Professional Documents
Culture Documents
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر
المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء
السبعون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة
1403ه 1983 -م
][1
بسم ال الرحمن الرحيم ) * - 122 -باب( * * " )حب الدنيا وذمها ،وبيان فنائها
وغدرها بأهلها( " * * " )وختل الدنيا بالدين( " * اليات :البقرة :أولئك
الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالخرة فل يخفف عنهم العذاب ول هم
ينصرون ) .(1وقال :زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين
آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة وال يرزق من يشاء بغير حساب )
.(2آل عمران :زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير
المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع
الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب * قل ءأنبئكم بخير من ذلكم للذين
اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وأزواج مطهرة
ورضوان من ال وال بصير بالعباد ) .(3وقال :منكم من يريد الدنيا ومنكم
من يريد الخرة ) .(4وقال :وما الحيوة الدنيا إل متاع الغرور ) .(5النعام:
وما الحيوة الدنيا إل لعب ولهو وللدار الخرة خير للذين
) (1البقرة (2) .86 :البقرة (3) .212 :آل عمران (4) .15 - 14 :آل عمران:
(5) .152آل عمران.185 :
][2
يتقون أفل تعلقون ) .(1وقال تعالى :وغرتهم الحيوة الدنيا ) .(2العراف :فخلف
من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى ويقولون سيغفر
لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أل يقولوا
على ال إل الحق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خير للذين يتقون افل
تعقلون ) .(3التوبه :أرضيتم بالحيوة الدنيا من الخرة فما متاع الحيوة
الدنيا في الخرة إل قليل ) .(4وقال تعالى :فل تعجبك أموالهم ول أولدهم
إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )
.(5وقال تعالى :كالذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموال وأولدا
فاستمتعوا بخلقهم فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذين من قبلهم بخلقهم
وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك هم
الخاسرون * ألم يأتهم نبؤ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم
إبراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان ال
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .(6يونس :إن الذين ل يرجون
لقاءنا ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذينهم عن آياتنا غافلون *
أولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون ) .(7وقال تعالى :إنما مثل الحيوة
الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض مما يأكل الناس
والنعام حتى إذا أخذت الرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون
عليها أتيها أمرنا ليل أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن
) (1النعام (2) .32 :النعام (3) .70 :العراف (4) .169 :براءة(5) .38 :
براءة (6) .55 :براءة (7) .70 - 69 :يونس.8 - 7 :
][3
بالمس كذلك نفصل اليات لقوم يتفكرون ) .(1وقال تعالى :قل بفضل ال وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) .(2وقال تعالى :متاع في الدنيا ثم
إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ) .(3وقال
سبحانه :وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال في الحيوة
الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ) .(4هود :من كان يريد الحيوة الدنيا
وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * أولئك الذين ليس
لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ).(5
الرعد :وفرحوا بالحيوة الدنيا وما الحيوة الدنيا في الخرة إل متاع ).(6
ابراهيم :الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل ال
ويبغونها عوجا أولئك في ضلل بعيد ) .(7الحجر :ل تمدن عينيك إلى ما
متعنا به أزواجا منهم ول تحزن عليهم ) .(8النحل :ما عندكم ينفد وما عند
ال باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .(9وقال
تعالى :ذلك بأنهم استحبوا الحيوة الدنيا على الخرة وأن ال ل يهدي القوم
الكافرون ) .(10اسرى :وأمددناكم بأموال وبنين ).(11
يونس (2) .24 :يونس (3) .58 :يونس (4) .70 :يونس (5) .88 :هود- 15 :
(6) .16الرعد (7) .26 :ابراهيم (8) .3 :الحجر (9) .88 :النحل.96 :
) (10النحل (11) .107 :أسرى.(*) 6 :
][4
وقال تعالى :من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له
جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها وهو
مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كل نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك
وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض
وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل ) .(1الكهف :تريد زينة الحيوة الدنيا )
.(2وقال تعالى :واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الرض فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شئ
مقتدرا * المال والبنون زينة الحيوة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند
ربك ثوابا وخير أمل ) .(3طه :ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا
منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ).(4
القصص :وما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها وما عند ال خير
وأبقى افل تعقلون * أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لقيه كمن متعناه متاع
الحيوة الدنيا ثم هو يوم القيمة من المحضرين ) .(5وقال تعالى :فخرج
على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي
قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب ال خير
لمن آمن وعمل صالحا ول يلقيها إل الصابرون ) .(6العنكبوت :ما هذه
الحيوة الدنيا إل لهو ولعب وإن الدار الخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون
).(7
) (1أسرى (2) .21 - 18 :الكهف (3) .28 :الكهف (4) .46 - 45 :طه) .131 :
(5القصص (6) .61 - 60 :القصص (7) .80 - 79 :العنكبوت.64 :
][5
الروم :يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون ) (1لقمان :يا
أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو
جاز عن والده شيئا إن وعد ال حق فل تغرنكم الحيوة الدنيا ول يغرنكم
بال الغرور ) .(2فاطر :يا أيها الناس إن وعد ال حق فل تغرنكم الحيوة
الدنيا ول يغرنكم بال الغرور ) .(3ص :فقال إني أحببت حب الخير عن
ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) .(4الزمر :فإذا مس النسان ضر دعانا ثم
إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم ل
يعلمون * قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانو يكسبون *
فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلء سيصيبهم سيئات ما
كسبوا وماهم بمعجزين * أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء و
يقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون ) .(5المؤمن :وقال الذي آمن يا قوم
اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع وإن
الخرة هي دار القرار ) .(6حمعسق :من كان يريد حرث الخرة نزد له في
حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب )
.(7وقال تعالى :فما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وما عند ال خير
وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) .(8الزخرف :وقالوا لول نزل
هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن
قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات
) (1الروم (2) .7 :لقمان (3) .33 :فاطر (4) .5 :ص (5) .32 :الزمر.52 - 49 :
) (6المؤمن (7) .39 - 38 :الشورى (8) .20 :الشورى.36 :
][6
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون * ولول أن يكون الناس
أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها
يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وإن كل ذلك لما متاع
الحيوة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين ) .(1الجاثية :ذلكم بأنكم اتخذتم
آيات ال هزوا وغرتكم الحيوة الدنيا فاليوم ل يخرجون منها ول هم
يستعتبون ) .(2محمد :إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا
يؤتكم أجوركم ول يسألكم أموالكم ) .(3النجم :فأعرض عمن تولى عن
ذكرنا ولم يرد إل الحيوة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ) .(4الحديد :واعلموا
أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال
والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون
حطاما وفي الخرة عذاب شديد ومغفرة من ال ورضوان وما الحيوة الدنيا
إل متاع الغرور ) .(5المجادلة :لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من ال
شيئا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) .(6المنافقون :يا أيها الذين
آمنوا ل تهلكم أموالكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )
.(7
) (1الزخرف (2) .35 - 31 :الجاثية (3) .35 :القتال (4) .36 :النجم.30 - 29 :
) (5الحديد (6) .20 :المجادلة (7) .17 :المنافقون.9 :
][7
التغابن :إنما أموالكم وأولدكم فتنه وال عنده أجر عظيم ) .(1القيمة :كل بل
تحبون العاجلة وتذرون الخرة ) .(2الدهر :إن هؤلء يحبون العاجلة
ويذرون ورائهم يوما ثقيل ) .(3النازعات :فأما من طغى * وآثر الحيوة
الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس
عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ) .(4العلى :بل تؤثرون الحيوة الدنيا
* والخرة خير وأبقى * إن هذا لفي الصحف الولى * صحف إبراهيم
وموسى ) .(5الضحى :وللخرة خير لك من الولى ) - 1 (6كا :عن علي
بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن درست بن أبي منصور ،عن
رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم وهشام عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :راس كل خطيئة حب الدنيا ) .(7بيان " :رأس كل خطيئة حب الدنيا "
لن خصال الشر مطوية في حب الدنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية
مندرجة في الميل إليها ولذا قال ال عزوجل " من كان يريد حرث الخرة
نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الخرة من
نصيب " ) (8ول يمكن التخلص من حبها إل بالعلم بمقابحها ومنافع
الخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين - 2 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن
أحمد بن محمد ،عن علي بن النعمان ،عن أبي أسامة زيد ،عن ابي عبد
ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من لم يتعز
بعزاء ال تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ،ومن أتبع بصره ما في أيدي
الناس كثر همه ولم يشف غيظه
) (1التغابن (2) .15 :القيامة (3) .21 - 20 :الدهر (4) .27 :النازعات- 37 :
(5) .41العلى (6) .19 - 16 :الضحى (7) .4 :الكافي ج 2ص .315
) (8الشورى.20 :
][8
ومن لم ير ل عزوجل عليه نعمة إل في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله
ودنا عذابه ) .(1بيان " :من لم يتعز بعزاء ال " قال في النهاية :فيه
ومن لم يتعز بعزاء ال فليس منا اي من لم يدع بدعوى السلم فيقول يا
للسلم ويا للمسلمين ويا ل ،وقيل أراد بالتعزي التسلي والتصبر عند
المصيبة وأن يقول :إنا ل وإنا إليه راجعون كما أمر ال تعالى ومعنى
قوله بعزاء ال اي بتعزية ال تعالى إياه فأقام السم مقام المصدر انتهى
وقيل :العزاء مصدر بمعنى الصبر أو اسم للتعزية وكلهما مناسب وعلى
الول إسناده إلى ال تعالى لنه السبب له والباء إما لللية المجازية كما
قيل في قوله تعالى " :فتقبلها ربها بقبول حسن " ) (2أو للسببية
والحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البليا التي تصيبه
فيها بما سله ال في قوله " وبشر الصابرون * الذين إذا اصابتهم مصيبة
قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون " ) (3وساير اليات الواردة في ذم الدنيا
وفنائها ومدح الرضا بقضائه تعالى تقطعت نفسه للحسرات على المصائب
وعلى ما فاته من الدنيا وربما يحمل الحسرات على ما يحصل له عند
الموت من مفارقتها أو العم منها ومما يحصل له في الدنيا وجمعية
الحسرات مع كونها مصدرا لرادة النواع " .ومن أتبع نظره ما في أيدي
الناس " اي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا وما في أيديهم من نعيمها
وزبرجها نظر رغبة وتحسر وتمن " كثر همه " لعدم تيسرها له ،فيغتاظ
لذلك ويحسدهم عليها ،ول يمكنه شفاء غيظه إل بأن يحصل له مما في
أيديهم أو يسلب ال عنهم جميع ذلك ول يتيسر له شئ من المرين فل
يشفى غيظه أبدا ول يتهنأ له العيش ما رأى في نعمة أحدا ول يتفكر في
أنه إنما منعه ال تعالى ذلك لنه علم أنه سبب هلكه فهو يتمنى حالهم ول
يعلم حقيقه مآلهم كما حكى ال
) (1الكافي ج 2ص (2) .315آل عمران (3) .37 :البقرة.156 :
][9
سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا " يا ليت مثل ما أوتي قارون إنه لذو
حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب ال خير لمن آمن وعمل
صالحا ول يلقيها إل الصابرون * فلما خسف ال به وبداره الرض اصبح
الذين تمنوا مكانه بالمس يقولون ويكأن ال يبسط الرزق لمن يشاء من
عباده ويقدر لول أن من ال علينا لخسف بنا ويكأنه ل يفلح الكافرون " )
(1وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الموال والتجبر من هذه المة ل يوجب
انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلقات
الجسمانية ،والحرمان عن درجات القرب والكمال ،وخسفهم في الخرة في
عظيم النكال وشديد الوبال ،أعاذنا ال وساير المؤمنين من جميع ذلك
وسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الحوال " .ومن لم ير أن ل
عليه نعمة إل في مطعم " اي من توهم أن نعمة ال عليه منحصرة في هذه
النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها ،فإذا فقدها أو شيئا
منها ظن أنه ليس ل عليه نعمة ،فل ينشط في طاعة ال ،وإن عمل شيئا
مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه ل ينفعه ول يتقبل منه ،فيكون
عمله قاصرا وعذابه دانيا ،لن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم ال
العظيمة عليه من اليمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة
والباطنة والصحة ودفع شر العادي وغيرها بما ل يحصى ،بل هذا الفقر
أيضا من أعظم نعم ال عليه " وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " ).(2
وقال بعض المحققين :معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن
الصبر والسلوة على ما رزقه ال من الدنيا ،بل أراد الزيادة في المال أو
الجاه مما لم يرزقه ال إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة ،على
ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش ،فهو لم يزل يتبع بصره
ما في أيدي الناس ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف
غيظه ،فهو لم ير أن ل عليه
][10
نعمة إل نعم الدنيا ،وإنما يكون كذلك من ل يوقن بالخرة ومن لم يوقن بالخرة
قصر عمله ،وإذ ليس له من الدنيا إل قليل بزعمه مع شدة طعمه في الدنيا
وزينتها فقد دنى عذابه ،نعوذ بال من ذلك ،ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف
اليمان وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم ال
عليه عاجل وآجل ل جرم من لم ير من النعم عليه إل القليل ،فل يصدر
عنه من العمل إل قليل وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب - 3 .كا :عن
العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن منصور بن العباس عن سعيد بن
جناح ،عن عثمان بن سعيد ،عن عبد الحميد بن علي الكوفي ،عن مهاجر
السدي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :مر عيسى بن مريم عليه
السلم على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال :أما إنهم لم يموتوا
إل بسخطة ،ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون :يا روح ال
وكلمته ادع ال أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها .فدعا
عيسى عليه السلم ربه فنودي من الجو أن نادهم ،فقام عيسى عليه
السلم بالليل على شرف من الرض فقال :يا أهل هذه القرية فأجابه منهم
مجيب لبيك يا روح وكلمته ،فقال :ويحكم ما كانت أعمالكم ؟ قال :عبادة
الطاغوت وحب الدنيا ،مع خوف قليل ،وأمل بعيد ،في غفلة ولهو ولعب،
فقال :كيف كان حبكم للدنيا ؟ قال :كحب الصبي لمه ،إذا أقبلت علينا فرحنا
وسررنا ،وإذا ادبرت عنا بكينا وحزنا ،قال :كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟
قال :الطاعة لهل المعاصي ،قال :كيف كانت عاقبة أمركم ؟ قال :بتنا ليلة
في عافية وأصبحنا في الهاوية ،فقال :وما الهاوية ؟ قال :سجين ،قال :وما
سجين ؟ قال :جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة قال :فما قلتم وما
قيل لكم ؟ قال :قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها ،قيل لنا :كذبتم قال :ويحك
كيف لم يكلمني غيرك من بينهم ؟ قال :يا روح ال وكلمته إنهم ملجمون
بلجام من نار ،بأيدي ملئكة غلظ شداد ،وإني كنت فيهم ولم أكن عنهم،
فلما نزل العذاب عمني معهم ،فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم ،ل ادري
أكبكب فيها
][11
أم أنجو منها .فالتفت عيسى عليه السلم إلى الحواريين فقال :يا أولياء ال أكل
الخبز اليابس بالملح الجريش ،والنوم على المزابل ،خير كثير مع عافية
الدنيا والخرة ) .(1بيان " :أما إنهم " قال الشيخ البهائي قدس ال
روحه :أما بالتخفيف حرف استفتاح وتنبيه ،يدخل على الجمل لتنبيه
المخاطب ،وطلب إصغائه إلى ما يلقى إليه وقد يحذف ألفها نحو أم وال
زيد قائم " إل بسخطة " السخط بالتحريك وبضم أوله وسكون ثانيه
الغضب " لتدافنوا " الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني ويمكن
إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف " فقال الحواريون " هم خواص عيسى
عليه السلم قيل :سموا حواريين لنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي
يقصرونها وينقونها من الوساخ ويبيضونها ،مشتق من الحور ،وهو
البياض الخالص .أقول :وقد قيل إنهم إنما سموا حواريين لنقاء ثيابهم،
وقيل :لنقاء قلوبهم وقيل :الحواري بمعنى الناصر وقد كان الحواريون
أنصار عيسى عليه السلم وقيل :لنهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة
ونورها وحسنها ،وقيل :إنهم اتبعوا عيسى عليه السلم فكانوا إذا جاعوا
قالوا يا روح ال جعنا ،فيضرب عليه السلم بيده الرض سهل كان أو
جبل ويخرج لكل منهم رغيفين وإذا عطشوا قالوا :يا روح ال عطشنا،
فيضرب بيده الرض فيخرج ماء ويشربون ،فقالوا :يا روح ال من أفضل
منا ؟ إذا شئنا أطعمنا وإذا شئنا سقينا ،وقد آمنا بك واتبعناك ؟ فقال عيسى
عليه السلم :أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون
الثياب بالكرى بعد ذلك ،ويأكلون من أجرته ،وسيأتي في مطاوي شرح
حديث الكافي في أواسط هذا الباب كلم أيضا في معنى الحواريين فانتظره.
وقال بعض العلماء :إنهم لم يكونوا قصارين على الحقيقة ،وإنما أطلق هذا
السم عليهم رمزا إلى أنهم كانوا ينقون نفوس الخلئق من الوساخ
والوصاف الذميمة والكدورات ،ويرفعونها إلى عالم النور من عالم
الظلمات.
][12
" يا روح ال " أقول :في تسميته روحا أقوال أحدها أنه إنما سماه روحا لنه حدث
عن نفخة جبرئيل عليه السلم في درع مريم بأمر ال تعالى ،وإنما نسبه
إليه لنه كان بأمره ،وقيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال :الصوم
لي وأنا أجزي به وقد يسمى النفخ روحا ،والثاني أن المراد به يحيى به
الناس في دينهم كما يحيون بالرواح ،والثالث أن معناه إنسان أحياه ال
بتكوينه بل واسطة من جماع ونطفة كما جرت العادة بذلك ،الرابع أن
معناه :ورحمة منه ،والخامس أن معناه روح من ال خلقها فصورها ثم
أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها ال سبحانه عيسى عليه السلم،
السادس سماه روحا لنه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير سببا
للحياة .وكذا اختلفوا في تسميته كلمة في قوله سبحانه " إذ قالت الملئكة
يا مريم إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " )(1
وقوله تعالى " إنما المسيح عيسى بن مريم رسول ال وكلمته ألقيها إلى
مريم وروح منه " ) (2على أقوال أحدها أنه إنما سمي بذلك لنه حصل
بكلمة من ال من غير والد ،وهو قوله " كن " كما قال سبحانه " إن مثل
عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) .(3والثاني
أنه سمي بذلك لن ال تعالى بشر به في الكتب السالفة أو بشرت بها مريم
على لسان الملئكة .والثالث أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلم ال
ووحيه " .فنودي من الجو " الجو بالفتح والتشديد :ما بين السماء
والرض " على شرف " قال الشيخ البهائي قدس سره :الشرف المكان
العالي قيل :ومنه سمي الشريف شريفا تشبيها للعلو المعنوي بالعلو
المكاني " فقال ويحك " ويح اسم فعل بمعنى الترحم
) (1آل عمران (2) .45 :النساء (3) .171 :آل عمران.59 ،
][13
كما أن ويل كلمة عذاب وبعض اللغويين يستعمل كل منهما مكان الخرى
والطاغوت فلعوت من الطغيان ،وهو تجاوز الحد ،وأصله طغيوت فقدموا
لمه على عينه ،على خلف القياس ،ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت،
وهو يطلق على الكاهن والشيطان والصنام ،وعلى كل رئيس في الضللة،
وعلى كل ما يصد عن عبادة ال تعالى ،وعلى ما عبد من دون ال ،ويجئ
مفردا لقوله تعالى " :يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن
يكفروا به " ) (1وجمعا كقوله تعالى " :والذين كفروا أوليائهم الطاغوت
يخرجونهم من النور إلى الظلمات " ) .(2وقال قدس سره :لعلك تظن أن
ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لهل المعاصي عبادة لهم ،جار على
ضرب من التجوز ل الحقيقة ،وليس كذلك بل هو حقيقة ،فان العبادة ليست
إل الخضوع والتذلل والطاعة والنقياد ،ولهذا جعل سبحانه اتباع الهوى
والنقياد إليه عبادة للهوى ،فقال " :أرأيت من اتخذ إلهه هويه " )(3
وجعل طاعة الشيطان عبادة له ،فقال تعالى " :ألم أعهد إليكم يا بني آدم
أن ل تعبدوا الشيطان " ) .(4ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك:
وإذا كان اتباع الغير والنقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق
مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية
والسبعية على كثرة أنواعها واختلف أجناسها ،وهي أصنامهم التي هم
عليها عاكفون ،والنداد التي هم لها من دون ال عابدون ،وهذا هو الشرك
الخفي نسال ال سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا عنه بمنه وكرمه.
" وغفلة " عطف على " خوف " وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد "
في لهو "
) (1النساء (2) .60 :البقرة (3) .257 :الفرقان (4) .43 :يس.60 :
][14
قال الشيخ البهائي رحمه ال :لفظة " في " هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو
النجاة في الصدق ،أو بمعنى " مع " كما في قوله تعالى " :ادخلوا في أمم
" ) (1وللسببية كقوله تعالى " :فذلكن الذي لمتنني فيه " ) " .(2إذا
أقبلت علينا " قال قدس سره :الشرطيتان واقعتان موقع اي المفسرة لحب
الصبي لمه " .قال الطاعة لهل المعاصي " قال رحمه ال :ما ذكره هذا
الرجل المتكلم لعيسى على نبينا وآله وعليه السلم في وصف اصحاب تلك
القرية ،وما كانوا عليه من الخوف القليل ،والمل البعيد ،والغفلة واللهو
واللعب ،والفرح باقبال الدنيا والخوف بادبارها ،هو بعينه حالنا وحال أهل
زماننا ،بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا .نعوذ بال من الغفلة،
وسوء المنقلب " .قال جبال من جمر " في القاموس الجمرة النار المتقدة،
والجمع جمر ،قال الشيخ المتقدم ذكره رحمه ال :هذا صريح في وقوع
العذاب في مدة البرزخ أعني ما بين الموت والبعث ،وقد انعقد عليه
الجماع ،ونطقت به الخبار ،ودل عليه القرآن العزيز ،وقال به أكثر أهل
الملل ،وإن وقع الختلف في تفاصيله والذي يجب علينا هو التصديق
المجمل بعذاب واقع بعد الموت وقبل الحشر ،في الجملة ،وأما كيفياتها
وتفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل ،وأكثرها مما ل تسعه عقولنا
فينبغي ترك البحث والفحص عن تلك التفاصيل ،وصرف الوقت فيما هو
أهم منها أعني فيما يصرف ذلك العذاب ويدفعه عنا كيف ما كان ،وعلى أي
نوع حصل ،وهو المواظبة على الطاعات واجتناب المنهيات لئل يكون
حالنا في الفحص عن ذلك والشتغال به عن الفكر فيما يدفعه وينجي منه
كحال شخص أخذه السلطان وحبسه ليقطع في غد يده ،ويجذع أنفه ،فترك
الفكر في الحيل المؤدية إلى خلصه ،وبقي طول ليله متفكرا في أنه هل
يقطع بالسكين أو بالسيف ؟ وهل
][15
القاطع زيد أو عمرو ؟ " .قيل لنا كذبتم " دل على أنهم " لو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه " ) (1كما نطقت به الية أو كذبتم فيما عليه قولكم هذا أنه يمكنكم
العود ،وربما يقرء بالتشديد اي كذبتم الرسل ،فل محيص عن عذابكم" .
قال يا روح ال " في بعض النسخ " يا روح ال وكلمته بقدس ال "
فقوله :بقدس ال متعلق بروح ال وكلمته يعني أيها الذي صار روح ال
وكلمته بقدس ال كما قيل ،ويحتمل أن يكون الباء بمعنى " مع " أي مع
تقدسه عن أن يكون له روح وكلمة حقيقة .ثم قال الشيخ البهائي رحمه
ال :ثم ل يخفى أن ما قاله هذا الرجل من أنه كان فيهم ولم يكن منهم ،فلما
نزل العذاب عمه معهم ،يشعر بأنه ينبغي المهاجرة عن أهل المعاصي
والعتزال لهم ،وأن المقيم معهم شريك لهم في العذاب ،ومحترق بنارهم،
وإن لم يشاركهم في أفعالهم وأقوالهم ،وقد يستأنس لذلك بعموم قوله
تعالى " :إن الذين توفتهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا
مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن ارض ال واسعة فتهاجروا فيها
فأولئك مأواهم جهنم وسائت مصيرا " ) (2ولو لم يكن في العتزال عن
الناس فائدة سوى ذلك لكفى ،وفيه من الفوائد ما ل يعد ول يحصى ،نسأل
ال سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه وكرمه " .فأنا معلق " هذا كناية عن أنه
مشرف على الوقوع فيها ،ول يبعد أن يراد به معناه الصريح أيضا،
والشفير حافة الوادي وجانبه " أكبكب فيها " على البناء للمفعول اي
أطرح فيها على وجهي ،وفي القاموس جرش الشئ لم ينعم دقه فهو
جريش ،وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب " مع عافية الدنيا " اي إذا
كان مع عافية الدنيا من الخطايا " والخرة " من النار ،أو فيه عافية
الدنيا من تشويش
][16
البال ومشقة تحصيل الموال ،وعافية الخرة من العذاب والسؤال - 4 .كا :عن
علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :ما فتح ال على عبد بابا من أمر الدنيا إل
فتح ال عليه من الحرص مثله ) .(1بيان :يدل على زيادة الحرص بزيادة
المال وغيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرب - 5 .كا :عن علي ،عن
أبيه ،عن القاسم بن محمد المنقري ،عن حفص بن غياث ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال عيسى بن مريم عليه السلم :تعملون للدنيا وأنتم
ترزقون فيها بغير عمل ،ول تعملون للخرة ،وأنتم ل ترزقون فيها إل
بالعمل ويلكم علماء سوء ) (2الجر تأخذون ،والعمل تضيعون ،يوشك رب
العمل أن يقبل عمله ،ويوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر،
كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهو مقبل على
دنياه ،وما يضره أحب إليه مما ينفعه ) .(3بيان " :وأنتم ترزقون فيها
بغير عمل " أي كد شديد كما قال تعالى " وما من دابة إل على ال رزقها
" ) " (4وأنتم ل ترزقون فيها إل بالعمل " كما قال تعالى " وأن ليس
للنسان إل ما سعى " ) " (5علماء سوء " بفتح السين قال الجوهري
ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره والسم السوء بالضم ،وقرئ قوله
" عليهم دائرة السوء " ) (6يعني الهزيمة والشر ،ومن فتح فهو من
المساءة ،وتقول هذا رجل سوء بالضافة ثم تدخل عليه اللف واللم فتقول
هذا رجل السوء قال الخفش ول يقال :الرجل
) 1و (3الكافي ج 2ص (2) .319ويلكم عملء سوء ظ (4) .هود (5) .6 :النجم:
(6) .39براءة.98 :
][17
السوء لن السوء ليس بالرجل ،قال :وليقال :هذا رجل السوء بالضم انتهى ).(1
" الجر تأخذون " بحذف حرف الستفهام ،وهو على النكار ،ويحتمل أن
يكون المراد أجر الدنيا اي نعم ال سبحانه وعلى هذا يحتمل أن يكون
توبيخا ل استفهاما وأن يكون المراد أجر الخرة فالستفهام متعين فالواو
في قوله " والعمل " للحالية أي كيف تستحقون أخذ الجرة والحال أنكم
تضيعون العمل " .أن يقبل عمله " أي يتوجه إلى أخذ عمله ،وهو ل يأخذ
ول يقبل إل العمل الخالص ،فهو كناية عن الطلب ويؤيده أن في مجالس
الشيخ " أن يطلب عمله " أو هو من القبال على الحذف واليصال ،أي
يقبل على عمله .وقال بعض الفاضل :أريد برب العمل العابد الذي يقلد أهل
العلم في عبادته أعني يعمل بما يأخذ عنهم ،وفيه توبيخ لهل العلم الغير
العامل ،وقرء بعضهم يقيل بالياء المثناة من القالة أي يرد عمله فان
المقيل يرد المتاع - 6 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن
ابن محبوب ،عن عبد ال بن سنان وعبد العزيز العبدي ،عن عبد ال بن
أبي يعفور ،عن أبي عبداال عليه السلم قال :من اصبح وأمسى والدنيا
أكبر همه ،جعل ال تعالى الفقر بين عينيه ،وشتت أمره ولم ينل من الدنيا
إل ما قسم له ،ومن أصبح وأمسى والخرة أكبر همه ،جعل ال تعالى
الغنى في قلبه وجمع له أمره ) .(2بيان " :أكبر همه " أي قصده أو حزنه
" جعل ال الفقر بين عينيه " لنه كلما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه
بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره ،أو لضعف توكله على ال يسد ال عليه
بعض أبواب رزقه ،وقيل فهو فقير في الخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها،
وفي الدنيا لنه يطلبها شديدا والغني من ل يحتاج إلى الطلب ولن مطلوبه
كثيرا ما يفوت عنه ،والفقر عبارة عن فوات المطلوب ،وأيضا يبخل عن
نفسه وعياله خوفا من فوات الدنيا وهو فقر حاضر.
][18
" وشتت أمره " التشتيت التفريق لنه لعدم توكله على ربه ل ينظر إل إلى السباب
ويتوسل بكل سبب ووسيلة ،فيتحير في أمره ول يدري وجه رزقه ول
ينتظم أحواله أو لشدة حرصه ل يقنع بما حصل له ويطلب الزيادة ول
يتيسر له فهو دائما في السعي والطلب ول ينتفع بشئ ،وحمله على تفرق
أمر الخرة بعيد " .ولم ينل من الدنيا إل ما قسم له " يدل على أن الرزق
مقسوم ،ول يزيد بكثرة السعي ،كما قال تعالى " نحن قسمنا بينهم
معيشتهم في الحياة الدنيا " ) (1ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق،
والحق أن الطلب حسن ،وقد يكون واجبا وتقديره ل ينافي اشتراطه
بالسعي والطلب ،ولزومه على ال بدون سعي غير معلوم وقيل قدر سد
الرمق واجب على ال ،ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب
وتركه بأن قدر ال تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب ،لكن مع التوكل التام
عليه ،وقدرا مع الطلب ،لكن شدة الحرص وكثرة السعي ل يزيده ،وبه
يمكن الجمع بين أخبار هذا الباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة
إنشاء ال تعالى .وقيل :المراد بقوله " لم ينل من الدنيا إل ما قسم له "
أنه ل ينتفع إل بما قسم له ،وإن زاد بالسعي فانه يبقى للوارث ،وهو حظه،
وقيل :فيه إشارة إلى أن ذا المال الكثير قد ل ينتفع به بسبب مرض أو
غيره ،وذا المال القليل ينتفع به أكثر منه ،ول يخفى ما فيه " .جعل ال
الغنا في قلبه " اي بالتوكل على ربه والعتماد عليه ،وإخراج الحرص
وحب الدنيا من قلبه ل بكثرة المال وغيره ،ولذا نسبه إلى القلب " .وجمع
له أمره " اي جعل أحواله منتظمة وباله فارغا عن حب الدنيا وتشعب
الفكر في طلبها - 7 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن محمد بن
عمر -فيما أعلم -عن ابي علي الحذاء ،عن حريز ،عن زرارة ومحمد بن
مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أبعد ما يكون
][19
العبد من ال عزوجل إذا لم يهمه إل بطنه وفرجه ) .(1بيان " :إذا لم يهمه إل بطنه
وفرجه " اي ل يكون اهتمامه وعزمه و سعيه وغمه وحزنه إل في
مشتهيات البطن والفرج ،في القاموس الهم الحزن وما هم به في نفسه،
وهمه المر حزنه كأهمه فاهتم انتهى فالمراد الفراط فيهما وقصر همته
عليهما ،وإل فللبطن والفرج نصيب عقل وشرعا وهو ما يحتاج إليه لقوام
البدن واكتساب العلم والعمل وبقاء النوع - 8 .كا :عن علي بن إبراهيم،
عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن ابن سنان عن حفص بن قرط ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته
عند فراقها ) .(2بيان " :من كثر اشتباكه بالدنيا " اي اشتغاله وتعلق قلبه
بها ،يقال اشتبكت النجوم إذا كثرت وانضمت وكل متداخلين مشتبكان،
ومنه تشبيك الصابع لدخول بعضها في بعض ،والغرض الترغيب في
رفض الدنيا وترك محبتها لئل يشتد الحزن والحسرة في مفارقتها - 9 .كا:
عن علي ،عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ،عن القاسم بن محمد ،عن
سليمان المنقري ،عن عبد الرزاق بن همام ،عن معمر بن راشد ،عن
الزهري محمد ابن مسلم بن عبيدال قال :سئل علي بن الحسين عليهما
السلم :اي العمال أفضل عند ال ؟ قال :ما من عمل بعد معرفة ال
عزوجل ومعرفة رسوله صلى ال عليه وآله أفضل من بغض الدنيا ،فان
لذلك لشعبا كثيرة ،وللمعاصي شعب ،فأول ما عصى ال به الكبر معصية
إبليس حين " أبى واستكبر وكان من الكافرين " ) (3ثم الحرص وهي
معصية آدم وحوا عليهما السلم حين قال ال عزوجل لهما " كل من حيث
شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " ) (4فأخذا ما ل حاجة
بهما إليه ،فدخل ذلك على
][20
ذريتهما إلى يوم القيامة ،وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما ل حاجة به إليه .ثم
الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ،فتشعب من ذلك حب
النساء ،وحب الدنيا ،وحب الرياسة ،وحب الراحة ،وحب الكلم ،وحب
العلو والثروة ،فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهم في حب الدنيا فقالت
النبياء والعلماء بعد معرفة ذلك :حب الدنيا رأس كل خطيئة ،والدنيا دنياء
ان دنيا بلغ ودنيا ملعونة ) .(1بيان :قد مر هذا الخبر بعينه في باب ذم
الدنيا " ما من عمل بعد معرفة ال " يدل على أن المعرفة أفضل لنها
أصل جميع الخلق والعمال ،ويدخل في معرفة الرسول معرفة المام "
فان لذلك " كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل وفيما مضى "
وإن " كما في بعض النسخ هنا ) (2وهو اظهر ،و " ذلك " إشارة إلى
بغض الدنيا أو إلى الدنيا وقيل :المشار إليه العمل يعني أن للعمال
الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا وللمعاصي شعبا يرجع كلها إلى
حب الدنيا ،ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الخر وكأن ما ذكرنا اظهر .والمراد
بالشعب الولى أنواع الخلق والعمال الفاضلة ،والثانية أنواع المعاصي،
والولى مندرجة تحت بغض الدنيا ،والثانية تحت حبها ،فبغضها أفضل
العمال لشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر والقنوع
المقابل للحرص وهكذا وبحكم المقابلة حب الدنيا اقبح العمال لشتماله
على رذايل كثيرة وهي الكبر إلى آخر ما ذكر " .وذلك أن " وفي بعض
النسخ " فلذلك " أي لدخول الحرص على ذريتهما وإنما قال " أكثر " لن
طلب المحتاج إليه وهو القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن
ونحوها ليس بمذموم بل ممدوح لنه ل يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم
والعمل " .حيث حسد أخاه " قيل حسده في قبول قربانه ،وقيل :في حب
النساء وقيل:
][21
في حب الدنيا لئل يكون له نسل يعيرون أولده في رد قربانه وكأن المراد بحب
الدنيا أول حب المال أو حب البقاء في الدنيا وكراهة الموت ،وبه ثانيا حب
كل ما ل حاجة به في تحصيل الخرة وقيل :يمكن أن يكون المراد بالسبع
الكبر والحرص وحب النساء وحب الرياسة وحب الراحة وحب الكلم
وحب العلو والثروة وهما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب في المعطوف
وأما الحسد فقد اكتفى عنه بذكر شعبه وأنواعه " دنيا بلغ " اي كفاف
وكفاية أو تبلغ بها إلى الخرة - 10 .كا :وبهذا السناد عن المنقري ،عن
حفص بن غياث ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :في مناجاة موسى
عليه السلم :يا موسى إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عليه السلم
عند خطيئته ،وجعلتها ملعونة ،ملعون ما فيها إل ما كان فيها لي ،يا
موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم ،وسائر الخلق
رغبوا فيها بقدر جهلهم ،وما من أحد عظمها فقرت عينه فيها ول يحقرها
أحد إل انتفع بها ) .(1بيان " :جعلتها ملعونة " اللعن الطرد والبعاد
والسب ،وكأن المراد بلعنها لعن أهلها ،أو كراهتها والمنع عن حبها وكل
ما نهى ال تعالى عنها فقد لعنها وطردها وقيل :العرب تقول لكل شئ ضار
ملعون ،والشجرة الملعونة عندهم هي كل من ذاقها كرهها ولعنها وكذلك
حال الدنيا فان كل من ذاق شهواتها لعنها إذا أحس بضررها " .ملعون ما
فيها إل ما كان فيها لي " أقول :هذا معيار كامل للدنيا المعلونة وغيرها،
فكل ما كان في الدنيا ويوجب القرب إلى ال تعالى من المعارف والعلوم
الحقة والطاعات وما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف
فهي من الخرة ،وليست من الدنيا ،وكلما يصير سببا للبعد عن ال
والشتغال عن ذكره ويلهي عن درجات الخرة وكمالتها ،وليس الغرض
فيه القرب منه تعالى والوصول إلى رضاه ،فهي الدنيا الملعونة .قيل :ما
يقع في الدنيا من العمال أربعة أقسام :الول ما يكون ظاهره
][22
) (1الكافي ج 2ص 315وفيه " ان الشيطان يدير " (2) .ما بين العلمتين
أضفناه من شرح الكافي ج 2ص 303
][23
- 12كا :عن العدة ،عن أحمد بن ابي عبد ال ،عن يعقوب بن يزيد ،عن زياد
القندي ،عن أبي وكيع ،عن أبي إسحاق السبيعي ،عن الحارث العور ،عن
أمير المؤمنين عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن
الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم ) .(1بيان " :إن الدينار
والدرهم " أي حبهما وصرف العمر في تحصيلهما وتحصيل ما يتوقف
عليهما " أهلكا من كان قبلكم " لن حبهما يمنع من حبه تعالى وصرف
العمر فيهما يمنع من صرف العمر في طاعته تعالى والتمكن منهما يورث
التمكن من كثير من المعاصي ،ويبعثان على الخلق الدنية ،والعمال
السيئة كالظلم والحسد والحقد والعداوة والفخر والكبر والبخل ،ومنع
الحقوق ،إلى غير ذلك مما ل يحصى ،ومفارقتهما عند الموت تورث
الحسرة والندامة وحبهما يمنع من حب لقاء ال تعالى وتركهما يوجب
الراحة في الدنيا وخفة الحساب في العقبى - 13 .كا :عن علي بن إبراهيم،
عن محمد بن عيسى ،عن يحيى بن عقبة الزدي عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قال أبو جعفر عليه السلم :مثل الحريص على الدنيا كمثل
دودة القز كلما ازدادت من القز عل ينفسها لفا كان أبعد لها من الخروج،
حتى تموت غما ،وقال أبو عبد ال عليه السلم :أغنى الغنا من لم يكن
للحرص اسيرا وقال :ل تشعروا قلوبكم الشتغال بما قد فات ،فتشغلوا
أذهانكم عن الستعداد لما لم يأت ) .(2بيان :كمثل دودة القز " هذا من
أحسن التمثيلت للدنيا ،وقد أنشد بعضهم فيه :ألم تر أن المرء طول حياته
* حريص على ما ل يزال يناسجه كدود كدود القز ينسج دائما * فيهلك
غما وسط ما هو ناسجه
) 1و (2الكافي ج 2ص .(*) 316
][24
قوله عليه السلم " :أغنى الغنا " أي ليس الغنا وعدم الحاجة بكثرة المال بل بترك
الحرص ،فان الحريص كلما ازداد ماله اشتد حرصه ،فيكون أفقر وأحوج
ممن ل مال له " ل تشعروا قلوبكم " أي ل تلزموه إياها ول تجعلوه
شعارها ،في القاموس اشعره المر وبه أعلمه ،والشعار ككتاب ما تحت
الدثار من اللباس ،وهو يلي شعر الجسد ،واستشعره لبسه ،وأشعره غيره
البسه إياه وأشعر الهم قلبي لزق به :وكلما ألزقته بشئ اشعرته به "
الشتغال بما قد فات " أي من أمور الدنيا ،سواء لم يحصل أو حصل
وفات ،فان اشتغال القلب به يوجب غفلته عن ذكر ال تعالى وحبه ،فانه ل
يجتمع حبان متضادان في قلب واحد - 14 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن
أبيه ،عن ابن فضال ،عن ابن بكير عن حماد بن بشير قال :سمعت أبا عبد
ال عليه السلم يقول :ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما
في أولها والخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والثروة في دين
المسلم ) .(1بيان " :بأفسد " هنا بمعنى أشد إفسادا وإن كان نادرا- 15 .
كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن عثمان بن عيسى ،عن أبي أيوب،
عن محمد بن مسلم ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :ما ذئبان ضاريان في
غانم ليس لها راع هذا في أولها وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال
والشرف في دين المؤمن ) .(2بيان :بأسرع اي في القتل والفناء- 16 .
كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن عبد العزيز العبدي عن ابن
أبي يعفور قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :من تعلق قلبه بالدنيا
تعلق قلبه بثلث خصال :هم ل يغني ،وأمل ل يدرك ،ورجاء ل ينال ).(3
بيان " :ل يغني " لنه ل يحصل له ما هو مقتضى حرصه وأمله في الدنيا
) (2 - 1الكافي ج 2ص " 315حب الدنيا والشرف " خ ل (3) .الكافي ج 2ص
.320
][25
ول يمكنه الحتراز عن آفاتها ومصائبها ،فهو في الدنيا دائما في الغم لما فات
والهم لما لم يحصل ،فإذا فات فهو في أحزان وحسرات من مفارقتها ،ولم
يقدم منها شيئا ينفعه ،فهمه ل يغني أبدا ،والفرق بين المل والرجاء أن
متعلق المل العمر والبقاء في الدنيا ،ومتعلق الرجاء ما سواه ،أو متعلق
المل بعيد الحصول ومتعلق الرجاء قريب الوصول ،ومعلوم أن محب الدنيا
وطالبها يأمل منها ما ل مطمع في حصوله ،لكن لشدة حرصه يطلبه ويأمله
ويرجو النتفاع بها ،فيحول الجل بينه وبينها ،أو يرجو الخرة وجمعها
مع الدنيا ،مع أنه ل يسعى لتحصيل الخرة ويقصر همه على تحصيل الدنيا
ونعم ما قيل :يا طالب الرزق ..مجتهدا * أقصر عناك فان الرزق مقسوم ل
تحرصن على ما لست تدركه * إن الحريص على المال محروم تتمة
مهمة :قال بعض المحققين :اعلم أن معرفة ذم الدنيا ل يكفيك ما لم تعرف
الدنيا المذمومة ،ما هي ؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي ل يجتنب ؟
فل بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها ،لكونها عدوة قاطعة
لطريق ال ،ما هي ؟ فنقول :دنياك وآخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال
قلبك والقريب الداني منهما يسمى دنيا ،وهي كل ما قبل الموت ،والمتراخي
المتأخر يسمى آخرة ،وهي ما بعد الموت ،فكل مالك فيه حظ وغرض
ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة ،فهي الدنيا في حقك إل
أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم ،بل هي تنقسم إلى
ثلثة اقسام :الول ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت،
وهو شيئان :العلم والعمل ،فقط ،وأعني بالعلم العلم بال وصفاته وافعاله
وملئكته وكتبه ورسله ،وملكوت أرضه وسمائه ،والعلم بشريعة نبيه،
وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه ال ،وقد يأنس العالم بالعلم حتى
يصير ذلك ألذ الشياء عنده فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في
لذته ،لنه أشهى عنده من جميعها ،فقد
][26
صار حظا عاجل في الدنيا ،ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا
اصل ،بل قلنا إنه من الخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها بحيث
لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه ،وهذا أيضا ليس من الدنيا
المذمومة .الثاني وهو المقابل للقسم الول على الطرف القصى كل ما فيه
حظ عاجل ول ثمرة له في الخرة اصل ،كالتلذذ بالمعاصي ،والتنعم
بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة
الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل
المسومة والنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي
والقصور ،والدور المشيدة ورفيع الثياب ولذائذ الطعمة ،فحظ العبد من
هذه كلها هي الدنيا المذمومة ،وفيما يعد فضول وفي محل الحاجة نظر
طويل .الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على
أعمال الخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن ،وكل ما ل
بد منه ليتأتى للنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل،
وهذا ليس من الدنيا كالقسم الول لنه معين على القسم الول ،ووسيلة
إليه ،فمهما تناوله العبد على قصد الستعانة على العلم والعمل ،لم يكن به
متناول للدنيا ولم يصربه من أبنائها ،وإن كان باعثه الحظ العاجل ،دون
الستعانة على التقوى ،التحق بالقسم الثاني ،وصار من جملة الدنيا .ول
يبقى مع العبد عند الموت إل ثلث :صفاء القلب ،وأنسه بذكر ال وحبه
ل ،وصفاء القلب ل يحصل إل بالكف عن شهوات الدنيا .والنس ل يحصل
إل بكثرة ذكر ال ،والحب ل يحصل إل بالمعرفة ،ول تحصل المعرفة إل
بدوام الفكر .فهذه الثلث هي المنجيات المسعدات بعد الموت ،وهي
الباقيات الصالحات ،أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من
المنجيات ،إذ تكون جنة بين العبد وبين عذاب ال وأما النس والحب فهما
من المسعدات ،وهما موصلن العبد إلى لذة
][27
اللقاء والمشاهدة ،وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة ،فيصير
القبر روضة من رياض الجنة .وكيف ل يكون كذلك ،ولم يكن له إل
محبوب واحد ،وكانت العوائق تعوقه عن النس بدوام ذكره ومطالعة
جماله ،فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلي بينه وبين محبوبه ،فقدم
عليه مسرورا آمنا من العوائق آمنا من الفرق .وكيف ل يكون محب الدنيا
عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إل الدنيا وقد غصب منه ،وحيل بينه
وبينه ،وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه ،وليس الموت عدما إنما
هو فراق لمحاب الدنيا ،وقدوم على ال تعالى .فاذن سالك طريق الخرة
هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلث ،وهي الذكر والفكر والعمل
الذي يحفظه من شهوات الدنيا ،ويبغض إليه ملذها ويقطعه عنها وكل ذلك
ل يمكن إل بصحة البدن ،وصحة البدن ل تنال إل بالقوت والملبس
والمسكن ،ويحتاج كل واحد إلى أسباب .فالقدر الذي ل بد منه من هذه
الثلثة إذا أخذه العبد من الدنيا للخرة لم يكن من أبناء الدنيا ،وكانت الدنيا
في حقه مزرعة الخرة ،وإن أخذ ذلك على قصد التنعم ولحظ النفس صار
من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها ،إل أن الرغبة في حظوظ الدنيا
تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب ال في الخرة ويسمى ذلك حراما وإلى
ما يحول بينه وبين الدرجات العلى ،ويعرضه لطول الحساب ،ويسمى ذلك
حلل .والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لجل المحاسبة
أيضا عذاب ،فمن نوقش في الحساب عذب ،فلذلك قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :حللها حساب وحرامها عقاب وقد قال أيضا :حللها عذاب .إل
أنه عذاب أخف من عذاب الحرام بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من
الدرجات العلى في الجنة ،وما يرد على القلب من التحسر على تفويتها
بحظوظ حقيرة خسيسة ل بقاء لها ،وهو أيضا عذاب ،فالدنيا قليلها
وكثيرها حللها وحرامها ملعونة إل ما أعان على تقوى
][28
ال فان ذلك القدر ليس من الدنيا .وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن ،كان حذره
من نعيم الدنيا أشد ولهذا روى ال تعالى الدنيا عن نبينا صلى ال عليه
وآله فكان يطوي أياما ،وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع ،ولهذا سلط
ال البلء والمحن على النبياء والولياء ثم المثل فالمثل كل ذلك نظرا
لهم ،وامتنانا عليهم ،ليتوفر من الخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق
ولده لذيذ الفواكه ،ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبا له ،ل
بخل به عليه ،وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس ل فهو للدنيا وما هو ل
فليس من الدنيا .فان قلت :فما الذي هو ل ؟ فأقول :الشياء ثلثة أقسام:
منها ما ل يتصور أن يكون ل ،وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي
والمحظورات وأنواع التنعمات في المباحات ،وهي الدنيا المحضة
المذمومة ،فهي الدنيا صورة ومعنى .ومنها ما صورتها ل ،ويمكن أن
يجعل لغير ال ،وهي ثلثة :الفكر والذكر والكف عن الشهوات ،فهذه
الثلث إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر ال واليوم الخر فهي
ل ،وليست من الدنيا ،وإن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف،
وطلب القبول بين الخلق باظهار المعرفة ،أو كان الغرض من ترك الشهوة
حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الشتهار بالزهد فقد صار هذا من
الدنيا بالمعنى ،وإن كان يظن بصورتها أنها ل .ومنها ما صورتها لحظ
النفس ،ويمكن أن يجعل معناه ل ،وذلك كالكل والنكاح وكل ما ل يرتبط به
بقاؤه وبقاء ولده ،فان كان القصد حظ النفس فهو من الدنيا ،ولن كان
القصد الستعانة على التقوى فهو ل بمعناه ،وإن كان صورته صورة
الدنيا ،قال صلى ال عليه وآله :من طلب من الدنيا حلل مكاثرا مفاخرا
لقي ال وهو عليه غضبان ،ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة
لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر.
][29
انظر كيف اختلف ذلك بالقصد ،فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي ل حاجة إليه لمر
الخرة ،ويعبر عنه بالهوى ،وإليه أشار قوله تعالى " :ونهى النفس عن
الهوى * فان الجنة هي المأوى " ) .(1واعلم أن مجامع الهوى خمسة
أمور ،وهي ما جمعه ال عزوجل في قوله " :إنما الحيوة الدنيا لهو ولعب
وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " ) (2والعيان التي
تحصل منها هذه المور سبعة يجمعها قوله تعالى " :زين للناس حب
الشهواة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل
المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب
" ) (3فقد عرفت أن كل ما هو ل فليس من الدنيا ،وقدر ضرورة القوت
وما ل بد منه من مسكن وملبس فهو ل إن قصد منه وجه ال ،والستكثار
منه تنعم وهو لغير ال ،وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة،
ولها طرفان وواسطة ،طرف يقرب من حد الضرورة فل يضر ،فان
القتصار على حد الضرورة غير ممكن ،وطرف تتاخم جانب التنعم ويقرب
منه وينبغي أن يحذر ،وبينهما وسائط متشابهة ،ومن حام حول الحمى
يوشك أن يقع فيه ،والحزم في الحذر والتقوى ،والتقرب من حد الضرورة
ما أمكن اقتداء بالنبياء والولياء .ثم قال :اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان
موجودة ،وللنسان فيها حظ وله في إصلحها شغل ،فهذه ثلثة أمور قد
يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها ،وليس كذلك أما العيان الموجودة التي
الدنيا عبارة عنها فهي الرض وما عليها قال ال تعالى " :إنا جعلنا ما
على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل " ) (4فالرض فراش
للدميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب
ومنكح.
) (1النازعات (2) .41 - 40 :الحديد (3) .20 :آل عمران (4) .14 :الكهف.7 :
][30
ويجمع ما على الرض ثلثة أقسام المعادن والنبات والحيوان .أما المعادن فيطلبها
الدمي لللت والواني كالنحاس والرصاص أو للنقد كالذهب والفضة
ولغير ذلك من المقاصد ،وأما النبات فيطلبها الدمي للقتات والتداوي،
وأما الحيوان فينقسم إلى النسان والبهائم أما البهائم فيطلب لحومها
للمأكل وظهورها للمركب والزينة ،وأما النسان فقد يطلب الدمي أن يملك
أبدان الناس ليستخدمهم و يستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري
والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها فيغرس فيها التعظيم والكرام ،وهو
الذي يعبر عنه بالجاه ،إذ معنى الجاه ملك قلوب الدميين .فهذه هي
العيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها ال تعالى في قوله " زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين " وهذا من النس " والقناطير المقنطرة
من الذهب والفضة " وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها
من اللئالي واليواقيت " والخيل المسمومة والنعام " وهي البهائم
والحيوانات " والحرث " وهو النبات والزرع .فهذه هي أعيان الدنيا ،إل
أن لها من العبد علقتين :علقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها،
وانصراف قلبه إليها حتى تصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا،
ويدخل في هذه العلقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر والغل
والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة ،وحب الثناء وحب
التكاثر والتفاخر ،فهذه هي الدنيا الباطنة ،وأما الظاهرة فهي العيان التي
ذكرناها ،والعلقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله باصلح هذه العيان
ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره ،وهي جملة الصناعات والحرف التي
الخلق مشغولون بها والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين
العلقتين :علقة القلب بالحب وعلقة البدن بالشغل ،ولو عرف ربه
وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن هذه العيان التي سميتها
دنيا لم تخلق إل لعلف الدابة التي تسير بها إلى ال تعالى وأعني بالدابة
البدن ،فانه ل يبقى إل بمطعم وملبس ومسكن
][31
كما ل يبقى البل في طريق الحج إل بعلف وماء وجلل .ومثال العبد في نسانه
نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق ،ول يزال يعلف
الدابة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب و يحمل إليها أنواع
الحشيش ،ويبرد لها الماء بالثلج ،حتى تفوته القافلة ،وهو غافل عن الحج
وعن مرور القافلة ،وعن بقائه في البادية فريسة للسياع هو وناقته
والحاج البصير ل يهمه من أمر الجمل إل القدر الذي يقوى به على المشي
فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج ،وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة
فكذلك البصير في سفر الخرة ل يشغل بتعهد البدن إل بالضرورة ،كما ل
يدخل بيت الماء إل للضرورة ،ول فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين
إخراجه من البطن .وأكثر ما شغل الناس عن ال البدن فان القوت
ضروري وأمر الملبس والمسكن أهون ،ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه
المور ،واقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا ،فانما استغرقتهم
لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها ولكنهم جهلوا وغفلوا ،وتتابعت
أشغال الدنيا واتصلت بعضها ببعض ،وتداعت إلى غير نهاية محدودة،
فتاهوا في كثرة الشغال ،ونسوا مقصودها .وأما تفاصيل أشغال الدنيا
وكيفية حدوث الحاجة إليها وانجرار بعضها إلى بعض فمما يطول ذكرها
وخارج عن مقصود كتابنا .وإذا تأملت فيها علمت أن النسان لضطراره
إلى القوت والمسكن والملبس يحتاج إلى خمس صناعات :وهي الفلحة
لتحصيل النبات ،والرعاية لحفظ الحيوانات واستنتاجها ،والقتناص
لتحصيل ما خلق ال من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب ،والحياكة
للباس ،والبناء للمسكن ،ثم يحتاج بسبب ذلك إلى التجارة والحدادة والخرز
أي إصلح جلود الحيوانات وأجزائها ،ثم لبقاء النوع إلى المنكح ،ثم إلى
حفظ الولد وتربيته ،ثم لجتماعهم إلى قرية يجتمعون فيها ثم إلى قاض
وحاكم يتحاكمون إليه ،ثم إلى جند يحرسهم عن العادي ،ثم إلى خراج
يعان به الجند ،ثم إلى عمال وخزان لذلك ،ثم إلى ملك يدبرهم
][32
وأمير مطاع وقائد على كل طائفة منهم ،فانظر كيف ابتدأ المر من حاجة القوت
والمسكن والملبس وإلى ماذا انتهى ؟ .وهكذا أمور الدنيا ل يفتح منها باب
إل وينفتح منها بسببه عشرة أبواب أخر ،وهكذا يتناهى إلى حد غير
محصور ،وكأنها هاوية ل نهاية لعمقها ،ومن وقع في مهواة منها سقط
منها إلى أخرى وهكذا على التوالي .فهذه هي الحرف والصناعات ،ويتفرع
عليها أيضا بناء الحوانيت والخانات للمتحرفة والتجار وجماعة يتجرون
ويحملون المتعة من بلد إلى بلد ،ويتفرع عليها الكراية والجارة ،ثم
يحدث بسبب البيوع والجارات وأمثالها الحاجة إلى النقدين لنقع المعاملة
بهما ،فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ثم مست الحاجة إلى
الضرب والنقش والتقدير ،فحدثت الحاجة إلى دار الضرب وإلى الصيارفة.
فهذه أشغال الخلق وهي معايشهم ،وشئ من هذه الحرف ل يمكن مباشرته
إل بنوع تعلم وتعب في البتداء ،وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا
فل يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى عاجزا إلى أن يأكل مما سعى فيه غيره،
فتحدث منه حرفتان خسيستان :اللصوصية والكدية ،وللصوص أنواع
ولهم حيل شتى في ذلك وأما التكدي فله اسباب مختلفة ،فمنهم من يطلب
ذلك بالتمسخر والمحاكاة الشعبذة والفعال المضحكة ،وقد يكون بالشعار
مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشق أو غيرهما ،أو تسليم ما يشبه
العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والطلسمات وكأصحاب القرعة
والفال والزجر من المنجمين ،ويدخل في هذا الجنس الوعاظ المتكدون
على رؤوس المنابر .فهذه هي اشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها
وجرهم إلى ذكل كله الحاجة إلى القوت والكسوه ،ولكن نسوا في أثناء ذلك
أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآلهم فضلوا وتاهوا ،وسبق إلى عقولهم
الضعيفة بعد أإن كدرها زحمة اشغال الدنيا خيالت فاسدة ،وانقسمت
مذاهبهم ،واختلفت آراؤهم على عدة أوجه.
][33
فطائفة غلب عليهم والغفلة ،فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم فقالوا:
المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجهد حتى نكسب القوت ،ثم نأكل حتى
نقوى على الكسب ،ثم نكتسب حتى نأكل ،فيأكلون ليكسبوا ،ويكسبون
ليأكلوا فهذه مذاهب الملحين والمتحرفين ،ومن ليس لهم تنعم في الدنيا
ول قدم في الدين .وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا للمر وهو أن ليس
المقصود أن يشقى النسان ول يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي
وطره من شهوات الدنيا ،وهي شهوة البطن والفرج ،فهؤلء طائفة نسوا
أنفسهم ،وصرفوا همهم إلى اتباع النسوان وجمع لذائذ الطعمة يأكلون كما
تأكل النعام ،ويظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد ادركوا غايات السعادات
فيشغلهم ذلك عن ال واليوم الخر .وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة
المال والستغناء بكنز الكنوز ،فأسهروا ليلهم ونهارهم في الجمع فهم
يتعبون في السفار طول الليل والنهار ،ويترددون في العمال الشاقة
ويكسبون ويجمعون ول يأكلون إل قدر الضرورة شحا وبخل عليها أن
تنقص ،وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت فيبقى
تحت الرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات ،فيكون للجامع
تعبها ووبالها ،وللكل لذتها وحسابها ،ثم إن الذين يجمعون ينظرون إلى
أمثال ذلك في اشباههم وأمثالهم فل يعتبرون .وطائفة زعموا أن السعادة
في حسن السم وانطلق اللسن بالثناء والمدح بالتجمل والمروة ،فهؤلء
يتعبون في كسب المعايش ويضيقون على أنفسهم في المطعم والمشرب،
ويصرفون جميع ما لهم إلى الملبس الحسنة والدواب النفيسة،
ويزخرفون أبواب الدور ،وما يقع عليه ابصار الناس ،حتى يقال إنه غني
وأنه ذو ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة ،فهمتهم في ليلهم ونهارهم في
تعهد موقع نظر الناس .وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة
بين الناس ،وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير ،فصرفوا همتهم إلى
استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولية
][34
وتقلد العمال عمال السلطانية ،لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس ويرون
أنهم إذا اتسعت وليتهم ،وانقادت لهم رعاياهم ،فقد سعدوا سعادة عظيمة،
وأن ذلك غاية المطلب ،وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من
الناس فهؤلء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع ل وعن
عبادته ،وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم .ووراء هذا طوائف يطول
حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم ضلوا واضلوا عن سواء
السبيل ،وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن،
فنسوا ما يراد له هذه المور الثلثة والقدر الذي يكفي منها ،وانجرت بهم
أوايل اسبابها إلى أواخرها ،وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقي
منها .فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه السباب والشغال ،وعرف غاية
المقصود منها فل يخوض في شغل وحرفة وعمل إل وهو عالم بمقصوده،
وعالم بحظه ونصيبه منه وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوة والكسوة
حتى ل يهلك ،وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الشغال ،وفرغ القلب
وغلب عليه ذكر الخرة ،وانصرفت الهمة إلى الستعداد له ،وإن تعدى به
قدر الضرورة ،كثرت الشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى
غير نهاية ،فتشعب به الهموم ومن تشعب به الهموم في أودية الدنيا فل
يبال ال في اي واد أهلكه .فهذا شان المنهمكين في أشغال الدنيا وتنبه
لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان ،فلم يتركهم واضلهم في
العراض أيضا حتى انقسموا إلى طوايف فظنت طائفة أن الدنيا دار بلء
ومحنة ،وأن الخرة دار سعادة لكل من وصل إليها سواء تعبد في الدنيا أو
لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلص من محنة الدنيا
وإليه ذهب طوائف من عباد الهند فهم يتهجمون على النار ويقتلون
أنفسهم بالحراق ،ويظنون أن ذلك خخلص منهم من سجن الدنيا .وظنت
طائفة أخرى أن القتل ل يخلص بل ل بد أول من إماتة الصفات البشرية
وقلعها عن النفس بالكلية ،وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب ،ثم
أقبلوا على المجاهدة فشدوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة،
وبعضهم فسد
][35
عقله وجن ،وبعضهم مرض واسندت عليه طرق العبادة .وبعضهم عجز عن قمع
الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن الشرع تلبيس ل اصل
له ،فوقع في اللحاد والزندقة ،وظهر لبعضهم أن هذا التعب كله ل وأن
ال مستغن عن عبادة العباد ،،ل ينقصه عصيان عاص ،ول يزيده عبادة
عابد ،فعادوا إلى الشهوات ،وسلكوا مسلك الباحة ،فطووا بساط الشرع
والحكام وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم ،حيث اعتقدوا ان ال مستغن
عن عبادة العباد .وظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة
حتى يصل العبد بها إلى معرفة ال تعالى ،فإذا حصلت المعرفة فقد وصل،
وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة فتركوا السعي والعبادة،
وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة ال سبحانه ]عن[ أن يمتحنوا
بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق .ووراء هذا مذاهب باطلة
وضللة هائلة وخيالت فاسدة ،يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيفا وسبعين
فرقة ،وإنما الناجي منها فرقة واحدة ،وهي السالكة ما كان عليها رسول
ال صلى ال عليه وآله واصحابه ،وهو أن ل يتركوا الدنيا بالكلية ،ول
يقمع في الشهوات بالكلية .أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات
فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل ،فل يتبع كل شهوة ول
يترك كل شهوة ،بل يتبع العدل ول يترك كل شئ من الدنيا ،ول يطلب كل
شئ من الدنيا ،بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد
مقصوده ،فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة ،ومن المسكن ما
يحفظ به من اللصوص ،والحر والبرد ،ومن الكسوة كذلك ،حتى إذا فرغ
القلب من شغل البدن ،أقبل على ال بكنه همه ،واشتغل بالذكر والفكر طول
العمر ،وبقي ملزما لسياسة الشهوات ،ومراقبا لها حتى ل تجاوز حدود
الورع والتقوى ،ول يعلم تفصيل ذلك إل بالقتداء بالفرقة الناجية صحت
عقايدهم واتبعوا الرسول وأئمة الهدى صلوات ال عليهم في أقوالهم
وأفعالهم ،فإنهم ما كانوا
][36
يأخذون الدنيا للدنيا ،بل للدين ،وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية وما كان
لهم في المور تفريط ول إفراط ،بل كانوا بين ذلك قواما ،وذلك هو العدل
والوسط بين الطرفين ،وهو أحب المور إلى ال تعالى وال المستعان17 .
-كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن
أبي عبد ال المؤمن ،عن جابر قال :دخلت على ابي جعفر عليه السلم
فقال :يا جابر وال إني لمحزون وإني لمشغول القلب ،قلت :جعلت فداك،
وما شغلك وما حزن قلبك ؟ فقال :يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص
دين ال ،شغل قلبه عما سواه ،يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا ؟
هل هي إل طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة اصبتها ؟ .يا جابر إن
المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الخرة ،يا
جابر الخرة دار قرار ،والدنيا دار فناء وزوال ،ولكن أهل الدنيا أهل غفلة،
وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر ال ما
سمعوا بآذانهم ،ولم يعمهم عن ذكر ال ما رأوا من الزينة ،ففازوا بثواب
الخرة كما فازوا بذلك العلم .واعلم يا جابر أن أهل التقوى ايسر أهل الدنيا
مؤنة ،وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك ،وإن نسيت ذكروك ،قوالون بأمر
ال ،قوامون على أمر ال قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ،ووحشوا الدنيا
لطاعة مليكهم ،ونظروا إلى ال تعالى وإلى محبته بقلوبهم ،وعلموا أن
ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه ،فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت
عنه ،أو كمال وجدته في منامك واستيقظت ،وليس معك منه شئ .إني إنما
ضربت لك هذا مثل لنها عند أهل اللب والعلم بال كفيئ الظلل ،يا جابر
فاحفظ ما استرعاك ال من دينه وحكمته ،ول تسألن عما لك عنده إل ما له
عند نفسك ،فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك ،فتحول إلى دار
المستعتب ،فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ،ولرب
كاره
][37
لمر قد سعد به حين أتاه ،وذلك قول ال تعالى " :وليمحص ال الذين آمنوا
ويمحق الكافرين " ) .(1بيان :قوله عليه السلم " :صافي خالص دين ال
" كأن إضافة الصافي إلى الخالص للبيان تأكيدا ،ويحتمل اللمية ،أي
المحبة الصافية ل الحاصلة من خالص دينه ،وفي تحف العقول :من دخل
خالص حقيقة اليمان ) (2و " أكلته " وأختاها على صيغة الخطاب،
ويحتمل التكلم ،والغرض أن هذه لذات قليلة فانية ،ول يختارها العاقل على
النعم الجليلة الباقية " .لم يطمئنوا " اي لم يلههم المل الطويل عن العمل
" ولم يأمنوا " اي في كل حين " قدومهم الخرة " بالموت أو عذاب
الخرة " أهل فكرة " خبر مبتدأ محذوف استينافا بيانيا وكذا قوله " لم
يصمهم " استيناف بياني للستيناف " ما سمعوا بأذانهم " من وصف
ملذ الدنيا وزهراتها ،وحكومة أهلها وبسطة أيديهم فيها ،والقصص
الملهية الباطلة " .ولم يعمهم عن ذكر ال " الحاصل بالعبرة من أحوال
الدنيا وفنائها " ففازوا " لترك الدنيا " بثواب الخرة ،كما فازوا بذلك
العلم " وهو العلم اليقيني بدناءة الدنيا وفنائها ،ورفعة الخرة وبقائها،
وتمييز الخير من الشر ،والهدى من الضللة وأهل الدنيا من أهل الخرة،
والمحقين من المبطلين ،ومن يجب اتباعه من أهل الخرة وأئمة الحق ،وم
يجب التبري عنه من أهل الدنيا واصحابها ،وأئمة الضللة فهذه هي
الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا ،فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم
الخرة " .ايسر أهل الدنيا مؤنة " المؤنة بالفتح القوت والثقل ،وذلك
لنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة والمعونة مصدر بمعنى العانة "
تذكر " اي حاجتك لهم " فيعينونك " فيها ،وإذا كنت متذكرا لما يوجب
صلح أمر دنياك وآخرتك
) (1الكافي ج 2ص ،132والية في آل عمران (2) .141 :تحف العقول ص 295
في ط وص 286في ط آخر.
][38
أعانوك على فعله ،وإن كنت ناسيا له ذكروك ،وأرشدونك إليه ،ثم يعينونك مع
الحاجة إلى العانة " .قوالون بأمر ال " أي بما أمر ال به أو بكل أمر
يرضى ال به موعظة وإرشادا وتذكيرا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر
" قوامون على أمر ال " بحفظ دين ال وشرايعه واصول الدين وفروعه،
وبمنع أهل الباطل وأرباب البدع من التغيير والتحريف في دين ال" .
قطعوا محبتهم " أي عن كل شئ أو عمال يرضى ال " بمحبة ربهم " اي
بسببها أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة ال ،ول يحبون شيئا إل لحب ال له
كقوله تعالى " وما تشاؤن إل أن يشاء ال " ) " .(1وحشوا الدنيا "
الوحشة ضد النس اي لم يستأنسوا بالدنيا " لطاعة مليكهم " أي مالكهم
وسيدهم ،أو ذي الملك والسلطنة عليهم إما لمره بالزهد في الدنيا أو لن
طاعة ال مطلقا والخلص فيها ل تجتمع مع حب الدنيا " نظروا إلى ال
وإلى محبته بقلوبهم " الظرف في قوله " بقلوبهم " متعلق بنظروا أي لم
ينظروا بعين قلوبهم إل إلى ال اي رضاه أو معرفته ومراقبته وذكره،
وعدم اللتفات إلى غيره وإلى محبته أي تحصيل حبهم ل أو حب ال لهم
أو العم كما قال تعالى " يحبهم ويحبونه " ) (2أو ما يحبه ال من
الخلق والعمال والقوال " .وعلموا أن ذلك " اي المذكور وهو ال
ومحبته والشارة للتعظيم " هو المنظور إليه " اي هو الذي ينبغي أن
ينظر إليه ل غيره لعظمة شأنه وحقارة ما سواه بالنسبة إليه " فأنزل
الدنيا " اي اجعلها عند نفسك " كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه " بل هذه
الدنيا بالنسبة إلى الخرة اقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة
نزول المنزل بالنسبة إلى مدة عمر الدنيا لن الولى نسبة المتناهى إلى
غير المتناهي ،والثانية نسبة المتناهي إلى المتناهي ،والغرض العمدة من
التشبيه أنها لم تخلق للتوطن ،بل للعبور
][39
كما أن منازل المسافر إنما تبنى لذلك ،وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى :نزلنا
ههنا ثم ارتحلنا * كذا الدنيا نزول وارتحال أردنا أن نقيل بها ولكن * مقيل
المرء في الدنيا محال وهذا مثل للمبتدين ،ثم ذكر مثل كامل للكاملين ،وهو
" أو كمال وجدته في منامك " إلى آخره فان أكثر الناس في الدنيا
كالنائمين لغفلتهم عن الخرة وعما يراد بهم ،فإذا ماتوا لم يجدوا معهم
شيئا مما اكتسبوا في الدنيا للدنيا كما قال أمير المؤمنين عليه السلم:
الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا .ثم ذكر عليه السلم تمثيل ثالثا وهو أنها
كفئ الظلل في سرعة الزوال ،والظلل بالكسر جميع الظل وهو والفئ
بمعنى واحد عند كثير الناس ،وقال ابن قتيبة الظل يكون غدوة وعشية،
والفئ ل يكون إل بعد الزوال ،لنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب
المشرق والفئ الرجوع وقال ابن السكيت :الظل من الطلوع إلى الزوال
والفئ من الزوال إلى المغرب وقال تغلب :الظل للشجرة وغيرها للغداة
والفئ للعشاء وقال رؤبة :كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل
وفئ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ،ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل
والفئ ينسخ الشمس ،والمراد هنا بالفئ إما المصدر أي كرجوع الظلل اي
كما تظل في ظل شجرة مثل فتنتفع به ساعة ،فترجع عنك فتكون في
الشمس ،أو المراد بالفئ الظل وبالظلل ما أظلك من شجر وجدار
ونحوهما ،أو المراد بالظلل قطعات السحاب التي تواري الشمس قليل ثم
تذهب وهذا أنسب قال في القاموس :الظل من كل شئ شخصه ومن
السحاب وما وارى الشمس منه والظللة بالكسر السحابة تراها وحدها
وترى ظلها على الرض وكسحاب ما اظلك ،وقال :راعيته لحظته محسنا
إليه ،والمر نظرت إلى م يصير ؟ وأمره حفظه كرعاه واسترعاه إياهم
استحفظه انتهى وفي تحف العقول " فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين
ال وحكمته " .قوله عليه السلم " ول تسألن " أقول :يحتمل وجوها
الول أن يكون المعنى ل تبالغ في الدعاء والسؤال من ال عما لك عنده
من الرزق وغيره ،مما ضمن لك ،ولكن
][40
][41
ليعرف ذلك .الرابع أنه أراد أنه ل بد لكل مكلف من دار استرضاء حتى يرضى فيها
ربه بالعمال الصالحة ،فإذا لم تكن الدنيا عندك كما وصفتها لك ،بل تكون
منهمكا في لذاتها حريصا عليها ،فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التي
أنت فيها فانه مما ل بد منه .الخامس أن يقرء " تحول " بصيغة المضارع
المخاطب ،بحذف إحدى التائين فالمعنى أنه ل يخفى على ذي عقل قبح
الدنيا وفنائها ،فان زعمت أنه ليس كذلك فلعلك تقول ذلك لجل أنها دار
يمكن فيها تحصيل رضا ال ،وهذا ل ينافي ما ذكرت لك من ذم الركون إلى
لذاتها وشهواتها ،كما عرفت سابقا .السادس أن يكون المراد بدار
المستعتب دار الخرة لن الكفار يطلبون فيها الرجوع إلى الدنيا عند
مشاهدة عذابها ،كما قال تعالى " وإن يستعتبوا فماهم من المعتبين " )(1
فالمراد به إن لم تصدق بهذه الوصاف لهذه الدار ،فاصبر حتى ترد دار
القرار ،فانه حينئذ يظهر لك حقيقة هذا الكلم ،وعلى هذا الوجه يمكن أن
يقرء على اسم الفاعل أيضا .السابع ما ذكره بعض المدعين للفضل أن
المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه ومال اصابه الذل ،وذهب جميع ما كان
له ،فقال عليه السلم :تحول إلى داره لتعتبر به .وإنما ذكرناه لغرابته.
واقول :في تحف العقول ليس لفظ " غير " بل هو هكذا " فان تكن الدنيا
عندك على ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم " فيؤيد
المعنى الول اي إذا عرفت أن الدنيا كذلك ،وصدقت بما قلت ،فتحول عنها
اي انتقل إلى الخرة بقلبك ،واقطع تعلقك عن الدنيا اليوم اختيارا ،قبل أن
تقلع عنها عند الموت اضطرارا ،أو إلى مقام السترضاء كما مر .والظاهر
أن المستعتب على أكثر الحتمالت مصدر ميمي قال في القاموس
][42
العتبى بالضم الرضا ،واستعتبه :أعطاه العتبى كأعتبه ،وطلب إليه العتبى ضد "
وإن تستعتبوا فماهم من المعتبين " اي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم
يردهم إلى الدنيا ،وفي النهاية :المعتبة الغضب وأعتبني فلن إذا عاد إلى
مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه ،كما يقول :استرضيته فأرضاني
والمعتب المرضى ومنه الحديث " ل يتمنين أحدكم الموت ،أما محسنا
فلعله يزداد ،وأما مسيئا فلعله يستعتب " اي يرجع عن الساءة ويطلب
الرضا ومنه الحديث " ول بعد الموت من مستعتب " أي ليس بعد الموت
من استرضاء ،لن العمال بطلت وانقضى زمانها وما بعد الموت دار
جزاء ل دار عمل ،انتهى .وقوله عليه السلم " :فلعمري " أي أقسم
بحياتي ،وفي القسم مفتوح غالبا " لرب حريص على أمر " من أمور
الدنيا " قد شقي به حين أتاه " أي تعب به في الدنيا أو صار سببا لشقاوته
في الخرة ويطلق غالبا على سوء العاقبة ،والسعادة ضد الشقاوة ،وتطلق
غالبا على حسن العاقبة وراحة الخرة .في القاموس :الشقاء الشدة
والعسر ،ويمد ،شقي كرضي شقاوة ويكسر وشقا وشقاء وشقوة ويكسر،
وقال :السعادة خلف الشقاوة ،وقد سعد كعلم وعني فهو سعيد ومسعود.
وقال الراغب :السعد والسعادة معاونة المور اللهية للنسان على نيل
الخير ،ويضاد الشقاوة ،وقال :الشقاوة خلف السعادة ،وكما أن السعادة
في الصل ضربان :سعادة أخروية وسعادة دنيوية ،ثم السعادة الدنيوية
ثلثة أضرب :سعادة نفسية وبدنية وخارجية ،كذلك الشقاوة على هذه
الضرب .وقال بعضهم :قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا
وكل شقاوة تعب وليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة ) .(1وفي
التحف " :فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله كان
عليه وبال وشقي به ولرب كاره لمر من أمور الخرة قد ناله فسعد به "
وإلى هنا انتهى الخبر فيه
][43
قوله " :وليمحص ال " الية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى" :
وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم ال الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء
وال ل يحب الظالمين * ولمحص ال الذين آمنوا " قال الطبرسي رحمه
ال :بين وجه المصلحة في مداولة اليام بين الناس اي وليبتلي ال الذين
آمنوا ويمحق الكافرين ينقصهم أو ليخلص ال ذنوب المؤمنين أو ينجي
ال الذين آمنوا من الذنوب بالبتلء ويهلك الكافرين بالذنوب عند البتلء
) .(1وأقول :هذا الوجه الخير أنسب بالخبر ،ليكون استشهدا للجزئين معا
فان الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين ،فنالوها فصارت سببا
لشقاوتهم ومزيد عذابهم والمؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية ،فصارت سببا
لمزيد سعادتهم وتمحيص ذنوبهم .قال الراغب :أصل المحص تخليص
الشئ مما فيه من عيب ،يقال :محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما
يشوبه من خبث قال تعالى " :وليمحص ال الذين آمنوا " فالتمحيص هنا
كالتزكية والتطهير ) - 18 .(2كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد ،عن علي بن الحكم ،عن عمر بن أبان ،عن أبي حمزة عن أبي
جعفر عليه السلم قال :قال علي بن الحسين عليهما السلم إن الدنيا قد
ارتحلت مدبرة ،وإن الخرة قد ارتحلت مقبلة ،ولكل واحدة منهما بنون.
