You are on page 1of 31

‫الكليل في المتشابه‬

‫والتأويل‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪1‬‬
‫وقال شيخ السلم أبو العباس أحد بن تيمية الران الدمشقي المد ل رب‬
‫العالي وصلى ال على سيدنا ممد وآله وسلم فصل قوله تعال { وما أرسلنا من‬
‫قبلك من رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف أمنيته } إل قوله ‪ { :‬ليجعل‬
‫ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف قلوبم مرض والقاسية قلوبم وإن الظالي لفي‬
‫شقاق بعيد } { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له‬
‫قلوبم وإن ال لادي الذين آمنوا إل صراط مستقيم } ‪.‬‬
‫جعل ال القلوب ثلثة أقسام ‪ :‬قاسية وذات مرض ومؤمنة مبتة ؛ وذلك لنا إما‬
‫أن تكون يابسة جامدة ل تلي للحق اعترافا وإذعانا أو ل تكون يابسة جامدة ‪.‬‬
‫ف " الول " هو القاسي وهو الامد اليابس بنلة الجر ل ينطبع ول يكتب فيه‬
‫اليان ول يرتسم فيه العلم ؛ لن ذلك يستدعي مل لينا قابل ‪.‬‬
‫و " الثان " ل يلو إما أن يكون الق ثابتا فيه ل يزول عنه لقوته مع لينه أو‬
‫يكون لينه مع ضعف وانلل ‪ .‬فالثان هو الذي فيه مرض والول هو القوي اللي‬
‫‪ .‬وذلك أن القلب بنلة أعضاء السد كاليد مثل فإما أن تكون جامدة يابسة ل‬
‫تلتوي ول تبطش أو تبطش بعنف فذلك مثل القلب القاسي أو تكون ضعيفة‬
‫مريضة عاجزة لضعفها ومرضها فذلك مثل الذي فيه مرض أو تكون باطشة بقوة‬
‫ولي فهو مثل القلب العليم الرحيم فبالرحة خرج عن القسوة وبالعلم خرج عن‬
‫الرض ؛ فإن الرض من الشكوك والشبهات ‪ .‬ولذا وصف من عدا هؤلء بالعلم‬
‫واليان والخبات ‪ .‬وف قوله ‪ { :‬وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الق من ربك‬
‫فيؤمنوا به فتخبت له قلوبم } دليل على أن العلم يدل على اليان ليس أن أهل‬
‫العلم ارتفعوا عن درجة اليان ‪ -‬كما يتوهه طائفة من التكلمة ‪ -‬بل معهم العلم‬
‫واليان كما قال تعال ‪ { :‬لكن الراسخون ف العلم منهم والؤمنون يؤمنون با‬
‫أنزل إليك وما أنزل من قبلك } وقال تعال ‪ { :‬وقال الذين أوتوا العلم واليان‬

‫‪2‬‬
‫لقد لبثتم ف كتاب ال } الية ‪ .‬وعلى هذا فقوله ‪ { :‬والراسخون ف العلم‬
‫يقولون آمنا به كل من عند ربنا } نظي هذه الية فإنه أخب هنا أن الذين أوتوا‬
‫العلم يعلمون أنه الق من ربم وأخب هناك أنم يقولون ف التشابه ‪ { :‬آمنا به‬
‫كل من عند ربنا } وكل الوضعي موضع ريب وشبهة لغيهم ؛ فإن الكلم هناك‬
‫ف التشابه وهنا فيما يلقي الشيطان ما ينسخه ال ث يكم ال آياته وجعل الحكم‬
‫هنا ضد الذي نسخه ال ما ألقاه الشيطان ؛‬
‫ولذا قال طائفة من الفسرين التقدمي ‪ :‬إن " الحكم " هو الناسخ و " التشابه "‬
‫النسوخ ‪ .‬أرادوا وال أعلم قوله ‪ { :‬فينسخ ال ما يلقي الشيطان ث يكم ال آياته‬
‫} ‪ .‬والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان ل رفع ما شرعه ال ‪.‬‬
‫وقد أشرت إل وجه ذلك فيما بعد وهو ‪ :‬أن ال جعل الحكم مقابل التشابه تارة‬
‫ومقابل النسوخ أخرى ‪ .‬والنسوخ يدخل فيه ف اصطلح السلف ‪ -‬العام ‪ -‬كل‬
‫ظاهر ترك ظاهره لعارض راجح كتخصيص العام وتقييد الطلق فإن هذا متشابه‬
‫لنه يتمل معنيي ويدخل فيه الجمل فإنه متشابه وإحكامه رفع ما يتوهم فيه من‬
‫العن الذي ليس براد وكذلك ما رفع حكمه فإن ف ذلك جيعه نسخا لا يلقيه‬
‫الشيطان ف معان القرآن ؛ ولذا كانوا يقولون ‪ :‬هل عرفت الناسخ من النسوخ ؟‬
‫فإذا عرف الناسخ عرف الحكم ‪ .‬وعلى هذا فيصح أن يقال ‪ :‬الحكم والنسوخ‬
‫كما يقال الحكم والتشابه ‪ .‬وقوله بعد ذلك { ث يكم ال آياته } جعل جيع‬
‫اليات مكمة مكمها ومتشابها كما قال ‪ { :‬الر } { كتاب أحكمت آياته ث‬
‫فصلت } وقال ‪ { :‬تلك آيات الكتاب الكيم } على أحد القولي ‪ .‬وهنالك‬
‫جعل اليات قسمي ‪ :‬مكما ومتشابا كما قال ‪ { :‬منه آيات مكمات هن أم‬
‫الكتاب وأخر متشابات } ‪ .‬وهذه التشابات ما أنزله الرحن ل ما ألقاه الشيطان‬
‫ونسخه ال ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فصار الحكم ف القرآن تارة يقابل بالتشابه والميع من آيات ال وتارة يقابل با‬
‫نسخه ال ما ألقاه الشيطان ‪ .‬ومن الناس من يعله مقابل لا نسخه ال مطلقا حت‬
‫يقول ‪ :‬هذه الية مكمة ليست منسوخة ويعل النسوخ ليس مكما وإن كان ال‬
‫أنزله أول اتباعا لظاهر قوله ‪ { :‬فينسخ ال } و { يكم ال آياته } ‪ .‬فهذه ثلث‬
‫معان تقابل الحكم ينبغي التفطن لا ‪ .‬وجاع ذلك أن " الحكام " تارة يكون ف‬
‫التنيل فيكون ف مقابلته ما يلقيه الشيطان فالحكم النل من عند ال أحكمه ال‬
‫أي فصله من الشتباه بغيه وفصل منه ما ليس منه ؛ فإن الحكام هو الفصل‬
‫والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويصل إتقانه ؛ ولذا دخل فيه‬
‫معن النع كما دخل ف الد فالنع جزء معناه ل جيع معناه ‪ .‬وتارة يكون "‬
‫الحكام " ف إبقاء التنيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو‬
‫اصطلحي أو يقال ‪ -‬وهو أشبه بقول السلف ‪ -‬كانوا يسمون كل رفع نسخا‬
‫سواء كان رفع حكم أو رفع دللة ظاهرة ‪.‬‬
‫وإلقاء الشيطان ف أمنيته قد يكون ف نفس لفظ البلغ وقد يكون ف سع البلغ‬
‫وقد يكون ف فهمه كما قال ‪ { :‬أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها }‬
‫الية ‪.‬‬
‫ومعلوم أن من سع النص الذي قد رفع حكمه أو دللة له فإنه يلقي الشيطان ف‬
‫تلك التلوة اتباع ذلك النسوخ فيحكم ال آياته بالناسخ الذي به يصل رفع‬
‫الكم وبيان الراد ‪ .‬وعلى هذا التقدير فيصح أن يقال ‪ :‬التشابه النسوخ بذا‬
‫العتبار وال أعلم ‪.‬‬
‫وتارة يكون " الحكام " ف التأويل والعن وهو تييز القيقة القصودة من غيها‬
‫حت ل تشتبه بغيها ‪ .‬وف مقابلة الحكمات اليات التشابات الت تشبه هذا‬
‫وتشبه هذا فتكون متملة للمعنيي ‪ .‬قال أحد بن حنبل " الحكم " الذي ليس فيه‬

