Professional Documents
Culture Documents
فـــي
شرح الربعين
للشيخ العلمة
محمد بن صـــالح العثيمين
إعداد :
سلطان بن سراي الشمري
الـمــــقدمــــــة
الحمد لله والصلة والسلم على رسول لله وعلى آله
ومن وله ...ثم أما بعد:
2
هذا تلخيص شرح الربعين النووية للشيخ
العلمة :محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ،
والمسمى :بـ) التلخيص المعين في شرح
الربعين للشيخ العلمة ابن عثيمين ( والذي
أحسبه أنه قيم إن شاءلله و يتضمن تلخيص
الشرح والمعاني والفوائد المستنبطة في آخر
الشرح ،وبعض المسائل المهمة ،مع ذكر الراجح
إن كان هناك ترجيح ،وكذلك الترجمة إن كان
هناك ترجمة ،مع عدم إهمال التقسيمات
والفروق .
وأخيرا ً أرجو من الله عز وجل أن يكون هذا
التلخيص خير معين لفهم المقصود إن شاء الله
وأن يجعله حجة لنا يوم نلقاه ،وما كان من خطأ
فمن نفسي والشيطان ،وما كان من صواب
فمن الله الواحد القهار ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه أجمعين
ومن كان لديه إقترحات أوملحظات
فليراسلنا على هذا الميل:
bnsrray@naseej.com
الحديث الول
ل: قا َ ب َ خ ّ ح ْ َ َ
طا ِ ن ال َ ِ مَر ب ْ ع َص ُ ٍ ف ن أبي َ مني َ مؤ ِ ر ال ُ مي ِ نأ ِ ع ْ َ
ت، ل ِبالن ّّيا ِ ما ُ َ قو ُ ه يَ ُ سو َ
ع َ ما ال ْ ل " :إ ِن ّ َ ل الل ِ ت َر ُ ع ُ م ْ س َِ
ه
ه ِإلى الل ِ جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْف َ وى َ ، ما ن َ َ ء َ رى ٍ م ِلا ْ ما ل ِك ُ ّ وإن ّ َ َ
ه
جَرت ُ ُ ه ْت ِكان َ ْ ن َ م ْ و َ
وله َ ، س ُوَر ُ ه َ ه إلى الل ِ جرت ُ ُ ه ِْ سوله َ
ف وَر ُ َ
َ َ
جَر إل َي ْ ِ
ه ها َما َ ه ِإلى َ جَرت ُ ُ ه ْ ف ِها َ ، ح َ ة ي َن ْك ِ ُمرأ ٍ ها ،أو ا ْ صي ْب ُ َل ِدُن َْيا ي ُ ِ
"
رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن
ه البخاري ،وأبو الحسين إبراهيم بن المغيرة بن ب َْرِدْزب َ ْ
جاج ين مسلم القشيري النيسابوري ،في مسلم بن الح ّ
صحيحيهما الَلذين هما أصح الكتب المصنفة .
الــشــــرح
ن " هو أبو حفص عمر بن الخطاب آلت عن أ َ
مني َ مؤ ِ ر ال ُ ِ مي
ِ " َ ْ
إليه الخلفة بتعين أبي بكر الصديق له .
ت " دليل على أنه أخذه من النبي بل ع ُ م ْ
س ِ وفي قوله َ ":
واسطة .
ولفظ الحديث انفرد به عمر وتلقته المة بالقبول التام ،
حتى إن البخاري رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث ،
ومعنى الحديث ثابت بالقرآن والسنة .
ت " فيه من أوجه البلغة ل ِبالن ّّيا ِما ُ ع َ ما ال َ ْ قوله ": إ ِن ّ َ
الحصر ،وهو :
إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه .
ما ( تفيد الحصر . ما " لن ) إ ِن ّ َ وطريق الحصر " :إ ِن ّ َ
وى " .ما ن َ َ
ء َ
رى ٍم ِ لا ْ ما ل ِك ُ ّوإن ّ َ وكذلك قوله َ " :
4
ة َ َ ن َ
مرأ ٍ ها ،أو ا ْ
صي ْب ُ َ
ه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ جَرت ُ ُ
ه ْ ت ِ كان َ ْ م ْ
و َوفي قوله َ ":
ه " من البلغة :إخفاء جَر إل َي ْ ِ ها َما َ ه ِإلى َجَرت ُ ُ
ه ْ ها َ ،
ف ِ ح َ
ي َن ْك ِ ُ
ه"جَر إل َي ْ ِ
ها َ
ما َه ِإلى َ جَرت ُ ُ ه ْ ف ِنية من هاجر للدنيا ،لقوله َ " :
ولم يقل :إلى دنيا يصيبها ،والفائدة البلغية في ذلك هي :
تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل ،أي ليس أهل ً لن يذكر ،بل
ه". جَر إل َي ْ ِ ها َ ما َ يكنى عنه بقوله ِ ":إلى َ
سوله" الجواب " : وَر ُ ه َ ه ِإلى الل ِ جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْ ف َ وقوله َ " :
وله " فذكره تنويها ً بفضله. س ُ وَر ُ ه َ ه إلى الل ِ جرت ُ ُ ه ْ ِ َ
ف
ها ، َ َ ن َ
ح َة ي َن ْك ِ ُمرأ ٍ ها ،أو ا ْ صي ْب ُ َه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ م ْ و َ " َ
ر إل َْيه " ولم يقل :إلى دنيا يصيبها أو ج َ ها َ ما َ ه ِإلى َ جَرت ُ ُ ه ْ ف ِ َ
امرأة ينكحها ،لن فيه تحقيرا ً لشأن ما هاجر إليه وهي :
الدنيا أو المرأة .
* أما من جهة العراب ،وهو البحث الثاني :
ت " مبتدأ وخبر ،العمال : ل ِبالن ّّيا ِ ما ُ ع َ ما ال َ ْ فقوله " إ ِن ّ َ
مبتدأ ،والنيات :خبره .
دم ق ّ وى " أيضا ً مبتدأ وخبر ،لكن ُ ما ن َ َ ء َ رى ٍ م ِ لا ْ ما ل ِك ُ ّ وإن ّ َ " َ
وى " متأخر . ما ن َ َ الخبر على المبتدأ ؛ والمبتدأ هو " َ
ه
ه إلى الل ِ جرت ُ ُ ه ْ ف ِ سوله َ وَر ُ ه َ ه ِإلى الل ِ جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْ ف َ " َ
وله " هذه جملة شرطية ،أداة الشرط فيها :من ، س ُ وَر ُ َ
وفعل الشرط :كانت ،وجواب الشرط :فهجرته إلى الله
ورسوله .
ه ل ِدُن َْياجَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْ و َ
وهكذا نقول في أعراب قوله َ ":
ها " صي ْب ُ َ يُ ِ
* أما في اللغة فنقول :
ل " جمع عمل ،ويشمل أعمال القلوب وأعمال ما ُ ع َ " ال َ ْ
النطق ،وأعمال الجوارح ،فتشمل هذه الجملة العمال
بأنواعها .
ت " النيات :جمع نية وهي :القصد . ل ِبالن ّّيا ِ ما ُ ع َ " ال َ ْ
وشرعًا :العزم على فعل العبادة تقربا ً إلى الله تعالى ،
ومحلها القلب ،فهي عمل قلبي ول تعلق للجوارح بها .
وى " أي ما نواه ما ن َ َ ن" َ ء " أي لكل إنسا ٍ رى ٍ م ِ لا ْ ما ل ِك ُ ّ وإن ّ َ " َ
.
5
هنا مسألة :هل هاتان الجملتان بمعنى واحد ،أو مختلفان ؟
الجواب :يجب أن نعلم أن الصل في الكلم التأسيس دون
التأكيد ،ومعنى التأسيس :أن الثانية لها معنى مستقل ،
ومعنى التأكيد :أن الثانية بمعنى الولى .
وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة رأيان :
والصواب :أن الثانية غير الولى ،فالكلم من باب التأسيس
ل من باب التوكيد ،فالولى باعتبار المنوي وهو العمل .
والثانية :باعتبار المنوي له وهو المعمول له ،هل أنت
عملت لله أو عملت للدنيا .
تكان َ ْن َم ْ ويدل لهذا ما فرعه النبي في قوله َ " :
ف َ
وله " س ُوَر ُه َ ه إلى الل ِ جرت ُ ُ
ه ْ سوله َ
ف ِ وَر ُه َ
ه ِإلى الل ِ جَرت ُ ُ
ه ْ
ِ
وعلى هذا يبقى الكلم ل تكرار فيه .
والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات ،وتمييز
العبادات بعضها من بعض .
* و مثال تميز العادات عن العبادات :
-أول ً :الرجل يأكل الطعام شهوة فقط ،والرجل الخر
يأكل الطعام امتثال ً لمر الله في قوله :
رُبوا ْ ( (1أكل الثاني عبادة ،وأكل الول عادة وك ُُلوا ْ َ
وا ْ
ش َ َ
.
-ثانيا ً :الرجل يغتسل بالماء البارد تبردا ً ،والثاني يغتسل
بالماء من الجنابة ،فالول عادة ،والثاني :عبادة .
ولهذا قال بعض أهل العلم :عبادات أهل الغفلة عادات ،
وعادات أهل اليقظة عبادات .
* و مثال تميز العبادات بعضها من بعض:
رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع ،وآخر يصلي ركعتين
ينوي بذلك الفريضة ،فالعملن تميزا بنية ،هذا نفل وهذا
س.ق ْ واجب ،وعلى هذا َ
ف ِ
ق بها إطلقا ً ،لنك * واعلم أن النية محلها القلب ،ول ي ُن ْطَ ُ
تتعّبد لمن يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ،والله
تعالى عليم بما في قلوب عباده ،ولست تريد أن تقوم بين
يدي من ل يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به ،إنما
)(1
) .العراف (31 :
6
تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم
متقّلبك وماضيك ،وحاضرك .
ردْ عن رسول الله ول عن أصحابه رضوان الله ولهذا لم ي َ ِ
فظون بالنية . عليهم أنهم كانوا يتل ّ
مل َّبي :لبيك اللهم * وهنا مسألة :إذا قال قائل :قول ال ُ
جًا ،أليس هذا جا ً ،ولبيك اللهم عمرة وح ّ عمرة ،ولبيك ح ّ
نطقا ً بالنية ؟
فالجواب :ل ،هذا من إظهار شعيرة الّنسك ،ولهذا قال
بعض العلماء :إن التلبية في النسك كتكبيرة الحرام في
ب لم ينعقد الحرام ،كما أنه لو لم تكبر الصلة ،فإذا لم تل ّ
تكبيرة الحرام للصلة ما انعقدت صلتك .
* ولهذا ليس من السنة :إن يقال :اللهم إني أريد نسك
سره لي ،لن هذا ذكر يحتاج إلى العمرة ،أو أريد الحج في ّ
دليل ول دليل عليه .
ن في كتابه الفلني ؟ فإذا قال :قالها فل ٌ
فقل له :القول ما قال الله ورسوله .
وى " هذه هي نّية المعمول له ، ما ن َ َء َ رى ٍ م ِ لا ْ ما ل ِك ُ ّ وإن ّ َ " َ
والناس يتفاوتون فيها تفاوتا ً عظيما ً .
* ثم ضرب النبي مثل ً بالمهاجر فقال :
ه " الهجرة في اللغة :مأخوذة من الهجر جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْ ف َ " َ
وهو الترك .
وأما في الشرع فهي :النتقال من بلد الكفر إلى بلد
السلم .
* وهنا مسألة :هل الهجرة واجبة أو سنة ؟
والجواب :أن الهجرة واجبة على كل مؤمن ل يستطيع
إظهار دينه في بلد الكفر ،فل يتم إسلمه إل بالهجرة ،وما
ل يتم الواجب إل به فهو واجب .
كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة ،أو من مكة إلى
المدينة .
ه
ه إلى الل ِ
جرت ُ ُ
ه ْف ِسوله َ وَر ُه َ
ه ِإلى الل ِ جَرت ُ ُ ه ْ ت ِ كان َ ْ ن َ م ْ ف َ " َ
وله " كرجل انتقل من مكة قبل الفتح إلى المدينة يريد س ُ وَر ُ َ
الله ورسوله ،أي :يريد ثواب الله،ويريد الوصول إلى الله
7
سول َ ُ
ه ( (1إذا ً وَر ُ ه َ ن الل ّ َرد ْ َ ن تُ ِ كنت ُ ّوِإن ُ كقوله تعالى َ :
يريد الله :أي يريد وجه الله ونصرة دين الله ،وهذه إرادة
حسنة .
ويريد رسول الله :ليفوز بصحبه ويعمل بسنته ويدافع عنها
ب عنه ،ونصرة دينه ،فهذا هجرته إلى الله ويدعو إليها والذ ّ
ورسوله .
* وهنا مسألة :بعد موت الرسول هل يمكن أن نهاجر إليه
عليه الصلة والسلم؟
الجواب :أما شخصه فل ولذلك ل ُيهاجر إلى المدينة من
أجل شخص الرسول لنه تحت الثرى ،وأما الهجرة إلى
سنته وشرعه فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل :
الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الله الرسول والذود عنها .
فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين ،والهجرة إلى رسول
الله لشخصه وشريعته حال حياته ،وبعد مماته إلى شريعته
فقط .
ها " بأن علم أن في البلد صي ْب ُ َه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ
جَرت ُ ُه ْ
ت ِ ن َ
كان َ ْ م ْو َ
" َ
الفلني تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح ،فهذا
هجرته إلى دنيا يصيبها ،وليس له إل ما أراد ،وإذا أراد الله
أل يحصل على شيء لم يحصل على شيء .
أو من هاجر من بلد إلى لمرأة يتزوجها ،بأن خطبها وقالت
ل أتزوجك إل إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه
.
قوله رحمه الله ) :رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن
ه البخاري ،وأبو إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن ب َْرِدْزب َ ْ
جاج ين مسلم القشيري النيسابوري ، الحسين مسلم بن الح ّ
في صحيحيهما الَلذين هما أصح الكتب المصنفة ( .
أي صحيح البخاري وصحيح مسلم وهما أصح الكتب المصنفة
في علم الحديث ،ولهذا قال بعض المحدثين إن ما اتفقا
عليه ل يفيد الظن فقط بل العلم .
وصحيح البخاري أصح من مسلم ،لن البخاري – رحمه الله –
يشترط في الرواية أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه ،
أما مسلم – رحمه الله – فيكتفي بمطلق المعاصرة مع إمكان
)(1
) .الحزاب (29 :
8
اللقي وإن لم يثبت لقيه ،وقد أنكر على من يشترط اللقاء
في أول الصحيح إنكارا ً عجيبا ً .
فالصواب ما ذكره البخاري – رحمه الله – أنه ل بد من ثبوت
اللقي .
لكن ذكر العلماء أن سياق مسلم – رحمه الله – أحسن من
سياق البخاري ،لنه -رحمه الله – يفّرق الحديث ،ففي
الصناعة صحيح مسلم أفضل ،وأما في الرواية والصحة
فصحيح البخاري أفضل .
ني وقالـــــوا :أي ذَي ْ ِ لد ّ م في تشاجر قو ٌ
دمتق ّ البخاري ومسلم
كما فاق في حسن الصناعة فقلت :لقد فاق
.. مسلم .. البخاري صحة
فالحديث إذا صحيح يفيد العلم اليقيني ،لكنه ليس يقينيا ً
بالعقل وإنما هو يقيني بالنظر لثبوته عن النبي .
* من فوائد الحديث :
-1هذا الحديث أحد الحاديث التي عليه مدار السلم ،ولهذا
قال العلماء :مدار السلم على حدثين :هما هذا الحديث ،
عل َي َ
د" و َر ّ ه َمُرَنا ف ُ هأ ْ مل ً ل َي ْ َ
س َ ْ ِ ع َ
ل َ م َ
ع ِ
ن َم ْ
وحديث عائشة َ " :
فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب ،فهو ميزان العمال
الباطنة ،وحديث عائشة :عمدة أعمال الجوارح .
-2من فوائد الحديث :أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن
ما
بعض ،والعبادات عن المعاملت لقول النبي " : إ ِن ّ َ
ت ". ما ُ
ل ِبالن ّّيا ِ ال َ ْ
ع َ
* مسألة :لو خرج شخص بعد زوال الشمس من بيته متطهرا ً
ودخل المسجد وليس في قلبه أنها صلة الظهر ،ول صلة
العصر ،ول صلة العشاء ،ولكن نوى بذلك فرض الوقت ،
فهل تجزئ أو ل تجزئ ؟
الجواب :قيل تجزئ :ول يشترط تعيين المعّينة ،فيكفي أن
الصلة وتتعين الصلة بتعيين الوقت ،وهذه رواية عن المام
أحمد – رحمه الله تعالى ، -وهذا هو القول هو الصحيح
الذي ل يسع الناس العمل إل به.
ث على الخلص لله ،لن النبي -3من فوائد الحديث :الح ّ
قسم الناس إلى قسمين :
9
قسم :أراد بعمله وجه الله والدار الخرة .
وقسم :بالعكس ،وهذا يعني الحث على الخلص لله .
-4من فوائد الحديث :حسن تعليم النبي وذلك :بتنويع
ت " وهذا ل ِبالن ّّيا ِ ما ُ ما ال َ ْ
ع َ الكلم وتقسيمه ،لنه قال " إ ِن ّ َ
وى " وهذا للمعمول له ، ما ن َ َء َرى ٍ م ِ
لا ْ ما ل ِك ُ ّ وإن ّ َ
للعمل " َ
هذا أول ً .
حسن التعليم :تقسيم الهجرة إلى قسمين : والثاني من ُ
شرعية وغير شرعية ،وهذا من حسن التعليم ،ولذلك ينبغي
للمعلم أن ل يسرد المسائل على الطالب سردا ً لن هذا
سي ،بل عليه أ ،يجعل أصول ً ،وقواعد وتقييدات ،لن ذلك ي ُن ْ ِ
أقرب لثبوت العلم في قلبه ،أما أن تسرد عليه المسائل
فما أسرع أن ينساها.
-5من فوائد الحديث :قرن الرسول مع الله تعالى بالواو
سوله " ولم يقل :ثم إلى رسوله ، وَر ُ ه َ حيث قال ِ " :إلى الل ِ
قا َ
ل ": ف َ
تَ ، شئ ْ َهو ِ ما شاءَ الل ُ مع أن رجل ً قال للرسول َ :
ده " فما الفرق ؟ ح َ و ْ ه َ شاءَ الل ُ ما َ ل َ بَ ْ
والجواب :أما ما يتعلق بالشريعة :فيعبر عنه بالواو ،لن ما
صدر عن النبي من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما
ه (1 ع الل ّ َ طا َقد ْ أ َ َف َ ل َ سو َ ع الّر ُ ن ي ُطِ ِ م ْ قال تعالى ّ :
(
وأما المور الكونية :فل يجوز أن ُيرن مع الله أحدٌ بالواو أبدا ً
،لن كل شي تحت إرادة الله تعلى ومشيئته.
فإذا قال قائل :هل ينزل المطر غدا ً ؟
فقيل :الله ورسوله أعلم ،فهذا خطأ ،لن الرسول
ليس عنده علم بهذا .
م أم حلل ؟ * مسألة :وإذا قال :هل هذا حرا ٌ
فقيل في الجواب :الله ورسوله أعلم ،فهذا صحيح ،لن
حكم الرسول في المور الشرعية حكم الله تعالى كما
ه ع الل ّ َطا َ قد ْ أ َ َ ف َ ل َ سو َ ع الّر ُ ن ي ُطِ ِ م ْقال ّ :
( (1
)(1
) .التوبة (122 :
11
بل نقول في بقائه إصلح ،فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه
في الصلح والمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والحاصل أن الهجرة من بلد الكفر ليست كالهجرة من بلد
الفسق ،فيقال للنسان :اصبر واحتسب ول سيما إن كنت
مصلحا ً ،بل قد يقال :إن الهجرة في حقك حرام .
الحديث الثاني
ن ح ُ ما ن َ ْ قال :ب َي ْن َ َ ه َأيضا ً َ عن ْ ُ عاَلى َ ه تَ َ ي الل ُ ض َ مَر َر ِ ع َ ن ُ ع ْ َ
لج ٌ عل َْينا َ َر ُ ع َ وم ٍ إ َذْ طَل َ َ ت يَ ْ ذا َ ه َ ل الل ِ سو ِ عن ْدَ َر ُ س ِ و ٌ جل ُ ْ ُ
َ
ه أث َُر عَلي ِ ر ل َ ي َُرى َ ِ ع ش ْ واِد ال ّ س َ دي ْدُ َ ش ِ ض الّثياب َ ِ دي ْدُ ب ََيا ش ِ َ
فه منا أحد حتى جل َس إَلى النبي َ َ
د
سن َ َفأ ْ ِ َ َ َ ٌ َ ر ُ ُ ِ ع ِ ول َ ي َ ْ ر َ ف ِ س َ ال ّ
ل َ :يا قا َ و َ ه َ ذي ْ ِ خ ِ ف ِ عَلى َ ه َ كفي ْ ِ ع َ ض َ و َ و َ ه َ ه إَلى ُرك ْب َت َي ْ ِ ُرك ْب َت َي ْ ِ
ه ": سو ُ قا َ ف َ لم َ ، س َ محمد أ َ
ل الل ِ ل َر ُ ن ال ِ ْ ِ ع
َ ني ِ ر ْ ِ ب خ ْ ُ َ ّ ُ
َ َ َ
ل الله سو ُ مدَا ً َر ُ ح ّ م َ ن ُ وأ ّ ه َ ن ل َ إَله إل ّ الل ُ هد َ أ ْ ش َ ن تَ ْ مأ ْ سل َ ُ ال ِ ْ
ج
ح ّ وت َ ُ نَ ، ضا َ م َ م َر َ و َ ص ْ وت َ ُ كاةَ َ ، ي الّز َ ؤت ِ َ وت ُ ْ لة َ ، ص َ م ال ّ قي ْ َ وت ُ ِ َ ،
سب ِي ْل ً " ه َ ت ِإلي ْ ِ طع َ ست َ َ ن اِ ْ ت إِ ِ البي ْ َ
َ
ل: قا َ هَ ، ق ُ صد ّ ُ وي ُ َ ه َ سأل ُ ُ ه يَ ْ جب َْنا ل َ ُ فع ِ تَ . ق َ صدَ ْ لَ : قا َ َ
لئك َِته ، َ قا َ نَ ، فأ َ ْ َ
م ِ و َ ن ِبالله َ ، م َ ن ُتؤ ِ ل":أ ْ ما ِ ن ال ِي ْ َ ع ِ ي َ رن ْ خب ِ ِ
هر ِ خي ْ ِ ر َ قد َ ِ ن ِبال َ م َ ؤ ِ وت ُ ْ خر َ ، وال َْيوم ِ ال َ ِ هَ ، سل ِ ِ وُر ُ هَ ، وك ُت ُب ِ ِ َ
ه" شّر ِ و َ َ
ن َ قا َ نَ ، ل َ قا َ تَ ، صدَ ْ قا َ َ
ل":أ ْ سا ِ ح َ ن ال ِ ْ ع ِ ي َ خب ِْرن ِ ْ فأ ْ ق َ لَ :
ك". ه ي ََرا َ فإ ِن ّ ُ ن ت ََراهُ َ م ت َك ُ ْ نل ْ فإ ِ ْ ك ت ََراهُ َ ، ه ك َأ َن َ َ عب ُدَ الل َ تَ ْ
َ
ها عن ْ َ ل َ و ُ مسئ ُ ُ ما ال ْ َ لَ ": قا َ ةَ ، ع ِ سا َ ن ال ّ ِ ع خب ِْرِني َ فأ ْ لَ : قا َ َ
َ ب ِأ َ ْ
ل ": قا َ ماَراِتها َ ، نأ َ ع ْ ي َ خب ِْرن ِ ْ فأ ْ لَ : قا َ ل" َ سائ ِ ِ ن ال ّ م َ م ِ عل َ َ
عاءَ ر َ ة
َ َ ل عا ال َ ة را ع ال َ ة فا َ ح ال ترى َ ن ة ربت َها ،وأ َ ُ م ن ت َل ِدَ ال َ أَ
ِ َ َ ُ ُ ْ َ َ ّ َ َ ْ
ممل ِي ّا ث ُ ًّ ت َ فلِبث ُ َ ق َ م ان ْطل َ َ َ ن " ثْ ّ في الب ُن َْيا ِ ن ِ و َ ول ُ ْ طا َ ء ي َت َ َ شا ِ ال ّ
َ
سوله وَر ُ ه َ ت الل ُ قل ْ ُ ل؟ " ُ سائ ِ ُ ن ال ّ م َِ ري َ مُر أت َدْ ِ ع َ ل َ " :يا ُ قا َ َ
م " رواه م ِدي ْن َك ُ ْ مك ُ ْ عل ّ ُ م يُ َ ل أَتاك ُ ْ ري ْ ُ جب ْ ِ ه ِ فإ ِن ّ ُ ل َ ": قا َ م َ عل َ ُ أَ ْ
مسلم .
12
الشرح
ما " هي " بينا" ولكن زيدت س " "ب َي ْن َ َ و ٌ جل ُ ْ ن ُ ح ُ ما ن َ ْ قوله " :ب َي ْن َ َ
ما( زيدت للتوكيد . ما( فيها والصل :بين نحن َ ) ، ) َ
ه " ل الل ِ سو ِ عن ْدَ َر ُ س " مبتدأ ،وخبره ِ " : و ٌ جل ُ ْ " ُ
وم ٍ " ذات هنا تفيد النكرة ،أي في يوم من اليام ت يَ ْ ذا َ " َ
،وتستعمل في اللغة على وجوه متعددة :تارة تكون بمعنى
تذا َ النكرة الدالة على العموم :كما في جملة الحديث " َ
وم ٍ " وهذا أغلب ما تستعمل . يَ ْ
ض الّثياب " أي عليه ثياب . دي ْدُ ب ََيا ِ ش ِ " َ
ر " أي أنه شاب . ع ِ ش ْ واِد ال ّ س َدي ْدُ َ ش ِ " َ
عَلي َ
ر " لن ثيابه بيضاء وشعره أسود ف ِس َ ه أث َُر ال ّ " ل َ ي َُرى َ ِ
ليس فيه غبار ول شعث السفر ،ولن المسافر في ذلك
الوقت ُيرى عليه أثر السفر .
د " أي وليس من أهل المدينة ح ٌ منا أ َ ه ِ ف ُ ر ُ ع ِ ول َ ي َ ْ " َ
المعروفين ،فهو غريب .
س إَلى النِبي " ولم يقل عنده ليفيد الغاية ، جل َ َ حتى َ " َ
أي أن جلوسه كان ملصقا ً للنبي .
ولهذا قال َ َ " :
ه " أي ع َ
كفي ْ ِ ض َو َ و َه َه إَلى ُرك ْب َت َي ْ ِ سن َدَ ُرك ْب َت َي ْ ِ فأ ْ
ه " أي فخذي هذا الرجل ، ذي ْ ِخ ِف ِ عَلى َ كفي هذا الرجل " َ
وليس على فخذي النبي ،وهذا من شدة الحترام .
د " ولم يقل :يا رسول الله ليوهم أنه م ُ ح ّ م َ ل َ :يا ُ قا َ و َ " َ
أعرابي ،لن العراب ينادون النبي باسمه العلم ،وأما
أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلة
والسلم .
لم " أي ما هو السلم ؟ أخبرني عنه . س َ ن ال ِ ْ ِ ع
خب ِْرِني َ " أَ ْ
شهد أ َن ل َ إَله إل ّ الله َ " السل َم أ َ
سو ُ
ل مدَا ً َر ُ
ح ّم َ ن ُوأ ّ َ ُ ْ َ َ ْ َ ت نْ ِ ْ ُ
الله " تشهد أي تقر وتعترف بلسانك وقلبك ،فل يكفي
من اللسان ،بل ل بد من اللسان والقلب قال الله :إ ِّل َ
ن .1 مو َ عل َ ُ م يَ ْ ه ْ و ُ ق َ ح ّ هدَ ِبال ْ َ ش ِ َ
1
) .الزخرف (86 :
13
َ
ل الله " أي وتشهد أن محمدا ً رسول سو ُ مدَا ً َر ُ ح ّم َن ُ وأ ّ " َ
الله ،ولم يقل :أني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لنه
يخاطبه ،لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيما ً .
مدَا ً " هو محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي ح ّ م َ وقوله ُ ":
من ذرية إسماعيل ،وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه .
ل الله " رسول بمعنى مرسل ،والرسول هو من سو ُ " َر ُ
أوحى الله بشرع وأمر بتبليغه والعمل به .
لة " أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة . ص َ م ال ّ قي ْ َ وت ُ ِ " َ
لة " تشمل الفريضة والنافلة . ص َ وكلمة " :ال ّ
ة " تؤتي بمعنى تعطي ،والزكاة هي المال كا َ ي الّز َ ؤت ِ َ وت ُ ْ " َ
الواجب بذله لمستحقه من الموال الزكوية تعبدا ً لله ،وهي
الذهب والفضة والماشية والخارج من الرض وعروض
التجارة .
ن " أي تمسك عن المفطرات تعبدا ً لله ضا َ م َ م َر َ و َ ص ْ وت َ ُ " َ
تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
وأصل الصيام في اللغة :المساك .
ت " أي تقصد البيت لداء النسك في وقت ج البي ْ َ ح ّ وت َ ُ " َ
مخصوص تعبدا ً لله تعالى .
سب ِي ْل ً " .ه َ ت ِإلي ْ ِ طع َ ست َ َ ن اِ ْ " إِ ِ
ت " القائل صدقت :جبريل عليه السلم وهو السائل ق َ صد َ ْ " َ
،فكيف يقول :صدقت وهو السائل ؟
لن الذي يقول :صدقت للمتكلم يعني أن عنده علما ً سابقا ً
علم بأن هذا الرجل أصابه ،وهو محل عجب ،ولهذا تعجب
الصحابة كيف يسأله ويصدقه ،لكن سيأتي إن شاء الله بيان
هذا .
* شرح هذه الركان الخمسة :
-الركن الول :شهادة أن ل إله إل الله وإن محمدا ً رسول
الله .
ل هذان الركنان ركنا ً واحدا ً ،ولم يجعل ع َج ِهنا مسألة :لماذا ُ
ركنين ؟
الجواب :أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة العمال كلها ،
لن شهادة أل إله إل الله تستلزم الخلص ،وشهادة أن
14
محمدا ً رسول الله تستلزم التباع ،وكل عمل يتقرب له إلى
الله ل يقبل إل بهذين الشرطين :الخلص لله ،والمتابعة
لرسول الله .
ومعنى أن تشهد أن ل إله إل الله ،أي :أن يعتبر النسان
بلسانه وقلبه بأنه ل معبود حق إل الله .
د" بمعنى أقر بقلبي ناطقا ً بلسانس ؛ لن الشهادة ه ُ ش َو" أ َ ْ
نطق وإخبار عما في القلب .
وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس ل يستطيع النطق فإنه يكفي
إقراره بقلبه للعجز .
والشهادة باللسان ل تكفي بدليل أن المنافقين يشهدون
لله بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم ،فيقولون
بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ،فل ينفعهم .
ه " أي ل معبود بحق إل الله وبتقديرنا الخبر و " ل َ إَله إل ّ الل ُ
بهذه الكلمة " حق " يتبين الجواب عن الشكال التالي :وهو
ه " مع أن هناك آلهة تعبد من دون كيف ُيقال ":ل َ إَله إل ّ الل ُ
الله ،وقد سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة ،قال الله
ندو ِمن ُ ن ِ
عو َ م ال ِّتي ي َدْ ُه ُهت ُ ُم آل ِ َ ه ْ عن ْ ُت َ ما أ َ ْ
غن َ ْ ف َ تعالى َ :
ه" ء فبتقدير الخبر في " ل َ إَله إ ِل ّ الل ُ ي ٍ ش ْ من َ ه ِ الل ّ ِ
1
1
) العراف (188 :
17
لة " يشمل كل الصلة :الفريضة والنافلة ، ص َ وقوله " :ال ّ
وهل تدخل في صلة الجنازة أو ل ؟
يحتمل هذا وهذا ،لكن تدخل في عموم المر بالحسان .
ة " تؤتي بمعنى تعطي ،والزكاة هي :المال كا َي الّز َ وت ُ ْ
ؤت ِ َ " َ
الواجب ف الموال الزكوية ،فيعطيه النسان مستحقه تعبدا ً
لله ورجاء لثوابه .
وقد بّين الله أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية
ن
كي ِ
سا ِ وال ْ َ
م َ قَراء َ ت ل ِل ْ ُ
ف َ صد َ َ
قا ُ ما ال ّ
أصناف فقال إ ِن ّ َ
ب في الّر َ
قا ِ و ِم َ قُلوب ُ ُ
ه ْ ة ُ ف ِؤل ّ َ
م َوال ْ ُ عل َي ْ َ
ها َ ن َمِلي َ
عا ِوال ْ َ
َ
ه ّ
ن الل ِ
م َ
ة ّ
ض ًري َ ل َ
ف ِ سِبي ِن ال ّ ّ ْ
واب ْ ِ
ه َل الل ِ سِبي ِ في َ و ِ ن َمي َر ِغا ِوال َ َ
أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلء ول نعطي غيرهم
م 1وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب كي ٌ ح ِ م َ عِلي ٌه َ والل ّ ُ َ
الفقه ول حاجة إلى تفصيله هنا .
ن " بأن تمسك عن المفطرات من طلوع ضا َ م َ م َر َو َ ص ْوت َ ُ " َ
الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبدا ً لله تعالى .
والمفطرات أيضا ً معروفة ل حاجة إلى ذكرها ولكن ننّبه على
شيء مهم فيها :
أن المفطرات ل تفطر الصائم إل بثلثة شروط :
-1أن يكون عالما ً .
-2أن يكون ذاكرا ً .
-3أن يكون مريدا ً .
ت " أي تقصد لداء المناسك في وقت مخصوص ج البي ْ َ ح ّ وت َ ُ" َ
تعبدا ً لله تعالى .
وهل يدخل في ذلك العمرة أو ل ؟
فيه خلف بين العلماء :
والصحيح أن العمرة دون الحج ،أي ليست من أركان السلم
لكنها واجبة يأثم النسان بتركها إذا تمت شروط الوجوب .
سب ِي ْل ً " مؤخوذ من قوله تعالى : ه َت ِإلي ْ ِ طع َ ست َ َن اِ ْ " إِ ِ
سِبيل ً قد
2
ه َع إ ِل َي ْ ِ ست َ َ
طا َ نا ْ م ِ ج ال ْب َي ْ ِ
ت َ ح ّ س ِ على الّنا ِ
ه َ َ ول ِل ّ ِ
َ
1
) التوبة (60 :
2
) آل عمران (97 :
18
يقول قائل :هذا الشرط ف جميع العبادات لقول الله تعالى
م 1فلماذا خص الحج ؟ عت ُ ْ ست َطَ ْ ما ا ْ ه َ قوا الل ّ َ فات ّ َُ :
نقول :خص الحج لن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم
القدرة ،فلذلك نص عليه وإل فجميع العبادات ل بد فيها من
الستطاعة .
ت " أي أخبرت بالحق ،والقائل هو جبريل ق َ صد َ ْ لَ : قا َ " َ
عليه السلم .
َ
ه " ووجه العجب أن السائل عادة ق ُ صد ّ ُ
وي ُ َه َ سأل ُ ُ ه يَ ْ جب َْنا ل َ ُ فع ِ " َ
يكون جاهل ً ،والمصدق يكون عالما ً فكيف يجتمع هذا وهذا .
ن " قال :أي جبريل ،فأخبرني فأ َ
لَ : قا َ " َ
ما ِ ن ال ِي ْ َ ِ ع
َ يْ رن ِ ِ ب خ
ْ
:أي يا محمد عن اليمان ؟
واليمان في اللغة :هو القرار بالقلب والعتراف المستلزم
للقبول والذعان وهو مطابق للشرع .
وأما قولهم :اليمان في اللغة التصديق ففيه نظر .
َ
ه،سل ِ ِوُر ُ وك ُت ُب ِ ِ
هَ ، لئك َِته َ ، م ِ
و َ ن ِبالله َ ، م َ ن ُتؤ ِ ل":أ ْ قا َ " َ
ه " هذه ستة شّر ِ و َ
ه َر ِ
خي ْ ِ
ر َ قد َ ِ ن ِبال َ م َ ؤ ِ وت ُ ْ خر َ ، وال َْيوم ِ ال َ ِ َ
أشياء :
ن ِبالله " اليمان بالله يتضمن أربعة أشياء : َ
م َ ن ُتؤ ِ " أ ْ
الول :اليمان بوجوده سبحانه وتعالى .
الثاني :اليمان بانفراده بالّربوبية ،أي تؤمن بأنه وحده
الّرب ،والرب هو الخالق المالك المدبر .
الثالث :اليمان بانفراده باللوهية ،وأنه وحده الذي ل إله إل
هو ل شريك له.
الرابع :أن تعطي بالسماء والصفات على الوجه اللئق به
من غير تحريف ،ول تعطيل ،ول تكيف ،ول تمثيل ،فمن
حّرف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق
اليمان بالله.
وعلى هذا فجميع المبتدعة في السماء والصفات،
المخالفين لما عليه السلف الصالح ،ولم يحققوا اليمان
بالله ،والذي فاتهم من المور الربعة هو الرابع :اليمان
بأسماء الله وصفاته ،ولم يحققوا اليمان به ،ول نقول :
1
) التغابن (16 :
19
إنهم غير مؤمنين ،فهم مؤمنون ل شك ،لكنهم لم يحققوا
اليمان بالله ،وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف ،
ك ،ولكن ل يحكم على صاحبه بالضلل وطريقتهم ضل بل ش ّ
حتى تقوم عليه الحجة ،فإذا قامت عليه الحجة ،وأصر على
خطئه وضلله ،كان مبتدعا ً فيما خالف فيه من الحق ،وإن
ي على وجه الطلق ،بل يوصف بأنه سلفي فيما كان سلف ّ
وافق السلف ،مبتدع فيما خالفهم .
لئك َِته " بدأ بالملئكة قبل الرسل والكتب م ِ و َوقوله َ " :
لنهم عالم غيبي ،أما الرسل والكتب فعالم محسوس ،
فالملئكة ل يظهرون بالحس إل بإذن الله ، وقد خلق الله
ر ،كما ثبت عن النبي وهم ل يحتاجون الملئكة من نو ٍ
إلى أكل وشرب ،فنؤمن إن هناك عالما ً غيبيا ً هم الملئكة .
وهم أصناف ،ووظائفهم أيضا ً حسب حكمة الله كالبشر
أصناف ووظائفهم أصناف.
من : واليمان بالملئكة يتض ّ
أول ً :اليمان بأسماء من علمنا أسماءهم ،مثل أن نؤمن بأن
هناك ملكا ً اسمه جبريل .
ثانيا :أن نؤمن بما لهم من أعمال مثل ً :
جبريل :موكل بالوحي ،ينزل به من عند الله إلى رسله.
كذلك يجب اليمان بما لبعض الملئكة من أعمال خاصة،
ل :هناك ملئكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد. فمث ً
ه " جمع كتاب بمعنى :مكتوب والمراد بها الكتب التي وك ُت ُب ِ ِ
" َ
أنزلها الله على رسله لنه ما من رسول إل أنزل الله
ُ
ث الل ّ ُ
ه ع َفب َ َ حدَةً َ وا ِ ة َ م ً سأ ّ ن الّنا ُ كا َ عليه كتابا ً كما قال َ :
ب 1وقال م ال ْك َِتا َ ه ُ ع ُم َل َ وَأنَز َ ن َ ري َ
ذ ِ من ِ
و ُ
ن َ
ري َ ش ِ مب َ ّ
ن ُ الن ّب ِّيي َ
ة
و َ ما الن ّب ُ ّ ه َفي ذُّري ّت ِ ِ عل َْنا ِ
ج َ و َ عن نوح وإبراهيم َ :
ب 2واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له وال ْك َِتا َ َ
ك َ
وأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ هيمنة علها وهو القرآن ،قال الله َ :
مًنا
هي ْ ِ
م َ
و ُ ن ال ْك َِتا ِ
ب َ م َ
ه ِ
ن ي َدَي ْ ِ قا ل ّ َ
ما ب َي ْ َ صد ّ ً
م َ
ق ُ ب ِبال ْ َ
ح ّ ال ْك َِتا َ
ه 3كل الكتب منسوخة بالقرآن ،فل ُيعمل بها شرعا ً . عل َي ْ ِ
َ
1
) البقرة (213 :
2
) الحديد (26 :
3
) المائدة (48 :
20
واختلف العلماء – رحمهم الله – فيما ثبت في شرائع من
قبلنا ،هل نعمل به إل أن يرد شرعنا بخلفه ،أو ل نعمل به ؟
من العلماء من قال :إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد
شرعنا بخلفه ،وذلك أن ما سبق من الشرائع :
إما أن توافقه شريعتنا.
وإما أن تخالفه شريعتنا.
وإما أن ل ترد شريعتنا بخلفه ،ول وفاقه فيكون مسكوتا ً
عنه .
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه ،وهذا بالجماع ،
واتباعنا إياه ل لجل وروده في الكتاب السابق ولكن
لشريعتنا .
وما خالف شريعتنا فل تعمل به بالتفاق ،لنه منسوخ .
وما لم يرد شرعنا بخلفه ول وفاقه فهذا محل الخلف:
وتفصيل ذلك في أصول الفقه.
* واليمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :
أول ً :أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتبا ً ،وأنها
من عند الله ولكن ل نؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي
حرفه
هذه المم هي الكتب التي من عند الله لنها م ّ
ومبدلة ،لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه
حق من عند الله .
ثانيا ً :أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن
وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة .
ثالثا ً :أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف شريعتنا
على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا – وهو الحق. -
رابعا ً :أن نؤمن بما علمنا من أسمائها ،مثل القرآن و
التوارة والنجيل و الزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى .
فلو قال رجل :أنا ل أومن بأن هناك كتابا ً ، فإنه كافر ،
لن اليمان بالله يتضمن اليمان بالكتب .
ه " أي أن تؤمن برسل الله ، والمراد بالرسل من سل ِ ِ
وُر ُ
" َ
البشر ،ولُيعلم بأنه يعبر برسول ويعّبر بنبي ،فهل معناهما
واحد ؟
21
الجواب :أما في القرآن فكل من ذكر من النبياء فهو
رسول ،فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول ،لكن
معنى النبي والرسول يختلف .
والصواب فيه :أن النبي :هو من أوحي إليه بشرع وأمر
خَبر،م ْبالعمل به ولكن لم يؤمر بتبليغه ،فهو نبي بمعنى ُ
مثاله :أدم عليه السلم أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس
برسول.
فإذا قال قائل :لماذا لم يرسل ؟
فالجواب :لن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة ،
قليلين وليس بينهم اختلف ،لم تتسع الدنيا ولم ينتشر
البشر فكانوا متفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة
ويتبعوه ،ثم لما حصل الخلف وانتشر الناس احتيج إلى
ثع َ حدَةً َ ُ الرسل ،كما قال الله َ :
فب َ َ وا ِ
ة َ
م ً
سأ ّن الّنا ُ
كا َ
ن .1 ري َ
ذ ِ
من ِ
و ُ
ن َري َ مب َ ّ
ش ِ ن ُ الل ّ ُ
ه الن ّب ِّيي َ
فإذا قال قائل :ما الفائدة من النبي بعد آدم عليه السلم إذا
كان لم يؤمر بالتبليغ ؟
قلنا الفائدة :تذكير الناس بالشريعة التي نسوها ،وفي هذا
ل يكون العراض من الناس تاما ً فل يحتاجون إلى رسول ،
ويكفي النبي الذي يذكرهم بالشريعة ،قال الله تعالى :
َ
ن ن ال ّ ِ
ذي َ ها الن ّب ِّيو َ حك ُ ُ
م بِ َ وُنوٌر ي َ ْ
دى َ
ه ً
ها ُ
في َوَراةَ ِإ ِّنا أنَزل َْنا الت ّ ْ
دوا ْ َ
2
ها ُ
ن َذي َ موا ْ ل ِل ّ ِ
سل َ ُ
أ ْ
-وأول الرسل نوح عليه السلم ،وآخرهم محمد .
والرسل عليهم الصلة والسلم هم أعلى طبقات البشر
ع الل ّ َ
ه من ي ُطِ ِ
و َ
الذين أنعم الله عليهم ،قال الله تعالىَ :
ه َ َ َ ل َ ُ
ن
ن الن ّب ِّيي َ
م َ
هم ّ
علي ْ ِ م الل ّ ُع َ
ن أن ْ َ ع ال ّ ِ
ذي َ م َ
ك َ وَلـئ ِ َ
فأ ْ سو َ والّر ُ
َ
ن هذه أربعة أصناف . 3
حي َ صال ِ ِوال ّ داء َه َ
ش َوال ّ ن َ قي َدي ِ
ص ّوال ّ َ
فالنبيون يدخل فيهم الرسل وهو أفضل من النبياء ،ثم
ولوا العزم ،ذكروا في القرآن ُ
الرسل أفضلهم خمسة هم أ ُ
في موضعين في سورة الحزاب وفي سورة الشورى :
نن الن ّب ِّيي َ
م َ وإ ِذْ أ َ َ
خذَْنا ِ ففي الحزاب قال تعالى َ :
1
) البقرة (213 :
2
) المائدة (44 :
3
) النساء (69 :
22
1
سى عي َو ِ
سى َ مو َ
و ُ
م َ
هي َ
وإ ِب َْرا ِ
ح َ
من ّنو ٍ
و ِ من َ
ك َ و ِ
م َ
ه ْ ميَثا َ
ق ُ ِ
ن
م َ
كم ّع لَ ُ وفي سورة الشورى قال الله تعالى َ :
شَر َ
حي َْنا إ ِل َي ْ َ َ
ه
صي َْنا ب ِ ِو ّ ما َ و َك َ و َ
ذي أ ْ وال ّ ِ
حا َه ُنو ًصى ب ِ ِو ّما َ
ن َ ِ دي
ال ّ
ن . 2 دي َ موا ال ّ قي ُ ن أَ ِ َ
سى أ ْ عي َو ِسى َ مو َو ُ
م َهي َ إ ِب َْرا ِ
َ
م" د آد َ َول َ ِسي ّدُ َوأفضلهم محمد كما قال النبي " :أَنا َ
مهم في الصلة ،فإبراهيم َ
ولما التقى بهم في السراء أ ّ
إمام الحنفاء صلى وراء محمد ، ومعلوم أنه ل يقدم في
المامة إل الفضل ،فالنبي هو أفضل أولي العزم .
وإبراهيم الخليل عليه السلم يلي مرتبة النبي الذي قال
خِليل ً . 3 م َهي َ ه إ ِب َْرا ِخذَ الل ّ ُ وات ّ َ
الله فيه َ :
والخلة :هي أعظم أنواع المحبة .
* و ل نعلم من البشر خليل ً لله إل اثنان :إبراهيم ومحمد
عليهما الصلة والسلم .
م خذَ إ ِب َْرا ِ
هي ِ َ خل ِي ْل ً ك َ َ
ما ا ِت ّ َ ي َخذَن ِ ْ ه ا ِت ّ َ
ن الل َ قال النبي " : إ ِ ّ
ت أ ََبا ب ْ
كر خل ِي ِْل ً ل َت ّ َ
خذ ْ ُ ي َ
ْ مت ِ
َ
خذَا ً من أ ُ
ْ ِ مت ِ
ُ تو ك ُن ْ ُْ ول َ
خل ِْيل َ ،
َ
ِ
خليل ً " .
خر " هو يوم القيامة ،وسمي آخرا ً لنه وال َْيوم ِ ال َ ِ وقوله َ " :
أخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضا ً ،فالنسان له أربع دور ،
في بطن أمه ،وفي الدنيا ،وفي البرزخ ،ويوم القيامة وهو
آخرها .
من : * اليمان باليوم الخر يتض ّ
أول ً :اليمان بوقوعه ،وأن الله يبعث من في القبور ،وهو
إحياؤهم حين ينفخ في الصور ،ويقوم الناس لرب
عُثونة ت ُب ْ َم ِقَيا َم ال ْ ِو َم يَ ْم إ ِن ّك ُ ْ
العالمين ،قال تعالى :ث ُ ّ
ة
عرا ً ح َ
فاةً ُ ة ُ م ِقِيا َم ال ِ و َس يَ ْشُر الّنا ُ ح َ
4وقال النبي " : ي ُ ْ
رل ً " وأنه واقع ل محالة ،لن الله تعالى أخبر به في كتابه ُ
غ ْ
وكذلك في السنة .
ثانيا ً :اليمان بكل ما ذكره الله في كتابه وما صح عن النبي
مما يكون في ذلك اليوم الخر .
1
) الحزاب (7 :
2
) الشورى (13 :
3
) النساء (125 :
4
) المؤمنون (16 :
23
ثالثا ً :اليمان بما ذكر في اليوم الخر من الحوض والشفاعة
والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم ،والنار دار العذاب
الشديد .
رابعا ً :اليمان بنعيم القبر وعذابه ،لن ذلك ثابت بالقرآن
والسنة وإجماع السلف .
ه " وهنا أعاد الفعل ) :تؤمن شّر ِ و َه َ ر ِ خي ْ ِ
ر َ قد َ ِ ن ِبال َ م َ ؤ ِ وت ُ ْ
" َ
( لهمية اليمان بالقدر ،لن اليمان بالقدر ،لن اليمان
بالقدر مهم جدا ً ،وخطير جدا ً .
من أربعة أمور : * واليمان بالقدر يتض ّ
الول :أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة
وتفصيل ً .
ثانيا ً :اليمان بأن الله تعالى كتب في اللحوح المحفوظ ،
لوك ُ ّمقادير كل شيء إلى يوم القيامة ،قال الله َ :
ن 1أي في كتاب وقال : مِبي ٍ مام ٍ ُ في إ ِ َ صي َْناهُ ِ ح َ ءأ ْ ي ٍ ش ْ َ
ر وهو اللحوح د الذّك ْ ِع ِ
من ب َ ْ ر ِ في َالّزُبو ِ قدْ ك َت َب َْنا ِ ول َ َ
َ
َ
ن واليات حو َ صال ِ ُ
ي ال ّ عَباِد َها ِ رث ُ َض يَ ِن اْلْر َ المحفوظ أ ّ
2
ه عُلو ُ ف َ ما َ ه َ شاء الل ّ ُ و َ ول َ ْه وقال َ : عُلو ُ ف َ ما َ ك َ َرب ّ َ
5 4
1
) يس (12 :
2
) النبياء (105 :
3
) البقرة (253 :
4
) النعام (112 :
5
) النعام (137 :
24
رابعا ً :الخلق ومعناه :اليمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق
كل شيء ،فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ،قال
ن إ ِّل شا ُ
ما ت َ َ شاء منك ُ َ من َ
ؤو َ و َ
م َ 28 قي َ ست َ ِ م أن ي َ ْ ْ ِ تعالى :ل ِ َ
ن فكل ما حدث في الكون فهو 1
مي َ عال َ ِ ب ال ْ َ ه َر ّ شاء الل ّ ُ َأن ي َ َ
بمشيئة الله .
رابعا ً :الخلق ومعناه :اليمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق
كل شيء ،فنومن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ،قال
را 2فكل شيء دي ً قدَّرهُ ت َ ْ
ق ِ ف َ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ ق كُ ّ خل َ َو َ تعالى َ :
مخلوق لله :السموات ،والرضون ،والبحار ،والنهار ،
والكواكب ،والشمس ،والقمر ،والنسان ،الكل مخلوق لله
وحركات النسان مخلوقة لله ،وإذا كان هو مخلوقا ً
فصفاته وأفعاله مخلوقه ول شك ،فأفعال العباد مخلوقة
لرب العباد .
وهل صفات الله مخلوقة ؟
الجواب :ل ،لن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات
النسان كذات النسان مخلوقة .
ت " القائل جبريل عليه السلم . ق َ صد َ ْ لَ : قا َ " َ
ن " الحسان :مصدر أحسن سا ِ ح َ ن ال ِ ْ ع ِ ي َ خب ِْرن ِ ْ فأ ْ ثم قالَ " :
يحسن ،وهو بذل الخير والحسان في حق الخالق ،بأن تبني
عبادتك على الخلص لله تعالى والمتابعة لرسول الله ،وأما
الحسان للخلق ،فهو بذل الخير لهم من مال أو جاه أو غير
ذلك.
ه " وعبادة الله ل َ
عب ُدَ الل َ ن تَ ْ نأ ْ سا ِ ح َ فقال النبي " : ال ِ ْ
تتحقق إل بأمرين وهما :الخلص لله والمتابعة لرسول الله
، أي عبادة النسان ربه سبحانه كأنه يراه ،عبادة طلب
وشوق ،وعبادة الطلب والشوق يجد النسان من نفسه حاثا ً
عليها ،لنه يطلب هذا الذي يحبه ،فهو يعبده كأنه يراه ،
فيقصده وينيب إليه ويتقّرب إليه سبحانه وتعالى .
ك " أي :اعبده على وجه ه ي ََرا َ فإ ِن ّ ُن ت ََراهُ َ م ت َك ُ ْ نل ْ
فإ ِ ْ" َ
الخوف ول تخالفه ،لنك إن خالفته فإنه يراك ،فتعبده
1
) التكوير (29 :
2
) الفرقان (2 :
25
عبادة خائف منه ،هارب من عذابه وعقابه ،وهذه الدرجة
عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الولى.
فصار للحسان مرتبتان :مرتبة الطلب ،ومرتبة الهرب.
مرتبة الطلب :أن تعبد الله كأنك تراه.
ومرتبة الهرب :أن تعبد الله وهو يراك فاحذره ،كما قال
ه . س ُف َ ه نَ ْ م الل ّ ُ حذُّرك ُ ُ وي ُ َ َ :
عد قوله " صدقت " اكتفاءً ة " لم ي ُ ِ ع ِ سا َ ن ال ّ ع ِخب ِْرِني َ فأ َ ْ" َ
بالولى.
والساعة هي :قيام الناس من قبورهم لرب العالمين ،
يعني البعث ،وسميت ساعة لنها داهية عظيمة ،قال الله
يءٌ ش َ ة ع
َ سا ال ة
َ َ ل ز ْ لز ن إ م ُ ك ب ر قوا ُ ّ ت ا س نا
ّ ال ها ي :يا أ َ
ْ ِ ّ َ َ ّ ِ ْ ّ َ ُ َ ّ َ
ها " يعني نفسه عن ْ َل َ و ُ مسئ ُ ُ ما ال ْ َ م فقال النبي َ ": ظي ٌ ع ِ َ
1
َ
ل " يعني جبريل عليه السلم ، سائ ِ ِ ن ال ّ م َم ِ عل َ َ " ب ِأ ْ
والمعنى إذا كنت تجهلها فأنا أجهلها ول أستطيع أن أخبرك
بها ،لن علم الساعة مما اختص الله به قال الله تعالى :
ما
و َ ه َ عندَ الل ّ ِ ها ِ م َعل ْ ُ ما ِ ل إ ِن ّ َ ق ْ ة ُ ع ِ سا َ ن ال ّ ِ ع
س َ ك الّنا ُ سأ َل ُ َ يَ ْ
سأُلون َ َ َ
ك ريًبا وقال : ي َ ْ ق ِ ن َ كو ُ ة تَ ُ ع َ سا َ ل ال ّ ع ّ ك لَ َ ري َ ي ُدْ ِ
ع َ
عندَ َرّبي ل َ ها ِم َ عل ْ ُ
ما ِ ل إ ِن ّ َق ْ ها ُ سا َ مْر َ ن ُ ة أّيا َ سا َ ِ ن ال ّ ِ ع
َ
َ
ض لَ والْر ِ ت َ وا ِما َ س َفي ال ّ ت ِ قل َ ْو ثَ ُه َ ها إ ِل ّ ُ قت ِ َ و ْها ل ِ َجّلي َ يُ َ
ها عل ْ ُ
م َ ما ِ ق ْ
ل إ ِن ّ َ ها ُعن ْ َي َ ف ّ ح ِ ك َ ك ك َأ َن ّ َ سأ َُلون َ َ ة يَ ْ غت َ ًم إ ِل ّ ب َ ْ ْ
ت َأِتيك ُ ْ
عند الل ّه وَلـكن أ َ
ن ولهذا يجب علينا مو َ عل َ ُس ل َ يَ ْ ِ ناّ ال رَ َ ثْ ك ِ َ ِ ّ ِ َ
أن نكذب كل من حدد عمر الدنيا في المستقبل ،ومن قال
به أو صدق به فهو كافر .
َ
ل
سائ ِ ِ
ن ال ّ
م َ عل َ َ
م ِ ها ب ِأ ْ
عن ْ َ و ُ
ل َ ما ال ْ َ
مسئ ُ ُ ولما قال النبي َ ":
" أي علمات قربها ،لن المارة بمعنى العلمة ،والمراد
أمارات قربها وهو ما يعرف بالشراط ،قال الله :
ْ ع َ َ
جاء ف َ
قد ْ َ ة َ
غت َ ً
هم ب َ ْ
ة أن ت َأت ِي َ ُ ن إ ِّل ال ّ
سا َ ل َينظُُرو َه ْ
ف ََ
2
ها شَراطُ َأَ ْ
سمها العلماء إلى ثلثة أقسام :
* وأشراط الساعة ق ّ
-1أشراط مضت وانتهت .
1
) الحج (1 :
2
) محمد (18 :
26
-2أشراط لم تزل تتجدد وهي الوسطى .
-3أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة .
ومن علمات الساعة ما ذكره في هذا الحديث بقوله " :
د َ َ َ
ن ت َل ِ َ
ها " والمعنى " :أ ْ ها " وفي لفظ " َرب ّ َ ة َرب ّت َ َم ُن ت َل ِدَ ال َ أ ْ
ها " أي سيدها ،أو " َ
ة " أي الرقيقة المملوكة " َرب ّ َ م ُ ال َ
ها " . َرب ّت َ َ
وهل المراد العين أو الجنس؟
والجواب :اختلف في هذا العلماء ،فمنهم من قال :المراد
أن تلد المة ربها ،يعني أن تلد المة من يكون سيدا ً لغيرها
ل لها ،فيكون المراد بالمة :المة بالجنس .
وهذا المعنى أقوى ،لن الماء يلدن من يكونون أسيادا ً
مالكين ،فهي كانت مملوكة في الول ،وتلد من يكونون
أسيادا ً مالكين ,وهو كناية عن تغير الحال بسرعة ،ويدل
لهذا ما ذكره بعدْ ذلك حيث قال :
ة " الحفاة :يعني :ليس لهم عال َ َ ح َ " َ
عَراةَ ال َ
فاةَ ال ُ ن َترى ال ُ وأ ْ َ
نعال .
والعراة :أي ليس لهم ثياب تكسوهم وتكفيهم .
العالة :أي ليس عندهم ما يأكلون من النفقة أو السكنى أو
ما أشبه ذلك ،عالة أي فقراء .
ن " أي يكونون أغنياء حتى يتطاولون في الب ُن َْيا ِ ن ِ و َ ول ُ ْ " ي َت َ َ
طا َ
في البنيان أيهم أطول .
وهل المراد بالتطاول ارتفاعا ً ،أو جمال ً ،أو كلهما ؟
الجواب :كلهما ،أي يتطاولون في البنيان أيهم أعلى ،
ويتطاولون في البنيان أيهم أحسن ،وهو في الول فقراء
ل يجدون شيئا ً ،لكن تغير الحال بسرعة مما يدل على قرب
قيام الساعة .
وهنا مسألة :هل وجد التطاول في البينان أم ل ؟
والجواب :الله أعلم ،فإنه قد يوجد ما هو أعظم مما في
هذا الزمان ،لن كل أناس وكل جيل يحدث فيه من التطاول
والتعالي في البينان ،وكل زمن يقول أهله :هذا من
أشراط الساعة ،والله أعلم ،لكن هذه علمة واضحة .
