Professional Documents
Culture Documents
كتاب التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب والسنة الجزء الأول
كتاب التأدب مع الرسول في ضوء الكتاب والسنة الجزء الأول
شكر وتقدير:
الح مد ل رب العالم ين والعاق بة للمتق ين ،ول عدوان إل على الظالم ين ،و صلى ال على نبي نا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد ..فإن شكر النعمة أمر واجب لمعطيها ولمن كان سببًا لها لقوله تعالىَ { :ووَ صّ ْينَا الِن سَانَ
ش ُكرْ لِي وَلِوَاِل َديْكَ إَِليّ ا ْلمَصِيرُ} [لقمان:
ن أَ نْ ا ْ
حمََلتْ ُه ُأمّ هُ وَ ْهنًا عَلَى وَهْ نٍ َوفِصَالُ ُه فِي عَا َميْ ِ
ِبوَاِل َديْ ِه َ
.]14
ي من ن عم وف ضل وبخا صة نع مة التوف يق
و من هذا المنطلق ،أش كر ال تعالى على ما أ سداه إل ّ
والنتساب لجامعة أم القرى العريقة لنهل من مواردها الصافية وبخاصة في مجال دراسة علوم
القرآن والحديث.
وبعد شكر ال تعالى أتوجه بالشكر لعباده الخيرين القائمين على أمر كلية الدعوة وأصول الدين
وعلى رأسهم سعادة عميد الكلية وسعادة وكيله وسعادة رئيس قسم الكتاب والسنة.
ول يفوت ني أن أو جه الش كر ل سعادة ال ستاذ الدكتور أح مد أح مد علوش على ما بذله م عي في
هذه الرسالة من نصح خالص وتوجيه سديد وإرشاد مستمر ،وتشجيع صادق.
كما أني أشكر الخ الفاضل الذي سعى إلى طبع هذه الرسالة وال أسأل أن يجز يه عني خير
الجزاء.
وأخيرًا وليس آخرًا أشكر للقائمين على إدارة دار المجتمع بجدة التي تولت طبع هذه الرسالة.
وختامًا أشكير لكيل مين سياعدني ولو بالدعاء والمانيي الطيبية وجزى ال الجمييع خيرًا وال
الموفق.
المؤلف
الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهد
ن ل إله إلّ ال وحده ل شر يك له وأش هد أ نّ
ال فل م ضل له و من يضلل فل هادي له ،وأش هد أ ّ
محمدًا عبده ورسوله صلى ال عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
ن كل مسلم مخلص يجد نفسه مرتبطًا برسول ال صلى ال عليه وسلم صاحب الفضل
وبعد :فإ ّ
في إيصال السلم إلى الناس كافة فهو الذي بواسطته جاء الوحي بشقيه القرآن والسنة إلى البشر
أجمعين ،يأخذون منهما منهج السعادة في الدنيا والخرة.
وقيد أراد ال يي سيبحانه وتعالى يي بفضله ومنّه الخيير لي إذ جعلنيي مين طلب العلم الذيين
يدرسون العلوم الشرعية ،وبالخص علوم القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين هما مصدرا السلم
الساسيان.
ن َت ُعدّوا ِن ْعمَ َة اللّ ِه ل ُتحْصُوهَا ِإنّ اللّهَ
وهذه نعمة من نعم ال تعالى التي ل تعد ول تحصى{ :وَإِ ْ
َلغَفُورٌ َرحِيمٌ} [النحل.]18:
ل في المزيد.
