You are on page 1of 221

‫التلخيص المـعـيـن‬

‫فـــي‬
‫شرح الربعين‬
‫للشيخ العلمة‬
‫محمد بن صـــالح العثيمين‬

‫إعداد ‪:‬‬
‫سلطان بن سراي الشمري‬

‫الـمــــقدمــــــة‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول لله وعلى آله‬
‫ومن وله ‪...‬ثم أما بعد‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫هذا تلخيص شرح الربعين النووية للشيخ‬
‫العلمة ‪ :‬محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ‪،‬‬
‫والمسمى ‪:‬بـ) التلخيص المعين في شرح‬
‫الربعين للشيخ العلمة ابن عثيمين ( والذي‬
‫أحسبه أنه قيم إن شاءلله و يتضمن تلخيص‬
‫الشرح والمعاني والفوائد المستنبطة في آخر‬
‫الشرح ‪ ،‬وبعض المسائل المهمة ‪ ،‬مع ذكر الراجح‬
‫إن كان هناك ترجيح ‪ ،‬وكذلك الترجمة إن كان‬
‫هناك ترجمة ‪ ،‬مع عدم إهمال التقسيمات‬
‫والفروق ‪.‬‬
‫وأخيرا ً أرجو من الله عز وجل أن يكون هذا‬
‫التلخيص خير معين لفهم المقصود إن شاء الله‬
‫وأن يجعله حجة لنا يوم نلقاه ‪ ،‬وما كان من خطأ‬
‫فمن نفسي والشيطان ‪ ،‬وما كان من صواب‬
‫فمن الله الواحد القهار ‪..‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‬
‫ومن كان لديه إقترحات أوملحظات‬
‫فليراسلنا على هذا الميل‪:‬‬
‫‪bnsrray@naseej.com‬‬

‫الطبعة دار الثريا لنشر‬


‫‪3‬‬

‫الحديث الول‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ب ‪َ ‬‬ ‫خ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ِ‬ ‫مَر ب ْ‬ ‫ع َ‬‫ص ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ن أبي َ‬ ‫مني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ر ال ُ‬ ‫مي ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه ‪ ‬يَ ُ‬ ‫سو َ‬
‫ع َ‬ ‫ما ال ْ‬ ‫ل ‪ " :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫َ‬
‫ه‬
‫ه ِإلى الل ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬ ‫وى ‪َ ،‬‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ء َ‬ ‫رى ٍ‬ ‫م ِ‬‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫وإن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬‫ت ِ‬‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫وله ‪َ ،‬‬ ‫س ُ‬‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إلى الل ِ‬ ‫جرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫سوله َ‬
‫ف‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَر إل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ها َ‬‫ما َ‬ ‫ه ِإلى َ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬‫ها ‪َ ،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ة ي َن ْك ِ ُ‬‫مرأ ٍ‬ ‫ها ‪ ،‬أو ا ْ‬ ‫صي ْب ُ َ‬‫ل ِدُن َْيا ي ُ ِ‬
‫"‬
‫رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن‬
‫ه البخاري ‪ ،‬وأبو الحسين‬ ‫إبراهيم بن المغيرة بن ب َْرِدْزب َ ْ‬
‫جاج ين مسلم القشيري النيسابوري ‪ ،‬في‬ ‫مسلم بن الح ّ‬
‫صحيحيهما الَلذين هما أصح الكتب المصنفة ‪.‬‬

‫الــشــــرح‬
‫ن " هو أبو حفص عمر بن الخطاب ‪ ‬آلت‬ ‫عن أ َ‬
‫مني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ر ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫" َ ْ‬
‫إليه الخلفة بتعين أبي بكر الصديق ‪ ‬له ‪.‬‬
‫ت " دليل على أنه أخذه من النبي ‪ ‬بل‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫وفي قوله ‪َ ":‬‬
‫واسطة ‪.‬‬
‫ولفظ الحديث انفرد به عمر ‪ ‬وتلقته المة بالقبول التام ‪،‬‬
‫حتى إن البخاري رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث ‪،‬‬
‫ومعنى الحديث ثابت بالقرآن والسنة ‪.‬‬
‫ت " فيه من أوجه البلغة‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬‫ما ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ال َ ْ‬ ‫قوله ‪ ": ‬إ ِن ّ َ‬
‫الحصر ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه ‪.‬‬
‫ما ( تفيد الحصر ‪.‬‬ ‫ما " لن ) إ ِن ّ َ‬ ‫وطريق الحصر ‪ " :‬إ ِن ّ َ‬
‫وى " ‪.‬‬‫ما ن َ َ‬
‫ء َ‬
‫رى ٍ‬‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬‫وإن ّ َ‬ ‫وكذلك قوله ‪َ " : ‬‬
‫‪4‬‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫مرأ ٍ‬ ‫ها ‪ ،‬أو ا ْ‬
‫صي ْب ُ َ‬
‫ه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫وفي قوله ‪َ ":‬‬
‫ه " من البلغة ‪ :‬إخفاء‬ ‫جَر إل َي ْ ِ‬ ‫ها َ‬‫ما َ‬ ‫ه ِإلى َ‬‫جَرت ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ها ‪َ ،‬‬
‫ف ِ‬ ‫ح َ‬
‫ي َن ْك ِ ُ‬
‫ه"‬‫جَر إل َي ْ ِ‬
‫ها َ‬
‫ما َ‬‫ه ِإلى َ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬‫نية من هاجر للدنيا ‪ ،‬لقوله ‪َ " :‬‬
‫ولم يقل ‪ :‬إلى دنيا يصيبها ‪ ،‬والفائدة البلغية في ذلك هي ‪:‬‬
‫تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل ‪ ،‬أي ليس أهل ً لن يذكر ‪ ،‬بل‬
‫ه"‪.‬‬ ‫جَر إل َي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َ‬ ‫يكنى عنه بقوله ‪ِ ":‬إلى َ‬
‫سوله" الجواب ‪" :‬‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ِإلى الل ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫وقوله ‪َ " :‬‬
‫وله " فذكره تنويها ً بفضله‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إلى الل ِ‬ ‫جرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ها ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ح َ‬‫ة ي َن ْك ِ ُ‬‫مرأ ٍ‬ ‫ها ‪ ،‬أو ا ْ‬ ‫صي ْب ُ َ‬‫ه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ر إل َْيه " ولم يقل‪ :‬إلى دنيا يصيبها أو‬ ‫ج َ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه ِإلى َ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫امرأة ينكحها ‪ ،‬لن فيه تحقيرا ً لشأن ما هاجر إليه وهي ‪:‬‬
‫الدنيا أو المرأة ‪.‬‬
‫* أما من جهة العراب ‪ ،‬وهو البحث الثاني ‪:‬‬
‫ت " مبتدأ وخبر ‪ ،‬العمال ‪:‬‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ال َ ْ‬ ‫فقوله ‪ " ‬إ ِن ّ َ‬
‫مبتدأ ‪ ،‬والنيات ‪ :‬خبره ‪.‬‬
‫دم‬ ‫ق ّ‬ ‫وى " أيضا ً مبتدأ وخبر ‪ ،‬لكن ُ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ء َ‬ ‫رى ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫وإن ّ َ‬ ‫" َ‬
‫وى " متأخر ‪.‬‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫الخبر على المبتدأ ؛ والمبتدأ هو " َ‬
‫ه‬
‫ه إلى الل ِ‬ ‫جرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سوله َ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ِإلى الل ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫" َ‬
‫وله " هذه جملة شرطية ‪ ،‬أداة الشرط فيها ‪ :‬من ‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫وفعل الشرط ‪ :‬كانت ‪ ،‬وجواب الشرط ‪ :‬فهجرته إلى الله‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫ه ل ِدُن َْيا‬‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫وهكذا نقول في أعراب قوله ‪َ ":‬‬
‫ها "‬ ‫صي ْب ُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫* أما في اللغة فنقول ‪:‬‬
‫ل " جمع عمل ‪ ،‬ويشمل أعمال القلوب وأعمال‬ ‫ما ُ‬ ‫ع َ‬ ‫" ال َ ْ‬
‫النطق ‪ ،‬وأعمال الجوارح ‪ ،‬فتشمل هذه الجملة العمال‬
‫بأنواعها ‪.‬‬
‫ت " النيات ‪ :‬جمع نية وهي ‪ :‬القصد ‪.‬‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ع َ‬ ‫" ال َ ْ‬
‫وشرعًا‪ :‬العزم على فعل العبادة تقربا ً إلى الله تعالى ‪،‬‬
‫ومحلها القلب ‪ ،‬فهي عمل قلبي ول تعلق للجوارح بها ‪.‬‬
‫وى " أي ما نواه‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ن" َ‬ ‫ء " أي لكل إنسا ٍ‬ ‫رى ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫وإن ّ َ‬ ‫" َ‬
‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫هنا مسألة ‪ :‬هل هاتان الجملتان بمعنى واحد ‪ ،‬أو مختلفان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬يجب أن نعلم أن الصل في الكلم التأسيس دون‬
‫التأكيد ‪ ،‬ومعنى التأسيس ‪ :‬أن الثانية لها معنى مستقل ‪،‬‬
‫ومعنى التأكيد ‪ :‬أن الثانية بمعنى الولى ‪.‬‬
‫وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة رأيان ‪:‬‬
‫والصواب ‪ :‬أن الثانية غير الولى ‪ ،‬فالكلم من باب التأسيس‬
‫ل من باب التوكيد ‪ ،‬فالولى باعتبار المنوي وهو العمل ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬باعتبار المنوي له وهو المعمول له ‪ ،‬هل أنت‬
‫عملت لله أو عملت للدنيا ‪.‬‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ويدل لهذا ما فرعه النبي ‪ ‬في قوله ‪َ " :‬‬
‫ف َ‬
‫وله "‬ ‫س ُ‬‫وَر ُ‬‫ه َ‬ ‫ه إلى الل ِ‬ ‫جرت ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫سوله َ‬
‫ف ِ‬ ‫وَر ُ‬‫ه َ‬
‫ه ِإلى الل ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬
‫ه ْ‬
‫ِ‬
‫وعلى هذا يبقى الكلم ل تكرار فيه ‪.‬‬
‫والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات ‪ ،‬وتمييز‬
‫العبادات بعضها من بعض ‪.‬‬
‫* و مثال تميز العادات عن العبادات ‪:‬‬
‫‪ -‬أول ً ‪ :‬الرجل يأكل الطعام شهوة فقط ‪ ،‬والرجل الخر‬
‫يأكل الطعام امتثال ً لمر الله ‪ ‬في قوله ‪:‬‬
‫رُبوا ْ ‪ ( (1‬أكل الثاني عبادة ‪ ،‬وأكل الول عادة‬ ‫وك ُُلوا ْ َ‬
‫وا ْ‬
‫ش َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ً ‪ :‬الرجل يغتسل بالماء البارد تبردا ً ‪ ،‬والثاني يغتسل‬
‫بالماء من الجنابة ‪ ،‬فالول عادة ‪ ،‬والثاني ‪ :‬عبادة ‪.‬‬
‫ولهذا قال بعض أهل العلم ‪ :‬عبادات أهل الغفلة عادات ‪،‬‬
‫وعادات أهل اليقظة عبادات ‪.‬‬
‫* و مثال تميز العبادات بعضها من بعض‪:‬‬
‫رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع ‪ ،‬وآخر يصلي ركعتين‬
‫ينوي بذلك الفريضة ‪ ،‬فالعملن تميزا بنية ‪ ،‬هذا نفل وهذا‬
‫س‪.‬‬‫ق ْ‬ ‫واجب ‪ ،‬وعلى هذا َ‬
‫ف ِ‬
‫ق بها إطلقا ً ‪ ،‬لنك‬ ‫* واعلم أن النية محلها القلب ‪ ،‬ول ي ُن ْطَ ُ‬
‫تتعّبد لمن يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ‪ ،‬والله‬
‫تعالى عليم بما في قلوب عباده ‪ ،‬ولست تريد أن تقوم بين‬
‫يدي من ل يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به ‪ ،‬إنما‬

‫)‪(1‬‬
‫‪ ) .‬العراف ‪(31 :‬‬
‫‪6‬‬
‫تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم‬
‫متقّلبك وماضيك ‪ ،‬وحاضرك ‪.‬‬
‫ردْ عن رسول الله ‪ ‬ول عن أصحابه رضوان الله‬ ‫ولهذا لم ي َ ِ‬
‫فظون بالنية ‪.‬‬ ‫عليهم أنهم كانوا يتل ّ‬
‫مل َّبي ‪ :‬لبيك اللهم‬ ‫* وهنا مسألة ‪ :‬إذا قال قائل ‪ :‬قول ال ُ‬
‫جًا‪ ،‬أليس هذا‬ ‫جا ً ‪ ،‬ولبيك اللهم عمرة وح ّ‬ ‫عمرة ‪ ،‬ولبيك ح ّ‬
‫نطقا ً بالنية ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬هذا من إظهار شعيرة الّنسك ‪ ،‬ولهذا قال‬
‫بعض العلماء ‪ :‬إن التلبية في النسك كتكبيرة الحرام في‬
‫ب لم ينعقد الحرام ‪ ،‬كما أنه لو لم تكبر‬ ‫الصلة ‪ ،‬فإذا لم تل ّ‬
‫تكبيرة الحرام للصلة ما انعقدت صلتك ‪.‬‬
‫* ولهذا ليس من السنة ‪ :‬إن يقال ‪ :‬اللهم إني أريد نسك‬
‫سره لي ‪ ،‬لن هذا ذكر يحتاج إلى‬ ‫العمرة ‪ ،‬أو أريد الحج في ّ‬
‫دليل ول دليل عليه ‪.‬‬
‫ن في كتابه الفلني ؟‬ ‫فإذا قال ‪ :‬قالها فل ٌ‬
‫فقل له ‪ :‬القول ما قال الله ورسوله ‪. ‬‬
‫وى " هذه هي نّية المعمول له ‪،‬‬ ‫ما ن َ َ‬‫ء َ‬ ‫رى ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫وإن ّ َ‬ ‫" َ‬
‫والناس يتفاوتون فيها تفاوتا ً عظيما ً ‪.‬‬
‫* ثم ضرب النبي ‪ ‬مثل ً بالمهاجر فقال ‪:‬‬
‫ه " الهجرة في اللغة ‪ :‬مأخوذة من الهجر‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫" َ‬
‫وهو الترك ‪.‬‬
‫وأما في الشرع فهي ‪ :‬النتقال من بلد الكفر إلى بلد‬
‫السلم ‪.‬‬
‫* وهنا مسألة ‪ :‬هل الهجرة واجبة أو سنة ؟‬
‫والجواب ‪ :‬أن الهجرة واجبة على كل مؤمن ل يستطيع‬
‫إظهار دينه في بلد الكفر ‪ ،‬فل يتم إسلمه إل بالهجرة ‪ ،‬وما‬
‫ل يتم الواجب إل به فهو واجب ‪.‬‬
‫كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة ‪ ،‬أو من مكة إلى‬
‫المدينة ‪.‬‬
‫ه‬
‫ه إلى الل ِ‬
‫جرت ُ ُ‬
‫ه ْ‬‫ف ِ‬‫سوله َ‬ ‫وَر ُ‬‫ه َ‬
‫ه ِإلى الل ِ‬ ‫جَرت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫" َ‬
‫وله " كرجل انتقل من مكة قبل الفتح إلى المدينة يريد‬ ‫س ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫الله ورسوله ‪ ،‬أي ‪ :‬يريد ثواب الله‪،‬ويريد الوصول إلى الله‬
‫‪7‬‬

‫سول َ ُ‬
‫ه ‪ ( (1‬إذا ً‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫رد ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫كنت ُ ّ‬‫وِإن ُ‬ ‫كقوله تعالى ‪َ  :‬‬
‫يريد الله ‪ :‬أي يريد وجه الله ونصرة دين الله ‪ ،‬وهذه إرادة‬
‫حسنة ‪.‬‬
‫ويريد رسول الله ‪ :‬ليفوز بصحبه ويعمل بسنته ويدافع عنها‬
‫ب عنه‪ ،‬ونصرة دينه ‪ ،‬فهذا هجرته إلى الله‬ ‫ويدعو إليها والذ ّ‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫* وهنا مسألة ‪ :‬بعد موت الرسول ‪ ‬هل يمكن أن نهاجر إليه‬
‫عليه الصلة والسلم؟‬
‫الجواب‪ :‬أما شخصه ‪ ‬فل ولذلك ل ُيهاجر إلى المدينة من‬
‫أجل شخص الرسول ‪ ‬لنه تحت الثرى ‪ ،‬وأما الهجرة إلى‬
‫سنته وشرعه ‪ ‬فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل ‪:‬‬
‫الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الله الرسول ‪ ‬والذود عنها ‪.‬‬
‫فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين ‪ ،‬والهجرة إلى رسول‬
‫الله لشخصه وشريعته حال حياته ‪ ،‬وبعد مماته إلى شريعته‬
‫فقط ‪.‬‬
‫ها " بأن علم أن في البلد‬ ‫صي ْب ُ َ‬‫ه ل ِدُن َْيا ي ُ ِ‬
‫جَرت ُ ُ‬‫ه ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫" َ‬
‫الفلني تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح ‪ ،‬فهذا‬
‫هجرته إلى دنيا يصيبها ‪ ،‬وليس له إل ما أراد ‪ ،‬وإذا أراد الله‬
‫‪ ‬أل يحصل على شيء لم يحصل على شيء ‪.‬‬
‫أو من هاجر من بلد إلى لمرأة يتزوجها ‪ ،‬بأن خطبها وقالت‬
‫ل أتزوجك إل إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه‬
‫‪.‬‬
‫قوله رحمه الله ‪) :‬رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن‬
‫ه البخاري ‪ ،‬وأبو‬ ‫إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن ب َْرِدْزب َ ْ‬
‫جاج ين مسلم القشيري النيسابوري ‪،‬‬ ‫الحسين مسلم بن الح ّ‬
‫في صحيحيهما الَلذين هما أصح الكتب المصنفة ( ‪.‬‬
‫أي صحيح البخاري وصحيح مسلم وهما أصح الكتب المصنفة‬
‫في علم الحديث ‪ ،‬ولهذا قال بعض المحدثين إن ما اتفقا‬
‫عليه ل يفيد الظن فقط بل العلم ‪.‬‬
‫وصحيح البخاري أصح من مسلم ‪ ،‬لن البخاري – رحمه الله –‬
‫يشترط في الرواية أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه ‪،‬‬
‫أما مسلم – رحمه الله – فيكتفي بمطلق المعاصرة مع إمكان‬
‫)‪(1‬‬
‫‪) .‬الحزاب ‪(29 :‬‬
‫‪8‬‬
‫اللقي وإن لم يثبت لقيه ‪ ،‬وقد أنكر على من يشترط اللقاء‬
‫في أول الصحيح إنكارا ً عجيبا ً ‪.‬‬
‫فالصواب ما ذكره البخاري – رحمه الله – أنه ل بد من ثبوت‬
‫اللقي ‪.‬‬
‫لكن ذكر العلماء أن سياق مسلم – رحمه الله – أحسن من‬
‫سياق البخاري ‪ ،‬لنه ‪-‬رحمه الله – يفّرق الحديث ‪ ،‬ففي‬
‫الصناعة صحيح مسلم أفضل ‪ ،‬وأما في الرواية والصحة‬
‫فصحيح البخاري أفضل ‪.‬‬
‫ن‬‫ي وقالـــــوا ‪ :‬أي ذَي ْ ِ‬ ‫لد ّ‬ ‫م في‬ ‫تشاجر قو ٌ‬
‫دم‬‫تق ّ‬ ‫البخاري ومسلم‬
‫كما فاق في حسن الصناعة‬ ‫فقلت ‪ :‬لقد فاق‬
‫‪..‬‬ ‫مسلم‬ ‫‪..‬‬ ‫البخاري صحة‬
‫فالحديث إذا صحيح يفيد العلم اليقيني ‪ ،‬لكنه ليس يقينيا ً‬
‫بالعقل وإنما هو يقيني بالنظر لثبوته عن النبي ‪. ‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحديث أحد الحاديث التي عليه مدار السلم ‪ ،‬ولهذا‬
‫قال العلماء ‪ :‬مدار السلم على حدثين ‪ :‬هما هذا الحديث ‪،‬‬
‫عل َي َ‬
‫د"‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬‫مُرَنا ف ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫مل ً ل َي ْ َ‬
‫س َ ْ ِ‬ ‫ع َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ع ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫وحديث عائشة ‪َ " :‬‬
‫فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب ‪ ،‬فهو ميزان العمال‬
‫الباطنة ‪ ،‬وحديث عائشة ‪ :‬عمدة أعمال الجوارح ‪.‬‬
‫‪ -2‬من فوائد الحديث ‪ :‬أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن‬
‫ما‬
‫بعض ‪ ،‬والعبادات عن المعاملت لقول النبي ‪ " : ‬إ ِن ّ َ‬
‫ت "‪.‬‬ ‫ما ُ‬
‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ال َ ْ‬
‫ع َ‬
‫* مسألة ‪:‬لو خرج شخص بعد زوال الشمس من بيته متطهرا ً‬
‫ودخل المسجد وليس في قلبه أنها صلة الظهر ‪ ،‬ول صلة‬
‫العصر ‪ ،‬ول صلة العشاء ‪ ،‬ولكن نوى بذلك فرض الوقت ‪،‬‬
‫فهل تجزئ أو ل تجزئ ؟‬
‫الجواب ‪ :‬قيل تجزئ ‪ :‬ول يشترط تعيين المعّينة ‪ ،‬فيكفي أن‬
‫الصلة وتتعين الصلة بتعيين الوقت ‪ ،‬وهذه رواية عن المام‬
‫أحمد – رحمه الله تعالى ‪ ، -‬وهذا هو القول هو الصحيح‬
‫الذي ل يسع الناس العمل إل به‪.‬‬
‫ث على الخلص لله ‪ ،‬لن النبي‬ ‫‪ -3‬من فوائد الحديث ‪ :‬الح ّ‬
‫‪ ‬قسم الناس إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫قسم ‪ :‬أراد بعمله وجه الله والدار الخرة ‪.‬‬
‫وقسم ‪ :‬بالعكس ‪ ،‬وهذا يعني الحث على الخلص لله ‪. ‬‬
‫‪ -4‬من فوائد الحديث ‪ :‬حسن تعليم النبي ‪ ‬وذلك ‪ :‬بتنويع‬
‫ت " وهذا‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ما ال َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫الكلم وتقسيمه ‪ ،‬لنه قال " إ ِن ّ َ‬
‫وى " وهذا للمعمول له ‪،‬‬ ‫ما ن َ َ‬‫ء َ‬‫رى ٍ‬ ‫م ِ‬
‫لا ْ‬ ‫ما ل ِك ُ ّ‬ ‫وإن ّ َ‬
‫للعمل " َ‬
‫هذا أول ً ‪.‬‬
‫حسن التعليم ‪ :‬تقسيم الهجرة إلى قسمين ‪:‬‬ ‫والثاني من ُ‬
‫شرعية وغير شرعية ‪ ،‬وهذا من حسن التعليم ‪ ،‬ولذلك ينبغي‬
‫للمعلم أن ل يسرد المسائل على الطالب سردا ً لن هذا‬
‫سي‪ ،‬بل عليه أ‪ ،‬يجعل أصول ً ‪ ،‬وقواعد وتقييدات ‪ ،‬لن ذلك‬ ‫ي ُن ْ ِ‬
‫أقرب لثبوت العلم في قلبه ‪ ،‬أما أن تسرد عليه المسائل‬
‫فما أسرع أن ينساها‪.‬‬
‫‪ -5‬من فوائد الحديث ‪ :‬قرن الرسول ‪ ‬مع الله تعالى بالواو‬
‫سوله " ولم يقل ‪ :‬ثم إلى رسوله ‪،‬‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حيث قال ‪ِ " :‬إلى الل ِ‬
‫قا َ‬
‫ل ‪":‬‬ ‫ف َ‬
‫ت‪َ ،‬‬ ‫شئ ْ َ‬‫هو ِ‬ ‫ما شاءَ الل ُ‬ ‫مع أن رجل ً قال للرسول ‪َ : ‬‬
‫ده " فما الفرق ؟‬ ‫ح َ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫بَ ْ‬
‫والجواب ‪ :‬أما ما يتعلق بالشريعة ‪ :‬فيعبر عنه بالواو ‪ ،‬لن ما‬
‫صدر عن النبي ‪ ‬من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما‬
‫ه ‪ (1‬‬ ‫ع الل ّ َ‬ ‫طا َ‬‫قد ْ أ َ َ‬‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ع الّر ُ‬ ‫ن ي ُطِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى ‪ّ  :‬‬
‫(‬

‫وأما المور الكونية ‪ :‬فل يجوز أن ُيرن مع الله أحدٌ بالواو أبدا ً‬
‫‪ ،‬لن كل شي تحت إرادة الله تعلى ومشيئته‪.‬‬
‫فإذا قال قائل ‪:‬هل ينزل المطر غدا ً ؟‬
‫فقيل ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪ ،‬فهذا خطأ ‪ ،‬لن الرسول ‪‬‬
‫ليس عنده علم بهذا ‪.‬‬
‫م أم حلل ؟‬ ‫* مسألة ‪:‬وإذا قال ‪ :‬هل هذا حرا ٌ‬
‫فقيل في الجواب ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪ ،‬فهذا صحيح ‪ ،‬لن‬
‫حكم الرسول ‪‬في المور الشرعية حكم الله تعالى كما‬
‫ه ‪‬‬ ‫ع الل ّ َ‬‫طا َ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ع الّر ُ‬ ‫ن ي ُطِ ِ‬ ‫م ْ‬‫قال ‪ّ  : ‬‬
‫(‬ ‫‪(1‬‬

‫* مسألة ‪ :‬أيهما أفضل العلم أم الجهاد في سبيل الله ؟‬


‫والجواب ‪ :‬العلم من حيث هو علم أفضل من الجهاد في‬
‫سبيل الله لن الناس كلهم محتاجون إلى العلم ‪،‬وقد قال‬
‫)‪(1‬‬
‫‪) .‬النساء ‪(80 :‬‬
‫‪10‬‬
‫المام أحمد ‪ " :‬العلم ل يعدله شيء لمن صحت نيته "‪ ،‬ول‬
‫يمكن أبدا ً أن يكون الجهاد فرض عين لقول الله تعالى ‪ :‬‬
‫ة ‪ ‬فلو كان فرض عين‬ ‫ف ً‬ ‫كآ ّ‬ ‫فُروا ْ َ‬
‫ن ل َِين ِ‬‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ة ّ‬
‫ق ٍ‬‫فْر َ‬ ‫من ك ُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ول َ ن َ َ‬ ‫َ‬
‫فل ْ‬ ‫لوجب على جميع الناس ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫هوا ْ ِ‬ ‫ق ُ‬‫ف ّ‬ ‫ة ‪ ‬أي وقعدت طائفة ‪ ‬ل ّي َت َ َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫َ‬
‫طآئ ِ َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫حذَُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬‫م لَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ُ ْ َ‬
‫عوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫ذا َر َ‬‫م إِ َ‬
‫ه ْ‬‫م ُ‬‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫ذُروا ْ َ‬ ‫ول ُِين ِ‬ ‫َ‬
‫ولكن باختلف الفاعل واختلف الزمن ‪ ،‬قد نقول لشخص ‪:‬‬ ‫‪((1‬‬

‫الفضل في حقك الجهاد ‪ ،‬ولخر الفضل في حقك العلم‬


‫‪،‬فإذا كان شجاعا ً قويا ً نشيطا ً وليس بذاك الذكي فالفضل‬
‫له الجهاد ؛ لنه ألَيق به ‪ ،‬وإذا كان ذكيا ً حافظا ً قوي الحجة‬
‫فالفضل له العلم وهذا باعتبار الفاعل ‪.‬‬
‫أما باعتبار الزمن فإننا إذا كّنا في زمن كثر فيه العلماء‬
‫واحتاجت الثغور إلى مرابطين فالفضل الجهاد ‪.‬‬
‫وإن كّنا في زمن تفشى فيه الجهل وبدأت البدع تظهر في‬
‫المجتمع وتنتشر فالعلم أفضل ‪.‬‬
‫وهناك ثلثة أمور تحّتم على طلب العلم ‪:‬‬
‫‪ -1‬بدع بدأت تظهر شرورها ‪.‬‬
‫‪ -2‬الفتاء بغير علم ‪.‬‬
‫‪ -3‬جدل كثير في مسائل بغير علم ‪.‬‬
‫جح فالفضل العلم ‪.‬‬ ‫وإذا لم يكن مر ّ‬
‫‪ -6‬ومن فوائد الحديث ‪ :‬أن الهجرة من العمال الصالحة‬
‫لنها يقصد بها الله ورسوله‪.‬‬
‫* مسألة ‪:‬هل الهجرة واجبة أم مستحبة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬فيه تفصيل ‪ ،‬إذا كان النسان يستطيع أن يظهر‬
‫دينه وأن يعلنه ول يجد من يمنعه في ذلك ‪ ،‬فالهجرة هنا‬
‫مستحبة ‪.‬‬
‫وإن كان ل يستطيع فالهجرة واجبة وهذا هو الضابط‬
‫ب والواجب‪ ،‬وهذا يكون في البلد الكافرة‪.‬‬ ‫للمستح ّ‬
‫أما في البلد الفاسقة – وهي التي تعلن الفسق وتظهره –‬
‫فإنا نقول ‪ :‬إن خاف النسان على نفسه أن ينزلق فيه أهل‬
‫البلد فهنا الهجرة واجبة ‪ ،‬وأن لم يخف فتكون غير واجبة ‪،‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪) .‬التوبة ‪(122 :‬‬
‫‪11‬‬
‫بل نقول في بقائه إصلح ‪ ،‬فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه‬
‫في الصلح والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫والحاصل أن الهجرة من بلد الكفر ليست كالهجرة من بلد‬
‫الفسق ‪ ،‬فيقال للنسان‪ :‬اصبر واحتسب ول سيما إن كنت‬
‫مصلحا ً ‪ ،‬بل قد يقال ‪ :‬إن الهجرة في حقك حرام ‪.‬‬

‫الحديث الثاني‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫قال ‪ :‬ب َي ْن َ َ‬ ‫ه َأيضا ً َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫عاَلى َ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ج ٌ‬ ‫عل َْينا َ َر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫وم ٍ إ َذْ طَل َ َ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ‪َ ‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْدَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ٌ‬ ‫جل ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ه أث َُر‬ ‫عَلي ِ‬ ‫ر ل َ ي َُرى َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ش ْ‬ ‫واِد ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫دي ْدُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ض الّثياب َ‬ ‫ِ‬ ‫دي ْدُ ب ََيا‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫فه منا أحد حتى جل َس إَلى النبي ‪َ َ ‬‬
‫د‬
‫سن َ َ‬‫فأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ‬ ‫ر ُ ُ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل ‪َ :‬يا‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ه َ‬ ‫كفي ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إَلى ُرك ْب َت َي ْ ِ‬ ‫ُرك ْب َت َي ْ ِ‬
‫ه ‪":‬‬ ‫سو ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫لم ‪َ ،‬‬ ‫س َ‬ ‫محمد أ َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الله‬ ‫سو ُ‬ ‫مدَا ً َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ل َ إَله إل ّ الل ُ‬ ‫هد َ أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫ج‬
‫ح ّ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬ ‫و َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫كاةَ ‪َ ،‬‬ ‫ي الّز َ‬ ‫ؤت ِ َ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫لة ‪َ ،‬‬ ‫ص َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫وت ُ ِ‬ ‫‪َ ،‬‬
‫سب ِي ْل ً "‬ ‫ه َ‬ ‫ت ِإلي ْ ِ‬ ‫طع َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن اِ ْ‬ ‫ت إِ ِ‬ ‫البي ْ َ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ق ُ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫فع ِ‬ ‫ت‪َ .‬‬ ‫ق َ‬ ‫صدَ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫لئك َِته ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ِبالله ‪َ ،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ُتؤ ِ‬ ‫ل‪":‬أ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ِي ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ي َ‬ ‫رن ْ‬ ‫خب ِ ِ‬
‫ه‬‫ر ِ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫قد َ ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫خر ‪َ ،‬‬ ‫وال َْيوم ِ ال َ ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ه"‬ ‫شّر ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫صدَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ل‪":‬أ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ي َ‬ ‫خب ِْرن ِ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ل‪َ :‬‬
‫ك"‪.‬‬ ‫ه ي ََرا َ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫ن ت ََراهُ َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ك ت ََراهُ ‪َ ،‬‬ ‫ه ك َأ َن َ َ‬ ‫عب ُدَ الل َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫مسئ ُ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ل‪َ ":‬‬ ‫قا َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ع ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫خب ِْرِني َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ب ِأ َ ْ‬
‫ل ‪":‬‬ ‫قا َ‬ ‫ماَراِتها ‪َ ،‬‬ ‫نأ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خب ِْرن ِ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ل" َ‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َ َ‬
‫عاءَ‬ ‫ر َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫را‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ترى‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ة ربت َها ‪ ،‬وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ن ت َل ِدَ ال َ‬ ‫أَ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫مل ِي ّا ث ُ ّ‬‫ً‬ ‫ت َ‬ ‫فلِبث ُ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ان ْطل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن " ثْ ّ‬ ‫في الب ُن َْيا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ول ُ ْ‬ ‫طا َ‬ ‫ء ي َت َ َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫سوله‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ت الل ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل؟ " ُ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َِ‬ ‫ري َ‬ ‫مُر أت َدْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ل ‪َ " :‬يا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫م " رواه‬ ‫م ِدي ْن َك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ل أَتاك ُ ْ‬ ‫ري ْ ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫ل ‪َ ":‬‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫الشرح‬
‫ما " هي " بينا" ولكن زيدت‬ ‫س " "ب َي ْن َ َ‬ ‫و ٌ‬ ‫جل ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫قوله ‪" :‬ب َي ْن َ َ‬
‫ما( زيدت للتوكيد ‪.‬‬ ‫ما( فيها والصل ‪ :‬بين نحن ‪َ ) ،‬‬ ‫) َ‬
‫ه ‪" ‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْدَ َر ُ‬ ‫س " مبتدأ ‪ ،‬وخبره ‪ِ " :‬‬ ‫و ٌ‬ ‫جل ُ ْ‬ ‫" ُ‬
‫وم ٍ " ذات هنا تفيد النكرة ‪ ،‬أي في يوم من اليام‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫" َ‬
‫‪،‬وتستعمل في اللغة على وجوه متعددة‪ :‬تارة تكون بمعنى‬
‫ت‬‫ذا َ‬ ‫النكرة الدالة على العموم ‪ :‬كما في جملة الحديث " َ‬
‫وم ٍ " وهذا أغلب ما تستعمل ‪.‬‬ ‫يَ ْ‬
‫ض الّثياب " أي عليه ثياب ‪.‬‬ ‫دي ْدُ ب ََيا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫" َ‬
‫ر " أي أنه شاب ‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫واِد ال ّ‬ ‫س َ‬‫دي ْدُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫" َ‬
‫عَلي َ‬
‫ر " لن ثيابه بيضاء وشعره أسود‬ ‫ف ِ‬‫س َ‬ ‫ه أث َُر ال ّ‬ ‫" ل َ ي َُرى َ ِ‬
‫ليس فيه غبار ول شعث السفر ‪ ،‬ولن المسافر في ذلك‬
‫الوقت ُيرى عليه أثر السفر ‪.‬‬
‫د " أي وليس من أهل المدينة‬ ‫ح ٌ‬ ‫منا أ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫" َ‬
‫المعروفين ‪ ،‬فهو غريب ‪.‬‬
‫س إَلى النِبي ‪ " ‬ولم يقل عنده ليفيد الغاية ‪،‬‬ ‫جل َ َ‬ ‫حتى َ‬ ‫" َ‬
‫أي أن جلوسه كان ملصقا ً للنبي ‪. ‬‬
‫ولهذا قال ‪َ َ " :‬‬
‫ه " أي‬ ‫ع َ‬
‫كفي ْ ِ‬ ‫ض َ‬‫و َ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫ه إَلى ُرك ْب َت َي ْ ِ‬ ‫سن َدَ ُرك ْب َت َي ْ ِ‬ ‫فأ ْ‬
‫ه " أي فخذي هذا الرجل ‪،‬‬ ‫ذي ْ ِ‬‫خ ِ‬‫ف ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫كفي هذا الرجل " َ‬
‫وليس على فخذي النبي ‪ ،‬وهذا من شدة الحترام ‪.‬‬
‫د " ولم يقل ‪ :‬يا رسول الله ليوهم أنه‬ ‫م ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫أعرابي ‪ ،‬لن العراب ينادون النبي ‪ ‬باسمه العلم ‪ ،‬وأما‬
‫أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫لم " أي ما هو السلم ؟ أخبرني عنه ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫خب ِْرِني َ‬ ‫" أَ ْ‬
‫شهد أ َن ل َ إَله إل ّ الله َ‬ ‫" السل َم أ َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫مدَا ً َر ُ‬
‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬‫وأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ ْ ُ‬
‫الله " تشهد أي تقر وتعترف بلسانك وقلبك ‪ ،‬فل يكفي‬
‫من‬ ‫اللسان ‪ ،‬بل ل بد من اللسان والقلب قال الله ‪:‬إ ِّل َ‬
‫ن ‪.1 ‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫هدَ ِبال ْ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‪) .‬الزخرف ‪(86 :‬‬
‫‪13‬‬
‫َ‬
‫ل الله " أي وتشهد أن محمدا ً رسول‬ ‫سو ُ‬ ‫مدَا ً َر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫" َ‬
‫الله ‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬أني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لنه‬
‫يخاطبه ‪ ،‬لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيما ً ‪.‬‬
‫مدَا ً " هو محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ُ ":‬‬
‫من ذرية إسماعيل ‪ ،‬وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه ‪.‬‬
‫ل الله " رسول بمعنى مرسل ‪ ،‬والرسول هو من‬ ‫سو ُ‬ ‫" َر ُ‬
‫أوحى الله بشرع وأمر بتبليغه والعمل به ‪.‬‬
‫لة " أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة ‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫وت ُ ِ‬ ‫" َ‬
‫لة " تشمل الفريضة والنافلة ‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫وكلمة ‪ " :‬ال ّ‬
‫ة " تؤتي بمعنى تعطي ‪ ،‬والزكاة هي المال‬ ‫كا َ‬ ‫ي الّز َ‬ ‫ؤت ِ َ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫" َ‬
‫الواجب بذله لمستحقه من الموال الزكوية تعبدا ً لله ‪ ،‬وهي‬
‫الذهب والفضة والماشية والخارج من الرض وعروض‬
‫التجارة ‪.‬‬
‫ن " أي تمسك عن المفطرات تعبدا ً لله‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬ ‫و َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫" َ‬
‫تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ‪.‬‬
‫وأصل الصيام في اللغة ‪ :‬المساك ‪.‬‬
‫ت " أي تقصد البيت لداء النسك في وقت‬ ‫ج البي ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫" َ‬
‫مخصوص تعبدا ً لله تعالى ‪.‬‬
‫سب ِي ْل ً " ‪.‬‬‫ه َ‬ ‫ت ِإلي ْ ِ‬ ‫طع َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن اِ ْ‬ ‫" إِ ِ‬
‫ت " القائل صدقت ‪ :‬جبريل عليه السلم وهو السائل‬ ‫ق َ‬ ‫صد َ ْ‬ ‫" َ‬
‫‪ ،‬فكيف يقول ‪ :‬صدقت وهو السائل ؟‬
‫لن الذي يقول ‪ :‬صدقت للمتكلم يعني أن عنده علما ً سابقا ً‬
‫علم بأن هذا الرجل أصابه ‪ ،‬وهو محل عجب‪ ،‬ولهذا تعجب‬
‫الصحابة كيف يسأله ويصدقه ‪ ،‬لكن سيأتي إن شاء الله بيان‬
‫هذا ‪.‬‬
‫* شرح هذه الركان الخمسة ‪:‬‬
‫‪ -‬الركن الول ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وإن محمدا ً رسول‬
‫الله ‪.‬‬
‫ل هذان الركنان ركنا ً واحدا ً ‪ ،‬ولم يجعل‬ ‫ع َ‬‫ج ِ‬‫هنا مسألة ‪ :‬لماذا ُ‬
‫ركنين ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة العمال كلها ‪،‬‬
‫لن شهادة أل إله إل الله تستلزم الخلص ‪ ،‬وشهادة أن‬
‫‪14‬‬
‫محمدا ً رسول الله تستلزم التباع ‪ ،‬وكل عمل يتقرب له إلى‬
‫الله ل يقبل إل بهذين الشرطين ‪ :‬الخلص لله ‪ ،‬والمتابعة‬
‫لرسول الله ‪. ‬‬
‫ومعنى أن تشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬أي ‪ :‬أن يعتبر النسان‬
‫بلسانه وقلبه بأنه ل معبود حق إل الله ‪. ‬‬
‫د" بمعنى أقر بقلبي ناطقا ً بلسانس ؛ لن الشهادة‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬‫و" أ َ ْ‬
‫نطق وإخبار عما في القلب ‪.‬‬
‫وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس ل يستطيع النطق فإنه يكفي‬
‫إقراره بقلبه للعجز ‪.‬‬
‫والشهادة باللسان ل تكفي بدليل أن المنافقين يشهدون‬
‫لله ‪ ‬بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم ‪ ،‬فيقولون‬
‫بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ‪ ،‬فل ينفعهم ‪.‬‬
‫ه " أي ل معبود بحق إل الله وبتقديرنا الخبر‬ ‫و " ل َ إَله إل ّ الل ُ‬
‫بهذه الكلمة " حق " يتبين الجواب عن الشكال التالي ‪ :‬وهو‬
‫ه " مع أن هناك آلهة تعبد من دون‬ ‫كيف ُيقال ‪ ":‬ل َ إَله إل ّ الل ُ‬
‫الله ‪ ،‬وقد سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة ‪ ،‬قال الله‬
‫ن‬‫دو ِ‬‫من ُ‬ ‫ن ِ‬
‫عو َ‬ ‫م ال ِّتي ي َدْ ُ‬‫ه ُ‬‫هت ُ ُ‬‫م آل ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ت َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫غن َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫تعالى ‪َ  :‬‬
‫ه"‬ ‫ء ‪ ‬فبتقدير الخبر في " ل َ إَله إ ِل ّ الل ُ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫‪1‬‬

‫نقول ‪ :‬هذه اللهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها‬


‫قة ‪ ،‬وليس لها حق اللوهية من شيء‬ ‫باطلة ‪ ،‬وليست آلهة ح ّ‬
‫‪.‬‬
‫ه " الله ‪ :‬علم على الرب ‪ ‬ل يسمى به غيره ‪ ،‬وها‬ ‫" إ ِل ّ الل ُ‬
‫أصل من أسماء الله ‪ ‬ولهذا تأتي السماء تابعة له ‪ ،‬ول‬
‫يأتي تابعا ً للسماء إل في آية واحدة ‪ ،‬وهي قول الله‬
‫في‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫د ‪ 1‬الل ّ ِ‬ ‫مي ِ‬‫ح ِ‬‫ز ال ْ َ‬ ‫زي ِ‬ ‫ع ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫تعالى ‪  :‬إ َِلى ِ‬
‫ض ‪ 2‬لكن لفظ السم الكريم هنا‬ ‫َ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫بدل من العزيز ‪ ،‬وليست صفة ‪ ،‬لن جميع السماء إنما تكون‬
‫تابعة لهذا السم العظيم ‪.‬‬
‫دل النسان في السلم ؟‬ ‫مسألة ‪ :‬هل هذه الشهادة ت ُ ِ‬
‫الجواب ‪ :‬نعم تدخله في السلم حتى لو ظننا أنه قالها‬
‫وذًا‪ ،‬فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننا أنه قالها كاذبًا‪.‬‬ ‫تع ّ‬
‫‪1‬‬
‫) هود ‪(101 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) إبراهيم ‪.(2 :‬‬
‫‪15‬‬
‫إذا ً نحن ليس لنا إل الظاهر حتى لو غلب على ظننا أنه قالها‬
‫تعوذا ً فإنها تعصمه ‪ ،‬نعم لو ارتد بعد ذلك قتلناه‪ ،‬وهذا يوجود‬
‫من جنود الكفر إذا أسرهم المسلمون قالوا ‪ :‬أسلمنا من‬
‫أجل أن يعصموا أنفسهم من القتل‪ ،‬فيسأل المجاهدون‬
‫ويقولون ‪ :‬هل نقتل هؤلء بعد أن قالوا ‪ :‬ل إله إل الله أم‬
‫ل؟‬
‫ل على أنهم ل يقتلون ولكن‬ ‫نقول ‪ :‬حديث أسامة يد ّ‬
‫يراقبون ‪ ،‬فإذا ظهر منهم ردة قتلوا‪ ،‬لنهم بشهادة أن ل إله‬
‫إل الله َتلزمهم أحكام السلم ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ " :‬‬
‫ل الله " أي أن تشهد أنه رسول‬ ‫سو ُ‬ ‫مدَا ً َر ُ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬
‫وأ ّ‬
‫َ‬
‫الله ‪ ،‬أي مرسِلة إلى الخلق‪ ،‬والرسول هو من أوحى الله‬
‫إليه بشرع وأمره بتبليغه ‪ ،‬وكان الناس قبل نوح على ملة‬
‫واحدة لم يحتاجوا إلى رسول ‪ ،‬ثم كثروا واختلفوا ‪ ،‬فكانت‬
‫حاجتهم إلى الرسل ‪ ،‬فأرسل الله تعالى الرسل ‪.‬‬
‫ولهذا كان أول الرسل نوحا ً عليه السلم ‪ ،‬وآخرهم محمد‬
‫‪.‬‬
‫فلبد من اليمان بأن محمدأ رسول الله ‪ ،‬ول بد أن نؤمن‬
‫بأنه خاتم النبيين ‪.‬‬
‫* شهادة أن محمدا ً رسول الله تستلزم أمورا ً منها ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تصديقه ‪ ‬فيما أخبر ‪ ،‬بحيث ل يكون عند النسان‬
‫تردد فيما أخبر به ‪ ،‬بل يكون في قلبه أشد مما نطق ‪ ،‬كما‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ن ‪‬‬ ‫قو َ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬
‫م َتنطِ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ق ّ‬
‫ح ّ‬‫ه لَ َ‬
‫قال ‪ ‬في القرآن ‪  :‬إ ِن ّ ُ‬
‫نعلم أنه الحق ‪ ،‬لكن بيننا وبينه مفاوز وهو السند ‪ ،‬لن‬
‫النبي ‪ ‬ليس أمامنا لكن إذا ثبت الحديث عن الرسول ‪‬‬
‫وجب علينا تصديقه ‪ ،‬سواء علمنا وجهه أم لم نعلمه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬امتثال أمره ‪ ‬ول نتردد فيه لقول الله تعالى ‪ :‬‬
‫مًرا َأن‬ ‫ضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ق َ‬‫ذا َ‬
‫ة إِ َ‬
‫من َ ٍ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وَل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫ٍ‬ ‫م‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ ُ‬‫كا َ‬‫ما َ‬‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ‪ ‬ولهذا أقول ‪ :‬من الخطأ أ ّ‬
‫ن‬ ‫‪2‬‬
‫ه ْ‬
‫ر ِ‬‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫خي ََرةُ ِ‬‫م ال ِ‬ ‫ه ُ‬
‫نل ُ‬ ‫ي َكو َ‬
‫بعضهم إذا جاءه المر من الله ورسوله بدأ يتسأل فيقول ‪:‬‬
‫هل للوجوب أو للستحباب ؟ كما يقوله كثير من الناس اليوم‬
‫‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) الذاريات ‪(23 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الذاريات ‪(23 :‬‬
‫‪16‬‬
‫وهذا السؤال وأن ل يورد ؛ لن الصحابة رضي الله عنهم إذا‬
‫أمرهم النبي ‪ ‬كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا ‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬في حالة ما إذا وقع النسان في مسألة وخالف‬
‫المر ‪ ،‬فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير‬
‫الوجوب ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يتجنب ما نهى رسول الله ‪ ‬عنه بدون تردد ‪ ،‬ل‬
‫ل ‪ :‬هذا ليس في القرآن فيهلك ‪ ،‬لننا نقول ‪ :‬ما جاء في‬ ‫ق ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫السنة فقد أمر القرآن بإتباعه ‪.‬‬
‫د من البشر على قول النبي ‪، ‬‬ ‫الرابع ‪ :‬أن ل يقدم قول أح ٍ‬
‫وعلى هذا ل يجوز أن تقدم قول فلن –المام من أئمة‬
‫المسلمين – على قول الرسول ‪ ‬لنك أنت والمام يلزمكما‬
‫إتباع الرسول ‪. ‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن ل يبتدع في دين الله ما لم يأت الرسول ‪، ‬‬
‫سواء عقيدة ‪ ،‬أو قول ً ‪ ،‬أو فعل ً ‪ ،‬وعلى هذا فجميع‬
‫المبتدعين لم يحققوا شهادة أ‪ ،‬محمدا ً رسول الله ‪ ،‬لنهم‬
‫زادوا في شرعه ما ليس منه ‪ ،‬ولم يتأدبوا مع الرسول ‪. ‬‬
‫السادس ‪ :‬أن ل يبتدع في حقه ما ليس منه ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فالذين يبتدعون الحتفال بالمولد النبوي ناقصون في‬
‫تحقيق شهادة أن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬لن تحقيقها يستلزم‬
‫أن ل تزيد في شريعته ما ليس منها ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬أن تعتقد بأن النبي ‪ ‬ليس له شيء من الربوبية ‪،‬‬
‫أي أنه ل ُيدعى ‪ ،‬ول ُيستغاث به إل في حياته فيما يقدر‬
‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫عا‬ ‫سي ن َ ْ‬
‫ف ً‬ ‫ف ِ‬‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫قل ل ّ أ ْ‬ ‫عليه ‪ ،‬فهو عبدالله ورسوله ‪ُ ‬‬
‫ه ‪‬‬ ‫شاء الل ّ ُ‬‫ما َ‬‫ضّرا إ ِل ّ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬
‫الثامن ‪ :‬احترام أقواله ‪ ،‬بمعنى أن يحترم أقوال النبي ‪‬‬
‫فل تضع أحاديثه عليه الصلة والسلم في أماكن غير لئقة ‪،‬‬
‫لن هذا نوع من المتهان ‪.‬‬
‫لة " أي تأتي بها قويمة ‪ ،‬ول تكون قويمة إل‬ ‫ص َ‬‫م ال ّ‬ ‫قي ْ َ‬‫وت ُ ِ‬‫" َ‬
‫بفعل شروطها وأركانها وواجباتها – وهذا ل بد منه –‬
‫وبمكملتها ‪ ،‬تكون أكمل ‪.‬‬
‫ول حاجة لشرح هذه لنها معروفة في كتب الفقه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) العراف ‪(188 :‬‬
‫‪17‬‬
‫لة " يشمل كل الصلة ‪ :‬الفريضة والنافلة ‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫وقوله ‪ " :‬ال ّ‬
‫وهل تدخل في صلة الجنازة أو ل ؟‬
‫يحتمل هذا وهذا ‪ ،‬لكن تدخل في عموم المر بالحسان ‪.‬‬
‫ة " تؤتي بمعنى تعطي ‪ ،‬والزكاة هي ‪ :‬المال‬ ‫كا َ‬‫ي الّز َ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫ؤت ِ َ‬ ‫" َ‬
‫الواجب ف الموال الزكوية ‪ ،‬فيعطيه النسان مستحقه تعبدا ً‬
‫لله ‪ ‬ورجاء لثوابه ‪.‬‬
‫وقد بّين الله ‪ ‬أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية‬
‫ن‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫قَراء َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ال ّ‬
‫أصناف فقال ‪  ‬إ ِن ّ َ‬
‫ب‬ ‫في الّر َ‬
‫قا ِ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ف ِ‬‫ؤل ّ َ‬
‫م َ‬‫وال ْ ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ها َ‬ ‫ن َ‬‫مِلي َ‬
‫عا ِ‬‫وال ْ َ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬
‫ة ّ‬
‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫ل َ‬
‫ف ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫واب ْ ِ‬
‫ه َ‬‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬‫مي َ‬‫ر ِ‬‫غا ِ‬‫وال َ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلء ول نعطي غيرهم‬
‫م ‪ 1‬وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الفقه ول حاجة إلى تفصيله هنا ‪.‬‬
‫ن " بأن تمسك عن المفطرات من طلوع‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬‫و َ‬ ‫ص ْ‬‫وت َ ُ‬ ‫" َ‬
‫الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبدا ً لله تعالى ‪.‬‬
‫والمفطرات أيضا ً معروفة ل حاجة إلى ذكرها ولكن ننّبه على‬
‫شيء مهم فيها ‪:‬‬
‫أن المفطرات ل تفطر الصائم إل بثلثة شروط ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون عالما ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون ذاكرا ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون مريدا ً ‪.‬‬
‫ت " أي تقصد لداء المناسك في وقت مخصوص‬ ‫ج البي ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وت َ ُ‬‫" َ‬
‫تعبدا ً لله تعالى ‪.‬‬
‫وهل يدخل في ذلك العمرة أو ل ؟‬
‫فيه خلف بين العلماء ‪:‬‬
‫والصحيح أن العمرة دون الحج ‪ ،‬أي ليست من أركان السلم‬
‫لكنها واجبة يأثم النسان بتركها إذا تمت شروط الوجوب ‪.‬‬
‫سب ِي ْل ً " مؤخوذ من قوله تعالى ‪ :‬‬ ‫ه َ‬‫ت ِإلي ْ ِ‬ ‫طع َ‬ ‫ست َ َ‬‫ن اِ ْ‬ ‫" إِ ِ‬
‫سِبيل ً ‪ ‬قد‬
‫‪2‬‬
‫ه َ‬‫ع إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ست َ َ‬
‫طا َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ج ال ْب َي ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ِ‬ ‫على الّنا ِ‬
‫ه َ َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫) التوبة ‪(60 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) آل عمران ‪(97 :‬‬
‫‪18‬‬
‫يقول قائل ‪ :‬هذا الشرط ف جميع العبادات لقول الله تعالى‬
‫م ‪ 1‬فلماذا خص الحج ؟‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬‫‪َ  :‬‬
‫نقول ‪ :‬خص الحج لن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم‬
‫القدرة ‪ ،‬فلذلك نص عليه وإل فجميع العبادات ل بد فيها من‬
‫الستطاعة ‪.‬‬
‫ت " أي أخبرت بالحق ‪ ،‬والقائل هو جبريل‬ ‫ق َ‬ ‫صد َ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫" َ‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه " ووجه العجب أن السائل عادة‬ ‫ق ُ‬ ‫صد ّ ُ‬
‫وي ُ َ‬‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫فع ِ‬ ‫" َ‬
‫يكون جاهل ً ‪ ،‬والمصدق يكون عالما ً فكيف يجتمع هذا وهذا ‪.‬‬
‫ن " قال ‪ :‬أي جبريل ‪ ،‬فأخبرني‬ ‫فأ َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫" َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن ال ِي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫رن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫‪ :‬أي يا محمد عن اليمان ؟‬
‫واليمان في اللغة ‪ :‬هو القرار بالقلب والعتراف المستلزم‬
‫للقبول والذعان وهو مطابق للشرع ‪.‬‬
‫وأما قولهم ‪ :‬اليمان في اللغة التصديق ففيه نظر ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‪،‬‬‫سل ِ ِ‬‫وُر ُ‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫لئك َِته ‪َ ،‬‬ ‫م ِ‬
‫و َ‬ ‫ن ِبالله ‪َ ،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ُتؤ ِ‬ ‫ل‪":‬أ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫" َ‬
‫ه " هذه ستة‬ ‫شّر ِ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬‫ر ِ‬
‫خي ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫قد َ ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫خر ‪َ ،‬‬ ‫وال َْيوم ِ ال َ ِ‬ ‫َ‬
‫أشياء ‪:‬‬
‫ن ِبالله " اليمان بالله يتضمن أربعة أشياء ‪:‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن ُتؤ ِ‬ ‫" أ ْ‬
‫الول ‪ :‬اليمان بوجوده سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬اليمان بانفراده بالّربوبية ‪ ،‬أي تؤمن بأنه وحده‬
‫الّرب ‪ ،‬والرب هو الخالق المالك المدبر ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اليمان بانفراده باللوهية‪ ،‬وأنه وحده الذي ل إله إل‬
‫هو ل شريك له‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن تعطي بالسماء والصفات على الوجه اللئق به‬
‫من غير تحريف‪ ،‬ول تعطيل‪ ،‬ول تكيف‪ ،‬ول تمثيل‪ ،‬فمن‬
‫حّرف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق‬
‫اليمان بالله‪.‬‬
‫وعلى هذا فجميع المبتدعة في السماء والصفات‪،‬‬
‫المخالفين لما عليه السلف الصالح ‪ ،‬ولم يحققوا اليمان‬
‫بالله‪ ،‬والذي فاتهم من المور الربعة هو الرابع ‪ :‬اليمان‬
‫بأسماء الله وصفاته ‪ ،‬ولم يحققوا اليمان به ‪ ،‬ول نقول ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫) التغابن ‪(16 :‬‬
‫‪19‬‬
‫إنهم غير مؤمنين ‪ ،‬فهم مؤمنون ل شك‪ ،‬لكنهم لم يحققوا‬
‫اليمان بالله ‪ ،‬وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف ‪،‬‬
‫ك ‪ ،‬ولكن ل يحكم على صاحبه بالضلل‬ ‫وطريقتهم ضل بل ش ّ‬
‫حتى تقوم عليه الحجة‪ ،‬فإذا قامت عليه الحجة ‪ ،‬وأصر على‬
‫خطئه وضلله ‪ ،‬كان مبتدعا ً فيما خالف فيه من الحق ‪ ،‬وإن‬
‫ي على وجه الطلق ‪ ،‬بل يوصف بأنه سلفي فيما‬ ‫كان سلف ّ‬
‫وافق السلف ‪ ،‬مبتدع فيما خالفهم ‪.‬‬
‫لئك َِته " بدأ بالملئكة قبل الرسل والكتب‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬‫وقوله ‪َ " :‬‬
‫لنهم عالم غيبي ‪ ،‬أما الرسل والكتب فعالم محسوس ‪،‬‬
‫فالملئكة ل يظهرون بالحس إل بإذن الله ‪ ، ‬وقد خلق الله‬
‫ر ‪ ،‬كما ثبت عن النبي ‪ ‬وهم ل يحتاجون‬ ‫الملئكة من نو ٍ‬
‫إلى أكل وشرب ‪ ،‬فنؤمن إن هناك عالما ً غيبيا ً هم الملئكة ‪.‬‬
‫وهم أصناف‪ ،‬ووظائفهم أيضا ً حسب حكمة الله ‪ ‬كالبشر‬
‫أصناف ووظائفهم أصناف‪.‬‬
‫من ‪:‬‬ ‫واليمان بالملئكة يتض ّ‬
‫أول ً ‪ :‬اليمان بأسماء من علمنا أسماءهم ‪ ،‬مثل أن نؤمن بأن‬
‫هناك ملكا ً اسمه جبريل ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن نؤمن بما لهم من أعمال مثل ً ‪:‬‬
‫جبريل‪ :‬موكل بالوحي‪ ،‬ينزل به من عند الله إلى رسله‪.‬‬
‫كذلك يجب اليمان بما لبعض الملئكة من أعمال خاصة‪،‬‬
‫ل‪ :‬هناك ملئكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد‪.‬‬ ‫فمث ً‬
‫ه " جمع كتاب بمعنى ‪ :‬مكتوب والمراد بها الكتب التي‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬
‫" َ‬
‫أنزلها الله ‪ ‬على رسله لنه ما من رسول إل أنزل الله‬
‫ُ‬
‫ث الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬‫فب َ َ‬ ‫حدَةً َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬ ‫عليه كتابا ً كما قال ‪َ  :‬‬
‫ب ‪ 1‬وقال‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬‫ل َ‬ ‫وَأنَز َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬
‫ذ ِ‬ ‫من ِ‬
‫و ُ‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ن ُ‬ ‫الن ّب ِّيي َ‬
‫ة‬
‫و َ‬ ‫ما الن ّب ُ ّ‬ ‫ه َ‬‫في ذُّري ّت ِ ِ‬ ‫عل َْنا ِ‬
‫ج َ‬ ‫و َ‬‫‪ ‬عن نوح وإبراهيم ‪َ  :‬‬
‫ب ‪ 2‬واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له‬ ‫وال ْك َِتا َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫وأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫هيمنة علها وهو القرآن ‪ ،‬قال الله ‪َ  : ‬‬
‫مًنا‬
‫هي ْ ِ‬
‫م َ‬
‫و ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫ب َ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬
‫ن ي َدَي ْ ِ‬ ‫قا ل ّ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ّ ً‬
‫م َ‬
‫ق ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ه ‪ 3‬كل الكتب منسوخة بالقرآن ‪ ،‬فل ُيعمل بها شرعا ً ‪.‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫) البقرة ‪(213 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الحديد ‪(26 :‬‬
‫‪3‬‬
‫) المائدة ‪(48 :‬‬
‫‪20‬‬
‫واختلف العلماء – رحمهم الله – فيما ثبت في شرائع من‬
‫قبلنا‪ ،‬هل نعمل به إل أن يرد شرعنا بخلفه‪ ،‬أو ل نعمل به ؟‬
‫من العلماء من قال ‪ :‬إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد‬
‫شرعنا بخلفه ‪ ،‬وذلك أن ما سبق من الشرائع ‪:‬‬
‫إما أن توافقه شريعتنا‪.‬‬
‫وإما أن تخالفه شريعتنا‪.‬‬
‫وإما أن ل ترد شريعتنا بخلفه ‪ ،‬ول وفاقه فيكون مسكوتا ً‬
‫عنه ‪.‬‬
‫فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه ‪ ،‬وهذا بالجماع ‪،‬‬
‫واتباعنا إياه ل لجل وروده في الكتاب السابق ولكن‬
‫لشريعتنا ‪.‬‬
‫وما خالف شريعتنا فل تعمل به بالتفاق ‪ ،‬لنه منسوخ ‪.‬‬
‫وما لم يرد شرعنا بخلفه ول وفاقه فهذا محل الخلف‪:‬‬
‫وتفصيل ذلك في أصول الفقه‪.‬‬
‫* واليمان بالكتب يتضمن أربعة أمور ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتبا ً ‪ ،‬وأنها‬
‫من عند الله ولكن ل نؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي‬
‫حرفه‬
‫هذه المم هي الكتب التي من عند الله لنها م ّ‬
‫ومبدلة ‪ ،‬لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه‬
‫حق من عند الله ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن‬
‫وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف شريعتنا‬
‫على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا – وهو الحق‪. -‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن نؤمن بما علمنا من أسمائها ‪ ،‬مثل القرآن و‬
‫التوارة والنجيل و الزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى ‪.‬‬
‫فلو قال رجل ‪ :‬أنا ل أومن بأن هناك كتابا ً ‪ ، ‬فإنه كافر ‪،‬‬
‫لن اليمان بالله يتضمن اليمان بالكتب ‪.‬‬
‫ه " أي أن تؤمن برسل الله ‪ ، ‬والمراد بالرسل من‬ ‫سل ِ ِ‬
‫وُر ُ‬
‫" َ‬
‫البشر ‪ ،‬ولُيعلم بأنه يعبر برسول ويعّبر بنبي ‪ ،‬فهل معناهما‬
‫واحد ؟‬
‫‪21‬‬
‫الجواب ‪ :‬أما في القرآن فكل من ذكر من النبياء فهو‬
‫رسول ‪ ،‬فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول‪ ،‬لكن‬
‫معنى النبي والرسول يختلف ‪.‬‬
‫والصواب فيه‪ :‬أن النبي‪ :‬هو من أوحي إليه بشرع وأمر‬
‫خَبر‪،‬‬‫م ْ‬‫بالعمل به ولكن لم يؤمر بتبليغه‪ ،‬فهو نبي بمعنى ُ‬
‫مثاله‪ :‬أدم عليه السلم أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس‬
‫برسول‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬لماذا لم يرسل ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬لن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة ‪،‬‬
‫قليلين وليس بينهم اختلف‪ ،‬لم تتسع الدنيا ولم ينتشر‬
‫البشر فكانوا متفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة‬
‫ويتبعوه‪ ،‬ثم لما حصل الخلف وانتشر الناس احتيج إلى‬
‫ث‬‫ع َ‬ ‫حدَةً َ‬ ‫ُ‬ ‫الرسل ‪ ،‬كما قال الله ‪َ  : ‬‬
‫فب َ َ‬ ‫وا ِ‬
‫ة َ‬
‫م ً‬
‫سأ ّ‬‫ن الّنا ُ‬
‫كا َ‬
‫ن ‪.1‬‬ ‫ري َ‬
‫ذ ِ‬
‫من ِ‬
‫و ُ‬
‫ن َ‬‫ري َ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه الن ّب ِّيي َ‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬ما الفائدة من النبي بعد آدم عليه السلم إذا‬
‫كان لم يؤمر بالتبليغ ؟‬
‫قلنا الفائدة ‪ :‬تذكير الناس بالشريعة التي نسوها ‪ ،‬وفي هذا‬
‫ل يكون العراض من الناس تاما ً فل يحتاجون إلى رسول ‪،‬‬
‫ويكفي النبي الذي يذكرهم بالشريعة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ها الن ّب ِّيو َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫وُنوٌر ي َ ْ‬
‫دى َ‬
‫ه ً‬
‫ها ُ‬
‫في َ‬‫وَراةَ ِ‬‫إ ِّنا أنَزل َْنا الت ّ ْ‬
‫دوا ْ ‪‬‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ها ُ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫موا ْ ل ِل ّ ِ‬
‫سل َ ُ‬
‫أ ْ‬
‫‪ -‬وأول الرسل نوح عليه السلم ‪ ،‬وآخرهم محمد ‪. ‬‬
‫والرسل عليهم الصلة والسلم هم أعلى طبقات البشر‬
‫ع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫من ي ُطِ ِ‬
‫و َ‬
‫الذين أنعم الله عليهم‪ ،‬قال الله تعالى‪َ  :‬‬
‫ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ ُ‬
‫ن‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬
‫م َ‬
‫هم ّ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ع َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬
‫ك َ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫والّر ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬هذه أربعة أصناف ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫وال ّ‬ ‫داء َ‬‫ه َ‬
‫ش َ‬‫وال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬‫دي ِ‬
‫ص ّ‬‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫فالنبيون يدخل فيهم الرسل وهو أفضل من النبياء ‪ ،‬ثم‬
‫ولوا العزم ‪ ،‬ذكروا في القرآن‬ ‫ُ‬
‫الرسل أفضلهم خمسة هم أ ُ‬
‫في موضعين في سورة الحزاب وفي سورة الشورى ‪:‬‬
‫ن‬‫ن الن ّب ِّيي َ‬
‫م َ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬
‫خذَْنا ِ‬ ‫ففي الحزاب قال تعالى ‪َ  :‬‬
‫‪1‬‬
‫) البقرة ‪(213 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) المائدة ‪(44 :‬‬
‫‪3‬‬
‫) النساء ‪(69 :‬‬
‫‪22‬‬
‫‪1‬‬
‫سى ‪‬‬ ‫عي َ‬‫و ِ‬
‫سى َ‬ ‫مو َ‬
‫و ُ‬
‫م َ‬
‫هي َ‬
‫وإ ِب َْرا ِ‬
‫ح َ‬
‫من ّنو ٍ‬
‫و ِ‬ ‫من َ‬
‫ك َ‬ ‫و ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ميَثا َ‬
‫ق ُ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫كم ّ‬‫ع لَ ُ‬ ‫وفي سورة الشورى قال الله تعالى ‪َ  :‬‬
‫شَر َ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صي َْنا ب ِ ِ‬‫و ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ك َ‬ ‫و َ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫حا َ‬‫ه ُنو ً‬‫صى ب ِ ِ‬‫و ّ‬‫ما َ‬
‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ال ّ‬
‫ن ‪. 2‬‬ ‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬‫و ِ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬‫و ُ‬
‫م َ‬‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬
‫م"‬ ‫د آد َ َ‬‫ول َ ِ‬‫سي ّدُ َ‬‫وأفضلهم محمد ‪ ‬كما قال النبي ‪ " :‬أَنا َ‬
‫مهم في الصلة ‪ ،‬فإبراهيم‬ ‫َ‬
‫ولما التقى بهم في السراء أ ّ‬
‫إمام الحنفاء صلى وراء محمد ‪ ، ‬ومعلوم أنه ل يقدم في‬
‫المامة إل الفضل ‪ ،‬فالنبي ‪ ‬هو أفضل أولي العزم ‪.‬‬
‫وإبراهيم الخليل عليه السلم يلي مرتبة النبي ‪ ‬الذي قال‬
‫خِليل ً ‪. 3‬‬ ‫م َ‬‫هي َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬‫خذَ الل ّ ُ‬ ‫وات ّ َ‬
‫الله فيه ‪َ  :‬‬
‫والخلة ‪ :‬هي أعظم أنواع المحبة ‪.‬‬
‫* و ل نعلم من البشر خليل ً لله إل اثنان ‪ :‬إبراهيم ومحمد‬
‫عليهما الصلة والسلم ‪.‬‬
‫م‬ ‫خذَ إ ِب َْرا ِ‬
‫هي ِ َ‬ ‫خل ِي ْل ً ك َ َ‬
‫ما ا ِت ّ َ‬ ‫ي َ‬‫خذَن ِ ْ‬ ‫ه ا ِت ّ َ‬
‫ن الل َ‬ ‫قال النبي ‪ " : ‬إ ِ ّ‬
‫ت أ ََبا ب ْ‬
‫كر‬ ‫خل ِي ِْل ً ل َت ّ َ‬
‫خذ ْ ُ‬ ‫ي َ‬
‫ْ‬ ‫مت ِ‬
‫َ‬
‫خذَا ً من أ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫مت ِ‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫و ك ُن ْ ُ‬‫ْ‬ ‫ول َ‬
‫خل ِْيل ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫خليل ً " ‪.‬‬
‫خر " هو يوم القيامة ‪ ،‬وسمي آخرا ً لنه‬ ‫وال َْيوم ِ ال َ ِ‬ ‫وقوله ‪َ " :‬‬
‫أخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضا ً ‪ ،‬فالنسان له أربع دور ‪،‬‬
‫في بطن أمه ‪ ،‬وفي الدنيا ‪ ،‬وفي البرزخ ‪ ،‬ويوم القيامة وهو‬
‫آخرها ‪.‬‬
‫من ‪:‬‬ ‫* اليمان باليوم الخر يتض ّ‬
‫أول ً ‪ :‬اليمان بوقوعه ‪ ،‬وأن الله يبعث من في القبور ‪ ،‬وهو‬
‫إحياؤهم حين ينفخ في الصور ‪ ،‬ويقوم الناس لرب‬
‫عُثون‬‫ة ت ُب ْ َ‬‫م ِ‬‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬‫و َ‬‫م يَ ْ‬‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫العالمين ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬ث ُ ّ‬
‫ة‬
‫عرا ً‬ ‫ح َ‬
‫فاةً ُ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ِ‬‫قِيا َ‬‫م ال ِ‬ ‫و َ‬‫س يَ ْ‬‫شُر الّنا ُ‬ ‫ح َ‬
‫‪4‬وقال النبي ‪ " : ‬ي ُ ْ‬
‫رل ً " وأنه واقع ل محالة ‪ ،‬لن الله تعالى أخبر به في كتابه‬ ‫ُ‬
‫غ ْ‬
‫وكذلك في السنة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اليمان بكل ما ذكره الله في كتابه وما صح عن النبي‬
‫‪ ‬مما يكون في ذلك اليوم الخر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) الحزاب ‪(7 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الشورى ‪(13 :‬‬
‫‪3‬‬
‫) النساء ‪(125 :‬‬
‫‪4‬‬
‫) المؤمنون ‪(16 :‬‬
‫‪23‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬اليمان بما ذكر في اليوم الخر من الحوض والشفاعة‬
‫والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم ‪ ،‬والنار دار العذاب‬
‫الشديد ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬اليمان بنعيم القبر وعذابه ‪ ،‬لن ذلك ثابت بالقرآن‬
‫والسنة وإجماع السلف ‪.‬‬
‫ه " وهنا أعاد ‪ ‬الفعل ‪ ) :‬تؤمن‬ ‫شّر ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ر ِ‬ ‫خي ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫قد َ ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫" َ‬
‫( لهمية اليمان بالقدر ‪ ،‬لن اليمان بالقدر ‪ ،‬لن اليمان‬
‫بالقدر مهم جدا ً ‪ ،‬وخطير جدا ً ‪.‬‬
‫من أربعة أمور ‪:‬‬ ‫* واليمان بالقدر يتض ّ‬
‫الول ‪ :‬أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة‬
‫وتفصيل ً ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اليمان بأن الله تعالى كتب في اللحوح المحفوظ ‪،‬‬
‫ل‬‫وك ُ ّ‬‫مقادير كل شيء إلى يوم القيامة ‪ ،‬قال الله ‪َ  : ‬‬
‫ن ‪ 1‬أي في كتاب وقال ‪ :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫مام ٍ ُ‬ ‫في إ ِ َ‬ ‫صي َْناهُ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ءأ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ر ‪ ‬وهو اللحوح‬ ‫د الذّك ْ ِ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫في َالّزُبو ِ‬ ‫قدْ ك َت َب َْنا ِ‬ ‫ول َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬واليات‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫ي ال ّ‬ ‫عَباِد َ‬‫ها ِ‬ ‫رث ُ َ‬‫ض يَ ِ‬‫ن اْلْر َ‬ ‫المحفوظ ‪ ‬أ ّ‬
‫‪2‬‬

‫في هذا متعددة ‪.‬‬


‫ثالثا ً ‪ :‬أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله‬
‫تعالى ‪ ،‬فل يخرج شيء عن مشيئته أبدا ً ‪.‬‬
‫ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة ‪ ) :‬ما شاء الله كان‬
‫وما لم يشاء ل يكن ( فأي شيء يحدث فهو بمشية الله ‪.‬‬
‫وهذا عام ‪ ،‬لما يفعله ‪ ‬بنفسه وما يفعله العباد ‪ ،‬فكله‬
‫ما‬
‫ه َ‬‫شاء الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫بمشيئة الله ‪ ،‬ودليل ذلك قول الله ‪َ  : ‬‬
‫ن‬ ‫ت َ َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫قت َت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ولـك ِ ِ‬ ‫ه ُ‬‫جاءت ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫د ِ‬‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬
‫ما‬‫ه َ‬‫شاء الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫فَر َ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬‫ن َ‬ ‫م َ‬‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫فوا ْ َ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫ا ْ‬
‫شاء‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ريدُ ‪ ‬وقال ‪َ  : ‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ُ‬‫ف َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَلـك ِ ّ‬ ‫قت َت َُلوا ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫‪3‬‬

‫ه ‪‬‬ ‫عُلو ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ه ‪ ‬وقال ‪َ  :‬‬ ‫عُلو ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫فكل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) يس ‪(12 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) النبياء ‪(105 :‬‬
‫‪3‬‬
‫) البقرة ‪(253 :‬‬
‫‪4‬‬
‫) النعام ‪(112 :‬‬
‫‪5‬‬
‫) النعام ‪(137 :‬‬
‫‪24‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الخلق ومعناه ‪ :‬اليمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق‬
‫كل شيء ‪ ،‬فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ‪ ،‬قال‬
‫ن إ ِّل‬ ‫شا ُ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫شاء منك ُ َ‬ ‫من َ‬
‫ؤو َ‬ ‫و َ‬
‫م ‪َ 28‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م أن ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى ‪  :‬ل ِ َ‬
‫ن ‪ ‬فكل ما حدث في الكون فهو‬ ‫‪1‬‬
‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫َأن ي َ َ‬
‫بمشيئة الله ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الخلق ومعناه ‪ :‬اليمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق‬
‫كل شيء ‪ ،‬فنومن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ‪ ،‬قال‬
‫را ‪ 2‬فكل شيء‬ ‫دي ً‬ ‫قدَّرهُ ت َ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خل َ َ‬‫و َ‬ ‫تعالى ‪َ  :‬‬
‫مخلوق لله ‪ :‬السموات ‪ ،‬والرضون ‪ ،‬والبحار ‪ ،‬والنهار ‪،‬‬
‫والكواكب ‪ ،‬والشمس ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والنسان ‪ ،‬الكل مخلوق لله‬
‫‪ ‬وحركات النسان مخلوقة لله ‪ ،‬وإذا كان هو مخلوقا ً‬
‫فصفاته وأفعاله مخلوقه ول شك ‪ ،‬فأفعال العباد مخلوقة‬
‫لرب العباد ‪. ‬‬
‫وهل صفات الله مخلوقة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬لن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات‬
‫النسان كذات النسان مخلوقة ‪.‬‬
‫ت " القائل جبريل عليه السلم ‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫صد َ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫" َ‬
‫ن " الحسان‪ :‬مصدر أحسن‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ِ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ي َ‬ ‫خب ِْرن ِ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ثم قال‪َ " :‬‬
‫يحسن‪ ،‬وهو بذل الخير والحسان في حق الخالق‪ ،‬بأن تبني‬
‫عبادتك على الخلص لله تعالى والمتابعة لرسول الله‪ ،‬وأما‬
‫الحسان للخلق‪ ،‬فهو بذل الخير لهم من مال أو جاه أو غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ه " وعبادة الله ل‬ ‫َ‬
‫عب ُدَ الل َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فقال النبي ‪" : ‬ال ِ ْ‬
‫تتحقق إل بأمرين وهما ‪ :‬الخلص لله والمتابعة لرسول الله‬
‫‪ ، ‬أي عبادة النسان ربه سبحانه كأنه يراه ‪ ،‬عبادة طلب‬
‫وشوق ‪ ،‬وعبادة الطلب والشوق يجد النسان من نفسه حاثا ً‬
‫عليها ‪ ،‬لنه يطلب هذا الذي يحبه ‪ ،‬فهو يعبده كأنه يراه ‪،‬‬
‫فيقصده وينيب إليه ويتقّرب إليه سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ك " أي ‪ :‬اعبده على وجه‬ ‫ه ي ََرا َ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬‫ن ت ََراهُ َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫نل ْ‬
‫فإ ِ ْ‬‫" َ‬
‫الخوف ول تخالفه ‪ ،‬لنك إن خالفته فإنه يراك ‪ ،‬فتعبده‬

‫‪1‬‬
‫) التكوير ‪(29 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الفرقان ‪(2 :‬‬
‫‪25‬‬
‫عبادة خائف منه ‪ ،‬هارب من عذابه وعقابه ‪ ،‬وهذه الدرجة‬
‫عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الولى‪.‬‬
‫فصار للحسان مرتبتان‪ :‬مرتبة الطلب‪ ،‬ومرتبة الهرب‪.‬‬
‫مرتبة الطلب‪ :‬أن تعبد الله كأنك تراه‪.‬‬
‫ومرتبة الهرب ‪ :‬أن تعبد الله وهو يراك ‪ ‬فاحذره ‪ ،‬كما قال‬
‫ه ‪.‬‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حذُّرك ُ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫‪َ  :‬‬
‫عد قوله " صدقت " اكتفاءً‬ ‫ة " لم ي ُ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫خب ِْرِني َ‬ ‫فأ َ ْ‬‫" َ‬
‫بالولى‪.‬‬
‫والساعة هي ‪ :‬قيام الناس من قبورهم لرب العالمين ‪،‬‬
‫يعني البعث ‪ ،‬وسميت ساعة لنها داهية عظيمة ‪ ،‬قال الله‬
‫يءٌ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫سا‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ز‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫‪  :‬يا أ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ها " يعني نفسه‬ ‫عن ْ َ‬‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫مسئ ُ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫م ‪ ‬فقال النبي ‪َ ": ‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬

‫َ‬
‫ل " يعني جبريل عليه السلم ‪،‬‬ ‫سائ ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عل َ َ‬ ‫‪ " ‬ب ِأ ْ‬
‫والمعنى إذا كنت تجهلها فأنا أجهلها ول أستطيع أن أخبرك‬
‫بها ‪ ،‬لن علم الساعة مما اختص الله به ‪ ‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫عندَ الل ّ ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫م َ‬‫عل ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫س َ‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫سأ َل ُ َ‬ ‫‪ ‬يَ ْ‬
‫سأُلون َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ريًبا ‪ ‬وقال ‪ : ‬ي َ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫سا َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ع ّ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ي ُدْ ِ‬
‫ع َ‬
‫عندَ َرّبي ل َ‬ ‫ها ِ‬‫م َ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫ما ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ق ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ة أّيا َ‬ ‫سا َ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ض لَ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫ما َ‬ ‫س َ‬‫في ال ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫قل َ ْ‬‫و ثَ ُ‬‫ه َ‬ ‫ها إ ِل ّ ُ‬ ‫قت ِ َ‬ ‫و ْ‬‫ها ل ِ َ‬‫جّلي َ‬ ‫يُ َ‬
‫ها‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ها ُ‬‫عن ْ َ‬‫ي َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ك ك َأ َن ّ َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫غت َ ً‬‫م إ ِل ّ ب َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ت َأِتيك ُ ْ‬
‫عند الل ّه وَلـكن أ َ‬
‫ن ‪ ‬ولهذا يجب علينا‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫س ل َ يَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ِ َ ِ ّ‬ ‫ِ َ‬
‫أن نكذب كل من حدد عمر الدنيا في المستقبل ‪ ،‬ومن قال‬
‫به أو صدق به فهو كافر ‪.‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سائ ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫عل َ َ‬
‫م ِ‬ ‫ها ب ِأ ْ‬
‫عن ْ َ‬ ‫و ُ‬
‫ل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫مسئ ُ ُ‬ ‫ولما قال النبي ‪َ ": ‬‬
‫" أي علمات قربها ‪ ،‬لن المارة بمعنى العلمة ‪ ،‬والمراد‬
‫أمارات قربها وهو ما يعرف بالشراط ‪ ،‬قال الله ‪ : ‬‬
‫ْ‬ ‫ع َ َ‬
‫جاء‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ة َ‬
‫غت َ ً‬
‫هم ب َ ْ‬
‫ة أن ت َأت ِي َ ُ‬ ‫ن إ ِّل ال ّ‬
‫سا َ‬ ‫ل َينظُُرو َ‬‫ه ْ‬
‫ف َ‬‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ها ‪‬‬ ‫شَراطُ َ‬‫أَ ْ‬
‫سمها العلماء إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫* وأشراط الساعة ق ّ‬
‫‪ -1‬أشراط مضت وانتهت ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) الحج ‪(1 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) محمد ‪(18 :‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -2‬أشراط لم تزل تتجدد وهي الوسطى ‪.‬‬
‫‪ -3‬أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة ‪.‬‬
‫ومن علمات الساعة ما ذكره ‪ ‬في هذا الحديث بقوله ‪" :‬‬
‫د‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َل ِ َ‬
‫ها " والمعنى ‪ " :‬أ ْ‬ ‫ها " وفي لفظ " َرب ّ َ‬ ‫ة َرب ّت َ َ‬‫م ُ‬‫ن ت َل ِدَ ال َ‬ ‫أ ْ‬
‫ها " أي سيدها ‪ ،‬أو "‬ ‫َ‬
‫ة " أي الرقيقة المملوكة " َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ال َ‬
‫ها " ‪.‬‬ ‫َرب ّت َ َ‬
‫وهل المراد العين أو الجنس؟‬
‫والجواب ‪ :‬اختلف في هذا العلماء ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬المراد‬
‫أن تلد المة ربها ‪ ،‬يعني أن تلد المة من يكون سيدا ً لغيرها‬
‫ل لها ‪ ،‬فيكون المراد بالمة ‪ :‬المة بالجنس ‪.‬‬
‫وهذا المعنى أقوى ‪ ،‬لن الماء يلدن من يكونون أسيادا ً‬
‫مالكين ‪ ،‬فهي كانت مملوكة في الول ‪ ،‬وتلد من يكونون‬
‫أسيادا ً مالكين ‪,‬وهو كناية عن تغير الحال بسرعة ‪ ،‬ويدل‬
‫لهذا ما ذكره بعدْ ذلك حيث قال ‪:‬‬
‫ة " الحفاة‪ :‬يعني‪ :‬ليس لهم‬ ‫عال َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫" َ‬
‫عَراةَ ال َ‬
‫فاةَ ال ُ‬ ‫ن َترى ال ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫نعال ‪.‬‬
‫والعراة ‪ :‬أي ليس لهم ثياب تكسوهم وتكفيهم ‪.‬‬
‫العالة ‪ :‬أي ليس عندهم ما يأكلون من النفقة أو السكنى أو‬
‫ما أشبه ذلك ‪ ،‬عالة أي فقراء ‪.‬‬
‫ن " أي يكونون أغنياء حتى يتطاولون‬ ‫في الب ُن َْيا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ول ُ ْ‬ ‫" ي َت َ َ‬
‫طا َ‬
‫في البنيان أيهم أطول ‪.‬‬
‫وهل المراد بالتطاول ارتفاعا ً ‪ ،‬أو جمال ً ‪ ،‬أو كلهما ؟‬
‫الجواب ‪ :‬كلهما ‪ ،‬أي يتطاولون في البنيان أيهم أعلى ‪،‬‬
‫ويتطاولون في البنيان أيهم أحسن ‪ ،‬وهو في الول فقراء‬
‫ل يجدون شيئا ً ‪ ،‬لكن تغير الحال بسرعة مما يدل على قرب‬
‫قيام الساعة ‪.‬‬
‫وهنا مسألة ‪ :‬هل وجد التطاول في البينان أم ل ؟‬
‫والجواب ‪ :‬الله أعلم ‪ ،‬فإنه قد يوجد ما هو أعظم مما في‬
‫هذا الزمان ‪ ،‬لن كل أناس وكل جيل يحدث فيه من التطاول‬
‫والتعالي في البينان ‪ ،‬وكل زمن يقول أهله ‪ :‬هذا من‬
‫أشراط الساعة ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬لكن هذه علمة واضحة ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫مل ِي ّا ً " يعني بقيت مليا ً أي مدة طويلة‬
‫ت َ‬ ‫فل َِبث ُ‬ ‫م ان ْطَل َ َ‬
‫ق َ‬ ‫" ثْ ّ‬
‫مل ِّيا ‪1‬أي مدة طويلة ‪.‬‬‫جْرِني َ‬
‫ه ُ‬
‫وا ْ‬
‫كما في قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫َ‬ ‫م َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬
‫ري َ‬
‫مُر " والقائل النبي ‪ ": ‬أت َدْ ِ‬ ‫ع َ‬‫ل ‪َ " :‬يا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫" ثُ ّ‬
‫ري ْ ُ‬
‫ل‬ ‫جب ْ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ل ‪َ ":‬‬
‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫قا َ‬ ‫سوله أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ت الل ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ل؟ " ُ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م " ولعل النبي ‪ ‬وجده فيما بعد‬ ‫م ِدي ْن َك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬‫عل ّ ُ‬
‫م يُ َ‬‫أَتاك ُ ْ‬
‫ل‬‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫وسأله ‪ :‬أتدري من السائل ؟ أي أتعلم من هو ؟ " َ‬
‫م " وهذا يدل على أن عمر ‪ ‬ل‬ ‫سوله أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مُر‪ :‬الل ُ‬ ‫ع َ‬
‫ُ‬
‫علم له من هذا السائل ‪.‬‬
‫ل " الشارة هنا إلى شيء‬ ‫ري ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫جب ْ‬
‫ه ِ‬ ‫فقال النبي ‪َ ": ‬‬
‫فإ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫م"‬‫م ِدي ْن َك ُ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫مك ُ ْ‬ ‫معلوم بالذهن ‪ ،‬أي هذا جبريل؟ " أَتاك ُ ْ‬
‫م يُ َ‬
‫لكنه جاء بهذه الصيغة أي صيغة السؤال والجواب لنه أمكن‬
‫في النفس وأقوى في التأثير ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫هذا الحديث فيه فوائد كثيرة ‪ ،‬فلو أراد النسان أن يستنبط‬
‫ما فيه من الفوائد منطوقا ً ومفهوما ً وإشارة لكتب مجلدًا‪،‬‬
‫لكن نشير إشارة قليلة إلى ما يحضرنا إن شاء الله تعالى ‪،‬‬
‫فمنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حسن خلق النبي ‪ ‬وأنه يجلس مع أصحابه‬
‫ويجلسون إليه‪ ،‬وليس ينفرد ويرى نفسه فوقهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز جلوس الصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم‪ ،‬لكن‬
‫هذا بشرط ‪ :‬إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومن‬
‫يفوقه علما ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الملئكة عليهم السلم يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير‬
‫أشكال الملئكة‪ ،‬لن جبريل أتى بصورة رجل كما جاء في‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫* فإن قال قائل ‪ :‬وهل هذا إليهم‪ ،‬أو إلى الله ‪ ‬؟‬
‫فالجواب ‪ :‬هذا إلى ‪ ‬بمعنى ‪ :‬أنه ل يستطيع الملك أن‬
‫ي الغير إل بأذن الله ‪. ‬‬ ‫يتزّيى بز ّ‬
‫‪ -4‬الدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلم‪ ،‬حيث‬
‫جلس أمام النبي ‪ ‬جلسة المتأدب ليأخذ منه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) مريم ‪(46 :‬‬
‫‪28‬‬
‫مد " وهذه العبارة عبارة‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬
‫‪ -5‬جواز التورية لقوله‪ ":‬يا ُ‬
‫العراب‪ ،‬فيوري بها كأنه أعرابي‪،‬وإل فأهل المدن‬
‫المتخلفون بالخلق الفاضلة ل ينادون الرسول ‪ ‬بمثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫‪ -6‬فضيلة السلم‪ ،‬وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن أركان السلم هي هذه الخمسة‪ ،‬ويؤده حديث عبدالله‬
‫مس "‬ ‫عَلى َ‬
‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ُ‬‫ي ال ْ‬ ‫بن عمر ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬ب ُن ِ َ‬
‫وسيأتي شرحه – إن شاء الله ‪. -‬‬
‫‪ -8‬فضل الصلة وإنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين ‪.‬‬
‫‪ -9‬الحث على أقامة الصلة‪ ،‬وفعلها قويمة مستقيمة‪ ،‬وأنها‬
‫ركن من أركان السلم‪.‬‬
‫‪ -10‬أن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان‬
‫السلم ‪.‬‬
‫* ولو قال قائل ‪ :‬إذا ترك النسان واحدا ً من هذه الركان‬
‫هل يكفر أم ل ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬أن نقول ‪ :‬إذا لم يشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وإن‬
‫محمدا ً رسول الله فهو كافر بالجماع‪ ،‬ل خلف في هذا ‪.‬‬
‫وأما إذا ترك الصلة والزكاة والصيام والحج أو واحدا ً منها‬
‫ففي ذلك خلف ‪.‬‬
‫والصواب ‪ :‬أن هذه الربعة ل يكفر تاركها إل الصلة‪ ،‬لقول‬
‫عبدالله بن شقيق رحمه الله‪ " :‬كان أصحاب النبي ‪ ‬ل‬
‫يرون شيئا ً من العمال تركه كفٌر إل الصلة " ولذلك أدلة‬
‫معروفة ‪.‬‬
‫وكذا لو أنكر وجوبها وهو كافر وهو يفعلها فإنه يكفر‪ ،‬لن‬
‫وجوبها أمٌر معلوم بالضرورة من دين السلم ‪.‬‬
‫* وإذا تركها عمدا ً فهل يقضيها أو ل ؟‬
‫نقول ‪ :‬الموقت ل يقضى‪ ،‬فلو ترك الصلة حتى خرج وقتها‬
‫بل عذر قلنا ل تقضها‪ ،‬لنه لو قضاها لم تنفعه لقول الله‬
‫ن ‪‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫تعالى ‪ :‬ومن يت َعد حدود الل ّه َ ُ‬
‫‪1‬‬
‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ّ ُ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫والظالم ل يمكن أن يقبل منه‪ ،‬ومن أخرج الصلة عن وقتها‬
‫بل عذر فهو ظالم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) البقرة ‪(229 :‬‬
‫‪29‬‬
‫عل َي َ‬
‫د‬
‫و َر ّ‬
‫ه َ‬
‫مُرَنا ف ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫مل ً ل َي ْ َ‬
‫س َ ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ولقول النبي ‪َ ": ‬‬
‫"‪.‬‬
‫وكذلك يقال في الصوم ‪ :‬فلو ترك النسان صوم عمدا ً بل‬
‫عذر ثم ندم بعد أن دخل شوال وأراد أن يقضيه‪ ،‬فإننا نقول‬
‫له ‪ :‬ل تقضه ‪ ،‬لنك لو قضينه لم ينفعك ‪.‬‬
‫وعلى من ترك الصلة بل عذر حتى خرج الوقت ‪ ،‬أو ترك‬
‫الصوم بل عذر حتى خرج الوقت أن يكثر من الطاعات‬
‫والستغفار والعمل الصالح والتوبة إلى الله توبة نصوحا ً ‪.‬‬
‫أما الزكاة ‪ :‬إذا تركها النسان ثم تاب فإنه يزكي ‪ ،‬نقول ‪:‬‬
‫ك لنه ليس للزكاة وقت محدد يقال فيه ل تزكي إل في‬ ‫ز ّ‬
‫الشهر الفلني ‪.‬‬
‫* ومن مات ولم لم يزك تهاونًا‪ ،‬فهل تخرج الزكاة من ماله ‪،‬‬
‫أم ل ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحوط – والله أعلم – أن الزكاة تخرج ‪ ،‬لنه يتعلق‬
‫بها حق أهل الزكاة فل تسقط ‪ ،‬لكن ل تبرأ ذمته ‪ ،‬لن‬
‫الرجل مات على عدم الزكاة ‪.‬‬
‫والحج كذلك ‪ ،‬لو تركه النسان القادر المستطيع تفريطا ً‬
‫حتى مات ‪ ،‬فإنه ل يحج عنه‪.‬‬
‫* وهنا مسألة ‪:‬هل يجب على ورثته أن يخرجوا الحج عنه من‬
‫تركته ؟‬
‫والجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬لنه ل ينفعه ولم يتعلق به حق الغير كالزكاة ‪،‬‬
‫قال ابن القيم في تهذيب السنن ‪ ":‬هذا هو الذي ندين الله‬
‫به " أو كلمة نحوها ‪ ،‬وهو الذي تدل عليه الدلة ‪.‬‬
‫يجب على النسان أن يتقي ‪ ‬لنه إذا مات ولم يحج مع‬
‫ج عنه ألف مرة لم تبرأ ذمته ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫قدرته على الحج فإنه لو ُ‬
‫‪ -11‬النتقال من الدنى إلى العلى ‪ ،‬فالسلم بالنسبة‬
‫لليمان أدنى ‪ ،‬لن كل إنسان يمكن أن يسلم ظاهرا ً ‪ ،‬كما‬
‫كن‬ ‫ول َ ِ‬
‫مُنوا َ‬ ‫قل ل ّ ْ‬
‫م تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫مّنا ُ‬
‫بآ َ‬
‫عَرا ُ‬‫ت اْل َ ْ‬
‫قال َ ِ‬
‫قال تعالى ‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫مَنا ‪ 1‬لكن اليمان ليس بالمر الهين فمحله‬ ‫سل َ ْ‬
‫قوُلوا أ ْ‬‫ُ‬
‫القلب والتصاف به صعب ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) الحجرات ‪(14 :‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -12‬أن السلم غير اليمان ‪ ،‬لن جبريل عليه السلم قال ‪:‬‬
‫"أخبرني عن السلم" وقال ‪ ":‬أخبرني عن اليمان " وهذا‬
‫يدل على التغاير ‪.‬‬
‫وهذه المسألة نقول فيها ما قال السلف ‪:‬‬
‫إن ذكر اليمان وحده دخل يفيه السلم ‪ ،‬وإن ذكر السلم‬
‫سل َ َ‬
‫م‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وَر ِ‬ ‫وحده دخل اليمان‪ ،‬فقوله تعالى ‪َ  :‬‬
‫ديًنا ‪ 2‬يشمل اليمان ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كذلك اليمان إذا ذكره وحده دخل فيه السلم ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ن ‪. 2‬‬‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وب َ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫إما إذا ذكرا جميعا ً فيفترقان ‪ ،‬فيفسر السلم بالعمال‬
‫الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح ‪ ،‬واليمان‬
‫بالعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها‪.‬‬
‫فإن قال قائل ‪ :‬في قولنا إذا اجتمعا افترقا إشكال ‪ ،‬وهو‬
‫ها‬
‫في َ‬‫ن ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫جَنا َ‬‫خَر ْ‬‫فأ َ ْ‬
‫قول الله تعالى في قوم لوط ‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ت ّ‬ ‫ها َ‬
‫غي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫في َ‬
‫جدَْنا ِ‬
‫و َ‬
‫ما َ‬ ‫ن ‪َ 35‬‬
‫ف َ‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫‪ 3‬فعبر بالسلم عن اليمان ؟‬
‫من‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فأ َ ْ‬‫فالجواب ‪ :‬أن هذا الفهم خطأ‪،‬وأن قوله‪َ  :‬‬
‫ن ‪3‬‬
‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ها ِ‬
‫في َ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ت ّ‬ ‫غي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬
‫جدَْنا ِ‬
‫و َ‬‫ما َ‬
‫ف َ‬‫يخص المؤمنين وقوله‪َ  :‬‬
‫مين‪  3‬يعم كل من كان في بيت لوط ‪ ،‬وفي بيت‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫لوط من ليس بمؤمن ‪ ،‬وهي امرأته التي خانته وأظهرت أنها‬
‫معه وليست كذلك ‪ ،‬فالبيت بيت مسلمين ‪ ،‬لن المرأة لم‬
‫تظهر العداوة والفرقة ‪ ،‬لكن الناجي هم المؤمنين خاصة‪،‬‬
‫ن ‪3‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ها ِ‬
‫في َ‬‫ن ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫جَنا َ‬‫خَر ْ‬‫فأ َ ْ‬‫ولهذا قال‪َ  :‬‬
‫وهم ماعدا هذه المرأة ‪ ،‬أما البيت فهو بيت مسلم ‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذه الية فائدة هي ‪ :‬أن البلد إذا كان المسيطر‬
‫عليه هم السلمون فهو بلد إسلمي حتى وإن كان فيه‬
‫نصارى أو يهود أو مشركون أو شيوعيون ‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫جعل بيت لوط بيت إسلم مع أن امرأته كافرة ‪ ،‬هذا هو‬

‫‪2‬‬
‫) المائدة ‪(3 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) التوبة ‪(112 :‬‬
‫‪3‬‬
‫) الذاريات ‪(35 :‬‬
‫‪31‬‬
‫التفصيل في مسألة اليمان والسلم ‪ ،‬فصار المر كما قال‬
‫بعضهم ‪ " :‬إن اجتمعا افترقا ‪ ،‬وإن افترقا اجتمعا "‬
‫‪ -13‬أن أركان اليمان ستة كما سبق ‪ ،‬وهذه الركان تروث‬
‫للنسان قوة الطلب في الطاعة والخوف من الله عز وجل ‪.‬‬
‫‪ -14‬أن من أنكر واحدا ً من هذه الركان الستة فهو كافر ‪،‬‬
‫لنه مكذب لما أخبر به رسول الله ‪.‬‬
‫‪ -15‬إثبات الملئكة وأنه يجب اليمان بهم ‪.‬‬
‫وهنا مسألة‪ :‬هل الملئكة أجسام ‪ ،‬أم أرواح ‪ ،‬أم قوى؟‬
‫والجواب ‪ :‬الملئكة أجسام بل شك ‪ ،‬قال الله عز وجل ‪ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مث َْنى ‪ 1‬وقال النبي ‪‬‬ ‫ة ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫سًل أوِلي أ ْ‬
‫جن ِ َ‬ ‫ة ُر ُ‬‫مَلئ ِك َ ِ‬
‫ل ال ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫جا ِ‬
‫َ‬
‫" أطت السماء" والطيط ‪ :‬صرير الرحل ‪ ،‬أي إذا كان على‬
‫البعير حمل ثقيل ‪ ،‬تسمع له صريرا ً من ثقل الحمل ‪ ،‬فيقول‬
‫عليه الصلة والسلم "وحق لها أن تئط ‪ ،‬ما من موضع أربع‬
‫أصابع إل وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد " ويدل لهذا‬
‫حديث جبريل عليه السلم ‪ :‬أنه له ستمائة جناح قد سد‬
‫الفق‪ ،‬والدلة على هذا كثيرة‪.‬‬
‫‪_16‬أنه لبد من اليمان بجميع الرسل ‪ ،‬فلو آمن أحد برسوله‬
‫وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله ‪ ،‬بل هو كافر ‪ ،‬واقرأ‬
‫ن ‪ 2‬مع أنهم‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫م ُنو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬
‫ق ْ‬ ‫قول الله ‪  : ‬ك َذّب َ ْ‬
‫إنما كذبوا نوحا ً ولم يكن قلبه رسول‪ ،‬لكن تكذيب واحد من‬
‫الرسل تكذيب للجميع ‪.‬‬
‫‪ -17‬إثبات اليوم الخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث‬
‫الناس فيه للحساب والجزاء‪ ،‬حيث يستقر أهل الجنة في‬
‫منازلهم‪ ،‬وأهل النار في منازلهم ‪.‬‬
‫‪ -18‬أن تؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬واليمان بالقدر معترك‬
‫عظيم من زمن الصحابة إلى زماننا هذا‪ ،‬وسبق لنا أن له‬
‫مراتب أربع وهي‪ :‬العلم والكتابة‪ ،‬والمشيئة‪ ،‬والخلق‪.‬‬
‫‪ -19‬أن القدر ليس فيه شر‪ ،‬وإنما الشر في المقدور‪،‬‬
‫وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير‪ ،‬ويدل‬
‫ك " أي ل ينسب‬ ‫س إ ِل َي ْ َ‬ ‫شّر ل َي ْ َ‬ ‫وال َ‬‫لهذا‪ :‬قول النبي ‪َ ": ‬‬
‫إليك‪ ،‬فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شٌر أبدًا‪ ،‬لنه صادر‬
‫‪1‬‬
‫) فاطر ‪(1 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الشعراء ‪(105 :‬‬
‫‪32‬‬
‫عن رحمة وحكمة‪ ،‬لن الشر المحض ل يقع إل من الشرير‪،‬‬
‫والله تعالى خير وأبقى ‪.‬‬
‫ه"؟‬ ‫شّر ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ر ِ‬‫خي ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫ن ِبال َ‬
‫قد َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬‫جه " َ‬ ‫إذا ً كيف نو ّ‬
‫الجواب ‪ :‬أن نقول ‪ :‬المفعولت والمخلوقات هي التي فيها‬
‫الخير والشر ‪ ،‬أما أصل فعل الله تعالى وهو القدر فل شر‬
‫في‬ ‫سادُ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫هَر ال ْ َ‬ ‫فيه ‪ ،‬مثال ذلك قول الله عز وجل ‪  :‬ظَ َ‬
‫س ‪ 1‬هذا بيان سبب‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫دي‬ ‫ي‬‫ال ْبر وال ْبحر بما ك َسبت أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ّ َ َ ْ ِ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ض ال ّ ِ‬‫ع َ‬ ‫هم ب َ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬‫فساد الرض‪ ،‬وأما الحكمة فقال‪  :‬ل ِي ُ ِ‬
‫ن ‪  3‬إذن هذه مصائب‪،‬من جدب الرض‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬‫م ي َْر ِ‬‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬
‫مُلوا ل َ َ‬‫ع ِ‬
‫َ‬
‫ومرض أو فقر‪،‬ولكن مآلها إلى خير‪ ،‬فصار الشر ل يضاف‬
‫إلى الرب ‪ ،‬لكن يضاف إلى المفعولت والمخلوقات مع أنها‬
‫شر من وجه وخير من وجه آخر ‪ ،‬فتكون شرا ً بالنظر إلى‬
‫مايحصل منها من الذية ‪ ،‬ولكنها خير بما يحصل منها من‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫مُلوا ل َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫هم ب َ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬‫العاقبة الحميدة ‪ ‬ل ِي ُ ِ‬
‫ن ‪. 2‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬
‫ي َْر ِ‬
‫ومن الحكمة أن يكون في المخلوق خير وشر ‪،‬لنه لول الشر‬
‫ما عرف الخير ‪ ،‬كما قيل))وبضدها تتبين الشياء(( فلو كان‬
‫الناس كلهم على خير ما عرفنا الشر‪ ،‬ولو كانوا كلهم على‬
‫الشر ماعرفنا الخير‪ ،‬إذا إيجاد الشر لنعرف به الخير ‪ ،‬لكن‬
‫كون الله تعالى يوجد هذا الشر ليس شرا ً ‪،‬فهنا فرق بين‬
‫الفعل والمفعول ‪ ,‬ففعل الله الذي هو تقديره لشر فيه ‪،‬‬
‫ومفعوله الذي هو مقدره ينقسم إلى خير وشر ‪ ،‬وهذا الشر‬
‫الموجود في المخلوق لحكمة عظيمة‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬لماذا قدر الله الشر؟‬
‫فالجواب‪ :‬ليعرف به الخير‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من اجل أن يلجأ الناس إلى الله عز وجل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من اجل أن يتوبوا إلى الله‪.‬‬
‫فكم من إنسان ليحمله على الورد ليل ً أو نهارا ً إل مخافة‬
‫شرور الخلق ‪ ،‬فتجده يحافظ على الوراد لتحفظه من‬
‫الشرور ‪ ،‬فهذه الشرور في المخلوقات لتحمل النسان على‬
‫الذكار والوراد وما أشبهها ‪ ،‬فهي خير‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) الروم ‪(41 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) الروم ‪(41 :‬‬
‫‪33‬‬
‫فالمهم أن الشر لينسب إلى الله تعالى ‪ ،‬لن النبي ‪‬‬
‫ك"‬ ‫س إ ِل َي ْ َ‬‫شّر ل َي ْ َ‬ ‫وال َ‬ ‫قال ‪َ ":‬‬
‫عو ُ‬
‫ذ‬ ‫ل أَ ُ‬ ‫فالشر ينسب إلى المخلوقات قال الله تعالى ‪ُ  :‬‬
‫ق ْ‬
‫ق ‪.1‬‬ ‫خل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫شّر َ‬ ‫من َ‬ ‫ق‪ِ 1‬‬ ‫ب ال ْ َ َ‬
‫فل ِ‬ ‫ب َِر ّ‬
‫وهنا مسألة‪ :‬هل في تقدير إيجاد المخلوقات الشريرة‬
‫حكمة؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم ‪،‬حكمة عظيمة ولول هذه المخلوقات الشريرة‬
‫ماعرفنا قدر المخلوقات الخيرة‪..‬‬
‫‪ -20‬أن الساعة ل يعلمها احد إل الله عز وجل ‪،‬لن أفضل‬
‫الرسل من الملئكة سأل أفضل الرسل من البشر عنها‪،‬‬
‫ل"‬ ‫سائ ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ها ب ِأ َ ْ‬
‫عل َ َ‬ ‫عن ْ َ‬‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫مسئ ُ ُ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫فقال‪َ " :‬‬
‫‪ -21‬عظم الساعة ‪،‬ولهذا جاءت لها أمارات حتى يستعد‬
‫الناس لها‪ -‬رزقنا الله وإياكم الستعداد لها‪..‬‬
‫أننا إذا كنا لنعلم الشيء فأننا نطلب مايكون من علماته ‪،‬‬
‫ماَراِتها "‬ ‫َ‬ ‫لن جبريل عليه السلم قال‪َ " ":‬‬
‫نأ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خب ِْر َن ِ ْ‬
‫فأ ْ‬
‫ة‬‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ن ت َل ِدَ ال َ‬ ‫‪ -23‬ضرب المثل بما ذكره النبي ‪ ": ‬أ ْ‬
‫ن َترى‬ ‫ربت َها"وفي لفظ‪)):‬ربها((والعلمة الثانية‪َ ، ":‬‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ن‬
‫في الب ُن َْيا ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ول ُ ْ‬
‫و َ‬ ‫ء ي َت َ َ‬
‫طا َ‬ ‫عاءَ ال ّ‬
‫شا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫عال َ َ‬
‫ة ِ‬ ‫عَراةَ ال َ‬ ‫ح َ‬
‫فاةَ ال ُ‬ ‫ال ُ‬
‫"فان قال قائل‪ :‬لم يذكر النبي ‪ ‬أمارات أخرى أوضح من‬
‫هذا ؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن العلمات بينة واضحة ليحتاج السؤال عنها ‪،‬‬
‫ولذلك عدل النبي عنها إلى ذكر هذه الصورة ‪.‬‬
‫‪ -24‬أن الملئكة يمشون إذا تحولوا إلى البشر‪ ،‬لقوله ‪": ‬‬
‫ق"‬‫م ان ْطَل َ َ‬
‫ثْ ّ‬
‫وهل يمشون إذا كانوا على صفة الخلق الذي خلقوا عليه؟‬
‫َ‬
‫ملئ ِك َ ٌ‬
‫ة‬ ‫ض َ‬
‫في الْر ِ‬
‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫قل ل ّ ْ‬
‫و َ‬ ‫الجواب ‪:‬قال الله ‪ُ  :‬‬
‫سول ً‬ ‫مل َ ً‬
‫كا ّر ُ‬ ‫ماء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫هم ّ‬ ‫ن ل َن َّزل َْنا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫مطْ َ‬
‫مئ ِّني َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ُ‬
‫شو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫‪ 95‬‬

‫‪1‬‬
‫) الفلق ‪(1 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) السراء ‪(95 :‬‬
‫‪34‬‬
‫مدُ ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ولهم أجنحة يطيرون بها ‪ ,‬كما قال تعالى ‪  :‬ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫سًل ُأوِلي‬ ‫مَلئ ِك َ ِ‬
‫ة ُر ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫جا ِ‬
‫ض َ‬‫ِ‬ ‫واْل َْر‬
‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬
‫ر ال ّ‬
‫فاطِ ِ‬ ‫َ‬
‫وث َُل َ‬ ‫َ‬
‫ع ‪‬‬‫وُرَبا َ‬ ‫ث َ‬ ‫مث َْنى َ‬
‫ة ّ‬
‫ح ٍ‬‫جن ِ َ‬
‫أ ْ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -25‬إلقاء العالم على طلبته ما يخفى عليهم ‪ ،‬لقول النبي‬


‫ل؟ "‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ري َ‬ ‫‪ ": ‬أت َدْ ِ‬
‫‪ -26‬أن السائل عن العلم يكون معلما ً لمن سمع الجواب‪,‬‬
‫فإن ّه جبري ُ َ‬
‫م"‪.‬‬ ‫م ِدي ْن َك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬‫عل ّ ُ‬
‫م يُ َ‬ ‫ل أَتاك ُ ْ‬ ‫لن النبي ‪ ‬قال" " َ ِ ُ ِ ْ ِ ْ‬
‫مع أن الذي علمهم النبي ‪ ‬لكن لما كان جبريل هو السبب‬
‫جعله هو المعلم ‪.‬‬
‫ويتفرغ على هذا انه ينبغي لطالب العلم إذا كان يعلم‬
‫المسألة وكان من المهم معرفتها أن يسأل عنها وان كان‬
‫يعلمها ‪ ،‬وإذا سأل عنها وأجيب صار هو المعلم‪.‬‬
‫‪ -27‬أن السبب إذا بني عليه الحكم صار الحكم للسبب ‪،‬ولهذا‬
‫ذكر العلماء لهذه القاعدة مسائل كثيرة منها ‪:‬‬
‫لو شهد رجلن على الشخص بما يوجب قتله من ردة أو‬
‫حرابة ‪ ,‬ثم حكم القاضي بذلك وقتل هذا الشخص ثم رجعوا‬
‫وقالوا‪ :‬تعمدنا قتله ‪ ،‬فان هؤلء الشهود يقتلون‪ ،‬لن الحكم‬
‫مبني على شهادتهم وهم السبب‪.‬‬
‫ولكن إذا اجتمع متسبب ومباشر إل إذا تعذرت إحالة الضمان‬
‫عليه فيكون على المتسبب مثال ذلك ‪:‬‬
‫رجل حفر حفرة في الطريق فوقف عليها رجل فجاء رجل‬
‫ثالث فدفع الرجل وسقط في الحفرة ومات‪ ،‬فالضمان على‬
‫الدفع‪ ،‬لنه هو المباشر‪.‬‬
‫م‬ ‫عل ّ ُ‬
‫مك ُ ْ‬ ‫أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين ‪ ،‬لقوله ‪ ":‬ي ُ َ‬
‫م" ولكن ليس على سبيل الجمال‪.‬‬ ‫ِدي ْن َك ُ ْ‬
‫ة" ثلث‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬‫ن الن ّ ِ‬ ‫فإن قال قائل ‪:‬أليس النبي ‪ ‬قال ‪ ":‬الدّي ْ ُ‬
‫ن‪,‬‬ ‫َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سوله ‪ ،‬ولئ ّ‬ ‫ول َِر ُ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫وِلكَتاب ِ ِ‬
‫ه َ‬‫مرات‪ " :‬لل ِ‬
‫م"؟‬ ‫ه ْ‬ ‫مت ِ ِ‬‫عا ّ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫فالجواب‪:‬بلى‪ ،‬لكن هذه النصيحة لتخرج عما في حديث‬
‫جبريل‪،‬لنها من السلم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) فاطر ‪(1 :‬‬
‫‪35‬‬

‫الحديث الثالث‬
‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫طا‬‫ّ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫بن‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫عن أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ت النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫الل ُ‬
‫شهاد َ‬
‫ه إ ِل ّ الله‬ ‫ن ل َ إ ِل َ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫س‪ِ َ َ َ :‬‬ ‫م ٍ‬ ‫خ ْ‬‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ي ال ِ ْ‬ ‫ل‪ " :‬ب ُن ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ج‬‫ح ّ‬ ‫و َ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫كا ِ‬ ‫ء الّز َ‬ ‫وإ ِي َْتا ِ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫صل ِ‬ ‫قام ِ ال ّ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و ُ‬ ‫س ْ‬ ‫مدَا ً َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ن"‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫وم ِ َر َ‬ ‫ص ْ‬ ‫و َ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫الب ِي ْ ِ‬

‫الشرح‬
‫‪36‬‬
‫ن " هذه كنية‪ ،‬عبد الله بن عمر هذا‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫د الّر ْ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫" َ‬
‫اسم علم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو ما أشبه‬ ‫ب‪ ،‬أو أم‪ ،‬أو أخ‪ ،‬أو خا ٍ‬ ‫والكنية‪ :‬كل ما صدر بأ ٍ‬
‫ذلك‪ .‬والعلم ‪ :‬اسم يعين المسمى مطلقًا‪.‬‬
‫ما قال العلماء‪ :‬إذا كان الصحابي وأبوه‬ ‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َر ِ‬
‫مسلمين فقل‪ :‬رضي الله عنهما‪ ،‬وإذا كان الصحابي مسلما ً‬
‫وأبوه كافرا ً فقل‪ :‬رضي الله عنه ‪.‬‬
‫م " الذي بناه‬ ‫سل ُ‬ ‫ي ال ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ " :‬ب ُن ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬‫ه يَ ُ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫هو الله عّز وجل‪ ،‬وأبهم الفاعل للعلم به‪ ،‬كما ُأبهم الفاعل‬
‫عيفا ً {‪ 1‬فلم يبين من‬ ‫ض ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ق اْل ِن ْ َ‬‫خل ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫علم شرعا ً أو قدرا ً جاز أن يبنى‬ ‫الخالق‪ ،‬لكنه معلوم‪ ،‬فما ُ‬
‫فعله لما لم يسم فاعله‪.‬‬
‫س دعائم‪.‬‬ ‫س " أي على خم َ ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫خ ْ‬‫عَلى َ‬ ‫" َ‬
‫ه"‬ ‫ل الل ِ‬‫و ُ‬ ‫س ْ‬‫مدَا ً َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ه إ ِل ّ الله َ‬ ‫ن ل إ ِل َ َ‬ ‫دة أ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ش َ‬ ‫" َ‬
‫وقد سبق الكلم على الشهادتين في شرح حديث جبريل‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫ضان‬ ‫م َ‬‫وم ِ َر َ‬‫ص ْ‬
‫و َ‬‫ت‪َ ،‬‬ ‫ج الب ّي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫و َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫كا ِ‬ ‫ء الّز َ‬ ‫وإ ِي َْتا ِ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫صل ِ‬ ‫قام ِ ال ّ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫" َ‬
‫" وهذا سبق الكلم عليه في شرح حديث جبريل عليه السلم‬
‫وفي هذا الحديث إشكال وهو‪:‬تقديم الحج على الصوم‪.‬‬
‫والجواب عليه أن يقال‪ :‬هذا ترتيب ذكري‪ ،‬والترتيب الذكري‬
‫يجوز فيه أن يقدم المؤخر كقول الشاعر‪:‬‬
‫ثم ساد من بعد ذلك جده‬ ‫إن من ساد ثم ساد أبوه‬
‫فالترتيب هنا ترتيب ذكري‪.‬‬
‫وقد سبق في حديث جبريل تقديم الصيام على الحج‪،‬‬
‫ونقول في شرح الحديث‪:‬‬
‫إن الله عّز وجل حكيم‪ ،‬حيث بنى السلم العظيم على هذه‬
‫الدعائم الخمس من أجل امتحان العباد‪.‬‬
‫‪ -‬الشهادتان ‪ :‬نطق باللسان‪ ،‬واعتقاد بالجنان‪.‬‬
‫‪ -‬إقام الصلة‪ :‬عمل بدني يشتمل على قول وفعل‪ ،‬وما قد‬
‫يجب من المال لكمال الصلة فإنه ل يعد منها‪ ،‬وهو خارج‬
‫عن العبادة‪ ،‬ولذلك نقول‪:‬إن الصلة عبادة بدنية محضة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪:‬الية ‪(28‬‬
‫‪37‬‬
‫‪ -‬إيتاء الزكاة‪ :‬عبادة مالية ل بدنية‪ ،‬وكون الغني يجب أن‬
‫يوصلها للفقير‪ ،‬وربما يمشي وربما يستأجر سيارة‪ ،‬هذا أمر‬
‫خارج عن العبادة‪،‬‬
‫‪ -‬صوم رمضان‪ :‬عبادة بدنية لكن من نوع آخر‪ ،‬الصلة بدنية‬
‫لكنها فعل‪ ،‬والصيام بدني لكنه كف وترك‪ ،‬لنه قد يسهل‬
‫على النسان أن يفعل‪،‬ويصعب عليه أن يكف‪ ،‬وقد يسهل‬
‫عليه الكف ويصعب عليه الفعل‪ ،‬فنوعت العبادات ليكمل‬
‫بذلك المتحان‪ ،‬فسبحان الله العظيم‪.‬‬
‫‪ -‬حج البيت‪ :‬هل يتوقف الحج على بذل المال؟‬
‫فيه تفصيل‪ :‬إذا كان النسان يحتاج إلى شد رحل احتاج إلى‬
‫المال‪ ،‬لكن هذا خارج العبادة‪،‬‬
‫وإذا قدرنا أن الرجل في مكة فهل يحتاج إلى بذل المال؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا كان يستطيع أن يمشي على رجليه فل يحتاج‬
‫إلى بذل المال‪ ،‬والنفقة من الكل والشرب لبد منها حتى‬
‫وإن لم يحج‪.‬‬
‫لذلك الحج ‪ -‬عندي‪ -‬متردد بين أن يكون عبادة مالية‪ ،‬أو عبادة‬
‫بدنية مالية‪ ،‬وعلى كل حال إن كان عبادة مالية بدنية فهو‬
‫امتحان‪.‬‬
‫فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان السلم أنها‪:‬‬
‫بذل المحبوب‪ ،‬والكف عن المحبوب‪ ،‬وإجهاد البدن‪ ،‬كل هذا‬
‫امتحان‪.‬‬
‫فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميل ً‬
‫للمتحان‪ ،‬لن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم‪ ،‬ولكن ل‬
‫يسهل عليه أن يبذل قرشا ً واحدًا‪ ،‬وبعض الناس يسهل عليه‬
‫أن يصلي‪،‬ولكن يصعب عليه أن يصوم‪.‬‬

‫الحديث الرابع‬
‫‪38‬‬
‫و ُ‬
‫ل‬ ‫س ْ‬ ‫حدّث ََنا َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ودْ َر ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫هب ِ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وق ُ ‪ " :‬إ ِ ّ‬ ‫صد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صاِدقُ ال َ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫الل ِ‬
‫م‬‫ة‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ما ً ن ُطْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫عي ْ َ‬ ‫ه أ َْرب َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ي ب َط ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫حدَك ُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫م ي ُْر َ‬ ‫ك‪،‬ث ُ ّ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫غ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك‪،‬ث ُ ّ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ً‬ ‫عل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫و ُ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫مل َ ُ‬
‫ب‬‫ت‪ :‬ب ِك َت ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ع ك َل ِ َ‬ ‫مُر ب ِأْرب َ ِ‬ ‫ؤ َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ح‪َ ،‬‬ ‫و َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَين ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫قه َ‬
‫ه‬‫ذي ل َ إ ِل َ َ‬ ‫والله ال ّ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫د‪َ .‬‬ ‫عي ْ ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬‫ش ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫رْز ِ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و ُ‬ ‫ما ي َك ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م لي َ ْ‬ ‫حدَك ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫غي ُْرهُ إ ِ ّ‬
‫ل‬‫ه ِ‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬‫ل بِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه الك َِتا ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ها إلِذَرا ٌ‬ ‫وب َي ْن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ر َ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ل َي َ ْ‬ ‫حدَك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫خل ُ َ‬ ‫في َدْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ل‬‫م ُ‬ ‫ع َ‬‫في َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه الك َِتا ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ها إل ِذَرا ٌ‬ ‫وب َي ْن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب َي ْن َ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ماي َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ها "‬ ‫خل ُ َ‬ ‫في َدْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫بِ َ‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫الشرح‬
‫حدّث ََنا ( حدث وأخبر في اللغة العربية بمعنى واحد‪،‬‬ ‫قوله‪َ ) :‬‬
‫وهي كذلك عند قدماء المحدثين‪ ،‬لكن عند المتأخرين من‬
‫صاروا يفرقون بين‪) :‬حدثنا( و‪):‬أخبرنا(‪ ،‬وعلم ذلك مذكور‬
‫في مصطلح الحديث‪.‬‬
‫وق ( الجملة هذه مؤكدة‬ ‫صد ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫صاِدقُ ال َ‬‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫وقوله‪َ ) :‬‬
‫ه لن من اعترف بأنه رسول اعترف بأنه‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫لقوله‪َ :‬ر ُ‬
‫صادق مصدوق‪.‬‬
‫ق‬
‫و ُ‬ ‫َ‬
‫صد ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫خَبر به ال َ‬
‫صاِدقُ أي الصادق فيما أ ْ‬ ‫و ال ّ‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫فيما ُأخِبر به‪،‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم وصفه كذلك تمامًا‪ ،‬فهو صادق‬
‫فيما أخبر به‪ ،‬ومصدوق فيما أوحي إليه عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫وإنما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه هذه الجملة‪،‬لن التحدث‬
‫عن هذا المقام من أمور الغيب التي تخفى‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫ب حتى ُيعرف ما يحصل‪.‬‬ ‫الوقت تقدم ط ّ‬
‫وهناك ماهو فوق علم الطب وهو كتابة الرزق والجل‬
‫والعمل وشقي أو سعيد‪ ،‬فلذلك من فقه عبد الله بن مسعود‬
‫‪39‬‬
‫رضي الله عنه أن أتى بهذه الجملة المؤكدة لخبر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ه ( وذلك أن‬ ‫ُ‬ ‫ي ب َطْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ ) :‬إن أ َ‬
‫م ِ‬‫نأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫النسان إذا أتى أهله فهذا الماء المتفرق ُيجمع‪،‬وكيفية‬
‫صل إلى‬ ‫ب تو ّ‬ ‫الجمع لم يذكر في الحديث‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الط ّ‬
‫معرفة بعض الشيء عن تكون الجنة والله أعلم‪.‬‬
‫فة ( أي قطرة من المني‪.‬‬ ‫ما ً ن ُطْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫عي ْ َ‬ ‫(أ َْرب َ ِ‬
‫ك ( وهل ينتقل فجأة من النطفة‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ً‬ ‫عل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫(ث ُ ّ‬
‫إلى العلقة؟‬
‫ماُر حتى يصل إلى‬ ‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬بل يتكون شيئا ً فشيئًا‪،‬فيح ّ‬
‫ة فيكون علقة‪.‬‬ ‫حمر ِ‬ ‫الغاية في ال ُ‬
‫والعلقة هي‪ :‬قطعة الدم الغليظ‪ ،‬وهي دودة معروفة ترى‬
‫في المياه الراكدة‪.‬‬
‫ل ذَِلك( أي أربعين يومًا‪ ،‬والمضغة‪ :‬هي‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫غ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫(ث ُ ّ‬
‫قطعة لحم بقدر ما يمضغه النسان‪.‬‬
‫م‬‫وهذه المضغة تتطور شيئا ً فشيئًا‪،‬ولهذا قال الله تعالى‪) :‬ث ُ ّ‬
‫ة(‪.1‬‬ ‫ق ٍ‬ ‫عل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ن ُطْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فالجميع يكون مائة وعشرين‪ ،‬أي أربعة أشهر‪.‬‬
‫سل هو الله رب العالمين عّز‬ ‫ك( والمر ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ي ُْر َ‬ ‫( ثُ ّ‬
‫وجل‪ ،‬فيرسل الملك إلى هذا الجنين‪،‬وهو واحد‬
‫الملئكة‪،‬والمراد به الجنس ل ملك معين‪.‬‬
‫ح ( الروح ما به يحيا الجسم‪ ،‬وكيفية‬ ‫و َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫في َن ْ ُ‬ ‫( َ‬
‫النفخ الله أعلم بها‪ ،‬ولكنه ينفخ في هذا الجنين الروح‬
‫ويتقبلها الجسم‪.‬‬
‫والروح سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فأمره الله‬
‫ر َرّبي(‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬ ‫أن يقول‪) :‬ويس َ‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ل الّرو ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫رو‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ألو‬
‫‪2‬‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫فالروح من أمر الله أي من شأنه‪ ،‬فهو الذي يخلقها عّز‬
‫قِليل ً(‪ 3‬وهذا فيه نوع من‬ ‫عل ْم ِ إ ِّل َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وجل‪َ ) :‬‬
‫التوبيخ‪،‬كأنه قال‪:‬ما بقي عليكم من العلم إلالروح حتى‬
‫تسألوا عنها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)الحج‪ :‬الية ‪(5‬‬
‫‪2‬‬
‫)السراء‪ :‬الية ‪(85‬‬
‫‪3‬‬
‫)السراء‪ :‬الية ‪(85‬‬
‫‪40‬‬
‫َ‬
‫ت ( والمر هو الله عّز‬ ‫ما ٍ‬ ‫ع ك َل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫مُر ( أي الملك ) ب ِأْرب َ‬ ‫ؤ َ‬ ‫وي ُ ْ‬‫( َ‬
‫د( ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫وجل ب ِ ْ‬
‫عي ْ ٌ‬
‫س ِ‬‫و َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ق ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫مل ِ ِ‬‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬‫ق ِ‬ ‫رْز ِ‬‫ب) ِ‬ ‫كت ِ‬
‫رْزقه( الرزق هنا‪ :‬ما ينتفع به النسان وهو نوعان‪ :‬رزق‬ ‫( ِ‬
‫يقوم به البدن‪ ،‬ورزق يقوم به الدين‪.‬‬
‫والرزق الذي يقوم به البدن‪ :‬هو الكل والشرب واللباس‬
‫والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫والرزق الذي يقوم به الدين‪:‬هو العلم واليمان‪ ،‬وكلهما‬
‫مراد بهذا الحديث‪.‬‬
‫جله ( أي مدة بقائه في هذه الدنيا‪ ،‬والناس يختلفون‬ ‫( َ‬
‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫في الجل اختلفا متباينا‪ ،‬فمن الناس من يموت حين‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الولدة‪ ،‬ومنهم من يعمر إلى مائة سنة من هذه المة ‪ ،‬أما‬
‫من قبلنا من المم فيعمرون إلى أكثر من هذا‪ ،‬فلبث نوح‬
‫عليه السلم في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا‪.‬‬
‫واختيار طول الجل أو قصر الجل ليس إلى البشر‪ ،‬وليس‬
‫لصحة البدن وقوام البدن ‪،‬إذ قد يحصل الموت بحادث‬
‫والنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون‪ ،‬لكن الجال تقديرها‬
‫إلى الله عّز وجل‪.‬‬
‫وهذا الجل ل يتقدم لحظة ول يتأخر‪ ،‬فإذا تم الجل انتهت‬
‫الحياة ‪،‬‬
‫وهنا مسألة‪ :‬هل الجل وراثي؟‬
‫الجواب‪ :‬الجل ليس وراثيًا‪ ،‬فكم من شاب مات من قبيلة‬
‫مر في قبيلة أعمارها‬ ‫أعمارهم طويلة‪ ،‬وكم من شاب ع ّ‬
‫قصيرة‪.‬‬
‫مله ( أي ما يكتسبه من العمال القولية والفعلية‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫( َ‬
‫والقلبية‪ ،‬فمكتوب على النسان العمل ‪.‬‬
‫د ( هذه النهاية‪ ،‬والسعيد هو الذي تم له‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫عي ْ ٌ‬‫س ِ‬
‫و َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫( َ‬
‫الفرح والسرور‪ ،‬والشقي بالعكس‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫عيد* َ َ‬
‫م‬ ‫ر لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫قوا َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫س ِ ٌ‬‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫ق ّ‬‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫) َ‬
‫ت‬‫وا ُ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬
‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ق* َ‬ ‫هي ٌ‬‫ِ‬ ‫ش‬‫و َ‬‫فيٌر َ‬ ‫ها َز ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫وأ ّ‬ ‫د* َ‬ ‫ري ُ‬‫ما ي ُ ِ‬‫ل لِ َ‬‫عا ٌ‬ ‫ف ّ‬‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫شاءَ َرب ّ َ‬‫ما َ‬ ‫ض إ ِّل َ‬ ‫واْلْر ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫وا ُ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬‫في ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ع ُ‬
‫س ِ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫‪41‬‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ذ(‪ 1‬فالنهاية إما‬ ‫ذو ٍ‬ ‫ج ُ‬
‫م ْ‬ ‫طاءً َ‬
‫غي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫شاءَ َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض إ ِّل َ‬ ‫واْلْر ُ‬ ‫َ‬
‫شقاء وإما سعادة ‪ ،‬فنسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل‬
‫السعادة‪.‬‬
‫ه ( هذه الجملة قيل إنها‬ ‫ه َ‬
‫غي ُْر ُ‬ ‫ي ل َ إ ِل َ َ‬ ‫ذ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫والل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫قال‪َ ):‬‬
‫مدرجة من كلم ابن مسعود رضي الله عنه وليست من كلم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وإذا اختلف المحدثون في جملة من الحديث أمدرجة هي أم‬
‫من أصل الحديث؟ فالصل أنها من أصل الحديث‪ ،‬فل يقبل‬
‫الدراج إل بدليل ل يمكن أن يجمع به بين الصل والدراج‬
‫وعلى هذا فالصواب أنها من كلم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫رهُ ( هذا قسم مؤكد بالتوحيد‪،‬‬ ‫غي ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫ي ل َ إ ِل َ َ‬ ‫ذ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫والل ِ‬‫ف َ‬‫( َ‬
‫ه(‬
‫غي ُْر ُ‬‫ه َ‬ ‫ي ل َ إ ِل َ َ‬ ‫ذ ْ‬ ‫ه ( والتوكيد بالتوحيد‪) :‬ال ّ ِ‬ ‫والل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫القسم‪َ ) :‬‬
‫أي ل إله حق غير الله‪ ،‬وإن كان توجد آلهة تعبد من دون الله‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ه ٌ‬‫م آل ِ َ‬ ‫ه ْ‬‫م لَ ُ‬‫لكنها ليست حقًا‪،‬كما قال الله عّز وجل‪ ):‬أ ْ‬
‫مّنا‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫ف ِ‬‫صَر أ َن ْ ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬‫ست َ ِ‬
‫دون َِنا ل ي َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫من َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ق َ‬‫ح ّ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬‫ه ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ن(‪ 2‬وقال عّز وجل‪) :‬ذَل ِ َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫يُ ْ‬
‫طل(‪. 3‬‬ ‫ه ال َْبا ِ‬‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َدْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن ب َي ْن َ ُ‬
‫و ُ‬‫ما ي َك ُ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ة َ‬‫جن ّ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ه ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م ِ‬‫ع َ‬
‫ل بِ َ‬‫م ُ‬‫ع َ‬‫دكم ل َي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ َ‬ ‫( إِ ّ‬
‫ع( أي حتى يقرب أجله تمامًا‪ .‬وليس المعنى‬ ‫ها إ ِل ّ ِذَرا ٌ‬ ‫وب َي ْن َ َ‬‫َ‬
‫حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع في مرتبة العمل‪،‬لن عمله‬
‫الذي عمله ليس عمل ً صالحًا‪،‬كما جاء في الحديث‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ة فيما يبدو للناس وهو من‬
‫جن ّ ِ‬
‫ل ال َ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م ِ‬
‫ع َ‬ ‫م ُ‬
‫ل بِ َ‬ ‫دكم ل َي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫أ َ‬
‫أهل النار ( لنه أشكل على بعض الناس‪:‬كيف يعمل بعمل‬
‫أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إل ذراع ثم يسبق عليه‬
‫الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬عمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس‪ ،‬ولم يتقدم‬
‫ولم يسبق‪ ،‬ولكن حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع أي بدنو‬
‫ب‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه الك َِتا ُ‬ ‫ق َ‬
‫سب ِ ُ‬ ‫أجله ‪ ،‬أي أنه قريب من الموت‪َ ) .‬‬
‫في َ ْ‬
‫ر( فيدع العمل الول الذي كان‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م ِ‬
‫ع َ‬ ‫م ُ‬
‫ل بِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫في َ ْ‬
‫‪1‬‬
‫)هود‪(108-105:‬‬
‫‪2‬‬
‫)النبياء‪(43:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪).‬لقمان‪ :‬الية ‪(30‬‬
‫‪42‬‬
‫يعمله‪ ،‬وذلك لوجود دسيسة في قلبه ) والعياذ بالله( هوت‬
‫به إلى هاوية‪.‬‬
‫أقول هذا لئل ّ يظن بالله ظن السوء‪ :‬فوالله ما من أحد يقبل‬
‫على الله بصدق وإخلص‪ ،‬ويعمل بعمل أهل الجنة إل لم‬
‫يخذله الله أبدًا‪.‬‬
‫فالله عّز وجل أكرم من عبده‪ ،‬لكن لبد من بلء في القلب‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬حسن أسلوب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪،‬وهو‬
‫كلماته كأنما تخرج من مشكاة النبوة‪ ،‬كلمات عذبة مهذبة‪،‬‬
‫‪2.‬أنه ينبغي للنسان أن يؤكد الخبر الذي يحتاج الناس إلى‬
‫تأكيده بأي نوع من أنواع التأكيدات‪.‬‬
‫‪3.‬تأكيد الخبر بما يدل على صدقه‪ ،‬لقول عبد الله بن مسعود‬
‫ق‪.‬‬
‫و ُ‬
‫صد ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫صاِدقُ ال َ‬‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬
‫رضي الله عنه‪َ :‬‬
‫‪4.‬أن النسان في بطن أمه ُيجمع خلقه على هذا الوجه الذي‬
‫ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪5.‬أنه يبقى نطفة لمدة أربعين يومًا‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬هذه النطفة هل يجوز إلقاؤها أول يجوز؟‬
‫والجواب‪ :‬ذكر الفقهاء )رحمهم الله( أنه يجوز إلقاؤها بدواء‬
‫مباح‪ ،‬قالوا‪ :‬لنه لم يتكون إنسانًا‪،‬ولم يوجد فيه أصل‬
‫النسان وهو الدم‪.‬‬
‫في‬ ‫عل َْناهُ ِ‬
‫ج َ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬ل يجوز‪،‬لن الله تعالى قال‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫عُلوم ٍ( ‪ ،1‬وهذا أقرب إلى الصواب‬ ‫م ْ‬
‫ر َ‬
‫قد َ ٍ‬‫ن* إ َِلى َ‬‫كي ٍ‬
‫م ِ‬
‫ر َ‬ ‫َ‬
‫قَرا ٍ‬
‫أنه حرام‪ ،‬لكنه ليس كتحريم ما بعده من بلوغه أربعة أشهر‪.‬‬
‫فإذا قدر أن المرأة مرضت وخيف عليها‪ ،‬فهل يجوز إلقاء‬
‫هذه النطفة؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يجوز‪ ،‬لن إلقاءها الن صار ضروري ًّا‪.‬‬
‫‪ 6.‬حكمة الله عّز وجل في أطوار الجنين من النطفة إلى‬
‫العلقة‪.‬‬
‫‪7.‬أهمية الدم في بقاء حياة النسان‪ ،‬وجهه‪ :‬أن أصل بني‬
‫آدم بعد النطفة العلقة‪ ،‬والعلقة دم‪ ،‬ولذلك إذا نزف دم‬
‫النسان هلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)المرسلت‪(22-21:‬‬
‫‪43‬‬
‫‪8.‬أن الطور الثالث هي المضغة‪ ،‬هذه المضغة تكون مخلقة‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وغير مخلقة بنص القرآن‪،‬كما قال الله تعالى‪) :‬ث ُ ّ‬
‫م ِ‬
‫‪1‬‬
‫ة(‬ ‫ق ٍ‬‫خل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ر ُ‬ ‫غي ْ ِ‬‫و َ‬‫ة َ‬ ‫خل ّ َ‬
‫ق ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫غ ٍ‬
‫ض َ‬‫م ْ‬‫ُ‬
‫لكن ما الذي يترتب على كونها مخلقة أو غير مخلقة ؟‬
‫الجواب‪ :‬يترتب عليها مسائل‪:‬‬
‫‪1.‬لو سقطت هذه المضغة غير مخلقة لم يكن الدم الذي‬
‫يخرج نفاسًا‪ ،‬بل دم فساد‪.‬‬
‫‪2.‬ولو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلق وكانت المرأة في‬
‫عدة لم تنقض العدة‪ ،‬لنه لبد في انقضاء العدة أن يكون‬
‫الحمل مخلقًا‪ ،‬ولبد لثبوت النفاس من أن يكون الحمل‬
‫مخلقًا‪ ،‬لنه قبل التخليق يحتمل أن تكون قطعة لحم فقط‬
‫وليست آدميًا‪ ،‬فلذلك ل نعدل إلى إثبات هذه الحكام إل‬
‫بيقين بأن يتبين فيه خلق إنسان‪.‬‬
‫م‬‫‪9.‬أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر‪ ،‬لقوله‪ " :‬ث ُ ّ‬
‫ح "‪.‬‬
‫و َ‬
‫ه الّر ْ‬
‫في ْ ِ‬‫خ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫في َن ْ ُ‬
‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬‫ه ال َ‬‫ل إ ِل َي ْ ِ‬
‫س ُ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫وينبني على هذا‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه فإنه يغسل ويكفن‬
‫ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويسمى ويعق‬
‫عنه‪ ،‬لنه صار آدميا ً إنسانا ً فيثبت له حكم الكبير‪.‬‬
‫ب‪ .‬أنه بعد نفخ الروح فيه يحرم إسقاطه بكل حال‪ ،‬فإذا‬
‫نفخت فيه الروح فل يمكن إسقاطه‪،‬لن إسقاطه حينئذ‬
‫يكون سببا ً لهلكه‪ ،‬وليجوز قتله وهو إنسان‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أرأيتم لو كان إبقاؤه سببا ً لموت أمه‪،‬‬
‫أفيلقى وتبقى حياة الم‪ ،‬أو يبقى وتهلك الم ثم يهلك‬
‫الجنين؟‬
‫فالجواب‪ :‬نقول ربما أهل الستحسان يقولون بالول‪ ،‬ولكن‬
‫لاستحسان في مقابلة الشرع‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬الثاني هو المتعّين بمعنىأنه ل يجوز إسقاطه‪،‬حتى‬
‫لو قال الطباء‪ :‬إنه إن بقي هلكت الم‪ .‬وقد يحتج من يقول‬
‫بإسقاط الجنين بأنه إذا هلكت الم هلك الجنين فيهلك‬
‫نفسان‪ ،‬وإذا أخرجناه هلك الجنين لكن الم تسلم‪.‬‬
‫والجواب على هذا الرأي الفاسد أن نقول‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)الحج‪ :‬الية ‪(5‬‬
‫‪44‬‬
‫ل‪ :‬قتل النفس لحياء نفس أخرى ل يجوز‪ ،‬ولذلك لو فرض‬ ‫أو ً‬
‫أن رجلين كانا في سفر في أرض فلة ول زاد معهما‪ ،‬وكان‬
‫أحدهما كبيرا ً والخر عشر سنين أو تسع سنين فجاع الكبير‬
‫جدا ً بحيث لو لم يأكل لهلك‪ ،‬فل يجوز للكبير أبدا ً أن يذبح‬
‫الصغير ليأكله ويعيش بإجماع المسلمين ‪.‬‬
‫ولو قدر أن الصبي مات من الجوع وبقي الكبير وهو إما أن‬
‫يأكله فيبقى أو يتركه فيهلك‪ ،‬فهل يجوز له الكل من جسد‬
‫الصغير؟‬
‫والجواب‪ :‬مذهب المام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ -‬في المشهور عنه‬
‫أنه ل يجوز أكله‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ك َ ْ‬
‫سُر‬
‫حي ّا ً ‪ ،‬وذبح الميت كذبحه حيًا‪ .‬والقول‬
‫ه َ‬
‫ر ِ‬
‫س ِ‬ ‫عظْم ِ المي ّ ِ‬
‫ت ك َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫الثاني في هذه المسألة‪ :‬أنه يجوز أن يأكل منه ما يسد‬
‫رمقه‪،‬لن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت‪.‬‬
‫ل‪ :‬فنقول‪ :‬أننا لو أسقطنا الجنين فهلك فنحن الذين‬ ‫أو ً‬
‫قتلناه‪ ،‬ولو أبقيناه فهلكت الم ثم هلك هو‪،‬فالذي أهلكهما‬
‫هو الله عّز وجل أي ليس من فعلنا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ل يلزم من هلك الم أن يهلك الجنين لسيما في‬
‫وقتنا الحاضر‪ ،‬إذ من الممكن إجراء عملية سريعة لخراج‬
‫الجنين فيحيى‪ ،‬ولهذا بعض البيطريين في الغنم وشبهها‬
‫يستطيع إذا ماتت الم أن يخرج حملها قبل أن يموت ‪.‬‬
‫وأيضا ً نقول‪ :‬لو أنه مات هذا الجنين في بطن أمه من عند‬
‫الله عّز وجل ل يلزم أن تموت هي‪ ،‬فُيخرج لنه ميت وتبقى‬
‫الم‪.‬‬
‫الخلصة‪ :‬أنه إذا نفخت فيه الروح فإنه ل يجوز إسقاطه بأي‬
‫حال من الحوال‪.‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪:‬‬
‫‪10.‬عناية الله تعالى بالخلق حيث وكل بهم وهم في بطون‬
‫أمهاتهم ملئكة يعتنون بهم‪ ،‬ووكل بهم ملئكة إذا خرجوا‬
‫إلى الدنيا‪ ،‬وملئكة إذا ماتوا‪ ،‬كل هذا دليل على عناية الله‬
‫تعالى بنا‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪11.‬أن الروح في الجسد تنفخ نفخا ً ولكن ل نعلم الكيفية‪،‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫صن َ ْ‬ ‫ن ال ِّتي أ ْ‬
‫ح َ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م اب ْن َ َ‬‫مْري َ َ‬ ‫و َ‬ ‫وهذا كقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫حَنا(‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬
‫في ِ‬ ‫خَنا ِ‬ ‫ف ْ‬‫فن َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫فْر َ‬
‫لكن ل ندري كيف هذا؟ لن هذا من أمور الغيب‪.‬‬
‫‪12.‬أن الروح جسم‪ ،‬لنه ينفخ فيحل في البدن‪.‬‬
‫ولكن هل هذا الجسم من جنس أجسامنا الكثيفة المكونة من‬
‫عظام ولحم وعصب وجلود؟‬
‫الجواب‪ :‬ل علم للبشر بها‪ ،‬بل نقول كما قال تعالى‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ر َرّبي(‬ ‫م‬ ‫قل الروح من أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫رو‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫)ويس َ‬
‫ألو‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وهي جسم لكن مخالف للجسام الكثيفة التي هي أجسادنا‪،‬‬
‫والله أعلم بكيفيتها‪ .‬والروح عجيبة‪ ،‬لها حال في المنام‬
‫مًا‪ ،‬فتجد نفسك تجوب‬ ‫فتخرج من البدن لكن ليس خروجا ً تا ّ‬
‫الفيافي‪،‬ربما وصلت إلى الصين أو إلى أقصى المغرب‬
‫وربما طرت بالطائرة وربما ركبت السيارة‪ ،‬وأنت في مكانك‬
‫طى جسمك‪ ،‬ومع ذلك تتجول في الرض‪،‬‬ ‫واللحاف قد غ ّ‬
‫لكنها ل تفارق الجسم في حال النوم مفارقة تامة‪ ،‬فالروح‬
‫أمرها غريب‪،‬ولسنا نعلم منها إل ما جاء في الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ه لله سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ل علم ُ‬ ‫وما ل نعلمه ن َك ِ ُ‬
‫فإذا كنت ل تدري عن نفسك التي بين جنبيك فكيف تحاول‬
‫أن تعرف كيفية صفات الله عّز وجل الذي هو أعظم وأجل‬
‫من أن تحيط به‪.‬‬
‫‪13.‬أن الملئكة عليهم السلم عبيد يؤمرون وينهون‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫ت والمُر له هو الله عّز وجل‪.‬‬ ‫ما ٍ‬ ‫ع ك َل ِ َ‬ ‫مُر ب ِأْرب َ ِ‬ ‫فُيؤ َ‬ ‫َ‬
‫‪14.‬أن هذه الربع مكتوبة على النسان‪ :‬رزقه‪ ،‬وأجله‪،‬‬
‫وعمله‪ ،‬وشقي أو سعيد‪ .‬ولكن هل معنى ذلك أن ل نفعل‬
‫السباب التي يحصل بها الرزق؟‬
‫الجواب‪ :‬بلى نفعل‪ ،‬وما نفعله من أسباب تابع للرزق‪.‬‬
‫‪15.‬أن الملئكة يكتبون‪.‬‬
‫فلو قال لنا قائل‪ :‬بأي حرف يكتبون‪ ،‬هل يكتبون باللغة‬
‫العربية‪ ،‬أم باللغة السريانية‪ ،‬أو العبرية‪ ،‬أو ما أشبه ذلك؟‬

‫‪1‬‬
‫)التحريم‪ :‬الية ‪(12‬‬
‫‪2‬‬
‫)السراء‪ :‬الية ‪(85‬‬
‫‪46‬‬
‫فالجواب‪ :‬السؤال عن هذا بدعة‪ ،‬علينا أن نؤمن بأنهم‬
‫يكتبون‪ ،‬أما بأي لغة فل نقول شيئًا‪.‬‬
‫هذه الكتابة هل هي في صحيفة‪ ،‬أو تكتب على جبين‬
‫الجنين؟‬
‫الجواب‪ :‬هناك آثار تدل على أنها تكتب على جبين الجنين‪،‬‬
‫وآثار على أنها تكتب في صحيفة‪ ،‬والجمع بينهما سهل‪ :‬إذ‬
‫يمكن أن تكتب في صحيفة ويأخذها الملك إلى ما شاء الله‪،‬‬
‫ويمكن أن تكتب على جبين النسان‪.‬‬
‫‪16.‬أن النسان ل يدري ماذا كتب له‪ ،‬ولذلك أمر بالسعي‬
‫لتحصيل ما ينفعه‪ ،‬وهذا أمر مسّلم‪،‬‬
‫‪17.‬أن نهاية بني آدم أحد أمرين‪:‬‬
‫ي‬
‫ق ّ‬
‫ش ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫إما الشقاء وإما السعادة‪ ،‬قال الله تعال‪َ ) :‬‬
‫ف ِ‬
‫‪1‬‬
‫د(‬‫عي ٌ‬‫س ِ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫و ِ‬‫فٌر َ‬ ‫م َ‬
‫كا ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ف ِ‬‫م َ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه َ‬
‫وقال تعالى‪ُ ) :‬‬
‫‪2‬‬
‫ن(‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من أهل السعادة إنه سميع‬
‫قريب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)هود‪ :‬الية ‪(105‬‬
‫‪2‬‬
‫)التغابن‪ :‬الية ‪(2‬‬
‫‪47‬‬

‫الحديث الخامس‬
‫ها ‪-‬‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عن ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض ََ‬ ‫ة ‪َ -‬ر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ع ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ذا َ‬ ‫ه َ‬‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬‫يأ ْ‬ ‫ف ْ‬‫ث ِ‬
‫حد َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ه ‪َ ":‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫قال َ ْ‬ ‫َ‬
‫د " رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وفي رواية‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬‫ف ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫عل َي َ‬
‫د"‬ ‫و َر ّ‬‫ه َ‬ ‫مُرَنا َ‬
‫ف ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫س َ ْ ِ‬ ‫مل ً ل َي ْ َ‬ ‫ع َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لمسلم " َ‬

‫الشرح‬
‫ت عائشة رضي الله عنها بأم المؤمنين لنها إحدى‬ ‫ك ُن ّي َ ْ‬
‫زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وجميع أمهات‬
‫المؤمنين تكنى بهذه الكنية‪ ،‬كما قال الله عّز وجل‪) :‬‬
‫م (‪ 1‬فكل زوجات النبي صلى الله عليه‬ ‫وأ َزواج ُ‬
‫ه ْ‬
‫هات ُ ُ‬ ‫م َ‬
‫هأ ّ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ‬
‫وسلم أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫ول ِدَ لها ‪ -‬رضي الله‬ ‫ُ‬
‫ه هذه كنية‪ ،‬وهل ُ‬‫د الل ِ‬‫عب ْ ِ‬‫م َ‬ ‫وقوله‪ :‬أ ّ‬
‫عنها‪ -‬ولدٌ أم ل؟‬
‫والجواب‪ :‬أنه ذكر بعض أهل العلم أنه ولد لها ولد سقط لم‬
‫يعش‪ ،‬وذكر آخرون أنه لم يولد لها ل سقط ول حي‪ ،‬ولكن‬
‫ب السماء إلى الله‪ :‬عبد الله‪،‬‬‫هي تكّنت بهذه الكنية‪،‬لن أح ّ‬
‫وعبد الّرحمن‪.‬‬
‫ُ‬
‫ة هذا اسم أم المؤمنين وهي ابنة أبي بكر‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫الصديق رضي الله عنه‪ ،‬تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪1‬‬
‫]الحزاب‪ :‬الية‪(6:‬‬
‫‪48‬‬
‫ولها ست سنين‪ ،‬وبنى بها ولها تسع سنين‪ ،‬وروت للمة‬
‫علما ً كثيرا ً وفقها ً غزيرًا‪ ،‬فهي رضي الله عنها من‬
‫المحدثات‪ ،‬ومن الفقيهات‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د( )من(‬ ‫و َر ّ‬‫ه َ‬ ‫ف ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫س ِ‬‫ما ل َي ْ َ‬‫ذا َ‬ ‫ه َ‬
‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬‫يأ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حدَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫( َ‬
‫ث( فعل الشرط‪ ،‬وجواب الشرط‪) :‬فهو رد(‬ ‫حد َ َ‬ ‫َ‬
‫شرطية‪ .‬و‪) :‬أ ْ‬
‫واقترن الجواب بالفاء لنه جملة اسمية‪،‬‬
‫و َردّ أي مردود‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫ث ( أي أوجد شيئا ً لم يكن ‪.‬‬ ‫حدَ َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله‪َ ) :‬‬
‫رَنا ( أي في ديننا وشريعتنا‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫( ِ‬
‫ه ( أي مالم يشرعه الله ورسوله‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫( َ‬
‫د ( فإنه مردود عليه حتى وإن صدر عن إخلص‪،‬‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬‫( َ‬
‫ُ‬
‫دوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫عب ُ ُ‬‫مُروا إ ِّل ل ِي َ ْ‬ ‫ما أ ِ‬‫و َ‬‫وذلك لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫غ َ‬
‫غي َْر‬ ‫ن ي َب ْت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬‫فاءَ ( ولقوله تعالى‪َ ) :‬‬ ‫حن َ َ‬
‫ن ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ة ِ‬‫خَر ِ‬‫في اْل ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫فل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫سلم ِ ِدينا ً َ‬ ‫اْل ِ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ن(‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫س‬
‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫عل ِي َ‬
‫و‬ ‫مُرَنا َ‬
‫فه َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫س َ ْ ِ‬ ‫مل ً ل َي ْ َ‬‫ع َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ة لمسلم‪َ ) :‬‬ ‫وفي رواي ٍ‬
‫ث( ومعنى هذه‬ ‫حد َ َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫د ( وهذه الرواية أعم من رواية ) َ‬ ‫َر ّ‬
‫الرواية‪ :‬أن من عمل أي عمل سواء كان عبادة‪ ،‬أو كان‬
‫معاملة‪ ،‬أو غير ذلك ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه مردود‬
‫عليه‪.‬‬
‫*وهذا الحديث أصل من أصول السلم‪ ،‬دل عليه قوله‬
‫عوا‬ ‫قيما ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫تعالى‪َ ) :‬‬
‫ول ت َت ّب ِ ُ‬
‫عوهُ َ‬
‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬‫صَرا ِ‬‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ه ( وكذلك اليات التي‬ ‫سِبيل ِ ِ‬
‫ن َ‬‫ع ْ‬
‫م َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬‫فت َ َ‬‫ل َ‬
‫سب ُ َ‬
‫ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫سقناها دالة على هذا الصل العظيم‪.‬‬


‫وقد اتفق العلماء ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬أن العبادة ل تصح إل إذا‬
‫جمعت أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬الخلص ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫والمتابعة أخذت من هذا الحديث ومن الية التي سقناها‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫]البينة‪[5:‬‬
‫‪2‬‬
‫آل عمران‪(85:‬‬ ‫)‬
‫‪3‬‬
‫]النعام‪ :‬الية ‪(153‬‬
‫‪49‬‬
‫‪1.‬تحريم إحداث شيء في دين الله ولو عن حسن قصد‪ ،‬ولو‬
‫كان القلب يرق لذلك ويقبل عليه‪ ،‬لن هذا من عمل‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬لو أحدثت شيئا ً أصله من الشريعة ولكن‬
‫ت بها الدين‪ ،‬فهل يكون مردودا ً‬ ‫جعلته على صفة معينة لم يأ ِ‬
‫أو ل ‪.‬؟‬
‫والجواب‪ :‬يكون مردودًا‪ ،‬مثل ما أحدثه بعض الناس من‬
‫العبادات والذكار والخلق وما أشبهها‪ ،‬فهي مردودة ‪.‬‬
‫* وليعلم أن المتابعة ل تتحقق إل إذا كان العمل موافقا ً‬
‫للشريعة في أمور ستة‪ :‬سببه ‪ ،‬وجنسه‪ ،‬وقدره‪ ،‬وكيفيته‪،‬‬
‫وزمانه‪ ،‬ومكانه‪.‬‬
‫فإذا لم توافق الشريعة في هذه المور الستة فهو باطل‬
‫مردود‪ ،‬لنه أحدث في دين الله ما ليس منه‪.‬‬
‫ل‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في سببه‪ :‬وذلك بأن‬ ‫أو ً‬
‫يفعل النسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سببا ً مثل‪:‬‬
‫أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته ويتخذها سنة‪ ،‬فهذا مردود‪.‬‬
‫مع أن الصلة أصلها مشروع‪ ،‬لكن لما قرنها بسبب لم يكن‬
‫سببا ً شرعيا ً صارت مردودة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في الجنس‪ ،‬فلو تعّبد‬
‫لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة‪،‬مثال ذلك‪ :‬لو‬
‫أن أحدا ً ضحى بفرس‪،‬فإن ذلك مردود عليه ول يقبل منه‪،‬‬
‫لنه مخالف للشريعة في الجنس‪ ،‬إذ إن الضاحي إنما تكون‬
‫من بهيمة النعام وهي‪ :‬البل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪.‬‬
‫أما لو ذبح فرسا ً ليتصدق بلحمها فهذا جائز‪،‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في القدر‪ :‬فلو تعبد‬
‫شخص لله عّز وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه‪،‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬رجل توضأ أربع مرات أي غسل كل عضو أربع‬
‫مرات‪،‬فالرابعة ل تقبل‪ ،‬لنها زائدة على ما جاءت به‬
‫الشريعة‪ ،‬بل قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه‬
‫ف َ َ‬ ‫عَلى ذَل ِ َ‬
‫دى‬ ‫ع ّ‬
‫وت َ َ‬
‫ساءَ َ‬
‫قد ْ أ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َزادَ َ‬
‫م ْ‬‫وسلم توضأ ثلثا ً وقال‪َ :‬‬
‫وظَل َ َ‬
‫م "‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪50‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في الكيفية‪ :‬فلو‬
‫ل‪ ،‬يتعبد به لله وخالف الشريعة في كيفيته‪،‬‬ ‫عمل شخص عم ً‬
‫لم يقبل منه‪ ،‬وعمله مردود عليه‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬لو أن رجل ً صلى وسجد قبل أن يركع‪ ،‬فصلته باطلة‬
‫مردودة‪ ،‬لنها لم توافق الشريعة في الكيفية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في الزمان‪ :‬فلو‬
‫صلى الصلة قبل دخول وقتها‪ ،‬فالصلة غير مقبولة لنها‬
‫في زمن غير ما حدده الشرع‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في المكان‪ :‬فلو‬
‫أن أحدا ً اعتكف في غير المساجد بأن يكون قد اعتكف في‬
‫المدرسة أو في البيت‪ ،‬فإن اعتكافه ل يصح لنه لم يوافق‬
‫الشرع في مكان العتكاف‪،‬فالعتكاف محله المساجد‪.‬‬
‫فانتبه لهذه الصول الستة وطبق عليها كل ما يرد عليك‪.‬‬
‫عل َي َ‬
‫د(‬ ‫و َر ّ‬‫ه َ‬ ‫مُرَنا َ‬
‫ف ُ‬ ‫هأ ْ‬‫س َ ْ ِ‬ ‫مل ً ل َي ْ َ‬‫ع َ‬
‫ل َ‬‫م َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫رواية مسلم‪َ ) :‬‬
‫منطوق الحديث‪ :‬أنه إذا لم يكن عليه أمر الله ورسوله فهو‬
‫مردود‪ ،‬وهذا في العبادات ل شك فيه‪ ،‬لن الصل في‬
‫العبادات المنع حتى يقوم دليل على مشروعيتها‪.‬‬
‫أما غير العبادات فالصل فيها الحل‪ ،‬سواء من العيان‪ ،‬أو‬
‫من العمال فإن الصل فيها الحل‪.‬‬
‫مثال العيان‪ :‬رجل صاد طيرا ً ليأكله‪ ،‬فُأنكر عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫الدليل على التحريم؟ فالقول قوله هو‪ ،‬لن الصل الحل كما‬
‫في اْل َ‬
‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ق ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬
‫قال الله تعالى‪ُ ) :‬‬
‫ميعا ً (‪.1‬‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫ومثال العمال‪:‬غير العبادات الصل فيها الحل‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫رجل عمل عمل ً في بيته‪ ،‬أو في سيارته‪ ،‬أو في لباسه أو‬
‫في أي شيء من أمور دنياه فأنكر عليه رجل آخر فقال‪:‬أين‬
‫الدليل على التحريم؟ فالقول قول الفاعل لن الصل الحل‪.‬‬
‫فهاتان قاعدتان مهمتان مفيدتان‪.‬‬
‫فعليه فنقول‪ :‬القسام ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما علمنا أن الشرع شرع من العبادات‪ ،‬فيكون‬
‫مشروعًا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما علمنا أن الشرع نهى عنه‪ ،‬فهذا يكون ممنوعًا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(29‬‬
‫‪51‬‬
‫الثالث‪ :‬ما لم نعلم عنه من العبادات‪ ،‬فهو ممنوع‪.‬‬
‫أما في المعاملت والعيان‪ :‬فنقول هي ثلثة أقسام أيضًا‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما علمنا أن الشرع أذن فيه‪ ،‬فهو مباح‪ ،‬مثل أكل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من حمر الوحش ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما علمنا أن الشرع نهى عنه كذات الناب من السباع‪،‬‬
‫فهذا ممنوع‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما لم نعلم عنه‪ ،‬فهذا مباح‪ ،‬لن الصل في غير‬
‫العبادات الباحة‪.‬‬

‫الحديث السادس‬
‫قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫شْير رضي الله عنهما َ‬ ‫َ‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ه الن ّ ْ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم ي َ ُ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫هات ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫حل َ‬
‫شت َب ِ َ‬ ‫وٌر ُ‬ ‫م ْ‬‫ما أ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ب َي ّ ٌ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫ن َ‬ ‫ل ب َي ّ ٌ‬ ‫ال َ‬
‫قد است َبرأ َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ف َ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ِ‬ ‫شب ُ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الّناسِ‪َ ،‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َث ِي ٌْر ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫حَرام ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ِ‬ ‫شب ُ َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ضه‪َ ،‬‬ ‫عْر ِ‬ ‫هو ِ‬ ‫دي ْن ِ ِ‬ ‫لِ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫َ‬ ‫ش ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫ه‪ .‬أل َ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مى ُيو ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫عى َ‬ ‫عي ي َْر َ‬ ‫كالّرا ِ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫ه‪ ،‬أل وإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫مى الل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ى ‪ .‬أل َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ِ ٍ‬ ‫ل َ‬
‫دت‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه وإ َ‬ ‫سدُ ك ُل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ال َ‬ ‫صل َ َ‬‫ت َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة إِ َ‬ ‫غ ً‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫د ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ال َ‬
‫فسد الجسد ك ُل ّ َ‬
‫ب(‬‫قل ْ ُ‬ ‫ي ال َ‬ ‫وه َ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫الشرح‬
‫‪52‬‬
‫ن ( في هذا الحديث‬‫م ب َي ّ ٌ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ن ال َ‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ب َي ّ ٌ‬ ‫حل َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫قوله‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫تقسيم للحكام إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ل يعرفه‪ .‬كالثمر‪ ،‬والبر‪ ،‬واللباس غير المحرم‬ ‫‪1.‬حلل بّين ك ّ‬
‫وأشياء ليس لها حصر‪.‬‬
‫ل يعرفه‪ .‬كالزنا‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر وما‬ ‫م بّين ك ّ‬ ‫‪2.‬حرا ٌ‬
‫أشبه ذلك‪.‬‬
‫‪3.‬مشتبه ل يعرف هل هو حلل أو حرام؟ وسبب الشتباه‬
‫فيها إما‪ :‬الشتباه في الدليل‪ ،‬وإما الشتباه في انطباق‬
‫الدليل على المسألة‪ ،‬فتارةً يكون الشتباه في الحكم‪ ،‬وتارةً‬
‫يكون في محل الحكم‪.‬‬
‫* الشتباه في الدليل‪ :‬بأن يكون الحديث‪:‬‬
‫ح؟‬‫ح عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يص ّ‬ ‫ل‪ :‬هل ص ّ‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬هل يدل على هذا الحكم أو ل يدل؟‬
‫ل الحديث‪ :‬هل ثبت أم لم‬ ‫وهذا يقع كثيرًا‪ ،‬فما أكثر ما ُيشك ِ ُ‬
‫يثبت؟ وهل يدل على هذا أو ل يدل؟‬
‫* وأما الشتباه في محل الحكم‪ :‬فهل ينطبق هذا الحديث‬
‫على هذه المسألة بعينها أو ل ينطبق؟‬
‫فالول عند الصوليين يسمى تخريج المناط‪ ،‬والثاني يسمى‬
‫تحقيق المناط‪.‬‬
‫س ( يعني هذه المشتبهات ل‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َث ِي ٌْر ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫)ل َ ي َ ْ‬
‫يعلمهن كثير من الناس ويعلمهن كثير‪ ،‬فكثير ل يعلم وكثير‬
‫يعلم‪ ،‬ولم يقل ‪ :‬ل يعلمهن أكثر الناس‪ ،‬فلو قال‪:‬ل يعلمهن‬
‫أكثر الناس لصار الذين يعلمون قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫س ( إما لقلة علمهم‪،‬‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ك َث ِي ٌْر ِ‬‫ه ّ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫إذا ً فقوله ) ل َ ي َ ْ‬
‫وإما لقلة فهمهم‪ ،‬وإما لتقصيرهم في المعرفة‪.‬‬
‫ت ( أي تجنبها‪.‬‬ ‫ها ِ‬ ‫شب ُ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫من ا ِت ّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫( َ‬
‫رأ َ (أي أخذ البراءة‪.‬‬ ‫ست َب ْ َ‬ ‫د اِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ف َ‬ ‫( َ‬
‫ه ( فيما بينه وبين الله تعالى‪.‬‬ ‫دي ْن ِ ِ‬ ‫(ل ِ ِ‬
‫ه ( فيما بينه وبين الناس‪ ،‬لن المور المشتبهة إذا‬ ‫ض ِ‬ ‫عْر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫( َ‬
‫ارتكبها النسان صار عرضة للناس يتكلمون في عرضه‬
‫وكذلك فيما بينه وبين الله تعالى‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫رام ِ ( هذه جملة‬ ‫ح َ‬ ‫في ال َ‬ ‫ع َ‬
‫ق َ‬‫و َ‬‫ت َ‬ ‫ها ِ‬‫شب ُ َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫( َ‬
‫شرطية‪.‬‬
‫حَرام ِ هذا‬ ‫ع في ال َ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬‫ت ( أي فعلها َ‬ ‫ها ِ‬‫شب ُ َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫( َ‬
‫الجملة تحتمل معنيين‪:‬‬
‫الول‪:‬أن ممارسة المشتبهات حرام‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أنه ذريعة إلى الوقوع في المحرم‪،‬وبالنظر في‬
‫المثال الذي ضربه صلى الله عليه وسلم يتضح لنا أي‬
‫المعنيين أصح‪.‬‬
‫عي ( أي راعي البل أو البقر أو‬ ‫كالّرا ِ‬ ‫والمثال المضروب‪َ ):‬‬
‫الغنم‪.‬‬
‫مى ( أي حول المكان المحمي‪،‬لنه قد‬ ‫ل اِلح َ‬ ‫و َ‬ ‫ح ْ‬ ‫عى َ‬ ‫(ي َْر َ‬
‫عى فيه إما بحق أو بغير‬ ‫مى فل ُير َ‬ ‫ن ُيح َ‬ ‫ُيتخذ مكا ٌ‬
‫ه ( أي‬ ‫ن يَ َ‬ ‫حق‪،‬والراعي حول هذه القطعة ) يوش ُ َ‬
‫في ْ ِ‬ ‫ع ِ‬‫ق َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُ ِ‬
‫يقرب أن يقع فيه‪،‬لن البهائم إذا رأت هذه الرض المحمية‬
‫مخضرة مملوءة من العشب فسوف تدخل هذه القطعة‬
‫المحمية‪،‬ويصعب منعها‪ ،‬كذلك المشتبهات إذا حام حولها‬
‫العبد فإنه يصعب عليه أن يمنع نفسه عنها‪.‬‬
‫ت‬‫ها ِ‬‫شب ُ َ‬‫في ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬
‫ق َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وبهذا المثال يقرب أن معنى قوله ) َ‬
‫رام ِ ( أي أوشك أن يقع في الحرام‪ ،‬لن المثال‬ ‫ح َ‬ ‫في ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫يوضح المعنى‪.‬‬
‫ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ):‬أ َل َ ( أداة‬
‫استفتاح‪،‬فائدتها‪:‬التنبيه على ما سيأتي‪.‬‬
‫مى ( أي كل ملك له حمى‪،‬والنبي صلى‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬‫مل ِ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫( َ‬
‫الله عليه وسلم ليريد أن يبين حكم حمى الملك‪:‬هل هو‬
‫ل‪،‬وما يكون‬ ‫حلل أو هو محرم؟لن من الحمى ما يكون حل ً‬
‫حرامًا‪،‬فالمراد بالحمى في الحديث الواقع‪،‬ومسألة الحمى‬
‫على نوعين‪:‬‬
‫‪1.‬إذا حماه لنفسه وبهائمه فهو حرام‪.‬‬
‫‪2.‬إذا حماه لدواب المسلمين كإبل الصدقة وإبل الجهاد فهو‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حلل‪،‬لنه لم يختصه لنفسه‪،‬فرسول الله قال‪" :‬ال ُ‬
‫ر " رواه أبو داود‬ ‫والّنا ِ‬ ‫ء َ‬‫ما ِ‬
‫وال َ‬‫في الك َل ِ َ‬ ‫في َثلَثة ‪ِ :‬‬ ‫شَرك َا ْءُ ِ‬ ‫ُ‬
‫والمام أحمد‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫َ‬
‫ه ( هذه جملة مؤكدة بـ )إن(‬ ‫م ُ‬‫حار ُ‬‫م َ‬‫ه َ‬‫مى الل ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن ِ‬ ‫(أل َ وإ ِ ّ‬
‫وأداة الستفتاح )أل( والمعنى‪:‬أل وإن حمى الله محارم‬
‫الله‪،‬فإياك أن تقربها‪،‬لن محارم الله كالرض المحمية للملك‬
‫ل يدخلها أحد‪.‬‬
‫ة ( هذه أيضا ً جملة مؤكدة بـ‬ ‫َ‬
‫غ ٌ‬‫ض َ‬
‫م ْ‬‫د ُ‬‫س ِ‬‫ج َ‬
‫في ال َ‬ ‫ن ِ‬ ‫(أل َ َ‬
‫وإ ِ ّ‬
‫ن( والمعنى‪:‬أل وإن في جسد النسان مضغة‪،‬أي‬ ‫)أل(و)إ ّ‬
‫قطعة لحم بقدر ما يمضغه النسان عند الكل‪،‬وهي بمقدار‬
‫الشيء الصغير‪.‬‬
‫د‬
‫س ُ‬
‫ج َ‬
‫سدَ ال َ‬ ‫ت َ‬
‫ف َ‬ ‫سد َ ْ‬ ‫ذا َ‬
‫ف َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫سدُ ك ُل ّ ُ‬
‫ه‪َ ،‬‬ ‫ج َ‬
‫ح ال َ‬ ‫صل َ َ‬
‫ت َ‬‫ح ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫ذا َ‬‫( إِ َ‬
‫َ‬
‫ب ( رتب النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قل ْ ُ‬‫ي ال َ‬
‫ه َ‬‫و ِ‬ ‫ه‪ ،‬أل َ َ‬‫ك ُل ّ ُ‬
‫الجزاء على الشرط‪،‬فمتى صلح القلب صلح الجسد‪،‬وإذا‬
‫فسدت فسد الجسد كله‪.‬‬
‫وقد مثل بعض العلماء هذا بالملك‪،‬إذا صلح صُلحت رعيته‪،‬وإذا‬
‫فسد فسدت‪.‬‬
‫لكن نظر فيه العلماء المحققون وقالوا‪:‬هذا المثال ل‬
‫يستقيم‪،‬لن الملك ربما يأمر ول ُيطاع‪،‬والقلب إذا أمر‬
‫الجوارح أطاعته ولبد‪،‬فهو أبلغ‬
‫وهذا الحديث في الحقيقة حديث عظيم‪،‬لو تكلم النسان عنه‬
‫لبلغ صفحات لكن نشير إن شاء الله إلى جوامع الفوائد في‬
‫هذا الحديث‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬أن الشياء تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬حلل بّين‪ ،‬حرام‬
‫بّين‪،‬مشتبه‪ ،‬وحكم كل نوع ومثاله أن نقول‪:‬‬
‫*الحلل البين ل يلم أحد على فعله‪،‬‬
‫*الحرام البّين وهذا يلم كل إنسان على فعله‪،‬‬
‫*وهناك أمور مشتبهة‪ :‬وهذه محل الخلف بين الناس‪،‬فتجد‬
‫الناس يختلفون فيها فمنهم من يحرم‪،‬ومنهم من‬
‫صل‪.‬‬
‫يحلل‪،‬ومنهم من يتوقف‪،‬ومنهم من يف ّ‬
‫‪2.‬أسباب الشتباه أربعة‪:‬‬
‫‪1.‬قلة العلم‪ :‬فقلة العلم توجب الشتباه‪،‬لن واسع العلم‬
‫يعرف أشياء ل يعرفها الخرون‪.‬‬
‫‪2.‬قلة الفهم‪ :‬أي ضعف الفهم‪،‬وذلك بأن يكون صاحب علم ٍ‬
‫ع كثير‪ ،‬ولكنه ل يفهم‪،‬فهذا تشتبه عليه المور‪.‬‬ ‫واس ٍ‬
‫‪55‬‬
‫‪3.‬التقصير في التدبر‪ :‬بأن ل يتعب نفسه في التدبر والبحث‬
‫ومعرفة المعاني بحجة عدم لزوم ذلك‪.‬‬
‫‪4.‬وهو أعظمها‪ :‬سوء القصد‪ :‬بأن ل يقصد النسان إل نصر‬
‫قوله فقط بقطع النظر عن كونه صوابا ً أو خطًأ‪ ،‬فمن هذه‬
‫نيته فإنه يحرم الوصول إلى العلم‪،‬نسأل الله العافية‪،‬لنه‬
‫يقصد من العلم إتباع الهوى‪.‬‬
‫وهذا الشتباه ل يكون على جميع الناس بدليلين‪ :‬أحدهما من‬
‫ن ك َث ِي ٌْر‬‫ه ّ‬‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ل َ ي َ ْ‬
‫س ( يعني كثيرا ً يعلمهن‪،‬والثاني من المعنى فلو‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كانت النصوص مشتبهة على جميع الناس‪ ،‬لم يكن القرآن‬
‫ل‪،‬وهذا متعذر وممتنع‪.‬‬ ‫بيانا ً ولبقي شيء من الشريعة مجهو ً‬
‫‪ 3.‬حكمة الله عّز وجل في ذكر المشتبهات حتى يتبين من‬
‫كان حريصا ً على طلب العلم ومن ليس بحريص‪.‬‬
‫‪ 4.‬أنه ل يمكن أن يكون في الشريعة مال يعلمه الناس‬
‫س(‪.‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َث ِي ٌْر ِ‬‫ه ّ‬ ‫م ُ‬‫عل َ ُ‬‫كلهم‪،‬لقوله‪ ) :‬ل َ ي ْ‬
‫‪5.‬الحث على اتقاء الشبهات‪ ،‬لكن هذا مشروط بما إذا قام‬
‫الدليل على الشبهة ‪ ،‬أما إذا لم يقم الدليل على وجود شبهة‬
‫اتقاء الشبهات كان ذلك وسواسا ً وتعمقًا‪ ،‬لكن إذا وجد ما‬
‫يوجب الشتباه فإن النسان مأمور بالورع وترك المشتبه‪،‬‬
‫مق‪.‬‬ ‫أما مال أصل له فإن تركه تع ّ‬
‫فالقاعدة‪ :‬أنه إذا وجد احتمال الشتباه فهنا إن قوي قوي‬
‫تركه‪ ،‬وإن ضعف ضعف تركه‪ ،‬ومتى لم يوجد احتمال أصل ً‬
‫مق في الدين المنهي عنه‪.‬‬ ‫فإن تركه من التع ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫‪6.‬أن الواقع في الشبهات واقع في الحرام‪ ،‬لقوله‪َ :‬‬
‫حَرام ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ِ‬ ‫في ال ّ‬
‫شب ُ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪7.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك بضرب‬
‫المثال المحسوسة لتتبين بها المعاني المعقولة‪ ،‬وهذا هو‬
‫َ‬
‫ك اْل ْ‬
‫مَثا ُ‬
‫ل‬ ‫وت ِل ْ َ‬‫طريقة القرآن الكريم‪،‬قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫ها إ ِّل ال ْ َ‬ ‫قل ُ َ‬
‫ع ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫س َ‬‫ها ِللّنا ِ‬
‫رب ُ َ‬
‫ض ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫مى ( إقراره‬ ‫ح َ‬‫ل ال ِ‬ ‫و َ‬ ‫ح ْ‬ ‫عى َ‬ ‫‪8.‬هل يؤخذ من قوله‪ ) :‬ي َْر َ‬
‫بالحمى؟‬