27
مل ِي ّا ً " يعني بقيت مليا ً أي مدة طويلة
ت َ فل َِبث ُ م ان ْطَل َ َ
ق َ " ثْ ّ
مل ِّيا 1أي مدة طويلة .جْرِني َ
ه ُ
وا ْ
كما في قوله تعالىَ :
َ م َ
ن
م ِ
ري َ
مُر " والقائل النبي ": أت َدْ ِ ع َل َ " :يا ُ قا َ " ثُ ّ
ري ْ ُ
ل جب ْ ِ
ه ِ ل َ ":
فإ ِن ّ ُ م َ
قا َ سوله أ َ ْ
عل َ ُ وَر ُ ه َ ت الل ُ قل ْ ُ ل؟ " ُ سائ ِ ُ ال ّ
َ
م " ولعل النبي وجده فيما بعد م ِدي ْن َك ُ ْ مك ُ ْعل ّ ُ
م يُ َأَتاك ُ ْ
لقا َ ف َ وسأله :أتدري من السائل ؟ أي أتعلم من هو ؟ " َ
م " وهذا يدل على أن عمر ل سوله أ َ ْ
عل َ ُ وَر ُ ه َ مُر :الل ُ ع َ
ُ
علم له من هذا السائل .
ل " الشارة هنا إلى شيء ري ْ ُ
ِ جب ْ
ه ِ فقال النبي َ ":
فإ ِن ّ ُ
َ
م"م ِدي ْن َك ُ ْ عل ّ ُ
مك ُ ْ معلوم بالذهن ،أي هذا جبريل؟ " أَتاك ُ ْ
م يُ َ
لكنه جاء بهذه الصيغة أي صيغة السؤال والجواب لنه أمكن
في النفس وأقوى في التأثير .
* من فوائد الحديث :
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة ،فلو أراد النسان أن يستنبط
ما فيه من الفوائد منطوقا ً ومفهوما ً وإشارة لكتب مجلدًا،
لكن نشير إشارة قليلة إلى ما يحضرنا إن شاء الله تعالى ،
فمنها :
-1بيان حسن خلق النبي وأنه يجلس مع أصحابه
ويجلسون إليه ،وليس ينفرد ويرى نفسه فوقهم .
-2جواز جلوس الصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم ،لكن
هذا بشرط :إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومن
يفوقه علما ً .
-3أن الملئكة عليهم السلم يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير
أشكال الملئكة ،لن جبريل أتى بصورة رجل كما جاء في
الحديث .
* فإن قال قائل :وهل هذا إليهم ،أو إلى الله ؟
فالجواب :هذا إلى بمعنى :أنه ل يستطيع الملك أن
ي الغير إل بأذن الله . يتزّيى بز ّ
-4الدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلم ،حيث
جلس أمام النبي جلسة المتأدب ليأخذ منه .
1
) مريم (46 :
28
مد " وهذه العبارة عبارة ح ّم َ
-5جواز التورية لقوله ":يا ُ
العراب ،فيوري بها كأنه أعرابي،وإل فأهل المدن
المتخلفون بالخلق الفاضلة ل ينادون الرسول بمثل
هذا.
-6فضيلة السلم ،وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه .
-7أن أركان السلم هي هذه الخمسة ،ويؤده حديث عبدالله
مس " عَلى َ
خ ْ م َ سل ُي ال ْ بن عمر أن النبي قال " :ب ُن ِ َ
وسيأتي شرحه – إن شاء الله . -
-8فضل الصلة وإنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين .
-9الحث على أقامة الصلة ،وفعلها قويمة مستقيمة ،وأنها
ركن من أركان السلم.
-10أن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان
السلم .
* ولو قال قائل :إذا ترك النسان واحدا ً من هذه الركان
هل يكفر أم ل ؟
فالجواب :أن نقول :إذا لم يشهد أن ل إله إل الله ،وإن
محمدا ً رسول الله فهو كافر بالجماع ،ل خلف في هذا .
وأما إذا ترك الصلة والزكاة والصيام والحج أو واحدا ً منها
ففي ذلك خلف .
والصواب :أن هذه الربعة ل يكفر تاركها إل الصلة ،لقول
عبدالله بن شقيق رحمه الله " :كان أصحاب النبي ل
يرون شيئا ً من العمال تركه كفٌر إل الصلة " ولذلك أدلة
معروفة .
وكذا لو أنكر وجوبها وهو كافر وهو يفعلها فإنه يكفر ،لن
وجوبها أمٌر معلوم بالضرورة من دين السلم .
* وإذا تركها عمدا ً فهل يقضيها أو ل ؟
نقول :الموقت ل يقضى ،فلو ترك الصلة حتى خرج وقتها
بل عذر قلنا ل تقضها ،لنه لو قضاها لم تنفعه لقول الله
ن م ال ّ وَلـئ ِ َ تعالى :ومن يت َعد حدود الل ّه َ ُ
1
مو َ ظال ِ ُ ه ُك ُ فأ ْ ِ َ َ ّ ُ ُ َ َ َ
والظالم ل يمكن أن يقبل منه ،ومن أخرج الصلة عن وقتها
بل عذر فهو ظالم .
1
) البقرة (229 :
29
عل َي َ
د
و َر ّ
ه َ
مُرَنا ف ُ
هأ ْ مل ً ل َي ْ َ
س َ ْ ِ ع َ م َ
ل َ ع ِ
ن َ
م ْ
ولقول النبي َ ":
".
وكذلك يقال في الصوم :فلو ترك النسان صوم عمدا ً بل
عذر ثم ندم بعد أن دخل شوال وأراد أن يقضيه ،فإننا نقول
له :ل تقضه ،لنك لو قضينه لم ينفعك .
وعلى من ترك الصلة بل عذر حتى خرج الوقت ،أو ترك
الصوم بل عذر حتى خرج الوقت أن يكثر من الطاعات
والستغفار والعمل الصالح والتوبة إلى الله توبة نصوحا ً .
أما الزكاة :إذا تركها النسان ثم تاب فإنه يزكي ،نقول :
ك لنه ليس للزكاة وقت محدد يقال فيه ل تزكي إل في ز ّ
الشهر الفلني .
* ومن مات ولم لم يزك تهاونًا ،فهل تخرج الزكاة من ماله ،
أم ل ؟
الجواب :الحوط – والله أعلم – أن الزكاة تخرج ،لنه يتعلق
بها حق أهل الزكاة فل تسقط ،لكن ل تبرأ ذمته ،لن
الرجل مات على عدم الزكاة .
والحج كذلك ،لو تركه النسان القادر المستطيع تفريطا ً
حتى مات ،فإنه ل يحج عنه.
* وهنا مسألة :هل يجب على ورثته أن يخرجوا الحج عنه من
تركته ؟
والجواب :ل ،لنه ل ينفعه ولم يتعلق به حق الغير كالزكاة ،
قال ابن القيم في تهذيب السنن ":هذا هو الذي ندين الله
به " أو كلمة نحوها ،وهو الذي تدل عليه الدلة .
يجب على النسان أن يتقي لنه إذا مات ولم يحج مع
ج عنه ألف مرة لم تبرأ ذمته . ح ّ
قدرته على الحج فإنه لو ُ
-11النتقال من الدنى إلى العلى ،فالسلم بالنسبة
لليمان أدنى ،لن كل إنسان يمكن أن يسلم ظاهرا ً ،كما
كن ول َ ِ
مُنوا َ قل ل ّ ْ
م تُ ْ
ؤ ِ مّنا ُ
بآ َ
عَرا ُت اْل َ ْ
قال َ ِ
قال تعالى َ :
َ
مَنا 1لكن اليمان ليس بالمر الهين فمحله سل َ ْ
قوُلوا أ ُْ
القلب والتصاف به صعب .
1
) الحجرات (14 :
30
-12أن السلم غير اليمان ،لن جبريل عليه السلم قال :
"أخبرني عن السلم" وقال ":أخبرني عن اليمان " وهذا
يدل على التغاير .
وهذه المسألة نقول فيها ما قال السلف :
إن ذكر اليمان وحده دخل يفيه السلم ،وإن ذكر السلم
سل َ َ
م ت ل َك ُ ُ
م ال ِ ْ ضي ُ
وَر ِ وحده دخل اليمان ،فقوله تعالى َ :
ديًنا 2يشمل اليمان . ِ
كذلك اليمان إذا ذكره وحده دخل فيه السلم ،قال تعالى :
ن . 2مِني َ
ؤ ِ ر ال ْ ُ
م ْ وب َ ّ
ش ِ َ
إما إذا ذكرا جميعا ً فيفترقان ،فيفسر السلم بالعمال
الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح ،واليمان
بالعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
فإن قال قائل :في قولنا إذا اجتمعا افترقا إشكال ،وهو
ها
في َن ِ من َ
كا َ جَنا َخَر ْفأ َ ْ
قول الله تعالى في قوم لوط َ :
ن
مي َ
سل ِ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ
ت ّ ها َ
غي َْر ب َي ْ ٍ في َ
جدَْنا ِ
و َ
ما َ ن َ 35
ف َ مِني َ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ
ِ
3فعبر بالسلم عن اليمان ؟
من جَنا َ خَر ْ فأ َ ْفالجواب :أن هذا الفهم خطأ،وأن قولهَ :
ن 3
مِني َ م ْ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
م َ
ها ِ
في َ ن ِكا َ َ
ن
م َت ّ غي َْر ب َي ْ ٍ ها َ في َ
جدَْنا ِ
و َما َ
ف َيخص المؤمنين وقولهَ :
مين 3يعم كل من كان في بيت لوط ،وفي بيت سل ِ ِ
م ْ ال ْ ُ
لوط من ليس بمؤمن ،وهي امرأته التي خانته وأظهرت أنها
معه وليست كذلك ،فالبيت بيت مسلمين ،لن المرأة لم
تظهر العداوة والفرقة ،لكن الناجي هم المؤمنين خاصة،
ن 3 مِني َ ؤ ِم ْن ال ْ ُم َها ِ
في َن ِ من َ
كا َ جَنا َخَر ْفأ َ ْولهذا قالَ :
وهم ماعدا هذه المرأة ،أما البيت فهو بيت مسلم .
ويؤخذ من هذه الية فائدة هي :أن البلد إذا كان المسيطر
عليه هم السلمون فهو بلد إسلمي حتى وإن كان فيه
نصارى أو يهود أو مشركون أو شيوعيون ،لن الله تعالى
جعل بيت لوط بيت إسلم مع أن امرأته كافرة ،هذا هو
2
) المائدة (3 :
2
) التوبة (112 :
3
) الذاريات (35 :
31
التفصيل في مسألة اليمان والسلم ،فصار المر كما قال
بعضهم " :إن اجتمعا افترقا ،وإن افترقا اجتمعا "
-13أن أركان اليمان ستة كما سبق ،وهذه الركان تروث
للنسان قوة الطلب في الطاعة والخوف من الله عز وجل .
-14أن من أنكر واحدا ً من هذه الركان الستة فهو كافر ،
لنه مكذب لما أخبر به رسول الله .
-15إثبات الملئكة وأنه يجب اليمان بهم .
وهنا مسألة :هل الملئكة أجسام ،أم أرواح ،أم قوى؟
والجواب :الملئكة أجسام بل شك ،قال الله عز وجل :
َ ُ
مث َْنى 1وقال النبي ة ّ ح ٍ سًل أوِلي أ ْ
جن ِ َ ة ُر ُمَلئ ِك َ ِ
ل ال ْ َ
ع ِ
جا ِ
َ
" أطت السماء" والطيط :صرير الرحل ،أي إذا كان على
البعير حمل ثقيل ،تسمع له صريرا ً من ثقل الحمل ،فيقول
عليه الصلة والسلم "وحق لها أن تئط ،ما من موضع أربع
أصابع إل وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد " ويدل لهذا
حديث جبريل عليه السلم :أنه له ستمائة جناح قد سد
الفق ،والدلة على هذا كثيرة.
_16أنه لبد من اليمان بجميع الرسل ،فلو آمن أحد برسوله
وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله ،بل هو كافر ،واقرأ
ن 2مع أنهم سِلي َمْر َ ح ال ْ ُ م ُنو ٍ و ُ ت َ
ق ْ قول الله : ك َذّب َ ْ
إنما كذبوا نوحا ً ولم يكن قلبه رسول ،لكن تكذيب واحد من
الرسل تكذيب للجميع .
-17إثبات اليوم الخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث
الناس فيه للحساب والجزاء ،حيث يستقر أهل الجنة في
منازلهم ،وأهل النار في منازلهم .
-18أن تؤمن بالقدر خيره وشره ،واليمان بالقدر معترك
عظيم من زمن الصحابة إلى زماننا هذا ،وسبق لنا أن له
مراتب أربع وهي :العلم والكتابة ،والمشيئة ،والخلق.
-19أن القدر ليس فيه شر ،وإنما الشر في المقدور،
وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير ،ويدل
ك " أي ل ينسب س إ ِل َي ْ َ شّر ل َي ْ َ وال َلهذا :قول النبي َ ":
إليك ،فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شٌر أبدًا ،لنه صادر
1
) فاطر (1 :
2
) الشعراء (105 :
32
عن رحمة وحكمة ،لن الشر المحض ل يقع إل من الشرير،
والله تعالى خير وأبقى .
ه"؟ شّر ِ و َه َ ر ِخي ْ ِ
ر َ ن ِبال َ
قد َ ِ م َ ؤ ِ وت ُ ْجه " َ إذا ً كيف نو ّ
الجواب :أن نقول :المفعولت والمخلوقات هي التي فيها
الخير والشر ،أما أصل فعل الله تعالى وهو القدر فل شر
في سادُ ِ ف َ هَر ال ْ َ فيه ،مثال ذلك قول الله عز وجل :ظَ َ
س 1هذا بيان سبب نا
ّ ال دي يال ْبر وال ْبحر بما ك َسبت أ َ
ِ ِ ْ َ َ ْ َ ّ َ َ ْ ِ ِ َ
ذي ض ال ّ ِع َ هم ب َ ْ ق ُ ذي َفساد الرض ،وأما الحكمة فقال :ل ِي ُ ِ
ن 3إذن هذه مصائب،من جدب الرض عو َ ج ُم ي َْر ِه ْعل ّ ُ
مُلوا ل َ َع ِ
َ
ومرض أو فقر،ولكن مآلها إلى خير ،فصار الشر ل يضاف
إلى الرب ،لكن يضاف إلى المفعولت والمخلوقات مع أنها
شر من وجه وخير من وجه آخر ،فتكون شرا ً بالنظر إلى
مايحصل منها من الذية ،ولكنها خير بما يحصل منها من
م
ه ْ عل ّ ُ
مُلوا ل َ َ ع ِ ذي َ ض ال ّ ِ ع َ هم ب َ ْ ق ُ ذي َالعاقبة الحميدة ل ِي ُ ِ
ن . 2 عو َ ج ُ
ي َْر ِ
ومن الحكمة أن يكون في المخلوق خير وشر ،لنه لول الشر
ما عرف الخير ،كما قيل))وبضدها تتبين الشياء(( فلو كان
الناس كلهم على خير ما عرفنا الشر ،ولو كانوا كلهم على
الشر ماعرفنا الخير ،إذا إيجاد الشر لنعرف به الخير ،لكن
كون الله تعالى يوجد هذا الشر ليس شرا ً ،فهنا فرق بين
الفعل والمفعول ,ففعل الله الذي هو تقديره لشر فيه ،
ومفعوله الذي هو مقدره ينقسم إلى خير وشر ،وهذا الشر
الموجود في المخلوق لحكمة عظيمة.
فإذا قال قائل :لماذا قدر الله الشر؟
فالجواب :ليعرف به الخير.
ثانيًا :من اجل أن يلجأ الناس إلى الله عز وجل.
ثالثًا :من اجل أن يتوبوا إلى الله.
فكم من إنسان ليحمله على الورد ليل ً أو نهارا ً إل مخافة
شرور الخلق ،فتجده يحافظ على الوراد لتحفظه من
الشرور ،فهذه الشرور في المخلوقات لتحمل النسان على
الذكار والوراد وما أشبهها ،فهي خير.
1
) الروم (41 :
2
) الروم (41 :
33
فالمهم أن الشر لينسب إلى الله تعالى ،لن النبي
ك" س إ ِل َي ْ َشّر ل َي ْ َ وال َ قال َ ":
عو ُ
ذ ل أَ ُ فالشر ينسب إلى المخلوقات قال الله تعالى ُ :
ق ْ
ق .1 خل َ َ ما َ شّر َ من َ قِ 1 ب ال ْ َ َ
فل ِ ب َِر ّ
وهنا مسألة :هل في تقدير إيجاد المخلوقات الشريرة
حكمة؟
والجواب :نعم ،حكمة عظيمة ولول هذه المخلوقات الشريرة
ماعرفنا قدر المخلوقات الخيرة..
-20أن الساعة ل يعلمها احد إل الله عز وجل ،لن أفضل
الرسل من الملئكة سأل أفضل الرسل من البشر عنها،
ل" سائ ِ ِن ال ّ م َ م ِ ها ب ِأ َ ْ
عل َ َ عن ْ َل َ و ُ مسئ ُ ُما ال ْ َ فقالَ " :
-21عظم الساعة ،ولهذا جاءت لها أمارات حتى يستعد
الناس لها -رزقنا الله وإياكم الستعداد لها..
أننا إذا كنا لنعلم الشيء فأننا نطلب مايكون من علماته ،
ماَراِتها " َ لن جبريل عليه السلم قالَ " ":
نأ َ ع ْ ي َ خب ِْر َن ِ ْ
فأ ْ
ةم ُ َ
ن ت َل ِدَ ال َ -23ضرب المثل بما ذكره النبي ": أ ْ
ن َترى ربت َها"وفي لفظ)):ربها((والعلمة الثانيةَ ، ":
وأ ْ َ ّ َ َ ّ َ
ن
في الب ُن َْيا ِ
ن ِ ول ُ ْ
و َ ء ي َت َ َ
طا َ عاءَ ال ّ
شا ِ ر َ عال َ َ
ة ِ عَراةَ ال َ ح َ
فاةَ ال ُ ال ُ
"فان قال قائل :لم يذكر النبي أمارات أخرى أوضح من
هذا ؟
فالجواب :أن العلمات بينة واضحة ليحتاج السؤال عنها ،
ولذلك عدل النبي عنها إلى ذكر هذه الصورة .
-24أن الملئكة يمشون إذا تحولوا إلى البشر ،لقوله ":
ق"م ان ْطَل َ َ
ثْ ّ
وهل يمشون إذا كانوا على صفة الخلق الذي خلقوا عليه؟
َ
ملئ ِك َ ٌ
ة ض َ
في الْر ِ
ن ِكا َ قل ل ّ ْ
و َ الجواب :قال الله ُ :
سول ً مل َ ً
كا ّر ُ ماء َ
س َ
ن ال ّ
م َ
هم ّ ن ل َن َّزل َْنا َ َ
علي ْ ِ مطْ َ
مئ ِّني َ ن ُ م ُ
شو َ يَ ْ
2
95
1
) الفلق (1 :
2
) السراء (95 :
34
مدُ ل ِل ّ ِ
ه ولهم أجنحة يطيرون بها ,كما قال تعالى :ال ْ َ
ح ْ
سًل ُأوِلي مَلئ ِك َ ِ
ة ُر ُ ل ال ْ َ
ع ِ
جا ِ
ض َِ واْل َْر
ت َ وا ِ ما َ
س َ
ر ال ّ
فاطِ ِ َ
وث َُل َ َ
ع وُرَبا َ ث َ مث َْنى َ
ة ّ
ح ٍجن ِ َ
أ ْ
1
1
) فاطر (1 :
35
الحديث الثالث
ي ض ر ب طاّ خ
َ ال بن ر م ع
ُ ن ب ه الل د ب ع
َ ن م ح ر ال د ب ع
َ ي ب عن أ َ
َ ِ َ ِ ْ َ َ ِ ْ ِ ِ ْ ِ َ ْ ّ ِ ْ ْ ِ َ ْ
ت النبي صلى الله عليه وسلم ع ُ م ْ س ِ
لَ : قا َ ما َ ه َ عن ْ ُ
ه َ الل ُ
شهاد َ
ه إ ِل ّ الله ن ل َ إ ِل َ َ ةأ ْ سِ َ َ َ : م ٍ خ ْعَلى َ م َ سل ُ ي ال ِ ْ ل " :ب ُن ِ َ و ُ ق ْ يَ ُ
َ
جح ّ و َ
ةَ ، كا ِ ء الّز َ وإ ِي َْتا ِ
ةَ ، صل ِ قام ِ ال ّ وإ ِ َ
هَ ، ل الل ِ و ُ س ْ مدَا ً َر ُ ح ّ م َن ُ وأ ّ َ
ن" ضا َ م َ وم ِ َر َ ص ْ و َ تَ ، الب ِي ْ ِ
الشرح
36
ن " هذه كنية ،عبد الله بن عمر هذا َ
م ِ ح َ د الّر ْ عب ْ ِ ي َ ن أب ِ ْ ع ْ " َ
اسم علم.
ل ،أو ما أشبه ب ،أو أم ،أو أخ ،أو خا ٍ والكنية :كل ما صدر بأ ٍ
ذلك .والعلم :اسم يعين المسمى مطلقًا.
ما قال العلماء :إذا كان الصحابي وأبوه ه َعن ْ ُ ه َ ي الل ُ ض َ َر ِ
مسلمين فقل :رضي الله عنهما ،وإذا كان الصحابي مسلما ً
وأبوه كافرا ً فقل :رضي الله عنه .
م " الذي بناه سل ُ ي ال ِ ْ َ ل " :ب ُن ِ و ُ ق ْه يَ ُ ل الل ِ و َ س ْ ت َر ُ ع ُ م ْس ِلَ : قا َ َ
هو الله عّز وجل ،وأبهم الفاعل للعلم به ،كما ُأبهم الفاعل
عيفا ً { 1فلم يبين من ض ِ ن َ سا ُ ق اْل ِن ْ َخل ِ َ و ُ في قوله تعالىَ } :
علم شرعا ً أو قدرا ً جاز أن يبنى الخالق ،لكنه معلوم ،فما ُ
فعله لما لم يسم فاعله.
س دعائم. س " أي على خم َ ِ م ٍ خ ْعَلى َ " َ
ه" ل الل ِو ُ س ْمدَا ً َر ُ ح ّ م َ ن ُ وأ ّ ه إ ِل ّ الله َ ن ل إ ِل َ َ دة أ ْ ها َ ش َ " َ
وقد سبق الكلم على الشهادتين في شرح حديث جبريل
عليه السلم .
ضان م َوم ِ َر َص ْ
و َتَ ، ج الب ّي ْ ِ ح ّ و َ ةَ ، كا ِ ء الّز َ وإ ِي َْتا ِةَ ، صل ِ قام ِ ال ّ وإ ِ َ
" َ
" وهذا سبق الكلم عليه في شرح حديث جبريل عليه السلم
وفي هذا الحديث إشكال وهو:تقديم الحج على الصوم.
والجواب عليه أن يقال :هذا ترتيب ذكري ،والترتيب الذكري
يجوز فيه أن يقدم المؤخر كقول الشاعر:
ثم ساد من بعد ذلك جده إن من ساد ثم ساد أبوه
فالترتيب هنا ترتيب ذكري.
وقد سبق في حديث جبريل تقديم الصيام على الحج،
ونقول في شرح الحديث:
إن الله عّز وجل حكيم ،حيث بنى السلم العظيم على هذه
الدعائم الخمس من أجل امتحان العباد.
-الشهادتان :نطق باللسان ،واعتقاد بالجنان.
-إقام الصلة :عمل بدني يشتمل على قول وفعل ،وما قد
يجب من المال لكمال الصلة فإنه ل يعد منها ،وهو خارج
عن العبادة ،ولذلك نقول:إن الصلة عبادة بدنية محضة.
1
)النساء:الية (28
37
-إيتاء الزكاة :عبادة مالية ل بدنية ،وكون الغني يجب أن
يوصلها للفقير ،وربما يمشي وربما يستأجر سيارة ،هذا أمر
خارج عن العبادة،
-صوم رمضان :عبادة بدنية لكن من نوع آخر ،الصلة بدنية
لكنها فعل ،والصيام بدني لكنه كف وترك ،لنه قد يسهل
على النسان أن يفعل،ويصعب عليه أن يكف ،وقد يسهل
عليه الكف ويصعب عليه الفعل ،فنوعت العبادات ليكمل
بذلك المتحان ،فسبحان الله العظيم.
-حج البيت :هل يتوقف الحج على بذل المال؟
فيه تفصيل :إذا كان النسان يحتاج إلى شد رحل احتاج إلى
المال ،لكن هذا خارج العبادة،
وإذا قدرنا أن الرجل في مكة فهل يحتاج إلى بذل المال؟
الجواب :إذا كان يستطيع أن يمشي على رجليه فل يحتاج
إلى بذل المال ،والنفقة من الكل والشرب لبد منها حتى
وإن لم يحج.
لذلك الحج -عندي -متردد بين أن يكون عبادة مالية ،أو عبادة
بدنية مالية ،وعلى كل حال إن كان عبادة مالية بدنية فهو
امتحان.
فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان السلم أنها:
بذل المحبوب ،والكف عن المحبوب ،وإجهاد البدن ،كل هذا
امتحان.
فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميل ً
للمتحان ،لن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم ،ولكن ل
يسهل عليه أن يبذل قرشا ً واحدًا ،وبعض الناس يسهل عليه
أن يصلي،ولكن يصعب عليه أن يصوم.
الحديث الرابع
38
و ُ
ل س ْ حدّث ََنا َر ُ لَ : قا َ ه َ عن ْ ُ ه َ ي الل ُ ض َ ودْ َر ِ ع ْ س ُ م ْ ن َ هب ِ د الل ِ عب ْ ِ ن َ ع ْ َ
نوق ُ " :إ ِ ّ صد ُ ْ م ْ صاِدقُ ال َ و ال ّ ه َ و ُ ه صلى الله عليه وسلم َ الل ِ
مة ،ث ُ ّ ف ً ما ً ن ُطْ َ و َ ن يَ ْ عي ْ َ ه أ َْرب َ ِ م ِ نأ ّ
ُ ْ
ي ب َط ِ ف ْ ه ِ ق ُ خل ْ ُ ع َ م ُ ج َ م يُ ْ حدَك ُ ْ أ َ
َ
س ُ
ل م ي ُْر َ ك،ث ُ ّ ل ذَل ِ َ مث ْ َ ة ِ غ ً ض َ م ْ ن ُ و ُ م ي َك ُ ْ ك،ث ُ ّ ل ذَل ِ َ مث ْ َ ة ِ ق ً عل َ َ ن َ و ُ ي َك ُ ْ
َ مل َ ُ
بت :ب ِك َت ْ ِ ما ٍ ع ك َل ِ َ مُر ب ِأْرب َ ِ ؤ َ وي َ ْ حَ ، و َ ه الّر ْ في ْ ِ خ ِ ف ُ فَين ُ ك َ ه ال َ إ ِل َي ْ ِ
َ قه َ
هذي ل َ إ ِل َ َ والله ال ّ ِ ف َ دَ . عي ْ ٌ س ِ و َ يأ ْ ّ قش ِ و َ ه َ مل ِ ِ ع َ و َ ه َ جل ِ ِ وأ َ رْز ِ ِ َ ِ
ن ُ َ م ُ َ ُ َ َ َ
و ُ ما ي َك ْ حّتى َ ة َ جن ّ ِ ل ال َ ه ِ لأ ْ م ِ ع َ ل بِ َ ع َ م لي َ ْ حدَك ْ نأ َ غي ُْرهُ إ ِ ّ
له ِ ل أَ ْ م ِ ع َل بِ َ م ُ ع َ في َ ْ ب َ ه الك َِتا ُ عل َي ْ ِ ق َ سب ِ ُ في َ ْ ع َ ها إلِذَرا ٌ وب َي ْن َ َ ه َ ب َي ْن َ ُ
َ َ
حّتى ر َ ل الّنا ِ ه ِ لأ ْ م ِ ع َ ل بِ َ م ُ ع َ م ل َي َ ْ حدَك ُ ْ نأ َ وإ ِ ّ هاَ ، خل ُ َ في َدْ ُ ر َ الّنا ِ
لم ُ ع َفي َ ْ ب َ ه الك َِتا ُ عل َي ْ ِ ق َ سب ِ ُ في َ ْ ع َ ها إل ِذَرا ٌ وب َي ْن َ َ ه َ ن ب َي ْن َ ُ كو ُ ماي َ ُ َ
َ
ها " خل ُ َ في َدْ ُ ة َ جن ّ ِ ل ال َ ه ِ لأ ْ م ِ ع َ بِ َ
رواه البخاري ومسلم.
الشرح
حدّث ََنا ( حدث وأخبر في اللغة العربية بمعنى واحد، قولهَ ) :
وهي كذلك عند قدماء المحدثين ،لكن عند المتأخرين من
صاروا يفرقون بين) :حدثنا( و):أخبرنا( ،وعلم ذلك مذكور
في مصطلح الحديث.
وق ( الجملة هذه مؤكدة صد ُ ْ
م ْ
صاِدقُ ال َو ال ّ ه َو ُ وقولهَ ) :
ه لن من اعترف بأنه رسول اعترف بأنه ل الل ِ سو ُ لقولهَ :ر ُ
صادق مصدوق.
ق
و ُ َ
صد ُ ْ
م ْ
خَبر به ال َ
صاِدقُ أي الصادق فيما أ ْ و ال ّه َ و ُوقولهَ :
فيما ُأخِبر به،
والنبي صلى الله عليه وسلم وصفه كذلك تمامًا ،فهو صادق
فيما أخبر به ،ومصدوق فيما أوحي إليه عليه الصلة
والسلم.
وإنما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه هذه الجملة،لن التحدث
عن هذا المقام من أمور الغيب التي تخفى ،وليس في ذلك
ب حتى ُيعرف ما يحصل. الوقت تقدم ط ّ
وهناك ماهو فوق علم الطب وهو كتابة الرزق والجل
والعمل وشقي أو سعيد ،فلذلك من فقه عبد الله بن مسعود
39
رضي الله عنه أن أتى بهذه الجملة المؤكدة لخبر النبي صلى
الله عليه وسلم .
ه ( وذلك أن ُ ي ب َطْ ُ ْ ُ قال ) :إن أ َ
م ِنأ ّ ِ ْ ف
ِ ه
ُ ق ل خَ ع
ُ مَ ج
ْ ُ ي مْ ك َ د ح َ ِ ّ
النسان إذا أتى أهله فهذا الماء المتفرق ُيجمع،وكيفية
صل إلى ب تو ّ الجمع لم يذكر في الحديث ،وقيل :إن الط ّ
معرفة بعض الشيء عن تكون الجنة والله أعلم.
فة ( أي قطرة من المني. ما ً ن ُطْ َ و َ ن يَ ْ عي ْ َ (أ َْرب َ ِ
ك ( وهل ينتقل فجأة من النطفة ل ذَل ِ َ مث ْ َ ة ِ ق ً عل َ َ ن َ و ُ م ي َك ُ ْ (ث ُ ّ
إلى العلقة؟
ماُر حتى يصل إلى الجواب :ل ،بل يتكون شيئا ً فشيئًا،فيح ّ
ة فيكون علقة. حمر ِ الغاية في ال ُ
والعلقة هي :قطعة الدم الغليظ ،وهي دودة معروفة ترى
في المياه الراكدة.
ل ذَِلك( أي أربعين يومًا ،والمضغة :هي مث ْ َ ة ِ غ ً ض َ م ْ ن ُ كو ُ م يَ ُ (ث ُ ّ
قطعة لحم بقدر ما يمضغه النسان.
موهذه المضغة تتطور شيئا ً فشيئًا،ولهذا قال الله تعالى) :ث ُ ّ
ة(.1 ق ٍ عل َ َ ن َ م ْ م ِ ة ثُ ّ ف ٍ ن ن ُطْ َ م ْ ِ
فالجميع يكون مائة وعشرين ،أي أربعة أشهر.
سل هو الله رب العالمين عّز ك( والمر ِ مل َ ُ ه ال َ ل إ ِل َي ْ ِ س ُ م ي ُْر َ ( ثُ ّ
وجل ،فيرسل الملك إلى هذا الجنين،وهو واحد
الملئكة،والمراد به الجنس ل ملك معين.
ح ( الروح ما به يحيا الجسم ،وكيفية و َ ه الّر ْ في ْ ِ خ ِ ف ُ في َن ْ ُ ( َ
النفخ الله أعلم بها ،ولكنه ينفخ في هذا الجنين الروح
ويتقبلها الجسم.
والروح سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فأمره الله
ر َرّبي( َ ح ُ َ أن يقول) :ويس َ
م ِ
نأ ْ م ْ
ح ِ ل الّرو ُ ق ِ رو ال ن ع
َ ك ن ألو
2
ِ ّ ِ َ َ َ ْ
فالروح من أمر الله أي من شأنه ،فهو الذي يخلقها عّز
قِليل ً( 3وهذا فيه نوع من عل ْم ِ إ ِّل َ ن ال ْ ِ ُ
م َ م ِ ما أوِتيت ُ ْ و َ وجلَ ) :
التوبيخ،كأنه قال:ما بقي عليكم من العلم إلالروح حتى
تسألوا عنها،
1
)الحج :الية (5
2
)السراء :الية (85
3
)السراء :الية (85
40
َ
ت ( والمر هو الله عّز ما ٍ ع ك َل ِ َ ِ مُر ( أي الملك ) ب ِأْرب َ ؤ َ وي ُ ْ( َ
د( . َ و َ َ وجل ب ِ ْ
عي ْ ٌ
س ِو َ يأ ْ ق ّ
ش ِ هَ ، مل ِ ِع َ و َ هَ ، جل ِ ِ وأ َ هَ ،ق ِ رْز ِب) ِ كت ِ
رْزقه( الرزق هنا :ما ينتفع به النسان وهو نوعان :رزق ( ِ
يقوم به البدن ،ورزق يقوم به الدين.
والرزق الذي يقوم به البدن :هو الكل والشرب واللباس
والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك.
والرزق الذي يقوم به الدين:هو العلم واليمان ،وكلهما
مراد بهذا الحديث.
جله ( أي مدة بقائه في هذه الدنيا ،والناس يختلفون ( َ
وأ َ َ
في الجل اختلفا متباينا ،فمن الناس من يموت حين ً ً
الولدة ،ومنهم من يعمر إلى مائة سنة من هذه المة ،أما
من قبلنا من المم فيعمرون إلى أكثر من هذا ،فلبث نوح
عليه السلم في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا.
واختيار طول الجل أو قصر الجل ليس إلى البشر ،وليس
لصحة البدن وقوام البدن ،إذ قد يحصل الموت بحادث
والنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون ،لكن الجال تقديرها
إلى الله عّز وجل.
وهذا الجل ل يتقدم لحظة ول يتأخر ،فإذا تم الجل انتهت
الحياة ،
وهنا مسألة :هل الجل وراثي؟
الجواب :الجل ليس وراثيًا ،فكم من شاب مات من قبيلة
مر في قبيلة أعمارها أعمارهم طويلة ،وكم من شاب ع ّ
قصيرة.
مله ( أي ما يكتسبه من العمال القولية والفعلية ع َ و َ ( َ
والقلبية ،فمكتوب على النسان العمل .
د ( هذه النهاية ،والسعيد هو الذي تم له َ و َ
عي ْ ٌس ِ
و َ يأ ْ ق ّ ش ِ ( َ
الفرح والسرور ،والشقي بالعكس ،قال الله تعالى:
عيد* َ َ
م ر لَ ُ
ه ْ في الّنا ِ ف ِ قوا َ ش ُ ن َذي َ ما ال ّ ِ فأ ّ س ِ ٌو َ ي َ ق ّش ِ م َ ه ْ من ْ ُ ف ِ ) َ
توا ُ ما َ
س َ ت ال ّ م ِ دا َ
ما َ ها َ في َ ن ِ دي َ خال ِ ِ ق* َ هي ٌِ شو َفيٌر َ ها َز ِ في َ ِ
َ َ
ما
وأ ّ د* َ ري ُما ي ُ ِل لِ َعا ٌ ف ّك َ ن َرب ّ َ ك إِ ّ شاءَ َرب ّ َما َ ض إ ِّل َ واْلْر ُ َ
ت
وا ُ
ما َ
س َ ت ال ّ م ِ دا َ ما َ ها َ في َ ن ِدي َ خال ِ ِة َ جن ّ ِفي ال ْ َ ف ِ دوا َ ع ُ
س ِن ُ ذي َ ال ّ ِ
41
ع َ َ
ذ( 1فالنهاية إما ذو ٍ ج ُ
م ْ طاءً َ
غي َْر َ ك َ شاءَ َرب ّ َ ما َ ض إ ِّل َ واْلْر ُ َ
شقاء وإما سعادة ،فنسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل
السعادة.
ه ( هذه الجملة قيل إنها ه َ
غي ُْر ُ ي ل َ إ ِل َ َ ذ ْ ه ال ّ ِوالل ِ ف َ قالَ ):
مدرجة من كلم ابن مسعود رضي الله عنه وليست من كلم
النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا اختلف المحدثون في جملة من الحديث أمدرجة هي أم
من أصل الحديث؟ فالصل أنها من أصل الحديث ،فل يقبل
الدراج إل بدليل ل يمكن أن يجمع به بين الصل والدراج
وعلى هذا فالصواب أنها من كلم النبي صلى الله عليه
وسلم .
رهُ ( هذا قسم مؤكد بالتوحيد، غي ْ ُه َ ي ل َ إ ِل َ َ ذ ْ ه ال ّ ِوالل ِف َ( َ
ه(
غي ُْر ُه َ ي ل َ إ ِل َ َ ذ ْ ه ( والتوكيد بالتوحيد) :ال ّ ِ والل ِ ف َ القسمَ ) :
أي ل إله حق غير الله ،وإن كان توجد آلهة تعبد من دون الله
َ
ة
ه ٌم آل ِ َ ه ْم لَ ُلكنها ليست حقًا،كما قال الله عّز وجل ):أ ْ
مّنام ِ ه ْ ول ُ م َ ه ْ
ِ س
ف ِصَر أ َن ْ ُ ن نَ ْ عو َ طي ُست َ ِ
دون َِنا ل ي َ ْ ن ُ م ْم ِ ه ْ ع ُ من َ ُ تَ ْ
َ َ
ما ن َ وأ ّ ق َح ّ و ال ْ َ ه َه ُن الل ّ َ ك ب ِأ ّ ن( 2وقال عّز وجل) :ذَل ِ َ حُبو َ ص َ يُ ْ
طل(. 3 ه ال َْبا ِدون ِ ِ ن ُم ْن ِ عو َ ي َدْ ُ
َ َ
ه
ن ب َي ْن َ ُ
و ُما ي َك ُ ْ حّتى َ ة َجن ّ ِ ل ال َ ه ِ لأ ْ م ِع َ
ل بِ َم ُع َدكم ل َي َ ْ ح َ نأ َ ( إِ ّ
ع( أي حتى يقرب أجله تمامًا .وليس المعنى ها إ ِل ّ ِذَرا ٌ وب َي ْن َ ََ
حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع في مرتبة العمل،لن عمله
الذي عمله ليس عمل ً صالحًا،كما جاء في الحديث ) :إ ِ ّ
ن
ة فيما يبدو للناس وهو من
جن ّ ِ
ل ال َ ل أَ ْ
ه ِ م ِ
ع َ م ُ
ل بِ َ دكم ل َي َ ْ
ع َ ح َ
َ
أ َ
أهل النار ( لنه أشكل على بعض الناس:كيف يعمل بعمل
أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إل ذراع ثم يسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
فنقول :عمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ،ولم يتقدم
ولم يسبق ،ولكن حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع أي بدنو
ب عل َي ْ ِ
ه الك َِتا ُ ق َ
سب ِ ُ أجله ،أي أنه قريب من الموتَ ) .
في َ ْ
ر( فيدع العمل الول الذي كان ل الّنا ِ ل أَ ْ
ه ِ م ِ
ع َ م ُ
ل بِ َ ع َ َ
في َ ْ
1
)هود(108-105:
2
)النبياء(43:
3
).لقمان :الية (30
42
يعمله ،وذلك لوجود دسيسة في قلبه ) والعياذ بالله( هوت
به إلى هاوية.
أقول هذا لئل ّ يظن بالله ظن السوء :فوالله ما من أحد يقبل
على الله بصدق وإخلص ،ويعمل بعمل أهل الجنة إل لم
يخذله الله أبدًا.
فالله عّز وجل أكرم من عبده ،لكن لبد من بلء في القلب.
* من فوائد الحديث :
1.حسن أسلوب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه،وهو
كلماته كأنما تخرج من مشكاة النبوة ،كلمات عذبة مهذبة،
2.أنه ينبغي للنسان أن يؤكد الخبر الذي يحتاج الناس إلى
تأكيده بأي نوع من أنواع التأكيدات.
3.تأكيد الخبر بما يدل على صدقه ،لقول عبد الله بن مسعود
ق.
و ُ
صد ُ ْ
م ْ
صاِدقُ ال َو ال ّ ه َو ُ
رضي الله عنهَ :
4.أن النسان في بطن أمه ُيجمع خلقه على هذا الوجه الذي
ذكره النبي صلى الله عليه وسلم .
5.أنه يبقى نطفة لمدة أربعين يومًا.
وقد يقول قائل :هذه النطفة هل يجوز إلقاؤها أول يجوز؟
والجواب :ذكر الفقهاء )رحمهم الله( أنه يجوز إلقاؤها بدواء
مباح ،قالوا :لنه لم يتكون إنسانًا،ولم يوجد فيه أصل
النسان وهو الدم.
في عل َْناهُ ِ
ج َ وقال آخرون :ل يجوز،لن الله تعالى قالَ ) :
ف َ
عُلوم ٍ( ،1وهذا أقرب إلى الصواب م ْ
ر َ
قد َ ٍن* إ َِلى َكي ٍ
م ِ
ر َ َ
قَرا ٍ
أنه حرام ،لكنه ليس كتحريم ما بعده من بلوغه أربعة أشهر.
فإذا قدر أن المرأة مرضت وخيف عليها ،فهل يجوز إلقاء
هذه النطفة؟
الجواب :نعم يجوز ،لن إلقاءها الن صار ضروري ًّا.
6.حكمة الله عّز وجل في أطوار الجنين من النطفة إلى
العلقة.
7.أهمية الدم في بقاء حياة النسان ،وجهه :أن أصل بني
آدم بعد النطفة العلقة ،والعلقة دم ،ولذلك إذا نزف دم
النسان هلك.
1
)المرسلت(22-21:
43
8.أن الطور الثالث هي المضغة ،هذه المضغة تكون مخلقة
نم ْ وغير مخلقة بنص القرآن،كما قال الله تعالى) :ث ُ ّ
م ِ
1
ة( ق ٍخل ّ َ
م َ ر ُ غي ْ ِو َة َ خل ّ َ
ق ٍ م َ ة ُ غ ٍ
ض َم ُْ
لكن ما الذي يترتب على كونها مخلقة أو غير مخلقة ؟
الجواب :يترتب عليها مسائل:
1.لو سقطت هذه المضغة غير مخلقة لم يكن الدم الذي
يخرج نفاسًا ،بل دم فساد.
2.ولو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلق وكانت المرأة في
عدة لم تنقض العدة ،لنه لبد في انقضاء العدة أن يكون
الحمل مخلقًا ،ولبد لثبوت النفاس من أن يكون الحمل
مخلقًا ،لنه قبل التخليق يحتمل أن تكون قطعة لحم فقط
وليست آدميًا ،فلذلك ل نعدل إلى إثبات هذه الحكام إل
بيقين بأن يتبين فيه خلق إنسان.
م9.أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر ،لقوله " :ث ُ ّ
ح ".
و َ
ه الّر ْ
في ْ ِخ ِ ف ُ في َن ْ ُ
ك َ مل َ ُه ال َل إ ِل َي ْ ِ
س ُ ي ُْر َ
وينبني على هذا:
أ -أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه فإنه يغسل ويكفن
ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويسمى ويعق
عنه ،لنه صار آدميا ً إنسانا ً فيثبت له حكم الكبير.
ب .أنه بعد نفخ الروح فيه يحرم إسقاطه بكل حال ،فإذا
نفخت فيه الروح فل يمكن إسقاطه،لن إسقاطه حينئذ
يكون سببا ً لهلكه ،وليجوز قتله وهو إنسان.
فإن قال قائل :أرأيتم لو كان إبقاؤه سببا ً لموت أمه،
أفيلقى وتبقى حياة الم ،أو يبقى وتهلك الم ثم يهلك
الجنين؟
فالجواب :نقول ربما أهل الستحسان يقولون بالول ،ولكن
لاستحسان في مقابلة الشرع.
فنقول :الثاني هو المتعّين بمعنىأنه ل يجوز إسقاطه،حتى
لو قال الطباء :إنه إن بقي هلكت الم .وقد يحتج من يقول
بإسقاط الجنين بأنه إذا هلكت الم هلك الجنين فيهلك
نفسان ،وإذا أخرجناه هلك الجنين لكن الم تسلم.
والجواب على هذا الرأي الفاسد أن نقول:
1
)الحج :الية (5
44
ل :قتل النفس لحياء نفس أخرى ل يجوز ،ولذلك لو فرض أو ً
أن رجلين كانا في سفر في أرض فلة ول زاد معهما ،وكان
أحدهما كبيرا ً والخر عشر سنين أو تسع سنين فجاع الكبير
جدا ً بحيث لو لم يأكل لهلك ،فل يجوز للكبير أبدا ً أن يذبح
الصغير ليأكله ويعيش بإجماع المسلمين .
ولو قدر أن الصبي مات من الجوع وبقي الكبير وهو إما أن
يأكله فيبقى أو يتركه فيهلك ،فهل يجوز له الكل من جسد
الصغير؟
والجواب :مذهب المام أحمد -رحمه الله -في المشهور عنه
أنه ل يجوز أكله ،لن النبي صلى الله عليه وسلم قال :ك َ ْ
سُر
حي ّا ً ،وذبح الميت كذبحه حيًا .والقول
ه َ
ر ِ
س ِ عظْم ِ المي ّ ِ
ت ك َك َ ْ َ
الثاني في هذه المسألة :أنه يجوز أن يأكل منه ما يسد
رمقه،لن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت.
ل :فنقول :أننا لو أسقطنا الجنين فهلك فنحن الذين أو ً
قتلناه ،ولو أبقيناه فهلكت الم ثم هلك هو،فالذي أهلكهما
هو الله عّز وجل أي ليس من فعلنا.
ثانيًا :ل يلزم من هلك الم أن يهلك الجنين لسيما في
وقتنا الحاضر ،إذ من الممكن إجراء عملية سريعة لخراج
الجنين فيحيى ،ولهذا بعض البيطريين في الغنم وشبهها
يستطيع إذا ماتت الم أن يخرج حملها قبل أن يموت .
وأيضا ً نقول :لو أنه مات هذا الجنين في بطن أمه من عند
الله عّز وجل ل يلزم أن تموت هي ،فُيخرج لنه ميت وتبقى
الم.
الخلصة :أنه إذا نفخت فيه الروح فإنه ل يجوز إسقاطه بأي
حال من الحوال.
ومن فوائد هذا الحديث:
10.عناية الله تعالى بالخلق حيث وكل بهم وهم في بطون
أمهاتهم ملئكة يعتنون بهم ،ووكل بهم ملئكة إذا خرجوا
إلى الدنيا ،وملئكة إذا ماتوا ،كل هذا دليل على عناية الله
تعالى بنا.
45
11.أن الروح في الجسد تنفخ نفخا ً ولكن ل نعلم الكيفية،
َ
تصن َ ْ ن ال ِّتي أ ْ
ح َ مَرا َ ع ْ ت ِ م اب ْن َ َمْري َ َ و َ وهذا كقوله تعالىَ ) :
1
حَنا( ن ُرو ِ م ْ ه ِ
في ِ خَنا ِ ف ْفن َ َ ها َ ج َ َ
فْر َ
لكن ل ندري كيف هذا؟ لن هذا من أمور الغيب.
12.أن الروح جسم ،لنه ينفخ فيحل في البدن.
ولكن هل هذا الجسم من جنس أجسامنا الكثيفة المكونة من
عظام ولحم وعصب وجلود؟
الجواب :ل علم للبشر بها ،بل نقول كما قال تعالى:
2
ر َرّبي( م قل الروح من أ َ ُ ح رو ال ن ع
َ كَ َ ن )ويس َ
ألو
ِ ْ ْ ِ ُ ّ ِ ِ ّ ِ َ َ ْ
وهي جسم لكن مخالف للجسام الكثيفة التي هي أجسادنا،
والله أعلم بكيفيتها .والروح عجيبة ،لها حال في المنام
مًا ،فتجد نفسك تجوب فتخرج من البدن لكن ليس خروجا ً تا ّ
الفيافي،ربما وصلت إلى الصين أو إلى أقصى المغرب
وربما طرت بالطائرة وربما ركبت السيارة ،وأنت في مكانك
طى جسمك ،ومع ذلك تتجول في الرض، واللحاف قد غ ّ
لكنها ل تفارق الجسم في حال النوم مفارقة تامة ،فالروح
أمرها غريب،ولسنا نعلم منها إل ما جاء في الكتاب والسنة،
ه لله سبحانه وتعالى. ل علم ُ وما ل نعلمه ن َك ِ ُ
فإذا كنت ل تدري عن نفسك التي بين جنبيك فكيف تحاول
أن تعرف كيفية صفات الله عّز وجل الذي هو أعظم وأجل
من أن تحيط به.
13.أن الملئكة عليهم السلم عبيد يؤمرون وينهون ،لقوله:
َ
ت والمُر له هو الله عّز وجل. ما ٍ ع ك َل ِ َ مُر ب ِأْرب َ ِ فُيؤ َ َ
14.أن هذه الربع مكتوبة على النسان :رزقه ،وأجله،
وعمله ،وشقي أو سعيد .ولكن هل معنى ذلك أن ل نفعل
السباب التي يحصل بها الرزق؟
الجواب :بلى نفعل ،وما نفعله من أسباب تابع للرزق.
15.أن الملئكة يكتبون.
فلو قال لنا قائل :بأي حرف يكتبون ،هل يكتبون باللغة
العربية ،أم باللغة السريانية ،أو العبرية ،أو ما أشبه ذلك؟
1
)التحريم :الية (12
2
)السراء :الية (85
46
فالجواب :السؤال عن هذا بدعة ،علينا أن نؤمن بأنهم
يكتبون ،أما بأي لغة فل نقول شيئًا.
هذه الكتابة هل هي في صحيفة ،أو تكتب على جبين
الجنين؟
الجواب :هناك آثار تدل على أنها تكتب على جبين الجنين،
وآثار على أنها تكتب في صحيفة ،والجمع بينهما سهل :إذ
يمكن أن تكتب في صحيفة ويأخذها الملك إلى ما شاء الله،
ويمكن أن تكتب على جبين النسان.
16.أن النسان ل يدري ماذا كتب له ،ولذلك أمر بالسعي
لتحصيل ما ينفعه ،وهذا أمر مسّلم،
17.أن نهاية بني آدم أحد أمرين:
ي
ق ّ
ش ِم َ ه ْمن ْ ُ إما الشقاء وإما السعادة ،قال الله تعالَ ) :
ف ِ
1
د(عي ٌس ِ و ََ
م من ْك ُ ْو ِفٌر َ م َ
كا ِ من ْك ُ ْ
ف ِم َ خل َ َ
قك ُ ْ و ال ّ ِ
ذي َ ه َ
وقال تعالىُ ) :
2
ن( م ٌ ؤ ِم ْ ُ
ً
نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من أهل السعادة إنه سميع
قريب.
1
)هود :الية (105
2
)التغابن :الية (2
47
الحديث الخامس
ها - عائ ِ َ ُ ُ
عن ْ َه َ ي الل ُ ض ََ ة َ -ر ِ ش َ ه َ د الل ِ عب ْ ِم َ نأ ّ مِني َ مؤ ِ م ال ُ نأ ّ ع َْ
َ
ما
ذا َ ه َرَنا َ م ِيأ ْ ف ْث ِ
حد َ َ نأ ْ م ْ
ه َ ": ل الل ِ و ُ س ْ ل َر ُ قا َ تَ : قال َ ْ َ
د " رواه البخاري ومسلم ،وفي رواية و َر ّ ه َف ُه َ من ْ ُ
س ِ ل َي ْ َ
عل َي َ
د" و َر ّه َ مُرَنا َ
ف ُ هأ ْ س َ ْ ِ مل ً ل َي ْ َ ع َ
ل َ م َ ع ِن َ م ْ لمسلم " َ
الشرح
ت عائشة رضي الله عنها بأم المؤمنين لنها إحدى ك ُن ّي َ ْ
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ،وجميع أمهات
المؤمنين تكنى بهذه الكنية ،كما قال الله عّز وجل) :
م ( 1فكل زوجات النبي صلى الله عليه وأ َزواج ُ
ه ْ
هات ُ ُ م َ
هأ ّ َ ْ َ ُ ُ
وسلم أمهات المؤمنين.
ول ِدَ لها -رضي الله ُ
ه هذه كنية ،وهل ُد الل ِعب ْ ِم َ وقوله :أ ّ
عنها -ولدٌ أم ل؟
والجواب :أنه ذكر بعض أهل العلم أنه ولد لها ولد سقط لم
يعش ،وذكر آخرون أنه لم يولد لها ل سقط ول حي ،ولكن
ب السماء إلى الله :عبد الله،هي تكّنت بهذه الكنية،لن أح ّ
وعبد الّرحمن.
ُ
ة هذا اسم أم المؤمنين وهي ابنة أبي بكر ش َ عائ ِ َ وقولهَ :
الصديق رضي الله عنه ،تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم
1
]الحزاب :الية(6:
48
ولها ست سنين ،وبنى بها ولها تسع سنين ،وروت للمة
علما ً كثيرا ً وفقها ً غزيرًا ،فهي رضي الله عنها من
المحدثات ،ومن الفقيهات.
َ َ
د( )من( و َر ّه َ ف ُه َ من ْ ُ
س ِما ل َي ْ َذا َ ه َ
رَنا َ م ِيأ ْ ف ْ ث ِ حدَ َ نأ ْ م ْ ( َ
ث( فعل الشرط ،وجواب الشرط) :فهو رد( حد َ َ َ
شرطية .و) :أ ْ
واقترن الجواب بالفاء لنه جملة اسمية،
و َردّ أي مردود. ه َ ف ُوقولهَ :
ث ( أي أوجد شيئا ً لم يكن . حدَ َ َ
نأ ْ م ْ وقولهَ ) :
رَنا ( أي في ديننا وشريعتنا. َ
م ِ يأ ْ ف ْ ( ِ
ه ( أي مالم يشرعه الله ورسوله. من ْ ُ س ِ ما ل َي ْ َ ( َ
د ( فإنه مردود عليه حتى وإن صدر عن إخلص، و َر ّ ه َ ف ُ( َ
ُ
دوا الل ّ َ
ه عب ُ ُمُروا إ ِّل ل ِي َ ْ ما أ ِو َوذلك لقول الله تعالىَ ) :
غ َ
غي َْر ن ي َب ْت َ ِم ْ و َفاءَ ( ولقوله تعالىَ ) : حن َ َ
ن ُ دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ
1
ُ
نم َة ِخَر ِفي اْل ِ و ِ ه َ
و ُه َ من ْ ُ
ل ِ فل َ ْ
ن يُ ْ
قب َ َ سلم ِ ِدينا ً َ اْل ِ ْ
2
ن( ري َِ س
خا ِال ْ َ
عل ِي َ
و مُرَنا َ
فه َ هأ ْ س َ ْ ِ مل ً ل َي ْ َع َ
ل َ م َع ِ ن َ م ْة لمسلمَ ) : وفي رواي ٍ
ث( ومعنى هذه حد َ َ َ
نأ ْ م ْ د ( وهذه الرواية أعم من رواية ) َ َر ّ
الرواية :أن من عمل أي عمل سواء كان عبادة ،أو كان
معاملة ،أو غير ذلك ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه مردود
عليه.
*وهذا الحديث أصل من أصول السلم ،دل عليه قوله
عوا قيما ً َ ه َ تعالىَ ) :
ول ت َت ّب ِ ُ
عوهُ َ
فات ّب ِ ُ ست َ ِم ْ طي ُصَرا ِذا ِ ن َوأ ّ َ
ه ( وكذلك اليات التي سِبيل ِ ِ
ن َع ْ
م َ فّرقَ ب ِك ُ ْفت َ َل َ
سب ُ َ
ال ّ
3
الحديث السادس
قا َ
ل: شْير رضي الله عنهما َ َ
ن بِ ِ ن بْ ِ ما ِ ع َ ه الن ّ ْ د الل ِ عب ْ ِ ي َ ن أب ِ ْ ع ْ َ
ن
ل) :إ ِ ّ و ُ ق ْ ه صلى الله عليه وسلم ي َ ُ ل الل ِ و َ س ْ ت َر ُ ع ُ م ْس ِ َ
هات ل َ م ْ ُ حل َ
شت َب ِ َ وٌر ُ م ْما أ ُ ه َ وب َي ْن َ ُن َ م ب َي ّ ٌ حَرا َ ن ال َ وإ ِ ّن َ ل ب َي ّ ٌ ال َ
قد است َبرأ َ
ْ ْ ف َ ِ ت َ ها ِ شب ُ َ قى ال ّ ن ات ّ َ م ِ ف َ ن الّناسَِ ، م َ ن ك َث ِي ٌْر ِ ه ّ م ُ عل َ ُ يَ ْ
حَرام ِ في ال َ ع ِ ق َ و َ ت َ ها ِ شب ُ َ في ال ّ ع ِ ق َ و َ ن َ م ْ و َ ضهَ ، عْر ِ هو ِ دي ْن ِ ِ لِ ِ
ن َ ن يَ َ َ ش ُ و َ َ
وإ ِ ّ ه .أل َ في ْ ِ ع ِ ق َ كأ ْ مى ُيو ِ ح َ ل ال ِ ح ْ عى َ عي ي َْر َ كالّرا ِ
في ن ِ َ َ ل ِك ُ ّ
ه ،أل وإ ِ ّ م ُ ر ُ حا ِ م َ ه َ مى الل ِ ح َ ن ِ وإ ِ ّ ى .أل َ م ً ح َ ك ِ مل ِ ٍ ل َ
دت س َ ف َ ذا َ ه وإ َ سدُ ك ُل ّ ُ ج َ ح ال َ صل َ َت َ ح ْ صل َ َ ذا َ ة إِ َ غ ً ض َ م ْ د ُ س ِ ج َ ال َ
فسد الجسد ك ُل ّ َ
ب(قل ْ ُ ي ال َ وه َ ه أل َ ُ َ َ ُ َ َ َ
رواه البخاري ومسلم .
الشرح
52
ن ( في هذا الحديثم ب َي ّ ٌ حَرا َ ن ال َ
وإ ِ ّ ن َ ل ب َي ّ ٌ حل َ ن ال َ قوله ) :إ ِ ّ
تقسيم للحكام إلى ثلثة أقسام:
ل يعرفه .كالثمر ،والبر ،واللباس غير المحرم 1.حلل بّين ك ّ
وأشياء ليس لها حصر.
ل يعرفه .كالزنا ،والسرقة ،وشرب الخمر وما م بّين ك ّ 2.حرا ٌ
أشبه ذلك.
3.مشتبه ل يعرف هل هو حلل أو حرام؟ وسبب الشتباه
فيها إما :الشتباه في الدليل ،وإما الشتباه في انطباق
الدليل على المسألة ،فتارةً يكون الشتباه في الحكم ،وتارةً
يكون في محل الحكم.
* الشتباه في الدليل :بأن يكون الحديث:
ح؟ح عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يص ّ ل :هل ص ّ أو ً
ثانيًا :هل يدل على هذا الحكم أو ل يدل؟
ل الحديث :هل ثبت أم لم وهذا يقع كثيرًا ،فما أكثر ما ُيشك ِ ُ
يثبت؟ وهل يدل على هذا أو ل يدل؟
* وأما الشتباه في محل الحكم :فهل ينطبق هذا الحديث
على هذه المسألة بعينها أو ل ينطبق؟
فالول عند الصوليين يسمى تخريج المناط ،والثاني يسمى
تحقيق المناط.
