You are on page 1of 14

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫شرح‪ :‬الموطأ – كتاب حسن الخلق )‪(1‬‬


‫باب ما جاء في حسن الخلق ‪ -‬باب ما جاء في الحياء ‪ -‬باب ما جاء في الغضب‬
‫الشيخ‪ :‬عبد الكريم الخضير‬

‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬


‫سم‬
‫أحسن الله إليك‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك علللى نبينللا محمللد وآللله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫اللهم اغفر لشيخنا والسامعين والحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫قال المؤلف ‪-‬رحمه الله تعالى‪:-‬‬
‫كتاب حسن الخلق‪:‬‬
‫باب ما جاء في حسن الخلق‪:‬‬
‫وحدثني عن مالللك أن معللاذ بللن جبللل ‪-‬رضللي الللله عنلله‪ -‬قللال‪" :‬آخللر مللا‬
‫أوصاني به رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حيللن وضللعت رجلللي فللي‬
‫الغرز أن قال‪)) :‬أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل((‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علروة بللن الزبيلر علن عائشلة زوج‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنها قالت‪" :‬ما خير رسول الله ‪-‬صلى الللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬في أمرين قط إل أخذ أيسرهما ما لم يكللن إثم لًا‪ ،‬فللإن كللان‬
‫إثما ً كان أبعد الناس منه‪ ،‬وما انتقم رسول الله ‪-‬صلى الله عليلله وسلللم‪-‬‬
‫لنفسه إل أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها"‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بللن علللي بللن أبللي‬
‫طالب ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪:‬‬
‫))من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه((‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلللم‪-‬‬
‫أنها قالت‪" :‬استأذن رجل على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬وأنا معه في البيت‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الللله عليلله وسلللم‪:-‬‬
‫))بئس ابن العشيرة(( ثم أذن للله رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪-‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬معه‪ ،‬فلما خرج الرجل قلت‪ :‬يا رسول الله قلت فيه مللا قلللت ثللم‬
‫لم تنشب أن ضحكت معه! فقال رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪:-‬‬
‫))إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره((‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الحبار‬
‫أنه قال‪" :‬إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ملاذا يتبعله ملن‬
‫حسن الثناء"‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال‪" :‬بلغنللي أن المللرء ليللدرك‬
‫بحسن خلقه درجة القائم بالليل‪ ،‬الظامي بالهواجر"‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب‬
‫يقول‪" :‬أل أخبركم بخير من كثير من الصلة والصدقة؟ قالوا‪ :‬بلى قللال‪:‬‬
‫إصلح ذات البين‪ ،‬وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة"‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪-‬‬
‫قال‪)) :‬بعثت لتمم حسن الخلق((‪.‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى اللممه وسمملم وبممارك علممى عبممده ورسمموله‪ ،‬نبينمما محمممد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فيقول المؤلف ‪-‬رحمه الله تعالى‪:-‬‬
‫كتاب حسن الخلق‪:‬‬
‫ً‬
‫الكتاب مضى الكلم فيه مرارا‪ ،‬فهذا هو الكتاب السابع والربعون من كتب الموطأ‪ ،‬فل‬
‫داعي للكلم في هذه الكلمة‪ ،‬والحسن ضد السمموء‪ ،‬وهممو ممما تسممتخفه النفممس‪ ،‬وتميممل‬
‫إليه‪ ،‬وتحبه‪ ،‬والخلق هو الدين والطبع والسجية‪ ،‬ويأتي بمعنى الدب الشرعي‪ ،‬كما جمماء‬
‫في الخبر‪)) :‬أدبني ربي فأحسن تأديبي(( وجاء أيضا ً قول عائشة‪" :‬كان خلقممه القممرآن"‬
‫يعني خلق النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وقمد بعمث ليتممم مكمارم الخلق‪ ،‬فهمو أكممل‬
‫الناس في الخلق ‪-‬عليه الصمملة والسمملم‪ ،-‬خلقممه القممرآن‪ ،‬فحيمماته وعيشممته‪ ،‬وسمميرته‪،‬‬
‫م{ ])‪ (4‬سممورة القلممم[ هممذا‬ ‫على ُ ُ‬‫ك لَ َ‬
‫وإ ِن ّ َ‬
‫ظي ل ٍ‬
‫ع ِ‬
‫ق َ‬‫خل ٍ‬ ‫وشمائله ترجمة عملية للقرآن‪َ } ،‬‬
‫بالنسبة لحسن الخلق‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬إن حسن الخلق المراد به الدب الشرعي‪ ،‬فعلى طالب العلم أن يعنممى بهممذا‬
‫الجانب‪ ،‬وينظر ما جاء في هذا الباب من نصوص الكتاب والسنة ليتأدب بها‪ ،‬ليكون مممع‬
‫علمه عامل ً بعلمه‪ ،‬قدوة لغيره‪ ،‬والكتاب العزيز والسنة المطهممرة فيهمما الشمميء الكممثير‬
‫مما يحتاجه المسلم ل سيما طالب العلم في تعامله مع الناس‪ ،‬والخلق كما يكون فممي‬
‫التعامل مع الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يكون في التعامل مع النفس‪ ،‬ومممع القربيممن مممن الوالممدين‬
‫والخوة والخوات‪ ،‬والعمات‪ ،‬والعمام‪ ،‬والخوال‪ ،‬والخممالت‪ ،‬وسممائر القممارب‪ ،‬ويكممون‬
‫أيضا ً مع المسلمين‪ ،‬ومع غيرهم ممن له عهد أو ميثاق‪ ،‬ل بد أن يتعامل مع كممل إنسممان‬
‫بما يليق به‪ ،‬ولذا يترجمون باب البر والصلة والداب‪ ،‬باب الممبر والصمملة والداب‪ ،‬فممالبر‬
‫يكون لقرب الناس للوالدين‪ ،‬والصلة للقارب‪ ،‬والداب مع سائر الناس‪.‬‬
‫باب ما جاء في حسن الخلق‪:‬‬
‫يعني من النصوص‪ ،‬وما جاء في هذا الباب ل يكاد يحصر‪ ،‬ونصوص الكتاب والسنة فممي‬
‫هذا متضافرة‪ ،‬وكثيرة جدًا‪ ،‬وهي من خير ما يعنى به طالب العلم؛ لكممي يعيممش عيشممة‬
‫قويمة بأدب الله وأدب رسوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬وما نشاهده ونسمعه مممن سمموء‬
‫التعامل بين المسلمين‪ ،‬وقد يوجد مع السف بين طلب العلم‪ ،‬كل هذا إنما هو بالغفلة‬
‫عن هذا الباب العظيم‪ ،‬تجد الجفاء بين الشقاء‪ ،‬تجد الجفاء بين الوالد وولده‪ ،‬والم مع‬
‫ابنها وبنتها‪ ،‬بين الزوج وزوجته‪ ،‬مع الجار‪ ،...‬كل هذا أمرنمما بالحسممان إليهممم‪ ،‬والتعامممل‬
‫معهم على أكمل وجه‪ ،‬غفل الناس عن تحصيل هذا الباب العظيم من أبواب الدين‪ ،‬ول‬
‫يتم الفقه في الدين إل به‪ ،‬ثم ماذا إذا حمل طالب العلم من الحكام ممما حمممل بأدلتهمما‬
‫ومعرفة الراجح منها وهو ل يستطيع أن يتعامل مممع والممده؟ ل يسممتطيع أن يتعامممل مممع‬
‫زوجته؟ مع إخوانه؟ مع أولده؟ ماذا يستفيد من هذا العلم إل النفرة والبغضمماء؟ وكممثير‬
‫من المور التي ل تحمد عقباها إنما أوتي النسان من قبل هذا الباب‪ ،‬بسببها‪.‬‬
‫كتب الدب كثيرة جمدا ً المتي تمدعو إلمى حسمن الخلمق‪ ،‬وممع السمف أن المذي اسمتأثر‬
‫بالسم هو ما يدعو إلى سوء الخلق‪ ،‬وسفاسممف المممور‪ ،‬فتجممد كتممب الدب المصممطلح‬
‫عليه أدب الدرس عند الناس‪ ،‬الفممن المعممروف‪ ،‬كممثير منممه يممدعو إلممى سمموء الدب مممع‬
‫السف‪ ،‬لما اشتملت عليه هممذه الكتممب المصممنفة فممي هممذا البمماب مممن قصممص مسممفة‬
‫فاحشة بذيئة‪ ،‬وأخبار كاذبة تحمل فمي طياتهما البغضماء والشمحناء؛ لن مؤلفيهما ليسموا‬
‫على درجة من التدين والستقامة مع أن بعض من ينتسب إلممى العلممم قممد يفصممل بيممن‬
