You are on page 1of 35

‫موقع واحة اليمان‬

‫‪www.waleman.com‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫أبو زيد الريامي‬


‫حياته وسيرته‬

‫إعداد الطالب‬
‫سليمان بن عبدال بن سالم الهميمي‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬
‫الحممد ل رب العالميمن‪ ،‬والصملة والسملم على أشرف النمبياء والمرسملين‪ ،‬سميدنا محممد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪،،،‬‬
‫فيقول تعالى‪ :‬ممن المؤمنيمن رجال صمدقوا مما عاهدوا ال عليمه فمنهمم ممن قضمى نحبمه‬
‫ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبدي ‪‬‬
‫لً‪.‬‬
‫قضوا أعمارهمم فمي سمبيل ال‪ ،‬جاهدوا بأنفسمهم وأموالهمم فأعلى ال على أيديهمم السملم‬
‫وأعز المسلمين… "شباب مكتهلون في شبابهم‪ ،‬غضيضة عن الشر أعينهم‪ ،‬بطيئة عن الباطل‬
‫أرجلهم‪ ،‬أنضاء عبادة وأطلح سهر‪ ،‬نظر ال إليهم في جوف الليل‪ ،‬منثنية أصلبهم على أجزاء‬
‫القرآن‪ ،‬إذا ممر أحدهمم بآيمة فيهما ذكمر الجنمة بكمى شوقاً إليهما‪ ،‬وإذا م ّر بآيمة فيهما ذكمر النار شهمق‬
‫شهقمة كأن زفيمر جهنمم فمي أذنيمه‪ ،‬موصمول كللهمم بكللهمم‪ ،‬كلل الليمل بكلل النهار… مصمفرة‬
‫ألوانهم‪ ،‬ناحلة أجسامهم من طول الصيام وكثرة القيام…"‪.‬‬
‫إن حياة كحياة أبمي زيمد الرياممي يعجمز القلم عمن وصمفها‪ ،‬واللسمان عمن الثناء لهما‪ ،‬قضمى‬
‫عمره في خدمة المسلمين مضحي ًا بماله ونفسه…‬
‫بحث قصير أقدمه متطفلً على حياته –رحمه ال‪ -‬أقف فيه بعض الوقفات البسيطة على‬
‫حياتمه العريضمة‪ ،‬وأضمع فيمه بعمض الخطوط العريضمة عمن حياتمه وسميرته… وكان سمبب كتابتمي‬
‫هذا البحث مشاركة في الندوة التي أقامتها مكتبة الندوة العامة بولية بُهل في ذكرى سيرة أبي‬
‫زيمد الرياممي (‪ 26،27‬رجمب ‪1418‬ه‍) على إننمي لم أكمن أهلً لن أكون ممن ضممن المشاركيمن‬
‫فيها‪ ،‬فقزامتي أصغر من أن تناطح العمالقة‪ ،‬ولكن هي الطاعة للستاذ ورغبة في التعلم‪.‬‬
‫وعلى كل حال فقد قسمت البحث إلى ثلثة فصول وهي كالنحو التالي‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬حياته ونشأته وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫‪)1‬مولده ونسبه‪.‬‬
‫‪)2‬حياته العلمية‪.‬‬
‫‪)3‬قضاؤه لوقاته وسير يومه‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬البيئة وأثرها في صقل شخصيته وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫‪)1‬الحالة الجتماعية وتأثيرها على شخصيته‪.‬‬
‫‪)2‬الصفات النفسية التي يتحلى بها‪.‬‬
‫‪)3‬حنكته في السياسة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مكانته وفاته وفيه أربعة مباحث‪:‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫‪)1‬المتاعب التي واجهته وكيفية مواجهتها‪.‬‬


‫‪)2‬كرامات أبي زيد‪.‬‬
‫‪)3‬أبو زيد الريامي في نظر الناس‪.‬‬
‫‪)4‬وفاته‪.‬‬
‫هذا وأترك القارئ الن متجولً فمي حديقمة شخصمية أبمي زيمد الغناء ليشتمّ ممن رياحينهما‪،‬‬
‫ويرتشف من ينابيعها‪.‬‬
‫معتذراً للقارئ الكريم عن ركاكة التعبير‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫الفصل الول‬

‫أبو زيد الريامي‬


‫حياته ونشأته‬

‫المبحث الول‪ :‬مولده ونسبه‬


‫المبحث الثاني‪ :‬حياته العلمية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬قضاؤه لوقاته وسير يومه‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫لمبحث الول‬
‫المطلب الول‪ :‬مولده ونسبه‬
‫•نسبه‬
‫قبل أن ندخل في حياة هذا المجاهد العظيم‪ ،‬متأملين في جنبات شخصيته الفذة التي يعجز‬
‫القلم عمن وصمفها‪ ،‬واللسمان عمن الشكمر والثناء لهما؛ يتطفمل القلم لمعرفمة أجداده‪ ،‬ونسمبه الذيمن‬
‫نشأ هذا العالم المجاهد بين حناياهم ورعايتهم‪.‬‬
‫إن شخصمية مثمل شخصمية أبمي زيمد لبمد وأنهما تربّتم فمي أحضان عائلة عرفمت بالبسمالة‬
‫والمروءة والصلبة‪.‬‬
‫فهمو‪ /‬عبدال بمن محممد بمن رزيمق بمن سمليم الرياممي‪ ،‬حيمث يعود نسمب آبائه إلى راشمد بمن‬
‫سالم بن مصعب بن ريام أكبر فخوذ بني ريام وأكثرهم عدداً‪.‬‬
‫ونسب أمه يرجع إلى أولد حمير من النباهنة‪ ،‬قوم شهد لهم بالبسالة ووطنها بلدة تنوف‬
‫على سفح الجبل الخضر)‪.(1‬‬
‫على أن بعممض المؤرخيممن يقول‪ :‬إن نسممب أبممي زيممد يرجممع إلى بنممي نبهان شيوخ هذه‬
‫القبيلة‪ ،‬باعتبارهم جزءاً من هذه القبيلة‪.‬‬
‫وكمما رأينما سمابقاً أن نسمب أممه يرجمع إلى بنمي نبهان فيربطمه بهمم رحمم وهمو مما أق ّر بمه‬
‫الشيخ رحمه ال بلسانه)‪.(2‬‬
‫ومن هنا نرى أن الشيخ أبا زيد اجتمعت فيه عراقة النسب وصلبته‪ ،‬فبنو ريام هي من‬
‫إحدى القبائل العريقة في عمان‪ ،‬وبنو نبهان هي من أشد القبائل التي عُرفت بالبسالة والقوة‪.‬‬
‫وكذلك اجتمعت فيه صلبة المنبت فقد كان وطن آبائه وأجداده في بلدة تسمى العين في‬
‫أعلى الجبمل الخضمر‪ ،‬انتقمل منهما جده سمليم إلى إزكمي‪ ،‬ونشمآ بالحارة المعروفمة بالنممزار فولد له‬
‫) ‪(3‬‬
‫سالم ومحمد فتزوج الخير أم أبي زيد من تنوف‬
‫إن المتأمممل فممي حياة أبممي زيممد والذي يقلب تاريممخ حياتممه الحافممل بالبطولت يجممد علقممة‬
‫وطيدة بيمن نسمبه وموطنمه‪ ،‬وبيمن شجاعتمه وبطولتمه فقمد أكسمبه ذلك الصمل وتلك التربمة البسمالة‬
‫والشجاعممة‪ ،‬فهممو البطممل المغوار الذي يقود الجيوش‪ ،‬وهممو المحنممك السممياسي الذي شهدت له‬
‫الخطوب‪ ،‬وهمممو العالم القتصمممادي الذي تحيرت لدهائه العقول‪ ،‬بمممل همممو المرشمممد والمصممملح‬
‫الجتماعي الذي أعاد للقلوب الحياة وللبلد سبيل النجاة‪.‬‬
‫…فسمبحان ال أي وصمف سمنصفه‪ ،‬وبأي ثناء نسمتطيع أن نثنمي عليمه… ولسمت مبالغاً‬
‫فمي ذلك… فرحلتنما معمه طويلة سمواء هنما أو فمي باقمي البحوث التي تلي هذا البحث علنا نكشف‬
‫عن القليل من حياته‪.‬‬

‫‪ ()1‬أحد السكري‪ ،‬التنظيم الال والداري عند أب زيد‪ ،‬مذكرة‪ ،‬ص‍‪.‬‬


‫‪ ()2‬أحد بن ناصر البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪1411 ،‬ه‍‪1990/‬م‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()3‬ممد بن عبدال السالي‪ ،‬نضة العيان برية أهل عمان‪ ،‬مطابع دار الكتاب العرب‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫•مولده‬
‫ولد رحمه ال في بلدة تنوف الواقعة على سفح الجبل الخضر)‪ ،(4‬وقيل في مدينة إزكي‪،‬‬
‫ليلة الجمعة في الليلة الخامسة عشر من شهر رمضان المبارك سنة ‪1301‬ه‍)‪ ،(5‬فكانت ولدته‬
‫مباركة في شهر مبارك‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫بينما يذهب بعض معاصريه إلى أنه ولد في الليلة الخامسة من شهر رمضان ‪.‬‬
‫وعلى كمل حال فإن الختلف ل يهمنما كثيرًا بقدر مما تهمنما حياتمه التمي حفلت بكثيمر ممن‬
‫المنجزات‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫المطلب الول‪ :‬نشأته الولى وحياته العلمية‬
‫•نشأته الولى‬
‫"إن صمياغة الشخصمية تعطمي النسمان بعداً حضارياً عظيماً‪ ،‬وتجعله قادراً على ابتداع‬
‫نموذج حضاري للبشرية‪ ..‬وتخلق من ذلك النسان المبعثر لتجعله ملكًا يمشي على الرض‪.‬‬
‫إن صياغة هذا الشكل من الشخصية ل يمكن أن تتم إل بتوافر قاعدة فكرية أصيلة ونظام‬
‫إلهي أسمى من نتاج أية خليا دماغية لنسان ما…‬
‫)‪(7‬‬
‫وهذه القاعدة الفكريمة وهذا النظام ل يتوافران إل بالرصميد العلممي" والثقافمي وممن هنما‬
‫جاءت عناية ال بهذا الرجل ليصبح فيما بعد الرجل الجهبذ والسد الهصور‪.‬‬
‫والناظمر فمي حياة أبمي زيمد فمي نشأتهما الولى يجمد أنّ العنايمة اللهيمة تحفهما لكمي تعدهما‬
‫العداد القوي بقواعد العلم والثقافة وتحميها من مزالق الشباب ورعونة المراهقة‪.‬‬
‫فقمد نشمأ –رحممه ال‪ -‬بإزكمي ثمم انتقمل أبوه وعممه إلى إبرا ممن الشرقيمة يعلمان القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فمات أبوه بها‪ ،‬ونشأ في حجر عمه ثم عاد إلى إزكي واتخذها وطناً)‪.(8‬‬
‫ويرى الشريانمي)‪ (9‬أنمه عاش يتيم ًا حيمث فقمد أبويمه بتنوف وهمو صمغير ثمم نقله عممه إلى‬
‫إزكي‪.‬‬

‫‪ ()4‬الشيخ علي بن ناصر الفرجي‪ ،‬أبو زيد الريامي همٌ وإنازات‪ ،‬إخراج زاهر بن ممد بن عبدال الشقصي‪ ،‬مذكرة‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()5‬أحد البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()6‬انظر السالي‪ ،‬نضة العيان‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫الفرجي‪ ،‬أبو زيد همٌ وإنازات‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()7‬زهي العرجي‪ ،‬الشخصية السلمية‪ ،‬دار التعارف‪ ،‬ط‪1977 ،1‬م‪1397/‬ه‍‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()8‬السكري‪ ،‬النظام الال والداري عند أب زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()9‬خلف بن زاهر الشريان‪ ،‬أجرى القابلة أحد السكري‪ ،‬انظر النظام الال والداري عند أب زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وعلى كمل حال فاليتمم وحده كفيمل فمي تعثمر حياة الطفمل منمذ صمغره‪ ،‬فليمس هين ًا أن يفتقمد‬
‫الطفل الحنان والرعاية من أبويه‪ ،‬وإن توفر له من أصناف ملذات هذه الدنيا على أن الشيخ أبا‬
‫زيد كانت حالته المادية يرثى لها وسنذكر ذلك في محله‪.‬‬
‫ومن هنا عاش الشيخ أبو زيد في بداية حياته حياة مليئة بالمتاعب والصعوبات‪ ،‬وانعدام‬
‫الموَجّهم‪ ،‬وقمد يكون لقلة مما فمي اليمد والحرمان ممن العاطفمة البويمة جعلتاه يخرج ممن البيمت همو‬
‫وأخوه فممي الصممباح ول يرجممع إل فممي المسمماء‪ ،‬تظهممر فيهممما صممفات المراهقممة… وتنبممئ عممن‬
‫شخصمميته التممي تكشفممت فيممما بعممد‪ ،‬وعرفممت بالنشاط والحيويممة‪ ،‬فممما خروجممه مممن الصممباح إلى‬
‫المسماء ممع مما فيهما ممن أعمال كالعبمث بأموال الخريمن وركوب حميرهمم وغيمر ذلك ممما يحكيمه‬
‫عن نفسه إل دليل على الطاقة التي تكمن في هذا الرجل وعدم الموجّه والمرشد‪.‬‬
‫فيا ترى هل بقيت هكذا حياته؟! وكيف تحول ذلك الطفل ليمتل حيوية ونشاطاً؟!‬
‫إن عنايمة ال سمبحانه وتعالى تولت أبما زيمد وأخذت بيديمه إلى الطريمق القويمم‪ ،‬لكمي يقعّدم‬
‫القاعدة الفكرية والثقافية‪ ..‬فوجه شطره إلى العلمة نور الدين السالمي ينهل من علومه‪ ..‬لكي‬
‫تتم صياغة هذه الشخصية فتعطي فيما بعد البعد الحضاري العظيم‪.‬‬
‫وهنما أترك الشيمخ يحكمي حياتمه بلسمانه حيمث يقول‪" :‬كنمت أخرج ممن البيمت أنما وأخمي ممن‬
‫الصمباح ول نرجمع إل فمي المسماء‪ ،‬فإذا وجدنما حمارة أو شيئاً ممن الحيوان التمي تركمب طلقناهما‬
‫وقمنما نتجوّل بهما داخمل البلد ثمم نتركهما تذهمب إلى مكان صماحبها أو قمد نتركهما تعبمث فمي أموال‬
‫الناس‪ ،‬ولم يكمن لنما آممر أو ناهٍم يسمتطيع ردعنما‪ ،‬وذات يوم أمسمكني أحمد العيان ممن إزكمي قائلً‬
‫لي‪ :‬عبدال لك أحد الثنين فاختر أحدهما‪ ،‬الول‪ :‬إما أن تذهب إلى بلدة القابل بالمنطقة الشرقية‬
‫لتتلقمى العلم ممن الشيمخ العلممة نور الديمن السمالمي‪ ،‬وإمما أن تذهمب غداً إلى فلن الصمايغ لتتعلم‬
‫مهنمة صمياغة الحلي الفضيمة‪ ،‬وذلك لجمل كسمب المعيشمة‪ ،‬وهذه المور التمي تعملهما حالي ًا غيمر‬
‫مساغة بل فيها من سوء الخلق")‪.(10‬‬
‫وهنمما يتوقممف الشيممخ أبممو زيممد وقفممة تأمممل ورجوع فلم يكممن هممو ذلك الرجممل الذي يُلقممي‬
‫بالرشادات الموجهممة إليممه عرض الحائط‪ ،‬فتلك الكلمات لهمما تأثيرهمما‪ ،‬فإن الرجممل وجممه إليممه‬
‫النصميحة‪ ،‬ولم يخطمئ عندمما قال "لك أحمد الثنيمن" فلم يقمل ذلك إل لمعرفتمه لشخصمية أبمي زيمد‬
‫الحاملة للحيويمة والنشاط والهممة والجتهاد‪ ،‬فطلب العلم يحتاج إلى الكفاح والمصمابرة والهممة‪،‬‬
‫ومهنمة الصمياغة تحتاج إلى الدقمة والصمبر‪ ،‬وكمل تلك الصمفات بدأت تتبلور فمي شخمص أبمي زيمد‬
‫وأعماله تدل عليها‪.‬‬
‫ولهذا فتلك الكلمات وافقمت شخصميته‪ ،‬ولمسمت شغاف قلبمه‪ ،‬لتجعله يوجمه وجهمه شطمر‬
‫الصمايغ طالب ًا تعليمممه هذه المهنممة‪ ،‬وكممما قلنمما سممابقاً فإن السممبب الذي جعممل أبما زيممد يخرج مممن‬
‫الصمباح إلى المسماء لم يكمن تعنتاً وانحرافاً ولكمن كان للحيويمة والنشاط اللذيمن كان يتمتمع بهمما‬
‫أبمو زيمد ممع عدم الموجمه لهمما‪ ..‬وكمل ذلك يظهمر عندمما ابتدأ بتعلم مهنمة الصمياغة فلم يواصمل –‬
‫رحممه ال‪ -‬هذه المهنمة بسمبب مجيمء النسماء إلى الصمايغ ليعممل لهمن المقاسمات فمي أعضاء ممن‬
‫أجسامهن مما جعل أبا زيد ينفر من ذلك لن فطرته لم تتلوث بشيء من المعاصي والدران‪.‬‬