س ( يعني هذه المشتبهات ل ن الّنا ِ م َ ن ك َث ِي ٌْر ِ ه ّ م ُ عل َ ُ )ل َ ي َ ْ
يعلمهن كثير من الناس ويعلمهن كثير ،فكثير ل يعلم وكثير
يعلم ،ولم يقل :ل يعلمهن أكثر الناس ،فلو قال:ل يعلمهن
أكثر الناس لصار الذين يعلمون قلي ً
ل.
س ( إما لقلة علمهم،ن الّنا ِ م َن ك َث ِي ٌْر ِه ّ م ُ عل َ ُ
إذا ً فقوله ) ل َ ي َ ْ
وإما لقلة فهمهم ،وإما لتقصيرهم في المعرفة.
ت ( أي تجنبها. ها ِ شب ُ َ قى ال ّ من ا ِت ّ َ ف َ ( َ
رأ َ (أي أخذ البراءة. ست َب ْ َ د اِ ْ ق ِ ف َ ( َ
ه ( فيما بينه وبين الله تعالى. دي ْن ِ ِ (ل ِ ِ
ه ( فيما بينه وبين الناس ،لن المور المشتبهة إذا ض ِ عْر ِ و ِ ( َ
ارتكبها النسان صار عرضة للناس يتكلمون في عرضه
وكذلك فيما بينه وبين الله تعالى.
53
رام ِ ( هذه جملة ح َ في ال َ ع َ
ق َو َت َ ها ِشب ُ َ في ال ّ ع ِ ق َ و َ ن َ م ْ و َ ( َ
شرطية.
حَرام ِ هذا ع في ال َ ق َ و َت ( أي فعلها َ ها ِشب ُ َ في ال ّ ع َ ق َ و َ ن َ م ْ و َ ( َ
الجملة تحتمل معنيين:
الول:أن ممارسة المشتبهات حرام.
الثاني:أنه ذريعة إلى الوقوع في المحرم،وبالنظر في
المثال الذي ضربه صلى الله عليه وسلم يتضح لنا أي
المعنيين أصح.
عي ( أي راعي البل أو البقر أو كالّرا ِ والمثال المضروبَ ):
الغنم.
مى ( أي حول المكان المحمي،لنه قد ل اِلح َ و َ ح ْ عى َ (ي َْر َ
عى فيه إما بحق أو بغير مى فل ُير َ ن ُيح َ ُيتخذ مكا ٌ
ه ( أي ن يَ َ حق،والراعي حول هذه القطعة ) يوش ُ َ
في ْ ِ ع ِق َ كأ ْ ُ ِ
يقرب أن يقع فيه،لن البهائم إذا رأت هذه الرض المحمية
مخضرة مملوءة من العشب فسوف تدخل هذه القطعة
المحمية،ويصعب منعها ،كذلك المشتبهات إذا حام حولها
العبد فإنه يصعب عليه أن يمنع نفسه عنها.
تها ِشب ُ َفي ال ّ ع ِ و َ
ق َ ن َ م ْ وبهذا المثال يقرب أن معنى قوله ) َ
رام ِ ( أي أوشك أن يقع في الحرام ،لن المثال ح َ في ال َ ع ِ ق َ و َ َ
يوضح المعنى.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ):أ َل َ ( أداة
استفتاح،فائدتها:التنبيه على ما سيأتي.
مى ( أي كل ملك له حمى،والنبي صلى ح َ ك ِمل ِ ٍ ل َ ن ل ِك ُ ّ وإ ِ ّ ( َ
الله عليه وسلم ليريد أن يبين حكم حمى الملك:هل هو
ل،وما يكون حلل أو هو محرم؟لن من الحمى ما يكون حل ً
حرامًا،فالمراد بالحمى في الحديث الواقع،ومسألة الحمى
على نوعين:
1.إذا حماه لنفسه وبهائمه فهو حرام.
2.إذا حماه لدواب المسلمين كإبل الصدقة وإبل الجهاد فهو
ن
مو َ سل ِ ُ
م ْ حلل،لنه لم يختصه لنفسه،فرسول الله قال" :ال ُ
ر " رواه أبو داود والّنا ِ ء َما ِ
وال َفي الك َل ِ َ في َثلَثة ِ : شَرك َا ْءُ ِ ُ
والمام أحمد.
54
َ
ه ( هذه جملة مؤكدة بـ )إن( م ُحار ُم َه َمى الل ِ ح َ
ن ِ (أل َ وإ ِ ّ
وأداة الستفتاح )أل( والمعنى:أل وإن حمى الله محارم
الله،فإياك أن تقربها،لن محارم الله كالرض المحمية للملك
ل يدخلها أحد.
ة ( هذه أيضا ً جملة مؤكدة بـ َ
غ ٌض َ
م ْد ُس ِج َ
في ال َ ن ِ (أل َ َ
وإ ِ ّ
ن( والمعنى:أل وإن في جسد النسان مضغة،أي )أل(و)إ ّ
قطعة لحم بقدر ما يمضغه النسان عند الكل،وهي بمقدار
الشيء الصغير.
د
س ُ
ج َ
سدَ ال َ ت َ
ف َ سد َ ْ ذا َ
ف َ وإ ِ َ سدُ ك ُل ّ ُ
هَ ، ج َ
ح ال َ صل َ َ
ت َح ْ صل َ َ
ذا َ( إِ َ
َ
ب ( رتب النبي صلى الله عليه وسلم قل ْ ُي ال َ
ه َو ِ ه ،أل َ َك ُل ّ ُ
الجزاء على الشرط،فمتى صلح القلب صلح الجسد،وإذا
فسدت فسد الجسد كله.
وقد مثل بعض العلماء هذا بالملك،إذا صلح صُلحت رعيته،وإذا
فسد فسدت.
لكن نظر فيه العلماء المحققون وقالوا:هذا المثال ل
يستقيم،لن الملك ربما يأمر ول ُيطاع،والقلب إذا أمر
الجوارح أطاعته ولبد،فهو أبلغ
وهذا الحديث في الحقيقة حديث عظيم،لو تكلم النسان عنه
لبلغ صفحات لكن نشير إن شاء الله إلى جوامع الفوائد في
هذا الحديث.
* من فوائد الحديث :
1.أن الشياء تنقسم إلى ثلثة أقسام :حلل بّين ،حرام
بّين،مشتبه ،وحكم كل نوع ومثاله أن نقول:
*الحلل البين ل يلم أحد على فعله،
*الحرام البّين وهذا يلم كل إنسان على فعله،
*وهناك أمور مشتبهة :وهذه محل الخلف بين الناس،فتجد
الناس يختلفون فيها فمنهم من يحرم،ومنهم من
صل.
يحلل،ومنهم من يتوقف،ومنهم من يف ّ
2.أسباب الشتباه أربعة:
1.قلة العلم :فقلة العلم توجب الشتباه،لن واسع العلم
يعرف أشياء ل يعرفها الخرون.
2.قلة الفهم :أي ضعف الفهم،وذلك بأن يكون صاحب علم ٍ
ع كثير ،ولكنه ل يفهم،فهذا تشتبه عليه المور. واس ٍ
55
3.التقصير في التدبر :بأن ل يتعب نفسه في التدبر والبحث
ومعرفة المعاني بحجة عدم لزوم ذلك.
4.وهو أعظمها :سوء القصد :بأن ل يقصد النسان إل نصر
قوله فقط بقطع النظر عن كونه صوابا ً أو خطًأ ،فمن هذه
نيته فإنه يحرم الوصول إلى العلم،نسأل الله العافية،لنه
يقصد من العلم إتباع الهوى.
وهذا الشتباه ل يكون على جميع الناس بدليلين :أحدهما من
ن ك َث ِي ٌْره ّم ُ عل َ ُ
النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم ) :ل َ ي َ ْ
س ( يعني كثيرا ً يعلمهن،والثاني من المعنى فلو ن الّنا ِ م َ ِ
كانت النصوص مشتبهة على جميع الناس ،لم يكن القرآن
ل،وهذا متعذر وممتنع. بيانا ً ولبقي شيء من الشريعة مجهو ً
3.حكمة الله عّز وجل في ذكر المشتبهات حتى يتبين من
كان حريصا ً على طلب العلم ومن ليس بحريص.
4.أنه ل يمكن أن يكون في الشريعة مال يعلمه الناس
س(. ن الّنا ِ م َ ن ك َث ِي ٌْر ِه ّ م ُعل َ ُكلهم،لقوله ) :ل َ ي ْ
5.الحث على اتقاء الشبهات ،لكن هذا مشروط بما إذا قام
الدليل على الشبهة ،أما إذا لم يقم الدليل على وجود شبهة
اتقاء الشبهات كان ذلك وسواسا ً وتعمقًا ،لكن إذا وجد ما
يوجب الشتباه فإن النسان مأمور بالورع وترك المشتبه،
مق. أما مال أصل له فإن تركه تع ّ
فالقاعدة :أنه إذا وجد احتمال الشتباه فهنا إن قوي قوي
تركه ،وإن ضعف ضعف تركه ،ومتى لم يوجد احتمال أصل ً
مق في الدين المنهي عنه. فإن تركه من التع ّ
ن
م ْ 6.أن الواقع في الشبهات واقع في الحرام ،لقولهَ :
حَرام ِ في ال َ ع ِ ق َو َ ت َ ها ِ في ال ّ
شب ُ َ ع ِ ق َ و َ َ
7.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ،وذلك بضرب
المثال المحسوسة لتتبين بها المعاني المعقولة ،وهذا هو
َ
ك اْل ْ
مَثا ُ
ل وت ِل ْ َطريقة القرآن الكريم،قال الله تعالىَ ) :
1
ن(مو َ عال ِ ُ ها إ ِّل ال ْ َ قل ُ َ
ع ِما ي َ ْ و َس َها ِللّنا ِ
رب ُ َ
ض ِ نَ ْ
مى ( إقراره ح َل ال ِ و َ ح ْ عى َ 8.هل يؤخذ من قوله ) :ي َْر َ
بالحمى؟
1
)العنكبوت(43:
56
والجواب :أن هذا من باب الخبار والوقوع ،ول يدل على
حكم شرعي .والنبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر الشياء
لوقوعها ل لبيان حكمها.
إذا ً هذا الحديث ل يدل على جواز الحمى لنه ضرب مثل
لواقع .ولكن ل بأس أن نقول الحمى نوعان:
الول :حمى لمصالح المسلمين ،فهذا جائز
ص به الحامي ،فهذا حرام ،لنه ليس له أن الثاني :حمى يخت ّ
يختص فيما كان عامًا.
9.سد الذرائع ،أي أن كل ذريعة توصل إلى محرم يجب أن
تغلق لئل يقع في المحّرم .وسد الذرائع دليل شرعي ،فقد
سّبوا ول ت َ ُ جاءت به الشريعة ،ومن ذلك قول الله تعالىَ ( :
1
عل ْم ٍ(ر ِ غي ْ ِدوا ً ب ِ َع ْ ه َسّبوا الل ّ َ في َ ُ ن الل ّ ِ
ه َ دو ِ ن ُ م ْ
ن ِ عو َ ن ي َدْ ُ
ذي َال ّ ِ
ب الله ب آلهة المشركين لنها ذريعة إلى س ّ فنهى عن س ّ
ب بحق ،وسب الله ب آلهة المشركين س ّ تعالى ،مع أن س ّ
و بغير علم. تعالى عد ٌ
ن ل َك ُ ّ َ
كمل ِ ٍل َ وإ ِ ّ 10.أن من عادة الملوك أن يحموا ،لقوله :أل َ َ
ى وقد سبق حكم ا لحمى آنفًا. حم ً ِ
11.تأكيد الجمل بأنواع المؤكدات إذا دعت الحاجة إلى هذا،
فإذا قال قائل :إن التأكيد فيه تطويل ،فنقول :التوكيد
تطويل ،ولكن إذا دعت الحاجة صار من البلغة ،لقوله:
أل .. .أل .
12.أن المدار في الصلح والفساد على القلب ،إذا صلح صلح
الجسد كّله ،وإذا فسد فسد الجسد كله.
هر قلبك من الشرك والبدع والحقد على المسلمين فط ّ
والبغضاء ،وغير ذلك من الخلق أو العقائد المنافية
للشريعة ،فإن القلب هو الصل.
13.في الحديث ردّ على العصاة الذين إذا نهوا عن المعاصي
قالوا :التقوى هاهنا وضرب أحدهم على صدره ،فاستدل
هَنا هو النبي ها ُ وى َ بحق على باطل ،لن الذي قال :الت ّ ْ
ق َ
صلى الله عليه وسلم ومعناه في الحديث :إذا اتقى ما هاهنا
اّتقت الجوارح ،لكن هذا يقول :التقوى هاهنا يعني أنه
سيعصي الله،والتقوى تكون في القلب.
1
)النعام :من الية (108
57
والجواب عن هذا التشبيه والتلبيس سهل جدا ً بأن نقول:
لو صلح ما هاهنا ،صلح ما هناك ،لن النبي صلى الله عليه
د
س َ
ف َت َ سد َ ْ ف َ ذا َ سدُ ك ُّلهَ ،
وإ ِ َ ج َ ح ال َصل َ َ ت َ ح ْ صل َ َذا َ وسلم قال ):إ ِ َ
ه(. سدُ ك ُل ّ ُج َ ال َ
14.أن تدبير أفعال النسان عائد إلى القلب ،لقوله ) :إ ِ َ
ذا
ه (. سدُ ك ُل ّ ُج َ د ال َ س َ ت َ
ف َ سد َ ْ
ف َ ذا َوإ ِ َ
هَ ،سدُ ك ُل ّ ُ ج َ ح ال َ صل َ َت َ ح ْصل َ ََ
وهل في هذا دليل على أن العقل في القلب؟
والجواب :نعم ،فيه إشارة إلى أن العقل في القلب ،وأن
المدبر هو القلب مع أن القرآن شاهد بهذا.
في اْل َ قال الله تعالى) :أ َ
م ه ْ ن لَ ُ
كو َ فت َ ُ ض َ ِ رْ ِ روا ُ سي ِ َ ي م ْ فل َ
َ
َ
مى
ع َ
ها ل ت َ ْفإ ِن ّ َها َ ن بِ َ عو َ
م ُ س َ ن يَ ْ
ذا ٌوآ َ ها أ ْ ن بِ َ قُلو َ ع ِ ب يَ ْقُلو ٌ ُ
2
ر( دوُ ص ال في ِ تي ِ ّ لا بُ لوُ قُ ْ لا مى ع
ْ َ ت ن ِ كَ لو ر صا ْ باْل َ
ِ ّ َ ْ َ ُ َ
2
)الحج(46:
58
الحديث السابع
ن َ َ ي ُر َ َ
ي رضي الله عنه أ ّ ر ّدا ِ
س ال ّو ٍنأ ْ مْيم ب ْ ِ ة تَ ِ
قي ّ َ ن أب ِ ْ ع ْ َ
قل َْنا: ة ُ ح ُ
صي ْ َن الن ّ ِ ل( :الدّي ْ ُقا َالنبي صلى الله عليه وسلم َ
ة
م ِ َ ه؟ َ سو َ
ولئ ِ ّ هَ ، ول ِ ِس ْ
ه،ولكتابه ،ول َِر ُ ل :لل ِقا َ ل الل ِ ن َياَر ُ م ْ لِ َ
م) رواه مسلم ه ْ
مت ِ ِعا ّو َنَ ، مي ْ َسل ِ ِ م ْ ال ُ
الشرح
ة هذه كنية بأنثى ،والغالب أن الكنية ي ُر َ
قي ّ َ َ
ن أب ِ ْ ع ْ
قولهَ :
تكون بذكر ،لكن قد تكون بأنثى ل سيما إذا اشتهر ،وقد
ل ،فأبو هريرة رضي الله تكون بغير النسان كأبي هريرة مث ً
عنه اشتهر بهذه الكنية من أجل أنه كان معه هرة ألفها
وألفته فكّني أبا هريرة.
ل من ة ( الدين :مبتدأ والنصيحة خبر ،وك ّ ح ُصي ْ َن الن ّ ِ
) الدّي ْ ُ
المبتدأ والخبر معرفة.
ة ( مثل قوله :ما الدين إل النصيحة،ح ُصي ْ َ
ن الن ّ ِ فقوله ) :الدّي ْ ُ
فإذا كان طرفا الجملة معرفتين كان ذلك من باب الحصر.
59
ن ( يعني بذلك دين العمل ،لن الدين ينقسم وقوله ) :الدّي ْ ُ
وم ِك يَ ْ مال ِ ِإلى قسمين:دين عمل ودين جزاء .فقوله تعالىَ ) :
ن( )الفاتحة(4: دي ِ ال ّ
م
سل َ م اْل ِ ْ ت ل َك ُ ُ
ضي ُ
وَر ِ
المراد به :دين الجزاء ،وقوله تعالىَ ) :
دينا ً ( 1المراد به :دين العمل. ِ
ة ( المراد به دين العمل، ح ُصي ْ َ ن الن ّ ِوقوله هنا ) :الدّي ْ ُ
والنصيحة بمعنى إخلص الشيء.
وأبهم النبي صلى الله عليه وسلم لمن تكون النصيحة من
أجل أن يستفهم الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك ،لن
وقوع الشيء مجمل ً ثم مفصل ً من أسباب رسوخ العلم،لنه
إذا أتى مجمل ً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل ،فيأتي
البيان والنفس متطلعة إلى ذلك متشوفة له،فيرسخ في
الذهن أكثر مما لوجاء البيان من أول مرة.
ة ( َثلث َا ً يعني قالها ثلثا ً ح ُصي ْ َ
ن الن ّ ِ و في بعض ألفاظه ) :الدّي ْ ُ
الدين النصيحة ،الدين النصيحة ،الدين النصيحة
ه،ول ِ ِ
س ْ
ه،ولكتابه،ول َِر ُ ل :لل ِ قا َ ه؟ َ ل الل ِ سو َ ن َياَر ُ م ْقل َْنا:ل ِ َ ( ُ
م( َ
ه ْمت ِ ِ عا ّ
و َنَ ، مي ْ َسل ِ ِم ْ ة ال ُ م ِ
ولئ ِ ّ َ
* النصيحة لله تتضمن أمرين:
الول:إخلص العبادة له.
الثاني :الشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته،
وأسمائه وصفاته.
* والنصيحة لكتابه تتضمن أمورا ً منها:
ب عنه ،بأن يذب النسان عنه تحريف المبطلين، الول :الذ ّ
ويبّين بطلن تحريف من حّرف.
الثاني :تصديق خبره تصديقا ً جازما ً ل مرية فيه ،فلو كذب
خبرا ً من أخبار الكتاب لم يكن ناصحًا ،ومن شك فيه وتردد
لم يكن ناصحًا.
الثالث :امتثال أوامره فما ورد في كتاب الله من أمر
فامتثله ،فإن لم تمتثل لم تكن ناصحا ً له.
الرابع :اجتناب ما نهى عنه ،فإن لم تفعل لم تكن ناصحًا.
الخامس :أن تؤمن بأن ما تضمنه من الحكام هو خير
الحكام ،وأنه ل حكم أحسن من أحكام القرآن الكريم.
1
)المائدة :الية (3
60
السادس :أن تؤمن بأن هذا القرآن كلم الله عّز وجل حروفه
ومعناه ،تكلم به حقيقة ،وتلقاه جبريل من الله عّز وجل
ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من
المنذرين بلسان عربي مبين.
* والنصيحة لرسوله تكون بأمور منها:
الول :تجريد المتابعة له ،وأن ل تتبع غيره،لقول الله تعالى:
في رسول الل ّ ُ
جون ي َْر ُ كا َن َ م ْ
ة لِ َ
سن َ ٌ ح َ وةٌ َ س َهأ ْ ِ َ ُ ِ م ِ ن ل َك ُ ْكا َ قد ْ َ )ل َ َ
ً 1
ه ك َِثيرا ( وذَك ََر الل ّ َ خَر َ م اْل ِ و َوال ْي َ ْ ه َ الل ّ َ
ذب، ذب ،ولم ُيك َ الثاني :اليمان بأنه رسول الله حقًا ،لم َيك ِ
فهو رسول صادق مصدوق.
الثالث :أن تؤمن بكل ما أخبر به من الخبار الماضية
والحاضرة والمستقبلة.
الرابع :أن تمتثل أمره.
الخامس :أن تجتنب نهيه.
ب عن شريعته. السادس :أن تذ ّ
السابع :أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله فهو كما جاء
عن الله تعالى في لزوم العمل به ،لن ما ثبت في السنة
َ
ن
ذي َ ها ال ّ ِ فهو كالذي جاء في القرآن .قال الله تعالىَ) :يا أي ّ َ
ن سو َ آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ
م ْ ل ( وقال تعالى ) َ عوا الّر ُ طي ُ وأ ِ
2
َ َ ِ ُ َ
َ
ع الل ّ َ
ه(
3
طا َ قد ْ أ َ ف َ ل َ سو َ ع الّر ُ ي ُطِ ِ
الثامن :نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حيا ً فمعه
وإلى جانبه ،وإن كان ميتا ً فنصرة سنته صلى الله عليه
وسلم.
مْين ( أئمة جمع إمام ،والمام :القدوة كما سل ِ ِ ( َ
م ْ ة ال ُ م ِ ولئ ِ ّ َ
ه( أي قدوة ،ومنه ّ ً ة َ ُ م َ
4
قاِنتا ل ِل ِ م ً نأ ّ كا َ هي َ ن إ ِب َْرا ِ قال تعالى) :إ ِ ّ
ً 5
ماما ( ن إِ َ قي َ مت ّ ِ عل َْنا ل ِل ْ ُج َ وا ْ قول عباد الرحمنَ ) :
وأئمة المسلمين صنفان من الناس:
الول :العلماء ،والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا
النبي صلى الله عليه وسلم علما ً وعبادة وأخلقا ً ودعوة،
1
)الحزاب(21:
2
)النساء :الية (59
3
)النساء :الية (80
4
)النحل :الية (120
5
)الفرقان :الية (74
61
وهؤلء هم أولو المر حقيقة ،لن هؤلء يباشرون العامة،
ويباشرون المراء ،ويبينون دين الله ويدعون إليه
الصنف الثاني :من أئمة المسلمين :المراء المنفذون
لشريعة الله ،ولهذا نقول :العلماء مبينون ،والمراء منفذون
يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عّز وجل في أنفسهم
وفي عباد الله.
ر منها:
* والنصيحة للعلماء تكون بأمو ٍ
سى به. الول :محبتهم ،لنك إذا لم تحب أحدا ً فإنك لن تتأ ّ
الثاني :معونتهم ومساعدتهم في بيان الحق ،فتنشر كتبهم
بالوسائل العلمية المتنوعة التي تختلف في كل زمان
ومكان.
ب عن أعراضهم ،بمعنى أن ل تقّر أحدا ً على الثالث :الذ ّ
د منغيبتهم والوقوع في أعراضهم،وإذا نسب إلى أح ٍ
العلماء الربانيين شيء ُيستنكر فعليك أن تتخذ هذه المراحل:
ه إليه ،فكم من أشياء المرحلة الولى :أن تتثبت من نسبت ِ
نسبت إلى عالم وهي كذب ،فلبد أن تتأكد ،فإذا تأكدت من
نسبة الكلم إليه فانتقل إلى المرحلة الثانية وهي:
أن تتأمل هل هذا محل انتقاد أم ل؟ لنه قد يبدو للنسان
في أول وهلة أن القول منتقد ،وعند التأمل يرى أنه حق،
فلبد أن تتأمل حتى تنظر هل هو منتقد أو ل؟
بالمرحلة الثالثة :إذا تبّين أنه ليس بمنتقد فالواجب أن تذ ّ
عنه وتنشر هذا بين الناس ،وتبين أن ما قاله هذا العالم فهو
حق وإن خالف ما عليه الناس.
المرحلة الرابعة :إذا تبين لك حسب رأيك أن ما نسب إلى
العالم وصحت نسبته إليه ليس بحق،فالواجب أن تتصل بهذا
العالم بأدب ووقار،وتقول :سمعت عنك كذا وكذا،وأحب أن
تبين لي وجه ذلك ،لنك أعلم مني،فإذا بّين لك هذا فلك حق
المناقشة،لكن بأدب واحترام وتعظيم له بحسب مكانته
وبحسب ما يليق به.
وإذا رأيت منهم خطأ فل تسكت وتقول :هذا أعلم مني ،بل
تناقش بأدب واحترام ،لنه أحيانا ً يخفى على النسان الحكم
فينبهه من هو دونه في العلم فيتنبه وهذا من النصيحة
للعلماء.
62
الخامس :أن تدلهم على خير ما يكون في دعوة الناس ،فإذا
رأيت هذا العالم محبا ً لنشر العلم ويتكلم في كل مكان وترى
الناس يتثاقلونه ويقولون هذا أثقل علينا ،كلما جلسنا قام
دث،فمن النصيحة لهذا العالم أن تشير عليه أن ل يتكلم يح ّ
إل فيما يناسب المقام ،ل تقل:إني إذا قلت ذلك منعته من
نشر العلم ،بل هذا في الواقع من حفظ العلم ،لن الناس
إذا مّلوا سئموا من العالم ومن حديثه.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه
بالموعظة ،يعني ل يكثر الوعظ عليهم مع أن كلمه صلى
الله عليه وسلم محبوب إلى النفوس لكن خشية السآمة،
والنسان يجب أن يكون مع الناس كالراعي يختار ما هو
أنفع وأجدى.
* والنصيحة للمراء تكون بأمور منها:
ل :اعتقاد إمامتهم وإمرتهم ،فمن لم يعتقد أنهم أمراء أو ً
فإنه لم ينصح لهم ،لنه إذا لم يعتقد أنهم أمراء فلن يمتثل
أمرهم ولن ينتهي عما نهوا عنه ،فل بد أن تعتقد أنه إمام أو
أنه أمير ،ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية،
ومن تولى أمر المسلمين ولو بالغلبة فهو إمام،سواء كان
من قريش أومن غير قريش.
ثانيًا :نشر محاسنهم في الرعية ،لن ذلك يؤدي إلى محبة
الناس لهم ،وإذا أحبهم الناس سهل انقيادهم لوامرهم .
وهذا عكس ما يفعله بعض الناس حيث ينشر المعايب
ويخفي الحسنات ،فإن هذا جوٌر وظلم.
ثالثًا :امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه ،إل إذا كان في
معصية الله عّز وجل لنه ل طاعة لمخلوق في معصية
الخالق ،وامتثال طاعتهم عبادة وليست مجرد سياسة ،بدليل
َ
مُنوا
نآ َ ها ال ّ ِ
ذي َ أن الله تعالى أمر بها فقال عّز وجلَ ) :يا أي ّ َ
ل وأولي المر منكم(.1 سو َ أ َطيعوا الل ّه َ
عوا الّر ُ
طي ُ
وأ ِ
َ َ ِ ُ
ول يشترط في طاعتهم أل ّ يعصوا الله،فأطعهم فيما أمروا
به وإن عصوا الله ،لنك مأمور بطاعتهم وإن عصوا الله في
أنفسهم.
1
]النساء[59:
63
رابعًا :ستر معايبهم مهما أمكن ،وجه هذا :أنه ليس من
النصيحة أن تقوم بنشر معايبهم وليس معنى قولنا :ستر
المعايب أن نسكت عن المعايب ،بل ننصح المير مباشرة إن
تمكنا،وإل فبواسطة من يتصل به من العلماء وأهل الفضل.
ولهذا أنكر أسامة بن زيد رضي الله عنه على قوم يقولون:
أنت لم تفعل ولم تقل لفلن ولفلن يعنون الخليفة ،فقال
كلما ً معناه) :أتريدون أن أحدثكم بكل ما أحدث به الخليفة(
فهذا ل يمكن.
فل يمكن للنسان أن يحدث بكل ما قال للمير ،لنه إذا حدث
بهذا فإما أن يكون المير نفذ ما قال ،فيقول الناس :المير
خضع وذل ،وإما أن ل ينفذ فيقول الناس :عصى وتمّرد.
ولذلك من الحكمة إذا نصحت ولة المور أن ل تبين ذلك
للناس،لن في ذلك ضررا ً عظيمًا.
خامسًا :عدم الخروج عليهم ،وعدم المنابذة لهم ،ولم يرخص
ن َ
النبي صلى الله عليه وسلم في منابذتهم إل كما قال ":أ ْ
روا " أي رؤية عين ،أو رؤية علم متيقنة". تَ َ
حا ً " أي واضحا ً بّينًا. وا َفَرا ً ب َ َ
" كُ ْ
ن "أي دليل قاطع. ها ٌه ب ُْر َ
ن الل ِ
م َ
ه ِفي ْ ِ
م ِ عن ْدَك ُ ْ
" ِ
ثم إذا جاز الخروج عليهم بهذه الشروط فهل يعني ذلك أن
يخرج عليهم ؟ لن هناك فرقا ً بين جواز الخروج ،وبين
وجوب الخروج.
والجواب :ل نخرج حتى ولو رأينا كفرا ً بواحا ً عندنا فيه من
الله برهان،إل حيث يكون الخروج مصلحة،وليس من
المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلحها قليل في وجه دولة
بقوتها وسلحها ،لن هذا يترتب عليه إراقة الدماء واستحلل
الحرام دون ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به المراء،كما هو
مشاهد من عهد خروج الخوارج في زمن الخلفاء الراشدين
رضي الله عنهم إلى يومنا هذا،حيث يحصل من الشر
ب العباد. والمفاسد ما ل يعلمه إل ر ّ
لكن بعض الناس تتوقد نار الغيرة في قلوبهم ثم يحدثون ما
ل يحمد عقباه ،وهذا غلط عظيم.
64
م ( أي عوام المسلمين ،والنصح لعامة ه ْ
مت ُ ُ
عا ّ
و َ
قالَ ) :
المسلمين بأن تبدي لهم المحبة ،وبشاشة الوجه ،وإلقاء
السلم ،والنصيحة ،والمساعدة ،وغير ذلك مما هو جالب
ع للمفاسد. للمصالح داف ٌ
واعلم أن خطابك للواحد من العامة ليس كخطابك للواحد
من المراء ،وأن خطابك للمعاند ليس كخطابك للجاهل،
فلكل مقام مقال ،فانصح لعامة المسلمين ما استطعت.
وبهذا نعرف أن هذا الحديث على اختصاره جامع لمصالح
الدنيا والخرة.
* من فوائد الحديث :
1.أهمية النصيحة في هذه المواضع ،وجه ذلك :أن النبي
ة(
صْيح ُن الن ّ ِصلى الله عليه وسلم جعلها الدين فقال ) :الدّي ْ ُ
2.حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر
ة(.
ح ُصي ْ َ
ن الن ّ ِ الشيء مجمل ً ثم يف ّ
صله ،لقوله) :الدّي ْ ُ
3.حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم ،وأنهم لن
يدعوا شيئا ً يحتاج الناس إلى فهمه إل سألوا عنه
4.البداءة بالهم فالهم ،حيث بدأ النبي صلى الله عليه
وسلم بالنصيحة لله ،ثم للكتاب ،ثم للرسول صلى الله عليه
وسلم ثم لئمة المسلمين ،ثم عامتهم.
وإنما قدم الكتاب على الرسول لن الكتاب يبقى ،والرسول
يموت ،على أن النصيحة للكتاب وللرسول متلزمان .
5.وجوب النصيحة لئمة المسلمين ،وذلك بما ذكرناه من
الوجوه بالنسبة للمراء ،وبالنسبة للعلماء.
6.الشارة إلى أن المجتمع السلمي لبد له من إمام،
والمامة قد تكون عامة ،وقد تكون خاصة .والله الموفق.
65
الحديث الثامن
قا َ
ل: َ ه و َ َ
ل الل ِ س ْ ن َر ُ ما أ ّ ه َ عن ْ ُ ه َ ي الل ُ َ ض
مَر َر ِ ع َ
ن ُ ِ ن اب ْ ِ ع
َ
َ ن أُ َ َ ُ
هه إ ِل ّ الل ُ ن ل َ إ ِل َ َ دوا أ ْ ه ُ ش َ حّتى ي َ ْ س َ ل الّنا َ قات ِ َ تأ ْ مْر ُ )أ ِ
َ
كاةَ َ
فإ ِ َ
ذا ؤُتوا الّز َ وي ُ ْ صلةَ َ وا ال ّ م ْ قي ْ ُوي ُ ِه َ ل الل ِ و ُ
س ْ مدَا ً َر ُ ح ّ م َ ن ُ وأ ّ َ
َ
سلم ِ ق ال ِ ْ ح ّ م إ ِل ّ ب ِ َ ه ْ وال َ ُم َوأ ْ م َ ه ْ ماء َ مّني ِد َ موا ِ ص ُع َ ك َ عُلوا ذَل ِ َ ف َ َ
عاَلى( رواه البخاري ومسلم عَلى الل ِ
ه تَ َ م َ ه ْ ساب ُ ُ ح َ و ِ َ
الشرح
ُ
ه ،لن الفاعل معلوم و هو ت ( بالبناء لما لم يس ّ
م فاعل ُ مْر ُ
(أ ِ
الله عّز وجل ،وإبهام المعلوم سائغ لغة واستعمال ً سواء:
في المور الكونية .أو في المور الشرعية.
ت ( أي أمرني ربي. ُ
مْر ُوقوله ):أ ِ
والمُر :طلب الفعل على وجه الستعلء ،أي أن المر أو
طالب الفعل يرى أنه في منزلة فوق منزلة المأمور ،لنه لو
أمر من يساويه سمي عندهم التماسًا ،ولو طلب ممن فوقه
سمي دعاءً وسؤا ً
ل.
س ( هذا المأمور به.
ل الّنا َ ن أُ َ
قات ِ َ َ
وقوله ) :أ ْ
والمقاتلة غير القتل.
-فالمقاتلة :أن يسعى في جهاد العداء حتى تكون كلمة
الله هي العليا.
-والقتل :أن يقتل شخصا ً بعينه ،ولهذا نقول :ليس كل ما
جازت المقاتلة جاز القتل ،فالقتل أضيق ول يجوز إل
بشروط معروفة ،والمقاتلة أوسع ،قال الله تبارك وتعالى) :
قت َت َُلوا َ َ
ن ما َ
فإ ِ ْ ه َ
حوا ب َي ْن َ ُ
صل ِ ُ
فأ ْ نا ْ
مِني َ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ
ن ِ
فَتا ِ ن َ
طائ ِ َ وإ ِ ْ
َ
66
فيءَ
حّتى ت َ ِ قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ْ ِ
غي َ ف َ عَلى اْل ُ ْ
خَرى َ ما َ
ه َ
دا ُ
ح َ ت إِ ْغ ْ
بَ َ
ر الّله( 1فأمر بقتالها وهي مؤمنة ليحل قتلها ول َ
م ِ إ َِلى أ ْ
يباح دمها لكن من أجل الصلح.
وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ولكن
ليقتلهم ،بل قاتلهم حتى يذعنوا للحق .
َ
ه إ ِل ّ الله ( )حتى( هل هي للتعليل ن ل َ إ ِل َ َ دوا أ ْ ه ُ ش َ حّتى ي َ ْ ) َ
بمعنى أن أقاتل ليشهدوا ،أو هي للغاية بمعنى أقاتلهم إلى
أن يشهدوا؟
والجواب :هي تحتمل أن تكون للتعليل ولكن الثاني أظهر،
يعني أقاتلهم إلى أن يشهدوا.
و)حتى( تأتي للتعليل وتأتي للغاية،
َ
ن ل َ إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ الله ( أي حتى يشهدوا دوا أ ْ ه ُ ش َ حّتى ي َ ْ ( َ
بألسنتهم وبقلوبهم ،لكن من شهد بلسانه عصم دمه وماله،
وقلبه إلى الله عّز وجل.
َ
ق إل الله عّز وجل ،فهو ه إ ِل ّ الله ( أي ل معبود ح ّ ن ل َ إ ِل َ َ (أ ْ
ق ،وما سواه فعبادته باطلة. الذي عبادته ح ّ
ه ( محمد :هو ابن عبد الله ،وأبرز و ُ ً (و أ َ
ل الل ِ ْ س
ُ ر
َ اَ د م
ّ ح
َ مُ ن
ّ َ
اسمه ولم يقل :وأني رسول الله للتفخيم والتعظيم.
ورسول الله :يعني مرسله.
ة ( أي يفعلوها قائمة وقويمة على ماجاءت صل َ موا ال ّ قي ْ ُ وي ُ ِ ( َ
به الشريعة .والصلة هنا عامة ،لكن المراد بها الخاص ،وهي
الصلوات الخمس ،ولهذا لو تركوا النوافل فل يقاتلون .
قها .والزكاة :هية ( أي يعطوها مستح ّ كا َ ؤُتوا الّز َ وي ُ ْ ( َ
النصيب المفروض في الموال الزكوية.
ك ( أي شهدوا أن ل إله إل الله ،وأن محمدا ً عُلوا ذَل ِ َ ف َذا َ فإ ِ َ ( َ
رسول الله ،وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة.
موا ( أي منعوا. ص ُ ع َ ( َ
َ
هم ( أي فل يحل أن أقاتلهم وأستبيح وال َ ُ م َوأ ْ هم َ ماء َ مّني ِد َ ( ِ
دماءهم ،ول أن أغنم أموالهم ،لنهم دخلوا في السلم.
1
)الحجرات :الية (9
67
سلم ِ ( هذا استثناء لكنه استثناء عام ،يعني :إل ق ال ِ ْ ح ّ (إ ِل ّ ب ِ َ
أن تباح دماؤهم وأموالهم بحق السلم ،مثل :زنا الثّيب،
والقصاص وما أشبه ذلك ،يعني :إل بحق يوجبه السلم.
عاَلى ( أي محاسبتهم على العمال عَلى الل ِ
ه تَ َ م َ ه ْ
ساب ُ ُح َ و ِ( َ
على الله تعالى ،أما النبي صلى الله عليه وسلم فليس عليه
إل البلغ.
ل وقاعدةٌ في جواز مقاتلة الناس،وأنه ل فهذا الحديث أص ٌ
يجوز مقاتلتهم إل بهذا السبب.
* من فوائد الحديث :
1.أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد مأمور يوجه إليه المر
ت. ُ
مْر ُ
جه إلى غيره لقوله :أ ِ كما يو ّ
2.جواز إبهام المعلوم إذا كان المخاطب يعلمه ،لقوله:
ت فأبهم المر لن المخاطب يعلم ذلك. ُ
مْر ُ أ ِ
3.وجوب مقاتلة الناس حتى يقوموا بهذه العمال.
فإذا قال قائل :لماذا ل يكون المر للستحباب؟
والجواب :ل يكون للستحباب،لن هذا فيه استباحة محّرم،
واستباحة المحّرم لتكون إل لقامة واجب.
4.وجوب شهادة أن ل إله إل الله بالقلب واللسان ،فإن
أبداها بلسانه ولندري عما في قلبه أخذنا بظاهره ووكلنا
ف عنه حتى يتبين منه سريرته إلى الله عّز وجل ووجب الك ّ
ما يخالف ذلك ،ول يجوز أن نتهمه
5.أنه لبد أن يعتقد النسان أن ل معبود حق إل الله ،فل
يكفي أن يعتقد أن الله معبود بحق ،لنه إذا شهد أن الله
تعالى معبود بحق لم يمنع أن غيره يعبد بحق أيضًا .فل يكون
التوحيد إل بنفي وإثبات :ل إله إل الله ،نفي اللوهية عما
سوى الله وإثباتها لله عّز وجل.
6.أن المقاتلة ل ترتفع إل بشهادة أن محمدا ً رسول الله،
وأما الدخول في السلم فيكون بشهادة أن ل إله إل الله،
لكن لو شهدت طائفة أن ل إله إل الله وأبت أن تشهد أن
محمدا ً رسول الله فإنها تقاتل.
7.وجوب إقامة الصلة ،لنه إذا لم يقمها فإنه ل يمتنع
قتاله ،بل قد قال الفقهاء -رحمهم الله ُ -يقاَتل أهل بلد
تركوا الذان والقامة وإن صلوا ،لن الذان والقامة من
68
شعائر الدين الظاهرة ،فإذا قال قوم :نحن ل نؤذن ول نقيم
ولكن نصلي ،وجب أن يقاتلوا.
8.وجوب إيتاء الزكاة ،لنها جزء مما يمنع مقاتلة الناس.
يمن ّ ْ
موا ِ ص ُ
ع َ
10.أن الكفار تباح دماؤهم وأموالهم ،لقولهَ :
هم َ
م فيقتلون ،أو يؤسرون حسب ما تقتضيه وال َ ُ
ه ْ م َ
وأ ْ
ماءَ ُ ْ َ ِد َ
الحال ،وتغنم أموالهم.
11.أنه قد يستباح الدم والمال بحق السلم وإن لم يكن من
ر
هذه المذكورات التي في الحديث ،وقد نوقش أبو بك ٍ
صديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة فأجاب :بأن ال ّ
الزكاة حق المال ،والنبي صلى الله عليه وسلم قال :إ ِل ّ
سلم ِ وقال رضي الله عنه :والله لو منعوني عناقا ً - ق ال ِ ْ
ح ّ بِ َ
أو قال :عقال ً -كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم لقاتلتهم على ذلك.
وأسباب إباحة القتل في السلم ليس هذا موضع
بسطها،لكنها معلومة بالتتّبع.
12.أن حساب الخلق على الله عّز وجل ،وأنه ليس على
الرسول صلى الله عليه وسلم إل البلغ ،وكذلك ليس على
من ورث الرسول إل البلغ ،والحساب على الله عّز وجل.
فل تحزن أيها الداعي إلى الله إذا لم تقبل دعوتك ،فإذا
ديت ما يجب عليك فقد برئت الذمة والحساب على الله أ ّ
تعالى،
ولكن اعلم أنك إذا قلت حقا ً تريد به وجه الله فلبد أن يؤثر،
حتى لو رد أمامك فلبد أن يؤثر ،والله الموفق.
الحديث التاسع
عاَلى عن أ َ
ي الله ت َ َ ض َ ر َر ِ خ ٍ
ص ْ ن َ ِ ْ ب ن ِ م
َ ح ْ رّ ال د
ِ ْ ب ع
َ َ ة رَ ْ ي ر
َ ه
ُ بي ِ َ ْ
ه صلى الله عليه وسلم ل الل ِ و َ س ْ ت َر ُ ع ُ م ْس ِ لَ : قا َ ه َ عن ْ َُ
ْ َ
ه
من ْ ُه فأُتوا ِ م بِ ِ مْرت ُك ُ ْ ما أ َ و َجت َن ُِبوهُ َ فا ْ ه َ عن ْ ُ
م َ هي ْت ُك ُ ْ ما ن َ َ لَ ) : و ُ ق ْ يَ ُ
م
ه ْ سائ ِل ِ ِ
م َ م ك َث َْرةُ َ قب ْل ِك ُ ْ ن َ م ْ ن ِ
ذي ْ َ ك ال ّ ِ هل َ َ ما أ َ ْ فإ ِن ّ َ م؛ َ عت ُ ْ ست َطَ ْ ما ا ْ َ
م( رواه البخاري ومسلم َ م َ َ خِتل ُ
ه ْ على أن ْب َِيائ ِ ِ ه ْ ف ُ وا ْ َ
69
الشرح
أكثر الّناس ل يعرفون اسم أبي هريرة رضي الله عنه،ولهذا
ح القوال وأقربها وقع الخلف في اسم راوي الحديث،وأص ّ
للصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله أن اسمه:
عبد الرحمن بن صخر .وكّني بأبي هريرة لنه كان معه هّرة
قد ألفها وألفته ،فلمصاحبتها إّياه ك ُّني بها.
ف على ه ( النهي :طلب الك ّ جت َن ُِبو ُفا ْ ه َ عن ْ ُ
م َ هي ْت ُك ُ ْ
ما ن َ َ قولهَ ) :
وجه الستعلء ،يعني أن يطلب منك من هو فوقك -ولو
ف ،فهذا نهي. باعتقاده -أن تك ّ
ف على وجه ولهذا قال أهل أصول الفقه :النهي طلب الك ّ
الستعلء ولو حسب دعوى الناهي ،يعني وإن لم يكن عاليا ً
على المنهي.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى مّنا حقيقة.
ه ( الجملة شرطية ،فـ) :ما( اسم و ُ جت َن ِب ُ ْفا ْ ه َ عن ْ ُ
م َ هي ْت ُك ُ ْ ما ن َ َ ) َ
ه( جواب و ُ
جت َن ِب ُ ْفا ْ شرط ،و) :نهيتكم( فعل الشرط ،وَ ) :
الشرط،
والمعنى أي ابتعدوا عنه ،فكونوا في جانب وهو في جانب.
(وما أ َمرت ُك ُم به َ ْ
م (هذه الجملة أيضا ً ست َطَ ْ
عت ُ ْ ما ا ْ ه َ من ْ ُ وا ِ فأت ُ ْ ْ ِ ِ َ ْ َ َ
شرطية ،فعل الشرط فيها) :أمرتكم به( وجوابه) :فأتوا منه
ما استطعتم( يعني افعلوا منه ما استطعتم ،أي ما قدرتم
عليه.
والفرق بين المنهيات والمأمورات :أن المنهّيات قال فيها:
جت َن ُِبوهُ ولم يقل ما استطعتم ،ووجهه :أن النهي كف َ
فا ْ
وكل إنسان يستطيعه ،وأما المأمورات فإنها إيجاد قد
ماه َ من ْ ُ
يستطاع وقد ل يستطاع ،ولهذا قال في المر :فأُتوا ِ
م طعت ُ ْ است َ َ
ما ( )إن( للتوكيد ،و)ما( اسم موصول بدليل قوله: فإ ِن ّ َ( َ
)كثرة( على أنها خبر )إن( أي فإن الذي أهلك الذين من
قبلكم كثرة مسائلهم .ويجوز أن تجعل )إنما( أداة حصر،
ويكون المعنى :ما أهلك الذين من قبلكم إل كثرة مسائلهم.
م ( يشمل اليهود والنصارى قب ْل ِك ُ ْ ن َ م ْ ن ِ ذي ْ َوقوله ) :ال ّ ِ
وغيرهم ،والمتبادر أنهم اليهود والنصارى ، ،فإن نظرنا إلى
70
م جميع المم ،وإن قب ْل ِك ُ ْن َ م ْالعموم قلنا المراد بقولهِ :
نظرنا إلى قرينة الحال قلنا المراد بهم :اليهود والنصارى .
واليهود أشدّ في كثرة المساءلة التي يهلكون بها،
م ( جمع مسألة وهي :ما ُيسأل عنه. ه ْسائ ِ َل ِ ِ م َ ة َ وقوله ) :ك َث َْر ُ
م ( يعني وأهلكهم اختلفهم، ه ْ م َ َ خِتل ُ
على أن ْب َِيائ ِ ِ َ
ه ْ ف ُ وا ْ
( َ
م ( وذلك بالمعارضة والمخالفة ،وفي ه ْ وقولهَ َ ):
على أن ْب َِيائ ِ ِ
الحديث قال ):اختلفهم على أنبيائهم ( ولم يقل:عن
أنبيائهم ،لن كلمة )على( تفيد أن هناك معارضة للنبياء.
* من فوائد الحديث :
ف عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، 1.وجوب الك ّ
ه(. جت َن ُِبو ُ فا ْ ه َ عن ْ ُ م َ هي ْت ُك ُ ْما ن َ َ لقولهَ ):
2.أن المنهي عنه يشمل القليل والكثير ،لنه ل يتأّتى
اجتنابه إل باجتناب قليله وكثيرة .
ف أهون من الفعل ،لن النبي صلى الله عليه 3.أن الك ّ
ف سهل. وسلم أمر في المنهيات أن ُتجتنب كّلها،لن الك ّ
فإن قال قائل:يرد على هذا إباحة الميتة والخنزير للمضطر،
وإذا كان مضطرا ً لم يجب الجتناب؟
فالجواب عن هذا أن نقول :إذا وجدت الضرورة ارتفع
ل ،ولهذا كان من قواعد أصول الفقه: الّتحريم ،فل تحريم أص ً
)ل محرم مع الضرورة ،ول واجب مع العجز( إذا ً هذا اليراد
غير وارد.
فلو قال لنا قائل) :فاجتنبوه( عام فيشمل اجتناب أكل
الميتة عند الضرورة.
هل يجوز فعل المحّرم عند الضرورة أم ل؟
ما
م َل ل َك ُ ْص َ قد ْ َ
ف ّ و َ
والجواب :أنه يجوز لقول الله تعالىَ ) :
ه( م إ ِل َي ْ ِ
1
رْرت ُ ْضطُ ِ ما ا ْ م إ ِّل َ عل َي ْك ُ ْ
م َحّر َ
َ
وإذا اضطر شخص إلى محّرم فهل له أن يزيد على قدر
الضرورة؟ بمعنى :إذا حل له أكل الميتة فهل له أن يشبع ،أو
نقول له :اقتصر على ما تبقى به الحياة فقط؟
والجواب :ذكر بعض العلماء :أنه يجب أن يقتصر على ما
تبقى به الحياة فقط ،ول يشبع .والصحيح التفصيل في هذا:
فإن كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيحصل على شيء
1
)النعام :الية (119
71
مباح قريبا ً فليس له أن يشبع إل إذا كان معه شيء يحفظ به
اللحم إن احتاجه أكله فهنا ل حاجة للشبع ،بل يكون بقدر ما
تندفع به الضرورة.
* وما هي الضرورة إلى المحّرم؟
الضرورة إلى المحرم هي :أن ل يجد سوى هذا المحّرم ،وأن
تندفع به الضرورة،وعلى هذا فإذا كان يجد غير المحّرم فل
ضرورة
-والدواء بالمحّرم ل يمكن أن يكون ضرورة لسببين:
ل :لنه قد يبرأ المريض بدون دواء ،وحينئذ ل ضرورة. أو ً
ذ ل تندفع ثانيًا :قد يتداوى به المريض ول يبرأ ،وحينئ ٍ
الضرورة به،
-4.أنه ل يجب من فعل المأمور إل ما كان مستطاعًا ،لقوله:
) وما َأمرت ُك ُم بهِ َ ْ
م( عت ُ ْست َطَ ْ ما ا ْ ه َ من ْ ُ فأُتوا ِ ْ ِ ْ َ َ
فإن قال قائل :هل هذه الجملة تفيد التسهيل ،أو التشديد،
1
م( ست َطَ ْ
عت ُ ْ ما ا ْ ه َقوا الل ّ َ فات ّ ُ ونظيرها قوله تعالىَ ) :
فالجواب :لها وجهان :فقد يكون المعنى :لبد أن تقوموا
بالواجب بقدر الستطاعة وأن ل تتهاونوا مادمتم
مستطيعين.
ويحتمل أن المعنى :ل وجوب إل مع الستطاعة ،وهذا يؤيده
ها(ع َس َ
و ْ فسا ً إ ِّل ُ ه نَ ْ ف الل ّ ُقوله تعالى) :ل ي ُك َل ّ ُ
2
1
)التغابن :الية (16
2
)البقرة :الية (286
72
لكن إذا وقع العبد وخالف فله أن يستفصل في أمره،لنه إذا
كان واجبا ً فإنه يجب عليه التوبة ،وإذا كان غير واجب
فالتوبة ليست واجبة.
8.أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه فإنه
فيعملشريعة ،سواء كان ذلك في القرآن أم لم يكنُ ،
بالسنة الزائدة على القرآن أمرا ً أو نهيًا.
9.أن كثرة المسائل سبب للهلك ولسّيما في المور التي ل
يمكن الوصول إليها مثل مسائل الغيب كأسماء الله وصفاته،
وأحوال يوم القيامة،ل تكثر السؤال فيها فتهلك،وتكون
مقًا.
طعا ً متع ّ
متن ّ
وأما ما يحتاج الناس إليه من المسائل الفقهية فل حرج من
السؤال عنها مع الحاجة لذلك ،فإن كان طالب علم فليسأل
وليبحث ،لن طالب العلم مستعدٌ لفتاء من يستفتيه .أما إذا
كان غير طالب علم فل يكثر السؤال.
10.أن المم السابقة هلكوا بكثرة المساءلة ،وهلكوا بكثرة
الختلف على أنبيائهم.
11.التحذير من الختلف على النبياء ،وأن الواجب على
المسلم أن يوافق النبياء عليهم الصلة والسلم وأن
يعتقدهم أئمة وأنهم عبيد من عباد الله ،أكرمهم الله تعالى
بالرسالة،وأن خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرسله إلى جميع الناس،وشريعته هي دين السلم
د دينا ً
الذي ارتضاه الله تعالى لعباده،وأن الله ليقبل من أح ٍ
م( .1والله ه اْل ِ ْ
سل ُ عن ْدَ الل ّ ِ
ن ِ
دي َ
ن ال ّ
سواه،قال تعالى) :إ ِ ّ
الموفق.
1
)آل عمران :الية (19
73
الحديث العاشر
لو ُ س ر ل َ قا َ ل: َ َ
قا ه ن ع
َ لى َ عا ت ه الل ي ض ر َ ة ر ي ر ه ي ب عن أ َ
ْ ُ َ ُ ْ َ َ ُ َ ِ َ َ َْ ُ ْ ِ َ ْ
َ
مَر هأ َ ن الل َ وإ ِ ّ ل إ ِل ّ طَي ّب َا ً َ ب ل َ يَ ْ
قب َ ُ عاَلى طَي ّ ٌ ه تَ َ ن الل َ ه ) :إ ِ ّ الل ِ
لس ُ َ قا َ ف َ ن َ َ م ْ
ها الّر ُ ل َ ) :يا أي ّ َ سل ِي ْ َ مْر َ ه ال ُ مَر ب ِ ِ ما أ َ ن بِ َ من ِي ْ َ ؤ ِ ال ُ
صاِلحا ً ( )المؤمنون :الية ، (51 مُلوا َ ع َوا ْ ت َ ن الطّي َّبا ِ م َ ك ُُلوا ِ
َ
م( قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ ن طَي َّبا ِ م ْ مُنوا ك ُُلوا ِ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ لَ ) :يا أي ّ َ قا َ و َ َ
َ س َ َ
ثع َ ش َ فَر أ ْ ل ال ّ ل ي ُطِي ْ ُ ج َ م ذَكَر الّر ُ )البقرة :الية (172ث ُ ّ
هم ُ ع ُ مطْ َ و َ بَ ، ب َيا َر ّ ماءَِ ،يا َر ّ س َ ه إ َِلى ال ّ مدّ ي َدَي ْ ِ غب ََر ،ي َ ُ أَ ْ
غذي بالحرام َ َ
ب لذلك( جا ُ ست َ َ فأّنى ي ُ ْ و ُ ِ َ ِ َ َ ِ مَ ، حَرا ٌ ه َ شَرب ُ ُ م ْ و َ مَ ، حَرا ٌ َ
مسلم. رواه
الشرح
ب ( كلمة طيب بمعنى طاهر منّزه عن عاَلى طَي ّ ٌ ه تَ َن الل َ ) إِ ّ
النقائص،ل يعتريه الخبث بأي حال من الحوال ،فهو عّز
وجل طيب في ذاته ،وفي أسمائه ،وفي صفاته ،وفي
أحكامه ،وفي أفعاله ،وفي كل ما يصدر منه ،وليس فيها
رديء بأي وجه.
ل إ ِل ّ طَي ّب َا ً ( فهو سبحانه وتعالى ،ل يقبل إل الطيب (ل َ ي َ ْ
قب َ ُ
من القوال ،والعمال وغيرها ،وكل رديء فهو مردودٌ عند
الله عّز وجل ،فل يقبل الله إل الطيب
طيب من العمال :ما كان خالصا ً لله ،موافقا ً للشريعة. فال ّ
والطيب من الموال :ما اكتسب عن طريق حلل ،وأما ما
رم فإنه خبيث. اكتسب عن طريق مح ّ
عَلي ً َ ) وإ َن الل َ
ة ن ( تَ ْ سل ِي ْ َ
مْر َ
ه ال ُ
مَر ب ِ ِ
ما أ َ
نب َمِني َمؤ ِمَر ال ُ
هأ َ َ َ ّ
جه إليهم ما أمر به ل أن يو ّ لشأن المؤمنين ،وأنهم أه ٌ
س ُ
ل َ
ها الّر ُ الرسل ،فقال عّز وجل في أمر المرسلينَ) :يا أي ّ َ
74
صاِلحا ً ( 1فأمر الرسل أن يأكلوا مُلوا َ ع َ وا ْ ت َ ن الطّي َّبا ِ م َ ك ُُلوا ِ
من الطيبات وهي التي أحلها الله عّز وجل ،واكتسبت عن
طريق شرعي.
حا ً ( أي اعملوا عمل ً صالحًا. صال َ وا َ مل ُ ْ ع َ وا ْ ) َ
فأمرهم بالكل الذي به قوام البدن ،ثم أمرهم بالعمل الذي
حا ً ( وصالح صال ِ َ مُلوا َ ع َوا ْ يكون نتيجة للكل ،لكنه قالَ ) :
العمل هو ما جمع بين :الخلص والمتابعة.
مُنوا ك ُُلوا َ
نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ وقال تعالى في أمر المؤمنينَ) :يا أي ّ َ
ن
م ْ م ( 2كما قال للرسل) :ك ُُلوا ِ قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ ن طَي َّبا ِ م ْ ِ
م( فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. قَناك ُ ْ ما َرَز ْ ت َ طَي َّبا ِ
إذا ً نقول :المؤمنون مأمورون بالكل من الطيبات،
والمرسلون كذلك مأمورون بالكل من الطيبات.
ه إ َِلى مدّ ي َدَي ْ ِ غب ََر ي َ ُ ث أَ ْ ع َ ش َ فَر أ َ ْ س َ ل ال ّ ل ي ُطِي ْ ُ ج َ م ذَك ََر الّر ُ ) ثُ ّ
ب ( ...يعني ضرب النبي صلى الله عليه ب َيا َر ّ ء َيا َر ّ ما ِ س َ ال ّ
ر" والسفر من أسباب ف َ س َ ل ال ّ وسلم مثل ً لهذا الرجل" :ي ُطِي ْ ُ
إجابة الدعاء ،ولسيما إذا أطاله.
ر ( يعني أشعث في شعره أغبر من التراب ،أي غب َ َ عث أ َ ْ ش َ ) أَ ْ
أنه ل يهتم بنفسه بل أهم شيء عنده الدعاء.
ماء ( ومد اليدين إلى السماء من أسباب س َ ه إ َِلى ال ّ مدّ ي َدَي ْ ِ ) يَ ُ
مري ْ ٌ ي كَ ِ حي ِ ّ ه َ ن الل َ
َ
إجابة الدعاء،كما جاء في الحديث " :إ ّ
را ً " .ف َ ص ْ ما ِ ه َن ي َُردّ ُ هأ ْ ه إ ِل َي ْ ِع َيدي ْ ِ ذا َرف َ ه إِ َ د ِعب ْ ِ ن َ م ْ ي ِ حي ْ ست َ ِ يَ ْ
ب ( نداء بوصف الربوبية،لن ذلك وسيلة لجابة ب َيا َر ّ ) َيا َر ّ
الدعاء ،إذ إن إجابة الدعاء من مقتضيات الربوبية.
م ( يعني طعامه الذي يأكله حرام ،أي حرام حَرا ٌ ه َ م ُ ع ُ مطْ َ و َ ) َ
لذاته أو لكسبه.
م ( يعني شربه الذي يشربه حرام ،إما لذاته حَرا ٌ ه َ مشَرب ُ ُ و َ ) َ
أو لكسبه.
ذى بالحرام الحاصل من فعل رام ِ ( يعني أنه تغ ّ ح َ ي بال َ ذ َ غ ِ )و ُ
غيره.
1
)المؤمنون :الية (51
2
)البقرة :الية (172
75
فأ َّنى ( اسم استفهام ،والمراد به الستبعاد ،يعني يبعد أن ( َ
يستجاب لهذا ،مع أن أسباب الجابة موجودة.
ذي به. وهذا للتحذير من أكل الحرام ،وشربه ،ولبسه ،والتغ ّ
* من فوائد الحديث :
ب( ه طَي ّ ٌ ن الل َ 1.أن من أسماء الله تعالى الطّيب ،لقوله ) :إ ِ ّ
وهذا يشمل طيب ذاته ،وأسمائه ،وصفاته ،وأفعاله ،وأحكامه.