‫العلم والدب‪ ،‬من أهل العلم من تممولى القضمماء والفتمماء‪ ،‬وألممف فممي علمموم الشممريعة‪،‬‬
‫مشهور‪ ،‬ومع ذلك يؤلف في الجواري والغلمممان‪ ،‬كتماب ممن أسمموأ الكتممب‪ ،‬ويممذكر فمي‬
‫مقدمته أنه قد يستغرب من إمام وعممالم ومؤلممف وفقيممه قاضممي أن يطممرق مثممل هممذه‬
‫الموضوعات‪ ،‬لكنه أجاب بما يفاد منه أنه ل علقممة للممدين بمالدب‪ ،‬وأن هممذا فممن‪ ،‬وذاك‬
‫فممن‪ ،‬مممع السممف أن هممذا عممالم مممن علممماء المسمملمين‪ ،‬ولممه أيضما ً قصممائد فممي الدب‬
‫الشرعي يعني بالمقابل‪ ،‬وهي مشهورة ومحفوظة عند طلب العلم من القدم‪.‬‬
‫هذا إذا كان بهذه المثابة ممن العلمم والمدين‪ ،‬والمناصمب العليمة فمي الدولمة السملمية‬
‫مشكلة‪ ،‬هذا هو الشكال‪ ،‬أما أن يدعو إلى الدب الفاحش والبذيء مممن هممو‪ ،..‬ممممن ل‬
‫يعرف بعلم ول دين‪ ،‬يعني من عرف بالفسق والشرب والمجون‪ ،‬وغير ذلك هممذا أمممره‬
‫سهل‪ ،‬يعني سهل أن يطرق مثل هذا الموضوع شخص من أهل الشرب‪ ،‬شرب الخمممر‬
‫ل؛ لنه ليس بقدوة‪ ،‬ل يغتر الناس به‪ ،‬لكن الشكال حينما يطرق هممذا البمماب شممخص‬ ‫مث ً‬
‫محسوب على أهل العلم‪ ،‬فمثل زكي مبارك مممن المتممأخرين‪ ،‬ومعممروف وضممعه‪ ،‬واللممه‬
‫المستعان‪ ،‬حينما عتب على صاحب زهر الداب إغفاله للمجون‪ ،‬وقال‪ :‬إنه أغفل جانبمما ً‬
‫مهما ً من جوانب الدب‪ ،‬والحياة ‪-‬كما يقول هو وأظنه ليس بكامل عقله لما يكتممب هممذا‬
‫الكلم‪ -‬تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالص‪ ،‬يقول‪ :‬أذهب إلى أبعمد ممن ذلمك فمأزعم‬
‫أن بعض الغي رشد‪.‬‬
‫هذا ما عليه شره‪ ،‬هذا ليس ممن يقتدى به‪ ،‬أو يؤخذ بكلمممه‪ ،‬نظممائره كممثير يعنممي فممي‬
‫الدباء‪ ،‬لكن الشكال حينما يصدر هذا من عالم‪ ،‬ويرى أن العلم الشممرعي فممن‪ ،‬والدب‬
‫فن آخر‪ ،‬الدين واحد‪ ،‬يعني نظير ما يذكره بعض المؤرخين ممن عرف بسلمة المعتقد‬
‫في الجملة‪ ،‬ثم يأتي يترجم لعالم ثم يمدح قبره‪ ،‬وأن ضريحه شفاء‪ ،‬ترياق مجرب‪ ،‬هذا‬
‫فصل بين التوحيد والتاريخ‪ ،‬فالدين وحدة متكاملة‪ ،‬يكمل بعضممه بعض مًا‪ ،‬وأبمموابه يرتبممط‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬ول يتم الفقه فيممه إل إذا تفقهنمما علممى مممراد اللممه‪ ،‬ومممراد رسمموله ‪-‬عليممه‬
‫الصلة والسلم‪ ،-‬فالنصوص ‪-‬نصوص الكتاب والسنة‪ -‬وأقاويل سلف هممذه المممة تممدعو‬
‫إلى حسن الخلق‪ ،‬وفي كتب الدب ما يدعو إلى الفحش‪ ،‬وبذاءة اللسان‪ ،‬وإيراث أو ما‬
‫يورث الشحناء والبغضاء‪ ،‬كل هذا ينبغي أن يكون طالب العلم على حذر منه‪.‬‬
‫وفي كتب الدب التي هذه صفتها مما يعنى به أهل العلم‪ ،‬وإن كان فيها ما فيهمما‪ ،‬لكممن‬
‫يكون النسان على حذر منهما‪ ،‬ويستصمحب النصموص‪ ،‬ويجعلهما همي الحمادي والسمائق‬
‫والقائد‪ ،‬ثم بعد ذلك يستفيد من هذه الكتب كما يقول أهممل العلممم مممن بمماب اسممتجمام‬
‫النفس‪ ،‬وترويح النفس‪ ،‬ويمر فيها في أثنائها بعض الفوائد التي يحتاجهما طمالب العلمم‪،‬‬
‫وكتب التواريخ إذا سلمت من الكذب وعرف ثقة مؤلفيها أنفع من كتب الدب في هممذا‬
‫الباب‪ ،‬وأكثر فائدة؛ لن فيها العبرة‪ ،‬يعتبر طالب العلم بما مضى بسنن الله ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫الكونية في السابقين واللحقين التي ل تتغير ول تتبدل‪ ،‬هممذه محممل عممبرة‪ ،‬لكممن بعممض‬
‫المؤرخين ل يتورع عن الكذب أو نقل الكذب‪ ،‬وهنمما تكممن المشممكلة‪ ،‬وعلممى كممل حممال‬
‫المقصود بالدب عندنا الدب الشرعي‪ ،‬واستمداده من نصوص الكتمماب والسممنة‪ ،‬نعنممي‬
‫حسن الخلق من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وأقاويل سلف هممذه المممة‪ ،‬والكلم فممي هممذا‬
‫الباب كثير عند أهل العلم‪ ،‬منظوم ومنثور‪ ،‬فلو رجعنا إلى الداب الشرعية لبن مفلممح‪،‬‬
‫أو غذاء اللباب شرح منظومة الداب‪ ،‬الشممرح للسممفاريني والنظممم لبممن عبممد القمموي‪،‬‬
‫ومنظومة الشيخ حافظ الحكمي الميمية فممي الوصممايا والداب العليمممة اشممتملت علممى‬
‫كثير من مسائل هذا الباب‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫باب ما جاء في حسن الخلق‪:‬‬
‫"وحدثني عن مالك أن معاذ بن جبل قال‪" :‬آخر ما أوصاني به رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حين وضعت رجلي فللي الغللرز أن قللال‪)) :‬حسللن‬
‫ن بن جبل(("‪.‬‬ ‫خلقك للناس يا معاذُ ب َ‬
‫الحاديث التي جاءت مرسلة سواًء كانت مما حذف من آخرهمما أو صممارت بلغممات مممن‬
‫مالك أو غير ذلك كلها وصمملها ابممن عبممد الممبر فممي التمهيممد‪ ،‬كلهمما وصمملها‪ ،‬سمموى أربعممة‬
‫أحاديث هذا آخرها‪ ،‬التي لم يستطع ابن عبد الممبر أن يصمملها‪ ،‬وأن يجممدها موصممولة فممي‬
‫كتاب من الكتب المعتبرة‪ ،‬على أن ابن الصلح ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬وصل هذه الحمماديث‬
‫الربعة‪ ،‬فصارت الحاديث كلها موصولة‪ ،‬لكن ل يعني أنها صممحيحة إذا تممم وصمملها فقممد‬
‫توصل بأسانيد صحيحة‪ ،‬وقد توصل بأسانيد حسنة‪ ،‬وقد توصل بأسانيد ضعيفة‪.‬‬
‫على كل حال هذا الخبر معناه صممحيح‪ ،‬قممال‪" :‬إن معاذ بن جبللل قللال‪" :‬آخللر مللا‬
‫أوصاني به رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ "-‬حينما بعثه إلى اليمن‪ ،‬وقصته‬
‫معروفة حينما أرسله النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬إلى اليمن‪ ،‬وقال له ممما قممال ))إنممك‬
‫تأتي قومما ً أهممل كتمماب((‪ ...‬إلممى آخممر الحممديث‪ ،‬وفيممه زوائد علممى الروايممات المعروفممة‬
‫المشهورة منها هذا "كان آخر ما أوصاني بلله رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬حين وضعت رجلي في الغرز" الغرز الذي يركب فيممه علممى الرحممل "أن‬
‫قال‪)) :‬أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل(("‪.‬‬
‫))أحسن خلقك(( يعني تواضع للناس‪ ،‬وتعامل مع الناس بما يليممق بكممل إنسممان مممن‬
‫التعامل‪ ،‬وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم‪ ،‬كما فممي حممديث عائشممة فممي مقدمممة مسمملم‪،‬‬
‫أمرنمما أن ننممزل النمماس منممازلهم‪ ،‬فيتعامممل مممع الكممبير بممالحترام والتقممدير والجلل‪،‬‬
‫والتعظيم‪ ،‬بما يليق به‪ ،‬من غير غلو‪ ،‬ويتعامل مع النظيممر أيض ما ً بمثممل هممذا مممن المممودة‬
‫والحترام والتقدير‪ ،‬ويتعامل مع الصغير بالرحمة والرأفة والشفقة‪ ،‬فيعامل كل إنسممان‬
‫بما يليق به‪.‬‬
‫))أحسن خلقك للناس(( جمماء فممي حممديثه الخممر‪)) :‬وخممالق النمماس بخلممق حسممن((‬
‫فحسن الخلق مطلوب‪ ،‬وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق‪)) ،‬إن أحبكم إلي‪،‬‬
‫وأقربكم مني مجلسا ً يوم القيامة أحاسنكم أخلقًا(( كل هذه تدل على أن هذا له شممأن‬
‫في الشرع‪ ،‬ول يمكن أن تسود المودة والمحبة والحترام بين الناس إل بمثل هذا‪.‬‬
‫))يا معاذ بن جبل(( يا معاذ ُ منادى مبني على الضممم فممي محممل نصممب؛ لنممه مفممرد‪،‬‬
‫وابن‪ :‬نعت‪ ،‬أو بدل‪ ،‬أو بيان من معاذ‪ ،‬منصوب؛ لن محل معاذ النصب‪ ،‬وابممن‪ :‬مضمماف‪،‬‬
‫وجبل‪ :‬مضاف إليه‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه الله‪:-‬‬
