Professional Documents
Culture Documents
والتأويل
شيخ السلم ابن تيمية
مكتبة مشكاة السلمية
1
وقال شيخ السلم أبو العباس أحد بن تيمية الران الدمشقي المد ل رب
العالي وصلى ال على سيدنا ممد وآله وسلم فصل قوله تعال { وما أرسلنا من
قبلك من رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف أمنيته } إل قوله { :ليجعل
ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف قلوبم مرض والقاسية قلوبم وإن الظالي لفي
شقاق بعيد } { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له
قلوبم وإن ال لادي الذين آمنوا إل صراط مستقيم } .
جعل ال القلوب ثلثة أقسام :قاسية وذات مرض ومؤمنة مبتة ؛ وذلك لنا إما
أن تكون يابسة جامدة ل تلي للحق اعترافا وإذعانا أو ل تكون يابسة جامدة .
ف " الول " هو القاسي وهو الامد اليابس بنلة الجر ل ينطبع ول يكتب فيه
اليان ول يرتسم فيه العلم ؛ لن ذلك يستدعي مل لينا قابل .
و " الثان " ل يلو إما أن يكون الق ثابتا فيه ل يزول عنه لقوته مع لينه أو
يكون لينه مع ضعف وانلل .فالثان هو الذي فيه مرض والول هو القوي اللي
.وذلك أن القلب بنلة أعضاء السد كاليد مثل فإما أن تكون جامدة يابسة ل
تلتوي ول تبطش أو تبطش بعنف فذلك مثل القلب القاسي أو تكون ضعيفة
مريضة عاجزة لضعفها ومرضها فذلك مثل الذي فيه مرض أو تكون باطشة بقوة
ولي فهو مثل القلب العليم الرحيم فبالرحة خرج عن القسوة وبالعلم خرج عن
الرض ؛ فإن الرض من الشكوك والشبهات .ولذا وصف من عدا هؤلء بالعلم
واليان والخبات .وف قوله { :وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الق من ربك
فيؤمنوا به فتخبت له قلوبم } دليل على أن العلم يدل على اليان ليس أن أهل
العلم ارتفعوا عن درجة اليان -كما يتوهه طائفة من التكلمة -بل معهم العلم
واليان كما قال تعال { :لكن الراسخون ف العلم منهم والؤمنون يؤمنون با
أنزل إليك وما أنزل من قبلك } وقال تعال { :وقال الذين أوتوا العلم واليان
2
لقد لبثتم ف كتاب ال } الية .وعلى هذا فقوله { :والراسخون ف العلم
يقولون آمنا به كل من عند ربنا } نظي هذه الية فإنه أخب هنا أن الذين أوتوا
العلم يعلمون أنه الق من ربم وأخب هناك أنم يقولون ف التشابه { :آمنا به
كل من عند ربنا } وكل الوضعي موضع ريب وشبهة لغيهم ؛ فإن الكلم هناك
ف التشابه وهنا فيما يلقي الشيطان ما ينسخه ال ث يكم ال آياته وجعل الحكم
هنا ضد الذي نسخه ال ما ألقاه الشيطان ؛
ولذا قال طائفة من الفسرين التقدمي :إن " الحكم " هو الناسخ و " التشابه "
النسوخ .أرادوا وال أعلم قوله { :فينسخ ال ما يلقي الشيطان ث يكم ال آياته
} .والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان ل رفع ما شرعه ال .
وقد أشرت إل وجه ذلك فيما بعد وهو :أن ال جعل الحكم مقابل التشابه تارة
ومقابل النسوخ أخرى .والنسوخ يدخل فيه ف اصطلح السلف -العام -كل
ظاهر ترك ظاهره لعارض راجح كتخصيص العام وتقييد الطلق فإن هذا متشابه
لنه يتمل معنيي ويدخل فيه الجمل فإنه متشابه وإحكامه رفع ما يتوهم فيه من
العن الذي ليس براد وكذلك ما رفع حكمه فإن ف ذلك جيعه نسخا لا يلقيه
الشيطان ف معان القرآن ؛ ولذا كانوا يقولون :هل عرفت الناسخ من النسوخ ؟
فإذا عرف الناسخ عرف الحكم .وعلى هذا فيصح أن يقال :الحكم والنسوخ
كما يقال الحكم والتشابه .وقوله بعد ذلك { ث يكم ال آياته } جعل جيع
اليات مكمة مكمها ومتشابها كما قال { :الر } { كتاب أحكمت آياته ث
فصلت } وقال { :تلك آيات الكتاب الكيم } على أحد القولي .وهنالك
جعل اليات قسمي :مكما ومتشابا كما قال { :منه آيات مكمات هن أم
الكتاب وأخر متشابات } .وهذه التشابات ما أنزله الرحن ل ما ألقاه الشيطان
ونسخه ال .
3
فصار الحكم ف القرآن تارة يقابل بالتشابه والميع من آيات ال وتارة يقابل با
نسخه ال ما ألقاه الشيطان .ومن الناس من يعله مقابل لا نسخه ال مطلقا حت
يقول :هذه الية مكمة ليست منسوخة ويعل النسوخ ليس مكما وإن كان ال
أنزله أول اتباعا لظاهر قوله { :فينسخ ال } و { يكم ال آياته } .فهذه ثلث
معان تقابل الحكم ينبغي التفطن لا .وجاع ذلك أن " الحكام " تارة يكون ف
التنيل فيكون ف مقابلته ما يلقيه الشيطان فالحكم النل من عند ال أحكمه ال
أي فصله من الشتباه بغيه وفصل منه ما ليس منه ؛ فإن الحكام هو الفصل
والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويصل إتقانه ؛ ولذا دخل فيه
معن النع كما دخل ف الد فالنع جزء معناه ل جيع معناه .وتارة يكون "
الحكام " ف إبقاء التنيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو
اصطلحي أو يقال -وهو أشبه بقول السلف -كانوا يسمون كل رفع نسخا
سواء كان رفع حكم أو رفع دللة ظاهرة .
وإلقاء الشيطان ف أمنيته قد يكون ف نفس لفظ البلغ وقد يكون ف سع البلغ
وقد يكون ف فهمه كما قال { :أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها }
الية .
ومعلوم أن من سع النص الذي قد رفع حكمه أو دللة له فإنه يلقي الشيطان ف
تلك التلوة اتباع ذلك النسوخ فيحكم ال آياته بالناسخ الذي به يصل رفع
الكم وبيان الراد .وعلى هذا التقدير فيصح أن يقال :التشابه النسوخ بذا
العتبار وال أعلم .
وتارة يكون " الحكام " ف التأويل والعن وهو تييز القيقة القصودة من غيها
حت ل تشتبه بغيها .وف مقابلة الحكمات اليات التشابات الت تشبه هذا
وتشبه هذا فتكون متملة للمعنيي .قال أحد بن حنبل " الحكم " الذي ليس فيه
4
اختلف والتشابه الذي يكون ف موضع كذا وف موضع كذا .ول يقل ف
التشابه ل يعلم تفسيه ومعناه إل ال وإنا قال { :وما يعلم تأويله إل ال } وهذا
هو فصل الطاب بي التنازعي ف هذا الوضع فإن ال أخب أنه ل يعلم تأويله إل
هو .
والوقف هنا على ما دل عليه أدلة كثية وعليه أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم وجهور التابعي وجاهي المة .ولكن ل ينف علمهم بعناه وتفسيه بل
قال { :كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } وهذا يعم اليات الحكمات
واليات التشابات وما ل يعقل له معن ل يتدبر :وقال { :أفل يتدبرون القرآن
} ول يستثن شيئا منه نى عن تدبره .
