Professional Documents
Culture Documents
[www.ibnarabifoundation.com] | Abrar
|٢
الذي خلق ،أنزل الأرواح في الأشباح أمناء ،1و جعل هذه الأشباح المنزلة إليها
الأرواح في الأرض خلفاء ،و سخر لها ما في السماوات و ما في الأرض جميعا
منه ،فما تتحرك ذرة الا اليه و عنه ،خلق الكل من غير حاجة اليه ولا موجب
أوجب ذلك عليه ،لكن علمه سبق بأن يخلق ما خلق ،فهو الأول و الآخر
والظاهر و الباطن و هو على كل شيء قدير ،أحاط بكل شيء علما ،وأحصى
كل شيء عددا ،يعلم السر و أخفى ،يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور،
كيف لا يعلم شيئا هو خلقه )ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير( .علم
الأشياء قبل وجودها ،ثم أوجدها على حد ما علمها ،فلم يزل عالماً بالأشياء.
لم يتجدد له علم عند تجدد الأشياء .بعلمه أتقن الأشياء و ٔاحكمها ،و به حكم
عليها من شاء و حكمها .علم الكليات على الأطلاق كما علم الجزئيات
ب ٕاجماع من أهل النظر الصحيح و اتفاق ،فهو عالم الغيب و الشهادة فتعالي الله
عما يشركون.
ف ّعال لما يريد ،فهو المريد الكائنات في عالم الأرض و السماوات .لم
تتعلق قدرته تعالي ب ٕايجاد شيء حتى أراده ،كما أنه لم يرده حتى علمه ،إذ
يستحيل في العقل أن يريد ما لا يعلم ،أو يفعل المختار المتمكن ِمن ترك ذلك
الفعل ما لا يريده كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي ،كما
يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها .فما في الوجود طاعة ولا
عصيان ،ولا ربح ولا خسران ،ولا عبد ولا ُحر ،ولا برد ولا َحر ،ولا حياة ولا
موت ،ولا حصول ولا فوت ،ولا نهار ولا ليل ،ولا اعتدال ولا ميل ،ولا بر ولا
بحر ،ولا شفع ولا وتر ،ولا جوهر ولا عرض ،ولا صحة ولا مرض ،ولا فرح ولا
ترح ،ولا روح ولا شبح ،ولا ظلام ولا ضياء ،ولا أرض ولا سماء ،ولا تركيب
ولا تحليل ،ولا كثير ولا قليل ،ولا غداة ولا أصيل ،ولا بياض ولا سواد ،ولا
رقاد ولا سهاد ،ولا ظاهر ولا باطن ،ولا متحرك ولا ساكن ،ولا يابس ولا
رطب ،ولا قشر ولا لب ،ولا شيء من هذه النسب المتضادات منها و
المختلفات و المتماثلات الا و هو مراد للحق تعالى .و كيف لا يكون مرادا له
يوجد المختار ما لا يريد؟ لا راد لأمره ،ولا معقب و هو أوجده .فكيف ِ
لحكمه ،يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء ،و يعز من يشاء و يذل
من يشاء ،و يضل من يشاء و يهدي من يشاء ،ما شاء كان ،و ما لم يشاء أن
يكون؛ لم يكن ،لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا لم يرد الله تعالى
أن يريدوه؛ ما أرادوه ،أو يفعلوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده ،و أرادوه عندما
أراد منهم أن يريدوه؛ ما فعلوه ،ولا استطاعوا على ذلك ولا أقدرهم عليه.
فالكفر و الإ يمان ،و الطاعة و العصيان بمشيئته و حكمه و ٕارادته ،و لم
يزل سبحانه موصوفا ّ بالإ رادة أزلا و العالم معدوم غير موجود ،و إن كان ثابتا في
العلم في غيبه ،ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر عن جهل أو عدم علم،
فيعطيه التفكر و التدبر على ما جهل؛ جل و علا عن ذلك .بل أوجده عن العلم
السابق و تعيين الإ رادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من
زمان و مكان وأكوان وألوان .فلا مريد في الوجود علي الحقيقة سواه إذ هو
القائل سبحانه ﴿و ما تشاءون الا أن يشاء الله﴾ )سورة الإ نسان (٣٠ :و أنه
سبحانه ،كما علم فأحكم ،و أراد فخصص ،و قدر فأوجد؛ كذلك سمع و رأى
ما تحرك و سكن أو نطق في الورى من العالم الأسفل و الأعلى.
لا يحجب سمعه ُالبعد فهو القريب ،ولا يحجب بصره ال ُقرب فهو
البعيد ،يسمع كلام النفس في النفس ،و صوت المماسة الخفية عند اللمس .و
|٥
يري السواد في الظلماء ،و الماء في الماء ،لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا
النور ،و هو السميع البصير.