‫"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبيللر عللن عائشللة زوج‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنها قالت‪" :‬ما خير رسول الله ‪-‬صلى الللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬في أمرين قط إل أخللذ أيسللرهما" ممما خيممر بيممن أمريممن‪ ،‬أو فممي‬
‫أمرين‪ ،‬بعض الروايات‪ :‬بين أمرين‪ ،‬وفي بعضها‪ :‬في أمرين‪- ،‬عليه الصلة والسمملم‪ -‬إل‬
‫أخذ أيسرهما‪ ،‬والتخيير هذا إما من الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬أو ممن بينممه عهممد أو عقممد أو يريممد‬
‫معاملة مع شخص ويخيره الطرف الثاني‪ ،‬فيختار اليسر ‪-‬عليه الصلة والسمملم‪ ،-‬لكممن‬
‫اختيار اليسر بالنسبة لما بينه وبين ربه من التكمماليف ل شممك أن الممدافع إليممه الشممفقة‬
‫على أمته ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬كما فعل في ليلة السراء وفي غيرها‪.‬‬
‫"إل أخذ أيسرهما" السهل‪ ،‬ونسمع كثير ممن يتصدر للفتمماء يسممتدل بهممذا الحممديث‬
‫على اختيار اليسر من أقوال أهممل العلممم‪ ،‬وهممذا الكلم ليممس بصممحيح‪ ،‬بممل باطممل؛ لن‬
‫اختيار اليسر من أقوال أهل العلم هو ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص‪ ،‬لممما كمان‬
‫هناك اختيار نعم الرسول اختار اليسر‪ ،‬لكن الن هل في اختيار؟ الن هل في مندوحممة‬
‫أن تأخذ بمالواجب أو ل تأخممذ؟ يعنممي إذا قمال مالمك أو الجمهمور قمالوا‪ :‬طمواف الموداع‬
‫واجب‪ ،‬وقال مالك‪ :‬سنة‪ ،‬هممل لنمما خيممار فممي أن ننظممر فممي رأي مالممك؟ نختممار اليسممر‬
‫منهما؟ هل هذا محل الحديث وإل ل؟ محل الحديث لما كان هناك مجممال للختيممار‪ ،‬الن‬
‫انتهى‪ ،‬كملت الشريعة‪ ،‬كمل الدين‪ ،‬فل في مجال للختيار‪ ،‬في مجال راجممح ومرجمموح‪،‬‬
‫فنأخذ بالراجح ونترك المرجوح‪ ،‬ما في مندوحممة ول فممي خيمار‪ ،‬وإل لجعلنما مالكما ً وممن‬
‫يضاهيهم من أهل العلم هم أهل التخيير للناس‪ ،‬وهذا ليس بصحيح الذي يخير من بيممده‬
‫َ‬ ‫ضى الل ّله ورسللول ُ َ‬
‫ملًرا أن ي َك ُللو َ‬
‫ن‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ذا َ‬
‫ق َ‬ ‫ة إِ َ‬
‫من َ ٍ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وَل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ٍ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫و َ‬‫الخيار } َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫م{ ])‪ (36‬سورة الحزاب[ ما فيه‪ ،‬ما في خيمار‪ ،‬الرسمول ‪-‬عليمه‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬‫م ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي ََرةُ ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ُ‬
‫الصلة والسلم‪ -‬أمر بطواف الوداع‪ ،‬وخفف عن الحائض والنفساء‪ ،‬هل هذا واجب وإل‬
‫مستحب؟ لممو كمان مسممتحب مما فيمه مجممال للتخييمر‪ ،‬ممما فيممه مجممال للتخفيممف‪ ،‬أصممل‬
‫المستحب خفيف‪ ،‬أقوى النمماس وأنشممط النمماس لممه أن يممتركه ممما دام مسممتحب‪ ،‬لكممن‬
‫التخفيف عن النساء النفساء والحيض دليل على أنه واجب‪ ،‬وليس هذا مجممال للتخييممر‪،‬‬
‫َ‬
‫ط‬
‫سلل ِ‬‫و َ‬‫نأ ْ‬‫ملل ْ‬
‫ن ِ‬‫كي َ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬‫ة َ‬
‫شَر ِ‬‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫التخيير فيما جاء فيه التخيير‪ ،‬كفارة اليمين }إ ِطْ َ‬
‫عا ُ‬
‫ة{ ])‪ (89‬سممورة المممائدة[ اخممتر‬ ‫ري لُر َر َ‬ ‫َ‬ ‫هِليك ُ َ‬
‫ن أَ ْ‬ ‫ما ت ُطْ ِ‬
‫قب َل ٍ‬ ‫ح ِ‬‫و تَ ْ‬
‫مأ ْ‬‫ه ْ‬
‫وت ُ ُ‬
‫سل َ‬
‫و كِ ْ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫مو َ‬‫ع ُ‬ ‫َ‬
‫اليسر أنت من الثلثة‪ ،‬تقول‪ :‬واللممه رقبممة بمممائة ألممف‪ ،‬والكسمموة بممألف مثل ً للعشممرة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬اختر اليسر؛ لنه فممي مجممال‬ ‫وخمسة عشر كيلو رز بثلثين ريال أو بخمسين ريال مث ً‬
‫للتخيير من قبل من يملك التخيير‪ ،‬أممما سممائر النمماس ممما لهممم خيممرة‪ ،‬فممي دليممل راجممح‬
‫ومرجوح‪ ،‬وإذا ترجح عند النسان حكم ل يجوز له أن يتنممازل عنممه بحممال مممن الحمموال‪،‬‬
‫ليس له أن يتنازل‪ ،‬بل يجب عليه أن يعمل وأن يفتي بما يدين اللممه بممه‪ ،‬أممما أن يترجممح‬
‫عنده الوجوب‪ ،‬ويقول للناس‪ :‬هذا مستحب‪ ،‬هذا تشهي‪ ،‬هذا تنازل عمن شميء ل يملمك‬
‫التنازل عنه‪ ،‬هذا دين‪ ،‬ولذلك تضيع أمور المسلمين بهذه الطريقمة‪ ،‬وعلمى إثرهما تضميع‬
‫عبادات الناس‪ ،‬بسممبب ضممياع الفتمموى تضمميع أديممان النمماس‪ ،‬إذا كممان النسممان إذا فعممل‬
‫محرما ً وجد من يقول له‪ :‬ما عليك شيء‪ ،‬انتهى‪ ،‬ويترك فلن‪ ،‬ويذهب إلى فلن‪ ،‬وفلن‬
‫عرف بالتساهل‪ ،‬وفلن عرف بالتشديد‪ ،‬والن يلوك الناس بألسنتهم بعض أهل التحري‬
‫من أهل العلم‪ ،‬ويقولون‪ :‬فلن ل تستفتونه‪ ،‬كل شيء حرام‪ ،‬يعنممي هممذا موجممود‪ ،‬وهممذا‬
‫واقع‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫"ما خير رسول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬فللي أمريللن قللط إل أخللذ‬
‫أيسرهما"‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪ :‬أحسن الله إليك المشقة تجلب التيسير‪.‬‬
‫هناك قواعد وعمومات شرعية‪ ،‬يعني المشقة تجلب التيسير‪ ،‬تجلب التيسير فممي أصممل‬
‫التشريع‪ ،‬يعني المشقة في السفر تجلب رخص السفر‪ ،‬لكن مشقة الصيام في الصيف‬
‫في الحضر تجلب التيسير؟ تفطر؟ ما تفطر يا أخي‪ ،‬لكمن فمي السممفر المشممقة تجلممب‬
‫التيسير؛ لن الصل في السفر المشقة‪ ،‬ولهذا قرنت به الرخص‪ ،‬فالسفر وصف مؤثر‪،‬‬
‫وسببه في الصل المشقة‪ ،‬وإذا وجد مشقة ل يحتملها النسان‪ ،‬ول يطيقها أشرف على‬
‫الهلك يفطممر‪ ،‬فالمشممقة تجلممب التيسممير‪ ،‬مشممقة فممي مسممتحب‪ ،‬مشممقة فممي ارتكمماب‬
‫مكروه‪ ،‬يعني ل يأثم النسان بفعله‪ ،‬أو ل يأثم بممتركه‪ ،‬تجلممب التيسممير؛ لن فعممل النممبي‬
‫‪-‬عليه الصمملة والسمملم‪ -‬المخممالف لمممره فممي حممال السممتحباب لبيممان الجممواز‪ ،‬وفعلممه‬
‫المخالف لنهيه الصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة إنما هممو لبيممان الجممواز‪ ،‬ويبقممى‬
‫أن الفضل أن تعمل في المستحب‪ ،‬والفضل أن تترك في المكروه‪ ،‬هذه المممور الممتي‬
‫فيها خيار‪ ،‬أما الواجبات الصريحة ما فيها خيار‪ ،‬نعم إذا وجد مشقة ل يحتملهمما النسممان‬
‫بحيث تخرج عن طوقه وعادته في تحملها ترخص‪.‬‬
‫طالب‪ :‬المسائل التي يكون فيها الخلف ويصعب فيها الترجيللح هللل فللي‬
‫مثل هذا اختيار السهل من أقوال أهل العلم؟‬
‫أهل العلم يختلفون في مثل هذا إذا عدم المرجح‪ ،‬منهم من يقممول‪ :‬نختممار اليسممر؛ لن‬
‫اليسر سيمة هذه الشريعة‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬ل‪ ،‬الدين دين تكمماليف‪ ،‬ول تممبرأ الذمممة إل‬
‫بالخروج من العهدة بيقين‪ ،‬فعلى هذا تأخذ بالشد‪ ،‬وهممما قممولن لهممل العلممم‪ ،‬لكممن إذا‬
‫توقف النسان في مسألة ما لم يستطع فيها الترجيح‪ ،‬بأن صارت من عضل المسممائل‪،‬‬
‫يعني الكفتان متساويتان‪ ،‬الواجب في مثل هذه الصورة على المجتهد أن يتوقممف حممتى‬
‫يترجح لديه أحد القولين‪ ،‬إن ضاق عليه الوقت ولم يسممتطع الترجيممح لممه أن يقلممد‪ ،‬لممه‪،‬‬