وال ورسوله إنا ذم من اتبع التشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فأما من تدبر
الحكم والتشابه كما أمره ال وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه ال بل أمر
بذلك ومدح عليه .يبي ذلك أن التأويل قد روى أن من اليهود الذين كانوا
بالدينة على عهد النب صلى ال عليه وسلم كحيي بن أخطب وغيه من طلب من
حروف الجاء الت ف أوائل السور تأويل بقاء هذه المة كما سلك ذلك طائفة
من التأخرين موافقة للصابئة النجمي وزعموا أنه ستمائة وثلثة وتسعون عاما لن
ذلك هو عدد ما للحروف ف حساب المل بعد إسقاط الكرر وهذا من نوع
تأويل الوادث الت أخب با القرآن ف اليوم الخر .وروي أن من النصارى الذين
وفدوا على النب صلى ال عليه وسلم ف وفد نران من تأول ( إنا و ( نن على أن
اللة ثلثة لن هذا ضمي جع .وهذا تأويل ف اليان بال فأولئك تأولوا ف اليوم
الخر وهؤلء تأولوا ف ال .ومعلوم أن ( :إنا و ( نن من التشابه فإنه يراد با
الواحد الذي معه غيه من جنسه ويراد با الواحد الذي معه أعوانه وإن ل يكونوا
من جنسه ويراد با الواحد العظم نفسه الذي يقوم مقام من معه غيه لتنوع أسائه
5
الت كل اسم منها يقوم مقام مسمى فصار هذا متشابا لن اللفظ واحد والعن
متنوع .
و " الساء الشتركة ف اللفظ " هي من التشابه وبعض " التواطئة " أيضا من
التشابه ويسميها أهل التفسي " الوجوه والنظائر " وصنفوا " كتب الوجوه
والنظائر " فالوجوه ف الساء الشتركة والنظائر ف الساء التواطئة .وقد ظن
بعض أصحابنا الصنفي ف ذلك أن الوجوه والنظائر جيعا ف الساء الشتركة فهي
نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار العن وليس المر على ما قاله بل كلمهم
صريح فيما قلناه لن تأمله .والذين ف قلوبم زيغ يدعون الحكم الذي ل اشتباه
فيه مثل { وإلكم إله واحد } { إنن أنا ال ل إله إل أنا فاعبدن } { ما اتذ ال
من ولد وما كان معه من إله } { ول يتخذ ولدا ول يكن له شريك ف اللك }
{ ل يلد ول يولد } { ول يكن له كفوا أحد } ويتبعون التشابه ابتغاء الفتنة
ليفتنوا به الناس إذا وضعوه على غي مواضعه وابتغاء تأويله وهو القيقة الت أخب
عنها .
وذلك أن " الكلم نوعان " :إنشاء فيه المر وإخبار فتأويل المر هو نفس الفعل
الأمور به كما قال من قال من السلف إن السنة هي تأويل المر { .قالت عائشة
رضي ال عنها كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف ركوعه وسجوده
سبحانك اللهم وبمدك اللهم اغفر ل يتأول القرآن } تعن قوله { :فسبح بمد
ربك واستغفره إنه كان توابا } .
وأما الخبار فتأويله عي المر الخب به إذا وقع ليس تأويله فهم معناه .وقد جاء
اسم " التأويل " ف القرآن ف غي موضع وهذا معناه قال ال تعال { :ولقد
جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحة لقوم يؤمنون } { هل ينظرون إل
تأويله يوم يأت تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالق } فقد
6
أخب أنه فصل الكتاب وتفصيله بيانه وتييزه بيث ل يشتبه ث قال { :هل ينظرون
} أي ينتظرون { إل تأويله يوم يأت تأويله } إل آخر الية .وإنا ذلك ميء ما
أخب القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها :كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع
الشمس من مغربا وميء ربك واللك صفا صفا وما ف الخرة من الصحف
والوازين والنة والنار وأنواع النعيم والعذاب وغي ذلك فحينئذ يقولون { :قد
جاءت رسل ربنا بالق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غي الذي كنا
نعمل } وهذا القدر الذي أخب به القرآن من هذه المور ل يعلم وقته وقدره
وصفته إل ال ؛ فإن ال يقول { :فل تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي }
ويقول { :أعددت لعبادي الصالي ما ل عي رأت ول أذن سعت ول خطر
على قلب بشر } وقال ابن عباس :ليس ف الدنيا ما ف النة إل الساء ؛ فإن ال
قد أخب أن ف النة خرا ولبنا وماء وحريرا وذهبا وفضة وغي ذلك ونن نعلم
قطعا أن تلك القيقة ليست ماثلة لذه بل بينهما تباين عظيم مع التشابه كما ف
قوله { :وأتوا به متشابا } على أحد القولي أنه يشبه ما ف الدنيا وليس مثله
فأشبه اسم تلك القائق أساء هذه القائق كما أشبهت القائق القائق من بعض
الوجوه .
فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الساء من جهة القدر الشترك بينهما ولكن لتلك
القائق خاصية ل ندركها ف الدنيا ول سبيل إل إدراكنا لا لعدم إدراك عينها أو
نظيها من كل وجه .وتلك القائق على ما هي عليه هي تأويل ما أخب ال به .
وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئي من التفلسفة وغيهم فإنم ينكرون
أن يكون ف النة أكل وشرب ولباس ونكاح وينعون وجود ما أخب به القرآن .
ومن دخل ف السلم ونافق الؤمني تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة
لتفهيم النعيم الروحان إن كان من التفلسفة الصابئة النكرة لشر الجساد .وإن
7
كان من منافقة اللتي القرين بشر الجساد تأول ذلك على تفهيم النعيم الذي ف
النة من الروحان والسماع الطيب والروائح العطرة .فكل ضال يرف الكلم عن
مواضعه إل ما اعتقد ثبوته .وكان ف هذا أيضا متبعا للمتشابه إذ الساء تشبه
الساء والسميات تشبه السميات ولكن تالفها أكثر ما تشابها .فهؤلء يتبعون
هذا التشابه { ابتغاء الفتنة } با يوردونه من الشبهات على امتناع أن تكون ف
النة هذه القائق { وابتغاء تأويله } ليدوه إل العهود الذي يعلمونه ف الدنيا .
قال ال تعال { :وما يعلم تأويله إل ال } فإن تلك القائق قال ال فيها { :فل
تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي } ل ملك مقرب ول نب مرسل .وقوله { :
وما يعلم تأويله } إما أن يكون الضمي عائدا على الكتاب أو على التشابه ؛
فإن كان عائدا على الكتاب كقوله ( منه و ( منه { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء
الفتنة وابتغاء تأويله } فهذا يصح ؛ فإن جيع آيات الكتاب الحكمة والتشابة الت
فيها إخبار عن الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به ل يعلم حقيقة ذلك الغيب ومت يقع
إل ال .وقد يستدل لذا أن ال جعل التأويل للكتاب كله مع إخباره أنه مفصل
بقوله { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحة لقوم يؤمنون } { هل
ينظرون إل تأويله يوم يأت تأويله } فجعل التأويل الائي للكتاب الفصل .وقد
بينا أن ذلك التأويل ل يعلمه وقتا وقدرا ونوعا وحقيقة إل ال وإنا نعلم نن بعض
صفاته ببلغ علمنا لعدم نظيه عندنا وكذلك قوله { :بل كذبوا با ل ييطوا
بعلمه ولا يأتم تأويله } وإذا كان التأويل للكتاب كله والراد به ذلك ارتفعت
الشبهة وصار هذا بنلة قوله { :يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنا علمها
عند رب ل يليها لوقتها إل هو ثقلت ف السماوات والرض } إل قوله { :إنا
علمها عند ال } وكذلك قوله { :يسألك الناس عن الساعة قل إنا علمها عند
ال وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا }
8
فأخب أنه ليس علمها إل عند ال وإنا هو علم وقتها العي وحقيقتها وإل فنحن
قد علمنا من صفاتا ما أخبنا به .فعلم تأويله كعلم الساعة والساعة من تأويله
وهذا واضح بي .