فكونوا من أبناء الخرة ،ول تكونوا من أبناء الدنيا ]أل[ وكونوا من
الزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة ،ال إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا
الرض بساطا ،والتراب فراشا ،والماء طيبا ،وقرضوا من الدنيا تقريضا،
أل ومن اشتاق إلى الجنة سل عن الشهوات ،ومن اشفق من النار رجع
عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب .أل إن ل عبادا
كمن رأى أهل الجنة مخلدين ،وكمن رأى أهل
][44
][45
لها ،بل مع إزاله حبها من القلب بقوله " وكونوا من الزاهدين الخ " .والبساط
فعال بمعنى المفعول أي اكتفوا بالرض عوضا عن الفرش المبسوطة في
البيوت مع عدم تيسر البساط إل من الحرام أو الشبهة أو مطلقا والول
أنسب بالجمع بين الخبار وكذا في البواقي ،وفي الصحاح البساط ما
يبسط ،وبالفتح الرض الواسعة " والتراب فراشا " بمعنى المفروش اي
عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن وغيره للنوم عليها ،فان
التراب ألين من سائر أجزاء الرض " والماء طيبا " فان الطيب عمدة
منفعته دفع الروايح الكريهة ،وهو يتحقق بالغسل بالماء ،وما قيل من أن
المراد التلذذ بشرب الماء بدل من الشربة اللذيذة لن اصل الطيب اللذة كما
في القاموس فهو بعيد " .وقرضوا من الدنيا تقريضا " على بناء المفعول
]من التفعيل[ من القرض بمعنى القطع ،وبناء التفعيل للمبالغة ،وقيل:
بمعنى التجاوز من قرضت الوادي لذا جزته ،أو بمعنى العدول من قرضت
المكان إذا عدلت عنه ،وفي النهج " ثم قرضوا الدنيا قرضا " ) .(1قوله
عليه السلم " سل عن الشهوات " اي نسيها وتركها وفي القاموس:
سله وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا وسلوا وسلوانا وسليا :نسيه،
وأسله عنه فتسلى " ،عن المحرمات " وفي بعض النسخ " عن
المحرمات " جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة " هانت عليه المصائب "
لنها راجعة إلى فوات المور الدنيوية ،ومن زهد فيها سهل عنده فواتها.
قوله عليه السلم " :كمن رأى " أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة
كما مر في باب اليقين " مخلدين " اي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع
علمه بخلودهم ،ومن الفاضل من قرء مخلدين على بناء الفاعل من
الفعال كقولهم أخلد إليه أي مال ول يخفى بعده " .وقلوبهم محزونة "
لهم الخرة وخوف التقصير وعدم العلم بالعاقبة " أنفسهم
][46
عفيفة " عن المحرمات والشبهات " وحوائجهم خفيفة " لقتصارهم في الدنيا
على القدر الضروري منها " صبروا أياما قليلة " اي أيام عمرهم ،فانها
قليلة في جنب أيام الخرة صبروا فيها على الفقر والضر ومشقة فعل
الطاعات ،وترك المحرمات وإيذاء الظلمة والمخالفين ،فصاروا بعقبى
راحة طويلة ،في القاموس :العقبى جزاء المر ،،وقال الراغب :العقب
والعقبى يختصان بالثواب نحو " خير ثوابا وخير عقبا " ) (1وقال "
أولئك لهم عقبى الدار " ) " (2فنعم عقبى الدار " ) (3والعاقبة إطلقها
يختص بالثواب نحو " والعاقبة للمتقين " ) (4وبالضافة قد تستعمل في
العقوبة نحو " ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوآى " ) (5انتهى .وأقول:
العقبى غالبه أنه يستعمل في الثواب ،وقد يستعمل في العقاب أيضا كقوله
تعالى " تلك عقبى الذين اتقوا وعقى الكافرين النار " ) (6وقوله سبحانه
" ول يخاف عقبيها " ) (7وقال البيضاوي (8) :في قوله تعالى " أولئك
لهم عقبى الدار " اي عاقبة الدنيا ،وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي
الجنة .وفي قوله سبحانه " :تلك عقبى الذين اتقوا " اي الجنة الموصوفة
مآلهم ومنتهى أمرهم ،وفي قوله " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار " )(9
اللم يدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة انتهى .والباء في قوله
" بعقبى " إما بمعنى إلى أو بمعنى " مع " وإضافة العقبى إلى الراحة
للبيان ويحتمل غيره أيضا ،وفي فقه الرضا :فصارت لهم العقبى راحة
طويلة " .وأما الليل " ظاهره النصب على الظرفية ،وقيل :يحتمل الرفع
على البتداء ،والتخصيص به لن العبادة فيه أشق وأقرب إلى القربة،
وحضور القلب
) (1الكهف (2) .44 :الرعد (3) .22 :الرعد (4) .24 :العراف(5) .128 :
الروم ،10 :راجع مفردات غريب القرآن ص (6) .340الرعد(7) .35 :
الشمس (8) .15 :أنوار التنزيل (9) .213 :الرعد ،42 :راجع أنوار
التنزيل.(*) 215 :
][47
فيه أكثر ،كما قال تعالى " :إن ناشئة الليل هي اشد وطأ وأقوم قيل " )" (1
فصافون أقدامهم " اي للصلة ،ويدل على استحباب صف القدمين في
الصلة بحيث ل يكون أحدهما أقرب من القبلة من الخرى .أو تكون
الفاصلة بينهما من الصابع إلى العقبين مساوية والول أظهر وعلى
استحباب التضرع والبكاء في صلة الليل .وفي القاموس :جأر كمنع جأرا
وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث قوله " في فكاك رقابهم "
أي من النار " كأنهم القداح " في القاموس القدح بالكسر السهم قبل أن
يراش وينصل ،والجمع قداح وأقداح وأقاديح ،انتهى .وأشار عليه السلم
إلى وجه التشبيه بالقداح بقوله " قد براهم الخوف " أي نحلهم وذبلهم
كما يبرى السهم في القاموس :برى السهم يبريه بريا وابتراه نحته وبرأه
السفر يبريه بريا هزله ،وقوله " من العبادة " إما متعلق بقوله " براهم
" أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها وعلى كثرتها أو
بقوله " كأنهم القداح " فيرجع إلى الول .وعلى التقديرين " من "
للسببية والعلية ،أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة ،والول اظهر" .
فيقول مرضى " اي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم ،ونحافة بدنهم
فخطأ عليه السلم ظنه ،وقال " :وما بالقوم من مرض " بل هم من
الصحاء من الدواء النفسانية ،والمراض القلبية " أم خولطوا " أي أو
يقول خولطوا ،ويحتمل أن يكون مرضى على الستفهام ،وقوله أم خولطوا
معادل له من كلم الناظر ،فاعترض جوابه عليه السلم بين أجزاء كلمه.
والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب ال وعبادته ،واعتزالهم عن
عامة الخلق ،ومباينة أطوارهم لطوارهم ،وأقوالهم لقوالهم ،ويسمعون
منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم ،فتارة ينسبونهم إلى المرض
الجسماني ،وتارة إلى المرض الروحاني ،وهو الجنون واختلط العقل بما
يفسده ،فأجاب عليه السلم عن الول بالنفي المطلق ،وعن الثاني بأن
المخالطة متحققة ،لكن ل بما يفسد
][48
العقل ،بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار - 19 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن الهيثم بن واقد الحريري،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من زهد في الدنيا أثبت ال الحكمة في
قلبه ،وأنطق بها لسانه ،وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من
الدنيا سالما إلى دار السلم ) .(1بيان :قال في المغرب :زهد في الشئ
وعن الشئ زهدا وزهادة إذا رغب عنه ولم يرده ،ومن فرق بين زهد فيه
وعنه فقد أخطأ وقال في عدة الداعي :روي أن النبي صلى ال عليه وآله
سأل جبرئيل عليه السلم عن تفسير الزهد فقال جبرئيل عليه السلم:
الزاهد يحب من يحب خالقه ،ويبغض من يبغض خالقه ،ويتحرج من حلل
الدنيا ،ول يلتفت إلى حرامها ،فان حللها حساب وحرامها عقاب ،ويرحم
جميع المسلمين كما يرحم نفسه ،ويتحرج من الكلم فيما ل يعنيه كما
يتحرج من الحرام ،ويتحرج من كثرة الكل كما يتحرج من الميتة التي قد
اشتد نتنها ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يجتنب النار أن يغشاها،
وأن يقصر أمله وكان بين عينيه أجله .و " الحكمة " العلوم الحقة
المقرونة بالعمل أو العلوم الربانية الفائضة من ال تعالى بعد العمل
بطاعته ،وقد مر تحقيقها في كتاب العقل وغيره .قال الراغب :الحكمة
إصابة الحق بالعلم والعقل ،فالحكمة من ال تعالى معرفة الشياء وإيجادها
على غاية الحكام ،ومن النسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات ،وهذا
هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى " :ولقد آتينا لقمان الحكمة " )
(2ونبه على جملتها بما وصفه بها انتهى ) .(3قوله عليه السلم" :
داءها ودواءها " كأنه بدل اشتمال للعيوب ،اي المراد بتبصير العيوب أن
يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرمات ،والصفات الذميمة المتفرعة
) (1الكافي ج 2ص (2) .128لقمان (3) .12 :المفردات.(*) 127 :
][49
ميل الطبع السليم إليه ،وأثبت له الحلوة على الستعارة المكنية والتخييلية أو
استعار لفظ الحلوة لثارة اليمان التي تلتذ الروح بها " حتى ل يبالي من
أكل الدنيا " يحتمل أن يكون " من " اسم موصول " ،وأكل " فعل
ماضيا ،وأن يكون " من " حرف جر " وأكل " مصدرا ،فعلى الول
المعنى أنه ل يعتني بشأن الدنيا بحيث ل يحسد أحدا عليها ،ولو كانت كلها
لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك ولم ير ذلك له كثيرا وعلى الثاني ايضا يرجع
إلى ذلك أو المعنى ل يعتني بأكل الدنيا والتصرف فيها - 21 .كا :عن علي
بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن أبي أيوب الخزاز ،عن
ابي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :إن من أعون الخلق على الدين الزهد في الدنيا ) .(1بيان " :إن
من أعون الخلق " الخ وذلك لن الشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق
تحصيلها ،ووجه ضبطها ،ورفع موانعها ،مانع عظيم من تفرغ القلب
للمور الدينية وتفكره فيها ،بل حبها ل يجتمع مع حب ال تعالى وطاعته
وطلب الخرة ،كما روي أن الدنيا والخرة ضرتان إذ الميل بأحدهما يضر
بالخر - 22 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه وعلى بن محمد ،عن
القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري ،عن علي بن هاشم بن
البريد ،عن أبيه أن رجل سأل علي بن الحسين عليهما السلم عن الزهد
فقال :عشرة اشياء فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع ،وأعلى درجة
الورع ادنى درجة اليقين ،وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا ،أل وإن
الزهد في آية من من كتاب ال عزوجل " لكيل تأسوا على ما فاتكم ول
تفرحوا بما آتاكم " ).(2
) (1الكافي ج 2ص (2) .128الكافي ج 2ص ،128والية في سورة الحديد23 :
)*(.
][51
بيان :قد مر صدر هذا الخبر في باب الرضا بالقضا ) (1إلى قوله " :إل أن الزهد "
وكان فيه " :الزهد عشرة أجزاء " ومنهم من جعل الجزاء العشرة
باعتبار ترك حب عشرة اشياء :المال ،والولد ،واللباس ،والطعام،
والزوجة والدار ،والمركوب ،والنتقام من العدو ،والحكومة ،وحب
الشهرة بالخير وهو تكلف مستغنى عنه ،واليات في الحديد هكذا " اعلموا
أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال
والولد " إلى قوله سبحانه " :وما الحيوة الدنيا إل متاع الغرور " ثم
قال تعالى بعد آية " :ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل
في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على ال يسير * لكيل تأسوا ." ...قال
المفسرون :اي كتبنا ذلك في كتاب لكيل تأسوا اي تحزنوا على ما فاتكم
من نعم الدنيا ول تفرحوا بما آتيكم اي ما أعطاكم منها ،وقال الطبرسي
رحمه ال :والذي يوجب نفي السى والفرح من هذا أن النسان إذا علم أن
ما فات منها ضمن ال تعالى العوض عليه في الخرة فل ينبغي أن يحزن
لذلك ،وإذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه ،والحقوق الواجبة فيه،
فل ينبغي أن يفرح به ،وأيضا فإذا علم أن شيئا منها ل يبقى فل ينبغي أن
يهتم له ،بل يجب أن يهتم لمر الخرة التي تدوم ول تبيد انتهى ) .(2ول
يخفى أن هذين الوجهين ل ينطبقان على التعليل المذكور في الية إل أن
يقال :إن هذه المور أيضا من المور المكتوبة ،ولذا قال غيره :إن العلة
في ذلك أن من علم أن الكل مقدر ،هان عليه المر .وقال بعض الفاضل:
هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلث آيات " :اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو
" وهذا وجه حسن بحسب المعنى ،ول تكلف في التعليل حينئذ ،لكنه
بحسب اللفظ بعيد ،وإن كانت اليات متصلة بحسب المعنى
) (1يعني باب الرضا بالقضاء من الكافي ص (2) .62مجمع البيان ج 9ص 240
)*(.
][52
مسوقة لمر واحد وقد مر وجه آخر في تأويل الية في كتاب المامة ،وأنها نازلة
في أهل البيت عليهم السلم وقد بيناه هناك .وقال البيضاوي :المراد منه
نفي السى المانع لمر ال والفرح الموجب للبطر والختيال ،وال ل يحب
كل مختال فخور ،إذ قل من يثبت نفسه حالي السراء والضراء انتهى ).(1
وروي في نهج البلغة عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :الزهد كله
بين كلمتين في القرآن قال ال سبحانه " :لكيل تأسوا على ما فاتكم ول
تفرحوا بما آتيكم " فمن لم يأس على الماضي ،ولم يفرح بالتي ،فقد أخذ
الزهد بطرفيه ) - 23 .(2كا :بالسناد المتقدم ،عن المنقري ،عن سفيان
بن عيينة قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :كل قلب فيه شك أو
شرك فهو ساقط ،وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للخرة ).(3
- 24كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن العل بن رزين ،عن
محمد ابن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين :إن
علمة الراغب في ثواب الخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا ،أما إن زهد
الزاهد في هذه الدنيا ل ينقصه مما قسم ال له عزوجل فيها ،وإن زهد،
وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا ل يزيده فيها ،وإن حرص،
فالمغبون من حرم حظه من الخرة ) .(4بيان " :إن علمة الراغب "
إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا والخرة ضرتان ل يجتمع حبهما في
قلب ،فالراغب في أحدهما زاهد في الخر ،ل محالة و إنما ادخل العاجل
لنه السبب لختيار الناس الدنيا غالبا على ثواب الخرة آجل أو لدللته
على عدم الثبات وقيل :لن زهرة الدنيا المتعلقة بالجلة والخرة كقدر ما
يحتاج إليه النسان لتحصيل ما ينفع في الخرة ل ينافي الرغبة في ثوابها
) (1انوار التنزيل (2) .423 :نهج البلغة الرقم 439من الحكم (3 - 4) .الكافي ج
2ص .(*) 129
][53
بل معين لحصوله والمراد بزهرة الدنيا بهجتها أو نضارتها أو متاعها تشبيها له
بزهرة النبات ،لكونها أقل الريا حين ثباتا ،وهو إشارة إلى قوله تعالى" :
ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم
فيه ورزق ربك خير وأبقى " ) .(1قال في القاموس :الزهرة ويحرك
النبات ونوره أو الصفر منه ،ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها
انتهى ،قوله عليه السلم " :في هذه الدنيا " الشارة للتحقير " وإن زهد
" اي بالغ في الزهد ،وكذا قوله " :وإن حرص " أو المراد بقوله " :وإن
زهد " وإن سعى في صرفها عن نفسه ،وبقوله " :وإن حرص " أي بالغ
في تحصيلها ،فالمراد بالزهد والحرص الولين القلبيان ،وبالخرين
الجسمانيان .والحاصل أن الرزق لكل أحد مقدر ،وإن كان وصولها إليه
مشروطا بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن
الطاعات ،ول تقصير كثير بترك السعي مطلقا ،ول مدخل لكثرة السعي في
كثرة الرزق ،فمن ترك الطاعات وارتكب المحرمات في ذلك ،حرم ثواب
الخرة ،ول يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون ،وهذا على القول بأن مقدار
الرزق معين مقدر ،ول يزيد بالسعي ،ول ينقص بتركه ،وعلى القول بأن
الرزق المقدر الواجب على ال تعالى هو القدر الضروري ويزيد بالكسب
بالسعي ،فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد ،وسيأتي الكلم فيه في محله إنشاء
ال تعالى - 25 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن محمد
بن يحيى الخثعمي عن طلحة بن زيد ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :ما
أعجب رسول ال صلى ال عليه وآله شئ من الدنيا إل أن يكون فيها
جائعا خائفا ) .(2بيان " :إل أن يكون فيها " كأن الستثناء منقطع،
ويحتمل التصال
" جائعا " أي بسبب الصوم أو اليثار على الغير أو لن الجوع موجب للقرب من
ال تعالى ،بخلف الشبع ،فانه موجب للبعد ،مع أن في الجوع الضطراري
والصبر عليه والرضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين " خائفا " أي من
عذاب الخرة أو من العدو في الجهاد ايضا أو لن الضراء في الدنيا مطلقا
موجب للسراء في الخرة وقد اشبعنا الكلم في جوعه وقناعه وتواضعه
صلى ال عليه وآله في المأكل والملبس والمجلس وسائر أحواله في
المجلد السادس - 26 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن القاسم بن يحيى،
عن جده الحسن ابن راشد ،عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :خرج النبي صلى ال عليه وآله وهو محزون فأتاه ملك ومعه
مفاتيح خزائن الرض ،فقال :يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا ،يقول لك
ربك :افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي ،فقال رسول
ال صلى ال عليه وآله :الدنيا دار من ل دار له ،ولها يجمع من ل عقل
له ،فقال الملك :والذي بعثك بالحق لقد سمعت هذا الكلم من ملك يقول في
السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح ) .(1بيان " :خرج النبي " أي من
البيت أو إلى بعض الغزوات ،وهو " محزون " لعل حزنه صلى ال عليه
وآله كان لضعف المسلمين ،وعدم رواج الدين ،وقوة المشركين وقلة
أسباب الجهاد " ،من غير أن تنقص " على بناء المجهول ،قال الجوهري:
نقص الشئ ونقصته أنا يتعدى ول يتعدى انتهى ويمكن أن يقرء على بناء
المعلوم فالمستتر راجع إلى المفاتيح ،وفي بعض النسخ على الغيبة أي
ينقص أخذك شيئا من المنزلة والدرجة التي لك عندي " من ل دار له "
اي في الخرة ،فالمعنى أن الذي يهتم لتحصيل الدنيا وتعميرها ليست له
دار في الخرة أو يختار الدنيا من ل يؤمن بأن له دار في الخرة أو من ل
دار له اصل فان دار الخرة قد فوتها ودار الدنيا ل تبقى له " ولها " اي
للدنيا والعيش فيها " يجمع " الموال والسباب " من ل عقل له " لن
العاقل ل يختار الفاني على الباقي ،وربما يقرء " يجمع " على بناء
][55
الفعال من العزم والهتمام ،في القاموس الجماع التفاق وصر أخلف الناقة جمع،
وجعل المر جميعا بعد تفرقه والعداد واليباس وسوق البل جميعا والعزم
على المر أجمعت المر وعليه والمر مجمع انتهى ) (1ويناسب هذا أكثر
المعاني لكن الول اظهر - 27 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن
أبي عمير ،عن جميل بن دراج ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :مر
رسول ال صلى ال عليه وآله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا فقال
لصحابه :كم يساوي هذا ؟ فقالوا :لعله لو كان حيا لم يساو درهما فقال
النبي صلى ال عليه وآله :والذي نفسي بيده للدنيا أهون على ال من هذا
الجدي على أهله ) .(2بيان :قال في النهاية :فيه أنه مر بجدي أسك اي
مصطلم الذنين مقطوعهما وفي القاموس السكك محركة الصمم ،وصغر
الذن ،ولزوقها بالرأس ،وقلة إشرافها أو صغر قوب الذن وضيق الصماخ
يكون في الناس وغيرهم ،سككت يا جدي وهي أسك وهي سكا .وأقول:
روى مسلم في صحيحه هذا الحديث باسناده عن جابر بن عبد ال
النصاري أن رسول ال صلى ال عليه وآله مر بالسوق فمر بجدي اسك
ميت فتناوله فأخذ باذنه ثم قال :أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا :ما
نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به ؟ قال :تحبون أنه لكم ؟ قالوا :وال لو كان
حيا كان عيبا فيه لنه أسك فكيف وهو ميت ؟ فقال :فوال للدنيا أهون على
ال من هذا عليكم .والمزبلة بفتح الباء والضم لغة :موضع يلقى فيه الزبل
بالكسر وهو السرقين - 28 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن علي بن محمد
القاساني ،عمن ذكره عن عبد ال بن القاسم ،عن ابي عبد ال عليه السلم
قال :إذا أراد ال بعبد خيرا زهده في الدنيا ،وفقهه في الدين ،وبصره
عيوبها ،ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا
][56
والخرة ،وقال :لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا ،وهو ضد لما
طلب أعداء الحق .قلت :جعلت فداك مماذا ؟ قال :من الرغبة فيها ،وقال:
أل من صبار كريم ،وإنما هي أيام قلئل ؟ ال إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم
اليمان حتى تزهدوا في الدنيا .قال :وسمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلوة حب ال ،وكان عند
أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلوة حب ال ،فلم يشتغلوا
بغيره .قال :وسمعته يقول :إن القلب إذا صفا ضاقت به الرض حتى يسمو
) (1بيان " :وبصره عيوبها " اي الدنيا " ومن أوتيهن " أي تلك
الخصال الثلث وفيه إشعار بأنها ل تتيسر إل بتوفيق ال تعالى " فقد أوتي
" كأنه إشارة إلى قوله تعالى " :ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "
) (2فالحكمة العلم بالدين أصوله وفروعه ،وبعيوب الدنيا والزهد فيها "
لم يطلب احد الحق " أي الدين " بباب " أي بسبب ووسيلة افضل من
ترك الدنيا فإنه ،ليس الباعث لختيار الباطل مع وضوح الحق وظهوره إل
حب الدنيا فانها غالبا مع أهل الباطل .ويمكن تعميم الحق في كل حكم
ومسألة ،فان الغراض الدنيوية تعمي القلب عن الحق ،أو المراد بالحق
الرب تعالى أي قربه ووصاله " وهو " اي الزهد " ضد لما طلب أعداء
الحق " وقوله " مماذا " طلب لبيان ما طلبه اعداء الحق فبين عليه
السلم بقوله " :من الرغبة فيها " والرغبة وإن كانت عين الطلب ،لكن
جعلها مطلوبهم مبالغة ،ويحتمل أن يكون " ما " في قوله " :لما طلب "
مصدرية ،فل يكون " مما " للبيان بل للتعليل كما سيأتي .ويحتمل أن
يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء
][57
الحق ،فمن في قوله " :مما " للتعليل ،و " ماذا " للستفهام أي لي علة صار
ضد الحق مطلوبهم ،قال :لرغبتهم في الدنيا ،وقيل :أي مماذا طلب أعداء
الحق مطلوبهم .والهمزة في " أل " للستفهام و " ل " للنفي و " من "
زائدة لعموم النفي والمعنى ال يوجد صبار كريم النفس ،يصبر على الدنيا،
وعلى فقرها وشدتها ،ويزهد فيها وقد يقرء " صبار " بكسر الصاد
وتخفيف الباء ،مصدر باب المفاعلة مضافا إلى كريم ،وقرء بعضهم أل
بالتشديد استثناء من الرغبة فيها أي إل أن تكون الرغبة فيها من صبار
كريم يطلبها من طرق الحلل ،ويصبر على الحرام وعلى إخراج الحقوق
المالية وإعانة الفقراء فان الرغبة في هذه الدنيا إنما هي للخرة وأول
الوجوه أظهرها .ثم رغب عليه السلم في الزهد وسهل تحصيله بقوله" :
فانما هي " اي الدنيا " أيام قلئل " وهي أيام العمر فالصبر على ترك
الشهوات وتحمل الملذ ) (1فيها سهل يسير سيما إذا كان مستلزما للراحة
الطويلة الدائمة " ال إنه " ال حرف تنبيه وشبه حصول اليمان الكامل في
القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بادراك طعم شئ لذيذ مع أن اللذات
الروحانية أعظم من اللذات الجسمانية .قوله " :إذا تخلى المؤمن من الدنيا
" أي جعل نفسه خالية من حب الدنيا وقطع تعلقه بها أو تفرغ للعبادة
مجتنبا من الدنيا ومعرضا عنها قال في النهاية :فيه :أن تقول أسلمت
وجهي إلى ال وتخليت ،التخلي التفرع ،يقال تخلى للعبادة وهو تفعل من
الخلو والمراد التبرؤ من الشرك وعقد القلب على اليمان ،وقال :السمو
العلو يقال سما يسمو سموا فهو سام ،ويقال :فلن يسمو إلى المعالي إذا
تطاول إليها انتهى اي ارتفع من حضيض النقص إلى أوج الكمال أو مال
وارتفع إلى عالم الملكوت وارتفعت همته عن التدنس بما في عالم
الناسوت " .كأنه قد خولط " قال في القاموس :خالطه مخالطة وخلطا
مازجه ،والخلط
) (1كذا في النسخ ،والظاهر تحمل المشاق ،أو تجنب الملذ )*(.
][58
بالكسر أن يخالط الرجل في عقله وقد خولط ،وفي النهاية فيه ظن الناس أن قد
خولطوا وما خولطوا ،ولكن خالط قلبهم هم عظيم ،يقال :خولط فلن في
قلبه إذا اختل عقله ،فقوله :خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة،
وهذا أعل درجات المحبين ،حيث استقر حب ال تعالى في قلوبهم ،وأخرج
حب كل شئ غيره منها ،فل يلتفتون إلى غيره تعالى ،ويتركون معاشرة
عامة الخلق لمباينة طوره اطوارهم ،فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا
النبياء عليهم السلم إلى الجنون لذلك " .إن القلب إذا صفا " اي أن
القلب اي الروح النساني لما كان من عالم الملكوت ،ولنما اهبط إلى هذا
العالم الدنى أو ابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالت ،وحيازة السعادات
-كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل اشد بياضا
وأصفى مما كان -فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العليق الجسمانية
والشهوات الظلمانية ،لحق بالنعام ،بل هو أضل سبيل ،وإن تمسك بعروة
الشريعة الحقة ،وعمل بالنواميس اللهية ،والرياضات البدنية ،حتى انفتح
له عين اليقين ،فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة ،رآها ضيقة
مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية،
والصفات الدنية استوحش منها وتذكر عالمه الصلي فرغب إليها ،وتعلق
بها فجانب المتعلقين بهذا العالم ،وآنس بالمتعلقين بالملء العلى ،فلحق
بهم ،وضاقت به الرض ،وصارت همته رفيعة عالية ،فلم يرض إل
بالصعود إلى سدرة المنتهى ،وجنة المأوى ،فهم مع كونهم بين الخلق
أرواحهم معلقة بالملء العلى ،ويستسعدون بقرب المولى .أو يقال :لما
كانت الرض أعظم اجزاء النسان ،وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة
إليها بالطبع ،لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة
والبواعث إلى لذاتها ظاهرة ،فربما اشتغل بها واكتسب الخلق والعمال
الفاسدة لتحصيل المقاصد ،حتى تصير النفس تابعة لها ،راضية بأثرها،
مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات ،منغمسة في اللذات ،فتحجب الستقرار
في الرض ،وتركن
][59
إليها ،وأما إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها ،وصرفتها عن هواها ،وروضتها
بمقامع الشريعة ،وأدبتها بآداب الطريقة ،حتى غلبت عليها ،وصفت عن
كدوراتها وطهرت عن خبائث لذاتها ،وتحلت بالخلق الفاضلة ،والعمال
الصالحة والداب السنية ،والطوار الرضية ،ضاقت بها الرض حتى تسمو
إلى عالم النور ،فتشاهد العالم العلى بالعيان ،وتنظر إلى الحق بعين
العرفان ،ويزداد لها نور اليمان واليقان ،فتعاف جملة الدنيا ،والستقرار
في الرض ،فبدنها في هذه الدنيا ،وهي في العالم العلى ،فيصير كما قال
عليه السلم :لول الجال التي كتبت عليهم لم يستقر أرواحهم في أبدانهم
طرفة عين ،ولذا قال مولى المؤمنين عند الشهادة :فزت ورب الكعبة29 .
-كا :عن علي ]عن أبيه[ عن علي بن محمد القاساني ،عن القاسم بن
محمد ،عن سليمان بن داود المنقري ،عن عبد الرزاق بن همام ،عن معمر
بن راشد ،عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال :سئل علي بن
الحسين عليه السلم أي العمال افضل عند ال عزوجل ،فقال :ما من عمل
بعد معرفة ال عزوجل ومعرفة رسوله صلى ال عليه وآله افضل من
بغض الدنيا ،وإن لذلك لشعبا كثيرة ،وللمعاصي شعبا :فأول ما عصي ال
به الكبر وهي معصية إبليس حين " أبى واستكبر و كان من الكافرين " )
(1والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال ال عزوجل لهما " :كل من
حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " ) (2فأخذا ما ل
حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيمة وذلك أن أكثر ما
يطلب ابن آدم ما ل حاجة به إليه ،ثم الحسد وهي معصيه ابن آدم حيث
حسد أخاه فقتله .فتشعب من ذلك حب النساء ،وحب الدنيا ،وحب الرياسة،
وحب الراحة ،وحب الكلم ،وحب العلو و ]حب[ الثروة ،فصرن سبع
خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا ،فقال النبياء والعلماء بعد معرفة
ذلك :حب الدنيا
][60
رأس كل خطيئة ،والدنيا دنياءان دنيا بلغ ودنيا ملعونة ) .(1بيان " :وإن لذلك "
أي لبغض الدنيا " لشعبا " اي من الصفات الحسنة والعمال الصالحة
وهي ضد شعب المعاصي ،كالتواضع مع الكبر ،والقنوع مع الحرص،
والرضا بما آتاه ال مع الحسد ،وقد مر ذكر الضداد كلها في باب جنود
العقل والجهل ،وإنما ذكر هنا معظمها " وهي معصية آدم " هي عند
المامية مجاز ،والنهي عندهم نهي تنزيه " فدخل ذلك " أي الحرص أو
أخذ ما ل حاجة به إليه " وذلك أن أكثر ما يطلب " إنما قال :أكثر لن قدر
الكفاف ل بد منه " فتشعب من ذلك " أي من ذلك المذكور ،وهو الكبر
والحرص والحسد والتخصيص بالحسد بعيد معنى " .حب النساء " أي
لمحض الشهوة ل لتباع السنة ،أو إذا انتهى إلى الحرام والشبهة " وحب
الدنيا " اي حياة الدنيا وكراهة الموت ،لئل ينافي اجتماعهن في حب
الدنيا ،وإن احتمل أن يكون المراد اجتماع الخمسة أو الظرفية المجازية "
وحب الرياسة " أي بغير استحقاق أو الباطلة أو لمحض الستيلء والغلبة
" وحب الراحة " كأن النوم ايضا داخل فيها " وحب الكلم " اي بغير
فائدة أو للفخر والمراء " وحب العلو " أي في المجالس أو العم " وحب
الثروة " أي الكثرة في الموال أو العم منها ومن الولد والعشاير
والتباع ،وروى في المحاسن عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ان أول ما
عصى ال به ست :حب الدنيا ،وحب الرياسة ،وحب الطعام ،وحب النساء
وحب النوم ،وحب الراحة .قوله عليه السلم " :والعلماء " أي الوصياء
أو العم وقولهم إما بالوحي أو بعلومهم الكاملة ،ثم لما كان هنا مظنة أن
ارتكاب كل ما في الدنيا مذموم قسم عليه السلم الدنيا إلى دنيا بلغ أي
تبلغ به إلى الخرة ويحصل بها مرضاة الرب تعالى ،أو دنيا تكون بقدر
الضرورة والكفاف ،فالزائد عليها ملعونة ،اي ملعون
][61
][62
سيد الساجدين :عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا
للشيطان فاقبضني إليك .ولو لم يكن الكون في الدنيا صلحا للعباد،
لتحصيل الذخاير للمعاد ،لما أسكن ال الرواح المقدسة في تلك البدان
الكثيفة ،وسيأتي خطبة أمير المؤمنين عليه السلم في ذلك ،وسنتكلم عليها
إنشاء ال تعالى .الثاني :الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها ،وهذه
ايضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو
وسيلة إليها وما يلهي عن ذكر ال ويمنع عبادة ال ،أو يحبها حبا ل يبذلها
في الحقوق الواجبة والمستحبة ،وفي سبل طاعة ال كما مدح ال تعالى
جماعة حيث قال " رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام
الصلوة وإيتاء الزكوة " ) .(1وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها
وحبها ،وشغل القلب بها ،والبخل بها في طاعة ال وجعلها وسيلة لما يبعد
عن ال ،وأما تحصيلها لصرفها في مرضاة ال وتحصيل الخرة بها فهي
من افضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات .وقد روي في الصحيح عن
ابن ابي يعفور قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :إنا لنحب الدنيا فقال
لي :تصنع بها ماذا ؟ قلت :أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي ،وأنيل
إخواني واتصدق ،قال لي :ليس هذا من الدنيا ،هذا من الخرة .وقد روي
نعم المال الصالح للعبد الصالح ونعم العون الدنيا على الخرة وسيأتي
بعض الخبار في ذلك في أبواب المكاسب إنشاء ال تعالى .الثالث :التمتع
بملذ الدنيا من المأكولت والمشروبات والملبوسات والمنكوحات
والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك ،وقد وردت أخبار كثيرة في
استحباب التلذذ بكثير من ذلك ،ما لم يكن مشتمل على حرام أو شبهة أو
إسراف وتبذير وفي ذم تركها والرهبانية ،وقد قال تعالى " قل من حرم
زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " ).(2
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من مجموع اليات والخبار على ما نفهمه أن
الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع النسان من طاعة ال
وحبه ،وتحصيل الخرة ،فالدنيا والخرة ضرتان متقابلتان ،فكلما يوجب
رضى ال سبحانه وقربه فهو من الخرة ،وإن كان بحسب الظاهر من
أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها
تحصيل المعيشة للعيال ،لمره تعالى به وصرفها في وجوه البر ،وإعانة
المحتاجين والصدقات ،وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك ،فان هذه
كلها من أعمال الخرة ،وإن كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا.
والرياضات المبتدعة ،والعمال الريائية ،وإن كان مع الترهب وأنواع
المشقة فانها من الدنيا لنها مما يبعد عن ال ول يوجب القرب إليه،
كأعمال الكفار والمخالفين ،فرب مترهب متقشف يعتزل الناس ويعبد ال
ليل ونهارا ،وهو أحب الناس للدنيا ،وإنما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر
بالزهد والورع وليس في قلبه إل جلب قلوب الناس ،ويحب المال والجاه
والعزة ،وجميع المور الباطلة أكثر من ساير الخلق ،وجعل ترك الدنيا
ظاهرا مصيدة لتحصيلها ،ورب تاجر طالب للجر ل يعده الناس شيئا وهو
من الطالبين للخرة لصحة نيته وعدم حبه للدنيا .وجملة القول في ذلك أن
المعيار في العلم بحسن الشياء وقبحها وما يجب فعلها وتركها الشريعة
المقدسة ،وما صدر في ذلك عن اهل بيت العصمة صلوات ال عليهم ،فما
علم من اليات والخبار أن ال سبحانه أمر به وطلبه من عباده ،سواء
كان صلة أو صوما أو حجا أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة
للخلق أو عزلة أو غيرها وعملها بشرائطها وآدابها بنية خالصة فهي من
الخرة وما لم يكن كذلك فهو من الدنيا المذمومة المبعدة عن ال وعن
الخرة .وهي على انواع فمنها ما هو حرام ،وهو ما يستحق به العقاب،
سواء كان عبادة مبتدعة أو رياء وسمعة أو معاشرة الظلمة أو ارتكاب
المناصب المحرمة أو تحصيل
][64
الموال من الحرام أو للحرام وغير ذلك مما يستحق به العقاب .ومنها ما هو مكروه
كارتكاب الفعال والعمال والمكاسب المكروهة وكتحصيل الزوائد من
الموال والمساكن والمراكب وغيرها مما لم يكن وسيلة لتحصيل الخرة،
وتمنع من تحصيل السعادات الخروية .ومنها ما هو مباح كارتكاب
العمال التي لم يأمر الشارع بها ،ولم ينه عنها إذا لم تصر مانعة عن
تحصيل الخرة ،وإن كانت نادرة ،ويمكن إيقاع كثير من المباحات على
وجه تصير عبادة كالكل والنوم للقوة على العبادة ،وأمثال ذلك وربما كان
ترك المباحات بظن أنها عبادة بدعة موجبة لدخول النار ،كما يصنعه كثير
من أرباب البدع - 31 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن
عيسى ،عن علي بن الحكم عن ابي ايوب الخزاز ،عن أبي عبيدة الحذاء
قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :حدثني بما انتفع به ،فقال :يابا عبيدة
أكثر ذكر الموت ،فانه لم يكثر إنسان ذكر الموت إل زهد في الدنيا ).(1
بيان :كأن المراد بذكر الموت تذكر ما بعده من الهوال والشدائد
والحسرات ايضا ،ولن كان تذكر الموت وفناء الدنيا كافيا لزهد العاقل32 .
-كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن
الحكم بن أيمن ،عن داود البزاري قال :قال أبو جعفر عليه السلم :ملك
ينادي كل يوم :ابن آدم لد للموت ،واجمع للفناء ،وابن للخراب ) .(2بيان:
" لد للموت " اللم لم العاقبة ،كما في قوله تعالى " :فالتقطه آل فرعون
ليكون لهم عدوا وحزنا " ) (3والمر ليس على حقيقته بل الغرض اعلموا
ان ولدتكم عاقبتها الموت 33 .كا :بالسناد المتقدم ،عن علي بن الحكم،
عن موسى بكر ،عن ابي -
][65
إبراهيم عليه السلم قال :قال أبو ذر رحمه ال :جزى ال الدنيا عني مذمة بعد
رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالخر ،وبعد شملتي الصوف
أتزر بإحداهما وأرتدي بالخرى ) .(1بيان " :جزى ال الدنيا عني مذمة
" قوله " :مذمة " مفعول ثان لجزى اي يوفقني لن أجزيه ،وقيل :أحال
الذم إلى ال نيابة عنه للدللة على كمال ذمه ،فان كل فعل من الفاعل
القوي قوي وفي النهاية :الشملة كساء يتغطى به ويتلفف فيه انتهى ويدل
على جواز لبس الصوف بل استحبابه ،وما ورد بالنهي والذم فمحمول
على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة ،بل لظهار الزهد
والفضل ،كما ورد في وصية النبي صلى ال عليه وآله لبي ذر رضي ال
عنه :يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ،يرون أن لهم بذلك الفضل
على غيرهم ،وسيأتي الكلم فيه في أبواب التجمل إنشاء ال تعالى- 34 .
كا :بالسناد المتقدم ،عن علي بن الحكم ،عن المثنى ،عن ابي بصير عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :كان أبو ذر رضي ال عنه يقول في خطبته:
يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إل ما ينفع خيره ،ويضر
شره ،إل من رحم ال ،يا مبتغي العلم ل يشغلك أهل ول مال عن نفسك،
أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم ،والدنيا
والخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره ،وما بين الموت والبعث إل كنومة
نمتها ،ثم استيقظت منها ،يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي ال عزوجل،
فانك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغى العلم ) .(2بيان " :يا مبتغي
العلم " اي يا طالبه " كأن شيئا من الدنيا " هذا يحتمل وجوها الول أن
يكون إل في قوله " :إل ما ينفع " كلمة استثناء ،وما موصولة فالمعنى
أنما يتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره أو شئ يضر شره كل أحد "
إل من رحم ال " فيغفر له إما بالتوبة أو بدونها.
][66
الثاني أن يكون مثل السابق إل أنه يكون المعنى أن كل شئ في الدنيا له جهة نفع
وجهة ضر لكل الناس إل من رحم ال فيوفقه للحتراز عن جهة شره.
الثالث أن يكون كلمة " ما " مصدرية ،والستثناء من مفعول " يضر "
اي ليس شئ من الدنيا شيئا إل نفع خيره وإضرار شره لكل احد إل من
رحم ال .الرابع ما قيل :أن " أل " بالتخفيف حرف تنبيه ،و " ما " نافية
والضميران للشئ ومعنى الستثناء أن المرحوم ينتفع بخيره ،ول يتضرر
من شره ،وقيل في بيان هذا الوجه يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد
به ،ويركن إليه العاقل ،لنه إما خير أو شر ،وخيره ل ينفع لنه في
معرض الفناء والزوال ،وشره يضر إل مع رحمة ال ،وهو الذي عصمه
من الشر .الخامس أن كلمة " ما " مصدرية وضمير " خيره " راجعا إلى
" شيئا من الدنيا " والضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل والستثناء
من مفعول " يضر " اي كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إل نفع الطاعة
فيه ،أو إضرار المعصية فيه كل أحد إل من رحم ال بتوفيق التوبة ،وهذا
يرجع إلى المعنى الثالث ،وعلى جميع التقادير الستثناء الثاني مفرغ" .
عن نفسك " أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم ل ينفع مال ول بنون وقد
قال تعالى " :يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال
ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " ) (1والمراد بالهل هنا أعم من
الزوجة والولد ،وساير من في بيته ،بل يشمل القارب ايضا قال الراغب:
أهل الرجل من جمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من
صناعة وبيت وبلد وضيعة فأهل الرجل في الصل من جمعه وإياهم مسكن
واحد ،ثم تجوز به فقيل :أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب ،وعبر
بأهل الرجل عن امرأته وأهل السلم الذين يجمعهم .قوله " :كمنزل " أي
كمنزلين تحولت من إحداهما إلى الخر ،والتصريح
بتشبيه الدنيا للشارة إلى أن الهتمام هنا ببيان حاله أشد وأكثر ،والضمير في "
نمتها " راجع إلى النومة ،فهو بمنزلة مفعول مطلق ،وهذا بالنسبة إلى
المستضعفين وكأن التخصيص بذكرهم لن المتقين بعد الموت في النعيم
والجنة ،والكفار في العذاب والنار ،فليس بين الدنيا والخرة لهما فاصلة،
فيتحولون من الدنيا إلى الخرة ،كما روي :من مات فقد قامت قيامته .وأما
المستضعفون فلما كانوا ملهى عنهم ،استدرك ذلك بأن حالهم في البرزخ
كنوم ليلة ،فل فاصلة بين دنياهم وآخرتهم حقيقة ،ويحتمل أن يكون
الغرض بيان قلة نعيم البرزخ وجحيمها بالنسبة إلى نعيم الخرة وحميمها،
فكأنهم نائمون أو لن جل عذابهم بعد السؤال والضغطة وأمثالهما لما كان
روحانيا شبه تلك الحالة بالنومة ،ولم يتعرض أحد لتحقيق هذه الفقرة ،مع
إشكالها ومخالفتها ظاهرا لليات والخبار الكثيرة .قوله رحمه ال " :قدم
" اي العمل الصالح " لمقامك بين يدي ال عزوجل " أي للحساب " كما
تدين تدان " اي كما تفعل تجازى ،فهو على المشاكلة ول يضر تقدمه ،أو
كما تجازي الرب تجازى ،ول تخلو من بعد ،أو كما تجازي العباد تجازي،
فيكون تأسيسا ،قال الجوهري :دانه دينا اي جازاه ،كما يقال :كما تدين
تدان ،اي كما تجازي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت ،وقوله تعالى " إنا
لمدينون " ) (1اي مجزيون " .يا مبتغي العلم " قيل هذا افتتاح كلم آخر
تركه المصنف وإنما ذكر ليعلم أن ما ذكره ليس جميع الخطبة كما مر
بعضه في باب الصمت حيث قال رضي ال عنه :يا مبتغي العلم إن هذا
اللسان مفتاح خير الخ ) - 35 .(2كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن القاسم
بن يحيى ،عن جده الحسن
) (1الصافات (2) .53 :راجع الكافي ج 2ص ،114وقد أخرجه المؤلف العلمة
رضوان ال عليه في ج 71ص 301
][68
ابن راشد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
مالي والدنيا ؟ ]وما أنا والدنيا ؟[ إنما مثلي ومثلها كمثل راكب رفعت له
شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثم راح وتركها ) .(1بيان " :مالي
وللدنيا " أي اي شغل لي مع الدنيا وقيل " ما " نافية أي ما لي محبة مع
الدنيا ،أو للستفهام اي أي محبة لي معها حتى ارغب فيها ذكره الطيبي
في شرح بعض رواياتهم " وما أنا والدنيا ؟ " اي اي مناسبة بيني وبين
الدنيا ،ومن طريق العامة روي عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال
عليه وآله نام على حصير فقام وقد اثر في جسده ،فقالوا :لو أمرتنا أن
نبسط لك ونعمل ،فقال :مالي وللدنيا ؟ وما أنا والدنيا إل كراكب استظل
تحت شجرة ثم راح أو تركها .أقول :وجه الشبه سرعة الرحيل ،وقلة
المكث ،وعدم الرضا به وطنا ،وقال الكرماني في شرح البخاري فيه
فرفعت لنا صخرة اي ظهرت لبصارنا ،وفيه أيضا فرفع إلى البيت المعمور
اي قرب وكشف وعرض .وقال الجوهري :يوم صائف اي حار وليلة
صائفة ،وربما قالوا يوم صاف بمعنى صائف كما قالوا يوم راح ،وقال:
القائلة الظهيرة ،يقال :أتانا عند القائلة ،وقد يكون بمعنى القيلولة أيضا
وهي النوم في الظهيرة تقول :قال يقيل قيلولة وقيل ومقيل وهو شاذ فهو
قائل .وفي المصباح راح يروح رواحا وتروح مثله ،يكون بمعنى الغدو
وبمعنى الرجوع ،وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح ل يكون إل في آخر
النهار ،وليس كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملن في المسير أي
وقت كان من ليل أو نهار ،وقال ابن فارس :الرواح رواح العشي وهو من
الزوال إلى الليل - 36 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن
يحيى بن عقبة الزدي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أبو جعفر
عليه السلم :مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على
نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج ،حتى تموت غما.
][69
قال :وقال أبو عبد ال عليه السلم :وكان فيما وعظ به لقمان ابنه :يا بني إن
الناس قد جمعوا قبلك لولدهم ،فلم يبق ما جمعوا ،ولم يبق من جمعوا له،
وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا ،فأوف عملك،
واستوف أجرك ،ول تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر،
فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها ،ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة
على نهر جزت عليها ،وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر ،أخربها ول
تعمرها ،فانك لم تؤمر بعمارتها .واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي
ال عزوجل عن اربع :شبابك فيما أبليته ،وعمرك فيما افنيته ،ومالك مما
اكتسبته ،وفيما أنفقته ،فتأهب لذلك وأعد له جوابا ،ول تأس على ما فاتك
من الدنيا ،فان قليل الدنيا ل يدوم بقاؤه ،وكثيرها ل يؤمن بلؤه ،فخذ
حذرك ،وجد في أمرك ،واكشف الغطاء عن وجهك ،وتعرض لمعروف
ربك ،وجدد التوبة في قلبك ،واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك،
ويقضى قضاؤك ،ويحال بينك وبين ما تريد ) .(1بيان :قال في المصباح:
القز معرب قال الليث :هو ما يعمل منه البريسم ولهذا قال بعضهم :القز
والبريسم مثل الحنطة والدقيق انتهى ،و " لفا " تميز عن نسبة "
ازدادت " و " غما " مفعول له ،أو حال " .فلم يبق ما جمعوا " في بعض
النسخ " ما جمعوا له " وكأنه زيد " له " من النساخ ،وعلى تقديره كأن
المعنى لم يبق الغراض والمطالب الباطلة التي جمعوا لها الدنيا ،كالجاه
والعزة والغلبة والفخر وأمثالها " .فكان حتفها " اي هلكها المعنوي فان
التمتع بالمستلذات الجسمانية موجبة لقوة القوى الشهوانية وطغيانها،
وهذا استعاره تمثيلية ،شبه توسع النسان في لذات الدنيا وشهواتها،
وعدم مبالته بحرامها وشبهاتها ،وابتلئه بعد الموت بعقوباتها ،بشاة
وقعت في زرع اخضر فأكلت منها حيث شاءت وكيف شاءت بل مانع ،حتى
إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها.
][70
" آخر الدهر " اي إلى آخر الزمان اي أبدا " أخربها " اي دعها خرابا بترك ما ل
تحتاج إليه من المطاعم والمشارب والملبس والمناكح والمساكن
والقتصار على القدر الضرروي في كل منها " ستسأل " قيل :السين
لمحض التأكيد " فيما أبليته " كلمة ما في المواضع الربعة استفهامية،
وإثبات اللف مع حرف الجر فيها شاذ ،والثوب البالي هو الذي استعمل
حتى أشرف على الندراس .ثم إن العمر ل يستلزم القوة والشباب فكل
منهما نعمة يسأل عنها ،ومع الستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤال عن كل
منهما .وأما السؤال عن المال إما لغير المؤمنين أو لغير الكاملين منهم لما
روي عن أمير المؤمنين عليه السلم فيما كتب إلى أهل مصر :من عمل ل
أعطاه ال أجره في الدنيا والخرة ،وكفاه المهم فيهما وقد قال ال " يا
عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال
واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ) (1فما أعطاهم ال في
الدنيا لم يحاسبهم به في الخرة ،قال ال تعالى " :للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة " ) (2والحسنى هي الجنة ،والزيادة هي الدنيا ) .(3وروى البرقي
في الصحيح ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :ثلثة أشياء ل يحاسب
العبد المؤمن عليهن :طعام يأكله ،وثوب يلبسه ،وزوجة صالحة تعاونه
ويحصن بها فرجه ) (4وقد وردت أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى" :
ولتسئلن يومئذ عن النعيم " ) (5أن النعيم ولية أهل البيت عليهم السلم )
(6وقد روى العياشي وغيره أنه سأل أبو حنيفة أبا عبد ال عليه السلم
عن هذه الية فقال له :ما النعيم عندك يا نعمان ؟ قال :القوت من الطعام،
والماء البارد ،فقال :لئن أوقفك ال بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن
كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك
) (1الزمر (2) .10 .يونس (3) .26 :راجع أمالي الطوسي ج 1ص (4) .25
راجع المحاسن ص (5) .399التكاثر (6) .8 :راجع ج 24ص 66 - 48
من هذه الطبعة الحديثة )*(.
][71
بين يديه ،قال :فما النعيم جعلت فداك ؟ قال :نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم ال بنا
على العباد ،الخبر ) .(1ويمكن أن يقال :السؤال عن مال اكتسبه من حلل
أو حرام أو أنفقه في حلل أو حرام ل ينافي عدم محاسبتهم على ما أنفقوه
في الحلل ،من مأكلهم ومسكنهم وملبسهم ،ونحو ذلك ،أو المراد بتلك
الخبار أنهم ل يعاتبون بذلك ،ول يقاص من حسناتهم بها ،فل ينافي أصل
المحاسبة كما روى الشيخ في مجالسه باسناده عن أمير المؤمنين عليه
السلم قال :يوقف العبد بين يدي ال فيقول :قيسوا بين نعمي عليه وبين
عمله ،فتستغرق النعم العمل ،فيقولون :قد استغرق النعم العمل ،فيقول
هبوا له نعمي وقيسوا بين الخير والشر منه ،فان استوى العملن أذهب
ال الشر بالخير ،وأدخله الجنة ،وإن كان له فضل أعطاه ال بفضله ،وإن
كان عليه فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بال تعالى واتقى الشرك به،
فهو من أهل المغفرة ،يغفر ال له برحمته إن شاء ويتفضل عليه بعفوه )
.(2وقال الجوهري :تأهب استعد واهبة الحرب عدتها ،وقال :السى بالياء
مفتوح مقصور :الحزن وأسى على مصيبته بالكسر يأسى أسى اي حزن "
ل يدوم بقاؤه " والعاقل ل يتأسف بفوت قليل لبقاء له " ل يؤمن بلؤه "
أي في الدنيا والخرة والعاقل ل يتأسف بفوت ما يتوقع منه الضرر
والبلية ،مع أن الرب الذي فوتهما عليه أعلم بمصلحته أو المعنى ل تحزن
على ما لم يصل إليك من الدنيا فإن الصبر على قليل الدنيا وقلته سهل،
فانه ل يدوم ،وينقضي قريبا بالموت والكثرة محل الفات " .فخذ حذرك "
بالكسر أي ما تحذر به من مكائد النفس والشيطان في الدنيا
) (1تراه في مجمع البيان ج 10ص 534و 535في حديث طويل ،ويوجد في
دعوات الراوندي أيضا (2) .أمالي الطوسي ص ،132من طبعته
الحجرية )*(.
][72
والعذاب في الخرة ،قال الراغب في قوله تعالى " :خذوا حذركم " ) (1اي ما فيه
الحذر من السلح وغيره " وجد في أمرك " أي في تهيئة سفر الخرة،
والستعداد للقاء ال ،من العقايد الحسنة ،والعمال الصالحة ،والخلق
المرضية ،فان من أراد سفرا يأخذ السلحة لدفع ضرر الطريق ،ويجهز
ويهيئ ما يحتاج إليه في ذلك السفر " .واكشف الغطاء عن وجهك " أي
أرفع غطاء الغفلة عن وجه قلبك ،لتميز بين الحق والباطل ،والفاني
والباقي ،أو عن الجهة التي تتوجه إليه والطريق الذي تسلكه ،لئل يشتبه
عليك ،فتسلك طريقا يؤديك إلى النار وأنت ل تعلم " وتعرض لمعروف
ربك " بما به يستحق إحسانه وتفضله عليك ،من صالح النيات والعمال
" وجدد التوبة في قلبك " اي كلما ذكرت معاصيك ،وفي النسبة إلى القلب
إشعار بأن التوبة أمر قلبي وهي الندامة على ما مضى ،والعزم على عدم
التيان بمثله فيما سيأتي ،وفيه دللة على حسن تكرار التوبة ،وإن كانت
عن معصية واحدة " ،واكمش " أي اسرع وعجل ،في الصحاح الكمش
الرجل السريع الماضي ،وقد كمش بالضم كماشة فهو كمش وكميش
وكمشته تكميشا اعجلته ،وانكمش وتكمش أسرع انتهى " .في فراغك "
أي في أن تفرغ من المور التي تحتاج إليه في الخرة أو في فراغك من
الدنيا ،وجعلك نفسك فارغة منها للخرة ،أو في قصدك إلى الخرة أو
أسرع في العمل في أيام فراغك قبل أن تشتغل أو تبتلى بشئ يمنعك عنه،
فان الفراغ خلف الشغل قال في المصباح :فرغ من الشغل فروغا من باب
قعد ومن باب تعب لغة لبني تميم ،والسم الفراغ ،وفرغت للشئ وإليه
قصدت .أقول :ويؤيد المعنى الخير ما روي في مجالس الشيخ عن ابن
عمر خذ من حياتك لموتك ،وخذ من صحتك لسقمك ،وخذ من فراغك
لشغلك ،فانك يا عبد ال ما تدري
][73
ما اسمك غدا ) (1وما رواه الصدوق في مجالسه عن الكاظم ،عن آبائه ،عن علي
عليهم السلم في قول ال عزوجل " ول تنس نصيبك " قال :ل تنس
صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الخرة ) " (2قبل
أن يقصد " على بناء المجهول " قصدك " أي نحوك ،كناية عن توجه
ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه المراض والبليا من ال إليه "
ويقضى قضاؤك " اي يقدر ويحتم موتك " ،ويحال " بالموت أو العم "
بينك وبين ما تريد " من التوبة والعمال الصالحة ول ينفعه تمني الحياة
والرجعة حيث يقول " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " فيقال
" كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " )(3
أعاذنا ال وسائر المؤمنين من ندامة تلك الساعة وأهوال هذا اليوم- 37 .
كا :علي ،عن ابيه ،عن ابن محبوب ،عن بعض اصحابه ،عن ابن ابي
يعفور قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :في ما ناجى ال عزوجل
به موسى عليه السلم يا موسى ل تركن إلى الدنيا ركون الظالمين،
وركون من اتخدها أبا وأما ،يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر إليها إذا
لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها ،يا موسى نافس في الخير واسبقهم إليه،
فان الخير كاسمه ،واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه ،ول تنظر عينك إلى
كل مفتون بها ،وموكل إلى نفسه ،واعلم أن كل فتنة بدوها حب الدنيا ،ول
تغبط أحدا بكثرة المال ،فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق،
ول تغبطن أحدا برضى الناس عنه ،حتى تعلم أن ال راض عنه ،ول
تغبطن أحدا ) (4بطاعة الناس له ،فان طاعة الناس له واتباعهم إياه على
غير الحق هلك له ولمن اتبعه ) .(5بيان :يقال ركن إليه كنصروعلم
ومنع :مال ويطلق غالبا على الميل القلبي
][74
" لو وكلتك " يدل على أن الزهد في الدنيا ل يحصل بدون توفيقه تعالى ،وفي
القاموس نظر لهم :رثى لهم وأعانهم ،وقال :النظر محركة الفكر في الشئ
تقدره وتقيسه والحكم بين القوم ،والعانة ،والفعل كنصر ،وفي النهاية:
المنافسة الرغبة في الشئ والنفراد به ،وهو من الشئ النفيس الجيد في
نوعه ،ونافست في الشئ منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه .قوله عليه السلم:
" فان الخير كاسمه " لعل المعنى أن الخير لما دل بحسب اصل معناه في
اللغة على الفضلية ،وما يطلق عليه في العرف والشرع من العمال
الحسنة أو إيصال النفع إلى الغير هي خير العمال ،فالخير كاسمه أي
إطلق هذا السم على تلك المور بالستحقاق ،والمعنى المصطلح مطابق
للمدلول اللغوي أو المراد به أن الخير لما كان كل من سمعه يستحسنه فهو
حسن واقعا وحسنه حسن واقعي والحاصل ان ما يحكم به عقول عامة
الخلق في ذلك مطابق للواقع ،أو المراد باسمه ذكره بين الناس يعني أن
الخير ينفع في الخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا " .ما بك الغنا
عنه " اي ما لم يحتج إليه بل لم تضطر إليه " ول تنظر " على بناء
المجرد " عينك " بالرفع أو النصب بنزع الخافض اي بعينك وربما يقرء
" تنظر " على بناء الفعال اي ل تجعلها ناظرة " إلى كل مفتون بها " اي
مبتلى مخدوع بها والمراد النظر إلى كل من لقيه منهم فانه ل يمكن النظر
إلى كلهم أو كناية عن أن النظر إلى واحد منهم بالعجاب به وبما معه من
زينتها بمنزلة النظر إلى جميعهم لشتراك العلة " .وموكل إلى نفسه "
المتبادر أنه على بناء المفعول ،لكن الظاهر حينئذ وموكول إذ لم يأت أو
كله في ما عندنا من كتب اللغة لكن كثير من البنية المتداولة كذلك ،ويمكن
أن يقرء على بناء الفاعل من اليكال بمعنى العتماد في القاموس وكل
بال يكل وتوكل عليه وأوكل واتكل :استسلم إليه ووكل إليه المر وكل
ووكول سلمه وتركه " .أن كل فتنة " أي ضللة أو بلية أو امتحان أو إثم
في القاموس :الفتنة بالكسر
][75
][76
والتسويف ،حتى أتاهم أمر ال بغتة وهم غافلون ،فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم
المظلمة الضيقة ،وقد أسلمهم الولد والهلون .فانقطع إلى ال بقلب
منيب :من رفض الدنيا ،وعزم ليس فيه انكسار ،ول انخزال ،أعاننا ال
وإياك على طاعته ،ووفقنا ال وإياك لمرضاته ) .(1بيان :قال الراغب:
الوعظ زجر مقترن بتخويف ،وقال الخليل :هو التذكير بالخير فيما يرق له
القلب ،والعظة والموعظة السم ،وقال :الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل
به مقترنا بوعظ ،من قولهم ارض واصية متصلة النبات ،ويقال :أوصاه
ووصاه " فان من اتقى ال " علة للوصية " عز " اي بعزة واقعية
ربانية ل تزول باذلل الناس كما قال تعالى " ول العزة ولرسوله
وللمؤمنين " ) " (2وقوي " بقوة معنوية إلهية ل تشبه القوى الدنية،
كما قال أمير المؤمنين عليه السلم :ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ،بل
بقوة ربانية " وشبع وروي " من غير اكتساب لقوله تعالى " ومن يتق
ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " ) (3أو شبع بالعلوم
الدينية ،وارتوى بزلل الحكمة اللهية " .ورفع عقله " على بناء
المجهول " عن أهل الدنيا " أي صار عقله أرفع من عقولهم أو ارفع من
أن ينظر إلى الدنيا وأهلها ،ويلتفت إليهم ويعنتني بشأنهم إل لهدايتهم
وإرشادهم " فبدنه مع أهل الدنيا " لكونه من جنس أبدانهم في الصورة
الجسدانية " وقلبه وعقله " لشدة يقينه " معاين الخرة " لتخليته عن
العلئق الجسمانية " .من حب الدنيا " من للبيان أو للتبعيض وإسناد
البصار إلى الحب على المجاز أو المصدر بمعنى المفعول ،أو هو بالكسر
قال في القاموس :الحب بالكسر المحبوب ،شبه عليه السلم ما أبصره أو
أحبه بالنار في الهلك ،استعارة مكنية ،ونسبة الطفاء إليه تخييلية.
][77
" فقذر حرامها " اي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه ،أو كرهه ،في الصحاح القذر
ضد النظافة ،وشئ قذر بين القذارة ،وقذرت الشئ بالكسر وتقذرته
واستقذرته إذا كرهته " وجانب شبهاتها " وهي المشتبهات بالحرام ،مع
عدم العلم بكونها حراما كأموال الظلمة ،فيكون مكروها على المشهور أو
الذي اشتبه عليه الحكم فيه ،فاجتنا به مستحب على المشهور ،وكأنه عليه
السلم لذلك غير التعبير فعبر هنا بالجتناب ،وفي الحرام بالحكم بالقذارة.
" واضر " على بناء المعلوم كناية عن تركه ،وعدم العتناء به ،وترك
اللتفات إليه أو على بناء المجهول أي يعد نفسه متضررة به أو يتضرر
به ،لعلو حاله " بالحلل الصافي " من الشبهة فكيف بالحرام والشبهة،
وفي المصباح الكسرة القطعة من الشئ المكسور ،ومنه الكسرة من الخبز،
وفي القاموس :الكسرة بالكسر القطعة من الشئ المكسور والجمع كسر،
انتهى " .يشد بها صلبه " أي يقوى بها على العبادة " من أغلظ ما يجد "
ظاهره استحباب الكتفاء بالثياب الخشنة ،وإن ان قادرا على الناعمة ،وهو
مخالف لخبار كثيرة إل أن يحمل على أن المراد به من الغلظ الذي يجده
أي إذا لم يجد غيره أو على ما إذا لم يجد غيره إل بارتكاب الحرام أو
الشبهة أو بصرف جل أوقاته في تحصيله ،بحيث يمنعه عن النوافل
وفواضل الطاعات أو على ما إذا علم أنه يصير سببا لطغيانه ،وأن علج
كبره وصفاته الذميمة منحصر في ذلك " .ثقة ول رجاء " أي بغيره
سبحانه ،كما بينه في الفقرة التية ،وفي المصباح الجد بالكسر الجتهاد،
وهو مصدر يقال منه جد يجد من بابي ضرب وقتل والسم الجد بالكسر "
وأتعب بدنه " أي بالعبادات الشرعية ل العمال المبتدعة " .فأبدل ال له
" لنه تعالى قال " لئن شكرتم لزيدنكم " ) (1فمن بذل ما أعطاه ال من
الموال الفانية عوضه ال من الموال الباقية اضعافها ،ومن بذل قوته
البدنية في طاعة ال أبدله ال قوة روحانية ل يفنى في الدنيا والخرة،
فتبدو منه
][78
المعجزات ،وخوارق العادات والكرامات ،وما ل يقدر عليه بالقوى الجسمانية ومن
بذل علمه في ال وعمل به ورثه ال علما لدنيا يزيد في كل ساعة ،ومن
بذل عزه الفاني الدنيوي في ]رضى ال تعالى أعطاه ال عزا حقيقيا ل
يتبدل بالذل ابدا كما أن النبياء والوصياء عليهم السلم لما بذلوا عزهم
الدنيوي في[ ) (1سبيل ال أعطاهم ال عزة في الدارين ل يشبه عز
غيرهم ،فيلوذ الناس بقبورهم وضرايحهم المقدسة والملوك يعفرون
وجوههم على أعتباهم ،ويتبركون بذكرهم .ومن بذل حياته البدنية في
الجهاد في سبيله عوضه ال حياة أبدية يتصرفون بعد موتهم في عوالم
الملك والملكوت ،ولذا قال تعالى " ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال
أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " ) (2ومن بذل نور بصره وسمعه في
الطاعة أعطاه ال نورا منه به ينظر في ملكوت السماوات والرض ،وبه
يسمع كلم الملئكة المقربين ،ووحي رب العالمين ،كما ورد :المؤمن
ينظر بنور ال وورد :بي يسمع وبي يبصر ،وإذا تخلى من إرادته وجعلها
تابعة لرادة ال ،جعله بحيث ل يشاء إل أن يشآء ال ،وكان ال هو الذي
يدبر في بدنه وقلبه وعقله وروحه والكلم هنا دقيق ل تفي به العبارة
والبيان ،وفي هذا المقام تزل القدام .والرفض الترك " يعمى " اي بصر
القلب عن رؤية الحق كما قال تعالى " إنها ل تعمى البصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور " ) " (3ويصم " القلب أيضا عن سماع الحق
وقبوله ،ويمكن أن يراد بهما عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى
فكأنه أعمى وصمم السمع الظاهر لنه ل ينتفع بما يسمع ،فكأنه أصم كما
قال سبحانه " ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة
" ) (4والبكم نسبته إلى الظاهر أظهر ،فانه لما لم يتكلم بالحق وبما ينفعه،
فكأنه أبكم ،وإن أمكن حمله أيضا على لسان القلب ،فان لسان الرأس معبر
عنه حقيقة " .ويذل الرقاب " لنه موجب للتذلل عند أهل الدنيا لتحصيله
أو يذلها
) (1ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج 2ص (2) .143آل عمران:
(3) .169الحج (4) .46 :البقرة.(*) 7 :
][79
لقبول الباطل من أهله من الذل بالكسر ،وهو ضد الصعوبة " فتدارك ما بقي "
التدارك ليس هنا بمعنى التلفي ،ول بمعنى التلحق ،بل بمعنى الدراك اي
ادركه ول تفوته كقوله تعالى " :لول أن تداركه نعمة من ربه " ) (1اي
أدركته باجابة دعائه كما قاله الطبرسي ،ويحتمل أن يكون ما بقي ظرفا
والمفعول مقدرا اي تلف ما فات منك فيما بقي من عمرك لكنه بعيد " ول
تقل غدا " أي أتوب أو أعمل غدا " حتى أتاهم أمر ال " أي بالموت أو
بالعذاب " بغتة " بالفتح وقد تحرك أي فجاءة " وهم غافلون " من إتيانه
" على أعوادهم " أي كائنين على السرر والتوابيت المعمولة من العواد
" إلى قبورهم المظلمة الضيقة " فانها على الشقياء كذلك وإن كانت
للصفياء روضة من رياض الجنة " فانقطع " اي عن الدنيا وأهلها "
بقلب " أي مع قلب " منيب " اي تائب راجع عن الذنوب إشارة إلى قوله
تعالى " :من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " ) (2قال الطبرسي:
أي وافى الخرة بقلب مقبل على طاعة ال راجع إلى ال بضمائره " من
رفض الدنيا " " من " تعليل للنابة أو للنقطاع " وعزم " عطف على "
قلب " " ،ليس فيه انكسار " اي وهن " ول انخزال " اي تثاقل أو
انقطاع في القاموس :النخزال مشية في تثاقل والنخزال النفراد،
والحذف ،والقتطاع ،وانخزل عن جوابي لم يعبأ به ،وفي كلمه انقطع "
لمرضاته " اي لما يوجب رضاه عنا - 40 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن
عبد الگه بن المغيرة وغيره ،عن طلحة بن زيد ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد
عطشا حتى يقتله ) .(3بيان " :كمثل ماء البحر " اي المالح ،وهذا من
أحسن التمثيلت للدنيا وهو مجرب ،فان الحريص على جمع الدنيا كلما
ازداد منها ازداد حرصه عليها وأيضا كلما حصل منها ل بد له لحفظه
ونموه وسائر ما يليق به ويناسبه من
) (1القلم (2) .49 :ق (3) .33 :الكافي ج 2ص .(*) 137
][80
أشياء أخرى ول ينتهي إلى حد ،فيصرف جميع عمره في تحصيلها حتى يموت
ويبقى له حسراتها وعقوباتها أعاذنا ال منها - 41 .كا :عن الحسين بن
محمد ،عن المعلى ،عن الوشاء قال :سمعت الرضا عليه السلم يقول :قال
عيسى بن مريم صلوات ال عليه للحواريين :يا بني إسرائيل ل تأسوا على
ما فاتكم من الدنيا ،كما ل يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا
اصابوا دنياهم ) .(1بيان :قال في النهاية " :فيه حواري من أمتي " اي
خاصتي من أصحابي وناصري ،ومنه الحواريون اصحاب عيسى عليه
السلم اي خلصاؤه وأنصاره وأصله وأصله من التحوير :التبييض ،قيل:
إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ،ومنه الخبز الحوارى
الذي نخل مرة بعد مرة قال الزهري :الحواريون :خلصان النبياء وتأويله
الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب ،وقال الراغب :الحواريون أنصار عيسى
عليه السلم قيل :كانوا قصارين ،وقيل :كانوا صيادين .وقال بعض
العلماء :إنما سموا حواريين لنهم كانوا يطهرون نفوس الناس -بافادتهم
الدين والعلم -المشار إليه بقوله " :إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا " ) (2قال :وإنما قيل :كانوا قصارين على التمثيل
والتشبيه وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة
بين العامة ،قال :وإنما قال :كانوا صيادين لصطيادهم نفوس الناس من
الحيرة وقودهم إلى الحق انتهى .اقول :وقد سبق كلم طويل الذيل في
أوايل هذا الباب في أثناء شرح حديث من الكافي ) (3أيضا في تحقيق
معنى الحواريين ،فل تغفل .والسى الحزن على فوت الفائت ،والغرض ل
يكون أهل الدنيا على باطلهم
][81
أشد حرصا منكم على الحق - 42 .نهج :الحمد ل غير مقنوط من رحمته ،ول
مخلو من نعمته ،ول مأيوس من مغفرته ،ول مستنكف عن عبادته ،الذي
ل تبرح منه رحمة ،ول تفقد منه نعمة ،والدنيا دار مني لها الفنا ،ولهلها
منها الجل ،وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب ،والتبست بقلب الناظر،
فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد ،ول تسألوا ]فيها[ فوق
الكفاف ،ول تطلبوا منها أكثر من البلغ ) - 43 .(1كنز الكراجكى :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :من أحب دنياه أضر بآخرته .وقال أمير
المؤمنين عليه السلم :الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب .وقال
صلى ال عليه وآله :من أمن الزمان خانه ،ومن غالبه أهانه ،وقال :الدهر
يومان :يوم لك ،ويوم عليك ،فان كان لك فل تبطر ،وإن كان عليك فاصبر،
فكلهما عنك سينحسر .وقال عليه السلم :من أصبح حزينا على الدنيا فقد
أصبح ساخطا على ربه تعالى ومن كانت الدنيا أكبر همه ،طال شقاؤه
وغمه ،الدنيا لمن تركها ،والخرة لمن طلبها ،الزاهد في الدنيا كلما ازدادت
له تحليا ازداد عنها تخليا .وقال عليه السلم :إذا طلبت شيئا من الدنيا
فزوى عنك ،فاذكر ما خصك ال به من دينك ،وصرفه عن غيرك ،فان ذلك
أحرى أن تستحق نفسك بما فاتك .وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :أنا
زعيم بثلث لمن أكب على الدنيا :بفقر ل غناء له وبشغل ل فراغ له ،وبهم
وحزن ل انقطاع له .وقال صلى ال عليه وآله :كونوا في الدنيا اضيافا،
واتخذوا المساجد بيوتا ،وعودوا قلوبكم الرقة ،وأكثروا التفكر والبكاء ،ول
تختلفن بكم الهواء ،تبنون ما ل تسكنون ،وتجمعون ما ل تأكلون،
وتأملون ما ل تدركون - 44 .عدة الداعي :قال الصادق عليه السلم :إنا
لنحب الدنيا وأن ل نؤتاها خير لنا من أن نؤتاها ،وما أوتي ابن آدم منها
شيئا إل نقص حظه من الخرة.
) (1نهج البلغة الرقم 45من الخطب ،وقوله " منى لها الفناء " أي قدر لها.
][82
- 45نهج :من خطبة له عليه السلم :دار بالبلء محفوفة ،وبالغدر معروفة ل تدوم
أحوالها ول يسلم نزالها ،أحوال مختلفة ،وتارات متصرفة ،العيش فيها
مذموم والمان منها معدوم ،وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم
بسهامها وتفنيهم بحمامها ) .(2واعلموا عباد ال أنكم وما أنتم فيه من
هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا
وأعمر ديارا وأبعد آثارا ،أصبحت اصواتهم هامدة ورياحهم راكدة )(3
وأجسادهم بالية ،وديارهم خالية ،وآثارهم عافية ،واستبدلوا بالقصور
المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والحجار المسندة والقبور اللطئة
الملحدة ،التي قد بنى للخراب فناؤها ،وشيد بالتراب بناؤها ،فمحلها مقترب
وساكنها مغترب ،بين أهل محلة موحشين ،وأهل فراغ متشاغلين ،ل
يستأنسون بالوطان ول يتواصلون تواصل الجيران ،على ما بينهم من
قرب الجوار ،ودنو الدار وكيف يكون بينهم تزاور ،وقد طحنهم بكلكله
البلى ) (4وأكلتهم الجنادل والثرى .وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه،
وارتهنكم ذلك المضجع ،وضمكم ذلك المستودع ،فكيف بكم لو تناهت بكم
المور ،وبعثرت القبور " هناك تبلوا كل نفس ما أسفلت وردوا إلى ال
موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " ).(5
) (1عدة الداعي (2) .80 :النزال كتجار جمع نازل ،والحمام بالكسر :الموت(3) .
لما كانت الرياح الهابة ذات قوة وشوكة وقدرة هدامة ،كنى بها عن ذلك
يقال الريح لل فلن :اي تجرى الدولة لهم على أعدائهم ،ومنه قوله
تعالى " :ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " وركود الرياح كناية عن
عدم القدرة والشوكة (4) .الكلكل في الصل صدر البعير وهو إذا ظفر
بعدوه برك بكلكله عليه وداسه وطحنه بحيث ل يبقى عليه ،وكذلك البلى
إذا ناء بكلكله على الموات وطحنهم عفا على لحومهم وعظامهم بحيث ل
يبقى منها ال التراب (5) .نهج البلغة الرقم 224من الخطب والية في
يونس.(*) 30 :
][83
- 46نهج :من خطبة له عليه السلم :فان تقوى ال مفتاح سداد ،وذخيرة معاد
وعتق من كل ملكة ،ونجاة من كل هلكة ،بها ينجح الطالب ،وينجو الهارب
وتنال الرغائب .فاعملوا والعمل يرفع ،والتوبة تنفع ،والدعاء يسمع،
والحال هادئة والقلم جارية ،وبادروا بالعمال عمرانا كسا أو مرضا
حابسا أو موتا خالسا ،فان الموت هادم لذاتكم ،ومكدر شهواتكم ،ومباعد
طياتكم ) (1زائر غير محبوب وقرن غير مغلوب ،وواتر غير مطلوب ،قد
أعلقتكم حبائله ،وتكنفتكم غوائله وأقصدتكم معابله ) (2وعظمت فيكم
سطوته ،وتتابعت عليكم عدوته ،وقلت عنكم نبوته .فيوشك أن تغشاكم
دواجي ظلله ،واحتدام علله ،وحنادس غمراته ،وغواشي سكراته ،وأليم
إزهاقه وودجو أطباقه ،وجشوبة مذاقه ،فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيكم،
وفرق نديكم ،وعفى آثاركم ،وعطل دياركم ،وبعث وراثكم يقتسمون تراثكم
بين حميم خاص لم ينفع ،وقريب محزون لم يمنع ،وآخر شامت لم يجزع.