فأسماؤه كّلها حسنى ،ول يوجد في أ سماء الله ما يكون
ل أسماء الله تعالى ليس فيه النقص ل حقيقة ول فرضًا ،فك ّ
ول ِل ّ ِ
ه ص بوجه من الوجوه ،لن الله تعالى قالَ ) : فيها نق ٌ
ماءُ ال ْ ُ َ
سَنى( 1والحسنى اسم تفضيل ،يقابلها في ح ْ س َاْل ْ
المذكر :الحسن.
ولذلك ل تجد في أسماء الله ما يحتمل النقص أبدًا،
ز وجل في ذاته ،وصفاته وأفعاله ،وأحكامه. 2.كمال الله ع ّ
ي عن الخلق فل يقبل إل الطيب ،لقوله: 3.أن الله تعالى غن ّ
ل إل ّ ط َي ّب َا ً ( ) ل َيقب َ ُ
ل إ ِل ّقب َ ُ 4.تقسيم العمال إلى مقبول ومردود ،لقول" :ل َ ي َ ْ
طَي ّب ًَا" فنفي القبول يدل على ثبوته فيما إذا كان طيبًا ،وهذا
شيء ظاهر.
5.أن الرسل عليهم الصلة والسلم يؤمرون وينهون ،لقوله:
ن َ ) إن الل َ
سل ِي ْ َ
(. مر َه ال ُ
مَر ب ِ ِ
ما أ َن بِ َ
مني َ مؤ ِمَر ال ُ هأ َ َ ِ ّ
مَر َ
هأ َن الل َوإ ِ ّ6.أن المؤمنين مأمورون منهيون لقولهَ ):
ن ( وكلما كان النسان أقوى َ
سِلي َ مر َ ه ال ُ
مَر ب ِ ِما أ َ
ن بِ َمِني َ
مؤ ِال ُ
إيمانا ً كان أكثر امتثال ً لمر الله عّز وجل ،وإذا رأيت من
نفسك هبوطا ً في امتثال الوامر فاّتهمها بنقص اليمان
وصحح الوضع قبل أن يستشري هذا المرض فتعجز عن
الستقامة فيما بعد.
7.استعمال ما يشجع على العمل ،وجهه :قول النبي صلى
ه َ َ
مَر ب ِ ِ
ما أ َ
ن بِ َ
مؤمني َ
مَر ال ُ
ن الله أ َ
الله عليه وسلم ) :إ ِ ّ
ن ( فإذا علم المؤمن أن هذا من مأمورات سل ِي ْ َ
مر َ
ال ُ
جع على المتثال. وى ويتش ّ المرسلين فإنه يتق ّ
8.المر بالكل من الطيبات للمؤمنين والمرسلين.
1
) العراف (180 :
76
ويتفّرع على هذا فائدة :ذم من امتنع عن الطيبات بدون
سبب شرعي .
أنه يجب شكر نعمة الله عّز وجل بالعمل الصالح لقوله9.
صاِلحا ً( 1وفي المؤمنين مُلوا َ ع َ وا ْت َ ن الطّي َّبا ِ م َ تعالى) :ك ُُلوا ِ
شك ُُروا ل ِّله وا ْ
م َقَناك ُ ْ
ما َرَز ْ ت َ ن طَي َّبا ِ م ْ )2قال ) :ك ُُلوا ِ
ويتفّرع من الجمع بين اليتين :أن الشكر هو العمل
مَر الصالح،لقول النبي صلى الله عليه وسلم ) :إن الل َ
هأ َ َ ِ ّ
ن ( والذي أمر به المرسلين َ
سِلي َ مْر َ ه ال ُمَر ب ِ ِ ما أ َ ن بِ َمن ِي ْ َ
مؤ ِ
ال ُ
شيئان:
الول :الكل من الطيبات .
والثاني :العمل الصالح.
فليس كل من قال :الشكر لله ،والحمد لله يكون شاكرا ً حتى
يعمل صالحًا،
حا ً (
صال ِ َ عمُلوا َ وا ْ 10.توجيه المر لمن هو مّتصف به،لقولهَ ) :
فوجه المر بالعمل الصالح للمرسلين مع أنهم يعملون
الصالحات ول شك في ذلك ،وهذا كقوله تعالى لرسوله
محمد ) :يا أ َ
ذي ل ل ِل ّ ِ
قو ُ وإ ِذْ ت َ ُه( وقولهَ ) : ق الل ّ َ
3
ِ ّ ت ا ي
ّ ِ بّ ن ال ها َ ّ ي َ
عل َي َ عل َيه َ َ
ق الل ّ َ
ه وات ّ ِ ج َ
ك َ و َ عل َي ْ َ
ك َز ْ س ْ
ك َ م ِ هأ ْ ت َ ْ ِ م َع ْ
وأن ْ َه َ ْ ِ َ م الل ّ ُع َأن ْ َ
ه( 4ففي هذه اليات أمر دي ِمب ْ ِ
ه ُ ما الل ّ ُك َ س َ ف ِفي ن َ ْ
في ِ خ ِوت ُ َْ
الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتقوى مع أنه صلى الله
عليه وسلم أتقى الناس لله عّز وجل والواحد منا -ونحن
مفرطون -إذا قيل له :اتق الله.انتفخ غضبًا ،ولو قيل له:
الله يهديك ،لقال:وما الذي أنا واقع فيه ،ورسول الله صلى
ق َ
ي ات ّ ِ
ها الن ّب ِ ّ
الله عليه وسلم يخاطبه ربه بقولهَ) :يا أي ّ َ
الل ّ َ
ه(.5
ت( وقوله في ن الطَي َّبا ِ م ْ
11.تحريم الخبائث ،لقولهِ ) :
م (.6 قَناك ُ ْ
ما َرَز ْ ن طَي َّبا ِ
ت َ م ْ
المؤمنينِ ) :
1
) المؤمنون (51 :
2
) البقرة (57 :
3
)الحزاب :الية (1
4
]الحزاب[37:
5
]الحزاب[1:
6
]البقرة[172:
77
* لكن ما هو مدار الخبث :أعلى ما يستخبثه الناس وكل
إنسان بطبيعته أو أن نقول :الخبيث ما استخبثه الشرع.
والجواب :الخبيث ما استخبثه الشرع،
12.استبعاد إجابة آكل الحرام لو عمل من أسباب الجابة ما
عمل ،لن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل
ب" لذلك (
َ
جا ُست َ َ
السفر أشعث أغبر ....وقال بعد ذلك ) أّنى ي ُ ْ
وهذا استفهام استبعاد.
لكن هل هذا يعني أنه يستحيل أن يجاب؟
والجواب :ل ،لن النسان قد يستبعد شيئا ً ولكن يقع ،وإل
فإن النبي صلى الله عليه وسلم استبعد هذا تنفيرا ً عن أكل
الحرام.
13.أن السفر من أسباب إجابة الدعاء،
14.أن الشعث والغبرة من أسباب إجابة الدعاء.
لكن هذا قد يرد عليه أن التورع عن المباحات بدون سبب
شرعي مذموم ،فيقال المراد بالحديث :أن هذا الرجل يهتم
بأمور الخرة أكثر من اهتمامه بأمور الدنيا.
15.أن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الجابة.
ويكون الرفع بأن ترفع يديك تضم بعضهما إلى بعض على
دؤتين أي أعلى الصدر ،ودعاء البتهال ترفع أكثر حذاء الّثن ُ
من هذا ،حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء
ن أن ظهورهما الستسقاء رفع يديه كثيرا ً حتى ظن الظا ّ
نحو السماء من شدة الرفع ،وكلما بالغت في البتهال فبالغ
في الرفع.
16.أن من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى الله تعالى
ب( ب َيا َر ّبالربوبية لقولهَ ) :يا َر ّ
17.التحذير البالغ من أكل الحرام ،لن أكل الحرام من
أسباب ردّ الدعاء وإن توفرت أسباب الجابة ،لقول النبي
ب لذلك" هذا مع أن جا ُست َ َ
فـأنى ي ُ ْ صلى الله عليه وسلمَ " :
أكل الحرام -والعياذ بالله -سبب لنصراف النسان عن
ذيا ً على شي ٍ
ء القيام بواجب الدين ،لن البدن يكون متغ ّ
فاسد ،والمتغذي على فاسد سيؤثر عليه هذا الغذاء .والله
المستعان.
78
الشرح
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي
صلى الله عليه وسلم ،والسبط :هوابن البنت ،وابن البن
يسمى :حفيدًا ،وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه
نه ب َي ْ َ
هب ِ ح الل ُصل ِ ُ
سي ُ ْ
و َدَ ،
سي ّ ٌ
ذا َن اب ِْني ه َ سيد فقال) :إ ِ ّ
ن( وكان المر كذلك ،فإنه بعد أن مي ْ َ
سل ِ ِم ْن ال ُم َ فئ َت َي ْ ِ
ن ِ ِ
استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع بالخلفة
للحسن تنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه ،فأصلح الله بهذا
التنازل بين أصحاب معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما،
وحصل بذلك خير كثير.
وهو أفضل من أخيه الحسين رضي الله عنهما،لكن تعلقت
الرافضة بالحسين لن قصة قتله رضي الله عنه تثير
الحزان ،فجعلوا ذلك وسيلة ،ولو كانوا صادقين في احترام
آل البيت لكانوا يتعلقون بالحسن أكثر من الحسين،لنه
أفضل منه.
ه الريحانة هي تلك الزهرة الطيبة حاَنت ُ وَري َ وأما قولهَ :
الرائحة،وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن
ك"ري ْب ُ َ
ما ي ِ ع" أي اترك " َ والحسين بأنهما ريحانتاه وقوله" :دَ ْ
ك" أي ري ْب ُ َ
ما ل َ ي َ ِأي ما يلحقك به ريب وشك وقلق إ َِلى " َ
ب ول قلق. ء ل يلحقك به ري ٌ إلى شي ٍ
وهذا الحديث من جوامع الكلم وما أجوده وأنفعه للعبد إذا
سار عليه ،فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء كثيرة،فنقول:
ك فيه حتى تستريح وتسلم ،فكل شيء دع الشك إلى ما لش ّ
ك وقلق وريب اتركه إلى أمر ل يلحقك به ريب، يلحقك به ش ّ
وهذا ما لم يصل إلى حد الوسواس ،فإن وصل إلى حد
الوسواس فل تلتفت له.
وهذا يكون في العبادات ،ويكون في المعاملت ،ويكون في
النكاح ،ويكون في كل أبواب العلم.
80
ثدي ٌ
ح ِيَ :
ذ ّ
م ِ
ل الت ّْر ِ ي ،و َ
قا َ سائ ِ ّ
والن ّ َ
ي َ
ذ ّ
م ِ
واهُ الت ّْر ِ يقولَ" :ر َ
ن في ح" والحديث كما قال الترمذي صحيح ،لك ْ حي ْ ٌص ِن َس ٌ
ح َ
َ
الجمع بين كونه حسنا ً وكونه صحيحا ً إشكال ،لن المعروف
أن الصحيح من الحديث غير الحسن ،لن العلماء قسموا
الحديث إلى :صحيح لذاته ،وصحيح لغيره ،وحسن لذاته،
وحسن لغيره ،وضعيف.
فكيف ُيجمع بين وصفين متناقضين لموصوف واحد :حسن
صحيح؟ ؟
أجاب العلماء عن ذلك بأنه :إن كان هذا الحديث جاء من
ك هل بلغ هذا الطريق طريق واحد فمعناه أن الحافظ ش ّ
صحيح أو لزال في درجة الحسن. درجة ال ّ
وإذا كان من طريقين فمعنى ذلك :أن أحد الطريقين صحيح
والخر حسن.
وهنا فائدة في :أّيهما أقوى أن يوصف الحديث بالصحة ،أو
بكونه صحيحا ً حسنًا؟
الجواب :نقول :إذا كان من طريقين فحسن صحيح أقوى من
صحيح ،وإن كان من طريق واحد فحسن صحيح أضعف من
صحيح ،لن الحافظ الذي رواه تردد هل بلغ درجة الصحة أو
ل زال في درجة الحسن * .من فوائد الحديث :
ك1.أن الدين السلمي ل يريد من أبنائه أن يكونوا في ش ّ
ك.ري ْب ُ ْ ك إ َِلى َ
ما ل ي َ ِ ري ْب ُ َ
ما ي ِ
ع َ
ول قلق ،لقوله :دَ ْ
2.أنك إذا أردت الطمأنينة والستراحة فاترك المشكوك فيه
واطرحه جانبًا،لسّيما بعد الفراغ من العبادة حتى ل يلحقك
القلق،
3.أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم،
واختصر له الكلم اختصارًا ،لن هاتين الجملتين" :دع ما
يريبك إلى مال يريبك" لو بنى عليهما النسان مجلدا ً ضخما ً
لم يستوعب ما يدلن عليه من المعاني ،وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
81
الشرح
خر.ك" مبتدأ مؤ ّ ء" خبر مقدم و" :ت َْر ُ مْر ِ سلم ِ ال َ ن إِ ْس ِ ح ْن ُ م ْ " ِ
ه" أي ما ل تتعلق به عنايته ويهتم به، عن ِي ْ ِما ل َ ي َ ْ وقولهَ " :
ن
م ُ ن ُيؤ ِ كا َ ن َ م ْ وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم َ " :
َ
ت" فإنه يشابهه م ْ ص ُ خي َْرا ً أو ل ِي َ ْ ق ْ
ل َ فل ْي َ ُ
ر َ خ ِ وم ِ ال ِ ه والي َ ْ ِبالل ِ
من بعض الوجوه.
* من فوائد الحديث :
1.أن السلم جمع المحاسن ،ومحاسن السلم كّلها تجتمع
ْ
ل مُر ِبال ْ َ
عد ْ ِ ه ي َأ ُ ن الل ّ َ في كلمتين :قال الله عز وجل) :إ ِ ّ
1
ن( سا ِ ح َواْل ِ َْ
2.أن ترك النسان ما ليهتم به ول تتعلق به أموره وحاجاته
من حسن إسلمه.
3.أن من اشتغل بما ل يعنيه فإن إسلمه ليس بذاك الحسن
4.أنه ينبغي للنسان أن يتطلب محاسن إسلمه فيترك ما ل
مه ول تعنيه فقد يعنيه ويستريح ،لنه إذا اشتغل بأمور لته ّ
ل :وهو هل ترك العبد ما ل ردُ إشكا ٌ أتعب نفسه .وهنا قد ي َ ِ
يعنيه هو ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
والجواب :ل ،لن المر بالمعروف والنهي عن المنكر مما
ة
م ٌ يعني النسان ،كما قال الله عز وجل) :ول ْت َك ُن من ْك ُ ُ
مأ ّ ْ ْ ِ َ ّ
1
)النحل :الية (90 .
82
ْ
ن
ع ِ
ن َ
و َ
ه ْ
وي َن ْ َ
ف َ
عُرو ِ ن ِبال ْ َ
م ْ مُرو َ
وي َأ ُ
ر َ ن إ َِلى ال ْ َ
خي ْ ِ عو َ ي َدْ ُ
ر( ال ْ ُ
من ْك َ ِ
1
ومن ذلك أيضًا :ما يتعلق بالهل والبناء والبنات فإنه يعني
راعي البيت أن يدّلهم على الخير ويأمرهم به ويحذرهم من
َ
مُنوا
نآ َ
ذي َ ها ال ّ ِ الشر وينهاهم عنه .قال الله عّز وجلَ) :يا أي ّ َ
ة( 2واللهجاَر ُ وال ْ ِ
ح َ س َها الّنا ُ
قودُ َ م َنارا ً َ
و ُ وأ َ ْ
هِليك ُ ْ سك ُ ْ
م َ ف َقوا أ َن ْ ُ
ُ
الموفق.
الشرح
َ
م" أي ل يتم إيمان أحدنا ،فالنفي هنا حدُك ُ ْ
نأ َ م ُقوله" :ل ُيؤ ِ
للكمال والتمام ،وليس نفيا ً لصل اليمان.
فإن قال قائل :ما دليلكم على هذا التأويل الذي فيه صرف
الكلم عن ظاهره؟
قلنا :دليلنا على هذا أن ذلك العمل ل يخرج به النسان من
اليمان ،ول يعتبر مرتدًّا ،وإنما هو من باب النصيحة ،فيكون
النفي هنا نفيا ً لكمال اليمان.
فإن قال قائل :ألستم تنكرون على أهل التأويل تأويلهم؟
فالجواب :نحن ل ننكر على أهل التأويل تأويلهم ،إنما ننكر
على أهل التأويل تأويلهم الذي ل دليل عليه ،لنه إذا لم يكن
ل ،أما التأويل الذي د ّ
ل ل صار تحريفا ً وليس تأوي ً عليه دلي ٌ
عليه الدليل فإنه يعتبر من تفسير الكلم ،كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن عباس رضي الله
وي ْ َ
ل" ه الّتأ ِ عل ّ ْ
م ُ و َن َ
في الدّي ْ ِ
ه ِ قه ُف ّ م َ ه ّعنهما" :الل ّ ُ
1
)آل عمران :الية (104
2
) التحريم (6 :
83
ن ت ال ْ ُ ذا َ ْ فإن قال قائل :في قول الله تعالىَ ) :
فإ ِ َ
قْرآ َ قَرأ َ
م( شي ْ َ
ن ال ّ عذْ ِبالل ّ ِ َ
جي ِ
ن الّر ِ
طا ِ م َ
ه ِ ست َ ِ
فا ْ
1
المراد به :إذا أردت قراءة القرآن ،فهل يعتبر هذا تأويل ً
مذمومًا ،أو تأويل ً صحيحًا؟
ل عليه الدليل من فعل والجواب :هذا تأويل صحيح ،لنه د ّ
النبي صلى الله عليه وسلم ،فقد كان صلى الله عليه وسلم
وذ عند القراءة ل في آخر القراءة . يتع ّ
وعليه فل ننكر التأويل مطلقًا ،إنما ننكر التأويل الذي ل
دليل عليه ونسميه تحريفًا.
َ
م" اليمان في اللغة هو :القرار المستلزم حدُك ُ ْ
نأ َم ُ "ل َ ُيؤ ِ
للقبول والذعان واليمان وهو مطابق للشرع وقيل :هو
التصديق وفيه نظر؛ لنه يقال :آمنت بكذا وصدقت فلنا ً ول
يقال :آمنت فلنًا .فاليمان في اللغة حقيقة :إقرار القلب
بما يرد عليه ،وليس التصديق.
وقد يرد اليمان بمعنى التصديق بقرينة مثل قوله تعالى:
ط ( 2على أحد القولين مع أنه يمكن أن يقال: ه ُلو ٌن لَ ُم َ ) َ
فآ َ
دق دعوته. فآمن له لوط أي انقاد له -أي إبراهيم -وص ّ
أما اليمان في الشرع فهوكما سبق في تعريفه في اللغة.
فمن أقّر بدون قبول وإذعان فليس بمؤمن ،وعلى هذا
فاليهود والنصارى اليوم ليسوا بمؤمنين لنهم لم يقبلوا دين
السلم ولم يذعنوا.
ومحل اليمان :القلب واللسان والجوارح ،فاليمان يكون
بالقلب ،ويكون باللسان ،ويكون بالجوارح ،أي أن قول
اللسان يسمى إيمانًا ،وعمل الجوارح يسمى إيمانًا ،والدليل:
م ( 3قال مان َك ُ ْع ِإي َضي َ
ه ل ِي ُ ِن الل ّ ُ ما َ
كا َ و َ
قول الله عّز وجلَ ) :
سرون :إيمانكم :أي صلتكم إلى بيت المقدس ،وقال المف ّ
ة
عب َ ً
ش ْن ُ عو َسب ْ ُو َ ع َ ض ٌن بِ ْما ُالنبي صلى الله عليه وسلم " :ال ِي ْ َ
ن
ع ِ ماطَ ُ
ة الذى َ ه إ ِل ّ الله ،وأدْنا َ
ها إ ِ َ ل ل َ إ ِل َ َ
و ُق ْها َعل َ فأ َ ْ
َ
ن"ما ِن ال ِي ْ َ
م َ
ة ِ
عب َ ٌ
ش ْ حَياءُ ُ وال َ
ق َ الطّ ِ
ري ْ ِ
أعلها قول :ل إله إل الله ،هذا قول اللسان.
1
)النحل(98:
2
)العنكبوت :الية (26
3
)البقرة :الية (143
84
وأدناها :إماطة الذى عن الطريق وهذا فعل الجوارح،
والحياء عمل القلب .وأما القول بأن اليمان محّله القلب
ح.
فقط ،وأن من أقّر فقد آمن فهذا غلط ول يص ّ
ب" )حتى( هذه للغاية ،يعني :إلى أن ح ّ حّتى ي ُ َ وقولهَ " :
خْيه" والمحبة :ل تحتاج إلى تفسير ،ول يزيد ب لَ ِ ح ّ "ي ُ َ
سر ء ،فالمحبة هي المحبة ،ول تف ّ تفسيرها إل إشكال ً وخفا ً
بأبين من لفظها.
ه" من خير ودفع س ِف ِب ل ِن َ ْ ه" أي المؤمن " َ
ما ُيح ّ وقوله" :ل َ ِ
خي ْ ِ
شر ودفاع عن العرض وغير ذلك.
* من فوائد الحديث :
كم حد ُ ُ َ
نأ َ م ُ 1.جواز نفي الشيء لنتفاء كماله ،لقول" :ل ُيؤ ِ
ه َ ب لَ ِ
جاُر ُ ن َ م ُ ن ل ي َأ َم ْن َه" ومثله قوله" :ل ُيؤم ُ خي ْ ِ ح ّ حّتى ي ُ ِ َ
ه"ق ُ وائ ِ َ بَ َ
2.وجوب محبة المرء لخيه ما يحب لنفسه ،لن نفي اليمان
عن من ل يحب لخيه ما يحب لنفسه يدل على وجوب ذلك،
إذ ل ُينفى اليمان إل لفوات واجب فيه أو وجود ما ينافيه.
3.التحذير من الحسد ،لن الحاسد ل يحب لخيه ما يحب
لنفسه ،بل يتمّنى زوال نعمة الله عن أخيه المسلم.
4.أنه ينبغي صياغة الكلم بما يحمل على العمل به ،لن من
الفصاحة ،صياغة الكلم بما يحمل على العمل به ،والشاهد
ه" لن هذه يقتضي العطف والحنان خي ِ لهذا قوله" :ل َ ِ
والّرقة ،ونظير هذا قول الله عّز وجل في آية القصاص:
يء( 1مع أنه قاتل ،تحنينا ً ش ْه َ ن أَ ِ
خي ِ م ْ ه ِ ي لَ ُ ف َ ع ِن ُ م ْ ف َ) َ
وتعطيفا ً لهذا المخاطب.
فإن قال قائل :هذه المسألة قد تكون صعبة ،أي :أن تحب
لخيك ما تحب لنفسك ،بمعنى :أن تحب لخيك أن يكون
عالمًا ،وأن يكون غنيًا ،وأن يكون ذا مال وبنين ،وأن يكون
مستقيمًا ،فقد يصعب هذا؟
فنقول :هذا ل يصعب إذا مّرنت نفسك عليه ،مّرن نفسك
على هذا يسهل عليك ،أما أن تطيع نفسك في هواها فنعم
سيكون هذا صعبًا.
والله الموفق.
1
)البقرة :الية (178
85
الشرح
سرناها بذلك م" أي ل يحل قتله،وف ّ سل ِ ٍ
م ْئ ُ ر ٍم ِما ْ ح ّ
ل دَ ُ "ل ي َ ِ
لن هذا هو المعروف في اللغة العربية ،قال النبي صلى الله
علي ْك ُ ْ
م م َضك ُ ْ وأ َ ْ
عَرا َ َ وال َك ُ ْ
م َ م َ
عليه وسلم " :إن دماءَك َم َ
وأ ْ
ْ َ ِ ّ ِ َ
م" .حَرا ٌ
َ
سل ِم ٍ" التعبير بذلك ل يعني أن المرأة يحل م ْ ئ ُ ر ٍ
وقوله" :ام ِ
دمها ،ولكن التعبير بالمذكر في القرآن والسنة أكثر من
التعبير بالمؤنث ،لن الرجال هم الذين تتوجه إليهم
الخطابات وهم المعنّيون بأنفسهم وبالنساء.
م" أي داخل في السلم. سل ِ ٍم ْ وقولهُ " :
86
ث" يعني بواحدة من الثلث. دى َثل ٍ ح َ "إ ِل ّ بإ ِ ْ
ل دمه ،والثيب هو :الذي زاِني" فالثيب الزاني يح ّ ب ال ّ "الث ّي ّ ُ
جامع في نكاح صحيح ،فإذا زنا بعد أن أنعم الله عليه بنعمة
النكاح الصحيح صار مستحقا ً للقتل ،ولكن صفة قتله
سنذكرها إن شاء الله تعالى في الفوائد.
ب" أن البكر ل يحل دمه إذا زنا ،وهو ومفهوم قوله "الث ّي ّ ُ
الذي لم يجامع في نكاح صحيح.
س" المقصود به القصاص ،أي أنه إذا قتل ف ِ س ِبالن ّ ْ ف ُ والن ّ ْ" َ
ل به بالشروط المعروفة. قت ِ َ ن إنسانا ً عمدا ً ُ إنسا ٌ
ه" يعني بذلك المرتدّ بأي نوع من أنواع الّردة. دين ِ ِك لِ ِر ُ والّتا ِ " َ
ة" هذا عطف بيان ،يعني أن ع ِما َ ج َرقُ لل َ فا ِ م َوقوله" :ال ُ
التارك لدينه مفارق للجماعة خارج عنها * .من فوائد الحديث
:
مسلم ٍ" ئ ُر ٍ
م ام ِ
ل دَ ُح ّ1.احترام دماء المسلمين ،لقوله" :ل ي َ ِ
ل عليه الكتاب والسنة والجماع. وهذا أمر مجمع عليه د ّ
منًا،هدًا ،أو مستأ ِ عا َ
ل دمه ما لم يكن م َ 2.أن غير المسلم يح ّ
أو ذمي ًّا ،فإن كان كذلك فدمه معصوم.
والمعاهد :من كان بيننا وبينه عهد ،كما جرى بين النبي صلى
الله عليه وسلم وقريش في الحديبية.
والمستأمن :الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا بأمان
لبيع تجارته أو شراء أو عمل ،فهذا محترم معصوم حتى وإن
كان من قوم أعداء ومحاربين لنا ،لنه أعطي أمانا ً خاصًا.
ب عنه ،وهذا هو ي :وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذ ّ ذم ّ وال ّ
الذي يعطي الجزية بدل ً عن حمايته وبقائه في بلدنا.
سل ِم ٍ" يخرج بذلك غير المسلم م ْئ ُ
ر ٍ م ِ
ما ْ ل دَ ُ ح ّإذا ً قوله" :ل ي َ ِ
فإن دمه حلل إل هؤلء الثلثة.
3.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلمه
أحيانا ً بالتقسيم ،لن التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو
أسرع حفظا ً وأبطأ نسيانًا.
4.أن الثيب الزاني يقتل ،برجمه بالحجارة ،وصفته :أن
يوقف ويرميه الناس بحجارة ل كبيرة ول صغيرة ،لن الكبيرة
ذب تقتله فورا ً فيفوت المقصود من الّرجم ،والصغيرة يتع ّ
87
بها قبل أن يموت ،بل تكون وسطًا ،فالثيب الزاني يرجم
بالحجارة حتى يموت،سواء كان رجل ً أم امرأة.
فإن قال قائل :كيف تقتلونه على هذا الوجه ،لماذا ل يقتل
مقت َل ْت ُ ْ
ذا َ
بالسيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " :إ َ
ة"؟قت ْل َ َ
سُنوا ال ِ َ َ
ح ِ
فأ ْ
فالجواب :أنه ليس المراد بإحسان القتلة سلوك السهل
في القتل ،بل المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة ،كما
كما ً ( 1فرجم َ
ح ْ ن الل ّ ِ
ه ُ م َ
ن ِ
س ُ
ح َ
نأ ْم ْو َقال الله عّز وجلَ ) :
الزاني من القتلة الحسنة ،لموافقة الشريعة.
فإن قال قائل :ما الحكمة من كونه يقتل على هذا الوجه ؟
فالجواب :أن شهوة الجماع ل تختص بعضو معين ،بل تشمل
كل البدن ،فلما تلذذ بدن الزاني المحصن بهذه اللذة
المحّرمة كان من المناسب أن يذوق البدن كّله ألم هذه
د ،فالمناسبة إذا ً ظاهرة. العقوبة التي هي الح ّ
لكن بماذا يثبت الّزنا ؟
الجواب :يثبت الزنا بشهادة أربعة رجال مرضيين أنهم رأوا
د ،والشهادة على هذا ذكر الزاني في فرج المزني بها ولب ّ
الوجه صعبة جدًا ،ولهذا قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه
ط ،وهو في وقته. الله :-إنه لم يثبت الزنا بالشهادة ق ّ
والطريق الثاني لثبوت الزنا أن يقّر الزاني بأنه زنا .
وهل يشترط تكرار القرار أربع مرات ،أو يكفي القرار مرة
واحدة ،أو يفصل بين ما اشتهر وبين ما لم يشتهر؟
في هذا خلف بين أهل العلم:
والقرب أنه ل يشترط تكرار القرار ،إل إذا كان هناك
شبهة ،وإل فأكبر بّينة وأكبر دليل أن يقّر الفاعل ،فكيف
يقّر وهو بالغ عاقل يدري ما يقول ثم نقول :ل حكم لهذا
القرار ،فلو أقّر ثلث مرات ل نعتبره إقرارًا.
فالصواب :أن القرار مرة واحدة يكفي إل مع وجود شبهة.
وهل اللواط مثل الزنا؟
فالجواب :نعم مثل الزنا بل أخبث ،فاللواط ل يشترط أن
يكون اللئط أو الملوط به ثيبًا ،وإنما يشترط أن يكونا بالغين
عاقلين ،فإذا كانا بالغين عاقلين أقيم عليهما الحد.
1
)المائدة :الية (50
88
والقول الصواب في هذا :إن الفاعل والمفعول به يجب
قتلهما بكل حال ،لن هذه الجرثومة في المجتمع إذا شاعت
وانتشرت فسد المجتمع كله ،وكيف يمكن للنسان المفعول
به أن يقابل الناس وهو عندهم بمنزلة المرأة ُيفعل به ،فهذا
قتل للمعنويات والرجولة.
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -أجمع الصحابة
ن
م ْ
على قتل الفاعل والمفعول به ،وقد ورد فيه حديثَ " :
عو َ
ل م ْ
ف ُ وال َ ع َ
ل َ قت ُُلوا ال َ
فا ِ فا ْ وم ِ ُلو ٍ
ط َ ل َ
ق ْ م َ
ع َ م ُ
ل َ ع َ
موهُ ي َ ْ
جدْت ُ ُ
و ََ
ه"قال شيخ السلم :لكن الصحابة اختلفوا كيف يقتل ب ِ
الفاعل والمفعول به؟
فقيل:يحرقان بالنار ،وروي هذا عن أبي بكر رضي الله عنه
وقال بعضهم :يرجمان كما يرجم الثيب الزاني
وقال آخرون :يصعد بهما إلى أعلى شاهق في البلد ثم
يرميان ويتبعان بالحجارة بناء على أن قوم لوط فعل الله
تعالى بهم هكذا.
وأهم شيء عندنا أنه لبد من قتل الفاعل والمفعول به على
كل حال إذا كانا بالغين عاقلين ،لن هذا مرض فّتاك ل يمكن
التحّرز منه ،فأنت مثل ً لو رأيت رجل ً مع امرأة واستنكرت
ذلك فممكن أن تقول :من هذه المرأة؟ لكن رجل مع رجل ل
يمكن ،فكل الرجال يمشي بعضهم مع بعض.
إذا ً الثيب الزاني دمه حلل ،ولكن إذا كان دمه حلل ً فهل
لكل واحد أن يقيم عليه الحد؟
فالجواب :ل ،ليس لحد أن يقيم عليه الحد إل المام أو من
غدُ َياينيبه المام ،لقول النبي صلى الله عليه وسلم " :أ ُ ْ
َ
ها" ولو قلنا لكل م َ
ج ْ ت َ
فار ُ عت ََر َ
ف ْ نا ْ ذا َ
فإ ِ ْ ه َ
ة َمرأ ِس إ َِلى ا ْ
أن ِي ْ ُ
إنسان أن يقتل هذا الزاني لن دمه هدر لحصل من الفوضى
والشر ما ل يعلمه إل الله عّز وجل،
س" أي إذا قتل س بالّنف ِف ُ الثاني ممن يباح دمه" :الن ّ ْ
النسان شخصا ً مكافئا ً له في الدين والحرية والّرق قتل به.
وعلى قولنا :في الدين وهو أهم شيء ل يقتل المسلم
بالكافر ،لن المسلم أعلى من الكافر ،ويقتل الكافر
بالمسلم لنه دونه.
89
وهل يشترط أن ل يكون القاتل من أصول المقتول ،أو ل
يشترط؟
فالجواب :قال بعض أهل العلم إنه يشترط أن ل يكون
القاتل من أصول المقتول والصول هم :الب والم والجد
والجدة وما أشبه ذلك ،وقالوا :ل يقتل والد بولده واستدّلوا
ه" وبتعليل قالوا :لن الوالد هو د ِول َ ِ
وال ِدُ ب َ بحديث" :ل ُيقت َ ُ
ل ال َ
الصل في وجود الولد فل يليق أن يكون الولد سببا ً في
إعدامه.
ل به فليس الولد هو وجه ذلك :أن الوالد إذا قتل الولد ثم قت ِ َ
السبب في إعدامه ،بل السبب في إعدامه فعل الوالد
القاتل ،فهو الذي جنى على نفسه ،وهذا القول هو الراجح
د
لقوة دليله بالعمومات التي ذكرناها ،ولن هذا من أش ّ
قطيعة الرحم ،فكيف نعامل هذا القاطع الظالم المعتدي
بالّرفق واللين ،ونقول :ل قصاص عليه.
فالصواب :أن الوالد يقتل بولده سواء بالذكر كالب ،أو
النثى كالم.
ة" المرادع ِ
ما َ
ج َ ق لل َ
مفار ُ ه" أي المرتدّ "ال ُ ك لدين ِ ِ ر ُ "الّتا ِ
بالجماعة أي جماعة المسلمين فالمرتد يقتل .
ولكن هل يستتاب قبل أن يقتل؟
في ذلك خلف بين العلماء:
والصحيح في الستتابة :أنها ترجع إلى اجتهاد الحاكم ،فإن
رأى من المصلحة استتابته استتابه ،وإل فل ،لعموم قوله :
ه" ولن الستتابة وردت عن الصحابة فاقت ُُلو ُه َ ن ب َدّ َ
ل ِدي ْن َ ُ م ْ" َ
رضي الله عنهم.
وهذا يختلف فقد يكون هذا الرجل الكافر أعلن كفره
واستهتر فل ينبغي أن نستتيبه ،وقد يكون أخفى كفره وتاب
إلى الله ورأينا منه محبة التوبة ،فلكل مقام مقال.
وقولنا :يستتاب من تقبل توبته إشارة إلى أن المرتدين
قسمان:
قسم تقبل توبتهم ،وقسم ل تقبل.
قال أهل العلم :من عظمت ردته فإنه ل تقبل توبته بأن
سب الله ،أو سب رسوله ،أو سب كتابه ،أو فعل أشياء
90
منكرة عظيمة في الردة ،فإن توبته ل تقبل ،ومن ذلك
المنافق فإنه ل تقبل توبته.
وقيل :إن توبته مقبولة ولو عظمت ردته ولو سب الله أو
رسوله أو كتابه ولو نافق ،وهذا القول هو الراجح ،لكن
ن ونظر :هل هذا الرجل يبقى مستقيما ً أو ل؟ يحتاج إلى تأ ّ
فإذا علمنا من حاله أنه صادق التوبة قبلنا توبته لعموم قوله
مل ُ عَلى أ َ ُ عبادي ال ّذين أ َ ق ْتعالىُ ) :
ه ِْ س ِ ف ْ ن َ فوا رَ س
ْ ِ َ ل َيا ِ َ ِ َ
ميعا ً ( ج ِ ب َ فُر الذُّنو َ
غ ِ ه يَ ْ ن الل ّ َ ة الل ّ ِ
ه إِ ّ م ِ
ح َ
ن َر ْ
م ْطوا ِ قن َ ُ تَ ْ
مام َ د ُ ه ِ ة تَ ْ 1ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " :الّتوب َ ُ
ها"وهذا عام ،وهذا القول هو الراجح وله أدلة. قب ْل َ ََ
نول َئ ِ ْ
اما المستهزئ فتقبل توبته بدليل قول الله تعالىَ ) :
ق ْ َ َ
ه
وآَيات ِ ِ ه َ ل أِبالل ّ ِ ب ُ ع ُ ون َل ْ َض َ خو ُ ما ك ُّنا ن َ ُ ن إ ِن ّ َ قول ُ ّ م ل َي َ ُ ه ْ سأل ْت َ ُ َ
د
ع َ م بَ ْ فْرت ُ ْ قد ْ ك َ َ ذُروا َ عت َ ِ ن* ل ت َ ْ زُئو َ ِ ه
ست َ ْ م تَ ْ ه ك ُن ْت ُ ْ سول ِ ِ وَر ُ َ
َ ب طائ ِ َ َ ُ َ
ن طائ ِ َ ُ
مه ْ ة ب ِأن ّ ُ ف َ عذ ّ ْ م نُ َ من ْك ْ ة ِ ف ٍ ع ْ ف َ ع ُ ن نَ ْ م إِ ْ مان ِك ْ ِإي َ
ن( 2ول عفو إل بالتوبة. مي َ ر ِ ج ِم ْ كاُنوا ُ َ
كفي الدّْر ِ ن ِ قي َ ف ِ مَنا ِ ن ال ْ ُ وفي المنافقين قال الله تعالى)إ ِ ّ
صيرا * إ ِّل ال ّ ِ َ
ن َتاُبوا ذي َ م نَ ِ ه ْ جد َ ل َ ُ ن تَ ِ ول َ ْ ر َ ِ ن الّنا م َ ل ِ ف ِ س َ اْل ْ
ع
م َ ك َ فُأول َئ ِ َ ه َ م ل ِل ّ ِ ه ْ صوا ِدين َ ُ خل َ ُ وأ َ ْ ه َ موا ِبالل ّ ِ ص ُ عت َ َ وا ْ حوا َ صل َ ُ وأ ْ
َ
َ
ً 3
جرا ً َ َ
ظيما ( . ع ِ نأ ْ مِني َ ؤ ِ م ْ ه ال ْ ُ ت الل ّ ُ ؤ ِ ف يُ ْ و َ س ْ و َ ن َ مِني َ ؤ ِم ْ ال ْ ُ
فالصواب :أن كل كافر أصلي أو مرتدّ إذا تاب من أي نوع
من الكفر فإن توبته مقبولة.
ولكن مثل هؤلء يحتاجون إلى مراقبة أحوالهم :هل هم
صادقون،أو هم يستهزؤون بنا؟ يقولون :إنهم رجعوا إلى
السلم وهم لم يرجعوا.
وإذا تاب يرتفع عنه القتل ،لن إباحة قتله إنما كانت لكفره،
فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفر عنه فارتفع قتله إل من سب
الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن
يقتل ،ويقتل مسلما ً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه
وندفنه مع المسلمين ،لكننا ل نبقيه حيًا .ومن سب الله عّز
وجل إذا تاب فإنه ل يقتل.
1
)الزمر :من الية (53
2
]التوبة[66-65:
3
)النساء(146-145:
91
فإن قال قائل :على ضوء هذا الكلم أيكون سب الله عّز
وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب :ل والله ل يكون ،بل سب الله أعظم ،لكن الله
ف عن حقه إذا تاب العبد ،فإذا تاب
تعالى قد أخبرنا أنه عا ٍ
علمنا أن الله تاب عليه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل :من سّبني
أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي ،وعلى هذا فنحن
نقتله لن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم
نعلم أنه عفا عنه.
فإن قال قائل :إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن
أناس سّبوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟
فالجواب :هذا ل يمنع ما قلنا به لن الحق حقه ،وإذا عفا
علمنا أنه أسقط حقه فسقط ،لكن بعد موته هل نعلم أنه
أسقط حقه؟
الجواب :ل نعلم ،ول يمكن أن نقيس حال الموت على حال
الحياة،لننا نعلم أن هذا القياس فاسد ،ولننا نخشى أن يكثر
سب الرسول صلى الله عليه وسلم لن هيبة الرسول صلى
الله عليه وسلم في حياته أعظم من هيبته بعد مماته .والله
أعلم.
92
الشرح
خي َْرا ً
ل َ فلي َ ُ
ق ْ ن" هذه جملة شرطية ،جوابهاَ " : م ُن ُيؤ ِ كا َ ن َ م ْ " َ
ت" ،والمقصود بهذه الصيغة الحث والغراء على َ
م ْ ص ُ أو ل ِي َ ْ
قول الخير أو السكوت كأنه قال :إن كنت تؤمن بالله واليوم
الخر فقل الخير أو اسكت.
را ً" اللم للمر ،والخير نوعان:خي َل َ ق ْ فل َي َ ُ
" َ
خير في المقال نفسه ،وخير في المراد به.
أما الخير في المقال :فأن يذكر الله عّز وجل ويسّبح ويحمد
ويقرأ القرآن ويعلم العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر ،فهذا خير بنفسه.
وأما الخير لغيره :فأن يقول قول ً ليس خيرا ً في نفسه ولكن
من أجل إدخال السرور على جلسائه ،فإن هذا خير لما
يترتب عليه من النس وإزالة الوحشة وحصول اللفة ،لنك
لو جلست مع قوم ولم تجد شيئا ً يكون خيرا ً بذاته وبقيت
صامتا ً من حين دخلت إلى أن قمت صار في هذا وحشة
وعدم إلفة ،لكن تحدث ولو بكلم ليس خيرا ً في نفسه ولكن
من أجل إدخال السرور على جلسائك ،فإن هذا خير لغيره.
ت" أي يسكت. م ْ ص ُ" أو ل ِي َ ْ
93
ه" أي جاَر ُ م َ ر ْفل ْي ُك ْ ِر َ خ ِوالَيوم ِ ال ِه َ ن بالل ِ م ُ ن ُيؤ ِكا َن َ م ْ و َ " َ
جاره في البيت ،والظاهر أنه يشمل حتى جاره في المتجر
ل ،لكن هو في الول أظهر أي الجار كجارك في الدكان مث ً
في البيت ،وكلما قرب الجار منك كان حقه أعظم.
رم وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الكرام فقال" :فلي ُك ْ ِ
ه" ولم يقل مثل ً بإعطاء الدراهم أو الصدقة أو اللباس جاَر ُ َ
أو ما أشبه هذا ،وكل شيء يأتي مطلقا ً في الشريعة فإنه
يرجع فيه إلى العرف ،وفي المنظومة الفقهية
بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد ل ما أتى ولم يحدد وك ّ
ده الناس إكرامًا ،ويختلف فالكرام إذا ً ليس معينا ً بل ما ع ّ
من جار إلى آخر ،فجارك الفقير ربما يكون إكرامه برغيف
خبز ،وجارك الغني ل يكفي هذا في إكرامه ،وجارك الوضيع
ربما يكتفي بأدنى شيء في إكرامه ،وجارك الشريف يحتاج
إلى أكثر
والجار :هل هو الملصق ،أو المشارك في السوق ،أو
المقابل أو ماذا؟
هذا أيضا ً يرجع فيه إلى العرف ،لكن قد ورد أن الجار أربعون
دارا ً من كل جانب ،وهذا في الوقت الحاضر صعب جدًا.
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعون دارا ً مساحتهم
قليلة ،لكن في عهدنا أربعون دارا ً قرية ،فإذا قلنا إن الجار
أربعون دارا ً والبيوت قصور صار فيها صعوبة ،ولهذا نقول:
من َّزل على الحال في عهد النبي صلى إن صح الحديث فهو ُ
الله عليه وسلم ،وإن لم يصح رجعنا إلى العرف.
ه"
ف ُ ضي ْ َم َ ر ْفلُيك ِ ر َ خ ِه والَيوم ِ ال ِ ن بالل ِ م ُ ن ُيؤ ِكا َن َ م ْ و َ " َ
الضيف هو النازل بك ،كرجل مسافر نزل بك ،فهذا ضيف
يجب إكرامه بما يعد إكرامًا.
* من فوائد الحديث :
ن
م ُ ن ُيؤ ِ كا َن َ م ْ 1.وجوب السكوت إل في الخير ،لقولهَ " :
ت" هذا ظاهر م ْ خيَرا ً أو ل َِيص ُ ل َ ق ْفلي َ ُ ر َ
خ ِ ه والَيوم ِ ال ِ بالل ِ
الحديث ،ولكن ظاهر أحوال الناس أن ذلك ليس بواجب ،وأن
المقال ثلثة أقسام :خير ،وشر ،ولغو.
94
فالخير :هو المطلوب .والشر :محرم ،أي أن يقول النسان
قول ً شرا ً سواء كان القول شرا ً في نفسه أو شرا ً فيما
يترتب عليه .واللغو :ما ليس فيه خير ول شّر فل يحرم أن
يقول النسان اللغو ،ولكن الفضل أن يسكت عنه.
ه
ن بالل ِ
م ُ ن ُيؤ ِكا َن َم ْ 2.الحث على حفظ اللسان لقولهَ " :
َ
ت"م ْ ص ُ خيَرا ً أ ْ
و ل ِي َ ْ ق ْ
ل َ فل ْي َ ُ
ر َخ ِوالَيوم ِ ال ِ
َ
ه والَيوم ِن ِبالل ِم ُن ُيؤ ِكا َن َ م ْ 3.وجوب إكرام الجار لقولهَ " :
ه" وهذا الكرام مطلق يرجع فيه إلى جاَر ُ م َر ْ ر َ
فلُيك ِ خ ِ
ال ِ
العرف،
4.أن دين السلم دين اللفة والتقارب والتعارف بخلف
غيره .
5.وجوب إكرام الضيف بما يعد إكرامًا ،وذلك بأن تتلقاه ببشر
وسرور ،وتقول :ادخل حياك الله وما أشبه ذلك من
العبارات.
وظاهر الحديث أنه ل فرق بين الواحد والمائة ،لن كلمة
)ضيف( مفرد مضاف فيعم ،فإذا نزل بك الضيف فأكرمه
بقدر ما تستطيع.
لكن إذا كان بيتك ضيقا ً ول مكان لهذا الضيف فيه ولست ذا
غنى كبير بحيث تعد بيتا ً للضيوف ،فهل يكفي أن تقول :يا
فلن بيتي ضيق والعائلة ربما إذا دخلت أقلقوك ،ولكن خذ
مثل ً مائة ريال أو مائتين -حسب الحال -تبيت بها في
الفندق فهل يكفي هذا أو ل يكفي ؟
الجواب :للضرورة يكفي ،وإل فل شك أنك إذا أدخلته البيت
ورحبت به وانطلق وجهك معه أنه أبلغ في الكرام،ولكن إذا
دعت الضرورة إلى مثل ما ذكرت فل بأس ،فهذا نوع من
الكرام ،والله أعلم.
95
الشرح
لم يبّين هذا الرجل ،وهذا يأتي كثيرا ً في الحاديث ل يبّين
فيها المبهم ،وذلك لن معرفة اسم الرجل أو وصفه ل ُيحتاج
إليه ،فلذلك تجد في الحاديث :أن رجل ً قال كذا ،وتجد بعض
العلماء يتعب تعبا ً عظيما ً في تعيين هذا الرجل ،والذي أرى
أنه ل حاجة للتعب مادام الحكم ل يتغير بفلن مع فلن.
صِني" الوصية :هي العهد إلى ل الل َ
سو َ قا َ" َ
ه أو ِِ لَ :يا َر ُ
الشخص بأمر هام ،كما يوصي الرجل مثل ً على ثلثه أو على
ولده الصغير أو ما أشبه ذلك.
ب" الغضب :بّين النبي صلى الله عليه وسلم ض ْ
غ َل :ل ت َ ْقا َ" َ
أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيغلي القلب،
ولذلك يحمّر وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يقف شعره.
96
ب "أي ل ض ْ غ َ فهل مراد الرسول صلى الله عليه وسلم" ل َ ت َ ْ
يقع منك الغضب ،أو المعنى :ل تنفذ الغضب ؟
لننظر :أما الول فإن ضبطه صعب،لن الناس يختلفون في
هذا اختلفا ً كبيرًا ،لكن ل مانع أن نقول :أراد قوله" :ل َ
ب" أي الغضب الطبيعي ،بمعنى أن توطن نفسك وتبّرد ض ْ غ َ تَ ْ
المر على نفسك.
وأما المعنى الثاني :وهو أن ل تنفذ مقتضى الغضب فهذا
حق ،فينهى عنه.
ب" هل هي نهي عن الغضب الذي هو ض ْ غ َ إذا ً كلمة "ل َ ت َ ْ
طبيعي أو هي نهي لما يقتضيه الغضب ؟
ب" أي الغضب ض ْ غ َإن نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا" :ل َ ت َ ْ
الطبيعي ،لكن هذا فيه صعوبة ،وله وجه يمكن أن يحمل عليه
بأن يقال :اضبط نفسك عند وجود السبب حتى ل تغضب.
ب أي ل تنفذ مقتضى ض ْ والمعنى الثاني لقوله :ل َ ت َ ْ
غ َ
الغضب ،فلو غضب النسان وأراد أن يطّلق امرأته ،فنقول
ن. له :اصبر وتأ ّ
قا َ َ َ
ب" ض ْ غ َل" :ل َ ت َ ْ قا َ صِني َ - و ِل :أ ْ ي َ مَراَرا ً - ،أ ْ ل ِ ج ُفَردّدَ الّر ُ َ
* من فوائد الحديث :
1.حرص الصحابة رضي الله عنهم على ما ينفع ،لقوله:
ي" ،والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق ل ِ نص أو " َ
ْ ِ
يقتصرون على مجّرد العلم ،بل يعملون،
2.أن المخاطب يخاطب بما تقتضيه حاله وهذه قاعدة
مهمة ،فإذا قررنا هذا ل يرد علينا الشكال التي وهو أن
يقال :لماذا لم يوصه بتقوى الله عّز وجل،كما قال الله عّز
ُ
موإ ِّياك ُ ْ
م َ قب ْل ِك ُ ْن َ م ْ ب ِ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ذي َصي َْنا ال ّ ِ
و ّ قد ْ َ ول َ َ
وجلَ ) :
أَ
ه( قوا الل ّ َ ن ات ّ ُ
1
ِ
فالجواب :أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله ،فكأن
النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب
فأوصاه بذلك.
1
)النساء :الية (131
97
فهذه القاعدة التي ذكرناها يدل عليها جواب النبي صلى
الله عليه وسلم ،أي أن يوصى النسان بما تقتضيه حاله ل
بأعلى ما يوصى به ،لن أعلى ما يوصى به غير هذا.
ب" لن الغضب يحصل ض ْ
غ َ3.النهي عن الغضب ،لقوله" :ل َ ت َ ْ
فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ النسان مقتضاه،
ب النسان فماذا فإن قال قائل :إذا وجد سبب الغضب ،وغض َ
يصنع؟
نقول :هناك دواء -والحمد لله -لفظي وفعلي .
أما الدواء اللفظي :إذا أحس بالغضب فليقل :أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم.
وأما الدواء الفعلي :إذا كان قائما ً فليجلس ،وإذا كان جالسا ً
طجع،لن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، فليض ّ
ضأ ،لن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب، فإن لم يفد فليتو ّ
ولن الوضوء يطفئ حرارة الغضب.
وهل يقتصر على هذا؟
الجواب :ل يلزم القتصار على هذا ،قد نقول إذا غضبت
فغادر المكان ،وكثير من الناس يفعل هذا ،أي إذا غضب خرج
من البيت حتى ل يحدث ما يكره فيما بعد .
4.أن الدين السلمي ينهى عن مساوئ الخلق لقوله" :ل َ
ب" والنهي عن مساوئ الخلق يستلزم المر بمحاسن َتغض ْ
ود نفسك التحمل وعدم الغضب ،فقد كان الخلق ،فع ّ
العرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر
في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك
فعليك بالحلم ما أمكنك ذلك حتى يستريح قلبك وتبتعد عن
المراض الطارئة من الغضب كالسكر ،والضغط وما أشبهه.
والله المستعان
الشرح
شيء" أي في كل شيء، ل َعَلى ك ُ ّ ن َ سا ُ ح َ ب ال ِ ْ ه ك َت َ َ ن الل َ " إِ ّ
ولم يقل :إلى كل شيء،بل قال :على كل شيء ،يعني أن
الحسان ليس خاصا ً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع
الحياة.
قت ْل َ َ َ
وإ ِ َ
ذا ةَ ، سُنوا ال ِح ِفأ ْم َقت َل ْت ُ ْ
ذا َ ثم ضرب أمثلة فقالَ " :
فإ ِ َ
ذَبحت ُم َ َ
ة" والفرق بينهما :أن المقتول ل يحل سُنوا الذّب ْ َ
ح َ ح ِ فأ ْ َ ْ ْ
بالقتل كما لو أراد إنسان أن يقتل كلبا ً مؤذيًا ،فنقول:
أحسن القتلة .وكذا إذا أراد أن يقتل ثعبانا ً فنقول :أحسن
القتلة ،وإذا ذبح فنقول :أحسن الذبحة ،وهذا فيما يؤكل ،أي
يحسن الذبحة بكل ما يكون فيه الحسان ،ولهذا قال:
دها يعني حكها حتى رته" أي السكين ،وح ّ ف َش ْولُيحدّ أحدكم َ " َ
تكون قوية القطع ،أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما
حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة.
ه" اللم للمر ،أي وليرح ذبيحته عند الذبح حت َ ُح ذَب ِي ْ َر ْول ْي ُ ِ
" َ
بحيث يمر السكين بقوة وسرعة .
* من فوائد الحديث :
1.رأفة الله عّز وجل بالعباد ،وأنه كتب الحسان على كل
شيء.
2.الحث على الحسان في كل شيء ،لن الله تعالى كتب
ذلك أي شرعه شرعا ً مؤكدًا.
3.أنك إذا قتلت شيئا ً يباح قتله فأحسن القتلة ،ولنضرب لهذا
ل :رجل آذاه كلب من الكلب وأراد أن يقتله ،فله طرق مث ً
ض الرأس ،أو بإسقائه في قتله كأن يقتله بالرصاص ،أو بر ّ
السم ،أو بالصعق بالكهرباء ،أنواع كثيرة من القتل ،فنقتله
99
بالسهل ،وأسهلها كما قيل :الصعق بالكهرباء ،لن الصعق
بالكهرباء ل يحس المقتول بأي ألم ولكن تخرج روحه بسرعة
من غير أن يشعر ،فيكون هذا أسهل شيء.
يستثنى من ذلك القصاص ،ففي القصاص ُيفعل بالجاني كما
عل بالمقتول . ف ُِ
ه
ن الل َ 4.أن الله عّز وجل له المر وإليه الحكم ،لقوله" :إ ِ ّ
ن" وكتابة الله تعالى نوعان :كتابة قدرية، سا َ ح َ ب ال ِ ْك َت َ َ
وكتابة شرعية.
الكتابة القدرية لبد أن تقع ،والكتابة الشرعية قد تقع من
بني آدم وقد ل تقع.
ن
م ْ ر ِ في الّزُبو ِ قدْ ك َت َب َْنا ِ ول َ َمثال الول :قول الله تعالىَ ) :
ن اْل َ بعد الذّك ْر أ َ
ن( 1فهذه كتابة حو َ صال ِ ُ ي ال ّ عَباِد َ ها ِ رث ُ َ
ِ َ ي ض
َ ر ْ ّ ِ َ ْ ِ
قدرية.
و ك ُْر ٌ
ه ه َ و ُل َ قَتا ُ م ال ْ ِ عل َي ْك ُ ُ
ب َ ومثال الثاني :قوله تعالى) :ك ُت ِ َ
م ( 2أي كتب كتابة شرعية. ل َك ُ ْ
5.أن الحسان شامل في كل شيء ،كل شيء يمكن فيه ا
شيء " ل َ عَلى ك ِ ّ ن َ سا َ لح َ با ِ ن الله ك َت َ َ لحسان لقوله :إ ِ ّ
6.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثال،
م
حت ُ ْ ذا ذَب َ ْ م ..إ ِ َ قَتلت ُ ْذا َ لن المثلة تقّرب المعاني في قوله :إ ِ َ
.
قتلة،لن هذا وصف للهيئة ل للفعل. 7.وجوب إحسان ال ِ
وإحسان القتلة على القول الراجح هو إتباع الشرع فيها
سواء كانت أصعب أو أسهل .
8.أن نحسن الذبحة ،بأن نذبحها على الوجه المشروع ،والذبح
لبد فيه من شروط:
) (1أهلية الذابح بأن يكون مسلما ً أو كتابيًا ،فإن كان وثنيا ً
لم تحل ذبيحته ،وإن كان مرتدّا ً لم تحل ذبيحته ،وعلى هذا
فتارك الصلة ل تحل ذبيحته لنه ليس مسلما ً ول كتابيًا.
فإذا قال قائل :ما هو الدليل على أن ذبيحة الكتابي حلل؟
1
)النبياء(105:
2
)البقرة :الية (216
100
ُ
ن أوُتوا ال ْك َِتا َ
ب م ال ّ ِ
ذي َ وط َ َ
عا ُ فالجواب :قول الله عّز وجلَ ) :
م( 1قال ابن عباس رضي الله ل لَ ُ
ه ْ ح ّ مك ُ ْ
م ِ وط َ َ
عا ُ ل ل َك ُ ْ
م َ ح ّ
ِ
عنهما :طعامهم :ما ذبحوه ،والكتابي :هو اليهودي أو
النصراني
) (2أن تكون اللة مما يباح الذبح بها ،وهي :كل ما أنهر الدم
من حديد أو فضة أو ذهب أو حصى أو قصب ،أي شيء لقول
َ
ه
م الل ِ س ُوذُك َِر ا ْم َ هَر الدّ َ ما أن ْ َ النبي صلى الله عليه وسلمَ " :
َ
م أي أساله .فلو أن إنسانا ً ذبح كل "ومعنى :أن ْ َ
هَر الدّ َ ف ُ عل َي ْ ِ
ه َ َ
بحجر له حد وأنهر الدم ،فالذبيحة حلل ،إل أنه يستثنى
شيئان:
السن ،والظفر ،علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله:
فُر َ ما الظّ ْ فعظْمَ ، َ
شة " أي حب َ َدى ال َ م َ ف ُ وأ ّ ٌ َ ن َ َ س ّ ما ال ّ "أ ّ
سكاكين الحبشة.
م" أخذ من هذا بعض أهل العلم أن ن َ َ
عظ ٌ ف َ س ّما ال ّ قوله" :أ ّ
ل الذكاة بها ،قالوا :لن العلة أعم من جميع العظام ل تح ّ
المعين وهو المعلول ،لنه لو أراد النبي صلى الله عليه
وسلم أن يقتصر على السن لقال :أما السن فسن ،لكن
م" فالعلة أعم ،وعلى هذا فجميع ن َ َ
عظ ٌ ف َ س ّ ما ال ّ قال" :أ ّ
العظام ل تحل التذكية بها.
والحكمة واضحة ،لن العظم إن كان من ميتة فل يصح أن
ُيذكى به ،لن التذكية تطهير والميتة نجسة .وإن كان العظم
من طاهرة كعظم شاة مذكاة فل تحل التذكية به ،لن عظم
المذكاة طعام الجن ،والتذكية به يفسده على الجن ،لنه
سوف يتلوث بالدم النجس ،وقد ثبت عن النبي صلى الله
ل َ ْ عليه وسلم أنه قال للجن الذين وفدوا عليه" :ل َك ُ ْ
م كُ ّ
عظم ٍ
ما ً ". ن لَ ْ
ح َ كو ُ ما ي َ ُ ه َأو َ
فَر َ دون َ ُ ج ُه تَ ِ م الل ِ س ُ ذُك َِر ا ْ
قد يقول قائل :أنا أمر بالعظام تلوح ليس عليها لحم ،فما
الجواب؟
ل :نقول :أتؤمن بالله ورسوله؟ فسيقول: الجواب سهل :أو ً
نعم ،نقول :هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ،وعليك
أن تؤمن بذلك ،سواء رأيت أم لم تَر.