ول يناف كون علم الساعة عند ال أن نعلم من صفاتا وأحوالا ما علمناه وأن
نفسر النصوص البينة لحوالا فهذا هذا .وإن كان الضمي عائدا إل ما تشابه كما
يقوله كثي من الناس فلن الخب به من الوعد والوعيد متشابه بلف المر والنهي
ولذا ف الثار " :العمل بحكمه واليان بتشابه " لن القصود ف الب اليان
وذلك لن الخب به من الوعد والوعيد فيه من التشابه ما ذكرناه بلف المر
والنهي ؛ ولذا قال بعض [ العلماء ] " :التشابه " المثال والوعد [ والوعيد ] و
" الحكم " المر والنهي فإنه متميز غي مشتبه بغيه فإنه أمور نفعلها قد علمناها
بالوقوع وأمور نتركها ل بد أن نتصورها .
وما جاء من لفظ " التأويل " ف القرآن قوله تعال { بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه
ولا يأتم تأويله } والكناية عائدة على القرآن أو على ما ل ييطوا بعلمه وهو يعود
إل القرآن .قال تعال { :وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون ال ولكن
تصديق الذي بي يديه وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالي } { أم
يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم
صادقي } { بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله كذلك كذب الذين
من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالي } { ومنهم من يؤمن به ومنهم من ل
يؤمن به وربك أعلم بالفسدين } .فأخب سبحانه أن هذا القرآن ما كان ليفترى
من دون ال وهذه الصيغة تدل على امتناع النفي كقوله { :وما كان ربك ليهلك
القرى بظلم } وقوله { :وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم } لن اللق عاجزون
عن التيان بثله كما تداهم وطالبهم لا قال { :أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة
9
مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقي } فهذا تعجيز لميع
الخلوقي .قال تعال { :ولكن تصديق الذي بي يديه } أي مصدق الذي بي
يديه { وتفصيل الكتاب } أي مفصل الكتاب فأخب أنه مصدق الذي بي يديه
ومفصل الكتاب والكتاب اسم جنس وتدى القائلي ( :افتراه ودل على أنم هم
الفترون قال { :بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله } أي كذبوا
بالقرآن الذي ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله .ففرق بي الحاطة بعلمه وبي
إتيان تأويله .فتبي أنه يكن أن ييط أهل العلم واليان بعلمه ولا يأتم تأويله وأن
الحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله فإن الحاطة بعلمه معرفة معان الكلم
على التمام وإتيان التأويل نفس وقوع الخب به وفرق بي معرفة الب وبي الخب
به فمعرفة الب هي معرفة تفسي القرآن ومعرفة الخب به هي معرفة تأويله .
و " نكتة ذلك " أن الب لعناه صورة علمية وجودها ف نفس العال كذهن
النسان مثل ولذلك العن حقيقة ثابتة ف الارج عن العلم واللفظ إنا يدل ابتداء
على العن الذهن ث تتوسط ذلك أو تدل على القيقة الارجة فالتأويل هو القيقة
الارجة وأما معرفة تفسيه ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية .وهذا هو الذي
بيناه فيما تقدم أن ال إنا أنزل القرآن ليعلم ويفهم ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه مكمه
ومتشابه وإن ل يعلم تأويله .ويبي ذلك أن ال يقول عن الكفار { :وإذا قرأت
القرآن جعلنا بينك وبي الذين ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا } { وجعلنا على
قلوبم أكنة أن يفقهوه وف آذانم وقرا وإذا ذكرت ربك ف القرآن وحده ولوا
على أدبارهم نفورا } فقد أخب -ذما للمشركي -أنه إذا قرئ عليهم القرآن
حجب بي أبصارهم وبي الرسول بجاب مستور وجعل على قلوبم أكنة أن
يفقهوه وف آذانم وقرا .فلو كان أهل العلم واليان على قلوبم أكنة أن يفقهوا
بعضه لشاركوهم ف ذلك .وقوله { :أن يفقهوه } يعود إل القرآن كله .فعلم
10
أن ال يب أن يفقه ؛ ولذا قال السن البصري :ما أنزل ال آية إل وهو يب أن
يعلم ف ماذا أنزلت وماذا عن با وما استثن من ذلك ل متشابا ول غيه .وقال
ماهد :عرضت الصحف على ابن عباس من أوله إل آخره مرات أقف عند كل
آية وأسأله عنها .
فهذا ابن عباس حب المة وهو أحد من كان يقول :ل يعلم تأويله إل ال ييب
ماهدا عن كل آية ف القرآن .وهذا هو الذي حل ماهدا ومن وافقه كابن قتيبة
على أن جعلوا الوقف عند قوله { والراسخون ف العلم } فجعلوا الراسخي
يعلمون التأويل لن ماهدا تعلم من ابن عباس تفسي القرآن كله وبيان معانيه فظن
أن هذا هو التأويل النفي عن غي ال .
وأصل ذلك أن لفظ " التأويل " فيه اشتراك بي ما عناه ال ف القرآن وبي ما
كان يطلقه طوائف من السلف وبي اصطلح طوائف من التأخرين فبسبب
الشتراك ف لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معن بلغته أن ذلك هو الذكور ف
القرآن .وماهد إمام التفسي .قال الثوري :إذا جاءك التفسي عن ماهد فحسبك
به .وأما التأويل فشأن آخر .
ويبي ذلك أن الصحابة والتابعي ل يتنع أحد منهم عن تفسي آية من كتاب ال
ول قال هذه من التشابه الذي ل يعلم معناه ول قال قط أحد من سلف المة ول
من الئمة التبوعي :إن ف القرآن آيات ل يعلم معناها ول يفهمها رسول ال
صلى ال عليه وسلم ول أهل العلم واليان جيعهم وإنا قد ينفون علم بعض ذلك
عن بعض الناس وهذا ل ريب فيه .وإنا وضع هذه السألة التأخرون من الطوائف
بسبب الكلم ف آيات الصفات وآيات القدر وغي ذلك .فلقبوها " :هل يوز
أن يشتمل القرآن على ما ل يعلم معناه " .وما " تعبدنا بتلوة حروفه بل فهم "
فجوز ذلك طوائف متمسكي بظاهر من هذه الية وبأن ال يتحن عباده با شاء
11
ومنعها طوائف ليتوصلوا بذلك إل تأويلتم الفاسدة الت هي تريف الكلم عن
مواضعه .والغالب على كل الطائفتي الطأ أولئك يقصرون ف فهم القرآن بنلة
من قيل فيه { :ومنهم أميون ل يعلمون الكتاب إل أمان } وهؤلء معتدون بنلة
الذين يرفون الكلم عن مواضعه .
ومن التأخرين من وضع السألة بلقب شنيع فقال " :ل يوز أن يتكلم ال بكلم
ول يعن به شيئا خلفا للحشوية " .