‫‪1‬‬
‫)العنكبوت‪(43:‬‬
‫‪56‬‬
‫والجواب‪ :‬أن هذا من باب الخبار والوقوع ‪ ،‬ول يدل على‬
‫حكم شرعي‪ .‬والنبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر الشياء‬
‫لوقوعها ل لبيان حكمها‪.‬‬
‫إذا ً هذا الحديث ل يدل على جواز الحمى لنه ضرب مثل‬
‫لواقع‪ .‬ولكن ل بأس أن نقول الحمى نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬حمى لمصالح المسلمين‪ ،‬فهذا جائز‬
‫ص به الحامي‪ ،‬فهذا حرام‪ ،‬لنه ليس له أن‬ ‫الثاني‪ :‬حمى يخت ّ‬
‫يختص فيما كان عامًا‪.‬‬
‫‪ 9.‬سد الذرائع‪ ،‬أي أن كل ذريعة توصل إلى محرم يجب أن‬
‫تغلق لئل يقع في المحّرم‪ .‬وسد الذرائع دليل شرعي‪ ،‬فقد‬
‫سّبوا‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫جاءت به الشريعة‪ ،‬ومن ذلك قول الله تعالى‪َ ( :‬‬
‫‪1‬‬
‫عل ْم ٍ(‬‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫دوا ً ب ِ َ‬‫ع ْ‬ ‫ه َ‬‫سّبوا الل ّ َ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ب الله‬ ‫ب آلهة المشركين لنها ذريعة إلى س ّ‬ ‫فنهى عن س ّ‬
‫ب بحق‪ ،‬وسب الله‬ ‫ب آلهة المشركين س ّ‬ ‫تعالى‪ ،‬مع أن س ّ‬
‫و بغير علم‪.‬‬ ‫تعالى عد ٌ‬
‫ن ل َك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫مل ِ ٍ‬‫ل َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫‪10.‬أن من عادة الملوك أن يحموا‪ ،‬لقوله‪ :‬أل َ َ‬
‫ى وقد سبق حكم ا لحمى آنفًا‪.‬‬ ‫حم ً‬ ‫ِ‬
‫‪11.‬تأكيد الجمل بأنواع المؤكدات إذا دعت الحاجة إلى هذا‪،‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬إن التأكيد فيه تطويل‪ ،‬فنقول‪ :‬التوكيد‬
‫تطويل‪ ،‬ولكن إذا دعت الحاجة صار من البلغة‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫أل‪ .. .‬أل ‪.‬‬
‫‪12.‬أن المدار في الصلح والفساد على القلب‪ ،‬إذا صلح صلح‬
‫الجسد كّله‪ ،‬وإذا فسد فسد الجسد كله‪.‬‬
‫هر قلبك من الشرك والبدع والحقد على المسلمين‬ ‫فط ّ‬
‫والبغضاء‪ ،‬وغير ذلك من الخلق أو العقائد المنافية‬
‫للشريعة‪ ،‬فإن القلب هو الصل‪.‬‬
‫‪13.‬في الحديث ردّ على العصاة الذين إذا نهوا عن المعاصي‬
‫قالوا‪ :‬التقوى هاهنا وضرب أحدهم على صدره‪ ،‬فاستدل‬
‫هَنا هو النبي‬ ‫ها ُ‬ ‫وى َ‬ ‫بحق على باطل‪ ،‬لن الذي قال‪ :‬الت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ومعناه في الحديث‪ :‬إذا اتقى ما هاهنا‬
‫اّتقت الجوارح‪ ،‬لكن هذا يقول‪ :‬التقوى هاهنا يعني أنه‬
‫سيعصي الله‪،‬والتقوى تكون في القلب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)النعام‪ :‬من الية ‪(108‬‬
‫‪57‬‬
‫والجواب عن هذا التشبيه والتلبيس سهل جدا ً بأن نقول‪:‬‬
‫لو صلح ما هاهنا‪ ،‬صلح ما هناك ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫د‬
‫س َ‬
‫ف َ‬‫ت َ‬ ‫سد َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ذا َ‬ ‫سدُ ك ُّله‪َ ،‬‬
‫وإ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ال َ‬‫صل َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صل َ َ‬‫ذا َ‬ ‫وسلم قال‪ ):‬إ ِ َ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫سدُ ك ُل ّ ُ‬‫ج َ‬ ‫ال َ‬
‫‪14.‬أن تدبير أفعال النسان عائد إلى القلب‪ ،‬لقوله‪ ) :‬إ ِ َ‬
‫ذا‬
‫ه (‪.‬‬ ‫سدُ ك ُل ّ ُ‬‫ج َ‬ ‫د ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ت َ‬
‫ف َ‬ ‫سد َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ذا َ‬‫وإ ِ َ‬
‫ه‪َ ،‬‬‫سدُ ك ُل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ال َ‬ ‫صل َ َ‬‫ت َ‬ ‫ح ْ‬‫صل َ َ‬‫َ‬
‫وهل في هذا دليل على أن العقل في القلب؟‬
‫والجواب‪ :‬نعم‪ ،‬فيه إشارة إلى أن العقل في القلب‪ ،‬وأن‬
‫المدبر هو القلب مع أن القرآن شاهد بهذا‪.‬‬
‫في اْل َ‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬أ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫سي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫فل َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫مى‬
‫ع َ‬
‫ها ل ت َ ْ‬‫فإ ِن ّ َ‬‫ها َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫عو َ‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذا ٌ‬‫وآ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب يَ ْ‬‫قُلو ٌ‬ ‫ُ‬
‫‪2‬‬
‫ر(‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫مى‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫اْل َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫ولكن كيف تعلقه بالقلب؟‬


‫الجواب‪ :‬هذا شيء ل ُيعلم‪ ،‬إنما نحن نؤمن بأن العقل في‬
‫القلب كما جاء في القرآن‪ ،‬لكننا ل نعلم كيف ارتباطه به‪،‬فل‬
‫كب قلب كافر برجل مسلم‪ ،‬أيكون هذا‬ ‫يرد علينا لو ُر ِ‬
‫المسلم كافرا ً أول‪ ،‬لننا ل ندري كيف تعلق العقل بالقلب‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)الحج‪(46:‬‬
‫‪58‬‬

‫الحديث السابع‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي ُر َ‬ ‫َ‬
‫ي رضي الله عنه أ ّ‬ ‫ر ّ‬‫دا ِ‬
‫س ال ّ‬‫و ٍ‬‫نأ ْ‬ ‫مْيم ب ْ ِ‬ ‫ة تَ ِ‬
‫قي ّ َ‬ ‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫قل َْنا‪:‬‬ ‫ة ُ‬ ‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬‫ن الن ّ ِ‬ ‫ل‪( :‬الدّي ْ ُ‬‫قا َ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫ه؟ َ‬ ‫سو َ‬
‫ولئ ِ ّ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ول ِ ِ‬‫س ْ‬
‫ه‪،‬ولكتابه‪ ،‬ول َِر ُ‬ ‫ل‪ :‬لل ِ‬‫قا َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ن َياَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫م) رواه مسلم‬ ‫ه ْ‬
‫مت ِ ِ‬‫عا ّ‬‫و َ‬‫ن‪َ ،‬‬ ‫مي ْ َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬

‫الشرح‬
‫ة هذه كنية بأنثى‪ ،‬والغالب أن الكنية‬ ‫ي ُر َ‬
‫قي ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫تكون بذكر‪ ،‬لكن قد تكون بأنثى ل سيما إذا اشتهر‪ ،‬وقد‬
‫ل‪ ،‬فأبو هريرة رضي الله‬ ‫تكون بغير النسان كأبي هريرة مث ً‬
‫عنه اشتهر بهذه الكنية من أجل أنه كان معه هرة ألفها‬
‫وألفته فكّني أبا هريرة‪.‬‬
‫ل من‬ ‫ة ( الدين‪ :‬مبتدأ والنصيحة خبر‪ ،‬وك ّ‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬‫ن الن ّ ِ‬
‫) الدّي ْ ُ‬
‫المبتدأ والخبر معرفة‪.‬‬
‫ة ( مثل قوله‪ :‬ما الدين إل النصيحة‪،‬‬‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬
‫ن الن ّ ِ‬ ‫فقوله‪ ) :‬الدّي ْ ُ‬
‫فإذا كان طرفا الجملة معرفتين كان ذلك من باب الحصر‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫ن ( يعني بذلك دين العمل‪ ،‬لن الدين ينقسم‬ ‫وقوله‪ ) :‬الدّي ْ ُ‬
‫وم ِ‬‫ك يَ ْ‬ ‫مال ِ ِ‬‫إلى قسمين‪:‬دين عمل ودين جزاء‪ .‬فقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن( )الفاتحة‪(4:‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫وَر ِ‬
‫المراد به‪ :‬دين الجزاء‪ ،‬وقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫دينا ً (‪ 1‬المراد به‪ :‬دين العمل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ة ( المراد به دين العمل‪،‬‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬ ‫ن الن ّ ِ‬‫وقوله هنا‪ ) :‬الدّي ْ ُ‬
‫والنصيحة بمعنى إخلص الشيء‪.‬‬
‫وأبهم النبي صلى الله عليه وسلم لمن تكون النصيحة من‬
‫أجل أن يستفهم الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك‪ ،‬لن‬
‫وقوع الشيء مجمل ً ثم مفصل ً من أسباب رسوخ العلم‪،‬لنه‬
‫إذا أتى مجمل ً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل‪ ،‬فيأتي‬
‫البيان والنفس متطلعة إلى ذلك متشوفة له‪،‬فيرسخ في‬
‫الذهن أكثر مما لوجاء البيان من أول مرة‪.‬‬
‫ة ( َثلث َا ً يعني قالها ثلثا ً‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬
‫ن الن ّ ِ‬ ‫و في بعض ألفاظه‪ ) :‬الدّي ْ ُ‬
‫الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‬
‫ه‪،‬‬‫ول ِ ِ‬
‫س ْ‬
‫ه‪،‬ولكتابه‪،‬ول َِر ُ‬ ‫ل‪ :‬لل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ه؟ َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َياَر ُ‬ ‫م ْ‬‫قل َْنا‪:‬ل ِ َ‬ ‫( ُ‬
‫م(‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫مت ِ ِ‬ ‫عا ّ‬
‫و َ‬‫ن‪َ ،‬‬ ‫مي ْ َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫م ِ‬
‫ولئ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫* النصيحة لله تتضمن أمرين‪:‬‬
‫الول‪:‬إخلص العبادة له‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته‪،‬‬
‫وأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫* والنصيحة لكتابه تتضمن أمورا ً منها‪:‬‬
‫ب عنه‪ ،‬بأن يذب النسان عنه تحريف المبطلين‪،‬‬ ‫الول‪ :‬الذ ّ‬
‫ويبّين بطلن تحريف من حّرف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تصديق خبره تصديقا ً جازما ً ل مرية فيه‪ ،‬فلو كذب‬
‫خبرا ً من أخبار الكتاب لم يكن ناصحًا‪ ،‬ومن شك فيه وتردد‬
‫لم يكن ناصحًا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬امتثال أوامره فما ورد في كتاب الله من أمر‬
‫فامتثله‪ ،‬فإن لم تمتثل لم تكن ناصحا ً له‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬اجتناب ما نهى عنه‪ ،‬فإن لم تفعل لم تكن ناصحًا‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن تؤمن بأن ما تضمنه من الحكام هو خير‬
‫الحكام‪ ،‬وأنه ل حكم أحسن من أحكام القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(3‬‬
‫‪60‬‬
‫السادس‪ :‬أن تؤمن بأن هذا القرآن كلم الله عّز وجل حروفه‬
‫ومعناه‪ ،‬تكلم به حقيقة‪ ،‬وتلقاه جبريل من الله عّز وجل‬
‫ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من‬
‫المنذرين بلسان عربي مبين‪.‬‬
‫* والنصيحة لرسوله تكون بأمور منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬تجريد المتابعة له‪ ،‬وأن ل تتبع غيره‪،‬لقول الله تعالى‪:‬‬
‫في رسول الل ّ ُ‬
‫جو‬‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ة لِ َ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وةٌ َ‬ ‫س َ‬‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫)ل َ َ‬
‫ً ‪1‬‬
‫ه ك َِثيرا (‬ ‫وذَك ََر الل ّ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م اْل ِ‬ ‫و َ‬‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ذب‪،‬‬ ‫ذب‪ ،‬ولم ُيك َ‬ ‫الثاني‪ :‬اليمان بأنه رسول الله حقًا‪ ،‬لم َيك ِ‬
‫فهو رسول صادق مصدوق‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تؤمن بكل ما أخبر به من الخبار الماضية‬
‫والحاضرة والمستقبلة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن تمتثل أمره‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن تجتنب نهيه‪.‬‬
‫ب عن شريعته‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬أن تذ ّ‬
‫السابع‪ :‬أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله فهو كما جاء‬
‫عن الله تعالى في لزوم العمل به‪ ،‬لن ما ثبت في السنة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫فهو كالذي جاء في القرآن ‪ .‬قال الله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن‬ ‫سو َ‬ ‫آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫م ْ‬ ‫ل ( وقال تعالى ) َ‬ ‫عوا الّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬
‫‪2‬‬
‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ع الل ّ َ‬
‫ه(‬
‫‪3‬‬
‫طا َ‬ ‫قد ْ أ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ع الّر ُ‬ ‫ي ُطِ ِ‬
‫الثامن‪ :‬نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حيا ً فمعه‬
‫وإلى جانبه‪ ،‬وإن كان ميتا ً فنصرة سنته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫مْين ( أئمة جمع إمام‪ ،‬والمام‪ :‬القدوة كما‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫( َ‬
‫م ْ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ولئ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ه( أي قدوة‪ ،‬ومنه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ة َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬
‫‪4‬‬
‫قاِنتا ل ِل ِ‬ ‫م ً‬ ‫نأ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ً ‪5‬‬
‫ماما (‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫عل َْنا ل ِل ْ ُ‬‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫قول عباد الرحمن‪َ ) :‬‬
‫وأئمة المسلمين صنفان من الناس‪:‬‬
‫الول‪ :‬العلماء‪ ،‬والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم علما ً وعبادة وأخلقا ً ودعوة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)الحزاب‪(21:‬‬
‫‪2‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(59‬‬
‫‪3‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(80‬‬
‫‪4‬‬
‫)النحل‪ :‬الية ‪(120‬‬
‫‪5‬‬
‫)الفرقان‪ :‬الية ‪(74‬‬
‫‪61‬‬
‫وهؤلء هم أولو المر حقيقة‪ ،‬لن هؤلء يباشرون العامة‪،‬‬
‫ويباشرون المراء‪ ،‬ويبينون دين الله ويدعون إليه‬
‫الصنف الثاني‪ :‬من أئمة المسلمين‪ :‬المراء المنفذون‬
‫لشريعة الله‪ ،‬ولهذا نقول‪ :‬العلماء مبينون‪ ،‬والمراء منفذون‬
‫يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عّز وجل في أنفسهم‬
‫وفي عباد الله‪.‬‬
‫ر منها‪:‬‬
‫* والنصيحة للعلماء تكون بأمو ٍ‬
‫سى به‪.‬‬ ‫الول‪ :‬محبتهم‪ ،‬لنك إذا لم تحب أحدا ً فإنك لن تتأ ّ‬
‫الثاني‪ :‬معونتهم ومساعدتهم في بيان الحق‪ ،‬فتنشر كتبهم‬
‫بالوسائل العلمية المتنوعة التي تختلف في كل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫ب عن أعراضهم‪ ،‬بمعنى أن ل تقّر أحدا ً على‬ ‫الثالث‪ :‬الذ ّ‬
‫د من‬‫غيبتهم والوقوع في أعراضهم‪،‬وإذا نسب إلى أح ٍ‬
‫العلماء الربانيين شيء ُيستنكر فعليك أن تتخذ هذه المراحل‪:‬‬
‫ه إليه‪ ،‬فكم من أشياء‬ ‫المرحلة الولى‪ :‬أن تتثبت من نسبت ِ‬
‫نسبت إلى عالم وهي كذب‪ ،‬فلبد أن تتأكد‪ ،‬فإذا تأكدت من‬
‫نسبة الكلم إليه فانتقل إلى المرحلة الثانية وهي‪:‬‬
‫أن تتأمل هل هذا محل انتقاد أم ل؟ لنه قد يبدو للنسان‬
‫في أول وهلة أن القول منتقد‪ ،‬وعند التأمل يرى أنه حق‪،‬‬
‫فلبد أن تتأمل حتى تنظر هل هو منتقد أو ل؟‬
‫ب‬‫المرحلة الثالثة‪ :‬إذا تبّين أنه ليس بمنتقد فالواجب أن تذ ّ‬
‫عنه وتنشر هذا بين الناس‪ ،‬وتبين أن ما قاله هذا العالم فهو‬
‫حق وإن خالف ما عليه الناس‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬إذا تبين لك حسب رأيك أن ما نسب إلى‬
‫العالم وصحت نسبته إليه ليس بحق‪،‬فالواجب أن تتصل بهذا‬
‫العالم بأدب ووقار‪،‬وتقول‪ :‬سمعت عنك كذا وكذا‪،‬وأحب أن‬
‫تبين لي وجه ذلك‪ ،‬لنك أعلم مني‪،‬فإذا بّين لك هذا فلك حق‬
‫المناقشة‪،‬لكن بأدب واحترام وتعظيم له بحسب مكانته‬
‫وبحسب ما يليق به‪.‬‬
‫وإذا رأيت منهم خطأ فل تسكت وتقول‪ :‬هذا أعلم مني‪ ،‬بل‬
‫تناقش بأدب واحترام‪ ،‬لنه أحيانا ً يخفى على النسان الحكم‬
‫فينبهه من هو دونه في العلم فيتنبه وهذا من النصيحة‬
‫للعلماء‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن تدلهم على خير ما يكون في دعوة الناس‪ ،‬فإذا‬
‫رأيت هذا العالم محبا ً لنشر العلم ويتكلم في كل مكان وترى‬
‫الناس يتثاقلونه ويقولون هذا أثقل علينا‪ ،‬كلما جلسنا قام‬
‫دث‪،‬فمن النصيحة لهذا العالم أن تشير عليه أن ل يتكلم‬ ‫يح ّ‬
‫إل فيما يناسب المقام‪ ،‬ل تقل‪:‬إني إذا قلت ذلك منعته من‬
‫نشر العلم‪ ،‬بل هذا في الواقع من حفظ العلم‪ ،‬لن الناس‬
‫إذا مّلوا سئموا من العالم ومن حديثه‪.‬‬
‫ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه‬
‫بالموعظة‪ ،‬يعني ل يكثر الوعظ عليهم مع أن كلمه صلى‬
‫الله عليه وسلم محبوب إلى النفوس لكن خشية السآمة‪،‬‬
‫والنسان يجب أن يكون مع الناس كالراعي يختار ما هو‬
‫أنفع وأجدى‪.‬‬
‫* والنصيحة للمراء تكون بأمور منها‪:‬‬
‫ل‪ :‬اعتقاد إمامتهم وإمرتهم‪ ،‬فمن لم يعتقد أنهم أمراء‬ ‫أو ً‬
‫فإنه لم ينصح لهم‪ ،‬لنه إذا لم يعتقد أنهم أمراء فلن يمتثل‬
‫أمرهم ولن ينتهي عما نهوا عنه‪ ،‬فل بد أن تعتقد أنه إمام أو‬
‫أنه أمير‪ ،‬ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية‪،‬‬
‫ومن تولى أمر المسلمين ولو بالغلبة فهو إمام‪،‬سواء كان‬
‫من قريش أومن غير قريش‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نشر محاسنهم في الرعية‪ ،‬لن ذلك يؤدي إلى محبة‬
‫الناس لهم‪ ،‬وإذا أحبهم الناس سهل انقيادهم لوامرهم ‪.‬‬
‫وهذا عكس ما يفعله بعض الناس حيث ينشر المعايب‬
‫ويخفي الحسنات‪ ،‬فإن هذا جوٌر وظلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه‪ ،‬إل إذا كان في‬
‫معصية الله عّز وجل لنه ل طاعة لمخلوق في معصية‬
‫الخالق‪ ،‬وامتثال طاعتهم عبادة وليست مجرد سياسة‪ ،‬بدليل‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أن الله تعالى أمر بها فقال عّز وجل‪َ ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ل وأولي المر منكم(‪.1‬‬ ‫سو َ‬ ‫أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫عوا الّر ُ‬
‫طي ُ‬
‫وأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ول يشترط في طاعتهم أل ّ يعصوا الله‪،‬فأطعهم فيما أمروا‬
‫به وإن عصوا الله‪ ،‬لنك مأمور بطاعتهم وإن عصوا الله في‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫]النساء‪[59:‬‬
‫‪63‬‬
‫رابعًا‪ :‬ستر معايبهم مهما أمكن‪ ،‬وجه هذا‪ :‬أنه ليس من‬
‫النصيحة أن تقوم بنشر معايبهم وليس معنى قولنا‪ :‬ستر‬
‫المعايب أن نسكت عن المعايب‪ ،‬بل ننصح المير مباشرة إن‬
‫تمكنا‪،‬وإل فبواسطة من يتصل به من العلماء وأهل الفضل‪.‬‬
‫ولهذا أنكر أسامة بن زيد رضي الله عنه على قوم يقولون‪:‬‬
‫أنت لم تفعل ولم تقل لفلن ولفلن يعنون الخليفة‪ ،‬فقال‬
‫كلما ً معناه‪) :‬أتريدون أن أحدثكم بكل ما أحدث به الخليفة(‬
‫فهذا ل يمكن‪.‬‬
‫فل يمكن للنسان أن يحدث بكل ما قال للمير‪ ،‬لنه إذا حدث‬
‫بهذا فإما أن يكون المير نفذ ما قال‪ ،‬فيقول الناس‪ :‬المير‬
‫خضع وذل‪ ،‬وإما أن ل ينفذ فيقول الناس‪ :‬عصى وتمّرد‪.‬‬
‫ولذلك من الحكمة إذا نصحت ولة المور أن ل تبين ذلك‬
‫للناس‪،‬لن في ذلك ضررا ً عظيمًا‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬عدم الخروج عليهم‪ ،‬وعدم المنابذة لهم‪ ،‬ولم يرخص‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في منابذتهم إل كما قال‪ ":‬أ ْ‬
‫روا " أي رؤية عين‪ ،‬أو رؤية علم متيقنة‪".‬‬ ‫تَ َ‬
‫حا ً " أي واضحا ً بّينًا‪.‬‬ ‫وا َ‬‫فَرا ً ب َ َ‬
‫" كُ ْ‬
‫ن "أي دليل قاطع‪.‬‬ ‫ها ٌ‬‫ه ب ُْر َ‬
‫ن الل ِ‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬‫في ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫عن ْدَك ُ ْ‬
‫" ِ‬
‫ثم إذا جاز الخروج عليهم بهذه الشروط فهل يعني ذلك أن‬
‫يخرج عليهم ؟ لن هناك فرقا ً بين جواز الخروج‪ ،‬وبين‬
‫وجوب الخروج‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬ل نخرج حتى ولو رأينا كفرا ً بواحا ً عندنا فيه من‬
‫الله برهان‪،‬إل حيث يكون الخروج مصلحة‪،‬وليس من‬
‫المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلحها قليل في وجه دولة‬
‫بقوتها وسلحها‪ ،‬لن هذا يترتب عليه إراقة الدماء واستحلل‬
‫الحرام دون ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به المراء‪،‬كما هو‬
‫مشاهد من عهد خروج الخوارج في زمن الخلفاء الراشدين‬
‫رضي الله عنهم إلى يومنا هذا‪،‬حيث يحصل من الشر‬
‫ب العباد‪.‬‬ ‫والمفاسد ما ل يعلمه إل ر ّ‬
‫لكن بعض الناس تتوقد نار الغيرة في قلوبهم ثم يحدثون ما‬
‫ل يحمد عقباه‪ ،‬وهذا غلط عظيم‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫م ( أي عوام المسلمين‪ ،‬والنصح لعامة‬ ‫ه ْ‬
‫مت ُ ُ‬
‫عا ّ‬
‫و َ‬
‫قال‪َ ) :‬‬
‫المسلمين بأن تبدي لهم المحبة‪ ،‬وبشاشة الوجه‪ ،‬وإلقاء‬
‫السلم‪ ،‬والنصيحة‪ ،‬والمساعدة ‪ ،‬وغير ذلك مما هو جالب‬
‫ع للمفاسد‪.‬‬ ‫للمصالح داف ٌ‬
‫واعلم أن خطابك للواحد من العامة ليس كخطابك للواحد‬
‫من المراء‪ ،‬وأن خطابك للمعاند ليس كخطابك للجاهل‪،‬‬
‫فلكل مقام مقال‪ ،‬فانصح لعامة المسلمين ما استطعت‪.‬‬
‫وبهذا نعرف أن هذا الحديث على اختصاره جامع لمصالح‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬أهمية النصيحة في هذه المواضع‪ ،‬وجه ذلك‪ :‬أن النبي‬
‫ة(‬
‫صْيح ُ‬‫ن الن ّ ِ‬‫صلى الله عليه وسلم جعلها الدين فقال‪ ) :‬الدّي ْ ُ‬
‫‪2.‬حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر‬
‫ة(‪.‬‬
‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬
‫ن الن ّ ِ‬ ‫الشيء مجمل ً ثم يف ّ‬
‫صله‪ ،‬لقوله‪) :‬الدّي ْ ُ‬
‫‪3.‬حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم‪ ،‬وأنهم لن‬
‫يدعوا شيئا ً يحتاج الناس إلى فهمه إل سألوا عنه‬
‫‪ 4.‬البداءة بالهم فالهم‪ ،‬حيث بدأ النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بالنصيحة لله‪ ،‬ثم للكتاب‪ ،‬ثم للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم لئمة المسلمين‪ ،‬ثم عامتهم‪.‬‬
‫وإنما قدم الكتاب على الرسول لن الكتاب يبقى‪ ،‬والرسول‬
‫يموت‪ ،‬على أن النصيحة للكتاب وللرسول متلزمان ‪.‬‬
‫‪ 5.‬وجوب النصيحة لئمة المسلمين‪ ،‬وذلك بما ذكرناه من‬
‫الوجوه بالنسبة للمراء‪ ،‬وبالنسبة للعلماء‪.‬‬
‫‪6.‬الشارة إلى أن المجتمع السلمي لبد له من إمام‪،‬‬
‫والمامة قد تكون عامة‪ ،‬وقد تكون خاصة‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫الحديث الثامن‬
‫قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫مَر َر ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن اب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬‫ه إ ِل ّ الل ُ‬ ‫ن ل َ إ ِل َ َ‬ ‫دوا أ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫قات ِ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫)أ ِ‬
‫َ‬
‫كاةَ َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ؤُتوا الّز َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫وا ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قي ْ ُ‬‫وي ُ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و ُ‬
‫س ْ‬ ‫مدَا ً َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سلم ِ‬ ‫ق ال ِ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫م إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال َ ُ‬‫م َ‬‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫مّني ِد َ‬ ‫موا ِ‬ ‫ص ُ‬‫ع َ‬ ‫ك َ‬ ‫عُلوا ذَل ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫عاَلى( رواه البخاري ومسلم‬ ‫عَلى الل ِ‬
‫ه تَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ساب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬

‫الشرح‬
‫ُ‬
‫ه‪ ،‬لن الفاعل معلوم و هو‬ ‫ت ( بالبناء لما لم يس ّ‬
‫م فاعل ُ‬ ‫مْر ُ‬
‫(أ ِ‬
‫الله عّز وجل‪ ،‬وإبهام المعلوم سائغ لغة واستعمال ً سواء‪:‬‬
‫في المور الكونية‪ .‬أو في المور الشرعية‪.‬‬
‫ت ( أي أمرني ربي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬‫وقوله‪ ):‬أ ِ‬
‫والمُر‪ :‬طلب الفعل على وجه الستعلء‪ ،‬أي أن المر أو‬
‫طالب الفعل يرى أنه في منزلة فوق منزلة المأمور‪ ،‬لنه لو‬
‫أمر من يساويه سمي عندهم التماسًا‪ ،‬ولو طلب ممن فوقه‬
‫سمي دعاءً وسؤا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫س ( هذا المأمور به‪.‬‬
‫ل الّنا َ‬ ‫ن أُ َ‬
‫قات ِ َ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪ ) :‬أ ْ‬
‫والمقاتلة غير القتل‪.‬‬
‫‪ -‬فالمقاتلة‪ :‬أن يسعى في جهاد العداء حتى تكون كلمة‬
‫الله هي العليا‪.‬‬
‫‪-‬والقتل‪ :‬أن يقتل شخصا ً بعينه‪ ،‬ولهذا نقول‪ :‬ليس كل ما‬
‫جازت المقاتلة جاز القتل‪ ،‬فالقتل أضيق ول يجوز إل‬
‫بشروط معروفة‪ ،‬والمقاتلة أوسع‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى‪) :‬‬
‫قت َت َُلوا َ َ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬
‫حوا ب َي ْن َ ُ‬
‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫نا ْ‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫فَتا ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫‪66‬‬
‫فيءَ‬
‫حّتى ت َ ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ْ ِ‬
‫غي َ‬ ‫ف َ‬ ‫عَلى اْل ُ ْ‬
‫خَرى َ‬ ‫ما َ‬
‫ه َ‬
‫دا ُ‬
‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫غ ْ‬
‫بَ َ‬
‫ر الّله( ‪1‬فأمر بقتالها وهي مؤمنة ليحل قتلها ول‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫إ َِلى أ ْ‬
‫يباح دمها لكن من أجل الصلح‪.‬‬
‫وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ولكن‬
‫ليقتلهم‪ ،‬بل قاتلهم حتى يذعنوا للحق ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه إ ِل ّ الله ( )حتى( هل هي للتعليل‬ ‫ن ل َ إ ِل َ َ‬ ‫دوا أ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫) َ‬
‫بمعنى أن أقاتل ليشهدوا‪ ،‬أو هي للغاية بمعنى أقاتلهم إلى‬
‫أن يشهدوا؟‬
‫والجواب‪ :‬هي تحتمل أن تكون للتعليل ولكن الثاني أظهر‪،‬‬
‫يعني أقاتلهم إلى أن يشهدوا‪.‬‬
‫و)حتى( تأتي للتعليل وتأتي للغاية‪،‬‬
‫َ‬
‫ن ل َ إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ الله ( أي حتى يشهدوا‬ ‫دوا أ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫( َ‬
‫بألسنتهم وبقلوبهم‪ ،‬لكن من شهد بلسانه عصم دمه وماله‪،‬‬
‫وقلبه إلى الله عّز وجل‪.‬‬
‫َ‬
‫ق إل الله عّز وجل‪ ،‬فهو‬ ‫ه إ ِل ّ الله ( أي ل معبود ح ّ‬ ‫ن ل َ إ ِل َ َ‬ ‫(أ ْ‬
‫ق‪ ،‬وما سواه فعبادته باطلة‪.‬‬ ‫الذي عبادته ح ّ‬
‫ه ( محمد‪ :‬هو ابن عبد الله‪ ،‬وأبرز‬ ‫و ُ‬ ‫ً‬ ‫(و أ َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ْ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫د‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫اسمه ولم يقل‪ :‬وأني رسول الله للتفخيم والتعظيم‪.‬‬
‫ورسول الله‪ :‬يعني مرسله‪.‬‬
‫ة ( أي يفعلوها قائمة وقويمة على ماجاءت‬ ‫صل َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫( َ‬
‫به الشريعة‪ .‬والصلة هنا عامة‪ ،‬لكن المراد بها الخاص‪ ،‬وهي‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬ولهذا لو تركوا النوافل فل يقاتلون ‪.‬‬
‫قها‪ .‬والزكاة‪ :‬هي‬‫ة ( أي يعطوها مستح ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ؤُتوا الّز َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫( َ‬
‫النصيب المفروض في الموال الزكوية‪.‬‬
‫ك ( أي شهدوا أن ل إله إل الله‪ ،‬وأن محمدا ً‬ ‫عُلوا ذَل ِ َ‬ ‫ف َ‬‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫( َ‬
‫رسول الله‪ ،‬وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة‪.‬‬
‫موا ( أي منعوا‪.‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ع َ‬ ‫( َ‬
‫َ‬
‫هم ( أي فل يحل أن أقاتلهم وأستبيح‬ ‫وال َ ُ‬ ‫م َ‬‫وأ ْ‬ ‫هم َ‬ ‫ماء َ‬ ‫مّني ِد َ‬ ‫( ِ‬
‫دماءهم‪ ،‬ول أن أغنم أموالهم‪ ،‬لنهم دخلوا في السلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)الحجرات‪ :‬الية ‪(9‬‬
‫‪67‬‬
‫سلم ِ ( هذا استثناء لكنه استثناء عام‪ ،‬يعني‪ :‬إل‬ ‫ق ال ِ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫(إ ِل ّ ب ِ َ‬
‫أن تباح دماؤهم وأموالهم بحق السلم‪ ،‬مثل‪ :‬زنا الثّيب‪،‬‬
‫والقصاص وما أشبه ذلك‪ ،‬يعني‪ :‬إل بحق يوجبه السلم‪.‬‬
‫عاَلى ( أي محاسبتهم على العمال‬ ‫عَلى الل ِ‬
‫ه تَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ساب ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫و ِ‬‫( َ‬
‫على الله تعالى‪ ،‬أما النبي صلى الله عليه وسلم فليس عليه‬
‫إل البلغ‪.‬‬
‫ل وقاعدةٌ في جواز مقاتلة الناس‪،‬وأنه ل‬ ‫فهذا الحديث أص ٌ‬
‫يجوز مقاتلتهم إل بهذا السبب‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد مأمور يوجه إليه المر‬
‫ت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬
‫جه إلى غيره لقوله‪ :‬أ ِ‬ ‫كما يو ّ‬
‫‪2.‬جواز إبهام المعلوم إذا كان المخاطب يعلمه‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫ت فأبهم المر لن المخاطب يعلم ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬ ‫أ ِ‬
‫‪3.‬وجوب مقاتلة الناس حتى يقوموا بهذه العمال‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬لماذا ل يكون المر للستحباب؟‬
‫والجواب‪ :‬ل يكون للستحباب‪،‬لن هذا فيه استباحة محّرم‪،‬‬
‫واستباحة المحّرم لتكون إل لقامة واجب‪.‬‬
‫‪4.‬وجوب شهادة أن ل إله إل الله بالقلب واللسان‪ ،‬فإن‬
‫أبداها بلسانه ولندري عما في قلبه أخذنا بظاهره ووكلنا‬
‫ف عنه حتى يتبين منه‬ ‫سريرته إلى الله عّز وجل ووجب الك ّ‬
‫ما يخالف ذلك‪ ،‬ول يجوز أن نتهمه‬
‫‪5.‬أنه لبد أن يعتقد النسان أن ل معبود حق إل الله‪ ،‬فل‬
‫يكفي أن يعتقد أن الله معبود بحق‪ ،‬لنه إذا شهد أن الله‬
‫تعالى معبود بحق لم يمنع أن غيره يعبد بحق أيضًا‪ .‬فل يكون‬
‫التوحيد إل بنفي وإثبات‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬نفي اللوهية عما‬
‫سوى الله وإثباتها لله عّز وجل‪.‬‬
‫‪6.‬أن المقاتلة ل ترتفع إل بشهادة أن محمدا ً رسول الله‪،‬‬
‫وأما الدخول في السلم فيكون بشهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫لكن لو شهدت طائفة أن ل إله إل الله وأبت أن تشهد أن‬
‫محمدا ً رسول الله فإنها تقاتل‪.‬‬
‫‪ 7.‬وجوب إقامة الصلة‪ ،‬لنه إذا لم يقمها فإنه ل يمتنع‬
‫قتاله‪ ،‬بل قد قال الفقهاء ‪ -‬رحمهم الله ‪ُ -‬يقاَتل أهل بلد‬
‫تركوا الذان والقامة وإن صلوا‪ ،‬لن الذان والقامة من‬
‫‪68‬‬
‫شعائر الدين الظاهرة‪ ،‬فإذا قال قوم‪ :‬نحن ل نؤذن ول نقيم‬
‫ولكن نصلي‪ ،‬وجب أن يقاتلوا‪.‬‬
‫‪8.‬وجوب إيتاء الزكاة‪ ،‬لنها جزء مما يمنع مقاتلة الناس‪.‬‬
‫ي‬‫من ّ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ع َ‬
‫‪10.‬أن الكفار تباح دماؤهم وأموالهم‪ ،‬لقوله‪َ :‬‬
‫هم َ‬
‫م فيقتلون‪ ،‬أو يؤسرون حسب ما تقتضيه‬ ‫وال َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫وأ ْ‬
‫ماءَ ُ ْ َ‬ ‫ِد َ‬
‫الحال‪ ،‬وتغنم أموالهم‪.‬‬
‫‪11.‬أنه قد يستباح الدم والمال بحق السلم وإن لم يكن من‬
‫ر‬
‫هذه المذكورات التي في الحديث‪ ،‬وقد نوقش أبو بك ٍ‬
‫صديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة فأجاب‪ :‬بأن‬ ‫ال ّ‬
‫الزكاة حق المال‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إ ِل ّ‬
‫سلم ِ وقال رضي الله عنه‪ :‬والله لو منعوني عناقا ً ‪-‬‬ ‫ق ال ِ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫بِ َ‬
‫أو قال‪ :‬عقال ً ‪ -‬كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لقاتلتهم على ذلك‪.‬‬
‫وأسباب إباحة القتل في السلم ليس هذا موضع‬
‫بسطها‪،‬لكنها معلومة بالتتّبع‪.‬‬
‫‪12.‬أن حساب الخلق على الله عّز وجل‪ ،‬وأنه ليس على‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم إل البلغ‪ ،‬وكذلك ليس على‬
‫من ورث الرسول إل البلغ‪ ،‬والحساب على الله عّز وجل‪.‬‬
‫فل تحزن أيها الداعي إلى الله إذا لم تقبل دعوتك‪ ،‬فإذا‬
‫ديت ما يجب عليك فقد برئت الذمة والحساب على الله‬ ‫أ ّ‬
‫تعالى‪،‬‬
‫ولكن اعلم أنك إذا قلت حقا ً تريد به وجه الله فلبد أن يؤثر‪،‬‬
‫حتى لو رد أمامك فلبد أن يؤثر‪ ،‬والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث التاسع‬
‫عاَلى‬ ‫عن أ َ‬
‫ي الله ت َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ر َر ِ‬ ‫خ ٍ‬
‫ص ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫ه فأُتوا ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫مْرت ُك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬‫جت َن ُِبوهُ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫هي ْت ُك ُ ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ل‪َ ) :‬‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫سائ ِل ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫م ك َث َْرةُ َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ذي ْ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫هل َ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫م؛ َ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫َ‬
‫م( رواه البخاري ومسلم‬ ‫َ‬ ‫م َ َ‬ ‫خِتل ُ‬
‫ه ْ‬ ‫على أن ْب َِيائ ِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫‪69‬‬
‫الشرح‬
‫أكثر الّناس ل يعرفون اسم أبي هريرة رضي الله عنه‪،‬ولهذا‬
‫ح القوال وأقربها‬ ‫وقع الخلف في اسم راوي الحديث‪،‬وأص ّ‬
‫للصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله أن اسمه‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن صخر‪ .‬وكّني بأبي هريرة لنه كان معه هّرة‬
‫قد ألفها وألفته‪ ،‬فلمصاحبتها إّياه ك ُّني بها‪.‬‬
‫ف على‬ ‫ه ( النهي‪ :‬طلب الك ّ‬ ‫جت َن ُِبو ُ‬‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫هي ْت ُك ُ ْ‬
‫ما ن َ َ‬ ‫قوله‪َ ) :‬‬
‫وجه الستعلء‪ ،‬يعني أن يطلب منك من هو فوقك ‪ -‬ولو‬
‫ف‪ ،‬فهذا نهي‪.‬‬ ‫باعتقاده ‪ -‬أن تك ّ‬
‫ف على وجه‬ ‫ولهذا قال أهل أصول الفقه‪ :‬النهي طلب الك ّ‬
‫الستعلء ولو حسب دعوى الناهي‪ ،‬يعني وإن لم يكن عاليا ً‬
‫على المنهي‪.‬‬
‫ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى مّنا حقيقة‪.‬‬
‫ه ( الجملة شرطية‪ ،‬فـ‪) :‬ما( اسم‬ ‫و ُ‬ ‫جت َن ِب ُ ْ‬‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫هي ْت ُك ُ ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫) َ‬
‫ه( جواب‬ ‫و ُ‬
‫جت َن ِب ُ ْ‬‫فا ْ‬ ‫شرط‪ ،‬و‪) :‬نهيتكم( فعل الشرط‪ ،‬و‪َ ) :‬‬
‫الشرط‪،‬‬
‫والمعنى أي ابتعدوا عنه‪ ،‬فكونوا في جانب وهو في جانب‪.‬‬
‫(وما أ َمرت ُك ُم به َ ْ‬
‫م (هذه الجملة أيضا ً‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫فأت ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫شرطية‪ ،‬فعل الشرط فيها‪) :‬أمرتكم به( وجوابه‪) :‬فأتوا منه‬
‫ما استطعتم( يعني افعلوا منه ما استطعتم‪ ،‬أي ما قدرتم‬
‫عليه‪.‬‬
‫والفرق بين المنهيات والمأمورات‪ :‬أن المنهّيات قال فيها‪:‬‬
‫جت َن ُِبوهُ ولم يقل ما استطعتم‪ ،‬ووجهه‪ :‬أن النهي كف‬ ‫َ‬
‫فا ْ‬
‫وكل إنسان يستطيعه‪ ،‬وأما المأمورات فإنها إيجاد قد‬
‫ما‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫يستطاع وقد ل يستطاع‪ ،‬ولهذا قال في المر‪ :‬فأُتوا ِ‬
‫م‬ ‫طعت ُ ْ‬ ‫است َ َ‬
‫ما ( )إن( للتوكيد‪ ،‬و)ما( اسم موصول بدليل قوله‪:‬‬ ‫فإ ِن ّ َ‬‫( َ‬
‫)كثرة( على أنها خبر )إن( أي فإن الذي أهلك الذين من‬
‫قبلكم كثرة مسائلهم‪ .‬ويجوز أن تجعل )إنما( أداة حصر‪،‬‬
‫ويكون المعنى‪ :‬ما أهلك الذين من قبلكم إل كثرة مسائلهم‪.‬‬
‫م ( يشمل اليهود والنصارى‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي ْ َ‬‫وقوله‪ ) :‬ال ّ ِ‬
‫وغيرهم‪ ،‬والمتبادر أنهم اليهود والنصارى‪ ، ،‬فإن نظرنا إلى‬
‫‪70‬‬
‫م جميع المم‪ ،‬وإن‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫العموم قلنا المراد بقوله‪ِ :‬‬
‫نظرنا إلى قرينة الحال قلنا المراد بهم‪ :‬اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫واليهود أشدّ في كثرة المساءلة التي يهلكون بها‪،‬‬
‫م ( جمع مسألة وهي‪ :‬ما ُيسأل عنه‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫سائ ِ َل ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة َ‬ ‫وقوله‪ ) :‬ك َث َْر ُ‬
‫م ( يعني وأهلكهم اختلفهم‪،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫م َ َ‬ ‫خِتل ُ‬
‫على أن ْب َِيائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وا ْ‬
‫( َ‬
‫م ( وذلك بالمعارضة والمخالفة‪ ،‬وفي‬ ‫ه ْ‬ ‫وقوله‪َ َ ):‬‬
‫على أن ْب َِيائ ِ ِ‬
‫الحديث قال‪ ):‬اختلفهم على أنبيائهم ( ولم يقل‪:‬عن‬
‫أنبيائهم‪ ،‬لن كلمة )على( تفيد أن هناك معارضة للنبياء‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ف عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫‪1.‬وجوب الك ّ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫جت َن ُِبو ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هي ْت ُك ُ ْ‬‫ما ن َ َ‬ ‫لقوله‪َ ):‬‬
‫‪2.‬أن المنهي عنه يشمل القليل والكثير‪ ،‬لنه ل يتأّتى‬
‫اجتنابه إل باجتناب قليله وكثيرة ‪.‬‬
‫ف أهون من الفعل‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه‬ ‫‪3.‬أن الك ّ‬
‫ف سهل‪.‬‬ ‫وسلم أمر في المنهيات أن ُتجتنب كّلها‪،‬لن الك ّ‬
‫فإن قال قائل‪:‬يرد على هذا إباحة الميتة والخنزير للمضطر‪،‬‬
‫وإذا كان مضطرا ً لم يجب الجتناب؟‬
‫فالجواب عن هذا أن نقول‪ :‬إذا وجدت الضرورة ارتفع‬
‫ل‪ ،‬ولهذا كان من قواعد أصول الفقه‪:‬‬ ‫الّتحريم‪ ،‬فل تحريم أص ً‬
‫)ل محرم مع الضرورة‪ ،‬ول واجب مع العجز( إذا ً هذا اليراد‬
‫غير وارد‪.‬‬
‫فلو قال لنا قائل‪) :‬فاجتنبوه( عام فيشمل اجتناب أكل‬
‫الميتة عند الضرورة‪.‬‬
‫هل يجوز فعل المحّرم عند الضرورة أم ل؟‬
‫ما‬
‫م َ‬‫ل ل َك ُ ْ‬‫ص َ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ف ّ‬ ‫و َ‬
‫والجواب‪ :‬أنه يجوز لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ه(‬ ‫م إ ِل َي ْ ِ‬
‫‪1‬‬
‫رْرت ُ ْ‬‫ضطُ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬‫حّر َ‬
‫َ‬
‫وإذا اضطر شخص إلى محّرم فهل له أن يزيد على قدر‬
‫الضرورة؟ بمعنى‪ :‬إذا حل له أكل الميتة فهل له أن يشبع‪ ،‬أو‬
‫نقول له‪ :‬اقتصر على ما تبقى به الحياة فقط؟‬
‫والجواب‪ :‬ذكر بعض العلماء‪ :‬أنه يجب أن يقتصر على ما‬
‫تبقى به الحياة فقط‪ ،‬ول يشبع‪ .‬والصحيح التفصيل في هذا‪:‬‬
‫فإن كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيحصل على شيء‬
‫‪1‬‬
‫)النعام‪ :‬الية ‪(119‬‬
‫‪71‬‬
‫مباح قريبا ً فليس له أن يشبع إل إذا كان معه شيء يحفظ به‬
‫اللحم إن احتاجه أكله فهنا ل حاجة للشبع‪ ،‬بل يكون بقدر ما‬
‫تندفع به الضرورة‪.‬‬
‫* وما هي الضرورة إلى المحّرم؟‬
‫الضرورة إلى المحرم هي‪ :‬أن ل يجد سوى هذا المحّرم‪ ،‬وأن‬
‫تندفع به الضرورة‪،‬وعلى هذا فإذا كان يجد غير المحّرم فل‬
‫ضرورة‬
‫‪ -‬والدواء بالمحّرم ل يمكن أن يكون ضرورة لسببين‪:‬‬
‫ل‪ :‬لنه قد يبرأ المريض بدون دواء‪ ،‬وحينئذ ل ضرورة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ذ ل تندفع‬ ‫ثانيًا‪ :‬قد يتداوى به المريض ول يبرأ‪ ،‬وحينئ ٍ‬
‫الضرورة به‪،‬‬
‫‪-4.‬أنه ل يجب من فعل المأمور إل ما كان مستطاعًا‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫) وما َأمرت ُك ُم بهِ َ ْ‬
‫م(‬ ‫عت ُ ْ‬‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فأُتوا ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هل هذه الجملة تفيد التسهيل‪ ،‬أو التشديد‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫م(‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫ونظيرها قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫فالجواب‪ :‬لها وجهان‪ :‬فقد يكون المعنى‪ :‬لبد أن تقوموا‬
‫بالواجب بقدر الستطاعة وأن ل تتهاونوا مادمتم‬
‫مستطيعين‪.‬‬
‫ويحتمل أن المعنى‪ :‬ل وجوب إل مع الستطاعة‪ ،‬وهذا يؤيده‬
‫ها(‬‫ع َ‬‫س َ‬
‫و ْ‬ ‫فسا ً إ ِّل ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬‫قوله تعالى‪) :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫‪2‬‬

‫م‬ ‫ما است َطَ ْ‬


‫عت ُ ْ‬ ‫‪5.‬أن النسان له استطاعة وقدرة ‪ ،‬لقوله‪َ :‬‬
‫فيكون فيه رد على الجبرية الذين يقولون إن النسان ل‬
‫استطاعة له‪ ،‬لنه مجبر على عمله‬
‫‪6.‬أن النسان إذا لم يقدر على فعل الواجب كله فليفعل ما‬
‫استطاع‪.‬‬
‫‪7.‬ل ينبغي للنسان إذا سمع أمر الرسول صلى الله عليه‬
‫فأ ُْتوا‬‫ب؟ لقوله‪َ ) :‬‬ ‫وسلم أن يقول‪ :‬هل هو واجب أم مستح ّ‬
‫م ( ول تستفصل‪ ،‬فأنت عبد منقاد لمر الله‬ ‫ما است َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫عّز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)التغابن‪ :‬الية ‪(16‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(286‬‬
‫‪72‬‬
‫لكن إذا وقع العبد وخالف فله أن يستفصل في أمره‪،‬لنه إذا‬
‫كان واجبا ً فإنه يجب عليه التوبة‪ ،‬وإذا كان غير واجب‬
‫فالتوبة ليست واجبة‪.‬‬
‫‪8.‬أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه فإنه‬
‫فيعمل‬‫شريعة‪ ،‬سواء كان ذلك في القرآن أم لم يكن‪ُ ،‬‬
‫بالسنة الزائدة على القرآن أمرا ً أو نهيًا‪.‬‬
‫‪9.‬أن كثرة المسائل سبب للهلك ولسّيما في المور التي ل‬
‫يمكن الوصول إليها مثل مسائل الغيب كأسماء الله وصفاته‪،‬‬
‫وأحوال يوم القيامة‪،‬ل تكثر السؤال فيها فتهلك‪،‬وتكون‬
‫مقًا‪.‬‬
‫طعا ً متع ّ‬
‫متن ّ‬
‫وأما ما يحتاج الناس إليه من المسائل الفقهية فل حرج من‬
‫السؤال عنها مع الحاجة لذلك‪ ،‬فإن كان طالب علم فليسأل‬
‫وليبحث‪ ،‬لن طالب العلم مستعدٌ لفتاء من يستفتيه‪ .‬أما إذا‬
‫كان غير طالب علم فل يكثر السؤال‪.‬‬
‫‪10.‬أن المم السابقة هلكوا بكثرة المساءلة‪ ،‬وهلكوا بكثرة‬
‫الختلف على أنبيائهم‪.‬‬
‫‪11.‬التحذير من الختلف على النبياء‪ ،‬وأن الواجب على‬
‫المسلم أن يوافق النبياء عليهم الصلة والسلم وأن‬
‫يعتقدهم أئمة وأنهم عبيد من عباد الله‪ ،‬أكرمهم الله تعالى‬
‫بالرسالة‪،‬وأن خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أرسله إلى جميع الناس‪،‬وشريعته هي دين السلم‬
‫د دينا ً‬
‫الذي ارتضاه الله تعالى لعباده‪،‬وأن الله ليقبل من أح ٍ‬
‫م(‪ .1‬والله‬ ‫ه اْل ِ ْ‬
‫سل ُ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬
‫ن ِ‬
‫دي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫سواه‪،‬قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫الموفق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)آل عمران‪ :‬الية ‪(19‬‬
‫‪73‬‬

‫الحديث العاشر‬
‫ل‬‫و ُ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫عا‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫عن أ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬
‫مَر‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ل إ ِل ّ طَي ّب َا ً َ‬ ‫ب ل َ يَ ْ‬
‫قب َ ُ‬ ‫عاَلى طَي ّ ٌ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫الل ِ‬
‫ل‬‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫ها الّر ُ‬ ‫ل ‪َ ) :‬يا أي ّ َ‬ ‫سل ِي ْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫مَر ب ِ ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫من ِي ْ َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫صاِلحا ً ( )المؤمنون‪ :‬الية ‪، (51‬‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ع َ‬‫وا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الطّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُُلوا ِ‬
‫َ‬
‫م(‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن طَي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ك ُُلوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ل‪َ ) :‬يا أي ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫ع َ‬ ‫ش َ‬ ‫فَر أ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل ي ُطِي ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م ذَكَر الّر ُ‬ ‫)البقرة‪ :‬الية ‪ (172‬ث ُ ّ‬
‫ه‬‫م ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫مطْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫ب َيا َر ّ‬ ‫ماءِ‪َ ،‬يا َر ّ‬ ‫س َ‬ ‫ه إ َِلى ال ّ‬ ‫مدّ ي َدَي ْ ِ‬ ‫غب ََر‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫غذي بالحرام َ َ‬
‫ب لذلك(‬ ‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فأّنى ي ُ ْ‬ ‫و ُ ِ َ ِ َ َ ِ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫شَرب ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫مسلم‪.‬‬ ‫رواه‬

‫الشرح‬
‫ب ( كلمة طيب بمعنى طاهر منّزه عن‬ ‫عاَلى طَي ّ ٌ‬ ‫ه تَ َ‬‫ن الل َ‬ ‫) إِ ّ‬
‫النقائص‪،‬ل يعتريه الخبث بأي حال من الحوال‪ ،‬فهو عّز‬
‫وجل طيب في ذاته‪ ،‬وفي أسمائه‪ ،‬وفي صفاته‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه‪ ،‬وفي أفعاله‪ ،‬وفي كل ما يصدر منه‪ ،‬وليس فيها‬
‫رديء بأي وجه‪.‬‬
‫ل إ ِل ّ طَي ّب َا ً ( فهو سبحانه وتعالى‪ ،‬ل يقبل إل الطيب‬ ‫(ل َ ي َ ْ‬
‫قب َ ُ‬
‫من القوال‪ ،‬والعمال وغيرها‪ ،‬وكل رديء فهو مردودٌ عند‬
‫الله عّز وجل‪ ،‬فل يقبل الله إل الطيب‬
‫طيب من العمال‪ :‬ما كان خالصا ً لله‪ ،‬موافقا ً للشريعة‪.‬‬ ‫فال ّ‬
‫والطيب من الموال‪ :‬ما اكتسب عن طريق حلل‪ ،‬وأما ما‬
‫رم فإنه خبيث‪.‬‬ ‫اكتسب عن طريق مح ّ‬
‫عَلي ً‬ ‫َ‬ ‫) وإ َن الل َ‬
‫ة‬ ‫ن ( تَ ْ‬ ‫سل ِي ْ َ‬
‫مْر َ‬
‫ه ال ُ‬
‫مَر ب ِ ِ‬
‫ما أ َ‬
‫نب َ‬‫مِني َ‬‫مؤ ِ‬‫مَر ال ُ‬
‫هأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫جه إليهم ما أمر به‬ ‫ل أن يو ّ‬ ‫لشأن المؤمنين‪ ،‬وأنهم أه ٌ‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ها الّر ُ‬ ‫الرسل‪ ،‬فقال عّز وجل في أمر المرسلين‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫‪74‬‬
‫صاِلحا ً (‪ 1‬فأمر الرسل أن يأكلوا‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ع َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الطّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُُلوا ِ‬
‫من الطيبات وهي التي أحلها الله عّز وجل‪ ،‬واكتسبت عن‬
‫طريق شرعي‪.‬‬
‫حا ً ( أي اعملوا عمل ً صالحًا‪.‬‬ ‫صال َ‬ ‫وا َ‬ ‫مل ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫وا ْ‬ ‫) َ‬
‫فأمرهم بالكل الذي به قوام البدن‪ ،‬ثم أمرهم بالعمل الذي‬
‫حا ً ( وصالح‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ع َ‬‫وا ْ‬ ‫يكون نتيجة للكل‪ ،‬لكنه قال‪َ ) :‬‬
‫العمل هو ما جمع بين‪ :‬الخلص والمتابعة‪.‬‬
‫مُنوا ك ُُلوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى في أمر المؤمنين‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م (‪ 2‬كما قال للرسل‪) :‬ك ُُلوا ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن طَي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م( فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين‪.‬‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫طَي َّبا ِ‬
‫إذا ً نقول‪ :‬المؤمنون مأمورون بالكل من الطيبات‪،‬‬
‫والمرسلون كذلك مأمورون بالكل من الطيبات‪.‬‬
‫ه إ َِلى‬ ‫مدّ ي َدَي ْ ِ‬ ‫غب ََر ي َ ُ‬ ‫ث أَ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ش َ‬ ‫فَر أ َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل ي ُطِي ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م ذَك ََر الّر ُ‬ ‫) ثُ ّ‬
‫ب ‪ ( ...‬يعني ضرب النبي صلى الله عليه‬ ‫ب َيا َر ّ‬ ‫ء َيا َر ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ر" والسفر من أسباب‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫وسلم مثل ً لهذا الرجل‪" :‬ي ُطِي ْ ُ‬
‫إجابة الدعاء‪ ،‬ولسيما إذا أطاله‪.‬‬
‫ر ( يعني أشعث في شعره أغبر من التراب‪ ،‬أي‬ ‫غب َ َ‬ ‫عث أ َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫) أَ ْ‬
‫أنه ل يهتم بنفسه بل أهم شيء عنده الدعاء‪.‬‬
‫ماء ( ومد اليدين إلى السماء من أسباب‬ ‫س َ‬ ‫ه إ َِلى ال ّ‬ ‫مدّ ي َدَي ْ ِ‬ ‫) يَ ُ‬
‫م‬‫ري ْ ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬ ‫حي ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬
‫َ‬
‫إجابة الدعاء‪،‬كما جاء في الحديث‪ " :‬إ ّ‬
‫را ً " ‪.‬‬‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫ن ي َُردّ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ ِ‬‫ع َيدي ْ ِ‬ ‫ذا َرف َ‬ ‫ه إِ َ‬ ‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫حي ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب ( نداء بوصف الربوبية‪،‬لن ذلك وسيلة لجابة‬ ‫ب َيا َر ّ‬ ‫) َيا َر ّ‬
‫الدعاء‪ ،‬إذ إن إجابة الدعاء من مقتضيات الربوبية‪.‬‬
‫م ( يعني طعامه الذي يأكله حرام‪ ،‬أي حرام‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫مطْ َ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫لذاته أو لكسبه‪.‬‬
‫م ( يعني شربه الذي يشربه حرام‪ ،‬إما لذاته‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫مشَرب ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫أو لكسبه‪.‬‬
‫ذى بالحرام الحاصل من فعل‬ ‫رام ِ ( يعني أنه تغ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ي بال َ‬ ‫ذ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫)و ُ‬
‫غيره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)المؤمنون‪ :‬الية ‪(51‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(172‬‬
‫‪75‬‬
‫فأ َّنى ( اسم استفهام‪ ،‬والمراد به الستبعاد‪ ،‬يعني يبعد أن‬ ‫( َ‬
‫يستجاب لهذا‪ ،‬مع أن أسباب الجابة موجودة‪.‬‬
‫ذي به‪.‬‬ ‫وهذا للتحذير من أكل الحرام‪ ،‬وشربه‪ ،‬ولبسه‪ ،‬والتغ ّ‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ب(‬ ‫ه طَي ّ ٌ‬ ‫ن الل َ‬ ‫‪1.‬أن من أسماء الله تعالى الطّيب‪ ،‬لقوله‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫وهذا يشمل طيب ذاته‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬
‫فأسماؤه كّلها حسنى‪ ،‬ول يوجد في أ سماء الله ما يكون‬
‫ل أسماء الله تعالى ليس‬ ‫فيه النقص ل حقيقة ول فرضًا‪ ،‬فك ّ‬
‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ص بوجه من الوجوه‪ ،‬لن الله تعالى قال‪َ ) :‬‬ ‫فيها نق ٌ‬
‫ماءُ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى(‪ 1‬والحسنى اسم تفضيل‪ ،‬يقابلها في‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬‫اْل ْ‬
‫المذكر‪ :‬الحسن‪.‬‬
‫ولذلك ل تجد في أسماء الله ما يحتمل النقص أبدًا‪،‬‬
‫ز وجل في ذاته‪ ،‬وصفاته وأفعاله‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬ ‫‪2.‬كمال الله ع ّ‬
‫ي عن الخلق فل يقبل إل الطيب‪ ،‬لقوله‪:‬‬ ‫‪3.‬أن الله تعالى غن ّ‬
‫ل إل ّ ط َي ّب َا ً (‬ ‫) ل َيقب َ ُ‬
‫ل إ ِل ّ‬‫قب َ ُ‬ ‫‪4.‬تقسيم العمال إلى مقبول ومردود‪ ،‬لقول‪" :‬ل َ ي َ ْ‬
‫طَي ّب ًَا" فنفي القبول يدل على ثبوته فيما إذا كان طيبًا‪ ،‬وهذا‬
‫شيء ظاهر‪.‬‬
‫‪5.‬أن الرسل عليهم الصلة والسلم يؤمرون وينهون‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫) إن الل َ‬
‫سل ِي ْ َ‬
‫(‪.‬‬ ‫مر َ‬‫ه ال ُ‬
‫مَر ب ِ ِ‬
‫ما أ َ‬‫ن بِ َ‬
‫مني َ‬ ‫مؤ ِ‬‫مَر ال ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫مَر‬ ‫َ‬
‫هأ َ‬‫ن الل َ‬‫وإ ِ ّ‬‫‪6.‬أن المؤمنين مأمورون منهيون لقوله‪َ ):‬‬
‫ن ( وكلما كان النسان أقوى‬ ‫َ‬
‫سِلي َ‬ ‫مر َ‬ ‫ه ال ُ‬
‫مَر ب ِ ِ‬‫ما أ َ‬
‫ن بِ َ‬‫مِني َ‬
‫مؤ ِ‬‫ال ُ‬
‫إيمانا ً كان أكثر امتثال ً لمر الله عّز وجل‪ ،‬وإذا رأيت من‬
‫نفسك هبوطا ً في امتثال الوامر فاّتهمها بنقص اليمان‬
‫وصحح الوضع قبل أن يستشري هذا المرض فتعجز عن‬
‫الستقامة فيما بعد‪.‬‬
‫‪7.‬استعمال ما يشجع على العمل‪ ،‬وجهه‪ :‬قول النبي صلى‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر ب ِ ِ‬
‫ما أ َ‬
‫ن بِ َ‬
‫مؤمني َ‬
‫مَر ال ُ‬
‫ن الله أ َ‬
‫الله عليه وسلم‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫ن ( فإذا علم المؤمن أن هذا من مأمورات‬ ‫سل ِي ْ َ‬
‫مر َ‬
‫ال ُ‬
‫جع على المتثال‪.‬‬ ‫وى ويتش ّ‬ ‫المرسلين فإنه يتق ّ‬
‫‪8.‬المر بالكل من الطيبات للمؤمنين والمرسلين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫) العراف ‪(180 :‬‬
‫‪76‬‬
‫ويتفّرع على هذا فائدة ‪ :‬ذم من امتنع عن الطيبات بدون‬
‫سبب شرعي ‪.‬‬
‫أنه يجب شكر نعمة الله عّز وجل بالعمل الصالح لقوله‪9.‬‬
‫صاِلحا ً(‪ 1‬وفي المؤمنين‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ع َ‬ ‫وا ْ‬‫ت َ‬ ‫ن الطّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪) :‬ك ُُلوا ِ‬
‫شك ُُروا ل ِّله‬ ‫وا ْ‬
‫م َ‬‫قَناك ُ ْ‬
‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن طَي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪)2‬قال‪ ) :‬ك ُُلوا ِ‬
‫ويتفّرع من الجمع بين اليتين‪ :‬أن الشكر هو العمل‬
‫مَر‬ ‫الصالح‪،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إن الل َ‬
‫هأ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن ( والذي أمر به المرسلين‬ ‫َ‬
‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه ال ُ‬‫مَر ب ِ ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن بِ َ‬‫من ِي ْ َ‬
‫مؤ ِ‬
‫ال ُ‬
‫شيئان‪:‬‬
‫الول‪ :‬الكل من الطيبات ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬العمل الصالح‪.‬‬
‫فليس كل من قال‪ :‬الشكر لله‪ ،‬والحمد لله يكون شاكرا ً حتى‬
‫يعمل صالحًا‪،‬‬
‫حا ً (‬
‫صال ِ َ‬ ‫عمُلوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪10.‬توجيه المر لمن هو مّتصف به‪،‬لقوله‪َ ) :‬‬
‫فوجه المر بالعمل الصالح للمرسلين مع أنهم يعملون‬
‫الصالحات ول شك في ذلك‪ ،‬وهذا كقوله تعالى لرسوله‬
‫محمد ‪) :‬يا أ َ‬
‫ذي‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫قو ُ‬ ‫وإ ِذْ ت َ ُ‬‫ه( وقوله‪َ ) :‬‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫‪3‬‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫عل َي َ‬ ‫عل َيه َ‬ ‫َ‬
‫ق الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫وات ّ ِ‬ ‫ج َ‬
‫ك َ‬ ‫و َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ك َز ْ‬ ‫س ْ‬
‫ك َ‬ ‫م ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ت َ ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ع ْ‬
‫وأن ْ َ‬‫ه َ ْ ِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ع َ‬‫أن ْ َ‬
‫ه(‪ 4‬ففي هذه اليات أمر‬ ‫دي ِ‬‫مب ْ ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬‫في ن َ ْ‬
‫في ِ‬ ‫خ ِ‬‫وت ُ ْ‬‫َ‬
‫الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتقوى مع أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم أتقى الناس لله عّز وجل والواحد منا ‪-‬ونحن‬
‫مفرطون ‪ -‬إذا قيل له‪ :‬اتق الله‪.‬انتفخ غضبًا‪ ،‬ولو قيل له‪:‬‬
‫الله يهديك‪ ،‬لقال‪:‬وما الذي أنا واقع فيه‪ ،‬ورسول الله صلى‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ي ات ّ ِ‬
‫ها الن ّب ِ ّ‬
‫الله عليه وسلم يخاطبه ربه بقوله‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫الل ّ َ‬
‫ه(‪.5‬‬
‫ت( وقوله في‬ ‫ن الطَي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬
‫‪11.‬تحريم الخبائث‪ ،‬لقوله‪ِ ) :‬‬
‫م (‪.6‬‬ ‫قَناك ُ ْ‬
‫ما َرَز ْ‬ ‫ن طَي َّبا ِ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬
‫المؤمنين‪ِ ) :‬‬

‫‪1‬‬
‫) المؤمنون ‪(51 :‬‬
‫‪2‬‬
‫) البقرة ‪(57 :‬‬
‫‪3‬‬
‫)الحزاب‪ :‬الية ‪(1‬‬
‫‪4‬‬
‫]الحزاب‪[37:‬‬
‫‪5‬‬
‫]الحزاب‪[1:‬‬
‫‪6‬‬
‫]البقرة‪[172:‬‬
‫‪77‬‬
‫* لكن ما هو مدار الخبث‪ :‬أعلى ما يستخبثه الناس وكل‬
‫إنسان بطبيعته أو أن نقول‪ :‬الخبيث ما استخبثه الشرع‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬الخبيث ما استخبثه الشرع‪،‬‬
‫‪12.‬استبعاد إجابة آكل الحرام لو عمل من أسباب الجابة ما‬
‫عمل‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل‬
‫ب" لذلك (‬
‫َ‬
‫جا ُ‬‫ست َ َ‬
‫السفر أشعث أغبر‪ ....‬وقال بعد ذلك ) أّنى ي ُ ْ‬
‫وهذا استفهام استبعاد‪.‬‬
‫لكن هل هذا يعني أنه يستحيل أن يجاب؟‬
‫والجواب‪ :‬ل‪ ،‬لن النسان قد يستبعد شيئا ً ولكن يقع‪ ،‬وإل‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم استبعد هذا تنفيرا ً عن أكل‬
‫الحرام‪.‬‬
‫‪13.‬أن السفر من أسباب إجابة الدعاء‪،‬‬
‫‪14.‬أن الشعث والغبرة من أسباب إجابة الدعاء‪.‬‬
‫لكن هذا قد يرد عليه أن التورع عن المباحات بدون سبب‬
‫شرعي مذموم‪ ،‬فيقال المراد بالحديث‪ :‬أن هذا الرجل يهتم‬
‫بأمور الخرة أكثر من اهتمامه بأمور الدنيا‪.‬‬
‫‪15.‬أن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الجابة‪.‬‬
‫ويكون الرفع بأن ترفع يديك تضم بعضهما إلى بعض على‬
‫دؤتين أي أعلى الصدر‪ ،‬ودعاء البتهال ترفع أكثر‬ ‫حذاء الّثن ُ‬
‫من هذا‪ ،‬حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء‬
‫ن أن ظهورهما‬ ‫الستسقاء رفع يديه كثيرا ً حتى ظن الظا ّ‬
‫نحو السماء من شدة الرفع‪ ،‬وكلما بالغت في البتهال فبالغ‬
‫في الرفع‪.‬‬
‫‪16.‬أن من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى الله تعالى‬
‫ب(‬ ‫ب َيا َر ّ‬‫بالربوبية لقوله‪َ ) :‬يا َر ّ‬
‫‪17.‬التحذير البالغ من أكل الحرام‪ ،‬لن أكل الحرام من‬
‫أسباب ردّ الدعاء وإن توفرت أسباب الجابة‪ ،‬لقول النبي‬
‫ب لذلك" هذا مع أن‬ ‫جا ُ‬‫ست َ َ‬
‫فـأنى ي ُ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ " :‬‬
‫أكل الحرام ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬سبب لنصراف النسان عن‬
‫ذيا ً على شي ٍ‬
‫ء‬ ‫القيام بواجب الدين ‪ ،‬لن البدن يكون متغ ّ‬
‫فاسد‪ ،‬والمتغذي على فاسد سيؤثر عليه هذا الغذاء‪ .‬والله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫‪78‬‬

‫الحديث الحادي عشر‬


‫ط‬ ‫عن أ َ‬
‫سب ْ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫ن أِبي طال ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫بي‬‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ه‬
‫ي الل ُ‬‫ض َ‬‫ه َر ِ‬
‫حان َت ِ ِ‬
‫وَري ْ َ‬‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬
‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل الل ِ‬‫و ِ‬‫س ْ‬ ‫ن َر ُ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فظْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ما َ‬
‫قا َ‬ ‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫‪79‬‬
‫ري ْب ُ َ‬
‫ك( رواه الترمذي والنسائي‬ ‫ك إ َِلى َ‬
‫ما ل َ ي َ ِ‬ ‫ري ْب ُ َ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫ع َ‬
‫‪ ) :‬دَ ْ‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫الشرح‬
‫الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والسبط‪ :‬هوابن البنت‪ ،‬وابن البن‬
‫يسمى‪ :‬حفيدًا‪ ،‬وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه‬
‫ن‬‫ه ب َي ْ َ‬
‫هب ِ‬ ‫ح الل ُ‬‫صل ِ ُ‬
‫سي ُ ْ‬
‫و َ‬‫د‪َ ،‬‬
‫سي ّ ٌ‬
‫ذا َ‬‫ن اب ِْني ه َ‬ ‫سيد فقال‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن( وكان المر كذلك‪ ،‬فإنه بعد أن‬ ‫مي ْ َ‬
‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ُ‬‫م َ‬ ‫فئ َت َي ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ِ‬
‫استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع بالخلفة‬
‫للحسن تنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه‪ ،‬فأصلح الله بهذا‬
‫التنازل بين أصحاب معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما‪،‬‬
‫وحصل بذلك خير كثير‪.‬‬
‫وهو أفضل من أخيه الحسين رضي الله عنهما‪،‬لكن تعلقت‬
‫الرافضة بالحسين لن قصة قتله رضي الله عنه تثير‬
‫الحزان‪ ،‬فجعلوا ذلك وسيلة‪ ،‬ولو كانوا صادقين في احترام‬
‫آل البيت لكانوا يتعلقون بالحسن أكثر من الحسين‪،‬لنه‬
‫أفضل منه‪.‬‬
‫ه الريحانة هي تلك الزهرة الطيبة‬ ‫حاَنت ُ‬ ‫وَري َ‬ ‫وأما قوله‪َ :‬‬
‫الرائحة‪،‬وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن‬
‫ك"‬‫ري ْب ُ َ‬
‫ما ي ِ‬ ‫ع" أي اترك " َ‬ ‫والحسين بأنهما ريحانتاه وقوله‪" :‬دَ ْ‬
‫ك" أي‬ ‫ري ْب ُ َ‬
‫ما ل َ ي َ ِ‬‫أي ما يلحقك به ريب وشك وقلق إ َِلى " َ‬
‫ب ول قلق‪.‬‬ ‫ء ل يلحقك به ري ٌ‬ ‫إلى شي ٍ‬
‫وهذا الحديث من جوامع الكلم وما أجوده وأنفعه للعبد إذا‬
‫سار عليه‪ ،‬فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء كثيرة‪،‬فنقول‪:‬‬
‫ك فيه حتى تستريح وتسلم‪ ،‬فكل شيء‬ ‫دع الشك إلى ما لش ّ‬
‫ك وقلق وريب اتركه إلى أمر ل يلحقك به ريب‪،‬‬ ‫يلحقك به ش ّ‬
‫وهذا ما لم يصل إلى حد الوسواس‪ ،‬فإن وصل إلى حد‬
‫الوسواس فل تلتفت له‪.‬‬
‫وهذا يكون في العبادات‪ ،‬ويكون في المعاملت‪ ،‬ويكون في‬
‫النكاح‪ ،‬ويكون في كل أبواب العلم‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ث‬‫دي ٌ‬
‫ح ِ‬‫ي‪َ :‬‬
‫ذ ّ‬
‫م ِ‬
‫ل الت ّْر ِ‬ ‫ي‪ ،‬و َ‬
‫قا َ‬ ‫سائ ِ ّ‬
‫والن ّ َ‬
‫ي َ‬
‫ذ ّ‬
‫م ِ‬
‫واهُ الت ّْر ِ‬ ‫يقول‪َ" :‬ر َ‬
‫ن في‬ ‫ح" والحديث كما قال الترمذي صحيح‪ ،‬لك ْ‬ ‫حي ْ ٌ‬‫ص ِ‬‫ن َ‬‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫الجمع بين كونه حسنا ً وكونه صحيحا ً إشكال‪ ،‬لن المعروف‬
‫أن الصحيح من الحديث غير الحسن‪ ،‬لن العلماء قسموا‬
‫الحديث إلى‪ :‬صحيح لذاته‪ ،‬وصحيح لغيره‪ ،‬وحسن لذاته‪،‬‬
‫وحسن لغيره‪ ،‬وضعيف‪.‬‬
‫فكيف ُيجمع بين وصفين متناقضين لموصوف واحد‪ :‬حسن‬
‫صحيح؟ ؟‬
‫أجاب العلماء عن ذلك بأنه‪ :‬إن كان هذا الحديث جاء من‬
‫ك هل بلغ هذا الطريق‬ ‫طريق واحد فمعناه أن الحافظ ش ّ‬
‫صحيح أو لزال في درجة الحسن‪.‬‬ ‫درجة ال ّ‬
‫وإذا كان من طريقين فمعنى ذلك‪ :‬أن أحد الطريقين صحيح‬
‫والخر حسن‪.‬‬
‫وهنا فائدة في‪ :‬أّيهما أقوى أن يوصف الحديث بالصحة‪ ،‬أو‬
‫بكونه صحيحا ً حسنًا؟‬
‫الجواب‪ :‬نقول‪ :‬إذا كان من طريقين فحسن صحيح أقوى من‬
‫صحيح‪ ،‬وإن كان من طريق واحد فحسن صحيح أضعف من‬
‫صحيح‪ ،‬لن الحافظ الذي رواه تردد هل بلغ درجة الصحة أو‬
‫ل زال في درجة الحسن‪ * .‬من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ك‬‫‪1.‬أن الدين السلمي ل يريد من أبنائه أن يكونوا في ش ّ‬
‫ك‪.‬‬‫ري ْب ُ ْ‬ ‫ك إ َِلى َ‬
‫ما ل ي َ ِ‬ ‫ري ْب ُ َ‬
‫ما ي ِ‬
‫ع َ‬
‫ول قلق‪ ،‬لقوله‪ :‬دَ ْ‬
‫‪2.‬أنك إذا أردت الطمأنينة والستراحة فاترك المشكوك فيه‬
‫واطرحه جانبًا‪،‬لسّيما بعد الفراغ من العبادة حتى ل يلحقك‬
‫القلق‪،‬‬
‫‪3.‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم‪،‬‬
‫واختصر له الكلم اختصارًا‪ ،‬لن هاتين الجملتين‪" :‬دع ما‬
‫يريبك إلى مال يريبك" لو بنى عليهما النسان مجلدا ً ضخما ً‬
‫لم يستوعب ما يدلن عليه من المعاني‪ ،‬وصلى الله على‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫‪81‬‬

‫الحديث الثاني عشر‬


‫ه صلى‬ ‫و ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬
‫قا َ‬ ‫قا َ‬‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫س ْ‬‫ل َر ُ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬‫هَري َْرةَ َر ِ‬
‫ي ُ‬
‫ن أب ِ ْ‬
‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ه(‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬
‫عن ِي ْ ِ‬ ‫ه َ‬‫ء ت َْرك ُ ُ‬
‫مْر ِ‬‫سلم ِ ال َ‬‫ن إِ ْ‬‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬‫الله عليه وسلم ‪ِ ) :‬‬
‫ن‪ ،‬رواه الترمذي وغيره هكذا‪.‬‬ ‫ث حس ٌ‬ ‫حدي ٌ‬

‫الشرح‬
‫خر‪.‬‬‫ك" مبتدأ مؤ ّ‬ ‫ء" خبر مقدم و‪" :‬ت َْر ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫سلم ِ ال َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫س ِ‬ ‫ح ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫" ِ‬
‫ه" أي ما ل تتعلق به عنايته ويهتم به‪،‬‬ ‫عن ِي ْ ِ‬‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫ت" فإنه يشابهه‬ ‫م ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خي َْرا ً أو ل ِي َ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫ل َ‬ ‫فل ْي َ ُ‬
‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه والي َ ْ‬ ‫ِبالل ِ‬
‫من بعض الوجوه‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬أن السلم جمع المحاسن‪ ،‬ومحاسن السلم كّلها تجتمع‬
‫ْ‬
‫ل‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬
‫عد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫في كلمتين‪ :‬قال الله عز وجل‪) :‬إ ِ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ن(‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬‫واْل ِ ْ‬‫َ‬
‫‪2.‬أن ترك النسان ما ليهتم به ول تتعلق به أموره وحاجاته‬
‫من حسن إسلمه‪.‬‬
‫‪3.‬أن من اشتغل بما ل يعنيه فإن إسلمه ليس بذاك الحسن‬
‫‪4.‬أنه ينبغي للنسان أن يتطلب محاسن إسلمه فيترك ما ل‬
‫مه ول تعنيه فقد‬ ‫يعنيه ويستريح‪ ،‬لنه إذا اشتغل بأمور لته ّ‬
‫ل‪ :‬وهو هل ترك العبد ما ل‬ ‫ردُ إشكا ٌ‬ ‫أتعب نفسه‪ .‬وهنا قد ي َ ِ‬
‫يعنيه هو ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر؟‬
‫والجواب‪ :‬ل‪ ،‬لن المر بالمعروف والنهي عن المنكر مما‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫يعني النسان‪ ،‬كما قال الله عز وجل‪) :‬ول ْت َك ُن من ْك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫)النحل‪ :‬الية ‪(90‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ع ِ‬
‫ن َ‬
‫و َ‬
‫ه ْ‬
‫وي َن ْ َ‬
‫ف َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫مُرو َ‬
‫وي َأ ُ‬
‫ر َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َدْ ُ‬
‫ر(‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬
‫‪1‬‬

‫ومن ذلك أيضًا‪ :‬ما يتعلق بالهل والبناء والبنات فإنه يعني‬
‫راعي البيت أن يدّلهم على الخير ويأمرهم به ويحذرهم من‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫الشر وينهاهم عنه‪ .‬قال الله عّز وجل‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ة( ‪2‬والله‬‫جاَر ُ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س َ‬‫ها الّنا ُ‬
‫قودُ َ‬ ‫م َنارا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫هِليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ف َ‬‫قوا أ َن ْ ُ‬
‫ُ‬
‫الموفق‪.‬‬

‫الحديث الثالث عشر‬


‫عاَلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خاِدم ِ‬
‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه تَ َ‬‫ي الل ُ‬‫ض َ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬‫ن َ‬‫سب ِ‬ ‫مَزة أن َ ِ‬ ‫ح ْ‬‫ي َ‬ ‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫عن النبي صلى الله‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و ِ‬ ‫س ْ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ه َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫بل ِ‬‫ح ّ‬‫حّتى ي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫م ُ‬‫ل‪) :‬ل َ ُيؤ ِ‬ ‫عليه وسلم َ‬
‫قا َ‬
‫ه( رواه البخاري ومسلم‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫الشرح‬
‫َ‬
‫م" أي ل يتم إيمان أحدنا‪ ،‬فالنفي هنا‬ ‫حدُك ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫م ُ‬‫قوله‪" :‬ل ُيؤ ِ‬
‫للكمال والتمام‪ ،‬وليس نفيا ً لصل اليمان‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما دليلكم على هذا التأويل الذي فيه صرف‬
‫الكلم عن ظاهره؟‬
‫قلنا‪ :‬دليلنا على هذا أن ذلك العمل ل يخرج به النسان من‬
‫اليمان‪ ،‬ول يعتبر مرتدًّا‪ ،‬وإنما هو من باب النصيحة‪ ،‬فيكون‬
‫النفي هنا نفيا ً لكمال اليمان‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ألستم تنكرون على أهل التأويل تأويلهم؟‬
‫فالجواب‪ :‬نحن ل ننكر على أهل التأويل تأويلهم‪ ،‬إنما ننكر‬
‫على أهل التأويل تأويلهم الذي ل دليل عليه‪ ،‬لنه إذا لم يكن‬
‫ل‪ ،‬أما التأويل الذي د ّ‬
‫ل‬ ‫ل صار تحريفا ً وليس تأوي ً‬ ‫عليه دلي ٌ‬
‫عليه الدليل فإنه يعتبر من تفسير الكلم‪ ،‬كما قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن عباس رضي الله‬
‫وي ْ َ‬
‫ل"‬ ‫ه الّتأ ِ‬ ‫عل ّ ْ‬
‫م ُ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬
‫في الدّي ْ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫قه ُ‬‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬‫عنهما‪" :‬الل ّ ُ‬
‫‪1‬‬
‫)آل عمران‪ :‬الية ‪(104‬‬
‫‪2‬‬
‫) التحريم ‪(6 :‬‬
‫‪83‬‬
‫ن‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ذا َ ْ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬في قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ َ‬
‫م(‬ ‫شي ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عذْ ِبالل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫جي ِ‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫فا ْ‬
‫‪1‬‬