‫‪4‬‬
‫اختلف والتشابه الذي يكون ف موضع كذا وف موضع كذا ‪ .‬ول يقل ف‬
‫التشابه ل يعلم تفسيه ومعناه إل ال وإنا قال ‪ { :‬وما يعلم تأويله إل ال } وهذا‬
‫هو فصل الطاب بي التنازعي ف هذا الوضع فإن ال أخب أنه ل يعلم تأويله إل‬
‫هو ‪.‬‬
‫والوقف هنا على ما دل عليه أدلة كثية وعليه أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وجهور التابعي وجاهي المة ‪ .‬ولكن ل ينف علمهم بعناه وتفسيه بل‬
‫قال ‪ { :‬كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } وهذا يعم اليات الحكمات‬
‫واليات التشابات وما ل يعقل له معن ل يتدبر ‪ :‬وقال ‪ { :‬أفل يتدبرون القرآن‬
‫} ول يستثن شيئا منه نى عن تدبره ‪.‬‬
‫وال ورسوله إنا ذم من اتبع التشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فأما من تدبر‬
‫الحكم والتشابه كما أمره ال وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه ال بل أمر‬
‫بذلك ومدح عليه ‪ .‬يبي ذلك أن التأويل قد روى أن من اليهود الذين كانوا‬
‫بالدينة على عهد النب صلى ال عليه وسلم كحيي بن أخطب وغيه من طلب من‬
‫حروف الجاء الت ف أوائل السور تأويل بقاء هذه المة كما سلك ذلك طائفة‬
‫من التأخرين موافقة للصابئة النجمي وزعموا أنه ستمائة وثلثة وتسعون عاما لن‬
‫ذلك هو عدد ما للحروف ف حساب المل بعد إسقاط الكرر وهذا من نوع‬
‫تأويل الوادث الت أخب با القرآن ف اليوم الخر ‪ .‬وروي أن من النصارى الذين‬
‫وفدوا على النب صلى ال عليه وسلم ف وفد نران من تأول ( إنا و ( نن على أن‬
‫اللة ثلثة لن هذا ضمي جع ‪ .‬وهذا تأويل ف اليان بال فأولئك تأولوا ف اليوم‬
‫الخر وهؤلء تأولوا ف ال ‪ .‬ومعلوم أن ‪ ( :‬إنا و ( نن من التشابه فإنه يراد با‬
‫الواحد الذي معه غيه من جنسه ويراد با الواحد الذي معه أعوانه وإن ل يكونوا‬
‫من جنسه ويراد با الواحد العظم نفسه الذي يقوم مقام من معه غيه لتنوع أسائه‬

‫‪5‬‬
‫الت كل اسم منها يقوم مقام مسمى فصار هذا متشابا لن اللفظ واحد والعن‬
‫متنوع ‪.‬‬
‫و " الساء الشتركة ف اللفظ " هي من التشابه وبعض " التواطئة " أيضا من‬
‫التشابه ويسميها أهل التفسي " الوجوه والنظائر " وصنفوا " كتب الوجوه‬
‫والنظائر " فالوجوه ف الساء الشتركة والنظائر ف الساء التواطئة ‪ .‬وقد ظن‬
‫بعض أصحابنا الصنفي ف ذلك أن الوجوه والنظائر جيعا ف الساء الشتركة فهي‬
‫نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار العن وليس المر على ما قاله بل كلمهم‬
‫صريح فيما قلناه لن تأمله ‪ .‬والذين ف قلوبم زيغ يدعون الحكم الذي ل اشتباه‬
‫فيه مثل { وإلكم إله واحد } { إنن أنا ال ل إله إل أنا فاعبدن } { ما اتذ ال‬
‫من ولد وما كان معه من إله } { ول يتخذ ولدا ول يكن له شريك ف اللك }‬
‫{ ل يلد ول يولد } { ول يكن له كفوا أحد } ويتبعون التشابه ابتغاء الفتنة‬
‫ليفتنوا به الناس إذا وضعوه على غي مواضعه وابتغاء تأويله وهو القيقة الت أخب‬
‫عنها ‪.‬‬
‫وذلك أن " الكلم نوعان " ‪ :‬إنشاء فيه المر وإخبار فتأويل المر هو نفس الفعل‬
‫الأمور به كما قال من قال من السلف إن السنة هي تأويل المر ‪ { .‬قالت عائشة‬
‫رضي ال عنها كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف ركوعه وسجوده‬
‫سبحانك اللهم وبمدك اللهم اغفر ل يتأول القرآن } تعن قوله ‪ { :‬فسبح بمد‬
‫ربك واستغفره إنه كان توابا } ‪.‬‬
‫وأما الخبار فتأويله عي المر الخب به إذا وقع ليس تأويله فهم معناه ‪ .‬وقد جاء‬
‫اسم " التأويل " ف القرآن ف غي موضع وهذا معناه قال ال تعال ‪ { :‬ولقد‬
‫جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحة لقوم يؤمنون } { هل ينظرون إل‬
‫تأويله يوم يأت تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالق } فقد‬

‫‪6‬‬
‫أخب أنه فصل الكتاب وتفصيله بيانه وتييزه بيث ل يشتبه ث قال ‪ { :‬هل ينظرون‬
‫} أي ينتظرون { إل تأويله يوم يأت تأويله } إل آخر الية ‪ .‬وإنا ذلك ميء ما‬
‫أخب القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها ‪ :‬كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع‬
‫الشمس من مغربا وميء ربك واللك صفا صفا وما ف الخرة من الصحف‬
‫والوازين والنة والنار وأنواع النعيم والعذاب وغي ذلك فحينئذ يقولون ‪ { :‬قد‬
‫جاءت رسل ربنا بالق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غي الذي كنا‬
‫نعمل } وهذا القدر الذي أخب به القرآن من هذه المور ل يعلم وقته وقدره‬
‫وصفته إل ال ؛ فإن ال يقول ‪ { :‬فل تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي }‬
‫ويقول ‪ { :‬أعددت لعبادي الصالي ما ل عي رأت ول أذن سعت ول خطر‬
‫على قلب بشر } وقال ابن عباس ‪ :‬ليس ف الدنيا ما ف النة إل الساء ؛ فإن ال‬
‫قد أخب أن ف النة خرا ولبنا وماء وحريرا وذهبا وفضة وغي ذلك ونن نعلم‬
‫قطعا أن تلك القيقة ليست ماثلة لذه بل بينهما تباين عظيم مع التشابه كما ف‬
‫قوله ‪ { :‬وأتوا به متشابا } على أحد القولي أنه يشبه ما ف الدنيا وليس مثله‬
‫فأشبه اسم تلك القائق أساء هذه القائق كما أشبهت القائق القائق من بعض‬
‫الوجوه ‪.‬‬
‫فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الساء من جهة القدر الشترك بينهما ولكن لتلك‬
‫القائق خاصية ل ندركها ف الدنيا ول سبيل إل إدراكنا لا لعدم إدراك عينها أو‬
‫نظيها من كل وجه ‪ .‬وتلك القائق على ما هي عليه هي تأويل ما أخب ال به ‪.‬‬
‫وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئي من التفلسفة وغيهم فإنم ينكرون‬
‫أن يكون ف النة أكل وشرب ولباس ونكاح وينعون وجود ما أخب به القرآن ‪.‬‬
‫ومن دخل ف السلم ونافق الؤمني تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة‬
‫لتفهيم النعيم الروحان إن كان من التفلسفة الصابئة النكرة لشر الجساد ‪ .‬وإن‬

‫‪7‬‬
‫كان من منافقة اللتي القرين بشر الجساد تأول ذلك على تفهيم النعيم الذي ف‬
‫النة من الروحان والسماع الطيب والروائح العطرة ‪ .‬فكل ضال يرف الكلم عن‬
‫مواضعه إل ما اعتقد ثبوته ‪ .‬وكان ف هذا أيضا متبعا للمتشابه إذ الساء تشبه‬
‫الساء والسميات تشبه السميات ولكن تالفها أكثر ما تشابها ‪ .‬فهؤلء يتبعون‬
‫هذا التشابه { ابتغاء الفتنة } با يوردونه من الشبهات على امتناع أن تكون ف‬
‫النة هذه القائق { وابتغاء تأويله } ليدوه إل العهود الذي يعلمونه ف الدنيا ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ { :‬وما يعلم تأويله إل ال } فإن تلك القائق قال ال فيها ‪ { :‬فل‬
‫تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي } ل ملك مقرب ول نب مرسل ‪ .‬وقوله ‪{ :‬‬
‫وما يعلم تأويله } إما أن يكون الضمي عائدا على الكتاب أو على التشابه ؛‬
‫فإن كان عائدا على الكتاب كقوله ( منه و ( منه { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء‬
‫الفتنة وابتغاء تأويله } فهذا يصح ؛ فإن جيع آيات الكتاب الحكمة والتشابة الت‬
‫فيها إخبار عن الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به ل يعلم حقيقة ذلك الغيب ومت يقع‬
‫إل ال ‪ .‬وقد يستدل لذا أن ال جعل التأويل للكتاب كله مع إخباره أنه مفصل‬
‫بقوله { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحة لقوم يؤمنون } { هل‬
‫ينظرون إل تأويله يوم يأت تأويله } فجعل التأويل الائي للكتاب الفصل ‪ .‬وقد‬
‫بينا أن ذلك التأويل ل يعلمه وقتا وقدرا ونوعا وحقيقة إل ال وإنا نعلم نن بعض‬
‫صفاته ببلغ علمنا لعدم نظيه عندنا وكذلك قوله ‪ { :‬بل كذبوا با ل ييطوا‬
‫بعلمه ولا يأتم تأويله } وإذا كان التأويل للكتاب كله والراد به ذلك ارتفعت‬
‫الشبهة وصار هذا بنلة قوله ‪ { :‬يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنا علمها‬
‫عند رب ل يليها لوقتها إل هو ثقلت ف السماوات والرض } إل قوله ‪ { :‬إنا‬
‫علمها عند ال } وكذلك قوله ‪ { :‬يسألك الناس عن الساعة قل إنا علمها عند‬
‫ال وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا }‬