أخرج العالم قبضتين ،و أوجد لهم منزلتين فقال :هؤلاء للجنه ولا أبالي،
و هؤلاء للنار ولا أبالي ،و لم يعترض عليه معترض هناكٕ ،اذ لا موجود كان َثم
سواه ،فالكل تحت تصريف أسمائه ،فقبضة تحت أسماء بلائه ،و قبضة تحت
أسماء الآئه .و لو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيداً لكان ،أو شقيا لكان،
لكنه سبحانه لم يرد ،فكان كما أراد ،فمنهم الشقي و السعيد؛ هنا و في يوم
المعاد ،فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم ،و قد قال القرآن في
الصلوات :هي خمس و هي خمسون )ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد
)ق (٢٩ :لتصرفي في ملكي و إنفاذ مشيئتي في ملكي.
و ذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار و البصائر ،و لم تعثر عليها الأفكار
وجود رحماني ،لمن اعتني الله به من عباده ،و ولا الضمائر ،إلا بوهب إلهيُ ،
سبق له ذلك بحضرة أشهاده ،فعلم حين أعلم أن الإ لهية أعطت هذا التقسيم،
و أنه من رقائق القديم ،فسبحان من لا فاعل سواه ،ولا موجود لنفسه ٕالا ٕاياه )و
الله خلقكم و ما تعملون )الصافات (٩٦ :و ) لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون(
)الا ٔنبياء (٢٣ :فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )الأنعام(١٤٩ :
و كما أشهدت الله – سبحانه و تعالي – وملائكته و جميع خلقه و إياكم
على نفسي بتوحيده ،فكذلك اشهده سبحانه و ملائكته و جميع خلقه و إياكم
على نفسي بالإ يمان بمن اصطفاه واختاره واجتباه من جوده ،وذلك
سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم الذي أرسله إلى جميع الناس كافة )بشيرا و
نذيرا و داعيا إلى الله ب ٕاذنه و سراجا منيرا( فبلغ صلي الله عليه و سلم ما أنزل إليه
من ربه وأدي أمانته و نصح أمته ،و وقف في حجة وداعه على كل من حضر
من أتباعه فخطب وذكر ،وخ ّوف و حذر ،و بشر و أنذر ،و وعد و أوعد ،وأمطر
وأرعد ،وما خص بذلك التذكير أحداً دون أحد ،عن ٕاذن الواحد الصمد ،ثم
|٧
غت ؟( فقالوا :بلغت يارسول الله ،فقال صلي الله عليه و سلم: قال):ألا هل بلّ ُ
علمت وما
ُ اللهم اشهد .و ٕاني مؤمن بكل ما جاء به صلي الله عليه وسلم مما
لم أعلم ،مما جاء به وقرر :أن الموت عن أجل مسمى عند الله ،ف ٕاذا جاء لا
يؤخر ،فأنا مؤمن بهذا إيماناً لا ريب فيه ولا شك ،كما آمنت و أقررت أن سؤال
فتاني القبر حق ،و عذاب القبر حق ،و بعث الأجساد من القبور حق ،و العرض
على الله تعالي حق ،والحوض حق ،و الميزان حق ،و تطاير الصحف حق،
والصراط حق ،والجنة حق ،والنار حق ،و فريقاً في الجنة و فريقاً في النار حق،
وكرب ذلك اليوم حق على طائفة ،وطائفة أخري لا يحزنهم الفزع الأكبر،
وشفاعة الملائكة والنبين والمؤمنين حق ،و ٕاخراج أرحم الراحمين بعد الشفاعة
من النار من شاء حق ،وجماعة من أهل الكبائر المؤمنين يدخلون جهنم ثم
يخرجون منها بالشفاعة و الامتنان حق ،والتأبيد للمؤمنين الموحدين في النعيم
المقيم في الجنان حق ،و التأبيد للكافرين والمنافقين في العذاب العليم حق ،و
كل ّما جاءت به الكتب و الرسل من عند الله تعالي ُ -علم أو ُجهل -حق.
فهذه -شهادتى علي نفسى -أمانة عند كل من وصلت إليه أن يؤديها إذا
سئلها حيثما كان ،نفعني الله و إياكم بهذا الإ يمان ،و ثبتنا عليه عند الانتقال
من هذه الدار إلى الدار الحيوان ،و أدخلنا دار الكرامة و الرضوان ،و حال بيننا و
بين دار َسرابيلها من قطران ،و جعلنا من الجماعة التي أخذت الكتب بالإ يمان،
و ممن انقلب من الحوض و هو ريان ،و ثقل له ميزان ،و ثبتت له على الصراط
قدمان ،إنه المحسن المنان.
والحمد الله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد
جاءت رسل ربنا بالحق) .اعراف(٤٣ :
تمت بحمد لله و عونه و حسن توفيقه