‫‪ ()10‬البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكذلك لعنايمة ال تعالى بهذا الرجمل‪ ،‬لن طلب العلم أنفمع لهذا الرجممل الذي له شأنممه فمي‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫وهنما نترك الشيمخ لكمي يواصمل حديثمه بقوله‪" :‬امتثلت للممر وذهبمت فمي اليوم الثانمي إلى‬
‫الصمايغ‪ ،‬فطلبمت منمه أن ألزممه لتعلم تلك المهنمة‪ ،‬فرحمب بمي ومكثمت ملزماً له مدة ثلثمة أيام‪،‬‬
‫فرأيمت هذه المهنمة ل تصملح لي لن بهما إحراجات خصموصًا تأتمي النسماء إلى الصمايغ ليعممل لهن‬
‫أنواعاً للحلي ويقوم بأخذ المقاسات لبعض أعضاء الجسام‪ ،‬وهذا ربما أحصل منه إثماً‪.‬‬
‫فكّرت للمتثال الثاني وهو أن أذهب لطلب العلم عند نور الدين السالمي‪ ،‬ولم يكن لدي ما‬
‫يعيننممي لذلك‪،‬ولكممن توكلت على الخالق الرازق‪ ،‬ورأيممت نفسممي ل كنمممز أنفممع مممن العلم‪ ،‬ول مال‬
‫أربح من الحلم‪ ،‬ول حسب أرفع من الدب")‪.(11‬‬
‫ومن هنا تبدأ حياته العلمية الحافلة بالجد والجتهاد مع قلة الزاد‪ ،‬على أن الشيخ كان يُلِمّ‬
‫ببعض الشياء العلمية ولو بسيطة قبل ذهابه إلى الشيخ السالمي‪ ،‬فلم يكن ذلك الفراغ الذي كان‬
‫فيممه‪ ،‬ول لعدم وجود الناهممي والموجممه ليصممرفا الشيممخ عممن النشغال بنفسممه‪ ،‬وتنميممة قدراتهمما‬
‫العلمية‪ ،‬ويؤيد هذا ما يذكر أنه‪" :‬حفظ القرآن الكريم ببلدة إزكي ثم انتقل إلى الشرقية")‪.(12‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫•حياته العلمية‬
‫•تحصيله وهمته‬
‫أدرك الشيممخ –رحمممه ال‪ -‬بعقله الواسممع أن مهنممة الصممياغة ل تليممق بممه‪ ،‬فشخصمميته‬
‫ينتظرهما أممر عظيمم لبمد ممن العداد العلممي والثقافمي لهما‪ ،‬فسماقته عنايمة ال تعالى إلى كعبمة‬
‫عصمره فمي مقتبمل عمره وبدايمة شبابمه حيمث صمفاء العقمل‪ ،‬ونقاوة الفكمر‪ ،‬وخلو البال‪ ،‬حيمث كان‬
‫عمره –رحمه ال‪ -‬خمسة عشر سنة‪ ،‬وذلك في عام ستة عشر وثلثمائة وألف (‪1316‬ه‍))‪.(13‬‬
‫ل عليه‪،‬‬ ‫ذهب إلى الشيخ نور الدين السالمي ويداه خاليتان يحمل اليقين بال تعالى‪ ،‬متوك ً‬
‫فطلب من الشيخ السالمي أن يلزمه فرحب به الشيخ ولعله أدرك بفراسته للمستقبل الذي ينتظر‬
‫الشيخ أبا زيد‪.‬‬
‫والن نقف نستمع من الشيخ يحكي لنا بنفسه ذهابه إلى نور الدين يقول‪" :‬بعدما شعرت‬
‫أن طلب العلم الشريممف هممو أفضممل مكسممباً‪ ،‬وأجممل فضلً‪ ،‬ذهبممت إلى بلدة قابممل الحرث‪ ،‬والتقيممت‬
‫بالشيخ الجليل نور الدين السالمي –رحمه ال‪ -‬فطلبت منه أن ألزمه في طلب العلم‪ ،‬فرحب بي‬
‫الشيخ –رحمه ال‪.(14)"-‬‬
‫أخمي القارئ أل يتبادر إلى ذهنمك سمؤال محيمر وهمو كيمف اسمتطاع شيخنما الرياممي الذهاب‬
‫في سفر وهو ابن خمسة عشر عاماً؟! وكيف استطاع العيش بنفسه طوال تلك السنوات‪ ،‬ومن‬
‫‪ ()11‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()12‬الفرجي‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬السكري‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()13‬السكري‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()14‬أحد البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫كان يُعمد له الطعام وهمو صمغير مما يزال فمي بدايمة مرحلة شبابمه؟! إنمه لم يحممل شيئًا ممن النقود‪،‬‬
‫فأين كان يعيش؟!‬
‫كل هذه السئلة تجعل القارئ في شخصيته يتعجب كل العجب‪ ،‬ولكن عند التأمل فيها يجد‬
‫أن يداً ترعاه وعيناً تمهد له المور‪ ،‬فحياته الولى قبل مجيئه إلى الشرقية مع ما حفلت به من‬
‫صمفات المراهقيمن‪ ،‬أعطتمه قوةً للعتماد على نفسمه‪ ،‬وبلورت شخصميته الفذة ليُعَ ّد ممن الكبار ممع‬
‫صغر سنه‪ ،‬ومن المفكرين مع بداية شبابه‪.‬‬
‫∗)‬
‫فكان –رحممه ال تعالى‪ -‬يأوي إلى المسمجد يشرب منمه ويرقمط الخلل( يأكله مدة شهمر‬
‫كامل‪ ،‬فليس له طعام إل السودين‪ ،‬فصبر وصابر‪ ،‬حتى تحسنت بعض أحواله عندما جاء رجل‬
‫إلى الشيمخ السمالمي وقال له هذا الولد الذي جاءكمم ممن إزكمي نريمد أن نعطيمه طعامًا معنما‪ ،‬فقال‬
‫)‪(15‬‬
‫الشيخ السالمي ولكن من أين كان يأكل سابقاً؟‍! فنادوا عليه فحكى لهم قصته!!‬
‫كمل ذلك والشيمخ ل يعرف عنمه شيئ ًا فسمبحان ال تعالى! أي صمبر أكمبر ممن هذا وأي هممة‬
‫أعلى من تلك الهمة؟‬
‫وعندما آوى الشيخ في بيت وحده بعد إقامته في المسجد لم يشغله إعداد الطعام‪ ،‬والنظر‬
‫في شؤون البيت عن طلب العلم؛ بل زاد ذلك من حماسه وهمته‪ ،‬فأصبح يأكل وجبة واحدة في‬
‫يومه بعد أن أصبح يرقط الخلل‪ ،‬ترى هل يرضى بهذا الحال طلب اليوم؟ وهل سيستمرون في‬
‫دراستهم اليوم؟!!!‬
‫على أن الشيخ كان يجلس في حلقة التعليم عند شيخه من أول بداية التدريس حتى آخره‬
‫ليسمتمع إلى جميمع الدروس‪ ،‬فلم تكمن موحّدة‪ ،‬بمل كمل مجموعمة فمي نوع ممن العلم‪ ،‬وكان يحفمظ‬
‫جميع الدروس)‪ ،(16‬فمتى كان يطبخ الطعام؟!‬
‫يقول الشيخ‪" :‬أقمت ببلدة القابل في منمزل وحدي‪ ،‬فأذهب إلى السوق بالبلدة فأشتري ما‬
‫أحتاج لقوت يوممي‪ ،‬فأجيمء إلى المنممزل ولديّ قدر ممن الفخار وموقمد فأضمع بالقدر الرز والدام‬
‫وأقيمس الماء لقدر الطبمخ‪ ،‬فأوقمد النار على الموقمد وأذهمب إلى حلقمة التعليمم‪ ،‬عنمد الرجوع إلى‬
‫المنمزل أجد قد تم نضج الكل محتفظاً بحرارته فآكله"‪.‬‬
‫وعلى كمل حال فإن تلك الطريقمة همي تدل على مما تدل عليمه‪ ،‬والمهمم أنمه كان يحفمظ جميمع‬
‫الدروس‪َ ،‬فعَلَت همتمه‪ ،‬ولم يكتمف بنوع واحدٍ ممن العلوم بمل جمد واجتهمد‪ ،‬فهانمت المصماعب ممن‬
‫أمامه‪ ،‬وانقشعت الكروب من طريقه‪.‬‬
‫فكممممممل الذي يلقاه فيهمممممما محبممممممب‬ ‫فممممممن تكمممممن العلياء هممممممة نفسمممممه‬

