You are on page 1of 3

‫حمل الهم وإدراك المهمة وإنبعاث الهمة‬

‫كثيرة هي الفعاليات والبرامج التي تعقد في أرجاء المعمورة تبتغي بناء النسان وصقل مواهبه‬
‫وشحذ طاقاته وتكميل إمكاناته… مع اختلف واضح وتباين راسخ بين هذه البرامج في منطلقاتها‬
‫وفالتها بل وفي محدداتها ومفرداتها‪ ،‬ولطالما تفكرت في المنهج الذي يستنهض انساننا المسلم صاحب‬
‫النفس المتوازنة والشخصية التي تتسق حركتها والكون نتيجة استجابتها وامتثالها لمر الخالق الواحد‬
‫الذي تنتهي إليه كل مشاهد هذا العالم تنجيزا وتخصيصا وعلما‪ ،‬ولطالما بحثت عن مشروع نجد فيه‬
‫المقدمات النظرية المتكاملة لسعي النسان وكدحه في هذه الدار استعدادا لدار أطول أمدا وأرغد عتيا‬
‫وأبهى رفقة ( في مقعد صدق عند مليل مقتدر) ل بد لهذا المشروع ( بناء النسان) من رؤية واضحة‬
‫تتصل فيها بداياته ونهاياته مع مكونات هذا الكائن ذي المواهب المتنوعة والخصائص المختلفة مع‬
‫مراعاة استثمار تقاطعات الزمان والمكان بوصفهما وعاء الفعل النساني…‬
‫ويتمثل هذا المشروع في ثلثة مربعات أساسية (حمل الهم) وهو إنفعال النسان عند اكتمال‬
‫نظرته في الماضي والحاضر والمستقبل فتتأجح آثار هذه النظرة بما يمثل عنصر التحدي والستجابة‬
‫لديه‪..‬‬
‫( وإدراك المهمة) وهو الوقوف على وظيفة هذا النسان بعد حصول وعيه بذاته فكل وظيفة‬
‫مبنية على حقيقة فمن عرف حقيقته عرف وظيفته‪.‬‬
‫( وانبعاث الهمة) وهو دوام النسان واستمراره في سعيه لقتناص مهمته وحيازة وظيفته وقد‬
‫يصيبه أثناء هذه الرحلة الطويلة طويلة بمراحلها بمدارجها قد يصيبه فتور وقد يعتريه قصور فلبد له‬
‫من استمرار واستئناف واكتساب وسعي‪ ،‬ينفض عنه غبار اللم ويحيا بالمل وينتفض في دواخله من‬
‫كل نقص وقصور ليناوش أعالي المور‪ ..‬تعتلي وجهه الغبطة والسرور‪..‬‬
‫فبداية البناء بنظرة تمتد إلى الماضي من أول بدء الخلق وأبجديات العصيان البليسي ومقارعته‬
‫لدم عليه السلم واستمرار هذا الشقاق وامتداده في العنصر النساني واتساعه بأتساع عناصر‬
‫الجتماع البشري في أطوار رسالت النبياء وبعثة الصفياء وحتى بعثة خاتمهم صلى ال عليه وسلم‬
‫وال أعلم حيث يجعل رسالته‪ ،‬ليدور بعدها الزمان دورته وتستئف البشرية نشاطها في إرث آخر‬
‫الرسالت بالخلفة الراشدة والعصور التي تلتها في إقامة الحضارة السلمية العالمية إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫ول بد للناظر في هذه السياحية التأملية الطويلة‪ ،‬في هذا الماضي وما جاء بشأنه من آيات ودللت في‬
‫الكتاب وأخبار وأثار في السنة ومسالك وممالك في كتب التاريخ ومعاجم الثار ودواوين الخباريين‬
‫من تدوين الملحظات وأخذ العبر والشارات ومن أخذ بحظ من هذا تحرك في وجدانه الكثير‪ ،‬يرجع‬
‫الطرف عندها ويقلبه في واقعنا المعاصر بمختلف ظروفه وأحواله والتطور المدني استحضار حاجات‬

