاحبه اخ تر‪ ,‬من أن يكون ق بل ع قد الب يع‪ ,‬أو م عه‪ ,‬أو بعده‪ .‬فإن ي كن قبله‪ ,‬فذلك الخلف من‬
‫الكلم الذي اختر‪ ,‬من أن يكون قبل عقد البيع‪ ,‬أو معه‪ ,‬أو بعده‪ .‬فإن يكن قبله‪ ,‬فذلك الخلف من‬
‫الكلم الذي ل معنى له‪ ,‬لنه لم يملك قبل عقد البيع أحد المتبايعين على صاحبه‪ ,‬ما لم يكن له‬
‫مالكا‪ ,‬فيكون لتخييره صاحبه فيما يملك عليه وجه مفهوم‪ ,‬ول فيهما من يجهل أنه بالخيار في‬
‫تمل يك صاحبه ما هو له غ ير مالك بعوض يعتا ضه م نه‪ ,‬فيقال له‪ :‬أ نت بالخيار في ما تر يد أن‬
‫تحدثه من بيع أو شراء‪ .‬أو يكون إن بطل هذا المعنى تخيير كل واحد منهما صاحبه مع عقد‬
‫الب يع‪ ,‬ومع نى التخي ير في تلك الحال‪ ,‬نظ ير مع نى التخي ير قبل ها‪ ,‬لن ها حالة لم يزل في ها عن‬
‫أحدهما ما كان مالكه قبل ذلك إلى صاحبه‪ ,‬فيكون للتخيير وجه مفهوم‪ .‬أو يكون ذلك بعد عقد‬
‫ح أن المع نى الَ خر من قول ر سول ال‬
‫الب يع‪ ,‬إذا ف سد هذان المعنيان‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك ص ّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬أع ني قوله‪ « :‬ما لَ مْ َيتَ َفرَقّا» إن ما هو التفرّق ب عد ع قد الب يع‪ ,‬ك ما كان‬
‫التخيير بعده‪ ,‬وإذا صحّ ذلك‪ ,‬فسد قول من زعم أن معنى ذلك‪ :‬إنما هو التفرّق بالقول الذي به‬
‫يكون الب يع‪ .‬وإذا ف سد ذلك صحّ ما قل نا من أن التخي ير والفتراق إن ما ه ما معنيان به ما يكون‬
‫ض ِم ْنكُ مْ}‬
‫ع نْ َترَا ٍ‬
‫ن تِجارَةً َ‬
‫ن َتكُو َ‬
‫لأ ْ‬
‫تمام البيع بعد عقده‪ ,‬وصحّ تأويل من قال‪ :‬معنى قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫إل أن يكون أكل كم الموال ال تي يأكل ها بعض كم لب عض عن ملك من كم ع من ملكتمو ها عل يه‬
‫بتجارة تبايعتمو ها بين كم‪ ,‬وافترق تم عن ها‪ ,‬عن تراض من كم ب عد ع قد بين كم بأبدان كم‪ ,‬أو يخ ير‬
‫بعضكم بعضا‪.‬‬
‫ن اللّ َه كانَ ِب ُكمْ َرحِيما}‪.‬‬
‫سكُمْ إ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل تَ ْقتَلُوا أنْ ُف َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وَل تَ ْقتُلُوا أنْفُسَـُكمْ} ول يقتـل بعضكـم بعضـا‪ ,‬وأنتـم أهـل ملة واحدة‪,‬‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫ل ثناؤه أهل السلم كلهم بعضهم من بعض‪ ,‬وجعل القاتل‬
‫ودعوة واحدة ودين واحد فجعل ج ّ‬
‫منهم قتيلً في قتله إياه منهم بمنزلة قتله نفسه‪ ,‬إذ كان القاتل والمقتول أهل يد واحدة على من‬
‫خالف ملتهما‪ .‬وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7395‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ل ملتكم‪.‬‬
‫سكُمْ} يقول‪ :‬أه َ‬
‫{وَل تَ ْقتَلُوا أنْ ُف َ‬
‫‪7396‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء بن أبي‬
‫س ُكمْ} قال‪ :‬قتل بعضكم بعضا‪.‬‬
‫رباح‪{ :‬وَل تَ ْقتُلُوا أنْ ُف َ‬
‫ن ِبكُ مْ َرحِيما} فإنه يعني أن ال تبارك وتعالى لم يزل رحيما‬
‫ن ال كا َ‬
‫وأما قوله جل ثناؤه‪{ :‬إ ّ‬
‫بخلقه‪ ,‬ومن رحمته بكم ك فّ بعضكم عن قتل بعض أيها المؤمنون‪ ,‬بتحريم دماء بعضكم على‬
‫ب عض إل بحق ها‪ ,‬وح ظر أ كل مال بعض كم على ب عض بالبا طل‪ ,‬إل عن تجارة يملك ب ها عل يه‬
‫برضاه وطيب نفسه‪ ,‬لول ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضا قتلً وسلبا وغصبا‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْدوَانا َوظُلْما فَ سَ ْوفَ نُ صْلِيهِ نَارا َوكَا نَ ذَلِ كَ‬
‫ل ذَلِ كَ ُ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬وَمَن يَ ْفعَ ْ‬
‫عَلَى الّلهِ َيسِيرا }‪.‬‬
‫عدْوَانا} فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ومن‬
‫ن يَ ْفعَلْ ذَلِكَ ُ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫يقتل نفسه‪ ,‬بمعنى‪ :‬ومن يقتل أخاه المؤمن عدوانا وظلما {فَ سَ ْوفَ نُ صْلِيهِ نارا}‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 7397‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‬
‫عدْوَانا َوظُلْما فَسَ ْوفَ نُصْلِي ِه نارا} في كل ذلك‪ ,‬أو في قوله‪{ :‬وَل‬
‫ن يَ ْفعَلْ ذَلِكَ ُ‬
‫أرأيت قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫س ُكمْ}‪.‬‬
‫سكُمْ}؟ قال‪ :‬بل في قوله‪{ :‬وَل تَ ْقتُلُوا أنْ ُف َ‬
‫تَ ْقتُلُوا أنْ ُف َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬و من يف عل ما حرّم ته عل يه من أوّل هذه ال سورة إلى قوله‪:‬‬
‫{ َومَ نْ َي ْفعَلْ ذَل كَ} من نكاح من حرّمت نكاحه‪ ,‬وتعدّى حدوده‪ ,‬وأكل أموال اليتام ظلما‪ ,‬وقتل‬
‫النفس المحرّم قتلها ظلما بغير حقّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬و من يأكل مال أخيه الم سلم ظل ما بغ ير طيب ن فس م نه وق تل‬
‫أخاه المؤمن ظلما‪ ,‬فسوف نصليه نارا‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب من القول في ذلك عندي أن يقال معناه‪ :‬و من يف عل ما حرّم ال‬
‫ن يَ ْفعَلْ‬
‫ن َت ِرثُوا النّساءَ َكرْها}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ل َلكُمْ أ ْ‬
‫عليه من قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل َيحِ ّ‬
‫ذَلِكـَ} مـن نكاح المحرّمات‪ ,‬وعضـل المحرّم عضلهـا من النسـاء‪ ,‬وأكـل المال بالباطـل‪ ,‬وقتـل‬
‫المحرّم قتله من المؤمنين‪ ,‬لن كل ذلك مما وعد ال عليه أهله العقوبة‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما منعك أن تجعل قوله‪{ :‬ذَلِ كَ} معنيا به جميع ما أوعد ال عليه العقوبة من‬
‫ع َتدْنا َلهُمْ‬
‫أول السورة؟ قيل‪ :‬منع ذلك أن كل فصل من ذلك قد قرن بالوعيد‪ ,‬إلى قوله‪{ :‬أُوَل ِئكَ أ ْ‬
‫عذَابـا ألِيمـا} ول ذكـر للعقوبـة مـن بعـد ذلك على مـا حرّم ال فـي الَي التـي بعده‪ ,‬إلى قوله‪:‬‬
‫َ‬
‫ن يَ ْفعَلْ ذَلِ كَ} معنيا به ما قلنا مما لم يقرن بالوعيد مع‬
‫{فَ سَ ْوفَ نُ صْلِي ِه نارا}‪ .‬فكان قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫إجماع الجم يع على أن ال تعالى قد تو عد على كل ذلك أولى من أن يكون معن يا به ما سلف‬
‫فيه الوعيد بالنهي مقرونا قبل ذلك‪.‬‬
‫عدْوَانا} فإنه يعني به‪ :‬تجاوزا لما أباح ال له إلى ما حرّمه عليه‪َ { ,‬وظُلْما} يعني‪:‬‬
‫وأما قوله‪ُ { :‬‬
‫ل منه ذلك بغير ما أذن ال به‪ ,‬وركوبا منه ما قد نهاه ال عنه‪ .‬وقوله‪{ :‬فَسَ ْوفَ نُصْلِي ِه نَارا}‬
‫فع ً‬
‫ن ذل كَ على اللّ ِه يَ سِيرا} يع ني‪ :‬وكان‬
‫يقول‪ :‬ف سوف نورده نارا ي صلي ب ها فيحترق في ها‪{ .‬وكا َ‬
‫إصلء فاعل ذلك النار وإحراقه بها على ال سهلً يسيرا‪ ,‬لنه ل يقدر على المتناع على ربه‬
‫مما أراد به من سوء‪ .‬وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده على من كان إذا حاول الوفاء‬
‫به قدر المتوعد من المتناع منه‪ ,‬فأما من كان في قبضة موعده فيسير عليه إمضاء حكمه فيه‬
‫والوفاء له بوعيده‪ ,‬غير عسير عليه أمر أراده به‪.‬‬

‫‪32-31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سيّئَا ِت ُكمْ َو ُن ْدخِ ْلكُ مْ‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫عنْ هُ ُنكَ ّفرْ َ‬
‫ج َت ِنبُو ْا َكبَآ ِئرَ مَا ُت ْنهَوْ نَ َ‬
‫{إِن َت ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبُواْ‬
‫ض لّل ّرجَالِ نَ صِيبٌ مّمّا ا ْكتَ َ‬
‫ضكُ مْ عََلىَ َبعْ ٍ‬
‫ل َت َتمَنّوْ ْا مَا فَضّلَ الّل ُه بِ هِ َب ْع َ‬
‫ّم ْدخَلً َكرِيما * َو َ‬
‫شيْءٍ عَلِيما }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن اللّ َه كَانَ ِبكُ ّ‬
‫سأَلُو ْا اللّ َه مِن فَضْلِ ِه إِ ّ‬
‫سبْنَ وَا ْ‬
‫وَلِل ّنسَآءِ َنصِيبٌ ّممّا ا ْك َت َ‬
‫ل ثناؤه عباده باجتناب ها تكف ير سائر‬
‫اختلف أ هل التأو يل في مع نى الكبائر ال تي و عد ال ج ّ‬
‫ج َت ِنبُوا كَبائرَ ما ُت ْنهَوْ نَ‬
‫سيئاتهم عن هم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬الكبائر ال تي قال ال تبارك وتعالى‪{ :‬إ نْ َت ْ‬
‫سيّئا ِتكُمْ} هي ما تقدم ال إلى عباده بالنهي عنه من أوّل سورة النساء إلى رأس‬
‫ع ْنكُمْ َ‬
‫عنْ ُه ُنكَ ّفرْ َ‬
‫َ‬
‫الثلثين منها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7398‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫أبي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلثين منها‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن‬
‫عبد ال بمثله‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا أ بو هشام الرفا عي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الع مش‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬ث نى‬
‫ج َت ِنبُوا كَبا ِئرَ ما ُت ْنهَوْ نَ‬
‫ن َت ْ‬
‫علقمة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر من أوّل سورة النساء‪ ,‬إلى قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫عنْهُ}‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنا الرفاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية وأبو خالد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علق مة‪,‬‬
‫عنْهُ}‪.‬‬
‫ج َت ِنبُوا كَبائِرَ ما ُت ْنهَونْ َ‬
‫عن عبد ال قال‪ :‬الكبائر من أوّل سورة النساء‪ ,‬إلى قوله‪{ :‬إنْ َت ْ‬
‫حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن مسلم‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬سئل‬
‫عبد ال عن الكبائر‪ ,‬قال‪ :‬ما بين فاتحة سورة النساء إلى رأس الثلثين‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن ا بن م سعود‪,‬‬
‫ج َت ِنبُوا كَبا ِئرَ ما ُت ْنهَوْ نَ‬
‫قال‪ :‬الكبائر‪ :‬ما ب ين فات حة سورة الن ساء إلى ثلث ين آ ية من ها‪{ :‬إ نْ َت ْ‬
‫عنْهُ}‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن عبد ال‪,‬‬
‫عنْهُ}‪.‬‬
‫ج َت ِنبُوا كَبا ِئرَ ما ُت ْنهَ ْونَ َ‬
‫أنه قال‪ :‬الكبائر من أوّل سورة النساء إلى الثلثين منها‪{ :‬إنْ َت ْ‬
‫‪ 7399‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يرون‬
‫جتَ ِنبُوا كَبائِرَ ما‬
‫ن َت ْ‬
‫أن الكبائر في ما ب ين أول هذه ال سورة‪ ,‬سورة الن ساء‪ ,‬إلى هذا المو ضع‪{ :‬إ ْ‬
‫عنْهُ}‪.‬‬
‫ُت ْنهَوْنَ َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم العسقلني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عاصم بن أبي النجود‪ ,‬عن‬
‫زرّ بن حبيش‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلثين آية منها‪ .‬ثم تل‪:‬‬
‫سيّئا ِتكُمْ َو ُن ْدخِ ْلكُمْ ُم ْدخَلً َكرِيما}‪.‬‬
‫ع ْن ُكمْ َ‬
‫عنْ ُه ُنكَ ّفرْ َ‬
‫جتَ ِنبُوا كَبائِرَ ما ُت ْنهَوْنَ َ‬
‫ن َت ْ‬
‫{إ ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسعر‪ ,‬عن عاصم بن أبي النجود‪ ,‬عن زرّ‬
‫بن حبيش‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬الكبائر‪ :‬ما بين أوّل سورة النساء إلى رأس الثلثين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الكبائر سبع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7400‬ـ حدثني تميم بن المنتصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن إسحاق‪ ,‬عن محمد‬
‫ي رضي ال‬
‫بن سهل بن أبي حثمة‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬قال‪ :‬إني لفي هذا المسجد مسجد الكو فة‪ ,‬وعل ّ‬
‫ع نه يخ طب الناس على الم نبر‪ ,‬فقال‪ :‬يا أي ها الناس إن الكبائر سبع! فأ صاخ الناس‪ ,‬فأعاد ها‬
‫ثلث مرات‪ ,‬ثم قال‪ :‬أل تسألوني عنها؟ قالوا ‪ ¹‬يا أمير المؤمنين ما هي؟ قال‪ :‬الشراك بال‪,‬‬
‫وقتل النفس التي حرّم ال‪ ,‬وقذف المحصنة‪ ,‬وأكل مال اليتيم‪ ,‬وأكل الربا‪ ,‬والفرار يوم الزحف‪,‬‬
‫والتعرّب بعد الهجرة‪ .‬فقلت لبي‪ :‬يا أبت التعرب بعد الهجرة‪ ,‬كيف لحق ههنا؟ فقال‪ :‬يا نبيّ‪,‬‬
‫وما أعظم من أن يهاجر الرجل‪ ,‬حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد‪ ,‬خلع ذلك‬
‫من عنقه فرجع أعرابيا كما كان‪.‬‬
‫‪ 7401‬ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص سلم بن سليم‪ ,‬عن ابن‬
‫ن كبيرة إل وفي ها آ ية من كتاب ال‪,‬‬
‫إ سحاق‪ ,‬عن عب يد بن عم ير‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر سبع ل يس منه ّ‬
‫ل ال َيتَامَى‬
‫ن أمْوَا َ‬
‫ن َي ْأكُلُو َ‬
‫ن ال سّماءِ} و{اّلذِي َ‬
‫خرّ مِ َ‬
‫الشراك بال منه نّ‪َ { :‬و َم نْ يُشر كْ باللّ ِه فكأنّمَا َ‬
‫خبّطُ هُ‬
‫ن إلّ كمَا يَقُو مُ اّلذِي َي َت َ‬
‫ن ي ْأكُلُو نَ الرّبا ل يَقُومُو َ‬
‫ظُلْما إ ّنمَا َي ْأكُلُو نَ فِي ُبطُو ِنهِ مْ نارا} وَ{اّلذِي َ‬
‫ن ال ُمحْ صَناتِ الغَافِلَ تِ المُ ْؤمِنا تِ}‪ ,‬والفرار من الزحف‪{ :‬يا‬
‫ن َي ْرمُو َ‬
‫ن مِ نَ المَ سّ} و{اّلذِي َ‬
‫شيْطا ُ‬
‫ال ّ‬
‫أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا إذَا لَ ِقيُت مُ اّلذِي نَ كَ َفرُوا َزحْ فا فَل تُوَلّوهُ مُ الدْبارَ}‪ ,‬والتعرّب ب عد الهجرة‪{ :‬إ نّ‬
‫اّلذِينَ ا ْر َتدّوا على أ ْدبِارِهمْ ِمنْ َب ْعدِ ما َت َبيّنَ َل ُهمُ ال ُهدَى}‪ ,‬وقتل النفس‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن عب يد بن عم ير‬
‫خطَفُهُـ‬
‫خرّ مِنَـ السّـمَاءِ ف َت ْ‬
‫شرِك ْـ باللّهِـ فَكأنّمَا َ‬
‫الليثـي‪ ,‬قال‪ :‬الكبائر سـبع‪ :‬الشراك بال‪َ { :‬ومَن ْـ ُي ْ‬
‫جزَاؤُ هُ‬
‫ن يَ ْقتُلْ مُ ْؤمِ نا ُم َتعَمّدا َف َ‬
‫سحِيقٍ}‪ ,‬وق تل الن فس‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫طيْرُ أوْ َت ْهوِى بِ ِه الرّي حُ فِي مَكا نٍ َ‬
‫ال ّ‬
‫شيْطا نُ‬
‫خّبطُ هُ ال ّ‬
‫ن إلّ كمَا َيقُومُ اّلذِي َي َت َ‬
‫ن الرّبا ل يَقُومُو َ‬
‫ن َي ْأكُلُو َ‬
‫ج َهنّمُ}‪ ...‬الَية‪ ,‬وأكل الربا‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫ل اليَتامَى ظُلْ ما}‪ ...‬الَ ية‪,‬‬
‫ن أمْوَا َ‬
‫ن َي ْأكُلُو َ‬
‫ن المَ سّ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬وأ كل أموال اليتا مى‪{ :‬إ نّ اّلذِي َ‬
‫مِ َ‬
‫َتـ المؤمنات}‪ ...‬الَيـة‪ ,‬والفرار مـن‬
‫ُونـ ال ُمحْصـَناتِ الغَافِل ِ‬
‫ِينـ يَ ْرم َ‬
‫{إنـ اّلذ َ‬
‫وقذف المحصـنة‪ّ :‬‬
‫حيّزا إلى ِفئَةٍ} ‪ ...‬الَيـة‪ .‬والمرتـد‬
‫حرّفـا ِل ِقتَالٍ أ ْو ُم َت َ‬
‫َهـ إلّ ُم َت َ‬
‫ِمـ َي ْو َم ِئذٍ ُدبُر ُ‬
‫َنـ يُوَّله ْ‬
‫الزحـف‪{ :‬وم ْ‬
‫ن َل ُهمُ ال ُهدَى} الَية‪.‬‬
‫ن َب ْعدِ ما َت َبيّ َ‬
‫ن ا ْر َتدّوا على أدْبارِ ِهمْ مِ ْ‬
‫أعرابيا بعد هجرته‪{ :‬إنّ اّلذِي َ‬
‫‪7402‬ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫ّمـ ال بغيـر حقهـا‪ ,‬وفرار يوم‬
‫حر َ‬‫عـبيدة عـن الكبائر‪ ,‬فقال‪ :‬الشراك بال‪ ,‬وقتـل النفـس التـي َ‬
‫الز حف‪ ,‬وأكل مال اليت يم بغ ير ح قه‪ ,‬وأكل الر با‪ ,‬والبهتان‪ .‬قال‪ :‬ويقولون أعراب ية ب عد هجرة‪.‬‬
‫قال ابن عون‪ :‬فقلت لمحمد فالسحر؟ قال‪ :‬إن البهتان يجمع شرّا كثيرا‪.‬‬
‫‪ 7403‬ـ حدثنا أبو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا منصور وهشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪,‬‬
‫عن عبيدة أنه قال‪ :‬الكبائر‪ :‬الشراك‪ ,‬وقتل النفس الحرام‪ ,‬وأكل الربا‪ ,‬وقذف المحصنة‪ ,‬وأكل‬
‫مال اليتيم‪ ,‬والفرار من الزحف‪ ,‬والمرتدّ أعرابيا بعد هجرته‪.‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬قال حدثنا هشيم‪ ,‬ققال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬بنحو‪.‬‬
‫وعلة من قال هذه المقالة ما‪:‬‬
‫‪ 7404‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثنى خالد‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن أبي هلل‪ ,‬عن نعيم المجمر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني صهيب مولى العتواري أنه سمع من أبي هريرة‬
‫وأبي سعيد الخدري يقولن‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪ ,‬فقال‪« :‬وَاّلذِي نَفْ سِي‬
‫ِب َيدِهِ؟» ثَلثَ َمرّاتٍ‪ ,‬ثم أكبّ‪ ,‬فأكبّ كل رجل منا يبكي ل يدري على ماذا حلف‪ .‬ثم رفع رأسه‬
‫خمْسَ‪,‬‬
‫ع ْبدٍ يُصَلّى الصّلَوَاتِ ال َ‬
‫ب إلينا من حمر النعم‪ ,‬فقال‪« :‬ما مِنْ َ‬
‫وفي وجهه البشر‪ ,‬فكان أح ّ‬
‫جنّةِ‪ ,‬ثُ مّ قِيلَ‪:‬‬
‫ب ال َ‬
‫سبْعَ‪ ,‬إلّ ُف ِتحَ تْ َل ُه أبْوَا ُ‬
‫ج َتنِ بُ الكَبا ِئرَ ال ّ‬
‫خرِ جُ الزّكاةَ‪ ,‬وَي ْ‬
‫َويَ صُومُ َرمَضَا نَ‪ ,‬و ُي ْ‬
‫ا ْدخُلْ ِبسَلم»‪.‬‬
‫‪7405‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن شيخ من‬
‫ضكُ مْ على َبعْ ضِ} قال‪ :‬كان الن ساء يقلن‪ :‬ليت نا‬
‫أ هل مكة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَل َت َت َمنّوْا مَا َفضّلَ اللّ ُه بِ ِه َبعْ َ‬
‫رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال‪ ,‬ونغزو في سبيل ال! فقال ال‪{ :‬وَل َت َت َمنّوْا ما َفضّلَ الّل ُه بِ هِ‬
‫ض ُكمْ على َبعْض}‪.‬‬
‫َبعْ َ‬
‫‪ 7406‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل هلكه في ذلك المال‪.‬‬
‫تتمنى مال فلن ومال فلن‪ ,‬وما يدريك لع ّ‬
‫‪ 7407‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‬
‫ومجاهد أنهما قال‪ :‬نزلت في أمّ سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة‪.‬‬
‫‪ 7408‬ـ وبه قال‪ :‬ثنى حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬هو النسان يقول‪ :‬وددت أن‬
‫لي مال فلن! قال‪ :‬واسـألوا ال مـن فضله‪ ,‬وقول النسـاء‪ :‬ليتنـا رجال فنغزو‪ ,‬ونبلغ مـا يبلغ‬
‫الرجال‪.‬‬
‫ص ال بع ضا من منازل الف ضل‪ .‬ذ كر‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬ل يتم نّ بعض كم ما خ ّ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7409‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ضكُ ْم على َبعْض} فإن الرجال قالوا‪ :‬نريد أن يكون لنا من‬
‫قوله‪{ :‬وَل َت َت َمنّوْا ما َفضّلَ اللّهُ ِب ِه َبعْ َ‬
‫ال جر الض عف على أ جر الن ساء‪ ,‬ك ما ل نا في ال سهام سهمان‪ ,‬فنر يد أن يكون ل نا في ال جر‬
‫أجران‪ ,‬وقال الن ساء‪ :‬نر يد أن يكون ل نا أ جر م ثل الرجال‪ ,‬فأ نا ل ن ستطيع أن نقا تل‪ ,‬ولو ك تب‬
‫علينا القتال لقاتلنا‪ .‬فأنزل ال تعالى الَية‪ ,‬وقال لهم‪ :‬سلوا ال من فضله‪ ,‬يرزقكم العمال‪ ,‬وهو‬
‫خير لكم‪.‬‬
‫‪ 7410‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬نهيتم‬
‫عن المانيّ‪ ,‬ودُللتم على ما هو خير منه‪ ,‬واسألوا ال من فضله‪.‬‬
‫‪ 7411‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عارم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن ز يد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫محمد إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا‪ ,‬قال‪ :‬قد نهاكم ال عن هذا‪َ { ,‬ولَ َت َت َمنّوْا ما فَضّلَ الّل ُه بِ هِ‬
‫ض ُكمْ عَلى َبعْض} ودلكم على خير منه‪ ,‬واسألوا ال من فضله‪.‬‬
‫َبعْ َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬فتأو يل الكلم على هذا التأو يل‪ :‬ول تتمنوا أي ها الرجال والن ساء الذي ف ضل‬
‫ال به بعض كم على ب عض من منازل الف ضل‪ ,‬ودرجات الخ ير وليرض أحد كم ب ما ق سم ال له‬
‫من نصيب‪ ,‬ولكن سلو ال من فضله‪.‬‬
‫سبْنَ}‪.‬‬
‫ب ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ب ِممّا ا ْك َتسَبُوا وَللنّسا ِء نَصِي ٌ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬للرّجالِ َنصِي ٌ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬للرجال نصيب مما اكتسبوا من‬
‫الثواب على الطا عة والعقاب على المع صية‪ ,‬وللن ساء ن صيب من ذلك م ثل ذلك‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 7412‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَل َت َت َمنّوْا‬
‫سبْنَ}‬
‫سبُوا وللنّساءِ نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ض للرّجالِ نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ضكُ مْ على َبعْ ٍ‬
‫ما َفضّلَ الّل ُه بِ هِ َب ْع َ‬
‫كان أهل الجاهلية ل يورثون المرأة شيئا ول الصبيّ شيئا‪ ,‬وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف‬
‫وين فع ويد فع‪ ,‬فل ما ل حق للمرأة ن صيبها ولل صبيّ ن صيبه‪ ,‬وج عل للذ كر م ثل ح ظّ النثي ين‪ ,‬قال‬
‫النسـاء‪ :‬لو كان جعـل أنصـباءنا فـي الميراث كأنصـباء الرجال! وقال الرجال‪ :‬إنـا لنرجـو أن‬
‫ن في الميراث! فأنزل ال‪{ :‬للرّجالِ‬
‫نف ضل على الن ساء بح سناتنا في الَخرة‪ ,‬ك ما فضل نا عليه ّ‬
‫سبْنَ}‪ ,‬يقول‪ :‬المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها‬
‫ب ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ب ِممّا ا ْكتَ سَبُوا‪ ,‬وَللنّسا ِء نَ صِي ٌ‬
‫نَ صِي ٌ‬
‫ن فَضْلِهِ}‪.‬‬
‫كما يجزي الرجل‪ ,‬قال ال تعالى‪{ :‬واسألُوا ال مِ ْ‬
‫‪7413‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبو ليلى‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ل ْن َث َييْ نِ} قالت الن ساء‪ :‬كذلك علي هم ن صيبان من‬
‫ل حَ ظّ ا ُ‬
‫أ با جر ير يقول‪ :‬ل ما نزل‪{ :‬للذّكَر ِمثْ َ‬
‫سبُوا وَللنّسا ِء نَصِيبٌ‬
‫ل نَصِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫الذنوب‪ ,‬كما لهم نصيبان من الميراث! فأنزل ال‪{ :‬للرّجا ِ‬
‫ِممّا ا ْك َتسَبْنَ} يعني الذنوب‪ ,‬واسألوا ال يا معشر النساء من فضله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬للرجال نصـيب ممـا اكتسـبوا مـن ميراث موتاهـم‪ ,‬وللنسـاء‬
‫نصيب منهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7414‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن‬
‫سبْنَ}‬
‫سبُوا وللنّ ساءِ نَ صِيبٌ مِمّا ا ْكتَ َ‬
‫أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬للرّجالِ نَ صِيبٌ مِمّا ا ْكتَ َ‬
‫ل ْن َثيْنِ}‪.‬‬
‫حظّ ا ُ‬
‫يعني‪ :‬ما ترك الوالدان والقربون‪ ,‬يقول‪{ :‬لل ّذ َكرِ ِمثْلُ َ‬
‫‪7415‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن عكرمة أو غيره‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫سبْنَ} قال‪ :‬في الميراث كانوا ل يورّثون‬
‫سبُوا وَللنّساءِ نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ل نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫{للرّجا ِ‬
‫النساء‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين في ذلك بتأو يل الَ ية قول من قال معناه‪ :‬للرجال ن صيب من‬
‫ثواب ال وعقا به م ما اكت سبوا‪ ,‬فعملوه من خ ير أو شرّ‪ ,‬وللن ساء ن صيب م ما اكت سبن من ذلك‬
‫كما للرجال‪.‬‬
‫وإن ما قل نا إن ذلك أولى بتأو يل الَ ية من قول من قال تأويله‪ :‬للرجال ن صيب من الميراث‪,‬‬
‫وللن ساء نصـيب م نه‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه أ خبر أن لكلّ فريـق مـن الرجال والن ساء نصـيبا م ما‬
‫اكتسب‪ ,‬وليس الميراث مما اكتسبه الوارث‪ ,‬وإنما هو مال أورثه ال عن ميته بغير اكتساب‪,‬‬
‫وإنمـا الكسـب العمـل‪ ,‬والمكتسـب‪ :‬المحترف‪ ,‬فغيـر جائز أن يكون معنـى الَيـة‪ ,‬وقـد قال ال‪:‬‬
‫سبْنَ} للرجال نصيب مما ورثوا‪ ,‬وللنساء‬
‫سبُوا وَللنّساءِ نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫ل نَ صِيبٌ ِممّا ا ْكتَ َ‬
‫{لل ّرجَا ِ‬
‫نصيب مما ورثن ‪ ¹‬لن ذلك لو كان كذلك لقيل‪ :‬للرجال نصيب مما لم يكتسبوا‪ ,‬وللنساء نصيب‬
‫مما لم يكتسبن‪.‬‬
‫ن فَضْلِهِ}‪.‬‬
‫سئَلُوا اللّ َه مِ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وا ْ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وا سألوا ال من عو نه وتوفي قه للع مل ب ما يرض يه عن كم من طاع ته‪,‬‬
‫ففضله في هذا الموضع‪ :‬توفيقه ومعونته‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7416‬ـ حدثنا محمد بن مسلم الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر النفيلي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن‬
‫يمان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن سعيد‪{ :‬وَاسْئلُوا الّلهَ ِمنْ َفضْلِهِ} قال‪ :‬العبادة ليست من أمر الدنيا‪.‬‬
‫‪ 7417‬ـ حدثنا محمد بن مسلم‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبو جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى‪ ,‬عن ليث‪ ,‬قال‪ :‬فضله‬
‫العبادة ليس من أمر الدنيا‪.‬‬
‫سئَلُوا مِ نْ‬
‫‪ 7418‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪ ,‬عن ل يث‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَا ْ‬
‫فَضْلِهِ} قال‪ :‬ليس بعرض الدنيا‪.‬‬
‫‪7419‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن فَضْلِهِ} يرزقكم العمال‪ ,‬وهو خير لكم‪.‬‬
‫سئَلُوا اللّ َه مِ ْ‬
‫{وا ْ‬
‫‪7420‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن حكيم بن جبير‪ ,‬عن رجل‬
‫ب أ نْ يُسألَ‪,‬‬
‫ن فَضْلِ هِ فإنّ ُه ُيحِ ّ‬
‫لم يسمه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ « :‬سَلُوا اللّ هَ ِم ْ‬
‫ن أ ْفضَلِ العِبادَ ِة ا ْنتِظارَ ال َفرَج»‪.‬‬
‫وإنّ مِ ْ‬
‫شيْءٍ عَلِيما}‪.‬‬
‫ن ِبكُلّ َ‬
‫ن اللّ َه كا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال كان بما يصلح عباده فيما قسم لهم من خير‪ ,‬ورفع بعضهم فوق‬
‫بعض في الدين والدنيا‪ ,‬وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم {عَلِيما} يقول‪ :‬ذا علم‪ ,‬ول تتنموا‬
‫غير الذي قضى لكم‪ ,‬ولكن عليكم بطاعته والتسليم لمره‪ ,‬والرضا بقضائه ومسئلته من فضله‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلْنَا َموَالِ يَ مِمّا َترَ كَ الْوَاِلدَا نِ وَالقْ َربُو نَ وَاّلذِي نَ‬
‫ل َ‬
‫{وَِلكُ ّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ى كُلّ َ‬
‫ت َأ ْيمَا ُنكُمْ فَآتُو ُهمْ َنصِي َبهُمْ ِإنّ الّلهَ كَانَ عََل َ‬
‫عَ َقدَ ْ‬
‫جعَلْ نا مَوَالِ يَ}‪ :‬ولكل كم أي ها الناس جعل نا موالي‪ ,‬يقول‪ :‬ور ثة‬
‫ل َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَِلكُ ّ‬
‫من ب ني ع مه وإخو ته و سائر ع صبته غير هم‪ .‬والعرب ت سمي ا بن الع مّ المولى‪ ,‬وم نه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ع‬
‫ت سُرُو ُ‬
‫عرَاضِنا وال ُم ْندِيا ُ‬
‫َومَوْلًى َر َميْنا حَوَْلهُ وَهُ َو ُمدْغٌِلبِأ ْ‬
‫يعني بذلك‪ :‬وابن ع ّم رمينا حوله‪ .‬ومنه قول الفضل بن العباس‪:‬‬
‫عمّنا َمهْلً مَوالِينال ُتظْهرِنّ لنَا ما كانَ َم ْدفُونا‬
‫َمهْلً ِبنَى َ‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7421‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا طل حة بن‬
‫جعَلْنا َموَاِليَ} قال‪ :‬ورثة‪.‬‬
‫مصرف‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَِلكُلّ َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫جعَلنا َموَالِ يَ ِممّا َترَ كَ الوَاِلدَا نِ} قال‪ :‬الموالي‪ :‬العصبة‪ ,‬يع ني‪:‬‬
‫ل َ‬
‫طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪{ :‬وَِلكُ ّ‬
‫الورثة‪.‬‬
‫‪ 7422‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫جعَلنا مَوَاِليَ} قال‪ :‬الموالي‪ :‬العصبة‪.‬‬
‫ل َ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَِلكُ ّ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫جعَلنا مَوَاِليَ} قال‪ :‬هم الولياء‪.‬‬
‫ل َ‬
‫مجاهد قوله‪{ :‬وَِلكُ ّ‬
‫جعَل نا‬
‫ل َ‬
‫‪ 7423‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَِلكُ ّ‬
‫مَوَاِليَ} يقول‪ :‬عصبة‪.‬‬
‫‪7424‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫جعَلْنـا مَوَالِيـَ} قال‪ :‬الموالي‪ :‬أولياء الب أو الخ أو ابـن الخ أو غيرهمـا مـن‬
‫قوله‪{ :‬وَِلكُلّ َ‬
‫العصبة‪.‬‬
‫‪7425‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫جعَلْنا مَوَاِليَ} أما موالي‪ :‬فهم أهل الميراث‪.‬‬
‫ل َ‬
‫{وَِلكُ ّ‬
‫جعَلْ نا‬
‫‪ 7426‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وَِلكُلّ َ‬
‫مَوَالِ يَ} قال‪ :‬الموالي‪ :‬العصبة هم كانوا في الجاهلية الموالي‪ ,‬فلما دخلت العجم على العرب لم‬
‫يجدوا ل هم أ سما‪ ,‬فقال ال تبارك وتعالى‪{ :‬فإ نْ لَ مْ َتعَْلمُوا آباءَهُ مْ فإخْوَا ُنكُ مْ فِي الدّي نِ َومَوَالِيكُ مْ}‬
‫فسـموا الموالي‪ .‬قال‪ :‬والمولى اليوم موليان‪ :‬مولى يرث ويورث فهؤلء ذوو الرحام‪ ,‬ومولى‬
‫يورث ول يرث فهؤلء ال َعتَاقـة ‪ ¹‬وقال‪ :‬أل ترون قول زكرياء‪{ :‬وَإنّي خِفْتُـ المَوَالِي َـ مِن ْـ‬
‫َورَائي}؟ فالموالي ههنا‪ :‬الورثة ويعني بقوله‪ِ { :‬ممّا َترَ كَ الوَاِلدَا نِ وَالقْ َربُو نَ}‪ :‬مما تركه والده‬
‫وأقرباؤه من الميراث‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم‪ :‬ولكلكـم أيهـا الناس جعلنـا عصـبة يرثون بـه ممـا ترك والده وأقرباؤه مـن‬
‫ميراثهم‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{:‬وَاّلذِينَ عَ َقدَتْ أيمَا ُن ُكمْ فآتُو ُهمْ َنصِي َب ُهمْ}‪.‬‬
‫ت أيمَانُكُ مْ} بمعنى‪ :‬والذين عقدت‬
‫ع َقدَ ْ‬
‫اختلفت القراءة في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعضهم‪{ :‬وَاّلذِي نَ َ‬
‫ِينـ‬
‫أيمانكـم الحلف بينكـم وبينهـم‪ ,‬وهـي قراءة عامـة قراء الكوفييـن‪ .‬وقرأ ذلك آخرون‪« :‬وَاّلذ َ‬
‫عا َقدَتْ أيمَا ُنكُمْ» بمعنى‪ :‬والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلِف بينكم وبينهم‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والذي نقول بـه فـي ذلك أنهمـا قراءتان معروفتان مسـتفيضتان فـي قراءة‬
‫أم صار الم سلمين بمع نى وا حد و في دللة قوله‪{ :‬أيمَا ُنكُ مْ} على أن ها أيمان العاقد ين والمعقود‬
‫علي هم الحلف‪ ,‬م ستغنى عن الدللة على ذلك بقراءة قوله «عقدت»‪« ,‬عاقدت»‪ ,‬وذلك أن الذ ين‬
‫قرءوا ذلك «عاقدت»‪ ,‬قالوا‪ :‬ل يكون عقد الحلف إل من فريقين‪ ,‬ول بدّ لنا من دللة في الكلم‬
‫على أن ذلك كذلك‪ ,‬وأغفلوا موضع دللة قوله‪« :‬أيمانكم»‪ ,‬على أن معنى ذلك‪ :‬أيمانكم وأيمان‬
‫المعقود علي هم‪ ,‬وأن الع قد إن ما هو صفة لليمان دون العاقد ين الحلف‪ ,‬ح تى ز عم بعض هم أن‬
‫ع َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} فالكلم محتاج إلى ضم ير صلة في الكلم ح تى يكون الكلم‬
‫ذلك إذا قرىء‪َ { :‬‬
‫معناه‪ :‬والذين عقدت لهم أيمانكم ذهابا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك من أن اليمان معنىّ‬
‫ب ها أيمان الفريق ين وأ ما «عاقدت أيمان كم»‪ ,‬فإ نه في تأو يل‪ :‬عاقدت أيمان هؤلء أيمان هؤلء‬
‫ع َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} بغ ير ألف‪,‬‬
‫الحلف‪ ,‬فه ما متقاربان في المع نى‪ ,‬وإن كا نت قراءة من قرأ ذلك‪َ { :‬‬
‫ح معنـى مـن قراءة مـن قرأه‪« :‬عَا َقدَتـْ» للذي ذكرنـا مـن الدللة على المعنىّ فـي صـفة‬
‫أصـ ّ‬
‫اليمان بالع قد على أن ها أيمان الفريق ين من الدللة على ذلك بغيره‪ .‬وأ ما مع نى قوله‪{ :‬عَ َقدَ تْ‬
‫أيمَانُكُمْ} فإنه وصلت وشدّ تْ ووكّدت أيمانكم‪ ,‬يعني‪ :‬مواثيقكم التي واثق بعضهم بعضا‪ ,‬فآتوهم‬
‫نصيبهم‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل في معنى النصيب الذي أمر ال أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضا‬
‫في السلم‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو نصيبه من الميراث لنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون‪ ,‬فأوجب‬
‫ال في السلم من بعضهم لبعض بذلك الحلف‪ ,‬وبمثله في السلم من الموارثة مثل الذي كان‬
‫لهم في الجاهلية‪ ,‬ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الرحام والقرابات‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 7427‬ـ حدثنا محمد بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن واضح‪ ,‬عن الحسن بن واقد‪ ,‬عن يزيد‬
‫النحو يّ‪ ,‬عن عكرمة والحسن البصريّ‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَاّلذِي نَ عَا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ فَآتُوهُ مْ نَ صِي َبهُمْ إ نّ‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬كان الرجـل يحالف الرجـل‪ ,‬ليـس بنيهمـا نسـب‪ ,‬فيرث‬
‫ل شَيْ ٍء َ‬
‫كانـ على كُ ّ‬
‫ّهـ َ‬‫الل َ‬
‫أحدهما الَخر‪ ,‬فنسخ ال ذلك في النفال‪ ,‬فقال‪{ :‬وأُولُوا الرْحامِ َب ْعضُهُمْ أوْلَى ِببَعضٍ في كِتابِ‬
‫اللّهِ}‪.‬‬
‫‪ 7428‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ» قال‪ :‬كان الرجال يعا قد الر جل فير ثه‪,‬‬
‫سعيد بن جبير في قول ال‪« :‬وَاّلذِي نَ عاقَدَ ْ‬
‫وعاقد أبو بكر رضي ال عنه مولى فورثه‪.‬‬
‫‪ 7429‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬ثني معاوية‪ ,‬عن علي بن طلحة‪ ,‬عن‬
‫ن عا َقدَتْ أيمَا ُن ُكمْ فآتُو ُه ْم نَصِي َب ُهمْ» فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪« :‬وَاّلذِي َ‬
‫ورثـه الَخـر‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬وأُلُوا ال ْرحَام ِـ َب ْعضَهُمُـ أوْلَى ِب َبعْضِـ فـي ِكتَاب ِـ اللّه ِـ مِنَـ ال ُم ْؤمِنين َـ‬
‫ل أ نْ تَ ْفعَلُوا إلى أوْلِيائِكُم َم ْعرُو فا} يقول‪ :‬إل أن يو صوا لوليائ هم الذ ين عاقدوا‬
‫جرِي نَ إ ّ‬
‫وَال ُمهَا ِ‬
‫وصية فهو لهم جائز ن ثلث مال الميت‪ ,‬وذلك هو المعروف‪.‬‬
‫‪ 7430‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪« :‬وَاّلذِي نَ‬
‫شهِيدا» كان الرجل يعاقد الرجلَ في‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ل َ‬
‫ن اللّ هَ كَا نَ عَلَى كُ ّ‬
‫عا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ فَآتُوهُمْ نَ صِي َبهُمْ إ ّ‬
‫الجاهل ية‪ ,‬فيقول‪ :‬د مى د مك‪ ,‬و َهدَ مي َهدَ مُ‪ ,‬وترث ني وأر ثك‪ ,‬وتطلب بي وأطلب بك‪ .‬فج عل له‬
‫السدس من جميع المال في السلك‪ ,‬ثم يقسم أهل الميرات ميراثهم‪ ,‬فنسخ ذلك بعد في سورة‬
‫ب اللّهِ}‪.‬‬
‫ض في ِكتَا ِ‬
‫ض ُهمُ أوْلَى ِب َبعْ ِ‬
‫النفال‪ ,‬فقال ال‪{ :‬وأولُوا ال ْرحَامِ َب ْع َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪« :‬وَاّلذِي نَ‬
‫عَا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ» قال‪ :‬كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول‪ :‬دمى دمك‪ ,‬وترثني وأرثك‪,‬‬
‫وتطلب بي وأطلب بك ‪ ¹‬فل ما جاء ال سلم‪ ,‬ب قي من هم ناس‪ ,‬فأمروا أن يؤتو هم ن صيبهم من‬
‫ض ُهمُ أوْلَى ِب َبعْضِ}‪.‬‬
‫الميراث وهو السدس‪ ,‬ثم نسخ ذلك بالميراث‪ ,‬فقال‪{ :‬وأولُوا ال ْرحَامِ َبعْ َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحاجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا همام بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ُمـ نَصـِيبَ ُهمْ» وذلك أن الرجـل كان يعاقـد‬
‫ُمـ فآتُوه ْ‬
‫َتـ أيمَانُك ْ‬
‫ِينـ عا َقد ْ‬
‫قتادة يقول فـي قوله‪« :‬وَاّلذ َ‬
‫الرجل في الجاهلية‪ ,‬فيقول‪ :‬هدمى هدمك‪ ,‬ودمي دمك‪ ,‬وترثني وأرثك‪ ,‬وتطلب بي وأطلب بك‪.‬‬
‫فجعل له السدس من جميع المال‪ ,‬ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم‪ ,‬فنسخ ذلك بعد النفال‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ضهُمُ أوْلَى ِب َبعْضِ في ِكتَابِ الّلهِ} فصارت المواريث لذوي الرحام‪.‬‬
‫{وأولُوا الرْحَامِ َب ْع َ‬
‫‪ 7431‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬هذا‬
‫حلف كان في الجاهلية‪ ,‬كان الرجل يقول للرجل‪ :‬ترثني وأرثك‪ ,‬وتنصرني وأنصرك‪ ,‬وتعقل‬
‫عني وأعقل عنك‪.‬‬
‫‪ 7432‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫ن عا َقدَتْ أيمَانُكُمْ» كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده‪:‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪« :‬وَاّلذِي َ‬
‫إن متّ فلك مثل ما يرث بعض ولدي وهذا منسوخ‪.‬‬
‫‪ 7433‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫جعَلْ نا مَوَالِ يَ مِمّا تَرَ كَ الوَالِدانِـ وال ْقرَبُونَـ وَاّلذِي نَ عاقَدَ تْ أيمَا ُنكُم ْـ‬
‫ابـن عباس قوله‪« :‬وَِلكُلّ َ‬
‫فَآتُوهُ مْ نَصـي َب ُهمْ» فإن الر جل فـي الجاهل ية قد كان يل حق بـه الرجـل‪ ,‬فيكون تاب عه‪ ,‬فإذا مات‬
‫ن عا َقدَ تْ‬
‫الر جل صار لهله وأقار به الميراث‪ ,‬وب قي تاب عه ل يس له ش يء‪ ,‬فأنزل ال‪« :‬وَاّلذِي َ‬
‫ضهُ مْ‬
‫أيمَانُكُ مْ فَآتُوهُ مْ نَ صِي َب ُهمْ» فكان يعطَى من ميراثه‪ ,‬فأنزل ال بعد ذلك‪{ :‬وأُولُوا الرْحا مٍ َبعْ ُ‬
‫ض في كِتاب اللّهِ}‪.‬‬
‫أوْلَى ِب َبعْ ٍ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَية في الذين آخى بينهم رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫المهاجريـن والنصـار‪ ,‬فكان بعضهـم يرث بعضـا بتلك المؤاخات ثـم نسـخ ال ذلك بالفرائض‪,‬‬
‫ن وال ْق َربُونَ}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ى ممّا َترَكَ الوَاِلدَا ِ‬
‫جعَلْنا مَوَاِل َ‬
‫وبقوله‪{ :‬وَِلكُلّ َ‬
‫‪ 7434‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إدر يس بن يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫طل حة بن م صرف‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪« :‬وَاّلذِي نَ عا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ‬
‫ُمـ نَصـِي َب ُهمْ» قال‪ :‬كان المهاجرون حيـن قدموا المدينـة يرث المهاجري النصـاري دون‬
‫فَآتُوه ْ‬
‫ذوي رح مه‪ ,‬للخوّة ال تي آ خى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بين هم‪ ,‬فل ما نزلت هذه الَ ية‪:‬‬
‫جعَلْنا مَوَاِليَ} نسخت‪.‬‬
‫ل َ‬
‫{وَِلكُ ّ‬
‫ن عا َقدَ تْ‬
‫‪ 7435‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪« :‬وَاّلذِي َ‬
‫أيمَانُكْم» الذين عقد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪{ ,‬فَآتُوهُ مْ نَ صِي َبهُمْ} إذا لم يأت رحم يحول‬
‫بينهم‪ ,‬قال‪ :‬وهو ل يكون اليوم‪ ,‬إنما كان في نفر آخى بينهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫وانق طع ذلك‪ ,‬ول يكون هذا ل حد إل لل نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬كان آ خى ب ين المهاجر ين‬
‫والنصار واليوم ل يؤاخي بين أحد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَ ية في أ هل الع قد بالحلف‪ ,‬ولكن هم أمروا أن يؤ تي بعض هم‬
‫بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7436‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إدريس الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا طلحة‬
‫بن مصرف‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪« :‬وَاّلذِين عَ َقدَتْ إيمَا ُنكُمْ فَآتُوهُ مْ نَصي َب ُهمْ» من‬
‫النصر والنصيحة والرفادة‪ ,‬ويوصي لهم‪ ,‬وقد ذهب الميراث‪.‬‬
‫‪7437‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫ع َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} قال‪ :‬كان حِلْ فٌ في الجاهلية‪ ,‬فأمروا في السلم أن يعطو هم‬
‫مجا هد‪{ :‬وَاّلذِي نَ َ‬
‫نصيبهم من العقل والنصرة والمشورة‪ ,‬ول ميراث‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‬
‫ن عا َقدَتْ أيمَا ُنكُمْ فَآتُو ُهمْ َنصِي َبهُمْ» من العون والنصر والخلف‪.‬‬
‫أنه قال في هذه الَية‪« :‬وَاّلذِي َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫ت أيمَانُكُمْ» قال‪ :‬كان هذا حلفا في الجاهلية‪ ,‬فما كان السلم‬
‫مجاهد في قوله ال‪« :‬وَاّلذِينَ عاقَدَ ْ‬
‫أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولء والمشورة‪ ,‬ول ميراث‪.‬‬
‫‪ 7438‬ـ حدثنا زكريا بن يحيـى بن أبي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬ابن جريج‪« :‬وَاّلذِي نَ‬
‫عا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ» أ خبرني ع بد ال بن كث ير أ نه سمع مجاهدا يقول‪ :‬هو الحلف عقدت أيمان كم‪,‬‬
‫قال‪ :‬وأتوهم نصيبهم‪ ,‬قال‪ :‬النصر‪.‬‬
‫‪ 7439‬ـ حدثني زكريا بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬ابن جريج‪ :‬أخبرني عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫هو الحلف‪ ,‬قال‪{ :‬فَآتُو ُهمْ َنصِي َب ُهمْ} قال‪ :‬العقل والنصر‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‬
‫في قول ال‪« :‬وَاّلذِينَ عا َقدَتْ أيمَا ُن ُكمْ» قال‪ :‬لهم نصيبهم من النصر والرفادة والعقل‪..‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪ 7440‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد‪« :‬وَاّلذِي نَ‬
‫عا َقدَتْ أيمَا ُنكُمْ» قال‪ :‬هم الحلفاء‪.‬‬
‫‪ 7441‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحما ني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عباد بن العوّام‪ ,‬عن خ صيف‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7442‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن عا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ فَآتُوهُ ْم نَ صِي َبهُمْ» أما عاقدت أيمانكم فالحلف كان الرجل في الجاهلية‬
‫«وَاّلذِي َ‬
‫ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم يواسونه بأنفسهم‪ ,‬فإذا كان لهم ح قّ أو قتال كان مثلهم‪,‬‬
‫وإذا كان له ح قّ أو نصرة خذلوه ‪ ¹‬فلما جاء السلم سألوا عنه‪ ,‬وأبي ال إل أن يشدده‪ ,‬وقال‬
‫شدّةً»‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ« :‬لمْ َي ِزدِ السْلمُ الحُلَفاءَ إ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَ ية في الذ ين كانوا يتبنون أبناء غير هم في الجاهل ية‪ ,‬فأمروا‬
‫بالسلم أن يوصوا لهم عند الموت وصية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7443‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثنى الليث‪ ,‬عن عقيل‪ ,‬عن ابن‬
‫َانـ‬
‫َكـ الوَاِلد ِ‬
‫جعَلْنـا مَوَاِلىَ مِم ّا َتر َ‬
‫ل َ‬
‫شهاب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـى سـعيد بـن المسـيب‪ ,‬أن ال قال‪« :‬وَِلكُ ّ‬
‫ن عا َقدَ تْ أيمَا ُنكُ مْ فَآتُوهُ ْم نَ صِيبَ ُهمْ» قال سعيد بن المسيب‪ :‬إنما نزلت هذه الَية‬
‫وَال ْقرَبُو نَ وَاّلذِي َ‬
‫في الذ ين كانوا يتبنون رجالً غ ير أبنائ هم ويورثون هم‪ ,‬فأنزل ال في هم‪ ,‬فج عل ل هم ن صيبا في‬
‫الو صية‪ ,‬وردّ الميراث إلى الموالي في ذوي الر حم والع صبة‪ ,‬وأ بي ال للمدع ين ميرا ثا م من‬
‫ادعاهم وتبّناهم‪ ,‬ولكن ال جعل لهم نصيبا في الوصية‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القوال بال صواب في تأو يل قوله‪{ :‬وَاّلذِي نَ عَ َقدَ تْ أيَما ُنكُ مْ} قول من‬
‫قال‪ :‬والذ ين عقدت أيمان كم على المحال فة‪ ,‬و هم الحلفاء‪ ,‬وذلك أ نه معلوم ع ند جم يع أ هل العلم‬
‫بأيام العرب وأخبارها أن عقد الحلف بينها كان يكون باليمان والعهود والمواثيق‪ ,‬على نحو ما‬
‫ل ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه‬
‫قد ذكرنا من الرواية في ذلك‪ .‬فإذ كان ال ج ّ‬
‫بها بينهم دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم‪ ,‬وكانت مؤاخاة النبيّ صلى ال عليه وسلم بين‬
‫من آ خى بي نه وبي نه من المهاجر ين والن صار‪ ,‬لم ت كن بين هم بأيمان هم‪ ,‬وكذلك التب ني ‪ ¹‬كان‬
‫معلو ما أن ال صواب من القول في ذلك قول من قال‪ :‬هو الحلف دون غيره ل ما و صفنا من‬
‫العلة‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬فَآتُوهُ مْ نَ صِي َب ُهمْ} فإن أولى التأويل ين به‪ ,‬ما عل يه الجم يع مجمعون من حك مه‬
‫الثا بت‪ ,‬وذلك إيتاء أ هل الحلف الذي كان في الجاهل ية دون ال سلم بعض هم بع ضا أن صباءهم‬
‫من الن صرة والن صيحة والرأي دون الميراث‪ ,‬وذلك ل صحة ال خبر عن ر سول ال صلى ال‬
‫ن حِلْفٍ في الجَاهِِليّ ِة فَلَمْ َي ِزدْ ُه السْلمُ إلّ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬أنه قال‪« :‬ل حِلْفَ في السْلمِ‪ ,‬وما كَانَ ِم ْ‬
‫شدّةً»‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ 7444‬ـ حدثنا بذلك أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪7445‬ـ وحدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن المقدام‪ ,‬عن إسرائيل بن يونس‪ ,‬عن محمد‬
‫بن عبد الرحمن مولى آل طلحة‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫شدّةً‪ ,‬وَما‬
‫ن في الجاهِِليَ ِة فَلَ مْ َيزِدْ ُه ال سْلمُ إلّ ِ‬
‫ل حِلْف كا َ‬
‫ف في ال سْلمِ‪ ,‬وكُ ّ‬
‫عليه وسلم‪« :‬ل حِلْ َ‬
‫ح ْمرَ ال ّن َعمِ وأنّى َن َقضْتُ الحِ ْلفَ اّلذِي كانَ فِي دَارِ ال ّندْ َوةِ»‪.‬‬
‫ن لي ُ‬
‫َيسُرّني أ ّ‬
‫‪7446‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن شعبة بن التوأم الضبيّ‪:‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم عن الحلف‪ ,‬فقال‪« :‬ل حِلْ فَ فِي ال سْلمِ‪,‬‬
‫أن قيس بن عاصم سأل النب ّ‬
‫سكُوا ِبحِ ْلفِ الجاهِِليّةِ»‪.‬‬
‫ن َت َم ّ‬
‫وَلَك ْ‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مغيرة‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن شع بة بن‬
‫التوأم‪ ,‬عن قيس بن عاصم أنه سأل النبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحلف قال‪ :‬فقال‪« :‬ما كانَ‬
‫سكُوا بِهِ وَل حِ ْلفَ فِي السْلمِ»‪.‬‬
‫ف فِي الجاهِِليّ ِة َف َتمَ ّ‬
‫ن حِلْ ِ‬
‫مِ ْ‬
‫‪7447‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن داود بن أبي عبد ال‪ ,‬عن ابن جدعان‪ ,‬عمن‬
‫حدثه‪ ,‬عن أم سلمة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬ل حِلْ فَ فِي ال سْلمِ‪ ,‬وَما كا نَ‬
‫شدّةً»‪.‬‬
‫ف فِي الجاهِِليّ ِة َلمْ َي ِزدْهُ السْلمُ إلّ ِ‬
‫ن حِلْ ٍ‬
‫مِ ْ‬
‫‪ 7448‬ـ حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سين المعلم‪ .‬وحدث نا مجا هد بن مو سى‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنـا يزيـد بـن هارون قال‪ :‬حسـين المعلم‪ .‬وحدثنـا حاتـم بـن بكـر الضـبيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد‬
‫العلى‪ ,‬عن حسـين المعلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـي‪ ,‬عـن عمرو بن شعيـب‪ ,‬عن أبيـه‪ ,‬عن جده‪ ,‬أن‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال فـي خطبتـه يوم فتـح مكـة‪« :‬فُوا ِبحِلْفـٍ‪ ,‬فإنّهُـ ل َيزِيدُهُـ‬
‫ح ِدثُوا حِلْفا في السْلمِ»‪.‬‬
‫شدّةً‪ ,‬وَل ُت ْ‬
‫ل ِ‬
‫السْلمُ إ ّ‬
‫‪ 7449‬ـ حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد ال الصفار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫زكريا بن أبي زائدة قال‪ :‬ثنى سعد بن إبراهيم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جبير بن مطعم‪ :‬أن النبيّ صلى‬
‫ن فِي الجاهِِليّةِ فَلَ مْ َيزِدْ هُ ال سْل ُم إلّ‬
‫ال عليه وسلم قال‪« :‬ل حِلْ فَ فِي ال سْلمِ‪ ,‬وأ ّيمَا حِلْ فٍ كا َ‬
‫شدّةً»‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ 7450‬ـ حدثنا حم يد بن مسعدة ومحمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن المف ضل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا ع بد الرح من بن إ سحاق‪ ,‬وحدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن ع بد‬
‫الرحمن بن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن محمد بن جبير بن مطعم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عبد الرحمن‬
‫طيّبِي نَ وأ نا غُل مٌ مَ عَ‬
‫ش ِهدْ تُ حِلْ فَ ال ُم َ‬
‫بن عوف‪ ,‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال‪َ « :‬‬
‫ح ْمرَ ال ّنعَ مِ وَأنّي أ ْن ُكثُ هْ» زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن لي ُ‬
‫بأ ّ‬
‫عمُو َمتِي‪َ ,‬فمَا ُأحِ ّ‬
‫ُ‬
‫ب ال سْلمُ حِلْ فا إلّ زَادَ ُه شِدّةً»‬
‫وقال الزهري‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬لَ مْ يُ صِ ِ‬
‫قال‪« :‬ول حِلْفَـ فـي السـْلمِ»‪ ,‬قال‪ :‬وقـد ألّف رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم بيـن قريـش‬
‫والنصار‪.‬‬
‫حدث نا تم يم بن المنت صر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن إ سحاق‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫شع يب عن أب يه عن جدّه‪ ,‬قال‪ :‬ل ما د خل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم م كة عام الف تح‪ ,‬قام‬
‫خطيبا في الناس‪ ,‬فقال‪« :‬يا أيّها النّا سُ ما كا نَ مِ نْ حِلْف في الجاهِِليّةِ فإ نّ ال سْلمَ لَ مْ َي ِزدْ ُه إلّ‬
‫شدّةً‪ ,‬وَل حِ ْلفَ فِي السْلم»‪.‬‬
‫ِ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن إسحاق‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب قال‪ :‬حدث نا خالد بن مخلد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سليمان بن بلل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد‬
‫الرحمن بن الحرث عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫نحوه‪.‬‬
‫فإذ كان ما ذكرنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم صحيحا‪ ,‬وكانت الَية إذا اختلف في‬
‫حكمهـا منسـوخ هـو أم غيـر منسـوخ‪ ,‬غيـر جائز القضاء عليـه بأنـه منسـوخ ــ مـع اختلف‬
‫المختلفين فيه‪ ,‬ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنه وجه صحيح إل بحجة يجب التسليم لها لما‬
‫قد بي نا في غ ير مو ضع من كتب نا الدللة على صحة القول بذلك‪ ,‬فالوا جب أن يكون ال صحيح‬
‫ت أيمَا ُنكُ مْ فَآتُوهُ مْ نَ صي َبهُمْ} هو ما ذكر نا من التأو يل‪,‬‬
‫من القول في تأو يل قوله‪{ :‬وَاّلذِي نَ عَ َقدَ ْ‬
‫ت أيمَانُكُ مْ} مِن الحلف‪ ,‬وقوله‪{ :‬فَآتُوهُ ْم نَ صي َب ُهمْ} من الن صرة والمعو نة‬
‫و هو أن قوله‪{ :‬عَ َقدَ ْ‬
‫والنصيحة والرأي على ما أمره به من ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في الخبار التي‬
‫ُمـ نَصـي َب ُهمْ} مـن الميراث‪ ,‬وإن ذلك كان‬
‫ذكرناه عنـه‪ ,‬دون قول مـن قال‪ :‬معنـى قوله‪{ :‬فآتُوه ْ‬
‫ضهُ مْ أوْلَى ِب َبعْ ضٍ فِي كِتاب الّل هِ} دون ما سوى القول‬
‫حكما‪ ,‬ثم نسخ بقوله‪{ :‬وأُولُوا الرْحا ِم َبعْ ُ‬
‫الذي قلناه في تأويل ذلك‪ .‬وإذا صحّ ما قلنا في ذلك وجب أن تكون الَية محكمة ل منسوخة‪.‬‬
‫شهِيدا}‪.‬‬
‫شيّءٍ َ‬
‫ل َ‬
‫ن اللّ َه كانَ عَلى كُ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي‪ ,‬فإن‬
‫ال شاهد على ما تفعلون من ذلك وعلى غيره من أفعالكم‪ ,‬مراع لكل ذلك حافظ‪ ,‬حتى يجازي‬
‫جميعكـم على جميـع ذلك جزاءه‪ ,‬أمـا المحسـن منكـم المتبـع أمري وطاعتـي فبالحسـنى‪ ,‬وأمـا‬
‫شهِيدا}‪ :‬ذو شهادة على ذلك‪.‬‬
‫المسيء منكم المخالف أمري ونهى فبالسوأي‪ .‬ومعنى قوله‪َ { :‬‬

‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ عََلىَ‬
‫ّهـ َب ْعضَه ْ‬
‫ُونـ عَلَى النّسـَآءِ بِمَا فَضّلَ الل ُ‬
‫{ال ّرجَالُ قَوّام َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫لتِي َتخَافُو نَ‬
‫حفِظَ الّلهُ وَال ّ‬
‫ب ِبمَا َ‬
‫ن َأمْوَاِلهِمْ فَالصّاِلحَاتُ قَا ِنتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّ ْل َغيْ ِ‬
‫َبعْ ضٍ َو ِبمَآ َأنْفَقُواْ مِ ْ‬
‫سبِيلً‬
‫ط ْع َنكُ مْ فَلَ َت ْبغُواْ عََل ْيهِ نّ َ‬
‫ض ِربُوهُ نّ َفإِ نْ َأ َ‬
‫ن فِي ا ْل َمضَاجِ عِ وَا ْ‬
‫جرُو ُه ّ‬
‫ن َفعِظُو ُه نّ وَا ْه ُ‬
‫ُنشُوزَهُ ّ‬
‫ن اللّ َه كَانَ عَِليّا َكبِيرا }‪..‬‬
‫إِ ّ‬
‫ُونـ على النّسـاء}‪ :‬الرجال أهـل قيام على نسـائهم فـي‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬الرّجالُ قَوّام َ‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫ضهُ مْ على‬
‫تأديب هن وال خذ على أيدي هن‪ ,‬في ما ي جب عليه نّ ل ولنف سهم ‪{ ¹‬بِمَا فَضّلَ الّل ُه َب ْع َ‬
‫ن مهوره نّ‪ ,‬وإنفاق هم‬
‫َبعْ ضٍ}‪ :‬يع ني ب ما ف ضل ال به الرجال على أزواج هم من سوقهم إليه ّ‬
‫ن علي هن‪ ,‬ولذلك‬
‫عليه نّ أموال هم‪ ,‬وكفايت هم إيا هن مؤن هن‪ .‬وذلك تفض يل ال تبارك وتعالى إياه ّ‬
‫صاروا قوّاما عليهنّ‪ ,‬نافذي المر عليهنّ فيما جعل ال إليهم من أمورهنّ‪.‬‬
‫وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7451‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن على النّ ساءِ} يع ني‪ :‬أمراء علي ها أن‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬الرّجالُ قَوّامُو َ‬
‫تطي عه في ما أمر ها ال به من طاع ته‪ ,‬وطاع ته أن تكون مح سنة إلى أهله حاف ظة لماله وفضله‬
‫عليها بنفقته وسعيه‪.‬‬
‫‪ 7452‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زهير‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‬
‫ضهُ مْ على بَعْض} يقول‪ :‬الر جل قائم‬
‫ل اللّ ُه َبعْ َ‬
‫ن على النّ ساءِ بِمَا فَضّ َ‬
‫في قوله‪{ :‬الرّجالُ قَوّامُو َ‬
‫على المرأة يأمرها بطاعة ال‪ ,‬فإن أبت‪ ,‬فله أن يضربها ضربا غير مبرّح‪ ,‬وله عليها الفضل‬
‫بنفقته وسعيه‪.‬‬
‫‪ 7453‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن على النّساءِ} قال‪ :‬يأخذون على أيديهن ويؤدبونهنّ‪.‬‬
‫ل قَوّامو َ‬
‫السديّ‪{ :‬الرّجا ُ‬
‫‪ 7454‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ض ُهمْ عَلى َبعْضٍ} قال‪ :‬بتفضيل ال الرجال على النساء‪.‬‬
‫ل اللّ ُه َبعْ َ‬
‫سفيان‪ ,‬يقول‪ِ { :‬بمَا فَضّ َ‬
‫وذكر أن هذه الَية نزلت في رجل لطم امرأته‪ ,‬فخوصم إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم في‬
‫ذلك‪ ,‬فقضى لها بالقصاص‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7455‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا الح سن‪ :‬أن رجلً ل طم امرأ ته‪ ,‬فأ تت ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأراد أن يق صها م نه‪,‬‬
‫ضهُم ْـ على َبعْض ٍـ وبِمَا أنْفَقُوا مِن ْـ‬
‫ل قَوّامُونَـ على النسـا ِء بِمَا َفضّلَ اللّهُـ َبعْ َ‬
‫فأنزل ال‪{ :‬الرّجا ُ‬
‫غيْرَهُ»‪.‬‬
‫ت أمْرا وأرَادَ اللّه َ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتلها عليه وقال‪« :‬أرَدْ ُ‬
‫أمْوَاِل ِهمْ} فدعاه النب ّ‬
‫‪ 7456‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬الرّجالُ‬
‫ن أمْوَاِلهِ مْ} ذ كر ل نا أن‬
‫ضهُ مْ على َبعْ ضٍ وبِمَا أنْ َفقُوا مِ ْ‬
‫ن على النّ ساءِ بِمَا َفضّلَ الّل ُه َبعْ َ‬
‫قَوّامُو َ‬
‫رجلً لطم امرأّه‪ ,‬فأتت النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫ن على النّساءِ} قال‪ :‬صكّ رجل امرأته‪ ,‬فأتت النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأراد‬
‫ل قَوّامُو َ‬
‫{الرّجا ُ‬
‫ن على النّساءِ}‪.‬‬
‫أن يقيدَها منه‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬الرّجالُ قَوّامُو َ‬
‫‪ 7457‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن جر ير بن حازم‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬أن رجلً من‬
‫النصـار لطـم امرأتـه‪ ,‬فجاءت تلتمـس القصـاص‪ ,‬فجعـل النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم بينهمـا‬
‫حيُ هُ} ونزلت‪{ :‬الرّجالُ‬
‫ن يُقْضَى إَليْ كَ َو ْ‬
‫ن َقبْل أ ْ‬
‫ل بالقُرآ نِ مِ ْ‬
‫القصاص‪ ,‬فنزلت‪ :‬قوله‪{ :‬وَل َت ْعجَ ْ‬
‫ض ُهمْ على َبعْض}‪.‬‬
‫ن على النّساءِ بِمعا فَضّلَ الّل ُه َبعْ َ‬
‫قَوّامُو َ‬
‫‪ 7458‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬لطم رجل‬
‫امرأته‪ ,‬فأراد النبيّ صلى ال عليه وسلم القصاص‪ ,‬فبينما هم كذلك‪ ,‬نزلت الَية‪.‬‬
‫‪7459‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪,‬‬
‫ل قَوّامُونَ على النّساءِ} فإن رجلً من النصار كان بينه وبين امرأته كلم‪ ,‬فلطمها‪,‬‬
‫أما‪{ :‬الرّجا ُ‬
‫ُونـ على‬
‫ل قَوّام َ‬
‫فانطلق أهلهـا‪ ,‬فذكروا ذلك للنـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فأخـبرهم‪{ :‬الرّجا ُ‬
‫النّساءِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وكان الزهري يقول‪ :‬ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس‪.‬‬
‫‪ 7460‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬سمعت‬
‫شجـ امرأتـه‪ ,‬أو جرحهـا‪ ,‬لم يكـن عليـه فـي ذلك قود وكان عليـه‬
‫الزهري‪ ,‬يقول‪ :‬لو أن رجلً ّ‬
‫العقل‪ ,‬إل أن يعدو عليها فيقتلها‪ ,‬فيقتل بها‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬و ِبمَا أنْفَقُوا مِ نْ أ ْموَاِلهِ مْ} فإنه يعني‪ :‬وبما ساقوا إليه نّ من صداق‪ ,‬وأنفقوا عليهن‬
‫من نفقة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7461‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬فضله علها بنفقته وسعيه‪.‬‬
‫‪ 7462‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زهير‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7463‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن أمْوَاِل ِهمْ} بما ساقوا من المهر‪.‬‬
‫سفيان يقول‪{ :‬و ِبمَا أنْ َفقُوا مِ ْ‬
‫ن وبإنفاقهم عليه نّ من‬
‫فتأويل الكلم إذًا‪ :‬الرجال قوّامون على نسائهم بتفضيل ال إياهم عليه ّ‬
‫أموالهـم‪ .‬و«مـا» التـي فـي قوله‪{ :‬بِمَا فَضّلَ اللّهـُ} والتـي فـي قوله‪{ :‬وبِمَا أنْفَقُوا} فـي معنـى‬
‫المصدر‪.‬‬
‫ظ اللّهُ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ ل ْل َغيْب بِما حَ ِف َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬فالصّالِحاتُ}‪ :‬المستقيمات الدين‪ ,‬العاملت بالخير‪ .‬كما‪:‬‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫‪ 7464‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن المبارك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت سفيان‪ ,‬يقول‪ :‬فالصالحات يعملن بالخير‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬قانِتاتٌ} يعني‪ :‬مطيعات ل ولزواجهن‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7465‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ :‬قوله‪{ :‬قانِتاتٌ} قال‪ :‬مطيعات‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{قانِتاتٌ} قال‪ :‬مطيعات‪.‬‬
‫ي عن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫‪ 7466‬ـ حدثني عل ّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬قانِتاتٌ}‪ :‬مطيعات‪.‬‬
‫‪ 7467‬ـ حدث نا الح سن بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬قانِتا تٌ}‪ :‬أي‬
‫مطيعات ل ولزواجهنّ‪.‬‬
‫حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫مطيعات‪.‬‬
‫‪7468‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫القانتات‪ :‬المطيعات‪.‬‬
‫‪ 7469‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سفيان يقول في قوله‪{ :‬قانِتاتٌ} قال‪ :‬مطيعات لزواجهن‪.‬‬
‫وقد بينا معنى القنوت فيما مضى وأنه الطاعة‪ ,‬ودللنا على صحة ذلك من الشواهد بما أغنى‬
‫عن إعادته‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬حافِظا تٌ للغَيْب} فإ نه يع ني‪ :‬حافظات لنف سهنّ ع ند غي بة أزواجه نّ عنه نّ في‬
‫ن من حقّ ال في ذلك وغيره‪ .‬كما‪:‬‬
‫فروجهن وأموالهم‪ ,‬وللواجب عليه ّ‬
‫ت لل َغيْ بِ}‬
‫‪ 7470‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬حافِظا ٌ‬
‫ن ال من حقه‪ ,‬وحافظات لغيب أزواجهن‪.‬‬
‫يقول‪ :‬حافِظات لما استودعه ّ‬
‫‪7471‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪:‬‬
‫ظ اللّهُ} يقول‪ :‬تحفظ على زوجها ماله وفرجها‪ ,‬حتى يرجع كما أمرها‬
‫{حافِظاتٌ لل َغيْبِ بِمعا حَفِ َ‬
‫ال‪.‬‬
‫‪7472‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫ت لل َغيْبِ}؟ قال‪ :‬حافظات للزوج‪.‬‬
‫ما قوله‪{ :‬حافِظا ٌ‬
‫حدث ني زكر يا بن يحي ـى بن أ بي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ :‬سألت‬
‫عطاء‪ ,‬عن{حافِظاتٌ لل َغيْبِ} قال‪ :‬حافظات للزواج‪.‬‬
‫‪ 7473‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سفيان يقول‪{ :‬حافِظاتٌ لل َغيْبِ}‪ :‬حافظات لزواجهن لما غاب من شأنهنّ‪.‬‬
‫‪7474‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي‬
‫خ ْيرُ النّساءِ امْرأةٌ‬
‫سعيد المقبري‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬‬
‫ظتْ كَ فِي نَفْ سِها وَمالِ كَ» قال‪:‬‬
‫عنْها حَ ِف َ‬
‫غبْ تَ َ‬
‫عتْ كَ‪ ,‬وَإذَا ِ‬
‫سرّ ْتكَ‪ ,‬وإذَا أ َم ْرتَها أطا َ‬
‫ظرْ تَ إَليْها َ‬
‫إذَا َن َ‬
‫ن على النّساءِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪{ :‬الرّجالُ قَوّامُو َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم يدلّ على صحة ما قلنا في‬
‫تأو يل ذلك‪ ,‬وأن معناه‪ :‬صالحات في أديانه نّ‪ ,‬مطيعات لزواجه نّ‪ ,‬حافظات ل هم في أنف سهنّ‬
‫وأموالهم‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬بِمَا حَف ظَ اللّ هُ} فإن القرّاء اختل فت في قراء ته‪ ,‬فقرأ ته عا مة القراء في جم يع‬
‫ن إذ صيرهن كذلك‪.‬‬
‫أمصار السلم‪{ :‬بِما حَفِ ظَ الّل هُ} برفع اسم ال على معنى‪ :‬بحفظ ال إياه ّ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 7475‬ـ حدث ني زكر يا بن يحي ـى بن أ بي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪:‬‬
‫ح ِفظَ اللّهُ} قال‪ :‬يقول‪ :‬حفظهنّ ال‪.‬‬
‫سألت عطاء‪ ,‬عن قوله‪ِ { :‬بمَا َ‬
‫‪ 7476‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سفيان يقول في قوله‪ِ { :‬بمَا حَ ِفظَا اللّهُ} قال‪ :‬بحفظ ال إياها أنه جعلها كذلك‪.‬‬
‫ن ال في طاعته‪,‬‬
‫وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني‪ِ « :‬بمَا حَفِظَ اللّهَ» يعني‪ :‬بحفظه ّ‬
‫ن من ح فظ غيب أزواجه نّ‪ ,‬كقول الر جل للر جل‪ :‬ما حفظت ال في كذا‬
‫وأداء ح قه بما أمره ّ‬
‫وكذا‪ ,‬بمعنى‪ :‬راقبته ولحظته‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القراءة في ذلك ما جاءت به قراءة المسلمين من القراءة مجيئا‬
‫يق طع عذر من بل غه ويث بت عل يه حج ته‪ ,‬دون ما انفرد به أ بو جع فر فشذّ عن هم‪ ,‬وتلك القراءة‬
‫تر فع ا سم ال تبارك وتعالى‪{ :‬بِمَا حَفِ ظَ اللّ هُ} مع صحة ذلك في العرب ية وكلم العرب‪ ,‬وق بح‬
‫نصبه في العربية لخروجه عن المعروف من منطق العرب‪ .‬وذلك أن العرب ل تحذف الفاعل‬
‫مع الم صادر من أ جل أن الفا عل إذا حذف مع ها لم يكّن للف عل صاحب معروف‪ .‬و في الكلم‬
‫متروك استغني بدللة الظاهر من الكلم عليه من ذكره ومعناه‪{ :‬فال صّالِحاتُ قانِتا تٌ حافِظا تٌ‬
‫ن وأصلحوا‪ ,‬وكذلك هو فيما ذكر في قراءة ابن مسعود‪.‬‬
‫لل َغيْب ِبمَا حَ ِفظَ الّلهُ} فأحسنوا إليه ّ‬
‫‪7477‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ت قانِتا تٌ ل ْل َغيْ بِ‬
‫عي سى الع مي‪ ,‬عن طل حة بن مصرف‪ ,‬قال‪ :‬في قراءة عبد ال‪« :‬فال صّالِحا ُ‬
‫ن ُنشُوزَهُنّ»‪.‬‬
‫لتِي تخافُو َ‬
‫ِبمَا حَ ِفظَ الّلهُ فأصلحوا إليهنّ وال ّ‬
‫‪7478‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ت لل َغيْبِ ِبمَا حَ ِفظَ الّلهُ} فأحسنوا إليهنّ‪.‬‬
‫ت قانِتاتٌ حافِظا ٌ‬
‫{فالصّالِحا ُ‬
‫ي بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪,‬‬
‫‪7479‬ـ حدثني عل ّ‬
‫ح ِفظَ اللّهُ} فأصلحوا إليهنّ‪.‬‬
‫ت حافِظاتٌ لل َغيْبِ ِبمَا َ‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬فالصّالِحاتُ قانِتا ٌ‬
‫ي بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أ بي‬
‫حدث ني عل ّ‬
‫ب ِبمَا حَفِ ظَ الّل هُ} يعني إذا ك نّ‬
‫ت قانِتا تٌ حافِظا تٌ لل َغيْ ِ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬فال صّالِحا ُ‬
‫هكذا‪ ,‬فأصلحوا إليهنّ‪.‬‬
‫ن فعظُوهُنّ}‪.‬‬
‫ن ُنشُوزَهُ ّ‬
‫لتِي تخافُو َ‬
‫القول في تأويل قوله‪{ :‬وال ّ‬
‫ن ُنشُوزَهُنّ} فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬واللتي‬
‫لتِي تخافُو َ‬
‫اختلف أهل التأويل في معنى قوله‪{ :‬وال ّ‬
‫تعلمون نشوزهنـّ‪ .‬ووجـه صـرف الخوف فـي هذا الموضـع إلى العلم فـي قول هؤلء نظيـر‬
‫ن شكا‪ ,‬وكان الخوف مقرونا برجاء‪ ,‬وكانا‬
‫ن إلى العلم لتقارب معنييهما‪ ,‬إذ كان الظ ّ‬
‫صرف الظ ّ‬
‫جميعا من فعل المرء بقلبه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن ل أذُوقُها‬
‫وَل َت ْد ِفنَنّـي فِي الفَل ِة فانّنِيأخافُ إذَا ما مِتّ أ ْ‬
‫معناه‪ :‬فإنني أعلم‪ ,‬وكما قال الَخر‪:‬‬
‫ك عائِبي‬
‫صيْب يَقُوُلهُوَما خِفْتُ يا سَلّمُ أ ّن َ‬
‫عنْ ُن َ‬
‫أتانِي كَلمٌ َ‬
‫بمعنى‪ :‬وما ظننت‪.‬‬
‫وقال جماعـة مـن أهـل التأويـل‪ :‬معنـى الخوف فـي هذا الموضـع‪ :‬الخوف الذي هـو خلف‬
‫الرجاء‪ .‬قالوا‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬إذا رأيتـم منهـن مـا تخافون أن ينشزن عليكـم مـن نظـر إلى مـا ل‬
‫ينبغي لهن أن ينظرن إليه‪ ,‬ويدخلن ويخرجن‪ ,‬واستربتم بأمره نّ‪ ,‬فعظوه نّ واهجروه نّ‪ .‬وممن‬
‫قال ذلك محمد بن كعب‪.‬‬
‫وارتفاعهنـ عـن فرشهـم‬
‫ّ‬ ‫وأمـا قوله‪ُ { :‬نشُوزَهُنـّ} فإنـه يعنـي‪ :‬اسـتعلءهنّ على أزواجهنـّ‪,‬‬
‫ن طاعتهم فيه‪ ,‬بغضا منه نّ وإعراضا عنهم وأصل‬
‫بالمعصية منه نّ‪ ,‬والخلف عليهم فيما لزمه ّ‬
‫النشوز الرتفاع‪ ,‬ومنـه قيـل للمكان المرتفـع مـن الرض نَشْـز و َنشَاز‪َ { .‬ف ِعظُوهُنـّ} يقول‪:‬‬
‫ن ال‪ ,‬وخوفوه نّ وعيده في ركوبها ما حرّم ال عليها من معصية زوجها فيما أوجب‬
‫ذكروه ّ‬
‫عليها طاعته فيه‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال‪ :‬النشوز‪ :‬البغض ومعصية الزوج‪:‬‬
‫‪7480‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن ُنشُوزَهُنّ} قال‪ :‬بعضهنّ‪.‬‬
‫لتِي تَخافُو َ‬
‫{وال ّ‬
‫لتِي تَخافُو نَ‬
‫‪ 7481‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وال ّ‬
‫ُنشُوزَهُنّ} قال‪ :‬التي تخاف معصيتها‪ .‬قال‪ :‬النشوز‪ :‬معصيته وخلفه‪.‬‬
‫‪ 7482‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن علي بن أ بي‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬واللّتـي تَخافُونَـ ُنشُوزَهُنـّ} تلك المرأة تنشـز وتسـتخفّ بحـق‬
‫زوجها ول تطيع أمره‪.‬‬
‫‪ 7483‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬حدث نا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫عطاء‪ :‬النشوز‪ :‬أن تحـب فراقـه‪ ,‬والرجـل كذلك‪ .‬ذكـر الروايـة عمـن قال مـا قلنـا فـي قوله‪:‬‬
‫{فَ ِعظُوهُنّ}‪:‬‬
‫‪ 7484‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية‪ ,‬عن علي بن أبي‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪َ { :‬ف ِعظُوهنـّ} يعنـي‪ :‬عظوهـن بكتاب ال‪ ,‬قال‪ :‬أمره ال إذا نشزت أن‬
‫يعظها ويذكرها ال ويعظم حقه عليها‪.‬‬
‫‪ 7485‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن ُنشُوزَهُ نّ َف ِعظُوهُ نّ} قال‪ :‬إذا نشزت المرأة عن فراش زوج ها يقول‬
‫مجا هد‪{ :‬واللّ تي تَخافُو َ‬
‫لها‪ :‬اتقي ال وارجعي إلى فراشك‪ ,‬فإن أطاعته فل سبيل له عليها‪.‬‬
‫‪7486‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا نشزت المرأة على زوجها فليعظها بلسانه‪ ,‬يقول‪ :‬يأمرها بتقوى ال وطاعته‪.‬‬
‫‪7487‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن موسى بن عبيدة‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظي‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا رأى الرجل خفّة في بصرها في مدخلها ومخرجها‪ ,‬قال‪ :‬يقول لها بل سانه‪ :‬قد رأ يت‬
‫عتَبتْ فل سبيل له عليها‪ ,‬وإن أبت هجر مضجعها‪.‬‬
‫منك كذا وكذا فانتهى! فإن أ َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شبل‪ ,‬عن‬
‫ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪َ { :‬ف ِعطُوهُنّ} قال‪ :‬إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها‪ ,‬فإنه‬
‫يقول لها‪ :‬اتقي ال وارجعي‪.‬‬
‫‪ 7488‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عطاء‪َ { :‬فعِظُو ُه نّ}‬
‫قال‪ :‬بالكلم‪.‬‬
‫‪7489‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫{فَ ِعظُوهُنّ} قال باللسنة‪.‬‬
‫‪7490‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو بن أبي قيس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪{ :‬فَ ِعظُوهُنّ} قال‪ :‬عظوهن باللسان‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وا ْهجُرو ُهنّ فِي ال َمضَاجِع}‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فعظوهن في نشوز هن عليكم‬
‫أيها الزواج‪ ,‬فإن أبين مراجعة الحق في ذلك والواجب عليهم لكم‪ ,‬فاهجروهن بترك جماعهن‬
‫في مضاجعتكم إياهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7491‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن علي‬
‫جرُو ُهنّ فِي ال َمضَاجِع} يعني‪ :‬عظوهن‪ ,‬فإن‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬ف ِعظُوهُنّ وا ْه ُ‬
‫أطعنكم وإل فاهجروهن‪.‬‬
‫‪ 7492‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن فِي ال َمضَاجِع} يع ني بالهجران أن يكون الر جل وامرأ ته على فراش‬
‫جرُو ُه ّ‬
‫ا بن عباس‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫واحد ل يجامعها‪.‬‬
‫‪ 7493‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الهجر‪ :‬هجر الجماع‪.‬‬
‫‪7494‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪:‬‬
‫أما {تَخافُو نَ ُنشُوزَهُ نّ} فإن على زوجها أن يعظها‪ ,‬فإن لم تقبل فليهجرها في المضجع‪ .‬يقول‪:‬‬
‫يرقد عندها ويوليها ظهره‪ ,‬ويطؤها ول يكلمها‪ .‬هكذا في كتابي‪« :‬ويطؤها ول يكلمها»‪.‬‬
‫‪7495‬ــ حدثنـي المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫ن فِي المَضَاجِع} قال‪ :‬يضاجعها ويهجر كلمها ويوليها ظهره‪.‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫الضحاك في قوله‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شر يك‪,‬‬
‫ن فِي المَضَاجِع} قال‪:‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫ل يجامعها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬واهجرو هن واهجروا كلم هن في تركه نّ مضاجعت كم‪ ,‬ح تى‬
‫يرجعن إلى مضاجعتكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7496‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن‬
‫ن فِي المَضَاجِع} أن ها ل تترك في الكلم‪,‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫أ بي الض حى‪ ,‬عن ا بن عباس في قوله‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫ولكن الهجران في أمر المضجع‪.‬‬
‫‪7497‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حمزة‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫ن فِي ال َمضَاجِعِ} يقول‪ :‬حتى يأتين مضاجعكم‪.‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫‪ 7498‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪:‬‬
‫ن فِي ال َمضَاجِعِ}‪ :‬في الجماع‪.‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫{وَا ْه ُ‬
‫‪ 7499‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن فِي ال َمضَاجِ عِ} قال‪ :‬يعظ ها فإن هي قبلت وإل‬
‫جرُو ُه ّ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫هجرها في المضجع ول يكلمها من غير أن يذر نكاحها‪ ,‬وذلك عليها شديد‪.‬‬
‫‪ 7500‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫ن فِي المَضَاجِع} الكلم والحديث‪.‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫شريك‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫‪ ....‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7501‬ـ حدثني الحسن بن زريق الطهوى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫ن فِي ال َمضَاجع} قال‪ :‬ل تضاجعوهنّ‪.‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫‪7502‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن الشعـبي‪ ,‬قال‪ :‬الهجران أن‬
‫ليضاجعها‪.‬‬
‫‪7503‬ـ وبه قال حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن عامر وإبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬الهجران في المضجع أن‬
‫ل يضاجعها على فراش‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم والش عبي‪,‬‬
‫جرُوهُ نّ في المَضاجِ عِ} قال‪ :‬يه جر مضاجعت ها ح تى تر جع إلى ما‬
‫أنه ما قال في قوله‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫يحبّ‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫جرُوهُن في المَضاجِعِ} قال‪ :‬يهجرها في المضجع‪.‬‬
‫إبراهيم والشعبي أنهما كانا يقولن‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫‪ 7504‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن‬
‫خصـيف‪ ,‬عـن مقسـم‪{ :‬وَا ْهجُروهُنّـ فـي المَضاجِعـِ} قال‪ :‬هجرهـا فـي مضجعهـا‪ :‬أن ل يقرب‬
‫فراشها‪.‬‬
‫‪7505‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن موسى بن عبيدة‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظي‪,‬‬
‫ت فل سبيل له علي ها‪ ,‬وإن أ بت‬
‫ن في المضا جع‪ ,‬قال‪ :‬يعظ ها بل سانه‪ ,‬فإن أعتب ْ‬
‫قال‪ :‬اهجروه ّ‬
‫هجر مضجعها‪.‬‬
‫‪ 7506‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر عن الحسن‬
‫جرُو ُه نّ} قال‪ :‬إذا خاف نشوز ها وعظ ها‪ ,‬فإن قبلت وإل ه جر‬
‫وقتادة في قوله‪َ { :‬فعِظُو ُه نّ وا ْه ُ‬
‫مضجعها‪.‬‬
‫جرُو ُه نّ في‬
‫‪ 7507‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫المَضاجِعِ} قال‪ :‬تبدأ يا ابن آدم فتعظها‪ ,‬فإن أبت عليك فاهجرها‪ ,‬يعني به‪ :‬فراشها‪.‬‬
‫جرُو ُهنّ في المَضاجِعِ} قولوا لهنّ من القول ُهجْرا في تركهنّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫مضاجعتكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7508‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن رجل‪,‬‬
‫ن في المَضاجِ عِ} قال‪ :‬يهجر ها بل سانه‪,‬‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫عن أ بي صالح عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫ويغلظ لها بالقول‪ ,‬ول يدع جماعها‪.‬‬
‫‪ 7509‬ـ وبه قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬إنما الهجران بالمنطق أن‬
‫يغلظ لها‪ ,‬وليس بالجماع‪.‬‬
‫‪ 7510‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن أبي الضحى‪,‬‬
‫ن في المَضاجِ عِ} قال‪ :‬يهجر بالقول‪ ,‬ول يهجر مضاجعتها حتى ترجع إلى‬
‫جرُهُ ّ‬
‫في قوله‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫ما يريد‪.‬‬
‫‪ 7511‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الوارث بن سعيد عن رجل‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬ل يهجرها إل في المبيت في المضجع‪ ,‬ليس له‬
‫أن يهجر في كلم ول شيء إل في الفراش‪.‬‬
‫جرُهُ نّ‬
‫‪ 7512‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثني يعلى‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬في قوله‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫في المَضاجِ عِ} قال‪ :‬في مجامعتها‪ ,‬ولكن يقول لها‪ :‬تعالَ يْ وافعلي! كلما فيه غلظة‪ ,‬فإذا فعلت‬
‫ذلك فل يكلفها أن تحبه‪ ,‬فإن قلبها ليس في يديها‪.‬‬
‫ول معنى للهجر في كلم العرب إل على أحد ثلثة أوجه‪ :‬أحدها هجر الرجل كلم الرجل‬
‫وحدي ثه‪ ,‬وذلك رف ضه وتر كه‪ ,‬يقال م نه‪ :‬ه جر فلن أهله يهجُر ها هجرا وهجرا نا‪ .‬والَ خر‪:‬‬
‫الكثار من الكلم بترديد كهيئة كلم الهازيء‪ ,‬يقال منه‪ :‬هجر فلن في كلمه يهجُر هجرا إذا‬
‫َهذَي ومدّد الكلمة‪ ,‬وما زالت تلك ِهجّيراه وإ ْهجِيراه‪ ,‬ومنه قول ذي الرمة‪:‬‬
‫رمى فأخْطَأ والقْدارُ غاِلبَةٌفا ْنصَعْنَ وال َويْلُ ِهجّيراهُ والحَربُ‬
‫جرَ البعير إذا ربطه صاحبه بال ِهجَار‪ ,‬وهو حبل يربط في حُقويها ورسغها‪ ,‬ومنه‬
‫والثالث‪َ :‬ه َ‬
‫قول امرىء القيس‪:‬‬
‫جدّ ِلذَاك الهِجارَا‬
‫ت هَلَكا ِب ِنجَافِ ال َغبِيطِفَكادَتْ َت ُ‬
‫رأ ْ‬
‫فأما القول الذي فيه الغلظة والذى فإنما هو الهجار‪ ,‬ويقال منه‪ :‬أهجر فلن في منطقه‪ :‬إذا‬
‫قال ال ُهجْرَ وهو الفحش من الكلم‪ُ ,‬ي ْهجِرُ إهجارا و ُهجْرا‪ .‬فإذ كان ل وجه لل َهجْر في الكلم إل‬
‫أحد المعاني الثلثة‪ ,‬وكانت المرأة المخوف نشوزها إنما أمر زوجها بوعظها لتنيب إلى طاعته‬
‫فيما يجب عليها له من موافاته عند دعائه إياها إلى فراشه‪ ,‬فغير جائز أن تكون عظته لذلك‪,‬‬
‫ثـم تصـير المرأة إلى أمـر ال وطا عة زوجهـا فـي ذلك‪ ,‬ثـم يكون الزوج مأمورا بهجرهـا في‬
‫المـر الذي كانـت عظتـه إياهـا عليـه‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك بطـل قول مـن قال‪ :‬معنـى قوله‪:‬‬
‫ُنـ فِي ال َمضَاجِعـِ} وَاهجروا جماعهنـّ‪ .‬أو يكون إذ بطـل هذا المعنـى‪ .‬بمعنـى‪:‬‬
‫جرُوه ّ‬
‫{وا ْه ُ‬
‫ن بسبب هجرهنّ مضاجعكم‪ ,‬وذلك أيضا ل وجه له مفهوم لن ال تعالى ذكره‬
‫واهجروا كلمه ّ‬
‫ل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث‪ .‬على‬
‫قد أخبر على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم أنه ل يح ّ‬
‫أن ذلك لو كان حللً لم ي كن لهجر ها في الكلم مع نى مفهوم‪ ,‬لن ها إذا كا نت ع نه من صرفة‬
‫وعليه ناشزا فمن سرورها أن ل يكلمها ول يراها ول تراه‪ ,‬فكيف يؤمر الرجل في حال بغض‬
‫امرأته إياه وانصرافها عنه بترك ما في تركه سرورها من ترك جماعها ومجاذبتها وتكليمها‪,‬‬
‫و هو يؤ مر بضرب ها لترتدع ع ما هي عل يه من ترك طاع ته إذا دعا ها إلى فرا شه‪ ,‬وغ ير ذلك‬
‫م ما يلزم ها طاع ته ف يه؟ أو يكون إذ ف سد هذان الوجهان يكون معناه‪ :‬واهجروا في قول كم ل هم‪,‬‬
‫ن بالتغليظ له نّ‪ ,‬فإن كان ذلك معناه‪ ,‬فل وجه لعمال‬
‫بمعنى‪ :‬ردّوا عليه نّ كلمكم إذا كلمتموه ّ‬
‫جرُوهُ نّ}‪ ,‬ل نه‬
‫اله جر في كنا ية أسماء الن ساء الناشزات‪ ,‬أع ني في الهاء والنون من قوله {وَا ْه ُ‬
‫إذا أريد به ذلك المعنى‪ ,‬كان الفعل غير واقع‪ ,‬إنما يقال‪ :‬هجر فلن في كلمه ول يقال‪ :‬هجر‬
‫فلن فلنا‪.‬‬
‫فإذا كان في كل هذه المعا ني ما ذكر نا من الخلل الل حق‪ ,‬فأولى القوال بال صواب في ذلك‬
‫جرُوهُ نّ} موج ها معناه إلى مع نى الر بط بالهجار على ما ذكر نا من ق يل‬
‫أن يكون قوله‪{ :‬وَ ْه ُ‬
‫جرَه فهو يهجره َهجْرا‪ .‬وإذا كان ذلك‬
‫العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا‪َ :‬ه َ‬
‫ن في نشوزه نّ علي كم‪ ,‬فإن اتع ظن‬
‫معناه كان تأو يل الكلم‪ :‬والل تي تخافون نشزوه نّ‪ ,‬فعظوه ّ‬
‫فل سبيل ل كم عليه نّ‪ ,‬وإن أب ين الو بة من نشوزه نّ فا ستوثقوا منه نّ ربا طا في مضاجعه نّ‪,‬‬
‫يعني في منازلهنّ وبيوتهنّ التي يضطجعن يها ويضاجعن فيها أزواجهن‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7513‬ـ حدثني عباس بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن أبي بكير‪ ,‬عن شبل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫أبا قزعة يحدث عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن حكيم بن معاوية‪ ,‬عن أبيه‪ :‬أنه جاء إلى النبيّ صلى‬
‫ضرِ بِ ال َوجْ هَ‬
‫ط ِعمُها َو َيكْ سُوها‪ ,‬وَل يَ ْ‬
‫ال عليه وسلم فقال‪ :‬ما ح قّ زوجة أحد نا عل يه؟ قال‪ُ « :‬ي ْ‬
‫ل فِي البيت»‪.‬‬
‫جرْ إ ّ‬
‫وَل يُ ْقبّحْ وَل َي ْه ُ‬
‫حدثنا الحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬عن شعبة بن الحجاج‪ ,‬عن أبي قزعة‪ ,‬عن حكيم‬
‫بن معاوية عن أبيه‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫‪7514‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بهز‬
‫ح ْرثُ كَ َفأْ تِ‬
‫بن حكيم‪ ,‬عن جده‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال‪َ « :‬‬
‫ط ِعمْتَ‬
‫طعِمْ إذَا َ‬
‫جرْ إلّ فِي البيت وأ ْ‬
‫ضرِبَ ال َوجْهَ وَل تُ َقبّحْ وَل َت ْه ُ‬
‫شئْتَ‪ ,‬غيرَ أنْ ل تَ ْ‬
‫حرْثَكَ أنّى ِ‬
‫َ‬
‫ل ِبمَا حَلّ عََليْها؟»‪.‬‬
‫ضكُمْ إل َبعْض إ ّ‬
‫سيْتَ‪َ ¹‬ك ْيفَ َو َقدْ أفْضَى َب ْع ُ‬
‫س إذَا ا ْك َت َ‬
‫واكْ ُ‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك‪ ,‬قال عدة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7515‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫نشزت المرأة على زوجها‪ ,‬فليعظها بلسانه‪ ,‬فإن قبلت فذاك وإل ضربها ضربا غير مبرّح‪ ,‬فإن‬
‫ل له أن يأخذ منها ويخليها‪.‬‬
‫رجعت فذاك‪ ,‬وإل فقد ح ّ‬
‫‪ 7516‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن أبي الضحى‪ ,‬عن‬
‫ن فِي ال َمضَاجِعِ وَاضْ ِربُوهُنّ} قال‪ :‬يفعل بها ذاك ويضربها حتى‬
‫جرُهُ ّ‬
‫ابن عباس في قوله‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫تطيعه في المضاجع‪ ,‬فإذا أطاعته في المضجع فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته‪.‬‬
‫‪ 7517‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا يحي ـى بن‬
‫ن فِي ال َمضَاجِ عِ وَاضْ ِربُو ُه نّ} ضر با غ ير‬
‫جرُو ُه ّ‬
‫ب شر أ نه سمع عكر مة يقول في قوله‪{ :‬وَا ْه ُ‬
‫ض ِربُوهُنّـ إذَا عَصَـْي َن ُكمْ فِي ال َم ْعرُوفِـ‬
‫مـبرّج‪ ,‬قال‪ :‬قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ا ْ‬
‫ضَرْبا غيرَ ُم َبرّح»‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬ف كل هؤلء الذ ين ذكر نا قول هم لم يوجبوا لله جر مع نى غ ير الضرب‪ ,‬ولم‬
‫يوجبوا هجرا إذا كان هيئة من الهيئات التي تكون بها المضروبة عند الضرب مع دللة الخبر‬
‫الذي رواه عكرمة عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنه أمر بضربه نّ إذا عصين أزواجه نّ في‬
‫المعروف من غير أمر منه أزواجهنّ بهجرهنّ لما وصفنا من العلة‪.‬‬
‫ي صـلى ال عليـه وسـلم الذي رواه‬
‫فإن ظنّـ ظانّـ أن الذي قلنـا فـي تأويـل الخـبر عـن النـب ّ‬
‫ح أن ترك النبيّ صلى ال عليه وسلم أمر الرجل بهجر زوجته إذا‬
‫عكرمة‪ ,‬ليس كما قلنا‪ ,‬وص ّ‬
‫عصيته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر‪ ,‬لو كان دليلً على صحة ما قلنا من أن معنى‬
‫الهجر هو ما بيناه‪ ,‬لوجب أن يكون ل معنى لمر ال زوجها أن يعظها إذا هي نشزت‪ ,‬إذ كان‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإن المر في ذلك بخلف ما‬
‫ل ذكر للعظة في خبر عكرمة عن النب ّ‬
‫ن‪ ¹‬وذلك أن قوله صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا عَص ْي َنكُ ْم في ال َمعْرو فِ» دللة بينة أنه لم يبح‬
‫ظّ‬
‫للرجل ضرب زوجته إل بعد عظتها من نشزوها‪ ,‬وذلك أنه ل تكون له عاصية‪ ,‬إل وقد تقدم‬
‫منه لها أمر أو عظة بالمعروف على ما أمر ال تعالى ذكره به‪.‬‬
‫ض ِربُوهُنّ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وا ْ‬
‫ن أي ها الرجال في نشزوه نّ‪ ,‬فإن أب ين الياب إلى ما يلزمه نّ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فعظوه ّ‬
‫لكم فشدّوهنّ وثاقا في منازلهنّ‪ ,‬واضربوهنّ ليؤبن إلى الواجب عليهنّ من طاعة ال في اللزم‬
‫لهنّـ مـن حقوقكـم‪ .‬قول أهـل التأويـل‪ :‬صـفة الضرب التـي أبام ال لزوج الناشـز أن يضربهـا‬
‫الضرب غير المبرّح‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7518‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪:‬‬
‫ض ِربُوهُنّ} قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫{وَا ْ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو حمزة‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7519‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الش عبي‪ ,‬قال‪ :‬الضرب غ ير‬
‫المبرّح‪.‬‬
‫‪ 7520‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫ض ِربُوهُ نّ} قال‪ :‬ضربا‬
‫شريك‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬وا ْ‬
‫غير مبرّح‪.‬‬
‫‪ 7521‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ن في المَضاجِ عِ} واضربوه نّ‪ ,‬قال‪ :‬تهجر ها في المض جع‪ ,‬فإن أقبلت‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫ا بن عباس‪{ :‬وا ْه ُ‬
‫وإل ف قد أذن ال لك أن تضربها ضر با غير مبرّح‪ ,‬ول تك سر لها عظما‪ ,‬فإن أقبلت‪ ,‬وإل ف قد‬
‫حلّ لك منها الفدية‪.‬‬
‫‪ 7522‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‬
‫وقتادة في قوله‪{ :‬واضْ ِربُو ُهنّ} قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫‪7523‬ــ وبـه قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫ض ِربُوهُنّ} قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫{وا ْ‬
‫‪7524‬ــ حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد بـن زريـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪:‬‬
‫ض ِربُوهُ نّ} قال‪ :‬تهجرها في المضجع‪ ,‬فإن أبت عليك فاضربها‬
‫ن في المَضاجِ عِ وا ْ‬
‫جرُوهُ ّ‬
‫{وا ْه ُ‬
‫ضربا غير مبرّح ‪ ¹‬أي غير شائن‪.‬‬
‫‪ 7525‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن ابن جرج‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬قلت لبن عباس‪ :‬ما الضرب غير المبرّح‪ ,‬قال‪ :‬السواك وشبهه يضربها به‪.‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهر يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قلت لبن عباس‪ :‬ما الضرب غير المبرّج؟ قال‪ :‬بالسواك ونحوه‪.‬‬
‫‪7526‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن‬
‫عيي نة‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬قال رسـول ال صلى ال عل يه وسـلم فـي خطبتـه‪:‬‬
‫ضرْبا غيرَ ُم َبرّحٍ» قال‪ :‬السواك ونحوه‪.‬‬
‫« َ‬
‫‪ 7527‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال‬
‫ن ضَرْبا غيرَ ُم َبرّ حٍ» يقول‪ :‬غير‬
‫ل فِي ال َمضَاجِ عِ‪ ,‬وَاضْ ِربُوهُ ّ‬
‫عليه وسلم‪« :‬ل َت ْهجُرُوا النّساءَ إ ّ‬
‫مؤثر‪.‬‬
‫ض ِربُوهُ نّ}‬
‫‪ 7528‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عطاء‪{ :‬وَا ْ‬
‫قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫‪ 7529‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن‬
‫بشر‪ ,‬عن عكرمة مثله‪.‬‬
‫‪7530‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ض ِربُوهُنّ} قال‪ :‬إن أقبلت في الهجران‪ ,‬وإل ضَرَبها ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫{وَا ْ‬
‫‪ 7531‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن موسى بن عبيدة‪ ,‬عن محمد بن كعب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫تهجر مضجعها ما رأيت أن تنزع‪ ,‬فإن لم تنزع ضربها ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫‪7532‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪:‬‬
‫ض ِربُوهُنّ} قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪.‬‬
‫{وَا ْ‬
‫حدثنـي المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حبان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الوارث بـن‬
‫سعيد‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬ضربا غير مبرّح‪ ,‬غير مؤثر‪.‬‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ط ْع َنكُمْ فَل َت ْبغُوا عََل ْي ِهنّ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فإنْ أ َ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فإن أطعن كم أي ها الناس ن ساؤكم الل تي تخافون نشوزه نّ ع ند وعظ كم‬
‫ن في المضاجع‪ ,‬فإن لم يطعنكم فاهجروه نّ في المضاجع واضربوه نّ‪ ,‬فإن‬
‫إياه نّ فل تهجروه ّ‬
‫راج عن طاعتكم ع ند ذلك وفئن إلى الوا جب عليه نّ‪ ,‬فل تطلبوا طري قا إلى أذاه نّ ومكروهه نّ‪,‬‬
‫وأموالهنـ بالعلل‪ ,‬وذلك أن يقول أحدكـم‬
‫ّ‬ ‫أبدانهنـ‬
‫ّ‬ ‫ول تلتمسـوا سـبيلً إلى مـا ل يحلّ لكـم مـن‬
‫لحداهن وهي له مطيعة‪ :‬إنك لست تحبيني وأنت لي مبغضة‪ ,‬فيضربها على ذلك أو يؤذيها‪,‬‬
‫ن أطَ ْع َنكُ مْ}‪ :‬أي على بغض هن ل كم فل تجنوا عليه نّ‪ ,‬ول تكلفوه نّ‬
‫فقال ال تعالى للرجال‪{ :‬فإ ْ‬
‫تؤذوهنـ عليـه‪ .‬ومعنـى قوله‪{ :‬فَل َتبْغوا}‪ :‬ل‬
‫ّ‬ ‫فتضربوهنـ أو‬
‫ّ‬ ‫محبتكـم‪ ,‬فإن ذلك ليـس بأيديهن ّـ‬
‫تلتم سوا ول تطلبوا‪ ,‬من قول القائل‪ :‬بغ يت الضالة‪ :‬إذا التم ستها‪ ,‬وم نه قول الشا عر في صفة‬
‫الموت‪:‬‬
‫س مَ ْوعِدا‬
‫ع ْدتَهُ أم ِ‬
‫ج ْد َتهُكأ ّنكَ قدْ وَا َ‬
‫بَغاكَ وَما َت ْبغِيهِ حتى َو َ‬
‫بمعنى‪ :‬طلبك وما تطلبه‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7533‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن‬
‫ن سَبيلً} قال‪ :‬إذا أطاعتك فل‬
‫طعْ َن ُكمْ فَل َت ْبغُوا عََليْه ّ‬
‫نأَ‬
‫أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬فإ ْ‬
‫تتجنّ عليها العلل‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن الح سن بن عب يد ال‪ ,‬عن أ بي الض حى‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬إذا أطاعته فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته‪.‬‬
‫‪ 7534‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫سبِيلً} قال‪ :‬العلل‪.‬‬
‫{فَل َت ْبغُوا عََل ْيهِنّ َ‬
‫ط ْع َنكُ مْ} قال‪ :‬إن أ تت‬
‫‪ 7535‬ـ وقال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬قال الثوري في قوله‪{ :‬فإ نْ أ َ‬
‫الفراش وهي تبغضه‪.‬‬
‫‪ 7536‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعلي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬قال‪ :‬إذا فعلت ذلك‬
‫ل يكلفها أن تحبه‪ ,‬لن قلبها ليس في يديها‪.‬‬
‫‪7537‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫طعْ َن ُكمْ فَل َت ْبغُوا عََل ْيهِ ّ‬
‫نأَ‬
‫قال‪ :‬إن أطاعته فضاجعته‪ ,‬فإن ال يقول‪{ :‬فإ ْ‬
‫ط ْع َنكُ ْم فَل‬
‫‪ 7538‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬فإ نْ أ َ‬
‫سبِيلً} يقول‪ :‬فإن أطاعتك فل تبغ عليها العلل‪.‬‬
‫َت ْبغُوا عََل ْيهِنّ َ‬
‫ن اللّ َه كانَ عَليّا َكبِيرا}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يقول‪ :‬إن ال ذو علوّ على كلّ شيـء‪ ,‬فل تبغوا أيهـا الناس على أزواجكـم إذا أطعنكـم فيمـا‬
‫ن ال ل كم من ح قّ سبيلً لعل ّو أيدي كم على أيديه نّ‪ ,‬فإن ال أعلى من كم و من كلّ ش يء‪,‬‬
‫ألزمه ّ‬
‫وأعلى منكم عليهن‪ ,‬وأكبر منكم ومن كل شيء‪ ,‬وأنتم في يده وقبضته‪ ,‬فاتقوا ال أن تظلموه نّ‬
‫وتبغوا عليه نّ سبيلً وهن لكم مطيعات‪ ,‬فينتصر له نّ منكم ربكم الذي هو أعلى منكم ومن كل‬
‫ل شيء‪.‬‬
‫شيء‪ ,‬وأكبر منكم ومن ك ّ‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكَما ّم نْ‬
‫ن أَهْلِ هِ َو َ‬
‫حكَما مّ ْ‬
‫ق َب ْينِهِمَا فَا ْبعَثُو ْا َ‬
‫خ ْفتُ مْ شِقَا َ‬
‫{وَِإ نْ ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خبِيرا }‪..‬‬
‫ن الّلهَ كَانَ عَلِيما َ‬
‫أَهِْلهَآ إِن ُيرِيدَآ ِإصْلَحا ُي َوفّقِ الّلهُ َب ْي َن ُهمَآ إِ ّ‬
‫يع ني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬وَإ نْ خِ ْفتُ مْ شِقا قَ َب ْي ِنهِ ما} وإن علم تم أي ها الناس شقاق بينه ما‪ ,‬وذلك‬
‫مشاقة كل واحد منهما صاحبه‪ ,‬وهو إتيانه ما يش قّ عليه من المور‪ ,‬فأما من المرأة فالنشوز‪,‬‬
‫حقـ ال عليهـا الذي ألزمهـا ال لزوجهـا ‪ ¹‬وأمـا مـن الزوج فتركـه إمسـاكها‬
‫ّ‬ ‫وتركهـا أداء‬
‫بالمعروف‪ ,‬أو ت سريحها بإح سان‪ .‬والشقاق‪ :‬م صدر من قول القائل‪ :‬شاق فلن فل نا‪ :‬إذا أ تى‬
‫كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشقّ عليه من المور‪ ,‬فهو يشاقه مشاقة وشقاقا ‪ ¹‬وذلك قد يكون‬
‫عداوة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪7539‬ـ حدثنا محمد بن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫في قوله‪{ :‬وَإنْ خِ ْف ُتمْ شِقاقَ َب ْي ِنهِما} قال‪ :‬إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقّته‪ ,‬يقول‪ :‬عادته‪.‬‬
‫ّعـ‬
‫وإنمـا أضيـف الشقاق إلى البيـن‪ ,‬لن البيـن قـد يكون اسـما‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪« :‬لَق ْد تقط َ‬
‫َب ْي ُنكُمْ» في قراءة من قرأ ذلك‪.‬‬
‫ن أهْلِها} فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫ن أهْلِ هِ و َ‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫وأما قوله‪{ :‬فابْ َعثُوا َ‬
‫بهذه الَ ية من المأمور ببع ثة الحكم ين‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬المأمور بذلك‪ :‬ال سلطان الذي ير فع ذلك‬
‫إليه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7540‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‬
‫أنه قال في المختلعة‪ :‬يعظها‪ ,‬فإن انتهت وإل هجرها‪ ,‬فإن انتهت وإل ضربها‪ ,‬فإن انتهت وإل‬
‫رفع أمرها إلى السلطان‪ ,‬فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها‪ ,‬فيقول الحكم الذي من أهلها‪:‬‬
‫يفعل بها كذا‪ ,‬ويقول الحكم الذي من أهله‪ :‬تفعل به كذا‪ ,‬فأيهما كان الظالم ردّه السلطان وأخذ‬
‫فوق يديه‪ ,‬وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع‪.‬‬
‫‪ 7541‬ـ حدث نا يحي ـى بن أ بي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫ن أهْلِها} قال‪ :‬بل ذلك إلى السلطان‪.‬‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫ن أهْلِهِ َو َ‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫وَإنْ خِ ْف ُتمْ شِقاقَ َب ْي ِنهِما‪ ,‬فابْ َعثُوا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل المأمور بذلك الرجل والمرأة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7542‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حكَمـا مِن ْـ أهْلِهـا} إن ضربهـا فإن‬
‫حكَمـا مِن ْـ أهْلِه َو َ‬
‫السـديّ‪{ :‬وَإن ْـ خِفُتم ْـ شِقاقَـ َب ْي ِنهِمـا فا ْب َعثُوا َ‬
‫رج عت فإ نه ل يس له علي ها سبيل‪ ,‬فإن أ بت أن تر جع وشاق ته‪ ,‬فليب عث حك ما من أهله وتب عث‬
‫حكما من أهلها‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأو يل في ما يب عث له الحكمان‪ ,‬و ما الذي يجوز للحكم ين من الح كم بينه ما‪,‬‬
‫وكيف وجه بعثهما بينهما؟ فقال بعضهم‪ :‬يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما‪,‬‬
‫ول يس له ما أن يعمل شيئا في أمره ما إل ما وكله ما به‪ ,‬أو وكله كل وا حد منه ما ب ما إل يه‪,‬‬
‫فيعملن بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه‪ ,‬أو توكيل من‬
‫وكل منهما في ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7543‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن محمد‪ ,‬عن عبيدة‪,‬‬
‫قال‪ :‬جاء ر جل وامرأ ته بينه ما شقاق إلى عل يّ ر ضي ال ع نه‪ ,‬مع كل وا حد منه ما فئام من‬
‫الناس‪ ,‬فقال عل يّ ر ضي ال ع نه‪ :‬ابعثوا حك ما من أهله وحك ما من أهل ها‪ ,‬ثم قال للحكم ين‪:‬‬
‫تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا‪ ,‬وإن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا‪ .‬قالت‬
‫ي رضي ال‬
‫المرأة‪ :‬رضيت بكتاب ال بما عليّ فيه ولى‪ .‬وقال الرجل‪ :‬أما الفرقة فل‪ .‬فقال عل ّ‬
‫عنه‪ :‬كذبتَ‪ ,‬وال ل تنقلب حتى تق ّر بمثل الذي أقرّت به‪.‬‬
‫حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن حسان‪ ,‬وعبد ال بن عون‪,‬‬
‫عن مح مد‪ :‬أن عل يا ر ضي ال ع نه أتاه ر جل وامرأ ته‪ ,‬و مع كل وا حد منه ما فئام من الناس‪,‬‬
‫فأمره ما عل يّ ر ضي ال ع نه أن يبع ثا حك ما من أهله وحك ما من أهل ها لينظرا‪ .‬فل ما د نا م نه‬
‫الحكمان‪ ,‬قال لهما عل يّ رضي ال عنه‪ :‬أتدريان مالكما؟ لكما إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما‪ ,‬وإن‬
‫ي فقال‬
‫رأيتما أن تجمعا جمعتما‪ .‬قال هشام في حديثه‪ :‬فقالت المرأة‪ :‬رضيت بكتاب ال لي وعل ّ‬
‫الرجل‪ :‬أما الفرقة فل‪ .‬فقال عليّ‪ :‬كذبت وال حتى ترضى مثل ما رضيت به‪ .‬وقال ابن عون‬
‫في حديثه‪ :‬كذبت‪ ,‬وال ل تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به‪.‬‬
‫‪7544‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا منصور وهشام‪ ,‬عن‬
‫ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬شهدت عليا رضي ال عنه‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫‪7545‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا هجرها في المضجع وضربها‪ ,‬فأبت أن ترجع وشاقته‪ ,‬فليبعث حكما من أهله وتبعث‬
‫حك ما من أهل ها ‪ ¹‬تقول المرأة لحكم ها‪ :‬قد ولي تك أمري‪ ,‬فإن أمرت ني أن أر جع رج عت‪ ,‬وإن‬
‫فرّقت تفرّقنا‪ .‬وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئا من الشياء‪ ,‬وتأمره أن يرفع‬
‫ذلك عن ها وتر جع‪ ,‬أو ت خبره أن ها ل تر يد الطلق‪ .‬ويب عث الر جل حك ما من أهله يول يه أمره‪,‬‬
‫وي خبره يقول له حاج ته إن كان يريد ها‪ ,‬أو ل ير يد أن يطلق ها‪ ,‬أعطا ها ما سألت وزاد ها في‬
‫عليـ وطلقهـا! فيوليـه أمره‪ ,‬فإن شاء طلق‪ ,‬وإن شاء‬
‫ّ‬ ‫النفقـة‪ ,‬وإل قال له‪ :‬خـذ لي منهـا مالهـا‬
‫أمسك‪ .‬ثم يجتمع الحكمان فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه‪ ,‬ويجهد كل واحد منهما ما‬
‫يريـد لصـاحبه‪ ,‬فإن اتفـق الحكمان على شيـء فهـو جائز‪ ,‬إن طلقـا وإن أمسـكا‪ ,‬فهـو قول ال‪:‬‬
‫حكَما مِ نْ أهْلِها إ نْ ُيرِيدَا إ صْلحا يُ َوفّ قِ اللّ هُ َب ْي َنهُما}‪ ,‬فإن بعثت المرأة‬
‫حكَما مِ نْ أهِْل هِ َو َ‬
‫{فا ْب َعثُوا َ‬
‫حكما وأبي الرجل أن يبعث‪ ,‬فإنه ل يقربها حتى يبعث حكما‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان‪ ,‬غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من‬
‫المظلوم منهما‪ ,‬ليحملهما على الواجب لكلّ واحد منهما ِقبَل صاحبه ل التفريق بينهما‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7546‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫بظل مه ‪¹‬‬ ‫الح سن‪ ,‬و هو قول قتادة‪ ,‬إنه ما قال‪ :‬إن ما يب عث الحكمان لي صلحا ويشهدا على الظالم‬
‫حكَما مِ نْ‬
‫وأما الفرقة فليست في أيديهما‪ ,‬ولم يملكا ذلك‪ ,‬يعني‪{ :‬وَإ نْ خِ ْفتُمْ شِقاقَ َب ْي ِنهِما فابْ َعثُوا َ‬
‫ن أهْلِها}‪.‬‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫أهْلِهِ َو َ‬
‫‪ 7547‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ن أهْلِها}‪ ...‬الَية‪ ,‬إنما يبعث الحكمان‬
‫حكَما ِم ْ‬
‫حكَما مِ نْ أهْلِه َو َ‬
‫ن خِ ْفتُ مْ شِقا قَ َب ْي ِنهِما فا ْب َعثُوا َ‬
‫{وَإ ْ‬
‫ليصلحا‪ ,‬فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم ولبس بأيديهما فرقة‪ ,‬ول يملّكان ذلك‪.‬‬
‫‪ 7548‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجا هد‪ ,‬عن ق يس بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬سألت عن الحكم ين‪ ,‬قال‪ :‬ابعثوا حك ما من أهله وحك ما من‬
‫أهله‪ ,‬فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز ‪ ¹‬يقول ال تبارك وتعالى‪{ :‬إن ُيرِيدا إصْلحا يُ َوفّقِ‬
‫ّهـ َب ْي َنهُمـا} قال‪ :‬يخلو حكـم الرجـل بالزوج‪ ,‬وحكـم المرأة بالمرأة‪ ,‬فيقول كـل واحـد منهمـا‬
‫الل ُ‬
‫لصاحبه‪ :‬اصدُقني ما في نفسك! فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه اجتمع الحكمان وأخذ كل‬
‫واحـد منهمـا على صـاحبه ميثاقـا لتصـدقني الذي قال لك صـاحبك‪ ,‬ولصـدقنك الذي قال لي‬
‫صاحبي! فذاك حين أرادا الصلح يوفق ال بينهما‪ ,‬فإذا فعل ذلك اطلع كل واحد منهما على‬
‫ما أفضى به صاحبه ليه‪ ,‬فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما‪ ,‬فأتيا عله‪ ,‬فحكما عليه‪.‬‬
‫فإن كانت المرأة قال‪ :‬أنت الظالمة العاصية‪ ,‬ل ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحقّ وتطيعي ال‬
‫ف يه‪ .‬وإن كان الر جل هو الظالم‪ ,‬قال‪ :‬أ نت الظالم المضارّ ل تد خل ل ها بي تا ح تى تن فق علي ها‬
‫وترجع إلى الحقّ والعدل‪ .‬فإن كانت هي الظالمة العاصية أخذ منها مالها‪ ,‬وهو له حلل طيب‪,‬‬
‫وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضا ّر لها طلقها‪ ,‬ولم يحلّ له من مالها شيء‪ ,‬فإن أمسكها‬
‫أمسكها بما أمر ال وأنفق عليها وأحسن إليها‪.‬‬
‫‪7549‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن موسى بن عبيدة‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظي‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان عل يّ بن أبي طالب رضي ال عنه يبعث الحكمين‪ :‬حكما من أهله وحكما من أهلها‪,‬‬
‫فيقول الحكم من أهلها‪ :‬يا فلن ما تنقم من زوجتك؟ فيقول‪ :‬أنقم منها كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫أفرأيت إن َنزَعَ تْ عما تكره إلى ما تح بّ‪ ,‬هل أنت متقي ال فيها ومعاشرها بالذي يح قّ عليك‬
‫في نفقت ها وك سوتها؟ فإذا قال ن عم‪ ,‬قال الح كم من أهله‪ :‬يا فل نة ما تنقم ين من زو جك فلن؟‬
‫فتقول م ثل ذلك‪ ,‬فإن قالت‪ :‬ن عم‪ ,‬ج مع بينه ما‪ .‬قال‪ :‬وقال عل يّ ر ضي ال ع نه‪ :‬الحكمان به ما‬
‫يجمع ال وبهما يفرّق‪.‬‬
‫‪ 7550‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫الحسن‪ :‬الحكمان يحكمان في الجتماع‪ ,‬ول يحكمان في الفرقة‪.‬‬
‫‪ 7551‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن ُنشُوزَهُ نّ َف ِعظُوهُ نّ} و هي المرأة ال تي تن شز على زوج ها‪,‬‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬واللّتِي تَخافُو َ‬
‫فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك‪ ,‬وهو بعد ما تقول لزوجها‪ :‬وال ل أبرّ لك قسما‪,‬‬
‫ولَذن نّ في بي تك بغ ير أمرك‪ .‬ويقول ال سلطان‪ :‬ل نج يز لك خل عا‪ .‬ح تى تقول المرأة لزوج ها‪:‬‬
‫وال ل أغتسل لك من جنابة‪ ,‬ول أقيم لك صلة‪ ,‬فعند ذلك يقول السلطان‪ :‬اخلع المرأة‪.‬‬
‫لتِي تَخافُو نَ‬
‫‪ 7552‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وال ّ‬
‫ن َفعِظُو ُه نّ} قال‪ :‬تعظها‪ ,‬فإن أبت وغلبت فاهجرها في مضجعها‪ .‬فإن غلبت هذا أيضا‬
‫ُنشُوزَهُ ّ‬
‫فاضربهـا‪ .‬فإن غلبـت هذا أيضـا‪ ,‬بُعـث حكـم مـن أهله حكـم مـن أهلهـا‪ .‬فإن غلبـت هذا أيضـا‬
‫ن أبي كان يقول‪ :‬ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء‪ ,‬إن رأيا الظلم من ناحية‬
‫وأرادت غيره‪ ,‬فإ ّ‬
‫الزوج قال‪ :‬أ نت يا فلن ظالم‪ ,‬انزع! فإن أ بى رف عا ذلك إلى ال سلطان‪ ,‬ل يس إلى الحكم ين من‬
‫الفراق شيء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل إن ما يب عث الحكم ين ال سلطان على أن حكمه ما ماض على الزوج ين في‬
‫الجمع والتفريق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7553‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫ن أهْلِها}‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫حكَما ِم نْ أهِْل هِ َو َ‬
‫ن خِ ْفتُ مْ شِقا قَ َب ْي ِنهِما فا ْب َعثُوا َ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫فهذا الر جل والمرأة إذا تفا سد الذي بينه ما‪ ,‬فأ مر ال سبحانه أن يبعثوا رجلً صالحا من أ هل‬
‫الرجل‪ ,‬ومثله من أهل المرأة‪ ,‬فينظران أيهما المسيء‪ ,‬فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه‬
‫امرأ ته وق صروه على النف قة‪ ,‬وإن كا نت المرأة هي الم سيئة ق صروها على زوج ها‪ ,‬ومنعو ها‬
‫النفقة‪ .‬فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا‪ ,‬فأمرهما جائز‪ .‬فإن رأيا أن يجمعا فرضي‬
‫أحـد الزوجيـن وكره ذلك الَخـر ثـم مات أحدهمـا‪ ,‬فإن الذي رضـي يرث الذي كره‪ ,‬ول يرث‬
‫الكاره الراضي‪ ,‬وذلك قوله‪{ :‬إنْ ُيرِيدَا إصْلحا} قال‪ :‬هما الحكمان يوفق ال بينهما‪.‬‬
‫‪7554‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪ :‬أن الحكم‬
‫حكَ ما مِ نْ‬
‫حكَ ما مِ نْ أهِْل هِ َو َ‬
‫من أهل ها والح كم من أهله يفرّقان ويجمعان إذا رأ يا ذلك {فا ْب َعثُوا َ‬
‫أهْلِها}‪.‬‬
‫‪7555‬ـ حدثني محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ :‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫مرّة‪ ,‬قال‪ :‬سألت سعيد بن جبير عن الحكم ين‪ ,‬فقال‪ :‬لم أولد إذ ذاك‪ ,‬فقلت‪ :‬إن ما أع ني ح كم‬
‫الشقاق‪ ,‬قال‪ :‬يقبلن على الذي جاء الذى من عنده‪ ,‬فإن ف عل وإل أقبل على الَ خر‪ ,‬فإن ف عل‪,‬‬
‫وإل حكما‪ ,‬فما حكما‪ ,‬فما حكما من شيء فهو جائز‪.‬‬
‫‪ 7556‬ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن يزيد‪ ,‬عن إسماعيل‪ ,‬عن عامر في‬
‫ن أهْلِها} قال‪ :‬ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز‪.‬‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫ن أهْلِهِ َو َ‬
‫ح َكمَا مِ ْ‬
‫قوله‪{ :‬فا ْبعَثُوا َ‬
‫‪7557‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬ما حكما‬
‫من شيء فهو جائز ‪ ¹‬إن فرقا بينهما بثلث تطليقات أو تطليقتين فهو جائز‪ ,‬وإن فرقا بتطليقة‬
‫ف هو جائز‪ .‬وإن حك ما عل يه بهذا من ماله ف هو جائز‪ ,‬فإن أ صلحا ف هو جائز‪ ,‬وإن وض عا من‬
‫شيء فهو جائز‪.‬‬
‫حدثنـا المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حبان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو جعفـر‪ ,‬عـن‬
‫ن أهْلِها}‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫حكَما مِنْ أهِْلهِ َو َ‬
‫المغيرة‪ ,‬عن إبراهيم في قوله‪{ :‬وَإنْ خِ ْفتُمْ شِقاقَ َب ْي ِنهِما فا ْب َعثُوا َ‬
‫قال‪ :‬ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما‪ ,‬إن طلقا ثلثا فهو جائز عليهما‪ ,‬وإن طلقها‬
‫جعْل فهو جائز‪ ,‬وما صنعا من شيء فهو جائز‪.‬‬
‫واحدة أو طلقها على ُ‬
‫‪ 7558‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن يحيـى‬
‫بن أبي كثير‪ ,‬عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬إن شاء الحكمان أن يفرّقا فرّقا‪ ,‬وإن شاءا‬
‫أن يجمعا جمعا‪.‬‬
‫‪ 7559‬ـ حدث نا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشيم‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن الشعبي‪ :‬أن‬
‫امرأة نشزت على زوجها‪ ,‬فاختصموا إلى شريح‪ ,‬فقال شريح‪ :‬ابعثوا حكما من أهله وحكما من‬
‫أهل ها! فن ظر الحكمان في أمره ما‪ ,‬فرأ يا أن يفرّ قا بينه ما‪ ,‬فكره ذلك الر جل‪ ,‬فقال شر يح‪ :‬فف يم‬
‫كانا اليوم؟ وأجاز قولهما‪.‬‬
‫‪ 7560‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ا بن‬
‫طاوس‪ ,‬عن عكر مة بن خالد‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬بع ثت أ نا ومعاو ية حكم ين‪ .‬قال مع مر‪:‬‬
‫بلغني أن عثمان رضي ال عنهما بعثهما‪ ,‬وقال لهما‪ :‬إن رأيتما أن تجمعا جمعتما‪ ,‬وإن رأيتما‬
‫أن تفرّقا فرّقتما‪.‬‬
‫‪7561‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح بن عبادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪,‬‬
‫قال‪ :‬ث ني ا بن أ بي ملي كة‪ :‬أن عق يل بن أ بي طالب تزوّج فاط مة اب نة عت بة‪ ,‬فكان بينه ما كلم‪,‬‬
‫فجاءت عثمان فذكرت ذلك له‪ ,‬فأر سل ا بن عباس ومعاو ية‪ ,‬فقال ا بن عباس‪ :‬لفرّق نّ بينه ما!‬
‫وقال معاوية‪ :‬ما كنت لفرّق بين شيخين من بني عبد مناف! فأتياهما وقد اصطلحا‪.‬‬
‫‪7562‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك في‬
‫ن أهْلِها} يكونان عدلين عليهما‬
‫حكَما ِم ْ‬
‫ن أهْلِ هِ َو َ‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫ن خِ ْفتُ مْ شِقا قَ َب ْي ِنهِما فا ْب َعثُوا َ‬
‫قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫وشاهدين‪ .‬وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان‪ ,‬جعل عليهما حكمين‪ :‬حكما من‬
‫أ هل الر جل وحك ما من أ هل المرأة‪ ,‬يكونان أمين ين عليه ما جمي عا‪ .‬وينظران من أيه ما يكون‬
‫الفساد‪ ,‬فإن كان من قِبَل المرأة أُجبرت على طاعة زوجها‪ ,‬وأمر أن يتقي ال ويحسن صحبتها‬
‫ح بإحْسانٍ‪ .‬وإن كانت الساءة من قبل‬
‫وينفق عليها بقدر ما آتاه ال ‪ ¹‬إمْساكٌ ِب َم ْعرُوف أ ْو تَ سْرِي ٌ‬
‫ل سبيلها! وإن ما يلي ذلك‬
‫الر جل أُ مر بالح سان إلي ها‪ ,‬فإن لم يف عل ق يل له‪ :‬أعط ها حق ها‪ ,‬وخ ّ‬
‫منهما السلطان‪.‬‬
‫ن أهْلِها}‬
‫حكَما مِ ْ‬
‫حكَما مِ نْ أهِْل هِ َو َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القوال بالصواب في قوله‪{ :‬فا ْب َعثُوا َ‬
‫أن ال خا طب الم سلمين بذلك‪ ,‬وأمر هم ببع ثة الحكم ين ع ند خوف الشقاق ب ين الزوج ين للن ظر‬
‫في أمره ما‪ ,‬ولم يخ صص بال مر بذلك بعض هم دون ب عض‪ .‬و قد أج مع الجم يع على أن بع ثة‬
‫الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان‪ ,‬الذي هو سائس أمر المسلمين‪ ,‬أو من‬
‫أقامه في ذلك مُقام نفسه‪.‬‬
‫واختلفوا في الزوج ين والسلطان‪ ,‬ومَن المأمور بالبع ثة في ذلك‪ :‬الزوجان‪ ,‬أو السلطان؟ ول‬
‫دللة في الَية تدلّ على أن المر بذلك مخصوص به أحد الزوجين‪ ,‬ول أثر به عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والمة فيه مختلفة‪.‬‬
‫وإذ كان ال مر على ما و صفنا‪ ,‬فأولى القوال في ذلك بال صواب أن يكون مخ صوصا من‬
‫الَيـة مـا أجمـع الجميـع على أنـه مخصـوص منهـا‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فالواجـب أن يكون‬
‫حكَما مِ نْ‬
‫ن أهْلِ هِ َو َ‬
‫حكَما ِم ْ‬
‫الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الَية‪ ,‬والمر بقوله‪{ :‬فا ْبعَثُوا َ‬
‫‪¹‬‬ ‫أهْلِها} إذ كان مختل فا بينهما هل هما معنيان بال مر بذلك أم ل؟ وكان ظاهر الَ ية قد عمهما‬
‫فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا أن يقال‪ :‬إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما‬
‫من قبله‪ ,‬لين ظر في أمره ما‪ ,‬وكان ل كل وا حد منه ما م من بع ثه من قبله في ذلك طا قة على‬
‫صاحبه ول صاحبه عل يه‪ ,‬فتوكيله بذلك من و كل جائز له وعل يه‪ ,‬وإن وكله بب عض ولم يوكله‬
‫بالجميع‪ ,‬كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله به وذلك أن يوكله‬
‫أحدهما بماله دون ما عليه‪ ,‬أو لم يوكل كل واحد من الزوجين بماله وعليه‪ ,‬أو بما له‪ ,‬أو بما‬
‫عليه‪ ,‬فليس للحكمين كليهما إل ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما‪ .‬وإن لم يوكلهما واحدا‬
‫منها بشيء‪ ,‬وإنما بعثاهما للنظر ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان‬
‫إن احتاجا إلى شهادتهما‪ ,‬لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلق أو أخذ مال أو‬
‫غير ذلك‪ ,‬ولم يلزم الزوجين ول واحدا منهما شيء من ذلك‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما مع نى الحكم ين إذ كان ال مر على ما و صفت؟ ق يل‪ :‬قد اختلف في ذلك‪,‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬معنى الحكم‪ :‬النظر العدل‪ ,‬كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه‪,‬‬
‫الذي‪:‬‬
‫‪ 7563‬ـ حدث نا به يحي ـى بن أ بي طالب‪ ,‬عن يز يد‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬ع نه‪ :‬ل‪ ,‬أنت ما قاضيان‬
‫تقضيان بينهما‪.‬‬
‫على السبيل التي بينا من قوله‪.‬‬
‫وأيـ‬
‫ّ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬أنهمـا القاضيان يقضيان بينهـا مـا فوّض إليهمـا الزوجان‪.‬‬
‫المريـن كان فليـس لهمـا ول لواحـد منهمـا الحكـم بينهمـا بالفرقـة‪ ,‬ول بأخـذ مال إل برضـا‬
‫المحكوم عليه بذلك‪ ,‬وإل ما لزم من ح قّ لحد الزوجين على الَخر في حكم ال‪ ,‬وذلك ما لزم‬
‫الرجل لزوجته من النفقة والمساك بمعروف إن كان هو الظالم لها‪ .‬فأما غير ذلك فليس ذلك‬
‫لهما ول لحد من الناس غيرهما‪ ,‬ل السلطان‪ ,‬ول غيره ‪ ¹‬وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم‬
‫للمرأة فللمام السـبيل إلى أخذه بمـا يجـب لهـا عليـه مـن حقـّ‪ ,‬وإن كانـت المرأة هـي الظالمـة‬
‫زوج ها الناشزة عل يه‪ ,‬ف قد أباح ال له أ خذ الفد ية من ها وج عل إل يه طلق ها على ما قد بيناه في‬
‫سورة البقرة‪ .‬وإذ كان المر كذلك لم يكن لحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضا الزوج‪ ,‬ول‬
‫أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه‪ ,‬إل بحجة يجب التسلم لها من أصل أو قياس‪ .‬وإن‬
‫بعث الحكمين السلطانُ‪ ,‬فل يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إل بتوكيل الزوج إياهما‬
‫ل على ذلك ما قد بيناه َقبْلُ‬
‫بذلك‪ ,‬ول لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إل برضا المرأة ‪ ¹‬يد ّ‬
‫من فعل عل يّ بن أبي طالب رضي ال عنه بذلك‪ ,‬والقائلين بقوله‪ .‬ولكن لهما أن يصلحا بين‬
‫الزوجيـن‪ ,‬ويتعرّفـا الظالم منهمـا مـن المظلوم ليشهدا عليـه إن احتاج المظلوم منهمـا إلى‬
‫شهادتهما‪ .‬وإنما قلنا‪ :‬ليس لهما التفريق للعلة التي ذكرناها آنفا‪ ,‬وإنما يبعث السلطان الحكمين‬
‫إذا بعثهما إذا ارتفع إله الزوجان‪ ,‬فشكا كل واحد منهما صاحبه‪ ,‬وأشكل عليه المحقّ منهما من‬
‫المبطل‪ ,‬لنه إذا لم يشكل المح قّ من المبطل‪ ,‬فل وجه لبعثة الحكمين في أمر قد عرف الحكم‬
‫فيه‪.‬‬
‫ن ُيرِيدَا إصْلحا يُ َو ّفقِ الّلهُ َب ْي َنهُما}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ْ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬إن ْـ ُيرِيدَا إصـْلحا}‪ :‬إن يرد الحكمان إصـلحا بيـن الرجـل والمرأة‪,‬‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫أعني بين الزوجين المخوف شقاق بينهما‪ ,‬يقول‪ :‬يوفق ال بين الحكمين‪ ,‬فيتفقا على الصلح‬
‫بينهما‪ ,‬وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه من بعث للنظر في أمر الزوجين‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7564‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أ بي ها شم‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في‬
‫ن ُيرِيدا إصْلحا} قال‪ :‬أما إنه ليس بالرجل والمرأة‪ ,‬ولكنه الحكمان‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫‪ 7565‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬إ نْ‬
‫ُيرِيدَا إصْلحا يُ َو ّفقِ اللّ ُه َب ْي َنهُما} قال‪ :‬هما الحكمان‪ ,‬إن يريدا إصلحا يوفق ال بينهما‪.‬‬
‫ي بن أ بي‬
‫‪ 7566‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ نْ ُيرِيدَا إ صْلحا يُ َوفّ قِ اللّ ُه َب ْي َنهُما} وذلك الحكمان‪ ,‬وكذلك كل‬
‫مصلح يوفقه ال للحقّ والصواب‪.‬‬
‫‪ 7567‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن ُيرِيدَا إصْلحا يُ َو ّفقِ اللّ ُه َب ْي َنهُما} يعني بذلك الحكمين‪.‬‬
‫السديّ‪{ :‬إ ْ‬
‫ن يُرِيدَا‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬إ ْ‬
‫إصْلحا} قال‪ :‬إن يرد الحكمان إصلحا أصلحا‪.‬‬
‫حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن أ بي ها شم‪,‬‬
‫عن مجاهد‪{ :‬إنْ ُيرِيدَا إصْلحا ُي َوفّقِ الّل ُه َب ْينَهُما}‪ :‬يوفق ال بين الحكمين‪.‬‬
‫‪ 7568‬ـ حدث ني يحي ـى بن أ بي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫ن ُيرِيدَا إصْلحا} قال‪ :‬هما الحكمان إذا نصحا المرأة والرجل جميعا‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫خبِيرا}‪.‬‬
‫ن اللّ َه كانَ عَلِيما َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يعني جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال كان عليما بما أراد الحكمان من إصلح بين الزوجين وغيره‪ ,‬خبيرا‬
‫بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منه‪ ,‬حافظ عليهم‪ ,‬حتى يجازي‬
‫كلّ منهم جزاءه بالحسان إحسانا‪ ,‬وبالساءة غفرانا أو عقابا‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْئا َوبِالْوَاِل َديْنِـ ِإحْسـَانا َو ِبذِي‬
‫شرِكُو ْا بِهِـ َ‬
‫ع ُبدُو ْا اللّهَـ َولَ ُت ْ‬
‫{وَا ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبِيلِ‬
‫ن ال ّ‬
‫جنْ بِ وَابْ ِ‬
‫جنُ بِ وَال صّاحِبِ بِال َ‬
‫الْ ُق ْر َبىَ وَا ْل َيتَا َمىَ وَا ْلمَ سَاكِينِ وَا ْلجَارِ ذِي الْ ُق ْر َبىَ وَا ْلجَارِ ا ْل ُ‬
‫ختَالً َفخُورا }‪..‬‬
‫ن ُم ْ‬
‫ل ُيحِبّ مَن كَا َ‬
‫ت َأ ْيمَا ُنكُمْ ِإنّ الّلهَ َ‬
‫َومَا مََلكَ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وذلّوا ل بالطاعة‪ ,‬واخضعوا له بها‪ ,‬وأفردوه بالربوبية‪ ,‬وأخلصوا له‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫الخضوع والذلة‪ ,‬بالنتهاء إلى أمره‪ ,‬والنزجار عن نه يه‪ ,‬ول تجعلوا له في الربوب ية والعبادة‬
‫ن إحْسانا} يقول‪ :‬وأمركم بالوالدين إحسانا‪ ,‬يعني برّا‬
‫شريكا تعظمونه تعظيمكم إياه‪{ .‬وَبالوَاِل َديْ ِ‬
‫ل ثناؤه بلزوم الحسان إلى الوالين على وجه‬
‫بهما ‪ ¹‬ولذلك نصب الحسان‪ ,‬لنه أمر منه ج ّ‬
‫الغراء‪ .‬وقد قال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬واستوصوا بالوالدين إحسانا‪ ,‬وهو قريب المعنى مما قلناه‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ { :‬و ِبذِي ال ُق ْربَى} فإنه يعني‪ :‬وأمر أيضا بذي القربى‪ ,‬وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل‬
‫أبيه أو أمه ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين إحسانا بصلة رحمه‪ .‬وأما قوله‪:‬‬
‫{وال َيتَا مى} فإن هم ج مع يت يم‪ ,‬و هو الط فل الذي قد مات والده وهلك‪{ .‬وَالمَ ساكِينِ} و هو ج مع‬
‫م سكين‪ ,‬و هو الذي قد رك به ذلّ الفا قة والحا جة‪ ,‬فتم سكن لذلك‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬ا ستوصوا‬
‫بهؤلء إحسانا إليهم‪ ,‬وتعطفوا عليهم‪ ,‬والزموا وصيتي في الحسان إليهم‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُق ْربَي}‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك والجار ذي القرابة والرحم منك‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7569‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} يعني‪ :‬الذي بينك وبينه قرابة‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪{ :‬والجارِ ذي ال ُق ْربَي} يعني‪ :‬ذا الرحم‪.‬‬
‫‪ 7570‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫وابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪{ :‬والجا ِر ذِي ال ُق ْربَي} قال‪ :‬جارك هو ذو قرابتك‪.‬‬
‫‪ 7571‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عكرمة ومجاهد في‬
‫قوله‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} قال‪ :‬القرابة‪.‬‬
‫‪7572‬ــ حدثنـي المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬في قوله‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} قال‪ :‬جارك الذي بينك وبينه قرابة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} جارك ذو القرابة‪.‬‬
‫‪ 7573‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬والجارِ ذِي‬
‫ال ُق ْربَي} إذا كان له جار له رحم‪ ,‬فله حقان اثنان‪ :‬حقّ القرابة‪ ,‬وحقّ الجار‪.‬‬
‫‪ 7574‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪{ :‬والجارِ ذِي‬
‫ال ُق ْربَي} قال‪ :‬الجار ذو القربى‪ :‬ذو قرابتك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو جار ذي قرابتك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7575‬ـ حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جرير‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن ميمون بن مهران‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫{والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} قال‪ :‬الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا القول قول مخالف المعروف من كلم العرب‪ ,‬وذلك أن الموصوف بأنه‬
‫ذو القرابـة فـي قوله‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُقرْب َي} الجار دون غيره‪ ,‬فجعله قائل هذه المقالة جار ذي‬
‫القرابـة‪ ,‬ولو كان معنـى الكلم كمـا قال ميمون بـن مهران لقيـل‪ :‬وجار ذي القربـى‪ ,‬ولم يقـل‪:‬‬
‫والجار ذي القر بي‪ ,‬فكان يكون حينئذً ـ إذا أض يف الجار إلى ذي القرا بة الو صية ببرّ جار‬
‫ذي القرابـة دون الجار ذي القربـي‪ .‬وأمـا والجار باللف واللم فغيـر جائز أن يكوى «ذي‬
‫القربى» إل من صفة الجار‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك كانت الوصية من ال في قوله‪{ :‬والجارِ ذِي‬
‫ال ُق ْربَي} ببرّ الجار ذي القربى دون جار ذي القرابة‪ ,‬وكان بينا خطأ ما قال ميمون بن مهران‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬والجار ذي القربي منكم بالسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7576‬ـ حدثني محمد بن عمارة السدي‪ ,‬قال ‪ ¹‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪,‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن نوف الشامي‪{ :‬والجارِ ذِي ال ُق ْربَي} المسلم‪.‬‬
‫وهذا أي ضا م ما ل مع نى له‪ ,‬وذلك أن تأو يل كتاب ال تبارك وتعالى غ ير جائز صرفه إل‬
‫إلى الغلب مـن كلم العرب‪ ,‬الذيـن نزل بلسـانهم القرآن المعروف فيهـم دون النكـر الذي ل‬
‫تتعارفه‪ ,‬إل أن يقوم بخلف ذلك حجة يجب التسليم لها‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان معلوما أن‬
‫المتعارف من كلم العرب إذا ق يل فلن ذو قرا بة‪ ,‬إن ما يع ني به‪ :‬إ نه قر يب الر حم م نه دون‬
‫القرب بالدين‪ ,‬كان صرفه إلى القرابة بالرحم أوّلَى من صرفه إلى القرب بالدين‪.‬‬
‫جنُبِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫اختلف أ هل التأو يل في تأو يل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬والجار البع يد الذي ل قرا بة‬
‫بينك وبينه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7577‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫جنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫‪ 7578‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫جنُبِ} يعني‪ :‬الجار من قوم جنب‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫جنُ بِ}‪:‬‬
‫‪ 7579‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫الذي ليس بينهما قرابة وهو جار‪ ,‬فله حقّ الجوار‪.‬‬
‫‪ 7580‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫جنُبِ} الجار الغريب يكون من القوم‪.‬‬
‫السديّ‪{ :‬والجاره ال ُ‬
‫‪ 7581‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫جنُبِ} جارك من قوم آخرين‪.‬‬
‫وابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫جنُبِ}‪ :‬جارك ل قرابة بينك وبينه‪ ,‬البعيد في النسب وهو جار‪.‬‬
‫{والجارِ ال ُ‬
‫‪ 7582‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عكرمة ومجاهد‪ ,‬في‬
‫جنُبِ} قال‪ :‬المجانب‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫جنُ بِ}‪:‬‬
‫‪ 7583‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬والجارِ ال ُ‬
‫الذي ليس بينك وبينه وجه ول قرابة‪.‬‬
‫‪ 7584‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫جنُبِ} قال‪ :‬من قوم آخرين‪.‬‬
‫{والجارِ ال ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الجار المشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7585‬ـ حدثني محمد بن عمارة السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪,‬‬
‫جنُبِ} قال‪ :‬اليهودي والنصرانيّ‪.‬‬
‫عن أبي إسحاق‪ ,‬عن نوف الشامي {والجارِ ال ُ‬
‫وأولى القوليـن فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬معنـى الجنـب فـي هذا الموضـع‪ :‬الغريـب‬
‫البعيد‪ ,‬مسلما كان أو مشركا‪ ,‬يهوديا كان أو نصرانيا ‪ ¹‬لما بينا قبل أن الجار ذي القربى‪ :‬هو‬
‫الجار ذو القرابة والرحم‪ ,‬والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد‪ ,‬ليكون ذلك وصية‬
‫بجم يع أ صناف الجيران‪ ,‬قريب هم وبعيد هم‪ .‬وب عد فإن الجُ نب في كلم العرب البع يد ك ما قال‬
‫أعشى بني قيس‪:‬‬
‫ح َريْثٌ فِي عَطائيَ جا ِمدَا‬
‫عنْ جَنابَةٍفكانَ ُ‬
‫حرَيْثا زَائِرا َ‬
‫ت ُ‬
‫أ َتيْ ُ‬
‫يع ني بقوله‪ « :‬عن جنا بة»‪ :‬عن ب عد وغر بة‪ ,‬وم نه ق يل‪ :‬اجت نب فلن فل نا‪ :‬إذا ب عد م نه‪.‬‬
‫وتجن به غيره‪ :‬إذا من عه إياه ‪ ¹‬وم نه ق يل للج نب‪ :‬جُنُب‪ ,‬لعتزاله ال صلة ح تى يغت سل‪ .‬فمع نى‬
‫ذلك‪ :‬والجار المجانب للقرابة‪.‬‬
‫جنْبِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَالصّاحِب بال َ‬
‫ي بذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو رفيق الرجل في سفره‪ .‬ذكر من قال‬
‫اختلف أهل التأويل في المعن ّ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 7586‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫جنْبِ}‪ :‬الرفيق في السفر‪.‬‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬وَالصّاحِب بال َ‬
‫‪7587‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى وعبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي بكير‪,‬‬
‫جنْبِ}‪ :‬الرفيق في السفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت سعيد ابن جبير‪ ,‬يقول‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫‪ 7588‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫جنْب}‪ :‬صاحبك في السفر‪.‬‬
‫وابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬وَالصّاحِب بال َ‬
‫‪ 7589‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَال صّاحِب‬
‫جنْب} وهو الرفيق في السفر‪.‬‬
‫بال َ‬
‫‪ 7590‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهـد‪{ :‬وَالصـّاحِب بالجَنْب}‪ :‬الرفيـق فـي السـفر‪ ,‬منزله منزلك‪ ,‬وطعامـه طعامـك‪ ,‬ومسـيره‬
‫مسيرك‪.‬‬
‫‪7591‬ــ حدثنـا سـفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـي‪ ,‬عـن إسـرائيل‪ ,‬عـن جابر‪ ,‬عـن عكرمـة ومجاهـد‪:‬‬
‫جنْب} قال‪ :‬الرفيق في السفر‪.‬‬
‫{وَالصّاحِب بال َ‬
‫‪ 7592‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحما ني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عا مر‪ ,‬عن‬
‫جنْب}‪ :‬الرفيق الصالح‪.‬‬
‫عليّ وعبد ال‪ ,‬قال‪{ :‬الصّاحِب بال َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني سليم‪ ,‬عن‬
‫جنْب}‪ :‬رفيقك في السفر الذي يأتيك ويده مع يدك‪.‬‬
‫مجاهد‪ ,‬قال‪{ :‬وَالصّاحِب بال َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا سليم أنه سمع مجاهدا يقول‪{ :‬والصّاحبِ بالجنْب} فذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 7593‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ}‪ :‬الصاحب في السفر‪.‬‬
‫السديّ‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫‪ 7594‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو دكين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي بكير‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جنْبِ}‪ :‬الرفيق الصالح‪.‬‬
‫جبير‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن أبي بكير‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7595‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ} قال‪ :‬الرفيق في السفر‪.‬‬
‫الضحاك في قوله‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7596‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر أو القاسم‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ} قال‪ :‬هي المرأة‪.‬‬
‫عليّ وعبد ال‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن ب عض أ صحابه‪ ,‬عن‬
‫جابر‪ ,‬عن عليّ وعبد ال‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7597‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن بيه‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ} يعني الذي معك في منزلك‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫‪7598‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن هلل‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ} قال‪ :‬هي المرأة‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال في هذه الَية‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫‪7599‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬ثناسـفيان‪ ,‬عن أبـي الهيثـم‪ ,‬عن‬
‫جنْبِ} قال‪ :‬المرأة‪.‬‬
‫إبراهيم‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬قال الثوري‪ ,‬قال أ بو الهي ثم‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ :‬هي المرأة‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي الهيثم‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن مح مد بن سوقة‪ ,‬عن أ بي‬
‫الهيثم‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثني عمرو بن بيذق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ,‬عن محمد بن سوقة‪ ,‬عن أبي الهيثم‪,‬‬
‫عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7600‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن‬
‫جنْبِ}‪ :‬الملزم‪ .‬وقال أيضا‪ :‬رفيقك الذي يرافقك‪.‬‬
‫عباس‪{ :‬وَالصّاحِبِ بال َ‬
‫جنْ بِ}‪ :‬الذي‬
‫‪ 7601‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪{ :‬وَال صّاحِبِ بال َ‬
‫يلصق بك وهو إلى جنبك‪ ,‬ويكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك‪.‬‬
‫جنْ بِ}‪ :‬ال صاحب إلى‬
‫وال صواب من القول في تأو يل ذلك عندي‪ :‬أن مع نى‪{ :‬وَال صّاحِبِ بال َ‬
‫ج ُنبُ هُ‬
‫الج نب‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬فلن بج نب فلن وإلى جن به‪ ,‬و هو من قول هم‪ :‬جَنَب فلن فل نا ف هو َي ْ‬
‫خيْلَ‪ ,‬إذا قاد بعضها إلى جنب بعض‪ .‬وقد يدخل في هذا‬
‫جنَبَ ال َ‬
‫جنْبا‪ ,‬إذا كان لجنبه‪ ,‬ومن ذلك‪َ :‬‬
‫َ‬
‫الرفيق في السفر‪ ,‬والمرأة‪ ,‬والمنقطع إلى الرجل الذي يلزمه رجاء نفعه‪ ,‬لن كلهم بجنب الذي‬
‫هو م عه وقر يب م نه‪ ,‬و قد أو صى ال تعال بجميع هم لوجوب ح قّ ال صاحب على الم صحوب‪.‬‬
‫وقد‪:‬‬
‫‪ 7602‬ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي فديك‪ ,‬عن فلن بن عبد ال‪ ,‬عن‬
‫الثقة عنده‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين‪,‬‬
‫فدخل النبيّ صلى ال عليه وسلم وسلم في غيضة طرفاء‪ ,‬فقطع فصيلين أحدهما معوجّ والَخر‬
‫معتدل‪ ,‬فخرج به ما فأع طى صاحبه المعتدل وأ خذ لنف سه المعو جّ‪ ,‬فقال الر جل‪ :‬يا ر سول ال‬
‫صحَبُ صَاحِبا‬
‫ن كُلّ صَاحِبٍ يَ ْ‬
‫بأبي أنت وأمي‪ ,‬أنت أح قّ بالمعتدل مني! فقال‪« :‬كَلّ يا فُل نُ‪ ,‬إ ّ‬
‫ن نَهارٍ»‪.‬‬
‫عةً مِ ْ‬
‫ن صَحَا َبتِهِ وََلوْ سا َ‬
‫سئُولٌ عَ ْ‬
‫َم ْ‬
‫‪7603‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن حيوة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ي صلى‬
‫ثني شرحبيل بن شريك‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن الحبلي‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬عن النب ّ‬
‫خيْرُ‬
‫ُمـ لِصـَاحِبِه‪َ ,‬و َ‬
‫خ ْيرُه ْ‬
‫َكـ َوتَعالى َ‬
‫ّهـ تَبار َ‬
‫ع ْن َد الل ِ‬
‫خ ْيرَ الصـحَابِ ِ‬
‫«إنـ َ‬
‫ّ‬ ‫ال عليـه وسـلم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خيْرُ ُهمْ لِجارِه»‪.‬‬
‫ع ْن َد اللّه َ‬
‫الجِيرانَ ِ‬
‫وإن كان الصـاحب بالجنـب معناه مـا ذكرناه مـن أن يكون داخلً فيـه كـل مـن جنـب رجلً‬
‫يصحبه في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به‪ ,‬ولم يكن ال جلّ ثناؤه خ صّ بعضهم مما‬
‫احتمله ظاهـر التنزيـل ‪ ¹‬فالصـواب أن يقال‪ :‬جميعهـم معنيون بذلك‪ ,‬وبكلهـم قـد أوصـى ال‬
‫بالحسان إليه‪.‬‬
‫سبِيلِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَا ْبنِ ال ّ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ابن السبيل‪ :‬هو المسافر الذي يجتاز مارّا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7604‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫سبِيلِ} هو الذي يمرّ عليك وهو مسافر‪.‬‬
‫وابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَابْنِ ال ّ‬
‫حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن المبارك‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد وقتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7605‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‬
‫سبِيلِ} قال‪ :‬هو المارّ عليك وإن كان في الصل غنيّا‪.‬‬
‫في قوله‪{ :‬وَا ْبنِ ال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الضيف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7606‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫سبِيلِ} قال‪ :‬الضيف له حقّ في السفر والحضر‪.‬‬
‫ن ال َ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَابْ ِ‬
‫سبِيلِ}‬
‫ن ال ّ‬
‫‪ 7607‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَا ْب ِ‬
‫وهو الضيف‪.‬‬
‫حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هش يم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫سبِيلِ} قال‪ :‬الضيف‪.‬‬
‫ن ال ّ‬
‫{وَابْ ِ‬
‫حدثنا يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك‪ :‬أن ا بن ال سبيل‪ :‬هو صاحب الطر يق‪ ,‬وال سبيل‪ :‬هو الطر يق‪,‬‬
‫واب نه‪ :‬صاحبه الضارب ف يه‪ ,‬فله الح قّ على من مرّ به محتا جا منقط عا به إذا كان سفره في‬
‫غ ير مع صية ال أن يعي نه إن احتاج إلى معو نة‪ ,‬ويضي فه إن احتاج إلى ضيا فة‪ ,‬وأن يحمله إن‬
‫حمْلن‪.‬‬
‫احتاج إلى ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَما مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ}‪.‬‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬والذ ين ملكتمو هم من أرقائ كم‪ .‬فأضاف الملك إلى اليم ين‪ ,‬ك ما يقال‪:‬‬
‫تكلم فوك‪ ,‬ومشت رجلُك‪ ,‬وبطشت يدُك‪ ,‬بمعنى‪ :‬تكلمتَ‪ ,‬ومشيتَ‪ ,‬وبطشتَ‪ .‬غير أن ما وصفت‬
‫به كل ع ضو من ذلك‪ ,‬فإن ما أض يف إل يه ما و صفت به‪ ,‬ل نه بذلك يكون في المتعارف في‬
‫الناس دون سائر جوارح الج سد‪ ,‬فكان معلو ما بو صف ذلك الع ضو ب ما وُ صف به من ذلك‬
‫المع نى المراد من الكلم‪ ,‬فكذلك قوله‪{ :‬وَمَا مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ} لن ممال يك أحد نا ت حت يده‪ ,‬إن ما‬
‫ب صرفه فيه بها‪ .‬فأضيف ملكهم‬
‫يَطعم ما تناوله أيماننا ويكتسي ما تكسوه وتصرّفه فيما أح ّ‬
‫إلى اليمان لذلك‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7608‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪{ :‬وَما مََلكَتْ أيمَا ُنكُمْ} مما خوّلك ال كل هذا أوصى ال به‪.‬‬
‫وإنما يعني مجاهد بقوله‪« :‬كل هذا أوصى ال به» الوالدين وذا القربى واليتامى والمساكين‬
‫والجار ذا القر بى‪ ,‬والجار الج نب‪ ,‬وال صاحب بالج نب‪ ,‬وا بن ال سبيل‪ ,‬فأو صى رب نا جلّ جلله‬
‫ق على عباده‬
‫بجم يع هؤلء عباده إح سانا إلي هم‪ ,‬وأ مر خل قه بالمحاف ظة على و صيته في هم‪ ,‬فح ّ‬
‫حفظ وصية ال فيهم ثم حفظ وصية رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن كانَ ُمخْتالً َفخُورا}‪.‬‬
‫ب مَ ْ‬
‫ن اللّ َه ل ُيحِ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫ن ُمخْتالً}‪ :‬إن ال ل يح بّ من كان ذا خيلء‪,‬‬
‫يعني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬إ نّ الّل َه ل ُيحِ بّ مَ نْ كا َ‬
‫والمختال المفتعل من قولك‪ :‬خال الرجل فهو َيخُول خَ ْولً وخَالً‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫ب فَخَ ْ‬
‫ل فاذْه ْ‬
‫س ّيدَنا سُ ْدتَناوإن ُكنْتَ للخا ِ‬
‫ن ُكنْتَ َ‬
‫فإ ْ‬
‫ومنه قول العجاج‪:‬‬
‫جهّالْ‬
‫ن ثِيابِ ال ُ‬
‫والخالِ ثَ ْوبٌ مِ ْ‬
‫وأ ما الفخور‪ :‬ف هو المفت خر على عباد ال ب ما أن عم ال عل يه من آلئه‪ ,‬وب سط له من فضله‪,‬‬
‫ول يحد على ما أتاه من طوله‪ ,‬ولكنه به مختال مستكبر‪ ,‬وعلى غيره به مستطيل مفتخر‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7609‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن كا نَ ُمخْتالً} قال‪ :‬مت كبرا فخورا‪ ,‬قال‪ :‬يع ّد ما أُع طي‪ ,‬و هو ل‬
‫ب مَ ْ‬
‫ن اللّ هَ ل ُيحِ ّ‬
‫مجا هد‪{ :‬إ ّ‬
‫يشكر ال‪.‬‬
‫‪ 7610‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن كثير‪ ,‬عن عبد ال بن واقد‬
‫أ بي رجاء الهروي‪ ,‬قال‪ :‬ل ت جد سيـيء المل كة إل وجد ته مختالً فخورا‪ ,‬وتل‪{ :‬وَ ما مََلكَ تْ‬
‫ن ُمخْتالً َفخُورا}‪ .‬ول عاقّا إل وجدته جبارا شقيا‪ ,‬وتل‪َ { :‬و َبرّا‬
‫ن كا َ‬
‫أيمَانُكُ مْ إ نّ الّل هَ ل ُيحِ بّ مَ ْ‬
‫جبّارا شَقيّا}‪.‬‬
‫جعَلْنِي َ‬
‫بِوَاِلدِتي وَلْم َي ْ‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن النّا سَ بِا ْل ُبخْلِ َو َي ْك ُتمُو نَ مَآ آتَاهُ ُم اللّ هُ‬
‫ن َي ْبخَلُو نَ َو َي ْأ ُمرُو َ‬
‫{اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عذَابا ّمهِينا }‪..‬‬
‫ع َتدْنَا لِ ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫مِن فَضْلِهِ وََأ ْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال ل يح بّ المختال الفخور‪ ,‬الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل‪ .‬فـ‬
‫«الذين» يحتمل أن يكون في موضع رفع ردّا على ما في قوله { َفخُورا} من ذ مّ‪ ,‬ويحتمل أن‬
‫يكون نصبا على النعت لـ « َم نْ»‪ .‬والبخل في كلم العرب منع الرجل سائله ما لديه وعنده‬
‫من فضل عنه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7611‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن ابن طاوس‬
‫ن النّاسَ بال ُبخْلِ} قال‪ :‬البخل‪ :‬أن يبخل النسان بما في‬
‫ن وي ْأ ُمرُو َ‬
‫ن َي ْبخَلُو َ‬
‫عن أبيه في قوله‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫يشحـ على مـا فـي أيدي الناس‪ .‬قال‪ :‬يحب ّـ أن يكون له مـا فـي أيدي الناس‬
‫ّ‬ ‫يديـه‪ ,‬والشحـّ‪ :‬أن‬
‫بالحلّ والحرام ل يقنع‪.‬‬
‫ّاسـ بال ُبخْلِ} فقرأتـه عامـة قراء أهـل الكوفـة‪:‬‬
‫ُونـ الن َ‬
‫واختلف القراء فـي قراءة قوله‪{ :‬و َي ْأ ُمر َ‬
‫«بالبَخَل» بف تح الباء والخاء‪ .‬وقرأ ته عا مة قراء أ هل المدي نة وب عض الب صريين ب ضم الباء‪:‬‬
‫{بالبُخْلِ}‪ .‬وهمـا لغتان فصـيحتان بمعنـى واحـد‪ ,‬وقراءتان معروفتان غيـر مختلفتـي المعنـى‪,‬‬
‫فبأيته ما قرأ القارىء ف هو م صيب في قراء ته‪ .‬و قد ق يل‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه ع نى بقوله‪{ :‬اّلذِي نَ‬
‫ن النّا سَ بال ُبخْلِ}‪ :‬الذ ين كتموا ا سم مح مد صلى ال عل يه و سلم و صفته من‬
‫ن وي ْأ ُمرُو َ‬
‫َي ْبخَلُو َ‬
‫اليهود‪ ,‬ولم يبينوه للناس‪ ,‬وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7612‬ــ حدثنـا محمـد بـن عبـد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا المعتمـر بـن سـليمان‪ ,‬عـن أبيـه‪ ,‬عـن‬
‫ن النّا سَ بال ُبخْلِ َو َي ْك ُتمُو نَ ما آتاهُ ْم اللّ ُه مِ نْ َفضْلِ هِ} قال‪ :‬هم‬
‫ن وي ْأ ُمرُو َ‬
‫ن َي ْبخَلُو َ‬
‫الحضرم يّ‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫اليهود بخلوا بما عندهم من العلم وكتموا ذلك‪.‬‬
‫‪ 7613‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن الّلهُ‬
‫ن وي ْأ ُمرُونَ النّاسَ بال ُبخْلِ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وكا َ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قول ال‪{ :‬اّلذِينَ َي ْبخَلُو َ‬
‫ِب ِهمْ عَلِيما} ما بين ذلك في يهود‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ن َي ْبخَلُو نَ‬
‫‪ 7614‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫وي ْأ ُمرُونَـ النّاسَـ بال ُبخْلِ} وهـم أعداء ال أهـل الكتاب‪ ,‬بخلوا بحقّـ ال عليهـم‪ ,‬وكتموا السـلم‬
‫ومحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل‪.‬‬
‫‪7615‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ن فَضْلِهِ} اسم‬
‫ن النّاسَ بال ُبخْلِ} فهم اليهود‪{ ,‬وَي ْكتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫ن وي ْأ ُمرُو َ‬
‫ن َي ْبخَلُو َ‬
‫أما‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫س بالبُخْلِ}‪ :‬يبخلون باسم محمد صلى ال‬
‫ن النّا َ‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬أو { َي ْبخَلُونَ و َي ْأمُرُو َ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ويأمر بعضهم بعضا بكتمانه‪.‬‬
‫‪ 7616‬ـ حدثنا محمد بن مسلم الرازي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبو جعفر الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى‪ ,‬عن‬
‫ن وي ْأ ُمرُو نَ النّا سَ‬
‫عارم‪ ,‬عن أش عث‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬في قوله‪{ :‬اّلذِي نَ َي ْبخَلُو َ‬
‫بال ُبخْلِ} قال‪ :‬هذا للعلم‪ ,‬ليس للدنيا منه شيء‪.‬‬
‫ن َي ْبخَلُو نَ‬
‫‪ 7617‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬اّلذِي َ‬
‫وي ْأ ُمرُون َـ النّاس َـ بال ُبخْلِ} قال‪ :‬هؤلء يهود‪ ,‬وقرأ‪{ :‬و َي ْك ُتمُون َـ مـا آتاهُم ْـ اللّه ُـ مِن ْـ فَضْلِهـِ} قال‪:‬‬
‫يبخلون بما آتاهم ال من الرزق‪ ,‬ويكتمون ما آتاهم ال من الكتب‪ ,‬إذا سئلوا عن الشيء وما‬
‫ن النّاسَ نَقِيرا} من بخلهم‪.‬‬
‫ن المُ ْلكِ فإذا ل ُي ْؤتُو َ‬
‫أنزل ال كتموه‪ .‬وقرأ‪{ :‬أمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مِ َ‬
‫‪ 7618‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن محمد بن أبي محمد‪ ,‬عن‬
‫عكرمـة أو عـن سـعيد بـن جـبير‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان كردم بـن زيـد حليـف كعـب بـن‬
‫ي بن أخطب‪ ,‬ورفاعة‬
‫الشرف‪ ,‬وأسامة بن حبيب‪ ,‬ونافع بن أبي نافع‪ ,‬وبحري بن عمرو‪ ,‬وح ّ‬
‫ل من النصار‪ ,‬وكانوا يخالطونهم‪ ,‬يتنصحون لهم من أصحاب‬
‫بن زيد بن التابوت‪ ,‬يأتون رجا ً‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فيقولون ل هم‪ :‬ل تنفقوا أموال كم فإ نا نخ شى علي كم الف قر في‬
‫ُونـ‬
‫ِينـ َي ْبخَل َ‬
‫ذهابهـا‪ ,‬ول تسـارعوا فـي النفقـة فإنكـم ل تدرون مـا يكون! فأنزل ال فيهـم‪{ :‬اّلذ َ‬
‫ن ما آتاهُ مُ الّل ُه مِ نْ َفضْلِ هِ}‪ :‬أي من النبوّة التي فيها تصديق ما‬
‫وي ْأ ُمرُو نَ النّا سَ بال ُبخْلِ َو َي ْكتُمُو َ‬
‫ن اللّ ُه ِب ِهمْ‬
‫عذَابا ُمهِينا}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وكا َ‬
‫عتَدنْا للْكا ِفرِينَ َ‬
‫جاء به محمد صلى ال عليه وسلم‪{ ,‬وأ ْ‬
‫عَلِيما}‪.‬‬
‫فتأويل الَ ية على التأو يل الوّل‪ :‬وال ل يح بّ ذوي الخيلء والفخر الذين يبخلون بتبيين ما‬
‫أمرهم ال بتبيينه للناس من اسم محمد صلى ال عليه وسلم ونعته وصفته التي أنزلها في كتبه‬
‫على أنبيائه‪ ,‬وهم به عالمون‪ ,‬ويأمرون الناس الذين يعلمون ذلك‪ ,‬مثل علمهم بكتمان ما أمرهم‬
‫ال بتبيينه له‪ ,‬ويكتمون ما آتاهم ال من علم ذلك ومعرفته من حرم ال عليه كتمانه إياه‪.‬‬
‫وأما على تأويل ابن عباس وابن زيد‪ :‬إن ال ل يح بّ من كان مختالً فخورا‪ ,‬الذين يبخلون‬
‫على الناس بفضل ما رزقهم ال من أموالهم‪ .‬ثم سائر تأويلهما وتأويل غيرهما سواء‪.‬‬
‫وأولى القوال بالصـواب فـي ذلك مـا قاله الذيـن قالوا‪ :‬إن ال وصـف هؤلء القوم الذيـن‬
‫و صف صفتهم في هذه الَ ية بالب خل‪ ,‬بتعر يف من ج هل أ مر مح مد صلى ال عل يه و سلم أ نه‬
‫ح قّ‪ ,‬وأن محمدا ل نبيّ مبعوث‪ ,‬وغ ير ذلك من الح قّ الذي كان ال تعالى ذكره قد بي نه في ما‬
‫أوحـى إلى أنـبيائه مـن كتبـه‪ ,‬فبخـل بتـبيينه للناس هؤلء‪ ,‬وأمروا مـن كانـت حاله حالهـم فـي‬
‫معرفتهم به أن يكتموه من جهل ذلك‪ ,‬ول يبينوه للناس‪.‬‬
‫وإن ما قل نا‪ :‬هذا القول أولى بتأو يل الَ ية ‪ ¹‬لن ال جلّ ثناؤه و صفهم بأن هم يأمرون الناس‬
‫بالبخل‪ ,‬ولم يبلغنا عن أمة من المم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة ول تخلقا‪ ,‬بل ترى ذلك‬
‫قبيحا‪ ,‬ويُذ مّ فاعله‪ ,‬ول يمتدح ‪ ¹‬وإن هي تخلقت بالبخل واستعملته في أنفسها‪ ,‬فالسخاء والجود‬
‫تعدّه من مكارم الفعال‪ ,‬وتحثّ عليه ‪ ¹‬ولذلك قلنا‪ :‬إن بخلهم الذي وصفهم ال به إنما كان بخلً‬
‫بالعلم الذي كان ال آتاهموه‪ ,‬فبخلوا بتـبيينه للناس‪ ,‬وكتموه دون البخـل بالموال‪ .‬إل أن يكون‬
‫معنى ذلك الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق ال وسبله‪ ,‬ويأمرون الناس من أهل‬
‫السلم بترك النفقة في ذلك‪ ,‬فيكون بخلهم بأموالهم وأمرهم الناس بالبخل‪ .‬فهذا المعنى على ما‬
‫ذكرنا من الرواية عن ابن عباس‪ ,‬فيكون لذلك وجه مفهوم في وصفهم بالبخل وأمرهم به‪.‬‬
‫عذَابا ُمهِينا}‪.‬‬
‫عتَدنْا للكا ِفرِينَ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وأ ْ‬
‫عتَدنْا}‪ :‬وجعلنا للجاحدين نعمة ال التي أنعم بها عليهم من المعرفة‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه {وأ ْ‬
‫ن َأ َمرَهم‬
‫بنبوّة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬المكذّبين به بعد علمهم به‪ ,‬الكاتمين نعته وصفته مَ ْ‬
‫عذَا با ُمهِي نا} يع ني‪ :‬العقاب المذلّ من عذّب بخلوده ف يه عتادا له في‬
‫ال ببيانه له من الناس‪َ { ,‬‬
‫ض ال الذي فرض عليه‪.‬‬
‫آخرته‪ ,‬إذا قدم على ربه وجده بما سلف منه من جحوده فَرْ َ‬

‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن بِاللّ هِ َولَ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ن َأمْوَاَلهُ مْ ِرئَ ـآءَ النّا سِ َو َ‬
‫ن ُينْفِقُو َ‬
‫{وَاّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن لَ ُه قَرِينا َفسَآ َء قِرِينا }‪..‬‬
‫شيْطَا ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫خرِ َومَن َيكُ ِ‬
‫لِ‬‫بِا ْليَ ْومِ ا َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وأعتدنا للكافرين بال من اليهود الذين وصف ال صفتهم عذابا مهينا‪.‬‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫{وَاّلذِي نَ ُينْفِقُو نَ أ ْموَاَلهُ مْ ِرئَاءَ النّا سِ} «والذ ين» في مو ضع خ فض عط فا على «الكافر ين»‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬رِئَا َء النّا سِ} يع ني‪ :‬ينف قه مراءاة الناس في غ ير طا عة ال أو غ ير سبيله‪ ,‬ول كن في‬
‫خرِ} يقول‪ :‬ول يصـدّقون بواحدنيـة ال ول‬
‫لِ‬‫ْمـ ا َ‬
‫ّهـ وَل باليَو ِ‬
‫ُونـ بالل ِ‬
‫سـبيل الشيطان‪{ .‬وَل يُ ْؤ ِمن َ‬
‫بالميعاد إليه يوم القيامة‪ ,‬الذي فيه جزاء العمال أنه كائن‪ .‬وقد قال مجاهد‪ :‬إن هذا من صفة‬
‫اليهود‪ ,‬وهو صفة أهل النفاق الذين كانوا أهل شرك فأظهروا السلم تقية من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وأهل اليمان به‪ ,‬وهم على كفرهم مقيمون أشبه منهم بصفة اليهود ‪ ¹‬لن اليهود‬
‫كانت توحد ال وتصدّق بالبعث والمعاد‪ ,‬وإنما كان كفرها تكذيبها بنبوّة محمد صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ .‬وب عد ف في ف صل ال ب ين صفة الذ ين ل يؤمنون بال ول باليوم الَ خر‪ ,‬و صفة الفر يق‬
‫الَخر الذين وصفهم في الَية قبلها‪ ,‬وأخبر أن لهم عذابا مهينا‪ ,‬بالواو الفاصلة بينهم ما ينبىء‬
‫عن أنهما صفتان من نوعين من الناس مختلفي المعاني‪ ,‬وإن كان جميعهم أهل كفر بال‪ .‬ولو‬
‫كانت الصفتان كلتماهما صفة نوع من الناس لقيل إن شاء ال‪ :‬وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا‪,‬‬
‫الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس‪ .‬ولكن فصل بينهم بالواو لما وصفنا‪.‬‬
‫ن ظا نّ أن دخول الواو غير مستنكر في عطف صفة على صفة لموصوف واحد في‬
‫فإن ظ ّ‬
‫كلم العرب؟ قيل‪ :‬ذلك وإن كان كذلك‪ ,‬فإن الفصح في كلم العرب إذا أريد ذلك ترك إدخال‬
‫الواو‪ ,‬وإذا أر يد بالثا ني و صف آ خر غ ير الوّل أد خل الواو‪ .‬وتوج يه كلم ال إلى الف صح‬
‫الشهر من كلم من نزل بلسانه كتابه أولى بنا من توجيهه إلى النكر من كلمهم‪.‬‬
‫ن لَ ُه قَرِينا فَسا َء قَرِينا}‪.‬‬
‫شيْطا ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬و َمنْ َيكُ ِ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ومن يكن الشيطان له خليلً وصاحبا يعمل بطاعته ويتبع أمره ويترك‬
‫‪¹‬‬ ‫أمر ال في إنفاقه ماله رئاء الناس في غير طاعته‪ ,‬وجحوده وحدانية ال والبعث بعد الممات‬
‫{ف ساءَ قرِي نا} يقول‪ :‬ف ساء الشيطان قري نا‪ .‬وإن ما ن صب القر ين‪ ,‬لن في « ساء» ذكرا من‬
‫الشيطان‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ِ { :‬بئْسَـ للظّاِلمِينَـ َب َدلً}‪ ,‬وكذلك تفعـل العرب فـي سـاء ونظائرهـا‪,‬‬
‫ي بن زيد‪:‬‬
‫ومنه قول عد ّ‬
‫ن بالمُقارِنِ يَ ْق َتدِي‬
‫ن قَرِي ِنهِ َفكُلّ َقرِي ٍ‬
‫ن ال َمرْءِ ل تَسألْ َوسَلْ عَ ْ‬
‫عَ ِ‬
‫يريد بالقرين‪ :‬الصاحب والصديق‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لخِرِ وََأنْفَقُواْ مِمّا َر َزقَهُ مُ‬
‫{ َومَاذَا عََل ْيهِ مْ لَ ْو آ َمنُو ْا بِاللّ هِ وَا ْليَوْ ِم ا َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن اللّ ُه ِبهِم عَلِيما }‪..‬‬
‫اللّهُ َوكَا َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬أ يّ ش يء على هؤلء الذ ين ينفقون أموال هم رئاء الناس‪ ,‬ول يؤمنون‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫بال ول باليوم الَخـر‪ ,‬لو آمنوا بال واليوم الَخـر‪ ,‬لو صـدّقوا بأن ال واحـد ل شريـك له‪,‬‬
‫وأخلصـوا له التوحيـد‪ ,‬وأيقنوا بالبعـث بعـد الممات‪ ,‬وصـدّقوا بأن ال مجازيهـم بأعمالهـم يوم‬
‫القيامة {وأنفقُوا ممّا رزقهُم الّل هُ} يقول وأدّوا زكاة أموالهم التي رزقهم ال‪ ,‬وأعطاهموها طيبة‬
‫بهـا أنفسـهم‪ ,‬ولم ينفقوهـا رئاء الناس التماس الذكـر والفخـر عنـد أهـل الكفـر بال‪ ,‬والمحمدة‬
‫بالباطـل عنـد الناس‪ ,‬وكان ال بهؤلء الذيـن وصـف صـفتهم أنهـم ينفقون أموالهـم رئاء الناس‬
‫نفاقـا‪ ,‬وهـم بال واليوم الَخـر مكذّبون‪ ,‬عليمـا‪ ,‬يقول‪ :‬ذا علم بهـم وبأعمالهـم ومـا يقصـدون‬
‫ويريدون بانفاق هم‪ ,‬و ما ينفقون من أموال هم‪ ,‬وأن هم يريدون بذلك الرياء وال سمعة والمحمدة في‬
‫الناس‪ ,‬و هو حا فظ علي هم أعمال هم‪ ,‬ل يخ فى عل يه ش يء من ها ح تى يجازي هم ب ها جزاء هم ع نا‬
‫معادهم إليه‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ت مِن‬
‫سنَةً ُيضَاعِ ْفهَا َويُؤْ ِ‬
‫ك حَ َ‬
‫ل ذَرّةٍ وَإِن تَ ُ‬
‫ن اللّ َه لَ َيظْلِمُ ِمثْقَا َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ّل ُدنْهُ َأجْرا َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وماذا علي هم لو آمنوا بال واليوم الَ خر‪ ,‬وأنفقوا م ما رزق هم ال‪ ,‬فإن‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫ال ل يبخس أحدا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه من ثواب نفقته في الدنيا ول من أجرها‬
‫يوم القيامة { ِمثْقَالَ َذرّةٍ} أي ما يزنها ويكون على قدر ثقلها في الوزن‪ ,‬ولكنه يجازيه به‪ ,‬ويثيبه‬
‫عليه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7619‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة أنه‬
‫سنَةً ُيضَاعِفْها} قال‪ :‬لن تفضل حسناتي ما يزن ذرّة‬
‫ن تَكُ حَ َ‬
‫ل َذرّةٍ وَإ ْ‬
‫تل‪{ :‬إنّ الّلهَ ل َيظْلِمُ ِمثْقا َ‬
‫ي من الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫أحبّ إل ّ‬
‫‪ 7620‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان بعض‬
‫ب إل يّ من أن تكون لي الدنيا‬
‫أهل العلم يقول‪ :‬لن تفضل حسناتي على سيئاتي ما يزن ذرّة أح ّ‬
‫جميعا‪.‬‬
‫وأما الذرّة‪ ,‬فإنه ذكر عن ابن عباس أنه قال فيها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪7621‬ـ حدثني إسحاق بن وهب الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبيب بن بشر‪,‬‬
‫عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪ِ { :‬مثْقالَ َذرّةٍ} قال‪ :‬رأس نملة حمراء‪.‬‬
‫قال لي إسـحاق بـن وهـب‪ :‬قال يزيـد بـن هارون‪ :‬زعموا أن هذه الدودة الحمراء ليـس لهـا‬
‫وزن‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك صحت الخبار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 7622‬ـ حدث نا مح مد بن المث نى ومح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمران‪,‬‬
‫سنَةً‪,‬‬
‫ن حَ َ‬
‫ن اللّ َه ل َيظْلِمُ المُ ْؤمِ َ‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن أنس‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬إ ّ‬
‫طعَمُ بها فِي ال ّدنْيا‪ ,‬فإذَا كانَ‬
‫لخِرَ ِة‪ ¹‬وأمّا الكا ِفرُ َفيُ ْ‬
‫جزَى بها فِي ا َ‬
‫يُثابُ عََليْها ال ّرزْقَ فِي ال ّدنْيا وُي ْ‬
‫سنَةً»‪.‬‬
‫حَ‬‫ن لَه َ‬
‫يَ ْومُ القِيامَةِ َلمْ َتكُ ْ‬
‫‪ 7623‬ـ حدث نا مو سى بن ع بد الرح من الم سروقي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جع فر بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ح ُدكُ مْ‬
‫هشام بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا زيد بن أسلم‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪« :‬وَاّلذِي نَفْسي ِب َيدِ ِه ما أ َ‬
‫ن َقدْ خَلَ صُوا مِ نَ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ فِي إخْوَا ِنهِ مْ إذَا رأوْا أ ْ‬
‫شدَةً فِي الحَ قّ َيرَاه مُ صيبا لَه‪ ,‬مِ َ‬
‫بِأشَدّ مُنا َ‬
‫ن َمعَ نا ويُجا ِهدُو نَ‬
‫حجّو َ‬
‫ن َمعَ نا َويَ صُومُونَ َمعَ نا وَي ُ‬
‫النّار يَقُولُو نَ‪ :‬أ يْ َربّ نا إخْوَانُ نا كانُوا يُ صَلّو َ‬
‫حرّ مُ صورَتهُمْ‬
‫خ ِرجُوه! وي َ‬
‫عرَ ْفتُ مْ صو َرتَه فأ ْ‬
‫ل اللّ ُه َلهُ مْ‪ :‬اذْ َهبُوا َفمَ نْ َ‬
‫خ َذ ْتهُ مُ النّارُ! َفيَقُو ُ‬
‫َمعَنا‪ ,‬قَدْ أ َ‬
‫ـ وإلى حَ ْق َويْهـِ‪,‬‬
‫خذَتْـه النّارُ إلى أنْصـَاف سـا َقيْهِ وإلى ُر ْك َب َتيْه ِ‬
‫ـ ال ّرجُلَ َقدْ أ َ‬
‫على النّارِ‪َ ,‬ف َيجِدون َ‬
‫ج ْدتُ مْ فِي قَ ْلبِ ِه ِمثْقالَ‬
‫ن فَ َي َتكَّلمُو نَ‪َ ,‬فيَقُولُ‪ :‬اذْ َهبُوا ِلمَ نْ َو َ‬
‫ن ِمنْ ها َبشَرا َكثِيرا‪ ,‬ثُ مّ َيعُودُو َ‬
‫خ ِرجُو َ‬
‫َفيُ ْ‬
‫ل َلهُ مْ‬
‫ن َف َيتَكَّلمُو نَ‪ ,‬فَل َيزَالُ يَقو ُ‬
‫خ ِرجُو هُ! َف ُيخْ ِرجُو نَ ِمنْ ها َبشَرا َكثِيرا‪ ,‬ثُ ّم َيعُودُو َ‬
‫خ ْيرٍ فأ ْ‬
‫قِيرَا طِ َ‬
‫خ ِرجُوهُ!» ـ فكان أبو سعيد إذا حدّث‬
‫ج ْدتُ ْم فِي قَ ْلبِ ِه ِمثْقالَ َذرّ ٍة فأ ْ‬
‫ذَلِكَ حتى يَقُولَ‪ :‬اذْ َهبُوا‪َ ,‬فمَنْ َو َ‬
‫سنَةً ُيضَاعِفْها‬
‫ن تَكُ حَ َ‬
‫ن اللّهَ ل َيظْلِمُ ِمثْقالَ َذرّةٍ وَإ ْ‬
‫بهذا الحديث‪ ,‬قال‪ :‬إن لم تصدّقوا فاقرءوا‪{ :‬إ ّ‬
‫خيْرا»‪.‬‬
‫َويُؤتِ ِمنْ َل ُدنْ ُه أجْرا عظيما} فيقولون‪َ « :‬ربّنا لم َنذَرْ فيها َ‬
‫وحدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي وشعيب بن الليث‪ ,‬عن الليث عن‬
‫خالد بن يز يد‪ ,‬عن ا بن أ بي هلل‪ ,‬عن ز يد بن أ سلم‪ ,‬عن عطاء بن ي سار‪ ,‬عن أ بي سعيد‬
‫الخدريّ‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون في ذلك‪ .‬بما‪:‬‬
‫‪7624‬ـ حدثني به المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا صدقة بن أبي سهل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو عمرو‪ ,‬عن زاذان‪ ,‬قال‪ :‬أتيت ابن مسعود‪ ,‬فقال‪ :‬إذا كان يوم القيامة جمع ال الوّلين‬
‫والَخر ين‪ ,‬ثم نادى مناد من عند ال‪« :‬أل من كان يطلب مظل مة‪ ,‬فليجىءْ إلى ح قه فليأخذه!»‬
‫قال‪ :‬فيفرح وال الصبيّ أن يذوب له الح قّ على والده أو ولده أو زوجته‪ ,‬فيأخذه منه وإن كان‬
‫صغيرا‪ .‬وم صداق ذلك في كتاب ال تبارك وتعالى‪{ :‬فإذَا نُ ِف خَ فِي ال صّورِ فَل أنْ سابَ َب ْي َنهُ مْ‬
‫ب من‬
‫يَ ْو َم ِئذٍ وَل َيتَ ساءَلُونَ} فيقال له‪« :‬آت هؤلء حقوق هم» أي أعط هم حقوق هم‪ .‬فيقول‪ :‬أي ر ّ‬
‫أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول ال لملئكته‪ :‬أي ملئكتي انظروا في أعماله الصالحة‪ ,‬وأعطوهم‬
‫من ها! فإن ب قي مثقال ذرة من ح سنة‪ ,‬قالت الملئ كة و هو أعلم بذلك من ها‪ :‬يا رب نا أعطيْ نا كلّ‬
‫ذي ح قّ حقه‪ ,‬وبقي له مثقال ذرّة من حسنة‪ .‬فيقول للملئكة‪ :‬ضعّفوها لعبدي‪ ,‬وأدخلوه بفضل‬
‫َسـنَةً‬
‫َكـ ح َ‬
‫َإنـ ت ُ‬
‫ِمـ ِمثْقالَ َذرّةٍ و ْ‬
‫ّهـ ل َيظْل ُ‬
‫{إنـ الل َ‬
‫رحمتـى الجنـة! ومصـداق ذلك فـي كتاب ال‪ّ :‬‬
‫عظِي ما}‪ :‬أي الج نة يعطي ها‪ .‬وإن فن يت ح سناته وبق يت سيئاته‪,‬‬
‫عفْ ها َويُؤ تِ ِم نْ َل ُدنْ ُه أجْرا َ‬
‫ُيضَا ِ‬
‫قالت الملئكة وهو أعلم بذلك‪ :‬إلهنا فنيت حسناته وبقي سيئاته‪ ,‬وبقي طالبون كثير! فيقول ال‪:‬‬
‫ضعوا علي ها من أوزار هم واكتبوا له كتا با إلى النار! قال صدقة‪« :‬أو صكّا إلى جه نم»‪ ,‬ش كّ‬
‫صدقة أيتهما قال‪.‬‬
‫‪ 7625‬ـ وحُد ثت عن مح مد بن عبيد‪ ,‬عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن عبد ال بن السائب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت زاذان يقول‪ :‬قال ع بد ال بن م سعود‪ :‬يأ خذ ب يد الع بد وال مة يوم القيا مة‪ ,‬فينادي منادٍ‬
‫على رؤوس الوّل ين والَخر ين‪ :‬هذا فلن ا بن فلن‪ ,‬من كان له ح قّ فليأت إلى ح قه! فتفرح‬
‫المرأة أن يذوب لها الح قّ على أبيها‪ ,‬أو على ابنها‪ ,‬أو على أخيها‪ ,‬أو على زوجها‪ ,‬ثم قرأ ابن‬
‫مسعود‪{ :‬فَل أنْ سَابَ َب ْي َنهُ مْ يَ ْو َم ِئذٍ وَل َيتَساءَلُونَ} فيغفر ال تبارك وتعالى من حقه ما شاء‪ ,‬ول‬
‫يغ فر من حقوق الناس شيئا‪ ,‬فين صب للناس فيقول‪ :‬آتوا إلى الناس حقوق هم! فيقول‪ :‬ر بّ فن يت‬
‫الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول‪ :‬خذوا من أعماله الصالحة‪ ,‬فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر‬
‫مظلم ته‪ ,‬فإن كان ول يا ل‪ ,‬فف ضل له مثقال ذرّة ضاعف ها له ح تى يدخله ب ها الج نة! ـ ثم قرأ‬
‫ب فن يت ح سناته‪ ,‬وب قي‬
‫علي نا‪{ :‬إ نّ الّل َه ل َيظْلِ مُ ِمثْقالَ َذرّةٍ} وإن كان عبدا شق يا قال الملك‪ :‬ر ّ‬
‫صكّا إلى النار‪.‬‬
‫صكّوا له َ‬
‫طالبون كثير‪ .‬فيقول‪ :‬خذوا من سيئاتهم‪ ,‬فأضيفوها إلى سيئاته‪ ,‬ثم ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فتأويل الَية على تأويل عبد ال هذا‪ :‬إن ال ل يظلم عبدا وجب له مثقال ذرّة‬
‫قِبَل ع بد له آ خر في معاده ويوم لقائه ف ما فو قه فيتر كه عل يه فل يأخذه للمظلوم من ظال مه‪,‬‬
‫سنَةً ُيضَاعِفْ ها}‬
‫ن تَ كُ حَ َ‬
‫ولك نه يأخذه م نه له‪ ,‬ويأ خذ من كل ظالم ل كل مظلوم َت ِب َعتَ ُه قِبَلَ هُ‪{ .‬وَإ ْ‬
‫ن َل ُدنْ ُه أجْرا‬
‫يقول‪ :‬وإن توجد له حسنة يضاعفها‪ ,‬بمعنى‪ :‬يضاعف له ثوابها وأجرها‪َ { .‬ويُؤْتِ مِ ْ‬
‫عظِيما} يقول‪ :‬ويعطه من عنده أجرا عظيما‪ .‬والجر العظيم‪ :‬الجنة على ما قاله عبد ال‪.‬‬
‫َ‬
‫ولكل التأويليـن وجـه مفهوم‪ ,‬أعنـى التأويـل الذي قاله ابـن مسـعود والذي قاله قتادة‪ .‬وإنمـا‬
‫اخترنـا التأويـل الوّل لموافقتـه الثـر عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم مـع دللة ظاهـر‬
‫ث ال في ها على النف قة في‬
‫التنز يل على صحته‪ ,‬إذ كان في سياق الَ ية ال تي قبل ها‪ ,‬ال تي ح ّ‬
‫طاعته‪ ,‬وذ مّ النفقة في طاعة الشيطان‪ ,‬ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله‪{ :‬إ نّ‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫ت مِنْ َل ُدنْ ُه أجْرا َ‬
‫سنَ ًة ُيضَاعِفْها َويُؤ ِ‬
‫حَ‬‫اللّ َه ل َيظِْلمُ ِمثْقالَ َذرّةٍ وَإنْ َتكُ َ‬
‫ن تَ كُ‬
‫سنَةً}‪ .‬فقرأت ذلك عامة قرّاء العراق‪{ :‬وَإ ْ‬
‫واختلفت القراء في قراءة قوله‪{ :‬وَإ نْ تَ كُ حَ َ‬
‫حَس َـنَةً} بنصـب الحسـنة‪ ,‬بمعنـى‪ :‬وإن تـك زنـة الذرّة حسـنة يضاعفهـا‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قراء‬
‫سنَةٌ» برفع الحسنة‪ ,‬بمعنى‪ :‬وإن توجد حسنة على ما ذكرت عن عبد ال‬
‫المدينة‪« :‬وَإ نْ تَ كُ حَ َ‬
‫بن مسعود من تأويل ذلك‪ .‬وأما قوله‪ُ { :‬يضَاعِفْها} فإنه جاء باللف‪ ,‬ولم يقل‪« :‬يضعفها»‪ ,‬لنه‬
‫أريد به في قول بعض أهل العربية‪ :‬يضاعفها أضعافا كثيرة ‪ ¹‬ولو أريد به في قوله يضعف‬
‫ذلك ضعفين لقيل‪« :‬يضعّفها» بالتشديد‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأو يل في الذ ين وعد هم ال بهذه الَ ية ما وعد هم في ها‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هم‬
‫جميع أهل اليمان بال وبمحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬واعتلوا في ذلك بما‪:‬‬
‫‪ 7626‬ـ حدثنا الفضل بن الصباح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن مبارك بن فضالة‪ ,‬عن‬
‫عل يّ بن زيد‪ ,‬عن أبي عثمان النهدي‪ ,‬قال‪ :‬لقيت أبا هريرة فقلت له‪ :‬إنه بلغني أنك تقول‪ :‬إن‬
‫الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة! قال‪ :‬وما أعجبك من ذلك؟ فوال لقد سمعته ـ يعني النبيّ‬
‫سنَةَ»‪.‬‬
‫حَ‬‫سنَةَ أ ْل َفيْ أ ْلفِ َ‬
‫حَ‬‫عفُ ال َ‬
‫ن الّلهَ َل ُيضَا ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬إ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك المهاجرون خاصة دون أهل البوادي والعراب‪ .‬واعتلوا في ذلك بما‪:‬‬
‫‪ 7627‬ـ حدث ني مح مد بن هارون أ بو نش يط‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن أ بي بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫فضيـل بـن مرزوق‪ ,‬عـن عطيـة العوفـي‪ ,‬عـن عبـد ال بـن عمـر‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَيـة فـي‬
‫شرُ أمْثاِلهَا} قال‪ :‬فقال رجل‪ :‬فما للمهاجرين؟ قال‪« :‬ما هُوَ‬
‫عْ‬‫ن جاءَ بالح سَن ِة فَل هُ َ‬
‫العراب‪{ :‬مَ ْ‬
‫ن َل ُدنْ ُه أجْرا‬
‫ت مِ ْ‬
‫سنَ ًة ُيضَاعِفْ ها َويُؤ ِ‬
‫ل َذرّةٍ وَإ نْ تَ كُ حَ َ‬
‫ن ذَلِ كَ‪{ :‬إ نّ الّل َه ل َيظْلِ مُ ِمثْقا َ‬
‫عظَ مُ ِم ْ‬
‫أْ‬
‫عظِيم»‪.‬‬
‫عظِيمٌ فهَوُ َ‬
‫عظِيما} وإذَا قال ال لشيءٍ َ‬
‫َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين في ذلك بال صواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬ع نى بهذه الَ ية المهاجر ين‬
‫دون العراب‪ .‬وذلك أنه غير جائز أن يكون في أخبار ال أو أخبار رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم شيء يدفع بعضه بعضا‪ ,‬فإذا كان صحيحا وعد ال من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة‬
‫مـن الجزاء عشـر أمثالهـا‪ ,‬ومـن جاء بالحسـنة منهـم أن يضاعفهـا له‪ ,‬وكان الخـبران اللذان‬
‫ذكرناهمـا عنـه صـلى ال عليـه وسـلم صـحيحين‪ ,‬كان غيـر جائز إل أن يكون أحدهمـا مجملً‬
‫والَ خر مف سرا‪ ,‬إذ كا نت أخباره صلى ال عل يه و سلم ي صدّق بعض ها بع ضا‪ .‬وإذا كان ذلك‬
‫ح أن خبر أ بي هريرة معناه‪ :‬إن الح سنة لتضا عف للمهاجر ين من أ هل اليمان أل في‬
‫كذلك ص ّ‬
‫ألف ح سنة‪ ,‬وللعراب من هم ع شر أمثال ها‪ ,‬على ما رَوَى ا بن ع مر عن ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫عشْرُ أمْثالِهَا} يع ني‪ :‬من جاء بالح سنة من أعراب‬
‫ن جاءَ بالحَ سَنَ ِة فَلَ هُ َ‬
‫و سلم ‪ ¹‬وأن قوله‪{ :‬مَ ْ‬
‫المؤمن ين فله عشر أمثالها‪ ,‬ومن جاء بالح سنة من مهاجريهم يضا عف له‪ ,‬ويؤته ال من لدنه‬
‫أجرا‪ ,‬يع ني‪ :‬يع طه من عنده أجرا عظي ما‪ ,‬يع ني‪ :‬عو ضا من ح سنته عظي ما‪ .‬وذلك العوض‬
‫العظيم‪ :‬الجنة ‪ ¹‬كما‪:‬‬
‫‪ 7628‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا صدقة بن أبي سهل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عظِيما}‪ :‬أي الجنة يعطها‪.‬‬
‫ن َل ُدنْ ُه أجْرا َ‬
‫حدثنا أبو عمرو‪ ,‬عن زاذان‪ ,‬عن ابن مسعود‪َ { :‬ويُ ْؤتِ مِ ْ‬
‫‪ 7629‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني‬
‫عظِي ما} قال‪ :‬ال جر‬
‫ن َل ُدنْ هُ أجْرا َ‬
‫ت مِ ْ‬
‫عباد بن أ بي صالح‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قوله‪َ { :‬ويُؤْ ِ‬
‫العظيم‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫ن َل ُدنْ هُ‬
‫‪ 7630‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬ويُ ْؤ تِ مِ ْ‬
‫عظِيما} قال‪ :‬أجرا عظيما‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫أجْرا َ‬

‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى هَــؤُلءِ‬
‫جئْنَا بِ كَ عََل َ‬
‫شهِيدٍ َو ِ‬
‫ل أمّ ٍة ِب َ‬
‫جئْنَا مِن كُ ّ‬
‫{ َف َكيْفَـ ِإذَا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫َ‬
‫ل ُأمّةٍ‬
‫ِنـ كُ ّ‬
‫جئْن َا م ْ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال ل يظلم عباده مثقال ذرّة‪ ,‬فكيـف بهـم {إذا ِ‬
‫ج ْئنَا بِ كَ على َهؤُلءِ‬
‫َبشِهيدٍ} يعني‪ :‬بمن يشهد عليها بأعمالها‪ ,‬وتصديقها رسلها‪ ,‬أو تكذيبها‪{ ,‬و ِ‬
‫ج ْئنَا بك يا محمد على هؤلء‪ :‬أي على أمتك شهيدا‪ ,‬يقول‪ :‬شاهدا‪ .‬كما‪:‬‬
‫شهِيدا} يقول‪َ :‬و ِ‬
‫َ‬
‫‪7631‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي‪:‬‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬إن ال نبيين يأتون يوم‬
‫جئْنَا بِ كَ على هَؤُل ِء َ‬
‫شهِيدٍ َو ِ‬
‫ن كُلّ ُأمّ ٍة ِب َ‬
‫جئْنَا مِ ْ‬
‫{فَ َكيْ فَ إذَا ِ‬
‫القيامة‪ ,‬منهم من أسلم معه من قومه الواحد والثنان والعشرة وأقلّ وأكثر من ذلك‪ ,‬حتى يؤتى‬
‫بقوم لوط صلى ال عل يه و سلم لم يؤ من م عه إل ابنتاه‪ ,‬فيقال ل هم‪ :‬هل بلغ تم ما أر سلتم به؟‬
‫فيقولون‪ :‬نعم‪ ,‬فيقال‪ :‬من يشهد؟ فيقولون‪ :‬أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيقال لهم‪ :‬أتشهدون‬
‫أن الرسل أ ْودَعوا عندكم شهادة‪ ,‬فبم تشهدون؟ فيقولون‪ :‬ربنا نشهد أنهم قد بلغوا كما شهدوا في‬
‫الدنيا بالتبليغ! فيقال‪ :‬من يشهد على ذلك؟ فيقولون‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬فيدعى محمد‬
‫عل يه ال صلة وال سلم‪ ,‬فيش هد أن أم ته قد صدقوا‪ ,‬وأن الر سل قد بلّغوا‪ .‬فذلك قوله‪َ { :‬و َكذَلِ كَ‬
‫شهِيدا}‪.‬‬
‫ن ال ّرسُولُ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫ش َهدَاءَ على النّاسِ َو َيكُو َ‬
‫جعَلْنا ُكمْ ُأمّ ًة َوسَطا ِل َتكُونُوا ُ‬
‫َ‬
‫‪7632‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪ :‬قوله‪:‬‬
‫شهِيدٍ} قال‪ :‬رسولها‪ ,‬فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله ال به‬
‫ن كُلّ ُأمّ ٍة ِب َ‬
‫ج ْئنَا مِ ْ‬
‫{فَ َكيْ فَ إذَا ِ‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬كان النبيّ صلى ال عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت‬
‫ج ْئنَا ِبكَ على َهؤُلءِ َ‬
‫إليهم ‪َ { ¹‬و ِ‬
‫عيناه‪.‬‬
‫‪ 7633‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬عن يز يد‬
‫شهُودٍ} قال‪ :‬الشاهد محمد‪ ,‬والمشهود‪ :‬يوم الجمعة‪.‬‬
‫النحوي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَشا ِهدٍ َو َم ْ‬
‫شهِيدا}‪.‬‬
‫ك على َهؤُل ِء َ‬
‫ج ْئنَا ِب َ‬
‫ل ُأمّ ٍة ِبشَهِيدٍ َو ِ‬
‫ج ْئنَا ِمنْ كُ ّ‬
‫فذلك قوله‪َ { :‬فكَ ْيفَ إذَا ِ‬
‫‪ 7634‬ـ حدثني عبد ال بن محمد الزهري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن المسعودي‪ ,‬عن جعفر بن‬
‫ك على‬
‫جئْنَا بِ َ‬
‫ل ُأمّ ٍة ِبشَهِيدٍ َو ِ‬
‫جئْنَا مِ نْ كُ ّ‬
‫عمرو بن حر يث‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ع بد ال‪َ { :‬ف َكيْ فَ إذَا ِ‬
‫ت فِيهِ مْ‪ ,‬فَلَمّا‬
‫شهِيدا عََل ْيهِ مْ ما ُدمْ ُ‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬‬
‫هَؤُل ِء َ‬
‫شهِيدٌ»‪.‬‬
‫ل شَيْ ٍء َ‬
‫ت أنْتَ ال ّرقِيبَ عََل ْي ِهمْ وأنْتَ على كُ ّ‬
‫تَ َو ّف ْي َتنِي ُكنْ َ‬
‫‪ 7635‬ـ حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إبراه يم بن أ بي الوز ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان بن‬
‫عيي نة‪ ,‬عن الم سعودي‪ ,‬عن القا سم‪ :‬أن ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم قال ل بن م سعود‪« :‬اقْرأْ‬
‫ن غيرِي»‪ .‬قال‪ :‬فقرأ ابن‬
‫عَل يّ!» قال‪ :‬أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال‪« :‬أنّي ُأحِ بّ أ نْ أ سَمعه مِ ْ‬
‫شهِيدا} قال‪:‬‬
‫ك على َهؤُلءِ َ‬
‫ج ْئنَا بِ َ‬
‫شهِيدٍ َو ِ‬
‫ل ُأمّةٍ ِب َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ج ْئنَا مِ ْ‬
‫مسعود النساء‪ ,‬حتى بلغ‪َ { :‬ف َكيْفَ إذَا ِ‬
‫قال استعبر النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وك فّ ابن مسعود‪ .‬قال المسعودي‪ :‬فحدثني جعفر بن‬
‫شهِيدا عََل ْيهِ مْ ما ُدمْ تُ فِيهِ مْ‪,‬‬
‫عمرو بن حريث‪ ,‬عن أبيه‪ :‬أن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪َ « :‬‬
‫شهِيدٌ»‪.‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ت على كُلْ َ‬
‫ت ال ّرقِيبَ عََل ْي ِهمْ وأنْ َ‬
‫فإذَا َت َو ّفيْ َتنِي ُكنْتَ أنْ َ‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِمـ‬
‫ى ِبه ُ‬
‫ُسـ ّو َ‬
‫ل لَ ْو ت َ‬
‫َصـوُ ْا الرّسـُو َ‬
‫ِينـ كَ َفرُواْ َوع َ‬
‫{يَ ْو َم ِئذٍ َي َودّ اّلذ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫حدِيثا }‪..‬‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ل َي ْك ُتمُو َ‬
‫الرْضُ َو َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬يوم نجيء من كل أمة بشهيد‪ ,‬ونجيء بك على أمتك يا محمد شهيدا‪,‬‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫{يَ َودّ اّلذِي نَ كَ َفرُوا} يقول‪ :‬يتم نى الذ ين جحدوا وحدان ية ال وع صوا ر سوله‪ ,‬لو ت سوّى ب هم‬
‫الرض‪.‬‬
‫واختلف القراء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قراء أهل الحجاز ومكة والمدينة‪« :‬لَ ْو تَسّوّى ِبهِمُ‬
‫الرْ ضُ» بتشد يد ال سين والواو وف تح التاء‪ ,‬بمع نى‪ :‬لو َتتَ سوّى ب هم الرض‪ ,‬ثم أدغ مت التاء‬
‫الثانيـة فـي السـين‪ ,‬يراد بـه‪ :‬أنهـم يودّون لو صـاروا ترابـا‪ ,‬فكانوا سـواء هـم والرض‪ .‬وقرأ‬
‫آخرون ذلك‪« :‬لَ ْو تَ سَوّى ِبهِ مُ الرْ ضُ» بفتح التاء وتخفيف السين‪ ,‬وهي قراءة عامة قراء أهل‬
‫الكو فة بالمع نى الوّل‪ ,‬غ ير أن هم تركوا تشد يد ال سين‪ ,‬واعتلوا بأن العرب ل تكاد تج مع ب ين‬
‫تشديد ين في حرف وا حد‪ .‬وقرأ ذلك آخرون‪{ :‬لَ ْو تُ سَوّى ِبهِ مُ الرْ ضُ} بمع نى‪ :‬لو سوّاهم ال‬
‫والرض‪ ,‬فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم‪ ,‬كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم‪.‬‬
‫وكل هذه القراءات متقاربات المعنى‪ ,‬وبأ يّ ذلك قرأ القارىء فمصيب‪ ,‬لن من تمنى منهم أن‬
‫يكون يومئذ ترا با إن ما يتم نى أن يكون كذلك بتكو ين ال إياه كذلك‪ ,‬وكذلك من تم نى أن يكون‬
‫ال جعله كذلك فقد تمنى أن يكون ترابا‪ .‬على أن المر وإن كان كذلك‪ ,‬فأعجب القراءة إليّ في‬
‫ذلك‪« :‬لَ ْو تَ سَوّى ِبهِ مُ الرْ ضُ» بف تح التاء وتخف يف ال سين‪ ,‬كراه ية الج مع ب ين تشديد ين في‬
‫حرف وا حد‪ ,‬وللتوف يق في المع نى ب ين ذلك وب ين قوله‪َ { :‬ويَقُو ُل الكافِرُ يا َل ْيتَنِي ُكنْ تُ ُترَا با}‬
‫فأخبر ال عنهم جلّ ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا ترابا‪ ,‬ولم يخبر عنهم أنهم قالوا‪ :‬يا ليتني كنت‬
‫ترابا‪ ,‬فكذلك قوله‪َ« :‬لوْ تَ سَوّى ِبهِ مُ الرْ ضُ» فيسوّوا هم‪ ,‬وهي أعجب إل يّ ليوافق ذلك المعنى‬
‫الذي أخبر عنهم بقوله‪{ :‬يا َل ْي َتنِي ُكنْتُ ُترَابا}‪.‬‬
‫حدِيثا} فإن أ هل التأويل تأوّلوه‪ ,‬بمع نى‪ :‬ول تكتم ال جوارحهم‬
‫ن اللّ هَ َ‬
‫وأما قوله‪{ :‬وَل َي ْك ُتمُو َ‬
‫حديثا وإن جحدت ذلك أفواههم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7636‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو عن مطرف‪ ,‬عن المنهال بن‬
‫عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬أتى رجل ابن عباس‪ ,‬فقال‪ :‬سمعت ال يقول‪{ :‬وَالّل هِ َربّنا ما‬
‫حدِيثا}‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أما قوله‪{ :‬وَالّل هِ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ش ِركِي نَ} وقال في آية أخرى‪{ :‬وَل َي ْكتُمُو َ‬
‫ُكنّا ُم ْ‬
‫َربّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِي نَ} فإنهم لما رأوا أنه ل يدخل الجنة إل أهل السلم قالوا‪ :‬تعالوا فلنجحد‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬وال ربنا ما كنا مشركين! فختم ال على أفواههم‪ ,‬وتكلمت أيديهم وأرجلهم‪ ,‬فل يكتمون‬
‫ال حديثا‪.‬‬
‫‪ 7637‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن رجل‪,‬‬
‫عن المنهال بن عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عباس‪ ,‬فقال‪ :‬أشياء تختلف‬
‫عل يّ في القرآن؟ فقال‪ :‬ما هو؟ أش كّ في القرآن؟ قال‪ :‬ليس بالشك‪ ,‬ولكنه اختلف‪ .‬قال‪ :‬فهات‬
‫ّهـ رَبّنـا مـا كُنّا‬
‫أنـ قالُوا وَالل ِ‬
‫ُمـ إلّ ْ‬
‫ُنـ ِف ْت َنتُه ْ‬
‫َمـ َتك ْ‬
‫ُمـ ل ْ‬
‫مـا اختلف عليـك! قال‪ :‬أسـمع ال يقول‪{ :‬ث ّ‬
‫حدِي ثا} و قد كتموا! فقال ا بن عباس‪ :‬أ ما قوله‪{ :‬ثُ ّم لَ مْ َتكُ نْ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ُمشْ ِركِي نَ} وقال‪{ :‬وَل َي ْك ُتمُو َ‬
‫ش ِركِي نَ} فإن هم ل ما رأوا يوم القيا مة أن ال يغ فر ل هل‬
‫ل أ نْ قالُوا وَالّل ِه َربّ نا ما كُنّا ُم ْ‬
‫ِفتْ َن ُتهُ مْ إ ّ‬
‫ال سلم ويغ فر الذنوب ول يغ فر شر كا ول يتعاظ مه ذ نب أن يغفره ج حد المشركون‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫وال ربنا ما كنا مشركين‪ ,‬رجاء أن يغفر لهم‪ ,‬فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما‬
‫ل َي ْك ُتمُو نَ‬
‫ل لَ ْو تُ سَوّى بِه مُ الرْ ضُ َو َ‬
‫كانوا يعملون‪ ,‬فعند ذلك { َي َودّ اّلذِي نَ كَ َفرُوا َوعَ صَوُا الرّ سُو َ‬
‫حدِيثا}‪.‬‬
‫اللّ َه َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م سلم بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الزب ير‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ :‬أن نافـع ابـن الزرق أتـى ابـن عباس فقال‪ :‬يـا ابـن عباس‪ ,‬قول ال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫حدِي ثا}‪,‬‬
‫ن اللّ هَ َ‬
‫ن كَ َفرُوا وَعَ صَوُا الرّ سُولَ َلوْ تُ سَوّى بِه مُ الرْ ضُ َولَ َي ْك ُتمُو َ‬
‫{يَ ْو َم ِئذٍ يَ َو ّد اّلذِي َ‬
‫ش ِركِي نَ}؟ فقال له ابن عباس‪ :‬إني أحسبك قمت من عند أصحابك‬
‫وقوله‪{ :‬وَالّل هِ َربّنا ما ُكنّا ُم ْ‬
‫ي ابن عباس متشابه القرآن‪ ,‬فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن ال جامع الناس يوم‬
‫فقلت‪ :‬ألقى عل ّ‬
‫القيامة في بقيع واحد‪ ,‬فيقول المشركون إن ال ل يقبل من أحد شيئا إل م من وحّده‪ ,‬فيقولون‪:‬‬
‫تعالوا نجحد! فيسألهم‪ ,‬فيقولون‪ :‬وال ربنا ما كنا مشركين‪ ,‬قال‪ :‬فيختم على أفواههم‪ ,‬ويستنطق‬
‫جوارح هم‪ ,‬فتش هد علي هم جوارح هم أن هم كانوا مشرك ين فع ند ذلك تمنوا لو أن الرض سوّيت‬
‫بهم‪ ,‬ول يكتمون ال حديثا‪.‬‬
‫‪ 7638‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ هَ‬
‫ل َي ْكتُمُو َ‬
‫ل لَ ْو تُ سَوّى بِه مُ الرْ ضُ َو َ‬
‫ن كَ َفرُوا َوعَ صَوُا الرّ سُو َ‬
‫ا بن عباس‪{ :‬يَ ْو َم ِئذٍ َي َودّ اّلذِي َ‬
‫حدِيثا} يعني‪ :‬أن تُسوّى الرض بالجبال عليهم‪.‬‬
‫َ‬
‫فتأويـل الَيـة على هذا القول الذي حكيناه عـن ابـن عباس‪ :‬يَ ْو َم ِئذٍ يَ َو ّد اّلذِين َـ كَ َفرُوا وَعَص َـوُا‬
‫حدِي ثا‪ .‬كأن هم تمنوا أن هم سوّوا مع الرض‪,‬‬
‫الرّ سُولَ َلوْ تُ سَوّى بِه مُ الرْ ضُ ولَ مْ َي ْك ُتمُوا اللّ َه َ‬
‫وأنهم لم يكونوا كتموا ال حديثا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك يومئذ ل يكتمون ال حدي ثا‪ ,‬ويودّون لو ت سوّى بهم الرض‪ .‬ول يس‬
‫بمنك تم عن ال من ش يء حديث هم‪ ,‬لعلمـه جلّ ذكره بجميـع حديثهـم وأمر هم‪ ,‬فإنهـم إن كتموه‬
‫بألسنتهم فجحدوه‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منه‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ‬
‫ُمـ س ُـكَا َرىَ َ‬
‫ل تَ ْق َربُواْ الص ّـلَةَ وََأ ْنت ْ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذِين َـ آ َمنُواْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫حّتىَ َت ْغتَ سِلُواْ وَِإ نْ ُك ْنتُ مْ ّم ْرضَىَ َأوْ عََلىَ سَ َفرٍ َأوْ‬
‫سبِيلٍ َ‬
‫جنُبا ِإلّ عَا ِبرِي َ‬
‫ل ُ‬
‫َتعَْلمُواْ مَا تَقُولُو نَ َو َ‬
‫ْسـحُواْ‬
‫طيّبا فَام َ‬
‫صـعِيدا َ‬
‫جدُو ْا مَآءً َف َت َيمّمُو ْا َ‬
‫َمـ َت ِ‬
‫َسـُتمُ النّسـَآءَ فَل ْ‬
‫لم ْ‬‫ِطـ أَ ْو َ‬
‫ُمـ م ّن ا ْلغَآئ ِ‬
‫حدٌ ّم ْنك ْ‬
‫جَآءَ َأ َ‬
‫غفُورا }‪..‬‬
‫بِ ُوجُو ِه ُكمْ وََأ ْي ِد َيكُمْ ِإنّ الّل َه كَانَ عَفُوّا َ‬
‫ِينـ آ َمنُوا} صـدّقوا ال ورسـوله {ل تَ ْق َربُوا الصـّلةَ}‪ :‬ل‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫حتّى َتعَْلمُوا ما تَقُولُونَ} في صلتكم‪ ,‬وتقرءون فيها‬
‫سكَارَى} وهو جمع سكران‪َ { ,‬‬
‫تصلوا {وَأ ْنتُمْ ُ‬
‫مما أمركم ال به‪ ,‬أو ندبكم إلى قيله فيها مما نهاكم عنه وزجركم‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه ال بقوله‪{ :‬ل تَ ْق َربُوا الصّلةَ وأ ْنتُ مْ سُكارَى} فقال‬
‫بعضهم‪ :‬عنى بذلك‪ :‬السكر من الشراب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7639‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫السائب‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن‪ ,‬عن علي‪ :‬أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر‪,‬‬
‫ف صلى ب هم ع بد الرح من‪ ,‬فقرأ‪« :‬قُلْ يا أيّ ها الكا ِفرُو نَ» فخلط في ها‪ ,‬فنزلت‪{ :‬ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ‬
‫وأ ْن ُتمْ سُكارَى}‪.‬‬
‫‪7640‬ــ حدثنـي المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحجاج بـن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حماد‪ ,‬عـن عطاء بـن‬
‫السائب‪ ,‬عن عبد ال بن حبيب‪ :‬أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا‪ ,‬فدعا نفرا من‬
‫ي صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فأكلوا وشربوا حتـى ثملوا‪ ,‬فقدّموا علي ّا يصـلي بهـم‬
‫أصـحاب النـب ّ‬
‫المغرب‪ ,‬فقرأ‪ :‬قل يا أي ها الكافرون‪ ,‬أع بد ما تعبدون‪ ,‬وأن تم عابدون ما أع بد‪ ,‬وأ نا عا بد ما‬
‫ُمـ‬
‫عبدتـم‪ ,‬لكـم دينكـم ولي ديـن‪ .‬فأنزل ال تبارك وتعالى هذه الَيـة‪{ :‬ل تَ ْق َربُوا الصـّلةَ وأ ْنت ْ‬
‫سُكارَى حتى َتعَْلمُوا ما تَقُولُونَ}‪.‬‬
‫‪ 7641‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪{ :‬يا أ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا الصّلةَ وأ ْنتُمْ سُكارَى} قبل أن تحرم الخمر‪ ,‬فقال ال‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا الصّلةَ وأ ْن ُتمْ سُكارَى}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫{يا أ ّيهَا اّلذِي َ‬
‫‪ 7642‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أ بي رز ين في قوله‪ { :‬يا أيّهَا‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ وأ ْنتُ مْ سُكارَى} قال‪ :‬نزل هذا و هم يشربون الخ مر‪ ,‬فقال‪ :‬وكان‬
‫هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر‪.‬‬
‫‪ 7643‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبي رزين‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يشربون‬
‫بعد ما أنزلت التي في البقرة‪ ,‬وبعد التي في النساء‪ ,‬فلما أنزلت التي في المائدة تركوها‪.‬‬
‫‪ 7644‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬وأ ْنتُ مْ سُكارَى حتى َتعَْلمُوا ما تَقُولُو نَ} قال‪ :‬نهوا أن يصلوا وهم سكارى‪ ,‬ثم‬
‫نسخها تحريم الخمر‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪7645‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫قوله‪{ :‬ل َت ْقرَبُوا ال صّل َة وأ ْنتُ مْ سُكارَى} قال‪ :‬كانوا يجتنبون ال سكر ع ند حضور ال صلوات‪ ,‬ثم‬
‫نسخ بتحريم الخمر‪.‬‬
‫‪ 7646‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم‬
‫خ ْمرِ وَال َميْ سِرِ‬
‫ن ال َ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ وأ ْنتُ ْم سُكارَى} و{يَ ْ‬
‫في قوله‪{ :‬يا أ ّيهَا اّلذِي َ‬
‫سكَرا َورِزْقا‬
‫ن ِمنْ ُه َ‬
‫قُلْ فِيهِمَا إث مٌ َكبِيرٌ َومَنافِ عُ للنّا سِ وإث ُمهُما أ ْك َبرُ مِ نْ نَ ْف ِعهِما}‪ ,‬وقوله‪َ { :‬ت ّتخِذُو َ‬
‫حسَنا} قالوا‪ :‬كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل َت ْقرَبُوا الصّلةَ وأ ْن ُتمْ سُكارَى من النوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7647‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن سلمة بن نبيط‪ ,‬عن الضحاك‪{ :‬ل تَ ْق َربُوا‬
‫الصّلةَ وأ ْن ُتمْ سُكارَى} قال‪ :‬سكر النوم‪.‬‬
‫حدثنا أحمد بن حازم الغفاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن الضحاك‪{ :‬يا أ ّيهَا‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ وأ ْنتُمْ سُكارَى} قال‪ :‬لم يعن بها سكر الخمر‪ ,‬وإنما عنى بها سكر‬
‫اّلذِي َ‬
‫النوم‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوليـن فـي ذلك بتأويـل الَيـة‪ ,‬تأويـل مـن قال ذلك‪ :‬نهـى مـن ال‬
‫المؤمنيـن عـن أن يقربوا الصـلة وهـم سـكارى مـن الشراب قبـل تحريـم الخمـر‪ ,‬للخبار‬
‫المتظاهرة عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن ذلك كذلك نهي من ال‪ ,‬وأن هذه‬
‫الَية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه‪.‬‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬وكيف يكون ذلك معناه‪ ,‬والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في‬
‫حال زوال عقله‪ ,‬وأنت ممن ُتحِيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى؟ قيل له‪ :‬إن‬
‫السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه‪ ,‬ولكن السكران هو الذي يفهم‬
‫ما يأ تي ويذر‪ ,‬غ ير أن الشراب قد أث قل ل سانه وأحرّ ج سمه وأخدره‪ ,‬ح تى ع جز عن إقا مة‬
‫قراءته في صلته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله‪ ,‬فهو بما أمر به ونهي عنه‬
‫عارف فهِم‪ ,‬وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب‪ .‬وأما من صار إلى حدّ ل يعقل‬
‫مـا يأتـي ويذر‪ ,‬فذلك منتقـل مـن السـكر إلى الخبـل‪ ,‬ومعدود فـي المجانيـن‪ ,‬وليـس ذلك الذي‬
‫خو طب بقوله‪{ :‬ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ} لن ذلك مجنون‪ ,‬وإن ما خو طب به ال سكران‪ ,‬وال سكران ما‬
‫وصفنا صفته‪.‬‬
‫سبِيلٍ حتى َت ْغ َتسِلُوا}‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل ُ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى‬
‫حتـى تعلموا مـا تقولون‪ ,‬ول تقربوهـا جنبـا إل عابري سـبيل‪ ,‬يعنـي‪ :‬إل أن تكونوا مجتازى‬
‫طريق‪ :‬أي مسافرين حتى تغتسلوا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7648‬ـ حدث نا مح مد بن بشار ومح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫سبِيلٍ} قال‪:‬‬
‫جنُ با إلّ عا ِبرِي َ‬
‫شع بة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أ بي مجلز‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫المسافر‪ .‬وقال ابن المثنى‪ :‬لفي السفر‪.‬‬
‫‪ 7649‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫سبِيلٍ} يقول‪ :‬ل تقربوا ال صلة وأن تم ج نب‪ ,‬إذا وجد تم‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُ با إ ّ‬
‫ا بن عباس قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫الماء‪ ,‬فإن لم تجدوا الماء‪ ,‬فقد أحللت لكم أن تمسّحوا بالرض‪.‬‬
‫‪ 7650‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن ابن أبي ليلى‪ ,‬عن المنهال‪ ,‬عن عباد بن عبد‬
‫سـبِيلٍ} قال‪ :‬إل أن تكونوا‬
‫جنُبـا إلّ عابِرِي َ‬
‫عليـ رضـي ال عنـه‪{:‬وَل ُ‬
‫ّ‬ ‫ال‪ ,‬أو عـن زرّ‪ ,‬عـن‬
‫مسافرين فل تجدوا الماء فتيمموا‪.‬‬
‫‪ 7651‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن سالم الفطس‪ ,‬عن‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬المسافر‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫سعيد بن جبير في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي مجلز‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون بن المغيرة‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ابن أبي ليلى‪ ,‬عن المنهال‬
‫جنُبا إلّ‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن عباد بن عبد ال‪ ,‬عن عليّ رضي ال عنه‪ ,‬قال‪ :‬نزلت في السفر‪{ :‬وَل ُ‬
‫سبِيلٍ} وعابر السبيل‪ :‬المسافر إذا لم يجد ماء تيمم‪.‬‬
‫عا ِبرِي َ‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي‬
‫‪7652‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن ابن مجاهد‪ ,‬عن أبيه‪{ :‬وَل ُ‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم فيصلي‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ابن‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬هو الرجل يكون في السفر‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُبا إ ّ‬
‫أبي نجيح عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَل‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬م سافرين ل يجدون ماء فيتيممون صعيدا طي با‪ ,‬ح تى يجدوا الماء‬
‫جنُ با إلّ عا ِبرِي َ‬
‫ُ‬
‫فيغتسلوا‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬مسافرين ل يجدون ماء‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫‪ 7653‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬عن بكير بن الخنس‪ ,‬عن الحسن بن‬
‫سـبِيلٍ} قال‪ :‬إل أن يكونوا مسـافرين‪ ,‬فل يجدوا الماء‬
‫جنُبـا إلّ عابِرِي َ‬
‫مسـلم‪ ,‬فـي قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫فيتيمموا‪.‬‬
‫جنُبا إلّ‬
‫‪7654‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام عن عمرو‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن الحكم‪{ :‬وَل ُ‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬المسافر تصيبه الجنابة‪ ,‬فل يجد ماء فيتيمم‪.‬‬
‫عا ِبرِي َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن سالم‬
‫سبِيلٍ}‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُبا إ ّ‬
‫الفطس عن سعيد بن جبير‪ ,‬وعن منصور‪ ,‬عن الحكم في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫قال‪ :‬المسافر الجنب ل يجد الماء فيتيمم فيصلي‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬وَل‬
‫سبِيلٍ} إل أن يكون مسافرا‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫ُ‬
‫حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫‪ 7655‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫كثير‪ ,‬قال‪ :‬كنا نسمع أنه في السفر‪.‬‬
‫جنُ با إلّ‬
‫‪ 7656‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬هو الم سافر الذي ل ي جد الماء فل بدّ له من أن يتي مم وي صلي‪ ,‬ف هو يتي مم‬
‫عا ِبرِي َ‬
‫ويصلي‪ .‬قال‪ :‬كان أبي يقول هذا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬ل تقربوا الم صلى لل صلة وأن تم سكارى ح تى تعلموا ما تقولون‪,‬‬
‫ول تقربوه جنبا حتى تغتسلوا إل عابري سبيل‪ ,‬يعني‪ :‬إل مجتازين فيه للخروج منه‪ .‬فقال أهل‬
‫هذه المقالة‪ :‬أقي مت ال صلة مقام الم صلّى والم سجد‪ ,‬إذ كا نت صلة الم سلمين في م ساجدهم‬
‫أيامئذ ل يتخلفون عن التجم يع في ها‪ ,‬فكان في الن هي عن أن يقربوا ال صلة كفا ية عن ذ كر‬
‫المساجد والمصلّى الذي يصلون فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7657‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ع بد‬
‫سبِيلٍ} قال‪:‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد ال‪ ,‬عن أبيه في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫هو الممرّ في المسجد‪.‬‬
‫‪ 7658‬ـ حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬عن أبي جعفر الرازي‪ ,‬عن‬
‫سـبِيلٍ} قال‪ :‬ل تقرب‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُبـا إ ّ‬
‫زيـد بـن أسـلم‪ ,‬عـن ابـن يسـار‪ ,‬عـن ابـن عباس‪{ :‬وَل ُ‬
‫المسجد إل أن يكون طريقك فيه‪ ,‬فتمرّ مرّا ول تجلس‪.‬‬
‫‪ 7659‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد في‬
‫جنُبا‬
‫الجنب يمرّ في المسجد مجتازا وهو قائم ل يجلس وليس بمتوضىء‪ ,‬وتل هذه الَية‪{ :‬وَل ُ‬
‫سبِيلٍ}‪.‬‬
‫إلّ عا ِبرِي َ‬
‫‪ 7660‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن نهشل‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ما لم يجلسا فيه‪.‬‬
‫‪7661‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو الزبير‪ ,‬قال‪ :‬كان أحدنا‬
‫يم ّر في المسجد وهو جنب مجتازا‪.‬‬
‫‪ 7662‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الح سن في‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬الجنب يمرّ في المسجد ول يقعد فيه‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عابِرِي َ‬
‫قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫‪ 7663‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬وحدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نع يم‪ ,‬قال‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬إذا‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُبا إ ّ‬
‫جميعا‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫لم يجد طريقا إل المسجد يم ّر فيه‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫جنُبـا إلّ عا ِبرِي س َـبِيلٍ حتـى َت ْغتَسِـلُوا} قال‪ :‬ل بأس أن يمرّ‬
‫عـن إبراهيـم فـي هذه الَيـة‪{ :‬وَل ُ‬
‫الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريق غيره‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7664‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬الجنب يم ّر في‬
‫سبِيلٍ}‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫المسجد ول يجلس فيه‪ ,‬ثم قرأ‪{ :‬وَل ُ‬
‫‪ 7665‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحما ني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن ع بد الكر يم‪ ,‬عن أ بي‬
‫عبيدة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7666‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7667‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحماني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن‬
‫أبي الضحى مثله‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هارون‪ ,‬عـن إسـماعيل‪ ,‬عـن الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬ل بأس للحائض‬
‫والجنب أن يمرّا في المسجد ول يقعدا فيه‪.‬‬
‫‪ 7668‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬قال‪:‬‬
‫رخص للجنب أن يمرّ في المسجد‪.‬‬
‫‪ 7669‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثني يزيد بن أبي حبيب‪,‬‬
‫سبِيلٍ} أن رجالً من الن صار كا نت أبواب هم في الم سجد‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُ با إ ّ‬
‫عن قول ال‪{ :‬وَل ُ‬
‫تصـيبهم جنابـة ول ماء عندهـم‪ ,‬فيريدون الماء ول يجدون ممرّا إل فـي المسـجد‪ ,‬فأنزل ال‬
‫سبِيلٍ}‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫تبارك وتعالى‪{ :‬وَل ُ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن حماد‪,‬‬
‫سبِيلٍ} قال‪ :‬ل يجتاز في المسجد إل أن ل يجد طريقا غيره‪.‬‬
‫جنُبا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫عن إبراهيم‪{ :‬وَل ُ‬
‫‪ 7670‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن ا بن مجا هد‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬ل يمرّ الج نب في‬
‫المسجد يتخذه طريقا‪.‬‬
‫سبِيلٍ}‪ :‬إل‬
‫ل عا ِبرِي َ‬
‫جنُبا إ ّ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوّله‪{ :‬وَل ُ‬
‫مجتازي طر يق ف يه‪ .‬وذلك أ نه قد ب ين ح كم الم سافر إذا عدم الماء و هو ج نب في قوله‪{ :‬وَإ نْ‬
‫جدُوا ما ًء َف َتيَ ّممُوا‬
‫س ُتمُ النّساء فَلَمْ َت ِ‬
‫ن الغائِطِ أ ْو لمَ ْ‬
‫حدٌ ِم ْنكُمْ مِ َ‬
‫ُك ْنتُمْ َم ْرضَى أ ْو على سَ َفرٍ أ ْو جاءَ أ َ‬
‫سبِيلٍ ح تى َت ْغتَ سِلُوا} لو كان‬
‫جنُ با إلّ عا ِبرِي َ‬
‫طيّ با}‪ ,‬فكان معلو ما بذلك أن قوله‪{ :‬وَل ُ‬
‫صعِيدا َ‬
‫َ‬
‫ن ُك ْنتُمْ َمرْضَى أ ْو على سَ َفرٍ} معنى مفهوم‪,‬‬
‫معنيّا به المسافر لم يكن لعادة ذكره في قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأويل الَية‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا‬
‫الم ساجد لل صلة م صلين في ها وأن تم سكارى ح تى تعلموا ما تقولون‪ ,‬ول تقربو ها أي ضا جن با‬
‫ح تى تغت سلوا إل عابري سبيل‪ .‬والعابر ال سبيل‪ :‬المجتازه مرّا وقط عا‪ ,‬يقال م نه‪ :‬عبرت هذا‬
‫الطر يق فأ نا أ عبره عبرا وعبورا‪ ,‬وم نه ق يل‪ :‬عبر فلن الن هر‪ :‬إذا قط عه وجازه‪ ,‬وم نه ق يل‬
‫للناقة القوية على السفار لقوتها‪ :‬وهي ع ْبرُ أسفار لقوتها على السفار‪.‬‬
‫حدٌ ِم ْنكُ ْم مِنَ الغا ِئطِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَإنْ ُك ْن ُتمْ َمرْضَى أوْ على سَ َفرٍ أوْ جا َء أ َ‬
‫ن ُك ْنتُمْ َم ْرضَى}‪ :‬من جرح أو جدري وأنتم جنب‪ .‬كما‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وإ ْ‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫‪ 7671‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو المن به الف ضل بن‬
‫ن ُك ْنتُ مْ َمرْضَى أ ْو على سَ َفرٍ} قال‪ :‬المر يض‬
‫سليم‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ا بن م سعود‪ ,‬قوله‪{ :‬وإ ْ‬
‫الذي قـد أرخـص له فـي التيمـم هـو الكسـير والجريـح‪ ,‬فإذا أصـابت الجنابـة الكسـير اغتسـل‪,‬‬
‫والجريح ل يحلّ جراحته إل جراحة ل يخشى عليها‪.‬‬
‫‪ 7672‬ـ حدث نا تم يم بن المنت صر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق بن يو سف الزرق‪ ,‬عن شر يك‪ ,‬عن‬
‫إسماعيل السديّ‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬قال في هذه الَية‪{ :‬وإ نْ ُك ْنتُ مْ َمرْضَى أوْ على سَ َفرٍ} قال‪ :‬هي‬
‫للمريض الذي به الجراحة التي يخاف منها أن يغتسل فل يغتسل‪ ,‬فرخص له في التيمم‪.‬‬
‫‪ 7673‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪{ :‬وإ نْ ُك ْنتُ مْ َمرْضَى} والمرض‪ :‬هو الجراح والجراحة التي يتخوّف عليها من الماء إن‬
‫ضرّ صاحبه‪ ,‬فذلك يتيمم صعيدا طيبا‪.‬‬
‫أصابه َ‬
‫‪ 7674‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عزرة‪,‬‬
‫ن ُك ْن ُتمْ َمرْضَى} قال‪ :‬إذا كان به جروح أو قروح يتيمم‪.‬‬
‫عن سعيد بن جبير في قوله‪{ :‬وإ ْ‬
‫ن ُك ْنتُمْ‬
‫‪ 7675‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪{ :‬وإ ْ‬
‫َمرْضَى} قال‪ :‬من القروح تكون في الذراعين‪.‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراه يم‪{ :‬وإ ْ‬
‫َمرْضَى} قال‪ :‬القروح في الذراعين‪.‬‬
‫‪ 7676‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن ُك ْن ُتمْ َمرْضَى أ ْو على سَ َفرٍ}‪.‬‬
‫صاحب الجراحة التي يخوّف عليه منها يتيمم‪ .‬ثم قرأ‪{ :‬وإ ْ‬
‫‪ 7677‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪{ :‬وإ نْ ُك ْنتُ مْ َمرْضَى} والمرض‪ :‬أن يصيب الرجل الجرح أو القرح أو الجدري‪ ,‬فيخاف‬
‫على نفسه من برد الماء وأذاه‪ ,‬يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي ل يجد الماء‪.‬‬
‫‪ 7678‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عا صم‪,‬‬
‫يعني الحول‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬أنه سئل عن المجدور تصيبه الجنابة؟ قال‪ :‬ذهب فرسان هذه الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون في ذلك ما‪:‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ‬
‫‪ 7679‬ـ حدث ني به يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وإ ْ‬
‫جدُوا ما ًء َف َتيَ ّممُوا} قال‪ :‬المر يض الذي ل يجد أحدا يأت يه بالماء ول‬
‫َمرْضَى أوْ على سَ َفرٍ فَلَ مْ َت ِ‬
‫يقدر عليه‪ ,‬وليس له خادم‪ ,‬ول عون‪ ,‬فإذا لم يستطع أن يتناول الماء وليس عنده من يأت يه به‪,‬‬
‫ول يحبوا إل يه‪ ,‬تي مم و صلى إذا حلت ال صلة‪ .‬قال‪ :‬هذا كله قول أ بي‪ :‬إذا كان ل ي ستطيع أن‬
‫يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به ل يترك الصلة‪ ,‬وهو أعذر من المسافر‪.‬‬
‫فتأويـل الَيـة إذا‪ :‬وإذ كنتـم جرحـى أو بكـم قروح أو كسـر أو علة ل تقدرون معهـا على‬
‫الغتسال من الجنابة‪ ,‬وأنتم مقيمون غير مسافرين‪ ,‬فتيمموا صعيدا طيبا‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬أ ْو على سَ َفرٍ} إو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب‪ ,‬فتيمموا صعيدا‪ .‬وكذلك‬
‫ن الغائِطِ} يقول‪ :‬أو جاء أحد منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو‬
‫تأويل قوله‪{ :‬أ ْو جاءَ ِم ْنكُمْ مِ َ‬
‫مسافر صحيح‪ ,‬فليتيمم صعيدا طيبا‪ .‬والغائط‪ :‬ما اتسع من الودية وتصوّب‪ ,‬وجعل كناية عن‬
‫قضاء حاجة النسان‪ ,‬لن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى‬
‫غلب عليهم ذلك‪ ,‬فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تُقْضى في الغيطان حيث قضاها من‬
‫الرض‪ :‬متغوّط‪ ,‬جاء فلن من الغائط يعني به‪ :‬قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من‬
‫الرض‪ .‬وذكر عن مجاهد أنه قال في الغائط‪ :‬الوادي‪.‬‬
‫‪ 7680‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ح ٌد ِم ْنكُمْ ِمنَ الغا ِئطِ} قال‪ :‬الغائط‪ :‬الوادي‪.‬‬
‫مجاهد‪{ :‬أ ْو جاءَ أ َ‬
‫ستُمُ النّساءَ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬أ ْو ل َم ْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬أو باشرتم النساء بأيديكم‪.‬‬
‫عنَى‬
‫ثم اختلف أهل التأويل في اللمس الذي عناه ال بقوله‪{ :‬أوْ لمَسْ ُتمُ النّساءَ} فقال بعضهم‪َ :‬‬
‫بذلك‪ :‬الجماع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7681‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا الل مس‪ ,‬فقال ناس من الموالي‪ :‬ل يس بالجماع‪ ,‬وقال ناس من‬
‫العرب‪ :‬اللمـس‪ :‬الجماع‪ .‬قال‪ :‬فأتيـت ابـن عباس‪ ,‬فقلت‪ :‬إن ناسـا مـن الموالي والعرب اختلفوا‬
‫في اللمس‪ ,‬فقالت الموالي‪ :‬ليس بالجماع‪ ,‬وقالت العرب‪ :‬الجماع‪ .‬قال‪ :‬من أ يّ الفريقين كنت؟‬
‫قلت‪ :‬كنت من الموالي‪ ,‬قال‪ :‬غلب فريق الموالي‪ ,‬إن الم سّ واللمس‪ ,‬والمباشرة‪ :‬الجماع‪ ,‬ولكن‬
‫ال يكني ما شاء بما شاء‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي قيس‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7682‬ـ حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أ بي‬
‫ستُ ُم النّ ساءَ} قال‪:‬‬
‫إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ا بن عباس أ نه قال‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫هو الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وهب بن جرير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫س ُتمُ النّساءَ} فقال عبيد بن عمير‪ :‬هو‬
‫قال‪ :‬اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫الجماع‪ ,‬وقلت أنا وعطاء‪ :‬هو اللمس‪ .‬قال‪ :‬فدخلنا على ابن عباس‪ ,‬فسألناه‪ ,‬فقال‪ :‬غلب فريق‬
‫الموالي وأصابت العرب‪ ,‬هو الجماع‪ ,‬ولكن ال يعفّ ويكني‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عكرمة وسعيد‬
‫بن جبير وعطاء بن أ بي رباح وعب يد بن عم ير‪ :‬اختلفوا في الملم سة‪ ,‬فقال سعيد بن جبير‬
‫وعطاء‪ :‬الملم سة ما دون الجماع‪ .‬وقال عب يد‪ :‬هو النكاح‪ .‬فخرج علي هم ا بن عباس‪ ,‬ف سألوه‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أخطأ الموليان وأصاب العربيّ‪ :‬الملمسة‪ :‬النكاح‪ ,‬ولكن ال يكني ويعفّ‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬اجتمع سعيد بن جبير‬
‫وعطاء وعبيد بن عمير‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مح مد بن عثمة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد بن بش ير‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬سعيد بن جبير وعطاء في التماس‪ :‬الغ مز بال يد‪ ,‬وقال عب يد بن عم ير‪ :‬الجماع‪ .‬فخرج‬
‫عليهم ابن عباس فقال‪ :‬أخطأ الموليان‪ ,‬وأصاب العربيّ‪ ,‬ولكنه يعفّ ويكني‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬اللمس‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية وعبد الوهاب‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن‬
‫س والمباشرة‪ :‬الجماع‪ ,‬ولكن ال يكني بما شاء‪.‬‬
‫ابن عباس قال‪ :‬اللمس والم ّ‬
‫حدثنا عبد الحميد بن بيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق الزرق‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عاصم الحول‪ ,‬عن‬
‫بكر بن عبد ال‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬الملمسة‪ :‬الجماع‪ ,‬ولكن ال كريم يكني عما شاء‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب بن سويد‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عاصم‪,‬‬
‫عن بكر بن عبد ال‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عديّ‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن جعفر بن أبي وحشية‪ ,‬عن سعيد‬
‫بـن جـبير‪ ,‬قال‪ :‬اختلفـت العرب والموالي فـي الملمسـة على باب ابـن عباس قالت العرب‪:‬‬
‫الجماع‪ ,‬وقالت الموالي‪ :‬باليـد‪ .‬قال‪ :‬فخرج ابـن عباس‪ ,‬فقال‪ :‬غُلب فريـق الموالي‪ ,‬الملمسـة‪:‬‬
‫الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫قال‪ :‬كنا على باب ابن عباس‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا داود‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قعد قوم على باب ابن عباس‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫س ُتمُ النّساءَ} الملمسة‪ :‬هو النكاح‪.‬‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪{ :‬أوْ ل َم ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن نمير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد الملك بن ميسرة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬اجتمعت الموالي والعرب في المسجد وابن عباس في الصّفّة‪ ,‬فاجتمعت الموالي‬
‫أيـ‬
‫على أنـه اللمـس دون الجماع‪ ,‬واجتمعـت العرب على أنـه الجماع‪ ,‬فقال ابـن عباس‪ :‬مـن ّ‬
‫الفريقين أنت؟ قلت‪ :‬من الموالي‪ ,‬قال‪ :‬غُلبت‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬اللمس‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫وبه عن سفيان‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن بكر‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن حبيب‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫قال‪ :‬هو الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك‪ ,‬عن زهير‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن جعفر بن إياس‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن‬
‫س ُتمُ النّساءَ} قال‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫‪ 7683‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أش عث‪ ,‬عن الش عبي‪ ,‬عن عل يّ‬
‫رضي ال عنه‪ ,‬قال‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫‪7684‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫‪7685‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬قال‪ :‬سألت مجاهدا‪ ,‬فقال ذلك‪.‬‬
‫‪ 7686‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة والح سن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫غشيان النساء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى ال بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء جسد النسان‪ .‬وأوجبوا‬
‫س بشيء من جسده شيئا من جسدها مفضيا إليه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫الوضوء على من م ّ‬
‫‪ 7687‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن مخارق‪,‬‬
‫عن طارق بن شهاب‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬أنه قال شيئا هذا معناه‪ :‬الملمسة‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫‪ 7688‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫هلل‪ ,‬عن أ بي عبيدة‪ ,‬عن ع بد ال ـ أو عن أ بي عبيدة من صور الذي ش كّ قال‪ :‬القبلة من‬
‫المسّ‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن مخارق‪ ,‬عن طارق‪ ,‬عن‬
‫عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬اللمس‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن المغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال ابن مسعود‪ :‬اللمس‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن أبي عبيدة‪ ,‬عن‬
‫عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬القبلة من اللمس‪.‬‬
‫حدث نا أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فض يل‪ ,‬عن‬
‫الع مش‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن أ بي عبيدة‪ ,‬عن ع بد ال بن م سعود‪ ,‬قال القبلة من الل مس‪ ,‬وفي ها‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫حدثنا تميم بن المنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن‬
‫أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7689‬ـ حدثنا أحمد بن عبدة ال ضبي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سليم بن أخضر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن عون‪,‬‬
‫س ُتمُ النّ ساءَ} قال‪ :‬فأشار بيده هكذا ـ وحكاه‬
‫عن مح مد‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة‪ ,‬عن قوله‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫سليم وأراناه أبو عبد ال‪ ,‬فضمّ أصابعه‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن سلمة بن علق مة‪ ,‬عن مح مد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت عبيدة‪ ,‬عن قوله‪{ :‬أ ْو ل َمسْ ُتمُ النّساءَ} قال بيده‪ ,‬فظننت ما عنى فلم أسأله‪.‬‬
‫‪ 7690‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا ع ند مح مد م سّ‬
‫س ُتمُ‬
‫الفرج‪ ,‬وأظن هم ذكروا ما قال ا بن ع مر في ذلك‪ ,‬فقال مح مد‪ :‬قلت ل عبيدة‪ ,‬قوله‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫النّساءَ} فقال بيده‪ .‬قال ابن عون‪ :‬بيده كأنه يتناول شيئا يقبض عليه‪.‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا خالد‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬قال عبيدة‪ :‬اللمس‬
‫باليد‪.‬‬
‫ستُمُ‬
‫قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة‪ ,‬عن هذه الَية‪{ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫النّساءَ} فقال بيده‪ ,‬وضمّ أصابعه‪ ,‬حتى عرفت الذي أراد‪.‬‬
‫‪ 7691‬ـ حدث ني يو نس بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني عب يد ال بن‬
‫عمر‪ ,‬عن نافع‪ :‬أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة‪ ,‬ويرى فيها الوضوء‪ ,‬ويقول‪ :‬هي من‬
‫اللّماس‪.‬‬
‫‪ 7692‬ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن يز يد‪ ,‬عن إ سماعيل‪ ,‬عن عامر‪,‬‬
‫قال‪ :‬الملمسة‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫‪ 7693‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ُمحِلّ بن محرز‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬اللمس من شهوة ينقض الوضوء‪.‬‬
‫‪ 7694‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الحكم وحماد‬
‫أنهما قال‪ :‬اللمس ما دون الجماع‪.‬‬
‫‪ 7695‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬الملمسة‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬عن أصحاب عبد ال‪ ,‬عن عبد‬
‫ال‪ ,‬قال‪ :‬الملمسة‪ :‬ما دون الجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن بيان‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬الملمسة‪ :‬ما‬
‫دون الجماع‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن أبي معشر‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جدُوا ماءً}‪.‬‬
‫ستُ ُم النّسا َء فَلَمْ َت ِ‬
‫قال عبد ال‪ :‬الملمسة‪ :‬ما دون الجماع‪ ,‬ثم قرأ‪{ :‬أوْ ل َم ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة‪ ,‬عن‪{ :‬أوْ‬
‫ل َمسْ ُتمُ النّساءَ} فقال بيده هكذا‪ ,‬فعرفت ما يعني‪.‬‬
‫‪7696‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبيه وحسن بن صالح‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن هلل‬
‫بن يساف‪ ,‬عن أبي عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬القبلة من اللمس‪.‬‬
‫‪ 7697‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن إسماعيل‪ ,‬عن زهير‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن أبي‬
‫عبيدة‪ :‬القبلة والشيء‪.‬‬
‫ستُمُ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين في ذلك بال صواب قول من قال‪ :‬ع نى ال بقوله‪{ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫النّساءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس‪ ,‬لصحة الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه قبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ‪.‬‬
‫‪7698‬ــ حدثنـي بذلك إسـماعيل بـن موسـى السـديّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا أبـو بكـر بـن عياش‪ ,‬عن‬
‫العمش‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪« :‬كان النبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم يتوضأ ثم يقبّل‪ ,‬ثم يصلي ول يتوضأ»‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن‬
‫عائ شة‪« :‬أن ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم قبّل ب عض ن سائه ثم خرج إلى ال صلة ولم يتو ضأ»‪,‬‬
‫قلت‪ :‬من هي إل أنتِ؟ فضحكت‪.‬‬
‫‪7699‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن عمرو بن شعيب‪ ,‬عن‬
‫زينب السهمية‪ ,‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬أنه كان يقبل‪ ,‬ثم يصلي ول يتوضأ»‪.‬‬
‫حدثنا أبو زيد عمر بن شبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شهاب بن عباد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مندل‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬عن عائ شة‪ .‬وعن أبي روق‪ ,‬عن إبراهيم التيمي‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪« :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء‪ ,‬ثم ل يعيد الوضوء»‪.‬‬
‫‪ 7700‬ـ حدثنا سعيد بن يحيـى الموي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني يزيد بن سنان‪ ,‬عن عبد‬
‫الرحمن الوزاعي‪ ,‬عن يحيـى بن أبي كثير‪ ,‬عن أبي سلمة‪ ,‬عن أ ّم سلمة‪« :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم‪ ,‬ثم ل يفطر‪ ,‬ول يحدث وضوءا»‪.‬‬
‫ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم الدللة الواضحة على أن‬
‫اللمس في هذا الموضع لمس الجماع ل جميع معاني اللمس‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫صدُقِ الطّيرُ َن ِنكَ َلمِيسا‬
‫ن بِنا َهمِيسَاإنْ ت ْ‬
‫ن َي ْمشِي َ‬
‫وهُ ّ‬
‫يعني بذلك‪ :‬ننك لماسا‪.‬‬
‫وذ كر أن هذه الَ ية نزلت في قوم من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ صابتهم‬
‫جنابة وهم جراح‪.‬‬
‫‪ 7701‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن محمد بن‬
‫جابر‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراه مي في المر يض ل ي ستطيع الغ سل من الجنا بة أو الحائض‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يجزي هم التي مم‪ ,‬ونال أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم جرا حة‪ ,‬فف شت في هم‪ ,‬ثم ابتلوا‬
‫بالجنابة‪ ,‬فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فنزلت‪{ :‬وَإ نْ ُك ْنتُ مْ َمرْضَى أوْ على سَ َفرٍ‬
‫ن الغا ِئطِ}‪ ...‬الَية كلها‪.‬‬
‫حدٌ ِم ْن ُكمْ مِ َ‬
‫أ ْو جاءَ أ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت فـي قوم مـن أصـحاب النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم أعوزهـم الماء فلم‬
‫يجدوه في سفر لهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7702‬ـ حدث نا ا بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا المعت مر بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عب يد ال بن‬
‫عمر‪ ,‬عن عبد الرحمن بن القاسم‪ ,‬عن عائشة أنها قالت‪ :‬كنت في مسير مع رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬ح تى إذا ك نا بذات الج يش‪ ,‬ضَلّ عقدي‪ ,‬فأ خبرت بذلك ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬فأمر بالتماسه‪ ,‬فالتمس فلم يوجد‪ .‬فأناخ النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأناخ الناس‪ ,‬فباتوا‬
‫ليلتهم تلك ‪ ¹‬فقال الناس‪ :‬حبست عائشة النبيّ صلى ال عليه وسلم! قالت‪ :‬فجاء إل يّ أبو بكر‪,‬‬
‫ورأس النبيّ صلى ال عليه وسلم في حجري وهو نائم‪ ,‬فجعل يهمزني ويقرصني ويقول‪ :‬من‬
‫ي صلى ال عليه وسلم! قالت‪ :‬فل أتحرّك مخافة أن يستيقظ النبيّ صلى‬
‫أجل عقدك حبست النب ّ‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬وقد أوجعني فل أدري كيف أصنع‪ .‬فلما رآني ل أحير إليه انطلق ‪ ¹‬فلما استيقظ‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم وأراد الصلة فلم يجد ماء‪ .‬قالت‪ :‬فأنزل ال تعالى آية التيمم‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فقال ابن حضير‪ :‬ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر‪.‬‬
‫‪ 7703‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن ابن أبي مليكة‪ :‬أن‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم كان في سفر‪ ,‬ففقدت عائشة قلدة لها‪ ,‬فأمر الناس بالنزول‪ ,‬فنزلوا‬
‫وليس مع هم ماء‪ ,‬فأ تى أ بو ب كر على عائشة‪ ,‬فقال ل ها‪ :‬شق قت على الناس! وقال أيوب بيده ـ‬
‫ي صف أ نه قر صها قال‪ :‬ونزلت آ ية التي مم‪ ,‬ووجدت القلدة في مناخ البع ير‪ ,‬فقال الناس‪ :‬ما‬
‫رأينا امرأة أعظم بركة منها‪.‬‬
‫‪7704‬ـ حدثني محمد بن عبد ال الهللي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمران بن محمد الحداد‪ ,‬قال‪ :‬ثني الربيع‬
‫بن بدر‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ر جل م نا من بََل ْعرَج يقال له‪ :‬ال سلع‪ ,‬قال‪ :‬ك نت أخدم‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأ ْرحَلُ له‪ ,‬فقال لي ذات ليلة‪ « :‬يا أ سْلَعْ قُ مْ فا ْرحَلْ لي!» قلت‪ :‬يا‬
‫ر سول ال أ صابتني جنا بة‪ .‬ف سكت ساعة‪ ,‬ثم دعا ني وأتاه جبر يل عل يه ال سلم بآ ية ال صعيد‪,‬‬
‫ووصف لنا ضربتين‪.‬‬
‫‪7705‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬ثني الربيع بن‬
‫بدر‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ر جل م نا يقال له ال سلع‪ ,‬قال‪ :‬ك نت أخدم ال نبيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬فذ كر مثله‪ ,‬إل أ نه قال‪ :‬ف سكت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم شيئا ـ أو قال‬
‫ساعة الش كّ من عمرو قال‪ :‬وأتاه جبريل عليه السلم بآية الصعيد‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ُ « :‬قمْ يا أسْلَعُ َف َت َي ّممْ!» قال‪ :‬فتيممت ثم رحلت له‪ .‬قال‪ :‬فسرنا حتى مررنا بماء فقال‪:‬‬
‫س بهذا جلدك!» قال‪ :‬وأرا ني التي مم ك ما أراه أبوه‪ :‬ضر بة للو جه‬
‫« يا أ سْلَ ُع مَ سّ ـ أو أمِ ّ‬
‫وضربة لليدين إلى المرفقين‪.‬‬
‫‪ 7706‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص بن نف يل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا زه ير بن معاو ية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن عثمان بن خثيم‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد ال بن عبيد ال بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان‬
‫ب نساء‬
‫أبو عمرو حاجب عائشة‪ :‬أن ابن عباس دخل عليها في مرضها‪ ,‬فقال‪ :‬أبشري كنت أح ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ولم يكن رسول ال صلى‬
‫ب إل طيبا‪ ,‬وسقطت قلدتك ليلة البواء‪ ,‬فأصبح رسول ال صلى ال عليه‬
‫ال عليه وسلم يح ّ‬
‫وسـلم يلتقطهـا‪ ,‬حتـى أصـبح فـي المنزل‪ ,‬فأصـبح الناس ليـس معهـم ماء‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬تي ّممُوا‬
‫صَعيدا طيّبا} فكان ذلك من سببك‪ ,‬وما أذن ال لهذه المة من الرخصة‪.‬‬
‫‪ 7707‬ـ حدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن نمير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عائشة‪ :‬أنها‬
‫ا ستعارت من أ سماء قلدة‪ ,‬فهل كت‪ ,‬فب عث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم رجالً في طلب ها‪,‬‬
‫فوجدوها‪ .‬وأدركتهم الصلة‪ ,‬وليس معهم ماء‪ ,‬فصلوا بغير وضوء‪ ,‬فشكوا ذلك إلى رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأنزل ال آ ية التي مم ‪ ¹‬فقال أ سيد بن حض ير لعائ شة‪ :‬جزاك ال خيرا‪,‬‬
‫فوال ما نزل بك أمر تكرهينه إل جعل ال لك وللمسلمين فيه خيرا‪.‬‬
‫حدث نا أح مد بن ع بد الرح من بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي ع بد ال بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني‬
‫عمرو بن الحرث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه‪ ,‬عن عائشة زوج النبيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬أن ها قالت‪ :‬سقطت قلدة لي بالبيداء ون حن داخلون إلى المدي نة‪ ,‬فأناخ ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ونزل‪ ,‬فبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم في حجري راقد‪ ,‬أقبل أبي‪,‬‬
‫فلكزني لكزة‪ ,‬ثم قال‪ :‬حبست الناس‪ .‬ثم إن رسول ال صلى ال عليه وسلم استيقظ‪ ,‬وحضرت‬
‫الصبح‪ ,‬فالتمس الماء فلم يوجد‪ ,‬ونزلت‪{ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا إذَا ُق ْم ُتمْ إلى الصّلةِ}‪ ...‬الَية‪ .‬قال‬
‫أسيد بن حضير‪ :‬لقد بارك ال للناس فيكم يا آل أبي بكر‪ ,‬ما أنتم إل بركة‪.‬‬
‫‪ 7708‬ـ حدثني الح سن بن شبيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن عثمان بن‬
‫خثيم‪ ,‬عن عبد ال بن أبي مليكة‪ ,‬قال‪ :‬دخل ابن عباس على عائشة‪ ,‬فقال‪ :‬كنت أعظم المسلمين‬
‫بركة على المسلمين سقطت قلدتك بالبواء‪ ,‬فأنزل ال فيك آية التيمم‪.‬‬
‫س ُتمُ النّساءَ}‪ .‬فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض‬
‫واختلف القراء في قراءة قوله‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫ستُمُ} بمع نى‪ :‬أو لم ستم ن ساءكم ولم ستكم‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قراء‬
‫الب صريين والكوفي ين‪{ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫َسـتُمُ النّسـاءَ» بمعنـى‪ :‬أو لمسـتم أنتـم أيهـا الرجال نسـاءكم‪ .‬وهمـا قراءتان‬
‫الكوفييـن‪« :‬أ ْو لم ْ‬
‫ل على‬
‫متقاربتا المعنى‪ ,‬لنه ل يكون الرجل لمسا امرأته إل وهي لمسته‪ ,‬فاللمس في ذلك يد ّ‬
‫معنى اللماس‪ ,‬واللماس على معنى اللمس من كل واحد منهما صاحبه‪ ,‬فبأيّ القراءتين قرأ ذلك‬
‫القارىء فمصيب‪ ,‬لتفاق معنييهما‪.‬‬
‫طيّبا}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فَلْم تَجدوا ما ًء فَ َت َي ّممُوا صَعيدا َ‬
‫جدُوا مَاءً} أو لمستم النساء‪ ,‬فطلبتم الماء لتتطهروا به‪ ,‬فلم تجدوه‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬فلم َت ِ‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫بثمـن ول غيـر ثمـن‪َ { ,‬ف َت َيمّمُوا} يقول‪ :‬فتعمدوا‪ ,‬وهـو تفعلوا مـن قول القائل‪ :‬تيممـت كذا‪ :‬إذا‬
‫قصدته وتعمدته فأنا أتيم مه‪ ,‬وقد يقال م نه‪ :‬يممه فلن ف هو ييم مه‪ ,‬وأيممته أنا وأمم ته خفيفة‪,‬‬
‫وتيممت وتأممت‪ ,‬ولم يسمع فيها يممت خفيفة‪ .‬ومنه قول أعشى بني ثعلبة‪:‬‬
‫شزَنْ‬
‫َت َي ّممْتُ َقيْسا و َكمْ دُو َنهُمنَ الرْضِ منْ َم ْهمَه ذي َ‬
‫يعني بقوله‪ :‬تيممت‪ :‬تعمدت وقصدت‪ ,‬وقد ذكر أنها في قراءة عبد ال‪« :‬فُأمّوا صعيدا»‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7709‬ـ حدثني عبد ال بن محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫طيّبا} قال‪ :‬تحرّوا وتعمدوا صعيدا طيبا‪.‬‬
‫سفيان يقول في قوله‪{ :‬فَت َي ّممُوا صَعيدا َ‬
‫وأما ال صعيد‪ ,‬فإن أهل التأويل اختلفوا ف يه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو الرض الملساء التي ل نبات‬
‫فيها ول غراس ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫صعِيدا‬
‫‪7710‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ { :‬‬
‫طيّبا} قال‪ :‬التي ليس فيها شجر ول نبات‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو الرض المستوية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7711‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬الصعيد‪ :‬المستوي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الصعيد‪ :‬التراب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7712‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحكم بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قيس الملئي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الصعيد‪ :‬التراب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الصعيد‪ :‬وجه الرض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو وجه الرض ذات التراب والغبار‪.‬‬
‫وأولى ذلك بالصـواب قول من قال‪ :‬هو و جه الرض الخال ية من النبات والغروس والبناء‬
‫المستوية‪ ,‬ومنه قول ذي الرمة‪:‬‬
‫خ ْرطُومُ‬
‫كأنّ ُه بالضّحَى َيرْمي الصّعِيدَ ب ِه َدبّابَةٌ فِي عِظامِ الرأسِ ُ‬
‫يعني‪ :‬يضرب به وجه الرض‪.‬‬
‫وأما قوله طيبا‪ ,‬فإنه يعني به‪ :‬طاهرا من القذار والنجاسات‪.‬‬
‫طيّبا} فقال بعضهم‪ :‬حللً‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى قوله‪َ { :‬‬
‫‪ 7713‬ـ حدث ني ع بد ال بن مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫طيّبا} قال‪ :‬قال بعضهم‪ :‬حللً‪.‬‬
‫سمعت سفيان يقول في قوله‪{ :‬صَعيدا َ‬
‫وقال بعضهم بما‪:‬‬
‫‪ 7714‬ـ حدثني عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن ابن جريج قراءة‪,‬‬
‫ج ْردٌ غ ير أب طح‪,‬‬
‫قال‪ :‬قلت لعطاء‪{ :‬فتي ّممُوا صَعيدا طيّ با} قال‪ :‬الط يب‪ :‬ما حولك‪ .‬قلت‪ :‬مكان َ‬
‫أيجزىء عني؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ومعنى الكلم‪ :‬فإن لم تجدوا ماء أيها الناس‪ ,‬وكنتم مرضى‪ ,‬أو على سفر‪ ,‬أو جاء أحد منكم‬
‫من الغائط‪ ,‬أو لم ستم الن ساء‪ ,‬فأرد تم أن ت صلوا فتيمموا‪ ,‬يقول‪ :‬فتعمدوا و جه الرض الطاهرة‪,‬‬
‫فامسحوا بوجوهكم وأيديكم‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فام سحوا‬
‫سحُوا ب ُوجُو ِهكُ مْ وأ ْيدِيكُ مْ}‪ .‬يع ني بذلك ج ّ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬فامْ َ‬
‫منه بوجوهكم وأيديكم‪ ,‬ولكنه ترك ذكر «منه» اكتفاء بدللة الكلم عليه‪ .‬والمسح منه بالوجه‬
‫أن يضرب المتيمـم بيديـه على و جه الرض الطاهـر‪ ,‬أو مـا قام مقامـه‪ ,‬فيمسـح بمـا علق من‬
‫الغبار وجهه‪ ,‬فإن كان الذي علق به الغبار كثيرا‪ ,‬فنفخ عن يديه أو نفضه‪ ,‬فهو جائز‪ .‬وإن لم‬
‫يعلق بيديه من الغبار شيء‪ ,‬وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد‪ ,‬ثم مسح بهما أو بها وجهه‬
‫أجزأه ذلك‪ ,‬لجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد وهو أرض رمل فلم‬
‫يعلق بيديه منها شيء فتيمم به أن ذلك مجزئه‪ ,‬لم يخالف ذلك من يجوز أن يعت ّد بخلفه‪ .‬فلما‬
‫كان ذلك إجماعا منهم كان معلوما أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين مباشرة الصعيد‬
‫به ما بالمع نى الذي أ مر ال بمباشر ته به ما‪ ,‬ل ل خذ تراب م نه‪ .‬وأ ما الم سح باليد ين‪ ,‬فإن أ هل‬
‫التأويـل اختلفوا فـي الحدّ الذي أمـر ال بمسـحه مـن اليديـن‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬حدّ ذلك الكفان إلى‬
‫الزندين‪ ,‬وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7715‬ـ حدثني أبو السائب سلم بن جنادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبي مالك‪,‬‬
‫قال‪ :‬تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة‪ ,‬ثم مسح بيديه واحدة على الخرى‪ ,‬ثم‬
‫مسح وجهه‪ ,‬ثم ضرب بيديه أخرى‪ ,‬فجعل يلوي يده على الخرى ولم يمسح الذراع‪.‬‬
‫‪ 7716‬ـ حدث نا أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن ا بن أ بي خالد‪ ,‬قال‪ :‬رأ يت الش عبي‬
‫و صف ل نا التي مم‪ :‬فضرب بيد يه إلى الرض ضر بة‪ ,‬ثم نفضه ما وم سح وج هه‪ ,‬ثم ضرب‬
‫أخرى‪ ,‬فجعل يلوي كفيه إحداهما على الخرى‪ ,‬ولم يذكر أنه مسح الذراع‪.‬‬
‫‪ 7717‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬قال‪ :‬وضع عمار‬
‫بن ياسر كفيه لفي التراب‪ ,‬ثم رفعهما فنفخهما‪ ,‬فمسح وجهه وكفيه‪ ,‬ثم قال‪ :‬هكذا التيمم‪.‬‬
‫‪ 7718‬ـ حدثنا ا بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تميلة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلم مولى حفص‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫عكرمة‪ ,‬يقول‪ :‬التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه‪ ,‬وضربة للكفين‪.‬‬
‫‪ 7719‬ـ حدث نا عل يّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول يد بن م سلم‪ ,‬عن الوزا عي‪ ,‬عن سعيد وا بن‬
‫ل كان يقول‪ :‬التيمـم ضربـة للوجـه والكفيـن إلى الكوع‪ ,‬ويتأوّل مكحول القرآن‬
‫جابر‪ ,‬أن مكحو ً‬
‫ُمـ‬
‫ْسـحُوا ب ُوجُو ِهك ْ‬
‫ُمـ إلى المَرَافِقـِ} وقوله فـي التيمـم‪{ :‬فام َ‬
‫ُمـ وَأ ْي ِد َيك ْ‬
‫ْسـلُوا ُوجُو َهك ْ‬
‫فـي ذلك‪{ :‬فاغ ِ‬
‫وأ ْيدِيكُمْ} ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق‪ .‬قال مكحول‪ :‬قال ال‪{ :‬وَالسّارِقُ‬
‫طعُوا أ ْيدَيهُما} فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع‪.‬‬
‫وَالسّارِقَ ُة فا ْق َ‬
‫‪ 7720‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن بكر التنيسي‪ ,‬عن ابن‬
‫ل يتيمم يضرب بيديه على الصعيد‪ ,‬ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدة‪.‬‬
‫جابر‪ :‬أنه رأى مكحو ً‬
‫‪ 7721‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬التيمم‪:‬‬
‫ضربة للوجه والكفين‪.‬‬
‫وعلة من قال هذه المقالة من الثر ما‪:‬‬
‫‪ 7722‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة ومحمد بن بشر‪ ,‬عن ابن أبي عروبة‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عمار بن ياسر‪ :‬أنه سأل رسول ال صلى‬
‫ج هِ»‪ .‬وفي حديث ابن بشر‪ :‬أن عمارا سأل‬
‫ال عليه وسلم عن التيمم‪ ,‬فقال‪َ « :‬مرّةً للكَ ّف ْي نِ وال َو ْ‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم عن التيمم‪.‬‬
‫‪7723‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيدة بن سعيد القرشي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬عن ابن‬
‫أبزى‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل إلى عمر‪ ,‬فقال‪ :‬إني أجنبت فلم أجد الماء‪ ,‬فقال عمر‪ :‬ل تصلّ! فقال له‬
‫عمار‪ :‬أما تذكر أنا في مسير على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فأجنبت أنا وأنت‪ ,‬فأما‬
‫أنت فلم تصلّ‪ ,‬وأما أنا فتمعّكت في التراب وصليت‪ ,‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ن يَكفْيكَ» وضرب كفيه الرض ونفخ فيهما ومسح وجهه وكفيه‬
‫فذكرت ذلك له‪ ,‬فقال‪« :‬إ ّنمَا كَا َ‬
‫مرّة واحدة؟‬
‫وقالوا‪ :‬أمر ال في التيمم بمسح الوجه واليدين‪ ,‬فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه‪,‬‬
‫إل أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬حدّ المسـح الذي أمـر ال بـه فـي التيمـم أن يمسـح جميـع الوجـه واليديـن إلى‬
‫المرفقين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7724‬ـ حدثنا عمران بن موسى القزاز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوراث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب‪,‬‬
‫عن نافع‪ :‬أن ابن عمر تيمم بمربد النعم‪ ,‬فضرب ضربة فمسح وجهه‪ ,‬وضرب ضربة فمسح‬
‫يديه إلى المرفقين‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المعتمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبيد ال‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن عبد ال أنه‬
‫قال‪ :‬التي مم م سحتان‪ ,‬يضرب الر جل بيد يه الرض‪ ,‬يم سح به ما وج هه‪ ,‬ثم يضرب به ما مرة‬
‫أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين‪.‬‬
‫حدثني ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن عبيد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني نافع‪ ,‬عن ابن عمر في‬
‫التيمم‪ ,‬قال‪ :‬ضربة للوجه‪ ,‬وضربة للكفين إلى المرفقين‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب وأ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن عب يد ال‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن‬
‫عمر‪ ,‬قال‪ :‬كان يقول في المسح في التيمم إلى المرفقين‪.‬‬
‫‪ 7725‬ـ حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عون‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت الحسن‪ ,‬عن التيمم‪ ,‬فضرب بيديه على الرض فمسح بهما وجهه‪ ,‬وضرب بيديه فمسح‬
‫بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما‪.‬‬
‫‪ 7726‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر أنه قال في‬
‫سكُمْ وأ ْرجَُلكُ مْ إلى ال َك ْع َبيْ نِ}‬
‫سحُوا ِبرُؤُ ِ‬
‫سحُوا ب ُوجُو ِهكُ مْ وأ ْيدِيكُ مْ إلى ال َمرَافِ قِ وَامْ َ‬
‫هذه الَية‪{ :‬فامْ َ‬
‫سحُوا ب ُوجُو ِهكُ مْ وأ ْيدِيكُ مْ ِمنْ هُ} قال‪ :‬أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن‬
‫وقال في هذه الَية‪{ :‬فامْ َ‬
‫يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلن‪.‬‬
‫‪ 7727‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬وحدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬ث ني مح مد بن أ بي‬
‫عديـ جميعـا‪ ,‬عـن داود‪ ,‬عـن الشعـبي فـي التيمـم‪ ,‬قال‪ :‬ضربـة للوجـه‪ ,‬وضربـة لليديـن إلى‬
‫ّ‬
‫المرفقين‪.‬‬
‫‪ 7728‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬أمر بالتيمم فيما‬
‫أمر بالغسل‪.‬‬
‫‪ 7729‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬سألت سالم بن ع بد ال عن‬
‫التي مم‪ ,‬فضرب بيد يه على الرض ضر بة فم سح به ما وج هه‪ ,‬ثم ضرب بيد يه على الرض‬
‫ضربة أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين‪.‬‬
‫‪ 7730‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬قال‪ :‬وأخبرنا حبيب بن الشهيد‪ ,‬عن الحسن أنه‬
‫سئل عن التيمم‪ ,‬فقال‪ :‬ضربة يمسح بها وجهه‪ ,‬ثم ضربة أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين‪.‬‬
‫وعلة من قال هذه المقالة أن التيمم بدل من الوضوء على المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه‬
‫ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء‪ .‬واعتلوا من الثر بما‪:‬‬
‫‪ 7731‬ـ حدثني به موسى بن سهل الرملي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نعيم بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خارجة بن‬
‫مصعب‪ ,‬عن عبد ال بن عطاء‪ ,‬عن موسى بن عقبة‪ ,‬عن العرج‪ ,‬عن أبي جهيم‪ ,‬قال‪ :‬رأيت‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يبول فسـلمت عليـه فلم يردّ عليـّ‪ ,‬فلمـا فرغ قام إلى حائط‪,‬‬
‫فضرب بيديـه عليـه‪ ,‬فمسـح بهمـا وجهـه‪ ,‬ثـم ضرب بيديـه إلى الحائط‪ ,‬فمسـح بهمـا يديـه إلى‬
‫المرفقين‪ ,‬ثم رد عليّ السلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الحدّ الذي أمر ال أن يبلغ بالتراب إليه في التيمم الَباط‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7732‬ـ حدث ني أح مد بن ع بد الرح يم البر قي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن أ بي سلمة التني سي‪ ,‬عن‬
‫الوزاعي‪ ,‬عن الزهري قال‪ :‬التيمم إلى الَباط‪.‬‬
‫وعلة من قال ذلك أن ال أ مر بم سح ال يد في التي مم ك ما أ مر بم سح الو جه‪ ,‬و قد أجمعوا أن‬
‫عليه أن يمسح جميع الوجه‪ ,‬فكذلك عليه جميع اليد‪ ,‬ومن طرف الكف إلى البط يد‪ .‬واعتلوا‬
‫من الخبر بما‪:‬‬
‫‪ 7733‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا صيفي بن ربعي‪ ,‬عن ابن أبي ذئب‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن‬
‫عبيد ال بن عبد ال‪ ,‬عن أبي اليقظان‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهلك عقد‬
‫لعائشة‪ ,‬فأقام رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أضاء الصبح‪ ,‬فتغيظ أبو بكر على عائشة‪,‬‬
‫فنزلت عليه الرخصة المسح بالصعيد‪ ,‬فدخل أبو بكر فقال لها‪ :‬إنك لمباركة‪ ,‬نزل فيك رخصة!‬
‫فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا‪ ,‬وضربة بأيدينا إلى المناكب والَباط‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك أن الحدّ الذي ل يجزىء المتيمم أن يقصر عنه‬
‫في مسحه بالتراب من يديه‪ ,‬الكفان إلى الزندين لجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير‬
‫جائز‪ ,‬ثم هو فيما جاوز ذلك مخير إن شاء بلغ بمسحه المرفقين‪ ,‬وإن شاء الَباط‪ .‬والعلة التي‬
‫من أجلها جعلناه مخيرا فيما جاوز الكفين أن ال لم يحدّ في م سح ذلك بالتراب في التيمم حدّا‬
‫ل يجوز التق صير ع نه‪ ,‬ف ما م سح المتي مم من يد يه أجزأه‪ ,‬إل ما أج مع عل يه‪ ,‬أو قا مت الح جة‬
‫بأ نه ل يجزئه التق صير ع نه‪ ,‬و قد أج مع الجم يع على أن التق صير عن الكف ين غ ير مجزىء‪,‬‬
‫فخرج ذلك بال سنة‪ ,‬و ما عدا ذلك فمختلف ف يه‪ ,‬وإذ كان مختل فا ف يه‪ ,‬وكان الما سح بكف يه داخلً‬
‫في عموم الَية كان خارجا مما لزمه من فرض ذلك‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في الجنب‪ ,‬هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم ل؟‬
‫فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين حكم الجنب فيما‬
‫لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء حكم من جاء من الغائط‪ ,‬وسائر من أحدث ممن جعل التيمم له‬
‫ستُمُ النّساءَ} أو جامعتموه نّ‪,‬‬
‫طهورا لصلته‪ ,‬وقد ذكرت قول بعض من تأوّل قول ال‪{ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫ل قائلو هذه المقالة بأن للج نب التي مم إذا لم ي جد‬
‫وترك نا ذ كر الباق ين لكثرة من قال ذلك‪ .‬واعت ّ‬
‫الماء في سفره بإجماع الحجة على ذلك نقلً عن نبيها صلى ال عليه وسلم الذي يقطع العذر‪,‬‬
‫ويزيل الشكّ‪ .‬وقال جماعة من المتقدمين‪ :‬ل يجزىء الجنب غير الغتسال بالماء‪ ,‬وليس له أن‬
‫ي صلي بالتي مم‪ ,‬والتي مم ل يطهره‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ما ج عل التي مم رخ صة لغ ير الج نب‪ ,‬وتأوّلوا قول‬
‫سـبِيلٍ} قالوا‪ :‬وقـد نهـى ال الجنـب أن يقرب مصـلى المسـلمين إل‬
‫جنُبـا إلّ عا ِبرِي َ‬
‫ال‪{ :‬وَل ُ‬
‫ستُمُ النّ ساءَ}‪ :‬أو‬
‫مجتازا ف يه ح تى يغت سل‪ ,‬ولم ير خص له بالتي مم‪ .‬قالوا‪ :‬وتأو يل قوله‪{ :‬أوْ لمَ ْ‬
‫ن بال يد دون الفرج ودون الجماع‪ .‬قالوا‪ :‬فلم ن جد ال ر خص للج نب في التي مم‪ ,‬بل‬
‫لم ستموه ّ‬
‫أمره بالغسل‪ ,‬وأن ل يقرب الصلة إل مغتسلً‪ .‬قالوا‪ :‬والتيمم ل يطهره لصلته‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪7734‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن شقيق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كنت مع عبد ال بن مسعود وأبي موسى الشعري‪ ,‬فقال أبو موسى‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أرأيت‬
‫رجلً أج نب فلم ي جد الماء شهرا أيتي مم؟ فقال ع بد ال‪ :‬ل يتي مم وإن لم ي جد الماء شهرا‪ .‬فقال‬
‫طيّبا}؟ فقال عبد ال‪:‬‬
‫أبو موسى‪ :‬فكيف تصنعون بهذه الَية في سورة المائدة‪َ { :‬ف َتيَ ّممُوا صَعيدا َ‬
‫إن رخص لهم في هذا لوشكوا إذا برد علي هم الماء أن يتيمموا بالصعيد‪ .‬فقال له أ بو موسى‪:‬‬
‫إنما كرهتم هذا لهذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال أبو موسى‪ :‬ألم تسمع قول عمار لعمر‪ :‬بعثني رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في حاجة‪ ,‬فأجنبت‪ ,‬فلم أجد الماء‪ ,‬فتمرّغت في الصعيد كما تمرّغ الدابة‪,‬‬
‫صنَعَ َهكَذا»‪ ,‬وضرب‬
‫ن تَ ْ‬
‫كأ ْ‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪« :‬إنّمَا َيكْفِي َ‬
‫قال‪ :‬فذكرت ذلك لل نب ّ‬
‫بكف يه ضر بة واحدة وم سح به ما وج هه‪ ,‬وم سح كف يه؟ قال ع بد ال‪ :‬ألم تر ع مر لم يق نع لقول‬
‫عمار؟‬
‫‪ 7735‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن سلمة‪ ,‬عن أ بي‬
‫مالك وعن عبد ال بن عبد الرحمن بن أبزى‪ ,‬قال‪ :‬كنا عند عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪,‬‬
‫فأتاه رجل‪ ,‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشهر والشهرين ل نجد الماء! فقال عمر‪ :‬أما أنا‬
‫فلو لم أجد الماء لم أكن لصلي حتى أجد الماء‪ .‬قال عمار بن ياسر‪ :‬أتذكر يا أمير المؤمنين‬
‫حيث كنا بمكان كذا وكذا‪ ,‬ونحن نرعى البل‪ ,‬فتعلم أنا أجنبنا؟ ـ قال‪ :‬نعم فأما أنا فتمرّغت‬
‫صعِيدُ لَكافِي كَ»‪ ,‬وضرب بكفيه‬
‫ن ال ّ‬
‫في التراب‪ ,‬فأتينا النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬إ نْ كا َ‬
‫الرض‪ ,‬ثم نفخ فيهما‪ ,‬ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه؟ فقال‪ :‬اتق ال يا عمار! فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إن شئت لم أذكره‪ ,‬فقال‪ :‬ل‪ ,‬ولكن نوليك من ذلك ما توليت‪.‬‬
‫‪ 7736‬ـ حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن الح كم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت إبراهيـم في دكان م سلم العور‪ ,‬فقلت‪ :‬أرأ يت إن لم ت جد الماء وأ نت ج نب؟ قال‪ :‬ل‬
‫أصلي‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك‪ ,‬أن الجنب ممن أمره ال بالتيمم إذا لم يجد الماء‬
‫طيّ با}‪ .‬وقد بينا ثم أن مع نى‬
‫جدُوا ماءً َف َت َيمّمُوا صَعيدا َ‬
‫وال صلة بقوله‪{ :‬أ ْو لمَ سْ ُتمُ النّ ساءَ فَلَ مْ َت ِ‬
‫الملمسة في هذا الموضع‪ :‬الجماع بنقل الحجة التي ل يجوز الخطأ فيما نقلته مجمعة عليه ول‬
‫ال سهو ول التوا طؤ والتضا فر‪ ,‬بأن ح كم الج نب في ذلك ح كم سائر من أحدث فلز مه التط هر‬
‫ل صلته‪ ,‬مع ما قد روي في ذلك عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من الخبار ال تي قد‬
‫ذكرنا بعضها وتركنا ذكر كثير منها استغناء بما ذكرنا منها عما لم نذكر‪ ,‬وكراهة منا إطالة‬
‫الكتاب باستقصاء جميعه‪.‬‬
‫جدُوا ماءً َف َت َيمّمُوا} هل ذلك أ مر من ال بالتي مم‬
‫واختلف أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪{ :‬فَلَ مْ َت ِ‬
‫كل ما لز مه طلب الماء أم ذلك أ مر م نه بالتي مم كلما لز مه الطلب و هو محدث حدثا ي جب عل يه‬
‫منـه الوضوء بالماء لو كان للماء واجدا؟ فقال بعضهـم‪ :‬ذلك أمـر مـن ال بالتيمـم كلمـا لزمـه‬
‫فرض الطلب بعد الطلب محدثا كان أو غير محدث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7737‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن الحجاج‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن الحرث‪ ,‬عن‬
‫عليّ رضي ال عنه أنه كان يقول‪ :‬التيمم لكل صلة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا الحجاج‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن الحرث‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7738‬ـ حدث ني ع بد ال بن مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدان المروزي‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبر نا عبد الوراث‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عا مر الحول‪ ,‬عن نافع أ نه حد ثه‪ ,‬عن ا بن عمر م ثل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ 7739‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مجالد‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫يصلي بالتيمم إل صلة واحدة‪.‬‬
‫‪ 7740‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جدُوا ماءً}‪.‬‬
‫يتيمم لكل صلة‪ .‬ويتأول هذه الَية‪{ :‬فَلَمْ َت ِ‬
‫‪ 7741‬ـ قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفريابي‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن يحيـى بن سعيد‬
‫وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن‪ ,‬قالوا‪ :‬التيمم لكل صلة‪.‬‬
‫‪7742‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمران القطان‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫النخعي‪ ,‬قال‪ :‬يتيمم لكل صلة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك أ مر من ال بالتي مم ب عد طلب الماء من لز مه فرض الطلب إذا كان‬
‫محدثـا‪ ,‬فأمـا مـن لم يكـن أحدث بعـد تطهره بالتراب فلزمـه فرض الطلب‪ ,‬فليـس عليـه تجديـد‬
‫تيممه‪ ,‬وله أن يصلي بتيممه الوّل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7743‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن حبيب‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫التيمم بمنزلة الوضوء‪.‬‬
‫‪ 7744‬ـ حدث نا إ سماعيل بن مو سى ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن شا كر‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يصلي المتيمم بتيممه ما لم يحدث‪ ,‬فإن وجد الماء فليتوضأ‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشام‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬كان الرجل‬
‫يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث‪ ,‬وكذلك التيمم‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشام‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬كان الرجل‬
‫يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬يصلي‬
‫الصلوات بالتيمم ما لم يحدث‪.‬‬
‫‪7745‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن حبيب‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫التيمم بمنزلة الوضوء‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القول ين في ذلك عند نا بال صواب قول من قال‪ :‬يتي مم الم صلى ل كل‬
‫صلة لزمه طلب الماء للتطهر لها فرضا لن ال جلّ ثناؤه أمر كل قائم إلى الصلة بالتطهر‬
‫بالماء‪ ,‬فإن لم يجـد الماء فالتيمـم‪ ,‬ثـم أخرج القائم إلى الصـلة مـن كان قـد تقدم قيامـه إليهـا‬
‫الوضوء بالماء سـنة رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬إل أن يكون قـد أحدث حدثـا ينقـض‬
‫طهارته‪ ,‬فيسقط فرض الوضوء عنه بالسنة‪ .‬وأما القائم إليها وقد تقدم قيامه إليها بالتيمم لصلة‬
‫قبلها‪ ,‬ففرض التيمم له لزم بظاهر التنزيل بعد طلبه الماء إذا أعوزه‪.‬‬
‫ن اللّ َه كانَ عَ ُفوّا غَفُورا}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال لم يزل عفوّا عن ذنوب عباده وتركه العقوبة على كثير منها ما‬
‫لم يشركوا به‪ ,‬ك ما ع فا عن كم أي ها المؤمنون عن قيام كم إلى ال صلة ال تي فرض ها علي كم في‬
‫غفُورا} يقول‪ :‬فلم يزل ي ستر علي هم ذنوب هم بتر كه معاجلت هم العذاب‬
‫م ساجدكم وأن تم سكارى‪َ { .‬‬
‫على خطايا هم‪ ,‬ك ما ستر علي كم أي ها المؤمنون بتر كه معاجلت كم على صلتكم في م ساجدكم‬
‫سكارى‪ .‬يقول‪ :‬فل تعودوا لمثلها فينا لكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك َم ْنكَلة‪.‬‬

‫‪45-44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شتَرُو نَ الضّلَلَةَ‬
‫ن ا ْل ِكتَا بِ َي ْ‬
‫ن أُوتُواْ نَ صِيبا مّ َ‬
‫{أَلَ مْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ى بِاللّهِ وَِليّا َوكَ َفىَ بِاللّ ِه نَصِيرا }‪..‬‬
‫عدَا ِئ ُكمْ َوكَ َف َ‬
‫سبِيلَ * وَالّلهُ َأعَْلمُ ِبأَ ْ‬
‫ن أَن َتضِلّواْ ال ّ‬
‫َو ُيرِيدُو َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ألَمْ َترَ إلى اّلذِي نَ} فقال قوم‪ :‬معناه‪ :‬ألم تخبر‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويل في معنى قوله ج ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬ألم تعلم‪ .‬وال صواب من القول في ذلك‪ :‬ألم تر بقل بك يا مح مد عل ما إلى‬
‫الذ ين أوتوا ن صيبا‪ .‬وذلك أن ال خبر والعلم ل يجليان رؤ ية‪ ,‬ولك نه رؤ ية القلب بالعلم لذلك ك ما‬
‫قلنا فيه‪.‬‬
‫وأما تأويل قوله‪{ :‬إلَى اّلذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا ِم نَ ال ِكتَا بِ} فإنه يعني‪ :‬إلى الذين أُعطوا حظّا من‬
‫كتاب ال‪ ,‬فعلموه‪ .‬وذكر أن ال عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالي مهاجر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7746‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫سبِيلَ} ف هم أعداء ال‬
‫ن الضّللَةَ و ُيرِيدُو نَ أ نْ َتضِلّوا ال ّ‬
‫شتَرو َ‬
‫ن الكِتا بِ َي ْ‬
‫اّلذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا مِ َ‬
‫اليهود‪ ,‬اشتروا الضللة‪.‬‬
‫‪7747‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪{ :‬ألَمْ‬
‫ضعِ هِ} قال‪ :‬نزلت في‬
‫ن مَوَا ِ‬
‫حرّفُو نَ الكَلِ مَ عَ ْ‬
‫َترَ إلى اّلذِي نَ أوتُوا نَ صِيبا ِم نَ الكِتا بِ} إلى قوله‪{ :‬ي َ‬
‫رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي‪.‬‬
‫‪7748‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن أبي‬
‫مح مد مولى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬ث ني سعيد بن جبير أو عكر مة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم ـ يعني‪ :‬من عظماء اليهود إذا كلم رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم لوى ل سانه وقال‪ :‬راع نا سمعك يا مح مد ح تى نفه مك! ثم ط عن في ال سلم‬
‫ن الضّللَةَ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ش َترُو َ‬
‫وعا به‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬ألَ ْم َترَ إلى اّلذِي نَ أوتُوا نَ صِيبا ِم نَ الكِتا بِ َي ْ‬
‫ل قَلِيلً}‪.‬‬
‫{فَل يُ ْؤ ِمنُونَ إ ّ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫َمـ‬
‫ّهـ أعْل ُ‬
‫السـبِيلَ والل ُ‬
‫أنـ َتضِلّوا ّ‬
‫ِيدونـ ْ‬
‫َ‬ ‫َرونـ الضّللَةَ و ُير‬
‫َ‬ ‫شت‬‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ي ْ‬
‫عدَا ِئكُمْ وكَفَى باللّ ِه وَِليّا وكَفَى باللّهِ َنصِيرا}‪.‬‬
‫بأ ْ‬
‫ُونـ الضّللَةَ}‪ :‬اليهود الذيـن أوتوا نصـيبا مـن الكتاب يختارون‬
‫ش َتر َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ي ْ‬
‫الضللة‪ ,‬وذلك ال خذ على غ ير طر يق ال حق وركوب غ ير سبيل الر شد وال صواب‪ ,‬مع العلم‬
‫منهـم بقصـد السـبيل ومنهـم الحقـّ‪ .‬وإنمـا عنـى ال بوصـفهم باشترائهـم الضللة مقامهـم على‬
‫التكذيب بمحمد صلى ال عليه وسلم وتركهم اليمان به‪ ,‬وهم عالمون أن السبيل الح قّ اليمان‬
‫به وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم‪.‬‬
‫سبِيلَ} يع ني بذلك تعالى ذكره‪ :‬وير يد هؤلء اليهود الذ ين‬
‫ن َتضِلّوا ال ّ‬
‫نأ ْ‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬و ُيرِيدُو َ‬
‫ل ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب أن تضلوا أنتم يا معشر أصحاب محمد صلى‬
‫وصفهم ج ّ‬
‫ال عل يه و سلم الم صدّقين به أن تضلوا ال سبيل‪ ,‬يقول‪ :‬أن تزولوا عن ق صد الطر يق‪ ,‬ومح جة‬
‫الحقـّ‪ ,‬فتكذبوا بمحمـد‪ ,‬وتكونوا ضللً مثلهـم‪ .‬وهذا مـن ال تعالى ذكره تحذيـر منـه عباده‬
‫المؤمن ين أن ي ستنصحوا أحدا من أعداء ال سلم في ش يء من أ مر دين هم‪ ,‬أو أن ي سمعوا شيئا‬
‫ل ثناؤه عن عداوة هؤلء اليهود الذ ين نهى المؤمن ين أن‬
‫من طعن هم في الح قّ‪ .‬ثم أ خبر ال ج ّ‬
‫عدَائِكُ مْ} يع ني بذلك تعالى ذكره‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وَاللّ هُ أعْلَ مُ بأ ْ‬
‫ي ستنصحوهم في دين هم إيا هم‪ ,‬فقال ج ّ‬
‫وال أعلم منكم بعداوة هؤلء اليهود أيها المؤمنون‪ ,‬يقول‪ :‬فانتهوا إلى طاعتي عما نهيتكم عنه‬
‫من استنصاحهم في دينكمم‪ ,‬فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغ شّ والعداوة والحسد وأنهم إنما‬
‫يبغونكم الغوائل‪ ,‬ويطلبون أن تضلوا عن محجة الحقّ فتهلكوا‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬و َكفَى باللّ هِ وَليّا وكَفَى باللّ ِه نَ صِيرا} فإنه يقول‪ :‬فبال أيها المؤمنون فثقوا‪ ,‬وعليه‬
‫فتوكلوا‪ ,‬وإل يه فارغبوا دون غيره‪ ,‬يكف كم مهم كم وين صركم على أعدائ كم‪{ .‬وكَفَى باللّ هِ وَليّا}‬
‫يقول‪ :‬وكفاكـم وحسـبكم بال ربكـم وليـا يليكـم ويلي أموركـم بالحياطـة لكـم والحراسـة مـن أن‬
‫يستفزّكم أعداؤكم عن دينكم أو يصدّوكم عن اتباع نبيكم‪{ .‬وكَفَى بالّل هِ نَ صِيرا} يقول‪ :‬وحسبكم‬
‫بال ناصرا لكم على أعدائكم وأعداء دينكم‪ ,‬وعلى من بغاكم الغوائل‪ ,‬وبغي دينكم العوج‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ِم ْعنَا‬
‫ن َ‬
‫ن ا ْلكَلِ مَ عَن ّموَاضِعِ هِ َويَقُولُو َ‬
‫حرّفُو َ‬
‫{مّ نَ اّلذِي نَ هَادُو ْا ُي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ط ْعنَا‬
‫س ِم ْعنَا وََأ َ‬
‫طعْنا فِي الدّي نِ وَلَ ْو َأ ّنهُ مْ قَالُو ْا َ‬
‫س َن ِت ِهمْ َو َ‬
‫عنَا َليّا ِبأَلْ ِ‬
‫سمَعٍ َورَا ِ‬
‫غ ْيرَ مُ ْ‬
‫سمَعْ َ‬
‫ص ْينَا وَا ْ‬
‫َوعَ َ‬
‫ن ِإلّ قَلِيلً }‪..‬‬
‫خيْرا ّل ُهمْ وََأقْ َومَ وََلكِن ّل َع َنهُمُ الّل ُه ِبكُ ْفرِهِمْ فَلَ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ن َ‬
‫سمَعْ وَا ْنظُ ْرنَا َلكَا َ‬
‫وَا ْ‬
‫ن هادُوا ُيحَ ّرفُو نَ الكَلِ مَ} وجهان من التأو يل‪ :‬أحده ما‪ :‬أن يكون‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ولقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬مِ َ‬
‫معناه‪ :‬ألم تر إلى الذ ين أوتوا ن صيبا من الكتاب من الذ ين هادوا يحرّفون الكلم‪ .‬فيكون قوله‪:‬‬
‫ن هادُوا} من صلة «الذين»‪ .‬وإلى هذا القول كانت عامة أهل العربية من أهل الكوفة‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{مِ َ‬
‫حرّفُو نَ}‪ .‬والَ خر منه ما‪ :‬أن يكون معناه‪ :‬من الذ ين هادوا‬
‫يوجهون‪ .‬قوله‪{ :‬مِ نَ اّلذِي نَ هادُوا ُي َ‬
‫من يحرّف الكلم عن مواضعه‪ .‬فتكون «من» محذوفة من الكلم اكتفاء بدللة قوله‪{ :‬مِ نَ اّلذِي نَ‬
‫هادُوا} عليهـا‪ ,‬وذلك أن «مِن» لو ذكرت فـي الكلم كانـت بعضـا لــ «مَنـْ»‪ ,‬فاكتفـى بدللة‬
‫«مِنْ» عليها‪ ,‬والعرب تقول‪ :‬منا من يقول ذلك‪ ,‬ومنا ل يقوله‪ ,‬بمعنى‪ :‬منا من يقول ذاك‪ ,‬ومنا‬
‫من ل يقوله‪ ,‬فتحذف «من» اكتفاء بدللة من عليه‪ ,‬كما قال ذو الرمة‪:‬‬
‫ن بال َمهْلِ‬
‫خرُ ُي ْذرِي َد ْمعَةَ العْي ِ‬
‫َفظَلّوا َو ِم ْن ُهمْ َد ْمعُهُ سا ِبقٌ َلهُوآ َ‬
‫يعني‪ :‬ومنهم من دمعه‪ .‬وكما قال ال تبارك وتعالى‪{ :‬وَما ِمنّا إلّ َل هُ مَقا مٌ َمعْلُو مٌ}‪ ,‬وإلى هذا‬
‫المعنـى كانـت عامـة أهـل العربيـة مـن أهـل البصـرة يوجهون تأويـل قوله‪{ :‬مِنَـ اّلذِينَـ هادُوا‬
‫ُيحَ ّرفُونَ الكَلِمَ} غير أنهم كانوا يقولون‪ :‬المضمر في ذلك «القوم»‪ ,‬كأن معناه عندهم‪ :‬من الذين‬
‫هادوا قوم يحرّفون الكلم‪ ,‬ويقولون‪ :‬نظير قول النابغة‪:‬‬
‫ن‬
‫ن جِمالِ بني ُأ َق ْيشٍيُ َقعْقَ ُع خَ ْلفَ ِرجْلَيهِ ِبشَ ّ‬
‫كأ ّنكَ مِ ْ‬
‫يعني‪ :‬كأنك جمل من جمال أقيشٍ‪.‬‬
‫فأما نحويو الكوفة‪ ,‬فينكرون أن يكون المضمر مع «مِن» إل «مَن«أو ما أشبهها‪.‬‬
‫والقول الذي هـو أولى بالصـواب عندي فـي ذلك قول مـن قال قوله‪{ :‬مِنَـ الذِينَـ هادُوا} مـن‬
‫صلة الذ ين أوتوا ن صيبا من الكتاب‪ ,‬لن ال خبرين جمي عا وال صفتين من صفة نوع وا حد من‬
‫ِنـ‬
‫ِينـ أُوتُوا نَصـِيبا م َ‬
‫َمـ َترَ إلى اّلذ َ‬
‫الناس‪ ,‬وهـم اليهود الذيـن وصـف ال صـفتهم فـي قوله‪{ :‬أل ْ‬
‫الكِتابِ}‪ .‬وبذلك جاء تأويل أهل التأويل‪ ,‬فل حاجة بالكلم إذ كان المر كذلك إلى أن يكون فيه‬
‫متروك‪.‬‬
‫ضعِ هِ} فإ نه يقول‪ :‬يبدّلون معنا ها ويغيرون ها عن‬
‫ع نْ َموَا ِ‬
‫ن الكَلِ مَ َ‬
‫وأ ما تأو يل قوله‪ُ { :‬يحَ ّرفُو َ‬
‫تأويله‪ ,‬والكلم جماع كلمة‪ .‬وكان مجاهد يقول‪ :‬عنى بالكلم‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫‪ 7749‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ضعِهِ}‪ :‬تبديل اليهود التوراة‪.‬‬
‫عنْ َموَا ِ‬
‫ن الكَِلمَ َ‬
‫مجاهد في قوله‪ُ { :‬يحَ ّرفُو َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ضعِهِ} فإنه يعني‪ :‬عن أماكنه ووجوهه التي هي وجوهه‪.‬‬
‫عنْ َموَا ِ‬
‫وأما قوله‪َ { :‬‬
‫صيْنا}‪.‬‬
‫ع َ‬
‫س ِمعْنا َو َ‬
‫وأما تأويل قوله‪َ { :‬ويَقُولُونَ َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬من الذين هادوا يقولون‪ :‬سمعنا يا محمد قولك‪ ,‬وعصينا أمرك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7750‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن مح مد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫صيْنا} قال‪ :‬قالت اليهود‪ :‬سمعنا ما تقول‪,‬‬
‫س ِمعْنا وَعَ َ‬
‫القاسم بن أبي بزة عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪َ { :‬‬
‫ول نطيعك‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7751‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ { :‬سَمعنا َوعَ صَيْنا}‬
‫قالوا‪ :‬قد سمعنا‪ ,‬ولكن ل نطيعك‪.‬‬
‫سمَعٍ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَاسمَعْ غيرَ ُم ْ‬
‫وهذا خبر من ال جلّ ثناؤه عن اليهود الذين كانوا حوالى مهاجَر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في عصره‪ ,‬أنهم كانوا يسبون رسول ال صلى ال عليه وسلم ويؤذونه بالقبيح من القول‪,‬‬
‫ويقولون له‪ :‬اسمع منا غير مسمع‪ ,‬كقول القائل للرجل يسبه‪ :‬اسمع ل أسمعك ال‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7752‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وَا سمَعْ غيرَ‬
‫سمَعٍ} قال‪ :‬هذا قول أهل الكتاب يهود‪ ,‬كهيئة ما يقول الن سان‪ :‬ا سمع لسمعت‪ ,‬أذى لر سول‬
‫مُ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وشتما له واستهزاء‪.‬‬
‫‪ 7753‬ـ حُدثت عن المنجاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن عمارة‪ ,‬عن أبي روق‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن‬
‫سمَعٍ} قال‪ :‬يقولون لك‪ :‬واسمع لسمعت‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬وَاسمَعْ غيرَ ُم ْ‬
‫وقد رُوي عن مجاهد والحسن أنهما كانا يتأوّلن في ذلك بمعنى‪ :‬واسمع غير مقبول منك‪.‬‬
‫ولو كان ذلك معناه لقيـل‪ :‬واسـمع غيـر مسـموع‪ ,‬ول كن معناه‪ :‬واسـمع لتسـمع‪ ,‬ولكـن قال ال‬
‫طعْنا فِي الدّينِ} فوصفهم بتحريف الكلم بألسنتهم والطعن في الدين‬
‫س َن ِتهِمْ َو َ‬
‫تعالى ذكره‪َ{ :‬ليّا بألْ ِ‬
‫بسبّ النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأ ما القول الذي ذكر ته عن مجا هد‪{ :‬وَا سمَعْ غي َر مُ سْمَعٍ} يقول‪ :‬غ ير مقبول ما تقول‪ ,‬ف هو‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 7754‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{وَاسمَعْ غيرَ مُ سْمَعٍ} قال‪ :‬غير مستمع‪ .‬قال ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة‪ ,‬عن مجاهد‪:‬‬
‫{وَاسمَعْ غي َر ُمسْمَعٍ}‪ :‬غير مقبول ما تقول‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7755‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‪,‬‬
‫سمَعٍ} قال‪ :‬كما تقول‪ :‬اسمع غير مسموع منك‪.‬‬
‫في قوله‪{ :‬وَاسمَعْ غيرَ ُم ْ‬
‫‪ 7756‬ـ وحدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمَعٍ} كقولك‪ :‬اسمع غير صاغ‪.‬‬
‫كان ناس منهم يقولون‪{ :‬وَاسمَعْ غيرَ ُم ْ‬
‫طعْنا فِي الدّينِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬ورَاعِنا َليّا بأ ْلسِ َن ِت ِهمْ َو َ‬
‫يع ني بقوله‪َ { :‬ورَاعِ نا}‪ :‬أي راع نا سمعك‪ ,‬اف هم ع نا وأفهم نا‪ .‬و قد بي نا تأو يل ذلك في سورة‬
‫البقرة بأدلته بما فيه الكفاية عن إعادته‪.‬‬
‫س َن ِتهِمْ}‬
‫ثم أخبر ال جلّ ثناؤه عنهم أنهم يقولون ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ{ :‬ليّا بألْ ِ‬
‫يعني‪ :‬تحريكا منهم بألسنتهم بتحريف منهم لمعناه إلى المكروه من معنييه‪ ,‬واستخفافا منهم بحقّ‬
‫طعْنا فِي الدّين}‪ .‬كما‪:‬‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم { َو َ‬
‫‪ 7757‬ـ حدث ني الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫قتادة‪ :‬كانت اليهود يقولون للنبيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬راعنا سمعك! يستهزئون بذلك‪ ,‬فكانت‬
‫طعْ نا في‬
‫اليهود قبي حة‪ ,‬فقال‪ :‬راع نا سمعك ليّا بأل سنتهم ‪ ¹‬والل يّ‪ :‬تحريك هم أل سنتهم بذلك‪{ ,‬و َ‬
‫الدّينِ}‪.‬‬
‫‪ 7758‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب يد بن سليمان‪,‬‬
‫س َن ِت ِهمْ} كان الر جل من المشرك ين يقول‪:‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬رَاعِ نا لَيّا بألْ ِ‬
‫أرعني سمعك! يلوي بذلك لسانه‪ ,‬يعني‪ :‬يحرّف معناه‪.‬‬
‫‪7759‬ـ حدثنا محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫طعْ نا فِي الدّي نِ} فإن هم كانوا‬
‫ضعِ هِ}‪ ...‬إلى‪َ { :‬و َ‬
‫ن مَوَا ِ‬
‫ع ْ‬
‫ن هادُوا ُيحَ ّرفُو نَ الكَلِ مَ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫عباس‪{ :‬مِ َ‬
‫يستهزئون ويلوون ألسنتهم برسول ال صلى ال عليه وسلم ويطعنون في الدين‪.‬‬
‫طعْنا‬
‫س َن ِتهِمْ َو َ‬
‫‪7760‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪َ { :‬ورَاعِنا َليّا بألْ ِ‬
‫فِي الدّي نِ} قال‪« :‬راع نا» طعن هم في الد ين‪ ,‬ولي هم بأل سنتهم ليبطلوه ويكذبوه‪ .‬قال‪ :‬والرا عن‪:‬‬
‫الخطأ من الكلم‪.‬‬
‫‪ 7761‬ـ حُدثت عن المنجاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر‪ ,‬أبو روق‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عباس في‬
‫س َن ِتهِمْ} قال‪ :‬تحريفا بالكذب‪.‬‬
‫قوله‪َ{ :‬ليّا بأ ْل ِ‬
‫خيْرا َلهُ مْ‬
‫ظرْ نا لَكا نَ َ‬
‫طعْ نا وَا سمَعْ وَانْ ُ‬
‫س ِمعْنا وأ َ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أ ّنهُ مْ قالُوا َ‬
‫وأقُ َومَ}‪.‬‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ولو أن هؤلء اليهود الذين وصف ال صفتهم قالوا لنبيّ ل‪ :‬سمعنا يا‬
‫مح مد قولك‪ ,‬وأطع نا أمرك‪ ,‬وقبل نا ما جئت نا به من ع ند ال‪ ,‬وا سمع م نا‪ ,‬وانظر نا ما نقول‪,‬‬
‫خيْرا َلهُ مْ وَأقْوَ مَ} يقول‪ :‬لكان ذلك خيرا ل هم ع ند ال‬
‫وانتظر نا نف هم ع نك ما تقول ل نا‪َ{ ,‬لكَا نَ َ‬
‫وأقوم‪ ,‬يقول‪ :‬وأعدل وأصوب في القول‪ .‬وهو من الستقامة من قول ال‪{ :‬وَأقْوَ َم قِيلً} بمعنى‪:‬‬
‫وأصوب قيلً‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7762‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وَلَ ْو أ ّنهُ مْ قالُوا‬
‫خيْرا َلهُ مْ} قال‪ :‬يقولون‪ :‬اسمع منا فإنا قد سمعنا وأطعنا‪,‬‬
‫ن َ‬
‫ظرْنا لَكا َ‬
‫طعْنا وَاسمَعْ وَا ْن ُ‬
‫س ِمعْنا وأ َ‬
‫َ‬
‫وانظرنا فل تعجل علينا‪.‬‬
‫‪ 7763‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تميلة‪ ,‬عن أبي حمزة‪ ,‬عن جابر‪,‬‬
‫ظرْنا} قال‪ :‬اسمع منا‪.‬‬
‫عن عكرمة ومجاهد‪ ,‬قوله‪{ :‬وَان ُ‬
‫ظرْنا}‬
‫‪7764‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَا ْن ُ‬
‫قال‪ :‬أفهمنا‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ظرْنا} قال‪ :‬أفهمنا‪.‬‬
‫مجاهد‪{ :‬وَا ْن ُ‬
‫قال أبو جع فر‪ :‬وهذا الذي قاله مجاهد وعكرمة من توجيههما مع نى‪{ :‬وَا ْنظُرْنا} إلى‪ :‬اسمع‬
‫منا‪ ,‬وتوجيه مجاهد ذلك إلى‪ :‬أفهمنا‪ ,‬ما ل نعرف في كلم العرب‪ ,‬إل أن يكون أراد بذلك من‬
‫توجي هه إلى أفهم نا‪ :‬انتظر نا نف هم ما تقول‪ ,‬أو انتظر نا ن قل ح تى ت سمع م نا‪ ,‬فيكون ذلك مع نى‬
‫مفهو ما وإن كان غ ير تأو يل الكل مة ول تف سير ل ها‪ ,‬فل نعرف «انظر نا» في كلم العرب إل‬
‫بمعنى‪ :‬انتظرنا وانظر إلينا‪ ,‬فأما «انظرنا» بمعنى انتظرنا‪ ,‬فمنه قول الحطيئة‪:‬‬
‫سحِي وَإبْساسِي‬
‫ن دِ ّر َت ُك ْميَوْما َيجِيءُ بِها َم ْ‬
‫َو َقدْ َنظَ ْر ُتكُ ْم لَوْ أ ّ‬
‫وأما انظرنا بمعنى‪ :‬انظر إلينا‪ ,‬فمنه قول عبد ال بن قيس الرقيات‪:‬‬
‫ظرْنَ كمَا َي ْنظُ ُر الرَاكَ الظّباءُ‬
‫حسْنِ َي ْن ُ‬
‫ظا ِهرَاتُ الجَمالِ وال ُ‬
‫بمعنى كما ينظر إلى الراك الظباء‪.‬‬
‫ل قَلِيلً}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََل ِكنْ َل َع َن ُهمُ اللّ ُه ِبكُ ْفرِ ِهمْ فَل يُ ْؤ ِمنُونَ إ ّ‬
‫يعني بذلك‪ :‬ولكن ال تبارك وتعالى أخزى هؤلء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الَية‬
‫فأقصاهم وأبعدهم من الرشد‪ ,‬واتباع الح قّ بكفرهم‪ ,‬يعني بجحودهم نبوّة نبيه محمد صلى ال‬
‫ن إلّ قَلِيلً} يقول‪ :‬فل‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وما جاءهم به من عند ربهم من الهدى والبينات {فل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫يصدّقون بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما جاءهم به من عند ربهم‪ ,‬ول يقرّون بنبوّته إل قليلً‪,‬‬
‫يقول‪ :‬ل يصدّقون بالحقّ الذي جئتهم به يا محمد إل إيمانا قليلً‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7765‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ن إلّ قَلِيلً} قال‪ :‬ل يؤمنون هم إل قليلً‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬فَل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫وقد بينا وجه ذلك بعلله في سورة البقرة‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صدّقا ّلمَا َم َعكُ مْ‬
‫ب آ ِمنُواْ ِبمَا نَزّ ْلنَا مُ َ‬
‫ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَا َ‬
‫{يَا َأ ّيهَآ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن َأ ْمرُ‬
‫سبْتِ َوكَا َ‬
‫ب ال ّ‬
‫طمِ سَ ُوجُوها فَ َن ُردّهَا عََلىَ َأ ْدبَارِهَآ أَ ْو نَ ْل َع َنهُ مْ َكمَا َل َعنّآ أَ صْحَا َ‬
‫ل أَن نّ ْ‬
‫مّن قَبْ ِ‬
‫اللّ ِه مَ ْفعُولً }‪..‬‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ}‪ :‬اليهود من ب ني إ سرائيل الذ ين كانوا‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫حوالي مها جر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال ال ل هم‪ :‬يا أي ها الذ ين أنزل إلي هم الكتاب‬
‫صدّقا ل ما َم َعكُ مْ}‬
‫فأعطوا العلم به‪{ ,‬آ ِمنُوا} يقول‪ :‬صدّقوا ب ما أنزل نا إلى مح مد من الفرقان‪{ ,‬مُ َ‬
‫طمِ سَ‬
‫ن َقبْلِ أ نْ َن ْ‬
‫يع ني‪ :‬محق قا للذي معكم من التوراة ال تي أنزلت ها إلى مو سى بن عمران‪{ ,‬مِ ْ‬
‫ُوجُوها َفنَ ُردّها على أدْبارِها}‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في تأو يل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬طم سه إياه‪ :‬محوه آثار ها ح تى ت صير‬
‫كالقفاء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬أن نط مس أب صارها فن صيرها عمياء‪ ,‬ول كن ال خبر خرج‬
‫بذكر الوجه‪ ,‬والمراد به بصره‪َ { .‬فنُردّها على أ ْدبَارِهَا}‪ :‬فنجعل أبصارها من قبل أقفائها‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7766‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫طمِ سَ ُوجُوها}‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي نَ أُوتُوا الكِتا بَ آ ِمنُوا}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬مِ نْ َقبْلِ أ نْ َن ْ‬
‫وطم سها أن تع مى فنردّ ها على أدبار ها‪ ,‬يقول‪ :‬أن نج عل وجوه هم من ق بل أقفيت هم فيمشون‬
‫القهقري ونجعل لحدهم عينين في قفاه‪.‬‬
‫‪ 7767‬ـ حدثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو قتيبة‪ ,‬عن فضيل بن‬
‫ن َنطْمِ سَ ُوجُوها َفنَ ُردّها على أدْبارِها} قال‪:‬‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫مرزوق‪ ,‬عن عط ية العوفي في قوله‪{ :‬مِ ْ‬
‫نجعلها في أقفائها فتمشي على أعقابها القهقرى‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن عمارة ال سدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد ال بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا فض يل بن‬
‫مرزوق عن عطية بنحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬طمسها أن يردّها على أقفائها‪.‬‬
‫‪ 7768‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫{فَ َن ُردّها عَلى أدْبارِها} قال‪ :‬نحوّل وجوهها قبل ظهورها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك من قبل أن نعمي قوما عن الحقّ‪ ,‬فنردّها على أدبارها في الضللة‬
‫والكفر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7769‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫طمِسَ ُوجُوها َف َنرُدّها على أدْبارِها}‪ :‬فنردّها عن الصراط الحقّ‪َ { ,‬ف َنرُدّها‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬أنْ َن ْ‬
‫عَلى أدْبارِها} قال‪ :‬في الضللة‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬أ نْ‬
‫َنطْمِسَ ُوجُوها} عن صراط الحقّ‪َ { ,‬ف َنرُدّها عَلى أدْبارِهَا} في الضللة‪.‬‬
‫حدثنـي المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن المبارك قراءة عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 7770‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬قال الحسن‪:‬‬
‫{ َنطْمِسَ ُوجُوها} يقول‪ :‬نطمسها عن الحقّ‪َ { ,‬فنَ ُردّها عَلى أدْبارِها}‪ :‬على ضللتها‪.‬‬
‫‪7771‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫سبْتِ} قال‪ :‬نزلت في مالك بن‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬كمَا َل َعنّا أصحَابَ ال ّ‬
‫{يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ن َنطْمِ سَ ُوجُو ها َفنَ ُردّ ها على‬
‫ال صيّف ورفا عة بن ز يد بن التابوت من ب ني قينقاع‪ .‬أ ما {أ ْ‬
‫أدْبارِها} يقول‪ :‬فنعميها عن الحقّ‪ ,‬ونرجعها كفارا‪.‬‬
‫‪ 7772‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫طمِ سَ ُوجُوها َفنَ ُردّها على أدْبارِها} يعني‪:‬‬
‫ن َن ْ‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬مِ ْ‬
‫أن نردّ هم عن الهدى والب صيرة‪ ,‬ف قد ردّ هم على أدبار هم فكفروا بمح مد صلى ال عل يه و سلم‬
‫وما جاء به‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم التي هم بها وناحيتهم التي‬
‫هم بها‪ ,‬فنردّها على أدبارها من حيث جاءوا منه بدءا من الشام‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫طمِسَ‬
‫ن َن ْ‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫‪7773‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬مِ ْ‬
‫ُوجُوها َفنَ ُردّها على أدْبارِها} قال‪ :‬كان أبي يقول‪ :‬إلى الشام‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬من ق بل أن نط مس وجو ها فنم حو آثار ها ون سوّيها‪ ,‬فنردّ ها على‬
‫أدبار ها بأن نج عل الوجوه منا بت الش عر‪ ,‬ك ما وجوه القردة منا بت للش عر‪ ,‬لن شعور ب ني آدم‬
‫في أدبار وجوههم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إذا أنبت الشعر في وجوههم‪ ,‬فقد ردّها على أدبارها بتصييره إياها‬
‫كالقفاء وأدبار الوجوه‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوال فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬معنـى قوله‪{ :‬مِن ْـ َقبْلِ أن ْـ‬
‫َنطْمِ سَ ُوجُو ها}‪ :‬من ق بل أن نط مس أب صارها ونم حو آثار ها فن سوّيها كالقفاء‪ ,‬فنردّ ها على‬
‫أدبار ها‪ ,‬فنج عل أبصـارها في أدبار ها‪ ,‬يعنـي بذلك‪ :‬فنجعـل الوجوه فـي أدبار الوجوه‪ ,‬فيكون‬
‫معناه‪ :‬فنحوّل الوجوه أقفاء‪ ,‬والقفاء وجوهـا‪ ,‬فيمشون القهقري‪ ,‬كمـا قال ابـن عباس وعطيـة‬
‫ومن قال ذلك‪.‬‬
‫وإنمـا قلنـا ذلك أولى بالصـواب‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه خاطـب بهذه الَيـة اليهود الذيـن وصـف‬
‫ن الضّللَةَ} ثم حذّرهم جلّ ثناؤه‬
‫ش َترُو َ‬
‫ن الكِتابِ َي ْ‬
‫صفتهم بقوله‪{ :‬أَل ْم تَ َر إلَى اّلذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِ َ‬
‫ن َنطْمِ سَ ُوجُوها‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ آ ِمنُوا بمَا َنزّلْنا مُ صَدّقا ِلمَا َم َعكُ مْ مِ ْ‬
‫بقوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫َفنَ ُردّها على أدْبارِها}‪ ...‬الَية‪ ,‬بأَسه وسط َوتَه‪ ,‬وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم‬
‫باليمان به‪ ,‬ول ش كّ أن هم كانوا ل ما أمر هم باليمان به يومئذ كفارا‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فبّ ين‬
‫فساد قول من قال‪ :‬تأويل ذلك أن نعميها عن الح قّ فنردّها في الضللة‪ ,‬فما وجه ردّ من هو‬
‫في الضللة في ها؟ وإن ما يرد في الش يء من كان خار جا م نه‪ ,‬فأ ما من هو ف يه فل و جه لن‬
‫يقال‪ :‬يردّه ف يه‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان صحيحا أن ال قد تهدّد الذ ين ذكر هم في هذه الَ ية‬
‫بردّه وجوههـم على أدبارهـم‪ ,‬كان بينـا فسـاد تأويـل مـن قال‪ :‬معنـى ذلك يهدّدهـم بردّهـم فـي‬
‫ضللتهم‪.‬‬
‫وأ ما الذ ين قالوا‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬من ق بل أن نج عل الوجوه منا بت الش عر كهيئة وجوه القردة‪,‬‬
‫فقول لقول أهل التأويل مخالف‪ ,‬وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن‬
‫بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدا‪.‬‬
‫وأ ما قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬من ق بل أن نط مس وجوه هم ال تي هم في ها فنردّ هم إلى الشام من‬
‫مساكنهم بالحجاز ونجد‪ ,‬فإنه وإن كان قولً له وج ٌه كما يدلّ عليه ظاهر التنزيل بعيد‪ ,‬وذلك أن‬
‫المعروف مـن الوجوه فـي كلم العرب التـي هـي خلف القفاء‪ ,‬وكتاب ال يوجـه تأويله إلى‬
‫الغلب في كلم من نزل بلسانه حتى يدلّ على أنه معن يّ به غير ذلك من الوجوه التي ذكرت‬
‫دليل يجب التسليم له‪ .‬وأما الطمس‪ :‬فهو العفو والدثور في استواء ‪ ¹‬ومنه يقال‪ :‬طمست أعلم‬
‫طمُوسا‪ ,‬إذا دثرت وتعفت فاندفنت واستوت بالرض‪ ,‬كما قال كعب بن زهير‪:‬‬
‫طمِسُ ُ‬
‫الطريق َت ْ‬
‫جهُولُ‬
‫ضتُها طامِسُ العْلمِ َم ْ‬
‫ل نَضّاخَ ِة الذّ ْفرَى إذَا عَر َق ْتعُ ْر َ‬
‫منْ كُ ّ‬
‫غرّ ما بين‬
‫يعني بطامس العلم‪ :‬داثر العلم مندفنها‪ .‬ومن ذلك قيل للعمى الذي قد تعفيّ َ‬
‫طمَ سْنا على‬
‫جف ني عين يه فد ثر‪ :‬أع مى مطموس وطم يس‪ ,‬ك ما قال ال جلّ ثناؤه‪{ :‬وََلوْ نَشا ُء َل َ‬
‫عيُن ِهمْ}‪.‬‬
‫أْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬ال َغرّ‪ :‬الشقّ الذي بين الجفنين‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن كان المر كما وصفت من تأويل الَية‪ ,‬فهل كان ما توعدهم به؟ قيل‪ :‬لم‬
‫يكن لنه آمن منهم جماعة‪ ,‬منهم عبد ال بن سلم‪ ,‬وثعلبة بن سعية‪ ,‬وأسد بن سعية‪ ,‬وأسد بن‬
‫عبيد‪ ,‬ومخيرق‪ ,‬وجماعة غيرهم‪ ,‬فدفع عنهم بإيمانهم‪.‬‬
‫ومما يبين عن أن هذه الَية نزلت في اليهود الذين ذكرنا صفتهم‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 7774‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬وحدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلمة‬
‫جميعا‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن أبي محمد‪ ,‬مولى زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ثني سعيد بن‬
‫جبير‪ ,‬أو عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم رؤساء من أحبار‬
‫شرَ يهود اتّقُوا ال وأ سِْلمُوا!‬
‫يهود‪ ,‬منهم عبد ال بن صوريا وك عب بن أسد‪ ,‬فقال لهم‪« :‬يا َمعْ َ‬
‫ج ْئ ُتكُم ْـ بـه لحقـّ» فقالوا‪ :‬مـا نعرف ذلك يـا محمـد‪ .‬وجحدوا مـا‬
‫فوال إنكـم َل َتعَْلمُون َـ أنّـ الّذي ِ‬
‫صدّقا‬
‫عرفوا‪ ,‬وأصرّوا على الكفر‪ ,‬فأنزل ال فيهم‪{ :‬يا أيّها الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ آ ِمنُوا بمَا َنزّلْنا مُ َ‬
‫طمِسَ ُوجُوها فَ َن ُردّها على أدْبارِها}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن نَ ْ‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫لمَا َم َع ُكمْ مِ ْ‬
‫‪7775‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬عن عيسى بن المغيرة‪ ,‬قال‪ :‬تذاكرنا عند‬
‫إبراهيم إسلم كعب‪ ,‬فقال‪ :‬أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس‪ ,‬فمرّ على‬
‫المدي نة‪ ,‬فخرج إل يه ع مر‪ ,‬فقال‪ :‬يا ك عب أ سلم! قال‪ :‬أل ستم تقرءون في كتاب كم‪َ { :‬مثَلُ اّلذِي نَ‬
‫حمِلُ أ سْفارا}؟ وأ نا قد حملت التوراة‪ .‬قال‪ :‬فتر كه‬
‫حمِلو ها كمَثَل الحمارِ َي ْ‬
‫حمّلُوا الّت ْورَاةَ ثُ ّم لَ مْ َي ْ‬
‫ُ‬
‫ثم خرج حتى انتهى إلى حمص‪ ,‬قال‪ :‬فسمع رجلً من أهلها حزينا‪ ,‬وهو يقول‪{ :‬يا أيّها اّلذِي نَ‬
‫ِسـ ُوجُوهـا َفنَ ُردّهـا على‬
‫طم َ‬‫أنـ َن ْ‬
‫ِنـ َقبْلِ ْ‬
‫ُمـ م ْ‬
‫ُصـدّقا لِمَا َم َعك ْ‬
‫ِتابـ آ ِمنُوا بِم َا َنزّلْنـا م َ‬
‫أُوتُوا الك َ‬
‫أدْبارِ ها}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬فقال ك عب‪ :‬يا ر بّ أ سلمت! مخا فة أن ت صيبه الَ ية‪ ,‬ثم ر جع فأ تى أهله‬
‫باليمن‪ ,‬ثم جاء بهم مسلمين‪.‬‬
‫ن أ ْمرُ اللّ ِه مَ ْفعُولً}‪.‬‬
‫سبْتِ وكا َ‬
‫ب ال ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬أ ْو نَ ْل َع َنهُمْ كمَا َل َعنّا أصحَا َ‬
‫صحَابَ‬
‫يع ني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬أ ْو نَ ْل َع َنهُ مْ}‪ :‬أو نلعن كم‪ ,‬فنخزي كم‪ ,‬ونجعل كم قردة‪{ ,‬ك ما َلعَنّا أ ْ‬
‫سبْتِ} يقول‪ :‬كما أخزينا الذين اعتدوا في السبت من أسلفكم‪ ,‬قيل ذلك على وجه الخطاب في‬
‫ال ّ‬
‫ج َريْ نَ بِه مْ بِري حٍ‬
‫قوله‪{ :‬آ ِمنُوا بمَا َنزّلْنا مُ صَدّقا لمَا َم َعكُ مْ} كما قال‪{ :‬حتى إذَا ُك ْنتُ مْ في الفُلْ كِ َو َ‬
‫طيّبَ ٍة َوفَ ِرحُوا بها}‪ .‬وقد يحتمل أن يكون معناه‪ :‬من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها‬
‫َ‬
‫أو نلعن أصحاب الوجوه‪ ,‬فجعل الهاء والميم في قوله‪{ :‬أوْ نَ ْل َع َنهُ مْ} من ذكر أصحاب الوجوه‪,‬‬
‫إذ كان في الكلم دللة على ذلك‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7776‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ { :‬يا أيّ ها‬
‫سبْتِ} أي نحوّلهم قردة‪.‬‬
‫اّلذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬أ ْو نَ ْل َعنَ ُهمْ كمَا َل َعنّا أصحَابَ ال ّ‬
‫‪ 7777‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‪:‬‬
‫سبْتِ} يقول‪ :‬أو نجعلهم قردة‪.‬‬
‫{أ ْو نَ ْل َع َنهُمْ كمَا َل َعنّا أصحَابَ ال ّ‬
‫‪7778‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫سبْتِ} إو نجعلهم قردة‪.‬‬
‫{أ ْو نَ ْل َع َنهُمْ كمَا َل َعنّا أصحَابَ ال ّ‬
‫‪7779‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬أوْ نَ ْل َع َنهُمْ كمَا َل َعنّا‬
‫سبْتِ} قال‪ :‬هم يهود جمي عا‪ ,‬نل عن هؤلء ك ما لع نا الذ ين لع نا من هم من أ صحاب‬
‫أ صحَابَ ال ّ‬
‫السبت‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬وكا نَ أمْر ال َم ْفعُولً} فإنه يعني‪ :‬وكان جميع ما أمر ال أن يكون كائنا مخلوقا‬
‫موجودا‪ ,‬ل يمتنع عليه خلق شيء شاء خلقه‪ .‬والمر في هذا الموضع‪ :‬المأمور‪ ,‬سمي أمر ال‬
‫لنه عن أمره كان وبأمره‪ ,‬والمعنى‪ :‬وكان ما أمر ال مفعولً‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ذَلِ كَ ِلمَن َيشَآءُ‬
‫ن اللّ َه لَ َيغْ ِف ُر أَن ُيشْرَ كَ بِ هِ َو َيغْ ِف ُر مَا دُو َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ى ِإثْما َ‬
‫ك بِاللّهِ فَ َقدِ ا ْف َترَ َ‬
‫شرِ ْ‬
‫َومَن ُي ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقا لمِا معكم‪ ,‬وإن ال ل‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫يغفر أن يشرك به‪ ,‬فإن ال ل يغفر الشرك به والكفر‪ ,‬ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من‬
‫أ هل الذنوب والَثام‪ .‬وإذ كان ذلك مع نى الكلم‪ ,‬فإن قوله‪{ :‬أ نْ ُيشْر كَ ب هِ} في مو ضع ن صب‬
‫بوقوع يغ فر علي ها وإن شئت بف قد الخا فض الذي كان يخفض ها لو كان ظاهرا‪ ,‬وذلك أن يو جه‬
‫معناه‪ :‬إلى أن ال ل يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء‪ ,‬كأنه قيل‪ :‬إن ال ل يغفر ذنبا مع‬
‫شرك أو عن شرك ‪ ¹‬وعلى هذا التأو يل يتو جه أن تكون «أن» في مو ضع خ فض في قول‬
‫بعض أهل العربية‪ .‬وذكر أن هذه الَية نزلت في أقوام ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت‪:‬‬
‫ن َرحْمَ ِة الّل ِه إ نّ الّل َه َيغْ ِفرُ ال ّذنُو بَ جمِيعا إّن هُ‬
‫سهِمْ ل تَ ْق َنطُوا ِم ْ‬
‫ن أ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫{يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫هُ َو الغَفُو ُر الرّحِيمُ}‪ .‬ذكر الخبر بذلك‪:‬‬
‫‪ 7780‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪,‬‬
‫سرَفُوا على‬
‫نأ ْ‬
‫قال‪ :‬ث ني م حبر‪ ,‬عن ع بد ال بن ع مر‪ ,‬أ نه قال‪ :‬ل ما نزلت‪ { :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫أنْفُ سهِمْ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قام ر جل فقال‪ :‬والشرك يا نبيّ ال‪ .‬فكره ذلك ال نب ّ‬
‫ن ُيشْرِ كْ باللّ ِه فَ َقدِ ا ْف َترَى‬
‫ن يَشاءُ َو َم ْ‬
‫ن ذَلِ كَ ِل َم ْ‬
‫شرَ كَ ِب هِ َو َيغْ ِفرُ ما دُو َ‬
‫ن اللّ هِ ل َيغْ ِفرُ أ نْ ُي ْ‬
‫فقال‪{ :‬إ ّ‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫إثما َ‬
‫ن اللّ هَ ل‬
‫حُد ثت عن عمار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي جع فر‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن الرب يع‪ ,‬في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ن ُيشْرَكَ ِبهِ َو َيغْ ِفرُ ما دُونَ ذَلِكَ ِل َمنْ يَشاءُ} قال‪ :‬أخبرني محبر‪ ,‬عن عبد ال بن عمر أنه‬
‫َيغْ ِفرُ أ ْ‬
‫قال‪ :‬لمـا نزلت هذه الَيـة‪{ :‬يـا عِبادِي َـ اّلذِين َـ أس ْـرَفُوا على أنْفُس ِـهِمْ}‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قام رجـل فقال‪:‬‬
‫ن ُيشْرَ كَ ِب هِ َو َيغْ ِفرُ ما دُو نَ ذَلِ كَ‬
‫والشرك يا نبيّ ال‪ .‬فكره ذلك النبيّ‪ ,‬فقال‪{ :‬إ نّ الّل هَ ل َيغْ ِفرُ أ ْ‬
‫ن يَشاءُ}‪.‬‬
‫ِلمَ ْ‬
‫‪ 7781‬ـ حدثني محمد بن خلف العسقلني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الهيثم بن حماد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا بكر بن عبد ال المزني‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬كنا معشر أصحاب النبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم ل نش كّ في قاتل النفس‪ ,‬وأكل مال اليتيم‪ ,‬وشاهد الزور‪ ,‬وقاطع الرحم‪ ,‬حتى نزلت هذه‬
‫ن يَشاءُ} فأمسكنا عن الشهادة‪.‬‬
‫ن ذَِلكَ ِلمَ ْ‬
‫ش َركَ بِهِ َو َيغْ ِفرُ ما دُو َ‬
‫ن اللّ َه ل َيغْ ِفرُ أنْ ُي ْ‬
‫الَية‪{ :‬إ ّ‬
‫وقد أبانت هذه الَية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة ال‪ ,‬إن شاء عفا عنه‪ ,‬وإن شاء عاقبه‬
‫عليه ما لم تكن كبيرة شركا بال‪.‬‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫ش ِركُ باللّهِ فَ َقدِ ا ْف َترَى إثما َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬و َمنْ ُي ْ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬و من يشرك بال في عباد ته غيره من خل قه‪ ,‬ف قد افترى إث ما عظي ما‪,‬‬
‫يقول‪ :‬فقد اختلق إثما عظيما‪ .‬وإنما جعله ال تعالى ذكره مفتريا‪ ,‬لنه قال زورا وإفكا بجحوده‬
‫وحدانيـة ال وإقراره بأن ل شريكـا مـن خلقـه وصـاحبة أو ولدا‪ ,‬فقائل ذلك مفتـر‪ ,‬وكذلك كلّ‬
‫كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ُهمْ بَلِ الّل هُ ُي َزكّي مَن َيشَآءُ َولَ‬
‫ن َأنْفُ َ‬
‫ن ُي َزكّو َ‬
‫{أَلَ مْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُيظْلَمُونَ َفتِيلً }‪..‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ألم تر يا مح مد بقل بك الذ ين يزكون أنف سهم من اليهود فيبرّئون ها من‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫الذنوب‪ ,‬ويطرونها‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في المع نى الذي كا نت اليهود تز كي به أنف سها‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كا نت‬
‫حبّاؤُه}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن أبْناءُ اللّهِ وأ ِ‬
‫تزكيتهم أنفسهم قولهم‪َ { :‬نحْ ُ‬
‫‪ 7782‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫ن فَتيلً} و هم أعداء ال اليهود زكوا‬
‫ن يَشاءُ وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫س ُهمْ بَلِ الّل هُ ُيزَكّي مَ ْ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫اّلذِي نَ ُي َزكّو َ‬
‫أنفسهم بأمر لم يبلغوه‪ ,‬فقالوا‪ :‬نحن أبناء ال وأحباؤه‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل ذنوب لنا‪.‬‬
‫‪ 7783‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‬
‫س ُهمْ} قال‪ :‬هم اليهود والنصارى‪ ,‬قالوا‪َ { :‬نحْ نُ أبْنا ُء اللّ هِ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫في قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ ُي َزكّو َ‬
‫ل مَنْ كانع هُودا أوْ َنصَارَى}‪.‬‬
‫جّنةَ إ ّ‬
‫حبّا ُؤهُ} وقالوا‪َ{ :‬لنْ َي ْدخُلَ ال َ‬
‫وأ ِ‬
‫‪ 7784‬ـ وحدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تميلة‪ ,‬عن عبيد بن سليمان‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬قالت يهود‪ :‬ليسـت لنـا ذنوب إل كذنوب أولدنـا يوم يولدون‪ ,‬فإن كات لهـم‬
‫ظرْ َكيْف َـ يَ ْف َترُون َـ على اللّه ِـ‬
‫ذنوب‪ ,‬فإن لنـا ذنوبـا‪ ,‬فإنمـا نحـن مثلهـم‪ ,‬قال ال تعالى ذكره‪{ :‬ا ْن ُ‬
‫ال َكذِبَ و َكفَى بِ ِه إثما ُمبِينا}‪.‬‬
‫‪ 7785‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ‬
‫جنّ َة إلّ مَن كا نَ هُودا أوْ نَ صَارَى} وقالوا‪:‬‬
‫ن َي ْدخُلَ ال َ‬
‫سهُمْ} قال‪ :‬قال أ هل الكتاب‪َ{ :‬ل ْ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫يُزكّو َ‬
‫حبّا ُؤ هُ} وقالوا‪ :‬نحن على الذي يح بّ ال‪ .‬فقال تبارك وتعالى‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫{ َنحْ نُ أبْنا ُء اللّ هِ وأ ِ‬
‫ن يَشاءُ} حين زعموا أنهم يدخلون الجنة‪ ,‬وأنهم أبناء ال‬
‫ل اللّ هُ ُي َزكّي َم ْ‬
‫سهُمْ بَ ِ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن ُي َزكّو َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫وأحباؤه وأهل طاعته‪.‬‬
‫‪7786‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن َفتِيلً} نزلت في اليهود‪,‬‬
‫ل اللّ ُه ُي َزكّي َم نْ يَشاءُ وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫سهُم بَ ِ‬
‫ن يُزكّو نَ أ ْنفُ َ‬
‫{ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫قالوا‪ :‬إنا نعّلم أبناءنا التوراة صغارا فل تكون لهم ذنوب‪ ,‬وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا‪ ,‬ما عملنا‬
‫بالنهار كُفّر عنا بالليل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانت تزكيتهم أنفسهم تقديمهم أطفالهم لماتهم في صلتهم زعما منها أنهم‬
‫ل ذنوب لهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7787‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهـد فـي قوله‪ُ { :‬يزَكّونَـ أنْفُسَـُهمْ} قال‪ :‬يهود كانوا يقدّمون صـبيانهم فـي الصـلة فيؤمونهـم‪,‬‬
‫يزعمون أنهم ل ذنوب لهم‪ .‬فتلك التزكية‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن العرج‪ ,‬عـن‬
‫مجاهـد‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يقدمون الصـبيان أمامهـم فـي الدعاء والصـلة يؤمونهـم ويزعمون أنهـم ل‬
‫ذنوب لهم‪ ,‬فتلك تزكية‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬هم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ 7788‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبي مالك في قوله‪:‬‬
‫سهُمْ} قال‪ :‬نزلت في اليهود كانوا يقدّمون صبيانهم يقولون‪ :‬ليست‬
‫ن ُيزَكُو نَ أ ْنفُ َ‬
‫{ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫لهم ذنوب‪.‬‬
‫‪ 7789‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبي مكين‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬في قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫سهُمْ} قال‪ :‬كان أهل الكتاب يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث يصلون بهم‪,‬‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن ُي َزكّو َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫س ُهمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن أنْ ُف َ‬
‫ن ُي َزكُو َ‬
‫يقولون ليس لهم ذنوب‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬أَلمْ تَرع إلى اّلذِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل تزكيت هم أنف سهم كات قول هم‪ :‬إن أبناء نا سيشفعون ل نا ويزكون نا‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7790‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫س ُهمْ} وذلك أن اليهود قالوا‪ :‬إن أبناء نا قد‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن ُي َزكّو َ‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫توفوا وهم لنا قربة عند ال‪ ,‬وسيشفعون ويزكوننا‪ .‬فقال ال لمحمد‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ ُي َزكّو نَ‬
‫سهُمْ}‪ ...‬إلى {وَل يُظَْلمُونَ َفتِيلً}‪.‬‬
‫أنْ ُف َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك كان منهم تزكية من بعضهم لبعض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7791‬ـ حدثني فيحيـى بن إبراهيم المسعودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫قيس بن مسلم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬إن الرجل ليغدو بدينه‪ ,‬ثم يرجع وما‬
‫معه منه شيء! يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ول ضرّا‪ ,‬فيقول‪ :‬وال إنك لذيت وذيت‪ ,‬ولعلّه‬
‫أن يرجع‪ ,‬ولم يحل من حاجته بشيء‪ ,‬وقد أسخط ال عليه‪ .‬ثم قرأ‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ ُي َزكّو نَ‬
‫سهُمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫أنْ ُف َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى هذه القوال بالصواب قول من قال‪ :‬معنى تزكية القوم الذين وصفهم‬
‫ال بأنهم يزكون أنفسهم وصفهم إياها بأنها ل ذنوب لها ول خطايا‪ ,‬وأنهم ل أبناء وأحباء‪ ,‬كما‬
‫أخبر ال عنهم أنهم كانوا يقولونه‪ ,‬لنه ذلك هو أظهر معانيه لخبار ال عنهم أنها إنما كانوا‬
‫يزكون أنفسهم دون غيرها‪.‬‬
‫وأما الذين قالوا‪ :‬معنى ذلك‪ :‬تقديمهم أطفالهم للصلة‪ ,‬فتأويل ل تدرك صحته إل بخبر حجة‬
‫ن يَشاءُ} فإنه تكذيب من ال المزكين أنفسهم‬
‫يوجب العلم‪ .‬وأما قوله جلّ ثناؤه‪{ :‬بَلِ الّلهُ ُي َزكّي مَ ْ‬
‫من اليهود والنصارى‪ ,‬المبرئيها من الذنوب‪ ,‬يقول ال لهم‪ :‬ما المر كما زعمتم أنه ل ذنوب‬
‫ل كم ول خطا يا‪ ,‬وإن كم برآء م ما يكر هه ال‪ ,‬ولكن كم أ هل فر ية وكذب على ال‪ ,‬وليس المز كي‬
‫من ز كى نف سه‪ ,‬ولك نه الذي يزك يه ال‪ ,‬وال يز كي من يشاء من خل قه‪ ,‬فيطهره و يبرئه من‬
‫الذنوب بتوفيقه لجتناب ما يكرهه من معصاصيه إلى ما يرضاه من طاعته‪.‬‬
‫ظرْ َكيْ فَ يَ ْف َترُو نَ على الّل ِه ال َكذِ بَ} وأ خبر أن هم‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ا ْن ُ‬
‫وإن ما قل نا إن ذلك كذلك لقوله ج ّ‬
‫يفترون على ال الكذب بدعواهم أنهم أبناء ال وأحباؤه‪ ,‬وأن ال قد طهرهم من الذنوب‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل ُيظْلَمُونَ َفتِيلً}‪.‬‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ول يظلم ال هؤلء الذ ين أ خبر عن هم أن هم يزكون أنف سهم ول غير هم‬
‫من خلقه‪ ,‬فيبخسهم في تركه تزكيتهم‪ ,‬وتزكية من ترك تزكيته‪ ,‬وفي تزكية من زكى من خلقه‬
‫شيئا من حقوق هم ول ي ضع شيئا في غ ير موض عه‪ ,‬ولك نه يز كي من يشاء من خل قه‪ ,‬فيوف قه‪,‬‬
‫ويخذل من يشاء من أهل معاصيه ‪ ¹‬كل ذلك إليه وبيده‪ ,‬وهو في كل ذلك غير ظالم أحدا ممن‬
‫زكاه أو لم يزكه فتيلً‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في مع نى «الفت يل»‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو ما خرج من ب ين ال صبعين‬
‫والكفين من الوسخ إذا فتلت إحداهما بالخرى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7792‬ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو كدينة‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬الفتيل‪ :‬ما خرج من بين أصبعيك‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن أبي إسحاق الهمداني‪ ,‬عن التيمي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن َفتِيلً} قال‪ :‬ما فتلت بين أصبعيك‪.‬‬
‫سألت ابن عباس‪ ,‬عن قوله‪{ :‬وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن زيد بن درهم أبي العلء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا العالية‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪{ :‬وَل ُيظَْلمُونَ َفتِيلً} قال‪ :‬الفتيل‪ :‬هو الذي يخرج من بين إصبعي الرجل‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪{ :‬وَل يُظَْلمُونَ َفتِيلً} والفتيل‪ :‬هو أن تدلك بين أصبعيك‪ ,‬فما خرج بينهما فهو ذلك‪.‬‬
‫‪ 7793‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬خبرنا حصين‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬في‬
‫ن َفتِيلً} قال‪ :‬الفتيل‪ :‬الوسخ الذي يخرج من بين الكفين‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫‪7794‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬الفتيل‪ :‬ما فتلت به يديك فخرج وسخ‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫{وَل يُظَْلمُونَ َفتِيلً} قال‪ :‬ما تدلكه في يديك فيخرج بينهما‪.‬‬
‫وأناس يقولون‪ :‬الذي يكون في بطن النواة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7795‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬فتِيلً} قال‪ :‬الذي في بطن النواة‪.‬‬
‫‪7796‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن طلحة بن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬الفتيل‪ :‬الذي‬
‫في بطن النواة‪.‬‬
‫حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثني طل حة بن عمرو‪ ,‬أنه سمع عطاء بن أبي‬
‫رباح يقول‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫‪7797‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرني عبد‬
‫ال بن كثير‪ ,‬أنه سمع مجاهدا يقول‪ :‬الفتيل‪ :‬الذي في شقّ النواة‪.‬‬
‫‪ 7798‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن سعيد‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬الفتيل‪ :‬في النوى‪.‬‬
‫‪7799‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن َفتِيلً} قال‪ :‬الفتيل‪ :‬الذي في شقّ النواة‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫‪ 7800‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب يد بن سليمان‪,‬‬
‫شقّ النواة‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬الفتيل‪ِ :‬‬
‫‪ 7801‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬الفت يل‪ :‬الذي في ب طن‬
‫النواة‪.‬‬
‫‪ 7802‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫قال‪ :‬الفتيل‪ :‬الذي يكون في شقّ النواة‪.‬‬
‫حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَل‬
‫ُيظْلَمُونَ َفتِيلً}‪ :‬فتيل النواة‪.‬‬
‫‪7803‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قرّة‪ ,‬عن عطية‪ ,‬قال‪ :‬الفتيل‪ :‬الذي‬
‫في بطن النواة‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأصـل الفتيـل‪ :‬المفتول‪ ,‬صـرف مـن فمفعول إلى فعيـل‪ ,‬كمـا قيـل‪ :‬صـريع‬
‫وده ين من م صروع ومدهون‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان ال جلّ ثناؤه إن ما ق صد بقوله‪{ :‬وَل‬
‫ُيظْلَمُو نَ َفتِيلً} الخبر عن أنه ل يظلم عباده أقلّ الشياء التي ل خطر لها‪ ,‬فكيف بما له خطر‪,‬‬
‫وكان الوسـخ الذي يخرج مـن بيـن أصـبعي الرجـل أو مـن بيـن كفيـه إذا فتـل إحداهمـا على‬
‫الخرى‪ ,‬كالذي هو في ش قّ النواة وبطنها‪ ,‬وما أشبه ذلك من الشياء التي هي مفتولة‪ ,‬مما ل‬
‫خطر له ول قيمة‪ ,‬فواجب أن يكون كل ذلك داخلً في معنى الفتيل‪ ,‬إل أن يخرج شيئا من ذلك‬
‫ل عليه ظاهر التنزيل‪.‬‬
‫ما يجب التسليم له مما د ّ‬

‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{انظُ ْر كَيفَ يَ ْف َترُونَ عَلَى الّلهِ ال َكذِبَ َوكَ َفىَ ِبهِ ِإثْما ّمبِينا }‪..‬‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬انظـر يـا محمـد كيـف يفتري هؤلء الذيـن يزكون أنفسـهم مـن أهـل‬
‫الكتاب القائلون‪ :‬نحـن أبناء ال وأحباؤه‪ ,‬وإنـه لن يدخـل الجنـة إل مـن كان هودا أو نصـارى‪,‬‬
‫الزاعمون أنـه ل ذنوب لهـم الكذب والزور مـن القول‪ ,‬فيختلفونـه على ال‪{ .‬وكَفَى بِهـِ} يقول‪:‬‬
‫وحسـبهم بقيلهـم ذلك الكذب والزور على ال {إثْمـا ُمبِينـا} يعنـي‪ :‬إنـه يـبين كذبهـم لسـامعيه‪,‬‬
‫ويوضح لهم أنهم أفكة فجرة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7804‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪{ :‬ألَمْ َترَ إلى اّلذِينَ‬
‫سهُمْ} قال‪ :‬هم اليهود والنصارى {ا ْنظُرْ َك ْيفَ يَ ْف َترُونَ على اللّ ِه ال َكذِبَ}‪.‬‬
‫ُيزَكّونَ أ ْن ُف َ‬

‫تابع ‪ :‬سورة النساء‬


‫‪147‬‬ ‫اليات ‪– 51 :‬‬
‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جبْ تِ‬
‫ن ا ْل ِكتَا بِ يُ ْؤ ِمنُو نَ بِا ْل ِ‬
‫ن أُوتُواْ نَ صِيبا مّ َ‬
‫{أَلَ مْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫ن آ َمنُو ْا َ‬
‫ن لِّلذِينَ َك َفرُواْ َهؤُلءِ أَ ْه َدىَ ِمنَ اّلذِي َ‬
‫وَالطّاغُوتِ َويَقُولُو َ‬
‫يع ني بذلك جل ثناؤه‪ :‬ألم تر بقل بك يا مح مد إلى الذ ين أعطوا ح ظا من كتاب ال فعلموه‬
‫يؤمنون بالج بت والطاغوت‪ ,‬يع ني‪ :‬ي صدّقون بالج بت والطاغوت ويكفرون بال‪ ,‬و هم يعلمون‬
‫أن اليمان بهما كفر والتصديق بهما شرك‪.‬‬
‫ثـم اختلف أهـل التأويـل فـي معنـى الجبـت والطاغوت‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬همـا صـنمان كان‬
‫المشركون يعبدونهما من دون ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7805‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫أيوب‪ ,‬عن عكرمة أنه قال‪ :‬الجبت والطاغوت‪ :‬صنمان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬الصنام‪ ,‬والطاغوت‪ :‬تراجمة الصنام‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7806‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ْتـ وَالطّاغُوتـِ}‬
‫جب ِ‬‫ُونـ بال ِ‬
‫ابـن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَم ْـ َترَ إلَى اّلذِين َـ أُوتُو نَصـِيبا مِن الكِتاب ِـ يُؤ ِمن َ‬
‫الج بت‪ :‬ال صنام‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الذ ين يكونون ب ين أيدي ال صنام ي عبرون عن ها الكذب ليضلوا‬
‫الناس‪.‬‬
‫وزعم رجال أن الجبت‪ :‬الكاهن والطاغوت‪ :‬رجل من اليهود يدعى كعب بن الشرف‪ ,‬وكان‬
‫سيد اليهود‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7807‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن أبي إسحاق‪,‬‬
‫عن حسان بن فائد‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر رضي ال عنه‪ :‬الجبت‪ :‬السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن حسان بن فائد العنسي‪,‬‬
‫عن عمر مثله‪.‬‬
‫‪7808‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الملك‪ ,‬عمن حدثه‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬الجبت‪ :‬السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫‪ 7809‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا زكر يا‪ ,‬عن الش عبي‪ ,‬قال‪ :‬الج بت‪:‬‬
‫السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫جبْ تِ وَالطّاغُو تِ} قال‪ :‬الجبت‪ :‬السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان في صورة‬
‫في قوله‪ُ { :‬ي ْؤ ِمنُو نَ بال ِ‬
‫إنسان يتحاكمون إليه‪ ,‬وهو صاحب أمرهم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ع بد الملك‪ ,‬عن ق يس‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬الج بت‪:‬‬
‫السحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطات والكاهن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬الساحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7810‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬كان أ بي يقول‪ :‬الج بت‪:‬‬
‫الساحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬الساحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الكاهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7811‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن‬
‫سـعيد بـن جـبير فـي هذه الَيـة‪{ :‬الجبـت والطاغوت»‪ ,‬قال‪ :‬الجبـت‪ :‬السـاحر بلسـان الحبشـة‪,‬‬
‫والطاغوت‪ :‬الكاهن‪.‬‬
‫‪7812‬ــ حدثنـا ابـن المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬عبـد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا داود‪ ,‬عـن رفيـع‪ ,‬قال‪ :‬الجبـت‪:‬‬
‫الساحر‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الكاهن‪.‬‬
‫‪ 7813‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬أنه قال‪:‬‬
‫الطاغوت‪ :‬الساحر‪ ,‬والجبت‪ :‬الكاهن‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن أبي العالية في‬
‫جبْتِ وَالطّاغُوتِ} قال‪ :‬أحدهما السحر‪ ,‬والَخر الشيطان‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬ال ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬الشيطان‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الكاهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7814‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قوله‪:‬‬
‫جبْتِ وَالطّاغُوتِ} كنا نحدّث أن الجبت شيطان‪ ,‬والطاغوت الكاهن‪.‬‬
‫{يُ ْؤ ِمنُونَ بال ِ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7815‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬الجبت‪ :‬الشيطان‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الكاهن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬الكاهن‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7816‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الجبت‪ :‬الكاهن‪ :‬والطاغوت‪ :‬الساحر‪.‬‬
‫‪ 7817‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال في‬
‫الجبت والطاغوت‪ ,‬قال‪ :‬الجبت‪ :‬الكاهن‪ ,‬والَخر‪ :‬الساحر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬حيـي بن أخطب‪ ,‬والطاغوت‪ :‬كعب بن الشرف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7818‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‪,‬‬
‫جبْ تِ وَالطّاغُو تِ} الطاغوت‪ :‬ك عب بن الشرف‪ ,‬والج بت‪:‬‬
‫ن بال ِ‬
‫عن ا بن عباس قوله‪{ :‬يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫حيـي بن أخطب‪.‬‬
‫‪ 7819‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زهير‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫قال‪ :‬الجبت‪ :‬حيـي بن أخطب‪ ,‬والطاغوت‪ :‬كعب بن الشرف‪.‬‬
‫حدث ني يحي ـى بن أ بي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا جو يبر‪ ,‬عن الضحاك في‬
‫جبْتِ والطّاغُوتِ} قال‪ :‬الجبت‪ :‬حيـي بن أخطب‪ ,‬والطاغوت‪ .‬كعب بن الشرف‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬ال ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الجبت‪ :‬كعب بن الشرف‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7820‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل يث‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬الج بت ك عب بن‬
‫الشرف‪ ,‬والطاغوت‪ :‬الشيطان كان في صورة إنسان‪.‬‬
‫ْتـ وَالطّاغُوتـِ} أن يقال‪:‬‬
‫ُونـ بالجب ِ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬والصـواب مـن القول فـي تأويـل‪ُ { :‬ي ْؤ ِمن َ‬
‫ي صدّقون بمعبود ين من دون ال يعبدونه ما من دون ال‪ ,‬ويتخذونه ما إله ين‪ .‬وذلك أن الج بت‬
‫والطاغوت ا سمان ل كل مع ظم بعبادة من دون ال‪ ,‬أو طا عة أو خضوع له‪ ,‬كائ نا ما كان ذلك‬
‫المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان‪.‬‬
‫وإذ كان ذلك كذلك وكانت الصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون‬
‫ال ف قد كا نت جبو تا وطواغ يت‪ ,‬وكذلك الشياط ين ال تي كا نت الكفار تطيع ها في مع صية ال‪,‬‬
‫وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولً منهما ما قال في أهل الشرك بال‪ ,‬وكذلك حيـي بن‬
‫أخ طب‪ ,‬وك عب بن الشرف‪ ,‬لنه ما كا نا مطاع ين في أ هل ملته ما من اليهود في مع صية ال‬
‫والكفـر بـه وبرسـوله‪ ,‬فكانـا جبتيـن وطاغوتيـن‪ .‬وقـد بينـت الصـل الذي منـه قيـل للطاغوت‬
‫طاغوت‪ ,‬بما أغني عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ن كَ َفرُوا هَؤُل ِء أ ْهدَى مِن اّلذِينَ آ َمنُوا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬ويَقُولُونَ لّلذِي َ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ويقولون للذيـن جحدوا وحدانيـة ال ورسـالة رسـوله محمـد صـلى ال‬
‫عليـه وسـلم‪{ :‬هَؤلء} يعنـي بذلك‪ :‬هؤلء الذيـن وصـفهم ال بالكفـر {أ ْهدَى} يعنـي أقوم وأعدل‬
‫ن آ َمنُوا} يعني من الذين صدّقوا ال ورسوله وأقرّوا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى‬
‫{مِ نَ اّلذِي َ‬
‫سبِيلً} يعني‪ :‬طريقا‪ .‬وإنما ذلك مثل‪ ,‬ومعنى الكلم‪ :‬إن ال وصف الذين أوتوا‬
‫ال عليه وسلم { َ‬
‫ن صيبا من الكتاب من اليهود بتعظيم هم غ ير ال بالعبادة والذعان له بالطا عة في الك فر بال‬
‫ورسوله ومعصيتهما‪ ,‬وأنهم قالوا‪ :‬إن أهل الكفر بال أولى بالحق من أهل اليمان به‪ ,‬وإن دين‬
‫أهل التكذيب ل ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق ل ولرسوله‪ ,‬وذكر أن ذلك من‬
‫صفة كعب بن الشرف‪ ,‬وأنه قائل ذلك‪ .‬ذكر الَثار الواردة بما قلنا‪:‬‬
‫‪ 7821‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬ل ما قدم ك عب بن الشرف مكة‪ ,‬قالت له قر يش‪ :‬أ نت خير أ هل المدي نة و سيدهم؟‬
‫قال‪ :‬ن عم‪ .‬قالوا‪ :‬أل ترى إلى هذا ال صنبور المنب تر من قو مه يز عم أ نه خ ير م نا‪ ,‬ون حن أ هل‬
‫الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية؟ قال‪ :‬أنتم خير منه‪ .‬قال‪ :‬فأنزلت‪{ :‬إ نّ شا ِنئَ كَ ُه َو ال ْبتَرُ}‪,‬‬
‫ب يُ ْؤ ِمنُو نَ بالجبْ تِ والطّاغُو تِ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ن أُوتُوا نَ صِيبا مِ نَ الكِتا ِ‬
‫وأنزلت‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫جدَ َلهُ َنصِيرا}‪.‬‬
‫{فَلَنْ َت ِ‬
‫‪ 7822‬ـ حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن عكر مة في هذه‬
‫ن أُوتُوا نَصيبا مِنَ الكِتاب} ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫الَية‪{ :‬أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫وحدث ني إ سحاق بن شاه ين‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا خالد الوا سطي‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬قدم‬
‫كعب بن الشرف مكة‪ ,‬فقال له المشركون‪ :‬احكم بيننا وبين هذا الصنبور البتر‪ ,‬فأنت سيدنا‬
‫وسيد قومك‪ .‬فقال كعب‪ :‬أنتم وال خير منه‪ .‬فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى الّذي نَ أُوتُوا‬
‫ن الكِتاب}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫نَصيبا مِ َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أيوب‪,‬‬
‫عن عكر مة‪ :‬أن ك عب بن الشرف انطلق إلى المشرك ين من كفار قر يش‪ ,‬فا ستجاشهم على‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأمر هم أن يغزوه‪ ,‬وقال‪ :‬إ نا م عك نقاتله‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن كم أ هل كتاب‪,‬‬
‫وهو صاحب كتاب‪ ,‬ول نأمن أن يكون هذا مكرا منكم‪ ,‬فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين‬
‫الصنمين وآمن بهما! ففعل‪ .‬ثم قالوا‪ :‬نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء‪ ,‬ونسقي اللبن‬
‫على الماء‪ ,‬ون صل الر حم‪ ,‬ونقري الض يف‪ ,‬ونطوف بهذا الب يت‪ ,‬ومح مد ق طع رح مه‪ ,‬وخرج‬
‫ن الكِتاب‬
‫ن أُوتُو نَ صِيبا مِ َ‬
‫من بلده‪ .‬قال‪ :‬بل أن تم خ ير وأهدى! فنزلت ف يه‪{ :‬ألَ ْم تَ َر إلى اّلذِي َ‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ آ َمنُوا َ‬
‫ن كَ َفرُوا هَؤُل ِء أ ْهدَى مِ َ‬
‫جبْتِ والطّاغُوتِ َويَقُولُونَ لّلذِي َ‬
‫يُ ْؤ ِمنُونَ بال ِ‬
‫‪7823‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬لما كان من أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم واليهود بني النضير ما كان حين أتاهم‬
‫يستعينهم في دية العامريين‪ ,‬فهمّوا به وبأصحابه‪ ,‬فأطلع ال ورسوله على ما همّوا به من ذلك‪,‬‬
‫ورجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدي نة‪ ,‬فهرب ك عب بن الشرف ح تى أتى م كة‪,‬‬
‫فعاهدهم على محمد‪ ,‬فقال له أبو سفيان‪ :‬يا أبا سعد‪ ,‬إنكم قوم تقرءون الكتاب‪ ,‬وتعلمون‪ ,‬ونحن‬
‫قوم ل نعلم‪ ,‬فأخبرنـا‪ :‬ديننـا خيـر أم ديـن محمـد؟ قال كعـب‪ :‬اعرضوا علي ّـ دينكـم! فقال أبـو‬
‫سفيان‪ :‬نحن قوم ننحر الكوماء‪ ,‬ونسقي الحجيج الماء‪ ,‬ونقري الضيف‪ ,‬ونعمر بيت ربنا‪ ,‬ونعبد‬
‫آلهت نا ال تي كان يع بد آباؤ نا‪ ,‬ومح مد يأمر نا أن نترك هذا ونتب عه‪ .‬قال‪ :‬دين كم خ ير من د ين‬
‫مح مد‪ ,‬فاثبتوا عل يه! أل ترون أن محمدا يز عم أ نه ب عث بالتوا ضع‪ ,‬و هو ين كح من الن ساء ما‬
‫ن أُوتُوا نَصِيبا ِمنَ‬
‫شاء؟ وما نعلم ملكا أعظم من ملك النساء! فذلك حين يقول‪{ :‬ألَمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن لِّلذِينَ كَ َفرُوا َهؤُلءِ أ ْهدَى مِ َ‬
‫الكِتابِ يُ ْؤمِنونَ بالجبتِ وَالطّاغُوتِ َويَقُولُو َ‬
‫‪7824‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نزلت فـي كعـب بـن الشرف وكفار قريـش قال‪ :‬كفار قريـش أهدى مـن محمـد عليـه الصـلة‬
‫والسلم‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬قدم كعب بن الشرف‪ ,‬فجاءته قريش فسألته عن محمد فصغر أمره‬
‫ويسره وأخبرهم أنه ضالّ‪ .‬قال‪ :‬ثم قالوا له‪ :‬ننشدك ال نحن أهدى أم هو؟ فإنك قد علمت أنا‬
‫ننحر الكوم‪ ,‬ونسقي الحجيج‪ ,‬ونعمر البيت‪ ,‬ونطعم ما هبّت الريح! قال‪ :‬أنتم أهدى‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذه ال صفة جما عة من اليهود من هم حي ـي بن أخ طب‪ ,‬و هم الذ ين قالوا‬
‫للمشركين ما أخبر ال عنهم أنهم قالوه لهم‪ .‬ذكر الخبار بذلك‪:‬‬
‫‪7825‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن ابن إسحاق عمن قاله‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن‬
‫أبي محمد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬أو عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس قال‪ :‬كان الذين حزّبوا الحزاب‬
‫حيَـيّ بن أخطب‪ ,‬وسلم بن أي الحُقَيق‪ ,‬وأبو رافع‪ ,‬والربيع‬
‫من قريش وغطفان وبني قريظة ُ‬
‫بن أ بي الحُقَق يق‪ ,‬وأ بو عا مر‪ ,‬ووحْوح بن عا مر‪ ,‬وهَوْذة بن ق يس ‪ ¹‬فأ ما وحوح‪ ,‬وأ بو عا مر‪,‬‬
‫وهوذة ف من ب ني وائل‪ ,‬وكان سائرهم من ب ني النض ير‪ .‬فل ما قدموا على قر يش‪ ,‬قالوا‪ :‬هؤلء‬
‫أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الول‪ ,‬فاسألوهم أدينكم خير‪ ,‬أم دين محمد؟ فسألوهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬بل‬
‫ن أُوتُوا‬
‫دين كم خ ير من دي نه‪ ,‬وأن تم أهدى م نه وم من اتب عه! فأنزل ال في هم‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫جبْتِ والطّاغُوتِ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وآ َتيْنا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫ن بال ِ‬
‫ن الكِتابِ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫َنصِيبا مِ َ‬
‫‪ 7826‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫جبْ تِ والطّاغُو تِ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أن هذه الَية‬
‫ن بال ِ‬
‫ن الكِتا بِ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫اّلذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا مِ َ‬
‫أنزلت في كعب بن الشرف وحيـي بن أخطب ورجلين من اليهود من بني النضير لقيا قريشا‬
‫بموسم‪ ,‬فقال لهم المشركون‪ :‬أنحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل‬
‫الحرم‪ .‬فقال‪ :‬ل‪ ,‬بل أهدى من مح مد وأ صحابه! وهما يعلمان أنه ما كاذبان‪ ,‬إن ما حمله ما على‬
‫ذلك حسد محمد وأصحابه‪.‬‬
‫ِينـ‬
‫ُونـ لّلذ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل هذه صـفة حيــي بـن أخطـب وحده‪ ,‬وإياه عنـي بقوله‪{ :‬وَيقُول َ‬
‫سبِيلً}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا َ‬
‫كَ َفرُوا َهؤُل ِء أ ْهدَى مِنَ اّلذِي َ‬
‫‪ 7827‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ‬
‫أُوتُوا نَ صِيبا مِ نَ الكِتا بِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪ ,‬قال‪ :‬جاء حيـي بن أخطب إلى المشركين‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫يا حيـي إنكم أصحاب كتب‪ ,‬فنحن خير أم محمد وأصحابه؟ نحن وأنتم خير منهم! فذلك قوله‪:‬‬
‫جدَ لَ ُه َنصِيرا}‪.‬‬
‫ن َت ِ‬
‫ن أُوتُوا َنصِيبا مِنَ الكِتابِ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ومَنْ يَ ْل َعنِ الّلهُ فَلَ ْ‬
‫{أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫وأولى القوال بالصحة في ذلك قول من قال‪ :‬إن ذلك خبر من ال جلّ ثناؤه عن جماعة من‬
‫أهل الكتاب من اليهود‪ ,‬وجائز أن يكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس في الخبر الذي‬
‫رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعد أو يكون حييا وآخر معه‪ ,‬إما كعبا وإما غيره‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َهـ‬
‫جدَ ل ُ‬
‫ّهـ فَلَن َت ِ‬
‫َنـ الل ُ‬
‫ّهـ وَم َن يَ ْلع ِ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ِينـ َل َع َنه ُ‬
‫{أُوْلَــِئكَ اّلذ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫َنصِيرا }‪..‬‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬أولئك هؤلء الذين وصف صفتهم أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب وهم‬
‫يؤمنون بالجبت والطاغوت‪ ,‬هم الذين لعنهم ال‪ ,‬يقول‪ :‬أخزاهم ال فأبعدهم من رحمته بإيمانهم‬
‫ِينـ كَ َفرُوا‬
‫بالجبـت والطاغوت وكفرهـم بال ورسـوله‪ ,‬عنادا منهـم ل ولرسـوله‪ ,‬وبقولهـم‪{ :‬لّلذ َ‬
‫ن يَ ْلعَ نِ الّل هُ} يقول‪ :‬ومن يخزه ال فيبعده من رحمته‪,‬‬
‫سبِيلً}‪َ { .‬ومَ ْ‬
‫ن اّلذِي نَ آ َمنُوا َ‬
‫هَؤُل ِء أ ْهدَى مِ َ‬
‫جدَ لَهُ نَصِيرا} يقول‪ :‬فلن تجد له يا محمد ناصرا ينصره من عقوبة ال ولعنته التي تحلّ‬
‫ن َت ِ‬
‫{فَلَ ْ‬
‫به فيدفع ذلك عنه ‪ ¹‬كما‪:‬‬
‫‪7828‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال كعب بن‬
‫الشرف وحيـي بن أخطب ما قال‪ ,‬يعني من قولهما‪« :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً»‪,‬‬
‫وه ما يعلمان أنه ما كاذبان‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ َل َع َنهُمُـ اللّهُـ َومَن ْـ يَ ْلعَنِـ اللّ ُه فَلَن ْـ َتجِ َد لَ هُ‬
‫َنصِيرا}‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن النّاسَ نَقِيرا }‪..‬‬
‫ن ا ْلمُ ْلكِ َفإِذا لّ ُي ْؤتُو َ‬
‫{َأمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مّ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬أ مْ َلهُ مْ نَ صِيبٌ ِم نَ المُلْ كِ} أم لهم ح ظّ من الملك‪ ,‬يقول‪ :‬ليس لهم ح ظّ‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫من الملك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7829‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪:‬‬
‫ن المُ ْلكِ} يقول‪ :‬لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا‪.‬‬
‫{أمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مِ َ‬
‫‪ 7830‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬قال ال‪:‬‬
‫س نَقِيرا} ولو‬
‫ن النّا َ‬
‫ن المُلْ كِ} قال‪ :‬فليس لهم نصيب من الملك‪{ ,‬فإذًا ل يُ ْؤتُو َ‬
‫{أ مْ َلهُ مْ نَ صِيبٌ ِم َ‬
‫كان لهم نصيب وحظّ من الملك‪ ,‬لم يكونوا إذًا يعطون الناس نقيرا من بخلهم‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى النقير‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو النقطة التي في ظهر النواة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7831‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن أ بي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬نَقِيرا} يقول‪ :‬النقطة التي في ظهر النواة‪.‬‬
‫حدث ني سليمان بن ع بد الجبار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ال صلت‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو كدي نة‪ ,‬عن‬
‫قابوس‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬النقير الذي في ظهر النواة‪.‬‬
‫حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن خصيف‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬النقير‪ :‬وسط النواة‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫س نَقِيرا} النقير‪ :‬نقير النواة‪ :‬وسطها‪.‬‬
‫عباس‪{ :‬فإذًا ل يُ ْؤتُونَ النّا َ‬
‫‪7832‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪,‬‬
‫قوله‪{ :‬أ مْ َلهُ مْ نَصيبٌ ِم نَ المُلْك فإذًا ل يُؤتُو نَ النّاس نَقِيرا} يقول‪ :‬لو كان لهم نصيب من الملك‬
‫إذًا لم يؤتوا محمدا نقيرا‪ ,‬والنقير‪ :‬النقطة التي في وسط النواة‪.‬‬
‫‪ 7833‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن‬
‫أبي رباح‪ ,‬يقول‪ :‬النقير‪ :‬الذي في ظهر النواة‪.‬‬
‫‪ 7834‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫قال‪ :‬النقير‪ :‬النقرة التي تكون في ظهر النواة‪.‬‬
‫‪ 7835‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين‪ ,‬عن أ بي مالك‪,‬‬
‫قال‪ :‬النقير‪ :‬الذي في ظهر النواة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬النقير‪ :‬الحبة التي تكون في وسط النواة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7836‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬نَقِيرا} قال‪ :‬النقير‪ :‬حبة النواة التي في وسطها‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬فإذًا‬
‫ن النّاسَ نَقِيرا} قال‪ :‬النقير‪ :‬حبة النواة التي في وسطها‪.‬‬
‫ل يُؤْتو َ‬
‫حدث نا محمـد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيــى بن سـعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سفيان بن سـعيد‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن مجاهد قال‪ :‬النقير في النوي‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرني عبد ال بن‬
‫كثير أنه سمع مجاهدا يقول‪ :‬النقير‪ :‬نقير النواة الذي في وسطها‪.‬‬
‫‪ 7837‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك بن مزاحم يقول‪ :‬النقير‪ :‬نقر النواة الذي يكون في وسط النواة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬نقر الرجل الشيء بطرف أصابعه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7838‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن يز يد بن در هم أ بي العلء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با‬
‫العالية‪ ,‬ووضع ابن عباس طرف البهام على ظهر السبابة ثم رفعهما وقال‪ :‬هذا النقير‪.‬‬
‫وأولى القوال فـي ذلك بالصـواب أن يقال‪ :‬إن ال وصـف هؤلء الفرقـة مـن أهـل الكتاب‬
‫بالب خل بالي سير من الش يء الذي ل خ طر له‪ ,‬ولو كانوا ملو كا وأ هل قدرة على الشياء الجليلة‬
‫القدار‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فالذي هو أولى بمع نى النقير أن يكون أصغر ما يكون من الن قر‪,‬‬
‫وإذا كان ذلك أولى به‪ ,‬فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النقر‪ ,‬وقد يدخل في ذلك كل ما‬
‫ن النّا سَ} ولم ينصب بـ«إذا»‪ ,‬ومن حكمها أن تنصب‬
‫شاكلها من النقر‪ .‬ورفع قوله‪{ :‬ل يُ ْؤتُو َ‬
‫الفعال المستقبلة إذا ابتدىء الكلم بها ‪ ¹‬لن معها فاء‪ ,‬ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف‬
‫الع طف أن تو جه إلى البتداء ب ها مرّة وإلى الن قل عن ها إلى غير ها أخرى‪ ,‬وهذا المو ضع م ما‬
‫أر يد بالفاء ف يه الن قل عن إذًا إلى ما بعد ها‪ ,‬وأن يكون مع نى الكلم‪ :‬أم ل هم ن صيب فل يؤتون‬
‫الناس نقيرا إذًا‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى مَآ آتَاهُ مُ الّل هُ مِن فَضْلِ ِه فَ َقدْ آ َت ْينَآ آلَ‬
‫ن النّا سَ عََل َ‬
‫سدُو َ‬
‫{أَ مْ َيحْ ُ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ح ْكمَةَ وَآ َت ْينَا ُهمْ مّلْكا َ‬
‫ِإ ْبرَاهِيمَ ا ْل ِكتَابَ وَا ْل ِ‬
‫ن النّاسَ} أم يحسد هؤلء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من‬
‫سدُو َ‬
‫حُ‬‫يعني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬أمْ َي ْ‬
‫اليهود‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7839‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫حسُدُونَ النّاسَ} قال‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬أمْ َي ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪7840‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة مثله‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬النّا سَ} فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عنى ال به‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬عنى ال بذلك‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم خاصة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7841‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬عن خالد‪,‬‬
‫ن فَضْلِ هِ} قال‪ :‬الناس في هذا‬
‫ن النّا سَ على ما آتاهُ مُ الّل هُ مِ ْ‬
‫سدُو َ‬
‫عن عكر مة في قوله‪{ :‬أ مْ َيحْ ُ‬
‫الموضع‪ :‬النبيّ صلى ال عليه وسلم خاصة‪.‬‬
‫‪7842‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن فَضْلِهِ} يعني‪ :‬محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫س على ما آتا ُهمُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫حسُدونَ النّا َ‬
‫{أمْ َي ْ‬
‫‪ 7843‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس مثله‪.‬‬
‫‪ 7844‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬أ مْ‬
‫س على ما آتا ُه ُم اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ} قال‪ :‬الناس‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حسُدُونَ النّا َ‬
‫َي ْ‬
‫‪ 7845‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫عنَى ال به العربَ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل َ‬
‫‪7846‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬أمْ َيحْسُدُونَ‬
‫ن فَضْلِ هِ} أولئك اليهود حسدوا هذا الح يّ من العرب على ما آتاهم‬
‫النّا سَ على ما آتاهُ مُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫ال من فضله‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بالصواب أن يقال‪ :‬إن ال عاتب اليهود الذين وصف صفتهم في هذه‬
‫الَيات‪ ,‬فقال ل هم في قيل هم للمشرك ين من عبدة الوثان إن هم أهدى من مح مد وأ صحابه سبيلً‬
‫على علم من هم بأن هم في قيل هم ما قالوا من ذلك كذ بة‪ :‬أم يح سدون محمدا على آتا هم ال من‬
‫فضله‪.‬‬
‫ن النّا سَ على ما آتاهُ مُ الّل هُ مِ نْ‬
‫سدُو َ‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب‪ ,‬لن ما قبل قوله‪{ :‬أم َيحْ ُ‬
‫سبِيلً}‪ ,‬فإلحاق‬
‫ن اّلذِينَ آ َمنُوا َ‬
‫فَضْلِهِ} مضى بذمّ القائلين من اليهود للذين كفروا‪{ :‬هَؤُلء أ ْهدَى مِ َ‬
‫ن َفضْلِ هِ} بذمهم على ذلك‪ ,‬وتقريظ الذين آمنوا‬
‫ن النّا سَ على ما آتاهُ مُ الّل هُ مِ ْ‬
‫سدُو َ‬
‫قوله‪{ :‬أ مْ َيحْ ُ‬
‫الذين قيل فيهم ما قيل أشبه وأولى‪ ,‬ما لم يأت دللة على انصراف معناه عن معنى ذلك‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في تأو يل الف ضل الذي أ خبر ال أ نه آ تى الذ ين ذكر هم في قوله‪{ :‬أ مْ‬
‫س على ما آتاهُ ُم اللّ ُه مِ نْ َفضْلِ هِ} فقال بعض هم‪ :‬ذلك الف ضل هو النبوّة‪ .‬ذ كر من‬
‫َيحْ سُدُونَ النّا َ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫سدُونَ‬
‫‪ 7847‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬أم َيحْ ُ‬
‫النّاسَ على ما آتاهُمُ الّل ُه مِنْ َفضْلِهِ}‪ :‬حسدوا هذا الحيّ من العرب على ما آتاهم ال من فضله‪,‬‬
‫بعث ال منهم نبيا فحسدوهم على ذلك‪.‬‬
‫‪ 7848‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪{ :‬عَلى ما‬
‫ن فَضْلِهِ} قال‪ :‬النبوّة‪.‬‬
‫آتا ُهمُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل ذلك الفضـل الذي ذكـر ال أنـه آتاهموه‪ :‬هو إباحتـه مـا أباح لنـبيه محمـد‬
‫ن ما شاء بغ ير عدد‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ما يع ني بالناس‪:‬‬
‫صلى ال عل يه و سلم من الن ساء‪ ,‬ين كح منه ّ‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم على ما ذكرت قبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7849‬ـ حدثني محمد بن سعد‪,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫ن فَضْلِ هِ}‪ ...‬الَية‪ ,‬وذلك أن أهل الكتاب قالوا‪:‬‬
‫س على ما آتاهُ مُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫عباس‪{ :‬أ مْ َيحْ سُدُونَ النّا َ‬
‫زعم محمد أنه أُوتي ما أُوتي في تواضع وله تسع نسوة‪ ,‬ليس همه إل النكاح‪ ,‬فأيّ ملك أفضل‬
‫ن فَضْلِهِ}‪.‬‬
‫ن النّاسَ على ما آتا ُهمُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫سدُو َ‬
‫حُ‬‫من هذا؟ فقال ال‪{ :‬أمْ َي ْ‬
‫‪7850‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن فَضْلِهِ} يعني محمدا أن ينكح ما شاء من النساء‪.‬‬
‫حسُدُونَ النّاس على ما آتا ُهمُ اللّ ُه مِ ْ‬
‫{أمْ َي ْ‬
‫‪ 7851‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬أ مْ ُيحْ سُدُونَ‬
‫النّا سَ على ما آتاهُ مُ الّل ُه مِ نْ َفضْلِ هِ} وذلك أن اليهود قالوا‪ :‬ما شأن مح مد أع طي النبوّة ك ما‬
‫ل ال‬
‫يز عم و هو جائع عار‪ ,‬ول يس له ه مّ إل نكاح الن ساء؟ فح سدوه على تزو يج الزواج‪ ,‬وأح ّ‬
‫ن ما شاء أن ينكح‪.‬‬
‫لمحمد أن ينكح منه ّ‬
‫وأولى التأويل ين في ذلك بال صواب قول قتادة وا بن جُر يج الذي ذكرناه قبلُ أن مع نى الف ضل‬
‫في هذا الموضع النبوّة التي فضل ال بها محمدا‪ ,‬وشرّف بها العرب إذ آتاها رجلً منهم دون‬
‫غيرهم‪ ,‬لما ذكرنا من أن دللة ظاهر هذه الَية تدلّ على أنها تقريظ للنبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫وأ صحابه ر ضي ال عن هم‪ ,‬على ما قد بي نا ق بل‪ ,‬ول يس النكاح وتزو يج الن ساء‪ ,‬وإن كان من‬
‫فضل ال جلّ ثناؤه الذي آتاه عباده بتقريظ لهم ومدح‪.‬‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ وآ َتيْنا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫ل إ ْبرَاهِيمَ الكِتابَ وال ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فَ َقدْ آ َتيْنا آ َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬أم يح سد هؤلء اليهود الذ ين و صف صفتهم في هذه الَيات‪ ,‬النا سَ‬
‫يع ني‪ :‬بذلك ج ّ‬
‫على ما آتا هم ال من فضله‪ ,‬من أ جل أن هم لي سوا من هم‪ ,‬فك يف ل يح سدون آل إبراه يم‪ ,‬ف قد‬
‫ل إ ْبرَاهِيمـَ}‪ :‬فقـد أعطينـا آل إبراهيـم‪ ,‬يعنـي‪ :‬أهله‬
‫آتيناهـم بالكتاب؟ ويعنـي بقوله‪{ :‬فَ َقدْ آ َتيْنـا آ َ‬
‫وأتباعه على دينه {ال ِكتَا بَ} يعني‪ :‬كتاب ال الذي أوحاه إليهم‪ ,‬وذلك كصحف إبراهيم وموسى‬
‫والزبور‪ ,‬وسائر ما آتاهم من الكتب‪ .‬وأما الحكمة‪ ,‬فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا‪.‬‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫{وآ َتيْنا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى المُلْ كِ العظيم الذي عناه ال في هذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو‬
‫النبوّة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7852‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد في‬
‫ن النّا سَ} قال‪ :‬يهود‪{ ,‬على ما آتاهُ مُ الّل ُه مِ نْ َفضْلِ هِ} ف قد آتينا آل آبراهيم‬
‫سدُو َ‬
‫قول ال‪{ :‬أ مْ َيحْ ُ‬
‫عظِيما} قال‪ :‬النبوّة‪.‬‬
‫الكتاب وليسوا منهم‪ ,‬والحكمة‪{ ,‬وآ َت ْينَا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫إل أنه قال‪{ :‬مُلْكا}‪ :‬النبوّة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك تحليل النساء ‪ ¹‬قالوا‪ :‬وإنما عنى ال بذلك‪ :‬أم يحسدون محمدا على ما‬
‫منهنـ لداود وسـليمان وغيرهـم مـن‬
‫ّ‬ ‫أحلّ ال له مـن النسـاء‪ ,‬فقـد أحلّ ال مثـل الذي أحله له‬
‫النبياء‪ ,‬فكيف لم يحسدوهم على ذلك وحسدوا محمدا عليه الصلة والسلم؟ ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7853‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫عظِميا} في النساء‪,‬‬
‫ح ْكمَةَ} يعني‪ :‬النبوّة‪{ .‬وآ َت ْينَاهُمْ مُ ْلكَا َ‬
‫ل إبراهيمَ}‪ :‬سليمان وداود {ال ِ‬
‫{فقدْ آتيْنا آ َ‬
‫ف ما باله حلّ لولئك و هم أ نبياء أن ين كح داود ت سعا وت سعين امرأة‪ ,‬وين كح سليمان مائة‪ ,‬ول‬
‫يحلّ لمحمد أن ينكح كما نكحوا!‪.‬‬
‫عظِي ما} الذي آ تى سليمان بن داود‪ .‬ذ كر من‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى قوله‪{ :‬وآ َت ْينَاهُ مْ مُلْ كا َ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7854‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫عظِيما} يعني‪ :‬ملك سليمان‪.‬‬
‫ابن عباس‪{ :‬وآ َت ْينَا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانوا ُأ ّيدُوا بالملئكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7855‬ـ حدث نا أح مد بن حازم الغفاري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نع يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سرائيل‪ ,‬عن أ بي‬
‫عظِيما} قال‪ :‬أُيدوا بالملئكة والجنود‪.‬‬
‫إسحاق‪ ,‬عن همام بن الحارث‪{ :‬وآ َتيْنا ُهمْ مُلْكا َ‬
‫عظِيما} القول الذي رُوي عن ابن‬
‫وأولى هذه القوال بتأويل الَي‪ ,‬وهي قوله‪{ :‬وآ َتيْناهُمْ مُلْكا َ‬
‫عباس أنه قال‪ :‬يعني‪ :‬ملك سليمان ‪ ¹‬لن ذلك هو المعروف في كلم العرب‪ ,‬دون الذي قال‪:‬‬
‫إنـه ملك النُبوّة‪ ,‬ودون قول مـن قال‪ :‬إنـه تحليـل النسـاء والملك عليهنـّ‪ .‬لن كلم ال الذي‬
‫خوطب به العرب غير جائز توجيهه إل إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه‪ ,‬إل أن تأتي‬
‫دللة أو تقوم حجة على أن ذلك بخلف ذلك يجب التسليم لها‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ّمـ‬
‫ج َهن َ‬
‫ْهـ َوكَ َفىَ ِب َ‬
‫عن ُ‬‫صـدّ َ‬
‫ُمـ م ّن َ‬
‫ِهـ َو ِم ْنه ْ‬
‫َنـ ب ِ‬
‫ّنـ آم َ‬
‫ُمـ م ْ‬
‫{ َف ِمنْه ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫سعِيرا }‪..‬‬
‫َ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فمـن الذيـن أوتوا الكتاب مـن يهود بنـي إسـرائيل الذيـن قال لهـم جلّ‬
‫طمِ سَ ُوجُوها فنرُدّها على أدْبارِها {مَ نْ‬
‫ن َن ْ‬
‫لأ ْ‬
‫ن قَبْ ِ‬
‫صدّقا لمَا َم َعكُ مْ مِ ْ‬
‫ثناؤه‪{ :‬آمِنوا ِبمَا نَزّلْنا مُ َ‬
‫ن بِ هِ} يقول‪ :‬من صدّق بما أنزلنا على محمد صلى ال عليه وسلم مصدّقا لما معهم‪{ .‬و ِم ْنهُمْ‬
‫آمَ َ‬
‫عنْهُ} ومنهم من أعرض عن التصديق به‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن صَدّ َ‬
‫مَ ْ‬
‫‪ 7856‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ع ْنهُ}‪.‬‬
‫صدّ َ‬
‫ن َ‬
‫ن بِهِ} قال‪ :‬بما أنزل على محمد من يهود {و ِم ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫ن آمَ َ‬
‫مجاهد‪َ { :‬فمِ ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وفي هذه الَية دللة على أن الذين صدّوا عما أنزل ال على محمد صلى ال عليه وسلم من‬
‫جرِ ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إن ما ر فع عن هم‬
‫يهود ب ني إ سرائيل الذ ين كانوا حوالي مها َ‬
‫طمِ سَ‬
‫ن َن ْ‬
‫صدّقا لِ ما َم َعكُ مْ مِ نْ َقبْلِ أ ْ‬
‫وع يد ال الذي توعد هم به‪ ,‬في قوله‪{ :‬آ ِمنُوا بِمَا َنزّلْ نا مُ َ‬
‫ن أ ْمرُ اللّ هِ مَ ْفعُولً} في‬
‫سبْتِ وكا َ‬
‫ُوجُو ها فَن ُردّ ها على أدْبارِ ها أ ْو نَ ْل َع َنهُ مْ كمَا َلعَنّا أ صحَابَ ال ّ‬
‫الدنا‪ ,‬وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة‪ ,‬ليمان من آمن منهم‪ .‬وإن الوعيد لهم من ال بتعجيل‬
‫العقو بة في الدن يا إن ما كان على مقام جميع هم على الك فر ب ما أنزل على نبيه صلى ال عل يه‬
‫وسـلم‪ ,‬فلمـا آمـن بعضهـم خرجوا مـن الوعيـد الذي توعده فـي عاجـل الدنيـا‪ ,‬وأخّرت عقوبـة‬
‫المقيمين على التكذيب إلى الَخرة‪ ,‬فقال لهم‪ :‬كفاكم بجهنم سعيرا‪.‬‬
‫سعِيرا}‪ :‬وح سبكم أي ها المكذّبون ب ما أنزلت على مح مد نبي ـي‬
‫ج َهنّ مَ َ‬
‫ويع ني قوله‪{ :‬وكَفَى ِب َ‬
‫سعّر عليكم‪ :‬أي توقد عليكم‪ .‬وقيل‪{ :‬سعيرا} أصله‬
‫ورسولي بجهنم سعيرا‪ ,‬يعني‪ :‬بنار جهنم تُ َ‬
‫سعّرَتْ} ولكنها صرفت‬
‫جحِي مُ ُ‬
‫مسعورا‪ ,‬من سعرت تسعر فهي مسعورة‪ ,‬كما قال ال‪{ :‬وَإذَا ال َ‬
‫إلى فعيل‪ ,‬كما قيل‪ :‬كفّ خضيب ولحية دهين‪ ,‬بمعنى مخضوبة ومدهونة‪ ,‬والسعير‪ :‬الوقود‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضجَت ْـ‬
‫{إِنّـ اّلذِين َـ كَ َفرُواْ بِآيَاتِنَا س َـ ْوفَ نُص ْـلِيهِمْ نَارا كُلّمَا َن ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫عزِيزا َ‬
‫غ ْيرَهَا ِل َيذُوقُواْ ا ْل َعذَابَ ِإنّ الّل َه كَانَ َ‬
‫جُلُودُ ُهمْ َبدّ ْلنَاهُ ْم جُلُودا َ‬
‫ل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل ال على محمد من يهود بني‬
‫هذا وعيد من ال ج ّ‬
‫إسـرائيل وغيرهـم مـن سـائر الكفار برسـوله‪ .‬يقول ال لهـم‪ :‬إن الذيـن جحدوا مـا أنزلت على‬
‫رسولي محمد صلى ال عليه وسلم من آياتي‪ ,‬يعني من آيات تنزيله ووحي كتابه‪ ,‬وهي دللته‬
‫وحججه على صدق محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلم يصدّقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم‬
‫من سائر أهل الكفر به ‪{ ¹‬سَ ْوفَ نُصْلِي ِهمْ نارا} يقول‪ :‬سوف ننضجهم في نار يَصْلُوْن فيها‪ :‬أي‬
‫ت بها جلودهم فاحترقت‪َ { ,‬بدّلْناهُ مْ جُلودا‬
‫ضجَ تْ جُلُودُهُ مْ} يقول‪ :‬كلما ا ْنشَوَ ْ‬
‫يشوون فيها‪{ .‬كُلّما َن ِ‬
‫غيرَها} يعني‪ :‬غير الجلود التي قد نضجت فانشوت‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7857‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن ثوير‪ ,‬عن ابن عمر‪{ :‬كُلّما‬
‫ت جُلُودُهُ مْ َبدّلْناهُ مْ جُلُودا غيرَ ها} قال‪ :‬إذا احتر قت جلود هم بدلنا هم جلودا بي ضا أمثال‬
‫َنضِجَ ْ‬
‫القراطيس‪.‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪ 7858‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ُمـ جُلُودا غيرَهـا} يقول‪ :‬كلمـا‬
‫ُمـ َبدّلْناه ْ‬
‫َتـ جُلُودُه ْ‬
‫ضج ْ‬‫ُصـلِي ِهمْ نارا كُلّمـا َن ِ‬
‫سـ ْوفَ ن ْ‬
‫كَ َفرُوا بآياتِنـا َ‬
‫احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها‪.‬‬
‫‪ 7859‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪,‬‬
‫َتـ جُلُودُهُمـْ} قال‪ :‬سـمعنا أنـه مكتوب فـي الكتاب الوّل أن جلد أحدهـم‬
‫ضج ْ‬‫فـي قوله‪{ :‬كُلّمـا َن ِ‬
‫سعَهُ‪ ,‬فإذا أكلت النار جلودهم‬
‫أربعون ذراعا‪ ,‬وسنّه سبعون ذراعا‪ ,‬وبطنه لو وضع فيه جبل لوَ ِ‬
‫ُبدّلوا جلودا غيرها‪.‬‬
‫‪ 7860‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬بلغني عن‬
‫ضجَتْ جُلُودُ ُهمْ َبدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها} قال‪ :‬نُنضجهم في اليوم سبعين ألف مرّة‪.‬‬
‫الحسن‪{ :‬كُلّما نَ ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عبيدة الحداد‪ ,‬عن هشام بن ح سان‪ ,‬عن‬
‫ت جُلُودُهُ مْ َبدّلْناهُ مْ جُلُودا غيرَ ها} قال‪ :‬تن ضج النار كل يوم سبعين‬
‫ضجَ ْ‬
‫الح سن‪ ,‬قوله‪{ :‬كُلّ ما نَ ِ‬
‫ألف جلد‪ ,‬وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعا‪ ,‬وال أعلم بأيّ ذراع‪.‬‬
‫ُمـ جُلودا‬
‫ُمـ َبدّلْناه ْ‬
‫َتـ جُلُودُه ْ‬
‫ضج ْ‬‫فإن سـأل سـائل‪ ,‬فقال‪ :‬ومـا معنـى قوله جلّ ثناؤه‪{ :‬كُلّمـا َن ِ‬
‫غيرَها}؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودا غير جلودهم التي كات لهم في الدنيا‪ ,‬فيعذّبوا فيها؟ فإن‬
‫جاز ذلك عندك‪ ,‬فأجز أن يبدّلوا أجساما وأرواحا غير أجسامهم وأوراحهم التي كانت لهم في‬
‫الدنيا فتعذّب! وإن أجزت ذلك‪ ,‬لزمك أن يكون المعذّبون في الَخرة بالنار غير الذين أوعدهم‬
‫ال العقاب على كفر هم به ومع صيتهم إياه‪ ,‬وأن يكون الكفار قد ارت فع عن هم العذاب! ق يل‪ :‬إن‬
‫الناس اختلفوا في معنى ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬العذاب إنما يصل إلى النسان الذي هو غير الجلد‬
‫والل حم‪ ,‬وإن ما يحرق الجلد لي صل إلى الن سان ألم العذاب‪ ,‬وأ ما الجلد والل حم فل يألمان‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ف سواء أع يد على الكا فر جلده الذي كان له في الدن يا‪ ,‬أو جلد غيره‪ ,‬إذ كا نت الجلود غ ير آل مة‬
‫ول معذّ بة‪ ,‬وإن ما الَل مة المعذّ بة الن فس ال تي تح سّ اللم‪ ,‬وي صل إلي ها الو جع‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا كان‬
‫ذلك كذلك‪ ,‬فغير مستحيل أن يخلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما ل‬
‫ُيحْصَى عدده‪ ,‬ويحرق ذلك عليه‪ ,‬ليصل إلى نفسه ألم العذاب‪ ,‬إذ كانت الجلود ل تألم‪.‬‬
‫جرْ مِ بني آدم‪ ,‬وإذا أحرق جلده أو غيره‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الجلود تألم‪ ,‬والل حم و سائر أجزاء ِ‬
‫ت جُلُودُهُم َبدّلْناهُم‬
‫ضجَ ْ‬
‫من أجزاء جسده‪ ,‬وصل ألم ذلك إلى جميعه‪ .‬قالوا‪ :‬ومعنى قوله‪{ :‬كُلّما نَ ِ‬
‫جُلُودا غيرَها}‪ :‬بدلنا هم جلودا غير محتر قة‪ ,‬وذلك أنها تعاد جديدة‪ ,‬والولى كا نت قد احترقت‬
‫فأعيدت غير محترقة‪ ,‬فلذلك قيل غيرها‪ ,‬لنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا التي عصوا‬
‫ال و هي ل هم‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك نظ ير قول العرب لل صائغ إذا ا ستصاغته خات ما من خا تم م صوغ‪,‬‬
‫بتحويله عن صياغته ال تي هو ب ها إلى صياغة أخرى‪ :‬صغ لي من هذا الخا تم خات ما غيره!‬
‫فيك سره وي صوغ له م نه خات ما غيره والخا تم الم صوغ بال صياغة الثان ية هو الوّل‪ ,‬ولك نه ل ما‬
‫ضجَ تْ جُلُودُهُ مْ بدّلْناهُ مْ‬
‫أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره‪ .‬قالوا‪ :‬فكذلك معنى قوله‪{ :‬كُلّما َن ِ‬
‫جُلُودا غيرَ ها} ل ما احتر قت الجلود ثم أعيدت جديدة ب عد الحتراق‪ ,‬ق يل هي غير ها على ذلك‬
‫المعنى‪.‬‬
‫ضجَت ْـ جُلُودُهُمـْ} سـرابيلهم‪ ,‬بدلناهـم سـرابيل مـن قطران‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪{ :‬كُلّمـا َن ِ‬
‫غير ها‪ .‬فجعلت ال سرابيل القطران لهم جلودا‪ ,‬كما يقال للش يء الخا صّ بالن سان‪ :‬هو جلدة ما‬
‫بيـن عينيـه ووجهـه لخصـوصه بـه‪ .‬قالوا‪ :‬فكذلك سـرابيل القطران التـي قال ال فـي كتابـه‪:‬‬
‫طرَا نٍ َو َتغْشَى ُوجُو َههُ مْ النّارُ} لما صارت لهم لباسا ل تفارق أجسامهم جُعلت‬
‫{ سَرَابِيُل ُهمْ مِ نْ َق ِ‬
‫ل هم جلودا‪ ,‬فق يل‪ :‬كل ما اشت عل القطران في أج سامهم واحترق بدّلوا سرابيل من قطران آ خر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أو ما جلود أ هل الك فر من أ هل النار فإن ها ل تحرق‪ ,‬لن في احتراق ها إلى حال إعادت ها‬
‫فناءها‪ ,‬وفي فنائها راحتها‪ .‬قالوا‪ :‬وقد أخبرنا ال تعالى ذكره عنها أنهم ل يموتون ول يخفف‬
‫عن هم من عذاب ها‪ .‬قالوا‪ :‬وجلود الكفار أ حد أجزاء أج سامهم‪ ,‬ولو جاز أن يحترق من ها ش يء‬
‫فيف نى ثم يعاد بعد الفناء في النار‪ ,‬جاز ذلك في جم يع أجزائ ها‪ ,‬وإذا جاز ذلك و جب أن يكون‬
‫جائزا علي هم الفناء ثم العادة والموت ثم الحياء‪ ,‬و قد أ خبر ال عن هم أن هم ل يموتون‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وفي خبره عنهم أنهم ل يموتون دليل واضح أنه ل يموت شيء من أجزاء أجسامهم‪ ,‬والجلود‬
‫أحد تلك الجزاء‪.‬‬
‫وأما معنى قوله‪ِ{ :‬ل َيذُوقُوا ال َعذَا بَ} فإنه يقول‪ :‬فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدّته‬
‫بما كانوا في الدنيا يكذّبون آيات ال ويجحدونها‪.‬‬
‫حكِيما}‪.‬‬
‫عزِيزا َ‬
‫ن اللّ َه كانَ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يقول‪ :‬إن ال لم يزل عزيزا في انتقا مه م من انت قم م نه من خل قه‪ ,‬ل يقدر على المتناع م نه‬
‫أحد أراده بضرّ‪ ,‬ول النتصار منه أحد أحلّ به عقوبة‪ ,‬حكيما في تدبيره وقضائه‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرِي مِن‬
‫جنّا تٍ َت ْ‬
‫س ُن ْدخِلُ ُهمْ َ‬
‫ت َ‬
‫عمِلُواْ ال صّالِحَا ِ‬
‫ن آ َمنُواْ وَ َ‬
‫{وَاّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ط ّهرَةٌ َو ُن ْدخُِلهُمْ ظِـلّ ظَلِيلً }‪..‬‬
‫ح ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَآ َأبَدا ّل ُهمْ فِيهَآ َأزْوَاجٌ ّم َ‬
‫َت ْ‬
‫عمِلُوا ال صّالِحاتِ}‪ :‬والذ ين آمنوا بال ور سوله مح مد‬
‫ن آ َمنُوا َو َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وَاّلذِي َ‬
‫يع ني بقوله ج ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وصدّقوا بما أنزل ال على محمد مصدّقا لما معهم من يهود بني إسرائيل‬
‫عمِلُوا ال صّالِحَاتِ} يقول‪ :‬وأدّوا ما أمرهم ال به من فرائضه‪ ,‬واجتنبوا‬
‫وسائر المم غيرهم‪َ { .‬و َ‬
‫جرِي ِم نْ‬
‫جنّا تٍ َت ْ‬
‫س ُن ْدخُِلهُ ْم َ‬
‫ما حرّم ال علي هم من معا صيه‪ ,‬وذلك هو ال صالح من أعمال هم‪َ { .‬‬
‫حتِ ها‬
‫ن َت ْ‬
‫جرِي مِ ْ‬
‫حتِ ها النهارُ} يقول‪ :‬سوف يدخل هم ال يوم القيا مة جنا تٍ‪ ,‬يع ني‪ :‬ب ساتين { َت ْ‬
‫َت ْ‬
‫ن فِي ها أبَدا} يقول‪ :‬باق ين في ها أبدا‬
‫ل ْنهَارُ} يقول‪ :‬تجري من ت حت تلك الجنات النهار‪{ .‬خاِلدِي َ‬
‫اَ‬
‫بغ ير نها ية ول انقطاع‪ ,‬دائم ذلك ل هم في ها أبدا‪َ{ .‬لهُ مْ فِي ها أزْوَا جٌ} يقول‪ :‬ل هم في تلك الجنات‬
‫ط ّهرَةٌ} يعنـي‪ :‬بريئات مـن الدناس والريـب الحيـض والغائط‬
‫َاجـ مُ َ‬
‫التـي وصـف صـفتها {أزْو ٌ‬
‫والبول والحبل والبصاق‪ ,‬وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا‪.‬‬
‫و قد ذكر نا ما في ذلك من الثار في ما مضـى ق بل‪ ,‬وأغ نى ذلك عن إعادت ها‪ .‬وأ ما قوله‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪َ { :‬وظِلّ َم ْمدُودٍ}‪ .‬وكما‪:‬‬
‫{ َو ُن ْدخُِل ُهمْ ظِلّ ظَلِيلً} فإنه يقول‪ :‬وندخلهم ظلّ كنينا‪ ,‬كما قال ج ّ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬وحدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪,‬‬
‫قال جميعا‪ ,‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا الضحاك يحدّث عن أبي هريرة‪ ,‬عن النبيّ صلى ال‬
‫جرَةُ‬
‫شَ‬‫طعُ ها‪َ ,‬‬
‫شجَرَ ًة يَ سِيرُ الرّاكِ بُ فِي ظِلّ ها مائَةَ عا ٍم ل يَ ْق َ‬
‫جنّ ِة َل َ‬
‫ن فِي ال َ‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬قال‪« :‬إ ّ‬
‫الخُ ْلدِ»‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح َكمْتُ مْ َبيْ نَ‬
‫ى أَهِْلهَا وَِإذَا َ‬
‫ن اللّ َه َي ْأ ُمرُكُ مْ أَن تُؤدّواْ المَانَا تِ إَِل َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سمِيعا َبصِيرا }‪..‬‬
‫ن اللّ َه كَانَ َ‬
‫ظ ُكمْ بِ ِه إِ ّ‬
‫ح ُكمُواْ بِا ْل َعدْلِ ِإنّ الّلهَ ِن ِعمّا َي ِع ُ‬
‫النّاسِ أَن َت ْ‬
‫اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عُني بها‪ :‬ول ُة أمور المسلمين‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7861‬ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن أبي مكين‪ ,‬عن‬
‫ن تُ َؤدّوا المانَا تِ إلى أهْلِ ها} في ولة‬
‫ن اللّ َه يأمْ ُركُ مْ أ ْ‬
‫ز يد بن أ سلم‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية‪{ :‬إ ّ‬
‫المر‪.‬‬
‫‪ 7862‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إديس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ليث‪ ,‬عن شهر‪ ,‬قال‪ :‬نزلت في‬
‫ح ُكمُوا‬
‫ن النّا سِ أ نْ َت ْ‬
‫ح َكمْتُ مْ َبيْ َ‬
‫ن اللّ َه َي ْأ ُمرُكُ مْ أ نْ ُت َؤدّوا المانا تِ إلى أهْلِها وَإذَا َ‬
‫المرء خاصة {إ ّ‬
‫با ْلعَدْلِ}‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل‪ ,‬عن مصعب بن سعد‪ ,‬قال‪:‬‬ ‫‪8777‬‬

‫قال عليّـ رضـي ال عنـه‪ :‬كلمات أصـاب فيهنّـ حقّـ على المام أن يحكـم بمـا أنزل ال‪ ,‬وأن‬
‫يؤدّى المانة‪ ,‬وإذا فعل ذلك فحقّ على الناس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل عن مصعب بن سعد‪ ,‬عن‬
‫عليّ بنحوه‪.‬‬
‫‪ 7863‬ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن عمير‪ ,‬عن مكحول‪ ,‬في قول‬
‫ال‪{ :‬وأُولِي المْرِ ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬هم أهل الَية التي قبلها‪{ :‬إ نّ الّل َه َي ْأ ُمرُكُمْ أن تُ َؤدّوا المانا تِ إلى‬
‫أهْلِها}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫‪7864‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال ‪ ¹‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن زيد‪ ,‬قال‪ :‬قال أبي‪ :‬هم الولة‪,‬‬
‫أمرهم أن يؤدّوا المانات إلى أهلها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أمر السلطان بذلك أن يعطوا الناس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7865‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫الماناتـ إلى أهْلِهـا} قال‪ :‬يعنـي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أنـ ُت َؤدّوا‬
‫ُمـ ْ‬
‫ّهـ ي ْأ ُمرُك ْ‬
‫{إنـ الل َ‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ّ :‬‬
‫السلطان يعطون الناس‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي خُوطِ بَ بذلك ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم في مفات يح الكع بة ُأ ِمرَ بردّ ها‬
‫على عثمان بن طلحة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7866‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جر يج‪ ,‬قوله‪{ :‬إ نّ الّل هَ‬
‫ن تُ َؤدّوا الماناتِ إلى أهْلِها} قال‪ :‬نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة‪ ,‬قبض منه‬
‫ي ْأمُ ُركُمْ أ ْ‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم مفات يح الكع بة‪ ,‬ود خل ب ها الب يت يوم الف تح‪ ,‬فخرج و هو يتلو هذه‬
‫الَ ية‪ ,‬فد عا عثمان فد فع إل يه المفتاح‪ .‬قال‪ :‬وقال ع مر بن الخطاب ل ما خرج ر سول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو يتلو هذه الَية‪ :‬فداؤه أبي وأمي! ما سمعته يتلوها قبل ذلك‪.‬‬
‫‪ 7867‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الزن جي بن خالد‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬قال‪:‬‬
‫دفعه إليه وقال‪ :‬أعينوه‪.‬‬
‫وأولى هذه القوال بالصـوااب فـي ذلك عندي قول مـن قال‪ :‬هـو خطاب مـن ال ولة أمور‬
‫الم سلمين بأداء الما نة إلى من ولّوا في فيئ هم وحقوق هم‪ ,‬و ما ائتمنوا عل يه من أمور هم بالعدل‬
‫بين هم في القض ية‪ .‬والقسم بين هم بال سوية‪ ,‬يدلّ على ذلك ما و عظ به الرع ية في‪{ :‬أطِيعُوا الّل هَ‬
‫وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولي ال ْمرِ ِم ْنكُ مْ} فأمر هم بطاعت هم‪ ,‬وأو صى الرا عي بالرع ية‪ ,‬وأو صى‬
‫الرعية بالطاعة‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫‪7868‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أطِيعُوا الّل َه وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولي المْرِ ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬قال أبي‪ :‬هم السلطين‪ .‬وقرأ ابن زيد‪:‬‬
‫ن اللّ َه َي ْأ ُمرُكُ مْ أ نْ‬
‫ك ِممّ نْ تَشاءُ} أل ترى أ نه أ مر فقال‪{ :‬إ ّ‬
‫{تُؤْ تي المُلْ كَ َم نْ تَشاءُ َو َت ْنزِ عُ المُلْ َ‬
‫ـ إلى أهْلِهـا}؟ والمانات‪ :‬هـي الفيـء الذي اسـتأمنهم على جمعـه وقسـمه‪,‬‬
‫تُ َؤدّوا المانات ِ‬
‫ح ُكمُوا بال َعدْل}‪...‬‬
‫ن َت ْ‬
‫ن النّا سِ أ ْ‬
‫ح َك ْمتُ ْم َبيْ َ‬
‫والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها‪{ .‬وَإذَا َ‬
‫ن آ َمنُوا أطِيعُوا الّل هَ وأطِيعُوا‬
‫الَية كلها فأمر بهذا الولة‪ ,‬ثم أقبل علينا نحن‪ ,‬فقال‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫الرّسُول وأُولي ال ْمرِ ِم ْن ُكمْ}‪.‬‬
‫وأ ما الذي قال ا بن جر يج من أن هذه الَ ية نزلت في عثمان بن طل حة فإ نه جائز أن تكون‬
‫نزلت ف يه‪ ,‬وأر يد به كلّ مؤت من على أما نة فد خل ف يه ولة أمور الم سلمين و كل مؤت من على‬
‫أمانة في دين أو دنيا‪ ,‬ولذلك قال من قال‪ :‬عني به قضاء الدين وردّ حقوق الناس‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 7869‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ هَ َي ْأ ُم ُركُ مْ أ نْ ُت َؤدّوا المانا تِ إلى أهْلِ ها} فإ نه لم ير خص لمو سر ول‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫معسر أن يمسكها‪.‬‬
‫ن اللّ هَ‬
‫‪ 7870‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم كان يقول‪:‬‬
‫ن تُ َؤدّوا المانا تِ إلى أهْلِها} عن الحسن‪ :‬أن نب ّ‬
‫َي ْأمُ ُركُ مْ أ ْ‬
‫ن خا َنكَ»‪.‬‬
‫ن ا ْئ َت َم َنكَ‪ ,‬وَل َتخُنْ مَ ْ‬
‫«أدّ المان َة إلى مَ ِ‬
‫فتأويل الَية إذًا‪ ,‬إذ كان المر على ما وصفنا‪ :‬إن ال يأمركم يا معشر ولة أمور المسلمين‬
‫أن تؤدّوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم على ما أمركم‬
‫ل ش يء من ذلك إلى من هو له ب عد أن ت صير في أيدي كم‪ ,‬ل تظلمو ها أهل ها ول‬
‫ال‪ ,‬بأداء ك ّ‬
‫تستأثروا بشيء منها ول تضعوا شيئا منها في غير موضعه‪ ,‬ول تأخذوها إل ممن أذن ال لكم‬
‫بأخذها منه قبل أن تصير في أيديكم ‪ ¹‬ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل‬
‫والنصـاف‪ ,‬وذلك حكـم ال الذي أنزله فـي كتابـه وبينـه على لسـان رسـوله‪ ,‬ل َتعْدوا ذلك‬
‫فتجوروا عليهم‪.‬‬
‫سمِيعا َبصِيرا}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن الّلهَ كا َ‬
‫ن اللّ َه ِن ِعمّا َي ِعظُ ُكمْ بِهِ إ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬يا مع شر ولة أمور الم سلمين إ نّ ال َنعِ مّ الش يء يعظ كم به‪ ,‬و ِنعِمّت‬
‫الع ظة يعظ كم ب ها في أمره إيا كم‪ ,‬أن تؤدّوا المانات إلى أهلها‪ ,‬وأن تحكموا ب ين الناس بالعدل‬
‫سمِيعا} يقول‪ :‬إن ال لم يزل سميعا بما تقولون وتنطقون‪ ,‬وهو سميع لذلك منكم‬
‫{ نّ الّل َه كَانع َ‬
‫إذا حكم تم ب ين الناس ولم تحاورو هم به‪{ ,‬بَ صِيرا} ب ما تفعلون في ما ائتمنت كم عل يه من حقوق‬
‫رعيت كم وأموال هم‪ ,‬و ما تقضون به بين هم من أحكام كم بعدل تحكمون أو جور‪ ,‬ل يخ فى عل يه‬
‫شيـء مـن ذلك‪ ,‬حافـظ ذلك كله‪ ,‬حتـى يجازي محسـنكم بإحسـانه ومسـيئكم بإسـاءته‪ ,‬أو يعفـو‬
‫بفضله‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{يَا َأ ّيهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ َأطِيعُو ْا اللّ هَ وََأطِيعُو ْا الرّ سُولَ وَُأوْلِي ال ْمرِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خرِ ذَلِ كَ‬
‫لِ‬‫ل إِن ُك ْنتُ مْ ُت ْؤ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَا ْليَوْ مِ ا َ‬
‫عتُ مْ فِي شَيْ ٍء فَ ُردّو ُه إِلَى اللّ هِ وَالرّ سُو ِ‬
‫ِم ْنكُ مْ َفإِن َتنَازَ ْ‬
‫ن َتأْوِيلً }‪..‬‬
‫حسَ ُ‬
‫خيْرٌ وََأ ْ‬
‫َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه‪,‬‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫وأطيعوا ر سوله محمدا صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فإن في طاعت كم إياه لرب كم طا عة‪ ,‬وذلك أن كم‬
‫تطيعونه لمر ال إياكم بطاعته‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7871‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي هريرة‪,‬‬
‫عنِي فَ َقدْ أطا عَ اللّ َه َومَ نْ أطا عَ أمِيري فَ َقدْ‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬م نْ أطا َ‬
‫عصَانِي»‪.‬‬
‫عصَا أمِيرِي فَ َقدْ َ‬
‫عصَى الّلهَ َومَنْ َ‬
‫عصَانِي فَ َقدْ َ‬
‫عنِي‪َ ,‬ومَنْ َ‬
‫أطا َ‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى قوله‪{ :‬أطِيعُوا اللّ هَ وأطِيعُوا الرّ سُولَ} فقال بعضهم‪ :‬ذلك أمر‬
‫من ال باتباع سنّته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7872‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن عبد الملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬في‬
‫قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّلهَ وأطِيعُوا ال ّرسُولَ} قال‪ :‬طاعة الرسول‪ :‬اتّباع سنته‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعلى بن عب يد‪ ,‬عن ع بد الملك‪ ,‬عن عطاء‪:‬‬
‫{أطِيعُوا اللّ َه وأطِيعُوا ال ّرسُولَ} قال‪ :‬طاعة الرسول‪ :‬اتباع الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وحدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬عن ع بد الملك‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك أمر من ال بطاعة الرسول في حياته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7873‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّل هَ‬
‫وأطِيعُوا الرّسُولَ} إن كان حيّا‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬هو أ مر من ال بطا عة ر سوله في حيا ته في ما أ مر‬
‫ونهى‪ ,‬وبعد وفاته في اتباع سنته ‪ ¹‬وذلك أن ال ع ّم بالمر بطاعته ولم يخصص ذلك في حال‬
‫دون حال‪ ,‬فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجب التسليم له‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في أولي المر الذين أمر ال عباده بطاعتهم في هذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‬
‫هم المراء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7874‬ـ حدث ني أ بو ال سائب سلم بن جنادة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن أ بي‬
‫صالح‪ ,‬عن أ بي هريرة في قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّل هَ وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولى المْرِ ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬هم‬
‫المراء‪.‬‬
‫‪ 7875‬ـ حدثنا الحسن بن الصباح البزار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج بن محمد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫أ خبرني يعلى بن م سلم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬أ نه قال‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫أطِيعُوا الّل َه وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولي المْرِ ِم ْنكُ مْ}‪ ,‬نزلت في ر جل بع ثه ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫وسلم على سرية‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبيد ال بن مسلم‬
‫بن هرمز‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أن هذه الَية نزلت في عبد ال بن حذافة بن‬
‫قيس السهمي إذ بعثه النبيّ صلى ال عليه وسلم في السرية‪.‬‬
‫‪7876‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ليث‪ ,‬قال‪ :‬سأل مسلمة ميمون بن‬
‫مهران‪ ,‬عـن قوله‪{ :‬أطِيعُوا اللّهَـ وأطِيعُوا الرّسـُولَ وأُولى المْره ِم ْنكُمـْ} قال‪ :‬أصـحاب السـرايا‬
‫على عهد النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫‪7877‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أطِيعُوا الّل هَ وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولي المْر ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬قال أبي‪ :‬هم السلطين‪ .‬قال‪ :‬وقال ابن‬
‫ز يد في قوله‪{ :‬وأُولي ال ْمرِ ِم ْنكُ مْ} قال أ بي‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬الطّاعَة‬
‫ل ْمرَ في ال ْن ِبيَاءِ»‪ ,‬يع ني‪ :‬ل قد ج عل‬
‫جعَلَ ا َ‬
‫عةِ بلءٌ»‪ .‬وقال‪« :‬ولو شَاء اللّه َل َ‬
‫الطّا عة! و في الطّا َ‬
‫إليهم والنبياء معهم‪ ,‬أل ترى حين حكموا في قتل يحيـى بن زكريا؟‪.‬‬
‫‪ 7878‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪:‬‬
‫{أطِيعُوا اللّ َه وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولى المْرِ ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سرية عليها خالد ابن الوليد‪ ,‬وفيها عمار بن ياسر‪ ,‬فساروا َقبِلَ القوم الذين يريدون‪ ,‬فلما بلغوا‬
‫عرّ سوا‪ ,‬وأتا هم ذو العيينت ين‪ ,‬فأ خبرهم فأ صبحوا و قد هربوا غ ير ر جل أ مر أهله‪,‬‬
‫قري با من هم َ‬
‫فجمعوا متاع هم‪ .‬ثم أق بل يم شي في ظل مة الل يل‪ ,‬ح تى أ تى ع سكر خالد‪ ,‬ف سأل عن عمار بن‬
‫ياسـر فأتاه‪ ,‬فقال‪ :‬يـا أبـا اليقظان‪ ,‬إنـي قـد أسـلمت وشهدت أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده‬
‫ور سوله‪ ,‬وإن قومي ل ما سمعوا بكم هربوا‪ ,‬وإ ني بق يت فهل إ سلمي ناف عي غدا وإل هر بت؟‬
‫قال عمار‪ :‬بل هو ينفعك‪ ,‬فأقم! فأقام‪ .‬فلما أصبحوا أغار خالد‪ ,‬فلم يجد أحدا غير الرجل‪ ,‬فأخذه‬
‫ل عن الر جل فإ نه قد أ سلم‪ ,‬و هو في أمان‬
‫وأ خذ ماله‪ ,‬فبلغ عمارا ال خبر‪ ,‬فأ تى خالدا فقال‪ :‬خ ّ‬
‫م ني! فقال خالد‪ :‬وفيم أنت تجير؟ فاستّبا وارتفعا إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأحاز أمان‬
‫عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير‪ .‬فاستّبا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال خالد‪:‬‬
‫يا رسول ال أتترك هذا العبد الجدع يسبني؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬يا خاِلدُ‬
‫عمّارا‬
‫عمّارا أ ْب َغضَ ُه اللّهُ‪َ ,‬ومَنْ َل َعنَ َ‬
‫ن أ ْبغَضَ َ‬
‫سبّهُ الّلهُ‪َ ,‬ومَ ْ‬
‫عمّارا َ‬
‫عمّارا‪ ,‬فإنّ ُه مَنْ سَبّ َ‬
‫ل تَسُبّ َ‬
‫َل َعنَ هُ الّل هُ»‪ .‬فغضب عمار‪ ,‬فقام فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه‪ ,‬فرضي عنه‪ ,‬فأنزل ال‬
‫تعالى قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّلهَ وأطِيعُوا ال ّرسُولَ وأُولى المْ ِر ِم ْنكُمْ}‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم أهل العلم والفقه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7879‬ـ حدثني سفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن عل يّ بن صالح‪ ,‬عن عبد ال بن محمد‬
‫بن عق يل‪ ,‬عن جابر بن ع بد ال‪ ...‬قال‪ :‬حدث نا جابر بن نوح‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في‬
‫قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّلهَ وأطِيعُوا ال ّرسُولَ وَأُولى ال ْمرِ ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬أولي الفقه منكم‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬أطِيعُوا‬
‫ل وأُولي المْر ِم ْن ُكمْ} قال‪ :‬أولي الفقه والعلم‪.‬‬
‫اللّ َه وأطِيعُوا الرّسُو َ‬
‫‪ 7880‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪:‬‬
‫{وأُولي المْر ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬أولي الفقه في الدين والعقل‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7881‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّل َه وأطِيعُوا الرّ سُولَ وأُولي ال ْمرِ ِم ْنكُ مْ} يعني‪:‬‬
‫أهل الفقه والدين‪.‬‬
‫حدث ني أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أبو نع يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{وأُولي ال ْمرِ ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬أهل العلم‪.‬‬
‫‪ 7882‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الملك‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫السائب في قوله‪{ :‬أطِيعُوا الّلهَ وأطِيعُوا ال ّرسُولَ وأُولي ال ْمرِ ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬أولي العلم والفقه‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن ع بد الملك‪ ,‬عن عطاء‪:‬‬
‫{وأُولي المْر ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬الفقهاء والعلماء‪.‬‬
‫‪ 7883‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬في‬
‫قوله‪{ :‬وأُولي ال ْمرِ ِم ْن ُكمْ} قال‪ :‬هم العلماء‪.‬‬
‫‪7884‬ـ قال‪ :‬وأخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن الثّ ْورِيّ‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد قوله‪{ :‬وَأُولي‬
‫المْ ِر ِم ْنكُمْ} قال‪ :‬هم أهل الفقه والعلم‪.‬‬
‫‪ 7885‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪,‬‬
‫عن أ بي العال ية في قوله‪{ :‬وأولي المْر ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬هم أ هل العلم‪ ,‬أل ترى أ نه يقول‪{ :‬وَلَوْ‬
‫ستَنْبطُونَ ُه ِم ْنهُمْ}؟‪.‬‬
‫ن َي ْ‬
‫َردّو ُه إلى ال ّرسُولِ وَإلى أُولِي المْر ِم ْنهُمْ َلعَِل َمهُ اّلذِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7886‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجا هد‪ ,‬في قوله‪{{ :‬أطِيعُوا اللّ َه وأطيعُوا الرّ سُولَ وَأُولي المْر ِم ْنكُ مْ} قال‪ :‬كان مجا هد يقول‪:‬‬
‫أصحاب محمد‪ .‬قال‪ :‬وربما قال‪ :‬أولي الفضل والفقه ودين ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم أبو بكر وعمر رضي ال عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7887‬ـ حدثنا أحمد بن عمرو البصري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن عمر العدني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحكم‬
‫بن أبان‪ ,‬عن عكرمة‪{ :‬أطِيعُوا اللّ َه وأطِيعُوا ال ّرسُولَ وَأُولي المْرِ ِم ْن ُكمْ} قال‪ :‬أبو بكر وعمر‪.‬‬
‫وأوْلَي القوال فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬هـم المراء والولة‪ ,‬لصـحة الخبار عـن‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم بالمـر بطاعـة الئمـة والولة فيمـا كان طاعـة وللمسـلمين‬
‫مصلحة‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪7888‬ـ حدثني عليّ بن مسلم الطوسي قال‪ :‬حدثنا ابن أبي فديك‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد ال بن محمد‬
‫بن عروة‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أ بي صالح ال سمان‪ ,‬عن أ بي هريرة‪ ,‬أن ال نبيّ صلى ال‬
‫جرِ بِ ُفجُوره‪ ,‬فا س َمعُوا َلهُ مْ وأطِيعُوا فِي‬
‫عل يه و سلم‪ « :‬سيَلي ُكمْ َب ْعدِي وُلةٌ‪َ ,‬فيَلِيكُ مْ ال َبرّ بِبرّة والفَا ِ‬
‫ن أساءوا فَلَ ُكمْ وَعََل ْي ِهمْ»‪.‬‬
‫حسَنُوا فََل ُكمْ وََل ُهمْ‪ ,‬وَإ ْ‬
‫نأْ‬
‫حقّ‪َ ,‬وصَلّوا َورَاءَ ُهمْ فإ ْ‬
‫كلّ ما وَا َفقَ ال َ‬
‫‪ 7889‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى عن عبيد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني نافع‪ ,‬عن عبد ال‪,‬‬
‫ن يُ ْؤ َمرَ‬
‫لأْ‬
‫عةُ فِيما أحَبّ وكَرهَ‪ ,‬إ ّ‬
‫عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬على ال َمرْء المُسْلِم الطّا َ‬
‫صيَ ِة فَل طاعَةَ»‪.‬‬
‫ن أُمرَ ِب َمعْ ِ‬
‫صيَ ٍة فَمَ ْ‬
‫ِب َمعْ َ‬
‫حدثني ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني خالد عن عبيد ال‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫فإذا كان معلوما أنه ل طاعة واجبة لحد غير ال أو رسوله أو إمام عادل‪ ,‬وكان ال قد أمر‬
‫بقوله‪{ :‬أطِيعُوا اللّ َه وأطِعُوا الرّسُولَ وأولي ِم ْنكُمْ} بطاعة ذوي أمرنا‪ ,‬كان معلوما أن الذين أمر‬
‫بطاعت هم تعالى ذكره من ذوي أمر نا هم الئ مة و من ولّه الم سلمون دون غير هم من الناس‪,‬‬
‫وإن كان فرضا القبول من كل من أمر بترك معصية ال‪ ,‬ودعا إلى طاعة ال‪ ,‬وأنه ل طاعة‬
‫تجب لحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه إل للئمة الذين ألزم ال عباده طاعتهم فيما‬
‫أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية‪ ,‬فإ نّ على من أمروه بذلك طاعتهم‪ ,‬وكذلك في‬
‫كل ما لم ي كن ل مع صية‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك كان معلو ما بذلك صحة ما اختر نا من التأو يل‬
‫دون غيره‪.‬‬
‫شيْ ٍء فَ ُردّو ُه إلى الّلهِ وَال ّرسُولِ إنْ ُك ْن ُتمْ تُ ْؤ ِمنُونَ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فإنْ تَنازَعْتمْ فِي َ‬
‫لخِرِ}‪.‬‬
‫باللّهِ وَاليَوْم ا َ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فإن اختلف تم ي ها المؤمنون في ش يء من أ مر دين كم أن تم في ما بين كم أو‬
‫ّوهـ إلَى اللّه} يعنـي بذلك‪ :‬فارتادوا معرفـة حكـم الذي‬
‫أنتـم وولة أمركـم فاشتجرتـم فيـه‪{ ,‬فَرد ُ‬
‫اشتجر تم أن تم بين كم أو ان تم وأولو أمر كم من ع ند ال‪ ,‬يع ني بذلك‪ :‬من كتاب ال‪ ,‬فاتبعوا ما‬
‫ل فإنه يقول‪ :‬فإن تجدوا إلى علم ذلك في كتاب ال سبيلً‪ ,‬فارتادوا‬
‫وجدتم‪ .‬وأما قوله‪{ :‬وَالرّسو ِ‬
‫معرفة ذلك أيضا من عند الرسول إن كان حيّا وإن كان ميتا‪ ,‬فمن سنته‪{ :‬إنْ ُك ْن ُتمْ تُ ْؤ ِمنُونَ بالّلهِ‬
‫وَال َيوْم الَخِر} يقول‪ :‬افعلوا ذلك إن كن تم ت صدّقون بال واليوم الَ خر‪ .‬يع ني‪ :‬بالمعاد الذي ف يه‬
‫الثواب والعقاب‪ ,‬فإنكم إن فعلتم ما أمرتم به من ذلك فلكم من ال الجزيل من الثواب‪ ,‬وإن لم‬
‫تفعلوا ذلك فلكم الليم من العقاب‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7890‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ل يث عن مجا هد‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫شيْءٍ َفرُدُو ُه إلى الّل هِ وَالرّ سُولِ} قال‪ :‬فإن تنازع العلماء ردّوه إلى ال‬
‫عتُ ْم فِي َ‬
‫{فإ نْ تَنازَ ْ‬
‫والرسول‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فردّوه إلى كتاب ال وسنة رسوله‪ .‬ثم قرأ مجاهد هذه الَية‪{ :‬وََلوْ َردّوه‬
‫ستَ ْن ِبطُونَه ِم ْنهُمْ}‪.‬‬
‫ن َي ْ‬
‫إلى الرّسولِ وإلَى أُولي ال ْمرِ ِم ْنهُمْ َلعَِلمَه اّلذِي َ‬
‫‪7891‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬فَ ُردّو ُه إلى ال وَال ّرسُول} قال‪ :‬كتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن ل يث‪ ,‬عن‬
‫مجا هد في قوله‪{ :‬فَ ُردّو ُه إلى ال وَالرّ سُولِ} قال‪ :‬إلى ال إلى كتا به‪ ,‬وإلى الر سول‪ :‬إلى سنة‬
‫نبيه‪.‬‬
‫‪7892‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ليث‪ ,‬قال‪ :‬سأل مسلمة ميمون بن‬
‫شيْ ٍء فَ ُردّوه إلى ال والرّسـُول} قال‪« :‬ال»‪ :‬كتابـه‬
‫ـ فِـي َ‬
‫عتُم ْ‬
‫ـ تَنازَ ْ‬
‫مهران عـن قوله‪{ :‬فإن ْ‬
‫و«رسوله»‪ :‬سنته‪ .‬فكأنما ألقمه حجرا‪.‬‬
‫‪7893‬ـ حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جعفر بن مروان‪ ,‬عن ميمون‬
‫ّهـ وَالرّسـُولِ} قال‪ :‬الردّ إلى ال‪ :‬الر ّد إلى‬
‫ّوهـ إلى الل ِ‬
‫شيْءٍ فَ ُرد ُ‬
‫ُمـ فِي َ‬
‫عت ْ‬‫{فإنـ تَنازَ ْ‬
‫ْ‬ ‫بـن مهران‪:‬‬
‫كتابه‪ ,‬والر ّد إلى رسوله إن كان حيّا‪ ,‬فإن قبضه ال إليه فالردّ إلى السنة‪.‬‬
‫‪7894‬ــ حدثنـا بشـر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬فإن ْـ‬
‫ن ُك ْنتُ مْ‬
‫شيْءٍ َف ُردّو ُه إلى اللّ ِه والرّ سُولِ} يقول‪ :‬ردّوه إلى كتاب ال وسنة رسوله {إ ْ‬
‫عتُ مْ فِي َ‬
‫تَنازَ ْ‬
‫خرِ}‪.‬‬
‫لِ‬‫تُ ْؤ ِمنُونَ باللّهِ وَال َي ْومِ ا َ‬
‫‪7895‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫شيْءٍ َفرُدّو ُه إلى الّل هِ وَالرّ سُولِ} إن كان الرسول حيّا‪ ,‬و{إلَى ال} قال‪ :‬إلى‬
‫عتُ ْم فِي َ‬
‫{فإ نْ تَنازَ ْ‬
‫كتابه‪.‬‬
‫ن َتأْوِيلً}‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫خ ْيرٌ وأ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ذَلِ كَ} فردّ ما تنازعتم فيه من شيء إلى ال والرسول‪ ,‬خير لكم عند‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫ال في معاد كم‪ ,‬وأ صلح ل كم في دنيا كم‪ ,‬لن ذلك يدعو كم إلى الل فة‪ ,‬وترك التنازع والفر قة‪.‬‬
‫ن َتأْويلً} يع ني‪ :‬وأحمدُ موئلً ومغ بة‪ ,‬وأج مل عاق بة‪ .‬وقد بي نا في ما م ضى أن التأو يل‪:‬‬
‫{وأحْ سَ ُ‬
‫التفعيل من تأوّل‪ ,‬وأن قول القائل تأوّل‪ :‬تفعّل‪ ,‬من قولهم آل هذا المر إلى كذا‪ :‬أي رجع ‪ ¹‬بما‬
‫أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7896‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن َتأْوِيلً} قال‪ :‬حسن جزاء‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وأ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫خ ْيرٌ وأحْ سَنُ‬
‫‪ 7897‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{:‬ذَلِ كَ َ‬
‫َتأْوِيلً} يقول‪ :‬ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبه‪.‬‬
‫‪7898‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن َتأُويلً} قال‪ :‬عاقبة‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫{وأ ْ‬
‫خ ْيرٌ وأحْسَنُ‬
‫‪7899‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬ذَلِكَ َ‬
‫َتأْويلً} قال‪ :‬وأحسن عاقبة‪ .‬قال‪ :‬والتأويل‪ :‬التصديق‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمُونَ َأ ّنهُمْ آ َمنُو ْا ِبمَآ ُأ ْنزِلَ إَِليْكَ َومَآ أُنزِلَ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫{أَلَمْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫َانـ أَن‬
‫ش ْيط ُ‬
‫ِهـ َويُرِيدُ ال ّ‬
‫ُوتـ َوقَ ْد ُأمِرُوَ ْا أَن َيكْ ُفرُو ْا ب ِ‬
‫ُونـ أَن َي َتحَا َكمُوَاْ إِلَى الطّاغ ِ‬
‫ِكـ ُيرِيد َ‬
‫م ِن َقبْل َ‬
‫للً َبعِيدا }‪..‬‬
‫ُيضِلّ ُهمْ ضَ َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ألم تر يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدّقوا بما أنزل‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫إل يك من الكتاب‪ ,‬وإلى الذ ين يزعمون أن هم آمنوا ب ما أنزل من قل بك من الك تب‪ُ { :‬يرِيدُو نَ أ نْ‬
‫َيتَحاَ َكمُوا} فـي خصـومتهم {إلى الطّاغُوتـِ} يعنـي‪ :‬إلى مـن يعظمونـه‪ ,‬ويصـدرون عـن قوله‪,‬‬
‫ويرضون بحكمه من دون حكم ال‪َ { .‬و َقدْ ُأ ِمرُوا أ نْ َيكْ ُفرُوا بِ هِ} يقول‪ :‬وقد أمرهم ال أن يكذّبوا‬
‫بمـا جاءهـم بـه الطاغوت الذي يتحاكون إليـه‪ ,‬فتركوا أمـر ال‪ ,‬واتبعوا أمـر الشيطان‪َ { .‬ويُريدُ‬
‫ُمـ ضَللً َبعِيدا} يعنـي أن الشيطان يريـد أن يصـّد هؤلء المتحاكميـن إلى‬
‫أنـ يُضِّله ْ‬
‫ْطانـ ْ‬
‫شي ُ‬‫ال ّ‬
‫ل بعيدا‪ ,‬يع ني‪ :‬فيجوز ب هم عن ها جورا‬
‫الطاغوت عن سبيل ال حق والهدى‪ ,‬فيضل هم عن ها ضل ً‬
‫شديدا‪ .‬وقد ذكر أن هذه الَية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلً من اليهود في خصومة‬
‫كانت بينهما إلى بعض الكهان ليحكم بينهم ورسول ال صلى ال عليه وسلم بين أظهرهم‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7900‬ـ حدثني محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر في هذه‬
‫ن أ نْ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا بِمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَ ما ُأ ْنزِلَ مِ نْ َقبْلِ كَ ُيرِيدُو َ‬
‫عمُو َ‬
‫الَ ية‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ َيزْ ُ‬
‫َيتَحا َكمُوا إلى الطّاغُو تِ} قال‪ :‬كان ب ين ر جل من اليهود ور جل من المنافق ين خ صومة‪ ,‬فكان‬
‫المنافق يدعو إلى اليهود لنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة‪ ,‬وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لنه‬
‫يعلم أنهـم ل يقبلون الرشوة‪ ,‬فاصـطلحا أن يتحاكمـا إلى كاهـن مـن جُهينـة‪ ,‬فأنزل ال فيـه هذه‬
‫ن أ ّن ُهمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَل ْيكَ}‪ ...‬حتى بلغ‪َ { :‬و ُيسّلمُوا َتسْلِيما}‪.‬‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫الَية‪{ :‬أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫‪7901‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر في هذه الَية‪:‬‬
‫ن أ ّنهُمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْكَ} فذكر نحوه‪ ,‬وزاد فيه‪ :‬فأنزل ال {ألَ ْم َترَ‬
‫ن َيزَعمُو َ‬
‫{ألَمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ} يعني المنافقين {وَما ُأ ْنزِلَ ِم نْ َقبْلِ كَ} يعني اليهود‬
‫عمُو َ‬
‫ن يَزْ َ‬
‫إلى اّلذِي َ‬
‫ن َيكْ ُفرُوا ِبهِ} أمر هذا في‬
‫{ ُيرِيدُونَ أنْ َيتَحا َكمُوا إلى الطّاغُوتِ} يقول‪ :‬إلى الكاهن { َو َقدْ ُأ ِمرُوا أ ْ‬
‫كتابه‪ ,‬وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الش عبي‪ ,‬قال‪ :‬كا نت ب ين‬
‫رجل م من يزعم أ نه مسلم‪ ,‬وب ين ر جل من اليهود خصومة‪ ,‬فقال اليهودي‪ :‬أحاكمك إلى أ هل‬
‫ي‪ ¹‬لنه قد علم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يأخذ الرشوة في‬
‫دينك‪ ,‬أو قال‪ :‬إلى النب ّ‬
‫عمُو نَ‬
‫ن يَزْ ُ‬
‫الحكم‪ .‬فاختلفا‪ ,‬فاتف قا على أن يأتيا كاهنا في جهي نة‪ ,‬قال‪ :‬فنزلت‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫أ ّنهُم ْـ آ َمنُوا بِمَا ُأ ْنزِلَ إَليْكـَ} يعنـي‪ :‬الذي مـن النصـار {وَمـا ُأ ْنزِلَ مِن ْـ قَبْلِكـَ} يعنـي‪ :‬اليهودي‬
‫{ ُيرِيدُونَ أنْ َيتَحاكمُوا إلى الطّاغُوتِ} إلى الكاهن { َو َقدْ ُأ ِمرُوا أنْ َيكْ ُفرُوا بِهِ} يعني‪ :‬أمر هذا في‬
‫ن يُضِّلهُ مْ ضَللً َبعِيدا}‪ ,‬وقرأ‪{ :‬فَلَ َو َربّ كَ‬
‫نأ ْ‬
‫شيْطا ُ‬
‫كتابه‪ ,‬وأمر هذا في كتابه‪ .‬وتل‪{ :‬و ُيرِيدُ ال ّ‬
‫جرَ َب ْي َن ُهمْ} إلى‪َ { :‬و ُيسَلّمُلا َتسْلِيما}‪.‬‬
‫شَ‬‫ك فِيما َ‬
‫حكّمُو َ‬
‫ن حتى ُي َ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫‪7902‬ــ حدثنـا محمـد بـن العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا المعتمـر بـن سـليمان‪ ,‬عـن أبيـه‪ ,‬قال‪ :‬زعـم‬
‫حضرم يّ أن رجلً من اليهود كان قد أسلم‪ ,‬فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في ح قّ‪,‬‬
‫فقال اليهودي له‪ :‬انطلق إلى نبيّ ال! فعرف أ نه سيقضي عل يه‪ .‬قال‪ :‬فأ بى‪ ,‬فانطل قا إلى ر جل‬
‫عمُو نَ أ ّنهُ مْ آ َمنُوا بِمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَ ما‬
‫ن يَزْ ُ‬
‫من الكهان‪ ,‬فتحاك ما إل يه‪ .‬قال ال‪{ :‬ألَ مَ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫ن َيتَحاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ}‪.‬‬
‫ن قَبِْلكَ ُيرِيدونَ أ ْ‬
‫ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫‪ 7903‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى‬
‫ن َقبْلِكَ}‪ ...‬الَية‪ ,‬حتى بلغ‪{ :‬ضَللً َبعِيدا}‬
‫ل مِ ْ‬
‫عمُونَ أ ّنهُمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْكَ وَما ُأ ْنزِ َ‬
‫ن َيزْ َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ذكر لنا أن هذه الَية نزلت في رجلين‪ :‬رجل من النصار يقال له بشر‪ ,‬وفي رجل من اليهود‬
‫في مدارأة كان بيهما في حقّ‪ ,‬فتدارءا بينهما فيه‪ ,‬فتنافرا إلى كاهن بالمدينة يحكم بينهما‪ ,‬وتركا‬
‫ل ذلك‪ .‬وذُ كر ل نا أن اليهودي كان يدعوه إلى‬
‫نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬فعاب ال عزّ وج ّ‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم ليح كم بينه ما‪ ,‬و قد علم أن نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم لن يجور‬
‫عليه‪ ,‬فجعل النصاري يأبي عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن‪ ,‬فأنزل ال تبارك‬
‫وتعالى ما ت سمعون‪ ,‬فعاب ذلك على الذي ز عم أ نه م سلم‪ ,‬وعلى اليهودي الذي هو من أ هل‬
‫صدُودا}‪.‬‬
‫ن أ ّن ُهمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَل ْيكَ}‪ ...‬إلى قوله‪ُ { :‬‬
‫عمُو َ‬
‫ن يَزْ ُ‬
‫الكتاب‪ ,‬فقال‪{ :‬أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫‪7904‬ـ حدثنا محمد بن السحين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن َيتَحاكمُوا‬
‫نأ ْ‬
‫ك يُرِيدُو َ‬
‫ن َقبْلِ َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَما ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫{ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫إلى الطّاغُوتِ} قال‪ :‬كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم‪ ,‬وكانت قريظة والنضير في‬
‫الجاهلية إذا قُتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم‪ ,‬فإذا قُتل الرجل من بني‬
‫قريظة قتلته النضير‪ ,‬أعطوا دينه ستين وَسْقا من تمر‪ .‬فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير‪,‬‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫ق تل ر جل من ب ني النض ير رجلً من ب ني قري ظة‪ ,‬فتحاكموا إلى ال نب ّ‬
‫فقال النضيري‪ :‬يا رسول ال إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية‪ ,‬فنحن نعطيهم اليوم ذلك‪ .‬فقالت‬
‫قري ظة‪ :‬ل‪ ,‬ولك نا إخوان كم في الن سب والد ين‪ ,‬ودماؤ نا م ثل دمائ كم‪ ,‬ولكن كم كن تم تغلبون نا في‬
‫الجاهلية‪ ,‬فقد جاء ال بالسلم فأنزل ال يعيرهم بما فعلوا‪ .‬فقال‪{ :‬و َك َت ْبنَا عََل ْيهِ ْم فِيها أ نّ النّفْ سَ‬
‫بالنّفْ سِ} فعيرهم‪ ,‬ثم ذكر قول النضيري‪ :‬كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا ونقتل منهم ول‬
‫النضيريـ فقتله بصـاحبه‪ .‬فتفاخرت النضيـر‬
‫ّ‬ ‫ْمـ الجَاهِليّةِ َي ْبغُونـَ}‪ .‬وأخـذ‬
‫حك َ‬‫يقتلون‪ ,‬فقال‪{ :‬أف ُ‬
‫وقريظة‪ ,‬فقالت النضير‪ :‬نحن أكرم منكم‪ ,‬وقالت قريظة‪ :‬نحن أكرم منكم‪ ,‬ودخلوا المدينة إلى‬
‫أبي برزة الكاهن السلميّ‪ ,‬فقال المنافق من قريظة والنضير‪ :‬انطلقوا إلى أبي برزة ينفّر بيننا!‬
‫وقال المسلمون من قريظة والنضير‪ :‬ل‪ ,‬بل النبي صلى ال عليه وسلم ينفر بيننا‪ ,‬فتعالوا إليه!‬
‫فأ بي المنافقون‪ ,‬وانطل قا إلى أ بي برزة فسـألوه‪ ,‬فقال‪ :‬أعظموا اللق مة! يقول‪ :‬أعظموا الخطـر‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬لك عشرة أوسـاق‪ ,‬قال‪ :‬ل‪ ,‬بـل مائة وسـق ديتـي‪ ,‬فإنـي أخاف أن أنفـر النضيـر تقتلنـي‬
‫قري ظة‪ ,‬أو أن فر قري ظة فتقتل ني النض ير‪ .‬فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أو ساق‪ ,‬وأ بي أن يح كم‬
‫بينهم‪ ,‬فأنزل ال عزّ وجلّ‪ُ { :‬يرِيدُو نَ أ نْ َيتَحا َكمُوا إلى الطّاغُوتِ} وهو أبو برزة‪ ,‬وقد أمروا أن‬
‫يكفروا به‪ ,‬إلى قوله‪َ { :‬و ُيسَّلمُوا َتسْلِيما}‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الطاغوت في هذا الموضع‪ :‬هو كعب بن الشرف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7905‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن َيتَحا َكمُوا إلى الطّاغُوت َو َقدْ ُأ ِمرُوا أ نْ َيكْ ُفرُوا بِ هِ} والطاغوت‪:‬‬
‫نأ ْ‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬يُريدُو َ‬
‫رجـل مـن اليهود كان يقال له كعـب بـن الشرف‪ ,‬وكانوا إذا مـا دعوا إلى مـا أنزل ال وإلى‬
‫ن َيتَحا َكمُوا إلى‬
‫الر سول ليح كم بين هم قالوا‪ :‬بل نحاكم كم إلى ك عب ‪ ¹‬فذلك قوله‪ُ { :‬يرِيدُو نَ أ ْ‬
‫الطّاغُوت}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 7906‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن َقبْلِ كَ}‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَما ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬تنازع رجـل مـن المنافقيـن ورجـل مـن اليهود‪ ,‬فقال المنافـق‪ :‬اذهـب بنـا إلى كعـب بـن‬
‫الشرف! وقال اليهودي‪ :‬اذ هب ب نا إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم! فقال ال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫عمُونَ}‪ ...‬الَية والتي تليها فيهم أيضا‪.‬‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫{أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬ألَمْ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ} فذكر مثله‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬وقال اليهودي‪ :‬اذهب‬
‫عمُو َ‬
‫ن يَزْ ُ‬
‫َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫بنا إلى محمد‪.‬‬
‫‪7907‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع بن أنس‬
‫ن َقبِْلكَ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ن أ ّن ُهمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَل ْيكَ وَما ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫في قوله‪{ :‬أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫{ضَللً َبعِيدا} قال‪ :‬كان رجلن من أ صحاب ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم بينه ما خ صومة‪,‬‬
‫أحدهم مؤمن‪ ,‬والَخر منافق‪ .‬فدعاه المؤمن إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ودعاه المنافق إلى‬
‫ْتـ‬
‫ل رأي ُ‬
‫ّهـ وَإلى الّرسـُو ِ‬
‫ُمـ تَعالُوْا إلى مـا أ ْنزَلَ الل ُ‬
‫كعـب بـن الشرف‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬وَإذا قِيلَ َله ْ‬
‫صدُودا}‪.‬‬
‫ع ْنكَ ُ‬
‫ن َيصُدّونَ َ‬
‫المُنافِقِي َ‬
‫‪7908‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ن َيتَحاكَمُوا إلى‬
‫نأ ْ‬
‫ن َقبْلِ كَ ُيرِيدُو َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَما ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫{ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫الطّاغُوتـِ} قال‪ :‬تنازع رجـل مـن المؤمنيـن ورجـل مـن اليهود‪ ,‬فقال اليهودي‪ :‬اذهـب بنـا إلى‬
‫كعب بن الشرف‪ ,‬وقال المؤمن‪ :‬اذهب بنا إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال ال‪{ :‬ألَ مْ َترَ‬
‫صدُودا}‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬يزعمون‬
‫ن أ ّنهُمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْكَ}‪ ...‬إلى قوله‪ُ { :‬‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫إلى اّلذِي َ‬
‫أنهم آمنوا بما أنزل إليك‪ ,‬قال‪ :‬القرآن‪ ,‬وما أنزل من قبلك‪ ,‬قال‪ :‬التوراة‪ .‬قال‪ :‬يكون بين المسلم‬
‫والمنا فق الح قّ‪ ,‬فيدعوه الم سلم إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم ليحاك مه إل يه‪ ,‬فيأ بي المنا فق‬
‫ويدعوه إلى الطاغوت‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬قال مجاهد‪ :‬الطاغوت‪ :‬كعب بن الشرف‪.‬‬
‫‪ 7909‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫أنـ َيتَحا َكمُوا إلى الطّاغُوتـِ} هـو كعـب بـن‬
‫ُونـ ْ‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ُ { :‬يرِيد َ‬
‫الشرف‪.‬‬
‫وقد بينا معنى الطاغوت في غير هذا الموضع‪ ,‬فكرهنا إعادته‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى مَآ أَنزَلَ اللّهُـ وَإِلَى الرّسـُولِ رََأيْتَـ‬
‫{وَِإذَا قِيلَ َلهُم ْـ َتعَالَوْاْ إَِل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫صدُودا }‪..‬‬
‫ن َيصُدّونَ عَنكَ ُ‬
‫ا ْل ُمنَافِقِي َ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ألم تـر يـا محمـد إلى الذيـن يزعمون أنهـم آمنوا بمـا أنزل إليـك مـن‬
‫المنافقيـن‪ ,‬وإلى الذي يزعمون أنهـم آمنوا بمـا أنزل مـن قبلك مـن أهـل الكتاب‪ ,‬يريدون أن‬
‫يتحاكموا إلى الطّاغوت‪{ ,‬وإذَا قِيلَ لهم َتعَالوْا إلى ما َأ ْنزَلَ ال} يعني بذلك‪ :‬وإذا قيل لهم‪ :‬تعالوا‬
‫صدّونَ‬
‫هلموا إلى حكم ال الذي أنزله في كتابه‪{ ,‬وإلى الرّ سُولِ} ليحكم بيننا‪{ ,‬رََأيْ تَ ال ُمنَافِقِي نَ يَ ُ‬
‫عنْ كَ} يع ني بذلك‪ :‬يمتنعون من الم صير إل يك لتح كم بين هم‪ ,‬ويمنعون من الم صير إل يك كذلك‬
‫َ‬
‫غيرهم صدودا‪.‬‬
‫وقال ابن جريج في ذلك بما‪:‬‬
‫ل َلهُ مْ‬
‫‪ 7910‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪{ :‬وَإذَا قِي َ‬
‫تَعالَوْا إلى ما أ ْنزَلَ اللّ هُ وَإلى الّر سُولِ} قال‪ :‬دعا المسلم المنافق إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليحكم‪ ,‬قال‪ :‬رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا‪.‬‬
‫وأما على تأويل قول من جعل الداعي إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم اليهود يّ والمدعو إليه‬
‫عمُو نَ أ ّنهُ مْ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫المنافق على ما ذكرت من أقوال من قال ذلك في تأويل قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَل ْيكَ} فإنه على ما بينت قبل‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ َف َكيْف َـ ِإذَآ أَصـَا َب ْت ُهمْ مّصـِيبَةٌ بِمَا َق ّدمَت ْـ َأ ْيدِيهِم ْـ ثُمّـ جَآءُوكَـ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫حسَانا َوتَ ْوفِيقا }‪..‬‬
‫ل ِإ ْ‬
‫ن َأ َر ْدنَآ ِإ ّ‬
‫َيحْلِفُونَ بِاللّ ِه إِ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فكيف بهؤلء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت‪ ,‬وهم يزعمون‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫أن هم آمنوا ب ما أنزل إل يك و ما أنزل من قبلك {إذَا أ صَا َب ْت ُهمْ مُ صِيبَةٌ} يع ني‪ :‬إذا نزلت ب هم نق مة‬
‫ن بال} يقول‪ :‬ثم‬
‫ك َيحْلِفُو َ‬
‫من ال‪ِ { ,‬بمَا َقدّمَتْ أ ْيدِيهِمْ} يعني‪ :‬بذنوبهم التي سلفت منهم‪{ ,‬ثُ ّم جَاءُو َ‬
‫جاءوك يحلفون بال كذبا وزُورا‪{ ,‬إ نْ َأ َردْنا إلّ إحْ سَانا َوتَ ْوفِيقا}‪ .‬وهذا خبر من ال تعالى ذكره‬
‫عن هؤلء المنافق ين أن هم ل يردع هم عن النفاق ال عبر والن قم‪ ,‬وأن هم وإن تأت هم عقو بة من ال‬
‫على تحاكم هم إلى الطاغوت‪ ,‬لم يُنيبوا ولم يتوبوا‪ ,‬ولكن هم يحلفون بال كذ با وجرأة على ال ما‬
‫أردنا باحتكامنا إليه إل الحسان من بعضنا إلى بعض‪ ,‬والصواب فيما احتكمنا فيه إليه‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ظهُ مْ‬
‫ع ْ‬
‫ع ْنهُ مْ َو ِ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ن َيعْلَ مُ الّل ُه مَا فِي قُلُو ِبهِ مْ َفأَ ْ‬
‫{أُولَـ ِئكَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫س ِهمْ قَ ْولً بَلِيغا }‪..‬‬
‫َوقُل ّل ُهمْ ِفيَ َأنْ ُف ِ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬أولئك} هؤلء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم‪ ,‬يعلم ال‬
‫مّا في قلوب هم ـ في احتكام هم إلى الطاغوت‪ ,‬وترك هم الحتكام إل يك‪ ,‬و صدودهم ع نك من‬
‫ظهُ مْ} يقول‪:‬‬
‫ع ْ‬
‫ع ْنهُ مْ و ِ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫النفاق والز يغ‪ ,‬وإن حلفوا بال ما أرد نا إل إح سانا وتوفي قا‪{ ,‬فأ ْ‬
‫فدع هم فل تعاقب هم في أبدان هم وأج سامهم‪ ,‬ول كن عظ هم بتخوي فك إيا هم بأس ال أن يحلّ ب هم‪,‬‬
‫ح ّذرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر ال وأمر رسوله‪.‬‬
‫وعقوبته أن تنزل بدارهم‪ ,‬و َ‬
‫س ِهمْ قَ ْولً بَلِيغا} يقول‪ :‬مرهم باتقاء ال والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده‪.‬‬
‫{وقُلْ َل ُهمْ في َأنْ ُف َ‬

‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هِ‬
‫ل ِل ُيطَا عَ ِبِإذْ ِ‬
‫{وَمَآ َأرْ سَ ْلنَا مِن رّ سُولٍ ِأ ّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫جدُواْ الّل َه تَوّابا ّرحِيما‬
‫س َتغْ َفرَ َلهُمُ الرّسُولُ َل َو َ‬
‫س َتغْ َفرُواْ الّلهَ وَا ْ‬
‫س ُهمْ جَآءُوكَ فَا ْ‬
‫وََلوْ َأ ّنهُمْ إِذ ظَّلمُوَ ْا َأنْفُ َ‬
‫}‪..‬‬
‫ل إل فر ضت طاع ته على من أر سلته إل يه‪,‬‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬لم نر سل يا مح مد ر سو ً‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلته إليه‪ .‬وإنما‬
‫هذا مـن ال توبيـخ للمحتكميـن مـن المنافقيـن الذيـن كانوا يزعمون أنهـم يؤمنون بمـا أنزل إلى‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم فيما اختصموا فيه إلى الطاغوت‪ ,‬صدودا عن رسول ال صلى ال‬
‫ل إل فرضت طاعته على من أرسلته إليه‪,‬‬
‫عليه وسلم‪ .‬يقول لهم تعالى ذكره‪ :‬ما أرسلت رسو ً‬
‫فمح مد صلى ال عل يه و سلم من أولئك الر سل‪ ,‬ف من ترك طاع ته والر ضا بحك مه واحت كم إلى‬
‫الطاغوت‪ ,‬فقـد خالف أمري وضيـع فرضـي‪ .‬ثـم أخـبر جلّ ثناؤه أن مـن أطاع رسـله‪ ,‬فإنمـا‬
‫يطيعهم بإذنه‪ ,‬يعني بتقديره ذلك وقضائه السابق في علمه ومشيئته‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7911‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح عن‬
‫مجاهد‪ ,‬في قول ال‪{ :‬إلّ ِليُطا عَ بإذْ نِ الّل هِ} واجب لهم أن يطيعه من شاء ال‪ ,‬ول يطيعهم أحد‬
‫إل بإذن ال‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن شبل‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد مثله‪.‬‬
‫وإنما هذا تعريض من ال تعالى ذكره لهؤلء المنافقين بأن تركهم طاعة ال وطاعة رسوله‬
‫والرضا بحكمه‪ ,‬إنما هو للسابق لهم من خذلنه وغلبة الشقاء عليهم‪ ,‬ولول ذلك لكانوا ممن أذن‬
‫له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته‪.‬‬
‫س َتغْ َفرَ َلهُ مْ‬
‫س َتغْ َفرُوا الّل هَ وَا ْ‬
‫ك فا ْ‬
‫س ُهمْ جاءُو َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أ ّنهُ مْ إ ْذ ظََلمُوا أنْفُ َ‬
‫جدُوا الّلهَ َتوّابا َرحِيما}‪.‬‬
‫الرّسُولُ َل َو َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ولو أن هؤلء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الَيتين‪ ,‬الذين‬
‫إذا دعوا إلى حكم ال وحكم رسوله صدّوا صدودا‪ ,‬إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من‬
‫الثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب ال وسنة رسوله‪ ,‬إذا دعوا إليها جاءوك‬
‫يا محمد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك‪ ,‬جاءوك‬
‫تائبين منيبين‪ ,‬فسألوا ال أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم‪ ,‬وسأل لهم ال رسوله‬
‫س َتغْ َفرَ َل ُهمُ ال ّرسُولُ}‪.‬‬
‫ستَغْ َفرُوا اللّهَ وَا ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم مثل ذلك‪ .‬وذلك هو معنى قوله‪{ :‬فا ْ‬
‫جدُوا الّلهَ َتوّابا َرحِيما} فإنه يقول‪ :‬لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم لوجدوا‬
‫وأما قوله‪{ :‬لَ َو َ‬
‫ال توّا با‪ ,‬يقول‪ :‬راج عا ل هم م ما يكرهون إلى ما يحبون‪ ,‬رحي ما ب هم في تر كه عقوبت هم على‬
‫ذنب هم الذي تابوا م نه‪ .‬وقال مجا هد‪ :‬ع ني بذلك‪ :‬اليهودي والم سلم اللذان تحاك ما إلى ك عب بن‬
‫الشرف‪.‬‬
‫‪ 7912‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫س ُهمْ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ويُ سَّلمُوا تَ سْلِيما} قال‪ :‬إن هذا في الر جل‬
‫مجا هد في قول ال‪{ :‬ظَلَمُوا أنْفُ َ‬
‫اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الشرف‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جرَ َب ْينَهُ مْ ثُ مّ لَ‬
‫شَ‬‫ح ّكمُو كَ فِيمَا َ‬
‫حّتىَ ُي َ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُو نَ َ‬
‫{فَلَ َو َربّ كَ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ضيْتَ َو ُيسَلّمُو ْا َتسْلِيما }‪..‬‬
‫حرَجا ّممّا قَ َ‬
‫س ِهمْ َ‬
‫جدُواْ ِفيَ َأنْ ُف ِ‬
‫َي ِ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬فل} فليـس المـر كمـا يزعمون أنهـم يؤمنون بمـا أنزل إليـك‪ ,‬وهـم‬
‫يتحاكمون إلى الطاغوت‪ ,‬وي صدّون ع نك إذا د عو إل يك يا مح مد‪ .‬وا ستأنف الق سَ َم جلّ ذكره‪,‬‬
‫حكّمُو كَ‬
‫حتّى ُي َ‬
‫فقال‪{ :‬وَربّ كَ} يا محمد {ل يُ ْؤ ِمنُو نَ} أي ل يصدّقون بي وبك‪ ,‬وبما أنزل إليك‪َ { ,‬‬
‫جرَ َب ْي َنهُ مْ} يقول‪ :‬حتى يجعلوك حكما بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم‪ ,‬فالتبس عليهم‬
‫شَ‬‫فيما َ‬
‫شجْرا‪ ,‬وتشاجر القوم إذا اختلفوا في الكلم والمر مشاجرة‬
‫شجُورا و َ‬
‫شجَرَ يشجُر ُ‬
‫حكمه‪ ,‬يقال‪َ :‬‬
‫ضيْ تَ} يقول‪ :‬ل يجدوا في أنف سهم ضي قا م ما‬
‫حرَ جا م ما قَ َ‬
‫س ِهمْ َ‬
‫جدُوا في َأنْفُ ِ‬
‫شجَارا {ثُم ل َي ِ‬
‫وِ‬
‫قضيت‪ ,‬وإنما معناه‪ :‬ثم ل تحرج أنفسهم مما قضيت‪ :‬أي ل تأثم بإنكارها ما قضيت وشكها في‬
‫طاعتك وأن الذي قضيت به بينهم حق ل يجوز لهم خلفه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7913‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ضيْتَ} قال‪ :‬شكّا‪.‬‬
‫حرَجا مما قَ َ‬
‫مجاهد‪َ { :‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن محمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫شكّا‪.‬‬
‫ضيْتَ} يقول‪َ :‬‬
‫حرَجا مما َق َ‬
‫أبي بزة‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪َ { :‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد مثله‪.‬‬
‫‪ 7914‬ـ حدثنا يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫َسـلِيما} يقول‪:‬‬
‫ُسـّلمُوا ت ْ‬
‫حرَجـا مِمّا َقضَيْتـَ} قال‪ :‬إثمـا { َوي َ‬
‫جدُوا فِي أنْفُسـهِمْ َ‬
‫ُمـ ل َي ِ‬
‫فـي قوله‪{ :‬ث ّ‬
‫ويسلموا لقضائك وحكمك‪ ,‬إذعانا منهم بالطاعة‪ ,‬وإقرارا لك بالنبوّة تسليما‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الَية وفيمن نزلت‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬نزلت في الزبير بن‬
‫العوّام وخصم له من النصار‪ ,‬اختصما إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم في بعض المور‪ .‬ذكر‬
‫الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪7915‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني يونس والليث بن‬
‫سعد‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬أن عروة بن الزبير حدثه‪ ,‬أن عبد ال بن الزبير حدثه‪ ,‬عن الزبير بن‬
‫العوّام‪ :‬أ نه خا صم رجلً من الن صار قد ش هد بدرا مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في‬
‫شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلهما النخل‪ ,‬فقال النصاريّ‪ :‬سرّح الماء يمرّ! فأبي عليه‪,‬‬
‫فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬ا سْق يا ُز َب ْيرُ ثُ مّ أرْ سِل المَاءَ إلى جار كَ!» فغ ضب‬
‫الن صاريّ وقال‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬أن كان ا بن عم تك؟ فتلوّن و جه ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ْسـلِ المَاءَ إلى‬
‫ُمـ أر ِ‬
‫ج ْدرِ ث ّ‬
‫ِعـ إلى ال َ‬
‫ِسـ المَاءَ حتـى َي ْرج َ‬
‫حب ِ‬‫ُمـ ا ْ‬
‫وسـلم‪ ,‬ثـم قال‪« :‬اسـْق يـا ُز َبيْرُ ث ّ‬
‫جارِ كَ!» وا ستوعى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم للزب ير ح قه قال أ بو جع فر‪ :‬وال صواب‪:‬‬
‫«استوعب»‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه‬
‫الشفقة له وللنصاريّ‪ ,‬فلما أحفظ رسول ال صلى ال عليه وسلم النصاري استوعب للزبير‬
‫حقه في صريح الحكم‪ .‬قال‪ :‬فقال الزبير‪ :‬ما أحسب هذه الَية نزلت إل في ذلك‪{ :‬فَل َو َربّكَ ل‬
‫جرَ َب ْينَ ُهمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫شَ‬‫ح ّكمُوكَ فِيما َ‬
‫يُ ْؤ ِمنُونَ حتى ُي َ‬
‫‪ 7916‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‪ ,‬عن عبد الرحمن بن إسحاق‪ ,‬عن‬
‫الزهري‪ ,‬عن عروة‪ ,‬قال‪ :‬خا صم الزب ير ر جل من الن صار في شرج من شراج الحرّة‪ ,‬فقال‬
‫سـبِيلَ المَاءِ!» فقال الذي مـن‬
‫ُمـ خَلّ َ‬
‫َبـ ث ّ‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬يـا ُز َب ْيرُ‪ ,‬اشْر ْ‬
‫الن صار‪ :‬اعدل يا نبيّ ال وإن كان ا بن عم تك! قال‪ :‬فتغ ير و جه ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫جدُر أوْ إلى ال َك ْعبَيْن‪,‬‬
‫حبِس المَاءَ إلى ال ُ‬
‫وسلم حتى عرف أن قد ساءه ما قال‪ ,‬ثم قال‪« :‬يا ُزبَ ْيرُ ا ْ‬
‫شجَرَ َب ْي َن ُهمْ}‪.‬‬
‫ح ّكمُوكَ فِيما َ‬
‫ن حتى ُي َ‬
‫سبِيلَ المَاء!»‪ ,‬قال‪ :‬ونزلت‪{ :‬فَل َو َر ّبكَ ل ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ُثمّ خَلّ َ‬
‫‪ 7917‬ـ حدثني عبد ال بن عمير الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الزبير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا عمرو بن دينار‪ ,‬عن سلمة رجل من ولد أ مّ سلمة‪ ,‬عن أ مّ سلمة‪ :‬أن الزبير خاصم‬
‫رجلً إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقضى النبي صلى ال عل يه وسلم للزب ير‪ ,‬فقال الر جل‬
‫ح ّكمُو كَ فِي ما‬
‫ن ح تى ُي َ‬
‫ل ما ق ضى للزب ير‪ :‬أن كان ا بن عم تك؟ فأنزل ال‪{ :‬فَل َو َربّ كَ ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ضيْتَ َو ُيسَّلمُوا َتسْلِيما}‪.‬‬
‫جدُوا فِي أنْفُسهِ ْم حَرَجا ممّا َق َ‬
‫شجَرَ َب ْي َن ُهمْ ُثمّ ل َي ِ‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَية في المنافق واليهودي اللذين وصف ال صفتهما في قوله‪:‬‬
‫ن َيتَحا َكمُوا‬
‫نأ ْ‬
‫ن َقبْلِكع يُرِيدُو َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَما ُأ ْنزِلَ مِ ْ‬
‫عمُو َ‬
‫ن َيزْ ُ‬
‫{ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫إلى الطّاغُوتِ}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7918‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫س ِهمْ‬
‫جدُوا فِي أنْفُ ِ‬
‫جرَ َب ْي َنهُمْ ثُ مّ ل َي ِ‬
‫شَ‬‫ح ّكمُوكَ فِيما َ‬
‫ن حتى ُي َ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬فَل َو َربّ كَ ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ضيْ تَ َويُ سَلّمُوا تَ سْلِيما} قال‪ :‬هذا الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذان تحاكما إلى‬
‫حرَجا ِممّا َق َ‬
‫َ‬
‫كعب بن الشرف‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 7919‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعبي بنحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬إلى‬
‫الكاهن‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذا القول ـ أع ني قول من قال‪ :‬ع ني به المحتكمان إلى الطاغوت اللذان‬
‫ن أ ّنهُمْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ إَليْكَ وَما أ ْنزِلَ مِنْ‬
‫عمُو َ‬
‫وصف ال شأنهما في قوله‪{ :‬ألَمْ َترَ إلى اّلذِينَ َيزْ ُ‬
‫شجَرَ َب ْي َنهُ مْ} في‬
‫ك فِيما َ‬
‫ح ّكمُو َ‬
‫َقبْلِ كَ} أولى بالصواب‪ ,‬لن قوله ‪{ ¹‬فَل َو َربّ كَ ل ُي ْؤ ِمنُو نَ حتى ُي َ‬
‫عمُو نَ أ ّنهُ مْ آ َمنُوا ِبمَا ُأ ْنزِلَ‬
‫سياق قصة الذين ابتدأ اللّه الخبر عنهم بقوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ َيزْ ُ‬
‫ل على انقطاع قصـتهم‪ ,‬فإلحاق بعـض ذلك ببعـض مـا لم تأت دللة على‬
‫إَليْكـَ}‪ ,‬ول دللة تد ّ‬
‫انقطاعه أَوْلَى‪.‬‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أن في الذي رُوي عن الزب ير وا بن الزب ير من ق صته وق صة الن صاري في‬
‫ك فِي ما‬
‫حكّمُو َ‬
‫ن ح تى ُي َ‬
‫ك ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫شراج الحرّة‪ ,‬وقول من قال في خبره ما‪ ,‬فنزلت‪{ :‬فَل و َربّ َ‬
‫شجَرَ َب ْي َنهُ مْ} ما ي نبيء عن انقطاع ح كم هذه الَ ية وق صتها من ق صة الَيات قبل ها‪ ,‬فإ نه غ ير‬
‫َ‬
‫مستحيل أن تكون الَية نزلت في حصة المحتكمين إلى الطاغوت‪ ,‬ويكون فيها بيان ما احتكم‬
‫فيه الزبير وصاحبه النصاريّ‪ ,‬إذ كانت الَية دالة على ذك‪ .‬وإذ كان ذلك غير مستحيل‪ ,‬كان‬
‫إلحاق معنى بعض ذلك ببعض أولى ما دام الكلم متسقة معانيه على سياق واحد‪ ,‬إل أن تأتي‬
‫دللة على انقطاع بعض ذلك من بعض‪ ,‬فيعدل به عن معنى ما قبله‪ .‬ـ وأما قوله‪َ { :‬ويُسَّلمُوا}‬
‫جدُوا فِي أنْفُسِـهِمْ}‬
‫فإنـه منصـوب عطفـا على قوله‪{ :‬ثُمّـ ل َيجِدُوا فِي أنْفُسِـِهمْ}‪ .‬قوله‪{ :‬ثُمّـ ل َي ِ‬
‫جرَ َب ْينَهمْ}‪.‬‬
‫شَ‬‫ك فِيما َ‬
‫نصب عطفا على قوله‪{ :‬حتى يُح ّكمُو َ‬

‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ُرجُو ْا مِن ِديَا ِركُ مْ‬
‫س ُكمْ َأوِ ا ْ‬
‫ن ا ْقتُلُوَاْ َأنْفُ َ‬
‫{وََل ْو َأنّا َك َتبْنَا عََل ْيهِ مْ أَ ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شدّ َت ْثبِيتا }‪..‬‬
‫خيْرا ّل ُهمْ وََأ َ‬
‫ن َ‬
‫ن بِ ِه َلكَا َ‬
‫عظُو َ‬
‫مّا َفعَلُو ُه ِإلّ قَلِيلٌ ّم ْن ُهمْ وَلَ ْو َأ ّنهُ ْم فَعَلُو ْا مَا يُو َ‬
‫سكُمْ}‪ :‬ولو أ نا فرض نا على هؤلء‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَلَ ْو أنّا َك َتبْ نا عََل ْيكُ مْ أن اقْتُلُوا أنْفُ َ‬
‫الذ ين يزعمون أن هم آمنوا بما أنزل إليك المحتكم ين إلى الطاغوت أن يقتلوا أنف سهم‪ ,‬وأمرنا هم‬
‫بذلك‪ ,‬أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دار أخرى سواها ما فعلوه‪ ,‬يقول‪ :‬ما قتلوا‬
‫أنفسهم بأيديهم‪ ,‬ول هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى ال ورسوله طاعة ل ولرسوله‪ ,‬إل‬
‫قليل منهم‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7920‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سكُمْ} هم يهود ـ يع ني‪ :‬والعرب‬
‫مجا هد في قول ال تعالى‪{ :‬وَلَ ْو أنّا َك َتبْنا عََل ْيهِ مْ أ نِ ا ْقتُلُوا أنْفُ َ‬
‫كما أمر أصحاب موسى عليه السلم‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وََلوْ‬
‫ن دِيا ِركُ مْ} ك ما أ مر أ صحاب مو سى أن يق تل‬
‫خ ُرجُوا مِ ْ‬
‫س ُكمْ أ ِو ا ْ‬
‫ن ا ْقتُلُوا أ ْنفُ َ‬
‫أنّا َك َتبْ نا عََل ْيهِ ْم أ ِ‬
‫بعضهم بعضا بالخناجر لم يفعلوا إل قليل منهم‪.‬‬
‫‪7921‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ل قَلِيلٌ ِم ْنهُ مْ} افتخر‬
‫ن دِياركُ مْ ما َفعَلُو هُ إ ّ‬
‫خ ُرجُوا مِ ْ‬
‫س ُكمْ أ ِو ا ْ‬
‫ن اقْتُلُوا أنْفُ َ‬
‫{وََلوْ أنّا َك َت ْبنَا عََل ْيهِ ْم أ ِ‬
‫ثا بت بن ق يس بن شماس ور جل من يهود‪ ,‬فقال اليهودي‪ :‬وال ل قد ك تب ال علي نا أن اقتلوا‬
‫أنفسكم‪ ,‬فقتلنا أنفسنا! فقال ثابت‪ :‬وال لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا! فأنزل ال في‬
‫شدّ َت ْثبِيتا}‪.‬‬
‫خيْرا َل ُهمْ وأ َ‬
‫ن َ‬
‫عظُونَ ِبهِ لَكا َ‬
‫هذا‪{ :‬وَلَ ْو أ ّن ُهمْ َفعَلُوا ما يُو َ‬
‫‪ 7922‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو زه ير‪ ,‬عن إ سماعيل‪ ,‬عن أ بي‬
‫ن دِيارِكُ مْ‬
‫خ ُرجُوا مِ ْ‬
‫س ُكمْ أ ِو ا ْ‬
‫ن اقْتُلُوا أنْفُ َ‬
‫إسحاق السبيعي‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬وََلوْ أنّا َك َتبْنا عََل ْيهِ ْم أ ِ‬
‫مـا َفعَلُوهُـ إلّ قَلِيلٌ ِم ْنهُمـْ} قال ر جل‪ :‬لو أمر نا لفعلنـا‪ ,‬والحمـد ل الذي عافانـا! فبلغ ذلك النـبيّ‬
‫ِنـ الجِبالِ‬
‫ِمـ م َ‬
‫َتـ ف ِي قُلُو ِبه ْ‬
‫َانـ أ ْثب ُ‬
‫ِنـ ُأمّت ِي َلرِجالً اليم ُ‬
‫«إنـ م ْ‬
‫ّ‬ ‫صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫الرّوَاسِي»‪.‬‬
‫واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله‪{ :‬إلّ قَلِيلٌ ِم ْنهُ مْ} فكان بعض نحويـي البصرة‬
‫يز عم أ نه ر فع «قل يل» ل نه ج عل بدلً من ال سماء المضمرة في قوله‪ { :‬ما َفعَلُو هُ} لن الف عل‬
‫لهم‪ .‬وقال بعض نحويـي الكوفة‪ :‬إنما رفع على نية التكرير‪ ,‬كأن معناه‪ :‬ما فعلوه ما فعله إل‬
‫قليل منهم‪ ,‬كما قال عمرو بن معد يكرب‪:‬‬
‫ن‬
‫ل ال َف ْرقَدَا َ‬
‫خ مُفا ِرقُهُ أخُوهَُل َع ْمرُ أبيكَ إ ّ‬
‫وكُلّ أ ٍ‬
‫وأولى القوال في ذلك بال صواب أن يقال‪ :‬ر فع «القل يل» بالمع نى الذي دلّ عل يه قوله‪ { :‬ما‬
‫ل ِم ْنهُ مْ} وذلك أن مع نى الكلم‪ :‬ولو أ نا كتب نا علي هم أن اقتلوا أنف سكم أو اخرجوا‬
‫ل قَلِي ٌ‬
‫َفعَلُو هُ إ ّ‬
‫من دياركم ما فعله إل قليل منهم‪ .‬فقيل‪« :‬ما فعلوه» على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في‬
‫ن أ ّنهُ مْ آ َمنُوا بِمَا ُأ ْنزِلَ إَليْ كَ وَ ما ُأ ْنزِلَ مِ نْ َقبْلِ كَ}‪ ,‬ثم ا ستثنى‬
‫عمُو َ‬
‫قوله‪{ :‬ألَ مْ َترَ إلى اّلذِي نَ َيزْ ُ‬
‫القليل‪ ,‬فرُفع بالمعنى الذي ذكرنا‪ ,‬إذ كان الفعل منفيّا عنه‪ .‬وهي في مصاحف أهل الشام‪« :‬ما‬
‫ل قَلِيلً ِم ْنهُ مْ»‪ .‬وإذا قرىء كذلك‪ ,‬فل مردّ به على قارئه في إعرابه‪ ,‬لنه المعروف في‬
‫َفعَلُو هُ إ ّ‬
‫ل بما فيه كناية من قد جرى ذكره‪ ,‬ثم استثني منهم القليل‪.‬‬
‫كلم العرب‪ ,‬إذ كان الفعل مشغو ً‬
‫شدّ َت ْثبِيتا}‪.‬‬
‫خيْرا َل ُهمْ وأ َ‬
‫ن بِ ِه لَكانَ َ‬
‫عظُو َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أ ّن ُهمْ َفعَلُوا ما يُو َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬ولو أن هؤلء المنافق ين الذ ين يزعمون أن هم آمنوا ب ما أنزل إل يك و هم‬
‫عظُونَ ِبهِ} يعني‪ :‬ما يذكرون به‬
‫يتحاكمون إلى الطاغوت‪ ,‬ويصدّون عنك صدودا‪َ { ,‬فعَلُوا ما يُو َ‬
‫شدّ‬
‫خيْرا ل هم} في عا جل دنيا هم وآ جل معاد هم‪{ ,‬وأ َ‬
‫من طا عة ال والنتهاء إلى أمره‪َ{ ,‬لكَا نَ َ‬
‫َت ْثبِيتا} وأثبت لهم في أمورهم‪ ,‬وأقوم لهم عليها‪ .‬وذلك أن المنافق يعمل على ش كّ‪ ,‬فعمله يذهب‬
‫باطلً‪ ,‬وغناؤه يضمحلّ فيصـير هباء‪ ,‬وهـو بشكـه يعمـل على وناء وضعـف‪ ,‬ولو عمـل على‬
‫ب صيرة لكت سب بعمله أجرا ولكان له ع ند ال ذخرا وكان على عمله الذي يع مل أقوى لنف سه‬
‫وأشدّ تثبي تا ليما نه بو عد ال على طاع ته وعمله الذي يعمله‪ .‬ولذلك قال من قال‪ :‬مع نى قوله‪:‬‬
‫شدّ َت ْثبِيتا}‪ :‬تصديقا‪ .‬كما‪:‬‬
‫{وأ َ‬
‫‪7923‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫شدّ َت ْثبِيتا} قال‪ :‬تصديقا‪ ,‬لنه إذا كان مصدّقا كان لنفسه أشدّ تثبيتا ولعزمه‬
‫خيْرا َلهُ مْ وأ َ‬
‫{لَكا نَ َ‬
‫فيه أشدّ تصحيحا‪.‬‬
‫س ِهمْ}‬
‫ن أمْوَاَل ُهمُ ا ْبتِغاءَ َمرْضَا ِة اللّهِ َو َت ْثبِيتا مِنْ أنْ ُف ِ‬
‫ن ُينْفِقُو َ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫وهو نظير قوله جلّ ثناؤه‪َ { :‬و َمثَ ُ‬
‫وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه بما فيه كفاية من إعادته‪.‬‬