1
)المائدة :الية (5
101
ثانيًا :عالم الجن عالم غيبي ،ولهذا أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم عن الرجل الذي لم يصل الصبح أنهَ :با َ
ل
ُ شي ْ َ
ال ّ
ه.في أذُن ِ ِ ن ِطا ُ
إذا ً يستثنى مما ينهر الدم كل عظم.
أما الظفر :فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه
مدى الحبشة ،أي سكاكينها ،ونحن منهيون أن نتشبه ُ
بالعاجم ،والحبشة أعاجم حيث دخلت عليهم العربية بعد
الفتوحات السلمية.
فإذا قال قائل :لو وجدنا سكاكين ل يستعملها إل الحبشة
فهل تحل التذكية بها؟
فالجواب :نعم.
فإذا قال قائل :كيف تقولون العبرة بعموم العلة في قوله:
َ
م ول تقولون بعموم العلة هنا؟ عظْ ٌ ن َ
ف َ س ّما ال ّ أ ّ
فالجواب :أن أظفار الحبشة متصلة بالبدن ،وجعلها مدى
يستلزم أن ل تقص ول تقلم ،وهذا خلف الفطرة ،لن
النسان إذا عرف أن أظافره ستكون مدى سيبقيها ،لنه
ربما يحتاجها ،فتبين الفرق.
وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهة
العاجم ،وعن اتخاذ الظافر.
) (3إنهار الدم أي إسالته ،ويكون إنهار الدم بقطع الودجين
وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم ،وهذان
العرقان متصلن بالقلب فإذا قطعا انهال الدم بكثرة
وغزارة ،ثم ماتت الذبيحة بسرعة.
والدليل على إنهار الدم قول النبي صلى الله عليه وسلم :
َ
ل فاشترط إنهار فك ُ ْ
ه َعل َي ْ ِ
ه َ وذُك َِر اس ُ
م الل ِ م َ هَر الدّ َما أن َ " َ
الدم".
هل يشترط مع قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء ،لن
الذي في الرقبة أربعة أشياء :الودجان -اثنان -والحلقوم،
والمريء ،فهل يشترط قطع الربعة؟
فالجواب :قطع الربعة لشك أنه أولى وأطهر وأذكى ،لكن
لو اقتصر على قطع الودجين فالصحيح أن الذبيحة حلل ،ولو
اقتصر على قطع المريء والحلقوم فالصحيح أنها حرام ،لن
102
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان،
وهي التي تذبح ول تفرى أوداجها.
وهل يشترط أن يكون قطع الحلقوم من نصف الرقبة ،أو
من أسفلها ،أومن أعلها؟
الجواب :ل يشترط ،المهم أن يكون ذلك في الرقبة سواء
من أعلها مما يلي الرأس ،أو من أسفلها مما يلي النحر ،أو
من وسطها.
) (4ذكر اسم الله عليها عند الذبح ،لقول النبي صلى الله
َ
ل فإذا كان فك ُ ْ ه َ عل َي ْ ِه َ م الل ِ س ُوذُك َِر ا ْ م َ ما أنهَر الدّ َ
عليه وسلمَ :
إنهار الدم شرطا ً فكذلك التسمية شرط،بل إن الله تعالى
ْ
ه وإنهعل َي ْ ِ
ه َ م الل ّ ِ س ُ را ْ م ي ُذْك َِ ما ل َ ْ أكد هذا بقوله) :وَل ت َأك ُُلوا ِ
م ّ
م فالذبيحة حرام. ق( فإذا ذبح إنسان ذبيحة ولم يس ّ س ُف ْ ل ِ
1
1
النعام :الية (121 )
2
]النعام[121:
3
)البقرة :الية (286
103
فالجواب :نحن لم ُنضع المال ،لن كل شيء متروك بأمر
الله فتركه ليس إضاعة،بل هو طاعة لله عّز وجل ،ألسنا
نطيع الله ونعطي الزكاة وهي ربع عشر أموالنا ، ،فما دمنا
م الله عليها فإننا لم نضع تركنا هذه الذبيحة التي لم يس ّ
محّله المال في الواقع ،بل وضعناه في حّله و َ
ثانيًا :إذا حرمناه من الذبيحة هذه المرة فل يمكن أن ينسى
بعد ذلك أبدًا ،بل يمكن أن يسمي عشر مرات .
ْ
ر ما ل َ ْ
م ي ُذْك َ ِ ول ت َأك ُُلوا ِ
م ّ ولدينا آية محكمة قال الله تعالى َ ) :
1
عل َي ْ ِ
ه( م الل ّ ِ
ه َ س ُ
ا ْ
يستثنى من قولنا :أن يقطع الودجين وهما في الرقبة ما
ليس مقدورا ً عليه من الحيوان،فالذي ليس مقدورا ً عليه
يحل بطعنه في أي موضع كان من بدنه ،فلو ندّ لنا بعير -أي
هرب -وعجزنا عن إدراكه ورميناه بالرصاص وأصابت
الرصاصة بطنه وخرقت قلبه ومات ،فإنه يكون حلل ً لنه غير
مقدور عليه.
ومن فوائد هذا الحديث:
1.وجوب حد الشفرة ،لن ذلك أسهل للذبيحة ،فإن ذبح
بشفرة كاّلة أي ليست بجيدة ولكن قطع ما يجب قطعه
فالذبيحة حلل لكنه آثم حيث لم يحد الشفرة.
وهل يحد الشفرة أمام الذبيحة؟
الجواب :ل يحد الشفرة أمامها لن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر أن تحد الشفار ،وأن توارى عن البهائم ،أي
تغطى.
ولنه إذا حدها أمامها فهي تعرف ،ولهذا أحيانا ً إذا حد
الشفرة أمام الذبيحة هربت خوفا ً من الذبح وعجزوا عنها.
2.وجوب إراحة الذبيحة وذلك بسرعة الذبح ،فل يبقى هكذا
يحرحر بل بسرعة لنه أريح لها.
ويبقى النظر :هل نجعل قوائمها الربع مطلقة ،أو نمسك
بها؟
فالجواب :نجعلها مطلقة ونضع الّرجل على صفحة العنق لئل
تقوم ،وتبقى الرجل واليدي مطلقة ،فهذا أريح للذبيحة من
1
]النعام[121:
104
وجه ،وأشد إفراغا ً للدم من وجه آخر ،لنه مع الحركة
والضطراب يخرج الدم.
فإن قال قائل :هل من إراحتها ما يفعله بعض الناس بأن
يكسر عنقها قبل أن تموت من أجل سرعة الموت؟
فالجواب :ل يجوز هذا ،لن في كسر عنقها إيلما ً شديدا ً لها،
3.إذا أراد النسان أن يؤدب أهله ،أو ولده فليؤدب بإحسان؟
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع" :
حدَا ً ت َك َْر ُ شك ُ َ َ م َ َ
ن هَ ،
فإ ِ ْ هون َ ُ مأ َ فُر َ ْ ن ُن أن ل َ ُيوطِئ ْ َه ّعلي ْ ِ ول َك ُ ْ َ
رح " فنقول:حتى في مب َ ّ
غي َْر ُ ً
ضْرب َا َن َ ه ّ
رُبو ُ
فاض ِ َ
ن ذَل ِك َ ْ
عل َ ف ََ
دب بعنف .والله أعلم
التأديب إذا أدبت فأحسن التأديب ولتؤ ّ
105
الشرح
ه" أي اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل، ق الل َ قوله" :ات ّ ِ
وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
ت" حيث :ظرف مكان ،أي في أي مكان كنت ما ك ُن ْ َ حي ْث ُ َ " َ
سواء في العلنية أو في السر ،وسواء في البيت أو في
السوق ،وسواء عندك أناس أو ليس عندك أناس.
ها" )أتبع( فعل أمر ،و )السيئة( سي ّئ َ َ " وأ َ
ح َ م ُ ة تَ ْسن َ َ
ح َة ال َ ع ال ّ ِ ِ بْ ت َ
مفعول أول ،و)الحسنة( مفعول ثان.
ها" جواب المر ،ولهذا جزمت، ح َ م ُ " تَ ْ
والمعنى :إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة،فهذه الحسنة تمحو
السيئة.
واختلف العلماء -رحمهم الله -هل المراد بالحسنة التي
تتبع السيئة هي التوبة ،فكأنه قال :إذا أسأت فتب ،أو المراد
العموم؟
الصواب :الثاني ،أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة،
وُزَلفا ً
ر َ
ها ِ
ي الن ّ َ صلةَ طََر َ
ف ِ قم ِ ال ّ وأ َ ِ
دليل هذا قوله تعالىَ ) :
1
سي َّئات(ن ال ّ
هب ْ َت ي ُذْ ِ سَنا ِ
ح َ ن ال ْ َ ل إِ ّ ن الل ّي ْ ِ م َ ِ
1
)هود :الية (114
106
ها" فبين النتيجة هي أنها سي ّئ َ َ " َ
ح َ م ُ ة تَ ْ سن َ َح َ ة ال َ ع ال ّ وأت ْب ِ ِ َ
تمحوها.
ن" أي عامل الناس بخلق حسن. س بِ ُ ُ
س ٍ ح َ ق َ خل ٍ ق الّنا َ خال ِ ِ و َ " َ
ق :هو الصفة خل ْ ُخُلق :هو الصفة الباطنة في النسان ،وال َ وال ُ
الظاهرة،والمعنى :عامل الناس بالخلق الحسنة بالقول
وبالفعل.
فما هو الخلق الحسن؟
قال بعضهم :الخلق الحسن :كف الذى ،وبذل الندى ،والصبر
على الذى -أي على أذى الغير -والوجه الطلق.
1
و( ف َ ع ْذ ال ْ َخ ِ وضابط ذلك ما ذكره الله عّز وجل في قولهُ ) :
أي خذ ما عفا وسهل من الناس ،ولترد من الناس أن يأتوك
مْر على ما تحب لن هذا أمر مستحيل ،لكن خذ ما تيسر) ْ
وأ ُ َ
ي
جب ْل ِ ّ ن( وهل الخلق الحسن ِ
2
هِلي َ جا ِ ن ال ْ َ ع ِ ض َ ر ْ ع ِ وأ َ ْ ف َ عْر ِ ِبال ْ ُ
أو يحصل بالكسب؟
الجواب :بعضه جبلي ،وبعضه يحصل بالكسب .
من فوائد هذا الحديث:
1.وجوب تقوى الله عّز وجل حيثما كان النسان ،لقوله:
ت" وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه ما ك ُن ْ َ حي ْث ُ َ ق الله َ "ات ّ ِ
سواء كنت في العلنية أو في السر.
وأيهما أفضل :أن يكون في السر أو في العلنية؟
سي وفي هذا تفصيل :إذا كان إظهارك للتقوى يحصل به التأ ّ
والتباع لما أنت عليه فهنا إعلنها أحسن وأفضل ،ولهذا مدح
الله الذين ينفقون سّرا ً وعلنية ،وقال النبي صلى الله عليه
ها َ فل َ َ
جُر
وأ ْ جُر َ َ هأ ْ ة َ ُ سن َ ًح َ ة َ
سن ّ ً
سلم ِ ُ في ال ِ ْ ن ِ س ّ ن َ م ْ وسلم َ " :
ة"م ِ قَيا َ ها إ َِلى َيوم ِ ال ِ ل بِ َ م َ ع ِ ن َ م ْ َ
أما إذا كان ل يحصل بالظهار فائدة فالسرار أفضل،لقول
النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يظّلهم الله في ظله:
ما ه َ مال ُ ُش َ م ِ عل َ َحّتى ل َ ت َ ْ ها َ فا َ خ َ فأ َ ْة َ ق ٍ صد َ َصدّقَ ب ِ َ ل تَ َ ج ٌ "َر ُ
ه ". مي ْن ُ ُ ق يَ ِ ف ُ ت ُن ْ ِ
وهل الفضل في ترك المعاصي إعلنه أو إسراره؟
يقال فيه ما قيل في الوامر
1
]العراف[199:
2
]العراف[199:
107
ه
ق الل َ
فإن قال قائل :قوله صلى الله عليه وسلم " :ات ّ ِ
ت" هل يشمل فعل الوامر في أماكن غير لئقة ما ك ُن ْ َ
حي ْث ُ َ
َ
كالمراحيض مث ً
ل؟
و بقلبك الجواب :ل تفعل الوامر في هذه الماكن ،ولكن ان ِ
أنك مطيع لله عّز وجل ممتثل لمره مجتنب لنهيه.
ة
سن َ َ سي ّئ َ َ َ
ح َ ة ال َ ع ال ّ 2.أن الحسنات يذهبن السيئات لقوله :أت ْب ِ ِ
ها.
ح َم ُ تَ ْ
3.فضل الله عّز وجل على العباد وذلك لننا لو رجعنا إلى
العدل لكانت الحسنة ل تمحو السيئة إل بالموازنة ،وظاهر
الحديث العموم.
وهل ُيشترط أن ينوي بهذه الحسنة أنه يمحو السيئة التي
فعل؟
فالجواب :ظاهر الحديث :ل ،وهذا من نعمة الله عّز وجل
على العباد ومن مقتضى كون رحمته سبقت غضبه.
ق
خال ِ ِو َ 4.الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن ،لقولهَ " :
ن". س بِ ُ ُ
س ٍ
ح َق َ
خل ٍ الّنا َ
فإن قيل :معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحيانا ً هل
ينافي هذا الحديث أو ل؟
فالجواب :ل ينافيه ،لنه لكل مقام مقال ،فإذا كانت
المصلحة في الغلظة والشدة فعليك بها ،وإذا كان المر
بالعكس فعليك باللين والرفق ،وإذا دار المر بين اللين
والرفق أو الشدة والعنف فعليك باللين والرفق ،لن النبي
في ق ِ ف َ ب الّر ْ ح ّ
ق يُ ِفي ْ ٌ ه َر ِ
ن الل َ
صلى الله عليه وسلم قال" :إ ِ ّ
ه"والله المو ّ ر ك ُل ّ ِ َ
فق. م ِال ْ
108
الشرح
ف النبي" يحتمل أنه راكب معه ويحتمل أنه خل ْ َ قوله "ك ُن ْ ُ
ت َ
يمشي خلفه،وأيا ً كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصايا
العظيمة.
109
م" لن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرًا ،فإن غل ُ " َيا ُ
النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس قد ناهز
الحتلم يعني من الخامسة عشر إلى السادسة عشر أو
أقل .
ُ
ت" قال ذلك من أجل أن ينتبه لها ما ٍ ك ك َل ِ َ م َ عل ُ قال" :إني أ َ
ك" هذه كلمة عظيمة جليلة واحفظ فظ َ ه َيح َ ظ الل َ ف ِ ح َ "ا ِ ْ
تعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه
وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوم به عبادتك ومعاملتك
وتدعو به إلى الله عّز وجل ،واحفظ الله يحفظك في دينك
وأهلك ومالك ونفسك لن الله سبحانه وتعالى يجزي
المحسنين بإحسانه وأهم هذه الشياء هو أن يحفظك في
دينك ويسلمك من الزيغ والضلل لن النسان كلما اهتدى
ى
هد ًم ُ ه ْ
وا َزادَ ُ هت َدَ ْ
نا ْ ذي َ وال ّ ِ
زاده الله عّز وجل هدى ) َ
م من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه عل ِ َ م( ،1و ُ ه ْ وا ُ ق َم تَ ْ ه ْوآَتا ُ َ
ل يستحق أن يحفظه الله عّز وجل وفي هذا الترغيب على
حفظ حدود الله عّز وجل .
ك" ونقول في ه ْجا َ جدهُ ت َ ه تَ ِظ الل َ ف ِ ح َ الكلمة الثانية قال "ا ْ
ه كما قلنا في الولى ،ومعنى تجده تجاهك ظ الل َ ف ِ ح َ قوله :ا ْ
وأمامك معناهما واحد يعني تجد الله عّز وجل أمامك يدلك
على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه ويذود عنك كل شر
ول سيما إذا حفظت الله بالستعانة به فإن النسان إذا
استعان بالله عّز وجل وتوكل عليه كان الله حسبه ول يحتاج
َ
ك الل ّ ُ
ه سب ُ َ
ح ْ ي َ ها الن ّب ِ ّ إلى أحد بعد الله قال تعالىَ) :يا أي ّ َ
ن( مِني َ ؤ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ ك ِ ع َ ن ات ّب َ َ م ِ و َ
2
َ
أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين ولهذا قال:
ك" . ه َ جا َ جدْهُ ت َ ه تَ ِ ظ الل َ ف ِ ح َ "ا ْ
فا َ
ه" إذا سالت حاجة فل سأل الل ِ ت َ ْ سأل ْ َ ذا َ الكلمة الثالثة" :إ َ
تسأل إل الله عّز وجل ول تسأل المخلوق شيئا ً وإذا قدر أنك
سألت المخلوق ما يقدر عليه فاعلم أنه سبب من السباب
وأن المسبب هو الله عّز وجل لو شاء لمنعه من إعطائك
سؤالك فاعتمد على الله تعالى.
1
)محمد(17:
2
)النفال(64:
110
ه" فإذا أردت ن ِبالل ِ ع ْ ست َ ِ فا ْ ت َ عن ْ َ ست َ َ ذا ا ْ وإ ِ َالكلمة الرابعةَ " :
العون وطلبت العون من أحد فل تطلب العون إل من الله عّز
وجل ،لنه هو الذي بيده ملكوت السموات والرض ،وهو
يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الستعانة بالله وتوكلت عليه
أعانك ،وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه
سبب ،وأن الله هو الذي سخره لك .وفي هاتين الجملتين
دليل على أنه من نقص التوحيد أن النسان يسأل غير الله،
ولهذا تكره المسألة لغير الله عّز وجل في قليل أو كثير،
عَلى أن ُ َ
عت َ م َجت َ َ مة لو ا ْ ن ال ّ عَلم أ ّ وا ْ الكلمة الخامسةَ " :
ه ل َك " ه الل ُ قد ك َت َب َ ُ ء َ ك ِإل ِبشي ٍ عو َ ف ُ م ي َن ْ َ ء لَ ْك ِبشي ٍ عو َ ف ُ َين َ
المة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك
بشيء لن ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك ,وعلى هذا فإن
نفع الخلق الذي يأتي للنسان فهو من الله في الحقيقة لنه
هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله عّز
وجل ونعلم أن المة ل يجلبون لنا خيرا ً إل بإذن الله عّز
وجل.
َ
ء
ك ِبشي ٍ ضّرو َ ن يَ ُ عَلى أ ْ معوا َ جت َ َ الكلمة السادسة " :وِإن ا ِ ْ
ك" وعلى هذا فإن عل َي ْ َ ه َ ه الل ُ قد ك َت َب َ ُ ء َ م َيضروك إل بشي ٍ لَ ْ
نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء
الله وبقدره،
ف" يعني أن ح ُ ص ُ ج ّ َ
عت ال ْ
فت ال ّ و َ مَ ، قل ُ الكلمة السابعةُ" :رف َ
ما كتبه الله عّز وجل قد انتهى فالقلم رفعت والصحف
جفت ول تبديل لكلمات الله .
قوله رواه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح ،وفي رواية
ك" وهذا بمعنى م َ َ
ما َ ه َتجدهُ أ َ ظ الل َ غير الترمذيِ" :احف ِ
ء
ه في الّرخا ِ ف إلى الل ِ عّر ْ ك ،ت َ َ ه َ جا َ جدهُ ت ُ َ ه تَ ِظ الل َ ف ِ ح َ "ا ْ
ة" يعني قم بحق الله عّز وجل في حال شد ِ ك في ال ّ ف َ ر َُيع ِ
ك في رف َ الرخاء وفي حال الصحة وفي حال الغنى َيع ِ
ة إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واشتدت شد ِ ال ّ
حاجتك عرفك بما سبق لك أو بما سبق فعل الخير الذي
كن م يَ ُ ك لَ ْما َأخطَأ َ َ ن َ
َ
عَلم أ ّ وا ْ تعرفت به إلى الله عّز وجلَ ".
ك" أي ما وقع عليك كن لُيخطِئ ُ َ ك َلم ي َ ُ صاب َ َ َ لُيصيب َ َ
ما أ َ و َكَ ،
111
فلن يمكن دفعه ،وما لم يحصل لك فل يمكن جلبه ،ويحتمل
أن المعنى ،يعني أن ما قدر الله عّز وجل أن يصيبك فإنه ل
يخطئك ،بل لبد أن يقع لن الله قدره.
وأن ما كتب الله عّز وجل أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك
أبدًا ،فالمر كله بيد الله،وهذا يؤدي إلى أن يعتمد النسان
عم َ صَر َن الن ّ ْ مأ ّ عل َ ْوا ْعلى ربه اعتمادا ً كامل ً ثم قالَ " :
ر" فهذه الجملة فيها الحث على الصبر ،من أجل أن صب ْ ِال ّ
ينال النصر ،والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله وعن
معصيته وعلى أقداره المؤلمة
ب" الفرج انكشاف الشدة ع الك َْر ِ م َج َ فَر َ م َأن ال َ عل َ ْوا ْوقولهَ " :
والكرب ،فكلما اكتربت المور فإن الفرج قريب ،لن الله عّز
ضطَّر إ ِ َ َ
ه
عا ُ ذا دَ َ م ْ ب ال ْ ُ جي ُ ن يُ ِ م ْ وجل يقول في كتابه) :أ ّ
سوء( 1فكل يسر بعد عسر بل إن العسر محفوف ف ال ّ ش ُ وي َك ْ ِ َ
ع
م َ
ن َ
فإ ِ ّ بيسرين ،يسر سابق ويسر لحق قال الله تعالىَ ) :
سرا ً( ،2قال ابن عباس رضي ر يُ ْ س ِ ع ْ ع ال ْ ُ م َن َسرا ً * إ ِ ّ ر يُ ْ س ِع ْ ال ْ ُ
ب عسٌر ُيسَرين" . الله عنه "َلن َيغل ُ َ
* من فوائد الحديث :
1.ملطفة النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو دونه حيث
ت". ك ك َِلما ٍ م َ غلم إني أ ُ َ
عل ِ ُ قالَ" :يا ُ
2.أنه ينبغي لمن ألقي كلما ً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب
ت". ك ك َِلما ٍ م َ م إني أ ُ َ
عل ِ ُ غل َ ُلفت النتباه ،حيث قالَ" :يا ُ
فظ الله 3.أن من حفظ الله حفظه الله لقوله " :اح َ
ك". فظ َ َيح َ
4.أن من أضاع الله -أي أضاع دين الله -فإن الله يضيعه ول
يحفظه،
5.أن النسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ،ولكن ل
مانع أن يستعين بغير الله ممن يمكنه أن يعينه
6.أن المة لن تستطيع أن تنفع أحدا ً إل إذا كان الله قد كتبه
له ،ولن يستطيعوا أن يضروا أحدا ً إل أن يكون الله تعالى قد
كتب ذلك عليه.
1
)النمل :الية (62
2
]الشرح[6-5:
112
7.أنه يجب على المرء أن يكون معلقا ً رجاءه بالله عّز وجل
وأن ليلتفت إلى المخلوقين
ه منه ،فقد ثبت عن النبي صلى 8.أن كل شيء مكتوب منت ٍ
الله عليه وسلم أن الله عّز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن
.
يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنه
9.في الرواية الخرى أن النسان إذا تعرف إلى الله عّز
وجل بطاعته في الصحة والرخاء عرفه الله تعالى في حال
الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.
10.أن النسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئا ً فإنه ل
يخطئه ،وأن الله عّز وجل إذا لم يكتب عليه شيئا ً فإنه ل
يصيبه.
11.البشارة العظيمة للصابرين ،وأن النصر مقارن للصبر.
12.فيه البشارة العظيمة أيضا ً بأن تفريج الكربات وإزالة
الشدائد مقرون بالكرب،
13.البشارة العظيمة أن النسان إذا أصابه العسر فلينتظر
اليسر،
14.تسلية العبد عند حصول المصيبة ،وفوات المحبوب على
َ
كن ك لَ ْ
م يَ ُ صاب َ َ عَلم أن َ
ما أ َ وا ْ أحد المعنيين في قولهَ " :
كن ِليصيَبك" فالجملة الولى م يَ ُ ما أخطأ َ َ
ك لَ ْ و َ طئ َ
كَ ، ل ُِيخ ِ
تسلية في حصول المكروه،والثانية تسلية في فوات
المحبوب .والله الموفق.
113
الحديث العشرون
ي رضي َ َ
ر ّي الب َدْ ِ
ر ّ
صا ِ
رو الن ْ َ م ٍ ع ْ
ن َ عقَبة ب ِ وٍد ُع ْ
س ُ م ْي َن أب ْ ع َْ
ن
ه صلى الله عليه وسلم )إ ِ ّ ل الل ِ و ُ س ْ قا َ
ل َر ُ لَ : قا َالله عنه َ
ي لوَلى ِإذا َلم َتست َ ْ
ح ِ
ةا ُ
من ك َل َم ِ الن ّب ُ ّ
و ِ س ِك الَنا ُ ما َأدَر َ م ّ ِ
ت( رواه البخاري. شئ َ ما ِ ع َصن َ ْفا ْ
الشرح
س" )من( هنا للتبعيض ،أي إن ك النا ُمما َأدَر َ ن ِ وقوله" :إ ِ ّ
بعض الذي أدركه الناس من كلم النبوة الولى ...الخ.
لوَلى يعني السابقة ،فيشمل النبوة الولى ةا ُ و ِ وقوله :النب َ
على الطلق ،والنبوة الولى بالنسبة لنبوة النبي صلى الله
لوَلى أي السابقة . ةا ُ و ِ
عليه وسلم فعليه نفسر :النب َ
شئت" هذه الكلمة من كلم ما ِصَنع َ فا ْي َ ح ِ "إذا َلم َتست َ ْ
النبوة الولى ،والحياء هو عبارة عن انفعال يحدث للنسان
عند فعل ما ل يجمله ول يزينه ،فينكسر ويحصل الحياء.
ي" يحتمل معنيين: ح ِ وقولهِ" :إذا َلم َتست َ ْ
المعنى الول:إذا لم تكن ذا حياء صنعت ما تشاء ،فيكون
المر هنا بمعنى الخبر ،لنه ل حياء عنده،
حيى منه فاصنعه ول المعنى الثاني :إذا كان الفعل ل ُيست َ َ
ل.
تبا ِ
فالول عائد على الفاعل ،والثاني عائد على الفعل.
والمعنى :ل تترك شيئا ً إذا كان ل ُيسَتحيى منه.
شئت" أي افعل،والمر هنا للباحة على ما ِ وقوله" :فاصَنع َ
المعنى الثاني،أي إذا كان الفعل مما ل يستحيى منه فل
حرج.
وهي للذم على المعنى الول ،أي أنك إذا لم يكن فيك حياء
صنعت ما شئت.
* من فوائد الحديث :
-1أن الثار عن المم السابقة قد تبقى إلى هذه المة،
وما سبق عن المم السابقة إما أن ينقل عن طريق الوحي
في القرآن ،أو في السنة ،أو يكون مما تناقله الناس.
114
وأما ما يؤثر عن النبوة الولى :فهذا ينقسم إلى ثلثة
أقسام:
القسم الول:ما شهد شرعنا بصحته،فهو صحيح مقبول.
القسم الثاني:ما شهد شرعنا ببطلنه ،فهو باطل مردود.
القسم الثالث:ما لم يرد شرعنا بتأييده ول تفنيده،فهذا
يتوقف فيه،وهذا هو العدل.
ولكن مع ذلك ل بأس أن يتحدث به النسان في المواعظ
طب أنه صحيح. ش أن يفهم المخا َ وشبهها إذا لم يخ َ
شئت مأثورة ما ِي فاصَنع َح ِ -2أن هذه الجملةِ :إذا َلم َتست َ ْ
عمن سبق من المم ،لنها كلمة توجه إلى كل خلق جميل.
-3الثناء على الحياء ،سواء على الوجه الول أو الثاني ،وقد
ة
شعب َ ٌحَياءُ ُ
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :ال َ
ن
ما ِ
لي َنا ِ
م َ
ِ
والحياء نوعان:
الول:فيما يتعلق بحق الله عّز وجل.
الثاني:فيما يتعلق بحق المخلوق.
أما الحياء فيما يتعلق بحق الله عّز وجل فيجب أن تستحي
من الله عّز وجل أن يراك حيث نهاك ،وأن يفقدك حيث
أمرك.
ف عن كل ما يخالف المروءة وأما الحياء من المخلوق فأن تك ّ
والخلق.
ثم الحياء نوعان أيضا ً من وجه آخر:
نوع غريزي طبيعي ،ونوع آخر مكتسب.
والول أفضل وهو الحياء الغريزي.
ولكن اعلم أن الحياء خلق محمود إل إذا منع مما يجب ،أو
أوقع فيما يحرم ،فإذا منع مما يجب فإنه مذموم كما لو
منعه الحياء من أن ينكر المنكر مع وجوبه ،فهذا حياء مذموم،
ل ،ولكن بشرط أن يكون ذلك واجبا ً وعلى أنكر المنكر ول تبا ِ
حسب المراتب والشروط ،وحياء ممدوح وهو الذي ل يوقع
صاحبه في ترك واجب ول في فعل محرم.
-4أن من خلق النسان الذي ل يستحيي أن يفعل ما شاء ول
يبالي .
115
-5ومن فوائد الحديث على المعنى الثاني :أن ما ل يستحيى
ما
فاصَنع َي َ
ح ِذا َلم َتست َ ْ
منه فالنسان حل في فعله لقوله :إ َ
شئت.ِ
-6فيه الرد على الجبرية ،لثبات المشيئة للعبد .والله
الموفق.
الحديث الحادي والعشرون
ه س ْ قي َ َ َ
د الل ِعب ْ ِ
ن َ نب ِ فَيا َ مَرةَ ُ يع ْ ل،أب ْ و ِ ْ
روَ ، م ٍع ْي َ ن أب ْ ع َِ
في ي ِ ل لِ ْق ْ ه ُ ل الل ِو َ س ْت َيا َر ُ قل ْ ُلُ : قا َ رضي الله عنه َ
غي َْر َحدَا ً َ عن ْ َ سأ َ ُ َ
ت
من ْ ُلآ َق ْ لُ " : قا َك؟ َ هأ َل َ ُ ول ً ل َ أ ْ ق ْسلم ِ َ ال ِ ْ
م"ق ْ
م است َ ِ ه ثُ ّبالل ِ
الشرح
قوله" :قل لي في السلم " أي في الشريعة.
قول ً ل أسأل عنه أحدا ً غيرك يعني قول ً يكون حدا ً فاصل ً
جامعا ً مانعًا.
قم" م است َ ِ ه" وهذا في القلب "ث ُ ّ ت ِبالل ِ من ْ ُقل آ َ فقال لهُ " :
على طاعته ،وهذا في الجوارح.
ه"
ت ِبالل ِ من ْ ُ
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين" :آ َ
قم" وهذا في عمل الجوارح. م است َ ِمحل اليمان القلب "ث ُ ّ
وهذا حديث جامع ،من أجمع الحاديث.
ت يشمل قول اللسان وقول القلب. من ْ ُ
قل آ َ فقولهُ :
قال أهل العلم:قول القلب:هو إقراره واعترافه.
ه" أي أقررت به على حسب ما يجب علي من ت ِبالل ِ
من ْ ُ
"آ َ
اليمان بوحدانيته في الربوبية واللوهية والسماء
والصفات.
قم" أي سر على صراط مستقيم ،فل ثم بعد اليمان "ِاست َ ِ
تخرج عن الشريعة ل يمينا ً ول شما ً
ل.
هاتان الكلمتان جمعتا الدين كله.
فلننظر :اليمان بالله يتضمن الخلص له في العبادة،
والستقامة تتضمن التمشي على شريعته عّز وجل ،فيكون
جامعا ً لشرطي العبادة وهما :الخلص والمتابعة.
116
* من فوائد الحديث :
1.حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم ،وذلك لما يرد
على النبي صلى الله عليه وسلم منهم من السئلة.
2.عقل أبي عمرو أو أبي عمرة رضي الله عنه حيث سأل
هذا السؤال العظيم الذي فيه النهاية ،ويستغنى عن سؤال
أي أحد.
3.أن النسان ينبغي له أن يسأل عن العلم السؤال الجامع
قول ً لالمانع حتى ل تشتبه عليه العلوم وتختلط ،لقولهَ " :
لغي َْرك"،وفي هذا إشكال وهو قوله" :ل َأسأ َ ُ حدَا ً َ عن َ
هأ َ ل َ ُ َأسأ َ ُ
غي َْرك" فهل يمكن أن يسأل الصحابة رضي الله حدَا ً َ عن َ
هأ َ َ ُ
عنهم أحدا ً غير رسول الله في أمور الدين؟
ن يفوقه في العلم، م ْ فالجواب :نعم ،يمكن أن يسأل أحدهم َ
وهذا وارد ،ثم هذه الكلمة تقال حتى وإن لم يكن يسأل ،
لكن تقال من أجل أن يهتم المسؤول بالجواب.
4.أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم حيث
قم" م است َ ِه ،ث ُ ّ
ت ِبالل ِ
من ُ
جمع كل الدين في كلمتين":آ َ
5.التعبير بكلمة الستقامة دون التعبير المشهور عند الناس
الن بكلمة اللتزام ، ،والصواب أن يقال :فلن مستقيم كما
جاء في القرآن والسنة .
6.أن من قصر في الواجبات فما استقام،
7.أنه ينبغي للنسان أن يتفقد نفسه دائمًا :هل هو مستقيم
أو غير مستقيم؟ فإن كان مستقيما ً حمد الله وأثنى عليه
وسأل الله الثبات ،وإن كان غير مستقيم وجب عليه
الستقامة وأن يعدل سيره إلى الله عّز وجل.
فالستقامة وصف عام شامل لجميع العمال ،والله الموفق
117
الشرح
يقول جابر رضي الله عنه :إن رجل ً سأل النبي صلى الله
عليه وسلم ،وهذا الرجل ل نحتاج لمعرفة عينه ،لن
المقصود القضية التي وقعت ،ول نحتاج إلى التعب في
البحث عنه،اللهم إل أن يكون تعيينه مما يختلف به الحكم
فلبد من التعيين.
ت" بمعنى أخبرني. َ َ
وقوله "أَرأي َ
مكتوَبات" وهن خمس صلوات في اليوم ت ال َ صلي ُ ِإذا " َ
ن
مِني َ
ؤ ِ عَلى ال ْ ُ
م ْ ت َ صلةَ َ
كان َ ْ ن ال ّ
والليلة كما قال عّز وجل) :إ ِ ّ
قوتا ً( 1وغير الخمس ل يجب إل لسبب يقتضيه ،وهذا و ُ م ْك َِتابا ً َ
ُيعَرف بالتأمل.
ضان" أي الشهر المعروف. م َ ت َر َ وصم ُ " َ
َ
ل" أي فعلت الحلل معتقدا ً حله ،هذا معنى حل َ ت ال َ وأحَلل ُ " َ
قوله" :أحَللت" لن أحل الشيء لها معنيان: َ
المعنى الول:العتقاد أنه حلل.
المعنى الثاني:العمل به.
م" أي اجتنبت الحرام معتقدا ً تحريمه. حَرا َ ت ال َ حّرم ُ و َ " َ
1
)النساء :الية (103
118
ولكن النووي -رحمه الله -بعد أن ساق الحديث لم يقيد
الحرام بكونه معتقدا ً تحريمه،لن اجتناب الحرام خير وإن لم
يعتقد أنه حرام ،لكن إذا اعتقد أنه حرام صار تركه للحرام
عبادة لنه تركه لعتقاده أنه حرام.
جنة" يعني أأدخل الجنة ،والجنة هي دار النعيم التي خل ال َ "َأد ُ
أعدها الله عّز وجل للمتقين ،فيها مال عين رأت ،ول أذن
سمعت ،ول خطر على قلب بشر،والجنة فيها فاكهة ونخيل
ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبن وعسل.
السم مطابق لسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة
لها غاية المخالفة
عم ونعم حرف جواب لثبات المسؤول عنه ،والمعنى: قال :ن َ َ
نعم تدخل الجنة .
* من فوائد الحديث :
1.حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال.
2.بيان غايات الصحابة رضي الله عنهم ،وأن غاية الشيء
عندهم دخول الجنة ،ل كثرة الموال ،ول كثرة البنين ،ول
الترفه في الدنيا مما يدل على كمال غاياتهم رضي الله
عنهم.
3.أن النسان إذا اقتصر على الصلة المكتوبة فل لوم عليه،
ت َ َ
صلي ُ
ت ِإذا َول يحرم من دخول الجنة ،لقوله" :أَرأي َ
مكتوَبات".
ال َ
فإن قال قائل :قال المام أحمد -رحمه الله -فيمن ترك
الوتر :هو رجل سوء ل ينبغي أن تقبل له شهادة؟
فالجواب :أن كونه رجل سوء ل يمنعه من دخول الجنة ،فهو
رجل سوء ترك الوتر وأقله ركعة مما يدل على أنه مهمل ول
يبالي إذ لم يطلب منه ركعات كثيرة ،بل ركعة واحدة ومع
ذلك يتركها.
4.أن الصلوات وكذلك الصوم من أسباب دخول الجنة،
5.أن ل يمتنع النسان من الحلل ،لقولهَ " :
حلل" وأحَلل ُ
ت ال َ َ
ي مذموم فكون النسان يمتنع من الحلل لغير سبب شرع ّ
وليس بمحمود.
6.إن الحرام :ما حرمه الله تعالى في كتابه ،أو على لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم ،وتحليل الحلل وتحريم الحرام
119
هو عام في جميع المحللت وجميع المحرمات ،ولهذا قال:
عم . ل:ن َ َ جنة؟ َ
قا َ خل ال َ َأد ُ
وفي هذا الحديث إشكال :أن الرجل قال :لم أزد على ذلك
شيئًا .وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم تدخل الجنة،
مع أنه نقص من أركان السلم الزكاة والحج،والزكاة
مفروضة قبل الصيام،يعني فل يقال :لعل هذا الحديث قبل
أن تفرض الزكاة ،أما الحج فيمكن أن نقول إن هذا الحديث
قبل فرض الحج،لكن ل يمكن أن نقول إنه قبل فرض
الزكاة ،فما الجواب عن هذا؟
الجواب أن يقال :لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من
حال الرجل أنه ليس ذا مال ،وعلم أنه إذا كان ذا مال
رام" ومنع ح َ ت ال َ حّرم ُ و َ
فسوف يؤدي الزكاة،لنه قالَ " :
الزكاة من الحرام.
أما الحج فما أسهل أن نقول :لعل هذا الحديث قبل فرض
الحج ،لن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة.
وأما قوله تعالىَ ) :
ه(1فهذا فرض مَرةَ ل ِل ّ ِ وال ْ ُ
ع ْ ج َ موا ال ْ َ
ح ّ وأت ِ ّ َ
ت حّرم َ إتمامه ل ابتدائه .وقد يقال :ذلك داخل في قولهَ " :
م" لن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام. حَرا َال َ
ة؟
جن ّ َ خ ُ َ َ
ل ال َ 7.أن الجواب بـ :نعم إعادة للسؤال ،لن قوله :أأدْ ُ
م يعني تدخل الجنة ،ولهذا لو سئل الرجل فقيل له: ع ْ قا َ
ل :ن َ َ َ
ت امرأتك؟ قال :نعم ،فإنها تطلق لن قوله:نعم ،أي أطّلق َ
طلقتها.
م اجتنبته، حَرا َت ال َ م َ حّر ْ قال النووي -رحمه الله -ومعنى َ
َ
ه(.إهـ حل ّ ُل فعلته معتقدا ً ِ حل َ ت ال َ حل َل ْ َ
ومعنى أ ْ
وهناك معنى آخر غير الذي ذكره النووي -رحمه الله وهو:
أن تعتقد أن الحرام حرام ولبد ،لنك إذا لم تعتقد أن الحرام
حرام فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي ،وإذا لم تعتقد أن
الحلل حلل فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي ،فلبد من أن
ل ،والحرام حرامًا. تعتقد الحلل حل ً
وتفسير النووي -رحمه الله -فيه شيء من القصور .والله
أعلم.
1
)البقرة :الية (196
120
الشرح
ن أي نصفه ،وذلك أن اليمان - ما ِشطُْر ال ِي ْ َ قوله :الطّ ُ
هوُر َ
كما يقولون -تخلية وتحلية .
التخلية :بالطهور ،والتحلية :بفعل الطاعات.
فوجه كون الطهور شطر اليمان :أن اليمان إما فعل وإما
ترك.
هٌر ،والفعل إيجاد. ك ت َطَ ّ
والّتر ُ
121
ن" قيل في معناه :التخلي عن ما ِ شطُْر ال ِي ْ َ فقولهَ " :
ماالشراك لن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى) :إ ِن ّ َ
جس( 1فلهذا كان الطهور شطر اليمان ،وهذا ن نَ َ
كو َ ر ُش ِم ْال ْ ُ
م.المعنى أحسن وأع ّ
ن" يعني قول القائل :الحمد لله ميَزا َ مل ُ ال ِ ه تَ ْ
د لل ِم ُح ْوال َ
" َ
يمتلئ الميزان بها ،أي الميزان الذي توزن به العمال كما
ة
م ِ قَيا َ وم ِ ال ْ ِ س َ
ط ل ِي َ ْ ن ال ْ ِ
ق ْ زي َ
وا ِ ع ال ْ َ
م َ ض ُ
ون َ َ
قال الله عّز وجلَ ) :
ل أ َت َي َْنا
خْردَ ٍ
ن َ
م ْ
ة ِ حب ّ ٍل َ مث ْ َ
قا َ ن ِ
كا َن َ شْيئا ً َ
وإ ِ ْ س َ ف ٌ م نَ ْفل ت ُظْل َ ُ َ
2
ن(
سِبي َ حا ِفى ب َِنا َ وك َ َها َبِ َ
مل –" )أو( هذه ُ
ن -أو ت َ ْ مل ِه تَ ْ
حمدُ لل ِ وال َهَ ،ن الل ِ حا َ سب ْ َ
و ُ
" َ
شك من الراوي ،يعني هل قال :تملن ما بين السماء
والرض ،أو قال:تمل ما بين السماء والرض .والمعنى ل
يختلف ،ولكن لحرص الرواة على تحّري اللفاظ يأتون بمثل
هذا.
"سبحان الله والحمد لله" :فيها نفي وإثبات .النفي في
ه" أي تنزيها ً لله عّز وجل عن كل ما ل ن الل ِ حا َ سب ْ َ
قولهُ " :
يليق به ،والذي ينزه الله تعالى عنه ثلثة أشياء:
الول :صفات النقص ،فل يمكن أن يتصف بصفة نقص.
الثاني :النقص في كماله ،فكماله ل يمكن أن يكون فيه
نقص.
الثالث :مشابهة المخلوق.
ذي ل ي ال ّ ِ ح ّ عَلى ال ْ َ ل َ وك ّ ْوت َ َودليل الول قول الله عّز وجلَ ) :
3
ت( مو ُ يَ ُ
ول ة َ سن َ ٌخذُهُ ِ فنفى عنه الموت لنه نقص ،وقوله ) :ل ت َأ ْ ُ
سَنة والنوم لنهما نقص. ه( فنفى عنه ال ّ م لَ ُ و ٌنَ ْ
4
توا ِ ما َ س َ قَنا ال ّ خل َ ْقد ْ َ ول َ َودليل الثاني :قول الله تعالىَ ) :
ن لُ ُ في ست ّ َ َ
ب( غو ٍ م ْسَنا ِ م ّ ما َ و َة أّيام ٍ َ ما ِ ه َ
ما ب َي ْن َ ُو َض َواْلْر َ
5
ِ ِ َ
فخلق هذه المخلوقات العظيمة قد يوهم أن يكون بعدها
ب(. غو ٍ ن لُ ُم ْ سَنا ِ م ّ ما َ و َنقص أي تعب وإعياء فقالَ ) :
1
)التوبة :الية (28
2
)النبياء(47:
3
)الفرقان(58:
4
)البقرة :الية (255
5
ق(38:
)ّ
122
و
ه َ
و ُ
يءٌ َ
ش ْ مث ْل ِ ِ
ه َ ودليل الثالث :قول الله تعالى ) :ل َي ْ َ
س كَ ِ
ر( 6حتى في الكمال الذي هو كمال في ع ال ْب َ ِ
صي ُ مي ُ
س ِ
ال ّ
المخلوق فالله تعالى ل يماثله.
ه الحمد يكون على صفات الكمال ،فالحمد هو مدُ لل ِ
ح ْ
وال َ
َ
وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ،فتكون هذه
ه" فيها :نفي النقصمدُ لل ِ
ح ْ
ه ،وال َ
ن الل ِ
حا َ
سب ْ َالجملةُ " :
بالنواع الثلثة ،وإثبات الكمال.
ض" والذي بين َ ُ َ
والْر ِماء َ
س َ
ن ال ّ
ما ب َي ْ َ
مل َ -ن -أو ت َ ْ
"َتمل ِ
ز وجل.
السماء والرض مسافة ل يعلمها إل الله ع ّ
وظاهر الحديث :أنها تمل ُ ما بين السماء والرض ليس في
منطقتك وحدك ،بل في كل المناطق.
صلةُ نوٌر" أي صلة الفريضة والنافلة نور ،نور في وال ّ " َ
القلب ،ونور في الوجه ،ونور في القبر ،ونور في الحشر،
لن الحديث مطلق ،وجّرب تجد.
ة" الصدقة :بذل المال للمحتاج تقّربا ً إلى الله عّز صد َ َ
ق ُ "وال ّ
وجل.
دق.ن" أي دليل على صدق إيمان المتص ّ ها ٌ "ب ُْر َ
وجه ذلك :أن المال محبوب للنفوس ،ول يبذل المحبوب إل
ل على إيمان المتصدق ،ولهذا في طلب ما هو أحب ،وهذا يد ّ
سمى النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة برهانًا.
ضَياءٌ الصبر :حبس النفس عما يجب الصبر عنه صبُر ِ وال ّ َ
وعليه ،قال أهل العلم :والصبر ثلثة أنواع:
الول :صبر عن معصية الله :بمعنى أن تحبس نفسك عن
فعل المحّرم حتى مع وجود السبب.
الثاني :صبر على طاعة الله :بأن يحبس النسان نفسه على
الطاعة
الثالث :صبر على أقدار الله :فإن الله تعالى يقدر للعبد ما
يلئم الطبيعة وما ل يلئم ،والذي ل يلئم يحتاج إلى صبر،
خط القلبي أو القولي أو الفعلي بأن يحبس نفسه عن التس ّ
إذا نزلت به مصيبة.
6
)الشورى :الية (11
123
وهناك مرتبة فوق الصبر وهي الرضا بأقدار الله ،والرضا
بأقدار الله أكمل حال ً من الصبر على أقدار الله.
والفرق :أن الصابر قد تأّلم قلبه وحزن وانكسر ،لكن منع
نفسه من الحرام.
والراضي :قلبه تابع لقضاء الله وقدره ،فيرضى ما اختاره
ش مع القضاء والقدر إيجابا ً مه ،فهو متم ّ الله له ول يه ّ
ونفيًا.
وأي أنواع الصبر الثلثة أفضل؟
نقول :أما من حيث هو صبر فالفضل الصبر على الطاعة،
ثم الصبر عن المعصية ،ثم الصبر على القدار ،لن القدار ل
حيلة لك فيها .
أما من حيث الصابر :فأحيانا ً تكون معاناة الصبر عن
المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة.
ضَياءٌ" ولم يقل :إنه نور ،والصلة قال :إنها نور. صب ُْر ِ وال ّ " َ
ع َ
ل ج َ وذلك لن الضياء فيه حرارة،كما قال الله عّز وجلَ ) :
ضَياءً ( 1ففيه حرارة ،والصبر فيه حرارة ومرارة، س ِ م َ ش ْ ال ّ
لنه شاق على النسان ،ولهذا جعل الصلة نورًا ،وجعل
الصبر ضياءً لما يلبسه من المشقة والمعاناة.
ك" القرآن هو كلم الله عّز وجل عل َي ْ َك َأو َ
ة لَ َ
ج ٌ ح ّ ن ُ قرآ ُ "وال ُ
الذي نزل به جبريل المين القوي على قلب النبي صلى الله
عليه وسلم من عند الله تعالى ،ل تبديل فيه ول تغيير ،ولهذا
وصف الله تعالى جبريل الذي هو رسول الله إلى محمد
صلى الله عليه وسلم بأنه قوي أمين كما قال الله عّز وجل:
ن* كي ٍ م ِش َ عن ْدَ ِذي ال ْ َ
عْر ِ ة ِو ٍ م* ِذي ُ
ق ّ ل كَ ِ
ري ٍ سو ٍ ل َر ُ و ُق ْه لَ َ )إ ِن ّ ُ
َ ُ َ
ن( ليتبّين أنه عليه السلم أمين على القرآن مي ٍ مأ ِ ع ثَ ّ مطا ٍ
2
الشرح
ه" أي عن ن َرب ِّ ِ ع ْه" الرواية نقل الحديث " َ ما ي َْروي َ ُ
"قوله في َ
الله عّز وجل ،وهذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسيًا،
والحديث القدسي :كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم
عن ربه عّز وجل.
لنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغًا ،وليس
من القرآن بالجماع ،وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي
صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عّز وجل.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي:
هل هو كلم الله تعالى ،أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله
صلى الله عليه وسلم معناه ،واللفظ لفظ رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ على قولين:
والقول الراجح :أن الحديث القدسي معناه من عند الله
ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ،وذلك لوجهين:
الوجه الول :لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظا ً و
معنى؛لكان أعلى سندا ً من القرآن؛لن النبي صلى الله عليه
وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛كما هو ظاهر
السياق ،أما القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم
ح
ه ُرو ُ ل ن َّزل َ ُق ْ بواسطة جبريل عليه السلم؛كما قال تعالىُ ) :
عَلى ن* َ مي ُ ح اْل َ ِه الّرو ُ دس من ربك ( ، 1وقال) :ن ََز َ
ل بِ ِ ق ُال ْ ُ
ن( .2 مِبي ٍ ي ُ عَرب ِ ّ
ن َ سا ٍن * ب ِل ِ َ
ري َ
ذ ِ ن ال ْ ُ
من ْ ِ م َ
ن ِ كو َ قل ْب ِ َ
ك ل ِت َ ُ َ
الوجه الثاني:أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛
لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لن كليهما على هذا التقدير
كلم الله تعالى،والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين
اتفقا في الصل،ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث
القدسي فروق كثيرة:
منها:أن الحديث القدسي ل يتعبد بتلوته،بمعنى أن النسان
ل يتعبد الله تعالى بمجرد قراءته؛فل يثاب على كل حرف
منه عشر حسنات،والقرآن يتعبد بتلوته بكل حرف منه عشر
حسنات.
1
)النحل :الية (102
2
]الشعراء[195-193: .
129
ومنها :أن الله عّز وجل تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن
أو آية منه،ولم يرد مثل ذلك في الحاديث القدسية.
ومنه:أن القرآن محفوظ من عند الله عّز وجل؛كما قال
ن( 1؛
ظو َف ُ ه لَ َ
حا ِ وإ ِّنا ل َ ُ
ن ن َّزل َْنا الذّك َْر َ
ح ُ
سبحانه):إ ِّنا ن َ ْ
والحاديث القدسية بخلف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن،بل
أضيف إليها ما كان ضعيفا ً أو موضوعًا ،وهذا وإن لم يكن
منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة
والنقص.
ومنها:أن القرآن ل تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين،
أما الحاديث القدسية؛ فعلى الخلف في جواز نقل الحديث
النبوي بالمعنى والكثرون على جوازه.
ومنها:أن القرآن تشرع قراءته في الصلة ،ومنه ما ل تصح
الصلة بدون قراءته ،بخلف الحاديث القدسية.
سه إل طاهر على الصح ،بخلف ومنها :أن القرآن ل يم ّ
الحاديث القدسية.
ومنها:أن القرآن ل يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول
الراجح،بخلف الحاديث القدسية.
ومنها:أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم
اليقيني ،فلو أنكر منه حرفا ً أجمع القراء عليه؛ لكان كافرًا،
عيا ً أنه
بخلف الحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئا ً منها مد ّ
لم يثبت؛ لم يكفر ،أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قاله؛ لكان كافرا ً لتكذيبه النبي صلى الله عليه
وسلم .
وأجاب هؤلء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه
إلى الله ،والصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله
بالتسليم أن هذا هو الصل ،لكن قد يضاف إلى قائله معنى
ل لفظًا؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف
أقوال ً إلى قائليها ،ونحن نعلم أنها أضيفت معنى ل لفظًا،
كما في قصص النبياء وغيرهم ،وكلم الهدهد والنملة؛
فإنه بغير هذا اللفظ قطعًا.
وبهذا يتبين رجحان هذا القول،
1
)الحجر(9:
130
ثم لو قيل في مسألتنا -الكلم في الحديث القدسي :-إن
طع لوَلى ترك الخوض في هذا؛ خوفا ً من أن يكون من التن ّ ا َ
الهالك فاعله ،والقتصار على القول بأن الحديث القدسي
ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى؛ لكان
ذلك كافيًا ،ولعله أسلم والله أعلم.
نداءٌ من الله عّز وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد
صلى الله عليه وسلم.
دي" يشمل كل من كان عابدا ً بالعبودية العامة عَبا ِ وقولهَ" :يا ِ
والعبودية الخاصة.
سي" أي منعته مع قدرتي عَلى َنف ِ م َ ظل َ ت ال ّ حّرم ُ "إ ِّني َ
عليه ،وإنما قلنا :مع قدرتي عليه لنه لو كان ممتنعا ً على
ء ،إذ ل ُيثنى على الفاعل إل إذا الله لم يكن ذلك مدحا ً ول ثنا ً
كان يمكنه أن يفعل أو ل يفعل.
فلو سألنا سائل مثل ً وقال :هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟
فالجواب :نعم ،لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره ،حيث قال:
حدا ً( .1 )ول يظْل ِم رب َ َ
كأ َ ُ َ ّ َ َ
ما ً" أي صّيرته بينكم محرمًا. حّر َ م َ م ُ ه َبين َك ُ ْ علت ُ ُ ج َ و َ " َ
ه َبين َك ُ ْ
م علت ُ ُج َموا" هذا عطف معنوي على قولهَ " : ظال َ ُ فل ت َ َ " َ
ما ً" أي فبناء على كونه محرما ً لتظالموا ،أي ل يظلم حّر َ م َ ُ
بعضكم بعضًا.
ل" أي تائه عن الطريق المستقيم "إ ِل ّ ضا ّ كم َ ي ك ُل ّ ُ عَباد َ "َيا ِ
ه" أي علمته ووفقته ،و علمته هذه هداية الرشاد و هدَي ْت ُ ُ ن َ م ْ َ
وفقته هداية التوفيق.
َ
م" أي اطلبوا مني الهداية ل من غيري دك ُ ْ دوِني أه ِ فاسَته ُ " َ
ب َ
ج ْ
ست َ ِعوِني أ ْ أهدكم ،وهذا جواب المر ،وهذا كقوله) :ادْ ُ
م (. 2 ل َك ُ ْ
َ
ه" أي كلكم جائع إل من مت ُ ُ
ع ْن أط ْ َ ع إ ِل ّ َ
م ْ جائ ِ ٌ م َ عَباِدي ك ُل ّك ُ ْ "َيا ِ
أطعمه الله ،وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام ،أو وجد ولكن
لم يتمكن النسان من الوصول إليه ،فالله هو الذي أنبت
الزرع ،وهو الذي أدّر الضرع ،وهو الذي أحيا الثمار ،واقرأ
1
]الكهف[49: .
2
)غافر(60:
131
ن* من سورة الواقعة من قول الله تعالى) :أ َ َ َ
مُنو َ ما ت ُ ْ م َ فَرأي ْت ُ ْ
ت ْ ُ َ ُ ْ قون َه أ َ ُ ُ أ َأ َ
و َ ْ مَ ل ا م ُ ك َ ن ْ ي َ ب نا َ رْ ّ د ق ن ُ ح
ْ َ ن ن* َ قو ِ ل خا َ ل ا نُ حْ َ ن م ْ ُ ل خ
ْ َ ت مْ ُ ت ْ ن
عَلى أ َن ن ُبد َ َ
في م ِ ُ
شئ َك ْ ون ُن ْ ِ م َ مَثال َك ُ ْ لأ ْ ْ َ ّ ن* َ قي َ سُبو ِ م ْ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ و َ َ
ول َ شأةَ الولى َ َ ُ ْ َ م الن ّ ْ َ
ن*و ل َ َ
فل ْ مت ُ ُ عل ِ ْ قد ْ َ مو َ عل ُ ما ل ت َ ْ َ
َ َ َ َ َ
ن
ح ُ م نَ ْ هأ ْ عون َ ُ م ت َْزَر ُ ن*أأن ْت ُ ْ حُرُثو َ ما ت َ ْ م َ فَرأي ْت ُ ْ ن*أ َ ت َذَك ُّرو َ
ن*إ ِّنا هو َ فك ّ ُ م تَ َ فظَل ْت ُ ْ طاما ً َ ح َ عل َْناهُ ُ ج َ شاءُ ل َ َ و نَ َ ن* ل َ ْ عو َ ر ُ الّزا ِ
َ َ
ذي ماءَ ال ّ ِ م ال ْ َ فَرأي ْت ُ ُ ن* أ َ مو َ حُرو ُ م ْ ن َ ح ُ ل نَ ْ ن* ب َ ْ مو َ غَر ُ م ْ لَ ُ
َ َ ََ
ن* ل َ ْ
و زُلو َ من ْ ِ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ نأ ْ مْز ِ ن ال ْ ُ م َ موهُ ِ م أن َْزل ْت ُ ُ ن* أأن ْت ُ ْ شَرُبو َ تَ ْ
م الّناَر ال ِّتي شك ُرون* أ َ َ َ ُ
فَرأي ْت ُ ُ َ ول ت َ ْ ُ فل َ ْ جاجا ً َ عل َْناهُ أ َ ج َ شاءُ َ نَ َ
َ ُتورون* أ َأ َن ْت ُم أ َن ْ َ ْ
ن
ح ُ ن* ن َ ْ شُئو َ من ْ ِ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ ها أ ْ جَرت َ َ ش َ م َ شأت ُ ْ ْ ُ َ
كسم ِ َرب ّ َ ح ِبا ْ سب ّ ْ ف َ ن* َ وي َ ق ِ م ْ مَتاعا ً ل ِل ْ ُ و َ ها ت َذْك َِرةً َ عل َْنا َ ج َ َ
دى الله الخلق في هذه اليات ل ظيم ِ( تجد كيف تح ّ 1
ع ِ ال ْ َ
بالنسبة للمأكول ،ول المشروب ،ول ما يصلح به المأكول
والمشروب .فكّلنا جائع إل من أطعمه الله.
موِني" أي اطلبوا مني الطعام ،وإذا طلبتم ذلك ع ُست َطْ ِ فا ْ" َ
ستجدونه.
م" أطعم :فعل مضارع مجزوم على أنه جواب مك ُ ْ " أ ُطْ ِ
ع ْ
المر.
ر" فكلنا عار ،لننا خرجنا من بطون عا ٍكم َ عَباِدي ك ُل ّ ُ "َيا ِ
أمهاتنا عراة.
َ
م" سواء كان من فعل سك ُ ْ
سوِني أك ْ ُ
فاست َك ْ ُ ه َسوت ُ ُ ن كَ َ م ْ "إ ِل ّ َ
النسان كالكبير يشتري الثوب ،أو من فعل غيره كالصغير
ُيشترى له الثوب ،وربما يقال :إنه يشمل لباس الدين،
فيشمل الكسوتين :كسوة الجسد الحسّية ،وكسوة الروح
المعنوية.