فعليكم بالجد والجتهاد ،والتأهب والستعداد ،والتزود في منزل الزاد ،ول
تغرنكم الدنيا كما غرت من كان قبلكم من المم الماضية ،والقرون الخالية
الذين احتلبوا درتها ،واصابوا غرتها ،وأفنوا عدتها ،وأخلقوا جدتها،
اصبحت مساكنهم أجداثا ،وأموالهم ميراثا ،ل يعرفون من أتاهم ،ول
يحلفون من بكاهم ول يجيبون من دعاهم ،فاحذروا الدنيا فانها غدارة
غرارة ،خدوع ،معطية منوع ملبسة نزوع ،ل يدوم رخاؤها ،ول ينقضي
عناؤها ،ول يركد بلؤها ) - 47 .(3نهج الكيدري :عند شرح قول أمير
المؤمنين عليه السلم لهمام في وصف
) (1الطيات -جمع طية بالكسر -النية والعزم ،اي الموت يبعدكم عن مقاصدكم
وأهوائكم (2) .المعابل :جمع معبلة -بالكسر -النصل الطويل العريض) .
(3نهج البلغة الرقم 228من الخطب )*(.
][84
المتقين " أرادتهم الدنيا ولم يريدوها " قال :من مكاشفات أمير المؤمنين عليه
السلم ما رواه الصادق ،عن آبائه عليهم السلم أنه قال :إني كنت بفدك
في بعض حيطانها ،وقد صارت لفاطمة عليها السلم إذا أنا بامرأة قد
هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما
تداخلني من جمالها ،فشبهتها ببثينة ) (1بنت عامر الجمحي ،وكانت من
أجمل نساء قريش فقالت لي :يا ابن ابي طالب هل لك أن تزوجني وأغنيك
عن هذه المسحاة ؟ وأدلك على خزائن الرض ،ويكون لك الملك ما
بقيت ؟ .فقلت لها :من أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ فقالت :أنا الدنيا ،فقلت
لها :ارجعي فاطلبي زوجا غيري ،فلست من شأني ،وأقبلت على مسحاتي
وأنشأت أقول .(2) :لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي إن غرت قرونا
بطايل أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمايل فقلت لها
غري سواي فانني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل وما أنا والدنيا فان
محمدا * رهين بقفر بين تلك الجنادل وهبها أتتنا بالكنوز ودرها * وأموال
قارون وملك القبايل أليس جميعا للفناء مصيرها * ويطلب من خزانها
بالطوايل فغري سواي إنني غير راغب * لما فيك من عز وملك ونائل وقد
قنعت نفسي بما قد رزقته * فشانك يا دنيا وأهل الغوايل فاني أخاف ال
يوم لقائه * وأخشى عتابا دائما غير زايل
) (1مصغرة على وزن جهينة ،كأنها كانت مشهورة بالحسن والجمال عند نساء
العرب وعامر الجمحي لعله ابن مسعود بن أمية بن خلف القرشى
الجمحي (2) .رواه الكيدري ايضا في أنوار العقول في قافية اللم مرسل،
وذكره الشهيد الثاني في حديث طويل عن الصادق عليه السلم في كتاب
الغيبة ص 264المطبوع مع كشف الفوائد ،وسيأتي في ج 75ص ،363
ج 77ص ،195ج 78ص .(*) 274
][85
وقال أيضا :دنيا تخادعني كأني * لست أعرف حالها مدت إلي يمينها * فرددتها
وشمالها ورأيتها محتاجة * فوهبت جملتها لها فهذا معنى قوله عليه
السلم " :أرادتهم الدنيا ولم يريدوها " - 48 .عدة الداعي :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :واعلموا عباد ال أن المؤمن ل يصبح ول يمسي
إل ونفسه ظنون عنده ،فل يزال زاريا عليها ،ومستزيدا لها فكونوا
كالسابقين قبلكم ،والماضين أمامكم ،قوضوا من الدنيا تقويض الراحل
وطووها طي المنازل ) - 49 .(1كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد ،عن محمد بن سنان ،عن إسماعيل بن جابر ،عن يونس بن ظبيان
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :إن ال عزوجل يقول :ويل للذين يختلون الدنيا بالدين ،وويل للذين
يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ،وويل للذين يسير المؤمن فيهم
بالتقية ،أبي يغترون ؟ أم علي يجترؤن ؟ فبي حلفت لتيحن لهم فتنة تترك
الحليم منهم حيران ) .(2بيان " :ويل للذين يختلون الدنيا بالدنى " اي
العذاب والهلك للذين يطلبون الدنيا بعمل الخرة بالخديعة والمكر ،قال في
النهاية :الويل الحزن والهلك والمشقة من العذاب ،وقال :فيه من اشراط
الساعة أن تعطل سيوف الجهاد وأن تختل الدنيا بالدين ،اي تطلب الدنيا
بعمل الخرة ،يقال :ختله يختله إذا خدعه وراوغه ،وختل الذئب الصيد إذا
تخفى له ،والختل الخداع ،وفي القاموس :ختله يختله ويختله ختل وختلنا
خدعه ،والذئب الصيد تخفى له وخاتله خادعه وتخاتلوا تخادعوا ،واختتل
تسمع لسر القوم انتهى ).(3
) (1عدة الداعي ،175 :والتقويض :الرحيل ينزع الطناب والعواد من الخيام
والخباء (2) .الكافي ج 2ص (3) .299القاموس ج 3ص .(*) 366
][86
وبناء الفتعال كما هو المذكور في عنوان باب الكافي ) (1لم أره بهذا المعنى في
كتب اللغة ،وفي بعض النسخ اختيال بالياء وهو تصحيف " الذين يأمرون
بالقسط " اي بالعدل ،وهم الئمة عليهم السلم وخواص اصحابهم " يسير
المؤمن " اي يعيش ويعمل مجازا " ابي يغترون " اي بسبب إمهالي
ونعمتي يغفلون عن بطشي وعذابي من الغترار بمعنى الغفلة ،ويحتمل أن
يكون من الغترار بمعنى الوقوع في الغرر والهلك .وقال تعالى " :ما
غرك بربك الكريم " ) (2قال البيضاوي :اي شئ خدعك وجرأك على
عصيانه " يجترؤن " بالهمز أو بدونه بقلب الهمزة ياء ،ثم إسقاط ضمها
ثم حذفها للتقاء الساكنين " لتيحن " قال في النهاية :فيه فبي حلفت
لتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران ،يقال :أتاح ال لفلن كذا أي قدره
له وأنزله به وتاح له الشئ ،والحليم ذو الحلم والناة والتثبت في المور
أو ذو العقل ،وتنوين حيرانا للتناسب وانما خص بالذكر لنه بكلي معنييه
أبعد من الحيرة ،وذلك لنه اصبر على الفتن والزلزل ،والحاصل أنه ل
يجد العقلء وذوو التثبت والتدبر في المور المخرج من تلك الفتنة- 50 .
لي :الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي :عن جعفر بن محمد العلوي عن
محمد بن علي بن خلف ،عن حسن بن صالح ،عن ابي معشر ،عن محمد
بن قيس قال :كان النبي صلى ال عليه وآله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة
عليها السلم فدخل عليها فأطال عندها المكث ،فخرج مرة في سفر فصنعت
فاطمة مسكتين ) (3من ورق وقلدة وقرطين وسترا لباب البيت ،لقدوم
أبيها وزوجها عليهما السلم ،فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وآله دخل
) (1يعنى باب اختتال الدنيا بالدين (2) .النفطار (3) .60 :المسكة -محركة -
السوار والخلخال إذا كان من قرن أو عاج ،ولذلك قيدها بالورق ،وهو
الفضة ،اي كان سوارها من فضة ل من غيرها ،والقلدة معروف والقرط
ما يعلق على شحمة الذن من درة ونحوها )*(.
][87
عليها فوقف اصحابه على الباب ل يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها.
فخرج عليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وقد عرف الغضب في وجهه
حتى جلس عند المنبر فظنت فاطمة عليها السلم أنه إنما فعل ذلك رسول
ال لما رأى من المسكتين والقلدة والقرطين والستر ،فنزعت قلدتها
وقرطيها ومسكتيها ،ونزعت الستر ،فبعثت به إلى رسول ال صلى ال
عليه وآله وقالت للرسول :قل له :تقرأ عليك ابنتك السلم وتقول :اجعل
هذا في سبيل ال ،فلما أتاه قال :فعلت فداها أبوها ،ثلث مرات ليست الدنيا
من محمد ول من آل محمد ولو كانت الدنيا تعدل عند ال من الخير جناح
بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء ،ثم قام فدخل عليها ) - 51 .(1لي:
ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن محمد بن سنان ،عن المفضل ،عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن ال
جل جلله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمك ،وأخدمي من رفضك .ثم قال
عليه السلم :عليكم بالورع والجتهاد والعبادة ،وازهدوا في هذه الدنيا
الزاهدة فيكم ،فانها غرارة ،دار فناء وزوال ،كم من مغتر فيها قد أهلكته
وكم من واثق بها قد خانته ،وكم من معتمد علهيا قد خدعته ،وأسلمته )
.(2اقول :قد أثبتنا الخبر بتمامه في باب مواعظ النبي صلى ال عليه وآله
) - 52 .(3لى :عن العطار ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن
حفص عن الصادق عليه السلم قال :كان فيما ناجى ال موسى بن
عمران :يا موسى إذا رأيت الفقر مقبل فقل :مرحبا بشعار الصالحين ،وإذا
رأيت الغنى مقبل فقل :ذنب عجلت عقوبته ،إن الدنيا دار عقوبة عاقبت
فيها آدم عليه السلم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونا ما فيها ،إل ما
كان فيها لي .يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي
وسائرهم من خلقي
) (1أمالي الصدوق (2) .141 :أمالي الصدوق (3) .168لم نجده في باب
مواعظه ،صلى ال عليه وآله )*(.
][88
رغبوا فيها بقدر جهلهم بي ،وما من أحد من خلقي عظمها فقرت عينه ،ولم
يحقرها أحد إل انتفع بها ،الخبر ) - 53 .(1ثو :عن أبيه ،عن سعد ،عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
إن ال عزوجل قال في مناجاته لموسى عليه السلم :يا موسى إن الدنيا
دار عقوبة إلى آخر الخبر ) - 54 .(2لى :عن الصادق عليه السلم قال :إن
كانت الدنيا فانية فالمطأنينة إليها لماذا ) - 55 .(3لى :عن الصادق عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أغفل الناس من لم يتعظ
بتغير الدنيا من حال إلى حال ،وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل
للدنيا عنده خطرا ) - 56 .(4ن ) (5لى :السترآبادي ،عن أحمد بن الحسن
الحسيني ،عن ابي محمد ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين
عليه السلم :كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه ،ويبنى بيتا
ليسكنه ،وإنما هو موضع قبره .وقال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض
خطبه :أيها الناس إن الدنيا دار فناء والخرة دار بقاء ،فخذوا من ممركم
لمقركم ،ول تهتكوا استاركم عند من ل تخفى عليه أسراركم ،وأخرجوا من
الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم ،وللخرة
خلقتم ،وإنما الدنيا كالسم يأكله من ل يعرفه ،إن العبد إذا مات قالت
الملئكة ما قدم ؟ وقال الناس ما أخر ؟ فقدموا فضل يكن لكم ،ول تؤخروا
كل يكن عليكم ،فان المحروم من حرم خير ماله ،والمغبوط من ثقل
بالصدقات والخيرات موازينه ،وأحسن في الجنة بها مهاده ،وطيب على
) (1أمالي الصدوق 396في حديث (2) .ثواب العمال (3) .198 :أمالي الصدوق
ص (4) .6أمالي الصدوق (5) .14 :عيون الخبار ج 1ص 297و
.298
][89
الصراط بها مسلكه ) .(1أقول :قد أثبتنا كثيرا من الخبار في باب مواعظ أمير
المؤمنين عليه السلم - 57 .لى :في خبر الشامي الذي أتى أمير المؤمنين
عليه السلم قال عليه السلم :يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة ،ولها أهل و،
إن الخرة لها أهل ،ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا ل يتنافسون في
الدنيا ،ول يفرحون بغضارتها ،ول يحزنون لبؤسها ،يا شيخ من خاف
البيات قل نومه ما أسرع الليالي واليام في عمر العبد فاخزن لسانك ،وعد
كلمك ،يقل كلمك إل بخير ،يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك ،وآت
إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك .ثم أقبل على أصحابه فقال :أيها الناس
أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى :فبين صريع
يتلوى ،وبين عائد ومعود ،وآخر بنفسه يجود وآخر ل يرجى ،وآخر
مسجى ،وطالب الدنيا والموت يطلبه .وغافل وليس بمغفول عنه ،وعلى
أثر الماضي يصير الباقي ) - 58 .(2فس :محمد بن إدريس ،عن محمد بن
أحمد ،عن محمد بن سيار ،عن المفضل عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
لما نزلت هذه الية " :ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ول
تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " ) (3قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ،ومن
رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه ،ولم يشف غيظه ،ومن لم يعلم
أن ل عليه نعمة إل في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ،ودنا عذابه ،ومن
أصبح على الدنيا حزينا أصبح على ال ساخطا ،ومن شكى مصيبة نزلت
به ،فانما يشكو ربه ،ومن دخل النار من هذه المة ممن قرأ القرآن فهو
ممن يتخذ آيات ال هزوا ،ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه،
ذهب ثلثا دينه.
) (1أمالى الصدوق 67 :و (2) .68أمالى الصدوق ،237 :وتراه في المعاني:
(3) .198الحجر.(*) 88 :
][90
ثم قال :ول تعجل وليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيبجله ويوقره فقد
يجب ذلك له عليه ،ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند ال ،ويريد أن
يختله عما في يديه ) - 59 .(1فس :ابي ،عن الصبهاني ،عن المنقري،
عن حفص قال :قال أبو عبد ال عليه السلم يا حفص ما أنزلت الدنيا من
نفسي إل بمنزلة الميتة ،إذا اضطررت إليها أكلت منها ،الخبر ،وسيأتي في
أبواب المواعظ ) - 60 .(2ب :عن ابن أبي الخطاب ،عن البزنطي ،عن
الرضا عليه السلم قال :وال ما أخر ال عن المؤمن من هذه الدنيا خير له
مما يعجل منها ،ثم صغر الدنيا إلي فقال :اي شئ هي ؟ ثم قال :إن صاحب
النعمة على خطر إنه يجب علي حقوق ل منها ،وال إنه ليكون علي النعم
من ال فما أزال منها على وجل وحرك يديه حتى أخرج من الحقوق التي
تجب ل تبارك وتعالى علي فيها ) - 61 .(3ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن
ابن يزيد ،عن ابن محبوب ،عن ابن رباط رفعه قال :شكى رجل إلى أمير
المؤمنين عليه السلم الحاجة فقال :اعلم أن كل شئ تصيبه من الدنيا فوق
قوتك ،فانما أنت فيه خازن لغيرك ) - 62 .(4ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن
ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير ،عن درست عن رجل ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :حب الدنيا راس كل خطيئة ) - 63 .(5ل :عن محمد بن أحمد
السدي ،عن محمد بن ابي عمران ،عن أحمد بن ابي بكر ،عن علي بن
أبي علي اللهبي ،عن محمد بن المنكدر ،عن جابر بن عبد ال
) (1تفسير القمى (2) .356 :تفسير القمى ،493في آية القصص ،83 :وترى تمام
الحديث في ج 78ص 193فراجع (3) .قرب السناد ص 228و 229ط
النجف (4) .الخصال ج 1ص (5) .11الخصال ج 1ص .(*) 15
][91
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى
وطول المل أما الهوى فانه يصد عن الحق ،وأما طول المل فينسي
الخرة ،وهذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة ،وهذه الخرة قد ارتحلت مقبلة،
ولكل واحدة منهما بنون فان استطعتم أن تكونوا من أبناء الخرة ول
تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا ،فانكم اليوم في دار عمل ول حساب ،وأنتم
غدا في دار حساب ول عمل ) - 64 .(1ل :عن ابن بندار ،عن أحمد بن
إسحاق ،عن عمر بن الحسن بن نصر ،عن مؤمل بن إهاب ،عن عبد ال
بن المغيرة المصري ،عن سفيان الثوري ،عن أبيه ،عن عكرمة ،عن ابن
عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :الليل والنهار مطيتان )(2
- 65ل :عن محمد بن أحمد السدي ،عن أحمد بن محمد العامري ،عن
إبراهيم بن عيسى بن عبيد ،عن سليمان بن عمرو ،عن عبد ال بن
الحسن بن الحسن ،عن أمه فاطمة بنت الحسين ،عن أبيها عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :الرغبة في الدنيا تكثر الهم
والحزن ،والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن ) - 66 .(3ل :عن أبيه ،عن
محمد العطار ،عن الشعري ،عن سهل ،عن عبد العزيز العبدي ،عن ابن
أبي يعفور قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :من تعلق قلبه بالدنيا
تعلق منها بثلث خصال :هم ل يفنى ،وأمل ل يدرك ،ورجاء ل ينال ).(4
أقول :قد مضى بعض الخبار في باب السكينة والوقار ) - 67 .(5ل :عن
حمزة العلوي ،عن علي ،عن أبيه ،عن عمرو بن عثمان ،عن إبراهيم بن
عبد الحميد ،عن موسى بن جعفر ،عن أبيه عليهما السلم قال :الدنيا
سجن المؤمن ،والقبر حصنه ،والجنة مأواه ،والدنيا جنة الكافر ،والقبر
سجنه ،والنار
) (1الخصال ج 1ص (2) .27الخصال ج 1ص (3) .35الخصال ج 1ص ) .37
(4الخصال ج 1ص (5) .44راجع ج 71ص .337من هذه الطبعة.
][92
مأواه ) - 68 .(1ل :عن العسكري ،عن أحمد بن محمد بن أسيد ،عن أحمد بن
يحيى الصوفي ،عن أبي غسان ،عن مسعود بن سعد ،عن يزيد بن ابي
زياد ،عن مجاهد عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
أشد ما يتخوف على أمتي ثلثة :زلة عالم ،أو جدال منافق بالقرآن ،أو دنيا
تقطع رقابكم ،فاتهموها على أنفسكم ) 6 (2ل :عن أبيه ،عن سعد :عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن ابن عيينة .عن الزهري قال :سمعت علي
بن الحسين عليه السلم يقول :من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه على
الدنيا حسرات ،وال ما الدنيا والخرة إل ككفتي الميزان ،فأيهما رجح
ذهب بالخر ،ثم تل قوله عزوجل " إذا وقعت الواقعة " ) (3يعني القيامة
" ليس لوقعتها كاذبة * خافضة " خفضت وال بأعداء ال إلى النار "
رافعة " رفعت وال أولياء ال إلى الجنة .ثم أقبل على رجل من جلسائه
فقال له :اتق ال وأجمل في الطلب ،ول تطلب ما لم يخلق ،فان من طلب ما
لم يخلق تقطعت نفسه حسرات ولم ينل ما طلب ثم قال :وكيف ينال ما لم
يخلق ؟ فقال الرجل :وكيف يطلب ما لم يخلق ؟ فقال :من طلب الغنى
والموال والسعة في الدنيا فانما يطلب ذلك للراحة والراحة لم تخلق في
الدنيا ول لهل الدنيا ،إنما خلقت الراحة في الجنة ،ولهل الجنة ،والتعب
والنصب خلقا في الدنيا ولهل الدنيا ،وما أعطي أحد منها حفنة ) (4إل
أعطي من الحرص مثليها ،ومن اصاب من الدنيا أكثر كان فيها اشد فقرا،
لنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله ،ويفتقر إلى كل آلة من آلت الدنيا،
فليبس في غنى الدنيا راحة ،ولكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في
جمع ذلك راحة ،وإنما يسوقه إلى التعب في الدنيا
][93
والحساب عليه في الخرة ،ثم قال عليه السلم :كل ما تعب أولياء ال في الدنيا
للدنيا بل تعبوا في الدنيا للخرة .ثم قال :أل ومن اهتم لرزقه كتب عليه
خطيئة ،كذلك قال المسيح عليه السلم للحواريين ،إنما الدنيا قنطرة
فاعبروها ول تعمروها ) - 70 .(1مع ) (2ع ) (3ل :عن القطان ،عن
السكري ،عن الجوهري ،عن ابن عمارة ،عن أبيه قال :قال الصادق عليه
السلم :مطلوبات الناس في الدنيا الفانية اربعة :الغنى ،والدعة ،وقلة
الهتمام ،والعز ،فأما الغنى فموجود في القناعة فمن طلبه في كثرة المال
لم يجده ،وأما الدعة فموجود في خفة المحمل فمن طلبها في ثقله لم
يجدها ،وأما قلة الهتمام فموجودة في قلة الشغل فمن طلبها مع كثرته لم
يجدها ،وأما العز فموجود في خدمة الخالق فمن طلبه في خدمة المخلوق
لم يجده ) - 71 .(5ل :عن الفامي ،عن محمد بن جعفر ،عن الصفار ،عن
ابن هاشم ،عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي ،عن عبد ال بن الحسين
بن زيد ،عن أبيه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من سلم من أمتي من
اربع خصال فله الجنة :من الدخول في الدنيا ،واتباع الهوى ،وشهوة
البطن ،وشهوة الفرج .الخبر ) .(6أقول :قد مضى بعض الخبار في باب
الحياء ) - 72 .(7ل :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن أبي الخطاب،
عن ابن أسباط ،عن سليم مولى طربال ،عن رجل ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :سمعته يقول:
) (1الخصال ج 1ص (2) .33معاني الخبار ص (3) .230علل الشرائع ج 2
ص (4) .154الخصال ج 1ص (5) .93الخصال ج 1ص (6) .106
راجع ج 71ص .(*) 337 - 329
][94
الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك ،وما كان منها عليك أتاك ولم تمتنع
منه بقوة .ثم أتبع هذا الكلم بأن قال :من يئس مما فات أراح بدنه ،ومن
قنع بما أوتي قرت عينه ) .(1ما :عن المفيد ،عن محمد بن محمد بن
طاهر ،عن ابن عقدة ،عن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن موسى بن
جعفر ،عن الحسن بن موسى ،عن أبيه ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين
عليهم السلم مثله ) - 73 .(2ل :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن
الشعري ،عن اللؤلوئي ،عن إسحاق الضحاك ،عن منذر الجوان ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال سلمان رحمة ال عليه :عجبت لست :ثلث
اضحكتني ،وثلث أبكتني فأما الذي أبكتني ففراق الحبة محمد وحزبه،
وهول المطلع ،والوقوف بين يدي ال عزوجل ،وأما الذي اضحكتني
فطالب الدنيا والموت يطلبه ،وغافل ليس بمغفول عنه ،وضاحك ملء فيه
ل يدري أرضى ال أم سخط ) - 74 .(3مع :عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه،
عن ابن معبد ،عن عبد ال بن القاسم ،عن ابن سنان ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أول ما عصى ال
تبارك وتعالى بست خصال :حب الدنيا ،وحب الرياسة ،وحب النساء وحب
الطعام ،وحب النوم ،وحب الراحة ) - 75 .(4ل :في خبر أبي ذر :عجبت
لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطئمن إليها ).(5
][95
- 76ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه ،عن الحسين بن علي عليهم
السلم أنه قال :وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن فيه مكتوب ،أنا ال
ل إله إل أنا ومحمد نبيي ،عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ وعجبت
لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟ وعجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها،
وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يذنب ) - 77 .(1ن :عن أبيه ،عن سعد،
عن ابن هاشم ،عن ابن المغيرة قال :سمعت الرضا عليه السلم يقول :إنك
في دار لها مدة * يقبل فيها عمل العامل ال ترى الموت محيطا بها * يكذب
فيها أمل المل تعجل الذنب لما تشتهي * وتأمل التوبة في قابل والموت
يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العامل ) - 78 (2ن :البيهقي ،عن
الصولي ،عن محمد بن يحيى بن ابي عباد ،عن عمه قال :سمعت الرضا
عليه السلم يوما ينشد شعرا :كلنا نأمل مدا في الجل * والمنايا هن آفات
المل ل يغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل إنما الدنيا كظل
زائل * حل فيه راكب ثم رحل ) - 79 (3جا ) (4ما :المفيد ،عن عمر بن
محمد المعروف بابن الزيات ،عن ابن مهرويه ،عن داود بن سليمان ،عن
الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :لو
رأى العبد أجله وسرعته إليه ،أبغض المل ،وترك طلب الدنيا ).(5
) (1عيون الخبار ج 2ص (2) .44عيون الخبار ج 2ص (3) .176عيون
الخبار ج 2ص (4) .177مجالس المفيد (5) .190 :أمالى الطوسى ج
1ص .(*) 76
][96
- 80جا ) (1ما :عن المفيد ،عن الجعابي ،عن محمد بن الوليد ،عن عنبر ابن
محمد ،عن شعبة ،عن سلمة ،عن أبي الطفيل قال :سمعت أمير المؤمنين
عليه السلم يقول :إن أخوف ما أخاف عليكم طول المل واتباع الهوى،
فأما طول المل فينسى الخرة ،وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ،ال وإن
الدنيا قد تولت مدبرة والخرة قد أقبلت مقبلة ،ولكل واحدة منهما بنون،
فكونوا من أبناء الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا ،فان اليوم عمل ول
حساب ،والخرة حساب ول عمل ) .(2أقول :قد مضى بعض الخبار في
باب الزهد ) .(3ما :المفيد ،عن عمر بن محمد الصيرفي ،عن محمد بن
مخلد ،عن محمد بن الوليد ،عن حيدر بن محمد ،عن سعيد ،عن سلمة بن
كهيل ،عن ابي الطفيل قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم في خطبة له
وذكر مثله ) - 81 .(4ما :قال :أمير المؤمنين عليه السلم :أيها الناس
أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا وأموالكم نهب للمصائب ،ما طعمتم في
الدنيا من طعام فلكم فيه غصص ،وما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق
واشهد بال ما تنالون في الدنيا نعمة تفرحون بها إل بفراق أخرى
تكرهونها ،ايها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء ل للفناء ،ولكنكم من دار
تنقلون ،فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلم )- 82 .(5
ف :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إني أحذركم الدنيا ،فانها حلوة خضرة
حفت بالشهوات ،وتحببت بالعاجلة ،وعمرت بالمال ،وتزينت بالغرور ،ل
تدوم حبرتها ،ول تؤمن فجعتها ،غرارة ضرارة ،زائلة نافدة ،أكالة غوالة،
ل تعدو إذا
) (1مجالس المفيد (2) .212 :أمالى الطوسى ج 1ص (3) .117راجع ج 70ص
(4) .322 - 309أمالي الطوسى ج 1ص 236وفيه غندر بن محمد) .
(5أمالى الطوسى ج 1ص .(*) 320
][97
هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضى بها أن تكون كما قال ال سبحانه "
كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فاصبح هشيما تذروه
الرياح وكان ال على كل شئ مقتدرا " ) .(1مع أن امرء لم يكن منها في
حبرة إل أعقبته عبرة ،ولم يلق من سرائها بطنا إل منحته من ضرائها
ظهرا ،ولم تظله فيها ديمة رخاء إل هتنت عليه مزنة بلء ،إذا هي
اصبحت منتصرة ]لم تأمن[ أن تمسي له متنكرة ،وإن جانب منها اعذوذب
ل مرئ واحلول امر عليه جانب منها فأوبى ) (2وما امسى امرؤ منها في
جناح أمن إل اصبح في أخوف خوف ،غرارة غرور ما فيها ،فانية فان من
عليها ،ل خير في شئ من زادها إل التقوى ،من أقل منها استكثر مما
يؤمنه ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه .كم من واثق بها قد
فجعته ،وذي طمأنينة إليها قد صرعته ،وذي حذر قد خدعته ،وكم ذي أبهة
فيها قد صيرته حقيرا ،وذي نخوة قد ردته خائفا فقيرا ،وكم ذي تاج قد
أكبته لليدين والفم ،سلطانها ذل ،وعيشها رنق ،وعذبها أجاج وحلوها
صبر ،حيها بعرض موت ،وصحيحها بعرض سقم ،ومنيعها بعرض
اهتضام وملكها مسلوب ،وعزيزها مغلوب ،وأمنها منكوب ،وجارها
محروب ،ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته ،وهول المطلع،
والوقوف بين يدي الحاكم العدل ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي
الذين أحسنوا بالحسنى .الستم في مساكن من كان اطول منكم أعمارا،
وأبين آثارا ،وأعد منكم عديدا ،وأكثف منكم جنودا ،واشد منكم عنودا
تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها اي إيثار ،ثم ظعنوا عنها بالصغار أبهذه
تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ يقول ال " :من
كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل
يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا
) (1الكهف (2) .45 :هتنت :صبت ،وأوبى :صار ذا وباء ،وسيأتي شرح مشكلتها
وغريبها عند نقلها من النهج )*(.
][98
فيها وباطل ما كانوا يعملون " ) (1فبئست الدار لمن لم يتهيئها ،ولم يكن فيها على
وجل .واعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها ،ل بد وإنما هي كما نعت ال "
لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " ) .(2فاتعظوا
فيها بالذين كانوا ]يبنون[ بكل ريع آية يعبثون ،ويتخذون مصانع لعلهم
يخلدون ،وبالذين قالوا من أشد منا قوة ،واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم
كيف حملوا إلى قبورهم ،ول يدعون ركبانا ،وأنزلوا ول يدعون ضيفانا
وجعل لهم من الضريح أكنانا ،ومن التراب أكفانا ،ومن الرفات جيرانا فهم
جيرة ل يجيبون داعيا ول يمنعون ضيما ،ل يزورون ول يزارون حلماء قد
بادت اضغانهم جهلء قد ذهبت أحقادهم ،ل تخشى فجعتهم ،ول يرجى
دفعهم ،وهم كمن لم يكن وكما قال ال سبحانه " فتلك مساكنهم لم تسكن
من بعدهم إل قليل وكنا نحن الوارثين " ) .(3استبدلوا بظهر الرض بطنا،
وبالسعة ضيقا ،وبالهل غربة ،وبالنور ظلمه جاؤها كما فارقوها ،حفاة
عراة ،قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة ،وإلى خلود أبد ،يقول
ال تبارك وتعالى " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " )
82 .(4ما :الفحام ،عن المنصوري ،عن عم أبيه ،عن أبي الحسن الثالث،
عن آبائه عليهم السلم قال :قال الصادق عليه السلم :من صفت له دنياه
فاتهمه في دينه ) - 83 .(5ما :الفحام ،عن عمه ،عن محمد بن جعفر ،عن
محمد بن المثنى ،عن أبيه
) (1هود (2) .15 :الحديد (3) .20 :القصص (4) .58 :تحف العقول 180 :في ط
و 176في ط السلمية (5) .أمالي الطوسى ج 1ص .286
][99
عن عثمان بن زيد ،عن جابر الجعفي ،عن الباقر عليه السلم قال :يا جابر أنزل
الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول عنه ،وهل الدنيا إل دابة ركبتها في
منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب ،ول أحد يعبأ بها ،أو كثوب
لبسته أو كجارية وطئتها .يا جابر ! الدنيا عند ذوي اللباب كفئ الظلل )
- 84 .(1ما :عن ابن الصلت ،عن ابن عقدة ،عن القاسم بن جعفر ،عن
عباد بن أحمد القزويني ،قال :حدثني عمي ،عن أبيه ،عن موسى الجهني،
عن زيد بن وهب ،عن عقبة بن عامر الجهني ،قال :سمعت سلمان
الفارسي وقد أكره على طعام فقال :حسبي ،إني سمعت رسول ال صلى
ال عليه وآله يقول :إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في
الخرة ،يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن ،وجنة الكافر ) - 85 .(2ما:
عن مجاهد ،عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :كن في
الدنيا كأنك غريب أو كأنك عابر سبيل ،وعد نفسك في اصحاب القبور .قال
مجاهد :وقال لعبدال بن عمر :وأنت يا عبد ال إذا أمسيت فل تحدث نفسك
أن تصبح ،وإذا اصبحت فل تحدث نفسك أن تمسي ،وخذ من حياتك لموتك
ومن صحتك لسقمك ،فانك ل تدري ما اسمك غدا ) - 86 .(3ما :عن
الغضائري ،عن التلعكبري ،عن ابن عقدة ،عن الحسن بن علي ابن
إبراهيم العلوي ،عن الوشا ،عن ثعلبة ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول :إنما الدنيا فناء وعناء وعبر وغير،
فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه مفوق نبله ،يرمي الصحيح بالسقم،
والحي بالموت ،ومن عنائها أن المرء يجمع ما ل يأكل ،ويبني ما ل
يسكن ،ومن عبرها أنك ترى المغبوط مرحوما والمرحوم مغبوطا ،ليس
منها إل نعيم زال ،وبؤس نزل ) (4ومن غيرها أن المرء يشرف على أمله
فيختطفه من دونه أجله.
) (1أمالي الطوسى ج 1ص (2) .302امالي الطوسى ج 1ص (3) .356أمالي
الطوسى ج 1ص (4) .391في المصدر :نعيم زائل وبؤس نازل.
][100
قال أبو عبد ال عليه السلم :وقال أمير المؤمنين صلوات ال عليه :كم من
مستدرج بالحسان إليه ،مغرور بالستر عليه ،مفتون بحسن القول فيه،
وما أبلى ال عبدا بمثل الملء له ) .(1ما :عن جماعة ،عن ابي المفضل،
عن عبد ال بن ابي داود ،عن إبراهيم بن الحسن المقسمي ،عن بشر بن
زاذان ،عن عمر بن صبيح ،عن الصادق عليه السلم مثله بتغيير ما وقد
اثبتناهما في باب المواعظ ) - 87 .(2ف :قال جابر بن عبد ال النصاري:
كنا مع أمير المؤمنين عليه السلم بالبصرة فلما فرغ من قتال من قتله،
أشرف علينا من آخر الليل ،فقال :ما أنتم فيه ؟ فقلنا :في ذم الدنيا ،فقال:
علم تذم الدنيا يا جابر ؟ ثم حمد ال وأثنى عليه ،وقال :أما بعد فما بال
أقوام يذمون الدنيا ؟ انتحلوا الزهد فيها ؟ الدنيا منزل صدق لمن صدقها،
ومسكن عافية لمن فهم عنها ،ودار غنى لمن تزود منها ،فيها ]مسجد[
أنبياء ال ومهبط وحيه ،ومصلى ملئكته ،ومسكن أحبائه ،ومتجر أوليائه،
اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة .فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد
آذنت ببينها ،ونادت بانقطاعها ،ونعت نفسها بالزوال ،ومثلت ببلئها
البلء ،وشوقت بسرورها إلى السرور ،راحت بفجيعة وابتكرت بنعمة
وعافية ،ترهيبا وترغيبا ،يذمها قوم عند الندامة ،ويحمدها آخرون عند
السلمة ،خدمتهم جميعا فصدقتهم ،وذكرتهم فذكروا ،ووعظتهم فاتعظوا
وخوفتهم فخافوا ،وشوقتهم فاشتاقوا .فأيها الذام للدنيا ،المغتر بغرورها،
متى استذمت إليك ؟ بل متى غرتك بنفسها ؟ أبمصارع آبائك من البلى ،أم
بمضاجع أمهاتك من الثرى ،كم مرضت بيديك وعللت بكفيك ؟ تستوصف
لهم الدواء ،وتطلب لهم الطباء ،لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه
بحاجتك.
) (1امالي الطوسى ج 2ص (2) .58أمالى الطوسى ج 2ص .107راجع كتاب
الروضة الباب 15باب مواعظ أمير المؤمنين وحكمه عليه السلم ص
.(*) 404
][101
بل مثلت الدنيا به نفسك ،وبحاله حالك ،غداة ل ينفعك أحباؤك ،ول يغني عنك
نداؤك ،حين يشتد من الموت أعالين المرض ) (1وأليم لوعات المضض،
حين ل ينفع الليل ،ول يدفع العويل ،يحفز بها الحيزوم ،ويعض بها
الحلقوم ،ل يسمعه النداء ،ول يروعه الدعاء ،فيا طول الحزن ،عند انقطاع
الجل .ثم يراح به على شرجع تقله أكف اربع ،فيضجع في قبره ،في محل
لبث وضيق جدث ،فذهبت الجدة ،وانقطعت المدة ،ورفضته العطفة،
وقطعته اللطفة ل يقاربه الخلء ،ول يلم به الزوار ،ول اتسقت به الدار،
انقطع دونه الثر واستعجم دونه الخبر ،وبكرت ورثته ،فقسمت تركته،
ولحقه الحوب ،وأحاطت به الذنوب ،فان يكن قدم خيرا طاب مكسبه ،وإن
يكن قدم شرا تب منقلبه ،وكيف ينفع نفسا قرارها ،والموت قصارها،
والقبر مزارها ،فكفى بهذا واعظا ،كفى يا جابر امض معي .فمضيت معه
حتى أتينا القبور ،فقال :يا أهل التربة ويا أهل الغربة ! أما المنازل فقد
سكنت ،وأما المواريث فقد قسمت ،وأما الزواج فقد نكحن ،هذا خبر ما
عندنا فما خبر ما عندكم ؟ .ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال :والذي
أقل السماء فعلت ،وسطح الرض فدحت ،لو أذن للقوم في الكلم لقالوا :إنا
وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال :يا جابر إذا شئت فارجع ) - 88 .(2ع:
عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن محمد بن عمرو ،عن صالح بن
) (1كذا في نسخة الكمباني وهكذا المصدر ولعله مصحف " أعاليل " قيل :هي
جمع أعلل ،جمع علل ،جمع علة :لما يتعلل به من مرض وغيره .أو هي
جمع أعلولة أو هي جمع ل واحد له من لفظه ،والمضض :بلوغ الحزن
إلى القلب بحيث يحرقه واللوعة :المرة اي حرقة الحزن والهوى.
والليل :النين من شدة المرض ،أو هو بمعنى الجؤار والتضرع في
الدعاء والستغاثة والضجة (2) .تحف العقول 183 :ط السلمية )*(.
][102
سعيد ،عن اخيه سهل الحلواني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :بينا عيسى في
سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطرق والدور ،قال :فقال :إن
هؤلء ماتوا بسخطة ولو ماتوا بغيرها تدافنوا ،قال فقال أصحابه :وددنا أنا
عرفنا قصتهم فقيل له نادهم يا روح ال قال :فقال :يا أهل القرية ! فأجابه
مجيب منهم :لبيك يا روح ال قال ما حالكم وما قصتكم ؟ قال :اصبحنا في
عافية وبتنافي الهاوية ،قال فقال :ما الهاوية ؟ قال بحار من نار ،فيها
جبال من نار ،قال :وما بلغ بكم ما أرى ؟ قال :حب الدنيا وعبادة الطاغوت.
قال :وما بلغ من حبكم الدنيا ؟ قال :كحب الصبي لمه إذا أقبلت فرح وإذا
ادبرت حزن ،قال :وما بلغ من عبادتكم الطاغوت ؟ قال :كانوا إذا أمروا
أطعناهم قال :فكيف أجبتني أنت من بينهم ؟ قال :لنهم ملجمون بلجم من
نار ،عليهم ملئكة غلظ شداد ،وإني كنت فيهم ولم أكن منهم ،فلما اصابهم
العذاب ،أصابني معهم ،فأنا معلق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار ،قال:
فقال عيسى عليه السلم :النوم على المزابل وأكل خبز الشعير كثير مع
سلمة الدين ) .(1ثو ) (2مع :عن ابيه ،عن محمد العطار ،عن ابن يزيد
مثله ) - 89 .(3مع :عن ابن الوليد ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن
الحسن بن علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي عليه السلم في
قول ال عزوجل " :وكان تحته كنز لهما " ) (4قال :كان ذلك الكنز لوحا
من ذهب فيه مكتوب " :بسم ال الرحمن الرحيم ل إله إل ال محمد رسول
ال ،عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح ؟ عجبت لمن يؤمن بالقدر
كيف يحزن ؟ عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك ؟ عجبت لمن يرى الدنيا
وتصرف أهلها حال بعد حال كيف
) (1علل الشرايع ج 2ص (2) .152ثواب العمال (3) .227 :معاني الخبار:
(4) .341الكهف.(*) 81 :
][103
يطمئن إليها ؟ ) - 90 .(1مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن أحمد
بن النضر عن عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم أنه
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أخبرني جبرئيل عليه السلم أن
ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ،ما يجدها عاق ول قاطع رحم ،ول
شيخ زان ،ول جار إزاره خيلء ،ول فنان ) (2ول منان ول جعظري ،قال:
قلت :فما الجعظري ؟ قال :الذي ل يشبع من الدنيا .وفي حديث آخر :ول
حيوف وهو النباش ،ول زنوف ،وهو المخنث ول جواض ول جعظري،
وهو الذي ل يشبع من الدنيا ) - 91 .(3مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص قال :سمعت موسى بن جعفر عليه
السلم عند قبر وهو يقول :إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله،
وان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره ) - 92 .(4لى :في خبر المناهي
قال النبي صلى ال عليه وآله :أل ومن عرضت له دنيا وآخرة فاختار
الدنيا على الخرة ،لقى ال يوم القيامة ،وليست له حسنة يتقي بها النار ؟
ومن اختار الخرة على الدنيا رضي ال عنه وغفر له مساوي عمله ).(5
93ل :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن سهل ،عن عبد
العزيز العبدي ،عن ابن أبي يعفور قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلث خصال :هم ل يفنى ،وأمل ل
يدرك ،ورجاء ل ينال ) - 94 .(6ب :عن ابن طريف ،عن ابن علوان ،عن
جعفر ،عن أبيه عليهما السلم قال:
) (1معاني الخبار (2) .200 :أي ذو فنون من الخدع وفي المصدر :فتان ،وقرئ
قتات (3) .معاني الخبار (4) .330 .معاني الخبار (5) .343 :أمالي
الصدوق (6) .257 :الخصال ج 1ص .(*) 44
][104
قال علي عليه السلم :ما ملئ بيت قط خيره إل أوشك أن يمل غيره ،ول ملئ بيت
قط غيره إل يوشك أن يمل خيره ) - 95 .(1ل :الربعمائة قال أمير
المؤمنين عليه السلم :من عبد الدنيا وآثرها على الخرة ،استوخم
العاقبة .وقال عليه السلم :أنا يعسوب المؤمنين ،والمال يعسوب الظلمة.
وقال عليه السلم :ما بال من خالفكم أشد بصيرة في ضللتهم ،وابذل لما
في أيديهم منكم ؟ ما ذاك إل أنكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم،
وشححتم على الحطام وفرطتم فيها فيه عزكم وسعادتكم ،وقوتكم على من
بغى عليكم ،ل من ربكم تستحيون فيما أمركم ،ول لنفسكم تنظرون ،وأنتم
في كل يوم تضامون ،ول تنتبهون من رقدتكم ،ول ينقضي فتوركم ).(2
- 96ثو :عن ابيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن
عبد ال بن سنان وعبد العزيز معا ،عن ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من اصبح وأمسى
والخرة أكبر همه ،جعل ال الغنا في قلبه ،وجمع له أمره ،ولم يخرج من
الدنيا حتى يستكمل رزقه ،ومن اصبح وامسي والدنيا أكبر همه جعل ال
الفقر بين عينيه ،وشتت عليه أمره ،ولم ينل من الدنيا إل ما قسم له ).(3
- 97ص :بالسناد إلى الصدوق .عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن
ابي الخطاب ،عن ابن أسباط ،عن خلف بن حماد ،عن قتيبة العشى قال:
قال ابو جعفر عليه السلم :إن فيما ناجى ال به موسى عليه السلم أن
قال :إن الدنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله ،ول نقمة الفاجر بقدر ذنبه ،هي
دار الظالمين ،إل العامل فيها بالخير ،فانها له نعمت الدار.
) (1قرب السناد ص 57في ط وص 76في ط (2) .راجع الخصال ج 2ص .155
) (3ثواب العمال.(*) 153 :
][105
- 98ص :عن الصدوق ،عن ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن أحمد بن محمد ،عن
رجل ،عن ابن ابي يعفور ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان فيما
ناجى ال تعالى به موسى :ل تركن إلى الدنيا ركون الظالمين ،وركون من
اتخذها أما وابا ،يا موسى لو وكلتك إلى نفسك تنظرها لغلب عليك حب
الدنيا وزهرتها يا موسى ! نافس في الخير أهله ،واسبقهم إليه فان الخير
كاسمه ،واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه ،ول تنظر عيناك إلى كل مفتون
فيها ،موكول إلى نفسه .واعلم أن كل فتنة بذرها حب الدنيا ول تغبطن أحدا
برضا الناس عنه حتى تعلم أن ال عزوجل عنه راض ،ول تغبطن أحدا
بطاعة الناس له واتباعهم إياه على غير الحق ،فهو هلك له ولمن اتبعه.
- 99سن :عن أبيه رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :المسجون من
سجنته دنياه عن آخرته ) - 100 .(1مص :قال الصادق عليه السلم:
الدنيا بمنزلة صورة راسها الكبر ،وعينها الحرص ،واذنها الطمع،
ولسانها الريا ،ويدها الشهوة ،ورجلها العجب وقلبها الغفلة ،وكونها الفنا،
وحاصلها الزوال ،فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته
الحرص ،ومن طلبها أوردته إلى الطمع ،ومن مدحها أكبته الرياء ،ومن
ارادها مكنته من العجب ،ومن اطمأن إليها ركبته الغفلة ومن أعجبه
متاعها فتنته فيما يبقى ،ومن جمعها وبخل بها ردته إلى مستقرها وهي
النار ) - 101 .(2شا :عن أمير المؤمنين عليه السلم :أما بعد فانما مثل
الدنيا مثل الحية لين مسها ،شديد نهشها ،فأعرض عما يعجبك منها لقلة
ما يصحبك منها ،وكن اسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها ،فان صاحبها
كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه والسلم ).(3
][106
- 102شا :روى العلماء بالخبار ونقلة السير والثار أن أمير المؤمنين عليه
السلم كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم ،بصوت يسمعه
كافة من في المسجد ) (1ومن جاوره من الناس .تزودوا رحمكم ال ! فقد
نودي فيكم بالرحيل ،واقلوا العرجة على الدنيا وانقلبوا بصالح ما يحضركم
) (2من الزاد ،فان أمامكم عقبة كؤدا ،ومنازل مهولة ل بد من الممر بها،
والوقوف عليها ،إما برحمة من ال نجوتم من فضاعتها وإما هلكة ليس
بعدها انجبار ،يا لها حسرة على ذي غفلة ،أن يكون عمره عليه حجة،
وتؤديه أيامه إلى شقوة ،جعلنا ال وإياكم ممن ل تبطره نعمة ،ول تحل به
بعد الموت نقمة ،فانما نحن به وله ،وبيده الخير ،وهو علي كل شئ قدير )
- 103 .(3شا :أيها الناس ! اصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا،
وأموالكم نهب للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص،
وما شربتم من شراب فلكم فيه شرق ،وأشهد بال ما تنالون من الدنيا
نعمة تفرحون بها إل بفراق أخرى تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا وإياكم
للبقاء ل للفنا ،لكن من دار إلى دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه،
وخالدون فيه ،والسلم ) - 104 .(4سر :عن أبان بن تغلب ،عن محمد بن
عبد ال بن زرارة ،عن ابن ابي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن ابن أبي
يعفور قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :إنا لنحب الدنيا ،فقال لي:
تصنع بها ماذا ؟ قلت :أتزوج منها وأحج وانفق على عيالي وانيل اخواني
وأتصدق .قال لي :ليس هذا من الدنيا هذا من الخرة.
) (1في المصدر " كافة أهل المسجد " (2) .في المصدر " :بحضرتكم " وهو
مطابق لنسخة النهج ،راجع قسم الخطب الرقم 45و (3) .202ارشاد
المفيد (4) .113 :ارشاد المفيد.(*) 114 :
][107
- 105سر :عن كتاب أبان بن تغلب ،عن ابن أسباط وابن ابي نجران والوشاء،
عن محمد بن حمران ،عن أبي عبد ال أو عن زرارة ،عن ابي عبد ال
عليه السلم :قال :آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليه السلم،
وذلك لما اعطي في الدنيا - 106 .شى :عن ابن مسكان ،عن أبي جعفر
عليه السلم في قوله " :ولنعم دار المتقين " قال :الدنيا ) - 107 .(1جا:
عن الصدوق ،عن أبيه ،عن الحميري ،عن أيوب بن نوح ،عن ابن ابي
عمير ،عن جميل بن دراج ،عن الثمالي ،عن علي بن الحسين عليهما
السلم :أنه قال يوما لصحابه :إخواني ! أوصيكم بدار الخرة ،ول
أوصيكم بدار الدنيا فانكم عليها حريصون ،وبها متمسكون ،أما بلغكم ما
قال عيسى بن مريم عليه السلم للحواريين ؟ قال لهم :الدنيا قنطرة
فاعبروها ول تعمروها ،وقال :ايكم يبنى على موج البحر دارا ،تلكم الدار
الدنيا ،فل تتخذوها قرارا ) - 108 .(2جا :عن المرزباني ،عن أحمد بن
محمد المكي ،عن ابي العينا ،عن محمد بن الحكم ،عن لوط بن يحيى ،عن
الحارث بن كعب ،عن مجاهد قال :قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب
عليه السلم :ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان قبلكم ،ول
تبقى لحد من بعدكم ،سبيلكم فيها سبيل الماضين .قد تصرمت وآذنت
بقضاء ،وتنكر معروفها ،فهي تخبر أهلها بالفناء وسكانها بالموت ،وقد
أمر منها ماكان حلوا ،وكدر منها ماكان صفوا ،،فلم تبق منها إل سملة )
(3كسملة الداوة ،أو جرعة كجرعة الناء )(4
) (1تفسير العياشي ج 2ص ،258والية في سورة النحل (2) .30 :مجالس
المفيد (3) .34 :السملة -بالضم والتحريك -ما بقى في الناء من الماء
القليل بعد استخراجه والداوة :المطهرة ،واناء صغير من جلد يشرب
منه (4) .في النهج :وجرعة كجرعة المقلة ،والمقلة الحصاة كانوا إذا
أعوزهم الماء في السفار يضعونها في الناء ثم يصبون عليها الماء إلى
أن يغمرها ،يقدرون بذلك ويقتسمون الماء بينهم ليشربوا من أولهم إلى
آخرهم )*(.
][108
لو تمززها العطشان ) (1لم ينقع بها .فآذنوا بالرحيل من هذه الدار المقدر على
أهلها الزوال ،الممنوع أهلها من الحياة ،المذللة فيها أنفسهم بالموت ،فل
حي يطمع في البقاء ،ول نفس إل مذعنة بالمنون ،فل يعللكم المل ،ول
يطول عليكم المد ،ول تغتروا منها بالمال ولو حننتم حنين الوله العجال )
(2ودعوتم مثل حنين الحمام ) (3وجأرتم جأر متبتلي الرهبان )(4
وخرجتم إلى ال تعالى من الموال والولد ،التماس القربة إليه في ارتفاع
الدرجة عنده ،أو غفران سيئة أحصتها كتبته ،وحفظتها ملئكته ،لكان قليل
فيما أرجو لكم من ثوابه ،وأتخوف عليكم من عقابه ،جعلنا وإياكم من
التائبين العابدين ) - 109 .(5من كتاب عيون الحكم والمواعظ :لعلي بن
محمد الواسطي كتبناه من اصل قديم عن أمير المؤمنين عليه السلم قال:
احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة ،التي قد تزينت بحليها ،وفتنت
بغرورها ،وغرت بآمالها ،وتشوفت لخطابها ) (6فاصبحت كالعروس
المجلوة ،والعيون إليها ناظرة ،والنفوس بها مشغوفة ،والقلوب إليها
تائقة ،وهي لزواجها كلهم قاتلة ،فل الباقي بالماضي معتبر ،ول الخر
بسوء أثرها
) (1التمزز :تمصص الشراب قليل قليل كأنه يتذوقه ول يريد أن يشربه والنقع
سكون العطش والرى من الماء (2) .الوله جمع الوالهة ،يطلق على
الناقة إذا اشتد وجدها على ولدها ،والعجال جمع عجلى :الناقة السريعة
كأنها تسرع حيارى لتفقد ولدها ول تجده (3) .الحمام :طائر معروف،
والحنين :النين ،وفي نسخة نهج " دعوتم بهديل الحمام " والهديل
صوت الحمام في بكائه لفقد الفه (4) .الجؤار والجأر :التضرع
والستغاثة بصوت عال كما يفعله الرهبان المتبتلون المنقطعون للعبادة
المتضرعون إليه (5) .مجالس المفيد (6) .103 :أي تزينت وتطاولت
وتعرضت )*(.
][109
على الول مزدجر ،ول اللبيب فيها بالتجارب منتفع .أبت القلوب لها إل حبا،
والنفوس إل صبا ) (1والناس لها طالبان طالب ظفر بها فاغتر فيها،
ونسي التزود منها للظعن ،فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده وزلت عنها
قدمه ،وجائته اسر ما كان بها منيته ،فعظمت ندامته ،وكثرت حسرته
وجلت مصيبته ،فاجتمعت عليه سكرات الموت ،فغير موصوف ما نزل به.
وآخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته ،ففارقها بغرته وأسفه ،ولم يدرك
ما طلب منها ،ولم يظفر بما رجا فيها ،فارتحل جميعا من الدنيا بغير زاد،
وقدما على غير مهاد .فاحذروا الدنيا الحذر كله ،وضعوا عنكم ثقل همومها
لما تيقنتم لو شك زوالها وكونوا أسر ما تكونون فيها أحذر ما تكونون لها،
فان طالبها كلما اطمأن منها إلى سرور اشخصه عنها مكروه ،وكلما اغتبط
منها باقبال نغصه عنها إدبار ،وكلما ثبتت عليه منها رجل طوت عنه
كشحا ،فالسار فيها غار ،والنافع فيها ضار ،وصل رخاؤها بالبلء ،وجعل
بقاؤها إلى الفناء ،فرحها مشوب بالحزن ،وآخر همومها إلى الوهن .فانظر
إليها بعين الزاهد المفارق ،ول تنظر بعين الصاحب الوامق .اعلم يا هذا
أنها تشخص الوادع الساكن ،وتفجع المغتبط المن ،ل يرجع منها ما تولى
فأدبر ،ول يدري ما هو آت فيحذر ،أمانيها كاذبة ،وآمالها باطلة صفوها
كدر ،وابن آدم فيها على خطر ،إما نعمة زائلة ،وإما بلية نازلة ،وإما
معظمة جائحة ) (2وإما منية قاضية ،فلقد كدرت عليه العيشة إن عقل،
وأخبرته عن نفسها إن وعى .ولو كان خالقها عزوجل لم يخبر عنها خبرا،
ولم يضرب لها مثل ،ولم يأمر بالزهد فيها ،والرغبة عنها ،لكانت وقايعها
وفجايعها قد أنبهت النائم ،ووعظت الظالم ،وبصرت العالم ،وكيف وقد جاء
عنها من ال تعالى زاجر ،وأتت منه
) (1الصب :الشوق في رقة وحرارة كالصبابة (2) .المعظمة :النازلة الشديدة،
والجائحة :المهلكة )*(.
][110
فيها البينات والبصاير ،فما لها عند ال عزوجل قدر ول وزن ،ول خلق فيما بلغنا
خلقا أبغض إليه منها ،ول نظر إليها مذ خلقها .ولقد عرضت على نبينا
صلى ال عليه وآله بمفاتيحها وخزائنها ل ينقصه ذلك من حظه من الخرة
فأبى أن يقبلها ،لعلمه أن ال عزوجل أبغض شيئا فأبغضه ،وصغر شيئا
فصغره ،وأن ل يرفع ما وضعه ال جل ثناؤه وأن ل يكثر ما اقله ال
عزوجل ولو لم يخبرك عن صغرها عند ال ،إل أن ال عزوجل صغرها
عن أن يجعل خيرها ثوابا للمطيعين ،وأن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين
]لكفى[ ظ .ومما يدلك على دناءة الدنيا أن ال جل ثناؤه زواها عن أوليائه
وأحبائه نظرا واختيارا ،وبسطها لعدائه فتنة واختبارا ،فأكرم عنها محمدا
نبيه صلى ال عليه وآله حين عصب على بطنه من الجوع ،وحماها موسى
نجيه المكلم ،وكانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال ،وما
سأل ال عزوجل يوم أوي إلى الظل إل طعاما يأكله لما جهده من الجوع
ولقد جاءت الرواية أنه قال :أوحى ال إليه :إذا رأيت الغنى مقبل فقل:
ذنب عجلت عقوبته ،وإذا رأيت الفقر مقبل فقل :مرحبا بشعار الصالحين.
وصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم عليه السلم إذ قال :إدامي الجوع
وشعاري الخوف ،ولباسي الصوف ،ودابتي رجلي ،وسراجي بالليل القمر
وصلي في الشتاء مشارق الشمس ،وفاكهتي ما أنبتت الرض للنعام،
أبيتت وليس لي شئ ،وليس أحد أغنى مني .وسليمان بن داود وما أوتي
من الملك إذ كان يأكل خبز الشهير ،ويطعم أمه الحنطة ،وإذا جنه الليل
لبس المسوح ،وغل يده إلى عنقه ،وبات باكيا حتى يصبح ،ويكثر أن
يقول :رب إني ظلمت نفسي ،فان لم تغفر لي وترحمني لكونن من
الخاسرين ،ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .فهؤلء أنبياء ال
وأصفياؤه ،تنزهوا عن الدنيا ،وزهدوا فيما زهدهم ال جل ثناؤه فيه منها،
وأبغضوا ما أبغض ،وصغروا ما صغر ،ثم اقتص الصالحون آثارهم
][111
وسلكوا منهاجهم ،وألطفوا الفكر ،وانتفعوا بالعبر ،وصبروا في هذا العمر القصير
من متاع الغرور الذي يعود إلى الفناء ،ويصير إلى الحساب .نظروا
بعقولهم إلى آخر الدنيا ،ولم ينتظروا إلى أولها ،وإلى باطن الدنيا ولم
ينظروا إلى ظاهرها ،وفكروا في مرارة عاقبتها ،فلم يستمرئهم ) (1حلوة
عاجلها ثم الزموا أنفسهم الصبر ،وأنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة التي ل
يحل لحد أن يشبع منها إل في حال الضرورة إليها ،وأكلوا منها بقدر ما
أبقى لهم النفس وأمسك الروح ،وجعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها،
فكل من مر بها أمسك على فيه ،فهم يتبلغون بأدنى البلغ ،ول ينتهون إلى
الشبع من النتن ،ويتعجبون من الممتلي منها شبعا ،والراضي بها نصيبا.
اخواني ! وال لهي في العاجلة والجلة -لمن ناصح نفسه في النظر،
وأخلص لها الفكر -وأنتن من الجيفة ،وأكره من الميتة ،غير أن الذي نشأ
في دباغ الهاب ل يجد نتنه ،ول تؤذيه رائحته ،ما تؤذي المار به،
والجالس عنده ،وقد يكفي العاقل من معرفتها علمه بأن من مات وخلف
سلطانا عظيما ،سره أنه عاش فيها سوقة خامل ،أو كان فيها معافا سليما
سره أنه كان فيها مبتلى ضريرا ،فكفى بهذا على عورتها والرغبة عنها
دليل .وال لو أن الدنيا كانت من اراد منها شيئا وجده حيث تنال يده من
غير طلب ول تعب ول مؤنة ول نصب ،ول ظعن ول داب ،غير أن ما أخذ
منها من شئ لزمه حق ال فيه ،والشكر عليه ،وكان مسؤل عنه محاسبا
به ،لكان يحق على العاقل أن ل يتناول منها إل قوته وبلغة يومه ،حذرا من
السؤال ،وخوفا من الحساب وإشفاقا من العجز عن الشكر ،فكيف بمن
تجشم في طلبها من خضوع رقبته ،ووضع خده ،وفرط عنائه ،والغتراب
عن أحبابه ،وعظيم أخطاره ،ثم ل يدري ما آخر ذلك ؟ الظفر أم الحنيبة ؟.
إنما الدنيا ثلثة ايام :يوم مضى بما فيه فليس بعائد ،ويوم أنت فيه فحق
عليك اغتنامه ،ويوم ل تدري أنت من أهله ،ولعلك راحل فيه ،أما اليوم
الماضي
][112
فحكيم مؤدب ،وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودع ،وأما غدا فانما في يديك منه
المل ،فان يكن امس سبقك بنفسه فقد ابقى في يديك حكمته ،وإن يكن
يومك هذا آنسك بمقدمه عليك ،فقد كان طويل الغيبة عنك ،وهو سريع
الرحلة فترود منه وأحسن وداعه .خذ بالثقة من العمل ،وإياك والغترار
بالمل ،ول تدخل عليك اليوم هم غد ،يكفي اليوم همه ،وغدا داخل عليك
بشغله ،إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك ،وتكلفت أن
تجمع في يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل ،واشتد التعب،
وضعف العمل للمل ولو أخليت قلبك من المل لجددت في العمل ،والمل
الممثل في اليوم غدا اضرك في وجهين :سوفت به العمل وزدت به في
الهم والحزن .أول ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين ،ساعة مضت،
وساعة بقيت ،وساعة أنت فيها ،فأما الماضية والباقية فلست تجد
لرخائهما لذة ول لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية ،والساعة التي أنت
فيها منزلة الضيفين نزل بك ،فظعن الراحل عنك بذمه إياك ،وحل النازل بك
بالتجربة لك ،فاحسانك إلى الثاوي يمحو إساءتك إلى الماضي ،فأدرك ما
أضعت به عتابك مما استقبلت ،واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك.
ولو أن مقبورا من الموات قيل له :هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها
لولدك الذي لم يكن لك هم غيره ،أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك ؟
لختار يوما يستعتب فيه من سيئ ما اسلف على جميع الدنيا به يورثها
ولدا خلفه ،فما يمنعك أيها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل،
قبل حلول الجل ،وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك ،ال
تسعى في تحرير رقبتك ،وفكاك رقك ووقاء نفسك من النار التي عليها
ملئكة غلظ شداد .وقال عليه السلم :أوصيكم عباد ال بتقوى ال
عزوجل واغتنام ما استطعتم عمل به من طاعة ال عزوجل في هذه اليم
الخالية ،بجليل ما يشقى عليكم به الفوت
][113
بعد الموت ،وبالرفض لهذه ]الدنيا[ التاركة لكم ،وإن لم تكونوا تحبون تركها
والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها ،فانما مثلكم ومثلها كركب سلكوا
سبيل فكأنهم قد قطعوه ،وأموا علما ،فكأن قد بلغوه ،وكم عسى من
المجري إلى الغاية أن يجري حتى يبلغها ،فكم عسى أن يكون بقاء من له
يوم ل يعدوه ،ومن ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها .فل
تتنافسوا في ]عز[ الدنيا وفخرها ،ول تعجبوا بزينتها ،ول تجزعوا من
ضرائها وبؤسها ،فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع ،وإن زينتها ونعيمها
إلى زوال ،وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد ،وكل مدة فيها إلى منتهى ،وكل
حي فيها إلى فناء .أو ليس لكم في آثار الولين ]مزدجر[ وفي آبائكم
الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم تعقلون ،ألم تروا إلى الماضين منكم ل
يرجعون ،وإلى الخلف الباقي منكم ل يبقون ؟ قال ال عز وعل " وحرام
على قرية أهلكناها أنهم ل يرجعون " ) (1الية والتي بعدها ،وقال
عزوجل " كل نفس ذائقة الموت وإنما يوفون أجورهم يوم القيامة فمن
زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور " )
.(2ألستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى :ميت
يبلى ،وآخر يعزى ،وصريع مبتلى ،وعائد معود ،وآخر بنفسه يجود،
وطالب والموت يطلبه ،وغافل وليس بمغفول عنه ،وعلى اثر الماضي منا
يمضي الباقي ،فلله الحمد رب السموات السبع ورب العرش العظيم ،الذي
يبقى ويفنى ما سواه ،وإليه موئل الخلق ومرجع المور ) .(3وقال عليه
السلم :أما بعد فاني أحذركم الدنيا ،فانها حلوة خضرة ،حفت
) (1النبياء (2) .95 :آل عمران (3) .185 .روى هذا الخير في النهج مع اختلف
تحت الرقم 93من قسم الخطب )*(.
][114
بالشهوات ،وراقت بالقليل ،وتحببت بالعاجلة ،وعمرت بالمال ،وتزينت بالغرور فل
تدوم نعمتها ،ول تفنى فجايعها ،غدارة ضرارة ،حائلة زائلة ،نافدة بائدة
أكالة غوالة ،ل تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها كما
قال ال عزوجل " :كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض
فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شئ مقتدرا " ) .(1مع أن
امرءا لم يكن منها في حبرة إل أعقبته منها بعد بعبرة ،ولم يلق من
سرائها بطنا إل أعطته من ضرائها ظهرا ،ولم يطله فيها ديمة رخاء ،إل
هتنت ) (2عليه منها مزنة بلء ،وحري إذا أصبحت لك متحبرة ،أن تمسي
لك متنكرة ) (3وان جانب منها اعذوذب لمرء واحلولى ،أمر عليه جانب
فأوبى ،وإن آنس إنسان من غضارتها رغبا ،أرهقته من بوائقها تعبا،
غرارة غرور ما فيها ،فان من عليها ،ولم يمس امرء منها في جناح أمن
إل أصبح في جوف خوف ) (4ل خير في شئ من زادها إل التقوى ،من
اقل منها استكثر مما يوبقه ،ومن استكثر منها لم تدم له وزالت عنه .كم
واثق بها فجعته ،وذي طمأنينة إليها صرعته ،وذي خدع فيها خدعته وكم
من ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا ،وذي نخوة فيها قد ردته خائفا فقيرا
وكم من ذي تاج قد أكبته لليدين والفم ،سلطانها دول ،وعيشها رنق،
وعذبها أجاج ،وحلوها صبر ،وغذاؤها سمام ،واسبابها رمام ،وقطافها
سلع ،حيها بعرض موت ،وصحيحها بعرض سقم ،ومنيعها بعرض
اهتضام ،وملكها مسلوب
) (1الكهف (2) .45 :الطل :المطر الخفيف الضعيف ،وقيل الندى ،وقيل فوقه،
وكأنه بمعنى الدامة والشراف ،فان الديمة أيضا هو المطر إذا نزل بل
رعد وبرق مع سكون ،وهتنت أي انصبت وجرت ،والمزنة :القطعة من
المزن ،أو هي المطرة نفسها (3) .المتحبرة :المتزينة المتعرضة
بحسنها ،وفي بعض النسخ نقل عن كتاب مطالب السؤل " متنصرة "
راجع ج 78ص 15من هذه الطبعة (4) .خوافى خوف ظ )*(.
][115
وعزيزها مغلوب ،وضيفها منكوب ،وجارها محروم ،مع أن وراء ذلك سكرات
الموت وزفراته ،وهول المطلع ،والوقوف بين يدي إلهكم الحكم ليجزي
الذين أحسنوا بالحسنى .ألستم في مساكن من كان قبلكم ؟ كانوا أطول منكم
أعمارا ،وأبقى منكم آثارا ،وأعد منكم عديدا ،وأكثف منكم جنودا ،وأشد
منكم عنودا ،تعبدوا للدنيا اي تعبد ،وآثروها أي إيثار ،ثم ظعنوا عنها
بالصغار ،وهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية ،أو عدت عنهم فيما
أهلكتهم به بخطب ،بل أوهنتهم بالقوارع ،وضعضعتهم بالنوائب ،وعقرتهم
بالمناخر ،وأعانها عليهم ريب المنون .فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها،
وآثرها أو أخلد إليها ،حين ظعنوا عنها لفراق أبد أو إلى آخر زوال ،هل
زودتهم إل السغب ؟ أو أحلتهم إل إلى الضنك أو نورت لهم إل الظلمة ؟ أو
أعقبتهم إل النار ؟ ألهذه تؤثرون ؟ أم عليها تربصون ؟ أم إليها تطمئنون،
يقول ال عزوجل " :من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم
أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل
النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " ) .(1فبئست الدار
لمن لم يتهمها ،ولم يكن فيها على وجل منها ،اذكروا عند تصرفها بكم
سرعة انقضائها عنكم ،ووشك زوالها ،وضعف مجالها ،ألم تجدكم على
مثال من كان قبلكم ،ووجدت من كان قبلكم على مثال من كان قبلهم ،جيل
بعد جيل ،وأمة بعد أمة ،وقرن بعد قرن ،وخلف بعد خلف ،فل هي تستحي
من العار ،وما ل ينبغي من المبديات ،ول تخجل من الغدر .اعلموا وأنتم
تعلمون أنكم تاركوها ل بد وإنما هي كما نعت ال عزوجل " لعب ولهو
وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " ) .(2فاتعظوا فيها
بالذين كانوا يبنون ،بكل ريع آية يعبثون * ويتخذون مصانع
][116
لعلهم يخلدون (1) ،وبالذين قالوا " :من أشد منا قوة " ) (2واتعظوا بمن رأيتم
من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ل يدعون ركبانا ،وأنزلوا ل يدعون
ضيفانا ) (3وجعل لهم من الضريح أجنانا ) (4ومن التراب أكفانا ،ومن
الرفات جيرانا .وهم جيرة ل يجيبون داعيا ،ول يمنعون ضيما ،ول يبالون
مندبة ،ول يعرفون نسبا ول حسبا ،ول يشهدون زورا ،إن جيدوا لم
يفرحوا ) (5وإن قحطوا لم يقنطوا ،جميع وهم آحاد ،وجيرة وهم أبعاد،
ومتدانون ل يتزاورون ،ول يزورون حلماء قد بادت اضغانهم ،جهلء قد
ذهبت أحقادهم ،ل يخشى فجعهم ،ول يرجى دفعهم ،وهم كمن لم يكن،
وكما قال جل ثناؤه " :فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إل قليل وكنا
نحن الوارثين " ) .(6إن الدنيا وهن مطلبها ،رنق مشربها ،ردغ مشرعها
) (7غرور ماحل ) (8وسم قاتل ،وسناد مائل ،تريق مطرفها ،وتردى
مستزيدها ،وتصرع مستفيدها
) (1اشارة إلى قوم عاد كما في سورة الشعراء (2) .128 :اشارة إلى قوم عاد
أيضا كما في سورة السجدة (3) .15 :يعني أنهم وان حملوا على أكتاف
الناس ويمشون ل بأنفسهم ،معذلك ل يقال انهم ركبان ،وانهم وان انزلوا
في الجدث مع التكريم والحترام معذلك ل يقال :انهم ضيفان انزلوا
بالتكريم والحبور (4) .الجنان جمع جنن ،وهو الجدث والقبر وفي نسخة
مطالب السؤل ص 58وهكذا تحف العقول ص " 178اكنانا " بدل
اجنان واكنان جمع كن :المختفى والستر ،وقد يقال للبيت :الكن (5) .من
الجود :وهو المطر (6) .القصص (7) .58 :الرنق :الكدر ،والردغ :كثير
الطين والوحل (8) .الماحل :الساعي في الفتنة والكائد إلى السلطين
بالسعاية )*(.
][117
بانفاد لذتها ،وموبقات شهواتها ،وأسر نافرها ،قنصت بأحبلها ،وقصدت بأسهمها
مائل لهناتها ،وتعلل بهباتها ليالي عمره ،وايام حياته ،قد علقته أوهاق
المنية فأردته بمرائرها ) (1قائدة له بحتوفها ،إلى ضنك المضجع ،ووحشة
المرجع ،ومجاورة الموات ،ومعاينة المحل ،وثواب العمل ثم ضرب على
أدناهم سبات الدهور ،وهم ل يرجعون ،قد ارتهنت الرقاب بسالف
الكتساب ،واحصيت الثار لفصل الخطاب وقد خاب من حمل ظلما .وقال
عليه السلم في ذم الدنيا في خطبة خطبها :الحمد ل أحمده وأستعينه
وأومن به وأتوكل عليه ،واشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن
محمدا عبده ورسوله ،ارسله بالحق ودين الهدى ليزيح به علتكم ،وليوقظ
به غفلتكم ،واعلموا أنكم ميتون ،ومبعوثون من بعد الموت ،وموقوفون
على أعمالكم ،ومجزون بها فل تغرنكم الحياة الدنيا ،فانها دار بالبلء
محفوفة ،وبالعناء معروفة ،وبالغدر موصوفة ،وكل ما فيها إلى زوال،
وهي بين أهلها دول وسجال ،ل تدوم أحوالها ول يسلم من شرها ،بينا
أهلها منها في رخاء وسرور ،إذ هم منها في بلء وغرور أحوال مختلفة،
وتارات متصرفة ،العيش فيها مذموم ،والرخاء فيها ل يدوم ،وإنما أهلها
فيها أغراض مستهدفة ،ترميهم بسهامها ،وتقصمهم بحمامها ،وكل حتفه
فيها مقدور ،وحظه منها موفور .واعلموا عباد ال أنكم وما أنتم فيه من
هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا ،وأشد منكم
بطشا ،وأعمر ديارا ،وأبعد آثارا فأصبحت اصواتهم هامدة خامدة من بعد
طول تغلبها ،وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية ،فاستبدلوا
بالقصور المشيدة ،والستور والنمارق الممهدة ،الصخور والحجار
المسندة ،في القبور التي قد بني للخراب فناؤها ،فمحلها مقترب
) (1الوهاق :جمع وهق ،وهو حبال الموت أو هو بالدال المهملة ،وهو خشبتان
يغمز بهما ساق المجرمين ،يقال :عنقه في وهق ورجله في دهق.
والمرائر جمع مريرة :وهي طاقة الحبل أو الحبل الشديد الفتل وقيل:
الحببل الدقيق الطويل.
][118
وساكنها ]مغترب[ بين أهل عمارة موحشين ،وأهل محلة متشاغلين ،ل يستأنسون
بالعمران ،ول يتواصلون تواصل الجيران والخوان ،على ما بينهم من
قرب الجوار ،ودنو الدار .وكيف يكون بينهم تواصل ؟ وقد طحنهم بكلكه
البلى ،وأكلتهم الجنادل والثرى ،فاصبحوا بعد الحياة أمواتا ،وبعد غضارة
العيش رفاتا ،فجع بهم الحباب وسكنوا التراب ،وظعنوا فليس لهم إياب،
هيهات هيهات ،إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى ،والوحدة في المثوى،
وارتهنتم في ذلك المضجع ،وضمكم ذلك المستودع ،فكيف بكم لو قد تناهت
المور ،وبعثرت القبور ،وحصل ما في الصدور ،ووقفتم للتحصيل بين
يدي ملك جليل ،فطارت القلوب لشفاقها من سالف الذنوب ،وهتكت عنكم
الحجب والستار ،وظهرت منكم العيوب والسرار ،هنالك تجزى كل نفس
بما كسبت .إن ال عزوجل يقول " :ليجزي الذين آمنوا بما عملوا ويجزي
الذين أحسنوا بالحسنى " ) (1وقال " :ووضع الكتاب فترى المجرمين
مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول
كبيرة إل أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا " ).(1
جعلنا ال وإياكم عاملين بكتابه ،متبعين لوليائه ،حتى يحلنا وإياكم دار
المقامة من فضله ،إنه حميد مجيد .وقال عليه السلم :أنظروا إلى الدنيا
نظر الزاهدين فيها ،فانها وال عن قليل تزيل الثاوي الساكن ،وتفجع
المترف المن ،ل يرجع ما تولى عنها فأدبر ،ول يدرى ما هو آت منها
فينتظر ،سرورها مشوب بالحزن ،وآخر الحياة فيها إلى الضعف والوهن،
فل يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها.
][119
رحم ال عبدا تفكر واعتبر ،فأبصر إدبار ما قد أدبر ،وحضور ما قد حضر وكأن ما
هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ،وكأن ما هو كائن من الخرة لم يزل،
وكل ما هو آت قريب ،أل وإن الدنيا ل يسلم منها إل فيها ،ول ينجى بشئ
كان لها ،ابتلى الناس بها فتنة ،فما أخذوه منها لها أخرجوا منه وحوسبوا
عليه ،وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه ،واقاموا فيه ،وإنها لذوي
العقول كفئ الظل ،بينا تراه سابغا حتى قلص ،وزائدا حتى نقص- 110 .
ضه :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :مالي والدنيا إنما مثلي ومثل
الدنيا كمثل راكب مر للقيلولة في ظل شجرة في يوم صيف ،ثم راح
وتركها .وقال صلى ال عليه وآله :ما الدنيا في الخرة إل مثل ما يجعل
أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ قال أمير المؤمنين عليه السلم:
الدنيا دار مني لها الفناء ،ولهلها منها الجلء وهي حلوة خضرة ،قد
عجلت للطالب ،والتبست بقلب الناظر ،فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم
من الزاد ،ول تسألوا فيها فوق الكفاف ،ول تطلبوا منها أكثر من البلغ.
وقال عليه السلم :أل وإن الدنيا دار ل يسلم منها إل فيها ول ينجى بشئ
كان لها ،ابتلى الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه ،وحوسبوا
عليه ،وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه ،وأقاموا فيه ،وإنها عند ذوي
العقول كفئ الظل بينا تراه سابغا حتى قلص ،وزايدا حتى نقص .وقال عليه
السلم :حلوة الدنيا مرارة الخرة ،ومرارة الخرة حلوة الدنيا .وقال
عليه السلم :الدنيا تغر وتضر وتمر إن ال تعالى لم يرضها ثوابا لوليائه
ول عقابا لعدائه ،وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلول إذ صاح بهم سائقهم
فارتحلوا .قال الصادق عليه السلم :حب الدنيا رأس كل خطيئة .وقال
المسيح عليه السلم للحواريين :إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ول تعمروها.