‫رحلته العلمية وآثارها‬ ‫•‬

‫‪ ‬أي يمع البلح الساقط وهو التمر قبل صلحه‪.‬‬ ‫(∗)‬

‫‪ ()15‬السكري‪ ،‬النظام الال والدراي‪ ،‬ص‍‪.‬‬


‫‪ ()16‬البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫ولم يقتصر الشيخ في طلبه العلم في بلدة القابل‪ ،‬بل كان لرحلته وأسفاره التي سافرها‬
‫الهدف السمممى منهمما طلبممه العلم‪ ،‬فعبّ مممن شيخممه نور الديممن السمالمي‪ ،‬ثممم سمافر زنجبار طلباً‬
‫للرزق ونهلً للعلوم من المشايخ الذين كانوا هنالك‪ ،‬ولما رأى الشيخ أن المقام هنالك ل يناسبه‪،‬‬
‫والظروف ل تسمح له قفل راجعاً إلى وطنه وشيخه العلمة السالمي)‪.(17‬‬
‫وهكذا بقمي ملزماً لشيخمه‪ ،‬حتمى آذن الشيمخ تلميذه فمي رحلة إلى الديار المقدسمة لحجّ‬
‫بيمت ال الحرام‪ ،‬فهبّ –رحممه ال‪ -‬لمرافقمة شيخمه طلباً للعلم فمي هذه الرحلة الطويلة بالمذاكرة‬
‫من شيخه‪.‬‬
‫ولكمن واجهمت الشيمخ عقبمة أمام هذه الرحلة‪ ،‬وهمي قلة المادة‪ ،‬فكيمف يتصمرف –رحممه‬
‫ال‪ -‬وهو الشغوف بنهل العلوم‪ ..‬وكذلك أدرك –رحمه ال‪ -‬أن هذه الفرصة قد ل تتحقق له لنه‬
‫ل اشتغل فيما بعد بالمامة والولية كما سيأتي‪.‬‬ ‫قد يشتغل فيما بعد‪ ،‬وفع ً‬
‫ولهذا حرص الشيمخ –رحممه ال‪ -‬على أن ل تفوتمه هذه الفرصمة‪ ،‬فاسمتأجر حجّةم‪ ،‬وذهمب‬
‫مممع شيخممه‪ ،‬وعندممما أراد الشيممخ الرجوع إلى عُمان اسممتأذنه فممي المكوث إلى العام القادم‪ ،‬لكممي‬
‫يحج عن نفسه ويجاور البيت الحرام‪ ،‬وكان سفره –رحمه ال‪ -‬في السنة الثالثة والعشرين بعد‬
‫الثلثمائة واللف (‪1323‬ه‍))‪.(18‬‬
‫لقمد كسمب الشيمخ أبمو زيمد ممن هذه الرحلة الفوائد الكثيرة‪ ،‬فبعمد ملزمتمه شيخمه السمالمي‬
‫ل وقتمه فمي العبادة والقراءة‪،‬‬ ‫واكتسمابه للجمر والثواب جاور بيمت ال الحرام عاماً كاملً‪ ،‬مسمتغ ً‬
‫)‪(19‬‬
‫فجمد واجتهمد حتمى رزقمه ال سمبحانه وتعالى العلم الربانمي (علم السمرار) نفمع ال تعالى على‬
‫يديه خلقاً كثيراً وأعانه هذا العلم في تسيير الولية التي تولها أبو زيد بعد ذلك‪.‬‬
‫فإذن ذهابمه إلى حمج بيمت ال الحرام وعكوفمه سمنة كاملة كان له بمثابمة الترويمض للنفمس‬
‫وصقلها لكي تستطيع حمل المانة التي ألقيت على عاتقه‪ ،‬مما كان لها الثر الكبير في الصفات‬
‫التمي تحلى بهما شيخنما –رحممه ال تعالى‪ -‬ومما العلم الذي رزقمه ال تعالى إياه إل سملح يتناسمب‬
‫مع عظمة المهنة التي تولها يحميه من مكر المتربصين له‪ ،‬وينفع به المسلمين‪ ،‬سواء كانوا‬
‫فمي بُهل أم خارجهما‪ ،‬وكذلك لكمي ل تقتصمر أحكاممه على البشمر‪ ،‬فالجمن كذلك لهمم الحمق فمي ممن‬
‫يحكم لهم منازعاتهم‪ ،‬وقد وجدنا القصص التي تذكر كعلمة على هذا العلم الذي وهبه ال تعالى‬
‫إليه‪ ،‬ول بأس بذكر بعض الحوادث التي يذكرها معاصروه منها‪:‬‬
‫‪-1‬إنمه اتخمذ خرّافاً يخرف الخلص)‪ ،(20‬وكان إذا صمعد إلى الخلصمة تتلقاه الزنابيمر قبمل أن‬
‫يصل إلى الثمرة‪ ،‬فلما أعطاه رحمه ال حجاب ًا لم يصب بأذى من الزنابير)‪.(21‬‬
‫ل أصميب بعارض ممن الجمن‪ ،‬وقبمل وصموله بُهل صمرخ العارض وقال‪:‬‬ ‫‪-2‬مما يروى أن رج ً‬
‫ى مني‪ ،‬ول تصلوا أبا زيد‪ ،‬وما أن وصل الرجل ومن‬ ‫ارجعوا وسوف ل يلقى مريضكم أذ ً‬
‫‪ ()17‬البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()18‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()19‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()20‬ين الثمار من نلة اللص وهي نوع من النخيل من النواع اليدة‪.‬‬
‫‪ ()21‬الشيخ الفرجي‪ ،‬أبو زيد الريامي همٌ وإنازات‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫معمه إلى أبمي زيمد‪ ،‬ويرى أبمو زيمد الرجمل إل ويُرى نوعًا ممن الدخان تخرج ممن الرجمل‬
‫وشفي بعدها بقدرة ال)‪.(22‬‬
‫‪-3‬رجمل ممن آل سمعد بالباطنمة أُصميب بمرض وعجمز عمن شفائه‪َ ،‬فوُصِمفَ لهمم أبمو زيمد‪ ،‬فلمما‬
‫وصمله وأخمبروه الخمبر عمن مرضمه‪ ،‬قال لهمم‪ :‬ارجعوا لي غداً‪ ،‬ولمما جاءوه بالغمد أعطمى‬
‫الشيمخ الرجمل قرطاسمة وقال‪ :‬ضعهما على رأسمك‪ ،‬فلمما وضعهما المريمض أحمس بالمرض‬
‫ينمزل من رأسه‪ ،‬وهكذا يستمر حتى شعر أنه خرج من أصابع رجليه)‪.(23‬‬
‫ل بالنزول إلى بئر لكمي ينممزع شيئاً سمقط فيهما‪ ،‬فطلب ممن الشيمخ رسمالة‬ ‫‪-4‬كلف الشيمخ رج ً‬
‫بسمبب المعهود منهما ممن الجمن‪ ،‬فأعطاه قائلً له‪ :‬خذهما واتركهما فمي مكان حدده له‪ ،‬فلمما‬
‫نمزل وتركها لم يجدها عندما أراد الخروج وهي بمثابة الرسالة إلى الجن)‪.(24‬‬
‫‪-5‬خرج أحمممد الشخاص ليلً لقضاء بعمممض الحاجات‪ ،‬وفمممي أثناء سممميره سممممع أصمممواتاً‬
‫ومنازعات‪ ،‬وعرف من بينها صوت أبي زيد وكأنه يصلح بين فريقين‪ ،‬وفي اليوم التالي‬
‫لقي الشيخ الرجل فسأله فقال نعم كانت هناك منازعات بين الجن وأصلحنا بينهم)‪.(25‬‬
‫هذه هي بعض الحداث)‪ (26‬التي وقعت والتي تدلنا على امتنان ال تعالى عليه بهذا العلم‪،‬‬
‫وهو بمثابة المكافأة العاجلة‪ ،‬بسبب عبادته وإخلصه‪.‬‬
‫على أن الشيمخ لم يسمتأثر بعلممه هذا لهمل بُهل فقمط‪ ،‬فكمما ممر فمي القصمص السمابقة مما‬
‫ل من سداب يأتي برسائل‬ ‫يدلنا على أنه كان يعالج به القاصي والداني‪ ،‬وكذلك ما يروى أن رج ً‬
‫من الباطنة كتب فيها أهل الباطنة عن علتهم فيجيب عليها الشيخ بعد أن يمكث السدابي شهراً‬
‫في بُهل ثم يرجع الرسائل إلى أصحابها)‪.(27‬‬
‫إن طالب ًا كمثل هذا الطالب يتميز بالذكاء والحفظ والجد والجتهاد لبد أن ينال من شيخه‬
‫المكانمة الرفيعمة والدرجمة العاليمة ممن بيمن زملئه‪ ،‬ول عجباً أن يكلفمه الشيمخ السمالمي بأن يكون‬
‫متعلماً ومعلماً للدروس التي يلقيها لطلبة العلم وما ذلك إل لنه طالب مجتهد)‪.(28‬‬
‫بل تعدت مكانته إلى أن أصبح كاتب ًا لشيخه حيث يُعد أكبر كاتب عنده)‪ ،(29‬وأكثر مسودات‬
‫نور الدين بخطه)‪.(30‬‬

‫‪ ()22‬البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍وما بعدها‪.‬‬


‫‪ ()23‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()24‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()25‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()26‬هناك أحداث أخرى رأيت عدم ذكرها خوف الطالة‪ ،‬أنظرها ف الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()27‬الفرجي‪ ،‬أبو زيد همٌ وإنازات‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()28‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()29‬السكري‪ ،‬النظام الال‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()30‬السالي‪ ،‬نضة العيان‪ ،‬ص‍‪ ،‬الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وعندمما أراد الشيمخ السمالمي أن يقيمم الماممة تجلت مكانمة الشيمخ أبمي زيمد ممن شيخمه‪،‬‬
‫بحيث أعطاه شيخه أسرار المهمات التي ينوي أن يقوم بها مما يدلنا على المنمزلة الرفيعة التي‬
‫نالهما الشيمخ‪ ،‬فالموقمف والمهممة العظيممة ل ينبغمي أن يعلم بهما إل أخمص الخاصمة وهمو المنهمج‬
‫الذي اتبعه الرسول عليه السلم في فتح مكة‪.‬‬
‫ولهذا أمر الشيخ السالمي أبا زيد بجر السيف على المام سالم عند رفض قبول المامة‬
‫بادئ الممر‪ ،‬فلول ثقمة الشيمخ السمالمي بمه لمما أمره بجمر السميف فمي ذلك الموقمف العصميب الذي‬
‫أجاب أبو زيد فيه بما ينبئ عن شجاعته وبسالته‪.‬‬
‫)‪31‬‬
‫وبعمد رجوعمه إلى بلده فمي السمنة الثامنمة والعشريمن بعمد الثلثمائة واللف (‪1328‬ه‍)‬
‫( بعد المدة التي قضاها –رحمه ال‪ -‬عند شيخه نور الدين السالمي تلقياً وحفظ ًا وهي ما تقارب‬
‫اثنممي عشممر سممنة‪ ،‬أراد أن يفتممق عممن طاقاتممه الكامنممة وكنوزه التممي عبهمما ونهلهمما مممن شيخممه‬
‫السالمي‪.‬‬
‫وممع إحسماسه بالمانمة التمي تتعلق على عاتقمه نهمض نهضمة المعلم والمرشمد فمي بلده‬
‫إزكمممي‪ ،‬فقمممد جاء دور التعليمممم والتبليمممغ وقمممل التفرغ للنهمممل والتعلم‪ ،‬فلهذا عقمممد مجلسممماً للعلم‬
‫والتدريس في مسجد الحواري‪ ،‬فكان مدرسة أخذ عنه جم غفير من الطلب أكبرهم علم ًا الشيخ‬
‫محمد بن سالم الرقيشي)‪.(32‬‬
‫على أن الشيمخ –رحممه ال‪ -‬لم يترك جانمب التحصميل فقمد كان يتوسمع فمي العلم واشتغمل‬
‫مع التعليم بالتأليف‪ ،‬فأنتج لنا بعض التراث الذي ساهم به في زيادة الحصيلة الثقافية والفكرية‪،‬‬
‫فمن مؤلفاته –رحمه ال تعالى‪:-‬‬
‫‪)1‬حل المشكلت‪.‬‬
‫‪)2‬مناسك الحج‪.‬‬
‫‪)3‬وبعض التآليف الخرى كالنحو مثلً)‪.(33‬‬
‫ومحاضرة الشيخ أحمد الخليلي التي تلي هذا البحث تشمل كل جوانبه الفقهية)‪.(34‬‬
‫وبعمد ذلك عينمه الشيمخ حميمر بمن ناصمر النبهانمي فمي بلدة سميق بالجبمل الخضمر معلماً‪،‬‬
‫وآمراً بالمعروف‪ ،‬وناهياً عن المنكر‪.‬‬
‫فرأى –رحمممه ال‪ -‬أن القامممة هناك غيممر مناسممبة ولعممل ذلك يرجممع إلى شخصمميته التممي‬
‫عشقمت العلم‪ ،‬ذلك لن جمو الجبمل ل يناسمبه فمي مواصملة مسميرته‪ ،‬ولعمل هناك أسمباباً ألجأتمه إلى‬
‫أن يبقمى مدة ببلدة تنوف بجوار الشيمخ حميمر بمن ناصمر النبهانمي‪ ،‬بطلب منمه فمي مهممة تعليميمة‪،‬‬
‫بعدها ترك تنوف ليلحق بوطنه الصلي إزكي ليواصل فيها مسيرته المباركة في التعليم)‪.(35‬‬

‫‪ ()31‬السكري‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬


‫‪ ()32‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()33‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()34‬أي الحاضرة الت ألقاها بعد هذا البحث‪.‬‬
‫‪ ()35‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫واسمتمر فيهما بعمد رجوعمه ممن الشرقيمة بمما فيهما سمفره إلى الجبمل وتنوف مما ل يزيمد عمن‬
‫ست سنوات‪ ،‬استعمله بعدها المام سالم بن راشد الخروصي على بُهل)‪.(36‬‬
‫ولم تتوقف حركته العلمية في التعليم عند توليه منصبي الولية والقضاء في بُهل وإنما‬
‫اسممتمر فيهمما على رغممم المهمات الكممبيرة التممي كانممت على عاتقممه‪ ،‬والتممي تحتاج إلى مزيممد مممن‬
‫الوقمت‪ ،‬ولكمن كمل ذلك لم يشغله عمن نشمر العلم‪ ،‬فقمد قام بالتدريمس بمبرنامج يوممي)‪ ،(37‬سموف‬
‫نذكره في محله إن شاء ال‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫• قضاؤه لوقاته وسير يومه‬
‫إن الشيخ أبا زيد لم يختلف عن من قبله من السلف الصالح في تقسيم أوقاته‪ ،‬وتنظيمه‪،‬‬
‫وهمو مما ينبغمي أن يتمسمك بمه كمل مسملم‪ ،‬فالمنظمم همو الذي يملك الوقمت‪ ،‬يصمرفه كيفمما أراد‪ ،‬أمما‬
‫الرجمل المبعثمر وغيمر المنظمم ل يسمتطيع أن يجنمي ثمار أعماله فمي أكمبر متسمع ممن الوقمت‪ ،‬فهمو‬
‫بسوء تصرفه يهدر أوقاته والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك‪.‬‬
‫على أن السملم يعلن عمن ضرورة ازدواج الفكمر والعاطفمة واجتماع العقيدة‪ ،‬ومما تتطلبمه‬
‫ممن ألوان النفعال والحسماس‪ ،‬حتمى تدب الحياة فمي العقيدة وتصمبح مصمدر حركمة وقوة ودفمع‬
‫وليست مجرد عقلية ل يستجيب لها الحس ول تتدفق بالحياة)‪.(38‬‬
‫وكمممل ذلك ل يتأتمممى إل بالهتمام بالعبادة والرتباط بال تعالى ممممع عدم نسممميان الجانمممب‬
‫الدنيوي‪ ،‬فيما يوصل إلى مرضاة ال تعالى‪ ،‬وما يتعلق بالمانة التي أنيطت بالنسان في حياته‬
‫من رعاية مصالح المسلمين‪.‬‬
‫ومممن هنمما أدرك شيخنمما –رحمممه ال‪ -‬أن المانممة عظيمممة وتبعاتهمما ثقيلة‪ ،‬والرتباط بال‬
‫تعالى يعين في قضاء ما عسر وأشكل من أمور تواجه كل من وصل إلى مرتبته‪ ،‬لهذا لبد من‬
‫الموافقة بين قضاء مصالح المسلمين وبين متابعتهم وبين العتكاف بالضراعة ل تعالى‪ ،‬ولهذا‬
‫كانت أوقاته منظمة سواء كان في بُهل أم في اليام التي يقضيها في حصن جبرين (وهي عشرة‬
‫أيام ممن كمل شهمر وذلك عندمما عهمد إليمه المام الخليلي بقبمض حصمن جمبرين))‪ (39‬فكان –رحممه‬
‫ال‪ -‬يصلي الفجر وبعد ذلك يفتتح يومه بتلوة القرآن الكريم‪ ،‬حتى يصلي الضحى وبعدها يذهب‬
‫إلى بيتمه وأهله فمي شؤونمه الخاصمة‪ ،‬ليخرج إلى مجلس العلم يعلم طلبمه حتمى منتصمف النهار‪،‬‬
‫وهي الفترة الذهبية في طلب العلم‪ ،‬ولهذا حافظ عليها شيخنا رحمه ال‪.‬‬
‫‪ ()36‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()37‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()38‬زهي العرجي‪ ،‬الشخصية السلمية‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()39‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وبعمد صملة الظهمر يقوم بتنفيمذ أعمال الدولة فلم يركمن إلى النوم فيهما أو الكسمل‪ ،‬فهمتمه‬
‫أسمى من ذلك والمهمة التي ألقيت إليه ل يصلح لها كسول أو خمول‪ ،‬وبعد صلة العصر يجلس‬
‫لتلقي الدعاوى وتنفيذ الحكام( ∗) ويخرج للبلد للنظر في الحكام ولتفقدها‪.‬‬
‫وفممي الليممل له صممولت وجولت فيخرج إلى البلد لتفقممد أحوال الناس متمثلً بالسمميرة‬
‫العمريمة‪ ،‬ويأخمذ معمه بعمض العسكر ل يزيمد على اثنيمن‪ ،‬ثمم يرجمع ليأخمذ قسمطًا ممن قيام الليمل)‪،(40‬‬
‫فرأينما أن أول يوممه يبدأه بصملة الفجمر وآخمر أعماله بقيام الليمل‪ ،‬فلله دره ممن مجاهمد ومصمابر‪،‬‬
‫فما أشبهه بالفاروق ‪.‬‬
‫على أنممه كان عندممما يخرج لتفقممد أحوال البلد فممي الليممل وطريقتممه فممي عدم الكثار مممن‬
‫العساكر يوحي لنا بأن الشيخ رحمه ال تعالى يعيش في أمن‪ ،‬فعدل رحمه ال تعالى بين رعيته‬
‫حتمى أمنهمم‪ ،‬وكذلك قمد يكون لعتبارات أخرى‪ ،‬وذلك أنمه ممن رحمتمه برعيتمه ل يريمد أن يكلفهمم‬
‫المشاق والمتاعب‪ ،‬فعسكران يكفيان في الستعانة بهما على أن يخرج في اليوم الثاني غيرهما‪،‬‬
‫وهكذا وقمد يكون أيضاً ل يريمد أن يكثمر ممن المارة فمي جنمح الظلم‪ ،‬حتمى ل يهابهمم ممن خرج‬
‫لبعض حاجاته‪.‬‬
‫ولهذا فمن المؤكد أنها ل تغيب عن ذهن الشيخ مثل هذه المور وهو الذي راعى أشياء‬
‫كثيرة فمي خروجمه منهما‪ ،‬أنمه كان يرفمع صموته فمي حديثمه لكمي يسمتتر ممن كان على معصمية وهمو‬
‫ما سنذكره في محله إن شاء ال‪.‬‬