ن" أي تجانبون الصواب ،لن العمال خطُِئو َ م تُ ْعَبادي إ ِن ّك ُ ْ "َيا ِ
إما خطأ وإما صواب ،فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك
الواجب ،وإما بفعل المحّرم.
1
]الواقعة[74-58:
132
ل الباء هنا بمعنى) :في( كما هي في قول وقولهِ :باّللي ْ ِ
وِبالل ّْيل( 1أي ن* َ
حي َ
صب ِ ِ
م ْم ُ ه ْ ن َ َ
علي ْ ِ مّرو َ م ل َت َ ُ وإ ِن ّك ُ ْ
الله تعالىَ ) :
وفي الليل.
عا ً" أي أسترها وأتجاوز عنها مهما مي َ ج ِ ب َ فُر الذُّنو َ وأ ََنا َأغ ِ" َ
كثرت ،ومهما عظمت ،ولكن تحتاج إلى الستغفار.
كم" أي اطلبوا مغفرتي ،إما بطلب فر ل َ ُ غ ِ فُروِني أ َ ْ فاسَتغ ِ " َ
المغفرة كأن يقول :اللهم اغفر لي ،أو :أستغفر الله وأتوب
إليه .وإما بفعل ما تكون به المغفرة ،فمن قال :سبحان الله
وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.
ن ت َب ْل ُ ُ
غوا ول َ ْ
ضّروِنيَ ، فت َ ُي َضّر ْ غوا ُ ن ت َب ْل ُ ُم لَ ْ ي إ ِن ّك ُ ْ عَباد َ "َيا ِ
عوِني" أي لن تستطيعوا أن تضروني ول أن ف ُ فت َن ْ َعي َ َنف ِ
تنفعوني ،لن الضار والنافع هو الله عّز وجل والعباد ل
يستطيعون هذا ،وذلك لكمال غناه عن عباده عّز وجل.
عَلى َ َ
كاُنوا َ م َجن ّك ُ ْ
و ِ
م َسك ُ ْوإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ
م َ وآ ِم َول َك ُ ْ
نأ ّ ي َلو أ ّ عَباِد َ
"َيا ِ
شي ْئ َا ً"
كي َمل ْ ِ
في ُ ك ِ ما َزادَ ذَل ِ َ م َمنك ُ ْ
د ِواح ٍ ل َج ٍ ب َر ُ
قل ِقى َ َأت َ
يعني لو أن كل العباد من النس والجن الولين والخرين
كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا،
ي
وذلك لن ملكه عّز وجل عام واسع لكل شيء ،للتق ّ
والفاجر.
شيئ َا ً" أنهم إذا كانوا كي َ مل ِفي ُ ك ِما َزادَ ذَل ِ َ
ووجه قولهَ " :
على أتقى قلب رجل واحد كانوا من أولياء الله ،وأولياء الله
عّز وجل جنوده ،وجنوده يتسع بهم ملكه،
َ َ
مجن ّك ُ ْ
و ِ سك ُ ْ
م َ وإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ
م َ وآ ِ
م َ ول َك ُ ْ
نأ ّ ي َلو أ ّ عَباِد َ
ثم قالَ" :يا ِ
عَلى َ
من ص ذَل ِ َ
ك ِ ما ن َ َ
ق َ منك ُ ْ
م َ د ِ
واح ٍ
ل َ
ج ٍ
ب َر ُ ر َ
قل ِ ِ ج
َ أف كاُنوا ََ
شي ْئ َا ً" ووجه ذلك :أن الفاجر عدو لله عّز وجل فل كي َمل ْ ِ ُ
ينصر الله ،ومع هذا لينقص من ملكه شيئا ً لن الله تعالى
غني عنه.
َ َ
موا في م َ
قا ُ جن ّك ُ ْ
و ِم َ سك ُ ْوإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ
م َ وآ ِ
م َ ول َك ُ ْ
نأ ّ ي َلو أ ّعَباِد َ"َيا ِ
َ َ َ
ه" أي إذامسأل َت َ ُ د َح ٍوا ِل َ ت كُ ّ طي ُ فأع َ سألوِني َ ف َد َح ٍوا ِ
د َعي ٍ
ص ِ
َ
قاموا في أرض واحدة منبسطة ،وذلك لنه كلما كثر الجمع
كان ذلك أقرب إلى الجابة.
1
]الصافات[138-137:
133
ذا أ ُدْ ِ
خ َ
ل خي َ ُ
طإ َ م ْ
ص ال ِ
ق ُ دي إ ِل ّ ك َ َ
ما ي َن ْ ُ عن ْ ِ
ما ِ
م ّ ص ذَل ِ َ
ك ِ ما ن َ َ
ق َ " َ
ر" وهذا من باب المبالغة في عدم النقص ،لن كل الَبح َ
واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو البرة الكبيرة في
البحر ثم أخرجتها فإنها ل تنقص البحر شيئا ً ول تغيرهَ" ،يا
م " هذه جملة فيها حصر طريقه: مال ُك ُ ْع َي أَ ْ ه َ ما ِ ي إ ِن ّ َ عَباِد َ ِ
ُ
م أي أضبطها ها ل َك ُ ْ
صي ْ َ
ح ِ
)إنما( أي ما هي إل أعمالكم أ ْ
تماما ً بالعدّ ل زيادة ول نقصان ،لنهم كانوا في الجاهلية ل
يعرفون الحساب فيضبطون العداد بالحصى ،وفي هذا
يقول الشاعر:
ر
وإّنما العّزة للكاث ِ م حصى ت بالكثر منه ْ ولس ُ
يعني أن عددكم قليل ،وإنما العزة للغالب في الكثرة.
"ث ُ ُ
ها" أي في الدنيا والخرة ،وقد يكون في م إ ِّيا َفيك ُ ْ و ّمأ َ ّ
الدنيا فقط ،وقد يكون في الخرة فقط.
فالتوفيه تكون في الدنيا دون الخرة للكافر ،أما المؤمن
فتكون في الدنيا والخرة جميعًا ،أو في الخرة فقط.
ه" أي من وجد خيرا ً من د الل َ
م ِح َفلي َ ْ خي َْرا ً َجد َ َ و َ ن َ م ْ ف َ " َ
أعماله فليحمد الله على المرين :على توفيقه للعمل
الصالح ،وعلى ثواب الله له.
ن إ ِل ّ م ّفل ي َُلو َ
ك" أي وجد شرا ً أو عقوبة " َ غي َْر ذَل ِ َ جدَ َ و َ ن َ م ْ و َ " َ
ه" لنه لم ُيظلم ،واللوم :أن يشعر النسان بقلبه بأن س ُ َنف َ
هذا فعل غير لئق وغير مناسب ،وربما ينطق بذلك بلسانه.
من فوائد الحديث :
-1.رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عّز وجل،وهذا
أعلى مراتب السند ،لن غاية السند :إما الرب عّز وجل وهذا
في الحاديث القدسية ،وإما النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا في الحاديث المرفوعة ،وإما عن الصحابة وهذا في
الحاديث الموقوفة ،وإما عن التابعين ومن بعدهم وهذا في
الحاديث المقطوعة.
2.إن أحسن ما يقال في الحديث القدسي :إنه ما رواه النبي
صلى الله عليه وسلم عن ربه عّز وجل ،ونقتصر على هذا
ول نبحث هل هو من قول الله لفظا ً ومعنى ،أو من قول
الله معنى ومن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ،لن هذا
134
فيه نوع من التكّلف وقد نهينا عن التكّلف ،ونهينا عن التن ّ
طع
مق. وعن التع ّ
3.إثبات القول لله عّز وجل وهذا كثير في القرآن الكريم،
وهو دليل على ما ذهب إليه أهل السنة من أن كلم الله
يكون بصوت ،إذ ل يطلق القول إل على المسموع.
في ن ِ قوُلو َ وي َ ُفإن قال قائل:أليس الله تعالى يقولَ ) :
ل( وهذا قول يقولونه 1
قو ُما ن َ ُ عذّب َُنا الل ّ ُ
ه بِ َ ول ي ُ َم لَ ْه ْس ِف ِأ َن ْ ُ
بقلوبهم؟
في ن ِ قوُلو َ وي َ ُفالجواب :بلى ،لكن هذا القول مقيد ) َ
م( 1وأما إذا أطلق القول فالمراد به ماُيسمع. ه ْس ِف ِأ َن ْ ُ
4.أن الله تعالى قادر على الظلم لكنه حّرمه على نفسه
لكمال عدله،وجه ذلك :أنه لو كان غير قادر عليه لم يثن على
نفسه بتحريم الظلم لنه غير قادر.
5.أن من صفات الله ما هو منفي مثل الظلم ،ولكن اعلم
أنه ل يوجد في صفات الله عّز وجل نفي إل لثبوت ضده،
فنفي الظلم يعني ثبوت العدل الكامل الذي ل نقص فيه.
6.أن لله عّز وجل أن يحرم على نفسه ما شاء لن الحكم
إليه ،فنحن ل نستطيع أن نحرم على الله لكن الله يحرم
على نفسه ما شاء ،كما أنه يوجب على نفسه ما شاء.
فلو سألنا سائل :هل يحرم على الله شيء ،وهل يجب على
الله شيء؟
فالجواب :أما إذا كان هو الذي أوجب على نفسه أو حرم
فنعم ،لن له أن يحكم بما شاء.
قال ابن القيم -رحمه الله -في النونية:
ب الجَر هو أوج َ بق واج ٌ ما للعباد عليه ح ّ
ن
العظيم الشا ِ
ص
ن بالخل ِ إن كا َ ل لديه ضائع ٌ كل ّ ول عم ٌ
نوالحسـا ِ
والحسان يعني المتابعة.
ي" والمراد س ْ ف ِعَلى ن َ ْ 7.إطلق النفس على الذات لقولهَ " :
م الل ّ ُ
ه حذُّرك ُ ُ وي ُ َبنفسه ذاته عّز وجل ،كما قال تعالىَ ) :
1
)المجادلة :الية (8
135
ه( 2وليس النفس صفة كسائر الصفات :كالسمع والعلم س ُ ف َ نَ ْ
والقدرة ،فالنفس يعني الذات ،وكلمة النفس أصوب من
كلمة ذات لكن شاع بين الناس إطلق الذات دون إطلق
النفس ،ولكن الصل العربي :النفس.
مه َبين َك ُ ْ علت ُ ُ ج َ و َ8.أن الله تعالى حّرم الظلم بيننا فقالَ " :
ما ً" وهذا يشمل ظلم النسان نفسه وظلم غيره ،لكن حّر َ م َ ُ
موا" أي فل ظال َ ُ فل ت َ َ هو في المعنى الثاني أظهر لقولهَ " :
يظلم بعضكم بعضا ً
9.أن النسان ضال إل من هدى الله ،ويتفرع على هذه
الفائدة:
ل. أن تسأل الله الهداية دائما ً حتى ل تض ّ
فإن قال قائل :هنا إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه
وسلم أخبر أن كل مولود يولد على الفطرة،وهنا يقول:
كلكم ضال؟
موُلوٍد ل َ فالجواب :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :ك ُ ّ
هَ ،أو صَران ِ ِ
َ
ه ،أو ي ُن َ ّ دان ِ ِو َ
ه ّواه ي ُ َ
َ
ة" لكن قال" :أب َ َ فطَر ِعَلى ال ِ ُيول َدُ َ
ب عّز وجل المكّلفين الذين قد تكون ه" وهنا يخاط ُ سان ِ ِج َ م ّ يُ َ
ل حتى تغيرت فطرتهم إلى ما كان عليه آباؤهم ،فهم ضل ّ ٌ
يهديهم الله عّز وجل.
ك" أن ل" ولش ّ ضا ّ كم َ ث على طلب العلم ،لقوله" :ك ُل ّ ُ 10.الح ّ
طلب العلم من أفضل العمال ،بل قد قال المام أحمد -
رحمه الله :-العلم ل يعدله شيء لمن صحت نيته لسيما
في هذا الزمن الذي كثر فيه الجهل ،وكثر فيه الظن وأفتى
من ل يستحق أن يفتي ،فطلب العلم في هذا الزمان متأكد.
دوِني فاسَته ُ 11.أن ل تطلب الهداية إل من الله لقولهَ " :
كم". د ُ َ
أه ِ
ولكن الهداية نوعان :هداية التوفيق وهذه لتطلب إل من
الله ،إذ ليستطيع أحد أن يهديك هداية التوفيق إل الله عّز
ح أن تطلبها من غير الله وجل .وهداية الدللة :وهذه تص ّ
ممن عنده علم بأن تقول :يافلن أفتني في كذا ،أي اهدني
إلى الحق فيه.
2
)آل عمران :الية (28
136
دوِني" يدل على أن المراد فاسَته ُ هل نقول إن قولهَ " :
هداية التوفيق ،أو نقول إنه يشمل الهدايتين ،وهداية الدللة
تكون باتباع الوسائل التي جعلها الله عّز وجل سببا ً للعلم؟
الجواب :الثاني ،أي العموم.
12.أن العباد في الصل جياع ،لنهم ليملكون أن يخلقوا ما
تحيى به الجساد ويتفرع على هذه الفائدة قوله:
م" أي اسألوني الطعام أطعمكم، مك ُ ْ ع ْ موِني أ ُطْ ِ ست َطْ ِ
ع ُ فا ْ " َ
وعليه فل تلجأ في طلب الرزق إل من الله عّز وجل.
موِني" يشمل سؤال الله عّز وجل ع ُ ست َطْ ِ13.وقوله" :ا ْ
الطعام،ويشمل السعي في الرزق وابتغاء فضل الله عّز
وجل وإل فمن المعلوم أن السماء ل تمطر ذهبا ً ول درهما ً
ول خبزًا ،بل لبد من السعي.
-14أن الصل في النسان العري حتى يكسوه الله عّز
وجل،وسبق شرح أنه في الصل العري الحسي ،وقد يراد به
المعنوي أيضًا.،
15كرم الله عّز وجل حيث يعرض على عباده بيان حالهم
وافتقارهم إليه ،ثم يدعوهم إلى دعائه عّز وجل حتى يزيل
عنهم ما فيهم من الفقر والحاجة.
16أن بني آدم خطاء،أي كثير الخطأ ،كما قال الله عّز وجل:
ً 1
هول ( ن ظَُلوما ً َ
ج ُ كا َ ه َ ن إ ِن ّ ُسا ُها اْل ِن ْ َ مل َ َح َ
و َ) َ
17أنه مهما كثرت الذنوب والخطايا فإن الله تعالى يغفرها،
لكن يحتاج أن يستغفر النسان،
18أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا ،وهذا لمن استغفر ،
ي" أما من لم يستغفر فإن فُرون ِ ْ غ ِست َ ْ فا ْ لقوله عّز وجل " َ
الصغائر تكون مكفرة بالعمال الصالحة لقول النبي صلى
ةع ِم َج ُعة ِإلى ال ُ
م َ
ج ُوال ُ
س َ خم ُ ت ال َ الله عليه وسلم" :الصَلوا ِ
بما اجت َن َ َ
ن َ
ه ّ
ما َبين َ ُ
ت لِ َ مك َ ِّ
فَرا ٌ ضان ُ
م َ
ضان ِإلى َر َ م َ وَر ََ
ر" ،وأما الكبائر فلبد لها من توبة خاصة،فل تكفرها الك ََبائ ِ َ
العمال الصالحة،أما الكفر فلبد له من توبة بالجماع.
فالذنوب على ثلثة أقسام:
قسم لبد فيه من توبة بالجماع وهو الكفر .
1
)الحزاب :الية (72
137
والثاني:ما تكفره العمال الصالحة وهو الصغائر .
والثالث:ما لبد له من توبة -على خلف في ذلك -لكن
الجمهور يقولون:إن الكبائر لبد لها من توبة.
19كمال سلطان الله عّز وجل وغناه عن خلقه ،لقوله عّز
ي وذلك ع ْف ِوا ن َ ْ ن ت َب ْل ُ ُ
غ ْ ول َ ْ
ي َ ...
ضّر ْ
وا َ ن ت َب ْل ُ ُ
غ ْ م لَ ْ
وجل :إ ِن ّك ُ ْ
لكمال سلطانه عّز وجل وكمال غناه،
قى َ
عَلى أت َ20أن محل التقوى والفجور القلب ،لقولهَ " :
َ
منك ُ ْ
م" د ِ
واح ٍ
لَ َ
ج ٍ
ب َر ُ ر َ
قل ِ عَلى أف َ
ج ِ منك ُ ْ
م" " َ د ِ
واح ٍ
ل َ
ج ٍ
ب َر ُ َ
قل ِ
ن في ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم":أل َ َ
وإ ِ ّ
د
س َ دت َ
ف َ س َ ذا َ
ف َ وإ ِ َ سد ك ُل ّ ُ
ه َ ج َ صل ُ َ
ح ال َ صل ُ َ
حت َ غة إ ِ َ
ذا َ مض َ د ُس ِ
ج َال َ
ه"ويتفرع على هذا :أنه يجب علينا أن نعتني سدُ ك ُل ّ ُ ج َال َ
هرهُ ونصفيه. ل حتى ن ُطَ ّ بالقلب وننظر أين ذهب ،وأين ح ّ
ي َلوعباد َ 21.كمال غنى الله عّز وجل وسعة غناه ،لقولهَ":يا ِ
د جن ُ
كم َ و ِإنس ُ وآ َ ِ
خَر ُ ول َ ُ َ
صعي ٍ
قاموا في َ و ِ
كم َ كم َ كم َ نأ ّ أ ّ
د."... ح ٍ
وا َِ
22.أنه يظهر أن اجتماع الناس في مكان واحد أقرب إلى
الجابة من تفرقهم .
مخي ُ
ط ص ال ِ
ق ُ 23.جواز المبالغة بالقول ،لقولهِ" :إل ك َ َ
ما َين ُ
ل الَبحَر" وهذا له نظير كما في قوله تعالى) :ل ذا ُأد ِ
خ َ إِ َ
فت ّح ل َهم أ َ
ج
حّتى ي َل ِ َ
ة َ ن ال ْ َ
جن ّ َ خُلو َ
ول ي َدْ ُ
َ ء
ِ ما
َ س
ّ ال بُ واَ ْ ب تُ َ ُ ُ ْ
1
ط(خَيا ِم ال ْ ِ س ّفي َ ل ِم ُ
ج َال ْ َ
24.أن الله عّز وجل يحصي أعمال العباد ،أي يضبطها بالعدد
فل ينقص أحدا ً شيئا ً .
25.أن الله عّز وجل ل يظلم أحدا ً شيئًا ،بل من عمل عمل ً
ُ
ها".م إ ِّيا َفي ْك ُ ْ
و ّمأ َ وجده ،لقوله" :ث ُ ّ
26.وجوب الحمد لله عّز وجل على من وجد خيرًا ،وذلك من
وجهين:
الول:أن الله عّز وجل يسره حتى عمله.
الثاني:أن الله تعالى أثابه.
27.جواز تحدث النسان عن نفسه بصيغة الغائب،
فلَيحمد الله" دون أن يقال :فمن خيَرا ً َ جد َ َو َ
من َ لقولهَ ":
ف َ
1
)العراف :الية (40
138
وجد خيرا ً فليحمدني ،والعدول عن ضمير المتكلم إلى أن
تكون الصيغة للغائب من باب التعظيم .
28.أن من تخلف عن العمل الصالح ولم يجد الخير فاللوم
على نفسه .والله الموفق.
الشرح
سا ً" هؤلء هم الفقراء قالوا للنبي صلى الله ُ َ
ن أَنا َ قوله" :أ َ
ل الدثور" أي الموال الكثيرة "با ُ ُ هب َ
ر"
ِ لجو ِ ِ أه عليه وسلم "ذَ َ َ
أي الثواب عليها ،وليس قصدهم بذلك الحسد ،ول العتراض
على قدر الله ،لكن قصدهم لعلهم يجدون أعمال ً
يستطيعونها يقومون بها تقابل ما يفعله أهل الدثور.
ن دقو َص ّ
وي َت َ َ ن كَ َ
ما َنصومَ ، مو َوَيصو ُ صليَ ،ما ن ُ َ ن كَ َ صلو َ
"ي ُ َ
واِلهم" يعني ول نتصدق لنه ليس عندنا شيء، َ بِ ُ
ل أم َ فضو ِ
فكيف يمكن أن نسبقهم أو نكون مثلهم ،هذا مراد الصحابة
139
رضي الله عنهم وليس مرادهم قطعا ً العتراض على قدر
الله عّز وجل ،ول أن يحسدوا هؤلء الغنياء.
َ
ه ع َ
ل الل ُ ج َ س َ
قد َ وَلي َ
قال النبي صلى الله عليه وسلم " :أ َ
ه"
ن بِ ِ
دقو َ
ص ّ
ما ت َ ّ لَ ُ
كم َ
ة" ق ًصدَ َحه َ ل َتسبي َ ن ب ِك ُ ّ ن لهم فقال" :إ ِ َ الجواب :بلى ،ثم بي ّ َ
أي إذا قلت :سبحان الله فهي صدقة.
ة" إذا قلت الله أكبر فهذه صدقة. ق ً صدَ َ ة َ ل َتكبيَر ٍ وب ِك ُ ّ " َ
ة" إذا قلت الحمد لله فهذه صدقة . ق ً صد َ َ ده َ ل َتحمي َ وب ِك ُ ّ " َ
قة" إذا قلت ل إله إل الله فهي صدقة. صدَ َ ل َتهليَله َ وب ِك ُ ّ " َ
ة" إذا أمرت من رأيته مقصرا ً في ق ٌصد َ َ " َ
ف َ معرو ِ وأمٌر ِبال َ َ
شيء من الطاعات فهي صدقة.
ة" إذا رأيت شخصا ً على منكر ق ٌصدَ َ ر َ منك َ ٍعن ُ ي َ وَنه ٌ " َ
ونهيته فهي صدقة .
هذه الشياء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
إنها صدقة يستطيعها هؤلء الفقراء.
والغنياء يمكن أن ل يتصدقون كل يوم ،وإذا تصدقوا باليوم
ل يستوعبون اليوم بالصدقة ،فأنتم قادرون على هذا.
ولما قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اقتنعوا رضي الله
ة" أي أن ق ٌصدَ َ د ُ عنهم لكن لما قال" :وفي بض َ
كم َ ح ِعأ َ ِ ُ َ
الرجل إذا أتى أهله فله بذلك صدقة ،قالوا :يا رسول الله
أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ استفهاما ً وليس
اعتراضًا ،لكن يريدون أن يعرفوا وجه ذلك ،كيف يأتي
النسان أهله وشهوته ويقال إنك مأجور؟! أي أن النسان
قد يستبعد هذا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بّين لهم
ه
علي ِ ن َ حَرام ٍ أ َ َ
كا َ عها في َ ض َ و َ َ
وجه ذلك فقال" :أَرأيُتم لو َ
وزر؟" والجواب :نعم يكون عليه وزر لو وضعها في حرام. ِ
لحل ِ عها في ال َ ض َ
و َ ذا َك إِ َ فكذَل ِ َ َ قال صلى الله عليه وسلم " َ
كان ل َ َ
ر" فاستغنى عن الحرام فكان مأجورا ً بهذا ،وهذا ه أج ٌ َ َ ُ
ما يسمى عند العلماء بقياس العكس ،أي إذا ثبت هذا ثبت
ضده في ضده.
* من فوائد الحديث :
140
1.مسارعة الصحابة رضي الله عنهم وتسابقهم إلى العمل
الصالح .
2.أن الصحابة رضي الله عنهم يستعملون أموالهم فيما فيه
الخير في الدنيا والخرة ،وهو أنهم يتصدقون.
3.أن العمال البدنية يشترك فيها الغني والفقير ،لقولهم:
ما َنصوم" وهو كذلك ،وقد ن كَ َ مو َ وَيصو ُ صليَ ، ما ن ُ َ ن كَ َ صلو َ"ي ُ َ
يكون أداء الفقير أفضل وأكمل من أداء الغني.
4.أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح للفقراء أبوابا ً من
ه لَ ُ َ
ه". ن بِ ِدقو َ ص ّ ما ت َ ّ كم َ ل الل ُ ع َ ج َقد َ س َ وَلي َ الخير ،لقوله" :أ َ
َ
قد س َ وَلي َ 5.تقرير المخاطب بما ل يمكنه إنكاره ،لقوله" :أ َ
ه" لن هذا أبلغ في إقامة ن بِ ِ دقو َ ص ّ ما ت َ َ كم َ ه لَ ُ ل الل ُع َج ََ
الحجة عليه.
6.أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من العمال كله
صدقة ،لكن هذه الصدقة منها واجب ،ومنها غير واجب،
د،ومنها قاصر حسب ما سنذكره. ومنها متع ٍ
وب ِك ُ ّ
ل ةَ ، صدَ َ
ق ً ة َ ل َتكبيَر ٍ وب ِك ُ ّةَ ، ق ً صدَ َ حه َ ل َتسبي َ ن ب ِك ُ ّ قال ) :إ ِ ّ
ة( هذا كله قاصر ومنه ق ًصدَ َل َتهليَله َ وب ِك ُ ّ
ةَ ، ق ًصدَ َ ده َ َتحمي َ
واجب ،ومنه غير واجب.
فالتكبير منه واجب ومنه غير واجب ،فتكبير الصلوات
واجب،وتكبير أذكار الصلة بعدها مستحب،وهكذا يقال في
التسبيح والتهليل.
" َ
ة" هذا من ق ٌ صد َ َ ر َ منك َ ٍعن ُ ي َوَنه ٌ ةَ ،ق ٌصدَ َ ف َ معرو ِ وأمٌر ِبال َ َ
ً
الواجب ،لكن المر بالمعروف تارة يكون واجبا وجوب عين
على من قدر عليه ولم يوجد غيره،وكذلك النهي عن المنكر،
وتارة يكون واجب كفاية لمن قدر عليه ولكن هناك من يقوم
مقامه ،وتارة يكون مستحبا ً وذلك في المر بالمعروف
المستحب ،والنهي عن المنكر المكروه إن صح أن يطلق
عليه اسم منكر.
والمر بالمعروف لبد فيه من شرطين:
الشرط الول :أن يكون المر عالما ً بأن هذا معروف ،فإن
كان جاهل ً فإنه ل يجوز أن يتكلم ،لنه إذا أمر بما يجهل فقد
قال على الله تعالى ما ل يعلم.
141
الشرط الثاني:أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف،
فإن لم يعلم تركه إياه فليستفصل .
والنهي عن المنكر كذلك لبد فيه من شروط:
الشرط الول:أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي،ل
بالذوق ول بالعادة ول بالغيرة ول بالعاطفة ،وليس مجرد أن
ترى أنه منكر يكون منكرًا ،فقد ينكر النسان ما كان
معروفا ً .
الشرط الثاني :أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في
المنكر ،فإن لم تعلم فل يجوز أن تنهى .
الشرط الثالث :أن ل يزول المنكر إلى ما هو أعظم ،فإن
زال المنكر إلى ما هو أعظم كان إنكاره حرامًا.
وتحت هذه المسألة أربعة أقسام:
القسم الول:أن يزول المنكر بالكلية .
القسم الثاني:أن يخف.
القسم الثالث:أن يتحول إلى منكر مثله.
القسم الرابع:أن يتحول إلى منكر أعظم.
فإذا كان إنكار المنكر يزول فل شك أن النكار واجب.
وإذا كان يخف فالنكار واجب ،لن تخفيف المنكر أمر واجب.
جح وإذا كان يتحول إلى ما هو مثله فمحل نظر ،هل ُير ّ
النكار أو ل ،فقد يرجح النكار لن النسان إذا تغيرت به
الحوال وانتقل من شيء إلى شيء ربما يكون أخف ،وقد
يكون المر بالعكس بحيث يكون بقاؤه على ما هو عليه
أحسن من نقله لنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات
أخرى.
وإذا كان يتحول إلى ما هو أعظم فالنكار حرام.
ة" هذه الصدقة قد تكون من صدَ َ
ق ٌ د ُ َ
كم َ ح ِ
وفي ُبضع أ َ " َ
الواجب تارة ،ومن المستحب تارة.
إذا كان النسان يخاف على نفسه الزنا إن لم يأت أهله صار
من الصدقة الواجبة ،وإل فهو من الصدقة المستحبة.
ة" أن ذلك صدقة وإن صد َ َ
ق ٌ د ُ َ
كم َ ح ِ
وفي ُبضع أ َ وظاهر قولهَ " :
كان على سبيل الشهوة ل علي سبيل النكفاف عن الحرام،
لنه إذا كان على سبيل النكفاف عن الحرام فالمر واضح
142
أنه صدقة ،لنه يدفع الحرام بالمباح،لكن إذا كان لمجرد
الشهوة فظاهر الحديث أن ذلك صدقة.
7.أن الصحابة رضي الله عنهم ل يتركون شيئا ً مشكل ً إل
سألوا عنه ،لقولهم
ها َأجر" . كون ل َ ُ
ه في َ وي َ َ
ه َ
وت َ ُ حدَنا َ
شه َ
َ َ
"أيأتي أ َ
وبه نعلم أن كل شيء لم يسأل عنه الصحابة مما ُيظن أنه
من أمور الدين فإن السؤال عنه بدعة ،لنه لو كان من دين
الله لقيض الله من يسأل عنه حتى يتبين.
8.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب المثل
الذي يقتنع به المخاطب ،وهذا من حسن التعليم أن تقرب
م َلو َ
المور الحسّية بالمور العقلية ،وذلك في قوله" :أَرأيت ُ ْ
في
ها ِ
ع َ
ض َ
و َ
ذا َ فك َذَل ِ َ
ك إِ َ وزٌرَ ، عل َي ْ ِ
ه ِ ن َ حرام ِ أ َ َ
كا َ في ال َ ها ِع َ
ض َ
و ََ
َ
ه أجٌر". ن لَ ُ
كا َل َ
حل ِ ال َ
9.أن القياس حجة ،فقياس الموافقة كثير جدا ً ول إشكال
فيه بأن تقيس هذا الشيء على هذا الشيء في حكم من
الحكام .
لكن قياس العكس صحيح أيضًا،لن النبي صلى الله عليه
وسلم قاس هذا القياس قياس عكس.
10.أن الكتفاء بالحلل عن الحرام يجعل الحلل قربة
َ
ة" والله الموفق. صد َ َ
ق ٌ دك ُ ْ
م َ ح ِ
ضع أ َ
في ب ُ ْ
و ِ
وصدقة،لقولهَ " :
الشرح
السلمى هي المفاصل ،وقيل:العظام ،والمعنى واحد ل
يختلف ،لن كل عظم مفصول عن الخر بفاصل فإنه يختلف
عنه في الشكل ،وفي القوة ،وفي كل المور وهذا من تمام
قدرة الله عّز وجل .
وجاء في صحيح مسلم أن السلمى ثلثمائة وستون مفص ً
ل،
هكذا جاء في الحديث ،والطب الحديث يوافق هذا -سبحان
الله -مما يدل على أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
حق.
ة" والمعنى :كل ق ٌصدَ َ عل َي ْ ِ
ه َ س َ
ن الّنا ِ م َ مى ِ سل َ ل ُ وقوله" :ك ُ ّ
مفصل عليه صدقة.
س" يعني كل يوم يصبح شم ُ ه ال ّفي ْ ِع ِ ل َيوم ٍ ت َطْل ُ ُ وقوله" :ك ُ ّ
على كل عضو من أعضائنا صدقة ،أي ثلثمائة وستون في
اليوم ،فيكون في السبوع ألفين وخمسمائة وعشرين.
لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات ،
فكل القربات صدقات ،وهذا شيء ليس بصعب على النسان
.
قة" تعدل أي تفصل بينهما صدَ َ
ن َ ن اثن َي ْ ِ ل َبي َد ُ ع ِثم قال" :ت َ ْ
إما بصلح وإما بحكم ،والولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم
يتبين للرجل أن الحكم لحدهما ،فإن تبين أن الحكم لحدهما
حرم الصلح ،وهذا قد يفعله بعض القضاة ،يحاول أن يصلح
مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه ،وهذا محرم
لنه بالصلح لبد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه
وبين حقه.
ها" إذاعل َي ْ َ مل ُ ُ
ه َ ه" أي بعيره مثل ً "ت َ ْ
ح ِ داب ّت ِ ِ في َ ل ِ ج َن الّر ُ عي ْ ُ
وت ُ ِ
" َ
كان ليستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا
144
َ
ه" متاعه ما يتمتع به في ع ُ
مَتا َ
ها َ عل َي ْ َه َ ل لَ ُ م ُ ح ِصدقة "أو ت َ ْ
السفر من طعام وشراب وغيرهما ،تحمله على البعير
وتربطه ،هذا صدقة.
ة" أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق ق ٌ صد َ َة َ ة الطّي ّب َ ُ م ُ والك َل ِ َ " َ
الله كالتسبيح والتكبير والتهليل ،أو في حق الناس كحسن
الخلق صدقة.
قة" سواء بعدت صدَ َة َ صل ِ ها إ َِلى ال ّ طو َ خ ُ ة تَ ْ و ٍخط َ ل ُ وب ِك ُ ّ " َ
المسافة أم قصرت ،وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى
الصلة ليخرجه إل الصلة لم يخط خطوة إل رفع الله له بها
ط عنه بها خطيئة. درجة ،وح ّ
ط الخطيئة. فيكتسب شيئين :رفع الدرجة ،وح ّ
ة" أي تزيل الذى وهو ما صدَ َ
ق ٌ ق َ ري ْ ِن الطّ ِ ع ِ ذى َ ط ال َ مي ُ وت ُ ِ " َ
يؤذي المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي
المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة.
* من فوائد الحديث :
1.وجوب الصدقة على كل إنسان كل يوم تطلع فيه الشمس
قة" وعلى صد َ َ ع َ ِ
ليه َ عن كل عضو من أعضائه ،لن قولهَ " :
للوجوب .
فإن قال قائل :قد يكون في إحصاء ذلك صعوبة؟
فالجواب :أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجزئ
من ذلك -أي بدل ً عنه ،لن )من( هنا بدلّية بمعنى بدل ذلك -
ركعتان يركعهما من الضحى ،فإذا ركعت ركعتين من الضحى
صار الباقي نفل ً وتطوعًا .ويؤخذ من هذه الرواية :أنه ينبغي
للنسان أن يداوم على ركعتي الضحى ،وجه ذلك :أنها تأتي
بدل ً عن هذه الصدقات أي بدل ً عن ثلثمائة وستين صدقة،
وهذا القول هو الراجح :أنه تسن المداومة على ركعتي
الضحى.
ووقتها :من ارتفاع الشمس قيد رمح في رأي العين ،إلى
قبيل الزوال يعني بعد طلوع الشمس بنحو ثلث ساعة إلى
قبيل الزوال بعشر أو خمس دقائق ،وآخر الوقت أفضل.
ل ما شئت فأنت على وأقلها ركعتان وأكثرها ل حد له ،فص ّ
خير.
145
2.أن الشمس هي التي تدور على الرض ،فيأتي النهار بدل
س" وهذا واضح أن الحركة م ُ ه ال ّ
ش ْ في ْ ِ الليل ،لقوله" :ت َطْل ُ ُ
ع ِ
س
م َ وت ََرى ال ّ
ش ْ حركة الشمس ،ويدل لهذا قول الله تعالىَ ) :
ت ذا َ
غَرب َ ْ وإ ِ َ
ن َ ت ال ْي َ ِ
مي ِ م َ
ذا َ ه ْ
ف ِ ن كَ ْ
ه ِ ع ْوُر َت ت ََزا َع ْذا طَل َ َإِ َ
مال( 1أربعة أفعال مضافة إلى الشمس، ش َت ال ّذا َ م َه ْض ُ ر ُ تَ ْ
ق ِ
ن ب ال ْ َ َ قا َ ف َوقال تعالى عن سليمانَ ) :
ع ْر َخي ْ ِ ح ّ
ت ُ حب َب ْ ُ
ل إ ِّني أ ْ
2
ب( جا ِ
ح َت ِبال ْ ِ واَر ْ حّتى ت َ َ ر َرّبي َ ِذك ْ ِ
ب( أي بالرض ،وقال النبي صلى الله جا ِ ح َأي الشمس )ِبال ْ ِ
عليه وسلم لبي ذّر رضي الله عنه حين غربت الشمس:
م " فأضاف ه أَ ْ
عل َ ُ سول ُ ُ
وَر ُ
ه َ ل :الل ُ قا َ ب؟ َ ه ُ ن ت َذْ َ َ
ي أي ْ َ
ر ْ
َ
"أت َدْ ِ
الذهاب إليها أي إلى الشمس.
أفبعد هذا يمكن أن نقول :إن الرض هي التي تدور ،ويكون
في دورانها اختلف الليل والنهار؟ ليمكن إل إذا ثبت عندنا
ثبوتا ً قطعيا ً نستطيع به أن نصرف ظاهر النصوص إلى معنى
يطابق الواقع ،فإذا ثبت فالقرآن والسنة ل يخالف الواقع،
ولكن كيف نتصرف مع هذه الفعال التي ظاهرها أن
الشمس هي التي تدور؟
نتصرف فنقول :تطلع في رأي العين ،لنك أنت مثل ً واقف
في السطح أو في البر ترى الشمس تطلع وترتفع في رأي
العين ،نقول هذا :إذا ثبت قطعا ً ثبوتا ً حسي ّا ً أن اختلف الليل
والنهار يكون بدوران الرض ،وهذا إلى الن لم نصل إليه،
فيجب إبقاء النص على ما هو عليه.
فإذا قال قائل :كيف يتصور النسان أن الكبير يدور على
الصغير ،لنك إذا نسبت الرض إلى الشمس فليست بشيء،
أي صغيرة.
نقول :إن الذي أدار الكبير على الصغير هو الله عّز وجل،
وهو على كل شيء قدير ،ول مانع.
فهذا ما نعتقده حول هذه المسألة ،ومع ذلك لو قال قائل:
هل الدللة قطعية؟
1
)الكهف :الية (17
2
ص(32 :
) ّ
146
فالجواب :الدللة ليست قطعية ،بل ظنية ،ونحن علينا أن
نعمل بالدليل الظني الذي هو ظاهر النص حتى ُيعارض
بدليل قطعي .
3.فضيلة العدل بين الثنين ،وقد حث الله عّز وجل على
الصلح ،والعدل بين الخصمين في الحكم واجب.
4.الحث على معونة الرجل أخاه ،لن معونته إياه صدقة،
سواء في المثال الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم
أو في غيره.
وهناك أمثلة كثيرة ومن ذلك:
لو وجدت إنسانا ً على الطريق وطلب منك أن تحمله إلى
البلد وحملته ،فإنه يدخل في هذا من باب أولى.
ولكن هل يجب عليك أن تحمله ،أول يجب؟
الجواب :إن كان في مهلكة وأمنت منه وجب عليك أن تحمله
وجوبا ً لنقاذه من الهلكة ،والمهلكة إما لقلة الماشي فيها،
أو لن فيها قطاع طريق ربما يقضون على هذا الرجل.
فإن لم تأمن من هذا الرجل فل يلزمك أن تحمله ،مثل أن
تخاف من أن يغتالك أو يحول مسيرك إلى اتجاه آخر بالقوة
ول َ فل يلزمك لقول النبي صلى الله عليه وسلم" :ل َ َ
ضَرَر َ
ضَراَر".
ِ
ة"ق ٌصد َ َ
ة َة الطّي ّب َ ُ والك َل ِ َ
م ُ 5.الحث على الكلمة الطيبة لقولهَ " :
والله ل أطيب من كلم الله عّز وجل القرآن،كل كلمة في
القرآن فهي صدقة.
والكلمة الطيبة تكون طيبة في أسلوبها ،وفي موضوعها،
وفي إلقائها ،وفي نواح أخرى والقاعدة :كل كلمة طيبة
فهي صدقة.
6.أن إزالة الذى عن الطريق صدقة ،وبقياس العكس نقول:
وضع الذى في الطريق جريمة وأذية ،ويتفرع على هذه
الفائدة:
سي صدقة فإماطة إذا كان إماطة الذى عن الطريق الح ّ
الذى عن الطريق المعنوي أبلغ وذلك ببيان البدع والمنكرات
وغيرها .
7.أن كل ما يقرب إلى الله عّز وجل من عبادة وإحسان إلى
خلقه فإنه صدقة .والله الموفق.
147
الشرح
148
قوله ) البر( أي الذي ذكره الله تعالى في القرآن فقال
وى ( (والبر كلمة تدل على كثرة 1
ق َ عَلى ال ْب ِّر َ
والت ّ ْ وُنوا َ عا َ
وت َ َ
) َ
الخير .
) حسن الخلق ( أي حسن الخلق مع الله ،وحسن الخلق مع
عباد الله ،فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه
الشرعية بالرضا والتسليم ،وأن ل يكون في نفسك حرج
منها ول تضيق بها ذرعا
وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية وتقوم بما
أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه .
أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه :بذل الندى وكف
الذى والصبر على الذى ،وطلقة الوجه .
وهذا هو البر والمراد به البر المطلق ،وهناك بر خاص كبر
الوالدين مثل وهو الحسان إليهما بالمال والبدن والجاه
وسائر الحسان .
وهل يدخل بر الوالدين في قوله ) حسن الخلق (؟
فالجواب :نعم يدخل.
عَلى
وُنوا َ
عا َ
وت َ َ
)والثم ( هو ضد البر لن الله تعالى قال َ ) :
ن( 2فما هو وا ِ وال ْ ُ
عد ْ َ عَلى الثم َوُنوا َ عا َول ت َ َ وى َ والت ّ ْ
ق َ ال ْب ِّر َ
الثم ؟
)الثم ما حاك في نفسك ( أي تردد وصرت منه في قلق
))وكرهت أن يطلع عليه الناس(( لنه محل ذم وعيب ،
فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك وهذه الجملة
إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما ،فهذا هو الذي يحوك
في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس .
أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم
فهؤلء ل يبالون ،بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والثم ،
فالكلم هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه
سليما طاهرا نقيا.
* من فوائد الحديث :
1
المائدة :الية (2
2
)المائدة :الية (2
149
.1أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ،
يتكلم بالكلم اليسير وهو يحمل معاني كثيرة لقوله )البر
حسن الخلق ( كلمة جامعة مانعة .
.2الحث على حسن الخلق وأنك متى أحسنت خلقك فإنك
في بر .
ف سليم يحوك في نفسه الثم .3إن المؤمن الذي قلبه صا ٍ
وإن لم يعلم أنه إثم بل يتردد فيه.
.4إن الرجل المؤمن يكره أن يطلع الناس على آثامه لقوله
))وكرهت أن يطلع عليه الناس (( أما الرجل الفاجر
المتمرد فل يكره أن يطلع الناس على آثامه.
عن وابصة السدي قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنا أريد أن ل أدع شيئا من البر والثم إل سألته عنه
وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم
قالوا :إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت :دعوني فأدنوا منه ،فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه
قال ) :دعو وابصة ،أدن يا وابصة ( مرتين أو ثلثا قال :
فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال ) :يا وابصة أخبرك
أو تسألني ؟( قلت :ل ،بل أخبرني فقال )) :جئت تسأل
عن البر و الثم ؟ (( فقال :نعم ؛ فجمع أنامله فجعل
ينكت بهن في صدري ويقول )) :يا وابصة استفت قلبك ؛
واستفت نفسك ( ثلث مرات ) البر ما اطمأنت إليه النفس
والثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ،وإن أفتاك
الناس وأفتوك((.
قوله ) :جئت تسأل عن البر ( قلت :نعم هذه جملة خبرية
في ظاهرها ولكنها استفهامية في معناها فمعنى ) جئت
تسأل عن البر ( يعني أجئت تسال عن البر ؟
والجملة الخبرية تأتي بمعني الستفهام كثيرا .
فإن قال قائل :كيف وقع في قلب النبي صلي الله عليه
وسلم أن هذا الرجل جاء يسأل عن البر ؟
فالجواب :قضايا العيان ل يسأل عنها ،هذه قضية عين
يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن وابصة رضي
الله عنه يسأل عن البر ،فلما أتى إليه قال له ) :أجئت
150
تسأل عن البر( ويحتمل أن هذا من فراسة النبي صلى الله
عليه وسلم فالمهم :أن قضايا العيان يصعب جدا أن يدرك
النسان أسبابها .
) قلت نعم قال :استفت قلبك ( أي اسأل والستفتاء
طلب الفتاء وهو بمعنى الخبر لن الفتاء إخبار عن حكم
شرعي فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على قلبه .
) البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس( اطمأن
يعني :استقر فما استقر إليه القلب ورضي به وانشرح به
واطمأنت إليه النفس أيضا ل تحدثك نفسك بالخروج عنه
فهذا هو البر ولكن لمن قلبه سليم ونيته صادقه .
) والثم ما حاك في النفس ( أي تردد فيها )وتردد في
الصدر ( يعني في القلب لنه قال ) :البر ما اطمأنت إليه
نفسك وأطمأن إليه القلب ( .
) وإن أفتاك الناس وأفتوك ( هذا من باب التوكيد يعني
حتى لو أفتاك وأفتاك وأفتاك فل ترجع إلى فتواهم ما دام
قلبك لم يطمئن ولم يستقر فل تلتفت للفتوى .
* من فوائد الحديث :
.1حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتقدم
للسائل بما في نفسه ليستريح ويطمئن لقوله ) جئت تسأل
عن البر ؟( .
.2أن )نعم( جواب لثبات ما سئل عنه فقول وابصة رضي
الله عنه )نعم ( أي جئت أسأل عن البر ؛ ولهذا لو أجاب
النسان بها من سأله عن شيء فمعناها إثبات ذلك الشيء .
.3جواز الرجوع إلى القلب والنفس لكن بشرط أن يكون
هذا الذي رجع إلى قلبه ونفسه ممن استقام دينه ؛ فإن الله
عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية .
.4أن ل يغتر النسان بإفتاء الناس ل سيما إذا وجد في
نفسه ترددا ؛ فإن كثيرا ً
من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد
ويشك ؛ فهل لهذا الذي تردد وشك أن يسأل عالما آخر ؟
الجواب :نعم بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في
جواب الول .
151
.5أن المدار في الشرعية على الدلة ل على ما أشتهر بين
الناس لن الناس
قد يشتهر عندهم شيء ويفتون به وليس بحق والله
الموفق .
الحديث الثامن والعشرون
ل: قا َ ة رضي الله عنه َ ساري َ َ َ
ن َ ضب ِ ح العرَبا ِ جي ٍ عن أبي ن َ ِ َ
فت وذََر َ ب َ قُلو ُ ها ال ُ من َ جَلت ِ و ِ ة َ عظَ ً مو ِ َ ه
ل الل ِ سو ُ ظنا َر ُ ع َ و َ َ
عظَ ُ َ
عود ّ ٍم َ ة ُ و ِ م ْ ها َ ه ك َأن ّ َ ل الل ِ سو َ قل َْناَ :ياَر ُ ف ُ عيونَ . ها ال ُ من َ ِ
ُ َ
ع
سم ِ وال ّ ه عز وجل َ وى الل ِ ق َ م ب ِت َ ْ صي ْك ُ ْ و ِ ل) :أ ْ قا َ صَناَ ، فأو ِ َ
َ
ممن ْك ُ ْ ش ِ ع ْ ن يَ ِ م ْ ه َ فإ ِن ّ ُدَ ، عب ْ ٌ م َ عل َي ْك ُ ْ مَر َ ن ت َأ ّ وإ ِ ْة َ ع ِ طا َ وال ّ َ
ء
فا ِ خل َ َ ة ال ُ سن ّ ِ و ُ ي َ سن ّت ِ ْ م بِ ُ عليك ُ ْ َ ف َ ً
فا ك َِثيَرا؛ َ ً خِتل َ سي ََرى ا ْ ف َ َ
موإ ِّياك ُ ْ ذ َ ج ِ وا ِ ها ِبالن ّ َ عل َي ْ َ ضوا َ ع ّ ن َ دّيي َ ه ِ م ْ ن ال ّ دي َ ش ِ
الّرا ِ
ضلل َ ٌ
ة( ة َ ع ٍ ل ب ِدْ َ ة بدعة ،وك ُ ّ محدث ٍ نك ّ ُ حدََثا ِ
ل ُ ر فإ ّ مو ِ ت ال ُ م ْ و ُ َ
رواه أبو داود والترمذي وقال :حديث حسن صحيح.
الشرح
ظنا" الوعظ:التذكير بما يلين القلب سواء كانت ع َ و َ
قولهَ ":
الموعظة ترغيبا ً أو ترهيبًا ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يتخول أصحابه بالموعظة أحيانًا.
ب" أي خافت منها القلوب كما قُلو ُ ها ال ُمن َ وجَلت ِ وقولهَ " :
م(. ه ْ قُلوب ُ ُ
1
جل َ ْ
ت ُ و ِ ذا ذُك َِر الل ّ ُ
ه َ ن إِ َ قال الله تعالى) :ال ّ ِ
ذي َ
عيون" أي ذرفت الدموع ،وهو كناية عن ها ال ُمن َفت ِ وذََر َ " َ
البكاء.
عظَ َ
ة مو ِ كأّنها" أي هذه الموعظة " َ سول اللهَ : قلَنا َيا َر ُ ف ُ " َ
ع" وذلك لتأثيرها في إلقائها،وفي موضوعها،وفي هيئة و ِدّ ٍ م َ
ُ
الواعظ لن كل هذا مؤثر،حتى إننا في عصرنا الن تسمع
الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي ،فإذا سمعته مسجل ً لم
تتأثر ،فتأثير المواعظ له أسباب منها :الموضوع،وحال
الواعظ،وانفعاله.
1
)النفال :الية (2
152
ز وجل" هذه الوصية مأخوذة وى الله ع ّ كم ب َِتق َ ل أوصي ُ قا َ " َ
ُ
نم ْب ِ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ صي َْنا ال ّ ِ
ذي َ و ّ قد ْ َ ول َ َمن قول الله تعالىَ ) :
قبل ِك ُم وإياك ُ َ
ه( 2فتقوى الله رأس كل شيء. قوا الل ّ َ ن ات ّ ُ مأ ِ ْ ْ َ ِّ َ ْ
ومعنى التقوى :طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على
علم وبصيرة.
ولهذا قال بعضهم في تفسيرها :أن تعبد الله على نور من
الله ،ترجو ثواب الله ،وأن تترك ما حرم الله ،على نور من
الله ،تخشى عقاب الله.
وقال بعضهم:
خل الذنوب صغيرهاوكبيرها ذاك التقى واعمل كماش فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى لتحقرن صغيرة إن الجبال من
الحصى
مروِإن َتأ ّ عة" أي لولة المر بدليل قوله َ طا َ ع وال ّ سم ُ وال ّ " َ
كم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم ،وأن تطيع إذا علي ُ َ
أمر .
كم" أي صار أميرا ً "عبد" أي مملوكًا. عَلي ُ مر َ وإن َتأ ّ " َ
سَيرى" ف َكم" أي تطول به الحياة " َ من ُ عش ِ من ي َ ِ ه َ فإ ِن ّ ُ " َ
كثيرا ً في العقيدة ،وفي لفا ً َ والسين هنا للتحقيق اخت ِ َ
العمل ،وفي المنهج ،وهذا الذي حصل ،فالصحابة رضي الله
عنهم الذين عاشوا طويل ً وجدوا من الختلف والفتن
والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان.
ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا
سنتي" أي الزموا سنتي، كم ب ِ ّ عَلي ُ ف َ الختلف ،فقالَ " :
والمراد بالسنة هنا :الطريقة التي هو عليها ،فل تبتدعوا
في دين الله عّز وجل ما ليس منه ،ول تخرجوا عن شريعته.
شدين" الخلفاء الذين يخلفون رسول ء الَرا ِ فا ِخل َ َ ة ال ُ سن ّ ِو ُ " َ
الله صلى الله عليه وسلم في أمته ،وعلى رأسهم أبو بكر
الصديق رضي الله عنه.
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الول لهذه
المة ،نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلفته نصا ً
يقرب من اليقين ،وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده.
2
)النساء :الية (131
153
ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنه
أولى الناس بالخلفة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كثيرا ً
ما يقول :ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ،وجئت أنا وأبو بكر
وعمر ،فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن أحق الناس بالخلفة
عمر رضي الله عنه.
وخلفة عمر رضي الله عنه ثابتة شرعا ً لنها وقعت من
خليفة،ثم صارت الخلفة لعثمان رضي الله عنه بمشورة
معروفة رتبها عمر رضي الله عنه ،ثم صارت بعد ذلك لعلي
رضي الله عنه هؤلء هم الخلفاء الراشدون ل إشكال فيهم.
وقوله" :المهديين" صفة مؤكدة لما سبق ،لنه يلزم من
كونهم راشدين أن يكونوا مهديين ،إذ ل يمكن رشد إل
بهداية،وعليه فالصفة هنا ليست صفة احتراز ولكنها صفة
توكيد وبيان علة،يعني أنهم رشدوا لنهم مهديون.
ذ"
ج ِ ها" أي على سنتي وسنة الخلفاء "بالن ّ َ
وا ِ عَلي َ ضوا َ ع ّ " َ
وهي أقصى الضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسما ً
يؤكل،لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها،أي أن النسان
يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه.
كم" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة. وإّيا ُ " َ
ت المور" أي اجتنبوها،والمراد بالمور هنا ُ محدََثا ِ وإّيا ُ
و ُ كم َ " َ
الشؤون ،والمراد بالشؤون شؤون الدين،ل المحدثات في
أمور الدنيا،لن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع
فهو خير،ومنها ما هو ضار فهو شر،لكن المحدثات في أمور
عة" لنها محدَث َ ٍ
ة ِبد َ ن كُ ّ
ل ُ الدين كلها شر ،ولهذا قالَ " :
فإ ِ ّ
ابتدعت وأنشئت من جديد.
ضلَلة" أي كل بدعة في دين الله عّز وجل فهي ة َ ع ٍكل ِبد َ " ُ
ضللة .
* من فوائد الحديث :
1.مشروعية الموعظة،ولكن ينبغي أن تكون في محلها،وأن
مل ،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ل يكثر في ُ ِ
يتخول أصحابه بالموعظة،وكان بعض الصحابة يعظ أصحابه
كل يوم خميس ،يعني في السبوع مرة.
154
2.أنه ينبغي للواعظ أن تكون موعظته مؤثرة باختيار
اللفاظ الجزلة المثيرة،وهذا على حسب الموضوع .
3.أن المخاطب بالموعظة إذا كانت بليغة فسوف يتأثر
ن" .عيو ُ ها ال ُ من َ فت ِو ذََر َ قُلو ُ
بَ ، ها ال ُ
من َ جَلت ِ و ِ لقولهَ " :
4.أن القلب إذا خاف بكت العين ،وإذا كان قاسيًا ،نسأل الله
عّز وجل أن يبعدنا وإياكم من قسوة القلب،لم تدمع العين.
5.أنه جرت العادة أن موعظة المودع تكون بليغة مؤثرة،لن
المودع لن يبقى عند قومه حتى يكرر عليهم الموعظة فيأتي
عظَ ُ َ
ة مو ِ ها َذكر بها بعد ذلك لقولهم" :ك َأن ّ َ بموعظة مؤثرة ي ُ َ
ع" . و ِدّ ٍ
م َ
6.طلب النسان من العالم أن يوصيه،لقولهم رضي الله
صَنا". عنهم " َ َ
فأو ِ
ولكن هل هذا يكون بدون سبب،أو إذا وجد سبب لذلك؟
الظاهر الثاني:بمعنى أنه ليس كلما قابلت أحدا ً
تقول:أوصني،فإن هذا مخالف لهدي الصحابة فيما يظهر
ومن ذلك السفر ،أي إذا أراد النسان أن يسافر وقال مثل ً
للعاِلم أوصني ،فهذا مشروع.
7.أن أهم ما يوصى به العبد تقوى الله عّز وجل لقوله:
وى الله". كم ب َِتق َ "ُأوصي ُ
8.فضيلة التقوى حيث كانت أهم وأولى وأول ما يوصى به
العبد.
9.وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولة
المور،والسمع والطاعة لهم واجب بالكتاب والسنة،قال الله
سو َ
ل تعالى) :يا أ َيها ال ّذين آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ
عوا الّر ُ طي ُ وأ ِ َ َ ِ ُ ِ َ َ َ ّ َ
وُأوِلي اْل َ
م ( 1فجعل طاعة أولي المر في المرتبة من ْك ُ ْر ِ ِ مْ َ
الثالثة ولكنه لم يأت بالفعل )أطيعوا ( لن طاعة ولة المور
تابعة لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ،ولهذا
لو أمر ولة المور بمعصية الله عّز وجل فل سمع ول طاعة.
وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي المر وإن كان
يعصي الله عّز وجل إذا لم يأمرك بمعصية الله عّز وجل ،لن
ب النبي صلى الله عليه وسلم قال":اسمع َ
ضَر َوِإن َ طع َ وأ ِ َ َ
1
)النساء :الية (59
155
ك"وضرب الظهر وأخذ المال بل سبب مال َ َ
خذ َ َوأ َ َ ك َظهَر ََ
شرعي معصية ل شك ،فل يقول النسان لولي المر :أنا ل
أطيعك حتى تطيع ربك ،فهذا حرام ،بل يجب أن يطيعه وإن
لم يطع ربه.
أما لو أمر بالمعصية فل سمع ول طاعة .
د" ولكن عب ٌ
كم َ وِإن ت ََأمَر َ
عَلي ُ 10.ثبوت إمرة العبد،لقولهَ " :
هل يلزم طاعة المير في كل شيء ،أو فيما يتعلق بالحكم؟
الجواب:الثاني ،أي فيما يتعلق بالحكم ورعاية الناس ،فلو
ل :ل تأكل اليوم إل وجبتين .أو ما أشبه قال لك المير مث ً
ذلك فلم يجب عليك أن توافق إل أنه يحرم عليك أن تنابذ،
بمعنى أن تعصيه جهارا ً لن هذا يفسد الناس عليه.
وِإن
11.وجوب طاعة المير وإن لم يكن السلطان ،لقولهَ " :
كم" ومعلوم أن المة السلمية من قديم الزمان عَلي ُت ََأمَر َ
فيها خليفة وهو السلطان ،وهناك أمراء للبلدان ،وإذا وجبت
طاعة المير فطاعة السلطان من باب أولى.
مر الناس عليهم أميرا ً في السفر، وهنا سؤال يكثر :إذا أ ّ
فهل تلزمهم طاعته؟
فالجواب :نعم ،تلزمهم طاعته،وإذا لم نقل بذلك لم يكن
هناك فائدة من تأميره،لكن طاعته فيما يتعلق بأمور السفر
ل في كل شيء،إل أن الشيء الذي ل يتعلق بأمور السفر ل
تجوز منابذته فيه .
12.ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم في
را ً" فقد كثي َسي ََرى اخِتلفا ً َ ف َكم َ من ُعش ِ من ي َ ِ ه َ قولهَ " :
فإ ِن ّ ُ
وقع المر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل :وهل يمكن أن نطبق هذه الجملة في كل
زمان،بمعنى أن نقول :من يعش منكم فسيرى اختلفا ً
كثيرًا؟
فالجواب :ل نستطيع أن نطبقها في كل زمان،لكن الواقع
أن من طال عمره رأى اختلفا ً كثيرًا.
13.وجوب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند
كم ِبسّنتي" والتمسك بها واجب في عَلي ُ الختلف ،لقولهَ " :
ف َ
كل حال لكن يتأكد عند وجود الختلف.
156
14.أنه يجب على النسان أن يتعلم سنة النبي صلى الله
عليه وسلم .
15.أن للخلفاء سنة متبعة بقول النبي صلى الله عليه
وسلم ،وعلى هذا فما سنه الخلفاء الراشدون ُأعتبر سنة
للرسول صلى الله عليه وسلم بإقراره إياهم ،ووجه كونه
أقره أنه أوصى باتباع سنة الخلفاء الراشدين .