][120
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن ،والزهد في
الدنيا يريح القلب والبدن .قال أمير المؤمنين عليه السلم :ما أصف دارا
أولها عناء ،وآخرها فناء ،في حللها حساب ،وفي حرامها عقاب ،من
استغنى فيها فتن ،ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فاتته ،ومن قعد عنها
آتته ،ومن أبصر بها بصرته ،ومن ابصر إليها أعمته .قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :إن ال جل جلله أوحى إلى الدنيا أن أتعبى من خدمك
وأخدمي من رفضك ،وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم،
وناجاه اثبت ال النور في قلبه ،فإذا قال :يا رب يا رب ،ناداه الجليل جل
جلله لبيك عبدي سلني أعطك ،وتوكل علي أكفك ،ثم يقول جل جلله
لملئكته :يا ملئكتي انظروا إلى عبدي ،قد تخلى في جوف هذا الليل
المظلم ،والبطالون لهون والغافلون نيام ،اشهدوا أني قد غفرت له .ثم قال
عليه السلم :عليكم بالورع ،والجتهاد ،والعبادة ،وازهدوا في هذه الدنيا
الزاهدة فيكم ،فانها غرارة ،دار فناء وزوال ،كم من مغتر بها قد أهلكته
وكم من واثقبها قد خانته ،وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته،
واعلموا أن أمامكم طريقا بعيدا ،وسفرا مهول ،وممرا على الصراط ،ول
بد للمسافر من زاد ،ومن لم يتزود وسافر عطب وهلك ،وخير الزاد
التقوى ،إلى آخر الخبر .قال الصادق عليه السلم :كان عيسى بن مريم
عليه السلم يقول لصحابه :يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى ال ،وأخرجوا
قلوبكم عنها ،فانكم ل تصلحون لها ول تصلح لكم ،ول تبقون لها ول تبقى
لكم ،هي الخداعة الفجاعة ،المغرور من اغتر بها ،المفتون من اطمأن
إليها ،الهالك من أحبها وأرادها ،فتوبوا إلى ال بارئكم واتقوا ربكم،
واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا.
][121
أين آباؤكم وأمهاتكم ؟ أين إخوانكم ؟ أين أخواتكم ؟ أين أولدكم دعوا فأجابوا،
واستودعوا الثرى ،وجاوروا الموتى ،وصاروا في الهلكى ،وخرجوا عن
الدنيا وفارقوا الحبة ،واحتاجوا إلى ما قدموا ،واستغنوا عما خلفوا ،كم
توعظون ؟ وكم تزجرون ؟ وأنتم لهون ساهون ؟ مثلكم في الدنيا مثل
البهايم أهمتكم بطونكم وفروجكم ،أما تستحيون ممن خلقكم ،قد وعد من
عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار ،ووعد من اطاعه الجنة
ومجاورته في الفردوس العلى ،فتنافسوا وكونوا من أهله ،وانصفوا من
أنفسكم ،وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم ،وتوبوا إلى ال توبة
نصوحا ،وكونوا عبيدا ابرارا ،ول تكونوا ملوكا جبابرة ،ول من الفراعنة
المتمردين على ال ،قهرهم بالموت جبار الجبابرة ،رب السماوات ورب
الرض ،وإله الولين والخرين ،مالك يوم الدين ،شديد العقاب ،الليم
العذاب ،ل ينجو منه ظالم ،ول يفوته شئ ول يتوارى منه شئ ،أحصى كل
شئ علمه ،وأنزله منزله ،في جنة أو نار .ابن آدم الضعيف ! أين تهرب
ممن يطلبك في سواد ليلك ،وبياض نهارك ؟ وفي كل حال من حالتك ؟ فقد
أبلغ من وعظ ،وافلح من اتعظ .قال ال تعالى :يا موسى إن الدنيا دار
عقوبة ،وجعلتها ملعونة ،ملعون ما فيها ،إل ما كان لي ،يا موسى إن
عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها
بقدر جهلهم ،وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه ولم يحقرها احد إل
انتفع بها .ثم قال الصادق عليه السلم :إن قدرتم ال تعرفوا فافعلوا ،وما
عليك إن لم يثن عليك الناس ،وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا
كنت عند ال محمودا إن عليا عليه السلم كان يقول :ل خير في الدنيا ،إل
لحد رجلين :رجل يزداد كل يوم إحسانا ،ورجل يتدارك سيئة بالتوبة ،وأنى
له بالتوبة ،وال لو سجد حتى ينقطع عنقه ،ما قبل ال منه إل بوليتنا.
][122
وقال المسيح عليه السلم :مثل الدنيا والخرة كمثل رجل له ضرتان :إن ارضى
إحداهما أسخطت الخرى .وقيل للنبي صلى ال عليه وآله :كيف يكون
الرجل في الدنيا ؟ قال :كما تمر القافلة قيل :فكم القرار فيها ؟ قال :كقدر
المتخلف عن القافلة ،قال :فكم ما بين الدنيا والخرة ؟ قال :غمضة عين،
قال ال عزوجل " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا ال ساعة من نهار
" ) (1الية .قال النبي صلى ال عليه وآله :الدنيا حلم المنام ،أهلها عليها
مجازون معاقبون .وقيل :إن النبي صلى ال عليه وآله مر على سخلة
منبوذة على ظهر الطريق ،فقال :أترون هذه هينة على أهلها ،فوال الدنيا
أهون على ال من هذه على أهلها .وقال صلى ال عليه وآله :الدنيا دار
من ل دار له ،ومال من ل مال له ،ولها يجمع من ل عقل له ،وشهواتها
يطلب من ل فهم له ،وعليها يعادي من ل علم له ،وعليها يحسد من ل فقه
له ،ولها يسعى من ل يقين له .وروي أن النبي صلى ال عليه وآله قرأ "
أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه " ) (2فقال :إن النور
إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح ،قالوا :يا رسول ال فهل لذلك علمة
يعرف بها ؟ قال :التجافي عن دار الغرور ،والنابة إلى دار الخلود،
والستعداد للموت ،قبل نزول الموت .قال صلى ال عليه وآله لبن عمر:
كن كأنك غريب أو عابر سبيل ،واعدد نفسك مع الموتى - 111 .نبه ):(3
كان الحسن بن علي عليهما السلم كثيرا ما يتمثل :يا أهل لذات دنيا ل بقاء
لها * إن اغترارا بظل زائل حمق وقال النبي صلى ال عليه وآله :الدنيا
دار من ل دار له ،ومال من ل مال له ،ولها يجمع من ل عقل له ،ويطلب
شهواتها من لفهم له ،وعليها يعادي من ل علم له
) (1الحقاف (2) .35 :الزمر (3) .22 :تنبيه الخواطر 69 :و 70و ،77متفرقا
)*(.
][123
وعليها يحسد من لفقه له ،ولها يسعى من ليقين له .وعن علي عليه السلم:
الدنيا قد نعت إليك نفسها ،وتكشفت لك عن مساويها وإياك أن تغتر بما
ترى من إخلد أهل إليها ،وتكالبهم عليها ،فانهم كلب عاوية ،وسباع
ضارية ،يهر بعضها على بعض ،يأكل عزيزها ذليلها ،ويقهر كبيرها
صغيرها ،نعم معقلة ،وأخرى مهملة ،قد أضلت عقولها ،وركبت مجهولها.
- 112نبه :قال أمير المؤمنين عليه السلم :وأحذركم الدنيا فانها دار قلعة
وليست بدار نجعة ،دار هانت على ربها ،فخلط خيرها بشرها ،وحلوها
بمرها لم يرضها لوليائه ،ولم يضن بها على أعدائه ،رب فعل يصاب به
وقته ،فيكون سنة ،ويخطأ به وقته فيكون سبة .دخل عمر على رسول ال
صلى ال عليه وآله وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال :يا نبي ال لو
اتخذت فراشا أوثر منه ) (1فقال :مالي وللدنيا ،ما مثلي ومثل الدنيا إل
كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح
وتركها .قال أمير المؤمنين علي عليه السلم :واعلموا رحمكم ال أنكم في
زمان القائل فيه بالحق قليل ،واللسان عن الصدق كليل ،واللزم للحق
ذليل ،أهله معتكفون في العصيان ،يصطلحون على الدهان ،فتاهم عارم )
(2وشائبهم آثم ،وعالمهم منافق وقاريهم مماذق ) (3ول يعظم صغيرهم
كبيرهم ،ول يعول غنيهم فقيرهم ) .(4بعضم :إياك وهم الغد ]ارض للغد[
برب الغد.
) (1الوثير من البساط ما لن وسهل ووطئ يقال :ما أوثر فراشك ؟ اي ما ألينه) .
(2العارم :السئ الخلق الشرس ،والشائب :الذي ابيض شعره من الهرم،
وفي نسخة الكمبانى " شابهم " وهو تصحيف ،والتصحيح من نسخة
النهج (3) .المماذق المنافق الذي يشوب عمله بالرياء -غير المخلص،
وفي نسخة النهج " قارنهم مماذق " (4) .نقله في النهج تحت الرقم
231من قسم الخطب )*(.
][124
أبو ذر رحمه ال :يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه يعني إذا كنت من أول
النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره .لقمان قال لبنه :يا بني ل تدخل في
الدنيا دخول يضر بآخرتك ،ول تتركها تركا تكون كل على الناس .علي
عليه السلم قلما اعتدل به المنبر إل قال أمام خطبته :ايها الناس اتقوا ال
فما خلق امرء عبثا فيلهو ،ول ترك سدى فيلغو ،وما دنياه التي تحسنت له
بخلف من الخرة التي قبحها سوء النظر عنده ،وما المغرور الذي ظفر من
الدنيا بأعلى همته كالخر الذي ظفر من الخر بأدنى سهمته )- 113 .(1
ختص :قال الصادق عليه السلم :من ازداد في ال علما ،وازداد للدنيا
حبا ،ازداد من ال بعدا ،وازداد ال عليه غضبا ) - 114 .(2ختص :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :لو عدلت الدنيا عند ال عزوجل جناح
بعوضة لما سقى الكافر منها شربة ) - 115 .(3ين :محمد بن سنان ،عن
طلحة بن زيد ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :إن مثل الدنيا مثل الحية،
مسها لين ،وفي جوفها السم القاتل ،يحذرها الرجل العاقل ،ويهوى إليها
الصبيان بأيديهم - 116 .ين :فضالة :عن داود بن فرقد قال :قلت لبي عبد
ال عليه السلم :ما يسرني بحبكم الدنيا وما فيها ،فقال :أف للدنيا وما
فيها ،وما هي يا داود ؟ هل هي إل ثوبان وملء بطنك - 117 .ين :النضر،
عن درست ،عن سلمة ،عن ابن أبي يعفور ،عن ابي عبد ال عليه السلم
قال :إنا لنحب الدنيا ولن ل نؤتاها خير من أن نؤتاها ،وما من عبد بسط
ال له من دنياه إل نقص من حظه في آخرته - 118 .ين :عن النضر ،عن
إبراهيم بن عبد الحميد ،عن إسحاق بن غالب
][125
قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم :يا إسحاق كم ترى اصحاب هذه الية " إن
أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " ) (1ثم قال لي:
هم أكثر من ثلثي الناس .وبهذا السناد قال :سمعت ابا عبد ال عليه السلم
يقول في هذه الية " :ولول أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " ) (2قال :لو
فعل لكفر الناس جميعا - 119 .ين :عن ابن علوان ،عن ابن طريف ،عن
ابن نباتة قال :كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلم فجاء إليه رجل
فشكا إليه الدنيا وذمها ،فقال أمير المؤمنين عليه السلم :إن الدنيا منزل
صدق لمن صدقها ،ودار غنى لمن تزود منها ،ودار عاقبة لمن فهم عنها،
مسجد أحباء ال ،ومهبط وحي ال ،ومصلى ملئكته ،ومتجر أوليائه،
اكتسبوا فيها الجنة ،وربحوا فيها الرحمة ،فلماذا تذمها ؟ وقد آذنت ببينها،
ونادت بانقطاعها ،ونعت نفسها وأهلها ،فمثلت ببلئها إلى البلء ،وشوقت
بسرورها إلى السرور ،راحت بفجيعة ،وابتكرت بعافية ،تحذيرا ،وترغيبا
وتخويفا ،فذمها رجال غداة الندامة ،وحمدها آخرون ]يوم القيامة[.
ذكرتهم فذكروا ،وحدثتهم فصدقوا :فيا أيها الذام للدنيا ،المعتل بتغريرها،
متى استذمت إليك الدنيا وغرتك ؟ أبمنازل آبائك من الثرى ،أم بمضاجع
أمهاتك من البلى ،كم مرضت بكفيك ،وكم عللت بيديك ،تبتغي له الشفاء،
وتستوصف له الطباء ،لم ينفعه إشفاقك ،ولم تعقه طلبتك ،مثلت لك به
الدنيا نفسك ،وبمصرعه مصرعك ،فجدير بك أن ل يفنى به بكاؤك ،وقد
علمت أنه ل ينفعك أحباؤك ) - 120 .(3ين :عن ابن المغيرة ،عن طلحة
بن زيد ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال:
) (1براءة (2) .58 :الزخرف (3) .33 :كتاب المؤمن مخطوط ،وتراه في النهج
تحت الرقم 131من قسم الحكم )*(.
][126
تمثلت الدنيا لعيسى عليه السلم في صورة امرأة زرقاء ،فقال لها :كم تزوجت ؟
قالت :كثيرا قال :فكل طلقك ؟ قالت :بل كل قتلت ،قال :فويح أزواجك
الباقين كيف ل يعتبرون بالماضين ؟ قال :وقال أبو عبد ال عليه السلم:
مثل الدنيا كمثل البحر المالح ،كلما شرب العطشان منه ازداد عطشا حتى
يقتله - 121 .ين :فضالة ،عن أبان بن عثمان ،عن سلمة بن ابي حفص،
عن أبي عبد ال ،عن ابيه عليهما السلم عن جابر قال :مر رسول ال
صلى ال عليه وآله بالسوق وأقبل يريد العالية والناس يكتنفه ،فمر بجدي
أسك على مزبلة ملقى وهو ميت فأخذ باذنه فقال :أيكم يحب أن يكون هذا
له بدرهم ؟ قالوا :ما نحب أنه لنا بشئ ،وما نصنع به ؟ قال :أفتحبون أنه
لكم ؟ قالوا :ل ،حتى قال ذلك ثلث مرات فقالوا :وال لو كان حيا كان عيبا
فكيف وهو ميت ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن الدنيا على ال
أهون من هذا عليكم - 122 .ين :عن فضالة ،عن ابان ،عن زياد بن ابي
رجا ،عن ابي هاشم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أصبح والدنيا
أكبر همه شتت ]ال[ عليه أمره ،وكان فقره بين عينيه ،ولم يأته من الدنيا
إل ما قدر له ،ومن كانت الخرة أكبر همه كشف ال عنه ضيقه ،وجمع له
أمره ،وأتته الدنيا وهي راغمة - 123 .ين :عن حماد بن عيسى ،عن
الحسين بن المختار ،عن إسماعيل بن أبي حمزة ،عن جابر قال :قال لي
أبو جعفر عليه السلم :يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثم أردت
التحرك منه من يومك ذلك ،أو كمال اكتسبته في منامك واستيقظت فليس
في يدك منه شئ ،وإذا كنت في جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت
ربك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش ،فان الدنيا عند العلماء مثل
الظل - 124 .ين :عن النضر ،عن ابن سنان قال :سمعت أبا عبد ال عليه
السلم يقول :دخل على النبي صلى ال عليه وآله رجل وهو على حصير
قد أثر في جسمه ووسادة ليف قد أثرت في خده ،فجعل يمسح ويقول :ما
رضي بهذا كسرى ول قيصر ،إنهم ينامون
][127
على الحرير والديباج ،وأنت على هذا الحصير ؟ قال :فقال رسول ال صلى ال
عليه وآله :لنا خير منهما وال ،لنا أكرم منهما وال ،ما أنا والدنيا ؟ إنما
مثل الدنيا كمثل رجل راكب مر على شجرة ولها فئ فاستظل تحتها ،فلما
أن مال الظل عنها ارتحل فذهب وتركها - 125 .ين :عن النضر ،عن ابي
سيار ،عن مروان ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال لي علي بن
الحسين عليهما السلم :ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا والخر
للخرة فآثرت الدنيا ،إل رأيت ما أكره قبل أن امسي ثم قال أبو عبد ال
عليه السلم لبني أمية :إنهم يؤثرون الدنيا على الخرة منذ ثمانين سنة
وليس يرون شيئا يكرهونه - 126ين :ابن أبي عمير ،عن الحمسي،
عمن أخبره ،عن أبي جعفر عليه السلم أنه كان يقول :نعم العون الدنيا
على الخرة 127 .ين :الحسن بن علي ،عن أبي الحسن عليه السلم قال:
قال عيسى عليه السلم للحواريين :يا بني آدم ل تأسوا على ما فاتكم من
دنياكم كما ل ياسى أهل الدنيا على ما فاتهم من آخرتهم إذا أصابوا دنياهم.
- 128محص :ابن ابي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن الثمالي قال:
سمعت علي بن الحسين عليهما السلم يقول :عجبا كل العجب لمن عمل
لدار الفناء ،وترك دار البقاء - 129 .محص :عن مالك بن أعين قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول :يا مالك إن ال يعطي الدنيا من يحب
ويبغض ،ول يعطي دينه إل من يحب - 130 .ما :عن الحسين بن إبراهيم
القزويني ،عن محمد بن وهبان ،عن أحمد ابن إبراهيم ،عن الحسن بن
علي الزعفراني ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن
سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :راس كل خطيئة حب الدنيا .وبهذا
السناد ،عن هشام قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إنا لنحب
الدنيا ،وأن ل نعطاها خير لنا ،وما أعطي أحد منها شيئا إل نقص حظه في
][128
الخرة ،قال :فقال له رجل :وال إنا لنطلب الدنيا فقال له أبو عبد ال عليه السلم:
تصنع بها ماذا ؟ قال :أعود بها على نفسي ،وعلى عيالي ،وأتصدق منها،
واصل منها ،وأحج منها ،قال :فقال أبو عبد ال عليه السلم :ليس هذا
طلب الدنيا هذا طلب الخرة ) - 131 .(1نهج] :قال عليه السلم[ أهل
الدنيا كركب يسار بهم ،وهم نيام ) .(2وقال عليه السلم :إذا كنت في إدبار
والموت في إقبال فما اسرع الملتقى ) .(3وقال عليه السلم :الدهر يخلق
البدان ،ويجدد المال ،ويقرب المنية ويباعد المنية ،من ظفر به نصب،
ومن فاته تعب ) .(4وقال عليه السلم :نفس المرء خطاه إلى أجله ).(5
وقال عليه السلم :كل معدود منقض ،وكل متوقع آت ) - 132 .(6نهج:
ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته عن
أمير المؤمنين عليه السلم قال :فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد
أرخى الليل سدوله ،وهو قائم في محرابه ،قابض على لحيته ،يتململ
تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ،ويقول :يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي
تعرضت أم إلي تشوقت ،ل حان حينك ،هيهات غري غيري ،ل حاجة لي
فيك ،قد طلقتك ثلثا ل رجعة فيها ،فعيشك قصير ،وخطرك يسير ،وأملك
حقير ،آه من قلة الزاد وطول الطريق ،وبعد السفر ،وعظيم المورد،
وخشونة المضجع ).(7
) (1أمالي الطوسي ج 2ص 275و (2) .276نهج البلغة الرقم 64من الحكم) .
(3نهج البلغة الرقم 28من الحكم (4) .نهج البلغة الرقم 72من
الحكم (5) .نهج البلغة الرقم 74من الحكم (6) .نهج البلغة الرقم 75
من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 77من الحكم )*(.
][129
- 133نهج :قال عليه السلم :إن الدنيا والخرة عدوان متفاوتان ،وسبيلن
مختلفان ،فمن أحب الدنيا وتولها ابغض الخرة وعاداها ،وهما بمنزلة
المشرق والمغرب ،وماش بينهما ،كلما قرب من واحد بعد من الخر ،وهما
بعد ضرتان ) - 134 .(1نهج :قال عليه السلم :مثل الدنيا كمثل الحية:
لين مسها ،والسم الناقع في جوفها ،يهوى إليها الغر الجاهل ،ويحذرها
ذواللب العاقل ) - 135 .(2نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم وقد سمع
رجل يذم الدنيا :أيها الذام للدنيا ،المغتر بغرورها ،المنخدع بأباطيلها،
أتغتر بالدنيا ثم تذمها ؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ متى
استهوتك ؟ أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك
تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك ،تبغي لهم الشفاء،
وتستوصف لهم الطباء ،لم ينفع أحدهم إشفاقك ،ولم تسعف فيه بطلبتك،
ولم تدفع عنهم بقوتك ،قد مثلت لك به الدنيا نفسك ،وبمصرعه مصرعك.
إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ،ودار عافية لمن فهم عنها ،ودار غنى لمن
تزود منها ،ودار موعظة لمن اتعظ بها ،مسجد أحباء ال ،ومصلى ملئكة
ال ومهبط وحي ال ،ومتجر أولياء ال ،اكتسبوا فيها الرحمة ،وربحوا
فيها الجنة فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت ببينها ،ونادت بفراقها ،ونعت نفسها
وأهلها ،فمثلت لهم ببلئها البلء ،وشوقتهم بسرورها إلى السرور ،راحت
بعافية ،وابتكرت بفجيعة ،ترغيبا وترهيبا ،وتخويفا وتحذيرا ،فذمها رجال
غداة الندامة ،وحمدها آخرون يوم القيامة ،ذكرتهم الدنيا فذكروا ،وحدثتهم
فصدقوا ،ووعظتهم فاتعظوا ).(3
) (1نهج البلغة الرقم 103من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 119من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 131من الحكم )*(.
][130
وقال عليه السلم :الدنيا دار ممر إلى دار مقر ،والناس فيها رجلن :رجل باع
نفسه فأوبقها ،ورجل ابتاع نفسه فأعتقها ) .(1وقال عليه السلم :لكل
مقبل إدبار وما ادبر كأن لم يكن ) .(2وقال عليه السلم :المر قريب
والصطحاب قليل ) .(3وقال عليه السلم :الرحيل وشيك ) .(4وقال عليه
السلم :إنما المرؤ في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ،ونهب تبادره
المصائب ،ومع كل جرعة شرق ،وفي كل أكلة غصص ،ول ينال العبد
نعمة إل ]بفراق أخرى ،ول يستقبل يوما من عمره إل[ ) (5بفراق آخر من
أجله فنحن أعوان المنون ،وأنفسنا نصب الحتوف ،فمن أين نرجو البقاء،
وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شئ شرفا إل اسرعا الكرة في هدم ما بنيا،
وتفريق ما جمعا ) .(6وقال عليه السلم :من لهج قلبه بحب الدنيا التاط
منها بثلث :هم ل يغبه ،وحرص ل يتركه ،وأمل ل يدركه ) .(7وقال عليه
السلم :وال لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم )
.(8
) (1نهج البلغة الرقم 133من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 152من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 168من الحكم (4) .نهج البلغة الرقم 187من
الحكم (5) .ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمباني (6) .نهج البلغة
الرقم 191من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 228من الحكم (8) .نهج
البلغة الرقم 236من الحكم ،والعراق -بالضم -العظم أكل لحمه أو
بالكسر -وهو من الحشا ما فوق السرة معترضا بالبطن ،كانه يريد به
الكرش ،وعلى الوجهين ما أقذره إذا كان بيد مجذوم )*(.
][131
قال عليه السلم :مرارة الدنيا حلوة الخرة ،وحلوة الدنيا مرارة الخرة ) .(1وقال
عليه السلم :الناس في الدنيا عاملن :عامل في الدنيا للدنيا ،قد شغلته
دنياه عن آخرته ،يخشى على من يخلف الفقر ،ويأمنه على نفسه ،فيفنى
عمره في منفعة غيره ،وعامل عمل في الدنيا لما بعدها ،فجاءه الذي له
من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا ،وملك الدارين جميعا ،فاصبح
وجيها عند ال ل يسأل ال شيئا فيمنعه ) .(2وقال عليه السلم :الناس
أبناء الدنيا ،ول يلم الرجل على حب أمه ) .(3وقال عليه السلم :يا أيها
الناس متاع الدنيا حطام موبئ ) (4فتجنبوا مرعاه قلعتها أحظى من
طمأنينتها ،وبلغتها أزكى من ثروتها ،حكم على مكثريها بالفاقة وأعين من
غنى عنها بالراحة ،من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها ) (5ومن
استشعر الشغف بها ملت ضميره أشجانا ،لهن رقص على سويداء قلبه،
هم يشغله ،وهم يحزنه ،كذلك حتى يؤخذ بكظمه ) (6فيلقى بالفضاء منقطعا
أبهراه ،هينا على ال فناؤه ،وعلى الخوان إلقاؤه ،وإنما ينظر المؤمن إلى
الدنيا بعين العتبار
) (1نهج البلغة الرقم 251من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 269من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 303من الحكم (4) .الموبئ الكثير الوباء -ومرعى
وبئ :أي مرتع إذا سرح فيه الدواب أصابها الوباء والطاعون .وقوله "
قلعتها أحظى من طمأنينتها " القلعة :النزوع والعزلة أي الكف منها
اسعد وأحظى من أن تطمئن وتركن إليها - (5) .الكمه -محركة -العمى،
فان حب زبرجها وزينتها يعمى البصر عن رؤية عاقبتها - (6) .الكظم -
محركة -الحلقوم ،أو مخرج النفس ،والخذ بالكظم كناية عن الخنق
والبهر :عرق مستبطن الصلب إذا انقطع لم يبق صاحبه ،وفي الصحاح:
وهما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرائين ،وقيل:
هما الوريدان )*(.
][132
ويقتات منها ببطن الضطرار ،ويسمع فيها باذن المقت والبغاض ،إن قيل :أثرى،
قيل :أكدى ) (1وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء ،هذا ولم يأتهم يوم فيه
يبلسون ) - 136 .(2نهج :روى أنه عليه السلم قلما اعتدل به المنبر إل
قال أمام خطبته :أيها الناس اتقوا ال فما خلق امرؤ عببثا فيلهو ،ول ترك
سدى فليغو ،وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الخرة التي قبحها سوء
النظر عنده ،وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعل همته ،كالخر الذي
ظفر من الخرة بأدنى سهمته ) .(3وقال عليه السلم :رب مستقبل يوما
ليس بمستدبره ،ومغبوط في أول ليله قامت بواكيه في آخره ) .(4وقال
عليه السلم :الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل ) .(5وقال :من
هوان الدنيا على ال أنه ل يعصى إل فيها ول ينال ما عنده إل بتركها ).(6
وقال عليه السلم في صفة الدنيا :إن الدنيا تغر وتضر وتمر ،إن ال تعالى
لم يرضها ثوابا لوليائه ،ول عقابا لعدائه ،وإن أهل الدنيا كركب بينا هم
حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ) .(7وقال عليه السلم :ال حر يدع
هذه اللماظة لهلها ؟ إنه ليس لنفسكم ثمن إل
) (1أثرى :أي صار ذا ثروة وغناء ،وأكدى :أي صادف الكدية ،فل يظفر بحاجته
ورجع القهقرى إلى حالته الولى من الفقر (2) .نهج البلغة الرقم 367
من قسم الحكم (3) .نهج البلغة الرقم 370من الحكم (4) .نهج البلغة
الرقم 380من الحكم (5) .نهج البلغة الرقم 384من الحكم (6) .نهج
البلغة الرقم 385من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 415من الحكم.
][133
الجنة فل تبيعوها إل بها ) .(1وقال عليه السلم :منهومان ل يشبعان :طالب علم
وطالب دنيا ) .(2وقال عليه السلم :الدنيا خلقت لغيرها ،ولم تخلق لنفسها
) .(3ومن خطبة له عليه السلم :أل وإن الدنيا دار ل يسلم منها إل فيها،
ول ينجى بشئ كان لها ،ابتلى الناس بها فتنة ،فما أخذوه منها لها أخرجوا
منه ،وحوسبوا عليه ،وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه ،واقاموا فيه،
فانها عند ذوي العقول كفئ الظل ،بينا تراه سابغا حتى قلص ،وزائدا حتى
نقص ) .(4وقال عليه السلم :ما اصف من دار أولها عناء ،وآخرها فناء.
في حللها حساب وفي حرامها عقاب ،من استغنى فيها فتن ،ومن افتقر
فيها حزن ،ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته ،ومن أبصر بها
بصرته ،ومن ابصر إليها أعمته ) - 137 .(5نهج :من خطبة له عليه
السلم :بعثه حين ل علم قائم ،ول منار ساطع ول منهج واضح ،أوصيكم
عباد ال بتقوى ال ،وأحذركم الدنيا فانها دار شخوص ومحلة تنغيص،
ساكنها ظاعن ،وقاطنها بائن ،تميد بأهلها ميدان السفينة ،تعصفها
العواصف في لجج البحار ،فمنهم الغرق الوبق ) ،(6ومنهم الناجي على
متون
) (1نهج البلغة الرقم 456واللماظة -بالضم :ما بقى من الطعام في الفم :عبر
عن الدنيا الفانية التي أدبرت وآذنت بوداع باللماظة الباقية في الفم بعد
أكل الطعام وقبل المضمضة والستياك ،كما شبهها في غير مورد بصبابة
الناء وسملة الحوض (2) .نهج البلغة الرقم 457من الحكم (3) .نهج
البلغة الرقم 463من الحكم (4) .نهج البلغة الرقم 61من الخطب) .
(5نهج البلغة الرقم 80من الخطب (6) .الوبق -ككتف -الهالك
والحفز الدفع .والمعنى أن الذي غرق في البحر حين تكسر به السفينة فل
يستدرك ،ول يمكن خلصه ،وأما من حمل على متن المواج ،ولقى شدة
المحن والهوال حين يلقيه موج إلى موج ،تارة يعلو على الماء ومرة
يعلو الماء =
][134
المواج ،تحفزه الرياح بأذيالها ،وتحمله على أهوالها ،فما غرق منها فليس
بمستدرك ،وما نجا منها فالى مهلك .عباد ال الن فاعملوا واللسن
مطلقة ،والبدان صحيحة ،والعضاء لدنة والمتقلب فسيح ،والمجال
عريض ،قبل إرهاق الفوت ،وحلول الموت ،فحققوا عليكم نزوله ،ول
تنتظروا قدومه ) - 138 .(1نهج :من كلم له عليه السلم :أيها الناس
إنما الدنيا دار مجاز والخرة دار قرار ،فخذوا من ممركم لمقركم ،ول
تهتكوا أستاركم ،عند من يعلم أسراركم ،وأخرجوا من الدنيا قلوبكم ،من
قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها اختبرتم ،ولغيرها خلقتم ،إن المرء إذا
هلك قال الناس ما ترك ؟ وقالت الملئكة ما قدم ؟ ل آباؤكم فقدموا بعضا
يكن لكم قرضا ،ول تخلفوا كل فيكون عليكم كل ) .(2ومن كلم له عليه
السلم كثيرا ما ينادي به أصحابه :تجهزوا رحمكم ال فقد نودي فيكم
بالرحيل ،وأقلوا العرجة على الدنيا ،وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد
فان أمامكم عقبة كؤودا ،ومنازل مخوفة مهولة ،ل بد من الورود عليها،
والوقوف عندها .واعلموا أن ملحظ المنية نحوكم دانية ،وكأنكم بمخالبها
وقد نشبت فيكم ،وقد دهمتكم منها مفظعات المور ،ومعضلت المحذور،
فقطعوا علئق الدنيا ،واستظهروا بزاد التقوى ) - 139 .(3نهج :الحمد ل
غير مقنوط من رحمته ،ول مخلو من نعمته ،ول
= عليه ،فهو وان نجا من هذه المهلكة في البحر ،تترقبه مهلكة أخرى في البر
ليفنيها فهو أيضا ليس بناج (1) .نهج البلغة الرقم 194من الخطب) .
(2نهج البلغة الرقم 201من الخطب وفيه :فرضا عليكم (3) .نهج
البلغة الرقم 202من الخطب )*(.
][135
مأيوس من مغفرته ،ول مستنكف من عبادته ،الذي ل تبرح منه رحمة ،ول تفقد له
نعمة ،والدنيا دار مني لها الفناء ،ولهلها منها الجلء ،وهي حلوة خضرة،
قد عجلت للطالب ،والتبست بقلب الناظر ،فارتحلوا عنها بأحسن ما
بحضرتكم من الزاد ،ول تسألوا فوق الكفاف ،ول تطلبوا منها أكثر من
البلغ ) - 140 .(1كنز الكراجكي :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من
أحب دنياه اضر بآخرته .وقال أمير المؤمنين عليه السلم :الدنيا دول،
فاطلب حظك منها بأجمل الطلب .وقال صلى ال عليه وآله :من أمن الزمان
خافه ،ومن غالبه أهانه .وقال صلى ال عليه وآله :الدهر يومان :يوم لك،
ويوم عليك ،فان كان لك فل تبطر وإن كان عليك فاصبر ،فكلهما غائب
سيحضر) - 123 - .باب( * " )حب المال وجمع الدينار والدرهم
وكنزهما( " * اليات :النفال :واعلموا أنما أموالكم وأولدكم فتنة وأن
ال عنده أجر عظيم ) .(2التوبة :والذين يكنزون الذهب والفضة ول
ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم
فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما
كنتم تكنزون ) .(3الكهف :المال والبنون زينة الحيوة الدنيا ).(4
) (1نهج البلغة الرقم 45من الخطب (2) .النفال (3) .28 :براءة) .35 - 34 :
(4الكهف.(*) 45 :
][136
القصص :إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن
مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه ل تفرح إن ال ل يحب
الفرحين * وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا
وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ الفساد في الرض إن ال ل يحب
المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن ال قد أهلك من
قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ول يسأل عن ذنوبهم
المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا
ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم
ويلكم ثواب ال خير لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها إل الصابرون *
فخسفنا به وبداره الرض فما كان له من فئة ينصرونه مندون ال وما كان
من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالمس يقولون ويكأن ال
يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لو ل أن من ال علينا لخسف بنا
ويكأنه ل يفلح الكافرون ) .(1المنافقون :يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم
أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ).(2
التغابن :إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم ) .(3المعارج:
تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى ) .(4الفجر :فأما النسان إذا ما
ابتليه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتليه وقدر عليه
رزقه فيقول ربي أهانن * كل بل ل تكرمون اليتيم * ول تحاضون على
طعام المسكين * وتأكلون التراث أكل لما * وتحبون المال حبا جما * كل
إذا دكت الرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا *
) (1القصص (2) .82 - 76 :المنافقون (3) .9 :التغابن (4) .15 :المعارج- 17 :
.(*) 18
][137
وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر النسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت
لحيوتي فيومئذ ل يعذب عذابه أحد * ول يوثق وثاقه أحد ) .(1العاديات:
وإن النسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد
* افل يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم
يومئذ لخبير ) .(2الهمزة :ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مال وعدده *
يحسب أن ماله أخلده * كل لينبذن في الحطمة * وما أدريك ما الحطمة *
نار ال الموقدة التي تطلع على الفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد
ممددة - 1 .لى :عن الصادق عليه السلم قال :إن كان الحساب حقا فالجمع
لماذا ) - 2 .(3لى :عن ابن مسرور ،عن ابن عامر ،عن عمه ،عن
التفليسي ،عن السمندي ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :كان في بني
إسرائيل مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم .فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا
فيه مكتوب :أنا فلن النبي ينبش قبري حبشي ،ما قدمنا وجدناه ،وما أكلنا
ربحناه ،وما خلفنا خسرناه ) - 3 .(4لى :عن ابن مسرور ،عن ابن عامر،
عن عمه ،عن ابن أبي عمير ،عن أبان بن عثمان ،عن أبان بن تغلب ،عن
عكرمة ،عن ابن عباس قال :إن أول درهم ودينار ضربا في الرض نظر
إليهما إبليس فلما عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه ،ثم ضمهما إلى
صدره ،ثم صرخ صرخة ثم ضمهما إلى صدره ثم قال :أنتما قرة عيني،
وثمرة فؤادي ،ما أبالي من بني آدم إذا أحبو كما أن ل يعبدوا وثنا ،حسبي
من بني آدم أن يحبوكما ).(5
) (1الفجر (2) .16 - 15 :العاديات (3) .11 - 6 :امالي الصدوق (4) .6 :أمالي
الصدوق (5) .361 :أمالى الصدوق.(*) 121 :
][138
- 4فس :في رواية أبي الجارود ،عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " :والذين
يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم " )
(1فان ال حرم كنز الذهب والفضة ،وأمر بانفاقه في سبيل ال ،وقوله" :
يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا
ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " قال :كان أبو ذر الغفاري يغدو
كل يوم وهو بالشام فينادي بأعل صوته :بشر أهل الكنوز بكى في الجباه،
وكي بالجنوب ،وكي بالظهور أبدا حتى يتردد الحر ]ق[ في أجوافهم ).(2
- 5ل ) (3ن :الفامي ،عن ابن بطة ،عن محمد بن علي بن محبوب ،عن
اليقطيني ،عن ابن بزيع قال :سمعت الرضا عليه السلم يقول :ل يجتمع
المال إل بخصال خمس :ببخل شديد ،وأمل طويل ،وحرص غالب ،وقطيعة
الرحم ،وإيثار الدنيا على الخرة ) - 6 .(4ما :باسناد المجاشعي ،عن
الصادق ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا :ما فينا أحد يحب ذلك يا نبي ال،
قال :بل كلكم يحب ذلك ،ثم قال :يقول ابن آدم :مالي مالي ،وهل لك من
مالك إل ما أكلت فأفنيت ،أو لبست فأبليت ،أو تصدقت فأمضيت ،وما عدا
ذلك فهو مال الوارث ) - 7 .(5ما :بهذا السناد ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه
عليهما السلم أنه سئل عن الدنانير والدراهم ،وما على الناس فيها ؟ فقال
أبو جعفر عليه السلم :هي خواتيم ال في أرضه جعلها ال مصحة لخلقه،
وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم ،فمن أكثر له منها فقام
) (1براءة 34 :و (2) .35تفسير القمى (3) .265 :الخصال ج 1ص (4) .136
عيون الخبار ج 1ص (5) .276أمالي الطوسى ج 2ص .133
][139
بحق ال تعالى فيها ،وادى زكاتها فذاك الذي طابت وخلصت له ،ومن أكثر له منها
فبخل بها ،ولم يؤد حق ال فيها ،واتخذ منها النية ،فذاك الذي حق عليه
وعيد ال عزوجل في كتابه ،يقول ال تعالى " :يوم يحمى عليها في نار
جهنم فتكوى بها جباههم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم
تكنزون " ) - 8 .(1ما :بهذا السناد قال :لما نزلت هذه الية " :والذين
يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب اليم "
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز ،وإن
كان تحت سبع ارضين ،وكل مال ل تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان فوق
الرض ) - 9 .(2ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن محمد بن علي
الكوفي ،عن محمد بن سنان ،عن عمر بن عبد العزيز ،عن جميل ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :ما بلى ال العباد بشئ أشد عليهم من إخراج
الدراهم ) .(3اقول :قد مضى بعض الخبار في باب الغنى ) - 10 .(4ل:
عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن زياد بن مروان ،عن أبي وكيع ،عن
أبي إسحاق ،عن الحارث قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم ،وهما
مهلكاكم ) - 11 .(5ل :عن ابيه :عن محمد بن العطار ،عن الشعري رفعه
قال :الذهب والفضة حجران ممسوخان ،فمن أحبهما كان معهما .قال
الصدوق رحمه ال :يعني من أحبهما حبا يمنع حق ال منهما )- 12 .(6
ل :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن
) (1أمالى الطوسى ج 2ص 133والية في براءة (2) .34 :أمالى الطوسى ج 2
ص (3) .133الخصال ج 1ص (4) .8راجع ج 72ص 5) .68 - 56
و (6الخصال ج 1ص .23
][140
محمد بن سنان ،عن أبي الجارود ،عن ابن طريف ،عن ابن نباتة قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :الفتن ثلث :حب النساء ،وهو سيف الشيطان،
وشرب الخمر ،وهو فخ الشيطان ،وحب الدينار والدرهم ،وهو سهم
الشيطان ،فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه ،ومن أحب الشربة حرمت
عليه الجنة ،ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا .وقال :قال عيسى
بن مريم عليه السلم :الدينار داء الدين ،والعالم طبيب الدين ،فإذا رأيتم
الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه ،واعلموا أنه غير ناصح لغيره ).(1
- 13ل :أبي ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن اليقطيني ،عن محمد
بن إبراهيم النوفلي ،عن الحسين بن المختار رفعه قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :ملعون ملعون من كمه أعمى ،ملعون ملعون من عبد
الدينار والدرهم ،ملعون ملعون من نكح بهيمة ) .(2مع :عن ابن إدريس،
عن أبيه ،عن الشعري ،عن ابن يزيد ،عن محمد ابن إبراهيم النوفلي
مثله .قال الصدوق رحمه ال :قوله عليه السلم :ملعون من عبد الدينار
والدرهم ،يعني به من يمنع زكاة ماله ،ويبخل بمواساة إخوانه ،فيكون قد
آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة خالقه ) - 14 .(3ع :عن علي بن
أحمد بن محمد ،عن الكليني ،عن علي بن محمد رفعه قال أتى يهودي أمير
المؤمنين عليه السلم فسأله عن مسائل فكان فيما سأله :لم سمي الدرهم
درهما ،والدينار دينارا ؟ فقال عليه السلم :إنما سمي الدرهم درهما لنه
دارهم من جمعه ولم ينفقه في طاعة ال ،أورثه النار ،وإنما سمي الدينار
دينارا لنه دار
) (1الخصال ج 1ص (2) .56الخصال ج 1ص (3) .64معاني الخبار403 :
)*(.
][141
النار من جمعه ولم ينفقه في طاعه ال أورثه النار ،فقال اليهودي صدقت :يا أمير
المؤمنين ) - 15 .(1مع :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن
علي بن إسماعيل عن صفوان ،عن ابن الحجاج عمن سمعه ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :سألته عن الزكاة ما يأخذ منها الرجل ؟ وقلت له :إنه
بلغنا أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :أيما رجل ترك دينارين فهما
كي بين عينيه ،قال :فقال :أولئك قوم كانوا اضيافا على رسول ال صلى
ال عليه وآله فإذا أمسى قال :يا فلن اذهب فعش هذا ،وإذا اصبح قال :يا
فلن اذهب فغد هذا ،فلم يكونوا يخافون أن يصبحوا بغير غداء ،ول بغير
عشاء فجمع الرجل منهم دينارين ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله فيه
هذه المقالة وإن الناس إنما يعطون من السنة إلى السنة ،فللرجل أن يأخذ
ما يكفيه ،ويكفي عياله من السنة إلى السنة ) - 16 .(2مع :أبي ،عن
سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن فضالة ،عن أبان قال :ذكر بعضهم عند
أبي الحسن عليه السلم فقال :بلغنا أن رجل هلك على عهد رسول ال
صلى ال عليه وآله وترك دينارين ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله:
ترك كثيرا ،قال :إن ذاك كان رجل يأتي أهل الصفة فيسألهم فمات ،وترك
دينارين ) - 17 .(3مع :الحسن بن حمزة العلوي ،عن محمد بن أوميدوار،
عن الصفار عن ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير ،عن هارون بن خارجة ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :لعن ال الذهب والفضة ،ل يحبهما إل من
كان من جنسهما ،قلت :جعلت فداك الذهب والفضة ؟ قال :ليس حيث تذهب
إليه إنما الذهب الذي ذهب بالدين والفضة الذي أفاض الكفر .قال الصدوق
رحمه ال :هذا حديث لم أسمعه إل من الحسن بن حمزة العلوي ولم
) (1علل الشرايع ج 1ص (2) .4معاني الخبار (3) .152 :معاني الخبار153 :
)*(.
][142
أروه عن شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ولكنه صحيح عندي يؤيده
الخبر المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال :أنا يعسوب
المؤمنين ،والمال يعسوب الظلمة والمال ل يدوس إنما يداس به ،فهو
كناية عمن ذهب بالدين وأفاض الكفر ،وإنما وقعت الكناية بهما لنهما
أثمان كل شئ كما أن الذين كنى عنهم اصول كل كفر وظلم ) - 18 .(1ل )
(2مع :الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم :السكر اربع سكرات:
سكر الشراب ،وسكر المال ،وسكر النوم ،وسكر الملك ) - 19 .(3ص:
بالسناد إلى الصدوق عن أبيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن
الهوازي ،عن فضالة ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
أوحى ال تعالى إلى موسى عليه السلم ل تفرح بكثرة المال ،ول تدع
ذكري على حال ،فان كثرة المال تنسي الذنوب ،وترك ذكري يقسي
القلوب - 20 .شى :عن عثمان بن عيسى ،عمن حدثه ،عن أبي عبد ال
عليه السلم في قول ال " كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم " )(4
قال :هو الرجل يدع المال ل ينفقه في طاعة ال بخل ،ثم يموت فيدعه لمن
يعمل به في طاعة ال أو في معصيته فان عمل به في طاعة ال رآه في
ميزان غيره فزاده حسرة ،وقد كان المال له أو عمل به في معصية ال
]فهو[ قواه بذلك المال حتى عمل به في معاصي ال ) - 21 .(5م :سئل
أمير المؤمنين عليه السلم من أعظم الناس حسرة ؟ قال :من رأى ماله
في ميزان غيره ،وادخله ال به النار ،وأدخل وارثه به الجنة - 22 .شى:
عن سعدان ،عن أبي جعفر عليه السلم في قول ال " الذين يكنزون
الذهب
) (1معاني الخبار 313 :و (2) .314الخصال ج 1ص (3) .170معاني الخبار:
(4) .365البقرة (5) .167 :تفسير العياشي ج 1ص .(*) 72
][143
والفضة " إنما عنى بذلك ما جاوز ألفي درهم ) - 23 .(1شى :عن معاذ بن كثير
صاحب الكسية قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم قال :موسع على
شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف ،فإذا قام قائمنا حرم على كل
ذي كنز كنزه ،حتى يأتيه فيستعين به على عدوه ،وذلك قول ال " الذين
يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم " )
- 24 .(2شى :عن الحسين بن علوان ،عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن المؤمن إذا كان عنده من ذلك شئ ينفقه على عياله ما
شاء ،ثم إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده ،وما بقي من ذلك يستعين به
على أمره ،فقد ادى ما يجب عليه ) - 25 .(3جا :عن أحمد بن الوليد ،عن
أبيه ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن ابن مهزيار ،عن القاسم بن
عروة ،عن رجل ،عن أحدهما عليه السلم في معنى قوله عز وجل" :
كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم " ) (4قال :الرجل يكسب مال
فيحرم أن يعمل خيرا فيموت ،فيرثه غيره ،فيعمل عمل صالحا ،فيرى
الرجل ما كسب حسنات في ميزان غيره ) - 26 .(5ضه :قال الصادق عليه
السلم :إن عيسى بن مريم توجه في بعض حوائجه ومعه ثلثة نفر من
أصحابه ،فمر بلبنات من ذهب على ظهر الطريق ،فقال عليه السلم
لصحابه :إن هذا يقتل الناس ثم مضى ،فقال أحدهم :إن لي حاجة
فانصرف ثم قال الخر :لي حاجة فانصرف ،ثم قال الخر :لي حاجة
فانصرف ،فوافوا عند الذهب ثلثتهم فقال اثنان لواحد :اشتر لنا طعاما
فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما ،كيل يشاركاه في
الذهب ،وقال الثنان :إذا جاء قتلناه كيل يشاركنا ،فلما جاء قاما إليه
فقتله ،ثم تغديا فماتا.
) (3 - 1تفسير العياشي ج 2ص ،87والية في براءة (4) .34 :البقرة) .167 :
(5مجالس المفيد.(*) 127 :
][144
فرجع إليهم عيسى عليه السلم وهم موتى حوله ،فأحياهم باذن ال عزوجل وقال:
ألم اقل لكم أن هذا يقتل الناس ؟ - 27 .ين :فضالة عن ابن عميرة ،عن
علي بن المغيرة ،عن أخ له قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :ما ذئبان جائعان في غنم قد فرقها راعيها
أحدهما في أولها والخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في
دين المرء المسلم - 28 .نهج :قال عليه السلم :يا ابن آدم ما كسبت فوق
قوتك فأنت فيه خازن لغيرك ) .(1وقال عليه السلم وقد مر بقذر على
مزبلة :هذا ما بخل به الباخلون ،وروي أنه قال :هذا ما كنتم تتنافسون فيه
بالمس ) .(2وقال عليه السلم :لم يذهب من مالك ما وعظك ) .(3وقال
عليه السلم :لكل امرئ في ماله شريكان :الوارث والحوادث ) .(4وقال
عليه السلم لبنه الحسن عليه السلم :يا بني ل تخلفن وراءك شيئا من
الدنيا فانك تخلفه لحد رجلين :إما رجل عمل فيه بطاعة ال فسعد بما
شقيت به ،وإما رجل عمل فيه بمعصية ال فكنت عونا له على معصيته،
وليس أحد هذين حقيقا أن تؤثره على نفسك .ويروي هذا الكلم على وجه
آخر وهو :أما بعد فان الذي في يديك من الدنيا قد كان له أهل قبلك ،وهو
صائر إلى أهل بعدك ،وإنما أنت جامع لحد رجلين :رجل عمل فيما جمعته
بطاعة ال فسعد بما شقيت به ،أو رجل عمل
) (1نهج البلغة الرقم 192من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 195من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 196من الحكم (4) .نهج البلغة الرقم 335من
الحكم )*(.
][145
فيه بمعصية ال ،فشقي بما جمعت له ،وليس أحد هذين أهل أن تؤثره على نفسك،
وتحمل له على ظهرك ،فارج لمن مضى رحمة ال ،ولمن بقي رزق ال
عزوجل )) - 124 - .(1باب( " )حب الرياسة( " اليات :القصص :تلك
الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا والعاقبة
للمتقين ) - 1 .(2كا :عن محمد ،عن أحمد ،عن معمر بن خلد ،عن أبي
الحسن عليه السلم أنه ذكر رجل فقال إنه يحب الرياسة ،فقال :ما ذئبان
ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من طلب الرياسة
) .(3بيان " :إنه ذكر رجل " ضماير " إنه " و " ذكر " و " فقال "
أول ،راجعة إلى معمر ،ويحتمل رجوعها إلى المام عليه السلم ،والرياسة
الشرف والعلو على الناس من رأس الرجل يراس مهموزا بفتحتين رياسة
شرف وعل قدره ،فهو رئيس والجمع رؤساء مثل شريف وشرفاء،
والضاري السبع الذي اعتاد بالصيد وإهلكه ،والرعاء بالكسر والمد جمع
راع اسم فاعل وبالضم اسم جمع صرح بالول صاحب المصباح وبالثاني
القاضي ،وتفرق الرعاء لبيان شدة الضرر ،فان الراعي إذا كالن حاضرا
يمنع الذئب عن الضرر ويحمي القطيع .والظاهر أن قوله " :في دين
المسلم " صلة للضرر المقدر أي ليس ضرر الذئبين في الغنم بأشد من
ضرر الرياسة في دين المسلم ،ففي الكلم تقديم وتأخير.
) (1نهج البلغة الرقم 416من الحكم (2) .القصص (3) .83 :الكافي ج 2ص
.(*) 297
][146
ويؤيده ما سيأتي في باب حب الدنيا مثله ) (1هكذا " بأفسد فيها من حب المال
والشرف في دين المسلم " .وقيل :في دين المسلم حال عن الرياسة قدم
عليه ،ول يخفى ما فيه ،وفيه تحذير عن طلب الرياسة ،وللرياسة أنواع
شتى ،منها ممدوحة ،ومنها مذمومة ،فالممدوحة منها الرياسة التي
أعطاها ال تعالى خواص خلقه من النبياء والوصياء عليهم السلم
لهداية الخلق وإرشادهم ،ودفع الفساد عنهم ،ولما كانوا معصومين
مؤيدين بالعنايات الربانية ،فهم مأمونون من أن يكون غرضهم من ذلك
تحصيل الغراض الدنية والغراض الدنيوية ،فإذا طلبوا ذلك ليس
غرضهم إل الشفقة على خلق ال وإنقاذهم من المهالك الدنيوية
والخروية ،كما قال يوسف عليه السلم " :اجعلني على خزائن الرض
إني حفيظ عليم " ) .(2وأما ساير الخلق فلهم رياسات حقة ،ورياسات
باطلة ،وهي مشتبهة بحسب نياتهم ،واختلف حالتهم ،فمنها القضاء
والحكم بين الناس وهذا أمر خطير وللشيطان فيه تسويلت ،ولذا وقع
التحذير عنه في كثير من الخبار وأما من يأمن ذلك من نفسه ،ويظن أنه
ل ينخدع من الشيطان ،فإذا كان في زمان حضور المام عليه السلم وبسط
يده عليه السلم وكلفه ذلك يجب عليه قبوله ،وأما في زمان الغيبة
فالمشهور أنه يجب على الفقيه الجامع لشرايط الحكم والفتوى ارتكاب
ذلك ،إما عينا وإما كفاية .فان كان غرضه من ارتكاب ذلك إطاعة امامه
والشفقة على عباد ال ،وإحقاق حقوقهم ،وحفظ فروجهم وأموالهم
وأعراضهم عن التلف ،ولم يكن غرضه الترفع على الناس ،والتسلط
عليهم ،ول جلب قلوبهم ،وكسب المحمدة منهم ،فليست رياسته رياسة
باطلة ،بل رياسة حقة أطاع ال تعالى فيها ونصح إمامه.
][147
وإن كان غرضه كسب المال الحرام ،وجلب قلوب الخواص والعوام وأمثال ذلك
فهي الرياسة الباطلة التي حذر عنها ،وأشد منها من ادعى ما ليس له
بحق كالمامة والخلفة ،ومعارضة ائمة الحق فانه على حد الشرك بال
وقريب منه ما فعله الكذابون المتصنعون ]الذين كانوا في أعصار الئمة
عليهم السلم وكانوا يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري
وسفيان الثوري[ ) (1وأبي حنيفة وأضرابهم .ومن الرياسات المنقسمة
إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس والوعظ فمن كان أهل لتلك
المور ،عالما بما يقول :متبعا للكتاب والسنة ،وكان غرضه هداية الخلق،
وتعليمهم مسائل دينهم ،فهو من الرياسة الحقة ،ويحتمل وجوبه إما عينا
أو كفاية ،ومن لم يكن أهل لذلك ،ويفسر اليات برأيه ،والخبار مع عدم
فهمها ،ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال ال سبحانه فيهم " قل هل
ننبئكم بالخسرين أعمال الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا " ) .(2وكذلك من هو أهل لتلك المور من جهة العلم،
لكنه مراء متصنع ،يحرف الكلم عن مواضعه ويفتي الناس بخلف ما يعلم،
أو كان غرضه محض الشهرة ،وجلب القلوب أو تحصيل الموال
والمناصب فهو ايضا من الهالكين ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة،
فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرياسات الحقة وإل فهو
ايضا من أهل الفساد .والحاصل أن الرياسة إن كانت بجهة شرعية
ولغرض صحيح ،فهي ممدوحة وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو
مقرونة بالغراض الفاسدة ،فهي مذمومة فهذه الخبار محمولة على أحد
هذه الوجوه الباطلة ،أو على ما إذا كان المقصود نفس الرياسة والتسلط.
) (1ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج 2ص (2) .277الكهف 103 :و
.(*) 104
][148
قال بعض المحققين :معنى الجاه ملك القلوب ،والقدرة عليها ،فحكمها حكم ملك
الموال ،فانه غرض من أغراض الحياة الدنيا ،وينقطع بالموت كالمال،
والدنيا مزرعة الخرة ،فكلما خلق ال في الدنيا فيمكن أن يتزود منه إلى
الخرة ،وكما أنه ل بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس ،فل بد من
أدنى جاه ،لضرورة المعيشة مع الخلق ،والنسان كما ل يستغني عن طعام
يتناوله فيجوز أن يحب الطعام والمال الذي يبتاع به الطعام ،فكذلك ل يخلو
عن الحاجة إلى خادم يخدمه ،ورفيق يعينه ،واستاد يعلمه ،وسلطان
يحرسه ،ويدفع عنه ظلم الشرار .فحبه أن يكون له في قلب خادمه من
المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس بمذموم ،وحبه لن يكون في قلب رفيقه
من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته ليس بمذموم ،وحبه لن يكون
في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده وتعليمه والعناية به ليس
بمذموم ،وحبه لن يكون له من المحل في قلب سلطانه ما يحثه ذلك على
دفع الشر عنه ليس بمذموم ،فان الجاه وسيلة إلى الغراض كالمال .فل
فرق بينهما إل أن التحقيق في هذا يفضي إلى أن يكون المال والجاه في
أعيانهما محبوبين ،بل ينزل ذلك منزلة حب النسان أن يكون في داره بيت
ماء لنه يضطر إليه لقضاء حاجته وبوده لو استغنى عن قضاء الحاجة
حتى يستغني عن بيت الماء ،وهذا على التحقيق ليس بحب لبيت الماء،
فكل ما يراد به التوصل إلى محبوب ،فالمحبوب هو المقصود المتوصل
إليه .وتدرك التفرقة بمثال ،وهو أن الرجل قد يحب زوجته من حيث إنه
يدفع بها فضلة الشهوة ،كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام ،ولو كفي مؤنة
الشهوة لكان يهجر زوجته ،كما لو كفي قضاء الحاجة لكان ل يدخل بيت
الماء ،ول يدور به ،وقد يحب زوجته لذاتها حب العشاق ،ولو كفي الشهوة
لبقي مستصحبا لنكاحها.
][149
فهذا هو الحب دون الول ،فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما من هذين
الوجهين ،فحبهما لجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم ،وحبهما
لعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم ،ولكنه ل يوصف
صاحبه بالفسق والعصيان ،ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية ،وما
لم يتوصل إلى اكتسابه بعبادة فان التوصل إلى المال والجاه بالعبادة خيانة
على الدين ،وهو حرام ،وإليه يرجع معنى الرياء المحظور كما مر .فان
قلت :طلب الجاه والمنزلة في قلب استاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه ومن
يرتبط به أمره مباح على الطلق ،كيف ما كان ؟ أو مباح إلى حد
مخصوص أو على وجه مخصوص ؟ فأقول :يطلب ذلك على ثلثة أوجه:
وجهان منها مباح ووجه منها محظور .أما المحظور ،فهو أن يطلب قيام
المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو منفك عنها ،مثل العلم والورع
والنسب ،فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أو ورع ،ول يكون كذلك ،فهذا
حرام لنه تلبيس وكذب ،إما بالقول وإما بالفعل .وأما المباح فهو أن يطلب
المنزلة بصفة وهو متصف بها كقول يوسف عليه السلم " :اجعلني على
خزائن الرض إني حفيظ عليم " ) (1فانه طلب المنزلة في قلبه بكونه
حفيظا عليما ،وكان محتاجا إليه ،وكان صادقا فيه .والثاني أن يطلب إخفاء
عيب من عيوبه ،ومعصية من معاصيه ،حتى ل يعلمه فل تزول منزلته به،
فهذا أيضا مباح لن حفظ الستر على القبايح جايز ،ول يجوز هتك الستر،
وإظهار القبح ،فهذا ليس فيه تلبيس ،بل هو سد لطريق العلم بما ل فائدة
في العلم به ،كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر ،ول يلقى إليه أنه
ورع ،فان قوله " :إني ورع " تلبيس ،وعدم إقراره بالشرب ل يوجب
اعتقاده الورع ،بل يمنع العلم بالشرب .ومن جملة المحظورات تحسين
الصلة بين يديه لن تحسن فيه اعتقاده ،فان
) (1يوسف.(*) 55 :
][150
ذلك رياء وهو ملبس ،إذ يخيل إليه أنه من المخلصين الخاشعين ل وهو مراء بما
يفعله ،فكيف يكون مخلصا ،فطلب الجاه بهذا الطريق حرام ،وكذا بكل
معصية ،وذلك يجري مجرى اكتساب المال من غير فرق ،وكما ل يجوز له
أن يتملك مال غيره بتلبيس في عوض أو غيره ،فل يجوز له أن يتملك
قلبه بتزوير وخداع ،فان ملك القلوب أعظم من ملك الموال - 2 .كا :عن
محمد ،عن أحمد ،عن سعيد بن جناح ،عن أخيه أبي عامر ،عن رجل ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :من طلب الرياسة هلك ) - 3 .(1كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن المغيرة ،عن عبد ال بن
مسكان قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إياكم وهؤلء الرؤساء
الذين يتراءسون ،فوال ما خفقت النعال خلف رجل إل هلك وأهلك ).(2
بيان :قال الجوهري :رأس فلن القوم يرأس بالفتح رياسة ،وهو رئيسهم
وراسته أنا ترئيسا فترأس هو ،وارتأس عليهم ،وقال :خفق الرض بنعله،
وكل ضرب بشئ ]عريض خفق ،أقول :وهذا أيضا محمول على الجماعة
الذين كانوا في أعصار الئمة عليهم السلم ويدعون الرياسة[ ) (3من
غير استحقاق أو تحذير عن تسويل النفس وتكبر واستعلئها باتباع العوام
ورجوعهم إليه ،فيهلك بذلك ويهلكهم باضللهم ،وإفتائهم بغير علم ،مع أن
زلت علماء الجور مسرية إلى غيرهم ،لن كل ما يرون منهم يزعمون أنه
حسن فيتبعونهم في ذلك كما قال النبي صلى ال عليه وآله :أخاف على
أمتي زلة عالم - 4 .كا :عن محمد ،عن أحمد ،عن ابن أيوب :عن أبي
عقيلة الصيرفي قال :حدثنا كرام ،عن أبي حمزة الثمالي قال :قال أبو عبد
ال عليه السلم :إياك والرياسة ،وإياك أن تطأ أعقاب الرجال] ،قال :قلت:
جعلت فداك
) (2 - 1الكافي ج 2ص (3) .297ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج 2
ص .(*) 278
][151
أما الرئاسة فقد عرفتها ،وأما أن أطأ أعقاب الرجال[ ) (1فما ثلثا ما في يدي إل مما
وطئت أعقاب الرجال فقال لي :ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجل دون
الحجة ،فتصدقه في كل ما قال ) .(2بيان :في بعض النسخ أبي عقيل ،وفي
بعضها أبي عقيلة ،والظاهر أنه كان أيوب بن ابي عقيلة ،لن الشيخ ذكر
في الفهرست الحسن بن ايوب بن ابي عقيلة ) (3وقال النجاشي :له كتاب
أصل ،وكون كتابه أصل عندي مدح عظيم " إل مما وطئت أعقاب الرجال
" أي مشيت خلفهم لخذ الرواية عنهم فأجاب عليه السلم بأنه ليس
الغرض النهي عن ذلك ،بل الغرض النهي عن جعل غير المام المنصوب
من قبل ال تعالى ،بحيث تصدقه في كل ما يقول ،وقيل :وطء العقب كناية
عن التباع في الفعال وتصديق المقال واكتفى في تفسيره بأحدهما
لستلزامه الخر غالبا - 5 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع وغيره رفعوه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :ملعون
من ترأس ،ملعون من هم بها ،ملعون كل من حدث بها نفسه ) (4بيان:
من تراس اي ادعا الرياسة بغير حق ،فان التفعل غالبا يكون للتكلف- 6 .
كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن أبي الربيع
الشامي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال لي :ويحك يا أبا الربيع ل
تطلبن الرياسة ،ول تكن ذنبا ،ول تأكل بنا الناس فيفقرك ال ،ول تقل فينا
ما ل نقول في أنفسنا فانك موقوف ومسؤل ل محالة ،فان كنت صادقا
صدقناك ،وإن كنت كاذبا كذبناك ).(5
) (1ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمباني ،أضفناه من المصدر (2) .الكافي ج
2ص (3) .297وهو الصحيح قطعا كما سيأتي تحت الرقم 10من
معاني الخبار للصدوق (5 - 4) .الكافي ج 2ص .(*) 298
][152
بيان " :ول تكن ذنبا " أي تابعا للجهال والمترئسين وعلماء السوء قال في
النهاية :الذناب التباع ،جمع ذنب ،كأنهم في مقابل الرؤوس ،وهم
المقدمون وفي بعض النسخ ذئبا بالهمزة فيكون تأكيدا للفقرة السابقة ،فان
رؤساء الباطل ذئاب يفترسون الناس ،ويهلكونهم من حيث ل يعلمون "
ول تأكل بنا الناس " اي ل تجعل انتسابك إلينا بالتشيع أو العلم أو النسب
مثل وسيلة لخذ أموال الناس أو إضرارهم ،أو ل تجعل وضع الخبار فينا
وسيلة لخذ أموال الشيعة " فيفقرك ال " على خلف مقصودك " .ما ل
نقول في أنفسنا " كالربوبية والحلول والتحاد ونسبة خلق العالم إليهم أو
كونهم أفضل من نبينا صلى ال عليه وآله أو العم منها ومن التقصير في
حقهم " فانك موقوف " أي يوم القيامة " ،ومسؤل " عما قلت فينا،
لقوله تعالى " :وقفوهم إنهم مسؤلون " ) (1وفي القاموس :ل محالة منه
بالفتح ل بد - 7 .كا :عن العدة ،عن سهل بن زياد ،عن منصور بن
العباس ،عن ابن مياح ،عن ابيه قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :من أراد الرياسة هلك ) - 8 .(2كا :عن علي ،عن ممد بن عيسى،
عن يونس ،عن العل ،عن محمد بن مسلم قال :سمعت أبا عبد ال عليه
السلم يقول :أتراني ل أعرف خياركم من شراركم ؟ بلى وال وإن شراركم
من أحب أن يوطأ عقبه ،إنه ل بد من كذاب أو عاجز الرأي ) .(3بيان" :
أترى " على المعلوم أو المجهول استفهام إنكار " إنه ل بد " قيل الضمير
اسم إن وراجع إلى أن يوطأ " ول بد " جملة معترضة و " من كذاب "
خبر " إن " و " من " للبتداء أو الضمير للشأن و " من كذاب " ظرف
لغو
) (1الصافات (2) .24 :الكافي ج 2ص (3) .298الكافي ج 2ص .299
][153
) (1الخصال ج 1ص (2) .106معاني الخبار (3) .169 :معاني الخبار180 :
)*(.
][154
- 12ضا :نروي :من طلب الرياسة لنفسه هلك ،فان الرياسة ل تصلح إل لهلها.
- 13كش :عن ابن قولويه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن الهوازي
عن معمر بن خلد قال :قال أبو الحسن عليه السلم :ما ذئبان ضاريان في
غنم قد غاب عنها رعاؤها بأضر في دين المسلم من حب الرياسة ،ثم قال:
لكن صفوان ل يحب الرياسة )) - 125 - .(1باب( * " )الغفلة ،واللهو،
وكثرة الفرح ،والتراف بالنعم( " * اليات :العراف :ول تكن من
الغافلين ) .(2يونس :والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأويهم النار
بما كانوا يكسبون ) .(3وقال تعالى :وإن كثيرا من الناس عن آياتنا
لغافلون ) .(4هود :واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ).(5
أسرى :وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناها تدميرا ) .(6مريم :وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي المر
وهم في غفلة وهم ل يؤمنون ) .(7النبياء :اقترب للناس حسابهم وهم في
غفلة معرضون * ما يأتيهم من
) (1رجال الكشي (2) .424 :العراف (3) .205 :يونس (4) .8 - 7 :يونس.92 :
) (5هود (6) .116 :أسرى (7) .16 :مريم.(*) 39 :
][155
ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون * لهية قلوبهم ) .(1وقال تعالى :ل
تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون ) .(2وقال :يا
ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ) .(3المؤمنون :حتى إذا أخذنا
مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * ل تجأروا اليوم إنكم منا ل تنصرون )
.(4القصص :وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن
من بعدهم إل قليل وكنا نحن الوارثين ) .(5وقال تعالى :إذ قال له قومه ل
تفرح إن ال ل يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس
نصيبك من الدنيا ) .(6الروم :وإذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها ).(7
سبا :وما ارسلنا في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا بما أرسلتم به
كافرون * وقالوا نحن أكثر أموال وأولدا وما نحن بمعذبين -إلى قوله
تعالى :وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي
فكيف كان نكير ) .(8المؤمن :ذلكم بما كنتم تفرحون في الرض بغير الحق
وبما كنتم تمرحون ) .(9حمعسق :وإنا إذا أذقنا النسان منا رحمة فرح
بها ،وإن تصبهم سيئة
) (1النبياء (2) .2 - 1 :النبياء (3) .14 - 13 :النبياء (4) .97 :المؤمنون64 :
(5) .65 -القصص (6) .58 :القصص (7) .77 - 76 :الروم(8) .36 :
سبأ (9) .35 - 34 :المؤمن.75 :
][156
بما قدمت أيديهم النسان كفور ) .(1الزخرف :وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية
من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
) .(2وقال تعالى :ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له
قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا
جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم
اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) .(3وقال تعالى :فذرهم
يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون ) .(4الذاريات :قتل
الخراصون * الذينهم في غمرة ساهون ) .(5الواقعة :إنهم كانوا قبل ذلك
مترفين ) .(6الحديد :لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم ).(7
المجادلة :استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر ال أولئك حزب الشيطان
ال إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) .(8الحشر :ول تكونوا كالذين نسوا
ال فأنساهم أنفسهم أولئك هم القاسقون ) .(9المنافقون :يا أيها الذين
آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم
الخاسرون ) .(10المزمل :وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليل )
.(11
) (1الشورى (2) .48 :الزخرف (3) .23 :الزخرف (4) .39 - 36 :الزخرف:
(5) .83الذاريات (6) .11 - 10 :الواقعة (7) .45 :الحديد(8) .23 :
المجادلة (9) .19 :الحشر (10) .19 :المنافقون (11) .9 :المزمل11 :
)*(.
][157
- 1ل ) (1لى :قال الصادق عليه السلم :إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ وإن
كان الموت حقا فالفرح لماذا ؟ ) - 2 .(2ما :عن ابن الصلت ،عن ابن
عقدة ،عن علي بن محمد بن علي الحسني عن جعفر بن محمد بن عيسى،
عن عبد ال بن علي ،عن الرضا عليه السلم عن آبائه ،عن أمير
المؤمنين عليهم السلم قال :كلما ألهى عن ذكر ال فهو من الميسر ).(3
- 3دعوات الراوندي :عن النبي صلى ال عليه واله إن من الذنوب ذنوبا
ل يكفرها صلة ول صدقة ،قيل :يا رسول ال صلى ال عليه وآله فما
يكفرها ؟ قال :الهموم في طلب المعيشة .وروي أن داود عليه السلم قال:
إلهي أمرتني أن أطهر وجهي وبدني ورجلي بالماء ،فبماذا أطهر لك
قلبي ؟ قال :بالهموم والغموم .وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :انه
ليأتي على الرجل منكم زمان ل يكتب عليه سيئة ،وذلك أنه مبتلى بهم
المعاش ،وقال :إن ال يحب كل قلب حزين .وسئل أين ال ؟ فقال :عند
المنكسرة قلوبهم .وقال أبو عبد ال عليه السلم :إن الهم ليذهب بذنوب
المسلم .وقال أمير المؤمنين عليه السلم :ما اكتحل أحد بمثل مكحول
الحزن .وقال النبي صلى ال عليه وآله :إذا كثرت ذنوب المؤمن ،ولم يكن
له من العمل ما يكفرها ،ابتله ال بالحزن ليكفرها به عنه - 4 .نهج] :قال
عليه السلم [:بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرة )] .(4وقال عليه
السلم [:جاهلكم مزداد ،وعالمكم مسوف ).(5
) (1الخصال ج 2ص (2) .61أمالى الصدوق (3) .6 :أمالي الطوسى ج 1ص
4) .346و (5نهج البلغة الرقم 282من الحكم )*(.