‫المراد به‪ :‬إذا أردت قراءة القرآن‪ ،‬فهل يعتبر هذا تأويل ً‬
‫مذمومًا‪ ،‬أو تأويل ً صحيحًا؟‬
‫ل عليه الدليل من فعل‬ ‫والجواب‪ :‬هذا تأويل صحيح‪ ،‬لنه د ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد كان صلى الله عليه وسلم‬
‫وذ عند القراءة ل في آخر القراءة ‪.‬‬ ‫يتع ّ‬
‫وعليه فل ننكر التأويل مطلقًا‪ ،‬إنما ننكر التأويل الذي ل‬
‫دليل عليه ونسميه تحريفًا‪.‬‬
‫َ‬
‫م" اليمان في اللغة هو‪ :‬القرار المستلزم‬ ‫حدُك ُ ْ‬
‫نأ َ‬‫م ُ‬ ‫"ل َ ُيؤ ِ‬
‫للقبول والذعان واليمان وهو مطابق للشرع وقيل‪ :‬هو‬
‫التصديق وفيه نظر؛ لنه يقال‪ :‬آمنت بكذا وصدقت فلنا ً ول‬
‫يقال‪ :‬آمنت فلنًا‪ .‬فاليمان في اللغة حقيقة ‪ :‬إقرار القلب‬
‫بما يرد عليه‪ ،‬وليس التصديق‪.‬‬
‫وقد يرد اليمان بمعنى التصديق بقرينة مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫ط (‪ 2‬على أحد القولين مع أنه يمكن أن يقال‪:‬‬ ‫ه ُلو ٌ‬‫ن لَ ُ‬‫م َ‬ ‫) َ‬
‫فآ َ‬
‫دق دعوته‪.‬‬ ‫فآمن له لوط أي انقاد له ‪ -‬أي إبراهيم ‪ -‬وص ّ‬
‫أما اليمان في الشرع فهوكما سبق في تعريفه في اللغة‪.‬‬
‫فمن أقّر بدون قبول وإذعان فليس بمؤمن‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فاليهود والنصارى اليوم ليسوا بمؤمنين لنهم لم يقبلوا دين‬
‫السلم ولم يذعنوا‪.‬‬
‫ومحل اليمان‪ :‬القلب واللسان والجوارح‪ ،‬فاليمان يكون‬
‫بالقلب‪ ،‬ويكون باللسان‪ ،‬ويكون بالجوارح‪ ،‬أي أن قول‬
‫اللسان يسمى إيمانًا‪ ،‬وعمل الجوارح يسمى إيمانًا‪ ،‬والدليل‪:‬‬
‫م (‪ 3‬قال‬ ‫مان َك ُ ْ‬‫ع ِإي َ‬‫ضي َ‬
‫ه ل ِي ُ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫و َ‬
‫قول الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫سرون‪ :‬إيمانكم‪ :‬أي صلتكم إلى بيت المقدس‪ ،‬وقال‬ ‫المف ّ‬
‫ة‬
‫عب َ ً‬
‫ش ْ‬‫ن ُ‬ ‫عو َ‬‫سب ْ ُ‬‫و َ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ٌ‬‫ن بِ ْ‬‫ما ُ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ال ِي ْ َ‬
‫ن‬
‫ع ِ‬ ‫ماطَ ُ‬
‫ة الذى َ‬ ‫ه إ ِل ّ الله‪ ،‬وأدْنا َ‬
‫ها إ ِ َ‬ ‫ل ل َ إ ِل َ َ‬
‫و ُ‬‫ق ْ‬‫ها َ‬‫عل َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫َ‬
‫ن"‬‫ما ِ‬‫ن ال ِي ْ َ‬
‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫عب َ ٌ‬
‫ش ْ‬ ‫حَياءُ ُ‬ ‫وال َ‬
‫ق َ‬ ‫الطّ ِ‬
‫ري ْ ِ‬
‫أعلها قول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬هذا قول اللسان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)النحل‪(98:‬‬
‫‪2‬‬
‫)العنكبوت‪ :‬الية ‪(26‬‬
‫‪3‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(143‬‬
‫‪84‬‬
‫وأدناها ‪ :‬إماطة الذى عن الطريق وهذا فعل الجوارح‪،‬‬
‫والحياء عمل القلب‪ .‬وأما القول بأن اليمان محّله القلب‬
‫ح‪.‬‬
‫فقط‪ ،‬وأن من أقّر فقد آمن فهذا غلط ول يص ّ‬
‫ب" )حتى( هذه للغاية‪ ،‬يعني‪ :‬إلى أن‬ ‫ح ّ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫خْيه" والمحبة‪ :‬ل تحتاج إلى تفسير‪ ،‬ول يزيد‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫"ي ُ َ‬
‫سر‬ ‫ء‪ ،‬فالمحبة هي المحبة‪ ،‬ول تف ّ‬ ‫تفسيرها إل إشكال ً وخفا ً‬
‫بأبين من لفظها‪.‬‬
‫ه" من خير ودفع‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫ه" أي المؤمن " َ‬
‫ما ُيح ّ‬ ‫وقوله‪" :‬ل َ ِ‬
‫خي ْ ِ‬
‫شر ودفاع عن العرض وغير ذلك‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫كم‬ ‫حد ُ ُ‬ ‫َ‬
‫نأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫‪1.‬جواز نفي الشيء لنتفاء كماله‪ ،‬لقول‪" :‬ل ُيؤ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ب لَ ِ‬
‫جاُر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل ي َأ َ‬‫م ْ‬‫ن َ‬‫ه" ومثله قوله‪" :‬ل ُيؤم ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫حّتى ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ه"‬‫ق ُ‬ ‫وائ ِ َ‬ ‫بَ َ‬
‫‪2.‬وجوب محبة المرء لخيه ما يحب لنفسه‪ ،‬لن نفي اليمان‬
‫عن من ل يحب لخيه ما يحب لنفسه يدل على وجوب ذلك‪،‬‬
‫إذ ل ُينفى اليمان إل لفوات واجب فيه أو وجود ما ينافيه‪.‬‬
‫‪3.‬التحذير من الحسد‪ ،‬لن الحاسد ل يحب لخيه ما يحب‬
‫لنفسه‪ ،‬بل يتمّنى زوال نعمة الله عن أخيه المسلم‪.‬‬
‫‪4.‬أنه ينبغي صياغة الكلم بما يحمل على العمل به‪ ،‬لن من‬
‫الفصاحة‪ ،‬صياغة الكلم بما يحمل على العمل به‪ ،‬والشاهد‬
‫ه" لن هذه يقتضي العطف والحنان‬ ‫خي ِ‬ ‫لهذا قوله‪" :‬ل َ ِ‬
‫والّرقة‪ ،‬ونظير هذا قول الله عّز وجل في آية القصاص‪:‬‬
‫يء(‪ 1‬مع أنه قاتل‪ ،‬تحنينا ً‬ ‫ش ْ‬‫ه َ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫خي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫) َ‬
‫وتعطيفا ً لهذا المخاطب‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هذه المسألة قد تكون صعبة‪ ،‬أي‪ :‬أن تحب‬
‫لخيك ما تحب لنفسك‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن تحب لخيك أن يكون‬
‫عالمًا‪ ،‬وأن يكون غنيًا‪ ،‬وأن يكون ذا مال وبنين‪ ،‬وأن يكون‬
‫مستقيمًا‪ ،‬فقد يصعب هذا؟‬
‫فنقول‪ :‬هذا ل يصعب إذا مّرنت نفسك عليه‪ ،‬مّرن نفسك‬
‫على هذا يسهل عليك‪ ،‬أما أن تطيع نفسك في هواها فنعم‬
‫سيكون هذا صعبًا‪.‬‬
‫والله الموفق‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(178‬‬
‫‪85‬‬

‫الحديث الرابع عشر‬


‫ه ‪:‬‬‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫عوٍد رضي الله عنه َ‬
‫قا َ‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫َع ِ‬
‫ي‪،‬‬‫ب الّزان ِ ْ‬ ‫ث‪ :‬الث ّي ّ ُ‬‫دى َثل ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫سل ِم ٍ إ ِل ّ بإ ِ ْ‬
‫م ْ‬‫ئ ُ‬‫ر ٍ‬
‫م ِ‬‫ما ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ل دَ ُ‬ ‫)ل ي َ ِ‬
‫ة( رواه‬ ‫ع ِ‬
‫ما َ‬‫رقُ للج َ‬ ‫فا ِ‬‫م َ‬
‫ه ال ُ‬‫دي ْن ِ ِ‬
‫ك لِ ِ‬‫والّتار ُ‬ ‫س‪َ ،‬‬
‫ف ِ‬ ‫س ِبالن ّ ْ‬‫ف ُ‬ ‫والن ّ ْ‬
‫َ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫الشرح‬
‫سرناها بذلك‬ ‫م" أي ل يحل قتله‪،‬وف ّ‬ ‫سل ِ ٍ‬
‫م ْ‬‫ئ ُ‬ ‫ر ٍ‬‫م ِ‬‫ما ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ل دَ ُ‬ ‫"ل ي َ ِ‬
‫لن هذا هو المعروف في اللغة العربية‪ ،‬قال النبي صلى الله‬
‫علي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬‫ضك ُ ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫عَرا َ َ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن دماءَك َم َ‬
‫وأ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫ِ ّ ِ َ‬
‫م" ‪.‬‬‫حَرا ٌ‬
‫َ‬
‫سل ِم ٍ" التعبير بذلك ل يعني أن المرأة يحل‬ ‫م ْ‬ ‫ئ ُ‬ ‫ر ٍ‬
‫وقوله‪" :‬ام ِ‬
‫دمها‪ ،‬ولكن التعبير بالمذكر في القرآن والسنة أكثر من‬
‫التعبير بالمؤنث‪ ،‬لن الرجال هم الذين تتوجه إليهم‬
‫الخطابات وهم المعنّيون بأنفسهم وبالنساء‪.‬‬
‫م" أي داخل في السلم‪.‬‬ ‫سل ِ ٍ‬‫م ْ‬ ‫وقوله‪ُ " :‬‬
‫‪86‬‬
‫ث" يعني بواحدة من الثلث‪.‬‬ ‫دى َثل ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫"إ ِل ّ بإ ِ ْ‬
‫ل دمه‪ ،‬والثيب هو ‪ :‬الذي‬ ‫زاِني" فالثيب الزاني يح ّ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫"الث ّي ّ ُ‬
‫جامع في نكاح صحيح‪ ،‬فإذا زنا بعد أن أنعم الله عليه بنعمة‬
‫النكاح الصحيح صار مستحقا ً للقتل‪ ،‬ولكن صفة قتله‬
‫سنذكرها إن شاء الله تعالى في الفوائد‪.‬‬
‫ب" أن البكر ل يحل دمه إذا زنا‪ ،‬وهو‬ ‫ومفهوم قوله "الث ّي ّ ُ‬
‫الذي لم يجامع في نكاح صحيح‪.‬‬
‫س" المقصود به القصاص‪ ،‬أي أنه إذا قتل‬ ‫ف ِ‬ ‫س ِبالن ّ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫والن ّ ْ‬‫" َ‬
‫ل به بالشروط المعروفة‪.‬‬ ‫قت ِ َ‬ ‫ن إنسانا ً عمدا ً ُ‬ ‫إنسا ٌ‬
‫ه" يعني بذلك المرتدّ بأي نوع من أنواع الّردة‪.‬‬ ‫دين ِ ِ‬‫ك لِ ِ‬‫ر ُ‬ ‫والّتا ِ‬ ‫" َ‬
‫ة" هذا عطف بيان‪ ،‬يعني أن‬ ‫ع ِ‬‫ما َ‬ ‫ج َ‬‫رقُ لل َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م َ‬‫وقوله‪" :‬ال ُ‬
‫التارك لدينه مفارق للجماعة خارج عنها‪ * .‬من فوائد الحديث‬
‫‪:‬‬
‫مسلم ٍ"‬ ‫ئ ُ‬‫ر ٍ‬
‫م ام ِ‬
‫ل دَ ُ‬‫ح ّ‬‫‪1.‬احترام دماء المسلمين‪ ،‬لقوله‪" :‬ل ي َ ِ‬
‫ل عليه الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬ ‫وهذا أمر مجمع عليه د ّ‬
‫منًا‪،‬‬‫هدًا‪ ،‬أو مستأ ِ‬ ‫عا َ‬
‫ل دمه ما لم يكن م َ‬ ‫‪2.‬أن غير المسلم يح ّ‬
‫أو ذمي ًّا‪ ،‬فإن كان كذلك فدمه معصوم‪.‬‬
‫والمعاهد‪ :‬من كان بيننا وبينه عهد‪ ،‬كما جرى بين النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وقريش في الحديبية‪.‬‬
‫والمستأمن‪ :‬الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا بأمان‬
‫لبيع تجارته أو شراء أو عمل‪ ،‬فهذا محترم معصوم حتى وإن‬
‫كان من قوم أعداء ومحاربين لنا‪ ،‬لنه أعطي أمانا ً خاصًا‪.‬‬
‫ب عنه‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ي‪ :‬وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذ ّ‬ ‫ذم ّ‬ ‫وال ّ‬
‫الذي يعطي الجزية بدل ً عن حمايته وبقائه في بلدنا‪.‬‬
‫سل ِم ٍ" يخرج بذلك غير المسلم‬ ‫م ْ‬‫ئ ُ‬
‫ر ٍ‬ ‫م ِ‬
‫ما ْ‬ ‫ل دَ ُ‬ ‫ح ّ‬‫إذا ً قوله‪" :‬ل ي َ ِ‬
‫فإن دمه حلل إل هؤلء الثلثة‪.‬‬
‫‪3.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلمه‬
‫أحيانا ً بالتقسيم‪ ،‬لن التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو‬
‫أسرع حفظا ً وأبطأ نسيانًا‪.‬‬
‫‪4.‬أن الثيب الزاني يقتل‪ ،‬برجمه بالحجارة‪ ،‬وصفته‪ :‬أن‬
‫يوقف ويرميه الناس بحجارة ل كبيرة ول صغيرة‪ ،‬لن الكبيرة‬
‫ذب‬ ‫تقتله فورا ً فيفوت المقصود من الّرجم‪ ،‬والصغيرة يتع ّ‬
‫‪87‬‬
‫بها قبل أن يموت‪ ،‬بل تكون وسطًا‪ ،‬فالثيب الزاني يرجم‬
‫بالحجارة حتى يموت‪،‬سواء كان رجل ً أم امرأة‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬كيف تقتلونه على هذا الوجه‪ ،‬لماذا ل يقتل‬
‫م‬‫قت َل ْت ُ ْ‬
‫ذا َ‬
‫بالسيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إ َ‬
‫ة"؟‬‫قت ْل َ َ‬
‫سُنوا ال ِ‬ ‫َ َ‬
‫ح ِ‬
‫فأ ْ‬
‫فالجواب ‪ :‬أنه ليس المراد بإحسان القتلة سلوك السهل‬
‫في القتل‪ ،‬بل المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة‪ ،‬كما‬
‫كما ً (‪ 1‬فرجم‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬‫و َ‬‫قال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫الزاني من القتلة الحسنة‪ ،‬لموافقة الشريعة‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما الحكمة من كونه يقتل على هذا الوجه ؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن شهوة الجماع ل تختص بعضو معين‪ ،‬بل تشمل‬
‫كل البدن‪ ،‬فلما تلذذ بدن الزاني المحصن بهذه اللذة‬
‫المحّرمة كان من المناسب أن يذوق البدن كّله ألم هذه‬
‫د‪ ،‬فالمناسبة إذا ً ظاهرة‪.‬‬ ‫العقوبة التي هي الح ّ‬
‫لكن بماذا يثبت الّزنا ؟‬
‫الجواب‪ :‬يثبت الزنا بشهادة أربعة رجال مرضيين أنهم رأوا‬
‫د‪ ،‬والشهادة على هذا‬ ‫ذكر الزاني في فرج المزني بها ولب ّ‬
‫الوجه صعبة جدًا‪ ،‬ولهذا قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه‬
‫ط‪ ،‬وهو في وقته‪.‬‬ ‫الله ‪ :-‬إنه لم يثبت الزنا بالشهادة ق ّ‬
‫والطريق الثاني لثبوت الزنا أن يقّر الزاني بأنه زنا ‪.‬‬
‫وهل يشترط تكرار القرار أربع مرات‪ ،‬أو يكفي القرار مرة‬
‫واحدة‪ ،‬أو يفصل بين ما اشتهر وبين ما لم يشتهر؟‬
‫في هذا خلف بين أهل العلم‪:‬‬
‫والقرب أنه ل يشترط تكرار القرار‪ ،‬إل إذا كان هناك‬
‫شبهة‪ ،‬وإل فأكبر بّينة وأكبر دليل أن يقّر الفاعل‪ ،‬فكيف‬
‫يقّر وهو بالغ عاقل يدري ما يقول ثم نقول‪ :‬ل حكم لهذا‬
‫القرار‪ ،‬فلو أقّر ثلث مرات ل نعتبره إقرارًا‪.‬‬
‫فالصواب‪ :‬أن القرار مرة واحدة يكفي إل مع وجود شبهة‪.‬‬
‫وهل اللواط مثل الزنا؟‬
‫فالجواب‪ :‬نعم مثل الزنا بل أخبث‪ ،‬فاللواط ل يشترط أن‬
‫يكون اللئط أو الملوط به ثيبًا‪ ،‬وإنما يشترط أن يكونا بالغين‬
‫عاقلين‪ ،‬فإذا كانا بالغين عاقلين أقيم عليهما الحد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(50‬‬
‫‪88‬‬
‫والقول الصواب في هذا‪ :‬إن الفاعل والمفعول به يجب‬
‫قتلهما بكل حال‪ ،‬لن هذه الجرثومة في المجتمع إذا شاعت‬
‫وانتشرت فسد المجتمع كله‪ ،‬وكيف يمكن للنسان المفعول‬
‫به أن يقابل الناس وهو عندهم بمنزلة المرأة ُيفعل به‪ ،‬فهذا‬
‫قتل للمعنويات والرجولة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أجمع الصحابة‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫على قتل الفاعل والمفعول به‪ ،‬وقد ورد فيه حديث‪َ " :‬‬
‫عو َ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬
‫ف ُ‬ ‫وال َ‬ ‫ع َ‬
‫ل َ‬ ‫قت ُُلوا ال َ‬
‫فا ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫وم ِ ُلو ٍ‬
‫ط َ‬ ‫ل َ‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬
‫ع َ‬ ‫م ُ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬
‫موهُ ي َ ْ‬
‫جدْت ُ ُ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫ه"قال شيخ السلم‪ :‬لكن الصحابة اختلفوا كيف يقتل‬ ‫ب ِ‬
‫الفاعل والمفعول به؟‬
‫فقيل‪:‬يحرقان بالنار‪ ،‬وروي هذا عن أبي بكر رضي الله عنه‬
‫وقال بعضهم‪ :‬يرجمان كما يرجم الثيب الزاني‬
‫وقال آخرون‪ :‬يصعد بهما إلى أعلى شاهق في البلد ثم‬
‫يرميان ويتبعان بالحجارة بناء على أن قوم لوط فعل الله‬
‫تعالى بهم هكذا‪.‬‬
‫وأهم شيء عندنا أنه لبد من قتل الفاعل والمفعول به على‬
‫كل حال إذا كانا بالغين عاقلين‪ ،‬لن هذا مرض فّتاك ل يمكن‬
‫التحّرز منه‪ ،‬فأنت مثل ً لو رأيت رجل ً مع امرأة واستنكرت‬
‫ذلك فممكن أن تقول‪ :‬من هذه المرأة؟ لكن رجل مع رجل ل‬
‫يمكن‪ ،‬فكل الرجال يمشي بعضهم مع بعض‪.‬‬
‫إذا ً الثيب الزاني دمه حلل‪ ،‬ولكن إذا كان دمه حلل ً فهل‬
‫لكل واحد أن يقيم عليه الحد؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬ليس لحد أن يقيم عليه الحد إل المام أو من‬
‫غدُ َيا‬‫ينيبه المام‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ها" ولو قلنا لكل‬ ‫م َ‬
‫ج ْ‬ ‫ت َ‬
‫فار ُ‬ ‫عت ََر َ‬
‫ف ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذا َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬
‫ة َ‬‫مرأ ِ‬‫س إ َِلى ا ْ‬
‫أن ِي ْ ُ‬
‫إنسان أن يقتل هذا الزاني لن دمه هدر لحصل من الفوضى‬
‫والشر ما ل يعلمه إل الله عّز وجل‪،‬‬
‫س" أي إذا قتل‬ ‫س بالّنف ِ‬‫ف ُ‬ ‫الثاني ممن يباح دمه‪" :‬الن ّ ْ‬
‫النسان شخصا ً مكافئا ً له في الدين والحرية والّرق قتل به‪.‬‬
‫وعلى قولنا‪ :‬في الدين وهو أهم شيء ل يقتل المسلم‬
‫بالكافر‪ ،‬لن المسلم أعلى من الكافر‪ ،‬ويقتل الكافر‬
‫بالمسلم لنه دونه‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫وهل يشترط أن ل يكون القاتل من أصول المقتول‪ ،‬أو ل‬
‫يشترط؟‬
‫فالجواب‪ :‬قال بعض أهل العلم إنه يشترط أن ل يكون‬
‫القاتل من أصول المقتول والصول هم‪ :‬الب والم والجد‬
‫والجدة وما أشبه ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يقتل والد بولده واستدّلوا‬
‫ه" وبتعليل قالوا‪ :‬لن الوالد هو‬ ‫د ِ‬‫ول َ ِ‬
‫وال ِدُ ب َ‬ ‫بحديث‪" :‬ل ُيقت َ ُ‬
‫ل ال َ‬
‫الصل في وجود الولد فل يليق أن يكون الولد سببا ً في‬
‫إعدامه‪.‬‬
‫ل به فليس الولد هو‬ ‫وجه ذلك‪ :‬أن الوالد إذا قتل الولد ثم قت ِ َ‬
‫السبب في إعدامه‪ ،‬بل السبب في إعدامه فعل الوالد‬
‫القاتل‪ ،‬فهو الذي جنى على نفسه‪ ،‬وهذا القول هو الراجح‬
‫د‬
‫لقوة دليله بالعمومات التي ذكرناها‪ ،‬ولن هذا من أش ّ‬
‫قطيعة الرحم‪ ،‬فكيف نعامل هذا القاطع الظالم المعتدي‬
‫بالّرفق واللين‪ ،‬ونقول‪ :‬ل قصاص عليه‪.‬‬
‫فالصواب‪ :‬أن الوالد يقتل بولده سواء بالذكر كالب‪ ،‬أو‬
‫النثى كالم‪.‬‬
‫ة" المراد‬‫ع ِ‬
‫ما َ‬
‫ج َ‬ ‫ق لل َ‬
‫مفار ُ‬ ‫ه" أي المرتدّ "ال ُ‬ ‫ك لدين ِ ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫"الّتا ِ‬
‫بالجماعة أي جماعة المسلمين فالمرتد يقتل ‪.‬‬
‫ولكن هل يستتاب قبل أن يقتل؟‬
‫في ذلك خلف بين العلماء‪:‬‬
‫والصحيح في الستتابة‪ :‬أنها ترجع إلى اجتهاد الحاكم‪ ،‬فإن‬
‫رأى من المصلحة استتابته استتابه‪ ،‬وإل فل‪ ،‬لعموم قوله ‪:‬‬
‫ه" ولن الستتابة وردت عن الصحابة‬ ‫فاقت ُُلو ُ‬‫ه َ‬ ‫ن ب َدّ َ‬
‫ل ِدي ْن َ ُ‬ ‫م ْ‬‫" َ‬
‫رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وهذا يختلف فقد يكون هذا الرجل الكافر أعلن كفره‬
‫واستهتر فل ينبغي أن نستتيبه‪ ،‬وقد يكون أخفى كفره وتاب‬
‫إلى الله ورأينا منه محبة التوبة‪ ،‬فلكل مقام مقال‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬يستتاب من تقبل توبته إشارة إلى أن المرتدين‬
‫قسمان‪:‬‬
‫قسم تقبل توبتهم‪ ،‬وقسم ل تقبل‪.‬‬
‫قال أهل العلم‪ :‬من عظمت ردته فإنه ل تقبل توبته بأن‬
‫سب الله‪ ،‬أو سب رسوله‪ ،‬أو سب كتابه‪ ،‬أو فعل أشياء‬
‫‪90‬‬
‫منكرة عظيمة في الردة‪ ،‬فإن توبته ل تقبل‪ ،‬ومن ذلك‬
‫المنافق فإنه ل تقبل توبته‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن توبته مقبولة ولو عظمت ردته ولو سب الله أو‬
‫رسوله أو كتابه ولو نافق‪ ،‬وهذا القول هو الراجح‪ ،‬لكن‬
‫ن ونظر‪ :‬هل هذا الرجل يبقى مستقيما ً أو ل؟‬ ‫يحتاج إلى تأ ّ‬
‫فإذا علمنا من حاله أنه صادق التوبة قبلنا توبته لعموم قوله‬
‫مل‬ ‫ُ‬ ‫عَلى أ َ‬ ‫ُ‬ ‫عبادي ال ّذين أ َ‬ ‫ق ْ‬‫تعالى‪ُ ) :‬‬
‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫فوا‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل َيا ِ َ ِ َ‬
‫ميعا ً (‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذُّنو َ‬
‫غ ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ة الل ّ ِ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫د ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫‪1‬ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الّتوب َ ُ‬
‫ها"وهذا عام‪ ،‬وهذا القول هو الراجح وله أدلة‪.‬‬ ‫قب ْل َ َ‬‫َ‬
‫ن‬‫ول َئ ِ ْ‬
‫اما المستهزئ فتقبل توبته بدليل قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ق ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫وآَيات ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أِبالل ّ ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ون َل ْ َ‬‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل ْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ع َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫ذُروا َ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ن* ل ت َ ْ‬ ‫زُئو َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ست َ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ه ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ب طائ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن طائ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ة ب ِأن ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫عذ ّ ْ‬ ‫م نُ َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫مان ِك ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫ن(‪ 2‬ول عفو إل بالتوبة‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫في الدّْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وفي المنافقين قال الله تعالى)إ ِ ّ‬
‫صيرا * إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن َتاُبوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫اْل ْ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صوا ِدين َ ُ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا ِبالل ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫عت َ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫حوا َ‬ ‫صل َ ُ‬ ‫وأ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ً ‪3‬‬
‫جرا ً َ‬ ‫َ‬
‫ظيما ( ‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فالصواب‪ :‬أن كل كافر أصلي أو مرتدّ إذا تاب من أي نوع‬
‫من الكفر فإن توبته مقبولة‪.‬‬
‫ولكن مثل هؤلء يحتاجون إلى مراقبة أحوالهم‪ :‬هل هم‬
‫صادقون‪،‬أو هم يستهزؤون بنا؟ يقولون‪ :‬إنهم رجعوا إلى‬
‫السلم وهم لم يرجعوا‪.‬‬
‫وإذا تاب يرتفع عنه القتل‪ ،‬لن إباحة قتله إنما كانت لكفره‪،‬‬
‫فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفر عنه فارتفع قتله إل من سب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن‬
‫يقتل‪ ،‬ويقتل مسلما ً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه‬
‫وندفنه مع المسلمين‪ ،‬لكننا ل نبقيه حيًا‪ .‬ومن سب الله عّز‬
‫وجل إذا تاب فإنه ل يقتل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)الزمر‪ :‬من الية ‪(53‬‬
‫‪2‬‬
‫]التوبة‪[66-65:‬‬
‫‪3‬‬
‫)النساء‪(146-145:‬‬
‫‪91‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬على ضوء هذا الكلم أيكون سب الله عّز‬
‫وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل والله ل يكون‪ ،‬بل سب الله أعظم‪ ،‬لكن الله‬
‫ف عن حقه إذا تاب العبد‪ ،‬فإذا تاب‬
‫تعالى قد أخبرنا أنه عا ٍ‬
‫علمنا أن الله تاب عليه‪.‬‬
‫أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل‪ :‬من سّبني‬
‫أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي‪ ،‬وعلى هذا فنحن‬
‫نقتله لن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم‬
‫نعلم أنه عفا عنه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن‬
‫أناس سّبوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟‬
‫فالجواب‪ :‬هذا ل يمنع ما قلنا به لن الحق حقه‪ ،‬وإذا عفا‬
‫علمنا أنه أسقط حقه فسقط‪ ،‬لكن بعد موته هل نعلم أنه‬
‫أسقط حقه؟‬
‫الجواب‪ :‬ل نعلم‪ ،‬ول يمكن أن نقيس حال الموت على حال‬
‫الحياة‪،‬لننا نعلم أن هذا القياس فاسد‪ ،‬ولننا نخشى أن يكثر‬
‫سب الرسول صلى الله عليه وسلم لن هيبة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم في حياته أعظم من هيبته بعد مماته‪ .‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪92‬‬

‫الحديث الخامس عشر‬


‫ه صلى الله‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫عن أ َِبي ُ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫هَري َْرةَ رضي الله عنه أ ّ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫والي َ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ِبالل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ) :‬‬ ‫قا َ‬ ‫عليه وسلم َ‬
‫َ‬
‫والَيوم ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ُيؤ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ت‪َ ،‬‬ ‫م ْ‬‫ص ُ‬ ‫خي َْرا ً أو ل ِي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬
‫ه والَيوم ِ ال ِ‬ ‫ن ِبالل ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ُيؤ ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه‪ ،‬و َ‬ ‫جاَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ر ْ‬ ‫فل ْي ُك ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ه( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فل ْي ُك ْ ِ‬
‫ر ْ‬ ‫َ‬

‫الشرح‬
‫خي َْرا ً‬
‫ل َ‬ ‫فلي َ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ن" هذه جملة شرطية‪ ،‬جوابها‪َ " :‬‬ ‫م ُ‬‫ن ُيؤ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫" َ‬
‫ت" ‪ ،‬والمقصود بهذه الصيغة الحث والغراء على‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫أو ل ِي َ ْ‬
‫قول الخير أو السكوت كأنه قال‪ :‬إن كنت تؤمن بالله واليوم‬
‫الخر فقل الخير أو اسكت‪.‬‬
‫را ً" اللم للمر‪ ،‬والخير نوعان‪:‬‬‫خي َ‬‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فل َي َ ُ‬
‫" َ‬
‫خير في المقال نفسه‪ ،‬وخير في المراد به‪.‬‬
‫أما الخير في المقال‪ :‬فأن يذكر الله عّز وجل ويسّبح ويحمد‬
‫ويقرأ القرآن ويعلم العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬فهذا خير بنفسه‪.‬‬
‫وأما الخير لغيره‪ :‬فأن يقول قول ً ليس خيرا ً في نفسه ولكن‬
‫من أجل إدخال السرور على جلسائه‪ ،‬فإن هذا خير لما‬
‫يترتب عليه من النس وإزالة الوحشة وحصول اللفة‪ ،‬لنك‬
‫لو جلست مع قوم ولم تجد شيئا ً يكون خيرا ً بذاته وبقيت‬
‫صامتا ً من حين دخلت إلى أن قمت صار في هذا وحشة‬
‫وعدم إلفة‪ ،‬لكن تحدث ولو بكلم ليس خيرا ً في نفسه ولكن‬
‫من أجل إدخال السرور على جلسائك‪ ،‬فإن هذا خير لغيره‪.‬‬
‫ت" أي يسكت‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ص ُ‬‫" أو ل ِي َ ْ‬
‫‪93‬‬
‫ه" أي‬ ‫جاَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ر ْ‬‫فل ْي ُك ْ ِ‬‫ر َ‬ ‫خ ِ‬‫والَيوم ِ ال ِ‬‫ه َ‬ ‫ن بالل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫جاره في البيت‪ ،‬والظاهر أنه يشمل حتى جاره في المتجر‬
‫ل‪ ،‬لكن هو في الول أظهر أي الجار‬ ‫كجارك في الدكان مث ً‬
‫في البيت‪ ،‬وكلما قرب الجار منك كان حقه أعظم‪.‬‬
‫رم‬ ‫وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الكرام فقال‪" :‬فلي ُك ْ ِ‬
‫ه" ولم يقل مثل ً بإعطاء الدراهم أو الصدقة أو اللباس‬ ‫جاَر ُ‬ ‫َ‬
‫أو ما أشبه هذا‪ ،‬وكل شيء يأتي مطلقا ً في الشريعة فإنه‬
‫يرجع فيه إلى العرف‪ ،‬وفي المنظومة الفقهية‬
‫بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد‬ ‫ل ما أتى ولم يحدد‬ ‫وك ّ‬
‫ده الناس إكرامًا‪ ،‬ويختلف‬ ‫فالكرام إذا ً ليس معينا ً بل ما ع ّ‬
‫من جار إلى آخر‪ ،‬فجارك الفقير ربما يكون إكرامه برغيف‬
‫خبز‪ ،‬وجارك الغني ل يكفي هذا في إكرامه‪ ،‬وجارك الوضيع‬
‫ربما يكتفي بأدنى شيء في إكرامه‪ ،‬وجارك الشريف يحتاج‬
‫إلى أكثر‬
‫والجار‪ :‬هل هو الملصق‪ ،‬أو المشارك في السوق‪ ،‬أو‬
‫المقابل أو ماذا؟‬
‫هذا أيضا ً يرجع فيه إلى العرف‪ ،‬لكن قد ورد أن الجار أربعون‬
‫دارا ً من كل جانب ‪،‬وهذا في الوقت الحاضر صعب جدًا‪.‬‬
‫في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعون دارا ً مساحتهم‬
‫قليلة‪ ،‬لكن في عهدنا أربعون دارا ً قرية‪ ،‬فإذا قلنا إن الجار‬
‫أربعون دارا ً والبيوت قصور صار فيها صعوبة‪ ،‬ولهذا نقول‪:‬‬
‫من َّزل على الحال في عهد النبي صلى‬ ‫إن صح الحديث فهو ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وإن لم يصح رجعنا إلى العرف‪.‬‬
‫ه"‬
‫ف ُ‬ ‫ضي ْ َ‬‫م َ‬ ‫ر ْ‬‫فلُيك ِ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬‫ه والَيوم ِ ال ِ‬ ‫ن بالل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫الضيف هو النازل بك‪ ،‬كرجل مسافر نزل بك‪ ،‬فهذا ضيف‬
‫يجب إكرامه بما يعد إكرامًا‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪1.‬وجوب السكوت إل في الخير‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ت" هذا ظاهر‬ ‫م ْ‬ ‫خيَرا ً أو ل َِيص ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬‫فلي َ ُ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫ه والَيوم ِ ال ِ‬ ‫بالل ِ‬
‫الحديث‪ ،‬ولكن ظاهر أحوال الناس أن ذلك ليس بواجب‪ ،‬وأن‬
‫المقال ثلثة أقسام‪ :‬خير‪ ،‬وشر‪ ،‬ولغو‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫فالخير‪ :‬هو المطلوب‪ .‬والشر‪ :‬محرم‪ ،‬أي أن يقول النسان‬
‫قول ً شرا ً سواء كان القول شرا ً في نفسه أو شرا ً فيما‬
‫يترتب عليه‪ .‬واللغو‪ :‬ما ليس فيه خير ول شّر فل يحرم أن‬
‫يقول النسان اللغو‪ ،‬ولكن الفضل أن يسكت عنه‪.‬‬
‫ه‬
‫ن بالل ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ُيؤ ِ‬‫كا َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫‪2.‬الحث على حفظ اللسان لقوله‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫ت"‬‫م ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خيَرا ً أ ْ‬
‫و ل ِي َ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫ل َ‬ ‫فل ْي َ ُ‬
‫ر َ‬‫خ ِ‬‫والَيوم ِ ال ِ‬
‫َ‬
‫ه والَيوم ِ‬‫ن ِبالل ِ‬‫م ُ‬‫ن ُيؤ ِ‬‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪3.‬وجوب إكرام الجار لقوله‪َ " :‬‬
‫ه" وهذا الكرام مطلق يرجع فيه إلى‬ ‫جاَر ُ‬ ‫م َ‬‫ر ْ‬ ‫ر َ‬
‫فلُيك ِ‬ ‫خ ِ‬
‫ال ِ‬
‫العرف‪،‬‬
‫‪4.‬أن دين السلم دين اللفة والتقارب والتعارف بخلف‬
‫غيره ‪.‬‬
‫‪5.‬وجوب إكرام الضيف بما يعد إكرامًا‪ ،‬وذلك بأن تتلقاه ببشر‬
‫وسرور‪ ،‬وتقول‪ :‬ادخل حياك الله وما أشبه ذلك من‬
‫العبارات‪.‬‬
‫وظاهر الحديث أنه ل فرق بين الواحد والمائة‪ ،‬لن كلمة‬
‫)ضيف( مفرد مضاف فيعم‪ ،‬فإذا نزل بك الضيف فأكرمه‬
‫بقدر ما تستطيع‪.‬‬
‫لكن إذا كان بيتك ضيقا ً ول مكان لهذا الضيف فيه ولست ذا‬
‫غنى كبير بحيث تعد بيتا ً للضيوف‪ ،‬فهل يكفي أن تقول‪ :‬يا‬
‫فلن بيتي ضيق والعائلة ربما إذا دخلت أقلقوك‪ ،‬ولكن خذ‬
‫مثل ً مائة ريال أو مائتين ‪ -‬حسب الحال ‪ -‬تبيت بها في‬
‫الفندق فهل يكفي هذا أو ل يكفي ؟‬
‫الجواب‪ :‬للضرورة يكفي‪ ،‬وإل فل شك أنك إذا أدخلته البيت‬
‫ورحبت به وانطلق وجهك معه أنه أبلغ في الكرام‪،‬ولكن إذا‬
‫دعت الضرورة إلى مثل ما ذكرت فل بأس‪ ،‬فهذا نوع من‬
‫الكرام‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫الحديث السادس عشر‬


‫ي صلى‬ ‫قا َ‬‫جل ً َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ن أ َِبي ُ‬
‫ل ِللّنب ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫هأ ّ‬‫ه َ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ضَ َ‬
‫هَري َْرةَ َر ِ‬ ‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ب‪ .‬رواه البخاري‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬‫قال ‪ :‬ل َ ت َ ْ‬ ‫ي‪َ ،‬‬‫صن ِ ْ‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أو ِ‬

‫الشرح‬
‫لم يبّين هذا الرجل‪ ،‬وهذا يأتي كثيرا ً في الحاديث ل يبّين‬
‫فيها المبهم‪ ،‬وذلك لن معرفة اسم الرجل أو وصفه ل ُيحتاج‬
‫إليه‪ ،‬فلذلك تجد في الحاديث‪ :‬أن رجل ً قال كذا‪ ،‬وتجد بعض‬
‫العلماء يتعب تعبا ً عظيما ً في تعيين هذا الرجل‪ ،‬والذي أرى‬
‫أنه ل حاجة للتعب مادام الحكم ل يتغير بفلن مع فلن‪.‬‬
‫صِني" الوصية‪ :‬هي العهد إلى‬ ‫ل الل َ‬
‫سو َ‬ ‫قا َ‬‫" َ‬
‫ه أو ِ‬‫ِ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬
‫الشخص بأمر هام‪ ،‬كما يوصي الرجل مثل ً على ثلثه أو على‬
‫ولده الصغير أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ب" الغضب‪ :‬بّين النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ض ْ‬
‫غ َ‬‫ل‪ :‬ل ت َ ْ‬‫قا َ‬‫" َ‬
‫أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيغلي القلب‪،‬‬
‫ولذلك يحمّر وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يقف شعره‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫ب "أي ل‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬ ‫فهل مراد الرسول صلى الله عليه وسلم" ل َ ت َ ْ‬
‫يقع منك الغضب‪ ،‬أو المعنى‪ :‬ل تنفذ الغضب ؟‬
‫لننظر‪ :‬أما الول فإن ضبطه صعب‪،‬لن الناس يختلفون في‬
‫هذا اختلفا ً كبيرًا‪ ،‬لكن ل مانع أن نقول‪ :‬أراد قوله‪" :‬ل َ‬
‫ب" أي الغضب الطبيعي‪ ،‬بمعنى أن توطن نفسك وتبّرد‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫المر على نفسك‪.‬‬
‫وأما المعنى الثاني‪ :‬وهو أن ل تنفذ مقتضى الغضب فهذا‬
‫حق‪ ،‬فينهى عنه‪.‬‬
‫ب" هل هي نهي عن الغضب الذي هو‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬ ‫إذا ً كلمة "ل َ ت َ ْ‬
‫طبيعي أو هي نهي لما يقتضيه الغضب ؟‬
‫ب" أي الغضب‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬‫إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا‪" :‬ل َ ت َ ْ‬
‫الطبيعي‪ ،‬لكن هذا فيه صعوبة‪ ،‬وله وجه يمكن أن يحمل عليه‬
‫بأن يقال‪ :‬اضبط نفسك عند وجود السبب حتى ل تغضب‪.‬‬
‫ب أي ل تنفذ مقتضى‬ ‫ض ْ‬ ‫والمعنى الثاني لقوله‪ :‬ل َ ت َ ْ‬
‫غ َ‬
‫الغضب‪ ،‬فلو غضب النسان وأراد أن يطّلق امرأته‪ ،‬فنقول‬
‫ن‪.‬‬ ‫له‪ :‬اصبر وتأ ّ‬
‫قا َ َ‬ ‫َ‬
‫ب"‬ ‫ض ْ‬ ‫غ َ‬‫ل‪" :‬ل َ ت َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫صِني ‪َ -‬‬ ‫و ِ‬‫ل‪ :‬أ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫مَراَرا ً ‪ - ،‬أ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬‫فَردّدَ الّر ُ‬ ‫َ‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬حرص الصحابة رضي الله عنهم على ما ينفع‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫ي" ‪ ،‬والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق ل‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ص‬ ‫أو‬ ‫" َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫يقتصرون على مجّرد العلم‪ ،‬بل يعملون‪،‬‬
‫‪ 2.‬أن المخاطب يخاطب بما تقتضيه حاله وهذه قاعدة‬
‫مهمة‪ ،‬فإذا قررنا هذا ل يرد علينا الشكال التي وهو أن‬
‫يقال‪ :‬لماذا لم يوصه بتقوى الله عّز وجل‪،‬كما قال الله عّز‬
‫ُ‬
‫م‬‫وإ ِّياك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫صي َْنا ال ّ ِ‬
‫و ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫وجل‪َ ) :‬‬
‫أَ‬
‫ه(‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن ات ّ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫فالجواب‪ :‬أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله‪ ،‬فكأن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب‬
‫فأوصاه بذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(131‬‬
‫‪97‬‬
‫فهذه القاعدة التي ذكرناها يدل عليها جواب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬أي أن يوصى النسان بما تقتضيه حاله ل‬
‫بأعلى ما يوصى به‪ ،‬لن أعلى ما يوصى به غير هذا‪.‬‬
‫ب" لن الغضب يحصل‬ ‫ض ْ‬
‫غ َ‬‫‪3.‬النهي عن الغضب‪ ،‬لقوله‪" :‬ل َ ت َ ْ‬
‫فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ النسان مقتضاه‪،‬‬
‫ب النسان فماذا‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬إذا وجد سبب الغضب‪ ،‬وغض َ‬
‫يصنع؟‬
‫نقول‪ :‬هناك دواء ‪ -‬والحمد لله ‪ -‬لفظي وفعلي ‪.‬‬
‫أما الدواء اللفظي‪ :‬إذا أحس بالغضب فليقل‪ :‬أعوذ بالله من‬
‫الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫وأما الدواء الفعلي‪ :‬إذا كان قائما ً فليجلس‪ ،‬وإذا كان جالسا ً‬
‫طجع‪،‬لن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن‪،‬‬ ‫فليض ّ‬
‫ضأ‪ ،‬لن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب‪،‬‬ ‫فإن لم يفد فليتو ّ‬
‫ولن الوضوء يطفئ حرارة الغضب‪.‬‬
‫وهل يقتصر على هذا؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يلزم القتصار على هذا‪ ،‬قد نقول إذا غضبت‬
‫فغادر المكان‪ ،‬وكثير من الناس يفعل هذا‪ ،‬أي إذا غضب خرج‬
‫من البيت حتى ل يحدث ما يكره فيما بعد ‪.‬‬
‫‪4.‬أن الدين السلمي ينهى عن مساوئ الخلق لقوله‪" :‬ل َ‬
‫ب" والنهي عن مساوئ الخلق يستلزم المر بمحاسن‬ ‫َتغض ْ‬
‫ود نفسك التحمل وعدم الغضب‪ ،‬فقد كان‬ ‫الخلق‪ ،‬فع ّ‬
‫العرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر‬
‫في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك‬
‫فعليك بالحلم ما أمكنك ذلك حتى يستريح قلبك وتبتعد عن‬
‫المراض الطارئة من الغضب كالسكر‪ ،‬والضغط وما أشبهه‪.‬‬
‫والله المستعان‬

‫الحديث السابع عشر‬


‫‪98‬‬
‫ن‬ ‫عاَلى َ‬ ‫َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ع ْ‬
‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه تَ َ‬‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬‫س َر ِ‬ ‫و ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫داِد ب ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن أِبي ي َ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ه ك َت َ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫وإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫قت ْل َ َ‬ ‫قت َل ْت ُم َ َ‬ ‫ذا َ‬
‫فإ ِ َ‬‫ء‪َ .‬‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫سُنوا ال ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫شي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ر ْ‬‫ول ْي ُ ِ‬‫ه‪َ ،‬‬‫فَرت َ ُ‬ ‫ش ْ‬‫م َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫حد ّ أ َ‬‫ول ْي ُ ِ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫سُنوا الذّب ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حت ُ ْ‬‫ذَب َ ْ‬
‫ه( رواه مسلم‬ ‫حت َ ُ‬ ‫ذَب ِي ْ َ‬

‫الشرح‬
‫شيء" أي في كل شيء‪،‬‬ ‫ل َ‬‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ال ِ ْ‬ ‫ه ك َت َ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫" إِ ّ‬
‫ولم يقل‪ :‬إلى كل شيء‪،‬بل قال‪ :‬على كل شيء‪ ،‬يعني أن‬
‫الحسان ليس خاصا ً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع‬
‫الحياة‪.‬‬
‫قت ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫سُنوا ال ِ‬‫ح ِ‬‫فأ ْ‬‫م َ‬‫قت َل ْت ُ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫ثم ضرب أمثلة فقال‪َ " :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫ذَبحت ُم َ َ‬
‫ة" والفرق بينهما‪ :‬أن المقتول ل يحل‬ ‫سُنوا الذّب ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫بالقتل كما لو أراد إنسان أن يقتل كلبا ً مؤذيًا‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫أحسن القتلة‪ .‬وكذا إذا أراد أن يقتل ثعبانا ً فنقول‪ :‬أحسن‬
‫القتلة‪ ،‬وإذا ذبح فنقول‪ :‬أحسن الذبحة‪ ،‬وهذا فيما يؤكل‪ ،‬أي‬
‫يحسن الذبحة بكل ما يكون فيه الحسان‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫دها يعني حكها حتى‬ ‫رته" أي السكين‪ ،‬وح ّ‬ ‫ف َ‬‫ش ْ‬‫ولُيحدّ أحدكم َ‬ ‫" َ‬
‫تكون قوية القطع‪ ،‬أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما‬
‫حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة‪.‬‬
‫ه" اللم للمر‪ ،‬أي وليرح ذبيحته عند الذبح‬ ‫حت َ ُ‬‫ح ذَب ِي ْ َ‬‫ر ْ‬‫ول ْي ُ ِ‬
‫" َ‬
‫بحيث يمر السكين بقوة وسرعة ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬رأفة الله عّز وجل بالعباد‪ ،‬وأنه كتب الحسان على كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫‪2.‬الحث على الحسان في كل شيء‪ ،‬لن الله تعالى كتب‬
‫ذلك أي شرعه شرعا ً مؤكدًا‪.‬‬
‫‪3.‬أنك إذا قتلت شيئا ً يباح قتله فأحسن القتلة‪ ،‬ولنضرب لهذا‬
‫ل‪ :‬رجل آذاه كلب من الكلب وأراد أن يقتله‪ ،‬فله طرق‬ ‫مث ً‬
‫ض الرأس‪ ،‬أو بإسقائه‬ ‫في قتله كأن يقتله بالرصاص‪ ،‬أو بر ّ‬
‫السم‪ ،‬أو بالصعق بالكهرباء‪ ،‬أنواع كثيرة من القتل‪ ،‬فنقتله‬
‫‪99‬‬
‫بالسهل‪ ،‬وأسهلها كما قيل‪ :‬الصعق بالكهرباء‪ ،‬لن الصعق‬
‫بالكهرباء ل يحس المقتول بأي ألم ولكن تخرج روحه بسرعة‬
‫من غير أن يشعر‪ ،‬فيكون هذا أسهل شيء‪.‬‬
‫يستثنى من ذلك القصاص‪ ،‬ففي القصاص ُيفعل بالجاني كما‬
‫عل بالمقتول ‪.‬‬ ‫ف ِ‬‫ُ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫‪4.‬أن الله عّز وجل له المر وإليه الحكم‪ ،‬لقوله‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ن" وكتابة الله تعالى نوعان‪ :‬كتابة قدرية‪،‬‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ال ِ ْ‬‫ك َت َ َ‬
‫وكتابة شرعية‪.‬‬
‫الكتابة القدرية لبد أن تقع‪ ،‬والكتابة الشرعية قد تقع من‬
‫بني آدم وقد ل تقع‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫في الّزُبو ِ‬ ‫قدْ ك َت َب َْنا ِ‬ ‫ول َ َ‬‫مثال الول‪ :‬قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن اْل َ‬ ‫بعد الذّك ْر أ َ‬
‫ن( ‪1‬فهذه كتابة‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫عَباِد َ‬ ‫ها ِ‬ ‫رث ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫قدرية‪.‬‬
‫و ك ُْر ٌ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ل َ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ومثال الثاني‪ :‬قوله تعالى‪) :‬ك ُت ِ َ‬
‫م (‪ 2‬أي كتب كتابة شرعية‪.‬‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪5.‬أن الحسان شامل في كل شيء‪ ،‬كل شيء يمكن فيه ا‬
‫شيء "‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫لح َ‬ ‫با ِ‬ ‫ن الله ك َت َ َ‬ ‫لحسان لقوله‪ :‬إ ِ ّ‬
‫‪6.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثال‪،‬‬
‫م‬
‫حت ُ ْ‬ ‫ذا ذَب َ ْ‬ ‫م‪ ..‬إ ِ َ‬ ‫قَتلت ُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫لن المثلة تقّرب المعاني في قوله‪ :‬إ ِ َ‬
‫‪.‬‬
‫قتلة‪،‬لن هذا وصف للهيئة ل للفعل‪.‬‬ ‫‪7.‬وجوب إحسان ال ِ‬
‫وإحسان القتلة على القول الراجح هو إتباع الشرع فيها‬
‫سواء كانت أصعب أو أسهل ‪.‬‬
‫‪8.‬أن نحسن الذبحة‪ ،‬بأن نذبحها على الوجه المشروع‪ ،‬والذبح‬
‫لبد فيه من شروط‪:‬‬
‫)‪ (1‬أهلية الذابح بأن يكون مسلما ً أو كتابيًا‪ ،‬فإن كان وثنيا ً‬
‫لم تحل ذبيحته‪ ،‬وإن كان مرتدّا ً لم تحل ذبيحته‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فتارك الصلة ل تحل ذبيحته لنه ليس مسلما ً ول كتابيًا‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬ما هو الدليل على أن ذبيحة الكتابي حلل؟‬

‫‪1‬‬
‫)النبياء‪(105:‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(216‬‬
‫‪100‬‬
‫ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وط َ َ‬
‫عا ُ‬ ‫فالجواب‪ :‬قول الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫م(‪ 1‬قال ابن عباس رضي الله‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وط َ َ‬
‫عا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح ّ‬
‫ِ‬
‫عنهما‪ :‬طعامهم‪ :‬ما ذبحوه‪ ،‬والكتابي‪ :‬هو اليهودي أو‬
‫النصراني‬
‫)‪ (2‬أن تكون اللة مما يباح الذبح بها‪ ،‬وهي‪ :‬كل ما أنهر الدم‬
‫من حديد أو فضة أو ذهب أو حصى أو قصب‪ ،‬أي شيء لقول‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م الل ِ‬ ‫س ُ‬‫وذُك َِر ا ْ‬‫م َ‬ ‫هَر الدّ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫م أي أساله‪ .‬فلو أن إنسانا ً ذبح‬ ‫كل "ومعنى‪ :‬أن ْ َ‬
‫هَر الدّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫بحجر له حد وأنهر الدم‪ ،‬فالذبيحة حلل‪ ،‬إل أنه يستثنى‬
‫شيئان‪:‬‬
‫السن‪ ،‬والظفر‪ ،‬علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله‪:‬‬
‫فُر َ‬ ‫ما الظّ ْ‬ ‫فعظْم‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫شة " أي‬ ‫حب َ َ‬‫دى ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫"أ ّ‬
‫سكاكين الحبشة‪.‬‬
‫م" أخذ من هذا بعض أهل العلم أن‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫عظ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫س ّ‬‫ما ال ّ‬ ‫قوله‪" :‬أ ّ‬
‫ل الذكاة بها‪ ،‬قالوا‪ :‬لن العلة أعم من‬ ‫جميع العظام ل تح ّ‬
‫المعين وهو المعلول‪ ،‬لنه لو أراد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يقتصر على السن لقال‪ :‬أما السن فسن‪ ،‬لكن‬
‫م" فالعلة أعم‪ ،‬وعلى هذا فجميع‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫عظ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫قال‪" :‬أ ّ‬
‫العظام ل تحل التذكية بها‪.‬‬
‫والحكمة واضحة‪ ،‬لن العظم إن كان من ميتة فل يصح أن‬
‫ُيذكى به‪ ،‬لن التذكية تطهير والميتة نجسة‪ .‬وإن كان العظم‬
‫من طاهرة كعظم شاة مذكاة فل تحل التذكية به‪ ،‬لن عظم‬
‫المذكاة طعام الجن‪ ،‬والتذكية به يفسده على الجن‪ ،‬لنه‬
‫سوف يتلوث بالدم النجس‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله‬
‫ل َ ْ‬ ‫عليه وسلم أنه قال للجن الذين وفدوا عليه‪" :‬ل َك ُ ْ‬
‫م كُ ّ‬
‫عظم ٍ‬
‫ما ً "‪.‬‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ح َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ه َأو َ‬
‫فَر َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬‫ه تَ ِ‬ ‫م الل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ذُك َِر ا ْ‬
‫قد يقول قائل‪ :‬أنا أمر بالعظام تلوح ليس عليها لحم‪ ،‬فما‬
‫الجواب؟‬
‫ل‪ :‬نقول‪ :‬أتؤمن بالله ورسوله؟ فسيقول‪:‬‬ ‫الجواب سهل‪ :‬أو ً‬
‫نعم‪ ،‬نقول‪ :‬هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعليك‬
‫أن تؤمن بذلك‪ ،‬سواء رأيت أم لم تَر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(5‬‬
‫‪101‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عالم الجن عالم غيبي‪ ،‬ولهذا أخبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عن الرجل الذي لم يصل الصبح أنه‪َ :‬با َ‬
‫ل‬
‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ال ّ‬
‫ه‪.‬‬‫في أذُن ِ ِ‬ ‫ن ِ‬‫طا ُ‬
‫إذا ً يستثنى مما ينهر الدم كل عظم‪.‬‬
‫أما الظفر‪ :‬فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه‬
‫مدى الحبشة‪ ،‬أي سكاكينها‪ ،‬ونحن منهيون أن نتشبه‬ ‫ُ‬
‫بالعاجم‪ ،‬والحبشة أعاجم حيث دخلت عليهم العربية بعد‬
‫الفتوحات السلمية‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬لو وجدنا سكاكين ل يستعملها إل الحبشة‬
‫فهل تحل التذكية بها؟‬
‫فالجواب‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬كيف تقولون العبرة بعموم العلة في قوله‪:‬‬
‫َ‬
‫م ول تقولون بعموم العلة هنا؟‬ ‫عظْ ٌ‬ ‫ن َ‬
‫ف َ‬ ‫س ّ‬‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فالجواب‪ :‬أن أظفار الحبشة متصلة بالبدن‪ ،‬وجعلها مدى‬
‫يستلزم أن ل تقص ول تقلم‪ ،‬وهذا خلف الفطرة‪ ،‬لن‬
‫النسان إذا عرف أن أظافره ستكون مدى سيبقيها‪ ،‬لنه‬
‫ربما يحتاجها‪ ،‬فتبين الفرق‪.‬‬
‫وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهة‬
‫العاجم‪ ،‬وعن اتخاذ الظافر‪.‬‬
‫)‪ (3‬إنهار الدم أي إسالته‪ ،‬ويكون إنهار الدم بقطع الودجين‬
‫وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم‪ ،‬وهذان‬
‫العرقان متصلن بالقلب فإذا قطعا انهال الدم بكثرة‬
‫وغزارة‪ ،‬ثم ماتت الذبيحة بسرعة‪.‬‬
‫والدليل على إنهار الدم قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل فاشترط إنهار‬ ‫فك ُ ْ‬
‫ه َ‬‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫وذُك َِر اس ُ‬
‫م الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫هَر الدّ َ‬‫ما أن َ‬ ‫" َ‬
‫الدم"‪.‬‬
‫هل يشترط مع قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء‪ ،‬لن‬
‫الذي في الرقبة أربعة أشياء‪ :‬الودجان ‪ -‬اثنان ‪ -‬والحلقوم‪،‬‬
‫والمريء‪ ،‬فهل يشترط قطع الربعة؟‬
‫فالجواب‪ :‬قطع الربعة لشك أنه أولى وأطهر وأذكى‪ ،‬لكن‬
‫لو اقتصر على قطع الودجين فالصحيح أن الذبيحة حلل‪ ،‬ولو‬
‫اقتصر على قطع المريء والحلقوم فالصحيح أنها حرام‪ ،‬لن‬
‫‪102‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان‪،‬‬
‫وهي التي تذبح ول تفرى أوداجها‪.‬‬
‫وهل يشترط أن يكون قطع الحلقوم من نصف الرقبة‪ ،‬أو‬
‫من أسفلها‪ ،‬أومن أعلها؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يشترط‪ ،‬المهم أن يكون ذلك في الرقبة سواء‬
‫من أعلها مما يلي الرأس‪ ،‬أو من أسفلها مما يلي النحر‪ ،‬أو‬
‫من وسطها‪.‬‬
‫)‪ (4‬ذكر اسم الله عليها عند الذبح‪ ،‬لقول النبي صلى الله‬
‫َ‬
‫ل فإذا كان‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ِ‬ ‫س ُ‬‫وذُك َِر ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أنهَر الدّ َ‬
‫عليه وسلم‪َ :‬‬
‫إنهار الدم شرطا ً فكذلك التسمية شرط‪،‬بل إن الله تعالى‬
‫ْ‬
‫ه وإنه‬‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫أكد هذا بقوله‪) :‬وَل ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫م فالذبيحة حرام‪.‬‬ ‫ق( فإذا ذبح إنسان ذبيحة ولم يس ّ‬ ‫س ُ‬‫ف ْ‬ ‫ل ِ‬
‫‪1‬‬

‫فإذا نسي أن يسمي فإنها حرام‪ ،‬لن الشرط ل يسقط‬


‫بالنسيان بدليل أن الرجل لو صلى محدثا ً ناسيا ً فصلته غير‬
‫ْ‬
‫م‬
‫س ُ‬
‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫صحيحة‪ ،‬ولن الله تعالى قال‪َ ) :‬‬
‫ه(‪ 2‬وأطلق بالنسبة للذابح‪.‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬‫الل ّ ِ‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬فهمنا أن التسمية شرط‪ ،‬وأنه لو تركها‬
‫سهوا ً أو نسيانا ً أو عمدا ً فالذبيحة حرام‪ ،‬لكن ماذا تقولون‬
‫َ‬ ‫في قول الله تعالى‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫و‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬
‫خطَأ َْنا (‪ 3‬فقال الله‪ :‬قد فعلت؟‬ ‫أَ ْ‬
‫مي‪،‬‬‫نقول‪ :‬نحن ل نؤاخذ هذا الذي ذبح الذبيحة ونسي أن يس ّ‬
‫ونقول‪ :‬ليس عليه إثم‪ ،‬لكن بقي الكل إذا جاء يريد أن يأكل‬
‫من هذه وسأل‪ :‬أذكر اسم الله عليها أم ل؟‬
‫فيقال له‪ :‬لم يذكر اسم الله عليها‪ ،‬إذا ً ل يأكل‪ ،‬لكن لو‬
‫فرض أن هذا أكل من هذه الذبيحة ناسيا ً أو جاهل ً فل شيء‬
‫عليه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪:‬إذا قلتم إن هذه البعير التي تساوي ألف‬
‫ما نسي أن يسمي عليها فإنه يلزم منه أن‬ ‫ريال بأنها حرام ل ّ‬
‫تفسدوا أموال الناس؟‬

‫‪1‬‬
‫النعام‪ :‬الية ‪(121‬‬ ‫)‬
‫‪2‬‬
‫]النعام‪[121:‬‬
‫‪3‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(286‬‬
‫‪103‬‬
‫فالجواب‪ :‬نحن لم ُنضع المال‪ ،‬لن كل شيء متروك بأمر‬
‫الله فتركه ليس إضاعة‪،‬بل هو طاعة لله عّز وجل‪ ،‬ألسنا‬
‫نطيع الله ونعطي الزكاة وهي ربع عشر أموالنا‪ ، ،‬فما دمنا‬
‫م الله عليها فإننا لم نضع‬ ‫تركنا هذه الذبيحة التي لم يس ّ‬
‫محّله‬ ‫المال في الواقع‪ ،‬بل وضعناه في حّله و َ‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا حرمناه من الذبيحة هذه المرة فل يمكن أن ينسى‬
‫بعد ذلك أبدًا‪ ،‬بل يمكن أن يسمي عشر مرات ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ر‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫ولدينا آية محكمة قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه(‬ ‫م الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫س ُ‬
‫ا ْ‬
‫يستثنى من قولنا‪ :‬أن يقطع الودجين وهما في الرقبة ما‬
‫ليس مقدورا ً عليه من الحيوان‪،‬فالذي ليس مقدورا ً عليه‬
‫يحل بطعنه في أي موضع كان من بدنه‪ ،‬فلو ندّ لنا بعير ‪ -‬أي‬
‫هرب ‪ -‬وعجزنا عن إدراكه ورميناه بالرصاص وأصابت‬
‫الرصاصة بطنه وخرقت قلبه ومات‪ ،‬فإنه يكون حلل ً لنه غير‬
‫مقدور عليه‪.‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪:‬‬
‫‪1.‬وجوب حد الشفرة‪ ،‬لن ذلك أسهل للذبيحة‪ ،‬فإن ذبح‬
‫بشفرة كاّلة أي ليست بجيدة ولكن قطع ما يجب قطعه‬
‫فالذبيحة حلل لكنه آثم حيث لم يحد الشفرة‪.‬‬
‫وهل يحد الشفرة أمام الذبيحة؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يحد الشفرة أمامها لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أمر أن تحد الشفار‪ ،‬وأن توارى عن البهائم ‪،‬أي‬
‫تغطى‪.‬‬
‫ولنه إذا حدها أمامها فهي تعرف‪ ،‬ولهذا أحيانا ً إذا حد‬
‫الشفرة أمام الذبيحة هربت خوفا ً من الذبح وعجزوا عنها‪.‬‬
‫‪2.‬وجوب إراحة الذبيحة وذلك بسرعة الذبح‪ ،‬فل يبقى هكذا‬
‫يحرحر بل بسرعة لنه أريح لها‪.‬‬
‫ويبقى النظر‪ :‬هل نجعل قوائمها الربع مطلقة‪ ،‬أو نمسك‬
‫بها؟‬
‫فالجواب‪ :‬نجعلها مطلقة ونضع الّرجل على صفحة العنق لئل‬
‫تقوم‪ ،‬وتبقى الرجل واليدي مطلقة‪ ،‬فهذا أريح للذبيحة من‬

‫‪1‬‬
‫]النعام‪[121:‬‬
‫‪104‬‬
‫وجه‪ ،‬وأشد إفراغا ً للدم من وجه آخر‪ ،‬لنه مع الحركة‬
‫والضطراب يخرج الدم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هل من إراحتها ما يفعله بعض الناس بأن‬
‫يكسر عنقها قبل أن تموت من أجل سرعة الموت؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل يجوز هذا‪ ،‬لن في كسر عنقها إيلما ً شديدا ً لها‪،‬‬
‫‪3.‬إذا أراد النسان أن يؤدب أهله‪ ،‬أو ولده فليؤدب بإحسان؟‬
‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع‪" :‬‬
‫حدَا ً ت َك َْر ُ‬ ‫شك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ َ‬
‫ن‬ ‫ه‪َ ،‬‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫هون َ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫فُر َ ْ‬ ‫ن ُ‬‫ن أن ل َ ُيوطِئ ْ َ‬‫ه ّ‬‫علي ْ ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫رح " فنقول‪:‬حتى في‬ ‫مب َ ّ‬
‫غي َْر ُ‬ ‫ً‬
‫ضْرب َا َ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬
‫رُبو ُ‬
‫فاض ِ‬ ‫َ‬
‫ن ذَل ِك َ‬ ‫ْ‬
‫عل َ‬ ‫ف َ‬‫َ‬
‫دب بعنف‪ .‬والله أعلم‬
‫التأديب إذا أدبت فأحسن التأديب ولتؤ ّ‬
‫‪105‬‬

‫الحديث الثامن عشر‬


‫ن‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫عا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫بي‬ ‫عن أ َبي ذَر جن ْدب بن جَنادةَ وأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ّ ُ ُ ِ‬
‫ه صلى الله عليه‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ما َ‬‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ل َر ِ‬ ‫جب َ ٍ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫سن َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ال َ‬‫سي ّئ َ َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫وأت ْب ِ ِ‬ ‫ت‪َ ،‬‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬‫ه َ‬
‫ق الل َ‬ ‫ل‪) :‬ات ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫وسلم َ‬
‫ن " رواه الترمذي وقال‪:‬‬ ‫س بِ ُ ُ‬
‫س ٍ‬‫ح َ‬ ‫ق َ‬
‫خل ٍ‬ ‫ق الّنا َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫ها‪َ ،‬‬ ‫ح َ‬‫م ُ‬‫تَ ْ‬
‫ن صحيح‪.‬‬
‫حديث حسن‪ .‬وفي بعض النسخ‪ :‬حس ٌ‬

‫الشرح‬
‫ه" أي اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل‪،‬‬ ‫ق الل َ‬ ‫قوله‪" :‬ات ّ ِ‬
‫وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫ت" حيث‪ :‬ظرف مكان‪ ،‬أي في أي مكان كنت‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬ ‫" َ‬
‫سواء في العلنية أو في السر‪ ،‬وسواء في البيت أو في‬
‫السوق‪ ،‬وسواء عندك أناس أو ليس عندك أناس‪.‬‬
‫ها" )أتبع( فعل أمر‪ ،‬و )السيئة(‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫" وأ َ‬
‫ح َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة تَ ْ‬‫سن َ َ‬
‫ح َ‬‫ة ال َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫مفعول أول‪ ،‬و)الحسنة( مفعول ثان‪.‬‬
‫ها" جواب المر‪ ،‬ولهذا جزمت‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫م ُ‬ ‫" تَ ْ‬
‫والمعنى‪ :‬إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة‪،‬فهذه الحسنة تمحو‬
‫السيئة‪.‬‬
‫واختلف العلماء ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬هل المراد بالحسنة التي‬
‫تتبع السيئة هي التوبة‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬إذا أسأت فتب‪ ،‬أو المراد‬
‫العموم؟‬
‫الصواب‪ :‬الثاني‪ ،‬أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة‪،‬‬
‫وُزَلفا ً‬
‫ر َ‬
‫ها ِ‬
‫ي الن ّ َ‬ ‫صلةَ طََر َ‬
‫ف ِ‬ ‫قم ِ ال ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫دليل هذا قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫سي َّئات(‬‫ن ال ّ‬
‫هب ْ َ‬‫ت ي ُذْ ِ‬ ‫سَنا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬‬
‫)هود‪ :‬الية ‪(114‬‬
‫‪106‬‬
‫ها" فبين النتيجة هي أنها‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫" َ‬
‫ح َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫سن َ َ‬‫ح َ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫وأت ْب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫تمحوها‪.‬‬
‫ن" أي عامل الناس بخلق حسن‪.‬‬ ‫س بِ ُ ُ‬
‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ق الّنا َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ق‪ :‬هو الصفة‬ ‫خل ْ ُ‬‫خُلق‪ :‬هو الصفة الباطنة في النسان‪ ،‬وال َ‬ ‫وال ُ‬
‫الظاهرة‪،‬والمعنى‪ :‬عامل الناس بالخلق الحسنة بالقول‬
‫وبالفعل‪.‬‬
‫فما هو الخلق الحسن؟‬
‫قال بعضهم‪ :‬الخلق الحسن‪ :‬كف الذى‪ ،‬وبذل الندى‪ ،‬والصبر‬
‫على الذى ‪ -‬أي على أذى الغير ‪ -‬والوجه الطلق‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫و(‬ ‫ف َ‬ ‫ع ْ‬‫ذ ال ْ َ‬‫خ ِ‬ ‫وضابط ذلك ما ذكره الله عّز وجل في قوله‪ُ ) :‬‬
‫أي خذ ما عفا وسهل من الناس‪ ،‬ولترد من الناس أن يأتوك‬
‫مْر‬ ‫على ما تحب لن هذا أمر مستحيل‪ ،‬لكن خذ ما تيسر) ْ‬
‫وأ ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫جب ْل ِ ّ‬ ‫ن( وهل الخلق الحسن ِ‬
‫‪2‬‬
‫هِلي َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫أو يحصل بالكسب؟‬
‫الجواب‪ :‬بعضه جبلي‪ ،‬وبعضه يحصل بالكسب ‪.‬‬
‫من فوائد هذا الحديث‪:‬‬
‫‪1.‬وجوب تقوى الله عّز وجل حيثما كان النسان‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫ت" وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬ ‫ق الله َ‬ ‫"ات ّ ِ‬
‫سواء كنت في العلنية أو في السر‪.‬‬
‫وأيهما أفضل‪ :‬أن يكون في السر أو في العلنية؟‬
‫سي‬ ‫وفي هذا تفصيل‪ :‬إذا كان إظهارك للتقوى يحصل به التأ ّ‬
‫والتباع لما أنت عليه فهنا إعلنها أحسن وأفضل‪ ،‬ولهذا مدح‬
‫الله الذين ينفقون سّرا ً وعلنية‪ ،‬وقال النبي صلى الله عليه‬
‫ها َ‬ ‫فل َ َ‬
‫جُر‬
‫وأ ْ‬ ‫جُر َ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ة َ ُ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫ة َ‬
‫سن ّ ً‬
‫سلم ِ ُ‬ ‫في ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم ‪َ " :‬‬
‫ة"‬‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ها إ َِلى َيوم ِ ال ِ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫أما إذا كان ل يحصل بالظهار فائدة فالسرار أفضل‪،‬لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يظّلهم الله في ظله‪:‬‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫مال ُ ُ‬‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َ َ‬‫حّتى ل َ ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫فا َ‬ ‫خ َ‬ ‫فأ َ ْ‬‫ة َ‬ ‫ق ٍ‬ ‫صد َ َ‬‫صدّقَ ب ِ َ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫"َر ُ‬
‫ه "‪.‬‬ ‫مي ْن ُ ُ‬ ‫ق يَ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت ُن ْ ِ‬
‫وهل الفضل في ترك المعاصي إعلنه أو إسراره؟‬
‫يقال فيه ما قيل في الوامر‬
‫‪1‬‬
‫]العراف‪[199:‬‬
‫‪2‬‬
‫]العراف‪[199:‬‬
‫‪107‬‬
‫ه‬
‫ق الل َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ات ّ ِ‬
‫ت" هل يشمل فعل الوامر في أماكن غير لئقة‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫حي ْث ُ َ‬
‫َ‬
‫كالمراحيض مث ً‬
‫ل؟‬
‫و بقلبك‬ ‫الجواب‪ :‬ل تفعل الوامر في هذه الماكن‪ ،‬ولكن ان ِ‬
‫أنك مطيع لله عّز وجل ممتثل لمره مجتنب لنهيه‪.‬‬
‫ة‬
‫سن َ َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫‪2.‬أن الحسنات يذهبن السيئات لقوله‪ :‬أت ْب ِ ِ‬
‫ها‪.‬‬
‫ح َ‬‫م ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪3.‬فضل الله عّز وجل على العباد وذلك لننا لو رجعنا إلى‬
‫العدل لكانت الحسنة ل تمحو السيئة إل بالموازنة‪ ،‬وظاهر‬
‫الحديث العموم‪.‬‬
‫وهل ُيشترط أن ينوي بهذه الحسنة أنه يمحو السيئة التي‬
‫فعل؟‬
‫فالجواب‪ :‬ظاهر الحديث‪ :‬ل‪ ،‬وهذا من نعمة الله عّز وجل‬
‫على العباد ومن مقتضى كون رحمته سبقت غضبه‪.‬‬
‫ق‬
‫خال ِ ِ‬‫و َ‬ ‫‪4.‬الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ن"‪.‬‬ ‫س بِ ُ ُ‬
‫س ٍ‬
‫ح َ‬‫ق َ‬
‫خل ٍ‬ ‫الّنا َ‬
‫فإن قيل‪ :‬معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحيانا ً هل‬
‫ينافي هذا الحديث أو ل؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل ينافيه‪ ،‬لنه لكل مقام مقال‪ ،‬فإذا كانت‬
‫المصلحة في الغلظة والشدة فعليك بها‪ ،‬وإذا كان المر‬
‫بالعكس فعليك باللين والرفق‪ ،‬وإذا دار المر بين اللين‬
‫والرفق أو الشدة والعنف فعليك باللين والرفق‪ ،‬لن النبي‬
‫في‬ ‫ق ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ب الّر ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ق يُ ِ‬‫في ْ ٌ‬ ‫ه َر ِ‬
‫ن الل َ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ه"والله المو ّ‬ ‫ر ك ُل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫فق‪.‬‬ ‫م ِ‬‫ال ْ‬
‫‪108‬‬

‫الحديث التاسع عشر‬


‫قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫س رضي الله عنهما َ‬ ‫عّبا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫هب ِ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫عّبا ٍ‬ ‫ن أ َِبي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل‪َ) :‬يا‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ً َ‬ ‫ف النبي صلى الله عليه وسلم َيو َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫ه‬‫ظ الل َ‬‫ف ِ‬‫ح َ‬ ‫فظك‪ ،‬ا ْ‬ ‫ه َيح َ‬ ‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت‪:‬ا ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ك ك َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ّ ُ‬‫م إ ِّني أ ُ َ‬ ‫غل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫فا َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫عن َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫وإ ِذَا َ ا ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ل الل َ‬‫سأ ِ‬ ‫ت َ ْ‬ ‫سأل ْ َ‬ ‫ك‪ ،‬إ ِذَا َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جا َ‬ ‫جدهُ ت ُ َ‬ ‫تَ ِ‬
‫عَلى أن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عت َ‬ ‫م َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫مة لو ا ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَلم أ ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫عن ِبالل ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ه َلك‪،‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قد ك َت َب َ ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ك ِإل ِبشي ٍ‬ ‫عو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫ء لَ ْ‬ ‫ك ِبشي ٍ‬ ‫عو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َين َ‬
‫َ‬
‫ء‬
‫م َيضروك إل بشي ٍ‬ ‫ء لَ ْ‬ ‫ك ِبشي ٍ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫معوا َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫وِإن ا ِ ْ‬
‫ف( رواه‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫و َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫قل ُ‬ ‫عت ال َ ْ‬ ‫ك‪ُ ،‬رف َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قد ك َت َب َ ُ‬ ‫َ‬
‫الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح ‪ -‬وفي رواية ‪ -‬غير‬
‫ه في‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ف إلى الل ِ‬
‫عّر ْ‬
‫ك‪ ،‬ت َ َ‬ ‫ما َ‬
‫جدْهُ أ َ‬
‫ه تَ ٍ‬
‫ظ الل َ‬
‫الترمذي‪ِ ) :‬احف ِ‬
‫كن‬‫م يَ ُ‬ ‫ك لَ ْ‬‫ما َأخطأ َ‬ ‫عَلم أن َ‬ ‫وا ْ‬‫ة‪َ ،‬‬‫شد ِ‬‫ك في ال ّ‬ ‫ف َ‬
‫ر ْ‬‫ء َيع ِ‬‫الّرخا ِ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫صَر َ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ْ‬
‫وا ْ‬‫ك‪َ ،‬‬ ‫طئ َ‬
‫كن ل ُِيخ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫صاب َ َ‬
‫ما أ َ‬ ‫و َ‬‫ك‪َ ،‬‬‫ل ُِيصيب َ‬
‫ر ُيسرا ً(‬ ‫كرب‪َ ،‬‬ ‫الصبر‪َ ،‬‬
‫عس ِ‬ ‫ع ال ُ‬‫م َ‬‫ن َ‬‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫ع ال َ ِ‬ ‫م َ‬‫ج َ‬‫فَر َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وأ ّ‬‫ّ ْ ِ َ‬

‫الشرح‬
‫ف النبي" يحتمل أنه راكب معه ويحتمل أنه‬ ‫خل ْ َ‬ ‫قوله "ك ُن ْ ُ‬
‫ت َ‬
‫يمشي خلفه‪،‬وأيا ً كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصايا‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫م" لن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرًا‪ ،‬فإن‬ ‫غل ُ‬ ‫" َيا ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس قد ناهز‬
‫الحتلم يعني من الخامسة عشر إلى السادسة عشر أو‬
‫أقل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت" قال ذلك من أجل أن ينتبه لها‬ ‫ما ٍ‬ ‫ك ك َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫قال‪" :‬إني أ َ‬
‫ك" هذه كلمة عظيمة جليلة واحفظ‬ ‫فظ َ‬ ‫ه َيح َ‬ ‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫"ا ِ ْ‬
‫تعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه‬
‫وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوم به عبادتك ومعاملتك‬
‫وتدعو به إلى الله عّز وجل‪ ،‬واحفظ الله يحفظك في دينك‬
‫وأهلك ومالك ونفسك لن الله سبحانه وتعالى يجزي‬
‫المحسنين بإحسانه وأهم هذه الشياء هو أن يحفظك في‬
‫دينك ويسلمك من الزيغ والضلل لن النسان كلما اهتدى‬
‫ى‬
‫هد ً‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬
‫وا َزادَ ُ‬ ‫هت َدَ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫زاده الله عّز وجل هدى ) َ‬
‫م من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه‬ ‫عل ِ َ‬ ‫م( ‪ ،1‬و ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫ق َ‬‫م تَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫وآَتا ُ‬ ‫َ‬
‫ل يستحق أن يحفظه الله عّز وجل وفي هذا الترغيب على‬
‫حفظ حدود الله عّز وجل ‪.‬‬
‫ك" ونقول في‬ ‫ه ْ‬‫جا َ‬ ‫جدهُ ت َ‬ ‫ه تَ ِ‬‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الكلمة الثانية قال "ا ْ‬
‫ه كما قلنا في الولى‪ ،‬ومعنى تجده تجاهك‬ ‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫قوله‪ :‬ا ْ‬
‫وأمامك معناهما واحد يعني تجد الله عّز وجل أمامك يدلك‬
‫على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه ويذود عنك كل شر‬
‫ول سيما إذا حفظت الله بالستعانة به فإن النسان إذا‬
‫استعان بالله عّز وجل وتوكل عليه كان الله حسبه ول يحتاج‬
‫َ‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سب ُ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ها الن ّب ِ ّ‬ ‫إلى أحد بعد الله قال تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن(‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬
‫‪2‬‬
‫َ‬
‫أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين ولهذا قال‪:‬‬
‫ك" ‪.‬‬ ‫ه َ‬ ‫جا َ‬ ‫جدْهُ ت َ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫"ا ْ‬
‫فا َ‬
‫ه" إذا سالت حاجة فل‬ ‫سأل الل ِ‬ ‫ت َ ْ‬ ‫سأل ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫الكلمة الثالثة‪" :‬إ َ‬
‫تسأل إل الله عّز وجل ول تسأل المخلوق شيئا ً وإذا قدر أنك‬
‫سألت المخلوق ما يقدر عليه فاعلم أنه سبب من السباب‬
‫وأن المسبب هو الله عّز وجل لو شاء لمنعه من إعطائك‬
‫سؤالك فاعتمد على الله تعالى‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)محمد‪(17:‬‬
‫‪2‬‬
‫)النفال‪(64:‬‬
‫‪110‬‬
‫ه" فإذا أردت‬ ‫ن ِبالل ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫وإ ِ َ‬‫الكلمة الرابعة‪َ " :‬‬
‫العون وطلبت العون من أحد فل تطلب العون إل من الله عّز‬
‫وجل‪ ،‬لنه هو الذي بيده ملكوت السموات والرض‪ ،‬وهو‬
‫يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الستعانة بالله وتوكلت عليه‬
‫أعانك‪ ،‬وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه‬
‫سبب‪ ،‬وأن الله هو الذي سخره لك‪ .‬وفي هاتين الجملتين‬
‫دليل على أنه من نقص التوحيد أن النسان يسأل غير الله‪،‬‬
‫ولهذا تكره المسألة لغير الله عّز وجل في قليل أو كثير‪،‬‬
‫عَلى أن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عت َ‬ ‫م َ‬‫جت َ َ‬ ‫مة لو ا ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَلم أ ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫الكلمة الخامسة‪َ " :‬‬
‫ه ل َك "‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قد ك َت َب َ ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ك ِإل ِبشي ٍ‬ ‫عو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫ء لَ ْ‬‫ك ِبشي ٍ‬ ‫عو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َين َ‬
‫المة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك‬
‫بشيء لن ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك‪ ,‬وعلى هذا فإن‬
‫نفع الخلق الذي يأتي للنسان فهو من الله في الحقيقة لنه‬
‫هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله عّز‬
‫وجل ونعلم أن المة ل يجلبون لنا خيرا ً إل بإذن الله عّز‬
‫وجل‪.‬‬
‫َ‬
‫ء‬
‫ك ِبشي ٍ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫معوا َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫الكلمة السادسة ‪" :‬وِإن ا ِ ْ‬
‫ك" وعلى هذا فإن‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫قد ك َت َب َ ُ‬ ‫ء َ‬ ‫م َيضروك إل بشي ٍ‬ ‫لَ ْ‬
‫نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء‬
‫الله وبقدره‪،‬‬
‫ف" يعني أن‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬
‫عت ال ْ‬
‫فت ال ّ‬ ‫و َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫قل ُ‬ ‫الكلمة السابعة‪ُ" :‬رف َ‬
‫ما كتبه الله عّز وجل قد انتهى فالقلم رفعت والصحف‬
‫جفت ول تبديل لكلمات الله ‪.‬‬
‫قوله رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وفي رواية‬
‫ك" وهذا بمعنى‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ه َتجدهُ أ َ‬ ‫ظ الل َ‬ ‫غير الترمذي‪ِ" :‬احف ِ‬
‫ء‬
‫ه في الّرخا ِ‬ ‫ف إلى الل ِ‬ ‫عّر ْ‬ ‫ك‪ ،‬ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جا َ‬ ‫جدهُ ت ُ َ‬ ‫ه تَ ِ‬‫ظ الل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫"ا ْ‬
‫ة" يعني قم بحق الله عّز وجل في حال‬ ‫شد ِ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ر ُ‬‫َيع ِ‬
‫ك في‬ ‫رف َ‬ ‫الرخاء وفي حال الصحة وفي حال الغنى َيع ِ‬
‫ة إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واشتدت‬ ‫شد ِ‬ ‫ال ّ‬
‫حاجتك عرفك بما سبق لك أو بما سبق فعل الخير الذي‬
‫كن‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ك لَ ْ‬‫ما َأخطَأ َ َ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬
‫عَلم أ ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫تعرفت به إلى الله عّز وجل‪َ ".‬‬
‫ك" أي ما وقع عليك‬ ‫كن لُيخطِئ ُ َ‬ ‫ك َلم ي َ ُ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫َ‬ ‫لُيصيب َ َ‬
‫ما أ َ‬ ‫و َ‬‫ك‪َ ،‬‬
‫‪111‬‬
‫فلن يمكن دفعه‪ ،‬وما لم يحصل لك فل يمكن جلبه‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن المعنى‪ ،‬يعني أن ما قدر الله عّز وجل أن يصيبك فإنه ل‬
‫يخطئك‪ ،‬بل لبد أن يقع لن الله قدره‪.‬‬
‫وأن ما كتب الله عّز وجل أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك‬
‫أبدًا‪ ،‬فالمر كله بيد الله‪،‬وهذا يؤدي إلى أن يعتمد النسان‬
‫ع‬‫م َ‬ ‫صَر َ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ْ‬‫وا ْ‬‫على ربه اعتمادا ً كامل ً ثم قال‪َ " :‬‬
‫ر" فهذه الجملة فيها الحث على الصبر‪ ،‬من أجل أن‬ ‫صب ْ ِ‬‫ال ّ‬
‫ينال النصر‪ ،‬والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله وعن‬
‫معصيته وعلى أقداره المؤلمة‬
‫ب" الفرج انكشاف الشدة‬ ‫ع الك َْر ِ‬ ‫م َ‬‫ج َ‬ ‫فَر َ‬ ‫م َأن ال َ‬ ‫عل َ ْ‬‫وا ْ‬‫وقوله‪َ " :‬‬
‫والكرب‪ ،‬فكلما اكتربت المور فإن الفرج قريب‪ ،‬لن الله عّز‬
‫ضطَّر إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عا ُ‬ ‫ذا دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وجل يقول في كتابه‪) :‬أ ّ‬
‫سوء(‪ 1‬فكل يسر بعد عسر بل إن العسر محفوف‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫وي َك ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ن َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫بيسرين ‪ ،‬يسر سابق ويسر لحق قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫سرا ً( ‪ ،2‬قال ابن عباس رضي‬ ‫ر يُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬‫سرا ً * إ ِ ّ‬ ‫ر يُ ْ‬ ‫س ِ‬‫ع ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ب عسٌر ُيسَرين" ‪.‬‬ ‫الله عنه "َلن َيغل ُ َ‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬ملطفة النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو دونه حيث‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ك ك َِلما ٍ‬ ‫م َ‬ ‫غلم إني أ ُ َ‬
‫عل ِ ُ‬ ‫قال‪َ" :‬يا ُ‬
‫‪2.‬أنه ينبغي لمن ألقي كلما ً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ك ك َِلما ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م إني أ ُ َ‬
‫عل ِ ُ‬ ‫غل َ ُ‬‫لفت النتباه‪ ،‬حيث قال‪َ" :‬يا ُ‬
‫فظ الله‬ ‫‪3.‬أن من حفظ الله حفظه الله لقوله‪ " :‬اح َ‬
‫ك"‪.‬‬ ‫فظ َ‬ ‫َيح َ‬
‫‪4.‬أن من أضاع الله ‪ -‬أي أضاع دين الله ‪ -‬فإن الله يضيعه ول‬
‫يحفظه‪،‬‬
‫‪5.‬أن النسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله‪ ،‬ولكن ل‬
‫مانع أن يستعين بغير الله ممن يمكنه أن يعينه‬
‫‪6.‬أن المة لن تستطيع أن تنفع أحدا ً إل إذا كان الله قد كتبه‬
‫له‪ ،‬ولن يستطيعوا أن يضروا أحدا ً إل أن يكون الله تعالى قد‬
‫كتب ذلك عليه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النمل‪ :‬الية ‪(62‬‬
‫‪2‬‬
‫]الشرح‪[6-5:‬‬
‫‪112‬‬
‫‪7.‬أنه يجب على المرء أن يكون معلقا ً رجاءه بالله عّز وجل‬
‫وأن ليلتفت إلى المخلوقين‬
‫ه منه‪ ،‬فقد ثبت عن النبي صلى‬ ‫‪8.‬أن كل شيء مكتوب منت ٍ‬
‫الله عليه وسلم أن الله عّز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن‬
‫‪.‬‬
‫يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنه‬
‫‪9.‬في الرواية الخرى أن النسان إذا تعرف إلى الله عّز‬
‫وجل بطاعته في الصحة والرخاء عرفه الله تعالى في حال‬
‫الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته‪.‬‬
‫‪10.‬أن النسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئا ً فإنه ل‬
‫يخطئه‪ ،‬وأن الله عّز وجل إذا لم يكتب عليه شيئا ً فإنه ل‬
‫يصيبه‪.‬‬
‫‪11.‬البشارة العظيمة للصابرين‪ ،‬وأن النصر مقارن للصبر‪.‬‬
‫‪12.‬فيه البشارة العظيمة أيضا ً بأن تفريج الكربات وإزالة‬
‫الشدائد مقرون بالكرب‪،‬‬
‫‪13.‬البشارة العظيمة أن النسان إذا أصابه العسر فلينتظر‬
‫اليسر‪،‬‬
‫‪14.‬تسلية العبد عند حصول المصيبة‪ ،‬وفوات المحبوب على‬
‫َ‬
‫كن‬ ‫ك لَ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫عَلم أن َ‬
‫ما أ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫أحد المعنيين في قوله‪َ " :‬‬
‫كن ِليصيَبك" فالجملة الولى‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ما أخطأ َ َ‬
‫ك لَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫طئ َ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫ل ُِيخ ِ‬
‫تسلية في حصول المكروه‪،‬والثانية تسلية في فوات‬
‫المحبوب‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫الحديث العشرون‬
‫ي رضي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر ّ‬‫ي الب َدْ ِ‬
‫ر ّ‬
‫صا ِ‬
‫رو الن ْ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع ْ‬
‫ن َ‬ ‫عقَبة ب ِ‬ ‫وٍد ُ‬‫ع ْ‬
‫س ُ‬ ‫م ْ‬‫ي َ‬‫ن أب ْ‬ ‫ع ْ‬‫َ‬
‫ن‬
‫ه صلى الله عليه وسلم )إ ِ ّ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و ُ‬ ‫س ْ‬ ‫قا َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬‫الله عنه َ‬
‫ي‬ ‫لوَلى ِإذا َلم َتست َ ْ‬
‫ح ِ‬
‫ةا ُ‬
‫من ك َل َم ِ الن ّب ُ ّ‬
‫و ِ‬ ‫س ِ‬‫ك الَنا ُ‬ ‫ما َأدَر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ت( رواه البخاري‪.‬‬ ‫شئ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ع َ‬‫صن َ ْ‬‫فا ْ‬