وهذا ل يقله مسلم إن ال يتكلم با ل معن له .وإنا الناع هل يتكلم با ل يفهم
معناه ؟ وبي نفي العن عند التكلم ونفي الفهم عند الخاطب بون عظيم .ث
احتج با ل يري على أصله فقال :هذا عبث والعبث على ال مال .وعنده أن
ال ل يقبح منه شيء أصل بل يوز أن يفعل كل شيء وليس له أن يقول :العبث
صفة نقص فهو منتف عنه ؛ لن الناع ف الروف وهي عنده ملوقة من جلة
الفعال ويوز أن يشتمل الفعل عنده على كل صفة فل نقل صحيح ول عقل
صريح .ومثار الفتنة بي الطائفتي ومار عقولم :أن مدعي التأويل أخطئوا ف
زعمهم أن العلماء يعلمون التأويل وف دعواهم أن التأويل هو تأويلهم الذي هو
تريف الكلم عن مواضعه ؛ فإن الولي لعلمهم بالقرآن والسنن وصحة عقولم
وعلمهم بكلم السلف وكلم العرب علموا يقينا أن التأويل الذي يدعيه هؤلء
ليس هو معن القرآن ؛ فإنم حرفوا الكلم عن مواضعه وصاروا مراتب ما بي
قرامطة وباطنية يتأولون الخبار والوامر وما بي صابئة فلسفة يتأولون عامة
الخبار عن ال وعن اليوم الخر حت عن أكثر أحوال النبياء وما بي جهمية
ومعتزلة يتأولون بعض ما جاء ف اليوم الخر وف آيات القدر ويتأولون آيات
الصفات وقد وافقهم بعض متأخري الشعرية على ما جاء ف بعض الصفات
12
وبعضهم ف بعض ما جاء ف اليوم الخر وآخرون من أصناف المة وإن كان
تغلب عليهم السنة فقد يتأولون أيضا مواضع يكون تأويلهم من تريف الكلم عن
مواضعه .
والذين ادعوا العلم بالتأويل مثل طائفة من السلف وأهل السنة وأكثر أهل الكلم
والبدع رأوا أيضا أن النصوص دلت على معرفة معان القرآن ورأوا عجزا وعيبا
وقبيحا أن ياطب ال عباده بكلم يقرءونه ويتلونه وهم ل يفهمونه وهم مصيبون
فيما استدلوا به من سع وعقل ؛ لكن أخطئوا ف معن التأويل الذي نفاه ال وف
التأويل الذي أثبتوه وتسلق بذلك مبتدعتهم إل تريف الكلم عن مواضعه وصار
الولون أقرب إل السكوت والسلمة بنوع من الهل وصار الخرون أكثر كلما
وجدال ولكن بفرية على ال وقول عليه ما ل يعلمونه وإلاد ف أسائه وآياته .
فهذا هذا .ومنشأ الشبهة الشتراك ف لفظ التأويل .
فإن " التأويل " ف عرف التأخرين من التفقهة والتكلمة والحدثة والتصوفة
ونوهم هو صرف اللفظ عن العن الراجح إل العن الرجوح لدليل يقترن به وهذا
هو التأويل الذي يتكلمون عليه ف أصول الفقه ومسائل اللف .فإذا قال أحدهم
:هذا الديث أو هذا النص مؤول أو هو ممول على كذا قال الخر :هذا نوع
تأويل والتأويل يتاج إل دليل .
والتأول عليه وظيفتان :بيان احتمال اللفظ للمعن الذي ادعاه وبيان الدليل
الوجب للصرف إليه عن العن الظاهر وهذا هو التأويل الذي يتنازعون فيه ف
مسائل الصفات إذا صنف بعضهم ف إبطال التأويل أو ذم التأويل أو قال بعضهم
آيات الصفات ل تؤول وقال الخر :بل يب تأويلها وقال الثالث :بل التأويل
جائز يفعل عند الصلحة ويترك عند الصلحة أو يصلح للعلماء دون غيهم إل غي
ذلك من القالت والتنازع .وأما " التأويل " ف لفظ السلف فله معنيان :
13
" أحدها " تفسي الكلم وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل
والتفسي عند هؤلء متقاربا أو مترادفا وهذا -وال أعلم -هو الذي عناه ماهد
أن العلماء يعلمون تأويله وممد بن جرير الطبي يقول ف تفسيه :القول ف
تأويل قوله كذا وكذا واختلف أهل التأويل ف هذه الية ونو ذلك ومراده التفسي
.
و " العن الثان " ف لفظ السلف -وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقا : -هو
نفس الراد بالكلم فإن الكلم إن كان طلبا كان تأويله نفس الفعل الطلوب وإن
كان خبا كان تأويله نفس الشيء الخب به .
وبي هذا العن والذي قبله بون ؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم
والكلم كالتفسي والشرح واليضاح ويكون وجود التأويل ف القلب واللسان له
الوجود الذهن واللفظي والرسي .
وأما هذا فالتأويل فيه نفس المور الوجودة ف الارج سواء كانت ماضية أو
مستقبلة .
فإذا قيل :طلعت الشمس فتأويل هذا نفس طلوعها .ويكون " التأويل " من باب
الوجود العين الارجي فتأويل الكلم هو القائق الثابتة ف الارج با هي عليه من
صفاتا وشؤونا وأحوالا وتلك القائق ل تعرف على ما هي عليه بجرد الكلم
والخبار إل أن يكون الستمع قد تصورها أو تصور نظيها بغي كلم وإخبار ؛
لكن يعرف من صفاتا وأحوالا قدر ما أفهمه الخاطب :إما بضرب الثل وإما
بالتقريب وإما بالقدر الشترك بينها وبي غيها وإما بغي ذلك .
وهذا الوضع والعرف الثالث هو لغة القرآن الت نزل با .وقد قدمنا التبيي ف
ذلك .ومن ذلك قول يعقوب عليه السلم ليوسف { :وكذلك يتبيك ربك
ويعلمك من تأويل الحاديث ويتم نعمته عليك } وقوله { :ودخل معه السجن
14
فتيان قال أحدها إن أران أعصر خرا وقال الخر إن أران أحل فوق رأسي خبزا
تأكل الطي منه نبئنا بتأويله إنا نراك من الحسني } { قال ل يأتيكما طعام ترزقانه
إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } وقول الل { :أضغاث أحلم وما نن
بتأويل الحلم بعالي } { وقال الذي نا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله
فأرسلون } وقول يوسف لا دخل عليه أهله مصر { آوى إليه أبويه وقال ادخلوا
مصر إن شاء ال آمني } { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت
هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها رب حقا } .فتأويل الحاديث الت هي رؤيا
النام هي نفس مدلولا الت تؤول إليه كما قال يوسف { :هذا تأويل رؤياي من
قبل } والعال بتأويلها :الذي يب به .كما قال يوسف { :ل يأتيكما طعام
ترزقانه } أي ف النام { إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } أي قبل أن يأتيكما
التأويل .
وقال ال تعال { :فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم تؤمنون
بال واليوم الخر ذلك خي وأحسن تأويل } قالوا :أحسن عاقبة ومصيا .