‫‪8‬‬
‫فأخب أنه ليس علمها إل عند ال وإنا هو علم وقتها العي وحقيقتها وإل فنحن‬
‫قد علمنا من صفاتا ما أخبنا به ‪ .‬فعلم تأويله كعلم الساعة والساعة من تأويله‬
‫وهذا واضح بي ‪.‬‬
‫ول يناف كون علم الساعة عند ال أن نعلم من صفاتا وأحوالا ما علمناه وأن‬
‫نفسر النصوص البينة لحوالا فهذا هذا ‪ .‬وإن كان الضمي عائدا إل ما تشابه كما‬
‫يقوله كثي من الناس فلن الخب به من الوعد والوعيد متشابه بلف المر والنهي‬
‫ولذا ف الثار ‪ " :‬العمل بحكمه واليان بتشابه " لن القصود ف الب اليان‬
‫وذلك لن الخب به من الوعد والوعيد فيه من التشابه ما ذكرناه بلف المر‬
‫والنهي ؛ ولذا قال بعض [ العلماء ] ‪ " :‬التشابه " المثال والوعد [ والوعيد ] و‬
‫" الحكم " المر والنهي فإنه متميز غي مشتبه بغيه فإنه أمور نفعلها قد علمناها‬
‫بالوقوع وأمور نتركها ل بد أن نتصورها ‪.‬‬
‫وما جاء من لفظ " التأويل " ف القرآن قوله تعال { بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه‬
‫ولا يأتم تأويله } والكناية عائدة على القرآن أو على ما ل ييطوا بعلمه وهو يعود‬
‫إل القرآن ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون ال ولكن‬
‫تصديق الذي بي يديه وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالي } { أم‬
‫يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم‬
‫صادقي } { بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله كذلك كذب الذين‬
‫من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالي } { ومنهم من يؤمن به ومنهم من ل‬
‫يؤمن به وربك أعلم بالفسدين } ‪ .‬فأخب سبحانه أن هذا القرآن ما كان ليفترى‬
‫من دون ال وهذه الصيغة تدل على امتناع النفي كقوله ‪ { :‬وما كان ربك ليهلك‬
‫القرى بظلم } وقوله ‪ { :‬وما كان ال ليعذبم وأنت فيهم } لن اللق عاجزون‬
‫عن التيان بثله كما تداهم وطالبهم لا قال ‪ { :‬أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة‬

‫‪9‬‬
‫مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقي } فهذا تعجيز لميع‬
‫الخلوقي ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬ولكن تصديق الذي بي يديه } أي مصدق الذي بي‬
‫يديه { وتفصيل الكتاب } أي مفصل الكتاب فأخب أنه مصدق الذي بي يديه‬
‫ومفصل الكتاب والكتاب اسم جنس وتدى القائلي ‪ ( :‬افتراه ودل على أنم هم‬
‫الفترون قال ‪ { :‬بل كذبوا با ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله } أي كذبوا‬
‫بالقرآن الذي ل ييطوا بعلمه ولا يأتم تأويله ‪ .‬ففرق بي الحاطة بعلمه وبي‬
‫إتيان تأويله ‪ .‬فتبي أنه يكن أن ييط أهل العلم واليان بعلمه ولا يأتم تأويله وأن‬
‫الحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله فإن الحاطة بعلمه معرفة معان الكلم‬
‫على التمام وإتيان التأويل نفس وقوع الخب به وفرق بي معرفة الب وبي الخب‬
‫به فمعرفة الب هي معرفة تفسي القرآن ومعرفة الخب به هي معرفة تأويله ‪.‬‬
‫و " نكتة ذلك " أن الب لعناه صورة علمية وجودها ف نفس العال كذهن‬
‫النسان مثل ولذلك العن حقيقة ثابتة ف الارج عن العلم واللفظ إنا يدل ابتداء‬
‫على العن الذهن ث تتوسط ذلك أو تدل على القيقة الارجة فالتأويل هو القيقة‬
‫الارجة وأما معرفة تفسيه ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية ‪ .‬وهذا هو الذي‬
‫بيناه فيما تقدم أن ال إنا أنزل القرآن ليعلم ويفهم ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه مكمه‬
‫ومتشابه وإن ل يعلم تأويله ‪ .‬ويبي ذلك أن ال يقول عن الكفار ‪ { :‬وإذا قرأت‬
‫القرآن جعلنا بينك وبي الذين ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا } { وجعلنا على‬
‫قلوبم أكنة أن يفقهوه وف آذانم وقرا وإذا ذكرت ربك ف القرآن وحده ولوا‬
‫على أدبارهم نفورا } فقد أخب ‪ -‬ذما للمشركي ‪ -‬أنه إذا قرئ عليهم القرآن‬
‫حجب بي أبصارهم وبي الرسول بجاب مستور وجعل على قلوبم أكنة أن‬
‫يفقهوه وف آذانم وقرا ‪ .‬فلو كان أهل العلم واليان على قلوبم أكنة أن يفقهوا‬
‫بعضه لشاركوهم ف ذلك ‪ .‬وقوله ‪ { :‬أن يفقهوه } يعود إل القرآن كله ‪ .‬فعلم‬

‫‪10‬‬
‫أن ال يب أن يفقه ؛ ولذا قال السن البصري ‪ :‬ما أنزل ال آية إل وهو يب أن‬
‫يعلم ف ماذا أنزلت وماذا عن با وما استثن من ذلك ل متشابا ول غيه ‪ .‬وقال‬
‫ماهد ‪ :‬عرضت الصحف على ابن عباس من أوله إل آخره مرات أقف عند كل‬
‫آية وأسأله عنها ‪.‬‬
‫فهذا ابن عباس حب المة وهو أحد من كان يقول ‪ :‬ل يعلم تأويله إل ال ييب‬
‫ماهدا عن كل آية ف القرآن ‪ .‬وهذا هو الذي حل ماهدا ومن وافقه كابن قتيبة‬
‫على أن جعلوا الوقف عند قوله { والراسخون ف العلم } فجعلوا الراسخي‬
‫يعلمون التأويل لن ماهدا تعلم من ابن عباس تفسي القرآن كله وبيان معانيه فظن‬
‫أن هذا هو التأويل النفي عن غي ال ‪.‬‬
‫وأصل ذلك أن لفظ " التأويل " فيه اشتراك بي ما عناه ال ف القرآن وبي ما‬
‫كان يطلقه طوائف من السلف وبي اصطلح طوائف من التأخرين فبسبب‬
‫الشتراك ف لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معن بلغته أن ذلك هو الذكور ف‬
‫القرآن ‪ .‬وماهد إمام التفسي ‪ .‬قال الثوري ‪ :‬إذا جاءك التفسي عن ماهد فحسبك‬
‫به ‪ .‬وأما التأويل فشأن آخر ‪.‬‬
‫ويبي ذلك أن الصحابة والتابعي ل يتنع أحد منهم عن تفسي آية من كتاب ال‬
‫ول قال هذه من التشابه الذي ل يعلم معناه ول قال قط أحد من سلف المة ول‬
‫من الئمة التبوعي ‪ :‬إن ف القرآن آيات ل يعلم معناها ول يفهمها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ول أهل العلم واليان جيعهم وإنا قد ينفون علم بعض ذلك‬
‫عن بعض الناس وهذا ل ريب فيه ‪ .‬وإنا وضع هذه السألة التأخرون من الطوائف‬
‫بسبب الكلم ف آيات الصفات وآيات القدر وغي ذلك ‪ .‬فلقبوها ‪ " :‬هل يوز‬
‫أن يشتمل القرآن على ما ل يعلم معناه " ‪ .‬وما " تعبدنا بتلوة حروفه بل فهم "‬
‫فجوز ذلك طوائف متمسكي بظاهر من هذه الية وبأن ال يتحن عباده با شاء‬

‫‪11‬‬
‫ومنعها طوائف ليتوصلوا بذلك إل تأويلتم الفاسدة الت هي تريف الكلم عن‬
‫مواضعه ‪ .‬والغالب على كل الطائفتي الطأ أولئك يقصرون ف فهم القرآن بنلة‬
‫من قيل فيه ‪ { :‬ومنهم أميون ل يعلمون الكتاب إل أمان } وهؤلء معتدون بنلة‬
‫الذين يرفون الكلم عن مواضعه ‪.‬‬

‫ومن التأخرين من وضع السألة بلقب شنيع فقال ‪ " :‬ل يوز أن يتكلم ال بكلم‬
‫ول يعن به شيئا خلفا للحشوية " ‪.‬‬
‫وهذا ل يقله مسلم إن ال يتكلم با ل معن له ‪ .‬وإنا الناع هل يتكلم با ل يفهم‬
‫معناه ؟ وبي نفي العن عند التكلم ونفي الفهم عند الخاطب بون عظيم ‪ .‬ث‬
‫احتج با ل يري على أصله فقال ‪ :‬هذا عبث والعبث على ال مال ‪ .‬وعنده أن‬
‫ال ل يقبح منه شيء أصل بل يوز أن يفعل كل شيء وليس له أن يقول ‪ :‬العبث‬
‫صفة نقص فهو منتف عنه ؛ لن الناع ف الروف وهي عنده ملوقة من جلة‬
‫الفعال ويوز أن يشتمل الفعل عنده على كل صفة فل نقل صحيح ول عقل‬
‫صريح ‪ .‬ومثار الفتنة بي الطائفتي ومار عقولم ‪ :‬أن مدعي التأويل أخطئوا ف‬
‫زعمهم أن العلماء يعلمون التأويل وف دعواهم أن التأويل هو تأويلهم الذي هو‬
‫تريف الكلم عن مواضعه ؛ فإن الولي لعلمهم بالقرآن والسنن وصحة عقولم‬
‫وعلمهم بكلم السلف وكلم العرب علموا يقينا أن التأويل الذي يدعيه هؤلء‬
‫ليس هو معن القرآن ؛ فإنم حرفوا الكلم عن مواضعه وصاروا مراتب ما بي‬
‫قرامطة وباطنية يتأولون الخبار والوامر وما بي صابئة فلسفة يتأولون عامة‬
‫الخبار عن ال وعن اليوم الخر حت عن أكثر أحوال النبياء وما بي جهمية‬
‫ومعتزلة يتأولون بعض ما جاء ف اليوم الخر وف آيات القدر ويتأولون آيات‬
‫الصفات وقد وافقهم بعض متأخري الشعرية على ما جاء ف بعض الصفات‬