][158
]وقال عليه السلم [:قطع العلم عذر المتعللين )] .(1وقال عليه السلم [:كل معاجل
يسأل النظار ،وكل مؤجل يتعلل بالتسويف )) - 126 - .(2باب( * " )ذم
العشق وعلته( " * - 1لى :عن ابن الوليد ،عن الحسن بن متيل ،عن ابن
أبي الخطاب عن محمد بن سنان ،عن المفضل قال :سالت أبا عبد ال عليه
السلم عن العشق قال :قلوب خلت عن ذكر ال ،فأذاقها ال حب غيره )
.(3ع :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن محمد بن سنان مثله )
- 2 .(4ن :باسناد التميمي ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
النبي صلى ال عليه وآله :تعوذوا بال من حب الحزن ) - 3 .(5نوادر
الراوندي :باسناده ،عنموسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إن أخوف ما أتخوف على امتي من بعدي
هذه المكاسب المحرمة ،والشهوة الخفية ،والربا ).(6
) 1و (2نهج البلغة الرقم 284و 285من الحكم (3) .أمالي الصدوق) .396 :
(4علل الشرايع ج 1ص (5) .133عيون الخبار ج 2ص (6) .61
نوادر الراوندي.(*) 17 :
][159
) * - 127 -باب( * * " )الكسل ،والضجر ،والعجز ،وطلب ما ل يدرك( " * - 1
ل ) (1لى :قال الصادق عليه السلم :إن كان الثواب من ال فالكسل لماذا ؟
) - 2 .(2لى :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن هاشم ،عن الدهقان ،عن
درست ،عن ابن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إياك وخصلتين:
الضجر والكسل ،فانك إن ضجرت لم تصبر على حق ،وإن كسلت لم تؤد
حقا ) - 3 .(3ل :أبي ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن حماد،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال لقمان لبنه :للكسلن ثلث علمات:
يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ،ويضيع حتى يأثم ) - 4 .(4ل:
الربعمائة قال امير المؤمنين عليه السلم :إياكم والكسل ،فانه من كسل لم
يؤد حق ال عزوجل ) - 5 .(5ل :عن أمير المؤمنين عليه السلم قال:
العجز مهانة ) - 6 .(6ل :عن العطار ،عن أبيه وسعد معا ،عن البرقي،
عن ابن أبي عثمان ،عن موسى بن بكر ،عن موسى بن جعفر ،عن أبيه
عليهما السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :عشرة يفتنون أنفسهم
إلى أن قال :والذي يطلب ما ل يدرك ).(7
) (1الخصال ج 2ص ،61وقد سقط عن المطبوعة (2) .أمالي الصدوق(3) .6 :
أمالي الصدوق (4) .324 :الخصال ج 1ص (5) .60الخصال ج 2ص
(6) .160الخصال ج 2ص (7) .94الخصال ج 2ص .(*) 54
][160
- 7نهج :قال عليه السلم :العجز آفة ،والصبر شجاعة ) .(1وقال عليه السلم:
من أطاع التواني ضيع الحقوق ،ومن اطاع الواشي ضيع الصديق ).(2
وقال عليه السلم :في وصيته للحسن عليه السلم :وإياك والتكال على
المنى ،فانها بضايع النوكى )) * - 128 - .(3باب( * * " )الحرص،
وطول المل( " * اليات :المعارج :إن النسان خلق هلوعا * إذا مسه
الشر جزوعا ) .(4القيمة :بل يريد النسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم
القيمة ) - 1 .(5ل ) (6لى :عن الصادق عليه السلم إن كان الرزق
مقسموما فالحرص لماذا ؟ ) - 2 .(7لى :عن الصادق عليه السلم قال:
قال النبي صلى ال عليه وآله :أغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ).(8
- 3ل ) (9لى :عن الصادق عليه السلم ناقل عن حكيم :الحريص الجشع
اشد
) (1نهج البلغة الرقم 3من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 239من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 31من الحكم (4) .المعارج 19 :و (5) .20القيامة:
5و (6) .6الخصال ج 2ص (7) .61أمالى الصدوق (8) .6 :أمالي
الصدوق (9) .14 :الخصال ج 2ص .(*) 5
][161
حرارة من النار ) .(1كتاب الغايات :مرسل مثله - 4 .لى :في خبر الشيخ الشامي:
سئل أمير المؤمنين عليه السلم اي ذل اذل ؟ قال :الحرص على الدنيا )
.(2كتاب الغايات :مرسل مثله - 5 .ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي،
عن أبيه ،عن عدة من اصحابه رفعوه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه
قال :منهومان ل يشبعان :منهوم علم ومنهوم مال ) - 6 .(3ل :عن
الفامي ،عن ابن بطة ،عن البرقي ،عن ابيه رفعه إلى أبي عبد ال عليه
السلم قال :حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان حرم القناعة فافتقد
الراحة ،وحرم الرضا فافتقد اليقين ) - 7 .(4ل :ابن بندار ،عن سعيد بن
أحمد ،عن يحيى بن الفضل ،عن قتيبة ابن سعيد ،عن ابي عوانة ،عن
قتادة ،عن أنس ،عن النبي صلى ال عليه وآله قال :يهرم ابن آدم ويشب
منه اثنان :الحرص على المال ،والحرص على العمر ) - 8 (5ل :عن
الخليل ،عن محمد بن معاذ ،عن الحسين بن الحسن ،عن عبد ال ابن
المبارك ،عن شعبة ،عن قتادة ،عن أنس أن النبي صلى ال عليه وآله
قال :يهلك أو قال :يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان :الحرص والمل )9 .(6
-ل :ابن الوليد :عن الصفار ،عن ابن ابي الخطاب ،عن النضر بن شعيب،
عن الجازي ،عن ابي عبد ال عن أبيه عليهما السلم قال :ل يؤمن رجل
فيه الشح والحسد والجبن
) (1أمالي الصدوق (2) .148 :أمالي الصدوق (3) .237 :الخصال ج 1ص ) .28
(4الخصال ج 1ص (6 - 5) .36الخصال ج 1ص .(*) 37
][162
ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا ) - 10 .(1ل :عن أبيه ،عن علي،
عن أبيه ،عن ابن مرار ،عن يونس رفعه إلى ابي عبد ال عليه السلم
قال :كان فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه وآله عليا عليه السلم:
يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام :الحسد والحرص والكذب ) .(2ل:
في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم بسند آخر مثله
) - 11 .(3ل :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن
النوفلي عن السكوني ،عن الصادق عليه السلم ،عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من علمات الشقاء جمود العين،
وقسوة القلب ،وشدة الحرص في طلب الرزق ،و الصرار على الذنب ).(4
- 12ل :عن سعيد بن علقة ،عن أمير المؤمنين عليه السلم قال :إظهار
الحرص يورث الفقر ) - 13 .(5ل :عن ابن نباتة ،عن أمير المؤمنين عليه
السلم قال :الحرص مفقرة ) - 14 .(6ع :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن
الشعري ،عن محمد بن آدم ،عن أبيه رفعه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :اعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها
سوء الظن ) - 15 .(7مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي رفعه إلى ابن
طريف ،عن ابن نباتة ،عن الحارث العور قال :كان فيما سال عنه أمير
المؤمنين ابنه الحسن عليهما السلم
) (1الخصال ج 1ص (2) .41الخصال ج 1ص (3) .62الخصال ج 1ص ) .27
(4الخصال ج 1ص (6 - 5) .115الخصال ج 2ص (7) .94علل
الشرايع ج 2ص .(*) 246
][163
أنه قال له :ما الفقر ؟ قال :الحرص والشره ) - 16 .(1ل :عن أبيه ،عن محمد
العطار ،عن ابن عيسى ،عن أبيه ،عن حماد ابن عيسى ،عن ابن أذينة،
عن أبان بن ابي عياش ،عن سليم بن قيس ،عن أمير المؤمنين عليه
السلم قال :ال إن أخوف ما أخاف عليكم خصلتان :اتباع الهوى و طول
المل ،أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ،وأما طول المل فينسي الخرة )
.(2ل :عن ابن بندار ،عن أبي العباس الحمادي ،عن أحمد بن محمد
الشافعي عن عمه إبراهيم بن محمد ،عن علي بن أبي علي اللهبي ،عن
محمد بن المنكدر ،عن جابر بن عبد ال ،عن النبي صلى ال عليه وآله
مثله ) .(3أقول :قد مر في باب ذم الدنيا وباب ترك الهواء - 17 .ل :أبي،
عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن الحسن بن علي ،عن عمر عن أبان ،عن
ابن سيابة ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :لما هبط نوح عليه السلم
من السفينة أتاه إبليس فقال له :ما في الرض رجل أعظم منة علي منك،
دعوت ال على هؤلء الفساق فأرحتني منهم أل أعلمك خصلتين ؟ إياك
والحسد ،فهو الذي عمل بي ما عمل ،وإياك والحرص فهو الذي عمل بآدم
ما عمل ) - 18 .(4ل :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن
سهل ،عن عبد العزيز العبدي ،عن ابن ابي يعفور قال :سمعت أبا عبد ال
عليه السلم يقول :من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلث خصال :هم ل
يفنى ،وأمل ل يدرك ،ورجاء ل ينال ) - 19 .(5ل :عن ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن ابن معروف ،عن إسماعيل بن همام ،عن ابن غزوان ،عن
السكوني ،عن الصادق ،عن آبائه ،عن علي عليهم السلم:
) (1معاني الخبار (4 - 2) .244 :الخصال ج 1ص (5) .27الخصال ج 1ص
.(*) 44
][164
قال :من اطال أمله ساء عمله ) - 20 .(1ل (2) :لى :عن محمد بن أحمد السدي،
عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى السدوسي ،عن سليمان
بن عمرو ،عن عبد ال بن الحسن بن الحسن ،عن أمه فاطمة بنت
الحسين ،عن أبيها عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
إن صلح أول هذه المة بالزهد واليقين ،وهلك آخرها بالشح والمل ).(3
- 21ل :في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي :يا علي أربع
خصال من الشقاء :جمود العين ،وقساوة القلب ،وبعد المل ،وحب البقاء )
- 22 .(4ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين
عليهم السلم :قال لو رأى العبد أجله وسرعته إليه ،لبغض المل ،وترك
طلب الدنيا ) - 23 .(5جا ) (6ما :عن المفيد ،عن عمر بن محمد ،عن ابن
مهرويه ،عن داود ابن سليمان ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم مثله )
.(7صح :عن الرضا عن آبائه عليهم السلم مثله ) - 24 .(8ما :فيما
أوصى به أمير المؤمنين عليه السلم عند وفاته قصر المل ،واذكر الموت
وازهد في الدنيا ،فانك رهن موت ،وغرض بلء ،وصريع سقم )- 25 .(9
ع :عن الحسن بن أحمد ،عن أبيه ،عن الشعري عن محمد بن عبد الحميد
) (1الخصال ج 1ص (2) .11الخصال ج 1ص (3) .40أمالى الصدوق ) .137
(4الخصال (5) .115 :عيون الخبار ج 2ص (6) .39مجالس المفيد:
(7) .190أمالي الطوسى ج 1ص (8) .76صحيفة الرضا عليه السلم:
(9) .14أمالي الطوسى ج 1ص .(*) 6
][165
عن إبراهيم بن مهزم قال :وجد في زمن وهب بن منبه حجر فيه كتاب بغير العربية
فطلب من يقرأه فلم يوجد ،حتى أتى به ابن منبه وكان صاحب كتب فقرأه
فإذا فيه :يا ابن آدم لو رأيت قصر ما بقي من أجلك ،لزهدت في طول ما
ترجو من أملك ،ولقل حرصك وطلبك ،ورغبت في الزيادة في عملك ،فانك
إنما تلقى يومك لو قد زلت قدمك ،فل أنت إلى أهلك براجع ،ول في عملك
بزائد ،فاعمل ليوم القيامة ،قبل الحسرة والندامة ) - 26 .(1مص :قال
الصادق عليه السلم :ل تحرص على شئ لو تركته لوصل إليك وكنت عند
ال مستريحا محمودا بتركه ،ومذموما باستعجالك في طلبه ،وترك التوكل
عليه ،والرضا بالقسم ،فان الدنيا خلقها ال تعالى بمنزلة ظلك :إن طلبته
أتعبك ول تلحقه أبدا ،وإن تركته تبعك ،وانت مستريح .وقال النبي صلى
ال عليه وآله :الحريص محروم ،وهو مع حرمانه مذموم ،في أي شئ
كان ،وكيف ل يكون محروما وقد فر من وثاق ال ،وخالف قول ال عز
وجل ،حيث يقول ال " :الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم " )(2
والحريص بين سبع آفات صعبة :فكر يضر بدنه ول ينفعه ،وهم ل يتم له
أقصاه وتعب ل يستريح منه إل عند الموت ،ويكون عند الراحة أشد تعبا،
وخوف ل يورثه إل الوقوع فيه ،وحزن قد كدر عليه عيشه بل فائدة،
وحساب ل يخصله من عذاب ال إل أن يعفو ال عنه ،وعقاب ل مفر له
منه ول حيلة ،والمتوكل على ال يمسي ويصبح في كنفه ،وهو منه في
عافية ،وقد عجل له كفايته ،وهيئ له من الدرجات ما ال به عليم.
والحرص ما يجري في منافذ غضب ال ،وما لم يحرم العبد اليقين ل يكون
][166
حريصا ،واليقين ارض السلم وسماء اليمان ) - 27 .(1ضه :روي أن أسامة بن
زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر ،فسمع رسول ال صلى ال عليه
وآله ،فقال :ل تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ؟ إن أسامة لطويل
المل ،والذي نفس محمد بيده ما طرفت عيناي إل ظننت أن شفري ل
يلتقيان حتى يقبض ال روحي ،ول رفعت طرفي وظننت أني خافضه ،حتى
أقبض ،ول تلقمت لقمة إل ظننت أني ل اسيغها حتى أغص بها ) (2من
الموت ثم قال :يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ،والذي
نفسي بيده ،إن ما توعدون لت ،وما أنتم بمعجزين ) - 28 .(3ين :عن
فضالة ،عن السكوني ،عن ابي عبد ال ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
علي عليه السلم :ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله .وقال
علي عليه السلم :ما أطال عبد المل إل اساء العمل ،وكان عليه السلم
يقول :لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لبغض المل وطلب الدنيا- 29 .
نهج :قال عليه السلم :من جرى في عنان أمله عثر بأجله ) .(4وقال عليه
السلم :أشرف الغنا ترك المنى ) .(5وقال عليه السلم :من اطال المل
أساء العمل ) .(6وقال عليه السلم :كم من أكلة تمنع أكلت ).(7
) (1مصباح الشريعة (2) .22 :اساغ الطعام أو الشراب :سهل له دخوله في
الجوف ،والغصص اعتراض شئ منه في الحلق يمنعه التنفس بالخناق) .
(3وتراه في تنبيه الخاطر ج 1ص (4) .271نهج البلغة الرقم 18من
الحكم (5) .نهج البلغة الرقم 34من الحكم (6) .نهج البلغة الرقم 36
من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 171من الحكم )*(.
][167
وقال عليه السلم :لو رأى العبد الجل ومسيره لبغض المل وغروره )- 30 .(1
كتاب الغارات :لبراهيم بن محمد الثقفي رفعه ،عن يحيى بن سعيد عن
أبيه قال :خطب علي عليه السلم فقال :إنما أهلك الناس خصلتان ،هما
اهلكتا من كان قبلكم وهما مهلكتان من يكون بعدكم :أمل ينسى الخرة،
وهوى يضل عن السبيل ثم نزل - 31 .كنز الكراجكى :قال ال تعالى :يا ابن
آدم في كل يوم تؤتى برزقك وأنت تحزن ،وينقص من عمرك وأنت ل
تحزن ،تطلب ما يطغيك ،وعندك ما يكفيك .وقال رسول ال صلى ال عليه
وآله :من كان يأمل أن يعيش غدا فانه يأمل أن يعيش ابدا .وعن المفيد،
عن ابن قولويه ،عن جعفر بن محمد بن مسعود ،عن أبيه ،عن الحسين
ابن خالد ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :من أيقن أنه يفارق الحباب،
ويسكن التراب ،ويواجه الحساب ،ويستغني عما خلف ،ويفتقر إلى ما قدم،
وكان حريا بقصر المل ،وطول العمل .وروي أنه سئل أمير المؤمنين عليه
السلم عن الحرص ما هو ؟ قال هو طلب القليل باضاعة الكثير.
][168
) * - 129 -باب( * * " )الطمع ،والتذلل لهل الدنيا طلبا لما( " * * " )في
أيديهم ،وفضل القناعة( " * - 1لى :عن الصادق عليه السلم قال :قال
النبي صلى ال عليه وآله :أفقر الناس الطمع ) - 2 .(1ل :عن أبيه ،عن
محمد العطار ،عن الشعري ،عن أبي عبد ال الرازي ،عن علي بن
سليمان بن رشيد ،عن موسى بن سلم ،عن أبان بن سويد ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :قلت :ما الذي يثبت اليمان في العبد ؟ قال :الذي
يثبته فيه الورع والذي يخرجه منه الطمع ) .(2أقول :قد مضى في باب
صفات شرار العباد - 3 .ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن
المنقري ،عن حماد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن أردت أن تقر
عينك وتنال خير الدنيا والخرة ،فاقطع الطمع عما في أيدي الناس ،وعد
نفسك في الموتى ،ول تحدثن نفسك أنك فوق أحد من الناس ،واخزن
لسانك كما تخزن مالك ) - 4 .(3ما :عن جماعة ،عن ابي المفضل ،عن
الحسن بن علي بن سهل ،عن موسى بن عمر بن يزيد ،عن معمر بن
خلد ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :جاء أيوب خالد بن زيد إلى
رسول ال صلى ال عليه وآله فقال :يا رسول ال أوصني واقلل لعلي أن
أحفظ قال :أوصيك بخمس :باليأس عما في أيدي الناس فانه الغنى ،وإياك
والطمع فانه الفقر الحاضر ،وصل صلة مودع ،وإياك وما يعتذر منه،
وأحب لخيك ما تحب لنفسك ).(4
) (1أمالى الصدوق ،14 :والطمع :ككتف ذو الطماعية (2) .الخصال ج 1ص ) .8
(3الخصال ج 1ص (4) .60امالي الطوسى ج 2ص .(*) 122
][169
- 5فس :عن محمد بن إدريس ،عن محمد بن أحمد ،عن محمد بن سيار عن
المفضل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :من أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ،ذهب ثلثا دينه ثم قال:
ول تعجل وليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيجله ويوقره فقد
يجب ذلك له عليه ،ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند ال ،أو يريد أن
يختله عما في يديه ) - 6 .(1مص :قال الصادق عليه السلم :بلغني أنه
سئل كعب الحبار :ما الصلح في الدين ؟ وما الفسد ؟ فقال :الصلح
الورع ،والفسد الطمع ،فقال له السائل :صدقت يا كعب الحبار .والطمع
خمر الشيطان ،يستقي بيده لخواصه ،فمن سكر منه ل يصحو إل في ]أليم[
عذاب ال أو مجاورة ساقيه ،ولو لم يكن في الطمع إل مشاراة الدين بالدنيا
كان عظيما قال ال عزوجل " :أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى
والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار " ) .(2وقال أمير المؤمنين علي
عليه السلم :تفضل على من شئت فأنت أميره ،واستغن عمن شئت فأنت
نظيره ،وافتقر إلى من شئت فأنت اسيره .والطمع منزوع عنه اليمان،
وهو ل يشعر ،لن اليمان يحجب بين العبد وبين الطمع من الخلق،
ويقول :يا صاحبي خزائن ال مملوة من الكرامات ،وهو ل يضيع أجر من
أحسن عمل ،وما في أيدي الناس فانه مشوب بالعلل ،ويرده إلى التوكل
والقناعة ،وقصر المل ،ولزوم الطاعة ،واليأس من الخلق ،فان فعل ذلك
لزمه ،وان لم يفعل ذلك تركه مع شؤم الطمع وفارقه ) - 7 .(3نهج :قال
عليه السلم :أزرى بنفسه من استشعر الطمع ،ورضي بالذل من
) (1تفسير القمى 356 :في حديث .وقد مر ص 90فيما سبق مع اختلف(2) .
البقرة (3) .175 ،مصباح الشريعة.(*) 34 :
][170
كشف عن ضره ) .(1وقال عليه السلم :والطمع رق مؤبد ) .(2وقال عليه السلم:
أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع ) .(3وقال عليه السلم :الطامع
في وثاق الذل ) .(4وقال عليه السلم :من أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب
ثلثا دينه ) .(5وقال عليه السلم :إن الطمع مورد غير مصدر ،وضامن
غير وفي ،وربما شرق شارب الماء قبل ريه ،فكلما عظم قدر الشئ
المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده ،والماني تعمي أعين البصائر ،والحظ
يأتي من ل يأتيه ) .(6وقال عليه السلم في وصيته للحسن عليه السلم:
اليأس خير من الطلب إلى الناس ما أقبح الخضوع عند الحاجة ،والجفاء
عند الغناء ) - 8 .(7صفات الشيعة للصدوق :باسناده ،عن حبيب
الواسطي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما أقبح بالمؤمن أن تكون له
رغبة تذله ) - 9 .(8كا :عن العدة ،عن أحمد ،عن أبيه ،عمن ذكره بلغ به
أبا جعفر عليه السلم قال :بئس العبد عبد له طمع يقوده ،وبئس العبد عبد
له رغبة تذله ).(9
) (1نهج البلغة الرقم 2من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 180من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 219من الحكم (4) .نهج البلغة الرقم 226من
الحكم (5) .نهج البلغة الرقم 228من الحكم (6) .نهج البلغة الرقم
275من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 31من الحكم (8) .صفات الشيعة
تحت الرقم ،45وفيه حباب الواسطي (9) .الكافي ج 2ص .(*) 320
][171
) 1و 3و (4الكافي ج 2ص (2) .320الراوى حباب أو حبيب الواسطي كما مر
عن صفات الشيعة )*(.
][172
- 13كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن محمد بن سنان ،عن عمار ابن
مروان ،عن زيد الشحام ،عن عمرو بن هلل قال :قال أبو جعفر عليه
السلم :إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك ،فكفى بما قال ال عزوجل
لنبيه صلى ال عليه وآله " :ول تعجبك أموالهم ول أولدهم " ) (1وقال:
" ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " )(2
فان دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول ال صلى ال عليه وآله فانما
كان قوته الشعير ،وحلواه التمر ،ووقوده السعف إذا وجده ) .(3تبيين" :
أن تطمح بصرك " الظاهر أنه على بناء الفعال ،ونصب البصر ويحتمل
أن يكون على بناء المجرد ورفع البصر ،أي ل ترفع بصرك بأن تنظر إلى
من هو فوقك في الدنيا ،فتتمنى حاله ،ول ترضى بما أعطاك ال ،وإذا
نظرت إلى من هو دونك في الدنيا ترضى بما أوتيت ،وتشكر ال عليه،
وتقنع به ،قال في القاموس :طمح بصره إليه كمنع ارتفع فهي طامح،
وأطمح بصره رفعه انتهى " .فكفى بما قال ال " الباء زائدة أي كفاك
للتعاظ ولقبول ما ذكرت ما قال ال لنبيه ،وإن كان المقصود بالخطاب
غيره " ول تعجبك " كذا في النسخ التي عندنا ،والظاهر " فل " إذ الية
في سورة التوبة في موضعين أحدهما " فل تعجبك أموالهم ول أولدهم
إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "
والخرى " ول تعجبك أموالهم وأولدهم إنما يريد ال أن يعذبهم بها في
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " وما ذكر هنا ل يوافق شيئا منهما،
وإن احتمل أن يكون نقل بالمعنى إشارة إلى اليتين معا .وقال البيضاوي
في الولى " :فل تعجبك " الخ فان ذلك استدراج ووبال لهم ،كما قال" :
إنما يريد ال ليعذبهم بها " بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها
) (1براءة 56 :و (2) .85طه (3) .131 :الكافي ج 2ص .(*) 137
][173
من المتاعب ،وما يرون فيها من الشدائد والمصائب " وتزهق أنفسهم " اي
فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة ،فيكون ذلك
استدراجا لهم ) .(1وقال في الخرى :تكرير للتأكيد والمر حقيق به فان
البصار طامحة إلى الموال والولد ،والنفوس مغتبطة عليها ،ويجوز أن
يكون هذه في فريق غير الول ) " .(2ول تمدن عينيك " قال في الكشاف:
اي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن ل يكاد يرده استحسانا للمنظور
إليه ،وتمنيا أن يكون له مثله ،وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه،
وذلك مثل نظر من باده الشئ بالنظر ثم غض الطرف وقد شدد العلماء من
أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة ،وعدد الفسقة في
اللباس والمراكب وغير ذلك ،لنهم إنما اتخذوا هذه الشياء لعيون
النظارة ،فالناظر إليها محصل لغرضهم ،وكالمغري لهم على اتخاذها" .
أزواجا منهم " قال البيضاوي :أصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حال من
الضمير في " به " ،والمفعول " منهم " اي إلى الذي متعنا به ،وهو
أصناف بعضهم وناسا منهم " زهرة الحيوة الدنيا " منصوب بمحذوف دل
عليه " متعنا " أو به على تضمينه معنى أعطينا ،أو بالبدل من محل " به
" أو من " أزواجا " بتقدير مضاف ودونه ،أو بالضم وهي الزينة
والبهجة " لنفتنهم فيه " لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الخرة
بسببه " ورزق ربك " وما ادخره لك في الخرة أو ما رزقك من الهدى
والنبوة " خير " مما منحهم في الدنيا " وأبقى " فانه ل ينقطع ).(3
وإنما ذكرنا تتمة اليتين لنهما مرادتان ،وتركتا اختصارا " فان دخلك من
ذلك " أي من إطماع البصر أو من جملته " شئ " أو بسببه شئ من
الرغبة في الدنيا " فاذكر " لعلج ذلك وإخراجه عن نفسك " عيش رسول
ال صلى ال عليه وآله " أي
) (1أنوار التنزيل (2) .175 :انوار التنزيل (3) .178 :انوار التنزيل.270 :
][174
طريق تعيشه في الدنيا ،لتسهل عليك مشاق الدنيا والقناعة فيها ،فانه إذا كان
أشرف المكونات هكذا تعيشه ،فكيف ل يرضى من دونه به ؟ وإن كن
شريفا رفيعا عند الناس ؟ مع أن التأسي به صلى ال عليه وآله لزم" .
فانما كان قوته الشعير " اي خبزه غالبا " وحلواه التمر " قال :في
المصباح الحلوا التي تؤكل تمد وتقصر ،وجمع الممدود حلوي مثل
صحراء وصحاري بالتشديد وجمع المقصور حلوى بفتح الواو ،وقال
الزهري :الحلوا اسم لما يؤكل من الطعام إذا كان معالجا بحلوة "
ووقوده السعف " الوقود بالفتح الحطب وما يوقد به ،والسعف أغصان
النخل ما دامت بالخوص ،فان زال الخوص عنها قيل :جريدة ،الواحدة
سعفة ،ذكره في المصباح وفي القاموس السعف محركة جريد النخل أو
ورقه ،وأكثر ما يقال إذا يبست ،والضمير في " إن وجده " راجع إلى كل
من المور المذكورة ،أو إلى السعف وحده ،وفسر بعضهم السعف بالورق
وقال :الضمير راجع إليه ،والمعنى أنه كان يكتفي في خبز الخبز ونحوه
بورق النخل ،فإذا انتهى ذلك ولم يجده كان يطبخ بالجريد ،بخلف
المسرفين فانهم يطرحون الورق ويستعملون الجريد ابتداء .وأقول :كأنه
رحمه ال تكلف ذلك لنه ل فرق بين جريد النخل وغيره في اليقاد ،فأي
قناعة فيه ؟ وليس كذلك لن الجريد أرذل الحطاب لليقاد لنتنه وكثرة
دخانه وعدم اتقاد جمره ،وهذا بين لمن جربه - 14 .كا :عن الحسين بن
محمد ،عن المعلى وعلي بن محمد ،عن صالح بن ابي حماد جميعا ،عن
الوشاء ،عن أحمد بن عائذ ،عن أبي خديجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من سالنا أعطيناه ،ومن استغنى
أغناه ال ) .(1بيان " :من استغنى " اي عن الناس وترك الطلب " أغناه
ال " عنه باعطاء ما يحتاج إليه.
][175
- 15كا :عن محمد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن الهيثم بن واقد عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :من رضي من ال باليسير من المعاش ،رضي
ال عنه باليسير من العمل ) .(1بيان " :رضي ال عنه " قيل :لن كثرة
النعمة توجب مزيد الشكر ،فكلما كانت النعمة أقل كان الشكر أسهل،
وبعبارة أخرى يسقط عنه كثير من العبادات المالية كالزكاة والحج وبر
الوالدين وصلة الرحام ،وإعانة الفقراء ،وأشباه ذلك ،والظاهر أن المراد
به أكثر من ذلك من المسامحة والعفو ،وسيأتي برواية الصدوق رحمه ال
) (2عن أبي عبد ال عليه السلم حين سئل عن معنى هذا الحديث قال:
يطيعه في بعض ويعصيه في بعض .وقد ورد في طريق العامة عن النبي
صلى ال عليه وآله :أخلص قلبك يكفك القليل من العمل .وقال بعضهم :لن
من زهد في الدنيا وطهر ظاهره وباطنه من العمال والخلق القيحة ،التي
تقتضيها الدنيا ،وفرغ من المجاهدات التي يحتاج إليها السالك المبتدي،
وجعلها وراء ظهره ،فلم يبق عليه إل فعل ما ينبغي فعله وهذا يسير
بالنسبة إلى تلك المجاهدات انتهى .وأقول :يحتمل :إجراء مثله في هذا
الخبر لن من رضي بالقليل ،فقد زهد في الدنيا وأخلص قلبه من حبها16 .
-كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن القاسم ،عن عمرو
بن أبي المقدام ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :مكتوب في التوراة :ابن
آدم كن كيف شئت ،كما تدين تدان ،من رضي من ال بالقليل من الرزق
قبل ال منه اليسير من العمل ،ومن رضي باليسير من الحلل خفت مؤنته،
وزكت مكسبته ،وخرج من حد الفجور ).(3
) (1الكافي ج 2ص (2) .138معاني الخبار (3) .260 :الكافي ج 2ص .138
][176
بيان " :كن كيف شئت " الظاهر أنه أمر على التهديد نحو قوله تعالى " :اعملوا
ما شئتم " وقيل :كن كما شئت أن يعمل معك وتتوقعه ،لقوله " :كما تدين
تدان " وقد مر معناه " خفت مؤنته " اي مشقته في طلب المال وحفظه "
وزكت " أي طهرت من الحرام " مكسبته " لن ترك الحرام والشبهة في
القليل اسهل ،أو نمت وحصلت فيه بركة مع قلته " .وخرج من حد الفجور
" اي من قرب الفجور والشراف على الوقوع في الحرام ،فان بين المال
القليل والوقوع في الفجور فاصلة كثيرة ،لقلة الدواعي وصاحب المال
الكثير لكثرة دواعي الشرور والفجور فيه كأنه على حد هو منتهى الحلل
وبأدنى شئ يخرج منه إلى الفجور ،إما بالتقصير في الحقوق الواجبة فيه،
أو بالطغيان اللزم له ،أو بالقدرة على المحرمات التي تدعو النفس إليها،
أو بالحرص الحاصل منه ،فل يكتفي بالحلل ويتجاوز إلى الحرام ،واشباه
ذلك ويحتمل أن يكون المعنى خرج من حد الفجور ،الذي تستلزمه كثرة
المال إلى الخير والصلح اللزم لقلة المال والول أبلغ وأتم - 17 .كا :عن
علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن محمد بن عرفة ،عن أبي
الحسن الرضا عليه السلم قال :من لم يقنعه من الرزق إل الكثير لم يكفه
من العمل إل الكثير ،ومن كفاه من الرزق القليل ،فانه يكفيه من العمل
القليل ) - 18 .(1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن
سالم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم
يقول :ابن آدم ! إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك ،فان أيسر ما فيها يكفيك،
وان كنت انما تريد ما ل يكفيك فان كل ما فيها ل يكفيك ) .(2بيان " :ما
يكفيك " اي ما تكتفي وتقنع به اي بقدر الكفاف والضرورة وقوله " :فان
ايسر " من قبيل وضع الدليل موضع المدلول أي فيحصل مرادك لن ايسر
ما في الدنيا يمكن أن يكتفي به " وإن كنت تريد ما ل يكفيك " أي
) (2 - 1الكافي ج 2ص .(*) 138
][177
ما ل تكتفي به وتريد أزيد منه ،فل تصل إلى مقصودك ،ول تنتهي إلى حد ،فانه إن
حصل لك جميع الدنيا تريد أزيد منها لما مر أن كثرة المال يصير سببا
لكثرة الحرص وسيأتي أوضح من ذلك - 19 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن
محمد بن الحسين ،عن عبد الرحمن بن محمد السدي ،عن سالم بن مكرم،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :اشتدت حال رجل من اصحاب النبي
صلى ال عليه وآله فقالت له امرأته :لو أتيت رسول ال صلى ال عليه
وآله فسألته ،فجاء إلى النبي صلى ال عليه وآله فلما رآه النبي صلى ال
عليه وآله قال :من سألنا أعطيناه ،ومن استغنى أغناه ال فقال الرجل :ما
يعني غيري فرجع إلى امرأته فأعلمها ،فقالت :إن رسول ال بشر فأعلمه
فأتاه ،فلما رآه رسول ال صلى ال عليه وآله قال :من سألنا أعطيناه ومن
استغنى أغناه ال ،حتى فعل الرجل ذلك ثلثا ثم ذهب الرجل فاستعار معول
ثم أتى الجبل فصعده فقطع حطبا ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق
فرجع به فأكله ،ثم ذهب من الغد فجاء بأكثر من ذلك فباعه فلم يزل يعمل
ويجمع حتى اشترى معول ثم جمع حتى اشترى بكرين وغلما ثم اثرى
حتى ايسر فجاء إلى النبي صلى ال عليه وآله فأعلمه كيف جاء يسأله
وكيف سمع النبي صلى ال عليه وآله فقال النبي صلى ال عليه وآله :قلت
لك :من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه ال ) .(1بيان " :لو أتيت " لو
للتمني " إن رسول ال صلى ال عليه وآله بشر " أي ل يعلم الغيب إل
ال ،وهو بشر ل يعلم الغيب اي لم يكن هذا الكلم معك لنه ل يعلم ما في
ضميرك ،أو ل يعلم كنه شدة حالنا وإنما عرف حاجتك في الجملة ،وفي
الصحاح المعول الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر " من الغد " " من
" بمعنى " في " والبكر بالفتح الفتى من البل ،ويقال :أثرى الرجل :إذا
كثرت أمواله ،وأيسر الرجل أي استغنى كل ذلك ذكره الجوهري - 20 .كا:
عن العدة ،عن البرقي ،عن علي بن الحكم ،عن الحسين بن الفرات ،عن
عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن ابي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال
][178
صلى ال عليه وآله :من اراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد ال أوثق منه
بما في يد غيره ) .(1بيان " :فليكن بما في يد ال " اي في قدرة ال
وقضائه وقدره " أوثق منه بما في يد غيره " ولو نفسه فانه ل يصل إليه
الول ،ول ينتفع بالثاني ،إل بقضاء ال وقدره ،والحاصل أن الغنا عن
الخلق ل يحصل إل بالوثوق بال سبحانه والتوكل عليه ،وعدم العتماد
على غيره ،والعلم بأن الضار النافع هو ال ،ويفعل بالعباد ما علم صلحهم
فيه ،ويمنعهم ما علم أنه ل يصلح لهم - 21 .كا :عن العدة ،عن البرقي،
عن ابن فضال ،عن عاصم بن حميد ،عن أبي حمزة ،عن ابي جعفر ]أ[
وأبي عبد ال عليهما السلم قال :من قنع بما رزقه ال فهو من أغنى
الناس ) .(2بيان " :فهو من أغنى الناس " لن الغنا عدم الحاجة إلى
الغير ،والقانع بما رزقه ال ل يحتاج إلى السؤال عن غيره تعالى- 22 .
كا :بالسناد ،عن ابن فضال ،عن ابن بكير ،عن حمزة بن حمران قال:
شكى رجل إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه يطلب فيصيب ول يقنع،
وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه ،وقال :علمني شيئا انتفع به ،فقال أبو
عبد ال عليه السلم :إن كان ما يكفيك يغنيك ،فأدنى ما فيها يغنيك ،وإن
كان ما يكفيك ل يغنيك ،فكل ما فيها ل يغنيك ) - 23 .(3كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن عدة من اصحابه ،عن حنان بن سدير رفعه قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :من رضي من الدنيا بما يجزيه ،كان ايسر ما فيها
يكفيه ،ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه ،لم يكن شئ منها يكفيه ).(4
بيان :أجزء مهموز ،وقد يخفف اي أغنى وكفى ،قال في المصباح :قال
الزهري :والفقهاء يقولون فيه :أجزى من غير همز ،ولم أجده لحد من
أئمة
][179
اللغة ،ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى ،وفيه نظر لنه إن أراد امتناع التسهيل
فقد توقف في غير موضع التوقف ،فان تسهيل همزة الطرف في الفعل
المزيد وتسهيل الهمزة الساكنة قياسي فيقال :أرجأت المر وأرجيته،
وأنسأت وأنسيت وأخطأت وأخطيت) * - 130 - .باب الكبر( * اليات
البقرة :أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم ) .(1وقال
تعالى :وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )
.(2النساء :لن ال ل يحب من كان مختال فخورا ) .(3المائدة :ذلك بأن
منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون ) .(4العراف :فما يكون لك أن
تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) .(5وقال تعالى :والذين كذبوا
بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ]إلى قوله
تعالى [:إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء
ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) .(6وقال سبحانه:
ونادى اصحاب العراف رجال يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم
جمعكم وما كنتم تستكبرون ).(7
) (1البقرة (2) .87 :البقرة (3) .206 :النساء (4) .34 :المائدة(5) .82 :
العراف (6) .13 :العراف (7) .40 - 36 :العراف.(*) 48 :
][180
وقال :قال المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون
أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما ارسل به مؤمنون * قال الذين
استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ) .(1وقال تعالى :قال المل الذين
استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب ) .(2وقال :فاستكبروا وكانوا قوما
مجرمين ) .(3وقال تعالى :سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الرض
بغير الحق ) .(4يونس :فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) .(5هود :حاكيا
عن قوم نوح :فقال المل الذين كفروا من قومه ما نراك إل بشرا مثلنا وما
نريك اتبعك إل الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل
نظنكم كاذبين -إلى قوله :-وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملقوا ربهم
ولكني أريكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من ال إن طردتهم أفل
تذكرون * ول أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك
ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا ال أعلم بما في أنفسهم
إني إذا لمن الظالمين ) .(6وقال حاكيا عن قوم شعيب :قالوا يا شعيب ما
نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنريك فينا ضعيفا ولول رهطك لرجمناك وما أنت
علينا بعزيز * قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من ال واتخذتموه ورائكم
ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ) .(7ابراهيم :واستفتحوا وخاب كل جبار
عنيد ).(8
) (1العراف (2) .76 - 75 :العراف (3) .88 :العراف (4) .133 :العراف:
(5) .146يونس (6) .75 :هود (7) .31 - 27 :هود(8) .92 - 91 :
ابراهيم.(*) 15 :
][181
وقال تعالى :وبرزوا ل جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل
أنتم مغنون عنا من عذاب ال من شئ قالوا لو هدينا ال لهديناكم سواء
علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) .(1النحل :فالذين ل يؤمنون
بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون * ل جرم أن ال يعلم ما يسرون
وما يعلنون إنه ل يحب المستكبرين ) .(2وقال تعالى :فلبئس مثوى
المتكبرين ) .(3وقال تعالى :وهم ل يستكبرون ) .(4اسرى :ول تمش في
الرض مرحا * إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول ).(5
المؤمنون :ثم ارسلنا موسى وأخاه هرون بآياتنا وسلطان مبين * إلى
فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين * فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا
وقومهما لنا عابدون ) .(6الفرقان :لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا
كبيرا ) .(7الشعراء :وما أنت إل بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ).(8
القصص :واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل
يرجعون ) .(9لقمان :ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا إن
ال ل يحب كل مختال فخور ).(10
) (1ابراهيم (2) .21 :النحل (3) .23 - 22 :النحل (4) .29 :النحل(5) .49 :
أسرى (6) .38 - 37 :المؤمنون (7) .47 - 45 :الفرقان(8) .21 :
الشعراء (9) .186 :القصص (10) .39 :لقمان.(*) 18 :
][182
) (1التنزيل (2) .15 :فاطر (3) .43 :الصافات (4) .35 :ص(5) .76 - 74 :
الزمر (6) .60 - 59 :المؤمن (7) .27 :المؤمن (8) .35 :المؤمن47 :
و (9) .48المؤمن (10) .56 :المؤمن (11) .60 :المؤمن.(*) 76 :
][183
يروا أن ال الذي خلقهم هو اشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ) .(1نوح:
واصروا واستكبروا استكبارا ) .(2المدثر :ثم ادبر واستكبر * فقال إن هذا
إل سحر يؤثر ) .(3تفسير " :أفكلما جائكم " ) (4الخطاب لليهود "
رسول بما ل تهوى أنفسكم " في تفسير المام عليه السلم اي أخذ
عهودكم ومواثيقكم بما ل تحبون من اتباع النبي صلى ال عليه وآله وبذل
الطاعة لولياء ال " استكبرتم " عن اليمان والتباع " ففريقا كذبتم "
كموسى وعيسى " وفريقا تقتلون " اي قتل أسلفكم كزكريا ويحيى ،وأنتم
رمتم قتل محمد وعلي فخيب ال سعيكم ) " .(5وإذا قيل له اتق ال " )(6
ودع سوء صنيعك " أخذته العزة بالثم " اي حملته النفة وحمية
الجاهلية على الثم الذي يؤمر باتقائه ،وألزمته ارتكابه لجاجا ،من قولك
أخذته بكذا إذا حملته عليه ،وألزمته إياه ،فيزداد إلى شره شرا ،ويضيف
إلى ظلمه ظلما " فحسبه جهنم " أي كفاه جزاء وعذابا على سوء فعله "
ولبئس المهاد " أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها ،كذا في تفسير
المام عليه السلم ) " .(7من كان مختال " ) (8اي متكبرا يأنف عن
أقاربه وجيرانه واصحابه ول يكتنف إليهم " فخورا " يتفاخر عليهم" .
وأنهم ل يستكبرون " ) (9أي عن قبول الحق إذا فهموه ،ويتواضعون" .
فما يكون لك " ) (10أي فما يصح لك " أن تتكبر فيها " وتعصي ،فانها
) (1السجدة (2) .15 :نوح (3) .7 :المدثر (4) .24 - 23 :البقرة (5) .87 ،تفسير
المام (6) .172 :البقرة (7) .206 :تفسير المام (8) .283 :النساء:
(9) .34المائدة (10) .82 :العراف.(*) 13 :
][184
مكان الخاشع المطيع ،قيل :فيه تنبيه على أن التكبر ل يليق بأهل الجنة ،وأنه تعالى
إنما طرده وأهبطه للتكبر ل بمجرد عصيانه " إنك من الصاغرين " أي
ممن أهانه ال تعالى لكبره " .واستكبروا عنها " ) (1أي عن اليمان بها
" ل تفتح لهم أبواب السماء " لدعيتهم وأعمالهم ،ولنزول البركة عليهم،
ولصعود أرواحهم إذا ماتوا .وفي المجمع ) (2عن الباقر عليه السلم :أما
المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها ،وأما
الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى مناد :اهبطوا به
إلى سجين ،وهو واد بحضرموت ،يقال له :برهوت " ول يدخلون الجنة
حتى يلج الجمل في سم الخياط " أي ل يدخلون الجنة حتى يكون ما ل
يكون ابدا " .الذين استكبروا " ) (3اي أنفوا من اتباعه " للذين
استضعفوا " اي للذين استضعفوهم وأذلوهم " لمن آمن منهم " بدل
الذين " أتعلمون " قالوه على سبيل الستهزاء " .فاستكبروا " ) (4اي
من اليمان " سأصرف عن آياتي " ) (5أي المنصوبة في الفاق
والنفس ،أو معجزات النبياء ،وفي المجمع ) (6ذكر في معناه وجوه
أحدها أنه اراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة بآياتي والعتزاز بها،
كما يناله المؤمنون في الدنيا والخرة المستكبرين ،وثانيها أن معناه
سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على النبياء بعد قيام الحجة
بما تقدم من المعجزات ،وثالثها أن معناه سأمنع من الكذابين والمتكبرين
آياتي ومعجزاتي وأصرفهم عنها ،وأخص بها النبياء ورابعها أن يكون
الصرف معناه المنع من إبطال اليات والحجج ،والقدح فيها
) (1العراف (2) .40 :مجمع البيان ج 4ص (3) .418العراف(4) .76 ،75 :
العراف (5) .133 :العراف (6) 146 :مجمع البيان ج 4ص .477
][185
][186
حتى أعلم أن هؤلء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب " ول أقول إني
ملك " حتى تقولوا :ما أنت إل بشر مثلنا " ول أقول للذين تزدري أعينكم
" اي ول اقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه،
وإسناده إلى العين للمبالغة ،والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرأي
من غير رؤية " لن يؤتيهم ال خيرا " فان ما أعد ال لهم في الخرة خير
مما آتاكم في الدنيا " إني إذا لمن الظالمين " إن قلت :شيئا من ذلك " .ما
نفقه " ) (1اي ما نفهم " ضعيفا " اي ل قوة لك ول عز وقال علي بن
إبراهيم (2) :قد كان ضعف بصره " ولول رهطك " أي قومك وعزتهم
عندنا لكونهم على ملتنا " لرجمناك " أي لقتلناك شر قتلة " وما أنت
علينا بعزيز " فتمنعنا عزتك عن القتل ،بل رهطك هم العزة علينا "
واتخذتموه ورائكم ظهريا " وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر ل
يعبأ به " .واستفتحوا " ) (3اي سألوا من ال الفتح على أعدائهم ،أو
القضاء بينهم وبين أعاديهم ،من الفتاحة بمعنى الحكومة " وخاب كل جبار
عنيد " في التوحيد عن النبي صلى ال عليه وآله من أبي أن يقول :ل إله
إل ال ،وروى علي بن إبراهيم ) (4عن الباقر عليه السلم قال :العنيد
المعرض عن الحق " وبرزوا ل جميعا " ) (5يعني يبرزون يوم القيامة
" فقال الضعفاء " اي ضعفاء الرأي وهم التباع " للذين استكبروا " اي
لرؤسائهم ،وفي المتهجد في خطبة الغدير لمير المؤمنين عليه السلم بعد
تلوته لها افتدرون الستكبار ما هو ؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته،
والترفع على من
) (1هود (2) .92 - 91 :تفسير القمي (3) .314 :ابراهيم (4) .15 :تفسير القمي:
(5) .344ابراهيم.21 :
][187
ندبوا إلى متابعته " إنا كنا لكم تبعا " في تكذيب الرسل ،والعراض عن نصائحهم
" فهل أنتم مغنون عنا " اي دافعون عنا " من عذاب ال من شئ قالوا لو
هدينا ال " لليمان والنجاة من العذاب ،وقال علي بن إبراهيم (1) :الهدى
هنا الثواب " من محيص " اي منجى ومهرب من العذاب " .قلوبهم
منكرة " ) (2في المجمع ) (3أي جاحدة للحق يستبعد ما يرد عليها من
المواعظ " وهم مستكبرون " عن النقياد للحق دافعون له من غير حجة
والستكبار طلب الترفع بترك الذعان للحق " إنه ل يحب المستكبرين "
أي المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للنبياء ،أي ل يريد ثوابهم
وتعظيمهم .واقول :روى العياشي ) (4أنه مر الحسين بن علي عليه السلم
على مساكين قد بسطوا كساءهم والقوا كسرا ،فقالوا :هلم يا ابن رسول
ال ! فثنى وركه فأكل معهم ثم تل " إن ال ل يحب المستكبرين "" .
فلبئس مثوى المتكبرين " أي جهنم " وهم ل يستكبرون " اي عن عبادته
) " (5مرحا " ) (6أي ذا مرح ،وفي المجمع ) (7معناه ل تمش على وجه
الشر والبطر والخيلء والتكبر قال الزجاج :معناه ل تمش في الرض
مختال فخورا وقيل :المرح شدة الفرح بالباطل " إنك لن تخرق " الخ هذا
مثل ضربه ال قال :إنك ايها النسان لن تشق الرض من تحت قدمك
بكبرك ،ولن تبلغ الجبال بتطاولك ،والمعنى أنك لن تبلغ مما تريد كثير
مبلغ ،كما ل يمكنك أن تبلغ هذا ،فما وجه المثابرة على ما هذا سبيله ؟ مع
أن الحكمة زاجرة عنه ،وإنما
) (1تفسير القمى (2) .445 :النحل 22 :و (3) .23مجمع البيان ج 6ص ) .355
(4تفسر العياشي ج 2ص (5) .257النحل 29 ،و (6) .49أسرى:
(7) .37مجمع البيان ج 6ص .(*) 416
][188
قال ذلك ،لن من الناس من يمشي في الرض بطرا يدق قدميه عليها ،ليري بذلك
قدرته وقوته ،ويرفع رأسه وعنقه ،فبين ال سبحانه أنه ضعيف مهين ،ل
يقدر أن يخرق الرض بدق قدميه عليها ،حتى ينتهي إلى آخرها ،وأن
طوله ل يبلغ الجبال ،وإن كان طويل ،علم سبحانه عباده التواضع
والمروءة والوقار " .فاستكبروا " ) (1أي عن اليمان والمتابعة "
وكانوا قوما عالين " أي متكبرين " وقومهما لنا عابدون " يعني أن بني
إسرائيل لنا خادمون منقادون " .لقد استكبروا في أنفسهم " ) (2اي في
شأنهم " وعتوا " أي تجاوزوا الحد في الظلم " عتوا كبيرا " بالغا أقصى
مراتبه ،حيث عاينوا المعجزات القاهرة ،فأعرضوا عنها ،واقترحوا
لنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية " .بغير الحق " )
(3اي بغير الستحقاق ،فان الكبرياء رداء ال " ل يرجعون " اي
بالنشور " .ول تصعر خدك للناس " ) (4قيل :اي ل تمله عنهم ،ول
تولهم صفحة خدك كما يفعله المتكبرون ،من الصعر وهو داء يعتري البعير
فيلوي عنقه ،وفي المجمع ) (5أي ول تمل وجهك من الناس تكبرا ول
تعرض عمن يكلمك استخفافا به ،وهذا معنى قول ابن عباس وأبي عبد ال
عليه السلم ،وقيل :هو أن يسلم عليك فتلوي عنقك تكبرا " ول تمش في
الرض مرحا " أي بطرا وخيلء " إن ال ل يحب كل مختال " أي كل
متكبر " فخور " على الناس ،وقال علي بن إبراهيم ) " (6ول تصعر
خدك " أي ل تذل للناس طمعا فيما عندهم " ول تمش في الرض مرحا "
أي فرحا وفي رواية ابي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم اي بالعظمة.
) (1المؤمنون (2) ،45 :الفرقان (3) .21 ،القصص (4) .39 :لقمان(5) .18 :
مجمع البيان ج 8ص (6) .319تفسير القمي.(*) 508 :
][189
" وهم يستكبرون " ) (1قيل أي عن اليمان والطاعة " .يستكبرون " ) (3أي عن
كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه " .استكبر " ) (3قيل اي تعظم
وصار من الكافرين باستنكاره أمر ال تعالى واستكباره عن المطاوعة "
استكبرت أم كنت من العالين " قيل اي تكبرت من غير استحقاق ،أو كنت
ممن عل واستحق التفوق ؟ وقيل :استكبرت الن أم لم تزل كنت من
المستكبرين .واقول في بعض الروايات أن المراد بالعالين أنوار الحجج
عليهم السلم " .بلى قد جائتك آياتي " ) (4قال علي بن إبراهيم ):(5
المراد باليات الئمة عليهم السلم " مثوى للمتكبرين " أي عن اليمان
والطاعة ،وروى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلم قال :إن في
جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر ،شكى إلى ال تعالى شدة حره وسأله
أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم ) " (6إن في صدورهم إل كبر " )
(7قال البيضاوي اي إل تكبر عن الحق ،وتعظم عن التفكر والتعلم أو
إرادة الرياسة ،أو أن النبوة والملك ل يكون إل لهم " ما هم ببالغيه " اي
ببالغي دفع اليات أو المراد " ،فاستعذ بال " اي فالتجئ إليه " إنه هو
السميع البصير " لقوالكم وافعالكم " .عن عبادتي " ) (8فسرت في
الخبار بالدعاء " داخرين " اي صاغرين وفي الكافي ) (9عن الباقر عليه
السلم :في هذه الية قال :هو الدعاء وافضل العبادة الدعاء والخبار في
ذلك كثيرة سيأتي في كتاب الدعاء إنشاء ال ،وفي الصحيفة السجادية )
(10
) (1التنزيل (2) .15 :الصافات (3) .35 :ص (4) .76 - 74 :الزمر(5) .59 :
تفسير القمى (6) .579 :تفسير القمى (7) .579 :المؤمن(8) .56 :
المؤمن (9) .60 :الكافي ج 2ص (10) .467الدعاء 45 :في وداع
شهر رمضان )*(.
][190
بعد ذكر هذه الية :فسميت دعاءك عبادة ،وتركه استكبارا ،وتوعدت على تركه
دخول جهنم داخرين " .فبئس مثوى المتكبرين " ) " .(1فاستكبروا " )
(2اي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق ،واغتروا بقوتهم وشوكتهم
" هو اشد نهم قوة " أي قدرة " وكانوا بآياتنا يجحدون " اي يعرفون
أنها حق وينكرونها " .ثم ادبر " )] (3أي[ عن الحق " واستكبر " عن
اتباعه و " يؤثر " أي يروى ويتعلم - 1 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن
ابيه ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن أبان ،عن حكيم قال :سألت أبا
عبد ال عليه السلم عن أدنى اللحاد ،قال :إن الكبر أدناه ) .(4بيان :قال
الراغب :ألحد فلن مال عن الحق ،واللحاد ضربان :إلحاد إلى الشرك
بال ،وإلحاد إلى الشرك بالسباب ،فالول ينافي اليمان ويبطله والثاني
يوهن عراه ول يبطله ،ومن هذا النحو قوله عزوجل " ومن يرد فيه
بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ) .(5وقال :الكبر الحالة التي يتخصص
بها النسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى النسان نفسه أكبر من غيره،
وأعظم التكبر التكبر على ال عزوجل بالمتناع من قبول الحق ،والذعان
له بالعبادة ،والستكبار يقال على وجهين :أحدهما أن يتحرى النسان
ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب
وفي الوقت الذي يجب فمحمود ،والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما
ليس له ،وهذا
) (1المؤمن 76 :ولم يسطر له تفسير (2) .السجدة (3) .15 :المدثر 23 :و ) .24
(4الكافي ج 2ص (5) .309مفردات غريب القرآن ،448والية في
الحج.(*) 25 :
][191
هو المذموم .وعلى هذا ما ورد في القرآن وهو ما قال تعالى " :ابى واستكبر،
أفكلما جائكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم ،وأصروا واستكبروا
استكبارا " ) (1وقال تعالى " :فاستكبروا في الرض وما كانوا سابقين "
) (2وقال تعالى " :الذين يستكبرون في الرض بغير الحق " ) (3وقال
تعالى " :إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء
-قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون " ) .(4وقوله تعالى" :
فيقول الضعفاء للذين استكبروا " قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها على
أن استكبارهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال ،وقال تعالى " :قال
المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا " ) (5فقابل بالمستكبرين
المستضعفين ،وقال عزوجل " :ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى
فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " ) .(6نبه تعالى بقوله:
" فاستكبروا " على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الصغاء
إليه ،ونبه بقوله " وكانوا قوما مجرمين " على أن الذي حملهم على ذلك
هو ما تقدم من جرمهم ،فان ذلك لم يكن شيئا حدث منهم ،بل كان ذلك
دأبهم .قال " :فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون "
وقال بعده " إنه ل يحب المستكبرين " ).(7
) (1البقرة ،34 :و ،78نوح (2) .7 :العنكبوت (3) .35 :كذا في نسخة الكمباني،
وهكذا المصدر وفي المصحف :فاستكبروا في الرض بغير الحق(4) .
العراف 40 :و (5) .48العراف (6) .75 :يونس (7) .75 :النحل:
.(*) 23 - 22
][192
والتكبر يقال على وجهين :أحدهما أن تكون الفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة،
وزائدة على محاسن غيره ،وعلى هذا وصف ال تعالى بالمتكبر وقال
تعالى " :العزيز الجبار المتكبر " ) (1الثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا
وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله عزوجل " :فبئس مثوى المتكبرين
" ) (2وقوله تعالى " :كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار " )(3
ومن وصف بالتكبر على الوجه الول فمحمود ،ومن وصف به على الوجه
الثاني فمذموم .ويدل على أنه قد يصح أن يوصف النسان بذلك ،ول يكون
مذموما قوله تعالى " :سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الرض بغير
الحق " ) (4فجعل المتكبرين بغير الحق مصروفا .والكبرياء هي الترفع
عن النقياد ،وذلك ل يستحقه غير ال قال تعالى " وله الكبرياء في
السموات والرض وهو العزيز الحكيم " ) (5ولما قلنا روي عنه عليه
السلم يقول عن ال تعالى :الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ،فمن نازعني
في شئ منهما قصمته " قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آبائنا وتكون
لكما الكبرياء في الرض ،وما نحن لكما بمؤمنين " ) (6انتهى ).(7
واقول :اليات والخبار في ذم الكبر ومدح التواضع ،أكثر من أن تحصى
قال الشهيد قدس ال روحه :الكبر معصية والخبار كثيرة في ذلك قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من
الكبر .فقالوا :يا رسول ال إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وفعله حسنا
فقال :إن ال جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس .بطر
الحق رده على قائله ،والغمص بالصاد المهملة الحتقار والحديث مؤول
بما يؤدي إلى الكفر ،أو يراد أنه ل يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل
بعده
) (1الحشر (2) 23 :الزمر (3) .72 :غافر (4) .35 :العراف(5) .146 :
الجاثية (6) .37 :يونس (7) .78 :مفردات غريب القرآن 421و 422
)*(.
][193
وبعد العذاب في النار ،وقد علم منه أن التجمل ليس من التكبر في شئ انتهى.
وقيل :الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر ،والباطن هو خلق في النفس والظاهر
هو أعمال تصدر من الجوارح ،واسم الكبر بالخلق الباطن أحق وأما
العمال فانها ثمرات لذلك الخلق ،ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال له
تكبر وإذا لم يظهر يقال له :في نفسه كبر ،فالصل هو الخلق الذي في
النفس وهو السترواح إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فان الكبر
يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به ،وبه ينفصل الكبر عن العجب ،فان
العجب ل يستدعي غير المعجب .بل لو لم يخلق النسان إل وحده تصور
أن يكون معجبا ،ول يتصور أن يكون متكبرا إل أن يكون مع غيره ،وهو
يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال بأن يرى لنفسه مرتبة ولغيره
مرتبة ،ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره فعند هذه العتقادات الثلثة
يحصل فيه خلق الكبر ل أن هذه الرؤية هي الكبر ،بل هذه الرؤية وهذه
العقيدة تنفخ فيه ،فيحصل في قلبه اغترار ،وهزة وفرح ،وركون إلى ما
اعتقده ،وعز في نفسه بسبب ذلك ،فتلك العزة والهزة والركون إلى المعتقد
هو خلق الكبر ،ولذلك قال النبي صلى ال عليه وآله :أعوذ بك من نفخة
الكبرياء .فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه العتقادات
ويسمى أيضا عزا وتعظما ،ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى " إن في
صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه " ) (1فقال :عظمة ل يبلغوها ،ثم هذه
العزة تقتضي أعمال في الظاهر والباطن وهي ثمراته ،ويسمى ذلك تكبرا،
فانه مهما عظم عنده قدر نفسه بالضافة إلى غيره ،حقر من دونه
وازدراه ،وأقصاه من نفسه وأبعده ،وترفع عن مجالسته ومواكلته ،ورأى
أن حقه أن يقوم ماثل بين يديه إن اشتد كبره .فان كان كبره أشد من ذلك،
استنكف عن استخدامه ،ولم يجعله أهل للقيام بين يديه ،فان كان دون
ذلك ،يأنف عن مواساته ويتقدم عليه في مضايق الطرق ،وارتفع عليه في
المحافل وانتظر أن يبدأه بالسلم ،وإن حاج أو ناظر
][194
استنكف أن يرد عليه ،وإن وعظ أنف من القبول ،وإن وعظ عنف في النصح وإن
رد عليه شئ من قوله غضب ،وإن علم لم يرفق بالمتعلمين واستذلهم
وانتهرهم وامتن عليهم واستخدمهم وينظر إلى العامة كما ينظر إلى
الحمير استجهال لهم ،واستحقارا .والعمال الصادرة من الكبر أكثر من أن
تحصى ،فهذا هو الكبر وآفته عظيمة ،وفيه يهلك الخواص والعوام وكيف
ل تعظم آفته ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يدخل الجنة من
كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .وإنما صار حجابا عن الجنة لنه يحول
بين المرء وبين أخلق المؤمنين كلها ،وتلك الخلق هي أبواب الجنة،
والكبر وعز النفس تغلق تلك البواب كلها لنه مع تلك الحالة ل يقدر على
حبه للمؤمنين ما يحب لنفسه ،ول على التواضع وهو رأس أخلق
المتقين ،ول على كظم الغيظ ،ول على ترك الحقد ول على الصدق ول على
ترك الحسد والغضب ،ول على النصح اللطيف ،ول على قبوله ول يسلم
من الزراء بالناس واغتيابهم ،فما من خلق ذميم إل وصاحب الكبر والعز
مضطر إليه ليحفظ به عزه ،وما من خلق محمود إل وهو عاجز عنه ،خوفا
من أن يفوته عزه ،فعن هذا لم يدخل الجنة .وشر أنواع الكبر ما يمنع من
استفادة العلم وقبول الحق والنقياد له وفيه وردت اليات التي فيها ذم
المتكبرين كقوله سبحانه " :وكنتم عن آياته تستكبرون " ) (1وأمثالها
كثيرة ،ولذلك ذكر رسول ال صلى ال عليه وآله جحود الحق في حد
الكبر ،والكشف عن حقيقته وقال :من سفه الحق وغمص الناس .ثم اعلم
أن المتكبر عليه هو ال أو رسله أو ساير الخلق ،فهو بهذه الجهة ثلثة
أقسام الول التكبر على ال ،وهو أفحش أنواعه ول مثار له إل الجهل
المحض والطغيان ،مثل ما كان لنمرود وفرعون .الثاني التكبر على الرسل
والوصياء عليهم السلم كقولهم " :أنومن لبشرين
][195
مثلنا " ) " (1ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " ) " (2وقالوا لول أنزل
علينا الملئكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " )
(3وهذا قريب من التكبر على ال عزوجل ،وإن كان دونه ،ولكنه تكبر عن
قبول امر ال .الثالث التكبر على العباد ،وذلك بأن يستعظم نفسه ،ويستحقر
غيره فتأبى نفسه عن النقياد لهم ،وتدعوه إلى الترفع عليهم ،فيزدريهم
ويستصغرهم ويأنف عن مساواتهم ،وهذا وإن كان دون الول والثاني فهو
أيضا عظيم من وجهين :أحدهما أن الكبر ]والعزة والعظمة ل يليق إل
بالمالك القادر فأما العبد الضعيف الذليل المملوك العاجز الذي ل يقدر على
شئ ،فمن أين يليق به الكبر[ ) (4فمهما تكبر العبد فقد نازع ال تعالى في
صفة ل تليق إل بجلله ،وإلى هذا المعنى الشارة بقوله تعالى " العظمة
إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته " اي أنه خاص صفتي
ول يليق إل بي ،والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي ،فإذا كان التكبر
على عباده ل يليق إل به ،فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه ،إذ الذي
استرذل خواص غلمان الملك ،ويستخدمهم ويترفع عليهم ،ويستأثر بما
حق الملك أن يستاثر به منهم ،فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ
درجته درجة من أراد الجلوس على سريره ،والستبداد بملكه ،كمدعي
الربوبية .والوجه الثاني أنه يدعو إلى مخالفة ال تعالى في أوامره ،لن
المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد ال ،استنكف عن قبوله ،ويتشمر
بجحده ،و لذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون
عن اسرار الدين
) (1المؤمنون (2) .47 :المؤمنون (3) .34 :الفرقان (4) .21 :ما بين العلمتين
اضفناه من شرح الكافي ج 2ص .(*) 293
][196
ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين ،ومهما اتضح الحق على لسان أحدهم أنف
الخر من قبوله ،ويتشمر بجحده ،ويحتال لدفعه ،بما يقدر عليه من
التلبيس ،وذلك من أخلق الكافرين والمنافقين ،إذ وصفهم ال تعالى فقال:
" وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " )(1
وكذلك يحمل ذلك على النفة من قبول الوعظ كما قال تعالى " :و إذا قيل
له اتق ال أخذته العزة بالثم " ) (2وتكبر إبليس من ذلك .فهذه آفة من
آفات الكبر عظيمة ،ولذلك شرح رسول ال صلى ال عليه وآله الكبر
بهاتين الفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال :يا رسول ال صلى ال عليه
وآله إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو ؟ فقال صلى ال
عليه وآله :ل ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس ،وفي حديث آخر
من سفه الحق ،وقوله " :غمص الناس " أي ازدراهم واستحقرهم ،وهم
عباد ال أمثاله ،وخير منه ،وهذه الفة الولى ،وقوله سفه الحق هو رده
به وهذه الفة الثانية .ثم اعلم أنه ل يتكبر إل من استعظم نفسه ،ول
يستعظمها إل وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال ،ومجامع ذلك يرجع
إلى كمال ديني أو دنيوي والديني هو العلم والعمل ،والدنيوي هو النسب
والجمال والقوة والمال وكثرة النصار .فهذه سبعة .الول :العلم وما اسرع
الكبر إلى العلماء ،ولذلك قال صلى ال عليه وآله :آفة العلم الخيلء فهو
يتعزز بعز العلم ،ويستعظم نفسه ،ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى
البهايم ،ويتوقع منهم الكرام والبتداء بالسلم ،ويستخدمهم ول يعتني
بشأنهم ،هذا فيما يتعلق بالدنيا وأما في الخرة ،فبأن يرى نفسه عند ال
أعلى وأفضل منهم ،فيخاف عليهم أكثر مما يخافه على نفسه ،ويرجو
لنفسه أكثر مما يرجو لهم ،وهذا بأن يسمى جاهل أولى من أن يسمى
عالما ،بل العلم الحقيقي
][197
هو الذي يعرف النسان به نفسه وربه ،وخطر الخاتمة ،وحجة ال على العلماء
وعظم خطر العمل ) (1فيه ،وهذه العلوم تزيد خوفا وتواضعا وتخشعا
ويقتضي أن يرى أن كل الناس خير منه ،لعظم حجة ال عليه بالعلم،
وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم .فان قلت :فما بالبعض الناس يزداد
بالعلم كبرا وأمنا .فاعلم أن له سببين أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمى
علما وليس بعلم حقيقي ،وإنما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه
وربه ،وخطر أمره في لقاء ال ،والحجاب عنه ،وهذا يورث الخشية
والتواضع دون الكبر والمن ،قال ال تعالى " :إنما يخشى ال من عباده
العلماء " ) (2فأما ما وراء ذلك كعلم الطب والحساب واللغة والشعر
والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلت فإذا تجرد النسان لها حتى
امتلء بها امتل كبرا ونفاقا ،وهذه بأن تسمى صناعات أولى بأن تسمى
علوما ،بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية ،وطريق العبادة ،وهذا
يورث التواضع غالبا .السبب الثاني أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث
الدخلة ،ردي النفس سيئ الخلق ،فلم يشتغل أول بتهذيب نفسه وتزكية
قلبه ،بأنواع المجاهدات ولم يرض نفسه في عبادة ربه ،فبقي خبيث
الجوهر ،فإذا خاض في العلم أي علم كان ،صادف العلم من قلبه منزل
خبيثا فلم يطب ثمره ،ولم يظهر في الخير أثره .وقد ضرب وهب لهذا مثل،
فقال :العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الشجار بعروقها،
فتحوله على قدر طعومها ،فيزداد المر مرارة والحلو حلوة ،وكذلك العلم
يحفظه الرجال ،فيحوله على قدر هممهم وأهوائهم فيزيد المتكبر تكبرا
والمتواضع تواضعا ،وهذا لن من كانت همته الكبر وهو جاهل ،فإذا حفظ
العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا ،وإذا كان الرجل خائفا مع جهله ،فإذا
ازداد علما علم أن الحجة قد أكدت عليه ،فيزداد خوفا وإشفاقا وتواضعا،
فالعلم من اعظم ما به يتكبر.
) (1في شرح الكافي ج 2ص " 294خطر العلم " (2) .فاطر.(*) 28 :
][198
الثاني :العمل والعبادة ،وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر ،واستمالة قلوب الناس
الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين أما الدنيا فهو أنهم
يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيادة غيرهم ،ويتوقعون قيام
الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس ،وذكرهم بالورع
والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك مما مر في
حق العلماء وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق .وأما في الدين فهو أن
يرى الناس هالكين ،ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك،
قال النبي صلى ال عليه وآله :إذا سمعتم الرجل يقول :هلك الناس فهو
أهلكهم ،وروي أن رجل في بني إسرائيل يقال له :خليع بني إسرائيل لكثرة
فساده ،مر برجل يقال له :عابد بني إسرائيل ،وكانت على راس العابد
غمامة تظله لما مر الخليع به فقال الخليع في نفسه :أنا خليع بني إسرائيل
كيف أجلس بجنبه وقال العابد :هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي،
فأنف منه وقال له :قم عني فأوحى ال إلى نبي ذلك الزمان :مرهما
فليستأنفا العمل ،فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد ،وفي حديث آخر
فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع .وهذه آفة ل ينفك عنها أحد من العباد إل
من عصمه ال ،لكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلث درجات:
الدرجة الولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه ،يرى نفسه خيرا من غيره
إل أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه وهذا قد
رسخت في قلبه شجرة الكبر ،ولكنه قطع أغصانها بالكلية .الثانية أن يظهر
ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على القران وإظهار النكار
على من يقصر في حقه ،وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه
معرض عنهم ،وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه متنزه عن
الناس ،مستقذر لهم أو غضبان عليهم ،وليس يعلم المسكين أن الورع
ليس في الجبهة حتى يقبطها ول في الوجه حتى يعبس ،ول في الخد حتى
يصعر ،ول
][199
في الرقبة حتى يطأطي ،ول في الذيل حتى يضم ،إنما الورع في القلوب قال صلى
ال عليه وآله :التقوى ههنا ،واشار إلى صدره .وهؤلء أخف حال ممن
هو في المرتبة الثالثة وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى
الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس أما العابد فانه يقول في
معرض التفاخر لغيره من العباد :من هو ؟ وما عمله ؟ ومن أين زهده ؟
فيطيل اللسان فيهم بالتنقص ثم يثني على نفسه ويقول :إني لم أفطر منذ
كذا وكذا ول أنام بالليل ،وفلن ليس كذلك ،وقد يزكي نفسه ضمنا فيقول:
قصدني فلن فهلك ولده وأخذ ماله أو مرض ،وما يجري مجراه هذا يدعي
الكرامة لنفسه .وأما العالم فانه يتفاخر ويقول :أنا متفنن في العلوم،
ومطلع على الحقائق رأيت من الشيوخ فلنا وفلنا ،ومن أنت ؟ وما فضلك
؟ ومن لقيته ؟ ومن ذا الذي سمعت من الحديث ؟ كل ذلك ليصغره ويعظم
نفسه ،فهذا كله اخلق الكبر ،وآثاره التي يثمرها التعزز بالعلم والعمل،
وأين من يخلو عن جميع ذلك أو عن بعضه ؟ يا ليت شعري من عرف هذه
الخلق من نفسه وسمع قول رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يدخل
الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ،كيف يستعظم نفسه،
ويتكبر على غيره ،وهو بقول رسول ال صلى ال عليه وآله من أهل
النار ،و إنما العظيم من خل عن هذا ،ومن خل عنه لم يكن فيه تعظم
وتكبر .الثالث التكبر بالنسب والحسب ،فالذي له نسب شريف ،يستحقر من
ليس له ذلك النسب ،وإن كان ارفع منه عمل وعلما ،وثمرته على اللسان
التفاخر به ،وذلك عرق رقيق في النفس ل ينفك عنه نسيب وإن كان
صالحا أو عاقل إل أنه قد ل يترشح منه عند اعتدال الحوال ،فان غلب
غضب اطفأ ذلك نور بصيرته وترشح منه .الرابع التفاخر بالجمال وذلك
يجري أكثره بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والتسبب والغيبة وذكر
عيوب الناس .الخامس الكبر بالمال ،وذلك يجري بين الملوك في الخزائن
وبين التجار
][200
][201
وسبب يقتضي الغضب والحقد ،ويدعو الحسد ايضا إلى جحد الحق حتى يمتنع من
قبول النصح ،وتعلم العلم ،فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في
الجهل لستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده وأقاربه حسدا وبغيا
عليه .وأما الرياء فهو ايضا يدعو إلى أخلق المتكبرين حتى أن الرجل
ليناظر من يعلم أنه افضل منه ،وليس بينه وبينه معرفة ول محاسدة ول
حقد .ولكن يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس :إنه افضل
منه .وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي أما العلمي
فهو أن يعرف نفسه وربه ،ويكفيه ذلك في إزالته ،فانه مهما عرف نفسه
حق المعرفة علم أنه اذل من كل ذليل ،واقل من كل قليل بذاته ،وأنه ل يليق
به إل التواضع والذلة والمهانة ،وإذا عرف ربه علم أنه ل يليق العظمة
والكبرياء إل بال .أما معرفة ربه وعظمته ومجده ،فالقول فيه يطول ،وهو
منتهى علم الصديقين ،وأما معرفة نفسه فكذلك أيضا يطول ،ويكفيه أن
يعرف معنى آية واحدة من كتاب ال تعالى فانه في القرآن علم الولين
والخرين لمن فتحت بصيرته ،وقد قال تعالى " :قتل النسان ما أكفره *
من اي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته
فأقبره * ثم إذا شاء أنشره " ) (1فقد أشار الية إلى أول خلق النسان،
وإلى آخر أمره ،وإلى وسطه ،فلينظر النسان ذلك ليفهم معنى هذه الية،
أما أول النسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا ،وقد كان ذلك في كتم العدم،
دهورا ،بل لم يكن لعدمه أول فأي شئ أخس وأقل من المحو والعدم وقد
كان كذلك في القدم ،ثم خلقه ال تعالى من اذل الشياء ثم من أقذرها إذ
خلقه من تراب ،ثم من نطفة ،ثم من علقة ،ثم من مضغة ،ثم جعله عظاما،
ثم كسى العظام لحما .فقد كان هذا بداية وجوده ،حيث صار شيئا مذكورا،
فما صار مذكورا إل
وهو على أخس الوصاف والنعوت ،إذ لم يخلق في ابتدائه كامل ،بل خلقه جمادا
ميتا ل يسمع ول يبصر ول يحس ول يتحرك ،ول ينطق ول يبطش ،ول
يدرك ول يعلم ،فبدأ بموته قبل حياته ،وبضعفه قبل قوته ،وبجهله قبل
علمه ،وبعماه قبل بصره ،وبصممه قبل سمعه ،وببكمه قبل نطقه،
وبضللته قبل هداه ،بفقره قبل غناه ،وبعجزه قبل قدرته .فهذا معنى قوله
تعالى " :هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا
خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه " كذلك خلقه أول ثم أمتن عليه
فقال " :ثم السبيل يسره " وهذه إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى
الموت ،ولذلك قال " :من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا
هديناه السبيل " ومعناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أول ،ونطفة
ثانيا وأبصره بعد ما كان فاقد البصر ،وقواه بعد الضعف ،وعلمه بعد
الجهل ،وخلق له العضاء بما فيها من العجائب واليات بعد الفقد لها،
وأغناه بعد الفقر ،واشبعه بعد الجوع ،وكساه بعد العرى ،وهداه بعد
الضلل .فانظر كيف دبره وصوره ،وإلى السبيل كيف يسره ،وإلى طغيان
النسان ما أكفره ،وإلى جهل النسان كيف أظهره ؟ فقال تعالى " :أو لم
ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين " ) " (1ومن آياته
أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " ) (2فانظر إلى نعمة ال
عليه ،كيف نقله من تلك القلة والذلة والخسة والقذارة ،إلى هذه الرفعة
والكرامة ،فصار موجودا بعد العدم ،وحيا بعد الموت ،وناطقا بعد البكم،
وبصيرا بعد العمى ،وقويا بعد الضعف ،وعالما بعد الجهل ،ومهديا بعد
الضللة ،وقادرا بعد العجز وغنيا بعد الفقر فكان في ذاته ل شئ -وأي
شئ اخس من ل شئ ؟ وأي قلة اقل من العدم المحض -ثم صار بال
شيئا ،وإنما خلقه من التراب الذليل والنطفة القذرة بعد العدم المحض،
ليعرفه خسة ذاته ،فيعرف به نفسه ،وإنما أكمل
][203
النعمة عليه ليعرف بها ربه ،ويعلم بها عظمته وجلله ،وأنه ل يليق الكبرياء إل به
عزوجل .فلذلك امتن عليه ،فقال تعالى :ألم نجعل له عينين * ولسانا
وشفتين * وهديناه النجدين " ) (1وعرف خسته أول فقال :ألم يك نطفة
من مني يمنى * ثم كان علقة " ) (2ثم ذكر مننه فقال :فخلق فسوى *
فجعل منه الزوجين الذكر والنثى " ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل
وجوده ابتداء بالختراع فمن كان هذا بدؤه ،وهذا أحواله ،فمن أين له
البطر والكبرياء ؟ والفخر والخيلء ؟ وهو على التحقيق أخس الخساء،
وأضعف الضعفاء .نعم لو أكمله وفوض إليه أمره ،وادام له الوجود
باختياره ،لجاز أن يطغى وينسى المبدء والمنتهى ،ولكنه سلط عليه في
دوام وجوده المراض الهائلة ،والسقام العظيمة ،والفات المختلفة،
والطبايع المتضادة :من المرة ،والبلغم ،والريح والدم ،ليهدم البعض من
أجزائه البعض ،شاء أم ابى ،رضي أم سخط ،فيجوع كرها ،ويعطش كرها،
ويمرض كرها ،ويموت كرها ،ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا ،ول خيرا ول
شرا ،يريد أن يعلم الشئ فيجهله ،ويريد أن يذكر الشئ فينساه ويريد أن
ينسى الشئ فيغفل عنه فابغفل ،ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول
في أودية الوسواس والفكار بالضطرار ،فل يملك قلبه قلبه ،ول نفسه
نفسه .يشتهي الشئ ،وربما يكون هلكه فيه ،ويكره الشئ ،ويكون حياته
فيه ،يستلذ الطعمة فتهلكه وترديه ،ويستبشع الدوية وهي تنفعه وتحييه،
ل يأمن في لحظة من ليله ونهاره أن يسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته،
وتفلج أعضاؤه ويختلس عقله ،ويختطف روحه ،ويسلب جميع ما يهواه
في دنياه ،وهو مضطر ذليل ،إن ترك ما بقي ،وإن اختطف فني ،عبد
مملوك ل يقدر علي شئ من نفسه ول من غيره ،فاي شئ أذل منه لو
عرف نفسه ؟ وأنى يليق الكبر به لول جهله ؟
][204
فهذا أوسط أحواله فليتأمله ،وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله
تعالى " :ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء انشره " ) (1ومعناه أنه يسلب
روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته ،فيعود
جمادا كما كان أول مرة ل تبقى إل شبه اعضائه ول صورته ل حس فيها
ول حركة ،ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الول
نطفة قذرة ،ثم تبلى أعضاؤه وصورته ،وتفتت أجزاؤه ،وتنخر عظامه،
فتصير رميما ورفاتا ،فتأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما،
وبخديه فيقطعهما ،وبساير أجزائه فتصير روثا في أجواف الديدان ،وتكون
جيفة تهرب منه الحيوان ،ويستقذره كل إنسان ويهرب منه لشدة النتان.
وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان ،فيصير ترابا يعمل منه الكيزان ،أو
يعمر به البنيان ،ويصير مفقودا بعد ما كان موجودا ،وصار كأن لم يغن
بالمس حصيدا كما كان أول مرة أمدا مديدا .وليته بقي كذلك ،فما أحسنه
لو ترك ترابا ،ل بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلء ،فيخرج من
قبره عد جمع أجزائه المتفرقة ،ويخرج إلى أهوال القيامة ،فينظر إلى
قيامة قائمة ،وسماء ممزقة مشققة ،وأرض مبدلة وجبال مسيرة ونجوم
منكدرة ،وشمس منكسفة ،وأحوال مظلمة ،وملئكة غلظ شداد ،وجحيم
تزفر ،وجنة ينظر إليها المجرم فتيحسر .ويرى صحائف منشورة ،فيقال
له " :اقرء كتابك " فيقول :وما هو ؟ فيقال :كان قد وكل بك في حياتك
التي كنت تفرح بها ،وتتكبر بنعيمها ،وتفتخر بأسبابها ،ملكان رقيبان،
يكتبان عليك ما تنطق به أو تعمله ،من قليل وكثير ،ونقير وقطمير ،وأكل
وشرب ،وقيام وقعود ،وقد نسيت ذلك وأحصاه ال فهلم إلى الحساب
واستعد للجواب ،أو يساق إلى دار العذاب ،فينقطع قلبه هول هذا الخطاب،
من قبل أن ينشر الصحف ،ويشاهد ما فيها من مخازيه ،فإذا شاهدها قال:
" يا ويلتنا ما لهذا
][205
الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها " .فهذا آخر أمره وهو معنى قوله
عزوجل " :ثم إذا شاء أنشره " فما لمن هذا حاله والتكبر ؟ بل ماله
وللفرح في لحظة فضل عن البطر والتجبر ؟ فقد ظهر له أول حاله
ووسطه ،ولو ظهر آخره والعياذ بال ربما اختار أن يكون كلبا وخنزيرا
ليصير مع البهائم ترابا ،ول يكون إنسانا يسمع خطابا ويلقى عذابا ،وإن
كان عند ال مستحقا للنار فالخنزير أشرف منه واطيب وأرفع إذ أوله
التراب وآخره التراب ،وهو بمعزل عن الحساب والعذاب ،والكلب والخنزير
ل يهرب منه الخلق .ولو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من
وحشة خلقته ،وقبح صورته ،ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه ،ولو وقعت
قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف ،فمن
هذا حاله في العاقبة -إل أن يعفى عنه ،وهو على شك من العفو -فكيف
يتكبر ؟ وكيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد لها فضل ؟ وأي عبد لم يذنب
ذنبا استحق به العقوبة ،إل أن يعفو الكريم بفضله .أرأيت من جنى على
بعض الملوك بما استحق به ألف سوط ،فحبس في السجن وهو منتظر أن
يخرج إلى العرض ،ويقام عليه العقوبة ،على مل من الخلق وليس يدري
أيعفى عنه أم ل ؟ فكيف يكون ذله في السجن ؟ وما من عبد مذنب إل
والدنيا سجنه ،وقد استحق العقوبة من ال تعالى ،ول يدري كيف يكون
أمره فيكفيه ذلك حزنا وخوفا وإشفاقا ومهانة وذل .فهذا هو العلج العلمي
القاطع لصل الكبر ،وأما العلج العملي فهو التواضع بالفعل ل تعالى
ولسائر الخلق ،بالمواظبة على أخلق المتواضعين ،وما وصل إليه من
أحوال الصالحين ،ومن أحوال رسول ال صلى ال عليه وآله حتى أنه كان
يأكل على الرض ،ويقول :إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد .وقيل لسلمان:
لم ل تلبس ثوبا جيدا ؟ فقال :إنما أنا عبد ،فإذا اعتقت يوما لبست ،أشار به
إلى العتق في الخرة.