‫نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫هو الصل أن الدين يسر ))إن الدين يسر(( لكن يسر نسبي‪ ،‬لكنممه يسممر نسممبي‪ ،‬يعنممي‬
‫هل في ديننا إذا أصابتك نجاسة تقرضها بالمقراض؟ نعم هممل فممي ديننمما مممن التوبممة أن‬
‫تقتل نفسك؟ ل‪ ،‬الصار والغلل التي كانت علينمما كلهمما انتهممت‪ ،‬الممتي كممانت علممى مممن‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫كون ُللوا ْ ب َللال ِ ِ‬
‫غي ِ‬ ‫قبلنا‪ ،‬فديننا يسر بالنسبة للشممرائع السممابقة‪ ،‬وإل مممن قممال }ل ّ ْ‬
‫م تَ ُ‬
‫س{ ])‪ (7‬سورة النحل[ يعني ما‪ ،..‬هذا نص شرعي‪ ،‬ماذا نعمل بهذا النممص؟‬ ‫شق ا َ‬
‫لن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫بِ ِ ّ‬
‫كيف نعمل بمثل هذا النص؟ ول ينكر أحد أن صيام الهممواجر شمماقة علممى النفممس‪ ،‬هممل‬
‫نقول‪ :‬من يسر الدين أن نترك الصيام في الصيف؟ ل‪.‬‬
‫طالب‪ :‬الجتماع على الرأي المرجوح أولى من التفاق على‪......‬‬
‫أهل العلم في بعممض القضممايا وبممالنظر إلممى المصممالح والمفاسممد المترتبممة علممى بعمض‬
‫القوال‪ ،‬يرون أن المام له أن يرجح قول ً مرجوحا ًَ لمصمملحة راجحممة‪ ،‬فممالمرجوح ليممس‬
‫بملغى‪ ،‬يعني له دليل‪ ،‬أقول‪ :‬له دليل‪ ،‬وله ما يرجحه في بعض الحوال‪ ،‬وهممذا معممروف‬
‫عند أهل العلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"إل أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما" كيف يكون إثم؟ يعني مفضيا إلى الثم‪ ،‬بمعنى‬
‫أن‪ ،..‬لو أن النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬اختاره‪ ،‬وعمل به‪ ،‬وشق على من بعده‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ ......‬يفضي إلى الثم‪ ،‬ما لم يكن إثما‪ ،‬يعني يفضممي إلمى الثممم‪ ،‬فيختماره النمبي ‪-‬عليممه‬
‫الصلة والسلم‪ ،-‬وعمل بممه‪ ،‬وعمممل بممه الصممدر الول‪ ،‬ثممم بعممد ذلممك شممق علمى بعممض‬
‫الناس‪ ،‬مما جعلهم يتركونه لشدته عليهم‪ ،‬يفضي في مثل هذه الحالة إلى الحرج‪ ،‬كممما‬
‫أسف وندم على دخوله البيت ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬؛ لنممه فممي هممذا شممق علممى أمتممه‪،‬‬
‫يعني لو تضافر المدح‪ ،‬مدح دخول البيت وفعل دخول البيت‪ ،‬لو أن النبي ‪-‬عليه الصمملة‬
‫والسلم‪ -‬حث عليه مع كونه دخله‪ ،‬أل يقتتممل النماس علمى دخموله؟ يعنمي لمو أن النممبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬اعتمر في رمضان مع قوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪)) :-‬عمرة في‬
‫رمضممان تعممدل حجممة(( فممي روايممة‪)) :‬حجممة معممي(( يعنممي لممو أن النممبي ‪-‬عليممه الصمملة‬
‫والسلم‪ -‬اعتمر في رمضان تقاتل الناس عليه‪ ،‬لكن لما ممما اعتمممر‪ ،‬وحممث عليممه‪ ،‬ولممم‬
‫يعتمر‪ ،‬كثير من الناس يقول‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أفضل الخلق‪ ،‬وأكمل الخلق‬
‫ما اعتمر‪ ،‬فيصير في شيء من التخفيف علممى المممة‪ ،‬لكممن لممو تضممافر القممول والفعممل‬
‫لقتتل الناس عليه‪ ،‬ولذلك ندم ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬على دخول البيت‪.‬‬
‫"فإن كان إثما ً كان أبعد الناس منه" ‪-‬عليه الصملة والسملم‪-‬؛ لنمه معصمموم ممن‬
‫ارتكاب الثم‪ ،‬ومع ذلك يكره ما يكرهه الله ‪-‬جمل وعل‪ ،-‬فهمو أشمد النماس كراهيمة لمما‬
‫يكرهه الله ‪-‬جل وعل‪-‬؛ لمنزلته عند ربه‪ ،‬والموافقة في المحمماب والمكمماره‪ ،‬ل شممك أن‬
‫هذا دليل المحبة‪.‬‬
‫"وما انتقم رسول الله ‪-‬صلى الله عليلله وسلللم‪ -‬لنفسلله" نعممم أسمماء بعممض‬
‫الناس الدب إلى النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬مما سمعه النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬
‫أو بلغه ومع ذلك ما انتقم‪.‬‬
‫"ما انتقم لنفسه‪ ،‬إل أن تنتهك حرمة الله" قممد يقممول قممائل‪ :‬لممماذا حممد الممذين‬
‫خاضوا في الفك‪ ،‬أليس هذا انتقام للنفس؟ نقول‪ :‬ل‪ ،‬هممذا انتهمماك حرمممة؛ لن القممذف‬
‫كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬وفيها الحد‪ ،‬فهذا ليس انتصارا ً لنفسه‪ ،‬وإنما هممو لنهمما انتهكممت‬
‫حرمة الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬فينتقم لله بها‪ ،‬وأمر بقتل ابن خطل‪ ،‬وهو متعلق بأستار الكعبة‪،‬‬
‫وكان يهجو النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ويسب الدين‪ ،‬ولسبه للدين ولكممونه ارتممد عممن‬
‫السلم استحق القتل‪ ،‬ل لنه سب النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فيكون منتصرا ً لنفسه‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بللن علللي بللن‬
‫أبي طالب أن رسول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪)) :‬مللن حسللن‬
‫إسلم المرء تركه ما ل يعنيه(("‪.‬‬
‫علي بن الحسين تابعي‪ ،‬فالخبر مرسل‪ ،‬لكنه مسند في الترمذي وابن ماجه من حديث‬
‫الزهري‪ ،‬مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة‪ ،‬فالحممديث أقممل أحممواله أنممه‬
‫حسن‪.‬‬
‫))من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه(( لن فيممما يعنيممه ممما يشممغله عممما ل‬
‫يعنيه؛ لن فيما يعنيه‪ ،‬الوقت ل يستوعب ما يعنيممه‪ ،‬فكيممف إذا اشممتغل بممما ل يعنيممه؟ ل‬
‫شك أنه يترتب على ذلك التفريط بما يعنيه من أمور دينممه ودنيمماه‪ ،‬فلممو أن كممل إنسممان‬
‫اشتغل بخويصة نفسه وما يعنيه لنتهى كثير من المشاكل‪ ،‬لكن الفضول والتممدخل فممي‬
‫أمور الناس هذا الذي يورث المشاكل بين النمماس‪ ،‬ول يعنممي هممذا أن فلن ما ً مممن النمماس‬
‫ارتكب معصية ل ينصممح ول يممؤمر ول ينهممى؛ لن المممر ل يعنيممك‪ ،‬إل المممر يعنيممك‪ ،‬مممما‬
‫يعنيك المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬مما يعنيممك النصمميحة لخيممك المسمملم‪ ،‬نعممم‪،‬‬
‫يعنيك تغيير المنكر‪ ،‬فإذا وجد مثل هذا فإن هذا مما يعنيك؛ لنه قد يستدل بهذا الحديث‬
‫من يرى ترك النصيحة للناس‪ ،‬وترك المر بممالمعروف والنهممي عممن المنكممر‪ ،‬دع النمماس‬
‫وشأنهم‪ ،‬هذا ل يعنيك‪ ،‬عليك بخويصة نفسممك‪ ،‬ولممذا المغرضممون أعممداء الممدين‪ ،‬وأعممداء‬
‫الملة يرون المر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الناس‪ ،‬إذا كان تممدخل‬
‫في شئون الخرين معناه أنه ليس مما يعنيك‪ ،‬و))من حسممن إسمملم المممرء تركممه ممما ل‬
‫يعنيه(( نقول‪ :‬ل‪ ،‬هذا الكلم ليس بصحيح‪ ،‬أنت مسئول عن هذا المنكر‪ ،‬وعن تغيير هذا‬
‫المنكر ))من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده(( هذا الصل‪)) ،‬فإن لممم يسممتطع فبلسممانه‪،‬‬
‫فإن لم يسممتطع فبقلبممه‪ ،‬وذلممك أضممعف اليمممان(( فل بممد مممن التغييممر‪ ،‬ل بممد مممن بممذل‬
‫النصيحة‪)) ،‬الدين النصيحة(( أسلوب حصري‪ ،‬الدين النصيحة ثلثًا‪ ،‬قلنا‪ :‬لمن يمما رسممول‬
‫الله؟ قال‪)) :‬لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعممامتهم(( فالممدين هممو النصمميحة‪،‬‬
‫ومن الدين الذي هو النصيحة أن تنصح لخيك لكونه دخل في شمميء يضممره‪ ،‬ممما يقممال‪:‬‬
‫هذا والله تدخل في شئون الناس‪ ،‬أنت عنممدك خممبرة فممي التجممارة‪ ،‬فممي الزراعممة‪ ،‬فممي‬
‫الصناعة‪ ،‬رأيت أخاك تورط في مشروع يضره في مجال من هذه المجالت تسممدي لمه‬