‫الشرح‬
‫س" )من( هنا للتبعيض‪ ،‬أي إن‬ ‫ك النا ُ‬‫مما َأدَر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله‪" :‬إ ِ ّ‬
‫بعض الذي أدركه الناس من كلم النبوة الولى‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫لوَلى يعني السابقة‪ ،‬فيشمل النبوة الولى‬ ‫ةا ُ‬ ‫و ِ‬ ‫وقوله‪ :‬النب َ‬
‫على الطلق‪ ،‬والنبوة الولى بالنسبة لنبوة النبي صلى الله‬
‫لوَلى أي السابقة ‪.‬‬ ‫ةا ُ‬ ‫و ِ‬
‫عليه وسلم فعليه نفسر ‪ :‬النب َ‬
‫شئت" هذه الكلمة من كلم‬ ‫ما ِ‬‫صَنع َ‬ ‫فا ْ‬‫ي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫"إذا َلم َتست َ ْ‬
‫النبوة الولى‪ ،‬والحياء هو عبارة عن انفعال يحدث للنسان‬
‫عند فعل ما ل يجمله ول يزينه‪ ،‬فينكسر ويحصل الحياء‪.‬‬
‫ي" يحتمل معنيين‪:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫وقوله‪ِ" :‬إذا َلم َتست َ ْ‬
‫المعنى الول‪:‬إذا لم تكن ذا حياء صنعت ما تشاء‪ ،‬فيكون‬
‫المر هنا بمعنى الخبر‪ ،‬لنه ل حياء عنده‪،‬‬
‫حيى منه فاصنعه ول‬ ‫المعنى الثاني‪ :‬إذا كان الفعل ل ُيست َ َ‬
‫ل‪.‬‬
‫تبا ِ‬
‫فالول عائد على الفاعل‪ ،‬والثاني عائد على الفعل‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬ل تترك شيئا ً إذا كان ل ُيسَتحيى منه‪.‬‬
‫شئت" أي افعل‪،‬والمر هنا للباحة على‬ ‫ما ِ‬ ‫وقوله‪" :‬فاصَنع َ‬
‫المعنى الثاني‪،‬أي إذا كان الفعل مما ل يستحيى منه فل‬
‫حرج‪.‬‬
‫وهي للذم على المعنى الول‪ ،‬أي أنك إذا لم يكن فيك حياء‬
‫صنعت ما شئت‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الثار عن المم السابقة قد تبقى إلى هذه المة‪،‬‬
‫وما سبق عن المم السابقة إما أن ينقل عن طريق الوحي‬
‫في القرآن‪ ،‬أو في السنة ‪،‬أو يكون مما تناقله الناس‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫وأما ما يؤثر عن النبوة الولى‪ :‬فهذا ينقسم إلى ثلثة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪:‬ما شهد شرعنا بصحته‪،‬فهو صحيح مقبول‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬ما شهد شرعنا ببطلنه‪ ،‬فهو باطل مردود‪.‬‬
‫القسم الثالث‪:‬ما لم يرد شرعنا بتأييده ول تفنيده‪،‬فهذا‬
‫يتوقف فيه‪،‬وهذا هو العدل‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك ل بأس أن يتحدث به النسان في المواعظ‬
‫طب أنه صحيح‪.‬‬ ‫ش أن يفهم المخا َ‬ ‫وشبهها إذا لم يخ َ‬
‫شئت مأثورة‬ ‫ما ِ‬‫ي فاصَنع َ‬‫ح ِ‬‫‪ -2‬أن هذه الجملة‪ِ :‬إذا َلم َتست َ ْ‬
‫عمن سبق من المم‪ ،‬لنها كلمة توجه إلى كل خلق جميل‪.‬‬
‫‪ -3‬الثناء على الحياء‪ ،‬سواء على الوجه الول أو الثاني‪ ،‬وقد‬
‫ة‬
‫شعب َ ٌ‬‫حَياءُ ُ‬
‫ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ :‬ال َ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬
‫لي َ‬‫نا ِ‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫والحياء نوعان‪:‬‬
‫الول‪:‬فيما يتعلق بحق الله عّز وجل‪.‬‬
‫الثاني‪:‬فيما يتعلق بحق المخلوق‪.‬‬
‫أما الحياء فيما يتعلق بحق الله عّز وجل فيجب أن تستحي‬
‫من الله عّز وجل أن يراك حيث نهاك‪ ،‬وأن يفقدك حيث‬
‫أمرك‪.‬‬
‫ف عن كل ما يخالف المروءة‬ ‫وأما الحياء من المخلوق فأن تك ّ‬
‫والخلق‪.‬‬
‫ثم الحياء نوعان أيضا ً من وجه آخر‪:‬‬
‫نوع غريزي طبيعي‪ ،‬ونوع آخر مكتسب‪.‬‬
‫والول أفضل وهو الحياء الغريزي‪.‬‬
‫ولكن اعلم أن الحياء خلق محمود إل إذا منع مما يجب‪ ،‬أو‬
‫أوقع فيما يحرم ‪ ،‬فإذا منع مما يجب فإنه مذموم كما لو‬
‫منعه الحياء من أن ينكر المنكر مع وجوبه‪ ،‬فهذا حياء مذموم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولكن بشرط أن يكون ذلك واجبا ً وعلى‬ ‫أنكر المنكر ول تبا ِ‬
‫حسب المراتب والشروط‪ ،‬وحياء ممدوح وهو الذي ل يوقع‬
‫صاحبه في ترك واجب ول في فعل محرم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن من خلق النسان الذي ل يستحيي أن يفعل ما شاء ول‬
‫يبالي ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ -5‬ومن فوائد الحديث على المعنى الثاني‪ :‬أن ما ل يستحيى‬
‫ما‬
‫فاصَنع َ‬‫ي َ‬
‫ح ِ‬‫ذا َلم َتست َ ْ‬
‫منه فالنسان حل في فعله لقوله‪ :‬إ َ‬
‫شئت‪.‬‬‫ِ‬
‫‪ -6‬فيه الرد على الجبرية‪ ،‬لثبات المشيئة للعبد‪ .‬والله‬
‫الموفق‪.‬‬
‫الحديث الحادي والعشرون‬
‫ه‬ ‫س ْ‬ ‫قي َ َ‬ ‫َ‬
‫د الل ِ‬‫عب ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫نب ِ‬ ‫فَيا َ‬ ‫مَرةَ ُ‬ ‫يع ْ‬ ‫ل‪،‬أب ْ‬ ‫و ِ ْ‬
‫رو‪َ ،‬‬ ‫م ٍ‬‫ع ْ‬‫ي َ‬ ‫ن أب ْ‬ ‫ع ِ‬‫َ‬
‫في‬ ‫ي ِ‬ ‫ل لِ ْ‬‫ق ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل الل ِ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬‫ت َيا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬‫ل‪ُ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫رضي الله عنه َ‬
‫غي َْر َ‬‫حدَا ً َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫من ْ ُ‬‫لآ َ‬‫ق ْ‬ ‫ل‪ُ " :‬‬ ‫قا َ‬‫ك؟ َ‬ ‫هأ َ‬‫ل َ ُ‬ ‫ول ً ل َ أ ْ‬ ‫ق ْ‬‫سلم ِ َ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫م"‬‫ق ْ‬
‫م است َ ِ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫بالل ِ‬

‫الشرح‬
‫قوله‪" :‬قل لي في السلم " أي في الشريعة‪.‬‬
‫قول ً ل أسأل عنه أحدا ً غيرك يعني قول ً يكون حدا ً فاصل ً‬
‫جامعا ً مانعًا‪.‬‬
‫قم"‬ ‫م است َ ِ‬ ‫ه" وهذا في القلب "ث ُ ّ‬ ‫ت ِبالل ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫قل آ َ‬ ‫فقال له‪ُ " :‬‬
‫على طاعته‪ ،‬وهذا في الجوارح‪.‬‬
‫ه"‬
‫ت ِبالل ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين‪" :‬آ َ‬
‫قم" وهذا في عمل الجوارح‪.‬‬ ‫م است َ ِ‬‫محل اليمان القلب "ث ُ ّ‬
‫وهذا حديث جامع‪ ،‬من أجمع الحاديث‪.‬‬
‫ت يشمل قول اللسان وقول القلب‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫قل آ َ‬ ‫فقوله‪ُ :‬‬
‫قال أهل العلم‪:‬قول القلب‪:‬هو إقراره واعترافه‪.‬‬
‫ه" أي أقررت به على حسب ما يجب علي من‬ ‫ت ِبالل ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫"آ َ‬
‫اليمان بوحدانيته في الربوبية واللوهية والسماء‬
‫والصفات‪.‬‬
‫قم" أي سر على صراط مستقيم‪ ،‬فل‬ ‫ثم بعد اليمان "ِاست َ ِ‬
‫تخرج عن الشريعة ل يمينا ً ول شما ً‬
‫ل‪.‬‬
‫هاتان الكلمتان جمعتا الدين كله‪.‬‬
‫فلننظر‪ :‬اليمان بالله يتضمن الخلص له في العبادة‪،‬‬
‫والستقامة تتضمن التمشي على شريعته عّز وجل‪ ،‬فيكون‬
‫جامعا ً لشرطي العبادة وهما‪ :‬الخلص والمتابعة‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم‪ ،‬وذلك لما يرد‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم منهم من السئلة‪.‬‬
‫‪2.‬عقل أبي عمرو أو أبي عمرة رضي الله عنه حيث سأل‬
‫هذا السؤال العظيم الذي فيه النهاية‪ ،‬ويستغنى عن سؤال‬
‫أي أحد‪.‬‬
‫‪3.‬أن النسان ينبغي له أن يسأل عن العلم السؤال الجامع‬
‫قول ً ل‬‫المانع حتى ل تشتبه عليه العلوم وتختلط‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ل‬‫غي َْرك"‪،‬وفي هذا إشكال وهو قوله‪" :‬ل َأسأ َ ُ‬ ‫حدَا ً َ‬ ‫عن َ‬
‫هأ َ‬ ‫ل َ ُ‬ ‫َأسأ َ ُ‬
‫غي َْرك" فهل يمكن أن يسأل الصحابة رضي الله‬ ‫حدَا ً َ‬ ‫عن َ‬
‫هأ َ‬ ‫َ ُ‬
‫عنهم أحدا ً غير رسول الله في أمور الدين؟‬
‫ن يفوقه في العلم‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫فالجواب‪ :‬نعم ‪ ،‬يمكن أن يسأل أحدهم َ‬
‫وهذا وارد‪ ،‬ثم هذه الكلمة تقال حتى وإن لم يكن يسأل ‪،‬‬
‫لكن تقال من أجل أن يهتم المسؤول بالجواب‪.‬‬
‫‪4.‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم حيث‬
‫قم"‬ ‫م است َ ِ‬‫ه‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫ت ِبالل ِ‬
‫من ُ‬
‫جمع كل الدين في كلمتين‪":‬آ َ‬
‫‪5.‬التعبير بكلمة الستقامة دون التعبير المشهور عند الناس‬
‫الن بكلمة اللتزام‪ ، ،‬والصواب أن يقال‪ :‬فلن مستقيم كما‬
‫جاء في القرآن والسنة ‪.‬‬
‫‪6.‬أن من قصر في الواجبات فما استقام‪،‬‬
‫‪7.‬أنه ينبغي للنسان أن يتفقد نفسه دائمًا‪ :‬هل هو مستقيم‬
‫أو غير مستقيم؟ فإن كان مستقيما ً حمد الله وأثنى عليه‬
‫وسأل الله الثبات‪ ،‬وإن كان غير مستقيم وجب عليه‬
‫الستقامة وأن يعدل سيره إلى الله عّز وجل‪.‬‬
‫فالستقامة وصف عام شامل لجميع العمال ‪ ،‬والله الموفق‬
‫‪117‬‬

‫الحديث الثاني والعشرون‬


‫ي رضي الله‬ ‫ر ّ‬‫صا ِ‬
‫َ‬
‫ه الن ْ َ‬
‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫رب ِ‬‫جاب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫عب ْ ِ‬‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َأب‬
‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ف َ‬ ‫ل النبي صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫سأ َ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عنه أ ّ‬
‫"أ َرَأيت إذا صل ّيت المك ُْتوبات‪ ،‬وصمت رمضان‪َ ،‬‬
‫ت‬‫وأحَلل ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫خ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫شيئا أد ُ‬ ‫ك َ‬ ‫على ذَل ِ َ‬ ‫زد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حل َ َ‬
‫مأ ِ‬ ‫ول ْ‬ ‫م‪َ ،‬‬‫حَرا َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر ْ‬ ‫و َ‬‫ل‪َ ،‬‬ ‫ال َ‬
‫م"رواه مسلم‬ ‫ع ْ‬ ‫ل‪ :‬ن َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫جّنة ؟ َ‬ ‫ال َ‬

‫الشرح‬

‫يقول جابر رضي الله عنه‪ :‬إن رجل ً سأل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهذا الرجل ل نحتاج لمعرفة عينه‪ ،‬لن‬
‫المقصود القضية التي وقعت‪ ،‬ول نحتاج إلى التعب في‬
‫البحث عنه‪،‬اللهم إل أن يكون تعيينه مما يختلف به الحكم‬
‫فلبد من التعيين‪.‬‬
‫ت" بمعنى أخبرني‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫وقوله "أَرأي َ‬
‫مكتوَبات" وهن خمس صلوات في اليوم‬ ‫ت ال َ‬ ‫صلي ُ‬ ‫ِإذا " َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صلةَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫والليلة كما قال عّز وجل‪) :‬إ ِ ّ‬
‫قوتا ً(‪ 1‬وغير الخمس ل يجب إل لسبب يقتضيه‪ ،‬وهذا‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫ك َِتابا ً َ‬
‫ُيعَرف بالتأمل‪.‬‬
‫ضان" أي الشهر المعروف‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ت َر َ‬ ‫وصم ُ‬ ‫" َ‬
‫َ‬
‫ل" أي فعلت الحلل معتقدا ً حله‪ ،‬هذا معنى‬ ‫حل َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫وأحَلل ُ‬ ‫" َ‬
‫قوله‪" :‬أحَللت" لن أحل الشيء لها معنيان‪:‬‬ ‫َ‬
‫المعنى الول‪:‬العتقاد أنه حلل‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪:‬العمل به‪.‬‬
‫م" أي اجتنبت الحرام معتقدا ً تحريمه‪.‬‬ ‫حَرا َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫حّرم ُ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(103‬‬
‫‪118‬‬
‫ولكن النووي ‪-‬رحمه الله‪ -‬بعد أن ساق الحديث لم يقيد‬
‫الحرام بكونه معتقدا ً تحريمه‪،‬لن اجتناب الحرام خير وإن لم‬
‫يعتقد أنه حرام‪ ،‬لكن إذا اعتقد أنه حرام صار تركه للحرام‬
‫عبادة لنه تركه لعتقاده أنه حرام‪.‬‬
‫جنة" يعني أأدخل الجنة‪ ،‬والجنة هي دار النعيم التي‬ ‫خل ال َ‬ ‫"َأد ُ‬
‫أعدها الله عّز وجل للمتقين‪ ،‬فيها مال عين رأت‪ ،‬ول أذن‬
‫سمعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪،‬والجنة فيها فاكهة ونخيل‬
‫ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبن وعسل‪.‬‬
‫السم مطابق لسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة‬
‫لها غاية المخالفة‬
‫عم ونعم حرف جواب لثبات المسؤول عنه‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ن َ َ‬
‫نعم تدخل الجنة ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال‪.‬‬
‫‪2.‬بيان غايات الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬وأن غاية الشيء‬
‫عندهم دخول الجنة‪ ،‬ل كثرة الموال‪ ،‬ول كثرة البنين‪ ،‬ول‬
‫الترفه في الدنيا مما يدل على كمال غاياتهم رضي الله‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪3.‬أن النسان إذا اقتصر على الصلة المكتوبة فل لوم عليه‪،‬‬
‫ت‬ ‫َ َ‬
‫صلي ُ‬
‫ت ِإذا َ‬‫ول يحرم من دخول الجنة ‪ ،‬لقوله‪" :‬أَرأي َ‬
‫مكتوَبات"‪.‬‬
‫ال َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قال المام أحمد ‪ -‬رحمه الله‪ -‬فيمن ترك‬
‫الوتر‪ :‬هو رجل سوء ل ينبغي أن تقبل له شهادة؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن كونه رجل سوء ل يمنعه من دخول الجنة‪ ،‬فهو‬
‫رجل سوء ترك الوتر وأقله ركعة مما يدل على أنه مهمل ول‬
‫يبالي إذ لم يطلب منه ركعات كثيرة‪ ،‬بل ركعة واحدة ومع‬
‫ذلك يتركها‪.‬‬
‫‪4.‬أن الصلوات وكذلك الصوم من أسباب دخول الجنة‪،‬‬
‫‪5.‬أن ل يمتنع النسان من الحلل‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫حلل"‬ ‫وأحَلل ُ‬
‫ت ال َ‬ ‫َ‬
‫ي مذموم‬ ‫فكون النسان يمتنع من الحلل لغير سبب شرع ّ‬
‫وليس بمحمود‪.‬‬
‫‪6.‬إن الحرام‪ :‬ما حرمه الله تعالى في كتابه‪ ،‬أو على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ‪،‬وتحليل الحلل وتحريم الحرام‬
‫‪119‬‬
‫هو عام في جميع المحللت وجميع المحرمات‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫عم ‪.‬‬ ‫ل‪:‬ن َ َ‬ ‫جنة؟ َ‬
‫قا َ‬ ‫خل ال َ‬ ‫َأد ُ‬
‫وفي هذا الحديث إشكال‪ :‬أن الرجل قال‪ :‬لم أزد على ذلك‬
‫شيئًا‪ .‬وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم تدخل الجنة‪،‬‬
‫مع أنه نقص من أركان السلم الزكاة والحج‪،‬والزكاة‬
‫مفروضة قبل الصيام‪،‬يعني فل يقال‪ :‬لعل هذا الحديث قبل‬
‫أن تفرض الزكاة‪ ،‬أما الحج فيمكن أن نقول إن هذا الحديث‬
‫قبل فرض الحج‪،‬لكن ل يمكن أن نقول إنه قبل فرض‬
‫الزكاة‪ ،‬فما الجواب عن هذا؟‬
‫الجواب أن يقال‪ :‬لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من‬
‫حال الرجل أنه ليس ذا مال‪ ،‬وعلم أنه إذا كان ذا مال‬
‫رام" ومنع‬ ‫ح َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫حّرم ُ‬ ‫و َ‬
‫فسوف يؤدي الزكاة‪،‬لنه قال‪َ " :‬‬
‫الزكاة من الحرام‪.‬‬
‫أما الحج فما أسهل أن نقول‪ :‬لعل هذا الحديث قبل فرض‬
‫الحج‪ ،‬لن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة‪.‬‬
‫وأما قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ه(‪1‬فهذا فرض‬ ‫مَرةَ ل ِل ّ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫موا ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وأت ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫حّرم َ‬ ‫إتمامه ل ابتدائه‪ .‬وقد يقال‪ :‬ذلك داخل في قوله‪َ " :‬‬
‫م" لن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام‪.‬‬ ‫حَرا َ‬‫ال َ‬
‫ة؟‬
‫جن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ال َ‬ ‫‪7.‬أن الجواب بـ‪ :‬نعم إعادة للسؤال‪ ،‬لن قوله‪ :‬أأدْ ُ‬
‫م يعني تدخل الجنة‪ ،‬ولهذا لو سئل الرجل فقيل له‪:‬‬ ‫ع ْ‬ ‫قا َ‬
‫ل‪ :‬ن َ َ‬ ‫َ‬
‫ت امرأتك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فإنها تطلق لن قوله‪:‬نعم‪ ،‬أي‬ ‫أطّلق َ‬
‫طلقتها‪.‬‬
‫م اجتنبته‪،‬‬ ‫حَرا َ‬‫ت ال َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫قال النووي ‪ -‬رحمه الله‪ -‬ومعنى َ‬
‫َ‬
‫ه(‪.‬إهـ‬ ‫حل ّ ُ‬‫ل فعلته معتقدا ً ِ‬ ‫حل َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫حل َل ْ َ‬
‫ومعنى أ ْ‬
‫وهناك معنى آخر غير الذي ذكره النووي ‪ -‬رحمه الله وهو‪:‬‬
‫أن تعتقد أن الحرام حرام ولبد‪ ،‬لنك إذا لم تعتقد أن الحرام‬
‫حرام فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي‪ ،‬وإذا لم تعتقد أن‬
‫الحلل حلل فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي‪ ،‬فلبد من أن‬
‫ل‪ ،‬والحرام حرامًا‪.‬‬ ‫تعتقد الحلل حل ً‬
‫وتفسير النووي ‪ -‬رحمه الله‪ -‬فيه شيء من القصور‪ .‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(196‬‬
‫‪120‬‬

‫الحديث الثالث والعشرون‬


‫ه‬ ‫صم ال َ ْ‬ ‫َ‬
‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫ر ّ‬ ‫ع ِ‬‫ش َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ثب ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ك ال َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫هوُر‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم‪( :‬الطّ ُ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن‪ ،‬و ُ‬ ‫مل ُ الميزا َ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫مدُ لل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن‪ ،‬وال َ‬ ‫ما ِ‬ ‫شطُْر ال ِي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ء والْر ِ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫مل ‪َ -‬‬ ‫ن ‪ -‬أو ت َ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫مدُ لل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫وال َ‬
‫ن‬
‫قْرآ ُ‬ ‫وال ُ‬ ‫ء‪َ ،‬‬ ‫ضَيا ٌ‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ها ٌ‬ ‫ة ب ُْر َ‬ ‫ق ُ‬ ‫صد َ َ‬ ‫صلةُ ُنوٌر‪ ،‬وال ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫عت ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ك‪ ،‬ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫علي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ةل َ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫م ْ‬
‫ف ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫فَبائ ِ ٌ‬ ‫غ ُ‬‫س يَ ْ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫ك أو َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫ها)رواه مسلم‪.‬‬ ‫موب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫أو ُ‬

‫الشرح‬
‫ن أي نصفه‪ ،‬وذلك أن اليمان ‪-‬‬ ‫ما ِ‬‫شطُْر ال ِي ْ َ‬ ‫قوله‪ :‬الطّ ُ‬
‫هوُر َ‬
‫كما يقولون ‪ -‬تخلية وتحلية ‪.‬‬
‫التخلية ‪ :‬بالطهور‪ ،‬والتحلية‪ :‬بفعل الطاعات‪.‬‬
‫فوجه كون الطهور شطر اليمان‪ :‬أن اليمان إما فعل وإما‬
‫ترك‪.‬‬
‫هٌر‪ ،‬والفعل إيجاد‪.‬‬ ‫ك ت َطَ ّ‬
‫والّتر ُ‬
‫‪121‬‬
‫ن" قيل في معناه‪ :‬التخلي عن‬ ‫ما ِ‬ ‫شطُْر ال ِي ْ َ‬ ‫فقوله‪َ " :‬‬
‫ما‬‫الشراك لن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫جس(‪ 1‬فلهذا كان الطهور شطر اليمان‪ ،‬وهذا‬ ‫ن نَ َ‬
‫كو َ‬ ‫ر ُ‬‫ش ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫م‪.‬‬‫المعنى أحسن وأع ّ‬
‫ن" يعني قول القائل‪ :‬الحمد لله‬ ‫ميَزا َ‬ ‫مل ُ ال ِ‬ ‫ه تَ ْ‬
‫د لل ِ‬‫م ُ‬‫ح ْ‬‫وال َ‬
‫" َ‬
‫يمتلئ الميزان بها‪ ،‬أي الميزان الذي توزن به العمال كما‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫ط ل ِي َ ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ق ْ‬ ‫زي َ‬
‫وا ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ض ُ‬
‫ون َ َ‬
‫قال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫ل أ َت َي َْنا‬
‫خْردَ ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫حب ّ ٍ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫شْيئا ً َ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬‫فل ت ُظْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ن(‬
‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬‫فى ب َِنا َ‬ ‫وك َ َ‬‫ها َ‬‫بِ َ‬
‫مل –" )أو( هذه‬ ‫ُ‬
‫ن ‪ -‬أو ت َ ْ‬ ‫مل ِ‬‫ه تَ ْ‬
‫حمدُ لل ِ‬ ‫وال َ‬‫ه‪َ ،‬‬‫ن الل ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫و ُ‬
‫" َ‬
‫شك من الراوي‪ ،‬يعني هل قال‪ :‬تملن ما بين السماء‬
‫والرض‪ ،‬أو قال‪:‬تمل ما بين السماء والرض‪ .‬والمعنى ل‬
‫يختلف‪ ،‬ولكن لحرص الرواة على تحّري اللفاظ يأتون بمثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫"سبحان الله والحمد لله"‪ :‬فيها نفي وإثبات‪ .‬النفي في‬
‫ه" أي تنزيها ً لله عّز وجل عن كل ما ل‬ ‫ن الل ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫قوله‪ُ " :‬‬
‫يليق به‪ ،‬والذي ينزه الله تعالى عنه ثلثة أشياء‪:‬‬
‫الول‪ :‬صفات النقص‪ ،‬فل يمكن أن يتصف بصفة نقص‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬النقص في كماله‪ ،‬فكماله ل يمكن أن يكون فيه‬
‫نقص‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مشابهة المخلوق‪.‬‬
‫ذي ل‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬‫وت َ َ‬‫ودليل الول قول الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫‪3‬‬
‫ت(‬ ‫مو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ول‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذُهُ ِ‬ ‫فنفى عنه الموت لنه نقص‪ ،‬وقوله‪ ) :‬ل ت َأ ْ ُ‬
‫سَنة والنوم لنهما نقص‪.‬‬ ‫ه( فنفى عنه ال ّ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫و ٌ‬‫نَ ْ‬
‫‪4‬‬

‫ت‬‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫ودليل الثاني‪ :‬قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن لُ ُ‬ ‫في ست ّ َ‬ ‫َ‬
‫ب(‬ ‫غو ٍ‬ ‫م ْ‬‫سَنا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ة أّيام ٍ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬
‫ما ب َي ْن َ ُ‬‫و َ‬‫ض َ‬‫واْلْر َ‬
‫‪5‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫فخلق هذه المخلوقات العظيمة قد يوهم أن يكون بعدها‬
‫ب(‪.‬‬ ‫غو ٍ‬ ‫ن لُ ُ‬‫م ْ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫نقص أي تعب وإعياء فقال‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫)التوبة‪ :‬الية ‪(28‬‬
‫‪2‬‬
‫)النبياء‪(47:‬‬
‫‪3‬‬
‫)الفرقان‪(58:‬‬
‫‪4‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(255‬‬
‫‪5‬‬
‫ق‪(38:‬‬
‫)ّ‬
‫‪122‬‬
‫و‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫يءٌ َ‬
‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ودليل الثالث‪ :‬قول الله تعالى‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫ر(‪ 6‬حتى في الكمال الذي هو كمال في‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬
‫صي ُ‬ ‫مي ُ‬
‫س ِ‬
‫ال ّ‬
‫المخلوق فالله تعالى ل يماثله‪.‬‬
‫ه الحمد يكون على صفات الكمال‪ ،‬فالحمد هو‬ ‫مدُ لل ِ‬
‫ح ْ‬
‫وال َ‬
‫َ‬
‫وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم‪ ،‬فتكون هذه‬
‫ه" فيها‪ :‬نفي النقص‬‫مدُ لل ِ‬
‫ح ْ‬
‫ه‪ ،‬وال َ‬
‫ن الل ِ‬
‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬‫الجملة‪ُ " :‬‬
‫بالنواع الثلثة‪ ،‬وإثبات الكمال‪.‬‬
‫ض" والذي بين‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫والْر ِ‬‫ماء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ما ب َي ْ َ‬
‫مل ‪َ -‬‬‫ن ‪ -‬أو ت َ ْ‬
‫"َتمل ِ‬
‫ز وجل‪.‬‬
‫السماء والرض مسافة ل يعلمها إل الله ع ّ‬
‫وظاهر الحديث‪ :‬أنها تمل ُ ما بين السماء والرض ليس في‬
‫منطقتك وحدك‪ ،‬بل في كل المناطق‪.‬‬
‫صلةُ نوٌر" أي صلة الفريضة والنافلة نور‪ ،‬نور في‬ ‫وال ّ‬ ‫" َ‬
‫القلب‪ ،‬ونور في الوجه‪ ،‬ونور في القبر‪ ،‬ونور في الحشر‪،‬‬
‫لن الحديث مطلق‪ ،‬وجّرب تجد‪.‬‬
‫ة" الصدقة‪ :‬بذل المال للمحتاج تقّربا ً إلى الله عّز‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫"وال ّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫دق‪.‬‬‫ن" أي دليل على صدق إيمان المتص ّ‬ ‫ها ٌ‬ ‫"ب ُْر َ‬
‫وجه ذلك‪ :‬أن المال محبوب للنفوس‪ ،‬ول يبذل المحبوب إل‬
‫ل على إيمان المتصدق‪ ،‬ولهذا‬ ‫في طلب ما هو أحب‪ ،‬وهذا يد ّ‬
‫سمى النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة برهانًا‪.‬‬
‫ضَياءٌ الصبر‪ :‬حبس النفس عما يجب الصبر عنه‬ ‫صبُر ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫وعليه‪ ،‬قال أهل العلم‪ :‬والصبر ثلثة أنواع‪:‬‬
‫الول‪ :‬صبر عن معصية الله‪ :‬بمعنى أن تحبس نفسك عن‬
‫فعل المحّرم حتى مع وجود السبب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬صبر على طاعة الله‪ :‬بأن يحبس النسان نفسه على‬
‫الطاعة‬
‫الثالث‪ :‬صبر على أقدار الله‪ :‬فإن الله تعالى يقدر للعبد ما‬
‫يلئم الطبيعة وما ل يلئم‪ ،‬والذي ل يلئم يحتاج إلى صبر‪،‬‬
‫خط القلبي أو القولي أو الفعلي‬ ‫بأن يحبس نفسه عن التس ّ‬
‫إذا نزلت به مصيبة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫)الشورى‪ :‬الية ‪(11‬‬
‫‪123‬‬
‫وهناك مرتبة فوق الصبر وهي الرضا بأقدار الله‪ ،‬والرضا‬
‫بأقدار الله أكمل حال ً من الصبر على أقدار الله‪.‬‬
‫والفرق‪ :‬أن الصابر قد تأّلم قلبه وحزن وانكسر‪ ،‬لكن منع‬
‫نفسه من الحرام‪.‬‬
‫والراضي‪ :‬قلبه تابع لقضاء الله وقدره‪ ،‬فيرضى ما اختاره‬
‫ش مع القضاء والقدر إيجابا ً‬ ‫مه ‪ ،‬فهو متم ّ‬ ‫الله له ول يه ّ‬
‫ونفيًا‪.‬‬
‫وأي أنواع الصبر الثلثة أفضل؟‬
‫نقول‪ :‬أما من حيث هو صبر فالفضل الصبر على الطاعة‪،‬‬
‫ثم الصبر عن المعصية‪ ،‬ثم الصبر على القدار‪ ،‬لن القدار ل‬
‫حيلة لك فيها ‪.‬‬
‫أما من حيث الصابر‪ :‬فأحيانا ً تكون معاناة الصبر عن‬
‫المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة‪.‬‬
‫ضَياءٌ" ولم يقل‪ :‬إنه نور‪ ،‬والصلة قال ‪ :‬إنها نور‪.‬‬ ‫صب ُْر ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫" َ‬
‫ع َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫وذلك لن الضياء فيه حرارة‪،‬كما قال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫ضَياءً (‪ 1‬ففيه حرارة‪ ،‬والصبر فيه حرارة ومرارة‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫لنه شاق على النسان‪ ،‬ولهذا جعل الصلة نورًا‪ ،‬وجعل‬
‫الصبر ضياءً لما يلبسه من المشقة والمعاناة‪.‬‬
‫ك" القرآن هو كلم الله عّز وجل‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ك َأو َ‬
‫ة لَ َ‬
‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫قرآ ُ‬ ‫"وال ُ‬
‫الذي نزل به جبريل المين القوي على قلب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من عند الله تعالى‪ ،‬ل تبديل فيه ول تغيير‪ ،‬ولهذا‬
‫وصف الله تعالى جبريل الذي هو رسول الله إلى محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه قوي أمين كما قال الله عّز وجل‪:‬‬
‫ن*‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬‫ش َ‬ ‫عن ْدَ ِذي ال ْ َ‬
‫عْر ِ‬ ‫ة ِ‬‫و ٍ‬ ‫م* ِذي ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ل كَ ِ‬
‫ري ٍ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫و ُ‬‫ق ْ‬‫ه لَ َ‬ ‫)إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ن( ليتبّين أنه عليه السلم أمين على القرآن‬ ‫مي ٍ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ع ثَ ّ‬ ‫مطا ٍ‬
‫‪2‬‬

‫قوي على حفظه وعدم التلعب به‪.‬‬


‫هذا القرآن كلم الله عّز وجل‪ ،‬تكّلم به حقيقة‪ ،‬وسمعه‬
‫جبريل عليه السلم‪ ،‬ونزل به على قلب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫هذا القرآن الكريم هو كلم الله لفظه ومعناه‪ ،‬فالمر‬
‫والنهي والخبر والستخبار والقصص كلها كلم الله عّز وجل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)يونس‪ :‬الية ‪(5‬‬
‫‪2‬‬
‫]التكوير‪[21-19:‬‬
‫‪124‬‬
‫إذا ً هذا القرآن ‪ -‬الذي نسأل الله أن يجعله حجة لنا ‪ -‬كلم‬
‫الله حقًا‪ ،‬تكلم به حقًا‪ ،‬وسمعه جبريل حقًا‪ ،‬ونزل به على‬
‫قلب النبي صلى الله عليه وسلم حقًا‪ ،‬فوعاه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى إنه كان يتعجل أن يتابع جبريل لئل‬
‫سان َ َ‬
‫ك‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حّر ْ‬
‫ك بِ ِ‬ ‫يفوته شيء فقال الله عّز وجل له‪ ) :‬ل ت ُ َ‬
‫ه( ‪1‬حيث التزم الله تعالى‬ ‫قْرآن َ ُ‬‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫عل َي َْنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه*إ ِ ّ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ه(‪ 2‬أي قرأه جبريل‪ ،‬وأضاف قراءة‬ ‫قْرآن َ ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫فات ّب ِ ْ‬‫بجمعه وقرآنه) َ‬
‫جبريل إلى نفسه عّز وجل لن جبريل رسوله إلى محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪،‬فأضاف فعل جبريل إلى نفسه لنه‬
‫عل َي َْنا ب ََيان َ ُ‬
‫ه(‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫هوا لذي أرسله ‪) :‬ث ُ ّ‬
‫‪3‬‬

‫التزام من الله عّز وجل أوجبه على نفسه أن يجمع القرآن‪،‬‬


‫وأن يقرأه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن‬
‫يبّينه ‪.‬‬
‫ك" يكون القرآن حجة لك إذا نصحت‬ ‫علي َ‬ ‫ك أو َ‬ ‫َ‬ ‫ةل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫"ال ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫قرآ ُ‬
‫له‪ ،‬ويكون حجة عليك إذا لم تنصح له‪.‬‬
‫دو" أي كل الناس يخرج مبكرا ً في‬ ‫غ ُ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫قوله‪" :‬ك ُ ّ‬
‫الغدوة في الصباح وهذا من باب ضرب المثل‪.‬‬
‫ه" أي الغادي يبيع نفسه‪ ،‬ومعنى يبيع نفسه أنه‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع نَ ْ‬ ‫فَبائ ِ ٌ‬ ‫" َ‬
‫يكلفها بالعمل‪ ،‬لنه إذا كلفها بالعمل أتعب النفس فباعها‪.‬‬
‫ينقسم هؤلء الباعة إلى قسمين‪ :‬معتق و موبق ‪ ،‬ولهذا‬
‫قال‪:‬‬
‫ها " فيكون بيعه لنفسه إعتاقا ً إذا قام‬ ‫موب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫عت ِ ُ‬ ‫" َ‬
‫ق َ‬ ‫ها أو ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ري‬ ‫ش ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫و ِ‬‫بطاعة الله كما قال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫ه(‪ 4‬يشتري نفسه أي يبيع نفسه‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫غاءَ َ‬ ‫ه اب ْت ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ابتغاء مرضاة الله عّز وجل‪ ،‬فهذا الذي باع نفسه ابتغاء‬
‫مرضاة الله وقام بطاعته قد أعتقها من العذاب والنار‪.‬‬
‫والذي أوبقها هو الذي لم يقم بطاعة الله عّز وجل حيث‬
‫أمضى عمره خسرانًا‪ ،‬فهذا موبق لها أي مهلك لها‪.‬‬
‫لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالنسبة للقرآن‬
‫إلى من يكون القرآن حجة له‪ ،‬ومن يكون حجة عليه ذكر أن‬
‫‪1‬‬
‫]القيامة‪[17-16:‬‬
‫‪2‬‬
‫)القيامة‪ :‬الية ‪(18‬‬
‫‪3‬‬
‫)القيامة‪(19:‬‬
‫‪4‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(207‬‬
‫‪125‬‬
‫العمل أيضا ً قد يكون على النسان وقد يكون للنسان‪،‬‬
‫فيكون للنسان إذا كان عمل ً صالحًا‪ ،‬ويكون عليه إذا كان‬
‫عمل ً سيئًا‪.‬‬
‫ه"‬
‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫ع نَ ْ‬ ‫فَبائ ِ ٌ‬‫دو َ‬
‫غ ُ‬
‫س يَ ْ‬‫ل الّنا ِ‬ ‫وانظر إلى هذا الحديث‪" :‬ك ُ ّ‬
‫يتبين لك أن النسان لبد أن يعمل إما خيرا ً وإما شرًا‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬الحث على الطهور الحسي والمعنوي‪ ،‬وجه ذلك أنه قال‪:‬‬
‫ن"‬ ‫شطُْر ال ِي ْ َ‬
‫ما ِ‬ ‫هوُر َ‬ ‫"الطّ ُ‬
‫‪2.‬أن اليمان يتبعض‪ ،‬فبعضه فعل وبعضه ترك‪،‬‬
‫‪3.‬فضيلة حمد الله عّز وجل حيث قال‪ :‬إنها تمل الميزان‪.‬‬
‫‪4.‬إثبات الميزان‪ ،‬والميزان جاء ذكره في القرآن عدة مرات‪،‬‬
‫جاء ذكره مجموعا ً وذكره مفردًا‪.‬‬
‫وهذا الميزان هل هو حسي أو معنوي؟‬
‫والقول الصحيح‪ :‬إنه حسي‪ ،‬له كفتان وله لسان‪،‬توزن به‬
‫العمال الصالحة والسيئة‪.‬‬
‫وهنا يرد إشكال‪ :‬كيف يوزن العمل وهو ليس بجسم‪ ،‬وكيف‬
‫الحمد تمل الميزان وهي ليست بجسم؟‬
‫والجواب عن كل هذا سهل‪ ،‬وهو‪ :‬أن الله عّز وجل قادر على‬
‫أن يجعل العمال أجساما ً والمعاني أجسامًا‪ ،‬فإنه على كل‬
‫شيء قدير عّز وجل‪ ،‬ألم يثبت عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه أخبر أن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة‬
‫كأنهما غمامتان أو غيايتان تظلن صاحبهما‪،‬وهما عمل‪ ،‬لكن‬
‫الله على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ن‬
‫حا َ‬ ‫سب َ‬ ‫‪5.‬فضيلة الجمع بين سبحان الله والحمد لله لقوله " ُ‬
‫ض" ووجه ذلك‬ ‫لر‬‫ء وا َ‬
‫ِ‬ ‫ما ِ َ‬ ‫س َ‬‫ن ال َ‬ ‫ما َبي َ‬‫ن َ‬‫ه َتمل ِ‬ ‫حمدُ ِلل ِ‬ ‫و ال َ‬
‫الله َ‬
‫أن الجمع بينهما جمع بين نفي العيوب والنقائص وإثبات‬
‫الكمالت‪.‬‬
‫د‬
‫حم ُ‬ ‫ن الله" نفي العيوب والنقائص‪ ،‬وفي "ال َ‬ ‫حا َ‬
‫سب َ‬ ‫ففي " ُ‬
‫ه" إثبات الكمالت‪.‬‬ ‫ِلل ِ‬
‫‪6.‬أن الصلة نور ويتفرع على هذا‪:‬‬
‫الحث على كثرة الصلة‪ .‬ولكن يرد علينا أن كثيرا ً من‬
‫المصلين وكثيرا ً من الصلوات من المصلي الواحد ل يشعر‬
‫النسان بأنها نور‪ ،‬فما الجواب؟‬
‫‪126‬‬
‫الجواب أن نقول‪ :‬إن كلم الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫حق ل إشكال فيه‪ ،‬لكن عدم استنارة القلب لخلل في‬
‫السبب أو وجود مانع‪.‬‬
‫وقس على هذا كل شيء رتب الشرع عليه حكما ً وتخلف‬
‫فاعلم أن ذلك إما لوجود مانع‪ ،‬أو لختلل سبب‪ ،‬وإل فكلم‬
‫الله عّز وجل حق وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم حق‪.‬‬
‫ن"‪.‬‬
‫ها ٌ‬‫ة ب ُْر َ‬
‫ق ُ‬‫صد َ َ‬‫‪7.‬الحث على الصدقة‪ ،‬لقوله‪" :‬ال ّ‬
‫‪8.‬أن بذل المحبوب يدل على صدق الباذل‪ ،‬والمحبوب الذي‬
‫ذل في الصدقة هو المال‪.‬‬ ‫ُيب َ‬
‫‪9.‬الحث على الصبر وأنه ضياء وإن كان فيه شيء من‬
‫ضَياءٌ"‪.‬‬
‫صب ُْر ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫الحرارة‪ ،‬لكنه ضياء ونور لقوله‪َ " :‬‬
‫‪10.‬أن حامل القرآن إما غانم وإما غارم‪ ،‬ويتفرع على هذه‬
‫الفائدة‪:‬‬
‫أن يحاسب النسان نفسه هل عمل بالقرآن فيكون حجة‬
‫له‪،‬أو ل‪ ،‬فيكون حجة عليه فليستعتب‪.‬‬
‫ى‪ ،‬بل إما للنسان‬ ‫‪11.‬عظمة القرآن وأنه لن يضيع هكذا سد ً‬
‫وإما على النسان‪.‬‬
‫‪12.‬بيان حال الناس وأن كل الناس يعملون من الصباح‪،‬‬
‫وأنهم يبيعون أنفسهم‪،‬‬
‫‪13.‬أن الحرية حقيقة هي القيام بطاعة الله عّز وجل‪ ،‬وليس‬
‫إطلق النسان نفسه ليعمل كل سيء أراده‪ ،‬قال ابن القيم‬
‫‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في النونية‪:‬‬
‫وبلوا برق النفس‬ ‫هربوا من الرق الذي خلقوا له‬
‫والشيطان‬
‫فكل إنسان يفر من عبادة الله فإنه سيبقى في رق‬
‫الشيطان ‪.‬‬
‫‪127‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون‬


‫عن النبي صلى الله‬ ‫فاْري رضي الله عنه َ‬ ‫غ َ‬ ‫ن َأبي ذّر ال ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل‪َ) :‬يا‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ه عّز وجل أن ّ ُ‬ ‫ن َرب ِّ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ما ي َْرويه َ‬ ‫عليه وسلم في َ‬
‫م‬ ‫ه ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫عل ْت ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت الظّل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ي إ ِن ّ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬‫هدَي ْت ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِل ّ َ‬ ‫ضا ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫وا‪َ ،‬يا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ظال َ ُ‬ ‫فل ت َ َ‬ ‫ما ً َ‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫مت ُ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن أط ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع إ ِل ّ َ‬ ‫جائ ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ي ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫م‪َ ،‬يا ِ‬ ‫دك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وِني أ ْ‬ ‫هد ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫وت ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر إ ِل ّ َ‬ ‫عا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ي ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫م‪َ ،‬يا ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫موِني أطْ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ست َطْ ِ‬ ‫فا َ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ن ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫خطِئ ُ ْ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ي إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫م‪َ ،‬يا ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ي أك ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ون ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ست َك ْ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ون ِ ْ‬ ‫فُر ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫عا ً َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫و َ‬ ‫فُر الذّن ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫وأَنا أ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫غ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ت َب ْل ُ‬ ‫ول ْ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫ون ِ ْ‬ ‫ضّر ْ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ضّر ْ‬ ‫وا َ‬ ‫غ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ت َب ْل ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي إ ِن ّك ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫َيا ِ‬
‫َ‬ ‫عبادي ل َ َ‬
‫م‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫وإ ِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫وآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ي‪َ ،‬يا ِ َ ِ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ون ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫فت َن ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬
‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ك‬‫ما َزادَ ذَل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫قى َ‬ ‫عَلى أ َت ْ َ‬ ‫وا َ‬ ‫كان ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬ ‫وإ ِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫وآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫شي ْئ ًَا‪َ .‬يا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ْك ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ص‬
‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ف َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫كان ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫خَرك ُ ْ‬ ‫وآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫شي ْئ ًَا‪َ ،‬يا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ْك ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫ت‬‫عطَي ْ ُ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ون ِ ْ‬ ‫سأل ُ ْ‬
‫ف َ‬
‫د َ َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫د َ‬ ‫عي ْ ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫م َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫وإن ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ص‬
‫ق ُ‬ ‫ما ي َن ْ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫د ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ذَل ِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل َت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫د َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫م‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ي إ ِن ّ َ‬ ‫عَباِد ْ‬ ‫حَر‪َ ،‬يا ِ‬ ‫ل الب َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ذا أ ُدْ ِ‬ ‫ط إَ َ‬ ‫خي َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ِ‬
‫خي َْرا ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫د الل َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫فلي َ ْ‬ ‫جد َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬ ‫م إ ِّيا َ‬ ‫في ْك ُ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ه( رواه مسلم‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إ ِل ّ ن َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و َ‬ ‫فل َ ي َل ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫غي َْر ذَل ِ َ‬ ‫جدَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪128‬‬

‫الشرح‬
‫ه" أي عن‬ ‫ن َرب ِّ ِ‬ ‫ع ْ‬‫ه" الرواية نقل الحديث " َ‬ ‫ما ي َْروي َ ُ‬
‫"قوله في َ‬
‫الله عّز وجل‪ ،‬وهذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسيًا‪،‬‬
‫والحديث القدسي‪ :‬كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن ربه عّز وجل‪.‬‬
‫لنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغًا‪ ،‬وليس‬
‫من القرآن بالجماع‪ ،‬وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عّز وجل‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي‪:‬‬
‫هل هو كلم الله تعالى‪ ،‬أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم معناه‪ ،‬واللفظ لفظ رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم؟ على قولين‪:‬‬
‫والقول الراجح‪ :‬أن الحديث القدسي معناه من عند الله‬
‫ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك لوجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظا ً و‬
‫معنى؛لكان أعلى سندا ً من القرآن؛لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛كما هو ظاهر‬
‫السياق‪ ،‬أما القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ح‬
‫ه ُرو ُ‬ ‫ل ن َّزل َ ُ‬‫ق ْ‬ ‫بواسطة جبريل عليه السلم؛كما قال تعالى‪ُ ) :‬‬
‫عَلى‬ ‫ن* َ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح اْل َ ِ‬‫ه الّرو ُ‬ ‫دس من ربك (‪ ، 1‬وقال‪) :‬ن ََز َ‬
‫ل بِ ِ‬ ‫ق ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن( ‪.2‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫عَرب ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫سا ٍ‬‫ن * ب ِل ِ َ‬
‫ري َ‬
‫ذ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫قل ْب ِ َ‬
‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫َ‬
‫الوجه الثاني‪:‬أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛‬
‫لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لن كليهما على هذا التقدير‬
‫كلم الله تعالى‪،‬والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين‬
‫اتفقا في الصل‪،‬ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث‬
‫القدسي فروق كثيرة‪:‬‬
‫منها‪:‬أن الحديث القدسي ل يتعبد بتلوته‪،‬بمعنى أن النسان‬
‫ل يتعبد الله تعالى بمجرد قراءته؛فل يثاب على كل حرف‬
‫منه عشر حسنات‪،‬والقرآن يتعبد بتلوته بكل حرف منه عشر‬
‫حسنات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)النحل‪ :‬الية ‪(102‬‬
‫‪2‬‬
‫]الشعراء‪[195-193:‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الله عّز وجل تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن‬
‫أو آية منه‪،‬ولم يرد مثل ذلك في الحاديث القدسية‪.‬‬
‫ومنه‪:‬أن القرآن محفوظ من عند الله عّز وجل؛كما قال‬
‫ن( ‪1‬؛‬
‫ظو َ‬‫ف ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫حا ِ‬ ‫وإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ن ن َّزل َْنا الذّك َْر َ‬
‫ح ُ‬
‫سبحانه‪):‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫والحاديث القدسية بخلف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن‪،‬بل‬
‫أضيف إليها ما كان ضعيفا ً أو موضوعًا‪ ،‬وهذا وإن لم يكن‬
‫منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة‬
‫والنقص‪.‬‬
‫ومنها‪:‬أن القرآن ل تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين‪،‬‬
‫أما الحاديث القدسية؛ فعلى الخلف في جواز نقل الحديث‬
‫النبوي بالمعنى والكثرون على جوازه‪.‬‬
‫ومنها‪:‬أن القرآن تشرع قراءته في الصلة‪ ،‬ومنه ما ل تصح‬
‫الصلة بدون قراءته‪ ،‬بخلف الحاديث القدسية‪.‬‬
‫سه إل طاهر على الصح‪ ،‬بخلف‬ ‫ومنها‪ :‬أن القرآن ل يم ّ‬
‫الحاديث القدسية‪.‬‬
‫ومنها‪:‬أن القرآن ل يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول‬
‫الراجح‪،‬بخلف الحاديث القدسية‪.‬‬
‫ومنها‪:‬أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم‬
‫اليقيني‪ ،‬فلو أنكر منه حرفا ً أجمع القراء عليه؛ لكان كافرًا‪،‬‬
‫عيا ً أنه‬
‫بخلف الحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئا ً منها مد ّ‬
‫لم يثبت؛ لم يكفر‪ ،‬أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قاله؛ لكان كافرا ً لتكذيبه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫وأجاب هؤلء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه‬
‫إلى الله‪ ،‬والصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله‬
‫بالتسليم أن هذا هو الصل‪ ،‬لكن قد يضاف إلى قائله معنى‬
‫ل لفظًا؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف‬
‫أقوال ً إلى قائليها‪ ،‬ونحن نعلم أنها أضيفت معنى ل لفظًا‪،‬‬
‫كما في قصص النبياء وغيرهم‪ ،‬وكلم الهدهد والنملة؛‬
‫فإنه بغير هذا اللفظ قطعًا‪.‬‬
‫وبهذا يتبين رجحان هذا القول‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)الحجر‪(9:‬‬
‫‪130‬‬
‫ثم لو قيل في مسألتنا ‪ -‬الكلم في الحديث القدسي ‪ :-‬إن‬
‫طع‬ ‫لوَلى ترك الخوض في هذا؛ خوفا ً من أن يكون من التن ّ‬ ‫ا َ‬
‫الهالك فاعله‪ ،‬والقتصار على القول بأن الحديث القدسي‬
‫ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى؛ لكان‬
‫ذلك كافيًا‪ ،‬ولعله أسلم والله أعلم‪.‬‬
‫نداءٌ من الله عّز وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫دي" يشمل كل من كان عابدا ً بالعبودية العامة‬ ‫عَبا ِ‬ ‫وقوله‪َ" :‬يا ِ‬
‫والعبودية الخاصة‪.‬‬
‫سي" أي منعته مع قدرتي‬ ‫عَلى َنف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ظل َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حّرم ُ‬ ‫"إ ِّني َ‬
‫عليه‪ ،‬وإنما قلنا‪ :‬مع قدرتي عليه لنه لو كان ممتنعا ً على‬
‫ء‪ ،‬إذ ل ُيثنى على الفاعل إل إذا‬ ‫الله لم يكن ذلك مدحا ً ول ثنا ً‬
‫كان يمكنه أن يفعل أو ل يفعل‪.‬‬
‫فلو سألنا سائل مثل ً وقال‪ :‬هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟‬
‫فالجواب‪ :‬نعم‪ ،‬لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫حدا ً( ‪.1‬‬ ‫)ول يظْل ِم رب َ َ‬
‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ً" أي صّيرته بينكم محرمًا‪.‬‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه َبين َك ُ ْ‬ ‫علت ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ه َبين َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫علت ُ ُ‬‫ج َ‬‫موا" هذا عطف معنوي على قوله‪َ " :‬‬ ‫ظال َ ُ‬ ‫فل ت َ َ‬ ‫" َ‬
‫ما ً" أي فبناء على كونه محرما ً لتظالموا‪ ،‬أي ل يظلم‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫بعضكم بعضًا‪.‬‬
‫ل" أي تائه عن الطريق المستقيم "إ ِل ّ‬ ‫ضا ّ‬ ‫كم َ‬ ‫ي ك ُل ّ ُ‬ ‫عَباد َ‬ ‫"َيا ِ‬
‫ه" أي علمته ووفقته‪ ،‬و علمته هذه هداية الرشاد و‬ ‫هدَي ْت ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وفقته هداية التوفيق‪.‬‬
‫َ‬
‫م" أي اطلبوا مني الهداية ل من غيري‬ ‫دك ُ ْ‬ ‫دوِني أه ِ‬ ‫فاسَته ُ‬ ‫" َ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬‫عوِني أ ْ‬ ‫أهدكم‪ ،‬وهذا جواب المر‪ ،‬وهذا كقوله‪) :‬ادْ ُ‬
‫م (‪. 2‬‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ه" أي كلكم جائع إل من‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ع ْ‬‫ن أط ْ َ‬ ‫ع إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫جائ ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عَباِدي ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫"َيا ِ‬
‫أطعمه الله‪ ،‬وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام‪ ،‬أو وجد ولكن‬
‫لم يتمكن النسان من الوصول إليه‪ ،‬فالله هو الذي أنبت‬
‫الزرع‪ ،‬وهو الذي أدّر الضرع‪ ،‬وهو الذي أحيا الثمار‪ ،‬واقرأ‬

‫‪1‬‬
‫]الكهف‪[49:‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)غافر‪(60:‬‬
‫‪131‬‬
‫ن*‬ ‫من سورة الواقعة من قول الله تعالى‪) :‬أ َ َ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَرأي ْت ُ ْ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قون َه أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ َأ َ‬
‫و َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن*‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫عَلى أ َن ن ُبد َ َ‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫شئ َك ْ‬ ‫ون ُن ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ْ َ ّ‬ ‫ن* َ‬ ‫قي َ‬ ‫سُبو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫َ‬ ‫شأةَ الولى َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن*و ل َ‬ ‫َ‬
‫فل ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫عل ِ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫م ت َْزَر ُ‬ ‫ن*أأن ْت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَرأي ْت ُ ْ‬ ‫ن*أ َ‬ ‫ت َذَك ُّرو َ‬
‫ن*إ ِّنا‬ ‫هو َ‬ ‫فك ّ ُ‬ ‫م تَ َ‬ ‫فظَل ْت ُ ْ‬ ‫طاما ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫عل َْناهُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫شاءُ ل َ َ‬ ‫و نَ َ‬ ‫ن* ل َ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫الّزا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ماءَ ال ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫فَرأي ْت ُ ُ‬ ‫ن* أ َ‬ ‫مو َ‬ ‫حُرو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن* ب َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫غَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ن* ل َ ْ‬
‫و‬ ‫زُلو َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مْز ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫موهُ ِ‬ ‫م أن َْزل ْت ُ ُ‬ ‫ن* أأن ْت ُ ْ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م الّناَر ال ِّتي‬ ‫شك ُرون* أ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫فَرأي ْت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول ت َ ْ ُ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫جاجا ً َ‬ ‫عل َْناهُ أ َ‬ ‫ج َ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫نَ َ‬
‫َ‬ ‫ُتورون* أ َأ َن ْت ُم أ َن ْ َ ْ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ن* ن َ ْ‬ ‫شُئو َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫جَرت َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ك‬‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ِبا ْ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن* َ‬ ‫وي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مَتاعا ً ل ِل ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ها ت َذْك َِرةً َ‬ ‫عل َْنا َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫دى الله الخلق في هذه اليات ل‬ ‫ظيم ِ( تجد كيف تح ّ‬ ‫‪1‬‬
‫ع ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫بالنسبة للمأكول‪ ،‬ول المشروب‪ ،‬ول ما يصلح به المأكول‬
‫والمشروب‪ .‬فكّلنا جائع إل من أطعمه الله‪.‬‬
‫موِني" أي اطلبوا مني الطعام‪ ،‬وإذا طلبتم ذلك‬ ‫ع ُ‬‫ست َطْ ِ‬ ‫فا ْ‬‫" َ‬
‫ستجدونه‪.‬‬
‫م" أطعم‪ :‬فعل مضارع مجزوم على أنه جواب‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫" أ ُطْ ِ‬
‫ع ْ‬
‫المر‪.‬‬
‫ر" فكلنا عار‪ ،‬لننا خرجنا من بطون‬ ‫عا ٍ‬‫كم َ‬ ‫عَباِدي ك ُل ّ ُ‬ ‫"َيا ِ‬
‫أمهاتنا عراة‪.‬‬
‫َ‬
‫م" سواء كان من فعل‬ ‫سك ُ ْ‬
‫سوِني أك ْ ُ‬
‫فاست َك ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫سوت ُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫"إ ِل ّ َ‬
‫النسان كالكبير يشتري الثوب‪ ،‬أو من فعل غيره كالصغير‬
‫ُيشترى له الثوب‪ ،‬وربما يقال‪ :‬إنه يشمل لباس الدين‪،‬‬
‫فيشمل الكسوتين‪ :‬كسوة الجسد الحسّية‪ ،‬وكسوة الروح‬
‫المعنوية‪.‬‬
‫ن" أي تجانبون الصواب‪ ،‬لن العمال‬ ‫خطُِئو َ‬ ‫م تُ ْ‬‫عَبادي إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫"َيا ِ‬
‫إما خطأ وإما صواب‪ ،‬فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك‬
‫الواجب‪ ،‬وإما بفعل المحّرم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫]الواقعة‪[74-58:‬‬
‫‪132‬‬
‫ل الباء هنا بمعنى‪) :‬في( كما هي في قول‬ ‫وقوله‪ِ :‬باّللي ْ ِ‬
‫وِبالل ّْيل(‪ 1‬أي‬ ‫ن* َ‬
‫حي َ‬
‫صب ِ ِ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫مّرو َ‬ ‫م ل َت َ ُ‬ ‫وإ ِن ّك ُ ْ‬
‫الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫وفي الليل‪.‬‬
‫عا ً" أي أسترها وأتجاوز عنها مهما‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذُّنو َ‬ ‫وأ ََنا َأغ ِ‬‫" َ‬
‫كثرت‪ ،‬ومهما عظمت‪ ،‬ولكن تحتاج إلى الستغفار‪.‬‬
‫كم" أي اطلبوا مغفرتي‪ ،‬إما بطلب‬ ‫فر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫فُروِني أ َ ْ‬ ‫فاسَتغ ِ‬ ‫" َ‬
‫المغفرة كأن يقول‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬أو‪ :‬أستغفر الله وأتوب‬
‫إليه‪ .‬وإما بفعل ما تكون به المغفرة‪ ،‬فمن قال‪ :‬سبحان الله‬
‫وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر‪.‬‬
‫ن ت َب ْل ُ ُ‬
‫غوا‬ ‫ول َ ْ‬
‫ضّروِني‪َ ،‬‬ ‫فت َ ُ‬‫ي َ‬‫ضّر ْ‬ ‫غوا ُ‬ ‫ن ت َب ْل ُ ُ‬‫م لَ ْ‬ ‫ي إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫عَباد َ‬ ‫"َيا ِ‬
‫عوِني" أي لن تستطيعوا أن تضروني ول أن‬ ‫ف ُ‬ ‫فت َن ْ َ‬‫عي َ‬ ‫َنف ِ‬
‫تنفعوني‪ ،‬لن الضار والنافع هو الله عّز وجل والعباد ل‬
‫يستطيعون هذا‪ ،‬وذلك لكمال غناه عن عباده عّز وجل‪.‬‬
‫عَلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬‫جن ّك ُ ْ‬
‫و ِ‬
‫م َ‬‫سك ُ ْ‬‫وإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وآ ِ‬‫م َ‬‫ول َك ُ ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫ي َلو أ ّ‬ ‫عَباِد َ‬
‫"َيا ِ‬
‫شي ْئ َا ً"‬
‫كي َ‬‫مل ْ ِ‬
‫في ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما َزادَ ذَل ِ َ‬ ‫م َ‬‫منك ُ ْ‬
‫د ِ‬‫واح ٍ‬ ‫ل َ‬‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬
‫قل ِ‬‫قى َ‬ ‫َأت َ‬
‫يعني لو أن كل العباد من النس والجن الولين والخرين‬
‫كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا‪،‬‬
‫ي‬
‫وذلك لن ملكه عّز وجل عام واسع لكل شيء‪ ،‬للتق ّ‬
‫والفاجر‪.‬‬
‫شيئ َا ً" أنهم إذا كانوا‬ ‫كي َ‬ ‫مل ِ‬‫في ُ‬ ‫ك ِ‬‫ما َزادَ ذَل ِ َ‬
‫ووجه قوله‪َ " :‬‬
‫على أتقى قلب رجل واحد كانوا من أولياء الله‪ ،‬وأولياء الله‬
‫عّز وجل جنوده‪ ،‬وجنوده يتسع بهم ملكه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جن ّك ُ ْ‬
‫و ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وآ ِ‬
‫م َ‬ ‫ول َك ُ ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫ي َلو أ ّ‬ ‫عَباِد َ‬
‫ثم قال‪َ" :‬يا ِ‬
‫عَلى َ‬
‫من‬ ‫ص ذَل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫ق َ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫د ِ‬
‫واح ٍ‬
‫ل َ‬
‫ج ٍ‬
‫ب َر ُ‬ ‫ر َ‬
‫قل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫أف‬ ‫كاُنوا َ‬‫َ‬
‫شي ْئ َا ً" ووجه ذلك‪ :‬أن الفاجر عدو لله عّز وجل فل‬ ‫كي َ‬‫مل ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ينصر الله‪ ،‬ومع هذا لينقص من ملكه شيئا ً لن الله تعالى‬
‫غني عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا في‬ ‫م َ‬
‫قا ُ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬
‫و ِ‬‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫وإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وآ ِ‬
‫م َ‬ ‫ول َك ُ ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫ي َلو أ ّ‬‫عَباِد َ‬‫"َيا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه" أي إذا‬‫مسأل َت َ ُ‬ ‫د َ‬‫ح ٍ‬‫وا ِ‬‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫طي ُ‬ ‫فأع َ‬ ‫سألوِني َ‬ ‫ف َ‬‫د َ‬‫ح ٍ‬‫وا ِ‬
‫د َ‬‫عي ٍ‬
‫ص ِ‬
‫َ‬
‫قاموا في أرض واحدة منبسطة‪ ،‬وذلك لنه كلما كثر الجمع‬
‫كان ذلك أقرب إلى الجابة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫]الصافات‪[138-137:‬‬
‫‪133‬‬
‫ذا أ ُدْ ِ‬
‫خ َ‬
‫ل‬ ‫خي َ ُ‬
‫طإ َ‬ ‫م ْ‬
‫ص ال ِ‬
‫ق ُ‬ ‫دي إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َن ْ ُ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ما ِ‬
‫م ّ‬ ‫ص ذَل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫ق َ‬ ‫" َ‬
‫ر" وهذا من باب المبالغة في عدم النقص‪ ،‬لن كل‬ ‫الَبح َ‬
‫واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو البرة الكبيرة في‬
‫البحر ثم أخرجتها فإنها ل تنقص البحر شيئا ً ول تغيره‪َ" ،‬يا‬
‫م " هذه جملة فيها حصر طريقه‪:‬‬ ‫مال ُك ُ ْ‬‫ع َ‬‫ي أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ي إ ِن ّ َ‬ ‫عَباِد َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫م أي أضبطها‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬
‫صي ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫)إنما( أي ما هي إل أعمالكم أ ْ‬
‫تماما ً بالعدّ ل زيادة ول نقصان‪ ،‬لنهم كانوا في الجاهلية ل‬
‫يعرفون الحساب فيضبطون العداد بالحصى‪ ،‬وفي هذا‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ر‬
‫وإّنما العّزة للكاث ِ‬ ‫م حصى‬ ‫ت بالكثر منه ْ‬ ‫ولس ُ‬
‫يعني أن عددكم قليل‪ ،‬وإنما العزة للغالب في الكثرة‪.‬‬
‫"ث ُ ُ‬
‫ها" أي في الدنيا والخرة‪ ،‬وقد يكون في‬ ‫م إ ِّيا َ‬‫فيك ُ ْ‬ ‫و ّ‬‫مأ َ‬ ‫ّ‬
‫الدنيا فقط‪ ،‬وقد يكون في الخرة فقط‪.‬‬
‫فالتوفيه تكون في الدنيا دون الخرة للكافر‪ ،‬أما المؤمن‬
‫فتكون في الدنيا والخرة جميعًا‪ ،‬أو في الخرة فقط‪.‬‬
‫ه" أي من وجد خيرا ً من‬ ‫د الل َ‬
‫م ِ‬‫ح َ‬‫فلي َ ْ‬ ‫خي َْرا ً َ‬‫جد َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫" َ‬
‫أعماله فليحمد الله على المرين‪ :‬على توفيقه للعمل‬
‫الصالح‪ ،‬وعلى ثواب الله له‪.‬‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫م ّ‬‫فل ي َُلو َ‬
‫ك" أي وجد شرا ً أو عقوبة " َ‬ ‫غي َْر ذَل ِ َ‬ ‫جدَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ه" لنه لم ُيظلم‪ ،‬واللوم‪ :‬أن يشعر النسان بقلبه بأن‬ ‫س ُ‬ ‫َنف َ‬
‫هذا فعل غير لئق وغير مناسب‪ ،‬وربما ينطق بذلك بلسانه‪.‬‬
‫من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1.‬رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عّز وجل‪،‬وهذا‬
‫أعلى مراتب السند‪ ،‬لن غاية السند‪ :‬إما الرب عّز وجل وهذا‬
‫في الحاديث القدسية‪ ،‬وإما النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهذا في الحاديث المرفوعة‪ ،‬وإما عن الصحابة وهذا في‬
‫الحاديث الموقوفة‪ ،‬وإما عن التابعين ومن بعدهم وهذا في‬
‫الحاديث المقطوعة‪.‬‬
‫‪2.‬إن أحسن ما يقال في الحديث القدسي‪ :‬إنه ما رواه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن ربه عّز وجل‪ ،‬ونقتصر على هذا‬
‫ول نبحث هل هو من قول الله لفظا ً ومعنى‪ ،‬أو من قول‬
‫الله معنى ومن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لن هذا‬
‫‪134‬‬
‫فيه نوع من التكّلف وقد نهينا عن التكّلف‪ ،‬ونهينا عن التن ّ‬
‫طع‬
‫مق‪.‬‬ ‫وعن التع ّ‬
‫‪3.‬إثبات القول لله عّز وجل وهذا كثير في القرآن الكريم‪،‬‬
‫وهو دليل على ما ذهب إليه أهل السنة من أن كلم الله‬
‫يكون بصوت‪ ،‬إذ ل يطلق القول إل على المسموع‪.‬‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫فإن قال قائل‪:‬أليس الله تعالى يقول‪َ ) :‬‬
‫ل( وهذا قول يقولونه‬ ‫‪1‬‬
‫قو ُ‬‫ما ن َ ُ‬ ‫عذّب َُنا الل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُ َ‬‫م لَ ْ‬‫ه ْ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬‫أ َن ْ ُ‬
‫بقلوبهم؟‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫فالجواب‪ :‬بلى‪ ،‬لكن هذا القول مقيد ) َ‬
‫م(‪ 1‬وأما إذا أطلق القول فالمراد به ماُيسمع‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬‫أ َن ْ ُ‬
‫‪4.‬أن الله تعالى قادر على الظلم لكنه حّرمه على نفسه‬
‫لكمال عدله‪،‬وجه ذلك‪ :‬أنه لو كان غير قادر عليه لم يثن على‬
‫نفسه بتحريم الظلم لنه غير قادر‪.‬‬
‫‪5.‬أن من صفات الله ما هو منفي مثل الظلم‪ ،‬ولكن اعلم‬
‫أنه ل يوجد في صفات الله عّز وجل نفي إل لثبوت ضده‪،‬‬
‫فنفي الظلم يعني ثبوت العدل الكامل الذي ل نقص فيه‪.‬‬
‫‪6.‬أن لله عّز وجل أن يحرم على نفسه ما شاء لن الحكم‬
‫إليه‪ ،‬فنحن ل نستطيع أن نحرم على الله لكن الله يحرم‬
‫على نفسه ما شاء‪ ،‬كما أنه يوجب على نفسه ما شاء‪.‬‬
‫فلو سألنا سائل‪ :‬هل يحرم على الله شيء‪ ،‬وهل يجب على‬
‫الله شيء؟‬
‫فالجواب‪ :‬أما إذا كان هو الذي أوجب على نفسه أو حرم‬
‫فنعم‪ ،‬لن له أن يحكم بما شاء‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في النونية‪:‬‬
‫ب الجَر‬ ‫هو أوج َ‬ ‫ب‬‫ق واج ٌ‬ ‫ما للعباد عليه ح ّ‬
‫ن‬
‫العظيم الشا ِ‬
‫ص‬
‫ن بالخل ِ‬ ‫إن كا َ‬ ‫ل لديه ضائع ٌ‬ ‫كل ّ ول عم ٌ‬
‫ن‬‫والحسـا ِ‬
‫والحسان يعني المتابعة‪.‬‬
‫ي" والمراد‬ ‫س ْ‬ ‫ف ِ‬‫عَلى ن َ ْ‬ ‫‪7.‬إطلق النفس على الذات لقوله‪َ " :‬‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫حذُّرك ُ ُ‬ ‫وي ُ َ‬‫بنفسه ذاته عّز وجل‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫)المجادلة‪ :‬الية ‪(8‬‬
‫‪135‬‬
‫ه(‪ 2‬وليس النفس صفة كسائر الصفات‪ :‬كالسمع والعلم‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫والقدرة‪ ،‬فالنفس يعني الذات‪ ،‬وكلمة النفس أصوب من‬
‫كلمة ذات لكن شاع بين الناس إطلق الذات دون إطلق‬
‫النفس‪ ،‬ولكن الصل العربي‪ :‬النفس‪.‬‬
‫م‬‫ه َبين َك ُ ْ‬ ‫علت ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬‫‪8.‬أن الله تعالى حّرم الظلم بيننا فقال‪َ " :‬‬
‫ما ً" وهذا يشمل ظلم النسان نفسه وظلم غيره‪ ،‬لكن‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫موا" أي فل‬ ‫ظال َ ُ‬ ‫فل ت َ َ‬ ‫هو في المعنى الثاني أظهر لقوله‪َ " :‬‬
‫يظلم بعضكم بعضا ً‬
‫‪9.‬أن النسان ضال إل من هدى الله‪ ،‬ويتفرع على هذه‬
‫الفائدة‪:‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫أن تسأل الله الهداية دائما ً حتى ل تض ّ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هنا إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أخبر أن كل مولود يولد على الفطرة‪،‬وهنا يقول‪:‬‬
‫كلكم ضال؟‬
‫موُلوٍد‬ ‫ل َ‬ ‫فالجواب‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ك ُ ّ‬
‫ه‪َ ،‬أو‬ ‫صَران ِ ِ‬
‫َ‬
‫ه‪ ،‬أو ي ُن َ ّ‬ ‫دان ِ ِ‬‫و َ‬
‫ه ّ‬‫واه ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ة" لكن قال‪" :‬أب َ َ‬ ‫فطَر ِ‬‫عَلى ال ِ‬ ‫ُيول َدُ َ‬
‫ب عّز وجل المكّلفين الذين قد تكون‬ ‫ه" وهنا يخاط ُ‬ ‫سان ِ ِ‬‫ج َ‬ ‫م ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ل حتى‬ ‫تغيرت فطرتهم إلى ما كان عليه آباؤهم‪ ،‬فهم ضل ّ ٌ‬
‫يهديهم الله عّز وجل‪.‬‬
‫ك" أن‬ ‫ل" ولش ّ‬ ‫ضا ّ‬ ‫كم َ‬ ‫ث على طلب العلم‪ ،‬لقوله‪" :‬ك ُل ّ ُ‬ ‫‪10.‬الح ّ‬
‫طلب العلم من أفضل العمال‪ ،‬بل قد قال المام أحمد ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ :-‬العلم ل يعدله شيء لمن صحت نيته لسيما‬
‫في هذا الزمن الذي كثر فيه الجهل‪ ،‬وكثر فيه الظن وأفتى‬
‫من ل يستحق أن يفتي‪ ،‬فطلب العلم في هذا الزمان متأكد‪.‬‬
‫دوِني‬ ‫فاسَته ُ‬ ‫‪11.‬أن ل تطلب الهداية إل من الله لقوله‪َ " :‬‬
‫كم"‪.‬‬ ‫د ُ‬ ‫َ‬
‫أه ِ‬
‫ولكن الهداية نوعان‪ :‬هداية التوفيق وهذه لتطلب إل من‬
‫الله‪ ،‬إذ ليستطيع أحد أن يهديك هداية التوفيق إل الله عّز‬
‫ح أن تطلبها من غير الله‬ ‫وجل‪ .‬وهداية الدللة‪ :‬وهذه تص ّ‬
‫ممن عنده علم بأن تقول‪ :‬يافلن أفتني في كذا‪ ،‬أي اهدني‬
‫إلى الحق فيه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)آل عمران‪ :‬الية ‪(28‬‬
‫‪136‬‬
‫دوِني" يدل على أن المراد‬ ‫فاسَته ُ‬ ‫هل نقول إن قوله‪َ " :‬‬
‫هداية التوفيق‪ ،‬أو نقول إنه يشمل الهدايتين‪ ،‬وهداية الدللة‬
‫تكون باتباع الوسائل التي جعلها الله عّز وجل سببا ً للعلم؟‬
‫الجواب‪ :‬الثاني‪ ،‬أي العموم‪.‬‬
‫‪12.‬أن العباد في الصل جياع‪ ،‬لنهم ليملكون أن يخلقوا ما‬
‫تحيى به الجساد ويتفرع على هذه الفائدة قوله‪:‬‬
‫م" أي اسألوني الطعام أطعمكم‪،‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫موِني أ ُطْ ِ‬ ‫ست َطْ ِ‬
‫ع ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫" َ‬
‫وعليه فل تلجأ في طلب الرزق إل من الله عّز وجل‪.‬‬
‫موِني" يشمل سؤال الله عّز وجل‬ ‫ع ُ‬ ‫ست َطْ ِ‬‫‪13.‬وقوله‪" :‬ا ْ‬
‫الطعام‪،‬ويشمل السعي في الرزق وابتغاء فضل الله عّز‬
‫وجل وإل فمن المعلوم أن السماء ل تمطر ذهبا ً ول درهما ً‬
‫ول خبزًا‪ ،‬بل لبد من السعي‪.‬‬
‫‪-14‬أن الصل في النسان العري حتى يكسوه الله عّز‬
‫وجل‪،‬وسبق شرح أنه في الصل العري الحسي‪ ،‬وقد يراد به‬
‫المعنوي أيضًا‪.،‬‬
‫‪15‬كرم الله عّز وجل حيث يعرض على عباده بيان حالهم‬
‫وافتقارهم إليه‪ ،‬ثم يدعوهم إلى دعائه عّز وجل حتى يزيل‬
‫عنهم ما فيهم من الفقر والحاجة‪.‬‬
‫‪16‬أن بني آدم خطاء‪،‬أي كثير الخطأ‪ ،‬كما قال الله عّز وجل‪:‬‬
‫ً ‪1‬‬
‫هول (‬ ‫ن ظَُلوما ً َ‬
‫ج ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫سا ُ‬‫ها اْل ِن ْ َ‬ ‫مل َ َ‬‫ح َ‬
‫و َ‬‫) َ‬
‫‪17‬أنه مهما كثرت الذنوب والخطايا فإن الله تعالى يغفرها‪،‬‬
‫لكن يحتاج أن يستغفر النسان‪،‬‬
‫‪18‬أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا‪ ،‬وهذا لمن استغفر ‪،‬‬
‫ي" أما من لم يستغفر فإن‬ ‫فُرون ِ ْ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫لقوله عّز وجل " َ‬
‫الصغائر تكون مكفرة بالعمال الصالحة لقول النبي صلى‬
‫ة‬‫ع ِ‬‫م َ‬‫ج ُ‬‫عة ِإلى ال ُ‬
‫م َ‬
‫ج ُ‬‫وال ُ‬
‫س َ‬ ‫خم ُ‬ ‫ت ال َ‬ ‫الله عليه وسلم‪" :‬الصَلوا ِ‬
‫ب‬‫ما اجت َن َ َ‬
‫ن َ‬
‫ه ّ‬
‫ما َبين َ ُ‬
‫ت لِ َ‬ ‫مك َ ِّ‬
‫فَرا ٌ‬ ‫ضان ُ‬
‫م َ‬
‫ضان ِإلى َر َ‬ ‫م َ‬ ‫وَر َ‬‫َ‬
‫ر" ‪ ،‬وأما الكبائر فلبد لها من توبة خاصة‪،‬فل تكفرها‬ ‫الك ََبائ ِ َ‬
‫العمال الصالحة‪،‬أما الكفر فلبد له من توبة بالجماع‪.‬‬
‫فالذنوب على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫قسم لبد فيه من توبة بالجماع وهو الكفر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)الحزاب‪ :‬الية ‪(72‬‬
‫‪137‬‬
‫والثاني‪:‬ما تكفره العمال الصالحة وهو الصغائر ‪.‬‬
‫والثالث‪:‬ما لبد له من توبة‪ -‬على خلف في ذلك‪ -‬لكن‬
‫الجمهور يقولون‪:‬إن الكبائر لبد لها من توبة‪.‬‬
‫‪19‬كمال سلطان الله عّز وجل وغناه عن خلقه‪ ،‬لقوله عّز‬
‫ي وذلك‬ ‫ع ْ‬‫ف ِ‬‫وا ن َ ْ‬ ‫ن ت َب ْل ُ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ي ‪َ ...‬‬
‫ضّر ْ‬
‫وا َ‬ ‫ن ت َب ْل ُ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫م لَ ْ‬
‫وجل‪ :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫لكمال سلطانه عّز وجل وكمال غناه‪،‬‬
‫قى‬ ‫َ‬
‫عَلى أت َ‬‫‪20‬أن محل التقوى والفجور القلب‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م"‬ ‫د ِ‬
‫واح ٍ‬
‫لَ َ‬
‫ج ٍ‬
‫ب َر ُ‬ ‫ر َ‬
‫قل ِ‬ ‫عَلى أف َ‬
‫ج ِ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م" " َ‬ ‫د ِ‬
‫واح ٍ‬
‫ل َ‬
‫ج ٍ‬
‫ب َر ُ‬ ‫َ‬
‫قل ِ‬
‫ن في‬ ‫ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم‪":‬أل َ َ‬
‫وإ ِ ّ‬
‫د‬
‫س َ‬ ‫دت َ‬
‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ذا َ‬
‫ف َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫سد ك ُل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ج َ‬ ‫صل ُ َ‬
‫ح ال َ‬ ‫صل ُ َ‬
‫حت َ‬ ‫غة إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مض َ‬ ‫د ُ‬‫س ِ‬
‫ج َ‬‫ال َ‬
‫ه"ويتفرع على هذا‪ :‬أنه يجب علينا أن نعتني‬ ‫سدُ ك ُل ّ ُ‬ ‫ج َ‬‫ال َ‬
‫هرهُ ونصفيه‪.‬‬ ‫ل حتى ن ُطَ ّ‬ ‫بالقلب وننظر أين ذهب‪ ،‬وأين ح ّ‬
‫ي َلو‬‫عباد َ‬ ‫‪21.‬كمال غنى الله عّز وجل وسعة غناه‪ ،‬لقوله‪َ":‬يا ِ‬
‫د‬ ‫جن ُ‬
‫كم َ‬ ‫و ِإنس ُ‬ ‫وآ َ ِ‬
‫خَر ُ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬
‫صعي ٍ‬
‫قاموا في َ‬ ‫و ِ‬
‫كم َ‬ ‫كم َ‬ ‫كم َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫د‪."...‬‬ ‫ح ٍ‬
‫وا ِ‬‫َ‬
‫‪22.‬أنه يظهر أن اجتماع الناس في مكان واحد أقرب إلى‬
‫الجابة من تفرقهم ‪.‬‬
‫مخي ُ‬
‫ط‬ ‫ص ال ِ‬
‫ق ُ‬ ‫‪23.‬جواز المبالغة بالقول ‪،‬لقوله‪ِ" :‬إل ك َ َ‬
‫ما َين ُ‬
‫ل الَبحَر" وهذا له نظير كما في قوله تعالى‪) :‬ل‬ ‫ذا ُأد ِ‬
‫خ َ‬ ‫إِ َ‬
‫فت ّح ل َهم أ َ‬
‫ج‬
‫حّتى ي َل ِ َ‬
‫ة َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ول ي َدْ ُ‬
‫َ‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫تُ َ ُ ُ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ط(‬‫خَيا ِ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫س ّ‬‫في َ‬ ‫ل ِ‬‫م ُ‬
‫ج َ‬‫ال ْ َ‬
‫‪24.‬أن الله عّز وجل يحصي أعمال العباد‪ ،‬أي يضبطها بالعدد‬
‫فل ينقص أحدا ً شيئا ً ‪.‬‬
‫‪25.‬أن الله عّز وجل ل يظلم أحدا ً شيئًا‪ ،‬بل من عمل عمل ً‬
‫ُ‬
‫ها"‪.‬‬‫م إ ِّيا َ‬‫في ْك ُ ْ‬
‫و ّ‬‫مأ َ‬ ‫وجده‪ ،‬لقوله‪" :‬ث ُ ّ‬
‫‪26.‬وجوب الحمد لله عّز وجل على من وجد خيرًا‪ ،‬وذلك من‬
‫وجهين‪:‬‬
‫الول‪:‬أن الله عّز وجل يسره حتى عمله‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أن الله تعالى أثابه‪.‬‬
‫‪27.‬جواز تحدث النسان عن نفسه بصيغة الغائب‪،‬‬
‫فلَيحمد الله" دون أن يقال‪ :‬فمن‬ ‫خيَرا ً َ‬ ‫جد َ َ‬‫و َ‬
‫من َ‬ ‫لقوله‪َ ":‬‬
‫ف َ‬
‫‪1‬‬
‫)العراف‪ :‬الية ‪(40‬‬
‫‪138‬‬
‫وجد خيرا ً فليحمدني‪ ،‬والعدول عن ضمير المتكلم إلى أن‬
‫تكون الصيغة للغائب من باب التعظيم ‪.‬‬
‫‪28.‬أن من تخلف عن العمل الصالح ولم يجد الخير فاللوم‬
‫على نفسه‪ .‬والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث الخامس والعشرون‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عن َأبي ذَر رضي الله عنه َأي َ َ‬
‫ب‬‫حا ِ‬ ‫ن أص َ‬ ‫م ْ‬ ‫سا ً ِ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫ضا ً أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬
‫قالوا للّنبي صلى الله‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ر‪،‬‬ ‫ر ِبالجو ِ‬
‫ُ‬
‫ل الدثو ِ‬ ‫ب َأه ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الله‪ :‬ذَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫عليه وسلم َياَر ُ‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫وي َت َ َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫و ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫و َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫صل ّ‬ ‫ما ن ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫و َ‬ ‫صل ّ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫و ل َي ْ َ‬ ‫ل‪) :‬أ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب ُ‬
‫وك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬ ‫صد َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ت َك ْب ِي َْر ٍ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫قة‪َ .‬‬ ‫صد َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫سب ِي ْ َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫ن؟ إ ِ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫تَ ّ‬
‫ة َ‬
‫ة‬ ‫صدَ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫و ٍ‬ ‫عُر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مٌر بال ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ق ٌ َ‬ ‫صدَ َ‬ ‫ة َ‬ ‫هل ِي ْل َ ٍ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬ ‫صدَ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْدَ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫قاُلوا‪َ :‬يا‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫صدَ َ‬ ‫م َ‬ ‫دك ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫عأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬‫ي بُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫صدَ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ٍ‬ ‫من ْك َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ٌ‬ ‫ه‬
‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال‬ ‫جٌر؟ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫في ْ َ‬‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫وي َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حدَُنا َ‬ ‫يأ َ‬ ‫ه أي َأت ِ ْ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ذا‬‫ك إِ َ‬ ‫فك َذَل ِ َ‬ ‫وْزٌر؟ َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ها‬ ‫ع‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫َ‪:‬أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫واهُ ُ‬ ‫ر( َر َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫هأ ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ل كا َ‬ ‫َ‬ ‫حل ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫ها َ‬ ‫ع َ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬

‫الشرح‬
‫سا ً" هؤلء هم الفقراء قالوا للنبي صلى الله‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أَنا َ‬ ‫قوله‪" :‬أ َ‬
‫ل الدثور" أي الموال الكثيرة "با ُ‬ ‫ُ‬ ‫هب َ‬
‫ر"‬
‫ِ‬ ‫لجو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أه‬ ‫عليه وسلم "ذَ َ َ‬
‫أي الثواب عليها‪ ،‬وليس قصدهم بذلك الحسد‪ ،‬ول العتراض‬
‫على قدر الله‪ ،‬لكن قصدهم لعلهم يجدون أعمال ً‬
‫يستطيعونها يقومون بها تقابل ما يفعله أهل الدثور‪.‬‬
‫ن‬ ‫دقو َ‬‫ص ّ‬
‫وي َت َ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ما َنصوم‪َ ،‬‬ ‫مو َ‬‫وَيصو ُ‬ ‫صلي‪َ ،‬‬‫ما ن ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫صلو َ‬
‫"ي ُ َ‬
‫واِلهم" يعني ول نتصدق لنه ليس عندنا شيء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بِ ُ‬
‫ل أم َ‬ ‫فضو ِ‬
‫فكيف يمكن أن نسبقهم أو نكون مثلهم‪ ،‬هذا مراد الصحابة‬
‫‪139‬‬
‫رضي الله عنهم وليس مرادهم قطعا ً العتراض على قدر‬
‫الله عّز وجل‪ ،‬ول أن يحسدوا هؤلء الغنياء‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ج َ‬ ‫س َ‬
‫قد َ‬ ‫وَلي َ‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أ َ‬
‫ه"‬
‫ن بِ ِ‬
‫دقو َ‬
‫ص ّ‬
‫ما ت َ ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫كم َ‬
‫ة"‬ ‫ق ً‬‫صدَ َ‬‫حه َ‬ ‫ل َتسبي َ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫ن لهم فقال‪" :‬إ ِ َ‬ ‫الجواب‪ :‬بلى‪ ،‬ثم بي ّ َ‬
‫أي إذا قلت‪ :‬سبحان الله فهي صدقة‪.‬‬
‫ة" إذا قلت الله أكبر فهذه صدقة‪.‬‬ ‫ق ً‬ ‫صدَ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ل َتكبيَر ٍ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬ ‫" َ‬
‫ة" إذا قلت الحمد لله فهذه صدقة ‪.‬‬ ‫ق ً‬ ‫صد َ َ‬ ‫ده َ‬ ‫ل َتحمي َ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬ ‫" َ‬
‫قة" إذا قلت ل إله إل الله فهي صدقة‪.‬‬ ‫صدَ َ‬ ‫ل َتهليَله َ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬ ‫" َ‬
‫ة" إذا أمرت من رأيته مقصرا ً في‬ ‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬ ‫" َ‬
‫ف َ‬ ‫معرو ِ‬ ‫وأمٌر ِبال َ‬ ‫َ‬
‫شيء من الطاعات فهي صدقة‪.‬‬
‫ة" إذا رأيت شخصا ً على منكر‬ ‫ق ٌ‬‫صدَ َ‬ ‫ر َ‬ ‫منك َ ٍ‬‫عن ُ‬ ‫ي َ‬ ‫وَنه ٌ‬ ‫" َ‬
‫ونهيته فهي صدقة ‪.‬‬
‫هذه الشياء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫إنها صدقة يستطيعها هؤلء الفقراء‪.‬‬
‫والغنياء يمكن أن ل يتصدقون كل يوم‪ ،‬وإذا تصدقوا باليوم‬
‫ل يستوعبون اليوم بالصدقة ‪ ،‬فأنتم قادرون على هذا‪.‬‬
‫ولما قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اقتنعوا رضي الله‬
‫ة" أي أن‬ ‫ق ٌ‬‫صدَ َ‬ ‫د ُ‬ ‫عنهم لكن لما قال‪" :‬وفي بض َ‬
‫كم َ‬ ‫ح ِ‬‫عأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرجل إذا أتى أهله فله بذلك صدقة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‬
‫أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ استفهاما ً وليس‬
‫اعتراضًا‪ ،‬لكن يريدون أن يعرفوا وجه ذلك‪ ،‬كيف يأتي‬
‫النسان أهله وشهوته ويقال إنك مأجور؟! أي أن النسان‬
‫قد يستبعد هذا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بّين لهم‬
‫ه‬
‫علي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرام ٍ أ َ َ‬
‫كا َ‬ ‫عها في َ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وجه ذلك فقال‪" :‬أَرأيُتم لو َ‬
‫وزر؟" والجواب‪ :‬نعم يكون عليه وزر لو وضعها في حرام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ل‬‫حل ِ‬ ‫عها في ال َ‬ ‫ض َ‬
‫و َ‬ ‫ذا َ‬‫ك إِ َ‬ ‫فكذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫قال صلى الله عليه وسلم " َ‬
‫كان ل َ َ‬
‫ر" فاستغنى عن الحرام فكان مأجورا ً بهذا‪ ،‬وهذا‬ ‫ه أج ٌ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ما يسمى عند العلماء بقياس العكس‪ ،‬أي إذا ثبت هذا ثبت‬
‫ضده في ضده‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪140‬‬
‫‪1.‬مسارعة الصحابة رضي الله عنهم وتسابقهم إلى العمل‬
‫الصالح ‪.‬‬
‫‪2.‬أن الصحابة رضي الله عنهم يستعملون أموالهم فيما فيه‬
‫الخير في الدنيا والخرة‪ ،‬وهو أنهم يتصدقون‪.‬‬
‫‪3.‬أن العمال البدنية يشترك فيها الغني والفقير‪ ،‬لقولهم‪:‬‬
‫ما َنصوم" وهو كذلك‪ ،‬وقد‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَيصو ُ‬ ‫صلي‪َ ،‬‬ ‫ما ن ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫صلو َ‬‫"ي ُ َ‬
‫يكون أداء الفقير أفضل وأكمل من أداء الغني‪.‬‬
‫‪4.‬أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح للفقراء أبوابا ً من‬
‫ه لَ ُ‬ ‫َ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫ن بِ ِ‬‫دقو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ما ت َ ّ‬ ‫كم َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫قد َ‬ ‫س َ‬ ‫وَلي َ‬ ‫الخير‪ ،‬لقوله‪" :‬أ َ‬
‫َ‬
‫قد‬ ‫س َ‬ ‫وَلي َ‬ ‫‪5.‬تقرير المخاطب بما ل يمكنه إنكاره‪ ،‬لقوله‪" :‬أ َ‬
‫ه" لن هذا أبلغ في إقامة‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫دقو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫كم َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ل الل ُ‬‫ع َ‬‫ج َ‬‫َ‬
‫الحجة عليه‪.‬‬
‫‪6.‬أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من العمال كله‬
‫صدقة‪ ،‬لكن هذه الصدقة منها واجب‪ ،‬ومنها غير واجب‪،‬‬
‫د‪،‬ومنها قاصر حسب ما سنذكره‪.‬‬ ‫ومنها متع ٍ‬
‫وب ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫صدَ َ‬
‫ق ً‬ ‫ة َ‬ ‫ل َتكبيَر ٍ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ً‬ ‫صدَ َ‬ ‫حه َ‬ ‫ل َتسبي َ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫قال‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫ة( هذا كله قاصر ومنه‬ ‫ق ً‬‫صدَ َ‬‫ل َتهليَله َ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ً‬‫صدَ َ‬ ‫ده َ‬ ‫َتحمي َ‬
‫واجب‪ ،‬ومنه غير واجب‪.‬‬
‫فالتكبير منه واجب ومنه غير واجب‪ ،‬فتكبير الصلوات‬
‫واجب‪،‬وتكبير أذكار الصلة بعدها مستحب‪،‬وهكذا يقال في‬
‫التسبيح والتهليل‪.‬‬
‫" َ‬
‫ة" هذا من‬ ‫ق ٌ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ر َ‬ ‫منك َ ٍ‬‫عن ُ‬ ‫ي َ‬‫وَنه ٌ‬ ‫ة‪َ ،‬‬‫ق ٌ‬‫صدَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫معرو ِ‬ ‫وأمٌر ِبال َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫الواجب‪ ،‬لكن المر بالمعروف تارة يكون واجبا وجوب عين‬
‫على من قدر عليه ولم يوجد غيره‪،‬وكذلك النهي عن المنكر‪،‬‬
‫وتارة يكون واجب كفاية لمن قدر عليه ولكن هناك من يقوم‬
‫مقامه‪ ،‬وتارة يكون مستحبا ً وذلك في المر بالمعروف‬
‫المستحب‪ ،‬والنهي عن المنكر المكروه إن صح أن يطلق‬
‫عليه اسم منكر‪.‬‬
‫والمر بالمعروف لبد فيه من شرطين‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يكون المر عالما ً بأن هذا معروف‪ ،‬فإن‬
‫كان جاهل ً فإنه ل يجوز أن يتكلم‪ ،‬لنه إذا أمر بما يجهل فقد‬
‫قال على الله تعالى ما ل يعلم‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫الشرط الثاني‪:‬أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف‪،‬‬
‫فإن لم يعلم تركه إياه فليستفصل ‪.‬‬
‫والنهي عن المنكر كذلك لبد فيه من شروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪:‬أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي‪،‬ل‬
‫بالذوق ول بالعادة ول بالغيرة ول بالعاطفة‪ ،‬وليس مجرد أن‬
‫ترى أنه منكر يكون منكرًا‪ ،‬فقد ينكر النسان ما كان‬
‫معروفا ً ‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في‬
‫المنكر‪ ،‬فإن لم تعلم فل يجوز أن تنهى ‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن ل يزول المنكر إلى ما هو أعظم‪ ،‬فإن‬
‫زال المنكر إلى ما هو أعظم كان إنكاره حرامًا‪.‬‬
‫وتحت هذه المسألة أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪:‬أن يزول المنكر بالكلية ‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬أن يخف‪.‬‬
‫القسم الثالث‪:‬أن يتحول إلى منكر مثله‪.‬‬
‫القسم الرابع‪:‬أن يتحول إلى منكر أعظم‪.‬‬
‫فإذا كان إنكار المنكر يزول فل شك أن النكار واجب‪.‬‬
‫وإذا كان يخف فالنكار واجب‪ ،‬لن تخفيف المنكر أمر واجب‪.‬‬
‫جح‬ ‫وإذا كان يتحول إلى ما هو مثله فمحل نظر‪ ،‬هل ُير ّ‬
‫النكار أو ل‪ ،‬فقد يرجح النكار لن النسان إذا تغيرت به‬
‫الحوال وانتقل من شيء إلى شيء ربما يكون أخف‪ ،‬وقد‬
‫يكون المر بالعكس بحيث يكون بقاؤه على ما هو عليه‬
‫أحسن من نقله لنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وإذا كان يتحول إلى ما هو أعظم فالنكار حرام‪.‬‬
‫ة" هذه الصدقة قد تكون من‬ ‫صدَ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫د ُ‬ ‫َ‬
‫كم َ‬ ‫ح ِ‬
‫وفي ُبضع أ َ‬ ‫" َ‬
‫الواجب تارة‪ ،‬ومن المستحب تارة‪.‬‬
‫إذا كان النسان يخاف على نفسه الزنا إن لم يأت أهله صار‬
‫من الصدقة الواجبة‪ ،‬وإل فهو من الصدقة المستحبة‪.‬‬
‫ة" أن ذلك صدقة وإن‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫د ُ‬ ‫َ‬
‫كم َ‬ ‫ح ِ‬
‫وفي ُبضع أ َ‬ ‫وظاهر قوله‪َ " :‬‬
‫كان على سبيل الشهوة ل علي سبيل النكفاف عن الحرام‪،‬‬
‫لنه إذا كان على سبيل النكفاف عن الحرام فالمر واضح‬
‫‪142‬‬
‫أنه صدقة ‪ ،‬لنه يدفع الحرام بالمباح‪،‬لكن إذا كان لمجرد‬
‫الشهوة فظاهر الحديث أن ذلك صدقة‪.‬‬
‫‪7.‬أن الصحابة رضي الله عنهم ل يتركون شيئا ً مشكل ً إل‬
‫سألوا عنه‪ ،‬لقولهم‬
‫ها َأجر" ‪.‬‬ ‫كون ل َ ُ‬
‫ه في َ‬ ‫وي َ َ‬
‫ه َ‬
‫وت َ ُ‬ ‫حدَنا َ‬
‫شه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫"أيأتي أ َ‬
‫وبه نعلم أن كل شيء لم يسأل عنه الصحابة مما ُيظن أنه‬
‫من أمور الدين فإن السؤال عنه بدعة‪ ،‬لنه لو كان من دين‬
‫الله لقيض الله من يسأل عنه حتى يتبين‪.‬‬
‫‪8.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب المثل‬
‫الذي يقتنع به المخاطب‪ ،‬وهذا من حسن التعليم أن تقرب‬
‫م َلو‬ ‫َ‬
‫المور الحسّية بالمور العقلية‪ ،‬وذلك في قوله‪" :‬أَرأيت ُ ْ‬
‫في‬
‫ها ِ‬
‫ع َ‬
‫ض َ‬
‫و َ‬
‫ذا َ‬ ‫فك َذَل ِ َ‬
‫ك إِ َ‬ ‫وزٌر‪َ ،‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حرام ِ أ َ َ‬
‫كا َ‬ ‫في ال َ‬ ‫ها ِ‬‫ع َ‬
‫ض َ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ه أجٌر"‪.‬‬ ‫ن لَ ُ‬
‫كا َ‬‫ل َ‬
‫حل ِ‬ ‫ال َ‬
‫‪9.‬أن القياس حجة‪ ،‬فقياس الموافقة كثير جدا ً ول إشكال‬
‫فيه بأن تقيس هذا الشيء على هذا الشيء في حكم من‬
‫الحكام ‪.‬‬
‫لكن قياس العكس صحيح أيضًا‪،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قاس هذا القياس قياس عكس‪.‬‬
‫‪10.‬أن الكتفاء بالحلل عن الحرام يجعل الحلل قربة‬
‫َ‬
‫ة" والله الموفق‪.‬‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫دك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح ِ‬
‫ضع أ َ‬
‫في ب ُ ْ‬
‫و ِ‬
‫وصدقة‪،‬لقوله‪َ " :‬‬

‫الحديث السادس والعشرون‬


‫ه صلى‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫هَري َْرةَ رضي الله عنه َ‬ ‫ن أ َِبي ُ‬ ‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ة كُ ّ‬
‫ل‬ ‫ق ٌ‬ ‫صدَ َ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫س َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ل ُ‬‫الله عليه وسلم‪" :‬ك ُ ّ‬
‫ن‬‫عي ْ ُ‬‫وت ُ ِ‬
‫ة‪َ ،‬‬‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬ ‫د ُ‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫س‪ :‬ت َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫ه ال ّ‬
‫في ْ ِ‬
‫ع ِ‬‫َيوم ٍ ت َطْل ُ ُ‬
‫‪143‬‬
‫ه‬
‫ع ُ‬
‫مَتا َ‬‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ع لَ ُ‬ ‫ها َأو ت َْر َ‬
‫ف ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬‫ه َ‬ ‫داب ّت ِ ِ‬ ‫ل في َ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ُ‬
‫ها إ َِلى‬‫شي ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫خطْ َ‬
‫و ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ٌ‬‫صدَ َ‬‫ة َ‬ ‫ة الطّي ّب َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫والك َل ِ َ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫صدَ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة"رواه‬ ‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬‫ق َ‬ ‫ن الطّ ِ‬
‫ري ْ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ط الذى َ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫وت ُ ِ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫ق ٌ‬ ‫صدَ َ‬
‫ة َ‬‫صل ِ‬ ‫ال ّ‬
‫البخاري ومسلم‪. .‬‬

‫الشرح‬
‫السلمى هي المفاصل‪ ،‬وقيل‪:‬العظام‪ ،‬والمعنى واحد ل‬
‫يختلف‪ ،‬لن كل عظم مفصول عن الخر بفاصل فإنه يختلف‬
‫عنه في الشكل‪ ،‬وفي القوة‪ ،‬وفي كل المور وهذا من تمام‬
‫قدرة الله عّز وجل ‪.‬‬
‫وجاء في صحيح مسلم أن السلمى ثلثمائة وستون مفص ً‬
‫ل‪،‬‬
‫هكذا جاء في الحديث‪ ،‬والطب الحديث يوافق هذا ‪ -‬سبحان‬
‫الله ‪ -‬مما يدل على أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حق‪.‬‬
‫ة" والمعنى‪ :‬كل‬ ‫ق ٌ‬‫صدَ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫س َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وقوله‪" :‬ك ُ ّ‬
‫مفصل عليه صدقة‪.‬‬
‫س" يعني كل يوم يصبح‬ ‫شم ُ‬ ‫ه ال ّ‬‫في ْ ِ‬‫ع ِ‬ ‫ل َيوم ٍ ت َطْل ُ ُ‬ ‫وقوله‪" :‬ك ُ ّ‬
‫على كل عضو من أعضائنا صدقة‪ ،‬أي ثلثمائة وستون في‬
‫اليوم‪ ،‬فيكون في السبوع ألفين وخمسمائة وعشرين‪.‬‬
‫لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات ‪،‬‬
‫فكل القربات صدقات‪ ،‬وهذا شيء ليس بصعب على النسان‬
‫‪.‬‬
‫قة" تعدل أي تفصل بينهما‬ ‫صدَ َ‬
‫ن َ‬ ‫ن اثن َي ْ ِ‬ ‫ل َبي َ‬‫د ُ‬ ‫ع ِ‬‫ثم قال‪" :‬ت َ ْ‬
‫إما بصلح وإما بحكم‪ ،‬والولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم‬
‫يتبين للرجل أن الحكم لحدهما‪ ،‬فإن تبين أن الحكم لحدهما‬
‫حرم الصلح‪ ،‬وهذا قد يفعله بعض القضاة‪ ،‬يحاول أن يصلح‬
‫مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه‪ ،‬وهذا محرم‬
‫لنه بالصلح لبد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه‬
‫وبين حقه‪.‬‬
‫ها" إذا‬‫عل َي ْ َ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه" أي بعيره مثل ً "ت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫داب ّت ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬‫ن الّر ُ‬ ‫عي ْ ُ‬
‫وت ُ ِ‬
‫" َ‬
‫كان ليستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا‬
‫‪144‬‬
‫َ‬
‫ه" متاعه ما يتمتع به في‬ ‫ع ُ‬
‫مَتا َ‬
‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫صدقة "أو ت َ ْ‬
‫السفر من طعام وشراب وغيرهما‪ ،‬تحمله على البعير‬
‫وتربطه‪ ،‬هذا صدقة‪.‬‬
‫ة" أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق‬ ‫ق ٌ‬ ‫صد َ َ‬‫ة َ‬ ‫ة الطّي ّب َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫والك َل ِ َ‬ ‫" َ‬
‫الله كالتسبيح والتكبير والتهليل‪ ،‬أو في حق الناس كحسن‬
‫الخلق صدقة‪.‬‬
‫قة" سواء بعدت‬ ‫صدَ َ‬‫ة َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ها إ َِلى ال ّ‬ ‫طو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫و ٍ‬‫خط َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وب ِك ُ ّ‬ ‫" َ‬
‫المسافة أم قصرت‪ ،‬وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى‬
‫الصلة ليخرجه إل الصلة لم يخط خطوة إل رفع الله له بها‬
‫ط عنه بها خطيئة‪.‬‬ ‫درجة‪ ،‬وح ّ‬
‫ط الخطيئة‪.‬‬ ‫فيكتسب شيئين‪ :‬رفع الدرجة‪ ،‬وح ّ‬
‫ة" أي تزيل الذى وهو ما‬ ‫صدَ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫ري ْ ِ‬‫ن الطّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ذى َ‬ ‫ط ال َ‬ ‫مي ُ‬ ‫وت ُ ِ‬ ‫" َ‬
‫يؤذي المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي‬
‫المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬وجوب الصدقة على كل إنسان كل يوم تطلع فيه الشمس‬
‫قة" وعلى‬ ‫صد َ َ‬ ‫ع َ ِ‬
‫ليه َ‬ ‫عن كل عضو من أعضائه‪ ،‬لن قوله‪َ " :‬‬
‫للوجوب ‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قد يكون في إحصاء ذلك صعوبة؟‬
‫فالجواب‪ :‬أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجزئ‬
‫من ذلك ‪ -‬أي بدل ً عنه‪ ،‬لن )من( هنا بدلّية بمعنى بدل ذلك ‪-‬‬
‫ركعتان يركعهما من الضحى‪ ،‬فإذا ركعت ركعتين من الضحى‬
‫صار الباقي نفل ً وتطوعًا‪ .‬ويؤخذ من هذه الرواية‪ :‬أنه ينبغي‬
‫للنسان أن يداوم على ركعتي الضحى‪ ،‬وجه ذلك‪ :‬أنها تأتي‬
‫بدل ً عن هذه الصدقات أي بدل ً عن ثلثمائة وستين صدقة‪،‬‬
‫وهذا القول هو الراجح‪ :‬أنه تسن المداومة على ركعتي‬
‫الضحى‪.‬‬
‫ووقتها‪ :‬من ارتفاع الشمس قيد رمح في رأي العين‪ ،‬إلى‬
‫قبيل الزوال يعني بعد طلوع الشمس بنحو ثلث ساعة إلى‬
‫قبيل الزوال بعشر أو خمس دقائق‪ ،‬وآخر الوقت أفضل‪.‬‬
‫ل ما شئت فأنت على‬ ‫وأقلها ركعتان وأكثرها ل حد له‪ ،‬فص ّ‬
‫خير‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫‪2.‬أن الشمس هي التي تدور على الرض‪ ،‬فيأتي النهار بدل‬
‫س" وهذا واضح أن الحركة‬ ‫م ُ‬ ‫ه ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫الليل‪ ،‬لقوله‪" :‬ت َطْل ُ ُ‬
‫ع ِ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫وت ََرى ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫حركة الشمس‪ ،‬ويدل لهذا قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ت‬ ‫ذا َ‬
‫غَرب َ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫ت ال ْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫م َ‬
‫ذا َ‬ ‫ه ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ن كَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬‫وُر َ‬‫ت ت ََزا َ‬‫ع ْ‬‫ذا طَل َ َ‬‫إِ َ‬
‫مال(‪ 1‬أربعة أفعال مضافة إلى الشمس‪،‬‬ ‫ش َ‬‫ت ال ّ‬‫ذا َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫ض ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ق ِ‬
‫ن‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬‫وقال تعالى عن سليمان‪َ ) :‬‬
‫ع ْ‬‫ر َ‬‫خي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ت ُ‬ ‫حب َب ْ ُ‬
‫ل إ ِّني أ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ب(‬ ‫جا ِ‬
‫ح َ‬‫ت ِبال ْ ِ‬ ‫واَر ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ر َرّبي َ‬ ‫ِذك ْ ِ‬
‫ب( أي بالرض‪ ،‬وقال النبي صلى الله‬ ‫جا ِ‬ ‫ح َ‬‫أي الشمس )ِبال ْ ِ‬
‫عليه وسلم لبي ذّر رضي الله عنه حين غربت الشمس‪:‬‬
‫م " فأضاف‬ ‫ه أَ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫وَر ُ‬
‫ه َ‬ ‫ل‪ :‬الل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ب؟ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن ت َذْ َ‬ ‫َ‬
‫ي أي ْ َ‬
‫ر ْ‬
‫َ‬
‫"أت َدْ ِ‬
‫الذهاب إليها أي إلى الشمس‪.‬‬
‫أفبعد هذا يمكن أن نقول‪ :‬إن الرض هي التي تدور‪ ،‬ويكون‬
‫في دورانها اختلف الليل والنهار؟ ليمكن إل إذا ثبت عندنا‬
‫ثبوتا ً قطعيا ً نستطيع به أن نصرف ظاهر النصوص إلى معنى‬
‫يطابق الواقع‪ ،‬فإذا ثبت فالقرآن والسنة ل يخالف الواقع‪،‬‬
‫ولكن كيف نتصرف مع هذه الفعال التي ظاهرها أن‬
‫الشمس هي التي تدور؟‬
‫نتصرف فنقول‪ :‬تطلع في رأي العين‪ ،‬لنك أنت مثل ً واقف‬
‫في السطح أو في البر ترى الشمس تطلع وترتفع في رأي‬
‫العين‪ ،‬نقول هذا‪ :‬إذا ثبت قطعا ً ثبوتا ً حسي ّا ً أن اختلف الليل‬
‫والنهار يكون بدوران الرض‪ ،‬وهذا إلى الن لم نصل إليه‪،‬‬
‫فيجب إبقاء النص على ما هو عليه‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬كيف يتصور النسان أن الكبير يدور على‬
‫الصغير‪ ،‬لنك إذا نسبت الرض إلى الشمس فليست بشيء‪،‬‬
‫أي صغيرة‪.‬‬
‫نقول‪ :‬إن الذي أدار الكبير على الصغير هو الله عّز وجل‪،‬‬
‫وهو على كل شيء قدير‪ ،‬ول مانع‪.‬‬
‫فهذا ما نعتقده حول هذه المسألة‪ ،‬ومع ذلك لو قال قائل‪:‬‬
‫هل الدللة قطعية؟‬

‫‪1‬‬
‫)الكهف‪ :‬الية ‪(17‬‬
‫‪2‬‬
‫ص‪(32 :‬‬
‫) ّ‬
‫‪146‬‬
‫فالجواب‪ :‬الدللة ليست قطعية‪ ،‬بل ظنية‪ ،‬ونحن علينا أن‬
‫نعمل بالدليل الظني الذي هو ظاهر النص حتى ُيعارض‬
‫بدليل قطعي ‪.‬‬
‫‪3.‬فضيلة العدل بين الثنين‪ ،‬وقد حث الله عّز وجل على‬
‫الصلح ‪ ،‬والعدل بين الخصمين في الحكم واجب‪.‬‬
‫‪4.‬الحث على معونة الرجل أخاه‪ ،‬لن معونته إياه صدقة‪،‬‬
‫سواء في المثال الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أو في غيره‪.‬‬
‫وهناك أمثلة كثيرة ومن ذلك‪:‬‬
‫لو وجدت إنسانا ً على الطريق وطلب منك أن تحمله إلى‬
‫البلد وحملته‪ ،‬فإنه يدخل في هذا من باب أولى‪.‬‬
‫ولكن هل يجب عليك أن تحمله‪ ،‬أول يجب؟‬
‫الجواب‪ :‬إن كان في مهلكة وأمنت منه وجب عليك أن تحمله‬
‫وجوبا ً لنقاذه من الهلكة‪ ،‬والمهلكة إما لقلة الماشي فيها‪،‬‬
‫أو لن فيها قطاع طريق ربما يقضون على هذا الرجل‪.‬‬
‫فإن لم تأمن من هذا الرجل فل يلزمك أن تحمله‪ ،‬مثل أن‬
‫تخاف من أن يغتالك أو يحول مسيرك إلى اتجاه آخر بالقوة‬
‫ول َ‬ ‫فل يلزمك لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل َ َ‬
‫ضَرَر َ‬
‫ضَراَر"‪.‬‬
‫ِ‬
‫ة"‬‫ق ٌ‬‫صد َ َ‬
‫ة َ‬‫ة الطّي ّب َ ُ‬ ‫والك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫‪5.‬الحث على الكلمة الطيبة لقوله‪َ " :‬‬
‫والله ل أطيب من كلم الله عّز وجل القرآن‪،‬كل كلمة في‬
‫القرآن فهي صدقة‪.‬‬
‫والكلمة الطيبة تكون طيبة في أسلوبها‪ ،‬وفي موضوعها‪،‬‬
‫وفي إلقائها‪ ،‬وفي نواح أخرى والقاعدة‪ :‬كل كلمة طيبة‬
‫فهي صدقة‪.‬‬
‫‪6.‬أن إزالة الذى عن الطريق صدقة‪ ،‬وبقياس العكس نقول‪:‬‬
‫وضع الذى في الطريق جريمة وأذية‪ ،‬ويتفرع على هذه‬
‫الفائدة‪:‬‬
‫سي صدقة فإماطة‬ ‫إذا كان إماطة الذى عن الطريق الح ّ‬
‫الذى عن الطريق المعنوي أبلغ وذلك ببيان البدع والمنكرات‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫‪7.‬أن كل ما يقرب إلى الله عّز وجل من عبادة وإحسان إلى‬
‫خلقه فإنه صدقة ‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫‪147‬‬

‫الحديث السابع والعشرون‬


‫عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ )) :‬البر حسن الخلق ‪ ،‬والثم‬
‫ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس (( ‪.‬رواه‬
‫مسلم‪.‬وعن وابصة بن معبد رضى الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬جئت تسأل‬
‫عن البر و الثم ؟ (( قلت ‪ :‬نعم ؛ قال ‪ )) :‬استفت قلبك ؛‬
‫البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب ‪ ،‬والثم‬
‫ما حاك في النفس وتردد في الصدر ‪ ،‬وإن أفتاك الناس‬
‫وأفتوك ((‪.‬‬
‫قال الشيخ ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬حديث حسن ‪ ،‬رويناه في مسندي‬
‫المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬و الدارمي بإسناد حسن ‪.‬‬

‫الشرح‬
‫‪148‬‬
‫قوله ) البر( أي الذي ذكره الله تعالى في القرآن فقال‬
‫وى ( (والبر كلمة تدل على كثرة‬ ‫‪1‬‬
‫ق َ‬ ‫عَلى ال ْب ِّر َ‬
‫والت ّ ْ‬ ‫وُنوا َ‬ ‫عا َ‬
‫وت َ َ‬
‫) َ‬
‫الخير ‪.‬‬
‫) حسن الخلق ( أي حسن الخلق مع الله ‪ ،‬وحسن الخلق مع‬
‫عباد الله ‪ ،‬فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه‬
‫الشرعية بالرضا والتسليم ‪ ،‬وأن ل يكون في نفسك حرج‬
‫منها ول تضيق بها ذرعا‬
‫وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية وتقوم بما‬
‫أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه ‪.‬‬
‫أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه ‪ :‬بذل الندى وكف‬
‫الذى والصبر على الذى ‪ ،‬وطلقة الوجه ‪.‬‬
‫وهذا هو البر والمراد به البر المطلق ‪ ،‬وهناك بر خاص كبر‬
‫الوالدين مثل وهو الحسان إليهما بالمال والبدن والجاه‬
‫وسائر الحسان ‪.‬‬
‫وهل يدخل بر الوالدين في قوله ) حسن الخلق (؟‬
‫فالجواب ‪ :‬نعم يدخل‪.‬‬
‫عَلى‬
‫وُنوا َ‬
‫عا َ‬
‫وت َ َ‬
‫)والثم ( هو ضد البر لن الله تعالى قال ‪َ ) :‬‬
‫ن(‪ 2‬فما هو‬ ‫وا ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫عد ْ َ‬ ‫عَلى الثم َ‬‫وُنوا َ‬ ‫عا َ‬‫ول ت َ َ‬ ‫وى َ‬ ‫والت ّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ال ْب ِّر َ‬
‫الثم ؟‬
‫)الثم ما حاك في نفسك ( أي تردد وصرت منه في قلق‬
‫))وكرهت أن يطلع عليه الناس(( لنه محل ذم وعيب ‪،‬‬
‫فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك وهذه الجملة‬
‫إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما ‪ ،‬فهذا هو الذي يحوك‬
‫في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس ‪.‬‬
‫أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم‬
‫فهؤلء ل يبالون ‪ ،‬بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والثم ‪،‬‬
‫فالكلم هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه‬
‫سليما طاهرا نقيا‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المائدة‪ :‬الية ‪(2‬‬
‫‪2‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(2‬‬
‫‪149‬‬
‫‪.1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ‪،‬‬
‫يتكلم بالكلم اليسير وهو يحمل معاني كثيرة لقوله )البر‬
‫حسن الخلق ( كلمة جامعة مانعة ‪.‬‬
‫‪ .2‬الحث على حسن الخلق وأنك متى أحسنت خلقك فإنك‬
‫في بر ‪.‬‬
‫ف سليم يحوك في نفسه الثم‬ ‫‪ .3‬إن المؤمن الذي قلبه صا ٍ‬
‫وإن لم يعلم أنه إثم بل يتردد فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬إن الرجل المؤمن يكره أن يطلع الناس على آثامه لقوله‬
‫))وكرهت أن يطلع عليه الناس (( أما الرجل الفاجر‬
‫المتمرد فل يكره أن يطلع الناس على آثامه‪.‬‬
‫عن وابصة السدي قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأنا أريد أن ل أدع شيئا من البر والثم إل سألته عنه‬
‫وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم‬
‫قالوا ‪ :‬إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قلت ‪ :‬دعوني فأدنوا منه ‪ ،‬فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه‬
‫قال ‪ ) :‬دعو وابصة‪ ،‬أدن يا وابصة ( مرتين أو ثلثا قال ‪:‬‬
‫فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال ‪ ) :‬يا وابصة أخبرك‬
‫أو تسألني ؟( قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬بل أخبرني فقال ‪ )) :‬جئت تسأل‬
‫عن البر و الثم ؟ (( فقال ‪ :‬نعم ؛ فجمع أنامله فجعل‬
‫ينكت بهن في صدري ويقول ‪ )) :‬يا وابصة استفت قلبك ؛‬
‫واستفت نفسك ( ثلث مرات ) البر ما اطمأنت إليه النفس‬
‫والثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر‪ ،‬وإن أفتاك‬
‫الناس وأفتوك((‪.‬‬
‫قوله‪ ) :‬جئت تسأل عن البر ( قلت‪ :‬نعم هذه جملة خبرية‬
‫في ظاهرها ولكنها استفهامية في معناها فمعنى ) جئت‬
‫تسأل عن البر ( يعني أجئت تسال عن البر ؟‬
‫والجملة الخبرية تأتي بمعني الستفهام كثيرا ‪.‬‬
‫فإن قال قائل ‪ :‬كيف وقع في قلب النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم أن هذا الرجل جاء يسأل عن البر ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬قضايا العيان ل يسأل عنها ‪ ،‬هذه قضية عين‬
‫يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن وابصة رضي‬
‫الله عنه يسأل عن البر ‪ ،‬فلما أتى إليه قال له‪ ) :‬أجئت‬
‫‪150‬‬
‫تسأل عن البر( ويحتمل أن هذا من فراسة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فالمهم‪ :‬أن قضايا العيان يصعب جدا أن يدرك‬
‫النسان أسبابها ‪.‬‬
‫) قلت نعم قال ‪ :‬استفت قلبك ( أي اسأل والستفتاء‬
‫طلب الفتاء وهو بمعنى الخبر لن الفتاء إخبار عن حكم‬
‫شرعي فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على قلبه ‪.‬‬
‫) البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس( اطمأن‬
‫يعني ‪ :‬استقر فما استقر إليه القلب ورضي به وانشرح به‬
‫واطمأنت إليه النفس أيضا ل تحدثك نفسك بالخروج عنه‬
‫فهذا هو البر ولكن لمن قلبه سليم ونيته صادقه ‪.‬‬
‫) والثم ما حاك في النفس ( أي تردد فيها )وتردد في‬
‫الصدر ( يعني في القلب لنه قال ‪ ) :‬البر ما اطمأنت إليه‬
‫نفسك وأطمأن إليه القلب ( ‪.‬‬
‫) وإن أفتاك الناس وأفتوك ( هذا من باب التوكيد يعني‬
‫حتى لو أفتاك وأفتاك وأفتاك فل ترجع إلى فتواهم ما دام‬
‫قلبك لم يطمئن ولم يستقر فل تلتفت للفتوى ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪ .1‬حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتقدم‬
‫للسائل بما في نفسه ليستريح ويطمئن لقوله ) جئت تسأل‬
‫عن البر ؟( ‪.‬‬
‫‪.2‬أن )نعم( جواب لثبات ما سئل عنه فقول وابصة رضي‬
‫الله عنه )نعم ( أي جئت أسأل عن البر ؛ ولهذا لو أجاب‬
‫النسان بها من سأله عن شيء فمعناها إثبات ذلك الشيء ‪.‬‬
‫‪ .3‬جواز الرجوع إلى القلب والنفس لكن بشرط أن يكون‬
‫هذا الذي رجع إلى قلبه ونفسه ممن استقام دينه ؛ فإن الله‬
‫عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن ل يغتر النسان بإفتاء الناس ل سيما إذا وجد في‬
‫نفسه ترددا ؛ فإن كثيرا ً‬
‫من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد‬
‫ويشك ؛ فهل لهذا الذي تردد وشك أن يسأل عالما آخر ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في‬
‫جواب الول ‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫‪ .5‬أن المدار في الشرعية على الدلة ل على ما أشتهر بين‬
‫الناس لن الناس‬
‫قد يشتهر عندهم شيء ويفتون به وليس بحق والله‬
‫الموفق ‪.‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ة رضي الله عنه َ‬ ‫ساري َ َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ضب ِ‬ ‫ح العرَبا ِ‬ ‫جي ٍ‬ ‫عن أبي ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫فت‬ ‫وذََر َ‬ ‫ب َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ها ال ُ‬ ‫من َ‬ ‫جَلت ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫عظَ ً‬ ‫مو ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ظنا َر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عظَ ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬‫ود ّ ٍ‬‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ه ك َأن ّ َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫قل َْنا‪َ :‬ياَر ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫عيون‪َ .‬‬ ‫ها ال ُ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫سم ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ه عز وجل َ‬ ‫وى الل ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ب ِت َ ْ‬ ‫صي ْك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ل‪) :‬أ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫صَنا‪َ ،‬‬ ‫فأو ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬‫د‪َ ،‬‬ ‫عب ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ن ت َأ ّ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ة َ‬ ‫ع ِ‬ ‫طا َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫فا ِ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ي َ‬ ‫سن ّت ِ ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫عليك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫ً‬
‫فا ك َِثيَرا؛ َ‬ ‫ً‬ ‫خِتل َ‬ ‫سي ََرى ا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫وإ ِّياك ُ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ها ِبالن ّ َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ع ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دّيي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ش ِ‬
‫الّرا ِ‬
‫ضلل َ ٌ‬
‫ة(‬ ‫ة َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ل ب ِدْ َ‬ ‫ة بدعة‪ ،‬وك ُ ّ‬ ‫محدث ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫حدََثا ِ‬
‫ل ُ‬ ‫ر فإ ّ‬ ‫مو ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫رواه أبو داود والترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫الشرح‬
‫ظنا" الوعظ‪:‬التذكير بما يلين القلب سواء كانت‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫قوله‪َ ":‬‬
‫الموعظة ترغيبا ً أو ترهيبًا‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يتخول أصحابه بالموعظة أحيانًا‪.‬‬
‫ب" أي خافت منها القلوب كما‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ها ال ُ‬‫من َ‬ ‫وجَلت ِ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫م(‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫‪1‬‬
‫جل َ ْ‬
‫ت ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ذا ذُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫عيون" أي ذرفت الدموع‪ ،‬وهو كناية عن‬ ‫ها ال ُ‬‫من َ‬‫فت ِ‬ ‫وذََر َ‬ ‫" َ‬
‫البكاء‪.‬‬
‫عظَ َ‬
‫ة‬ ‫مو ِ‬ ‫كأّنها" أي هذه الموعظة " َ‬ ‫سول الله‪َ :‬‬ ‫قلَنا َيا َر ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫" َ‬
‫ع" وذلك لتأثيرها في إلقائها‪،‬وفي موضوعها‪،‬وفي هيئة‬ ‫و ِدّ ٍ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫الواعظ لن كل هذا مؤثر‪،‬حتى إننا في عصرنا الن تسمع‬
‫الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي‪ ،‬فإذا سمعته مسجل ً لم‬
‫تتأثر‪ ،‬فتأثير المواعظ له أسباب منها‪ :‬الموضوع‪،‬وحال‬
‫الواعظ‪،‬وانفعاله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النفال‪ :‬الية ‪(2‬‬
‫‪152‬‬
‫ز وجل" هذه الوصية مأخوذة‬ ‫وى الله ع ّ‬ ‫كم ب َِتق َ‬ ‫ل أوصي ُ‬ ‫قا َ‬ ‫" َ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫صي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫و ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫من قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫قبل ِك ُم وإياك ُ َ‬
‫ه(‪ 2‬فتقوى الله رأس كل شيء‪.‬‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن ات ّ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ِّ‬ ‫َ ْ‬
‫ومعنى التقوى‪ :‬طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على‬
‫علم وبصيرة‪.‬‬
‫ولهذا قال بعضهم في تفسيرها‪ :‬أن تعبد الله على نور من‬
‫الله‪ ،‬ترجو ثواب الله‪ ،‬وأن تترك ما حرم الله‪ ،‬على نور من‬
‫الله‪ ،‬تخشى عقاب الله‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪:‬‬
‫خل الذنوب صغيرهاوكبيرها ذاك التقى واعمل كماش فوق‬
‫أرض الشوك يحذر ما يرى لتحقرن صغيرة إن الجبال من‬
‫الحصى‬
‫مر‬‫وِإن َتأ ّ‬ ‫عة" أي لولة المر بدليل قوله َ‬ ‫طا َ‬ ‫ع وال ّ‬ ‫سم ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫" َ‬
‫كم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم‪ ،‬وأن تطيع إذا‬ ‫علي ُ‬ ‫َ‬
‫أمر ‪.‬‬
‫كم" أي صار أميرا ً "عبد" أي مملوكًا‪.‬‬ ‫عَلي ُ‬ ‫مر َ‬ ‫وإن َتأ ّ‬ ‫" َ‬
‫سَيرى"‬ ‫ف َ‬‫كم" أي تطول به الحياة " َ‬ ‫من ُ‬ ‫عش ِ‬ ‫من ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫" َ‬
‫كثيرا ً في العقيدة‪ ،‬وفي‬ ‫لفا ً َ‬ ‫والسين هنا للتحقيق اخت ِ َ‬
‫العمل ‪ ،‬وفي المنهج‪ ،‬وهذا الذي حصل‪ ،‬فالصحابة رضي الله‬
‫عنهم الذين عاشوا طويل ً وجدوا من الختلف والفتن‬
‫والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان‪.‬‬
‫ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا‬
‫سنتي" أي الزموا سنتي‪،‬‬ ‫كم ب ِ ّ‬ ‫عَلي ُ‬ ‫ف َ‬ ‫الختلف‪ ،‬فقال‪َ " :‬‬
‫والمراد بالسنة هنا‪ :‬الطريقة التي هو عليها ‪ ،‬فل تبتدعوا‬
‫في دين الله عّز وجل ما ليس منه ‪،‬ول تخرجوا عن شريعته‪.‬‬
‫شدين" الخلفاء الذين يخلفون رسول‬ ‫ء الَرا ِ‬ ‫فا ِ‬‫خل َ َ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫سن ّ ِ‬‫و ُ‬ ‫" َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في أمته‪ ،‬وعلى رأسهم أبو بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الول لهذه‬
‫المة‪ ،‬نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلفته نصا ً‬
‫يقرب من اليقين‪ ،‬وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(131‬‬
‫‪153‬‬
‫ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنه‬
‫أولى الناس بالخلفة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه‬
‫فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كثيرا ً‬
‫ما يقول‪ :‬ذهبت أنا وأبو بكر وعمر‪ ،‬وجئت أنا وأبو بكر‬
‫وعمر ‪،‬فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن أحق الناس بالخلفة‬
‫عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫وخلفة عمر رضي الله عنه ثابتة شرعا ً لنها وقعت من‬
‫خليفة‪،‬ثم صارت الخلفة لعثمان رضي الله عنه بمشورة‬
‫معروفة رتبها عمر رضي الله عنه‪ ،‬ثم صارت بعد ذلك لعلي‬
‫رضي الله عنه هؤلء هم الخلفاء الراشدون ل إشكال فيهم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬المهديين" صفة مؤكدة لما سبق‪ ،‬لنه يلزم من‬
‫كونهم راشدين أن يكونوا مهديين‪ ،‬إذ ل يمكن رشد إل‬
‫بهداية‪،‬وعليه فالصفة هنا ليست صفة احتراز ولكنها صفة‬
‫توكيد وبيان علة‪،‬يعني أنهم رشدوا لنهم مهديون‪.‬‬
‫ذ"‬
‫ج ِ‬ ‫ها" أي على سنتي وسنة الخلفاء "بالن ّ َ‬
‫وا ِ‬ ‫عَلي َ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ع ّ‬ ‫" َ‬
‫وهي أقصى الضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسما ً‬
‫يؤكل‪،‬لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها‪،‬أي أن النسان‬
‫يتمسك بهذه السنة حتى يعض عليها بأقصى أضراسه‪.‬‬
‫كم" لما حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة‪.‬‬ ‫وإّيا ُ‬ ‫" َ‬
‫ت المور" أي اجتنبوها‪،‬والمراد بالمور هنا‬ ‫ُ‬ ‫محدََثا ِ‬ ‫وإّيا ُ‬
‫و ُ‬ ‫كم َ‬ ‫" َ‬
‫الشؤون‪ ،‬والمراد بالشؤون شؤون الدين‪،‬ل المحدثات في‬
‫أمور الدنيا‪،‬لن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع‬
‫فهو خير‪،‬ومنها ما هو ضار فهو شر‪،‬لكن المحدثات في أمور‬
‫عة" لنها‬ ‫محدَث َ ٍ‬
‫ة ِبد َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫الدين كلها شر‪ ،‬ولهذا قال‪َ " :‬‬
‫فإ ِ ّ‬
‫ابتدعت وأنشئت من جديد‪.‬‬
‫ضلَلة" أي كل بدعة في دين الله عّز وجل فهي‬ ‫ة َ‬ ‫ع ٍ‬‫كل ِبد َ‬ ‫" ُ‬
‫ضللة ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬مشروعية الموعظة‪،‬ولكن ينبغي أن تكون في محلها‪،‬وأن‬
‫مل ‪،‬ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل يكثر في ُ ِ‬
‫يتخول أصحابه بالموعظة‪،‬وكان بعض الصحابة يعظ أصحابه‬
‫كل يوم خميس‪ ،‬يعني في السبوع مرة‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫‪2.‬أنه ينبغي للواعظ أن تكون موعظته مؤثرة باختيار‬
‫اللفاظ الجزلة المثيرة‪،‬وهذا على حسب الموضوع ‪.‬‬
‫‪3.‬أن المخاطب بالموعظة إذا كانت بليغة فسوف يتأثر‬
‫ن" ‪.‬‬‫عيو ُ‬ ‫ها ال ُ‬ ‫من َ‬ ‫فت ِ‬‫و ذََر َ‬ ‫قُلو ُ‬
‫ب‪َ ،‬‬ ‫ها ال ُ‬
‫من َ‬ ‫جَلت ِ‬ ‫و ِ‬ ‫لقوله‪َ " :‬‬
‫‪4.‬أن القلب إذا خاف بكت العين‪ ،‬وإذا كان قاسيًا‪ ،‬نسأل الله‬
‫عّز وجل أن يبعدنا وإياكم من قسوة القلب‪،‬لم تدمع العين‪.‬‬
‫‪5.‬أنه جرت العادة أن موعظة المودع تكون بليغة مؤثرة‪،‬لن‬
‫المودع لن يبقى عند قومه حتى يكرر عليهم الموعظة فيأتي‬
‫عظَ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مو ِ‬ ‫ها َ‬‫ذكر بها بعد ذلك لقولهم‪" :‬ك َأن ّ َ‬ ‫بموعظة مؤثرة ي ُ َ‬
‫ع" ‪.‬‬ ‫و ِدّ ٍ‬
‫م َ‬
‫‪6.‬طلب النسان من العالم أن يوصيه‪،‬لقولهم رضي الله‬
‫صَنا"‪.‬‬ ‫عنهم " َ َ‬
‫فأو ِ‬
‫ولكن هل هذا يكون بدون سبب‪،‬أو إذا وجد سبب لذلك؟‬
‫الظاهر الثاني‪:‬بمعنى أنه ليس كلما قابلت أحدا ً‬
‫تقول‪:‬أوصني‪،‬فإن هذا مخالف لهدي الصحابة فيما يظهر‬
‫ومن ذلك السفر‪ ،‬أي إذا أراد النسان أن يسافر وقال مثل ً‬
‫للعاِلم أوصني‪ ،‬فهذا مشروع‪.‬‬
‫‪7.‬أن أهم ما يوصى به العبد تقوى الله عّز وجل لقوله‪:‬‬
‫وى الله"‪.‬‬ ‫كم ب َِتق َ‬ ‫"ُأوصي ُ‬
‫‪8.‬فضيلة التقوى حيث كانت أهم وأولى وأول ما يوصى به‬
‫العبد‪.‬‬
‫‪9.‬وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولة‬
‫المور‪،‬والسمع والطاعة لهم واجب بالكتاب والسنة‪،‬قال الله‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫تعالى‪) :‬يا أ َيها ال ّذين آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫عوا الّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫وُأوِلي اْل َ‬
‫م (‪ 1‬فجعل طاعة أولي المر في المرتبة‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫الثالثة ولكنه لم يأت بالفعل )أطيعوا ( لن طاعة ولة المور‬
‫تابعة لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولهذا‬
‫لو أمر ولة المور بمعصية الله عّز وجل فل سمع ول طاعة‪.‬‬
‫وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي المر وإن كان‬
‫يعصي الله عّز وجل إذا لم يأمرك بمعصية الله عّز وجل‪ ،‬لن‬
‫ب‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪":‬اسمع َ‬
‫ضَر َ‬‫وِإن َ‬ ‫طع َ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(59‬‬
‫‪155‬‬
‫ك"وضرب الظهر وأخذ المال بل سبب‬ ‫مال َ َ‬
‫خذ َ َ‬‫وأ َ َ‬ ‫ك َ‬‫ظهَر َ‬‫َ‬
‫شرعي معصية ل شك‪ ،‬فل يقول النسان لولي المر‪ :‬أنا ل‬
‫أطيعك حتى تطيع ربك‪ ،‬فهذا حرام‪ ،‬بل يجب أن يطيعه وإن‬
‫لم يطع ربه‪.‬‬
‫أما لو أمر بالمعصية فل سمع ول طاعة ‪.‬‬
‫د" ولكن‬ ‫عب ٌ‬
‫كم َ‬ ‫وِإن ت ََأمَر َ‬
‫عَلي ُ‬ ‫‪10.‬ثبوت إمرة العبد‪،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫هل يلزم طاعة المير في كل شيء‪ ،‬أو فيما يتعلق بالحكم؟‬
‫الجواب‪:‬الثاني‪ ،‬أي فيما يتعلق بالحكم ورعاية الناس‪ ،‬فلو‬
‫ل‪ :‬ل تأكل اليوم إل وجبتين‪ .‬أو ما أشبه‬ ‫قال لك المير مث ً‬
‫ذلك فلم يجب عليك أن توافق إل أنه يحرم عليك أن تنابذ‪،‬‬
‫بمعنى أن تعصيه جهارا ً لن هذا يفسد الناس عليه‪.‬‬
‫وِإن‬
‫‪11.‬وجوب طاعة المير وإن لم يكن السلطان‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫كم" ومعلوم أن المة السلمية من قديم الزمان‬ ‫عَلي ُ‬‫ت ََأمَر َ‬
‫فيها خليفة وهو السلطان‪ ،‬وهناك أمراء للبلدان‪ ،‬وإذا وجبت‬
‫طاعة المير فطاعة السلطان من باب أولى‪.‬‬
‫مر الناس عليهم أميرا ً في السفر‪،‬‬ ‫وهنا سؤال يكثر‪ :‬إذا أ ّ‬
‫فهل تلزمهم طاعته؟‬
‫فالجواب‪ :‬نعم‪ ،‬تلزمهم طاعته‪،‬وإذا لم نقل بذلك لم يكن‬
‫هناك فائدة من تأميره‪،‬لكن طاعته فيما يتعلق بأمور السفر‬
‫ل في كل شيء‪،‬إل أن الشيء الذي ل يتعلق بأمور السفر ل‬
‫تجوز منابذته فيه ‪.‬‬
‫‪12.‬ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫را ً" فقد‬ ‫كثي َ‬‫سي ََرى اخِتلفا ً َ‬ ‫ف َ‬‫كم َ‬ ‫من ُ‬‫عش ِ‬ ‫من ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قوله‪َ " :‬‬
‫فإ ِن ّ ُ‬
‫وقع المر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬وهل يمكن أن نطبق هذه الجملة في كل‬
‫زمان‪،‬بمعنى أن نقول‪ :‬من يعش منكم فسيرى اختلفا ً‬
‫كثيرًا؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل نستطيع أن نطبقها في كل زمان‪،‬لكن الواقع‬
‫أن من طال عمره رأى اختلفا ً كثيرًا‪.‬‬
‫‪13.‬وجوب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند‬
‫كم ِبسّنتي" والتمسك بها واجب في‬ ‫عَلي ُ‬ ‫الختلف‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ف َ‬
‫كل حال لكن يتأكد عند وجود الختلف‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫‪14.‬أنه يجب على النسان أن يتعلم سنة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪15.‬أن للخلفاء سنة متبعة بقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وعلى هذا فما سنه الخلفاء الراشدون ُأعتبر سنة‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم بإقراره إياهم‪ ،‬ووجه كونه‬
‫أقره أنه أوصى باتباع سنة الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫‪16.‬أنه إذا كثرت الحزاب في المة فل تنتم إلى حزب‪ ،‬فقد‬
‫ظهرت طوائف من قديم الزمان مثل الخوارج والمعتزلة‬
‫والجهمية والرافضة‪،‬ثم ظهرت أخيرا ً إخوانيون وسلفيون‬
‫وتبليغيون وما أشبه ذلك‪ ،‬فكل هذه الفرق اجعلها على‬
‫اليسار وعليك بالمام وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله‬
‫فاء‬ ‫س َّنة ال ُ‬
‫خل َ َ‬ ‫و ُ‬
‫سّنتي َ‬ ‫عَلي ُ‬
‫كم ب ِ ُ‬ ‫عليه وسلم في قوله‪َ " :‬‬
‫شدين"‬
‫الَرا ِ‬
‫‪17.‬الحث على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ها‬ ‫عَلي َ‬‫وسنة الخلفاء الراشدين تمسكا ً تامًا‪ ،‬لقوله‪" :‬عضوا َ‬
‫ذ"‪.‬‬ ‫ج ِ‬‫وا ِ‬‫بالن ّ َ‬
‫‪18.‬التحذير من البدع‪ ،‬أي من محدثات المور‪ ،‬لن )إّيا( في‬
‫وإّياكم" معناها التحذير من محدثات المور لكن في‬ ‫قوله " َ‬
‫الدين‪ ،‬أما في الدنيا إما مطلوب وإما مذموم حسب ما يؤدي‬
‫إليه من النتائج‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬كيف نجمع بين هذه الكلية العامة الواضحة‬
‫ة" وبين قوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ع ٌ‬‫ة بد َ‬ ‫محدَث َ ٍ‬ ‫ل ُ‬‫البينة‪" :‬ك ُ ّ‬
‫فل َه َأجرها َ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ع ِ‬‫من َ‬ ‫وأجُر َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ة َ ُ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫ة َ‬
‫سن َ ً‬‫ن في السلم ِ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫من َ‬ ‫" َ‬
‫ة"‬‫م ِ‬‫قيا َ‬ ‫ها إ َِلى َيوم ال ِ‬ ‫بِ َ‬
‫فالجواب من وجهين‪:‬‬
‫ن‬
‫س ّ‬ ‫من َ‬ ‫الوجه الول‪:‬أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم‪َ " :‬‬
‫ة" أي من ابتدأ العمل بالسنة‪ ،‬ويدل‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫سن ّ ً‬‫في السلم ِ ُ‬
‫لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بعد أن حث على‬
‫الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها‪ ،‬فجاء‬
‫ل بما تيسر له‪ ،‬وجاء رجل من النصار بصرة قد‬ ‫الصحابة ك ّ‬
‫أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فل َه َأجرها َ‬
‫من‬ ‫وأجُر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة َ ُ‬‫سن َ َ‬
‫ح َ‬‫ة َ‬
‫سن ّ ً‬ ‫ن في السلم ِ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫من َ‬ ‫فقال‪َ " :‬‬
‫ة" أي ابتدأ العمل سنة ثابتة‪ ،‬وليس‬ ‫م ِ‬‫قيا َ‬ ‫ها إ َِلى َيوم ِ ال ِ‬ ‫ل بِ َ‬‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫‪157‬‬
‫أنه يأتي هو بسنة جديدة‪ ،‬بل يبتدئ العمل لنه إذا ابتدأ‬
‫العمل سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل‪.‬‬
‫ة"‬
‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬‫ة َ‬ ‫سن ّ ً‬‫ن في السلم ِ ُ‬ ‫س ّ‬
‫من َ‬ ‫الوجه الثاني‪:‬أن يقال‪َ " :‬‬
‫أي سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة‬
‫المصاحف على مصحف واحد‪ ،‬فهذا سنة حسنة لشك‪ ،‬لن‬
‫المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل‬
‫بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫كذلك أيضا ً جمع السنة وتبويبها وترتيبها‪ ،‬فهذه سنة حسنة‬
‫يتوصل بها إلى حفظ السنة‪.‬‬
‫ة" على‬ ‫سن َ َ‬ ‫ح َ‬‫ة َ‬ ‫سن ّ ً‬
‫ن في السلم ِ ُ‬ ‫س ّ‬
‫من َ‬‫مل قوله‪َ " :‬‬ ‫إذا ً ُيح َ‬
‫الوسائل إلى أمور ثابتة شرعًا‪ ،‬ووجه هذا أننا نعلم أن كلم‬
‫ح‬‫فت ِ َ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ل يتناقض‪ ،‬ونعلم أنه لو ُ‬
‫الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس‬
‫ن‬‫منه لتمزقت المة وتفرقت‪،‬وقد قال الله عّز وجل‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫في َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬‫س َ‬ ‫شَيعا ً ل َ ْ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫قوا ِدين َ ُ‬‫فّر ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫عُلو َ‬
‫ن(‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫ه ْ‬‫م ي ُن َب ّئ ُ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬‫م إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫ه ْ‬‫مُر ُ‬‫ما أ ْ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫‪19.‬أن جميع البدع ضللة ليس فيها هدى‪ ،‬بل هي شر محض‬
‫حتى وإن استحسنها من ابتدعها فإنها ليست حسنى‪،‬بل ول‬
‫ضلَلة"‬
‫ة َ‬
‫ع ٍ‬ ‫حسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ك ُ ّ‬
‫ل ِبد َ‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا‪.‬‬‫ولم يستث ِ‬
‫والله الموفق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النعام‪(159:‬‬
‫‪158‬‬

‫الحديث التاسع والعشرون‬


‫ل الله‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ل رضي الله عنه َ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫عاذ بن َ‬ ‫م َ‬ ‫عن ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ن النار َ‬ ‫م‬ ‫باعدني‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫لني‬ ‫خ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يد‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫بر‬ ‫أخ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫سَرهُ الل ُ‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫على َ‬ ‫سي ٌْر َ‬ ‫ه لي َ ِ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫عظِي ْم ٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت َ‬ ‫سأل ْ َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫)ل َ َ‬
‫صلة‪،‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫وت ُ ِ‬ ‫شي َْئا‪َ ،‬‬ ‫ه َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫ه ل َت ُ ْ‬ ‫عب ُدُ الل َ‬ ‫ه‪ :‬ت َ ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫عاَلى َ‬ ‫تَ َ‬
‫ل‪ :‬أ َل َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ت‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ج الب َي ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َر َ‬ ‫صو ُ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫كاة‪َ ،‬‬ ‫وُتؤِتي الّز َ‬ ‫َ‬
‫ئ‬ ‫ْ‬ ‫صد َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أَ‬
‫ف ُ‬ ‫ة ت ُط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ر‪ :‬ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫د‬
‫ف‬
‫و ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫صلةُ الّر ُ‬ ‫و َ‬ ‫ماءُ الّناَر‪َ ،‬‬ ‫ئ ال َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما ي ُطْ ِ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫خطِي ْئ َ َ‬ ‫ال َ‬
‫غ‪:‬‬ ‫حّتى ب َل َ َ‬ ‫ع( َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُنوب ُ ُ‬ ‫فى ُ‬ ‫جا َ‬ ‫م َتل ‪) :‬ت َت َ َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ل‪َ :‬أل أ ُ ْ‬
‫س‬
‫ك ب َِرأ ِ‬ ‫خب ُِر َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن( ]السجدة‪ [17-16:‬ث ُ ّ‬ ‫مو ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫)ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪ :‬ب ََلى َياَر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ه؟ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫و ِ‬ ‫وِذْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫موِد ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ال ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫وةُ َ‬ ‫وذر َ‬ ‫صلةُ َ‬ ‫مودُهُ ال ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ر ال ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫س ال ْ‬ ‫ل‪َ :‬رأ ُ‬
‫ت‪:‬ب ََلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قل ْ ُ‬ ‫ه؟ ُ‬ ‫ك ك ُل ّ ِ‬ ‫ك ذَل ِ َ‬ ‫ك ِبمل ِ‬ ‫ل‪ :‬أل أخب ُِر َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫هادُ ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ِ‬
‫قل ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ذا‪ُ .‬‬ ‫ه َ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل‪ :‬ك ُ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫سان ِ ِ‬ ‫خذَ ب ِل ِ َ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫ه‪َ .‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫َياَر ُ‬
‫ك‬‫ل‪ :‬ث َك ِل َت ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه؟ َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ما ن َت َك َل ّ ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ؤا َ‬ ‫م َ‬ ‫وإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ِ‬ ‫َُيان َب ِ ّ‬
‫َ‬
‫م أو‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫ر َ‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب الّنا َ‬ ‫ل ي َك ُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ذ‪َ .‬‬ ‫عا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫م َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫م( رواه الترمذي‬ ‫ه ْ‬ ‫سن َت ِ ِ‬ ‫صائ ِدُ أل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫الشرح‬
‫م الصحابة رضي الله عنهم عالية‪ ،‬فلم يقل‪:‬أخبرني بعمل‬ ‫م ُ‬‫ه َ‬‫ِ‬
‫أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلثين أو ما أشبه بذلك ‪ ،‬بل‬
‫َ‬
‫وي َُباعدني من الناَر ‪"...‬‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬‫خُلني ال َ‬ ‫ل ُيد ِ‬ ‫م ٍٍ‬ ‫ع َ‬
‫قال‪" :‬أخِبرِني ب ِ َ‬
‫أي يكون سببا ً لدخول الجنة والبعد عن النار ‪.‬‬
‫عظيم ٍ"‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ل َ َ‬
‫ع ْ‬
‫ت َ‬
‫سأل َ‬ ‫قد َ‬
‫أي والله عظيم‪ ،‬هذه هي الحياة‪ ،‬أن تدخل الجنة وتبتعد عن‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ف َ‬‫النار‪ ،‬هذا هو الفوز والفلح‪ ،‬قال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫فاَز ( ‪1‬ولهذا وصفه‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ة َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫وأ ُدْ ِ‬‫ر َ‬ ‫ن الّنا ِ‬
‫ع ِ‬
‫ح َ‬‫ز َ‬‫ح ِ‬‫ُز ْ‬
‫‪1‬‬
‫)آل عمران‪ :‬الية ‪(185‬‬
‫‪159‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم‪ ،‬ولكن الحمد لله‪.‬‬
‫عَليه" ‪ -‬اللهم يسره علينا‬ ‫ه َ‬‫ن َيسَرهُ الل ُ‬ ‫م ْ‬‫على ِ‬ ‫ه لَيسيٌر َ‬ ‫وِإن ُ‬‫" َ‬
‫يا رب العالمين ‪ -‬وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن‬
‫ريدُ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫الدين السلمي مبني على اليسر‪ ،‬قال الله تعالى‪):‬ي ُ ِ‬
‫ر ( ومبني على السمح قال‬ ‫‪1‬‬
‫س َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ع ْ‬ ‫ريدُ ب ِك ُ ُ‬
‫ول ي ُ ِ‬‫سَر َ‬‫م ال ْي ُ ْ‬‫ب ِك ُ ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لصحابه وهو يبعثهم إلى‬
‫ما‬ ‫فروا"‪َ " ،‬‬
‫فإ ِن َ َ‬ ‫ول َ ت ُن َ ّ‬
‫شروا َ‬‫سروا‪ ،‬ب َ ّ‬ ‫ع ّ‬‫سروا ول ت ُ َ‬ ‫الجهات‪" :‬ي َ ّ‬
‫سرين"وقال صلى الله عليه‬ ‫ع ّ‬‫م َ‬ ‫وَلم ُتب َ‬
‫عثوا ُ‬ ‫سرين َ‬‫مي َ ّ‬
‫عثُتم ُ‬
‫بُ ِ‬
‫َ‬
‫غل َب َ ُ‬
‫ه"‬ ‫حدٌ إ ِل ّ َ‬
‫نأ َ‬ ‫وَلن ي ُ َ‬
‫شاد الدي َ‬ ‫ن ُيسر‪َ ،‬‬ ‫ن هذا الدي ُ‬‫وسلم‪" :‬إ ِ ّ‬
‫فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه‪ ،‬ثم شرح ذلك فقال‪:‬‬
‫ه" بمعنى تتذلل له بالعبادة حبا ً وتعظيمًا‪ ،‬فبالمحبة‬ ‫" َتعب ُدَ الل َ‬
‫تفعل الطاعات‪ ،‬وبالتعظيم تترك المعاصي‪.‬‬
‫ه شيئا ً" أي شي يكون حتى النبياء‪ ،‬بل النبياء‬ ‫رك ب ِ ِ‬ ‫"ل ُتش ِ‬
‫ما جاؤوا إل لمحاربة الشرك‪ ،‬فل تشرك به شيئا ً ل ملكا ً‬
‫ل‪،‬‬‫مقربًا‪،‬ول نبيا ً مرس ً‬
‫حج‬‫وت َ ُ‬
‫ن‪َ ،‬‬ ‫ضا َ‬
‫م َ‬
‫وَتصوم َر َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬
‫كا َ‬‫وُتؤتي الز َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫صل َ‬ ‫وُتقيم ال َ‬ ‫قال‪َ ":‬‬
‫ت" هذه أركان السلم الخمسة ‪ ،‬وقد مرت‪.‬‬ ‫الَبي َ‬
‫َ‬ ‫ثم قال‪" :‬أ َل َ أ َدُل ّ َ‬
‫ر" أبواب أي مسائل‪،‬‬ ‫خي ِ‬‫ب ال َ‬‫وا ِ‬‫عَلى أب َ‬ ‫ك َ‬
‫وأبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج‪،‬‬
‫وتستعمل في المسائل‪ ،‬ومن هذا قول العلماء في‬
‫مؤلفاتهم‪:‬هذا الباب في كذا وكذا‪ .‬وقول المحدثين‪ :‬ل يصح‬
‫في هذا الباب شيء‪ ،‬أي ل يصح في هذه المسألة شيء‪.‬‬
‫ر" أي مسائل الخير‪ ،‬ويجوز أن يكون‬ ‫خي‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫أب‬‫فقوله‪َ " :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج‪.‬‬
‫َ‬ ‫"َأل أ َدُل ّ َ‬
‫ر" والجواب‪ :‬بلى‪ ،‬لكن حذف للعلم‬ ‫خي ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫عَلى أب َ‬ ‫ك َ‬
‫به‪ ،‬لنه لبد أن يكون الجواب بلى‪.‬‬
‫ة" أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع‬ ‫م جن ٌ‬ ‫صو ُ‬ ‫قال‪" :‬ال ّ‬
‫صاحبه في الخرة‪.‬‬
‫أما في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات‬
‫ة من النار‪،‬‬ ‫جن ّ ٌ‬
‫الممنوعة في الصوم‪ ،‬وأما في الخرة فهو ُ‬
‫يقيك من النار يوم القيامة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(185‬‬
‫‪160‬‬
‫والصوم‪ :‬التعبد لله تعالى بالمساك عن المفطرات من‬
‫طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫ماءُ الّناَر"‬ ‫فىء ال َ‬
‫ما ُيط ِ‬ ‫خطيَئة ك َ َ‬
‫فىء ال َ‬ ‫قة ُتط ِ‬ ‫صد َ َ‬
‫وال ّ‬ ‫" َ‬
‫الصدقة مطلقا ً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع‪،‬و سواء كانت‬
‫قليلة أو كثيرة‪.‬‬
‫ئة" أي خطيئة بني آدم‪ ،‬وهي المعاصي‪.‬‬ ‫خطي َ‬ ‫فئ ال َ‬ ‫"ُتط ِ‬
‫ماءُ الّناَر" والماء يطفئ النار بدون تردد‪،‬‬ ‫فئ ال َ‬ ‫ما ُيط ِ‬ ‫"ك َ َ‬
‫فشبه النبي صلى الله عليه وسلم المر المعنوي بالمر‬
‫الحسي‪.‬‬
‫ل" هذه معطوفة على قوله‬ ‫ف الّلي ِ‬ ‫جو ِ‬‫جل في َ‬ ‫صلةُ الّر ُ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫"الصدقة" أي وصلة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة‪،‬‬
‫وجوف الليل وسطه كجوف النسان‪.‬‬
‫ن‬‫ع ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫جُنوب ُ ُ‬
‫فى ُ‬‫جا َ‬
‫ثم تل صلى الله عليه وسلم ‪) :‬ت َت َ َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫قَنا ُ‬‫ما َرَز ْ‬‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫معا ً َ‬‫وط َ َ‬ ‫وفا ً َ‬‫خ ْ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ع ي َدْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬
‫عي ُ ٍ‬‫ة أَ ْ‬‫قّر ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ي لَ ُ‬
‫ف َ‬‫خ ِ‬‫ما أ ُ ْ‬
‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫عل َ ُ‬‫فل ت َ ْ‬‫ن* َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬
‫ي ُن ْ ِ‬
‫ن‬
‫ع ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫جُنوب ُ ُ‬‫فى ُ‬ ‫جا َ‬‫ن* ( تل أي قرأ )ت َت َ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫‪1‬‬
‫ع َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬‫ما َ‬ ‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ع( هذا في وصف المؤمنين‪ ،‬أي أنهم ل ينامون‬ ‫ج ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫معًا( إن ذكروا ذنوبهم خافوا‪ ،‬وإن‬ ‫وط َ َ‬ ‫وفا ً َ‬ ‫خ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫)ي َدْ ُ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫و ِ‬
‫ذكروا فضل الله طمعوا‪ ،‬فهم بين الخوف و الرجاء‪َ ) ،‬‬
‫ن( ) من ( هنا إما أن تكون للتبعيض‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ه ْ‬‫قَنا ُ‬ ‫َرَز ْ‬
‫والمعنى ينفقون بعضها‪ ،‬أو تكون للبيان‪،‬والمعنى ينفقون‬
‫س‬
‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬‫عل َ ُ‬‫فل ت َ ْ‬ ‫مما رزقهم الله عّز وجل قليل ً كان أو كثيرا ً ) َ‬
‫ن( ‪،2‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عي ُ ٍ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫ن ُ‬
‫قّر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما أ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الية على فضيلة‬
‫ة‬
‫و ِ‬ ‫ك برأ َس ا َ‬ ‫َ‬ ‫قيام الليل‪،‬ثم قال‪" :‬أ َل َ ُ‬
‫ه‪،‬وِذر َ‬ ‫عموِد ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫أخ‬
‫ه" ثلثة أشياء‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لسلم " أمر‬ ‫را ِ‬ ‫س الم ِ‬ ‫ل‪َ :‬رأ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل الله‪َ ،‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت‪ :‬ب ََلى َيا َر ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫" ُ‬
‫ق‪ ،‬رأسه السلم ‪ ،‬أي أن يسلم لله‬ ‫خل ِ َ‬ ‫النسان الذي من أجله ُ‬
‫تعالى ظاهرا ً وباطنا ً بقلبه وجوارحه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫]السجدة‪[17-16:‬‬
‫‪2‬‬
‫)السجدة‪(17:‬‬
‫‪161‬‬
‫ه الصلة" أي عمود السلم الصلوات ‪،‬والمراد بها‬ ‫عموِد ِ‬ ‫و َ‬‫" َ‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وعمود الخيمة ما تقوم عليه‪ ،‬وإذا أزيل‬
‫سقطت‪.‬‬
‫ل الله" ذكر الجهاد أنه ذروة‬ ‫سبي ِ‬ ‫هاد في َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫و ِ‬‫وِذر َ‬‫" َ‬
‫هُنوا‬ ‫ول ت َ ِ‬‫السنام‪،‬لن الذروة أعلى شيء ‪ ،‬قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫م اْل َ ْ‬ ‫ول ت َحزُنوا َ‬
‫مِنينَ(‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫و َ‬‫عل َ ْ‬ ‫وأن ْت ُ ُ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪" :‬الجهاد" يعني في سبيل الله عّز وجل والجهاد في‬
‫سبيل الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان‪ ،‬فقد‬
‫سئل عن الرجل يقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل ليرى‬
‫ة‬ ‫ن ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫ل ل َِتكو َ‬ ‫من َ‬
‫قات َ َ‬ ‫مكانه‪ ،‬أي ذلك في سبيل الله؟ فقال‪َ " :‬‬
‫ه"‬‫ل الل ِ‬ ‫سبي ِ‬‫و في َ‬ ‫فه َ‬ ‫علَيا َ‬ ‫ه هي ال ُ‬ ‫الل ِ‬
‫كله" ملك الشيء ما يملك‬ ‫ك ُ‬ ‫ذل َ‬ ‫ملك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثم قال‪" :‬أل َ أخب ُِر َ‬
‫ك بِ َ‬
‫به‪ ،‬والمعنى ما تملك به كل هذا ‪.‬‬
‫ل‪َ َ :‬‬
‫ل‪ :‬ك ُ ّ‬
‫ف‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫ه َ‬
‫فأخذ ب ِِلسان ِ ِ‬ ‫سول الله‪َ ،‬‬
‫قا َ‬ ‫ت‪:‬ب ََلى َيا َر ُ‬ ‫" ُ‬
‫قل ُ‬
‫هذا" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه‬ ‫ك َ‬‫علي َ‬‫َ‬
‫هذا" أي لتطلقه في القيل والقال‪ ،‬وقد‬ ‫علي َ‬
‫ك َ‬ ‫ف َ‬ ‫وقال‪" :‬ك ُ ّ‬
‫خيَرا ً‬ ‫فلي َ ُ‬
‫قل َ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫والَيوم ِ ال ِ‬
‫ه َ‬
‫ن ِبالل ِ‬
‫م ُ‬
‫ن ُيؤ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫تقدم قوله‪َ " :‬‬
‫مت" فل تتكلم إل بخير‪.‬‬ ‫َ‬
‫أو لَيص ُ‬
‫به"‬
‫ِ‬ ‫ن ِبما ن َت َك َّلم‬ ‫وإ ِّنا َلمؤا ِ‬
‫خذو َ‬ ‫ي الله َ‬
‫ت‪َ :‬يا َنب ّ‬ ‫" ُ‬
‫قل ُ‬
‫والمعنى‪:‬أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذا ً رضي‬
‫الله عنه تعجب كيف يؤاخذ النسان بما يتكلم به‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثا ً على أن يفهم‪:‬‬
‫عاذ" أي فقدتك‪ ،‬وهذه الكلمة يقولها العرب‬ ‫م َ‬ ‫"ث َكَلت َ ُ‬
‫م َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ِ‬
‫للغراء والحث‪،‬ول يقصدون بها المعنى الظاهر‪ ،‬وهو أن‬
‫تفقده أمه‪.،‬‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫ههم‪ ،‬أو َ‬
‫قا َ‬ ‫جو ِ‬
‫على و ُ‬ ‫ر َ‬
‫ِ‬ ‫س في النا‬
‫ب الّنا َ‬ ‫هل ي َك ُ ّ‬
‫و َ‬‫" َ‬
‫سن َِتهم" أي ما‬ ‫خرهم" هذا شك من الراوي "إل حصائ َ‬
‫د أل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مَنا ِ ِ‬
‫يحصدون بألسنتهم من القوال‪.‬‬
‫لما قال هذا الكلم اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن‬
‫ملك المر كف اللسان‪،‬لن اللسان قد يقول الشرك‪ ،‬وقد‬
‫يقول الكفر‪ ،‬وقد يقول الفحشاء‪ ،‬فهو ليس له حد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)آل عمران‪(139:‬‬
‫‪162‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم‪ ،‬ولهذا يكثر‬
‫منهم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العلم ‪.‬‬
‫ولكن هل سؤالهم رضي الله عنهم لمجرد أن يعلموا بالحكم‪،‬‬
‫أولجل أن يطبقوه؟‬
‫الجواب‪ :‬الثاني‪ ،‬عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ‪،‬حيث‬
‫يسأل ليعرف الحكم فقط‪ ،‬ثم هو بالخيار إن شاء فعل وإن‬
‫شاء لم يفعل‪ ،‬وهذا غلط‪،‬بل اجعل غايتك من العلم العمل به‬
‫دون الطلع على أقوال الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬علو همة معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث لم يسأل عن‬
‫ن‬
‫ع ْ‬ ‫أمور الدنيا‪ ،‬بل عن أمور الخرة‪،‬حيث قال‪" :‬أ َ ْ‬
‫خِبرِني َ‬
‫نار" ‪.‬‬
‫ال ّ‬ ‫ن‬
‫م َ‬
‫عدُِني ِ‬
‫ة وي َُبا ِ‬ ‫خُلني ال َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ل ُيد ِ‬
‫م ٍ‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫‪3.‬إثبات الجنة والنار‪ ،‬واليمان بهما أحد أركان اليمان الستة‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫‪4.‬أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار‪ ،‬لن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أقره على هذا‪.‬‬
‫‪5.‬أن هذا السؤال الذي صدر من معاذ رضي الله عنه سؤال‬
‫عظيم‪ ،‬لنه في الحقيقة هو سر الحياة والوجود‪ ،‬فكل‬
‫ن غايته إما‬ ‫موجود في هذه الدنيا من بني آدم أو من الج ّ‬
‫الجنة وإما النار‪ ،‬فلذلك كان هذا السؤال عظيمًا‪.‬‬
‫‪6.‬أن هذا وإن كان عظيما ً فهو يسير على من يسره الله‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪7.‬أنه ينبغي للنسان أن يسأل الله تعالى التيسير‪ ،‬أن ييسر‬
‫أموره في دينه ودنياه‪،‬‬
‫هل‬ ‫عب ُدَ الل َ‬‫‪8.‬ذكر أركان السلم الخمسة‪ ،‬في قوله‪" :‬ت َ ْ‬
‫م‬
‫صو َ‬‫وت َ ُ‬
‫ة‪َ ،‬‬ ‫وُتؤِتي الّز َ‬
‫كا َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬
‫صل َ‬
‫م ال ّ‬‫قي ْ َ‬ ‫شيئًا‪َ ،‬‬
‫وت ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫كب ِ‬‫ر ْ‬ ‫ُتش ِ‬
‫ت" ولم يذكر الرسالة‪ ،‬لن عبادة الله‬ ‫ج الب َي ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫وت َ ُ‬
‫ن‪َ ،‬‬‫ضا َ‬ ‫م َ‬‫َر َ‬
‫تتضمن الرسالة‪ ،‬إذ ل يمكن أن يعبد النسان ربه إل بما شرع‬
‫نبيه‪.‬‬
‫مات وأعلى الواجبات عبادة الله وحده‬ ‫‪ 9.‬أن أغلى المه ّ‬
‫لشريك له‪ ،‬أي التوحيد‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫َ‬ ‫‪ 10.‬قوله‪َ" :‬أل أ َدُل ّ َ‬
‫ر" وهذا من عادته أنه‬ ‫خي ْ ِ‬
‫ب ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫عَلى أب ْ َ‬‫ك َ‬
‫إذا دعت الحاجة إلى ذكر شيء يضاف إلى الجواب أضافه ‪.‬‬
‫‪11.‬أن الصوم جنة وبناء على هذا فمن لم يكن صومه جنة له‬
‫فإنه ناقص‪ ،‬ولهذا يحرم على النسان تناول المعاصي في‬
‫حال الصوم‪.‬‬
‫ولكن هل المعاصي تبطل الصوم أو ل؟‬
‫فالجواب‪ :‬إن كان هذا المحرم خاصا ً بالصوم أفسد الصوم‪،‬‬
‫وإن كان عاما ً لم يفسده‪.‬‬
‫‪12.‬أن الصدقة تطفئ الخطيئة‪ ،‬ففيه الحث على الصدقة‬
‫فإذا كثرت خطاياك فأكثر من الصدقة فإنها تطفئ الخطيئة‪،‬‬
‫في ظِ ّ‬
‫ل‬ ‫ئ ِ‬ ‫ر ٍ‬ ‫م ِ‬
‫لا ْ‬ ‫وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ك ُ ّ‬
‫ة"وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫و َ‬
‫ه يَ ْ‬
‫قت ِ ِ‬‫صد َ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ما ٌ‬
‫ه‪ :‬إ َ‬‫ل إ ِل ّ ظِل ّ ُ‬ ‫م ل ظِ ّ‬ ‫و َ‬ ‫في ظل ّ ِ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ُ‬ ‫ة ي ُظِل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ع ٌ‬‫"سب ْ َ‬
‫حّتى‬
‫ها َ‬
‫فا َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫ة َ‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ٍ‬ ‫صدّقَ ب ِ َ‬
‫ل تَ َ‬‫ج ٌ‬ ‫وَر ُ‬ ‫قا َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ..،‬إلى أ ْ‬ ‫عاِد ٌ‬ ‫َ‬
‫ه"‬‫مي ْن ُ ُ‬‫ق يَ ِ‬
‫ف ُ‬‫ما ت ُن ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫مال ُ ُ‬
‫ش َ‬ ‫عل َ َ‬
‫م ِ‬ ‫لت َ ْ‬
‫‪13.‬أن الخطيئة فيها شيء من الحرارة لنه يعذب عليها‬
‫النسان بالنار‪ ،‬والماء فيه شيء من البرودة‪ ،‬ولهذا شبه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالماء يطفىء النار‪.‬‬
‫‪14.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وما أكثر ما يمر‬
‫علينا حسن تعليمه صلوات الله وسلمه عليه‬
‫‪ 15.‬الحث على صلة الليل‪ ،‬وبيان أنها تطفئ الخطايا كما‬
‫يطفئ الماء النار‪.‬‬
‫‪-16.‬استدلل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع أن‬
‫القرآن أنزل عليه‪ ،‬لكن القرآن يستدل به لن كلم الله‬
‫فى‬‫جا َ‬
‫تعالى مقنع لكل أحد‪ ،‬ولهذا تل هذه الية‪) :‬ت َت َ َ‬
‫‪1‬‬
‫م(‬‫ه ْ‬ ‫جُنوب ُ ُ‬
‫ُ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من‬
‫ن‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ذا َ ْ‬ ‫الشيطان الرجيم‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ َ‬
‫‪2‬‬
‫جيم ِ(‬‫ن الّر ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬‫عذْ ِبالل ّ ِ‬‫ست َ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذه الية ل يراد بها التلوة‪ ،‬وإنما يراد بها‬
‫ن( يعني‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ذا َ ْ‬ ‫الستدلل‪ ،‬والية الكريمة‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ َ‬
‫‪1‬‬
‫)السجدة‪ :‬الية ‪(16‬‬
‫‪2‬‬
‫)النحل‪(98:‬‬
‫‪164‬‬
‫للتلوة‪ ،‬وأحاديث كثيرة من هذا النوع ُيذكر فيها الستشهاد‬
‫باليات‪،‬ول يذكر فيها الستعاذة بالله من الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫‪17.‬فضيلة أولئك القوم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع‪،‬‬
‫لنهم يشتغلون بالصلة يدعون ربهم خوفا ً وطمعا ً ‪.‬‬
‫‪18.‬ومن فوائد الية التي استشهد بها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أنه ينبغي للنسان أن يكون عند دعوة الله عّز وجل‬
‫ً ‪1‬‬
‫معا (‬ ‫وط َ َ‬‫وفا ً َ‬ ‫خ ْ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬‫ن َرب ّ ُ‬ ‫خائفا ً راجيًا‪ ،‬لقوله‪) :‬ي َدْ ُ‬
‫عو َ‬
‫والمراد دعاء العبادة ودعاء المسألة ‪.‬‬
‫‪19.‬ومن فوائد الية المذكورة في الحديث ‪ :‬فضيلة النفاق‬
‫ن(‪.2‬‬‫قو َ‬ ‫ف ُ‬‫م ي ُن ْ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬
‫قَنا ُ‬ ‫م ّ‬‫و ِ‬ ‫مما رزق الله العبد‪ ،‬لقوله‪َ ( :‬‬
‫‪20‬ومن فوائد الحديث‪ :‬أن رأس المر ‪ -‬أي أمر الدنيا‬
‫والخرة‪ -‬السلم‪ .‬والسلم هوما بعث به النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬إذ بعد بعثته ل إسلم إل ما كان على شريعته‪،‬‬
‫وعلى هذا فلو سألك سائل‪ :‬هل اليهود مسلمون؟ هل‬
‫النصارى مسلمون؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن اليهود في حال قيام شريعة التوراة إذا اتبعوها‬
‫فهم مسلمون‪ ،‬وكذلك النصارى في حال قيام النجيل إذا‬
‫اتبعوه فهم مسلمون‪ ،‬ولهذا في القرآن الكريم ذكر السلم‬
‫لهؤلء وهؤلء‪ .‬وأما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فإن كل من كفر به ليس بمسلم حتى لو قال‪:‬أني أسلمت‪.‬‬
‫‪21.‬أن الصلة عمود الدين‪ ،‬والعمود ل يستقيم البناء إل به‪.‬‬
‫ويتفّرع على هذا‪ :‬أن من ترك الصلة فهو كافر‪ ،‬لن العمود‬
‫إذا سقط لم يستقم البناء‪ ،‬وهذا القول هو القول الراجح‬
‫الذي دل عليه كتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأقوال الصحابة رضي الله عنهم حتى حكي هذا‬
‫القول إجماعا ً من الصحابة‪ ،‬وهو مقتضى النظر والقياس‪ ،‬إذ‬
‫كيف يمكن لمؤمن بالله واليوم الخر أن يحافظ على ترك‬
‫الصلة؟ ليمكن هذا أبدًا‪.‬‬
‫ويرى بعض أهل العلم من السابقين واللحقين أن ترك‬
‫صلة واحدة حتى يخرج وقتها بل عذر كفر‪.‬‬
‫ولكن الذي أرى‪ :‬أنه ل يكفر إل إذا ترك الصلة نهائيًا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)السجدة‪ :‬الية ‪(16‬‬
‫‪2‬‬
‫)السجدة‪ :‬من الية ‪(16‬‬
‫‪165‬‬
‫‪22.‬أن الجهاد ذروة سنام السلم‪ ،‬والذروة هو الشيء‬
‫العالي‪ ،‬لنه إذا استقام الجهاد فمقتضاه أن المسلمين تكون‬
‫كلمتهم هي العليا‪ ،‬وهذا ذروة السنام‪.‬‬
‫ولكن يقيد هذا الطلق بما إذا كان الجهاد في سبيل الله عّز‬
‫وجل يتعّين ‪.‬‬
‫‪23.‬أن ملك هذا كله كف اللسان‪ ،‬لقول النبي صلى الله‬
‫ه"‬ ‫ك ك ُل ّ ِ‬ ‫ك ذَل ِ َ‬‫ك ِبمل ِ‬ ‫خب ُِر َ‬ ‫عليه وسلم‪َ" :‬أل أ ُ ْ‬
‫‪24.‬خطورة اللسان‪ ،‬فاللسان من أخطر ما يكون ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫سان ِ ِ‬ ‫خذَ ب ِل ِ َ‬‫‪25.‬التعليم بالقول وبالفعل‪ ،‬لقوله‪" :‬أ َ َ‬
‫ذا" ‪.‬‬‫ه َ‬
‫ك َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫كُ ّ‬
‫‪26.‬أن الصحابة رضي الله عنهم ل يبقون في نفوسهم‬
‫إشكال ً ول قلقًا‪ ،‬بل يسألون عنه حتى ينكشف المر‪.‬‬
‫ومن هنا نأخذ فائدة عظيمة وهي‪:‬أن ما لم يسأل عنه‬
‫الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد في الكتاب والسنة من‬
‫ف عنها‪ ،‬فإذا سألك إنسان عن‬ ‫مسائل العتقاد فالواجب الك ّ‬
‫شيء في العتقاد‪،‬سواء في أسماء الله‪ ،‬أو صفات الله أو‬
‫أفعال الله‪ ،‬أو في اليوم الخر أو غيره ولم يسأل عنه‬
‫الصحابة فقل له‪:‬هذا بدعة‪ ،‬لو كان خيرا ً لسبقونا إليه لنهم‬
‫‪ -‬والله ‪ -‬أحرص منا على العلم‪ ،‬وأشد منا خشية لله تعالى‪.‬‬
‫‪ 27.‬جواز إطلق القول الذي ل يقصد وإنما يدرج على‬
‫عاذُ" هذه الكلمة دعاء‪ ،‬لكنها‬ ‫م َ‬ ‫اللسان‪ ،‬لقوله‪" :‬ث َكل َت ْ َ ُ‬
‫م َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ِ‬
‫تجري على اللسن لقصد الحث ل للدعاء‪ ،‬وهي موافقة‬
‫للقاعدة الشرعية‪،‬وهي أن الله تعالى ل يؤاخذ باللغو كما‬
‫في أ َ‬
‫ن‬‫ول َك ِ ْ‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ن‬‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ِبالل ّ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫خذُك ُ ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬ل ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ن(‪ 1‬وفي الية الخرى‪) :‬ل‬ ‫ما َ‬ ‫م اْلي ْ َ‬ ‫قدْت ُ ُ‬ ‫ع ّ‬
‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫خذُك ُ ْ‬‫ؤا ِ‬‫يُ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫خذُك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ن يُ َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫في أي ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ِبالل ّ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫خذُك ُ ُ‬ ‫ؤا ِ‬‫يُ َ‬
‫م(‪ 2‬وعلى هذا فما يجري على اللسان من‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬‫ت ُ‬ ‫سب َ ْ‬‫كَ َ‬
‫اليمان ل يؤاخذ به النسان ‪.‬‬
‫‪28.‬أن أهل النار ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬قد يكبون في النار على‬
‫عَلى‬‫في الّنار َ‬
‫س ِ‬
‫ب الّنا َ‬‫ل ي َك ُ ّ‬
‫ه ْ‬
‫و َ‬
‫وجوههم‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫هم" وهذا اختلف لفظ‬ ‫ر ِ‬
‫خ ِ‬
‫مَنا ِ‬‫عَلى َ‬ ‫هم أو قال‪َ :‬‬ ‫ه ِ‬
‫جو ِ‬
‫و ُ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(89‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(225‬‬
‫‪166‬‬
‫والمعنى واحد‪،‬لن المنخر في الوجه‪ ،‬واسمع قول الله عّز‬
‫وجل‪) :‬أ َ‬
‫ب(‪ 1‬العادة أن النسان‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوءَ ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه ِ‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫يتقي العذاب بيده‪ ،‬لكن أهل النار ‪ -‬أجارنا الله منها بمّنه‬
‫وكرمه ‪ -‬ل يستطيعون‪ ،‬تلفح وجوههم النار‪،‬يتقي بوجهه‬
‫سوء العذاب‬
‫‪29.‬الحذر من إطلق اللسان‪ ،‬وقد مّر علينا في الحاديث‬
‫السابقة ‪.‬‬
‫‪30‬تحّري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله حيث‬
‫ل على المانة‬ ‫هم" وهذا يد ّ‬ ‫ر ِ‬
‫خ ِ‬‫مَنا ِ‬
‫هم أو َ‬ ‫ه ِ‬
‫جو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫قال‪َ " :‬‬
‫مة في نقل الحاديث‪ .‬ولله الحمد ‪.‬‬ ‫التا ّ‬