][206
ول يتم التواضع بعد المعرفة إل بالعمل ،فمن عرف نفسه فلينظر إلى كل ما بتقاضاه
الكبر من الفعال ،فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا ،وقد
ورد في الخبار الكثيرة علج الكبر بالعمال ،وبيان اخلق المتواضعين.
قيل :اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ،ونظره
شزرا وإطراقه رأسه ،وجلوسه متربعا ومتكئا وفي أقواله حتى في صوته
ونغمته وصفته في اليراد ،ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه
في حركاته وسكناته وفي تعاطيه لفعاله وساير تقلباته في أقواله وافعاله
وأعماله .فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ،ومنهم من يتكبر في بعض،
فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له ،أوبين يديه ،وقد قال علي صلوات
ال عليه :ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد
وبين يديه قوم قيام ،وقال أنس :لم يكن شخص أحب إليهم من رسول ال
صلى ال عليه وآله وكانوا إذا رأوه ل يقومون له ،لما يعلمون من كراهته
لذلك .ومنها أن ل يمشي إل ومعه غيره يمشي خلفه :قال أبو الدرداء :ل
يزال العبد يزداد من ال بعدا مامشى خلفه ،وكان رسول ال صلى ال عليه
وآله في بعض الوقات يمشي مع الصحاب فيأمرهم بالتقدم ،ويمشي في
غمارهم ،ومنها أن ل يزور غيره .وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره
في الدين ،وهو ضد التواضع .ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب
منه إل أن يجلس بين يديه والتواضع خلفه قال أنس :كانت الوليدة من
ولئد المدينة تأخذ بيد رسول ال صلى ال عليه وآله ول ينزع منها يده،
حتى تذهب به حيث شاءت .ومنها أن يتوقى مجالسة المرضى والمعلولين،
ويتحاشى عنهم ،وهو كبر :دخل رجل على رسول ال صلى ال عليه وآله
وعليه جدري قد يقشر وعنده اصحابه يأكلون فما جلس عند أحد إل قام
من جنبه ،فأجلسه النبي صلى ال عليه وآله بجنبه .ومنها أن ل يتعاطى
بيده شغل في بيته ،والتواضع خلفه ،ومنها أن ل يأخذ
][207
متاعا ويحمله إلى بيته ،وهذا خلف عادة المتواضعين ،كان رسول ال يفعل ذلك
وقال علي عليه السلم :ل ينقص الرجل من كماله ما حمل من شئ إلى
عياله ،وقال بعضهم :رأيت عليا اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته،
فقال :أحمل عنك يا أمير المؤمنين ،قال :ل أبو العيال أحق أن يحمل .ومنها
اللباس إذ يظهر به التكبر والتواضع ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :البذاذة من اليمان ،قيل :هي الدون من الثياب ،وعوتب علي عليه
السلم في إزار مرقوع ،فقال :يقتدي به المؤمن ،ويخشع له القلب .وقال
عيسى عليه السلم :جودة الثياب خيلء القلب ،وقد قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :من ترك زينة ل ووضع ثيابا حسنة تواضعا ل وابتغاء
وجهه ،كان حقا على ال أن يدخله عبقري الجنة .فان قلت :فقد قال عيسى
عليه السلم :جودة الثياب خيلء القلب ،وقد سئل نبينا صلى ال عليه وآله
من الجمال في الثياب هل هو من الكبر ؟ فقال :ل ،ولكن الكبر من سفه
الحق وغمص الناس ،فكيف طريق الجمع بينهما ؟ .فاعلم أن الثوب الجيد
ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل احد في كل حال ،وهو
الذي اشار إليه رسول ال صلى ال عليه وآله وهو الذي عرفه رسول ال
صلى ال عليه وآله من حال ثابت بن قيس إذ قال :إني امرؤ حبب إلي
الجمال ما ترى ؟ فعرفه أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب ل ليتكبر على
غيره ،فانه ليس من ضرورته أن يكون من الكبر ،وقد يكون ذلك من الكبر
كما أن الرضا بالثوب الدون قد يكون من التواضع ،فإذا انقسمت الحوال
نزل قول عيسى عليه السلم على بعض الحوال ،على أن قوله :خيلء
القلب ،يعني قد يورث خيلء في القلب ،وقول نبينا :أنه ليس من الكبر،
يعني أن الكبر ل يوجبه ويجوز أن ل يوجبه الكبر ،ثم يكون هو مورثا
للكبر .وبالجملة فالحوال تختلف في مثل هذا ،والمحمود الوسط من
اللباس الذي ل يوجب شهرة بالجودة ،ول بالرذالة ،وقد قال صلى ال عليه
وآله :كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ول بخل ،إن ال
يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
][208
وقال بكر بن عبد ال المزني :البسوا ثياب الملوك ،وأميتوا قلوبكم بالخشية وإنما
خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلح وقال عيسى عليه
السلم :مالكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان ؟ وقلوبكم قلوب الذئاب
الضواري ؟ البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية .ومنها أن
يتواضع بالحتمال ،إذا سب وأوذي وأخذ حقه ،فذلك هو الفضل .وبالجملة
فمجامع حسن الخلق والتواضع سيرة رسول ال صلى ال عليه وآله:
فبه ينبغي أن يقتدى ،ومنه ينبغي أن يتعلم ،وقد قال ابن ابي سلمة :قلت
لبي سعيد الخدري :ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس والمشرب
والمركب والمطعم ؟ فقال :يا ابن أخي كل ل ،واشرب ل ،وكل شئ من
ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف .وعالج
في بيتك من الخدمة ما كان رسول ال صلى ال عليه وآله يعالج في بيته:
كان يعلف الناضح ،ويعقل البعير ،ويقم البيت ،ويحلب الشاة ،ويخصف
النعل ،ويرقع الثوب ،ويأكل مع خادمه ،ويطحن عنه إذا أعيى ،ويشتري
الشئ من السوق ول يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه،
فينقلب إلى أهله ،يصافح الغني والفقير ،والصغير والكبير ،ويسلم مبتدئا
على كل من استقبله من صغير أو كبير ،أسود أو أحمر ،حر أو عبد ،من
أهل الصلة .ليس له حلة لمدخله ،وحلة لمخرجه ،ل يستحيي من أن يجيب
إذا دعي وإن كان اشعث أغبر ،ول يحقر ما دعي إليه ،وإن لم يجد إل
حشف الدقل ) (1ل يرفع غداء لعشاء ،ول عشاء لغداء ،هين المقولة ،لين
الخلقة ،كريم الطبيعة جميل المعاشرة ،طلق الوجه ،بساما من غير ضحك،
محزونا من غير عبوس شديدا من غير عنف ،متواضعا من غير مذلة،
جوادا من غير سرف ،رحيما بكل
) (1في نسخة الكمباني وشرح الكافي " خشف الزقل " وهو تصحيف ،والحشف:
اليابس الفاسد البالى ،والدقل :أردء التمر.
][209
ذي قربى ،قريبا من كل ذمي ومسلم ،رقيق القلب ،دائم الطراق ،لم يبشم قط من
شبع ،ول يمد يده إلى طمع .قال أبو سلمة :فدخلت على عائشة فحدثتها كل
هذا من أبي سعيد ،فقالت :ما اخطأ فيه حرفا ،ولقد قصر ،إذ ما أخبرك أن
رسول ال صلى ال عليه وآله لم يمتلئ قط شبعا ،ولم يبث إلى أحد
شكوى ،وإن كانت الفاقة احب إليه من اليسار والغنى وإن كان ليظل جائعا
يتلوى ليلته حتى يصبح ،فما يمنعه ذلك عن صيام يومه ولو شاء أن يسأل
ربه فيؤتى كنوز الرض وثمارها ،ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها،
لفعل .وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي،
فأقول :نفسي لك الفداء ،لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك ،ويمنعك من
الجوع ،فيقول يا عايشه إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على
ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم ،فقدموا على ربهم ،فأكرم مآبهم،
وأجزل ثوابهم ،فأجدني استحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي
دونهم ،فاصبر أياما يسيرة احب إلي من أن ينقص حظي غدا في الخرة،
وما من شئ أحب إلي من اللحوق باخواني وأخلئي فقالت عايشة :فوال
ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه ال تعالى .فما نقل من أخلقه صلى
ال عليه وآله يجمع جملة أخلق المتواضعين فمن طلب التواضع فليقتد
به ،ومن رأى نفسه فوق محله صلى ال عليه وآله ولم يرض لنفسه بما
رضي هو به ،فما اشد جهله ،فلقد كان رسول ال صلى ال عليه وآله
أعظم خلق ال تعالى منصبا في الدين والدنيا ،فل عزة ول رفعة إل في
القتداء به ،ولذلك لما عوتب بعض الصحابة في بذاذة هيئته ،قال :إنا قوم
أعزنا ال تعالى بالسلم ،فل نطلب العز في غيره - 2 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن الحسين بن أبي العل ،عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :الكبر قد يكون
][210
في شرار الناس من كل جنس والكبر رداء ال ،فمن نازع ال عزوجل رداءه لم
يزده ال إل سفال ،إن رسول ال صلى ال عليه وآله مر في بعض طرق
المدينة ،وسوداء تلقط السرقين فقيل لها :تنحي عن طريق رسول ال
صلى ال عليه وآله فقالت :إن الطريق لمعرض ،فهم بها بعض القوم أن
يتناولها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :دعوها فانها جبارة ).(1
بيان :قوله عليه السلم " قد يكون " اقول :يحتمل أن يكون " قد "
للتحقيق وإن كان في المضارع قليل كما قيل في قوله تعالى " :قد يعلم ما
أنتم عليه " ) (2قال الزمخشري :دخل " قد " لتوكيد العلم ،ويرجع ذلك
إلى توكيد الوعيد وقيل :هو للتقليل باعتبار قيد " من كل جنس " وقوله:
" من كل جنس " أي من كل صنف من اصناف الناس ،وإن كان دنيا ،أو
من كل جنس من أجناس سبب التكبر من السباب التي اشرنا إليها سابقا
والول اظهر كما يومئ إليه قصة السوداء " .والكبر رداء ال " قال في
النهاية :في الحديث قال ال تبارك وتعالى :العظمة إزاري والكبرياء
ردائي ،ضرب الزار والرداء مثل ف انفراده بصفة العظمة والكبرياء أي
ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا ،كالرحمة والكرم
وغيرهما وشبههما بالزار والرداء لن المتصف بهما يشملنه كما يشمل
الرداء ]والزار[ النسان و لنه ل يشاركه في ردائه وإزاره أحد ،فكذلك
ال ل ينبغي أن يشركه فيهما احد ،ومثله الحديث الخر تأزر بالعظمة،
وتردى بالكبرياء ،وتسربل بالعز انتهى .قال بعض شراح صحيح مسلم:
الزار الثوب الذي يشد على الوسط والرداء الذي يمد على الكتفين ،وقال
محيي الدين :وهما لباس ،واللباس من خواص الجسام ،وهو سبحانه
ليس بجسم ،فهما استعارة للصفة التي هي العظمة والعزة ،ووجه
الستعارة أن هذين الثوبين لما كانا مختصين بالناس ،ول
][211
يستغني عنهما ،ول يقبلن الشركة ،وهما جمال ،عبر عن العز بالرداء ،وعن الكبر
بالزار ،على وجه الستعارة المعروفة عند العرب ،كما يقال :فلن شعاره
الزهد ودثاره التقوى ،ل يريدون الثوب الذي هو شعار ودثار ،بل صفة
الزهد ،كما يقولون ]فلن[ غمر الرداء واسع العطية ،فاستعاروا لفظ
الرداء للعطية انتهى " .لم يزده ال إل سفال " اي في أعين الخلق مطلقا
غالبا على خلف مقصوده كما سيأتي ،أوفي أعين العارفين والصالحين أو
في القيامة كما سيأتي أنهم يجعلون في صورة الذر " تلقط " كتنصر أو
على بناء التفعل بحذف إحدى التائين ،في القاموس لقطه أخذه من الرض
كالتقطه وتلقطه التقطه من ههنا وههنا ،وقال :السرقين والسرجين
بكسرهما الزبل معربا سرگين بالفتح " .فقيل لها تنحي " بالتاء والنون
والحاء المشددة كلها مفتوحة ،والياء الساكنة أمر الحاضرة من باب
التفعيل ،اي ابعدي " .لمعرض " على بناء المفعول من الفعال أو التفعيل،
وقد يقرء على بناء الفاعل من الفعال فعلى الولين من قولهم أعرضت
الشئ وعرضته أي جعلته عريضا ،وعلى الثالث من قولهم عرضت الشئ
اي اظهرته فأعرض اي ظهر ،وهو من النوادر " .فهم بها " أي قصدها
" أن يتناولها " اي يأخذها فينحيها قسرا عن طريقه صلى ال عليه وآله
أو يشتمها من قولهم نال من عرضه اي شتمه ،والول اظهر " فانها
جبارة " أي متكبرة ،وذلك خلقها ل يمكنها تركه ،أو إذا قهرتموها يظهر
منها أكثر من ذلك من البذا والفحش .قال في النهاية :فيه أنه أمرا مرأة
فتأبت فقال :دعوها فانها جبارة اي متكبرة عاتية ،وقال الراغب أصل
الجبر إصلح الشئ بضرب من القهر ،وتجبر يقال إما لتصور معنى
الجتهاد ،أو للمبالغة أو لمعنى التكلف ،والجبار في صفة النسان يقال لمن
يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي ل يستحقها ،وهذا ل يقال إل على
طريق الذم كقوله تعالى " :وخاب كل جبار عنيد " " ولم يجعلني جبار
شقيا " )(1
][212
" إن فيها قوما جبارين " ) " (1كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار " )(2
اي متعال عن قبول الحق والذعان له ،وإما في وصفه تعالى نحو" :
العزيز الجبار المتكبر " ) (3فقد قيل :سمي بذلك من قولهم جبرت الفقير،
لنه هو الذي يجبر الناس ]بفائض نعمه ) (4وقيل :لنه يجبر الناس أي
يقهرهم على ما يريده .ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال :ل
يقال من أفعلت :فعال فجبار ل يبنى من أجبرت ،فأجيب عنه بأن ذلك من
لفظ الجبر المروي في قوله " ل جبر ول تفويض " ل من الجبار .وأنكر
جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا تعالى ال عن ذلك وليس
ذلك بمنكر ،فان ال تعالى قد أجبر الناس على اشياء ل انفكاك لهم منها
حسب ما تقتضيه الحكمة اللهية ،ل على ما تتوهمه الغواة الجهلة ،وذلك
لكراههم على المرض والموت والبعث وسخر كل منهم بصناعة يتعاطاها
وطريقة من الخلق والعمال يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير،
فاما راض بصنعته ل يريد عنها حول ،وإما كاره لها يكابدها مع كراهية
لها ،كأنه ل يجد عنها بدل ،قال " :فتقطعوا أمرهم بينهم ]زبرا[ كل حزب
بما لديهم فرحون " ) (5وقال تعالى " :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في
الحياة الدنيا " ) (6وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو ل يقهر إل على ما
تقتضي الحكمة أن يقهر عليه ).(7
) (1المائدة (2) .22 :غافر (3) .35 :الحشر (4) .23 :في طبعة الكمباني ههنا
بياض وهو الصفحة 119من الجزء الثالث وقد اضفنا ما سقط منها من
شرح الكافي ج 2ص ،298وجعلنا ما سقط بين المعقوفتين(5) .
المؤمنون (6) .53 :الزخرف (7) .32 :مفردات غريب القرآن 85و
.86
][213
- 3كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن عثمان بن عيسى ،عن العلء بن الفضيل ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أبو جعفر عليه السلم :العز رداء ال،
والكبر إزاره ،فمن تناول شيئا منه أكبه ال في جهنم ) .(1بيان :قيل في
علة تشبيه العز بالرداء والكبر بالزار :إن العزة امر إضافي كما قيل هي
المتناع من أن ينال ،وقيل :هي الصفة التي تقتضي عدم وجود مثل
الموصوف بها ،وقيل :هي الغلبة على الغير ،والمر الضافي أمر ظاهر
والرداء من الثواب الظاهرة فبينهما مناسبة من جهة الظهور ،والكبر
بمعنى العظمة وهي صفة حقيقية إذا العظيم قد يتعاظم في نفسه من غير
ملحظة الغير ،فهي أخفى من العزة ،والزار ثوب خفي لنه يستر غالبا
بغيره ،فبينهما مناسبة من هذه الجهة .أقول :ويحتمل أن يراد بالعز إظهار
العظمة ،وبالكبر نفسها ،أو بالعز ما يصل إليه عقول الخلق من كبريائه،
وبالكبر ما عجز الخلق عن إدراكه ،أو بالعز ما كان بسبب صفاته العلية
وبالكبر ما كان بحسب ذاته المقدسة والمناسبة على كل من الوجوه ظاهرة
) " .(2فمن تناول " اي تصرف وأخذ " شيئا منه " الضمير راجع إلى كل
من
) (1الكافي ج 2ص (2) .309أقول :وللسيد الشريف الرضى رضوان ال عليه
في كتابه المجازات النبوية ص 282في معنى هذا الحديث مسلك آخر قال
قدس سره :ومن ذلك قوله عليه السلم في تعيير أقوام ذمهم :ورجل
ينازع ال رداءه فان رداءه الكبرياء وازاره العظمة .وهذا القول مجاز،
والمراد بذلك أن الكبرياء والعظمة رداؤه تعالى وازاره اللذان يكسوهما
خليقته ،ويلبسهما بريته ،ول يقدر غيره تعالى على ان ينزع منهما ما
البسه ،أو يلبس منهما ما نزعه ،والمراد بذلك العظمة والكبرياء على
حقيقتهما ،دون ما يعتقده الجهال أنه عظمة وكبرياء وليس بهما ،وذلك
مثل ما نشأ هذه من تعظم الجبارين وتكبر المتملكين ،فان ذلك ليس
بتعظيم من ال سبحانه لهم ول بافاضة من ملبس كبريائه=
][214
العز والكبر ،والغالب في أكب مطاوع كب يقال كبه فأكب وقد يستعمل أكب أيضا
متعديا ،في القاموس كبه :قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب ،وهو لزم
متعد ،وفي المصباح كببت زيدا كبا :القيته على وجهه فأكب هو ،وهو من
النوادر التي تعدى ثلثيها وقصر رباعيها ،وفي التنزيل " :فكبت وجوههم
في النار " ) " (1أفمن يمشي مكبا على وجهه " ) - 4 .(2كا :عن
الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن ابن فضال ،عن ثعلبة ،عن معمر
بن عمر بن عطا ) ،(3عن ابي جعفر عليه السلم قال :الكبر رداء ال
والمتكبر ينازع ال رداءه ) .(4بيان :قال بعض المحققين :النسان مركب
من جوهرين أحدهما أعظم من الخر ،وهو الروح التي من أمر الرب،
وبينها وبين الرب قرب تام ،لول عنان العبودية لقال كل أحد " أنا ربكم
العلى " فكل أحد يحب الربوبية ولكن يدفعها عن نفسه بالقرار
بالعبودية ،ويطلب باعتبار الجوهر الخر
= عليهم ،وانما العظمة والكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها ال سبحانه
على رسله وأنبيائه والقائمين بالقسط من عباده ،فيعظمون بها في
العيون ،ويحلون في الصدور والقلوب ،وان كانت هيئاتهم ذميمة،
وظواهرهم ورقابهم خاضعة ،وبطونهم جائعة .فإذا ثبت ما قلنا بأن
تسمية الكبرياء والعظمة رداء ال وازاره ليس لنه يكتسبهما ولكن لنه
يكسوهما ،وذلك كما يقول القائل وقد رأى على بعض الناس ثوبا افاضه
عليه عظيم من العظماء أو كريم من الكرماء :هذا ثوب فلن ولم يرد أنه
ملبسه ،فأضافه إليه من حيث كساه ل من حيث اكتساه الخ (1) .النمل:
(2) .27الملك (3) .22 :الظاهر انه :عن معمر بن عمر ،عن عطا ،كما
يظهر من كتب الرجال ،منه رحمه ال (4) .الكافي ج 2ص .(*) 309
][215
المركوز فيه القوة الشهوية والغضبية آثار الربوبية وخواصها ،وهي أن يكون فوق
كل شئ وأعل رتبة منه ويغفل عن أن هذا في الحقيقة دعوى الربوبية،
وكذلك كل صفة من الصفات الرذيلة تتولد من ادعاء آثار الربوبية كالغضب
والحسد والحقد والرياء والعجب ،فان الغضب من جهة الستيلء اللزم
للربوبية والحسد من جهة أنه يكره أن يكون أحد أفضل منه في الدين
والدنيا وهو أيضا من لوازمها والحقد يتولد من احتقان الغضب في الباطن
والرياء من جهة أنه يريد ثناء الخلق والعجب من جهة أنه يرى ذاته كاملة
وكل ذلك من آثار الربوبية ،وقس عليه سائر الرذائل ،فانك إن فتشتها
وجدتها مبنية على ادعاء الربوبية والترفع - 5 .كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن محمد بن علي ،عن أبي جميلة عن ليث المرادي ،عن ابي عبد
ال عليه السلم قال :الكبر رداء ال ،فمن نازع ال شيئا من ذلك أكبه ال
في النار ) .(1بيان " :شيئا من ذلك " اي في شئ من الكبر - 6 .كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن القاسم بن عروة ،عن عبد ال بن بكير،
عن زرارة ،عن ابي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم قال :ل يدخل الجنة
من في قلبه مثقال ذرة من كبر ) .(2بيان :الذر :النمل الحمر الصغير،
واحدتها ذرة ،وسئل تغلب عنها فقال :إن مائة نملة وزن حبة ،والذرة
واحدة منها ،وقيل :الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع
الشمس الداخل في النافذة .وقال :فيه :ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال
حبة من خردل من كبر يعني كبر الكفر والشرك كقوله تعالى " :إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " ) ،(3أل ترى أنه قابله
في نقيضه باليمان فقال :ول يدخل النار
][216
من في قلبه مثل ذلك من اليمان ،أراد دخول تأبيد ،وقيل :أراد إذا دخل الجنة نزع
ما في قلبه من الكبر كقوله تعالى " :ونزعنا ما في صدورهم من غل " )
(1انتهى .واقول :التأويل الول حسن وموافق لما في الخبر التي ،وأما
الثاني فل يخفى بعده ،لن المقصود ذم التكبر وتحذيره ل تبشيره برفع
الثم عنه ولذا حمله بعضهم على المستحل ،أو عدم الدخول ابتداء ،بل بعد
المجازاة ،وما في الخبر أصوب - 7 .كا :عن علي ،عن محمد بن عيسى،
عن يونس ،عن أبي أيوب ،عن محمد بن مسلم ،عن أحدهما عليهما
السلم قال :ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر،
قال :فاسترجعت ،فقال :مالك تسترجع ؟ قلت :لما سمعت منك فقال :ليس
حيث تذهب[ ) (2إنما أعني الجحود ،إنما هو الجحود ) .(3بيان" :
فاسترجعت " يقال :أرجع فرجع ،واسترجع في المصيبة قال :إنا ل وإنا
إليه راجعون ،كما في القاموس وإنما قال ذلك لنه استشعر بالهلك
واستحقاق دخول النار ،بحمل الكلم على ظاهره ،لنه كان متصفا ببعض
الكبر " إنما هو الجحود " اي المراد بالكبر إنكار ال سبحانه أو إنكار
أنبيائه أو حججه عليهم السلم والستكبار عن إطاعتهم ،وقبول أوامرهم
ونواهيهم ،مثل تكبر إبليس لعنه ال فانه لما كان مقرونا بالجحود والباء
عن طاعة ال ،والستصغار لمره كما دل عليه قوله " :لم أكن لسجد
لبشر خلقته من صلصال " ) (4وقوله " :ءأسجد لمن خلقت طينا " )(5
كان سببا لكفره ،والكفر يوجب الحرمان من الجنة أبدا ،وهذا
) (1العراف ،43 :الحجر (2) .47 :إلى هنا انتهى ما أثبتناه من شرح الكافي
ومتنه في محل بياض الصفحة 119من الجزء الثالث من نسخة الكمباني
فراجع (3) .الكافي ج 2ص (4) .310الحجر (5) .33 :أسرى.61 :
][217
أحد التأويلت للروايات الدالة على ان صاحب الكبر ل يدخل الجنة كما عرفت و كأن
المقصود أن هذا الوعيد مختص بكبر الجحود ل أن غيره ل يتعلق به
الوعيد مطلقا ،والتكرير للتأكيد - 8 .كا :عن الشعري ،عن محمد بن عبد
الجبار ،عن ابن فضال ،عن علي ابن عقبة ،عن أيوب بن الحر ،عن عبد
العلى ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :الكبر أن تغمص الناس وتسفه
الحق ) .(1بيان " :أن تغمص الناس " أي تحقرهم ،والمراد إما مطلق
الناس أو الحجج والئمة عليهم السلم كما ورد في الخبار أنهم الناس كما
قال تعالى " :ثم افيضوا من حيث افاض الناس " ) (2في القاموس غمصه
كضرب وسمع احتقره كاغتمصه وعابه وتهاون بحقه ،والنعمة لم
يشكرها ،وقال :سفه نفسه ورأيه مثلثة حمله على السفه أو نسبه إليه أو
أهلكه ،وسفه كفرح وكرم علينا جهل وسفه تسفيها جعله سفيها كسفهه
كعلمه ،أو نسبه إليه وسفه صاحبه كنصر غلبه في المسافهة .وفي
النهاية :فيه :إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس ،اي احتقرهم ولم
يرهم شيئا تقول منه غمص الناس يغمصهم غمصا ،وقال فيه :إنما البغي
من سفه الحق اي من جهله ،وقيل :جهل نفسه ولم يفكر فيها ،ورواه
الزمخشري من سفه الحق على أنه اسم مضاف إلى الحق قال :وفيه
وجهان أحدهما أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل ،كأن الصل سفه
على الحق ،والثاني أن يضمن معنى فعل متعد كجهل ،والمعنى الستخفاف
بالحق ،وأن ل يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة ،وقال ايضا
فيه :ولكن الكبر من بطر الحق اي ذو الكبر أي كبر من بطر كقوله تعالى:
" ولكن البر من اتقى " ) (3وهو
) (1الكافي ج 2ص (2) .310البقرة (3) .199 :البقرة.(*) 189 :
][218
أن يجعل ما جعله حقا من توحيده وعبادته باطل ،وقيل :وهو أن يتجبر عند الحق
فل يراه حقا وقيل :هو أن يتكبر عن الحق فل يقبله - 9 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى .عن علي بن الحكم عن سيف بن
عميرة ،عن عبد العلى بن أعين قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إن أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق،
قال :قلت :وما غمص الخلق وسفه الحق ؟ قال :يجهل الحق ويطعن على
أهله ،فمن فعل ذلك فقد نازع ال عزوجل رداءه ) .(1بيان " :قال يجهل
الحق " النشر على خلف ترتيب اللف ،وكأن المراد بالخلق هنا أيضا أهل
الحق وائمة الدين ،كالناس في الخبر السابق ،والجملتان متلزمتان ،فان
جهل الحق أي عدم الذعان به وإنكاره تكبرا يستلزم الطعن على أهله
وتحقيرهم ،وهما لزمتان للجحود ،فالتفاسير كلها يرجع إلى واحد " .فمن
فعل ذلك فقد نازع ال " قيل :فان قلت :الغمص والسفه بالتفسير المذكور
ليسا من صفات ال تعالى وردائه ،فكيف نازعه في ذلك ؟ قلت :الغمص
والسفه أثران من آثار الكبر ،ففاعل ذلك ينازع ال من حيث الملزوم ،على
أنه ل يبعد أن يراد بهما الملزوم مجازا ،وهو الكبر البالغ إلى هذه المرتبة.
واقول :يحتمل أن يكون المنازعة من حيث إنه إذا لم يقبل إمامة أئمة الحق
ونصب غيرهم لذلك ،فقد نازع ال في نصب المامة ،وبيان الحق ،وهما
مختصان به كما اطلق لفظ المشرك في كثير من الخبار على من فعل ذلك.
- 10كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن ابي عمير ،عن ابن بكير ،عن ابي
عبد ال عليه السلم قال :إن في جهنم لواديا للمتكبرين ،يقال له :سقر،
شكى إلى ال عزوجل شدة حره ،وسأله أن يأذن له أن يتنفس ،فتنفس
فأحرق جهنم ) .(2بيان :في القاموس الوادي مفرج بين جبال أو تلل أو
آكام ،وأقول :ذلك إشارة إلى قوله تعالى " :ترى الذين كذبوا على ال
وجوههم مسودة أليس
][219
في جهنم مثوى للمتكبرين " ) (1وقال ]بعد ذكر المشركين " فادخلوا أبواب جهنم
خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " ) (2وقال [:سبحانه بعد ذكر الكفار
و دخولهم النار " :فبئس مثوى المتكبرين " في موضعين ) (3وإلى قوله
عزوجل " :ما سلككم في سقر " إلى قوله " :كنا نكذب بيوم الدين " )(4
وإلى قوله بعد ذكر المكذبين بالنبي صلى ال عليه وآله وبالقرآن" :
سأصليه سقر * وما أدريك ما سقر * ل تبقي ول تذر * لواحة للبشر " )
.(5وفي النهاية :سقر اسم أعجمي لنار الخرة ،ول ينصرف للعجمة
والتعريف وقيل :هو من قولهم سقرته الشمس أذابته فل ينصرف للتأنيث
والتعريف .وأقول :يظهر من اليات أن المراد بالمتكبرين في الخبر من
تكبر على ال ،ولم يؤمن به وبأنبيائه وحججه عليهم السلم ،والشكاية
والسؤال إما بلسان الحال أو المقال منه بايجاد ال الروح فيه ،أو من
الملئكة الموكلين به ،والسناد على المجاز ،وكأن المراد بتنفسه خروج
لهب منه ،وباحراق جهنم تسخينها أشد مما كان لها أو إعدامها ،أو جعلها
رمادا فاعادها ال تعالى كما كانت - 11 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن
عيسى ،عن ابن سنان ،عن داود بن فرقد ،عن أخيه قال :سمعت أبا عبد
ال عليه السلم يقول :إن المتكبرين يجعلون في صور الذر يتوطأهم
الناس حتى يفرغ ال من الحساب ) .(6بيان :يدل على أنه يمكن أن يخلق
النسان يوم القيامة أصغر مما كان مع بقاء الجزاء الصلية أو بعضها
فيه ،ثم يضاف إليه سائر الجزاء ،فيكبر إذ يبعد التكاثف إلى هذا الحد،
ويمكن أن يكون المراد أنهم يخلقون كبارا
) (1الزمر (2) .60 :النحل ،29 :وما بين العلمتين ساقط من الكمباني (3) .غافر:
،76الزمر (4) .72 :المدثر (5) .42 :المدثر (6) .28 - 26 :الكافي ج
2ص .(*) 311
][220
بهذه الصور ،فانها أحقر الصور في الدنيا ،معاملة معهم بنقيض مقصودهم ،أو
يكون المراد بالصورة الصفة اي يطأهم الناس كما يطؤن الذر في الدنيا.
وفي بعض أخبار العامة :يحشر المتكبرون أمثال الذر في صورة الرجال
وقال بعض شراحهم :اي يحشرهم اذلء يطأهم الناس بأرجلهم ،بدليل أن
الجساد تعاد على ما كانت عليه من الجزاء غرل يعاد منهم ما انفصل
عنهم من الغلفة ) (1وقرينة المجاز قوله " :في صورة الرجال " .وقال
بعضهم :يعني أن صورهم صور النسان ،وجثثهم كجثث الذر في الصغر
وهذا أنسب بالسياق ،لنهم شبهوا بالذر ،ووجه الشبه إما صغر الجثة أو
الحقارة ،وقوله " :في صورة الرجال " بيان للوجه ،وحديث " الجساد
تعاد على ما كانت عليه " ل ينافيه ،لنه قادر على إعادة تلك الجزاء
الصلية في مثل الذر - 12 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد،
عن غير واحد ،عن علي ابن أسباط ،عن عمه يعقوب بن سالم ،عن عبد
العلى ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :ما الكبر ؟ فقال :أعظم
الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس ،قلت :وما تسفه الحق ؟ قال :تجهل
الحق وتطعن على أهله ) .(2بيان " :فقال ما تسفه الحق " اي ما معنى
هذه الجملة ،ويمكن أن يقرء بصيغة المصدر من باب التفعل ،وكأنه سئل
عن الجملتين معا واكتفى بذكر إحداهما ،أي إلى آخر الكلم بقرينة الجواب،
أو كان غرضه السؤال عن الولى ،فذكر عليه السلم الثانية أيضا
لتلزمهما أو لعلمه بعدم فهم الثانية أيضا - 13 .كا :عن العدة ،عن يعقوب
بن يزيد ،عن محمد بن عمر بن يزيد ،عن أبيه قال :قلت لبي عبد ال
عليه السلم :إنني آكل الطعام الطيب ،وأشم الريح الطيبة
) (1الغلفة :جليدة يقطعها الخاتن ويقال لها :القلفة بالقاف ايضا والغرلة ،والجمع
غلف ،وغرل أي غير مختونين جمع اغرل ،والنثى غرلء (2) .الكافي
ج 2ص .(*) 311
][221
وأركب الدابة الفارهة ،ويتبعني الغلم ،فترى في هذا شيئا من التجبر فل أفعله ؟
فأطرق أبو عبد ال عليه السلم ثم قال :إنما الجبار الملعون من غمص
الناس وجهل الحق قال عمر :قلت :أما الحق فل أجهله والغمص ل أدري
ما هو ؟ قال :من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار ) .(1بيان :في
النهاية دابة فارهة أي نشيطة حادة قوية انتهى ،وكأن السائل إنما سأل عن
هذه الشياء لنها سيرة المتكبرين ،لتفرعها على الكبر ،وكون الكبر سبب
ارتكابها غالبا فأجاب عليه السلم ببيان معنى التكبر ليعلم أنها إن كانت
مستلزمة للتكبر فل بد من تركها ،وإل فل ،كيف وسيأتي أن ال جميل يحب
الجمال ،وإطراقه وسكوته عليه السلم للشعار بأنها في محل الخطر
ومستلزمة للتكبر ببعض معانيه والتجبر التكبر والجبار العاتي - 14 .كا:
عن محمد بن جعفر ،عن محمد بن عبد الحميد ،عن عاصم بن حميد عن
ابي حمزة ،عن ابي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :ثلثة ل يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم
عذاب أليم :شيخ زان ،وملك جبار ومقل مختال ) .(2بيان " :ل يكلمهم ال
" إشارة إلى قوله تعالى " :إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليل
أولئك ل خلق لهم في الخرة ول يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيمة ول
يزكيهم ولهم عذاب أليم " ) (3والمعنى ل يكلمهم كلم رضا بل كلم سخط
مثل " اخسؤا فيها ول تكلمون " ) .(4وقيل :ل يكلمهم بل واسطة ،بل
الملئكة يتعرضون لحسابهم وعتابهم وقيل :هو كناية عن العراض
والغضب ،فان من غضب على أحد قطع كلمه وقيل :اي ل ينتفعون بكلم
ال وآياته ،ومعنى ل ينظر إليهم أنه ل ينظر إليهم
) (2 - 1الكافي ج 2ص (3) .311آل عمران (4) .77 :المؤمنون.(*) 108 :
][222
نظر الكرامة والعطف والبر والرحمة والحسان ،لضعفهم وحقارتهم عنده ،أو كناية
عن شدة الغضب ،لن من اشتد غضبه على أحد استهان به وأعرض عنه
وعن التكلم معه واللتفات نحوه ،كما أن من اعتد بغير يقاوله ويكثر النظر
إليه .وقيل :في قوله " :يوم القيمة " إشعار بأن المعاصي المذكورة بل
غيرها أيضا ل تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا ،لن إفضاله
فيها يعم البرار والفجار ،تأكيدا للحجة عليهم " .ول يزكيهم " اي ل
يطهرهم من ذنوبهم ،أو ل يقبل عملهم ،أو ل يثني عليهم ،وتخصيص
الثلثة بالذكر ليس لجل أن غيرهم معذور ،بل لن عقوبتهم اعظم واشد،
لن المعصية مع وجود الصارف عنها ،وعدم الداعي القوي عليها أقبح
وأشنع :وذلك في الشيخ لنكسار قوته وانطفاء شهوته ،وطول اعذاره
ومدته وقرب النتقال إلى ال ،فهو حري بأن بأن يتدارك ما فات ،ويستعد
لما هو آت فإذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين ،ومستخف
بنهي رب العالمين فلذا استحق العذاب المهين ،وفيه إشعار بأن الشيخ في
أكثر المعاصي بل ]جميعها أشد عقوبة من الشاب ،وعلى أن الشاب بالعفة
أمدح من الشيخ والصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى
عليه[ ) (1حيث سلطه على عباده وبلده ،وجعلهم تحت يده وقدرته،
فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه ،ويعدل بين خلق ال ،ويرتدع عن الظلم
والفساد ،ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان فإذا قابل كل ذلك بالكفران،
استحق عذاب النيران .والصارف للمقل الفقير عن الختيال والستكبار
فقره ،لن الختيال إنما هو بالدنيا ،وليست عنده ،فاختياله عناد ،ومن عاند
ربه العظيم صار محروما
][223
من رحمته ،وله عذاب أليم .وأقول :يحتمل أن ل يكون تخصيص الملك لكون
الصارف فيه أكثر ،بل لكونه أقوى على الظلم وأقدر .وفي الصحاح أقل
افتقر ،وقال الراغب :الخيلء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للنسان من
نفسه ،ومنها يتأول لفظ الخيل ،لما قيل :إنه ل يركب أحد فرسا إل وجد في
نفسه نخوة ) ،(1وفي النهاية :فيه من جر ثوبه خيلء لم ينظر ال إليه،
الخيلء بالضم والكسر الكبر والعجب ،يقال :اختال فهو مختال وفيه خيلء
ومخيلة أي كبر - 15 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن مروك بن
عبيد ،عمن حدثه عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن يوسف عليه
السلم لما قدم عليه الشيخ يعقوب عليه السلم دخله عز الملك فلم ينزل
إليه ،فهبط عليه جبرئيل فقال :يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور
ساطع ،فصار في جو السماء ،فقال يوسف عليه السلم :ما هذا النور الذي
خرج من راحتي ؟ فقال :نزعت النبوة عن عقبك ،عقوبة لما لم تنزل إلى
الشيخ يعقوب ،فل يكون من عقبك نبي ) .(2بيان :الملك بضم الميم
وسكون اللم السلطنة ،وبفتح الميم وكسر اللم السلطان ،وبكسر الميم
وسكون اللم ما يملك وإضافة العز إليه لمية ،والنزول إما عن الدابة أو
عن السرير ،وكلهما مرويان ،وينبغي حمله على أن ما دخله لم يكن تكبرا
أو تحقيرا لوالده ،لكون النبياء منزهين عن أمثال ذلك ،بل راعى فيه
المصلحة لحفظ عزته عند عامة الناس ،لتمكنه من سياسة الخلق ،وترويج
الدين ،إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذلة ،وكان رعاية الدب
للب مع نبوته ومقاساة الشدايد لحبه أهم وأولى من رعاية تلك المصلحة،
فكان هذا منه عليه السلم تركا للولى ،فلذا عوتب عليه ،وخرج نور
النبوة من صلبه ،لنهم لرفعة شأنهم وعلو درجتهم يعاتبون بأدنى شئ،
فهذا كان شبيها بالتكبر ،ولم
][224
يكن تكبرا " فصار في جو السماء " أي استقر هناك أو ارتفع إلى السماء- 16 .
كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن بعض اصحابه ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :ما من عبد إل وفي رأسه حكمة ،وملك يمسكها،
فإذا تكبر قال له :اتضع وضعك ال ،فل يزال أعظم الناس في نفسه،
واصغر الناس في أعين الناس ،وإذا تواضع رفعها ال عزوجل ،ثم قال له:
انتعش نعشك ال فل يزال أصغر الناس في نفسه ،وارفع الناس في أعين
الناس ) .(1بيان :قال الجوهري :حكمة اللجام ما أحاط بالحنك ،وقال في
النهاية :يقال :أحكمت فلنا اي منعته ،ومنه سمي الحاكم لنه يمنع الظالم،
وقيل :هو من حكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته ،ومنه الحديث ما
من آدمي إل وفي رأسه حكمة ،وفي رواية :في رأس كل عبد حكمة ،إذا
هم بسيئة فان شاء ال أن يقدعه بها قدعه ،الحكمة حديدة في اللجام
تكونن على أنف الفرس وحنكه ،تمنعه عن مخالفة راكبه ،ولما كانت
الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصل بالراس ،جعلها تمنع من هي
في رأسه كما تمنع الحكمة الدابه ومنه الحديث إن العبد إذا تواضع رفع ال
حكمته أي قدره ومنزلته ،يقال :له عندنا حكمة أي قدر ،وفلن عالي
الحكمة ،وقيل :الحكمة من النسان أسفل وجهه ،مستعار من موضع حكمة
اللجام ،ورفعها كناية عن العزاز ،لن في صفة الذليل تنكيل رأسه انتهى.
وقيل :المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية ،على
سبيل الستعارة ،وبامساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن
العدول عنه " .اتضع " أمر تكويني أو شرعي " ،وضعك ال " دعاء
عليه ،ودعاء الملك مستجاب أو إخبار بأن ال أمر بوضعك ،وقدر مذلتك "
رفعها ال " اي الحكمة وإنما غير السلوب ولم ينسبها إلى الملك ،لن
نسبة الخير واللطف إلى ال
][225
تعالى أنسب ،وإن كان الكل بأمره تعالى ،وقيل :هو التنبيه على أن الرفع مترتب
على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك ،بخلف الوضع ،فانه غير
مترتب على التكبر ما لم يدعو الملك عليه بالوضع ،وما ذكرنا أنسب " .ثم
قال له " اي الرب تعالى أو الملك " انتعش " يحتمل الوجهين المتقدمين
يقال :نعشه ال كمنعه وأنعشه اي أقامه ورفعه ،ونعشه فانتعش اي رفعه
فارتفع " نعشك ال " ايضا إما إخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له
بالثبات والستمرار .وأقول :هذا الخبر في طرق العامة هكذا قال النبي
صلى ال عليه وآله :ما من أحد إل وله ملكان ،وعليه حكمة يمسكانه بها،
فانهو رفع نفسه جيذاها ثم قال :اللهم ضعه ،فان وضع نفسه قال :اللهم
ارفعه - 17 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن محمد بن أحمد ،عن بعض
أصحابه ،عن النهدي ،عن يزيد بن إسحاق شعر ،عن عبد ال بن المنذر،
عن عبد ال بن بكير قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :ما من أحد يتيه إل
من ذلة يجدها في نفسه .وفي حديث آخر عن ابي عبد ال عليه السلم
قال :ما من رجل تكبر أو تجبر إل لذلة وجدها في نفسه ) .(1بيان :في
النهاية فيه إنك امرء تائه أي متكبر أو ضال متحير ،وقد تاه يتيه تيها إذا
تحير وضل وإذا تكبر انتهى " .أو تجبر " يمكنان يكون الترديد من
الراوي وإن كان منه عليه السلم فيدل على فرق بينهما في المعنى كما
يومئ إليه قوله تعالى " :الجبار المتكبر " وفي الخبر إيماء على أن التكبر
أقوى من التجبر ،ويمكن أن يقال في الفرق بينهما أن التجبر يدل على جبر
الغير وقهره على ما أراد ،بخلف التكبر فانه جعل نفسه أكبر وأعظم من
غيره ،وإن كانا متلزمين غالبا .ثم اعلم ان الخبرين يحتملن وجوها:
الول أن يكون المراد أن التكبر ينشأ من دناءة النفس وخستها ورداءتها،
الثاني أن يكون المعنى أن التكبر إنما
][226
يكون فيمن كان ذليل فعز وأما من نشأ في العزة ل يتكبر غالبا بل شأنه التواضع
الثالث أن التكبر إنما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكبر لظهار
الكمال الرابع أن يكون المراد المذلة عند ال اي من كان عزيزا ذا قدر
ومنزلة عند ال ل يتكبر ،الخامس ما قيل :إن اللم لم العاقبة أي يصير
ذليل بسبب التكبر - 18 .كا :عن علي ،عن ابيه ،عن القاسم بن محمد،
عن سليمان بن داود ،عن حفص بن غياث ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال عليه السلم :ومن ذهب أن له على الخر فضل فهو من
المستكبرين ،فقلت :إنما يرى أن له عليه فضل بالعافية إذا رآه مرتكبا
للمعاصي ،فقال :هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر له ما أتى وأنت
موقوف محاسب ،أما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلم الحديث ).(1
- 19كا :عن علي ،عن ابيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :أتى رسول ال صلى ال عليه وآله رجل فقال :يا رسول
ال صلى ال عليه وآله أنا فلن ابن فلن حتى عد تسعة فقال رسول ال
صلى ال عليه وآله :أما إنك عاشرهم في النار ) .(2بيان " :أما إنك
عاشرهم في النار " أي إن آباءك كانوا كفارا وهم في النار فما معنى
افتخارك بهم وأنت ايضا مثلهم في الكفر باطنا إن كان منافقا أو ظاهرا
ايضا إن كان كافرا ،فل وجه لفتخارك اصل ،والحاصل أن عمدة أسباب
الفخر بل أشيعها وأكثرها الفخر بالباء ،وهو باطل لن الباء إن كانوا
ظلمة أو كفرة فهم من أهل النار ،فينبغي أن يتبرء منهم ل أن يفتخر بهم،
وإن كانوا باعتبار أن لهم مال فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الفتخار،
بل ورد في ذمه كثير من الخبار ولو كان كمال كان لهم ل له ،والعاقل ل
يفتخر بكمال غيره ]وإن كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضل أو عالما فهذا
جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره[ ) (3ولذلك قيل :لئن فخرت بآباء
ذوي شرف * لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا فالمتكبر بالنسب إن كان
خسيسا في صفات ذاته فمن أن يجبر خسته كمال غيره ،وايضا ينبغي أن
يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده ،فان أباه نطفة
) (1الكافي ج 8ص 128في حديث طويل (2) .الكافي ج 2ص (3) .329راجع
شرح الكافي ج 2ص .(*) 316
][227
قذرة ،وجده البعيد تراب ذليل ،وقد عرفه ال نسبه فقال " :الذي أحسن كل شئ
خلقه نوبدء خلق النسان من طين * ثم جعل نسله من سللة من ماء
مهين " ) (1فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالقدام ،ثم خمر
طينه ،حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر ؟ وأخس الشياء ما إليه نسبه،
فان قال :افتخرت بالب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من لب فليحتقر نفسه
بهما .والسبب الثاني الحسن والجمال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول
بأدنى المراض والسقام ،وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر
به ،ولينظر ايضا إلى أصله وما خلق منه كما مر ،وإلى ما يصير إليه في
القبر من جيفة منتنة وإلى ما في بطنه من الخبائث ،مثل القذار التي في
جميع اعضائه والرجيع الذي في أمعائه ،والبول الذي في مثانته ،والمخاط
الذي في أنفه ،والوسخ الذي في أذنيه والدم الذي في عروقه ،والصديد
الذي تحت بشرته ،إلى غير ذلك من المقابح والفضائح ،فإذا عرف ذلك لم
يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن .الثالث القوة والشجاعة ،فمن
افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة ،وأن السد والفيل أقوى
منه ،وأن ادنى العلل والمراض يجعله أعجز من كل عاجز ،وأذل من كل
ذليل ،وان البعوضة لو دخلت في أنفه أهكلته ولم يقدر على دفعها .الرابع
الغنا والثروة والخامس كثرة النصار والتباع والعشيرة وقرب السلطين،
والقتدار من جهتهم ،والكبر والفخر لهذين السببين اقبح لنه أمر خارج
عن ذات النسان وصفاته ،فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه
السلطان وعزله ،لبقي ذليل عاجزا ،وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه
مال وجاها ،فالمتكبر بهما في غاية الجهل .السادس العلم ،وهو أعظم
السباب وأقواها ،فانه كمال نفساني عظيم عند ال تعالى وعند الخليق،
وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات ،فإذا تكبر
][228
العالم وافتخر ،فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل ،وأن ال تعالى
يحتمل من الجاهل ما ل يحتمل من العالم ،وأن العصيان مع العلم أفحش
من العصيان مع الجهل ،وأن عذاب ]العالم أشد من عذاب الجاهل وأنه
تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار ،وتارة بالكلب ،وأن الجاهل[ )
(1أقرب إلى السلمة من العالم لكثرة آفاته ،وأن الشياطين أكثرهم على
العالم ،وأن سوء العاقبة وحسنها أمر ل يعلمه إل ال سبحانه فلعل الجاهل
يكون أحسن عاقبة من العالم .السابع العبادة والورع والزهادة ،والفخر
فيها ايضا فتنة عظيمة ،والتخلص منها صعب ،فإذا غلب عليه فليتفكر أن
العالم أفضل منه ،فل ينبغي أن يفتخر عليه ول ينبغي أيضا ان يفتخر على
من تأخر عنه في العمل ايضا إذ لعل قليل عمله يكون مقبول وكثير عمله
مردودا ،ول على الجاهل والفاسق ،إذ قد يكون لهما خصلة خفية ،وصفة
قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته ،ولو فرض خلوهما عن جميع
ذلك بالفعل ،فلعل الحوال في العاقبة تنعكس ،وقد وقع مثل ذلك كثيرا ولو
فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك فيحبط عمله ،فيصير هو
في الخرة مثلهم ،بل اقبح منهم ،وال المستعان - 20 .كا :عن علي بن
إبراهيم ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن ابي عبد ال عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :آفة الحسب الفتخار
والعجب ) .(2بيان :الحسب الشرف والمجد الحاصل من جهة الباء ،وقد
يطلق على الشرافة الحاصلة من الفعال الحسنة ،والخلق الكريمة ،وإن
لم تكن من جهة الباء ،في القاموس الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو
المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف
الثابت في الباء أو البال أو الحسب والكرم قد يكونان لمن ل آباء له
شرفاء والشرف والمجد ل يكونان
) (1ما بين العلمتين اضفناه من شرح الكافي ج 2ص (2) .316الكافي ج 2ص
328ومثله في ص .(*) 329
][229
إل بهم .وأقول :الخبر يحتمل وجوها الول أن لكل شئ آفة تضيعه ،وآفة الشرافة
من جهة الباء الفتخار والعجب الحاصلن منها ،فانه يبطل بهما هذا
الشرف الحاصل له بتوسط الغير عند ال وعند الناس ،الثاني أن المراد
بالحسب الخلق الحسنة ،والفعال الصالحة ،وتضييعها الفتخار بهما،
وذكرهما والعجاب بهما كما مر ،الثالث أن يكون المراد به أن الحسب
يستتبع آفة الفتخار ويوجبها لن آفة الفتخار بالحسب تضييعه كما قيل،
والول اظهر الوجوه - 21 .كا :عن الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار،
عن محمد بن إسماعيل ،عن حنان ،عن عقبة بن بشير السدي قال :قلت
لبي جعفر عليه السلم :أنا عقبة بن بشير السدي وأنا في الحسب الضخم
من قومي ،قال :فقال :ما تمن علينا بحسبك إن ال تعالى رفع باليمان من
كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا ،ووضع بالكفر من كان الناس
يسمونه شريفا إذا كان كافرا ،فليس لحد فضل على أحد إل بالتقوى ).(1
بيان :في القاموس الضخم بالفتح والتحريك العظيم من كل شئ " ما تمن
" " ما " للستفهام النكاري أو نافية " فليس لحد " إشارة إلى قوله
تعالى " :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقيكم " ) (2وكفى بهذه الية واعظا وزاجرا
عن الكبر والفخر - 22 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن عيسى ،عن
ابن الضحاك قال :قال أبو جعفر عليه السلم :عجبا للمختال الفخور ،وإنما
خلق من نطفة ،ثم يعود جيفة ،وهو فيما بين ذلك ل يدري ما يصنع به )
.(3بيان " :عجبا " بالتحريك مصدر باب علم وهو إما بتقدير حرف
النداء
) (1الكافي ج 2ص (2) .328الحجرات (3) .13 :الكافي ج 2ص 329ومثله في
ص 328وفيه " عجبا للمتكبر الفخور " وعليه يبتنى شرح المؤلف
)*(.
][230
أو مفعول مطلق لفعل محذوف ،اي أعجب عجبا فعلى الول " للمتكبر " ) (1صفة
لقوله " عجبا " وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر،
والضمير المحذوف راجع إلى عجبا .وقال النحويون ل يمكن أن يكون
صفة لعجبا لن الفعل كما ل يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له ل
يكون موصوفا ،وحذف الفعل وإقامة المصدر مقامه في تلك المواضع
واجب .وأقول :هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية،
لمعالجة أعظم الدواء الروحانية ،وهو الفخر المترتب على الكبر،
وحاصلها أن في النسان كثير من صفات النقصان ،وإن كان فيه كمال فمن
رب النس والجان ،فل يليق به أن يفتخر على غيره من الخوان ،وفيها
إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره ،وعلجة مركب من أجزاء علمية
وعملية .فأما العلمية فبأن يعرف ال سبحانه بجلله ،ويوحده في ذاته
وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز ل
وجود له إل بفيض جوده ورحمته ،وأن النسان مخلوق عن أكثف الشياء
وأخسها وهو التراب ،ثم النطفة النجسة القذرة ،ثم العلقة ،ثم المضغة ،ثم
العظام ،ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض ،ثم يصير في القبر جيفة منتنة
يهرب منه اقرب الناس إليه .وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور،
ومن حال إلى حال ،من مرض إلى صحة ،ومن صحة إلى مرض ،إلى غير
ذلك من اأحوال المتبادلة ،وهو ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا ،ول حياة ول
نشورا ،وإلى هذا أشار عليه السلم بقوله " :وهو فيما بين ذلك ما يدري
ما يصنع به " ثم ل يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة ،كما ذكرنا
سابقا في باب الكبر ) .(1وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا
أو إراديا ل يتحقق إل بالنكسار والضعف ،فان العناصر ما لم ينكسر
صورة كيفياتها الصرفة ،لم تقبل صورة كمالية معدنية أو نباتية أو
حيوانية ،أو إنسانية ،والبذر ما لم يقع في
][231
التراب ولم يقرب من التعفن والفساد ،لم يقبل صورة نباتية ،ولم تخرج منه سنبلة
ول ثمرة ،وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية
قابلة للخلفة الربانية ،فمن تفكر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه
التحرز من الكبر والفخر بفضله تعالى .وأما العملية فهي المداومة على
التواضع لكل عالم وجاهل وصغير وكبير والقتداء بسنن النبي صلى ال
عليه وآله والئمة الطاهرين صلوات ال عليهم ،وتتبع سيرهم وأخلقهم،
وحسن معاشرتهم لجميع الخلق - 23] .لى [:عن الصادق عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله أمقت الناس المتكبر ) .(1وعنه
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من يستكبر يضعه
ال - 24 .لى :عن حمزة العلوي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير
عن حفص بن البختري ،عن الصادق ،عن أبيه ،عن جده عليهم السلم
قال :وقع بين سلمان الفارسي رحمه ال وبين رجل كلم وخصومة فقال له
الرجل :من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان :أما أولي وأولك فنطفة قذرة،
وأما أخراي وأخراك فجيفة منتنة ،فإذا كان يوم القيامة ،ووضعت
الموازين ،فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ،ومن خفت ميزانه فهو اللئيم ).(2
ع :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل عن أبي عبد ال عليه السلم مثله ) (3وقد مر في باب أحوال
سلمان ) - 25 .(4ب :عن هارون ،عن ابن صدقة ،عن جعفر ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن أحبكم إلي
وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا
) (1أمالي الصدوق 14 :ورمز المصدر ساقط عن نسخة الكمباني (2) .أمالي
الصدوق (3) .363 :علل الشرائع ج 1ص (4) .261راجع ج 22ص
380من هذه الطبعة )*(.
][232
وأشدكم تواضعا ،وإن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون ،وهم المستكبرون ).(1
- 26مع :عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن معبد ،عن ابن خالد عن
الرضا ،عن أبيه ،عن جده عليهم السلم قال :إن ال تبارك وتعالى ليبغض
البيت اللحم ،واللحم السمين ،قال له بعض اصحابه :يا ابن رسول ال صلى
ال عليه وآله إنا لنحب اللحم ،وما تخلو بيوتنا منه ،فكيف ذاك ؟ فقال:
ليس حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة ،وأما
اللحم السمين فهو المتكبر المتبختر المختال في مشيه ) .(2ن :عن
الهمداني ،عن علي ،عن أبيه مثله ) - 27 .(3فس :في رواية أبي
الجارود ،عن ابي جعفر عليه السلم في قوله تعالى " :ول تمش في
الرض مرحا " ) (4يقول :بالعظمة ) - 28 .(5فس :أبي ،عن ابن أبي
عمير ،عن ابن بكير ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :إن في جهنم لواديا
للمتكبرين يقال له :سقر ،شكى إلى ال شدة حره وسأله أن يتنفس ،فاذن
له فتنفس فأحرق جهنم ) .(6ثو :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن
يزيد ،عن ابن ابي عمير مثله ) .(7سن :باسناده إلى ابن بكير مثله ).(8
- 29فس :في رواية أبي الجارود ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن
الفرح
) (1قرب السناد (2) .22 :معاني الخبار (3) .388 :عيون الخبار ج 1ص
(4) .314لقمان (5) .18 :تفسير القمي (6) .509تفسير القمي،579 :
في آية الزمر (7) .60 :ثواب العمال (8) .200 :المحاسن.(*) 123 :
][233
) (1تفسير القمي 588في آية المؤمن (2) .77 :الخصال ج 1ص (3) .54ثواب
العمال (4) .162 :الخصال ج 1ص (5) .62الخصال ج 1ص ) .161
(6باب الحسد هو الباب الذي يتلو تحت الرقم ،131والحديث المومى
إليه يأتي فيه عن الخصال أن ال يعذب ستة بستة ،راجعه ،وهكذا مر في
باب جوامع مساوى الخلق ج 72ص 190و .(*) 198
][234
في الثناء الحسن ) - 33 .(1ع :عن أبيه ،عن سعد ،عن أيوب بن نوح ،عن ابن
ابي عمير ،عن غير واحد ،عن أبي عبد ال ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلم :عجبت لبن آدم أوله نطفة ،وآخره جيفة،
وهو قائم بينهما وعاء للغائط ،ثم يتكبر ) - 34 .(2مع :عن أبيه ،عن
سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن لبليس كحل ولعوقا وسعوطا
فكحله النعاس ،ولعوقه الكذب ،وسعوطه الفخر ) - 35 .(3مع :عن
الهمداني ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن عمرو ابن جميع،
عن الصادق ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :إذا مشت أمتي المطيطا ،وخدمتهم فارس والروم ،كان بأسهم بينهم
) .(4والمطيطا التبختر ومد اليدين في المشي - 36 .مع :الطالقاني ،عن
الجلودي ،عن الجوهري ،عن ابن عمارة ،عن أبيه ،عن جابر الجعفي ،عن
أبي جعفر ،عن جابر النصاري قال :مر رسول ال صلى ال عليه وآله
برجل مصروع وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه فقال صلى ال عليه
وآله :على ما اجتمع هؤلء ؟ فقيل له :على مجنون يصرع ،فنظر إليه
فقال :ما هذا بمجنون أل أخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا :بلى يا
رسول ال قال :إن المجنون حق المجنون المتبختر في مشيه ،الناظر في
عطفيه ،المحرك جنبيه بمنكبيه ،فذاك المجنون وهذا المبتلى )- 37 .(5
مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي ،عن محمد بن علي الكوفي ،عن
) (1مر في باب جوامع المساوى تحت الرقم 1عن الخصال ج 2ص (2) .53علل
الشرائع ج 1ص (3) .216معاني الخبار ،138 :وفيه سعوطه الكبر) .
(4معاني الخبار (5) .301 :معاني الخبار.(*) 237 :
][235
علي بن النعمان ،عن عبد ال بن طلحة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من
خردل من كبر ول يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان،
قلت :جعلت فداك إن الرجل ليلبس الثوب ،أو يركب الدابة ،فيكاد يعرف منه
الكبر ،قال :ليس بذاك ،إنما الكبر إنكار الحق واليمان القرار بالحق ).(1
مع :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي مثله - 38 .مع :عن
ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن هاشم ،عن ابن مرار ،عن يونس ،عن
أبي أيوب ،عن محمد بن مسلم ،عن أحدهما عليهما السلم قال :ل يدخل
الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ،قال :قلت :إنا نلبس
الثوب الحسن ،فيدخلنا العجب ،فقال :إنما ذاك فيما بينه وبين ال عزوجل
) - 39 .(2مع :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن ابن
فضال ،عن ابن مسكان ،عن يزيد بن فرقد ،عمن سمع أبا عبد ال عليه
السلم يقول :ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر،
ول يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ،قال:
فاسترجعت فقال :مالك تسترجع ؟ فقلت :لما اسمع منك ،فقال :ليس حيث
تذهب إنما أعني الجحود إنما هو الجحود ) - 40 .(3مع :بهذا السناد،،
عن ابن فضال ،عن علي بن عقبة ،عن أيوب ابن الحر ،عن عبد العلى،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :الكبر ان يغمص الناس ويسفه الحق )
- 41 .(4مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن
الحكم ،عن سيف ،عن عبد العلى ،عن ابي عبد ال ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن أعظم الكبر غمص
الخلق ،وسفه الحق ،قلت :وما غمص الخلق وسفه الحق ؟ قال :يجهل
الحق ويطعن على أهله ،ومن فعل ذلك فقد نازع ال عزوجل في
ردائه ) - 42 .(1مع :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن ابن بقاح ،عن ابن
عميرة ،عن عبد العلى ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من دخل مكة
مبرءا من الكبر غفر ذنبه ،قلت :وما الكبر ؟ قال :غمص الخلق ،وسفه
الحق ،قلت :وكيف ذاك ؟ قال :يجهل الحق ويطعن على أهله .قال الصدوق
رضي ال عنه :في كتاب الخليل بن أحمد :تقول :فلن غمص الناس
وغمص النعمة ،إذا تهاون بها وبحقوقهم ،ويقال :إنه لمغموص عليه في
دينه ،اي مطعون عليه ،وقد غمص النعمة والعافية إذا لم يشكرها وقال أبو
عبيدة في قوله عليه السلم :سفه الحق هو أن يرى الحق سفها وجهل،
وقال ال تبارك وتعالى " :ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه
" ) (2وقال بعض المفسرين :إل من سفه نفسه يقول :سفهها وأما قوله:
غمص الناس فانه الحتقار لهم ،والزدراء بهم ،وما أشبه ذلك ،قال :وفيه
لغة أخرى في غير هذا الحديث وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى
غمط ،والغمص في عبر العين ،والقطعة منه غمصة ،والغميصاء كوكب،
والمغمص في المعا غلظة وتقطيع ووجع ) - 43 .(3سن :عن أبيه ،عن
ابن فضال ،عن ابن بكير ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :كانت لرسول
ال صلى ال عليه وآله ناقة ل تسبق ،فسابق أعرابي بناقته فسبقتها
فاكتأب لذلك المسلمون ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :إنها ترفعت
فحق على ال أن ل يرتفع شئ إل وضعه ال ) - 44 .(4سن :عن أبيه
باسناده رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المتكبرين
) (1معاني الخبار ص (2) .241البقرة (3) .130 :معاني الخبار 242 :و .243
) (4المحاسن 122 :والظاهر :أن ل يترفع )*(.
][237
يجعلون في صور الذر فيطأهم الناس حتى يفرغوا من الحساب ) .(1سن :في
رواية معاوية بن عمار ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر
وضعاه ) - 45 .(2مع :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن أحمد بن
النضر ،عن عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم أنه
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله] :أخبرني ) (3جبرئيل عليه السلم
أن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ول قاطع رحم ،ول
شيخ زان ،ول جار إزاره خيلء ،ول فتان ،ول منان ،ول جعظري ،قال:
قلت :فما الجعظري ؟ قال :الذي ل يشبع من الدنيا )] - 131 - .(4باب
الحسد ) - 1 [(5كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن
محبوب ،عن العلء بن رزين عن محمد بن مسلم ،قال :قال أبو جعفر عليه
السلم :إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر وإن الحسد ليأكل اليمان كما تأكل
النار الحطب ) .(6بيان :في القاموس :البادرة ما يبدر من حدتك في
الغضب من قول أو فعل وفي النهاية :البادرة من الكلم الذي يسبق من
النسان في الغضب ،وإذا عرفت هذا فهذه الفقرة تحتمل وجوها :الول :أن
يكون المعنى أن عدم منع النفس عن البوادر وعدم إزالة مواد
) (2 - 1المحاسن (3) .123 :من هنا يبتدء بالصفحة 126من الجزء الثالث من
نسخة الكمباني وكلها بياض (4) .معاني الخبار ،330 :وقد كان سقط
ذيل الحديث وانما أخرجناه بقرينة السند (5) .اضفنا عنوان الباب طبقا
لفهرس طبعة الكمباني (6) .الكافي ج 2ص 306تحت الرقم 1من باب
الحسد )*(.
][238
الغضب عن النفس ،وإرخاء عنان النفس فيها ،ينجر إلى الكفر أحيانا ،أو غالبا كما
نرى من كثير من الناس يصدر منهم عند الغضب التلفظ بما يوجب الكفر
من سب ال سبحانه وسب النبياء والئمة عليهم السلم أو ارتكاب أعمال
يوجب الرتداد كوطي المصحف الكريم بالرجل ورميه .الثاني أن يراد به
الحث على ترك البوادر مطلقا ،فان كل بادرة تصير سببا لنوع من أنواع
الكفر المقابل لليمان الكامل .الثالث :أن يقرء " فتكفر " على بناء
المجهول من باب التفعيل ،اي البوادر عند الغضب مكفرة غالبا لعذر
النسان فيه في الجملة ،ل سيما إذا تعقبها ندامة وقلما لم تتعقبها ،بخلف
الحسد فانها صفة راسخة في النفس تأكل اليمان ،ويمكن حملها حينئذ
على ما إذا غلب عليه الغضب بحيث ارتفع عنه القصد[ ) .(1ويمكن أن
يقرء بالياء كما في النسخ على هذا البناء أيضا اي ينسب إلى الكفر ،وإن
كان معذورا عند ال ،لرفع الختيار ،فيكون ذكرا لبعض مفاسد البادرة.
وفي النهاية :الحسد ان يرى الرجل لخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه،
وتكون له دونه ،والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها ،ول يتمنى زوالها
عنه انتهى .واعلم أنه ل حسد إل على نعمة ،فإذا أنعم ال على أخيك بنعمة
فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ،سواء أردت
وصولها إليك أم ل ،فهذه الحالة تسمى حسدا والثانية أن ل تحب زوالها،
ول تكره وجودها ودوامها ،ولكنك تستهي لنفسك مثلها ،وهذه يسمى
غبطة ،وقد يخص باسم المنافسة فأما الول فهو حرام مطلقا كما هو
المشهور ،أو إظهاره كما يظهر من بعض الخبار ،إل نعمة اصابها كافر أو
فاجر ،وهو يستعين على تهييج الفتنة ،وإفساد ذات البين ،وإيذاء الخلق
فل يضرك كراهتك لها ،ومحبتك لزوالها ،فانك ل تحب
) (1هنا ينتهى ما اضفناه من شرح الكافي ج 2ص 286بالقرينة وما بعده
مسطور في نسخة الكمباني ص .(*) 127
][239
زوالها من حيث إنها نعمة ،بل من حيث هي آلة الفساد ،ولو أمنت فساده لم تغمك
تنعمه .ويظهر من كلم الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات ل من
المحرمات قال العلمة في كتاب صوم المختلف :مسألة جعل الشيخ رحمه
ال التحاسد من باب ما الولى تركه والمساك عنه ،وقال ابن إدريس :إنه
واجب وهو القرب ،لعموم النهي عن الحسد ،والنهي يقتضي التحريم
انتهى .أقول :نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الخبار يدل
على أن الحسد المحرم إنما هو إظهاره ،ل مع عدم الظهار ،وأما أصل
الحسد فهو مكروه ،ولذلك قد يصدر عن بعض النبياء أيضا كما نطق به
الثار والخبار فتأمل .وبالجملة الحسد المذموم ل شك أنه مع قطع النظر
عن اليات الكثيرة والخبار المتواترة الواردة في ذمه والنهي عنه ،صريح
العقل أيضا يحكم بقبحه فانه سخط لقضاء ال في تفضيل بعض عباده على
بعض ،واي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك
فيها مضرة ،وسيأتي ذكر بعض مفاسدها .وأما المنافسة فليست بحرام بل
هي إما واجبة أو مندوبة كما قال ال تعالى " :وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون " ) (1وقال سبحانه " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " ).(2
فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة وبنية واجبة ،كاليمان والصلة
والزكاة ،فانه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو
حرام والمندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه
مباح ،فيتمنى أن يكون له مثلها يتنعم بها ،من غير أن يريد زوالها عنه
في الجميع.
][240
وأقول :يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مال حلل
ليصرفه في الحرام ،بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مال حلل
ليصرفها في المصارف المكروهة .وقيل :للحسد اسباب كثيرة يحصر
جملتها سبعة :العداوة ،والتعزز ،والكبر والتعجب ،والخوف من فوت
المقاصد المحبوبة ،وحب الرياسة ،وخبث النفس وبخلها فانه إنما يكره
النعمة عليها إما لنه عدوه ،فل يريد له الخير ،وإما أن يكون من حيث
يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو ل يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة
نفسه ،وهو المراد بالتعزز ،وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على
المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته ،وهو المراد بالتكبر .وإما أن يكون
النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما
أخبر ال تعالى عن المم الماضية إذ قالوا " :ما أنتم إل بشر مثلنا " )(1
" وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " ) (2وأمثال ،ذلك كثيرة فتعجبوا من أن
يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب ،مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو
المراد بالتعجب .وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل
بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على
الختصاص بنعمة ل يساوى فيها ،وإما أن ل يكون بسبب من هذه
السباب ،بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد ال .فهذه اسباب الحسد وقد
يجتمع بعض هذه السباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد ،فيعظم
الحسد لذلك ،ويقوى قوة ل يقدر معها على الخفاء والمجاملة بل يهتك
حجاب المجاملة ،ويظهر العداوة بالمكاشفة ،وأكثر المحاسدات يجتمع فيها
جملة من هذه السباب.
][241
واعلم أن الحسد من المراض العظيمة للقلوب ،ول تداوى أمراض القلوب إل بالعلم
والعمل ،والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر
عليك في الدنيا والدين ،وأنه ل ضرر به على المسحود في الدين والدنيا،
بل ينتفع بها في الدنيا والدين ،ومهما عرفت هذا عن بصيرة ،ولم تكن
عدو نفسك وصديق عدوك ،فارقت الحسد ل محالة .أما كونه ضررا عليك
في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء ال تعالى وكرهت نعمته التي
قسمها لعباده ،وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته واستنكرت ذلك
واستبشعته ،وهذا جناية على حدقة التوحيد ،وقذى في عين اليمان
وناهيك بها جناية على الدين وقد انضاف إليه أنك غششت رجل من
المؤمنين وتركت نصيحته ،وفارقت أولياء ال وأنبياءه في حبهم الخير
لعباد ال ،وشاركت إبليس وساير الكفار في حبهم للمؤمنين البليا وزوال
النعم ،وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب واليمان فيه .والحاصل
أن الحسد مع كونه في نفسه صفة منافية لليمان ،يستلزم عقائد فاسدة
كلها منافية لكمال اليمان ،وايضا لشتغال النفس بالنفكر في أمر المحسود
والتدبير لدفعه يمنعها عن تحصيل الكمالت ،والتوجه إلى العبادات،
وحضور القلب فيها ،وتولد في النفس صفاتا ذميمة كلها توجب نقص
اليمان ،وأيضا يوجب علل في البدن وضعفا فيها يمنع التيان بالطاعات
على وجهها ،فينقص بل يفسد اليمان على أي معنى كان ولذا قال عليه
السلم :يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب .وأما كونه ضررا في الدنيا
عليك فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذب به ،ول تزال في كدر وغم إذ أعداؤك ل
يخليهم ال عن نعم يفيضها عليهم ،فل تزال تتعذب بكل نعمة تراها عليهم،
وتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم ،فتبقى مغموما محزونا متشعب
القلب ،ضيق النفس ،كما تشتهيه لعدائك ،وكما يشتهي أعداؤك لك ،فقد
كنت تريد المحنة لعدوك ،فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدا كما قال
امير المؤمنين عليه السلم :ل در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله.
][242
ول تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان
مقتضى الفطنة لن كنت عاقل أن تحذر من الحسد ،لما فيه من ألم القلب
ومساءته مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد
في الخرة .وأما أنه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لن
النعمة ل تزول عنه بحسدك بل ما قدره ال من إقبال ونعمة فل بد من أن
يدوم إلى أجل قدره ال ،فل حيلة في دفعه ،بل كل شئ عنده بمقدار ،ولكل
أجل كتاب .وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح ،أما منفعته
في الدين ،فهو أنه مظلوم من جهتك ل سيما إذا أخرجك السحد إلى القول
والفعل بالغيبة ،والقدح فيه ،وهتك ستره ،وذكر مساويه ،فهذه هدايا
تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا
محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة ،فأضعفت له نعمة إلى
نعمة ،ولنفسك شقاوة إلى شقاوتك .وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم
أغراض الخلق مساءة العداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين
مغمومين ،ول عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك
أن يكونوا في نعمة ،وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما
هو مرادهم .ثم اعلم أن الموذي ممقوت بالطبع ،ومن آذاك ل يمكنك أن ل
تبغضه غالبا ،وإذا تيسرت له نعمة فل يمكنك أن ل تكرهها له ،حتى
يستوي عندك حسن حال عدوك ،وسوء حاله ،بل ل تزال تدرك في النفس
بينهما فرقا ،ول يزال الشيطان ينازعك في الحسد له ،ولكن إن قوي ذلك
فيك حتى يبعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل ،بحيث يعرف ذلك من
ظاهرك بأفعالك الختيارية فأنت إذا حسود عاص بحسدك ،وإن كففت
ظاهرك بالكلية إل أنك بباطنك تحب زوال النعمة ،وليس في نفسك كراهة
لهذه الحالة ،فأنت ايضا حسود عاص لن الحسد صفة القلب ل صفة الفعل.