‫‪68-67‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عظِيما * وََل َه َد ْينَاهُ مْ صِرَاطا‬
‫ل َت ْينَاهُ مْ مّن ّل ُدنّ ـآ َأجْرا َ‬
‫{وَإِذا َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ستَقِيما }‪..‬‬
‫ّم ْ‬
‫خيْرا َلهُ مْ} ليتائ نا إيا هم على‬
‫ن َ‬
‫ن بِ ِه لَكا َ‬
‫عظُو َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ولَ ْو أ ّنهُ ْم فَعَلُوا ما يُو َ‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫فعل هم ما وعظوا به من طاعت نا والنتهاء إلى أمر نا {َأجْرا} يع ني‪ :‬جزاء وثوا با عظي ما‪ ,‬وأشدّ‬
‫تثبيتا لعزائمهم وآرائهم‪ ,‬وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتنا إياهم صراطا مستقيما‪ ,‬يعني‪ :‬طريقا‬
‫ل اعوجاج ف يه‪ ,‬و هو د ين ال القو يم الذي اختاره لعباده وشر عه ل هم‪ ,‬وذلك ال سلم‪ .‬ومع نى‬
‫قوله‪{ :‬وََل َهدَيْناهُ مْ} ولوفقناهم للصراط المستقيم‪ .‬ثم ذكر جلّ ثناؤه ما وعد أهل طاعته وطاعة‬
‫رسوله عليه الصلة والسلم من الكرامة الدائمة لديه والمنازل الرفيعة عنده‪ .‬فقال‪َ :‬ومَ نْ ُيطِ عِ‬
‫شهَداءِ وَالصّالِحينَ}‪...‬‬
‫ن وال ّ‬
‫صدّيقِي َ‬
‫ن ال ّن ِبيّينَ وَال ّ‬
‫ن أ ْنعَمَ اللّهُ عََل ْيهِمْ مِ ْ‬
‫ل َفأُولَئكَ مَعَ اّلذِي َ‬
‫اللّهَ وَالرّسُو َ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪70-69‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َأ ْنعَ مَ اللّ هُ عََل ْيهِم‬
‫{ َومَن ُيطِ عِ الّل هَ وَالرّ سُولَ َفأُوْلَـ ِئكَ مَ عَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن اللّ هِ‬
‫ك الْ َفضْلُ مِ َ‬
‫ن أُولَ ـ ِئكَ َرفِيقا * ذَلِ َ‬
‫ش َهدَآءِ وَال صّالِحِينَ َوحَ سُ َ‬
‫صدّيقِينَ وَال ّ‬
‫ن ال ّن ِبيّي نَ وَال ّ‬
‫مّ َ‬
‫ى بِاللّهِ عَلِيما }‪..‬‬
‫َوكَ َف َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ومن يطع ال والرسول بالتسليم لمرهما‪ ,‬وإخلص الرضا بحكمهما‪,‬‬
‫والنتهاء إلى أمرهما‪ ,‬والنزجار عما نهيا عنه من معصية ال‪ ,‬فهو مع الذين أنعم ال عليهم‬
‫صدّيقِينَ} وهم‬
‫بهداي ته والتوف يق لطاعته في الدن يا من أنبيائه وفي الَخرة إذا دخل الج نة‪{ .‬وال ّ‬
‫جمع صدّيق‪.‬‬
‫واختلف في معنى الصدّيقين‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬الصدّيقون‪ُ :‬تبّا عُ النبياء الذين صدّقوهم واتبعوا‬
‫منهاجهـم بعدهـم حتـى لحقوا بهـم‪ .‬فكأن «الصـدّيق فعيـل» على مذهـب قائلي هذه المقالة مـن‬
‫خمّير‪.‬‬
‫شرّيب و ِ‬
‫الصدق‪ ,‬كما يقال رجل سكّير من السكر‪ ,‬إذا كان مدمنا على ذلك‪ ,‬و ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو فعيل من الصدقة‪ .‬وقد رُوي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنحو‬
‫تأويل من قال ذلك ‪ ¹‬وهو ما‪:‬‬
‫‪ 7924‬ـ حدث نا به سفيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن مخلد‪ ,‬عن مو سى بن يعقوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أ خبرتني عم تي قري بة ب نت ع بد ال بن و هب بن زم عة‪ ,‬عن أم ها كري مة ب نت المقداد‪ ,‬عن‬
‫ضبا عة ب نت الزب ير‪ ,‬وكا نت ت حت المقداد عن المقداد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لل نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫ح ُدكُ مْ فِي المْرِ فَ ْليَسأَلْني عنه!» قال‪ :‬قلت قولك‬
‫شيء سمعته من كْ شككت فيه! قال‪« :‬إذَا شَ كّ َأ َ‬
‫ن َت ْعنُونَ الصّدّيقين؟» قلت‪ :‬أولدنا‬
‫ن من بعدي الصدّيقين؟ قال‪َ « :‬م ْ‬
‫في أزواجك‪ :‬إني لرجو له ّ‬
‫صدّيقين ُهمُ ال ُمصَ ّدقُونَ»‪.‬‬
‫الذين يهلكون صغارا‪ .‬قال‪« :‬ل‪ ,‬وَلِكنِ ال ّ‬
‫وهذا خبر لو كان إ سناده صحيحا لم ن ستجز أن نعدوه إلى غيره‪ ,‬ولو كان في إ سناده ب عض‬
‫مـا فيـه‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فالذي هـو أولى بالصـدّيق أن يكون معناه المصـدّق قوله بفعله‪ ,‬إذ‬
‫كان الفعيل في كلم العرب إنما يأتي إذا كان مأخوذا من الفعل بمعنى المبالغة‪ ,‬إما في المدح‬
‫صدّيقَةٌ}‪ .‬وإذا كان مع نى ذلك ما‬
‫وإ ما في الذ مّ‪ ,‬وم نه قوله جلّ ثناؤه في صفة مر يم‪{ :‬وأ ّم ُه ِ‬
‫شهَدَاءِ}‬
‫و صفنا‪ ,‬كان داخلً من كان مو صوفا ب ما قل نا في صفة المت صدّقين والم صدّقين ‪{ ¹‬وال ّ‬
‫وهم جمع شهيد‪ :‬وهو المقتول في سبيل ال‪ ,‬سمي بذلك لقيامه بشهادة الح قّ في جنب ال حتى‬
‫قتل‪{ .‬والصّاِلحِينَ} وهم جمع صالح‪ :‬وهو كلّ من صلحت سريرته وعلنتيه‪.‬‬
‫ن أُوَلئِ كَ َرفِي قا} فإ نه يع ني‪ :‬وح سن هؤلء الذ ين نعت هم وو صفهم‬
‫وأ ما قوله جلّ ثناؤه‪َ { :‬وحَ سُ َ‬
‫رفقاء في الجنة‪ .‬والرفيق في لفظ الواحد بمعنى الجميع‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عدَاءٍ وَهُن صَدِيقُ‬
‫صبْنَ ال َهوَى ُثمّ ا ْر َت َميْنَ قُلوبَنابأسْ ُهمِ أ ْ‬
‫َن َ‬
‫بمع نى‪ :‬وه نّ صدائق‪ .‬وأ ما ن صيب «الرف يق» فإن أ هل العرب ية مختلفون ف يه‪ ,‬فكان ب عض‬
‫نحوي ـي الب صرة يرى أ نه من صوب على الحال‪ ,‬ويقول‪ :‬هو كقول الر جل‪ :‬كرم ز يد رجلً‪,‬‬
‫ن ن عم ل ت قع إلى على ا سم ف يه ألف ولم أو على‬
‫ويعدل به عن مع نى‪ :‬ن عم الر جل‪ ,‬ويقول‪ :‬إ ّ‬
‫نكرة‪ .‬وكان بعـض نحويــي الكوفـة يرى أنـه منصـوب على التفسـير وينكـر أن يكون حالً‪,‬‬
‫ويستشهد على ذلك بأن العرب تقول‪ :‬كرم زيد من رجل‪ ,‬وحسن أولئك من رفقاء ‪ ¹‬وأن دخول‬
‫«مِن» دللة على أن الرفيق مفسره‪ .‬قال‪ :‬وقد حكي عن العرب‪ :‬نعمتم رجالً‪ ,‬فدلّ على أن‬
‫ذلك نظير قوله‪ :‬وحَسنُتم رفقاء‪ .‬وهذا القول أولى بالصواب للعلة التي ذكرنا لقائليه‪ .‬وقد ذكر‬
‫أن هذه الَية نزلت لن قوما حزنوا على فقد رسول ال صلى ال عليه وسلم حذرا أن ل يروه‬
‫في الَخرة‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 7925‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب القمي‪ ,‬عن جعفر بن أبي المغيرة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل من النصار إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو محزون‪ ,‬فقال له النبيّ‬
‫حزُونا»؟ قال‪ :‬يا نبيّ ال شيء فكرت فيه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ن مالي أرَا كَ َم ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬يا فُل ُ‬
‫«ما ُهوَ؟» قال‪ :‬نحن نغدو عليك ونروح‪ ,‬ننظر في وجهك ونجالسك‪ ,‬غدا ترفع مع النبيين فل‬
‫تصل إليك! فلم يردّ النبيّ صلى ال عليه وسلم شيئا‪ .‬فأتاه جبريل عليه السلم بهذه الَية‪َ { :‬ومَنْ‬
‫ش َهدَاءِ‬
‫ّينـ وَالصـّديقِينَ وَال ّ‬
‫ِنـ ال ّن ِبي َ‬
‫ِمـ م َ‬
‫ّهـ عََل ْيه ْ‬
‫َمـ الل ُ‬
‫ِينـ أ ْنع َ‬
‫َعـ اّلذ َ‬
‫ِكـ م َ‬
‫ّهـ وَالرّسـُولَ َفأُوَلئ َ‬
‫ِعـ الل َ‬
‫ُيط ِ‬
‫حسُنَ أُوَل ِئكَ َرفِيقا قال‪ :‬فبعث إليه النبيّ صلى ال عليه وسلم فبشّره‪.‬‬
‫وَالصّالِحينَ َو َ‬
‫‪ 7926‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن أبي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال ما ينبغي لنا أن نفارقك في‬
‫ت رُفعت فوقنا فلم نرك! فأنزل ال‪َ { :‬و َمنْ ُيطِعِ الّلهَ وَال ّرسُولَ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫الدنيا‪ ,‬فإنك لو قد م ّ‬
‫‪ 7927‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬و َم نْ ُيطِ عِ‬
‫اللّه وَالرّ سُلَ َفأُوَلئِ كَ مَ َع اّلذِي نَ أ ْنعَ مَ الّل هُ عََل ْيهِ مْ مِ نَ ال ّن ِبيّي نَ} ذكر لنا أن رجالً قالوا‪ :‬هذا نبيّ ال‬
‫ن ُيطِ عِ الّل هَ وَالرّ سُولَ}‪ ...‬إلى‬
‫نراه في الدن يا‪ ,‬فأ ما في الَخرة فير فع فل نراه! فأنزل ال‪َ { :‬و َم ْ‬
‫قوله‪َ { :‬رفِيقا}‪.‬‬
‫‪7928‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن أ ْنعَ مَ اللّ هُ عََل ْيهِ مْ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬قال ناس من‬
‫ل َفأُوَلئِ كَ مَ عَ اّلذِي َ‬
‫ن ُيطِ عِ اللّ َه وَالرّ سُو َ‬
‫{ َومَ ْ‬
‫النصار‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إذا أدخلك ال الجنة فكنت في أعلها ونحن نشتاق إليك‪ ,‬فكيف نصنع؟‬
‫ن ُيطِعِ الّلهَ وَالرّسُولَ}‪.‬‬
‫فأنزل ال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫‪ 7929‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪,‬‬
‫قوله‪َ { :‬ومَنْ ُيطِعِ الّلهَ وال ّرسُولَ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬إن أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم قالوا‪ :‬قد‬
‫علم نا أن ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم له ف ضل على من آ من به في درجات الج نة م من اتب عه‬
‫وصدّقه‪ ,‬فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟ فأنزل ال في ذلك فقال‪ :‬إن‬
‫العليـن ينحدرون إلى مـن هـم أسـفل فيجتمعون فـي رياضهـا‪ ,‬فيذكرون مـا أنعـم ال عليهـم‪,‬‬
‫و ُيثْنون عل يه‪ ,‬وينزل ل هم أ هل الدرجات‪ ,‬في سعون علي هم ب ما يشتهون و ما يدّعون به‪ ,‬ف هم في‬
‫روضة يحبرون ويتنعمون فيه‪.‬‬
‫ن اللّ هَ} فإنه يقول‪ :‬كون من أطاع ال والرسول مع الذين أنعم ال‬
‫ل مِ َ‬
‫وأما قوله‪{ :‬ذَلِ كَ ال َفضْ ُ‬
‫عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين‪{ ,‬ال َفضْلُ مِ نَ ال} يقول ذلك عطاء ال إياهم‬
‫وفضله عليهم‪ ,‬ل باستجابهم ذلك لسابقة سبقت لهم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو ليس بالطاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله؟ قيل له‪ :‬إنهم لم يطيعوه‬
‫في الدنيا إل بفضله الذي تفضل به عليهم فهداهم به لطاعته‪ ,‬فكل ذلك فضل منه تعالى ذكره‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬وكَفَى باللّ هِ عَلِيما} يقول‪ :‬وحسب العباد بال الذي خلقهم عليما بطا عة المطيع منهم‬
‫ومعصية العاصي‪ ,‬فإنه ل َيخْفَى عليه شيء من ذلك ولكنه يحصيه عليهم ويحفظه حتى يجازي‬
‫جميعهم‪ ,‬فيجزي المحسن منهم بالحسان‪ ,‬والمسيء منهم بالساءة‪ ,‬ويعفو عمن شاء من أهل‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َاتـ أَ ِو انْ ِفرُواْ‬
‫ُمـ فَان ِفرُو ْا ُثب ٍ‬
‫ح ْذرَك ْ‬
‫خذُو ْا ِ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ ُ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫جمِيعا }‪..‬‬
‫َ‬
‫حذْ َركُمـْ}‪ :‬خذوا‬
‫خذُوا ِ‬
‫يعنـي بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬يـا أيّهـا الذيـن آ َمنُوا} صـدّقوا ال ورسـوله‪ُ { ,‬‬
‫جُنتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوّكم لغزوهم وحربهم‪{ .‬فانْ ِفرُوا} إليهم {ثُباتٍ} وهي جمع‬
‫ث بة‪ ,‬والث بة‪ :‬الع صبة ‪ ¹‬ومع نى الكلم‪ :‬فانفروا إلى عدوّ كم جما عة ب عد جما عة مت سلحين‪ ,‬و من‬
‫الثّبة قول زهير‪:‬‬
‫ن ِلمَا نَشاءُ‬
‫غدُوا على ُثبَةٍ ِكرَا ٍمنَشاوَى وَاجِدي َ‬
‫وَقدْ أ ْ‬
‫وقد تجمع الثبة على ُثبِين‪.‬‬
‫جمِيعا} يقول‪ :‬أو انفروا جميعا مع نبيكم صلى ال عليه وسلم لقتالهم‪.‬‬
‫{أ ِو انْ ِفرُوا َ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن أبي‬
‫‪ 7930‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫حذْ َركُمْ فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} يقول‪ :‬عصبا‪ ,‬يعني‪ :‬سرايا متفرّقين‪,‬‬
‫خذُوا ِ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ُ { :‬‬
‫جمِيعا يعني كلكم‪.‬‬
‫{أ ِو انْ ِفرُوا َ‬
‫‪ 7931‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} قال‪ :‬فرقا قليلً قليلً‪.‬‬
‫‪ 7932‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬فانْ ِفرُوا‬
‫ثُباتٍ} قال‪ :‬الثبات‪ :‬الفرق‪.‬‬
‫حدثنا الحسين بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7933‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫جمِيعا} مع النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} فهي العصبة‪ ,‬وهي الثبة‪{ .‬أ ِو انْ ِفرُوا َ‬
‫‪ 7934‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} يعني‪ :‬عصبا متفرّقين‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل قَدْ َأ ْنعَ مَ الّل هُ‬
‫طئَ نّ َفإِ نْ أَ صَا َب ْتكُ ْم مّ صِيبَ ٌة قَا َ‬
‫{وَِإ نّ ِم ْنكُ مْ َلمَن ّل ُي َب ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫ن ّم َعهُ ْم َ‬
‫عََليّ ِإ ْذ َلمْ َأكُ ْ‬
‫وهذا نعـت مـن ال تعالى ذكره للمنافقيـن‪ ,‬نعتهـم لنـبيه صـلى ال عليـه وسـلم وأصـحابه‬
‫ن ِم ْنكُمْ} أيها المؤمنون‪ ,‬يعني‪ :‬من عدادكم وقومكم ومن يتشبه بكم‬
‫ووصفهم بصفتهم‪ ,‬فقال‪{ :‬وإ ّ‬
‫ويظ هر أ نه من أ هل دعوت كم وملت كم‪ ,‬و هو منا فق يبطىء من أطا عه من كم عن جهاد عدوّ كم‬
‫صيَبةٌ} يقول‪ :‬فإن أصابتكم هزيمة‪ ,‬أو نالكم قتل أو‬
‫وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم‪{ .‬فإنْ أصَابَ ْت ُكمْ مُ ِ‬
‫جراح من عدوّكم‪ ,‬قال‪ :‬قد أنعم ال عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا‪ ,‬فيصيبني جراح أو ألم أو قتل‪,‬‬
‫و سرّه تخل فه عن كم شما تة ب كم‪ ,‬ل نه من أ هل الش كّ في و عد ال الذي و عد المؤمن ين على ما‬
‫نالهم في سبيله من الجر والثواب وفي وعيده‪ ,‬فهو غير راج ثوابا ول خائف عقابا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7935‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ف نُ ْؤتِي ِه أجْرا‬
‫ن فَإنْ أصَا َبتْ ُكمْ ُمصِيبَةٌ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬فَسَ ْو َ‬
‫طئَ ّ‬
‫ن َل ُيبَ ّ‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬وَإنّ ِم ْن ُكمْ َلمَ ْ‬
‫عظِيما} ما بين ذلك في المنافقين‪.‬‬
‫َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ن ِم ْنكُ مْ َلمَ نْ‬
‫‪ 7936‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَإ ّ‬
‫ن أصَا َب ْت ُكمْ ُمصِيبَ ٌة قال َقدْ أ ْنعَ َم اللّ ُه عليّ إ ْذ َلمْ أكُنْ‬
‫طئَنّ} عن الجهاد والغزو في سبيل ال‪{ .‬فَإ ْ‬
‫َل ُيبَ ّ‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬هذا قول مكذّبٍ‪.‬‬
‫َم َعهُمْ َ‬
‫‪ 7937‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ :‬المنا فق‬
‫ن أصَابَ ْت ُكمْ مُصِيبَةٌ} قال‪ :‬بقتل العد ّو من‬
‫يبطىء المسلمين عن الجهاد في سبيل ال‪ ,‬قال ال‪{ :‬فَإ ْ‬
‫شهِيدا} قال‪ :‬هذا قول الشامت‪.‬‬
‫ن َم َعهُمْ َ‬
‫المسلمين‪{ ,‬قَالَ َقدْ أ ْنعَ َم اللّهُ عَليّ إ ْذ َلمْ أكُ ْ‬
‫ن أ صَا َب ْتكُمْ‬
‫‪ 7938‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬فَإ ْ‬
‫ُمصِيبَةٌ} قال‪ :‬هزيمة‪.‬‬
‫ودخلت اللم في قوله {َلمَ نْ} وفت حت لن ها اللم ال تي تد خل توكيدا لل خبر مع «إن»‪ ,‬كقول‬
‫القائل‪ :‬إن في الدار لمن يكرمك‪ ,‬وأما اللم الثانية التي في‪َ{ :‬ل ُيبَطّـئَنّ} فدخلت لجواب القسم‪,‬‬
‫كأن معنى الكلم‪ :‬وإن منكم أيها القوم لمن وال لبطئن‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َب ْينَكُ مْ َو َب ْينَ هُ‬
‫ن َكأَن لّ مْ َتكُ ْ‬
‫ن ال َليَقُولَ ّ‬
‫{وََل ِئ نْ أَ صَا َبكُ ْم فَضْلٌ مِ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ت َم َع ُهمْ فََأفُوزَ فَوْزا َ‬
‫مَ َودّ ٌة يَلَي َتنِي كُن ُ‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪{ :‬وََلئِن ْـ أصـَابَ ُكمْ َفضْلٌ مِنَـ اللّهـِ}‪ :‬ولئن أظفركـم ال بعدوّكـم‪ ,‬فأصـبتم منهـم‬
‫ن لَ ْم َتكُ نْ‬
‫غنيمة ‪َ{ ¹‬ليَقُولَ نّ} هذا المبطىء المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل ال المنافق {كأ ْ‬
‫عظِيما}‪ .‬وهذا‬
‫َب ْي َنكُ مْ َو َب ْينَ هُ مَودّ ٌة يا َل ْي َتنِي ُكنْ تُ َم َعهُ مْ فَأفُوزَ} بما أصيب معهم من الغنيمة {فَوْزا َ‬
‫خبر من ال تعالى ذكره عن هؤلء المنافق ين أن شهود هم الحرب مع الم سلمين إن شهدو ها‬
‫ك الذي في قوبلهم‪ ,‬وأنهم ل يرجون لحضورها ثوابا ول‬
‫لطلب الغنيمة‪ ,‬وإن تخلفوا عنها فللش ّ‬
‫يخافون بالتخلف عنهـا مـن ال عقابـا‪ .‬وكان قتادة وابـن جريـج يقولن‪ :‬إنمـا قال مـن قال مـن‬
‫المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين‪ :‬يا ليتني كنت معهم‪ ,‬حسدا منهم لهم‪.‬‬
‫‪ 7939‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وََلئِ نْ‬
‫أ صَا َبكُمْ َفضْلٌ مِ نَ الّل ِه َليَقُولَ نّ كأ نْ لَ مْ َتكُ نْ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْينَ ُه مَ َودّ ٌة يا َل ْيتَنِي ُكنْ تُ َم َعهُ مْ فأفُوزَ فَوْزا‬
‫عظِيما} قال‪ :‬قول حاسد‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 7940‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪{ :‬وََل ِئ نْ‬
‫أ صَا َبكُمْ َفضْلٌ مِ نَ الّل هِ} قال‪ :‬ظهور المسلمين على عدوّهم‪ ,‬فأصابوا الغنيمة {َليَقُولَ نّ} {يا َل ْي َتنِي‬
‫عظِيما} قال‪ :‬قول الحاسد‪.‬‬
‫ُكنْتُ َم َع ُهمْ فَأفُوزَ فَوْزا َ‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَةِ َومَن‬
‫لِ‬‫حيَاةَ ال ّد ْنيَا بِا َ‬
‫ن ا ْل َ‬
‫شرُو َ‬
‫ل اللّ ِه اّلذِي نَ َي ْ‬
‫سبِي ِ‬
‫{فَ ْليُقَاتِلْ فِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ب فَسَ ْوفَ ُن ْؤتِيهِ َأجْرا َ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه َفيُ ْقتَلْ أَو َيغْلِ ْ‬
‫يُقَاتِلْ فِي َ‬
‫وهذا ح ضّ من ال المؤمنين على جهاد عدوّه من أهل الكفر به على أحايينهم غالبين كانوا‬
‫أو مغلوبين‪ ,‬والتهاون بأحوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين‪ ,‬وقع جهادهم إياهم‬
‫ل اللّهِ}‬
‫سبِي ِ‬
‫مغلوبين كانوا أو غالبين ‪ ¹‬منزلة من ال رفيعة‪ .‬يقول ال لهم جلّ ثناؤه‪{ :‬فَ ْليُقاتِلْ فِي َ‬
‫شرُونَ الحَيا َة ال ّدنْيا‬
‫يعني‪ :‬في دين ال والدعاء إليه والدخول فيما أمر به أهل الكفر به‪{ ,‬اّلذِينَ َي ْ‬
‫لخِرَةِ} يعني‪ :‬الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الَخرة وما وعد ال أهل طاعته فيها‪ .‬وبيعهم‬
‫با َ‬
‫إياها بها‪ ,‬إنفاق هم أموالهم في طلب رضا ال‪ ,‬كجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دي نه‪,‬‬
‫ل فِي‬
‫وبذل هم مهج هم له في ذلك‪ .‬أ خبر جلّ ثناؤه ب ما ل هم في ذلك إذا فعلوه‪ ,‬فقال‪َ { :‬ومَ نْ يُقاتِ ْ‬
‫عظِيما} يقول‪ :‬ومن يقاتل في طلب إقامة دين ال‬
‫سبِيلِ اللّ ِه َفيْ ْقتَلْ أ ْو َيغْلِ بْ فَ سَ ْوفَ ُن ْؤتِي هِ أجْرا َ‬
‫َ‬
‫وإعلء كلمة ال أعداء ال‪ ,‬فيقتل‪ ,‬يقول‪ :‬فيقتله أعداء ال أو يغلبهم‪ ,‬فيظفر بهم ‪{ ¹‬فَ سَ ْوفَ نُ ْؤتِي هِ‬
‫عظِي ما} يقول‪ :‬فسوف نعط يه في الَخرة ثوا با وأجرا عظي ما‪ .‬وليس لما سمي جلّ ثناؤه‬
‫أجْرا َ‬
‫عظيما مقدار يعرف مبلغه عباد ال‪ .‬وقد دللنا على أن الغلب على معنى «شريت» في كلم‬
‫العرب «بعت» بما أغنى‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪7941‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫لخِرَةِ} يقول‪ :‬يبيعون الحياة الدنيا بالَخرة‪.‬‬
‫ن الحَياةَ ال ّدنْيا با َ‬
‫شرُو َ‬
‫ن َي ْ‬
‫سبِيلِ الّلهِ اّلذِي َ‬
‫ل فِي َ‬
‫{فَلْيُقاتِ ْ‬
‫حيَا َة ال ّدنْيَا‬
‫‪ 7942‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪َ { :‬يشْرُو نَ ال َ‬
‫لخِرَةِ} فيشري‪ :‬يبيع‪ ,‬ويشري‪ :‬يأخذ‪ ,‬وإن الحمقى باعوا الدنيا بالَخرة‪.‬‬
‫با َ‬

‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِ نَ ال ّرجَالِ‬
‫س َتضْعَفِي َ‬
‫سبِيلِ اللّ هِ وَا ْلمُ ْ‬
‫ن فِي َ‬
‫{ َومَا َلكُ مْ لَ تُقَاتِلُو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل ّلنَا مِن ّل ُدنْ كَ‬
‫جعَ ْ‬
‫جنَا مِ نْ هَـذِهِ ا ْل َقرْيَ ِة الظّالِ مِ أَهُْلهَا وَا ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫ن َر ّبنَآ َأ ْ‬
‫وَالنّ سَآءِ وَا ْلوِ ْلدَا نِ اّلذِي نَ يَقُولُو َ‬
‫جعَلْ ّلنَا مِن ّل ُد ْنكَ َنصِيرا }‪..‬‬
‫وَِليّا وَا ْ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬و ما ل كم أي ها المؤمنون ل تقاتلون في سبيل ال‪ ,‬و في الم ستضعفين‪,‬‬
‫يقول‪ :‬عن الم ستضعفين من كم من الرجال والن ساء والولدان‪ .‬فأ ما من الرجال فإن هم كانوا قد‬
‫أسلموا بمكة‪ ,‬فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم وآذوهم ونالوهم بالعذاب والمكاره في‬
‫ض ال المؤمن ين على ا ستنقاذهم من أيدي من قد غلب هم على‬
‫أبدان هم‪ ,‬ليفتنو هم عن دين هم‪ .‬فح ّ‬
‫أنف سهم من الكفار‪ ,‬فقال ل هم‪ :‬و ما شأن كم ل تقاتلون في سبيل ال و عن م ستضعفي أ هل دين كم‬
‫وملتكـم الذ ين قـد اسـتضعفهم الكفار فاسـتذلوهم ابتغاء فتنتهـم و صدّهم عن دين هم مـن الرجال‬
‫خ ِرجْنا ِم نَ هذ هِ ال َق ْريَ ِة الظّالِ مِ‬
‫والنساء؟ والولدان جمع ولد‪ :‬وهم الصبيان‪{ .‬اّلذِي نَ يَقُولو نَ َربّنا أ ْ‬
‫أهْلُها} يعني بذلك أن هؤلء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون في دعائهم ربهم‬
‫بأن ينجي هم من فت نة من قد ا ستضعفهم من المشرك ين‪ :‬يا رب نا أخرج نا من هذه القر ية الظالم‬
‫أهلها ـ والعرب تسمي كلّ مدينة قرية يعني‪ :‬التي قد ظلمتنا وأنفسها وأهلها‪ .‬وهي في هذا‬
‫المو ضع في ما ف سر أ هل التأو يل م كة وخ فض الظالم‪ ,‬ل نه من صفة ال هل‪ ,‬و قد عادت الهاء‬
‫واللف اللتان فيه على القرية‪ ,‬وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة السم الذي معه عائد لسم‬
‫قبل ها أتب عت إعراب ها إعراب ال سم الذي قبل ها كأن ها صفة له‪ ,‬فتقول‪ :‬مررت بالر جل الكر يم‬
‫جعَلْ لَنا مِ نْ َل ُدنْ كَ وَِليّا} يع ني أنهم يقولون أي ضا في دعائهم‪ :‬يا ربنا واج عل لنا من‬
‫أبوه‪{ .‬وَا ْ‬
‫ن َل ُدنْ كَ‬
‫ل لَ نا مِ ْ‬
‫جعَ ْ‬
‫عندك وليّا‪ ,‬يلي أمر نا بالكفا ية م ما ن حن ف يه من فت نة أ هل الك فر بك‪{ .‬وَا ْ‬
‫نَصيرا} يقولون‪ :‬واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم‬
‫أهلها‪ ,‬بصدّهم إيانا عن سبيلك‪ ,‬حتى تظفرنا بهم ونُعلي دينك‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7943‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫خ ِرجْنا مِ نْ َه ِذ هِ ال َق ْريَةِ‬
‫ن اّلذِي نَ يَقُولُو نَ َربّنا أ ْ‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬مِ نَ الرّجالِ والنّساءِ وَالوِلْدا ِ‬
‫الظّالِمِ أهْلُها} قال‪ :‬أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفي المؤمنين كانوا بمكة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫ن َهذِ هِ‬
‫خ ِرجْ نا مِ ْ‬
‫ن رَبّ نا أ ْ‬
‫ن الرّجالِ وَالنّ ساءِ والوِلْدا نِ} ال صبيان {اّلذِي نَ َيقُولُو َ‬
‫ن مِ َ‬
‫ستَضْعفِي َ‬
‫{وَالمْ ْ‬
‫ال َق ْريَةِ الظّاِلمِ أهْلُها} مكة‪ ,‬أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة‪.‬‬
‫‪7944‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن الرّجالِ والنّ ساءِ وَالوِلْدا نِ اّلذِي نَ َيقُولُو نَ‬
‫ن مِ َ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫سبِيلِ الّل هِ وَالمُ ْ‬
‫ن فِي َ‬
‫{وَما َلكُ مْ ل تُقاتِلُو َ‬
‫ِمـ أهْلُهـا} يقول‪ :‬ومـا لكـم ل تقاتلون فـي سـبيل ال وفـي‬
‫ِهـ ال َق ْريَةِ الظّال ِ‬
‫ِنـ َهذ ِ‬
‫خ ِرجْنـا م ْ‬
‫َربّنـا أ ْ‬
‫المستضعفين‪ ,‬وأما القرية‪ :‬فمكة‪.‬‬
‫‪ 7945‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا المبارك‪ ,‬عن عثمان بن‬
‫ضعَفِينَ}‬
‫س َت ْ‬
‫سبِيلِ اللّ هِ والمُ ْ‬
‫ن فِي َ‬
‫عطاء‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَما َلكُ مْ ل تُقاتِلُو َ‬
‫قال‪ :‬وفي المستضعفين‪.‬‬
‫‪7946‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عبد‬
‫سبِيلِ الّل هِ‬
‫ال بن كث ير‪ ,‬أ نه سمع مح مد بن م سلم بن شهاب يقول‪{ :‬وَ ما َلكُ مْ ل تُقاتِلُو نَ فِي َ‬
‫ن الرّجال وَالنّساءِ وَالوِ ْلدَانِ} قال‪ :‬في سبيل ال وسبيل المستضعفين‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫س َتضْعَفِي َ‬
‫وال ُم ْ‬
‫‪ 7947‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‬
‫ن َهذِهِ ال َق ْريَةِ الظّالِمِ أهْلُها} قال‪ :‬خرج رجل من القرية الظالمة إلى‬
‫خ ِرجْنا مِ ْ‬
‫وقتادة‪ ,‬في قوله‪َ{ :‬أ ْ‬
‫القر ية ال صالحة‪ ,‬فأدر كه الموت في الطر يق‪ ,‬فنأي ب صدره إلى القر ية ال صالحة‪ ,‬فاحتجّت ف يه‬
‫ملئكـة الرحمـة وملئكـة العذاب‪ ,‬فأمروا أن يقدّروا أقرب القريتيـن إليـه‪ ,‬فوجدوه أقرب إلى‬
‫القرية الصالحة بشبر‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬قرّب ال إليه القرية الصالحة‪ ,‬فتوفته ملئكة الرحمة‪.‬‬
‫‪ 7948‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن مِ نَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدا نِ} هم أناس مسلمون كانوا بمكة‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَالُم ْ‬
‫ن َهذِ هِ‬
‫ل يستطيعون أن يخرجوا منها ليهاجروا‪ ,‬فعذرهم ال‪ ,‬وفيهم نزل قوله‪َ { :‬ربّنا أخْ ِرجْنا مِ ْ‬
‫ال َق ْريَةِ الظّاِلمِ أهْلُها} فهي مكة‪.‬‬
‫‪7949‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَما َل ُكمْ ل تُقاتِلُونَ‬
‫ن َهذِ هِ‬
‫خ ِرجْنا ِم ْ‬
‫ن يَقُولُو نَ َربّنا أ ْ‬
‫ن مِ نَ الرّجالِ والنّساءِ وَالوِلْدا نِ اّلذِي َ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫سبِيلِ الّل ِه والمُ ْ‬
‫فِي َ‬
‫ال َق ْريَةِ الظّالِ مِ أهْلُ ها} قال‪ :‬و ما ل كم ل تفعلون‪ ,‬تقاتلون لهؤلء الضعفاء الم ساكين الذ ين يدعون‬
‫ال بأن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها‪ ,‬فهم ليس لهم قوّة؟ فما لكم ل تقاتلون حتى يسلم‬
‫ل هؤلء ودينهم؟ قال‪ :‬والقرية الظالم أهلها‪ :‬مكة‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِي‬
‫ن كَ َفرُواْ يُقَاتِلُو َ‬
‫سبِيلِ الّل هِ وَاّلذِي َ‬
‫ن فِي َ‬
‫ن آ َمنُواْ ُيقَاتِلُو َ‬
‫{اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ضعِيفا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫ش ْيطَانِ كَا َ‬
‫ش ْيطَانِ ِإنّ َك ْيدَ ال ّ‬
‫ت فَقَاتِلُوَاْ َأوِْليَاءَ ال ّ‬
‫سبِيلِ الطّاغُو ِ‬
‫َ‬
‫يعني تعالى ذكره‪ :‬الذين صدّقوا ال ورسوله وأيقنوا بموعود ال لهل اليمان به‪{ ,‬يقاتلو نَ‬
‫فِي سبيلِ الّل هِ} يقول‪ :‬في طاعة ال ومنهاج دينه وشريعته التي شرعها لعباده‪{ .‬وَاّلذِي نَ كَ َفرُوا‬
‫ن فِي سَبيلِ الطّاغُو تِ} يقول‪ :‬والذ ين جحدوا وحدان ية ال وكذّبوا ر سوله و ما جاء هم به‬
‫يُقاتِلُو َ‬
‫ل الّطاغُو تِ} يعني‪ :‬في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي‬
‫سبِي ِ‬
‫ن في َ‬
‫من عند ربهم‪{ ,‬يُقَاتِلُو َ‬
‫شرعه لوليائه من أهل الكفر بال‪ .‬يقول ال مقوّيا عزم المؤمنين به من أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ومحرّض هم على أعدائه وأعداء دي نه من أ هل الشرك به‪{ .‬فَقاتِلُوا} أي ها‬
‫ش ْيطَانـِ} يعنـي بذلك‪ :‬الذيـن يتولونـه ويطيعون أمره فـي خلف طاعـة ال‬
‫المؤمنون {أوِْليَاءَ ال ّ‬
‫ن كا نَ ضعِيفا} يعني بكيده‪ :‬ما كاد به المؤمنين من‬
‫شيْطَا ِ‬
‫ن كي َد ال ّ‬
‫والتكذيب به‪ ,‬وينصرونه‪{ .‬وإ ّ‬
‫تحزيبـه أولياءه مـن الكفار بال على رسـوله وأوليائه أهـل اليمان بـه‪ .‬يقول‪ :‬فل تهابوا أولياء‬
‫الشيطان‪ ,‬فإن ما هم حز به وأن صاره‪ ,‬وحزب الشيطان أ هل و هن وض عف‪ .‬وإن ما و صفهم جلّ‬
‫ثناؤه بالضعـف‪ ,‬لنهـم ل يقاتلون رجاء ثواب‪ ,‬ول يتركون القتال خوف عقاب‪ ,‬وإنمـا يقاتلون‬
‫حم ية أو ح سدا للمؤمن ين على ما آتا هم ال من فضله‪ ,‬والمؤمنون يقا تل من قا تل من هم رجاء‬
‫العظ يم من ثواب ال‪ ,‬ويترك القتال إن تر كه على خوف من وع يد ال في تر كه‪ ,‬ف هو يقا تل‬
‫على ب صيرة ب ما له ع ند ال إن ق تل‪ ,‬وب ما له من الغني مة والظ فر إن سلم‪ .‬والكا فر يقا تل على‬
‫حذر من القتل‪ ,‬وإياس من معاد‪ ,‬فهو ذو ضعف وخوف‪ .‬القول في تأويل قوله تعالى‪7950 :‬ـ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫حذْ َركُ مْ فانْ ِفرُوا ثُبا تٍ} يقول‪ :‬عصبا‪ ,‬يعني‪ :‬سرايا متفرّقين‪{ ,‬أوِ انْ ِفرُوا‬
‫خذُوا ِ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ُ { :‬‬
‫جمِيعا يعني كلكم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 7951‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} قال‪ :‬فرقا قليلً قليلً‪.‬‬
‫‪ 7952‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬فانْ ِفرُوا‬
‫ثُباتٍ} قال‪ :‬الثبات‪ :‬الفرق‪.‬‬
‫حدثنا الحسين بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪7953‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫جمِيعا} مع النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} فهي العصبة‪ ,‬وهي الثبة‪{ .‬أ ِو انْ ِفرُوا َ‬
‫‪ 7954‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬فانْ ِفرُوا ثُباتٍ} يعني‪ :‬عصبا متفرّقين‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن قِيلَ َلهُ مْ كُفّوَ ْا َأ ْي ِد َيكُ مْ وََأقِيمُو ْا ال صّلَةَ وَآتُواْ‬
‫{أَلَ مْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيَةً َوقَالُواْ‬
‫خْ‬‫شدّ َ‬
‫شيَةِ الّل ِه أَ ْو َأ َ‬
‫خْ‬‫خشَوْ نَ النّا سَ َك َ‬
‫ق ّم ْنهُ مْ َي ْ‬
‫ل ِإذَا َفرِي ٌ‬
‫ال ّزكَا َة فَلَمّا ُكتِ بَ عََل ْيهِ مُ الْ ِقتَا ُ‬
‫خيْرٌ ّل َم نِ‬
‫خرَ ُة َ‬
‫لِ‬‫ى َأجَلٍ َقرِي بٍ قُلْ َمتَا عُ ال ّدنْيَا قَلِيلٌ وَا َ‬
‫خ ْرتَنَا إَِل َ‬
‫َربّنَا لِ َم َك َتبْ تَ عََليْنَا ا ْل ِقتَالَ لَوْل َأ ّ‬
‫ن َفتِيلً }‪..‬‬
‫اتّ َقىَ َولَ ُتظَْلمُو َ‬
‫ذكر أن هذه الَية نزلت في قوم من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا قد آمنوا‬
‫به وصدّقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد‪ ,‬وقد فرض عليهم الصلة والزكاة‪ ,‬وكانوا يسألون ال‬
‫أن يفرض عليهـم القتال‪ ,‬فلمـا فرض عليهـم القتال شقّـ عليهـم ذلك وقالوا مـا أخـبر عنهـم فـي‬
‫كتابه‪.‬‬
‫فتأويل قوله‪{ :‬ألَ ْم َترَ إلى اّلذِي نَ قِيلَ َلهُ ْم كُفّوا أ ْي ِديَكُ مْ}‪ :‬ألم تر بقلبك يا محمد فتعلم إلى الذ ين‬
‫قيـل لهـم مـن أصـحابك حيـن سـألوك أن تسـأل ربـك أن يفرض عليهـم القتال‪ :‬كفوا أيديكـم‪,‬‬
‫فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم‪{ .‬وَأقِيمُوا الصّلةَ} يقول‪ :‬وأدوا الصلة التي فرضها ال‬
‫علي كم بحدود ها‪{ .‬وآتُوا الزّكاةَ} يقول‪ :‬وأعطوا الزكاة أهل ها‪ ,‬الذ ين جعل ها ال ل هم من أموال كم‪,‬‬
‫تطهيرا لبدانكم وأموالكم ‪ ¹‬كرهوا ما أمروا به من كفّ اليدي عن قتال المشركين‪ ,‬وش قّ ذلك‬
‫علي هم‪{ .‬فَلَمّا ُكتِ بَ عََل ْيهِ مُ القِتالُ} يقول‪ :‬فل ما فرض علي هم القتال الذي كانوا سألوا أن يفرض‬
‫ن النّا سَ} يقول‪ :‬يخافون الناس أن يقاتلوهم‪,‬‬
‫خشَوْ َ‬
‫عليهم‪{ ,‬إذَا فرِي قٌ ِم ْنهُ مْ} يعني‪ :‬جماعة منهم { َي ْ‬
‫شيَةً} أو أشدّ خوفا‪َ { .‬وقَالُوا} جزعا من القتال الذي فرض ال عليهم‪{ :‬لِمَ‬
‫خْ‬‫شدّ َ‬
‫شيَ ِة اللّهِ أ ْو أ َ‬
‫{كخَ ْ‬
‫ْتـ عََليْنـا القِتالَ}‪ :‬لم فرضـت علينـا القتال‪ ,‬ركونـا منهـم إلى الدنيـا‪ ,‬وإيثارا للدعـة فيهـا‬
‫َك َتب َ‬
‫خ ْرتَنا} يخبر عنهم‪ ,‬قالوا‪ :‬هل‬
‫والخَ ْفضَ‪ ,‬على مكروه لقاء العدوّ‪ ,‬ومشقة حربهم وقتالهم‪{ .‬لَوْل أ ّ‬
‫ل قَرِيبٍ} يعني‪ :‬إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم‪.‬‬
‫أخرتنا {إلى أجَ ٍ‬
‫وبن حو الذي قل نا إن هذه الَ ية نزلت ف يه قال أ هل التأو يل‪ .‬ذ كر الَثار بذلك‪ ,‬والروا ية ع من‬
‫قاله‪:‬‬
‫‪ 7955‬ـ حدثنا محمد بن عل يّ بن الحسن بن شقيق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الحسين بن‬
‫واقد‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا‬
‫له أتوا النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬كنا في ع ّز ونحن مشركون‪ ,‬فلما آمنا‬
‫صرنا أذلة! فقال‪« :‬إنّى ُأ ِمرْ تُ بالعَ ْفوِ فَل تُقاتِلُوا» فلما حوّله ال إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا‪,‬‬
‫ل َل ُهمْ كُفّوا أ ْي ِد َيكُمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن قِي َ‬
‫فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬أَلمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫‪7956‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪{ :‬ألَمْ‬
‫ن قِيلَ َل ُهمْ كُفّوا أ ْي ِد َيكُمْ} عن الناس‪{ ,‬فََلمّا ُكتِبَ عََل ْي ِهمُ القِتالُ إذَا فَرِيقٌ ِم ْنهُمْ} نزلت في‬
‫َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫أناس من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬قال ا بن جر يج‪ :‬وقوله‪{ :‬وَقالُوا َربّ نا لِ مَ‬
‫خ ْرتَنا إلى أجَلٍ َقرِيبٍ} قال‪ :‬إلى أن نموت موتا هو الجل القريب‪.‬‬
‫َك َتبْتَ عََليْنا القِتالَ َلوْل أ ّ‬
‫‪ 7957‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قوله‪{ :‬ألَ ْم تَ َر إلى‬
‫اّلذِينَ قِيلَ َلهُمْ كُفّوا أ ْيدِ َيكُمْ وأقِيمُوا الصّلةَ} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬إلى أجَلٍ َقرِيبٍ} قال‪ :‬كان أناس من‬
‫أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬و هو يومئذ بم كة ق بل الهجرة‪ ,‬ت سرعوا إلى القتال‪,‬‬
‫فقالوا لنبيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين بمكة! فنهاهم نبيّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ ,‬قال‪« :‬لم أؤ َمرْ بذَلِ كَ»‪ .‬فلما كانت الهجرة وأمر بالقتال‪ ,‬كره‬
‫خ ْيرٌ‬
‫خرَةُ َ‬
‫لِ‬‫القوم ذلك‪ ,‬فصنعوا فيه ما تسمعون‪ ,‬فقال ال تبارك وتعالى‪{ :‬قُلْ مَتاعُ ال ّدنْيا قَلِيلٌ وا َ‬
‫ن فَتِيلً}‪.‬‬
‫ن اتّقَى وَل ُتظَْلمُو َ‬
‫ِلمَ ِ‬
‫‪7958‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن قِيلَ َلهُمْ كُفّوا أ ْي ِد َيكُمْ وأقِيمُوا الصّلةَ وآتُوا الزّكاةَ} قال‪ :‬هم قوم أسلموا قبل أن‬
‫{ألَمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫القتال ‪¹‬‬ ‫يفرض علي هم القتال‪ ,‬ولم ي كن علي هم إل ال صلة والزكاة‪ ,‬ف سألوا ال أن يفرض علي هم‬
‫شيَةً}‪ ...‬الَية‪ ,‬إلى‪:‬‬
‫خْ‬‫شدّ َ‬
‫شيَةِ الّلهِ أوْ أ َ‬
‫خْ‬‫ن النّاسَ ك َ‬
‫خشَوْ َ‬
‫ل إذَا َفرِيقٌ ِم ْنهُمْ َي ْ‬
‫{فَلَمّا ُكتِبَ عََل ْيهِمُ القِتا ُ‬
‫خ ْيرٌ ِلمَن اتّقَى}‪.‬‬
‫لخِرَ ُة َ‬
‫{ألى أجَلٍ َقرِيبٍ} وهو الموت‪ ,‬قال ال‪{ :‬قُلْ مَتاعُ ال ّدنْيا قَلِيلٌ وا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه وآيات بعدها في اليهود‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7959‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪:‬‬
‫شيْطانَ إلّ قَلِيلً}‬
‫ن قِيلَ َلهُمْ كُفّوا أ ْي ِد َيكُمْ وأقِيمُوا الصّلةَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬ل ّت َبعْتُمُ ال ّ‬
‫{ألَمْ َترَ إلى اّلذِي َ‬
‫ما بين ذلك في اليهود‪.‬‬
‫‪ 7960‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ل إذَا فَرِي قٌ م ْنهُ مْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬لِ مَ َك َتبْ تَ عََليْنا القِتالَ}‪ :‬نهى‬
‫ابن عباس‪{ :‬فََلمّا ُكتِ بَ عََل ْيهِ مُ القِتا ُ‬
‫ال تبارك وتعالى هذه المة أن يصنعوا صنيعهم‪.‬‬
‫خيْرٌ ِل َمنِ اتّقَى وَل ُتظَْلمُونَ َفتِيلً}‪.‬‬
‫خرَ ُة َ‬
‫لِ‬‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ مَتاعُ ال ّدنْيا قَلِيلٌ وا َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬قُلْ مَتا عُ ال ّدنْ يا قَلِيلٌ}‪ :‬قل يا مح مد لهؤلء القوم الذ ين قالوا {رَبّ نا لِ مَ‬
‫يع ني بقوله ج ّ‬
‫ل قَرِي بٍ} عيشكم في الدنيا وتمتعكم بها قليل‪ ,‬لنها فانية‪,‬‬
‫خ ْرتَنا إلى أجَ ٍ‬
‫َك َتبْ تَ عََليْنا القِتالَ َلوْل أ ّ‬
‫خ ْيرٌ} يع ني‪ :‬ونع يم الَخرة خ ير‪ ,‬لن ها باق ية‪ ,‬ونعيم ها باق دائم‪ .‬وإن ما‬
‫خرَةُ َ‬
‫لِ‬‫و ما في ها فان‪{ ,‬وا َ‬
‫قيل‪ :‬والَخرة خير ومعنى الكلم ما وصفت من أنه معنى به نعيمها‪ ,‬لدللة ذكر الَخرة بالذي‬
‫ذكرت بـه على المعنـى المراد منـه {ل من اتّقَى} يعنـي‪ :‬لمـن اتقـى ال بأداء فرائضـه واجتناب‬
‫ن َفتِيلً} يع ني‪ :‬ول ينق صكم ال من أجور أعمالكم‬
‫معاصيه‪ ,‬فأطا عه في كل ذلك‪{ .‬وَل ُتظَْلمُو َ‬
‫ل‪ ¹‬وقد بينا معنى الفتيل فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا‪.‬‬
‫فتي ً‬
‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شيّدَ ٍة وَإِن‬
‫ج ّم َ‬
‫{َأ ْينَمَا َتكُونُواْ ُي ْدرِككّ مُ ا ْلمَ ْو تُ وََلوْ كُنتُ مْ فِي ُبرُو ٍ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫س ّيئَ ٌة يَقُولُواْ هَـذِهِ ِم نْ عِندِ كَ قُلْ كُلّ ّم نْ‬
‫ص ْب ُهمْ َ‬
‫سنَةٌ يَقُولُو ْا هَـذِ ِه مِ نْ عِندِ اللّ هِ وَإِن تُ ِ‬
‫ص ْبهُمْ حَ َ‬
‫تُ ِ‬
‫حدِيثا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫ن يَفْ َقهُو َ‬
‫عِندِ الّلهِ َفمَا ِلهَـؤُل ِء الْ َق ْومِ لَ َيكَادُو َ‬
‫ش ّيدَةٍ} يقول‪:‬‬
‫ج ُم َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬حيثما تكونوا ينلكم الموت فتموتوا‪{ ,‬ولَ ْو ُك ْنتُمْ في ُبرُو ٍ‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫ل تجزعوا من الموت ول تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوّ كم حذرا على أنف سكم من‬
‫القتل والموت‪ ,‬فإن الموت بإزائكم أين كنتم‪ ,‬وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصنتم منه‬
‫بالحصون المنيعة‪.‬‬
‫ش ّيدَةٍ} فقال بعض هم‪ُ :‬يعْنَى به‪:‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في مع نى قوله‪{ :‬وَلَ ْو ُك ْنتُ مْ فِي ُبرُو جٍ ُم َ‬
‫قصور محصنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7961‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وََلوْ ُك ْنتُ مْ فِي‬
‫ش ّيدَةٍ} يقول‪ :‬في قصور محصنة‪.‬‬
‫ُبرُوجٍ ُم َ‬
‫ي بن سهل‪,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل بن إسماعيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو همام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫‪7962‬ـ حدثني عل ّ‬
‫كثير أبو الفضل‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كان فيمن قبلكم امرأة‪ ,‬وكان لها أجير‪ ,‬فولدت جارية فقالت‬
‫لجيرها‪ :‬اقتبس لنا نارا! فخرج فوجد بالباب رجلً‪ ,‬فقال له الرجل‪ :‬ما ولدت هذه المرأة؟ قال‪:‬‬
‫جار ية‪ ,‬قال‪ :‬أ ما إن هذه الجار ية ل تموت حتى تب غي بمائة‪ ,‬ويتزوّج ها أجير ها‪ ,‬ويكون موتها‬
‫بالعنكبوت‪ .‬قال‪ :‬فقال الج ير في نف سه‪ :‬فأ نا أر يد هذه ب عد أن تف جر بمائة‪ .‬فأ خذ شفرة فد خل‪,‬‬
‫ل من سواحل الب حر‪,‬‬
‫فش قّ ب طن ال صبية‪ .‬وعول جت فبرئت‪ ,‬فش بت‪ ,‬وكا نت تب غي‪ ,‬فأ تت ساح ً‬
‫فأقامت عليه تبغي‪ .‬ولبث الرجل ما شاء ال‪ ,‬ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير‪ ,‬فقال لمرأة‬
‫من أ هل ال ساحل‪ :‬أبغي ني امرأة من أج مل امرأة في القر ية أتزوّج ها! فقالت‪ :‬هه نا امرأة من‬
‫أجمل الناس‪ ,‬ولكنها تبغي‪ .‬قال‪ :‬ائتِني بها! فأتتها فقالت‪ :‬قد قدم رجل له مال كثير‪ ,‬وقد قال لي‬
‫كذا‪ ,‬فقلت له كذا‪ .‬فقالت‪ :‬إني قد تركت البغاء‪ ,‬ولكن إن أراد تزوّجته‪ .‬قال‪ :‬فتزوّجها‪ ,‬فوقعت‬
‫منه موقعا‪ ,‬فبينا هو يوما عندها‪ ,‬إذ أخبرها بأمره‪ ,‬فقالت‪ :‬أنا تلك الجارية ـ وأرته الش قّ في‬
‫بطنهـا وقـد كنـت أبغـي‪ ,‬فمـا أدري بمائة أو أقلّ أو أكثـر ‪ ¹‬قال‪ :‬فإنـه قال لي‪ :‬يكون موتهـا‬
‫بالعنكبوت‪ .‬قال‪ :‬فبني لها برجا بالصحراء وشيده‪ .‬فبينما هما يوما في ذلك البرج‪ ,‬إذا عنكبوت‬
‫في السقف فقالت‪ :‬هذا يقتلني؟ ل يقتله أحد غيري! فحركته فسقط‪ ,‬فأتته فوضعت إبهام رجلها‬
‫عليه فشدخته‪ ,‬وساح سمه بين ظفرها واللحم‪ ,‬فاسودّت رجلها فماتت‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪{ :‬إ ْينَما‬
‫شيّدَةٍ}‪.‬‬
‫ج ُم َ‬
‫َتكُونُوا ُيدْ ِر ْك ُكمُ المَوْتُ وََل ْو ُك ْنتُمْ فِي ُبرُو ٍ‬
‫‪ 7963‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪{ :‬وََلوْ ُك ْنتُ مْ فِي‬
‫ش ّيدَةٍ} قال‪ :‬قصور مشيدة‪.‬‬
‫ُبرُوجٍ ُم َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬قصور بأعيانها في السماء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7964‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ج ُمشَ ّيدَةٍ} و هي ق صور ب يض في سماء الدن يا‬
‫{إ ْينَ ما َتكُونُوا ُي ْد ِركْكُ مُ المَوْ تُ وَلَ ْو ُك ْنتُ مْ فِي ُبرُو ٍ‬
‫مبنية‪.‬‬
‫‪7965‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو‬
‫ش ّيدَةٍ} يقول‪ :‬ولو‬
‫ج ُم َ‬
‫جعفر‪ ,‬عن الربيع في قوله‪{ :‬إ ْينَما َتكُونُوا ُيدْ ِر ْككُمُ ال َموْتُ وََلوْ ُك ْنتُمْ فِي ُبرُو ٍ‬
‫كنتم في قصور في السماء‪.‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في مع نى المشيدة‪ ,‬فقال ب عض أ هل الب صرة من هم‪ :‬المشيدة‪ :‬الطويلة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما المَشيد بالتخفيف‪ ,‬فإنه المزين‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم نحو ذلك القول‪ ,‬غير أنه قال‪ :‬المَشيد بالتخفيف‪ :‬المعمول بالشّيد‪ ,‬والشّيد‪:‬‬
‫الجصّ‪ .‬وقال بعض أهل الكوفة‪ :‬ال َمشِيد والمُشيّد أصلهما واحد‪ ,‬غير أن ما شدّد منه فإنما يشدّد‬
‫لتردد الفعل فيه في جمع مثل قولهم‪ :‬هذه ثياب مصبغة‪ ,‬وغنم مذبحة‪ ,‬فشدد لنها جمع يفرّق‬
‫فيها الفعل‪ ,‬وكذلك مثله قصور مُشيّدة‪ ,‬لن القصور كثيرة تردّد فيها التشييد‪ ,‬ولذلك قيل‪ :‬بروج‬
‫مشيدة‪ ,‬ومنه قوله‪{ :‬وَغَّلقَ تِ ال ْبوَا بَ} وكما يقال‪ :‬ك سّرت العود‪ :‬إذا جعلته قطعا‪ ,‬أي قطعة بعد‬
‫قط عة‪ .‬و قد يجوز في ذلك التخف يف‪ ,‬فإذا أفرد من ذلك الوا حد‪ ,‬فكان الف عل يتردّد ف يه ويك ثر‬
‫تردّده في ج مع م نه‪ ,‬جاز التشد يد عند هم والتخف يف‪ ,‬فيقال م نه‪ :‬هذا ثوب مخّرق وجلد مقطّع‪,‬‬
‫لتردّد الف عل ف يه وكثر ته بالق طع والخرق‪ .‬وإن كان الف عل ل يك ثر ف يه ول يتردّد لم يجيزوه إل‬
‫بالتخفيـف‪ ,‬وذلك نحـو قولهـم‪ :‬رأيـت كبشـا مذبوحـا‪ ,‬ول يجيزون فيـه «مذبّحـا»‪ ,‬لن الذبـح ل‬
‫يتردّد ف يه تردّد التخرّق في الثوب‪ .‬وقالوا‪ :‬فلهذا ق يل‪ :‬ق صر مَش يد‪ ,‬ل نه وا حد‪ ,‬فج عل بمنزلة‬
‫قول هم‪ :‬ك بش مذبوح‪ .‬وقالوا‪ :‬جائز في الق صر أن يقال ق صر مُشيّد بالتشد يد‪ ,‬لتردّد البناء ف يه‬
‫والتشييد‪ ,‬ول يجوز ذلك في «كبش مذبوح» لما ذكرنا‪.‬‬
‫س ّيئَةٌ‬
‫ص ْب ُهمْ َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫ع ْندِ الّل هِ وَإ ْ‬
‫سنَةٌ َيقُولُوا َهذِ هِ ِم نْ ِ‬
‫ص ْبهُ ْم حَ َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ع ِن ِدكَ}‪.‬‬
‫يَقُولُوا َه ِذهِ مِنْ ْ‬
‫ع ْندِ الّل هِ}‪ :‬وإن ينلهم رخاء وظفر‬
‫سنَةٌ يَقُولُوا َهذِ هِ ِم نْ ِ‬
‫ص ْبهُمْ حَ َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫يعني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ن ت صبهم‬
‫وف تح وي صيبوا غني مة يقولوا هذه من ع ند ال‪ ,‬يع ني‪ :‬من قِبَل ال و من تقديره‪ ,‬وإ ْ‬
‫سيئة‪ ,‬يقول‪ :‬وإن تنلهم شدّة من عيش وهزيمة من عدوّ وجراح وألم‪ ,‬يقولوا لك يا محمد‪ :‬هذه‬
‫من عندك بخطئك التدبير‪ .‬وإنما هذا خبر من ال تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه‪{ :‬ألَ ْم َترَ‬
‫ل َل ُهمْ كُفّوا أ ْي ِد َيكُمْ}‪.‬‬
‫ن قِي َ‬
‫إلى اّلذِي َ‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7966‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر‬
‫حسَنَ ٌة يَقُولُوا َهذِ ِه مِنْ‬
‫ص ْب ُهمْ َ‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر‪ ,‬عن الربيع‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَإنْ ُت ِ‬
‫ع ْن ِدكَ} قال‪ :‬هذه في السرّاء والضرّاء‪.‬‬
‫س ّيئَ ٌة يَقُولُوا َهذِ ِه مِنْ ِ‬
‫ن تُصبْ ُهمْ َ‬
‫ع ْندِ الّلهِ وَإ ْ‬
‫ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن أ بي جع فر‪ ,‬عن الرب يع‪ ,‬عن أ بي‬
‫العالية مثله‪.‬‬
‫سنَةٌ‬
‫ص ْبهُمْ حَ َ‬
‫‪7967‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَإنْ تُ ِ‬
‫ع ْندِ كَ} فقرأ ح تى بلغ‪{ :‬وأرْ سَلْناكَ‬
‫س ّيئَ ٌة يَقُولُوا َهذِ ِه مِ نْ ِ‬
‫ع ْن ِد اللّ هِ وَإ نْ تُ ص ْب ُهمْ َ‬
‫يَقُولُوا َه ِذ ِه مِ نْ ِ‬
‫خذُوا‬
‫ِينـ آ َمنُوا ُ‬
‫ّاسـ رَسـُولً} قال‪ :‬إن هذه الَيات نزلت فـي شأن الحرب‪ .‬فقرأ‪{ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫للن ِ‬
‫سيّئَ ٌة يَقُولُوا َهذِ هِ} من عند‬
‫جمِيعا} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬وَإ نْ تُص ْب ُهمْ َ‬
‫حذْ َركُ مْ فانْ ِفرُوا ثُبا تٍ أوِ انْ ِفرُوا َ‬
‫ِ‬
‫محمد عليه الصلة والسلم‪ ,‬أساء التدبير وأساء النظر‪ ,‬ما أحسن التدبير ول النظر‪.‬‬
‫ع ْندِ اللّهِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ كُلّ ِمنْ ِ‬
‫ع ْندِ الّل هِ} قل يا مح مد لهؤلء القائل ين إذا أ صابتهم ح سنة‬
‫ل مِ نْ ِ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬قُلْ كُ ّ‬
‫هذه من عند ال‪ ,‬وإذا أصابتهم سيئة هذه من عندك‪ :‬كل ذلك من عند ال دوني ودون غيري‪,‬‬
‫من عنده الرخاء والشدّة‪ ,‬ومنه النصر والظفر‪ ,‬ومن عنده القتل والهزيمة‪ .‬كما‪:‬‬
‫ع ْندِ اللّ هِ}‬
‫ل كُلّ مِ نْ ِ‬
‫‪ 7968‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬قُ ْ‬
‫النعم والمصائب‪.‬‬
‫ع ْندِ‬
‫ل مِ نْ ِ‬
‫‪ 7969‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪{ :‬قُلْ كُ ّ‬
‫اللّهِ} النصر والهزيمة‪.‬‬
‫‪ 7970‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن يَفْ َقهُو نَ‬
‫ع ْندِ الّل ِه فَمَالِ َهؤُل ِء القَوْ ِم ل يَكادُو َ‬
‫ل كُلّ مِ نْ ِ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬قُ ْ‬
‫حدِيثا} يقول‪ :‬الحسنة والسيئة من عند ال‪ ,‬أما الحسنة فأنعم بها عليك‪ ,‬وأما السيئة فابتلك بها‪.‬‬
‫َ‬
‫حدِيثا}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن يَفْ َقهُو َ‬
‫ل هَؤُل ِء ال َق ْومِ ل يَكادُو َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬فمَا ِ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬فمَالِ هَؤُلءِ ال َقوْمـِ} فمـا شأن هؤلء القوم الذيـن إن تصـبهم حسـنة‬
‫حدِي ثا}‬
‫ن يَفْ َقهُو نَ َ‬
‫يقولوا هذه من ع ند ال‪ ,‬وإن ت صبهم سيئة يقولوا هذه من عندك‪{ ,‬ل يَكادُو َ‬
‫يقول‪ :‬ل يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أن كلّ ما أصابهم من خير أو شرّ أو ضرّ‬
‫وشدة أو رخاء‪ ,‬فمـن عنـد ال‪ ,‬ل يقدر على ذلك غيره‪ ,‬ول يصـيب أحدا سـيئة إل بتقديره‪ ,‬ول‬
‫ينال رخاء ونع مة إل بمشيئ ته‪ .‬وهذا إعلم من ال عباده أن مفا تح الشياء كل ها بيده‪ ,‬ل يملك‬
‫شيئا منها أحد غيره‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سيّئَ ٍة فَمِن‬
‫ن اللّ هِ وَمَآ أَ صَا َبكَ مِن َ‬
‫{مّآ أَ صَا َبكَ مِ نْ حَ سَنَ ٍة َفمِ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫سكَ وََأ ْرسَ ْلنَاكَ لِلنّاسِ َرسُولً َوكَ َفىَ بِاللّ ِه َ‬
‫نّ ْف ِ‬
‫سكَ}‪ :‬ما‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ نْ نَفْ ِ‬
‫سنَةٍ َفمِ نَ الّل هِ وَما أ صَا َبكَ مِ نْ َ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ حَ َ‬
‫يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة وعافية وسلمة‪ ,‬فمن فضل ال عليك يتفضل به عليك إحسانا‬
‫سكَ} يع ني‪ :‬و ما أصابك من شدّة ومش قة‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ نْ نَفْ ِ‬
‫م نه إل يك‪ .‬وأ ما قوله‪{ :‬وَما أ صَا َبكَ مِ نْ َ‬
‫وأذى ومكروه‪ ,‬فمن نفسك‪ ,‬يعني‪ :‬بذنب استوجبتها به اكتسبته نفسك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 7971‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫سكَ} أما من نفسك‪ ,‬فيقول‪:‬‬
‫س ّيئَةٍ َفمِنْ نَفْ ِ‬
‫سنَةٍ َفمِنَ الّلهِ وَما أصَا َبكَ مِنْ َ‬
‫السديّ‪{ :‬ما أصَا َبكَ مِنْ حَ َ‬
‫من ذنبك‪.‬‬
‫‪ 7972‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ‬
‫سكَ} عقوبة يا ابن آدم بذنبك‪ .‬قال‪ :‬وذكر لنا أن‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ نْ َنفْ ِ‬
‫ن َ‬
‫سنَةٍ َفمِ نَ الّل هِ وَما أ صَا َبكَ مِ ْ‬
‫حَ َ‬
‫َمـ وَل‬
‫ع ْثرَ ُة َقد ٍ‬
‫ْشـ عُودٍ وَل َ‬
‫خد ُ‬‫ب َرجُلً َ‬
‫نـبيّ ال صـلى ال عليـه وسـلم كان يقول‪« :‬ل يُصـِي ُ‬
‫ل ِب َذنْبٍ‪ ,‬وَما َيعْفُوا اللّ ُه أ ْكثَرُ»‪.‬‬
‫ع ْرقٍ إ ّ‬
‫ختِلجُ ِ‬
‫اْ‬
‫‪ 7973‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫سكَ} يقول‪:‬‬
‫ن نَفْ ِ‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ ْ‬
‫ن اللّ هِ وَ ما أ صَا َبكَ مِ نْ َ‬
‫سنَةٍ َفمِ َ‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ { :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ حَ َ‬
‫الحسنة‪ :‬ما فتح ال عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح‪ ,‬والسيئة‪ :‬ما أصابه يوم أُحد‬
‫أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته‪.‬‬
‫‪ 7974‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن‬
‫سكَ} يقول‪ :‬بذنبك‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫ن نَفْ ِ‬
‫سيّئَ ٍة َفمِ ْ‬
‫ن اللّ هِ وَما أ صَا َبكَ مِ نْ َ‬
‫قتادة‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ حَ سَنَ ٍة َفمِ َ‬
‫ع ْن ِد اللّهِ} النعم والمصيبات‪.‬‬
‫{كُلّ مِنْ ِ‬
‫‪7975‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر‪,‬‬
‫ن اللّ هِ وَما‬
‫سنَةٍ َفمِ َ‬
‫ن حَ َ‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر‪ ,‬عن الربيع‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬قوله‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ ْ‬
‫سكَ} قال‪ :‬هذه في الحسنات والسيئات‪.‬‬
‫ن نَ ْف ِ‬
‫س ّيئَ ٍة فَمِ ْ‬
‫أصَا َبكَ ِمنْ َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن أ بي جع فر‪ ,‬عن الرب يع‪ ,‬عن أ بي‬
‫العالية مثله‪.‬‬
‫‪ 7976‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪{ :‬وَما أ صَا َبكَ مِ نْ‬
‫سكَ}قال‪ :‬عقوبة بذنبك‪.‬‬
‫س ّيئَةٍ َفمِنْ َن ْف ِ‬
‫َ‬
‫‪ 7977‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ‬
‫سكَ} بذنبك‪ ,‬كما قال لهل أُحد‪{ :‬أوَ َلمّا أ صَا َب ْت ُكمْ‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ نْ َنفْ ِ‬
‫ن َ‬
‫سنَةٍ َفمِ نَ الّل هِ وَما أ صَا َبكَ مِ ْ‬
‫حَ َ‬
‫سكُمْ} بذنوبكم‪.‬‬
‫ع ْندِ أ ْن ُف ِ‬
‫ُمصِيَب ٌة َقدْ أصَ ْب ُتمْ ِمثَْليْها قُ ْلتُمْ أنّى َهذَا قُلْ هُ َو مِنْ ِ‬
‫‪ 7978‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن أ بي صالح‪ ,‬في‬
‫سكَ} قال‪ :‬بذنبك‪ ,‬وأنا قدرتها عليك‪.‬‬
‫ن نَ ْف ِ‬
‫س ّيئَ ٍة فَمِ ْ‬
‫قوله‪{ :‬ماأصَا َبكَ ِمنْ َ‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن أبي‬
‫سكَ} وأنا الذي‬
‫ن نَفْ ِ‬
‫س ّيئَةٍ َفمِ ْ‬
‫ن َ‬
‫ن اللّ هِ وَما أ صَا َبكَ مِ ْ‬
‫سنَةٍ َفمِ َ‬
‫ن حَ َ‬
‫صالح‪ ,‬في قوله‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ ْ‬
‫قدرتها عليك‪.‬‬
‫حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنيه إسماعيل‬
‫بن أبي خالد عن أبي صالح‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫سنَةٍ} و{مِ نْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬وما وجه دخول «من» في قوله‪{ :‬ما أ صَا َبكَ مِ نْ حَ َ‬
‫س ّيئَةٍ}؟ ق يل‪ :‬اختلف في ذلك أ هل العرب ية‪ ,‬فقال ب عض نحو يي الب صرة‪ :‬أدخلت « من»‪ ,‬لن‬
‫َ‬
‫« من» تح سن مع الن في‪ ,‬م ثل‪ :‬ما جاء ني من أ حد‪ .‬قال‪ :‬ودخول ال خبر بالفاء لز ما بمنزلة‬
‫«مَ نْ»‪ .‬وقال بعض نحويي الكوفة‪ :‬أدخلت «مِ نْ» مع «ما»‪ ,‬كما تدخل على «إن» في الجزاء‬
‫ن أحد‬
‫لنهما حرفا جزاء‪ ,‬وكذلك تدخل مع «مَن» إذا كانت جزاء‪ ,‬فتقول العرب‪ :‬مَ نْ يزرك مِ ْ‬
‫ن يزرك مِنْ أحد فتكرمه‪ .‬قال‪ :‬وأدخلوها مع «ما» و« َمنْ»‪ ,‬ليعلم بدخولها‬
‫فتكرمه‪ ,‬كما تقول‪ :‬إ ْ‬
‫معهمـا أنهمـا جزاء‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا دخلت معهمـا لم تحذف‪ ,‬لنهـا إذا حذفـت صـار الفعـل رافعـا‬
‫سنَةٍ} رفع بقوله‪{ :‬أصَا َبكَ} فلو حذفت « ِمنْ»‬
‫شيئين‪ ,‬وذلك أن «ما» في قوله‪{ :‬ما أصَا َبكَ ِمنْ حَ َ‬
‫رفع قوله‪{ :‬أصَا َبكَ} السيئة‪ ,‬لن معناه‪ :‬إن تصبك سيئة‪ ,‬فلم يجز حذف «من» لذلك‪ ,‬لن الفعل‬
‫الذي هو على فعَل أو يَفعل ل يرفع شيئين‪ ,‬وجاز ذلك مع « َم نْ»‪ ,‬لنها تشتبه بالصفات‪ ,‬وهي‬
‫في موضع اسم‪ ,‬فأما «إن»‪ ,‬فإن «من» تدخل معها وتخرج‪ ,‬ول تخرج مع «أ يّ» لنها تعرب‬
‫فيبين فيها العراب‪ ,‬ودخلت مع «ما» لن العراب ل يظهر فيها‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وأ ْرسَلْناكَ للنّاسِ َرسُولً و َكفَى باللّ ِه شَهيدا}‪.‬‬
‫ل بين نا وب ين‬
‫يع ني بقوله جل ثناؤه‪{ :‬وأرْ سَلْناكَ للنّا سِ رَ سُولً}‪ :‬إن ما جعلناك يا مح مد ر سو ً‬
‫الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة‪ ,‬وليس عليك غير البلغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت‪,‬‬
‫شهِيدا} يقول‪:‬‬
‫فإن قبلوا ما أرسلت به فلنفسهم‪ ,‬وإن ردوا فعليها‪{ .‬وكَفَى بال} عليك وعليهم { َ‬
‫حسبك ال تعالى ذكره شاهدا عليك في بلغك ما أمرتك ببلغه من رسالته ووحيه‪ ,‬وعلى من‬
‫أر سلت إل يه في قبول هم م نك ما أر سلت به إلي هم‪ ,‬فإ نه ل يخ فى عل يه أمرك وأمر هم‪ ,‬و هو‬
‫مجازيـك ببلغـك مـا وعدك‪ ,‬ومجازيهـم مـا عملوا مـن خيـر وشـر جزاء المحسـن بإحسـانه‪,‬‬
‫والمسيء بإساءته‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن ُيطِعِ ال ّرسُولَ فَ َقدْ َأطَاعَ الّلهَ َومَن تَوَّلىَ َفمَآ َأ ْرسَلْنَاكَ عََل ْيهِمْ‬
‫{مّ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫حَفِيظا }‪..‬‬
‫وهذا إعذار من ال إلى خلقه في نبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يقول ال تعالى ذكره لهم‪:‬‬
‫من يطع منكم أيها الناس محمدا‪ ,‬فقد أطاعني بطاعته إياه‪ ,‬فا سمعوا قوله‪ ,‬وأطيعوا أمره‪ ,‬فإ نه‬
‫مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم‪ ,‬وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيـي‪ ,‬فل يقولن‬
‫أحد كم‪ :‬إن ما مح مد ب شر مثل نا ير يد أن يتف ضل علي نا! ثم قال جل ثناؤه ل نبيه‪ :‬و من تولى عن‬
‫طاعتك يا محمد‪ ,‬فأعرض عنه‪ ,‬فإنا لم نرسلك عليهم حفيظا‪ ,‬يعني حافظا لما يعملون محاسبا‪,‬‬
‫بل إن ما أر سلناك ل تبين ل هم ما نزل إلي هم‪ ,‬وك فى ب نا حافظ ين لعمال هم ول هم علي ها محا سبين‪.‬‬
‫ونزلت هذه الَية فيما ذكر قبل أن يؤمر بالجهاد‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7979‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سألت ابن زيد عن قول ال‪َ { :‬فمَا أ ْرسَلْناكَ‬
‫ل البَل غُ}‪ ,‬قال‪ :‬ثم جاء ب عد هذا يأمره‬
‫عََل ْيهِ مْ حَفِي ظا} قال‪ :‬هذا أول ما بع ثه‪ ,‬قال‪{ :‬إ نْ عََليْ كَ إ ّ‬
‫بجهادهم والغلظة حتى يسلموا‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫غ ْيرَ‬
‫ت طَآئِفَةٌ ّم ْنهُ مْ َ‬
‫عةٌ َفِإذَا َب َرزُواْ مِ نْ عِندِ كَ َبيّ َ‬
‫ن طَا َ‬
‫{ َو َيقُولُو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ْن ُهمْ َوتَ َوكّلْ عَلَى الّلهِ َوكَ َفىَ بِاللّ ِه َوكِيلً }‪..‬‬
‫عرِضْ َ‬
‫ن َفأَ ْ‬
‫اّلذِي تَقُولُ وَالّل ُه َي ْكتُبُ مَا ُي َب ّيتُو َ‬
‫عةٌ} يع ني‪ :‬الفر يق الذي أ خبر ال عن هم أن هم ل ما‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ويَقُولُو نَ طا َ‬
‫كتب عليهم القتال‪ ,‬خشوا الناس كخشية ال وأشدّ خشية‪ ,‬يقولون لنبيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إذا أمر هم بأ مر‪ :‬أمرك طا عة‪ ,‬ولك م نا طا عة في ما تأمر نا به وتنها نا ع نه! {فَإذَا بَرزُوا مِ نْ‬
‫ت طائفةٌ منه مْ غيرَ الذِي تقولُ} يع ني بذلك‬
‫ع ْندِ كَ} يقول‪ :‬فإذا خرجوا من عندك يا مح مد {بيّ َ‬
‫ِ‬
‫ل الذي تقول لهم‪ .‬وكلّ عَمل عُمل ليلً فقد ُبيّت‪ ,‬ومن ذلك َبيّ تَ‬
‫جلّ ثناؤه‪ :‬غيّر جماعة منهم لي ً‬
‫العدوّ وهو الوقوع بهم ليلً‪ ,‬ومنه قول عبيدة ابن همام‪:‬‬

‫ض ما َب ّيتُواوكانُوا أ َت ْونِي ِبشَيْ ٍء ُنكُرْ‬


‫أ َت ْونِي فَلَمْ أرْ َ‬
‫حرّ‬
‫حرّ ِل ُ‬
‫ل ُي ْنكِحُ ال َع ْبدَ ُ‬
‫ح أ ّي َمهُ ْم ُمنْذِراوَه ْ‬
‫ل ْنكِ َ‬
‫ِ‬
‫يعني بقوله‪« :‬فلم أرض ما بيتوا ليلً»‪ :‬أي ما أبرموه ليلً وعزموا عليه‪ .‬ومنه قول النمر بن‬
‫تولب العكليّ‪:‬‬
‫سمَعِ!سَفَها ُت َب ّيتُكِ المَلمةُ فا ْهجَعي!‬
‫لاْ‬
‫ت ِل َت ْعذَُلنِي بَليْ ٍ‬
‫َهبّ ْ‬
‫ب ما ُي َب ّيتُو نَ} يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وال يكتب ما يغيرون من‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وَاللّه َي ْكتُ ُ‬
‫يقول ال ج ّ‬
‫قولك ليلً في كتب أعمالهم التي تكتبها حفظته‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7980‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬ويَقُولُو نَ‬
‫ع ْندِ كَ َبيّ تَ طائِفَ ٌة ِمنْهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} قال‪ :‬يغيرون ما ع هد نبيّ ال‬
‫طاعَ ٌة فإذَا َب َرزُوا ِم نْ ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 7981‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نافع بن‬
‫مالك‪ ,‬عـن عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عباس فـي قوله‪َ { :‬بيّت َـ طائِفَ ٌة ِمنْهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} قال‪ :‬غيّر‬
‫أولئك ما قال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 7982‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ت طائِ َفةٌ ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} قال‪ :‬غيّر أولئك ما‬
‫ع ْندِ كَ َبيّ َ‬
‫ن طاعَ ٌة فإذَا َب َرزُوا ِم نْ ِ‬
‫{ َويَقُولُو َ‬
‫قال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪:‬‬
‫ت طائِ َفةٌ ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ وَالّل هُ َي ْكتُ بُ ما ُي َبيّتُو نَ}‬
‫ع ْندِ كَ َبيّ َ‬
‫عةٌ فإذَا َبرَزُوا مِ نْ ِ‬
‫{ َويَقُولُو نَ طا َ‬
‫قال‪ :‬هؤلء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبيّ صلى ال عليه وسلم فأمرهم بأمر قالوا‪:‬‬
‫طا عة‪ ,‬فإذا خرجوا من عنده غيّرت طائ فة من هم ما يقول ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪{ .‬وَالّل هُ‬
‫َي ْكتُبُ ما ُي َب ّيتُونَ} يقول‪ :‬ما يقولون‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن عباس‪:‬‬
‫ع ْندِ كَ َبيّ تَ طائِفَ ٌة ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} قال‪ :‬يغيّرون ما‬
‫قوله‪َ { :‬ويَقُولُو نَ طاعَ ٌة فإذَا َبرَزُوا مِ نْ ِ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 7983‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ع ْندِ كَ َبيّ تَ طائِفَ ٌة ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} وهم‬
‫ابن عباس قوله‪َ { :‬ويَقُولُو نَ طاعَ ٌة فإذَا َبرَزُوا مِ نْ ِ‬
‫ناس كانوا يقولون ع ند ر سول ال صلى ال عل يه و سلم آم نا بال ور سوله ليأمنوا على دمائ هم‬
‫عنده ‪¹‬‬ ‫وأموالهم‪ ,‬فإذا برزوا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم خالفوا إلى غير ما قالوا‬
‫فعابهم ال‪ ,‬فقال‪َ { :‬بيّتَ طائِفَ ٌة ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ} يقول‪ :‬يغيّرون ما قال النبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ 7984‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ { :‬بيّتَ طائِفَ ٌة ِم ْنهُم غيرَ اّلذِي تَقُولُ}‪ :‬هم أهل النفاق‪.‬‬
‫وأ ما ر فع «طا عة» فإ نه بالمتروك الذي دلّ عل يه الظا هر من القول‪ ,‬و هو‪ :‬أمرك طا عة‪ ,‬أو‬
‫ّتـ طائِ َفةٌ} فإن التاء مـن بيّت تحركهـا بالفتـح عامـة قراء المدينـة‬
‫منـا طاعـة‪ .‬وأمـا قوله‪َ { :‬بي َ‬
‫والعراق و سائر القراء‪ ,‬لن ها لم ف عل‪ .‬وكان ب عض قراء العراق ي سكنها ثم يدغم ها في الطاء‬
‫لمقاربتها في المخرج‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القراءة في ذلك‪ ,‬ترك الدغام‪ ,‬لنها ـ أعني التاء والطاء من‬
‫حرفين مختلفين ‪ ¹‬وإذا كان كذلك كان ترك الدغام أفصح اللغتين عند العرب‪ ,‬واللغة الخرى‬
‫جائزة ـ أعني الدغام في ذلك محكية‪.‬‬
‫ل على الّلهِ وكَفَى باللّهِ َوكِيلً}‪.‬‬
‫ع ْن ُهمْ َوتَ َوكّ ْ‬
‫عرِضْ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فأ ْ‬
‫ل ثناؤه لمح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬فأعرض يا مح مد عن هؤلء المنافق ين الذ ين‬
‫يقول ج ّ‬
‫يقولون لك فيما تأمرهم‪ :‬أمرك طاعة‪ ,‬فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به وغيّروه إلى‬
‫ما نهيتهم عنه‪ ,‬وخلّهم وما هم عليه من الضللة‪ ,‬وارض لهم بي منتقما منهم‪ ,‬وتوكل أنت يا‬
‫محمـد على ال‪ .‬يقول‪ :‬أي وحسـبك بال وكيلً‪ :‬أي فيمـا يأمرك‪ ,‬ووليّـا لهـا‪ ,‬ودافعـا عنـك‬
‫وناصرا‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدُو ْا فِي هِ‬
‫غ ْيرِ الّل هِ َل َو َ‬
‫ن مِ نْ عِندِ َ‬
‫{َأفَلَ َي َت َدبّرُو نَ ا ْل ُقرْآ نَ وَلَ ْو كَا َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ختِلَفا َكثِيرا }‪..‬‬
‫اْ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬أفَل َي َتدَ ّبرُون َـ القُرآنـَ} أفل يتدبر المـبيتون غيـر الذي تقول لهـم يـا‬
‫محمـد كتاب ال‪ ,‬فيعلموا حجـة ال عليهـم فـي طاعتـك واتباع أمرك‪ ,‬وأن الذي أتيتهـم بـه مـن‬
‫التنزيل من عند ربهم‪ ,‬لتساق معانيه وائتلف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق‪ ,‬وشهادة‬
‫بعضه لبعض بالتحقيق ‪ ¹‬فإن ذلك لو كان من عند غَير ال لختلفت أحكامه وتناقضت معانيه‬
‫وأبان بعضه عن فساد بعض‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪7985‬ــ حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬أفَل‬
‫ختِلفا َكثِيرا}‪ :‬أي قول ال ل يختلف‪,‬‬
‫جدُوا فِي ِه ا ْ‬
‫ع ْندِ غيرِ الّل ِه لَ َو َ‬
‫ن مِ نْ ِ‬
‫ن وَلَ ْو كا َ‬
‫ن القُرآ َ‬
‫َي َتدَ ّبرُو َ‬
‫وهو حقّ ليس فيه باطل‪ ,‬وإن قول الناس يختلف‪.‬‬
‫‪ 7986‬ـ حدثني يونس‪,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن ز يد‪ :‬إن القرآن ل يكذّب بعضه‬
‫بعضـا‪ ,‬ول ينقـض بعضـه بعضـا‪ ,‬مـا جهـل الناس مـن أمره فإنمـا هـو مـن تقصـير عقولهـم‬
‫ختِلفا َكثِيرا} قال‪ :‬فحقّ على المؤمن‬
‫جدُوا فِيهِ ا ْ‬
‫ع ْندِ غيرِ الّل ِه لَ َو َ‬
‫ن مِنْ ِ‬
‫وجهالتهم‪ .‬وقرأ‪{ :‬وَلَ ْو كا َ‬
‫ل من عند ال‪ ,‬ويؤمن بالمتشابه‪ ,‬ول يضرب بعضه بب عض ‪ ¹‬وإذا جهل أمرا ولم‬
‫أن يقول‪ :‬ك ّ‬
‫يعرف أن يقول‪ :‬الذي قال ال ح قّ‪ ,‬ويعرف أن ال تعالى لم يقل قولً وينقضه‪ ,‬ينبغي أن يؤمن‬
‫بحقية ما جاء من ال‪.‬‬
‫‪ 7987‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫قوله‪{ :‬أفل يَتدبّرون القرآن} قال‪ :‬يتدبرون النظر فيه‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن المْ نِ َأ ِو ا ْلخَوْ فِ َأذَاعُواْ ِب هِ وَلَ ْو َردّو هُ‬
‫{وَِإذَا جَآءَهُ مْ َأ ْمرٌ مّ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ عََل ْيك ْ‬
‫ل الل ِ‬
‫ُمـ وََل ْولَ فَضْ ُ‬
‫َسـَت ْنبِطُو َنهُ ِم ْنه ْ‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫َهـ اّلذ َ‬
‫ُمـ َلعَِلم ُ‬
‫ى أُوْلِي ال ْمرِ ِم ْنه ْ‬
‫إِلَى الرّسـُولِ وَإَِل َ‬
‫ن ِإلّ قَلِيلً }‪..‬‬
‫شيْطَا َ‬
‫ل ّت َب ْع ُتمُ ال ّ‬
‫ح َمتُهُ َ‬
‫َو َر ْ‬
‫ْفـ إذَاعُوا ب ِه} وإذا جاء هذه‬
‫خو ِ‬‫ْنـ أو ال َ‬
‫ِنـ الم ِ‬
‫ُمـ أ ْمرٌ م َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَإذَا جاءَه ْ‬
‫الطائفة المبي تة غير الذي يقول رسول ال صلى ال عل يه وسلم أمر من ال من‪ .‬فالهاء والميم‬
‫في قوله‪{ :‬وَإذَا جاءَهُ مْ} من ذكر الطائفة المبيتة‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وإذا جاءهم خبر عن سرية‬
‫للم سلمين غاز ية بأن هم قد أمنوا من عدوّ هم بغلبت هم إيا هم {أو الخَوْ فِ} يقول‪ :‬أو تخّوف هم من‬
‫عدوّهم بإصابة عدوّهم منهم {أذَاعُوا ِبهِ} يقول‪ :‬أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وقبل أمراء سرايا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬والهاء في قوله‪{ :‬أذَاعُوا ِبهِ} من‬
‫ذكر المر وتأويله‪ :‬أذاعوا بالمر من المن أو الخوف الذي جاءهم‪ ,‬يقال‪ :‬منه أذاع فلن بهذا‬
‫الخبر وأذاعه‪ ,‬ومنه قول أبي السود‪:‬‬
‫أذَاعَ بِه في النّاسِ حتى كأ ّنهُبعَلْيا َء نارٌ أُو ِقدَتْ بثَقُوبِ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 7988‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫خ ْوفِ إذَاعُوا بِهِ} يقول‪ :‬سارعوا به وأفشوه‪.‬‬
‫{وَإذَا جاءَ ُه ْم أ ْمرٌ مِنَ ال ْمنِ أو ال َ‬
‫‪7989‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫خوْ فِ إذَاعُوا بِ هِ} يقول‪ :‬إذا جاء هم أ مر أن هم قد أمنوا من‬
‫{وَإذَا جاءَهُ ْم أ ْمرٌ مِ نَ ال ْم نِ أو ال َ‬
‫عدوّهم‪ ,‬أو أنهم خائفون منهم‪ ,‬أذاعوا بالحديث حتى يبلغ عدوّهم أمرهم‪.‬‬
‫‪ 7990‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ف إذَاعُوا بِهِ} يقول‪ :‬أفشوه وشنعوا به‪.‬‬
‫ن أو الخَ ْو ِ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإذَا جاءَ ُه ْم أمْ ٌر مِنَ المْ ِ‬
‫‪7991‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪{ :‬وَإذَا جاءَهُمْ أ ْمرٌ‬
‫خبّر الناس‬
‫خوْفِ إذَاعُوا بِ هِ} قال‪ :‬هذا في الخبار إذا غزت سرية من المسلمين ُ‬
‫ن المْنِ أو ال َ‬
‫مِ َ‬
‫عن ها‪ ,‬فقالوا‪ :‬أ صاب الم سلمون من عدوّ هم كذا وكذا‪ ,‬وأ صاب العد ّو من الم سلمين كذا وكذا‪.‬‬
‫فأفشوه بينهـم من غ ير أن يكون ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم هو الذي ي خبرهم به‪ .‬قال ا بن‬
‫جريج‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬قوله {أذَعُوا ِبهِ} قال‪ :‬أعلنوه وأفشوه‪.‬‬
‫‪ 7992‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬أذَاعُوا بِ هِ} قال‪:‬‬
‫نشروه‪ .‬قال‪ :‬والذين أذاعوا به قوم‪ ,‬إما منافقون‪ ,‬وإما آخرون ضعفاء‪.‬‬
‫‪ 7993‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ يقول‪ :‬أ ْفشَوْه وشنعوا به‪ ,‬و هم‬
‫أهل النفاق‪.‬‬
‫ِينـ‬
‫َهـ اّلذ َ‬
‫ُمـ َلعَِلم ُ‬
‫ل وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْنه ْ‬
‫ّوهـ إلى الرّسـُو ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ َرد ُ‬
‫ستَ ْن ِبطُونَ ُه ِم ْنهُمْ}‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ولو ردّوه‪ :‬المـر الذي نالهـم مـن عدوّهـم والمسـلمين إلى رسـول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وإلى أولي أمرهم‪ ,‬يعني‪ :‬وإلى أمرائهم‪ ,‬وسكتوا فلم يذيعوا ما جاءهم من‬
‫الخبر‪ ,‬حتى يكون رسول ال صلى ال عليه وسلم أو ذوو أمرهم هم الذين يقولون الخبر عن‬
‫ذلك‪ ,‬بعـد أن ثبتـت عندهـم صـحته أو ُبطُوله‪ ,‬فيصـححوه إن كان صـحيحا‪ ,‬أو يبطلوه إن كان‬
‫َسـَت ْنبِطُونَ ُه ِم ْنهُمـْ} يقول‪ :‬لعلم حقيقـة ذلك الخـبر الذي جاءهـم بـه الذيـن‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫َهـ اّلذ َ‬
‫باطلً‪َ{ .‬لعَِلم ُ‬
‫يبحثون عنه‪ ,‬ويستخرجونه منهم‪ ,‬يعني‪ :‬أولي المر‪ .‬والهاء والميم في قوله‪ِ { :‬م ْنهُ مْ} من ذكر‬
‫أولي المر‪ .‬يقول‪ :‬لعلم ذلك من أولي المر من يستنبطه‪ .‬وكل مستخرج شيئا كان مستترا عن‬
‫أبصار العيون أو عن معارف القلوب‪ ,‬فهو له مستنبط‪ ,‬يقال‪ :‬استنبطت الركية‪ :‬إذا استخرجت‬
‫ماءها‪ ,‬و َنبَطتها أنبطها‪ ,‬والنبط‪ :‬الماء المستنبط من الرض‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن قَطُوبُ‬
‫ع ُدوّهُلَ ُه َنبَطا آبي الهَوَا ِ‬
‫َقرِيبٌ ثراهُ ما يَنالُ َ‬
‫يعني بالنبط‪ :‬الماء المستنبط‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪7994‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ل وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْنهُ مْ} يقول‪ :‬ولو سكتوا وردّوا الحديث إلى النبيّ‬
‫{وََلوْ َردّو ُه إلى الرّ سُو ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم وإلى أولى أمرهم حتى يتكلم هو به‪َ{ ,‬لعَِلمَ ُه اّلذِي نَ يَ سْ َت ْن ِبطُونَهُ} يعني عن‬
‫الخبار‪ ,‬وهم الذين ينقّرون عن الخبار‪.‬‬
‫‪ 7995‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وََلوْ َردّو ُه إلى‬
‫س َت ْنبِطُو َنهُ ِم ْنهُ مْ} لعلمه الذين‬
‫الرّ سُولِ وإلى أُولي المْرِ ِم ْنهُ مْ} يقول‪ :‬إلى علمائهم‪َ{ ,‬لعَِلمَ ُه اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫يَفْحصُون عنه‪ ,‬ويهمهم ذلك‪.‬‬
‫‪ 7996‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪{ :‬وَلَ ْو َردّو ُه إلى‬
‫الرّسُولِ} حتى يكون هو الذي يخبرهم‪{ ,‬وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْنهُمْ}‪ :‬أولي الفقه في الدين والعقل‪.‬‬
‫‪ 7997‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن أبي جعفر‪ ,‬عن الربيع‪ ,‬عن‬
‫ل وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْنهُم ْـ َلعَِلمَهُـ اّلذِينَـ يَس ْـَت ْنبِطُو َنهُ ِم ْنهُمـْ}‪:‬‬
‫أبـي العاليـة‪{ :‬وََلوْ َردّوهُـ إلى الرّسـُو ِ‬
‫يتتبعونه ويتحسسونه‪.‬‬
‫‪7998‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ليث‪ ,‬عن مجاهد‪َ{ :‬لعَِلمَ ُه اّلذِينَ‬
‫ستَ ْن ِبطُونَ ُه ِم ْنهُمْ} قال‪ :‬الذين يسألون عنه ويتحسسونه‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫‪ 7999‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫س َتنْ ِبطُونَهُ} قال‪ :‬قولهم‪ :‬ما كان؟ ماذا سمعتم؟‬
‫مجاهد‪ ,‬قوله‪َ { :‬ي ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن أ بي جع فر‪ ,‬عن الرب يع‪ ,‬عن أ بي العال ية‪{ :‬اّلذِي نَ‬
‫ستَنبِطونَهُ} قال‪ :‬يتحسسونه‪.‬‬
‫يْ‬
‫‪8000‬ـ حدثني محمد بن سيعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ,‬عن أبيه عن‬
‫ستَ ْن ِبطُونَ ُه ِم ْنهُمْ} يقول‪ :‬لعلمه الذين يتحسسونه منهم‪.‬‬
‫ن َي ْ‬
‫ابن عباس‪َ{ :‬لعَِلمَهُ اّلذِي َ‬
‫‪ 8001‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫س َت ْنبِطُونَ ُه ِم ْن ُهمْ} قال‪ :‬يتتبعونه‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ { :‬ي ْ‬
‫‪ 8002‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَإذَا جاءَهُ مْ أ ْمرٌ‬
‫ْفـ أذَاعُوا ب ِه}‪ ...‬حتـى بلغ‪{ :‬وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْنهُمـْ} قال‪ :‬الولة الذيـن‬
‫خو ِ‬‫ْنـ أو ال َ‬
‫ِنـ الم ِ‬
‫م َ‬
‫يكونون فـي الحرب عليهـم الذيـن يتفكرون فينظرون لمـا جاءهـم مـن الخـبر أصـدق أم كذب؟‬
‫أباطل فيبطلونه‪ ,‬أو حقّ فيحقونه؟ قال‪ :‬وهذا في الحرب‪ ,‬وقرأ‪{ :‬أذَاعُوا بِهِ وَلَوْ} فعلوا غير هذا‬
‫ل وإلى أُولي ال ْمرِ ِم ْن ُهمْ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫و{ َردّوهُ} إلى ال و{إلى ال ّرسُو ِ‬
‫ل قَلِيلً}‪.‬‬
‫شيْطانَ إ ّ‬
‫حمَتُ ُه ل ّت َب ْعتُمْ ال ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْل َفضْلُ اللّهِ عََل ْي ُكمْ َو َر ْ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ولول إنعام ال علي كم أي ها المؤمنون بفضله وتوفي قه ورحم ته‪ ,‬فأنقذ كم‬
‫مما ابتلى هؤلء المنافقين به‪ ,‬الذين يقولون لرسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أمرهم بأمر‪:‬‬
‫طاعة‪ ,‬فإذا برزوا من عنده بيّت طائفة منهم غير الذي تقول‪ ,‬لكنتم مثلهم‪ ,‬فاتبعتم الشيطان إل‬
‫قليلً‪ ,‬كمـا اتبعـه الذيـن وصـف صـفتهم‪ .‬وخاطـب بقوله تعالى ذكره‪{ :‬وَلَوْل فَضْلُ اللّهِـ عََل ْيكُم ْـ‬
‫ح ْذ َركُ مْ‬
‫خذُوا ِ‬
‫ن آ َمنُوا ُ‬
‫شيْطا نَ} الذ ين خاطب هم بقوله جلّ ثناؤه‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ح َمتُ ُه ل ّت َب ْعتُ مْ ال ّ‬
‫َو َر ْ‬
‫جمِيعا}‪.‬‬
‫فانْ ِفرُوا ثُباتٍ أوِ انْ ِفرُوا َ‬
‫ثم اختلف أ هل التأو يل في القل يل الذي ا ستثناهم في هذه الَ ية‪ ,‬من هم‪ ,‬و من أ يّ ش يء من‬
‫ال صفات ا ستثناهم؟ فقال بعض هم‪ :‬هم الم ستنبطون من أولي ال مر‪ ,‬ا ستثناهم من قوله‪َ{ :‬لعَِل َم هُ‬
‫س َت ْنبِطُو َنهُ ِم ْنهُ مْ} ونفي عنهم أن يعلموا بالستنباط ما يعلم به غيرهم من المستنبطين من‬
‫ن يَ ْ‬
‫اّلذِي َ‬
‫الخبر الوارد عليهم من المن أو الخوف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8003‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬إنما هو لعلمه‬
‫الذين يستنبطونه منهم‪ ,‬إل قليلً منهم‪ ,‬ولول فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان‪.‬‬
‫‪8004‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫شيْطا نَ إلّ قَلِيلً} يقول‪ :‬لتبعتم الشيطان كلكم‪.‬‬
‫ح َمتُ ُه ل ّت َبعْتُ مْ ال ّ‬
‫قوله‪{ :‬وَلَوْل َفضْلُ الّل هِ عََل ْيكُ مْ َو َر ْ‬
‫ن َيسْ َت ْن ِبطُونَ ُه ِم ْنهُمْ} إل قليلً‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬إلّ قَلِيلً} فهو كقوله‪َ{ :‬لعَِلمَ ُه اّلذِي َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك قراءة عن سعيد‪ ,‬عن‬
‫ن إلّ قَلِيلً} قال‪ :‬يقول‪ :‬لتبع تم الشيطان‬
‫شيْطا َ‬
‫ح َمتُ ُه ل ّتبَ ْعتُ ْم ال ّ‬
‫قتادة‪{ :‬وََلوْل َفضْلُ الّل هِ عََل ْيكُ مْ َو َر ْ‬
‫س َت ْنبِطُو َنهُ ِم ْن ُهمْ‪ ...‬إلّ قَلِيلً}‪.‬‬
‫كلكم ‪ ¹‬وأما {إلّ قَلِيلً} فهو كقوله‪َ{ :‬لعَِلمَ ُه اّلذِينَ َي ْ‬
‫‪8005‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج نحوه‪ ,‬يعني نحو‬
‫قول قتادة‪ ,‬وقال‪ :‬لعلموه إل قليلً‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم الطائفة الذين وصفهم ال أنهم يقولون لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫طاعة‪ ,‬فإذا برزوا من عنده بيتوا غير الذي قالوا‪ .‬ومعنى الكلم‪ :‬وإذا جاءهم أمر من المن أو‬
‫الخوف أذاعوا به‪ ,‬إل قليلً منهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8006‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫شيْطا نَ} فانقطع الكلم‪,‬‬
‫ح َمتُ ُه ل ّتبَ ْعتُ مْ ال ّ‬
‫ل اللّ هِ عََل ْيكُ مْ َو َر ْ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَلَوْل فَضْ ُ‬
‫ن المْ نِ أوِ‬
‫وقوله‪{ :‬إلّ قَلِيلً} ف هو في أوّل الَ ية يخبر عن المنافق ين‪ ,‬قال‪{ :‬وَإذَا جاءَهُ مْ أ ْمرٌ مِ َ‬
‫َابـ عدلً‬
‫ح ْمدُ ل اّلذِي أ ْنزَلَ ال ِكت َ‬
‫ْفـ أذَاعُوا بِهـِ} إل قليلً‪ ,‬يعنـي بالقليـل المؤمنيـن‪ ,‬يقول ال َ‬
‫الخَو ِ‬
‫قِيما‪ ,‬ولم يجعل له عوجا‪.‬‬
‫‪ 8007‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬هذه الَية مقدمة ومؤخرة‪,‬‬
‫إنما هي‪ :‬أذاعوا به إل قليلً منهم‪ ,‬ولول فضل ال عليكم ورحمته لم ينج قليل ول كثير‪.‬‬
‫شيْطا نَ} وقالوا‪ :‬الذين ا ستثنوا هم قوم لم‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك ا ستثناء من قوله‪{ :‬ل ّت َب ْعتُ مُ ال ّ‬
‫يكونوا همّوا بمـا كان الَخرون همّوا بـه من اتباع الشيطان‪ ,‬فعرّف ال الذيـن أنقذهـم من ذلك‬
‫موقع نعمته منهم‪ ,‬واستثنى الَخرين الذين لم يكن منهم في ذلك ما كان من الَخرين‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8008‬ـ حُدثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سلمان‪,‬‬
‫ُمـ‬
‫ُهـ ل ّت َب ْعت ْ‬
‫ح َمت ُ‬
‫ُمـ َو َر ْ‬
‫ّهـ عََل ْيك ْ‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك بـن مزاحـم يقول فـي قوله‪{ :‬وَلَوْل فَضْلُ الل ِ‬
‫ل قَلِيلً} قال‪ :‬هم أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كانوا حدثوا أنفسهم بأمور من‬
‫شيْطا نَ إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫أمور الشيطان‪ ,‬إل طائفة منهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬ولول فضـل ال عليكـم ورحمتـه لتبعتـم الشيطان جميعـا‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وقوله‪{ :‬إلّ قَلِيلً} خرج مخرج الستثناء في اللفظ‪ ,‬وهو دليل على الجميع والحاطة‪ ,‬وأنه لول‬
‫ل على الحاطة‪.‬‬
‫ل قَليلً} دلي ً‬
‫فضل ال عليهم ورحمته لم ينج أحد من الضللة‪ ,‬فجعل قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫واستشهدوا على ذلك بقول الطرماح بن حكيم في مدح يزيد بن المهلب‪:‬‬
‫ل المَثالِبِ والقا ِدحَهْ‬
‫أشمّ كثيرُ َي ِديّ النّوالِقلي ُ‬
‫قالوا‪ :‬فظاهر هذا القول وصف الممدوح بأن فيه المثالب والمعايب‪ ,‬ومعلوم أن معناه‪ :‬أنه ل‬
‫ل بأن فيه معا يب وإن وصف الذي فيه المعايب‬
‫مثالب ف يه ول معا يب ‪ ¹‬لن من وصف رج ً‬
‫بالقلة‪ ,‬فإن ما ذ مه ولم يمد حه‪ ,‬ول كن ذلك على ما و صفنا من ن في جم يع المعا يب ع نه‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ن إلّ قَلِيلً} إنما معناه‪ :‬لتبعتم جميعكم الشيطان‪.‬‬
‫شيْطا َ‬
‫فكذلك قوله‪{ :‬ل ّتبَ ْع ُتمْ ال ّ‬
‫‪¹‬‬ ‫وأولى هذه القوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال‪ :‬عنى باستثناء القليل من الذاعة‬
‫وقال‪ :‬مع نى الكلم‪ :‬وإذا جاء هم أ مر من ال من أو الخوف أذاعوا به إل قليلً‪ ,‬ولو ردّوه إلى‬
‫الرسول‪.‬‬
‫وإنما قلنا‪ :‬إن ذلك أولى بالصواب لنه ل يخلو القول في ذلك من أحد القوال التي ذكرنا‪,‬‬
‫شيْطانـَ} لن من تفضـل ال عل يه بفضله ورحم ته‬
‫وغ ير جائز أن يكون من قول‪{ :‬ل ّت َب ْعتُمُـ ال ّ‬
‫فغيـر جائز أن يكون مـن تباع الشيطان‪ ,‬وغيـر جائز أن نحمـل معانـي كتاب ال على غيـر‬
‫الغلب المفهوم بالظاهـر مـن الخطاب فـي كلم العرب‪ ,‬ولنـا إلى حمـل ذلك على الغلب مـن‬
‫كلم العرب سبيل فنوجّ هه إلى المع نى الذي وج هه إل يه القائلون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬لتبع تم الشيطان‬
‫ل قَلِيلً} دل يل على الحا طة بالجم يع‪ .‬هذا مع خرو جه من تأو يل‬
‫جمي عا‪ ,‬ثم ز عم أن قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ِينـ‬
‫َهـ اّلذ َ‬
‫أهـل التأويـل ل وجـه له‪ ,‬وكذلك ل وجـه لتوجيـه ذلك إلى السـتثناء مـن قوله‪َ{ :‬لعَِلم ُ‬
‫يَس ْـَت ْنبِطُو َنهُ ِم ْنهُمـْ} لن علم ذلك إذا ردّ إلى الرسـول وإلى أولي المـر منهـم‪ ,‬فـبينه رسـول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم وأولو ال مر من هم ب عد وضو حه ل هم‪ ,‬ا ستوى في علم ذلك كل م ستنبط‬
‫حقيقة‪ ,‬فل وجه لستثناء بعض المستنبطين منهم وخصوص بعضهم بعلمه مع استواء جميعهم‬
‫في عل مه‪ .‬وإذ كان ل قول في ذلك إل ما قل نا‪ ,‬ود خل هذه القوال الثل ثة ما بي نا من الخلل‪,‬‬
‫فبّيـن أن الصـحيح مـن القول فـي ذلك هـو الرابـع‪ ,‬وهـو القول الذي قضينـا له بالصـواب مـن‬
‫الستثناء من الذاعة‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرّ ضِ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي نَ‬
‫سكَ َو َ‬
‫ل نَفْ َ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه لَ ُتكَلّ فُ ِإ ّ‬
‫{فَقَاتِلْ فِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شدّ تَنكِيلً }‪..‬‬
‫شدّ َبأْسا وََأ َ‬
‫ن كَ َفرُواْ وَالّلهُ َأ َ‬
‫عسَى الّلهُ أَن َي ُكفّ َبأْسَ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫سكَ}‪ :‬فجا هد يا مح مد أعداء ال‬
‫ل نَفْ َ‬
‫سبِيلِ ال ل ُتكَلّ فُ إ ّ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬فقَاتِلْ في َ‬
‫يع ني بقوله ج ّ‬
‫من أ هل الشرك به في سبيل ال‪ ,‬يع ني‪ :‬في دي نه الذي شر عه لك‪ ,‬و هو ال سلم‪ ,‬وقاتل هم ف يه‬
‫سكَ} فإ نه يع ني‪ :‬ل يكل فك ال في ما فرض عل يك من جهاد‬
‫ل نَفْ َ‬
‫بنف سك‪ .‬فأ ما قوله‪{ :‬ل ُتكَلّ فُ إ ّ‬
‫عدوّه وعدوّك‪ ,‬إل ما حملك من ذلك دون ما ح مل غيرك م نه‪ :‬أي إ نك إن ما تت بع ب ما اكت سبته‬
‫ّضـ‬
‫حر ِ‬‫دون مـا اكتسـبه غيرك‪ ,‬وإنمـا عليـك مـا كلفتـه دون مـا كلفـه غيرك‪ .‬ثـم قال له‪َ { :‬و َ‬
‫ن َيكُ فّ َبأْ سَ اّلذِي نَ‬
‫المُ ْؤ ِمنِي نَ} يعني‪ :‬وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك‪{ .‬عَ سَى اللّ ُه أ ْ‬
‫كَ َفرُوا} يقول‪ :‬لعلّ ال أن يك فّ قتال من كفر بال وجحد وحدانيته‪ ,‬وأنكر رسالتك عنك وعنهم‬
‫ونكايتهـم‪ .‬وقـد بينـا فيمـا مضـى أن «عسـى» مـن ال واجبـة بمـا أغنـى عـن إعادتـه فـي هذا‬
‫شدّ َت ْنكِيلً} يقول‪ :‬وال أشدّ نكاية في عدوّه من أهل الكفر به منهم‬
‫شدّ َبأْسا وأ َ‬
‫الموضع‪{ .‬واللّ ُه أ َ‬
‫ن عن قتال هم‪ ,‬فإ ني را صدهم بالبأس والنكا ية والتنك يل‬
‫ف يك يا مح مد و في أ صحابك‪ ,‬فل تنكُلَ ّ‬
‫والعقوبة‪ ,‬لوهن كيدهم وأضعف بأسهم وأعلي الح قّ عليهم‪ .‬والتنكيل مصدر من قول القائل‪:‬‬
‫نكلت بفلن‪ ,‬فأنا أنكّل به تنكيلً‪ :‬أذا أوجعته عقوبة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8009‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫شدّ َت ْنكِيلً}‪ :‬أي عقوبة‪.‬‬
‫{وأ َ‬

‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عةً‬
‫سنَ ًة َيكُنْ ّل ُه نَصِيبٌ ّم ْنهَا َومَن َيشْفَعْ شَفَا َ‬
‫عةً حَ َ‬
‫{مّن َيشْفَعْ شَفَا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيْءٍ مّقِيتا }‪..‬‬
‫ل َ‬
‫ن اللّهُ عََلىَ كُ ّ‬
‫ل ّم ْنهَا َوكَا َ‬
‫ن لّ ُه كِفْ ٌ‬
‫س ّيئَةً َيكُ ْ‬
‫َ‬
‫ب ِمنْها} من يَصِرْ يا محمد شفعا‬
‫ن لَهُ نَصِي ٌ‬
‫سنَ ًة َيكُ ْ‬
‫ن َيشْفَعْ شَفاعَ ًة حَ َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬مَ ْ‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫لوتر أصحابك‪ ,‬فيشفعهم في جهاد عدوّهم وقتالهم في سبيل ال ‪ ¹‬وهو الشفاعة الحسنة { َيكُ نْ له‬
‫نَصِيبٌ ِمنْها} يقوله‪ :‬يكن له من شفاعته تلك نصيب‪ ,‬وهو الحظّ من ثواب ال‪ ,‬وجزيل كرامته‪.‬‬
‫س ّيئَةً} يقول‪ :‬و من يش فع و تر أ هل الك فر بال على المؤمن ين به‪ ,‬فيقاتل هم‬
‫ع ًة َ‬
‫{ َومَ نْ َيشْفَ عْ شَفا َ‬
‫مع هم‪ ,‬وذلك هو الشفا عة ال سيئة { َيكُ نْ له كِفْلٌ ِمنْ ها} يع ني‪ :‬بالك فل الن صيب والح ظّ من الوزر‬
‫والثم‪ .‬وهو مأخوذ من كِفْل البعير والمركب‪ ,‬وهو الكساء أو الشيء يهيأ عليه شبيه بالسرج‬
‫على الدابـة‪ ,‬يقال منـه‪ :‬جاء فلن مكتفلً‪ :‬إذا جاء على مركـب قـد ُوطّىءَ له على مـا بينـا‬
‫ن لَ هُ نَ صِيبٌ ِمنْ ها}‪ ...‬الَ ية‪,‬‬
‫سنَ ًة َيكُ ْ‬
‫ن َيشْفَ ْع شَفاعَ ًة حَ َ‬
‫لركو به‪ .‬و قد ق يل‪ :‬إ نه ع نى بقوله‪َ { :‬م ْ‬
‫شفاعة الناس بعضهم لبعض‪ .‬وغير مستنكر أن تكون الَية نزلت فيما ذكرنا‪ ,‬ثم ع مّ بذلك كل‬
‫شافع بخير أو شرّ‪.‬‬
‫وإنما اخترنا ما قلنا من القول في ذلك لنه في سياق الَية التي أمر ال نبيه صلى ال عليه‬
‫ض المؤمنين على القتال‪ ,‬فكان ذلك بالوعد لمن أجاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فيها بح ّ‬
‫وسلم‪ ,‬والوعيد لمن أبى إجابته أشبه منه من الح ثّ على شفاعة الناس بعضهم لبعض التي لم‬
‫يجر لها ذكر قبل ول لها ذكر بعد‪ .‬ذكر من قال ذلك في شفاعة الناس بعضهم لبعض‪:‬‬
‫‪ 8010‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫س ّيئَةً} قال‪:‬‬
‫عةً َ‬
‫ن َيشْفَ ْع شَفاعَ ًة حَ سَنَ ًة َيكُ نْ َل ُه نَ صِيبٌ ِمنْها َومَ نْ َيشْفَ عْ شَفا َ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪{ :‬مَ ْ‬
‫شفاعة بعض الناس لبعض‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8011‬ـ حُدثت عن ابن مهدي‪ ,‬عن حماد بن سلمة‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬قال‪ :‬من ُيشَفّع‬
‫ن لَ ُه نَصِيبٌ ِمنْها}‬
‫سنَةً َيكُ ْ‬
‫شفاعة حسنة كان له فيها أجران‪ ,‬ولن ال يقول‪َ { :‬منْ َيشْفَعْ شَفاعَ ًة حَ َ‬
‫ولم يقل‪ُ :‬يشَفّع‪.‬‬
‫‪ 8012‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬من يشفع‬
‫شفاعة حسنة كتب له أجرها ما جرت منفعتها‪.‬‬
‫‪ 8013‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬سئل ا بن ز يد‪ ,‬عن قول ال‪{ :‬مَ نْ َيشْفَ عْ‬
‫ن َل هُ نَ صِيبٌ ِمنْها} قال‪ :‬الشفاعة الصالحة التي يشفع فيها وعمل بها هي بينك‬
‫سنَةً َيكُ ْ‬
‫شَفاعَ ًة حَ َ‬
‫ل ِمنْها} قال‪ :‬هما شريكان فيها كما‬
‫ن لَ هُ كِفْ ٌ‬
‫س ّيئَةً َي ُك ْ‬
‫ع ًة َ‬
‫وبينه هما فيها شريكان‪{ .‬مَ نْ َيشْفَ عْ شَفا َ‬
‫كان أهلها شريكين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪ :‬الكفل النصيب‪:‬‬
‫‪ 8014‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬مَ نْ َيشْفَ عْ‬
‫ل ِمنْها}‬
‫ن لَ هُ كِفْ ٌ‬
‫س ّيئَةً َي ُك ْ‬
‫ع ًة َ‬
‫ن َل ُه نَ صِيبٌ ِمنْها}‪ :‬أي ح ظّ منها‪{ .‬مَ نْ َيشْفَ عْ شَفا َ‬
‫سنَ ًة َيكُ ْ‬
‫شَفاعَ ًة حَ َ‬
‫والكفل‪ :‬هو الثم‪.‬‬
‫‪8015‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ل ِمنْها} أما الكفل‪ :‬فالحظّ‪.‬‬
‫ن لَ ُه كِفْ ٌ‬
‫قوله‪َ { :‬يكُ ْ‬
‫‪ 8016‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫الربيع‪َ { :‬يكُنْ َل ُه كِفْلٌ ِمنْها} قال‪ :‬حظّ منها‪ ,‬فبئس الحظّ‪.‬‬
‫‪ 8017‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬الك فل والن صيب وا حد‪.‬‬
‫ح َمتِهِ}‪.‬‬
‫وقرأ‪{ :‬يُ ْؤ ِت ُكمْ كِفَْل ْينِ ِمنْ َر ْ‬
‫شيْءٍ مُقِيتا}‪.‬‬
‫ن اللّ ُه على كُلّ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وكا َ‬
‫شيْءٍ مُقِي تا} فقال بعض هم‪ :‬تأويله‪:‬‬
‫ن اللّ ُه على كُلّ َ‬
‫اختلف أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪{ :‬وكا َ‬
‫وكان ال على كل شيء حفيظا وشهيدا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8018‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫شيْءٍ مُقِيتا} يقول‪ :‬حفيظا‪.‬‬
‫ن اللّ ُه على كُلّ َ‬
‫عباس‪{ :‬وكا َ‬
‫‪ 8019‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪{ :‬مُقِيتا} شهيدا‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن رجل اسمه مجاهد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8020‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{مُقِيتا} قال‪ :‬شهيدا‪ ,‬حسيبا‪ ,‬حفيظا‪.‬‬
‫‪8021‬ـ حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن شريك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪,‬‬
‫شيْءٍ مُقِيتا} قال‪ :‬المقيت‪ :‬الحسيب‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عن خصيف‪ ,‬عن مجاهد أبي الحجاج‪{ :‬وكانَ الّل ُه على كُ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬القائم على كل شيء بالتدبير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8022‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‬
‫شيْءٍ مُقِيتا} قال‪ :‬المقيت‪ :‬الواصب‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن اللّ ُه على كُ ّ‬
‫بن كثير‪{ :‬وكا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو القدير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8023‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫شيْءٍ مُقِيتا} أما المقيت‪ :‬فالقدير‪.‬‬
‫ن اللّ ُه على كُلّ َ‬
‫{وكا َ‬
‫ن اللّ ُه على‬
‫‪ 8024‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وكا َ‬
‫شيْءٍ مُقِيتا} قال‪ :‬على كل شيء قديرا‪ .‬المقيت‪ :‬القدير‪.‬‬
‫كُلّ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من هذه القوال‪ ,‬قول من قال‪ :‬معنى المقيت‪ :‬القدير‪ ,‬وذلك أن ذلك‬
‫فيما يذكر كذلك بلغة قريش‪ ,‬وينشد للزبير بن عبد المطلب ع ّم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ت على مَسا َءتِ ِه مُقيتا‬
‫س ع ْنهُو ُكنْ ُ‬
‫ضغْنٍ كَفَ ْفتُ النّف َ‬
‫َوذِي ِ‬
‫ضيّعَ َمنْ‬
‫ن يُ َ‬
‫أي قديرا‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن منه قول النبيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬كَفَى بالمَرْءِ إثْما أ ْ‬
‫يُقِي تُ» في رواية من رواها‪« :‬يُقيت»‪ :‬يعني من هو تحت يديه في سلطانه من أهله وعياله‪,‬‬
‫فيقدر له قوته‪ .‬يقال منه‪ :‬أقات فلن الشيء يقتيه إقاتة‪ ,‬وقاته يقوته قياتة وقُوتا‪ ,‬والقوت السم‪.‬‬
‫وأما ال ُمقِيتُ في بيت اليهودي الذي يقول فيه‪:‬‬
‫ن إذَا مَاقَ ّربُوها َمنْشُو َرةً َودُعِيتُ‬
‫شعُرَ ّ‬
‫شعْرِي وأ ْ‬
‫ت ِ‬
‫َليْ َ‬
‫ب مُقِيتُ‬
‫سبْتُ إنّي على الحِسا ِ‬
‫ي ال َفضْلُ أمْ عَليّ إذَا حُو ِ‬
‫أِل َ‬
‫فإن معناه‪ :‬فإني على الحساب موقوف‪ ,‬وهو من غير هذا المعنى‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ َه كَا نَ‬
‫حيّو ْا ِبَأحْ سَنَ ِمنْهَآ أَ ْو ُردّوهَآ ِإ ّ‬
‫حيّةٍ َف َ‬
‫حيّيتُم ِب َت ِ‬
‫{وَِإذَا ُ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حسِيبا }‪..‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ل َ‬
‫عََلىَ كُ ّ‬
‫حيّةٍ}‪ :‬إذا دعـي لكـم بطول الحياة والبقاء والسـلمة‪.‬‬
‫ُتمـ ِب َت ِ‬
‫ح ّيي ْ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ن ِمنْها أ ْو ُردّوها} يقول‪ :‬فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم‪{ ,‬أ ْورُدّوها}‬
‫حيّوا بأحْسَ َ‬
‫{فَ َ‬
‫يقول‪ :‬أوردّوا التحية‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأو يل في صفة التح ية ال تي هي أح سن م ما ح يا به المحي ـى‪ ,‬وال تي هي‬
‫مثل ها‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ال تي هي أح سن من ها أن يقول الم سلّم عل يه إذا ق يل‪« :‬ال سلم علي كم»‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة ال‪ ,‬ويزيد على دعاء الداعي له ‪ ¹‬والردّ أن يقول‪ :‬السلم عليكم مثلها‪,‬‬
‫كما قيل له‪ ,‬أو يقول‪ :‬وعليكم السلم‪ ,‬فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8025‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن ِمنْها أوْ ُردّوها} يقول‪ :‬إذا سلم عليك أحد‪ ,‬فقل أنت‪« :‬وعليك‬
‫حيّوا بأحْ سَ َ‬
‫ح ّييُت ْم ِب َتحِيّ ٍة َف َ‬
‫{وَإذَا ُ‬
‫السلم ورحمة ال»‪ ,‬أو تقطع إلى «السلم عليك»‪ ,‬كما قال لك‪.‬‬
‫‪8026‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ن ِمنْها أ ْو ُردّوها} قال‪ :‬في أهل السلم‪.‬‬
‫حيّوا بأحْسَ َ‬
‫حيّةٍ َف َ‬
‫ح ّييُتمْ ِب َت ِ‬
‫{وَإذَا ُ‬
‫‪8027‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن ابن جريج فيما قرىء‬
‫عليه‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬في أهل السلم‪.‬‬
‫‪ 8028‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن شريح‪ ,‬أنه كان‬
‫يردّ‪« :‬السلم عليكم»‪ ,‬كما يسلم عليه‪.‬‬
‫‪8029‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن ابن عون وإسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫أنه كان يردّ‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال‪.‬‬
‫‪8030‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عطية‪ ,‬عن ابن عمر أنه كان يردّ‪:‬‬
‫وعليكم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬فحيوا بأح سن من ها أ هل ال سلم‪ ,‬أو ردّو ها على أ هل الك فر‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8031‬ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن‪,‬‬
‫عن الحسن بن صالح‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬من سلم عليك من خلق‬
‫ْسـنَ ِمنْهـا أوْ‬
‫حيّوا بأح َ‬
‫حيّةٍ َف َ‬
‫ُتمـ ِب َت ِ‬
‫ح ّيي ْ‬
‫ال‪ ,‬فاردد عليـه وإن كان مجوسـيّا‪ ,‬فإن ال يقول‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ُردّوها}‪.‬‬
‫‪8032‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سالم بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي عروبة‪ ,‬عن‬
‫حسَنَ ِمنْها} للمسلمين‪{ ,‬أ ْو ُردّوها} على أهل الكتاب‪.‬‬
‫حيّوا بأ ْ‬
‫حيّ ٍة فَ َ‬
‫ح ّييُتمْ ِب َت ِ‬
‫قتادة‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ح ّييُت مْ‬
‫حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة في قوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ن ِمنْها} للمسلمين‪{ ,‬أ ْو رُدّوها} على أهل الكتاب‪.‬‬
‫حسَ َ‬
‫حيّوا بأ ْ‬
‫حيّةٍ َف َ‬
‫ِب َت ِ‬
‫حيّةٍ‬
‫ح ّييُت مْ ِب َت ِ‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ن ِمنْهـا} يقول‪ :‬حيوا أحسـن منهـا‪ :‬أي على المسـلمين {أ ْو رُدّوهـا} أي على أهـل‬
‫ْسـ َ‬
‫َفحَيّوا بأح َ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫حيّوا‬
‫حيّ ٍة فَ َ‬
‫ح ّييُتمْ ِب َت ِ‬
‫‪8033‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫حيّ ـي بتح ية أن يحي ـي بأح سن‬
‫بأحْ سَنَ ِمنْ ها أ ْو ُردّو ها} قال‪ :‬قال أ بي‪ :‬ح قّ على كل م سلم ُ‬
‫منها‪ ,‬وإذا حياه غير أهل السلم أن ير ّد عليه مثل ما قال‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى التأويلين بتأويل الَية قول من قال ذلك في أهل السلم‪ ,‬ووجه معناه‬
‫إلى أنه يردّ السلم على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها‪ .‬وذلك أن الصحاح من‬
‫الَثار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم ردّ تحية كل كافر أحسن‬
‫من تحيته‪ ,‬وقد أمر ال بردّ الحسن ‪ ¹‬والمثل في هذه الَية من غير تمييز منه بين المستوجب‬
‫ردّ الحسن من تحيته عليه والمردود عليه مثلها بدللة يعلم بها صحة قول من قال‪ :‬عنى بردّ‬
‫الحسن المسلم‪ ,‬وبردّ المثل‪ :‬أهل الكفر‪.‬‬
‫والصواب إذْ لم يكن في الَية دللة على صحة ذلك ول بصحته أثر لزم عن الرسول صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬أن يكون الخيار فـي ذلك إلى الم سلّم عل يه ب ين ردّ الح سن أو الم ثل إل فـي‬
‫ص شيئا من ذلك سنة من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيكون مسلما لها‪.‬‬
‫الموضع الذي خ ّ‬
‫وقد خصت السنة أهل الكفر بالنهي عن ردّ الحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها‪ ,‬إل بأن يقال‪:‬‬
‫«وعليكم»‪ ,‬فل ينبغي لحد أن يتعدّى ما حدّ في ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فأما أهل‬
‫السلم‪ ,‬فإن لمن سلم عليه منهم في الردّ من الخيار ما جعل ال له من ذلك‪ .‬وقد رُوي عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا خبر ‪ ¹‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪8034‬ـ حدثني موسى بن سهل الرملي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن السريّ النطاكي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫هشام بن ل حق‪ ,‬عن عا صم الحول‪ ,‬عن أبي عثمان النهد يّ‪ ,‬عن سلمان الفار سي‪ ,‬قال‪ :‬جاء‬
‫حمَةُ‬
‫رجل إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬السلم عليك يا رسول ال! فقال‪َ « :‬وعََليْ كَ َو َر ْ‬
‫اللّ هِ!»‪ .‬ثم جاء آخر فقال‪ :‬السلم عليك يا رسول ال ورحمة ال! فقال له رسول ال‪َ « :‬وعََليْ كَ‬
‫حمَ ُة اللّ هِ َو َبرَكاتُ هُ!»‪ .‬ثم جاء آ خر فقال‪ :‬ال سلم عل يك يا ر سول ال ورح مة ال وبركا ته!‬
‫َو َر ْ‬
‫فقال له‪َ « :‬وعََليْ كَ!» فقال له الرجل‪ :‬يا نبيّ ال بأبي أنت وأمي‪ ,‬أتاك فلن وفلن فسلما عليك‬
‫حيّةٍ‬
‫ح ّييُت مْ ِب َت ِ‬
‫شيْئا‪ ,‬قال ال {وَإذَا ُ‬
‫فرددت عليه ما أك ثر م ما رددت عل يّ؟ فقال‪« :‬أنّ كَ لَ مْ َتدَ عْ لَ نا َ‬
‫حسَنَ ِمنْها أوْ ُردّوها} فرددناها عََل ْيكَ»‪.‬‬
‫َفحَيّوا بأ ْ‬
‫فإت قال قائل‪ :‬أفوا جب ردّ التح ية على ما أ مر ال به في كتا به؟ ق يل‪ :‬ن عم‪ ,‬و به كان يقول‬
‫جماعة من المتقدمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8035‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ح ّييُت مْ‬
‫أ خبرني أ بو الزب ير أ نه سمع جابر بن ع بد ال يقول‪ :‬ما رأي ته إل يوج به قوله‪{ :‬وَإذَا ُ‬
‫ن ِمنْها أ ْو رُدّوها}‪.‬‬
‫حسَ َ‬
‫حيّوا بأ ْ‬
‫حيّةٍ َف َ‬
‫ِب َت ِ‬
‫‪8036‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن‬
‫رجل‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬السلم‪ :‬تطوّع‪ ,‬والردّ فريضة‪.‬‬
‫حسِيبا}‪.‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ل َ‬
‫ن على كُ ّ‬
‫ن اللّ َه كا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬أ ّ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال كان على كـل شيـء ممـا تعملون أيهـا الناس مـن العمال مـن‬
‫طاعة ومعصية حفيظا عليكم‪ ,‬حتى يجازيكم بها جزاءه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8037‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬حسيبا‪ ,‬قال‪ :‬حفيظا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وأصل الحسيب في هذا الموضع عندي َفعِيل من الحساب الذي هو في معنى الحصاء‪ ,‬يقال‬
‫م نه‪ :‬حا سبت فل نا على كذا وكذا‪ ,‬وفلن حا سبه على كذا و هو ح سيبه‪ ,‬وذلك إذا كان صاحب‬
‫ح سابه‪ .‬و قد ز عم ب عض أ هل الب صرة من أ هل الل غة أن مع نى الح سيب في هذا المو ضع‪:‬‬
‫الكافي‪ ,‬يقال منه‪ :‬أحسبني الشيء يُحسبني أحسابا‪ ,‬بمعنى‪ :‬كفاني‪ ,‬من قولهم‪ :‬حسبي كذا وكذا‪.‬‬
‫وهذا غلط من القول وخ طأ‪ ,‬وذلك أ نه ل يقال في أح سبت الش يء‪ :‬أح سبت على الش يء ف هو‬
‫حسِيبا}‪.‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ن على كُلّ َ‬
‫حسيب عليه‪ ,‬وإنما يقال‪ :‬هو حسبه وحسيبه‪ ,‬وال يقول‪{ :‬إنّ الّلهَ كا َ‬

‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب فِي هِ‬
‫ى يَوْ مِ الْ ِقيَامَ ِة لَ َريْ َ‬
‫ج َمعَ ّنكُ مْ إَِل َ‬
‫ل هُ َو َل َي ْ‬
‫{اللّ ُه ل إِلَ ـهَ ِإ ّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حدِيثا }‪..‬‬
‫صدَقُ ِمنَ الّلهِ َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫ج َم َع ّنكُمـْ} المعبود الذي ل تنبغـي العبودة إل له‬
‫َهـ إلّ ُهوَ َل َي ْ‬
‫ّهـ ل إل َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬الل ُ‬
‫ْمـ القِيامَةِ} يقول‪:‬‬
‫ُمـ إلى يَو ِ‬
‫ج َم َع ّنك ْ‬
‫هـو‪ ,‬الذي له عبادة كـل شيـء وطاعـة كـل طائع‪ .‬وقوله‪َ{ :‬ل َي َ‬
‫ليبعثنكـم مـن بعـد مماتكـم‪ ,‬وليحشرنكـم جميعـا إلى موقـف الحسـاب الذي يجازي الناس فيـه‬
‫بأعمالهم‪ ,‬ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته وأهل اليمان به والكفر‪{ .‬ل َريْبَ فِيهِ} يقول‪:‬‬
‫ل ش كّ في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري‪ :‬أنّي جامعكم إلى يوم القيامة بعد‬
‫حدِيثا} يعني بذلك‪ :‬واعلموا حقيقة ما أخبركم من الخبر‪ ,‬فإني‬
‫ن اللّ ِه َ‬
‫ن أ صْ َدقُ مِ َ‬
‫مماتكم‪َ { .‬ومَ ْ‬
‫جامعكـم إلى يوم القيامـة للجزاء والعرض والحسـاب والثواب والعقاب يقينـا‪ ,‬فل تشكوا فـي‬
‫صحته‪ ,‬ول تمتروا في حقي ته‪ ,‬فإن قولي ال صدق الذي ل كذب ف يه‪ ,‬ووعدى ال صدق الذي ل‬
‫حدِيثـا} يقول‪ :‬وأيّـ ناطـق أصـدق مـن ال حديثـا؟ وذلك أن‬
‫خلف له‪َ { .‬ومَن ْـ أص ْـَدقُ مِن َـ اللّه ِـ َ‬
‫الكاذب إن ما يكذب ليجتلب بكذ به إلى نف سه نفعا أو يد فع به عنها ضرّا‪ ,‬وال تعالى ذكره خالق‬
‫الضرّ والنفع‪ ,‬فغير جائز أن يكون منه كذب‪ ,‬لنه ل يدعوه إلى اجتلب نفع إلى نفسه‪ ,‬أو دفع‬
‫ضرّ عن ها سواه تعالى ذكره‪ ,‬فيجوز أن يكون له في ا ستحالة الكذب م نه نظيرا‪ ,‬و من أ صدق‬
‫من ال حديثا وخبرا‪.‬‬
‫‪88‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سبُوَ ْا َأ ُترِيدُو نَ‬
‫سهُمْ ِبمَا كَ َ‬
‫ن فِ َئ َتيْ نِ وَالّل هُ َأ ْركَ َ‬
‫{ َفمَا َلكُ مْ فِي ا ْل ُمنَافِقِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫جدَ َلهُ َ‬
‫ل اللّ ُه فَلَن َت ِ‬
‫ن َأضَلّ الّلهُ َومَن يُضْلِ ِ‬
‫أَن َت ْهدُواْ مَ ْ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬فمَا َلكُ ْم فِي المُنافِقِينَ ِف َئ َتيْنِ}‪ :‬فما شأنكم أيها المؤمنون في أهل النفاق‬
‫سبُوا} يعني بذلك‪ :‬وال ردّهم إلى أحكام أهل الشرك في‬
‫س ُهمْ ِبمَا كَ َ‬
‫فئتين مختلفتين‪{ ,‬وَاللّ ُه أ ْركَ َ‬
‫إباحة دمائهم وسبي ذراريهم‪ .‬والركاس‪ :‬الردّ‪ ,‬ومنه قول أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫عصَا ًة وقالوا ال ْفكَ وَالزّورَا‬
‫حمِيمِ النّارِ إ ّن ُهمُكانُوا ُ‬
‫فُأ ْركِسُوا فِي َ‬
‫يقال م نه‪ :‬أرك سهم ورك سهم‪ .‬و قد ذُ كر أن ها في قراءة ع بد ال وأب يّ‪« :‬وال رك سهم» بغ ير‬
‫ألف‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويـل فـي الذيـن نزلت فيهـم هذه الَيـة‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬نزلت فـي اختلف‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في الذين تخلفوا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يوم أُحد‪ ,‬وانصرفوا إلى المدينة‪ ,‬وقالوا لرسول ال عليه الصلة والسلم ولصحابه‪{ :‬لَ ْو َنعْلَ مُ‬
‫ِقتَالً ل ّت َب ْعنَاكُمْ}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8038‬ـ حدث ني الف ضل بن زياد الوا سطي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن عد يّ بن‬
‫ي يحدّث عن زيد بن ثابت‪ :‬أن النبيّ صلى ال‬
‫ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد ال بن يزيد النصار ّ‬
‫عليه وسلم لما خرج إلى أُحد‪ ,‬رجعت طائفة ممن كان معه‪ ,‬فكان أصحاب النبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم فيهم فرقتين‪ ,‬فرقة تقول‪ :‬نقتلهم‪ ,‬وفرقة تقول‪ :‬ل‪ .‬فنزلت هذه الَية‪{ :‬فَمَا َلكُمْ فِي المُنافِقِينَ‬
‫سهُمْ بِمَا كَ سَبُوا أ ُترِيدُو نَ أ نْ َت ْهدُوا}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ِفئَ َتيْ نِ وَالّل هُ أ ْركَ َ‬
‫خبَثَ ال ِفضّةِ»‪.‬‬
‫خ َبشَها كمَا َتنْفِي النّارُ َ‬
‫ط ّيبَةٌ وإنّها َتنْفِي َ‬
‫وسلم في المدينة‪« :‬أنّها َ‬
‫ي بن ثابت‪ ,‬عن عبد ال‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عد ّ‬
‫بن يزيد‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثني زريق بن السخت‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبابة‪ ,‬عن عد يّ بن ثابت‪ ,‬عن عبد ال بن يزيد‪ ,‬عن‬
‫زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ذكروا المنافقين عند النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال فريق‪ :‬نقتلهم‪ ,‬وقال‬
‫ن ِف َئتَيْنِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫فريق‪ :‬ل نقتلهم فأنزل ال تبارك وتعالى‪َ { :‬فمَا َل ُكمْ فِي المُنافِقِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت في اختلف كان ب ين أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في‬
‫قوم كانوا قدموا المدينـة مـن مكـة‪ ,‬فأظهروا للمسـلمين أنهـم مسـلمون‪ ,‬ثـم رجعوا إلى مكـة‬
‫وأظهروا لهم الشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8039‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن ِف َئتَيْن} قال‪ :‬قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم‬
‫مجاهد‪َ { :‬فمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي َ‬
‫مهاجرون‪ ,‬ثم ارتدّوا بعد ذلك‪ ,‬فاستأذنوا النبيّ صلى ال عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم‬
‫يتجرون فيها‪ .‬فاختلف فيهم المؤمنون‪ ,‬فقائل يقول‪ :‬هم منافقون‪ ,‬وقائل يقول‪ :‬هم مؤمنون‪ .‬فبين‬
‫ال نفاق هم‪ ,‬فأ مر بقتال هم‪ .‬فجاءوا ببضائع هم يريدون المدي نة‪ ,‬فلقي هم هلل بن عوي مر ال سلمي‪,‬‬
‫وبي نه وب ين ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم حلف‪ ,‬و هو الذي ح صِر صدره أن يقا تل المؤمن ين أو‬
‫يقاتل قومه‪ ,‬فدفع عنهم بأنهم يؤمنون هللً‪ ,‬وبينه وبين النبيّ صلى ال عليه وسلم عهد‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد مثله‬
‫بنحوه‪ ,‬غير أنه قال‪ :‬فبين ال نفاقهم‪ ,‬وأمر بقتالهم فلم يقاتلوا يومئذ‪ ,‬فجاءوا ببضائعهم يريدون‬
‫هلل بن عويمر السلمي‪ ,‬وبينه وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم حلف‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان اختلفهم في قوم من أهل الشرك كانوا أظهروا السلم بمكة‪ ,‬وكانوا‬
‫يعينون المشركين على المسلمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8040‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن ِفئَتَيْن} وذلك أن قو ما كانوا بم كة قد تكلموا بال سلم‪,‬‬
‫ا بن عباس قوله‪{ :‬فَمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي َ‬
‫وكانوا يظاهرون المشركيـن‪ ,‬فخرجوا مـن مكـة يطلبون حاجـة لهـم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن لقينـا أصـحاب‬
‫محمد عليه الصلة والسلم‪ ,‬فليس علينا منهم بأس! وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا‬
‫من مكة‪ ,‬قالت فئة من المؤمنين‪ :‬اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم‪ ,‬فإنهم يظاهرون عليكم عدوّكم!‬
‫وقالت فئة أخرى من المؤمن ين‪ :‬سبحان ال ـ أو ك ما قالوا أتقتلون قو ما قد تكلموا بم ثل ما‬
‫ل دماؤ هم وأموال هم لذلك! فكانوا‬
‫تكلم تم به؟ من أ جل أن هم لم يهاجروا ويتركوا ديار هم ت ستح ّ‬
‫ش يء ‪¹‬‬ ‫كذلك فئت ين‪ ,‬والر سول عل يه ال صلة وال سلم عند هم ل ين هى واحدا من الفريق ين عن‬
‫ن َتهْدُوا مَ نْ أضَلّ‬
‫نأ ْ‬
‫سهُ ْم بِمَا كَ سَبُوا أ ُترِيدُو َ‬
‫فنزلت‪{ :‬فَمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي نَ ِف َئ َتيْ نِ وَالّل ُه أ ْركَ َ‬
‫اللّهُ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪8041‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬فمَا َلكُمْ فِي‬
‫المُنافِقِي نَ ِف َئ َتيْن}‪ ...‬الَية‪ ,‬ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش كانا مع المشركين بمكة‪ ,‬وكانا‬
‫قد تكلما بالسلم‪ ,‬ولم يهاجرا إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلقيهما ناس من أصحاب نبيّ‬
‫ال وه ما مقبلن إلى م كة‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬إن دماءه ما وأمواله ما حلل‪ ,‬وقال بعض هم‪ :‬ل تحلّ‬
‫سبُوا}‬
‫لكم‪ .‬فتشاجروا فيهما‪ ,‬فأنزل ال في ذلك‪َ { :‬فمَا َلكُمْ فِي المُنافِقِينَ ِف َئ َتيْنِ واللّ ُه أ ْركَسَ ُهمْ ِبمَا كَ َ‬
‫ط ُهمْ عََل ْي ُكمْ فَلَقاتَلُوكُم}‪.‬‬
‫حتى بلغ‪{ :‬وَلَ ْو شاءَ الّلهُ َلسَّل َ‬
‫‪8042‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفيان‪ ,‬عن معمر بن راشد‪ ,‬قال‪ :‬بلغني أن ناسا من أهل‬
‫مكـة كتبوا إلى النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم أنهـم قـد أسـلموا‪ ,‬وكان ذلك منهـم كذبـا‪ .‬فلقوهـم‪,‬‬
‫فاختلف فيهم المسلمون‪ ,‬فقالت طائفة‪ :‬دماؤهم حلل‪ ,‬وقالت طائفة‪ :‬دماؤهم حرام ‪ ¹‬فأنزل ال‪:‬‬
‫سبُوا}‪.‬‬
‫س ُهمْ ِبمَا َك َ‬
‫{فَمَا َل ُكمْ فِي المُنافِقِينَ ِف َئ َتيْنِ وَاللّ ُه أ ْركَ َ‬
‫‪ 8043‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سلمان‪,‬‬
‫ن ِفئَ َتيْن} هم ناس تخلفوا عن نبيّ ال‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ { :‬فمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي َ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬وأقاموا بمكـة‪ ,‬وأعلنوا اليمان‪ ,‬ولم يهاجروا‪ .‬فاختلف فيهـم أصـحاب‬
‫رسول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فتولهم ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫و تبرأ من وليت هم آخرون‪ ,‬وقالوا‪ :‬تخلفوا عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ولم يهاجروا‪.‬‬
‫فسماهم ال منافقين‪ ,‬وبرأ المؤمنين من وليتهم‪ ,‬وأمرهم أن ل يتولوهم حتى يهاجروا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان اختلف هم في قوم كانوا بالمدي نة أرادوا الخروج عن ها نفا قا‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪8044‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫سهُ ْم ِبمَا كَ سَبُوا} قال‪ :‬كان ناس من المنافقين أرادوا أن‬
‫{فَمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي نَ ِف َئ َتيْ نِ وَالّل ُه أ ْركَ َ‬
‫خمْنا ها‪ ,‬فلعل نا أن‬
‫يخرجوا من المدي نة‪ ,‬فقالوا للمؤمن ين‪ :‬إ نا قد أ صابنا أوجاع في المدي نة وا ّت َ‬
‫نخرج إلى الظّهْر حتـى نتماثـل ثـم نرجـع‪ ,‬فإنـا كنـا أصـحاب بريـة‪ .‬فانطلقوا ‪ ¹‬واختلف فيهـم‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقالت طائ فة‪ :‬أعداء ال المنافقون‪ ,‬ودد نا أن ر سول ال‬
‫أ صحاب ال نب ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم! وقالت طائفة‪ :‬ل‪ ,‬بل إخواننا تخمتهم المدينة فاتّخموها‪.‬‬
‫ن ِف َئ َتيْ نِ} يقول‪:‬‬
‫فخرجوا إلى الظهر يتنزّهون‪ ,‬فإذا برءوا رجعوا‪ .‬فقال ال‪َ { :‬فمَا َلكُ مْ فِي المُنافِقِي َ‬
‫س ُهمْ بمَا كَسبوا}‪.‬‬
‫ما لكم تكونون فيهم فئتين {وال أ ْركَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَية في اختلف أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫أمر أهل الفك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8045‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬فَمَا َلكُ مْ فِي‬
‫خذُوا ِم ْنهُ مْ أوْلِيا َء حتى يُهاجِرُوا فِي‬
‫سهُ ْم ِبمَا كَ سَبُوا} حتى بلغ‪{ :‬فَل َت ّت ِ‬
‫المُنافِقِي نَ ِف َئ َتيْ نِ وَالّل ُه أ ْركَ َ‬
‫سبِيلِ الّل هِ} قال‪ :‬هذا في شأن ابن أب يّ حين تكلم في عائشة بما تكلم‪ .‬فقال سعد بن معاذ‪ :‬فإنى‬
‫َ‬
‫أبرأ إلى ال وإلى رسوله منه! يريد عبد ال بن أبيّ ابن سلول‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى هذه القوال بالصـواب فـي ذلك قول مـن قال‪ :‬نزلت هذه الَيـة فـي‬
‫اختلف أصـحاب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم فـي قوم كانوا ارتدّوا عـن السـلم بعـد‬
‫إ سلمهم من أ هل م كة‪ .‬وإن ما قل نا ذلك أولى بال صواب ‪ ¹‬لن اختلف أ هل ذلك إن ما هو على‬
‫قولين‪ :‬التأويل في أحدهما أنهم قوم كانوا من أهل مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم‪ ,‬والَخر‬
‫ُمـ أوْلِيا َء حتـى‬
‫خذُوا ِم ْنه ْ‬
‫أنهـم قوم كانوا مـن أهـل المدينـة‪ ,‬وفـي قول ال تعالى ذكره‪{ :‬فَل َت ّت ِ‬
‫يُهاجِرُوا} أوضـح الدليـل على أنهـم كانوا مـن غيـر أهـل المدينـة لن الهجرة كانـت على عهـد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر‪ ,‬فأما من كان بالمدينة‬
‫في دار الهجرة مقي ما من المنافق ين وأ هل الشرك‪ ,‬فلم ي كن عل يه فرض هجرة‪ ,‬ل نه في دار‬
‫الهجرة كان وطنه ومقامه‪.‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في ن صب قوله‪ِ { :‬ف َئ َتيْ نِ} فقال بعض هم‪ :‬هو من صوب على الحال‪ ,‬ك ما‬
‫تقول‪ :‬مـا لك قائمـا‪ ,‬يعنـي مـا لك فـي حال القيام‪ .‬وهذا قول بعـض البصـريين ‪ ¹‬وقال بعـض‬
‫نحو يي الكوفي ين‪ :‬هو من صوب على ف عل « ما لك»‪ ,‬قال‪ :‬ول يُبالَى كان المن صوب في مالك‬
‫معرفة أو نكرة‪ .‬قال‪ :‬ويجوز في الكلم أن يقول‪ :‬ما لك السائر معنا‪ ,‬لنه كالفعل الذي ينصب‬
‫بكان وأظ نّ وما أشبههما‪ .‬قال‪ :‬وكل موضع صلحت فيه «فعل» و«يفعل» من المنصوب جاز‬
‫ن لنه نّ نواقص في المعنى وإن ظننت أنه نّ‬
‫نصب المعرفة منه والنكرة‪ ,‬كما ينصب كان وأظ ّ‬
‫تامات‪ .‬وهذا القول أولى بالصـواب فـي ذلك‪ ,‬لن المطلوب فـي قول القائل‪« :‬مـا لك قائمـا»‬
‫القيام‪ ,‬فهو في مذهب كان وأخواتها وأظنّ وصواحباتها‪.‬‬
‫سبُوا}‪.‬‬
‫سهُمْ ِبمَا َك َ‬
‫القول في تأويل قوله عزّ وجلّ‪{ :‬وَالّلهُ أ ْر َك َ‬
‫سهُمْ} فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬ردّ هم ‪ ¹‬ك ما قل نا‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪{ :‬وَالّل هُ أ ْركَ َ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8046‬ـ حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء الخرا ساني‪ ,‬عن ا بن‬
‫سبُوا} ردّهم‪.‬‬
‫سهُمْ ِبمَا َك َ‬
‫عباس‪{ :‬وَالّلهُ أ ْر َك َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وال أوقعهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن‬
‫‪8047‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫سبُوا} يقول‪ :‬أوقعهم‪.‬‬
‫سهُمْ ِبمَا َك َ‬
‫عباس‪{ :‬وَالّلهُ أ ْر َك َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أضلّهم وأهلكهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8048‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَالّلهُ‬
‫س ُهمْ} قال‪ :‬أهلكهم‪.‬‬
‫أ ْركَ َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرزاق‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَاللّ هُ‬
‫سبُوا}‪ :‬أهلكهم بما عملوا‪.‬‬
‫س ُهمْ ِبمَا َك َ‬
‫أ ْركَ َ‬
‫‪8049‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫سبُوا}‪ :‬أهلكهم‪.‬‬
‫سهُمْ ِبمَا َك َ‬
‫{وَالّلهُ أ ْر َك َ‬
‫وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبل بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫جدَ َل هُ‬
‫ن ُيضْلِلِ اللّ هُ فَلَ نْ َت ِ‬
‫ن أ نْ َت ْهدُوا مَ نْ أضَلّ الّل هُ َو َم ْ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬أ ُترِيدُو َ‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫َ‬
‫ن أضَلّ الّل هُ} أتريدون أي ها المؤمنون أن تهدوا‬
‫ن َت ْهدُوا مَ ْ‬
‫نأ ْ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬أ ُترِيدُو َ‬
‫إلى السلم‪ ,‬فتوفقوا للقرار به والدخول فيه من أضله ال عنه‪ ,‬يعني بذلك‪ :‬من خذله ال عنه‬
‫فلم يوفقـه للقرار بـه‪ .‬وإنمـا هذا خطاب مـن ال تعالى ذكره للفئة التـي دافعـت عـن هؤلء‬
‫ل ثناؤه‪ :‬أتبغون هداية هؤلء الذين‬
‫المنافقين الذين وصف ال صفتهم في هذه الَية‪ ,‬يقول لهم ج ّ‬
‫أضلهم ال فخذلهم عن الحقّ واتباع السلم بمدافعتكم عن قتالهم من أراد قتالهم من المؤمنين؟‬
‫سبِيلً} يقوله‪ :‬ومن خذله عن دينه واتباع ما أمره به من القرار‬
‫جدَ َل ُه َ‬
‫{ َومَ نْ ُيضْلِلِ الّل ُه فَلَ نْ َت ِ‬
‫به وبنبيه محمد صلى ال عليه وسلم وما جاء به من عنده‪ ,‬فأضله عنه‪ ,‬فلن تجد له يا محمد‬
‫سبيلً‪ ,‬يقول‪ :‬فلن تجد له طريقا تهديه فيها إلى إدراك ما خذله ال (عنه)‪ ,‬ول منهجا يصل منه‬
‫إلى المر الذي قد حرمه الوصول إليه‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خذُو ْا ِم ْنهُ مْ‬
‫{ َودّواْ َلوْ َتكْ ُفرُو نَ َكمَا َك َفرُواْ َف َتكُونُو نَ سَوَآءً فَلَ َت ّت ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خذُواْ‬
‫حيْ ثُ َوجَد ّتمُوهُ مْ َولَ َت ّت ِ‬
‫خذُوهُ مْ وَاقْتُلُوهُ ْم َ‬
‫ن تَوَّلوْاْ َف ُ‬
‫سبِيلِ الّل هِ َفإِ ْ‬
‫جرُو ْا فِي َ‬
‫حّتىَ ُيهَا ِ‬
‫أَوِْليَآ َء َ‬
‫ِم ْنهُمْ وَِليّا َولَ َنصِيرا }‪..‬‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ودّوا َلوْ َتكْ ُفرُو نَ كمَا كَ َفرُوا}‪ :‬تمنى هؤلء المنافقون الذين أنتم أيها‬
‫المؤمنون في هم فئتان أن تكفروا فتجحدوا وحدان ية رب كم وت صديق نبيكم مح مد صلى ال عل يه‬
‫ن سَوَاءً} يقول‪ :‬فتكونون كفارا مثل هم‪,‬‬
‫و سلم‪{ ,‬ك ما كَ َفرُوا} يقوله‪ :‬ك ما جحدوا هم ذلك‪َ { .‬ف َتكُونُو َ‬
‫ل اللّهـِ}‬
‫خذُوا ِم ْنهُم ْـ أوْلِيا َء حتـى يُهاجِرُوا فِي سَـبِي ِ‬
‫وتسـتوون أنتـم وهـم فـي الشرك بال‪{ .‬فَل َت ّت ِ‬
‫يقول‪ :‬ح تى يخرجوا من دار الشرك ويفارقوا أهل ها الذ ين هم بال مشركون إلى دار ال سلم‬
‫سبِيل ال} يعني في ابتغاء دين ال‪ ,‬وهو سبيله‪ ,‬فيصيروا عند ذلك مثلكم‪ ,‬ويكون‬
‫وأهلها {في َ‬
‫لهم حينئذ حكمكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8050‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫جرُوا}‬
‫خذُوا ِم ْنهُ مْ أوْلِيا َء حتى يُها ِ‬
‫ن سَوَاءً فَل َت ّت ِ‬
‫ن كمَا َك َفرُوا َف َتكُونُو َ‬
‫ابن عباس‪َ { :‬ودّوا َلوْ َتكْ ُفرُو َ‬
‫يقول‪ :‬حتى يصنعوا كما صنعتم‪ ,‬يعني‪ :‬الهجرة في سبيل ال‪.‬‬
‫خذُوا ِم ْنهُ مْ وَلِيّا‬
‫ج ْد ُتمُوهُ مْ وَل َت ّت ِ‬
‫حيْ ثُ َو َ‬
‫القول في تأو يل قوله‪{ :‬فإ نْ َتوَلّوْا َفخُذُوهُ مْ وَا ْقتُلُوهُ مْ َ‬
‫وَل نَصِيرا}‪.‬‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فإن أدبر هؤلء المنافقون عـن القرار بال ورسـوله‪ ,‬وتولوا عـن‬
‫الهجرة مـن دار الشرك إلى دار السـلم‪ ,‬ومـن الكفـر إلى السـلم‪ ,‬فخذوهـم أيهـا المؤمنون‪,‬‬
‫خذُوا‬
‫واقتلوهم حيث وجدتموهم من بلدهم وغير بلدهم‪ ,‬أين أصبتموهم من أرض ال‪{ .‬ول َت ّت ِ‬
‫ُمـ وَلِي ّا} يقوله‪ :‬ول تتخذوا منهـم خليلً يواليكـم على أموركـم‪ ,‬ول ناصـرا ينصـركم على‬
‫ِم ْنه ْ‬
‫أعدائ كم‪ ,‬فإن هم كفار ل يألون كم خبالً‪ ,‬ودّوا ما عنتّم‪ .‬وهذا ال خبر من ال جلّ ثناؤه إبا نة عن‬
‫صحة نفاق الذين اختلف المؤمنون في أمرهم‪ ,‬وتحذير لمن دافع عنهم عن المدافعة عنهم‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8051‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫خذُو ُهمْ وَاقْتُلُو ُهمْ}‪ :‬فإن تولوا عن الهجرة فخذوهم واقتلوهم‪.‬‬
‫ن تَوَّلوْا ف ُ‬
‫ابن عباس‪{ :‬فإ ْ‬
‫‪8052‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ج ْدتُمُوهُمـْ} يقول‪ :‬إذا أظهروا كفرهـم فاقتلوهـم حيـث‬
‫ْثـ َو َ‬
‫حي ُ‬‫ُمـ َ‬
‫ُمـ وَا ْقتُلُوه ْ‬
‫خذُوه ْ‬
‫{فإنـ تَوَّلوْا َف ُ‬
‫ْ‬
‫وجدتموهم‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن إَِلىَ قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مّيثَا قٌ َأ ْو جَآءُوكُ مْ‬
‫{ِإلّ اّلذِي نَ يَ صِلُو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫طهُمْ عََل ْيكُ مْ فَلَقَاتَلُوكُ مْ فَإِ نِ‬
‫صدُورُ ُهمْ أَن يُقَاتِلُو َنكُ مْ َأوْ يُقَاتِلُو ْا قَ ْو َمهُ مْ وََل ْو شَآءَ اللّ ُه لَ سَّل َ‬
‫حَ صِرَتْ ُ‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫جعَلَ اللّ ُه َل ُكمْ عََل ْيهِمْ َ‬
‫ع َتزَلُو ُكمْ فََلمْ يُقَاتِلُو ُكمْ وَأَلْقَوْ ْا إَِل ْي ُكمُ السَّلمَ َفمَا َ‬
‫اْ‬
‫ن إلى قَوْم ٍـ َب ْي َنكُم ْـ َو َب ْي َنهُم ْـ مِيثاقـٌ}‪ :‬فإن تولّى هؤلء‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬إلّ اّلذِينَـ يَصِـلُو َ‬
‫المنافقون الذ ين اختلف تم في هم عن اليمان بال ور سوله‪ ,‬وأبوا الهجرة‪ ,‬فلم يهاجروا في سبيل‬
‫ال‪ ,‬فخذو هم واقتلو هم ح يث وجدتمو هم‪ ,‬سوى من و صل من هم إلى قوم بين كم وبين هم مواد عة‬
‫وعهد وميثاق‪ ,‬فدخلوا في هم و صاروا من هم ورضوا بحكم هم‪ ,‬فإن ل من و صل إلي هم فد خل في هم‬
‫من أهل الشرك راضيا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم‪ ,‬أن ل تسبى نساؤهم وذراريهم‪,‬‬
‫ول تُغنم أموالهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8053‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن يَ صِلُونَ إلى قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ} يقول‪ :‬إذا أظهروا كفر هم فاقتلو هم ح يث‬
‫{إلّ اّلذِي َ‬
‫وجدتموهم‪ ,‬فإن أحد منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق‪ ,‬فأجروا عليه مثل ما تجرون على‬
‫أهل الذمة‪.‬‬
‫ن إلى قَوْمٍ‬
‫‪8054‬ـ حدثني يونس‪ ,‬عن ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬إلّ اّلذِينَ يَصِلُو َ‬
‫َب ْي َنكُمْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ} يصلون إلى هؤلء الذين بينكم وبينهم ميثاق من القوم‪ ,‬لهم من المان مثل‬
‫ما لهؤلء‪.‬‬
‫‪ 8055‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‪,‬‬
‫ن إلى قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ} قال‪ :‬نزلت في هلل بن عويمر السلمي‬
‫ن يَ صِلُو َ‬
‫قوله‪{ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫وسراقة بن مالك بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف‪.‬‬
‫ن إلى قَوْ مٍ}‪ :‬إل الذين يتصلون‬
‫وقد زعم بعض أهل العربية‪ ,‬أن معنى قوله‪{ :‬إلّ اّلذِي نَ يَصِلُو َ‬
‫في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق ‪ ¹‬من قولهم‪ :‬اتّصل الرجل‪ ,‬بمعنى‪ :‬انتمى وانتسب‪ ,‬كما قال‬
‫العشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم‪:‬‬
‫غمُ‬
‫ف رَوَا ِ‬
‫لنُو ُ‬
‫س َبتْها وا ُ‬
‫ت قالَتْ أ َب ْكرَ بْنَ وَائِلٍ َو َب ْكرٌ َ‬
‫إذا اتّصَلَ ْ‬
‫يعني بقوله‪ :‬اتصلت‪ :‬انتسبت‪ .‬ول وجه لهذا التأويل في هذا الموضع‪ ,‬لن النتساب إلى قوم‬
‫من أ هل المواد عة أو الع هد لو كان يو جب للمنت سبين إلي هم ما ل هم إذا لم ي كن ل هم من الع هد‬
‫والمان ما ل هم‪ ,‬ل ما كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ليقا تل قري شا‪ ,‬و هم أن سباء ال سابقين‬
‫الوّلين‪ .‬ولهل اليمان من الح قّ بإيمانهم أكثر مما لهل العهد بعهدهم‪ ,‬وفي قتال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مشركي قريش بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل اليمان منهم‪ ,‬مع قرب‬
‫أن سابهم من أن ساب المؤمن ين من هم‪ ,‬الدل يل الوا ضح أن انت ساب من ل ع هد له إلى ذي الع هد‬
‫منهم‪ ,‬لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه‪.‬‬
‫فإن ظنّـ ذو غفلة أن قتال النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم مـن قاتـل مـن أنسـباء المؤمنيـن من‬
‫ن إلى قَوْمٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْينَهُمْ مِيثاقٌ} فإن‬
‫ن يَ صِلُو َ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫مشركي قريش إنما كان بعد ما نسخ قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫أهل التأويل أجمعوا على أن ذلك نسخ قراءة نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في السلم‪.‬‬
‫ن يُقاتِلُو ُكمْ أ ْو يُقاتِلُوا قَ ْو َم ُهمْ}‪.‬‬
‫صدُورُ ُهمْ أ ْ‬
‫صرَتْ ُ‬
‫ح ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬أ ْو جاءُو ُكمْ َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬أ ْو جاءُوكُم ْـ حَص ِـرَتْ ص ُـدُورُ ُهمْ أن ْـ يُقاتِلُوكُم ْـ أوْ يُقاتِلُوا قَ ْو َمهُمـْ} فإن‬
‫تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم‪ ,‬إل الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق‪ ,‬أو‪ :‬إل‬
‫الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم‪ .‬ويعني‬
‫صدُورُ ُهمْ} ضا قت صدورهم عن أن يقاتلو كم أو أن يقاتلوا قوم هم‪ ,‬والعرب‬
‫صرَتْ ُ‬
‫بقوله‪{ :‬حَ ِ‬
‫تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلم قد حصر‪ ,‬ومنه الحصر في القراءة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8056‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫صدُورُ ُهمْ} يقول‪ :‬ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم أو‬
‫صرَتْ ُ‬
‫صدُورُ ُهمْ} {حَ ِ‬
‫صرَتْ ُ‬
‫{أ ْو جاءُوكُ مْ حَ ِ‬
‫يقاتلوا قومهم‪.‬‬
‫ن يُقاتِلُوكُ مْ أ ْو يُقاتِلُوا قَ ْو َمهُ مْ} متروك ترك ذكره‬
‫صرَتْ صُدُورُ ُهمْ أ ْ‬
‫وفي قوله‪{ :‬أ ْو جاءُوكُ مْ حَ ِ‬
‫لدللة الكلم عليه‪ ,‬وذلك أن معناه‪ :‬أو جاءوكم قد حصرت صدورهم‪ ,‬فترك ذكر «قد» لن من‬
‫شأن العرب ف عل م ثل ذلك‪ ,‬تقول‪ :‬أتا ني فلن ذ هب عقله‪ ,‬بمع نى‪ :‬قد ذ هب عقله ‪ ¹‬وم سموع‬
‫منهم‪ :‬أصحبت نظرت إلى ذات التنانير‪ ,‬بمعنى‪ :‬قد نظرت‪ .‬ولضمار «قد» مع الماضي جاز‬
‫و ضع الما ضي من الفعال في مو ضع الحال‪ ,‬لن قد إذا دخلت م عه أدن ته من الحال وأش به‬
‫َصـرَتْ} قرأ القرّاء فـي جميـع المصـار‪ ,‬وبهـا يقرأ‬
‫السـماء‪ .‬وعلى هذه القراءة‪ ,‬أعنـي‪{ :‬ح ِ‬
‫صرَتْ‬
‫لجماع الحجة عليها‪ .‬وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك‪« :‬أ ْو جاءُوكُ مْ حَ ِ‬
‫صدُورُ ُهمْ» ن صبا‪ ,‬و هي صحيحة في العرب ية ف صيحة‪ ,‬غ ير أ نه غ ير جائز القراءة ب ها عندي‬
‫ُ‬
‫لشذوذها وخروجها عن قراءة قراء السلم‪.‬‬
‫ع َتزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ شا َء اللّ ُه لَسَّلطَ ُهمْ عََل ْيكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فإنِ ا ْ‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫جعَلَ الّل ُه َل ُكمْ عََل ْي ِهمْ َ‬
‫وألْ َقوْا إَل ْيكُمُ السَّلمَ َفمَا َ‬
‫ُمـ فَلَقَاتَلُوكُمـْ}‪ :‬ولو شاء ال لسـلط هؤلء الذيـن‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه‪{ :‬ولو شَاءَ ال لَسـلّطُهمْ عََل ْيك ْ‬
‫يصـلون إلى قوم بينكـم وبينهـم ميثاق‪ ,‬فيدخلون فـي جوارهـم وذمتهـم‪ ,‬والذيـن يجيئونكـم قـد‬
‫ح صرت صدورهم عن قتال كم وقتال قوم هم علي كم أي ها المؤمنون‪ ,‬فقاتلو كم مع أعدائ كم من‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفهم‬
‫المشرك ين‪ ,‬ولكن ال تعالى ذكره كفهم عنكم‪ .‬يقول ج ّ‬
‫عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم فيما أمركم به من الكفّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم‬
‫{فإنـ‬
‫ِ‬ ‫ميثاق‪ ,‬أو جاءوكـم حصـرت صـدورهم عـن قتالكـم وقتال قومهـم‪ .‬ثـم قال جلّ ثناؤه‪:‬‬
‫ع َتزَلُوكُمْ} يقول‪ :‬فإن اعتزلكم هؤلء الذين أمرتكم بالكفّ عن قتالهم من المنافقين بدخولهم في‬
‫اْ‬
‫أهـل عهدكـم أو مصـيرهم إليكـم‪ ,‬حصـرت صـدورهم عـن قتالكـم وقتال قومهـم‪ ,‬فلم يقاتلوكـم‪,‬‬
‫{وأَلْ َقوْا إَل ْيكُمْ السَّلمَ} يقول‪ :‬وصالحوكم‪ .‬والسلم‪ :‬هو الستسلم‪ ,‬وإنما هذا مثل كما يقول الرجل‬
‫للر جل‪ :‬أعطي تك قيادي وألق يت إل يك خطا مي‪ ,‬إذا ا ستسلم له وانقاد لمره‪ ,‬فكذلك قوله‪{ :‬وألْقَوْا‬
‫إَل ْيكُ مْ السّلَمَ} إنما هو‪ :‬ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحا منهم لكم وسلما‪ .‬ومن السلم قول‬
‫الطرماح‪:‬‬
‫عثَ ِة الّل َبدِ‬
‫حصَانٍ َو ْ‬
‫ل َ‬
‫سدِ كُ ّ‬
‫ن َتمِيما غا َدرَتْ سَلَماللُ ْ‬
‫وَذاكَ أ ّ‬
‫يعني بقوله سلما‪ :‬استسلما‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ع َتزَلُوكُ مْ فَلَ مْ‬
‫‪ 8057‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪{ :‬فإ نِ ا ْ‬
‫يُقاتِلُو ُكمْ وألْقَوْا إَل ْي ُكمُ السَّلمَ} قال‪ :‬الصلح‪.‬‬
‫سبِيلً} فإنه يقول‪ :‬إذا استسلم لكم هؤلء المنافقون الذين‬
‫جعَلَ الّل هُ َلكُ مْ عََل ْيهِ ْم َ‬
‫وأما قوله‪َ { :‬فمَا َ‬
‫و صف صفتهم صلحا من هم ل كم‪ ,‬ف ما ج عل ال ل كم علي هم سبيلً‪ :‬أي فلم يج عل ال ل كم على‬
‫أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقا إلى قتل أو سباء أو غنيمة‪ ,‬بإباحة منه ذلك لكم ول‬
‫إذن‪ ,‬فل تعرضوا ل هم في ذلك إل سبيل خ ير‪ .‬ثم ن سخ ال جم يع ح كم هذه الَ ية وال تي بعد ها‬
‫ج ْد ُتمُوهُ مْ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫حيْ ثُ َو َ‬
‫حرُ مُ فا ْقتُلُوا ال ُمشْ ِركِي نَ َ‬
‫شهُرُ ال ُ‬
‫خ ال ْ‬
‫بقوله تعالى ذكره‪{ :‬فإذَا انْ سَلَ َ‬
‫سبِيَلهُمْ إنّ الّلهَ غَفُورٌ َرحِيمٌ}‪ .‬ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا‪:‬‬
‫{فَخَلّوا َ‬
‫‪ 8058‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن واضح‪ ,‬عن الحسين‪ ,‬عن يزيد‪ ,‬عن عكرمة‬
‫خذُوا ِم ْنهُ مْ وَلِيّا وَل‬
‫جدْتمُوهُ مْ وَل َت ّت ِ‬
‫حيْ ثُ َو َ‬
‫والح سن‪ ,‬قال‪ :‬قال‪{ :‬فَإ نْ َتوَلّوْا َفخُذُوهُ مْ وَا ُقتُلُوهُ مْ َ‬
‫جعَلْنا َلكُ مْ عََل ْيهِ مْ‬
‫ن إلى قَو مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وأُوَل ِئكُ مْ َ‬
‫ن يَ صِلُو َ‬
‫نَ صِيرا إلّ اّلذِي َ‬
‫خ ِرجُوكُمْ‬
‫ن لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلمْ ُي ْ‬
‫عنِ اّلذِي َ‬
‫سُلْطانا ُمبِينا}‪ .‬وقال في الممتحنة‪{ :‬ل َينْهاكُمُ اللّهُ َ‬
‫سطِينَ} وقال فيها‪{ :‬إ ّنمَا َي ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنه‬
‫سطُوا إَل ْيهِمْ إنّ الّل َه ُيحِبّ المُقْ ِ‬
‫ن َتبَرّوهُ ْم وتُقْ ِ‬
‫ن دِيا ِركُمْ أ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ن دِياركُ مْ}‪ ...‬إلى‪{ :‬فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الظّاِلمُو نَ}‪ .‬فن سخ هؤلء‬
‫خ َرجُوكُ مْ مِ ْ‬
‫ن قاتَلُوكُ مْ فِي الدّي نِ وأ ْ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ِنـ‬
‫ُمـ م َ‬
‫ِينـ عا َه ْدت ْ‬
‫ّهـ َورَسـُولِ ِه إلى اّلذ َ‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫الَيات الربعـة فـي شأن المشركيـن‪ ,‬فقال‪َ { :‬برَاءَ ٌة م َ‬
‫ن اللّ َه ُمخْزِي‬
‫شهُرٍ وَاْعَْلمُوا أ ّنكُ مْ غيرُ ُمعْجزِي الّل هِ وأ ّ‬
‫ن فَ سِيحُوا فِي الرْ ضِ أ ْر َبعَ َة أ ْ‬
‫ال ُمشْرِكي َ‬
‫الكا ِفرِي نَ} فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الرض‪ ,‬وأبطل ما كان قبل ذلك‪ .‬وقال في التي‬
‫ْصـرُو ُهمْ‬
‫ُمـ وَاح ُ‬
‫خذُوه ْ‬
‫ُمـ َو ُ‬
‫ج ْدتُمُوه ْ‬
‫ْثـ َو َ‬
‫حي ُ‬‫ِينـ َ‬
‫شرِك َ‬
‫ُمـ فاقْتُلُوا ال ُم ْ‬
‫شهُ ُر الحُر ُ‬
‫ْسـلَخَ ال ْ‬
‫تليهـا‪{ :‬فإذا ان َ‬
‫ل َمرْصد} ثم نسخ واستثنى فقال‪{ :‬فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلةَ وآتَوْا الزّكاةَ}‪ ...‬إلى‬
‫وَا ْق ُعدُوا َلهُمْ كُ ّ‬
‫قوله‪ُ { :‬ثمّ أبِْلغْ ُه م ْأ َمنَهُ}‪.‬‬
‫‪8059‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫جدْتمُو ُهمْ}‪.‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫ش ِركِينَ َ‬
‫ع َتزَلُو ُكمْ} قال‪ :‬نسختها‪{ :‬فا ْقتُلُوا ال ُم ْ‬
‫قوله‪{ :‬فإنِ ا ْ‬
‫‪ 8060‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا همام بن يحي ـى‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن إلى قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْينَهُ مْ مِيثا قٌ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬فمَا‬
‫ن يَ صِلُو َ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫سمعت قتادة يقول في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫سبِيلً} ثم نسخ ذلك بعد في براءة‪ ,‬وأمر نبيه صلى ال عليه وسلم أن يقاتل‬
‫جعَلَ الّلهُ َل ُكمْ عََل ْيهِ ْم َ‬
‫َ‬
‫ُمـ كُلّ‬
‫ْصـرُو ُهمْ وَا ْق ُعدُوا َله ْ‬
‫ُمـ وَاح ُ‬
‫خذُوه ْ‬
‫ُمـ َو ُ‬
‫ج ْد ُتمُوه ْ‬
‫ْثـ َو َ‬
‫حي ُ‬‫ِينـ َ‬
‫ش ِرك َ‬
‫المشركيـن بقوله‪{ :‬ا ْقتُلُوا ال ُم ْ‬
‫صدٍ}‪.‬‬
‫َمرْ َ‬
‫ن يَ صِلُونَ‬
‫‪ 8061‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪:‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫إلى قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬نُسخ هذا كله أجمع‪ ,‬نسخه الجهاد‪ ,‬ضرب لهم أجل‬
‫أربعة أشهر‪ ,‬إما أن يسلموا وإما أن يكون الجهاد‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَن َي ْأ َمنُوكُ مْ َو َي ْأ َمنُواْ قَ ْو َمهُ مْ كُلّ مَا‬
‫ن ُيرِيدُو َ‬
‫خرِي َ‬
‫نآَ‬
‫جدُو َ‬
‫{ سَ َت ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خذُوهُمْ وَا ْقتُلُوهُمْ‬
‫ُردّوَاْ إِلَى ا ْل ِف ْتنِةِ ُأ ْركِسُو ْا ِف ِيهَا َفإِن لّمْ َي ْع َتزِلُوكُمْ َويُلْقُوَ ْا إَِل ْيكُمُ السَّلمَ َو َيكُ ّفوَاْ َأ ْي ِد َيهُمْ َف ُ‬
‫جعَ ْلنَا َل ُكمْ عََل ْي ِهمْ سُ ْلطَانا ّمبِينا }‪..‬‬
‫حيْثُ ثِقِ ْف ُتمُو ُهمْ وَُأوْلَـ ِئكُمْ َ‬
‫َ‬
‫وهؤلء فر يق آ خر من المنافق ين كانوا يظهرون ال سلم لر سول الله صلى ال عل يه و سلم‬
‫وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء وأخذ الموال وهم كفار‪ ,‬يعلم ذلك منهم قومهم‪,‬‬
‫إذا لقوهم كانوا معهم وعبدوا ما يبعدونه من دون ال ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم‬
‫وذراري هم‪ ,‬يقول ال‪{ :‬كُلّ ما ُردّوا إلى ال ِف ْتنَ ِة ُأ ْركِ سُوا فِيهَا} يع ني‪ :‬كل ما دعا هم إلى الشرك بال‬
‫ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في الذ ين عنوا بهذه الَ ية‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هم ناس كانوا من أ هل م كة‬
‫أ سلموا على ما و صفهم ال به من التق ية و هم كفار‪ ,‬ليأمنوا على أنف سهم وأموال هم وذراري هم‬
‫ونسـائهم‪ ,‬يقول ال‪{ :‬كُلّمـا ُردّوا إلى ال ِف ْتنَ ِة ُأ ْركِسـُوا فِيهَا} يعنـي‪ :‬كلمـا دعاهـم إلى الشرك بال‬
‫ارتدوا‪ ,‬فصاروا مشركين مثلهم ليأمنوا عند هؤلء وهؤلء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8062‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ُ { :‬يرِيدو نَ أ نْ ي ْأ َمنُوكُ مْ و َي ْأ َمنُوا قَ ْو َمهُ مْ} قال ناس كانوا يأتون النبيّ صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫في سلمون رياء‪ ,‬ثم يرجو عن إلى قر يش فيرتك سون في الوثان‪ ,‬يبتغون بذلك أن يأمنوا هه نا‬
‫وههنا‪ ,‬فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8063‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن أ نْ َي ْأ َمنُوكُ مْ و َي ْأ َمنُوا قَ ْو َمهُ مْ كُلّما ُردّوا إلى ال ِف ْتنَةِ ُأ ْركِ سُوا‬
‫ن ُيرِيدُو َ‬
‫خرِي َ‬
‫نآَ‬
‫جدُو َ‬
‫ابن عباس‪ { :‬سَ َت ِ‬
‫فِيها} يقول‪ :‬كلما أرادوا أن يخرجوا من فتنة أركسوا فيها‪ .‬وذلك أن الرجل كان يوحد قد تكلم‬
‫بالسـلم‪ ,‬فيقرّب إلى العود والجحـر وإلى العقرب والخنفسـاء‪ ,‬فيقول المشركون لذلك المتكلم‬
‫بالسلم‪ :‬قل هذا ربي‪ ,‬للخنفساء والعقرب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم قوم من أهل الشرك كانوا طلبوا المان من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليأمنوا عنده وعند أصحابه وعند المشركين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جدُونَ‬
‫س َت ِ‬
‫‪ 8064‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬‬
‫ن أ نْ َي ْأ َمنُوكُ ْم و َي ْأ َمنُوا قَ ْو َمهُ مْ} قال‪ :‬ح يّ كانوا بتهامة‪ ,‬قالوا‪ :‬يا نبيّ ال ل نقاتلك‬
‫ن يُريدُو َ‬
‫آخَري َ‬
‫ول نقا تل قوم نا‪ ,‬وأرداوا أن يأمنوا نبيّ ال ويأمنوا قوم هم‪ .‬فأ بي ال ذلك علي هم‪ ,‬فقال‪{ :‬كُلّ ما‬
‫ُردّوا إلى ال ِف ْتنَة ُأ ْر ِكسُوا فِيها} يقول‪ :‬كلما عرض لهم بلء هلكوا فيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَية في نعيم بن مسعود الشجعي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8065‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثم ذكر نعيم بن مسعود الشجعي‪ ,‬وكان يأمن في المسلمين والمشركين‪ ,‬ينقل الحديث بين‬
‫ن َي ْأ َمنُوكُ مْ َو َي ْأ َمنُوا قَ ْو َمهُ ْم كُلّ ما‬
‫نأ ْ‬
‫خرِي نَ يُريدُو َ‬
‫نآَ‬
‫جدُو َ‬
‫س َت ِ‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ .‬فقال‪َ { :‬‬
‫ُردّوا إلى ال ِف ْتنَة} يقول‪ :‬إلى الشرك‪.‬‬
‫وأما تأويل قوله‪{ :‬كُلّما ُردّوا إلى ال ِف ْتنَة ُأ ْر ِكسُوا فِيهَا} فإنهم كما‪:‬‬
‫‪ 8066‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪,‬‬
‫عن أبي العالية في قوله‪{ :‬كُلّما ُردّوا إلى ال ِف ْتنَ ِة ُأ ْركِسُوا فِيهَا} قال‪ :‬كلما ابتلوا بها عموا فيها‪.‬‬
‫‪ 8067‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬كلما عرض لهم‬
‫بلء هلكوا فيه‪.‬‬
‫والقول فـي ذلك مـا قـد بينـت قبـل‪ ,‬وذلك أن الفتنـة فـي كلم العرب‪ :‬الختبار‪ ,‬والركاس‪:‬‬
‫الرجوع‪.‬‬
‫فتأويل الكلم‪ :‬كلما ردوا إلى الختبار ليرجعوا إلى الكفر والشرك رجعوا إليه‪.‬‬
‫خذُوهُم ْـ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬فإن ْـ لَم ْـ َي ْعتَزلُوكُم ْـ َويُلْقُوا إَل ْيكُم ْـ السّـلَ َم و َيكُفّوا أيْد َيهُم ْـ فَ ُ‬
‫جعَلْنا َل ُكمْ عََل ْي ِهمْ سُلْطانا مُبينا}‪.‬‬
‫ث ثَقِ ْف ُتمُو ُهمْ وأُوَل ِئ ُكمْ َ‬
‫حيْ ُ‬
‫وَا ْقتُلُو ُهمْ َ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فإن لم يعتزلوكـم أيهـا المؤمنون هؤلء الذيـن يريدون أن يأمنوكـم‬
‫ويأمنوا قومهم‪ ,‬وهي كلما دعوا إلى الشرك أجابوا إليه‪ ,‬ويلقوا إليكم السلم‪ ,‬ولم يستسلموا إليكم‬
‫فيعطوكم المقاد ويصالحوكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8068‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع‪:‬‬
‫ن َلمْ َي ْعتَزلُو ُكمْ َويُلْقُوا إَل ْيكُمُ السَّلمَ} قال‪ :‬الصلح‪.‬‬
‫{فإ ْ‬
‫حيْثُ ثَ ِق ْف ُتمُوهُمْ} يقول جلّ‬
‫{ َو َيكُفّوا أ ْي ِد َيهُمْ} يقول‪ :‬ويكفوا أيديهم عن قتالكم‪َ { ,‬فخُذُوهُمْ وَا ْقتُلُوهُمْ َ‬
‫ثناؤه‪ :‬فإن لم يفعلوا فخذوهم أين أصبتموهم من الرض ولقيتموهم فيها فاقتلوهم‪ ,‬فإن دماءهم‬
‫سـلْطانا ُمبِينـا} يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وهؤلء الذيـن‬
‫ِمـ ُ‬
‫ُمـ عََل ْيه ْ‬
‫جعَلْنـا َلك ْ‬
‫ُمـ َ‬
‫لكـم حينئذٍ حلل‪{ .‬وأُوَل ِئك ْ‬
‫يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم وهم على ما هم عليه من الكفر‪ ,‬إن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم‬
‫ال سلم ويكفوا أيدي هم‪ ,‬جعل نا ل كم ح جة في قتل هم أين ما لقيتمو هم‪ ,‬بمقام هم على كفر هم وترك هم‬
‫هجرة دار الشرك‪ُ { .‬مبِينا} يعني أنها تبين عن استحقاقهم ذلك منكم وإصابتكم الح قّ في قتلهم‪,‬‬
‫وذلك قوله‪{ :‬سُلْطانا ُمبِينا}‪ .‬والسلطان‪ :‬هو الحجة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8069‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قبيصة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬ما‬
‫كان في القرآن من سلطان فهو حجة‪.‬‬
‫‪8070‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫قوله‪{ :‬سُلْطانا ُمبِينا} أما السلطان المبين‪ :‬فهو الحجة‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خطَئا وَمَن َقتَلَ مُ ْؤمِنا‬
‫ل مُ ْؤمِنا ِإلّ َ‬
‫ِنـ أَن يَ ْقتُ َ‬
‫َانـ ِل ُم ْؤم ٍ‬
‫{وَمَا ك َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫عدُ ّو ّلكُمْ وَهُوَ‬
‫صدّقُو ْا َفإِن كَانَ مِن قَوْمٍ َ‬
‫ل أَن يَ ّ‬
‫ى أَهْلِهِ ِإ ّ‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ مّ ْؤ ِم َنةٍ َو ِديَةٌ مّسَّلمَةٌ إَِل َ‬
‫خطَئا َف َت ْ‬
‫َ‬
‫حرِيرُ‬
‫ن مِن قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْينَهُ مْ مّيثَا قٌ فَ ِديَ ٌة مّ سَّلمَ ٌة إَِلىَ أَهْلِ هِ َو َت ْ‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ مّ ْؤ ِم َنةٍ وَإِن كَا َ‬
‫مْ ْؤمِ نٌ َف َت ْ‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫ش ْه َريْنِ ُم َتتَا ِب َعيْنِ تَ ْو َبةً ّمنَ الّلهِ َوكَانَ الّلهُ عَلِيما َ‬
‫صيَامُ َ‬
‫جدْ َف ِ‬
‫رَ َقبَ ٍة مّ ْؤ ِمنَ ًة َفمَن ّلمْ َي ِ‬
‫ل خَطأً}‪ :‬و ما أذن ال لمؤ من ول‬
‫ن يَ ْقتُلَ ُم ْؤمِ نا إ ّ‬
‫ن ِلمُ ْؤمِ نٍ أ ْ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَ ما كا َ‬
‫أباح له أن يقتل مؤمنا‪ .‬يقول‪ :‬ما كان ذلك له فيما جعل له ربه وأذن له فيه من الشياء البتة‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 8071‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَما كا نَ‬
‫ل خَطأً} يقول‪ :‬ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد ال الذي عهد‬
‫ن يَ ْقتُلَ ُم ْؤمِنا إ ّ‬
‫ِلمُؤمِ نٍ أ ْ‬
‫إليه‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬إلّ خَطأً} فإنه يقول‪ :‬إل أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ‪ ,‬وليس له مما جعل له‬
‫ربه فأباحه له‪ .‬وهذا من الستنثاء الذي تسميه أهل العربية‪ :‬الستثناء المنقطع‪ ,‬كما قال جرير‬
‫بن عطية‪:‬‬
‫ل‬
‫ظعَنْ َبعِيدا ول ْم تَطأْعلى الرْضِ إل َر ْيطَ ُب ْردٍ ُمرَحّ ِ‬
‫ض َلمْ َت ْ‬
‫ِمنَ البِي ِ‬
‫يعني‪ :‬لم تطأ على الرض إل أن تطأ ذيل البرد‪ ,‬وليس ذيل البرد من الرض‪.‬‬
‫خطَأً‬
‫ثـم أخـبر جلّ ثناؤه عباده بحكـم مـن قتـل مـن المؤمنيـن خطـأ‪ ,‬فقال‪َ { :‬ومَن ْـ َقتَلَ ُم ْؤمِنـا َ‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ} يقول‪ :‬فعل يه تحر ير رق بة مؤم نة من ماله ود ية م سلمة يؤدّي ها عاقل ته إلى أهله‪:‬‬
‫َفتَ ْ‬
‫صدّقُوا} يقول‪ :‬إل أن يصدّق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم‪ ,‬فيعفوا عنه‬
‫{إلّ أَن يَ ّ‬
‫ويتجاوزوا عـن ذنبـه‪ ,‬فيسـقط عنـه‪ .‬وموضـع «أن» مـن قوله‪{ :‬إلّ أن ْـ يَص ّـّدقُوا} نصـب‪ ,‬لن‬
‫معناه‪ :‬فعليـه ذلك إل أن يصـدّقوا‪ .‬وذكـر أن هذه الَيـة نزلت فـي عياش بـن أبـي ربيعـة‬
‫المخزومي‪ ,‬وكان قد قتل رجلً مسلما بعد إسلمه وهو ل يعلم بإسلمه‪ .‬ذكر الَثار بذلك‪:‬‬
‫‪ 8072‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫خطَأً} قال‪ :‬عياش بن أ بي ربي عة ق تل‬
‫ل َ‬
‫ل مُ ْؤمِ نا إ ّ‬
‫جا هد في قول ال‪{ :‬وَ ما كا نَ ِلمُ ْؤ ِم نٍ أ نْ يَ ْقتُ َ‬
‫رجلً مؤمنا كان يعذّبه مع أبي جهل‪ ,‬وهو أخوه لمه‪ ,‬فاتّبع النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو‪ .‬وكان عياش هاجر إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم مؤمنا‪,‬‬
‫فجاء أ بو ج هل و هو أخوه ل مه‪ ,‬فقال‪ :‬إن أ مك تناشدك رحم ها وحق ها أن تر جع إلي ها! و هي‬
‫أ سماء ابنة مخر مة‪ .‬فأق بل معه‪ ,‬فرب طه أ بو جهل ح تى قدم م كة ‪ ¹‬فل ما رآه الكفار زاد هم ذلك‬
‫كفرا وافتتانا‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء ويأخذ أصحابه‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ذلك الرجل وعياش يحسبه أنه‬
‫بنحوه‪ ,‬إل أنه قال في حديثه‪ :‬فاتّبع النب ّ‬
‫كافر كما هو‪ ,‬وكان عياش هاجر إلى المدينة مؤمنا‪ ,‬فجاءه أبو جهل وهو أخوه لمه‪ ,‬فقال‪ :‬إن‬
‫أمك‪ ,‬ك تنشدك برحمها وحقها إل رجعت إليها! وقال أيضا‪ :‬فيأخذ أصحابه فيربطهم‪.‬‬
‫‪ 8073‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‬
‫بنحوه‪ .‬قال ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬كان الحارث بن يز يد بن نبي شة من ب ني عا مر بن‬
‫لؤ يّ يعذّب عياش بن أ بي ربي عة مع أ بي ج هل‪ .‬ثم خرج الحارث بن يز يد مهاجرا إلى ال نبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلقيه عياش بالحرّة فعله بالسيف حتى سكت‪ ,‬وهو يحسب أنه كافر‪ .‬ثم‬
‫جاء إلى النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم فأخـبره‪ ,‬ونزلت‪{ :‬وَمـا كان َـ ِلمُ ْؤمِنٍـ أن ْـ يَ ْقتُلَ ُم ْؤمِنـا إل‬
‫خطَأً}‪ ...‬الَية‪ ,‬فقرأها عليه‪ ,‬ثم قال له‪ُ « :‬قمْ َفحَ ّررْ»‪.‬‬
‫َ‬
‫‪8074‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫طأً} قال‪ :‬نزلت في عياش بن أ بي ربي عة المخزو مي‪,‬‬
‫خَ‬‫ل مُ ْؤمِ نا إلّ َ‬
‫ن أ نْ يَ ْقتُ َ‬
‫ن ِلمُ ْؤ ِم ٍ‬
‫{وَ ما كا َ‬
‫فكان أخا لبي جهل بن هشام لمه‪ .‬وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الولين قبل قدوم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام ومعهما رجل من بني عامر بن‬
‫لؤ يّ‪ ,‬فأتوه بالمدينة‪ ,‬وكان عياش أح بّ إخوته إلى أمه‪ ,‬فكلموه وقالوا‪ :‬إن أمك قد حلفت أن ل‬
‫يظلها بيت حتى تراك وهي مضطجعة في الشمس‪ ,‬فأتتها لتنظر إليك ثم ارجع! وأعطوه موثقا‬
‫من ال ل يحجزونه حتى يرجع إلى المدينة‪ .‬فأعطاه بعض أصحابه بعيرا له نجيبا‪ ,‬وقال‪ :‬إن‬
‫خ فت من هم شيئا فاق عد على النج يب‪ .‬فل ما أخرجوه من المدي نة أخذوه فأوثقوه‪ ,‬وجلده العامر يّ‪,‬‬
‫فحلف ليقتلنّ العامريّ‪ .‬فلم يزل محبوسا بمكة حتى خرج يوم الفتح‪ ,‬فاستقبله العامريّ وقد أسلم‬
‫طأً}‬
‫ل خَ َ‬
‫ل مُ ْؤمِ نا إ ّ‬
‫ن ِلمُ ْؤ ِم نٍ أ نْ يَ ْقتُ َ‬
‫ول يعلم عياش بإ سلمه‪ ,‬فضر به فقتله‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬وَ ما كا َ‬
‫طأً َف َتحْرِيرُ َرقَبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَ ٍة َو ِديَةٌ مُ سَّلمَ ٌة إلى أهْلِ هِ‬
‫خَ‬‫ن َقتَلَ مُ ْؤمِنا َ‬
‫يقول‪ :‬وهو ليعلم أنه مؤمن‪َ { ,‬ومَ ْ‬
‫صدّقُوا} فيتركوا الدية‪.‬‬
‫إلّ أنْ َي ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَية في أبي الدرداء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ِلمُ ْؤمِ نٍ‬
‫‪ 8075‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَما كا َ‬
‫طأً}‪ ...‬الَ ية‪ .‬قال‪ :‬نزل هذا في ر جل قتله أ بو الدرداء كانوا في سرية‪,‬‬
‫خَ‬‫ن يَ ْقتُلَ ُم ْؤمِ نا إلّ َ‬
‫أ ْ‬
‫شعْبٍـ يريـد حاجـة له‪ ,‬فوجـد رجلً مـن القوم فـي غنـم له‪ ,‬فحمـل عليـه‬
‫فعدل أ بو الدرداء إلى ِ‬
‫بالسيف‪ ,‬فقال‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬قال‪ :‬فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم‪ .‬ثم وجد في نفسه شيئا‪ ,‬فأتى‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر ذلك له‪ ,‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أل شَ َققَ تْ‬
‫خبَرَكَ بلسَانه‬
‫ن قَلْبِهِ؟» فقال‪ :‬ما عسيت أجدُ! هل هو يا رسول ال إل دم أو ماء؟ قال‪« :‬فَ َق ْد َأ َ‬
‫عْ‬‫َ‬
‫صدّقه»‪ ,‬قال‪ :‬ك يف بي يا ر سول ال؟ قال‪َ « :‬ف َكيْ فَ بِل إَل َه إلّ الّل هُ؟»قال‪ :‬فك يف بي يا‬
‫فلم تُ َ‬
‫رسول ال؟ قال‪َ « :‬ف َكيْف بِل إلَ َه إلّ الّلهُ»‪ .‬حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلمي‪ .‬قال‪ :‬ونزل‬
‫ل أ نْ يَ صّ ّدقُوا} قال‪ :‬إل أن‬
‫طأً}‪ ...‬ح تى بلغ‪{ :‬إ ّ‬
‫خَ‬‫ن يَ ْقتُلَ مُ ْؤمِ نا إلّ َ‬
‫نأ ْ‬
‫القرآن‪{ :‬وَ ما كا نَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬
‫يضعوها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن ال عرّف عباده بهذه الَية ما على‬
‫من ق تل مؤم نا خ طأ من كفارة ود ية‪ .‬وجائز أن تكون الَ ية نزلت في عياش بن أ بي ربي عة‬
‫وقتيله‪ ,‬وفي أبي الدرداء وصاحبه‪ .‬وأيّ ذلك كان فالذي عني ال تعالى بالَية تعريف عباده ما‬
‫ذكرنا‪ ,‬وقد عرف ذلك من عقل عنه من عباده تنزيله‪ ,‬وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه‪.‬‬
‫وأما الرقبة المؤمنة فإن أهل العلم مختلفون في صفتها‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ل تكون الرقبة مؤمنة‬
‫ح تى تكون قد اختارت اليمان ب عد بلوغ ها و صلت و صامت‪ ,‬ول ي ستحقّ الط فل هذه ال صفة‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8076‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أبي حيان‪ ,‬قال‪ :‬سألت الشعبي‬
‫حرِيرُ َرقَبةٍ ُم ْؤ ِمنَةٍ} قال‪ :‬قد صلّت وعرفت اليمان‪.‬‬
‫عن قوله‪َ { :‬ف َت ْ‬
‫‪8077‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ ُم ْؤ ِمنَةٍ} يعني بالمؤمنة‪ :‬من عقل اليمان وصام وصلى‪.‬‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬فَ َت ْ‬
‫‪ 8078‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬ما كان في‬
‫القرآن من رق بة مؤم نة فل يجزي إل من صام و صلى‪ ,‬و ما كان في القرآن من رق بة لي ست‬
‫مؤمنة‪ ,‬فالصبيّ يجزيء‪.‬‬
‫‪ 8079‬ـ حُد ثت عن يزيد بن هارون‪ ,‬عن هشام بن ح سان‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬قال‪ :‬كل ش يء في‬
‫كتاب ال { َف َتحْرِيرُ َرقَبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} فمن صام وصلى وعقل‪ ,‬وإذا قال‪« :‬فتحرير رقبة»‪ :‬فما شاء‪.‬‬
‫‪8080‬ــ حدثنـا الحسـن بـن يحيــى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا الثوريـّ‪ ,‬عـن‬
‫العمش‪ ,‬عن إبراهيم قال‪ :‬كلّ شيء في القرآن { َف َتحْرِيرُ رَ َقبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} فالذي قد صلّى‪ ,‬وما لم‬
‫تكن «مؤمنة»‪ ,‬فتحرير من لم يصلّ‪.‬‬
‫‪ 8081‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ { :‬ف َتحْرِيرُ رَ َقبَةٍ‬
‫مُ ْؤ ِمنَةٍ} والرق بة المؤم نة ع ند قتادة‪ :‬من قد صلى‪ .‬وكان يكره أن يعتق في هذا الط فل الذي لم‬
‫يصلّ ولم يبلغ ذلك‪.‬‬
‫‪ 8082‬ـ حدثني يحيـى بن طلحة اليربوع يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل بن عياض‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫حرِيرُ َرقَبَ ٍة مُ ْؤ ِم َنةٍ} قال‪ :‬إذا عقل دينه‪.‬‬
‫إبراهيم في قوله‪َ { :‬ف َت ْ‬
‫‪ 8083‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ ُم ْؤ ِمنَةٍ}‪ :‬ل يجزيء فيها صبيّ‪.‬‬
‫في‪َ { :‬فتَ ْ‬
‫‪ 8084‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪َ { :‬ف َتحْرِيرْ رَقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} يعنـي بالمؤمنـة‪ :‬مـن قـد عقـل اليمان وصـام‬
‫وصلى‪ ,‬فإن لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين‪ ,‬وعليه دية مسلمة إلى أهله‪ ,‬إل أن يصدّقوا‬
‫بها عليه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إذا كان مولودا ب ين أبو ين م سلمين ف هو مؤ من وإن كان طفلً‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8085‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطا‪ ,‬قال‪ :‬كلّ‬
‫رقبة ولدت في السلم فهي تجزي‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القولين بالصواب في ذلك‪ ,‬قول من قال‪ :‬ل يجزيء في قتل الخطأ من‬
‫الرقاب إل من قد آمن وهو يعقل اليمان من الرجال والنساء إذا كان ممن كان أبواه على ملة‬
‫من الملل سوى ال سلم وولد يتي ما و هو كذلك‪ ,‬ثم لم ي سلما ول وا حد منه ما ح تى أع تق في‬
‫كفارة الخطأ‪ .‬وأما من ولد بين أبوين مسلمين فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنه وإن لم يبلغ‬
‫حدّ الختيار والتمييز ولم يدرك الحلم فمحكوم له بحكم أهل اليمان في الموارثة والصلة عليه‬
‫إن مات‪ ,‬وما ي جب عل يه إن ج نى‪ ,‬وي جب له إن جُ ني عل يه‪ ,‬وفي المناك حة‪ .‬فإذا كان ذلك من‬
‫جمعيهم إجماعا‪ ,‬فواجب أن يكون له من الحكم فيما يجزيء فيه من كفاره الخطأ إن أعتق فيها‬
‫من حكم أهل اليمان مثل الذي له من حكم اليمان في سائر المعاني التي ذكرناها وغيرها‪.‬‬
‫ومن أبي ذلك عكس عليه المر فيه‪ ,‬ثم سئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس‪ ,‬فلن يقول في‬
‫شيء من ذلك قولً إل ألزم في غيره مثله‪.‬‬
‫وأما الدية المسلّمة إلى أهل القتيل فهي المدفوعة إليهم على ما وجب لهم موفرة غير منتقصة‬
‫حقوق أهلهم منها‪ .‬وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول‪ :‬هي الموفّرة‪.‬‬
‫‪ 8086‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬و ِديَ ٌة ُمسَّلمَةٌ إلى أهْلِهِ} قال‪ :‬موفّرة‪.‬‬
‫صدّقُوا} فإنه يعني به‪ :‬إل أن يتصدّقوا بالدية على القاتل أو على القتال‬
‫وأما قوله‪{ :‬إلّ أ نْ يَ ّ‬
‫أو على عاقلته ‪ ¹‬فأدغمت التاء من قوله «يتصدّقوا» في الصاد فصارتا صادا‪ .‬وقد ذكر أن ذلك‬
‫ن َي َتصَ ّدقُوا»‪.‬‬
‫في قراءة أبيّ‪« :‬إلّ أ ْ‬
‫‪ 8087‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بكر بن الشروط‪ :‬في حرف أب يّ‪{ :‬إلّ‬
‫ص ّدقُوا»‪.‬‬
‫ن َيتَ َ‬
‫أْ‬
‫عدُوّ َل ُكمْ وَهُ َو مُ ْؤ ِمنٌ َف َتحْرِيرُ َرقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ}‪.‬‬
‫ن قَ ْومٍ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫القول في تأويل قوله‪{ :‬فإنْ كا َ‬
‫عدُوّ َلكُ مْ وَهُ َو مُ ْؤمِ نٌ} فإن كان هذا القتيل الذي قتله‬
‫ن كا نَ مِ نْ قَوْ مٍ َ‬
‫ل ثناؤِ بقوله‪{ :‬فإ ْ‬
‫يعني ج ّ‬
‫المؤمن خطأ من قوم عد ّو لكم‪ ,‬يعني‪ :‬من عداد قوم أعداء لكم في الدين مشركين‪ ,‬لم يأمنوكم‬
‫الحرب على خلفكـم على السـلم‪ ,‬وهـو مؤمـن { َف َتحْرِيرُ رَقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} يقول‪ :‬فإذا قتـل المسـلم‬
‫خ طأ رجلً من عداد المشرك ين والمقتول مؤ من والقا تل يح سب أ نه على كفره‪ ,‬فعل يه تحر ير‬
‫رقبة مؤمنة‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬وإن كان المقتول من قوم هم عدوّ‬
‫ل كم و هو مؤ من ‪ ¹‬أي ب ين أظهر كم لم يها جر‪ ,‬فقتله مؤ من‪ ,‬فل د ية عل يه وعل يه تحر ير رق بة‬
‫مؤمنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8088‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن سعيد‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن‬
‫عدُوّ َلكُ مْ وَ ُهوَ مُ ْؤ ِم نٌ} قال‪ :‬هو‬
‫ن قَوْ مٍ َ‬
‫عكر مة والمغيرة‪ ,‬عن إبراه يم في قوله‪{ :‬فإ نْ كا نَ مِ ْ‬
‫الرجل يسلم في دار الحرب‪ ,‬فيقتل‪ .‬قال‪ :‬ليس فيه دية‪ ,‬وفيه الكفارة‪.‬‬
‫‪ 8089‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة في قوله‪:‬‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَ ُهوَ مُ ْؤ ِم نٌ} قال‪ :‬يعني‪ :‬المقتول يكون مؤمنا وقومه كفار‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن قَوْ مٍ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫{فإ نْ كا َ‬
‫فليس له دية‪ ,‬ولكن تحرير رقبة مؤمنة‪.‬‬
‫‪ 8090‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَهُوع مُ ْؤمِ نٌ} قال‪ :‬يكون الر جل مؤم نا‬
‫ن قَوْ مٍ َ‬
‫عن ا بن عباس في قوله‪{ :‬فإ نْ كا نَ مِ ْ‬
‫وقومه كفار‪ ,‬فل دية له‪ ,‬ولكن تحرير رقبة مؤمنة‪.‬‬
‫‪8091‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَهُ َو مُ ْؤمِ نٌ} في دار الكفر‪ ,‬يقول‪َ { :‬ف َتحْرِيرُ رَقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} وليس له‬
‫ن مِ نْ قَوْ مٍ َ‬
‫ن كا َ‬
‫{فإ ْ‬
‫دية‪.‬‬
‫ن كانَ ِمنْ قَوْمٍ‬
‫‪8092‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬فإ ْ‬
‫حرِي ُر رَقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} ول دية لهله من أجل أنهم كفار‪ ,‬وليس بينهم وبين‬
‫ن َفتَ ْ‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَ ُهوَ مُ ْؤ ِم ٌ‬
‫َ‬
‫ال عهد ول ذمة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عطاء بن ال سائب‪ ,‬عن‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَ ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ}‪ ...‬إلى آ خر الَ ية‪,‬‬
‫ن كا نَ ِم نْ قَوْ مٍ َ‬
‫ا بن عباس أ نه قال في قول ال‪{ :‬وَإ ْ‬
‫قال‪ :‬كان الر جل ي سلم‪ ,‬ثم يأ تي قو مه فيق يم في هم و هم مشركون‪ ,‬فيمرّ ب هم الج يش لر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيقتل فيمن يقتل‪ ,‬فيعتق قائله رقبة ول دية له‪.‬‬
‫ع ُدوّ‬
‫ن مِ نْ قَوْ مٍ َ‬
‫ن كا َ‬
‫‪ 8093‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪{ :‬فإ ْ‬
‫حرِيرُ َرقَبةٍ} قال‪ :‬هذا إذا كان الرجل المسلم من قوم عد ّو لكم‪ :‬أي ليس لهم‬
‫ن فَ َت ْ‬
‫َلكُ مْ وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫عهد يُقتل خطأ‪ ,‬فإن على من قتله تحرير رقبة مؤمنة‪.‬‬
‫ن كانَ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬فإ ْ‬
‫عدُ ّو َلكُ مْ وَهُ َو مُ ْؤمِ نٌ} فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن‪ ,‬فقتله خطأ‪ ,‬فعلى قاتله أن‬
‫ن قَوْ مٍ َ‬
‫مِ ْ‬
‫يكفر بتحرير رقبة مؤمنة‪ ,‬أو صيام شهرين متتابعين‪ ,‬ول دية عليه‪.‬‬
‫ن قَوْ مٍ‬
‫ن مِ ْ‬
‫‪ 8094‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬فإ نْ كا َ‬
‫عدُ ّو َلكُم ْـ وَ ُهوَ مُ ْؤمِنـٌ} القتيـل مسـلم وقومـه كفار‪َ { ,‬ف َتحْريرُ رَ َقبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} ول يؤدّي إليهـم الد ية‬
‫َ‬
‫فيتقوّون بها عليكم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عني به الرجل من أهل الحرب يقدم دار السلم فيسلم ثم يرجع إلى دار‬
‫الحرب‪ ,‬فإذا م ّر ب هم الج يش من أ هل ال سلم هرب قو مه‪ ,‬وأقام ذلك الم سلم من هم في ها‪ ,‬فقتله‬
‫المسلمون وهم يحسبونه كافرا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8095‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ع ُدوّ َلكُمْ وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ َف َتحْرِيرُ رَ َقبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} فهو المؤمن يكون في‬
‫ن مِنْ قَوْمٍ َ‬
‫ن كا َ‬
‫ابن عباس‪{ :‬فَإ ْ‬
‫العدوّ من المشركين يسمعون بالسرية من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيفرّون ويثبت‬
‫المؤمن فيقتل‪ ,‬ففيه تحرير رقبة مؤمنة‪.‬‬
‫ن قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ َفدِيةٌ مَ سَّلمَ ٌة إلى أهِْل هِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬وَإ نْ كا َ‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ ُم ْؤ ِمنَةٍ}‪.‬‬
‫َو َت ْ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَإن ْـ كان َـ مِن ْـ قَوْم ٍـ َب ْي َنكُم ْـ َو َب ْي َنهُم ْـ مِيثاقـٌ} وإن كان القتيـل الذي قتله‬
‫المؤمن خطأ من قوم بينكم أيها المؤمنون وبينهم ميثاق‪ :‬أي عهد وذمة‪ ,‬وليسوا أهل حرب لكم‪,‬‬
‫{فِدَي ٌة مُ سَّلمَ ٌة إلى أَهْلِ هِ} يقول‪ :‬فعلى قاتله د ية مسلّمة إلى أهله يتحمل ها عاقلته‪ ,‬وتحر ير رق بة‬
‫مؤمنة كفارة لقتله‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أهو مؤمن أو‬
‫كافر؟ فقال بعضهم‪ :‬هو كافر‪ ,‬إل أنه لزمت قاتله ديته ‪ ¹‬لن له ولقومه عهدا‪ ,‬فواجب أداء ديته‬
‫إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين‪ ,‬وأنها مال من أموالهم‪ ,‬ول يحلّ للمؤمنين شيء من‬
‫أموالهم بغير طيب أنفسهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8096‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ن مِ نْ قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ ْم مِيثا قٌ} يقول‪ :‬إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل‪ ,‬فعلى قاتله‬
‫ن كا َ‬
‫عباس‪{ :‬وَإ ْ‬
‫الدية مسلّمة إلى أهله‪ ,‬وتحرير رقبة مؤمنة‪ ,‬أو صيام شهرين متتابعين‪.‬‬
‫‪ 8097‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الزهري‬
‫ن كَا نَ مِ نْ قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ و َب ْي َنهُ مْ مِيثَا قٌ َفدِيَةٌ‬
‫يقول‪ :‬د ية الذ مي د ية الم سلم‪ .‬قال‪ :‬وكان يتأوّل‪{ :‬وإ ْ‬
‫ُمسَّلمَةٌ إلى أهِْلهِ}‪.‬‬
‫‪8098‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن إدريس‪ ,‬عن عيسى بن أبي‬
‫ن قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ مِيثا قٌ َف ِديَةٌ مُ سَّلمَ ٌة إلى أهِْل هِ} قال‪ :‬من‬
‫المغيرة‪ ,‬عن الشعبي في قوله‪{ :‬وَإ نْ كا نَ مِ ْ‬
‫أهل العهد‪ ,‬وليس بمؤمن‪.‬‬
‫‪8099‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن هشيم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫ن مِنْ قَ ْو ٍم َب ْي َنكُمْ َو َب ْي َنهُمْ مِيثاقٌ} وليس بمؤمن‪.‬‬
‫ن كا َ‬
‫إبراهيم‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ن قَوْمٍ‬
‫ن مِ ْ‬
‫‪8100‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَإنْ كا َ‬
‫حرِي ُر رَ َقبَ ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} بقتله‪ :‬أي بالذي أصاب من أهل‬
‫َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثَا قٌ َفدِيَ ٌة مُ سَّلمَةٌ إلى أهْلِه َو َت ْ‬
‫ن الّلهِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن تَ ْو َبةً مِ َ‬
‫ش ْه َريْن ُم َتتَا ِبعَيْ ِ‬
‫جدْ فَصيامُ َ‬
‫ذمته وعهده ‪َ { ¹‬فمَنْ َلمْ َي ِ‬
‫ن قَوْمٍ‬
‫ن مِ ْ‬
‫‪8101‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَإ نْ كا َ‬
‫َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثَا قٌ َفدِيَ ٌة مُ سَّلمَةٌ إلى أهْلِ هِ} يقول‪ :‬فأدّوا إلي هم الد ية بالميثاق‪ .‬قال‪ :‬وأ هل الذ مة‬
‫يدخلون في هذا‪ ,‬وتحرير رقبة مؤمنة‪ ,‬فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو مؤمن‪ ,‬فعلى قاتله دية يؤدّيها إلى قومه من المشركين‪ ,‬لنهم أهل ذمة‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن قَوْ مٍ‬
‫‪ 8102‬ـ حدث ني ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم‪{ :‬وَإ نْ كا نَ ِم ْ‬
‫حرِي ُر رَقَب ٍة مُ ْؤ ِمنَةٍ} قال‪ :‬هذا الر جل المسلم وقو مه‬
‫َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ َفدِي ٌة مُ سَّلمَةٌ إلى أهْلِ ِه و َت ْ‬
‫مشركون لهم عقد‪ ,‬فتكون ديته لقومه وميراثه للمسلمين‪ ,‬ويعقل عنه قومه ولهم ديته‪.‬‬
‫‪ 8103‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬عن هش يم‪ ,‬عن أ بي‬
‫ن قَوْ مٍ َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ} قال‪ :‬وهو‬
‫ن كا نَ مِ ْ‬
‫إسحاق الكوفي‪ ,‬عن جابر بن زيد في قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫مؤمن‪.‬‬
‫‪ 8104‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن حماد بن سلمة‪ ,‬عن‬
‫ن مِنْ قَ ْو ٍم َب ْي َنكُمْ َو َبيْنهُمْ مِيثاقٌ} قال‪ :‬هو كافر‪.‬‬
‫ن كا َ‬
‫يونس‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬في قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القولين في ذلك بتأويل الَية قول من قال‪ :‬عني بذلك المقتول من أهل‬
‫ن قَوْ ٍم َب ْي َنكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ} ولم ي قل‪« :‬وهو مؤمن» كما‬
‫ن مِ ْ‬
‫العهد‪ ,‬لن ال أبهم ذلك‪ ,‬فقال‪{ :‬وَإ نْ كا َ‬
‫قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب ‪ ¹‬أو عني المؤمن منهم وهو مؤمن‪ .‬فكان في تركه‬
‫وصفه باليمان الذي وصف به القتيلين الما ضي ذكرهما ق بل‪ ,‬الدليل الواضح على صحة ما‬
‫قلنا في ذلك‪.‬‬
‫فإن ظنّـ ظانّـ أن فـي قوله تبارك وتعالى‪{ :‬فَ ِديَ ٌة مُسَـّلمَ ٌة إلى أهْلِهـِ} دليلً على أنـه مـن أهـل‬
‫اليمان‪ ,‬لن الدية عنده ل تكون إل لمؤمن‪ ,‬فقد ظ نّ خطأ ‪ ¹‬وذلك أن دية الذمي وأهل السلم‬
‫سواء‪ ,‬لجماع جميع هم على أن ديات عبيدهم الكفار وعب يد المؤمن ين من أ هل اليمان سواء‪,‬‬
‫فكذلك ح كم ديات أحرار هم سواء‪ ,‬مع أن ديات هم لو كا نت على ما قال من خالف نا في ذلك‪,‬‬
‫فجعلهـا على النصـف مـن ديات أهـل اليمان أو على الثلث‪ ,‬لم يكـن فـي ذلك دليـل على أن‬
‫ن قَوْ ٍم َب ْينَكُ مْ َو َب ْي َنهُ مْ مِيثا قٌ} من أ هل اليمان‪ ,‬لن د ية المؤمّ نة ل‬
‫ن مِ ْ‬
‫المعنىّ بقوله‪{ :‬وَإ نْ كا َ‬
‫خلف بين الجميع‪ ,‬إل من ل يعدّ خلفا أنها على النصف من دية المؤمن‪ ,‬وذلك غير مخرجها‬
‫مـن أن تكون ديـة‪ ,‬فكذلك حكـم ديات أهـل الذمـة لو كانـت مقصـرة عـن ديات أ هل اليمان لم‬
‫يخرجهـا ذلك مـن أن تكون ديات‪ ,‬فكيـف والمـر فـي ذلك بخلفـه ودياتهـم وديات المؤمنيـن‬
‫سواء؟‪.‬‬
‫وأما الميثاق‪ :‬فإنه العهد والذمة‪ ,‬وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك والصل الذي‬
‫منه أخذ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8105‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫ن قَ ْومٍ َب ْي َن ُكمْ َو َب ْي َن ُهمْ مِيثاقٌ} يقول‪ :‬عهد‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫في قوله‪{ :‬وَإنْ كا َ‬
‫‪ 8106‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الزهري‬
‫ن قَ ْومٍ َب ْي َن ُكمْ َو َب ْي َن ُهمْ مِيثاقٌ} قال‪ :‬هو المعاهدة‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫في قوله‪{ :‬وَإنْ كا َ‬
‫‪ 8107‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ن قَ ْومٍ َب ْي َن ُكمْ َو َب ْي َن ُهمْ مِيثاقٌ}‪ :‬عهد‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫عن ابن عباس‪{ :‬وَإنْ كا َ‬
‫‪8108‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وما صفة الخطأ الذي إذا قتل المؤمن المؤمن أو المعاهَد لزمته ديته والكفارة؟‬
‫قيل‪ :‬هو ما قال ال ّنخَعي في ذلك‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 8109‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن المغيرة‪,‬‬
‫عن إبراهيم قال‪ :‬الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره‪.‬‬
‫‪ 8110‬ـ حدث نا أ بو كر يب ويعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم‪,‬‬
‫قال‪ :‬الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب إنسانا وهو ل يريده‪ ,‬فهو خطأ‪ ,‬وهو على العاقلة‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬فما الدية الواجبة في ذلك؟ قيل‪ :‬أما في قتل المؤمن فمائة من البل إن كان من أهل‬
‫ال بل على عاقلة قاتله‪ ,‬ل خلف ب ين الجم يع في ذلك‪ ,‬وإن كان في مبلغ أ سنانها اختلف ب ين‬
‫أهل العلم‪ ,‬فمنهم من يقول‪ :‬هي أرباع‪ :‬خمس وعشرون منها حقه‪ ,‬وخمس وعشرون جذ عة‪,‬‬
‫وخمس وعشرون بنات مخاض‪ ,‬وخمس وعشرون بنات لبون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8111‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن عل يّ رضي ال عنه‪ :‬في الخطأ شبه العمد ثلث وثلثون حقة‪ ,‬وثلث وثلثون‬
‫جذ عة‪ ,‬وأربـع وثلثون ثنيـة إلى بازل عام ها ‪ ¹‬وفـي الخ طأ‪ :‬خ مس وعشرون ح قة‪ ,‬وخمـس‬
‫وعشرون جذعة‪ ,‬وخمس وعشرون بنات مخاض‪ ,‬وخمس وعشرون بنات لبون‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن فراس والشيبا ني‪ ,‬عن‬
‫الشعبي‪ ,‬عن عليّ بن أبي طالب‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن عاصم‬
‫ي رضي ال عنه‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫بن ضمرة‪ ,‬عن عل ّ‬
‫حدثني واصل بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬عن أشعث بن سواء‪ ,‬عن الشعبي‪,‬‬
‫عن عليّ رضي ال عنه أنه قال‪ :‬في قتل الخطأ الدية مائة أرباعا‪ ,‬ثم ذكر مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي أخماس‪ :‬عشرون حقة‪ ,‬وعشرون جذعة‪ ,‬وعشرون بنات لبون‪ ,‬وعشرون‬
‫بني لبون‪ ,‬وعشرون بنات مخاض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8112‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عديّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة عن أبي مجلز‪,‬‬
‫عن أ بي عبيدة عن أب يه‪ ,‬عن ع بد ال بن م سعود قال‪ :‬في الخ طأ عشرون ح قة‪ ,‬وعشرون‬
‫جذعة‪ ,‬وعشرون بنات لبون‪ ,‬وعشرون بني لبون‪ ,‬وعشرون بنات مخاض‪.‬‬
‫حدثني واصل بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن م سعود‪ :‬في قتل الخطأ مائة من البل أخماسا‪ :‬خُمس جذاع‪ ,‬وخُمس حقاق‪ ,‬وخُمس بنات‬
‫لبون‪ ,‬وخُمس بنات مخاض‪ ,‬وخُمس بنو مخاض‪.‬‬
‫حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سليمان التيمي‪ ,‬عن أبي مجلز‪ ,‬عن‬
‫أبي عبيدة عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬الدية أخماس دية الخطأ‪ :‬خُمس بنات مخاض‪ ,‬وخُمس بنات لبون‪,‬‬
‫وخُمس حقاق‪ ,‬وخُمس جذاع‪ ,‬وخُمس بنو مخاض‪.‬‬
‫واعتلّ قائل هذه المقالة بحديث‪:‬‬
‫‪8113‬ـ حدثنا به أبو هشام الرفاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن أبي زائدة وأبو خالد الحمر‪ ,‬عن‬
‫حجاج‪ ,‬عن زيد بن جبير‪ ,‬عن الخشف بن مالك‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ :‬أن النبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم قضى في الدية في الخطأ أخماسا‪ .‬قال أبو هشام‪ :‬قال ابن أبي زائدة‪ :‬عشرون حقة‪,‬‬
‫وعشرون جذعة‪ ,‬وعشرون ابنة لبون‪ ,‬وعشرون ابنة مخاض‪ ,‬وعشرون بني مخاض‪.‬‬
‫حدثنا أبو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال أنه‬
‫قضى بذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هـي أرباع‪ ,‬غيـر أنهـا ثلثون حقـة‪ ,‬وثلثون بنات لبون‪ ,‬وعشرون بنـت‬
‫مخاض‪ ,‬وعشرون بنو لبون ذكور‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8114‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن بكر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عبد ربه‪,‬‬
‫عن أبي عياض‪ ,‬عن عثمان وزيد بن ثابت قال‪ :‬في الخطأ شبه العمد‪ :‬أربعون جذعة خَلِفة‪,‬‬
‫وثلثون ح قة‪ ,‬وثلثون بنات مخاض ‪ ¹‬و في الخ طأ‪ :‬ثلثون ح قة‪ ,‬وثلثون جذ عة‪ ,‬وعشرون‬
‫بنات مخاض‪ ,‬وعشرون بنو لبون ذكور‪.‬‬
‫‪ 8115‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫الم سيب‪ ,‬عن ز يد بن ثا بت في د ية الخ طأ‪ :‬ثلثون ح قة‪ ,‬وثلثون بنات لبون‪ ,‬وعشرون بنات‬
‫مخاض‪ ,‬وعشرن بنو لبون ذكور‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عثمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن بشير‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عبد ربه‪,‬‬
‫عن أبي عياض‪ ,‬عن عثمان بن عفان رضي ال عنه‪ ,‬قال‪ :‬وحدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن المسيب عن زيد بن ثابت‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك أن الجميع مجمعون أن في الخطأ المحض على‬
‫أ هل ال بل مائة من ال بل‪ .‬ثم اختلفوا في مبالغ أ سنانها‪ ,‬وأجمعوا على أ نه ل يق صر ب ها في‬
‫الذي وج بت له ال سنان عن أقلّ ما ذكر نا من أ سنانها ال تي حدّ ها الذ ين ذكر نا اختلف هم في ها‪,‬‬
‫وأ نه ل يجاوز ب ها الذي وج بت عن أعل ها‪ .‬وإذ كان ذلك من جميع هم إجما عا‪ ,‬فالوا جب أن‬
‫يكون مجز يا من لزم ته د ية ق تل خ طأ‪ :‬أي هذه ال سنان ال تي اختلف المختلفون في ها أدا ها إلى‬
‫من وج بت له‪ ,‬لن ال تعالى لم يحدّ ذلك بحدّ ل يجاوز به ول يق صر ع نه ول ر سوله إل ما‬
‫ذكرت من إجماع هم في ما أجمعوا عل يه‪ ,‬فإ نه ل يس للمام مجاوزة ذلك في الح كم بتق صير ول‬
‫زيادة‪ ,‬وله التخي ير في ما ب ين ذلك ب ما رأى ال صلح ف يه للفريق ين‪ ,‬وإن كا نت عاقلة القا تل من‬
‫أ هل الذ هب فإن لور ثة القت يل علي هم عند نا ألف دينار‪ ,‬وعل يه علماء الم صار‪ .‬وقال بعض هم‪:‬‬
‫ذلك تقويم من عمر رضي ال عنه للبل على أهل الذهب في عصره‪ ,‬والواجب أن يقوّم في‬
‫كلّ زمان قيمتها إذا عدم البل عاقلة القاتل‪ .‬واعتلّوا بما‪:‬‬
‫‪ 8116‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أيوب بن موسى‪,‬‬
‫عن مكحول‪ ,‬قال‪ :‬كا نت الد ية ترت فع وتنخ فض‪ ,‬فتو في ر سول ال صلى ال عل يه و سلم و هي‬
‫ثمانمائة دينار‪ ,‬فخشي عمر من بعده‪ ,‬فجعلها اثني عشر ألف درهم أو ألف دينار‪.‬‬
‫وأمـا الذيـن أوجبوهـا فـي كـل زمان على أ هل الذهـب ذهبـا ألف دينار‪ ,‬فقالوا‪ :‬ذلك فريضـة‬
‫فرضهـا ال على لسـان رسـوله‪ ,‬كمـا فرض البـل على أهـل البـل‪ .‬قالوا‪ :‬وفـي إجماع علماء‬
‫المصار في كل عصر وزمان إل من شذّ عنهم‪ ,‬على أنها ل تزاد على ألف دينار ول تنقص‬
‫عنها‪ ,‬أوضح الدليل على أنها الواجبة على أهل الذهب وجوب البل على أهل البل‪ ,‬لنها لو‬
‫كانت قيمة لمائة من البل لختلف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار البل‪ .‬وهذا القول هو‬
‫الحقّ في ذلك لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه‪.‬‬
‫وأ ما من ال َورِق على أ هل الورِق عند نا‪ ,‬فاث نا ع شر ألف در هم‪ ,‬و قد بي نا العلل في ذلك في‬
‫كتابنا «كتاب لطيف القول في أحكام شرائع السلم»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنما على أهل الورِق من الورِق عشرة آلف درهم‪.‬‬
‫وأمـا ديـة المعاهـد الذي بيننـا وبيـن قومـه ميثاق‪ ,‬فإن أهـل العلم اختلفوا فـي مبلغهـا‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬ديته ودية الحرّ المسلم سواء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8117‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن السريّ‪ ,‬عن إبراهيم بن سعد‪,‬‬
‫عن الزهريّ‪ :‬أن أبا بكر وعثمان رضوان ال عليهما كانا يجعلن دية اليهودي والنصراني إذا‬
‫كانا معاهدين كدية المسلم‪.‬‬
‫‪ 8118‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن السريّ‪ ,‬عن الدستوائي‪ ,‬عن‬
‫يحيـى بن أبي كثير‪ ,‬عن الحكم بن عيينة‪ :‬أن ابن مسعود كان يجعل دية أهل الكتاب إذا كانوا‬
‫أهل ذمة كدية المسلمين‪.‬‬
‫‪8119‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألني عبد الحميد عن دية أهل الكتاب‪ ,‬فأخبرته أن إبراهيم قال‪ :‬إن ديتهم وديتنا سواء‪.‬‬
‫‪ 8120‬ـ حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الول يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن إبراه يم وداود عن‬
‫الشعبيّ أنهما قال‪ :‬دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحرّ المسلم‪.‬‬
‫‪ 8121‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫يقال‪ :‬دية اليهودي والنصراني والمجوسي كدية المسلم إذا كانت له ذمة‪.‬‬
‫‪ 8122‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد وعطاء‬
‫أنهما قال‪ :‬دية المعاهَد دية المسلم‪.‬‬
‫حدثنا سوار بن عبد ال‪ ,‬قا‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المسعودي‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬أنه قال‪ :‬دية المسلم والمعاهد سواء‪.‬‬
‫‪ 8123‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الزهري يقول‪ :‬د ية‬
‫الذمي دية المسلم‪.‬‬
‫‪ 8124‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي زائدة‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن عامر قال‪ :‬دية الذمي‬
‫مثل دية المسلم‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي زائدة‪ ,‬عن سعيد بن أبي عروبة‪ ,‬عن أبي معشر‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم مثله‪.‬‬
‫حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم مثله‪.‬‬
‫ث نا ع بد الحم يد بن بيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مح مد بن يز يد‪ ,‬عن إ سماعيل‪ ,‬عن عا مر‪ ,‬وبل غه أن‬
‫الح سن كان يقول‪ :‬د ية المجوسي ثمانمائة ود ية اليهودي والن صراني أرب عة آلف‪ ,‬فقال‪ :‬ديت هم‬
‫واحدة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ق يس بن م سلم‪ ,‬عن‬
‫الشعبي‪ ,‬قال‪ :‬دية المعاهد والمسلم في كفارتهما سواء‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراه يم‪,‬‬
‫قال‪ :‬دية المعاهد والمسلم سواء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ديته على النصف من دية المسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8125‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عمرو بن شعيب في‬
‫دية اليهودي والنصراني قال‪ :‬جعلها عمر بن الخطاب رضي ال عنه نصف دية المسلم‪ ,‬ودية‬
‫المجوسي ثمانمائة‪ .‬فقلت لعمرو بن شع يب‪ :‬إن الح سن يقول‪ :‬أربعة آلف‪ ,‬قال‪ :‬لعله كان ذلك‬
‫قبل‪ ,‬وقال‪ :‬إنما جعل دية المجوسي بمنزلة العبد‪.‬‬
‫‪8126‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال الشجعي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي الزناد‪ ,‬عن عمر‬
‫بن عبد العزيز قال‪ :‬دية المعاهد على النصف من دية المسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ديته على الثلث من دية المسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8127‬ـ حدثني واصل بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن أبي عثمان‬
‫ـ قال‪ :‬كان قاضيا لهل مرو قال‪ :‬جعل عمر رضي ال عنه دية اليهودي والنصراني أربعة‬
‫آلف أربعة آلف‪.‬‬
‫‪8128‬ـ حدثنا عمار بن خالد الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن ثابت‪,‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر‪ :‬دية النصراني أربعة آلف‪ ,‬والمجوسي ثمانمائة‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سعيد بن المسيب يقول‪ :‬قال عمر‪ :‬دية أهل الكتاب أربعة آلف‪ ,‬ودية المجوسي ثمانمائة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ثا بت‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫المسيب‪ ,‬أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 8129‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أ بي المل يح‪ :‬أن‬
‫رجلً من قومه رمى يهوديا أو نصرانيا بسهم فقتله‪ ,‬فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب‪ ,‬فأغرمه‬
‫ديته أربعة آلف‪.‬‬
‫وبه عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر‪ :‬دية اليهودي والنصراني أربعة آلف‪,‬‬
‫أربعة آلف‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ب عض أ صحابنا‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫المسيب‪ ,‬عن عمر مثله‪.‬‬
‫‪8130‬ـ قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن ابن أبي ليلى‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن عمر مثله‪.‬‬
‫‪ 8131‬ـ قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬عن سليمان بن يسار‪ ,‬أنه قال‪ :‬دية‬
‫اليهودي والنصراني أربعة آلف‪ ,‬والمجوسي ثمانمائة‪.‬‬
‫‪ 8132‬ـ حدث نا سوار بن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الملك‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8133‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن ُمتَتا ِب َعيْ نِ} الصيام لمن ل يجد رقبة‪ ,‬وأما الدية‬
‫شهْ َريْ ِ‬
‫جدْ فَصيامُ َ‬
‫ن لَ مْ َي ِ‬
‫الضحاك في قوله‪َ { :‬فمَ ْ‬
‫فواجبة ل يبطلها شيء‪.‬‬
‫ن تَ ْوبَ ًة مِ نَ الّل ِه وكا نَ الّل هُ‬
‫شهْ َريْ نِ ُمتَتا ِب َعيْ ِ‬
‫جدْ فَ صِيامُ َ‬
‫ن لَ مْ َي ِ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪َ { :‬فمَ ْ‬
‫عَلِيما حكِيما}‪.‬‬
‫ش ْهرَيْنِـ ُمتَا ِبعَيْنـِ} فمـن لم يجـد رقبـة مؤمنـة‬
‫جدْ فَصـِيامُ َ‬
‫يعنـي تعالى ذكره بقوله‪{ :‬فَمَن ْـ لَم ْـ َي ِ‬
‫ش ْه َريْ نِ‬
‫صيَامُ َ‬
‫يحرّر ها كفارة لخطئه في قتله من ق تل من مؤ من أو معا هد لع سرته بثمن ها‪{ ,‬فَ ِ‬
‫ُم َتتَا ِب َعيْنِ} يقول‪ :‬فعليه صيام شهرين متتابعين‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8134‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن ُمتَتابِ َعيْ نِ} قال‪ :‬من لم يجد عتقا ـ أو عتاقة‪,‬‬
‫ش ْهرَيْ ِ‬
‫جدْ فَ صِيامُ َ‬
‫ن لَ مْ َي ِ‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬فَمَ ْ‬
‫شكّ أبو عاصم في قتل مؤمن خطأ‪ ,‬قال‪ :‬وأنزلت في عياش بن أي ربيعة قتل مؤمنا خطأ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬صوم الشهرين عن الدية والرقبة قالوا‪ :‬وتأويل الَية‪ :‬فمن لم يجد رقبة مؤمنة‬
‫ول دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8135‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن المبارك‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن‬
‫جدْ فَ صِيامُ ُمتَا ِب َعيْ نِ}‬
‫الشعبي‪ ,‬عن مسروق‪ :‬أنه سئل عن الَية التي في سورة النساء‪{ :‬فَمَ نْ لَمْ َي ِ‬
‫صيام الشهر ين عن الرق بة وحد ها‪ ,‬أو عن الد ية والرق بة؟ فقال‪ :‬من لم ي جد ف هو عن الد ية‬
‫والرقبة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن مسروق بنحوه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك أن الصوم عن الرقبة دون الدية‪ ,‬لن دية الخطأ‬
‫ل عن نبينا صلى ال عليه‬
‫على عاقلة القاتل‪ ,‬والكفارة على القاتل بإجماع الحجة على ذلك‪ ,‬نق ً‬
‫و سلم‪ ,‬فل يق ضي صوم صائم ع ما لزم غيره في ماله‪ .‬والمتاب عة صوم الشهر ين‪ ,‬ول يقط عه‬
‫بإفطار بعض أيامه لغير علة حائلة بينه وبين صومه‪ .‬ثم قال جلّ ثناؤه‪َ { :‬ت ْوبَ ًة مِ نَ الّل ِه وكا نَ‬
‫حكِيما} يعني‪ :‬تجاوزا من ال لكم إلى التيسير عليه بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من‬
‫اللّ هُ عَلِيما َ‬
‫ن اللّ هُ‬
‫فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين‪{ .‬وكا َ‬
‫حكِي ما} يقول‪ :‬ولم يزل ال علي ما ب ما ي صلح عباده في ما يكلف هم من فرائ ضه وغ ير ذلك‪,‬‬
‫عَلِي ما َ‬
‫حكيما بما يقضي فيهم ويريد‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غضِبَ الّلهُ‬
‫ج َهنّمُ خَالِدا فِيهَا َو َ‬
‫ل مُ ْؤمِنا ّم َت َعمّدا َفجَزَآؤُ ُه َ‬
‫{ َومَن يَ ْقتُ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫عذَابا َ‬
‫ع ّد لَهُ َ‬
‫عََليْ ِه وََل َعنَهُ وَأَ َ‬
‫ج َهنّمُ} يقول‪:‬‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ومن يقتل مؤمنا عامدا قتله‪ ,‬مريدا إتلف نفسه‪َ { ,‬فجَزَا ُؤ ُه َ‬
‫فثوابه من قتله إياه جهنم‪ ,‬يعني‪ :‬عذاب جهنم‪{ ,‬خَالدا فيها} يعني‪ :‬باقيا فيها‪ .‬والهاء واللف في‬
‫ب اللّهِ عََليْ هِ} يقول‪ :‬وغضب ال بقتله إياه متعمدا‪{ ,‬وََل َع َنهُ}‬
‫قوله‪« :‬فيها» من ذكر جهنم‪َ { .‬وغَض َ‬
‫يقول‪ :‬وأبعده من رحمته وأخزاه وأعدّ له عذابا عظيما‪ ,‬وذلك ما ل يعلم قدر مبلغه سواه تعالى‬
‫ذكره‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويـل فـي صـفة القتـل الذي يسـتحقّ صـاحبه أن يسـمّى متعمدا بعـد إجماع‬
‫جميعهم على أنه إذا ضرب رجل رجلً بحدّ حديد يجرح بحدّه‪ ,‬أو َي ْبضَع ويقطع‪ ,‬فلم يقلع عنه‬
‫ضربا به‪ ,‬حتى أتلف نفسه‪ ,‬وهو في حال ضربه إياه به قاصد ضربه أنه عامد قتله‪ .‬ثم اختلفوا‬
‫في ما عدا ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ل ع مد إل ما كان كذلك على ال صفة ال تي و صفنا‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪8136‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عطاء‪:‬‬
‫العمد‪ :‬السلح ـ أو قال‪ :‬الحديد قال‪ :‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬هو السلح‪.‬‬
‫‪ 8137‬ـ حدث نا أ بو كر يب ويعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم‪,‬‬
‫قال‪ :‬العمد ما كان بحديدة‪ ,‬وما كان بدون حديدة فهو شبه العمد‪ ,‬ل قود فيه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن المغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫العمد ما كان بحديدة‪ ,‬وشبه العمد‪ :‬ما كان بخشبة‪ ,‬وشبه العمد ل يكون إل في النفس‪.‬‬
‫‪8138‬ـ حدثني أحمد بن حماد الدولبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬قال‪ :‬من‬
‫قتل في عصبية في رمي يكون منهم بحجارة أو جلد بالسياط أو ضرب بالعصيّ فهو خطأ ديته‬
‫دية الخطأ‪ ,‬ومن قتل عمدا فهو قود يديه‪.‬‬
‫‪8139‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر ومغيرة‪ ,‬عـن الحارث وأصـحابه فـي الرجـل‬
‫يضرب الرجل فيكون مريضا حتى يموت‪ ,‬قال‪ :‬أسأل الشهود أنه ضربه‪ ,‬فلم يزل مريضا من‬
‫ضربته حتى مات‪ ,‬فإن كان بسلح فهو قود‪ ,‬وإن كان بغير ذلك فهو شبه العمد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كل ما ع مد الضارب إتلف ن فس المضروب ف هو ع مد‪ ,‬إذا كان الذي ضرب‬
‫به الغلب منه أنه يقتل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8140‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرحمن بن يحيـى‪,‬‬
‫عن حبان بن أبي جبلة عن عبيد بن عمير‪ ,‬أنه قال‪ :‬وأ يّ عمد هو أعمد من أن يضرب رجلً‬
‫بعصا ثم ل يقلع عنه حتى يموت‪.‬‬
‫‪ 8141‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن أ بي ها شم‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬إذا خنقه بحبل حتى يموت أو ضربه بخشبة حتى يموت فهو القود‪.‬‬
‫وعلة من قال كلّ ما عدا الحديد خطأ‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪8142‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن أبي عازب‪ ,‬عن النعمان‬
‫طأٍ أرْشٌ»‪.‬‬
‫خَ‬‫سيْفَ‪ ,‬وَِلكُلّ َ‬
‫ل ال ّ‬
‫طأٌ إ ّ‬
‫خَ‬‫شيْءٍ َ‬
‫بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬قال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬كُلّ َ‬
‫وعلة من قال‪ :‬حكم كلّ ما قتل المضروب به من شيء حكم السيف من أن من قتل به قتيل‬
‫عمد‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 8143‬ـ حدثنا به ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الوليد‪ ,‬قا‪ :‬حدثنا همام‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنس بن‬
‫مالك‪ :‬أن يهوديّا قتل جارية على أوضاح لها بين حجرين‪ ,‬فأتى به النبيّ صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فقتله بين حجرين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فأقاد النبيّ صلى ال عليه وسلم من قاتل بحجر وذلك غير حد يد‪ .‬قالوا‪ :‬وكذلك حكم‬
‫كلّ من ق تل رجلً بش يء الغلب م نه أ نه يق تل م ثل المقتول به‪ ,‬نظ ير ح كم اليهودي القا تل‬
‫الجارية بين الحجرين‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال‪ :‬كل من ضرب إنسانا بشيء‬
‫الغلب منه أنه يتلفه‪ ,‬فلم يقلع عنه حتى أتلف نفسه به أنه قاتل عمد ما كان المضروب به من‬
‫شيء ‪ ¹‬للذي ذكرنا من الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ج َهنّمُ خالِدا فِيها} فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫جزَاؤُهُ َ‬
‫وأما قوله‪َ { :‬ف َ‬
‫فجزاؤه جهنم إن جازاه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8144‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن سليمان التيمي‪ ,‬عن أبي مجلز‬
‫ج َه ّنمُ} قال‪ :‬هو جزاؤه‪ ,‬وإن شاء تجاوز عنه‪.‬‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫في قوله‪َ { :‬و َمنْ يَ ْقتُ ْ‬
‫‪ 8145‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪,‬‬
‫ج َهنّمـُ} قال‪ :‬جزاؤه جهنـم إن‬
‫جزَاؤُ هُ َ‬
‫ل مُ ْؤمِنـا ُم َتعَمّدا َف َ‬
‫عن يسـار‪ ,‬عن أبـي صـالح‪َ { :‬ومَن ْـ يَ ْقتُ ْ‬
‫جازاه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني بذلك رجل بعينه كان أسلم‪ ,‬فارتدّ عن إسلمه وقتل رجلً مؤمنا ‪ ¹‬قالوا‪:‬‬
‫فمعنى الَية‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلّ قتله‪ ,‬فجزاؤه جهنم خالدا فيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8146‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬أن‬
‫رجلً من النصار قتل أخا مقيس بن ضبابة‪ ,‬فأعطاه النبيّ صلى ال عليه وسلم الدية قبلها‪ ,‬ثم‬
‫وثب على قاتل أخيه فقتله‪ .‬قال ابن جريج وقال غيره‪ :‬ضرب النبيّ صلى ال عليه وسلم ديته‬
‫ي صلى ال عليه‬
‫على بني النجار‪ ,‬ثم بعث مِ ْقيَسا وبعث معه رجلً من بني فهر في حاجة للنب ّ‬
‫و سلم‪ ,‬فاحت مل مق يس الفهري وكان أيّدا‪ ,‬فضرب به الرض‪ ,‬ور ضخ رأ سه ب ين حجر ين‪ ,‬ثم‬
‫أُلفي يتغنى‪:‬‬
‫سرَا َة بني ال ّنجّار أرْبابِ فارعِ‬
‫حمّلْتُ عَقَْل ُه َ‬
‫َقتَلْتُ ِبهِ ِفهْرا َو َ‬
‫ن كا نَ َفعَلَ ل أُ َؤ ّمنُ ُه فِي‬
‫حدَثا‪ ,‬أمَا وَاللّ ِه َلئِ ْ‬
‫حدَ ثَ َ‬
‫فقال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬أظُنّ ُه َقدْ أ ْ‬
‫حرَمٍ‪ ,‬وَل سِ ْلمٍ وَل حَرْبٍ» فقتل يوم الفتح ‪ ¹‬قال ابن جريج‪ :‬وفيه نزلت هذه الَية { َو َمنْ‬
‫حِلّ وَل َ‬
‫يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ُم َت َعمّدا}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إل من تاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8147‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬قال‪ :‬ثني سعيد بن جبير‪ ,‬أو حدثني‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا َفجَزَا ُؤ هُ‬
‫الحكم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬سألت ابن عباس عن قوله‪َ { :‬ومَ نْ يَ ْقتُ ْ‬
‫ج َهنّ مُ} قال‪ :‬إن الرجل إذا عرف السلم وشرائع ال سلم ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جه نم‪,‬‬
‫َ‬
‫ول توبة له‪ .‬فذكرت ذلك لمجاهد‪ ,‬فقال‪ :‬إل من ندم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك إيجاب من ال الوعيد لقاتل المؤمن متعمدا كائنا من كان القاتل‪ ,‬على ما‬
‫وصفه في كتابه‪ ,‬ولم يجعل له توبة من فعله‪ .‬قالوا‪ :‬فكلّ قاتل مؤمن عمدا فله ما أوعده ال من‬
‫العذاب والخلود في النار‪ ,‬ول تو بة له‪ .‬وقالوا‪ :‬نزلت هذه الَ ية ب عد ال تي في سورة الفرقان‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8148‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن يحيـى الجاري‪ ,‬عن سالم بن‬
‫ف بصره‪ ,‬فأتاه رجل فناداه‪ :‬يا عبد ال بن عباس‬
‫أبي الجعد‪ ,‬قال‪ :‬كنا عند ابن عباس بعد ما ك ّ‬
‫ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال‪ :‬جزاؤه جهنم خالدا فيها‪ ,‬وغضب ال عليه ولعنه‪,‬‬
‫وأعدّ له عذا با عظي ما‪ .‬قال‪ :‬أفرأ يت إن تاب وآ من وع مل صالحا ثم اهتدى؟ قال ا بن عباس‪:‬‬
‫ثكل ته أ مه‪ ,‬وأ ني له التو بة والهدي‪ ,‬فوالذي نف سي بيده ل قد سمعت نبيكم صلى ال عل يه و سلم‬
‫ُبـ‬
‫شخ ُ‬‫ْمـ القِيامَة آخِذا ِب َيمِينِه أوْ ِبشِمالِهـِ‪َ ,‬ت ْ‬
‫ل رَجُلً ُم َت َعمّدا‪ ,‬جا َء يَو َ‬
‫ل قَتَ َ‬
‫ْهـ ُأمّهـُ! َرجُ ٌ‬
‫يقول‪َ « :‬ثكَِلت ُ‬
‫ل َهذَا فِيمَ َقتََل َتنِي»‪ .‬والذي‬
‫خرَى يقولُ‪ :‬سَ ْ‬
‫لْ‬‫حمَنِ‪ ,‬يَ ْلزَمُ قاتِلَ ُه ِب َيدِ ِه ا ُ‬
‫عرْشِ ال ّر ْ‬
‫أ ْودَاجُهُ دَما‪ ,‬فِي ُقبُلِ َ‬
‫نف سي ع بد ال بيده ل قد أنزلت هذه الَ ية ف ما ن سختها من آية ح تى قُبِض نبيكم صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬وما نزل بعدهما من برهان‪.‬‬
‫‪ 8149‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬عن عمرو بن قيس‪ ,‬عن يحيـى بن الحارث‬
‫التيمي‪ ,‬عن سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ { :‬ومَ نْ‬
‫عظِي ما}‬
‫عذَا با َ‬
‫عدّ َل هُ َ‬
‫غضِ بَ الّل هُ عََليْ هِ وََل َعنَ ُه وأ َ‬
‫ج َهنّ مُ خالِدا فِي ها وَ َ‬
‫جزَاؤُ ُه َ‬
‫يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِ نا ُم َت َعمّدا َف َ‬
‫فقيل له‪ :‬وإن تاب وآمن وعمل صالحا؟ فقال‪ :‬وأنّى له التوبة!‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا همام عن يحيـى‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن‬
‫سالم‪ ,‬قال ك نت جال سا مع ا بن عباس‪ ,‬ف سأله ر جل فقال‪ :‬أرأ يت رجلً ق تل مؤم نا متعمدا أ ين‬
‫منزله؟ قال‪ :‬جهنم خالدا فيها‪ ,‬وغضب ال عليه ولعنه‪ ,‬وأعدّ له عذابا عظيما‪ .‬قال‪ :‬أفرأيت إن‬
‫هـو تاب وآمـن وعمـل صـالحا ثـم اهتدى؟ قال‪ :‬وأنّي له الهدى ثكلتـه أمـه! والذي نفسـي بيده‬
‫حدَى َي َديْهِ‪,‬‬
‫لسمعته يقول ـ يعني النبيّ صلى ال عليه وسلم ‪َ « :‬يجِيءُ يَ ْومَ القِيامَ ِة ُمعَلّقا رأسُهُ با ْ‬
‫ن يَقُولُ‪ :‬يا‬
‫حمَ ِ‬
‫عرْ ضِ ال ّر ْ‬
‫شخُ بُ أ ْودَاجُ ُه حِيالَ َ‬
‫خرَى َت ْ‬
‫لْ‬‫شمَالِ هِ‪ ,‬آخِذا صَاحِبَ ُه ِب َيدِ ِه ا ُ‬
‫إمّا ِب َيمِينِ هِ أوْ ِب ِ‬
‫ع ْب َدكَ َهذَا عَلمَ َقتَلَنِي؟» فما جاء نبيّ بعد نبيكم‪ ,‬ول نزل كتاب بعد كتابكم‪.‬‬
‫رَبّ سَلْ َ‬
‫حدثنا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمان بن زر يق‪ ,‬عن عمار الده ني‪ ,‬عن‬
‫سالم بن أبي الجعد‪ ,‬عن ابن عباس بنحوه‪ ,‬إل أنه قال في حديثه‪ :‬فوال لقد أنزلت على نبيكم ثم‬
‫ل لِقاتِلِ المُ ْؤ ِم نِ‪َ ,‬يجِيءُ َيوْ مَ القِيامَة آخِذا رأ سَ ُه ِبيَدِ ِه ثم‬
‫ما نسخها شيء‪ ,‬ولقد سمعته يقول‪َ { :‬ويْ ٌ‬
‫ذكر الحديث نحوه‪.‬‬
‫‪ 8150‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا‬
‫جبير‪ ,‬قال‪ :‬قال لي عبد الرحمن بن أبزي‪ :‬سئل ابن عباس عن قوله‪َ { :‬ومَ نْ يَ ْقتُ ْ‬
‫خرَ‬
‫ن مَ َع اللّ هِ إلها آ َ‬
‫ج َهنّمُ} فقال‪ :‬لم ينسخها شيء‪ .‬وقال في هذه الَية‪{ :‬وَاّلذِي نَ ل َيدْعُو َ‬
‫َفجَزَا ُؤ ُه َ‬
‫ن يَ ْفعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما} قال‪ :‬نزلت في‬
‫حرّمَ الّل ُه إلّ بالحَقّ وَل يَ ْزنُونَ َومَ ْ‬
‫س اّلتِي َ‬
‫ن النّفْ َ‬
‫وَل يَ ْقتُلُو َ‬
‫أهل الشرك‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير قال‪ :‬أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس عن هاتين الَيتين‪ ,‬فذكر‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪ 8151‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا طلق بن غنام‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن من صور‪ ,‬قال‪ :‬حدث ني‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬أو حُد ثت عن سعيد بن جبير‪ ,‬أن ع بد الرح من بن أبزي أمره أن ي سأل ا بن‬
‫ج َهنّمُ}‪ ....‬إلى آخر‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫عباس عن هاتين الَيتين التي في النساء‪َ { :‬و َمنْ يَ ْقتُ ْ‬
‫ن يَ ْفعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما}‪ ...‬إلى‪{ :‬وَيخُْلدْ فِي ِه مُهانا} قال ابن عباس‪:‬‬
‫الَية‪ ,‬والتي في الفرقان‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫إذا دخل الر جل في السلم وعلم شرائعه وأمره ثم قتل مؤمنا متعمدا فل توبة له‪ .‬وأما التي‬
‫في الفرقان‪ ,‬فإنها لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة‪ :‬فقد عدلنا بال وقتلنا النفس التي حرّم‬
‫ن تابَ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ال بغير الحقّ وأتينا الفواحش‪ ,‬فما ينفعنا السلم؟ قال‪ :‬فنزلت {إلّ مَ ْ‬
‫‪8152‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن المغيرة بن النعمان‪,‬‬
‫ج َهنّ مُ} قال‪ :‬ما‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ُم َت َعمّدا َفجَزَا ُؤ ُه َ‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪َ { :‬و َم ْ‬
‫نسخها شيء‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن المغيرة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬هي من آخر ما نزلت ما نسخها شيء‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مح مد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شعبة‪ ,‬عن المغيرة بن النعمان‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬اختلف أ هل الكو فة في ق تل المؤ من‪ ,‬فدخلت إلى ا بن عباس ف سألته‪,‬‬
‫فقال‪ :‬لقد نزلت في آخر ما نزل من القرآن وما نسخها شيء‪.‬‬
‫‪ 8153‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا آدم الع سقلني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو إياس‬
‫معاوية بن قرّة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني شهر بن حوشب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬نزلت هذه الَية‪:‬‬
‫عمَلً صَالِحا}‬
‫عمِلَ َ‬
‫جهَنّم} ب عد قوله‪{ :‬إلّ مَ نْ تا بَ وآمَ نَ و َ‬
‫جزَا ُؤ ُه َ‬
‫{ َومَ نْ َي ْقتُلْ مُ ْؤمِ نا ُم َت َعمّدا فَ َ‬
‫بسنة‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلم بن قتيبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن معاوية بن قرّة‪ ,‬عن ابن‬
‫ن تَابَ} بسنة‪.‬‬
‫ج َه ّنمُ} قال‪ :‬نزلت بعد‪{ :‬إلّ مَ ْ‬
‫جزَا ُؤهُ َ‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا فَ َ‬
‫ن يَ ْقتُ ْ‬
‫عباس‪ ,‬قال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫إياس‪ ,‬قال‪ :‬ث ني من سمع ا بن عباس يقول‪ :‬في قا تل المؤ من نزلت ب عد ذلك ب سنة‪ ,‬فقلت ل بي‬
‫إياس‪ :‬من أخبرك؟ فقال‪ :‬شهر بن حوشب‪.‬‬
‫‪ 8154‬ـ حدثنا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ,‬عن أ بي‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا} قال‪ :‬ليس لقاتل توبة إل‬
‫حصين‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪َ { :‬و َمنْ يَ ْقتُ ْ‬
‫أن يستغفر ال‪.‬‬
‫‪ 8155‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ُم َت َعمّدا}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال عطية‪ :‬وسئل عنها ابن عباس‪ ,‬فزعم‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫أنها نزلت بعد الَية التي في سورة الفرقان بثمان سنين‪ ,‬وهو قوله‪{ :‬وَاّلذِي نَ ل َيدْعُو نَ مَ َع اللّ هِ‬
‫خرَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬غَفُورا َرحِيما}‪.‬‬
‫إلها آ َ‬
‫‪8156‬ـ حدثنا ابن وكيع‪,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن أبي السفر‪ ,‬عن ناجية‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬هما المبهمتان‪ :‬الشرك‪ ,‬والقتل‪.‬‬
‫‪ 8157‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس قال‪ :‬أ كبر الكبائر‪ :‬الشراك بال وق تل الن فس ال تي حرّم ال ‪ ¹‬لن ال‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫عذَابا َ‬
‫عدّ َلهُ َ‬
‫غضِبَ الّلهُ عََليْهِ وََل َعنَهُ وأ َ‬
‫ج َهنّ ُم خالِدا فِيها وَ َ‬
‫جزَاؤُ ُه َ‬
‫سبحانه يقول‪َ { :‬ف َ‬
‫‪ 8158‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪ ,‬عن ب عض أشيا خه‬
‫ل مُ ْؤمِنـا ُم َت َعمّدا‬
‫الكوفييـن‪ ,‬عـن الشعـبي‪ ,‬عـن مسـروق‪ ,‬عـن ابـن مسـعود فـي قوله‪َ { :‬ومَن ْـ يَ ْقتُ ْ‬
‫ج َه ّنمُ} قال‪ :‬إنها لمحكمة‪ ,‬وما تزداد إل شدة‪.‬‬
‫َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫‪ 8159‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ثني هياج بن بسطام‪ ,‬عن محمد‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن موسى بن عقبة‪ ,‬عن أبي الزناد‪ ,‬عن خارجة بن زيد‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر‪.‬‬
‫‪ 8160‬ـ حدثنا ابن البرقي قال‪ :‬حدثنا ابن أبي مريم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع بن يزيد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبو‬
‫صخر‪ ,‬عن أ بي معاو ية البجلي‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قا‪ :‬قال ا بن عباس‪ :‬يأ تي المقتول يوم‬
‫القيامة آخذا رأسه بيمينه وأوداجه تشخب دما‪ ,‬يقول‪ :‬يا ر بّ دمي عند فلن! فيؤخذان فيسندان‬
‫ن يَ ْقتُلْ مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا َفجَزَا ُؤ هُ‬
‫إلى العرش‪ ,‬فما أدري ما يقضي بينهما‪ .‬ثم نزع بهذه الَية‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ج َهنّمُ خالِدا فِيها}‪ ...‬الَية‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬والذي نفسي بيده ما نسخها ال جلّ وع ّز منذ أنزلها‬
‫َ‬
‫على نبيكم عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ 8161‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن آدم‪ ,‬عن ابن عيينة‪ ,‬عن أبي الزناد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت رجلً يحدّث خارجة بن زيد بن ثابت‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أباك يقول‪ :‬نزلت‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِ نا ُم َت َعمّدا}‪ ...‬إلى آ خر الَ ية‪ ,‬ب عد قوله‪:‬‬
‫الشديدة ب عد الهي نة ب سنة أش هر‪ ,‬قوله‪َ { :‬و َم ْ‬
‫خرَ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫ن مَعَ الّلهِ إلها آ َ‬
‫ن ل َيدْعُو َ‬
‫{وَاّلذِي َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيينة‪ ,‬عن أبي الزناد‪,‬‬
‫ل يحدّث خارجة بن زيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أباك في هذا المكان بمني يقول‪ :‬نزلت‬
‫قال‪ :‬سمعت رج ً‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِ نا ُم َت َعمّدا} ب عد‪{ :‬إ نّ الّل َه ل‬
‫الشديدة ب عد الهي نة‪ ,‬قال‪ :‬أراه ب ستة أش هر‪ ,‬يع ني‪َ { :‬و َم ْ‬
‫ن ُيشْ َركَ ِبهِ}‪.‬‬
‫َيغْ ِفرُ أ ْ‬
‫‪ 8162‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سلمة بن نبيط‪ ,‬عن الضحاك بن مزاحم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ما نسخها شيء منذ نزلت‪ ,‬وليس له توبة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القول في ذلك بالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا‬
‫فجزاؤه إ نْ جزاه جه نم خالدا في ها‪ ,‬ولك نه يع فو أو يتف ضل على أ هل اليمان به وبر سوله‪ ,‬فل‬
‫يجازيهم بالخلود فيها‪ ,‬ولكنه عزّ ذكره إما أن يعفو بفضله فل يدخله النار‪ ,‬وإما أن يدخله إياها‬
‫ثم يخر جه من ها بف ضل رحم ته ل ما سلف من وعده عباده المؤمن ين بقوله‪ { :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ‬
‫جمِيعا}‪.‬‬
‫حمَةِ الّلهِ إنّ الّلهَ َيغْ ِفرُ ال ّذنُوبَ َ‬
‫ن َر ْ‬
‫س ِهمْ ل َت ْقنَطُوا مِ ْ‬
‫أسْ َرفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫ن ظا نّ أن القاتل إن وجب أن يكون داخلً في هذه الَية‪ ,‬فقد يجب أن يكون المشرك‬
‫فإن ظ ّ‬
‫داخلً فيـه‪ ,‬لن الشرك مـن الذنوب‪ ,‬فإن ال ع ّز ذكره قـد أخـبر أنـه غيـر غافـر الشرك لحـد‬
‫ن يَشاءُ} والقتل دون الشرك‪.‬‬
‫ن ذَِلكَ ِلمَ ْ‬
‫ش َركَ بِهِ َو َيغْ ِفرُ ما دُو َ‬
‫ن اللّ َه ل َيغْ ِفرُ أنْ ُي ْ‬
‫بقوله‪{ :‬إ ّ‬

‫‪94‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل تَقُولُواْ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه َف َتبَ ّينُواْ َو َ‬
‫ض َربْتُمْ فِي َ‬
‫ن آ َمنُو ْا ِإذَا َ‬
‫{يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا َفعِ ْندَ الّل هِ َمغَانِ مُ َكثِيرَ ٌة َكذَلِ كَ ُك ْنتُ مْ‬
‫عرَ ضَ ا ْل َ‬
‫لمَ لَ سْتَ ُم ْؤمِنا َت ْبتَغُو نَ َ‬
‫ن أَلْ َقىَ إَِل ْيكُ مُ ال سّ َ‬
‫ِلمَ ْ‬
‫خبِيرا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫ن ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن اللّهُ عََل ْي ُكمْ َف َت َب ّينُواْ ِإنّ الّلهَ كَا َ‬
‫ل فَمَ ّ‬
‫مّن قَبْ ُ‬
‫ن آ َمنُوا}‪ :‬يا أي ها الذ ين صدّقوا ال صدّقوا ر سوله‪ ,‬فيما‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ضرَ ْبتُ ْم فِي سبِيل الّل هِ} يقول‪ :‬إذا سرتم م سيرا ل في جهاد‬
‫جاء هم به من ع ند رب هم ‪{ ¹‬إذا َ‬
‫أعدائكـم { َف َت َب ّينُوا} يقول‪ :‬فتأنوا فـي قتـل مـن أشكـل عليكـم أمره‪ ,‬فلم تعلموا حقيقـة إسـلمه ول‬
‫كفره‪ ,‬ول تعجلوا فتقتلوا مـن التبـس عليكـم أمره‪ ,‬ول تتقدموا على قتـل أحـد إل على قتـل مـن‬
‫ن ألْقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ} يقول‪ :‬ول تقولوا ل من‬
‫علمتموه يقينا حربا لكم ول ولر سوله‪َ { .‬وتَقُولُوا َلمَ ْ‬
‫ا ستسلم ل كم فلم يقاتل كم‪ ,‬مظهرا ل كم أ نه من أ هل ملت كم ودعوت كم‪{ ,‬لَ سْتَ مُ ْؤمِ نا} فتقتلوه ابتغاء‬
‫عرض الحياة الدنيـا‪ ,‬يقول‪ :‬طلب متاع الحياة الدنيـا‪ ,‬فإن عنـد ال مغانـم كثيرة مـن رزقـه‬
‫وفواضل نعمه‪ ,‬فهي خير لكم إن أطعتم ال فيما أمركم به ونهاكم عنه فأثابكم بها على طاعتكم‬
‫إياه‪ ,‬فالتم سوا ذلك من عنده { َكذَلِ كَ ُك ْنتُ مْ مِ نْ َقبْلُ} يقول‪ :‬ك ما كان هذا الذي أل قى إلي كم ال سلم‬
‫فقلت له لسـت مؤمنـا فقتلتموه‪ ,‬كذلك أنتـم مـن قبـل‪ ,‬يعنـي‪ :‬مـن قبـل إعزاز ال دينـه بتباعـه‬
‫وأنصـاره‪ ,‬تسـتخفون بدينكـم كمـا اسـتخفى هذا الذي قتلتموه‪ ,‬وأخذتـم ماله بدينـه مـن قومـه أن‬
‫يظهره ل هم حذرا على نف سه من هم‪ .‬و قد ق يل‪ :‬إن مع نى قوله‪َ { :‬كذَلِ كَ ُك ْنتُ ْم مِ نْ َقبْلُ} كن تم كفارا‬
‫مثلهم‪َ { .‬فمَنّ الّلهُ عََل ْيكُمْ} يقول‪ :‬فتفضل ال عليكم باعزاز دينه بأنصاره وكثرة تباعه‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫فمنّـ ال عليكـم بالتوبـة مـن قتلكـم هذا الذي قتلتموه‪ ,‬وأخذتـم ماله بعـد مـا ألقـى إليكـم السـلم‪.‬‬
‫ل أل أن‬
‫{فَ َت َب ّينُوا} يقول‪ :‬فل تعجلوا بق تل من أرد تم قتله م من الت بس علي كم أ مر إ سلمه‪ ,‬فلع ّ‬
‫ن به عليكم‪ ,‬وهداه لمثل الذي هداكم له من اليمان‪.‬‬
‫يكون قد منّ عليه من السلم بمثل الذي م ّ‬
‫خبِيرا} يقول‪ :‬إن ال كان بقتلكم من تقتلون وكفكم عمن تكفون عن‬
‫ن اللّ َه كا نَ ِبمَا َت ْعمَلُو نَ َ‬
‫{إ ّ‬
‫خبِيرا} يعني‪ :‬ذا خبرة وعلم‬
‫قتله من أعداء ال وأعدائكم وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم { َ‬
‫به‪ ,‬يحفظه عليكم وعليهم‪ ,‬حتى يجازي جيمعكم به يوم القيامة جزاء المحسن بإحسانه والمسيء‬
‫باساءته‪.‬‬
‫وذكر أن هذه الَية نزلت في سبيل قتيل قتلته سرية لرسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ما‬
‫قال‪ :‬إني مسلم‪ ,‬أو بعد ما شهد شهادة الح قّ‪ ,‬أو بعد ما سلم عليهم‪ ,‬لغنيمة كانت معه أو غير‬
‫ذلك من ملكه‪ ,‬فأخذوه منه‪ .‬ذكر الرواية والَثار بذلك‪:‬‬
‫‪ 8163‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن نافع‪ ,‬أن ابن عمر‪,‬‬
‫قال‪ :‬بعث النبيّ صلى ال عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا‪ ,‬فلقيهم عامر بن الضبط‪ ,‬فحياهم‬
‫بتحية السلم‪ ,‬وكانت بينهم إحنة في الجاهلية‪ ,‬فرماه محلم بسهم فقتله‪ .‬فجاء الخبر إلى رسول‬
‫سنّ اليوم وغيّر‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتكلم فيه عيينة والقرع‪ ,‬فقال القرع‪ :‬يا رسول ال ُ‬
‫غدا! فقال عيي نة‪ :‬ل وال ح تى تذوق ن ساؤه من الث كل ما ذاق ن سائي! فجاء محلم في برد ين‪,‬‬
‫ّهـ‬
‫فجلس بيـن يدي رسـول ال ليسـتغفر له‪ ,‬فقال له النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ل غَ َفرَ الل ُ‬
‫لَ كَ»فقام و هو يتل قى دمو عه ببرديه‪ ,‬ف ما م ضت به سابعة ح تى مات ودفنوه‪ ,‬فلفظ ته الرض‪.‬‬
‫شرٌ‬
‫ل مَ نْ ُهوَ َ‬
‫ن الرْ ضَ تَ ْقبَ ُ‬
‫فجاءوا إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فذكروا ذلك له‪ ,‬فقال‪« :‬إ ّ‬
‫صدَ َفيْ جبل‪ ,‬وألقوا عليه‬
‫ظكُ مْ»‪ .‬ثم طرحوه بين َ‬
‫ن َيعِ َ‬
‫ع ّز أرَا َد أ ْ‬
‫ن اللّ َه جَلّ وَ َ‬
‫ح ِب ُكمْ‪ ,‬وََلكِ ّ‬
‫ن صَا ِ‬
‫مِ ْ‬
‫سبِيل اللّ ِه فَ َت َب ّينُوا}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْب ُتمْ فِي َ‬
‫من الحجارة‪ ,‬ونزلت‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫‪ 8164‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن يزيد بن عبد ال بن‬
‫قسيط‪ ,‬عن القعقاع بن عبد ال بن أبي حدرد السلمي‪ ,‬عن أبيه عبد ال بن أبي حدرد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى إضم‪ ,‬فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة‬
‫الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي‪ .‬فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم‪ ,‬مرّ بنا‬
‫عامر بن الضبط الشجعي على َقعُود له معه ُم َتيّع له و َوطْب من لبن‪ .‬فلما مرّ بنا سلم علينا‬
‫بتحية السلم‪ ,‬فأمسكنا عنه‪ ,‬وحمل عليه محلم بن جثامة الليثي لشيء كان وبينه وبينه‪ ,‬فقتله‬
‫وأخذ بعيره ومتيّعه‪ ,‬فلما قدمنا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأخبرناه الخبر‪ ,‬نزل فينا‬
‫سبِيل اللّ هِ َف َت َب ّينُوا وَل تَقُولُوا َلمَ نْ أ ْلقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ‬
‫القرآن‪{ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْبتُ مْ فِي َ‬
‫َلسْتَ مُ ْؤمِنا}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدثني هارون بن إدريس الصمّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد‪ ,‬عن محمد‬
‫بن إسحاق‪ ,‬عن يزيد بن عبد ال بن قسيط‪ ,‬عن أبي حدرد السلمي‪ ,‬عن أبيه بنحوه‪.‬‬
‫‪8165‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫غ َنيْ مة له‪ ,‬فقال‪ :‬ال سلم علي كم! فقتلوه وأخذوا تلك الغني مة‪,‬‬
‫ل حق ناس من الم سلمين رجلً في ُ‬
‫عرَض الحَيا ِة ال ّدنْ يا}‬
‫ن ألْقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ لَ سْتَ ُم ْؤمِ نا َت ْب َتغُو نَ َ‬
‫فنزلت هذه الَ ية‪{ :‬وَل تَقولُوا ِل َم ْ‬
‫تلك الغُنيْمة‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫دينار‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫حدث ني سعيد بن الرب يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن عمرو سمع عطاء‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لحق المسلمون رجلً‪ ,‬ثم ذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 8166‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحيم بن سليمان‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو في غنم له‪ ,‬فسلم عليهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬ما سلم عليكم إل ليتعوّذ منكم! فعمدوا إليه‬
‫فقتلوه وأخذوا غن مه‪ ,‬فأتوا ب ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأنزل ال عزّ وجلّ‪ { :‬يا أيّ ها‬
‫سبِيلِ ال فَ َت َب ّينُوا}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫اّلذِينَ آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْبتُ ْم فِي َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد ال‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8167‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬كان الرجل يتكلم بالسلم ويؤمن بال والرسول‪ ,‬ويكون في قومه‪ ,‬فإذا جاءت‬
‫سرّية محمد صلى ال عليه وسلم أخبر بها حيه ـ يعني قومه ففرّوا‪ ,‬وأقام الرجل ل يخاف‬
‫المؤمن ين من أ جل أ نه على دين هم ح تى يلقا هم‪ ,‬فيل قى إلي هم ال سلم‪ ,‬فيقول المؤمنون‪ :‬ل ست‬
‫سبِيل‬
‫مؤمنا! وقد ألقى السلم‪ ,‬فيقتلونه‪ ,‬فقال ال جلّ وعزّ‪{ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْبتُ مْ فِي َ‬
‫ل لكم ماله الذي‬
‫عرَ ضَ الحَيا ِة ال ّدنْيا} يعني‪ :‬تقتلونه إرادة أن يح ّ‬
‫اللّ ِه َفتَ َب ّينُوا}‪ ....‬إلى‪َ { :‬تبْ َتغُو نَ َ‬
‫وجد تم م عه‪ ,‬وذلك عرض الحياة الدن يا‪ ,‬فإن عندي مغا نم كثيرة‪ ,‬فالتم سوا من ف ضل ال‪ .‬و هو‬
‫ر جل ا سمه مرداس جل قو مه هارب ين من خ يل بعث ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم علي ها‬
‫رجل من بني ليث اسمه قليب‪ ,‬ولم يجامعهم إذا لقيهم مرداس‪ ,‬فسلم عليهم فقتلوه‪ ,‬فأمر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لهله بديته ور ّد إليهم ماله ونهى المؤمنين عن مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ 8168‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ { :‬يا أيّ ها‬
‫سبِيلِ الّل هِ َف َت َب ّينُوا}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا الحديث في شأن مرداس رجل‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا إذا ضَ َر ْبتُ ْم فِي َ‬
‫من غطفان ‪ ¹‬ذكر لنا أن نبيّ ال صلى ال عليه وسلم بعث جيشا عليهم غالب الليثي إلى أهل‬
‫فدك‪ ,‬و به ناس من غطفان وكان مرداس من هم‪ ,‬ففرّ أ صحابه‪ ,‬فقال مرداس‪ :‬إ ني مؤ من وإ ني‬
‫غ ير متبع كم! ف صّبحته الخ يل غدوة‪ ,‬فل ما لقوه سلم علي هم مرداس‪ ,‬فتلقوه أ صحاب ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقتلوه‪ ,‬وأخذوا ما كان معه من متاع‪ ,‬فأنزل ال جلّ وع ّز في شأنه‪{ :‬وَل‬
‫ن ألْقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ لَ سْتَ ُم ْؤمِ نا} لن تح ية الم سلمين ال سلم‪ ,‬ب ها يتعارفون‪ ,‬وب ها‬
‫تَقُولُوا ِل َم ْ‬
‫يحيـى بعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪ 8169‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫سبِيلِ الّل ِه فَ َت َب ّينُوا وَل َتقُولُوا ِلمَ نْ أ ْلقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ‬
‫ن آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْبتُ مْ فِي َ‬
‫السديّ‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫عرَ ضَ الحيا ِة ال ّدنْيا}‪ ...‬الَية‪ .‬قال‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ت مُ ْؤمِنا َت ْبتَغُو نَ َ‬
‫لَ سْ َ‬
‫سرية علي ها أ سامة ا بن ز يد إلى ب ني ضمرة‪ ,‬فلقوا رجلً من هم يُد عى مرداس بن نه يك م عه‬
‫غنيمة له وجمل أحمر‪ ,‬فلما رآهم أوى إلى كهف جبل‪ ,‬واتبعه أسامة‪ ,‬فلما بلغ مرداس الكهف‬
‫و ضع ف يه غن مه‪ ,‬ثم أق بل إلي هم فقال‪ :‬ال سلم علي كم‪ ,‬أش هد أن ل إله إل ال وأن محمدا ر سول‬
‫ال! فشدّ عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته‪ .‬وكان النبيّ صلى ال عليه وسلم إذا بعث‬
‫ب أن يثني عليه خيرا‪ ,‬ويسأل عنه أصحابه‪ ,‬فلما رجعوا لم يسألهم عنه‪ ,‬فجعل القوم‬
‫أسامة أح ّ‬
‫يحدّثون ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم ويقولون‪ :‬يا ر سول ال لو رأ يت أ سامة ولق يه ر جل فقال‬
‫الرجل‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال‪ ,‬فشدّ عليه فقتله! وهو معرض عنهم‪ .‬فلما أكثروا عليه‪,‬‬
‫رفع رأسه إلى أسامة فقال‪َ « :‬كيْ فَ أنْ تَ وَل إلَ َه إلّ الّل هُ»؟ قال‪ :‬يا رسول ال إنما قالها متعوّذا‪,‬‬
‫ت إَليْهِ؟» قال‪ :‬يا‬
‫ن قَ ْلبِهِ َف َنظَرْ َ‬
‫تعوّذ بها‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬هَل شقَقَتْ عَ ْ‬
‫ل خبر هذا‪ ,‬وأخبره إنما قتله من أجل‬
‫ضعَة من جسده‪ .‬فأنزل ال عزّ وج ّ‬
‫رسول ال إنما قلبه َب ْ‬
‫ن اللّ هُ عََل ْيكُ مْ} يقول‪:‬‬
‫ض الحَياةِ الدّنيْا} فلما بلغ‪َ { :‬فمَ ّ‬
‫عرَ َ‬
‫جمله وغنمه‪ ,‬فذلك حين يقول‪َ { :‬ت ْب َتغُو نَ َ‬
‫فتاب ال علي كم‪ ,‬فحلف أ سامة أن ل يقا تل رجلً يقول ل إله إل ال‪ ,‬ب عد ذلك الر جل و ما ل قي‬
‫من رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه‪.‬‬
‫‪8170‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ت مُ ْؤمِنا} قال‪ :‬بلغني أن رجلً من المسلمين أغار على‬
‫قوله‪{ :‬وَل تَقُولُوا ِلمَ نْ إَل ْيكُ مُ ال سّلمَ لَ سْ َ‬
‫ر جل من المشرك ين‪ ,‬فح مل عل يه‪ ,‬فقال له المشرك‪ :‬إ ني م سلم‪ ,‬أش هد أن ل إله إل ال! فقتله‬
‫الم سلم ب عد أن قال ها‪ ,‬فبلغ ذلك ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال للذي قتله‪َ« :‬أ َقتَ ْلتَ هُ َو َقدْ قَالَ ل‬
‫إله إل ال؟» فقال و هو يعتذر‪ :‬يا نبيّ ال إن ما قال ها متعوّذا ول يس كذلك‪ .‬فقال ال نبيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪َ « :‬فهَلّ شَقَقْ تَ عَ نْ قَ ْلبِ هِ؟» ثم مات قا تل الر جل ف قبر‪ ,‬فلفظ ته الرض‪ ,‬فذ كر ذلك‬
‫لل نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأمر هم أن ي قبروه‪ ,‬ثم لفظ ته الرض‪ ,‬ح تى ف عل به ذلك ثلث‬
‫َهـ فَألْقوهُـ فِي غارٍ مِن َـ‬
‫َتـ أن ْـ تَ ْقبَل ُ‬
‫ْضـ أب ْ‬
‫«إنـ الر َ‬
‫ّ‬ ‫ي صـلى ال عليـه وسـلم‪:‬‬
‫مرّات‪ ,‬فقال النـب ّ‬
‫الغِيرَا نِ»‪ .‬قال مع مر‪ :‬وقال بعض هم‪ :‬إن الرض تق بل من هو شرّ م نه‪ ,‬ول كن ال جعله ل كم‬
‫عبرة‪.‬‬
‫‪8171‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن أبي‬
‫غ َنيْ مة له‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫الض حى‪ ,‬عن م سروق‪ :‬أن قو ما من الم سلمين لقوا رجلً من المشرك ين في ُ‬
‫السـلم عليكـم إنـي مؤمـن! فظنوا أنـه يتعوّذ بذلك‪ ,‬فقتلوه‪ ,‬وأخذوا غنيمتـه‪ .‬قال‪ :‬فأنزل ال جلّ‬
‫‪¹‬‬ ‫عرَ ضَ الحَيا ِة الدّنيْا} تلك الغنيمة‬
‫وعزّ‪{ :‬وَل تَقُولُوا ِلمَ نْ أ ْلقَى إَل ْيكُ مُ ال سّلمَ لَ سْتَ مُ ْؤمِنا َت ْبتَغُو نَ َ‬
‫ن اللّهُ عََل ْي ُكمْ َف َتبَ ّينُوا}‪.‬‬
‫{ َكذَِلكَ ُك ْنتُمْ ِمنْ َقبْلُ َفمَ ّ‬
‫‪8172‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن حبيب بن أبي عمرة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫سبِيلِ الّل ِه َفتَ َب ّينُوا} قال‪ :‬خرج المقداد بن السود‬
‫ن آ َمنُوا إذَا ضَ َر ْبتُمْ فِي َ‬
‫جبير‪ ,‬قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫غنَي مة له‪ ,‬فقال‪ :‬أ ني‬
‫في سرية بع ثه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال‪ :‬فمرّوا بر جل في ُ‬
‫مسلم! فقتله المقداد‪ .‬فلما قدموا ذكروا ذلك للنبيّ صلى ال عل يه وسلم‪ ,‬فنزلت هذه الَ ية‪{ :‬وَل‬
‫عرَضَ الحَيا ِة ال ّدنْيا} قال‪ :‬الغنيمة‪.‬‬
‫ت مُ ْؤمِنا َت ْب َتغُونَ َ‬
‫تَقُولُوا ِل َمنْ ألْقَى إَل ْي ُكمُ السّلمَ َلسْ َ‬
‫‪ 8173‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬نزل ذلك في رجل قتله أبو‬
‫الدرداء ـ فذكر من قصة أبي الدرداء نحو القصة التي ذكرت عن أسامة بن زيد‪ ,‬وقد ذكرت‬
‫ل مُ ْؤمِنـا إلّ خَطأً}‪ ,‬ثـم قال فـي الخـبر ــ ‪ :‬ونزل‬
‫فـي تأويـل قوله‪{ :‬وَمـا كان َـ ِلمُ ْؤمِن ٍـ أن ْـ يَ ْقتُ َ‬
‫عرَض‬
‫ت مُ ْؤمِنا َت ْب َتغُو نَ َ‬
‫ن يَ ْقتُلَ ُم ْؤمِنا إلّ خَطأً} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬لَ سْ َ‬
‫نأ ْ‬
‫ن ِلمُ ْؤمِ ٍ‬
‫الفرقان‪{ :‬وَما كا َ‬
‫الحَياةِ الدّنيْا} غنمه التي كانت عرض الحياة الدنيا‪َ { ,‬ف ِع ْندَ اللّ هَ مَغانِ مُ َكثِيرةٌ} خير من تلك الغنم‪,‬‬
‫خبِيرا}‪.‬‬
‫ن ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ‬
‫إلى قوله‪{ :‬إنّ الّلهَ كا َ‬
‫‪ 8174‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن ألْقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ لَ سْتَ ُم ْؤمِنا} قال‪ :‬راعي غنم‪ ,‬لقيه نفر من‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬وَل تَقُولُوا ِلمَ ْ‬
‫المؤمنين‪ ,‬فقتلوه وأخذوا ما معه‪ ,‬ولم يقبلوا منه‪« :‬السلم عليكم‪ ,‬فإني مؤمن»‪.‬‬
‫‪8175‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ت مُ ْؤمِ نا} قال‪ :‬حرّم ال على المؤمن ين‬
‫ن ألْقَى إَل ْيكُ مْ ال سّلمَ لَ سْ َ‬
‫ا بن عباس قوله‪{ :‬وَل َتقُولُوا ِلمَ ْ‬
‫أن يقولوا ل من ش هد أن ل إله إل ال ل ست مؤم نا‪ ,‬ك ما حرّم علي هم المي تة‪ ,‬ف هو آ من على ماله‬
‫ودمه‪ ,‬ول تردّوا عليه قوله‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪َ { :‬ف َت َب ّينُوا} فقرأ ذلك عامـة قراء المكييـن والمدنييـن وبعـض‬
‫الكوفي ين والب صريين‪{ :‬فَ َت َب ّينُوا} بالباء والنون من ال تبين‪ ,‬بمع نى‪ :‬التأ ني والن ظر والك شف ع نه‬
‫ح تى يت ضح‪ .‬وقرأ ذلك ع ظم قرّاء الكوفي ين‪َ « :‬ف َت َث ّبتُوا» بمع نى التث بت الذي هو خلف العجلة‪.‬‬
‫والقول عند نا في ذلك أنه ما قراءتان معروفتان م ستفيضتان في قراءة الم سلمين بمع نى وا حد‬
‫وإن اختل فت به ما اللفاظ‪ ,‬لن المتث بت م تبين‪ ,‬والم تبين متث بت‪ ,‬فبأ يّ القراءت ين قرأ القارىء‬
‫فمصيب صواب القراءة في ذلك‪.‬‬
‫َنـ ألْقَى إَليْكُم السـّلم} فقرأ ذلك عامـة قرّاء‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪{ :‬ول تَقُولُوا ِلم ْ‬
‫المكييـن والمدنييـن والكوفييـن «الس ّـَلمَ» بغيـر ألف‪ ,‬بمعنـى السـتسلم‪ ,‬وقرأه بعـض الكوفييـن‬
‫والبصريين‪{ :‬السّلمَ} بألف‪ ,‬بمعنى التحية‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندنا‪ِ« :‬لمَ نْ أ ْلقَى إَل ْيكُ مُ ال سَّلمَ» بمعنى‪ :‬من استسلم لكم مذعنا‬
‫ل بالتوح يد مقرّا ل كم بملت كم‪ .‬وإن ما اختر نا ذلك لختلف الروا ية في ذلك‪ ,‬ف من را ٍو روى أ نه‬
‫استسلم بأن شهد شهادة الح قّ وقال‪ :‬إني مسلم ‪ ¹‬ومن راو روى أنه قال‪ :‬السلم عليكم‪ ,‬فحياهم‬
‫تح ية ال سلم‪ ,‬و من راو روى أ نه كان م سلما بإ سلم قد تقدم م نه ق بل قتل هم إياه‪ .‬و كل هذه‬
‫المعاني يجمعها السلم‪ ,‬لن المسلم مستسلم‪ ,‬والمحّيـي بتحية السلم مستسلم‪ ,‬والمتشهد شهادة‬
‫الح قّ م ستسلم ل هل ال سلم‪ ,‬فمع نى ال سّلم جا مع جم يع المعا ني ال تي رو يت في أ مر المقتول‬
‫الذي نزلت في شأنه هذه الَية‪ ,‬وليس كذلك في السلم‪ ,‬لن السلم ل وجه له في هذا الموضع‬
‫إل التحية‪ ,‬فلذلك وصفنا السّلم بالصواب‪.‬‬
‫ن َقبْلُ} فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬كما كان هذا‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪َ { :‬كذَلِ كَ ُك ْنتُ مْ مِ ْ‬
‫الذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السلم مستخفيا في قومه بدينه خوفا على نفسه منهم‪ ,‬كنتم أنتم‬
‫مستخفين بأديانكم من قومكم حذرا على أنفسكم منهم‪ ,‬فمنّ ال عليكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8176‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن َقبْلُ} تستخفون بإيمانكم‬
‫أخبرني عبد ال بن كثير‪ ,‬عن سعيد بن جبير في قوله‪َ { :‬كذَلِكَ ُك ْنتُمْ ِم ْ‬
‫كما استخفى هذا الراعي بإيمانه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن حبيب بن أبي عمرة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪:‬‬
‫{ َكذِِلكَ ُك ْنتُمْ ِمنْ َقبْلُ} تكتمون إيمانكم في المشركين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬كمـا كان هذا الذي قتلتموه بعـد مـا ألقـى إليكـم السـلم كافرا كنتـم‬
‫كفارا‪ ,‬فهداه كما هداكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8177‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬كذَِلكَ ُك ْنتُمْ ِمنْ َقبْلُ‬
‫َفمَنّ الّلهُ عََل ْيكُمْ} كفارا مثله‪َ { ,‬ف َت َبيّنُوا}‪.‬‬
‫وأولى هذين القولين بتأويل الَية القول الوّل‪ ,‬وهو قول من قال‪ :‬كذلك كنتم تخفون إيمانكم‬
‫في قومكم من المشركين وأنتم مقيمين بين أظهرهم‪ ,‬كما كان هذا الذي قتلتموه مقيما بين أظهر‬
‫قومه من المشركين‪ ,‬مستخفيا بدينه منهم‪.‬‬
‫وإنمـا قلنـا هذا التأويـل أولى بالصـواب‪ ,‬لن ال عزّ ذكره إنمـا عاتـب الذيـن قتلوه مـن أهـل‬
‫اليمان ب عد إلقائه إلي هم ال سلم‪ ,‬ولم ي قد به قاتلوه لل بس الذي كان د خل في أمره على قاتل يه‬
‫بمقامه بين أظهر قومه من المشركين‪ ,‬وظنهم أنه ألقى السلم إلى المؤمن ين تعوّذا منهم‪ ,‬ولم‬
‫يعاتبهم على قتلهم إياه مشركا‪ ,‬فيقال‪ :‬كما كان كافرا كنتم كفارا ‪ ¹‬بل ل وجه لذلك‪ ,‬لن ال جلّ‬
‫ثناؤه لم يعاتب أحدا من خلقه على قتل محارب ل ولرسوله من أهل الشرك بعد إذنه له بقتله‪.‬‬
‫واختلف أيضا أهل التأويل في تأويل قوله‪َ { :‬فمَ نّ الّل هُ عََل ْيكُ مْ} فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فم نّ‬
‫ال عليكـم بإظهار دينـه وإعزاز أهله‪ ,‬حتـى أظهروا السـلم بعـد مـا كانوا يكتمونـه مـن أهـل‬
‫الشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8178‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن حبيب بن أبي عمرة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ن اللّهُ عََل ْي ُكمْ} فأظهر السلم‪.‬‬
‫جبير‪{ :‬فَمَ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬فم نّ ال علي كم أي ها القاتلون الذي أل قى إلي كم ال سلم طلب عرض‬
‫الحياة الدنيا بالتوبة من قتلكم إياه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8179‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن اللّهُ عََل ْي ُكمْ} يقول‪ :‬تاب ال عليكم‪.‬‬
‫السديّ‪{ :‬فَمَ ّ‬
‫وأولى التأويل ين في ذلك بال صواب التأو يل الذي ذكر ته عن سعيد بن جبير‪ ,‬ل ما ذكر نا من‬
‫ن َقبْلُ} ما وصفنا قبل‪ ,‬فالواجب أن يكون عقيب ذلك‪:‬‬
‫الدللة على أن معنى قوله‪َ { :‬كذَلِكَ ُك ْنتُمْ ِم ْ‬
‫{فَمَ نّ الّل هُ عََل ْيكُ مْ} فرفع ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم عنكم بإظهار دينه وإعزاز أهله‪,‬‬
‫حتى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به‪ ,‬من توحيده وعبادته‪ ,‬حذرا من أهل الشرك‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضرَرِ‬
‫غ ْيرُ ُأوْلِي ال ّ‬
‫ـ َ‬
‫ـ ا ْلمُ ْؤ ِمنِين َ‬
‫ـ مِن َ‬
‫عدُون َ‬
‫ـتَوِي الْقَا ِ‬
‫{لّ يَس ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫وَا ْل ُمجَا ِهدُونَـ فِي سَـبِيلِ اللّهِـ ِبَأمْوَاِلهِم ْـ وََأنْفُسِـِهمْ َفضّلَ اللّهُـ ا ْل ُمجَا ِهدِينَـ ِبَأمْوَاِلهِم ْـ وََأنْفُسِـهِمْ عَلَى‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ن َأجْرا َ‬
‫عدِي َ‬
‫ل اللّ ُه ا ْل ُمجَاهِدِينَ عَلَى ا ْلقَا ِ‬
‫سنَىَ َوفَضّ َ‬
‫حْ‬‫ع َد اللّ ُه ا ْل ُ‬
‫ن َدرَجَ ًة َوكُـلّ وَ َ‬
‫عدِي َ‬
‫الْقَا ِ‬
‫ن غيرُ أُولى الضّ َررِ وَالمُجاهِدُو نَ}‪:‬‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ن مِ َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القَا ِ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫ل يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل ال من أ هل اليمان بال وبر سوله‪ ,‬المؤثرون الد عة‬
‫والخ فض والقعود في منازل هم على مقا ساة حزو نة ال سفار وال سير في الرض ومش قة ملقاة‬
‫أعداء ال بجهاد هم في ذات ال وقتال هم في طا عة ال‪ ,‬إل أ هل العذر من هم بذهاب أب صارهم‪,‬‬
‫وغير ذلك من العلل التي ل سبيل لهلها للضرر الذي بهم إلى قتالهم وجهادهم في سبيل ال‬
‫والمجاهدون في سبيل ال‪ ,‬ومنهاج دي نه‪ ,‬لتكون كل مة ال هي العل يا‪ ,‬الم ستفرغون طاقت هم في‬
‫قتال أعداء ال وأعداء دينهـم بأموالهـم‪ ,‬إنفاقـا لهـا فيمـا أوهـن كيـد أعداء أهـل اليمان بال‬
‫وبأنفسهم‪ ,‬مباشرة بها قتالهم‪ ,‬بما تكون به كلمة ال العالية‪ ,‬وكلمة الذين كفروا السافلة‪.‬‬
‫ض َررِ}‪ ¹‬فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة ومكة‬
‫واختلفت القراء في قراءة قوله‪{ :‬غيرَ أُولي ال ّ‬
‫والشام‪« :‬غيرَ أُولي الضّ َررِ} نصـبا‪ ,‬بمعنـى‪ :‬إل أولي الضرر‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء أهـل‬
‫العراق والكوفة والبصرة‪{ :‬غيرُ أُولي الضّ َررِ} برفع «غيرُ» على مذهب النعت للقاعدين‪.‬‬
‫ضرَرِ» بنصـب غيرَ‪ ,‬لن الخبار‬
‫والصـواب مـن القراءة فـي ذلك عندنـا‪« :‬غيرَ أُولي ال ّ‬
‫ِينـ‬
‫ِنـ المُ ْؤ ِمن َ‬
‫ُونـ م َ‬
‫عد َ‬ ‫َسـتَوِي القَا ِ‬
‫ضرَرِ» نزل بعـد قوله‪{ :‬ل ي ْ‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫متظاهرة بأن قوله‪َ « :‬‬
‫عدُونَـ مِنَـ‬
‫والمُجا ِهدُونَـ فِي سَـبِيلِ اللّهِـ بأمْوَاِلهِم ْـ وأنْفُسِـِهمْ} اسـتثناء مـن قوله‪{ :‬ل يَس ْـتَوِي القا ِ‬
‫المُ ْؤ ِمنِينَ وَالمُجا ِهدُونَ}‪ .‬ذكر بعض الخبار الواردة بذلك‪:‬‬
‫‪ 8180‬ـ حدثنا نصر بن عل يّ الجهضمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المعتمر بن سليمان‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬ا ْئتُونِي بال َكتِفِ وَاللّوْحِ»! َفكَتبَ‪:‬‬
‫ن مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ وَالمُجا ِهدُو نَ} وعمرو بن أ ّم مكتوم خلف ظهره‪ ,‬فقال‪ :‬هل‬
‫عدُو َ‬
‫{ل يَ سْتَوِي القا ِ‬
‫ض َررِ»‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫لي من رخصة يا رسول ال؟ فنزلت‪َ « :‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو كبر بن عياش‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬ل ما‬
‫عدُو نَ ِم نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ} جاء ابن أ ّم مكتوم وكان أعمى‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال‬
‫نزلت‪{ :‬ل يَ سْتَوِي القا ِ‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّ َررِ»‪.‬‬
‫كيف وأنا أعمى؟ فما برح حتى نزلت‪َ « :‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن البراء بن عازب في‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّ َررِ» قال‪ :‬لما نزلت جاء عمرو بن أ مّ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ َ‬
‫ن مِ َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫قوله‪« :‬ل يَ ْ‬
‫مكتوم إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وكان ضر ير الب صر‪ ,‬فقال‪ :‬يا ر سول ال ما تأمر ني‪,‬‬
‫فإني ضرير البصر؟ فأنزل ال هذه الَية‪ ,‬فقال‪« :‬ائتُونِي بالكَتفِ وال ّدوَاةِ‪ ,‬أ ِو اللّوْحِ وَال ّدوَاةِ»‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن إ سماعيل بن إ سرائيل الدلل الرملي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن مح مد بن‬
‫ن مِنَ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫المغيرة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسعر‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء أنه لما نزلت‪{ :‬ل َي ْ‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّ َررِ»‪.‬‬
‫المُ ْؤ ِمنِينَ} كلمه ابن أمّ مكتوم‪ ,‬فأنزلت‪َ « :‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبو إسحاق أنه‬
‫سبِيلِ اللّ هِ}‬
‫ن فِي َ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ والمُجا ِهدُو َ‬
‫ن مِ َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫سمع البراء يقول في هذه الَية‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫قال‪ :‬فأ مر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم زيدا‪ ,‬فجاء بك تف فكتب ها‪ ,‬قال‪ :‬فش كى إل يه ا بن أ مّ‬
‫ضرَرِ»‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولِي ال ّ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫عدُونَ مِ َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫ضرَا َرتَهُ‪ ,‬فنزلت‪« :‬ل َي ْ‬
‫مكتوم َ‬
‫ستَوِي‬
‫قال شعبة‪ :‬وأخبرني سعد بن إبراهيم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن زيد في هذه الَية‪{ :‬ل َي ْ‬
‫عدُونَ} مثل حديث البراء‪.‬‬
‫القا ِ‬
‫‪ 8181‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن سليمان‪ ,‬عن أبي سنان الشيباني‪ ,‬عن ابن‬
‫ن مِ نَ المُ ْؤ ِمنِي نَ وَالمُجا ِهدُو نَ فِي‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫إسحاق‪ ,‬عن زيد بن أرقم‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫سبِيلِ اللّ هِ} جاء ابن أ مّ مكتوم‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال مالي رخصة؟ قال‪« :‬ل»قال‪ :‬ابن أ مّ مكتوم‪:‬‬
‫َ‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّ َررِ»‪ ,‬وأ مر ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫الله مّ إ ني ضر ير فرخّص! فأنزل ال‪َ « :‬‬
‫وسلم فكتبها‪ ,‬يعني الكاتب‪.‬‬
‫‪8182‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن بزيع ويعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪,‬‬
‫عن عبد الرحمن بن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن سهل بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬رأ يت مروان بن الحكم‬
‫جالسا‪ ,‬فجئت حتى جلست إليه‪ ,‬فحدثنا عن زيد بن ثابت‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سبِيلِ الّل هِ} قال‪ :‬فجاء ا بن أ مّ‬
‫ن فِي َ‬
‫عدُو نَ مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ والمِجا ِهدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫أنزل عل يه‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫مكتوم وهـو يمليهـا عليـّ‪ ,‬فقال‪ :‬يـا رسـول ال لو أسـتطيع الجهاد لجاهدت! قال‪ :‬فأنزل عليـه‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّ َررِ»‪.‬‬
‫سرّي عنه‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫وفخذه على فخذي‪ ,‬فثقلت‪ ,‬فظننت أن ترضّ فخذي‪ ,‬ثم ُ‬
‫‪8183‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫عن قبيصة ابن ذؤيب‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬كنت أكتب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫سبِيلِ الّلهِ»! فجاء عبد ال بن‬
‫ن فِي َ‬
‫عدُونَ مِنَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ والمُجاهِدو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫فقال‪« :‬ا ْكتُبْ‪ :‬ل يَ ْ‬
‫ب الجهاد في سبل ال‪ ,‬ولكن بي من الزمانة ما قد ترى‪,‬‬
‫أ مّ مكتوم‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال إني أح ّ‬
‫قد ذهب بصري‪ .‬قال زيد‪ :‬فثقلت فخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم على فخذي حتى خشيت‬
‫ضرَرِ والمُجاهِدُو نَ‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫عدُو نَ مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫أن يرضها‪ ,‬ثم قال‪« :‬ا ْكتُ بْ‪ :‬ل يَ ْ‬
‫سبِيلِ الّلهِ»‪.‬‬
‫فِي َ‬
‫‪ 8184‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرني عبد الكريم‪ :‬أن مقسما مولى عبد ال بن الحارث أخبره أن ابن عباس أخبره‪ ,‬قال‪{ :‬ل‬
‫ن مِنَ ال ُم ْؤ ِمنِينَ} عن بدر والخارجون إلى بدر‪.‬‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫َي ْ‬
‫‪ 8185‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عبد الكريم أنه سمع‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ} عن بدر‬
‫ن مِ َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫مق سما يحدّث عن ا بن عباس أ نه سمعه يقول‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫والخارجون إلى بدر‪ .‬لما نزلت غزوة بدر‪ ,‬قال عبد ال بن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش بن‬
‫عدُو نَ ِم نَ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫قيس السدي‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إننا أعميان‪ ,‬فهل لنا رخصة؟ فنزلت‪« :‬ل يَ ْ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه بأمْوَاِلهِ مْ وأنْفُس ِهمْ فَضّل الّل ُه المُجاهِدِي نَ‬
‫ضرَرَ والمُجا ِهدُو نَ فِي َ‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫المُ ْؤ ِمنِي نَ َ‬
‫ن َد َرجَةً»‪.‬‬
‫عدِي َ‬
‫س ِهمْ على القا ِ‬
‫بأمْوَاِل ِهمْ وَأنْ ُف ِ‬
‫‪ 8186‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫سبِيلِ الّل ِه بأمْوَاِلهِ مْ وأنْفُ سهِمْ}‬
‫ن فِي َ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ والمُجا ِهدُو َ‬
‫عدُو نَ مِ َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫ا بن عباس‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫ف سمع بذلك ع بد ال بن أ مّ مكتوم الع مى‪ ,‬فأ تى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫ر سول ال‪ ,‬قد أنزل ال في الجهاد ما قد عل مت وأ نا ر جل ضر ير الب صر ل أ ستطيع الجهاد‪,‬‬
‫ت فِي‬
‫فهل لي من رخصة عند ال إن قعدت؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما ُأ ِمرْ ُ‬
‫ن ُرخْ صَةٍ!» فقال ابن أ مّ مكتوم‪ :‬الله مّ إني‬
‫ش ْأنِ كَ ِبشَيءٍ وَما أدْري هَلْ َيكُو نُ لَ كَ ولصحَا ِبكَ ِم ْ‬
‫َسـتَوِي‬
‫أنشدك بصـري! فأنزل ال بعـد ذلك على رسـوله صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال‪« :‬ل ي ْ‬
‫سـبِيل اللّهـِ»‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬على‬
‫ُونـ فِي َ‬
‫ضرَرِ وَالمُجا ِهد َ‬
‫غيْ َر أُولى ال ّ‬
‫ِينـ َ‬
‫ِنـ ال ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُونـ م َ‬
‫عد َ‬ ‫القا ِ‬
‫ن َدرَجَةً}‪.‬‬
‫عدِي َ‬
‫القا ِ‬
‫‪8187‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬نزلت‪{ :‬ل‬
‫ي ال فأنا‬
‫سبِيلِ الّل هِ} فقال رجل أعمى‪ :‬يا نب ّ‬
‫ن مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ والمُجاهِدُو نَ فِي َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القَا ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ض َررَ»‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫أحبّ الجهاد ول أستطيع أن أجاهد! فنزلت‪َ « :‬‬
‫‪ 8188‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ} قال عبد ال بن‬
‫عدُو نَ ِم َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫شداد‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية في الجهاد‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫ضرَر»‪.‬‬
‫غيْ َر أُولي ال ّ‬
‫أمّ مكتوم‪ :‬يا رسول ال إني ضرير كما ترى! فنزلت‪َ « :‬‬
‫ستَوِي‬
‫‪ 8189‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫غ ْيرَ أُولي‬
‫عدُونَـ مِنَـ ال ُم ْؤ ِمنِينَـ غَيرُ أُولي الضّرَر} عذر ال أهـل العذر مـن الناس‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫القا ِ‬
‫س ِهمْ}‪.‬‬
‫سبِيل ال بأمْوَاِل ِهمْ وأنْ ُف ِ‬
‫الضّرَر» كان منهم ابن أمّ مكتوم‪{ ,‬وَالمجا ِهدُونَ فِي َ‬
‫‪8190‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي‪:‬‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ غَيرُ أُولي الضّرَر وَالمُجا ِهدُو نَ فِي سَبيلِ اللّ هِ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ن مِ َ‬
‫عدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫{ل يَ ْ‬
‫سنَى} لما ذكر فضل الجهاد‪ ,‬قال ابن أمّ مكتوم‪ :‬يا رسول ال إني أعمى ول‬
‫ع َد اللّهُ الحُ ْ‬
‫{وكُلّ وَ َ‬
‫ضرَر»‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫أطيق الجهاد! فأنزل ال فيه‪َ « :‬‬
‫‪ 8191‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قثال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد اللهالنفيلي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهير بن معاوية‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬كنت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪« :‬ادْعُ‬
‫لي َزيْدا َوقُلْ َل هُ َيأْتِي ـ أ ْو َيجِي ـىءُ بالكَتِف والدّوَاة ـ أو الّلوْح والدّواة‪ ,‬الش كّ من زه ير‬
‫ن فِي سَبيلِ الّل هِ}» فقال ابن أ مّ مكتوم‪ :‬يا‬
‫عدُو نَ مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ وَالمُجا ِهدُو َ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫اكتب‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّرَر»‪.‬‬
‫رسول ال إن بعينيّ ضررا! فنزلت قبل أن يبرح « َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن رجاء البصري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪,‬‬
‫جئْ ني‬
‫ع لي َزيْدا وَ ْل َي ِ‬
‫عن البراء بنحوه‪ ,‬إل أ نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬ادْ ُ‬
‫َمعَهُ ِبكَتفٍ َودَوَاةٍ‪ ,‬أو َلوْحٍ َودَوَاةٍ»‪.‬‬
‫‪8192‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن‬
‫عدُو نَ} قال عمرو بن أ مّ‬
‫ستَوِي القا ِ‬
‫زياد بن فياض‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫ضرَر»‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫مكتوم‪ :‬يا ربّ ابتليتني فكيف أصنع؟ فنزلت‪َ « :‬‬
‫ضرَر» نحوا مما قلنا‪.‬‬
‫غ ْيرَ أُولي ال ّ‬
‫وكان ابن عباس يقول في معنى‪َ « :‬‬
‫ي عن ا بن عباس‪,‬‬
‫‪ 8193‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو صالح‪ ,‬قا‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫غ ْيرَ أُولي الضّرَر» قال‪ :‬أهل الضرر‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬‬
‫ن َدرَجَةً}‪.‬‬
‫عدِي َ‬
‫س ِهمْ على القا ِ‬
‫ن بأمْوَاِل ِهمْ وأنْ ُف ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬فَضّلَ الّل ُه المُجاهِدي َ‬
‫عدِي نَ َد َرجَةً} ف ضل‬
‫س ِهمْ على القا ِ‬
‫يع ني بقوله جلّ ثناؤه‪{ :‬فَضّلَ الّل ُه المُجا ِهدِي نَ بأمْوَاِلهِ مْ وأنْفُ ِ‬
‫ال المجاهد ين بأموال هم وأنف سهم على القاعد ين من أولي الضرر در جة واحدة‪ ,‬يع ني فضيلة‬
‫واحدة‪ ,‬وذلك بفضل جهاد بنفسه‪ ,‬فأما فيما سوى ذلك فهما مستويان‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8194‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك أنه سمع ابن جريج يقول‬
‫ن َدرَجَةً} قال‪ :‬على أهل الضرر‪.‬‬
‫عدِي َ‬
‫س ِهمْ على القا ِ‬
‫ن بأمْوَاِل ِهمْ وأنْ ُف ِ‬
‫في‪{ :‬فَضّلَ الّلهُ المُجا ِهدِي َ‬
‫سنَى َو َفضّلَ اللّ ُه المُجاهِدِي نَ على القاعدِي نَ أجْرا‬
‫عدَ الّل ُه الحُ ْ‬
‫القول في تأو يل قوله‪{ :‬وكُلّ َو َ‬
‫عَظيما}‪.‬‬
‫ُسـنَى}‪ :‬وعـد ال الكلّ مـن المجاهديـن بأموالهـم‬
‫ّهـ الح ْ‬
‫عدَ الل ُ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وكُلّ َو َ‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫وأنفسهم‪ ,‬والقاعدين من أهل الضرر الحسنى‪ .‬ويعني جلّ ثناؤه بالحسنى‪ :‬الجنة ‪ ¹‬كما‪:‬‬
‫عدَ الّل هُ‬
‫‪ 8195‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وكُلّ وَ َ‬
‫سنَى} وهي الجنة‪ ,‬وال يؤتي كلّ ذي فضل فضله‪.‬‬
‫حْ‬‫ال ُ‬
‫‪8196‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫قال‪ :‬الحسنى‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫عظِيمـا} فإنـه يعنـي‪ :‬وفضـل ال‬
‫ِينـ أجْرا َ‬
‫عد َ‬ ‫ِينـ على القا ِ‬
‫ّهـ المُجا ِهد َ‬
‫وأمـا قوله‪َ { :‬و َفضّلَ الل ُ‬
‫المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8197‬ـ حدث ني القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪َ { :‬و َفضّلَ اللّ هُ‬
‫عظِي ما َدرَجا تٍ مِنْه َو َمغْ ِفرَةً} قال‪ :‬على القاعد ين من المؤمن ين‬
‫ن أجْرا َ‬
‫عدِي َ‬
‫المُجاهِدِي نَ على القا ِ‬
‫غير أولي الضرر‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّهُ غَفُورا ّرحِيما }‪..‬‬
‫حمَةً َوكَا َ‬
‫ت ّمنْهُ َو َمغْ ِفرَةً َو َر ْ‬
‫{ َد َرجَا ٍ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يعني بقوله جلّ ثناؤه‪َ { :‬درَجاتٍ ِم ْنهُ}‪ :‬فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى الدرجات التي قال جلّ ثناؤه { َدرَجاتٍ ِمنْهُ}‪ .‬فقال بعضهم بما‪:‬‬
‫ت ِمنْ هُ‬
‫‪ 8198‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ { :‬درَجا ٍ‬
‫حمَةً} كان يقال‪ :‬السـلم درجـة‪ ,‬والهجرة فـي السـلم درجـة‪ ,‬والجهاد فـي الهجرة‬
‫َو َمغْ ِفرَةً َو َ‬
‫درجة‪ ,‬والقتل في الجهاد درجة‪.‬‬
‫وقال آخرون بما‪:‬‬
‫‪ 8199‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن ز يد عن قول ال تعالى‪:‬‬
‫ت مِنْه} الدرجات‪ :‬هي ال سبع ال تي‬
‫عظِي ما َدرَجا ٍ‬
‫ن أجْرا َ‬
‫عدِي َ‬
‫{ َو َفضّلَ اللّه المُجا ِهدِي نَ على القا ِ‬
‫ن رسُولِ‬
‫ن حَوْلهمْ مِنَ العراب أنْ يتَخلّفُوا ع ْ‬
‫ل المدينةِ و َم ْ‬
‫ذكرها في سورة براءة‪{ :‬ما كانَ له ِ‬
‫سهِ ذلك َبأَنهمْ ل يُصِي ُبهُمْ ظَمأٌ ول نَصبٌ} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬أحْسَنَ‬
‫اللّ ِه ول َيرْغبُوا بأنفُس ِهمْ عنْ نَف ِ‬
‫ما كانُوا َي ْعمَلُونَ}‪ .‬قال هذه السبع الدرجات‪ .‬قال‪ :‬وكان أوّل شيء‪ ,‬فكانت درجة الجهاد مجملة‪,‬‬
‫فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه‪ ,‬فلما جاءت هذه الدرجات بالتفضيل أخرج منها‪ ,‬فلم يكن‬
‫له من ها إل النف قة‪ .‬فقرأ‪{ :‬ل يُصي ُب ُهمْ ظَمأٌ وَل نَ صَبٌ} وقال‪ :‬ليس هذا لصاحب النف قة‪ .‬ثم قرأ‪:‬‬
‫ل يُنفِقُونَ نفقةً} قال‪ :‬وهذه نفقة القاعد‪.‬‬
‫{و َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني بذلك درجات الجنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8200‬ـ حدث نا عل يّ بن الح سن الزدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الشج عي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن هشام بن‬
‫حسان‪ ,‬عن جبلة بن سُحيم‪ ,‬عن ابن محيريز في قوله‪َ { :‬فضّلَ اللّه المُجاهِدينَ على القاعِدينَ}‪...‬‬
‫ضرُ الفرس الجواد‬
‫ح ْ‬
‫إلى قوله‪َ { :‬درَجاتـٍ} قال‪ :‬الدرجات‪ :‬سـبعون درجـة‪ ,‬مـا بيـن الدرجتيـن ُ‬
‫المضمّر سبعين سنة‪.‬‬
‫وأولى التأويلت بتأويل قوله ‪َ { ¹‬درَجا تٍ ِمنْه} أن يكون معنيّا به درجات الجنة‪ ,‬كما قال ابن‬
‫عظِيما}‪ ,‬ومعلوم‬
‫ت ِمنْهُ} ترجمة وبيان عن قوله‪{ :‬أجْرا َ‬
‫محيريز ‪ ¹‬لن قوله تعالى ذكره‪{ :‬دَرَجا ٍ‬
‫أن الجـر إن ما هو الثواب والجزاء‪ ,‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكا نت الدرجات والمغفرة والرح مة‬
‫ت مِنْه} إلى العمال‬
‫ترج مة ع نه‪ ,‬كان معلو ما أن ل و جه لقول من و جه مع نى قوله‪َ { :‬درَجا ٍ‬
‫وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة وابن ز يد‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان‬
‫ال صحيح من تأو يل ذلك ما ذكرنا‪ ,‬فبيّن أن معنى الكلم‪ :‬وف ضل ال المجاهد ين في سبيل ال‬
‫على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما وثوابا جزيلً‪ ,‬وهو درجات أعطاهموها في‬
‫الَخرة من درجات الج نة‪ ,‬رفعهـم بهـا على القاعديـن بمـا أبلوا فـي ذات ال‪{ .‬وَمغفرةً} يقول‪:‬‬
‫وصـفح ل هم عن ذنوبهـم‪ ,‬فتف ضل عليهـم بترك عقوبت هم علي ها‪{ .‬ورحمةً} يقول‪ :‬ورأ فة ب هم‪.‬‬
‫{وكانع اللّ هُ غَفُورا َرحِيما} يقول‪ :‬ولم يزل ال غفورا لذنوب عباده المؤمنين‪ ,‬فيصفح لهم عن‬
‫العقوبة عليها { َرحِيما} بهم‪ ,‬يتفضل عليهم بنعمه‪ ,‬مع خلفهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه‪.‬‬