‫النصيحة‪ ،‬ما يقال‪ :‬والله أنت ملقوف تدخلت في أمر ل يعنك‪ ،‬ل‪ ،‬هذا المر يعنيك؛ لنك‬
‫مكلف به شرعًا‪)) ،‬الدين النصيحة(( كالمر والنهي‪.‬‬
‫))من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه(( لكن رأيت عمارة شاهقة تم بناؤهمما‬
‫وتم استثمارها فتأتي وتنظر فيها ول تسدي نصيحة إلى صاحبها‪ ،‬يعني لو عدلت كذا‪ ،‬أو‬
‫فعلت كذا في أثناء العمممل‪ ،‬ل بممأس هممذه نصمميحة‪ ،‬لكممن تنظممر إليهمما بعممد تمامهمما وبعممد‬
‫استثمارها وتتحدث بينك وبين نفسك وبين أنمماس آخريممن ل يعنيهممم المممر‪ ،‬شمموف هممذا‬
‫المفترض أنه حطها عشرين دور بدل خمسة عشر‪ ،‬المفترض‪ ،‬هذا ل يعنيك‪ ،‬هذا ضممياع‬
‫وقت بالنسبة لك‪ ،‬إن كان عندك نصيحة اذهب وأسممدها إلممى صمماحبها‪ ،‬نعممم‪ ،‬أو تتحممدث‬
‫في المجالس أن فلنا ً بنا عمارة‪ ،‬وأسكنها من يستعملها فيما ل يرضي الله ‪-‬جل وعل‪،-‬‬
‫اذهب يا أخي وانصحه‪ ،‬هذا المفممروض‪ ،‬ل تتحممدث بممه فممي المجممالس؛ لن حممديثك فممي‬
‫المجالس الذي ل يترتب عليممه مصملحة همذا هممو المذي ل يعنيمك‪ ،‬بخلف بمذل النصميحة‬
‫لخيك‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي ‪-‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬أنها قللالت‪" :‬اسللتأذن رجللل علللى رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ "-‬يعني جاء تعيينه أنه عيينة بن حصن‪ ،‬أو القرع بن حابس‪ ،‬من الجفمماة‪ ،‬ممممن‬
‫أسلم ولما يقر اليمان في قلبه‪ ،‬أسلموا ودخلوا في السلم‪ ،‬ثممم بعممد ذلممك "استأذن‬
‫رجل على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قالت عائشة‪ :‬وأنا معه في‬
‫البيت‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪)) :-‬بئس ابن العشيرة(("‬
‫يقوله لعائشة‪)) ،‬بئس ابن العشيرة(( يعني ذكر النسان بما فيه ل سيما مثل هذا الممذي‬
‫جاهر وأعلن بخلقه البذيء السيئ الذي يجاهر بما حرم الله ‪-‬جل وعل‪ ،-‬سواًء كان فممي‬
‫الخلق أو في العبادات‪ ،‬أو المعاملت هذا معروف أنه هو الذي فضح نفسه‪ ،‬لكن النبي‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬لما أذن له قالت عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪" :-‬لم أنشب" يعنمممي‬
‫لم ألبث "أن سمعت ضحك رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلللم‪ -‬معلله" يعنممي‬
‫المفترض يعني في اتحاد المواقف أنه ما دام بئس أخو العشيرة على حد فهممم عائشممة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ ،-‬وهذا الذي يتبادر إلى أذهان عموم الناس‪ ،‬ما دام بئس أخو العشمميرة‬
‫ليش تضحك معه؟ وتنبسط معه؟ الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬انبسط معه‪ ،‬وضحك‬
‫معه‪ ،‬فاستغربت عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪" -‬فلما خرج الرجل قلت‪ :‬يا رسول الله‬
‫قلت فيه ما قلت‪ ،‬ثم لم تنشب أن ضحكت معه‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلللى‬
‫الله عليه وسلم‪)) :-‬إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره((" يعني مثممل‬
‫هذا يلطف في القول‪ ،‬ويدارى في الكلم اتقاء شره‪ ،‬وأهل العلم يقررون أن المممداراة‬
‫مطلوبة‪ ،‬يعني في التعامل بخلف المداهنممة‪ ،‬المداهنممة الممتي يممترتب عليهمما تنممازل عممن‬
‫ن‬
‫ه ُ‬ ‫دوا ل َ ْ‬
‫و ت ُلدْ ِ‬ ‫و ّ‬
‫واجب‪ ،‬أو تجاوز محظور‪ ،‬أو ارتكاب محظممور‪ ،‬هممذا ل يجمموز بحممال‪َ } ،‬‬
‫ن{ ])‪ (9‬سورة القلم[‪.‬‬‫هُنو َ‬ ‫َ‬
‫في ُدْ ِ‬
‫أما المداراة والتعامل مع الناس بما يحقق المصلحة ول يترتب عليه أدنى مفسدة‪ ،‬فإن‬
‫هذا أمر شرعي‪ ،‬ولذا ترجم عليه المام البخاري‪ :‬باب ما يجوز من اغتياب أهل الفسمماد‬
‫والريب‪ ،‬وفي مسلم في كتاب الدب‪ :‬باب مداراة من يتقى فحشممه‪ ،‬ومعممروف ترجمممة‬
‫المام البخاري من المام البخاري‪ ،‬وأما ترجمممة مسمملم فهممي مممن الشممراح‪ ،‬وهنمما مممن‬
‫النووي‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيلله عللن كعللب‬
‫الحبار"‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ما ترتكب محظور ول تترك مأمور‪ ،‬إن ارتكبت محظور أو تركت مأمور هذه مداهنة‪.‬‬
‫"وحدثني عن مالك عن عملله أبللي سللهيل بللن مالللك عللن أبيلله عللن كعللب‬
‫الحبار أنه قال‪" :‬إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه انظروا ماذا يتبعه‬
‫من حسن الثناء" هذا موقوف على كعب‪ ،‬ومعناه صحيح‪.‬‬
‫في المرفوع عن النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيممرًا‪ ،‬فقممال‪:‬‬
‫))وجبت‪ ،‬وجبت‪ ،‬وجبت(( ثم مر بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًا‪ ،‬فقال‪)) :‬وجبت وجبت‪،‬‬
‫وجبت(( فقالوا للرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬حصل هذا وحصل هممذا وقلممت‪ :‬وجبممت‬
‫في الول‪ ،‬وقلت‪ :‬وجبت في الثاني‪ ،‬قممال‪)) :‬نعممم‪ ،‬أثنيتممم علممى هممذا خيممرا ً فمموجبت لممه‬
‫الجنة‪ ،‬وأثنيتم على هذا شرا ً فوجبت له النار‪ ،‬أنتم شهداء الله في أرضه(( فيقممول هنمما‪:‬‬
‫"إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربلله فللانظروا مللاذا يتبعلله مللن حسللن‬
‫الثناء"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال‪" :‬بلغني أن المللرء‬
‫ليدرك بحسن خلقلله درجللة القللائم بالليللل‪ ،‬الظللامي بللالهواجر" ل شممك أن‬
‫حسن الخلق كما جاء في الحديث أثقل ما يوضع في الميممزان‪ ،‬أو مممن أثقممل ممما يوضممع‬
‫في الميزان حسن الخلق‪ ،‬فإذا وجد حسن الخلق ووجد سيء الخلممق‪ ،‬وقممائم صممائم‪ ،‬ل‬
‫شك أن هذا يبلغ درجته‪ ،‬وقد يفوقه على حسب ما عند الثاني من حسممن فممي خلقممه أو‬
‫عدمه‪.‬‬
‫"وحدثني عللن مالللك عللن يحيللى بللن سللعيد أنلله قلال‪ :‬سللمعت سللعيد بللن‬
‫المسيب يقول‪" :‬أل أخبركم بخير من كثير من الصلللة والصللدقة؟ قللالوا‪:‬‬
‫بلى قال‪ :‬إصلللح ذات الللبين" لن الصمملة نفعهمما قاصممر‪ ،‬والمقصممود مممن الصمملة‬
‫النافلة‪ ،‬وإل الفريضة ل يعممدلها شمميء مممن الركممان‪ ،‬فضمل ً عممن الواجبممات‪ ،‬الفريضممة ل‬
‫يعدلها شيء‪ ،‬وإن كان نفعها قاصممرا ً إل أنهمما الركممن الثمماني بعممد الشممهادتين‪ ،‬والصممدقة‬
‫نفعها ل شك أنه متعد؛ لكنه آني‪ ،‬تتصدق على إنسان بدرهم أو دينار‪ ،‬يأكله فينتهي منه‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬ونفع متعدي‪ ،‬ول شك أن ثوابه عظيم‪ ،‬لكممن إصمملح ذات الممبين‪ ،‬رجممل مممع زوجتممه‬
‫تممدابرا وتقاطعمما‪ ،‬وقممرب أمرهممما مممن الفممراق تصمملح بينهممما‪ ،‬هممذا مممن أعظممم المممور‪،‬‬
‫والصلح بين الناس صدقة‪ ،‬أو أخوان تقاطعا من ذو سنين بسبب إرث‪ ،‬أو وقف‪ ،‬أو ممما‬
‫أشبه ذلك‪ ،‬أو ابن مع ابنه‪ ،‬أو ابن مع أبيه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫قال‪" :‬إصلح ذات البين" لنه نفع متعد ودائم‪ ،‬وأما الصلة فنفعها قاصممر‪ ،‬والصممدقة‬
‫نفعها متعد‪ ،‬لكنه منقطع‪.‬‬
‫ً‬
‫"وإياكم والبغضة" البغضة شدة البغض والحقد علممى النمماس‪ ،‬تحمممل بغض ما للنمماس‪،‬‬
‫وحقدا ً عليهم‪ ،‬وتتربص بهم‪ ،‬وتفرح إذا أصيبوا‪ ،‬وقد يظهر من ملمح وجهممك شمميء مممن‬
‫ذلك‪ ،‬فل شك أن هذا من المور المحذر منها‪ ،‬المكروهة لدى الشرع‪.‬‬