‫‪12‬‬
‫وبعضهم ف بعض ما جاء ف اليوم الخر وآخرون من أصناف المة وإن كان‬
‫تغلب عليهم السنة فقد يتأولون أيضا مواضع يكون تأويلهم من تريف الكلم عن‬
‫مواضعه ‪.‬‬
‫والذين ادعوا العلم بالتأويل مثل طائفة من السلف وأهل السنة وأكثر أهل الكلم‬
‫والبدع رأوا أيضا أن النصوص دلت على معرفة معان القرآن ورأوا عجزا وعيبا‬
‫وقبيحا أن ياطب ال عباده بكلم يقرءونه ويتلونه وهم ل يفهمونه وهم مصيبون‬
‫فيما استدلوا به من سع وعقل ؛ لكن أخطئوا ف معن التأويل الذي نفاه ال وف‬
‫التأويل الذي أثبتوه وتسلق بذلك مبتدعتهم إل تريف الكلم عن مواضعه وصار‬
‫الولون أقرب إل السكوت والسلمة بنوع من الهل وصار الخرون أكثر كلما‬
‫وجدال ولكن بفرية على ال وقول عليه ما ل يعلمونه وإلاد ف أسائه وآياته ‪.‬‬
‫فهذا هذا ‪ .‬ومنشأ الشبهة الشتراك ف لفظ التأويل ‪.‬‬
‫فإن " التأويل " ف عرف التأخرين من التفقهة والتكلمة والحدثة والتصوفة‬
‫ونوهم هو صرف اللفظ عن العن الراجح إل العن الرجوح لدليل يقترن به وهذا‬
‫هو التأويل الذي يتكلمون عليه ف أصول الفقه ومسائل اللف ‪ .‬فإذا قال أحدهم‬
‫‪ :‬هذا الديث أو هذا النص مؤول أو هو ممول على كذا قال الخر ‪ :‬هذا نوع‬
‫تأويل والتأويل يتاج إل دليل ‪.‬‬
‫والتأول عليه وظيفتان ‪ :‬بيان احتمال اللفظ للمعن الذي ادعاه وبيان الدليل‬
‫الوجب للصرف إليه عن العن الظاهر وهذا هو التأويل الذي يتنازعون فيه ف‬
‫مسائل الصفات إذا صنف بعضهم ف إبطال التأويل أو ذم التأويل أو قال بعضهم‬
‫آيات الصفات ل تؤول وقال الخر ‪ :‬بل يب تأويلها وقال الثالث ‪ :‬بل التأويل‬
‫جائز يفعل عند الصلحة ويترك عند الصلحة أو يصلح للعلماء دون غيهم إل غي‬
‫ذلك من القالت والتنازع ‪ .‬وأما " التأويل " ف لفظ السلف فله معنيان ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫" أحدها " تفسي الكلم وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل‬
‫والتفسي عند هؤلء متقاربا أو مترادفا وهذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬هو الذي عناه ماهد‬
‫أن العلماء يعلمون تأويله وممد بن جرير الطبي يقول ف تفسيه ‪ :‬القول ف‬
‫تأويل قوله كذا وكذا واختلف أهل التأويل ف هذه الية ونو ذلك ومراده التفسي‬
‫‪.‬‬
‫و " العن الثان " ف لفظ السلف ‪ -‬وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقا ‪ : -‬هو‬
‫نفس الراد بالكلم فإن الكلم إن كان طلبا كان تأويله نفس الفعل الطلوب وإن‬
‫كان خبا كان تأويله نفس الشيء الخب به ‪.‬‬
‫وبي هذا العن والذي قبله بون ؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم‬
‫والكلم كالتفسي والشرح واليضاح ويكون وجود التأويل ف القلب واللسان له‬
‫الوجود الذهن واللفظي والرسي ‪.‬‬
‫وأما هذا فالتأويل فيه نفس المور الوجودة ف الارج سواء كانت ماضية أو‬
‫مستقبلة ‪.‬‬
‫فإذا قيل ‪ :‬طلعت الشمس فتأويل هذا نفس طلوعها ‪ .‬ويكون " التأويل " من باب‬
‫الوجود العين الارجي فتأويل الكلم هو القائق الثابتة ف الارج با هي عليه من‬
‫صفاتا وشؤونا وأحوالا وتلك القائق ل تعرف على ما هي عليه بجرد الكلم‬
‫والخبار إل أن يكون الستمع قد تصورها أو تصور نظيها بغي كلم وإخبار ؛‬
‫لكن يعرف من صفاتا وأحوالا قدر ما أفهمه الخاطب ‪ :‬إما بضرب الثل وإما‬
‫بالتقريب وإما بالقدر الشترك بينها وبي غيها وإما بغي ذلك ‪.‬‬
‫وهذا الوضع والعرف الثالث هو لغة القرآن الت نزل با ‪ .‬وقد قدمنا التبيي ف‬
‫ذلك ‪ .‬ومن ذلك قول يعقوب عليه السلم ليوسف ‪ { :‬وكذلك يتبيك ربك‬
‫ويعلمك من تأويل الحاديث ويتم نعمته عليك } وقوله ‪ { :‬ودخل معه السجن‬

‫‪14‬‬
‫فتيان قال أحدها إن أران أعصر خرا وقال الخر إن أران أحل فوق رأسي خبزا‬
‫تأكل الطي منه نبئنا بتأويله إنا نراك من الحسني } { قال ل يأتيكما طعام ترزقانه‬
‫إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } وقول الل ‪ { :‬أضغاث أحلم وما نن‬
‫بتأويل الحلم بعالي } { وقال الذي نا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله‬
‫فأرسلون } وقول يوسف لا دخل عليه أهله مصر { آوى إليه أبويه وقال ادخلوا‬
‫مصر إن شاء ال آمني } { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت‬
‫هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها رب حقا } ‪ .‬فتأويل الحاديث الت هي رؤيا‬
‫النام هي نفس مدلولا الت تؤول إليه كما قال يوسف ‪ { :‬هذا تأويل رؤياي من‬
‫قبل } والعال بتأويلها ‪ :‬الذي يب به ‪ .‬كما قال يوسف ‪ { :‬ل يأتيكما طعام‬
‫ترزقانه } أي ف النام { إل نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } أي قبل أن يأتيكما‬
‫التأويل ‪.‬‬
‫وقال ال تعال ‪ { :‬فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم تؤمنون‬
‫بال واليوم الخر ذلك خي وأحسن تأويل } قالوا ‪ :‬أحسن عاقبة ومصيا ‪.‬‬
‫فالتأويل هنا تأويل فعلهم الذي هو الرد إل الكتاب والسنة ‪ .‬والتأويل ف سورة‬
‫يوسف تأويل أحاديث الرؤيا ‪ .‬والتأويل ف العراف ويونس تأويل القرآن وكذلك‬
‫ف سورة آل عمران ‪ .‬وقال تعال ف قصة موسى والعال ‪ { :‬قال هذا فراق بين‬
‫وبينك سأنبئك بتأويل ما ل تستطع عليه صبا } إل قوله ‪ { :‬وما فعلته عن أمري‬
‫ذلك تأويل ما ل تسطع عليه صبا } فالتأويل هنا تأويل الفعال الت فعلها العال‬
‫من خرق السفينة بغي إذن صاحبها ومن قتل الغلم ومن إقامة الدار فهو تأويل‬
‫عمل ل تأويل قول ‪ .‬وإنا كان كذلك لن التأويل مصدر أوله يؤوله تأويل مثل‬
‫حول تويل وعول تعويل‬