‫‪1‬‬
‫)الزمر‪ :‬الية ‪(24‬‬
‫‪167‬‬

‫الحديث الثلثون‬
‫عل َب َ َ‬ ‫َ‬
‫ر رضي الله عنه‬ ‫ش ٍ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫جرُثوم ِ ب ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫شن ِ ّ‬‫خ َ‬‫ة ال ُ‬ ‫ي ثَ ْ‬ ‫ن أب ِ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫فَر َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل َ‬ ‫قا َ‬
‫ل ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن َر ُ‬ ‫َ‬
‫شَياءَ‬‫مأ ْ‬‫َ‬ ‫دودَا ً َ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫حّر َ‬‫و َ‬‫ها َ‬ ‫دو َ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫فل ت َ ْ‬ ‫ح ُ‬‫حد ّ ُ‬ ‫و َ‬‫ها‪َ ،‬‬ ‫عو َ‬ ‫ضي ّ ُ‬ ‫فل ت ُ َ‬ ‫فَرائ ِ َ‬
‫فل‬‫ن َ‬ ‫سَيا ٍ‬ ‫غي َْر ن ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ة ل َك ُ ْ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫شَياءَ َر ْ‬ ‫ن أَ ْ‬‫ع ْ‬ ‫ت َ‬ ‫سك َ َ‬‫و َ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فل ت َن ْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫ها( حديث حسن رواه الدارقطني وغيره‪.‬‬ ‫عن ْ َ‬ ‫حُثوا َ‬ ‫ت َب ْ َ‬

‫الشرح‬
‫ض" أي أوجب قطعًا‪ ،‬لنه من الفرض وهو القطع‪.‬‬ ‫فَر َ‬ ‫" َ‬
‫ض" مثل الصلوات الخمس‪ ،‬والزكاة‪،‬‬ ‫فَرائ ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫فَر َ‬ ‫" َ‬
‫والصيام‪،‬والحج‪،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬ومال يحصى‪.‬‬
‫ها" أي تهملوها فتضيع ‪ ،‬بل حافظوا عليها‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ضي ّ ُ‬‫فل ت ُ َ‬ ‫" َ‬
‫حدودَا ً َ‬
‫فل َتعَتدوها" الحد في اللغة المنع‪ ،‬ومنه الحد‬ ‫د ُ‬ ‫ح ّ‬
‫و َ‬ ‫" َ‬
‫بين الراضي لمنعه من دخول أحد الجارين على الخر‪ ،‬وفي‬
‫الصطلح قيل‪:‬إن المراد بالحدود الواجبات والمحرمات‪.‬‬
‫تتعدى‪ ،‬والمحرمات حدود ل تقرب‪.‬‬ ‫فالواجبات حدود ل ُ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة‬
‫الزنا‪ ،‬وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ولكن الصواب الول‪،‬أن المراد بالحدود في الحديث محارم‬
‫الله عّز وجل الواجبات والمحرمات‪ ،‬لكن الواجب نقول‪:‬ل‬
‫تعتده أي لتتجاوزه‪ ،‬والمحرم نقول‪ :‬ل تقربه‪ ،‬هكذا في‬
‫القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الكل والشرب على‬
‫‪168‬‬
‫ها (‪ 1‬ولما ذكر العدة‬ ‫دو َ‬‫عت َ ُ‬‫فل ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دودُ الل ّ ِ‬ ‫ح ُ‬‫ك ُ‬ ‫الصائم قال‪) :‬ت ِل ْ َ‬
‫ها (‪.2‬‬
‫فل َتقَرُبو َ‬ ‫ه َ‬ ‫دودُ الل ّ ِ‬ ‫ح ُ‬‫ك ُ‬ ‫وما يجب فيها قال‪) :‬ت ِل ْ َ‬
‫ها" أي فل تفعلوها‪ ،‬مثل ‪:‬الزنا‪،‬‬ ‫هكو َ‬ ‫فل َتنت َ ِ‬ ‫م َأشَياء َ‬ ‫حّر َ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫وشرب الخمر‪ ،‬والقذف‪ ،‬وأشياء كثيرة ل تحصى‪.‬‬
‫َ‬
‫ها"‬‫عن َ‬ ‫حثوا َ‬ ‫فل َتب َ‬‫غيَر نسَيان َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ل َك ُ ْ‬
‫م ً‬ ‫ن أشَياء َرح َ‬ ‫ع ْ‬
‫ت َ‬ ‫سك َ َ‬‫و َ‬ ‫" َ‬
‫سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها‪.‬‬
‫قال‪ :‬سكت بمعنى لم يقل فيها شيئا ً ‪ ،‬ول أوجبها ول‬
‫حرمها‪.‬‬
‫ما‬
‫و َ‬‫غي َْر نسَيان" أي أنه عّز وجل لم يتركها ناسيا ً ) َ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫سي ّا ً(‪ 3‬ولكن رحمة بالخلق حتى ل يضيق عليهم‪.‬‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ها" أي ل تسألوا‪ ،‬مأخوذ من بحث الطائر في‬ ‫عن َ‬ ‫حثوا َ‬ ‫فل َتب َ‬ ‫" َ‬
‫قُبوا عنها‪،‬بل دعوها‪.‬‬ ‫الرض‪ ،‬أي ل ت ُن َ ّ‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1‬إثبات أن المر لله عّز وجل وحده‪ ،‬فهو الذي يفرض‪،‬وهو‬
‫الذي يوجب‪،‬وهو الذي يحرم‪ ،‬فالمر بيده‪ ،‬ل أحد يستطيع أن‬
‫ن‬
‫يوجب مالم يوجبه الله‪ ،‬أو يحرم مالم يحرمه الله‪،‬لقوله‪" :‬إ ِ ّ‬
‫م َأشَياء"‬ ‫حر َ‬ ‫و َ‬‫ل‪َ " :‬‬ ‫قا َ‬ ‫رائض" ‪...‬و َ‬ ‫ف َ‬‫ض َ‬ ‫فَر َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هل الفرض والواجب بمعنى واحد‪ ،‬أو‬
‫الفرض غير الواجب؟‬
‫فالجواب‪:‬أما من حيث التأثيم بترك ذلك فهما واحد‪.‬‬
‫وأما من حيث الوصف‪:‬هل هذا فرض أو واجب؟ فقد اختلف‬
‫العلماء‪ -‬رحمهم الله‪ -‬والصواب‪ :‬أن الفرض والواجب بمعنى‬
‫واحد‪ ،‬ولكن إذا تأكد صار فريضة‪ ،‬وإذا كان دون ذلك فهو‬
‫واجب‪ ،‬هذا هو القول الراجح في هذه المسألة ‪.‬‬
‫‪2.‬أن الدين السلمي ينقسم إلى فرائض ومحرمات‪.‬‬
‫‪3.‬وجوب المحافظة على فرائض الله عّز وجل‪ ،‬مأخوذ من‬
‫النهي عن إضاعتها‪ ،‬فإن مفهومه وجوب المحافظة عليها‪.‬‬
‫‪4.‬أن الله عّز وجل حد حدودًا‪ ،‬بمعنى أنه جعل الواجب بينا ً‬
‫والحرام بينًا‪:‬‬
‫ها"‪.‬‬‫فل َ َتعَتدو َ‬ ‫‪5.‬تحريم تعدي حدود الله‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(229‬‬
‫‪2‬‬
‫]البقرة‪[187:‬‬
‫‪3‬‬
‫)مريم‪ :‬الية ‪(64‬‬
‫‪169‬‬
‫‪6.‬أنه ل يجوز تجاوز الحد في العقوبات ‪.‬‬
‫‪7.‬وصف الله عّز وجل بالسكوت‪ ،‬هذا من تمام كماله عّز‬
‫وجل‪ ،‬أنه إذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم‪.‬‬
‫ز وجل ‪.‬‬ ‫‪8.‬أنه يحرم على النسان أن ينتهك محارم الله ع ّ‬
‫وطرق التحريم كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬النهي‪ ،‬ومنها‪ :‬التصريح‬
‫بالتحريم‪،‬ومنها‪ :‬ذكر العقوبة على الفعل‪ ،‬ولثبات التحريم‬
‫طرق‪.‬‬
‫‪9.‬أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه‪ ،‬ولم يحده‪ ،‬ولم ينه عنه‬
‫فهو الحلل‪ ،‬لكن هذا في غير العبادات‪،‬فالعبادات قد حرم‬
‫الله عّز وجل أن يشرع أحد الناس عبادة لم يأذن بها الله عّز‬
‫ها"‪.‬‬ ‫ه ُ‬
‫كو َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫تن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ياء‬ ‫أش‬ ‫وجل‪ ،‬فتدخل في قوله‪" :‬حرم َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫لن الصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل عليها‪،‬وغير‬
‫ت عنه فهو مباح‪.‬‬ ‫سك ِ َ‬‫ذلك الصل فيه الباحة‪ ،‬فما ُ‬
‫‪10.‬أنه ل ينبغي البحث عما سكت الله تعالى عنه ورسوله ‪.‬‬
‫وهل هذا النهي في عهد الرسالة ‪ ،‬أم إلى الن ؟‬
‫في هذا قولن للعلماء منهم من قال‪ :‬هذا خاص في عهد‬
‫الرسالة‪ ،‬لن ذلك عهد نزول الوحي‪ ،‬فقد يسأل النسان عن‬
‫شيء لم ُيحرم فيحرم من أجله‪ ،‬أو عن شيء لم يجب‬
‫فيوجب من أجله ‪.‬‬
‫أما بعد عهد الرسالة فل بأس أن يبحث النسان‪.‬‬
‫ولكن الصواب في هذه المسالة أن النهي حتى بعد عهد‬
‫الرسالة إل أنه إذا كان المراد بالبحث التساع في العلم كما‬
‫يفعله طلبة العلم‪ ،‬فهذا ل بأس به‪ ،‬لن طالب العلم ينبغي‬
‫أن يعرف كل مسألة يحتمل وقوعها حتى يعرف الجواب‪،‬‬
‫وأما إذا لم يكن كذلك فل يبحث‪ ،‬بل يمشي على ما كان عليه‬
‫الناس‪.‬‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫‪11.‬إثبات رحمة الله عّز وجل في شرعه‪ ،‬لقوله‪َ" :‬رح َ‬
‫كم" وكل الشرع رحمة‪،‬لن جزاءه أكثر بكثير من‬ ‫بِ ُ‬
‫العمل‪،‬فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى‬
‫أضعاف كثيرة‪ ،‬ومع ذلك فالله عّز وجل خفف عن العباد ‪،‬‬
‫وسكت عن أشياء كثيرة لم يمنعهم منها ولم يلزمهم بها‪.‬‬
‫غيَر نسَيان"‬ ‫‪12.‬انتفاء النسيان عن الله عّز وجل‪ ،‬لقوله " َ‬
‫ما‬‫و َ‬ ‫وقد جاء ذلك في القرآن الكريم‪،‬فقال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫‪170‬‬
‫سي ًّا(]مريم‪ [64 :‬وقال موسى عليه الصلة‬ ‫ك نَ ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫والسلم لفرعون لما سأله ما بال القرون الولى‪َ ) :‬‬
‫سى( )طـه‪(52 :‬‬ ‫ول ي َن ْ َ‬
‫ل َرّبي َ‬ ‫ض ّ‬‫ب ل يَ ِ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬‫عن ْدَ َرّبي ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫م َ‬‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ه‬‫سوا الل ّ َ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬ما الجواب عن قول الله تعالى‪) :‬ن َ ُ‬
‫م()التوبة‪ :‬الية ‪ (67‬فأثبت لنفسه النسيان؟‬ ‫ه ْ‬ ‫سي َ ُ‬‫فن َ ِ‬ ‫َ‬
‫فالجواب‪:‬أن المراد‪:‬النسيان هنا نسيان الترك‪ ،‬يعني تركوا‬
‫الله فتركهم‪ .‬فهؤلء تعمدوا الشرك وترك الواجب‪ ،‬ولم‬
‫ه( ]التوبة‪ [67:‬أي تركوا‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫يفعلوا ذلك نسيانًا‪ .‬إذًا‪) :‬ن َ ُ‬
‫م( أي فتركهم‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫سي َ ُ‬ ‫دين الله ) َ‬
‫فن َ ِ‬
‫أما النسيان الذي هو الذهول عن شيء معلوم فهذا ل يمكن‬
‫أن يوصف الله عّز وجل به‪ ،‬بل يوصف به النسان‪،‬لن‬
‫النسان ينسى‪ ،‬ومع ذلك ل يؤاخذ بالنسيان لنه وقع بغير‬
‫اختيار‪.‬‬
‫‪13.‬حسن بيان النبي صلى الله عليه وسلم حيث ساق‬
‫الحديث بهذا التقسيم الواضح البين والله أعلم‪.‬‬
‫‪171‬‬

‫الحديث الحادي والثلثون‬


‫عدي رضي الله عنه‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫ل ال ّ‬‫سه ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫دب ِ‬ ‫سع ِ‬ ‫عباس َ‬ ‫ن أبي ال َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل‪َ :‬يا‬ ‫ف َ‬
‫قا َ‬ ‫ل إ َِلى النبي صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ج ٌ‬‫جاءَ َر ُ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫عملت ُ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫سول الله‪ :‬دُّلني َ‬
‫حّبني الل ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ذا َ َ ُ‬ ‫م ٍ‬
‫ع َ‬ ‫َر ُ‬
‫ه‪،‬‬ ‫حب ّ َ‬ ‫قا َ‬‫ف َ‬ ‫س؟ َ‬ ‫َ‬
‫ك الل ُ‬ ‫دنَيا ي ُ ِ‬‫هد في ال ّ‬ ‫ل‪) :‬از َ‬ ‫وأحّبني الَنا ُ‬ ‫َ‬
‫س( حديث حسن رواه ابن‬ ‫َ‬
‫حب ّك الّنا ُ‬ ‫س يُ ِ‬‫عندَ الّنا ِ‬‫ما ِ‬ ‫هد في َ‬ ‫واز َ‬
‫ماجة وغيره بأسانيد حسنة‪.‬‬

‫الشرح‬
‫ل" لم يعين اسمه‪ ،‬ومثل هذا ل حاجة إليه‪،‬‬ ‫ج ٌ‬
‫جاءَ َر ُ‬‫قوله " َ‬
‫ولينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل‪،‬‬
‫وهذا يأتي في أحاديث كثيرة‪ ،‬إل إذا كان يترتب على معرفته‬
‫بعينه اختلف الحكم فلبد من معرفته‪.‬‬
‫وَأحّبني‬
‫حّبني الله‪َ ،‬‬
‫عملت ُ َ‬
‫هأ َ‬‫ُ‬ ‫ذا َ‬‫ل إِ َ‬
‫م ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫ع َ‬ ‫دلني َ‬ ‫وقوله‪ُ " :‬‬
‫الّناس" هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين‪ ،‬أولهما محبة‬
‫الله عّز وجل والثانية محبة الناس‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين‬
‫دنَيا" والزهد في الدنيا الرغبة‬ ‫هد في ال ّ‬ ‫محدد‪،‬فقال‪" :‬از َ‬
‫عنها‪ ،‬وأن ل يتناول النسان منها إل ما ينفعه في الخرة‪،‬‬
‫وهو أعلى من الورع‪ ،‬لن الورع‪ :‬ترك ما يضر من أمور الدنيا‬
‫‪ ،‬والزهد‪ :‬ترك مال ينفع في الخرة‪ ،‬وترك ما ل ينفع أعلى‬
‫من ترك ما يضر ‪.‬‬
‫هد‬‫ك الله" هو بالجزم على أنه جواب ‪ :‬از َ‬ ‫حب َ‬ ‫وقوله‪" :‬ي ُ ِ‬
‫والدنيا‪ :‬هي هذه الدار التي نحن فيها‪ ،‬وسميت بذلك‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬دنيا في الزمن‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬دنيا في المرتبة‪.‬‬
‫فهي دنيا في الزمن لنها قبل الخرة‪ ،‬ودنيا في المرتبة‬
‫لنها دون الخرة بكثير جدًا‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ما‬‫و َ‬‫دنَيا َ‬‫ن ال ّ‬
‫م َ‬‫خيٌر ِ‬‫ة َ‬
‫جن ّ ِ‬
‫كم في ال َ‬ ‫د ُ‬‫ح ِ‬
‫طأ َ‬ ‫ع سو ِ‬ ‫ض ُ‬
‫مو ِ‬ ‫وسلم‪" :‬ل َ َ‬
‫خيٌر‬ ‫ر َ‬‫فج ِ‬ ‫عَتا ال َ‬
‫ها"وقال النبي صلى الله عليه وسلم "رك َ‬ ‫في َ‬
‫ها"إذا ً الدنيا ليست بشيء‪.‬‬ ‫ما في َ‬ ‫و َ‬
‫دنَيا َ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫ِ‬
‫ك الّناس" أي ل تتطلع‬ ‫حب َ‬‫عندَ الَناس ي ُ ِ‬ ‫ما ِ‬‫هد في َ‬ ‫وقوله‪" :‬واز َ‬
‫لما في أيديهم‪ ،‬ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس‪،‬‬
‫وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن ل تسأل الناس شيئًا‪،‬‬
‫لنك إذا سألت أثقلت عليهم‪ ،‬وكنت دانيا ً سافل ً بالنسبة‬
‫لهم‪،‬فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الخذة‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1‬علو‪-‬همم الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فل تكاد تجد أسئلتهم‬
‫إل لما فيه خير في الدنيا أو الخرة أو فيهما جميعًا‪.‬‬
‫وهنا السؤال ‪ :‬هل الصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا مثل‬
‫هذا السؤال يريدون أن يطلعوا فقط‪ ،‬أو يريدون أن يطلعوا‬
‫ويعملوا؟‬
‫الجواب‪:‬الثاني‪،‬بخلف كثير من الناس اليوم‪-‬نسأل الله أن‬
‫ليجعلنا منهم ‪.‬‬
‫‪2.‬إثبات محبة الله عّز وجل‪،‬أي أن الله تعالى يحب محبة‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫ولكن هل هي كمحبتنا للشيء؟‬
‫‪173‬‬
‫الجواب‪:‬ل‪ ،‬حتى محبة الله لنا ليست كمحبتنا لله‪ ،‬بل هي‬
‫أعلى وأعظم‪ ،‬وإذا كنا الن نشعر بأن أسباب المحبة‬
‫متنوعة‪،‬وأن المحبة تتبع تلك السباب وتتكيف بكيفيتها‬
‫فكيف بمحبة الخالق؟!! ل يمكن إدراكها‪.‬‬
‫‪3.‬أن النسان ل حرج عليه أن يطلب محبة الناس‪،‬أي أن‬
‫يحبوه‪،‬سواء كانوا مسلمين أو كفارا ً حتى نقول‪:‬ل حرج عليه‬
‫أن يطلب محبة الكفار له‪ ،‬لن الله عّز وجل قال‪ ) :‬ل‬
‫ول َ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬
‫في ال ّ‬‫م ِ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫هاك ُ ُ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ق ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م ( ومن‬‫ه ْ‬
‫‪1‬‬
‫سطوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ت َب َّرو ُ‬‫مأ ْ‬ ‫رك ُ ْ‬‫ن ِدَيا ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫ر ُ‬
‫خ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يحبونه‪،‬أو‬
‫عدل فيهم فسوف يحبونه‪،‬والمحذور أن تحبهم أنت ‪.‬‬
‫‪4.‬فضيلة الزهد في الدنيا‪ ،‬ومعنى الزهد‪ :‬أن يترك مال ينفعه‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وليس الزهد أنه ل يلبس الثياب الجميلة‪ ،‬ول يركب السيارات‬
‫الفخمة‪ ،‬وإنما يتقشف ويأكل الخبز بل إدام وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫ولكن يتمتع بما أنعم الله عليه‪،‬لن الله يحب أن يرى أثر‬
‫نعمته على عبده‪ ،‬وإذا تمتع بالملذ على هذا الوجه صار نافعا ً‬
‫له في الخرة ‪.‬‬
‫‪5.‬أن الزهد مرتبته أعلى من الورع ‪.‬‬
‫هد في‬‫‪6.‬أن الزهد من أسباب محبة الله عّز وجل لقوله "از َ‬
‫ه" ومن أسباب محبة الله للعبد وهو أعظم‬ ‫ك الل ُ‬ ‫حب َ‬ ‫الدنَيا ي ُ ِ‬
‫السباب‪ :‬اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى‪:‬‬
‫ه( )آل عمران‪:‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫عوِني ي ُ ْ‬
‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬‫) ُ‬
‫‪(31‬‬
‫‪7.‬الحث والترغيب في الزهد فيما عند الناس‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم جعله سببا ً لمحبة الناس لك‪ ،‬وهذا‬
‫يشمل أن ل تسأل الناس شيئًا‪ ،‬وأن لتتطلع وتعّرض بأنك‬
‫تريد كذا‪.‬‬
‫ولكن هنا مسألة‪ :‬إذا علمت أن صاحبك لو سألته لسره ذلك‪،‬‬
‫فهل تسأله؟‬
‫الجواب‪:‬نعم‪،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اللحم‬
‫على النار قال‪" :‬ألم أَر البرمة على النار" قالوا‪:‬يا رسول‬
‫‪1‬‬
‫)الممتحنة‪ :‬الية ‪(8‬‬
‫‪174‬‬
‫الله‪ :‬هذا لحم تصدق به على بريرة‪ ،‬فقال‪" :‬هو لها صدقة‪،‬‬
‫ولنا هدية"‪،‬لننا نعلم علم اليقين أن بريرة رضي الله عنها‬
‫سوف تسر‪ ،‬فإذا علمت أن سؤالك يسر صاحبك فل حرج‬
‫والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث الحادي والثلثون‬


‫عدي رضي الله عنه‬ ‫سا ِ‬ ‫عن َ‬
‫ل ال ّ‬‫ٍ‬ ‫سه‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫سع‬ ‫َ‬ ‫عباس‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫أبي‬ ‫َ ْ‬
‫قا َ‬
‫ل‪َ :‬يا‬ ‫ف َ‬‫ل إ َِلى النبي صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ج ٌ‬‫جاءَ َر ُ‬‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫سول الله‪ :‬دُّلني َ‬
‫حّبني الل ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ملت ُ ُ‬‫ع َ‬‫ذا َ‬ ‫م ٍ‬‫ع َ‬ ‫َر ُ‬
‫ه‪،‬‬ ‫حب ّ َ‬ ‫قا َ‬‫ف َ‬ ‫س؟ َ‬ ‫َ‬
‫ك الل ُ‬ ‫دنَيا ي ُ ِ‬‫هد في ال ّ‬ ‫ل‪) :‬از َ‬ ‫وأحّبني الَنا ُ‬ ‫َ‬
‫س( حديث حسن رواه ابن‬ ‫ك الّنا ُ‬ ‫حب ّ َ‬‫س يُ ِ‬‫عندَ الّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫هد في َ‬ ‫واز َ‬
‫ماجة وغيره بأسانيد حسنة‪.‬‬
‫‪175‬‬

‫الشرح‬
‫ل" لم يعين اسمه‪ ،‬ومثل هذا ل حاجة إليه‪،‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاءَ َر ُ‬ ‫قوله " َ‬
‫ولينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل‪،‬‬
‫وهذا يأتي في أحاديث كثيرة‪ ،‬إل إذا كان يترتب على معرفته‬
‫بعينه اختلف الحكم فلبد من معرفته‪.‬‬
‫وَأحّبني‬ ‫حّبني الله‪َ ،‬‬ ‫هأ َ‬
‫عملت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ذا َ‬‫ل إِ َ‬‫م ٍ‬‫ع َ‬‫عَلى َ‬ ‫دلني َ‬ ‫وقوله‪ُ " :‬‬
‫الّناس" هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين‪ ،‬أولهما محبة‬
‫الله عّز وجل والثانية محبة الناس‪.‬‬
‫فدله النبي صلى الله عليه وسلم على عمل معين‬
‫دنَيا" والزهد في الدنيا الرغبة عنها‪،‬‬ ‫هد في ال ّ‬ ‫محدد‪،‬فقال‪" :‬از َ‬
‫وأن ل يتناول النسان منها إل ما ينفعه في الخرة‪ ،‬وهو‬
‫أعلى من الورع‪ ،‬لن الورع‪ :‬ترك ما يضر من أمور الدنيا ‪،‬‬
‫والزهد‪ :‬ترك مال ينفع في الخرة‪ ،‬وترك ما ل ينفع أعلى‬
‫من ترك ما يضر ‪.‬‬
‫هد‬‫ك الله" هو بالجزم على أنه جواب ‪ :‬از َ‬ ‫حب َ‬ ‫وقوله‪" :‬ي ُ ِ‬
‫والدنيا‪ :‬هي هذه الدار التي نحن فيها‪ ،‬وسميت بذلك‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬دنيا في الزمن‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬دنيا في المرتبة‪.‬‬
‫فهي دنيا في الزمن لنها قبل الخرة‪ ،‬ودنيا في المرتبة‬
‫لنها دون الخرة بكثير جدًا‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ما‬‫و َ‬‫دنَيا َ‬‫ن ال ّ‬
‫م َ‬‫خيٌر ِ‬‫ة َ‬
‫جن ّ ِ‬‫كم في ال َ‬ ‫د ُ‬ ‫ح ِ‬
‫طأ َ‬ ‫ع سو ِ‬ ‫ض ُ‬‫مو ِ‬ ‫وسلم‪" :‬ل َ َ‬
‫خيٌر‬ ‫ر َ‬‫فج ِ‬ ‫عَتا ال َ‬
‫ها"وقال النبي صلى الله عليه وسلم "رك َ‬ ‫في َ‬
‫ها"إذا ً الدنيا ليست بشيء‪.‬‬ ‫ما في َ‬ ‫و َ‬
‫دنَيا َ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬
‫ِ‬
‫ك الّناس" أي ل تتطلع‬ ‫حب َ‬ ‫عندَ الَناس ي ُ ِ‬ ‫ما ِ‬‫هد في َ‬ ‫وقوله‪" :‬واز َ‬
‫لما في أيديهم‪ ،‬ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس‪،‬‬
‫وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن ل تسأل الناس شيئًا‪،‬‬
‫لنك إذا سألت أثقلت عليهم‪ ،‬وكنت دانيا ً سافل ً بالنسبة‬
‫لهم‪،‬فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الخذة‪.‬‬

‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬


‫‪176‬‬
‫‪-1‬علو‪-‬همم الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فل تكاد تجد أسئلتهم‬
‫إل لما فيه خير في الدنيا أو الخرة أو فيهما جميعًا‪.‬‬
‫وهنا السؤال ‪ :‬هل الصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا مثل‬
‫هذا السؤال يريدون أن يطلعوا فقط‪ ،‬أو يريدون أن يطلعوا‬
‫ويعملوا؟‬
‫الجواب‪:‬الثاني‪،‬بخلف كثير من الناس اليوم‪-‬نسأل الله أن‬
‫ليجعلنا منهم ‪.‬‬
‫‪2.‬إثبات محبة الله عّز وجل‪،‬أي أن الله تعالى يحب محبة‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫ولكن هل هي كمحبتنا للشيء؟‬
‫الجواب‪:‬ل‪ ،‬حتى محبة الله لنا ليست كمحبتنا لله‪ ،‬بل هي‬
‫أعلى وأعظم‪ ،‬وإذا كنا الن نشعر بأن أسباب المحبة‬
‫متنوعة‪،‬وأن المحبة تتبع تلك السباب وتتكيف بكيفيتها‬
‫فكيف بمحبة الخالق؟!! ل يمكن إدراكها‪.‬‬
‫‪3.‬أن النسان ل حرج عليه أن يطلب محبة الناس‪،‬أي أن‬
‫يحبوه‪،‬سواء كانوا مسلمين أو كفارا ً حتى نقول‪:‬ل حرج عليه‬
‫أن يطلب محبة الكفار له‪ ،‬لن الله عّز وجل قال‪ ) :‬ل‬
‫ول َ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬
‫في ال ّ‬‫م ِ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬
‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫هاك ُ ُ‬‫ي َن ْ َ‬
‫م ( ومن‬ ‫َ‬ ‫ق ِ ُ‬
‫وت ُ ْ‬ ‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫ه ْ‬
‫‪1‬‬
‫سطوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ت َب َّرو ُ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ِ َ ِ ْ‬ ‫يُ ْ ِ ُ‬
‫المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يحبونه‪،‬أو‬
‫عدل فيهم فسوف يحبونه‪،‬والمحذور أن تحبهم أنت ‪.‬‬
‫‪4.‬فضيلة الزهد في الدنيا‪ ،‬ومعنى الزهد‪ :‬أن يترك مال ينفعه‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وليس الزهد أنه ل يلبس الثياب الجميلة‪ ،‬ول يركب السيارات‬
‫الفخمة‪ ،‬وإنما يتقشف ويأكل الخبز بل إدام وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫ولكن يتمتع بما أنعم الله عليه‪،‬لن الله يحب أن يرى أثر‬
‫نعمته على عبده‪ ،‬وإذا تمتع بالملذ على هذا الوجه صار نافعا ً‬
‫له في الخرة ‪.‬‬
‫‪5.‬أن الزهد مرتبته أعلى من الورع ‪.‬‬
‫هد في‬‫‪6.‬أن الزهد من أسباب محبة الله عّز وجل لقوله "از َ‬
‫ه" ومن أسباب محبة الله للعبد وهو أعظم‬ ‫ك الل ُ‬‫حب َ‬
‫الدنَيا ي ُ ِ‬

‫‪1‬‬
‫)الممتحنة‪ :‬الية ‪(8‬‬
‫‪177‬‬
‫السباب‪ :‬اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى‪:‬‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه(‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫عوِني ي ُ ْ‬
‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫) ُ‬
‫ق ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫‪2‬‬

‫‪7.‬الحث والترغيب في الزهد فيما عند الناس‪ ،‬لن النبي‬


‫صلى الله عليه وسلم جعله سببا ً لمحبة الناس لك‪ ،‬وهذا‬
‫يشمل أن ل تسأل الناس شيئًا‪ ،‬وأن ل تتطلع وتعّرض بأنك‬
‫تريد كذا‪.‬‬
‫ولكن هنا مسألة‪ :‬إذا علمت أن صاحبك لو سألته لسره ذلك‪،‬‬
‫فهل تسأله؟‬
‫الجواب‪:‬نعم‪،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اللحم‬
‫على النار قال‪" :‬ألم أَر البرمة على النار" قالوا‪:‬يا رسول‬
‫الله‪ :‬هذا لحم تصدق به على بريرة ‪ ،‬فقال‪" :‬هو لها صدقة‪،‬‬
‫ولنا هدية أننا نعلم علم اليقين أن بريرة رضي الله عنها‬
‫سوف تسر‪ ،‬فإذا علمت أن سؤالك يسر صاحبك فل حرج‬
‫والله الموفق‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)آل عمران‪(31 :‬‬
‫‪178‬‬

‫الحديث الثالث والثلثون‬


‫ه صلى الله‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ن َر ُ‬‫ما أ ّ‬ ‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫عّبا ٍ‬ ‫ن َ‬‫ن اب ْ ِ‬‫ع ِ‬
‫جا ٌ‬
‫ل‬ ‫ر َ‬
‫عى ِ‬ ‫م لد ّ َ‬ ‫ه ْ‬‫وا ُ‬
‫س ِبدع َ‬ ‫طى الّنا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ل‪" :‬ل َ ْ‬
‫و يُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫عليه وسلم َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫والَيمي ُ‬
‫عي‪َ ،‬‬ ‫عَلى ال ُ‬
‫مد ّ ِ‬ ‫ة َ‬‫ن الَبين َ ُ‬ ‫م‪َ َ ،‬‬
‫ولك ِ ِ‬ ‫ه ْ‬‫ماء ُ‬ ‫وِد َ‬‫قوم ٍ َ‬ ‫وال َ‬ ‫م َ‬‫أ ْ‬
‫كر" حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في‬ ‫[‬ ‫من َأن َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫الصحيحين‪.‬‬

‫الشرح‬
‫طى" المعطي هو من له حق العطاء كالقاضي‬ ‫قوله‪َ" :‬لو ُيع َ‬
‫مثل ً والمصلح بين الناس‪.‬‬
‫هم" أي بادعائهم الشيء‪،‬سواء كان إثباتا ً أو‬ ‫وا ُ‬‫دع َ‬ ‫وقوله‪" :‬ب ِ َ‬
‫نفيًا‪.‬‬
‫"لدعى" هذا جواب "َلو"‬
‫جال" المراد بهم الذين ل يخافون الله تعالى‪،‬وأما‬ ‫ر َ‬ ‫عى ِ‬ ‫"لد َ‬
‫من خاف الله تعالى فلن يدعي ما ليس له من مال أو دم‪،‬‬
‫قوم" أي بأن يقول هذا لي‪ ،‬هذا وجه‪.‬‬ ‫وال َ‬ ‫َ‬
‫"أم َ‬
‫ووجه آخر أن يقول‪ :‬في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا ‪،‬‬
‫فيدعي دينا ً أو عينًا‪.‬‬
‫هم" بأن يقول‪ :‬هذا قتل أبي‪ ،‬هذا قتل أخي وما‬ ‫ماء ُ‬ ‫وِد َ‬ ‫" َ‬
‫أشبه ذلك‪ ،‬أو يقول‪ :‬هذا جرحني‪ ،‬فإن هذا نوع من الدماء‪.‬‬
‫ة" البينة‪:‬ما يبين به الحق‪ ،‬وتكون في إثبات‬ ‫ن الَبين َ ُ‬ ‫" َ َ‬
‫ولك ِ ِ‬
‫ن‬ ‫عَلى َ‬
‫م ْ‬ ‫والَيمين" أي دفع الدعوى " َ‬
‫دعي" " َ‬ ‫عَلى ال ُ‬
‫م َ‬ ‫الدعوى " َ‬
‫كر" ‪.‬‬ ‫َأن َ‬
‫‪179‬‬
‫ى عليه‪ ،‬والمدعي ‪ :‬عليه البينة‪ ،‬والمدعى‬ ‫ع ومدع ً‬ ‫فهنا مد ٍ‬
‫عليه‪ :‬عليه اليمين ليدفع الدعوى‪.‬‬
‫كر" أي من أنكر دعوى المدعي‪.‬‬ ‫ن َأن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫والَيمين َ‬ ‫" َ‬
‫هذا الحديث أصل عظيم في القضاء‪ ،‬وهو قاعدة عظيمة في‬
‫القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما‬
‫إلى ذلك‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫وال َ‬
‫قوم‬ ‫َ‬
‫‪1.‬أن الدعوى تكون في الدماء والموال‪ ،‬لقوله "أم َ‬
‫هم" وهو كذلك‪ ،‬وتكون في الموال العيان‪ ،‬وفي‬ ‫ماء ُ‬
‫وِد َ‬‫َ‬
‫الموال المنافع‪،‬كأن يدعي أن هذا أجره بيته لمدة سنة فهذه‬
‫منافع‪ ،‬وتكون أيضا ً في الحقوق كأن يدعي الرجل أن زوجته‬
‫ل تقوم بحقه أو بالعكس‪ ،‬فالدعوى بابها واسع‪ ،‬لكن هذا‬
‫الضابط‪ ،‬وذكر المال والدم على سبيل المثال‪ ،‬وإل قد يدعي‬
‫حقوقا ً أخرى‪.‬‬
‫‪2.‬أن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن‬
‫التلعب‪.‬‬
‫‪3.‬أن البينة على المدعي‪ ،‬والبينة أنواع منها‪ :‬الشهادة ‪ ،‬قال‬
‫ن لَ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫ر َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫هيدَي ْ ِ‬ ‫دوا َ‬
‫ش ِ‬ ‫ه ُ‬‫ش ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬
‫الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ء(‬
‫دا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬
‫يَ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ه َ‬
‫ش َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫و َ‬
‫ض ْ‬
‫ن ت َْر َ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬
‫ن ِ‬
‫مَرأَتا ِ‬
‫وا ْ‬
‫ل َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫جلي ْ ِ‬
‫ومن البينة ‪ :‬ظاهر الحال فإنها بينة‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬رجل ليس‬
‫عليه عمامة يلحق رجل ً عليه عمامة وبيده عمامة ويقول‪:‬يا‬
‫فلن أعطني عمامتي‪ .‬فالرجل الذي ليس عليه عمامة معه‬
‫ر‬
‫ظاهر الحال‪ ،‬لن الملحوق عليه عمامة وبيده عمامة ولم َتج ِ‬
‫العادة بأن النسان يحمل عمامة وعلى رأسه عمامة‪.‬‬
‫فالن شاهد الحال للمدعي‪ ،‬فهو أقوى‬
‫فإذا ً القرائن بينة‪ ،‬وعليه فالبينات ل تختص بالشهود‪.‬‬
‫في القسامة‪:‬القسامة أن يدعي قوم قتل لهم قتيل بأن‬
‫القبيلة الفلنية قتلته‪،‬وبين القبيلتين عداوة‪،‬فادعت القبيلة‬
‫التي لها القتيل أن هذه القبيلة قتلت صاحبهم وعينت‬
‫ى عليه‪ ،‬المدعي أولياء‬
‫القاتل أنه فلن‪ ،‬فهنا مدعي ومدع ً‬
‫المقتول‪ ،‬والمدعى عليه القبيلة الثانية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(282‬‬
‫‪180‬‬
‫فإذا قلنا‪:‬البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقلنا‬
‫البينة ليست الشاهد‪ ،‬بل ما أبان الحق اختلف الحكم‪.‬‬
‫دعين هاتوا بينة على أن‬ ‫م ّ‬
‫ولو قلنا إن البينة الشاهد لقلنا لل ُ‬
‫فلنا ً قتله وإل فل شيء لكم‪ ،‬ولكن السنة جاءت على خلف‬
‫دعين يحلفون خمسين يمينا ً على هذا‬ ‫م ّ‬
‫هذا‪ ،‬جاءت بأن ال ُ‬
‫الرجل أنه قتل صاحبهم ‪ ،‬فإذا حلفوا فهو كالشهود تمامًا‪،‬‬
‫فيأخذونه برمته ويقتلونه‪.‬‬
‫وهذه وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقضى‬
‫بها هكذا‪ ،‬على أنه إذا حلف خمسون رجل ً من أولياء المقتول‬
‫فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه‪ ،‬وهذا هو الحق‪،‬وإن كان‬
‫بعض السلف والخلف أنكر هذا وقال‪:‬كيف ُيحكم لهم‬
‫بأيمانهم وهم مدعون‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬لماذا كررت اليمان خمسين يمينًا؟‬
‫فالجواب‪:‬لعظم شأن الدماء‪،‬فليس من السهل أن نقول‬
‫احلف مرة واقتل المدعى عليه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪:‬كيف يحلف أولياء المقتول على شخص معين‬
‫وهم ل يدرون عنه؟‬
‫فالجواب‪:‬أننا ل نسلم أنهم ل يدرون عنه‪ ،‬فربما يكونون‬
‫شاهدوه وهو يقتل صاحبهم‪،‬وإذا سلمنا جدل ً أو حقيقة أنهم‬
‫لم يشاهدوه فلهم أن يحلفوا عليه بناء على غلبة الظن وتتم‬
‫الدعوى‪،‬والحلف بناء على غلبة الظن جائز‪.‬‬
‫ولذلك القسامة قال عنها بعض العلماء‪:‬إنها تخالف القياس‬
‫من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫دعين‪ ،‬والصل‬ ‫م ّ‬
‫الوجه الول‪ :‬أن اليمان صارت في جانب ال ُ‬
‫أن اليمين في جانب المنكر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنها كررت إلى خمسين يمينًا‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد‬
‫ليكونون شاهدوا قتله‪.‬‬
‫وسبق الجواب عن هذا‪،‬وأن القسامة مطابقة تماما ً للقواعد‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫‪4.‬فيه أنه لو أنكر المنكر وقــال ل َأحلــف فــإنه يقضــي عليــه‬
‫بالنكول‪،‬ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجــب‬
‫عليه‪،‬فيحكم عليه بالنكول‪،‬والله أعلم‪.‬‬

‫الحديث الرابع والثلثون‬


‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ي رضي الله عنه َ‬
‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ر ُ‬ ‫ت ِ‬‫مع ُ‬ ‫س ِ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫خدر ّ‬ ‫د ال ُ‬‫سعي ٍ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫منك ََرا ً‬
‫كم ُ‬‫من ُ‬ ‫من َرأى ِ‬ ‫ل‪َ ) :‬‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم َيقو ُ‬ ‫الل ِ‬
‫ع‬
‫م َيسَتط ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫فإ ِ ْ‬‫ه‪َ ،‬‬
‫سان ِ ِ‬‫فب ِل ِ َ‬‫ع َ‬
‫م َيسَتط ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫د ِ‬‫غي ّْرهُ ب ِي َ ِ‬‫فلي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن( رواه مسلم‪.‬‬ ‫ما ِ‬
‫ف الي َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ك أَ ْ‬
‫ض َ‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫قلِبه َ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫َ‬
‫الشرح‬
‫ن" اسم شرط جازم‪،‬و‪" :‬رأى" فعل الشرط‪،‬وجملة‬ ‫م ْ‬ ‫" َ‬
‫ده" جواب الشرط‪.‬‬ ‫غيْره ب َي َ ِ‬‫فلي ُ َ‬‫" َ‬
‫ن َرَأى" هل المراد من علم وإن لم يَر بعينه‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين‬
‫‪182‬‬
‫وما أشبه ذلك‪ ،‬أو نقول‪ :‬الرؤيا هنا رؤية العين‪ ،‬أيهما‬
‫أشمل؟‬
‫الجواب ‪:‬الول‪،‬فيحمل عليه‪،‬وإن كان الظاهر الحديث أنه‬
‫رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل‬
‫عليه‪.‬‬
‫كرا ً" المنكر‪:‬هو ما نهى الله عنه ورسوله‪ ،‬لنه‬ ‫من ْ َ‬ ‫وقوله‪ُ " :‬‬
‫ينكر على فاعله أن يفعله‪.‬‬
‫ه" أي يغير هذا المنكر بيده‪.‬‬ ‫غي ّْر ُ‬ ‫فل ْي ُ َ‬‫" َ‬
‫را ً" لبد أن يكون منكرا ً واضحا ً يتفق عليه‬ ‫من ْك َ َ‬‫وقوله‪ُ " :‬‬
‫الجميع‪ ،‬أي المنكر والمنكر عليه‪،‬أو يكون مخالفة المنكر عليه‬
‫مبينة على قول ضعيف ل وجه له‪.‬‬
‫أما إذا كان من مسائل الجتهاد فإنه ل ينكره‪.‬‬
‫ع" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده‬ ‫ست َطِ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫" َ‬
‫ه" أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك‪ :‬بالتوبيخ‪،‬والزجر‬ ‫سان ِ ِ‬ ‫فب ِل ِ َ‬ ‫" َ‬
‫وما أشبه ذلك‪،‬ولكن لبد من استعمال الحكمة‪ ،‬وقوله‬
‫ه" هل نقيس الكتابة على القول؟‬ ‫سان ِ ِ‬ ‫"ب ِل ِ َ‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬فيغير المنكر باللسان‪ ،‬ويغير بالكتابة‪ ،‬بأن‬
‫يكتب في الصحف أو يؤلف كتبا ً يبين المنكر‪.‬‬
‫ه" أي فلينكر بقلبه‪ ،‬أي يكرهه‬ ‫قل ْب ِ ِ‬
‫فب ِ َ‬
‫ع َ‬
‫م َيست َطِ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فإ ْ‬ ‫" َ‬
‫ويبغضه ويتمنى أن لم يكن‪.‬‬
‫ن" أي أضعف مراتب‬ ‫ما ِ‬
‫ف ال ِي ْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ك" أي النكار بالقلب "أ َ ْ‬
‫ض َ‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫" َ‬
‫اليمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع المة إذا رأت‬
‫منكرا ً أن تغيره‪،‬ول يحتاج أن نقول‪ :‬لبد أن يكون عنده‬
‫وظيفة‪،‬فإذا قال أحد‪ :‬من الذي أمرك أو ولك؟ يقول له؟‬
‫َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م" ‪.‬‬ ‫ن َرأى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم لقوله " َ‬
‫‪2.‬أنه ل يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر‪ ،‬وذلك من‬
‫وجهين‪:‬الوجه الول‪ :‬أن يتيقن أنه منكر‪ .‬والوجه الثاني‪:‬أن‬
‫يتيقن أنه منكر في حق الفاعل‪،‬لن الشيء قد يكون منكرا ً‬
‫في حد ذاته‪،‬لكنه ليس منكرا ً بالنسبة للفاعل‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫‪3.‬أنه لبد أن يكون المنكر منكرا ً لدى الجميع‪،‬فإن كان من‬
‫المور الخلفية فإنه ل ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر‪،‬إل‬
‫إذا كان الخلف ضعيفا ً ل قيمة له‪،‬فإنه ينكر على الفاعل‪،‬‬
‫وقد قيل‪:‬‬
‫إل خلفا ً له حظ من النظر‬ ‫وليس كل خلف جاء معتبرا ً‬

‫فإن قال قائل‪:‬ما موقفنا من العوام‪،‬لن طالب العلم يرى‬


‫هذا الرأي فل ننكر عليه‪،‬لكن هل نقول للعوام اتبعوا من‬
‫شئتم من الناس؟‬
‫الجواب‪:‬ل‪،‬العوام سبيلهم سبيل علمائهم‪ ،‬لنه لو فتح‬
‫للعامي أن يتخير فيما شاء من أقوال العلماء لحصلت‬
‫الفوضى التي ل نهاية لها ‪ ،‬فنقول‪:‬أنت عامي في بلد يرى‬
‫علماؤه أن هذا الشيء حرام‪،‬ول نقبل منك أن تقول‪:‬أنا‬
‫مقلد للعالم الفلني أو العالم الفلني‪.‬‬
‫ه" على إطلقه‪ ،‬بمعنى أنه مع‬ ‫ه بيد ِ‬ ‫فل ْي ُ َ‬
‫غي ّْر ُ‬ ‫وهل قوله‪َ " :‬‬
‫القدرة يغير على كل حال؟‬
‫الجواب‪:‬ل‪،‬إذا خاف في ذلك فتنة فل يغير‪،‬لن المفاسد يدرأ‬
‫أعلها بأدناها‪ ،‬كما لو كان يرى منكرا ً يحصل من بعض‬
‫المراء‪،‬ويعلم أنه لو غير بيده استطاع‪،‬لكنه يحصل بذلك‬
‫فتنة‪:‬إما عليه هو‪،‬وإما على أهله‪،‬وإما على قرنائه ممن‬
‫يشاركونه في الدعوة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫ول‬‫فهنا نقول‪ :‬إذا خفت فتنة فل تغير‪،‬لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ر‬ ‫دوا ً ب ِ َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َدْ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تَ ُ‬
‫عل ْم ٍ (‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫ه" لن الغالب‬ ‫د ِ‬ ‫فل ْي ُ َ‬
‫غي ّْرهُ ب ِي َ ِ‬ ‫‪4.‬أن اليد هي آلة الفعل‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫أن العمال باليد‪،‬ولذلك تضاف العمال إلى اليدي في كثير‬
‫من النصوص ‪.‬‬
‫‪5.‬أنه ليس في الدين من حرج‪،‬وأن الوجوب مشروط‬
‫ه وهذه قاعدة‬ ‫سان ِ ِ‬
‫فب ِل ِ َ‬‫ع َ‬‫ست َطِ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫بالستطاعة‪ ،‬لقوله‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ما‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫فات ّ ُ‬
‫عامة في الشريعة‪،‬قال الله تعالى‪َ ) :‬‬

‫‪1‬‬
‫)النعام‪ :‬الية ‪(108‬‬
‫‪184‬‬
‫ها(‬
‫ع َ‬ ‫س َ‬ ‫فسا ً إ ِل ّ ُ‬
‫و ْ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫م( وقال عّز وجل‪) :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ه‬
‫عن ُ‬ ‫كم َ‬ ‫هيت ُ ُ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم " َ‬
‫طعُتم"وهذا داخل‬ ‫ما است َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مرت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫من ُ‬
‫فأتوا ِ‬ ‫كم ب ِ ِ‬ ‫ما أ َ‬‫و َ‬
‫ه‪َ ،‬‬‫فاجت َِنبو ُ‬
‫في الطار العام أن الدين يسر‪.‬‬
‫‪6.‬أن النسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ول باللسان‬
‫فليغير بالقلب‪،‬وذلك بكراهة المنكر وعزيمته على أنه متى‬
‫قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪:‬هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس النسان‬
‫إلى أهل المنكر ويقول‪:‬أنا كاره بقلبي؟‬
‫فالجواب ‪:‬ل‪،‬لنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم‬
‫ولفارقهم إل إذا أكرهوه‪،‬فحينئذ يكون معذورًا‪.‬‬
‫ه" هل هذا لكل إنسان؟‬ ‫د ِ‬
‫غيرهُ بي َ ِ‬‫فلي ُ َ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬قوله‪َ " :‬‬
‫فالجواب‪:‬ظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأي المنكر‪ ،‬ولكن إذا‬
‫رجعنا إلى القواعد العامة رأينا أنه ليس عاما ً لكل إنسان في‬
‫مثل عصرنا هذا‪ ،‬لننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئا ً‬
‫يعتقده منكرا ً يذهب ويغيره وقد ل يكون منكرا ً فتحصل‬
‫الفوضى بين الناس‪.‬‬
‫نعم راعي البيت يستطيع أن يغير بيده‪،‬لنه هو راعي‬
‫البيت‪،‬كما أن راعي الرعية الكبر أو من دونه يستطيع أن‬
‫يغير باليد ‪.‬‬
‫وليعلم أن المراتب ثلث‪ :‬دعوة‪ ،‬أمر‪ ،‬تغيير‪ ،‬فالدعوة أن‬
‫يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس‬
‫ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم‬
‫فيه‪.‬‬
‫والمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس‬
‫ويقول‪ :‬افعلوا ‪،‬أو ينهاهم ويقول لهم ‪ :‬ل تفعلوا ‪ .‬ففيه‬
‫نوع إمرة‪.‬‬
‫والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا‬
‫لدعوته ول لمره ونهيه‪،‬‬
‫ه" عطفا ً‬ ‫قلب ِ ِ‬ ‫فب ِ َ‬‫طع َ‬ ‫فإن َلم َيست َ ِ‬ ‫ل‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬ ‫‪7.‬أن للقلب عم ً‬
‫ه" وهو كذلك‪.‬‬ ‫د ِ‬ ‫غيْرهُ بي َ ِ‬ ‫فلي ُ َ‬ ‫على قوله‪َ " :‬‬
‫‪1‬‬
‫)التغابن‪ :‬الية ‪(16‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(286‬‬
‫‪185‬‬
‫فالقلب له قول وله عمل‪ ،‬قوله عقيدته‪ ،‬وعمله حركته بنية‬
‫أو رجاء أو خوف أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪8.‬أن اليمان عمل ونية‪،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫جعل هذه المراتب من اليمان‪ ،‬والتغيير باليد عمل‪،‬وباللسان‬
‫عمل‪ ،‬وبالقلب نية‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬فاليمان يشمل جميع‬
‫العمال‪،‬وليس خاصا ً بالعقيدة فقط‪،‬لقول النبي صلى الله‬
‫ن ُ‬
‫شعَبة‪ ،‬أو قال‪:‬‬ ‫عو َ‬
‫سب ُ‬
‫و َ‬
‫ع َ‬
‫ن ِبض ٌ‬
‫ما ُ‬
‫عليه وسلم‪" :‬الي َ‬
‫ة‬ ‫وَأدنا َ‬
‫ها ِإماطَ ُ‬ ‫ل ل َ ِإل َ‬
‫ه ِإل الله‪َ ،‬‬ ‫قو ُ‬ ‫شعَبة‪َ ،‬أعل َ‬
‫ها‪َ :‬‬ ‫ن ُ‬ ‫وستو َ‬ ‫َ‬
‫ق"‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال َ‬
‫ن الطري ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ذى َ‬
‫والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث الخامس والثلثون‬


‫ه صلى‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫هَريَرةَ رضي الله عنه َ‬ ‫ن َأبي ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫غضــوا‪،‬‬ ‫ول َ ت ََبا َ‬ ‫جشــوا‪َ ،‬‬ ‫ول َت ََنا َ‬ ‫ســدوا‪َ ،‬‬ ‫حا َ‬‫الله عليه وسلم‪) :‬ل َ ت َ َ‬
‫د‬
‫عب َــا َ‬ ‫وكونــوا ِ‬ ‫ض‪َ ،‬‬ ‫كم َ َ‬ ‫ض ُ‬‫ول َ ي َِبع َبع ُ‬ ‫ول َ ت َ َ‬
‫ع َبعـ ٍ‬ ‫على َبيـ ِ‬ ‫َ‬
‫داَبروا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ول َ َيخ ـذُل ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫مســلم‪ ،‬ل َ َيظِلم ـ ُ‬ ‫م أخــو ال ُ‬ ‫مسل ِ ُ‬ ‫ً‬
‫وان َا‪ ،‬ال ُ‬ ‫ه ِإخ َ‬ ‫الل ِ‬
‫ه‬ ‫ر ِ‬‫صــد ِ‬ ‫وُيشــيُر إ ِل َــى َ‬ ‫هن َــا ‪َ -‬‬ ‫ها ُ‬ ‫وى َ‬ ‫ه‪ ،‬الّتق َ‬ ‫قُر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ولي َ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ذب ُ ُ‬‫ول يك ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مــن ال ّ‬ ‫ث َل َ َ‬
‫خــا ُ‬ ‫قــَر أ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫شــرأن ي َ ْ‬ ‫ب امرىــء ِ‬ ‫ســ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت ‪ -‬بِ َ‬ ‫مــرا ٍ‬ ‫ث َ‬
‫مــاُله‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫مـ ُ‬ ‫ح ـَرام دَ ُ‬ ‫مس ـل ِم ِ َ‬ ‫عل َــى ال ُ‬ ‫ســلم ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫م‪ ،‬ك ُـ ّ‬ ‫مس ـل ِ َ‬ ‫ال ُ‬
‫ضه( رواه مسلم‬ ‫عر ُ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫الشرح‬
‫سدوا" أي ل يحسد بعضكم بعضا ً‪.‬‬ ‫حا َ‬
‫قوله‪" :‬ل ت َ َ‬
‫وما هو الحسد؟‬
‫قال بعض أهل العلم‪:‬الحسد تمني زوال نعمة الله عّز وجل‬
‫على الغير‪ ،‬أي أن يتمنى أن يزيل نعمته على الخر‪،‬سواء‬
‫كانت النعمة مال ً أو جاها ً أو علما ً أو غير ذلك‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ -‬رحمه الله ‪ -‬الحسد‪:‬كراهة ما‬
‫أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫ومن المعلوم أن من لزم الكراهة أن يتمنى الزوال‪،‬لكن‬
‫كلم الشيخ‪-‬رحمه الله ‪ -‬أدق‪ ،‬فمجرد ما تكره أن الله أنعم‬
‫على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد‪.‬‬
‫جشوا" أي ل ينجش بعضكم على بعض‪ ،‬وهذا في‬ ‫ول ت ََنا َ‬ ‫" َ‬
‫المعاملت‪ ،‬ففي البيع المناجشة‪ :‬أن يزيد في السلعة وهو ل‬
‫يريد شراءها‪ ،‬لكن يريد الضرار بالمشتري أو نفع البائع‪ ،‬أو‬
‫المرين معا ً ‪.‬‬
‫غضوا" أي ل يبغض بعضكم بعضا ً ‪ ،‬والبغضاء ل‬ ‫ول ت ََبا َ‬ ‫قال‪َ " :‬‬
‫يمكن تعريفها‪ ،‬تعريفها لفظها‪:‬كالمحبة والكراهة‪ ،‬والمعنى‪:‬‬
‫ل تسعوا بأسباب البغضاء‪.‬‬
‫وإذا وقع في قلوبكم بغض لخوانكم فاحرصوا على إزالته‬
‫وقلعه من القلوب‪.‬‬
‫داَبروا" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض‪،‬‬ ‫ول ت َ َ‬ ‫" َ‬
‫أول تدابروا في الرأي‪ ،‬بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الخر‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬
‫ض" مثال ذلك‪:‬رأيت رجل ً باع‬ ‫كم َ َ‬ ‫ض ُ‬‫ول َ ي َِبع َبع ُ‬
‫ع َبع ٍ‬ ‫على َبي ِ‬ ‫" َ‬
‫على آخر سلعة بعشرة‪،‬فأتيت إلى المشتري وقلت‪ :‬أنا‬
‫أعطيك مثلها بتسعة‪،‬أو أعطيك خيرا ً منها بعشرة‪،‬فهذا بيع‬
‫على بيع أخيه‪ ،‬وهو حرام‪.‬‬
‫ه ِإخوان َا ً" أي صيروا مثل الخوان‪،‬ومعلوم‬ ‫عَبادَ الل ِ‬ ‫وكونوا ِ‬ ‫" َ‬
‫أن الخوان يحب كل واحد منهم لخيه ما يحب لنفسه‪.‬‬
‫ه" جملة اعتراضية‪،‬المقصود منها الحث على‬ ‫عَبادَ الل ِ‬ ‫وقوله‪ِ " :‬‬
‫هذه الخوة ‪.‬‬
‫م" أي مثل أخيه في الولء‬ ‫َ‬
‫مسل ِ ِ‬
‫م أخو ال ُ‬ ‫مسل ِ ُ‬ ‫ثم قال‪" :‬ال ُ‬
‫والمحبة والنصح وغير ذلك‪.‬‬
‫ه" أي ل ينقصه حقه بالعدوان عليه‪ ،‬أو جحد ما له ‪،‬‬ ‫" ل َ َيظِلم ُ‬
‫سواء كان ذلك في المور المالية ‪،‬أو في الدماء‪،‬أو في‬
‫العراض‪ ،‬في أي شيء‪.‬‬
‫ه" أي ل يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن‬ ‫ول َ َيخذُل ُ ُ‬ ‫" َ‬
‫ينتصر له‪.‬‬
‫ول يكذبه أي ل يخبره بالكذب‪ ،‬الكذب القولي أو الفعلي‪.‬‬
‫ه" أي ل يستصغره‪ ،‬ويرى أنه أكبر منه‪،‬‬ ‫قُر ُ‬ ‫ح ِ‬‫ول َ ي َ ْ‬‫" َ‬
‫‪187‬‬
‫هنا" يعني تقوى الله عّزوجل في القلب‬ ‫ها ُ‬ ‫ثم قال‪" :‬الّتقوى َ‬
‫وليست في اللسان ول في الجوارح‪،‬وإنما اللسان والجوارح‬
‫تابعان للقلب‪.‬‬
‫ت" يعني قال‪ :‬التقوى هاهنا‪،‬‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫ث ِ‬ ‫ه َثل َ‬ ‫ر ِ‬‫صد ِ‬ ‫وُيشيُر إ َِلى َ‬ ‫" َ‬
‫التقوى هاهنا‪ ،‬التقوى هاهنا‪ ،‬تأكيدا ً لكون القلب هو المدبر‬
‫للعضاء‪.‬‬
‫ر" الباء هذه زائدة‪،‬‬ ‫ش ّ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ء ِ‬‫ب امُرى ٍ‬ ‫حس ِ‬ ‫ثم قال‪" :‬ب ِ َ‬
‫ه" مبتدأ والتقدير حقر أخيه‬ ‫َ‬
‫قُر ُ‬ ‫ح ِ‬‫ف و "أن ي َ ْ‬ ‫وحسب بمعنى كا ٍ‬
‫ه" أي‬
‫قَر ُ‬
‫ح ِ‬
‫ول ي َ‬
‫ف في الشر‪ ،‬وهذه الجملة تتعلق بقوله‪َ " :‬‬ ‫كا ٍ‬
‫يكفي النسان من الثم أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬لن حقران‬
‫أخيك المسلم ليس بالمر الهين‪.‬‬
‫رام" ثم فسر هذه الكلية‬ ‫ح َ‬‫مسِلم َ‬ ‫عَلى ال ُ‬ ‫مسِلم َ‬ ‫كل ال ُ‬‫" ُ‬
‫ه" يعني أنه ل يجوز انتهاك دم‬ ‫ض ُ‬‫عر ُ‬ ‫و ِ‬‫ه َ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫بقوله‪" :‬دَ ُ‬
‫النسان ول ماله ول عرضه‪،‬كله حرام‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1‬أن هذا الحديث العظيم ينبغي للنسان أن يسير عليه في‬
‫معاملته إخوانه‪ ،‬لنه يتضمن توجيهات عالية من النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫سدوا"‪.‬‬ ‫حا َ‬ ‫‪2.‬تحريم الحسد لقوله "ل َ ت َ َ‬
‫وهل النهي عن وقوع الحسد من الجانبين ‪ ،‬أو من جانب‬
‫واحد؟‬
‫الجواب‪:‬من جانب واحد‪،‬يعني لو فرضنا إنسانا ً يريد أن يحسد‬
‫أخاه وذاك قلبه سليم ل يحسد صار هذا حرامًا‪ ،‬فيكون‬
‫سدوا" ليس من شرطه أن‬ ‫حا َ‬ ‫التفاعل هنا في قوله "ل ت َ َ‬
‫يكون من الجانبين ‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما يرد على القلب أحيانا ً من محبة كون‬
‫النسان أعلى من أخيه‪ ،‬فهل يدخل في الحسد؟‬
‫فالجواب‪:‬ل‪ ،‬لن الرجل لم يكره نعمة الله عّز وجل على هذا‬
‫العبد‪،‬لكن أحب أن يفوقه‪ ،‬وهذا شيء طبيعي‪.‬‬
‫فإن وقع في قلبه حسد لشخص ولكنه يدافعه ولم يعتد على‬
‫الشخص‪ ،‬فهل يؤاخذ به؟‬
‫‪188‬‬
‫الجواب‪:‬ل يؤاخذ‪،‬لكنه ليس في حال الكمال‪ ،‬لن حال الكمال‬
‫أن ل تحسد أحدًا‪،‬وأن ترى نعمة الله عّز وجل على غيرك‬
‫كنعمته عليك‪،‬لكن النسان بشر قد يقع في قلبه أن يكره ما‬
‫أنعم الله به على هذا الشخص من علم أو مال أو جاه أو ما‬
‫أشبه ذلك‪،‬لكنه ل يتحرك ول يسعى لضرار هذا المحسود‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا ليس عليه شيء‪،‬لن هذا أمر قد يصعب التخلص‬
‫منه‪ ،‬إل أنه لو لم يكن متصفا ً به لكان أكمل وأطيب للقلب‪،‬‬
‫فل َ َتب ِ‬
‫غ"‪.‬‬ ‫ت َ‬ ‫سد َ‬
‫ح َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫فل َ ت ُ َ‬
‫حقق‪َ ،‬‬ ‫ذا "ظََنن َ‬
‫ت َ‬ ‫وفي الحديث إ ِ َ‬
‫والحسد على مراتب‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يتمنى أن يفوق غيره‪ ،‬فهذا جائز‪ ،‬بل وليس‬
‫بحسد‪.‬‬
‫الثانية‪:‬أن يكره نعمة الله عّز وجل على غيره‪،‬ولكن ل يسعى‬
‫في تنزيل مرتبة الذي أنعم الله عّز وجل عليه ويدافع‬
‫الحسد‪ ،‬فهذا ل يضره‪،‬ولكن غيره أكمل منه‪.‬‬
‫الثالثة‪:‬أن يقع في قلبه الحسد ويسعى في تنزيل مرتبة‬
‫الذي حسده‪ ،‬فهذا هو الحسد المحرم الذي يؤاخذ عليه‬
‫النسان‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ودّ ك َِثيٌر ِ‬‫والحسد من خصال اليهود‪،‬كما قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫أَ‬
‫ن‬ ‫سدا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارا ً َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫د ِإي َ‬
‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دون َك ُ ْ‬ ‫و ي َُر ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د أن ْ ُ‬
‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬
‫م ( قال الله تعالى في ذمهم (أ ْ‬ ‫‪1‬‬
‫ه ْ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫عن ْ ِ‬‫ِ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫قدْ آت َي َْنا آ َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ف ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ما آَتا ُ‬ ‫عَلى َ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا َ‬
‫ً ‪2‬‬
‫ظيما (‬ ‫ع ِ‬ ‫مْلكا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وآت َي َْنا ُ‬ ‫ة َ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫‪3.‬تحريم المناجشة ولو من جانب واحد‪،‬وسبق أن النجش في‬
‫البيع‪:‬هو أن يزيد في السلعة وهو ل يريد شراءها ‪.‬‬
‫ولكن لو أن الرجل يزيد في السلعة من أجل أن يربح منها‪،‬‬
‫بمعنى أنه ل يريدها‪ ،‬بل يريد الربح منها‪،‬فلما ارتفع سعرها‬
‫تركها‪ ،‬فهل يعد هذا نجشًا؟‬
‫الجواب‪:‬ل يعد هذا نجشًا‪،‬لن هذا له غرض صحيح في‬
‫الزيادة‪،‬وهو إرادة التكسب‪،‬كما لو كان يريد السلعة‪ ،‬وهذا‬
‫يقع كثيرا ً بين الناس‪ُ ،‬تعَرض السلعة والنسان ليس له رغبة‬
‫فيها ول يريدها‪ ،‬ولكن رآها رخيصة فجعل يزيد فيها حتى إذا‬
‫‪1‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(109‬‬
‫‪2‬‬
‫النساء‪(54:‬‬
‫‪189‬‬
‫بلغت ثمنا ً ل يرى معه أن فيها فائدة تركها‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا ل‬
‫بأس به ‪.‬‬
‫‪4.‬النهي عن التباغض‪،‬وإذا ُنهي عن التباغض أمر بالتحاب‪،‬‬
‫وعلى هذا فتكون هذه الجملة مفيدة لشيئين‪:‬‬
‫الول‪ :‬النهي عن التباغض‪ ،‬وهو منطوقها‪.‬‬
‫والثاني‪:‬المر بالتحاب‪ ،‬وهو مفهومها‪.‬‬
‫‪5.‬النهي عن التدابر‪،‬سواء بالجسام أو بالقلوب‪.‬‬
‫‪6.‬تحريم بيع الرجل على بيع أخيه ‪,‬‬
‫‪7.‬وجوب الخوة اليمانية‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وان َا ً"‪.‬‬
‫ه ِإخ َ‬ ‫عَبادَ الل ِ‬‫وكونوا ِ‬ ‫" َ‬
‫ولكن كيف يمكن أن يحدث النسان هذه الخوة؟‬
‫فالجواب‪:‬أن يبتعد عن كل تفكير في مساوئ إخوانه‪ ،‬وأن‬
‫يكون دائما ً يتذكر محاسن إخوانه‪،‬حتى يألفهم ويزول ما في‬
‫قلبه من الحقد‪.‬‬
‫‪8.‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن نكون إخوانا ً‬
‫بّين حال المسلم مع أخيه‬
‫‪9.‬أن المسلم على المسلم حرام ‪ :‬دمه و ماله و عرضه‪.‬‬
‫‪10.‬أنه ل يجني عليه بأي جناية تريق الدم أو بأي جناية‬
‫تنقص المال‪،‬سواء كان بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما عليه‪.‬‬
‫‪11.‬تحريم عرض المسلم‪ ،‬يعني غيبته‪،‬فغيبة المسلم حرام ‪.‬‬
‫‪12.‬أنه ل يحل ظلم المسلم بأي نوع من أنواع الظلم‪،‬‬
‫والظلم ظلمات يوم القيامة ‪.‬‬
‫ه"‬‫ول ََيخذل ُ‬ ‫‪13.‬وجوب نصرة المسلم‪ ،‬وتحريم خذلنه‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ويجب نصر المسلم‪،‬سواء كان ظالما ً أو مظلومًا‪،‬كما قال‬
‫مًا"‬ ‫َ‬ ‫صر أ َ َ‬
‫مظُلو َ‬ ‫ما ً أو َ‬ ‫ك َ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫خا َ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم "ان ُ‬
‫قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م؟ َ‬ ‫ظال ِ َ‬‫صُر ال َ‬ ‫ف َنن ُ‬ ‫كي َ‬‫ف َ‬ ‫مظلوم‪َ ،‬‬ ‫هذا ال َ‬ ‫سول الله َ‬ ‫قالوا‪َ :‬ياَر ُ‬ ‫َ‬
‫ه"وأنت إذا منعته من‬ ‫ك َنصُر َ‬
‫ك إّيا ُ‬ ‫فذل ِ َ‬‫ن الظلم َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫"َتمَنع ُ‬
‫الظلم فقد نصرته على نفسه‪ ،‬وأحسنت إليه أيما إحسان‪.‬‬
‫‪14.‬وجوب الصدق فيما يخبر به أخاه‪ ،‬وأن ل يكذب عليه‪ ،‬بل‬
‫ول غيره أيضًا‪،‬لن الكذب محرم حتى ولو كان على الكافرين‬
‫‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما تقولون في التورية؟‬
‫فالجواب‪ :‬التورية فيها تفصيل‪:‬‬
‫‪190‬‬
‫‪1.‬إن أدت إلى باطل فهي حرام‪.‬‬
‫‪ 2.‬إن أدت إلى واجب فهي واجبة‪.‬‬
‫‪ 3.‬إن أدت إلى مصلحة أو حاجة فجائزة‪.‬‬
‫‪-4.‬أن ل يكون فيها هذا ول هذا ول هذا‪،‬فاختلف العلماء‬
‫فيها‪ :‬هل تجوز أو ل تجوز؟‬
‫والقرب أنه ل يجوز الكثار منها‪ ،‬وأما فعلها أحيانا ً فل بأس‬
‫ل سيما إذا أخبر صاحبه بأنه موّر ويقول شيخ السلم ابن‬
‫تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ل تحل التورية ‪ ،‬وقال إنها حرام‪،‬لن‬
‫التورية ظاهرها يخالف باطنها‪ ،‬إذ إن معنى التورية أن ينوي‬
‫بلفظه ما يخالف ظاهره‪ ،‬ففيها نوع من الكذب‪،‬فيقول‪:‬إنها‬
‫ل تجوز‪.‬‬
‫ع أن المر خلف ما‬ ‫وفيها أيضا ً مفسدة وهي‪:‬أنه إذا أطل ِ َ‬
‫فهمه المخاطب وصف هذا الموري بالكذب وساء ظنه فيه‬
‫وصار ل يصدقه‪ ،‬وصار هذا الرجل يلعب على الناس‪ ،‬وما‬
‫قاله الشيخ ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬قوي بل شك‪.‬‬
‫لكن لو أن النسان فعل ذلك أحيانا ً فأرجو أن ل يكون فيه‬
‫حرج ‪،‬ل سيما إن أخبر صاحبه فيما بعد‪،‬وقال‪:‬إني قلت كذا‬
‫وكذا‪،‬وأريد كذا وكذا‪،‬خلف ظاهر الكلم‪،‬والناس قد يفعلون‬
‫ذلك على سبيل المزاح ‪.‬‬
‫‪15.‬تحريم احتقار المسلم مهما بلغ في الفقر وفي الجهل‪،‬‬
‫ث‬‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ب أش َ‬ ‫فل تحتقره‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم "ُر ّ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لبّرهُ "‬ ‫عَلى الل ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ب َلو أق َ‬‫ع بالبوا ِ‬
‫مدفو ٌ‬ ‫أغب ََر َ‬
‫شاَر‬ ‫وأ َ َ‬
‫هَنا‪َ ،‬‬ ‫ها ُ‬‫وى َ‬ ‫‪16.‬أن التقوى محلها القلب‪ ،‬لقوله‪" :‬الّتق َ‬
‫ه" يعني في قلبه‪.‬‬ ‫ر ِ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫صد ِ‬
‫‪17.‬أن الفعل قد يؤثر أكثر من القول في المخاطبات‪ ،‬لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بإمكانه أن يقول‪ :‬التقوى في‬
‫القلب‪ ،‬لكنه قال‪ :‬التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ‪.‬‬
‫‪18.‬الرد على أولئك المجادلين بالباطل الذين إذا فعلوا‬
‫معصية بالجوارح وُنهوا عنها قالوا‪ :‬التقوى هاهنا ‪ ،‬فما‬
‫جوابنا على هذا الجدلي؟‬
‫جوابنا أن نقول‪ :‬لو اتقى ما هاهنا لتقت الجوارح‪ ،‬لن النبي‬
‫ذا‬‫غة إ ِ َ‬ ‫مض َ‬ ‫َ‬
‫د ُ‬
‫س ِ‬
‫ج َ‬‫ن في ال َ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬أل َ‬
‫‪191‬‬
‫ه أ َل َ‬‫سدُ ك ُل ُ ُ‬
‫ج َ‬
‫سدَ ال َ‬
‫ف َ‬‫دت َ‬ ‫س َ‬ ‫وِإذا َ‬
‫ف َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫سد ُ‬
‫كل ُ‬ ‫ج َ‬
‫ح ال َ‬
‫صل َ‬‫حت َ‬ ‫صل َ‬ ‫َ‬
‫قلب"‬ ‫ي ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رأن‬ ‫ن ال ّ‬
‫ش ِّ‬ ‫م َ‬ ‫ب امرئ ِ‬ ‫حس ِ‬ ‫‪19.‬عظمة احتقار المسلم‪ ،‬لقوله‪" :‬ب ِ َ‬
‫مسِلم"‪.‬‬‫خاهُ ال ُ‬‫قَر أ َ َ‬‫ح ِ‬‫يَ ْ‬
‫‪ . 20‬وجوب احترام المسلم في هذه المور الثلثة‪ :‬دمه‬
‫وماله و عرضه‪،‬والله الموفق‪.‬‬
‫الحديث السادس والثلثون‬
‫ن النبي صلى الله عليه‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫عنه‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫رة‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫أبي‬ ‫عن َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫دنَيا‬ ‫ب ال ّ‬ ‫من ك َُر ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫كرب َ ً‬ ‫من ُ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن نَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ( :‬‬ ‫قا َ‬ ‫وسلم َ‬
‫سَر‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫م ِ‬ ‫ب َيوم القيا َ‬ ‫ن كَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫كرب َ ً‬‫ه ُ‬ ‫عن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ّ‬
‫ست ََر‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫خَرة‪َ ،‬‬ ‫دنَيا وال ِ‬ ‫ه في ال ّ‬ ‫عَلي ِ‬ ‫سَر الله َ‬ ‫ر يَ ّ‬ ‫معس ٍ‬ ‫على ُ‬
‫ن‬‫عو ِ‬ ‫ه في َ‬ ‫والل ُ‬ ‫خَرة‪َ ،‬‬ ‫وال ِ‬ ‫دنَيا َ‬ ‫ست ََرهُ الله في ال ّ‬ ‫ما ً َ‬ ‫مسل ِ َ‬ ‫ُ‬
‫قا ً‬ ‫طري َ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه‪َ ،‬‬ ‫ن أخي ِ‬ ‫عو ِ‬ ‫عبدُ في َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫عب ِ‬ ‫ال َ‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫قا ً إ َِلى ال َ‬ ‫طري َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫هل ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما ً َ‬ ‫عل َ‬ ‫ه ِ‬ ‫س في ِ‬ ‫م ُ‬ ‫َيلت َ ِ‬
‫ه‬
‫ب الل ِ‬ ‫كتا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه َيتلو َ‬ ‫ت الل ِ‬ ‫ن بيو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م في َبي ٍ‬ ‫قو ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫اجت َ َ‬
‫غشَيتهم‬ ‫و َ‬ ‫سكيَنة َ‬ ‫هم ال ّ‬ ‫عَلي ُ‬ ‫هم ِإل ن ََزَلت َ‬ ‫ه َبين َ ُ‬ ‫ويَتداَرسون َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه‪َ ،‬‬ ‫عندَ ُ‬ ‫من ِ‬ ‫ه في َ‬ ‫هم الل ُ‬ ‫كر ُ‬ ‫وذَ َ‬ ‫ملِئكة َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فت ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مة و َ‬ ‫الّرح َ‬
‫ه )رواه مسلم بهذا اللفظ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫عب ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫طأ ب ِ ِ‬ ‫بَ ّ‬

‫س" أي وسع‪.‬‬ ‫ن َنف َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله‪َ " :‬‬


‫ة" الكربة ما يكرب النسان ويغتم منه‬ ‫كرب َ ً‬‫ن ُ‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫" َ‬
‫ويتضايق منه‪.‬‬
‫ب الدنَيا" أي من الكرب التي تكون في الدنيا وإن‬ ‫كر ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫" ِ‬
‫كانت من مسائل الدين‪،‬لن النسان قد تصيبه كربة من كرب‬
‫الدين فينفس عنه‪.‬‬
‫مة" الجزاء من‬ ‫ن ك َُر ِ‬
‫ب َيوم ِ القيا َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫كرب َ ً‬‫ه ُ‬ ‫عن ُ‬‫ه َ‬
‫س الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫"ن َ ّ‬
‫جنس العمل من حيث الجنس‪،‬تنفيس وتنفيس‪،‬لكن من حيث‬
‫النوع يختلف اختلفا ً عظيمًا‪،‬فكرب الدنيا ل تساوي شيئا ً‬
‫بالنسبة لكرب الخرة‪،‬فإذا نفس الله عن النسان كربة من‬
‫كرب الخرة كان ثوابه أعظم من عمله‪.‬‬
‫مة" هو الذي تقوم فيه الساعة‪ ،‬وسمي‬ ‫وقوله‪َ" :‬يوم ِ القيا َ‬
‫بذلك لثلثة أمور‪:‬‬
‫‪192‬‬
‫الول‪:‬أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله عّز وجل‪،‬قال‬
‫‪1‬‬
‫ن(‬‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫س ل َِر ّ‬‫م الّنا ُ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬
‫الله تعالى‪) :‬ي َ ْ‬
‫صُر‬‫الثاني‪:‬أنه تقام فيه الشهاد‪،‬كما قال الله تعالى‪) :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫د(‬
‫ها ُ‬‫ش َ‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬‫و َ‬
‫وي َ ْ‬‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫سل ََنا َ‬
‫ُر ُ‬
‫‪2‬‬

‫ع‬
‫ض ُ‬‫ون َ َ‬
‫الثالث‪:‬أنه يقام فيه العدل‪،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ً ‪3‬‬
‫شْيئا (‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫فل ت ُظْل َ ُ‬
‫م نَ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫ط ل ِي َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫زي َ‬‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ر" أي سهل‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫سر" أي ذي إعسار كما قال الله تعالى‪َ ) :‬‬ ‫مع َ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫" َ‬
‫رة(‬ ‫س َ‬‫مي ْ َ‬ ‫فن َظَِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ة َ‬ ‫سَر ٍ‬‫ع ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ُ‬
‫‪4‬‬

‫رة" ويشمل هذا التيسير‬ ‫خ َ‬


‫وال ِ‬ ‫دنَيا َ‬ ‫ه في ال ّ‬ ‫عَلي ِ‬‫ه َ‬ ‫سَر الل ُ‬ ‫"ي َ ّ‬
‫تيسير المال‪،‬وتيسير العمال‪ ،‬وتيسير التعليم وغير ذلك‪،‬أي‬
‫نوع من أنواع التيسير‪.‬‬
‫وهنا ذكر الجزاء في موضعين‪:‬‬
‫الول‪:‬في الدنيا‪ ،‬والثاني‪:‬في الخرة‪.‬‬
‫ما ً" أي أخفى وغطى‪،‬ومنه الستارة تخفي‬ ‫مسل ِ َ‬
‫ست ََر ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫" َ‬
‫الشيء وتغطيه‪ ،‬والمقصود ستر مسلما ً ارتكب ما يعاب‪ .‬إما‬
‫ه‬
‫ست ََرهُ الل ُ‬
‫في المروءة والخلق ‪،‬وإما في الدين والعمل‪َ " ،‬‬
‫خَرة"‬‫وال ِ‬‫دنَيا َ‬
‫في ال ّ‬ ‫‪.‬‬
‫ه" يعني‬
‫ن أخي ِ‬
‫عو ِ‬
‫عبدُ في َ‬
‫ن ال َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫د َ‬
‫عب ِ‬
‫ن ال َ‬
‫عو ِ‬‫ه في َ‬ ‫والل ُ‬
‫" َ‬
‫أنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك كما كنت تعين أخاك‪.‬‬
‫قا ً" أي دخله ومشى فيه‪.‬‬ ‫طري َ‬ ‫ك َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫" َ‬
‫مًا" أي يطلب علمًا‪.‬‬ ‫عل َ‬ ‫ه ِ‬ ‫س في ِ‬ ‫م ُ‬ ‫"َيلت َ ِ‬
‫ة" يعني سهل الله له‬ ‫قا ً إ َِلى ال َ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ه َ‬
‫طري َ‬ ‫ه بِ ِ‬‫ه لَ ُ‬
‫ل الل ُ‬‫ه َ‬ ‫س ّ‬ ‫" َ‬
‫هداية التوفيق بالطريق إلى الجنة‪ ،‬والمراد بالعلم هنا علم‬
‫الشريعة وما يسانده من علوم العربية والتاريخ وما أشبه‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)المطففين‪(6:‬‬
‫‪2‬‬
‫)غافر‪(51:‬‬
‫‪) 3‬النبياء‪ :‬الية ‪(47‬‬