فالتأويل هنا تأويل فعلهم الذي هو الرد إل الكتاب والسنة .والتأويل ف سورة
يوسف تأويل أحاديث الرؤيا .والتأويل ف العراف ويونس تأويل القرآن وكذلك
ف سورة آل عمران .وقال تعال ف قصة موسى والعال { :قال هذا فراق بين
وبينك سأنبئك بتأويل ما ل تستطع عليه صبا } إل قوله { :وما فعلته عن أمري
ذلك تأويل ما ل تسطع عليه صبا } فالتأويل هنا تأويل الفعال الت فعلها العال
من خرق السفينة بغي إذن صاحبها ومن قتل الغلم ومن إقامة الدار فهو تأويل
عمل ل تأويل قول .وإنا كان كذلك لن التأويل مصدر أوله يؤوله تأويل مثل
حول تويل وعول تعويل
15
وأول يؤول تعديه آل يئول أول مثل حال يول حول .وقولم :آل يئول أي
عاد إل كذا ورجع إليه ومنه " الآل " وهو ما يئول إليه الشيء ويشاركه ف
الشتقاق الكب " الوئل " فإنه من وأل وهذا من أول .والوئل الرجع قال تعال :
{ لن يدوا من دونه موئل } .وما يوافقه ف اشتقاقه الصغر " الل " فإن آل
الشخص من يئول إليه ؛ ولذا ل يستعمل إل ف عظيم بيث يكون الضاف إليه
أعظم من الضاف يصلح أن يئول إليه الل كآل إبراهيم وآل لوط وآل فرعون
بلف الهل والول أفعل لنم قالوا ف تأنيثه أول كما قالوا جادى الول .وف
القصص { :له المد ف الول والخرة }
ومن الناس من يقول :فوعل ويقول :أولة .إل أن هذا يتاج إل شاهد من كلم
العرب ؛ بل عدم صرفه يدل على أنه أفعل ل فوعل فإن فوعل مثل كوثر وجوهر
مصروف ،سي التقدم أول -وال أعلم -لن ما بعده يئول إليه ويبن عليه فهو
أس لا بعده وقاعدة له .والصيغة صيغة تفضيل ل صفة مثل أكب وكبى وأصغر
وصغرى ل من باب أحر وحراء ؛ ولذا يقولون :جئته من أول أمس وقال { :
لسجد أسس على التقوى من أول يوم } { وأنا أول السلمي } { ول تكونوا
أول كافر به } فإذا قيل هذا أول هؤلء فهو الذي فضل عليهم ف الول لن كل
واحد يرجع إل ما قبله فيعتمد عليه وهذا السابق كلهم يئول إليه فإن من تقدم ف
فعل فاست به من بعده كان السابق الذي يئول الكل إليه فالول له وصف السؤدد
والتباع .ولفظ " الول " مشعر بالرجوع والعود و " الول " مشعر بالبتداء
والبتدأ ؛ خلف العائد لنه إنا كان أول لا بعده فإنه يقال :أول السلمي و أول
يوم فما فيه من معن الرجوع والعود هو للمضاف إليه ل للمضاف .
وإذا قلنا :آل فلن فالعود إل الضاف ؛ لن ذلك صيغة تفضيل ف كونه مآل
ومرجعا لغيه لن كونه مفضل دل على أنه مآل ومرجع ل آيل راجع ؛ إذ ل
16
فضل ف كون الشيء راجعا إل غيه آيل إليه وإنا الفضل ف كونه هو الذي يرجع
إليه ويؤال إليه .فلما كانت الصيغة صيغة تفضيل أشعرت بأنه مفضل ف كونه
مآل ومرجعا والتفضيل الطلق ف ذلك يقتضي أن يكون هو السابق البتدئ وال
أعلم .فتأويل الكلم ما أوله إليه التكلم أو ما يؤول إليه الكلم أو ما تأوله التكلم
؛ فإن التفعيل يري على غي فعل كقول { :وتبتل إليه تبتيل } فيجوز أن يقال
تأول الكلم إل هذا العن تأويل وتأولت الكلم تأويل وأولت الكلم تأويل .
والصدر واقع موقع الصفة إذ قد يصل الصدر صفة بعن الفاعل كعدل وصوم
وفطر وبعن الفعول كدرهم ضرب المي وهذا خلق ال .فالتأويل :هو ما أول
إليه الكلم أو يؤول إليه أو تأول هو إليه .والكلم إنا يرجع ويعود ويستقر ويئول
ويؤول إل حقيقته الت هي عي القصود به كما قال بعض السلف ف قوله { لكل
نبإ مستقر } قال حقيقة فإنه إن كان خبا فإل القيقة الخب با يئول ويرجع وإل
ل تكن له حقيقة ول مآل ول مرجع بل كان كذبا وإن كان طلبا فإل القيقة
الطلوبة يئول ويرجع وإن ل يكن مقصوده موجودا ول حاصل .ومت كان الب
وعدا أو وعيدا فإل القيقة الطلوبة النتظرة يئول كما { روي عن النب صلى ال
عليه وسلم أنه تل هذه الية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من
فوقكم أو من تت أرجلكم أو يلبسكم شيعا } قال إنا كائنة ول يأت تأويلها
بعد } وعن عبد ال قال :خس قد مضي البطشة واللزام والدخان والقمر والروم
.
فصل :
وأما إدخال أساء ال وصفاته أو بعض ذلك ف التشابه الذي ل يعلم تأويله إل ال
.أو اعتقاد أن ذلك هو التشابه الذي استأثر ال بعلم تأويله كما يقول كل واحد
17
من القولي طوائف من أصحابنا وغيهم .فإنم وإن أصابوا ف كثي ما يقولونه
ونوا من بدع وقع فيها غيهم فالكلم على هذا من وجهي :
الول :
من قال :إن هذا من التشابه وأنه ل يفهم معناه فنقول أما الدليل على [ بطلن ]
ذلك فإن ما أعلم عن أحد من سلف المة ول من الئمة ل أحد بن حنبل ول
غيه أنه جعل ذلك من التشابه الداخل ف هذه الية ونفى أن يعلم أحد معناه .
وجعلوا أساء ال وصفاته بنلة الكلم العجمي الذي ل يفهم ول قالوا :إن ال
ينل كلما ل يفهم أحد معناه وإنا قالوا كلمات لا معان صحيحة .قالوا ف
أحاديث الصفات :تر كما جاءت .ونوا عن تأويلت الهمية وردوها وأبطلوها
الت مضمونا تعطيل النصوص عما دلت عليه .
ونصوص أحد والئمة قبله بينة ف أنم كانوا يبطلون تأويلت الهمية ويقرون
النصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منها بعض ما دلت عليه كما
يفهمون ذلك ف سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغي ذلك .وأحد قد
قال ف غي أحاديث الصفات :تر كما جاءت وف أحاديث الوعيد مثل قوله { :
من غشنا فليس منا } وأحاديث الفضائل ومقصوده بذلك أن الديث ل يرف
كلمه عن مواضعه كما يفعله من يرفه ويسمى تريفه تأويل بالعرف التأخر .
فتأويل هؤلء التأخرين عند الئمة تريف باطل وكذلك نص أحد ف كتاب "
الرد على الزنادقة والهمية " أنم تسكوا بتشابه القرآن وتكلم أحد على ذلك
التشابه وبي معناه وتفسيه با يالف تأويل الهمية وجرى ف ذلك على سنن
الئمة قبله .فهذا اتفاق من الئمة على أنم يعلمون معن هذا التشابه وأنه ل
يسكت عن بيانه وتفسيه بل يبي ويفسر باتفاق الئمة من غي تريف له عن
مواضعه أو إلاد ف أساء ال وآياته .وما يوضح لك ما وقع هنا من الضطراب
18
أن أهل السنة متفقون على إبطال تأويلت الهمية ونوهم من النحرفي اللحدين
.و " التأويل الردود " هو صرف الكلم عن ظاهره إل ما يالف ظاهره .فلو
قيل إن هذا هو التأويل الذكور ف الية وأنه ل يعلمه إل ال لكان ف هذا تسليم
للجهمية أن للية تأويل يالف دللتها لكن ذلك ل يعلمه إل ال وليس هذا
مذهب السلف والئمة وإنا مذهبهم نفي هذه التأويلت وردها ؛ ل التوقف فيها
وعندهم قراءة الية والديث تفسيها وتر كما جاءت دالة على العان ل ترف
ول يلحد فيها .والدليل على أن هذا ليس بتشابه ل يعلم معناه أن نقول :ل
ريب أن ال سى نفسه ف القرآن بأساء مثل الرحن والودود والعزيز والبار
والعليم والقدير والرءوف ونو ذلك ووصف نفسه بصفات مثل " سورة الخلص
" و " آية الكرسي " وأول " الديد " وآخر " الشر " وقوله { :إن ال بكل
شيء عليم } و { على كل شيء قدير } وأنه { يب التقي } و { القسطي }
و { الحسني } وأنه يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالات { فلما آسفونا
انتقمنا منهم } { ذلك بأنم اتبعوا ما أسخط ال } { ولكن كره ال انبعاثهم }
{ الرحن على العرش استوى } { ث استوى على العرش يعلم ما يلج ف الرض
وما يرج منها وما ينل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم } {
وهو الذي ف السماء إله وف الرض إله وهو الكيم العليم } { إليه يصعد الكلم
الطيب والعمل الصال يرفعه } { إنن معكما أسع وأرى } { .وهو ال ف
السماوات وف الرض } { ما منعك أن تسجد لا خلقت بيدي } { بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء } { .ويبقى وجه ربك ذو اللل والكرام } { .