‫‪15‬‬
‫وأول يؤول تعديه آل يئول أول مثل حال يول حول ‪ .‬وقولم ‪ :‬آل يئول أي‬
‫عاد إل كذا ورجع إليه ومنه " الآل " وهو ما يئول إليه الشيء ويشاركه ف‬
‫الشتقاق الكب " الوئل " فإنه من وأل وهذا من أول ‪ .‬والوئل الرجع قال تعال ‪:‬‬
‫{ لن يدوا من دونه موئل } ‪ .‬وما يوافقه ف اشتقاقه الصغر " الل " فإن آل‬
‫الشخص من يئول إليه ؛ ولذا ل يستعمل إل ف عظيم بيث يكون الضاف إليه‬
‫أعظم من الضاف يصلح أن يئول إليه الل كآل إبراهيم وآل لوط وآل فرعون‬
‫بلف الهل والول أفعل لنم قالوا ف تأنيثه أول كما قالوا جادى الول ‪ .‬وف‬
‫القصص ‪ { :‬له المد ف الول والخرة }‬
‫ومن الناس من يقول ‪ :‬فوعل ويقول ‪ :‬أولة ‪ .‬إل أن هذا يتاج إل شاهد من كلم‬
‫العرب ؛ بل عدم صرفه يدل على أنه أفعل ل فوعل فإن فوعل مثل كوثر وجوهر‬
‫مصروف ‪ ،‬سي التقدم أول ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬لن ما بعده يئول إليه ويبن عليه فهو‬
‫أس لا بعده وقاعدة له ‪ .‬والصيغة صيغة تفضيل ل صفة مثل أكب وكبى وأصغر‬
‫وصغرى ل من باب أحر وحراء ؛ ولذا يقولون ‪ :‬جئته من أول أمس وقال ‪{ :‬‬
‫لسجد أسس على التقوى من أول يوم } { وأنا أول السلمي } { ول تكونوا‬
‫أول كافر به } فإذا قيل هذا أول هؤلء فهو الذي فضل عليهم ف الول لن كل‬
‫واحد يرجع إل ما قبله فيعتمد عليه وهذا السابق كلهم يئول إليه فإن من تقدم ف‬
‫فعل فاست به من بعده كان السابق الذي يئول الكل إليه فالول له وصف السؤدد‬
‫والتباع ‪ .‬ولفظ " الول " مشعر بالرجوع والعود و " الول " مشعر بالبتداء‬
‫والبتدأ ؛ خلف العائد لنه إنا كان أول لا بعده فإنه يقال ‪ :‬أول السلمي و أول‬
‫يوم فما فيه من معن الرجوع والعود هو للمضاف إليه ل للمضاف ‪.‬‬
‫وإذا قلنا ‪ :‬آل فلن فالعود إل الضاف ؛ لن ذلك صيغة تفضيل ف كونه مآل‬
‫ومرجعا لغيه لن كونه مفضل دل على أنه مآل ومرجع ل آيل راجع ؛ إذ ل‬

‫‪16‬‬
‫فضل ف كون الشيء راجعا إل غيه آيل إليه وإنا الفضل ف كونه هو الذي يرجع‬
‫إليه ويؤال إليه ‪ .‬فلما كانت الصيغة صيغة تفضيل أشعرت بأنه مفضل ف كونه‬
‫مآل ومرجعا والتفضيل الطلق ف ذلك يقتضي أن يكون هو السابق البتدئ وال‬
‫أعلم ‪ .‬فتأويل الكلم ما أوله إليه التكلم أو ما يؤول إليه الكلم أو ما تأوله التكلم‬
‫؛ فإن التفعيل يري على غي فعل كقول ‪ { :‬وتبتل إليه تبتيل } فيجوز أن يقال‬
‫تأول الكلم إل هذا العن تأويل وتأولت الكلم تأويل وأولت الكلم تأويل ‪.‬‬
‫والصدر واقع موقع الصفة إذ قد يصل الصدر صفة بعن الفاعل كعدل وصوم‬
‫وفطر وبعن الفعول كدرهم ضرب المي وهذا خلق ال ‪ .‬فالتأويل ‪ :‬هو ما أول‬
‫إليه الكلم أو يؤول إليه أو تأول هو إليه ‪ .‬والكلم إنا يرجع ويعود ويستقر ويئول‬
‫ويؤول إل حقيقته الت هي عي القصود به كما قال بعض السلف ف قوله { لكل‬
‫نبإ مستقر } قال حقيقة فإنه إن كان خبا فإل القيقة الخب با يئول ويرجع وإل‬
‫ل تكن له حقيقة ول مآل ول مرجع بل كان كذبا وإن كان طلبا فإل القيقة‬
‫الطلوبة يئول ويرجع وإن ل يكن مقصوده موجودا ول حاصل ‪ .‬ومت كان الب‬
‫وعدا أو وعيدا فإل القيقة الطلوبة النتظرة يئول كما { روي عن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه تل هذه الية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من‬
‫فوقكم أو من تت أرجلكم أو يلبسكم شيعا } قال إنا كائنة ول يأت تأويلها‬
‫بعد } وعن عبد ال قال ‪ :‬خس قد مضي البطشة واللزام والدخان والقمر والروم‬
‫‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬
‫وأما إدخال أساء ال وصفاته أو بعض ذلك ف التشابه الذي ل يعلم تأويله إل ال‬
‫‪ .‬أو اعتقاد أن ذلك هو التشابه الذي استأثر ال بعلم تأويله كما يقول كل واحد‬

‫‪17‬‬
‫من القولي طوائف من أصحابنا وغيهم ‪ .‬فإنم وإن أصابوا ف كثي ما يقولونه‬
‫ونوا من بدع وقع فيها غيهم فالكلم على هذا من وجهي ‪:‬‬
‫الول ‪:‬‬
‫من قال ‪ :‬إن هذا من التشابه وأنه ل يفهم معناه فنقول أما الدليل على [ بطلن ]‬
‫ذلك فإن ما أعلم عن أحد من سلف المة ول من الئمة ل أحد بن حنبل ول‬
‫غيه أنه جعل ذلك من التشابه الداخل ف هذه الية ونفى أن يعلم أحد معناه ‪.‬‬
‫وجعلوا أساء ال وصفاته بنلة الكلم العجمي الذي ل يفهم ول قالوا ‪ :‬إن ال‬
‫ينل كلما ل يفهم أحد معناه وإنا قالوا كلمات لا معان صحيحة ‪ .‬قالوا ف‬
‫أحاديث الصفات ‪ :‬تر كما جاءت ‪ .‬ونوا عن تأويلت الهمية وردوها وأبطلوها‬
‫الت مضمونا تعطيل النصوص عما دلت عليه ‪.‬‬
‫ونصوص أحد والئمة قبله بينة ف أنم كانوا يبطلون تأويلت الهمية ويقرون‬
‫النصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منها بعض ما دلت عليه كما‬
‫يفهمون ذلك ف سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغي ذلك ‪ .‬وأحد قد‬
‫قال ف غي أحاديث الصفات ‪ :‬تر كما جاءت وف أحاديث الوعيد مثل قوله ‪{ :‬‬
‫من غشنا فليس منا } وأحاديث الفضائل ومقصوده بذلك أن الديث ل يرف‬
‫كلمه عن مواضعه كما يفعله من يرفه ويسمى تريفه تأويل بالعرف التأخر ‪.‬‬
‫فتأويل هؤلء التأخرين عند الئمة تريف باطل وكذلك نص أحد ف كتاب "‬
‫الرد على الزنادقة والهمية " أنم تسكوا بتشابه القرآن وتكلم أحد على ذلك‬
‫التشابه وبي معناه وتفسيه با يالف تأويل الهمية وجرى ف ذلك على سنن‬
‫الئمة قبله ‪ .‬فهذا اتفاق من الئمة على أنم يعلمون معن هذا التشابه وأنه ل‬
‫يسكت عن بيانه وتفسيه بل يبي ويفسر باتفاق الئمة من غي تريف له عن‬
‫مواضعه أو إلاد ف أساء ال وآياته ‪ .‬وما يوضح لك ما وقع هنا من الضطراب‬

‫‪18‬‬
‫أن أهل السنة متفقون على إبطال تأويلت الهمية ونوهم من النحرفي اللحدين‬
‫‪ .‬و " التأويل الردود " هو صرف الكلم عن ظاهره إل ما يالف ظاهره ‪ .‬فلو‬
‫قيل إن هذا هو التأويل الذكور ف الية وأنه ل يعلمه إل ال لكان ف هذا تسليم‬
‫للجهمية أن للية تأويل يالف دللتها لكن ذلك ل يعلمه إل ال وليس هذا‬
‫مذهب السلف والئمة وإنا مذهبهم نفي هذه التأويلت وردها ؛ ل التوقف فيها‬
‫وعندهم قراءة الية والديث تفسيها وتر كما جاءت دالة على العان ل ترف‬
‫ول يلحد فيها ‪ .‬والدليل على أن هذا ليس بتشابه ل يعلم معناه أن نقول ‪ :‬ل‬
‫ريب أن ال سى نفسه ف القرآن بأساء مثل الرحن والودود والعزيز والبار‬
‫والعليم والقدير والرءوف ونو ذلك ووصف نفسه بصفات مثل " سورة الخلص‬
‫" و " آية الكرسي " وأول " الديد " وآخر " الشر " وقوله ‪ { :‬إن ال بكل‬
‫شيء عليم } و { على كل شيء قدير } وأنه { يب التقي } و { القسطي }‬
‫و { الحسني } وأنه يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالات { فلما آسفونا‬
‫انتقمنا منهم } { ذلك بأنم اتبعوا ما أسخط ال } { ولكن كره ال انبعاثهم }‬
‫{ الرحن على العرش استوى } { ث استوى على العرش يعلم ما يلج ف الرض‬
‫وما يرج منها وما ينل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم } {‬
‫وهو الذي ف السماء إله وف الرض إله وهو الكيم العليم } { إليه يصعد الكلم‬
‫الطيب والعمل الصال يرفعه } { إنن معكما أسع وأرى } ‪ { .‬وهو ال ف‬
‫السماوات وف الرض } { ما منعك أن تسجد لا خلقت بيدي } { بل يداه‬
‫مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ‪ { .‬ويبقى وجه ربك ذو اللل والكرام } ‪{ .‬‬
‫يريدون وجهه } { ولتصنع على عين } ‪ -‬إل أمثال ذلك ‪ .‬فيقال لن ادعى ف‬
‫هذا أنه متشابه ل يعلم معناه ‪ :‬أتقول هذا ف جيع ما سى ال ووصف به نفسه أم‬
‫ف البعض ؟ فإن قلت ‪ :‬هذا ف الميع كان هذا عنادا ظاهرا وجحدا لا يعلم‬