‫‪ ) (‬على أن الشيخ يتقبل الحكام ف أي وقت وف أي مكان‪ ،‬ول يلتزم بعد صلة العصر بيث ل يكم إل ف ذلك الوقت‪ ،‬وإنا ذلك الوقت‬
‫∗‬

‫هو وقت تفرغه لذلك‪ ،‬مقابلة مع القاضي الفرجي‪ ،‬الثلثاء‪25/11/1997‬م‬


‫‪ ()40‬أحد البيمان‪ ،‬سية أب زيد‪ ،‬ص‍‪.40-‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫البيئة وأثرها‬
‫في‬
‫صقل شخصية أبي زيد‬

‫‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الصفات النفسية التي يتحلى بها‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬حنكته في السياسة‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫المبحث الول‬
‫• الحالة الجتماعية في حياة أبي زيد وأثرها على شخصيته‬
‫لم يجممد رحمممه ال تعالى البيئة مفروشممة بالورود والرياحيممن‪ ،‬ولم يجممد المور على ممما‬
‫يرام‪ ،‬بممل كان المجتمممع مفككًا متناحراً تنخره الفتممن‪ ،‬مليئاً بالحقاد والضغائن يخوض فممي ظلم‬
‫دامس من الفتن‪ ،‬وليل حالك من التباغض‪.‬‬
‫)‪(41‬‬
‫فقمد كان يفتّ فمي عضده النقسمام الشيطانمي البغيمض إلى هناوي وغافري ‪ ،‬تلك الفتنمة‬
‫التي أخذت تطحن جميع مناطق عمان‪ ،‬مما أدى إلى التفرق‪ ،‬فساد الجهل وانتشر الظلم‪ ،‬فلم يكن‬
‫من أبي زيد إل مساندة شيخه نور الدين السالمي من أجل إقامة المامة بعمان‪ ،‬ليخفف الوطأة‬
‫عممن العمانييممن‪ ،‬بتوحيممد صممفوفهم تحممت إمام واحدٍ يجمعهممم‪ ،‬فلممما كان اليوم الموعود‪ ،‬وافاهممم‬
‫–رحممه ال‪ -‬قبمل وصمول الموكمب الميمون تنوف وعنده ممن الشراة سمتون رجلً كلهمم شارٍ بائع‬
‫نفسمه ل تعالى)‪ ،(42‬ذلك الذي يعمبر لنما بصمدق وجلء عمن إحسماس أبمي زيمد بسموء الحالة التمي‬
‫تجرف المجتمع نحو الهاوية‪.‬‬
‫)‪(43‬‬
‫فكان قلبمه يعتصمر لذلك ويتحرق‪ ،‬والذي يدلنما على ذلك خطبتمه التمي ألقاهما بعمد مبايعمة‬
‫المام سالم بن راشد الخروصي‪ ،‬فبعدما حمد ال وأثنى عليه بين رحمه ال تعالى أن التوبة هي‬
‫تلك القاعدة الصممحيحة لقبول العمال‪ ،‬والنصممر على العداء‪ ،‬وحممث بعدهمما على شكممر نعمممة‬
‫السلم‪ ،‬وحث على الجهاد بالنفس والمال وبين فضل ذلك‪ ،‬وبعدها بين صفات العاقل وهو الذي‬
‫يطلب محبة ربه ويتبع أوامره ويجتنب نواهيه‪ ،‬ليبين بعد ذلك صفات الشهيد ومنمزلته‪.‬‬
‫ثمم وجمه النداء إلى المسملمين بقتال الفئة الباغيمة ممن المسملمين وأحكام قتالهمم‪ ،‬وبعدهما‬
‫صرح –رحمه ال‪ -‬بما يكتوي قلبه ويعصر فؤاده فقال‪" :‬ول يجوز التعازي بالقبائل‪ ،‬فل تقولوا‬
‫يا آل فلن‪ ،‬ويا بني فلن‪ ،‬فإنها دعوة جاهلية وعصبية وحمية لغير الحق‪ ،‬ويا أهل اليمان‪ ،‬ويا‬
‫أهل القرآن‪ ،‬ويا للمسلمين‪ ،‬لتكن حميتكم للسلم‪ ،‬ومصيبتكم للحق ل للباء‪ ،‬وبذلك تنالوا فضل‬
‫المجاهدين‪ ،‬ودرجة الشهداء‪ "..‬إلى أن قال‪" :‬وإن قسمة القبائل التي انقسم إليها أهل عمان إلى‬
‫غافري وهناوي هي من عمل الشيطان‪ ،‬ومكائد العدو‪ ،‬وهي من أعظم مكائد إبليس‪"..‬‬
‫وكذلك ممما زاد الممر سموءاً؛ موجمة الجفاف التمي مرت بهما عمان وعصمفت بهما ممما كان‬
‫لها الثر الكبير في اضمحلل الموارد الزراعية‪ ،‬المصدر الوحيد في عمان ذلك الوقت‪ ،‬مما حدا‬
‫بكثير من العمانيين من آبائنا للسفر إلى شرق أفريقيا بحث ًا عن مناطق خصبة‪ ،‬وحياة أفضل من‬
‫أجل الستقرار‪ ،‬ذلك لن الستقرار)‪ (44‬في عمان يواجه صعوبة كبيرة‪.‬‬

‫‪ ()41‬السكري‪ ،‬النظام الال والداري عند أب زيد‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ ()42‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪ ،‬السالي‪ ،‬نضة العيان‪ ،‬ص‍‪ ،360،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()43‬ل أرَ ذكر جيع الطبة‪ ،‬ولكن اقتصرت على موضع الشاهد‪ ،‬ولكن يكن للقارئ الرجوع إليها ف آخر البحث عند اللحق رقم (‍) من‬
‫كتاب نضة العيان ص‍وما بعدها‪.‬‬
‫‪ ()44‬السكري‪ ،‬التنظيم الال‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وزد على كممل هذا وذاك وقوع الحربيممن العالميتيممن فممي زمانممه‪ ،‬الولى فممي بدايممة حياتممه‪،‬‬
‫والثانيمممة فمممي آخمممر حياتمممه… ممممما أدى إلى كسممماد التجارة العالميمممة‪ ،‬وبالتالي قلة الصمممادرات‬
‫والواردات)‪ ،(45‬مما كان سبب ًا في انتشار الجهل والفقر وسرعة انتشار الفتن والبغضاء‪.‬‬
‫كممل ذلك كان له الثممر البالغ فممي تردي الحوال الجتماعيممة وله الثممر البالغ فممي صممقل‬
‫شخصية حفها ال بالعناية والرعاية‪ ،‬لكي تخرج بهمةٍ متزودة بما تأثرت به من صفاتٍ تؤهلها‬
‫للقيام بأعباء كبيرة‪.‬‬
‫لقد ظهرت شخصية أبي زيد بصفات كثيرة متأثرة بآلم الفقراء والمساكين والمحرومين‪،‬‬
‫وصفاتٍ تسمو به ليصبح القيادي المحنك والقتصادي الخبير‪.‬‬
‫ول نسمتبق الحداث‪ ،‬فالمبحثان التاليان يبنيان الصمفات النفسمية التمي تحلى بهما شيخنما‪،‬‬
‫كذلك يبين المبحث الخير منها حنكته في السياسة والصلح الجتماعي‪ ،‬على أنني عندما أمخر‬
‫عبابهما أكتفمي بذكمر بعمض الرشادات للضرورة لكمي يتضمح المقال‪ ،‬أمما التفصميل فهناك بحوث‬
‫أخرى تتحدث عن الصلح الجتماعي والقتصادي‪ ،‬وعن حنكته في السياسة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫• الصفات النفسية والخلقية التي يتحلى بها‬
‫"إن الشخصمية فمي السملم همي مركمز علقات وعصمب مواصملت‪ ،‬علقمة النسمان بال‪،‬‬
‫وعلقة النسان بالكون‪ ،‬وعلقة النسان بالمجتمع‪.‬‬
‫فالعلقمة الولى حبلهما اليمان والروحيمة‪ ،‬والعلقمة الثانيمة حبلهما الفكمر والعقمل والتأممل‪،‬‬
‫والعلقمة الثانيمة حبلهما الخلق والثقافمة وهمي بمجموعهما تشكمل فمي النفسمية السملمية عقدة‬
‫التقوى")‪ (46‬فكممل تلك العلقات مممن تأمممل وفكممر وروحانيات وأخلق وثقافممة تمثممل التقوى‪ ،‬فماذا‬
‫نقول فمي صمفات شيخنما –رحممه ال‪ -‬فهمو التقمي أي الورع والميمن والرحيمم والمتواضمع‪ ،‬وإذا‬
‫جمعنما تلك الصمفات تمثمل لنما التقوى‪ ،‬وعلى كمل حال فشخصميته –رحممه ال تعالى‪ -‬اتصمفت بتلك‬
‫الصمفات التمي يكون مصمبها بحمر التقوى‪ ،‬ولكمي يتضمح المقال يحسمن لنما أن نفصمل فمي صمفاته‬
‫التي جملناها في أربع صفات (الورع‪ ،‬المانة‪ ،‬الرحمة‪ ،‬التواضع) ونحاول إن شاء ال أن نذكر‬
‫بعض المثلة لكل صفة‪.‬‬
‫• أولً‪ :‬الرحمة والتواضع وتقدير النعمة‪:‬‬
‫إن تلك الحداث التممي واجهممت الشيممخ أبمما زيممد فممي حياتممه‪ ،‬ورسمممت فممي ذاكرتممه معنممى‬
‫الحرمان‪ ،‬وحياتمه التمي عاصمر بهما الناس وهمم يواجهون أقسمى الظروف‪ ،‬كانمت كفيلة لن تجعله‬
‫محسمًا بقيممة النعممة التمي ينعمهما ال تعالى على عباده فل تفريمط فمي رزق ال تعالى مهمما كان‬
‫قليلً‪ ،‬ومهما كانت الحاجة غير ملحة‪ ،‬فقد كان الشيخ إذا مرّ في طريقه ونظر في تمرة ساقطة‬
‫يتناولها بيده الشريفة‪ ،‬ويمسح عنها التراب‪ ،‬ويرفعها في كور عمامته ويقول‪ :‬ل ينبغي التهاون‬
‫بالنعمة‪ ،‬ول يدري النسان أين البركة فلعلها في التمرة الساقطة ول يجوز وطؤها)‪.(47‬‬
‫‪ ()45‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()46‬زهي العرجي‪ ،‬الشخصية السلمية‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()47‬الشيخ علي الفرجي‪ ،‬أبو زيد الريامي همٌ وإنازات‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكذلك ل يغيب عن بالنا تلك الحروب التي أخذت تفتك بالعمانيين وتحصدهم‪ ،‬فقد كان لها‬
‫تأثيرهمما البالغ على نفسمميته‪ ،‬فقممد جعلت منممه رجلً ذا نفسمٍ شفافممة رحيمممة بالفقراء والمسمماكين‬
‫فحاول جهده البتعاد عممن كممل موطممن يراق فيممه الدماء‪ ،‬وتلفممي الحوادث التممي تؤدي إلى سممفك‬
‫الدماء بطرقٍم سملمية أخرى‪ ،‬فرأى أبمو زيمد مشيراً للمام محممد بمن عبدال الخليلي عدم التعجمل‬
‫باقتحام المدينممة التممي حاصممرها المام‪ ،‬وفضممل –رحمممه ال النفاق على الجيممش كممل يوم ألف‬
‫قرش‪ ،‬بالضافة إلى الغذاء للجيش والدواب‪ ،‬وكذلك إمداد الجيش بالعتاد‪ ،‬فضل كل ذلك من أجل‬
‫المحافظة على النفس من التلف ومن الدماء أن تراق)‪.(48‬‬
‫إن الشيممخ أبما زيمد على مما همو عليمه ممن السملطة فهمو الوالي وهمو القاضمي الذي بيده‬
‫تصريف كل شيء في وليته‪ ،‬إل أن المنصب لم يزعزعه عما هو عليه من الرحمة والتواضع‪،‬‬
‫فقمد كان أكله –رحممه ال‪ -‬فمي قصمعة ممن خشمب)‪ ،(49‬وكان جلوسمه فمي مجلس الحكمم‪ ،‬المجلس‬
‫)‪50‬‬
‫الذي تقضممى فيممه الخصممومات‪ ،‬كان يجلس على التراب‪ ،‬وأحيان ًا يأتممي حاملً معممه (جونيممة)‬
‫( يجلس عليهما)‪ ،(51‬وإذا أراد أحمد أن يحممل عنمه تلك التمي يجلس عليهما لم يتركمه الشيمخ يحملهما‬
‫س أكبر من‬ ‫عنه ويقول كل إنسان مسؤول عن أشيائه‪ ..‬ما أشبهك يا شيخي بالفاروق‪ ،‬بل أي تأ ٍ‬
‫تأسيك بالرسول الكريم الذي ينام على الحصير ويؤثر في جنبه الشريف…!!!‬
‫وكذلك كان رحمممه ال تعالى يشارك الناس فممي شؤونهممم ويسمماعدهم بنفسممه‪ ،‬ويسمماعد‬
‫العسمكر فمي جممع الحطمب‪ ،‬وإذا رأى طحلباً فمي سمواقي بيمت مال المسملمين لم ينتظمر لكمي يأتمي‬
‫الذي يخدم الفلج‪ ،‬بل يسرع ويخرجه بنفسه رحمه ال وأعز مثواه)‪.(52‬‬
‫وتظهمر ‪-‬رحممه ال‪ -‬عاطفتمه الجياشمة‪ ،‬وحبمه للطفال ورحمتمه بهمم وعطفمه عليهمم عنمد‬
‫خروج الطلب من المدرسة‪ ،‬بحيث يصافحهم وأيديهم سود من أثر المداد وبسرور كبير وفرحة‬
‫غامرة‪ ،‬يدعو ال لهم بالبركة والتوفيق)‪.(53‬‬
‫ل نائماً في المقبرة فيمر عليه ول يوقظه حتى‬ ‫ويرى رحمه ال تعالى عند تجواله ليلً رج ً‬
‫ل يصاب الرجل بأزمات نفسية‪ ،‬حتى إذا رأى أهله جاءوا ليقاظه قال لهم أو ًل أوقدوا النار حتى‬
‫ل يظن أنكم ذهبتم عنه‪ ،‬وبعد ذلك أيقظوه)‪.(54‬‬
‫فمما أعظمهما ممن عقليمة كمبيرة إذا تأممل الواقمف عليهما فيهما فإنهما تنبئه أن صماحبها يحممل‬
‫الدكتوراه في علم النفس‪ ،‬وما أعظمه من تصرف حكيم من رجل حكيم‪.‬‬
‫ومع ما عرف به أبو زيد من الشدة في العقوبات ول تأخذه في ال لومة لئم‪ ،‬إل أنه كان‬
‫يعامممل السممجناء معاملة إنسممانية متأسمميًا بهدي النممبي ‪ ،‬الذي أمممر بالرفممق بالسممارى وعدم‬
‫الجهاز على جريحهمم‪ ،‬بالضافمة على تلك المعاملة الحسمنة التمي كان يعاملهمم بهما أبمو زيمد فقمد‬
‫‪ ()48‬أحد السكري‪ ،‬التنظيم الال والداري عند أبو زيد‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()49‬الشيخ علي الفرجي‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪ ()50‬هي الكيس الذي يستخدم ف تعبئة القمح أو التمر وقد يكون مصنوعا من البال أو من البلستيك‪.‬‬
‫‪ ()51‬أحد السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()52‬ممد السالي‪ ،‬نضة العيان برية أهل عمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()53‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()54‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫ل يعيشون بمه لكمي ل يتأثرون بالجوع والحرمان فمي وقمت يسمعى‬ ‫كان يفرض لسمرة السمجين دخ ً‬
‫فمي أبمو زيمد جهده فمي إزالة هذه العائقمة‪ ،‬ورحممة لهمم ورأفمة‪ ،‬فقمد كان يشرف عليهمم بنفسمه‬
‫ويتفقد أحوالهم ويعالج مرضاهم)‪ ،(55‬فقلبه يتسع لكل من ألمت به مصيبة‪ ،‬أو ضائقة‪ ،‬فسبحان‬
‫الذي أعطاه ذلك القلب الرحيمم‪ ،‬وكذلك فإن ديدنمه أنمه ل يقبمل التهاون فمي حدود ال بمل حتمى فمي‬
‫الكلمات البذيئة غيمر المسمتساغة‪ ،‬وهنما يتجلى موقمف آخمر ممن مواقمف هذا الشخمص الذي امتل‬
‫تواضعاً ورحمة‪ ،‬وهو أنه ل ينقتم لنفسه‪ ،‬حتى من الكلمات التي تقال له‪ ،‬وهي غير مستساغة‬
‫عنده‪ ،‬كمل ذلك ظنًا منمه أنمه ليمس ممن العدل أن يتقاضمى لنفسمه‪ ،‬فممما يُذكمر مثالً لذلك "همو أنمه‬
‫ل عنمد معصمرة السمكر‪ ،‬وجاءه ليلً فمي وقمت متأخمر ليبحمث معمه فمي موضوع العممل‪،‬‬ ‫ترك رج ً‬
‫)‪(56‬‬
‫فناداه فأجابه الرجل بكلمة بذيئة‪ ،‬فلما اقترب منه هدأ من روعه وقال‪ :‬ل عليك" ‪.‬‬
‫وكذلك مما يُروى أنه كمن له فمي أحد الليالي شخصمان لغتياله فلم يسمتطيعا حيمث إنمه لما‬
‫وصممل الشيممخ إليهممما ارتفممع صمموت نفسمميهما مممن شدة الخوف‪ ،‬ولم يشعممر بهممما إل العسممكر‬
‫واتهموهما ولم يتأكدوا من قصديهما إل بعد مدة‪ ،‬حيث تحدث الخصم بأنفسهم")‪ (57‬ولما علم أبو‬
‫زيد لم يعاقبهم‪.‬‬
‫هذه هممي بعممض تلك الحداث‪ ،‬وهناك أيضاً أحداث تممبين لنمما أنممه ل ينتقممم لنفسممه مكتفياً‬
‫بالجر من ال تعالى‪.‬‬