‫‪99-97‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ِهمْ قَالُواْ فِي مَ كُنتُ ْم قَالُواْ‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِ يَ َأ ْنفُ ِ‬
‫{إِ نّ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫جرُواْ فِيهَا فَأُوْلَ ـ ِئكَ َمأْوَاهُ مْ‬
‫سعَ ًة َف ُتهَا ِ‬
‫ض اللّ هِ وَا ِ‬
‫ن َأرْ ُ‬
‫ض قَالْوَ ْا أَلَ ْم َتكُ ْ‬
‫ن فِي الرْ ِ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫كُنّا مُ ْ‬
‫س َتطِيعُونَ حِيلَةً َولَ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ن ال ّرجَالِ وَالنّسَآءِ وَا ْلوِ ْلدَانِ َ‬
‫ن مِ َ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫ج َهنّمُ وَسَآءَتْ مَصِيرا * ِإلّ ا ْلمُ ْ‬
‫َ‬
‫ن اللّهُ عَ ُفوّا غَفُورا }‪..‬‬
‫ع ْن ُهمْ َوكَا َ‬
‫عسَى اللّ ُه أَن َيعْفُوَ َ‬
‫سبِيلً * َفأُوْلَـ ِئكَ َ‬
‫َي ْهتَدُونَ َ‬
‫ُمـ المَل ِئكَةُ}‪ :‬إن الذيـن تقبـض أرواحهـم الملئكـة‬
‫ِينـ تَ َوفّاه ُ‬
‫{إنـ اّلذ َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ّ :‬‬
‫س ِهمْ} يعني‪ :‬مكسبي أنفسهم غضب ال وسخطه‪ .‬وقد بينا معنى الظلم فيما مضى‬
‫{ظالِمِي أنْفُ ِ‬
‫ي شيء كنتم من دينكم‪{ .‬قالُوا‬
‫قبل‪{ .‬قَالُوا فِي مَ ُك ْنتُ مْ} يقول‪ :‬قالت الملئكة لهم‪ :‬فيم كنتم‪ ,‬في أ ّ‬
‫ن فِي الرْض} يعني‪ :‬قال الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم‪ :‬كنا مستضعفين‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫ُكنّا مُ ْ‬
‫في الرض‪ ,‬يستضعفنا أهل الشرك بال في أرضنا وبلدنا بكثرة عددهم وقوّتهم‪ ,‬فيمنعونا من‬
‫اليمان بال واتباع ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬معذرةٌ ضعي فة وحجةٌ واه ية‪{ .‬قَالُوا ألَ مْ َتكُ نْ‬
‫سعَ ًة فَتُهاجِرُوا فِيها} يقول‪ :‬فتخرجوا من أرضكم ودوركم‪ ,‬وتفارقوا من يمنعكم بها‬
‫أرْضُ ال وَا ِ‬
‫من اليمان بال واتباع رسوله صلى ال عليه وسلم إلى الرض التي يمنعكم أهلها من سلطان‬
‫أ هل الشرك بال‪ ,‬فتوحدوا ال في ها وتعبدوه‪ ,‬وتتبعوا نبيه؟ يقول ال جلّ ثناؤه‪{ :‬فأُوَلئِ كَ َمأْوَاهُ مْ‬
‫ج َهنّ مُ}‪ :‬أي فهؤلء الذ ين و صفت ل كم صفتهم‪ ,‬الذ ين توفا هم الملئ كة ظال مي أنف سهم‪ ,‬مأوا هم‬
‫َ‬
‫جهنم‪ ,‬يقول‪ :‬مصيرهم في الَخرة جهنم‪ ,‬وهي مسكنهم‪{ .‬وَساءَتْ مَصيرا} يعني‪ :‬وساءت جهنم‬
‫لهل ها الذ ين صاروا إلي ها م صيرا وم سكنا ومأوى‪ .‬ثم ا ستثنى جلّ ثناؤه الم ستضعفين الذ ين‬
‫اسـتضعفهم المشركون مـن الرجال والنسـاء والولدان‪ ,‬وهـم العجزة عـن الهجرة بالعسـرة وقلة‬
‫الحيلة وسوء البصر والمعرفة بالطريق من أرضهم أرض الشرك إلى أرض السلم من القوم‬
‫الذين أخبر جلّ ثناؤه أن مأواهم جهنم أن تكون جهنم مأواهم‪ ,‬للعذر الذي هم فيه‪ ,‬على ما بينه‬
‫تعالى ذكره‪ .‬ونصـب المسـتضعفين على السـتثناء مـن الهاء والميـم اللت ين فـي قوله‪{ :‬فأُوَلئِكَـ‬
‫ع ْنهُمـْ} يعنـي‪ :‬هؤلء‬
‫ـ َيعْفُوَ َ‬
‫ـ أن ْ‬
‫ـ عَسـَى اللّه ُ‬
‫ل ثناؤه‪َ { :‬فأُوَلئِك َ‬
‫ج َهنّمـُ}‪ ,‬يقول ال ج ّ‬
‫ـ َ‬
‫َمأْوَاهُم ْ‬
‫الم ستضعفين‪ ,‬يقول‪ :‬لعلّ ال أن يع فو عن هم للعذر الذي هم ف يه و هم مؤمنون‪ ,‬فيتف ضل علي هم‬
‫بال صفح عن هم في ترك هم الهجرة‪ ,‬إذ لم يتركو ها اختيارا ول إيثارا من هم لدار الك فر على دار‬
‫ن اللّهُ عَ ُفوّا غَفُورا} يقول‪ :‬ولم يزل ال‬
‫السلم‪ ,‬ولكن للعجز الذي هم فيه عن النقلة عنها‪{ .‬وكا َ‬
‫عفوّا‪ ,‬يعني ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بتركه العقوبة عليها‪ ,‬غفورا ساترا عليهم ذنوبهم‬
‫بعفوه لهم عنها‪ .‬وذكر أن هاتين الَيت ين والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد‬
‫أ سلموا وآمنوا بال وبر سوله‪ ,‬وتخلفوا عن الهجرة مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح ين‬
‫هاجر‪ ,‬وعُرض بعضهم على الفتنة فافتتن‪ ,‬وشهد مع المشركين حرب المسلمين‪ ,‬فأبى ال قبول‬
‫ن فِي الرْضِ}‪.‬‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫معذرتهم التي اعتذروا بها‪ ,‬التي بينها في قوله خبرا عنهم‪{ :‬قالُوا ُكنّا ُم ْ‬
‫ذكر الخبار الواردة بصحة ما ذكرنا من نزول الَية في الذين ذكرنا أنها نزلت فيهم‪:‬‬
‫‪8201‬ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أشعث‪ ,‬عن عكرمة‪{ :‬إنّ‬
‫اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُس ِهمْ} قال‪ :‬كان ناس من أهل مكة أسلموا‪ ,‬فمن مات منهم بها‬
‫ضعَفِينَ مِن َـ الرّجالِ وَالنّسـَاء‬
‫ل المُس ْـتَ ْ‬
‫ت مَصـيرا إ ّ‬
‫ج َهنّم ُـ وَسـاءَ ْ‬
‫هلك‪ ,‬قال ال‪{ :‬فأُوَلئِك َـ َمأْوَاهُم ْـ َ‬
‫وَالوِلْدا نِ} إلى قوله‪{ :‬عَ ُفوّا غَفُورا} قال ا بن عباس‪ :‬فأ نا من هم وأ مي من هم‪ ,‬قال عكر مة‪ :‬وكان‬
‫العباس منهم‪.‬‬
‫‪8202‬ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫شريك‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬كان قوم من أهل مكة أسلموا‪,‬‬
‫وكانوا يسـتخفون بالسـلم‪ ,‬فأخرجهـم المشركون يوم بدر معهـم‪ ,‬فأصـيب بعضهـم‪ ,‬فقال‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫الم سلمون‪ :‬كان أ صحابنا هؤلء م سلمين وأكرهوا‪ ,‬فا ستغفروا ل هم‪ .‬فنزلت‪{ :‬إ ّ‬
‫المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُ سهِ ْم قالُوا فِي مَ ُك ْنتُ مْ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬فك تب إلى من ب قي بم كة من الم سلمين‬
‫بهذه الَية‪ ,‬وأنه ل عذر لهم‪ .‬قال‪ :‬فخرجوا‪ ,‬فلحقهم المشركون‪ ,‬فأعطوهم الفتنة‪ ,‬فنزلت في هم‪:‬‬
‫ل آ َمنّا باللّ ِه فإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪ ,‬فكتب المسلمون إليهم‬
‫ن يَقُو ُ‬
‫{ َومِ نَ النّا سِ مَ ْ‬
‫ن َب ْعدِ ما فُ ِتنُوا ثُ مّ‬
‫ل خير‪ ,‬ثم نزلت فيهم‪{ :‬ثُ مّ َربّ كَ لّلذِي نَ هاجَروا مِ ْ‬
‫بذلك‪ ,‬فحزنوا وأيسوا من ك ّ‬
‫جا َهدُوا وَص َـبُروا إنّـ َربّك َـ مِن ْـ َب ْعدِهـا َلغَفُورٌ َرحِيمـٌ} فكتبوا إليهـم بذلك‪ :‬إن ال قـد جعـل لكـم‬
‫مخرجا‪ .‬فخرجوا‪ ,‬فأدركهم المشركون‪ ,‬فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقُتل من قتل‪.‬‬
‫‪ 8203‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني حيوة ـ أو ابن‬
‫لهيعة‪ ,‬الش كّ من يونس عن أبي السود‪ ,‬أنه سمع مولى لبن عباس يقول عن ابن عباس‪ :‬إن‬
‫نا سا م سلمين كانوا مع المشرك ين يكثرون سواد المشرك ين على ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫فيأ تى ال سهم ُيرْمَى به‪ ,‬في صيب أحد هم فيقتله‪ ,‬أو يضرب فيق تل‪ ,‬فأنزل ال في هم‪{ :‬إ ّ‬
‫جرُوا فِيهَا}‪.‬‬
‫تَ َوفّا ُهمُ المَل ِئكَةُ ظاِلمِي أنْفُسهِمْ}‪ ,‬حتى بلغ‪َ { :‬فتُها ِ‬
‫‪ 8204‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء قال‪:‬‬
‫أخبرنا حيوة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل السديّ‪ ,‬قال‪ :‬قُطع على أهل المدينة‬
‫فاكتتبتـ فيـه‪ ,‬فلقيـت عكرمـة مولى ابـن عباس‪ ,‬فنهانـي عـن ذلك أشدّ النهـي‪ .‬ثـم قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫بعـث‪,‬‬
‫أخبرني ابن عباس أن ناسا مسلمين كانوا مع المشركين ‪ ¹‬ثم ذكر مثل حديث يونس عن ابن‬
‫وهب‪.‬‬
‫‪ 8205‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظاِلمِي أنْفُس ِهمْ} هم قوم تخلفوا بعد النبيّ صلى ال‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه‪ ,‬فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ضربت الملئكة وجهه و ُدبُره‪.‬‬
‫‪ 8206‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‪,‬‬
‫ت مَصيرا}‬
‫ن تَ َوفّاهُ ُم المَلئِكَ ُة ظاِلمِي أنْفُسهِمْ قالُوا فِي مَ ُك ْنتُ مْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَساءَ ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫قال‪ :‬نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن السود وقيس بن الوليد بن‬
‫المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج وعل يّ بن أمية بن خلف‪ .‬قال‪ :‬لما خرج المشركون‬
‫من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وغير قريش من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصـحابه‪ ,‬وأن يطلبوا مـا نِي َل منهـم يوم نخلة‪ ,‬خرجوا معهـم بشبان كارهيـن كانوا قـد أسـلموا‬
‫واجتمعوا ببدر على غيـر موعـد‪ ,‬فقتلوا ببدر كفارا‪ ,‬ورجعوا عـن السـلم‪ ,‬وهـم هؤلء الذيـن‬
‫سميناهم‪ .‬قال ا بن جر يج وقال مجا هد‪ :‬نزلت هذه الَ ية في من ق تل يوم بدر من الضعفاء من‬
‫كفار قريش‪ .‬قال ابن جريج وقال عكرمة‪ :‬لما نزل القرآن في هؤلء النفر‪ ,‬إلى قوله‪{ :‬وَساءَتْ‬
‫ن الرّجالِ وَالنّ ساءِ وَالوِ ْلدَا نِ} قال‪ :‬يع ني‪ :‬الش يخ ال كبير‪ ,‬والعجوز‬
‫ضعَفِينَ مِ َ‬
‫س َت ْ‬
‫مَ صيرا إلّ المُ ْ‬
‫والجواري والصغار والغلمان‪.‬‬
‫‪8207‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫{إنّ اّلذِينَ َت َوفّاهُمُ المَل ِئكَةُ ظاِلمِي أنْفُسهِمْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَساءَتْ مَصيرا} قال‪ :‬لما أسر العباس‬
‫وعقيل ونوفل‪ ,‬قال‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم للعباس‪« :‬ا ْفدِ نفسكَ واب نَ أخي كَ!» قال‪ :‬يا‬
‫صمْ ُتمْ»‪ ,‬ثم تل‬
‫ص ْمتُمْ َفخُ ِ‬
‫عبّا سُ أ ّنكُ مْ خا َ‬
‫رسول ال ألم نصلّ قبلتك‪ ,‬ونشهد شهادتك؟ قال‪« :‬يا َ‬
‫ج َهنّ مُ وَ ساءَتْ مَ صيرا}‬
‫جرُوا فِي ها فأوَلئِ كَ َمأْوَاهُ ْم َ‬
‫سعَ ًة َفتُها ِ‬
‫ض اللّ هِ وَا ِ‬
‫هذه الَ ية‪{ :‬ألَ مْ َتكُ نْ أرْ ُ‬
‫فيوم نزلت هذه الَية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر‪ ,‬إل المستضعفين الذين ل‬
‫يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيلً‪ ,‬حيلة في المال‪ ,‬والسبيل‪ :‬الطريق‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كنت أنا‬
‫منهم من الولدان‪.‬‬
‫‪ 8208‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عيي نة‪ ,‬عن‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكر مة يقول‪ :‬كان ناس بم كة قد شهدوا أن ل إله إل ال‪ ,‬فل ما‬
‫خرج المشركون إلى بدر أخرجو هم مع هم‪ ,‬فقتلوا‪ ,‬فنزلت‪{ :‬إ نّ اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ المَل ِئكَةُ ظالِمِي‬
‫ّهـ عَ ُفوّا غَفُورا} فكتـب بهـا‬
‫ُمـ وكان َـ الل ُ‬
‫ع ْنه ْ‬
‫أنـ َيعْفُوَ َ‬
‫أنْفُسـِهمْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬أُوَلئِك َـ عَسـَى اللّه ُـ ْ‬
‫الم سلمون الذ ين بالمدي نة إلى الم سلمين الذ ين بم كة‪ .‬قال‪ :‬فخرج ناس من الم سلمين ح تى إذا‬
‫كانوا بب عض الطر يق طلب هم المشركون فأدركو هم‪ ,‬فمن هم من أع طى الفت نة‪ ,‬فأنزل ال في هم‪:‬‬
‫س َك َعذَا بِ الّل هِ}‪ .‬فكتب بها‬
‫ل فِ ْتنَ َة النّا ِ‬
‫جعَ َ‬
‫ل آ َمنّا باللّ ِه فإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ َ‬
‫ن يَقُوْ ُ‬
‫{ َومِ نَ النّا سِ مَ ْ‬
‫المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين بمكة‪ ,‬وأنزل ال في أولئك الذين أعطوا الفتنة‪{ :‬ثُ ّم إ نّ‬
‫ك لّلذِينَ هاجَروا ِمنْ َبعْد ما فُ ِتنُوا ثّم جا َهدُوا}‪ ...‬إلى {غَفُورٌ َرحِيمٌ}‪.‬‬
‫َربّ َ‬
‫قال ابن عيينة‪ :‬أخبرني محمد بن إسحاق في قوله {إنّ اّلذِينَ َت َوفّاهُمُ المَل ِئكَةُ} قال‪ :‬هم خمسة‬
‫فتية من قريش‪ :‬عل يّ بن أمية‪ ,‬وأبو قيس بن الفاكه‪ ,‬وزمعة بن السود‪ ,‬وأبو العاص بن منبه‪,‬‬
‫ونسيت الخامس‪.‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪ 8209‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫حدّث نا أن هذه الَ ية أنزلت في أناس تكلموا بال سلم‬
‫تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُ س ِهمْ}‪ ...‬الَ ية‪ْ ,‬‬
‫من أهل مكة‪ ,‬فخرجوا مع عدوّ ال أبي جهل‪ ,‬فقتلوا يوم بدر‪ ,‬فاعتذروا بغير عذر‪ ,‬فأبى ال أن‬
‫ن حيلَةٌ وَل‬
‫َسـَتطِيعُو َ‬
‫َانـ ل ي ْ‬
‫ِنـ الرّجالِ وَالنّسـاءِ وَالوِ ْلد ِ‬
‫نم َ‬‫ُسـَتضْعَفِي َ‬
‫يقبـل منهـم‪ .‬وقوله {إلّ الم ْ‬
‫ع ْنهُ مْ‬
‫ن َيعْفُوَ َ‬
‫ن سَبيلً} أناس من أهل مكة عذرهم ال‪ ,‬فاستثناهم فقال‪{ :‬أوَلئِ كَ عَ سَى ال أ ْ‬
‫َي ْهتَدُو َ‬
‫عفُوّا غَفُورا} قال‪ :‬وكان ا بن عباس يقول‪ :‬ك نت أ نا وأ مي من الذ ين ل ي ستطيعون‬
‫وكا نَ الّل هُ َ‬
‫حيلة ول يهتدون سبيلً‪.‬‬
‫‪8210‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سلمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُس ِهمْ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬أناس‬
‫سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫مـن المنافقيـن تخلفوا عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فلم يخرجوا معـه إلى المدينـة‪,‬‬
‫وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر‪ ,‬فأصيبوا يومئذ فيمن أصيب‪ ,‬فأنزل ال فيهم هذه الَية‪.‬‬
‫‪ 8211‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬سألته‪ ,‬يعني ابن زيد‪ ,‬عن قول ال‪{ :‬إ نّ‬
‫ن مِ نَ الرّجالِ وَالنّ ساءِ‬
‫ضعَفي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُ س ِهمْ} فقرأ ح تى بلغ‪{ :‬إلّ المُ ْ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وظهر و َنبَع اليمان َنبَع النفاق منه‪ ,‬فأتى‬
‫والوِ ْلدَان} فقال‪ :‬لما بعث النب ّ‬
‫إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم رجالٌ‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬لول أنّا نخاف هؤلء القوم‬
‫يعذبوننـا ويفعلون ويفعلون لسـلمنا‪ ,‬ولكنـا نشهـد أن ل إله إل ال‪ ,‬وأنـك رسـول ال! فكانوا‬
‫يقولون ذلك له‪ .‬فلمـا كان يوم بدر قام المشركون‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل يتخلف عنـا أحـد إل هدمنـا داره‬
‫وا ستبحنا ماله! فخرج أولئك الذ ين كانوا يقولون ذلك القول لل نبيّ صلى ال عل يه و سلم مع هم‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫فقتلت طائ فة من هم وأ سرت طائ فة‪ .‬قال‪ :‬فأ ما الذ ين قتلوا ف هم الذ ين قال ال في هم‪{ :‬إ ّ‬
‫تَ َوفّاهُمُـ المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُسـهِمْ}‪ ...‬الَيـة كلهـا {ألم ْـ تكُن أرضُـ اللّهِـ واسـع ًة فتهاجرُوا فيهَا}‬
‫جهَن مُ و ساءَتْ مَ صيرا}‪ .‬قال‪ :‬ثم عذر ال‬
‫وتتركوا هؤلء الذ ين ي ستضعفونكم {أولئ كَ مَأواهُم َ‬
‫ن حِيلَةً وَل‬
‫َسـَتطِيعُو َ‬
‫َانـ ل ي ْ‬
‫ِنـ الرّجالِ وَالنّسـاءِ وَالو ْلد ِ‬
‫نم َ‬‫ُسـَتضْعَفِي َ‬
‫ل الم ْ‬
‫أهـل الصـدق فقال‪{ :‬إ ّ‬
‫َي ْهتَدُون َـ س َـبِيلً} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا‪ ,‬فأولئك عسـى ال أن يعفـو عنهـم إقامتهـم بيـن‬
‫ظهري المشركين‪ .‬وقال الذين أسروا‪ :‬يا رسول ال إنك تعلم أنا كنا نأتيك فنشهد أن ل إله إل‬
‫ال وأنك رسول ال‪ ,‬وأن هؤلء القوم خرجنا معهم خوفا! فقال ال‪{ :‬يا أيّها ال ّنبِ يّ قُلْ ِل َم نْ فِي‬
‫خذَ ِم ْنكُمْ َو َيغْ ِف ُر َلكُمْ} صنيعكم‬
‫خيْرا ممّا ُأ ِ‬
‫خيْرا يُ ْؤ ِتكُمْ َ‬
‫سرَى إن َيعْلَمِ الّلهُ فِي قُلُو ِبكُمْ َ‬
‫ن ال ْ‬
‫أ ْيدِيكُمْ مِ َ‬
‫ن يُريدُوا خِيانَتَ كَ فَ َقدْ‬
‫الذي صنعتم بخروجكم مع المشركين على النبيّ صلى ال عليه وسلم {وَإ ْ‬
‫ن مِنهُم واللّهُ عَليمٌ حَكيمٌ}‪.‬‬
‫خانُوا الّلهَ ِمنْ َقبْلُ} خرجوا مع المشركين {فأمْك َ‬
‫‪ 8212‬ـ حدثني محمد بن خالد بن خداش‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن حماد بن زيد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫عبد ال بن أبي مليكة عن ابن عباس‪ :‬أنه قال‪ :‬كنت أنا وأمي ممن عذر ال إل المستضعفين‬
‫من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيلً‪.‬‬
‫‪8213‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن آدم‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن‬
‫ن الرّجالِ وَالنّساءِ وَالو ْلدَا نِ} قال‬
‫ن مِ َ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪{ :‬إلّ الُم ْ‬
‫ابن عباس‪ :‬أنا من المستضعفين‪.‬‬
‫‪ 8214‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد في قوله‪{ :‬ظالِمِي أنْفُ س ِهمْ قالُوا فِي مَ ُك ْنتُ مْ} قال‪ :‬من ق تل من ضعفاء كفار‬
‫قريش يوم بدر‪.‬‬
‫حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيينة‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫أبي يزيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان‪.‬‬
‫‪8215‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن عليّ بن زيد‪ ,‬عن عبد ال أو‬
‫إبراهيم بن عبد ال القرشي‪ ,‬عن أبي هريرة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو في‬
‫ضعَفَةَ‬
‫ْنـ أبـي َربِيعَةَ َو َ‬
‫ّاشـ ب َ‬
‫عي َ‬ ‫ِشامـ وَ َ‬
‫ْنـ ه ٍ‬
‫َسـَلمَ َة ب َ‬
‫ّصـ الَولِيدَ و َ‬
‫ُمـ خَل ِ‬
‫دبر صـلة الظهـر‪« :‬الّله ّ‬
‫سبِيلً»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫س َتطِيعُونَ حِيَلةً وَل َي ْه َتدُو َ‬
‫ن ل َي ْ‬
‫ن أ ْيدِي ال ُمشْ ِركِينَ اّلذِي َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ال ُمسِْلمِي َ‬
‫‪ 8216‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سبِيلً} قال‪ :‬مؤمنون مستضعفون بمكة‪ ,‬فقال‬
‫ن َ‬
‫ستَطِيعُونَ حِيلَةً وَل َي ْه َتدُو َ‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫فيهم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬هم بمنزلة هؤلء الذين قتلوا ببدر ضعفاء مع كفار‬
‫سبِيلً}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن َ‬
‫س َتطِيعُونَ حِيَلةً وَل َي ْه َتدُو َ‬
‫قريش‪ .‬فأنزل ال فيهم‪{ :‬ل َي ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‬
‫نحوه‪.‬‬
‫س َتطِيعُونَ حِيَلةً} فإن معناه كما‪:‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬ل َي ْ‬
‫‪ 8217‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عيي نة‪ ,‬عن‬
‫عمرو‪ ,‬عـن عكرمـة فـي قوله‪{ :‬ل يَس ْـَتطِيعُونَ حِيَلةً} قال‪ :‬نهوضـا إلى المدينـة ‪{ ¹‬وَل َي ْهتَدُونَـ‬
‫سبِيلً}‪ :‬طريقا إلى المدينة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 8218‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سبِيلً}‪ :‬طريقا إلى المدينة‪.‬‬
‫مجاهد‪{ :‬وَل َي ْهتَدُونَ َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8219‬ـ حدثنا محمد بن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫الحيلة‪ :‬المال‪ ,‬والسبيل‪ :‬الطريق إلى المدينة‪.‬‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَةُ} فف يه وجهان‪ :‬أحدهما أن يكون «توفاهم» في موضع‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫وأما قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ن صب بمع نى المض يّ‪ ,‬لن « َفعَلَ» من صوبة في كلّ حال‪ .‬والَ خر أن يكون في مو ضع ر فع‬
‫بمعنى الستقبال‪ ,‬يراد به‪ :‬إن الذين تتوفاهم الملئكة‪ .‬فتكون إحدى التاءين من توفاهم محذوفة‪,‬‬
‫و هي مرادة في الكل مة‪ ,‬لن العرب تف عل ذلك إذا اجتم عت تاءان في أوّل الكل مة رب ما حذ فت‬
‫إحداهما وأثبتت الخرى‪ ,‬وربما أثبتتهما جميعا‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض ُمرَاغَما َكثِيرا‬
‫جدْ فِي الرْ ِ‬
‫سبِيلِ الّل ِه َي ِ‬
‫{وَمَن ُيهَاجِرْ فِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫جرُ هُ عَلىَ اللّ هِ‬
‫ت فَ َقدْ َوقَ عَ َأ ْ‬
‫ج مِن َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إِلَى اللّ هِ َورَ سُوِلهِ ثُ مّ ُيدْ ِركْ هُ ا ْل َموْ ُ‬
‫خرُ ْ‬
‫سعَةً َومَن َي ْ‬
‫وَ َ‬
‫غفُورا ّرحِيما }‪..‬‬
‫ن اللّهُ َ‬
‫َوكَا َ‬
‫سبِيلِ الّل هِ}‪ :‬ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هربا‬
‫ن يُهاجِ ْر فِي َ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫سبِيلِ ال} يعني في منهاج دين ال‬
‫بدينه منها ومنهم إلى أرض السلم وأهلها المؤمنين‪{ ,‬في َ‬
‫ض ُمرَاغَما َكثِيرا} يقول‪ :‬يجد هذا‬
‫جدْ في الرْ ِ‬
‫وطريقه الذي شرعه لخلقه‪ ,‬وذلك الدين القيم‪َ { .‬ي ِ‬
‫المها جر في سبيل ال مراغ ما كثيرا‪ ,‬و هو المضطرب في البلد والمذ هب‪ ,‬يقال م نه‪ :‬را غم‬
‫فلن قومه مُراغَما ومراغمة مصدران‪ ,‬ومنه قول نابغة بني جعدة‪:‬‬
‫غمِ وال َم ْهرَبِ‬
‫َكطَ ْو ٍد يُلذُ بأرْكا ِن ِهعَزِيزِ ال ُمرَا َ‬
‫سعَةً} فإنه يحتمل السعة في أمر دينهم بمكة‪ ,‬وذلك منعهم إياهم من إظهار دينهم‬
‫وقوله‪{ :‬وَ َ‬
‫وعبادة ربهم علنية ثم أخبر جلّ ثناؤه عمن خرج مهاجرا من أرض الشرك فارّا بدينه إلى ال‬
‫وإلى رسوله إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض السلم ودار الهجرة‪ ,‬فقال‪ :‬من كان كذلك فقد‬
‫و قع أجره على ال‪ ,‬وذلك ثواب عمله وجزاء هجر ته وفراق وط نه وعشير ته إلى دار ال سلم‬
‫وأ هل دي نه‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬و من يخرج مهاجرا من داره إلى ال وإلى ر سوله‪ ,‬ف قد ا ستوجب‬
‫ن اللّ هُ‬
‫ثواب هجرته إن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنية إياه قبل بلوغه إياها على ربه‪{ .‬وكا َ‬
‫غَفُورا َرحِيمـا} يقول‪ :‬ولم يزل ال تعالى ذكره غفورا‪ ,‬يعنـي‪ :‬سـاترا ذنوب عباده المؤمنيـن‬
‫بالعفو لهم عن العقوبة عليها رحيما بهم رفيقا‪ .‬وذكر أن هذه الَية نزلت بسبب بعض من كان‬
‫ن اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ‬
‫مقيما بمكة وهو مسلم‪ ,‬فخرج لما بلغه أن ال أنزل الَيتين قبلها‪ ,‬وذلك قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫غفُورا} فمات في طري قه ق بل بلو غه‬
‫المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُ سهِمْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وكا نَ الّل هُ عَفُوّا َ‬
‫المدينة‪ .‬ذكر الَخبار الواردة بذلك‪:‬‬
‫‪ 8220‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير في‬
‫خرُج ْـ مِن ْـ َب ْيتِهِـ مُهاجِرا إلى اللّ هِ َورَ سُولِهِ} قال‪ :‬كان رجـل من خزا عة يقال له‬
‫قوله‪َ { :‬ومَن ْـ َي ْ‬
‫ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع‪ ,‬قال‪ :‬فلما أمروا بالهجرة كان مريضا‪ ,‬فأمر‬
‫أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬ففعلوا‪ ,‬فأتاه‬
‫الموت وهو بالتنعيم‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أ بي ب شر‪ ,‬عن‬
‫خرُ جْ مِ نْ َب ْيتِ هِ ُمهَاجِرا إلى الّل هِ َورَ سُوِل ِه ثُ مّ‬
‫سعيد بن جبير أ نه قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية‪َ { :‬ومَ نْ َي ْ‬
‫ت فَ َقدْ َوقَ َع أجْرُه على اللّ هِ} في ضمرة بن العيص بن الزنباع‪ ,‬أو فلن بن ضمرة‬
‫ُيدْ ِركْ ُه المَوْ ُ‬
‫بن العيص بن الزنباع‪ ,‬حين بلغ التنعيم مات فنزلت فيه‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن العوام التيمي بنحو حديث‬
‫يعقوب‪ ,‬عن هشيم‪ ,‬قال‪ :‬وكان رجلً من خزاعة‪.‬‬
‫جرْ في‬
‫‪ 8221‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ { :‬ومَ نْ يُها ِ‬
‫جدْ فِي الرْضِـ ُمرَاغَمـا َكثِيرا وَسَـعَةً}‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬لمـا أنزل ال هؤلء الَيات‬
‫سَـبِيلِ اللّهِـ َي ِ‬
‫ورجل من المؤمنين يقال له ضمرة بمكة‪ ,‬قال‪ :‬وال إن لي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد‬
‫من ها وإ ني لهتدي‪ ,‬أخرجو ني! و هو مر يض حينئذ‪ .‬فل ما جاوز الحرم قب ضه ال فمات‪ ,‬فأنزل‬
‫خرُجْ ِمنْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّهِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ال تبارك وتعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬لما‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُس ِهمْ} قال رجل من المسلمين يومئذ وهو مريض‪:‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫نزلت‪{ :‬إ ّ‬
‫وال مالي مـن عذر إنـي لدليـل بالطريـق‪ ,‬وإنـي لموسـر‪ ,‬فاحملونـي! فحملوه فأدركـه الموت‬
‫ن َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى الّلهِ َو َرسُولِهِ}‪.‬‬
‫خرُجْ مِ ْ‬
‫بالطريق‪ ,‬فنزلت فيه‪َ { :‬و َمنْ َي ْ‬
‫‪ 8222‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عيي نة‪ ,‬عن‬
‫ن اّلذِي نَ تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكر مة يقول‪ :‬ل ما أنزل ال‪{ :‬إ ّ‬
‫أنْفُس ِهمْ}‪ ...‬الَيتين‪ ,‬قال رجل من بني ضمرة وكان مريضا‪ :‬أخرجوني إلى الرّوْح! فأخرجوه‪,‬‬
‫ن َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى الّلهِ َورَسُولِهِ}‪...‬‬
‫خرُ جْ مِ ْ‬
‫صحَاص مات‪ ,‬فنزل فيه‪َ { :‬و َمنْ َي ْ‬
‫حتى إذا كان بالحَ ْ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪8223‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي عن المنذر بن ثعلبة‪ ,‬عن علباء بن أحمر اليشكري‪,‬‬
‫جرُه على الّلهِ}‬
‫خرُجْ ِمنْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّهِ َورَسُولِ ِه ثُمّ ُي ْد ِركْهُ المَ ْوتُ فَ َقدْ َوقَعَ أ ْ‬
‫قوله‪َ { :‬ومَنْ َي ْ‬
‫قال‪ :‬نزلت في رجل من خزاعة‪.‬‬
‫‪ 8224‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قرّة‪ ,‬عن الضحاك في قول‬
‫جرُه‬
‫ت فَ َقدْ َوقَ عَ أ ْ‬
‫ن َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى الّل هِ َورَ سُولِ ِه ثُ مّ ُي ْد ِركْ ُه المَوْ ُ‬
‫ن َيخْرُ جْ مِ ْ‬
‫ال جلّ وعزّ‪َ { :‬و َم ْ‬
‫على الّل هِ} قال‪ :‬ل ما سمع ر جل من أ هل م كة أن ب ني كنا نة قد ضر بت وجوهَ هم وأدبارَ هم‬
‫عقَبة قد سماها‪,‬‬
‫الملئكةُ قال لهله‪ :‬أخرجوني! وقد أدنف للموت‪ .‬قال‪ :‬فاحتمل حتى انتهى إلى َ‬
‫ج مِنْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّهِ َو َرسُوِلهِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن َيخْرُ ْ‬
‫فتوفي‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫‪8225‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّيّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬ل ما سمع بهذه ـ يع ني بقوله‪{ :‬إ نّ اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُ س ِهمْ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫عفُوّا غَفُورا} ضمرةُ بن جندب الضمري قال لهله وكان وجعا‪ :‬أرحلوا راحلتي‪,‬‬
‫{وكا نَ الّل هُ َ‬
‫فإن الخشـبين قـد غمانـي ــ يعنـي‪ :‬جبلي مكـة لعلي أن أخرج فيصـيبني روح! فقعـد على‬
‫ج مِ نْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّ هِ‬
‫ن َيخْرُ ْ‬
‫راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات بالطريق‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫جرُه على الّلهِ}‪ .‬وأما حين توجه إلى المدينة‪ ,‬فإنه قال‪ :‬اللهمّ‬
‫َورَسُولِ ِه ثُمّ ُي ْد ِركْهُ ال َموْتُ فَ َقدْ َوقَعَ أ ْ‬
‫مهاجر إليك وإلى رسولك‪.‬‬
‫‪8226‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَةُ} قال جندب بن ضمرة الجند عي‪:‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ل ما نزلت هذه الَ ية‪ ,‬يع ني قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫الله مّ أبلغت في المعذرة والحجة‪ ,‬ول معذرة لي ول حجة‪ .‬قال‪ :‬ثم خرج وهو شيخ كبير فمات‬
‫ببعض الطريق‪ ,‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬مات قبل أن يهاجر‪ ,‬فل ندري‬
‫ن َيخْرُ جْ مِ نْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى الّل هِ َورَسُولِ ِه ثُ مّ ُي ْد ِركْ ُه المَوْتُ فَ َقدْ‬
‫أعلى ولية أم ل؟ فنزلت‪َ { :‬و َم ْ‬
‫جرُه على الّلهِ}‪.‬‬
‫َوقَعَ أ ْ‬
‫حُدثـت عـن الحسـين بـن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبيـد بـن سـلمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ‬
‫سمعت الضحاك يقول‪ :‬لما أنزل ال في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر‪{ :‬إ نّ اّلذِي َ‬
‫المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُ سهِمْ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬سمع ب ما أنزل ال في هم ر جل من ب ني ل يث كان على د ين‬
‫النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم مقيمـا بمكـة‪ ,‬وكان ممـن عذر ال كان شيخـا كـبيرا وضيئا‪ ,‬فقال‬
‫لهله‪ :‬ما أ نا ببائت الليلة بم كة! فخرجوا به مري ضا ح تى إذا بلغ التنع يم من طر يق المدي نة‬
‫ج مِنْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّهِ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن َيخْرُ ْ‬
‫أدركه الموت‪ ,‬فنزل فيه‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ن يُهاجِرْ فِي‬
‫‪ 8227‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫سعَةً} قال‪ :‬ها جر ر جل من ب ني كنا نة ير يد ال نبيّ‬
‫ض ُمرَاغَ ما َكثِيرا وَ َ‬
‫جدْ فِي الرْ ِ‬
‫سبِيلِ اللّ ِه َي ِ‬
‫َ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فمات في الطر يق‪ .‬ف سخر به قو مه وا ستهزءوا به‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل هو بلغ‬
‫خرُ جْ مِ نْ‬
‫الذي ير يد‪ ,‬ول هو أقام في أهله يقومون عل يه ويد فن! قال‪ :‬فنزلت القرآن‪َ { :‬ومَ نْ َي ْ‬
‫جرُه على اللّهِ}‪.‬‬
‫ت فَ َقدْ َوقَعَ أ ْ‬
‫َب ْيتِهِ ُمهَاجِرا إلى الّلهِ َورَسُوِلهِ ُث ّم ُيدْ ِركْ ُه المَوْ ُ‬
‫‪ 8228‬ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مُ‬
‫عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكر مة عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية‪{ :‬إ ّ‬
‫المَل ِئكَةُ ظالِمِي أنْفُسـهِمْ} وكان بمكـة رجـل يقال له ضمرة مـن بنـي بكـر وكان مريضـا‪ ,‬فقال‬
‫لهله‪ :‬أخرجونـي مـن مكـة‪ ,‬فإنـي أجـد الحرّ! فقالوا‪ :‬أيـن نخرجـك؟ فأشار بيده نحـو المدينـة‪.‬‬
‫ج مِنْ َب ْيتِ ِه ُمهَاجِرا إلى اللّهِ َو َرسُوِلهِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫ن َيخْرُ ْ‬
‫فنزلت هذه الَية‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫‪8229‬ـ حدثني الحارث بن أبي أسامة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن أبان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قيس‪ ,‬عن‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِينَ‬
‫عدُونَ ِم َ‬
‫ستَوِى القا ِ‬
‫سالم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية‪{ :‬ل يَ ْ‬
‫غيرُ أُولي الضّ َررِ} قال‪ :‬رخص فيها قوم من المسلمين ممن كان بمكة من أهل الضرر حتى‬
‫نزلت فضيلة المجاهديـن على القاعديـن‪ ,‬فقالوا‪ :‬قـد بيـن ال فضيلة المجاهديـن على القاعديـن‬
‫ن تَ َوفّاهُ مُ المَل ِئكَ ُة ظالِمِي أنْفُ س ِهمْ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ور خص ل هل الضرر‪ .‬ح تى نزلت‪{ :‬إ ّ‬
‫ضعَفِينَ مِنَـ الرّجالِ وَالنّسـاءِ‬
‫ل المُس ْـَت ْ‬
‫ت مَصـيرا} قالوا‪ :‬هذه موجبـة‪ .‬حتـى نزلت‪{ :‬إ ّ‬
‫{وَسـاءَ ْ‬
‫سبِيلً}‪ ,‬فقال ضمرة بن العيص الزرقي أحد بني ليث‪,‬‬
‫ن حِيلَةً وَل َي ْهتَدُونَ َ‬
‫ستَطِيعُو َ‬
‫وَالوِ ْلدَانِ ل يَ ْ‬
‫وكان مصـاب البصـر‪ :‬إنـي لذو حيلة لي مال ولي رقيـق‪ ,‬فاحملونـي! فخرج وهـو مريـض‪,‬‬
‫خرُجْ ِمنْ َب ْيتِهِ‬
‫فأدركه الموت عند التنعيم‪ ,‬فدفن عند مسجد التنعيم‪ ,‬فنزلت فيه هذه الَية‪َ { :‬ومَنْ َي ْ‬
‫ُمهَاجِرا إلى الّلهِ َو َرسُولِ ِه ُثمّ ُي ْدرِكْ ُه المَ ْوتُ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في تأو يل المراغَم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو التحوّل من أرض إلى أرض‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8230‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬مُرَاغَما َكثِيرا} قال‪ :‬المراغم‪ :‬التحوّل من الرض إلى الرض‪.‬‬
‫‪ 8231‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك‪ ,‬يقول في قوله‪ُ { :‬مرَاغَما َكثِيرا} يقول‪ :‬متح ّولً‪.‬‬
‫‪ 8232‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ض ُمرَاغَما َكثِيرا} قال‪ :‬متح ّولً‪.‬‬
‫جدْ فِي الرْ ِ‬
‫الربيع في قوله‪َ { :‬ي ِ‬
‫‪8233‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفيان‪ ,‬عن معمر‪,‬‬
‫عن الحسن أو قتادة‪ُ { :‬مرَاغَما َكثِيرا} قال‪ :‬متح ّولً‪.‬‬
‫‪ 8234‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫جدْ فِي الرْضِ ُمرَاغَما َكثِيرا} قال‪ :‬مندوح ًة عما يكره‪.‬‬
‫مجاهد في قول ال عزّ وجلّ‪َ { :‬ي ِ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫{ ُمرَاغَما َكثِيرا} قال‪ :‬مزحزحا عما يكره‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ُ { :‬مرَاغَما‬
‫كَثيرا} قال‪ :‬متزحزحا عما يكره‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مبتغَى معيشةٍ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8235‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫جدْ فِي الرْض ُمرَاغَما َكثِيرا} يقول‪ :‬مبتغى للمعيشة‪.‬‬
‫السديّ‪َ { :‬ي ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬المراغم‪ :‬المهاجر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8236‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ُ { :‬مرَاغَما} المراغم‪:‬‬
‫المهاجر‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد بينا أولى القوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل‪.‬‬
‫سعَة}‪ ¹‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫سعَة التي ذكرها ال في هذا الموضع فقال‪{ :‬وَ َ‬
‫واختلفوا أيضا في معنى ال ّ‬
‫هي السعة في الرزق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8237‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫سعَةً} قال‪ :‬السّعة في الرزق‪.‬‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ُ { :‬مرَاغَما َكثِيرا َو َ‬
‫‪ 8238‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫سعَةً} قال‪ :‬السعة في الرزق‪.‬‬
‫الربيع‪ ,‬في قوله‪ُ { :‬مرَاغَما َكثِيرا َو َ‬
‫‪ 8239‬ـ حُدثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سلمان‪,‬‬
‫سعَةَ} يقول‪ :‬سعة في الرزق‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ { :‬و َ‬
‫وقال آخرون في ذلك ما‪:‬‬
‫جدْ فِي الرْض‬
‫‪8240‬ـ حدثني بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ { :‬ي ِ‬
‫سعَةً}‪ :‬أي وال من الضللة إلى الهدى‪ ,‬ومن العيلة إلى الغنى‪.‬‬
‫ُمرَاغَما َكثِيرا َو َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى القوال في ذلك بال صواب أن يقال‪ :‬إن ال أ خبر أن من ها جر في‬
‫سبيله يجد في الرض مضطربا ومتسعا ‪ ¹‬وقد يدخل في ال سّعة‪ ,‬السعة في الرزق‪ ,‬والغنى من‬
‫الفقر ‪ ¹‬ويدخل فيه السعة من ضيق الهمّ‪ ,‬والكرب الذي كان فيه أهل اليمان بال من المشركين‬
‫بمكـة‪ ,‬وغيـر ذلك مـن معانـي السـّعة التـي هـي بمعنـى الرّوْح والفرج مـن مكروه مـا كره ال‬
‫للمؤمنيـن بمقامهـم بيـن ظهري المشركيـن وفـي سـلطانهم‪ .‬ولم يضـع ال دللة على أنـه عنـى‬
‫بقوله‪« :‬و سعة» ب عض معا ني ال سعة ال تي و صفنا‪ ,‬ف كل معا ني ال سّعة هي ال تي بمع نى الروح‬
‫والفرج م ما كانوا ف يه من ض يق الع يش وغ ّم جوار أ هل الشرك وض يق ال صدر‪ ,‬بتعذّر إظهار‬
‫اليمان بال وإخلص توحيده وفراق النداد والَلهة‪ ,‬داخل في ذلك‪.‬‬
‫ن َيخْرُ جْ مِ نْ َب ْيتِ ِه مُهاجِرا إلى الّل هِ‬
‫و قد تأوّل قوم من أ هل العلم هذه الَ ية‪ ,‬أع ني قوله‪َ { :‬و َم ْ‬
‫جرُ هُ على الّل هِ} أنها في حكم الغازي يخرج للغزو فيدركه‬
‫َورَ سُولِ ِه ثُ مّ ُي ْد ِركْ هُ ال َموْ تُ فَ َقدْ َوقَ عَ أ ْ‬
‫ل فيموت‪ ,‬أن له سـهمه مـن المغنـم وإن لم يكـن شهـد‬
‫الموت بعـد مـا يخرج مـن منزله فاصـ ً‬
‫الوقعة‪ .‬كما‪:‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن عد يّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن ابن لهيعة‪,‬‬ ‫‪3518‬‬

‫عن يزيد ابن أبي حببب‪ ,‬أن أهل المدينة يقولون‪ :‬من خرج فاصلً وجب سهمه ‪ ¹‬وتأوّلوا قوله‬
‫ن َب ْيتِهِ ُمهَاجِرا إلى الّلهِ َو َرسُولِهِ}‪.‬‬
‫خرُجْ مِ ْ‬
‫ن َي ْ‬
‫تبارك وتعالى‪َ { :‬ومَ ْ‬

‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جنَا حٌ أَن تَقْ صُرُو ْا مِ نَ‬
‫{وَِإذَا ضَ َر ْبتُ مْ فِي الرْ ضِ فََليْ سَ عََل ْيكُ ْم ُ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عدُوّا ّمبِينا }‪..‬‬
‫ن ا ْلكَا ِفرِينَ كَانُو ْا َل ُكمْ َ‬
‫ن كَ َفرُوَ ْا إِ ّ‬
‫الصّلَةِ ِإنْ خِ ْف ُتمْ أَن يَ ْف ِت َن ُكمُ اّلذِي َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَإذَا ضَ َر ْبتُ ْم فِي الرْ ضِ}‪ :‬وإذا سرتم أي ها المؤمنون في الرض‪,‬‬
‫ن ال صّلةِ}‪ :‬يع ني أن‬
‫صرُوا مِ َ‬
‫{فَلَيْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ} يقول‪ :‬فل يس علي كم حرج ول إ ثم‪{ ,‬أ نْ َتقْ ُ‬
‫تقصروا من عددها‪ ,‬فتصلوا ما كان لكم عدده منها في الحضر وأنتم مقيمون أربعا‪ ,‬اثنتين‪ ,‬في‬
‫ل عدد ها في حال‬
‫قول بعض هم‪ .‬وق يل‪ :‬معناه‪ :‬ل جناح علي كم أن تق صروا من ال صلة إلى أق ّ‬
‫ضربكم في الرض‪ ,‬أشار إلى واحدة في قول آخرين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك ل جناح علي كم أن تق صروا من حدود ال صلة إن خف تم أن يفتن كم‬
‫الذ ين كفروا‪ .‬يع ني‪ :‬إن خشي تم أن يفتن كم الذ ين كفروا في صلتكم وفتنت هم إيا هم في ما حمل هم‬
‫علي هم و هم في ها ساجدون‪ ,‬ح تى يقتلو هم أو يأ سروهم‪ ,‬فيمنعو هم من إقامت ها وأدائ ها‪ ,‬ويحولوا‬
‫بينهم وبين عبادة ال وإخلص التوحيد له‪ .‬ثم أخبرهم جلّ ثناؤه عما عليه أهل الكفر لهم فقال‪:‬‬
‫ع ُدوّا ُمبِينا} يعني‪ :‬الجاحدون وحدانية ال كانوا لكم عدوّا مبينا‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫ن الكافِري نَ كانُوا َلكُ مْ َ‬
‫{إ ّ‬
‫عدوّا قد أبانوا لكم عداوتهم‪ ,‬بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم بال وبرسوله‪ ,‬وترككم عبادة‬
‫ما يعبدون من الوثان والصنام‪ ,‬ومخالفتكم ما هم عليه من الضللة‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في مع نى الق صر الذي وضع ال الجناح ف يه عن فاعله‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫في السفر من الصلة التي كان واجبا تمامها في الحضر أربع ركعات‪ ,‬وأذن في قصرها في‬
‫السفر إلى اثنتين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8241‬ـ حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن إدريس‪ ,‬عن ابن جريج‪,‬‬
‫عن ا بن أ بي عمار‪ ,‬عن ع بد ال بن باب يه‪ ,‬عن يعلى بن أم ية‪ ,‬قال‪ :‬قلت لع مر بن الخطاب‬
‫ن خِ ْفتُ مْ} وقد أمن الناس! فقال‪:‬‬
‫ن ال صّلة إ ْ‬
‫رضي ال عنه‪{ :‬فََليْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ أ نْ َتقْ صُرُوا مِ َ‬
‫ص ّدقَ‬
‫ص َدقَةٌ تَ َ‬
‫عجبت مما عجبت منه حتى سألت النبيّ صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫صدَ َقتَهُ»‪.‬‬
‫اللّ ُه بها عََل ْي ُكمْ فاقْبَلُوا َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن ابن أبي عمار‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن بابيه عن يعلى بن أمية‪ ,‬عن عمر‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا سعيد بن يحي ـى الموي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن أ بي عد يّ‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت عبد الرحمن بن عبد ال بن أبي عمار يحدّث عن عبد ال بن بابيه‪ ,‬يحدث عن يعلى بن‬
‫أمية‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعمر بن الخطاب أعجب من قصر الناس الصلة وقد أمنوا‪ ,‬وقد قال ال تبارك‬
‫ن يَ ْف ِت َنكُ مُ اّلذِي نَ كَ َفرُوا}! فقال ع مر‪ :‬عج بت م ما‬
‫ن حِ ْفتُ مْ أ ْ‬
‫صرُوا ِم نَ ال صّل ِة إ ْ‬
‫وتعالى‪{ :‬أ نْ تَقْ ُ‬
‫صدّقَ الّل ُه بها عََل ْيكُمْ‬
‫ص َدقَةٌ تَ َ‬
‫ت منه‪ ,‬فذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫عجب َ‬
‫ص َد َقتَهُ»‪.‬‬
‫فا ْقبَلُوا َ‬
‫‪ 8242‬ـ حدثنا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن عبد الملك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن أبي العالية‪ ,‬قال‪ :‬سافرت إلى مكة‪ ,‬فكنت أصلي ركعتين‪ ,‬فلقيني قرّاء من أهل هذه الناحية‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬كيـف تصـلي؟ قلت‪ :‬ركعتيـن‪ ,‬قالوا‪ :‬أسـنة أو قرآن؟ قلت‪ :‬كـل ذلك سـنة وقرآن‪ ,‬قلت‪:‬‬
‫صلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ركعت ين‪ ,‬قالوا‪ :‬إ نه كان في حرب! قلت‪ :‬قال ال‪{ :‬لَ َقدْ‬
‫س ُكمْ‬
‫ن رُءُو َ‬
‫ن ُمحَلّقِي َ‬
‫ن شاءَ الّل هُ آ ِمنِي َ‬
‫حرَا مَ إ ْ‬
‫جدَ ال َ‬
‫سِ‬‫صَ َدقَ الّل هُ رَ سُولَ ُه الرّؤْ يا بالحَ قّ َل َت ْدخُلُ نّ المَ ْ‬
‫صرُوا ِم نَ‬
‫ض فَلَيْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ أ نْ تَقْ ُ‬
‫َومْقَ صّرينَ ل تخافو نَ} وقال‪{ :‬وَإذَا ضَ َر ْبتُ مْ فِي الرْ ِ‬
‫الصّلةِ} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬فإذَا اطْم ْأ َن ْنتُمْ}‪.‬‬
‫‪8243‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن هاشم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يوسف‪,‬‬
‫عن أبي روق‪ ,‬عن أبي أيوب‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬سأل قوم من التجار رسول ال صلى ال عليه‬
‫ض َر ْبتُمْ فِي‬
‫وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال إنّا نضرب في الرض‪ ,‬فكيف نصلي؟ فأنزل ال‪{ :‬وَإذَا َ‬
‫ن الصّلةِ} ثم انقطع الوحي‪ .‬فلما كان بعد ذلك بحَوْل‪,‬‬
‫ن تَقْصُرُوا مِ َ‬
‫الرْضِ فََليْسَ عََل ْيكُمْ جُناحٌ أ ْ‬
‫غزا ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ف صلى الظ هر‪ ,‬فقال المشركون‪ :‬ل قد أمكن كم مح مد وأ صحابه‬
‫ل شدد تم علي هم! فقال قائل منهـم‪ :‬إن ل هم أخرى مثلهـا فـي أثر ها‪ .‬فأنزل ال‬
‫من ظهور هم ه ّ‬
‫ع ُدوّا ُمبِينا‬
‫ن الكا ِفرِينَ كانُوا َل ُكمْ َ‬
‫ن كَ َفرُوا إ ّ‬
‫ن يَ ْف ِت َنكُمُ اّلذِي َ‬
‫تبارك وتعالى بين الصلتين‪{ :‬إنْ خ ْف ُتمْ أ ْ‬
‫عدّ للكافِري نَ‬
‫وإذَا ُكنْ تَ فِيهِ مْ فَأ َقمْ تَ َلهُ مُ ال صّلةَ فَ ْلتَقُ مْ طائِفَ ٌة ِم ْنهُ ْم َمعَ كَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬إ نّ الّل هَ أ َ‬
‫عذَابا ُمهِينا} فنزلت صلة الخوف‪.‬‬
‫َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذا تأو يل للَ ية ح سن لو لم ي كن في الكلم «إذا»‪ ,‬وإذا تؤذن بانقطاع ما‬
‫بعدها عن معنى ما قبلها‪ ,‬ولو لم يكن في الكلم «إذا» كان معنى الكلم على هذا التأويل الذي‬
‫رواه سيف‪ ,‬عن أبي روق‪ :‬إن خفتم أيها المؤمنون أن يفتنكم الذين كفروا في صلتكم‪ ,‬وكنت‬
‫فيهم يا محمد‪ ,‬فأقمت لهم الصلة‪ ,‬فلتقم طائفة منهم معك‪ ,‬الَية‪ .‬وبعد‪ ,‬فإن ذلك فيما ذكر في‬
‫جنَا حٌ أن َتقْ صُرُوا من ال صّلة أ نْ‬
‫ضرَ ْبتُم في الرض فليس عليكم ُ‬
‫قراءة أب يّ بن كعب‪« :‬وإذا َ‬
‫يَ ْف ِت َنكُ ُم اّلذِينَ كَ َفرُوا»‪.‬‬
‫‪ 8244‬ـ حدث ني بذلك الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الثوري‪ ,‬عن وا صل بن‬
‫حيان‪ ,‬عن عبد ال بن عبد الرحمن بن أبزي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أب يّ بن كعب أنه كان يقرأ‪« :‬أ نْ‬
‫ن خِ ْفتُم»‪.‬‬
‫ن الصّلة أن يَ ْف ِت َن ُكمُ الذين كَ َفرُوا»‪ ,‬ول يقرأ‪« :‬إ ْ‬
‫تَ ْقصُرُوا مِ َ‬
‫‪ 8245‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب كر بن شرود‪ ,‬عن الثور يّ‪ ,‬عن‬
‫وا صل الحدب‪ ,‬عن ع بد ال بن ع بد الرح من‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن أب يّ بن ك عب أ نه قرأ‪« :‬أن‬
‫تق صروا من ال صلة أن يفتن كم»‪ ,‬قال ب كر‪ :‬و هي في المام م صحف عثمان رح مه ال‪{ :‬إ نْ‬
‫ن يَ ْف ِت َن ُكمُ اّلذِينَ كَ َفرُوا}‪.‬‬
‫خِ ْف ُتمْ أ ْ‬
‫ن كَ َفرُوا} موا صل قوله‪{ :‬فََليْ سَ‬
‫ن يَ ْف ِت َنكُ مُ اّلذِي َ‬
‫وهذه القراءة ت نبىء على أن قوله‪{ :‬إ نْ خِ ْفتُ ْم أ ْ‬
‫صرُوا مِ نَ ال صّلةِ} وأن معنى الكلم‪ :‬وإذا ضربتم في الرض فإن خفتم أن‬
‫عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ أ نْ تَقْ ُ‬
‫يفتن كم الذ ين كفروا فل يس علي كم جناح أن تق صروا من ال صلة‪ ,‬وأن قوله‪{ :‬وَإذَا ُكنْ تَ فِيهِ مْ}‬
‫ق صة مبتدأة غ ير ق صة هذه الَ ية‪ .‬وذلك أن تأو يل قراءة أب يّ هذه ال تي ذكرنا ها ع نه‪« :‬وإذا‬
‫ضرب تم في الرض فل يس علي كم جناح أن تق صروا من ال صلة أن ل يفتن كم الذ ين كفروا»‪,‬‬
‫ن َتضِلّوا} بمع نى‪ :‬أن ل‬
‫ن اللّ ُه َلكُ مْ أ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ُ { :‬ي َبيّ ُ‬
‫فحذ فت «ل» لدللة الكلم علي ها‪ ,‬ك ما قال ج ّ‬
‫تضلوا‪ .‬ففيما وصفنا دللة بينة على فساد التأويل الذي رواه سيف‪ ,‬عن أبي روق‪.‬‬
‫ل ثناؤه به للم سافر في حال‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو الق صر في ال سفر‪ ,‬غ ير أ نه إن ما أذن ج ّ‬
‫خوفه من عد ّو يخشى أن يفتنه في صلته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8246‬ـ حدث ني أ بو عا صم عمران بن مح مد الن صاري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال كبير بن ع بد‬
‫المج يد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مر بن ع بد ال بن مح مد بن ع بد الرح من بن أ بي ب كر ال صديق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبي‪ ,‬يقول‪ :‬سمعت عائشة تقول في السفر‪ :‬أتّموا صلتكم! فقالوا‪ :‬إن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يصلي في السفر ركعتين؟ فقالت‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان في‬
‫حرب وكان يخاف‪ ,‬هل تخافون أنتم؟‪.‬‬
‫‪ 8247‬ـ حدثني محمد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي فديك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫أبي ذئب‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬عن أمية بن عبد ال بن خالد بن أسيد‪ ,‬أنه قال لعبد ال بن عمر‪ :‬إنّا‬
‫نجد في كتاب ال قصر الصلة في الخوف‪ ,‬ول نجد قصر صلة المسافر؟ فقال عبد ال‪ :‬إنا‬
‫ل عملنا به‪.‬‬
‫وجدنا نبينا صلى ال عليه وسلم يعمل عم ً‬
‫‪ 8248‬ـ حدث نا عل يّ بن سهل الرملي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن هشام بن‬
‫عروة‪ ,‬عن أبيه‪ :‬أن عائشة كانت تصلي في السفر ركعتين‪.‬‬
‫‪ 8249‬ـ حدثنا سعيد بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬أ يّ‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يتمّ الصلة في السفر؟ قال‪ :‬عائشة وسعد بن أبي‬
‫وقاص‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بهذه الَية‪ :‬قصر صلة الخوف في غير حال المسايفة‪ ,‬قالوا‪ :‬وفيها‬
‫نزل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8250‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪,‬‬
‫ي صلى‬
‫ن ال صّلةِ} قال‪ :‬يوم كان النب ّ‬
‫ن تَقْ صُرُوا مِ َ‬
‫حأ ْ‬
‫عن مجاهد في قوله‪{ :‬فََليْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا ٌ‬
‫جنَان‪ ,‬فتواقفوا‪ ,‬ف صلى ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫ال عل يه وسلم وأصحابه ُبعْ سفان والمشركون بَض َ‬
‫وسلم بأصحابه صلة الظهر ركعتين أو أربعا‪ ,‬شكّ أبو عاصم ركوعهم وسجودهم وقيامهم معا‬
‫جميعا‪ .‬فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم‪ ,‬فأنزل ال عليه‪{ :‬فَ ْلتَقُمْ طائِ َفةٌ ِم ْنهُمْ‬
‫َمعَ كَ} ف صلى الع صر‪ ,‬ف صفّ أ صحابه صفين‪ ,‬ثم كبر ب هم جمي عا‪ ,‬ثم سجد الوّلون سجدة‬
‫والَخرون قيام‪ ,‬ثم سجد الَخرون ح ين قام ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم ثم كبر ب هم وركعوا‬
‫جميعـا‪ ,‬فتقدم الصـفّ الَخـر‪ ,‬واسـتأخر الوّل‪ ,‬فتعاقبوا السـجود كمـا فعلوا أوّل مرّة وقصـر‬
‫العصر إلى ركعتين‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫ي صلى ال عل يه وسلم وأصحابه‬
‫ح أ نْ تَقْ صُرُوا مِ نَ ال صّلةِ} قال‪ :‬كان النب ّ‬
‫{فَلَيْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا ٌ‬
‫جنَان‪ ,‬فتواقفوا‪ ,‬ف صلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه صلة‬
‫ضَ‬‫بعُ سْفان والمشركون ب َ‬
‫الظهر ركعتين ركوعهم وسجودهم وقيامهم جميعا‪ ,‬فه ّم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم‬
‫وأثقالهم‪ ,‬فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬فَ ْلتَقُ مْ طائِفَةٌ ِم ْنهُ مْ َمعَ كَ} فصلى بهم صلة الع صر‪ ,‬ف صفّ‬
‫أصحابه صفين‪ ,‬ثم كبر بهم بهم جميعا‪ ,‬ثم سجد الوّلون بسجوده والَخرون قيام لم يسجدوا‪,‬‬
‫حتى قام النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم كبر بهم وركعوا جميعا‪ ,‬فقدّم الصفّ الَخر واستأخر‬
‫الصفّ المقدّم‪ ,‬فتعاقبوا السجود كما دخلوا أوّل مرّة‪ ,‬وقصرت صلة العصر إلى ركعتين‪.‬‬
‫‪ 8251‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬عن أ بي عياش‬
‫الزرقي‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بعُسْفان‪ ,‬وعلى المشركين خالد بن الوليد‪.‬‬
‫غرّة‪ ,‬لصـبنا غفلة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فصـلينا الظهـر‪ ,‬فقال المشركون‪ :‬كانوا على حال لو أردنـا لصـبنا ِ‬
‫فأنزلت آية القصر بين الظهر والعصر‪ ,‬فأخذ الناس السلح‪ ,‬وصفّوا خلف رسول ال صلى ال‬
‫ستَ ْقبََل ُهمْ‪ ,‬فكبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وكبروا‬
‫عليه وسلم مستقبلي القبلة والمشركون مُ ْ‬
‫جميعا‪ ,‬ثم ركع وركعوا جميعا‪ ,‬ثم رفع رأسه فرفعوا جميعا‪ ,‬ثم سجد وسجد الصفّ الذي يليه‬
‫وقام الَخرون يحر سونهم‪ ,‬فل ما فرغ هؤلء من سجودهم سجد هؤلء‪ .‬ثم ن كص ال صفّ الذي‬
‫يليه وتقدّم الَخرون فقاموا في مقامهم‪ ,‬فركع رسول ال صلى ال عليه وسلم فركعوا جميعا‪ ,‬ثم‬
‫ر فع رأ سه فرفعوا جمي عا‪ ,‬ثم سجد و سجد ال صفّ الذي يل يه‪ ,‬وقام الَخرون يحر سونهم‪ .‬فل ما‬
‫فرغ هؤلء من سجودهم‪ ,‬سجد هؤلء الَخرون‪ ,‬ثم استووا معه‪ ,‬فقعدوا جميعا‪ ,‬ثم سلم عليهم‬
‫جميعا‪ ,‬فصلها بعسفان‪ ,‬وصلها يوم بني سَُليْم‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد ال بن مو سى‪ ,‬عن شيبان النحو يّ‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫مجا هد‪ ,‬عن أ بي عياش الزر قي‪ .‬و عن إ سرائيل‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬عن أ بي عياش‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم بعسفان‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫‪ 8252‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سليمان‬
‫ي يوم هو؟ فقال‬
‫ي يوم أنزل؟ أو أ ّ‬
‫اليشكري‪ ,‬أنه سأل جابر بن عبد ال عن إقصار الصلة‪ ,‬أ ّ‬
‫جابر‪ :‬انطلق نا نتل قى ع ير قر يش آت ية من الشأم‪ ,‬ح تى إذا ك نا بنَخْل‪ ,‬جاء ر جل من القوم إلى‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فقال‪ :‬يا مح مد! قال‪َ « :‬نعَ مْ»‪ ,‬قال‪ :‬هل تخاف ني؟ قال‪« :‬ل»‪,‬‬
‫قال‪ :‬فمن يمنعك مني؟ قال‪« :‬الّل ُه َي ْم َن ُعنِي ِمنْ كَ»‪ .‬قال‪ :‬فسلّ السيف ثم هدّده وأوعده‪ .‬ثم نادى‬
‫خذِ ال سلح‪ ,‬ثم نُودي بال صلة‪ ,‬فصلى رسول ال صلى ال عل يه وسلم بطائ فة من‬
‫بالرحيل وَأ ْ‬
‫القوم‪ ,‬وطائفـة أخرى يحرسـونهم‪ ,‬فصـلى بالذيـن يلونـه ركعتيـن‪ ,‬ثـم تأخـر الذيـن يلونـه على‬
‫أعقابهـم‪ ,‬فقاموا فـي مصـافّ أصـحابهم‪ ,‬ثـم جاء الَخرون فصـلى بهـم ركعتيـن والَخرون‬
‫يحرسونهم‪ ,‬ثم سلم‪ ,‬فكانت للنبيّ صلى ال عليه وسلم أربع ركعات‪ ,‬وللقوم ركعتين ركعتين‪,‬‬
‫فيومئذ أنزل ال في إقصار الصلة‪ ,‬وأمر المؤمنين بأخذ السلح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بها قصر صلة الخوف في حال غير شدة الخوف‪ ,‬إل أ نه عنى به‬
‫الق صر في صلة ال سفر‪ ,‬ل في صلة القا مة‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك أن صلة ال سفر في غ ير حال‬
‫الخوف ركعتان تمام غ ير ق صر‪ ,‬ك ما أن صلة القا مة أر بع ركعات في حال القا مة‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫فقصرت في السفر في حال المن غير الخوف عن صلة المقيم‪ ,‬فجعلت على النصف‪ ,‬وهي‬
‫تمام في ال سفر‪ ,‬ثم ق صرت في حال الخوف في ال سفر عن صلة ال من ف يه‪ ,‬فجعلت على‬
‫النصف ركعة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8253‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عدُوّا ُمبِينا} إن‬
‫ن تَ ْقصُرُوا}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬‬
‫ضرَ ْبتُمْ فِي الرْضِ فََليْسَ عََل ْي ُكمْ جُناحٌ أ ْ‬
‫السديّ‪{ :‬وَإذَا َ‬
‫الصـلة إذا صـليت ركعتيـن فـي السـفر فهـي تمام‪ ,‬والتقصـير ل يحلّ إل أن تخاف مـن الذيـن‬
‫كفروا أن يفتنوك عن ال صلة والتق صير رك عة‪ ,‬يقوم المام‪ ,‬ويقوم جنده جند ين‪ ,‬طائ فة خل فه‪,‬‬
‫وطائ فة يوازون العدوّ‪ ,‬في صلي ب من م عه رك عة ويمشون إلي هم على أدبار هم ح تى يقوموا في‬
‫مقام أصـحابهم‪ ,‬وتلك المشيـة القهقرى‪ ,‬ثـم تأتـى الطائفـة الخرى‪ ,‬فتصـلى مـع المام ركعـة‬
‫أخرى‪ ,‬ثم يجلس المام فيسلم‪ ,‬فيقومون فيصلون لنفسهم ركعة ثم يرجعون إلى صفهم‪ ,‬ويقوم‬
‫الَخرون فيضيفون إلى ركعتهم ركعة‪ ,‬والناس يقولون‪ :‬ل‪ ,‬بل هي ركعة واحدة‪ ,‬ل يصلى أحد‬
‫من هم إلى ركع ته شيئا‪ ,‬تجزئه رك عة المام‪ ,‬فيكون للمام ركعتان‪ ,‬ول هم رك عة‪ ,‬فذلك قول ال‪:‬‬
‫ح ْذرَ ُكمْ}‪.‬‬
‫خذُوا ِ‬
‫ت َل ُهمُ الصّلةَ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬و ُ‬
‫ت فِيهِمْ فَأقَمْ َ‬
‫{وَإذَا ُكنْ َ‬
‫‪ 8254‬ـ حدثني أحمد بن الوليد القرشي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫سماك الحن في‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن ع مر عن صلة ال سفر؟ فقال‪ :‬ركعتان تمام غ ير ق صر إن ما‬
‫القصر صلة المخافة‪ .‬فقلت‪ :‬وما صلة المخافة؟ قال‪ :‬يصلي المام بطائفة ركعة‪ ,‬ثم يجيء‬
‫هؤلء مكان هؤلء ويجيء هؤلء مكان هؤلء‪ ,‬فيصلي بهم ركعة‪ ,‬فيكون للمام ركعتان ولكل‬
‫طائفة ركعة ركعة‪.‬‬
‫‪8255‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن سالم الفطس‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬كيف تكون قصرا وهم يصلون ركعتين؟ إنما هي ركعة‪.‬‬
‫‪ 8256‬ـ حدثني سعيد بن عمرو السكوني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بقية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المسعودي‪ ,‬قال‪ :‬ثني‬
‫يزيد الفقير‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬صلة الخوف ركعة‪.‬‬
‫‪8257‬ـ حدثني أحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي عبد ال بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عمرو‬
‫بن الحرث‪ ,‬قال‪ :‬ثني بكر بن سوادة أن زياد بن نافع حدثه‪ ,‬عن كعب ـ وكان من أصحاب‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قط عت يده يوم اليما مة ‪ :‬أن صلة الخوف ل كل طائ فة رك عة‬
‫وسجدتان‪.‬‬
‫واعتلّ قائلو هذه المقالة من الَثار بما‪:‬‬
‫‪ 8258‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحي ـى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬ث ني‬
‫أشعث بن أبي الشعثاء‪ ,‬عن السود بن هلل‪ ,‬عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع سعيد‬
‫بن العاص بطبر ستان‪ ,‬فقال‪ :‬أي كم يح فظ صلة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في الخوف؟‬
‫فقال حذيفة‪ :‬أنا‪ .‬فأقامنا خلفه صفّا وصفّ موازي العدوّ‪ ,‬فصلى بالذين يلونه ركعة‪ ,‬ثم ذهب‬
‫هؤلء إلى مصافّ أولئك‪ ,‬وجاء أولئك فصلى بهم ركعة‪.‬‬
‫‪8259‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى وعبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن الركين بن‬
‫الربيع‪ ,‬عن القاسم بن حسان‪ ,‬قال‪ :‬سألت زيد بن ثابت عنه‪ ,‬فحدثني بنحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن الشعث‪ ,‬عن السود بن‬
‫هلل‪ ,‬عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي‪ ,‬عن حذيفة بنحوه‪.‬‬
‫‪ 8260‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬ثني يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي‬
‫الج هم‪ ,‬عن عب يد ال بن ع بد ال‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم صلى‬
‫بذي قَرَد‪ ,‬فصـفّ الناس خلفـه صـفين‪ :‬صـفّا خلفـه‪ ,‬وصـفّا موازي العد ّو‪ ¹‬فصـلى بالذيـن خلفـه‬
‫ركعة‪ ,‬ثم انصرف هؤلء إلى مكان هؤلء‪ ,‬وجاء أولئك فصلى بهم ركعة‪ ,‬ولم يقضوا‪.‬‬
‫حدثنا تميم بن المنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق الزرق‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن أبي بكر بن صخير‪,‬‬
‫عن عبيد ال بن عبد ال‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8261‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن بكير بن الخنس‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬فرض ال الصلة على لسان نبيكم عليه ال صلة والسلم في الحضر أربعا‪,‬‬
‫وفي السفر ركعتين‪ ,‬وفي الخوف ركعة‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن بكير بن الخنس‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا نصر بن عبد الرحمن الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي‪ ,‬عن أيوب بن عائذ الطائي‪ ,‬عن‬
‫بكير بن الخنس‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا يعقوب بن ماهان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن مالك‪ ,‬عن أيوب بن عائذ الطائي‪ ,‬عن بكير‬
‫بن الخنس‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8262‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الحكم‪ ,‬عن‬
‫يزيـد الفقيـر‪ ,‬عـن جابر بـن عبـد ال‪ :‬أن رسـول ال صـلى ال عل يه وسـلم صـلى بهـم صـلة‬
‫الخوف‪ ,‬فقام صفّ بين يديه وصفّ خلفه‪ ,‬فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين‪ ,‬ثم تقدم هؤلء‬
‫حتى قاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك حتى قاموا مقام هؤلء‪ ,‬فصلى بهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ركعة وسجدتين ثم سلم‪ ,‬فكانت للنبيّ صلى ال عليه وسلم ركعتين ولهم ركعة‪.‬‬
‫‪ 8263‬ـ حدث نا أح مد بن ع بد الرح من بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي ع بد ال بن و هب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة‪ ,‬حدثه عن زيادة بن نافع‪ ,‬حدثه عن أبي موسى‪,‬‬
‫أن جابر بن عبد ال حدثهم‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى بهم صلة الخوف يوم‬
‫محارب وثعلبة‪ ,‬لكل طائفة ركعة وسجدتين‪.‬‬
‫‪ 8264‬ـ حدثني أحمد بن محمد الطوسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن عبد‬
‫الهنائي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن شق يق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو هريرة‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ب إليهم من أبنائهم‬
‫وسلم نزل بين ضجنان وعسفان‪ ,‬فقال المشركون‪ :‬إن لهؤلء صلة هي أح ّ‬
‫وأبكارهـم‪ ,‬وهـي العصـر‪ ,‬فأجمعوا أمركـم‪ ,‬فميلوا عليهـم ميلة واحدة! وإن جبريـل أتـى النـبيّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم وأمره أن يق سم أ صحابه شطر ين‪ ,‬في صلي بعض هم وتقوم طائ فة أخرى‬
‫وراءهـم فيأخذوا حذرهـم وأسـلحتهم‪ ,‬ثـم يأمـر الخرى فيصـلوا معـه ويأخـذ هؤلء حذرهـم‬
‫وأسلحتهم‪ ,‬فتكون لهم ركعة ركعة مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ولرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ركعتين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عَ نى به القَ صْر في ال سفَر‪ ,‬إل أ نه ع نى به الق صْر في شدّة الحرب وع ند‬
‫الم سايفة‪ ,‬فأب يح ع ند التحام الحرب للم صلى أن ير كع رك عة إيماء برأ سه ح يث تو جه بوج هه‪.‬‬
‫ن يَ ْف ِت َنكُ مُ اّلذِي نَ‬
‫ن خِ ْفتُ مْ أ ْ‬
‫صرُوا ِم نَ ال صّل ِة إ ْ‬
‫قالوا‪ :‬فذلك مع نى قوله‪َ{ :‬ليْ سَ عََل ْيكُ مْ جُنا حٌ أ نْ تَقْ ُ‬
‫كَ َفرُوا}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8265‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ض َر ْبتُمْ فِي الرْضِ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قصر الصلة إن لقيت العدوّ وقد حانت الصلة‬
‫ابن عباس‪{ :‬وَإذَا َ‬
‫أن تكبر ال وتخفض رأسك إيماء راكبا كنت أو ماشيا‪.‬‬
‫عنَى بالقْصر فيها‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى هذه القوال التي ذكرناها بتأويل الَية قول من قال‪َ :‬‬
‫الق صر من حدود ها‪ ,‬وذلك ترك إتمام ركوع ها و سجودها‪ ,‬وإبا حة أدائ ها ك يف أم كن أداؤ ها‬
‫مستقبل القبلة فيها ومستدبرها وراكبا وماشيا‪ ,‬وذلك في حال الشبكة والمسايفة والتحام الحرب‬
‫ُمـ َفرِجالً أ ْو رُكبْانـا}‬
‫{فإنـ خِ ْفت ْ‬
‫ْ‬ ‫وتزاحـف الصـفوف‪ ,‬وهـي الحالة التـي قال ال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫وأذن بالصلة المكتوبة فيها راكبا إيماء بالركوع والسجود على نحو ما روي عن ابن عباس‬
‫من تأويله ذلك‪.‬‬
‫أنـ‬
‫ُناحـ ْ‬
‫ُمـ ج ٌ‬
‫ْسـ عََل ْيك ْ‬
‫ْضـ فََلي َ‬
‫ُمـ ف ِي الر ِ‬
‫وإنمـا قلنـا ذلك أولى التأويلت بقوله‪{ :‬وَإذَا ضَ َر ْبت ْ‬
‫تَقْصُـرُوا مِنَـ الصـّلةِ إن ْـ خِ ْفتُم ْـ أن ْـ َي ْف ِت َنكُمُـ اّلذِينَـ كَ َفرُوا} لدللة قول ال تعالى‪{ :‬فإذَا اطْمأْ َن ْنتُم ْـ‬
‫فَأقِيمُوا ال صّلةَ} على أن ذلك كذلك ‪ ¹‬لن إقامت ها إتمام حدود ها من الركوع وال سجود و سائر‬
‫فروضها دون الزيادة في عددها التي لم تكن واجبة في حال الخوف‪.‬‬
‫فإن ظنّـ ظانّـ أن ذلك أمـر من ال باتمام عددهـا الواجـب عليـه فـي حال المـن بعـد زوال‬
‫الخوف‪ ,‬فقد يجب أن يكون المسافر في حال قصره صلته عن صلة المقيم غير مقيم صلته‬
‫لن قص عدد صلته من الر بع اللز مة كا نت له في حال إقام ته إلى الركعت ين‪ ,‬فذلك قول إن‬
‫قاله قائل مخالف لما عليه المة مجمعة من أن المسافر ل يستحقّ أن يقال له‪ :‬إذا أتى بصلته‬
‫بكمال حدودها المفروضة عليه فيها‪ ,‬وقصر عددها عن أربع إلى اثنتين أنه غير مقيم صلته‪.‬‬
‫وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان ال تعالى قد أمر الذي أباح له أن يقصر صلته خوفا من عدوّه أن‬
‫يفتنه‪ ,‬أن يقيم صلته إذا اطمأ نّ وزال الخوف‪ ,‬كان معلوما أن الذي فرض عليه من إقامة ذلك‬
‫في حال الطمأني نة‪ ,‬عين الذي كان أ سقط عنه في حال الخوف‪ ,‬وإذ كان الذي فرض عليه في‬
‫حال الطمأنينة إقامة صلته‪ ,‬فالذي أسقط عنه في غير حال الطمأنينة ترك إقامتها‪ .‬وقد دللنا‬
‫على أن ترك إقامتها‪ ,‬إنما هو ترك حدودها على ما بينا‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت َلهُ مُ ال صّلَةَ فَ ْلتَقُ مْ طَآئِفَ ٌة ّم ْنهُ مْ ّمعَ كَ‬
‫ت فِيهِ مْ فََأ َقمْ َ‬
‫{وَِإذَا كُن َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سجَدُو ْا فَ ْل َيكُونُو ْا مِن َورَآ ِئكُمْ وَ ْل َتأْتِ طَآئِفَ ٌة ُأخْ َرىَ لَمْ يُصَلّو ْا فَ ْليُصَلّواْ َمعَكَ‬
‫ح َتهُمْ َفِإذَا َ‬
‫خذُوَ ْا أَسِْل َ‬
‫وَ ْل َي ْأ ُ‬
‫ح ِتكُمْ وََأ ْم ِت َع ِتكُ مْ َفيَمِيلُو نَ عََل ْيكُ مْ‬
‫ن كَ َفرُو ْا لَ ْو َتغْفُلُو نَ عَ نْ أَ سِْل َ‬
‫ح َت ُهمْ َو ّد اّلذِي َ‬
‫حذْرَهُ مْ وَأَ سِْل َ‬
‫خذُو ْا ِ‬
‫وَ ْل َي ْأ ُ‬
‫ح َت ُكمْ‬
‫ضعُوَاْ أَ سِْل َ‬
‫ضىَ أَن َت َ‬
‫طرٍ َأوْ كُنتُ مْ ّمرْ َ‬
‫ن ِبكُ مْ َأذًى مّن مّ َ‬
‫جنَا حَ عََل ْيكُ مْ إِن كَا َ‬
‫ل ُ‬
‫حدَةً َو َ‬
‫ّميْلَةً وَا ِ‬
‫عذَابا ّمهِينا }‪..‬‬
‫عدّ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫ح ْذرَ ُكمْ ِإنّ الّلهَ َأ َ‬
‫خذُو ْا ِ‬
‫َو ُ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وإذا كنت في الضاربين في الرض من أصحابك يا محمد الخائفين‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫عدوّهم أن يفتنهم‪{ ,‬فَأ َقمْتَ َلهُمُ الصّلةَ} يقول‪ :‬فأقمت لهم الصلة بحدودها وركوعها وسجودها‪,‬‬
‫ولم تقصرها القصر الذي أبحت لهم أن يقصروها في حال تلقيهم وعدوّهم وتزاحف بعضهم‬
‫على ب عض‪ ,‬من ترك إقا مة حدود ها وركوع ها و سجودها و سائر فروض ها‪{ ,‬فَ ْلتَقُ مْ طائِفَةٌ ِم ْنهُ مْ‬
‫َمعَ كَ} يعني‪ :‬فلتقم فرقة من أصحابك الذين تكون أنت فيهم معك في صلتك‪ ,‬وليكن سائرهم‬
‫في وجوه العدوّ‪ .‬وترك ذكر ما ينبغي لسائر الطوائف غير المصلية مع النبيّ صلى ال عليه‬
‫وسـلم أن يفعله لدللة الكلم المذكور على المراد بـه والسـتغناء بمـا ذكـر عمـا ترك ذكره‪.‬‬
‫ح َت ُهمْ}‪.‬‬
‫خذُوا أسِْل َ‬
‫{وَ ْل َي ْأ ُ‬
‫واختلف أهل التأويل في الطائفة المأمورة بأخذ السلح‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هي الطائفة التي كانت‬
‫خذُوا} يقول‪ :‬ولتأخـذ‬
‫تصـلي مـع رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬قال‪ :‬ومعنـى الكلم‪{ :‬وَل ْي ْأ ُ‬
‫الطائفة المصلية معك من طوائفهم {أ سِْلحَ َت ُهمْ}‪ ,‬والسلح الذي أمروا بأخذه عندهم في صلتهم‬
‫كالسيف يتقلده أحدهم والسكين والخنجر يشدّه إلى درعه وثيابه التي هي عليه ونحو ذلك من‬
‫سلحه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الطائفة المأمورة بأخذ السلح منهم‪ ,‬الطائفة التي كانت بازاء العدوّ ودون‬
‫المصلية مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ¹‬وذلك قول ابن عباس‪.‬‬
‫‪8266‬ـ حدثني بذلك المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫جدُوا} يقول‪ :‬فإذا سـجدت الطائفـة التـي قامـت معـك فـي صـلتك تصـلي‬
‫ابـن عباس‪{ :‬فإذَا س َـ َ‬
‫بصلتك‪ ,‬ففرغت من سجودها‪.‬‬
‫{ف ْليَكُونُوا ِم نْ َورَائِكُ مْ} يقول‪ :‬فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدوّ في‬
‫ل معك ولم تدخل معك في صلتك‪.‬‬
‫المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تص ّ‬
‫ثـم اختلف أهـل التأويـل فـي تأويـل قوله‪{ :‬فإذَا سَـجَدُوا فَ ْل َيكُونُوا مِن ْـ َورَا ِئكُمـْ} فقال بعضهـم‪:‬‬
‫تأويله‪ :‬فإذا صلوا ففرغوا من صلتهم فليكونوا من ورائكم‪.‬‬
‫ثـم اختلف أهـل هذه المقالة‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬إذا صـلت هذه الطائفـة مـع المام ركعـة‪ ,‬سـلمت‬
‫وانصرفت من صلتها حتى تأتي مقام أصحابها بازاء العدوّ ول قضاء عليها‪ ,‬وهم الذين قالوا‪:‬‬
‫ن الصّلةِ}‪ :‬أن تجعلوها إذا خفتم الذين كفروا‬
‫صرُوا مِ َ‬
‫عنى ال بقوله‪{ :‬فََليْسَ عََل ْيكُمْ جُناحٌ أنْ َتقْ ُ‬
‫أن يفتنوكم ركعة‪ .‬ورووا عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنه صلى بطائفة صلة الخوف ركعة‬
‫ولم يقضوا‪ ,‬وبطائ فة أخرى رك عة ولم يقضوا‪ .‬و قد ذكر نا ب عض ذلك في ما م ضى وفي ما ذكر نا‬
‫كفاية عن استيعاب ذكر جميع ما فيه‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬بل الواجب كان على هذه الطائفة التي أمرها ال بالقيام مع نبيها إذا أراد‬
‫إقا مة ال صلة ب هم في حال خوف العد ّو إذا فر غت من ركعت ها ال تي أمر ها ال أن ت صلي مع‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم على ما أمرها به في كتابه أن تقوم في مقامها الذي صلت فيه مع‬
‫ف أصحابها‪,‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتصلى لنفسها بقية صلتها وتسلم‪ ,‬وتأتي مصا ّ‬
‫وكان على النبيّ صلى ال عليه وسلم أن يثبت قائما في مقامه حتى تفرغ الطائفة التي صلت‬
‫معه الركعة الولى من بقية صلتها‪ ,‬إذا كانت صلتها التي صلت معه مما يجوز قصر عددها‬
‫عن الواجب الذي على المقيمين في أمن‪ ,‬وتذهب إلى مصافّ أصحابها‪ ,‬وتأتي الطائفة الخرى‬
‫التي كانت مصافة عدوّها‪ ,‬فيصلي بها ركعة أخرى من صلتها‪.‬‬
‫ثم هم في حكم هذه الطائفة الثانية مختلفون‪ ,‬فقالت فرقة من أهل هذه المقالة‪ :‬كان على النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا فرغ من ركعت يه ورفع رأسه من سجوده من ركع ته الثان ية أن يقعد‬
‫للتشهد‪ ,‬وعلى الطائفة التي صلت معه الركعة الثانية ولم تدرك معه الركعة الولى لشتغالها‬
‫بعدوّ ها أن تقوم فتقضى ركعتها الفائتة مع النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وعلى النبيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم انتظار ها قاعدا في تشهده ح تى تفرغ هذه الطائ فة من ركعت ها الفائ تة وتتش هد‪ ,‬ثم‬
‫يسلم بهم‪.‬‬
‫وقالت فرقة أخرى منهم‪ :‬بل كان الواجب على الطائفة التي لم تدرك معه الركعة الولى إذا‬
‫ي صلى‬
‫قعد النبيّ صلى ال عليه وسلم للتشهد أن تقعد معه للتشهد فتتشهد بتشهده‪ ,‬فإذا فرغ النب ّ‬
‫ال عليه وسلم من تشهده سلم‪ ,‬ثم قامت الطائفة التي صلت معه الركعة الثانية حينئذ‪ ,‬فقضت‬
‫ركعت ها الفائ تة‪ .‬وكلّ قائل من الذ ين ذكر نا قول هم روى عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫أخبارا كما قال فعل‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬انتظر النبيّ صلى ال عليه وسلم الطائفتين حتى قضت صلتهما ولم يخرج‬
‫من صلته إل بعد فراغ الطائفتين من صلتهما‪:‬‬
‫‪8267‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مالك‪ ,‬عن يزيد بن‬
‫رومان‪ ,‬عن صالح بن خوّات‪ ,‬ع من صلى مع ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم صلة الخوف يوم‬
‫ذات الرقاع‪ :‬أن طائفة صفت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وطائفة وجاه العدوّ‪ ,‬فصلى‬
‫بالذين معه ركعة‪ ,‬ثم ثبت قائما فأتموا لنفسهم‪ ,‬ثم جاءت الطائفة الخرى فصلى بهم‪ ,‬ثم ثبت‬
‫جالسا‪ ,‬فأتموا لنفسهم‪ ,‬ثم سلم بهم‪.‬‬
‫‪ 8268‬ـ حدث ني مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬ث ني عب يد ال بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫شعبة‪ ,‬عن عبد الرحمن بن القاسم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن صالح بن خوّات‪ ,‬عن سهل بن أبي حثمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬صلى النبيّ صلى ال عليه وسلم بأصحابه في خوف‪ ,‬فجعلهم خلفه صفين‪ ,‬فصلى بالذين‬
‫يلو نه رك عة‪ ,‬ثم قام فلم يزل قائ ما ح تى صلى الذ ين خل فه رك عة‪ ,‬ثم تقدم وتخلف الذ ين كانوا‬
‫قدامهم‪ ,‬فصلى بهم ركعة‪ ,‬ثم جلس حتى صلى الذين تخلفوا ركعة‪ ,‬ثم سلم‪.‬‬
‫حدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عبد الرحمن بن القاسم‪ ,‬عن‬
‫أبيه‪ ,‬عن صالح بن خوّات‪ ,‬عن سهل بن أبي حثمة‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫ن خَلَفَ ُه رَ ْكعَةً‬
‫ي الما مِ وَطائِفَ ٌة خَلْفَ هُ‪ ,‬فَيُ صَلّي باّلذِي َ‬
‫قال في صلة الخوف‪« :‬تَقُو مُ طائِفَ ٌة بي نَ َيدَ ِ‬
‫ن أ صحَابِ ِهمْ‪ ,‬ثُ مّ‬
‫جدَ َتيْنِ‪ ,‬ثُ مّ َي َتحَوّلُو نَ إلى مَكا ِ‬
‫سْ‬‫ن ثُ مّ يَ ْق ُعدُ مَكانَ هُ ح تى يَ ْقضُوا َر ْكعَةً وَ َ‬
‫سجْ َد َتيْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫جدَ َتيْنِ‪ ,‬ثُ مّ يَ ْق ُعدُ مَكانَ ُه حتى يُ صَلّوا َر ْكعَةً‬
‫سْ‬‫ن هَؤُلءِ‪َ ,‬فيُ صَلّي ِبهِ مْ ر ْكعَةً وَ َ‬
‫َي َتحَوّلُ أُوَلئِ كَ إلى مَكا ِ‬
‫ج َد َتيْنِ ُثمّ ُيسَّلمُ»‪.‬‬
‫سْ‬‫َو َ‬
‫ذكر من قال‪ :‬كانت الطائفة الثانية تقعد مع النبيّ صلى ال عليه وسلم حتى يفرغ النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم من صلته‪ ,‬ثم تقضي ما بقي عليها بعد‪:‬‬
‫‪8269‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت يحيـى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫القاسم‪ ,‬قال‪ :‬ثني صالح بن خوّات بن جبير أن سهل بن أبي حثمة حدثه‪ :‬أن صلة الخوف أن‬
‫يقوم المام إلى القبلة ي صلي وم عه طائ فة من أ صحابه‪ ,‬وطائ فة أخرى مواج هة العد ّو في صلي‪,‬‬
‫فير كع المام بالذ ين م عه‪ ,‬وي سجد ثم يقوم‪ ,‬فإذا ا ستوى قائ ما ر كع الذ ين وراءه لنف سهم رك عة‬
‫وسـجدتين‪ ,‬ثـم سـلموا فانصـرفوا والمام قائم فقاموا إزاء العدوّ‪ ,‬وأقبـل الَخرون فكـبروا مكان‬
‫المام‪ ,‬فركع بهم المام وسجد ثم سلم‪ ,‬فقاموا فركعوا لنفسهم ركعة وسجدتين ثم سلموا‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫محمد أن صالح بن خوّات أخبره عن سهل بن أبي حثمة في صلة الخوف‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيــى بـن سـعيد وسـأله‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيــى بـن سـعيد‬
‫النصاريّ‪ ,‬عن القاسم بن محمد‪ ,‬عن صالح‪ ,‬عن سهل بن أبي حثمة في صلة الخوف‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يقوم المام م ستقبل القبلة‪ ,‬وتقوم طائ فة من هم م عه وطائ فة من ق بل العدوّ وجوه هم إلى العدوّ‪,‬‬
‫فيركع بهم ركعة‪ ,‬ثم يركعون لنفسهم ويسجدون سجدتين في مكانهم‪ ,‬ويذهبون إلى مقام أولئك‬
‫ويج يء أولئك فير كع ب هم رك عة وي سجد سجدتين ‪ ¹‬ف هي له ركعتان ول هم واحدة‪ ,‬ثم يركعون‬
‫ركعة ويسجدون سجدتين‪.‬‬
‫قال بندار‪ :‬سألت يحيـى بن سعيد عن هذا الحديث‪ ,‬فحدثني عن شعبة‪ ,‬عن عبد الرحمن بن‬
‫القاسم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن صالح بن خوّات‪ ,‬عن سهل بن أبي حثمة‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫بم ثل حد يث يحي ـى بن سعيد‪ ,‬وقال لي‪ :‬اكت به إلى جن به‪ ,‬فل ست أحف ظه‪ ,‬ولك نه م ثل حد يث‬
‫يحيـى بن سعيد‪.‬‬
‫‪ 8270‬ـ حدثنا نصر بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن القا سم بن‬
‫محمد بن أبي بكر‪ ,‬عن صالح بن خوّات‪ :‬أن المام يقوم فيصف صفين‪ ,‬طائفة مواجهة العدوّ‪,‬‬
‫وطائفة خلف المام‪ ,‬فيصلي المام بالذين خلفه ركعة‪ ,‬ثم يقومون فيصلون لنفسهم ركعة‪ ,‬ثم‬
‫يسلمون‪ ,‬ثم ينطلقون فيصفون‪ ,‬ويجيء الَخرون فيصلي بهم ركعة‪ ,‬ثم يسلم فيقومون‪ ,‬فيصلون‬
‫لنفسهم ركعة‪.‬‬
‫‪ 8271‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معت مر بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبيد ال‪,‬‬
‫عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوّات‪ ,‬عن رجل من أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫أنـه قال‪ :‬صـلة الخوف أن تقوم طائفـة مـن خلف المام‪ ,‬وطائفـة يلون العدوّ‪ ,‬فيصـلي المام‬
‫بالذيـن خلفـه ركعـة‪ ,‬ويقوم قائمـا فيصـلي القوم إليهـا ركعـة أخرى‪ ,‬ثـم يسـلمون فينطلقون إلى‬
‫أ صحابهم‪ ,‬ويج يء أصحابهم والمام قائم‪ ,‬فيصلي بهم ركعة فيسلم‪ ,‬ثم يقومون في صلون إلي ها‬
‫ركعة أخرى‪ ,‬ثم ينصرفون‪ .‬قال عبيد ال‪ :‬فما سمعت فيما نذكره في صلة الخوف شيئا هو‬
‫أحسن عندي من هذا‪.‬‬
‫‪8272‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ت َلهُ مُ ال صّلةَ فَ ْلتَقُ ْم طائ َفةٌ ِم ْنهُ مْ َمعَ كَ} فهذا عند الصلة‬
‫ت فِيهِ مْ فَأ َقمْ َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإذَا ُكنْ َ‬
‫في الخوف يقوم المام وتقوم م عه طائ فة من هم‪ ,‬وطائ فة يأخذون أ سلحتهم‪ ,‬ويقفون بازاء العدوّ‪,‬‬
‫فيصـلي المام بمـن معـه ركعـة‪ ,‬ثـم يجلس على هيئتـه‪ ,‬فيقوم القوم فيصـلون لنفسـهم الركعـة‬
‫الثان ية والمام جالس‪ ,‬ثم ين صرفون ح تى يأتوا أ صحابهم‪ ,‬فيقفون موقف هم‪ ,‬ثم يق بل الَخرون‬
‫فيصلي بهم المام الركعة الثانية‪ ,‬ثم يسلم فيقوم القوم فيصلون لنفسهم الركعة الثانية ‪ ¹‬فهكذا‬
‫صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم بطن نخلة‪.‬‬
‫جدُوا فَ ْل َيكُونُوا مِ نْ َورَا ِئكُ مْ} فإذا سجدت الطائ فة ال تي‬
‫سَ‬‫وقال آخرون‪ :‬بل تأو يل قوله‪{ :‬فإذَا َ‬
‫قامت مع النبيّصلى ال عليه وسلم حين دخل في صلته‪ ,‬فدخلت معه في صلته السجدة الثانية‬
‫من ركعتها الولى فليكونوا من ورائكم‪ ,‬يعني‪ :‬من ورائك يا محمد ووراء أصحابك الذين لم‬
‫يصلوا بإزاء العدوّ‪ .‬قالوا‪ :‬وكانت هذه الطائفة ل تسلم من ركعتها إذا هي فرغت من سجدتي‬
‫ركعتها التي صلت مع النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ولكنها تمضي إلى موقف أصحابها بازاء‬
‫العدوّ وعلي ها بق ية صلتها‪ .‬قالوا‪ :‬وكا نت تأ تي الطائ فة الخرى ال تي كا نت بازاء العد ّو ح تى‬
‫تدخل مع النبيّ صلى ال عليه وسلم في بقية صلته‪ ,‬فيصلي بهم النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫خرَى‬
‫ت طائ َفةٌ ُأ ْ‬
‫الرك عة ال تي كا نت قد بق يت عل يه‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك مع نى قول ال عزّ ذكره‪{ :‬وَ ْل َتأْ ِ‬
‫ح َتهُمْ}‪.‬‬
‫ح ْذرَ ُهمْ وأسِْل َ‬
‫خذُوا ِ‬
‫َلمْ ُيصَلّوا فَ ْل ُيصَلّوا َم َعكَ وَ ْل َي ْأ ُ‬
‫ثم اختلف أهل هذه المقالة في صفة قضاء ما كان يبقى على كل طائفة من هاتين الطائفتين‬
‫من صلتها ب عد فراغ ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم من صلته و سلمه من صلته على قول‬
‫قائلي هذه المقالة ومتأوّلي هذا التأويل ‪ ¹‬فقال بعضهم‪ :‬كانت الطائفة الثانية التي صلت مع النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم الركعة الثانية من صلتها إذا سلم النبيّ صلى ال عليه وسلم من صلته‬
‫فقامت فقضت ما فاتها من صلتها مع النبيّ صلى ال عليه وسلم في مقامها بعد فراغ النبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم من صلته‪ ,‬والطائفة التي صلت مع النبيّ صلى ال عليه وسلم الركعة‬
‫الولى بإزاء العد ّو بعد لم تتم صلتها‪ ,‬فإذا هي فرغت من بقية صلتها التي فاتتها مع النبيّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم م ضت إلى م صافّ أ صحابها بإزاء العدوّ‪ ,‬وجاءت الطائ فة الولى ال تي‬
‫صلت مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الرك عة الولى إلى مقام ها ال تي كا نت صلت ف يه‬
‫خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضت بقية صلتها‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 8273‬ـ حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا خصيف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبيدة بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم صلة الخوف فقا مت طائ فة م نا خل فه‪ ,‬وطائ فة بإزاء ـ أو م ستقبلي العدوّ‪.‬‬
‫ف صلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم بالذ ين خل فه رك عة‪ ,‬ثم نك صوا فذهبوا إلى مقام أ صحابهم‪,‬‬
‫وجاء الَخرون فقاموا خلف النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فصلى بهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم رك عة‪ ,‬ثم سلم ر سول ال‪ ,‬ثم قام هؤلء ف صلوا لنف سهم رك عة‪ ,‬ثم ذهبوا فقاموا مقام‬
‫أصحابهم مستقبلي العدوّ‪ ,‬ورجع الَخرون إلى مقامهم فصلوا لنفسهم ركعة‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خصيف‪ ,‬عن أبي عبيدة‪ ,‬عن عبد ال‪,‬‬
‫قال‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الخوف‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدث نا تم يم بن المنت صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شر يك‪ ,‬عن خ صيف‪ ,‬عن أ بي‬
‫عبيدة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانت الطائفة الثانية التي صلت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم الركعة‬
‫الثانية ل تقضي بقية صلتها بعد ما يسلم رسول ال صلى ال عليه وسلم من صلته‪ ,‬ولكنها‬
‫كانت تمضي قبل أن تقضي بقية صلتها‪ ,‬فت قف موقف أصحابها الذين صلوا مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم الركعة الولى‪ ,‬وتجيء الطائفة الولى إلى موقفها الذي صلت فيه ركعتها‬
‫الولى مع رسول ال فتقضي ركعتها التي كانت بقيت عليها من صلتها‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬كانت‬
‫تقضي تلك الركعة بغير قراءة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كانت تقضي بقراءة‪ ,‬فإذا قضت ركعتها الباقية عليها هنالك وسلمت مضت‬
‫إلى م صاف أ صحابها بإزاء العدوّ‪ ,‬وأقبلت الطائ فة ال تي صلت مع ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم الرك عة الثان ية إلى مقام ها الذي صلت ف يه مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الرك عة‬
‫الثانية من صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقضت الركعة الثانية من صلتها بقراءة‪,‬‬
‫فإذا فرغت وسلمت انصرفت إلى أصحابها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8274‬ـ حدثني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيم‬
‫في صلة الخوف‪ ,‬قال‪ :‬يصف صفّا خلفه وصفّا بازاء العد ّو في غير مصله‪ ,‬فيصلي بالصفّ‬
‫الذي خل فه رك عة‪ ,‬ثم يذهبون إلى م صاف أولئك‪ ,‬وجاء أولئك الذ ين بازاء العدوّ في صلي ب هم‬
‫ل صفّ ركعة‪ ,‬ثم قام هؤلء الذين سلم‬
‫ركعة‪ ,‬ثم يسلم عليهم‪ ,‬وقد صلى هو ركعتين‪ ,‬وصلى ك ّ‬
‫علي هم إلى م صاف أولئك الذ ين بإزاء العدوّ‪ ,‬فقاموا مقام هم‪ ,‬وجاءوا فقضوا الرك عة‪ ,‬ثم ذهبوا‬
‫فقاموا مقام أولئك الذين بازاء العدوّ‪ ,‬وجاء أولئك فصلوا ركعة‪ .‬قال سفيان‪ :‬فيكون لكل إنسان‬
‫ركعتان ركعتان‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مهران‪ ,‬وحدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد جميعا‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان إبراهيم يقول في صلة الخوف‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫‪ 8275‬ـ حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن عمر‬
‫بن الخطاب‪ ,‬مثل ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كلّ طائ فة من الطائفت ين تق ضي صلتها على ما أمكن ها من غ ير تضي يع‬
‫منهم بعضها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8276‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن يونس بن عبيد‪ ,‬عن الحسن‪ :‬أن‬
‫أبا موسى الشعري صلى بأصحابه صلة الخوف بأصبهان إذ غزاها‪ ,‬قال‪ :‬فصلى بطائفة من‬
‫القوم رك عة‪ ,‬وطائ فة تحرس‪ ,‬فن كص هؤلء الذ ين صلى ب هم رك عة وخلف هم الَخرون‪ ,‬فقاموا‬
‫ل طائفة فصلت ركعة‪.‬‬
‫مقامهم‪ ,‬فصلى بهم ركعة‪ ,‬ثم سلم‪ ,‬فقامت ك ّ‬
‫حدث نا عمران بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس‪ ,‬عن الح سن‪,‬‬
‫عن أبي موسى‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫‪8277‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي‬
‫العالية ويونس بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬صلى أبو موسى الشعري بأصحابه بأصبهان‪ ,‬وما بهم يومئذ‬
‫ب أن يعلمهم صلتهم‪ ,‬فصفهم صفين‪ ,‬صفّا خلفه وصفّا مواجهة العد ّو مقبلين‬
‫خوف‪ ,‬ولكنه أح ّ‬
‫على عدوّهم‪ ,‬فصلى بالذين يلونه ركعة‪ ,‬ثم ذهبوا إلى مصافّ أصحابهم‪ ,‬وجاء أولئك فصفهم‬
‫خلفه‪ ,‬فصلى بهم ركعة‪ ,‬ثم سلم فقضى هؤلء ركعة وهؤلء ركعة‪ ,‬ثم سلم بعضهم على بعض‪,‬‬
‫فكانت للمام ركعتين في جماعة ولهم ركعة ركعة‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬عن أبي‬
‫موسى مثله‪.‬‬
‫‪ 8278‬ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‬
‫أ نه قال في صلة الخوف‪ :‬ي صلي طائ فة من القوم رك عة‪ ,‬وطائ فة تحرس‪ ,‬ثم ينطلق هؤلء‬
‫الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم‪ ,‬ثم يجيء أولئك فيصلي بهم ركعة‪ ,‬ثم يسلم‬
‫فتقوم كل طائفة فتصلي ركعة‪.‬‬
‫حدثنا نصر بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫حدثني عمران بن بكار الكلعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عياش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبيد ال عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه صلى صلة‬
‫الخوف‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنـا سـعيد بـن يحيــى الموي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬أخـبرني‬
‫الزهري‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن ا بن ع مر أ نه كان يحدّث‪ :‬أ نه صلى مع ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن ابن‬
‫عمر عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عبد ال بن نافع‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫سجْدَةً‬
‫ن َ‬
‫جدُو َ‬
‫سُ‬‫س فَيَ ْ‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف‪« :‬يَقُو ُم المِيرُ وَطائِفَةٌ ِم نَ النّا ِ‬
‫ن ال َعدْوّ» ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫ن طائِ َفةٌ ِم ْن ُهمْ َب ْي َنهُمْ وبي َ‬
‫حدَةً‪َ ,‬و َتكُو ُ‬
‫وَا ِ‬
‫حدث نا مح مد بن هارون الحر بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو المغيرة الحم صي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الوزا عي‪,‬‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم صلى صلة‬
‫عن أيوب بن مو سى‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن ع مر‪ ,‬أن ال نب ّ‬
‫الخوف بإحدى الطائفتين ركعة‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫‪ 8279‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ت َلهُ مُ ال صّلةَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬فَ ْليُ صَلّوا َمعَ كَ} فإنه كانت‬
‫ت فِيهِ مْ فَأقَمْ َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإذَا ُكنْ َ‬
‫تأ خذ طائ فة من هم ال سلح فيقبلون على العدوّ‪ ,‬والطائ فة الخرى ي صلون مع المام رك عة ثم‬
‫يأخذون أ سلحتهم‪ ,‬في ستقبلون العدوّ‪ ,‬وير جع أ صحابهم في صلون مع المام رك عة فيكون للمام‬
‫ركعتان ولسائر الناس ركعة واحدة‪ ,‬ثم يقضون ركعة أخرى‪ ,‬وهذا تمام الصلة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل نزلت هذه الَيـة فـي صـلة الخوف‪ ,‬والعد ّو يومئذ فـي ظهـر القبلة بيـن‬
‫الم سلمين وب ين القبلة‪ ,‬فكا نت ال صلة التي صلى بهم يومئذ النبيّ صلى ال عل يه وسلم صلة‬
‫الخوف‪ ,‬إذ كان العد ّو بين المام والقبلة‪ .‬ذكر الخبار المنقولة بذلك‪:‬‬
‫‪ 8280‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬ثني يونس بن بكير‪ ,‬عن النضر أبي عمر‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاة‪ ,‬فلقي المشركين بعسفان‪ ,‬فلما‬
‫صلى الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه‪ ,‬قال بعضهم لبعض يومئذ‪ :‬كان فرصة لكم لو‬
‫أغر تم علي هم ما علموا ب كم ح تى تواقعو هم‪ ,‬قال قائل من هم‪ :‬فإن ل هم صلة أخرى هي أح بّ‬
‫ل على نبيه عليه‬
‫إليهم من أهلهم وأموالهم‪ ,‬فاستعدّوا حتى تغيروا عليهم فيها! فأنزل ال عزّ وج ّ‬
‫ال صلة والسلم‪{ :‬وَإذَا ُكنْ تَ فِيهِ مْ فَأ َقمْ تَ َلهُ مُ ال صّلةَ}‪ ...‬إلى آخر الَ ية‪ ,‬وأعلمه ما ائت مر به‬
‫المشركون‪ .‬فل ما صلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الع صر وكانوا قبال ته في القبلة فج عل‬
‫الم سلمين خل فه صفين ف كبر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف كبروا جمي عا‪ ,‬ثم ر كع وركعوا‬
‫م عه جمي عا ‪ ¹‬فل ما سجد سجد م عه ال صفّ الذ ين يلو نه‪ ,‬وقام ال صفّ الذ ين خفل هم مقبل ين على‬
‫العد ّو‪ ¹‬فلما فرغ رسول ال صلى ال عليه وسلم من سجوده وقام‪ ,‬سجد الصفّ الثاني‪ ,‬ثم قاموا‬
‫وتأخـر الذيـن يلون رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وتقدّم الَخرون‪ ,‬فكانوا يلون رسـول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلما ركع ركعوا معه جميعا‪ ,‬ثم رفع فرفعوا معه‪ ,‬ثم سجد فسجد معه‬
‫الذ ين يلو نه‪ ,‬وقام ال صفّ الثا ني مقبل ين على العدوّ‪ ,‬فلما فرغ ر سول ال صلى ال عل يه وسلم‬
‫من سجوده‪ ,‬وقعد الذين يلونه سجد الصفّ المؤخر ثم قعدوا‪ ,‬فتشهدوا مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم جميعا‪ ,‬فلما سلم رسول ال صلى ال عليه وسلم سلم عليهم جميعا‪ ,‬فلما نظر إليهم‬
‫المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم‪ ,‬قالوا‪ :‬لقد أخبروا بما أردنا!‬
‫‪ 8281‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح كم بن بش ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن ذرّ‪ ,‬قال‪ :‬ث ني‬
‫مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬كان ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم بعُ سفان‪ ,‬والمشركون بضَجنان‪ ,‬بالماء الذي يلي‬
‫م كة‪ ,‬فلما صلى النبيّ صلى ال عليه وسلم الظ هر فرأوه سجد وسجد الناس‪ ,‬قالوا‪ :‬إذا صلى‬
‫صلة بعد هذه أغرنا عليه! فحذّره ال ذلك‪ ,‬فقام النبيّ صلى ال عليه وسلم في الصلة‪ ,‬فكبر‬
‫وكبر الناس معه‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫‪ 8282‬ـ حدثني عمران بن بكار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عياش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أ خبرني عب يد ال بن عمر‪ ,‬عن أ بي الزب ير‪ ,‬عن جابر بن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬كنت مع ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلقينا المشركين ب َنخْل‪ ,‬فكانوا بيننا وبين القبلة‪ ,‬فلما حضرت الظهر صلى‬
‫ب نا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ون حن جم يع‪ ,‬فل ما فرغ نا تذا مر المشركون فقالوا‪ :‬لو ك نا‬
‫ب إليهم‬
‫حملنا عليهم وهم يصلون‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬فإن لهم صلة ينتظرونها تأتي الَن هي أح ّ‬
‫من أبنائ هم‪ ,‬فإذا صلوا فميلوا علي هم! قال‪ :‬فجاء جبر يل إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫بال خبر وعل مه ك يف ي صلي‪ ,‬فل ما حضرت الع صر قام نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم م ما يلي‬
‫العدوّ‪ ,‬وقمنا خلفه صفين‪ ,‬فكبر نبيّ ال وكبرنا معه جميعا‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثني محمد بن مع مر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن مسعدة‪ ,‬عن هشام بن أبي عبد ال‪ ,‬عن أبي‬
‫الزبير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنحوه‪.‬‬
‫حدث نا مؤ مل بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيل بن إبراه يم‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن أ بي الزب ير‪ ,‬عن‬
‫جابر‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫‪ 8283‬ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫عن مجا هد‪ ,‬عن أ بي عياش ال ّزرَ قي‪ ,‬قال‪ :‬ك نا مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بعُ سفان‪,‬‬
‫فصلي بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الظهر وعلى المشركين خالد بن الوليد‪ ,‬فقال‬
‫المشركون‪ :‬لقد أصبنا منهم غرّة! ولقد أصبنا منهم غفلة! فأنزل ال صلة الخوف بين الظهر‬
‫والعصر‪ ,‬فصلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة العصر‪ ,‬يعني فرقتين‪ :‬فرقة تصلى‬
‫مع النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وفرقة تصلى خلفهم يحرسونهم‪ ,‬ثم كبر فكبروا جميعا وركعوا‬
‫جميعا‪ ,‬ثم سجد بالذين يلون رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم قام فتقدم الَخرون فسجدوا‪ ,‬ثم‬
‫قام فركع بهم جميعا‪ ,‬ثم سجد بالذين يلونه حتى تأخر هؤلء فقاموا في مصافّ أصحابهم‪ ,‬ثم‬
‫تقدم الَخرون فسجدوا‪ ,‬ثم سلم عليهم ‪ ¹‬فكانت لكلهم ركعتين مع إمامهم‪ .‬وصلى مرّة أخرى في‬
‫أرض بني سليم‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬فتأويـل الَيـة على قول هؤلء الذيـن قالوا هذه المقالة‪ ,‬ورووا هذه الروايـة‪:‬‬
‫‪¹‬‬ ‫وإذا كنت يا محمد فيهم‪ ,‬يعني في أصحابك خائفا‪ ,‬فأقمت لهم الصلة‪ ,‬فلتقم طائفة منهم معك‬
‫جدُوا}‪ ,‬يقول‪ :‬فإذا سجدت هذه الطائ فة ب سجودك‪,‬‬
‫سَ‬‫يع ني م من د خل م عك في صلتك‪{ ,‬فإذَا َ‬
‫ورف عت رءو سها من سجودها {فَ ْل َيكُونُوا مِ نْ َورَا ِئكُ مْ} يقول‪ :‬فلي صر من خل فك‪ ,‬خلف الطائ فة‬
‫خرَى لم يُ صَلّوا} يع ني‬
‫ت طَائِفَةٌ ُأ ْ‬
‫ال تي حر ستك وإيا هم إذا سجدت ب هم و سجدوا م عك‪{ .‬و ْل َتأْ ِ‬
‫الطائ فة الحار سة ال تي صلت م عه غ ير أن ها لم ت سجد ب سجوده‪ ,‬فمع نى قوله‪{ :‬لَم يُ صَلّوا} على‬
‫مذ هب هؤلء‪ :‬لم ي سجدوا ب سجودك‪{ :‬فَ ْليُ صَلّوا َمعَ كَ} يقول‪ :‬فلي سجدوا ب سجودك إذا سجدت‪,‬‬
‫ح َتهُمْ} يعني‬
‫ح ْذرَهُمْ وأسِْل َ‬
‫خذُوا ِ‬
‫ويحرسك وإياهم الذين سجدوا بسجودك في الركعة الولى‪{ .‬وَلْي ْأ ُ‬
‫الحارسة‪.‬‬
‫وأولى القوال ال تي ذكرنا ها بتأو يل الَ ية قول من قال مع نى ذلك‪ :‬فإذا سجدت الطائ فة التي‬
‫قامت معك في صلتها‪{ ,‬فَ ْل َيكُونُوا ِم نْ َورَا ِئكُ مْ} يعني من خلفك وخلف من يدخل في صلتك‬
‫ل م عك الرك عة الولى بإزاء العدوّ ب عد فراغ ها من بق ية صلتها‪{ ,‬و ْل َتأْ تِ طَائِفةٌ‬
‫م من لم ي ص ّ‬
‫خرَى} و هي الطائ فة ال تي كا نت بازاء العد ّو لم ي صلوا‪ ,‬يقول‪ :‬لم ي صلوا م عك الرك عة الولى‬
‫ُأ ْ‬
‫ح َتهُمْ}‬
‫ح ْذرَهُ مْ وأَ سِْل َ‬
‫{فلْيُ صَلّوا َمعَ كَ} يقول‪ :‬فلي صلوا م عك الرك عة ال تي بق يت عل يك‪{ .‬و ْل َي ْأخُذُوا ِ‬
‫لقتال عدوّهم بعد ما يفرغون من صلتهم ‪ ¹‬وذلك نظير الخبر الذي رُوي عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه فعله يوم ذات الرقاع‪ ,‬والخبر الذي رَوَى سهل بن أبي حثمة‪.‬‬
‫ت َلهُ مُ ال صّلةَ}‬
‫ت فِيهِ مْ فَأقَمْ َ‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الَية‪ ,‬لن ال عزّ ذكره قال‪{ :‬وَإذَا ُكنْ َ‬
‫و قد دلل نا على أن إقامت ها إتمام ها بركوع ها و سجودها‪ ,‬ودلل نا مع ذلك على أن قوله‪{ :‬فََليْ سَ‬
‫ن كَ َفرُوا} إنما هو إذن بالقصر من‬
‫ن يَ ْف ِت َنكُ مُ اّلذِي َ‬
‫ن ال صّل ِة إ نْ خِ ْفتُ مْ أ ْ‬
‫صرُوا مِ َ‬
‫ن تَقْ ُ‬
‫عََل ْيكُ ْم جُنا حٌ أ ْ‬
‫ح ذلك كان بي نا أن ل و جه لتأو يل من تأوّل‬
‫ركوع ها و سجودها في حال شدة الخوف‪ .‬فإذا ص ّ‬
‫جدُوا فَلْ َيكُونُوا‬
‫سَ‬‫ذلك أن الطائفة الولى إذا سجدت مع المام فقد انقضت صلتها‪ ,‬لقوله‪{ :‬فإذَا َ‬
‫ن َورَا ِئكُ مْ} لحتمال ذلك من المعاني ما ذكرت قبل‪ ,‬ولنه ل دللة في الَية على أن القصر‬
‫مِ ْ‬
‫الذي ذ كر في الَية قبل ها عنى به القصر من عدد الركعات‪ .‬وإذ كان ل وجه لذلك‪ ,‬فقول من‬
‫قال‪ :‬أريد بذلك التقدم والتأخر في الصلة على نحو صلة النبيّ صلى ال عليه وسلم بعسفان‬
‫ُصـلّوا َمعَكـَ} وكلتـا‬
‫ُصـلّوا فَلْي َ‬
‫َمـ ي َ‬
‫خرَى ل ْ‬
‫ْتـ طائِ َفةٌ ُأ ْ‬
‫أبعـد‪ ,‬وذلك أن ال جلّ ثناؤه يقول‪{ :‬وَ ْل َتأ ِ‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم ركع ته الولى في صلته بع سفان‪,‬‬
‫الطائفت ين قد كا نت صلت مع ال نب ّ‬
‫ومحال أن تكون التي صلت مع النبيّ صلى ال عليه وسلم هي التي لم تصل معه‪.‬‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أ نه أر يد بقوله‪{ :‬لَ ْم يُ صَلّوا}‪ :‬لم ي سجدوا‪ ,‬فإن ذلك غ ير الظا هر المفهوم من‬
‫ل ثناؤه إلى الظهر والشهر من وجوههما ما لم‬
‫معاني الصلة‪ ,‬وإنما توجه معاني كلم ال ج ّ‬
‫يمنع من ذلك ما يجب التسليم له‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الَية أمر من ال ع ّز ذكره‬
‫للطائفة الولى بتأخير قضاء ما بقي عليها من صلتها إلى فراغ المام من بقية صلته‪ ,‬ول‬
‫على الم سلمين الذ ين بازاء العد ّو في اشتغال ها بقضاء ذلك ضرر‪ ,‬لم ي كن لمر ها بتأخ ير ذلك‬
‫وان صرافها ق بل قضاء با قي صلتها عن موضع ها مع نى‪ .‬غ ير أن ال مر وإن كان كذلك‪ ,‬فإ نا‬
‫نرى أن من صلها من الئ مة فواف قت صلته ب عض الوجوه ال تي ذكرنا ها عن ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه صلها‪ ,‬فصلته مجزئة عنه تامة لصحة الخبار بكلّ ذلك عن رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأ نه من المور ال تي علم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أم ته ثم‬
‫ح ِتكُمْ وأ ْم ِت َع ِتكُمْ}‬
‫ن كَ َفرُوا لَ ْو َتغْفُلُونَ عَنْ أسِْل َ‬
‫أباح لهم العمل بأيّ ذلك شاءوا‪ .‬وأما قوله‪َ { :‬و ّد اّلذِي َ‬
‫فإنـه يعنـي‪ :‬تمنـى الذيـن كفروا بال‪ ,‬لو تغفلون عـن أسـلحتكم وأمتعتكـم‪ ,‬يقول‪ :‬لو تشتغلون‬
‫بصلتكم عن أسلحتكم التي تقاتلونهم بها‪ ,‬وعن أمتعتكم التي بها بلغكم في أسفاركم فتسهون‬
‫حدَةً} يقول‪ :‬فيحملون عليكم وأنتم مشاغيل بصلتكم عن أسلحتكم‬
‫عنها‪َ { .‬ف َيمِيُلو نَ عََل ْيكُ مْ َميْلَةً وَا ِ‬
‫وأمتعتكـم جملة واحدة‪ ,‬فيصـيبون منكـم غرّة بذلك فيقتلونكـم‪ ,‬ويسـتبيحون عسـكركم‪ .‬يقول جلّ‬
‫ثناؤه‪ :‬فل تفعلوا ذلك ب عد هذا‪ ,‬فتشتغلوا جميع كم ب صلتكم إذا حضرت كم صلتكم وأن تم مواق فو‬
‫العدوّ‪ ,‬فتمكنوا عدوّ كم من أنف سكم وأ سلحتكم وأمتعت كم ول كن أقيموا ال صلة على ما بي نت لكم‪,‬‬
‫وخذوا من عدوّكم حذركم وأسلحتكم‪.‬‬
‫ن َمطَرٍ أوْ ُك ْنتُمْ َمرْضَى أ نْ‬
‫ن ِبكُ مْ أذًى ِم ْ‬
‫ن كا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل جُنا حَ عََل ْيكُ مْ إ ْ‬
‫عذَابا ُمهِينا}‪.‬‬
‫ع ّد للكا ِفرِينَ َ‬
‫ن اللّهَ أ َ‬
‫حذْ َر ُكمْ إ ّ‬
‫خذُوا ِ‬
‫ح َتكُمْ َو ُ‬
‫َتضَعُوا أسِْل َ‬
‫ن ِبكُ مْ أذًى ِم نْ‬
‫ن كا َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَل جُنا حَ عََل ْيكُ مْ} وَل حرج علي كم ول إ ثم‪{ ,‬إ ْ‬
‫ُمـ َمرْضَى} يقول‪:‬‬
‫َمطَرٍ} يقول‪ :‬إن نالكـم مـن مطـر تمطرونـه وأنتـم مواقفـو عدوّكـم‪{ .‬أوْ ُك ْنت ْ‬
‫ح َت ُكمْ} إن ضعفتم عن حملها‪ ,‬ولكن إن وضعتم أسلحتكم من‬
‫ن َتضَعُوا أ سِْل َ‬
‫جرحى أ ْو أَعِلّء‪{ .‬أ ْ‬
‫أذى م طر أو مرض‪ ,‬فخذوا من عدوّ كم حذر كم‪ ,‬يقول‪ :‬احتر سوا من هم أن يميلوا علي كم وأن تم‬
‫عذَابـا ُمهِينـا} يعنـي بذلك‪ :‬أع ّد لهـم عذابـا مذلً‬
‫عدّ للكافِرِينَـ َ‬
‫عنهـم غافلون غارّون‪{ .‬إنّـ اللّهَـ أ َ‬
‫يبقون ف يه أبدا ل يخرجون م نه‪ ,‬وذلك هو عذاب جه نم‪ .‬و قد ذ كر أن قوله‪{ :‬أ ْو ُك ْنتُ مْ َمرْضَى}‬
‫نزل في عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬وكان جريحا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8284‬ـ حدث نا العباس بن مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ :‬أ خبرني يعلى بن‬
‫طرٍ أ ْو ُك ْنتُ مْ َمرْضَى} عبد‬
‫مسلم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬إ نْ كا نَ ِبكُ مْ أذًى مِ نْ َم َ‬
‫الرحمن بن عوف كان جريحا‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جنُو ِبكُ مْ‬
‫ض ْيتُ مُ ال صّلَ َة فَاذْ ُكرُو ْا اللّ هَ ِقيَاما َو ُقعُودا وَعََلىَ ُ‬
‫{ َفِإذَا قَ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ِكتَابا ّم ْوقُوتا }‪..‬‬
‫ط َم ْأنَنتُمْ َفَأقِيمُو ْا الصّلَةَ ِإنّ الصّلَ َة كَانَتْ عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫َفإِذَا ا ْ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬فإذا فرغ تم أي ها المؤمنون من صلتكم‪ ,‬وأن تم مواق فو عدوّ كم ال تي‬
‫بيناها لكم‪ ,‬فاذكروا ال على كلّ أحوالكم قياما وقعودا‪ ,‬ومضطجعين على جنوبكم بالتعظيم له‪,‬‬
‫ل ال أن يظفركم وينصركم عليهم‪ .‬وذلك نظير قوله‪:‬‬
‫والدعاء لنفسكم بالظفر على عدوّكم‪ ,‬لع ّ‬
‫ن آ َمنُوا إذَا لَ ِقيُتمْ ِفئَةً فا ْث ُبتُوا وَا ْذكُرُوا الّلهَ َكثِيرا َلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ}‪ .‬وكما‪:‬‬
‫{يا أيّها اّلذِي َ‬
‫‪8285‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ّهـ قِيامـا} يقول‪ :‬ل يفرض ال على عباده فريضـة إل جعـل لهـا‬
‫ابـن عباس قوله‪{ :‬فاذْ ُكرُوا الل َ‬
‫جزاءا معلو ما‪ .‬ثم عذر أهل ها في حال عذر غ ير الذ كر‪ ,‬فإن ال لم يج عل له حدّا ينت هي إل يه‪,‬‬
‫ولم يعذر أحدا في تر كه إل مغلو با على عقله‪ ,‬فقال‪ :‬فاذكروا ال قيا ما وقعودا وعلى جنوب كم‪,‬‬
‫بالليل والنهار‪ ,‬في البرّ والبحر‪ ,‬وفي السفر والحضر‪ ,‬والغنى والفقر‪ ,‬والسقم والصحة‪ ,‬والسرّ‬
‫والعلنية‪ ,‬وعلى كلّ حال‪.‬‬
‫ط َم ْأ َننْتُ مْ فَأقِيمُوا ال صّلةَ} فإن أ هل التأو يل اختلفوا في تأويله‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫ط َم ْأنَ ْنتُ مْ}‪ :‬فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم‪{ ,‬فأقِيمُوا} يعني‪:‬‬
‫معنى قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫فأتموا {ال صّلةَ} التي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الرض‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8286‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬فإذَا‬
‫طمَ ْأ َن ْن ُتمْ} قال‪ :‬الخروج من دار السفر إلى دار القامة‪.‬‬
‫ا ْ‬
‫‪8287‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫طمَ ْأ َن ْن ُتمْ} يقول‪ :‬إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلة‪.‬‬
‫قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬فإذا اسـتقررتم فأقيموا الصـلة‪ ,‬أي فأتموا حدودهـا بركوعهـا‬
‫وسجودها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8288‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ط َم ْأ َن ْنتُمْ} قال‪ :‬فإذا اطمأننتم بعد الخوف‪.‬‬
‫{فإذَا ا ْ‬
‫ط َمأْ َن ْنتُ مْ‬
‫‪ 8289‬ـ وحدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫فَأقِيمُوا الصّلةَ} قال‪ :‬فإذا اطمأننتم فصلوا الصلة ل تصلّها راكبا ول ماشيا ول قاعدا‪.‬‬
‫‪ 8290‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ط َم ْأ َن ْنتُمْ فَأقِيمُوا الصّلةَ} قال‪ :‬أتموها‪.‬‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى التأويل ين بتأو يل الَ ية‪ ,‬تأو يل من تأوّله‪ :‬فإذا زال خوف كم من عدوّ كم‬
‫وأمن تم أي ها المؤمنون واطمأ نت أنف سكم بال من‪ ,‬فأقيموا ال صلة‪ ,‬فأتمو ها بحدود ها المفرو ضة‬
‫عليكم‪ ,‬غير قاصريها عن شيء من حدودها‪.‬‬
‫وأنمـا قلنـا ذلك أولى التأويليـن بالَيـة‪ ,‬لن ال تعالى ذكره عرّف عباده المؤمنيـن الواجـب‬
‫علي هم من فرض صلتهم بهات ين الَيت ين في حال ين‪ :‬إحداه ما شدة حال خوف أذن ل هم في ها‬
‫بق صر ال صلة‪ ,‬على ما بي نت من ق صر حدود ها عن التمام‪ ,‬والخرى حال غ ير شدّة الخوف‬
‫أمرهم فيها بإقامة حدودها‪ ,‬وإتمامها على ما وصفه لهم جلّ ثناؤه من معاقبة بعضهم بعضا في‬
‫الصلة خلف أئمتهم‪ ,‬وحراسة بعضهم بعضا من عدوّهم وهي حالة ل قصر فيها‪ ,‬لنه يقول‬
‫جلّ ثناؤه لنبيه صلى ال عليه وسلم في هذه الحال‪ :‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة‪ .‬فمعلوم‬
‫طمَ ْأ َن ْنتُ مْ فَأقِيمُوا ال صّلةَ} إنما هو‪ :‬فإذا اطمأننتم من الحالة التي لم تكونوا‬
‫بذلك أن قوله‪{ :‬فإذَا ا ْ‬
‫مقيم ين في ها صلتكم فأقيمو ها‪ ,‬وتلك حالة شدة الخوف‪ ,‬ل نه قد أمر هم باقامت ها في حال غ ير‬
‫ت َل ُهمُ الصّلةَ}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ت فِيهِمْ فَأقَمْ َ‬
‫شدة الخوف بقوله‪{ :‬وَإذَا ُكنْ َ‬
‫ت على ال ُم ْؤ ِمنِينَ كِتابا مَ ْوقُوتا}‪.‬‬
‫ن الصّلةَ كانَ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬إ ّ‬
‫اختلف أهـل التأو يل فـي تأو يل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬إن الصـلة كانـت على المؤمن ين‬
‫فريضة مفروضة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8291‬ـ حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬عن فضيل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية العوفي‬
‫ت على ال ُم ْؤ ِمنِينَ كِتابا مَ ْوقُوتا} قال‪ :‬فريضة مفروضة‪.‬‬
‫ن الصّلةَ كانَ ْ‬
‫في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫‪ 8292‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬قال‪ :‬ثني عل يّ عن‬
‫ِينـ كِتابـا َم ْوقُوتـا} قال‪ :‬مفروضـا‪ ,‬الموقوت‪:‬‬
‫ـ على المُ ْؤ ِمن َ‬
‫ـ الصـّل َة كانَت ْ‬
‫ابـن عباس‪{ :‬إن ّ‬
‫المفروض‪.‬‬
‫‪8293‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬أما كتابا موقوتا‪ :‬فمفروضا‪.‬‬
‫‪ 8294‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬كِتابا‬
‫مَ ْوقُوتا} قال‪ :‬مفروضا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إن الصلة كانت على المؤمنين فرضا واجبا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8295‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أبي رجاء‪ ,‬عن الحسن في قوله‪:‬‬
‫ن كِتابا مَ ْوقُوتا} قال‪ :‬كتابا واجبا‪.‬‬
‫ن الصّلةَ كانَتْ على المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫{إ ّ‬
‫‪ 8296‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬كِتابا َم ْوقُوتا} قال‪ :‬واجبا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8297‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن معمر بن سام‪ ,‬عن أبي جعفر في قوله‪{ :‬كِتابا‬
‫مَ ْوقُوتا} قال‪ :‬مُوجَبا‪.‬‬
‫‪ 8298‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن كِتابا مَ ْوقُوتا} والموقوت‪ :‬الواجب‪.‬‬
‫ن الصّل َة كانَتْ عَلَى المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫حدثني أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫ن كِتابا َم ْوقُوتا} قال‪ :‬وجوبها‪.‬‬
‫جعفر يقول‪{ :‬إنّ الصّل َة كانَتْ على المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬إن ال صلة كا نت على المؤمن ين كتا با موقو تا منج ما يؤدون ها في‬
‫أنجمها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8299‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ن ال صّل َة كانَ تْ على المُ ْؤ ِمنِي نَ كِتا با مَ ْوقُو تا} قال‪ :‬قال ا بن م سعود‪ :‬إن لل صلة وق تا‬
‫قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫كوقت الحجّ‪.‬‬
‫‪ 8300‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن زيد بن‬
‫ن كِتابا مَ ْوقُوتا} قال‪ :‬م َنجّما‪ ,‬كلما مضَى نَجم جاء‬
‫ن الصّلةَ كانَتْ على المُؤ ِمنِي َ‬
‫أسلم في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫نجم آخر‪ ,‬يقول‪ :‬كلما مضى وقت جاء وقت آخر‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن أبي جعفر الرازي‪ ,‬عن زيد بن أسلم‬
‫بمثله‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذه القوال قريب معنى بعضها من بعض‪ ,‬لن ما كان مفروضا فواجب‪,‬‬
‫وما كان واجبا أداؤه في وقت بعد وقت فمنجم‪ .‬غير أن أولى المعاني بتأويل الكلمة قول من‬
‫قال‪ :‬إن الصـلة كانـت على المؤمنيـن فرضـا منجمـا‪ ,‬لن الموقوت إنمـا هـو مفعول مـن قول‬
‫القائل‪َ :‬وقَتَ اللّه عليك فرضه فهو يَ ِقُتهُ‪ ,‬ففرضُه عليك موقوت‪ ,‬إذا أخبر أنه جَعل له وقتا يجب‬
‫ن كِتابا مَوْقوتا} إنما هو كانت‬
‫عليك أداؤه‪ .‬فكذلك معنى قوله‪{ :‬إ نّ ال صّلةَ كانَ تْ على المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫على المؤمنين فرضا وقت لهم وقت وجوب أدائه‪ ,‬فبّين ذلك لهم‪.‬‬
‫‪104‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َفِإنّهُمْ َيأَْلمُونَ َكمَا‬
‫ل َت ِهنُواْ فِي ا ْب ِتغَآءِ الْ َقوْمِ إِن َتكُونُواْ َتأَْلمُو َ‬
‫{ َو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫ل يَ ْرجُونَ َوكَانَ الّلهُ عَلِيما َ‬
‫ن اللّ ِه مَا َ‬
‫ن مِ َ‬
‫َتأْلَمونَ َو َت ْرجُو َ‬
‫ن فلن في هذا المر َيهِ نُ‬
‫يعني جل ثناؤه بقوله‪{ :‬وَل َت ِهنُوا}‪ :‬ول تضعفوا‪ ,‬من قول هم‪ :‬وَهَ َ‬
‫وَهُنا ووُهو نا‪ .‬وقوله‪{ :‬فِي ا ْبتِغا ِء ال َقوْ مِ}‪ :‬يع ني في التماس القوم وطلبهم‪ ,‬والقوم هم أعداء ال‬
‫ن َتكُونُوا َتأَْلمُو نَ} يقول‪ :‬إن تكونوا أي ها المؤمنون‬
‫وأعداء المؤمن ين من أ هل الشرك بالل هك {إ ْ‬
‫ن َكمَا َتأَْلمُون} يقول‪ :‬فإن المشركين‬
‫َت ْيجَعون مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا‪{ .‬فإ ّنهُمْ َيأَْلمُو َ‬
‫ييجعون م ما ينال هم من كم من الجراح والذى‪ ,‬م ثل ما تيجعون أن تم من جراح هم وأذا هم في ها‪.‬‬
‫ن اللّ هِ} من الثواب على ما ينالكم منهم‪{ ,‬ما ل َي ْرجُو نَ} هم‬
‫{و َترْجون} أنتم أيها المؤمنون {مِ َ‬
‫على ما ينالهم منكم‪ .‬يقول‪ :‬فأنتم إذ كنتم موقنين من ثواب ال لكم على ما يصيبكم منهم بما هم‬
‫به مكذّبون‪ ,‬وأولى وأحرى أن ت صبروا على حرب هم وقتال هم من هم على قتال كم وحرب كم‪ ,‬وأن‬
‫جدّوا فيه‬
‫تجدّوا من طلبهم وابتغائهم لقتالهم على ما يهنون هم فيه ول يجدّون‪ ,‬فكيف على ما َ‬
‫ولم يهنوا؟‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8301‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَل َت ِهنُوا فِي ا ْبتِغاءِ ال َقوْ مِ‬
‫ن كمَا َتأْلمُونَ} يقول‪ :‬ل تضعفوا في طلب القوم‪ ,‬فإنكم إن‬
‫ن َتكُونُوا َتأْلُمونَ} منهم‪{ ,‬فإ ّنهُمْ َيأْلُمو َ‬
‫إْ‬
‫تكونوا تيجعون‪ ,‬فإنهـم ييجعون كمـا تيجعون‪ ,‬وترجون مـن ال مـن الجـر والثواب مـا ل‬
‫يرجون‪.‬‬
‫‪8302‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن َتكُونُوا َتأْلُمو نَ فإ ّنهُمْ َيأَْلمُو نَ كمَا َتأْلُمو نَ} قال‪ :‬يقول‪ :‬ل تضعفوا‬
‫{وَل َت ِهنُوا في ا ْب ِتغَاءِ ال َقوْمِ إ ْ‬
‫في طلب القوم‪ ,‬فإن تكونوا تيجعون من الجراحات‪ ,‬فإنهم ييجعون كما تيجعون‪.‬‬
‫‪ 8303‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪{ :‬وَل َت ِهنُوا فِي ا ْب ِتغَاءِ ال َق ْومِ}‪ :‬ل تضعفوا‪.‬‬
‫‪ 8304‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫الربيع‪ ,‬قوله‪{ :‬وَل َت ِهنُوا} يقول‪ :‬ل تضعفوا‪.‬‬
‫‪ 8305‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وَل َت ِهنُوا فِي‬
‫ن كمَا‬
‫ا ْب ِتغَاءِ ال َقوْمِ} قال‪ :‬يقول‪ :‬ل تضعفوا عن ابتغائهم‪{ ,‬إنْ َتكُونُوا َتأْلُمونَ} القتال‪{ ,‬فإ ّنهُمْ َيأْلمُو َ‬
‫َتأْلمُو نَ} قال‪ :‬وهذا ق بل أن ت صيبهم الجراح إن كن تم تكرهون القتال فتألمو نه فإن هم يألمون ك ما‬
‫ن اللّ ِه ما ل َي ْرجُونَ} يقول‪ :‬فل تضعفوا في ابتغائهم مكان القتال‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫تألمون‪َ { ,‬و َت ْرجُو َ‬
‫‪ 8306‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ن َتكُونُوا َتأْلمُونَ}‪ :‬توجعون‪.‬‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫‪ 8307‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪{ :‬إ نْ َتكُونُوا‬
‫َتأَْلمُو نَ} قال‪ :‬توجعون ل ما ي صيبكم من هم‪ ,‬فإن هم يوجعون ك ما توجعون‪{ .‬و َترْجُو نَ} أن تم من‬
‫الثواب فيما يصيبكم {ما لَ َي ْرجُونَ}‪.‬‬
‫‪ 8308‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحكم بن‬
‫أبان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬لما كان قتال أُحد‪ ,‬وأصاب المسلمين ما أصاب‪ ,‬صعد‬
‫النبيّ صلى ال عل يه وسلم الجبل‪ ,‬فجاء أبو سفيان فقال‪ :‬يا محمد ل جرح إل بجرح‪ ,‬الحرب‬
‫سجال‪ ,‬يوم لنا ويوم لكم! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابه‪« :‬أجِيبُو هُ»! فقالوا‪ :‬ل‬
‫سـواء‪ ,‬قتلنـا فـي الجنـة‪ ,‬وقتلكـم فـي النار‪ .‬فقال أبـو سـفيان‪ :‬عزّى لنـا ول عزّى لكـم‪ .‬فقال‬
‫علُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬قُولُوا َل هُ‪ :‬اللّ ُه مَوْلنا وَل َموْلَى َلكُ مْ»‪ .‬قال أبو سفيان‪ :‬أُ ْ‬
‫علُ هبل! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬قُولُوا َل هُ‪ :‬اللّ هُ أعْلَى وأجَلّ»‪ .‬فقال أبو‬
‫هبل! أُ ْ‬
‫سـفيانُ‪ :‬موعدنـا وموعدكـم بدر الصـغرى‪ .‬ونام المسـلمون وبهـم الكلوم‪ .‬قال عكرمـة‪ :‬وفيهـا‬
‫س القَوْ مَ َقرْ حٌ مِثُل هُ َوتِلْ كَ اليّا مُ ُندَاوِلُهَا بي نَ النّاس}‪ ,‬وفي هم‬
‫ح فَ َقدْ مَ ّ‬
‫سسْ ُكمْ َقرْ ٌ‬
‫ن َيمْ َ‬
‫أنزلت‪{ :‬إ ْ‬
‫ن وكا نَ الّل هُ‬
‫ن اللّ هِ ما ل َي ْرجُو َ‬
‫ن َتكُونُوا َتأَْلمُو نَ فإ ّنهُ مْ َيأَْلمُو نَ كمَا َتأَْلمُو نَ َو َت ْرجُو نَ ِم َ‬
‫أنزلت‪{ :‬إ ْ‬
‫حكِيما}‪.‬‬
‫عَلِيما َ‬
‫‪ 8309‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‬
‫ن فإنّ ُهمْ َيأْلُمونَ كمَا َتأْلُمونَ} قال‪ :‬ييجعون كما تيجعون‪.‬‬
‫ن َتكُونُوا َتأْلُمو َ‬
‫في قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫ن اللّ ِه ما ل َيرْجُو نَ}‪ :‬وتخافون من‬
‫وقد ذكرنا عن بعضهم أنه كان يتأوّل قوله‪َ { :‬و َت ْرجُو نَ مِ َ‬
‫ن آ َمنُوا َيغْ ِفرُوا لّلذِي نَ ل يَ ْرجُو نَ أيّا مَ الّل هِ} بمع نى‪ :‬ل‬
‫ال ما ل يخافون‪ ,‬من قول ال‪{ :‬قُلْ لّلذِي َ‬
‫يخافون أيام ال‪ .‬وغيـر معروف صـرف الرجاء إلى معنـى الخوف فـي كلم العرب‪ ,‬إل مـع‬
‫ن لِلّ هِ وَقارا} بمعنى‪ :‬ل تخافون ل عظمة‪,‬‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ما َلكُ ْم ل َت ْرجُو َ‬
‫جحد سابق له‪ ,‬كما قال ج ّ‬
‫وكما قال الشاعر الهذلي‪:‬‬
‫حدَا‬
‫سبْعَ ًة لقَتْ مَعا أمْ وَا ِ‬
‫ن تُلقي الذّا ِئدَاأ َ‬
‫ل َترْتجِي حِي َ‬
‫وكما قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫عوَاسِلِ‬
‫ت نُوَبٍ َ‬
‫سعَهاوخالَفَها في َبيْ ِ‬
‫سعَتْ ُه ال ّنحْلُ لم َيرْجُ َل ْ‬
‫إذا َل َ‬
‫وهي فيما بلغنا لغة أهل الحجاز‪ ,‬يقولونها بمعنى‪ :‬ما أبالي وما أحفل‪.‬‬
‫حكِيما}‪:‬‬
‫ن اللّهُ عَلِيما َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وكا َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ولم يزل ال عليما بمصالح خلقه‪ ,‬حكيما في تدبيره وتقديره‪ ,‬ومن علمه‬
‫أيها المؤمنون بمصالحكم عرّفكم عند حضور صلتكم‪ ,‬وواجب فرض ال عليكم‪ ,‬وأنتم مواقفو‬
‫عدوّ كم ما يكون به و صولكم إلى أداء فرض ال علي كم‪ ,‬وال سلمة من عدوّ كم و من حكم ته‬
‫بصركم بما فيه تأييدكم‪ ,‬وتوهين كيد عدوّكم‪.‬‬

‫‪106-105‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ِبمَآ َأرَا كَ اللّ هُ‬
‫ن النّا ِ‬
‫حكُ مَ َبيْ َ‬
‫ق ِل َت ْ‬
‫ك ا ْل ِكتَا بَ بِا ْلحَ ّ‬
‫{ِإنّآ َأ ْنزَلْنَا إَِليْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن اللّ َه كَانَ غَفُورا ّرحِيما }‪..‬‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ ِه إِ ّ‬
‫خصِيما * وَا ْ‬
‫ل َتكُنْ لّ ْلخَآ ِئنِينَ َ‬
‫َو َ‬
‫ك اللّ هُ}‪ :‬إ نا‬
‫حكُ َم بي نَ النّا سِ بِمَا أرَا َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْ نا إَليْ كَ الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫ن النَاسِ} لتقضي بين الناس‪ ,‬فتفصل بينهما‬
‫حكُمَ َبيْ َ‬
‫أنزلنا إليك يا محمد الكتاب‪ ,‬يعني القرآن‪{ ,‬ل َت ْ‬
‫ن خَصيما} يقول‪ :‬ول تكن‬
‫ن للْخائِنِي َ‬
‫{بِما أرَاكَ اللّه} يعني‪ :‬بما أنزل ال إليك من كتابه‪{ .‬وَل َتكُ ْ‬
‫لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله‪ ,‬خصيما تخاصم عنه‪ ,‬وتدفع عنه من طالبه بحقه‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ هَ} يا محمدُ و سله أن ي صفح لك عن عقوبة ذنبك في مخا صمتك‬
‫الذي خا نه ف يه‪{ .‬وا ْ‬
‫ن اللّ َه كا نَ غَفُورا َرحِيما} يقول‪ :‬إن ال لم يزل يصفح عن‬
‫عن الخائن من خان مالً لغيره‪{ .‬إ ّ‬
‫ذنوب عباده المؤمنن بتركه عقوبتهم عليها‪ ,‬إذا استغفروه منها‪ ,‬رحيما بهم‪ ,‬فافعل ذلك أنت يا‬
‫محمد‪ ,‬يغفر ال لك ما سلف من خصومتك عن هذا الخائن‪ .‬وقد قيل إن النبيّ صلى ال عليه‬
‫و سلم لم ي كن خا صم عن الخائن‪ ,‬ولك نه ه مّ بذلك‪ ,‬فأمره ال بال ستغفار م ما ه مّ به من ذلك‪.‬‬
‫وذكر أن الخائنين الذين عاتب ال جلّ ثناؤه نبيه صلى ال عليه وسلم في خصومته عنهم بنو‬
‫ُأ َبيْرِق‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأويل في خيانته التي كانت م نه فو صفه ال بها‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كانت سرقة‬
‫سرقها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8310‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن النّاسِ ِبمَا أرَاكَ الّلهُ}‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫حكُمْ بي َ‬
‫ك الكِتابَ بالحَقّ ِل َت ْ‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْنا إَليْ َ‬
‫ل ذَلِكَ ا ْبتِغاءَ َمرْضاتِ الّلهِ} فيما بين ذلك في طعمة بن أبيرق ودرعه من حديد التي‬
‫ن يَ ْفعَ ْ‬
‫{ َومَ ْ‬
‫سرق‪ ,‬وقال أ صحابه من المؤمن ين لل نبيّ‪ :‬اعذره في الناس بل سانك! ورمَوا بالدرع رجلً من‬
‫يهود بريئا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪8311‬ـ حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن سلمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا مح مد بن إ سحاق‪ ,‬عن عا صم بن ع مر بن قتادة‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن جده قتادة بن‬
‫النعمان‪ ,‬قال‪ :‬كان أ هل ب يت م نا يقال ل هم ب نو أبيرق‪ :‬بِ شر و ُبشَ ير مبشّر‪ ,‬وكان بش ير رجلً‬
‫منافقا‪ ,‬وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم ينحله إلى بعض‬
‫العرب‪ ,‬ثم يقول‪ :‬قال فلن كذا‪ ,‬وقال فلن كذا‪ ,‬فإذا سمع أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم ذلك الشعر‪ ,‬قالوا‪ :‬وال ما يقول هذا الشعر إل هذا الخبيث‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ن ال َبيْ ِرقِ قاَلهَا‬
‫ضمُوا وقالُوا اب ُ‬
‫أوَ كُلّما قالَ الرّجالُ َقصِيدَةًأ ِ‬
‫قال‪ :‬وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والسلم‪ ,‬وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة‬
‫التمر والشعير‪ ,‬وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام بالدّرمك‪ ,‬ابتاع الرجل‬
‫ص به نف سه‪ ,‬فأ ما العيال‪ :‬فإن ما طعام هم الت مر والشع ير‪ .‬فقد مت ضاف طة من الشام‪,‬‬
‫من هم‪ ,‬فخ ّ‬
‫ل من الدر مك‪ ,‬فجعله في مشرَ بة له‪ ,‬وفي المشر بة سلح له‪:‬‬
‫فابتاع عمي رفا عة بن ز يد حم ً‬
‫درعان و سيفاهما و ما ي صلحهما‪َ .‬فعُدي عل يه من ت حت الل يل‪ ,‬فنق بت المشر بة‪ ,‬وأ خذ الطعام‬
‫عدِي علينا في ليلتنا هذه‪,‬‬
‫والسلح‪ .‬فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال‪ :‬يا ابن أخي تعّلمْ أنه قد ُ‬
‫فنقبت مشربتنا‪ ,‬فذهب بسلحنا وطعامنا‪ .‬قال‪ :‬فتجسسنا في الدار وسألنا‪ ,‬فقيل لنا‪ :‬قد رأينا بني‬
‫أبيرق ا ستوقدوا في هذه الليلة‪ ,‬ول نرى في ما نراه إل على ب عض طعام كم‪ .‬قال‪ :‬و قد كان ب نو‬
‫أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار‪ :‬وال ما نرى صاحبكم إل لبيد بن سهم! رجل منا له صلح‬
‫وإسلم‪ .‬فلما سمع بذلك لبيد اخترط سيفه‪ ,‬ثم أتى بني أبيرق فقال‪ :‬وال ليخالطنكم هذا السيف‬
‫ن هذه ال سرقة! قالوا‪ :‬إل يك ع نا أي ها الر جل‪ ,‬فوال ما أ نت ب صاحبها! ف سألنا في الدار‬
‫أو ل تبين ّ‬
‫حتى لم نش كّ أنهم أصحابها‪ ,‬فقال عمي‪ :‬يا ابن أخي‪ ,‬لو أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فذكرت ذلك له‪ .‬قال قتادة‪ :‬فأتيـت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم فذكرت ذلك له‪ ,‬فقلت‪ :‬يـا‬
‫رسـول ال‪ ,‬إن أهـل بيـت منـا أهـل جفاء‪ ,‬عمدوا إلى عمـي رفاعـة فنقبوا مشربـة له‪ ,‬وأخذوا‬
‫سلحه وطعامه‪ ,‬فليردّوا علينا سلحنا‪ ,‬فأما الطعام فل حاجة لنا فيه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫ظرُ في ذلك»‪ .‬فل ما سمع ذلك ب نو أبيرق أتوا رجلً من هم يقال له أ سير بن‬
‫عل يه و سلم‪ « :‬سأ ْن ُ‬
‫عروة‪ ,‬فكلموه في ذلك‪ ,‬واجتمع إليه ناس من أهل الدار‪ ,‬فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلم وصلح‬
‫يرمون هم بال سرقة من غ ير بي نة ول ثَبَت‪ .‬قال قتادة‪ :‬فأت يت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫ت ُذكِ َر ِم ْنهُ مْ إ سْلمٌ وَ صَلحٌ َت ْرمِيهِ مْ بال سّ ِرقَةِ على غي ِر َب ّينَةٍ‬
‫ع َمدْ تَ إلى أهْلِ َبيْ ٍ‬
‫فكلم ته‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫وَل َثبَ تٍ!»‪ .‬قال‪ :‬فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم في ذلك‪ .‬فأت يت ع مي رفا عة‪ ,‬فقال‪ :‬يا ا بن أ خي ما صنعت؟ فأ خبرته ب ما قال لي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬ال المستعان‪ .‬فلم نلبث أن نزل القرآن‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْنا إَليْ كَ‬
‫ن للخائِنِي نَ خَ صِيما} يع ني‪ :‬ب ني أبيرق‪,‬‬
‫ن النّا سِ بِمَا أرَا كَ اللّ هُ وَل َتكُ ْ‬
‫حكُ مَ بي َ‬
‫الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫ن َيخْتانُو نَ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫عِ‬‫غفُورا َرحِيما وَل ُتجَادِلْ َ‬
‫ستَغْفِر الّل هَ} أي مما قلت لقتادة‪{ ,‬إ نّ الّل َه كا نَ َ‬
‫{وَا ْ‬
‫س َتخْفُونَ مِ نَ النّا سِ}‪ ...‬إلى‬
‫ن خَوّا نا أثِي ما‪ .‬يَ ْ‬
‫ن كا َ‬
‫س ُهمْ} أي ب ني أبيرق {إ نّ الّل َه ل ُيحِ بّ َم ْ‬
‫أنْفُ َ‬
‫غفُورا َرحِي ما}‪ :‬أي أن هم إن ي ستغفروا ال يغ فر ل هم‪َ { ,‬ومَ نْ‬
‫جدِ اللّ هَ َ‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ هَ‪َ ,‬ي ِ‬
‫قوله‪{ :‬ثُ مّ يَ ْ‬
‫خطِيئَةً أوْ إثْما ثُمّ َيرْمِ بِهِ‬
‫ن َيكْسِبْ َ‬
‫حكِيما َومَ ْ‬
‫سبُ ُه على نَفْسِ ِه وكانَ الّلهُ عَلِيما َ‬
‫َيكْسِبْ إثْما فإنمَا َيكْ ِ‬
‫ت طائِ َفةٌ‬
‫ح َمتُ هُ َل َهمّ ْ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتا نا وَإثْ ما ُمبِي نا} قول هم للب يد‪{ :‬وََلوْل َفضْلُ اللّ هِ عََليْ كَ َو َر ْ‬
‫َبرِيئا فَ َقدِ ا ْ‬
‫شيْءٍ‬
‫ن َ‬
‫ك مِ ْ‬
‫ضرّونَ َ‬
‫س ُهمْ وَ ما َي ُ‬
‫ل أنْفُ َ‬
‫ِم ْنهُ مْ أ نْ ُيضِلّو كَ} يع ني أ سيرا وأ صحابه‪{ .‬وَ ما ُيضِلّو نَ إ ّ‬
‫عظِيما}‪ ,‬فلما نزل القرآن‬
‫ح ْكمَةَ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬فَ سَ ْوفَ نُ ْؤتِي هِ أجْرا َ‬
‫وأ ْنزَلَ الّل هُ عََليْ كَ الكِتا بَ وال ِ‬
‫أتِ يَ ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بال سلح‪ ,‬فردّه إلى رفا عة‪ .‬قال قتادة‪ :‬فل ما أت يت ع مي‬
‫ل‪ ¹‬فلما أتيته بالسلح‪ ,‬قال‪:‬‬
‫بالسلح وكان شيخا قد عسا في الجاهلية‪ ,‬وكنت أرى إسلمه مدخو ً‬
‫يا ا بن أ خي‪ ,‬هو في سبيل ال‪ .‬قال‪ :‬فعر فت أن إ سلمه كان صحيحا‪ .‬فل ما نزل القرآن ل حق‬
‫ل مِنْ‬
‫بشير بالمشركين فنزل على سلفة بنت سعد بن سهل‪ ,‬فأنزل اللهفيه‪َ { :‬و َمنْ يُشاقِقِ الرّسُو َ‬
‫ك باللّ ِه فَ َقدْ ضَلّ‬
‫ن ُيشْرِ ْ‬
‫سبِيلِ المُ ْؤ ِمنِي نَ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫َب ْعدِ ما َت َبيّ نَ َل ُه ال ُهدَى َو َي ّتبِ عْ غيرَ َ‬
‫ل َبعِيدا}‪ .‬فل ما نزل على سـلفة رماهـا ح سان بن ثابـت بأبيات من شعـر‪ .‬فأخذت رحله‬
‫ضَل ً‬
‫ي ش عر ح سان! ما ك نت‬
‫فوضع ته على رأ سها ثم خر جت فرم ته بالب طح‪ ,‬ثم قالت‪ :‬أهد يت إل ّ‬
‫تأتيني بخير‪.‬‬
‫‪ 8312‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْنا إَليْ كَ‬
‫ن النّا سِ بِمَا أرَا كَ اللّ هُ} يقول‪ :‬بِمَا أنزل ال عليك وبيّن لك‪{ ,‬وَل َتكُ نْ‬
‫حكُ مَ بي َ‬
‫الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫ب مَ نْ كا نَ خَوّا نا أثِي ما}‪ .‬ذ كر ل نا أن هؤلء‬
‫ن اللّ َه ل ُيحِ ّ‬
‫ن خَ صِيما} فقرأ إلى قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫للْخا ِئنِي َ‬
‫الَيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق وفيما ه مّ به نبيّ ال صلى ال عليه وسلم من عذره‪,‬‬
‫وب ين ال شأن طع مة بن أبيرق‪ ,‬وو عظ نبيه صلى ال عل يه و سلم وحذّره أن يكون للخائن ين‬
‫خصيما‪ .‬وكان طعمة بن أبيرق رجلً من النصار‪ ,‬ثم أحد بني ظَفَر‪ ,‬سرق درعا لعمه كانت‬
‫وديعة عنده‪ ,‬ثم قذفها على يهوديّ كان يغشاهم‪ ,‬يقال له زيد بن السمين‪ ,‬فجاء اليهودي إلى نبيّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يهتف‪ ,‬فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر جاءوا إلى نبيّ ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ليعذروا صاحبهم‪ ,‬وكان نبيّ ال عل يه ال صلة وال سلم قد ه مّ بعُذره‪ ,‬ح تى أنزل ال في‬
‫سهُمْ} إلى قوله‪{ :‬ها أ ْنتُ مْ هؤلءِ جادَ ْلتُ مْ‬
‫ن َيخْتانُو نَ أ ْنفُ َ‬
‫ع نِ اّلذِي َ‬
‫شأنه ما أنزل‪ ,‬فقال‪{ :‬وَل تُجادِلْ َ‬
‫خطِيئَةً‬
‫ب َ‬
‫ع ْنهُ مْ يَوْ مَ القِيامَةِ} يعني بذلك قومه‪َ { ,‬ومَ نْ َيكْ سِ ْ‬
‫ن يُجادِلُ الّل هَ َ‬
‫ع ْنهُ ْم فِي الحَياةِ الدّنيْا َفمَ ْ‬
‫َ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتانا وإثْما ُمبِينا}‪ ,‬وكان طعمة قذف بها بريئا‪ .‬فلما بين ال‬
‫أ ْو إثْما ثُ مّ َيرْم بِ ِه بَريئا فَقَد ا ْ‬
‫ن يُشاقِق الرّسُولَ ِمنْ َبعْد ما‬
‫شأن طعمة‪ ,‬نافق ولحق بالمشركين بمكة‪ ,‬فأنزل ال في شأنه‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ت َمصِيرا}‪.‬‬
‫ج َه ّنمَ وَساءَ ْ‬
‫ن نُوَلّه ما تَوَلىّ َوُنصْلِهِ َ‬
‫سبِيل المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫َت َبيّنَ َلهُ ال ُهدَى َو َي ّتبِعْ غيرَ َ‬
‫‪ 8313‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن للخا ِئنِينَ‬
‫ن النّاس ِبمَا أرَاكَ الّلهُ وَل َتكُ ْ‬
‫حكُمَ بي َ‬
‫ك الكِتابَ بالحَقّ ِل َت ْ‬
‫ابن عباس قوله‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْنا إَليْ َ‬
‫خَ صِيما} وذلك أن نفرا من النصار غزوا مع النبيّ صلى ال عليه وسلم في بعض غزواته‪,‬‬
‫ن بها رجلً من النصار‪ ,‬فأتى صاحب الدرع رسول ال صلى ال‬
‫فسرقت درع لحدهم‪ ,‬فَأظَ ّ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬إن طعمة بن أبيرق سرق درعي‪ .‬فأُتي به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فلما رأى السارق ذلك‪ ,‬عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء‪ ,‬وقال لنفر من عشيرته‪ :‬إني قد‬
‫غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلن‪ ,‬وستوجد عنده‪ .‬فانطلقوا إلى نبيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ليلً‪ ,‬فقالوا‪ :‬يـا نـبيّ ال إن صـاحبنا بريـء‪ ,‬وإن سـارق الدرع فلن‪ ,‬وقـد أُحطنـا بذلك علمـا‪,‬‬
‫فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل ع نه‪ ,‬فإ نه إن لم يع صمه ال بك يهلك! فقام ر سول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم فبرأه وعذره على رؤوس الناس‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْ نا إَليْ كَ الكِتا بَ‬
‫خصِيما} يقول‪ :‬احكم بينهم بما أنزل ال‬
‫ن َ‬
‫ن للخا ِئنِي َ‬
‫ن النّاسِ ِبمَا أرَاكَ الّلهُ وَل َتكُ ْ‬
‫ح ُكمَ بي َ‬
‫بالحَقّ ِل َت ْ‬
‫إليـك فـي الكتاب‪{ ,‬واس ْـَتغْ ِفرِ اللّهَـ إنّـ اللّهَـ كانَـ غَفُورا َرحِيمـا وَل تُجادِلْ عَنِـ اّلذِينَـ َيخْتانُونَـ‬
‫ن النّاسِ‬
‫ن مِ َ‬
‫ستَخْفُو َ‬
‫س ُهمْ}‪ ....‬الَية‪ ,‬ثم قال للذين أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلً‪{ :‬يَ ْ‬
‫أنْفُ َ‬
‫ن مِ نَ الّل هِ}‪ ....‬إلى قوله‪{ :‬أم مّ نْ َيكُو نُ عََل ْيهِ مْ َوكِيلً} يع ني الذ ين أتوا ر سول ال‬
‫وَل يَ سْ َتخْفُو َ‬
‫خطِيئَةً أ ْو إثْما ُثمّ َيرْمِ بِهِ َبرِيئا فَ َقدِ‬
‫ن َيكْسِبْ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم مستخفين بالكذب‪ .‬ثم قال‪َ { :‬و َم ْ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتانا وإثْما ُمبِينا} يعني‪ :‬السارق والذين يجادلون عن السارق‪.‬‬
‫اْ‬
‫‪ 8314‬ـ حدث ني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْ نا إَليْ كَ‬
‫ن النّا سِ ِبمَا أرَا كَ الّل هُ}‪ ...‬الَية‪ .‬قال‪ :‬كان رجل سرق درعا من حديد‬
‫حكُ مَ بي َ‬
‫الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫في زمان النبيّ صلى ال عليه وسلم وطرحه على يهوديّ‪ ,‬فقال اليهوديّ‪ :‬وال ما سرقتها يا أبا‬
‫القاسم‪ ,‬ولكن طرحت عل يّ! وكان للرجل الذي سرق جيران يبرّئونه ويطرحونه على اليهود يّ‬
‫ويقولون‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إن هذا اليهود يّ الخبيث يكفر بال وبما جئت به! قال‪ :‬حتى مال عليه‬
‫ل في ذلك‪ ,‬فقال‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْ نا إَليْ كَ‬
‫ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم بب عض القول‪ ,‬فعات به ال عزّ وج ّ‬
‫س ِتغْ ِفرِ اللّ هِ} بما قلت‬
‫ن للخائِنِي نَ خَ صِيما وا ْ‬
‫ن النّا سِ ِبمَا أرَا كَ اللّ هُ وَل َتكُ ْ‬
‫حكُ مَ بي َ‬
‫الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫ن اللّ َه كا نَ غَفورا َرحِيما}‪ .‬ثم أقبل على جيرانه فقال‪{ :‬ها أنُت مْ هؤُل ِء جادَلُت مْ‬
‫لهذا اليهود يّ‪{ ,‬إ ّ‬
‫ن َيكُو نُ عََل ْيهِ مْ َوكِيلً}‪ .‬قال‪ :‬ثم عرض التو بة فقال‪:‬‬
‫عنهُ ْم في الحياةِ الدّنيَا} فقرأ ح تى بلغ‪{ :‬أمّ ْ‬
‫ن َيكْ سِبْ إثْما فإنّمَا‬
‫ستَغْفِر الّل هَ َيجِد الّل هَ غَفُورا َرحِيما َومَ ْ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا أوْ َيظْلِ مْ نَفْ سَ ُه ثُ مّ يَ ْ‬
‫{ َومَ ْ‬
‫ن اللّ هُ عَلِيما‬
‫سبُهُ على نَفْ سِهِ} فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه‪{ .‬وكا َ‬
‫َيكْ ِ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتا نا وإثْ ما‬
‫خطِيئَ ًة أوْ إثْ ما ثُ مّ َيرْم بِ ِه َبرِيئا} وإن كان مشر كا‪{ .‬فَ َقدِ ا ْ‬
‫ن َيكْ سِبْ َ‬
‫حكِي ما َومَ ْ‬
‫َ‬
‫ن لَ ُه ال ُهدَى} قال‪ :‬أ بى أن‬
‫ن َب ْعدِ ما َت َبيّ َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫ن يُشاقِق الرّ سُو َ‬
‫ُمبِي نا} فقرأ ح تى بلغ إلى قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫يقبل التوبة التي عرض ال له‪ .‬وخرج إلى المشركين بمكة‪ ,‬فنقب بيتا ليسرقه‪ ,‬فهدمه ال عليه‬
‫ن لَ هُ ال ُهدَي} فقرأ حتى بلغ‪{ :‬وَساءَتْ‬
‫ن َب ِعدِ ما َت ِبيّ َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫فقتله ‪ ¹‬فذلك قوله‪َ { :‬ومَ نْ يُشاقِق الرّسو َ‬
‫َمصِيرا}‪ .‬ويقال‪ :‬هو طعمة بن أبيرق‪ ,‬وكان نازلً في بني ظفر‪.‬‬
‫ن للخا ِئنِي نَ خَصيما}‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الخيانة التي وصف ال بها من وصفه بقوله‪{ :‬وَل َتكُ ْ‬
‫جحوده وديعة كان أُودِعَها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8315‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫حكُ مَ بي نَ النّا سِ ِبمَا أرَا كَ الّل هُ وَل َت ُك نْ للخا ِئنِي نَ خَ صِيما} قال‪:‬‬
‫{إنّا أ ْنزَلْنا إَليْ كَ الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫أمّا «ما أراك ال»‪ :‬فما أوحي ال إليك ‪ ¹‬قال‪ :‬نزلت في طعمة بن أبيرق‪ ,‬واستودعه رجل من‬
‫اليهود در عا‪ ,‬فانطلق ب ها إلى داره‪ ,‬فح فر ل ها اليهودي ثم دفن ها‪ ,‬فخالف إلي ها طع مة‪ ,‬فاحت فر‬
‫عن ها‪ ,‬فأخذ ها‪ .‬فل ما جاء اليهود يّ يطلب در عه كَا َفرَ هُ عن ها‪ ,‬فانطلق إلى ناس من اليهود من‬
‫عشيرته‪ ,‬فقال‪ :‬انطلقوا معي‪ ,‬فإني أعرف وضع الدرع! فلما علم بهم طعمة‪ ,‬أخذ الدرع فألقاها‬
‫ل الن صاري‪ ,‬فل ما جاءت اليهود تطلب الدرع فل ما تقدر علي ها‪ ,‬و قع به طع مة‬
‫في دار أ بي مَُليْ ٍ‬
‫وأناس من قومه‪ ,‬فسبوه‪ ,‬وقال‪ :‬أتخوّنونني؟ فانطلقوا يطلبونها في داره‪ ,‬فأشرفوا على بيت أبي‬
‫مليل‪ ,‬فإذا هم بالدرع‪ ,‬وقال طعمة‪ :‬أخذها أبو مليل‪ .‬وجادلت النصار دون طعمة‪ ,‬وقال لهم‪:‬‬
‫انطلقوا معي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقولوا له ينضح عني ويكذب حجة اليهودي‪,‬‬
‫فإ ني إن ُأكّذب كذب على أ هل المدي نة اليهودي‪ .‬فأتاه أناس من الن صار فقالوا‪ :‬يا ر سول ال‬
‫جادل عن طع مة وَأ ْكذِب اليهودي! فه مّ ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يف عل‪ ,‬فأنزل ال‬
‫ن اللّ هَ كا نَ غَفُورا َرحِي ما وَل‬
‫س َتغْفِر الّل هَ} م ما أردت {إ ّ‬
‫ن خَ صِيما وَا ْ‬
‫ن للخا ِئنِي َ‬
‫عل يه‪{ :‬وَل َتكُ ْ‬
‫ن خَوّا نا أثِي ما}‪ .‬ثم ذ كر الن صار‬
‫ن كا َ‬
‫ب مَ ْ‬
‫ن اللّ هَ ل ُيحِ ّ‬
‫س ُهمْ إ ّ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن َيخْتانُو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫تُجادِلْ عَ ِ‬
‫ن اللّ هِ وَ ُه َو َم َعهُ مْ إ ْذ ُي َبيّتُو نَ ما ل‬
‫ن مِ َ‬
‫س َتخْفُو َ‬
‫ن النّا سِ وَل يَ ْ‬
‫س َتخْفُونَ مِ َ‬
‫ومجادلتهم عنه‪ ,‬فقال‪{ :‬يَ ْ‬
‫ن القَ ْولِ} يقول‪ :‬يقولون ما ل ير ضى من القول‪ { ,‬ها أنُت مْ هؤلء جَادلت مْ عَنه مْ في‬
‫َيرْ ضى مِ َ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا أوْ‬
‫الحياة الدّنيْا فم نْ يجادِلُ الّل هُ عَنه مْ يو مَ القيامةِ}‪ .‬ثم دعا إلى التوبة‪ ,‬فقال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫غفُورا َرحِيما}‪ .‬ثم ذكر قوله حين قال أخذها أبو مليل فقال‪:‬‬
‫جدِ الّلهَ َ‬
‫س َتغْفِر اللّهَ َي ِ‬
‫سهُ ثُمّ يَ ْ‬
‫َيظْلِمْ نَفْ َ‬
‫خطِيئَةً أ ْو إثْما ثُ مّ َيرْ مِ بِ ِه َبرِيئا فَ َقدِ‬
‫ب َ‬
‫ن َيكْ سِ ْ‬
‫سبُ ُه على َنفْ سِهِ‪َ ...‬ومَ ْ‬
‫ن َيكْ سِبْ إثْما فإنّمَا َيكْ ِ‬
‫{ َومَ ْ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتانا وإثْما ُمبِينا}‪ .‬ثم ذكر النصار وإتيانهم إياه أن ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه‬
‫اْ‬
‫شيْءٍ وأ ْنزَلَ‬
‫س ُهمْ وَما َيضُرّونَك مِ نْ َ‬
‫ن إلّ أنْفُ َ‬
‫ن ُيضِلّو كَ وَما ُيضِلّو َ‬
‫ت طائِ َفةٌ ِم ْنهُ مْ أ ْ‬
‫فقوله‪َ{ :‬ل َهمّ ْ‬
‫ح ْكمَةَ} يقول‪ :‬النبوّة‪ .‬ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة‪,‬‬
‫اللّ هُ عََليْ كَ الكِتا بَ وال ِ‬
‫ن النّاس}‪.‬‬
‫صدَقَ ٍة أوْ َم ْعرُو فٍ أوْ إ صْلحٍ بي َ‬
‫ل مَ نْ أ َمرَ بِ َ‬
‫ن َنجْوَاهُ مْ إ ّ‬
‫خيْرَ فِي َكثِيرٍ مِ ْ‬
‫فقال‪{ :‬ل َ‬
‫فل ما ف ضح ال طع مة بالمدي نة بالقرآن‪ ,‬هرب ح تى أ تى م كة‪ ,‬فك فر ب عد إ سلمه‪ .‬ونزل على‬
‫الحجاج بن علط السلمي‪ ,‬فنقب بيت الحجاج فأراد أن يسرقه‪ ,‬فسمع الحجاج خشخشة في بيته‬
‫وقعقة جلود كانت عنده‪ ,‬فنظر فإذا هو بطعمة‪ ,‬فقال‪ :‬ضيفي وابن عمي وأردت أن تسرقني؟!‬
‫ن لَ هُ‬
‫ن َبعْد ما تَبيّ َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫ن يُشاقِق الرّ سُو َ‬
‫فأخرجه فمات بحرّة بني سليم كافرا‪ ,‬وأنزل ال فيه‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ن نُوَلّه ما َتوَلى}‪ ...‬إلى‪{ :‬وَساءَتْ َمصِيرا}‪.‬‬
‫سبِيل المُ ْؤ ِمنِ َ‬
‫ال ُهدَى َو َي ّتبِعْ غي َر َ‬
‫‪8316‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫اسـتودع رجـل مـن النصـار طعمـة بـن أبيرق مشرُبـه له فيهـا درع‪ ,‬وخرج فغاب‪ .‬فلمـا قدم‬
‫ي فتح مشربته فلم يجد الدرع‪ ,‬فسأل عنها طعمة بن أبيرق‪ ,‬فرمي بها رجلً من اليهود‬
‫النصار ّ‬
‫يقال له زيد بن السمين‪ .‬فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه ‪ ¹‬فلما رأى ذلك قومه أتوا النبيّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فكلموه ليدرأ ع نه ف هم بذلك‪ ,‬فأنزل ال تبارك وتعالى‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْ نا إَليْ كَ‬
‫ن اللّ هَ‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ َه إ ّ‬
‫ن للخا ِئنِي نَ خَ صِيما وَا ْ‬
‫ن النّا سِ ِبمَا أرَا كَ الّل هُ وَل َتكُ ْ‬
‫حكُ مْ بي َ‬
‫ال ِكتَا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫سهُمْ} يع ني طع مة بن أبيرق وقو مه‪ { ,‬ها‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن َيخْتانُو َ‬
‫ع نِ اّلذِي َ‬
‫كا نَ غَفُورا رَحي ما وَل تُجادِلْ َ‬
‫ن َيكُو نَ عََل ْيهِ مْ‬
‫ع ْنهُ مْ َيوْ مَ القِيامَ ِة أمّ ْ‬
‫ع ْنهُ مْ فِي الحَيا ِة الدّنيْا َفمَ نْ يِجادِلُ الّل هَ َ‬
‫أ ْنتُ مْ هَؤُل ِء جادَ ْلتُ مْ َ‬
‫س َتغْف ِر اللّهَ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا أوْ َيظْلِ ْم نَفْسَ ُه ثُمّ يَ ْ‬
‫وَكيلً} محمد صلى ال عليه وسلم وقوم طعمة‪َ { .‬و َم ْ‬
‫ْسـبُ ُه على‬
‫ْسـبْ إثْمـا فإنّمَا َيك ِ‬
‫َنـ َيك ِ‬
‫ّهـ غَفُورا َرحِيمـا} محمـد وطعمـة وقومـه‪ ,‬قال‪َ { :‬وم ْ‬
‫جدِ الل َ‬
‫َي ِ‬
‫خطِيئَةً أوْ إثْما ثُ مّ َيرْ مِ ِب هِ َبرِيئا} يع ني‪ :‬ز يد بن السمين‪,‬‬
‫نَفْ سِهِ}‪ ...‬الَية‪ ,‬طع مة‪َ { .‬و َم نْ َيكْ سِبْ َ‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتا نا وَإثْ ما ُمبِي نا} طع مة بن أبيرق‪{ .‬وَلَ ْولَ َفضْلُ الّل هِ عََليْ كَ َو َرحْمتُ هُ} يا مح مد‪,‬‬
‫{فَ َقدِ ا ْ‬
‫شيْءٍ} قوم طعمة ابن‬
‫ن َ‬
‫ضرّونَكَ ِم ْ‬
‫س ُهمْ وَما َي ُ‬
‫ل أنْفُ َ‬
‫ن ُيضِلّوكَ وَما ُيضِلّونَ إ ّ‬
‫ت طائِ َفةٌ ِم ْنهُمْ أ ْ‬
‫{َل َهمّ ْ‬
‫ل اللّهِـ عََليْكَـ‬
‫ح ْكمَةَ وَعَّلمَكَـ مـا لَم ْـ َتكُن ْـ َتعْلَمُـ وكانَـ فَضْ ُ‬
‫أبيرق‪{ .‬وأ ْنزَلَ اللّهُـ عََليْكَـ الكِتابَـ وال ِ‬
‫ن أ َمرَ بِ صَ َدقَةٍ أوْ‬
‫خ ْيرَ فِي كَثيرٍ ِم نْ َنجْوَاهُ ْم إلّ مَ ْ‬
‫عظِي ما} محمـد صلى ال عل يه و سلم‪{ .‬ل َ‬
‫َ‬
‫ن َب ْعدِ ما َت َبيّ نَ َل ُه ال ُهدَي‬
‫ن يُشاق قِ الرّ سُولَ ِم ْ‬
‫َمعْرُو فٍ} ح تى تنق ضي الَ ية للناس عا مة‪َ { .‬ومَ ْ‬
‫سبِيلِ المُ ْؤ ِمنِي نَ}‪ ...‬الَ ية‪ .‬قال‪ :‬ل ما نزل القرآن في طع مة بن أبيرق ل حق بقر يش‬
‫َو َي ّتبِ عْ غيرَ َ‬
‫ور جع في دي نه‪ ,‬ثم عدا على مشر بة للحجاج بن علط البهز يّ ثم ال سلمي حل يف لب ني ع بد‬
‫الدار‪ ,‬فنقب ها‪ ,‬ف سقط عل يه ح جر فَلِح جَ‪ .‬فل ما أ صبح أخرجوه من م كة‪ ,‬فخرج فل قي رك با من‬
‫بهراء من قضا عة‪ ,‬فعرض ل هم‪ ,‬فقال‪ :‬ا بن سبيل منق طع به! فحملوه ح تى إذا ج نّ عل يه الل يل‬
‫عدا عليهم فسرقهم‪ ,‬ثم انطلق فرجعوا في طلبه فأدركوه‪ ,‬فقذفوه بالحجارة حتى مات‪ .‬قال ابن‬
‫ن ذَلِكَ‬
‫ن ُيشْرَكَ بِهِ َو َيغْ ِف ُر ما دُو َ‬
‫ن اللّ َه ل َيغْ ِف ُر أ ْ‬
‫جريج‪ :‬فهذه الَيات كلها فيه نزلت إلى قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ن يَشاءُ} أنزلت في طعمة بن أبيرق‪ ,‬يقولون‪ :‬إنه رَمى بالدرع في دار أبي مليل بن عبد ال‬
‫ِلمَ ْ‬
‫الخزرجي‪ ,‬فلما نزل القرآن لحق بقريش‪ ,‬فكان من أمره ما كان‪.‬‬
‫‪ 8317‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ‪ ,‬حدث نا عب يد بن سلمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حكُمَ بينَ النّاسِ ِبمَا أرَاكَ الّلهُ} يقول‪ :‬بما أنزل عليك وأراكه‬
‫سمعت الضحاك يقول في قوله‪ِ{ :‬ل َت ْ‬
‫في كتابه‪ .‬ونزلت هذه الَية في رجل من النصار استودع درعا فجحد صاحبها‪ ,‬فخوّنه رجال‬
‫من أ صحاب نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فغ ضب له قو مه‪ ,‬وأتوا نبيّ ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬خوّنوا صاحبنا و هو أم ين م سلم‪ ,‬فاعذره يا نبيّ ال واز جر ع نه! فقام نبيّ ال‬
‫فعذره وكذب عنه وهو يرى أنه بريء وأنه مكذوب عليه‪ ,‬فأنزل ال بيان ذلك فقال‪{ :‬إنّا أ ْنزَلْنا‬
‫س ِبمَا أرَا كَ اللّ هُ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬أم ّم نْ َيكُو نُ عََل ْيهِ مْ َوكِيلً}‬
‫حكُ مَ بي نَ النّا ِ‬
‫إَليْ كَ الكِتا بَ بالحَ قّ ِل َت ْ‬
‫ن يُشاقِ قِ‬
‫فبين ال خيانته‪ .‬فلحق بالمشركين من أهل مكة‪ ,‬وارتدّ عن السلم‪ ,‬فنزل فيه‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ن لَ ُه ال ُهدَى} إلى قوله‪ :‬وَساءَتْ َمصِيرا}‪.‬‬
‫ن َب ْعدِ ما َت َبيّ َ‬
‫الرّسُولَ مِ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى التأويلين في ذلك بما دلّ عليه ظاهر الَية قول من قال‪ :‬كانت خيانته‬
‫التي وصفه ال بها في هذه الَية جحوده ما أودع‪ ,‬لن ذلك هو المعروف من معاني الخيانات‬
‫في كلم العرب ‪ ¹‬وتوجيه تأويل القرآن إلى الشهر من معاني كلم العرب ما وجد إليه سبيل‬
‫أولى من غيره‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ُيحِ بّ مَن‬
‫سهُمْ ِإ نّ الّل هَ َ‬
‫ختَانُو نَ َأ ْنفُ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ع نِ اّلذِي َ‬
‫ل ُتجَادِلْ َ‬
‫{ َو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خوّانا َأثِيما }‪..‬‬
‫كَانَ َ‬
‫س ُهمْ} يع ني‪:‬‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن َيخْتانُو َ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪{ :‬وَل تُجادِلْ} يا مح مد فتخا صم {عَ نِ اّلذِي َ‬
‫يخوّنون أنفسهم‪ ,‬يجعلون ها خونة بخيانت هم ما خانوا من أموال من خانوه ماله و هم ب نو أبيرق‪,‬‬
‫ن الّل هَ ل ُيحِ بّ مَ نْ‬
‫يقول‪ :‬ل تخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم‪ ,‬وما خانوه فيه من أموالهم‪{ .‬إ ّ‬
‫ب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم‪ ,‬وركوب‬
‫خوّانا أثِيما} يقول‪ :‬إن ال ل يح ّ‬
‫كا نَ َ‬
‫الثم في ذلك وغيره‪ ,‬مما حرّمه ال عليه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ ,‬وقد تقدّم ذكر الرواية عنهم‪.‬‬
‫‪ 8318‬ـ حدث نا الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫س ُهمْ} قال‪ :‬اختان رجل عمّا له درعا‪ ,‬فقذف بها يهوديا كان‬
‫{وَل تُجادلْ عَن اّلذِي نَ َيخْتانُو نَ أنْفُ َ‬
‫يغشاهـم‪ ,‬فجادل عمّـ الرجـل قومـه‪ ,‬فكان النـبيّ صـلى ال عليـه وسـلم عذره‪ ,‬ثـم لحـق بأرض‬
‫ن يُشا ِققِ ال ّرسُولَ َمنْ َب ْعدِ ما َت َبيّنَ َلهُ ال ُهدَى}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫الشرك‪ ,‬فنزلت فيه‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫‪108‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن اللّ هِ وَ ُهوَ َم َعهُ مْ ِإذْ‬
‫ن مِ َ‬
‫س َتخْفُو َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ن النّا سِ َو َ‬
‫ن مِ َ‬
‫س َتخْفُو َ‬
‫{يَ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ُمحِيطا }‪..‬‬
‫ن اللّ ُه ِبمَا َي ْعمَلُو َ‬
‫ن مَا لَ َي ْرضَىَ ِمنَ الْ َقوْلِ َوكَا َ‬
‫ُي َب ّيتُو َ‬
‫ن مِ نَ النّا سِ} يستخفى هؤلء الذين يختانون أنفسهم ما أوتوا‬
‫ستَخْفُو َ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬يَ ْ‬
‫من الخيانة‪ ,‬وركبوا من العار والمعصية من الناس الذي ل يقدرون لهم على شيء إل ذكرهم‬
‫بقبيح ما أوتوا من فعلهم وشنيع ما ركبوا من جرمهم إذا اطلعوا عليه حياء منهم‪ ,‬وحذرا من‬
‫ِنـ اللّهـِ} الذي هـو مطلع عليهـم‪ ,‬ل يخفـى عليـه شيـء مـن‬
‫نم َ‬‫َسـَتخْفُو َ‬
‫لي ْ‬‫قبيـح الحدوثـة‪َ { .‬و َ‬
‫أعمالهم‪ ,‬وبيده العقاب والنكال وتعجيل العذاب‪ ,‬وهو أح قّ أن يستحيا منه من غيره‪ ,‬وأولى أن‬
‫يع ظم بأن ل يرا هم ح يث يكرهون أن يرا هم أ حد من خل قه {و ُهوَ َم َعهُ مْ} يع ني‪ :‬وال شاهد هم‪,‬‬
‫ل ما ل يرضى من القول فيغيرونه‬
‫{إذْ ُي َب ّينُو نَ ما ل َي ْرضَى مِ نَ القَوْلِ} يقول حين يسوّون لي ً‬
‫ل كلم أو أمر‬
‫عن وجهه‪ ,‬ويكذبون فيه‪ .‬وقد بينا معنى التبييت في غير هذا الموضع‪ ,‬وأنه ك ّ‬
‫أصلح ليلً‪ .‬وقد حكي عن بعض الطائيين أن التبييت في لغتهم التبديل‪ ,‬وأنشد للسود بن عامر‬
‫بن جُوَين الطائي في معاتبة رجل‪:‬‬
‫عبْدا َكنُودَا‬
‫ع ْبدَ المَلِيــكِ قاتََلكَ الّلهُ َ‬
‫َو َبيّتَ قَوِْليَ َ‬
‫بمعنى‪ :‬بدلت قولي‪ .‬ورُوي عن أبي رزين أنه كان يقول في معنى قوله‪« :‬يبيتون»‪ :‬يؤلفون‪.‬‬
‫‪8319‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫ن ال َقوْلِ} قال‪ :‬يؤلفون ما ل َي ْرضَى من القول‪.‬‬
‫أبي رزين‪{ :‬إذْ ُي َب ّيتُونَ ما ل َيرْضَى مِ َ‬
‫حدثنا أحمد بن سنان الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو يحيـى الحماني‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن العمش‪,‬‬
‫عن أبي رزين‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫أبي رزين‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذا القول شبيه المع نى بالذي قلناه‪ ,‬وذلك أن التأل يف هو الت سوية والتغي ير‬
‫عما هو به وتحويله عن معناه إلى غيره‪.‬‬
‫ن مِ نَ النّا سِ وَل يَ سْ َتخْفُونَ ِم نَ الّل هِ}‪ :‬الرهط الذين مشوا إلى‬
‫وقد قيل‪ :‬عني بقوله ‪{¹‬يَ سْ َتخْفُو َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في مسألة المدافعة عن بني أبيرق والجدال عنه على ما ذكرنا‬
‫ن ُمحِيطا} يعني جلّ ثناؤه‪ :‬وكان‬
‫ن اللّ ُه ِبمَا َي ْعمَلُو َ‬
‫قبل فيما مضى عن ابن عباس وغيره‪{ .‬وكا َ‬
‫ال بما يعمل هؤلء المستخفون من الناس فيما أوتوا من جرمهم حياء منهم من تبييتهم ما ل‬
‫ير ضى من القول وغيره من أفعال هم محي طا مح صيا‪ ,‬ل يخ في عل يه ش يء م نه‪ ,‬حاف ظا لذلك‬
‫عليهم‪ ,‬حتى يجازيهم عليه جزاءهم‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا فَمَن ُيجَادِلُ الّلهَ‬
‫ع ْنهُمْ فِي ا ْل َ‬
‫{هَا َأ ْنتُمْ هَـؤُل ِء جَادَلْتُمْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ْن ُهمْ يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ َأ ْم مّن َيكُونُ عََل ْي ِهمْ َوكِيلً }‪..‬‬
‫َ‬
‫ع ْنهُ مْ فِي الحَياةِ ال ّدنْيا} ها أنتم الذين جادلتم يا‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬ها أ ْنتُ مْ َهؤُلءِ جادَ ْلتُ مْ َ‬
‫ع ْنهُ مْ} من ذ كر‬
‫مع شر من جادل عن ب ني أبيرق في الحياة الدن يا‪ .‬والهاء والم يم في قوله‪َ { :‬‬
‫ع ْنهُ مْ} يقول‪ :‬ف من ذا يخا صم ال عن هم يوم القيا مة‪ :‬أي يوم يقوم‬
‫الخائن ين‪َ { .‬فمَ نْ يُجادِلُ الّل هَ َ‬
‫الناس من قبورهم لمحشرهم‪ ,‬فيدافع عنهم ما ال فاعل بهم‪ ,‬ومعاقبهم به‪ .‬وإنما يعني بذلك أنكم‬
‫أيها المدافعون عن هؤلء الخائنين أنفسهم‪ ,‬وإن دافعتم عنهم في عاجل الدنيا‪ ,‬فإنهم سيصيرون‬
‫ل بهم من أليم العذاب ونكال العقاب‪.‬‬
‫في آجل الَخرة إلى من ل يدافع عنهم عنده أحد فيما يح ّ‬
‫ن َيكُو نُ عََل ْيهِ مْ َوكِيلً} فإنه يعني‪ :‬ومن ذا الذي يكون على هؤلء الخائنين وكيلً‬
‫وأما قوله‪{ :‬أمّ ْ‬
‫يوم القيا مة‪ :‬أي و من يتو كل ل هم في خ صومة رب هم عن هم يوم القيا مة‪ .‬و قد بي نا مع نى الوكالة‬
‫فيما مضى‪ ,‬وأنها القيام بأمر من توكل له‪.‬‬