‫‪19‬‬
‫بالضطرار من دين السلم بل كفر صريح ‪ .‬فإنا نفهم من قوله ‪ { :‬إن ال بكل‬
‫شيء عليم } معن ونفهم من قوله ‪ { :‬إن ال على كل شيء قدير } معن ليس‬
‫هو الول ونفهم من قوله ‪ { :‬ورحت وسعت كل شيء } معن ونفهم من قوله ‪:‬‬
‫{ إن ال عزيز ذو انتقام } معن ‪ .‬وصبيان السلمي بل وكل عاقل يفهم هذا ‪.‬‬
‫وقد رأيت بعض من ابتدع وجحد من أهل الغرب ‪ -‬مع انتسابه إل الديث لكن‬
‫أثرت فيه الفلسفة الفاسدة ‪ -‬من يقول ‪ :‬إنا نسمي ال الرحن العليم القدير علما‬
‫مضا من غي أن نفهم منه معن يدل على شيء قط وكذلك ف قوله ‪ { :‬ول‬
‫ييطون بشيء من علمه } يطلق هذا اللفظ من غي أن نقول له علم ‪ .‬وهذا الغلو‬
‫ف الظاهر من جنس غلو القرامطة ف الباطن لكن هذا أيبس وذاك أكفر ‪ .‬ث يقال‬
‫لذا العاند ‪ :‬فهل هذه الساء دالة على الله العبود وعلى حق موجود أم ل ؟ فإن‬
‫قال ‪ :‬ل كان معطل مضا وما أعلم مسلما يقول هذا ‪ .‬وإن قال ‪ :‬نعم قيل له ‪:‬‬
‫فلم فهمت منها دللتها على نفس الرب ول تفهم دللتها على ما فيها من العان‬
‫من الرحة والعلم وكلها ف الدللة سواء ؟ فل بد أن يقول ‪ :‬نعم ؛ لن ثبوت‬
‫الصفات مال ف العقل لنه يلزم منه التركيب أو الدوث بلف الذات ‪.‬‬
‫فيخاطب حينئذ با ياطب به الفريق الثان كما سنذكره وهو من أقر بفهم بعض‬
‫معن هذه الساء والصفات دون بعض ‪ .‬فيقال له ‪ :‬ما الفرق بي ما أثبته وبي ما‬
‫نفيته أو سكت عن إثباته ونفيه فإن الفرق إما أن يكون من جهة السمع لن أحد‬
‫النصي دال دللة قطعية أو ظاهرة بلف الخر أو من جهة العقل بأن أحد العنيي‬
‫يوز أو يب إثباته دون الخر وكل الوجهي باطل ف أكثر الواضع ؟ ‪ .‬أما "‬
‫الول " فدللة القرآن على أنه رحن رحيم ودود سيع بصي علي عظيم كدللته‬
‫على أنه عليم قدير ليس بينهما فرق من جهة النص وكذلك ذكره لرحته ومبته‬
‫وعلوه مثل ذكره لشيئته وإرادته ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وأما " الثان "‬
‫فيقال لن أثبت شيئا ونفى آخر ‪ :‬ل نفيت مثل حقيقة رحته ومبته وأعدت ذلك‬
‫إل إرادته ؟ فإن قال ‪ :‬لن العن الفهوم من الرحة ف حقنا هي رقة تتنع على ال‬
‫قيل له ‪ :‬والعن الفهوم من الرادة ف حقنا هي ميل يتنع على ال ‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬إرادته ليست من جنس إرادة خلقه قيل له ‪ :‬ورحته ليست من جنس‬
‫رحة خلقه وكذلك مبته ‪ .‬وإن قال ‪ -‬وهو حقيقة قوله ‪ : -‬ل أثبت الرادة‬
‫وغيها بالسمع وإنا أثبت العلم والقدرة والرادة بالعقل وكذلك السمع والبصر‬
‫والكلم على إحدى الطريقتي لن الفعل دل على القدرة والحكام دل على العلم‬
‫والتخصيص دل على الرادة قيل له الواب من ثلثة أوجه ‪:‬‬
‫أحدها ‪:‬‬
‫أن النعام والحسان وكشف الضر دل أيضا على الرحة كدللة التخصيص على‬
‫الرادة ‪ .‬والتقريب والدناء وأنواع التخصيص الت ل تكون إل من الحب تدل‬
‫على الحبة أو مطلق التخصيص يدل على الرادة ‪ .‬وأما التخصيص بالنعام‬
‫فتخصيص خاص ‪ .‬والتخصيص بالتقريب والصطفاء تقريب خاص ‪ .‬وما سلكه‬
‫ف مسلك الرادة يسلك ف مثل هذا ‪.‬‬
‫الثان ‪:‬‬
‫يقال له ‪ :‬هب أن العقل ل يدل على هذا فإنه ل ينفيه إل بثل ما ينفي به‬
‫الرادة ‪ ،‬والسمع دليل مستقل بنفسه بل الطمأنينة إليه ف هذه الضايق أعظم‬
‫ودللته أت فلي شيء نفيت مدلوله أو توقفت وأعدت هذه الصفات كلها إل‬
‫الرادة مع أن النصوص [ ل ] تفرق ؟ فل يذكر حجة إل عورض بثلها ف إثباته‬
‫الرادة زيادة على الفعل ‪.‬‬
‫" الثالث "‬