‫• ثانياً‪ :‬ورعه وأمانته‬


‫إن الشيمخ أبا زيد كان يُعمد ممن أعبد أهمل زمانمه‪ ،‬فقد أدى ثلثين عمرة وهمو في مكة فمي‬
‫رمضان‪ ..‬وقمد كان –رحممه ال‪ -‬ملزماً العتكاف طوال عمره (فمي رمضان) ممع مما عرفنما عنمه‬
‫من قيام الليل وتلوة القرآن الكريم)‪.(58‬‬
‫كممل تلك العبادات أورثممت فممي نفسممه الورع والمانممة‪ ،‬مممع ممما هممو عليممه مممن الحسمماس‬
‫بالمسمؤولية والمواقمف التمي تذكمر شاهدة على أمانتمه وورعمه‪ ،‬فقمد كان رحممه ال يبتعمد عمن كمل‬
‫مما فيمه شبهمة‪ ،‬فمما بالك بالحرام‪ ،‬ولذلك لم يقبمل –رحممه ال‪ -‬هديمة ممن أهمل وليتمه‪ ،‬حتمى أنمه‬
‫امتنع عن شرب الماء من بيوتهم تورعاً‪.‬‬
‫)‪(59‬‬
‫وقد ج ّد –رحمه ال في زراعة السكر لبيت المال‪ ،‬فما رضي أن يأكل منه تعففاً ‪.‬‬
‫وكذلك يبلغ به الورع مبلغه عندما يأمر ابنه أحمد عند إقامته في جبرين بتجميع الحطب‬
‫الصمغير‪ ،‬عندمما يخرج يتجول خارج جمبرين‪ ،‬قائلً له‪" :‬ل يحمل لك الكمل ممن الدولة إل بمقابمل‬
‫عمل لها")‪ (60‬فسبحان ال ما قدر الذي يأكله ابن صغير أم أنه الورع العظيم‪.‬‬

‫‪ ()55‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‪5‬‬


‫‪ ()56‬الرجع السابق‬
‫‪ ()57‬الرجع السابق‬
‫‪ ()58‬السالي‪ ،‬نضة العيان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()59‬السكري‪ ،‬ص‍‪ ،‬السالي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()60‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫أخي القارئ وما قولك في المطية التي أهديت لبنه محمد الذي كان يدخلها ضمن دواب‬
‫بيمت المال‪ ،‬وتأكمل ممن بيمت المال‪ ،‬ومما ظنمك فعمل الشيمخ بهما عندمما يخمبر عمن ذلك؟! إن الشيمخ‬
‫يُجيمب إجابمة العالم بهما‪ ،‬المسملم بحكممه عليهما عندمما يُجيمب بقوله‪" :‬إن هذه المطيمة لبيمت المال‬
‫ولم تُعمط لمحممد إل لكونمه ابمن عبدال ابمن محممد‪ ،‬وهمي لبيمت المال‪ ،‬وطعامهما ممن بيمت المال‪،‬‬
‫فحكمها منذ أن أهديت له لبيت المال")‪.(61‬‬
‫وهكذا عاش –رحممه ال‪ -‬فمي بُهل طيلة فترة الماميمن‪ ،‬ولم يكمن له إل جاعمد واحمد ينام‬
‫عليه‪ ،‬أما مسكنه فيسكن في الحصن وليس مستقلً فيها مع أن خزانة البلد بين يديه‪ ،‬ولكن آثر‬
‫هذه الحياة الحافلة بالورع لكي ينعم في الدار الخرة الغاصة بالنعم‪.‬‬
‫تلك كانمت أمثلة بسميطة عمن ورعمه‪ ،‬أمما أمانتمه فيعجمز القلم عمن وصمفها‪ ،‬فقمد بلغمت بمه‬
‫المانمة مبلغهما عندمما أصمابته جراحمة فمي سماقه‪ ،‬ومما زالت تعظمم كمل ذلك ل يرده عمن الحضور‬
‫للحكممم فممي مجلسممه‪ ،‬فكان يفصممل فممي الحكام‪ ،‬ويقضممي بيممن الناس شاعراً بالمانممة الملقاة على‬
‫عاتقه‪ ،‬حتى إذا عجز عن المشي استأجر من يحمله إلى مجلس الحكم)‪.(62‬‬
‫وكذلك ممن أمانتمه فمي الحفاظ على أموال بيمت المال وأموال المسماجد‪ ،‬فإنمه كان إذا احتاج‬
‫مسمجد إلى عمارة فإنمه يذهمب بنفسمه إلى المكان ثمم يأممر بالعممل‪ ،‬ول يخرج الموال هكذا بدون‬
‫مراقبمممة‪ ،‬وكذلك يتولى العمال الكمممبيرة التمممي تحتاجهممما الفلج‪ ،‬وينفمممق على الوكلء بنفسمممه‪،‬‬
‫ويحاسمبهم‪ ،‬وتعدى الممر إلى أنمه كان ينقمل جميمع طناء بيمت المال ممن دفتمر الذي جعله مسمئولً‬
‫عنهما فمي دفتمر خاص لبيمت المال‪ ،‬ويحاسمب جميمع الفقراء‪ ،‬والتجار‪ ،‬والفلحيمن بنفسمه ويحممل‬
‫عليهم أقساطًا شهرية)‪.(63‬‬
‫أما عن العمال التي أسندها إلى عماله فإنه ل يتركهم هكذا سدى‪ ،‬وإنما يراقبهم بنفسه‪،‬‬
‫ل ويمر حول السواقي‪ ،‬ويزيل عنها ما يراه فيها‪،‬‬ ‫فقد كان يراقب الزجر من بستان (حشر))‪ (64‬لي ً‬
‫وكانمت عادتمه فمي الليمل أن يخرج ممن بيتمه يتحسمس الحرس‪ ،‬وينادي بأعلى صموته فيسممعه أهمل‬
‫البلد ينادي كمل برج باسممه‪ ،‬ويجيبمه ممن عليهمم الحراسمة‪ ،‬فإذا لم يجبمه برج ممن البروج يسمأل‬
‫عنهم البواب‪ ،‬فيخبره بأسمائهم‪ ،‬فيأمر عليهم بالحبس يوم وليلة لتخلفهم)‪.(65‬‬
‫ولم يفعل شيخنا ذلك عبثاً‪ ،‬وإنما هو لحكمة عظيمة‪ ،‬ل أريد تحليل مواقفه لنه ليس من‬
‫مجال بحثي‪ ،‬ولكي ل أتعدى على الخرين‪ ،‬وإنما أريد فقط أن أبين مدى أمانته التي حافظ عليها‬
‫كل المحافظة‪.‬‬
‫وكذلك من أهم الحداث التي تُروى في أمانته هو أنه ذهب رجل إلى دبي شمال عمان في‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬واستمر عدة سنوات فلما عاد أرسل إليه الشيخ يطالبه في بيسة واحدة بقيت عليه‬
‫من الحساب لبيت المال)‪.(66‬‬
‫‪ ()61‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()62‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪ ،‬السالي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()63‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.16-‬‬
‫‪ ()64‬هو أحد البساتي الكبية التابعة لبيت الال ف بُهل‪.‬‬
‫‪ ()65‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.5،‬‬
‫‪ ()66‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكذلك فإني أختم هذا المبحث بهذه القصة الطريفة التي يحكيها أحد معاصريه من وقعت‬
‫له‪ ،‬والتمي تمبين محافظمة الشيمخ على أموال بيمت المال‪ ،‬يقول خميمس بمن سمعيد الرواحمي‪" :‬إن‬
‫المام أرسمملني فممي مهمممة إلى الظاهرة‪ ،‬فمررت على الشيممخ فسممأله زاداً‪ ،‬فأعطاه تمراً‪ ،‬وفممي‬
‫المسمماء عاد خميممس بأنممه وجممد حاجتممه دون الظاهرة‪ ،‬فسممأله عشاءاً فقال‪ :‬ردّ التمممر لنممك لم‬
‫تستعمله‪ ،‬وبيت المال ل يحتمل لك نوعين‪ ،‬فاختر واحدًا منهما‪ ،‬قال خميس‪ :‬فرددت التمر لني‬
‫مضطر للعشاء")‪.(67‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫• حنكته في السياسة‬
‫بعد أن رأينا في المبحث الماضي تأثير الحالة الجتماعية على شخصية أبي زيد وصفاته‬
‫النفسية ننتقل بعد ذلك إلى تأثير هذه العوامل على إرادته‪ ،‬التي جاهد بها وصابر من أجل عمل‬
‫صالح عله يخفف الوطأة عن ما يعانيه المسلمون‪.‬‬
‫وإنه "لبد للذي يريد أن ينتج العمل الصالح أن تتوفر فيه القدرة التسخيرية والرادة‪.‬‬
‫فالقدرة التسمخيرية همي ثمرة تزاوج القدرات العقليمة‪ ،‬ممع الخمبرات الدينيمة والجتماعيمة‬
‫والكونيممة‪ ،‬أي أن القدرة التسممخيرية تولد مممن خلل النظممر العقلي السممليم فممي تاريممخ الفكار‬
‫والشخاص والحداث والشياء والحاطمة بهما نشأة ثمم تطوراً‪ ،‬وهمو مما دفمع الشيمخ أبما زيمد للجمد‬
‫والعممل حيمث عاصمر ممن الحداث مما عاصمر ثمم امتزج كمل ذلك بالرادة التمي همي توجمه رغبات‬
‫الفرد نحمو هدف معيمن‪ ،‬بحيمث تكون سمليمة تتوجمه رغبات الفرد نحمو حاجاتمه السماسية والعليما‬
‫بالقدر والسملوب اللذيمن يجلبان له النفمع‪ ،‬ويدفعان عنمه الضرر فمي حياتمه ومصميره")‪ .(68‬وهكذا‬
‫امتزجمت القدرة التسمخيرية عنمد الشيمخ أبمي زيمد بالرادة حتمى أنتجمت العممل الصمالح منتفعًا بمه‬
‫خلق كثير وأحيا به بلدة بُهل ومدّ دولة عمان بالخيرات الوفيرة‪.‬‬
‫على أن شخصمية أبمي زيمد همي تلك الشخصمية التمي تمتلك مقومات القيادة التمي نبعمت ممن‬
‫الحسماس الجسميم بالمسمؤولية الملقاة على عاتقمه‪ ،‬على أن القيادة تعنمي‪" :‬امتلك النسمان زمام‬
‫نفسممه والقدرة على توجيممه الخريممن والقدرة على التصممرف فممي اللحظات التممي تسممتدعي حزماً‬
‫وقوة وسعة تفكير وبعد نظر")‪.(69‬‬
‫ولهذا فمممع ممما وهممب ال شيخنمما مممن الصممفات القياديممة ويسممر له مممن القدرة التسممخيرية‬
‫والرادة مما يسمر‪ ،‬وقبمل كمل ذلك جعمل فيمه قدرات عقليمة كامنمة يسمتطيع ممن خللهما التعرف على‬
‫البيئة القائممة ممن حوله بمكوناتهما وأحداثهما‪ ،‬ثمم خزن تلك المعارف واسمترجعها ووضعهما فمي‬
‫الوقممت المناسممب عنممد توليممه الوليممة والقضاء‪ ،‬طبق ًا للمواقممف والمشكلت التممي مرّ بهمما خلل‬
‫مسيرة حياته‪.‬‬