][243
قال ال تعالى " :ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " ) (1وقال " :ودوا لو
تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " ) (2وقال " :إن تمسسكم حسنة
تسوءهم " ) (3أما بالفعل فهو غيبة وكذب ،وهو عمل صادر عن الحسد
وليس هو عين الحسد ،بل محل الحسد القلب دون الجوارح .نعم هذا
الحسد ليست مظلمة يجب الستحلل منها ،بل هو معصية بينك وبين ال
وإنما تجب الستحلل من السباب الظاهرة على الجوارح ،وأما إدا كففت
ظاهرك ،وألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حب زوال
النعمة ،حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها ،فتكون تلك الكراهية من
جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع ،فقد أديت الواجب عليك ،ول
مدخل تحت اختيارك في أغلب الحوال أكثر من هذا .فأما تغيير الطبع
ليستوي عنده الموذي والمحسن ،فيكون فرحة أو غمه بما تيسر لهما من
نعمة وتصب عليهما من بلية ،سواء ،فهذا مما ل يطاوع الطبع عليه ،ما
دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إل أن يصير مستغرقا بحب ال تعالى مثل
السكران الواله ،فقد ينتهي أمره إلى أن ل يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال
العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة ،وهو عين الرحمة ،ويرى الكل عباد
ال ،وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف ل يدوم ،ويرجع القلب بعد ذلك إلى
طبعه ،ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان ،فانه ينازع بالوسوسة،
فمهما قابل ذلك بكراهة ألزم قلبه ،فقد ادى ما كلفه .وذهب الذاهبون إلى
أنه ل يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه وروي مرفوعا أنه ثلثة في
المؤمن له منهن مخرج ومخرجه من الحسد أن ل يبغى ،والولى أن يحمل
هذا على ما ذكرنا ،من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل
) (1الحشر (2) .9 :النساء (3) .89 :آل عمران.(*) 120 :
][244
في مقابلة حب الطبع لزوال النعمة عن العدو ،وتلك الكراهة تمنعه من البغي ومن
اليذاء ،فان جميع ما ورد في الخبار في ذم الحسد يدل ظاهرها على أن
كل حاسد آثم ،والحسد عبارة عن صفة القلب ل عن الفعال فكل محب
لمساءة المسلمين فهو حاسد ،فأما كونه حاسدا بمجرد حسد القلب من غير
فعل فهو في محل النظر والشكال .وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك
ثلثة أحوال :أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك ،وتكره حبك لذلك وميل قلبك
إليه بعقلك ،وتمقت نفسك عليه ،وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل
منك وهذا معفو عنه قطعا لنه ل يدخل تحت الختيار أكثر منه .الثانية أن
تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد
المحظور قطعا .الثالثة وهي بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقتك
لنفسك على حسدك ومن غير إنكار منك على قلبك ،ولكن تحفظ جوارحك
عن طاعة الحسد في مقتضاها وهذا محل الخلف ،وقيل :إنه ل يخلو عن
إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه - 2 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد،
عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد ،عن القاسم بن
سليمان ،عن جراح المدايني عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن الحسد
يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب ) - 3 .(1كا :عن العدة ،عن أحمد بن
محمد بن خالد ،عن ابن محبوب ،عن داود الرقي قال :سمعت أبا عبد ال
عليه السلم يقول :اتقوا ال ،ول يحسد بعضكم بعضا إن عيسى بن مريم
كان من شرايعه السيح في البلد ،فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من
أصحابه قصير ،وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم فلما انتهى عيسى إلى
البحر قال :بسم ال ،بصحة يقين منه ،فمشى ]على ظهر الماء ،فقال
الرجل القصير
][245
حين نظر إلى عيسى عليه السلم جازه :بسم ال ،بصحه يقين منه فمشى[ )(1
على الماء ولحق بعيسى عليه السلم .فدخله العجب بنفسه ،فقال :هذا
عيسى روح ال يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء ،فما فضله علي ؟
قال :فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه ثم قال
له :ما قلت يا قصير ؟ قال :قلت :هذا روح ال يمشي على الماء وانا أمشي
فدخلني من ذلك عجب ،فقال له عيسى :لقد وضعت نفسك في غير الموضع
الذي وضعك ال فيه ،فمقتك ال على ما قلت ،فتب إلى ال عزوجل مما
قلت قال :فتاب الرجل وعاد إلى المرتبة التي وضعه ال فيها ،فاتقوا ال
ول يحسدن بعضكم بعضا ) .(2بيان :في القاموس ساح الماء يسيح سيحا
وسيحانا جرى على وجه الرض والسياحة بالكسر والسيح الذهاب في
الرض للعبادة ومنه المسيح انتهى .وأقول :كان من شرايع عيسى عليه
السلم :السياحة في الرض للطلع على عجائب قدرة ال وهداية عباد
ال ،والفرار من أعدائه ،وملقاة أوليائه ،فنسخ ذلك في شرعنا وقد روي
ل سياحة في السلم ،وسياحة هذه المة الصيام " .فدخله العجب " فإن
قيل :هذا إما عجب كما صرح به أو غبطة حيث تمنى منزلة عيسى عليه
السلم لكنه تجاوز عن حد نفسه حيث لم يكن له أن يتمنى تلك الدرجة
الرفيعة التي ل يمكن حصولها له ،فكيف فرعه عليه السلم على النهي عن
الحسد ؟ قلت الظاهر أنه كان الحامل له على الجرأة على هذا التمني الحسد
بمنزلة عيسى واختصاصه بالنبوة حيث قال :فما فضله علي ؟ أو أنه لما
رأى مساواته لعيسى عليه السلم في فضيلة واحدة ،حسد عيسى عليه
السلم على نبوته وأنكر فضله عليه ،كما قال بعض الكفار " أنؤمن
لبشرين مثلنا " ).(3
) (1ما بين العلمتين أضفناه من المصدر (2) .الكافي ج 2ص (3) .306
المؤمنون.(*) 48 :
][246
" فرمس في الماء " أي غمس فيه على بناء المجهول فيهما ،ل يقال :سيأتي عدم
المؤاخذة بالخطورات القلبية ]وقصد المعصية ،وهنا أخذ بها ،لن الظاهر
أن قوله " فقال " المراد به الكلم النفسي ،لنا نقول :الفعال القلبية[ )(1
التي ل مؤاخذة بها هي التي تتعلق بارادة المعاصي أو كان محض خطور
من غير أن يصير سببا لشكه في العقايد اليمانية ،أو حدث خلل فيها،
وههنا ليس كذلك ،مع أنه ل يدل ما سيأتي إل على أنه ل يعاقب بها ،وهو
ل ينافي حط منزلته عن صدر مثل هذه الغرائب منه .وقوله عليه السلم:
يا قصير ! دل على جواز مخاطبة النسان ببعض أوصافه المشهورة ل
على وجه الستهزاء والظاهر أن ذلك كان تأديبا له ،قوله عليه السلم "
وعاد " أي في نفسه واعتقاده " إلى مرتبته " أي القرار بحط نفسه عن
الرتقاء إلى درجة النبوة وسلم لعيسى عليه السلم فضله ونبوته ،وترك
الحسد له - 4 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :كاد
الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر ) .(2بيان :قوله :كاد الفقر
أن يكون كفرا أقول :هذه الفقرة تحتمل وجوها الول ما خطر بالبال أن
المراد به الفقر إلى الناس ،وهذا هو الفقر المذموم فان سؤال الخلق،
وعدم التوجه إلى خالقه ،ومن ضمن رزقه ،في طلب الرزق وسائر
الحوائج نوع من الكفر والشرك ،لعدم العتماد على ال سبحانه وضمانه،
وظنه أن المخلوق العاجز قادر على إنجاح حوائجه وسوق الرزق إليه،
بدون تقديره وتيسيره وتسبيبه ،فبعضها يقرب من الكفر ،وبعضها من
الشرك .الثاني أن المراد به الفقر القاطع لعنان الصطبار ،وقد وقعت
الستعاذة منه .وأما الفقر الممدوح ،فهو المقرون بالصبر ،قال الغزالي:
سبب ذلك أن
) (1ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج 2ص (2) .288الكافي ج 2ص
.(*) 307
][247
الفقير إذا نظر إلى شدة حاجته ،وحاجة عياله ،ورأى نعمة جزيلة مع الظلمة
والفسقة وغيرهم ،ربما يقول :ما هذا النصاف من ال ،وما هذه القسمة
التي لم تقع على العدل ،فان لم يعلم شدة حاجتي ففي علمه نقص ،وإن علم
ومنع مع القدرة على العطاء ففي جوده نقص ،وإن منع لثواب الخرة،
فان قدر على إعطاء الثواب بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع ؟ وإن لم
يقدر ففي قدرته نقص .ومع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدل جوادا كريما
مالكا لخزائن السماوات والرض ،وحينئذ يتسلط عليه الشيطان ،ويذكر له
شبهات حتى يسب الفلك والدهر وغيرهما ،وكل ذلك كفر أو قريب منه،
وإنما يتخلص من هذه المور من امتحن ال قلبه لليمان ،ورضي عن ال
سبحانه في المنع والعطاء ،وعلم أن كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير
له ،وقليل ما هم .الثالث ما ذكره الراوندي قدس سره في كتاب شرح
الشهاب كما سيأتي حيث قال :معنى الحديث وال أعلم أنه إشارة إلى أن
الفقير يسف إلى المآكل الدنية والمطاعم الوبية ،وإذا وجد أولده
يتضورون من الجوع والعرى ،ورأى نفسه ل يقدر على تقويم أودهم،
وإصلح حالهم ،والتنفيس عنهم ،كان بالحري أن يسرق ويخون ،ويغصب
وينهب ،ويستحل أموال الناس ،ويقطع الطريق ويقتل المسلم ،أو يخدم
بعض الظلمة ،فيأكل مما يغصبه ويظلمه ،وهذا كله من افعال من ل يحاسب
نفسه ول يؤمن بيوم الحساب ،فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا وفي
الثر :عجبت لمن له عيال وليس له مال كيف ل يخرج على الناس بالسيف
انتهى .وأقول :المعاني متقاربة ،والمال واحد ،وأما قوله عليه السلم" :
وكاد الحسد أن يغلب القدر " فيه ايضا وجوه :الول ما ذكره الراوندي ره
في الكتاب المذكور على ما سيجئ أيضا حيث قال :المعنى أن للحسد تأثيرا
قويا في النظر في إزالة النعمة عن المحسود ،أو التمني لذلك ،فانه ربما
يحمله حسده على قتل المسحود وإهلك ماله ،وإبطال معاشه ،فكأنه سعى
في غلبة المقدور ،لن ال تعالى
][248
قد قدر للمحسود الخير والنعمة ،وهو يسعى في إزالة ذلك عنه وقيل :الحسد
منصف لنه يبدء بصاحبه ،وقيل الحسود ل يسود .وقيل :الحسد يأكل
الجسد .و " كاد " يعطي أنه قرب الفعل ولم يكن ،ويفيد في الحديث شدة
تأثير الفقر والحسد وإن لم يكونا يغلبان القدر ،ويقال :إن " كاد " إذا
أوجب به الفعل دل على النفي وإذا نفي دل على الوقوع انتهى .وقريب منه
ما قيل :فيه مبالغة في تأثير الحسد في فساد النظام المقدر للعالم فانه كثيرا
ما يبعث صاحبه على قتل النفوس ،ونهب الموال ،وسبي الولد وإزالة
النعم ،حتى أنه غير راض بقضاء ال وقدره ،ويطلب الغلبة عليهما ،وهو
في حد الشرك بال .الثاني ما قيل :إن المعنى أن الحسد قد يغلب القدر ،بأن
يزيد في المحسود ما قدر له من النعمة .الثالث أن يكون المراد غلبة القدر
بتغيير نعمة الحاسد ،وزوال ما قدر له من الخير .الرابع أن يكون المراد
كاد أن يغلب الحسد في الوزر والثم القول بالقدر مع شدة عذاب القدرية.
الخامس أن يكون إشارة إلى تأثير العين ،فان الباعث عليه الحسد كما فسر
جماعة من المفسرين قوله تعالى " :ومن شر حاسد إذا حسد " بإصابة
العين ) - 5 .(1كا :علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس،
عن معاوية بن وهب قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :آفة الدين الحسد
والعجب والفخر ) .(2بيان :الحسد والعجب من معاصي القلب والفخر من
معاصي اللسان ،وهو
) (1وفي شرح الكافي ج 2ص 288و 289تتمة وافية لهذا الكلم تبحث عن
اصابة العين وأنها حق ،راجعه (2) .الكافي ج 2ص .(*) 307
][249
) (1مفردات غريب القرآن 374والية في لقمان (2) .18 :الكافي ج 2ص 307
والسند معلق على سابقه (3) .النساء (4) .54 :طه (5) .131 :انوار
التنزيل.(*) 270 :
][250
وتمنيا أن يكون لك مثله وقال الطبرسي رحمه ال (1) :اي ل ترفعن عينيك من
هؤلء الكفار إلى ما متعناهم وأنعمنا عليهم به أمثال في النعم من الولد
والموال وغير ذلك .وقيل :ل تنظرن إلى ما في أيديهم من النعم ،وقيل:
ول تنظرن ول يعظمن في عينيك ول تمدهما إلى ما متعنا به اصنافا من
المشركين نهى ال رسوله عن الرغبة في الدنيا ،فحظر عليه أن يمد عينيه
إليها وكان عليه السلم ل ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا - 7 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن القاسم بن محمد ،عن المنقري ،عن الفضيل ابن
عياض ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المؤمن يغبط ول يحسد،
والمنافق يحسد ول يغبط ) .(2بيان :هو بحسب الظاهر إخبار بأن الحاسد
منافق كما مر ،وبحسب المعنى أمر بطلب الغبطة وترك الحسد ،وقد مر
معناهما .ل يقال :المغتبط يتمنى فوق مرتبته ،والفضل من نعمته ،فهو
ساخط بالنعمة ،غير راض بالقسمة ،كالحاسد وإل فما الفرق ؟ لنا نقول:
الفرق أن الحاسد غير راض بالقسمة ،حيث تمنى أن يكون قسمته ونصيبه
للغير ،ونصيب الغير له ،فهو راد للقسمة قطعا ،وأما المغتبط فقد رضي أن
يكون مثل نصيب الغير له ،ورضي ايضا بنصيبه إل أنه لما جوز أن يكون
له ايضا مثل نصيب ذلك الغير ،وكان ذلك ممكنا في نفسه ،ولم يعلم
امتناعه بحسب التقدير الزلي ،ولم يدل عدم حصوله على امتناعه ،لجواز
أن يكون حصوله مشروطا بشرط كالتمنى والدعاء ونحوهما ،وهذا مثل
من وجد درجة من الكمال يسأل ال تعالى ويطلب منه التوفيق لما فوقها8 .
-مع ) (3لى :عن الصادق عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :أقل الناس لذة الحسود ).(4
) (1مجمع البيان ج 6ص 345في آية الحجر (2) .88 :الكافي ج 2ص ) .307
(3معاني الخبار (4) .195 :أمالي الصدوق ،14 :وفي نسخة الكمباني
بعد ذلك بياض نحو سطر
][251
- 9لى :عن الفامي ،عن محمد الحميري ،عن أبيه ،عن محمد بن عبد الجبار عن
ابن ابي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن الصادق عليه السلم قال :كاد
الفقر أن يكون كفرا ،وكاد الحسد أن يغلب القدر ) .(1ل :عن حمزة
العلوي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن المغيرة ،عن السكوني عن جعفر،
عن آبائه ،عن النبي صلى ال عليهم مثله ) .(2أقول :قد مضى بعض
الخبار في باب الحرص ،وبعضها في باب البخل وبعضها في باب أصول
الكفر ،وبعضها في باب ما أعطى ال أمة نبينا صلى ال عليه وآله- 10 .
ل :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن ابي الخطاب ،عن النضر عن
الجازي ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :ل يؤمن رجل فيه
الشح والحسد والجبن ،الخبر ) - 11 .(3ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن حماد عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال
لقمان لبنه :للحاسد ثلث علمات :يغتاب إذا غاب ،ويتملق إذا شهد،
ويشمت بالمصيبة ) .(4أقول :أثبتنا في باب وصايا النبي صلى ال عليه
وآله إلى علي بأسانيد كثيرة أنه قال :يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام:
الحسد والحرص والكذب ).(5
) (1أمالي الصدوق (2) .177 :الخصال ج 1ص ،9وقد أخرجه المؤلف العلمة
في ج 72باب فضل الفقر والفقراء ص ،29وزاد عليه سندا آخر من
كتاب المامة والتبصرة ،ثم شرحها شرحا ضافيا من - 30إلى ،35
راجعه ان شئت وقد سبق في هذا الباب ايضا شرح له نقل عن الكافي
تحت الرقم (3) .4الخصال ج 1ص (4) .41الخصال ج 1ص (5) 60
راجع ج 77ص 44و 52وقد مر فيما سبق في باب الحرص تارة وفي
باب الكذب وروايته تارة اخرى نقل عن الخصال ج 1ص .(*) 62
][252
- 12ل :فيما أوصى به الصادق عليه السلم :ل راحة لحسود ) .(1أقول :قد مضى
في باب الكذب وغيره عن الصادق عليه السلم :ليست لبخيل راحة ول
لحسود لذة ) - 13 .(2ل :عن أمير المؤمنين عليه السلم قال :إن ال
عزوجل يعذب ستة بست :العرب بالعصبية ،والدهاقنة بالكبر ،والمراء
بالجور ،والفقهاء بالحسد ،والتجار بالخيانة ،وأهل الرستاق بالجهل ).(3
- 14ل :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن موسى بن
جعفر البغدادي ،عن ابن معبد ،عن إبراهيم بن إسحاق ،عن ابن سنان ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في
كل يوم من ست :من الشك ،والشرك والحمية ،و الغضب ،والبغي ،والحسد
) - 15 .(4ل :عن الصادق عليه السلم :ل يطمعن الحسود في راحة القلب
) - 16 .(5مع ) (6ن :عن ابن الوليد ،عن الحسن بن محمد بن إسماعيل
العريشي عن ابن عيسى ،عن ابن فضال ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :دب إليكم داء المم قبلكم:
البغضاء والحسد ) - 17 .(7ن :عن محمد بن أحمد بن الحسين ،عن علي
بن محمد بن عنبسة ،عن الرضا ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين صلوات
ال عليهم قال :قال رسول صلى ال عليه وآله:
) (1الخصال ج 1ص 80في حديث طويل (2) .راجع باب جوامع مساوى الخلق
ج 72ص 190وهكذا ص 193نقل عن الخصال ج 1ص (3) .130
الخصال ج 1ص (4) .158الخصال ج 1ص (5) .160الخصال ج 1
ص (6) .53معاني الخبار ص (7) .367عيون الخبار ج 1ص 313
)*(.
][253
كاد الحسد أن يسبق القدر ) - 18 .(1مع :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ،عن
الشعري ،عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير رفعه في قول ال عزوجل" :
ومن شر حاسد إذا حسد " قال :أما رأيته إذا فتح عينيه وهو ينظر إليك هو
ذاك ) - 19 .(2مع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن
سعدان بن مسلم ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم أنه سئل
عن الحسد فقال :لحم ودم يدور في الناس حتى إذا انتهى إلينا يئس وهو
الشيطان ) - 20 .(3جا ) (4ما :عن المفيد ،عن أبي نصر محمد بن
الحسين ،عن علي بن أحمد بن سيابة ،عن عمر بن عبد الجبار ،عن أبيه،
عن علي بن جعفر ،عن أخيه موسى ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله ذات يوم لصحابه :أل إنه قد دب إليكم داء
المم من قبلكم ،وهو الحسد ليس بحالق الشعر ،لكنه حالق الدين )(5
وينجى منه أن يكف النسان يده ،ويخزن لسانه ،ول يكون ذاغمز
) (1عيون الخبار ج 1ص (2) .132معاني الخبار ص (3) .227معاني الخبار
ص (4) .244مجالس المفيد ص (5) .211قال السيد الشريف رضوان
ال عليه في المجازات النبوية ص :112ومن ذلك قوله عليه السلم:
دب اليكم داء المم من قبلكم :الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين ل
حالقة الشعر .وهذه استعارة ،والمراد بالحالقة ههنا المبيرة المهلكة ،اي
هذه الخلة المذمومة تهلك الدين وتسأصله كما تسأصل الموسى الشعر،
والمقراض الوبر ،وعلى هذا قول الشاعر :ارسل عليهم سنة قاشورة *
تحتلق الناس احتلق النورة اي تبير الناس فتأتى على نفوسهم ،أو تأتى
على أموالهم من البل والشياة ،فتكون كأنها قد أتت على نفوسهم باتيانها
على ما هو قوام نفوسهم= .
][254
على أخيه المؤمن ) - 21 .(1ل :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معا،
عن الشعري رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :ثلث لم يعر منها
نبي فمن دونه :الطيرة ،والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق .قال
الصدوق رحمه ال :معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم
قومهم ،فأما هم عليه السلم فل يتطيرون ،وذلك كما قال ال عزوجل عن
قوم صالح " :قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند ال " ) (2وكما
قال آخرون لنبيائهم " :إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " )(3
الية ،وأما الحسد في هذا الموضع هو أن يحسدوا ،ل أنهم يحسدن
غيرهم ،وذلك كما قال ال عزوجل " أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال
من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " )(4
وأما التفكر في الوسوسة في الخلق ،فهو بلواهم عليهم السلم بأهل
الوسوسة ل غير ذلك ،وذلك كما حكى ال عنهم عن الوليد بن المغيرة
المخزومي " أنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر " ) (5يعني قال للقرآن " إن
هذا إل سحر يؤثر * إن هذا إل قول البشر " ) - 22 .(6ب :عن هارون،
عن ابن زياد ،عن الصادق ،عن ابيه عليه السلم أن النبي صلى ال عليه
وآله قال :ل تتحاسدوا ،فان الحسد يأكل اليمان كما تأكل النار
= وانما جعل عليه السلم البغضاء حالقة للدين لنها سبب التفاني والتهالك
واليقاع في المعاطب والمهالك ،والداعى إلى سفك الدم الحرام واحتمال
أعباء الثام (1) .أمالي الطوسي ج 1ص (2) .117النمل(3) .47 :
يس (4) .18 :النساء (5) .54 :المدثر 18 :و - 19وبعده 24و ) .25
(6الخصال ج 1ص .44
][255
الحطب اليابس " ) - 23 .(1مص :قال الصادق عليه السلم :الحاسد مضر بنفسه
قبل أن يضر بالمحسود كابليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولدم عليه
السلم الجتباء والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والصطفاء ،فكن
محسودا ،ول تكن حاسدا ،فانميزان الحاسد ابدا خفيف بثقل ميزان
المحسود ،والرزق مقسوم فماذا ينفع حسد الحاسد ،فما يضر المحسود
الحسد .والحسد أصله من عمى القلب ،وجحود فضل ال تعالى ،وهما
جناحان للكفر ،وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة البد ،وهلك مهلكا ل ينجو
منه ابدا ول توبة للحاسد لنه مصر عليه ،معتقد به ،مطبوع فيه ،يبدو بل
معارض له ول سبب ،والطبع ل يتغير عن الصل وإن عولج )- 24 .(2
شى :عن ابن ابي نجران ،قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال
" ول تتمنوا ما فضل ال به بعضكم على بعض " ) (3قال :ل يتمني
الرجل امرأة الرجل ول ابنته ،ولكن يتمنى مثلهما ) - 25 .(4شى :عن ابن
ظبيان قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :بينما موسى بن عمران يناجي
ربه ويكلمه إذ رأى رجل تحت ظل عرش ال فقال :يا رب من هذا الذي قد
اظله عرشك ؟ فقال :يا موسى هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم ال
من فضله ) - 26 .(5جع :قال النبي صلى ال عليه وآله :إياكم والحسد،
فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
) (1قرب السناد (2) .22 :مصباح الشريعة (3) .33 :النساء (4) .32 :تفسير
العياشي ج 1ص (5) .239تفسير العياشي ج 1ص .248
][256
وقال صلى ال عليه وآله :إن لنعم ال أعداء ،قيل :وما أعداء نعم ال ؟ يا رسول
ال قال :الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله .وقال صلى ال
عليه وآله :عليكم بانجاح الحوائج بكتمانها ،فان كل ذي نعمة محسود.
وقال أمير المؤمنين عليه السلم لبنه في وصيته :إن من شر مفاضح
المرء الحسد .وقال عليه السلم :الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له ).(1
- 27ين :عن ابن أبي البلد ،عن أبيه ،رفعه قال :رأى موسى بن عمران
رجل تحت ظل العرش فقال :يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت
ظل العرش ؟ فقال ال تعالى :يا موسى هذا لم يكن يعق والديه ،ول يحسد
الناس على ما آتاهم ال من فضله - 28 .نهج :قال عليه السلم :العجب
لغفلة الحساد عن سلمة الجساد ) .(2وقال عليه السلم :صحة الجسد من
قلة الحسد ) - 29 .(3كنز الكراجى :قال أمير المؤمنين عليه السلم :ما
رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد ،نفس دائم ،وقلب هائم ،وحزن لزم.
وقال عليه السلم :الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له إليه ،بخيل بما ل
يملكه .وقال عليه السلم :الحسد آفة الدين ،وحسب الحاسد ما يلقى .وقال
عليه السلم :ل مروة لكذوب ،ول راحة لحسود .وقال عليه السلم :يكفيك
من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك .وقال عليه السلم :الحسد ل يجلب
إل مضرة وغيظا يوهن قلبك ،ويمرض جسمك ،وشر ما استشعر قلب
المرء الحسد .وقال عليه السلم :الحسود سريع الوثبة ،بطئ العطفة .وقال
عليه السلم :الحسود مغموم ،واللئيم مذموم.
) (1جامع الخبار ص (2) .186نهج البلغة الرقم 225من الحكم (3) .نهج
البلغة الرقم 256من الحكم )*(.
][257
وقال عليه السلم :ل غنى مع فجور ،ول راحة لحسود ،ول مودة لملوك .وقال
لقمان لبنه :إياك والحسد ،فانه يتبين فيك ،ول يتبين فيمن تحسده- 30 .
المجازات النبوية :قال صلى ال عليه وآله :الحسد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب .بيان :قال السيد رضي ال عنه في شرح هذا الخبر :هذه
استعارة والمراد أن الحسد مخرج لصاحبه إلى القدام على المعاصي،
والرتكاس في المهاوي ،فيقع في الدماء الحرام ،ويحتطب في حمائل
الثام ،ويشرع في نقل النعم من أماكنها وإزعاجها عن مواطنها ،فيكون
عقاب هذه المحظورات محبطا لحسناته ،ومسقطا لثواب طاعاته ،على
المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدم ،فيصير الحسد الذي هو السبب في
استحقاق العقاب ،وإحباط الثواب ،كأنه يأكل تلك الحسنات ،لنه يذهبها
ويفنيها ،ويسقط أعيانها ويعفيها .وإنما شبه عليه السلم في أكله
الحسنات بالنار التي تأكل الحطب لن الحسد يجري في قلب النسان مجرى
النار ،لهتياجه واتقاده وإرماضه وإحراقه ،ومن هناك قال بعضهم :ما
رأيت ظالما اشبه بمظلوم من الحاسد نفس يتضور ،وزفير يتردد ،وحزن
يتجدد ) - 31 .(1الشهاب :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :كاد الفقر
أن يكون كفرا ،وكاد الحسد أن يغلب القدر .الضوء :كاد وعسى كلهما من
أفعال المقاربة ،وكاد مشبه بعسى ،وعسى مشبه بلعل ،فلذلك لم يتصرف
لنه مشبه بحرف ،والحرف ل يتصرف ،وكاد اشد مقاربة من عسى ،وإنما
لم يأت من عسى الفعل المضارع ،لن فيه معنى الطمع ،والطمع ل يصح
إل في المستقبل فلو بني منه المضارع لصلح للحال والستقبال معا،
والطمع ل يصح في الحال ،فلذلك اقتصر فيه على الماضي ،وعسى ترفع
السم وتنصب الخبر ،إل أن خبره ل يكون إل فعل مضارعا يدخله " أن "
وكذلك كاد ترفع السم وتنصب الخبر ،ومن شروط كاد أن ليدخل على خبره " أن
" كقولك كاد زيد ،وقال تعالى " :وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك
بأبصارهم " ) " (1وكادوا يكونون عليه لبدا " ) (2وهذا إذا كان للحال،
وإن كان للستقبال شبه بعسى ،فادخل على خبره " أن " كما قال ) :(3قد
كاد من طول البلى أن يمصحا فهذا ما علقناه على شيخنا أبي الحسن
النحوي رحمه ال ومعنى الحديث وال أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف
إلى المآكل الدنيئة والمطاعم الوبيئة ،وإذا وجد أولده يتضورون من
الجوع والعرى ،ورأى نفسه ل يقدر على تقويم أودهم وإصلح حالهم،
والتنفيس عنهم ،كان بالحري أن يسرق ويخون ،ويغصب وينهب ويستحل
أموال الناس ،ويقطع الطريق ،ويقتل المسلم ،أو يخدم بعض الظلمة فيأكل
مما يغصبه ويظلمه ،وهذا كله من أفعال من ل يحاسب نفسه ،ول يؤمن
بيوم الحساب ،فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا ،وفي الثر :عجبت لمن
له عيال وليس له مال كيف ل يخرج على الناس بالسيف ؟ .وقوله عليه
السلم " :كاد الحسد أن يغلب القدر " المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في
النظر في إزالة النعمة عن المحسود ،أو التنى لذلك ،فانه ربما يحمله
حسده على قتل المحسود ،وإهلك ماله ،وإبطال معاشه ،فكأنه سعى في
غلبة المقدور لن ال تعالى قد قدر للمحسود الخير والنعمة ،وهو يسعى
في إزالة ذلك عنه ،وقيل :الحسد منصف لنه يبدأ بصاحبه ،وقيل :الحسود
ل يسود ،وقيل :الحسد يأكل الجسد ،وقال الشاعر :اصبر على حسد
الحسود فان صبرك قاتله النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله " وكاد "
تعطي أنه قرب الفعل ولم يكن ،وتفيد في الحديث شدة تأثير
) (1القلم (2) .51 :الجن (3) .19 :يعنى رؤبة :ربع عفاه الدهر طول فانمحى قد
كاد الخ )*(.
][259
الفقر والحسد ،وإن لم يكونا يغلبان القدر ،ويقال :إن كاد إذا أوجب به الفعل دل على
النفي ،وإذا نفي دل على الوقوع ،وقال شاعرهم :أنحوي هذا الدهر ما هي
لفظة * جرت بلساني جرهم وثمود إذا نفيت وال أعلم أوجبت * وإن
أوجبت قامت مقام جحود وهذا كما قال عزوجل " :كادوا يكونون عليه لبدا
" والمعنى أنهم لم يكونوا ،وقال تعالى " :وما كادوا يفعلون " ) (1وقد
ذبحوا .وهذه من أعجب القصص في السحد وهي من أعاجيب الدنيا ،كان
أيام موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة ،وكان له جار في دون
حاله ،وكان يحسده ويسعى بكل مكروه يمكنه ،ول يقدر عليه ،قال :فلما
طال عليه أمره وجعلت اليام ل تزيده فيه إل غيظا ،اشترى غلما صغيرا
فرباه وأحسن إليه فلما شب الغلم واشتدت وقوي غضبه ،قال له موله :يا
بني إني أريدك لمر من المور جسيم ،فليت شعري كيف لي أنت عند
ذلك ؟ قال :كيف يكون العبد لموله ،والمنعم عليه المحسن إليه ،وال يا
مولي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت بنفسي فيها ،ولو
علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك وعدد عليه
اشياء ،فسر بذلك من قوله ،وضمه إلى صدره وأكب عليه يترشفه ويقبله،
وقال :أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد ،قال :يا مولي إن رأيت أن تمن
على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ويضم عليه جوانحه ،قال :لم يأن
لذلك بعد ،وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي .فتركه سنة
فدعاه فقال :أي بني قد أردتك للمر الذي كنت أرشحك له قال له :يا مولي
مرني بما شئت ،فوال ل تزيدني اليام إل طاعة لك ،قال :إن جاري فلنا
قد بلغ مني مبلغا أحب قتله ،قال :فأنا افتك به الساعة ،قال :ل أريد هذا،
وأخاف أل يمكنك ،وإن أمكنك أحالوا ذلك علي ،ولكني دبرت أن تقتلني أنت
وتطرحني على سطحه ،فيؤخذ ويقتل بي.
][260
فقال له الغلم :أتطيب نفسك بنفسك ؟ وما في ذلك تشف من عدوك وأيضا فهل
تطيب نفسي بقتلك ،وأنت أبر من الوالد الحدب ،والم الرفيقة ؟ قال :دع
عنك هذا ،فانما كنت أربيك لهذا ،فل تنقض علي أمري فانه ل راحة لي إل
في هذا ،قال :ال ال في نفسك يا مولي ،وأن تتلفها للمر الذي ل يدرى
أيكون أم ل يكون ،فان كان لم تر منه ما أملت وأنت ميت ،قال :أراك لي
عاصيا ،وما أرضى حتى تفعل ما أهوى .قال :أما إذا صح عزمك على ذلك
فشأنك وما هويت لصير إليه بالكره ل بالرضى ،فشكره على ذلك ،وعمد
إلى سكين فشحذها ودفعها إليه ،وأشهد على نفسه أنه دبره ودفع إليه من
صلب ماله ثلثة آلف درهم ،وقال :إذا فعلت ذلك فخذ في اي بلد ال
شئت ،فعزم الغلم على طاعة المولى بعد التمنع واللتواء .فلما كان في
آخر ليلة من عمره ،قال له :تأهب لما أمرتك به ،فاني موقظك في آخر
الليل ،فلما كان في وجه السحر ،قام وأيقظ الغلم ،فقام مذعورا وأعطاه
المدية ،فجاء حتى تسور حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه ،فاستقبل
القبلة ببدنه ،وقال للغلم :ها وعجل ،فترك السكين على حلقه ،وفرى
أوداجه ،ورجع إلى مضجعه وخله يتشحط في دمه .فلما أصبح أهله خفي
عليهم خبره ،فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتول فأخذ
جاره ،وأحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة ورفعوه وحبسوه،
وكتبوا بخبره إلى الهادي ،فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك وكان
الرجل من أهل الصلح ،فأمر بحبسه ،ومضى الغلم إلى إصبهان .وكان
هناك رجل من أولياء المحبوس وقرابته ،وكان يتولى العطاء للجند
باصفهان ،فرأى الغلم وكان عارفا به فسأله عن أمر موله ،وقد كان وقع
الخبر إليه ،فأخبره الغلم حرفا حرفا ،فأشهد على مقالته جماعة ،وحمله
إلى مدينة السلم وبلغ الخبر الهادي فأحضر الغلم فقص أمره كله عليه،
فتعجب الهادي من ذلك وأمر باطلق الرجل المحبوس ،وإطلق الغلم
أيضا.
][261
فايدة الحديث إعلم أن الفقر من أصعب الشياء ،ومكابرته من أهول المور ،وأن
الحسد أمره شديد ،والحديث متضمن للنهي عنه - 32 .الشهاب :إن الحسد
ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .الضوء :الحسد تمني زوال نعمة
غيرك ،يقول صلى ال عليه وآله :الحسد يفسد الحسنات وهي الفعال
الحسنة ،ويلطخها ويغيرها ويغطي عليها ويسوؤها ،ويجعلها بحيث ل يعتد
بها كما تأكل النار الحطب ،حيث تجعله رمادا أو فحما ،وذلك أن الحسود
ولو حصلت منه الفعال الصالحة ،لكانت مشينة لمكان الحسد ،ثم إن
الحاسد يعارض ربه فيما يفعل ،لن النعمة على المحسود من قبله ،وهو
يتمنى زواله وكأنه يخطئ ال تعالى فيما أوله تعالى وتقدس .وروي عن
سفيان ]قال [:بلغني أن ال تعالى يقول :الحاسد عدو نعمتي ،غير راض
بقسمتي التي قسمت بين عبادي ،وقال منصور الفقيه :أل قل لمن كان بي
حاسدا * أتدري على من أسأت الدب أسأت على ال في فعله * إذا أنت لم
ترض لي ما وهب جزاؤك منه الزيادات لي * وأن ل تنال الذي تطلب
وقيل :الحاسد بارز ربه من ستة أوجه :أبغض كل نعمة تظهر على غيره
وسخط القسمة ،وضاد قضاء ال ،وكابر مقدوره ،وخذل وليه ،وأعان
عدوه وقيل :الحاسد جاحد لنه لم يرض بحكم الواحد ،وقيل في قوله
تعالى " :إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ) (1يعني
الحسد ،وقيل :الحسد منصف لنه يؤثر في الحاسد ،ول يؤثر في المحسود.
وقال :اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله فالنار تأكل نفسها إن لم
تجد ما تأكله )(2
وقال :إني لرحم حاسدي لحر ما * ضمنت صدورهم من السعار نظروا صنيع ال
لي فعيونهم * في جنة وقلوبهم في نار وقيل :الحسود ل يسود ،وروي أن
في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل عبد له ضوء كضوء الشمس،
فيقول :قف فأنا ملك الحسد ،اضرب به وجه صاحبه فانه حاسد ،ويقال :ل
يوجد ظالم وهو مظلوم إل الحاسد وأنشد :قل للحسود إذا تنفس حسرة * يا
ظالما وكأنه مظلوم وفائدة الحديث النهي عن الحسد والمر بتجنبه132 - .
) * -باب( * * " )ذم الغضب ،ومدح التنمر في ذات ال( " * اليات:
طه :قال يا ابن أم ل تأخذ بلحيتي ول برأسي ) .(1الشعراء :وإذا بطشتم
بطشتم جبارين ) - 1 .(2ن ) (3لى :ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن
البرقي ،عن عبد العظيم الحسني ،عن أبي جعفر الثاني ،عن أبيه عليهما
السلم قال :دخل موسى بن جعفر عليه السلم على هارون الرشيد وقد
استخفه الغضب على رجل ،فقال له :إنما تغضب ل عزوجل ،فل تغضب له
بأكثر مما غضب لنفسه ) - 2 .(4لى :عن أمير المؤمنين عليه السلم :ل
نسب أوضع من الغضب ).(5
) (1ط (2) .94 :الشعراء (3) .130 :عيون الخبار ج 1ص (4) .292أمالي
الصدوق (5) .14 :أمالي الصدوق.(*) 193 :
][263
أقول :قد مضى الخبار في باب الحلم وكظم الغيظ ) - 3 .(1لى :سئل أمير المؤمنين
عليه السلم من أحلم الناس ؟ قال :الذي ل يغضب ) - 4 .(2ل :عن ابن
المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن يونس ،عن داود بن
فرقد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :الغضب مفتاح كل شر )- 5 .(3
ل :أبي ،عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ،عن البرقي ،عن أبيه عن
يونس ،عن ابن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال الحواريون
لعيسى بن مريم :يا معلم الخير أعلمنا أي الشياء اشد ؟ فقال :أشد الشياء
غضب ال عز وجل ،قالوا :فبم يتقى غضب ال ،قال :بأن ل تغضبوا،
قالوا :وما بدؤ الغضب ؟ قال :الكبر والتجبر ومحقرة الناس ) .(4كتاب
الغايات :عن أبي عبد ال عليه السلم وذكر نحوه - 6 .ل :عن أبيه ،عن
أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن موسى بن جعفر ،عن ابن معبد ،عن
إبراهيم بن إسحاق ،عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست :من
الشك ،والشرك والحمية ،والغضب ،والبغي ،والحسد ) - 7 .(5ن :عن
محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي ،عن علي بن محمد بن عنبسة عن
بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم ،عن فاطمة بنت الرضا ،عن أبيها ،عن
أبيه عن جعفر بن محمد ،عن أبيه وعمه زيد ،عن أبيهما علي بن الحسين،
عن أبيه وعمه ،عن علي بن ابي طالب صلوات ال عليهم أجمعين قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من كف غضبه كف ال عنه عذابه،
ومن حسن خلقه بلغه ال درجة الصائم القائم ).(6
][264
- 8ما :جماعة ،عن ابي المفضل ،عن محمد بن جعفر الرزاز ،عن محمد بن
عيسى القيسي ،عن محمد بن الفضيل ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رجل للنبي صلى ال عليه وآله :يا رسول ال علمني عمل ل
يحال بينه وبين الجنة ،قال :ل تغضب ول تسأل الناس شيئا ،وارض للناس
ما ترضى لنفسك ،الخبر ) - 9 .(1لى :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى،
عن ابن فضال ،عن علي بن عقبة ،عن أبيه ،عن أبي بصير ،عن الصادق،
عن أبيه عليهما السلم أنه ذكر عنده الغضب فقال :إن الرجل ليغضب حتى
ما يرى أبدا ،ويدخل بذلك النار ،فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس ،فانه
سيذهب عنه رجز الشيطان ،وإن كان جالسا فليقم وأيما رجل غضب على
ذي رحمه فليقم إليه ،وليدن منه وليمسه ،فان الرحم إذا مست الرحم
سكنت ) - 10 .(2ما :عن الفحام ،عن المنصوري ،عن عم أبيه ،عن أبي
الحسن الثالث عن آبائه ،عن الكاظم عليهم السلم قال :من لم يغضب في
الجفوة ،لم يشكر في النعمة ) - 11 .(3ثو :عن أبيه ،عن محمد بن أحمد
بن علي بن الصلت ،عن البرقي عن ابن مهران ،عن ابن عميرة ،عمن
سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :من كف غضبه ستر ال عورته ).(4
- 12ثو :عن ابيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن الحسين بن سيف
عن أخيه ،عن أبيه ،عن عاصم ،عن الثمالي ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :سمعته يقول :من كف نفسه عن أعراض الناس كف ال عنه عذاب
يوم القيامة ،ومن كف غضبه عن الناس أقاله ال نفسه يوم القيامة ).(5
) (1أمالي الطوسي ج 2ص (2) .121أمالي الصدوق (3) .205 :أمالي الطوسي
ج 1ص (5 - 4) .290ثواب العمال.(*) 120 :
][265
ختص :عن الباقر عليه السلم مثله ) - 13 .(1ضا :أروي أن رجل سأل العالم أن
يعلمه ما ينال به خير الدنيا والخرة ول يطول عليه ،فقال :ل تغضب- 14 .
شى :عن الصبغ بن نباتة قال :سمعت أمير المؤمنين عليه السلم يقول:
إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ،فأيما رجل منكم غضب
على ذي رحمه فليدن منه ،فان الرحم إذا مستها الرحم استقرت ،وإنها
متعلقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد ،فينادي اللهم صل من وصلني،
واقطع من قطعني ،وذلك قول ال في كتابه " :واتقوا ال الذي تسائلون به
والرحام إن ال كان عليكم رقيبا " ) (2وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم
الرض من فوره ،فانه يذهب رجز الشيطان ) - 15 .(3جع :قال النبي
صلى ال عليه وآله :الغضب جمرة من الشيطان وقال صلى ال عليه وآله:
الغضب يفسد اليمان كما يفسد الصبر العسل وكما يفسد الخل العسل .وقال
إبليس عليه اللعنة :الغضب وهقي ) (4ومصيادي ،وبه أصد خيار الخلق
عن الجنة وطريقها .وعن جعفر بن محمد عليه السلم قال :من لم يغتب
فله الجنة ،ومن لم يغضب فله الجنة ،ومن لم يحسد فله الجنة )- 16 .(5
ختص :قال الصادق عليه السلم :كان ابي محمد عليه السلم يقول :أي
شئ أشر من الغضب ؟ إن الرجل إذا غضب يقتل النفس ،ويقذف المحصنة
) - 17 .(6ين :فضالة ،عن ابن فرقد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
جاء أعرابي
) (1الختصاص (2) .229 :الية الولى من سورة النساء (3) .تفسير العياشي ج
1ص (4) .217الوهق محركة وتسكن الهاء :حبل في طرفيه انشوطة
يطرح في عنق الدابة والنسان حتى تؤخذ ،قيل هو معرب وهك(5) .
جامع الخبار (6) .186 :الختصاص.(*) 243 :
][266
إلى رسول ال صلى ال عليه وآله فقال :يا رسول ال علمني شيئا واحدا فاني رجل
اسافر فأكون في البادية ،فقال له رسول ال :ل تغضب ،فاستيسرها
العرابي فرجع إلى النبي صلى ال عليه وآله فقال :يا رسول ال علمني
شيئا واحدا فاني أسافر فأكون في البادية فقال له النبي صلى ال عليه
وآله :ل تغضب فاستيسرها العرابي فرجع فأعاد السؤال فأجابه رسول
ال فرجع الرجل إلى نفسه وقال :ل أسأل عن شئ بعد هذا إني وجدته قد
نصحني وحذرني لئل أفتري حين أغضب ،ولئل أقتل حين اغضب .وقال
أبو عبد ال عليه السلم :الغضب مفتاح كل شر ،وقال :إن إبليس كان مع
الملئكة وكانت الملئكة تحسب أنه منهم ،وكان في علم ال أنه ليس
منهم ،فلما أمر بالسجود لدم ،حمي وغضب ،فأخرج ال ما كان في نفسه
بالحمية والغضب - 18 .ين :عن النضر ،عن القاسم بن سليمان ،عن
الصباح ،عن زيد بن علي قال :أوحى ال عزوجل إلى نبيه داود عليه
السلم :إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي
ول أمحقه فيمن أمحق - 19 .نوادر الراوندي :باسناده عن موسى بن
جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
الغضب يفسد اليمان كما يفسد الخل العسل ،أو كما يفسد الصبر العسل )
.(1كتاب المامة والتبصرة :عن أحمد بن علي ،عن محمد بن الحسن
الصفار ،عن إبراهيم بن هاشم ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن جعفر بن
محمد ،عن أبيه مثله - 20 .نهج :قال عليه السلم :الحدة ضرب من
الجنون ،لن صاحبها يندم فان لم يندم فجنونه مستحكم ) - 21 .(2منية
المريد :سئل النبي صلى ال عليه وآله :ما يبعد من غضب ال تعالى ؟ قال
ل تغضب .وعنه صلى ال عليه وآله :من كف غضبه ستر ال عورته.
) (1نوادر الراوندي (2) .17 :نهج البلغة الرقم 255من الحكم )*(.
][267
وقال أبو الدرداء :قلت :يا رسول ال دلني على عمل يدخلني الجنة قال :ل تغضب.
وقال صلى ال عليه وآله :الغضب يفسد اليمان كما يفسد الصبر العسل.
وقال صلى ال عليه وآله :ما غضب أحد إل أشفى على جهنم .وذكر
الغضب عند ابي جعفر الباقر عليه السلم فقال :إن الرجل ليغضب فما
يرضى ابدا حتى يدخل النار .وعنه عليه السلم قال :مكتوب في التوراة
فيما ناجى ال عزوجل به موسى عليه السلم :يا موسى أمسك غضبك
عمن ملكتك عليه ،أكف عنك غضبي .وعن ابي حمزة الثمالي قال :قال أبو
جعفر عليه السلم :إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن
آدم ،وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه ،وانتفخت أوداجه ،ودخل
الشيطان فيه - 22 .كا :عن علي ،عن ابيه ،عن النوفلي ،عن السكوني،
عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
الغضب يفسد اليمان كما يفسد الخل العسل ) .(1بيان " :كما يفسد الخل
العسل " اي إذا ادخل الخل العسل ،ذهبت حلوته وخاصيته ،وصار
المجموع شيئا آخر ،فكذا اليمان إذا دخله الغضب فسد ولم يبق على
صرافته ،وتغيرت آثاره ،فل يسمى إيمانا حقيقة ،أو المعنى أنه إذا كان
طعم العسل في الذائقة ،فشرب الخل ذهبت تلك الحلوة بالكلية ،فل يجد
طعم العسل فكذا الغضب إذا ورد على صاحب اليمان لم يجد حلوته،
وذهبت فوائده .قال بعض المحققين :الغضب شعلة نار اقتسبت من نار ال
الموقدة إل أنها ل تطلع على الفئدة ،وإنها لمستكنة في طي الفؤاد،
استكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار
عنيد ،كما يستخرج الحجر النار من الحديد ،وقد انكشف للناظرين بنور
اليقين ،أن النسان ينزع منه عرق إلى
][268
الشيطان اللعين ،فمن اسعرته نار الغضب ،فقد قويت فيه قرابة الشيطان ،حيث قال:
" خلقتني من نار وخلقته من طين " ) (1فمن شأن الطين السكون
والوقار ،وشأن النار التلظي والستعار ،والحركة والضطراب
والصطهار ،ومنه قوله تعالى " :يصهر به ما في بطونهم والجلود " )(2
ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ،وبهما هلك من هلك ،وفسد من فسد .ثم
قال :اعلم أن ال تعالى لما خلق النسان معرضا للفساد والموتان ،بأسباب
في داخل بدنه ،واسباب خارجة منه ،أنعم عليه بما يحميه الفساد ،ويدفع
عنه الهلك إلى أجل معلوم ،سماه في كتابه .أما السبب الداخل فانه ركبه
من الرطوبة ،والحرارة ،وجعل بين الرطوبة والحرارة عداوة ومضادة ،فل
تزال الحرارة تحلل الرطوبة ،وتجففها وتبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا
يتصاعد منها ،فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر
من أجزائها لفسد الحيوان ،فخلق ال الغذاء الموافق لبدن الحيوان ،وخلق
للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد
ما انثلم ،ليكون حافظا له من الهلك ،بهذه السباب .وأما السباب الخارجة
التي يتعرض لها النسان فكالسيف والسنان ،وسائر المهلكات التي يقصد
بها ،فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه ،فيدفع المهلكات عنه فخلق ال
الغضب من النار ،وغرزه في النسان ،وعجنه بطينته ،فمهما قصد في
غرض من أغراضه ،ومقصود من مقاصده ،اشتعلت نار الغضب ،وثارت
ثورانا يغلى به دم القلب ،وينتشر في العروق ،ويرتفع إلى أعالي البدن كما
ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر .ولذلك ينصب إلى الوجه
فيحمر الوجه والعين ،والبشرة بصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة
الدم ،كما تحكي الزجاجة لون ما فيها ،وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من
دونه ،واستشعر القدرة عليه ،فان صدر الغضب على من هو فوقه
وكان معه يأس من النتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب
وصار حزنا ولذلك يصفر اللون ،وان كان الغضب على نظير يشك فيه تولد
منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ،ويضطرب .وبالجملة فقوة
الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب ،لطلب النتقام وانما يتوجه
هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات ،قبل وقوعها ،وإلى التشفي
والنتقام بعد وقوعها ،والنتقام قوت هذه القوة وشهوتها ،وفيه لذتها ،ول
تسكن إل به .ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلث في اول الفطرة
وبحسب ما يطرأ عليها من المور الخارجة من التفريط والفراط
والعتدال ،اما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها بان ل يستعملها فيما هو
محمود عقل وشرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ،والجهاد
مع أعدائه والبطش عليهم ،واقامة الحدود على الوجه المعتبر ،والمر
بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم
الغيرة على حرمه وأشباه ذلك .وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانية،
وقد وصف ال تعالى الصحابة بالشدة والحمية ،فقال )أشداء على الكفار( )
(1وقال تعالى )يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم( )(2
وانما الغلظة والشة من آثار قوة الحمية وهو الغضب ،واما الفراط فهو
القدام على ما ليس بالجميل ،واستعمالها فيما هو مذموم عقل وشرعا مثل
الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف وأمثال ذلك مما ل يجوزه
العقل والشرع .واما العتدال فهو غضب ينتظر اشارة العقل والدين،
فينبعث حيث تجب الحمية ،وينطفي حيث يحسن الحلم ،وحفظه على حد
العتدال هو الستقامة التي كلف ال تعالى به عباده ،وهو الوسط الذي
وصفه رسول ال صلى ال عليه وآله حيث قال:
][270
خير المور أوساطها ،فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف
الغيرة وخسة النفس واحتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج
نفسه حتى يقوى غضبه ومن ماله غضبه إلى الفراط حتى جره إلى
التهور واقتحام الفواحش ،فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من سورة
الغضب ،ويقف على الوسط الحق بين الطرفين ،فهو الصراط المستقيم،
وهو ادق من الشعر ،وأحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب
جهده ،ويتوسل إلى ال تعالى في أن يوفقه لذلك - 23 .كا :أبو علي
الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن ابن فضال ،عن علي بن عقبة،
عن أبيه ،عن ميسر قال :ذكر الغضب عند ابي جعفر عليه السلم فقال :إن
الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار ،فأيما رجل غضب على قوم
وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ،فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ،وأيما
رجل غضب على ذي رحم فليدن منه ،فليمسه ،فان الرحم إذا مست سكنت
) .(1بيان :فما يرضى أبدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن ل يغضب وإن
غضب ل يستمر عليه ،بل يعالجة قريبا بالسعي في الرضا عنه ،إذ لو
استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا وشيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب
دخوله النار ،كالقتل والجرح وأمثالهما ،أو يصير الغضب له عادة وخلقا،
فل يمكنه تركه ،حتى يدخل بسببه النار .واعلم أن علج الغضب أمران:
علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في اليات والروايات التي وردت في
ذم الغضب ،ومدح كظم الغيظ والعفو والحلم ويتفكر في توقعه عفو ال عن
ذنبه ،وكف غضبه عنه ،وأما الفعلي فذكر عليه السلم هنا أمران :الول
قوله " :فأيما رجل " " ما " زائدة " من فوره " كأن " من " بمعنى "
في " وقال الراغب :الفور شدة الغليان ،ويقال ذلك في النار نفسها إذا
هاجت ،وفي القدر وفي الغضب ،ويقال :فعلت كذا من فوري أي في غليان
][271
الحال ،وقبل سكون المر ) .(1وقال البيضاوي في قوله تعالى " :ويأتوكم من
فورهم هذا " ) (2أي من ساعتهم هذه ،وهو في الصل مصدر فارت القدر
إذا غلت ،فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي ل ريث فيها ول تراخي،
والمعنى أن يأتوكم في الحال ) (3وقال في المصباح :فار الماء يفور فورا
نبع وجرى ،وفارت القدر فورا وفورانا ،وقولهم الشفعة على الفور من هذا
أي على الوقت الحاضر الذي ل تأخير فيه ،ثم استعمل في الحالة التي ل
بطء فيها ،يقال :جاء فلن في حاجته ،ثم رجع من فوره اي من حركته
التي وصل فيها ،ولم يسكن بعدها ،وحقيقته أن يصل ما بعد المجئ بما قبله
من غير لبث انتهى .وضمير " فوره " للرجل وقيل :للغضب :والول
أنسب بالية ،و " ذلك " صفة فوره " فانه سيذهب " كيمنع والرجز
فاعله أو علي بناء الفعال ،والضمير المستتر فاعله ،وراجع إلى مصدر "
فليجلس " و " الرجز " مفعوله ،وفي النهاية الرجز بكسر الراء العذاب
والثم والذنب ورجز الشيطان وساوسه انتهى .وذهاب ذلك بالجلوس
مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده ساكنا ل يحوم حوله ،وفيه
سر ل يعلمه إل ال والراسخون في العلم ،وربما يقال :السر فيه هو
الشعار بأنه من التراب ،وعبد ذليل ل يليق به الغضب ،أو التوسل بسكون
الرض وثبوتها .وأقول :كأنه لقلة دواعيه إلى المشي للقتل والضرب
وأشباههما ،أو للنتقال من حال إلى حال أخرى ،والشتغال بأمر آخر
فانهما مما يذهل عن الغضب في الجملة ،ولذا ألحق بعض العلماء
الضطجاع والقيام إذا كان جالسا ،والوضوء بالماء البارد وشربه
بالجلوس في ذهاب الرجز.
) (1مفردات غريب القرآن (2) .387آل عمران (3) .125 :أنوار التنزيل81 :
)*(.
][272
وأقول :يؤيده ما رواه الصدوق في مجالسه عن أبيه ،عن سعد بن عبد ال ،عن
أحمد بن محمد بن عيسى ،عن ابن فضال ،عن علي بن عقبة ]عن أبيه[،
عن أبي بصير ،عن ابي عبد ال ،عن ابيه عليهما السلم أنه ذكر عنده
الغضب فقال :إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى ابدا ،ويدخل بذلك النار،
وأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فانه سيذهب عنه رجز الشيطان ،وإن
كان جالسا فليقم ،وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه وليدن منه،
وليمسه ،فان الرحم إذا مست الرحم سكنت ) .(1وما رواه العامة عن أبي
هريرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وآله إذا غضب وهو قائم جلس،
وإذا غضب وهو جالس اضطجع ،فيذهب غيظه .وقال بعضهم :علج
الغضب أن تقول بلسانك :أعوذ بال من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول
ال صلى ال عليه وآله أن يقال عند الغيظ ،وكان صلى ال عليه وآله إذا
غضبت عائشة أخذ بأنفها ،وقال :يا عويش قولي :اللهم رب النبي محمد،
اغفر لي ذنبي ،وأذهب غيظ قلبي ،وأجرني من مضلت الفتن ،ويستحب
أن تقول ذلك ،وإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما ،واضطجع إن كنت
جالسا ،واقرب من الرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ،واطلب بالجلوس
والضطجاع السكون ،فان سبب الغضب الحرارة ،وسبب الحرارة الحركة
إذ قال صلى ال عليه وآله إن الغضب جمرة تتوقد ألم تر إلى انتفاخ
أوداجه وحمرة عينيه ؟ .فان وجد أحدكم من ذلك شيئا فان كان قائما
فليجلس ،وإن كان جالسا فلينم ،فان لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد،
وليغتسل ،فان النار ل يطفئها إل الماء ،وقد قال صلى ال عليه وآله :إذا
غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل ،فان الغضب من النار ،وفي رواية :إن
الغضب من الشيطان ،وإن الشيطان خلق من النار ،وإنما يطفي النار
الماء ،فإذا غضب أحدكم فليتوضأ .وقال ابن عباس :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :إذا غضبت فاسكت ،وقال أبو سعيد الخدري :قال النبي
صلى ال عليه وآله :إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ال ترون إلى حمرة
) (1أمالي الصدوق 205 :وقد مر تحت الرقم .(*) 9
][273
عينيه وانتفاخ أوداجه ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالرض وكأن هذا
إشارة إلى السجود ،وهو تمكين أعز العضاء من أذل المواضع ،وهو
التراب لتستشعر به النفس الذل ،وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب
الغضب .وأما العلج الثاني فهو خاص بذي الرحم ،حيث قال " :وأيما رجل
غضب على ذي رحم فليدن منه " أي الغاضب من ذي رحمه " إذا مست
" على بناء المجهول أي بمثلها ،ويحتمل المعلوم أي مثلها ،وما في رواية
المجالس المتقدم ذكره اظهر ويظهر منها أنه سقط من رواية الكتاب بعض
الفقرات متنا وسندا فتفطن إذ هي عين هذه الرواية ،والظاهر أن " سكنت
" على بناء المعلوم المجرد ،ويحتمل المجهول من بناء التفعيل .وقيل:
ضمير " فليدن " راجع إلى ذي الرحم ،وضمير " منه " إلى الرجل وهو
بعيد هنا ،وإن كان له شواهد من بعض الخبار منها ما رواه الصدوق
رحمه ال في عيون أخبار الرضا باسناده عن موسى بن جعفر عليه
السلم قال :لما دخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلم ثم قال :يا
موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ فقلت :يا أمير المؤمنين
أعيذك بال أن تبوء بإثمي وإثمك ،وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ،فقد
علمت أنه قد كب علينا منذ قبض رسول ال صلى ال عليه وآله بما علم
ذلك عندك فان رأيت بقرابتك من رسول ال صلى ال عليه وآله أن تأذن
لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه ،عن جدي رسول ال صلى ال
عليه وآله أنه قال :إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت فناولني
يدك جعلني ال فداك ،فقال :ادن فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه
وعانقني طويل ثم تركني ،وقال :اجلس يا موسى ،فليس عليك بأس
فنظرت إليه فإذا إنه قد دمعت عيناه ،فرجعت إلي نفسي ،فقال :صدقت
وصدق جدك لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة،
وفاضت عيناي إلى آخر الخبر ) .(1وأقول هذا ل يعين حمل خبر المتن
على دنو الغاضب ،فانه يدنو كل من
][274
يريد تسكين الغضب ،فانه إذا أراد الغاضب تسكين غضبه يدنو من المغضوب
]عليه[ وإذا اراد المغضوب ]عليه[ تسكين غضب الغاضب يدنو منه- 24 .
كا :علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن داود بن فرقد
قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :الغضب مفتاح كل شر ) .(1بيان" :
مفتاح كل شر " إذ يتولد منه الحقد والحسد والشماتة والتحقير والقوال
الفاحشة ،وهتك الستار ،والسخرية والطرد والضرب والقتل والنهب ومنع
الحقوق إلى غير ذلك مما ل يحصى - 25 .كا :عدة من أصحابنا عن أحمد
بن محمد بن خالد ،عن ابيه ،عن النضر بن سويد ،عن القاسم بن سليمان،
عن ابي عبد ال عليه السلم قال :سمعت أبي عليه السلم يقول :أتى
رسول ال صلى ال عليه وآله رجل بدوي فقال :إني أسكن البادية فعلمني
جوامع الكلم فقال :آمرك أن ل تغضب فأعاد عليه العرابي المسألة ثلث
مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال :ل أسأل عن شئ بعد هذا ،ما
أمرني رسول ال صلى ال عليه وآله إل بالخير قال :وكان أبي يقول :اي
شئ أشد من الغضب ؟ إن الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم ال ويقذف
المحصنة ) .(2بيان :قال في النهاية :فيه أوتيت جوامع الكلم ،يعني القرآن
جمع ال بلطفه في اللفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة ،واحدها جامعة أي
كلمة جامعة ،ومنه الحديث في صفته إنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي إنه
كان كثير المعاني قليل اللفاظ " .فأعاد عليه العرابي المسألة ثلث مرات
" كأن أصل السؤال كان ثلث مرات ،فالعادة مرتان اطلقت على الثلث
تغليبا ،والمعنى أنه صلى ال عليه وآله في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب
الول " حتى رجع الرجل " أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اكتفائه
صلى ال عليه وآله بجواب واحد غير مستحسن ،فأمسك وعلم أنه صلى
ال عليه وآله لم يجبه بما أجابه إل لعلمه بفوائد هذه النصيحة ،وأنها
تكفيه ،أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلى ال عليه وآله
الغضب بالذكر لتلك المور.
][275
" فيقتل النفس " أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثل وهو يوجب القصاص
في الدنيا ،والعذاب الشديد في الخرة ،والخرى قذف المحصنة ،وهي
العفيفة وهو يوجب الحد في الدنيا والعقاب العظيم في الخرة - 26 .كا:
عنه ،عن ابن فضال ،عن إبراهيم بن محمد الشعري ،عن عبد العلى قال:
قلت لبي عبد ال عليه السلم :علمني عظة أتعظ بها ،فقال :إن رسول ال
صلى ال عليه وآله أتاه رجل فقال له :يا رسول ال علمني عظة أتعظ بها
فقال له :انطلق فل تغضب ثم عاد إليه فقال له :انطلق فل تغضب ثلث
مرات ) .(1بيان :قال في المصباح :وعظه يعظه عظة أمره بالطاعة
ووصاه بها ،فاتعظ اي ائتمر وكف نفسه ،وقال بعض المتقدمين :الوعظ
تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة ال بلفظ يرق له القلب
والسم الموعظة - 27 .كا :عنه ،عن إسماعيل بن مهران ،عن سيف بن
عميرة ،عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :من كف غضبه ستر ال
عورته ) .(2بيان " :ستر ال عورته " اي عيوبه وذنوبه في الدنيا ،فل
يفضحه بها ،أو في الخرة فيكون كفارة عنها أو العم منهما وقيل :لنه
إذا لم يغضب ل يقول فيه الناس ما يفضحه ،واختلفوا في أن من كان شديد
الغضب وكف غضبه ومن ل يغضب أصل لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما
افضل ؟ فقيل الول لن الجر على قدر المشقة ،وفيه جهاد النفس ،وهو
أفضل من جهاد العدو .وغضب النبي صلى ال عليه وآله مشهور إل أن
غضبه لم يكن من مس الشيطان ورجزه وإنما كان من بواعث الدين،
وقيل :الثاني لن الخلق الحسنة من الفضائل النفسانية ،وصاحب الخلق
الحسن بمنزلة الصائم القائم - 28 .كا :عنه ،عن ابن محبوب ،عن هشام
بن سالم ،عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السلم قال :مكتوب
في التوراة فيما ناجى ال عزوجل به موسى :يا موسى أمسك غضبك عمن
ملكتك عليه أكف عنك غضبي ).(3
][276
بيان :يقال :ناجيته اي ساررته " عمن ملكتك عليه " أي من العبيد والماء أو
الرعية أو العم ،وهو أولى ،وغضب الخلق ثوران النفس وحركتها بسبب
تصور المؤذي والضار إلى النتقام والمدافعة ،وغضب الخالق عقابه التابع
لعلمه بمخالفة أوامره ونواهيه وغيرهما ،وفيه إشارة إلى نوع من معالجة
الغضب وهو أن يذكر النسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه،
فان ذلك يبعثه على الرضا والعفو طلبا لرضاه سبحانه وعفوه لنفسه- 29 .
كا :عدة من اصحابنا ،عن سهل بن زياد ،عن محمد بن عبد الحميد ،عن
يحيى بن عمرو ،عن عبد ال بن سنان قال :قال أبو عبد ال عليه السلم:
أوحى ال عزوجل إلى بعض أنبيائه :يا ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك
في غضبي ،ل أمحقك فيمن أمحق ،وارض بي منتصرا فان انتصاري لك
خير من انتصارك لنفسك ) .(1بيان :المراد بذكره له تعالى ذكر قدرته
سبحانه عليه وعقابه وبذكر ال له ذكر عفوه عن أخيه ،فيعفو عن زلته
ومعاصيه ،جزاء بما صنع وقوله " :ل أمحقك " بالجزم بدل من أذكرك
والمحق هنا إبطال عمله وتعذيبه ،ومحو ذكره أو لحراقه ،في القاموس
محقه كمنعه أبطله ومحاه كمحقه فتمحق وامتحق وامحق كافتعل وال
الشئ ذهب ببركته والحر الشئ أحرقه ،وفي النهاية المحق النقص والمحو
والبطال ،والنتصار النتقام ،ولما كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا
هو النتقام من الظالم ،رغب سبحانه في تركه بأني منتقم من الظالم لك
وانتقامي خير من انتقامك ،والخيرية من وجوه شتى :الول أن انتقامه
على قدر قدرته وانتقامه سبحانه أشد وأبقى ،الثاني أن انتقامه يفوت
ثوابه ،وانتقامه تعالى ل يفوته ،الثالث أن انتقامه يمكن أن يتعدى إلى مال
يستحقه فيعاقب عليه ،الرابع أن انتقامه يؤدي غالبا إلى المفاسد الكلية
والجزئية بانتهاض الخصم للمعادات بخلف انتقامه تعالى - 30 .كا :أبو
علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن ابن فضال ،عن
][277
علي بن عقبة ،عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم مثله وزاد فيه:
وإذا ظلمت بمظلة فارض بانتصاري لك ،فان انتصاري لك خير من
انتصارك لنفسك ) .(1بيان :في هذا الخبر وقع قوله " :وإذا ظلمت بمظلة
فارض بانتصاري لك " مكان قوله في الخبر السابق " :وارض بي
منتصرا " ومفادهما واحد ،ولما كان هذا في اللفظ أطول أطلق عليه لفظ
الزيادة ،وإنما ذكر ما بعدها مع كونه مشتركا بينهما للعلم بموضع الزيادة،
وفي المصباح الظلم اسم من ظلمه ظلما من باب ضرب ومظلمة بفتح الميم
وكسر اللم ،ويجعل المظلمة اسما لما يطلبه عند الظالم ،كالظلمة بالضم.
- 31كا :عن الحسين بن محمد ،عن معلى بن محمد ،وعلي بن محمد،
عن صالح ابن أبي حماد جميعا ،عن الوشاء ،عن أحمد بن عائذ ،عن أبي
خديجة ،عن معلى بن خنيس ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رجل
للنبي صلى ال عليه وآله :يا رسول ال علمني قال :اذهب ول تغضب،
فقال الرجل :قد اكتفيت بذلك ،فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا
صفوفا ولبسوا السلح ،فلما رأى ذلك لبس سلحه ثم قام معهم ،ثم ذكر
قول رسول ال صلى ال عليه وآله :ل تغضب ،فرمى السلح ثم جاء
يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه ،فقال :يا هؤلء ما كانت لكم من
جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه اثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه ،فقال
القوم :فما كان فهو لكم ،نحن أولى بذلك منكم ،قال :فاصطلح القوم ،وذهب
الغضب ) .(2بيان " :ليس فيه اثر " اي علمة ،جراحة لتصح مقابلته
للجراحة والثر بالتحريك بقية الشئ وعلمته وبالضم وبضمتين أثر
الجراح ،يبقى بعد البرء " فعلي في مالي " اي ل ابسطه على القبيلة
ليكون فيه مضايقة أو تأخير و " أنا " إما تأكيد للضمير المجرور ،لنهم
جوزوا تأكيده بالمرفوع المنفصل ،او مبتدأ خبره " أوفيكموه " على بناء
الفعال أو التفعيل ،والضمير راجع إلى الموصول اي على دية ما ذكر،
واليفاء والتوفية إعطاء الحق تماما.
][278
- 32كا :عن عدة من اصحابنا ،عن سهل بن زياد ،وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه
جميعا ،عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب ،عن ابي حمزة الثمالي ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :إن هذا الغضب جمرة من الشيطان ،توقد في قلب
ابن آدم ،وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ،ودخل
الشيطان فيه ،فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الرض ،فان رجز
الشيطان ليذهب عنه عند ذلك ) .(1بيان :الجمرة القطعة الملتهبة من
النار ،شبه بها الغضب في الحراق والهلك ونسبها إلى الشيطان لن
بنفخ نزغاته ووساوسه تحدث وتشتد ،وتوقد في قلب ابن آدم ،وتلتهب
التهابا عظيما ،ويغلى بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم فيحدث منه
دخان بتحليل الرطوبات ،وينتشر في العروق ،ويرتفع إلى أعالي البدن
والدماغ والوجه ،كما يرتفع الماء والدخان في القدر ،فلذلك تحمر العين
والوجه والبشرة ،وتنتفخ الوداج والعروق وحينئذ يتسلط عليه الشيطان
كمال التسلط ويدخل فيه ويحمله على ما يريد ،فيصدر منه أفعال شبيهة
بأفعال المجانين ،ولزوم الرض يشمل الجلوس والضطجاع والسجود كما
عرفت - 33 .كا :عدة من اصحابنا ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن بعض
اصحابه رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :الغضب ممحقة لقلب
الحكيم ،وقال :من لم يملك غضبه لم يملك عقله ) .(2بيان :الممحقة مفعلة
من المحق ،وهو النقص والمحو والبطال اي مظنة له ،وإنما خص قلب
الحكيم بالذكر لن المحق الذي هو إزالة النور إنما يتعلق بقلب له نور،
وقلب غير الحكيم يعلم بالولوية ،وإذا عرفت أن الغضب يمحق قلب الحكيم
يعني عقله ،ظهر لك حقيقة قوله " :من لم يملك غضبه لم يملك عقله ".
قال بعض المحققين :مهما اشتدت نار الغضب وقوي اضطرامها .أعمى
صاحبه وأصمه عن كل موعظة ،فإذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة
غيظا ،وإن
أراد أن يستضئ بنور عقله ،وراجع نفسه ،لم يقدر على ذلك ،إذ ينفئ نور العقل
وينمحي في الحال بدخان الغضب ،فان معدن الفكر الدماغ ،ويتصاعد عند
شدة الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن
الفكر .وربما يتعدى إلى معادن الحس ،فيظلم عينه ،حتى ل يرى بعينه،
ويسود عليه الدنيا بأسرها ،ويكون دماغه على مثال كهف اضرمت فيه نار
فاسود جوه وحمي مستقره ،وامتل بالدخان جوانبه ،وكان فيه سراج
ضعيف فانطفى وانمحى نوره ،فل يثبت فيه قدم ،ول يسمع فيه كلم ،ول
ترى فيه صورة ،ول يقدر على إطفائه ل من داخل ول من خارج ،بل ينبغي
أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الحتراق ،فكذلك يفعل الغضب
بالقلب والدماغ ،وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة
القلب فيموت صاحبه غيظا ،كما تقوى النار في الكهف فيتشقق وتنهد
أعاليه على أسافله ،وذلك لبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة
الجامعة لجزائه ،فهكذا حال القلب مع الغضب .ومن آثار هذا الغضب في
الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الطراف وخروج الفعال عن الترتيب
والنظام ،واضطراب الحركة والكلم حتى يظهر الزبد على الشداق ،وتحمر
الحداق ،وتنقلب المناخر ،وتستحيل الخلقة ولو رأى الغضبان في حال
غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته،
وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره ،فان الظاهر عنوان الباطن وإنما قبحت
صورة الباطن أول ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا .فهذا أثره في الجسد
وأما اثره في اللسان فانطلقه بالشتم والفحش ،وقبيح الكلم الذي يستحيي
منه ذووالعقول ،ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب ،وذلك مع تخبط
النظم ،واضطراب اللفظ ،وأما أثره على العضاء فالضرب والتهجم
والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالت ،فان هرب منه
المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي ،رجع الغضب على
صاحبه ،فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه ،وقد يضرب يده على الرض،
ويعدو عدو الواله السكران ،والمدهوش
][280
المتحير ،وربما سقط صريعا ل يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب ،ويعتريه مثل
الغشية ،وربما يضرب الجمادات والحيوانات ،فيضرب القصعة على
الرض -وقد تكسر وتراق المائدة -إذا غضب عليها ،وقد يتعاطى أفعال
المجانين فيشتم البهيمة والجماد ،ويخاطبه ويقول :إلى متى منك كذا ،ويا:
كيت وكيت ،كأنه يخاطب عاقل حتى ربما رفسته دابة فيرفسها ويقابلها به.
وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه ،فالحقد والحسد ،وإظهار السوء
والشماتة بالمساءة ،والحزن بالسرور ،والعزم على إفشاء السر و هتك
الستار والستهزاء ،وغير ذلك من القبايح .فهذه ثمرة الغضب المفرط وقد
أشير إليها في تلك الخبار - 34 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن معلى بن
محمد ،عن الحسن بن علي ،عن عاصم بن حميد ،عن ابي حمزة ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من كف نفسه
عن أعراض الناس أقال ال نفسه يوم القيامة ،ومن كف غضبه عن الناس
كف ال تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة ) .(1بيان :العراض جمع
العرض بالكسر ،وفي القاموس العرض بالكسر الجسد وكل موضع يعرق
منه ورائحته ]رائحة[ طيبة كانت أو خبيثة ،والنفس وجانب الرجل ]الذي[
يصونه من نفسه وحسبه أن يتنقص ويثلب ،أو سواء كان في نفسه أو في
سلفه أو من يلزمه أمره ،أو موضع المدح والذم منه ،أو ما يفتخر به من
حسب وشرف ) (2وقال :النفس الروح والدم والجسد والعظمة والعزة
والهمة والنفة والعيب والعقوبة .وقوله عليه السلم " :من كف نفسه عن
أعراض الناس " اي عن هتك عرضهم بالغيبة والبهتان والشتم وكشف
عيوبهم وأمثال ذلك " اقال ال نفسه " قيل :المراد بالنفس هنا العيب.
][281
وأقول :يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا ايضا المعنى الشائع لن القالة وإن كان
الغالب نسبتها إلى العثرات والذنوب ،لكن يمكن نسبتها إلى النفس ايضا
فان القالة في الصل هو أن يشتري الرجل متاعا فيندم فيأتي البايع فيقول
له :أقلني ! أي اترك ما جرى بيني وبينك ،ورد علي ثمني ،وخذ متاعك،
واستعمل في غفران الذنوب لنه بمنزلة معاوضة بينه وبين الرب تعالى
فكأنه أعطى الذنب وأخذ العقوبة ،والنفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص
منها ،فكما يمكن نسبة القالة إلى الذنب يمكن نسبتها إلى النفس أيضا بل
هو أنسب ،لنه يريد أن يفك نفسه عن العقوبة كما قال تعالى " :كل امرئ
بما كسب رهين " ) (1وقال سبحانه " :كل نفس بما كسبت رهينة " )(2
وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :ال إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم
ففكوها باستغفاركم ،مع أنه يمكن تقدير مضاف اي عثرة نفسه- 133 - .