‫‪21‬‬
‫يقال له ‪ :‬إذا قال لك الهمي الرادة ل معن لا إل عدم الكراه أو نفس الفعل‬
‫والمر به وزعم أن إثبات إرادة تقتضي مذورا إن قال بقدمها ومذورا إن قال‬
‫بدوثها ‪ .‬وهنا اضطربت العتزلة فإنم ل يقولون بإرادة قدية لمتناع صفة قدية‬
‫عندهم ول يقولون بتجدد صفة له لمتناع حلول الوادث عند أكثرهم مع‬
‫تناقضهم ‪ .‬فصاروا حزبي ‪ :‬البغداديون وهم أشد غلوا ف البدعة ف الصفات وف‬
‫القدر نفوا حقيقة الرادة ‪ .‬وقال الاحظ ل معن لا إل عدم الكراه ‪.‬‬
‫وقال الكعب ل معن لا إل نفس الفعل إذا تعلقت بفعله ونفس المر إذا تعلقت‬
‫بطاعة عباده ‪ .‬والبصريون كأب علي وأب هاشم قالوا ‪ :‬تدث إرادة ل ف مل فل‬
‫إرادة فالتزموا حدوث حادث غي مراد وقيام صفة بغي مل وكلها عند العقلء‬
‫معلوم الفساد بالبديهة ‪ .‬كان جوابه أن ما ادعى إحالته من ثبوت الصفات ليس‬
‫بحال والنص قد دل عليها والعقل أيضا فإذا أخذ الصم ينازع ف دللة النص أو‬
‫العقل جعله مسفسطا أو مقرمطا وهذا بعينه موجود ف الرحة والحبة فإن خصومه‬
‫ينازعونه ف دللة السمع والعقل عليها على الوجه القطعي ‪ .‬ث يقال لصومه ‪ :‬ب‬
‫أثبتم أنه عليم قدير ؟ فما أثبتوه به من سع وعقل فبعينه تثبت الرادة وما عارضوا‬
‫به من الشبه عورضوا بثله ف العليم والقدير ‪.‬‬
‫وإذا انتهى المر إل ثبوت العان وأنا تستلزم الدوث أو التركيب والفتقار كان‬
‫الواب ما قررناه ف غي هذا الوضع ؛ فإن ذلك ل يستلزم حدوثا ول تركيبا‬
‫مقتضيا حاجة إل غيه ‪ .‬ويعارضون أيضا با ينفي به أهل التعطيل الذات من الشبه‬
‫الفاسدة ويلزمون بوجود الرب الالق العلوم بالفطرة اللقية والضرورة العقلية‬
‫والقواطع العقلية واتفاق المم وغي ذلك من الدلئل ث يطالبون بوجود من جنس‬
‫ما نعهده أو بوجود يعلمون كيفيته فل بد أن يفروا إل إثبات ما ل تشبه حقيقته‬
‫القائق ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫فالقول ف سائر ما سى ووصف به نفسه كالقول ف نفسه سبحانه وتعال ‪ .‬و "‬
‫نكتة هذا الكلم " أن غالب من نفى وأثبت شيئا ما دل عليه الكتاب والسنة ل بد‬
‫أن يثبت الشيء لقيام القتضي وانتفاء الانع وينفي الشيء لوجود الانع أو لعدم‬
‫القتضي أو يتوقف إذا ل يكن له عنده مقتض ول مانع فيبي له أن القتضي فيما‬
‫نفاه قائم ؛ كما أنه فيما أثبته قائم إما من كل وجه أو من وجه يب به الثبات ‪.‬‬
‫فإن كان القتضي هناك حقا فكذلك هنا وإل فدرء ذاك القتضي من جنس درء‬
‫هذا ‪ .‬وأما الانع فيبي أن الانع الذي تيله فيما نفاه من جنس الانع الذي تيله‬
‫فيما أثبته فإذا كان ذلك الانع الستحيل موجودا على التقديرين ل ينج من مذوره‬
‫بإثبات أحدها ونفي الخر فإنه إن كان حقا نفاها وإن كان باطل ل ينف واحدا‬
‫منهما فعليه أن يسوي بي المرين ف الثبات والنفي ول سبيل إل النفي فتعي‬
‫الثبات ‪.‬‬
‫فهذه نكتة اللزام لن أثبت شيئا ‪ .‬وما من أحد إل ول بد أن يثبت شيئا أو يب‬
‫عليه إثباته ‪ .‬فهذا يعطيك من حيث الملة أن اللوازم الت يدعي أنا موجبة النفي‬
‫خيالت غي صحيحة وإن ل يعرف فسادها على التفصيل وأما من حيث التفصيل‬
‫فيبي فساد الانع وقيام القتضي كما قرر هذا غي مرة ‪ .‬فإن قال من أثبت هذه‬
‫الصفات الت هي فينا أعراض كالياة والعلم والقدرة ول يثبت ما هو فينا أبعاض‬
‫كاليد والقدم ‪ :‬هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم ‪ .‬قيل له ‪ :‬وتلك‬
‫أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلي كما استلزمت هذه عندك التركيب‬
‫السي فإن أثبت تلك على وجه ل تكون أعراضا أو تسميتها أعراضا ل ينع ثبوتا‬
‫قيل له ‪ :‬وأثبت هذه على وجه ل تكون تركيبا وأبعاضا أو تسميتها تركيبا‬
‫وأبعاضا ل ينع ثبوتا ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬هذه ل يعقل منها إل الجزاء قيل له ‪ :‬وتلك ل يعقل منها إل العراض‬
‫فإن قال ‪ :‬العرض ما ل يبقى وصفات الرب باقية ‪ .‬قيل ‪ :‬والبعض ما جاز انفصاله‬
‫عن الملة وذلك ف حق ال مال فمفارقة الصفات القدية مستحيلة ف حق ال‬
‫تعال مطلقا والخلوق يوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه ‪ .‬فإن قال ذلك تسيم‬
‫والتجسيم منتف قيل ‪ :‬وهذا تسيم والتجسيم منتف ‪ .‬فإن قال ‪ :‬أنا أعقل صفة‬
‫ليست عرضا بغي متحيز وإن ل يكن له ف الشاهد نظي قيل له ‪ :‬فاعقل صفة هي‬
‫لنا بعض لغي متحيز وإن ل يكن له ف الشاهد نظي فإن نفي عقل هذا نفي عقل‬
‫ذاك وإن كان بينهما نوع فرق لكنه فرق غي مؤثر ف موضع الناع ؛ ولذا كانت‬
‫العطلة الهمية تنفي الميع لكن ذاك أيضا مستلزم لنفي الذات ومن أثبت هذه‬
‫الصفات البية من نظي هؤلء صرح بأنا صفة قائمة به كالعلم والقدرة وهذا‬
‫أيضا ليس هو معقول النص ول مدلول العقل وإنا الضرورة ألأتم إل هذه‬
‫الضايق ‪ .‬وأصل ذلك ‪ :‬أنم أتوا بألفاظ ليست ف الكتاب ول ف السنة وهي‬
‫ألفاظ جلة مثل ‪ " :‬متحيز " و " مدود " و " جسم " و " مركب " ونو ذلك‬
‫ونفوا مدلولا وجعلوا ذلك مقدمة بينهم مسلمة ومدلول عليها بنوع قياس وذلك‬
‫القياس أوقعهم فيه مسلك سلكوه ف إثبات حدوث العال بدوث العراض أو‬
‫إثبات إمكان السم بالتركيب من الجزاء فوجب طرد الدليل بالدوث والمكان‬
‫لكل ما شله هذا الدليل ؛ إذ الدليل القطعي ل يقبل الترك لعارض راجح فرأوا‬
‫ذلك يعكر عليهم من جهة النصوص ومن جهة العقل من ناحية أخرى فصاروا‬
‫أحزابا ‪ .‬تارة يغلبون القياس الول ويدفعون ما عارضه وهم العتزلة وتارة يغلبون‬
‫القياس الثان ويدفعون الول كهشام بن الكم الرافضي فإنه قد قيل ‪ :‬أول ما‬
‫تكلم ف السم نفيا وإثباتا من زمن هشام بن الكم وأب الذيل العلف فإن أبا‬
‫الذيل ونوه من قدماء العتزلة نفوا السم لا سلكوا من القياس فعارضهم هشام‬

‫‪24‬‬
‫وأثبت السم لا سلكوه من القياس واعتقد الولون إحالة ثبوته واعتقد هذا إحالة‬
‫نفيه وتارة يمعون بي النصوص والقياس بمع يظهر فيه الحالة والتناقض ‪ .‬فما‬
‫أعلم أحدا من الارجي عن الكتاب والسنة من جيع فرسان الكلم والفلسفة إل‬
‫ول بد أن يتناقض فيحيل ما أوجب نظيه ويوجب ما أحال نظيه إذ كلمهم من‬
‫عند غي ال وقد قال ال تعال ‪ { :‬ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا‬
‫كثيا } ‪ .‬والصواب ما عليه أئمة الدى وهو أن يوصف ال با وصف به نفسه أو‬
‫وصفه به رسوله ل يتجاوز القرآن والديث‬
‫ويتبع ف ذلك سبيل السلف الاضي أهل العلم واليان والعان الفهومة من‬
‫الكتاب والسنة ل ترد بالشبهات فتكون من باب تريف الكلم عن مواضعه ول‬
‫يعرض عنها فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربم يرون عليها صما‬
‫وعميانا ول يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين ل يعلمون الكتاب إل أمان ‪.‬‬
‫فهذا أحد الوجهي وهو منع أن تكون هذه من التشابه ‪.‬‬
‫الوجه الثان ‪ :‬أنه إذا قيل ‪:‬‬
‫هذه من التشابه أو كان فيها ما هو من التشابه كما نقل عن بعض الئمة أنه سى‬
‫بعض ما استدل به الهمية متشابا فيقال ‪ :‬الذي ف القرآن أنه ل يعلم تأويله إل‬
‫ال إما التشابه وإما الكتاب كله كما تقدم ونفي علم تأويله ليس نفي علم معناه‬
‫كما قدمناه ف القيامة وأمور القيامة وهذا الوجه قوي إن ثبت حديث ابن إسحاق‬
‫ف وفد نران أنم احتجوا على النب صلى ال عليه وسلم بقوله ‪ ( :‬إنا و ( نن‬
‫ونو ذلك ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن ف القرآن متشابا وهو ما يتمل معنيي وف‬
‫مسائل الصفات ما هو من هذا الباب كما أن ذلك ف مسائل العاد وأول فإن نفي‬
‫الشابة بي ال وبي خلقه أعظم من نفي الشابة بي موعود النة وموجود الدنيا ‪.‬‬
‫وإنا نكتة الواب هو ما قدمناه أول أن نفي علم التأويل ليس نفيا لعلم العن‬

‫‪25‬‬
‫ونزيده تقريرا أن ال سبحانه يقول ‪ { :‬ولقد ضربنا للناس ف هذا القرآن من كل‬
‫مثل لعلهم يتذكرون } { قرءانا عربيا غي ذي عوج لعلهم يتقون } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ الر تلك آيات الكتاب البي } { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } فأخب‬
‫أنه أنزله ليعقلوه وأنه‬

‫‪26‬‬
‫وقال أيضا ‪ { :‬وتلك المثال نضربا للناس لعلهم يتفكرون } فحض على تدبره‬
‫وفقهه وعقله والتذكر به والتفكر فيه ول يستثن من ذلك شيئا ؛ بل نصوص‬
‫متعددة تصرح بالعموم فيه مثل قوله { أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالا }‬
‫وقوله { أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا‬
‫} ومعلوم أن نفي الختلف عنه ل يكون إل بتدبره كله وإل فتدبر بعضه ل‬
‫يوجب الكم بنفي مالفه ما ل يتدبر لا تدبر ‪ .‬وقال علي رضي ال عنه لا قيل له‬
‫‪ :‬هل ترك عندكم رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ؟ فقال ‪ :‬ل والذي فلق‬
‫البة وبرأ النسمة إل فهما يؤتيه ال عبدا ف كتابه وما ف هذه الصحيفة ‪ .‬فأخب أن‬
‫الفهم فيه متلف ف المة والفهم أخص من العلم والكم قال ال تعال ‪{ :‬‬
‫ففهمناها سليمان وكل آتينا حكما وعلما } وقال النب صلى ال عليه وسلم {‬
‫رب مبلغ أوعى من سامع } وقال { بلغوا عن ولو آية } ‪ .‬وأيضا فالسلف من‬
‫الصحابة والتابعي وسائر المة قد تكلموا ف جيع نصوص القرآن آيات الصفات‬
‫وغيها وفسروها با يوافق دللتها وبيانا ورووا عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫أحاديث كثية توافق القرآن وأئمة الصحابة ف هذا أعظم من غيهم مثل عبد ال‬
‫بن مسعود الذي كان يقول ‪:‬‬
‫لو أعلم أعلم بكتاب ال من تبلغه آباط البل لتيته ‪.‬‬
‫وعبد ال بن عباس الذي دعا له النب صلى ال عليه وسلم وهو حب المة وترجان‬
‫القرآن كانا ها وأصحابما من أعظم الصحابة والتابعي إثباتا للصفات ورواية لا‬
‫عن النب صلى ال عليه وسلم ومن له خبة بالديث والتفسي يعرف هذا وما ف‬
‫التابعي أجل من أصحاب هذين السيدين بل وثالثهما ف علية التابعي من جنسهم‬
‫أو قريب منهم ومثلهما ف جللته جللة أصحاب زيد بن ثابت ؛ لكن أصحابه مع‬
‫جللتهم ليسوا متصي به بل أخذوا عن غيه مثل عمر وابن عمر وابن عباس ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ولو كان معان هذه اليات منفيا أو مسكوتا عنه ل يكن ربانيو الصحابة أهل العلم‬
‫بالكتاب والسنة أكثر كلما فيه ‪ .‬ث إن الصحابة نقلوا عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنم كانوا يتعلمون منه التفسي مع التلوة ول يذكر أحد منهم عنه قط أنه‬
‫امتنع من تفسي آية ‪.‬‬

‫قال أبو عبد الرحن السلمي ‪:‬‬


‫حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد ال بن مسعود وغيها‬
‫أنم كانوا إذا تعلموا من النب صلى ال عليه وسلم عشر آيات ل ياوزوها حت‬
‫يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل ‪.‬‬
‫وكذلك الئمة كانوا إذا سئلوا عن شيء من ذلك ل ينفوا معناه بل يثبتون العن‬
‫وينفون الكيفية كقول مالك بن أنس لا سئل عن قوله تعال ‪ { :‬الرحن على‬
‫العرش استوى } كيف استوى فقال ‪ :‬الستواء معلوم والكيف مهول واليان به‬
‫واجب والسؤال عنه بدعة وكذلك ربيعة قبله ‪.‬‬
‫وقد تلقى الناس هذا الكلم بالقبول فليس ف أهل السنة من ينكره ‪ .‬وقد بي أن‬
‫الستواء معلوم كما أن سائر ما أخب به معلوم ولكن الكيفية ل تعلم ول يوز‬
‫السؤال عنها ل يقال كيف استوى ‪ .‬ول يقل مالك الكيف معدوم وإنا قال‬
‫الكيف مهول ‪ .‬وهذا فيه نزاع بي أصحابنا وغيهم من أهل السنة غي أن أكثرهم‬
‫يقولون ل تطر كيفيته ببال ول تري ماهيته ف مقال ومنهم من يقول ‪ :‬ليس له‬
‫كيفية ول ماهية ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬معن قوله ‪ " :‬الستواء معلوم " أن ورود هذا اللفظ‬
‫ف القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يعلون معرفة معانيها من التأويل‬
‫الذي استأثر ال بعلمه ‪ .‬قيل ‪ :‬هذا ضعيف ؛ فإن هذا من باب تصيل الاصل فإن‬
‫السائل قد علم أن هذا موجود ف القرآن وقد تل الية ‪ .‬وأيضا فلم يقل ‪ :‬ذكر‬

‫‪28‬‬
‫الستواء ف القرآن ول إخبار ال بالستواء ؛ وإنا قال ‪ :‬الستواء معلوم ‪ .‬فأخب‬
‫عن السم الفرد أنه معلوم ل يب عن الملة ‪ .‬وأيضا فإنه قال ‪ " :‬والكيف مهول‬
‫" ولو أراد ذلك لقال معن الستواء مهول أو تفسي الستواء مهول أو بيان‬
‫الستواء غي معلوم فلم ينف إل العلم بكيفية الستواء ل العلم بنفس الستواء ‪.‬‬
‫وهذا شأن جيع ما وصف ال به نفسه لو قال ف قوله ‪ { :‬إنن معكما أسع‬
‫وأرى } كيف يسمع وكيف يرى ؟ لقلنا ‪ :‬السمع والرؤيا معلوم والكيف مهول‬
‫ولو قال ‪ :‬كيف كلم موسى تكليما ؟ لقلنا ‪ :‬التكليم معلوم والكيف غي معلوم ‪.‬‬
‫وأيضا فإن من قال هذا من أصحابنا وغيهم من أهل السنة ‪ :‬يقرون بأن ال فوق‬
‫العرش حقيقة وأن ذاته فوق ذات العرش ل ينكرون معن الستواء ول يرون هذا‬
‫من التشابه الذي ل يعلم معناه بالكلية ‪ .‬ث السلف متفقون على تفسيه با هو‬
‫مذهب أهل السنة ‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬ارتفع على العرش عل على العرش ‪ .‬وقال‬
‫بعضهم عبارات أخرى وهذه ثابتة عن السلف قد ذكر البخاري ف صحيحه‬
‫بعضها ف آخر كتاب " الرد على الهمية " ‪ .‬وأما التأويلت الحرفة مثل استول‬
‫وغي ذلك فهي من التأويلت البتدعة لا ظهرت الهمية ‪ .‬وأيضا قد ثبت أن اتباع‬
‫التشابه ليس ف خصوص الصفات ؛ بل ف صحيح البخاري { أن النب صلى ال‬
‫عليه وسلم قال لعائشة يا عائشة إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين‬
‫سى ال فاحذريهم } وهذا عام ‪ .‬وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الطاب من‬
‫أشهر القضايا فإنه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حت رآه عمر فسأل عمر عن‬
‫{ والذاريات ذروا } فقال ‪ :‬ما اسك ؟ قال ‪ :‬عبد ال صبيغ فقال ‪ :‬وأنا عبد ال‬
‫عمر وضربه الضرب الشديد ‪.‬‬
‫وكان ابن عباس إذا أل عليه رجل ف مسألة من هذا النس يقول ما أحوجك أن‬
‫يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ ‪ .‬وهذا لنم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة ل‬

‫‪29‬‬
‫السترشاد والستفهام كما قال النب عليه الصلة والسلم { إذا رأيت الذين‬
‫يتبعون ما تشابه منه } وكما قال تعال ‪ { :‬فأما الذين ف قلوبم زيغ فيتبعون ما‬
‫تشابه منه ابتغاء الفتنة } فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذي يعارض بي‬
‫آيات القرآن وقد نى النب صلى ال عليه وسلم عن ذلك وقال ‪ { :‬ل تضربوا‬
‫كتاب ال بعضه ببعض } فإن ذلك يوقع الشك ف قلوبم ‪ .‬ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء‬
‫تأويله الذي ل يعلمه إل ال فكان مقصودهم مذموما ومطلوبم متعذرا مثل‬
‫أغلوطات السائل الت نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها ‪.‬‬
‫وما يبي الفرق بي " العن " و " التأويل " أن صبيغا سأل عمر عن ( الذاريات‬
‫وليست من الصفات وقد تكلم الصحابة ف تفسيها مثل علي بن أب طالب مع‬
‫ابن الكواء لا سأله عنها كره سؤاله لا رآه من قصده ؛ لكن علي كانت رعيته‬
‫ملتوية عليه ل يكن مطاعا فيهم طاعة عمر حت يؤدبه ‪ .‬و ( الذاريات و‬
‫( الاملت و ( الاريات و ( القسمات فيها اشتباه لن اللفظ يتمل الرياح‬
‫والسحاب والنجوم واللئكة ويتمل غي ذلك إذ ليس ف اللفظ ذكر الوصوف ‪.‬‬
‫والتأويل الذي ل يعلمه إل ال هو أعيان الرياح ومقاديرها وصفاتا ومت تب‬
‫وأعيان السحاب وما تمله من المطار ومت ينل الطر وكذلك ف ( الاريات و‬
‫( القسمات فهذا ل يعلمه إل ال ‪ .‬وكذلك ف قوله ‪ ( :‬إنا و ( نن ونوها من‬
‫أساء ال الت فيها معن المع كما اتبعه النصارى ؛ فإن معناه معلوم وهو ال‬
‫سبحانه‬
‫لكن اسم المع يدل على تعدد العان ؛ بنلة الساء التعددة ‪ :‬مثل العليم‬
‫والقدير والسميع والبصي فإن السمى واحد ومعان الساء متعددة فهكذا السم‬
‫الذي لفظه المع ‪ .‬وأما التأويل الذي اختص ال به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال‬
‫مالك ‪ .‬والكيف مهول ‪ .‬فإذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسعه وبصره قيل هذا‬

‫‪30‬‬
‫هو التأويل الذي ل يعلمه إل ال ‪ .‬وما أحسن ما يعاد التأويل إل القرآن كله ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فقد { قال النب صلى ال عليه وسلم لبن عباس اللهم فقهه ف الدين‬
‫وعلمه التأويل } قيل ‪ :‬أما تأويل المر والنهي فذاك يعلمه واللم هنا للتأويل‬
‫العهود ل يقل ‪ :‬تأويل كل القرآن فالتأويل النفي هو تأويل الخبار الت ل يعلم‬
‫حقيقة مبها إل ال والتأويل العلوم هو المر الذي يعلم العباد تأويله وهذا كقوله‬
‫‪ { :‬هل ينظرون إل تأويله يوم يأت تأويله } وقوله ‪ { :‬بل كذبوا با ل ييطوا‬
‫بعلمه ولا يأتم تأويله } فإن الراد تأويل الب الذي أخب فيه عن الستقبل فإنه هو‬
‫الذي " ينتظر " " ويأت " و " لا يأتم " ‪ .‬وأما تأويل المر والنهي فذاك ف المر ‪.‬‬
‫وتأويل الب عن ال وعمن مضى إن أدخل ف التأويل ل ينتظر ‪.‬‬
‫وال سبحانه أعلم وبه التوفيق ؟‬

‫شبكة مشكاة السلمية‬


‫نقل عن موقع السلم‬

‫‪31‬‬

You might also like