‫"إياكم والبغضة فإنها هي الحالقة" الحالقة الممتي تحلممق الممدين وتستأصممله‪ ،‬كممما‬
‫يحلق الموسى الشعر‪ ،‬ولذا جاء في الحديث المرفوع‪)) :‬ل أقول‪ :‬تحلق الشممعر‪ ،‬وإنممما‬
‫تحلق الدين((‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالللك أنلله قلد بلغلله أن رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬قال‪)) :‬بعثت لتمم مكارم الخلق((" هذا الحديث موصممول مممن وجمموه‬
‫عن أبي هريرة‪)) ،‬بعثت(( النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬إنممما بعممث هادي ما ً للنمماس كافممة‪،‬‬
‫بشيرا ً لمن أطاعه‪ ،‬نذيرا ً لمن خالف أمممره‪ ،‬فممي بعممض الروايممات الحصممر ))إنممما بعثممت‬
‫لتمم مكارم الخلق(( وعلى كل حال هذا السلوب سواًء كان حصممريا ً أو غيممر حصممري‬
‫فإنه من باب العناية والهتمام بشأن حسن الخلق‪ ،‬وكان الناس على خلممق قبممل بعثتممه‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬كانوا على خلق موروث عن أبيهم إبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ ،-‬لكنهم‬
‫فرطوا في كثير منه‪ ،‬وجاء النبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬بما فرطوا به وزيادة عليه مما‬
‫لم يأتهم من قبل عن طريممق النبيمماء والرسممل‪ ،‬فتمممم ‪-‬عليممه الصمملة والسمملم‪ -‬حسممن‬
‫الخلق ومكارم الخلق كما في الروايات الخرى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫تفضل‪.‬‬
‫طالب‪......:‬‬
‫يقول البخاري ‪-‬رحمه الله‪:-‬‬
‫باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب‪.‬‬
‫يعني لو أن شخصا ً عرف واشتهر بين الناس بأمر مما ينكر عليه في الشرع نصممح فلممم‬
‫ينتصممح‪ ،‬كممما يوجممد فممي الممذين يكتبممون فممي الصممحف‪ ،‬ويتكلمممون فممي القنمموات وفممي‬
‫المجالس‪ ،‬وفي المجالس الرسمية وغيرها‪ ،‬هل يقال‪ :‬إن مثل هممذا بيممان شممره‪ ،‬وبيممان‬
‫ل‪ :‬إن هذا غيبة؟ نعم؟ ليممس بغيبممة‪ ،‬هممذا الرجممل عممرف‬ ‫منزلته في الشرع‪ ،‬هل يقال مث ً‬
‫بسوء الخلق‪ ،‬ومن النصيحة للناس أيضا ً أن ُيعرف‪ ،‬من لم يعرف يعرفه‪ ،‬يعني هذا مممن‬
‫باب النصيحة للناس أن يقال فيممه مثممل هممذا الكلم‪ ،‬وإذا اقتضممت النصمميحة الكلم فممي‬
‫النسان فيما يكره‪ ،‬الذي جاء عممموم النهممي عنممه‪ ،‬وتسممميته غيبممة‪ ،‬إذا كممانت المصمملحة‬
‫راجحة فل شك أن مثل هذا يجوز‪ ،‬بل قد يجب أحيانًا‪ ،‬يعني الكلم في الرواة غيبة فممي‬
‫الصل‪ ،‬لن صيانة للسنة ل بد من الكلم فيه‪.‬‬
‫مثل ما كتب هنا يقللول فللي الحللديث‪)) :‬بئس أخللو العشلليرة(( كيللف يتللم‬
‫فهمه مع الوعيد الذي جاء في الغيبة؟‬
‫عرفنا هذا أنه لنه تظاهر بفحشه‪ ،‬وصار الناس يتقونه من أجل شممره‪ ،‬فممإذا كممان بهممذه‬
‫المثابة ل مانع من الكلم فيه‪ ،‬وأنه ليس على منهج؛ لنه قد يظن بعض السذج أن مثل‬
‫هذا الصنيع من هذا الرجل أنه هو الحزم؛ لن بعض الناس ل يربيهممم إل الشممدة والقمموة‬
‫والقسوة‪ ،‬قد يقال‪ :‬إن هذا حزم‪ ،‬نقول‪ :‬هذا ليس بصحيح‪ ،‬هممذا شممر‪ ،‬فعلممى النمماس أن‬
‫يتقوه ليكون من شر الناس هو‪ ،‬ما دام الناس يتقونه من أجل شممره فممإنه يكممون حينئذٍ‬
‫من شر الناس‪.‬‬
‫سم‪.‬‬
‫أحسن الله إليك‪.‬‬
‫باب ما جاء في الحياء‪:‬‬
‫وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقللي عللن زيللد بللن‬
‫طلحة بن ركانة يرفعه إلللى النللبي ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪ :‬قللال‬
‫رسول الله ‪-‬صللى اللله عليله وسللم‪)) :-‬لكلل ديلن خللق وخللق السللم‬
‫الحياء((‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بللن‬
‫عمر أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬مر على رجل وهو يعظ أخللاه‬
‫في الحياء‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪)) :-‬دعه فللإن الحيللاء‬
‫من اليمان((‪.‬‬
‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه الله تعالى‪:-‬‬
‫باب ما جاء في الحياء‪:‬‬
‫الحياء خلق حميد شرعي‪ ،‬يورث في صاحبه ومن تحلى به النقباض عما ل يحمد شرعا ً‬
‫أو عرفًا‪ ،‬فهذا الخلق الشرعي الذي ل يأتي إل بخير‪ ،‬وهممو مممن اليمممان‪ ،‬كممما جمماء فممي‬
‫حديث الشعب‪ ،‬وكما سيأتي في الحديث حديث البمماب الثمماني‪ ،‬قممد يلتبممس علممى بعممض‬
‫الناس الحياء العرفي بالحياء الشرعي‪ ،‬الحياء الشرعي يورث النكفمماف عممما ل يحمممد‪،‬‬
‫النكفاف عما يحمد ليس بحياء شرعي‪ ،‬فالمر بممالمعروف والنهممي عممن المنكممر ونصممح‬
‫الناس وبذلهم وتوجيههم وتعليمهم‪ ،‬بعض الناس قد يخجل منممه‪ ،‬ل يسممتطيع أن يقممارفه‬
‫ل‪ ،‬هذا حياء عرفي‪ ،‬لكنه يوجب النكفاف عما يحمد شرعًا‪ ،‬فليس من الحيمماء‬ ‫حياًء وخج ً‬
‫الشرعي في شيء‪ ،‬هذا الخجيل يورث النكفاف عممما يحمممد شممرعًا‪ ،‬المممر بممالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر محمود وإل مذموم شرعًا؟ محمود‪ ،‬النصيحة للناس‪ ،‬تمموجيه النمماس‪،‬‬
‫عظة الناس‪ ،‬هذا كله محمود‪ ،‬فإذا كان الحياء يكف عن أمر محمود شممرعًا‪ ،‬يكممف هممذا‬
‫الحياء العرفي عن أمر محمود قلنا‪ :‬هذا ليس بشرعي‪ ،‬وخجممل مممذموم‪ ،‬بينممما إذا كممان‬
‫هذا الخلق الحميد يكف النسان عما يذم شرعا ً فإنه حينئذٍ يكون محمممودًا‪ ،‬وهممو الحيمماء‬
‫الذي ل يأتي إل بخير‪ ،‬يقول‪ ...‬نعم؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫هذا كلم الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ً‬
‫هو موجود من القدم‪ ،‬يعني التقسيم هذا موجود من القممدم بجممامع أن كل منهممما يممدعو‬
‫إلى النكفاف‪ ،‬يعني عموم مواجهة الناس حياء‪ ،‬أو عدم مواجهة الناس حياء‪ ،‬فإن كممان‬
‫عدم مواجهتهم فيما يذم‪ ،‬بعض الناس تجده يواجه الناس فيممما يممذم بممه شممرعًا‪ ،‬هممذا ل‬
‫عنده ل حياء شرعي ول عرفممي هممذا‪ ،‬وهممذا قممد يكممون هممو القسممم الخيممر إذا قسمممناه‬
‫تدريجيا ً قلنا‪ :‬إن هناك حياء يكف عما يذم به شرعًا‪ ،‬ول يكف عما يحمد به شممرعًا‪ ،‬هممذا‬
‫إيش؟ المحمود‪ ،‬المحمود من كل وجه‪.‬‬
‫وهناك حياء يكف مطلقا ً عما يحمد وعما يذم هذا الخجل‪ ،‬هذا أيضما محمممود مممن وجممه‪،‬‬
‫ً‬
‫مذموم من وجه‪ ،‬بعض الناس‪ ،‬القسمة رباعية‪ ،‬بعممض النمماس ل يوجممد عنممده ل هممذا ول‬
‫هذا‪ ،‬ل يستحيي من أحد‪ ،‬وجاء في الحديث‪)) :‬إذا لم تسممتحي فاصممنع ممما شممئت(( هممذا‬
‫مذموم‪ ،‬مذموم من كل وجه؟ ل‪ ،‬قد يمدح من وجه‪ ،‬هذا ل يستحيي مطلقًا‪ ،‬تجده يقدم‬
‫على ما يذم به‪ ،‬ول يستحيي أن ينكر على من يأتي مذمومًا‪ ،‬هذا من وجه دون وجه‪.‬‬
‫القسم الخر الرذل المذموم من كل وجه الذي ل يستحيي عما يذم به‪ ،‬ويستحيي عممما‬
‫يمدح به‪ ،‬أيضا ً القسمة الرباعية ظاهرة‪ ،‬نعم‪ ،‬في من ل يستحيي مطلقا ً يقدم على كل‬
‫شيء محمود ومذموم هذا موجود فممي النمماس‪ ،‬يعنممي عمادي أن يممواجه إنسمان علممى ل‬
‫بما يسوؤه‪ ،‬وعادي أن ينكر منكر سيان عنده؛ لنه ما في‬ ‫شيء لتفه السباب‬
‫شيء اسمه شيء يردعه عن مواجهة الناس‪ ،‬سواءً كانت بحق أو بباطل‪ ،‬ويقابله الممذي‬
‫يستحيي من إنكار المحمود والمذموم‪ ،‬وبين المرتبتين من يستحيي من إنكار المحمود‪،‬‬