يريدون وجهه } { ولتصنع على عين } -إل أمثال ذلك .فيقال لن ادعى ف
هذا أنه متشابه ل يعلم معناه :أتقول هذا ف جيع ما سى ال ووصف به نفسه أم
ف البعض ؟ فإن قلت :هذا ف الميع كان هذا عنادا ظاهرا وجحدا لا يعلم
19
بالضطرار من دين السلم بل كفر صريح .فإنا نفهم من قوله { :إن ال بكل
شيء عليم } معن ونفهم من قوله { :إن ال على كل شيء قدير } معن ليس
هو الول ونفهم من قوله { :ورحت وسعت كل شيء } معن ونفهم من قوله :
{ إن ال عزيز ذو انتقام } معن .وصبيان السلمي بل وكل عاقل يفهم هذا .
وقد رأيت بعض من ابتدع وجحد من أهل الغرب -مع انتسابه إل الديث لكن
أثرت فيه الفلسفة الفاسدة -من يقول :إنا نسمي ال الرحن العليم القدير علما
مضا من غي أن نفهم منه معن يدل على شيء قط وكذلك ف قوله { :ول
ييطون بشيء من علمه } يطلق هذا اللفظ من غي أن نقول له علم .وهذا الغلو
ف الظاهر من جنس غلو القرامطة ف الباطن لكن هذا أيبس وذاك أكفر .ث يقال
لذا العاند :فهل هذه الساء دالة على الله العبود وعلى حق موجود أم ل ؟ فإن
قال :ل كان معطل مضا وما أعلم مسلما يقول هذا .وإن قال :نعم قيل له :
فلم فهمت منها دللتها على نفس الرب ول تفهم دللتها على ما فيها من العان
من الرحة والعلم وكلها ف الدللة سواء ؟ فل بد أن يقول :نعم ؛ لن ثبوت
الصفات مال ف العقل لنه يلزم منه التركيب أو الدوث بلف الذات .
فيخاطب حينئذ با ياطب به الفريق الثان كما سنذكره وهو من أقر بفهم بعض
معن هذه الساء والصفات دون بعض .فيقال له :ما الفرق بي ما أثبته وبي ما
نفيته أو سكت عن إثباته ونفيه فإن الفرق إما أن يكون من جهة السمع لن أحد
النصي دال دللة قطعية أو ظاهرة بلف الخر أو من جهة العقل بأن أحد العنيي
يوز أو يب إثباته دون الخر وكل الوجهي باطل ف أكثر الواضع ؟ .أما "
الول " فدللة القرآن على أنه رحن رحيم ودود سيع بصي علي عظيم كدللته
على أنه عليم قدير ليس بينهما فرق من جهة النص وكذلك ذكره لرحته ومبته
وعلوه مثل ذكره لشيئته وإرادته .
20
وأما " الثان "
فيقال لن أثبت شيئا ونفى آخر :ل نفيت مثل حقيقة رحته ومبته وأعدت ذلك
إل إرادته ؟ فإن قال :لن العن الفهوم من الرحة ف حقنا هي رقة تتنع على ال
قيل له :والعن الفهوم من الرادة ف حقنا هي ميل يتنع على ال .
فإن قال :إرادته ليست من جنس إرادة خلقه قيل له :ورحته ليست من جنس
رحة خلقه وكذلك مبته .وإن قال -وهو حقيقة قوله : -ل أثبت الرادة
وغيها بالسمع وإنا أثبت العلم والقدرة والرادة بالعقل وكذلك السمع والبصر
والكلم على إحدى الطريقتي لن الفعل دل على القدرة والحكام دل على العلم
والتخصيص دل على الرادة قيل له الواب من ثلثة أوجه :
أحدها :
أن النعام والحسان وكشف الضر دل أيضا على الرحة كدللة التخصيص على
الرادة .والتقريب والدناء وأنواع التخصيص الت ل تكون إل من الحب تدل
على الحبة أو مطلق التخصيص يدل على الرادة .وأما التخصيص بالنعام
فتخصيص خاص .والتخصيص بالتقريب والصطفاء تقريب خاص .وما سلكه
ف مسلك الرادة يسلك ف مثل هذا .
الثان :
يقال له :هب أن العقل ل يدل على هذا فإنه ل ينفيه إل بثل ما ينفي به
الرادة ،والسمع دليل مستقل بنفسه بل الطمأنينة إليه ف هذه الضايق أعظم
ودللته أت فلي شيء نفيت مدلوله أو توقفت وأعدت هذه الصفات كلها إل
الرادة مع أن النصوص [ ل ] تفرق ؟ فل يذكر حجة إل عورض بثلها ف إثباته
الرادة زيادة على الفعل .
" الثالث "
21
يقال له :إذا قال لك الهمي الرادة ل معن لا إل عدم الكراه أو نفس الفعل
والمر به وزعم أن إثبات إرادة تقتضي مذورا إن قال بقدمها ومذورا إن قال
بدوثها .وهنا اضطربت العتزلة فإنم ل يقولون بإرادة قدية لمتناع صفة قدية
عندهم ول يقولون بتجدد صفة له لمتناع حلول الوادث عند أكثرهم مع
تناقضهم .فصاروا حزبي :البغداديون وهم أشد غلوا ف البدعة ف الصفات وف
القدر نفوا حقيقة الرادة .وقال الاحظ ل معن لا إل عدم الكراه .
وقال الكعب ل معن لا إل نفس الفعل إذا تعلقت بفعله ونفس المر إذا تعلقت
بطاعة عباده .والبصريون كأب علي وأب هاشم قالوا :تدث إرادة ل ف مل فل
إرادة فالتزموا حدوث حادث غي مراد وقيام صفة بغي مل وكلها عند العقلء
معلوم الفساد بالبديهة .كان جوابه أن ما ادعى إحالته من ثبوت الصفات ليس
بحال والنص قد دل عليها والعقل أيضا فإذا أخذ الصم ينازع ف دللة النص أو
العقل جعله مسفسطا أو مقرمطا وهذا بعينه موجود ف الرحة والحبة فإن خصومه
ينازعونه ف دللة السمع والعقل عليها على الوجه القطعي .ث يقال لصومه :ب
أثبتم أنه عليم قدير ؟ فما أثبتوه به من سع وعقل فبعينه تثبت الرادة وما عارضوا
به من الشبه عورضوا بثله ف العليم والقدير .
وإذا انتهى المر إل ثبوت العان وأنا تستلزم الدوث أو التركيب والفتقار كان
الواب ما قررناه ف غي هذا الوضع ؛ فإن ذلك ل يستلزم حدوثا ول تركيبا
مقتضيا حاجة إل غيه .ويعارضون أيضا با ينفي به أهل التعطيل الذات من الشبه
الفاسدة ويلزمون بوجود الرب الالق العلوم بالفطرة اللقية والضرورة العقلية
والقواطع العقلية واتفاق المم وغي ذلك من الدلئل ث يطالبون بوجود من جنس
ما نعهده أو بوجود يعلمون كيفيته فل بد أن يفروا إل إثبات ما ل تشبه حقيقته
القائق .