16.أنه إذا كثرت الحزاب في المة فل تنتم إلى حزب ،فقد
ظهرت طوائف من قديم الزمان مثل الخوارج والمعتزلة
والجهمية والرافضة،ثم ظهرت أخيرا ً إخوانيون وسلفيون
وتبليغيون وما أشبه ذلك ،فكل هذه الفرق اجعلها على
اليسار وعليك بالمام وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله
فاء س َّنة ال ُ
خل َ َ و ُ
سّنتي َ عَلي ُ
كم ب ِ ُ عليه وسلم في قولهَ " :
شدين"
الَرا ِ
17.الحث على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ها عَلي َوسنة الخلفاء الراشدين تمسكا ً تامًا ،لقوله" :عضوا َ
ذ". ج ِوا ِبالن ّ َ
18.التحذير من البدع ،أي من محدثات المور ،لن )إّيا( في
وإّياكم" معناها التحذير من محدثات المور لكن في قوله " َ
الدين ،أما في الدنيا إما مطلوب وإما مذموم حسب ما يؤدي
إليه من النتائج.
فإن قال قائل :كيف نجمع بين هذه الكلية العامة الواضحة
ة" وبين قوله صلى الله عليه وسلم ع ٌة بد َ محدَث َ ٍ ل ُالبينة" :ك ُ ّ
فل َه َأجرها َ
م َ
ل ع ِمن َ وأجُر ََ ُ ة َ ُ سن َ ًح َة َ
سن َ ًن في السلم ِ ُ س ّ من َ " َ
ة"م ِقيا َ ها إ َِلى َيوم ال ِ بِ َ
فالجواب من وجهين:
ن
س ّ من َ الوجه الول:أن معنى قوله صلى الله عليه وسلمَ " :
ة" أي من ابتدأ العمل بالسنة ،ويدل سن َ ً
ح َ ة َ سن ّ ًفي السلم ِ ُ
لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بعد أن حث على
الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها ،فجاء
ل بما تيسر له ،وجاء رجل من النصار بصرة قد الصحابة ك ّ
أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم
فل َه َأجرها َ
من وأجُر َ َ َ ة َ ُسن َ َ
ح َة َ
سن ّ ً ن في السلم ِ ُ س ّ من َ فقالَ " :
ة" أي ابتدأ العمل سنة ثابتة ،وليس م ِقيا َ ها إ َِلى َيوم ِ ال ِ ل بِ َم َ ع ِ َ
157
أنه يأتي هو بسنة جديدة ،بل يبتدئ العمل لنه إذا ابتدأ
العمل سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل.
ة"
سن َ ً ح َة َ سن ّ ًن في السلم ِ ُ س ّ
من َ الوجه الثاني:أن يقالَ " :
أي سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة
المصاحف على مصحف واحد ،فهذا سنة حسنة لشك ،لن
المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل
بعضهم بعضًا.
كذلك أيضا ً جمع السنة وتبويبها وترتيبها ،فهذه سنة حسنة
يتوصل بها إلى حفظ السنة.
ة" على سن َ َ ح َة َ سن ّ ً
ن في السلم ِ ُ س ّ
من َمل قولهَ " : إذا ً ُيح َ
الوسائل إلى أمور ثابتة شرعًا ،ووجه هذا أننا نعلم أن كلم
حفت ِ َ النبي صلى الله عليه وسلم ل يتناقض ،ونعلم أنه لو ُ
الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس
نمنه لتمزقت المة وتفرقت،وقد قال الله عّز وجل) :إ ِ ّ
ء
ي ٍ في َ
ش ْ م ِ ه ْ من ْ ُ
ت ِس َ شَيعا ً ل َ ْ
كاُنوا ِ و َم َ ه ْ
قوا ِدين َ ُفّر ُن َ ذي َال ّ ِ
َ
1
عُلو َ
ن( ف َ كاُنوا ي َ ْما َ م بِ َه ْم ي ُن َب ّئ ُ ُ
ه ثُ ّم إ َِلى الل ّ ِ ه ْمُر ُما أ ْ إ ِن ّ َ
19.أن جميع البدع ضللة ليس فيها هدى ،بل هي شر محض
حتى وإن استحسنها من ابتدعها فإنها ليست حسنى،بل ول
ضلَلة"
ة َ
ع ٍ حسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم" :ك ُ ّ
ل ِبد َ
ن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا.ولم يستث ِ
والله الموفق.
1
)النعام(159:
158
الشرح
م الصحابة رضي الله عنهم عالية ،فلم يقل:أخبرني بعمل م ُه َِ
أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلثين أو ما أشبه بذلك ،بل
َ
وي َُباعدني من الناَر "... ة َ جن ّ َخُلني ال َ ل ُيد ِ م ٍٍ ع َ
قال" :أخِبرِني ب ِ َ
أي يكون سببا ً لدخول الجنة والبعد عن النار .
عظيم ٍ" ن َ َ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ل َ َ
ع ْ
ت َ
سأل َ قد َ
أي والله عظيم ،هذه هي الحياة ،أن تدخل الجنة وتبتعد عن
نم ْ
ف َالنار ،هذا هو الفوز والفلح ،قال الله عّز وجلَ ) :
فاَز ( 1ولهذا وصفه قد ْ َ ف َة َ ل ال ْ َ
جن ّ َ خ َ وأ ُدْ ِر َ ن الّنا ِ
ع ِ
ح َز َح ُِز ْ
1
)آل عمران :الية (185
159
النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم ،ولكن الحمد لله.
عَليه" -اللهم يسره علينا ه َن َيسَرهُ الل ُ م ْعلى ِ ه لَيسيٌر َ وِإن ُ" َ
يا رب العالمين -وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن
ريدُ الل ّ ُ
ه الدين السلمي مبني على اليسر ،قال الله تعالى):ي ُ ِ
ر ( ومبني على السمح قال 1
س َ م ال ْ ُ
ع ْ ريدُ ب ِك ُ ُ
ول ي ُ ِسَر َم ال ْي ُ ْب ِك ُ ُ
النبي صلى الله عليه وسلم لصحابه وهو يبعثهم إلى
ما فروا"َ " ،
فإ ِن َ َ ول َ ت ُن َ ّ
شروا َسروا ،ب َ ّ ع ّسروا ول ت ُ َ الجهات" :ي َ ّ
سرين"وقال صلى الله عليه ع ّم َ وَلم ُتب َ
عثوا ُ سرين َمي َ ّ
عثُتم ُ
بُ ِ
َ
غل َب َ ُ
ه" حدٌ إ ِل ّ َ
نأ َ وَلن ي ُ َ
شاد الدي َ ن ُيسرَ ، ن هذا الدي ُوسلم" :إ ِ ّ
فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه ،ثم شرح ذلك فقال:
ه" بمعنى تتذلل له بالعبادة حبا ً وتعظيمًا ،فبالمحبة " َتعب ُدَ الل َ
تفعل الطاعات ،وبالتعظيم تترك المعاصي.
ه شيئا ً" أي شي يكون حتى النبياء ،بل النبياء رك ب ِ ِ "ل ُتش ِ
ما جاؤوا إل لمحاربة الشرك ،فل تشرك به شيئا ً ل ملكا ً
ل،مقربًا،ول نبيا ً مرس ً
حجوت َ ُ
نَ ، ضا َ
م َ
وَتصوم َر َ ةَ ،
كا َوُتؤتي الز َ ةَ ، صل َ وُتقيم ال َ قالَ ":
ت" هذه أركان السلم الخمسة ،وقد مرت. الَبي َ
َ ثم قال" :أ َل َ أ َدُل ّ َ
ر" أبواب أي مسائل، خي ِب ال َوا ِعَلى أب َ ك َ
وأبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج،
وتستعمل في المسائل ،ومن هذا قول العلماء في
مؤلفاتهم:هذا الباب في كذا وكذا .وقول المحدثين :ل يصح
في هذا الباب شيء ،أي ل يصح في هذه المسألة شيء.
ر" أي مسائل الخير ،ويجوز أن يكون خي
َ ال ب وا أبفقولهَ " :
ِ ِ َ
المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج.
َ "َأل أ َدُل ّ َ
ر" والجواب :بلى ،لكن حذف للعلم خي ِ ب ال َ وا ِ عَلى أب َ ك َ
به ،لنه لبد أن يكون الجواب بلى.
ة" أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع م جن ٌ صو ُ قال" :ال ّ
صاحبه في الخرة.
أما في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات
ة من النار، جن ّ ٌ
الممنوعة في الصوم ،وأما في الخرة فهو ُ
يقيك من النار يوم القيامة.
1
)البقرة :الية (185
160
والصوم :التعبد لله تعالى بالمساك عن المفطرات من
طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ماءُ الّناَر" فىء ال َ
ما ُيط ِ خطيَئة ك َ َ
فىء ال َ قة ُتط ِ صد َ َ
وال ّ " َ
الصدقة مطلقا ً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع،و سواء كانت
قليلة أو كثيرة.
ئة" أي خطيئة بني آدم ،وهي المعاصي. خطي َ فئ ال َ "ُتط ِ
ماءُ الّناَر" والماء يطفئ النار بدون تردد، فئ ال َ ما ُيط ِ "ك َ َ
فشبه النبي صلى الله عليه وسلم المر المعنوي بالمر
الحسي.
ل" هذه معطوفة على قوله ف الّلي ِ جو ِجل في َ صلةُ الّر ُ و َ " َ
"الصدقة" أي وصلة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة،
وجوف الليل وسطه كجوف النسان.
نع ِ
م َ ه ْجُنوب ُ ُ
فى ُجا َ
ثم تل صلى الله عليه وسلم ) :ت َت َ َ
م
ه ْقَنا ُما َرَز ْم ّ و ِ معا ً َوط َ َ وفا ً َخ ْم َه ْ ن َرب ّ ُ عو َ ع ي َدْ ُ
ِ ج
ضا ِ م َ ال ْ َ
ن
عي ُ ٍة أَ ْقّر ِن ُ م ْم ِ ه ْ ي لَ ُ
ف َخ ِما أ ُ ْ
س َ ف ٌ م نَ ْ عل َ ُفل ت َ ْن* َ قو َ ف ُ
ي ُن ْ ِ
ن
ع ِ
م َ ه ْجُنوب ُ ُفى ُ جا َن* ( تل أي قرأ )ت َت َ َ مُلو َ 1
ع َكاُنوا ي َ ْما َ جَزاءً ب ِ َ َ
ع( هذا في وصف المؤمنين ،أي أنهم ل ينامون ج ِ ضا ِ م َ ال ْ َ
معًا( إن ذكروا ذنوبهم خافوا ،وإن وط َ َ وفا ً َ خ ْم َ ه ْ ن َرب ّ ُ عو َ )ي َدْ ُ
ما
م ّو ِ
ذكروا فضل الله طمعوا ،فهم بين الخوف و الرجاءَ ) ،
ن( ) من ( هنا إما أن تكون للتبعيض قو َ ف ُ م ي ُن ْ ِ ه ْقَنا ُ َرَز ْ
والمعنى ينفقون بعضها ،أو تكون للبيان،والمعنى ينفقون
س
ف ٌ م نَ ْعل َ ُفل ت َ ْ مما رزقهم الله عّز وجل قليل ً كان أو كثيرا ً ) َ
ن( ،2 مُلو َ ع َكاُنوا ي َ ْ ما َجَزاءً ب ِ َ ن َ عي ُ ٍ ة أَ ْ ن ُ
قّر ِ م ْ م ِ ه ْ ي لَ ُ ف َ خ ِ ما أ ُ ْ َ
استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الية على فضيلة
ة
و ِ ك برأ َس ا َ َ قيام الليل،ثم قال" :أ َل َ ُ
ه،وِذر َ عموِد ِ و َ رَ ،
ِ لم ِ َ ِ رُ ِ ب أخ
ه" ثلثة أشياء: م ِ سَنا ِ ِ
َ َ
لسلم " أمر را ِ س الم ِ لَ :رأ ُ قا َ ل اللهَ ، سو َ ت :ب ََلى َيا َر ُ قل ُ " ُ
ق ،رأسه السلم ،أي أن يسلم لله خل ِ َ النسان الذي من أجله ُ
تعالى ظاهرا ً وباطنا ً بقلبه وجوارحه.
1
]السجدة[17-16:
2
)السجدة(17:
161
ه الصلة" أي عمود السلم الصلوات ،والمراد بها عموِد ِ و َ" َ
الصلوات الخمس ،وعمود الخيمة ما تقوم عليه ،وإذا أزيل
سقطت.
ل الله" ذكر الجهاد أنه ذروة سبي ِ هاد في َ ج َ ه ال ِ م ِ سَنا ِ ة ِ و ِوِذر َ" َ
هُنوا ول ت َ ِالسنام،لن الذروة أعلى شيء ،قال الله تعالىَ ) :
م اْل َ ْ ول ت َحزُنوا َ
مِنينَ( م ْ
ؤ ِ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ ن إِ ْ
و َعل َ ْ وأن ْت ُ ُ
1
َ ْ َ َ
وقوله" :الجهاد" يعني في سبيل الله عّز وجل والجهاد في
سبيل الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان ،فقد
سئل عن الرجل يقاتل حمية ،ويقاتل شجاعة ،ويقاتل ليرى
ة ن ك َل ِ َ
م ُ ل ل َِتكو َ من َ
قات َ َ مكانه ،أي ذلك في سبيل الله؟ فقالَ " :
ه"ل الل ِ سبي ِو في َ فه َ علَيا َ ه هي ال ُ الل ِ
كله" ملك الشيء ما يملك ك ُ ذل َ ملك َ ُ َ
ثم قال" :أل َ أخب ُِر َ
ك بِ َ
به ،والمعنى ما تملك به كل هذا .
لَ َ :
ل :ك ُ ّ
ف و َ
قا َ ه َ
فأخذ ب ِِلسان ِ ِ سول اللهَ ،
قا َ ت:ب ََلى َيا َر ُ " ُ
قل ُ
هذا" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ك َعلي ََ
هذا" أي لتطلقه في القيل والقال ،وقد علي َ
ك َ ف َ وقال" :ك ُ ّ
خيَرا ً فلي َ ُ
قل َ ر َ
خ ِ
والَيوم ِ ال ِ
ه َ
ن ِبالل ِ
م ُ
ن ُيؤ ِ ن َ
كا َ م ْ
تقدم قولهَ " :
مت" فل تتكلم إل بخير. َ
أو لَيص ُ
به"
ِ ن ِبما ن َت َك َّلم وإ ِّنا َلمؤا ِ
خذو َ ي الله َ
تَ :يا َنب ّ " ُ
قل ُ
والمعنى:أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذا ً رضي
الله عنه تعجب كيف يؤاخذ النسان بما يتكلم به.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثا ً على أن يفهم:
عاذ" أي فقدتك ،وهذه الكلمة يقولها العرب م َ "ث َكَلت َ ُ
م َ
ك َيا ُ كأ ّ ِ
للغراء والحث،ول يقصدون بها المعنى الظاهر ،وهو أن
تفقده أمه.،
عَلى َ
لَ : ههم ،أو َ
قا َ جو ِ
على و ُ ر َ
ِ س في النا
ب الّنا َ هل ي َك ُ ّ
و َ" َ
سن َِتهم" أي ما خرهم" هذا شك من الراوي "إل حصائ َ
د أل ِ
ُ َ ِ مَنا ِ ِ
يحصدون بألسنتهم من القوال.
لما قال هذا الكلم اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن
ملك المر كف اللسان،لن اللسان قد يقول الشرك ،وقد
يقول الكفر ،وقد يقول الفحشاء ،فهو ليس له حد.
1
)آل عمران(139:
162
* من فوائد الحديث :
-1حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم ،ولهذا يكثر
منهم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العلم .
ولكن هل سؤالهم رضي الله عنهم لمجرد أن يعلموا بالحكم،
أولجل أن يطبقوه؟
الجواب :الثاني ،عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ،حيث
يسأل ليعرف الحكم فقط ،ثم هو بالخيار إن شاء فعل وإن
شاء لم يفعل ،وهذا غلط،بل اجعل غايتك من العلم العمل به
دون الطلع على أقوال الناس.
-2علو همة معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث لم يسأل عن
ن
ع ْ أمور الدنيا ،بل عن أمور الخرة،حيث قال" :أ َ ْ
خِبرِني َ
نار" .
ال ّ ن
م َ
عدُِني ِ
ة وي َُبا ِ خُلني ال َ
جن ّ َ ل ُيد ِ
م ٍ
ع َ
َ
3.إثبات الجنة والنار ،واليمان بهما أحد أركان اليمان الستة
كما سبق.
4.أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار ،لن النبي صلى
الله عليه وسلم أقره على هذا.
5.أن هذا السؤال الذي صدر من معاذ رضي الله عنه سؤال
عظيم ،لنه في الحقيقة هو سر الحياة والوجود ،فكل
ن غايته إما موجود في هذه الدنيا من بني آدم أو من الج ّ
الجنة وإما النار ،فلذلك كان هذا السؤال عظيمًا.
6.أن هذا وإن كان عظيما ً فهو يسير على من يسره الله
عليه.
7.أنه ينبغي للنسان أن يسأل الله تعالى التيسير ،أن ييسر
أموره في دينه ودنياه،
هل عب ُدَ الل َ8.ذكر أركان السلم الخمسة ،في قوله" :ت َ ْ
م
صو َوت َ ُ
ةَ ، وُتؤِتي الّز َ
كا َ ةَ ،
صل َ
م ال ّقي ْ َ شيئًاَ ،
وت ُ ِ ه َ كب ِر ْ ُتش ِ
ت" ولم يذكر الرسالة ،لن عبادة الله ج الب َي ْ َ
ح ّ
وت َ ُ
نَ ،ضا َ م ََر َ
تتضمن الرسالة ،إذ ل يمكن أن يعبد النسان ربه إل بما شرع
نبيه.
مات وأعلى الواجبات عبادة الله وحده 9.أن أغلى المه ّ
لشريك له ،أي التوحيد.
163
َ 10.قولهَ" :أل أ َدُل ّ َ
ر" وهذا من عادته أنه خي ْ ِ
ب ال َ وا ِ عَلى أب ْ َك َ
إذا دعت الحاجة إلى ذكر شيء يضاف إلى الجواب أضافه .
11.أن الصوم جنة وبناء على هذا فمن لم يكن صومه جنة له
فإنه ناقص ،ولهذا يحرم على النسان تناول المعاصي في
حال الصوم.
ولكن هل المعاصي تبطل الصوم أو ل؟
فالجواب :إن كان هذا المحرم خاصا ً بالصوم أفسد الصوم،
وإن كان عاما ً لم يفسده.
12.أن الصدقة تطفئ الخطيئة ،ففيه الحث على الصدقة
فإذا كثرت خطاياك فأكثر من الصدقة فإنها تطفئ الخطيئة،
في ظِ ّ
ل ئ ِ ر ٍ م ِ
لا ْ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم" :ك ُ ّ
ة"وقال النبي صلى الله عليه وسلم: م ِقَيا َ م ال ِ و َ
ه يَ ْ
قت ِ ِصد َ َ
َ
م
ما ٌ
ه :إ َل إ ِل ّ ظِل ّ ُ م ل ظِ ّ و َ في ظل ّ ِ
ه يَ ْ ه ِم الل ُ ة ي ُظِل ّ ُ
ه ُ ع ٌ"سب ْ َ
حّتى
ها َ
فا َ فأ َ ْ
خ َ ة َ صد َ َ
ق ٍ صدّقَ ب ِ َ
ل تَ َج ٌ وَر ُ قا َ
لَ : ن َ َ
ل ..،إلى أ ْ عاِد ٌ َ
ه"مي ْن ُ ُق يَ ِ
ف ُما ت ُن ْ ِ
ه َ مال ُ ُ
ش َ عل َ َ
م ِ لت َ ْ
13.أن الخطيئة فيها شيء من الحرارة لنه يعذب عليها
النسان بالنار ،والماء فيه شيء من البرودة ،ولهذا شبه
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالماء يطفىء النار.
14.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ،وما أكثر ما يمر
علينا حسن تعليمه صلوات الله وسلمه عليه
15.الحث على صلة الليل ،وبيان أنها تطفئ الخطايا كما
يطفئ الماء النار.
-16.استدلل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع أن
القرآن أنزل عليه ،لكن القرآن يستدل به لن كلم الله
فىجا َ
تعالى مقنع لكل أحد ،ولهذا تل هذه الية) :ت َت َ َ
1
م(ه ْ جُنوب ُ ُ
ُ
فإن قال قائل :لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من
ن ت ال ْ ُ ذا َ ْ الشيطان الرجيم ،وقد قال الله تعالىَ ) :
فإ ِ َ
قْرآ َ قَرأ َ
2
جيم ِ(ن الّر ِ شي ْ َ
طا ِ ن ال ّ
م َ
ه ِعذْ ِبالل ّ ِست َ ِ فا ْ َ
فالجواب :أن هذه الية ل يراد بها التلوة ،وإنما يراد بها
ن( يعني ت ال ْ ُ ذا َ ْ الستدلل ،والية الكريمةَ ) :
فإ ِ َ
قْرآ َ قَرأ َ
1
)السجدة :الية (16
2
)النحل(98:
164
للتلوة ،وأحاديث كثيرة من هذا النوع ُيذكر فيها الستشهاد
باليات،ول يذكر فيها الستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
17.فضيلة أولئك القوم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع،
لنهم يشتغلون بالصلة يدعون ربهم خوفا ً وطمعا ً .
18.ومن فوائد الية التي استشهد بها النبي صلى الله عليه
وسلم :أنه ينبغي للنسان أن يكون عند دعوة الله عّز وجل
ً 1
معا ( وط َ َوفا ً َ خ ْ
م َه ْن َرب ّ ُ خائفا ً راجيًا ،لقوله) :ي َدْ ُ
عو َ
والمراد دعاء العبادة ودعاء المسألة .
19.ومن فوائد الية المذكورة في الحديث :فضيلة النفاق
ن(.2قو َ ف ُم ي ُن ْ ِ
ه ْ ما َرَز ْ
قَنا ُ م ّو ِ مما رزق الله العبد ،لقولهَ ( :
20ومن فوائد الحديث :أن رأس المر -أي أمر الدنيا
والخرة -السلم .والسلم هوما بعث به النبي صلى الله
عليه وسلم ،إذ بعد بعثته ل إسلم إل ما كان على شريعته،
وعلى هذا فلو سألك سائل :هل اليهود مسلمون؟ هل
النصارى مسلمون؟
فالجواب :أن اليهود في حال قيام شريعة التوراة إذا اتبعوها
فهم مسلمون ،وكذلك النصارى في حال قيام النجيل إذا
اتبعوه فهم مسلمون ،ولهذا في القرآن الكريم ذكر السلم
لهؤلء وهؤلء .وأما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
فإن كل من كفر به ليس بمسلم حتى لو قال:أني أسلمت.
21.أن الصلة عمود الدين ،والعمود ل يستقيم البناء إل به.
ويتفّرع على هذا :أن من ترك الصلة فهو كافر ،لن العمود
إذا سقط لم يستقم البناء ،وهذا القول هو القول الراجح
الذي دل عليه كتاب الله ،وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ،وأقوال الصحابة رضي الله عنهم حتى حكي هذا
القول إجماعا ً من الصحابة ،وهو مقتضى النظر والقياس ،إذ
كيف يمكن لمؤمن بالله واليوم الخر أن يحافظ على ترك
الصلة؟ ليمكن هذا أبدًا.
ويرى بعض أهل العلم من السابقين واللحقين أن ترك
صلة واحدة حتى يخرج وقتها بل عذر كفر.
ولكن الذي أرى :أنه ل يكفر إل إذا ترك الصلة نهائيًا.
1
)السجدة :الية (16
2
)السجدة :من الية (16
165
22.أن الجهاد ذروة سنام السلم ،والذروة هو الشيء
العالي ،لنه إذا استقام الجهاد فمقتضاه أن المسلمين تكون
كلمتهم هي العليا ،وهذا ذروة السنام.
ولكن يقيد هذا الطلق بما إذا كان الجهاد في سبيل الله عّز
وجل يتعّين .
23.أن ملك هذا كله كف اللسان ،لقول النبي صلى الله
ه" ك ك ُل ّ ِ ك ذَل ِ َك ِبمل ِ خب ُِر َ عليه وسلمَ" :أل أ ُ ْ
24.خطورة اللسان ،فاللسان من أخطر ما يكون .
ل: قا َ و َ ه َ سان ِ ِ خذَ ب ِل ِ َ25.التعليم بالقول وبالفعل ،لقوله" :أ َ َ
ذا" .ه َ
ك َ عل َي ْ َ
ف َ كُ ّ
26.أن الصحابة رضي الله عنهم ل يبقون في نفوسهم
إشكال ً ول قلقًا ،بل يسألون عنه حتى ينكشف المر.
ومن هنا نأخذ فائدة عظيمة وهي:أن ما لم يسأل عنه
الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد في الكتاب والسنة من
ف عنها ،فإذا سألك إنسان عن مسائل العتقاد فالواجب الك ّ
شيء في العتقاد،سواء في أسماء الله ،أو صفات الله أو
أفعال الله ،أو في اليوم الخر أو غيره ولم يسأل عنه
الصحابة فقل له:هذا بدعة ،لو كان خيرا ً لسبقونا إليه لنهم
-والله -أحرص منا على العلم ،وأشد منا خشية لله تعالى.
27.جواز إطلق القول الذي ل يقصد وإنما يدرج على
عاذُ" هذه الكلمة دعاء ،لكنها م َ اللسان ،لقوله" :ث َكل َت ْ َ ُ
م َ
ك َيا ُ كأ ّ ِ
تجري على اللسن لقصد الحث ل للدعاء ،وهي موافقة
للقاعدة الشرعية،وهي أن الله تعالى ل يؤاخذ باللغو كما
في أ َ
نول َك ِ ْ
َ مْ ُ كِ نما َ ْ ي و ِ غ ِ ه ِبالل ّ ْم الل ّ ُ خذُك ُ ُ ؤا ِ قال الله تعالى) :ل ي ُ َ
َ
ن( 1وفي الية الخرى) :ل ما َ م اْلي ْ َ قدْت ُ ُ ع ّ
ما َ م بِ َخذُك ُ ْؤا ِيُ َ
َ
ما خذُك ُ ْ
م بِ َ ؤا ِ ول َك ِ ْ
ن يُ َ مان ِك ُ ْ
م َ في أي ْ َ
و ِ ه ِبالل ّ ْ
غ ِ م الل ّ ُخذُك ُ ُ ؤا ِيُ َ
م( 2وعلى هذا فما يجري على اللسان من قُلوب ُك ُ ْت ُ سب َ ْكَ َ
اليمان ل يؤاخذ به النسان .
28.أن أهل النار -والعياذ بالله -قد يكبون في النار على
عَلىفي الّنار َ
س ِ
ب الّنا َل ي َك ُ ّ
ه ْ
و َ
وجوههم ،لقولهَ " :
هم" وهذا اختلف لفظ ر ِ
خ ِ
مَنا ِعَلى َ هم أو قالَ : ه ِ
جو ِ
و ُ
ُ
1
)المائدة :الية (89
2
)البقرة :الية (225
166
والمعنى واحد،لن المنخر في الوجه ،واسمع قول الله عّز
وجل) :أ َ
ب( 1العادة أن النسان ذا ِ سوءَ ال ْ َ
ع َ ه ُ ه ِِ ج
ْ و
َ ِ ب قي ِ ّ تَ ي ن
ْ م
َ َ
ف
يتقي العذاب بيده ،لكن أهل النار -أجارنا الله منها بمّنه
وكرمه -ل يستطيعون ،تلفح وجوههم النار،يتقي بوجهه
سوء العذاب
29.الحذر من إطلق اللسان ،وقد مّر علينا في الحاديث
السابقة .
30تحّري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله حيث
ل على المانة هم" وهذا يد ّ ر ِ
خ ِمَنا ِ
هم أو َ ه ِ
جو ِ و ُ عَلى ُ قالَ " :
مة في نقل الحاديث .ولله الحمد . التا ّ
1
)الزمر :الية (24
167
الحديث الثلثون
عل َب َ َ َ
ر رضي الله عنه ش ٍ ن َنا ِ جرُثوم ِ ب ِ ي ُ شن ِ ّخ َة ال ُ ي ثَ ْ ن أب ِ ْ ع ْ َ
ضفَر َ ه َن الل َ قا َ
ل ) :إ ِ ّ ه صلى الله عليه وسلم َ ل الل ِ سو ِ عن َر ُ َ
شَياءَمأ َْ دودَا ً َ ض َ َ
حّر َو َها َ دو َ عت َ ُ فل ت َ ْ ح ُحد ّ ُ و َهاَ ، عو َ ضي ّ ُ فل ت ُ َ فَرائ ِ َ
فلن َ سَيا ٍ غي َْر ن ِ ْم َ ة ل َك ُ ْ م ًح َشَياءَ َر ْ ن أَ ْع ْ ت َ سك َ َو َ هاَ ، كو َ ه ُ فل ت َن ْت َ ِ َ
ها( حديث حسن رواه الدارقطني وغيره. عن ْ َ حُثوا َ ت َب ْ َ
الشرح
ض" أي أوجب قطعًا ،لنه من الفرض وهو القطع. فَر َ " َ
ض" مثل الصلوات الخمس ،والزكاة، فَرائ ِ َ ض َ فَر َ " َ
والصيام،والحج،وبر الوالدين ،وصلة الرحام ،ومال يحصى.
ها" أي تهملوها فتضيع ،بل حافظوا عليها. عو َ ضي ّ ُفل ت ُ َ " َ
حدودَا ً َ
فل َتعَتدوها" الحد في اللغة المنع ،ومنه الحد د ُ ح ّ
و َ " َ
بين الراضي لمنعه من دخول أحد الجارين على الخر ،وفي
الصطلح قيل:إن المراد بالحدود الواجبات والمحرمات.
تتعدى ،والمحرمات حدود ل تقرب. فالواجبات حدود ل ُ
وقال بعضهم :المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة
الزنا ،وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك.
ولكن الصواب الول،أن المراد بالحدود في الحديث محارم
الله عّز وجل الواجبات والمحرمات ،لكن الواجب نقول:ل
تعتده أي لتتجاوزه ،والمحرم نقول :ل تقربه ،هكذا في
القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الكل والشرب على
168
ها ( 1ولما ذكر العدة دو َعت َ ُفل ت َ ْ ه َ دودُ الل ّ ِ ح ُك ُ الصائم قال) :ت ِل ْ َ
ها (.2
فل َتقَرُبو َ ه َ دودُ الل ّ ِ ح ُك ُ وما يجب فيها قال) :ت ِل ْ َ
ها" أي فل تفعلوها ،مثل :الزنا، هكو َ فل َتنت َ ِ م َأشَياء َ حّر َ و َ " َ
وشرب الخمر ،والقذف ،وأشياء كثيرة ل تحصى.
َ
ها"عن َ حثوا َ فل َتب َغيَر نسَيان َ م َ ة ل َك ُ ْ
م ً ن أشَياء َرح َ ع ْ
ت َ سك َ َو َ " َ
سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها.
قال :سكت بمعنى لم يقل فيها شيئا ً ،ول أوجبها ول
حرمها.
ما
و َغي َْر نسَيان" أي أنه عّز وجل لم يتركها ناسيا ً ) َ وقولهَ " :
سي ّا ً( 3ولكن رحمة بالخلق حتى ل يضيق عليهم. ك نَ ِ ن َرب ّ َ كا َ َ
ها" أي ل تسألوا ،مأخوذ من بحث الطائر في عن َ حثوا َ فل َتب َ " َ
قُبوا عنها،بل دعوها. الرض ،أي ل ت ُن َ ّ
* من فوائد الحديث :
-1إثبات أن المر لله عّز وجل وحده ،فهو الذي يفرض،وهو
الذي يوجب،وهو الذي يحرم ،فالمر بيده ،ل أحد يستطيع أن
ن
يوجب مالم يوجبه الله ،أو يحرم مالم يحرمه الله،لقوله" :إ ِ ّ
م َأشَياء" حر َ و َلَ " : قا َ رائض" ...و َ ف َض َ فَر َ ه َ الل َ
فإن قال قائل :هل الفرض والواجب بمعنى واحد ،أو
الفرض غير الواجب؟
فالجواب:أما من حيث التأثيم بترك ذلك فهما واحد.
وأما من حيث الوصف:هل هذا فرض أو واجب؟ فقد اختلف
العلماء -رحمهم الله -والصواب :أن الفرض والواجب بمعنى
واحد ،ولكن إذا تأكد صار فريضة ،وإذا كان دون ذلك فهو
واجب ،هذا هو القول الراجح في هذه المسألة .
2.أن الدين السلمي ينقسم إلى فرائض ومحرمات.
3.وجوب المحافظة على فرائض الله عّز وجل ،مأخوذ من
النهي عن إضاعتها ،فإن مفهومه وجوب المحافظة عليها.
4.أن الله عّز وجل حد حدودًا ،بمعنى أنه جعل الواجب بينا ً
والحرام بينًا:
ها".فل َ َتعَتدو َ 5.تحريم تعدي حدود الله ،لقولهَ " :
1
)البقرة :الية (229
2
]البقرة[187:
3
)مريم :الية (64
169
6.أنه ل يجوز تجاوز الحد في العقوبات .
7.وصف الله عّز وجل بالسكوت ،هذا من تمام كماله عّز
وجل ،أنه إذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم.
ز وجل . 8.أنه يحرم على النسان أن ينتهك محارم الله ع ّ
وطرق التحريم كثيرة ،منها :النهي ،ومنها :التصريح
بالتحريم،ومنها :ذكر العقوبة على الفعل ،ولثبات التحريم
طرق.
9.أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه ،ولم يحده ،ولم ينه عنه
فهو الحلل ،لكن هذا في غير العبادات،فالعبادات قد حرم
الله عّز وجل أن يشرع أحد الناس عبادة لم يأذن بها الله عّز
ها". ه ُ
كو َ َ تتن
َ َ ل َ
ف ياء أش وجل ،فتدخل في قوله" :حرم َ
ِ َ َ ّ َ
لن الصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل عليها،وغير
ت عنه فهو مباح. سك ِ َذلك الصل فيه الباحة ،فما ُ
10.أنه ل ينبغي البحث عما سكت الله تعالى عنه ورسوله .
وهل هذا النهي في عهد الرسالة ،أم إلى الن ؟
في هذا قولن للعلماء منهم من قال :هذا خاص في عهد
الرسالة ،لن ذلك عهد نزول الوحي ،فقد يسأل النسان عن
شيء لم ُيحرم فيحرم من أجله ،أو عن شيء لم يجب
فيوجب من أجله .
أما بعد عهد الرسالة فل بأس أن يبحث النسان.
ولكن الصواب في هذه المسالة أن النهي حتى بعد عهد
الرسالة إل أنه إذا كان المراد بالبحث التساع في العلم كما
يفعله طلبة العلم ،فهذا ل بأس به ،لن طالب العلم ينبغي
أن يعرف كل مسألة يحتمل وقوعها حتى يعرف الجواب،
وأما إذا لم يكن كذلك فل يبحث ،بل يمشي على ما كان عليه
الناس.
ة
م ً
11.إثبات رحمة الله عّز وجل في شرعه ،لقولهَ" :رح َ
كم" وكل الشرع رحمة،لن جزاءه أكثر بكثير من بِ ُ
العمل،فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى
أضعاف كثيرة ،ومع ذلك فالله عّز وجل خفف عن العباد ،
وسكت عن أشياء كثيرة لم يمنعهم منها ولم يلزمهم بها.
غيَر نسَيان" 12.انتفاء النسيان عن الله عّز وجل ،لقوله " َ
ماو َ وقد جاء ذلك في القرآن الكريم،فقال الله عّز وجلَ ) :
170
سي ًّا(]مريم [64 :وقال موسى عليه الصلة ك نَ ِن َرب ّ َ كا َ َ
قا َ
ل والسلم لفرعون لما سأله ما بال القرون الولىَ ) :
سى( )طـه(52 : ول ي َن ْ َ
ل َرّبي َ ض ّب ل يَ ِ في ك َِتا ٍعن ْدَ َرّبي ِ ها ِ م َعل ْ ُ ِ
هسوا الل ّ َ فإن قال قائل :ما الجواب عن قول الله تعالى) :ن َ ُ
م()التوبة :الية (67فأثبت لنفسه النسيان؟ ه ْ سي َ ُفن َ ِ َ
فالجواب:أن المراد:النسيان هنا نسيان الترك ،يعني تركوا
الله فتركهم .فهؤلء تعمدوا الشرك وترك الواجب ،ولم
ه( ]التوبة [67:أي تركوا سوا الل ّ َ يفعلوا ذلك نسيانًا .إذًا) :ن َ ُ
م( أي فتركهم. ه ْسي َ ُ دين الله ) َ
فن َ ِ
أما النسيان الذي هو الذهول عن شيء معلوم فهذا ل يمكن
أن يوصف الله عّز وجل به ،بل يوصف به النسان،لن
النسان ينسى ،ومع ذلك ل يؤاخذ بالنسيان لنه وقع بغير
اختيار.
13.حسن بيان النبي صلى الله عليه وسلم حيث ساق
الحديث بهذا التقسيم الواضح البين والله أعلم.
171
الشرح
ل" لم يعين اسمه ،ومثل هذا ل حاجة إليه، ج ٌ
جاءَ َر ُقوله " َ
ولينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل،
وهذا يأتي في أحاديث كثيرة ،إل إذا كان يترتب على معرفته
بعينه اختلف الحكم فلبد من معرفته.
وَأحّبني
حّبني اللهَ ،
عملت ُ َ
هأ َُ ذا َل إِ َ
م ٍ عَلى َ
ع َ دلني َ وقولهُ " :
الّناس" هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين ،أولهما محبة
الله عّز وجل والثانية محبة الناس.
172
فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين
دنَيا" والزهد في الدنيا الرغبة هد في ال ّ محدد،فقال" :از َ
عنها ،وأن ل يتناول النسان منها إل ما ينفعه في الخرة،
وهو أعلى من الورع ،لن الورع :ترك ما يضر من أمور الدنيا
،والزهد :ترك مال ينفع في الخرة ،وترك ما ل ينفع أعلى
من ترك ما يضر .
هدك الله" هو بالجزم على أنه جواب :از َ حب َ وقوله" :ي ُ ِ
والدنيا :هي هذه الدار التي نحن فيها ،وسميت بذلك
لوجهين:
الوجه الول :دنيا في الزمن.
الوجه الثاني :دنيا في المرتبة.
فهي دنيا في الزمن لنها قبل الخرة ،ودنيا في المرتبة
لنها دون الخرة بكثير جدًا ،قال النبي صلى الله عليه
َ
ماو َدنَيا َن ال ّ
م َخيٌر ِة َ
جن ّ ِ
كم في ال َ د ُح ِ
طأ َ ع سو ِ ض ُ
مو ِ وسلم" :ل َ َ
خيٌر ر َفج ِ عَتا ال َ
ها"وقال النبي صلى الله عليه وسلم "رك َ في َ
ها"إذا ً الدنيا ليست بشيء. ما في َ و َ
دنَيا َ ن ال ّم َ
ِ
ك الّناس" أي ل تتطلع حب َعندَ الَناس ي ُ ِ ما ِهد في َ وقوله" :واز َ
لما في أيديهم ،ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس،
وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن ل تسأل الناس شيئًا،
لنك إذا سألت أثقلت عليهم ،وكنت دانيا ً سافل ً بالنسبة
لهم،فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الخذة.
* من فوائد الحديث :
-1علو-همم الصحابة رضي الله عنهم ،فل تكاد تجد أسئلتهم
إل لما فيه خير في الدنيا أو الخرة أو فيهما جميعًا.
وهنا السؤال :هل الصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا مثل
هذا السؤال يريدون أن يطلعوا فقط ،أو يريدون أن يطلعوا
ويعملوا؟
الجواب:الثاني،بخلف كثير من الناس اليوم-نسأل الله أن
ليجعلنا منهم .
2.إثبات محبة الله عّز وجل،أي أن الله تعالى يحب محبة
حقيقية.
ولكن هل هي كمحبتنا للشيء؟
173
الجواب:ل ،حتى محبة الله لنا ليست كمحبتنا لله ،بل هي
أعلى وأعظم ،وإذا كنا الن نشعر بأن أسباب المحبة
متنوعة،وأن المحبة تتبع تلك السباب وتتكيف بكيفيتها
فكيف بمحبة الخالق؟!! ل يمكن إدراكها.
3.أن النسان ل حرج عليه أن يطلب محبة الناس،أي أن
يحبوه،سواء كانوا مسلمين أو كفارا ً حتى نقول:ل حرج عليه
أن يطلب محبة الكفار له ،لن الله عّز وجل قال ) :ل
ول َ ْ
م ن َ دي ِ
في ال ّم ِ قات ُِلوك ُ ْ
م يُ َ ن لَ ْذي َ ن ال ّ ِ ِ ع
ه َ م الل ّ ُ هاك ُ ُ ي َن ْ َ
َ ق ِ ُ َ
م ( ومنه ْ
1
سطوا إ ِلي ْ ِ وت ُ ْ
م َ ه ْ
ن ت َب َّرو ُمأ ْ رك ُ ْن ِدَيا ِ م ْ
م ِ جوك ُ ْ ر ُ
خ ِ يُ ْ
المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يحبونه،أو
عدل فيهم فسوف يحبونه،والمحذور أن تحبهم أنت .
4.فضيلة الزهد في الدنيا ،ومعنى الزهد :أن يترك مال ينفعه
في الخرة.
وليس الزهد أنه ل يلبس الثياب الجميلة ،ول يركب السيارات
الفخمة ،وإنما يتقشف ويأكل الخبز بل إدام وما أشبه ذلك،
ولكن يتمتع بما أنعم الله عليه،لن الله يحب أن يرى أثر
نعمته على عبده ،وإذا تمتع بالملذ على هذا الوجه صار نافعا ً
له في الخرة .
5.أن الزهد مرتبته أعلى من الورع .
هد في6.أن الزهد من أسباب محبة الله عّز وجل لقوله "از َ
ه" ومن أسباب محبة الله للعبد وهو أعظم ك الل ُ حب َ الدنَيا ي ُ ِ
السباب :اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
ه( )آل عمران: م الل ّ ُ
حب ِب ْك ُ ُ
عوِني ي ُ ْ
فات ّب ِ ُ ن الل ّ َ
ه َ حّبو َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م تُ ِ ل إِ ْ ق ْ) ُ
(31
7.الحث والترغيب في الزهد فيما عند الناس ،لن النبي
صلى الله عليه وسلم جعله سببا ً لمحبة الناس لك ،وهذا
يشمل أن ل تسأل الناس شيئًا ،وأن لتتطلع وتعّرض بأنك
تريد كذا.
ولكن هنا مسألة :إذا علمت أن صاحبك لو سألته لسره ذلك،
فهل تسأله؟
الجواب:نعم،لن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اللحم
على النار قال" :ألم أَر البرمة على النار" قالوا:يا رسول
1
)الممتحنة :الية (8
174
الله :هذا لحم تصدق به على بريرة ،فقال" :هو لها صدقة،
ولنا هدية"،لننا نعلم علم اليقين أن بريرة رضي الله عنها
سوف تسر ،فإذا علمت أن سؤالك يسر صاحبك فل حرج
والله الموفق.
الشرح
ل" لم يعين اسمه ،ومثل هذا ل حاجة إليه، ج ٌ جاءَ َر ُ قوله " َ
ولينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل،
وهذا يأتي في أحاديث كثيرة ،إل إذا كان يترتب على معرفته
بعينه اختلف الحكم فلبد من معرفته.
وَأحّبني حّبني اللهَ ، هأ َ
عملت ُ َ
ُ ذا َل إِ َم ٍع َعَلى َ دلني َ وقولهُ " :
الّناس" هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين ،أولهما محبة
الله عّز وجل والثانية محبة الناس.
فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين
دنَيا" والزهد في الدنيا الرغبة عنها، هد في ال ّ محدد،فقال" :از َ
وأن ل يتناول النسان منها إل ما ينفعه في الخرة ،وهو
أعلى من الورع ،لن الورع :ترك ما يضر من أمور الدنيا ،
والزهد :ترك مال ينفع في الخرة ،وترك ما ل ينفع أعلى
من ترك ما يضر .
هدك الله" هو بالجزم على أنه جواب :از َ حب َ وقوله" :ي ُ ِ
والدنيا :هي هذه الدار التي نحن فيها ،وسميت بذلك
لوجهين:
الوجه الول :دنيا في الزمن.
الوجه الثاني :دنيا في المرتبة.
فهي دنيا في الزمن لنها قبل الخرة ،ودنيا في المرتبة
لنها دون الخرة بكثير جدًا ،قال النبي صلى الله عليه
َ
ماو َدنَيا َن ال ّ
م َخيٌر ِة َ
جن ّ ِكم في ال َ د ُ ح ِ
طأ َ ع سو ِ ض ُمو ِ وسلم" :ل َ َ
خيٌر ر َفج ِ عَتا ال َ
ها"وقال النبي صلى الله عليه وسلم "رك َ في َ
ها"إذا ً الدنيا ليست بشيء. ما في َ و َ
دنَيا َ ن ال ّم َ
ِ
ك الّناس" أي ل تتطلع حب َ عندَ الَناس ي ُ ِ ما ِهد في َ وقوله" :واز َ
لما في أيديهم ،ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس،
وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن ل تسأل الناس شيئًا،
لنك إذا سألت أثقلت عليهم ،وكنت دانيا ً سافل ً بالنسبة
لهم،فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الخذة.
1
)الممتحنة :الية (8
177
السباب :اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
م الل ّ ُ
ه( حب ِب ْك ُ ُ
عوِني ي ُ ْ
فات ّب ِ ُ ن الل ّ َ
ه َ حّبو َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م تُ ِ ) ُ
ق ْ
ل إِ ْ
2
2
)آل عمران(31 :
178
الشرح
طى" المعطي هو من له حق العطاء كالقاضي قولهَ" :لو ُيع َ
مثل ً والمصلح بين الناس.
هم" أي بادعائهم الشيء،سواء كان إثباتا ً أو وا ُدع َ وقوله" :ب ِ َ
نفيًا.
"لدعى" هذا جواب "َلو"
جال" المراد بهم الذين ل يخافون الله تعالى،وأما ر َ عى ِ "لد َ
من خاف الله تعالى فلن يدعي ما ليس له من مال أو دم،
قوم" أي بأن يقول هذا لي ،هذا وجه. وال َ َ
"أم َ
ووجه آخر أن يقول :في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا ،
فيدعي دينا ً أو عينًا.
هم" بأن يقول :هذا قتل أبي ،هذا قتل أخي وما ماء ُ وِد َ " َ
أشبه ذلك ،أو يقول :هذا جرحني ،فإن هذا نوع من الدماء.
ة" البينة:ما يبين به الحق ،وتكون في إثبات ن الَبين َ ُ " َ َ
ولك ِ ِ
ن عَلى َ
م ْ والَيمين" أي دفع الدعوى " َ
دعي" " َ عَلى ال ُ
م َ الدعوى " َ
كر" . َأن َ
179
ى عليه ،والمدعي :عليه البينة ،والمدعى ع ومدع ً فهنا مد ٍ
عليه :عليه اليمين ليدفع الدعوى.
كر" أي من أنكر دعوى المدعي. ن َأن َ م ْ عَلى َ والَيمين َ " َ
هذا الحديث أصل عظيم في القضاء ،وهو قاعدة عظيمة في
القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما
إلى ذلك.
* من فوائد الحديث :
وال َ
قوم َ
1.أن الدعوى تكون في الدماء والموال ،لقوله "أم َ
هم" وهو كذلك ،وتكون في الموال العيان ،وفي ماء ُ
وِد ََ
الموال المنافع،كأن يدعي أن هذا أجره بيته لمدة سنة فهذه
منافع ،وتكون أيضا ً في الحقوق كأن يدعي الرجل أن زوجته
ل تقوم بحقه أو بالعكس ،فالدعوى بابها واسع ،لكن هذا
الضابط ،وذكر المال والدم على سبيل المثال ،وإل قد يدعي
حقوقا ً أخرى.
2.أن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن
التلعب.
3.أن البينة على المدعي ،والبينة أنواع منها :الشهادة ،قال
ن لَ ْ
م م َ
فإ ِ ْ جال ِك ُ ْ
ر َ
ن ِ
م ْ
ن ِ
هيدَي ْ ِ دوا َ
ش ِ ه ُش ِ ست َ ْ وا ْ
الله تعالىَ ) :
ء(
دا ِ ن ال ّ َ ج ٌ ن َ كوَنا َر ُ َ
يَ ُ
1
ه َ
ش َ م َ
ن ِ
و َ
ض ْ
ن ت َْر َ
م ْ
م ّ
ن ِ
مَرأَتا ِ
وا ْ
ل َ فَر ُ جلي ْ ِ
ومن البينة :ظاهر الحال فإنها بينة ،مثال ذلك :رجل ليس
عليه عمامة يلحق رجل ً عليه عمامة وبيده عمامة ويقول:يا
فلن أعطني عمامتي .فالرجل الذي ليس عليه عمامة معه
ر
ظاهر الحال ،لن الملحوق عليه عمامة وبيده عمامة ولم َتج ِ
العادة بأن النسان يحمل عمامة وعلى رأسه عمامة.
فالن شاهد الحال للمدعي ،فهو أقوى
فإذا ً القرائن بينة ،وعليه فالبينات ل تختص بالشهود.
في القسامة:القسامة أن يدعي قوم قتل لهم قتيل بأن
القبيلة الفلنية قتلته،وبين القبيلتين عداوة،فادعت القبيلة
التي لها القتيل أن هذه القبيلة قتلت صاحبهم وعينت
ى عليه ،المدعي أولياء
القاتل أنه فلن ،فهنا مدعي ومدع ً
المقتول ،والمدعى عليه القبيلة الثانية.
1
)البقرة :الية (282
180
فإذا قلنا:البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقلنا
البينة ليست الشاهد ،بل ما أبان الحق اختلف الحكم.
دعين هاتوا بينة على أن م ّ
ولو قلنا إن البينة الشاهد لقلنا لل ُ
فلنا ً قتله وإل فل شيء لكم ،ولكن السنة جاءت على خلف
دعين يحلفون خمسين يمينا ً على هذا م ّ
هذا ،جاءت بأن ال ُ
الرجل أنه قتل صاحبهم ،فإذا حلفوا فهو كالشهود تمامًا،
فيأخذونه برمته ويقتلونه.
وهذه وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقضى
بها هكذا ،على أنه إذا حلف خمسون رجل ً من أولياء المقتول
فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه ،وهذا هو الحق،وإن كان
بعض السلف والخلف أنكر هذا وقال:كيف ُيحكم لهم
بأيمانهم وهم مدعون.
فإذا قال قائل :لماذا كررت اليمان خمسين يمينًا؟
فالجواب:لعظم شأن الدماء،فليس من السهل أن نقول
احلف مرة واقتل المدعى عليه.
فإن قال قائل:كيف يحلف أولياء المقتول على شخص معين
وهم ل يدرون عنه؟
فالجواب:أننا ل نسلم أنهم ل يدرون عنه ،فربما يكونون
شاهدوه وهو يقتل صاحبهم،وإذا سلمنا جدل ً أو حقيقة أنهم
لم يشاهدوه فلهم أن يحلفوا عليه بناء على غلبة الظن وتتم
الدعوى،والحلف بناء على غلبة الظن جائز.
ولذلك القسامة قال عنها بعض العلماء:إنها تخالف القياس
من ثلثة أوجه:
دعين ،والصل م ّ
الوجه الول :أن اليمان صارت في جانب ال ُ
أن اليمين في جانب المنكر.
الوجه الثاني :أنها كررت إلى خمسين يمينًا.
الوجه الثالث:أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد
ليكونون شاهدوا قتله.
وسبق الجواب عن هذا،وأن القسامة مطابقة تماما ً للقواعد
الشرعية.
181
4.فيه أنه لو أنكر المنكر وقــال ل َأحلــف فــإنه يقضــي عليــه
بالنكول،ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجــب
عليه،فيحكم عليه بالنكول،والله أعلم.
1
)النعام :الية (108
184
ها(
ع َ س َ فسا ً إ ِل ّ ُ
و ْ ه نَ ْ ف الل ّ ُ م( وقال عّز وجل) :ل ي ُك َل ّ ُ ست َطَ ْ
عت ُ ْ ا ْ
2 1
ه
عن ُ كم َ هيت ُ ُ ما ن َ َ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " َ
طعُتم"وهذا داخل ما است َ َ ه َ مرت ُ ُ َ َ
ه َ من ُ
فأتوا ِ كم ب ِ ِ ما أ َو َ
هَ ،فاجت َِنبو ُ
في الطار العام أن الدين يسر.
6.أن النسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ول باللسان
فليغير بالقلب،وذلك بكراهة المنكر وعزيمته على أنه متى
قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.
فإن قال قائل:هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس النسان
إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟
فالجواب :ل،لنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم
ولفارقهم إل إذا أكرهوه،فحينئذ يكون معذورًا.
ه" هل هذا لكل إنسان؟ د ِ
غيرهُ بي َ ِفلي ُ َ فإن قال قائل :قولهَ " :
فالجواب:ظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأي المنكر ،ولكن إذا
رجعنا إلى القواعد العامة رأينا أنه ليس عاما ً لكل إنسان في
مثل عصرنا هذا ،لننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئا ً
يعتقده منكرا ً يذهب ويغيره وقد ل يكون منكرا ً فتحصل
الفوضى بين الناس.
نعم راعي البيت يستطيع أن يغير بيده،لنه هو راعي
البيت،كما أن راعي الرعية الكبر أو من دونه يستطيع أن
يغير باليد .
وليعلم أن المراتب ثلث :دعوة ،أمر ،تغيير ،فالدعوة أن
يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس
ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم
فيه.
والمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس
ويقول :افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم :ل تفعلوا .ففيه
نوع إمرة.
والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا
لدعوته ول لمره ونهيه،
ه" عطفا ً قلب ِ ِ فب ِ َطع َ فإن َلم َيست َ ِ ل ،لقولهَ " : 7.أن للقلب عم ً
ه" وهو كذلك. د ِ غيْرهُ بي َ ِ فلي ُ َ على قولهَ " :
1
)التغابن :الية (16
2
)البقرة :الية (286
185
فالقلب له قول وله عمل ،قوله عقيدته ،وعمله حركته بنية
أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.
8.أن اليمان عمل ونية،لن النبي صلى الله عليه وسلم
جعل هذه المراتب من اليمان ،والتغيير باليد عمل،وباللسان
عمل ،وبالقلب نية ،وهو كذلك ،فاليمان يشمل جميع
العمال،وليس خاصا ً بالعقيدة فقط،لقول النبي صلى الله
ن ُ
شعَبة ،أو قال: عو َ
سب ُ
و َ
ع َ
ن ِبض ٌ
ما ُ
عليه وسلم" :الي َ
ة وَأدنا َ
ها ِإماطَ ُ ل ل َ ِإل َ
ه ِإل اللهَ ، قو ُ شعَبةَ ،أعل َ
هاَ : ن ُ وستو َ َ
ق" َ َ
ال َ
ن الطري ِ ع ِ
ذى َ
والله الموفق.
ع
ض ُون َ َ
الثالث:أنه يقام فيه العدل،لقول الله تعالىَ ) :
ً 3
شْيئا ( س َ ف ٌ فل ت ُظْل َ ُ
م نَ ْ ة َ م ِ
قَيا َ وم ِ ال ْ ِ س َ
ط ل ِي َ ْ ق ْ ن ال ْ ِ زي َوا ِم َ ال ْ َ
ر" أي سهل. س َ ن يَ ّ م ْ و َ " َ
ن ن َ
كا َ وإ ِ ْ
سر" أي ذي إعسار كما قال الله تعالىَ ) : مع َ عَلى ُ " َ
رة( س َمي ْ َ فن َظَِرةٌ إ َِلى َ ة َ سَر ٍع ْ ذو ُ ُ
4
1
)المطففين(6:
2
)غافر(51:
) 3النبياء :الية (47
4
)البقرة :الية (280
193
والجنة :هي الدار التي أعدها الله تعالى لوليائه
المتقين،فيها مال عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على
قلب بشر وأوصافها وأوصاف ما فيها من النعيم موجود في
الكتاب والسنة بكثرة.
ه" ما :نافية بدليل ت الل ِ
ن بيو ِ
م ْ
ت ِ م في َبي ٍ ع َ
قو ٌ م َ
ما اجت َ َ
و َ
" َ
أنها جاء بعدها إل المثبتة.
وبيوت الله هي المساجد ،فإن المساجد هي بيوت الله عّز
ع ن ت ُْر َ في بيوت أ َذن الل ّ َ
ف َ هأ ُْ ُ ُ ٍ ِ َ وجل،كما قال الله تعالىِ ) :
جا ٌ
لل ر َ
ل* ِ صا ِواْل َ و َغد ُ ّها ِبال ْ ُ في َ ه ِ ح لَ ُسب ّ ُ ه يُ َ م ُ س ُها ا ْ في َ وي ُذْك ََر ِ َ
ء
وِإيَتا ِة َ صل ِ قام ِ ال ّ وإ ِ َه َ ر الل ّ ِِ ن ِذك ْ ع ْ ع َ ول ب َي ْ ٌ جاَرةٌ َ م تِ َه ْ ِ هي ِ
ت ُل ْ
َ
ر( .
صا ُ1
واْلب ْ َب َقُلو ُ ه ال ْ ُفي ِ ب ِ قل ّ ُوما ً ت َت َ َ ن يَ ْ فو َ خا ُ ة يَ َكا ِ الّز َ
ب الله" أي يقرؤونه لفظا ً ومعنى. ن ك َِتا َ "َيتلو َ
هم" أي يدرس بعضهم على بعض هذا ه َبين َ ُداَرسون َ ُ وي َت َ َ" َ
القرآن.
سكيَنة" أي طمأنينة القلب،وانشراح عَليهم ال ّ "ِإل ن ََزَلت َ
الصدر.
مة" أي غطتهم ،والرحمة هنا يعني رحمة غشَيتهم الّرح َ و َ " َ
ز وجل. الله ع ّ
ملِئكة" أي أحاطت بهم إكراما ً لهم. هم ال َ فت ُ ح ّ و َ " َ
عنده" أي أن هؤلء القوم الذين من ِ ه في َ هم الل ُ وذكر ُ " َ
اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلم الله عّز وجل يذكرهم
الله فيمن عنده،وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي:
"من ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم"
خر، ه بطأ :بمعنى أ ّ سب ُ ُ
ه نَ َ
سرع ب ِ ِ م يُ ْ ه لَ ْ مل ُ ُ
ع َ
ه َ طأ ب ِ ِ ن بَ ّ م ْ و َ َ
والمعنى :من أخره العمل لم ينفعه النسب،لقوله تعالى) :
م(قاك ُ ْه أ َت ْ َعن ْدَ الل ّ ِ
2
م ِ مك ُ ْ
َ
ن أك َْر َ إِ ّ
* من فوائد الحديث :
فسن نَ ّم ْ
1الحث على تنفيس الكرب عن المؤمنين ،لقولهَ " :
ن
م ْ
ة ِ ه ُ
كرب َ ً عن ُ
ه َ
س الل ُ دنَيا ن َ ّ
ف َ من ك َُر ِ
ب ال ّ ة ِ من ُ
كرب َ ً مؤ ِ
ن ُ ع َْ
ة".م ِ
ب َيوم القيا َ ك َُر ِ
1
]النور[37،36:
2
)الحجرات :الية (13
194
2.أن الجزاء من جنس العمل،تنفيس بتنفيس،وهذا من كمال
عدل الله عّز وجل ولكن يختلف النوع ،لن الثواب أعظم من
العمل .
ن ك َُر ِ
ب م ْ
ة ِ ه ُ
كرب َ ً عن ُ
ه َ
س الل ُ 3.إثبات يوم القيامة ،لقوله" :ن َ ّ
ف َ
ة".
م ِ
القيا َ َيوم
4.أن في يوم القيامة كربا ً عظيمة ،لكن مع هذا والحمد لله
وما ً ن يَ ْ
كا َو َهي على المسلم يسيرة،لقول الله تعالىَ ) :
ن
ري َ
ف ِ
كا ِ عَلى ال ْ َ سيرا ً( وقال الله عّز وجلَ ) : 1
ع ِ
ن َ
ري َ
ف ِ عَلى ال ْ َ
كا ِ َ
م
و ٌ ه َ
ذا ي َ ْ ن َ فُرو َ ل ال ْ َ
كا ِ ر( وقال عّز وجل ):ي َ ُ
قو ُ 2
سي ٍغي ُْر ي َ ِ َ
ر( 3أما المؤمن فإن الله عّز وجل ييسره عليه ويخففه س ٌ
ع ِ َ
عنه والناس درجات ،حتى المؤمنون يختلف يسر هذا اليوم
بالنسبة إليهم حسب ما عندهم من اليمان والعمل الصالح.