‫بل ل يقدم عليه‪ ،‬ول يستحيي من إنكار المذموم والعكس‪ ،‬ولكل واحدة منزلتها‪.‬‬
‫الحياء العرفي الذي يكف عما يحمد به شرعًا‪ ،‬الحياء المذموم هذا الخجل موجممود بيممن‬
‫الناس‪ ،‬تقول له‪ :‬قم اتكلم يقول‪ :‬ما أقدر‪ ،‬بعض الناس تقول له‪ :‬صمل بالنماس‪ ،‬يقمول‪:‬‬
‫ما أستطيع‪ ،‬ولو كان من الحفاظ‪ ،‬يعني ما في مبرر لهذا الخجل‪ ،‬يعنممي ممما فممي شمميء‬
‫محسمموس أو شمميء يمنعممه‪ ،‬يعنممي يوجممد مثممل هممذا مممع السممف مممع طلب العلممم فممي‬
‫مناسبات كثيرة‪ ،‬يصلي الناس ظهر وعشرين ثلثين من الجماعة من خريجممي الكليممات‬
‫الشمرعية‪ ،‬مما يسمتطيع أن يمواجه النماس همذا محممود وإل ممذموم؟ ممذموم بل شمك‪،‬‬
‫وحصل وقائع من هذا النوع‪ ،‬يصلون ظهر وفيهم من هو كفؤ‪ ،‬لكنه ما تعود‪ ،‬وقممد يقمموم‬
‫بهذه المهمة مع وجود أخيار وطلب علم‪ ،‬يقوم بها شخص فاسق؛ لنه تعود هذا المممر‪،‬‬
‫ل‪ ،‬تعممود هممذا المممر ول يصممعب عليممه أن يصممعد المنممبر‬ ‫ل‪ ،‬مذيع بقنمماة مث ً‬
‫وليكن مذيع مث ً‬
‫ويخطب بالناس‪ ،‬لكن هل هذا بالنسممبة لطلب العلممم محمممود وإل مممذموم؟ مممذموم يمما‬
‫أخي بل شك‪ ،‬مذموم‪ ،‬وعلى طالب العلم أن يهيئ نفسه لكل ما يمدح به شممرعًا‪ ،‬وكممم‬
‫حصل من قضية صارت مفتمماح خيممر لبعممض العلممماء‪ ،‬يعنممي تجممد مثل ً مممن يشممار إليهممم‬
‫بالبنان بالخطابة الن‪ ،‬سبب ذلك أنه أحرج في موقف‪ ،‬قيل له‪ :‬اخطب‪ ،‬قال‪ :‬واللممه ممما‬
‫تهيأ‪ ،‬ول تعود‪ ،‬ثم خطب على ضعف‪ ،‬يعني أول خطبة تعرفون ويش وضعها؟ قممال‪ :‬ممما‬
‫دخلت مسجد لصلة الجمعة إل وفي جيبي خطبة‪ ،‬ومع الوقت ترك الخطممب المكتوبممة‪،‬‬
‫وصار معروف من مشاهير الخطباء‪.‬‬
‫المقصود أن مثل هذه المور ل بد أن يتعود عليها‪ ،‬بعض الناس تقممول‪ :‬واللممه الن إحنمما‬
‫جالسين مرتاحين ومبسوطين‪ ،‬وفي ناس عندهم أغاني بجواركم‪ ،‬بنزهة‪ ،‬برحلة‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫قم يا أخي انصحهم وإل ذكرهم‪ ،‬يقول‪ :‬والله ما تعودت‪ ،‬أنكر عليهم‪ ،‬والله ممما تعممودت‪،‬‬
‫ويش معنممى مما تعممودت؟ هممذا حمال كمثير ممن طلب العلمم‪ ،‬فهممذا الحيماء مممدوح وإل‬
‫مذموم؟ مذموم‪.‬‬
‫المقصمود أن مثمل هممذه الممور ل شمك أنهما الحيماء المذي ل يمأتي إل بخيمر هممو الحيمماء‬
‫الشرعي‪ ،‬يذكر بعض الناس عن أنفسهم خلف ما يتوقعه النسان إطلقا ً من خلل ممما‬
‫كتبوا‪ ،‬يعني في الحياء واحد كتب عن حياته مجلد‪ ،‬ويقول عن نفسه فممي هممذا الكتمماب‪،‬‬
‫وهو مدرس في مدرسة القضاء الشرعي‪ ،‬وله زميل في نفس المدرسة‪ ،‬واحتاجوا إلى‬
‫تعلم اللغة النجليزية‪ ،‬يقول‪ :‬لنرى العالم بالعينين بممدل عيممن واحممدة‪ ،‬فقلممت لصمماحبي‪:‬‬
‫ابحث عن مدرس‪ ،‬وأنا أبحث‪ ،‬كل واحد بطريقته‪ ،‬ثم نتعلم عليه‪ ،‬يقول‪ :‬بحثت فوجممدت‬
‫شخص إنجليزي شاب وزوجته‪ ،‬في شهر الزواج‪ ،‬توا متزوجين‪ ،‬فقلت لصاحبي‪ :‬وجممدت‬
‫البغية‪ ،‬أنت لك الزوج‪ ،‬وأنا لي الزوجة‪ ،‬هذه تعلمنا‪ ،‬وهذا تعلمك‪ ،‬هل هذا مممما يسممتحى‬
‫منه شرعا ً وإل ل؟ نعم‪ ،‬هذا كتبه في ممذكرته فمي حيماته‪ ،‬نعممم‪ ،‬وممع ذلمك يقممول‪ :‬إنهما‬
‫تقول‪ :‬إن العين العربة صعبة‪ ،‬يعنممي قصممده حممرف عيممن‪ ،‬يعنممي صممعب عليهمما تنطقهمما‪،‬‬
‫وقلت لها‪ :‬إن العين النجليزية أصعب‪ ،‬هو يقصد عينها‪ ،‬نسأل الله العافية‪ ،‬هل مثل هذا‬
‫الكلم مما يستحيا منه شرعا ً وإل ل؟ بلى‪ ،‬بالمقابل بنفس الكتمماب يقممول‪ :‬أجلممس فممي‬
‫المجلس ساعتين ثلث ساعات‪ ،‬وأنا أحتاج الدورة استحيي أن أستأذن‪ ،‬نفس الشخص‪،‬‬
‫ولذلك يحصل وجود ما يذم‪ ،‬وانتفاء ما يمدح‪ ،‬يوجد تناقضات في مثل هذا‪ ،‬تجمد إنسمان‬
‫عنده جرأة ينكممر الحممق‪ ،‬ويسممتحيي عممن إنكممار الباطممل‪ ،‬يعنممي النمماس فيهممم مممن هممذه‬
‫النوعيات‪ ،‬نسأل الله العافية‪.‬‬
‫ء؟‬
‫طالب‪ :‬لكن يا شيخ ‪-‬أحسن الله إليك‪ -‬هل يسمى حيا ً‬
‫هو خجل‪ ،‬لكن الحياء العرفي يشمله هذا‪ ،‬الكلم على الحياء العرفي‪ ،‬حتى من القممدم‪،‬‬
‫حتى الشراح يعظ أخاه في الحياء‪ ،‬ها شوف يعظ أخاه في الحياء‪.‬‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ل‪ ،‬ل ل‪ ،‬الشراح بينوا هذا‪.‬‬
‫طالب‪......:‬‬
‫إيه الحياء الشرعي ل يأتي إل بخير‪ ،‬والحياء بمفهومه العام نعم فيه وفيممه‪ ،‬لكممن الحيمماء‬
‫الشرعي ل يأتي إل بخير‪.‬‬
‫يقول‪" :‬وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد‬
‫بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي ‪-‬عليه الصلة والسلللم‪ "-‬وهممو مرسممل‬
‫"قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪)) :-‬لكل دين خلللق((" يعنممي‬
‫الديان السماوية جاءت للمم بالخير واتقاء الشر‪ ،‬والنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ل خير‬
‫إل دل المة عليه‪ ،‬ول شر إل حذرها منه‪- ،‬عليه الصلة والسلم‪.-‬‬
‫قال‪)) :‬لكل دين خلق وخلق السلم الحياء(( خلق السمملم الحيمماء‪ ،‬ولممذلك تجممد‬
‫المسلم يستحيي من ذكر أشياء ل يخجممل عممن ذكرهمما غيممر المسمملم مممما يسممتحيا منممه‬
‫شرعا ً أو عرفًا‪ ،‬فخلق هذا الدين الحيماء‪ ،‬وجماء فمي الحمديث الصمحيح‪)) :‬إن ممما أدرك‬
‫الناس من كلم النبوة الولى إذا لم تستحي فاصممنع ممما شممئت(( فممدل علممى أن الحيمماء‬
‫متوارث في سائر الديان‪ ،‬لكنه في هذه الديانة ‪-‬في السلم‪ -‬برزت مظاهره ومعممالمه‬
‫أكثر‪ ،‬وصار شأنه في هذا الدين أعظم‪.‬‬
‫ه لَ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ل َ‬
‫فممي الحممديث الصممحيح‪" :‬إن اللممه ل يسممتحيي مممن الحممق" وفممي اليممة }إ ِ ّ‬
‫ة{ ])‪ (26‬سورة البقرة[ "إن الله ل يسممتحيي مممن‬ ‫ض ً‬‫عو َ‬ ‫مث َل ً ّ‬
‫ما ب َ ُ‬ ‫ب َ‬‫ر َ‬‫ض ِ‬‫حِيي َأن ي َ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫يَ ْ‬
‫الحق" إيش معنى "ل يستحيي من الحق" يعني يشيع على ألسنة النمماس‪ :‬ل حيمماء فممي‬
‫الدين‪ ،‬هذا الكلم صحيح وإل ليس بصحيح؟‬
‫طالب‪ :‬ليس بصحيح‪.‬‬
‫يعني إن كان القصد منه في مسائل الدين كما قممالت أم سمملمة‪" :‬إن اللممه ل يسممتحيي‬
‫من الحق" يعني في مسائل الدين‪ ،‬يعني لو أردت أن تسأل عممن مسممألة ل حيمماء فيهمما‪،‬‬
‫على هذا الوجه يمكن حمله صحيح‪ ،‬لكن إذا كان نفي للحياء بالكلية عن الدين أبدا ً هممذا‬
‫العكس‪ ،‬الحياء كله خير‪ ،‬وخلق السلم الحياء‪.‬‬
‫ل{ ])‪ (26‬سورة البقرة[ إيش معنى ل يستحيي؟‬ ‫مث َ ً‬‫ب َ‬‫ر َ‬‫ض ِ‬ ‫حِيي َأن ي َ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ يَ ْ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫يعني ل يترك؛ لن مآل الحياء الترك‪ ،‬فالحياء الذي يؤدي إلى ترك الحق منفي عن اللممه‬
‫‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبللد الللله عللن عبللد‬
‫الله بن عمر أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬مللر علللى رجللل وهللو‬
‫يعظ أخاه في الحياء" يعني يقول لمه‪ :‬ل تسممتحي أنممت‪ ،‬هممذا موجممود فمي معماملت‬
‫الناس وأعراضهم‪ ،‬تجد واحد عاشر الناس‪ ،‬عاملهم‪ ،‬وصار مثلممما يقولممون‪ :‬خممراج ولج‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬وله أخ ما تعود ول تمرن على هذا‪ ،‬ويقممول لممه‪ :‬خممذ هممذه البضمماعة بعهمما‪ ،‬أو حممرج‬