22
فالقول ف سائر ما سى ووصف به نفسه كالقول ف نفسه سبحانه وتعال .و "
نكتة هذا الكلم " أن غالب من نفى وأثبت شيئا ما دل عليه الكتاب والسنة ل بد
أن يثبت الشيء لقيام القتضي وانتفاء الانع وينفي الشيء لوجود الانع أو لعدم
القتضي أو يتوقف إذا ل يكن له عنده مقتض ول مانع فيبي له أن القتضي فيما
نفاه قائم ؛ كما أنه فيما أثبته قائم إما من كل وجه أو من وجه يب به الثبات .
فإن كان القتضي هناك حقا فكذلك هنا وإل فدرء ذاك القتضي من جنس درء
هذا .وأما الانع فيبي أن الانع الذي تيله فيما نفاه من جنس الانع الذي تيله
فيما أثبته فإذا كان ذلك الانع الستحيل موجودا على التقديرين ل ينج من مذوره
بإثبات أحدها ونفي الخر فإنه إن كان حقا نفاها وإن كان باطل ل ينف واحدا
منهما فعليه أن يسوي بي المرين ف الثبات والنفي ول سبيل إل النفي فتعي
الثبات .
فهذه نكتة اللزام لن أثبت شيئا .وما من أحد إل ول بد أن يثبت شيئا أو يب
عليه إثباته .فهذا يعطيك من حيث الملة أن اللوازم الت يدعي أنا موجبة النفي
خيالت غي صحيحة وإن ل يعرف فسادها على التفصيل وأما من حيث التفصيل
فيبي فساد الانع وقيام القتضي كما قرر هذا غي مرة .فإن قال من أثبت هذه
الصفات الت هي فينا أعراض كالياة والعلم والقدرة ول يثبت ما هو فينا أبعاض
كاليد والقدم :هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم .قيل له :وتلك
أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلي كما استلزمت هذه عندك التركيب
السي فإن أثبت تلك على وجه ل تكون أعراضا أو تسميتها أعراضا ل ينع ثبوتا
قيل له :وأثبت هذه على وجه ل تكون تركيبا وأبعاضا أو تسميتها تركيبا
وأبعاضا ل ينع ثبوتا .
23
فإن قيل :هذه ل يعقل منها إل الجزاء قيل له :وتلك ل يعقل منها إل العراض
فإن قال :العرض ما ل يبقى وصفات الرب باقية .قيل :والبعض ما جاز انفصاله
عن الملة وذلك ف حق ال مال فمفارقة الصفات القدية مستحيلة ف حق ال
تعال مطلقا والخلوق يوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه .فإن قال ذلك تسيم
والتجسيم منتف قيل :وهذا تسيم والتجسيم منتف .فإن قال :أنا أعقل صفة
ليست عرضا بغي متحيز وإن ل يكن له ف الشاهد نظي قيل له :فاعقل صفة هي
لنا بعض لغي متحيز وإن ل يكن له ف الشاهد نظي فإن نفي عقل هذا نفي عقل
ذاك وإن كان بينهما نوع فرق لكنه فرق غي مؤثر ف موضع الناع ؛ ولذا كانت
العطلة الهمية تنفي الميع لكن ذاك أيضا مستلزم لنفي الذات ومن أثبت هذه
الصفات البية من نظي هؤلء صرح بأنا صفة قائمة به كالعلم والقدرة وهذا
أيضا ليس هو معقول النص ول مدلول العقل وإنا الضرورة ألأتم إل هذه
الضايق .وأصل ذلك :أنم أتوا بألفاظ ليست ف الكتاب ول ف السنة وهي
ألفاظ جلة مثل " :متحيز " و " مدود " و " جسم " و " مركب " ونو ذلك
ونفوا مدلولا وجعلوا ذلك مقدمة بينهم مسلمة ومدلول عليها بنوع قياس وذلك
القياس أوقعهم فيه مسلك سلكوه ف إثبات حدوث العال بدوث العراض أو
إثبات إمكان السم بالتركيب من الجزاء فوجب طرد الدليل بالدوث والمكان
لكل ما شله هذا الدليل ؛ إذ الدليل القطعي ل يقبل الترك لعارض راجح فرأوا
ذلك يعكر عليهم من جهة النصوص ومن جهة العقل من ناحية أخرى فصاروا
أحزابا .تارة يغلبون القياس الول ويدفعون ما عارضه وهم العتزلة وتارة يغلبون
القياس الثان ويدفعون الول كهشام بن الكم الرافضي فإنه قد قيل :أول ما
تكلم ف السم نفيا وإثباتا من زمن هشام بن الكم وأب الذيل العلف فإن أبا
الذيل ونوه من قدماء العتزلة نفوا السم لا سلكوا من القياس فعارضهم هشام
24
وأثبت السم لا سلكوه من القياس واعتقد الولون إحالة ثبوته واعتقد هذا إحالة
نفيه وتارة يمعون بي النصوص والقياس بمع يظهر فيه الحالة والتناقض .فما
أعلم أحدا من الارجي عن الكتاب والسنة من جيع فرسان الكلم والفلسفة إل
ول بد أن يتناقض فيحيل ما أوجب نظيه ويوجب ما أحال نظيه إذ كلمهم من
عند غي ال وقد قال ال تعال { :ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا
كثيا } .والصواب ما عليه أئمة الدى وهو أن يوصف ال با وصف به نفسه أو
وصفه به رسوله ل يتجاوز القرآن والديث
ويتبع ف ذلك سبيل السلف الاضي أهل العلم واليان والعان الفهومة من
الكتاب والسنة ل ترد بالشبهات فتكون من باب تريف الكلم عن مواضعه ول
يعرض عنها فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربم يرون عليها صما
وعميانا ول يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين ل يعلمون الكتاب إل أمان .
فهذا أحد الوجهي وهو منع أن تكون هذه من التشابه .
الوجه الثان :أنه إذا قيل :
هذه من التشابه أو كان فيها ما هو من التشابه كما نقل عن بعض الئمة أنه سى
بعض ما استدل به الهمية متشابا فيقال :الذي ف القرآن أنه ل يعلم تأويله إل
ال إما التشابه وإما الكتاب كله كما تقدم ونفي علم تأويله ليس نفي علم معناه
كما قدمناه ف القيامة وأمور القيامة وهذا الوجه قوي إن ثبت حديث ابن إسحاق
ف وفد نران أنم احتجوا على النب صلى ال عليه وسلم بقوله ( :إنا و ( نن
ونو ذلك ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن ف القرآن متشابا وهو ما يتمل معنيي وف
مسائل الصفات ما هو من هذا الباب كما أن ذلك ف مسائل العاد وأول فإن نفي
الشابة بي ال وبي خلقه أعظم من نفي الشابة بي موعود النة وموجود الدنيا .
وإنا نكتة الواب هو ما قدمناه أول أن نفي علم التأويل ليس نفيا لعلم العن
25
ونزيده تقريرا أن ال سبحانه يقول { :ولقد ضربنا للناس ف هذا القرآن من كل
مثل لعلهم يتذكرون } { قرءانا عربيا غي ذي عوج لعلهم يتقون } وقال تعال :
{ الر تلك آيات الكتاب البي } { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } فأخب
أنه أنزله ليعقلوه وأنه
26
وقال أيضا { :وتلك المثال نضربا للناس لعلهم يتفكرون } فحض على تدبره
وفقهه وعقله والتذكر به والتفكر فيه ول يستثن من ذلك شيئا ؛ بل نصوص
متعددة تصرح بالعموم فيه مثل قوله { أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالا }
وقوله { أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا
} ومعلوم أن نفي الختلف عنه ل يكون إل بتدبره كله وإل فتدبر بعضه ل
يوجب الكم بنفي مالفه ما ل يتدبر لا تدبر .وقال علي رضي ال عنه لا قيل له
:هل ترك عندكم رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ؟ فقال :ل والذي فلق
البة وبرأ النسمة إل فهما يؤتيه ال عبدا ف كتابه وما ف هذه الصحيفة .فأخب أن
الفهم فيه متلف ف المة والفهم أخص من العلم والكم قال ال تعال { :
ففهمناها سليمان وكل آتينا حكما وعلما } وقال النب صلى ال عليه وسلم {
رب مبلغ أوعى من سامع } وقال { بلغوا عن ولو آية } .وأيضا فالسلف من
الصحابة والتابعي وسائر المة قد تكلموا ف جيع نصوص القرآن آيات الصفات
وغيها وفسروها با يوافق دللتها وبيانا ورووا عن النب صلى ال عليه وسلم
أحاديث كثية توافق القرآن وأئمة الصحابة ف هذا أعظم من غيهم مثل عبد ال
بن مسعود الذي كان يقول :
لو أعلم أعلم بكتاب ال من تبلغه آباط البل لتيته .
وعبد ال بن عباس الذي دعا له النب صلى ال عليه وسلم وهو حب المة وترجان
القرآن كانا ها وأصحابما من أعظم الصحابة والتابعي إثباتا للصفات ورواية لا
عن النب صلى ال عليه وسلم ومن له خبة بالديث والتفسي يعرف هذا وما ف
التابعي أجل من أصحاب هذين السيدين بل وثالثهما ف علية التابعي من جنسهم
أو قريب منهم ومثلهما ف جللته جللة أصحاب زيد بن ثابت ؛ لكن أصحابه مع
جللتهم ليسوا متصي به بل أخذوا عن غيه مثل عمر وابن عمر وابن عباس .
27
ولو كان معان هذه اليات منفيا أو مسكوتا عنه ل يكن ربانيو الصحابة أهل العلم
بالكتاب والسنة أكثر كلما فيه .ث إن الصحابة نقلوا عن النب صلى ال عليه
وسلم أنم كانوا يتعلمون منه التفسي مع التلوة ول يذكر أحد منهم عنه قط أنه
امتنع من تفسي آية .
28
الستواء ف القرآن ول إخبار ال بالستواء ؛ وإنا قال :الستواء معلوم .فأخب
عن السم الفرد أنه معلوم ل يب عن الملة .وأيضا فإنه قال " :والكيف مهول
" ولو أراد ذلك لقال معن الستواء مهول أو تفسي الستواء مهول أو بيان
الستواء غي معلوم فلم ينف إل العلم بكيفية الستواء ل العلم بنفس الستواء .
وهذا شأن جيع ما وصف ال به نفسه لو قال ف قوله { :إنن معكما أسع
وأرى } كيف يسمع وكيف يرى ؟ لقلنا :السمع والرؤيا معلوم والكيف مهول
ولو قال :كيف كلم موسى تكليما ؟ لقلنا :التكليم معلوم والكيف غي معلوم .
وأيضا فإن من قال هذا من أصحابنا وغيهم من أهل السنة :يقرون بأن ال فوق
العرش حقيقة وأن ذاته فوق ذات العرش ل ينكرون معن الستواء ول يرون هذا
من التشابه الذي ل يعلم معناه بالكلية .ث السلف متفقون على تفسيه با هو
مذهب أهل السنة .قال بعضهم :ارتفع على العرش عل على العرش .وقال
بعضهم عبارات أخرى وهذه ثابتة عن السلف قد ذكر البخاري ف صحيحه
بعضها ف آخر كتاب " الرد على الهمية " .وأما التأويلت الحرفة مثل استول
وغي ذلك فهي من التأويلت البتدعة لا ظهرت الهمية .وأيضا قد ثبت أن اتباع
التشابه ليس ف خصوص الصفات ؛ بل ف صحيح البخاري { أن النب صلى ال
عليه وسلم قال لعائشة يا عائشة إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين
سى ال فاحذريهم } وهذا عام .وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الطاب من
أشهر القضايا فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حت رآه عمر فسأل عمر عن
{ والذاريات ذروا } فقال :ما اسك ؟ قال :عبد ال صبيغ فقال :وأنا عبد ال
عمر وضربه الضرب الشديد .
وكان ابن عباس إذا أل عليه رجل ف مسألة من هذا النس يقول ما أحوجك أن
يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ .وهذا لنم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة ل
29
السترشاد والستفهام كما قال النب عليه الصلة والسلم { إذا رأيت الذين
يتبعون ما تشابه منه } وكما قال تعال { :فأما الذين ف قلوبم زيغ فيتبعون ما
تشابه منه ابتغاء الفتنة } فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذي يعارض بي
آيات القرآن وقد نى النب صلى ال عليه وسلم عن ذلك وقال { :ل تضربوا
كتاب ال بعضه ببعض } فإن ذلك يوقع الشك ف قلوبم .ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء
تأويله الذي ل يعلمه إل ال فكان مقصودهم مذموما ومطلوبم متعذرا مثل
أغلوطات السائل الت نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها .
وما يبي الفرق بي " العن " و " التأويل " أن صبيغا سأل عمر عن ( الذاريات
وليست من الصفات وقد تكلم الصحابة ف تفسيها مثل علي بن أب طالب مع
ابن الكواء لا سأله عنها كره سؤاله لا رآه من قصده ؛ لكن علي كانت رعيته
ملتوية عليه ل يكن مطاعا فيهم طاعة عمر حت يؤدبه .و ( الذاريات و
( الاملت و ( الاريات و ( القسمات فيها اشتباه لن اللفظ يتمل الرياح
والسحاب والنجوم واللئكة ويتمل غي ذلك إذ ليس ف اللفظ ذكر الوصوف .
والتأويل الذي ل يعلمه إل ال هو أعيان الرياح ومقاديرها وصفاتا ومت تب
وأعيان السحاب وما تمله من المطار ومت ينل الطر وكذلك ف ( الاريات و
( القسمات فهذا ل يعلمه إل ال .وكذلك ف قوله ( :إنا و ( نن ونوها من
أساء ال الت فيها معن المع كما اتبعه النصارى ؛ فإن معناه معلوم وهو ال
سبحانه
لكن اسم المع يدل على تعدد العان ؛ بنلة الساء التعددة :مثل العليم
والقدير والسميع والبصي فإن السمى واحد ومعان الساء متعددة فهكذا السم
الذي لفظه المع .وأما التأويل الذي اختص ال به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال
مالك .والكيف مهول .فإذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسعه وبصره قيل هذا
30
هو التأويل الذي ل يعلمه إل ال .وما أحسن ما يعاد التأويل إل القرآن كله .
فإن قيل :فقد { قال النب صلى ال عليه وسلم لبن عباس اللهم فقهه ف الدين
وعلمه التأويل } قيل :أما تأويل المر والنهي فذاك يعلمه واللم هنا للتأويل
العهود ل يقل :تأويل كل القرآن فالتأويل النفي هو تأويل الخبار الت ل يعلم
حقيقة مبها إل ال والتأويل العلوم هو المر الذي يعلم العباد تأويله وهذا كقوله
{ :هل ينظرون إل تأويله يوم يأت تأويله } وقوله { :بل كذبوا با ل ييطوا
بعلمه ولا يأتم تأويله } فإن الراد تأويل الب الذي أخب فيه عن الستقبل فإنه هو
الذي " ينتظر " " ويأت " و " لا يأتم " .وأما تأويل المر والنهي فذاك ف المر .
وتأويل الب عن ال وعمن مضى إن أدخل ف التأويل ل ينتظر .
وال سبحانه أعلم وبه التوفيق ؟
31