‫‪1‬‬
‫النسان في توفير معاشه ومتطلبات حياته… ويحتاج الواحد منا في قراءته لهذا الواقع من أستنصر‬
‫نظر اليمان ومعياريته في الحكم على الشياء والمواقف والظروف والوسائل‪ ،‬وزن العمال‬
‫والنجازات بميزان شامل يرجع الفرع إلى أصله… والعلة إلى معلولها… والحاضر إلى ماضيه…‬
‫والباطن إلى ظاهره… والصورة إلى حقيقتها… والعاقبة إلى بدايتها‪ ،‬وعندها ستبرز نتائج مختلفة‬
‫يتحرك وجدان المرء ثانية ويجد الواحد في نفسه وذاته إنتهاضا للعمل والتغيير (إن ال ل يغير ما بقوم‬
‫حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهنا يستشرف الناظر المستقبل القادم‪ ،‬أرضيا و كونيا‪ ،‬أما الرض فعن‬
‫التمكين لهذا الدين وعوامل هذه النصرة‪ ،‬وأما الكوني فعن الحياة الخرى الخرة التي إليها مصير‬
‫الشياء ومسيرها وكما أن الذين يخططون يتمثلون في بداية أنشاء الخطة للرؤية والحالة التي إليها‬
‫ينتهي حلمهم في إبراز مشروعهم فإن أعظم رؤية يستشرفها الواحد لضخم مشروع هي رؤية المسير‬
‫القادم والمصير الحاسم ليقف الجميع أمام مكونهم وخالقهم للسؤال…‬
‫وعند ملحظة هذا يقف النسان مستدركا أنفاسه باحثا عن مهمته‪ ،‬راغبا في إنجاز وظيفته‪،‬‬
‫وإعادة رسم مساره وطريقه…‬
‫فيبدأ بالبحث في مكنوناته ومكوناته‪ ،‬ليعلم أن حياته تمر في خمس مراحل‪ ،‬مرحلة الروح ول‬
‫جسد (و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى‬
‫شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) ومرحلة ألبست الروح جسد الحياة الدنيا بنطفة‬
‫فعلقة فمضغة فعظام فلحم حتى برز في هذه الصورة ( ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه‬
‫النجدين فل اقتحم العقبة) وهذه المرحلة وهي عمر الحياة الدنيا تتناوب النسان فيها أطوار الطفولة‬
‫فالصبا فالشباب فالكهولة حتى الهرم‪..‬‬
‫وتنتهي بالموت وهو انتقال النسان من هذا الدار الدنيا إلى دار الخرة في عمر ثالث هو‬
‫البرزخ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) ليأتي بعث الناس ونشرهم وحشرهم حسابهم وهذا العمر‬
‫الرابع في عرضات القيامة والعمر الخامس البدي في الجنة لهل النعيم وفي النار لهل الجحيم‪.‬‬
‫وتبرز للنسان مكونات ذاته في عمر الدنيا من روح وجسد ونفس وعقل وقلب‪ ،‬لكل واحدة‬
‫منها دور ووظيفة بالتالي تحتاج كل واحدة منها إلى اهتمام وصيانة وإعداد وبناء فالنفس تطلب حاجاتها‬
‫من اشباع غريزتها‪ ،‬والعقل يطلب التمييز بين مراتب الشياء والتزامها والقلب يبحث عن دقائق‬
‫القرب من خالقه ينشد في ذلك صحته وعافيته والروح تحن إلى المل العلى مشدوهة إلى وطنها‬
‫السابق وعالمها الول‪ ،‬والجسد وعاء ذاك كله به قوامها وعليه اعتمادها… من هنا تبرز وظيفة‬
‫النسان في تعهد مكوناته وصيانتها ليصل بها إلى منتهى استعدادها ومعقد كمالها ومقعد سعادتها‬
‫وعنوان بهجتها وغاية رفعتها فيستفرغ وسعه اجتهادا على قلبه تنقية له من المراض المهلكة كالحقد‬
‫والحسد والغيرة والعجب والغرور ليحليه بأطايب الخلق وزاكي الصفات ويجتهد على عقله بتزكيته‬

‫‪2‬‬
‫من شوائب الفكر وسفاسف الهتمامات وشواغل الذهن إلى لطف الدراك وعمق الفهم ويجتهد على من‬
‫حوله بتبليغهم هذه المعاني وإيصال هذه الرؤى لهم فيرى تكميل شخصياتهم من تكميل ذاته ( فأعلم أنه‬
‫ل إله إل ال واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وال يعلم متقلبكم ومثواكم) ومع اختلف الليل‬
‫والنهار وتناوب الفصول وتقادم الزمان يكون هذا البناء وهذه الوظائف يكبران مع النسان ليدرك غاية‬
‫خلقه ( وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون) وهذه العبادة تكون بالخلفة عن ال وعمارة الرض بما‬
‫أمر وكلف…‬
‫ول يزال هذا المرتحل الكادح يقدم رجلً ويؤخر أخرى‪ ،‬تمر عليه ساعات إقدام وإحجام‬
‫وأوقات إخفاق وإشراق‪ ،‬يقرأ في سير أهل الهمم العالية وأخبار صفوة الصفوة وأعلم النبلء وحلية‬
‫الولياء شعاره ودثاره حتى يقضى( وعجلت إليك رب لترضى)…‬

‫‪aljanah2004@hotmil.com‬‬

‫‪3‬‬

You might also like