‫عليها بالمزاد‪ ،‬هل كل إنسان من الناس يستطيع أن يقول‪ :‬من يزيد؟ يرفع صوته بهذا؟‬
‫نعم؟ كثير من طلب العلم ل يستطيع أن يبلغ خلممف المممام‪ ،‬إذا قممال‪ :‬اللممه أكممبر‪ ،‬رفممع‬
‫صوته بالله أكبر‪ ،‬صح وإل ل؟ فضل ً عن كونه يحرج بين النمماس‪ ،‬كممم نقممول‪ ،‬كممم نقممول‪،‬‬
‫يقول يا أخي ‪-‬يعظ أخاه‪ :-‬ل تستحي‪ ،‬اشتغل‪ ،‬ترزق‪ ،‬نعم يعظ أخاه فممي الحيمماء‪ ،‬ولعلممه‬
‫يقصد به الحياء مطلقًا‪ ،‬يعني ل تستحي مطلقًا‪ ،‬ل عما يحمد‪ ،‬ول عما يذم‪ ،‬ولممذلك قممال‬
‫النممبي ‪-‬عليممه الصمملة والسمملم‪)) :-‬دعه(( يعنممي اتركممه‪)) ،‬دعلله فللإن الحيللاء مللن‬
‫اليمان(( وفي رواية‪)) :‬ل يأتي إل بخير(( نعم الحياء مممن اليمممان‪ ،‬الحيمماء شممعبة مممن‬
‫شعب اليمان ))اليمان بضع وستون شعبة(( في مسلم‪)) :‬بضع وسبعون شممعبة(( فممي‬
‫بعضممها‪)) :‬سممتون أو سممبعون‪ ،‬أعلهمما قممول‪ :‬ل إلممه إل اللممه‪ ،‬وأدناهمما إماطممة الذى عممن‬
‫الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من شعب اليمان((‪.‬‬
‫سم‪.‬‬
‫أحسن الله إليك‪.‬‬
‫باب ما جاء في الغضب‪:‬‬
‫وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عللوف أن‬
‫رجل ً أتى إلى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقللال‪ :‬يللا رسللول الللله‬
‫علمني كلمات أعيللش بهللن‪ ،‬ول تكللثر علللي فأنسللى‪ ،‬فقللال رسللول الللله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪)) :-‬ل تغضب((‪.‬‬
‫وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبللي هريللرة‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪)) :‬ليللس‬
‫الشديد بالصرعة‪ ،‬إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب((‪.‬‬
‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه الله تعالى‪:-‬‬
‫باب ما جاء في الغضب‪:‬‬
‫الغضب معروف ل يحتاج إلى بيان‪ ،‬وبيانه كبيان الماء‪ ،‬الغضب خممروج النفممس عممن حممد‬
‫العتدال بسبب المثير‪ ،‬والغضب غريزة موجودة عند الناس‪ ،‬لكنهم يتفاوتون فيها‪ ،‬فمن‬
‫الناس من يثور لدنى سبب‪ ،‬ومممن النمماس مممن يثممور لغيممر سممبب‪ ،‬ومنهممم مممن ل يثممور‪،‬‬
‫ومنهم من يغلي قلبه بالغضب لتفه السباب‪ ،‬ومنهم الحليم الذي اتصف بالحلم والناة‪،‬‬
‫كالحنف‪ ،‬وممن وصف بذلك معن بن زائدة المشهور‪ ،‬حصل رهان بين اثنين إن أغضبه‬
‫فله كذا وكذا من البل‪ ،‬فجاء إليه وسبه بأبشع أنواع الهجمماء والممذم بالشممعر المحفمموظ‬
‫إلى اليوم‪ ،‬ومع ذلك يعرض عنه إلى أن أيس من إغضابه‪ ،‬وهذه منة ونعمة‪ ،‬لكن هنمماك‬
‫مواقف ل بد فيها من الغضب ل سيما إذا انتهكت محارم الله ‪-‬جل وعل‪.-‬‬
‫بوادر تحمي صفوه أن يكدرا‬ ‫ول خير في حلم إذا لم تكن‬
‫له‬

‫ل سيما بعض الناس إذا ما تعومل معه معاملة تردعممه عممن بعممض تصممرفاته يسترسممل‪،‬‬
‫فمثل هذا ل بد أن يكف‪ ،‬ول شك أن الغضب غريزة‪ ،‬ويزيد مع عدم الكف‪ ،‬وعدم خممزم‬
‫النفس‪ ،‬والحلم بالتحلم‪ ،‬يعني مع الوقت تجده يتصف بهذا الخلق‪ ،‬وإن لم يكن متصممفا ً‬
‫به قبل ذلك‪ ،‬كما أن العلم بالتعلم‪ ،‬كذلك الحلم بالتحلم‪ ،‬والفقه بالتفقه‪.‬‬
‫"أن رجل ً أتى إلى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلللم‪ -‬فقللال‪ :‬يللا رسللول‬
‫الله علمني كلمات أعيش بهن" كلمات "ول تكثر علللي فأنسللى" مثممل الممذي‬
‫قال للنبي ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬إن شرائع السلم قد كثرت علي‪ ،‬فأرشدني" هنمما‪:‬‬
‫"علمني كلمات أعيش بهن‪ ،‬ول تكثر علي فأنسى" يعني لو علمه حديثا ًَ طويل ً‬
‫يشتمل على جمل كثيرة يمكن ينسممى بعضممه‪ ،‬ل سمميما وقممد عممرف مممن نفسممه ضممعف‬
‫الحافظة‪.‬‬
‫"ول تكثر علي فأنسى‪ ،‬وأعيش بهن" يعني أنتفع بهممن فممي معيشممتي فممي دينممي‬
‫وفي دنياي "فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلللم‪)) :-‬ل تغضللب((" وأي‬
‫نصيحة أبلغ من هذه النصيحة‪ ،‬وكم للغضب من آثار على الشخص نفسه‪ ،‬وعلى غيممره‪،‬‬
‫والغضب مؤثر تأثيرا ً بالغا ً في صحة النسان‪ ،‬وله أيضا ً آثار متعدية تصل إلى حد القتممل‪،‬‬
‫تصل إلى حد القذف‪ ،‬تصل إلى حد أن يقول كلمة ل يلقي لها بال ً أثناء غضبه يهوي بهمما‬
‫في النار سبعين خريفا ً ‪-‬نسأل الله السلمة والعافية‪ ،-‬وكمن إنسان شتم الدين بسممبب‬
‫الغضمب‪ ،‬وكممن إنسمان وقمع فمي عظمائم الممور بسمبب الغضمب‪ ،‬ولمذا الغضمب ممن‬
‫الشيطان‪ ،‬فإذا وجده النسان فليغير وضعه‪ ،‬إن كان واقفا ً فليجلممس‪ ،‬وإن كممان جالس ما ً‬
‫فليضطجع أو ليقف‪ ،‬المقصود أنه يغيممر وضممعه‪ ،‬وإن توضممأ؛ لن حممرارة الشمميطان إنممما‬
‫تطفأ بالماء‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بللن المسلليب عللن أبللي‬
‫هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسللول الللله ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪:‬‬
‫))ليس الشديد((" ليس الشديد القوي ))بالصرعة(( يعني الذي يصرع الناس ليس‬
‫هذا هو الشديد‪ ،‬ليس هذا هو القوي‪ ،‬ليس هممذا الممذي يمممدح بقمموته‪ ،‬جمماء فممي الحممديث‬
‫الصحيح‪)) :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف(( وما قال الرسول‬
‫‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬الرجل القوي‪ ،‬قال‪ :‬المؤمن‪ ،‬يعني القوي في إيمانه‪)) ،‬خير من‬
‫المؤمن الضعيف(( في إيمانه‪ ،‬ويتبع ذلك ما يتطلبه اليمان من قوة في البدن‪ ،‬وإعممداد‬
‫للعدو‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬هنا يقول‪)) :‬ليس الشديد بالصرعة(( الذي يصممرع النمماس‪ ،‬وهممذا‬
‫البناء صرعة لسم الفاعل صرعة‪ ،‬يعنممي ضممحكة‪ ،‬همممزة‪ ،‬لمممزة‪ ،‬الممذي يصممرع النمماس‪،‬‬
‫لمزة الذي يلمز الناس‪ ،‬همزة الذي يهمز الناس‪.‬‬
‫حلممة‪ ،‬هممذا اسممم‬
‫حلة‪ُ ،‬ر ْ‬
‫بعض التراجم‪ ،‬تراجم الئمة يقولون‪ :‬المام العالم‪ ،‬المتفنن‪ ،‬الُر ْ‬
‫حلة يعني يرحل اسم الفاعل‪.‬‬ ‫المفعول‪ ،‬يعني يرحل إليه‪ ،‬وُر َ‬
‫))إنما الشديد الذي يملك نفسه عنلد الغضلب(( يسممتعيذ بممالله مممن الشمميطان‪،‬‬
‫ويتوضأ ويترك هذه الثار المترتبة على الغضب‪ ،‬ول يرتب عليه ما يتطلبه الغضممب عنممد‬
‫دخول الشيطان من قتل‪ ،‬من سفك دم‪ ،‬من كلم بذيء‪ ،‬كثيرا ما يحصل الطلق بسبب‬
‫الغضب‪ ،‬ثم بعد ذلك الندم‪ ،‬وكلم أهل العلم في طلق الغضبان معروف‪.‬‬
‫المقصود أنه مسبباته كلها أو جلها سيئة‪ُ ،‬يندم عنها بسرعة‪ ،‬أو ينممدم صمماحبها بسممرعة‪،‬‬
‫فعلى النسان أن يملك نفسه عند الغضب‪ ،‬وقد يقول النسان‪ :‬هممذا شمميء ل أسممتطيع‬
‫أن أملك نفسي‪ ،‬أنا جبلت على الغضب‪ ،‬لكن الحلم بالتحلم‪ ،‬ومع ذلممك ُأثممر عممن بعممض‬
‫الصحابة أنه كان شديد الغضب لكنه وجه من قبل النممبي ‪-‬عليممه الصمملة والسمملم‪ -‬إلممى‬
‫كثرة الستغفار‪ ،‬وعليه أن يتحلم‪ ،‬وينظر في عممواقب المممور قبممل أن تصممدر عنممه‪ ،‬وإذا‬
‫حصل منه أو بدر منه شيء مما ل تحمد عقباه ل بد أن يتحمل المسئولية‪ ،‬فممإذا غضممب‬
‫وتكلم في حق فلن أو علن ل بد أن يذهب إليه‪ ،‬ويستسمحه‪ ،‬ويستبيحه ويستحله مممما‬
‫حصل منه‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like