‫‪4‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(280‬‬
‫‪193‬‬
‫والجنة‪ :‬هي الدار التي أعدها الله تعالى لوليائه‬
‫المتقين‪،‬فيها مال عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على‬
‫قلب بشر وأوصافها وأوصاف ما فيها من النعيم موجود في‬
‫الكتاب والسنة بكثرة‪.‬‬
‫ه" ما ‪ :‬نافية بدليل‬ ‫ت الل ِ‬
‫ن بيو ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م في َبي ٍ‬ ‫ع َ‬
‫قو ٌ‬ ‫م َ‬
‫ما اجت َ َ‬
‫و َ‬
‫" َ‬
‫أنها جاء بعدها إل المثبتة‪.‬‬
‫وبيوت الله هي المساجد‪ ،‬فإن المساجد هي بيوت الله عّز‬
‫ع‬ ‫ن ت ُْر َ‬ ‫في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ف َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ ُ ٍ ِ َ‬ ‫وجل‪،‬كما قال الله تعالى‪ِ ) :‬‬
‫جا ٌ‬
‫لل‬ ‫ر َ‬
‫ل* ِ‬ ‫صا ِ‬‫واْل َ‬ ‫و َ‬‫غد ُ ّ‬‫ها ِبال ْ ُ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬‫ها ا ْ‬ ‫في َ‬ ‫وي ُذْك ََر ِ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫وِإيَتا ِ‬‫ة َ‬ ‫صل ِ‬ ‫قام ِ ال ّ‬ ‫وإ ِ َ‬‫ه َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬‫ِ‬ ‫ن ِذك ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ول ب َي ْ ٌ‬ ‫جاَرةٌ َ‬ ‫م تِ َ‬‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬
‫ت ُل ْ‬
‫َ‬
‫ر( ‪.‬‬
‫صا ُ‬‫‪1‬‬
‫واْلب ْ َ‬‫ب َ‬‫قُلو ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫في ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫قل ّ ُ‬‫وما ً ت َت َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ة يَ َ‬‫كا ِ‬ ‫الّز َ‬
‫ب الله" أي يقرؤونه لفظا ً ومعنى‪.‬‬ ‫ن ك َِتا َ‬ ‫"َيتلو َ‬
‫هم" أي يدرس بعضهم على بعض هذا‬ ‫ه َبين َ ُ‬‫داَرسون َ ُ‬ ‫وي َت َ َ‬‫" َ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫سكيَنة" أي طمأنينة القلب‪،‬وانشراح‬ ‫عَليهم ال ّ‬ ‫"ِإل ن ََزَلت َ‬
‫الصدر‪.‬‬
‫مة" أي غطتهم‪ ،‬والرحمة هنا يعني رحمة‬ ‫غشَيتهم الّرح َ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ز وجل‪.‬‬ ‫الله ع ّ‬
‫ملِئكة" أي أحاطت بهم إكراما ً لهم‪.‬‬ ‫هم ال َ‬ ‫فت ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫عنده" أي أن هؤلء القوم الذين‬ ‫من ِ‬ ‫ه في َ‬ ‫هم الل ُ‬ ‫وذكر ُ‬ ‫" َ‬
‫اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلم الله عّز وجل يذكرهم‬
‫الله فيمن عنده‪،‬وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي‪:‬‬
‫"من ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم"‬
‫خر‪،‬‬ ‫ه بطأ‪ :‬بمعنى أ ّ‬ ‫سب ُ ُ‬
‫ه نَ َ‬
‫سرع ب ِ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ع َ‬
‫ه َ‬ ‫طأ ب ِ ِ‬ ‫ن بَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫والمعنى‪ :‬من أخره العمل لم ينفعه النسب‪،‬لقوله تعالى‪) :‬‬
‫م(‬‫قاك ُ ْ‬‫ه أ َت ْ َ‬‫عن ْدَ الل ّ ِ‬
‫‪2‬‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن أك َْر َ‬ ‫إِ ّ‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫فس‬‫ن نَ ّ‬‫م ْ‬
‫‪1‬الحث على تنفيس الكرب عن المؤمنين‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ه ُ‬
‫كرب َ ً‬ ‫عن ُ‬
‫ه َ‬
‫س الل ُ‬ ‫دنَيا ن َ ّ‬
‫ف َ‬ ‫من ك َُر ِ‬
‫ب ال ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫من ُ‬
‫كرب َ ً‬ ‫مؤ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬‫َ‬
‫ة"‪.‬‬‫م ِ‬
‫ب َيوم القيا َ‬ ‫ك َُر ِ‬
‫‪1‬‬
‫]النور‪[37،36:‬‬
‫‪2‬‬
‫)الحجرات‪ :‬الية ‪(13‬‬
‫‪194‬‬
‫‪2.‬أن الجزاء من جنس العمل‪،‬تنفيس بتنفيس‪،‬وهذا من كمال‬
‫عدل الله عّز وجل ولكن يختلف النوع‪ ،‬لن الثواب أعظم من‬
‫العمل ‪.‬‬
‫ن ك َُر ِ‬
‫ب‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ه ُ‬
‫كرب َ ً‬ ‫عن ُ‬
‫ه َ‬
‫س الل ُ‬ ‫‪3.‬إثبات يوم القيامة‪ ،‬لقوله‪" :‬ن َ ّ‬
‫ف َ‬
‫ة"‪.‬‬
‫م ِ‬
‫القيا َ‬ ‫َيوم‬
‫‪4.‬أن في يوم القيامة كربا ً عظيمة‪ ،‬لكن مع هذا والحمد لله‬
‫وما ً‬ ‫ن يَ ْ‬
‫كا َ‬‫و َ‬‫هي على المسلم يسيرة‪،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬
‫كا ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫سيرا ً( وقال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬ ‫‪1‬‬
‫ع ِ‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬
‫كا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫و ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ذا ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫كا ِ‬ ‫ر( وقال عّز وجل‪ ):‬ي َ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫‪2‬‬
‫سي ٍ‬‫غي ُْر ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ر( ‪3‬أما المؤمن فإن الله عّز وجل ييسره عليه ويخففه‬ ‫س ٌ‬
‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫عنه والناس درجات‪ ،‬حتى المؤمنون يختلف يسر هذا اليوم‬
‫بالنسبة إليهم حسب ما عندهم من اليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫‪5.‬الحث على التيسير على المعسر‪،‬وأنه ييسر عليه في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫والمعسر تارة يكون معسرا ً بحق خاص لك‪،‬وتارة يكون‬
‫معسرا ً بحق لغيرك ‪.‬‬
‫لكن إذا كان الحق لك فالتيسير واجب‪ ،‬وإن كان لغيرك‬
‫فالتيسير مستحب ‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما أكثر أهل الباطل في الوقت الحاضر‬
‫الذين يدعون العسار وليسوا بمعسرين‪ ،‬فصاحب الحق ل‬
‫يثق بادعائهم العسار؟‬
‫فنقول‪:‬نعم‪ ،‬المانات اليوم اختلفت ل شك‪ ،‬وقد يدعي‬
‫العسار من ليس بمعسر‪ ،‬وقد يأتي بالشهود على أنه‬
‫معسر‪،‬لكن أنت إذا تحققت أو غلب على ظنك أنه معسر‬
‫وجب عليك الكف عن طلبه ومطالبته‪.‬‬
‫أما إذا علمت أن الرجل صاحب حيلة وأنه موسر لكن ادعى‬
‫العسار من أجل أن يماطل بحقك فهنا لك الحق أن تطلب‬
‫وتطالب‪ ،‬هذا بالنسبة للمعسر بحق لك‪.‬‬
‫أما إذا كان معسرا ً بحق لغيرك فإن التيسير عليه سنة وليس‬
‫بواجب‪،‬اللهم إل أن تخشى أن ُيساء إلى هذا الرجل المعسر‬
‫‪1‬‬
‫)الفرقان‪ :‬الية ‪(26‬‬
‫‪2‬‬
‫)المدثر‪(10:‬‬
‫‪3‬‬
‫]القمر‪[8:‬‬
‫‪195‬‬
‫ويحبس بغير حق وما أشبه ذلك‪،‬فهنا قد نقول بوجوب إنقاذه‬
‫من ذلك‪ ،‬ويكون هذا واجبا ً عليك مادمت قادرًا‪.‬‬
‫‪6.‬أن التيسير على المعسر فيه أجران‪ :‬أجر في الدنيا وأجر‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫ما ً‬
‫مسل ِ َ‬
‫ست ََر ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫‪7.‬الحث على الستر على المسلم لقوله‪َ " :‬‬
‫خَرة"‪.‬‬
‫وال ِ‬
‫دنَيا َ‬
‫ست ََرهُ الله في ال ّ‬
‫َ‬
‫ولكن دلت النصوص على أن هذا مقيد بما إذا كان الستر‬
‫خيرًا‪ ،‬والستر ثلثة أقسام‪:‬‬
‫القسم الول‪:‬أن يكون خيرًا‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬أن يكون شرًا‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪:‬ل يدرى أيكون خيرا ً أم شرًا‪.‬‬
‫أما إذا كان خيرا ً فالستر محمود ومطلوب‪.‬‬
‫أما إذا كان الستر ضررا ً فهنا ستره مذموم ويجب أن يكشف‬
‫أمره لمن يقوم بتأديبه‪ ،‬إن كانت زوجة فترفع إلى زوجها‪،‬‬
‫وإن كان ولدا ً فيرفع إلى أبيه‪،‬وإن كان مدرسا ً يرفع إلى‬
‫مدير المدرسة‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫المهم‪ :‬أن مثل هذا ل يستر ويرفع إلى من يؤدبه على أي‬
‫وجه كان‪،‬لن مثل هذا إذا ستر‪ -‬نسأل الله السلمة‪ -‬ذهب‬
‫يفعل ما فعل ولم يبال‪.‬‬
‫الثالث‪:‬أن ل تعلم هل ستره خير أم كشفه هو الخير‪:‬فالصل‬
‫أن الستر خير‪،‬ولهذا يذكر في الثر) لن أخطىء في العفو‬
‫ي من أن أخطىء في العقوبة( ولكن في هذه الحال‬ ‫أحب إل ّ‬
‫تتبع أمره‪ ،‬ل تهمله‪ ،‬لنه ربما يتبين بعد ذلك أن هذا الرجل‬
‫ليس أهل ً للستر‪.‬‬
‫‪8.‬أن الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون‬
‫أخيه‪،‬ففيه الحث على عون إخوانه من المسلمين في كل ما‬
‫يحتاجون إلى العون فيه حتى في تقديم نعليه له إذا كان‬
‫يشق على صاحب النعلين أن يقدمهما‪،‬وحتى في إركابه‬
‫السيارة‪ ،‬وحتى في إدناء فراشه له إذا كان في ب َّر أو ما‬
‫أشبه ذلك‪.‬لكن الحث على معونة أخيك المسلم‪ ،‬ولكن هذا‬
‫وُنوا‬‫عا َ‬
‫وت َ َ‬
‫مقيد بما إذا كان على بر وتقوى‪،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫وى(‬‫ق َ‬ ‫عَلى ال ْب ِّر َ‬
‫والت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫)المائدة‪ :‬الية ‪(2‬‬
‫‪196‬‬
‫وإن كان على شيء مباح فإن كان فيه مصلحة للمعان فهذا‬
‫من الحسان‪،‬وهو داخل في عموم قول الله تعالى‪) :‬‬
‫َ‬
‫ن( ‪2‬وإن لم يكن فيه مصلحة‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫سُنوا َ‬
‫ح َ‬
‫وأ ْ‬‫َ‬
‫للمعان فإن معونته إياه أن ينصحه عنه‪ ،‬وأن يقول‪ :‬تجنب‬
‫هذا‪ ،‬ول خير لك فيه‪.‬‬
‫‪9.‬علم الله عّز وجل بأمور الخلق وأنه يعلم من نفس عن‬
‫مؤمن كربة‪ ،‬ومن يسر على معسر‪ ،‬ومن ستر مسلمًا‪ ،‬ومن‬
‫أعان مسلما ً ‪ ،‬فالله تعالى عليم بذلك كله‪.‬‬
‫‪10.‬بيان كمال عدل الله عّز وجل‪ ،‬لنه جعل الجزاء من جنس‬
‫العمل‪ ،‬وليتنا نتأدب بهذا الحديث ونحرص على تفريج‬
‫الكربات وعلى التيسير على المعسر‪،‬وعلى ستر من يستحق‬
‫الستر‪،‬وعلى معونة من يحتاج إلى معونة ‪.‬‬
‫‪11.‬أن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬بل الجزاء أفضل‪ ،‬لنك إذا‬
‫أعنت أخاك كان الله في عونك‪ ،‬وإذا كان الله في عونك كان‬
‫الجزاء أكبر من العمل‪.‬‬
‫‪12.‬الحث على سلوك الطرق الموصلة للعلم‪،‬وذلك بالترغيب‬
‫فيما ذكر من ثوابه‪.‬‬
‫مًا"‬
‫عل َ‬
‫ه ِ‬
‫س في ِ‬
‫م ُ‬‫‪13.‬الشارة إلى النية الخالصة‪ ،‬لقوله ‪َ" :‬يلت َ ِ‬
‫أي يطلب العلم للعلم‪،‬فإن كان طلبه رياءً وهو مما يبتغى به‬
‫وجه الله عّز وجل كان ذلك إثما ً عليه‪.‬‬
‫‪14.‬إطلق الطريق الموصل للعلم‪ ،‬فيشمل الطريق الحسي‬
‫الذي تطرقه القدام‪ ،‬والطريق المعنوي الذي تدركه الفهام‪.‬‬
‫‪15.‬أن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فكلما سلك الطريق يلتمس‬
‫فيه العلم سهل الله له به طريقا ً إلى الجنة‪.‬‬
‫‪16.‬أنه ينبغي السراع في إدراك العلم وذلك بالجد‬
‫والجتهاد‪ ،‬لن كل إنسان يحب أن يصل إلى الجنة على وجه‬
‫السرعة ‪.‬‬
‫‪17.‬أن المور بيد الله عّز وجل‪ ،‬فبيده التسهيل‪ ،‬وبيده ضده‪،‬‬
‫وإذا آمنت بهذا فل تطلب التسهيل إل من الله عّز وجل‪.‬‬
‫‪18.‬الحث على الجتماع على كتاب الله عّز وجل‬
‫‪19‬إضافة المساجد إلى الله تشريفا ً لها لنها محل ذكره‬
‫وعبادته‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫]المائدة‪[93:‬‬
‫‪197‬‬
‫‪20.‬أن رحمة الله عّز وجل تحيط بهؤلء المجتمعين على‬
‫ة‪.‬‬
‫م ُ‬
‫غشيتهم الّرح َ‬ ‫و َ‬‫كتاب الله‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫‪21.‬أن حصول هذا الثواب ل يكون إل إذا اجتمعوا في بيت‬
‫من بيوت الله‪،‬لينالوا بذلك شرف المكان‪،‬لن أفضل البقاع‬
‫المساجد‪.‬‬
‫ئكة" ‪.‬‬ ‫مل ِ‬ ‫فتهم ال َ‬ ‫ح ّ‬
‫‪22.‬تسخير الملئكة لبني آدم‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫‪23.‬إثبات الملئكة‪،‬والملئكة عالم غيبي‪ ،‬كما سبق الكلم‬
‫عليهم في شرح حديث جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫ه‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫وذَك ََر ُ‬‫‪24.‬علم الله عّز وجل بأعمال العباد‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫عنده" جزاء لذكرهم ربهم عّز وجل بتلوة كتابه‪.‬‬ ‫من ِ‬ ‫في َ‬
‫‪ .25.‬أن النسب ل ينفع صاحبه إذا أخره عن صالح العمال‬
‫َ‬
‫ه"‪.‬‬‫سب ُ ُُ‬‫ه نَ َ‬ ‫رع ب ِ ِ‬ ‫خره "َلم ُيس ِ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ه" يعني أ ّ‬ ‫ع َ‬‫ه َ‬‫من بطّأ ب ِ ِ‬‫لقوله‪َ " :‬‬
‫فإن لم يبطىء به العمل وسارع إلى الخير وسبق إليه‪ ،‬فهل‬
‫يسرع به النسب؟‬
‫فالجواب‪:‬ل شك أن النسب له تأثير وله ميزة‪ ،‬ولهذا نقول ‪:‬‬
‫جنس العرب خير من غيرهم من الجناس‪ ،‬وبنو هاشم‬
‫أفضل من غيرهم من قريش‪،‬كما جاء في الحديث "إن الله‬
‫اصطفى من بني إسماعيل كنانة‪،‬واصطفى من كنانة‬
‫قريشًا‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪،‬واصطفاني من‬
‫بني هاشم"وقال "خياركم في السلم خياركم في الجاهلية‬
‫إذا فقهوا"‬
‫فالنسب له تأثير ‪ ،‬لذلك تجد طبائع العرب غير طبائع‬
‫غيرهم‪،‬فهم خير في الفهم‪ ،‬وخير في الجلدة وخير في‬
‫الشجاعة وخير في العلم ‪ ،‬لكن إذا أبطأ بهم العمل صاروا‬
‫شرا ً من غيرهم‪.‬‬
‫انظر إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا‬
‫كانت أحواله؟‬
‫دا‬
‫ت يَ َ‬ ‫كانت أحواله أن الله تعالى أنزل فيه سورة كاملة )ت َب ّ ْ‬
‫صَلى‬ ‫سي َ ْ‬‫ب* َ‬‫س َ‬‫ما ك َ َ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫مال ُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫غَنى َ‬ ‫ما أ َ ْ‬‫ب* َ‬
‫وت َ ّ‬‫ب َ‬ ‫ه ٍ‬‫أِبي ل َ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫حب ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫ها َ‬‫د َ‬‫جي ِ‬
‫في ِ‬‫ب* ِ‬ ‫حطَ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مال َ َ‬‫ح ّ‬ ‫ه َ‬
‫مَرأت ُ ُ‬ ‫وا ْ‬
‫ب* َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ذا َ‬‫َنارا ً َ‬
‫د(‪.1‬‬
‫س ٍ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫]المسد‪[5-1:‬‬
‫‪198‬‬
‫‪26.‬أنه ينبغي للنسان أن ل يغتر بنسبه وأن يهتم بعمله‬
‫الصالح حتى ينال به الدرجات العلى والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث السابع والثلثون‬


‫ن النبي صلى الله عليه‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عّبا‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫عن اب ْ‬ ‫َ‬
‫ن الله‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫ه ت ََباَر َ‬
‫ل ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫عالى أن ّ ُ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وي ْ ِ‬ ‫ما ي َْر ِ‬ ‫في ْ َ‬ ‫وسلم ِ‬
‫ة‬
‫س ـن َ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫هـ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ك؛ َ‬ ‫ن ذَل ِـ َ‬ ‫م ب َي ّ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سيَئا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ك َت َ َ‬
‫هــا‬ ‫م بِ َ‬ ‫هـ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫مل َـ ً‬ ‫كا ِ‬‫ة َ‬ ‫س ـن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫عن ْـدَهُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫هــا اللـ ُ‬ ‫ها ك َت َب َ َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ع ٍ‬ ‫ض ْ‬‫ة ِ‬ ‫عمائ َ ِ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ت إ َِلى َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ع ْ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ها الل ُ‬ ‫ها ك َت َب َ َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫هــا اللـ ُ‬ ‫ها ك َت َب َ َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سي ّئ َ ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ة‪َ .‬‬ ‫عاف ك َث ِي َْر ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ى أَ ْ‬ ‫ِإل َ‬
‫ة‬ ‫سـي ّئ َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫هــا اللـ ُ‬ ‫هــا ك َت َب َ َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ف َ‬ ‫هــا َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫مل َ ً‬ ‫كا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫ِ‬
‫ف‪.‬‬ ‫و ِ‬ ‫حُر ْ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِ‬‫حي ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫م في َ‬ ‫سل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ر ّ‬ ‫خا ِ‬ ‫واهُ الب ُ َ‬ ‫ة( َر َ‬ ‫حد َ ً‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫الشرح‬
‫ه" يسمى هذا الحديث عند العلماء‬ ‫ن َرب ّ ِ‬
‫ع ْ‬
‫ه َ‬
‫ما َيروي ِ‬‫قوله "في َ‬
‫حديثا ً قدسيًا‪.‬‬
‫ب" أي كتب وقوعها وكتب ثوابها‪ ،‬فهي واقعة‬ ‫قوله "ك َت َ َ‬
‫بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ‪ ،‬وهي أيضا ً‬
‫مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث‪.‬‬
‫أما وقوعها‪ :‬ففي اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫وأما ثوابها‪ :‬فبما دل عليه الشرع‪.‬‬
‫ن ذَِلك" أي فصله‪.‬‬ ‫" ثُ َ‬
‫م ب َي ّ َ‬
‫ة‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫عندَهُ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ها ك َت َب َ َ‬
‫ها الل ُ‬ ‫فَلم َيع َ‬
‫مل َ‬ ‫ة َ‬
‫سن ٍ‬
‫ح َ‬
‫من هم ب ِ َ‬ ‫ف َ‬‫" َ‬
‫ة" والمهم هنا ليس مجرد حديث النفس‪ ،‬لن حديث‬ ‫مل َ ً‬‫كا ِ‬‫َ‬
‫النفس ل يكتب للنسان ول عليه‪ ،‬ولكن المراد عزم على أن‬
‫يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل‪ ،‬فيكتبها الله حسنة كاملة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف يثاب وهو لم يعمل؟‬
‫فالجواب‪ :‬يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة‬
‫كاملة‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه‪:‬‬
‫الوجه الول‪:‬أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها‪ ،‬فهذا يكتب‬
‫ه‬
‫ن ب َي ْت ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫له الجر كام ً‬
‫ل‪ ،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ق َ‬
‫ه‬
‫جُر ُ‬
‫عأ ْ‬‫و َ َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ت َ‬
‫و ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫رك ْ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫م ي ُدْ ِ‬ ‫سول ِ ِ‬
‫وَر ُ‬ ‫جرا ً إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ها ِ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫ه(‬ ‫ّ‬
‫على الل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الوجه الثاني‪:‬أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها‬
‫لحسنة أفضل منها‪،‬فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي‬
‫أكمل‪ ،‬ويثاب على همه الول للحسنة الدنيا‬
‫ل‪ ،‬مثل أن ينوي أن يصلي‬ ‫الوجه الثالث‪:‬أن يتركها تكاس ً‬
‫ركعتي الضحى‪،‬فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له‪:‬هيا بنا‬
‫نتمشى‪،‬فترك الصلة وذهب معه يتمشى‪،‬فهذا يثاب على‬
‫الهم الول والعزم الول‪ ،‬ولكن ل يثاب على الفعل لنه لم‬
‫يفعله بدون عذر‪،‬وبدون انتقال إلى ما هو أفضل‪.‬‬
‫ها" تكتب عشر حسنات ‪ -‬والحمد لله ‪-‬‬ ‫مل َ َ‬ ‫ها َ‬
‫فع َ‬ ‫م بِ َ‬
‫ه ّ‬
‫وِإن َ‬
‫" َ‬
‫ة‬
‫سن َ ِ‬ ‫جاءَ ِبال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ودليل هذا من القرآن قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫مث ْل َ َ‬
‫ها‬ ‫جَزى إ ِل ّ ِ‬ ‫ة َ‬
‫فل ي ُ ْ‬ ‫سي ّئ َ ِ‬
‫جاءَ ِبال ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫مَثال ِ َ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫ع ْ‬‫ه َ‬ ‫فل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظْل َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫‪2‬‬
‫َ‬
‫ت" هذه العشر حسنات كتبها‬ ‫سَنا ٍ‬‫ح َ‬‫عشَر َ‬ ‫عندَهُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ها الل ُ‬ ‫َ‬
‫"كت َب َ َ‬
‫الله على نفسه ووعد به وهو ل يخلف الميعاد‪.‬‬
‫ضعف" وهذا تحت مشيئة الله تعالى‪ ،‬فإن‬ ‫ة ِ‬‫مائ ِ‬ ‫سبع َ‬‫"إلى َ‬
‫شاء ضاعف إلى هذا‪ ،‬وإن شاء لم يضاعف‪.‬‬
‫ة" يعني أكثر من سبعمائة ضعف‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫كثير ٍ‬ ‫عا ٍ‬ ‫"إلى أض َ‬
‫ة‬
‫سن ً‬
‫ح َ‬
‫عندَهُ َ‬‫ه ِ‬‫ها الل ُ‬ ‫ها ك َت َب َ َ‬‫مل َ‬ ‫فَلم َيع َ‬
‫ة َ‬
‫سيئ ٍ‬‫م بِ َ‬‫ه ّ‬‫وِإن َ‬‫قال‪َ " :‬‬
‫جرائي" أي‬ ‫من َ‬ ‫ها ِ‬‫ما ٍ ت ََرك َ َ‬‫ه إ ِن َ ّ‬‫ة" جاء في الحديث‪" :‬لن ُ‬ ‫مل َ ً‬ ‫َ‬
‫كا ِ‬
‫من أجلي‪ ،‬فتكتب حسنة كاملة‪،‬لنه تركها لله‪.‬‬
‫واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال‪:‬‬
‫الحال الولى‪:‬أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه‪،‬وليس‬
‫مجرد حديث النفس‪ ،‬ثم يراجع نفسه فيتركها لله عّز‬
‫وجل‪،‬فهذا هو الذي يؤجر‪ ،‬فتكتب له حسنة كاملة‪ ،‬لنه تركها‬
‫لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(100‬‬
‫‪2‬‬
‫)النعام‪(160:‬‬
‫‪200‬‬
‫الحال الثانية‪:‬أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها‬
‫بدون أن يسعى بأسبابها ‪،‬فهذا يكتب عليه سيئة‪ ،‬لكن ليس‬
‫كعامل السيئة‪،‬بل يكتب وزر نيته‪،‬كما جاء في الحديث‬
‫ر سواء‬ ‫وز ِ‬ ‫ما في ال ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬‫ه"‪َ ،‬‬ ‫و ِبنّيت ِ‬
‫فه َ‬ ‫بلفظه‪َ " :‬‬
‫الحال الثالثة‪:‬أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها‬
‫ولكن يعجز‪ ،‬فهذا يكتب عليه وزر السيئة كامل ً ‪.‬‬
‫الحال الرابعة‪:‬أن يهم النسان بالسيئة ثم يعزف عنها ل لله‬
‫ول للعجز‪ ،‬فهذا ل له ول عليه‪،‬وهذا يقع كثيرًا‪،‬يهم النسان‬
‫بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها‪ ،‬فهذا ل يثاب لنه لم‬
‫يتركها لله‪ ،‬ول يعاقب لنه لم يفعل ما يوجب العقوبة‪.‬‬
‫ة‬
‫سن َ ً‬‫ح َ‬
‫عندَهُ َ‬ ‫ها ِ‬ ‫وعلى هذا فيكون قوله في الحديث‪" :‬ك َت َب َ َ‬
‫ة" أي إذا تركها لله عّز وجل‪.‬‬ ‫مل َ ً‬
‫كا ِ‬‫َ‬
‫ة" ‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫حد ً‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سيئ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ها الل ُ‬ ‫مل َ َ‬
‫ها ك َت َب َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ها َ‬
‫ف َ‬ ‫م بِ َ‬‫ه ّ‬
‫وِإن َ‬ ‫" َ‬
‫ة(‪ 1‬وقال الله‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى ن َ ْ‬ ‫م َ‬‫ب َرب ّك ُ ْ‬ ‫الله عّز وجل‪ ) :‬ك َت َ َ‬
‫ت‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫مت ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫تعالى في الحديث القدسي‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ي"وهذا ظاهر من الثواب على العمال‪ ،‬والجزاء‬‫ضب ِ ْ‬ ‫َ‬
‫غ َ‬
‫على العمال السيئة‪.‬‬
‫قال النووي ‪ -‬رحمه الله ‪: -‬‬
‫فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله‬
‫تعالى‪ ،‬وتأمل هذه اللفاظ‬
‫ه" إشارة إلى العتناء بها‪.‬‬‫عندَ ُ‬ ‫وقوله‪ِ " :‬‬
‫مَلةً" للتأكيد وشدة العتناء بها‪.‬‬‫كا ِ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫ه‬
‫عندَ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها ك َت َب َ َ‬
‫ها الل ُ‬
‫ة فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة‪،‬‬ ‫مل َ ً‬ ‫ة َ‬
‫كا ِ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫فأكد تقليلها بواحدة‪ ،‬ولم يؤكدها بكاملة‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪،‬‬
‫سبحانه ل نحصي ثناءً عليه ‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫هذا تعليق طيب من المؤلف ‪ -‬رحمه الله ‪. -‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه‪،‬وما رواه عن‬
‫ربه في الحاديث القدسية‪:‬هل هو من كلم الله عّز وجل‬

‫‪1‬‬
‫)النعام‪ :‬الية ‪(54‬‬
‫‪201‬‬
‫لفظا ً ومعنى‪ ،‬أو هو كلم الله معنى واللفظ من الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫اختلف المحدثون في هذا على قولين‪ ،‬والسلمة في هذا أن‬
‫ل تتعمق في البحث في هذا‪،‬وأن تقول‪ :‬قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عّز وجل وكفى‪،‬وتقدم‬
‫الكلم على ذلك‪.‬‬
‫‪ 2.‬اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعا ً وثوابا ً وعقابا ً ‪.‬‬
‫رغ منها‬ ‫‪ 3.‬أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد ف ِ‬
‫وكتبت واستقرت‪.‬‬
‫ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله‪ ،‬لن الله‬
‫تعالى أعطاه سمعا ً وبصرا ً وفهما ً وأرسل إليه الرسل‪ ،‬وبّين‬
‫ب له في الصل‪ ،‬فكيف يقحم‬ ‫له الحق وهو ل يدري ماذا ك ُت ِ َ‬
‫ي‪ ،‬لماذا لم يعمل‬ ‫نفسه في المعاصي‪،‬ثم يقول‪ :‬قد كتبت عل ّ‬
‫؟ ‍!!‬
‫بالطاعات ويقول‪ :‬قد كتبت لي ‍‬
‫فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته ‪.‬‬
‫ب" وسواء قلنا إنه‬ ‫‪4.‬إثبات أفعال الله عّز وجل لقوله‪" :‬ك َت َ َ‬
‫أمر بأن يكتب‪ ،‬أو كتب بنفسه عّز وجل‪.‬‬
‫وهذه المسألة اختلف فيها الناس‪،‬وليس هذا موضع ذكر‬
‫الختلف‪،‬لن كلمنا على شرح الحديث‪.‬‬
‫والذي عليه أهل السنة والجماعة‪ :‬أن صفات الله عّز‬
‫وجل‪:‬فعلية متعلقة بمشيئته‪ ،‬وذاتية لزمة لله‪.‬‬
‫‪5.‬عناية الله عّز وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم‬
‫قدرا ً وشرعًا‪.‬‬
‫‪6.‬أن التفصيل بعد الجمال من البلغة‪ ،‬يعني أن تأتي بقول‬
‫مجمل ثم تفصله‪،‬لنه إذا أتى القول مجمل ً تطلعت النفس‬
‫إلى بيان هذا المجمل‪،‬فيأتي التفصيل والبيان واردا ً على‬
‫نفس مشرئبة مستعدة‪ ،‬فيقع منها موقعا ً يكون فيه ثبات‬
‫الحكم‪.‬‬
‫‪7.‬فضل الله عّز وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة‬
‫ولم يعملها كتبها الله حسنة‪،‬والمراد بالهم‪ :‬العزم‪ ،‬ل مجرد‬
‫حديث النفس ‪.‬‬
‫‪8.‬مضاعفة الحسنات‪ ،‬وأن الصل أن الحسنة بعشر أمثالها‪،‬‬
‫ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬إلى أضعاف كثيرة‪.‬‬
‫‪202‬‬
‫ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬الزمان ‪.‬‬
‫الثاني‪:‬باعتبار المكان ‪.‬‬
‫الثالث‪:‬باعتبار العمل ‪.‬‬
‫الرابع‪:‬باعتبار العامل‬
‫وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر‬
‫الدلة‪.‬‬
‫أيضا ً يتفاضل العمل بالخلص ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم‬
‫بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها‪ ،‬ثم نستحضر متابعة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم فيها‪،‬حتى يتحقق لنا الخلص‬
‫والمتابعة‪.‬‬
‫‪9.‬أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة‪،‬‬
‫وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح‪ ،‬فإن هم بها وعملها‬
‫كتبها الله سيئة واحدة‪.‬‬
‫ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر‪،‬كما أن الحسنات منها‬
‫ل منهما الحكم والثواب المناسب‪،‬‬ ‫واجبات وتطوعات ولك ٍ‬
‫والله الموفق‪.‬‬

‫الحديث الثامن والثلثون‬


‫ه صلى‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫هَري َْرةَ رضي الله عنه َ‬ ‫ن أ َِبي ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ول ِي ّ ـا ً‬ ‫دى ل ِــي َ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫عاَلى َ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫شي ٍ َ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ب إ ِِلــ ّ‬ ‫ح ّ‬‫ءأ َ‬ ‫د ْ‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ب إ ِل ِ ّ‬‫قّر َ‬ ‫و َ‬ ‫ب‪َ .‬‬ ‫حْر ِ‬ ‫ه ِبال َ‬ ‫قدْ آذَن ْت ُ ُ‬
‫ل‬ ‫فـ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ي ِبالن ّ َ‬ ‫ب إ ِل َـ ّ‬ ‫قـّر ُ‬ ‫ي ي َت َ َ‬ ‫د ْ‬ ‫عب ْـ ِ‬
‫ل َ‬ ‫ه‪ .‬ولي ََزا ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬
‫فإ َ َ‬
‫ضت ُ ُ‬
‫فت ََر ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫صَر ُ‬ ‫وب َ َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ع بِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ي يَ ْ‬ ‫ذ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫س ْ‬
‫ت َ‬ ‫ه ك ُن ْ ُ‬‫حَببت ُ ُ‬‫ذا أ ْ‬ ‫ه‪ِ َ ،‬‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫حّتى أ ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫شــ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ِّتي ي َ ْ‬ ‫جل َ ُ‬‫ر ْ‬‫و ِ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫ش بِ َ‬ ‫وي َدَهُ ال ِّتي ي َب ْطِ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫صُر ب ِ ِ‬ ‫ي ي ُب ْ ِ‬ ‫ذ ْ‬‫ال ّ ِ‬
‫‪203‬‬
‫ي لُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عي ْـذَن ّ ُ‬
‫ه( رواه‬ ‫عاذَن ِ ْ‬
‫س ـت َ َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫سأل َن ِ ْ‬
‫ي لعطِي َن ّ ُ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ها‪َ .‬‬
‫بِ َ‬
‫البخاري‬

‫الشرح‬
‫ي كالذي سبقه‪ ،‬وقد تكلمنا على ذلك‪.‬‬ ‫هذا حديث قدس ّ‬
‫ي الله عّز‬ ‫ولي ًّا" أي اتخذه عدوا ً له‪ ،‬وول ّ‬
‫دى ِلي َ‬‫عا َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫قوله‪َ " :‬‬
‫ول َِياءَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫وجل بّينه الله عّز وجل في القرآن‪ ،‬فقال‪) :‬أل إ ِ ّ‬
‫و َ‬
‫كاُنوا‬ ‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن* ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫ول ُ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬
‫خ ْ‬‫هل َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ن(‬
‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪ -‬من كان مؤمنا ً‬
‫و َ‬
‫كاُنوا‬ ‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫تقيا ً كان لله ولي ّا ً أخذه من الية‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪2‬‬
‫ن(‬
‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫ب" أي أعلنت عليه‬ ‫حْر ِ‬ ‫د" هذا جواب الشرط "آذَن ْت ُ ُ‬
‫ه بال َ‬ ‫ف َ‬
‫ق ْ‬ ‫" َ‬
‫الحرب‪ ،‬وذلك لمعاداته أولياء الله‪.‬‬
‫شي ٍ َ‬
‫ه‬
‫ضت ُ ُ‬ ‫ما ا ْ‬
‫فت ََر ْ‬ ‫م ّ‬
‫ي ِ‬
‫ب إ ِل ِ ّ‬
‫ح ّ‬
‫ءأ َ‬ ‫ي بِ َ‬
‫د ْ‬
‫عب ْ ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي َ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫قّر َ‬ ‫و َ‬ ‫" َ‬
‫ه" ولكن الفرائض تختلف كما سنبين إن شاء الله في‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫َ‬
‫الفوائد‪ ،‬إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس‬
‫النوافل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ه"‬‫حب ّ ُ‬
‫حّتى أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وا ِ‬‫ي ِبالن ّ َ‬‫ب إ ِل َ ّ‬‫قّر ُ‬ ‫ي ي َت َ َ‬‫د ْ‬ ‫عب ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫ول َ ي ََزا ُ‬ ‫" َ‬
‫ليزال‪:‬هذا من أفعال الستمرار‪،‬أي أنه يستمر يتقرب إلى‬
‫الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عّز وجل‪،‬و )حتى( هذه‬
‫للغاية‪ ،‬فيكون من أحباب الله ‪.‬‬
‫فإ َ َ‬
‫ي‬ ‫صَرهُ ال ّ ِ‬
‫ذ ْ‬ ‫وب َ َ‬
‫ه‪َ ،‬‬‫ع بِ ِ‬‫م ُ‬‫س َ‬
‫ي يَ ْ‬ ‫ذ ْ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬
‫س ْ‬
‫ت َ‬ ‫ه ك ُن ْ ُ‬ ‫حَببت ُ ُ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫" َ ِ‬
‫ها"‬
‫بِ َ‬ ‫ي‬‫ش ْ‬ ‫ه ال ِّتي ي َ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جل َ ُ‬
‫ر ْ‬
‫و ِ‬
‫ها‪َ ،‬‬ ‫وي َدَهُ ال ِّتي ي َب ْطِ ُ‬
‫ش بِ َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫صُر ب ِ ِ‬
‫ي ُب ْ ِ‬
‫ه" من المعلوم أن الحديث ليس على‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬‫س ْ‬‫ت َ‬ ‫قوله‪" :‬ك ُن ْ ُ‬
‫ظاهره‪ ،‬لن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عّز‬
‫وجل‪ ،‬فما معناه إذن؟‬
‫المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله‪،‬‬
‫فق هذا النسان فيما يسمع ويبصر‬‫ويكون المعنى‪ :‬أن ُيو ّ‬

‫‪1‬‬
‫]يونس‪[63-62:‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫]يونس‪[63:‬‬
‫‪204‬‬
‫ويمشي ويبطش‪ .‬وهذا أقرب‪ ،‬أن المراد‪ :‬تسديد الله تعالى‬
‫العبد في هذه الجوارح‪.‬‬
‫ه" هذه الجملة تضمنت شرطا ً‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫َ‬ ‫وقوله‪" :‬ول َئ ِن سأ َ‬
‫عطي َن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وقسمًا‪ ،‬السابق فيهما القسم‪ ،‬ولهذا جاء الجواب للقسم‬
‫ه‪.‬‬ ‫عطِي َن ّ ُ‬‫دون الشرط‪ ،‬فقال‪ :‬ل َ ْ‬
‫عاذَِني" أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫" َ َ‬
‫ولئ ِ ِ‬
‫ه " فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب‪،‬‬ ‫عيذَن ّ ُ‬ ‫"ل ِ‬
‫والستعاذة التي بها النجاة من المرهوب‪ ،‬وأخبر أنه سبحانه‬
‫وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ما سأل‪ ،‬ويعيذه‬
‫مما استعاذ‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ه‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ آ َ‬
‫ذنت ُ ُ‬ ‫‪1.‬أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫‪.‬‬ ‫ب"‬
‫حْر ِ‬
‫ِبال َ‬
‫‪-2.‬إثبات أولياء الله عّز وجل‪ ،‬ول يمكن إنكار هذا لنه ثابت‬
‫في القرآن والسنة ‪.‬‬
‫واعلم أن ولية الله عّز وجل نوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫فالعامة‪ :‬وليته على الخلق كلهم تدبيرا ً وقياما ً بشؤونهم‪،‬‬
‫وهذا عام لكل أحد‪ ،‬للمؤمن والكافر‪ ،‬والبر والفاجر‪ ،‬ومنه‬
‫سل َُنا‬ ‫َ‬
‫ه ُر ُ‬ ‫فت ْ ُ‬‫و ّ‬‫ت تَ َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حدَك ُ ُ‬
‫جاءَ أ َ‬‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫ق( ‪.‬‬‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬
‫ول ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫ن*ث ُ ّ‬‫طو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫م ل يُ َ‬‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫وولية خاصة‪ :‬وهي ولية الله عّز وجل للمتقين‪ ،‬قال الله‬
‫ت‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ج ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬‫مُنوا ي ُ ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ول ِ ّ‬‫ه َ‬‫عّز وجل‪) :‬الل ّ ُ‬
‫ر(‪ 2‬فهذه ولية خاصة وقال الله عّز وجل‪) :‬أ َل إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫إ َِلى الّنو ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ن* ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫ول ُ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬‫خ ْ‬
‫هل َ‬ ‫ول َِياءَ الل ّ ِ‬‫أ ْ‬
‫ن( ‪.3‬‬ ‫قو َ‬ ‫و َ‬
‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هل في ثبوت ولية الله تعالى لشخص أن‬
‫يكون واسطة بينك وبين الله في الدعاء لك وقضاء حوائجك‬
‫وما أشبه ذلك؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة‪ ،‬وأما‬
‫ا لجاهلون المغرورون فيقولون‪ :‬هؤلء أولياء الله وهم‬
‫‪1‬‬
‫]النعام‪[62-61:‬‬
‫‪2‬‬
‫)البقرة‪ :‬الية ‪(257‬‬
‫‪3‬‬
‫]يونس‪[63-62:‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫واسطة بيننا وبين الله‪ .‬فيتوسلون بهم إلى الله أول ً ثم‬
‫يدعونهم من دون الله ثانيًا‪.‬‬
‫ب" ‪.‬‬ ‫حْر ِ‬ ‫ه ِبال َ‬ ‫‪ 3.‬إثبات الحرابة لله عّز وجل‪ ،‬لقوله‪" :‬آذَن ْت ُ ُ‬
‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫قّر َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫و َ‬‫‪ 4.‬إثبات محبة الله وأنها تتفاضل‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫ء أَ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ضته َ‬ ‫ما ا ْ‬
‫فت ََر ْ‬ ‫م ّ‬
‫ي ِ‬ ‫َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ب‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ي بِ َ‬
‫شي ٍ‬ ‫د ْ‬
‫عب ْ ِ‬
‫َ‬
‫‪ 5.‬أن العمال الصالحة تقرب إلى الله عّز وجل‪ ،‬والنسان‬
‫يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الكمل من‬
‫ب من الله‬ ‫قُر َ‬ ‫الخلص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه َ‬
‫عّز وجل‪ .‬وهذا ل يدركه إل الموفقون وشعور العبد بقربه‬
‫من الله لشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه‪.‬‬
‫‪ 6.‬أن أوامر الله عّز وجل قسمان‪ :‬فريضة‪ ،‬ونافلة‪ .‬والنافلة‪:‬‬
‫ب‬‫قّر َ‬ ‫ما ت َ َ‬‫و َ‬ ‫الزائد عن الفريضة‪ ،‬ووجه هذا التقسيم قوله‪َ " :‬‬
‫شي ٍ َ‬
‫ل‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‪ .‬ول ي ََزا ُ‬ ‫ه َ‬
‫ضت ُ ُ‬
‫فت ََر ْ‬ ‫ما ا ْ‬
‫م ّ‬‫ي ِ‬‫ّ‬ ‫ب ِإل‬ ‫ح ّ‬ ‫ءأ َ‬ ‫ي بِ َ‬
‫د ْ‬ ‫عب ْ ِ‬
‫ي َ‬ ‫إ ِل ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫حب ّ ُ‬
‫حّتى أ ِ‬ ‫ل َ‬‫ف ِ‬‫وا ِ‬ ‫ي ِبالن ّ َ‬‫ب إ ِل َ ّ‬‫قّر ُ‬‫ي ي َت َ َ‬‫د ْ‬
‫عب ْ ِ‬
‫َ‬
‫‪7.‬تفاضل العمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث‬
‫النوع‪ .‬فمن حيث الجنس‪ :‬الفرائض أحب إلى الله من‬
‫النوافل‪ .‬ومن حيث النوع‪:‬الصلة أحب إلى الله مما دونها‬
‫من الفرائض‪ ،‬ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول‬
‫الله ‪ :‬أي العمال ‪ -‬أو العمل ‪ -‬أحب إلى الله؟ فقال‪:‬‬
‫ها"‬‫قت ِ َ‬ ‫عَلى َ‬
‫و ْ‬ ‫صلةُ َ‬ ‫"ال ّ‬
‫ث على كثرة النوافل‪ ،‬لقوله تعالى في الحديث‬ ‫‪8.‬الح ّ‬
‫حّتى‬
‫ل َ‬‫ف ِ‬
‫وا ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي ِبالن ّ َ‬ ‫ي ي َت َ َ‬
‫قّر ُ‬ ‫د ْ‬
‫عب ِ‬
‫ل َ‬‫ول َ ي ََزا ُ‬
‫القدسي‪َ " :‬‬
‫ه"‪.‬‬ ‫أُ ِ‬
‫حب ّ ُ‬
‫‪9.‬أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عّز وجل‪ ،‬لن‪) :‬حتى(‬
‫للغاية‪ ،‬فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك‪.‬‬
‫ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على العمال إنما هو‬
‫على العمال التي جاءت على وفق الشرع‪ ،‬فما كل صلة‬
‫تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬وما كل نافلة تقّرب إلى الله عّز‬
‫وجل‪،‬أقول هذا ل تيئيسا ً ولكن حث ّا ً على إتقان العبادة‬
‫وإكمال العبادة‪ ،‬حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫‪ 10.‬أن الله تعالى إذا أحب عبدا ً سدده في سمعه وبصره‬
‫ويده ورجله‪ ،‬أي في كل حواسه بحيث ل يسمع إل ما يرضي‬
‫الله عّز وجل‪ ،‬وإذا سمع انتفع‪ ،‬وكذلك أيضا ً ل يطلق بصره‬
‫إل فيما يرضي الله وإذا أبصر انتفع‪ ،‬كذلك في يده‪ :‬ل‬
‫يبطش بيده إل فيما يرضي الله‪ ،‬وإذا بطش فيما يرضي الله‬
‫انتفع‪ ،‬وكذلك يقال في الّرجل‪.‬‬
‫‪11.‬أن الله تعالى إذا أحب عبدا ً أجاب مسألته وأعطاه ما‬
‫يسأل وأعاذه مما يكره‪ ،‬فيحصل له المطلوب ويزول عنه‬
‫المرهوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه"‬‫عطِي َن ّ ُ‬ ‫يل ْ‬ ‫سأل َن ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬
‫يحصل له المطلوب في قوله‪َ " :‬‬
‫عيذَن ّ ُ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫عاذََني ل ُ ِ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬
‫ويزول المرهوب في قوله‪َ " :‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هل هذا على إطلقه‪ ،‬أي أنه إذا سأل‬
‫النسان أي شيء أجيب مادام متصفا ً بهذه الوصاف؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬لن النصوص يقيد بعضها بعضًا‪ ،‬فإذا دعا بإثم‪،‬‬
‫أو قطيعة رحم‪ ،‬أو ظلما ً لنسان فإنه ل يستجاب له‪ ،‬حتى‬
‫وإن كان يكثر من النوافل‪ ،‬حتى وإن بلغ هذه المرتبة‬
‫العظيمة وهي‪ :‬محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم‪ ،‬أو قطيعة‬
‫رحم‪ ،‬أو ظلم فإنه ل يستجاب له‪ ،‬لن الله عّز وجل أعدل من‬
‫أن يجيب مثل هذا‪.‬‬
‫‪12.‬كرامة الولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم‬
‫قد آذنه الله بالحرب‪.‬‬
‫‪13.‬أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫جعل ذلك إذنا ً بالحرب‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪207‬‬

‫الحديث التاسع والثلثون‬


‫ه صلى اللــه‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬‫س َر ِ‬‫عّبا ٍ‬ ‫ن َ‬‫ن اب ْ ِ‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫خطَـأ َ‬
‫مت ِــي ال َ‬ ‫ُ‬ ‫عليه وســلم َ‬
‫نأ ّ‬‫عـ ْ‬‫وَز ل ِــي َ‬ ‫جــا َ‬
‫ه تَ َ‬ ‫ن اللـ َ‬ ‫قــال‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه( حديث حسن رواه ابــن مــاجه‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫هوا َ‬ ‫ر ُ‬‫ست ُك ْ ِ‬
‫ما ا ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬‫سَيا َ‬‫والن ّ ْ‬ ‫َ‬
‫والبيهقي وغيرهما‪.‬‬

‫الشرح‬
‫النووي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في هذا الكتاب يتساهل كثيرًا‪ ،‬فيورد‬
‫سنها هو لنه من الحفاظ‪ ،‬وابن‬ ‫أحاديث ضعيفة وربما يح ّ‬
‫رجب ‪ -‬رحمه الله‪ -‬في كتابه‪) :‬جامع العلوم والحكم( يتع ّ‬
‫قبه‬
‫كثيرًا‪ ،‬ولذلك يحسن منا أن نعّلق على المتن ببيان درجة‬
‫الحديث‪ ،‬لكن الغالب أن ما يذكره من الحاديث الضعيفة في‬
‫هذا الكتاب أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن‪.‬‬
‫هنا يقول المؤلف ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬رواه ابن ماجه والبيهقي‬
‫وغيرهما فلو أخذنا كلمه على العموم‪،‬لكان رواه البخاري‬
‫ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي لدخول هؤلء في‬
‫‪208‬‬
‫قوله‪ :‬وغيرهما لكن هذا ليس بوارد‪ ،‬لنه من عادتهم إذا‬
‫ذكروا المخرجين الذين دون درجة الصحيحين ثم قالوا‪:‬‬
‫وغيرهما فالمراد ممن هود ونهما أو مثلهما‪ ،‬ل يريدون أن‬
‫يدخل من هو أعلى منهما‪ ،‬لنه لو أرادوا من هو أعلى منهما‬
‫لعيب على من ذكر الدون وأحال على العلى‪ ،‬وهذا واضح‪،‬‬
‫لن الواجب أن يذكر العلى ثم يقال‪ :‬وغيره‪.‬‬
‫ي" اللم هنا للتعليل‪ ،‬أي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫عن أ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وَز ِلي َ ْ‬‫جا َ‬ ‫ه تَ َ‬‫ن الل َ‬ ‫قوله‪" :‬إ ِ ّ‬
‫تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه‪.‬‬
‫والخطأ‪ :‬أن يرتكب النسان العمل عن غير عمد‪.‬‬
‫ء معلوم من قبل‪.‬‬ ‫والنسيان‪ :‬ذهول القلب عن شي ٍ‬
‫والستكراه‪ :‬أن يكرهه شخص على عمل محرم ول يستطيع‬
‫دفعه‪ ،‬أي‪ :‬اللزام والجبار‪.‬‬
‫وهذه الثلثة أعذار شهد لها القرآن الكريم‪.‬‬
‫خذَْنا‬
‫ؤا ِ‬ ‫أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عّز وجل‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫نا (‪.‬‬‫خطَأ ْ َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫إِ ْ‬
‫د‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫فَر ِبالل ّ ِ‬
‫ن كَ َ‬
‫م ْ‬
‫وأما الكراه‪ :‬فقال الله عّز وجل‪َ ) :‬‬
‫ُ‬
‫ح‬
‫شَر َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن َ‬‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫ن ِبا ْ ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫مطْ َ‬‫ه ُ‬‫قل ْب ُ ُ‬
‫و َ‬‫رهَ َ‬ ‫ن أك ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه إ ِل ّ َ‬‫مان ِ ِ‬‫ِإي َ‬
‫م(‬
‫ظي ٌ‬
‫ع ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ول َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬
‫ض ٌ‬‫غ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫درا ً َ‬‫ص ْ‬
‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِبال ْك ُ ْ‬
‫)النحل‪(106:‬‬
‫فرفع الله عّز وجل حكم الكفر عن المكَره‪،‬فما دون الكفر‬
‫من المعاصي من باب أولى لشك‪.‬‬
‫إذا ً هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن‬
‫الكريم كلم رب العالمين‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬سعة رحمة الله عّز وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم‬
‫الثم إذا صدرت منهم المعصية على هذه الوجوه الثلثة‪ ،‬ولو‬
‫شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال‪.‬‬
‫‪ 2.‬أن جميع المحّرمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها‬
‫النسان جاهل ً أو ناسيا ً أو مكرها ً فلشيء عليه فيما يتعلق‬
‫بحق الله‪ ،‬أما حق الدمي فل يعفى عنه من حيث‬
‫الضمان‪،‬وإن كان ُيعفى عنه من حيث الثم‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫فجميع المحّرمات يرفع حكمها بهذه العذار وكأنه لم يفعلها‬
‫ول يستثنى من هذا شيء‪،‬‬
‫وهذا الحديث عام في كل حق لله عّز وجل من المحظورات‪،‬‬
‫أما المأمورات فإنها ل يسقط أداؤها وقضاؤها‪،‬فلبد أن‬
‫ُتفعل‪ .‬ولكن يسقط الثم في تأخيرها بعذر‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقًا‪ ،‬أو‬
‫صرا ً لم‬
‫صر‪ ،‬فإن كان مق ّ‬ ‫يقال‪:‬تسقط بالجهل إن كان غير مق ّ‬
‫يعذر؟‬
‫والظاهر‪ :‬أن الواجبات تسقط بالجهل ما لم يمكن تداركها‬
‫في الوقت ‪.‬‬
‫فالمهم أن هذا الحديث مؤي ّدٌ بالقرآن الكريم كما سبق‪،‬‬
‫وينبغي للنسان أن ينظر إلى الحوادث التي تقع نسيانا ً أو‬
‫جهل ً أو إكراها ً نظرة حازم ونظرة راحم‪.‬‬
‫نظرة حازم‪ :‬بأن يلزم النسان إذا علم أن فيه تقصيرًا‪.‬‬
‫صر‪ ،‬لكنه جاهل ل يدري عن‬ ‫ونظرة راحم‪ :‬إذا علم أنه لم يق ّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬يقول في‬
‫المسائل الخلفية‪ :‬إذا كان النسان قد فعل وانتهى فل‬
‫تعامله بالشد‪،‬بل انظر للخف وعامله به‪ ،‬لنه انتهى ولكن‬
‫ه أن يفعل ذلك مّرة أخرى‪،‬إذا كنت ترى أنه ل يفعل‪.‬‬ ‫ه ُ‬
‫ان َ‬
‫فق‪.‬‬‫والله المو ّ‬

‫الحديث الربعون‬
‫ه صــلى‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬
‫خذَ َر ُ‬‫ل‪ :‬أ َ َ‬
‫قا َ‬‫ما َ‬‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬
‫مَر َر ِ‬
‫ع َ‬
‫ن ُ‬
‫ن اب ْ ِ‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫فــي الـدّن َْيا ك َأن ّـ َ‬
‫ك‬ ‫ن ِ‬ ‫ل‪) :‬ك ُـ ْ‬ ‫ف َ‬
‫قــا َ‬ ‫ي َ‬ ‫الله عليــه وســلم ِبمْنكــب ّ‬
‫‪210‬‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي الل ـ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضـ‬‫م ـَر َر ِ‬ ‫ع َ‬‫ن ُ‬ ‫ن اب ْ ُ‬‫كا َ‬ ‫ل( َ‬ ‫سب ِي ْ ٍ‬ ‫عاب ُِر َ‬ ‫و َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ْ ٌ‬‫ِ‬ ‫غ‬
‫فل‬ ‫ت َ‬ ‫فل ت َن ْت َظ ـر الصــباح‪ ،‬وإ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ذا أ َ‬‫ل‪ :‬إ ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ص ـب َ ْ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫قــ ْ‬
‫حَيات ِـ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬‫و ِ‬‫ك‪َ ،‬‬ ‫ضـ َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫صـ ّ‬‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬‫خ ـذ ْ ِ‬
‫و ُ‬‫ء‪َ .‬‬ ‫ســا َ‬‫م َ‬ ‫ر ال َ‬ ‫ت َن ْت َظِـ ِ‬
‫ك رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪..‬‬‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬

‫الشرح‬
‫ي" أي أمسك بكفتي من المام‪ .‬وذلك من‬ ‫ذ ِبمن ْك َب َ ّ‬ ‫قوله‪" :‬أ َ َ‬
‫خ َ‬
‫أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫في الدِّنيا ك َأ َن ّ َ‬
‫ل" فالغريب لم‬ ‫سب ِي ْ ٍ‬‫عاب ُِر َ‬ ‫و َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ْ ٌ‬ ‫غ ِ‬‫ك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫"ك ُ ْ‬
‫يتخذها سكنا ً وقرارًا‪ ،‬وعابر السبيل‪ :‬لم يستقر فيها أبدًا‪ ،‬بل‬
‫ش‪.‬‬‫هو ما ٍ‬
‫وعابر السبيل أكمل زهدا ً من الغريب‪ ،‬لن عابر السبيل ليس‬
‫بجالس‪ ،‬والغريب يجلس لكنه غريب‪.‬‬
‫َ‬ ‫في الدّن َْيا ك َأ َن ّ َ‬
‫ل" وهذا يعني‬ ‫سب ِي ْ ٍ‬‫عابُر َ‬ ‫و َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ري ْ ٌ‬‫غ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ِ‬ ‫"ك ُ ْ‬
‫الزهد في الدنيا‪ ،‬وعدم الركون إليها‪ ،‬لنه مهما طال بك‬
‫العمر فإن مآلك إلى مفارقتها‪.‬‬
‫فل‬‫ت َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫و َ‬
‫سي ْ َ‬
‫م َ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫و ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن ُ‬ ‫ن اب ْ ُ‬‫كا ُ‬ ‫َ‬
‫ت َ‬ ‫ت َن ْت َظر الصباح‪ ،‬وإ َ َ‬
‫ن‬ ‫خذ ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫و ُ‬
‫ء‪َ ،‬‬
‫سا َ‬
‫م َ‬
‫ر ال َ‬
‫فل ت َن ْت َظِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ ْ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫ّ َ َ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫وت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَيات ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫و ِ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫ض َ‬
‫مَر ِ‬ ‫حت ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ص ّ‬
‫ِ‬
‫هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول‪:‬‬
‫ح والمعنى‪ :‬اعمل العمل قبل‬ ‫ت َ‬ ‫إ َ َ‬
‫صَبا َ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫فل ت َن ْت َظِ ِ‬ ‫سي ْ َ‬‫م َ‬‫ذا أ ْ‬ ‫ِ‬
‫أن تصبح ول تقل غدا أفعله‪ ،‬لن منتظر الصباح إذا أمسى‬ ‫ً‬
‫يؤخر العمل إلى الصباح‪ ،‬وهذا غلط‪ ،‬فل تؤخر عمل اليوم‬
‫لغد‪.‬‬
‫هز‪ ،‬وهذا أحد‬ ‫ت َ‬ ‫وإ َ َ‬
‫ساءَ أي اعمل وتج ّ‬ ‫م َ‬‫ر ال َ‬ ‫فل ت َن ْت َظِ ِ‬ ‫ح َ‬‫صب َ ْ‬
‫ذا أ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫المعنيين في الثر‪.‬‬
‫صَباح لنك قد تموت‬ ‫ت َ‬ ‫أو المعنى‪ :‬إ َ َ‬
‫ر ال ّ‬ ‫فل ت َن ْت َظِ ِ‬ ‫سي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ساء لنك قد‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫م َ‬
‫ر ال َ‬
‫فل ت َن ْت َظِ ِ‬ ‫سي ْ َ‬‫م َ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫قبل أن تصبح‪َ .‬‬
‫تموت قبل أن تمسي‪ .‬وفي هذا يقول بعضهم‪) :‬اعمل‬
‫لدنياك كأنك تعيش أبدًا‪ ،‬واعمل لخرتك كأنك تموت غدا ً(‬
‫مك‪ ،‬الذي ل تدركه اليوم تدركه غدا ً‬
‫والمعنى‪ :‬الدنيا لته ّ‬
‫‪211‬‬
‫فاعمل كأنك تعيش أبدًا‪ ،‬والخرة اعمل لها كأنك تموت غدًا‪،‬‬
‫بمعنى‪ :‬ل تؤخر العمل‪.‬‬
‫وهذا يروى حديثا ً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس‬
‫بحديث‪.‬‬
‫ك فالنسان إذا كان صحيحا ً تجده‬ ‫ض َ‬‫مَر ِ‬‫ك لِ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫ص ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫خذ ْ ِ‬‫و ُ‬‫َ‬
‫قادرا على العمال منشرح الصدر‪ ،‬يسهل عليه العمل لنه‬ ‫ً‬
‫صحيح‪ ،‬وإذا مرض عجز وتعب‪ ،‬أو تعذر عليه الفعل‪ ،‬أو إذا‬
‫أمكنه الفعل تجد نفسه ضّيقة ليست منبسطة‪ ،‬فخذ من‬
‫الصحة للمرض‪ ،‬لنك ستمرض أو تموت‪.‬‬
‫ك الحي موجود قادر على العمل‪ ،‬وإذا مات‬ ‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬‫ك لِ َ‬‫حَيات ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬ ‫َ‬
‫انقطع عمله إل من ثلث‪ ،‬فخذ من الحياة للموت واستعد‪.‬‬
‫هذه كلمات نّيرات‪ ،‬ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا‬
‫لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعا ً فقط‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪1.‬التزهيد في الدنيا وأن ل يتخذها النسان دار إقامة‪،‬‬
‫غريب أ َ‬ ‫في الدن ْيا ك َأ َ‬
‫ل"‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ب‬‫س‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫عا‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫لقوله‪" :‬ك ُ ْ‬
‫‪2.‬حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثال‬
‫المقنعة ‪.‬‬
‫‪3.‬فعل ما يكون سببا ً لنتباه المخاطب وحضور قلبه‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫ِبمن ْك َب َ ّ‬
‫ي" ‪.‬‬ ‫"أ َ َ‬
‫خذ َ‬
‫‪4.‬أنه ينبغي للعاقل مادام باقيا ً والصحة متوفرة أن يحرص‬
‫على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله‪.‬‬
‫‪5.‬الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬أن من‬
‫أصبح ل ينتظر المساء‪ ،‬وذكرنا لها وجهين في المعنى‪،‬‬
‫وكذلك من أمسى ل ينتظر الصباح‪.‬‬
‫والموعظة الثانية‪ :‬أن يأخذ النسان من صحته لمرضه‪ ،‬لن‬
‫النسان إذا كان في صحة تسهل عليه الطاعات واجتناب‬
‫المحرمات بخلف ما إذا كان مريضًا‪ ،‬وكذلك أيضا ً أن يأخذ‬
‫النسان من حياته لموته‪.‬‬
‫‪6.‬فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأّثر بهذه‬
‫الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪212‬‬

‫الحديث الحادي والربعون‬


‫ه‬ ‫عن أ َ‬
‫ي الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫رو‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ع‬‫َ‬ ‫د‬‫ٍ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ ْ‬
‫ه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ث‬
‫دي ْ ٌ‬
‫ح ِ‬‫ه" َ‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫جئ ْ ُ‬‫ما ِ‬ ‫عا ً ل ِ َ‬ ‫هواهُ ت َب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حدُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫"ل َي ُ ْ‬
‫ح‪.‬‬ ‫حي ْ ٍ‬‫ص ِ‬‫سَناٍد َ‬ ‫ة ب ِإ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫في ك َِتا ِ‬ ‫وي َْناهُ ِ‬ ‫ح َر َ‬ ‫حي ْ ٌ‬‫ص ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬

‫الشرح‬
‫عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من المكثرين‬
‫رواية للحديث‪،‬لنه كان يكتب‪ ،‬وكان أبو هريرة رضي الله عنه‬
‫يغبطه على هذا‪،‬ويقول‪ :‬ل أعلم أحدا ً أكثر حديثا ً مني عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل عبد الله بن عمرو رضي‬
‫الله عنهما‪،‬فإنه كان يكتب ول أكتب‬
‫َ‬
‫م" يعني اليمان الكامل‪.‬‬ ‫حدُك ُ ْ‬‫نأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫يقول‪" :‬ل َ ُيؤ ِ‬
‫ه" أي اتجاهه وقصده‪.‬‬ ‫هوا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬‫حّتى ي َ ُ‬ ‫" َ‬
‫ه" أي من الشريعة‪.‬‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫جئ ْ ُ‬‫ما ِ‬ ‫عا ً ل ِ َ‬
‫"ت َب َ َ‬
‫سَناٍد‬
‫ة ب ِإ ِ ْ‬
‫ج ِ‬
‫ح ّ‬
‫ب ال ُ‬
‫في ك َِتا ِ‬‫وي َْناهُ ِ‬
‫ح‪َ ،‬ر َ‬
‫حي ْ ٌ‬
‫ص ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬‫ث َ‬ ‫دي ْ ٌ‬
‫ح ِ‬‫قوله‪َ " :‬‬
‫قب ابن رجب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬هذا التصحيح من‬ ‫ح" ‪ .‬تع ّ‬ ‫حي ْ ٍ‬‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫المؤلف وقال‪ :‬الحديث ل يصح‪ ،‬ولذلك يحسن تتبع شرح ابن‬
‫رجب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ونقل تعقيبه على الحاديث ‪.‬‬
‫لكن معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح‪ ،‬وأن‬
‫النسان يجب أن يكون هواه تبعا ً لما جاء به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫‪-1.‬تحذير النسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدما ً إياها‬
‫على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجه ذلك‪:‬‬
‫نفي اليمان عنه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬لماذا حملتموه على نفي الكمال؟‬
‫‪213‬‬
‫فالجواب‪ :‬أّنا حملناه على ذلك لنه ل يصدق في كل مسألة‪،‬‬
‫لن النسان قد يكون هواه تبعا ً لما جاء به الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم في أكثر مسائل الدين‪ ،‬وفي بعض المسائل‬
‫ل يكون هواه تبعًا‪ ،‬فيحمل على نفي الكمال ‪.‬‬
‫ل أول ً ثم يحكم ثانيًا‪،‬ل أن‬ ‫‪2.‬أنه يجب على النسان أن يستد ّ‬
‫يحكم ثم يستدل‪ ،‬بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد‬
‫أو في الجوارح فاستدل أول ً ثم احكم‪ ،‬أما أن تحكم ثم‬
‫ل فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعا ً وجعلت الصل‬ ‫تستد ّ‬
‫عقلك والفرع الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪3.‬تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم‪ ،‬والصل عند الطلق‬
‫المذموم كما جاء ذلك في الكتاب والسنة‪ ،‬فكلما ذكر الله‬
‫ل‬‫تعالى اتباع الهوى فهو على وجه الذم‪ ،‬لكن هذا الحديث يد ّ‬
‫على أن الهوى ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫محمود‪ :‬وهو ما كان تبعا ً لما جاء به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ومذموم‪ :‬وهو ما خالف ذلك‪.‬‬
‫وعند الطلق يحمل على المذموم‪ ،‬ولهذا يقال‪ :‬الهدى‪،‬‬
‫ويقابله الهوى‪.‬‬
‫ت‬‫جئ ُ‬
‫ما ِ‬ ‫‪4.‬وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء‪ ،‬لقوله‪" :‬ل ِ َ‬
‫به" والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق‬
‫ك‬‫عل َي ْ َ‬‫ون َّزل َْنا َ‬
‫في معادهم ومعاشهم‪ ،‬قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪1‬‬
‫ء(‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ب ت ِب َْيانا ً ل ِك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫‪5.‬أن اليمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة‬
‫والجماعة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)النحل‪ :‬الية ‪(89‬‬
‫‪214‬‬

‫الحديث الثاني والربعون‬


‫ه‬ ‫ســو َ‬ ‫ك رضي الله عنه َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ـ ِ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬
‫سـ ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫عــوت َن ِ ْ‬ ‫مــا دَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫م إ ِن ّـ َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫عــاَلى‪" :‬ي َــا اب ْـ َ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫ل الل ـ ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قــو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫ي‪ ،‬ي َــا اب ْـ َ‬ ‫ول أب َــال ِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫غ َ‬ ‫ي َ‬ ‫جوت َن ِ ْ‬ ‫وَر َ‬ ‫َ‬
‫غ َ‬ ‫ي َ‬ ‫غ َ‬ ‫ت ذُُنوب ُ َ‬ ‫م َلو ب َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫فــْر ُ‬ ‫فْرت َن ِ ْ‬ ‫م اســت َ ْ‬ ‫ء ُثــ ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬‫ك َ‬ ‫غ ْ‬ ‫آدَ َ‬
‫خ َ‬ ‫ق ـراب ال َ‬ ‫ك ل َــو أ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‪َ ،‬يا اب ْن آ َ‬ ‫لَ َ‬
‫م‬ ‫طاي َــا ث ُـ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ـ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫وا ُ‬ ‫ة"َر َ‬‫ف ـَر ً‬ ‫مغ ِ‬ ‫هــا َ‬ ‫قَراب ِ َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫ش ـي ْئ َا ً ل َت َي ْت ُـ َ‬ ‫ي َ‬ ‫رك ب ِـ ْ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ي ل َ تُ ْ‬ ‫قي ْت َن ِ ْ‬ ‫ل ِ‬
‫ح‪.‬‬
‫حي ْ ٌ‬
‫ص َ‬
‫ن َ‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫ث َ‬
‫دي ْ ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫ي َ‬
‫ذ ّ‬
‫م ِ‬
‫الت ّْر ِ‬

‫الشرح‬
‫هذا حديث قدسي وقد سبق تعريفه‪.‬‬
‫عوت َِني" )ما( هنا شرطية‪ ،‬وفعل الشرط‪) :‬دعا(‬ ‫ما دَ َ‬ ‫قوله‪َ " :‬‬
‫ت" ‪.‬‬ ‫غ َ‬
‫فْر ُ‬ ‫عوت َِني" وجواب الشرط‪َ " :‬‬ ‫في قوله‪" :‬دَ َ‬
‫ي" الدعاء ينقسم إلى قسمين‪ :‬دعاء مسألة‪،‬‬ ‫عوت َن ِ ْ‬‫ما دَ َ‬
‫" َ‬
‫ودعاء عبادة‪.‬‬
‫فدعاء المسألة أن تقول‪ :‬يا رب اغفر لي‪ .‬ودعاء العبادة أن‬
‫تصلي لله‬
‫ء؟‬ ‫مى دعا ً‬ ‫فنحتاج الن إلى دليل وتعليل على أن العبادة تس ّ‬
‫َ‬
‫ب ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬‫عوِني أ ْ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬
‫م اد ْ ُ‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫الدليل‪ :‬قول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن(‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫دا ِ‬
‫م َ‬
‫هن ّ َ‬
‫ج َ‬
‫ن َ‬‫خُلو َ‬‫سي َدْ ُ‬
‫عَبادَِتي َ‬ ‫ن ِ‬‫ع ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫عَبادَِتي( فسمى‬ ‫ن ِ‬‫ع ْ‬‫ن َ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫عوِني( ثم قال‪) :‬ي َ ْ‬ ‫‪1‬فقال‪):‬ادْ ُ‬
‫‪1‬‬
‫)غافر‪(60:‬‬
‫‪215‬‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫عاءَ ُ‬ ‫ن الدّ َ‬ ‫الدعاء عبادة‪ ،‬وقد جاء في الحديث‪" :‬أ ّ‬
‫ة"ووجهه ظاهر جدًا‪،‬لن داعي الله متذلل لله عّز وجل‬ ‫عَبادَ ُ‬ ‫ال ِ‬
‫منكسر له‪ ،‬قد عرف قدر نفسه‪،‬وأنه ل يملك لها نفعا ً ول‬
‫ضّرًا‪.‬‬
‫ع بلسان‬ ‫ء‪ :‬فلن المتعّبد لله دا ٍ‬ ‫أما كيف كانت العبادة دعا ً‬
‫الحال‪ ،‬فلو سألت المصلي لماذا صلى لقال‪ :‬أرجو ثواب الله‪،‬‬
‫ي‬
‫عوت َن ِ ْ‬ ‫ما دَ َ‬ ‫إذا ً فهو داع بلسان الحال‪ ،‬وعليه فيكون قوله‪َ " :‬‬
‫جوت َِني" يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة‪ ،‬ولكن لحظ‬ ‫وَر َ‬ ‫َ‬
‫جوت َِنيْ" فلبد من هذا القيد‪ ،‬أي أن‬ ‫القيد في قوله‪" :‬وََر َ‬
‫تكون داعيا ً لله راجيا ً إجابته ‪.‬‬
‫ذنب والتجاوز عنه‪.‬‬ ‫ك" المغفرة‪ :‬هي ستر ال ّ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫غ َ‬ ‫وقوله‪َ " :‬‬
‫ك" أي على ما كان منك من الذنوب‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫" َ‬
‫والتقصير‪.‬‬
‫ول َ أ َُباِلي" أي ل أهتم بذلك‪.‬‬ ‫" َ‬
‫ء" المراد بقوله‪:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬‫ك َ‬ ‫ت ذُُنوب ُ َ‬ ‫غ ْ‬ ‫م َلو ب َل َ َ‬ ‫ن آدَ َ‬ ‫"َيا اب ْ َ‬
‫ماء" ما‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬‫ماء" أي أعلى السماء‪،‬وقيل إن " َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬ ‫" َ‬
‫ماء" أي السحاب‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬ ‫ن لك حين تنظر إليها ‪ ،‬وقيل " َ‬ ‫ع ّ‬
‫أعله‪ ،‬ولشك أن السحاب يسمى العنان ‪ ،‬لكن الظاهر أن‬
‫المراد به ) عنان السماء( ‪.‬‬
‫والسماء على الرض كالقبة له جوانب وله وسط‪ ،‬أعله‬
‫بالنسبة لسطح الرض هو الوسط‪.‬‬
‫ي" أي طلبت مني المغفرة‪ ،‬سواء قلت‪:‬‬ ‫فْرت َن ِ ْ‬ ‫غ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫"ث ُ ّ‬
‫أستغفر الله‪ ،‬أو قلت‪ :‬اللهم اغفر لي‪ .‬لكن لبد من حضور‬
‫القلب واستحضار الفقر إلى الله عّز وجل‪.‬‬
‫قي َْتني ل‬ ‫م لَ ِ‬ ‫طاَيا ث ُ ّ‬ ‫ب ال َْرض خ َ‬
‫ِ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫و أ َت َي ْت َِني ب ِ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫م إن ّ َ‬ ‫ن آدَ َ‬ ‫"َيا اب َ‬
‫ة"‬ ‫فَر ً‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬‫ها َ‬ ‫قَراب ِ َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫شي ْئ َا ً ل َت َي ْت ُ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ْ‬ ‫رك ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫تُ ْ‬
‫ض" أي‬ ‫َ‬ ‫قوله‪" :‬ل َ َ‬
‫ب الْر ِ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫ي" أي جئتني بعد الموت‪" .‬ب ِ ِ‬ ‫و أت َي ْت َن ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫خطايا جمع خطيئة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ما يقاربها‪ ،‬إما ملئا‪،‬أو ثقل‪ ،‬أو حجما‪َ ،‬‬ ‫ً‬
‫شيئ َا ً"‬‫شي ْئ َا ً" قوله‪َ " :‬‬ ‫ك ِبي َ‬ ‫ر ْ‬‫ش ِ‬ ‫ي ل َ تُ ْ‬ ‫قي ْت َن ِ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫وهي الذنوب‪" ،‬ث ُ ّ‬
‫نكرة في سياق النفي تفيد العموم أي ل شركا ً أصغر ول‬
‫أكبر‪ ،‬وهذا قيد عظيم قد يتهاون به النسان‬
‫‪216‬‬
‫ك من نعمة الله وفضله‪،‬‬ ‫ة" وهذا لش ّ‬ ‫فَر ً‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ها َ‬ ‫قَراب ِ َ‬
‫ك بِ ِ‬ ‫"ل َت َي ْت ُ َ‬
‫بأن يأتي النسان ربه بملء الرض خطايا ثم يأتيه عّز وجل‬
‫بقرابها مغفرة‪ ،‬وإل فمقتضى العدل أن يعاقبه على الخطايا‬
‫‪.‬‬
‫* من فوائد الحديث ‪:‬‬
‫ن‬
‫‪1.‬شرف بني آدم حيث وجه الله إليه الخطاب بقوله "َيا اب ْ َ‬
‫ضلوا على كثير ممن خلقهم الله‬ ‫م" ولشك أن بني آدم ف ّ‬ ‫آدَ َ‬
‫عّز وجل وكّرمهم الله سبحانه وتعالى‬
‫‪ 2.‬أن كلمة )ابن( أو‪) :‬بني( أو ما أشبه ذلك إذا أضيفت إلى‬
‫القبيلة أو إلى المة تشمل الذكور والناث‪ ،‬وإذا أضيفت إلى‬
‫شيء محصور فهي للذكور فقط‪.‬‬
‫‪ 3.‬أن من دعا الله ورجاه فإن الله تعالى يغفر له‪.‬‬
‫‪ 4.‬أنه لبد مع الدعاء من رجاء‪ ،‬وأما القلب الغافل اللهي‬
‫الذي يذكر الدعاء على وجه العادة فليس حري ّا ً بالجابة‪،‬‬
‫بخلف الذكر كالتسبيح والتهليل وما أشبه ذلك‪ ،‬فهذا ُيعطى‬
‫أجرا ً به‪ ،‬ولكنه أقل مما لو استحضر وذكر بقلبه ولسانه‪.‬‬
‫‪-5.‬إثبات صفات النفي التي يسميها العلماء الصفات‬
‫ول َ أ َُباِلي" فإن هذه صفة منفية عن الله‬ ‫السلبية‪ ،‬لقوله‪َ " :‬‬
‫تعالى‪ ،‬وهذا من قسم العقائد ‪.‬‬
‫ولكن اعلم أن المراد بالصفات المنفية إثبات كمال الضد‪،‬‬
‫فيكون نفي المبالة هنا يراد به كمال السلطان والفضل‬
‫والحسان‪ ،‬وأنه ل أحد يعترض على الله أو يجادله فيما أراد‪.‬‬
‫‪ 6.‬أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ً مهما عظمت لقوله‪:‬‬
‫ك"‬‫ت لَ َ‬ ‫فْر ُ‬‫غ َ‬‫ي َ‬ ‫فْرت َن ِ ْ‬‫غ َ‬
‫م است َ ْ‬ ‫ماء ث ُ ّ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫عَنا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ذُُنوب ُ َ‬ ‫غ ْ‬ ‫"َلو ب َل َ َ‬
‫وأن النسان متى استغفر الله عّز وجل من أي ذنب كان‬
‫ما ً وقدرا ً فإن الله تعالى يغفره‪ ،‬وهذا كقوله تعالى‪:‬‬ ‫عظَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫د‬
‫ج ِ‬ ‫ر الل ّ َ‬
‫ه يَ ِ‬ ‫ف ِ‬‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬‫و ي َظْل ِ ْ‬‫سوءا ً أ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ً ‪1‬‬
‫حيما (‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ولكن هل الستغفار مجّرد قول النسان‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬أو‬
‫أستغفر الله؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬لبد من فعل أسباب المغفرة وإل كان دعاؤه‬
‫كالستهزاء كما لو قال النسان‪ :‬اللهم ارزقني ذرية طيبة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)النساء‪(110 :‬‬
‫‪217‬‬
‫ولم يعمل لحصول الذرية‪ ،‬والذي تحصل به المغفرة التوبة‬
‫إلى الله عّز وجل‪.‬‬
‫والتوبة‪ :‬من تاب يتوب أي رجع‪ .‬وهي الرجوع من معصية‬
‫الله إلى طاعته‪ .‬ويشترط لها خمسة شروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬الخلص‪:‬‬
‫والخلص شرط في كل عبادة‪ ،‬والتوبة من العبادات‪ ،‬قال‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن(‬
‫دي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫صي َ‬
‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬‫و َ‬
‫الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫فمن تاب مراءاة للناس‪ ،‬أو تاب خوفا ً من سلطان ل تعظيما ً‬
‫لله عّز وجل فإن توبته غير مقبولة‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬الندم على ما حصل‪:‬‬
‫وهو انكسار النسان وخجله أمام الله عّز وجل أن فعل ما‬
‫نهي عنه‪ ،‬أو ترك ما أوجب عليه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬الندم انفعال في النفس‪ ،‬فكيف يسيطر‬
‫النسان عليه؟‬
‫فالجواب‪ :‬أنه يسيطر عليه إذا أشعر نفسه بأنه في خجل من‬
‫الله عّز وجل وحياء من الله ويقول‪ :‬ليتني لم أفعل وما‬
‫أشبه ذلك‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬إن الندم ليس بشرط‪:‬‬
‫ل‪ :‬لصعوبة معرفته‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫والثاني‪ :‬لن الرجل إذا أقلع فإنه لم يقلع إل وهو نادم‪ ،‬وإل‬
‫لستمر‪ .‬لكن أكثر أهل العلم ‪-‬رحمهم الله ‪ -‬على أنه لبد أن‬
‫يكون في قلبه ندم‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬القلع عن المعصية التي تاب منها‪:‬‬
‫فإن كانت المعصية ترك واجب يمكن تداركه وجب عليه أن‬
‫يقوم بالواجب‪،‬كما لو أذنب النسان بمنع الزكاة‪ ،‬فإنه لبد‬
‫أن يؤدي الزكاة‪ ،‬أو كان فعل محرما ً مثل أن يسرق لشخص‬
‫مال ً ثم يتوب‪،‬فلبد أن يرد المال إلى صاحبه‪ ،‬وإل لم تصح‬
‫توبته‬
‫فإن قال قائل‪ :‬هذا رجل سرق مال ً من شخص وتاب إلى‬
‫الله‪ ،‬لكن ا لمشكل كيف يؤدي هذا المال إلى صاحبه؟‬
‫دعي‬ ‫يخشى إذا أدى المال إلى صاحبه أن يقع في مشاكل في ّ‬

‫‪1‬‬
‫)البينة‪ :‬الية ‪(5‬‬
‫‪218‬‬
‫هم هذا الرجل ويشيع‬ ‫مثل ً صاحب المال أن المال أكثر‪ ،‬أو يت ّ َ‬
‫أمره‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فماذا يصنع؟‬
‫نقول‪ :‬لبد أن يوصل المال إلى صاحبه بأي طريق‪ ،‬وبإمكانه‬
‫أن يرسل المال مع شخص ل يتهم بالسرقة ويعطيه صاحبه‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬يا فلن هذا من شخص أخذه منك أول ً والن أوصله‬
‫إليك‪ ،‬ويكون هذا الشخص محترما ً أمينا ً بمعنى أنه ل يمكن‬
‫لصاحب المال أن يقول‪ :‬إما أن تعين لي من أعطاك إياه وإل‬
‫فأنت السارق‪ ،‬أما إذا كان يمكن فإنه مشكل‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن يعطيه القاضي‪ ،‬أو يعطيه المير يقول‪ :‬هذا‬
‫ده إليه‪ .‬وفي هذه‬ ‫مال لفلن أخذته منه‪ ،‬وأنا الن تائب‪ ،‬فأ ّ‬
‫ديه إنقاذا ً للخذ وردّا ً‬ ‫الحال يجب على من أعطاه إياه أن يؤ ّ‬
‫لصاحب المال‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬إن الذي أخذت منه المال قد مات‪ ،‬فماذا‬
‫أصنع؟‬
‫فالجواب‪ :‬يعطيه الورثة‪ ،‬فإن لم يكن له ورثة أعطاه بيت‬
‫المال‪.‬‬
‫فإذا قال ‪:‬أنا ل أعرف الورثة‪ ،‬ول أعرف عنوانهم؟‬
‫دق به عمن هو له‪ ،‬والله عّز وجل يعلم هذا‬ ‫فالجواب‪ :‬يتص ّ‬
‫ويوصله إلى صاحبه‪ .‬فهذه مراتب التوبة بالنسبة لمن أخذ‬
‫مال شخص معصوم‪.‬‬
‫تأتي مسألة الغيبة‪ :‬فالغيبة كيف يتخلص منها إذا تاب‪:‬‬
‫من العلماء من قال‪ :‬لبد أن يذهب إلى الشخص ويقول‪ :‬إني‬
‫اغتبتك فحللني ‪ ،‬وفي هذا مشكلة‪.‬‬
‫صل وقال‪ :‬إن علم بالغيبة ذهب إليه واستحله‪،‬‬ ‫ومنهم من ف ّ‬
‫وإن لم يعلم فل حاجة أن يقول له شيئا ً لن هذا يفتح باب‬
‫شّر‪.‬‬
‫مه مطلقًا‪،‬كما جاء في الحديث‪:‬‬ ‫ومنهم من قال‪ :‬ل ُيعل ِ ْ‬
‫غت َبت َ َ‬
‫ه"فيستغفر له ويكفي‪.‬‬ ‫فَر ل َ ُ‬
‫غ ِ‬
‫ن َتست َ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫نا ْ ْ ُ‬ ‫م ِ‬
‫فاَرةُ َ‬‫"ك َ ّ‬
‫ولكن القول الوسط هو الوسط‪ ،‬وهو أن نقول‪ :‬إن كان‬
‫صاحبه قد علم بأنه اغتابه فلبد أن يتحلل منه‪ ،‬لنه حتى لو‬
‫تاب سيبقى في قلب صاحبه شيء‪ ،‬وإن لم يعلم كفاه أن‬
‫يستغفر له‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬العزم على أن ل يعود‪:‬‬
‫‪219‬‬
‫فلبد من هذا‪ ،‬فإن تاب من هذا الذنب لكن من نيته أن يعود‬
‫إليه متى سنحت له الفرصة فليس بتائب‪ ،‬ولكن لو عزم أن‬
‫ولت له نفسه فعاد فالتوبة الولى ل تنتقض‪،‬‬ ‫ل يعود ثم س ّ‬
‫لكن يجب أن يجدد توبة للفعل الثاني‪.‬‬
‫ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين أن نقول‪ :‬من الشرط أن ل‬
‫يعود‪ ،‬وأن نقول‪:‬من الشرط العزم على أن ل يعود‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن تكون التوبة وقت قبول التوبة‪:‬‬
‫فإن كانت في وقت لتقبل فيه لم تنفعه‪ ،‬وذلك نوعان‪ :‬نوع‬
‫خاص‪ ،‬ونوع عام‪.‬‬
‫النوع الخاص‪ :‬إذا حضر النسان أجله فإن التوبة لتنفع‪،‬لقول‬
‫حّتى‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ت َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وب َ ُ‬
‫ت الت ّ ْ‬ ‫ول َي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ذا ح َ َ‬
‫ن‬ ‫ول ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت اْل َ‬‫ل إ ِّني ت ُب ْ ُ‬ ‫قا َ‬‫ت َ‬ ‫و ُ‬‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬
‫حد َ ُ‬‫ضَر أ َ‬ ‫إِ َ َ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أِليما ً(‪ 1‬ولما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ع َ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬‫عت َدَْنا ل َ ُ‬
‫كأ ْ‬ ‫فاٌر أول َئ ِ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬‫ن َ‬
‫موُتو َ‬
‫يَ ُ‬
‫غرق فرعون قال‪ :‬آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو‬
‫ت‬
‫صي ْ َ‬
‫ع َ‬‫قد ْ َ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫إسرائيل وأنا من المسلمين فقيل له‪) :‬آْل َ‬
‫ن( ‪. 2‬‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫وك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫قب ْ ُ‬
‫أي الن تسلم‪ ،‬ومع ذلك لم ينفعه‪.‬‬
‫وأما العام‪ :‬فهو طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬فإن الشمس‬
‫تشرق من المشرق وتغرب من المغرب‪ ،‬فإذا طلعت من‬
‫المغرب آمن الناس كلهم‪ ،‬ولكن ل ينفع نفسا ً إيمانها لم‬
‫تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا‪.‬‬
‫ة‬
‫جَر ُ‬
‫ه ْ‬‫ع ال ِ‬
‫قطِ ُ‬ ‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل ً ت َن ْ َ‬
‫س‬
‫م ُ‬ ‫ج ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫خُر َ‬
‫حّتى ت َ ْ‬
‫ة َ‬
‫ع الّتوب َ ُ‬ ‫ول ت َن ْ َ‬
‫قط ُ‬ ‫ة‪َ ،‬‬
‫ع الّتوب َ ُ‬
‫قطِ َ‬ ‫حّتى ت َن ْ َ‬
‫َ‬
‫ها"‬
‫رب ِ َ‬
‫غ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فهذه هي شروط التوبة‪ ،‬وأكثر العلماء ‪ -‬رحمهم الله ‪-‬‬
‫يقولون‪:‬شروط التوبة ثلثة‪ :‬الندم‪ ،‬والقلع‪ ،‬والعزم على أن‬
‫ل يعود ‪.‬‬
‫م‪ ،‬ولبد مما ذكرناه‪.‬‬
‫ولكن ما ذكرناه أوفى وأت ّ‬
‫‪ 6.‬أن النسان إذا أذنب ذنوبا ً عظيمة ثم لقي الله ليشرك به‬
‫شيئا ً غفر الله له‪ .‬ولكن هذا ليس على عمومه لقول الله‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪ :‬الية ‪(18‬‬
‫‪2‬‬
‫)يونس‪(91:‬‬
‫‪220‬‬
‫َ‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫دو َ‬‫ما ُ‬
‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬
‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬‫غ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يَ ْ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫شاءُ(‪. 1‬‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫ة" هذا إذا‬‫فَر ً‬
‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫لتيت ُ َ‬ ‫فقوله هنا في الحديث‪َ ":‬‬
‫ها َ‬‫قَراب ِ َ‬‫ك بِ ِ‬
‫شاء‪ ،‬وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب بذنبه‪.‬‬
‫‪-7.‬فضيلة التوحيد وأنه سبب لمغفرة الذنوب‪ ،‬وقد قال الله‬
‫د‬
‫ق ْ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬‫غ َ‬ ‫هوا ي ُ ْ‬ ‫ن ي َن ْت َ ُ‬‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫عّز وجل‪ُ) :‬ق ْ‬
‫ف( فمهما عظمت الذنوب إذا انتهى النسان عنها‬ ‫‪2‬‬
‫سل َ َ‬‫َ‬
‫بالتوحيد غفر الله له‪.‬‬
‫رك‬ ‫ش ِ‬ ‫قيت َِني ل َ ت ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫‪ 8.‬إثبات لقاء الله عّز وجل‪ ،‬لقوله‪" :‬ث ُ ّ‬
‫ل على ذلك كتاب الله عّز وجل‪ ،‬قال الله‬ ‫شي ْئ َا ً" وقد د ّ‬ ‫ِبي َ‬
‫ول‬ ‫صاِلحا ً َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫فل ْي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫قاءَ َرب ّ ِ‬ ‫جوا ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫َ‬ ‫عبادة رب َ‬
‫ن‬‫سا ُ‬ ‫ها اْل ِن ْ َ‬ ‫حدا ً( وقال الله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫ك بِ ِ َ َ ِ َ ّ ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫ه(‬‫قي ِ‬ ‫مل ِ‬ ‫ف ُ‬‫دحا ً َ‬ ‫ك كَ ْ‬ ‫ح إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫كاِد ٌ‬‫ك َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫فلبد من ملقاة الله عّز وجل‪ ،‬والنصوص في هذا كثيرة‪،‬‬
‫فيؤخذ من ذلك‪ :‬أنه يجب على النسان أن يستعد لملقاة‬
‫الله‪ ،‬وأن يعرف كيف يلقي الله‪ ،‬هل يلقيه على حال‬
‫ة عند الله عّز وجل‪ ،‬أو على العكس؟ ففّتش نفسك‬ ‫مرضي ٍ‬
‫واعرف ما أنت عليه‪.‬‬
‫ومن حسن تأليف المؤّلف ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أنه جعل هذا الحديث‬
‫آخر الحاديث التي اختارها ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬المختوم بالمغفرة‪،‬‬
‫مى عند البلغيين براعة اختتام‪.‬‬ ‫وهذا يس ّ‬
‫مى براعة افتتاح فإذا افتتح النسان كتابه بما‬ ‫وهناك مايس ّ‬
‫يناسب الموضوع يسمونه براءة افتتاح‪ ،‬مثل قول ابن حجر ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ -‬في بلوغ المرام‪:‬‬
‫"الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما ً وحديثًا" يشير‬
‫إلى أن هذا الكتاب في الحديث‪.‬‬
‫وإلى هنا ينتهي الكلم على الربعين النووية المباركة‪،‬التي‬
‫ث كل طالب علم على حفظها وفهم معناها والعمل‬ ‫نح ّ‬
‫بمقتضاها‪،‬نسأل الله عّز وجل أن يجعلنا ممن سمع وانتفع‬

‫‪1‬‬
‫)النساء‪(48:‬‬
‫‪2‬‬
‫)النفال‪ :‬الية ‪(38‬‬
‫‪3‬‬
‫)الكهف‪ :‬الية ‪(110‬‬
‫‪4‬‬
‫)النشقاق‪(6 :‬‬
‫‪221‬‬
‫إنه سميع قريب‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‬

You might also like