5.الحث على التيسير على المعسر،وأنه ييسر عليه في
الدنيا والخرة.
والمعسر تارة يكون معسرا ً بحق خاص لك،وتارة يكون
معسرا ً بحق لغيرك .
لكن إذا كان الحق لك فالتيسير واجب ،وإن كان لغيرك
فالتيسير مستحب .
فإن قال قائل :ما أكثر أهل الباطل في الوقت الحاضر
الذين يدعون العسار وليسوا بمعسرين ،فصاحب الحق ل
يثق بادعائهم العسار؟
فنقول:نعم ،المانات اليوم اختلفت ل شك ،وقد يدعي
العسار من ليس بمعسر ،وقد يأتي بالشهود على أنه
معسر،لكن أنت إذا تحققت أو غلب على ظنك أنه معسر
وجب عليك الكف عن طلبه ومطالبته.
أما إذا علمت أن الرجل صاحب حيلة وأنه موسر لكن ادعى
العسار من أجل أن يماطل بحقك فهنا لك الحق أن تطلب
وتطالب ،هذا بالنسبة للمعسر بحق لك.
أما إذا كان معسرا ً بحق لغيرك فإن التيسير عليه سنة وليس
بواجب،اللهم إل أن تخشى أن ُيساء إلى هذا الرجل المعسر
1
)الفرقان :الية (26
2
)المدثر(10:
3
]القمر[8:
195
ويحبس بغير حق وما أشبه ذلك،فهنا قد نقول بوجوب إنقاذه
من ذلك ،ويكون هذا واجبا ً عليك مادمت قادرًا.
6.أن التيسير على المعسر فيه أجران :أجر في الدنيا وأجر
في الخرة.
ما ً
مسل ِ َ
ست ََر ُ
ن َ
م ْ و َ
7.الحث على الستر على المسلم لقولهَ " :
خَرة".
وال ِ
دنَيا َ
ست ََرهُ الله في ال ّ
َ
ولكن دلت النصوص على أن هذا مقيد بما إذا كان الستر
خيرًا ،والستر ثلثة أقسام:
القسم الول:أن يكون خيرًا.
والقسم الثاني :أن يكون شرًا.
والقسم الثالث:ل يدرى أيكون خيرا ً أم شرًا.
أما إذا كان خيرا ً فالستر محمود ومطلوب.
أما إذا كان الستر ضررا ً فهنا ستره مذموم ويجب أن يكشف
أمره لمن يقوم بتأديبه ،إن كانت زوجة فترفع إلى زوجها،
وإن كان ولدا ً فيرفع إلى أبيه،وإن كان مدرسا ً يرفع إلى
مدير المدرسة ،وهلم جرا.
المهم :أن مثل هذا ل يستر ويرفع إلى من يؤدبه على أي
وجه كان،لن مثل هذا إذا ستر -نسأل الله السلمة -ذهب
يفعل ما فعل ولم يبال.
الثالث:أن ل تعلم هل ستره خير أم كشفه هو الخير:فالصل
أن الستر خير،ولهذا يذكر في الثر) لن أخطىء في العفو
ي من أن أخطىء في العقوبة( ولكن في هذه الحال أحب إل ّ
تتبع أمره ،ل تهمله ،لنه ربما يتبين بعد ذلك أن هذا الرجل
ليس أهل ً للستر.
8.أن الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون
أخيه،ففيه الحث على عون إخوانه من المسلمين في كل ما
يحتاجون إلى العون فيه حتى في تقديم نعليه له إذا كان
يشق على صاحب النعلين أن يقدمهما،وحتى في إركابه
السيارة ،وحتى في إدناء فراشه له إذا كان في ب َّر أو ما
أشبه ذلك.لكن الحث على معونة أخيك المسلم ،ولكن هذا
وُنواعا َ
وت َ َ
مقيد بما إذا كان على بر وتقوى،لقول الله تعالىَ ) :
وى(ق َ عَلى ال ْب ِّر َ
والت ّ ْ َ
1
1
)المائدة :الية (2
196
وإن كان على شيء مباح فإن كان فيه مصلحة للمعان فهذا
من الحسان،وهو داخل في عموم قول الله تعالى) :
َ
ن( 2وإن لم يكن فيه مصلحة سِني َح ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ والل ّ ُ
ه يُ ِ سُنوا َ
ح َ
وأ َْ
للمعان فإن معونته إياه أن ينصحه عنه ،وأن يقول :تجنب
هذا ،ول خير لك فيه.
9.علم الله عّز وجل بأمور الخلق وأنه يعلم من نفس عن
مؤمن كربة ،ومن يسر على معسر ،ومن ستر مسلمًا ،ومن
أعان مسلما ً ،فالله تعالى عليم بذلك كله.
10.بيان كمال عدل الله عّز وجل ،لنه جعل الجزاء من جنس
العمل ،وليتنا نتأدب بهذا الحديث ونحرص على تفريج
الكربات وعلى التيسير على المعسر،وعلى ستر من يستحق
الستر،وعلى معونة من يحتاج إلى معونة .
11.أن الجزاء من جنس العمل ،بل الجزاء أفضل ،لنك إذا
أعنت أخاك كان الله في عونك ،وإذا كان الله في عونك كان
الجزاء أكبر من العمل.
12.الحث على سلوك الطرق الموصلة للعلم،وذلك بالترغيب
فيما ذكر من ثوابه.
مًا"
عل َ
ه ِ
س في ِ
م ُ13.الشارة إلى النية الخالصة ،لقوله َ" :يلت َ ِ
أي يطلب العلم للعلم،فإن كان طلبه رياءً وهو مما يبتغى به
وجه الله عّز وجل كان ذلك إثما ً عليه.
14.إطلق الطريق الموصل للعلم ،فيشمل الطريق الحسي
الذي تطرقه القدام ،والطريق المعنوي الذي تدركه الفهام.
15.أن الجزاء من جنس العمل ،فكلما سلك الطريق يلتمس
فيه العلم سهل الله له به طريقا ً إلى الجنة.
16.أنه ينبغي السراع في إدراك العلم وذلك بالجد
والجتهاد ،لن كل إنسان يحب أن يصل إلى الجنة على وجه
السرعة .
17.أن المور بيد الله عّز وجل ،فبيده التسهيل ،وبيده ضده،
وإذا آمنت بهذا فل تطلب التسهيل إل من الله عّز وجل.
18.الحث على الجتماع على كتاب الله عّز وجل
19إضافة المساجد إلى الله تشريفا ً لها لنها محل ذكره
وعبادته.
2
]المائدة[93:
197
20.أن رحمة الله عّز وجل تحيط بهؤلء المجتمعين على
ة.
م ُ
غشيتهم الّرح َ و َكتاب الله ،لقولهَ " :
21.أن حصول هذا الثواب ل يكون إل إذا اجتمعوا في بيت
من بيوت الله،لينالوا بذلك شرف المكان،لن أفضل البقاع
المساجد.
ئكة" . مل ِ فتهم ال َ ح ّ
22.تسخير الملئكة لبني آدم ،لقولهَ " :
23.إثبات الملئكة،والملئكة عالم غيبي ،كما سبق الكلم
عليهم في شرح حديث جبريل عليه السلم.
ه
م الل ُ ه ُ وذَك ََر ُ24.علم الله عّز وجل بأعمال العباد ،لقولهَ " :
عنده" جزاء لذكرهم ربهم عّز وجل بتلوة كتابه. من ِ في َ
.25.أن النسب ل ينفع صاحبه إذا أخره عن صالح العمال
َ
ه".سب ُ ُُه نَ َ رع ب ِ ِ خره "َلم ُيس ِ مل ُ ُ
ه" يعني أ ّ ع َه َمن بطّأ ب ِ ِلقولهَ " :
فإن لم يبطىء به العمل وسارع إلى الخير وسبق إليه ،فهل
يسرع به النسب؟
فالجواب:ل شك أن النسب له تأثير وله ميزة ،ولهذا نقول :
جنس العرب خير من غيرهم من الجناس ،وبنو هاشم
أفضل من غيرهم من قريش،كما جاء في الحديث "إن الله
اصطفى من بني إسماعيل كنانة،واصطفى من كنانة
قريشًا ،واصطفى من قريش بني هاشم،واصطفاني من
بني هاشم"وقال "خياركم في السلم خياركم في الجاهلية
إذا فقهوا"
فالنسب له تأثير ،لذلك تجد طبائع العرب غير طبائع
غيرهم،فهم خير في الفهم ،وخير في الجلدة وخير في
الشجاعة وخير في العلم ،لكن إذا أبطأ بهم العمل صاروا
شرا ً من غيرهم.
انظر إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا
كانت أحواله؟
دا
ت يَ َ كانت أحواله أن الله تعالى أنزل فيه سورة كاملة )ت َب ّ ْ
صَلى سي َ ْب* َس َما ك َ َ
و َ
ه َ مال ُ ُ
ه َ عن ْ ُ
غَنى َ ما أ َ ْب* َ
وت َ ّب َ ه ٍأِبي ل َ َ
َ
َ
حب ْ ٌ
ل ها َد َجي ِ
في ِب* ِ حطَ ِ ة ال ْ َ مال َ َح ّ ه َ
مَرأت ُ ُ وا ْ
ب* َ ه ٍ ت لَ َ ذا ََنارا ً َ
د(.1
س ٍم َ ن َم ْ
ِ
1
]المسد[5-1:
198
26.أنه ينبغي للنسان أن ل يغتر بنسبه وأن يهتم بعمله
الصالح حتى ينال به الدرجات العلى والله الموفق.
1
)النساء :الية (100
2
)النعام(160:
200
الحال الثانية:أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها
بدون أن يسعى بأسبابها ،فهذا يكتب عليه سيئة ،لكن ليس
كعامل السيئة،بل يكتب وزر نيته،كما جاء في الحديث
ر سواء وز ِ ما في ال ِ ه َ ف ُه"َ ، و ِبنّيت ِ
فه َ بلفظهَ " :
الحال الثالثة:أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها
ولكن يعجز ،فهذا يكتب عليه وزر السيئة كامل ً .
الحال الرابعة:أن يهم النسان بالسيئة ثم يعزف عنها ل لله
ول للعجز ،فهذا ل له ول عليه،وهذا يقع كثيرًا،يهم النسان
بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها ،فهذا ل يثاب لنه لم
يتركها لله ،ول يعاقب لنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.
ة
سن َ ًح َ
عندَهُ َ ها ِ وعلى هذا فيكون قوله في الحديث" :ك َت َب َ َ
ة" أي إذا تركها لله عّز وجل. مل َ ً
كا َِ
ة" ،ولهذا قال حد ً وا ِ ة َ سيئ ً ه َ ها الل ُ مل َ َ
ها ك َت َب َ َ ع ِ ها َ
ف َ م بِ َه ّ
وِإن َ " َ
ة( 1وقال الله م َ ح َ ه الّر ْ س ِ ف ِ عَلى ن َ ْ م َب َرب ّك ُ ْ الله عّز وجل ) :ك َت َ َ
تق ْ سب َ َ ي َ مت ِ ْ ح َن َر ْ تعالى في الحديث القدسي" :إ ِ ّ
ي"وهذا ظاهر من الثواب على العمال ،والجزاءضب ِ ْ َ
غ َ
على العمال السيئة.
قال النووي -رحمه الله : -
فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله
تعالى ،وتأمل هذه اللفاظ
ه" إشارة إلى العتناء بها.عندَ ُ وقولهِ " :
مَلةً" للتأكيد وشدة العتناء بها.كا ِ وقولهَ " :
ه
عندَ ُ
ه ِ وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها ك َت َب َ َ
ها الل ُ
ة فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة، مل َ ً ة َ
كا ِ سن َ ً
ح َ
َ
فأكد تقليلها بواحدة ،ولم يؤكدها بكاملة ،فلله الحمد والمنة،
سبحانه ل نحصي ثناءً عليه ،وبالله التوفيق.
هذا تعليق طيب من المؤلف -رحمه الله . -
* من فوائد الحديث :
1.رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،وما رواه عن
ربه في الحاديث القدسية:هل هو من كلم الله عّز وجل
1
)النعام :الية (54
201
لفظا ً ومعنى ،أو هو كلم الله معنى واللفظ من الرسول
صلى الله عليه وسلم ؟
اختلف المحدثون في هذا على قولين ،والسلمة في هذا أن
ل تتعمق في البحث في هذا،وأن تقول :قال النبي صلى
الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عّز وجل وكفى،وتقدم
الكلم على ذلك.
2.اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعا ً وثوابا ً وعقابا ً .
رغ منها 3.أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد ف ِ
وكتبت واستقرت.
ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله ،لن الله
تعالى أعطاه سمعا ً وبصرا ً وفهما ً وأرسل إليه الرسل ،وبّين
ب له في الصل ،فكيف يقحم له الحق وهو ل يدري ماذا ك ُت ِ َ
ي ،لماذا لم يعمل نفسه في المعاصي،ثم يقول :قد كتبت عل ّ
؟ !!
بالطاعات ويقول :قد كتبت لي
فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته .
ب" وسواء قلنا إنه 4.إثبات أفعال الله عّز وجل لقوله" :ك َت َ َ
أمر بأن يكتب ،أو كتب بنفسه عّز وجل.
وهذه المسألة اختلف فيها الناس،وليس هذا موضع ذكر
الختلف،لن كلمنا على شرح الحديث.
والذي عليه أهل السنة والجماعة :أن صفات الله عّز
وجل:فعلية متعلقة بمشيئته ،وذاتية لزمة لله.
5.عناية الله عّز وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم
قدرا ً وشرعًا.
6.أن التفصيل بعد الجمال من البلغة ،يعني أن تأتي بقول
مجمل ثم تفصله،لنه إذا أتى القول مجمل ً تطلعت النفس
إلى بيان هذا المجمل،فيأتي التفصيل والبيان واردا ً على
نفس مشرئبة مستعدة ،فيقع منها موقعا ً يكون فيه ثبات
الحكم.
7.فضل الله عّز وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة
ولم يعملها كتبها الله حسنة،والمراد بالهم :العزم ،ل مجرد
حديث النفس .
8.مضاعفة الحسنات ،وأن الصل أن الحسنة بعشر أمثالها،
ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف ،إلى أضعاف كثيرة.
202
ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ،منها:
الول :الزمان .
الثاني:باعتبار المكان .
الثالث:باعتبار العمل .
الرابع:باعتبار العامل
وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر
الدلة.
أيضا ً يتفاضل العمل بالخلص ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم
بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها ،ثم نستحضر متابعة
الرسول صلى الله عليه وسلم فيها،حتى يتحقق لنا الخلص
والمتابعة.
9.أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة،
وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح ،فإن هم بها وعملها
كتبها الله سيئة واحدة.
ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر،كما أن الحسنات منها
ل منهما الحكم والثواب المناسب، واجبات وتطوعات ولك ٍ
والله الموفق.
الشرح
ي كالذي سبقه ،وقد تكلمنا على ذلك. هذا حديث قدس ّ
ي الله عّز ولي ًّا" أي اتخذه عدوا ً له ،وول ّ
دى ِلي َعا َ
ن َ
م ْ
قولهَ " :
ول َِياءَ َ َ
نأ ْ وجل بّينه الله عّز وجل في القرآن ،فقال) :أل إ ِ ّ
و َ
كاُنوا مُنوا َ
نآ َ ن* ال ّ ِ
ذي َ حَزُنو َ
م يَ ْ
ه ْ
ول ُ
م َ
ه ْ ف َ َ
علي ْ ِ و ٌ
خ ْهل َ الل ّ ِ
1
ن(
قو َ ي َت ّ ُ
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -من كان مؤمنا ً
و َ
كاُنوا مُنوا َ
نآ َ تقيا ً كان لله ولي ّا ً أخذه من الية) :ال ّ ِ
ذي َ
2
ن(
قو َ ي َت ّ ُ
ب" أي أعلنت عليه حْر ِ د" هذا جواب الشرط "آذَن ْت ُ ُ
ه بال َ ف َ
ق ْ " َ
الحرب ،وذلك لمعاداته أولياء الله.
شي ٍ َ
ه
ضت ُ ُ ما ا ْ
فت ََر ْ م ّ
ي ِ
ب إ ِل ِ ّ
ح ّ
ءأ َ ي بِ َ
د ْ
عب ْ ِ ب إ ِل َ ّ
ي َ ما ت َ َ
قّر َ و َ " َ
ه" ولكن الفرائض تختلف كما سنبين إن شاء الله في عل َي ْ َِ
الفوائد ،إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس
النوافل.
ُ
ه"حب ّ ُ
حّتى أ ِ ل َ ف ِ وا ِي ِبالن ّ َب إ ِل َ ّقّر ُ ي ي َت َ َد ْ عب ْ ِل َ ول َ ي ََزا ُ " َ
ليزال:هذا من أفعال الستمرار،أي أنه يستمر يتقرب إلى
الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عّز وجل،و )حتى( هذه
للغاية ،فيكون من أحباب الله .
فإ َ َ
ي صَرهُ ال ّ ِ
ذ ْ وب َ َ
هَ ،ع بِ ِم ُس َ
ي يَ ْ ذ ْه ال ّ ِ ع ُم َ
س ْ
ت َ ه ك ُن ْ ُ حَببت ُ ُ
ذا أ ْ " َ ِ
ها"
بِ َ يش ْ ه ال ِّتي ي َ ْ
م ِ جل َ ُ
ر ْ
و ِ
هاَ ، وي َدَهُ ال ِّتي ي َب ْطِ ُ
ش بِ َ هَ ، صُر ب ِ ِ
ي ُب ْ ِ
ه" من المعلوم أن الحديث ليس على ع ُ
م َس ْت َ قوله" :ك ُن ْ ُ
ظاهره ،لن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عّز
وجل ،فما معناه إذن؟
المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله،
فق هذا النسان فيما يسمع ويبصرويكون المعنى :أن ُيو ّ
1
]يونس[63-62: .
2
]يونس[63:
204
ويمشي ويبطش .وهذا أقرب ،أن المراد :تسديد الله تعالى
العبد في هذه الجوارح.
ه" هذه الجملة تضمنت شرطا ً ي لَ ْ َ وقوله" :ول َئ ِن سأ َ
عطي َن ّ ُ ْ ِ ن ل ْ َ َ
وقسمًا ،السابق فيهما القسم ،ولهذا جاء الجواب للقسم
ه. عطِي َن ّ ُدون الشرط ،فقال :ل َ ْ
عاذَِني" أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له ست َ َ نا ْ " َ َ
ولئ ِ ِ
ه " فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب، عيذَن ّ ُ "ل ِ
والستعاذة التي بها النجاة من المرهوب ،وأخبر أنه سبحانه
وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ما سأل ،ويعيذه
مما استعاذ.
* من فوائد الحديث :
ه ف َ
قد ْ آ َ
ذنت ُ ُ 1.أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب ،لقولهَ " :
. ب"
حْر ِ
ِبال َ
-2.إثبات أولياء الله عّز وجل ،ول يمكن إنكار هذا لنه ثابت
في القرآن والسنة .
واعلم أن ولية الله عّز وجل نوعان :عامة وخاصة.
فالعامة :وليته على الخلق كلهم تدبيرا ً وقياما ً بشؤونهم،
وهذا عام لكل أحد ،للمؤمن والكافر ،والبر والفاجر ،ومنه
سل َُنا َ
ه ُر ُ فت ْ ُو ّت تَ َ و ُ م ْ م ال ْ َ حدَك ُ ُ
جاءَ أ َذا َ حّتى إ ِ َ قوله تعالىَ ) :
1
ق( .ح ّ م ال ْ َ ه ُ
ول ُ م ْ ه َ دوا إ َِلى الل ّ ِ م ُر ّ ن*ث ُ ّطو َ فّر ُ م ل يُ َه ْ
و ُ
َ
وولية خاصة :وهي ولية الله عّز وجل للمتقين ،قال الله
ت ما ِ ن الظّل ُ َ م َ م ِ ه ْ
ج ُ ر ُ ِ خمُنوا ي ُ ْنآ َذي َ ي ال ّ ِ ول ِ ّه َعّز وجل) :الل ّ ُ
ر( 2فهذه ولية خاصة وقال الله عّز وجل) :أ َل إ ِ ّ
ن إ َِلى الّنو ِ
َ
مُنوا
نآ َ ن* ال ّ ِ
ذي َ حَزُنو َ
م يَ ْ
ه ْ
ول ُ
م َ
ه ْ ف َ َ
علي ْ ِ و ٌخ ْ
هل َ ول َِياءَ الل ّ ِأ ْ
ن( .3 قو َ و َ
كاُنوا ي َت ّ ُ َ
فإن قال قائل :هل في ثبوت ولية الله تعالى لشخص أن
يكون واسطة بينك وبين الله في الدعاء لك وقضاء حوائجك
وما أشبه ذلك؟
فالجواب :ل ،فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة ،وأما
ا لجاهلون المغرورون فيقولون :هؤلء أولياء الله وهم
1
]النعام[62-61:
2
)البقرة :الية (257
3
]يونس[63-62: .
205
واسطة بيننا وبين الله .فيتوسلون بهم إلى الله أول ً ثم
يدعونهم من دون الله ثانيًا.
ب" . حْر ِ ه ِبال َ 3.إثبات الحرابة لله عّز وجل ،لقوله" :آذَن ْت ُ ُ
ب إ ِل َ ّ
ي قّر َ ما ت َ َ و َ 4.إثبات محبة الله وأنها تتفاضل ،لقولهَ " :
ء أَ
ه". عل َي ْ ِ
ضته َ ما ا ْ
فت ََر ْ م ّ
ي ِ َ
ِ ّ لإ ب
ّ ح
َ ي بِ َ
شي ٍ د ْ
عب ْ ِ
َ
5.أن العمال الصالحة تقرب إلى الله عّز وجل ،والنسان
يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الكمل من
ب من الله قُر َ الخلص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه َ
عّز وجل .وهذا ل يدركه إل الموفقون وشعور العبد بقربه
من الله لشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.
6.أن أوامر الله عّز وجل قسمان :فريضة ،ونافلة .والنافلة:
بقّر َ ما ت َ َو َ الزائد عن الفريضة ،ووجه هذا التقسيم قولهَ " :
شي ٍ َ
ل عل َي ْ ِ
ه .ول ي ََزا ُ ه َ
ضت ُ ُ
فت ََر ْ ما ا ْ
م ّي ِّ ب ِإل ح ّ ءأ َ ي بِ َ
د ْ عب ْ ِ
ي َ إ ِل ِ ّ
ُ
ه". حب ّ ُ
حّتى أ ِ ل َف ِوا ِ ي ِبالن ّ َب إ ِل َ ّقّر ُي ي َت َ َد ْ
عب ْ ِ
َ
7.تفاضل العمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث
النوع .فمن حيث الجنس :الفرائض أحب إلى الله من
النوافل .ومن حيث النوع:الصلة أحب إلى الله مما دونها
من الفرائض ،ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول
الله :أي العمال -أو العمل -أحب إلى الله؟ فقال:
ها"قت ِ َ عَلى َ
و ْ صلةُ َ "ال ّ
ث على كثرة النوافل ،لقوله تعالى في الحديث 8.الح ّ
حّتى
ل َف ِ
وا ِ ب إ ِل َ ّ
ي ِبالن ّ َ ي ي َت َ َ
قّر ُ د ْ
عب ِ
ل َول َ ي ََزا ُ
القدسيَ " :
ه". أُ ِ
حب ّ ُ
9.أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عّز وجل ،لن) :حتى(
للغاية ،فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.
ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على العمال إنما هو
على العمال التي جاءت على وفق الشرع ،فما كل صلة
تنهى عن الفحشاء والمنكر ،وما كل نافلة تقّرب إلى الله عّز
وجل،أقول هذا ل تيئيسا ً ولكن حث ّا ً على إتقان العبادة
وإكمال العبادة ،حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في
الدنيا والخرة.
206
10.أن الله تعالى إذا أحب عبدا ً سدده في سمعه وبصره
ويده ورجله ،أي في كل حواسه بحيث ل يسمع إل ما يرضي
الله عّز وجل ،وإذا سمع انتفع ،وكذلك أيضا ً ل يطلق بصره
إل فيما يرضي الله وإذا أبصر انتفع ،كذلك في يده :ل
يبطش بيده إل فيما يرضي الله ،وإذا بطش فيما يرضي الله
انتفع ،وكذلك يقال في الّرجل.
11.أن الله تعالى إذا أحب عبدا ً أجاب مسألته وأعطاه ما
يسأل وأعاذه مما يكره ،فيحصل له المطلوب ويزول عنه
المرهوب.
ُ َ
ه"عطِي َن ّ ُ يل ْ سأل َن ِ ْ ن َ ول َئ ِ ْ
يحصل له المطلوب في قولهَ " :
عيذَن ّ ُ
ه". عاذََني ل ُ ِ ست َ َ
نا ْ ول َئ ِ ْ
ويزول المرهوب في قولهَ " :
فإن قال قائل :هل هذا على إطلقه ،أي أنه إذا سأل
النسان أي شيء أجيب مادام متصفا ً بهذه الوصاف؟
فالجواب :ل ،لن النصوص يقيد بعضها بعضًا ،فإذا دعا بإثم،
أو قطيعة رحم ،أو ظلما ً لنسان فإنه ل يستجاب له ،حتى
وإن كان يكثر من النوافل ،حتى وإن بلغ هذه المرتبة
العظيمة وهي :محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم ،أو قطيعة
رحم ،أو ظلم فإنه ل يستجاب له ،لن الله عّز وجل أعدل من
أن يجيب مثل هذا.
12.كرامة الولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم
قد آذنه الله بالحرب.
13.أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب ،لن الله تعالى
جعل ذلك إذنا ً بالحرب .والله أعلم.
207
الشرح
النووي -رحمه الله -في هذا الكتاب يتساهل كثيرًا ،فيورد
سنها هو لنه من الحفاظ ،وابن أحاديث ضعيفة وربما يح ّ
رجب -رحمه الله -في كتابه) :جامع العلوم والحكم( يتع ّ
قبه
كثيرًا ،ولذلك يحسن منا أن نعّلق على المتن ببيان درجة
الحديث ،لكن الغالب أن ما يذكره من الحاديث الضعيفة في
هذا الكتاب أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
هنا يقول المؤلف -رحمه الله :-رواه ابن ماجه والبيهقي
وغيرهما فلو أخذنا كلمه على العموم،لكان رواه البخاري
ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي لدخول هؤلء في
208
قوله :وغيرهما لكن هذا ليس بوارد ،لنه من عادتهم إذا
ذكروا المخرجين الذين دون درجة الصحيحين ثم قالوا:
وغيرهما فالمراد ممن هود ونهما أو مثلهما ،ل يريدون أن
يدخل من هو أعلى منهما ،لنه لو أرادوا من هو أعلى منهما
لعيب على من ذكر الدون وأحال على العلى ،وهذا واضح،
لن الواجب أن يذكر العلى ثم يقال :وغيره.
ي" اللم هنا للتعليل ،أي ت م عن أ ُ
ْ ِ ّ وَز ِلي َ ْجا َ ه تَ َن الل َ قوله" :إ ِ ّ
تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه.
والخطأ :أن يرتكب النسان العمل عن غير عمد.
ء معلوم من قبل. والنسيان :ذهول القلب عن شي ٍ
والستكراه :أن يكرهه شخص على عمل محرم ول يستطيع
دفعه ،أي :اللزام والجبار.
وهذه الثلثة أعذار شهد لها القرآن الكريم.
خذَْنا
ؤا ِ أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عّز وجلَ ) :رب َّنا ل ت ُ َ
نا (.خطَأ ْ َ و أَ ْ َ
سيَنا أ ْ ن نَ ِ
إِ ْ
د
ع ِ
ن بَ ْ م ْ
ه ِفَر ِبالل ّ ِ
ن كَ َ
م ْ
وأما الكراه :فقال الله عّز وجلَ ) :
ُ
ح
شَر َن َم ْ ول َك ِ ْ
ن َ ن َما ِ لي َن ِبا ْ ِ مئ ِ ّمطْ َه ُقل ْب ُ ُ
و َرهَ َ ن أك ْ ِ م ْه إ ِل ّ َمان ِ ِِإي َ
م(
ظي ٌ
ع ِب َ ذا ٌع َ م َ ول َ ُ
ه ْ ه َ ن الل ّ ِ م َ ب ِ
ض ٌغ َ م َ ه ْ ف َ َ
علي ْ ِ درا ً َص ْ
ر َ ف ِ ِبال ْك ُ ْ
)النحل(106:
فرفع الله عّز وجل حكم الكفر عن المكَره،فما دون الكفر
من المعاصي من باب أولى لشك.
إذا ً هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن
الكريم كلم رب العالمين.
* من فوائد الحديث :
1.سعة رحمة الله عّز وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم
الثم إذا صدرت منهم المعصية على هذه الوجوه الثلثة ،ولو
شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال.
2.أن جميع المحّرمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها
النسان جاهل ً أو ناسيا ً أو مكرها ً فلشيء عليه فيما يتعلق
بحق الله ،أما حق الدمي فل يعفى عنه من حيث
الضمان،وإن كان ُيعفى عنه من حيث الثم.
209
فجميع المحّرمات يرفع حكمها بهذه العذار وكأنه لم يفعلها
ول يستثنى من هذا شيء،
وهذا الحديث عام في كل حق لله عّز وجل من المحظورات،
أما المأمورات فإنها ل يسقط أداؤها وقضاؤها،فلبد أن
ُتفعل .ولكن يسقط الثم في تأخيرها بعذر.
مسألة :هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقًا ،أو
صرا ً لم
صر ،فإن كان مق ّ يقال:تسقط بالجهل إن كان غير مق ّ
يعذر؟
والظاهر :أن الواجبات تسقط بالجهل ما لم يمكن تداركها
في الوقت .
فالمهم أن هذا الحديث مؤي ّدٌ بالقرآن الكريم كما سبق،
وينبغي للنسان أن ينظر إلى الحوادث التي تقع نسيانا ً أو
جهل ً أو إكراها ً نظرة حازم ونظرة راحم.
نظرة حازم :بأن يلزم النسان إذا علم أن فيه تقصيرًا.
صر ،لكنه جاهل ل يدري عن ونظرة راحم :إذا علم أنه لم يق ّ
شيء.
وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله -يقول في
المسائل الخلفية :إذا كان النسان قد فعل وانتهى فل
تعامله بالشد،بل انظر للخف وعامله به ،لنه انتهى ولكن
ه أن يفعل ذلك مّرة أخرى،إذا كنت ترى أنه ل يفعل. ه ُ
ان َ
فق.والله المو ّ
الحديث الربعون
ه صــلى ل الل ِ سو ُ
خذَ َر ُل :أ َ َ
قا َما َه َعن ْ ُ
ه َ
ي الل ُ ض َ
مَر َر ِ
ع َ
ن ُ
ن اب ْ ِ
ع ِ
َ
َ
فــي الـدّن َْيا ك َأن ّـ َ
ك ن ِ ل) :ك ُـ ْ ف َ
قــا َ ي َ الله عليــه وســلم ِبمْنكــب ّ
210
مــا و َ َ َ
ه َ
عن ْ ُ
ه َ ي الل ـ ُ َ ضـم ـَر َر ِ ع َن ُ ن اب ْ ُكا َ ل( َ سب ِي ْ ٍ عاب ُِر َ و َ بأ ْ ري ْ ٌِ غ
فل ت َ فل ت َن ْت َظ ـر الصــباح ،وإ َ َ َ ذا أ َل :إ ِ َ و ُ يَ ُ
ح َ ص ـب َ ْ
ذا أ ْ َ ِ َ َ ّ ِ ِ تَ ْ ي ـ س
َ مْ قــ ْ
حَيات ِـ َ
ك ن َ مـ ْو ِكَ ، ضـ َ مَر ِ ك لِ َ حت ِ َصـ ّن ِ مـ ْخ ـذ ْ ِ
و ُءَ . ســا َم َ ر ال َ ت َن ْت َظِـ ِ
ك رواه البخاري. ..وت ِ َ
م ْ ل َ
الشرح
ي" أي أمسك بكفتي من المام .وذلك من ذ ِبمن ْك َب َ ّ قوله" :أ َ َ
خ َ
أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
َ في الدِّنيا ك َأ َن ّ َ
ل" فالغريب لم سب ِي ْ ٍعاب ُِر َ و َ بأ ْ ري ْ ٌ غ ِك َ ن ِ "ك ُ ْ
يتخذها سكنا ً وقرارًا ،وعابر السبيل :لم يستقر فيها أبدًا ،بل
ش.هو ما ٍ
وعابر السبيل أكمل زهدا ً من الغريب ،لن عابر السبيل ليس
بجالس ،والغريب يجلس لكنه غريب.
َ في الدّن َْيا ك َأ َن ّ َ
ل" وهذا يعني سب ِي ْ ٍعابُر َ و َ بأ ْ ري ْ ٌغ ِ ك َ ن ِ "ك ُ ْ
الزهد في الدنيا ،وعدم الركون إليها ،لنه مهما طال بك
العمر فإن مآلك إلى مفارقتها.
فلت َ َ ل :إ ِ َ ما ي َ ُ و َ
سي ْ َ
م َ
ذا أ ْ و ُ
ق ْ ه َ عن ْ ُه َ ي الل ُ ض َ مَر َر ِ ع َ
ن ُ ن اب ْ ُكا ُ َ
ت َ ت َن ْت َظر الصباح ،وإ َ َ
ن خذ ْ ِ
م ْ و ُ
ءَ ،
سا َ
م َ
ر ال َ
فل ت َن ْت َظِ ِ ح َ صب َ ْ
ذا أ ْ ّ َ َ َ ِ ِ ِ
ك .رواه البخاري. وت ِ َ م ْ حَيات ِ َ
ك لِ َ ن َم ْو ِ
كَ ، ض َ
مَر ِ حت ِ َ
ك لِ َ ص ّ
ِ
هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
ح والمعنى :اعمل العمل قبل ت َ إ َ َ
صَبا َ ر ال ّ فل ت َن ْت َظِ ِ سي ْ َم َذا أ ْ ِ
أن تصبح ول تقل غدا أفعله ،لن منتظر الصباح إذا أمسى ً
يؤخر العمل إلى الصباح ،وهذا غلط ،فل تؤخر عمل اليوم
لغد.
هز ،وهذا أحد ت َ وإ َ َ
ساءَ أي اعمل وتج ّ م َر ال َ فل ت َن ْت َظِ ِ ح َصب َ ْ
ذا أ ْ َ ِ
المعنيين في الثر.
صَباح لنك قد تموت ت َ أو المعنى :إ َ َ
ر ال ّ فل ت َن ْت َظِ ِ سي ْ َ م َ ذا أ ْ ِ
ساء لنك قد ت َ َ وإ ِ َ
م َ
ر ال َ
فل ت َن ْت َظِ ِ سي ْ َم َ ذا أ ْ قبل أن تصبحَ .
تموت قبل أن تمسي .وفي هذا يقول بعضهم) :اعمل
لدنياك كأنك تعيش أبدًا ،واعمل لخرتك كأنك تموت غدا ً(
مك ،الذي ل تدركه اليوم تدركه غدا ً
والمعنى :الدنيا لته ّ
211
فاعمل كأنك تعيش أبدًا ،والخرة اعمل لها كأنك تموت غدًا،
بمعنى :ل تؤخر العمل.
وهذا يروى حديثا ً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس
بحديث.
ك فالنسان إذا كان صحيحا ً تجده ض َمَر ِك لِ َ حت ِ َص ّ ن ِ م ْخذ ْ ِو َُ
قادرا على العمال منشرح الصدر ،يسهل عليه العمل لنه ً
صحيح ،وإذا مرض عجز وتعب ،أو تعذر عليه الفعل ،أو إذا
أمكنه الفعل تجد نفسه ضّيقة ليست منبسطة ،فخذ من
الصحة للمرض ،لنك ستمرض أو تموت.
ك الحي موجود قادر على العمل ،وإذا مات وت ِ َ
م ْك لِ َحَيات ِ َ
ن َ م ْو ِ َ
انقطع عمله إل من ثلث ،فخذ من الحياة للموت واستعد.
هذه كلمات نّيرات ،ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا
لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعا ً فقط.
* من فوائد الحديث :
1.التزهيد في الدنيا وأن ل يتخذها النسان دار إقامة،
غريب أ َ في الدن ْيا ك َأ َ
ل".ٍ ْ يِ بسَ ر
ُ ِ بعا
َ و
ْ ٌ ْ ِ َ َ
ك ّ ن ّ َ ن ِ لقوله" :ك ُ ْ
2.حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثال
المقنعة .
3.فعل ما يكون سببا ً لنتباه المخاطب وحضور قلبه ،لقوله:
ِبمن ْك َب َ ّ
ي" . "أ َ َ
خذ َ
4.أنه ينبغي للعاقل مادام باقيا ً والصحة متوفرة أن يحرص
على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
5.الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما :أن من
أصبح ل ينتظر المساء ،وذكرنا لها وجهين في المعنى،
وكذلك من أمسى ل ينتظر الصباح.
والموعظة الثانية :أن يأخذ النسان من صحته لمرضه ،لن
النسان إذا كان في صحة تسهل عليه الطاعات واجتناب
المحرمات بخلف ما إذا كان مريضًا ،وكذلك أيضا ً أن يأخذ
النسان من حياته لموته.
6.فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأّثر بهذه
الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .والله أعلم.
212
الشرح
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من المكثرين
رواية للحديث،لنه كان يكتب ،وكان أبو هريرة رضي الله عنه
يغبطه على هذا،ويقول :ل أعلم أحدا ً أكثر حديثا ً مني عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إل عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما،فإنه كان يكتب ول أكتب
َ
م" يعني اليمان الكامل. حدُك ُ ْنأ َ م ُ يقول" :ل َ ُيؤ ِ
ه" أي اتجاهه وقصده. هوا ُ ن َ كو َحّتى ي َ ُ " َ
ه" أي من الشريعة. ت بِ ِ جئ ْ ُما ِ عا ً ل ِ َ
"ت َب َ َ
سَناٍد
ة ب ِإ ِ ْ
ج ِ
ح ّ
ب ال ُ
في ك َِتا ِوي َْناهُ ِ
حَ ،ر َ
حي ْ ٌ
ص ِ ن َ س ٌ ح َث َ دي ْ ٌ
ح ِقولهَ " :
قب ابن رجب -رحمه الله -هذا التصحيح من ح" .تع ّ حي ْ ٍص ِ َ
المؤلف وقال :الحديث ل يصح ،ولذلك يحسن تتبع شرح ابن
رجب -رحمه الله -ونقل تعقيبه على الحاديث .
لكن معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح ،وأن
النسان يجب أن يكون هواه تبعا ً لما جاء به صلى الله عليه
وسلم.
* من فوائد الحديث :
-1.تحذير النسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدما ً إياها
على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،وجه ذلك:
نفي اليمان عنه.
فإن قال قائل :لماذا حملتموه على نفي الكمال؟
213
فالجواب :أّنا حملناه على ذلك لنه ل يصدق في كل مسألة،
لن النسان قد يكون هواه تبعا ً لما جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم في أكثر مسائل الدين ،وفي بعض المسائل
ل يكون هواه تبعًا ،فيحمل على نفي الكمال .
ل أول ً ثم يحكم ثانيًا،ل أن 2.أنه يجب على النسان أن يستد ّ
يحكم ثم يستدل ،بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد
أو في الجوارح فاستدل أول ً ثم احكم ،أما أن تحكم ثم
ل فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعا ً وجعلت الصل تستد ّ
عقلك والفرع الكتاب والسنة.
3.تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم ،والصل عند الطلق
المذموم كما جاء ذلك في الكتاب والسنة ،فكلما ذكر الله
لتعالى اتباع الهوى فهو على وجه الذم ،لكن هذا الحديث يد ّ
على أن الهوى ينقسم إلى قسمين:
محمود :وهو ما كان تبعا ً لما جاء به الرسول صلى الله عليه
وسلم .
ومذموم :وهو ما خالف ذلك.
وعند الطلق يحمل على المذموم ،ولهذا يقال :الهدى،
ويقابله الهوى.
تجئ ُ
ما ِ 4.وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء ،لقوله" :ل ِ َ
به" والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق
كعل َي ْ َون َّزل َْنا َ
في معادهم ومعاشهم ،قال الله تعالىَ ) :
1
ء(
ي ٍ
ش ْ ب ت ِب َْيانا ً ل ِك ُ ّ
ل َ ال ْك َِتا َ
5.أن اليمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة
والجماعة .والله أعلم.
1
)النحل :الية (89
214
الشرح
هذا حديث قدسي وقد سبق تعريفه.
عوت َِني" )ما( هنا شرطية ،وفعل الشرط) :دعا( ما دَ َ قولهَ " :
ت" . غ َ
فْر ُ عوت َِني" وجواب الشرطَ " : في قوله" :دَ َ
ي" الدعاء ينقسم إلى قسمين :دعاء مسألة، عوت َن ِ ْما دَ َ
" َ
ودعاء عبادة.
فدعاء المسألة أن تقول :يا رب اغفر لي .ودعاء العبادة أن
تصلي لله
ء؟ مى دعا ً فنحتاج الن إلى دليل وتعليل على أن العبادة تس ّ
َ
ب ل َك ُ ْ
م ج ْ
ست َ ِعوِني أ ْ ل َرب ّك ُ ُ
م اد ْ ُ و َ
قا َ الدليل :قول الله تعالىَ ) :
ن(
ري َ
خ ِ
دا ِ
م َ
هن ّ َ
ج َ
ن َخُلو َسي َدْ ُ
عَبادَِتي َ ن ِع ْ ست َك ْب ُِرو َ
ن َ ن يَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ إِ ّ
عَبادَِتي( فسمى ن ِع ْن َ ست َك ْب ُِرو َ
عوِني( ثم قال) :ي َ ْ 1فقال):ادْ ُ
1
)غافر(60:
215
و َ
ه َ عاءَ ُ ن الدّ َ الدعاء عبادة ،وقد جاء في الحديث" :أ ّ
ة"ووجهه ظاهر جدًا،لن داعي الله متذلل لله عّز وجل عَبادَ ُ ال ِ
منكسر له ،قد عرف قدر نفسه،وأنه ل يملك لها نفعا ً ول
ضّرًا.
ع بلسان ء :فلن المتعّبد لله دا ٍ أما كيف كانت العبادة دعا ً
الحال ،فلو سألت المصلي لماذا صلى لقال :أرجو ثواب الله،
ي
عوت َن ِ ْ ما دَ َ إذا ً فهو داع بلسان الحال ،وعليه فيكون قولهَ " :
جوت َِني" يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة ،ولكن لحظ وَر َ َ
جوت َِنيْ" فلبد من هذا القيد ،أي أن القيد في قوله" :وََر َ
تكون داعيا ً لله راجيا ً إجابته .
ذنب والتجاوز عنه. ك" المغفرة :هي ستر ال ّ ت لَ َ فْر ُ غ َ وقولهَ " :
ك" أي على ما كان منك من الذنوب من ْ َ ن ِ كا َ ما َ عَلى َ " َ
والتقصير.
ول َ أ َُباِلي" أي ل أهتم بذلك. " َ
ء" المراد بقوله: ما ِ س َ ن ال ّ عَنا َك َ ت ذُُنوب ُ َ غ ْ م َلو ب َل َ َ ن آدَ َ "َيا اب ْ َ
ماء" ما س َن ال ّ عَنا َماء" أي أعلى السماء،وقيل إن " َ س َ ن ال ّ عَنا َ " َ
ماء" أي السحاب س َن ال ّ عَنا َ ن لك حين تنظر إليها ،وقيل " َ ع ّ
أعله ،ولشك أن السحاب يسمى العنان ،لكن الظاهر أن
المراد به ) عنان السماء( .
والسماء على الرض كالقبة له جوانب وله وسط ،أعله
بالنسبة لسطح الرض هو الوسط.
ي" أي طلبت مني المغفرة ،سواء قلت: فْرت َن ِ ْ غ َ ست َ ْ ما ْ "ث ُ ّ
أستغفر الله ،أو قلت :اللهم اغفر لي .لكن لبد من حضور
القلب واستحضار الفقر إلى الله عّز وجل.
قي َْتني ل م لَ ِ طاَيا ث ُ ّ ب ال َْرض خ َ
ِ قَرا ِ و أ َت َي ْت َِني ب ِ ِ ك لَ ْ م إن ّ َ ن آدَ َ "َيا اب َ
ة" فَر ً غ ِم ْها َ قَراب ِ َ ك بِ ِ شي ْئ َا ً ل َت َي ْت ُ َ ي َ ْ رك ب ِ ِ ش تُ ْ
ض" أي َ قوله" :ل َ َ
ب الْر ِ قَرا ِ ي" أي جئتني بعد الموت" .ب ِ ِ و أت َي ْت َن ِ ْ ْ
خطايا جمع خطيئة َ ً ً
ما يقاربها ،إما ملئا،أو ثقل ،أو حجماَ ، ً
شيئ َا ً"شي ْئ َا ً" قولهَ " : ك ِبي َ ر ْش ِ ي ل َ تُ ْ قي ْت َن ِ ْ م لَ ِ وهي الذنوب" ،ث ُ ّ
نكرة في سياق النفي تفيد العموم أي ل شركا ً أصغر ول
أكبر ،وهذا قيد عظيم قد يتهاون به النسان
216
ك من نعمة الله وفضله، ة" وهذا لش ّ فَر ً غ ِ م ْ
ها َ قَراب ِ َ
ك بِ ِ "ل َت َي ْت ُ َ
بأن يأتي النسان ربه بملء الرض خطايا ثم يأتيه عّز وجل
بقرابها مغفرة ،وإل فمقتضى العدل أن يعاقبه على الخطايا
.
* من فوائد الحديث :
ن
1.شرف بني آدم حيث وجه الله إليه الخطاب بقوله "َيا اب ْ َ
ضلوا على كثير ممن خلقهم الله م" ولشك أن بني آدم ف ّ آدَ َ
عّز وجل وكّرمهم الله سبحانه وتعالى
2.أن كلمة )ابن( أو) :بني( أو ما أشبه ذلك إذا أضيفت إلى
القبيلة أو إلى المة تشمل الذكور والناث ،وإذا أضيفت إلى
شيء محصور فهي للذكور فقط.
3.أن من دعا الله ورجاه فإن الله تعالى يغفر له.
4.أنه لبد مع الدعاء من رجاء ،وأما القلب الغافل اللهي
الذي يذكر الدعاء على وجه العادة فليس حري ّا ً بالجابة،
بخلف الذكر كالتسبيح والتهليل وما أشبه ذلك ،فهذا ُيعطى
أجرا ً به ،ولكنه أقل مما لو استحضر وذكر بقلبه ولسانه.
-5.إثبات صفات النفي التي يسميها العلماء الصفات
ول َ أ َُباِلي" فإن هذه صفة منفية عن الله السلبية ،لقولهَ " :
تعالى ،وهذا من قسم العقائد .
ولكن اعلم أن المراد بالصفات المنفية إثبات كمال الضد،
فيكون نفي المبالة هنا يراد به كمال السلطان والفضل
والحسان ،وأنه ل أحد يعترض على الله أو يجادله فيما أراد.
6.أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ً مهما عظمت لقوله:
ك"ت لَ َ فْر ُغ َي َ فْرت َن ِ ْغ َ
م است َ ْ ماء ث ُ ّ س َن ال ّ عَنا َ ك َ ت ذُُنوب ُ َ غ ْ "َلو ب َل َ َ
وأن النسان متى استغفر الله عّز وجل من أي ذنب كان
ما ً وقدرا ً فإن الله تعالى يغفره ،وهذا كقوله تعالى: عظَ َ ِ
َ
د
ج ِ ر الل ّ َ
ه يَ ِ ف ِغ ِست َ ْ
م يَ ْ ه ثُ ّ
س ُف َ م نَ ْو ي َظْل ِ ْسوءا ً أ ْ ل ُ م ْع َن يَ ْ م ْ و َ ) َ
ً 1
حيما ( فورا ً َر ِ غ ُه َ الل ّ َ
ولكن هل الستغفار مجّرد قول النسان :اللهم اغفر لي ،أو
أستغفر الله؟
الجواب :ل ،لبد من فعل أسباب المغفرة وإل كان دعاؤه
كالستهزاء كما لو قال النسان :اللهم ارزقني ذرية طيبة،
1
)النساء(110 :
217
ولم يعمل لحصول الذرية ،والذي تحصل به المغفرة التوبة
إلى الله عّز وجل.
والتوبة :من تاب يتوب أي رجع .وهي الرجوع من معصية
الله إلى طاعته .ويشترط لها خمسة شروط:
الشرط الول :الخلص:
والخلص شرط في كل عبادة ،والتوبة من العبادات ،قال
ُ
1
ن(
دي َ ن لَ ُ
ه ال ّ صي َ
خل ِ ِ
م ْ دوا الل ّ َ
ه ُ مُروا إ ِّل ل ِي َ ْ
عب ُ ُ ما أ ِو َ
الله تعالىَ ) :
فمن تاب مراءاة للناس ،أو تاب خوفا ً من سلطان ل تعظيما ً
لله عّز وجل فإن توبته غير مقبولة.
الشرط الثاني :الندم على ما حصل:
وهو انكسار النسان وخجله أمام الله عّز وجل أن فعل ما
نهي عنه ،أو ترك ما أوجب عليه.
فإن قال قائل :الندم انفعال في النفس ،فكيف يسيطر
النسان عليه؟
فالجواب :أنه يسيطر عليه إذا أشعر نفسه بأنه في خجل من
الله عّز وجل وحياء من الله ويقول :ليتني لم أفعل وما
أشبه ذلك.
وقال بعض أهل العلم :إن الندم ليس بشرط:
ل :لصعوبة معرفته. أو ً
والثاني :لن الرجل إذا أقلع فإنه لم يقلع إل وهو نادم ،وإل
لستمر .لكن أكثر أهل العلم -رحمهم الله -على أنه لبد أن
يكون في قلبه ندم.
الشرط الثالث :القلع عن المعصية التي تاب منها:
فإن كانت المعصية ترك واجب يمكن تداركه وجب عليه أن
يقوم بالواجب،كما لو أذنب النسان بمنع الزكاة ،فإنه لبد
أن يؤدي الزكاة ،أو كان فعل محرما ً مثل أن يسرق لشخص
مال ً ثم يتوب،فلبد أن يرد المال إلى صاحبه ،وإل لم تصح
توبته
فإن قال قائل :هذا رجل سرق مال ً من شخص وتاب إلى
الله ،لكن ا لمشكل كيف يؤدي هذا المال إلى صاحبه؟
دعي يخشى إذا أدى المال إلى صاحبه أن يقع في مشاكل في ّ
1
)البينة :الية (5
218
هم هذا الرجل ويشيع مثل ً صاحب المال أن المال أكثر ،أو يت ّ َ
أمره ،أو ما أشبه ذلك ،فماذا يصنع؟
نقول :لبد أن يوصل المال إلى صاحبه بأي طريق ،وبإمكانه
أن يرسل المال مع شخص ل يتهم بالسرقة ويعطيه صاحبه،
ويقول :يا فلن هذا من شخص أخذه منك أول ً والن أوصله
إليك ،ويكون هذا الشخص محترما ً أمينا ً بمعنى أنه ل يمكن
لصاحب المال أن يقول :إما أن تعين لي من أعطاك إياه وإل
فأنت السارق ،أما إذا كان يمكن فإنه مشكل.
مثال ذلك :أن يعطيه القاضي ،أو يعطيه المير يقول :هذا
ده إليه .وفي هذه مال لفلن أخذته منه ،وأنا الن تائب ،فأ ّ
ديه إنقاذا ً للخذ وردّا ً الحال يجب على من أعطاه إياه أن يؤ ّ
لصاحب المال.
فإذا قال قائل :إن الذي أخذت منه المال قد مات ،فماذا
أصنع؟
فالجواب :يعطيه الورثة ،فإن لم يكن له ورثة أعطاه بيت
المال.
فإذا قال :أنا ل أعرف الورثة ،ول أعرف عنوانهم؟
دق به عمن هو له ،والله عّز وجل يعلم هذا فالجواب :يتص ّ
ويوصله إلى صاحبه .فهذه مراتب التوبة بالنسبة لمن أخذ
مال شخص معصوم.
تأتي مسألة الغيبة :فالغيبة كيف يتخلص منها إذا تاب:
من العلماء من قال :لبد أن يذهب إلى الشخص ويقول :إني
اغتبتك فحللني ،وفي هذا مشكلة.
صل وقال :إن علم بالغيبة ذهب إليه واستحله، ومنهم من ف ّ
وإن لم يعلم فل حاجة أن يقول له شيئا ً لن هذا يفتح باب
شّر.
مه مطلقًا،كما جاء في الحديث: ومنهم من قال :ل ُيعل ِ ْ
غت َبت َ َ
ه"فيستغفر له ويكفي. فَر ل َ ُ
غ ِ
ن َتست َ ْ هأ ْ نا ْ ْ ُ م ِ
فاَرةُ َ"ك َ ّ
ولكن القول الوسط هو الوسط ،وهو أن نقول :إن كان
صاحبه قد علم بأنه اغتابه فلبد أن يتحلل منه ،لنه حتى لو
تاب سيبقى في قلب صاحبه شيء ،وإن لم يعلم كفاه أن
يستغفر له.
الشرط الرابع :العزم على أن ل يعود:
219
فلبد من هذا ،فإن تاب من هذا الذنب لكن من نيته أن يعود
إليه متى سنحت له الفرصة فليس بتائب ،ولكن لو عزم أن
ولت له نفسه فعاد فالتوبة الولى ل تنتقض، ل يعود ثم س ّ
لكن يجب أن يجدد توبة للفعل الثاني.
ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين أن نقول :من الشرط أن ل
يعود ،وأن نقول:من الشرط العزم على أن ل يعود.
الشرط الخامس :أن تكون التوبة وقت قبول التوبة:
فإن كانت في وقت لتقبل فيه لم تنفعه ،وذلك نوعان :نوع
خاص ،ونوع عام.
النوع الخاص :إذا حضر النسان أجله فإن التوبة لتنفع،لقول
حّتى سي َّئا ِ
ت َ مُلو َ
ن ال ّ ع َن يَ ْ ة ل ِل ّ ِ
ذي َ وب َ ُ
ت الت ّ ْ ول َي ْ َ
س ِ الله تعالىَ ) :
ذا ح َ َ
ن ول ال ّ ِ
ذي َ ن َ ت اْل َل إ ِّني ت ُب ْ ُ قا َت َ و ُم ْ م ال ْ َ ه ُ
حد َ ُضَر أ َ إِ َ َ
َ
ذابا ً أِليما ً( 1ولما َ ُ
ع َ
م َه ْعت َدَْنا ل َ ُ
كأ ْ فاٌر أول َئ ِ َ م كُ ّ ه ْو ُن َ
موُتو َ
يَ ُ
غرق فرعون قال :آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو
ت
صي ْ َ
ع َقد ْ َو َن َ إسرائيل وأنا من المسلمين فقيل له) :آْل َ
ن( . 2
دي َ
س ِ
ف ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ وك ُن ْ َ
ت ِ ل َ َ
قب ْ ُ
أي الن تسلم ،ومع ذلك لم ينفعه.
وأما العام :فهو طلوع الشمس من مغربها ،فإن الشمس
تشرق من المشرق وتغرب من المغرب ،فإذا طلعت من
المغرب آمن الناس كلهم ،ولكن ل ينفع نفسا ً إيمانها لم
تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا.
ة
جَر ُ
ه ْع ال ِ
قطِ ُ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " :ل ً ت َن ْ َ
س
م ُ ج ال ّ
ش ْ خُر َ
حّتى ت َ ْ
ة َ
ع الّتوب َ ُ ول ت َن ْ َ
قط ُ ةَ ،
ع الّتوب َ ُ
قطِ َ حّتى ت َن ْ َ
َ
ها"
رب ِ َ
غ ِ م ْن َ
م ْ ِ
فهذه هي شروط التوبة ،وأكثر العلماء -رحمهم الله -
يقولون:شروط التوبة ثلثة :الندم ،والقلع ،والعزم على أن
ل يعود .
م ،ولبد مما ذكرناه.
ولكن ما ذكرناه أوفى وأت ّ
6.أن النسان إذا أذنب ذنوبا ً عظيمة ثم لقي الله ليشرك به
شيئا ً غفر الله له .ولكن هذا ليس على عمومه لقول الله
1
)النساء :الية (18
2
)يونس(91:
220
َ
ن ذَل ِ َ
ك دو َما ُ
فُر َ غ ِوي َ ْ
ه َ
ك بِ ِ شَر َ ن يُ ْ فُر أ ْغ ِ ن الل ّ َ
ه ل يَ ْ تعالى ) :إ ِ ّ
شاءُ(. 1 ن يَ َ
م ْ
لِ َ
ة" هذا إذافَر ً
غ ِم ْ لتيت ُ َ فقوله هنا في الحديثَ ":
ها َقَراب ِ َك بِ ِ
شاء ،وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب بذنبه.
-7.فضيلة التوحيد وأنه سبب لمغفرة الذنوب ،وقد قال الله
د
ق ْما َ م َ ه ْ فْر ل َ ُغ َ هوا ي ُ ْ ن ي َن ْت َ ُفُروا إ ِ ْ ن كَ َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ
عّز وجلُ) :ق ْ
ف( فمهما عظمت الذنوب إذا انتهى النسان عنها 2
سل َ ََ
بالتوحيد غفر الله له.
رك ش ِ قيت َِني ل َ ت ُ ْ م لَ ِ 8.إثبات لقاء الله عّز وجل ،لقوله" :ث ُ ّ
ل على ذلك كتاب الله عّز وجل ،قال الله شي ْئ َا ً" وقد د ّ ِبي َ
ول صاِلحا ً َ مل ً َ ع َ ل َ م ْ ع َ فل ْي َ ْ
ه َ قاءَ َرب ّ ِ جوا ل ِ َ ن ي َْر ُ كا َ ن َ م ْ تعالىَ ) :
ف َ
َ عبادة رب َ
نسا ُ ها اْل ِن ْ َ حدا ً( وقال الله تعالىَ) :يا أي ّ َ هأ َ ك بِ ِ َ َ ِ َ ّ ِ ر ْ ش ِ يُ ْ
3
4
ه(قي ِ مل ِ ف ُدحا ً َ ك كَ ْ ح إ َِلى َرب ّ َ كاِد ٌك َ إ ِن ّ َ
فلبد من ملقاة الله عّز وجل ،والنصوص في هذا كثيرة،
فيؤخذ من ذلك :أنه يجب على النسان أن يستعد لملقاة
الله ،وأن يعرف كيف يلقي الله ،هل يلقيه على حال
ة عند الله عّز وجل ،أو على العكس؟ ففّتش نفسك مرضي ٍ
واعرف ما أنت عليه.
ومن حسن تأليف المؤّلف -رحمه الله -أنه جعل هذا الحديث
آخر الحاديث التي اختارها -رحمه الله -المختوم بالمغفرة،
مى عند البلغيين براعة اختتام. وهذا يس ّ
مى براعة افتتاح فإذا افتتح النسان كتابه بما وهناك مايس ّ
يناسب الموضوع يسمونه براءة افتتاح ،مثل قول ابن حجر -
رحمه الله -في بلوغ المرام:
"الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما ً وحديثًا" يشير
إلى أن هذا الكتاب في الحديث.
وإلى هنا ينتهي الكلم على الربعين النووية المباركة،التي
ث كل طالب علم على حفظها وفهم معناها والعمل نح ّ
بمقتضاها،نسأل الله عّز وجل أن يجعلنا ممن سمع وانتفع
1
)النساء(48:
2
)النفال :الية (38
3
)الكهف :الية (110
4
)النشقاق(6 :
221
إنه سميع قريب ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين