Professional Documents
Culture Documents
المقاصد الثلاثة - عون القدومي
المقاصد الثلاثة - عون القدومي
خلق ال سبحانه وتعالى الخلق على استعدادات وهيئات مختلفة متفاوتة ،ومع هذا الختلف
والتفاوت في الهيئات والكيفيات والستعدادت إل أنها تشترك في أصل الخلق ومفاصل الستعداد....
وجرت حكمته عز وجل بأن أنزل الكتب وبعث الرسل منذرين ومبشرين يخاطبون الناس من حيث هم
ليوصلوهم إلى مراد ال فيهم أل وهي الخلفة عنه بعمارة الرض حسا ومعنى وهذا هو كمال العبودية
( وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون).
والطر التي يتحرك فيها هذا الكائن المستخلف رقيا منطلقا من إمكاناته ومكوناته هي اجتهاده
على قلبه واجتهاده على عقله واجتهاده على الخر من سواه...
فأعظم المال وأرسخ الجال هي تكميل النفس وتكميل الغير ،ولعمري سبق أناس أولعوا
بطلب الكمالت ....ومنهم من قاربها ....وفهم من عاينها فالكمال عنوان ارتقاء في الدار العاجلة
ومحل سعادة في الدار الجلة ،وما في غرفات الجنة ومنازلها إل تظهير وتنجيز لرتب أصحاب
الكمالت وتفاوتهم في ذلك.
ولو قلبنا النظر في اي الذكر الحكيم لوجدنا خطاب الحق لحبيبه في هذه المقاصد في سورة
محمد( فاعلهم أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وال يعلم متقلبكم ومثواكم)..
العلم بال ..والستغفار من الذنوب ،وكذا لعموم المؤمنين والمؤمنات ،فغاية المرء في اجتهاده
على عقله طلب كل علم يقربه إلى ال ويجعله محل نظره فيلحظه ويكمل حظه ،وإن كانت علوم
الشرع الدينية في قدرها الضروري تبنى الفرد فإن العلوم الكفائية من سواها تبني المة ،واستغفار
المرء لذنبه هو أبرز عنوان في احتياجه لتطهير نفسه مع كل عيب وزلل بل والسعي لتحليتها وتزكيتها
بصفي الصفات وخالص الخلل الطيبات ول يتوقف هذا الستغفار والتزكية عند حدود الذات بل
ويتعداها ويجاوزها إلى كل مؤمن ومؤمنة تكميلً لهم وتوجيها ونصحا وإرشادا وهذا يرتبط ببسط
الهداية لسائر أهل الرض( ومن أحسن قولً ممن دعا إلى ال وعمل صالحا وقال إنني من
المسلمين)...
هي إذن ثلثية( :العلم والتربية والدعوة) هذه هي القاعدة الساسية والمرحلة الولية والسياسات
الولوية في بناء المرء ذاته وإدراك مهمته وقبل الكلم عن مسالك الترقي والبناء فيها بالتوازي مع
التوازن ،ل بد من إدراك حقيقة الخذ بهذه المقاصد الثلثة ومعناه ومظاهره.
أما حقيقة الخذ بهذه المقاصد الثلثة فهو طلب حقيقتها مع صورتها وإل فما قولنا في أن أول
من تسعر بهم النار قارئ ومجاهد ومتصدق ،أخذوا بهذه الرسوم طلبا لوجوه الخلق والتفاتا لمتاع زائل
وما أرادوا بها إل مماراة العلماء ومجاراة السفهاء ،ففي يوم الفصل تسقط جميع الصور أمام المصور
1
ول تبرز إل الحقائق شاهدة لهلها بالتجرد وخلوص القصد ،ومثال هذا أن كثيرا من الناس يتحرك
بالدعوة إلى ال ومع اتساع دائرة نفوذ دعوته تزداد أهواؤه وتزداد رغباته ..ل شك بأن هذا مفتقر إلى
حقيقة الدعوة إلى ال ،وكذا المنشغل بمظاهر التزكية يقف عند وسائلها من إنشاد وإرشاد وصلت
وعلقات يكثر اللتفات ول ينضبط في سيره ووجهته فتزكيته هذه حجاب له عن حقيقة التزكية ،وكذا
طالب العلم الذي ل يقيم علمه على قواعد من الدب وأسس من حسن الخلق والرحمة بالخلق وطلب
النفع لهم فأحرى به أن يراجع مقاصده من طلب العلم والرتقاء في سائر أشكال الثقافة فحقيقة الخذ
بالمقاصد إذن طلب ثمرتها فثمرة العلم الفهم وثمرة التربية الخلص وثمرة الدعوة العمل والجهاد...
ومعنى الخذ بهذه المقاصد الثلثة هو تحصيل نسبة الوراثة بخاتم النبياء وإمامهم سيدنا محمد
صلى ال عليه وسلم ،فإن كل طلب للرتقاء وتحصيل السعادة والصفاء ل يكون على ذا المنهاج ول
على خطى النبي السراج الوهاج ،فهو تخبط وتخليط ( يأيها الذين استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لما
يحيكم).
( فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما
قضيت ويسلموا تسليما).
( قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ل)
فخير القرون قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وخير الصحب صحبه ،وخير الل آله وخير
سير سيره خير خطى ..على خطاه ،فيضرب الخذ بالمقاصد بسهم طلب الرث (العلماء ورثة
النبياء) وهو صلى ال عليه وسلم أكمل الناس علما فهو أعرفنا بال وهو أكمل الناس تربية فهو أشفقنا
على الناس وأحرصنا عليهم( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم).
ومظاهر الخذ بالمقاصد الثلثة بذل الكليات في طلبها فيستفرغ الواحد وسعه ووقته وجهده
وماله فيها ول ينشغل عنها بمراد ول يتأخر عنها بمداد ،فيبين أخذه الجاد للمقاصد حتى في فلتات
لسانه وخواطره ونياته وفي تقلبه على فراشه بما يلوح من أحلمه ومناماته..
فكأنما امتطى الواحد جوادا يقطع به القفار من غير توقف ول التفات ول نكوص ،يطوي
المفاوز والمراحل يتحلى بالهمة العالية وسائر الفضائل قد صحح معاملته مع سائر الناس بالحسنى
يطلب ال في معاملتهم بتصفية الموارد وسعة المشاهد ..فأكمل الناس من يأخذ بالمقاصد الثلثة إلى
منتهاها ولن يكون هذا إل للصفوة القليلة ،أما الغلبية فإنما يأخذ بقاعدة أساسية من الثلثة ويكون له
تميز وبروز في واحدة منها أو في جوانب من واحدة منها وهكذا كل ميسر لما خلق له..
2
ومسالك الترقي في هذه المقاصد الثلثة ( العلم ،التربية ،الدعوة) بأن ينتهض كل واحد للنظر
في إمكاناته ومؤهلته ويستشرف الرؤية لطموحاته فيضع خطة بنائية متصلة الحلقات متلصقة
المراحل والتطلعات ،يجعل من خطة العلم تسير في دوائر الثقافة الخاصة وهي الفروض العينية لكل
مسلم من تصحيح أمور طهارته وصلته ومعرفته لربه سبحانه وتعالى ذاتا وصفات وأفعالً وكذا
معرفة الرسل وما جاؤوا به من أمور الخرة وكذا تصحيح تلوته للقرآن الكريم يزكيها من كل لحن
خفي أو جلي ويشرع في بناء ثقافة عامة بأن يكون له تصور عن حركة الحياة وعلوم الناس من تاريخ
وجغرافيا واقتصاد وسياسة وفن ويكون له تميز في تخصص يأخذ فيه بالقدح المعلى وهو العلم الذي
فيه إليه المنتهى.
وتتنزل مع هذه الخطة العلمية الفكرية بوسائلها من دراسة ومطالعة ومذاكرة ومخالطة ومناقشة
وارتياد لصفحات النترنت وقراءة الصحف والمجلت وحضور الندوات والمؤتمرات وكتابة التقارير
والبحاث والتصورات…
وبالتوازي مع هذا السير العلمي والترقي الفكري يجتهد النسان بتفقد قلبه وتخليته من ذنوبه
ومعاصيه والحجب التي تحول بينه وبين الترقي في ضبط نفسه على مراد خالقها وتهيئا لعلى مراتب
الكمال التي يمكنها الوصول إليها وتنقيته من الموانع والقواطع التي تصرفه عن حسن المعاملة مع
الخلق وحسن العبادة للحق وتجريده عن الجنايات والمظالم التي تبعده عن ذوق السعادة العظمى في
الدنيا قبل الخرى ،وهذا يحتاج إلى ترتيب برنامج في الحرص على الفرائض والجتهاد في النوافل
وجثو الركب لدى المربين الصالحين ( من يهد ال فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) وكذا
الحرص على وظائف الوقات من أذكار الصباح والمساء وإحياء سنن المصطفى اكمل الخلق صلى
ال عليه وسلم في الدخول والخروج والركوب والطعام وسائر المعاملت الحسية والمعنوية،
واستحضار النبات الصالحة في كل معاملة ونظرة ومصافحة وخدمة وإغاثة ،ول يزال هذا النسان
يتزود من هذه البضائع التي قل طلبها في هذا الزمان ( ونفس ما سواها قد أفلح من زكاها وقد خاب
من دساها)
ووسائل الترقي بالنفس من كونها أمارة بالسوء إلى المرحلة التي تصل فيها إلى الطمأنينة لكل
أمر إلهي الصحبة الصالحة ومطالعة سير الصحابة والتابعين ومحاسبة النفس على التقصير والتشمير
في حملها على الطيب من القول والخالص من العمل…
والتدرج والتوازن مطلوب في كل السيرين من العلمي والعملي ،والثقافي والتربوي ،ينضيم
لهما اجتهاد ثالث وسعي ضروري وهو الشهادة على الخر بإيصال هذا المنهج له وإبراز هذا المسلك
في قوالب المعاملة الطيبة( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيدا) وهذه الشهادة تكون بالدعوة إلى ال من المر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء سنة
3
التناصح( ومن أحسن قولً ممن دعا إلى ال وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) وتحتاج هذه
الدعوة إلى أدب وفهم يتسعان بإتساع دائرة الداعي إلى ال وإل فعموم المة مخاطب بالبلغ وحمل
الرسالة ( بلغوا عني ولو أية) ووسائل الخذ بالدعوة امتلء قلب الداعية بالرحمة فيمن يدعو والتعلق
بصاحب الدعوة الولى في هذه المة نبيها صلى ال عليه وسلم باستشعار النيابة عنه في البلغ
واختيار الساليب المناسبة والبعد عن إثارة ما من شأنه أن يوغر الصدور وحسن التواصل وقد جاء
عنه صلى ال عليه وسلم ( لئن يهدي ال بك رجلً واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس)
هذه نظرة موجزة لما يحتاج النسان أن يستفرغ فيه وقته أل وهو بناؤها في ثلثة خطوط
متوازية متوازنة العلم والتربية والدعوة فيأخذ الواحد هذا المر بجد ويزرع نخلته في أرض البناء
وينيخ راحلته في ساحات الرتقاء ،وينكسر بباب مليكه ،يعلن افتقاره واضطراره له بين يديه ،يناجيه
ويناديه بأحب السماء إليه ،عندها ( ولسوف يعطيك ربك فترضى)
4