وأشكر ال على ذلك آم ً
لزِي َد ّنكُمْ} [إبراهيم.]7:
ش َك ْر ُتمْ َ
{َلئِنْ َ
و قد ازداد هذا الخ ير بأن مكّن ني ال من ال ستمرار في ن فس التخ صص في مرحلة الدرا سات
العليا؛ حيث قبلت بالدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة والدراسات السلمية بجامعة أم القرى
فرع الكتاب وال سنة في بلد ال الحرام الذي تهوى إل يه أفئدة المؤمن ين من أنحاء المعمورة تحقيقًا
ن ُذرّ ّيتِي
سكَنتُ مِ ْ
لدعوة أبي النبياء إبراهيم عليه السلم كما حكى لنا القرآن الكريمَ { :ر ّبنَا ِإنّي أَ ْ
ِمي
ّاسي َتهْوِي إَِل ْيه ْ
ِني الن ِ
ل َأفْ ِئدَ ًة م ْ
ّمي َربّنَا ِليُقِيمُوا الصيّل َة فَاجْعَ ْ
حر ِِكي ا ْل ُم َ
ع ْندَ َب ْيت َ
ْعي ِ
غ ْيرِ ذِي َزر ٍ
ِبوَادٍ َ
ش ُكرُونَ} [إبراهيم.]37:
وَارْ ُز ْقهُمْ ِمنْ ال ّث َمرَاتِ َلعَّل ُهمْ َي ْ
وهذه نعمية أخرى أحميد ال سيبحانه وتعالى عليهيا وأشكره وأنيا راض سيعيد ،حييث ازدادت
صلتي بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،وتحققت أمنيتي بالستمرار في هذا الطريق
الحبيب.
ولمّا حان موعد كتابة رسالة الماجستير لم أجد أفضل من أن أعيش مع صاحب الرسالة رسول
ال صلى ال عليه وسلم الذي جعله ال أسوة وقدوة للمؤمنين ليقتدوا به .حيث يقول سبحانه{ :لَ َقدْ
يحتاج موضوع بح ثي هذا (التأدب مع الر سول صلى ال عل يه و سلم) إلى بيان ب عض الم سائل
التي تبيّن المراد منه حتى تكون الدراسة محددة من ناحية الموضوع ومن ناحية الهدف معًا.
وهذه المسائل هي:
1بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى ال عليه وسلم.
2ضرورة اللتزام في التأدّب م عه صلى ال عل يه و سلم ب ما جاء في القرآن الكر يم وال سنة
النبوية.
وسوف أتناول بحث هاتين النقطتين فيما يلي:
1بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى ال عليه وسلم:
التأدب مصدر من الفعل الخماسي (تأدّب) بتشديد الدال ،وله معان متعددة يشترك فيها مع كلمة
الدب مع الزيادة ب سبب ما ف يه من تضع يف .ولذا ح سن أن أبدأ ببيان مع نى الدب أولً ،وبعد ها
أبيّن معنى التأدّب مع ملحظة الفرق بين الصيغتين.
أ الدب في اللغة:
يقول ابن فارس[( :]4الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه ،فالدْب أن
تجمع الناس إلى طعامك ،ومن هذا القياس ،الدب أيضًا لنّه مجمع على استحسانه.]5[)...
ولهذا قال ابن منظور[( :]6أصل الدب الدعاء)[.]7
هذا أصل كلمة الدب ،وأمّا عن اشتقاقها ،فيقول الجواليقي[( :]8واشتقاقه من شيئين يجوز أن
يكون من الدب و هو الع جب ،و من الدب م صدر قولك :أدب فلن القوم يؤدب هم أدبًا بالك سر إذا
دعاهم ...ثم قال :فإذا كانت من الدب الذي هو العجب فكأنّه الشيء الذي يعجب منه لحسنه ولنّ
صاحبه هو الرجل الذي يعجب منه لفضله ،وإذا كان من الدب الذي هو العجب فكأنه الشيء الذي
يدعو الناس إلى المحامد والفضل وينهاهم عن المقابح والجهل)[.]9
وأمّا عن استعمالتها فيقول الشيخ أحمد رضا( :الدب :ملكة تقصى من قامت به عن كل ما
يشينه ،ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها النسان من فضيلة من الفضائل :حسن الخلق،
فعيل المكارم ،الظرف ،حسين التناول ،وهذا كله أدب النفيس .والدب :درس العلوم العربيية مولد،
وهذا أدب الدرس)[.]10
الرسول صلى ال عليه وسلم صاحب فضل كبير على أمته لنه صلى ال عليه وسلم بواسطته
و صل إلي نا الو حي بشق يه القرآن الكر يم وال سنة النبو ية اللذ ين ه ما م صدرا الشري عة ال سلمية
وأساس الدين كله.
ووصول الوحي إلى الناس لم يتم بسهولة ويسر ،وإنّما تم بجهود متواصلة وصبر كبير وتحمّل
لمشقات متنوعة من صاحب الرسالة صلى ال عليه وسلم.
و قد تحمّل عل يه ال صلة وال سلم هذه كل ها ح تى تح قق من هج ال سبحانه وتعالى في الرض
وكمل الدين وتمّت النعمة.