‫‪110‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدِ اللّهَـ‬
‫{وَمَن َي ْعمَلْ سُـوَءا َأ ْو يَظْلِم ْـ نَفْسَـُه ثُمّـ يَس ْـَتغْ ِفرِ اللّهَـ َي ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫غَفُورا ّرحِيما }‪..‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ومن يعمل ذنبا‪ ,‬وهو السوء‪ ,‬أو يظلم نفسه بإكسابه إياها ما يستحقّ به‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ هَ} يقول‪ :‬ثم يتوب إلى ال باناب ته م ما ع مل من ال سوء وظلم نف سه‬
‫عقو بة ال‪{ ,‬ثُ مّ يَ ْ‬
‫جدِ الّل هَ غَفُورا‬
‫ومراجعته ما يحبه ال من العمال الصالحة التي تمحو ذنبه وتذهب جُرمه‪َ { ,‬ي ِ‬
‫َرحِيما} يقول‪ :‬يجد ربه ساترا عليه ذنبه بصفحه له عن عقوبته جرمه‪ ,‬رحيما به‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عني بها الذين وصفهم ال بالخيانة‬
‫س ُهمْ}‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ َيخْتانُونَ أنْ ُف َ‬
‫بقوله‪{ :‬وَل تُجادِلْ عَ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ع ني ب ها الذ ين يجادلون عن الخائن ين‪ ,‬الذ ين قال ال ل هم‪ { :‬ها أ ْنتُ مْ َهؤُلءِ‬
‫ع ْنهُ ْم فِي الحَيا ِة ال ّدنْيا} وقد ذكرنا قائلي القولين كليهما فيما مضى‪.‬‬
‫جادَلْ ُتمْ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك عندنا أنه عنى بها كل من عمل سوءا أو ظلم‬
‫نف سه‪ ,‬وإن كا نت نزلت في أ مر الخائن ين والمجادل ين عن هم الذ ين ذ كر ال أمر هم في الَيات‬
‫قبلها‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8320‬ـ حدثني محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن أبي‬
‫وائل قال‪ :‬قال ع بد ال‪ :‬كا نت ب نو إ سرائيل إذا أ صاب أحد هم ذن با أ صبح قد ك تب كفارة ذلك‬
‫الذ نب على با به‪ ,‬وإذا أ صاب البول شيئا م نه قر ضه بالمقراض‪ ,‬فقال ر جل‪ :‬ل قد أ تى ال ب ني‬
‫إ سرائيل خيرا‪ .‬فقال ع بد ال‪ :‬ما آتا كم ال خيرا م ما أتا هم‪ ,‬ج عل ال الماء ل كم طهورا‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫حشَةً أوْ ظََلمُوا أنْفُسَـُهمْ َذكَرُوا اللّهَـ فاس ْـَتغْ َفرُوا ِل ُذنُو ِبهِمـْ} وقال‪َ { :‬ومَن ْـ َي ْعمَلْ‬
‫و{اّلذِينَـ إذَا َفعَلُوا فا ِ‬
‫جدِ الّلهَ غَفُورا َرحِيما}‪.‬‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ َه َي ِ‬
‫سُوءا أ ْو َيظْلِمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َي ْ‬
‫‪8321‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عون‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جاءت امرأة إلى ع بد ال بن مغ فل‪ ,‬ف سألته عن امرأة فجرت فحبلت‪ ,‬فل ما ولدت قتلت ولد ها‪,‬‬
‫فقال ا بن مغ فل‪ :‬ما ل ها؟ ل ها النار! فان صرفت و هي تب كي‪ ,‬فدعا ها‪ ,‬ثم قال‪ :‬ما أرى أمرك إل‬
‫جدِ اللّ هَ غَفُورا َرحِي ما} قال‪:‬‬
‫أ حد أمر ين‪َ { :‬ومَ نْ َي ْعمَلْ سُوءا أ ْو َيظْلِ مْ نَفْ سَهُ ثُ مّ يَ سْ َتغْ ِفرِ الّل َه َي ِ‬
‫فمسحت عينها ثم مضت‪.‬‬
‫‪ 8322‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫س َتغْفِرِ الّل َه َيجِ ِد اللّ هَ غَفُورا َرحِي ما} قال‪:‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا أوْ َيظْلِ مْ نَفْ سَ ُه ثُ مّ يَ ْ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫أخبر ال عباده بحلمه وعفوه وكرمه‪ ,‬وسعة رحمته ومغفرته‪ ,‬فمن أذنب صغيرا كان أو كبيرا‪,‬‬
‫ثم يستغفر ال‪ ,‬يجد ال غفورا رحيما‪ ,‬ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والرض والجبال‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هُ عَلِيما‬
‫سبُهُ عََلىَ نَفْ سِهِ َوكَا َ‬
‫{وَمَن َيكْ سِبْ ِإثْما َفِإنّمَا َيكْ ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫َ‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬و من يأت ذن با على ع مد م نه له ومعر فة به‪ ,‬فإن ما يجترح وبال ذلك‬
‫الذ نب وضرّه وخز يه وعاره على نف سه دون غيره من سائر خلق ال‪ ,‬يقول‪ :‬فل تجادلوا أي ها‬
‫الذ ين تجادلون عن هؤلء الخو نة‪ ,‬فان كم وإن كن تم ل هم عشيرة وقرا بة وجيرا نا برآء م ما أتوه‬
‫من الذنب ومن التبعة التي ُي ْتبَعون بها‪ ,‬فإنكم متى دافعتم عنهم أو خاصمتم بسببهم كنتم مثلهم‪,‬‬
‫فل تدافعوا عنهم‪ ,‬ول تخاصموا‪.‬‬
‫حكِي ما} فإ نه يع ني‪ :‬وكان ال عال ما ب ما تفعلون أي ها المجادلون‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬وكا نَ الّل هُ عَلِي ما َ‬
‫عـن الذيـن يختانون أنفسـهم فـي جدالكـم عنهـم وغيـر ذلك مـن أفعالكـم وأفعال غيركـم‪ ,‬وهـو‬
‫حكِيمـا} يقول‪ :‬وهـو حكيـم بسـياستكم‬
‫يحصـيها عليكـم وعليهـم‪ ,‬حتـى يجازي جميعكـم بهـا‪َ { .‬‬
‫وتدبيركم‪ ,‬وتدبير جميع خلقه‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت هذه الَية في بني أبيرق‪ ,‬وقد ذكرنا من قال ذلك‬
‫فيما مضى قبل‪.‬‬
‫‪112‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل ُب ْهتَانا‬
‫ح َتمَ َ‬
‫ط َيئَ ًة أَ ْو ِإثْما ثُ مّ َيرْ مِ ِب ِه َبرِيئا فَ َقدِ ا ْ‬
‫خِ‬‫{ َومَن َيكْ سِبْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫وَِإثْما ّمبِينا }‪..‬‬
‫ل مـن‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ومـن يعمـل خطيئة‪ ,‬وهـي الذنـب‪ ,‬أو إثمـا‪ ,‬وهـو مـا ل يح ّ‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫المع صية‪ .‬وإن ما فّرق ب ين الخطيئة وال ثم‪ ,‬لن الخطيئة قد تكون من ق بل الع مد وغ ير الع مد‪,‬‬
‫وال ثم ل يكون إل من الع مد‪ ,‬فف صل جلّ ثناؤه لذلك بينه ما‪ ,‬فقال‪ :‬و من يأت خطيئة على غ ير‬
‫عمد منه لها‪ ,‬أو إثما على عمد منه ثم يرم به بريئا‪ ,‬يعني بالذي تعمده بريئا‪ ,‬يعني ثم يصف‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتانا وإثْما‬
‫ما أتى من خطئه أو إثمه الذي تعمده بريئا مما أضافه إليه ونحله إياه ‪{ ¹‬فَ َقدِ ا ْ‬
‫ُمبِينا} يقول‪ :‬فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذبا وإثما عظيما‪ ,‬يعني وجرما عظيما على علم منه‬
‫وعمد لما أتى من معصيته وذنبه‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في من ع نى ال بقوله‪{ :‬بَرِيئا} ب عد إجماع جميع هم على أن الذي ر مى‬
‫البريء من الثم الذي كان أتاه ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬عنى ال عزّ‬
‫ل بالبريء رجلً من المسلمين يقال له لبيد بن سهل‪.‬‬
‫وج ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى رجلً من اليهود يقال له زيد بن السمين‪ ,‬وقد ذكرنا الرواية عمن قال‬
‫ذلك فيما مضى‪ .‬وممن قال كان يهوديا‪ ,‬ابن سيرين‪.‬‬
‫‪ 8323‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا غندر‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن خالد الحذاء‪ ,‬عن ا بن‬
‫سيرين‪ُ { :‬ثمّ َي ْرمِ بِ ِه بَرِيئا} قال‪ :‬يهوديا‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا بدل بن الم حبر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن ا بن‬
‫سيرين‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقيل‪َ { :‬يرْ مِ ِب هِ َبرِيئا} بمعنى‪ :‬ثم يرم بالثم الذي أتى هذا الخائن من هو بريء مما رماه به‪,‬‬
‫فالهاء في قوله « به» عائدة على ال ثم‪ ,‬ولو جعلت كنا ية من ذ كر ال ثم والخطيئة كان جائزا‪,‬‬
‫لن الفعال وإن اختلفت العبارات عنها فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعل‪.‬‬
‫ح َتمَلَ ُبهْتا نا وإثْ ما ُمبِي نا} فإن معناه‪ :‬ف قد تح مل هذا الذي ر مي ب ما أ تى من‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬فَ َق ِد ا ْ‬
‫المع صية ور كب من ال ثم والخطيئة من هو بر يء م ما رماه به من ذلك بهتا نا‪ ,‬و هو الفر ية‬
‫والكذب‪ ,‬وإثما مبينا‪ ,‬يعني وزرا مبينا‪ ,‬يعني أنه يبين عن أمر عمله وجراءته على ربه وتقدمه‬
‫على خلفه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمره‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت طّآئِفَةٌ ّم ْنهُمْ أَن ُيضِلّوكَ‬
‫ح َمتُ ُه َل َهمّ ْ‬
‫{وََل ْولَ َفضْلُ الّلهِ عََليْكَ َو َر ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ح ْكمَةَ َوعَّلمَكَ مَا لَمْ‬
‫ل اللّهُ عََليْكَ ا ْل ِكتَابَ وَا ْل ِ‬
‫شيْءٍ وَأَنزَ َ‬
‫ضرّونَكَ مِن َ‬
‫سهُمْ َومَا َي ُ‬
‫ل َأنْفُ َ‬
‫َومَا ُيضِلّونَ ِإ ّ‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫َتكُنْ َتعَْلمُ َوكَانَ َفضْلُ الّلهِ عََل ْيكَ َ‬
‫ح َمتُ هُ} ولول أن ال تفضل عليك يا محمد‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬وَلَوْل فَضْلُ الّل هِ عََليْ كَ َورَ ْ‬
‫يعني بقوله ج ّ‬
‫فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن‪ ,‬فكففت لذلك عن الجدال عنه‪ ,‬ومدافعة أهل الح قّ‬
‫عن حقهم قبله ‪َ{ ¹‬ل َهمّ تْ طائِفَ ٌة ِم ْنهُ مْ} يقول‪ :‬لهمت فرقة منهم‪ ,‬يعني من هؤلء الذين يختانون‬
‫أنفسهم‪{ ,‬أنْ ُيضِلّوكَ} يقول‪ :‬يزلوك عن طريق الحق‪ ,‬وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى ال‬
‫عل يه و سلم وشهادت هم للخائن عنده بأ نه بر يء م ما ادّ عى عل يه‪ ,‬وم سألتهم إياه أن يعذره ويقوم‬
‫بمعذر ته في أ صحابه‪ ,‬فقال ال تبارك وتعالى‪ :‬و ما يضلّ هؤلء الذ ين هموا بأن يضلوك عن‬
‫الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره‪ ,‬إل أنفسهم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما كان وجه إضللهم أنفسهم؟ قيل‪ :‬وجه إضللهم أنفسهم‪ :‬أخذهم بها في غير‬
‫ل ثناؤه قد كان تقدم إليهم فيما تقدم في‬
‫ما أباح ال لهم الخذ بها فيه من سبله‪ ,‬وذلك أن ال ج ّ‬
‫كتابه على لسان رسوله إلى خلقه بالنهي عن أن يتعاونوا على الثم والعدوان والمر بالتعاون‬
‫على الح قّ‪ ,‬فكان من الوا جب ل فيمن سعى في أمر الخائنين الذ ين وصف ال أمر هم بقوله‪:‬‬
‫خصِيما} معاونة من ظلموه دون من خاصمهم إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫ن للخا ِئنِينَ َ‬
‫{وَل َتكُ ْ‬
‫وسلم في طلب حقه منهم‪ ,‬فكان سعيهم في معونتهم دون معونة من ظلموه‪ ,‬أخذا منهم في غير‬
‫ُسـُهمْ وَمـا‬
‫ل أنْف َ‬
‫سـبيل ال‪ ,‬وذلك هـو إضللهـم أنفسـهم‪ ,‬الذي وصـفه ال فقال‪{ :‬وَمـا ُيضِلّون َـ إ ّ‬
‫الحقـ فـي أمـر هذا‬
‫ّ‬ ‫شيْءٍ} ومـا يضرّك هؤلء الذيـن هموا لك أن يزلوك عـن‬
‫ِنـ َ‬
‫َكـ م ْ‬
‫َيضُرّون َ‬
‫الخائن من قو مه وعشير ته من ش يء‪ ,‬لن ال مثبتك ومسدّدك في أمورك و مبين لك أ مر من‬
‫سعوا في ضللك عن الحقّ في أمره وأمرهم‪ ,‬ففاضحه وإياهم‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} يقول‪ :‬ومن فضل ال عليك يا محمد مع سائر ما‬
‫وقوله‪{ :‬وأ ْنزَلَ الّل هُ عََليْ كَ الكِتا بَ وال ِ‬
‫تفضل به عليك من نعمه‪ ,‬أنه أنزل عليك الكتاب‪ ,‬وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء‪ ,‬وهدى‬
‫ح ْكمَةَ}‪ :‬يع ني وأنزل عل يك مع الكتاب الحك مة‪ ,‬و هي ما كان في الكتاب مجملً‬
‫وموع ظة‪{ ,‬وال ِ‬
‫ذكره‪ ,‬من حلله وحرامه‪ ,‬وأمره ونهيه وأحكامه‪ ,‬ووعده ووعيده‪{ .‬وَعَّلمَكَ ما لَ ْم َتكُنْ َتعْلَمُ} من‬
‫خبر الوّل ين والَخر ين‪ ,‬و ما كان‪ ,‬و ما هو كائن ق بل‪ ,‬ذلك من ف ضل ال عل يك يا مح مد مذ‬
‫خلقـك‪ ,‬فاشكره على مـا أولك مـن إحسـانه إليـك بالتمسـك بطاعتـه‪ ,‬والمسـارعة إلى رضاه‬
‫ومحبته‪ ,‬ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته‪ ,‬ومخالفة من حاول إضللك عن طريقه‬
‫ومنهاج دي نه‪ ,‬فإن ال هو الذي يتولك بفضله‪ ,‬ويكف يك غائلة من أرادك ب سوء وحاول صدّك‬
‫عن سبيله‪ ,‬كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن‪ ,‬ول أحد‬
‫من دونه ينقذك من سوء إن أراد بك إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه واتبعت هوى من‬
‫حاول صدّك عن سبيله‪ .‬وهذه الَية تنبيه من ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم على موضع‬
‫حظه‪ ,‬وتذكير منه له الواجب عليه من حقه‪.‬‬

‫‪114‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص َدقَةٍ َأوْ َم ْعرُو فٍ‬
‫ل مَ نْ َأ َمرَ بِ َ‬
‫جوَاهُ مْ ِإ ّ‬
‫خ ْيرَ فِي َكثِيرٍ مّن ّن ْ‬
‫{لّ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ف نُ ْؤتِي ِه َأجْرا َ‬
‫ت اللّ ِه فَسَ ْو َ‬
‫ل ذَِلكَ ا ْب َتغَآءَ َم ْرضَا ِ‬
‫ن النّاسِ َومَن يَ ْفعَ ْ‬
‫أَ ْو ِإصْلَحٍ َبيْ َ‬
‫خ ْيرَ فِي كَثيرٍ ِم نْ َنجْوَاهُ مْ}‪ :‬ل خ ير في كث ير من نجوى الناس‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬ل َ‬
‫صدَقَةٍ أ ْو َمعْرُو فٍ} والمعروف‪ :‬هو كل ما أمر ال به أو ندب إليه من‬
‫ن أ َمرَ ب َ‬
‫جمي عا‪{ .‬إلّ مَ ْ‬
‫ن النّا سِ} وهو الصلح بين المتباينين أو المختصمين بما‬
‫أعمال البرّ والخير‪{ .‬أوْ إ صْلحٍ بي َ‬
‫أباح ال الصلح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه اللفة واجتماع الكلمة على ما أذن ال وأمر به‪.‬‬
‫ل ذَلِ كَ ا ْبتِغاءَ َم ْرضَا تِ اللّ ِه فَ سَ ْوفَ‬
‫ثم أ خبر جلّ ثناؤه ب ما و عد من ف عل ذلك‪ ,‬فقال‪َ { :‬ومَ نْ يَ ْفعَ ْ‬
‫عظِيما} يقول‪ :‬ومن يأمر بصدقة أو معروف من المر‪ ,‬أو يصلح بين الناس ابتغاء‬
‫نُ ْؤتِي ِه أجْرا َ‬
‫عظِيما} يقول‪ :‬فسوف نعطيه‬
‫ف نُ ْؤتِي هِ أجْرا َ‬
‫مرضاة ال‪ ,‬يعني طلب رضا ال بفعله ذلك ‪{ ¹‬فَ سَ ْو َ‬
‫جزاء لما فعل من ذلك عظيما‪ ,‬ول حدّ لمبلغ ما سمى ال عظيما يعلمه سواه‪.‬‬
‫ص َدقَةٍ} فقال‬
‫ن أ َمرَ بِ َ‬
‫ل مَ ْ‬
‫جوَاهُ مْ إ ّ‬
‫خ ْيرَ فِي كَثيرٍ مِ نْ َن ْ‬
‫واختلف أهل العربية في معنى قوله‪{ :‬ل َ‬
‫بعض نحويي البصرة‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل خير في كثير من نجواهم إل في نجوى من أمر بصدقة‪.‬‬
‫كأنه عطف «من» على الهاء والميم التي في «نجواهم»‪ .‬وذلك خطأ عند أهل العربية لن إل‬
‫ل تع طف على الهاء والم يم في م ثل هذا المو ضع من أ جل أ نه لم ينله الج حد‪ .‬وقال ب عض‬
‫خيْرَ‬
‫نحويي الكوفة‪ :‬قد تكون «مَن» في موضع خفض ونصب ‪ ¹‬وأما الخفض فعل قولك‪{ :‬ل َ‬
‫ِنـ َنجْوَاهُمـْ} إل فيمـن أمـر بصـدقة‪ ,‬فتكون النجوى على هذا التأويـل هـم الرجال‬
‫ف ِي كَثيرٍ م ْ‬
‫ن َنجْوَى ثَلثَ ٍة إلّ ُهوَ رَا ِب ُعهُ مْ} وك ما قال‪{ :‬وَإذْ هُ مْ‬
‫ن مِ ْ‬
‫المناجون‪ ,‬ك ما قال جلّ ثناؤه‪ { :‬ما َيكُو ُ‬
‫َنجْوَى}‪ .‬وأمـا النصـب‪ ,‬فعلى أن تجعـل النجوى فعلً فيكون نصـبا‪ ,‬لنـه حينئذ يكون اسـتثناء‬
‫منقطعا‪ ,‬لنه من خلف النجوى‪ ,‬فيكون ذلك نظير قول الشاعر‪:‬‬
‫حدِ‬
‫نأَ‬
‫‪ ................‬وَما بال ّربْعِ مِ ْ‬
‫ل أُوَا ِريّ لَءْيا مَا ُأ َب ّينُها‪..........‬‬
‫إّ‬
‫وقد يحتمل «من» على هذا التأويل أن يكون رفعا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫س‬
‫ل اليَعافِيرُ وَإلّ العِي ُ‬
‫س بِها أنِيسُإ ّ‬
‫َوبَ ْلدَةٍ َليْ َ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى هذه القوال بال صواب في ذلك‪ ,‬أن تج عل « من» في مو ضع خ فض‬
‫بالردّ على النجوى‪ ,‬وتكون النجوى بمعنـى جمـع المتناجيـن‪ ,‬خرج مخرج السـكرى والجرحـى‬
‫والمرضى‪ ,‬وذلك أن ذلك أظهر معانيه‪ ,‬فيكون تأويل الكلم‪ :‬ل خير في كثير من المتناجين يا‬
‫محمـد مـن الناس‪ ,‬إل فيمـن أمـر بصـدقة أو معروف‪ ,‬أو إصـلح بيـن الناس‪ ,‬فإن أولئك فيهـم‬
‫الخير‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ ْيرَ‬
‫{وَمَن ُيشَاقِ قِ الرّ سُولَ مِن َبعْ ِد مَا َت َبيّ نَ َل ُه ا ْل ُه َدىَ َو َي ّتبِ عْ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ج َهنّمَ َوسَآءَتْ َمصِيرا }‪..‬‬
‫ن نُوَلّ ِه مَا َتوَّلىَ َوُنصْلِ ِه َ‬
‫سبِيلِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫َ‬
‫ن يُشاقِق الرّ سُولَ}‪ :‬و من يبا ين الر سول محمدا صلى ال عل يه‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫ن لَ ُه ال ُهدَى} يعني‪ :‬من بعد ما تبين له‬
‫ن َب ْعدِ ما َت َبيّ َ‬
‫وسلم معاديا له‪ ,‬فيفارقه على العداوة له ‪{ ¹‬مِ ْ‬
‫أن رسول ال‪ ,‬وأن ما جاء به من عند ال يهدى إلى الح قّ‪ ,‬وإلى طريق مستقيم‪َ { .‬و َي ّتبِ عْ غيرَ‬
‫سبِيلِ المُ ْؤ ِمنِي نَ} يقول‪ :‬ويتبع طريقا غير طريق أهل التصديق‪ ,‬ويسلك منهاجا غير منهاجهم‪,‬‬
‫َ‬
‫وذلك هو الك فر بال‪ ,‬لن الك فر بال ور سوله غ ير سبيل المؤمن ين وغ ير منهاج هم‪{ .‬نُوَّل هِ ما‬
‫تَوَلىّ} يقول‪ :‬نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الوثان والصنام‪ ,‬وهي ل تغنيه ول‬
‫تدفع عنه من عذاب ال شيئا ول تنفعه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8324‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬نُوَلّ ِه ما َتوَلى} قال‪ :‬من آلهة الباطل‪.‬‬
‫حدثني ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫ج َهنّ مَ} يقوله‪ :‬ونجعله صِل نار جهنم‪ ,‬يعني نحرقه بها‪ ,‬وقد بينا معنى ال صّلَى‬
‫مثله‪َ { .‬ونُ صْلِ ِه َ‬
‫ت مَصيرا} يقول‪ :‬وساءت جهنم‬
‫فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪{ .‬وَساءَ ْ‬
‫مصيرا‪ :‬موضعا يصير إليه من صار إليه‪ .‬ونزلت هذه الَية في الخائنين الذين ذكرهم ال في‬
‫ن خَ صِيما} لما أبى التوبة من أبى منهم‪ ,‬وهو طعمة بن البيرق‪ ,‬ولحق‬
‫ن للخائِنِي َ‬
‫قوله‪{ :‬وَل َتكُ ْ‬
‫بالمشركين من عبدة الوثان بمكة مرتدّا مفارقا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ودينه‪.‬‬

‫‪116‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ذَلِ كَ ِلمَن َيشَآءُ‬
‫ن اللّ َه لَ َيغْ ِف ُر أَن ُيشْرَ كَ بِ هِ َو َيغْ ِف ُر مَا دُو َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫للً َبعِيدا }‪..‬‬
‫ل ضَ َ‬
‫ك بِاللّهِ فَ َقدْ ضَ ّ‬
‫شرِ ْ‬
‫َومَن ُي ْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال ل يغفر لطعمة إذ أشرك ومات على شركه بال ول لغيره من‬
‫ن يَشاءُ} يقول‪ :‬ويغفر ما دون الشرك بال‬
‫ن ذَلِ كَ ِلمَ ْ‬
‫خلقه بشركهم وكفرهم به ‪َ { ¹‬و َيغْ ِفرُ ما دُو َ‬
‫من الذنوب ل من يشاء‪ ,‬يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬أن طع مة لول أ نه أشرك بال ومات على شر كه‬
‫لكان في مشيئة ال على ما سلف من خيان ته ومع صيته‪ ,‬وكان إلى ال أمره في عذا به والع فو‬
‫ع نه‪ .‬وكذلك ح كم كل من اجترم جر ما‪ ,‬فإلى ال أمره‪ ,‬إل أن يكون جر مه شر كا بال وكفرا‪,‬‬
‫فإنه ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه‪ ,‬فإذا مات على شركه‪ ,‬فقد حرّم ال‬
‫عليه الجنة‪ ,‬ومأواه النار‪.‬‬
‫وقال السديّ في ذلك بما‪:‬‬
‫‪8325‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن ُيشَرَ كَ بِه َو َيغْ ِفرُ ما دُو نَ ذَلِ كَ َلمِ نْ يَشاءُ} يقول‪ :‬من يجتنب الكبائر من‬
‫{أ نّ الّل َه ل َيغْ ِفرُ أ ْ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫شرِ كْ باللّ ِه فَ َقدْ ضَلّ ضَللً َبعِيدا} فإ نه يع ني‪ :‬و من يج عل ل في عباد ته‬
‫وأ ما قوله‪َ { :‬ومَ نْ ُي ْ‬
‫شريكا‪ ,‬فقد ذهب عن طريق الحقّ‪ ,‬وزال عن قصد السبيل ذهابا بعيدا وزوالً شديدا‪ .‬وذلك أنه‬
‫باشراكه بال في عبادته‪ ,‬فقد أطاع الشيطان وسلك طريقه وترك طاعة ال ومنهاج دينه‪ ,‬فذاك‬
‫هو الضلل البعيد والخسران المبين‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ش ْيطَانا‬
‫ـ ِإلّ َ‬
‫ـ ِإلّ ِإنَاثا وَإِن َيدْعُون َ‬
‫ـ مِـن دُونِه ِ‬
‫{إِن َيدْعُون َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ّمرِيدا }‪..‬‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إن يدعون من دونه إل اللت‬
‫ن بتسمية الناث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ال إناثا بتسمية المشركين إياه ّ‬
‫والعزّى ومناة‪ ,‬فسماه ّ‬
‫‪ 8326‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن أبي مالك في‬
‫ن مِنْ دُونِ ِه إلّ إناثا} قال‪ :‬اللت والعزّى ومناة‪ ,‬كلها مؤنث‪.‬‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن ح صين‪ ,‬عن أ بي مالك‬
‫بنحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬كلهنّ مؤنث‪.‬‬
‫‪ 8327‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط عن السديّ‪:‬‬
‫عزّى‪.‬‬
‫ل إناثا} يقول‪ :‬يسمونهم إناثا‪ :‬لت‪ ,‬ومناة‪ ,‬و ُ‬
‫ن دُو ِنهِ إ ّ‬
‫ن َيدْعُونَ مِ ْ‬
‫{إ ْ‬
‫ن َيدْعُو نَ مِ نْ‬
‫‪ 8328‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫دُونِ ِه إلّ إنا ثا} قال‪ :‬آلهت هم‪ :‬اللت‪ ,‬وال ُعزّى‪ ,‬ويِ ساف‪ ,‬ونائلة‪ ,‬هم إناث يدعون هم من دون ال‪.‬‬
‫شيْطانا َمرِيدا}‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن َيدْعُونَ إ ّ‬
‫وقرأ‪{ :‬وَإ ْ‬
‫وقال آُخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إن يدعون من دونه إل مواتا ل روح فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8329‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن دُونِ ِه إلّ إناثا} يقول‪َ :‬ميْتا‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إنْ َيدْعُو َ‬
‫‪ 8330‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬إ نْ َيدْعُو نَ ِم نْ‬
‫دُونِ ِه إلّ إناثا}‪ :‬أي إل َميْتا ل روح فيه‪.‬‬
‫‪ 8331‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مبارك بن فضالة‪ ,‬عن الح سن‪{ :‬إ نْ‬
‫ن دُو ِن ِه إلّ إناثا} قال‪ :‬والناث‪ :‬كل شيء ميت ليس فيه روح خشبة يابسة‪ ,‬أو حجر‬
‫ن مِ ْ‬
‫َيدْعُو َ‬
‫ن النْعامِ}‪.‬‬
‫ن آذَا َ‬
‫شيْطانا َمرِيدا}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬فََليُ َب ّتكُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ن َيدْعُونَ إ ّ‬
‫يابس‪ ,‬قال ال تعالى‪{ :‬وَإ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـى بذلك أن المشركيـن كانوا يقولون‪ :‬إن الملئكـة بنات ال‪ .‬ذكـر مـن قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8332‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‬
‫ل إناثا} قال‪ :‬الملئكة يزعمون أنهم بنات ال‪.‬‬
‫ن َيدْعُونَ ِمنْ دُو ِنهِ إ ّ‬
‫في قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬إن أ هل الوثان كانوا ي سمون أوثان هم إنا ثا‪ ,‬فأنزل ال ذلك كذلك‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8333‬ـ حدث نا سفيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن نوح بن ق يس‪ ,‬عن أ بي‬
‫رجاء‪ ,‬عن الح سن قال‪ :‬كان لكلّ ح يّ من أحياء العرب صنم ي سمونها أن ثى ب ني فلن‪ ,‬فأنزل‬
‫ن دُونِ ِه إلّ إناثا}‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫ال‪{ :‬إنْ َيدْعُو َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نوح بن قيس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫حدّاني‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الحسن يقول‪ :‬كان لكل حيّ من العرب‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫سيف أبو رجاء ال ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الناث في هذا الموضع‪ :‬الوثان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8334‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهاد في قوله‪{ :‬إناثا} قال‪ :‬أوثانا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8335‬ـ حدث نا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬قال‪ :‬كان في‬
‫ن دُونِ ِه إلّ إناثا»‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫مصحف عائشة‪« :‬إ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها‪« :‬أن يدعون من دونه إل ُأثُنا»‪ ,‬بمعنى‬
‫جمع وثن‪ ,‬فكأنه جمع َو َثنَا ُوثُنا‪ ,‬ثم قلب الواو همزة مضمومة‪ ,‬كما قيل‪ :‬ما أحسن هذه الجوه‪,‬‬
‫بمعنى الوجوه‪ ,‬وكما قيل‪{ :‬وَإذَا الرّ سُلُ ُأ ّقتَ تْ} بمعنى‪ُ :‬وقّتت‪ .‬وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ‬
‫ذلك‪« :‬إن يدعون من دو نه إل ُأنُ ثا»‪ ,‬كأ نه أراد ج مع الناث‪ ,‬فجمع ها ُأنُ ثا‪ ,‬ك ما تُج مع الثمار‬
‫ن دُو ِن ِه إلّ إنا ثا}‬
‫ن مِ ْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ُثمُرا‪ .‬والقراءة ال تي ل أ ستجيز القراءة بغير ها قراءة من قرأ‪{ :‬إ ْ‬
‫بمعنى جمع أنثى‪ ,‬لنها كذلك في مصاحف المسلمين‪ ,‬ولجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك‪.‬‬
‫وأولى التأويلت التـي ذكرت بتأويـل ذلك إذ كان الصـواب عندنـا مـن القراءة مـا وصـفت‪,‬‬
‫تأو يل من قال‪ :‬ع نى بذلك الَل هة ال تي كان مشر كو العرب يعبدون ها من دون ال‪ ,‬وي سمونها‬
‫بالناث من السماء كاللت والعزّى ونائلة ومناة‪ ,‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وإن ما قل نا ذلك أولى بتأو يل الَ ية‪ ,‬لن الظ هر من معا ني الناث في كلم العرب ما عرف‬
‫بالتأنيـث دون غيره‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فالواجـب توجيـه تأويله إلى الشهـر مـن معانيـه‪ ,‬وإذ‬
‫كان ذلك كذلك فتأويل الَية‪ :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى‪ ,‬ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين‪ ,‬نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا‪ ,‬إن يدعون من دونه إل إناثا‪ ,‬يقول‪ :‬ما‬
‫يدعو الذين يشاقون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئا من دون ال بعد ال وسواه‪ ,‬إلّ‬
‫إناثا‪ ,‬يعني‪ :‬إل ما سموه بأسماء الناث كاللت والعزّى وما أشبه ذلك‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فحسب‬
‫هؤلء الذيـن أشركوا بال وعبدوا مـا عبدوا مـن دونـه مـن الوثان والنداد‪ ,‬حجـة عليهـم فـي‬
‫ضللتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل‪ ,‬أنهم يعبدون إناثا ويدعونها آلهة وأربابا‪ .‬والناث‬
‫من كلّ ش يء أخّ سه ‪ ¹‬ف هم يقرّون للخ سيس من الشياء بالعبود ية على علم من هم بخ ساسته‪,‬‬
‫ويمتنعون من إخلص العبودية للذي له ملك كل شيء وبيده الخلق والمر‪.‬‬
‫شيْطانا َمرِيدا}‪.‬‬
‫ن إلّ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَإنْ َيدْعُو َ‬
‫شيْطا نا َمرِيدا}‪ :‬و ما يد عو هؤلء الذ ين يدعون هذه‬
‫ن إلّ َ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫الوثان الناث من دون ال بدعائ هم إيا ها إل شيطا نا مريدا‪ ,‬يع ني متمرّدا على ال في خل فه‬
‫فيما أمره به وفيما نهاه عنه‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن إلّ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫‪ 8336‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَإ ْ‬
‫شيْطانا َمرِيدا} قال‪ :‬تمرّد على معاصي ال‪.‬‬
‫َ‬

‫‪118‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عبَا ِدكَ نَصِيبا مّ ْفرُوضا }‪..‬‬
‫ن مِنْ ِ‬
‫خذَ ّ‬
‫{ّل َعنَ ُه اللّهُ َوقَالَ ل ّت ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫َهـ اللّهـُ}‪ :‬أخزاه وأقصـاه وأبعده‪ .‬ومعنـى الكلم‪ :‬وإن يدعون إل‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪َ{ :‬ل َعن ُ‬
‫خذَ نّ} يعني بذلك أن الشيطان المريد‬
‫شيطانا مريدا قد لعنه ال وأبعده من كل خير‪ .‬وقال‪{ :‬لَ َء ّت ِ‬
‫ن مِنْ عِبا ِدكَ َنصِيبا مَ ْفرُوضا} يعني بالمفروض‪ :‬المعلوم ‪ ¹‬كما‪:‬‬
‫ل ّتخِذَ ّ‬
‫قال لربه إذ لعنه‪َ { :‬‬
‫‪ 8337‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫{نَصِيبا مَ ْفرُوضا} قال‪ :‬معلوما‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيـف يتخـذ الشيطان مـن عباد ال نصـيبا مفروضـا؟ قيـل‪ :‬يتخـذ منهـم ذلك‬
‫النصيب باغوائه إياهم عن قصد السبيل‪ ,‬ودعائه إياهم إلى طاعته‪ ,‬وتزيينه لهم الضلل والكفر‪,‬‬
‫حتى يزيلهم عن منهج الطريق ‪ ¹‬فمن أجاب دعاءه واتبع ما زينه له‪ ,‬فهو من نصيبه المعلوم‬
‫وحظـه المقسـوم‪ .‬وإنمـا أخـبر جلّ ثناؤه فـي هذه الَيـة بمـا أخـبر بـه عـن الشيطان مـن قيله‪:‬‬
‫ن مِ نْ عِبادِ كَ نَ صِيبا مَ ْفرُوضا} ليعلم الذين شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى‬
‫خذَ ّ‬
‫{لَ َء ّت ِ‬
‫أنهم من نصيب الشيطان الذي لعنه ال المفروض‪ ,‬وأنه ممن صدق عليهم ظنه‪ .‬وقد دللنا على‬
‫معنى اللعنة فيما مضى‪ ,‬فكرهنا إعادته‪.‬‬
‫‪120-119‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل ُم َرنّهُمْ‬
‫ن آذَا نَ ال ْنعَا مِ َو َ‬
‫ل َم ّنيَ ّنهُ مْ وَل ُم َرنّهُمْ فَلَ ُي َب ّتكُ ّ‬
‫لضِّل ّنهُ مْ َو ُ‬
‫{ َو ُ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سرَانا ّمبِينا * َي ِعدُهُ مْ‬
‫سرَ خُ ْ‬
‫شيْطَا نَ وَِليّا مّن دُو نِ الّل هِ فَ َقدْ خَ ِ‬
‫فََليُ َغّيرُ نّ خَلْ قَ الّل هِ وَمَن َي ّتخِ ِذ ال ّ‬
‫غرُورا }‪..‬‬
‫ن ِإلّ ُ‬
‫ش ْيطَا ُ‬
‫َو ُي َمنّي ِهمْ َومَا َي ِعدُ ُهمْ ال ّ‬
‫يع ني بقوله جلّ ثناؤه م خبرا عن ق يل الشيطان المَر يد‪ ,‬الذي و صف صفته في هذه الَ ية‪:‬‬
‫ولضل هم ول صدنّ الن صيب المفروض الذي أتخذه من عبادك عن مح جة الهدى إلى الضلل‪,‬‬
‫ل َم ّن َينّهُ مْ} يقول‪ :‬لزيغن هم ب ما أج عل في نفو سهم من الما ني عن‬
‫و من ال سلم إلى الك فر‪{ .‬و ُ‬
‫ن النْعا مِ} يقول‪ :‬ولَمر نّ‬
‫ل ُم َر ّنهُ مْ فََل ُيبَ ّتكُ نّ آذَا َ‬
‫طاع تك وتوحيدك إلى طاع تي‪ ,‬والشرك بك‪َ { .‬و َ‬
‫النصـيب المفروض لي مـن عبادك بعبادة غيرك مـن الوثان والنداد‪ ,‬حتـى َينْسـُكوا له‪,‬‬
‫ويحّرموا‪ ,‬ويحللوا له‪ ,‬ويشرعوا غ ير الذي شرع ته ل هم فيتبعو ني ويخالفو نك‪ .‬والبَتْك‪ :‬الق طع‪,‬‬
‫وهو في هذا الموضع‪ :‬قطع أذن ال َبحِيرة ليعلم أنها بحيرة‪ .‬وإنما أراد بذلك الخبيث أنه يدعوهم‬
‫إلى البَحيرة فيستجيبون له ويعملون بها طاعة له‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8338‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ن النْعامِ} قال‪ :‬ال َبتْك في البَحيرة والسائبة‪ ,‬كانوا ُي َبتّكون آذانها لطواغيتهم‪.‬‬
‫ن آذَا َ‬
‫قوله‪{ :‬فََل ُي َبتّكُ ّ‬
‫‪8339‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ن آذَانَ النْعامِ} أما يبتكنّ آذان النعام‪ :‬فيشقونها فيجعلونها بحيرة‪.‬‬
‫لمُ َر ّن ُهمْ فََليُ َب ّتكُ ّ‬
‫قوله‪{ :‬و َ‬
‫‪ 8340‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني‬
‫القا سم بن أ بي بزّة‪ ,‬عن عكر مة‪{ :‬فَلَ ُي َب ّتكُ نّ آذَا نَ النْعا مِ} قال‪ :‬د ين شر عه ل هم إبل يس كهيئة‬
‫البحائر والسوائب‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬و َ‬
‫ن خَلْ قَ الّل هِ} فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ولَمرنهم‬
‫اختلف أهل التأويل في معنى قوله‪{ :‬فََل ُيغَ ّيرُ ّ‬
‫فليغيرنّ خلق ال من البهائم باخصائهم إياها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8341‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ,‬عن عمار‬
‫ن خَلْ قَ‬
‫ل ُمرَ ّنهُ مْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫بن أ بي عمار‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬أ نه كره الخ صاء‪ ,‬وقال‪ :‬ف يه نزلت { َو َ‬
‫اللّهِ}‪.‬‬
‫‪ 8342‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو جع فر الرازي‪ ,‬عن‬
‫لمُ َر ّن ُهمْ فََل ُيغَ ّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ}‪.‬‬
‫الربيع بن أنس‪ ,‬عن أنس‪ ,‬أنه كره الخصاء‪ ,‬وقال‪ :‬فيه نزلت { َو َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبي جعفر‪ ,‬عن الربيع بن أنس‪ ,‬عن أنس بن مالك‪,‬‬
‫ل ُم َر ّن ُهمْ فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ}‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو الخصاء‪ ,‬يعني قول ال‪َ { :‬و َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬قال‪ :‬ثني رجل‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ُم َر ّنهُ ْم فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ}‪.‬‬
‫إخصاء البهائم ُمثْلَهةٌ‪ ,‬ثم قرأ‪َ { :‬و َ‬
‫‪ 8343‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو جعفر الرازي‪,‬‬
‫عن الربيع بن أنس‪ ,‬قال‪ :‬من تغيير خلق ال الخصاء‪.‬‬
‫‪ 8344‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جعفر بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرني شبل‪ ,‬أنه سمع شهر بن حوشب قرأ هذه الَية‪{ :‬فََل ُي َغيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ} قال‪ :‬الخِصَاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬فأمرت أبا التياح‪ ,‬فسأل الحسن عن خصاء الغنم‪ ,‬فقال‪ :‬ل بأس به‪.‬‬
‫‪ 8345‬ـ حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي وهب بن نافع‪ ,‬عن القاسم‬
‫بن أبي بزّة‪ ,‬قال‪ :‬أمرني مجاهد أن أسأل عكرمة عن قوله‪{ :‬فََل ُي َغّيرُ نّ خَلْ قَ الّل هِ} فسألته‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫هو الخصاء‪.‬‬
‫‪ 8346‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن ع بد الجبار بن ورد‪ ,‬عن القا سم بن أ بي بزة‪,‬‬
‫ْقـ اللّهـِ} فسـألته‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ُنـ خَل َ‬
‫ُمـ فََل ُي َغيّر ّ‬
‫لمُ َر ّنه ْ‬
‫قال‪ :‬قال لي مجاهـد‪ :‬سـهل عنهـا عكرمـة‪َ { :‬و َ‬
‫الخصاء‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ماله لعنه ال! فوال لقد علم أنه غير الخصاء‪ .‬ثم قال‪ :‬سله! ف سألته‪,‬‬
‫طرَ النّا سَ عََليْها ل َت ْبدِيلَ‬
‫طرَةَ الّل هِ اّلتِي َف َ‬
‫فقال عكرمة‪ :‬ألم تسمع إلى قول ال تبارك وتعالى‪ِ { :‬ف ْ‬
‫ِلخَ ْلقِ اللّهِ}؟ قال‪ :‬لدين ال‪ .‬فحدثت به مجاهدا فقال‪ :‬ما له أخزاه ال!‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص‪ ,‬عن ل يث‪ ,‬قال‪ :‬قال عكر مة‪{:‬فََل ُي َغيّرُ نّ خَلْ قَ اللّ هِ} قال‪:‬‬
‫الخصاء‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م سلم بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون النحوي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م طر‬
‫ل ُم َر ّن ُهمْ فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬هو الخصاء‪.‬‬
‫الورّاق‪ ,‬قال‪ :‬سئل عكرمة‪ ,‬عن قوله‪َ { :‬و َ‬
‫‪8347‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪,‬‬
‫عن أبي صالح‪ ,‬قال‪ :‬الخصاء‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر الرازي‪ ,‬عن الربيع بن أنس‪,‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬منه الخصاء‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول في قوله‪َ { :‬و َ‬
‫حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن سلمة‪ ,‬عن عمار بن أبي عمار‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عكرمة أنه كره‬
‫لمُ َر ّن ُهمْ فََل ُيغَ ّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ}‪.‬‬
‫الخصاء‪ ,‬قال‪ :‬وفيه نزلت‪َ { :‬و َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ولَمرنهم فليغيرنّ دين ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8348‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪َ { :‬و َ‬
‫‪8349‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن وأبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن قيس بن‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫مسلم‪ ,‬عن إبراهيم‪َ { :‬و َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬ثني قيس بن مسلم‪,‬‬
‫عن إبراهيم مثله‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن قيس بن مسلم‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8350‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫ق اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ن خَلْ َ‬
‫أبي بزة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرت مجاهدا بقوله عكرمة في قوله‪{ :‬فََل ُيغَ ّيرُ ّ‬
‫‪ 8351‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون النحوي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ْقـ اللّهـِ}‪ ,‬فقال‪ :‬كذب العبـد‬
‫ُنـ خَل َ‬
‫الوراق‪ ,‬قال‪ :‬ذكرت لمجاهـد قول عكرمـة فـي قوله‪{ :‬فَلَ ُي َغّير ّ‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫{ َو َ‬
‫‪8352‬ـ حدثنا ابن وكيع وعمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن القاسم‬
‫بن أبي َبزّة‪ ,‬عن مجاهد وعكرمة‪ ,‬قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫‪ 8353‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي وحفص‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬دين ال‪,‬‬
‫ثم قرأ‪{ :‬ذَِلكَ الدّينُ ال َق ّيمُ}‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن عمرو وعمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬الفطرة دين ال‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫{فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬الفطرة‪ :‬الدين‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرني عبد ال بن‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫كثير‪ ,‬أنه سمع مجاهدا يقول‪َ { :‬و َ‬
‫ل ُمرَ ّنهُم ْـ‬
‫‪8354‬ــ حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪َ { :‬و َ‬
‫فََليُ َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} أي دين ال‪ ,‬في قول الحسن وقتادة‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في قوله‪:‬‬
‫{فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫‪8355‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن عبد الملك‪ ,‬عن عثمان بن‬
‫السود‪ ,‬عن القاسم ابن بَزة في قوله‪{ :‬فََل ُيغَ ّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫‪8356‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬أما خلق ال‪ :‬فدين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫{ َو َ‬
‫‪8357‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سلمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫طرَةَ الّل هِ‬
‫سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬فََليُ َغّيرُ نّ خَلْ قَ الّل هِ} قال‪ :‬د ين ال‪ ,‬و هو قول ال‪ِ { :‬ف ْ‬
‫طرَ النّاسَ عََليْها ل َت ْبدِيلَ ِلخَ ْلقِ الّلهِ} يقول‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫اّلتِي فَ َ‬
‫لمُ َر ّنهُمْ‬
‫‪8358‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن زيد يقول في قوله‪َ { :‬و َ‬
‫فََليُ َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬دين ال‪ ,‬وقرأ‪{ :‬ل َت ْبدِيلَ ِلخَ ْلقِ الّلهِ} قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن علي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قيس بن‬
‫ن خَ ْلقَ اللّهِ} قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫مسلم‪ ,‬عن إبراهيم‪َ { :‬و َ‬
‫حدَير‪ ,‬عن عيسى بن هلل‪,‬‬
‫حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمران بن ُ‬
‫لمُ َر ّنهُ مْ فََليُ َغّيرُ نّ‬
‫قال‪ :‬كتب كثير مولى ابن سمرة إلى الضحاك بن مزاحم يسأله عن قوله‪َ { :‬و َ‬
‫خَ ْلقَ اللّهِ} فكتب‪ :‬إنه دين ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ولَمرنهم فليغيرُنّ خلق ال بالوشْم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8359‬ـ حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلمة‪,‬‬
‫ل ُم َر ّنهُ ْم فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬الوشم‪.‬‬
‫عن يونس‪ ,‬عن الحسن في قوله‪َ { :‬و َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن نوح‪ ,‬عن ق يس‪ ,‬عن خالد بن ق يس‪ ,‬عن الح سن‪:‬‬
‫{فَلَ ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬الوشم‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يونس بن عبيد أو غيره‪ ,‬عن‬
‫الحسن‪{ :‬فََل ُي َغّيرُنّ خَ ْلقَ الّلهِ} قال‪ :‬الوشم‪.‬‬
‫‪ 8360‬ـ حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو هلل الراسبيّ‪ ,‬قال‪ :‬سأل‬
‫غيّرت خلق ال‪.‬‬
‫رجل الحسن‪ :‬ما تقول في امرأة قشرت وجهها؟ قال‪ :‬ما لها لعنها ال! َ‬
‫‪8361‬ـ حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد‬
‫ال‪ :‬لعن ال المتفلّجات والمتنمّصات والمستوشمات المغيّرات خلق ال‪.‬‬
‫حدثنـا محمـد بـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفيان‪ ,‬عـن منصـور‪ ,‬عـن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عـن علقمـة‪ ,‬عـن عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬لعـن ال الواشرات والمسـتوشمات والمتنمّصـات‬
‫والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫عن علق مة عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ل عن ال المتنمّ صات والمتفلّجات ـ قال شع بة‪ :‬وأح سبه قال ‪:‬‬
‫المغيرات خلق ال‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوال بالصـواب فـي تأويـل ذلك قول مـن قال‪ :‬معناه‪ :‬ولَمرنهـم‬
‫فليغيرنـ خلق ال‪ ,‬قال‪ :‬ديـن ال‪ ,‬وذلك لدللة الَيـة الخرى على أن ذلك معناه‪ ,‬وهـي قوله‪:‬‬
‫ّ‬
‫ن ال َقيّ مُ}‪ .‬وإذا كان ذلك معناه‬
‫ك الدّي ُ‬
‫طرَ النّا سَ عََليْها ل َت ْبدِيلَ ِلخَلْ قِ الّل ِه ذَلِ َ‬
‫طرَةَ الّل ِه اّلتِي فَ َ‬
‫{فِ ْ‬
‫د خل في ذلك ف عل كل ما ن هى ال ع نه من خ صاء ما ل يجوز خ صاؤه‪ ,‬وو شم ما ن هى عن‬
‫ل ما أ مر ال به‪ ,‬لن الشيطان ل‬
‫وش مه و َوشْره‪ ,‬وغ ير ذلك من المعا صي‪ ,‬ود خل ف يه ترك ك ّ‬
‫شكّـ أنـه يدعـو إلى جميـع معاصـي ال‪ ,‬وينهـى عـن جميـع طاعتـه‪ ,‬فذلك معنـى أمره نصـيبه‬
‫المفروض مـن عباد ال بتغييـر مـا خلق ال مـن دينـه ‪ ¹‬ول معنـى لتوجيـه مـن وجـه قوله‪:‬‬
‫ن خَلْقَ اللّهِ} إلى أنه وعد المر بتغيير بعض ما نهى ال عنه دون بعض‪ ,‬أو‬
‫ل ُم َر ّنهُمْ فََل ُي َغيّرُ ّ‬
‫{ َو َ‬
‫ب عض ما أ مر به دون ب عض‪ .‬فإذ كان الذي و جه مع نى ذلك إلى الخ صاء والو شم دون غيره‪,‬‬
‫ل ثناؤه إخبارا‬
‫ن في قوله ج ّ‬
‫إنما فعل ذلك لن معناه‪ :‬كان عنده أنه عنى به تغيير الجسام‪ ,‬فإ ّ‬
‫ن خَلْ قَ الّل هِ} ما ينبىء أن مع نى ذلك غير غير ما ذ هب‬
‫ل ُمرَ ّنهُ مْ فََل ُي َغّيرُ ّ‬
‫عن قِيل الشيطان‪َ { :‬و َ‬
‫إل يه‪ ,‬لن َتبْت يك آذان النعام من تغي ير خلق ال‪ ,‬الذي هو أج سام‪ .‬و قد م ضى ال خبر ع نه أ نه‬
‫وعد المر بتغيير خلق ال من الجسام مفسرا‪ ,‬فل وجه لعادة الخبر عنه به مجملً‪ ,‬إذ كان‬
‫الف صيح في كلم العرب أن يتر جم عن المج مل من الكلم بالمف سر وبالخا صّ عن العا مّ دون‬
‫الترجمة عن المفسر بالمجمل‪ ,‬وبالعا مّ عن الخاص‪ ,‬وتوجيه كتاب ال إلى الفصح من الكلم‬
‫وأولى من توجيه إلى غيره ما وجد إليه السبيل‪.‬‬
‫سرَ خُ سْرَانا ُمبِينا‬
‫شيْطا نَ وَِليّا مِ نْ دُو نِ الّل ِه فَ َقدْ خَ ِ‬
‫ن َي ّتخِذِ ال ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ { :‬و َم ْ‬
‫غرُورا}‪.‬‬
‫ن إلّ ُ‬
‫شيْطا ُ‬
‫َي ِعدُهُمْ و ُي َمنّيهِمْ وَما َي ِعدُ ُهمُ ال ّ‬
‫وهذا خـبر مـن ال جلّ ثناؤه عـن حال نصـيب الشيطان المفروض مـن الذيـن شاقّوا ال‬
‫ور سوله من ب عد ما تبين ل هم الهدى‪ ,‬يقول ال‪ :‬و من يت بع الشيطان فيطي عه في مع صية ال‪,‬‬
‫سرَ خُ سْرَانا ُمبِينا} يقول‪ :‬فقد‬
‫وخلف أمره‪ ,‬ويواليه فيتخذه وليّا لنفسه ونصيرا دون ال‪{ ,‬فَ َقدْ خَ ِ‬
‫هلك هل كا‪ ,‬وَبخَس نف سه حظ ها فأوبق ها َبخْ سا مبي نا يبين عن عط به وهل كه‪ ,‬لن الشيطان ل‬
‫يملك له نصرا من ال إذا عاقبه على معصيته إياه في خلفه أمَره‪ ,‬بل يخذله عند حاجته إليه‪.‬‬
‫وإنما حاله معه ما دام حيّا ممهلً بالعقوبة‪ ,‬كما وصفه ال جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬يعِدُهُمْ و ُي َمنّيهِمْ ومَا‬
‫غرُورا} يعني بذلك جلّ ثناؤه‪َ :‬يعِد الشيطان المَريدُ أولياءه‪ ,‬الذين هم نصيبه‬
‫شيْطانُ إلّ ُ‬
‫َي ِعدُهُمُ ال ّ‬
‫المفروض أن يكون لهم نصيرا ممن أرادهم بسوء‪ ,‬وظهيرا لهم عليه‪ ,‬يمنعهم منه ويدافع عنهم‪,‬‬
‫ْطانـ إلّ‬
‫شي ُ‬ ‫ُمـ ال ّ‬
‫ويمينهـم الظفـر على مـن حاول مكروههـم والفلج عليهـم‪ .‬ثـم قال‪{ :‬وَمـا َي ِعدُه ُ‬
‫غرُورا} يقول‪ :‬و ما ي عد الشيطان أولياءه الذ ين أتخذوه ول يا من دون ال إل غرورا‪ ,‬يع ني‪ :‬إل‬
‫ُ‬
‫باطلً‪ .‬وإنمـا جعـل عدّتـه إياهـم جلّ ثناؤه مـا وعدهـم غرورا‪ ,‬لنهـم كانوا يحسـبون أنهـم فـي‬
‫اتخاذهـم إياه وليـا على حقيقتـه مـن عدَاتـه الكاذبـة وأمانيـه الباطلة‪ ,‬حتـى إذا حصـحص الحقّـ‬
‫ع ْد ُتكُ مْ فأخْلَ ْف ُتكُ مْ وَما‬
‫عدَ الحَ قّ َووَ َ‬
‫ع َدكُ مْ َو ْ‬
‫ن اللّ هَ َو َ‬
‫وصاروا إلى الحاجة إليه‪ ,‬قال لهم عدوّ ال‪{ :‬إ ّ‬
‫ج ْبتُمْ لي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أنْفُ سَكمْ ما أ نا‬
‫س َت َ‬
‫ع ْو ُتكُ مْ فا ْ‬
‫ن إلّ أ نْ دَ َ‬
‫ن سُلْطا ٍ‬
‫كا نَ لِي عََل ْيكُ مْ مِ ْ‬
‫ن َقبْل}‪ ,‬وكما قال للمشركين ببدر‪,‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫ش َركُ ُتمُو ِ‬
‫خيّ إنّي َك َفرْ تُ ِبمَا أ ْ‬
‫خ ُكمْ وَما أ ْنتُ ْم ِبمُ صْ ِر ِ‬
‫ِبمُ صْ ِر ِ‬
‫ت ال ِفئَتا نِ}‬
‫ن النّاس وَإنّى جارٌ َلكُ مْ فَلَمّا َترَاءَ ِ‬
‫ب َلكُ مُ ال َيوْ َم مِ َ‬
‫و قد ز ين ل هم أعمال هم‪{ :‬ل غالِ َ‬
‫ل إنّى‬
‫وحصـحص الحـق‪ ,‬وعايـن حدّ المـر‪ ,‬ونزول عذاب ال بحزبـه { َنكَسَـ عَلى عَ ِق َبيْهِـ وقَا َ‬
‫شدِيدُ العِقا بِ}‪ ,‬فصارت عداته عد ّو ال‬
‫ن إنّى أخا فُ اللّ هَ وَاللّ هُ َ‬
‫َبرِي ٌء ِم ْنكُ مْ إنّى أرَى ما ل َترَ ْو َ‬
‫شيْئا‬
‫جدْ ُه َ‬
‫حتّى ِإذَا جَاءَ ُه لَ مْ َي ِ‬
‫ظمْآ نُ مَا ًء َ‬
‫سرَابٍ بِ ِقيَع ٍة َيحْ سَبُ ُه ال ّ‬
‫إياهم عند حاجتهم إليه غرورا {كَ َ‬
‫حسَابَهُ}‪.‬‬
‫ع ْندَ ُه فَ َوفّاهُ ِ‬
‫َو َوجَد اللّهَ ِ‬

‫‪121‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْنهَا َمحِيصا }‪..‬‬
‫جدُونَ َ‬
‫ج َهنّمُ َولَ َي ِ‬
‫{أُوْلَـ ِئكَ َم ْأوَا ُهمْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُمـ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬أُوَلئِكـَ}‪ :‬هؤلء الذيـن اتخذوا الشيطان وليـا مـن دون ال‪َ { ,‬مأْوَاه ْ‬
‫عنْها مْحيصا} يقول‪ :‬ل يجدون‬
‫جدُو نَ َ‬
‫ج َهنّ مُ} يعني‪ :‬مصيرهم الذي يصيرون إليه جهنم‪{ ,‬وَل َي ِ‬
‫َ‬
‫ل يعدلون إليه‪ ,‬يقال منه‪ :‬حاص فلن عن هذا‬
‫عن جهنم إذا صيرهم ال إليها يوم القيامة‪ ,‬معد ً‬
‫حيُو صا‪ :‬إذا عدل ع نه‪ ,‬وم نه خبر ا بن ع مر أ نه قال‪ :‬بعث نا ر سول ال‬
‫حيْ صا و ُ‬
‫ال مر َيحِ يص َ‬
‫حيْ صَ ًة‪ ¹‬وقال بعضهم‪ :‬فجاضوا‬
‫صلى ال عليه وسلم سرية كنت فيهم‪ ,‬فلقينا المشركين فحِ صْنا َ‬
‫جيضة‪ ,‬والحيص والجيض متقاربا المعنى‪.‬‬

‫‪122‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرِي مِن‬
‫جنّا تٍ َت ْ‬
‫س ُن ْدخِلُ ُهمْ َ‬
‫ت َ‬
‫عمِلُواْ ال صّالِحَا ِ‬
‫ن آ َمنُواْ وَ َ‬
‫{وَاّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ق مِنَ الّلهِ قِيلً }‪..‬‬
‫صدَ ُ‬
‫عدَ الّلهِ حَقّا َو َمنْ َأ ْ‬
‫ح ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَآ َأبَدا َو ْ‬
‫َت ْ‬
‫ِينـ آ َمنُوا وَعمِلُوا الصـّالِحاتِ}‪ :‬والذيـن صـّدقوا ال ورسـوله‪,‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَاّلذ َ‬
‫وأقّروا له بالواحدان ية ولر سوله صلى ال عل يه و سلم بالنبوّة وعملوا ال صالحات‪ ,‬يقول‪ :‬وأدّوا‬
‫حتِهـا النْهارُ} يقوله‪ :‬سـوف‬
‫ِنـ ت ْ‬
‫جرِي م ْ‬
‫ّاتـ َت ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫{سـُن ْدخُِلهُمْ َ‬
‫فرائض ال التـي فرضهـا عليهـم‪َ .‬‬
‫ندخلهم يوم القيا مة إذا صاروا إلى ال جزاء بما عملوا في الدنيا من ال صالحات جنات‪ :‬يع ني‬
‫ن فيها أبَدا} يقول‪ :‬باقين في هذه الجنات التي وصفها‬
‫بساتين تجري من تحتها النهار‪{ .‬خالدِي َ‬
‫ع َد اللّ ِه حَقّا} يع ين‪ :‬عدة من ال ل هم ذلك في الدن يا ح قا‪ ,‬يقي نا صادقا‪ ,‬ل‬
‫أبدا دائ ما‪ .‬وقوله {وَ ْ‬
‫َك ِعدَة الشيطان الكاذ بة ال تي هي غرور من وعد ها من أوليائه‪ ,‬ول كن عِدة م من ل يكذب ول‬
‫يكون م نه الكذب ول يخلف وعده‪ .‬وإن ما و صف جلّ ثناؤه وعده بال صدق والح قّ في هذه ل ما‬
‫ن مِ نْ عِبادِ كَ‬
‫خذَ ّ‬
‫ل ثناؤه‪ ,‬عن قول الشيطان الذي قصه في قوله‪ ,‬وقال‪{ :‬لَ َء ّت ِ‬
‫سبق من خبره ج ّ‬
‫ل ثناؤه‪َ { :‬ي ِعدُهُمْ‬
‫ن النْعامِ} ثم قال ج ّ‬
‫ن آذَا َ‬
‫لمُ َر ّنهُمْ فََل ُيبَ ّتكُ ّ‬
‫ل َم ّن َي ّنهُمْ و َو َ‬
‫لضِلّ ّنهُمْ َو ُ‬
‫نَصِيبا مَ ْفرُوضا َو ُ‬
‫غرُورا} ولكـن ال يعـد الذيـن آمنوا وعملوا الصـالحات أنـه‬
‫شيْطانُـ إلّ ُ‬
‫و ُي َمنّيهِم ْـ وَمـا َي ِعدُهُمُـ ال ّ‬
‫سيدخلهم جنا تٍ تجري من تحت ها النهار خالد ين في ها أبدا‪ ,‬وعدا م نه ح قا‪ ,‬ل كو عد الشيطان‬
‫الذي و صف صفته‪ .‬فو صف جلّ ثناؤه الوعد ين والواعد ين وأ خبر بح كم أ هل كل و عد منه ما‬
‫ل ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلصهم من الهلكة والعطب‪ ,‬لينزجروا عن‬
‫تنبيها منه ج ّ‬
‫مع صيته ويعملوا بطاع ته‪ ,‬فيفوزوا ب ما أعدّ ل هم في جنا نه من ثوا به‪ .‬ثم قال ل هم جلّ ثناؤه‪:‬‬
‫ن اللّ هِ قِيلً} يقول‪ :‬ومن أصدق أيها الناس من ال قيلً‪ :‬أي ل أحد أصدق منه‬
‫صدَقُ ِم َ‬
‫{ َومَ نْ أ ْ‬
‫قيلً‪ ,‬فك يف تتركون الع مل ب ما وعد كم على الع مل به رب كم جنات تجري من تحت ها النهار‬
‫خالديـن فيهـا أبدا‪ ,‬وتكفرون بـه‪ ,‬وتخالفون أمره‪ ,‬وأنتـم تعلمون أن ل أحـد أصـدق منـه قيلً‪,‬‬
‫وتعملون ب ما يأمر كم به الشيطان‪ ,‬رجاء لدراك ما يعد كم من عِدا ته الكاذ بة وأمان يه الباطلة‪,‬‬
‫و قد علم تم أن عدا ته غرور ل صحة ل ها ول حقي قة‪ ,‬وتتخذو نه ول يا من دون ال وتتركون أن‬
‫تطيعوا ال فيما يأمركم به وينهاكم عنه‪ ,‬فتكونوا له أولياء؟ ومعنى القِيل والقول‪ :‬واحد‪.‬‬

‫‪123‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جزَ بِ هِ‬
‫ل سُوَءًا ُي ْ‬
‫{ّليْ سَ ِبَأمَانِ ّيكُ مْ وَل َأمَانِ يّ أَهْلِ ا ْل ِكتَا بِ مَن َي ْعمَ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل نَصِيرا }‪..‬‬
‫ن اللّهِ وَِليّا َو َ‬
‫جدْ لَ ُه مِن دُو ِ‬
‫ل َي ِ‬
‫َو َ‬
‫ل الكِتابـِ} فقال‬
‫ِيـ أهْ ِ‬
‫ُمـ وَل أمان ّ‬
‫ْسـ بأما ِنيّك ْ‬
‫عنُوا بقوله‪َ{ :‬لي َ‬
‫اختلف أهـل التأويـل فـي الذيـن ُ‬
‫بعضهم‪ :‬عُني بقوله {َليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ} أهل السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪ 8362 :‬ـ حدثنا محمد بن‬
‫المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن أ بي الض حى‪ ,‬عن‬
‫م سروق‪ ,‬قال‪ :‬تفا خر الن صارى وأ هل ال سلم‪ ,‬فقال هؤلء‪ :‬ن حن أف ضل من كم‪ ,‬وقال هؤلء‪:‬‬
‫ل الكِتابِ}‪.‬‬
‫س بأما ِن ّي ُكمْ وَل أمانِيّ أهْ ِ‬
‫نحن أفضل منكم ‪ ¹‬قال‪ :‬فأنزل ال‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفيان‪ ,‬عـن العمـش‪ ,‬عـن أبـي‬
‫الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪َ{ :‬ليْسَ بأمانِ ّيكُمْ وَل أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ} قال أهل الكتاب‪:‬‬
‫ن الصّالحاتِ ِمنْ َذ َكرٍ أ ْو ُأنْثى وَ ُه َو مُ ْؤمِنٌ}‪.‬‬
‫ن َي ْعمَلْ مِ َ‬
‫نحن وأنتم سواء‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫حدث ني أ بو ال سائب وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن م سلم‪ ,‬عن‬
‫ج الم سلمون وأ هل الكتاب‪,‬‬
‫م سروق في قوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأمانِ ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْلِ الكِتا بِ}قال‪ :‬احت ّ‬
‫ْسـ‬
‫فقال المسـلمون‪ :‬نحـن أهدى منكـم‪ ,‬وقال أهـل الكتاب‪ :‬نحـن أهدى منكـم‪ ,‬فأنزل ال‪َ{ :‬لي َ‬
‫ِنـ‬
‫لم َ‬‫َنـ َي ْعمَ ْ‬
‫ِيـ أ ْهلِ الكِتابـِ} قال‪ :‬ففلج عليهـم المسـلمون بهذه الَيـة‪َ { :‬وم ْ‬
‫ُمـ وَل أمان ّ‬
‫بأما ِن ّيك ْ‬
‫الصّالِحاتِ ِمنْ َذ َكرٍ أوْ ُأ ْنثَى وَهُ َو مُ ْؤمِنٌ}‪ ...‬إلى آخر الَيتين‪.‬‬
‫‪ 8363‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذُكر لنا أن‬
‫الم سلمين وأ هل الكتاب افتخروا‪ ,‬فقال أ هل الكتاب‪ :‬نبي نا قبل نبيكم‪ ,‬وكتاب نا قبل كتاب كم‪ ,‬ون حن‬
‫أولى بال منكم‪ .‬وقال الم سلمون‪ :‬نحن أولى بال من كم‪ ,‬نبيّنا خاتم النبيين‪ ,‬وكتابنا يقضى على‬
‫جزَ‬
‫ل الكِتا بِ‪َ ,‬م نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫الكتب التي كانت قبله‪ .‬فأنزل ال‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫حنِيفا}‬
‫جهَ ُه لِلّ هِ وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ وَا ّتبَ عَ مِّلةَ إ ْبرَاهِي مَ َ‬
‫ن دِينا ِممّ نْ أ سَْلمَ َو ْ‬
‫بِ هِ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ومَ نْ أحْ سَ ُ‬
‫فأفلج ال حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الديان‪.‬‬
‫‪8364‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ هِ} قال‪ :‬الت قى ناس من اليهود‬
‫ب مَ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫{َليْ َ‬
‫والنصارى‪ ,‬فقالت اليهود للمسلمين‪ :‬نحن خير منكم‪ ,‬ديننا قبل دينكم‪ ,‬وكتابنا قبل كتابكم‪ ,‬ونبينا‬
‫قبل نبيكم‪ ,‬ونحن على دين إبراهيم‪ ,‬ولن يدخل الجنة إل من كان هودا‪ .‬وقالت النصارى مثل‬
‫ذلك‪ .‬فقال المسلمون‪ :‬كتابنا بعد كتابكم‪ ,‬ونبينا بعد نبيكم‪ ,‬وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم‪,‬‬
‫فنحن خير منكم‪ ,‬نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‪ ,‬ولن يدخل الجنة إل من كان على‬
‫جزَ‬
‫ي أهْلِ الكِتا بِ مَ نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ ّ‬
‫دين نا‪ .‬فردّ ال علي هم قول هم‪ ,‬فقال‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫جهَ هُ لِّل هِ وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ‬
‫ن دِي نا ممّ نْ أ سْلَمَ َو ْ‬
‫ن أحْ سَ ُ‬
‫بِ هِ} ثم ف ضل ال المؤمن ين علي هم‪ ,‬فقال‪َ { :‬و َم ْ‬
‫حنِيفا}‪.‬‬
‫وَا ّتبَعَ مِّلةَ إ ْبرَاهِيمَ َ‬
‫‪ 8365‬ـ حُدثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سلمان‪,‬‬
‫جزَ‬
‫ل سُوءا ُي ْ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ{ :‬ليْسَ بأمانِ ّيكُمْ وَل أما ِنيّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ َي ْعمَ ْ‬
‫بِهِ} تخاصم أهل الديان‪ ,‬فقال أهل التوراة‪ :‬كتابُنا أوّل كتاب وخيرها‪ ,‬ونبينا خير النبياء‪ .‬وقال‬
‫أهل النجيل نحوا من ذلك‪ .‬وقال أهل السلم‪ :‬ل دين إل دين السلم‪ ,‬وكتابنا نسخ كل كتاب‪,‬‬
‫ونبي نا خا تم ال نبيين‪ ,‬وأُمر نا أن نع مل بكتاب نا ونؤ من بكتاب كم‪ .‬فق ضى ال بين هم‪ ,‬فقال‪َ{ :‬ليْ سَ‬
‫جزَ ِب هِ}‪ .‬ثم خير بين أهل الديان‪ ,‬ففضل أهل‬
‫بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أ ْهلِ الكِتا بِ َم نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫خذَ اللّ هُ‬
‫ج َه ُه لِلّ هِ وَهُ َو ُمحْ سِنٌ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَا ّت َ‬
‫ن دِي نا ِممّ نْ أ سَْلمَ َو ْ‬
‫ن أحْ سَ ُ‬
‫الف ضل‪ ,‬فقال‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫إ ْبرَاهِيمَ خَلِيلً}‪.‬‬
‫‪ 8366‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ِيـ أهْلِ الكِتابـِ}‪ ...‬إلى‪{ :‬وَل نَصـِيرا} تحاكـم أهـل‬
‫ُمـ وَل أمان ّ‬
‫ْسـ بأمانِ ّيك ْ‬
‫ابـن عباس‪ ,‬قوله‪َ{ :‬لي َ‬
‫الديان‪ ,‬فقال أهل التوراة‪ :‬كتابنا خير من الكتب‪ ,‬أنزل قبل كتابكم‪ ,‬ونبيّنا خير النبياء‪ .‬وقال‬
‫أ هل النج يل م ثل ذلك‪ .‬وقال أ هل ال سلم‪ :‬ل د ين إل ال سلم‪ ,‬كتاب نا ن سخ كل كتاب‪ ,‬ونبي نا‬
‫خا تم ال نبيين‪ ,‬وأمر تم وأُمر نا أن نؤ من بكتاب كم‪ ,‬ونع مل بكتاب نا‪ .‬فق ضى ال بين هم فقال‪َ{ :‬ليْ سَ‬
‫جزَ ِب هِ} وخ ير ب ين أ هل الديان فقال‪َ { :‬ومَ نْ‬
‫بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أ ْهلِ الكِتا بِ َم نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫خذَ اللّ ُه إ ْبرَاهِيمَ خَلِيلً}‪.‬‬
‫حنِيفا وا ّت َ‬
‫جهَ ُه لِلّهِ وَ ُه َو ُمحْسِنٌ وَا ّتبَ َع مِلّ َة إبْرَاهِيمَ َ‬
‫ن أسَْلمَ َو ْ‬
‫حسَنُ دِينا ِممّ ْ‬
‫أْ‬
‫‪8367‬ــ حدثنـي المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إسـحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يعلى بن عبيـد وأ بو زهيـر‪ ,‬عن‬
‫إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬قال‪ :‬جلس ناس من أهل التوراة وأهل النجيل وأهل‬
‫ُمـ وَل‬
‫ْسـ بأما ِن ّيك ْ‬
‫اليمان‪ ,‬فقال هؤلء‪ :‬نحـن أفضـل‪ ,‬وقال هؤلء‪ :‬نحـن أفضـل‪ .‬فأنزل ال‪َ{ :‬لي َ‬
‫ل مِ نَ‬
‫جزَ ِب هِ}‪ ,‬ثم خ صّ ال أ هل اليمان فقال‪َ { :‬ومَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫ل الكِتا بِ َم ْ‬
‫أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫الصّالِحاتِ ِمنْ َذ َكرٍ أوْ ُأ ْنثَى وَهُ َو مُ ْؤمِنٌ}‪.‬‬
‫‪ 8368‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن إسماعيل‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬قال‪ :‬جلس‬
‫أ هل التوراة وأ هل النج يل وأ هل الزبور وأ هل اليمان‪ ,‬فتفاخروا‪ ,‬فقال هؤلء‪ :‬ن حن أف ضل‪,‬‬
‫وهؤلء‪ :‬نحـن أفضـل‪ .‬فأنزل ال‪َ { :‬ومَن ْـ َي ْعمَلْ مِنَـ الصـّالِحاتِ مِن ْـ َذ َكرٍ أوْ ُأنْثَى وَهُ َو مُ ْؤمِنٌـ‬
‫جنّةَ وَل ُيظَْلمُونَ نَقِيرا}‪.‬‬
‫ن ال َ‬
‫َفأُوَل ِئكَ َي ْدخُلُو َ‬
‫‪8369‬ـ حدثنا يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك في‬
‫ل الكِتا بِ} قال‪ :‬افتخر أهل الديان‪ ,‬فقالت اليهود‪ :‬كتابنا خير‬
‫قوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫الك تب وأكرم ها على ال‪ ,‬ونبي نا أكرم ال نبياء على ال مو سى‪ ,‬كل مه ال َقيَلً‪ ,‬وخل به نجيّا‪,‬‬
‫وديننا خير الديان‪ .‬وقالت النصارى‪ :‬عيسى بن مريم خاتم الرسل‪ ,‬وآتاه ال التوراة والنجيل‪,‬‬
‫ولو أدركه موسى ل ّت َبعَ هُ‪ ,‬وديننا خير الديان‪ .‬وقالت المجوس وكفار العرب‪ :‬ديننا أقدم الديان‬
‫وخيرها‪ .‬وقال المسلمون‪ :‬محمد نبينا خاتم النبيين‪ ,‬وسيد النبياء‪ ,‬والفرقان آخر ما أنزل من‬
‫ل كتاب‪ ,‬وال سلم خ ير الديان‪ .‬فخ ير ال بين هم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫الك تب من ع ند ال‪ ,‬و هو أم ين على ك ّ‬
‫{َليْسَ بأما ِنيّ ُكمْ وَل أما ِنيّ أهْلِ الكِتابِ}‪.‬‬
‫ل الكِتا بِ}‪ :‬أهل الشرك به من‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى ال بقوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫عبدة الوثان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8370‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ل الكِتابـِ} قال‪ :‬قريـش قالت‪ :‬لن نُبعـث ولن‬
‫ِيـ أهْ ِ‬
‫ُمـ وَل أمان ّ‬
‫ْسـ بأما ِن ّيك ْ‬
‫مجاهـد‪ ,‬فـي قوله‪َ{ :‬لي َ‬
‫نُعذّب‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫جزَ بِهِ}‪.‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫{َليْسَ بأما ِنيّ ُكمْ} قال‪ :‬قالت قريش‪ :‬لن نُبعث ولن نُعذّب‪ ,‬فأنزل ال‪{ :‬مَ ْ‬
‫‪ 8371‬ـ حدث ني يعقوب ا بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عُلَ ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ هِ} قال‪ :‬قالت‬
‫ب مَ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫مجا هد في قوله‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫ل مَ نْ كا نَ هُودا أو‬
‫جنّةَ إ ّ‬
‫ن يَدخُلَ ال َ‬
‫العرب‪ :‬لن نبعث ولن نعذّب ‪ ¹‬وقالت اليهود والنصارى‪َ{ :‬ل ْ‬
‫ل أيّاما َم ْعدُودَةً} شكّ أبو بشر‪.‬‬
‫ن ت َمسّنا النّارُ إ ّ‬
‫َنصَارَى}‪ ,‬أو قالوا {لَ ْ‬
‫‪8372‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪َ{ :‬ليْسَ‬
‫جزَ بِهِ}‪.‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫بأما ِن ّي ُكمْ وَل أمانِيّ أ ْهلِ الكِتابِ} قال‪ :‬قريش وكعب بن الشرف ‪{ ¹‬مَ ْ‬
‫‪8373‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن زيد يقول في قوله {ألَمْ َترَ إلى‬
‫ن أُوتُوا نَصيبا مِ نَ الكِتا بِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪ ,‬قال‪ :‬جاء حيـى بن أخطب إلى المشركين‪,‬‬
‫اّلذِي َ‬
‫حيَـيّ إنكم أصحاب كتب‪ ,‬فنحن خير أم محمد وأصحابه؟ فقال‪ :‬أنتم خير منه‪.‬‬
‫فقالوا له‪ :‬يا ُ‬
‫جدَ َلهُ‬
‫ن اللّهُ فَلَنْ َت ِ‬
‫ن يَ ْلعَ ِ‬
‫ن أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ}‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬ومَ ْ‬
‫فذلك قوله‪{ :‬ألَمْ َترَ إَلى اّلذِي َ‬
‫ن َي ْعمَلْ‬
‫ي أهْلِ الكِتا بِ} فقرأ حتى بلغ‪َ { :‬و َم ْ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ ّ‬
‫نَصيرا}‪ .‬ثم قال للمشركين‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه {فَأُوَلئِكَ‬
‫ن َذكَرٍ أوْ ُأ ْنثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ} رسو ُ‬
‫ن الصّالِحاتِ ِم ْ‬
‫مِ َ‬
‫ن نَقِيرا}‪ .‬قال‪ :‬وو عد ال المؤمن ين أن يكفّر عن هم سيئاتهم‪ ,‬ولم يَعِد‬
‫جنّةَ وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫ن ال َ‬
‫َي ْدخُلُو َ‬
‫جزِ َي ّنهُ مْ أحْ سَنَ اّلذِي‬
‫سيّئا ِتهِمْ وََل َن ْ‬
‫ع ْنهُ مْ َ‬
‫أولئك‪ ,‬وقرأ‪{ :‬وَاّلذِ ين آ َمنُوا وَعمِلُوا ال صّالِحاتِ َل ُنكَ ّفرَ نّ َ‬
‫كانُوا َي ْعمَلُونَ}‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن محمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِ هِ}‬
‫ب مَ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫أبي َبزّة‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫قال‪ :‬قالت قريش‪ :‬لن نُبعث ولن نُعذّب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني به أهل الكتاب خاصة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8374‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبي أسيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪َ{ :‬ليْ سَ‬
‫بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أ ْهلِ الكِتا بِ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬نزلت في أ هل الكتاب ح ين خالفوا النبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى التأويلين بالصواب في ذلك‪ ,‬ما قال مجاهد من أنه عنى بقوله‪َ{ :‬ليْ سَ‬
‫بأما ِن ّيكُ مْ} مشركي قر يش‪ .‬وإنما قلنا ذلك أولى بال صواب‪ ,‬لن الم سلمين لم ي جر لمانيهم ذ كر‬
‫أمانيـ نصـيب الشيطان‬
‫ّ‬ ‫ْسـ بأما ِنيّكُمـْ} وإنمـا جرى ذكـر‬
‫فيمـا مضـى مـن الَي قبـل قوله‪َ{ :‬لي َ‬
‫ن آذَا نَ النْعا مِ} وقوله‪َ { :‬ي ِعدُهُ مْ و ُي َمنّيهِ مْ}‬
‫لمُ َر ّنهُ مْ فََل ُي َب ّتكُ ّ‬
‫ل َم ّن َي ّنهُ مْ َو َ‬
‫المفروض‪ ,‬وذلك في قوله‪َ { :‬و ُ‬
‫فإلحاق معنى قوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُمْ} بما قد جري ذكره قبل أحقّ وأولى من ادّعاء تأويل فيه‪ ,‬ل‬
‫دللة عليه من ظاهر التنزيل‪ ,‬ول أثر عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ول أجماع من أهل‬
‫التأو يل‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأو يل الَ ية إذن‪ :‬ل يس ال مر بأماني كم يا مع شر أولياء الشيطان‬
‫وحزبـه التـي يمنيكموهـا وليكـم عدوّا ل مـن إنقاذكـم ممـن أرادكـم بسـوء‪ ,‬ونصـرتكم عليـه‪,‬‬
‫وإظفاركم به‪ ,‬ول أماني أهل الكتاب الذين قالوا اغترارا بال وبحلمه عنهم‪ :‬لن تمسنا النار إل‬
‫أيا ما معدودة‪ ,‬ولن يد خل الج نة إل من كان هودا أو ن صارى‪ ,‬فإن ال مجازي كل عا مل من كم‬
‫جزاء عمله‪ ,‬من يع مل من كم سوء‪ ,‬أو من غير كم ي جز به‪ ,‬ول ي جد له من دون ال ول يا ول‬
‫نصيرا‪ ,‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة‪.‬‬
‫ومما يدلّ أيضا على صحة ما قلنا في تأويل ذلك‪ ,‬وأنه عُني بقوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ} مشركو‬
‫العرب كمـا قال مجاهـد‪ :‬إن ال وصـف وعـد الشيطان مـا وعـد أولياءه‪ ,‬وأخـبر بحال وعده‪,‬‬
‫حتِ ها النهارُ‬
‫جنّا تٍ َتجْري مِ نْ َت ْ‬
‫س ُندْ خُِلهُ مْ َ‬
‫ن آ َمنُوا وَعمِلُوا ال صّالِحاتِ َ‬
‫ال صادق بقوله‪{ :‬وَاّلذِي َ‬
‫عدَ اللّ ِه حَقّا} و قد ذ كر جلّ ثناؤه مع و صفه و عد الشيطان أولياءه‪ ,‬وتمني ته‬
‫خاِلدِي نَ فِي ها أبَدا َو ْ‬
‫إياهم الماني بقوله‪َ { :‬ي ِعدُهُ مْ و ُي َمنّيهِمْ} كما ذكر وعد إياهم‪ ,‬فالذي هو أشبه أن يتبع تمنيته إياهم‬
‫ح أن قوله‪َ{ :‬ليْ سَ‬
‫من الصفة‪ ,‬بمثل الذي أتبع عدّته إياهم به من الصفة‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك ص ّ‬
‫جزَ ِب هِ}‪ ...‬الَ ية‪ ,‬إن ما هو خبر من ال عن‬
‫بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أ ْهلِ الكِتا بِ‪َ ,‬م نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫أمان يّ أولياء الشيطان وما إليه صائرة أمانيهم مع سيـىء أعمالهم من سوء الجزاء‪ ,‬وما إليه‬
‫صائرة أعمال أولياء ال من حسن الجزاء‪ .‬وإنما ض مّ جلّ ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في‬
‫ل الكِتا بِ} لن أماني الفريقين من تمنية الشيطان إياهم التي‬
‫قوله‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫ل ُم ْر ّن ُهمْ}‪.‬‬
‫ل َم ّنيَ ّن ُهمْ و َ‬
‫لضِّلنّ ُهمْ َو ُ‬
‫وعدهم أن يمنيهموها بقوله‪َ { :‬و ُ‬
‫جزَ بِهِ}‪.‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬مَ ْ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عنى بالسوء كلّ معصية ل‪ ,‬وقالوا‪ :‬معنى‬
‫الَ ية‪ :‬من يرت كب صغيرة أو كبيرة من مؤمن أو كافر من معاصي ال‪ ,‬يجازه ال ب ها‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8375‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬أن زياد بن الربيع‬
‫جزَ ِب هِ} فقال‪ :‬ما كنت أراك إل أفقه مما‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫سأل أب يّ بن كعب عن هذه الَية‪{ :‬مَ ْ‬
‫أرى! النكبة والعود والخدش‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا غندر‪ ,‬عن هشام الد ستوائي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قتادة‪ ,‬عن الرب يع بن‬
‫جزَ بِ هِ} وال إن كان‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫زياد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لب يّ بن كعب‪ ,‬قول ال تبارك وتعالى‪{ :‬مَ ْ‬
‫ل خدش‬
‫كل ما عملنا جزينا به هلكنا! قال‪ :‬وال إن كنت لراك أفقه مما أرى! ل يصيب رج ً‬
‫ول عثرة إل بذنب‪ ,‬وما يعفو ال عنه أكثر‪ ,‬حتى اللدغة والنفحة‪.‬‬
‫‪ 8376‬ـ حدثنا القاسم بن بشر بن معرور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن‬
‫زيد‪ ,‬عن حجاج الصوّاف‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن أبي قلبة‪ ,‬عن أبي المهلب‪ ,‬قال‪ :‬دخلت على عائشة‬
‫جزَ بِ هِ} قالت‪:‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫ل الكِتابِ مَ ْ‬
‫كي أسألها عن هذه الَية‪َ{ :‬ليْسَ بأما ِن ّيكُمْ وَل أمانِيّ أهْ ِ‬
‫ذاك ما يصيبكم في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 8377‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫جزَ بِ هِ} قال‪ :‬ي جز به في الدن يا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫خالد أ نه سمع مجاهدا يقول في قوله‪{ :‬مَ ْ‬
‫قلت‪ :‬وما تبلغ المصيبات؟ قال‪ :‬ما تكره‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬من يعمل سوءا من أهل الكفر يجز به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8378‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن حماد بن سلمة‪ ,‬عن حم يد‪ ,‬عن‬
‫جزَ بِهـِ} قال‪ :‬الكافـر‪ .‬ثـم قرأ‪{ :‬وَهَلْ نُجازي إلّ الكَفُورُ} قال‪ :‬مـن‬
‫الحسـن‪{ :‬مَن ْـ َي ْعمَلْ سـُوءا ُي ْ‬
‫الكفار‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو همام الهوازيّ‪ ,‬عن يونس بن عبيد‪ ,‬عن‬
‫ل نُجازي إلّ الكَفُورُ} يعنـي بذلك‪:‬‬
‫جزَ بِهـِ} و{وهَ ْ‬
‫َنـ َي ْعمَلْ سـُوءا ُي ْ‬
‫الحسـن‪ ,‬أنـه كان يقول‪{ :‬م ْ‬
‫الكفار‪ ,‬ل يعني بذلك أهل الصلة‪.‬‬
‫‪ 8379‬ـ حدثني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مبارك‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫ل سُوءا ُيجْزَ ِب هِ} قال‪ :‬وال ما جازى ال عبدا بالخير والشرّ إل عذّبه‪ ,‬قال‪ِ{ :‬ل َيجْزِ يَ‬
‫{مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫سنَى} قال‪ :‬أ ما وال ل قد كا نت ل هم ذنوب‪,‬‬
‫سنُوا بِالحُ ْ‬
‫ن أحْ َ‬
‫ي اّلذِي َ‬
‫عمِلُوا وَيجْزِ َ‬
‫ن أَ سَاءُوا بِمَا َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ولكنه غفرها لهم‪ ,‬ولم يجازهم بها‪ ,‬إن ال ل يجازي عبده المؤمن بذنب‪ ,‬إذًا توبقه ذنوبه‪.‬‬
‫‪8380‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن زيد يقول في قوله‪{ :‬مَنْ َي ْعمَلْ‬
‫سُوءا ُيجْ َز بِهِ} قال‪ :‬وعد ال المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم‪ ,‬ولم يعد أولئك‪ ,‬يعني المشركين‪.‬‬
‫ل سُوءا‬
‫‪ 8381‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن الحسن‪{ :‬مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫عدَ‬
‫ُيجْ َز بِ هِ} قال‪ :‬إن ما ذلك ل من أراد ال هوا نه ‪ ¹‬فأ ما من أراد كرام ته فإ نه من أ هل الج نة {وَ ْ‬
‫عدُونَ}‪.‬‬
‫الصّ ْدقِ اّلذِي كانوا يُو َ‬
‫‪ 8382‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫ل سُوءا ُيجْزَ ِب هِ} يعني بذلك‪ :‬اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب‪ ,‬ول يجدون‬
‫{مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫لهم من دون ال وليا ول نصيرا‪.‬‬
‫ل سُوءا‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ال سوء في هذا المو ضع‪ :‬الشرك‪ .‬قالوا‪ :‬وتأو يل قوله‪{ :‬مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫ُيجْ َز بِ هِ}‪ :‬من يشرك بال يجز بشركه ول يجد له من دون ال وليا ول نصيرا‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8383‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫جدْ له مِنْ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُيجْ َز بِهِ} يقول‪ :‬من يشرك يجز به‪ ,‬وهو السوء‪{ ,‬ول َي ِ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬مَ ْ‬
‫ن ال وَِليّا ول َنصِيرا} إل أن يتوب قبل موته‪ ,‬فيتوب ال عليه‪.‬‬
‫دُو ِ‬
‫‪ 8384‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ابن أبي ليلى‪ ,‬عن المنهال بن‬
‫جزَ ِبهِ} قال‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬مَنْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى التأويلت التي ذكرناها بتأويل الَية‪ ,‬التأويل الذي ذكرناه عن أب يّ بن‬
‫ك عب وعائشة‪ ,‬وهو أن كل من عمل سوءا صغيرا أو كبيرا من مؤمن أو كافر‪ ,‬جوزي به‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الَية‪ ,‬لعموم الَية كل عامل سوء‪ ,‬من غير أن يخص أو يستثنى‬
‫من هم أحد‪ ,‬فهي على عمومها إذ لم يكن في الَ ية دللة على خ صوصها ول قا مت حجة بذلك‬
‫من خبر عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سيّئا ِت ُكمْ}‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫عنْ هُ ُنكَ ّفرْ َ‬
‫ج َت ِنبُوا كَبائِرَ ما ُت ْنهَوْ نَ َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وأين ذلك من قول ال‪{ :‬إ نْ َت ْ‬
‫سيّئا ِت ُكمْ}‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫وكيف يجوز أن يجازي على ما قد وعد تكفيره؟ قيل‪ :‬إنه لم يعد بقوله‪ُ { :‬نكَ ّفرْ َ‬
‫ترك المجازاة عليها‪ ,‬وإنما َوعَد التكفير بترك الفضيحة منه لهلها في معادهم‪ ,‬كما فضح أهل‬
‫الشرك والنفاق‪ .‬فأما إذا جازاهم في الدنيا عليها بالمصائب ليكفرها عنهم بها ليوافوه ول ذنب‬
‫سيّئا ِتكُمْ} وأنجز لهم‬
‫ع ْنكُمْ َ‬
‫لهم‪ ,‬يستحقون المجازاة عليه‪ ,‬فإنما وفي لهم بما وعدهم بقوله‪ُ { :‬نكَ ّفرْ َ‬
‫حتِهـا‬
‫ِنـ َت ْ‬
‫جرِي م ْ‬
‫ّاتـ ت ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫سـْندْخُِل ُهمْ َ‬
‫عمِلُوا الصـّالِحاتِ َ‬
‫ِينـ آ َمنُوا وَ َ‬
‫مـا ضمـن لهـم بقوله‪{ :‬واّلذ َ‬
‫النهارُ}‪.‬‬
‫وبنحـو الذي قلنـا فـي ذلك‪ ,‬تظاهرت الخبار عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ .‬ذكـر‬
‫الخبار الواردة بذلك‪:‬‬
‫‪ 8385‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬وسفيان بن وكيع ونصر بن عل يّ وعبد ال بن أبي زياد ال َقطَواني‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬حدث نا سفيان بن عيي نة‪ ,‬عن ا بن محي صن‪ ,‬عن مح مد بن ق يس بن مخر مة‪ ,‬عن أ بي‬
‫جزَ ِب هِ} شقّت على المسلمين‪ ,‬وبلغت منهم‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية‪َ { :‬م نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫س ّددُوا‪,‬‬
‫ما شاء ال أن تبلغ‪ ,‬فشكَوا ذلك إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪« :‬قَاربوا و َ‬
‫ففي كل ما ُيصَابُ به المسلم كَفّارَةٌ‪ ,‬حتّى ال ّن ْكبَة ُي ْن َكبُها‪ ,‬أو الشوكة ُيشَاكّها»‪.‬‬
‫‪ 8386‬ـ حدثني عبد ال بن أبي زياد وأحمد بن منصور الرمادي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن حيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن زيد بن قنفذ‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬عن‬
‫ل ما نعمل‬
‫جزَ بِ هِ} قال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬ك ّ‬
‫ل سُوءا ُي ْ‬
‫أبي بكر‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪{ :‬مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫نؤاخذ به؟ فقال‪« :‬يا أبا َبكْرٍ أَليْس ُيصِيبُك َكذَا و َكذَا؟ َفهُ َو كَفّارتُهُ»‪.‬‬
‫‪ 8387‬ـ حدث ني إبراه يم بن سعيد الجوهر يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب بن عطاء‪ ,‬عن زياد‬
‫الجصاص‪ ,‬عن عل يّ بن زيد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد ال بن عمر‪ ,‬أنه سمع أبا بكر يقول‪:‬‬
‫جزَ بِ ِه في ال ّدنْيا»‪.‬‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫سمعت النبيّ صلى ال عليه وسلم يقول «مَ ْ‬
‫‪ 8388‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن إسماعيل‪ ,‬عن أبي بكر بن أبي زهير‪ ,‬عن‬
‫أبي بكر الصديق أنه قال‪ :‬يا نبيّ ال كيف الصلح بعد هذه الَية؟ فقال النبيّ صلى ال عليه‬
‫جزَ‬
‫ي أهْلِ الكِتا بِ مَ نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ ّ‬
‫و سلم‪« :‬أّيةُ آ َيةٍ؟» قال‪ :‬يقول ال‪َ{ :‬ليْ َ‬
‫بِ هِ} ف ما عملناه جزي نا به؟ فقال ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬غَفَر اللّ هُ ل كَ يا أ با َب ْكرٍ! ألَ سْتَ‬
‫ن بهِ»‪.‬‬
‫جزَوْ َ‬
‫لوَاءُ؟» قال‪َ « :‬فهُ َو ما ُت ْ‬
‫ت ُتصِي ُبكَ الّ ْ‬
‫حزَنُ‪ ,‬أَلسْ َ‬
‫َتمْرَضُ‪ ,‬أَلسْتَ َت ْ‬
‫حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬قال‪ :‬أظنه عن أبي بكر الثقفي‪,‬‬
‫جزَ بِ هِ} قال أبو بكر‪ :‬كيف الصلح؟‬
‫ل سُوءا ُي ْ‬
‫عن أبي بكر قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية‪{ :‬مَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫ثم ذكر نحوه‪ ,‬إل أنه زاد فيه «أَلسْتَ ُت ْنكَبُ؟»‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيل بن أ بي خالد‪ ,‬عن أ بي‬
‫بكر بن أبي زهير‪ ,‬أن أبا بكر قال للنبيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬كيف الصلح؟ فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عبيد المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الجنبيّ‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن‬
‫أبي بكر ابن أبي زهير الثقفي‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬فذكر نحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬فكلّ‬
‫حزَ نُ‪ ,‬أَليْسَ تُصِيبُكَ‬
‫ت َتمْرَ ضُ‪ ,‬ألَست تنصَب‪ ,‬ألَسْتَ َت ْ‬
‫سوء عملناه جزينا به؟ وقال أيضا‪« :‬ألَسْ َ‬
‫ن بهِ»‪.‬‬
‫جزَوْ َ‬
‫الّلْوَاءُ؟» قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪« :‬هُ َو ما ُت ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن ابن أبي خالد‪ ,‬عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جزَ بِ هِ} قال‪ :‬قال‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫ل الكِتا بِ مَ ْ‬
‫ل ما نزلت هذه الَ ية‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫ت َتنْ صَبُ‪ ,‬ألَ سْتَ‬
‫أ بو ب كر‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬وإ نا لنجزى بكلّ ش يء نعمله؟ قال‪ « :‬يا أ با َب ْكرٍ ألَ سْ َ‬
‫ن بِهِ»‪.‬‬
‫جزَوْ َ‬
‫َتحْزَنُ‪ ,‬أَلسْتَ ُتصِي ُبكَ الّلْوَاءُ؟ َف َهذَا ِممّا ُت ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي خالد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبو بكر‬
‫بن أبي زهير الثقفي‪ ,‬عن أبي بكر‪ ,‬فذكر مثل ذلك‪.‬‬
‫‪8389‬ـ حدثنا أبو السائب وسفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن مسلم‪,‬‬
‫جزَ بِهِ}! قال‪« :‬يا أبا َب ْكرٍ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫قال‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬ما أشدّ هذه الَية‪{ :‬مَ ْ‬
‫جزَاءُ»‪.‬‬
‫ن ال ُمصِيبَ َة فِي ال ّدنْيا َ‬
‫إّ‬
‫‪ 8390‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح بن عبادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر الخراز‪ ,‬عن ابن‬
‫أبي مليكة‪ ,‬عن عائشة قالت‪ :‬قلت‪ :‬إني لعلم أ يّ آية في كتاب ال أشدّ! فقال لي النبيّ صلى‬
‫جزَ بِ هِ} قال‪« :‬إ نّ المؤمِ نَ ل ُيجَازَى بأَ سْوَإ‬
‫ن َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫ي آية؟» فقلت‪{ :‬مَ ْ‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬أ ّ‬
‫عمَلِ ِه في ال ّدنْيا»‪ ,‬ثم ذكر أشياء منه نّ المرض والنصب‪ ,‬فكان آخره أن ذكر النكبة‪ ,‬فقال‪« :‬كُلّ‬
‫َ‬
‫ل ُيعَذّ بُ»‪ .‬فقلت‪ :‬أل يس‬
‫حدٌ يُحا سَبُ َيوْ مَ القِيامَةِ إ ّ‬
‫سأَ‬
‫جزَى ِب َعمَلِ ِه يا عا ِئشَةُ‪ ,‬إّن ُه َليْ َ‬
‫ذِي ع مل ُي ْ‬
‫ن نُوقِ شَ الحِ سابَ‬
‫ع ْندَ ال َعرْض‪ ,‬إّن هُ مِ ْ‬
‫يقول ال‪{ :‬فَ سَ ْوفَ يُحا سَبُ حِ سابا يَ سِيرا}؟ فقالَ‪« :‬ذَا كِ ِ‬
‫عذّبَ»‪ ,‬وقال بيده على إصبعه كأنه ينكت‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪8391‬ـ حدثني القاسم بن بشر بن معرور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن‬
‫س ُكمْ‬
‫سلمة‪ ,‬عن عليّ بن زيد‪ ,‬عن أمية‪ ,‬قالت‪ :‬سألت عائشة عن هذه الَية‪{ :‬وَإنْ ُت ْبدُوا ما فِي أنْ ُف ِ‬
‫جزَ بِهـِ}‬
‫ل سـُوءا ُي ْ‬
‫أ ْو ُتخْفُوه يُحاسِـْب ُكمْ بِهِـ ال‪ ,‬و{َليْسَـ بأمانِ ّيكُم ْـ وَل أمانِيّـ أهْلِ الكِتابِـ مَن ْـ َي ْعمَ ْ‬
‫قالت‪ :‬ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها‪ ,‬فقال‪« :‬يا عا ِئشَةُ‬
‫حمّى وال ِك َبرِ‪ ,‬وَال ِبضَاعَ ِة َيضَعُها فِي ُكمّه َفيَفْ ِقدُها‪َ ,‬فيَفْزَ عُ‬
‫ن ال ُ‬
‫ذَا كِ مَثابَ ُة اللّ هِ ال َع ْبدَ بمَا يُ صِيبُ ُه مِ َ‬
‫خرُجُ ال ّت ْبرُ الْحمَرُ ِمنَ الكِيرِ»‪.‬‬
‫ن ُذنُوبِ ِه كمَا َي ْ‬
‫خرُجُ مِ ْ‬
‫ن َل َي ْ‬
‫ن المُؤمِ َ‬
‫َلهَا َف َيجِدُها فِي ُكمّهِ‪ ,‬حتى إ ّ‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو عامر الخراز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫أبي مليكة عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إني لعلم أشدّ آية في القرآن‪ ,‬فقال‪« :‬ما هِيَ‬
‫جزَ بِ هِ} فقال‪« :‬هُ َو ما يُ صِيبُ‬
‫يا عائشة؟» قلت‪ :‬هي هذه الَية يا رسول ال‪{ :‬مَ نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫ال َع ْبدَ المُ ْؤمِنَ‪ ,‬حتى ال ّن ْكبَةَ ُي ْن َكبُها»‪.‬‬
‫‪ 8392‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن الربيع بن صبح‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫جزَ ِب هِ} قال أبو بكر‪ :‬يا‬
‫ي أهْلِ الكِتا بِ َم نْ َي ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬
‫س بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ ّ‬
‫قال‪ :‬لما نزلت {َليْ َ‬
‫ك يُ صِي ُبكَ أذًى‪,‬‬
‫ك َتحْزَ نُ‪ ,‬وَإنّ َ‬
‫رسول ال‪ ,‬ما أشدّ هذه الَية! قال‪« :‬يا أبا َب ْكرٍ أنّ كَ َت ْمرَ ضُ‪ ,‬وَإنّ َ‬
‫فَذَاكَ بذَاكَ»‪.‬‬
‫‪ 8393‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني‬
‫عطاء بن أبي رباح‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪ ,‬قال أبو بكر‪ :‬جاءت قاصمة الظهر‪ ,‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬إ ّنمَا ِهيَ ال ُمصِيباتُ فِي ال ّدنْيا»‪.‬‬
‫ن اللّهِ وَِليّا وَل نَصَيرا}‪.‬‬
‫ن دُو ِ‬
‫جدْ لَ ُه مِ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَل َي ِ‬
‫جدِ} الذي يعمل سوءا من معاصي ال وخلف ما أمره به‪{ ,‬مِ نْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪{ :‬وَل َي ِ‬
‫ن اللّ هِ} يعني‪ :‬من بعد ال وسواه‪{ ,‬وَِليّا} يلي أمره‪ ,‬ويحمي عنه ما ينزل به من عقوبة ال‪,‬‬
‫دُو ِ‬
‫{وَل نَصِيرا} يعني‪ :‬ول ناصرا ينصره مما يحلّ به من عقوبة ال وأليم نكاله‪.‬‬

‫‪124‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِنـ‬
‫ِنـ الصـّاِلحَاتَ م ِن َذ َكرٍ أَ ْو ُأ ْن َثىَ وَ ُهوَ ُم ْؤم ٌ‬
‫{وَم َن َي ْعمَلْ م َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن نَقِيرا }‪..‬‬
‫جّنةَ َولَ ُيظَْلمُو َ‬
‫َفأُوْلَـئِكَ َي ْدخُلُونَ ا ْل َ‬
‫ل الكِتا بِ} يقول ال ل هم‪:‬‬
‫يع ني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬الذ ين قال ل هم‪َ{ :‬ليْ سَ بأما ِن ّيكُ مْ وَل أمانِ يّ أهْ ِ‬
‫إنما يدخل الجنة وينعم فيها في الَخرة‪ ,‬من يعمل من الصالحات من ذكوركم وإناثكم‪ ,‬وذكور‬
‫عبادي وإناثهم وهو مؤمن بي وبرسولي محمد‪ ,‬مصدّق بوحدانيتي‪ ,‬ونبوّة محمد صلى ال عليه‬
‫و سلم وب ما جاء به من عندي‪ ,‬ل أن تم أي ها المشركون بي المكذّبون ر سولي‪ ,‬فل تطمعوا أن‬
‫تحلوا وأنتم كفار محلّ المؤمنين بي وتدخلوا مداخلهم في القيامة وأنتم مكذّبون برسولي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8394‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ن َذ َكرٍ أ ْو انْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ} قال‪ :‬أ بى أن يق بل اليمان إل‬
‫ل مِ نَ ال صّالِحاتِ مِ ْ‬
‫قوله‪َ { :‬ومَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫بالعمل الصالح‪ ,‬وأبى أن يقبل السلم إل بالحسان‪.‬‬
‫ن نَقِيرا} فإنه يعني‪ :‬ول يظلم ال هؤلء الذين يعملون الصالحات من‬
‫وأما قوله‪{ :‬وَل ُيظَْلمُو َ‬
‫ثواب عمل هم مقدار النقرة ال تي تكون في ظ هر النواة في القلة‪ ,‬في كف ب ما هو أع ظم من ذلك‬
‫وأكثـر‪ .‬وإنمـا يخـبر بذلك جلّ ثناؤه عباده أنـه ل يبخسـهم مـن جزاء أعمالهـم قليلً ول كثيرا‪,‬‬
‫ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم‪.‬‬
‫وبالذي قلنا في معنى النقير قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8395‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَل ُيظَْلمُو نَ نَقِيرا}‬
‫قال‪ :‬النقير‪ :‬الذي يكون في ظهر النواة‪.‬‬
‫‪8396‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قرة‪ ,‬عن عطية‪ ,‬قال‪ :‬النقير‪ :‬الذي‬
‫في وسط النواة‪.‬‬
‫ن ال صّالِحاتِ}‪ ,‬ولم ي قل‪:‬‬
‫ل مِ َ‬
‫فإن قال ل نا قائل‪ :‬و ما و جه دخول « َم نْ» في قوله‪َ { :‬ومَ نْ َي ْعمَ ْ‬
‫ومن يعمل الصالحات؟ قيل‪ :‬لدخولها وجهان‪ :‬أحدهما أن يكون ال قد علم أن عباده المؤمنين‬
‫لن يطيقوا أن يعملوا جميـع العمال الصـالحات‪ ,‬فأوجـب وعده لمـن عمـل مـا أطاق منهـا ولم‬
‫يحر مه من فضله ب سبب ما عجزت عن عمله من ها قواه‪ .‬والَ خر منه ما أن يكون تعالى ذكره‬
‫أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدّى الفرائض‪ ,‬وإن قصر في بعض الواجب له عليه‪ ,‬تفضلً‬
‫م نه على عباده المؤمن ين‪ ,‬إذ كان الف ضل به أولى‪ ,‬وال صفح عن أ هل اليمان به أحرى‪ .‬و قد‬
‫تقوّل قوم من أ هل العرب ية أن ها أدخلت في هذا المو ضع بمع نى الحذف‪ ,‬ويتأوّله‪ :‬و من يع مل‬
‫ال صالحات من ذ كر أو أن ثى و هو مؤ من‪ .‬وذلك عندي غ ير جائز‪ ,‬لن دخول ها المع نى‪ ,‬فغ ير‬
‫جائز أن يكون معناها الحذف‪.‬‬

‫‪125‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جهَ ُه ل وَهُ َو ُمحْ سِنٌ وا ّتبَ عَ مِلّةَ‬
‫ن أَ سَْلمَ َو ْ‬
‫ن دِينا ِممّ ْ‬
‫ن َأحْ سَ ُ‬
‫{ َو َم ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خذَ اللّ ُه ِإ ْبرَاهِيمَ خَلِيلً }‪..‬‬
‫حنِيفا وَا ّت َ‬
‫ِإ ْبرَاهِيمَ َ‬
‫وهذا قضاء مـن ال جلّ ثناؤه للسـلم وأهله بالفضـل على سـائر الملل غيره وأهلهـا‪ ,‬يقول‬
‫جهَ ُه لِّل هِ} يقول‪:‬‬
‫ن أ سَْلمَ َو ْ‬
‫ال‪َ { :‬ومَ نْ أحْسَنُ دِينا} أيها الناس‪ ,‬وأصوب طريقا وأهدى سبيلً‪ِ { ¹‬ممّ ْ‬
‫ممن استسلم وجهه ل‪ ,‬فانقاد له بالطاعهة‪ ,‬مصدّقا نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم فيما جاء به‬
‫من عند ربه‪{ .‬وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ} يعني‪ :‬وهو عامل بما أمره به ربه‪ ,‬محرّم حرامه‪ ,‬ومحلل حلله‪.‬‬
‫حنِيفا} يعني بذلك‪ :‬واتبع الدين الذي كان عليه إبراهيم خليل الرحمن‪ ,‬وأمر‬
‫{وَا ّتبَعَ مِّلةَ إ ْبرَاهِيمَ َ‬
‫به نبيه من بعده وأوصاهم به ‪ ¹‬حنيفا‪ ,‬يعني‪ :‬مستقيما على منهاجه وسبيله‪ .‬وقد بينا اختلف‬
‫المختلفين فيما مضى قبل في معنى الحنيف والدليل على الصحيح من القول في ذلك بما أغنى‬
‫عن إعادته‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬وممن قال ذلك أيضا الضحاك‪.‬‬
‫‪ 8397‬ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يزيد قال‪ :‬أخبرنا جويبر عن الضحاك‪,‬‬
‫ّهـ وَ ُهوَ‬
‫َهـ لِل ِ‬
‫جه ُ‬‫أسـَلمَ َو ْ‬
‫ّنـ ْ‬
‫ْسـنُ دِينـا ِمم ْ‬
‫َنـ أح َ‬
‫ل ديـن‪ ,‬فقال‪َ { :‬وم ْ‬
‫قال‪ :‬فضـل ال السـلم على ك ّ‬
‫ُمحْسِـنٌ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَا ّتخَ َذ اللّ هُ إ ْبرَاهيمَـ خَليلً} وليـس يقبـل فيـه عمـل غ ير السـلم‪ ,‬وهـي‬
‫الحنيفية‪.‬‬
‫خذَ الّلهُ إ ْبرَاهيمَ خَليلً}‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَا ّت َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬واتخذ ال إبراهيم وليّا‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما مع نى الخُلة ال تي أعطي ها إبراه يم؟ ق يل‪ :‬ذلك من إبراه يم عل يه ال سلم‬
‫العداوة في ال والبغض فيه‪ ,‬والولية في ال والحبّ فيه‪ ,‬على ما يُعرف من معاني الخلة‪ .‬وأما‬
‫من ال لبراه يم‪ ,‬فن صرته على من حاوله ب سوء‪ ,‬كالذي فعل به إذا أراده نمروذ بما أراده به‬
‫من الحراق بالنار‪ ,‬فأنقذه من ها‪ ,‬وأعلى حج ته عل يه إذ حا جه‪ ,‬وك ما ف عل ملك م صر إذ أراده‬
‫عن أهله‪ ,‬وتمكينه مما أح بّ‪ ,‬وتصييره إماما لمن بعده من عباده وقدوة لمن خلقه في طاعته‬
‫وعباد ته‪ ,‬فذلك مع نى مخالّ ته إياه‪ .‬و قد ق يل‪ :‬سماه ال خليلً من أ جل أ نه أ صاب أ هل ناحي ته‬
‫جدب‪ ,‬فارت حل إلى خل يل له من أ هل المو صل ـ وقال بعض هم‪ :‬من أ هل م صر في امتيار‬
‫طعام لهله من قبلَه فلم يصب عنده حاجته‪ ,‬فلما قرب من أهله مرّ بمفازة ذات رمل‪ ,‬فقال‪ :‬لو‬
‫ملت غرائري من هذا الرمل لئل أغ ّم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة‪ ,‬وليظنوا أني قد أتيتهم‬
‫ب ما يحبون! فف عل ذلك‪ ,‬فتحوّل ما في غرائره من الر مل دقي قا‪ ,‬فل ما صار إلى منزله نام وقام‬
‫أهله‪ ,‬ففتحوا الغرائر فوجدوا دقي قا‪ ,‬فعجنوا م نه وخبزوا‪ ,‬فا ستيقظ ف سألهم عن الدق يق الذي م نه‬
‫خبزوا‪ ,‬فقالوا‪ :‬من الدق يق الذي جئت به من ع ند خليلك‪ ,‬فعلم‪ ,‬فقال‪ :‬ن عم هو من خليلي ال‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فسماه ال بذلك خليلً‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْءٍ‬
‫ن الّل هُ ِبكُلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الرْ ضِ َوكَا َ‬
‫{وَلّل ِه مَا فِي ال ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ّمحِيطا }‪..‬‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬واتخـذ ال إبراهيـم خليلً لطاعتـه ربـه‪ ,‬وإخلصـه العبادة له‪,‬‬
‫والمسارعة إلى رضاه ومحبته‪ ,‬ل من حاجة به إليه وإلى خلته‪ ,‬وكيف يحتاج إليه وإلى خلته‪,‬‬
‫وله ما في السموات وما في الرض من قليل وكثير ملكا‪ ,‬والمالك الذي إليه حاجة ملكه دون‬
‫حاجته إليه‪ ,‬فكذلك حاجة إبراهيم إليه‪ ,‬ل حاجته إليه‪ ,‬فيتخذه من أجل حاجته إليه خليلً‪ ,‬ولكنه‬
‫اتخذه خليلً لمسارعته إلى رضاه ومحبته‪ .‬يقول‪ :‬فكذلك فسارعوا إلى رضاي ومحبتي لتخذكم‬
‫شيْءٍ ُمحِيطا} ولم يزل ال محصيا لكل ما هو فاعله عباده من خير‬
‫ل َ‬
‫لي أولياء‪{ .‬وكا نَ الّلهُ ِبكُ ّ‬
‫وشرّ‪ ,‬عالما بذلك‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منه‪ ,‬ول يعزب عنه مثقال ذرّة‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ك فِي النّسَآ ِء قُلِ اللّ ُه يُ ْفتِيكُمْ فِيهِنّ َومَا ُيتْلَىَ عََل ْيكُمْ فِي‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫{ َويَ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ضعَفِينَ‬
‫ستَ ْ‬
‫غبُو نَ أَن تَن ِكحُو ُه نّ وَا ْلمُ ْ‬
‫ب َلهُ نّ َو َترْ َ‬
‫ا ْل ِكتَا بِ فِي َيتَامَى النّ سَآءِ الّلتِي لَ ُت ْؤتُو َنهُ نّ مَا ُكتِ َ‬
‫ن بِهِ عَلِيما }‪..‬‬
‫ن اللّ َه كَا َ‬
‫خيْ ٍر فَإِ ّ‬
‫ن َ‬
‫سطِ َومَا تَ ْفعَلُو ْا مِ ْ‬
‫ن الْوِ ْلدَانِ وَأَن تَقُومُو ْا لِ ْل َيتَامَىَ بِالْ ِق ْ‬
‫مِ َ‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ} ويسألك يا محمد أصحابك أن تفتيهم في أمر‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫النساء‪ ,‬والواجب له نّ وعليه نّ‪ .‬فاكتفى بذكر النساء من ذكر شأنه نّ‪ ,‬لدللة ما ظهر من الكلم‬
‫على المراد منه‪{ .‬قُلِ الّلهُ يُ ْفتِي ُكمْ فِيهِنّ} قل لهم يا محمد‪ :‬ال يفتيكم فيهنّ‪ ,‬يعني في النساء‪{ .‬وَما‬
‫ب َلهُنّ}‪.‬‬
‫ُيتْلَى عََل ْي ُكمْ فِي الكِتابِ فِي يَتامَى النّساءِ الّلتِي ل تُ ْؤتُو َنهُنّ ما ُكتِ َ‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْيكُمْ فِي الكِتابِ} فقال بعضهم‪ :‬يعني بقوله‪:‬‬
‫{وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ} قل ال يفتي كم فيه نّ‪ ,‬وفي ما يتلى علي كم‪ ,‬قالوا‪ :‬والذي يتلى علي هم هو آيات‬
‫الفرائض‪ ,‬التي في أوّل هذه السورة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8398‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلم‪ ,‬عن عمرو بن أبي قيس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن‬
‫ك فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ اللّهُ يُ ْفتِي ُكمْ فِيهِنّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُمْ فِي‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪َ { :‬و َيسْتَ ْفتُو َن َ‬
‫الكِتا بِ} قال‪ :‬كان أ هل الجاهل ية ل يورثون المولود ح تى ي كبر‪ ,‬ول يورثون المرأة ‪ ¹‬فل ما كان‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ الّل ُه يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ} في أوّل‬
‫السلم قال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫ن ما كتب ال لهن‪.‬‬
‫السورة في الفرائض اللتي ل تؤتونه ّ‬
‫‪ 8399‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عائشة‪{ :‬وَما‬
‫أنـ‬
‫ُونـ ْ‬
‫غب َ‬
‫ُنـ َو َترْ َ‬
‫ِبـ َله ّ‬
‫ُنـ مـا ُكت َ‬
‫ِتابـ فـي يَتامَى النّسـاءِ اللّتِي ل تُ ْؤتُو َنه ّ‬
‫ُمـ فِي الك ِ‬
‫ُيتْلَى عََل ْيك ْ‬
‫َت ْن ِكحُوهُنّ} قالت‪ :‬هذا في اليتيمة تكون عند الرجل لعلهم أن تكون شريكته‪ ,‬في ماله‪ ,‬وهو أولى‬
‫ب ها من غيره‪ ,‬فير غب عن ها أن ينكح ها ويعضل ها لمال ها ول ينكح ها غيره كراه ية أن يشر كه‬
‫أحد في مالها‪.‬‬
‫‪ 8400‬ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ‬
‫جبير‪ ,‬قال‪ :‬كانوا ل يورّثون في الجاهل ية الن ساء وال صبيّ ح تى يحتلم‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ فِي يَتامَى النّ ساءِ} في أوّل سورة‬
‫النساء من الفرائض‪.‬‬
‫‪8401‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬كانوا في‬
‫ك فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫الجاهل ية ل يورثون اليتي مة ول ينكحون ها ويعضلون ها‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫اللّ ُه يُ ْفتِي ُكمْ فِيهِنّ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫‪8402‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬أخـبرني الحجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ‬
‫أخبرني عبد ال بن كثير أنه سمع سعيد بن جبير يقول في قوله‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫لتِي‬
‫اللّهُ يُ ْفتِيكُمْ فِيهِنّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُمْ فِي الكِتابِ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُمْ فِي الكِتابِ في يَتامَى النّساءِ ال ّ‬
‫ن َت ْنكِحُو ُه نّ}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬كان ل يرث إل الرجل الذي‬
‫غبُو نَ أ ْ‬
‫ب َلهُ نّ َو َترْ َ‬
‫ن ما ُكتِ َ‬
‫ل تُ ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫قد بلغ‪ ,‬ل يرث الرجل الصغير‪ ,‬ول المرأة ‪ ¹‬فلما نزلت آية المواريث في سورة النساء‪ ,‬ش قّ‬
‫ذلك على الناس‪ ,‬وقالوا‪ :‬يرث الصغير الذي ل يعمل في المال ول يقوم فيه‪ ,‬والمرأة هي كذلك‬
‫فيرثان كمـا يرث الرجـل الذي يعمـل فـي المال! فرجوا أن يأتـي فـي ذلك حدث مـن السـماء‪,‬‬
‫فانتظروا فلما رأوا أنه ل يأتي حدث‪ ,‬قالوا‪ :‬لئن ت مّ هذا إنه لواجب ما منه بدّ‪ ,‬ثم قالوا‪ :‬سلوا!‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ الّل هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَما‬
‫فسألوا النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫ب َلهُ نّ‬
‫ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ} في أوّل ال سورة‪ { :‬في يَتامَى النّ ساءِ اللّتِي ل تُ ْؤتُو َن ُه نّ ما ُكتِ َ‬
‫ن أ نْ َت ْن ِكحُو ُه نّ}‪ .‬قال سعيد بن جبير‪ :‬وكان الولي إذا كا نت المرأة ذات جمال ومال‬
‫غبُو َ‬
‫َو َترْ َ‬
‫رغب فيها ونكحها واستأثر بها‪ ,‬وإذا لم تكن ذات جمال ومال أنكحها ولم َي ْن ِكحْها‪.‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ‬
‫‪ 8403‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ اللّ ُه يُ ْفتِي ُكمْ فِيهِنّ وَما ُيتْلَى عََل ْي ُكمْ فِي الكِتابِ وَما ُيتْلَى عََل ْي ُكمْ فِي الكِتابِ في يَتامَى‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُ نّ} قال‪ :‬كانوا إذا كا نت الجار ية‬
‫نأ ْ‬
‫غبُو َ‬
‫ن ما ُكتِ بَ َل ُه نّ َو َترْ َ‬
‫النّ ساءِ اللّتِي ل ُت ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها عن التزويج حتى تموت‪ ,‬فيرثوها‪ ,‬فأنزل ال هذا‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم في قوله‪:‬‬
‫{ َويَسْتَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ اللّهُ ُي ْفتِيكُمْ فِيهِنّ} قال‪ :‬كان الرجل منهم تكون له اليتيمة بها الدمامة‬
‫وال مر الذي ير غب عن ها ف يه ول ها مال‪ ,‬قال‪ :‬فل يتزوّج ها ول يزوّج ها ح تى تموت فيرث ها‪,‬‬
‫قال‪ :‬فنهاهم ال عن ذلك‪.‬‬
‫‪8404‬ـ حدثنا سفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبي مالك‪:‬‬
‫ن أ نْ‬
‫غبُو َ‬
‫ب في يَتامَى النّ سا ِء اللّتِي ل تُ ْؤتُو َنهُ نّ ما ُكتِ بَ َلهُ نّ َو َترْ َ‬
‫{وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا ِ‬
‫َت ْن ِكحُوهُ نّ} قال‪ :‬كا نت المرأة إذا كا نت ع ند ول يّ ير غب عن ها حب سها أن لم يتزوّج ها ولم يدع‬
‫أحدا يتزوّجها‪.‬‬
‫‪ 8405‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫لتِي ل ُت ْؤتُو َنهُ نّ ما ُكتِ بَ َلهُ نّ} قال‪ :‬كان أهل‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬في يَتامَى النّسا ِء ال ّ‬
‫الجاهليـة ل يورثون النسـاء ول الصـبيان شيئا‪ ,‬كانوا يقولون‪ :‬ل يغزون ول يغنمون خيرا‪,‬‬
‫ن الميراث حقا واجبا‪ ,‬ليتنالفس أو لينفس الرجل في مال يتيمته إن لم تكن حسنة‪.‬‬
‫ففرض ال له ّ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫‪8406‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ الّل ُه يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ} يع ني‬
‫ا بن عباس‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫أنـ‬
‫ُونـ ْ‬
‫غب َ‬
‫تؤتونهنـ مـا كتـب لهـن‪{ ,‬و َترْ َ‬
‫ّ‬ ‫الفرائض التـي افترض فـي أمـر النسـاء اللتـي ل‬
‫َت ْن ِكحُوهُنـّ} قال‪ :‬كانـت اليتيمـة تكون فـي حجـر الرجـل‪ ,‬فيرغـب أن ينكحهـا‪ ,‬أو يجامعهـا ول‬
‫يعطيها مالها‪ ,‬رجاء أن تموت فيرثها‪ ,‬وإن مات لها حميم لم تعط من الميراث شيئا‪ ,‬وكان ذلك‬
‫في الجاهلية‪ ,‬فبين ال لهم ذلك‪.‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ‬
‫‪8407‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُ نّ} فكان الر جل تكون في‬
‫نأ ْ‬
‫غبُو َ‬
‫فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ} ح تى بلغ‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫حجره اليتي مة ب ها دما مة ول ها مال‪ ,‬فكان ير غب عن ها أن يتزوّج ها ويحب سها لمال ها‪ ,‬فأنزل ال‬
‫فيه ما تسمعون‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في قوله‪:‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ الّل هُ ُي ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ} قال‪ :‬كا نت اليتي مة تكون في ح جر الر جل في ها‬
‫{ َويَ ْ‬
‫دمامة‪ ,‬فيرغب عنها أن ينكحها‪ ,‬ول يُنكحها رغبة في مالها‪.‬‬
‫‪8408‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫غبُو نَ‬
‫ن ما ُكتِ بَ َل ُه نّ َو َترْ َ‬
‫لتِي ل تُ ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫قوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ في يَتامَى النّساءِ ال ّ‬
‫سطِ} قال‪ :‬كان جابر بن عبد ال النصاريّ ثم السلميّ له ابنة‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُ نّ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬بالقِ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ع ّم عمياء‪ ,‬وكانت دميمة‪ ,‬وكانت قد ورثت عن أبيها مالً‪ ,‬فكان جابر يرغب عن نكاحها ول‬
‫ينكحها رهبة أن يذهب الزوج بمالها‪ ,‬فسأل النبيّ صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ .‬وكان ناس في‬
‫حجورهم جوار أيضا مثل ذلك‪ ,‬فجعل جابر يسأل النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أترث الجار ية‬
‫ن هذا‪.‬‬
‫إذا كانت قبيحة عيماء؟ فجعل النبيّ صلى ال عليه وسلم يقول «نعم»‪ ,‬فأنزل ال فيه ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ويستفتونك في النساء‪ ,‬قل ال يفتيكم فيه نّ‪ ,‬وفيما يتلى عليكم في‬
‫ك قُلِ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِي الكَللَة}‪ ...‬إلى آ خر‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫الكتاب في آ خر سورة الن ساء‪ ,‬وذلك قوله‪{ :‬يَ ْ‬
‫السورة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8409‬ـ حدث ني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلم بن سليم‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫ال سائب‪ ,‬عن سعيد بن حبير قال‪ :‬كان أ هل الجاهل ية ل يورثون الولدان ح تى يحتلموا‪ ,‬فأنزل‬
‫ن اللّ َه كا نَ ِب هِ عَلِي ما} قال‪ :‬ونزلت هذه الَ ية‪{ :‬إ نِ‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّ ساءِ} إلى قوله‪{ :‬فَأ ّ‬
‫ال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫ك َليْسَ َلهُ وََلدٌ}‪ ...‬الَية كلها‪.‬‬
‫ا ْمرُؤٌ هََل َ‬
‫ن وفيما يتلى عليكم في‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ويستفتونك في النساء‪ ,‬قل ال يفتيكم فيه ّ‬
‫سطُوا فِي اليَتامَى فا ْنكِحُوا ما‬
‫ن خِ ْفتُ مْ ألّ تُقْ ِ‬
‫الكتاب‪ ,‬يعني في أوّل هذه السورة‪ ,‬وذلك قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ن النّساءِ}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫طابَ َل ُكمْ مِ َ‬
‫‪ 8410‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني يونس بن يزيد‪,‬‬
‫عن ا بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني عروة بن الزب ير أ نه سأل عائ شة زوج ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫ن النّساءِ} قالت‪:‬‬
‫سطُوا فِي ال ْيتَامَى فا ْن ِكحُوا ما طا بَ َلكُ مْ مِ َ‬
‫ل تُقْ ِ‬
‫وسلم‪ ,‬عن قول ال‪{ :‬وَإ نْ خِ ْفتُ مْ أ ّ‬
‫يا ابن أختي ه يْ اليتيمة تكون في حجر وليها‪ ,‬تشاركه في ماله‪ ,‬فيعجبه مالها وجمالها‪ ,‬فيريد‬
‫وليهـا أن يتزوّجهـا بغيـر أن يقسـط فـي صـداقها‪ ,‬فيعطيهـا مثـل مـا يعطيهـا غيره‪ ,‬فنهوا أن‬
‫ن من ال صداق‪ ,‬وأمروا أن ينكحوا ما‬
‫ن أعلى سنته ّ‬
‫ن إل أن يق سطوا له نّ ويبلغوا به ّ‬
‫ينكحوه ّ‬
‫طاب ل هم من الن ساء سواهنّ‪ .‬قال عروة‪ :‬قالت عائ شة‪ :‬ثم إن الناس ا ستفتوا ر سول ال صلى‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ فِي النّساءِ‪ ,‬قُلِ الّل ُه يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَما‬
‫ال عليه وسلم بعد هذه الَية فيه نّ‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫أنـ‬
‫ُونـ ْ‬
‫غب َ‬
‫ُنـ َو َترْ َ‬
‫ِبـ َله ّ‬
‫ُنـ مـا ُكت َ‬
‫ِتابـ فـي يَتامَى النّسـاءِ اللّتِي ل تُ ْؤتُو َنه ّ‬
‫ُمـ فِي الك ِ‬
‫ُيتْلَى عََل ْيك ْ‬
‫ن خِ ْفتُمْ ألّ‬
‫َت ْن ِكحُوهُ نّ} قالت‪ :‬والذي ذكر ال أنه يتلى في الكتابِ الَية الولى التي قال فيها‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ن النّساءِ}‪.‬‬
‫سطُوا فِي ال ْيتَامَى فا ْن ِكحُوا ما طابَ َل ُكمْ مِ َ‬
‫تُ ْق ِ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثني يونس‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬عن‬
‫عروة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫فعلى هذه القوال الثل ثة ال تي ذكرنا ها « ما» ال تي في قوله‪{ :‬وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ} في مو ضع‬
‫خ فض بمع نى الع طف على الهاء والنون ال تي في قوله‪{ :‬يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ} فكأن هم وجهوا تأو يل‬
‫الَية‪ :‬قل ال يفتيكم أيها الناس في النساء‪ ,‬وفيما يتلى عليكم في الكتاب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَ ية على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في قوم من أ صحابه‬
‫سألوه عن أشياء من أمر النساء‪ ,‬وتركوا المسألة عن أشياء أخر كانوا يفعلونها‪ ,‬فأفتاهم ال فيما‬
‫سألوا عنه وفيما تركوا المسألة عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8411‬ـ حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع‪ ,‬قال سفيان‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬وقال ابن‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ‬
‫المثنى‪ :‬ثني عبد العلى قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن محمد بن أبي موسى في هذه الَية‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫فِي النّ ساءِ} قال‪ :‬ا ستفتوا نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم في الن ساء‪ ,‬و سكتوا عن ش يء كانوا‬
‫ك فِي النّ ساءِ‪ ,‬قُلِ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ}‬
‫يفعلو نه‪ ,‬فأنزل ال‪َ { :‬ويَ سْتَ ْفتُو َن َ‬
‫ويفتيكم فيما لم تسألوا عنه‪ .‬قال‪ :‬كانوا ل يتزوجون اليتيمة إذا كان بها دمامة‪ ,‬ول يدفعون إليها‬
‫مال ها فتن فق‪ ,‬فنزلت‪{ :‬قُلِ الّل هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِي النّ ساءِ وَ ما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ في يَتامَى النّ ساءِ‬
‫ن أ نْ َت ْن ِكحُوهُ نّ} قال‪ :‬والمستضعفين من الولدان‪ .‬قال‪:‬‬
‫غبُو َ‬
‫لتِي ل تُ ْؤتُو َنهُ نّ ما ُكتِ بَ َلهُ نّ َو َترْ َ‬
‫ال ّ‬
‫َإنـ امْرأةٌ‬
‫كانوا يورثون الكابر ول يورثون الصـاغر‪ ,‬ثـم أفتاهـم فيمـا سـكتوا عنـه‪ ,‬فقال‪{ :‬و ِ‬
‫خ ْيرٌ}‪,‬‬
‫عرَاضا فَل جُنا حَ عََل ْيهِما أ نْ يُ صْلِحا َب ْي َنهُما صُلْحا وَال صّلْحُ َ‬
‫ت مِ نْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ أ ْ‬
‫خافَ ْ‬
‫ولفظ الحديث لبن المثنى‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬فعلى هذا القول الذي يتلى علي نا في الكتاب الذي قال ال جل ثناؤه‪{ :‬قُلِ اللّ هُ‬
‫عرَاضا}‪ ...‬الَية‪ ,‬والذي‬
‫ن امْرأةٌ خافَ تْ مِ نْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫يُفْتيكُ مْ فِيهِ نّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ}‪{ :‬وَإ ِ‬
‫ن من الميراث‬
‫سأل القوم فأجيبوا عنه في يتامى النساء اللتي كانوا ل يؤتونه نّ ما كتب ال له ّ‬
‫عمن ورثنه عنه‪.‬‬
‫وأولى هذه القوال التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه بالصواب وأشبهها بظاهر التنزيل قول من‬
‫قال‪ :‬معنى قوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْي ُكمْ فِي الكِتابِ}‪ :‬وما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أوّل هذه‬
‫السورة وآخرها‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب‪ ,‬لن الصداق ليس مما كتب للنساء إل بالنكاح‪ ,‬فما لم تنكح فل‬
‫صداق لها ِقبَلَ أحَد‪ ,‬وإذا لم يكن ذلك لها ِقبَل أحد لم يكن مما كتب لها‪ ,‬وإذا لم يكن مما كتب‬
‫لها‪ ,‬لم يكن لقول قائل عني بقوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ ْم فِي الكِتا بِ}‪ :‬القساط في صدقات يتا مى‬
‫النساء وجه‪ ,‬لن ال قال في سياق الَية مبينا عن الفتيا التي وعدنا أن يفتيناها في يتامى النساء‬
‫الل تي ل تؤتونه نّ ما ك تب له نّ‪ ,‬فأ خبر أن ب عض الذي يفتي نا ف يه من أ مر الن ساء أ مر اليتي مة‬
‫المحول بينها وبين ما كتب ال لها‪ ,‬والصداق قبل عقد النكاح ليس مما كتب ال لها على أحد‪,‬‬
‫فكان معلو ما بذلك أن ال تي عن يت بهذه الَ ية هي ال تي قد ح يل بين ها وب ين الذي ك تب ل ها م ما‬
‫يتلى علينا في كتاب ال‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان معلوما أن ذلك هو الميراث الذي يوجبه ال‬
‫لهن في كتابه‪ .‬فأما الذي ذكر عن محمد بن أبي موسى‪ ,‬فإنه مع خروجه من قول أهل التأويل‪,‬‬
‫بعيد مما يدلّ عليه ظاهر التنزيل‪ ,‬وذلك أنه زعم أن الذي عنى ال بقوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْيكُمْ فِي‬
‫عرَاضا}‪ ,‬وإذا وجه الكلم إلى المعنى الذي‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫الكِتابِ} هو {وَإ نِ امْرأ ٌة خافَتْ مِ ْ‬
‫ن ما ُكتِ بَ َل ُه نّ} ترج مة‬
‫تأوّله صار الكلم مبتدأ من قوله‪{ :‬في يَتامَى النّ ساءِ اللّتِي ل ُت ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫بذلك عن قوله {فِيهِ نّ} وي صير مع نى الكلم‪ :‬قل ال يفتي كم في هن في يتا مى الن ساء الل تي ل‬
‫تؤتونه نّ‪ ,‬ول دللة في الَ ية على ما قاله‪ ,‬ول أ ثر ع من يعلم بقوله صحة ذلك‪ .‬وإذا كان ذلك‬
‫كذلك‪ ,‬كان وصل معاني الكلم بعضه ببعض أولى ما وجد إليه سبيل‪ .‬فإذا كان المر على ما‬
‫وصفنا‪ ,‬فقوله‪{ :‬فِي يَتامَى النّساءِ} بأن يكون صلة لقوله‪{ :‬وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ} أولى من أن يكون‬
‫ُمـ فِي الكِتابـِ}‪,‬‬
‫ُمـ فِيهِنـّ} لقربـه مـن قوله‪{ :‬وَمـا ُيتْلَى عََل ْيك ْ‬
‫ّهـ يُ ْفتِيك ْ‬
‫ترجمـة عـن قوله‪{ :‬قُلِ الل ُ‬
‫وانقطاعه عن قوله‪{ :‬يُ ْفتِي ُكمْ فِيهِنّ}‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأويل الَية‪ :‬ويستفتونك في النساء‪ ,‬قل‬
‫ال يفتي كم فيه نّ‪ ,‬وفي ما يتلى علي كم فِي كتا بِ ال الذي أنزله على نبيه في أ مر يتا مى الن ساء‬
‫ن ما كتب لهنّ‪ ,‬يعني‪ :‬ما فرض ال لهنّ من الميراث عمن ورثنه‪ .‬كما‪:‬‬
‫اللتي ل تعطونه ّ‬
‫ب َلهُ نّ}‬
‫ن ما ُكتِ َ‬
‫‪ 8412‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪{ :‬ل تُ ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫قال‪ :‬ل تورثونهن‪.‬‬
‫‪ 8413‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قوله‪{ :‬لَ تُ ْؤتُو َنهُنّـ مـا ُكتِب َـ َلهُنـّ} قال‪ :‬مـن الميراث‪ ,‬قال‪ :‬كانوا ل يورثون النسـاء‪,‬‬
‫وترغبون أن تنكحوهن‪.‬‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُ نّ} فقال بعض هم‪ :‬مع نى ذلك‪:‬‬
‫نأ ْ‬
‫غبُو َ‬
‫واختلف أ هل التأو يل في مع نى قوله‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫وترغبون عـن نكاحهنـّ‪ .‬وقـد مضـى ذكـر جماعـة ممـن قال ذلك‪ ,‬وسـنذكر قول آخريـن لم‬
‫نذكرهم‪.‬‬
‫‪8414‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة الساميّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن‬
‫غبُونَ أنْ َت ْن ِكحُو ُهنّ} قال‪ :‬ترغبون عنهنّ‪.‬‬
‫عون‪ ,‬عن الحسن‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫حدثنا يعقوب وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8415‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني يونس بن يزيد‪ ,‬عن ابن شهاب‪,‬‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُ نّ}‪ :‬رغبة أحدكم عن يتيمته‬
‫نأ ْ‬
‫غبُو َ‬
‫عن عروة‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائشة في قوله ال‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫التـي تكون فـي حجره حيـن تكون قليلة المال والجمال‪ ,‬فنهوا أن ينكحوا مـن رغبوا فـي مالهـا‬
‫وجمالها من يتامى النساء إل بالقسط من أجل رغبتهم عنهن‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬يعني ابن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثني يونس‪ ,‬عن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قال عروة‪ ,‬قالت عائشة‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وترغبون في نكاحه نّ‪ .‬وقد مضى ذكر جماعة ممن قال ذلك قبل‪,‬‬
‫ونحن ذاكرو قول من لم نذكر منهم‪.‬‬
‫‪8416‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عون عن محمد‪,‬‬
‫ن َت ْن ِكحُوهُنّ} قال‪ :‬وترغبون فيهن‪.‬‬
‫غبُونَ أ ْ‬
‫عن عبيدة‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫غبُونَ أنْ َت ْن ِكحُوهُنّ} قال‪ :‬ترغبون فيهنّ‪.‬‬
‫قلت لعبيدة‪َ { :‬و َترْ َ‬
‫‪8417‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس في‬
‫ن أ نْ َت ْن ِكحُو ُه نّ} فكان الرجل‬
‫غبُو َ‬
‫ن ما ُكتِ بَ َل ُه نّ َو َترْ َ‬
‫لتِي ل تُ ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫قوله‪{ :‬فِي يَتامَى النّساءِ ال ّ‬
‫في الجاهل ية تكون عنده اليتي مة فيل قى علي ها ثو به‪ ,‬فإذا ف عل ب ها ذلك لم يقدر أ حد أن يتزوّج ها‬
‫أبدا‪ ,‬فإن كا نت جميلة وهوي ها تزوّج ها وأ كل مال ها‪ ,‬وإن كا نت دمي مة منع ها الر جل أبدا ح تى‬
‫تموت فإذا ماتت ورثها‪ ,‬فحرّم ال ذلك ونهى عنه‪.‬‬
‫غبُونَـ عَن ْـ أن ْـ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وأولى القوليـن بتأويـل الَيـة قول مـن قال‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬و َترْ َ‬
‫َت ْن ِكحُوهُ نّ‪ ,‬لن حب سهم أموال هن عنه نّ‪ ,‬مع عضل هم إياه نّ إن ما كان ليرثوا أموال هن دون زوج‬
‫ن رغ بة في نكاحه نّ‪ ,‬لم‬
‫إن تزوّ جن‪ .‬ولو كان الذ ين حب سوا عنه نّ أمواله نّ إن ما حب سوها عنه ّ‬
‫ن ما نع‬
‫ي كن للح بس عنه نّ و جه معروف‪ ,‬لن هم كانوا أولياء هن‪ ,‬ولم ي كن يمنع هم من نكاحه ّ‬
‫فيكون به حاجة إلى حبس مالها عنها ليتخذ حبسها عنها سببا إلى إنكاحها نفسها منه‪.‬‬
‫سطِ}‪.‬‬
‫ن تَقُومُوا لليَتامَى بال ِق ْ‬
‫ضعَفِينَ ِمنَ الوِ ْلدَانِ وأ ْ‬
‫القول في تأويل قوله‪{ :‬وَال ُمسْ َت ْ‬
‫ن وفيما يتلى عليكم في الكتاب‪,‬‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ويستفتونك في النساء‪ ,‬قل ال يفتيكم فيه ّ‬
‫وفي المستضعفين من الولدان‪ ,‬وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط‪ .‬وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن‬
‫قاله من ال صحابة والتابع ين في ما م ضى‪ ,‬والذي أفتا هم في أ مر الم ستضعفين من الولدان أن‬
‫يؤتوهـم حقوقهـم مـن الميراث لنهـم كانوا ل يورثون الصـغار مـن أولد الميـت‪ ,‬وأمرهـم أن‬
‫يقسطوا فيهم فيعدلوا ويعطوهم فرائضهم على ما قسم ال لهم في كتابه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8418‬ـ حدثنا محمد بن السحين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ن مِ نَ الوِ ْلدَا نِ} كانوا ل يورثون جار ية ول غل ما صغيرا‪ ,‬فأمر هم ال أن‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫قوله‪{ :‬والمُ ْ‬
‫ل ذي ح قّ منهم حقه‪ ,‬ذكرا كان أو أنثى‪ ,‬الصغير‬
‫يقوموا لليتامى بالقسط‪ .‬والقسط‪ :‬أن يعطى ك ّ‬
‫منهم بمنزلة الكبير‪.‬‬
‫‪ 8419‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬ويَ سْتَ ْفتُو َنكَ فِي‬
‫ن ما‬
‫لتِي ل تُ ْؤتُو َنهُ ّ‬
‫ل اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِ نّ وَما ُيتْلَى عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ في يَتامَى النّساءِ ال ّ‬
‫النّساءِ‪ ,‬قُ ِ‬
‫سطِ} قال‪ :‬فد خل النساء وال صغير‬
‫ن تَقُومُوا ل ْليَتامَى بالقِ ْ‬
‫ن مالً‪{ ,‬وأ ْ‬
‫ب َلهُ نّ} قال‪ :‬ل تورثونه ّ‬
‫ُكتِ َ‬
‫والكبير في المواريث‪ ,‬ونسخت المواريث ذلك الوّل‪.‬‬
‫‪ 8420‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سطِ} أمروا لليتامى بالقسط‪ :‬بالعدل‪.‬‬
‫مجاهد‪{ :‬وأنْ تَقُومُوا ل ْليَتامَى بال ِق ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 8421‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد ال‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬عن أ بي مالك‪:‬‬
‫ن الِو ْلدَا نِ وأ نْ َتقُومُوا ل ْليَتامَى بالقِ سْطِ} قال‪ :‬كانوا ل يورثون إل ال كبر‬
‫ن مِ َ‬
‫ضعَفِي َ‬
‫ستَ ْ‬
‫{والمُ ْ‬
‫فالكبر‪.‬‬
‫‪ 8422‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫ضعَفِينَ مِن َـ الوِلْدانـِ} فكانوا فـي الجاهليـة ل يورّثون الصـغار ول البنات‪ ,‬فذلك‬
‫قوله‪{ :‬والمُس ْـَت ْ‬
‫قوله‪{ :‬ل ُت ْؤتُ َو َنهُ نّ ما ُكتِ بَ َلهُ نّ} فن هى ال عن ذلك‪ ,‬وب ين ل كل ذي سهم سهمه‪ ,‬فقال‪{ :‬لل ّذ َكرِ‬
‫ل ْنثَيينِ} صغيرا كان أو كبيرا‪.‬‬
‫حظّ ا ُ‬
‫ِمثْلُ َ‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ِسـطِ} وذلك أنهـم كانوا ل‬
‫وأنـ َتقُومُوا ل ْليَتام َى بالق ْ‬
‫ْ‬ ‫ِنـ الوِ ْلدَانـِ‪,‬‬
‫نم َ‬‫ضعَفِي َ‬
‫ُسـتَ ْ‬
‫عباس‪ ,‬قال‪{ :‬والم ْ‬
‫يورّثون الصغير والضعيف‪ ,‬شيئا‪ ,‬فأمر ال أن يعطيه نصيبه من الميراث‪.‬‬
‫‪ 8423‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة عن إبراهيم‪:‬‬
‫أن ع مر بن الخطاب كان إذا جاءه ول يّ اليتي مة فإن كا نت ح سنة غن ية قال له ع مر‪ :‬زوّج ها‬
‫غيرك‪ ,‬والتمس لها مَن هو خير منك! وإذا كانت بها دَمامة ول مال لها‪ ,‬قال‪ :‬تزوّجها فأنت‬
‫أحقّ بها!‪.‬‬
‫‪8424‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يونس بن عبيد‪ ,‬عن‬
‫الح سن‪ ,‬قال‪ :‬جاء ر جل إلى عل يّ بن أ بي طالب‪ ,‬فقال‪ :‬يا أم ير المؤمن ين ما أمري‪ ,‬و ما أ مر‬
‫يتيمتي؟ قال‪ :‬في أ يّ بالُكما؟ قال‪ :‬ثم قال علي‪ :‬أمتزوّجها أنت غنية جميلة؟ قال‪ :‬نعم والل هِ!‬
‫قال‪ :‬فتزوّجها دميمة ل مال لها! ثم قال عليّ‪ :‬تزوّجها إن كنت خيرا لها‪ ,‬فإن كان غيرك خيرا‬
‫لها فألحقها بالخير‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فقيامهم لليتامي بالقسط كان العدل فيما أمر ال فيهم‪.‬‬
‫ن بِهِ عَلِيما}‪.‬‬
‫ن اللّ َه كا َ‬
‫خيْرٍ فإ ّ‬
‫ن َ‬
‫القول في تأويل قوله‪{ :‬وَما تَ ْفعَلُوا مِ ْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ومهما يكن منكم أيها المؤمنون من عدل في أموال اليتامى التي أمركم‬
‫ال أن تقوموا في هم بالق سط‪ ,‬والنتهاء إلى أ مر ال في ذلك‪ ,‬و في غيره‪ ,‬وإلى طاع ته‪ ,‬فإن ال‬
‫كان به علي ما لم يزل عال ما ب ما هو كائن من كم‪ ,‬و هو مح صٍ ذلك كله علي كم‪ ,‬حا فظ له‪ ,‬ح تى‬
‫يجازيَكم به جزاءكم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪128‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ْحـ‬
‫ج َنا َ‬
‫عرَاضا فَلَ ُ‬
‫َتـ مِن َبعْلِهَا ُنشُوزا أَ ْو إِ ْ‬
‫ِنـ ا ْمرَأَ ٌة خَاف ْ‬
‫{وَإ ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫سنُواْ َو َتتّقُو ْا َفإِ نّ‬
‫س الشّ حّ وَإِن ُتحْ ِ‬
‫حضِرَ تِ النْفُ ُ‬
‫خ ْيرٌ وَُأ ْ‬
‫عََل ْي ِهمَآ أَن يُ صِْلحَا َب ْينَ ُهمَا صُلْحا وَال صّلْحُ َ‬
‫خبِيرا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫اللّ َه كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن َبعْلِها} يقول‪ :‬علمت من زوجها { ُنشُوزا} يعني‬
‫ن امْرأ ٌة خافَ تْ ِم ْ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪{ :‬وَإ ِ‬
‫استعلء بنفسه عنها إلى غيرها‪َ ,‬أ َثرَة عليها‪ ,‬وارتفاعا بها عنها‪ ,‬إما لبغضة‪ ,‬وإما لكراهة منه‬
‫عرَا ضا}‬
‫ب عض أشياء ب ها‪ ,‬إ ما دمامت ها‪ ,‬وإ ما سنها و ِكبَر ها‪ ,‬أو غ ير ذلك من أمور ها‪{ .‬أوْ إ ْ‬
‫ن يُصْلِحا‬
‫يعني‪ :‬انصرافا عنها بوجهه أو ببعض منافعه‪ ,‬التي كانت لها منه {فَل جُناحَ عََل ْيهِما أ ْ‬
‫َب ْي َنهُما صُلْحا} يقول فل حرج عليهما‪ ,‬يعني‪ :‬على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضَه عنها‪,‬‬
‫أن ي صلحا بينه ما صلحا‪ ,‬و هو أن تترك له يوم ها‪ ,‬أو ت ضع ع نه ب عض الوا جب ل ها من ح قّ‬
‫عل يه‪ ,‬ت ستعطفه بذلك‪ ,‬وت ستديم المُقام في حباله‪ ,‬والتم سك بالع قد الذي بين ها وبي نه من النكاح‪,‬‬
‫خ ْيرٌ} يعني‪ :‬والصلح بترك بعض الحقّ استدامة للحرمة‪ ,‬وتماسكا بعقد النكاح‪,‬‬
‫يقول‪{ :‬والصّلْحُ َ‬
‫خير من طلب الفرقة والطلق‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫عرْعُرة‪:‬‬
‫‪ 8425‬ـ حدثنا هنّاد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن خالد بن ُ‬
‫أن رجلً أتى عليا رضي ال عنه يستفتيه في امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫قد تكون المرأة عند الر جل‪ ,‬فتن بو عيناه عنها من دمامت ها أو كبر ها أو سوء خلقها أو فقر ها‪,‬‬
‫ل له‪ ,‬وإن جعلت له من أيامها شيئا فل حرج‪.‬‬
‫فتكره فراقه‪ ,‬فإن وضعت له من مهرها شيئا ح ّ‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن‬
‫ت مِ نْ َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ‬
‫عرْعرة‪ ,‬قال‪ :‬سئل عل يّ ر ضي ال ع نه‪{ :‬وَإ نِ امْرأ ٌة خافَ ْ‬
‫خالد‪ ,‬عن ُ‬
‫عرَاضا فَل جُنا حَ عََل ْيهِما أ نْ يُ صْلِحا َب ْي َنهُما صُلْحا} قال‪ :‬المرأة الكبيرة أو الدميمة أو ل يحبها‬
‫إْ‬
‫زوجها فيصطلحان‪.‬‬
‫حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة وحماد بن سلمة وأ بو الحوص‪,‬‬
‫عرْعرة‪ ,‬عن عليّ رضي ال عنه بنحوه‪.‬‬
‫كلهم عن سماك بن حرب‪ ,‬عن خالد بن ُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي عن إسرائيل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن خالد بن عرعرة‪ :‬أن رجلً‬
‫ن يُ صْلِحا َب ْي َنهُ ما صُلْحا} قال‪ :‬تكون‬
‫سأل عليّا ر ضي ال ع نه عن قوله‪{ :‬فَلَ جُنا حَ عََل ْيهِ ما أ ْ‬
‫المرأة عند الر جل دمي مة فتن بو عي نه من دمامت ها أو كبر ها‪ ,‬فإن جعلت له من أيام ها أو مال ها‬
‫شيئا فليس عليه جناح‪.‬‬
‫‪8426‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬جاء‬
‫ر جل إلى ع مر‪ ,‬ف سأله عن آ ية‪ ,‬فكره ذلك وضر به بالدرّة‪ ,‬ف سأله آ خر عن هذه الَ ية‪{ :‬وَإ نِ‬
‫عرَاضا} فقال‪ :‬عن مثل هذا فسلوا! ثم قال‪ :‬هذه المرأة تكون‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ت مِ ْ‬
‫امْرأةٌ خافَ ْ‬
‫سنّها‪ ,‬فيتزوّج المرأة الشابة يلتمس ولدها‪ ,‬فما اصطلحا عليه من شيء‬
‫عند الرجل قد خل من ِ‬
‫فهو جائز‪.‬‬
‫‪ 8427‬ـ حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمران بن عيي نة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عطاء بن ال سائب‪,‬‬
‫عرَاضا}‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ت مِ ْ‬
‫ن امْرأةٌ خافَ ْ‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس في قوله‪{ :‬وإ ِ‬
‫قال‪ :‬هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر‪ ,‬فيريد أن يتزوّج عليها‪ ,‬فيتصالحا بينهما صلحا‪,‬‬
‫عن أن لها يوما ولهذه يومان أو ثلثة‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمران‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ا بن عباس بنحوه‪ ,‬إل أ نه‬
‫قال‪ :‬حتى تلد أو تكبر‪ ,‬وقال أيضا‪ :‬فل جناح عليهما أن يصالحا على ليلة‪ ,‬والخرى ليلتين‪.‬‬
‫‪ 8428‬ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫هي المرأة تكون عند الرجل قد طالت صحبتها وكبرت‪ ,‬فيريد أن يستبدل بها فتكره أن تفارقه‪,‬‬
‫فيتزوّج عليها‪ ,‬فيصالحا على أن يجعل لها أياما‪ ,‬وللخرى اليام والشهر‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو بن أبي قيس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ابن‬
‫عرَا ضا} قال‪ :‬هي المرأة تكون ع ند الر جل‪,‬‬
‫ن َبعْل ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ت مِ ْ‬
‫ن امْرأةٌ خافَ ْ‬
‫عباس‪{ :‬وَإ ِ‬
‫ك بمثل‬
‫فيريد أن يفارقها‪ ,‬فتكره أن يفارقها‪ ,‬ويريد أن يتزوّج‪ ,‬فيقول‪ :‬إني ل أستطيع أن أقسم ل ِ‬
‫ما أقسم لها‪ ,‬فتصالحه على أن يكون لها في اليام يوم‪ ,‬فيتراضيان على ذلك‪ ,‬فيكونان على ما‬
‫اصطلحا عليه‪.‬‬
‫‪ 8429‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عائشة‪{ :‬وَإ نِ‬
‫ن يُ صْلِحا َب ْي َنهُ ما صُلْحا وَال صّلْحُ‬
‫عرَا ضا فَل جُنا حَ عََل ْيهِ ما أ ْ‬
‫ن َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫امْرأةٌ خافَ تْ مِ ْ‬
‫خيْرٌ} قالت هذا فـي المرأة تكون عنـد الرجـل‪ ,‬فلعله ل يكون يسـتكثر منهـا‪ ,‬ول يكون لهـا ولد‬
‫َ‬
‫ولها صحبة‪ ,‬فتقول‪ :‬ل تطلقني وأنت في حلّ من شأني‪.‬‬
‫حدثنـي المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حجاج بـن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حماد بـن سـلمة‪ ,‬عن هشام بـن‬
‫عرَاضا} قال‪:‬‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ت مِ ْ‬
‫ن امْرأةٌ خافَ ْ‬
‫عروة‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن عائشة في قوله‪{ :‬وَإ ِ‬
‫هذا الرجـل يكون له امرأتان‪ :‬إحداهمـا قـد عجزت‪ ,‬أو هـي دميمـة ل يسـتكثر منهـا‪ ,‬فتقول‪ :‬ل‬
‫ل من شأني‪.‬‬
‫تطلقني وأنت في ح ّ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن‬
‫أبيه‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬بنحوه‪ ,‬غير أنه قال‪ :‬فتقول‪ :‬أجعلك من شأني في حلّ‪ ,‬فنزلت هذه الَية في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪8430‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫ن َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إعْرا ضا} فتلك المرأة تكون ع ند‬
‫ن امْرأةٌ خافَ تْ مِ ْ‬
‫ا بن عباس في قوله‪{ :‬وَإ ِ‬
‫ب إليه منها‪ ,‬فيؤثرها عليها‪ ,‬فأمره ال‬
‫الرجل ل يرى منها كثير ما يح بّ‪ ,‬وله امرأة غيرها أح ّ‬
‫إذا كان ذلك أن يقول ل ها‪ :‬يا هذه إن شئت أن تقي مي على ما تر ين من الثرة فأوا سيك وأن فق‬
‫عل يك فأقي مي‪ ,‬وإن كر هت خل يت سبيلك‪ .‬فإن هي رض يت أن تق يم ب عد أن يخير ها فل جناح‬
‫خ ْيرٌ} وهو التخيير‪.‬‬
‫ح َ‬
‫عليه‪ ,‬وهو قوله‪{ :‬والصّلْ ُ‬
‫‪ 8431‬ـ حدثنا الربيع بن سليمان وبحر بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثني ابن أبي‬
‫الزناد‪ ,‬عن هشام ا بن عروة‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن عائ شة‪ ,‬قالت‪ :‬أنزل ال هذه الَ ية في المرأة إذا‬
‫دخلت في ال سنّ‪ ,‬فتج عل يوم ها لمرأة أخرى‪ ,‬قالت‪ :‬ف في ذلك أنزلت‪{ :‬فَل جُنا حَ عََل ْيهِ ما أ نْ‬
‫ُيصْلْحِا َب ْي َنهُما صُلْحا}‪.‬‬
‫‪8432‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن‬
‫عرَا ضا} قال‪ :‬هي‬
‫ن َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ن امْرأ ٌة خافَ تْ مِ ْ‬
‫عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬سألته عن قول ال‪{ :‬وَإ ِ‬
‫المرأة تكون مع زوجها‪ ,‬فيريد أن يتزوّج عليها فتصالحه من يومها على صلح‪ .‬قال‪ :‬فهما على‬
‫ما اصطلحا عليه‪ ,‬فإن انتقضت به فعليه أن يعدل عليها أو يفارقها‪.‬‬
‫‪8433‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم أنه كان‬
‫يقول ذلك‪.‬‬
‫‪8434‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حجاج‪ ,‬عن مجاهد أنه كان يقول ذلك‪.‬‬
‫حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة في‬
‫عرَا ضا}‪ ...‬إلى آ خر الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬ي صالحها على‬
‫ن َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ن امْرأ ٌة خافَ تْ مِ ْ‬
‫قوله‪{ :‬وَإ ِ‬
‫ما رضيت دون حقها‪ ,‬فله ذلك ما رضيت‪ ,‬فإذا أنكرت أو قالت‪ :‬غرت‪ ,‬فلها أن يعدل عليها أو‬
‫يرضيها أو يطلقها‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن محمد‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة عن قول‬
‫عرَاضا} قال‪ :‬هو الرجل تكون له امرأة قد خل من‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫ال‪{ :‬وإنِ امْرأ ٌة خافَتْ مِ ْ‬
‫سِنها‪ ,‬فتصالحه عن حقها على شيء‪ ,‬فهو له ما رضيت‪ ,‬فإذا كرهت‪ ,‬فلها أن يعدل عليها أو‬
‫يرضيها من حقها‪ ,‬أو يطلقها‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة عن قوله‪:‬‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا} فذكر نحو ذلك‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬فإن سخطت فله أن يرضيها‪,‬‬
‫ت مِ ْ‬
‫ن امْرأةٌ خافَ ْ‬
‫{وَإ ِ‬
‫أو يوفيها حقها كله‪ ,‬أو يطلقها‪.‬‬
‫‪ 8435‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬قال‪ :‬قال إبراه يم‪ :‬إذا شاءت كانت‬
‫على حقها‪ ,‬وإن شاءت أبت‪ ,‬فردّت الصلح فذاك بيدها‪ ,‬فإن شاء طلقها‪ ,‬وإن شاء أمسكها على‬
‫حقها‪.‬‬
‫ن امْرأةٌ خافَ تْ ِم نْ‬
‫‪ 8436‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪{ :‬وَإ ِ‬
‫عرَاضـا فَل جُناحَـ عَ ْليِهمـا} قال‪ :‬قال عليـّ‪ :‬تكون المرأة عنـد الرجـل الزمان‬
‫َبعْلِهـا ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫الكثير‪ ,‬فتخاف أن يطلقها‪ ,‬فتصالحه على صلح ما شاء وشاءت‪ ,‬يبيت عندها في كذا وكذا ليلة‪,‬‬
‫وع ند أخرى ما تراض يا عل يه‪ ,‬وأن تكون نفقت ها دون ما كا نت ‪ ¹‬و ما صالحته عل يه من ش يء‬
‫فهو جائز‪.‬‬
‫ن امْرأةٌ‬
‫‪8437‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن عبد الملك‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الحكم‪{ :‬وَإ ِ‬
‫عرَاضا} قال‪ :‬هي المرأة تكون عند الرجل‪ ,‬فيريد أن يخلي سبيلها‪,‬‬
‫ت مِ نْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫خافَ ْ‬
‫فإذا خافت ذلك منه فل جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا‪ ,‬تدع من أيامها إذا تزوّج‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫خيْرٌ} هو‬
‫ح َ‬
‫عرَاضا}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَال صّلْ ُ‬
‫عباس قوله‪{ :‬وَإن امْرأ ٌة خافَ تْ مِ نْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫الرجـل تكون تحتـه المرأة الكـبيرة‪ ,‬فينكـح عليهـا المرأة الشابـة‪ ,‬فيكره أن يفارق أم ولده‪,‬‬
‫فيصالحها على عطية من ماله ونفسه‪ ,‬فيطيب له ذلك الصلح‪.‬‬
‫‪ 8438‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإ نِ امْرأ ٌة خافَ تْ‬
‫ن اللّ هَ كا نَ ِبمَا َت ْعمَلُو نَ خَبيرا} وهذا في الرجل‬
‫عرَاضا} فقرأ حتى بلغ {فإ ّ‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫م ْ‬
‫تكون عنده المرأة قد خل من سِنها وهان عليه بعض أمرها‪ ,‬فيقول‪ :‬إن كنتِ راضية من نفسي‬
‫ل لهما‬
‫ومالي بدون ما كنت ترضين به قبل اليوم‪ ,‬فإن اصطلحا من ذلك على أمر ال ف قد أح ّ‬
‫خسْف‪.‬‬
‫ن يحبسها على ال َ‬
‫ذلك‪ ,‬وإن أبت فإنه ل يصلح له أ ْ‬
‫‪ 8439‬ـ حُد ثت عن الح سن بن يحي ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن‬
‫الزهري‪ ,‬عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار‪ :‬أن رافع بن خديج كان تحته امرأة قد خل‬
‫من سنّها‪ ,‬فتزوّج عليها شابة‪ ,‬فآثر الشابة عليها‪ ,‬فأبت امرأته الولى أن تقيم على ذلك‪ ,‬فطلقها‬
‫تطليقة‪ ,‬حتى إذا بقي من أجلها يسير‪ ,‬قال‪ :‬إن شئت راجعتك وصبرت على الثرة‪ ,‬وإن شئت‬
‫ترك تك ح تى يخلو أجلك‪ .‬قالت‪ :‬بل راجع ني وأ صبر على الثرة! فراجع ها‪ .‬ثم آ ثر علي ها فلم‬
‫تصبر على الثرة فطلقها أخرى‪ ,‬وآثر عليها الشابة‪ .‬قال‪ :‬فذلك الصلح الذي بلغنا أن ال أنزل‬
‫عرَاضا فَل جُناحَ عََل ْيهِما أنْ ُيصْلحا َب ْي َنهُما صُلْحا}‪.‬‬
‫ن امْرأةٌ خافَتْ مِنْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫فيه‪{ :‬وَإ ِ‬
‫قال الح سن‪ :‬قال ع بد الرزاق‪ :‬قال مع مر‪ :‬وأ خبرني أيوب عن ا بن سيرين‪ ,‬عن عبيدة بم ثل‬
‫حديث الزهري‪ ,‬وزاد فيه‪ ,‬فإن أضرّ بها الثالثة فإن عليه أن يوفيها حقها‪ ,‬أو يطلقها‪.‬‬
‫‪ 8440‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫عرَاضا} قال‪ :‬قول الرجل لمرأته‪ :‬أنت كبيرة‪ ,‬وأنا‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬مِ ْ‬
‫أريـد أن أسـتبدل امرأة شابـة وضيئة‪ ,‬فقرّي على ولدك‪ ,‬فل أقسـم لك مـن نفسـي شيئا‪ .‬فذلك‬
‫الصلح بينهما‪ ,‬وهو أبو السنابل بن بعكك‪.‬‬
‫‪8441‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪{ :‬مِنْ َبعْلِها‬
‫عرَاضا} ثم ذكر نحوه‪ ,‬قال شبل‪ :‬فقلت له‪ :‬فإن كانت لك امرأة فتقسم لها‪ ,‬ولم تقسم‬
‫ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫لهذه؟ قال‪ :‬إذا صالحته على ذلك فليس عليه شيء‪.‬‬
‫‪ 8442‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن جبار‪ ,‬قال‪ :‬سألت عامرا عن‬
‫الرجـل تكون عنده المرأة يريـد أن يطلقهـا فتقول‪ :‬ل تطلقنـي‪ ,‬واقسـم لي يومـا‪ ,‬وللتـي تزوّج‬
‫يومين! قال‪ :‬ل بأس به هو صلح‪.‬‬
‫‪8443‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن يُ صْلِحا َب ْينَهُ ما صُلْحا‬
‫عرَا ضا فَل جُنا حَ عََل ْيهِ ما أ ْ‬
‫ت مِ نْ َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫{وَإ نِ امْرأ ٌة خافَ ْ‬
‫خ ْيرٌ} قال‪ :‬المرأة ترى من زوج ها ب عض الجفاء وتكون قد كبرت‪ ,‬أو ل تلد‪ ,‬فير يد‬
‫وال صّلْحُ َ‬
‫زوجها أن ينكح غيرها فيأتيها‪ ,‬فيقول‪ :‬إني أريد أن أنكح امرأة شابة أنسب منك‪ ,‬لعلها أن تلد‬
‫لي وأوثرها في اليام والنفقة‪ .‬فإن رضيت بذلك وإل طلقها‪ ,‬فيصطلحان على ما أحبّا‪.‬‬
‫ن امْرأةٌ خافَ تْ‬
‫‪ 8444‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وَإ ِ‬
‫ض ب ها الر جل تكون له المرأتان ـ أو‬
‫عرِ َ‬
‫عرَا ضا} قال‪ :‬نشوزا عن ها‪َ ,‬‬
‫ن َبعْلِ ها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ن يُ صْلِحا َب ْينَ ُهمَا صُلْحا} إما أن يرضيها فتحللها‪ ,‬وإما أن‬
‫إعراضا بتركها {فَل جُنا حَ عََل ْيهِما أ ْ‬
‫ترضيه فتعطفه على نفسها‪.‬‬
‫‪ 8445‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫عرَاضا} يعني‪ :‬البغض‪.‬‬
‫ن امْرأةٌ خافَتْ ِمنْ َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإ ِ‬
‫‪ 8446‬ـ حُدثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبيد بن سلمان‪,‬‬
‫عرَاضـا} فهـو‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فـي قوله‪{ :‬وَإنِـ امْرأ ٌة خافَت ْـ مِن ْـ َبعْلِهـا ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫الجرل تكون تحته المرأة الكبيرة‪ ,‬فيتزوّج عليها المرأة الشابة‪ ,‬فيميل إليها‪ ,‬وتكون أعجب إليه‬
‫من الكبيرة‪ ,‬فيصالح الكبيرة على أن يعطيها من ماله‪ ,‬ويقسم لها من نفسه نصيبا معلوما‪.‬‬
‫‪ 8447‬ـ حدث نا عمرو بن عل يّ وز يد بن أخرم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سليمان بن‬
‫معاذ‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬خشيت سودة أن يطلقها رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقالت‪ :‬ل تطلق ني على ن سائك‪ ,‬ول تق سم لي! فف عل‪ ,‬فنزلت‪{ :‬وَإ نِ‬
‫عرَاضا}‪.‬‬
‫ن َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫امْرأةٌ خافَتْ مِ ْ‬
‫واختلفت القراء في قراءة قوله‪« :‬أنْ يَصّالَحا َب ْي َنهُما صُلْحا» فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة‬
‫وبعض أهل البصرة بفتح الياء وتشديد الصاد‪ ,‬بمعنى‪ :‬أن يتصالحا بينهما صلحا‪ ,‬ثم أدغمت‬
‫ن يُ صْلِحا َب ْي َنهُ ما‬
‫التاء في ال صاد ف صيرتا صادا مشددة‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء أ هل الكو فة‪{ :‬أ ْ‬
‫صُلْحا} بضم الياء وتخفيف الصاد‪ ,‬بمعنى‪ :‬اصلح الزوج والمرأة بينها‪ .‬وأعجب القراءتين في‬
‫ن يَ صّالَحا َب ْينَهُ ما صُلْحا»‪ .‬بف تح الياء وتشد يد ال صاد‪ ,‬بمع نى‪:‬‬
‫ذلك إل يّ‪ ,‬قراءة من قرأ‪« :‬إلّ أ ْ‬
‫يتصالحا‪ ,‬لن التصالح في هذا الموضع أشهر وأوضح معنى وأفصح وأكثر على ألسن العرب‬
‫ن ظا نّ أن‬
‫من الصلح‪ ,‬والصلح في خلف الفساد أشهر منه في معنى التصالح‪ .‬فإن ظ ّ‬
‫في قوله‪ { :‬صُلْحا} دللة على أن قراءة من قرأ ذلك‪{ :‬يُ صْلِحا} بض مّ الياء أولى بالصواب‪ ,‬فإن‬
‫المر في ذلك بخلف ما ظنّ‪ ,‬وذلك أن الصلح اسم وليس بفعل فيتسدلّ به على أولى القراءتين‬
‫بالصواب في قوله‪ُ { :‬يصْلِحا َب ْي َنهُما صُلْحا}‪.‬‬
‫ن اللّ هَ كا نَ ِبمَا‬
‫سنُوا َو َتتّقُوا فإ ّ‬
‫ن ُتحْ ِ‬
‫ش حّ وإ ْ‬
‫ضرَ تِ النْفُ سُ ال ّ‬
‫ح ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وُأ ْ‬
‫خبِيرا}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫َت ْعمَلُو َ‬
‫ح على‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬وأحضرت أنفس النساء الش ّ‬
‫أنصبائهن من أنفس أزواجهن وأموالهن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8448‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمران بن عيينة‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ت النْفُسُ الشّحّ} قال‪ :‬نصيبها منها‪.‬‬
‫حضِرَ ِ‬
‫جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪{ :‬وُأ ْ‬
‫‪ 8449‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان‪,‬‬
‫ضرَ تِ النْفُ سُ‬
‫ح ِ‬
‫قال‪ :‬جمي عا حدث نا سفيان‪ ,‬عن عطاء بن ال سائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪{ :‬وُأ ْ‬
‫الشّحّ} قال‪ :‬في اليام‪.‬‬
‫‪ 8450‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫حضِرتِ النْفُسُ الشّحّ} قال‪ :‬في اليام والنفقة‪.‬‬
‫عطاء‪{ :‬وُأ ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي وابن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬في النفقة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رَوْح‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطا‪ ,‬قال‪ :‬في النفقة‪.‬‬
‫ضرَ تِ‬
‫وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪{ :‬وُأحْ ِ‬
‫النْفُسُ الشّحّ} قال‪ :‬في اليام‪.‬‬
‫‪ 8451‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن‬
‫ت النْفُ سُ الشّ حّ} قال‪ :‬ن فس المرأة على ن صيبها من‬
‫حضِرَ ِ‬
‫سعيد بن جبير في هذه الَ ية‪{ :‬وأ ْ‬
‫زوجها من نفسه وماله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبان بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫أبي بشر عن سعيد بن جبير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان عن سفيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ :‬في النفقة‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهد يّ‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن الشيبان يّ‪ ,‬عن بكير بن الخنس‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬في اليام والنفقة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهديّ‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن الشيبانيّ‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫في اليام والنفقة‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ت النْفُسُ الشّحّ} قال‪ :‬المرأة تِشحّ على مال زوجها ونفسه‪.‬‬
‫حضِرَ ِ‬
‫جبير في قوله‪{ :‬وُأ ْ‬
‫‪ 8452‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬عن شر يك‪,‬‬
‫ت مِ نْ‬
‫عن سالم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاءت المرأة حين نزلت هذه الَية‪{ :‬وَإ نِ امْرأ ٌة خافَ ْ‬
‫عرَاضا} قالت‪ :‬إني أريد أن تقسم لي من نفسك! وقد كانت رضيت أن يدعها‬
‫َبعْلِها ُنشُوزا أوْ إ ْ‬
‫س الشّحّ}‪.‬‬
‫حضِرَتِ النُف ُ‬
‫فل يطلقها ول يأتيها ‪ ¹‬فأنزل ال‪{ :‬وُأ ْ‬
‫‪8453‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ضرَ تِ النْفُسُ الشّ حّ} قال‪ :‬تطلع نفسها إلى زوجها وإلى نفقته‪ .‬قال‪ :‬وزعم أنها نزلت في‬
‫ح ِ‬
‫{وُأ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وفي سدوة بنت زمعة كانت قد كبرت‪ ,‬فأراد رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يطلقها‪ ,‬فاصطلحا على أن يمسكها ويجعل يومها لعائشة‪ ,‬فشحت بمكانها من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬وأحضرت نفـس كـل وا حد من الر جل والمرأة الش حّ بح قه قبَل‬
‫صاحبه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8454‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت ابـن زيـد يقول فـي قوله‪:‬‬
‫ضرَ تِ النُف سُ الشّ حّ} قال‪ :‬ل تط يب نف سه أن يعطيها شيئا فتحلله‪ ,‬ول تط يب نفسها أن‬
‫ح ِ‬
‫{وُأ ْ‬
‫تعطيه شيئا من مالها‪ ,‬فتعطفه عليها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القولين في ذلك بالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬عني بذلك‪ :‬أحضرت أنفس‬
‫ح بأن صبائهن من أزواج هن في اليام والنف قة‪ .‬والش حّ‪ :‬الفراط في الحرص على‬
‫الن ساء الش ّ‬
‫الشيـء‪ ,‬وهـو فـي هذا الموضـع‪ :‬إفراط حرص المرأة على نصـيبها مـن أيامهـا مـن زوجهـا‬
‫ونفقتها‪.‬‬
‫حقوقهنـ مـن‬
‫ّ‬ ‫فتأويـل الكلم‪ :‬وأحضرت أنفـس النسـاء أهواءهـن مـن فرط الحرص على‬
‫ح بذلك على ضرائرهن‪.‬‬
‫أزواجهنّ‪ ,‬والش ّ‬
‫وبنحو ما قلنا في معنى الشحّ‪ ,‬ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول‪.‬‬
‫‪ 8455‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫س الشّحّ} والشحّ‪ :‬هواه في الشيء يحرص عليه‪.‬‬
‫ضرَتِ النْفُ ُ‬
‫قوله‪{ :‬وُأحْ ِ‬
‫وإن ما قل نا هذا القول أولى بال صواب من قول من قال‪ :‬ع ني بذلك‪ :‬وأحضرت أن فس الرجال‬
‫والنساء الش حّ‪ ,‬على ما قاله ابن زيد‪ ,‬لن مصالحة الرجل امرأته باعطائه إياها من ماله جعلً‬
‫على أن تصفح له عن القسم لها غير جائزة‪ ,‬وذلك أنه غير معتاض عوضا من جعله الذي بذله‬
‫جعْلً‬
‫جعَل للمرأة ُ‬
‫لها‪ ,‬والجعل ل يصحّ إل على عوض‪ :‬إما عين‪ ,‬وإما منفعة‪ .‬والرجل متى َ‬
‫على أن تصفح له عن يومها وليلتها فلم يملك عليها عينا ول منفعة‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان‬
‫ذلك من معاني أكل المال بالباطل‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فمعلوم أنه ل وجه لقول من قال‪ :‬عني‬
‫بذلك‪ :‬الرجـل والمرأة‪ .‬فإن ظنّـ ظانّـ أن ذلك إذ كان حقـا للمرأة‪ ,‬ولهـا المطالبـة بـه‪ ,‬فللرجـل‬
‫افتداؤه منها بجعل‪ ,‬فإن شفعة المستشفع في حصة من دار اشتراها رل من شريك له فيها حقّ‪,‬‬
‫له المطال بة ب ها‪ ,‬ف قد ي جب أن يكون للمطلوب افتداء ذلك م نه بج عل‪ ,‬و في إجماع الجم يع على‬
‫أن الصلح في ذلك على عوض غير جائز‪ ,‬إذ كان غير معتاض منه المطلوب في الشفعة عينا‬
‫ول نف عا‪ ,‬ما يدلّ على بطول صلح الر جل امرأ ته على عوض‪ ,‬على أن ت صفح عن مطالبت ها‬
‫إياه بالق سمة ل ها‪ .‬وإذ ف سد ذلك صحّ أن تأو يل الَ ية ما قل نا‪ .‬و قد أبان ال خبر الذي تركناه عن‬
‫ِنـ َبعْلِهـا ُنشُوزا أوْ‬
‫َتـ م ْ‬
‫َإنـ امْرأ ٌة خاف ْ‬
‫سـعيد بـن المسـيب وسـليمان بـن يسـار‪ ,‬أن قوله‪{ :‬و ِ‬
‫عرَاضا}‪ ...‬الَية‪ ,‬نزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته‪ ,‬إذ تزوّج عليها شابة‪ ,‬فآثر الشابة‬
‫إْ‬
‫عليهـا‪ ,‬فأبـت الكـبيرة أن تق ّر على الثرة‪ ,‬فطلقهـا تطليقـة وتركهـا‪ ,‬فلمـا قارب انقضاء عدتهـا‪,‬‬
‫خيرهـا بيـن الفراق والرجعـة والصـبر على الثرة‪ ,‬فاختارت الرجعـة والصـبر على الثرة‪,‬‬
‫حضِرَت ِـ‬
‫فراجعهـا وآثـر عليهـا‪ ,‬فلم تصـبر فطلقهـا‪ .‬ففـي ذلك دليـل واضـح على أن قوله‪{ :‬وُأ ْ‬
‫ن من أزواج هن على ما‬
‫س الشّ حّ} إن ما ع ني به‪ :‬وأحضرت أن فس الن ساء الش حّ بحقوقه ّ‬
‫النْفُ ُ‬
‫وصفنا‪.‬‬
‫سنُوا َو َتتّقُوا} فإنه يعني‪ :‬وإن تحسنوا أيها الرجال في أفعالكم إلى نسائكم‬
‫وأما قوله‪{ :‬وَإ نْ ُتحْ ِ‬
‫ن بالصبر عليه نّ‪ ,‬وأيفائه نّ حقوقه نّ‪,‬‬
‫إذا كرهتم منه نّ دمامة أو خُلُقا‪ ,‬أو بعض ما تكرهون منه ّ‬
‫ن فيما يجب لمن‬
‫ن بترك الجور منكم عليه ّ‬
‫وعشرته نّ بالمعروف {و َتتّقُوا} يقول‪ :‬وتتقوا ال فيه ّ‬
‫ن اللّ هَ كا نَ بِمَا َت ْعمَلُو نَ‬
‫كرهتموه منه نّ علي كم من الق سمة له والنف قة والعشرة بالمعروف‪{ .‬فإ ّ‬
‫خبِيرا} يقول‪ :‬فإن ال كان بمـا تعلمون فـي أمور نسـائكم أيهـا الرجال مـن الحسـان إليهنـّ‪,‬‬
‫َ‬
‫خبِيرا} يعنـي عالمـا خابرا‪ ,‬ل‬
‫والعشرة بالمعروف‪ ,‬والجور عليهنّـ فيمـا يلزمكـم لهنّـ ويجـب { َ‬
‫يخفي عليه منه شيء‪ ,‬بل هو به عالم‪ ,‬وله محص عليكم‪ ,‬حتى يوفيكم جزاء ذلك المحسن منكم‬
‫بإحسانه والمسيء بإساءته‪.‬‬

‫‪129‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص ُتمْ فَلَ َتمِيلُواْ‬
‫حرَ ْ‬
‫س َتطِيعُوَاْ أَن َت ْعدِلُو ْا َبيْ نَ النّ سَآءِ وَلَ ْو َ‬
‫{وَلَن تَ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل فَ َت َذرُوهَا كَا ْل ُمعَلّقَةِ وَإِن ُتصِْلحُواْ َو َتتّقُو ْا َفإِنّ الّلهَ كَانَ غَفُورا ّرحِيما }‪..‬‬
‫كُلّ ا ْل َميْ ِ‬
‫ن النّ ساءِ}‪ :‬لن تطيقوا أي ها الرجال أن‬
‫ن َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ستَطِيعُوا أ ْ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬وَلَ نْ تَ ْ‬
‫ت سوّوا ب ين ن سائكم وأزواج كم في حب هن بقلوب كم ح تى تعدلوا بين هن في ذلك‪ ,‬م ما ل تملكو نه‪.‬‬
‫صتُمْ} يقول‪ :‬ولو حرصتم في تسويتكم بينهنّ في ذلك‪ .‬كما‪:‬‬
‫ح َر ْ‬
‫وليس إليكم‪{ .‬وََلوْ َ‬
‫‪ 8456‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ص ُتمْ} قال‪ :‬واجب‬
‫حرَ ْ‬
‫ن النّساءِ وَلَوح َ‬
‫ن َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ستَطِيعُوا أ ْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫أن ل تستطيعوا العدل بينهن‪.‬‬
‫ل الميل‪,‬‬
‫ل ال َميْلِ} يقول‪ :‬فل تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منه نّ ك ّ‬
‫{فَلَ َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫ن عليكم من حقّ في‬
‫حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب له ّ‬
‫القسم لهنّ‪ ,‬والنفقة عليهنْ‪ ,‬والعشرة بالمعروف‪َ { .‬ف َتذَرُها كال ُمعَلّقَةِ} يقول‪ :‬فتذروا التي هي سوى‬
‫التي ملتم بأهوائكم إليها كالمعلقة‪ ,‬يعني‪ :‬كالتي ل هي ذات زوج‪ ,‬ول هي أيم‪.‬‬
‫س َتطِيعُوا أ نْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ما قلنا في قوله‪{ :‬وََل ْ‬
‫ص ُتمْ}‪:‬‬
‫حرَ ْ‬
‫ن النّساءِ وَلَوح َ‬
‫َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫‪ 8457‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن هشام بن‬
‫ص ُتمْ}‬
‫حرَ ْ‬
‫ن َت ْعدِلُوا بي نَ النّساءه وََلوْ َ‬
‫حسان‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪{ :‬وَلَ نْ تَ سْ َتطِيعُوا أ ْ‬
‫ب والجماع‪.‬‬
‫قال‪ :‬بنفسه في الح ّ‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن محمد بن‬
‫صتُمْ} قال بنفسه‪.‬‬
‫ح َر ْ‬
‫ن النّساءِ وََلوْ َ‬
‫ستَطِيعُوا أنْ َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ن َت ْ‬
‫سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬وهشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ص ُتمْ} فقال‪ :‬في الجماع‪.‬‬
‫حرَ ْ‬
‫ن َت ْعدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَ ْو َ‬
‫س َتطِيعُوا أ ْ‬
‫سألته عن قوله‪{ :‬وََلنْ َت ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪,‬قال‪ :‬في الح بّ‬
‫والجماع‪.‬‬
‫‪8458‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الحسن‪ :‬في الحبّ‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ب والجماع‪.‬‬
‫في الح ّ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬قال أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫ص ُتمْ} قال‪ :‬في‬
‫حرَ ْ‬
‫ن النّساءِ وَلَ ْو َ‬
‫ستَطِيعُوا أن َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬عن قوله‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫المودة‪ ,‬كأنه يعني الحبّ‪.‬‬
‫‪ 8459‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ص ُتمْ} يقول‪ :‬ل تستطيع أن تعدل بالشهوة‬
‫حرَ ْ‬
‫ن النّساءِ وََلوْ َ‬
‫س َتطِيعُوا أ نْ َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫عباس‪{ :‬وََل ْ‬
‫فيما بينهنّ ولو حرصت‪.‬‬
‫‪ 8460‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وحدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول‪:‬‬
‫اللهمّ أما قلبي فل أملك‪ ,‬وأما سوى ذلك فأرجو أن أعدل‪.‬‬
‫‪ 8461‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫ح َرصْ ُتمْ} يعني‪ :‬في الحبّ والجماع‪.‬‬
‫ن َتسْ َتطِيعُوا أنْ َت ْعدِلُوا بينَ النّساءِ وََلوْ َ‬
‫قوله‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫‪ 8462‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬وحدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫الوهاب‪ ,‬قال جميعا‪ :‬حدثنا أيوب‪ ,‬عن أبي قلبة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقسم‬
‫سمِي فِيما أمِْلكُ‪ ,‬فَل تَُل ْمنِي فِيما َتمِْلكُ وَل أمِْلكُ»‪.‬‬
‫بين نسائه فيعدل‪ ,‬ثم يقول‪« :‬الّل ُهمّ َهذَا قَ ْ‬
‫‪ 8463‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين بن عل يّ‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن عبد العزيز بن رفيع‪,‬‬
‫ن النّساءِ}‪.‬‬
‫ن َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ستَطِيعُوا أ ْ‬
‫ن َت ْ‬
‫عن ابن أبي مليكة قال‪ :‬نزلت هذه الَية في عائشة‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫‪ 8464‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬في الشهوة‬
‫والجماع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬حدثنا المحاربي‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬في الجماع‪.‬‬
‫‪8465‬ـ حدثنا عليّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن أبي الزرقاء‪ ,‬قال‪ :‬قال سفيان في قوله‪{ :‬وََلنْ‬
‫صتُمْ} قال‪ :‬في الحبّ والجماع‪.‬‬
‫ح َر ْ‬
‫ن النّساءِ وََلوْ َ‬
‫ستَطِيعُوا أنْ َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫َت ْ‬
‫س َتطِيعُوا أ نْ‬
‫‪ 8466‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬وََل نْ تَ ْ‬
‫ص ُتمْ} قال‪ :‬ما يكون من بدنه وقلبه‪ ,‬فذلك شيء ل يستطيع يملكه‪.‬‬
‫حرَ ْ‬
‫ن النّساءِ وَلَ ْو َ‬
‫َت ْعدِلُوا بي َ‬
‫ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله‪{ :‬فَل َتمِيلُوا كُلّ ال َميْل}‪:‬‬
‫‪ 8467‬ـ حدث نا يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عون‪ ,‬عن مح مد‪,‬‬
‫ل ال َميْلِ} قال‪ :‬بنفسه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت لعبيدة‪{ :‬فَلَ َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن محمد‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8468‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪{ :‬فَلَ‬
‫ل ال َميْلِ} قال هشام‪ :‬أظنه قال‪ :‬في الحبّ والجماع‪.‬‬
‫َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حبان بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشام‪,‬‬
‫ل ال َميْلِ} قال‪ :‬بنفسه‪.‬‬
‫عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة في قوله‪{ :‬كُ ّ‬
‫حدثنا بحر بن نصر الخولني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن بكر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الوزاعي‪ ,‬عن ابن‬
‫ل ال َميْلِ} قال‪ :‬بنفسه‪.‬‬
‫سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة عن قول ال‪{ :‬فَلَ َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫‪8469‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن يوسف‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الحسن‪{ :‬فَل َتمِيلُوا كُلّ‬
‫ال َميْلِ} قال‪ :‬في الغشيان والقسم‪.‬‬
‫‪ 8470‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ل ال َميْلِ}‪ :‬ل َت َعمّدوا الساءة‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬فَل َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مح مد بن بكر‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬بلغ ني عن مجا هد‪{ :‬فَل‬
‫ل ال َميْلِ} قال‪ :‬يتعمد أن يسيء ويظلم‪.‬‬
‫َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن عي سى بن ميمون‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8471‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬فَل َتمِيلُوا كُلّ‬
‫ال َميْل} قال‪ :‬هذا في العمل في مبيته عندها‪ ,‬وفيما تصيب من خيره‪.‬‬
‫‪8472‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ل ال َميْل} يقول‪ :‬يميل عليها فل ينفق عليها‪ ,‬ول يقسم لها يوما‪.‬‬
‫{فَل َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫‪8473‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال مجاهد‪:‬‬
‫ل ال َميْل} قال‪ :‬يتعمد الساءة‪ ,‬يقول‪ :‬ل تميلوا كل الميل‪ ,‬قال‪ :‬بلغني أنه الجماع‪.‬‬
‫{فَل َتمِيلُوا كُ ّ‬
‫‪ 8474‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن حماد بن زيد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن أبي قلبة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان النبيّ صلى ال عليه وسلم يقسم بين نسائه‪ ,‬فيعدل ويقول‪« :‬الّلهُ مّ هَذ هِ قِ سْ َمتِي فِيما أمْلِ كُ‪,‬‬
‫فَل تَُل ْمنِي فِيما َتمِْلكُ وَل أمِْلكُ»‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن أبي قلبة‪ ,‬عن عبد ال بن يزيد‪,‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫‪ 8475‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن همام بن يحيـى‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن النضر بن‬
‫ن كانَتْ َلهُ‬
‫أنس‪ ,‬عن بشير بن نهيك‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬مَ ْ‬
‫حدُ شِ ّق ْيهِ ساقِطٌ»‪.‬‬
‫خرَى جا َء يَ ْومَ القِيامَةِ أ َ‬
‫لْ‬‫حدَا ُهمَا على ا ُ‬
‫ن َيمِيلُ مَعَ إ ْ‬
‫امْرأتا ِ‬
‫ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله‪َ { :‬ف َتذَرُوها كال ُمعَلّقَةِ}‪:‬‬
‫‪ 8476‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪َ { :‬ف َت َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ} قال‪ :‬تذروها ل هي أيّم‪ ,‬ول ذات زوج‪.‬‬
‫‪ 8477‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن يمان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير‪{ :‬فَ َت َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ} قال‪ :‬ل أيما ول ذات بعل‪.‬‬
‫‪ 8478‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان‪ ,‬عن مبارك‪ ,‬عن الحسن ‪َ { ¹‬فتَ َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ}‬
‫قال‪ :‬ل مطلقة‪ ,‬ول ذات بعل‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن يوسف‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8479‬ــ حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪َ { :‬فتَ َذرُوهـا‬
‫كال ُمعَلّقَةِ}‪ :‬أي كالمحبوسة أو كالمسجونة‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في قوله‪:‬‬
‫{فَ َت َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ} قال‪ :‬كالمسجونة‪.‬‬
‫‪ 8480‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام بن سلم‪ ,‬عن أ بي جع فر‪ ,‬عن الرب يع في قوله‪:‬‬
‫{فَ َت َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ} يقول‪ :‬ل مطلقة‪ ,‬ول ذات بعل‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو جعفر‪,‬‬
‫ل َفتَ َذرُوها كال ُمعَلّقَةِ} ل مطلقة‪ ,‬ول ذات بعل‪.‬‬
‫عن الربيع بن أنس في قوله‪{ :‬فَل َتمِيلُوا كُلّ ال َميْ ِ‬
‫‪ 8481‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بكر‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬بلغني عن مجاهد‪:‬‬
‫{فَ َت َذرُها كال ُمعَلّقَةِ} قال‪ :‬ل أيما‪ ,‬ول ذات بعل‪.‬‬
‫‪8482‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪{ :‬فَ َت َذرُوها‬
‫كال ُمعَلّقَةِ} ليس بأيم‪ ,‬ول ذات زوج‪.‬‬
‫‪ 8483‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا المحار بي وأ بو خالد وأ بو معاو ية‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬ل تدعها‪ ,‬كأنها ليس لها زوج‪.‬‬
‫‪8484‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪:‬‬
‫{فَ َت َذرُوها كال ُمعَلّقةِ} قال‪ :‬ل أيّما‪ ,‬ول ذات بعل‪.‬‬
‫‪8485‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ { :‬ف َتذَرُوها كال ُمعَلّقَةِ}‬
‫قال‪ :‬المعلقة‪ :‬التي ليست بمخلّة ونفسها فتبتغي لها‪ ,‬وليست متهيئة كهيئة المرأة من زوجها‪ ,‬ل‬
‫هي عند زوجها ول مفارقة فتبتغي لنفسها‪ ,‬فتلك المعلقة‪.‬‬
‫ل ال َميْلِ َف َتذَرُوهـا كالمُعَلّ َقةِ}‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬وإنمـا أمـر ال جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬فَل تَميلُوا كُ ّ‬
‫ن من القسمة بينه نّ والنفقة‪ ,‬وترك‬
‫الرجال بالعدل بين أزواجهن فيما استطاعوا فيه العدل بينه ّ‬
‫أحداهنـ على الخرى فيمـا فرض عليهـم العدل بينهـن فيـه‪ ,‬إذ كان قـد‬
‫ّ‬ ‫الجور فـي ذلك بإيثار‬
‫صفح لهم عما ل يطيقون العدل فيه بينهن‪ ,‬مما في القلوب من المحبة والهوى‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَإنْ ُتصِْلحُوا َو َتتّقُوا فإنّ الّلهَ كانَ غَفُورا َرحِيما}‪.‬‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وإن تصلحوا أعمالكم أيها الناس‪ ,‬فتعدلوا في قسمكم بين أزواجكم وما‬
‫لهنـ عليكـم مـن النفقـة والعشرة بالمعروف‪ ,‬فل تجوروا فـي ذلك‪{ .‬و َتتّقُوا} يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فرض ال‬
‫ن على الخرى‪ ,‬فتظلمو ها حق ها م ما‬
‫وتتقوا ال في الم يل الذي نها كم ع نه‪ ,‬بأن تميلوا لحداه ّ‬
‫أوجبها ال له عليكم‪{ .‬فإنّ الّل َه كانَ غَفُورا} يقول‪ :‬فإن ال يستر عليكم ما سلف منكم من ميلكم‬
‫وجوركم عليه نّ قبل ذلك بتركه عقوبتكم عليه‪ ,‬ويغطي ذلك عليكم بعفوه عنكم ما مضى منكم‬
‫في ذلك قبل‪َ { .‬رحِيما} يقول‪ :‬وكان رحيما بكم إذا تاب عليكم‪ ,‬فقبل توبتكم من الذي سلف منكم‬
‫من جورتكم في ذلك عليه نّ‪ ,‬وفي ترخيصه لكم الصلح بينكم وبينهن‪ ,‬بصفحهن عن حقوقه نّ‬
‫لكم من القسم على أن يطلقن‪.‬‬

‫‪130‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ّهـ وَاسـِعا‬
‫َانـ الل ُ‬
‫سـ َعتِهِ َوك َ‬
‫ّهـ كُلّ م ّن َ‬
‫ْنـ الل ُ‬
‫{وَإِن َيتَ َفرّق َا ُيغ ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فإن أ بت المرأة ال تي قد ن شز علي ها زوج ها‪ ,‬أو أعرض عن ها بالم يل‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫من ها إلى ضرت ها لجمال ها أو شباب ها‪ ,‬أو غ ير ذلك م ما تم يل النفوس به إلي ها ال صلح‪ ,‬ل صفحها‬
‫لزوجها عن يومها وليلتها‪ ,‬وطلبت حقها منه من القسم والنفقة وما أوجب ال لها عليه‪ ,‬وأبي‬
‫ن بِمَا‬
‫سنُوا َو َتتّقوا فإ نّ الّل َه كا َ‬
‫الزوج ال خذ علي ها بالح سان الذي ند به ال إل يه بقوله‪ :‬وَإ نْ ُتحْ ِ‬
‫خبِيرا} وإلحاق ها في الق سم ل ها والنف قة والعشرة بال تي هو إلي ها‪ ,‬مائل‪ ,‬فتفرّ قا بطلق‬
‫ن َ‬
‫َت ْعمَلُو َ‬
‫سعَتِهِ} يقول يغن ال الزوج والمرأة المطلقة من سعة فضله‪,‬‬
‫ن َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫الزواج إياها ‪ُ { ¹‬يغْ نِ الّل هَ كُ ّ‬
‫أ ما هذه فبزوج هو أ صلح ل ها من المطلق الوّل‪ ,‬أو برزق وا سع وع صمة ‪ ¹‬وأ ما هذا فبرزق‬
‫ن اللّ هُ وَا سِعا} يع ني‪ :‬وكان ال وا سعا‬
‫وا سع وزو جة هي أ صلح له من المطل قة أو ع فة‪{ .‬وكا َ‬
‫حكِيما} فيما قضى بينه وبينها من الفرقة والطلق‪,‬‬
‫لهما في رزقه إياهما وغيرهما من خلقه‪َ { .‬‬
‫و سائر المعا ني ال تي عرفنا ها من الح كم بينه ما في هذه الَيات وغير ها و في غ ير ذلك من‬
‫أحكامه وتدبيره وقضاياه في خلقه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8486‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫س َعتِهِ} قال‪ :‬الطلق يغني ال كلّ من سعته‪.‬‬
‫ل مِنْ َ‬
‫ن َيتَ َفرّقا ُي ْغنِ الّلهُ كُ ّ‬
‫مجاهد في قول ال‪{ :‬وَإ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ص ْينَا اّلذِي نَ‬
‫سمَاوَاتِ وَمَا فِي الرْ ضِ وَلَ َقدْ وَ ّ‬
‫{وَلّل ِه مَا فِي ال ّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَمَا فِي‬
‫ن للّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫ن اتّقُو ْا الّل هَ وَإِن َتكْ ُفرُواْ َفإِ ّ‬
‫أُوتُواْ ا ْل ِكتَا بَ مِن َقبِْلكُ مْ وَِإيّاكُ مْ أَ ِ‬
‫حمِيدا }‪..‬‬
‫غ ِنيّا َ‬
‫الرْضِ َوكَانَ الّلهُ َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ول ملك جميع ما حوته السموات السبع والرضون السبع من الشياء‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫سعَته} تنبيها منه خلقه‬
‫ن َ‬
‫كلها‪ .‬وإنما ذكر جلّ ثناؤه بعقب ذلك قوله‪{ :‬وَإنْ َيتَ َفرّقا ُيغْن الّل ُه كُلّ مِ ْ‬
‫على مو ضع الرغ بة ع ند فراق أحد هم زوج ته‪ ,‬ليفزعوا إل يه ع ند الجزع من الحا جة والفا قة‬
‫والوحشة بفراق سكنه وزوجته‪ ,‬وتذكيرا منه له أنه الذي له الشياء كلها وأن من كان له ملك‬
‫جم يع الشياء فغ ير متعذّر عل يه أن يغن يه‪ ,‬و كل ذي فا قة وحا جة‪ ,‬ويؤ نس كل ذي وح شة‪ .‬ثم‬
‫ل ثناؤه إلى عذل من سعي في أمر بني أبيرق وتوبيخهم ووعيد من فعل ما فعل المرتدّ‬
‫رجع ج ّ‬
‫ن َقبْلِكُ مْ وَإيّاكُ مْ} يقول‪ :‬ول قد أمر نا أ هل الكتاب‬
‫من هم‪ ,‬فقال‪{ :‬وَلَ َقدْ وَ صّيْنا اّلذِي نَ أُوتُوا الكِتا بَ ِم ْ‬
‫وهم أهل التوراة والنجيل وإياكم‪ ,‬يقول‪ :‬وأمرناكم وقلنا لكم ولهم‪{ :‬اتّقُو الّلهَ} يقول‪ :‬احذروا أن‬
‫تعصـوه وتخالفوا أمره ونهيـه‪{ ,‬وإن ْـ َتكْ ُفرُوا} يقول‪ :‬وإن تجحدوا وصـيته إياكـم أيهـا المؤمنون‬
‫سمَوَاتِ وَما فِي الرْ ضِ} يقول‪ :‬فإنكم ل تضرون بخلفكم وصيته‬
‫فتخالفوها‪{ ,‬فإ نّ لِّل هِ ما فِي ال ّ‬
‫غ ير أنف سكم‪ ,‬ول تعدون في كفر كم ذلك أن تكونوا أمثال اليهود والن صارى في نزول عقوب ته‬
‫ل ب هم‪ ,‬إذ بدلوا عهده ونقضوا ميثا قه‪ ,‬فغ ير ب هم ما كانوا ف يه‬
‫ب كم وحلول غض به علي كم ك ما ح ّ‬
‫سرْب‪ ,‬وج عل من هم القردة والخناز ير ‪ ¹‬وذلك أن له ملك جم يع ما‬
‫من خ فض الع يش وأ من ال ّ‬
‫حو ته ال سموات والرض ل يمت نع عل يه ش يء أراده بجمي عه وبش يء م نه من إعزاز من أراد‬
‫إعزازه وإذلل مـن أراد إذلله وغيـر ذلك مـن المور كلهـا‪ ,‬لن الخلق خلقـه بهـم إليـه الفاقـة‬
‫ي الذي ل حاجة تحلّ به إلى شيء‬
‫والحاجة‪ ,‬وبه قوامهم وبقاؤهم وهلكهم وفناؤهم‪ ,‬وهو الغن ّ‬
‫ول فاقة تنزل به تضطره إليكم أيها الناس ول إلى غيركم‪ ,‬والحميد الذي استوجب عليكم أيها‬
‫الخلق الحمـد بصـنائعه الحميدة إليكـم وآلئه الجميلة لديكـم‪ ,‬فاسـتديموا ذلك يهـا الناس باتقائه‪,‬‬
‫والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8487‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن هاشم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سيف‪,‬‬
‫حمِيدا}‬
‫غ ِنيّا حَميدا} قال‪ :‬غنيّا عن خلقه { َ‬
‫ن اللّ هُ َ‬
‫ي رضي ال عنه‪{ :‬وكا َ‬
‫عن أبي روق عن عل ّ‬
‫قال‪ :‬مستحمدا إليهم‪.‬‬

‫‪132‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى بِاللّهِ َوكِيلً }‪..‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الرْضِ َوكَ َف َ‬
‫{وَلّل ِه مَا فِي ال ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ول ملك جميـع مـا حوتـه السـموات والرض‪ ,‬وهـم القيـم بجميعـه‪,‬‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫والحافظ لذلك كله‪ ,‬ل يعزب عنه علم شيء منه‪ ,‬ول يئوده حفظه وتدبيره‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8488‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪{ :‬و َكفَى باللّهِ وَكيلً} قال‪ :‬حفيظا‪.‬‬
‫سمَوَاتِ و ما فِي الرْ ضِ} في آيت ين‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما و جه تكرار قوله‪{ :‬ولِلّ هِ ما فِي ال ّ‬
‫إحداهما في إثر الخرى؟ قيل‪ :‬كرّر ذلك لختلف معنى الخبرين عما في السموات والرض‬
‫في الَيت ين‪ ,‬وذلك أن ال خبر ع نه في إحدى الَيت ين ذ كر حاج ته إلى بارئه وغ نى بارئه ع نه‪,‬‬
‫و في الخرى ح فظ بارئه إياه به وعل مه به وتدبيره‪ .‬فإن قال‪ :‬أفل ق يل‪ :‬وكان ال غن يا حميدا‬
‫حمِيدا} مما صلح أن‬
‫غ ِنيّا َ‬
‫ن اللّ هُ َ‬
‫وكفى بال وكيلً؟ قيل‪ :‬إن الذي في الَية التي قال فيها‪{ :‬وكا َ‬
‫يختم ما ختم به من وصف ال بالغني وأنه محمود ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه‬
‫سمَوَاتِ وَما فِي الرْضِ}‪.‬‬
‫معه بالحفظ والتدبير‪ ,‬فلذلك كرّر قوله‪{ :‬ولِّلهِ ما فِي ال ّ‬

‫‪133‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هُ عََلىَ ذَلِ كَ‬
‫ت بِآخَرِي نَ َوكَا َ‬
‫شأْ ُيذْ ِه ْبكُ مْ َأ ّيهَا النّا سُ َو َيأْ ِ‬
‫{إِن َي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫قَدِيرا }‪..‬‬
‫شأْ} ال أيهـا الناس { ُيذْهِ ْبكُمـْ} أي يذهبكـم باهلككـم وإفنائكـم‪.‬‬
‫{إنـ َي َ‬
‫ْ‬ ‫ل ثناؤه‪:‬‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫خرِين} يَقول‪ :‬ويأت بناس آخرين غيركم‪ ,‬لمؤازرة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫{وَيأْ تِ بآ َ‬
‫ونصرته‪{ .‬وكانَ الّل ُه على ذَلِكَ َقدِيرا} يقول‪ :‬وكان ال على إهلككم وإفنائكم‪ ,‬واستبدال آخرين‬
‫ل ثناؤه بهذه الَيات الخائن ين الذ ين‬
‫غير كم ب كم قديرا‪ ,‬يع ني‪ :‬ذا قدرة على ذلك‪ .‬وإن ما و بخ ج ّ‬
‫ن للخا ِئنِي نَ خَ صِيما} وحذّر‬
‫خانوا الدرع التي وصفنا شأنها‪ ,‬الذين ذكرهم ال في قوله‪{ :‬وَل َتكُ ْ‬
‫أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم أن يكونوا مثلهم‪ ,‬وأن يفعلوا فعل المرتدّ منهم في ارتداده‬
‫ولحا قه بالمشرك ين‪ ,‬وعرّف هم أن من ف عل فعله من هم فلن يضرّ إل نف سه ولن يو بق بردّ ته غ ير‬
‫نفسه‪ ,‬لنه المحتاج مع جميع ما في السموات وما في الرض إلى ال‪ ,‬وال الغن يّ عنهم‪ .‬ثم‬
‫ت بآخَري نَ} بالهلك والستئصال إن هم فعلوا‬
‫شأْ ُيذْ ِه ْبكُمْ أيّها النّا سُ وَيأْ ِ‬
‫ن َي َ‬
‫توعدهم في قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫فعل ابن أبيرق طعمة المرتدّ‪ ,‬وباستبدال آخرين غيرهم بهم لنصرة نبيه محمد صلى ال عليه‬
‫س َتبْدْل قَوْ ما‬
‫ن َتتَوَلّوْا يَ ْ‬
‫و سلم و صحبته ومؤازر ته على دي نه‪ ,‬ك ما قال في الَ ية الخرى‪{ :‬وَإ ْ‬
‫غ ْي َر ُكمْ ُثمّ ل َيكُونُوا أمْثاَل ُكمْ}‪.‬‬
‫َ‬
‫وقد رُوي عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنها لما نزلت‪ ,‬ضرب بيده على ظهر سلمان‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫« ُهمْ قَ ْو ُم َهذَا» يعني عجم الفرس ‪ ¹‬كذلك‪.‬‬
‫‪ 8489‬ـ حُد ثت عن ع بد العز يز بن مح مد‪ ,‬عن سهيل بن أ بي صالح‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن أ بي‬
‫هريرة‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال قتادة في ذلك بما‪:‬‬
‫‪ 8490‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة في قوله‪{ :‬إ نْ يشأْ‬
‫ن اللّ ُه على ذَلِ كَ َقدِيرا} قادر وال ربنا على ذلك‪ ,‬أن يهلك‬
‫خرِي نَ وكا َ‬
‫ُيذْ ِهبْكُ مْ أيّها النّا سُ وَيأْ تِ بآ َ‬
‫من يشاء من خلقه‪ ,‬ويأتي بآخرين من بعدهم‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خرَةِ َوكَانَ‬
‫لِ‬‫ب ال ّد ْنيَا وَا َ‬
‫ب ال ّد ْنيَا َفعِندَ الّل ِه ثَوَا ُ‬
‫{مّن كَانَ ُيرِيدُ ثَوَا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سمِيعا َبصِيرا }‪..‬‬
‫اللّ ُه َ‬
‫ن يُرِيدُ} م من أظ هر اليمان لمح مد صلى ال عل يه و سلم من‬
‫ن كا َ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬مَ ْ‬
‫يع ني بذلك ج ّ‬
‫ب الدّنيْا} يعني‪ :‬عرض‬
‫أهل النفاق الذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون اليمان‪{ .‬ثَوَا َ‬
‫ب الدّنيْا} يعني‪ :‬جزاؤه في الدنيا منها‬
‫الدنيا‪ ,‬بإظهار ما أظهر من اليمان بلسانه‪َ { .‬ف ِع ْندَ اللّ ِه ثَوَا ُ‬
‫وثوابه فيها‪ ,‬هو ما يصيب من المغنم إذا شهد مع النبيّ مشهدا‪ ,‬وأمنه على نفسه وذرّيته وماله‪,‬‬
‫وما أشبه ذلك‪ .‬وأما ثوابه في الَخرة فنار جهنم‪ .‬فمعنى الَية‪ :‬من كان من العاملين في الدنيا‬
‫من المنافقين يريد بعمله ثواب الدنيا وجزاءها من عمله‪ ,‬فإن ال مجازيه جزاءه في الدنيا من‬
‫الدنيـا‪ ,‬وجزاءه فـي الَخرة مـن العقاب والنكال وذلك أن ال قادر على ذلك كله‪ ,‬وهـو مالك‬
‫ن ُيرِي ُد الحَياةَ الدّنيْا َوزِي َنتَها نُوَفّ إَل ْيهِمْ أعْماَلهُمْ فِيها‬
‫ن كا َ‬
‫جميعه‪ ,‬كما قال في الَية الخرى‪{ :‬مَ ْ‬
‫ص َنعُوا فِيها وَباطِلٌ ما‬
‫لخِرَة إلّ النّارُ وَحبِطَ ما َ‬
‫س َلهُمْ فِي ا َ‬
‫وَهُمْ فِيها ل ُي ْبخَسُونَ أُوَلئِكَ اّلذِينَ َليْ َ‬
‫كانُوا َي ْعمَلُو نَ}‪ .‬وإنما عنى بذلك جلّ ثناؤه الذين سعوا في أمر بني أبيرق‪ ,‬والذين وصفهم في‬
‫س َتخْفُونَ مِ نَ‬
‫ن خَوّانا أثِيما يَ ْ‬
‫سهُمْ إ نّ الّلهَ ل ُيحِبّ َمنْ كا َ‬
‫ن أنْفُ َ‬
‫ن َيخْتانُو َ‬
‫عنِ اّلذِي َ‬
‫قوله‪{ :‬وَل تُجادِلْ َ‬
‫ن ال َقوْل ِم نَ ال َقوْلِ} ومن كان‬
‫ن اللّ هِ وَ ُهوَ َم َعهُ مْ إذْ ُي َب ّينُو نَ ما ل َيرْضَى مِ َ‬
‫ن مِ َ‬
‫س َتخْفُو َ‬
‫النّاس وَل يَ ْ‬
‫من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬كان َـ اللّهُـ س َـمِيعا بَصـِيرا} يعنـي‪ :‬وكان ال سـميعا لمـا يقول هؤلء المنافقون الذيـن‬
‫يريدون ثواب الدن يا بأعمال هم‪ ,‬وإظهار هم للمؤمن ين ما يظهرون ل هم إذا لقوا المؤمن ين وقول هم‬
‫ل هم آم نا‪{ .‬بَ صِيرا}‪ :‬يعني‪ :‬وكان ذا ب صر بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمن ين في ما يكتمو نه‬
‫ل الذي في صدورهم‪.‬‬
‫ول يبدونه لهم من الغشّ والغ ّ‬

‫‪135‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش َهدَآ ِء للّ هِ وََلوْ عََلىَ‬
‫ن بِالْقِ سْطِ ُ‬
‫ن آ َمنُو ْا كُونُو ْا قَوّامِي َ‬
‫{يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫غ ِنيّا أَ ْو فَقَيرا فَاللّ هُ َأوَْلىَ ِب ِهمَا فَلَ َت ّت ِبعُواْ ا ْل َه َوىَ أَن َت ْعدِلُواْ‬
‫ن إِن َيكُ نْ َ‬
‫سكُ ْم أَ ِو الْوَاِل َديْ نِ وَال ْقرَبِي َ‬
‫َأنْفُ ِ‬
‫خبِيرا }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫ن ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن اللّ َه كَا َ‬
‫وَإِن تَ ْلوُو ْا أَ ْو ُتعْ ِرضُو ْا فَإِ ّ‬
‫سعَوا‬
‫وهذا تقدّ مٌ من ال تعالى ذكره إلى عباده المؤمن ين به وبر سوله أن يفعلوا ف عل الذ ين َ‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في أمر بني أبيرق‪ ,‬أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه وذبهم‬
‫عنهم وتحسينهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر ‪ ¹‬يقول ال لهم‪{ :‬يا أيّها الّذي نَ آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي نَ‬
‫شهَدَا َء لِلّ هِ} والشهداء‪:‬‬
‫بالقِ سْطِ} يقول‪ :‬ليكن من أخلقكم وصفاتكم القيام بالقسط‪ ,‬يعني بالعدل‪ُ { .‬‬
‫جمـع شهيـد‪ ,‬ونصـبت الشهداء على القطـع ممـا فـي قوله‪« :‬قوّاميـن»‪ ,‬مـن ذكـر الذيـن آمنوا‪,‬‬
‫س ُكمْ} يقول‪ :‬ولو كانت‬
‫ومعناه‪ :‬قوموا بالقسط ل عند شهادتكم‪ ,‬أو حين شهادتكم‪{ .‬وَلَ ْو على أنْفُ ِ‬
‫شهادت كم على أنف سكم‪ ,‬أو على والدي كم أو أقربي كم‪ ,‬فقوموا في ها بالق سط والعدل‪ ,‬وأقيمو ها على‬
‫صحتها بأن تقولوا فيها الح قّ‪ ,‬ول تميلوا فيها لغني لغناه على فقير‪ ,‬ول لفقير لفقره على غن يّ‬
‫فتجوروا‪ ,‬فإن ال الذي سوّى بين حكم الغن يّ والفقير فيما ألزمكم أيها الناس من إقامة الشهادة‬
‫لكل واحد منهما بالعدل أولى بهما‪ ,‬وأح قّ منكم‪ ,‬لنه مالكهما وأولى بهما دونكم‪ ,‬فهو أعلم بما‬
‫فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك وفي غيره من المور كلها منكم‪ ,‬فلذلك أمركم بالتسوية‬
‫ن َت ْعدِلُوا} يقول‪ :‬فل تتبعوا أهواء أنف سكم‬
‫بينه ما في الشهادة له ما وعلي ها‪{ .‬فَل َت ّتبِعُوا الهَوَى أ ْ‬
‫في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها لغن يّ على فقير أو لفقير على غن يّ إل أحد الفريقين فتقولوا‬
‫غير الح قّ‪ ,‬ولكن قوموا فيه بالقسط وأدّوا الشهادة على ما أمركم ال بأدائها بالعدل لمن شهدتم‬
‫عليه وله‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهد بالقسط‪ ,‬وهل يشهد الشاهد على نفسه؟‬
‫قيل ‪ ¹‬نعم‪ ,‬وذلك أن يكون عليه ح قّ لغيره‪ ,‬فيقرّ له به‪ ,‬فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه‪.‬‬
‫وهذه الَ ية عندي تأد يب من ال جلّ ثناؤه عباده المؤمن ين أن يفعلوا ما فعله الذ ين عذروا ب ني‬
‫أبيرق في سرقتهم ما سرقوا وخيانتهم ما خانوا من ذكر ما قيل عند رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم وشهادت هم ل هم عنده بال صلح‪ ,‬فقال ل هم‪ :‬إذا قم تم بالشهادة لن سان أو عل يه‪ ,‬فقوموا في ها‬
‫بالعدل ولو كانـت شهادتكـم على أنفسـكم وآبائكـم وأمهاتكـم وأقربائكـم‪ ,‬فل يحملنكـم غنـي مـن‬
‫شهد تم له أو فقره أو قراب ته ورح مة من كم على الشهادة له بالزور ول على ترك الشهادة عل يه‬
‫بالحقّ وكتمانها‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنها نزلت تأديبا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8491‬ـ حدثنا محمد بن حسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫ش َهدَاءَ لِّل هِ} قال‪ :‬نزلت في النبيّ صلى ال‬
‫ن بالقِ سْطِ ُ‬
‫ن آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي َ‬
‫في قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬واختصم إليه رجلن غن يّ وفقير‪ ,‬وكان ضلعه مع الفقير‪ ,‬يرى أن الفقير ل يظلم‬
‫غ ِنيّا أو فَقِيرا فاللّ هُ أوْلَى‬
‫ن َيكُ نْ َ‬
‫الغن يّ‪ ,‬فأبي ال إل أن يقوم بالقسط في الغن يّ والفقير‪ ,‬فقال‪{ :‬إ ْ‬
‫ن َت ْعدِلُوا}‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ِبهِما فَل َت ّتبِعُوا الهَوَى أ ْ‬
‫وقال آخرون في ذلك نحو قولنا إنها نزلت في الشهادة أمرا من ال المؤمنين أن يسوّوا في‬
‫قيامهم بشهاداتهم لمن قاموا بها بين الغني والفقير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8492‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن‬
‫س ُكمْ أو الوَاِل َديْ نِ والقْ َربِي نَ} قال‪:‬‬
‫ش َهدَاءَ لِّل ِه وَلَ ْو على أنْفُ ِ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬كُونُوا قَوّامِي نَ بالقِ سْط ُ‬
‫أ مر ال المؤمن ين أن يقولوا الح قّ ولو على أنف سهم أو آبائ هم أو أبنائ هم‪ ,‬ول يحابوا غن يا لغناه‪,‬‬
‫غنِيّا أ ْو فَقِيرا فاللّهُـ أوْلى ِبهِمَا فَل َت ّت ِبعُوا‬
‫ول يرحموا مسـكينا لمسـكنته‪ ,‬وذلك قوله‪{ :‬إن ْـ َيكُن ْـ َ‬
‫الهَوَى أن َت ْعدِلوا} فتذروا الحقّ فتجورُوا‪.‬‬
‫‪8493‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن‬
‫ا بن شهاب في شهادة الوالد لولده وذي القرا بة‪ ,‬قال‪ :‬كان ذلك فيما م ضى من ال سنة في سلف‬
‫شهَدَاءَ‬
‫سطِ ُ‬
‫الم سلمين‪ ,‬وكانوا يتأوّلون في ذلك قول ال‪ { :‬يا أيّ ها الّذ ين آ َمنُوا كونُوا قَوّامِي نَ بالقِ ْ‬
‫ن َيكُ نْ غَنيّا أ ْو فَقِيرا فاللّ هُ أوْلى ِبهِما}‪ ...‬الَية‪ ,‬فلم‬
‫ن والقْ َربِي نَ إ ْ‬
‫س ُكمْ أوِ الوَاِل َديْ ِ‬
‫لِلّ هِ وَلَ ْو على أنْفُ ِ‬
‫يكن يُتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده‪ ,‬ول الولد لوالده‪ ,‬ول الخ لخيه‪ ,‬ول‬
‫الرجل لمرأته‪ ,‬ثم َدخِلَ الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولة على اتهامهم‪ ,‬فتركت‬
‫شهادة من يت هم إذا كا نت من أقربائ هم و صار ذلك من الولد والوالد والخ والزوج والمرأة لم‬
‫يتهم إل هؤلء في آخر الزمان‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫‪8494‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ش َهدَاءَ لِّلهِ}‪ ...‬إلى آخر الَية‪ ,‬قال‪ :‬ل يحملك فقر هذا على أن ترحمه فل‬
‫ن بالقِسْطِ ُ‬
‫كُونُوا قَوّامِي َ‬
‫تقيم عليه الشهادة‪ ,‬قال‪ :‬يقول هذا للشاهد‪.‬‬
‫‪ 8495‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬يا أيّها‬
‫ش َهدَاءَ لِلّ هِ}‪ ...‬الَية‪ ,‬هذا في الشهادة‪ ,‬فأقم الشهادة يا ابن آدم‬
‫سطِ ُ‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي نَ بالقِ ْ‬
‫ولو على نفسك‪ ,‬أو الوالدين‪ ,‬أو على ذوي قرابتك‪ ,‬أو أشراف قومك‪ ,‬فإنما الشهادة ل وليست‬
‫للناس‪ ,‬وإن ال رضي العدل لنفسه ‪ ¹‬والقساط والعدل ميزان ال في الرض‪ ,‬به يردّ ال من‬
‫الشد يد على الضع يف‪ ,‬من الكاذب على ال صادق‪ ,‬و من المب طل على المح قّ‪ ,‬وبالعدل ي صدق‬
‫الصادق‪ ,‬ويكذب الكاذب‪ ,‬وير ّد المعتدي‪ ,‬ويوبخه تعالى ربنا وتبارك‪ ,‬وبالعدل يصلح الناس‪ .‬يا‬
‫ابن آدم إن يكن غنيا أو فقيرا‪ ,‬فال أولى بهما‪ ,‬يقول‪ :‬أولى بغنيكم وفقيركم‪ .‬قال‪ :‬وذكر لنا أن‬
‫ي شيء وضعت في الرض أقلّ؟ قال‪« :‬العدل أقلّ‬
‫نبيّ ال موسى عليه السلم قال‪ :‬يا ر بّ أ ّ‬
‫ما وضعت في الرض‪ ,‬فل يمنعك غني عن يّ ول فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم‪ ,‬فإن ذلك‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬فاللّهُ أوْلى ِبهِما}‪.‬‬
‫عليك من الحق»‪ .‬وقال ج ّ‬
‫غ ِنيّا أوْ فَقِيرا}‪ ...‬الَية‪ ,‬أريد‪ :‬فال أولى بغني الغنيّ وفقر الفقير‪ ,‬لن ذلك‬
‫ن َيكُنْ َ‬
‫وقد قيل‪{ :‬إ ْ‬
‫منه ل من غيره‪ ,‬فلذلك قال «بهما»‪ ,‬ولم يقل «به»‪.‬‬
‫ن َيكُ نْ غَنيّا أوْ فَقِيرا} فلم يقصد فقيرا بعي نه ول‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنما قيل «بهما» لنه قال‪{ :‬إ ْ‬
‫غن يا بعي نه‪ ,‬و هو مجهول‪ ,‬وإذا كان مجهولً جاز الردّ عل يه بالتوح يد والتثن ية والج مع‪ .‬وذ كر‬
‫قائلوا هذا القول أنه في قراءة أبيّ‪« :‬فاللّهُ أوْلى ِب ِهمْ»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪« :‬أو» بمعنى الواو في هذا الموضع‪.‬‬
‫حدٍ‬
‫وقال آخرون‪ :‬جاز تثنية قوله «بهما»‪ ,‬لنهما قد ذكرا كما قيل‪{ :‬ولَ ُه أ خٌ أ ْو ُأخْ تٌ فُِلكُلّ وَا ِ‬
‫ِم ْن ُهمَا}‪ .‬وقيل‪ :‬جاز لنه أضمر فيه «مَنْ» كأنه قيل‪ :‬إن يكن من خاصم غنيا أو فقيرا‪ ,‬بمعنى‪:‬‬
‫غنيين أو فقيرين‪ ,‬فال أولى بهما‪.‬‬
‫وتأو يل قوله ‪{ ¹‬فَل َتتّبعُوا الهَوَى أ نْ َت ْعدِلُوا} أي عن الح قّ‪ ,‬فتجوروا بترك إقا مة الشهادة‬
‫بالحقّ‪ .‬ولو ُوجّه إلى أن معناه‪ :‬فل تتبعوا أهواء أنفسكم هربا من أن تعدلوا عن الحقّ في إقامة‬
‫الشهادة بالق سط كان وج ها‪ .‬و قد ق يل‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬فل تتبعوا الهوى لتعدلوا‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬ل تت بع‬
‫هواك لترضي ربك‪ ,‬بمعنى‪ :‬أنهاك عنه كما ترضي ربك بتركه‪.‬‬
‫خبِيرا}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن اللّ َه كا َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وَإنْ تَ ْلوُوا أ ْو ُت ْعرِضُوا فإ ّ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عني‪ :‬وإن تلووا أيها الحكام في الحكم لحد‬
‫الخ صمين على الَ خر أو تعرضوا‪ ,‬فإن ال كان ب ما تعملون خبيرا‪ .‬ووجهوا مع نى الَ ية إن ها‬
‫نزلت في الحكام على ن حو القول الذي ذكرنا عن السديّ من قوله‪ :‬إن الَية نزلت في رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬على ما ذكرنا قبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8496‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن قابوس بن أبي ظبيان‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫َإنـ تَلْوُوا أ ْو ُتعْ ِرضُوا} قال‪ :‬همـا الرجلن يجلسـان بيـن يدي‬
‫عـن ابـن عباس فـي قول ال‪{ :‬و ْ‬
‫القاضي‪ ,‬فيكون َليّ القاضي وإعراضه لحدهما على الَخر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬وإن تلووا أي ها الشهداء في شهادات كم فتحرّفو ها ول تقيمو ها‪ ,‬أو‬
‫تعرضوا عنها فتتركوها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8497‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫َإنـ تَلْوُوا أوْ ُت ْع ِرضُوا} يقول‪ :‬إن تلووا بألسـنتكم بالشهادة أو‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬و ْ‬
‫تعرضوا عنها‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن تَلْوُوا أوْ‬
‫شهَدَا َء لِلّ هِ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫سطِ ُ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي نَ بالقِ ْ‬
‫ُتعْ ِرضُوا} يقول‪ :‬تلوي لسـانك بغيـر الحقـّ‪ ,‬وهـي اللجلجـة‪ ,‬فل تقيـم الشهادة على وجههـا‪.‬‬
‫والعراض الترك‪.‬‬
‫‪ 8498‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن تَلْوُوا}‪ :‬أي تبدلّوا الشهادة ‪{ ¹‬أ ْو ُت ْعرِضُوا} قال‪ :‬تكتموها‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَإنْ‬
‫تَلْوُوا} قال‪ :‬بتبديل الشهادة‪ ,‬والعراض‪ :‬كتمانها‪.‬‬
‫ن تَلْوُوا أوْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ُتعْرضُوا} قال‪ :‬إن تحرّفوا‪ ,‬أو تتركوا‪.‬‬
‫ن تَلْوُوا أوْ ُت ْعرِضُوا}‬
‫‪ 8499‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَإ ْ‬
‫قال‪ :‬تلجلجوا أو تكتموا ‪ ¹‬وهذا في الشهادة‪.‬‬
‫‪ 8500‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫َإنـ تَلْوُوا أ ْو ُتعْ ِرضُوا} أمـا تلووا‪ :‬فتلوي للشهادة فتحرّفهـا حتـى ل تقيمهـا ‪ ¹‬وأمـا‬
‫السـدي‪{ :‬و ْ‬
‫«تعرضوا»‪ :‬فتعرض عنها فتكتمها وتقول‪ :‬ليس عندي شهادة‪.‬‬
‫‪8501‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد‪{ :‬وَإن ْـ تَ ْلوُوا} فتكتموا‬
‫الشهادة‪ ,‬تلوي‪ :‬تنقض منها‪ ,‬أو تعرض عنها فتكتمها فتأبي أن تشهد عليه‪ ,‬تقول‪ :‬أكتم عنه لنه‬
‫ي أبق يه وأر جو ما َقبِله فل أش هد‬
‫م سكين أرح مه فتقول‪ :‬ل أق يم الشهادة عل يه‪ ,‬وتقول‪ :‬هذا غن ّ‬
‫غ ِنيّا أوْ فَقِيرا}‪.‬‬
‫ن َيكُنْ َ‬
‫عليه‪ ,‬فذلك قوله‪{ :‬إ ْ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪{ :‬وإنْ تَ ْلوُوا} تحرّفوا {أوْ ُت ْع ِرضُوا}‪ :‬تتركوا‪.‬‬
‫‪ 8502‬ـ حدثنا محمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسن بن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل بن مرزوق‪,‬‬
‫ن تَلْوُوا} قال‪ :‬إن تلجلجوا في الشهادة فتف سدوها‪{ ,‬أ ْو ُتعْ ِرضُوا} قال‪:‬‬
‫عن عط ية في قوله‪{ :‬وَإ ْ‬
‫فتتركوها‪.‬‬
‫‪8503‬ــ حدث نا المثنـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هش يم‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫َإنـ تَلْوُوا أوْ ُت ْع ِرضُوا} قال‪ :‬إن تلووا فـي الشهادة‪ ,‬أن ل تقيموهـا على‬
‫الضحاك‪ ,‬فـي قوله‪{ :‬و ْ‬
‫وجهها {أوْ ُت ْعرِضُوا} قال‪ :‬تكتموا الشهادة‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شيبان‪,‬‬
‫ن تَلْوُوا أوْ ُت ْعرِضُوا} يعني‪ :‬تلجلجوا {أ ْو ُتعْ ِرضُوا} قال‪ :‬تدعها فل‬
‫عن قتادة أنه كان يقول‪{ :‬وَإ ْ‬
‫تشهد‪.‬‬
‫حُدثـت عـن الحسـين بـن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبيـد بـن سـلمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك يقول في قوله‪{ :‬وَإ نْ تَ ْلوُوا أ ْو ُتعْ ِرضُوا} أما تلووا‪ :‬فهو أن يلوي الرجل لسانه‬
‫بغير الحقّ‪ ,‬يعني في الشهادة‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى التأويل ين بال صواب في ذلك تأو يل من تأوّله‪ :‬إ نه ل يّ الشا هد شهاد ته‬
‫لمن يشهد له وعليه ‪ ¹‬وذلك تحريفه إياها لسانه وتركه إقامتها ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له‬
‫وعمن شهد عليه‪ .‬وأما إعراضه عنها‪ ,‬فإنه تركه أداءها والقيام بها فل يشهد بها‪ .‬وإنما قلنا‬
‫شهَدَا َء لِلّ هِ} فأمر هم‬
‫ط ُ‬
‫ل ثناؤه قال‪{ :‬كُونُوا قَوّامي نَ بالقِ سْ ِ‬
‫هذا التأويل أولى بال صواب‪ ,‬لن ال ج ّ‬
‫بالقيام بالعدل شهداء‪ ,‬وأظهر معاني الشهداء ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪{ :‬وَإن ْـ تَلْوُوا} فقرأ ذلك عامـة قرّاء المصـار سـوى الكوفـة‬
‫{وَإنْ تَلْوُوا} بواوين من‪ :‬لو أني الرجل حقي‪ ,‬والقوم يلوونني َديْني‪ ,‬وذلك إذا َمطَلوه‪َ ,‬ليّا‪ .‬وقرأ‬
‫ن تَلُوا» بواو واحدة ‪ ¹‬ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان‪:‬‬
‫ذلك جماعة من قرّاء أهل الكوفة‪« :‬وَإ ْ‬
‫أحدهما أن يكون قارئها أراد همز الواو لنضمامها‪ ,‬ثم أسقط الهمز‪ ,‬فصار إعراب الهمز في‬
‫اللم إذ أسقطه‪ ,‬وبقيت واو واحدة‪ ,‬كأنه أراد‪ :‬تلوؤا‪ ,‬ثم حذف الهمز‪ .‬وإذا عني هذا الوجه كان‬
‫ن تَلْوُوا} بواوين غير أنه خالف المعروف من كلم العرب‪ ,‬وذلك أن‬
‫معناه معنى من قرأ‪{ :‬وَإ ْ‬
‫ح همز ها ثم حذف ها ب عد‬
‫الواو الثان ية من قوله‪{ :‬تَلْوُوا} واو ج مع‪ ,‬و هي علم لمع نى‪ ,‬فل ي ص ّ‬
‫همز ها‪ ,‬فيب طل علم المع نى الذي له أدخلت الواو المحذو فة‪ .‬والو جه الَ خر‪ :‬أن يكون قارئ ها‬
‫كذلك‪ ,‬أراد‪ :‬إن تلوا‪ ,‬مـن الوليـة‪ ,‬فيكون معناه‪ :‬وإن تلوا أمور الناس‪ ,‬أو تتركوا‪ .‬وهذا معنـى‬
‫إذا و جه القارىء قراء ته على ما و صفنا إل يه‪ ,‬خارج عن معا ني أ هل التأو يل و ما و جه إل يه‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم والتابعون تأويل الَية‪ .‬فإذا كان فساد ذلك واضحا من‬
‫َإنـ تَلْوُوا أوْ‬
‫كل وجهيـه‪ ,‬فالصـواب مـن القراءة الذي ل يصـلح غيره أن يقرأ بـه عندنـا‪{ :‬و ْ‬
‫ُتعْ ِرضُوا} بمعنـى الليـّ‪ :‬الذي هـو مطـل‪ ,‬فيكون تأويـل الكلم‪ :‬وإن تدفعوا القيام بالشهادة على‬
‫وجهها لمن لزمكم القيام له بها‪ ,‬فتغيروها‪ ,‬وتبدّلوا‪ ,‬أو تعرضوا عنها‪ ,‬فتتركوا القيام له بها‪ ,‬كما‬
‫يلوي الر جل د ين الر جل‪ ,‬فيداف عه بأدائه إل يه على ما أو جب عل يه له مطلً م نه له‪ ,‬ك ما قال‬
‫العشى‪:‬‬
‫يَ ْلوِي َننِي َد ْينِي النّهارَ وأ ْق َتضِي َد ْينِي إذا َو َقذَ ال ُنعّاسُ ال ّر ّقدَا‬
‫خبِيرا} فإ نه أراد‪ :‬فإن ال كان ب ما تعملون من‬
‫ن َ‬
‫ن بِمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن اللّ َه كا َ‬
‫وأ ما تأو يل قوله‪{ :‬فإ ّ‬
‫إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها وإعراضكم عنها بكتمانكموها‪ ,‬خبيرا‪ ,‬يعني‪ :‬ذا خبرة وعلم به‪,‬‬
‫يحفظ ذلك منكم عليكم حتى يجازيكم به جزاءكم في الَخرة‪ ,‬المحسن منكم بإحسانه‪ ,‬والمسيء‬
‫باساءته‪ ,‬يقول‪ :‬فاتقوا ربكم في ذلك‪.‬‬

‫‪136‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب اّلذِي نَزّلَ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ آ ِمنُواْ بِاللّ هِ َورَ سُوِلهِ وَا ْل ِكتَا ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خرِ‬
‫لِ‬‫لئِ َكتِ هِ َو ُك ُتبِ هِ َورُ سُلِهِ وَا ْليَوْ مِ ا َ‬
‫ل مِن َقبْلُ َومَن َيكْ ُفرْ بِاللّ ِه َومَ َ‬
‫عََلىَ رَ سُولِهِ وَا ْل ِكتَا بِ اّلذِ يَ َأنَز َ‬
‫للً َبعِيدا }‪..‬‬
‫فَ َقدْ ضَلّ ضَ َ‬
‫ن آ َمنُوا}‪ :‬بمن قَبل محمد من النبياء والرسل‪ ,‬وصدّقوا‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪{ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫بما جاءوهم به من عند ال‪{ .‬آ ِمنُوا باللّ ِه َورَ سُولِهِ} يقول‪ :‬صدّقوا بال‪ ,‬وبمحمد رسوله‪ ,‬أنه ل‬
‫رسول مرسل إليكم وإلى سائر المم قبلكم‪{ .‬والكِتا بِ اّلذِي َنزّلَ على رَ سُولِهِ} يقول‪ :‬وصدّقوا‬
‫ل مِ نْ‬
‫ب ما جاء كم به مح مد من الكتاب الذي نزله ال عل يه‪ ,‬وذلك القرآن‪{ .‬وَالكِتا بِ اّلذِي َأ ْنزَ َ‬
‫َقبْلُ} يقول‪ :‬وآمنوا بالكتاب الذي أنزل ال من قبل الكتاب الذي نزّله على محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم وهو التوراة والنجيل‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما و جه دعاء هؤلء إلى اليمان بال ور سوله وكت به و قد سماهم مؤمن ين؟‬
‫قيل‪ :‬إنه جلّ ثناؤه لم يسمهم مؤمنين‪ ,‬وإنما وصفهم بأنهم آمنوا‪ ,‬وذلك وصف لهم بخصوص‬
‫من التصديق‪ ,‬وذلك أنهم كانوا صنفين‪ :‬أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها‪ ,‬وهم مكذّبون‬
‫بالنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات ال عليهما ‪ ¹‬وصنف أهل إنجيل وهم مصدّقون به‬
‫وبالتوراة وسائر الكتب‪ ,‬مكذّبون بمحمد صلى ال عليه وسلم والفرقان‪ .‬فقال جلّ ثناؤه لهم‪{ :‬يا‬
‫أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا} يع ني‪ :‬ب ما هم به مؤمنون من الك تب والر سل‪{ ,‬آ ِمنُوا باللّ هِ َورَ سُولِهِ} مح مد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪{ ,‬والكِتا بِ اّلذِين َنزّلَ على رَ سُوِلهِ} فإن كم قد علمتم أن محمدا رسول ال‬
‫تجدون صفته في كتبكم‪{ ,‬وَبالكِتا بِ اّلذِين َأ ْنزَلَ مِ نْ َقبْلُ} الذي تزعمون أنكم به مؤمنون‪ ,‬فإنكم‬
‫لن تكونوا به مؤمن ين وأنتم بمحمد مكذّبون‪ ,‬لن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به‪,‬‬
‫فآمنوا بكتابكم في اتباعكم محمدا‪ ,‬وإل فأنتم به كافرون‪ .‬فهذا وجه أمرهم باليمان بما أمرهم‬
‫باليمان به‪ ,‬بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله‪{ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا}‪.‬‬
‫خرِ} فإن معناه‪ :‬و من يك فر‬
‫لِ‬‫وأ ما قوله‪َ { :‬ومَ نْ َيكْ ُفرْ بالّل هِ َومَل ِئ َكتِ ِه و ُك ُتبِ هِ َورُ سُلِهِ وَال َيوْ مِ ا َ‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم فيجحد نبوّته‪ ,‬فهو يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الَخر‪,‬‬
‫لن جحود الشيء من ذلك بمعنى جحوده جميعه ‪ ¹‬وذلك لنه ل يصحّ إيمان أحد من الخلق إل‬
‫ن َيكْ ُفرْ باللّ هِ‬
‫باليمان بما أمره ال باليمان به‪ ,‬والكفر بشيء منه كفر بجميعه‪ ,‬فلذلك قال‪َ { :‬و َم ْ‬
‫لخِرِ} بع قب خطا به أ هل الكتاب‪ ,‬وأمره إيا هم باليمان بمح مد‬
‫َومَل ِئ َكتِ ِه و ُك ُت ِب هِ َورُ سُلِهِ وَال َيوْ ِم ا َ‬
‫صلى ال عل يه و سلم تهديدا م نه ل هم‪ ,‬و هم مقرّون بوحدان ية ال والملئ كة والك تب والر سل‬
‫واليوم الَخر سوى محمد صلى ال عليه وسلم وما جاء به من الفرقان‪ .‬وأما قوله‪{ :‬فَ َقدْ ضَلّ‬
‫ل َبعِيدا} فإ نه يع ني‪ :‬ف قد ذ هب عن ق صد ال سبيل‪ ,‬وجار عن مح جة الطر يق إلى المهالك‬
‫ضَل ً‬
‫ذهابـا وجورا بعيدا‪ ,‬لن كفـر مـن كفـر بذلك خروج منـه عـن ديـن ال الذي شرعـه لعباده‪,‬‬
‫والخروج عن دين ال‪ :‬الهلك الذي فيه البوار‪ ,‬والضلل عن الهدى هو الضلل‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آ َمنُواْ ثُ مّ كَ َفرُو ْا ثُ مّ آ َمنُواْ ثُ مّ كَ َفرُو ْا ثُ مّ ا ْزدَادُواْ كُفْرا‬
‫{إِ نّ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫ل ِل َي ْه ِديَ ُهمْ َ‬
‫ن اللّ ُه ِل َيغْ ِفرَ َل ُهمْ َو َ‬
‫ّلمْ َيكُ ْ‬
‫اختلف أهـل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬تأويله‪{ :‬إنّـ اّلذِين َـ آ َمنُوا} بموسـى {ثُم ّـ‬
‫كَ َفرُوا} به {ثُ مّ آ َمنُوا} يعني النصارى بعيسى‪{ ,‬ثُ مّ كَ َفرُوا} به {ثُ مّ ازدادوا كُ ُفرْا} بمحمد‪{ ,‬لَ مْ َيكُ نِ‬
‫اللّ ُه ِل َيغْ ِفرَ َل ُهمْ وَل ِل َي ْه ِديَ ُهمْ سَبيِلً}‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن الّذي نَ‬
‫‪ 8504‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ثمـ ا ْزدَادُوا كُفْرا} وهـم اليهود والنصـارى‪ ,‬آمنـت اليهود‬
‫ثمـ ك َفرُوا ّ‬
‫ثمـ آمنُوا ّ‬
‫ثمـ كَفَروا ّ‬
‫آ َمنُوا ّ‬
‫بالتوراة‪ ,‬ثم كفرت ‪ ¹‬وآمنت النصارى بالنجيل‪ ,‬ثم كفرت ‪ ¹‬وكفرهم به‪ :‬تركهم إياه‪ ,‬ثم ازدادوا‬
‫كفرا بالفرقان وبمحمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال ال‪{ :‬لَم ْـ َيكُنِـ اللّهُـ ِل َيغْ ِفرَ َلهُم ْـ وَل ِل َي ْهدَيهُم ْـ‬
‫سبِيلً} يقول‪ :‬لم ي كن ال ليغ فر ل هم ول ليهدي هم طر يق هدى‪ ,‬و قد كفروا بكتاب ال وبر سوله‬
‫َ‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪8505‬ـ حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ـ كَفَروا} قال‪ :‬هؤلء اليهود آمنوا بالتوراة‪ ,‬ثـم كفروا‪ .‬ثـم ذكـر‬
‫ـ آ َمنُوا ثم ّ‬
‫ـ اّلذِين َ‬
‫قوله‪« :‬إن ّ‬
‫النصاري‪ ,‬ثم قال‪{ :‬ث مّ آ َمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ ا ْزدَادُوا كُفْرا} يقول‪ :‬آمنوا بالنجيل ثم كفروا به‪ ,‬ثم‬
‫ازدادوا كفرا بمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عني بذلك‪ :‬أهل النفاق أنهم آمنوا ثم ارتدّوا‪ ,‬ثم آمنوا ثم ارتدّوا‪ ,‬ثم ازدادوا‬
‫كفرا بموتهم على كفرهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8506‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫{إ نّ اّلذِي نَ آ َمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ آ َمنُوا ثُ ّم كَ َفرُوا ثُ مّ ا ْزدَادُوا كُفْرا} قال‪ :‬ك نا نح سبهم المنافق ين‪,‬‬
‫ويدخل في ذلك من كان مثلهم‪ُ { .‬ثمّ ا ْزدَادُوا كُفْرا} قال‪َ :‬ثمّوا على كفرهم حتى ماتوا‪.‬‬
‫‪8507‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪,‬‬
‫عن مجاهد‪ُ { :‬ثمّ ا ْزدَادُوا ُكفْرا} قال‪ :‬ماتوا‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‬
‫في قوله‪ُ { :‬ثمّ ا ْزدَادُوا كُفْرا} قال‪ :‬حتى ماتوا‪.‬‬
‫ن اّلذِي نَ آ َمنُوا ثُ مّ‬
‫‪ 8508‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫كَ َفرُوا}‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هؤلء المنافقون آمنوا مرّتين‪ ,‬وكفروا مرّتين‪ ,‬ثم ازدادوا كفرا بعد ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم أ هل الكتاب ين‪ :‬التوراة والنجيل‪ ,‬أتوا ذنو با في كفر هم فتابوا‪ ,‬فلم تقبل‬
‫منهم التوبة فيها مع إقامتهم على كفرهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8509‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪ ,‬عن أبي العالية‪{ :‬إ نّ‬
‫ن آمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ آ َمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ ا ْزدَادُوا كُفْرا} قال‪ :‬هم اليهود والنصارى أذنبوا في‬
‫اّلذِي َ‬
‫شركهم‪ ,‬ثم تابوا فلم تقبل توبتهم‪ ,‬ولو تابوا من الشرك لقبل منهم‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأولى هذه القوال بتأو يل الَ ية قول من قال‪ :‬ع ني بذلك أ هل الكتاب الذ ين‬
‫أقرّوا بحكم التوراة‪ ,‬ثم كذبوا بخلفهم إياه‪ ,‬ثم أقرّ من أقرّ منهم بعيسى والنجيل‪ ,‬ثم كذب به‬
‫بخلفه إياه‪ ,‬ثم كذّب بمحمد صلى ال عليه وسلم والفرقان‪ ,‬فازداد بتكذيبه به كفرا على كفره‪.‬‬
‫وإنما قلنا‪ :‬ذلك أولى بالصواب في تأويل هذه الَية‪ ,‬لن الَية قبلها في قصص أهل الكتابين‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫أع ني قوله‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا آ ِمنُوا باللّ هِ َورَ سُوِلهِ} ول دللة تدلّ على أن قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫آ َمنُوا ثُمّ كَ َفرُوا} منقطع معناه من معنى ما قبله‪ ,‬فإلحاقه بما قبله أَوْلَى حتى تأّي دللة دالة على‬
‫انقطاعه منه‪.‬‬
‫وأما قوله‪{ :‬لَ مْ َيكُ نِ الّل ُه ِل َيغْ ِفرَ َلهُمْ} فإنه يعني‪ :‬لم يكن ال ليستر عليهم كفرهم وذنوبهم بعفوه‬
‫سبِيلً} يقول‪ :‬ولم‬
‫عن العقو بة ل هم عل يه‪ ,‬ولك نه يفضح هم على رءوس الشهاد‪{ .‬وَل ِل َي ْه ِد َيهُ مْ َ‬
‫ي كن لي سدّدهم ل صابة طر يق الح قّ فيوفق هم ل ها‪ ,‬ولك نه يخذل هم عن ها عقو بة ل هم على عظ يم‬
‫جرم هم وجراءت هم على رب هم‪ .‬و قد ذ هب قوم إلى أن المرت ّد ي ستتاب ثل ثا انتزا عا من هم بهذه‬
‫الَية‪ ,‬وخالفهم على ذلك آخرون‪ .‬ذكر من قال يستتاب ثلثا‪:‬‬
‫‪ 8510‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬عن عل يّ عليه السلم‪,‬‬
‫ن الّذينَ آ َمنُوا ُثمّ آ َمنُوا ُثمّ كَ َفرُوا}‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن كنت لمستتيب المرتدّ ثلثا‪ .‬ثم قرأ هذه الَية‪{ :‬إ ّ‬
‫ي ر ضي ال‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عا مر‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ع نه‪ :‬ي ستتاب المرتدّ ثل ثا‪ ,‬ثم قرأ‪{ :‬إ نّ اّلذِي نَ آ َمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ آ َمنُوا ثُ مّ كَ َفرُوا ثُ مّ ازْداداوا‬
‫كُفْرا}‪.‬‬
‫‪ 8511‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عبد الكريم‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن ابن‬
‫عمر‪ ,‬قال‪ :‬يستتاب المرتدّ ثلثا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يستتاب كلما ارتدّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8512‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عمرو بن قيس‪ ,‬عمن سمع إبراهيم‪,‬‬
‫قال‪ :‬يستتاب المرتدّ كلما ارتد‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬و في قيام الح جة بأن المرتدّ ي ستتاب المرة الولى‪ ,‬الدل يل الوا ضح على أن‬
‫الحكم كل مرّة ارتدّ فيها عن السلم حكم المرّة الولى في أن توبته مقبولة‪ ,‬وأن إسلمه حقن‬
‫له دمه ‪ ¹‬لن العلة التي حقنت دمه في المرة الولى إسلمه‪ ,‬فغير جائز أن توجد العلة التي من‬
‫أجلها كان دمه محقونا في الحالة الولى ثم يكون دمه مباحا مع وجودها‪ ,‬إل أن يفرق بين حكم‬
‫المرّة الولى وسـائر المرّات غيرهـا مـا يجـب التسـليم له مـن أصـل محكـم‪ ,‬فيخرج مـن حكـم‬
‫القياس حينئذٍ‪.‬‬

‫‪138‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عذَابا أَلِيما }‪..‬‬
‫ن ِبأَنّ َل ُهمْ َ‬
‫شرِ ا ْل ُمنَافِقِي َ‬
‫{ َب ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شرِ المُنافِقِي نَ}‪ :‬أخبر المنافقين‪ ,‬وقد بينا معنى التبشير فيما مضى‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪َ { :‬و َب ّ‬
‫عذَا با ألي ما} يع ني‪ :‬بأن ل هم يوم القيا مة من ال على نفاق هم‪,‬‬
‫ن َلهُ مْ َ‬
‫ب ما أغ ني عن إعاد ته‪{ .‬بأ ّ‬
‫عذابا أليما‪ ,‬وهو الموجع‪ ,‬وذلك عذاب جهنم‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َأ َي ْب َتغُو نَ‬
‫ن ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ن أَوِْليَآ َء مِن دُو ِ‬
‫ن َي ّتخِذُو نَ ا ْلكَا ِفرِي َ‬
‫{اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫جمِيعا }‪..‬‬
‫ن ال ِعزّةَ لّلهِ َ‬
‫عِندَ ُهمُ ا ْل ِعزّةَ َفإِ ّ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ} فمن صفة المنافقين‪.‬‬
‫ن الكافِرِي نَ أوْلِيا َء مِ نْ دُو ِ‬
‫أما قوله جلّ ثناؤه‪{ :‬اّلذِي نَ َيتّخذُو َ‬
‫يقول ال لنبيه‪ :‬يا محمد‪ ,‬بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي واللحاد في ديني أولياء‪:‬‬
‫ع ْندَهُ مُ العزّةَ}‬
‫يع ني أن صارا وأخلء من دون المؤمن ين‪ ,‬يع ني‪ :‬من غ ير المؤمن ين‪{ .‬أ َي ْب َتغُو نَ ِ‬
‫يقول‪ :‬أيطلبون عندهم المنعة والقوّة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل اليمان بي‪{ .‬فإنّ ال ِعزّةِ‬
‫ّهـ جَميعـا} يقول‪ :‬فإن الذيـن اتخذوهـم مـن الكافريـن أولياء ابتغاء العزّة عندهـم‪ ,‬هـم الذلء‬
‫لِل ِ‬
‫القلّء‪ ,‬فهلّ اتخذوا الولياء من المؤمنين‪ ,‬فيلتمسوا العزّة والمنعة والنصرة من عند ال‪ ,‬الذي‬
‫الشدّة ‪¹‬‬ ‫له العزّة والمن عة‪ ,‬الذي يعزّ من يشاء‪ ,‬ويذلّ من يشاء فيعزّ هم ويمنع هم؟ وأ صل العزّة‪:‬‬
‫ستِعزّ على المر يض‪ :‬إذا اشتدّ مر ضه‬
‫وم نه ق يل للرض ال صلبة الشديدة‪ :‬عزاز‪ ,‬وق يل‪ :‬قد ا ْ‬
‫وكاد ُيشْفِي‪ ,‬ويقال‪ :‬تعزّز اللحم‪ :‬إذا اشتدّ‪ ¹‬ومنه قيل‪ :‬عزّ عليّ أن يكون كذا وكذا‪ ,‬بمعنى‪ :‬اشتدّ‬
‫عليّ‪.‬‬

‫‪140‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت الّل هِ ُيكَ َفرُ ِبهَا‬
‫س ِم ْعتُمْ آيَا ِ‬
‫ن ِإذَا َ‬
‫ب أَ ْ‬
‫{ َو َقدْ َنزّلَ عََل ْيكُ مْ فِي ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫غ ْيرِ ِه ِإ ّنكُ مْ إِذا ّمثُْلهُ مْ إِ نّ الّل َه جَامِ عُ‬
‫حدِي ثٍ َ‬
‫ى َيخُوضُواْ فِي َ‬
‫حتّ َ‬
‫ستَ ْهزَأُ بِهَا فَلَ تَ ْق ُعدُواْ َم َعهُ مْ َ‬
‫َويُ ْ‬
‫جمِيعا }‪..‬‬
‫ج َهنّمَ َ‬
‫ن فِي َ‬
‫ا ْل ُمنَافِقِينَ وَا ْلكَا ِفرِي َ‬
‫يعني بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬بشر المنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪َ { .‬و َقدْ‬
‫َنزّلَ عََل ْيكُمْ فِي الكتابِ} يقول‪ :‬أخبر من اتخذ من هؤلء المنافقين الكفار أنصارا وأولياء بعد ما‬
‫س َت ْهزَأُ بِها فَل تَ ْق ُعدُوا َم َعهُ مْ حتى‬
‫ت اللّ ِه ُيكْ َفرُ بِها‪َ ,‬ويُ ْ‬
‫سمِ ْع ُتمْ آيا ِ‬
‫نزل عليهم من القرآن‪{ .‬أ نْ إذَا َ‬
‫غ ِيرِه} يع ني‪ :‬ب عد ما علموا ن هى ال عن مجال سة الكفار الذ ين يكفرون‬
‫حدِي ثٍ َ‬
‫يَخوضُوا فِي َ‬
‫غ ْيرِهـِ} يعنـي بقوله‪:‬‬
‫َديثـ َ‬
‫بحجـج ال وآي كتابـه‪ ,‬ويسـتهزئون بهـا‪{ ,‬حَت ّى َيخُوضُوا فـي ح ٍ‬
‫{ َيخُوضوا}‪ :‬يتحدّثوا حديثا غيره بأن لهم عذابا أليما‪ .‬وقوله‪{ :‬إ ّنكُ مْ إذا ِمثُْلهُ مْ} يعني‪ :‬وقد نزل‬
‫عليكم أنكم إن جالستم من يكفر بآيات ال‪ ,‬ويستهزىء بها وأنتم تسمعون فأنتم مثله‪ ,‬يعني‪ :‬فأنتم‬
‫إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلهم في فعلهم‪ ,‬لنكم قد عصيتم ال بجلوسكم معهم‪ ,‬وأنتم‬
‫ت سمعون آيات ال يك فر ب ها وي ستهزأ ب ها‪ ,‬ك ما ع صوه با ستهزائهم بآيات ال‪ ,‬ف قد أتي تم من‬
‫معصية ال نحو الذي أتوه منها‪ ,‬فأنتم إذا مثلهم في ركوبكم معصية ال‪ ,‬وإتيانكم ما نهاكم ال‬
‫ل نوع من‬
‫ع نه‪ .‬و في هذه الَ ية الدللة الواض حة على الن هي عن مجال سة أ هل البا طل من ك ّ‬
‫المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم‪.‬‬
‫وبنحو ذلك كان جماعة من المة الماضية يقولون تأ ّولً منهم هذه الَية‪ ,‬إنه مراد بها النهي‬
‫عن مشاهدة ك ّل باطل عند خوض أهله فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8513‬ــ حدثنـي المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن العوام بـن‬
‫حو شب‪ ,‬عن إبراه يم التي مي‪ ,‬عن أ بي وائل‪ ,‬قال‪ :‬إن الر جل ليتكلم بالكل مة في المجلس من‬
‫الكذب ليضحـك بهـا جلسـاءه‪ ,‬فيسـخط ال عليهـم‪ .‬قال‪ :‬فذكرت ذلك لبراهيـم النخعـي‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ستَ ْهزَأُ بِها فَل‬
‫س ِم ْعتُمْ آياتِ الّل ِه يُك َفرُ بِها ويُ ْ‬
‫صدق أبو وائل! أو ليس ذلك في كتاب ال‪{ :‬أنْ إذَا َ‬
‫حدِيثٍ غيرِ ِه إ ّن ُكمْ إذا ِمثُْل ُهمْ}‪.‬‬
‫حتّى يَخوضُوا فِي َ‬
‫تَ ْق ُعدُوا َم َع ُهمْ َ‬
‫‪ 8514‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن إدر يس‪ ,‬عن العلء بن‬
‫المنهال‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬قال‪ :‬أخذ عمر بن عبد العزيز قوما على شراب‪ ,‬فضربهم وفيهم‬
‫حدِي ثٍ غيرِه إ ّنكُ مْ إذا‬
‫صائم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن هذا صائم! فتل‪{ :‬فَلَ تَ ْق ُعدُوا َم َعهُ مْ ح تى َيخُوضوا فِي َ‬
‫ِمثُْلهُمْ}‪.‬‬
‫‪ 8515‬ـ حدث ني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي‬
‫س َت ْهزَأُ بِ ها} وقول‪{ :‬وَل‬
‫ت اللّ ِه ُيكْ َفرُ بِ ها ويُ ْ‬
‫س ِمعْ ُتمْ آيا ِ‬
‫طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬أ نْ إذَا َ‬
‫َت ّت ِبعُوا السّـبُلَ َفتَ َفرّقَـ ِبكُم ْـ عَن ْـ سَـبِيلِهِ}‪ ,‬وقوله‪{ :‬أقِيمُوا الدّينَـ ول َتتَ َفرّقُوا فِيهـِ}‪ ,‬ونحـو هذا مـن‬
‫القرآن‪ ,‬قال‪ :‬أ مر ال المؤمن ين بالجما عة‪ ,‬ونها هم عن الختلف والفر قة‪ ,‬وأ خبرهم‪ :‬إن ما هلك‬
‫من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين ال‪.‬‬
‫ج َهنّ مَ} يقول‪ :‬إن ال جا مع الفريق ين من أ هل‬
‫ن فِي َ‬
‫وقوله‪{ :‬إ نّ الّل َه جَامِ عُ المُنافقي نَ وَالكافري َ‬
‫الكفر والنفاق في القيامة في النار‪ ,‬فموفق بينهم في عقابه في جهنم وأليم عذابه‪ ,‬كما اتفقوا في‬
‫الدن يا فاجتمعوا على عداوة المؤمن ين وتوازروا على التخذ يل عن د ين ال و عن الذي ارتضاه‬
‫وأمر به أهله‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء في قراءة قوله‪َ « :‬و َقدْ ُنزّلَ عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ» فقرأ ذلك عا مة القرّاء بض مّ‬
‫النون وتثقيـل الزاي وتشديدهـا على وجـه مـا لم يسـم فاعله‪ .‬وقرأ بعـض الكوفيـن بفتـح النون‬
‫وتشد يد الزاي على مع نى‪ :‬و قد نزّل ال علي كم‪ .‬وقرأ ذلك ب عض المكي ين‪َ « :‬و َقدْ َنزَلَ عََل ْيكُ مْ»‬
‫بفتح النون وتخفيف الزاي‪ ,‬بمعنى‪ :‬وقد جاءكم من ال أن إذا سمعتم‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬ول يس في هذه القراءات الثل ثة و جه يب عد معناه م ما يحتمله الكلم‪ ,‬غ ير أن‬
‫الذي أختار القراءة به قراءة من قرأ‪َ « :‬وقَدْ ُنزّلَ» بض مّ النون وتشد يد الزاي‪ ,‬على و جه ما لم‬
‫ي سمّ فاعله ‪ ¹‬لن مع نى الكلم ف يه‪ :‬التقد يم على ما و صلت ق بل‪ ,‬على مع نى الذ ين يتخذون‬
‫ن إذَا سَم ْع ُتمْ آيا تِ الّل هِ ُيكْ َفرُ‬
‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين ‪َ « ¹‬وقَدْ ُنزّلَ عََل ْيكُ مْ فِي الكِتا بِ أ ْ‬
‫ع ْندَهُ مُ ال ِعزّةَ}‪ .‬فقوله‪{ :‬فإ نّ ال ِعزّ َة للّ ِه جَمي عا} يع ني‬
‫غ ْيرِه} {أ َي ْبتَغُو نَ ِ‬
‫حدِي ثٍ َ‬
‫بِ ها»‪ ...‬إلى قوله‪َ { :‬‬
‫التأخير‪ ,‬فلذلك كان ض مّ النون من قوله‪ُ « :‬نزّلَ» أصوب عندنا في هذا الموضع‪ .‬وكذا اختلفوا‬
‫ِنـ َقبْلُ} فقرأه بفتـح‬
‫ِتابـ اّلذِي أ ْنزَلَ م ْ‬
‫{والكتابـ اّلذِي َنزّلَ على رَسـُولِه والك ِ‬
‫ِ‬ ‫فـي قراءة قوله‪:‬‬
‫«وأنْزَلَ» أك ثر القراء‪ ,‬بمع نى‪ :‬والكتاب الذي نزّل ال على ر سوله‪ ,‬والكتاب الذي أنزل من‬
‫قبل‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة بضمه في الحرفين كلهما‪ ,‬بمعنى‪ :‬ما لم يسمّ فاعله‪ .‬وهما‬
‫متقاربتا المعنى‪ ,‬غير أن الفتح في ذلك أعجب إل يّ من الض مّ‪ ,‬لن ذكر ال قد جرى قبل ذلك‬
‫في قوله‪{ :‬آ ِمنُوا باللّهِ َو َرسُولِهِ}‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن اللّ ِه قَالُوَاْ أَلَ ْم َنكُ نْ‬
‫ح مّ َ‬
‫ن َلكُ مْ فَتْ ٌ‬
‫ن ِبكُ ْم فَإِن كَا َ‬
‫ن َيتَ َربّ صُو َ‬
‫{اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكُمُ َب ْي َنكُمْ‬
‫ن فَاللّ هُ َي ْ‬
‫ن ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ستَحْ ِوذْ عََل ْيكُمْ َو َن ْمنَ ْعكُمْ مّ َ‬
‫ن لِ ْلكَا ِفرِي نَ نَصِيبٌ قَالُوَ ْا أَلَمْ نَ ْ‬
‫ّم َعكُمْ وَإِن كَا َ‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫ن َ‬
‫جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ وَلَن َي ْ‬
‫ن ينتظرون أيها المؤمنون بكم‪{ .‬فإ نْ كَا نَ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬اّلذِي نَ َي َت َربّ صُونَ ِبكُ مْ} الّذي َ‬
‫َلكُ مْ َفتْ حٌ مِ نَ الّل هِ} يع ني‪ :‬فإن ف تح ال علي كم فت حا من عدوّ كم‪ ,‬فأفاء علي كم فيئا من المغا نم‪.‬‬
‫{قَالُوا} لكم {ألَ مْ َنكُ نْ َم َعكُ مْ} نجاهد عدوّكم‪ ,‬ونغزوهم معكم‪ ,‬فأعطونا نصيبا من الغنيمة‪ ,‬فإنا قد‬
‫ن للكافري نَ نَ صيبٌ} يع ني‪ :‬وإن كان لعدائ كم من الكافر ين ح ظّ‬
‫ن كا َ‬
‫شهد نا القتال مع كم‪{ .‬وَإ ْ‬
‫س َتحْ ِوذْ‬
‫ن َم َعكُ مْ} يعني‪ :‬قال هؤلء المنافقون للكافرين‪{ :‬ألَ مْ ن ْ‬
‫منكم بإصابتهم منكم‪{ .‬قالُوا ألَ مْ َنكُ ْ‬
‫عََل ْيكُ مْ}‪ :‬ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين‪ ,‬ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم‪ ,‬حتى امتنعوا منكم‬
‫حكُمُ َب ْي َنكُ ْم يَوْمَ القِيامَةِ} يعني‪ :‬فال يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة‪,‬‬
‫فانصرفوا‪{ .‬فاللّهُ َي ْ‬
‫فيف صل بين كم بالقضاء الفا صل بإدخال أ هل اليمان جن ته وأ هل النفاق مع أوليائ هم من الكفار‬
‫سبِيلً} يعني‪ :‬حجة يوم القيامة‪ ,‬وذلك وعد من‬
‫ن على ال ُم ْؤ ِمنِي نَ َ‬
‫جعَلَ اللّ ُه للكافِرِي َ‬
‫ن َي ْ‬
‫نارَه‪{ .‬وَلَ ْ‬
‫ال المؤمن ين أ نه لن يد خل المنافق ين مدخل هم من الج نة ول المؤمن ين مد خل المنافق ين‪ ,‬فيكون‬
‫بذلك للكافرين على المؤمنين حجة‪ ,‬بأن يقولوا لهم‪ :‬أن ادخلوا مدخلهم‪ ,‬ها أنتم كنتم في الدنيا‬
‫أعداءنا‪ ,‬وكان المنافقون أولياءنا‪ ,‬وقد اجتمعتم في النار فيجمع بينكم وبين أوليائنا‪ ,‬فأين الذين‬
‫كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا؟ فذلك هو السبيل الذي وعد ال المؤمنين أن ل‬
‫يجعلها عليهم للكافرين‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8516‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪{ :‬فإ نْ كا نَ‬
‫ِنـ اللّهـِ} قال‪ :‬المنافقون يتربصـون بالمسـلمين‪ ,‬فإن كان لكـم فتـح قال‪ :‬إن أصـاب‬
‫ْحـ م َ‬
‫ُمـ َفت ٌ‬
‫َلك ْ‬
‫المسلمون من عدوّهم غنيمة‪ ,‬قال المنافقون‪ :‬ألم نكن معكم؟ قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما‬
‫تأخذون! وإن كان للكافرين نصيب يصيبونه من المسلمين‪ ,‬قال المنافقون للكافرين‪ :‬ألم نستحوذ‬
‫عليكم‪ ,‬ونمنعكم من المؤمنين؟ قد كنا نثبطهم عنكم!‪.‬‬
‫َسـَتحْ ِوذْ عََل ْيكُمـْ} فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬ألم نغلب‬
‫َمـ ن ْ‬
‫واختلف أهـل التأويـل فـي تأول قوله‪{ :‬أل ْ‬
‫عليكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8517‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫س ْتحْ ِوذْ عََل ْي ُكمْ} قال‪ :‬نغلب عليكم‪.‬‬
‫في قوله‪{ :‬أَلمْ َن ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ألم نبين لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫س َتحْ ِوذْ‬
‫‪ 8518‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪{ :‬ألَ مْ نَ ْ‬
‫عََل ْي ُكمْ} ألم نبين لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وهذان القولن متقار با المع نى‪ ,‬وذلك أن من تأوّله بمعنى‪ :‬ألم نبين لكم إن ما‬
‫أراد إن شاء ال ألم نغلب علي كم ب ما كان م نا من البيان ل كم أنّا مع كم‪ .‬وأ صل ال ستحواذ في‬
‫شيْطا نُ فَأنْ ساهُ ْم ِذكْرَ‬
‫س َتحْ َوذَ عََل ْيهِ مْ ال ّ‬
‫ل ثناؤه‪{ :‬ا ْ‬
‫كلم العرب في ما بلغ نا الغل بة‪ ,‬وم نه قول ال ج ّ‬
‫اللّ هِ} بمعنى غلب عليهم‪ ,‬يقال منه‪ :‬حاذ عليه‪ ,‬واستحاذ يحيذ ويستحيذ‪ ,‬وأحاذ يحيذ‪ .‬ومن لغة‬
‫من قال حاذ‪ ,‬قول العجاج في صفة ثور وكلب‪:‬‬
‫َيحُـوذُهُـنّ وَلَـ ُه حُـو ِذيّ‬
‫وقد أنشد بعضهم‪:‬‬
‫َيحُـوزهُـنّ وَلَـ ُه حُـوزِي‬
‫عيْر وُأتُن‪:‬‬
‫وهما متقاربا المعنى‪ .‬ومن لغة من قال أحاذ‪ ,‬قول لبيد في صفة َ‬
‫ل‬
‫ج طِوَا ِ‬
‫ج َتمَعْتْ وأحوذَ جا ِن َبيْهاوأ ْو َردَها على عُو ٍ‬
‫إذَا ا ْ‬
‫يع ني بقوله‪ :‬وأحوذ جانبي ها‪ :‬غلب ها وقهر ها ح تى حاذ كل جا نبيه فلم يشذّ من ها ش يء‪ .‬وكان‬
‫شيْطا نُ} أن يأ تي ا ستحاذ علي هم‪ ,‬لن الواو إذا كا نت ع ين‬
‫س َتحْ َوذَ عََل ْيهِ مُ ال ّ‬
‫القياس في قوله‪{ :‬ا ْ‬
‫الفعـل وكانـت متحركـة بالفتـح ومـا قبلهـا سـاكن‪ ,‬جعلت العرب حركتهـا فـي فاء الفعـل قبلهـا‪,‬‬
‫وحوّلوها ألفا متبعة حركة ما قبلها‪ ,‬كقولهم‪ :‬استحال هذا الشيء عما كان عليه من حال يحول‪,‬‬
‫وا ستنار فلن بنور ال من النور‪ ,‬وا ستعاذ بال من عاذ يعوذ‪ .‬ورب ما تركوا ذلك على أ صله‪,‬‬
‫كما قال لبيد‪« :‬وأحوذ»‪ ,‬ولم يقل‪« :‬وأحاذ»‪ ,‬وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله‪{ :‬ا سْ َتحْ َوذَ عََل ْيهِ مُ‬
‫شيْطانُ}‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫سبِيلً} فل‬
‫ن َ‬
‫جعَلَ اللّ ُه للكافِرِي نَ على المُؤ ِمنِي َ‬
‫ن َي ْ‬
‫حكُ مُ َب ْي َنكُ مْ يَوْ مَ القِيامَةِ وَلَ ْ‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬فاللّ هُ َي ْ‬
‫خلف بين هم فـي أن معناه‪ :‬ولن يج عل ال للكافر ين يومئذٍ على المؤمنيـن سـبيلً‪ .‬ذكـر الخـبر‬
‫عمن قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8519‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن ذرّ‪ ,‬عن ُيشَيْع الحضرم يّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬كنت عند عل يّ بن أبي طالب رضي ال عنه‪ ,‬فقال رجل‪ :‬يا أمير المؤمنين أرأيت قول‬
‫سبِيلً} و هم يقاتلون نا فيظهرون ويقتلون؟ قال له‬
‫جعَلَ الّل ُه للكافِرِي نَ على المُ ْؤ ِمنِي نَ َ‬
‫ال‪{ :‬وَلَ نْ َي ْ‬
‫سبِيلً}‬
‫ن على ال ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫جعَلَ اللّ ُه للكافِرِي َ‬
‫ن َي ْ‬
‫حكُمُ َب ْي َنكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ وَلَ ْ‬
‫عليّ‪ :‬ادنه! ثم قال‪{ :‬فاللّهُ َي ْ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬أخبرنا الثور يّ‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن ذرّ‪,‬‬
‫سبِيلً} قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫ن َ‬
‫جعَلَ الّل ُه للكا ِفرِي نَ على المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫سيْع الكندي في قوله‪{ :‬وََلنْ َي ْ‬
‫عن يُ َ‬
‫سبِيلً}؟‬
‫جعَلَ الّل ُه للكافِرِي نَ على المُؤ ِمنِي نَ َ‬
‫عل يّ بن أ بي طالب‪ ,‬فقال‪ :‬ك يف هذه الَ ية‪{ :‬وَلَ نْ َي ْ‬
‫ن على‬
‫جعَلَ اللّ هُ} يوم القيا مة {للكافِرِي َ‬
‫ن َي ْ‬
‫حكُ مُ َب ْي َنكُ مْ يَوْ مَ القِيامَ ِة وَلَ ْ‬
‫فقال عل يّ‪ :‬اد نه! {فاللّ هُ َي ْ‬
‫سبِيلً}‪.‬‬
‫ن َ‬
‫المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫حدث نا ا بن بشار قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن ذرّ‪ ,‬عن‬
‫ي بنحوه‪.‬‬
‫سيْع الحضرميّ‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ُب َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا غندر‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سليمان يحدّث عن ذرّ‪ ,‬عن‬
‫ن على المُؤ ِمنِي نَ‬
‫جعَلَ الّل هُ للكافِرِي َ‬
‫ن َي ْ‬
‫رجل‪ ,‬عن عل يّ رضي ال عنه أنه قال في هذه الَية‪{ :‬وَلَ ْ‬
‫سبِيلً} قال‪ :‬في الَخرة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪8520‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبي مالك‪{ :‬وََلنْ‬
‫سبِيلً} يوم القيامة‪.‬‬
‫ن على المُؤ ِمنِينَ َ‬
‫جعَلَ اللّ ُه للكافِرِي َ‬
‫َي ْ‬
‫‪ 8521‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‬
‫ل اللّهُـ للكافِرِينَـ على المُ ْؤ ِمنِينَـ سَـبِيلً} قال‪ :‬ذاك يوم‬
‫جعَ َ‬
‫الخراسـانيّ‪ ,‬عـن ابـن عباس‪{ :‬وَلَن ْـ َي ْ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وأما السبيل في هذا الموضع فالحجة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8522‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫سبِيلً} قال‪ :‬حجة‪.‬‬
‫ن َ‬
‫جعَلَ الّل ُه للكا ِفرِينَ على المُؤ ِمنِي َ‬
‫في قوله‪{ :‬وََلنْ َي ْ‬

‫‪142‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ وَِإذَا قَامُوَ ْا إِلَى‬
‫عه ْ‬‫ّهـ وَهُ َو خَادِ ُ‬
‫ُونـ الل َ‬
‫ِينـ ُيخَادِع َ‬
‫ِنـ ا ْل ُمنَافِق َ‬
‫{إ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل قَلِيلً }‪..‬‬
‫ن الّلهَ ِإ ّ‬
‫ل َيذْ ُكرُو َ‬
‫الصّلَةِ قَامُواْ ُكسَاَلىَ ُيرَآءُونَ النّاسَ َو َ‬
‫قد دللنا فيما مضى قبل على معنى خداع المنافق ربه ووجه خداع ال إياهم‪ ,‬بما أغني عن‬
‫إعادته في هذا الموضع‪ ,‬مع اختلف المختلفين في ذلك‪.‬‬
‫فتأويل ذلك‪ :‬إن المنافقين يخادعون ال باحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم‪ ,‬وال خادعهم بما‬
‫حكـم فيهـم مـن منـع دمائهـم بمـا أظهروا بألسـنتهم مـن اليمان‪ ,‬مـع علمـه بباطـن ضمائرهـم‪,‬‬
‫واعتقادهم الكفر‪ ,‬استدراجا منه لهم في الدنيا حتى يلقوه في الَخرة‪ ,‬فيوردهم بما استنبطنوا من‬
‫الكفر نار جهنم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8523‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عهُمْ} قال‪ :‬يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع‬
‫ن اللّهَ وَ ُه َو خادِ ُ‬
‫ن يُخادِعُو َ‬
‫ن المُنافِقِي َ‬
‫السديّ‪{ :‬إ ّ‬
‫المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا‪ ,‬ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه‪ ,‬فيقومون في ظلمتهم ويضرب‬
‫بينهم بالسور‪.‬‬
‫{إنـ‬
‫‪8524‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪ّ :‬‬
‫عهُ مْ} قال‪ :‬نزلت في عبد ال بن أب يّ‪ ,‬وأبي عامر بن النعمان‪,‬‬
‫ن اللّ هَ وَ ُهوَ خادِ ُ‬
‫المُنافِقِي نَ يُخادِعُو َ‬
‫وفي المنافقين ‪ ¹‬يخادعون ال وهو خادعهم‪ ,‬قال‪ :‬مثل قوله في البقرة‪{ :‬يُخادِعُو نَ الّل َه وَاّلذِي نَ‬
‫عهُ مْ} فيقول‪ :‬في النور الذي يعطي‬
‫سهُمْ}‪ .‬قال‪ :‬وأما قوله‪{ :‬وَهُ َو خادِ ُ‬
‫ن إلّ أنْفُ َ‬
‫آ َمنُوا وَما يُخادِعُو َ‬
‫المنافقون مـع المؤمنيـن‪ ,‬فيعطون النور‪ ,‬فإذا بلغوا السـور سـلب‪ ,‬ومـا ذكرا ل مـن قوله‪:‬‬
‫ع ُهمْ}‪.‬‬
‫ن نُو ِركُمْ} قال‪ :‬قوله‪{ :‬وَهُ َو خادِ ُ‬
‫س مِ ْ‬
‫{ا ْنظُرُونا نَ ْق َتبِ ْ‬
‫‪ 8525‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفيان بن حسين‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬أنه‬
‫عهُ مْ} قال‪ :‬يُلْقَى على كلّ مؤمن ومنافق نور‬
‫ن اللّ هَ وَ ُه َو خادِ ُ‬
‫ن يُخادِعُو َ‬
‫ن المُنافِقِي َ‬
‫كان إذا قرأ‪{ :‬إ ّ‬
‫يمشون بـه‪ ,‬حتـى إذا انتهوا إلى الصـراط طفيـء نور المنافقيـن‪ ,‬ومضـي المؤمنيـن بنورهـم‪,‬‬
‫س ُكمْ} قال الح سن‪ :‬فتلك‬
‫ن نُو ِركُ مْ}‪ ...‬إلى قوله‪{ :‬وََل ِك ّنكُ مْ َفتَ ْنتُ ْم أنْفُ َ‬
‫س مِ ْ‬
‫فينادون هم‪{ :‬ا ْنظُرُو نا نَ ْق َتبِ ْ‬
‫خديعة ال إياهم‪.‬‬
‫ن النّا سَ} فإ نه يع ني‪ :‬أن المنافق ين ل‬
‫وأ ما قوله‪{ :‬وَإذَا قامُوا إلى ال صّل ِة قامُوا كُ سَالى ُيرَاءُو َ‬
‫يعملون شيئا من العمال التي فرضها ال على المؤمنين على وجه التقرب بها إلى ال‪ ,‬لنهم‬
‫غير موقنين بمعاد ول ثواب ول عقاب‪ ,‬وإنما يعملون ما عملوا من العمال الظاهرة بقاء على‬
‫أنفسهم وحذارا من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم‪ ,‬فهم إذا قاموا إلى الصلة التي‬
‫‪¹‬‬ ‫هي من الفرائض الظاهرة‪ ,‬قاموا ك سالى إلي ها‪ ,‬رياءً للمؤمن ين‪ ,‬ليح سبوهم من هم ولي سوا من هم‬
‫لنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم‪ ,‬فهم في قيامهم إليها كسالي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8526‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪{ :‬وَإذَا قامُوا‬
‫إلى الصّلةِ قامُوا ُكسَالى} قال‪ :‬وال لول الناس ما صلى المنافق ول يصلي إل رياء وسمعة‪.‬‬
‫‪ 8527‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬وَإذَا قامُوا إلى‬
‫الصّلةِ قامُوا ُكسَالى ُيرَاءونَ النّاسَ} قال‪ :‬هم المنافقون‪ ,‬لول الرياء ما صلوا‪.‬‬
‫ل قائلً أن يقول‪ :‬وهل من ذكر ال شيء قليل؟ قيل‬
‫ل قَلِيلً} فلع ّ‬
‫وأما قوله‪{ :‬وَل َي ْذكُرونَ الّلهَ إ ّ‬
‫له‪ :‬إن معنى ذلك بخلف ما إليه ذهبت‪ ,‬إنما معناه‪ :‬ول يذكرون ال إل ذكرا رياء‪ ,‬ليدفعوا به‬
‫عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الموال‪ ,‬ل ذكر موقن مصدّق بتوحيد ال مخلص له الربوبية‪,‬‬
‫فلذلك سـماه ال قليلً‪ ,‬لنـه غيـر مقصـود بـه ال ول ُم ْبتَغَي بـه التقرّب إلى ال‪ ,‬ول مرادا بـه‬
‫ثواب ال‪ ,‬و ما عنده ف هو وإن ك ثر من و جه نَ صَب عامله‪ ,‬وذاكره في مع نى ال سراب الذي له‬
‫ظاهر بغير حقيقة ماء‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8528‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن أ بي الش هب‪ ,‬قال‪ :‬قرأ الح سن‪{ :‬وَل‬
‫ل قَلِيلً} قال‪ :‬إنما قلّ لنه كان لغير ال‪.‬‬
‫َي ْذكُرونَ الّلهَ إ ّ‬
‫ن اللّ هَ‬
‫‪8529‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪{ :‬وَل َي ْذكُرو َ‬
‫ل ما ردّ ال قليل وكلّ ما قبل ال كثير‪.‬‬
‫إلّ قَلِيلً} قال‪ :‬إنما قلّ ذكر المنافق لن ال لم يقبله‪ ,‬وك ّ‬

‫‪143‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ ّم َذ ْبذَبِين َـ َبيْن َـ ذَلِك َـ لَ إَِلىَ هَــؤُلءِ َولَ إِلَى هَــؤُلءِ وَمَن‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبِيلً }‪..‬‬
‫جدَ َلهُ َ‬
‫ُيضْلِلِ اللّ ُه فَلَن َت ِ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪ُ { :‬م َذ ْب َذبِي نَ}‪ :‬مردّدين‪ ,‬وأصل التذبذب‪ :‬التحرّك والضطراب‪ ,‬كما قال‪,‬‬
‫النابغة‪:‬‬
‫ب‬
‫ك دُوَنها َيتَذبْذَ ُ‬
‫عطَاكَ سُورَةًترَى كُلّ مَ ْل ٍ‬
‫ن اللّهَ أ ْ‬
‫أَل ْم تَرَ أ ْ‬
‫وإ نا ع نى بذلك‪ :‬أن المنافق ين متحيرون في دين هم‪ ,‬ل يرجعون إلى اعتقاد ش يء على صحةٍ‬
‫فهـم لمـع المؤمنيـن على بصـيرة‪ ,‬ول مـع المشركيـن على جهالة‪ ,‬ولكنهـم حيارى بيـن ذلك‪,‬‬
‫فمثلهم المثل الذي ضرب لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬الذي‪:‬‬
‫‪8530‬ـ حدثنا به محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهبا‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال عن نافع‪ ,‬عن‬
‫ن ال َغ َن َميْ نِ‪,‬‬
‫ل المُنافِ قِ َك َمثَله الشّاةِ العائِر ِة َبيَ َ‬
‫ابن عمر‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪َ « :‬مثَ ُ‬
‫َتعِيرُ إلى َهذِهِ َمرّةً وَإلى َهذِ ِه مَرّةً‪ ,‬ل َت ْدرِي أ ّي َتهُما َت ْتبَعُ»‪.‬‬
‫وحدثنا به محمد بن المثنى مرّة أخرى عن عبد الوهاب‪ ,‬فوقفه على ابن عمر ولم يرفعه‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب مرْتين كذلك‪.‬‬
‫ثني عمران بن بكار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن‬
‫عمر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8531‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ِكـ ل إلى هَؤلءِ وَل إلى َهؤُلءِ} يقول‪ :‬ليسـوا بمشركيـن فيظهروا‬
‫بينـ ذَل َ‬
‫ِينـ َ‬
‫السـديّ‪ُ { :‬م َذبْ َذب َ‬
‫الشرك‪ ,‬وليسوا بمؤمنين‪.‬‬
‫ن ذَلِ كَ ل إلى‬
‫ن بي َ‬
‫‪ 8532‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ُ { :‬م َذ ْبذَبي َ‬
‫هَؤُلءِ وَل إلى َهؤُلءِ} يقول‪ :‬لي سوا بمؤمن ين مخل صين ول مشرك ين م صرّحين بالشرك‪ .‬قال‪:‬‬
‫وذكر لنا أن نبيّ ال عليه ال صلة والسلم كان يضرب مثلً للمؤمن والمنافق والكافر‪ ,‬كمثل‬
‫رهط ثلثة دفعوا إلى نهر‪ ,‬فوقع المؤمن فقطع‪ ,‬ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن‪,‬‬
‫ناداه الكا فر‪ :‬أن هل مّ إل يّ فإ ني أخ شى عل يك! وناداه المؤ من‪ :‬أن هل مّ إل يّ فإن عندي وعندي!‬
‫يحصي له ما عنده‪ .‬فما زال المنافق يتردّد بينهما حتى أتي عليه الماء فغرّقه‪ ,‬وإن المنافق لم‬
‫يزل في ش كّ وشب هة ح تى أ تى عل يه الموت و هو كذلك‪ .‬قال‪ :‬وذ كر ل نا أن نبيّ ال صلى ال‬
‫غنَ ما عَلى َنشَزٍ‪ ,‬فَأ َتتْ ها فَلَ مْ‬
‫غ َن َميْ نِ رأ تْ َ‬
‫غيَ ٍة بي نَ َ‬
‫ق َك َمثَلِ ثا ِ‬
‫عل يه و سلم كان يقول‪َ « :‬مثَلُ المُنافِ ِ‬
‫ُتعْ َرفْ‪ ,‬ثمّ رأتْ غَنما على َنشَزٍ فَأ َتتْها وَشا ّمتْها فَلَمْ ُت ْع َرفْ»‪.‬‬
‫‪ 8533‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪ُ { :‬م َذبْ َذبِينَ} قال‪ :‬المنافقون‪.‬‬
‫‪ 8534‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن ذَلِكَ ل إلى َهؤُلءِ وَل إلى هُؤلءِ} يقول‪ :‬ل إلى أصحاب محمد صلى ال‬
‫ن بي َ‬
‫مجاهد‪ُ { :‬م َذ ْبذَبي َ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ول إلى هؤلء اليهود‪.‬‬
‫‪ 8535‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ُ { :‬م َذ ْب َذبِي نَ‬
‫بينَ ذَِلكَ} قال‪ :‬لم يخلصوا اليمان فيكونوا مع المؤمنين‪ ,‬وليسوا مع أهل الشرك‪.‬‬
‫‪ 8536‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪{ :‬م َذ ْب َذبِي نَ بي نَ‬
‫ذَلكَ}‪ :‬بين السلم والكفر {ل إلى هَؤُلءِ وَل إلى هَؤلءِ}‪.‬‬
‫سبِيلً} فإنه يعني‪ :‬من يخذ له ال عن طريق الرشاد‬
‫جدَ لَ هُ َ‬
‫ن َت ِ‬
‫وأما قوله‪َ { :‬ومَ نْ ُيضْلِلِ الّل ُه فَلَ ْ‬
‫وذلك هو اللم الذي دعا ال إليه عباده‪ ,‬يقول‪ :‬من يخذ له ال عنه فلم يوفقه له‪ ,‬فلن تجد له يا‬
‫محمد سبيلً‪ :‬يعني طريقا يسلكه إلى الح قّ غيره‪ .‬وأ يّ سبيل يكون له إلى الح قّ غير السلم؟‬
‫وقد أخبر ال جل ثناؤه‪ :‬أنه من يتبع غيره دينا فلن يُقبل منه‪ ,‬ومن أضله ال عنه فقد غوى‪,‬‬
‫فل هادي له غيره‪.‬‬

‫‪144‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُونـ‬
‫ِينـ َأوِْليَآءَ م ِن د ِ‬
‫ل َت ّتخِذُو ْا ا ْلكَافِر َ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ َ‬
‫{ي َا َأيّه َا اّلذ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫جعَلُو ْا للّهِ عََل ْي ُكمْ سُ ْلطَانا ّمبِينا }‪..‬‬
‫ن أَن َت ْ‬
‫ن َأتُرِيدُو َ‬
‫ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫وهذا نهي من ال عباده المؤمنين أن يتخلقوا بأخلق المنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء‬
‫من دون المؤمن ين‪ ,‬فيكونوا مثل هم في ركوب ما نها هم ع نه من موالة أعدائه‪ .‬يقول ل هم جلّ‬
‫ثناؤه‪ :‬يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬ل توالوا الكفار فتوازروهم من دون أهل ملتكم ودينكم‬
‫ل ثناؤه متوعدا من ات خذ‬
‫من المؤمن ين‪ ,‬فتكونوا ك من أو جب له النار من المنافق ين‪ .‬ثم قال ج ّ‬
‫من هم الكافر ين أولياء من دون المؤمن ين إن هو لم يرتدع عن موال ته وين جر عن مخال ته أن‬
‫يلحقه بأهل وليتهم من المنافقين الذين أمر نبيه صلى ال عليه وسلم بتبشيرهم بأن لهم عذابا‬
‫أليما‪ :‬أتريدون أيها المتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ,‬ممن قد آمن بي وبرسولي أن‬
‫تجعلوا ل عليكـم سـلطانا مبينـا‪ ,‬يقول‪ :‬حجـة باتخاذكـم الكافريـن أولياء مـن دون المؤمنيـن‪,‬‬
‫فتستوجبوا منه ما استوجبه أهل النفاق الذين وصف لكم صفتهم وأخبركم بمحلهم عنده { ُمبِينا}‬
‫يع ني‪ :‬عن صحتها وحقيت ها‪ ,‬يقول‪ :‬ل تعرضوا لغ ضب ال بإيجاب كم الح جة على أنف سكم في‬
‫تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالة أعدائه وأهل الكفر به‪.‬‬
‫وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8537‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ { :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫جعَلُوا لِلّ هِ عََل ْيكُ مْ سُلْطانا ُمبِينا}‬
‫ن أ ُترِيدُو نَ أ نْ َت ْ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ن دُو ِ‬
‫خذُوا الكا ِفرِي نَ أوْلِيا َء مِ ْ‬
‫آ َمنُوا ل َت ّت ِ‬
‫قال‪ :‬إن ل السلطان على خلقه‪ ,‬ولكنه يقول عذرا مبينا} قال‪ :‬إن ل السلطان على خلقه‪ ,‬ولكنه‬
‫يقول عذرا مبينا‪.‬‬
‫‪ 8538‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة بن عق بة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬ما كان في القرآن من سلطان فهو حجة‪.‬‬
‫‪ 8539‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد في قوله‪{ :‬سُلْطانا ُمبِينا} قال‪ :‬حجة‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬

‫‪145‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ‬
‫جدَ َله ْ‬
‫ِنـ النّارِ وَلَن َت ِ‬
‫السـفَلِ م َ‬
‫ْ‬ ‫ْكـ‬
‫ِينـ فِي ال ّدر ِ‬
‫ِنـ ا ْل ُمنَافِق َ‬
‫{إ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫َنصِيرا }‪..‬‬
‫ل مِ نع النّارِ}‪ :‬إن المنافق ين في الط بق‬
‫ن المُنافِقِي نَ فِي الدّرْ كِ ال سْفَ ِ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬إ ّ‬
‫ال سفل من أطباق جه نم‪ .‬و كل ط بق من أطباق جه نم درّك‪ ,‬وف يه لغتان‪ :‬درَك بت سكينها‪ ,‬ف من‬
‫فتـح الراء جمعـه فـي القلة أدراك‪ ,‬وإن شاء جمعـه فـي الكثرة الدروك‪ ,‬ومـن سـكن الراء قال‪:‬‬
‫ثل ثة أدرُك‪ ,‬وللكث ير‪ :‬الدروك‪ .‬و قد اختل فت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء المدي نة‬
‫والب صرة‪« :‬فِي الدّرَ كِ» بف تح الراء‪ .‬وقرأ ته عا مة قرّاء الكو فة بت سكين الراء‪ .‬وه ما قراءتان‬
‫معروفتان‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ ,‬لتفاق معنـى ذلك واسـتفاضة القراءة بكلّ واحدة‬
‫منه ما في قراءة ال سلم‪ .‬غيرأ ني رأ يت أ هل العلم بالعرب ية يذكرون أن ف تح الراء م نه في‬
‫العرب أشهر من تسكينها‪ ,‬وحكموا سماعا منهم‪ :‬أعطني َدرَكا أصل به حبلي‪ ,‬وذلك إذا سأل ما‬
‫يصل به حبله الذي قد عجز عن بلوغ الركيّة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8540‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن سلمة بن كهيل‪ ,‬عن خيثمة‪ ,‬عن‬
‫ن النّارِ} قال‪ :‬في توابيت من حديد مبهمة عليهم‪.‬‬
‫ل مِ َ‬
‫ن فِي ال ّدرْكِ السْفَ ِ‬
‫ن المُنافِقِي َ‬
‫عبد ال‪{ :‬إ ّ‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وهب بن جرير‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سلمة‪ ,‬عن خيثمة‪ ,‬عن‬
‫ن المنافقين في توابيت من حديد مقفلة عليهم في النار‪.‬‬
‫عبد ال قال‪ :‬إ ّ‬
‫‪ 8541‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيـى بن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن ذكوان‪,‬‬
‫ل مِنَ النّارِ} قال‪ :‬في توابيت ُترْتجُ عليهم‪.‬‬
‫ن فِي ال ّد ْركِ السْفَ ِ‬
‫ن المنافِقِي َ‬
‫عن أبي هريرة‪{ :‬إ ّ‬
‫‪ 8542‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫ن النّارِ} يعني‪ :‬في‬
‫ن المُنافِقِينَ فِي ال ّدرْكِ السْفَلِ مِ َ‬
‫عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪{ :‬إ ّ‬
‫أسفل النار‪.‬‬
‫‪ 8543‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال لي عبد‬
‫ن النّارِ} قال‪ :‬سمعنا أن جهنم أدْراك‪ ,‬منازل‪.‬‬
‫ل مِ َ‬
‫ال بن كثير‪ ,‬قوله‪{ :‬فِي الدّ ْركِ السْفَ ِ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن سلمة بن كه يل‪ ,‬عن‬
‫ن النّارِ} قال‪ :‬تواب يت من نار تط بق‬
‫ل مِ َ‬
‫ن فِي الدّرْ كِ ال سْفَ ِ‬
‫ن المُنافِقِي َ‬
‫خيث مة‪ ,‬عن ع بد ال‪{ :‬إ ّ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫جدَ َلهُ ْم نَ صِيرا} فإنه يعني‪ :‬ولن تجد لهؤلء المنافقين يا محمد من ال إذا‬
‫وأما قوله‪{ :‬وََل نْ َت ِ‬
‫جعلهم في الدّرك السفل من النار ناصرا ينصرهم منه‪ ,‬فينقذهم من عذابه‪ ,‬ويدفع عنهم أليم‬
‫عقابه‪.‬‬

‫‪146‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صمُو ْا بِاللّ هِ وََأخْلَ صُواْ دِي َنهُ مْ للّ هِ‬
‫عتَ َ‬
‫ن تَابُواْ وَأَ صَْلحُواْ وَا ْ‬
‫{ِإلّ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫ن َأجْرا َ‬
‫ت اللّ ُه ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ف يُؤْ ِ‬
‫َفأُوْلَـئِكَ مَ َع ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َوسَ ْو َ‬
‫وهذا ا ستثناء من ال جل ثناؤه‪ ,‬ا ستثنى التائب ين من نفاق هم إذا أ صلحوا وأخل صوا الد ين ل‬
‫وحده وتبرّءوا من الَلهة والنداد‪ ,‬وصدّقوا رسوله‪ ,‬أن يكونوا مع المصرّين على نفاقهم‪ ,‬حتى‬
‫يوفيهم مناياهم فِي الَخرة‪ ,‬وأن يدخلوا مداخلهم من جهنم‪ .‬بل وعدهم جلّ ثناؤه أن يُحلهم مع‬
‫المؤمن ين محلّ الكرا مة‪ ,‬وي سكنهم مع هم م ساكنهم في الج نة‪ ,‬ووعد هم من الجزاء على توبت هم‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫الجزيل من العطاء‪ ,‬فقال‪َ :‬وسَ ْوفَ يُ ْؤتِي الّلهُ المُؤ ِمنِينَ أجْرا َ‬
‫ِينـ تَابُوا} أي راجعوا الحقـّ‪ ,‬وأبوا إل القرار بوحدانيـة ال وتصـديق‬
‫فتأويـل الَيـة‪{ :‬إلّ اّلذ َ‬
‫رسوله وما جاء به من عند ربه‪ ,‬من نفاقهم‪{ .‬وأَ صَْلحُوا}‪ :‬يعني وأصلحوا أعمالهم‪ ,‬فعملوا بما‬
‫عتَ صمُوا‬
‫أمر هم ال به وأدّوا فرائ ضه‪ ,‬وانتهوا ع ما نها هم ع نه وانزجروا عن معا صيه‪{ .‬وا ْ‬
‫بال} يقول‪ :‬وتمسكوا بعهد ال‪ .‬وقد دللنا فيما مضى قبل‪ ,‬على أن العتصام‪ :‬التمسك والتعلق‪,‬‬
‫فالعتصـام بال‪ :‬التمسـك بعهده وميثاقـه الذي عهـد فـي كتابـه إلى خلقـه مـن طاعتـه وترك‬
‫مع صيته‪{ .‬وأخْلَ صوا دِي َنهُ مْ لِّل هِ} يقول‪ :‬وأخل صوا طاعت هم وأعمال هم ال تي يعملون ها ل‪ ,‬فأرادوه‬
‫ب ها‪ ,‬ولم يعملو ها رئاء الناس ول على ش كّ من هم في دين هم وامتراء من هم‪ ,‬في أن ال مح صٍ‬
‫عليهم ما عملوا‪ ,‬فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ‪ ¹‬ولكنهم عملوها على يقين منهم‬
‫فـي ثواب المحسـن على إحسـانه وجزاء المسـيء على إسـاءته‪ ,‬أو يتفضـل عليـه ربـه فيعفـو‪,‬‬
‫ل ثناؤه‪:‬‬
‫متقرّبين بها إلى ال مريدين بها وجه ال ‪ ¹‬فذلك معنى إخلصهم ل دينهم‪ .‬ثم قال ج ّ‬
‫{فَأُوَلئِ كَ مَ عَ المُ ْؤ ِمنِي نَ} يقول‪ :‬فهؤلء الذين وصف صفتهم من المنافقين بعد توبتهم وإصلحهم‬
‫واعتصامهم بال وإخلصهم له مع المؤمنين في الجنة‪ ,‬ل مع المنافقين الذي ماتوا على نفاقهم‪,‬‬
‫عظِيما} يقول‪:‬‬
‫الذي أوعدهم الدّ ْركَ السفل من النار‪ .‬ثم قال‪َ { :‬وسَ ْوفَ يُ ْؤتِي الّلهُ ال ُم ْؤ ِمنِينَ أجْرا َ‬
‫وسـوف يعطـي ال هؤلء الذيـن هذه صـفتهم على توبتهـم وإصـلحهم واعتصـامهم بال‬
‫وإخلصهم دينهم له على إيمانهم‪ ,‬ثوابا عظيما‪ ,‬وذلك درجات في الجنة‪ ,‬كما أعطى الذين ماتوا‬
‫على النفاق منازل في النار‪ ,‬و هي ال سفلى من ها ‪ ¹‬لن ال جلّ ثناؤه و عد عباده المؤمن ين أن‬
‫يؤتي هم على إيمان هم ذلك‪ ,‬ك ما أو عد المنافق ين على نفاق هم ما ذ كر في كتا به‪ .‬وهذا القول‪ ,‬هو‬
‫معنى قول حذيفة بن اليمان الذي‪:‬‬
‫‪ 8544‬ـ حدث نا به ا بن حم يد وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬قال‬
‫حذيفة‪ :‬ليدخل نّ الجنة قوم كانوا منافقين! فقال عبد ال‪ :‬وما علمك بذلك؟ فغضب حذيفة‪ ,‬ثم قام‬
‫فتنحّى‪ .‬فلما تفرّقوا مرّ به علقمة فدعاه‪ ,‬فقال‪ :‬أما إنّ صاحبك يعلم الذي قلت! ثم قرأ {إلّ اّلذِينَ‬
‫س ْوفَ يُؤتِي الّل هُ‬
‫ك مَ عَ المُ ْؤ ِمنِي نَ وَ َ‬
‫صمُوا بالّل هِ وأخْلَ صُوا دِي َنهُ ْم لِلّ ِه فَأُوَلئِ َ‬
‫عتَ َ‬
‫تابُوا وأ صَْلحُوا وَا ْ‬
‫عظِيما}‪.‬‬
‫ن أجْرا َ‬
‫المُؤ ِمنِي َ‬

‫‪147‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ ُه شَاكِرا عَلِيما‬
‫شكَ ْرتُمْ وَآ َم ْنتُمْ َوكَا َ‬
‫{مّا يَ ْفعَلُ الّل ُه ِب َعذَابِكُمْ إِن َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫}‪..‬‬
‫ش َكرْتُ مْ وآ َم ْنتُ مْ}‪ :‬ما يصنع ال أيها المنافقون‬
‫ن َ‬
‫ل اللّ ُه َب َعذَا ِبكُ مْ إ ْ‬
‫يعني جلّ ثناؤه بقوله‪{ :‬ما يَ ْفعَ ُ‬
‫بعذاب كم‪ ,‬إن أن تم تب تم إلى ال ورجع تم إلى الح قّ الوا جب ل علي كم‪ ,‬فشكرتموه على ما أن عم‬
‫عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولدكم‪ ,‬بالنابة إلى توحيده والعتصام به‪ ,‬وإخلصكم‬
‫أعمالكم لوجهه‪ ,‬وترك رياء الناس بها‪ ,‬وآمنتم برسوله محمد صلى ال عليه وسلم فصدّقتموه‬
‫وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به‪ .‬يقول‪ :‬ل حاجة بال أن يجعلكم في الدرك السفل‬
‫من النار إن أنتم أنبتم إلى طاعته وراجعتم العمل بما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ‪ ¹‬لنه ل‬
‫يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعا ول يدفع عنها ضرّا‪ ,‬وإنما عقوبته من عاقب من خلقه جزاء منه‬
‫له على جراء ته عل يه وعلى خل فه أمره ونه يه وكفرا نه ش كر نع مه عل يه‪ .‬فإن أن تم شكر تم له‬
‫على نع مة وأطعتموه في أمره ونه يه‪ ,‬فل حا جة به إلى تعذيب كم‪ ,‬بل يش كر ل كم ما يكون من كم‬
‫ن اللّ هَ‬
‫من طاعة له وشكر‪ ,‬بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم فلم تبلغه آمالكم‪{ .‬وكَا َ‬
‫شَاكِرا} ل كم ولعباده على طاعت هم إياه باجزاله ل هم الثواب علي ها‪ ,‬وإعظا مه ل هم العوض من ها‪.‬‬
‫ص ذلك كله‬
‫{عَلِي ما} ب ما تعملون أي ها المنافقون وغير كم من خ ير وشرّ و صالح وطالح‪ ,‬مح ٍ‬
‫عليكم محيط بجميعه‪ ,‬حتى يجازيكم جزاءكم يوم القيامة‪ ,‬المحسن بإحسانه والمسيء باساءته‪.‬‬
‫وقد‪:‬‬
‫ل اللّ هُ‬
‫‪ 8545‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ { :‬ما يَ ْفعَ ُ‬
‫ل ثناؤه ل يعذّب شاكرا ول‬
‫ن اللّ ُه شاكِرا عَلِي ما} قال‪ :‬إن ال ج ّ‬
‫ش َكرْتُ مْ وآ َم ْنتُ مْ وكا َ‬
‫ن َ‬
‫ِب َعذَا ِبكُ مْ إ ْ‬
‫مؤمنا‪.‬‬

You might also like