‫‪ ()67‬الشيخ سعيد بن حد الارثي‪ ،‬كتاب اللؤلؤ الرطب ف إبراز مستودعات القلب‬


‫‪ ()68‬د‪ .‬ماجد عرسان الكيلن‪ ،‬مقومات الشخصية أو النسان الصال‪ ،‬دار الستقامة‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه‍‪1996/‬م‪ ،‬ص‍‪.23-‬‬
‫‪ ()69‬زهي العرجي‪ ،‬الشخصية السلمية‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكمما قالوا‪" :‬إن القدرات العقليمة تعمبر عمن نفسمها فمي السملوك الظاهري ممن خلل القدرة‬
‫على التدبير‪ ،‬أي تدبير أمور المعاش في حياة الفراد والجماعات‪ ،‬وتتخذ قوة التدبير هذه حالت‬
‫ثلث‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬تدبير لجلب ما هو نافع صائب‪ ،‬وتدفع ما هو ضار خاطئ ويسمى صاحب‬
‫هذه القدرة عاقلً حكيماً‪ .‬الحالة الثانيمة‪ :‬ضعمف فمي قوة التدبيمر عمن جلب مما همو نافمع صمائب‪،‬‬
‫وعمن دفمع مما همو ضار خاطمئ‪ ،‬ويسممى صماحب هذه الحالة أبلهاً سمفيهاً‪ .‬والحالة الثالثمة‪ :‬طغيان‬
‫في قوة التدبير لتعمل على جلب الضار الخاطئ وإعاقة ما هو نافع صائب‪ ،‬ويسمى صاحب هذه‬
‫الحالة مخادعاً وماكرًا سيئاً")‪.(70‬‬
‫ول أريد أن أسأل القارئ عن موقع شخصية أبي زيد من بين تلك القدرات‪ ،‬لنه سيجيب‬
‫إجابمة الواثمق ممن أنمه عاق ٌل وحكيمم‪ ،‬وبهذا أردت أن أبيمن برهان هذا الوصمف الذي نصمفه شيخنما‬
‫رحمه ال تعالى فهو العاقل الحكيم السياسي المحنك‪ ،‬وإنما عندما أذكر أمثلة من حنكته ل أريد‬
‫أن أخوض فمي التفصميل‪ ،‬وإنمما أذكمر مجرد إشارات فقمط ليتضمح المعنمى فقمط‪ ،‬وذلك كمما ذكرت‬
‫سابق ًا له مجال آخر‪ ،‬ولذلك لكي ل أهضم حق الخرين أقلص هذا المبحث باختصار شديد‪.‬‬

‫• أولً‪ :‬الصلح الديني واستقطاب العيان‪.‬‬


‫إن ممن حنكتمه –رحممه ال تعالى‪ -‬أنمه لم يبدأ بأي عممل فمي بُهل إل بعمد اسمتقطاب أعيان‬
‫البلد واستقطابهم في صفه‪ ،‬لكي يجد القوة التي يستند إليها في تسيير أموره إدراكًا منه "بأن‬
‫الحركمة الجتماعيمة عبارة عمن حركمة تردديمة بيمن قيمم المجتممع ومصمالحه‪ ،‬وهذه الحركمة تتطلب‬
‫نوعًا ممن الرعايمة والتوجيمه‪ ،‬والطرح والسمتجابة بصمورة دائممة مممن يجاهدون لبقاء المجتممع‬
‫ضمن الطار الشرعي والتوجيه الرباني")‪.(71‬‬
‫مازج ًا رحمه ال كل تلك الستمالة بدعوتهم إلى إصلح دينهم‪ ،‬ومذكراً لهم نعمة السلم‬
‫حيممث قال‪" :‬يمما أهمل بُهل اشكروا ال وأطيعوا الرسممول وأولي الممر منكمم")‪ (72‬وبهذه السمياسة‬
‫الحكيمة استطاع بفضل ال تعالى إصلح بُهل بعد أن ابتدأ بالعقيدة والجوانب الدينية لكي تكون‬
‫له سنداً ومعيناً‪ ،‬فل صلح يقوم ما لم يتمسكوا بكتاب ال‪ ،‬فإذا ابتعدوا عنه وحاربوه فل تستقيم‬
‫لهم حياتهم‪ ،‬وإن جاهد المصلحون لصلحها وهكذا بدأت تتيسر المور لبي زيد‪.‬‬

‫• ثانياً‪ :‬توطيد المور الداخلية‪:‬‬


‫ولكممي يسممتطيع –رحمممه ال تعالى‪ -‬مممن المسمماك بزمام المور‪ ،‬وتصمممريفها الوجهممة‬
‫الصحيحة‪ ،‬اختار من كل محلة رجلً صالحاً يكون موجهاً ورشيداً لهل محلته‪ ،‬بحيث إذا عناهم‬
‫أممر مهم يرجعوا إليه فإن قدر على إصلحهم وإل فالشرع الشريمف هو المرجمع)‪ ،(73‬فوضمع كمما‬

‫‪ ()70‬د‪ .‬ماجد الكيلن‪ ،‬مقومات الشخصية‪ ،‬ص‍‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ ()71‬د‪ .‬عبدالكري لكبار‪ ،‬مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‍‪1996/‬م‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()72‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()73‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫يُعرف بالمخطمط الداري ثمم قسمم الوليمة إلى مناطمق كمل منطقمة أو محلة رشيمد ومسمئول‪ ،‬ولم‬
‫يترك الرشداء يعبثون ويتصممرفون وشأنهممم‪ ،‬إنممما قال لكممل رشيممد‪" :‬احفممظ عنممي ممما أقول لك‬
‫واسمتعن بال فأنمت كواحمد ممن أهمل محلتمك وإياك ثمم إياك أن ترى نفسمك فضلً لحمد على أحمد إل‬
‫بالتقوى‪ ،‬واسمتعمل الصمدق فيمما ترفعمه إلينما ممن أهمل محلتمك‪ ،‬فإذا تمبين منمك غيمر الصمدق فلسمت‬
‫على نفسك بأمين")‪.(74‬‬
‫وبعمد ذلك اهتمم بأحوال الفقراء والمسماكين‪ ،‬لكمي يزيمل مما همم فيمه ممن البؤس والحرمان‪،‬‬
‫وذلك بكثرة الصمدقات والتمبرعات والقروض لهمم وتوفيمر مما يسمتطيع توفيره لهمم لنهمم جزء ل‬
‫يتجزأ من المجتمع)‪ ،(75‬ومن جانب آخر من يستطيع أن يشتغل منهم فإن الشيخ أبا زيد يوفر له‬
‫العممل المناسمب‪ ،‬فمما يحتاج إلى صمنعة جعمل له صمانع ًا وذلك لمنفعمة الناس عن البطالة)‪ ،(76‬وكمما‬
‫قال الكيلنممي‪" :‬إذا كانممت التربيممة السمملمية قممد جعلت العمممل الصممالح سمممة الفرد الذي تهدف‬
‫إخراجمه فإنهما فمي تفسميرها لمفهوم العممل الصمالح قمد انتهمت إلى أن العممل الصمالح يتجسمد فمي‬
‫الفرد المصلح بالمفهوم الواسع")‪ (77‬فل يصح عنده أن يبقى الفرد هكذا مسمتهلك ًا وإنما لبد من‬
‫العممل حتمى أنمه لم يعذر ابنمه أحممد ممن تجميمع الحطمب حتمى يعطيمه ممن بيمت المال مما يقيتمه وهمو‬
‫البن الصغير)‪.(78‬‬
‫وكذلك الذيمن كان يعاقبهمم بالسمجن كان يبيمح لهمم العممل‪ ،‬بمل كان يأمرهمم بذلك‪ ،‬فالصمائغ‬
‫يصموغ فمي السمجن‪ ،‬والنسماج ينسمج فمي السمجن الثواب هناك‪ ،‬وصمانع الحبال يصمنعها هناك‪..‬‬
‫وكان إنتاجهم يباع لمصلحة من يعولون)‪.(79‬‬
‫وهكذا اسمتمرت الحياة فمي بُهل عممل وكفاح‪ ،‬ل يوجمد عاطمل عمن العممل إل شغله إل ممن‬
‫يعجز عن ذلك‪.‬‬
‫وبعمد مما اختار الرشداء ودعما إلى العممل‪ ،‬ودبّ النشاط فمي البلد كان لبمد أن يعيمن بعمض‬
‫الموظفيممن لكممي يوزع لهممم المهمات‪ ،‬فقسممم الوظائف والمهمات‪ ،‬فترى أن هناك صممانعاً خاص ماً‬
‫يصمنع النوافمذ والبواب)‪ ،(80‬وجعمل كاتباً أميناً للمسماجد كلهما‪ ،‬ولبيمت المال‪ ،‬واتخمذ خراف ًا وشماراً‬
‫وصمفارًا وصمناعاً للفخار‪ ،‬وهكذا أصمبحت الحلقة متواصلة‪ ،‬والجهد مسمتمراً‪ ،‬ولم يقتصر توزيمع‬
‫المهام في الجوانب القتصادية بل كذلك في الجوانب الدارية والحراسة ول مجال للتفصيل‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الصلح الجتماعي‪:‬‬ ‫•‬

‫‪ ()74‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬


‫‪ ()75‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()76‬الشيخ سعيد بن حد الارثي‪ ،‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()77‬د‪ .‬الكيلن‪ ،‬مقومات الشخصية‪ ،‬ص‪.‍119‬‬
‫‪ ()78‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()79‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()80‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪ ،‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.15،‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وبعدمما أممن –رحممه ال تعالى‪ -‬البلد واسمتقرت المور ودبّ النشاط فيهما‪ ،‬أراد أن يعالج‬
‫البلد بعدما اجتاحتها موجة الجفاف وأخذت ما أخذت‪ ،‬ومع استمرار موجة الجفاف إل أنه صبر‬
‫وبرزت حنكتمه فممي ذلك‪ ،‬فبدأ بالهممم قبممل المهمم‪ ،‬فبدأ بتحصممين سمور بُهل)‪ (81‬مممع مما فيهمما مممن‬
‫الجدب‪ ،‬كما قلت‪ ،‬ولكنه رأى –رحمه ال تعالى‪ -‬أن تأمين البلد من الخطار الخارجية هو أولى‬
‫وأجدى ممن بقيمة العمال‪ ،‬فمما فائدة أن يصملح الموال الزراعيمة ويصملح البلد وهمي ل تسمتطيع‬
‫الدفاع عن نفسها‪ ،‬فإذا دخلها عدو عاث فيها فساداً‪.‬‬
‫وبعد ذلك اهتم بالراضي الزراعية وابتدأ بإصلح السفالة حيث إنها أكثر ضرراً وأعظم‬
‫خطراً‪ ،‬ثم انتقل إلى العلية بعد ذلك)‪.(82‬‬
‫ولخوفمه رحممه ال على بيوت المال ممن الضياع‪ ،‬ولدراكمه لهميتهما فقمد قام بالمحافظمة‬
‫عليهما‪ ،‬وأولهما كمل الهتمام وواضمب فمي تفقدهما ومراقبمة سمير العممل فيهما‪ ،‬فيخرج الطحلب ممن‬
‫سمواقيها بيده)‪ ،(83‬وممن القصمص التمي تذكمر فمي اهتماممه بهما مما يذكمر ممن أنمه كتمب إلى عامله‬
‫بقطمف شجرة ليمون لبيمت المال فلمما تفقدهما وجمد حبات ممن الليمون لم تقطمف‪ ،‬فكتمب إلى عامله‬
‫يخبره بها‪ ،‬وكذلك مر بفسلة صغيرة مريضة فكتب إلى عامله يخبره بشأنها ليحرقها حتى تدب‬
‫فيها الحياة)‪.(84‬‬