ت َلكُ مْ الِ سْلمَ دِينًا} [المائدة:
يقول تعالى{ :ا ْليَوْ َم َأ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وََأ ْت َممْ تُ عََل ْيكُ مْ ِن ْع َمتِي َورَضِي ُ
.]3
وبتمام النعمة قامت المة وتحقق وعد ال سبحانه وتعالى للمؤمنين بالستخلف والتمكين في
الرض.
س َتخْلَفَ
ض َكمَا ا ْ
لرْ ِ
س َتخْلِ َف ّنهُم فِي ا َ
عمِلُوا ال صّاِلحَاتِ َليَ ْ
ن آ َمنُوا ِم ْنكُ مْ َو َ
عدَ اللّ هُ اّلذِي َ
قال تعالىَ { :و َ
خ ْو ِفهِ مْ َأمْنًا َي ْع ُبدُونَنِي ل
ن قَبِْلهِ مْ وََل ُي َمكّنَنّ َلهُ مْ دِي َنهُ مْ اّلذِي ا ْرتَضَى َلهُ مْ وََل ُي َبدَّل ّنهُ ْم مِ نْ َب ْعدِ َ
ن مِ ْ
اّلذِي َ
ش ْيئًا} [النور.]55:
ن بِي َ
ش ِركُو َ
ُي ْ
وتقديرًا لهذه النعمة التي أنعم ال بها على المؤمنين عليهم أن يشكروا ال ويعرفوا حق صاحب
الرسالة صلى ال عليه وسلم.
ل بالتأدب م عه صلى ال عل يه و سلم حيّ ا وميّتًا ،سرًا وجهرًا ،في
ول ي تم الش كر والعرفان إ ّ
المنشط والمكره.
وهناك من ال سباب الخرى ما يد فع إلى ضرورة التأدب مع الر سول صلى ال عل يه و سلم
وذلك ككرم محتذه ،ورفعة نسبه ،واتصافه بالخلق الكريمة وتمتعه بالصفات النبيلة طوال حياته
عل يه ال صلة وال سلم .ومن ها أيضًا ما ات صف به صلى ال عل يه وسلم من صفات ساعدت على
نشر الدين ،وتبليغ المانة.
وفي هذا الباب سوف أتكلم عن السباب التي من أجلها كان التأدّب معه صلى ال عليه وسلم
وهي في مجملها ترجع إلى أمرين:
منذ أن خلق ال سبحانه وتعالى أبا البشر آدم عليه السلم وأهبطه هو وزوجه إلى الرض لم
يترك الناس سدى يتصرفون برؤية عقولهم واتجاهاتهم لن عقل البشر مهما كانت قدرته قاصر
عن إدراك الطريق المستقيم ومعرفة الحق بصورة تامة ،وإن أدرك بعض الجوانب بالفطرة التي
فطر ال الناس عليها.
ولكي تستقيم الفطرة وتكمل نحو الفضل كانت تأتي هداية ال سبحانه وتعالى للناس متتابعة
على ألسنة الرسل عليهم السلم فكلما انحرفت البشرية عن طريق ال القويم جاءها مبعوث من ال
سبحانه وتعالى لهدايتها ،ودعوتها.
ل خل فِيهَا َنذِيرٌ} [فاطر.]24:
ن مِنْ ُأمّةٍ ِإ ّ
يقول ال تعالى{ :وَإِ ْ
فكيل أمية جاءهيا رسيول مين بينهيا مبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى ال بإذنيه ،وسيراجًا مضيئًا ينيير
الطريق .ويهدي للتي هي أقوم .وبذلك تقوم الحجةعلى الناس.
حجّةٌ َب ْعدَ الرّ سُلِ} [الن ساء:
ل َيكُو نَ لِلنّا سِ عَلَى اللّ هِ ُ
لّشرِي نَ َومُن ِذرِي نَ َ
يقول تعالى{ :رُ سُلً ُم َب ّ
.]165
يقول ا بن كث ير رح مه ال في تف سير هذه ال ية( :أنّه تعالى أنزل كت به وأر سل ر سله بالبشارة
والنذارة ،وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئل يبقى للمعتذر عذر)[.]29
ومما يؤيد هذا المعنى قوله صلى ال عليه وسلم( :ليس أحد أحب إليه المدح من ال عز وجل
من أجل ذلك مدح نفسه ،وليس أحد أغير من ال من أجل ذلك حرّم الفواحش ،وليس أحد أحب إيه
العذر من ال من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل)[.]30
وكا نت الر سل ق بل ر سولنا صلى ال عل يه و سلم يأتون أقوام هم خا صة ليكون التبل يغ منا سبًا
للناس ،وليدينوا ال بشري عة ي ستطيعون القيام بتكاليف ها .و قد خ تم ال سبحانه وتعالى الر سل علي هم
الصلة والسلم بعثة نبينا محمد صلى ال عليه وسلم إلى الناس كافة رحمة لهم.
ل كَافّ ًة لِلنّا سِ َبشِيرًا َو َنذِيرًا وََلكِنّ َأ ْك َثرَ النّا سِ ل َيعَْلمُو نَ} [سبأ:
يقول ال تعالىَ { :ومَا َأرْ سَلْنَاكَ ِإ ّ
.]28
حمَةً لِ ْلعَاَلمِينَ} [النبياء.]107:
ويقول ال تعالىَ { :ومَا َأ ْرسَ ْلنَاكَ ِإلّ َر ْ
كما هو معروف في كتب السيرة أ نّ النبي صلى ال عليه وسلم ولد عام الفيل يتيمًا حيث مات
أبوه وهو في بطن أمّه ،وماتت أمّه وهو ابن ست سنوات ،ولهذا لم يتنعم بحنين البوين ،وقد كفله
جده عبد المطلب حتى مات ورسول ال صلى ال عليه وسلم ابن ثماني سنوات[.]55
وبعد وفاة جده عبد المطلب كفله عمّه أبو طالب الذي بذل كل ما في وسعه في رعاية الرسول
صلى ال عليه وسلم في زمن طفولته وشبابه ،وكذلك بعد البعثة حيث دافع عنه تعصبًا وحمية مع
أنيه لم يؤمين بيه حتيى فارق الحياة .يقول الغزالي( :فالمجتميع العربيي الول كان يقوم على
العصبيات القبلية الحادة ،التي تفنى القبيلة كلها دفاعًا عن كرامتها الخاصة وكرامة من يمت إليها
بالصلة ،وقد ظل السلم حينًا من الدهر يعيش في حمى هذه التقاليد المرعية حتى استغنى بنفسه
كما تستغني الشجرة عمّا يحملها بعدما تغلظ وتستوي)[.]56
وقد كان أبو طالب عم النبي صلى ال عليه وسلم مثالً حيًا لهذه العصبيات لقيامه بالدفاع عن
الرسول صلى ال عليه وسلم حتى أنّه جوزي وهو كافر بما جاء به من عند ال بتخفيف العذاب
عنه يوم القيا مة مقابل دفا عه عنه ل ما ث بت في ال صحيح عن العباس بن عبد المطلب أنّه قال :يا
رسول ال هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال" :نعم هو في ضحضاح
[ ]57من نار ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار"[ ،]58وفي رواية أخرى" :وجدته غمرات
[ ]59من النار فأخرجته إلى ضحضاح"[.]60
ولقد مرّ الرسول صلى ال عليه وسلم قبل البعثة بمراحل عديدة ،واجه حياة كدح صعبة وشاقةْ
حيث أنه أصبح يتيمًا فقيرًا إلى أن أغناه ال فاتجه إلى النعزال والعبادة في غار حراء.
فلقد كان عليه الصلة والسلم في صباه يشتغل برعاية الغنم كما هو سنة النبياء ،لنّه ثبت في
ال صحيح أ نه صلى ال عل يه و سلم كان ير عى الغ نم ل هل م كة على قرار يط ،و هو عل يه ال صلة
والسلم القائل" :ما بعث ال نبيًا إل ورعى الغنم" ،فقال له أصحابه رضي ال عنهم :وأنت؟ فقال،:
"نعم كنت أرعاها على قراريط [ ]61لهل مكة" [ .]62وهذا الحديث إنّما يدل على أنّه صلى ال
عليه وسلم كان يعتمد على نفسه في فترة مبكرة من عمره.
وبجانب رعايته للغنم كان صلى ال عليه وسلم يذهب إلى الشام مع عمّه أبي طالب للتجارة.