‫• رابعاً‪ :‬السرية في كثير من المور‪:‬‬


‫"في أي تخطيط أو تنظيم لبد أن يكون الجانب العلني أو السري مدروساً فيه‪ ،‬وحتى في‬
‫المور التجاريممة قممد يجممد الواحممد نفسممه أمام ضرورة العلن أو السممرية‪ ،‬وعندممما يصممل إلى‬
‫موضوع العمل السياسي على مستوى الفراد يجد أن هذا المر يزداد أهمية‪ ،‬فإذا نقلت المسألة‬
‫إلى مستويات أعلى كان المر أكثر ضرورة…‬
‫إن السممرية والجهريممة وسمميلتان‪ ،‬والقيادة الراشدة هممي التممي تعرف أن تسممتعمل هاتيممن‬
‫الوسمميلتين حممق السممتعمال‪ ،‬كممل منهمما فممي محله")‪ (85‬ول أريممد أن أطيممل فممي موضوع السممرية‬
‫لوضوح أهميتمه فقمد كان الشيمخ يراعيمه كمل المراعاة‪ ،‬فحق ًا كان نعمم القائد الذي اسمتطاع توجيمه‬
‫هذين المبدأين‪ ،‬ول عجب في ذلك فهو القائد المحنك‪ ،‬ول بأس بذكر حادثة تبين عن تحفظه –‬
‫رحمه ال‪ -‬ببيت مال المسلمين والمحافظة عليه‪.‬‬
‫فعندمما كان فمي جمبرين وهطلت ممن المطار مما منعمت الشيمخ ممن الرجوع إلى بُهل‪ ،‬وأدت‬
‫إلى سمقوط سمقف الحجرة التمي بهما مخزن القروش التمي ادخرهما للمسملمين‪ ،‬فأرسمل إلى أمينمه‬
‫يخمبره بشأنهما فمي كتاب سمري‪ ،‬ويأمره فيهما بإصملحها‪ ،‬بأن يأخمذ عما ًل صمم ًا بكم ًا عمياً‪ ،‬كنايمة‬
‫عن السرية التامة والتحفظ الشديد‪ ،‬فكأنهم لم يروا شيئ ًا ولم يسمعوا شيئاً وكذلك ل يتكلموا بما‬
‫رأوه فيها‪.‬‬
‫‪ ()81‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()82‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()83‬السالي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()84‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()85‬سعيد حوى‪ ،‬دروس ف العمل السلمي‪ ،‬مكتبة الرسالة‪1401 ،‬ه‍‪1981/‬م‪ ،‬ص‍‪.62-‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وعندمما أذن لهمم ولده أحممد بالدخول ودلهمم على الحجرة قال لهمم‪" :‬إن هذا الباب ل يقدر‬
‫أحمد ممن أهمل البيمت أن يقمف عليمه‪ ،‬أو ينظمر وقمت دخول الشيمخ والدي‪ ،‬وقمد كنمت يوماً ممن اليام‬
‫أنظر في الباب واقفاً فدخل والدي وصفعني صفعة قوية")‪.(86‬‬

‫• خامساً‪ :‬العداد للمستقبل‪:‬‬


‫"ماذا يسمتفيد ممن يجلس فمي غرفة ل يعرف فمي أي حي هي ول فمي أيمة مدينمة‪ ،‬ول فمي‬
‫أيممممة قارة؟! إن الشعور الذي سمممميسيطر عليممممه حينئذ هممممو شعور بالضياع‪ ،‬والخوف والكللة‬
‫والنحسار…‬
‫وكيمف يرى جمال البسماط ممن وضمع أنفمه عليمه؟ وكيمف يرى مسمار النهمر ممن ينظمر إليمه‬
‫عنمد مسمتواه‪ ،‬إن الذي يركمب طائرة يتسمع مجال رؤيتمه لجزاء ومنحنيات عديدة ممن النهمر‪ ،‬لكمن‬
‫رائد الفضاء يرى النهر من منبعه إلى مصبه في البحر‪.‬‬
‫إن الذيممن ينظرون هنمما إلى حالتنمما الحاضرة دون الرجوع إلى الوراء‪ ،‬ودون البحممث فممي‬
‫الجذور‪ ،‬ودون التخيممل بأن هذه الحالة وليدة حالت سممابقة‪ ،‬وسممتلد حالت لحقممة‪ ،‬كممل هؤلء ل‬
‫يصمملحون لتشخيممص أي معضلة فضلً مممن المسمماهمة فممي حلهمما")‪ (87‬ولممما كان الشيممخ عاصممر‬
‫الماضي وتوقع بأن دائرة الزمن والحداث قد تلد حالت لحقة ووضع الخيال أمام ناظريه‪ ،‬كان‬
‫حرياً أن يعد للمستقبل المجهول‪ ..‬وهذا هو شأن كل محنك سياسي يمتل عقله بالخيال المتوقع‪.‬‬
‫فقام رحمه ال تعالى بشراء اللة الحربية من السلح والرصاص للمسلمين‪ ،‬تأميناً للبلد‬
‫من العداء المتوقع في أي وقت بحيث وجد في خزانة بيت المال بعد موته فوق القدر المصون‬
‫من السلح والعتاد)‪.(88‬‬
‫وكذلك وضممع مممن الحتياط الغذائي ممما يكفممي المسممتقبل فقممد بنممي مخازن للتمممر والسممكر‬
‫والعيمش والعوال وللسممن‪ ،‬ومكاناً للحطمب العادي ولحطمب الشخمر فمي مكان آخمر (الذي يُصمنع‬
‫حنمه البارود) ومخزناً لليمون اليابمس‪ ،‬ومخزن ًا للثواب‪ ،‬ومخزناً للسمكر الحممر العمانمي‪ ،‬وكان‬
‫يقول‪" :‬إن هذه الشياء سيحتاج لها المسلمون في المستقبل")‪.(89‬‬
‫ولم يغفمل رحممه ال تعالى عمن السمياسات القتصمادية فمي تنويمع مصمادر الدخمل‪ ،‬فقمد كان‬
‫متبعاً لهمما ومطبق ًا أيممما تطممبيق‪ ،‬فقممد زرع البرسمميم والذرة والحبوب بمختلف أنواعهمما والسممكر‬
‫والموز والليمون)‪.(90‬‬

‫‪ ()86‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪ .24-‬وصفعن‪ :‬أي ضربن‪.‬‬


‫‪ ()87‬د‪ .‬عبدالكري لكبار‪ ،‬مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي‪ ،‬ص‍‪ ،‬بتصرف‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ ()88‬السالي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()89‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()90‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكان ممن حنكتمه رحممه ال القتصماد فمي كمل المور فل إسمراف ول تبذيمر‪ ،‬فالنفاق يكون‬
‫بقدر الحاجة فقط‪.‬‬
‫فقممد حدد ثلث كربات وقود لصممنع القهوة فإذا رأى أحدًا يحمممل أربممع كربات قال له دع‬
‫الرابعة للقهوة الثانية)‪.(91‬‬
‫وعندمما سممع بالفلحيمن فمي السمفالة يحرقون بقايما الذرة والغفمة والتبمن نهاهمم عمن ذلك‪،‬‬
‫وأمممر أن تجمممع فممي مكان واحممد‪ ..‬وقال‪" :‬هذه الفضلت سمميحتاج لهمما المسمملمون فممي وقممت‬
‫الشدة")‪.(92‬‬
‫فمما أعظمهما ممن عقليممة يعجمز اللسمان عمن شكرهما‪ ،‬والقلم عمن وصمفها‪ ،‬وإن كنمت قمد‬
‫اختصرت في كل جوانب حنكته إل أن القارئ سيجد بغيته في البحوث البقية‪.‬‬

‫‪ ()91‬الرجع السابق‪.78 ،‬‬


‫‪ ()92‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.20-‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫مكانته ووفاته‬

‫المبحث الول‪ :‬المتاعب التي واجهته وكيفية مواجهتها‬


‫المبحث الثاني‪ :‬كرامات أبي زيد‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أبو زيد في نظر الناس‬
‫المبحث الرابع‪ :‬وفاته‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫المبحث الول‪:‬‬
‫• المتاعب التي واجهت أبا زيد‬
‫لم تكممن الطريممق أمام أبممي زيممد مفروشممة بالورود والرياحيممن‪ ،‬ولم يجممد أبممو زيممد الحالة‬
‫الجتماعيممة على أحسممن حال‪ ،‬بممل كابممد رحمممه ال تعالى ممما كابده فممي حياتممه‪ ،‬فلم يلق الراحممة‬
‫(بمفهومها عند العامة) طيلة حياته‪.‬‬
‫فاليتم والفقر كفيلن بأن يزرعا له العقبة الكبيرة في مسيرة حياته‪ ،‬فكما رأينا سابق ًا في‬
‫نشأته الولى أنه نشأ طفولته يتيماً من البوين‪ ،‬فلقى رحمه ال ما لقاه من شظف العيش وقلة‬
‫ما في اليد‪ ،‬ولم يكن لديه ما يعينه على ذلك‪ ،‬ولكن توكل على الخالق الرازق)‪.(93‬‬
‫ولم يكن لديه ما يعينه على المسكن‪ ،‬أو الكل في الشرقية‪ ،‬ولكن بقى يأكل من رزق ال‬
‫وينام فمي مسمجد ال‪ ،‬وعندمما جاء ذلك الرجمل إلى الشيمخ السمالمي ليسماعد أبما زيمد فمي إعطائه‬
‫طعاماً‪ ،‬أجاب الشيمخ نور الديمن السمالمي إجابمة تفصمح عمن تعجبمه ممن هذا الفتمى الصمغير‪ ،‬فهمو‬
‫تلميذه ول يعرف عنه شيئاً‪ ،‬قال‪ :‬ومن أين كان يأكل سابقاً؟ فنادوا عليه فقال له الشيخ‪ :‬من أين‬
‫كنمت تأكمل؟ قال‪ :‬ممن رزق ال‪ ،‬فأجاب الشيمخ السمالمي معلقاً‪ :‬كلنما نأكمل ممن رزق ال‪ ،‬ولكمن أيمن‬
‫كنت تأوي؟ قال‪ :‬كنت أوى إلى المسجد)‪.(94‬‬
‫فرحممك ال يما أبما زيمد‪ ،‬همل أدى بمك التعفمف إلى كمل هذا الذي أنمت عليمه وشيخمك ل يعلم‬
‫عنك شيئاً؟ وكيف استطعت يا شيخي أن تصبر شهراً كاملً وليس لديك طعام إل الماء والخلل؟!‬
‫وبعد ذلك تحسمنت حاله قليلً ولكن ما مقدار هذا التحسن‪ ،‬نعم لقد تحسمنت إلى أن أصبح‬
‫يأكل وجبة واحدة في يومه‪ ،‬فرحمك ال رحمة واسعة قدر ما صابرت واجتهدت وكافحت‪.‬‬
‫وعندمما أراد رحممه ال تعالى أن يسمافر إلى الحمج لم يجمد مما يذهمب بمه فاسمتأجر حجمة‬
‫واستمر بعدها إلى العام الذي بعده في مكة (كما مر سابقاً) وعندما أراد الرجوع برفقة أحد من‬
‫عُمان عمن طريمق البحمر‪ ،‬ولمما وصمل مسمقط لم يجدا مما يوصملهما إلى بلديهمما‪ ،‬فذهمب الشيمخ‬
‫رحممه ال إلى التماس مسماعدة ممن أحمد المحسمنين‪ ،‬فقابمل الشيمخ العالم سمعيد بمن ناصمر الكندي‬
‫‪-‬رحممه ال‪ -‬وكان هذا الشيمخ مقيماً بمسمقط‪ ،‬فأخمبره أبمو زيمد بمما همو كائن عليمه وطلب منمه أن‬
‫يلتمس له ولصاحبه مساعدة مالية ليكتريا راحلة إلى بلدهما‪ ..‬فتم لهم ذلك)‪.(95‬‬
‫وفي بلدة بُهل عندما كان يحكم فيها متولياً أمر المسلمين فيها بمهنتمي الولية والقضاء‬
‫لم يكن يملك فيها غير جاعد أبيض)‪.(96‬‬
‫وكان يأكل حينها في قصعة من خشب‪ ،‬فرحمك ال يا أبا زيد فأنت الوالي وأنت القاضي‪،‬‬
‫ولك المكانة العظيمة ولكن‪:‬‬
‫)‪(97‬‬
‫"القلب في شبع والبطن خمصان"‬

‫‪ ()93‬السكري‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()94‬الرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()95‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.16-‬‬
‫‪ ()96‬الرجع السابق‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()97‬أبو مسلم الرواحي‪ ،‬ديوان أب مسلم‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وكذلك مممن ضمممن المتاعممب التممي واجهتممه –رحمممه ال تعالى‪ -‬هممي الوشايات ولع ّل ذلك‬
‫راجمع إلى حسمد الحسماد‪ ،‬وكذلك قمد يكون ممن تدابيمر ناصمر بمن حميمد الغافري‪ ،‬الذي كان والياً‬
‫لبُهل‪ ،‬وسمكن جمبرين‪ ،‬فكانمت الحقاد تنخمر فمي قلبمه‪ ،‬فدبر مما دبره للشيمخ أبمي زيمد‪ ،‬فكانمت هناك‬
‫وشايتان فممي عهممد المام سممالم الخروصممي‪ ،‬أولهممما‪ :‬أنهممم ذهبوا إلى الشيممخ ماجممد بممن خميممس‬
‫العمبري ينكرون عليمه الشدة فمي أحكاممه)‪ ،(98‬فأرسمل له المام رسمالة يعاتبمه فيهما ألحقناهما فمي‬
‫الملحمق‪ ،‬والثانيمة كانمت تتضممن المطالبمة بإعفاء الشيمخ ممن الوليمة والكتفاء بمهنمة القضاء‬
‫ولكمن الشيمخ أدرك بفطنتمه خطورة هذه الوشايمة‪ ،‬فعندهما طلب المام سمالم مقابلة أبمي زيمد ببلدة‬
‫تنوف للمفاهمة حول هذا الموضوع‪ ،‬وحضر هذه الجلسة عدد كبير من كبار الرجال ومن بينهم‬
‫الشيمخ حميمر بمن ناصمر النبهانمي‪ ،‬وعندمما دار الكلم فمي الموضوع‪ ،‬قال أبمو زيمد للمام‪ :‬أيهما‬
‫المام؛ أنا ل أملك فمي بُهل سوى جاعد أبيض أنام عليمه‪ ،‬فإن كنمت تريدنمي في بُهل فأكون والياً‬
‫وقاضياً‪ ،‬حسمب مما عهدت عليّ‪ ،‬وإن كان غيمر ذلك فسموف أرسمل لي أحمد هناك حتمى يرسمل لي‬
‫جاعدي‪ ،‬وممن ثمم يتدخمل الشيمخ حميمر فمي الموضوع‪ ،‬ويطلب ممن المام بقاء أبمي زيمد فمي بُهل‬
‫والي ًا وقاضياً قائلً له‪ :‬يترك أبو زيد في بُهل فإن رأيتم منه شيئ ًا ما ينكره الشرع فقدرتكم عليه‬
‫ل نواهيه)‪.(99‬‬
‫باقية‪ ،‬وينتهي موضوع الجتماع ويرجع أبو زيد في بُهل ممتثلً أوامره متقب ً‬
‫وإذا تأملنا في موقف أبي زيد يتبين لنا بصدق وجلء عقليته التي يتمتع بها‪ ،‬فقد أدرك‬
‫أبو زيد أنه إذا اكتفى بمهنة القضاء فإن سلطته في بُهل تكون منعدمة؛ لوجود من يسيطر على‬
‫بُهل من الناحية الدارية‪ ،‬وكذلك ليقطع تأملت وأطماع الطامعين‪.‬‬
‫وهمل يما ترى ثقمة المام بأبمي زيمد منعدممة‪ ،‬وهمل كان يشمك فمي شيمء ممن أحكاممه‪ ،‬أم أنمه‬
‫كان يرى أن المر فيه فتنه فأراد أن يداري العيان‪ ،‬ويظهر وكأنه مستجيب لتلك الوشايات مع‬
‫ثقته أنه لن يتغير أبو زيد من وظيفته؟ ما نراه إل ذلك‪.‬‬
‫ولم يكتفِم الطامعون والحاقدون بهذه الحادثمة‪ ،‬ولكمن كرروا هذه الحادثمة فمي عهمد المام‬
‫محمد بن عبدال الخليلي ليقف الشيخ أبو زيد نفس موقفه الصلب‪.‬‬
‫وهكذا فهذه هي المصاعب التي وجدتها‪ ،‬ولكن الشيخ واجهها بمواقفه الصلبة والحازمة‬
‫ليلقي بها جانباً‪ ،‬شاق ًا طريقه نحو الهدف الذي رسمه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫• كرامات الشيخ أبي زيد‬
‫إن التضحيات التمي قدمهما أبمو زيمد والعمال التمي قام بهما لم تكمن بالشمئ القليمل‪ ،‬وإنمما‬
‫ضحمى وكابمد وتحممل المشاق والمتاعمب‪ ،‬ولهذا أراد ال أن يكرممه بتلك الكرامات التمي يمنحهما‬
‫أولياءه وأصفياءه‪ ،‬ومما يذكر من الكرامات التي منحه إياها ما يلي)‪:(100‬‬
‫‪)1‬إذا عمل طعاماً فإنه يُشبِعُ كل من أكل منه ولو كان قليلً‪.‬‬

‫‪ ()98‬فوجه الشيخ ماجد إل المام ببه فكانت رسالة المام إل أب زيد‪ ،‬انظر اللحق رقم (‪.)2‬‬
‫‪ ()99‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.‬‬
‫‪ ()100‬البيمان‪ ،‬ص‍‪.49-‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫‪)2‬رجمل أطال شعره‪ ،‬فرآه رجمل فقال له‪ :‬لماذا تطيمل شعرك مثمل شعمر أبمي زيمد‪ ،‬فقال‬
‫ذلك الرجل باستهتار‪ :‬من هو أبو زيد شعري أحسن منه‪ ،‬وفي نومه شعر برجل‬
‫واقف على رأسه ومعه شهاب من نار قائلً له‪ :‬أشعرك أحسن من شعر أبي زيد؟‬
‫وهكذا كلممما أراد النوم رأى ذلك فلممما أصممبح ذهممب إلى الرجممل‪ ،‬وتاب مممن زلتممه‪،‬‬
‫وذهب منه ما ألم به‪.‬‬
‫‪)3‬يقول البيمانممي‪ :‬روى لي أحممد الثقات وممممن صمماحب أبمما زيممد مراراً فممي أسممفاره‬
‫وعندممما كان المام يقوم بثورة ضممد العصمماة‪ ،‬فإن أبمما زيممد يتولى النفاق بنفسممه‬
‫للجيمش‪ ،‬فيأتون ليأخذوا نفقتهمم كمل يوم حسمب عددهمم فيعطيهمم ويخرج القروش‬
‫ممن خرجمه وهكذا يسمتمر‪ ،‬وذات يوم بينمما همو غيمر حاضمر فكمر بعمض الموجوديمن‬
‫أن يلتمسمموا الخرج‪ ،‬فلم يجدوا فيممه شيئاً مممن القروش‪ ،‬وبعممد ذلك حضممر الشيممخ‬
‫واسمتمر بأخمذ القروش للنفاق ممن الخرج‪ ،‬فأخمبره أحدهمم بأنما التمسمنا الخرج فلم‬
‫نجمد شيئ ًا فيمه‪ ،‬وأنمت تأخمذ منمه هذه القروش‪ ،‬فقال الشيمخ‪ :‬هذا ليمس ممن شأنكمم‪،‬‬
‫وإن هناك من يحرس المانة عند غيابي‪.‬‬
‫فسبحان ال أين ذهبت النقود ومن كان يحرسها‪ ..‬كل ذلك من كراماته رحمه ال‬
‫تعالى وأكرم مثواه‪ ..‬وهذه همي بعمض الكرامات وهمي مما وجدتهما عنمه‪ ،‬وقمد تكون هناك‬
‫قصمص كثيرة ل تشيمر إليهما المراجمع‪ ،‬وعلى كمل حال فإن الكرامات السمابقة كافيمة لبيان‬
‫منمزلة شيخنا رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫• أبو زيد في نظر الناس‬
‫لقمد تألق اسمم أبمي زيمد فمي سمماء عُمان‪ ،‬وعانقتمه القلوب حبّا وعرفاناً‪ ،‬فقمد أعاد للسميرة‬
‫ل بالعدل والرحمة والعطف على الفقراء والمساكين‪ ،‬فتناقلته اللسن وأثنت‬ ‫العمرية نموذجاً حاف ً‬
‫عليه‪.‬‬
‫ولهذا كان رحمه ال تعالى في زمانه محبوب ًا مطاع ًا مهاباً‪ ،‬أحبه الناس بأخلقه وصفاته‪،‬‬
‫وأطاعوه بسمبب حنكتمه وفضله عليهمم‪ ،‬وهابوه بسمبب شدتمه فمي أ حكاممه‪ ،‬فمما يروى فمي ذلك أن‬
‫لصاً قطع عذق موز وذهب به إلى السوق‪ ،‬ولما انكشف أمره أسرع للهروب‪ ،‬ومن ثم سافر إلى‬
‫زنجبار‪ ،‬ولم يرجع منها إل بعد وفاة الشيخ‪ ،‬لعلمه أنه سيسجنه سنة كاملة)‪.(101‬‬
‫ولهذا كله أصمبح أبمو زيمد فاكهمة كمل مجلس‪ ،‬يذكرون فضله وخلقمه سمواء فمي عصمره أو‬
‫بعد عصره‪ ،‬وهانحن اليوم نسمع في مجالسنا القصص الكثيرة عن أبي زيد‪ ،‬بل وصل الحال أنه‬
‫إذا أراد العوام أن يتمسمكوا بشيمء قالوا‪ :‬كان أبمو زيمد يفعله‪ ،‬وإن لم يكمن يفعله –والمثلة على‬
‫ذلك كثيرة أظممن أن كممل واحممد يعرفهمما‪ -‬وفممي هذا دليممل على عظمتممه فممي قلوبهممم‪ ،‬ومكانتممه مممن‬
‫أنفسهم‪ ،‬وحق لهم ذلك فقد حاول تطبيق السنة بحذافيرها‪ ،‬فقد جعل نصب عينيه سيرة الرسول‪،‬‬
‫وتأسى بالفاروق في عدله وورعه وأمانته‪ ،‬فرحمك ال وأجزل المثوبة عليك‪.‬‬
‫‪ ()101‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وعلى كل حال وبما يقول الشاعر)‪:(102‬‬
‫ولو كنممت فممي غار على جبممل وعممر‬ ‫ولسمممممت بناج ممممممن مقالة طاعمممممن‬

‫فإن الشيممخ لم يسمملم مممن المطاعممن‪ ،‬فقممد وجدت فئة فممي عهده رحمممه ال تعالى تكيممد له‬
‫المكائد‪ ،‬وتنصمب له الفخاخ‪ ،‬ولعلّ كمل ذلك راجمع إلى وجود ناصمر بمن حميمد الغافري فمي جمبرين‬
‫بعد خروجه عند فتح المام لبُهل ليحرض هذا الغافري الناس وينشر الحقد للشيخ‪.‬‬
‫)‪103‬‬
‫وممن الوشايات التمي وجهمت ضده إلى الماميمن؛ إلى محاولة اغتياله رحممه ال تعالى‬
‫(‪ ،‬ولكن ال تعالى سلمه من ذلك‪.‬‬
‫حتممممممممى يراق على جوانبممممممممه الدم‬ ‫ل يسممملم الشرف الرفيمممع ممممن الذى‬

‫وما قصة الرجل الذي استهان بأبي زيد عندما أطال شعر رأسه‪ ،‬إل بسبب الحقد الدفين‬
‫الذي يحمله بعمض أولئك الشواذ مممن سمئموا العدل وتطلعوا إلى الفسماد‪ ،‬ولكمن الشيمخ رحممه ال‬
‫تعالى يضرب عنهم صفح ًا فما منمزلته منهم إل كما قال الشاعر‪:‬‬
‫كمنممممممزلة الفقيمممممه ممممممن السمممممفيه‬ ‫ومنممممممزلة السمممممفيه ممممممن الفقيمممممه‬
‫وهذا فيممممممه أزهممممممد منممممممه فيممممممه‬ ‫فهذا زاهممممممممممممد فممممممممممممي قرب هذا‬
‫تنطممممممع فممممممي مخالفممممممة الفقيممممممه‬ ‫إذا غلب الشقاء على سمممممممممممممممممفيه‬

‫فرحمك ال يا أبا زيد‪ ..‬من يستطيع أن يتصور كل تلك الحقاد ضدك وأنت الذي صبرت‬
‫وصمابرت ممن أجمل راحتهمم‪ ،‬وسمهرت الليالي وأضعمت أوقاتمك كمل تلك العمال التمي قدمتهما لم‬
‫تشبع قلوبهم ولم تشف غليلهم‪.‬‬
‫وأنتمم أيهما الحاقدون ألم تقدروا الشيمخ حمق قدره؟ همل خفيمت عليكمم فضائله أم أن العممى‬
‫أضلكم عن سواء الطريق‪.‬‬
‫وينكمممر الفمممم طعمممم الماء ممممن سمممقم‬ ‫قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ‬

‫المبحث الرابع‬
‫• وفاته‬
‫وبعد تلك الحياة الحافلة بالعمل والخلص شاء ال تعالى أن يختار هذا المولى إليه‪ ،‬وأن‬
‫يرد النفس إلى بارئها فدوام الحال من المحال‪ ،‬ولم يكتب الخلود لحد‪.‬‬
‫فقد أفلت تلك الشمس الساطعة ثلث وستون عاماً لعيش المسلمون وروحهم مع روحه‪،‬‬
‫وألسمنتهم تلهمج بالثناء عليمه والترحمم له‪ ،‬أفلت الشممس وامتمد ضياؤهما إلى زماننما ويبقمى ممتداً‬
‫إلى أن يرث ال الرض ومن عليها‪.‬‬

‫‪ ()102‬جيع هذه الشعار ف هذا البحث منقولة من (سهام الي) للشيخ سعيد القنوب ول أوثقها لعدم اتساع الوقت‪.‬‬
‫‪ ()103‬الشيخ الفرجي‪ ،‬ص‍‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬
‫وقد فجع المسلمون بوفاته ليلة الجمعة الرابع من رجب عام أربعة وستون بعد الثلثمائة‬
‫واللف في بُهل ودفن بها في مكان اسمه (الغنيمة) من منطقة البدوع في سفالة بُهل‪.‬‬
‫وسبب وفاته جراحة أصابته في ساقه‪ ،‬وما زالت تعظم‪ ،‬ول يطلب لها الدواء لقلة ما في‬
‫يده‪ ،‬حتمى عظممت ولم يسمتطع أن يخرج إلى مجلس الحكمم إل بحمله كمما أشرنما سمابقاً‪ ،‬إلى أن‬
‫تغمده ال تعالى إلى رحمته‪.‬‬
‫فرحممممك ال يممما شيخمممي وأجزل لك المثوبمممة ومتعنممما ال بلقائك ممممع النمممبيين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقاً‪.‬‬
‫آمين‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬


‫موقع واحة اليمان‬
‫‪www.waleman.com‬‬

‫• الخاتمة‬
‫‪ ..‬وبعدما تجولنا في تلك الحديقة التي تفوح بشذا العزيمة والصلبة‪ ،‬وتتدلى فيها ثمار‬
‫الحنكمة والعقليمة‪ ،‬بمل وتحفهما ورود الرحممة والمحبمة‪ ..‬إن تلك الحديقمة جدغنيمة وثمارهما يانعمة‪..‬‬
‫ما علينا إل أن نجني ثمارها لننتفع بها في دروب الحياة التي عم فيها الجهل وتلوث الفكر وطم‬
‫النحراف‪.‬‬
‫مما أشبمه شخصمية أبمي زيمد بالفاروق ومما أشدهما تمسمكًا بسميرة الرسمول عليمه السملم‪،‬‬
‫لتحير المستبصر وترد المرتاب‪ ..‬فما أحراها أن تكون قدوة للدعاة والمرشدين‪ ،‬يضعونها نصب‬
‫أعينهم‪.‬‬
‫إن تلك الكلمات التمي كتبتهما فمي هذا البحمث عمن حياتمه مما همي إل ومضات ووقفات على‬
‫هامممش سمميرته الحافلة بالبطولت‪ ..‬وممما هممي إل تطفممل على حياتممه‪ ،‬وأخيرًا يقول تعالى‪ :‬محمممد‬
‫رسمول ال والذيمن معمه أشداء على الكفار رحماء بينهمم تراهمم ركعًا سمجدًا يبتغون فضلً ممن ال‬
‫ورضوان ًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود‪.‬‬
‫صدق ال العظيم‬
‫هذا والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫مكتبة الكتب‬ ‫موقع واحة اليمان‬

You might also like