)باب( * " )العصبية والفخر والتكاثر في الموال( " * * " )والولد
وغيرها( " * اليات :النعام :وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء
من ال عليهم من بيننا اليس ال بأعلم بالشاكرين ) .(3الكهف :فقال
لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مال وأعز نفرا ) .(4مريم :وإذا تتلى
عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما
وأحسن نديا * وكم أهلكنا قبلهم من قرية هم أحسن أثاثا
) (1الطور (2) .21 :المدثر (3) .38 :النعام (4) .53 :الكهف.(*) 34 :
][282
ورئيا * قل من كان في الضللة فليمدد له الرحمن مدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون
إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا إلى
قوله تعالى :أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لوتين مال وولدا * أطلع الغيب
أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كل سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا *
ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ) .(1المؤمنون :وقال المل من قومه الذين
كفروا وكذبوا بلقاء الخرة وأترفناهم في الحيوة الدنيا ما هذا إل بشر مثلكم
يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم
إذا لخاسرون ) .(2الشعراء :قالوا أنؤمن لك واتبعك الرذلون * قال وما
علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إل على ربي لو تشعرون * وما أنا
بطارد المؤمنين ) .(3الزخرف :أم أنا خير من هذا الذي هو مهين * ول
يكاد يبين * فلول القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين
) .(4الدخان :ذق إنك أنت العزيز الكريم ) .(5الفتح :إذ جعل الذين كفروا
في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) .(6الحجرات :يا أيها الناس إنا خلقناكم
من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم
إن ال عليم خبير ) .(7الحديد :اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة
وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد ) .(8وقال تعالى :وال ل يحب
كل مختال فخور ).(9
) (1مريم (2) .80 - 73 :المؤمنون (3) .34 - 33 :الشعراء(4) .114 - 111 :
الزخرف (5) .53 - 52 :الدخان (6) .49 :الفتح (7) .26 :الحجرات:
(8) .13الحديد (9) .20الحديد.(*) 23 :
][283
العلق :فليدع ناديه * سندع الزبانية ) .(1التكاثر :ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر
* كل سوف تعلمون * ثم كل سوف تعلمون ) - 1 .(2كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن الحكم عن داود بن
النعمان ،عن منصور بن حازم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من
تعصب أو تعصب له ،فقد خلع ربقة اليمان من عنقه ) .(3بيان :قال في
النهاية :فيه العصبي من يعين قومه على الظلم ،العصبي هو الذي يغضب
لعصبته ،ويحامي عنهم ،والعصبة القارب من جهة الب لنهم يعصبونه،
ويعتصب بهم ،أي يحيطون به ويشتد بهم ،ومنه الحديث ليس منا من دعا
إلى عصبية أو قاتل عصبية ،والتعصب المحامات والمدافعة .وقال في قوله
صلى ال عليه وآله :فقد خلع ربقة السلم من عنقه :الربقة في الصل
عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها ،فاستعارها للسلم،
يعني ما يشد المسلم به نفسه من عرى السلم ،أي حدوده وأحكامه
وأوامره ونواهيه وتجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ويقال للحبل
الذي تكون فيه الربقة ربق ،ويجمع على رباق وأرباق انتهى .والتعصب
المذموم في الخبار هو أن يحمي قومه أو عشيرته أو أصحابه في الظلم
والباطل ،أو يلج في مذهب باطل أو ملة باطلة ،لكونه دينه أو دين آبائه أو
عشيرته ،ول يكون طالبا للحق بل ينصر ما ل يعلم أنه حق أو باطل ،للغلبة
على الخصوم ،أو لظهار تدربه في العلوم ،أو اختار مذهبا ثم ظهر له
خطاؤه فل يرجع عنه لئل ينسب إلى الجهل أو الضلل .فهذه كلها عصبية
باطلة مهلكة ،توجب خلع ربقة اليمان ،وقريب منه
][284
الحمية قال سبحانه " :إذ جعل في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " ) (1قال
الطبرسي رحمه ال :الحمية النفة والنكار ،يقال فلن :ذو حمية منكرة،
إذا كان ذا غضب وأنفة اي حميت قلوبهم بالغضب كعادة آبائهم في
الجاهلية أن ل يذعنوا لحد ول ينقادوا له ) (2وقال الراغب :عبر عن
القوة الغضبية إذا ثارت بالحمية فقيل :حميت على فلن أي غضبت انتهى
وأما التعصب في دين الحق والرسوخ فيه ،والحماية عنه ،وكذا في
المسائل اليقينية والعمال الدينية أو حماية أهله أو عشيرته بدفع الظلم
عنهم ،فليس من الحمية والعصبية المذمومة ،بل بعضها واجب .ثم إن
]هذا الذم والوعيد في المتعصب ظاهر ،وأما المتعصب له ،فل بد من تقييده
بما إذا كان هو الباعث له ،والراضي به ،وإل فل إثم عليه و[ ) (3خلع
اليمان إما كناية عن خروجه من اليمان رأسا للمبالغة ،أو عن إطاعة
اليمان ،للخلل بشريعة عظيمة من شرايعه ،أو المعنى خلع ربقة من
ربق اليمان التي لزمها اليمان عليه من عنقه .كا :عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور،
عن ابي عبد ال عليه السلم مثله ) - 2 .(4كا :عن علي ،عن أبيه ،عن
النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه ال
تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ) .(5بيان :في النهاية العراب
ساكنوا البادية من العرب الذين ل يقيمون في المصار ،ول يدخلونها إل
لحاجة ،وقال :الجاهلية الحال التي كانت عليها العرب قبل السلم ،من
الجهل بال وبرسوله وشرايع الدين ،والمفاخرة بالنساب والكبر والتجبر
وغير ذلك انتهى وكأنه محمول على التعصب في الدين الباطل - 3 .كا :عن
الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن صفوان بن يحيى ،عن خضر،
عن محمد بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من تعصب عصبه
ال بعصابة
) (1الفتح (2) .26 :مجمع البيان ج 9ص (4 - 3) .126 - 125راجع شرح
الكافي ج 2ص (5) .290الكافي ج 2ص .308
][285
من نار ) .(1بيان :قال الجوهري :العصب الطي الشديد ،وتقول :عصب رأسه
بالعصابة تعصيبا ،والعصب العمامة ،وكل ما يعصب به الرأس ،وقال
الفيروز آبادي :العصابة بالكسر ما عصب به ،والعمامة وتصب :شد
العمامة وأتى بالعصبية - 4 .كا :عن العدة ،عن ابن خالد ،عن ابن أبي
نصر ،عن ابن مهران ،عن عامر بن السمط ،عن حبيب بن أبي ثابت ،عن
علي بن الحسين عليه السلم قال :لم تدخل الجنة حمية غير حمية حمزة
بن عبد المطلب ،وذلك حين أسلم غضبا للنبي صلى ال عليه وآله في
حديث السل الذي ألقي على النبي صلى ال عليه وآله ) .(2بيان " :لم
تدخل الجنة " على بناء الفعال والحمية النفة والغيرة ،وفي القاموس
الحمي من ل يحتمل الضيم وحمي من الشئ كرضي حمية أنف ،وفي
النهاية فيه إن المشركين جاؤا بسل جزور فطرحوه علي النبي صلى ال
عليه وآله وهو يصلي السل الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن
أمه ملفوفا فيه ،وقيل :هو في الماشية السل ،وفي الناس المشيمة والول
أشبه ،لن المشيمة تخرج بعد الولد ول يكون الولد فيها حين يخرج .أقول:
قد مرت قصة السل وإسلم حمزة في مواضعها ،واختلفوا في سبب
إسلمه ،قال علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي :ومما وقع له صلى ال
عليه وآله من الذية ما كان سببا لسلم عمه حمزة رضي ال عنه وهو ما
حدث به ابن إسحاق عن رجل من أسلم أن أبا جهل مر برسول ال صلى
ال عليه وآله عند الصفا ،وقيل :عند الحجون ،فآذاه وشتمه ،ونال منه ما
نكرهه ،وقيل :إنه صب التراب على رأسه ،وقيل :القى عليه فرثا ووطئ
برجله على عاتقه ،فلم يكلمه رسول ال صلى ال عليه وآله ومولة لعبد
ال بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك وتبصره ،ثم انصرف رسول ال
إلى نادي قريش فجلس معهم .فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا بسيفه
راجعا من قنصه أي من صيده ،وكان
][286
من عادته إذا رجع من قنصه ل يدخل إلى أهله بعد أن يطوف بالبيت ،فمر على تلك
المولة فأخبرته الخبر ،وقيل :أخبرته مولة أخته صفية قالت له :إنه صب
التراب على رأسه ،وألقى عليه فرثا ،ووطئ برجله على عاتقه ،وعلى
إلقاء الفرث عليه اقتصر أبو حيان ،فقال لها حمزة :أنت رأيت هذا الذي
تقولين ؟ قالت :نعم .فاحتمل حمزة الغضب ودخل المسجد فرأى أبا جهل
جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى قام على رأسه ورفع القوس فضربه
فشجه شجة منكرة ،ثم قال :أتشتمه وأنا على دينه ،أقول ما يقول ؟ فرد
علي ذلك إن استطعت ،وفي لفظ :إن حمزة لما قام على راس أبي جهل
بالقوس صار أبو جهل يتضرع إليه ويقول :سفه عقولنا ،وسب آلهتنا،
وخالف آباءنا ،فقال :ومن أسفه منكم ؟ تعبدون الحجارة من دون ال أشهد
أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال .فقامت رجال من بني مخزوم إلى
حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا :ما نراك إل قد صبأت ،فقال حمزة :ما
يمنعني وقد استبان لي منه ،أنا أشهد أنه رسول ال وأن الذي يقوله حق،
وال ل أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين ،فقال لهم أبو جهل :دعوا أبا يعلى
فاني وال قد اسمعت ابن أخيه شيئا قبيحا .وتم حمزة على إسلمه ،فقال
لنفسه لما رجع إلى بيته :أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابي وتركت دين
آبائك ؟ الموت خير لك مما صنعت ؟ ثم قال :اللهم إن كان رشدا فاجعل
تصديقه في قلبي ،وإل فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا فبات بليلة لم يبت
بمثلها من وسوسة الشيطان حتى اصبح .فغدا إلى رسول ال فقال :يا ابن
اخي إني وقعت في أمر ل أعرف المخرج منه ،وإقامة مثلي على مال أدري
أرشد هو أم غي شديد ،فأقبل عليه رسول ال صلى ال عليه وآله فذكره
ووعظه وخوفه وبشره فألقى ال في قلبه اليمان بما قال رسول ال صلى
ال عليه وآله ،فقال :أشهد أنك لصادق ،فأظهر يا ابن اخي دينك ،وقد قال
ابن عباس :في ذلك نزل " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي
به في
][287
الناس " ) (1يعني حمزة " كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " يعني أبا
جهل وسر رسول ال صلى ال عليه وآله باسلمه سرورا كثيرا لنه كان
أعز فتى في قريش ،وأشدهم شكيمة ،ومن لما عرفت قريش أن رسول ال
صلى ال عليه وآله قد عز كفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه وأقبلوا
على بعض اصحابه بالذية سيما المستضعفين منهم الذين ل جوار لهم
انتهى - 5 .كا :عنه ،عن أبيه ،عن فضالة ،عن داود بن فرقد ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :إن الملئكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم،
وكان في علم ال أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب
فقال " :خلقتني من نار وخلقته من طين " ) .(2بيان " :كانوا يحسبون
أن إبليس منهم " أي في طاعة ال ،وعدم العصيان لمواظبته على عبادة
ال تعالى في أزمنة متطاولة ،ولم يكونوا يجوزون أنه يعصي ال ويخالفه
في أمره ،لبعد عدم علم الملئكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين
الجن ورفعوه ]إلى السماء ،فهو من قبيل قولهم عليهم السلم " :سلمان
منا أهل البيت " ويمكن أن يكون المراد كونه من جنسهم ،ويكون ذلك
الحسبان لمشاهدتهم تباين أخلقه ظاهرا[ ) (3للجن ،وتكريم ال تعالى له
وجعله بينهم بل رئيسا على بعضهم كما قيل فظنوا أنه كان منهم وقع بين
الجن أو يقال كان الظان جمع من الملئكة لم يطلعوا على بدو أمره" .
فاستخرج ما في نفسه " أي اظهر إبليس ما في نفسه اي أخذته الحمية
والنفة والعصبية ،وافتخر وتكبر على آدم بأن أصل آدم من طين ،وأصله
من نار ،والنار أشرف من الطين ،وأخطأ في ذلك بجهات شتى :منها أنه
إنما نظر إلى جسد آدم ولم ينظر إلى روحه المقدسة التي أودع ال فيها
غرائب الشؤون ،وقد ورد ذلك في الخبار ،ومنها أن ما ادعاه من شرافة
النار وكونه أعلى من الطين في محل المنع ،فان الطين لتذل منبع لجميع
الخيرات ومنشأ لجميع الحبوب والرياحين والثمرات ،والنار لرفعتها
واشتعالها يحصل منها جميع
) (1النعام (2) .122 :الكافي ج 2ص (3) .308راجع شرح الكافي ج 2ص
.291
][288
الشرور ،والصفات الذميمة ،والخلق السيئة ،فثمرتها الفساد ،وآخرها الرماد .ثم
اعلم أن هذا الخبر مما يدل على أن إبليس لم يكن من الملئكة وقد اختلف
اصحابنا والمخالفون في ذلك ،فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا
وغيرهم أنه لم يكن من الملئكة ،قال الشيخ المفيد برد ال مضجعه في
كتاب المقالت :إن إبليس من الجن خاصة وإنه ليس من الملئكة ،ول كان
منها قال ال تعالى " :إل إبليس كان من الجن " ) (1وجاءت الخبار
متواترة عن الئمة الهدى من آل محمد صلى ال عليه وآله بذلك ،وهو
مذهب المامية كلها ،وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث انتهى .وذهب
طائفة من المتكلمين إلى أنه من الملئكة واختاره من أصحابنا شيخ
الطائفة روح ال روحه في التبيان وقال :وهو المروي عن أبي عبد ال
عليه السلم ،والظاهر في تفاسيرنا ،ثم قال رحمه ال :ثم اختلف من قال
كان منهم ،فمنهم من قال إنه كان خازنا للجنان ،ومنهم من قال :كان له
سلطان سماء الدنيا ،وسلطان الرض ،ومنهم من قال :إنه كان يسوس ما
بين السماء والرض ) - 6 .(2كا :عن علي ،عن أبيه ،وعلي بن محمد
القاساني ،عن القاسم بن محمد ،عن المنقري ،عن عبد الرزاق ،عن
معمر ،عن الزهري قال :سئل علي بن الحسين عليه السلم عن العصبية
فقال :العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا
من خيار قوم آخرين ،وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من
العصبية أن يعين قومه على الظلم ) .(3بيان " أن يرى " على بناء
المجرد أو الفعال " أن يحب الرجل قومه "
) (1الكهف (2) .50 :قال المؤلف العلمة في ج 11ص 144من هذه الطبعة باب
سجود الملئكة بعد مثل هذا الكلم ،والحق ما اختاره المفيد رحمه ال
وسنورد الخبار في ذلك في كتاب السماء والعالم (3) .الكافي ج 2ص
.308
][289
إما محض المحبة فانه من الجبلة النسانية أن يحب الرجل قومه وعشيرته وأقاربه
أكثر من غيرهم ،وقلما ينفك عنه أحد ،والظاهر أنه ليس من الصفات
الذميمة أو بالفعال أيضا بأن يسعى في حوائجهم أكثر من السعي في
حوائج غيرهم ،ويبذل لهم المال أكثر من غيرهم والظاهر أن هذا ايضا غير
مذموم شرعا بل ممدوح ،فان أكثره من صلة الرحم وبعضه من رعاية
الخلء والخوان والصحاب ،وقد مر عن أمير المؤمنين عليه السلم في
صلة الرحم الحث على جميع ذلك وعن غيره عليه السلم فظهر أن
العصبية المذمومة إما إعانة قومه على الظلم ،أو إثبات ما ليس فيهم لهم،
أو التفاخر بالمور الباطلة التي توجب المنقصة ،أو تفضيلهم على غيرهم
من غير فضل وغير ذلك - 7 .لى :عن ابن المغيرة ،عن جده ،عن جده،
عن السكوني ،عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال :قال النبي صلى
ال عليه وآله :من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من عصبية ،بعثه ال
عزوجل يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ) .(1ثو :عن ابن المتوكل ،عن
علي ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني مثله ) - 8 .(2ل :عن أبيه،
عن أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن موسى بن جعفر عن ابن معبد،
عن إبراهيم بن إسحاق ،عن ابن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست :من الشك،
والشرك ،والحمية والغضب ،والبغي ،والحسد ) - 9 .(3ل :عن ابن الوليد،
عن الصفار ،عن ابن ابي الخطاب ،عن محمد بن أسلم الجبلي باسناده
يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلم قال :إن ال عزوجل يعذب ستة
بست :العرب بالعصبية ،والدهاقنة بالكبر ،والمراء بالجور ،والفقهاء
بالحسد والتجار بالخيانة ،وأهل الرستاق بالجهل ).(4
][290
- 10ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :أول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل ،وذو ثروة
من المال لم يعط المال حقه ،وفقير فخور ) - 11 .(1ما :عن ابن الصلت،
عن ابن عقدة ،عن جعفر بن أحمد ،عن عباد عن عمه ،عن أبيه ،عن
مطرف ،عن الشعبي ،عن صعصعة بن صوحان قال :عادني أمير المؤمنين
عليه السلم في مرض ثم قال :انظر فل تجعلن عبادتي إياك فخرا على
قومك ،وإذا رأيتهم في أمر فل تخرج منه ،فانه ليس بالرجل غنا عن
قومه ،إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه ايدي كثيرة ،فإذا رأيتهم في
خير فأعنهم عليه وإذا رأيتهم في شر فل تخذلنهم ،فليكن تعاونكم على
طاعة ال ،فانكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة ال تعالى وتناهيتم
عن معاصيه ) - 12 .(2ل :عن محمد بن أحمد القضاعي ،عن إسحاق بن
العباس بن إسحاق ابن موسى بن جعفر ،عن أبيه ،عن آبائه ،عن الحسين
بن علي عليهم السلم :قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :أهلك الناس
اثنان :خوف الفقر ،وطلب الفخر ) - 13 .(3ل :عن أبيه ،عن علي ،عن
أبيه ،عن الفارسي ،عن الجعفري ،عن عبد ال بن الحسين بن زيد ،عن
أبيه ،عن جعفر بن محمد ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :أربعة ل تزال في أمتي إلى يوم القيامة :الفخر
بالحساب ،و الطعن في النساب ،والستسقاء بالنجوم ،والنياحة ،وإن
النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران،
ودرع من جرب عليه السلم ) - 14 .(4ل :عن أبيه وابن الوليد معا ،عن
محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الشعري ،عن جعفر بن محمد بن
عبد ال ،عن أبي يحيى الواسطي ،عمن ذكره
) (1عيون الخبار ج 2ص (2) .28أمالي الطوسي ج 1ص (3) .357الخصال
ج 1ص (4) .36الخصال ج 1ص .(*) 107
][291
أنه قال لبي عبد ال عليه السلم :أترى هذا الخلق كله من الناس ؟ فقال :ألق منهم
النارك للسواك ،والمتربع في موضع الضيق ،والداخل فيما ل يعنيه،
والمماري فيما ل علم له به ،والمتمرض من غير علة ،والمتشعث من غير
مصيبة ،والمخالف على أصحابه في الحق -وقد اتفقوا عليه ،والمفتخر
يفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم ،فهو بمنزلة الخلنج ) (1يقشر
لحا عن لحا حتى يوصل إلى جوهريته ،وهو كما قال ال عزوجل " :إن هم
إل كالنعام بل هم أضل سبيل ) - 15 (2مع :عن الهمداني ،عن علي ،عن
أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن محمد بن حمران ،عن أبيه ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :ثلثة من عمل الجاهلية :الفخر بالنساب والطعن في
الحساب ،والستسقاء بالنواء ) - 16 (3ثو :عن أبيه ،عن علي ،عن
أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور ،عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من
تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة السلم من عنقه ) - 17 (4ثو :عن ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن ابن يزيد ،عن صفوان ،عن عبد ال بن الوليد،
عن ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من تعصب أو
تعصب له خلع ربقة اليمان من عنقه ) - 18 .(5ثو :بهذا السناد ،عن
صفوان ،عن حضر ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :من تعصب عصبه ال عزوجل بعصابة من نار ) - 19 (6ثو :عن ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن ابن يزيد ،عن العمي رفعه
) (1شجر كالطرفاء وله زهر أحمر وأصفر وحبه كالخردل وخشبه متين يصنع منه
القصاع لصلبته (2) .الخصال ج 2ص 39والية في سورة الفرقان:
(3) .44معاني الخبار ص (6 - 4) .326ثواب العمال ص .(*) 241
][292
قال :من تعصب حشره يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ) - 20 .(1ثو :أبي ،عن
سعد ،عن ابن يزيد ،عن محمد بن إبراهيم النوفلي ،عن الحسين بن
المختار رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات ال عليه قال :من صنع شيئا
للمفاخرة حشره ال يوم القيامة أسود ) - 21 .(2سن :قال أبو عبد ال
عليه السلم :ثلث إذا كن في المرء فل تتحرج أن تقول إنه في جهنم:
البذاء والخيلء والفخر ) - 22 .(3كش :ودت بخط جبرئيل بن أحمد ،عن
محمد بن عبد ال بن مهران عن البزنطي قال :دخلت على أبي الحسن
عليه السلم -أنا وصفوان بن يحيى ومحمد بن سنان واظنه قال :وعبد
ال بن المغيرة أو عبد ال بن جندب -وهو بصريا ) (4قال :فجلسنا عنده
ساعة ثم قمنا فقال :أما أنت يا أحمد فاجلس فجلست فأقبل يحدثني وأسأله
ويجيبني حتى ذهب عامة الليل ،فلما أردت النصراف قال لي :يا أحمد
تنصرف أو تبيت ؟ فقلت :جعلت فداك ذاك الليل إن أمرت بالنصراف
انصرفت وإن أمرت بالمقام أقمت قال :أقم فهذا الحرس وقد هدأ الناس
وباتوا فقام وانصراف .فلما ظننت أنه قد دخل خررت ل ساجدا فقلت:
الحمد ل ،حجة ال ووارث علم النبيين آنس بي من بين إخواني وحببني
فأنا في سجدتي وشكري فما علمت إل وقد رفسني برجله ،ثم قمت فأخذ
بيدي فغمزها ثم قال :يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلم عاد صعصعة
بن صوحان في مرضه ،فلما قام من عنده قال :يا صعصعة ل تفتخرن على
إخوانك بعيادتي إياك واتق ال ،ثم انصرف عني ).(5
][293
- 23كش :محمد بن الحسن البراني ) (1وعثمان بن حامد الكشيان ،عن محمد بن
يزداد والحسن بن علي بن النعمان ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:
كنت عند الرضا عليه السلم فأمسيت عنده قال :فقلت :أنصرف ؟ فقال لي:
ل تنصرف فقد أمسيت قال :فأقمت عنده قال :فقال لجاريته :هاتي مضربتي
ووسادتي فافرش لحمد في ذلك البيت .قال :فلما صرت في البيت دخلني
شئ فجعل يخطر ببالي :من مثلي في بيت ولي ال ،وعلى مهاده ،فناداني:
يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلم عاد صعصعة بن صوحان فقال :يا
صعصعة بن صوحان ل تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك ،و تواضع ل
يرفعك ) - 24 .(2ين :ابن محبوب ،عن ابن رئاب ،عن أبي عبيدة ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :لما كان يوم فتح مكة قام رسول ال صلى ال
عليه وآله في الناس خطيبا فحمد ال وأثنى عليه ،ثم قال :أيها الناس ليبلغ
الشاهد الغائب ! إن ال تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالسلم نخوة
الجاهلية ،والتفاخر بآبائها وعشائرها ،أيها الناس إنكم من آدم وآدم من
طين ،ال وإن خيركم عند ال وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم وأطوعكم له .أل
وإن العربية ليست بأب والد ،ولكنها لسان ناطق ،فمن قصر به عمله لم
يبلغه رضوان ال حسبه ،ال وإن كل دم أو مظلمة أو إحنة كانت في
الجاهلية فهي تطل ،تحت قدمي إلى يوم القيامة - 25 .ين :عن النضر ،عن
الحسن بن موسى وابن رئاب ،عن زرارة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال:
قال :أصل المرء دينه ،وحسبه خلقه ،وكرمه تقواه ،وإن الناس من آدم
شرع سواء - 26 .ين :عن النضر ،عن ابن رئاب ،عن زرارة قال :قلت
لبي جعفر عليه السلم الناس يروون عن رسول ال صلى ال عليه وآله
أنه قال :أشرفكم في الجاهلية اشرفكم في السلم فقال عليه السلم:
صدقوا وليس حيث تذهبون كان أشرفهم في الجاهلية أسخاهم نفسا
][294
وأحسنهم خلقا ،وأحسنهم جوارا ،وأكفهم أذى ،فذلك الذي إذا أسلم لم يزده إسلمه
إل خيرا - 27 .نوادر الراوندي :باسناده ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أوصي أمتي
بخمس :بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة ومن دعا بدعاء
إلحاح الجاهلية فله حثوة من حثى جهنم ) - 28 .(1نهج :قال عليه السلم:
ما لبن آدم والفخر ،أوله نطفة ،وآخره جيفة ل يرزق نفسه ،ول يدفع
حتفه )) - 134 - .(2باب( * )النهي عن المدح والرضا به( * - 1لى :في
مناهي النبي صلى ال عليه وآله :أنه نهى عن المدح وقال :احثوا في
وجوه المداحين التراب ) - 2 .(3فس :روي في تفسير قوله تعالى " :ل
يحب ال الجهر بالسوء من القول إل من ظلم " ) (4أنه إن جاءك رجل
وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح ،فل تقبله منه،
وكذبه به فقد ظلمك ) - 3 .(5مص :قال الصادق عليه السلم :ل يصير
العبد عبدا خالصا ل عزوجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء ،لن
الممدوح عند ال عزوجل ل يصير مذموما بذمهم ،وكذلك المذموم ،فل
تفرح بمدح أحد ،فانه ل يزيد في منزلتك
) (1نوادر الراوندي ص (2) .21نهج البلغة الرقم 454من الحكم (3) .أمالي
الصدوق ص (4) .256النساء (5) .148 :تفسير القمي.(*) 145 :
][295
عند ال ،ول يغنيك عن المحكوم لك ،والمقدور عليك .ول تحزن ايضا بذم أحد فانه
ل ينقص عنك به ذرة ،ول يحط عن درجة خيرك شيئا ،واكتف بشهادة ال
تعالى لك وعليك قال ال عزوجل " وكفى بال شهيدا " ) (1ومن ل يقدر
على صرف الذم عن نفسه ،ول يستطيع على تحقيق المدح له ،كيف يرجى
مدحه أو يخشى ذمه ،واجعل وجه مدحك وذمك واحدا وقف في مقام تغتنم
به مدح ال عزوجل لك ورضاه ،فان الخلق خلقوا من العجين من ماء
مهين ،فليس لهم إل ما سعوا قال ال عزوجل " وأن ليس للنسان إل ما
سعى " ) (2وقال عزوجل " ول يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا ول
يملكون موتا ول حياة ول نشورا ) - 4 .(3الدرة الباهرة :قال أبو الحسن
الثالث عليه السلم لرجل وقد أكثر من إفراط الثناء عليه :أقبل على شأنك،
فان كثرة الملق يهجم علي الظنة ،وإذا حللت من أخيك في محل الثقة،
فاعدل عن الملق إلى حسن النية - 5 .نهج :مدح أمير المؤمنين عليه
السلم قوم في وجهه فقال :اللهم إنك أعلم بي من نفسي ،وأنا أعلم بنفسي
منهم ،اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون ،واغفر لنا ما ل يعلمون ) .(4وقال
عليه السلم :الثناء بأكثر من الستحقاق ملق ،والتقصير عن الستحقاق
عي أو حسد ) .(5وقال عليه السلم :رب مفتون بحسن القول فيه ).(6
) (1النساء (2) .79 :النجم (3) .39 :مصباح الشريعة ص ،31والية في
الفرقان (4) .3 :نهج البلغة الرقم 100من الحكم (5) .نهج البلغة
الرقم 347من الحكم (6) .نهج البلغة الرقم 462من الحكم )*(.
][296
) * - 135 -باب سوء الخلق( * اليات :آل عمران :ولو كنت فظا غليظ القلب
لنفضوا من حولك ) .(1القلم :عتل بعد ذلك زنيم ) - 1 .(2كا :عن علي بن
إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن ابي عمير ،عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل )
.(3بيان :سوء الخلق وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيرها
على أهل الخلطة والمعاشرة وإيذائهم - 2 .لى :عن ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن ابن عيسى ،عن ابن بزيع ،عن عبد ال بن عثمان ،عن
الحسين بن مهران ،عن إسحاق بن غالب ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :من أساء خلقه عذب نفسه ) - 3 .(4لى :عن ماجيلويه ،عن علي،
عن أبيه ،عن ابن معبد ،عن ابن خالد عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن جبرئيل الروح المين نزل
علي من عند رب العالمين فقال :يا محمد عليك بحسن الخلق فانه ذهب
بخير الدنيا والخرة ،أل وإن أشبهكم بي أحسنم خلقا ) - 4 .(5ب :عن
هارون ،عن ابن صدقة ،عن الصادق ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال
علي عليه السلم لبي ايوب النصاري :يا أبا أيوب ما بلغ من كرم أخلقك
؟ قال:
) (1آل عمران (2) .159 :القلم (3) .13 :الكافي ج 2ص 321باب سوء الخلق
وفيه خمس روايات لم يخرج غير هذا الحديث (4) .أمالى الصدوق ص
،124ومثله في الكافي (5) .أمالي الصدوق ص .(*) 163
][297
ل أوذي جارا فمن دونه ،ول أمنعه معروفا أقدر عليه ،ثم قال عليه السلم :ما من
ذنب إل وله توبة ،وما من تائب إل وقد تسلم له توبته ،ما خل سيئ
الخلق ،ل يكاد يتوب من ذنب إل وقع في غيره أشر منه ) - 5 .(1ل :عن
الخليل ،عن ابن صاعد ،عن العباس بن محمد ،عن عون بن عمارة ،عن
جعفر بن سليمان ،عن مالك بن دينار ،عن عبد ال بن غالب ،عن أبي
سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :خصلتان ل
تجتمعان في مسلم :البخل وسوء الخلق ) - 6 .(2ل :عن أبيه ،عن علي،
عن أبيه ،عن حماد ،عمن ذكره ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال
أمير المؤمنين عليه السلم في وصيته لبنه محمد بن الحنفية :إياك
والعجب وسوء الخلق وقلة الصبر ،فانه ل يستقيم لك على هذه الخصال
الثلث صاحب ،ول يزال لك عليها من الناس مجانب ،والزم نفسك التودد،
الخبر ) - 7 .(3ل :قال الصادق عليه السلم للثوري :يا سفيان ل مروة
لكذوب ،ول أخ لملول ،ول راحة لحسود ،ول سؤدد لسيئ الخلق )- 8 .(4
ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل )
.(5صح :عنه عليه السلم مثله ) - 9 .(6ما :جماعة ،عن ابي المفضل،
عن النعمان بن أحمد بن نعيم ،عن محمد
) (1قرب السناد ص 22في ط و 31في ط (2) .الخصال ج 1ص (3) .38
الخصال ج 1ص (4) .72الخصال ج 1ص (5) .80عيون الخبار ج 2
ص (6) .37صحيفة الرضا ص .(*) 19
][298
ابن شعبة ،عن حفص بن عمر ،عن عبد ال بن محمد بن عمر بن علي بن ابي
طالب عن الباقر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :من ساء خلقه عذب نفسه ) .(1أقول :قد مضى بعض الخبار
في باب حسن الخلق ) - 10 .(2ع :عن أبيه ،عن محمد بن يحيى ،عن
أحمد بن محمد ،عن أبيه ،عن يونس ،عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :أبى ال عزوجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة ،قيل :وكيف
ذاك ؟ قال :لنه ل يخرج من ذنب حتى يقع فيما هو أعظم منه )- 11 .(3
ع :عن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب ،عن جعفر بن أحمد بن
يوسف ،عن علي بن نوح الحناط ،عن عمرو بن الحسن ،عن عبد ال بن
سنان عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أتي رسول ال صلى ال عليه
وآله فقيل له :إن سعد بن معاذ قد مات فقام رسول ال وقام اصحابه فحمل
فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما أنحنط وكفن وحمل على
سريره ،تبعه رسول ال صلى ال عليه وآله بل حذاء ول رداء ،ثم كان
يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر فنزل
رسول ال صلى ال عليه وآله حتى لحده وسوى عليه اللبن ،وجعل يقول:
ناولني حجرا ،ناولني ترابا رطبا ،يسد به ما بين اللبن .فلما أن فرغ وحثا
التراب عليه وسوى قبره قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إني لعلم
أنه سبيلى ويصل إليه البلى ،ولكن ال عزوجل يحب عبدا إذا عمل عمل
فأحكمه ،فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد من جانب :هنيئا لك الجنة
فقال رسول ال :يا أم سعد مه ! ل تجزمي على ربك ،فان سعدا قد أصابته
ضمة .قال :فرجع رسول ال صلى ال عليه وآله ورجع الناس فقالوا :يا
رسول ال لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد إنك تبعت
جنازته بل رداء ول حذاء ! فقال
) (1أمالي الطوسى ج 2ص (2) .125راجع ج 71ص (3) .396 - 372علل
الشرائع ج 2ص .(*) 178
][299
صلى ال عليه وآله :إن الملئكة كانت بل حذاء ول رداء ،فتأسيت بها ،قالوا:
وكيف تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة ،قال :كانت يدي في يد
جبرئيل آخذ حيث ما أخذ ،فقالوا :أمرت بغسله وصليت على جنازته،
ولحدته ،ثم قلت :إن سعدا اصابته ضمة ،فقال عليه السلم :نعم إنه كان
في خلقه مع أهله سوء ) .(1ما :الغضائري ،عن الصدوق مثله )- 12 .(2
نوادر الراوندي :باسناده ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أبى ال لصاحب الخلق السيئ
بالتوبة ،فقيل :يا رسول ال وكيف ذلك ؟ قال :لنه إذا تاب من ذنب وقع
في أعظم من الذنب الذي تاب منه )) * - 136 - .(3باب البخل( * اليات:
النساء :الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم ال من
فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) .(4وقال تعالى :أم لهم نصيب من
الملك فإذا ل يؤتون الناس نقيرا ) .(5اسرى :قل لو أنتم تملكون خزائن
رحمة ربي إذا لمسكتم خشية النفاق وكان النسان قتورا ) .(6محمد:
وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ول يسئلكم أموالكم * إن يسالكموها
فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم * ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا
) (1علل الشرائع ج 1ص 292ورواه في أماليه ص 231مع اختلف يسير(2) .
أمالي الطوسى ج 2ص (3) .41نوادر الراوندي ص (4) .18النساء:
(5) .37النساء (6) .53 :أسرى.(*) 100 :
][300
في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه وال الغني وأنتم
الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم ) .(1الحديد:
الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فان ال هو الغني الحميد
) .(2القلم :مناع للخير معتد أثيم ) - 1 .(3لى :عن الصادق عليه السلم
قال :إن كان الخلف من ال عزوجل حقا فالبخل لماذا ) - 2 .(4لى :عن
الصادق عليه السلم :قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أقل الناس
راحة البخيل ،وأبخل الناس من بخل بما افترض ال عليه ) - 3 .(5لى:
عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن الزدي،
عن مالك بن أنس قال :قال الصادق عليه السلم :عجبت لمن يبخل بالدنيا
وهي مقبلة عليه .أو يبخل بها وهي مدبرة عنه ،فل النفاق مع القبال
يضره ،ول المساك مع الدبار ينفعه ) - 4 .(6ل ) (7لى :عن محمد بن
أحمد السدي ،عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى
السدوسي ،عن سليمان بن عمرو ،عن عبد ال بن الحسن بن الحسن ،عن
أمه فاطمة بنت الحسين ،عن أبيها قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :إن صلح أول هذه المة بالزهد واليقين ،وهلك آخرها بالشح
والمل ) - 5 .(8لى :عن جعفر بن الحسين ،عن ابن بطة ،عن البرقي،
عن أبيه ،عن
) (1القتال (2) .38 - 36 :الحديد (3) .24 :القلم (4) .12 :أمالي الصدوق ص .6
) (5أمالى الصدوق ص (6) .14أمالى الصدوق ص (7) .102الخصال
ج 1ص (8) .40أمالى الصدوق ص .(*) 137
][301
محمد بن سنان ،عن ابن مسكان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن أحق الناس
بأن يتمنى للناس الغنى البخلء ،لن الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم،
وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الصلح أهل العيوب لن الناس إذا
صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم ،وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الحلم
أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم ،فاصبح أهل البخل يتمنون
فقر الناس ،وأصبح أهل العيوب يتمنون معايب الناس ،واصبح أهل السفه
يتمنون سفه الناس ،وفي الفقر الحاجة إلى البخيل ،وفي الفساد طلب
عورة أهل العيوب ،وفي السفه المكافات بالذنوب ) .(1ل :عن ابيه ،عن
سعد ،عن البرقي ،عن أبيه مثله ) - 6 .(2لى :في خبر مناهي النبي صلى
ال عليه وآله قال :قال ال عزوجل :حرمت الجنة على المنان والبخيل
والقتات ) - 7 .(3فس :أبي ،عن الفضل بن ابي قرة قال :رأيت أبا عبد ال
عليه السلم يطوف من أول الليل إلى الصباح ،وهو يقول :اللهم قني شح
نفسي ،فقلت :جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء ،قال :وأي شئ
اشد من شح النفس إن ال يقول " :ومن يوق شح نفسه فأولئك هم
المفلحون " ) - 8 .(4ل :عن ابن الوليد ،عن الحميري ،عن هارون ،عن
ابن صدقة ،عن جعفر ،عن ابيه عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :ما محق اليمان محق الشح شئ ،ثم قال :إن لهذا الشح
دبيبا كدبيب النمل ،وشعبا كشعب الشرك ) .(5اقول :قد مضى بعض
الخبار في باب الجود والسخاء - 9 .ل :عن الخليل ،عن ابن صاعد ،عن
العباس بن محمد ،عن عون
][302
ابن عمارة ،عن جعفر بن سليمان ،عن مالك بن دينار ،عن عبد ال بن غالب ،عن
أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :خصلتان ل
تجتمعان في مسلم :البخل وسوء الخلق ) - 10 .(1ل :عن الخليل ،عن ابن
صاعد ،عن إسحاق بن شاهين ،عن خالد ابن عبد ال ،عن يوسف بن
موسى ،عن حريز بن سهيل ،عن صفوان ،عن أبي يزيد ،عن القعقاع بن
اللجلج ،عن ابي هريرة ،عن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :ل
يجتمع الشح واليمان في قلب عبد ابدا ) - 11 .(2ل :عن ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن هارون ابن الجهم ،عن ثوير بن أبي
فاختة ،عن المفضل بن صالح ،عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه
السلم قال :الموبقات ثلث :شح مطاع ،وهوى متبع ،وإعجاب المرء
بنفسه ) .(3أقول :وقد مضى بسند آخر عن أنس ،عن النبي صلى ال عليه
وآله :المهلكات ثلث وكذا في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي
عليه السلم .قال الصدوق رحمه ال :روي عن الصادق عليه السلم أنه
قال :الشح المطاع سوء الظن بال عزوجل ) - 12 .(4ل :عن ابن الوليد،
عن الصفار ،عن ابن أبي الخطاب ،عن النضر ابن شعيب ،عن الجازي،
عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :ل يؤمن رجل فيه الشح
والحسد والجبن ،ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا )13 .(5
-ب :عن هارون ،عن ابن صدقة ،عن جعفر ،عن أبيه عليهما السلم أن
عليا عليه السلم سمع رجل يقول :الشحيح أعذر من الظالم ،فقال :كذبت
إن الظالم يتوب ويستغفر ال ويرد الظلمة على أهلها ،والشحيح إذا شح
منع الزكاة
) (2 - 1الخصال ج 1ص (3) .38الخصال ج 1ص (4) .42راجع معاني الخبار
ص 314وتراه في الخصال ج 1ص 42بأسانيد مختلفة (5) .الخصال
ج 1ص .(*) 41
][303
والصدقة ،وصلة الرحم ،وإقراء الضيف ،والنفقة في سبيل ال ،وأبواب البر وحرام
على الجنة أن يدخلها شحيح ) - 14 .(1ب :ابن طريف ،عن ابن علوان،
عن جعفر ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :السخاء شجرة في الجنة اغصانها في الدنيا من تعلق بغصن منها
قاده ذلك الغصن إلى الجنة ،والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من
تعلق بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار ) - 15 .(2ل :عن الخليل بن
أحمد ،عن ابن صاعد ،عن الحسن بن عرفة ،عن عمر بن عبد الرحمن،
عن محمد بن حجارة ،عن بكر بن عبد ال المزني ،عن عبد ال ابن عمر،
عن النبي صلى ال عليه وآله قال :إياكم والشح فانما هلك من كان قبلكم
بالشح أمرهم بالكذب فكذبوا ،وأمرهم بالظلم فظلموا ،وأمرهم بالقطيعة
فقطعوا ) - 16 .(3ل :عن الخليل بن أحمد ،عن أبي العباس السراج ،عن
قتيبة ،عن بكر بن عجلن ،عن سعيد المقبري ،عن ابي هريرة أن رسول
ال صلى ال عليه وآله قال :إياكم والفحش فان ال عزوجل ل يحب
الفاحش المتفحش ،وإياكم والظلم فان الظلم عند ال هو الظلمات يوم
القيامة ،وإياكم والشح ،فانه دعا الذين من قبلكم حتى سفكوا دمائهم،
ودعاهم حتى قطعوا أرحامهم ،ودعاهم حتى انتهكوا واستحلوا محارمهم )
- 17 .(4ل :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن موسى بن
عمر عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه السلم أنه قال :خمس
هن كما أقول :ليست لبخيل راحة ،ول لحسود لذة ،ول لملوك وفاء(5) ،
ول لكذاب مروة ،ول يسود سفيه ).(6
) (1قرب السناد ص 48ط النجف (2) .قرب السناد ص 74ط النجف(4 - 3) .
الخصال ج 1ص (5) .83لملول خ للملوك خ (6) .الخصال ج 1ص
.(*) 130
][304
- 18ل :عن العطار ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن أبي عبد ال الرازي ،عن ابن
أبي عثمان ،عن أحمد بن عمر ،عن يحيى الحلبي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ل يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن ،ول الخب في كثرة
الصديق ،ول السيئ الدب في الشرف ،ول البخيل في صلة الرحم ،الخبر )
- 19 .(1ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه ،عن الحسين بن
علي عليهم السلم قال :خطبنا أمير المؤمنين عليه السلم فقال :سيأتي
على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك،
قال ال تعالى " :ول تنسوا الفضل بينكم إن ال كان بما تعملون بصيرا "
) (2وسيأتي زمان يقدم فيه الشرار وينسئ فيه الخيار ،ويبايع المضطر -
وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر
-فاتقوا ال يا أيها الناس واصلحوا ذات بينكم ،واحفظوني في أهلي ).(3
- 20ن :عن الطالقاني ،عن الحسن بن علي العدوي ،عن الهيثم بن عبد
ال الرماني ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :كان أمير المؤمنين
عليه السلم يقول :خلقت الخلئق في قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأما السخي ففي راحة * وأما البخيل فشوم طويل ) - 21 (4ع :عن أبيه
عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن محمد بن آدم ،عن أبيه رفعه قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يا علي ل تشاور جبانا فانه يضيق
عليك المخرج ول تشاور البخيل فانه يقصر بك غايتك ،ول تشاور حريصا
فانه يزين لك شرها ،واعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة
واحدة يجمعها
) (1الخصال ج 2ص (2) .53البقرة (3) .237 :عيون الخبار ج 2ص (4) .45
عيون الخبار ج 2ص .(*) 176
][305
سوء الظن ) - 22 .(1مع :عن أبيه ،عن أحمد بن إدريس ،عن أحمد بن محمد ،عن
أبيه ،عن النضر ،عن عبد العلى الرجاني ،عن عبد العلى بن أعين ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن البخيل من كسب مال من غير حله،
وأنفقه في غير حقه ) - 23 .(2مع :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي،
عن بعض اصحابه بلغ به ابن طريف ،عن ابن نباتة ،عن الحارث العور
قال :فيما سأل علي عليه السلم ابنه الحسن عليه السلم أن قال له :ما
الشح ؟ قال :أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقت تلفا ) - 24 .(3مع :عن
الطالقاني ،عن محمد بن سعيد ،عن إبراهيم بن الهيثم ،عن أبيه ،عن أبيه،
عن المعافا بن عمران ،عن إسرائيل ،عن المقدام بن شريح ،عن أبيه مثله
وفيه أن ترى القليل سرفا ) - 25 .(4مع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن
أحمد بن محمد ،عن أبيه ،عن حماد بن عيسى ،عن حريز ،عن زرارة قال:
سمعت ابا عبد ال عليه السلم يقول :إنما الشحيح من منع حق ال وأنفق
في غير حق ال عزوجل ) - 26 .(5مع :بالسناد ،عن أحمد ،عن أبيه،
عن أبي جهم ،عن موسى بن بكر ،عن أحمد بن سليمان ،عن موسى بن
جعفر عليه السلم قال :البخيل من بخل بما افترض ال عليه )- 27 .(6
مع :ابي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن فضال ،عن معاوية بن وهب عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :البخيل من بخل بالسلم ).(7
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .246معاني الخبار ص (3) .245معاني الخبار
ص (4) .245معاني الخبار ص (7 - 5) .401معاني الخبار ص 246
)*(.
][306
- 28مع :عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري ،عن علي بن الحسين ابن
بندار التميمي ،عن محمد بن الحجاج ،عن أحمد بن العل ،عن أبي زكريا،
عن سليمان بن بلل ،عن عمارة بن عرفة ،عن عبد ال بن علي بن
الحسين ،عن ابيه عن جده عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصل علي ) - 29 .(1مع :عن
أبيه ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن الفضيل ابن عياض
قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :أتدري من الشحيح ؟ فقلت :هو البخيل،
فقال :الشحيح اشد من البخيل ،إن البخيل يبخل بما في يديه ،وإن الشحيح
يشح بما في أيدي الناس ،وعلى ما في يديه ،حتى ل يرى في أيدي الناس
شيئا إل تمنى أن يكون له بالحل والحرام ،ول يشبع ول يقنع بما رزقه ال
تعالى ) - 30 .(2مع :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن أبي
جميلة ،عن جابر ،عن ابي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :ليس البيخل من يؤدي أو الذي يؤدي الزكاة المفروضة من
ماله ،ويعطي النائبة في قومه ،وإنما البخيل حق البخيل الذي يمنع الزكاة
المفروضة في ماله ،ويمنع النائبة في قومه ،وهو فيما سوى ذلك يبذر )
- 31 .(3ل :عن ابن الوليد ،عن سعد ،عن البرقي ،عن محمد بن عيسى،
عن محمد بن سنان ،عن العل بن فضيل ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :ثلث إذا كن في الرجل فل تحرج أن تقول إنه في جهنم :الجفاء،
والجبن ،والبخل ،وثلث إذا كن في المرأة فل تحرج أن تقول إنها في
جهنم :البذاء والخيلء والفخر ) - 32 .(4ل :عن ابن الوليد ،عن سعد،
عن الحسن بن علي بن النعمان ،عن
][307
ابن أسباط ،عن بعض أصحابنا ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما كان في
شيعتنا فل يكون فيهم ثلثة أشياء ،ل يكون فيهم من يسأل بكفه ،ول يكون
فيهم بخيل ،ول يكون فيهم منم يؤتى في دبره ) - 33 .(1دجا :عن أبي
غالب الزراري ،عن محمد بن جعفر الرزاز ،عن ابن أبي الخطاب ،عن ابن
محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن بريد ،عن أبي جعفر ،عن أبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يقول ال تعالى :المعروف
هدية مني إلى عبدي المؤمن ،فان قبلها مني فبرحمتي ومني ،وإن ردها
علي فبذنبه حرمها ،ومنه ل مني ،وأيما عبد خلقته فهديته إلى اليمان
وحسنت خلقه ولم أبتله بالبخل فاني اريد به خيرا ) - 34 .(2مكا :عن
الصادق عليه السلم قال :خياركم سمحاؤكم ،وشراركم بخلؤكم ومن
خالص اليمان البر بالخوان ،والسعي في حوائجهم .وعنه عليه السلم
قال :شاب سخي مرهق في الذنوب أحب إلى ال عزوجل من شيخ عابد
بخيل .وقال النبي صلى ال عليه وآله :من أدى ما افترض ال عليه فهو
أسخى الناس .وقال عليه السلم :ما محق السلم محق الشح شئ ،ثم قال:
إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل ،وشعبا كشعب الشرك ) - 35 .(3ختص:
قال الصادق عليه السلم :حسب البخيل من بخله سوء الظن بربه من أيقن
بالخلف جاد بالعطية ) - 36 .(4نهج] :قال عليه السلم [:البخل عار،
والجبن منقصة ) .(5وقال عليه السلم :البخل جامع لمساوي العيوب،
وهو زمام يقاد به
) (1الخصال ج 1ص (2) .65مجالس المفيد ص (3) .159مكارم الخلق ص )
(4الختصاص (5) .234 :نهج البلغة الرقم 3من الحكم )*(.
][308
إلى كل سوء ) - 37 .(1كتاب المامة والتبصرة :عن أحمد بن علي ،عن محمد بن
الحسن الصفار ،عن إبراهيم بن هاشم ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن
جعفر بن محمد عن أبيه ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :السخي قريب من ال ،قريب من الناس ،قريب من الجنة،
والبخيل بعيد من ال ،بعيد من الناس ،قريب من النار) - 137 - .باب( *
" )الذنوب وآثارها والنهي عن استصغارها( " * اليات :البقرة :فأنزل
على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) .(2وقال تعالى:
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) .(3وقال تعالى :بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .(4النساء:
فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ) .(5وقال :ومن يكسب إثما
فانما يكسبه على نفسه وكان ال عليما حكيما ) .(6المائدة :مخاطبا
لموسى عليه السلم :فل تأس على القوم الفاسقين ) .(7وقال :فان تولوا
فاعلم أنما يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا
) (1نهج البلغة الرقم 378من الحكم (2) .البقرة (3) .59 :البقرة(4) .61 :
البقرة (5) .81 :النساء (6) .64 :النساء (7) .111 :المائدة.(*) 26 :
][309
من الناس لفاسقون ) .(1وقال :لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود
وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا ل يتناهون عن
منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) .(2وقال تعالى :ول تعتدوا إن ال ل
يحب المعتدين ) .(3وقال تعالى :وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ).(4
وقال تعالى :وال ل يهدي القوم الفاسقين ) .(5النعام :أو لم يروا كم
أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا
السماء عليهم مدرارا وجعلنا النهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم
وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ) .(6وقال تعالى :وذروا ظاهر الثم وباطنه
إن الذين يكسبون الثم سيجزون بما كانوا يقترفون ) .(7وقال تعالى :ول
يرد بأسه عن القوم المجرمين ) .(8وقال تعالى :ول تقربوا الفواحش ما
ظهر منها وما بطن ) .(9العراف :ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا
عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
) .(10وقال :وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .(11وقال سبحانه:
فبدل الذين ظلموا منهم قول غير الذي قيل لهم فأرسلنا
) (1المائدة (2) .49 :المائدة (3) .79 - 78 :المائدة (4) .87 :المائدة(5) .107 :
المائدة (6) .108 :النعام (7) .6 :النعام (8) .120 :النعام(9) .147 :
النعام (10) .151 :العراف (11) .96 :العراف.(*) 160 :
][310
عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون ) .(1وقال تعالى في قصة اصحاب
السبت :كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون إلى قوله تعالى :فلما نسوا ما
ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس
بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين
) .(2النفال :كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات ال فأخذهم
ال بذنوبهم إن ال قوي شديد العقاب * ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة
أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإن ال سميع عليم ) .(3التوبة:
وال ل يهدي القوم الفاسقين ) .(4هود :فمن ينصرني من ال إن عصيته
) .(5وقال تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلم :ويا قوم اعملوا على
مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب
وارتقبوا إني معكم رقيب ) .(6الرعد :إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم وإذا أراد ال بقوم سوء فل مرد له وما لهم من دونه من وال )
.(7النحل :وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).(8
أسرى :وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك
بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) .(9الكهف :وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا
وجعلنا لمهلكهم موعدا ).(10
) (1العراف (2) .162 :العراف (3) .166 - 163 :النفال(4) .53 - 52 :
براءة (5) .24 :هود (6) .63 :هود (7) 96 :الرعد (8) .11 :النحل:
(9) .90اسرى (10) .17 - 16 :الكهف.(*) 59 :
][311
النور :يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان
فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ) .(1وقال تعالى :فليحذر الذين يخالفون عن
أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .(2الفرقان :وكفى به بذنوب
عباده خبيرا ) .(3الشعراء :فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام
كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) .(4النمل :فتلك بيوتهم خاوية بما
ظلموا إن في ذلك لية لقوم يعلمون ) .(5وقال تعالى :ومن جاء بالسيئة
فكبت وجوههم في النار هل تجزون إل ما كنتم تعملون ) .(6العنكبوت :أم
حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ) .(7فاطر:
والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ).(8
الزمر :قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) .(9حمعسق :وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير إلى قوله تعالى :أو
يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ) .(10الحجرات :بئس السم الفسوق
بعد اليمان ) .(11الحشر :وليجزي الفاسقين ).(12
) (1النور (2) .21 :النور (3) .63 :الفرقان (4) .58 :الشعراء(5) .59 - 57 :
النمل (6) .52 :النمل (7) .90 :العنكبوت (8) .4 :فاطر(9) .10 :
الزمر (10) .13 :الشورى (11) .34 - 30 :الحجرات(12) .11 :
الحشر.(*) 5 :
][312
الصف :وال ل يهدي القوم الفاسقين ) .(1المعارج :يود المجرم لو يفتدي من
عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في
الرض جميعا ثم ينجيه ) .(2نوح :مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم
يجدوا لهم من دون ال أنصارا ) .(3الجن :ومن يعص ال ورسوله فان له
نار جهنم خالدين فيها أبدا ) .(4الشمس :فدمدم عليهم ربهم بذنبهم
فسويها * ول يخاف عقبيها ) - 1 .(5كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد
بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :كان ابي يقول :ما من شئ أفسد للقلب من خطيئته،
إن القلب ليواقع الخطيئة فل تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعله اسفله )
.(6بيان " :افسد للقلب من خطيئته " فان قلت :ما يفسد القلب فهو
خطيئة فما معنى التفضيل ؟ قلت :ل نسلم ذلك ،فان كثيرا من المباحات
تفسد القلب ،بل بعض المراض واللم والحزان والهموم والوساوس
أيضا تفسدها ،وإن لم تكن مما يستحق عليه العذاب وهي أعم من الخطايا
الظاهرة إذ للظاهر تأثير في الباطن بل عند المتكلمين الواجبات البدنية
لطف في الطاعات القلبية ،ومن الخطايا القلبية كالعقائد الفاسدة والهم
بالمعصية ،والصفات الذميمة ،كالحقد والحسد والعجب وأمثالها " .ليواقع
الخطيئة " اي يباشرها ويخالطها ويرتكبها خطيئة بعد خطيئة أو يقابل
ويدافع الخطيئة الواحدة أو جنس الخطيئة " ،فل تزال به " هو من الفعال
الناقصة
) (1الصف (2) .5 :المعارج (3) .14 - 11 :نوح (4) .25 :الجن (5) .23
الشمس (6) .15 - 14 :الكافي ج 2ص .(*) 268
][313
واسمه الضمير الراجع إلى الخطيئة و " به " خبره اي ملتبسا به وقيل :متعلق
بفعل محذوف أي تفعل به والمراد إما جنس الخطيئة أو الخطيئة
المخصوصة التي ارتكبها ولم يتب منها فتؤثر في القلب بحلوتها ،حتى
تغلب على القلب بالرين والطبع أو يدافعها ويحاربها فتغلب عليه حتى
يرتكبها لعدم قلع مراد الشهوات عن قلبه على الحتمال الثاني " .فيصير
أعله اسفله " أي يصير منكوسا كالناء المقلوب المكبوب ل يستقر فيه
شئ من الحق ول يؤثر فيه شئ من ]المواعظ كما روي :القلوب ثلثة:
قلب منكوس ل يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر ،الخبر ) (1والحاصل
أن الخطيئة تلتبس بالقلب وتؤثر فيه حتى تصيره مقلوبا ل يستقر فيه شئ
من[ ) (2الخير بمنزلة الكافر ،فان الصرار على المعاصي طريق إلى الكفر
كما قال سبحانه " :ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءى أن كذبوا بآيات ال
" ) (3وهذا اظهر الوجوه المذكورة في تلك الية ،وهذا الذي خطر بالبال
اظهر القوال من جهة الخبار ،وقيل فيه وجوه أخر :الول ما ذكره بعض
المحققين يعني فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب و تؤثر فيه بحلوتها
حتى يجعل وجهه الذي إلى جانب الحق والخرة ،إلى جانب الباطل والدنيا
الثاني أن المعنى ما تزال تفعل وتؤثر بالقلب بميله إلى أمثالها من
المعاصي حتى تنقلب احواله ،ويتزلزل وترتفع نظامه ،وحاصله يرجع إلى
ما ذكرنا لكن الفرق بين .الثالث ما قيل :فل تزال به حتى تغلب عليه ،فان
لم ترتفع بالتوبة الخالصة فتصير أعله أسفله اي تكدره وتسوده ،لن
العلى صاف ،والسفل ردي من باب التمثيل - 2 .كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن ابن عيسى ،عن ابن مسكان ،عمن ذكره عن أبي عبد ال
عليه السلم في قول ال عزوجل " :فما اصبرهم على النار " .فقال :ما
اصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار ).(4
) (1راجع الكافي ج 2ص (2) .423راجع شرح الكافي ج 2ص (3) .242
الروم (4) .10 :الكافي ج 2ص .(*) 268
][314
بيان :الية في سورة البقرة هكذا " إن الذين يكتمون ما أنزل ال من الكتاب
ويشترون به ثمنا قليل أولئك ما يأكلون في بطونهم إل النار ول يكلمهم ال
يوم القيمة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضللة
بالهدى والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار " ) .(1وذكر البيضاوي
قريبا مما ورد في الخبر قال :تعجب من حالهم في اللتباس بموجبات النار
من غير مبالة و " ما " تامة مرفوعة بالبتدا ،وتخصيصها كتخصيص
شر أهر ذا ناب ،أو استفهامية وما بعدها الخبر أو موصولة وما بعدها
صلة والخبر محذوف ) .(2وأقول :يعضده قوله تعالى في الية السابقة" :
ما يأكلون في بطونهم إل النار " وقال البيضاوي فيه :إما في الحال لنهم
أكلوا ما يلتبس بالنار ،لكونها عقوبة عليه ،فكأنهم أكلوا النار ،أو في المآل
أي ل يأكلون يوم القيامة إل النار انتهى .وأقول :مثله قوله صلى ال عليه
وآله :قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلتكم.
وقال الطبرسي رحمه ال :فيه أقوال :أحدها أن معناه ما أجرأهم على النار
ذهب إليه الحسن وقتادة ورواه علي بن إبراهيم ) (3باسناده عن ابي عبد
ال عليه السلم والثاني ما أعملهم بأعمال أهل النار ،عن مجاهد وهو
المروي عن ابي عبد ال عليه السلم والثالث ما أبقاهم على النار ]كما
يقال :ما أصبر فلنا على الحبس ،عن الزجاج والرابع ما أدومهم على
النار اي ما أدومهم على عمل أهل النار[ ) (4كما يقال :ما أشبه سخاءك
بحاتم أي بسخاء حاتم وعلى هذا الوجه ،فظاهر الكلم التعجب ،والتعجب ل
يجوز على القديم سبحانه ،لنه عالم بجميع الشياء ل يخفى عليه شئ،
والتعجب إنما يكون
) (1الية (2) .175 - 174 :انوار التنزيل ،47 :وفيه " في اللتباث " بدل " في
اللتباس " (3) .تفسير القمى ص (4) .55راجع شرح الكافي ج 2ص
.243
][315
مما ل يعرف سببه وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من
يتعجب منه ،فهو تعجب لنا منهم والخامس ما روي عن ابن عباس أن
المراد أي شئ اصبرهم على النار اي حبسهم عليها ،فتكون للستفهام.
ويجوز حمل الوجوه الثلثة المتقدمة ]على الستفهام أيضا فيكون المعنى
اي شئ أجرأهم على النار وأعملهم بأعمال أهل النار وأبقاهم على النار،
وقال الكسائي :هو[ ) (1استفهام على وجه التعجب وقال المبرد :هذا
حسن لنه كالتوبيخ لهم ،والتعجب لنا كما يقال لمن وقع في ورطة :ما
اضطرك إلى هذا إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها ،والمراد به
النكار والتقريع على اكتساب سبب الهلك وتعجب الغير منه ،ومن قال:
معناه ما أجرأهم على النار ،فانه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا
لن بالجرأة يصبر على الشدة ) - 3 .(2كا :عنه ،عن أبيه ،عن النضر بن
سويد ،عن هشام بن سالم ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :أما إنه ليس
من عرق يضرب ول نكبة ول صداع ول مرض إل بذنب ،وذلك قول ال
عزوجل في كتابه " :وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن
كثير " ) (3قال :ثم قال :وما يعفو ال أكثر مما يؤاخذ به ) .(4بيان :النكبة
وقوع الرجل على الحجارة عند المشي أو المصيبة ،والول اظهر كما مر،
وقد وقع التصريح في بعض الخبار التي وردت في هذا المعنى بنكبة قدم )
(5والمخاطب في هذه الية من يقع منهم الخطايا والذنوب ،ل
المعصومون من النبياء والوصياء عليهم السلم كأنهم فيهم لرفع
درجاتهم ،كما روي عن الصادق عليه السلم أنه لما دخل علي بن الحسين
عليه السلم على يزيد نظر إليه ثم قال :يا علي " ما أصابكم
) (1ما بين العلمتين اضفناه من المصدر (2) .مجمع البيان ج 1ص (3) .259
الشورى (4) .30 :الكافي ج 2ص (5) .269سيأتي في الصفحة التالية.
][316
من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال عليه السلم :كل ما هذه فينا ،إنما نزل فينا "
ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن
نبرأها ان ذلك على ال يسير * لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما
آتيكم " ) (1فنحن الذين ل ناس على ما فاتنا ،ول نفرح بما أوتينا .وروى
الحميري في قرب السناد عن ابن بكير قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم
عن قول عزوجل " :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم " فقال
هو " :ويعفو عن كثير " قال :قلت :ما أصاب عليا وأشياعه من أهل بيته
من ذلك ؟ قال :فقال] :إن[ رسول ال صلى ال عليه وآله كان يتوب إلى
ال عزوجل كل يوم سبعين مرة من غير ذنب ) .(2وقال الطبرسي رحمه
ال " :وما أصابكم " معاشر الخلق " من مصيبة " من بلوى في نفس أو
مال " فبما كسبت ايديكم " من المعاصي " ويعفو عن كثير " منها فل
يعاقب بها قال الحسن :الية خاصة بالحدود التي تستحق على وجه
العقوبة وقال قتادة :هي عامة ،وروي عن علي عليه السلم أنه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :خير آية في كتاب ال هذه الية يا علي ما
من خدش عود ول نكبة قدم إل بذنب وما عفى ال عنه في الدنيا فهو أكرم
من أن يعود فيه ،وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على
عبده ،وقال أهل التحقيق :إن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم ،لما
يلحق من مصائب الطفال والمجانين ،ومن ل ذنب له من المؤمنين ،ولن
النبياء والئمة يمتحنون بالمصائب ،وإن كانوا معصومين من الذنوب ،لما
يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب انتهى ) .(3وقيل :الذنوب متفاوتة
بالذات ،وبالنسبة إلى الشخاص ،وترك الولى ذنب بالنسبة إليهم ،فلذلك
قيل :حسنات البرار سيئات المقربين ،ويؤيده ما
) (1الحديد (2) .23 - 22 :قرب السناد ص ،103ط النجف (3) .مجمع البيان ج
9ص .(*) 31
][317
أصاب آدم ويونس وغيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم ،ولئن سلم فقد يصاب
البري بذنب الجري ،وما ذكرنا اظهر وأصوب ،ومؤيد بالخبار - 4 .كا:
عن علي ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن ابي عبد ال عليه
السلم قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول :ل تبدين عن واضحة،
وقد عملت العمال الفاضحة ،ول يأمن البيات من عمل السيئات ).(1
بيان " :ل تبدين عن واضحة " البداء الظهار وتعديته بعن لتضمين
معنى الكشف ،وفي الصحاح والقاموس والمصباح الواضحة السنان تبدو
عند الضحك وفي القاموس فضحه كمنعه كشف مساويه ،اي ل تضحك
ضحكا يبدو به أسنانك ويكشف عن سرور قلبك ،وقد عملت أعمال قبيحة
افتضحت بها عند ال ،وعند ملئكته ،وعند الرسول والئمة عليهم السلم،
ول تدري أغفر ال لك أم يعذبك عليها ؟ ولذا كان من علمة المؤمنين أن
ضحكهم التبسم ويؤيده ما روي عنه عليه السلم لو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا ،لكن البشر في الجملة مطلوب كما مر أن
بشره في وجهه وحزنه في في قلبه ،وقوله " :وقد عملت " جملة حالية
" ول يأمن البيات " بكسر النون ليكون نهيا والكسرة للتقاء الساكنين أو
بالرفع خبرا بمعنى النهي ،وما قيل :إنه معطوف على الجملة الحالية بعيد،
والمراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليل ،أو غفلة وإن كان بالنهار ،في
المصباح :البيات بالفتح الغارة ليل وهو اسم من بيته تبييتا وبيت المر
دبره ليل - 5 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن ابي عبد ال ،عن أبيه ،عن
سليمان الجعفري عن عبد ال بن بكير ،عن زرارة ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :الذنوب كلها شديدة وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم ،لنه إما
مرحوم أو معذب والجنة ل يدخلها إل طيب ) .(2بيان " :كلها شديدة "
لن معصية الجليل جليلة أو استيجاب غضب ال
) (1الكافي ج 2ص (2) .269الكافي ج 2ص .(*) 270
][318
وعقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم أو لن التوبة المقبولة نادرة مشكلة وشرائطها
كثيرة ،والتوفيق لها عزيزة " وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم " كأن
المراد به ماله دخل في قوام البدن من المأكول والمشروب الحرامين،
ويحتمل أن يكون المراد به ذنبا اصر وداوم عليه مدة نبت فيه اللحم
والعظم ،وإطلق هذه العبارة في الدوام والستمرار شائع في عرف العرب
والعجم ،بل أخبار الرضاع ايضا ظاهرة في ذلك " .لنه إما مرحوم وإما
معذب " اي آخرا أو في الجنة والنار ،لكن ل بد أن يعذب في البرزخ أو
المحشر قدر ما يطيب جسمه الذي نبت على الذنوب ،لن الجنة ل يدخلها
إل الطيب ويؤيده ما رويناه من النهج ) (1وقيل :المرحوم من كفرت ذنوبه
بالتوبة أو البليا أو العفو ،والمعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.
وأقول :هذا الخبر ينافي ظاهرا عموم الشفاعة وعفو ال وتكفير السيئات
بالحسنات على القول به ،وأجيب بوجوه الول أن يقال :يعني أن صاحب
الذنب الذي نبت عليه اللحم والدم أمره في مشية ال ،لنه ليس بطيب ،ول
يدخل الجنة قطعا وحتما إل طيب ،الثاني أن يخص هذا بغير تلك الصور اي
ل يدخلها بدون الشفاعة والعفو والتكفير ،الثالث ما قيل :إنه تعالى ينزع
عنهم الذنوب فيدخلونها وهم طيبون من الذنوب ،ويؤيده قوله تعالى" :
ونزعنا ما في صدورهم من غل " الية ) (2وهو بعيد - 6 .كا :الحسين بن
محمد ،عن معلى بن محمد ،عن الوشاء ،عن ابان ،عن الفضيل بن يسار،
عن ابي جعفر عليه السلم قال :إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق )
.(3بيان " :فيزوى عنه الرزق " اي يقبض أو يصرف وينحى عنه ،اي
قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه ،وليس هذا كليا
بل هو
) (1راجع النهج الرقم 417من الحكم (2) .العراف (3) .43 :الكافي ج 2ص
.270
][319
بالنسبة إلى غير المستدرجين فان كثيرا من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق
وفي النهاية زويت الرض أي جمعت ،وفي حديث الدعاء :وما زويت عني
مما أحب اي صرفته عني وقبضته - 7 .كا :عن علي بن محمد ،عن صالح
بن أبي حماد ،عن محمد بن إبراهيم النوفلي ،عن الحسين بن مختار ،عن
رجل ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم ،ملعون ملعون من كمه أعمى
ملعون ملعون من نكح بهيمة ) .(1بيان :قال الصدوق رضي ال عنه في
كتاب معاني الخبار :بعد إيراد هذه الرواية قال مصنف هذا الكتاب :معنى
قوله :ملعون من كمه أعمى يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر
وقرره في نفسه حتى اعتقده وقوله :من عبد الدينار والدرهم يعني به من
يمنع زكاة ماله ،ويبخل بمواساة إخوانه ،فيكون قد آثر عبادة الدينار
والدرهم على عبادة ال ،وأما نكاح البهيمة فمعلوم انتهى ) .(2وأقول:
اللعن الطرد والبعاد عن الخير من ال تعالى ]ومن الخلق السب والدعاء
وطلب البعد من الخير ،وكل من أطاع من يأمره ال بطاعته فقد عبده كما
قال تعالى " (3) [:أن ل تعبدوا الشيطان " ) (4وقال سبحانه " :اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال " ) (5وكذا من آثر حب شئ على
رضا ال وطاعته فقد عبده كعبادة الدينار والدرهم .قال الراغب :العبودية
إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لنها غاية التذلل ول يستحقها إل من له
غاية الفضال وهو ال تعالى ،والعبد على أربعة أضرب الول عبد بحكم
الشرع وهو النسان الذي يصح بيعه وابتياعه ،والثاني عبد
][320
باليجاد وذلك ليس إل ل تعالى وإياه قصد بقوله " :إن كل من في السموات
والرض إل آتي الرحمن عبدا " ) (1الثالث عبد بالعبادة والخدمة ،والناس
في هذا ضربان عبد ل مخلصا وهو المقصود بقوله عزوجل " واذكر
عبدنا أيوب " ) (2وأمثاله وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على
خدمتها ومراعاتها ،وإياه قصد النبي صلى ال عليه وآله بقوله :تعس عبد
الدرهم ،تعس عبد الدينار ،وعلى هذا النحو يصح أن يقال :ليس كل إنسان
عبدا ل ،فان العبد على هذا المعنى العابد لكن العبد أبلغ من العابد انتهى )
.(3وأما قوله " من كمه أعمى " ففي القاموس الكمه محركة العمى يولد
به النسان أو عام كمه كفرح عمي وصار أعشى وبصره اعترته ظلمة
تطمس عليه ،والمكمه العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه ،والكامه من
يركب رأسه ول يدري أين يتوجه كالمتكمه وقال الجوهري :الكمه الذي
يولد أعمى وقد كمه بالكسر كمها واستعاره سويد فجعله عارضا بقوله:
كمهت عيناه حتى ابيضتا ) (4وأبو سعيد :الكامه الذي يركب رأسه ل
يدري أين يتوجه ،يقال :خرج يتكمه في الرض انتهى .وقال الراغب:
العمى يقال في افتقاد البصر ،وافتقاد البصيرة ،ويقال في الول أعمى وفي
الثاني أعمى وعم .وإذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوها:
الول ما مر من الصدوق رحمه ال وكأنه أظهرها الثاني أن يكون المعنى
أضل أعمى البصر عن الطريق وحيره أول يهديه إليها ،الثالث أن يقول
للعمى يا أعمي أو يا أكمه معيرا له بذلك ،الرابع أن يكون المعنى من
يذهب طريقا ويختار مذهبا ل يدري هو أحق أم ل كأكثر الناس .فيكون كمه
بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الذي ذكره الجوهري
مريم (2) .93 :ص (3) .17 ،41 :مفردات غرييب القرآن (4) .319 ،بعده :فهو
يلحى نفسه لما نزع ،راجع الصحاح .(*) 2247
][321
والفيروز آبادي ،فيكون أعمى حال عن المستتر في كمه أي أعمى القلب ،وهذا
وجه وجيه مما خطر بالبال إن كان فعل المجرد استعمل بهذا المعنى ،كما
هو الظاهر .ولقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة
القاموس من يركب فرسه ،فقال :ويحتمل كمه بالتخفيف والمعنى من ركب
أعمى فهو كناية عمن لم يسلك الطريق الواضح ،الخامس أن يقرء
بالتخفيف أيضا ويكون المعنى من كان أعمى مولودا على العمى لم يهتد
إلى الخير سبيل قط بخلف من يكون لواما يتنبه أحيانا ويغفل أحيانا،
السادس أن يقرء بضم الكاف وتشديد الميم اسما ،ويكون عمى الكم كناية
عن البخل .وأقول :الظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه ل يبالي
أن يأخذ المال من حرام أو شبهة أو حلل ،أو يعطي المال كيف ما اتفق
ويبذر ،ول يعلم مصارفه الشرعية .وأما نكاح البهيمة فالظاهر أن المراد
به الوطي كما فهمه الصدوق رحمه ال وغيره وربما يحتمل العقد فيكون
المراد بالبهيمة المرءة المخالفة أو تزويج البنت للمخالف كما مر أن
الناس كلهم بهائم إل قليل من المؤمنين ،وكما قيل في قولهم عليهم
السلم :ل تنزى حمارا على عتيقة ،وربما يقرء نكح بالتشديد على بعض
الوجوه ول يخفى ما في الجميع من التكلف - 8 .كا :عن الحسين بن
محمد ،عن المعلى ،عن الوشا ،عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :سمعته يقول :اتقوا المحقرات من الذنوب فان
لها طالبا ،يقول أحدكم أذنب وأستغفر ال إن ال عزوجل يقول " :سنكتب
ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " ) (1وقال عزوجل "
إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في
الرض يأت بها ال إن ال لطيف خبير " ).(2
) (1يس (2) .12 :الكافي ج 2ص ،270والية في سورة لقمان.(*) 16 :
][322
بيان " :المحقرات " على بناء المفعول من الفعال أو التفعيل عدها حقيرة في
القاموس الحقر الذلة كالحقرية بالضم والحقارة مثلثة والمحقرة والفعل
كضرب وكرم والذلل كالتحقير والحتقار والستحقار والفعل كضرب،
وحقر الكلم تحقيرا صغره ،والمحقرات الصغاير وتحاقر :تصاغر ،وفي
المصباح حقر الشئ بالضم حقارة هان قدره فل يعبأ به ،فهو حقير ،ويعدى
بالحركة فيقال :حقرته من باب ضرب وأحقرته وقال :الذنب الثم والجمع
ذنوب وأذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله " .فإن لها طالبا " اي إن للذنوب
طالبا يعلمها ويكتبها وقرر عليها عقابا وإذا حقرها فهو يصر عليها
وتصير كبيرة ،فيمكن أن ل يعفو عنها ،مع أنه قد ورد أنها ل تغفر ،ول
ينبغي التكال على التوبة والستغفار ،فانه يمكن أن ل يوفق لها وتدركه
المنية ،فيذهب بل توبة .وقيل :يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب
اتكال على الستغفار بعده تحقير له ،وهو كذلك ،كيف ل ؟ وهذا محقق
معجل نقد ،وذاك موهوم مؤجل نسيئة " إن ال عزوجل يقول " بيان
لقوله " :إن لها طالبا " والية في سورة يس هكذا " إنا نحن نحيي
الموتى ونكتب ما قدموا " وكأنه من النساخ أو الرواة وقيل هذا نقل للية
بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة ،تكون بعد إحياء الموتى على أجسادهم
لفضيحتهم .وقال في مجمع البيان " :ونكتب ما قدموا " من طاعاتهم
ومعاصيهم في دار الدنيا ،وقيل نكتب ما قدموه من عمل ليس له اثر "
وآثارهم " أي ما يكون له اثر ،وقيل يعني بآثارهم أعمالهم التي صارت
سنة بعدهم ،يقتدى فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة ،وقيل :معناه ونكتب
خطاهم إلى المساجد ،وسبب ذلك ما رواه الخدري أن بني سلمة كانوا في
ناحية المدينة فشكوا إلى رسول ال صلى ال عليه وآله بعد منازلهم من
المسجد والصلة معه ،فنزلت الية " .وكل شئ أحصيناه في إمام مبين "
اي وأحصينا وعددنا كل شئ من
][323
الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ،والوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار
الملئكة به ،إذا قابلوا به ما يحدث من المور ،ويكون فيه دللة على
معلومات ال سبحانه على التفصيل وقيل :أراد به صحائف العمال،
وسمى ذلك مبينا لنه ل يدرس اثره انتهى ) .(1وقد ورد في كثير من
الخبار أن المام المبين أمير المؤمنين عليه السلم وقيل :اراد بالثار
العمال وبما قدموا النيات المقدمة عليها .وقال رحمه ال ،في قوله تعالى:
" يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل " معناه أن ما فعله النسان من
خير أو شر إن كانت مقدار حبة من خردل في الوزن ،ويجوز أن يكون الها
في " إنها " ضمير القصة " فتكن في صخرة " أي فتكن تلك الحبة في
جبل اي في حجرة عظيمة لن الحبة فيها أخفى وأبعد من الستخراج " أو
في السماوات أو في الرض " ذكر السماوات والرض بعد ذكر الصخرة
وإن كان ل بد أن تكون الصخرة في الرض على وجه التأكيد .وقال
السدي :هذه الصخرة ليست في السماوات ول في الرض وهي تحت سبع
أرضين ،وهذا قول مرغوب عنه " يأت بها ال " اي يحضرها ال يوم
القيامة ويجازي عليها ،أي يأت بجزاء ما وازنها منه خير أو شر ،وقيل:
معناه يعلمها ال فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه
ال فيجازي عليه فهو مثل قوله تعالى " :فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ) " (2إن ال لطيف " باستخراجها "
خبير " بمستقرها انتهى ) .(3وقال بعض المحققين :خفاء الشئ إما لغاية
صغره .وإما لحتجابه وإما لكونه بعيدا وإما لكونه في ظلمة ،فأشار إلى
الول بقوله " :مثقال حبة " وإلى الثاني بقوله " :فتكن في صخرة "
وإلى الثالث بقوله " :أو في السموات " وإلى
) (1مجمع البيان ج 8ص (2) .418الزلزال (3) .8 - 7 :مجمع البيان ج 8ص
.(*) 319
][324
الرابع بقوله " :أو في الرض " .وأقول :قد ورد في بعض الخبار أن المراد
بالصخرة هي التي تحت الرضين والستشهاد باليتين ،لن يعلم أن ال
سبحانه عالم بجميع أعمال العباد وأحصاها وكتبها وأوعد عليها العقاب،
فل ينبغي تحقير المعاصي ،لن الوعيد معلوم ،والموعد عالم قادر ،والعفو
غير معلوم - 9 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن عبد ال بن محمد ،عن علي
بن الحكم ،عن أبان بن عثمان ،عن الفضيل ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق وتل هذه الية " إذ أقسموا
ليصرمنها مصبحين * ول يستثنون * فطاف عليهم طائف من ربك وهم
نائمون " ) .(1بيان :في القاموس درأه كجعله درأ ودرأة :دفعه والفعل هنا
على بناء المجهول ويحتمل المعلوم بارجاع المستتر إلى الذنب واللم في
الذنب للعهد الذهني اي أي ذنب كان ،بل يمكن شموله للمكروهات وترك
المستحبات كما تشعر به الية وإن أمكن حملها على أنهم لم يؤدوا الزكاة
الواجبة أو كانالزكاة عندهم حق الجداد والصرام ،أو كان هذا ايضا واجبا
في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا ايضا .قال الطبرسي قدس سره في
جامع الجوامع " :إنا بلوناهم " اي أهل مكة بالجوع والقحط بدعاء
الرسول صلى ال عليه وآله " كما بلونا اصحاب الجنة " وهم إخوة كانت
لبيهم هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين ،فكان يأخذ منها قوت سنة
ويتصدق بالباقي ،وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في اسفل
الكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بعد من البساط الذي يبسط تحت
النخلة إذا صرمت ،فكان يجتمع لهم شئ كثير .فلما مات قال بنوه :إن فعلنا
ما كان يفعل أبونا ضاق علينا المر ،ونحن أولوا عيال ،فحلفوا "
ليصرمنها مصبحين " داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين
][325
][326
نفعها وخيرها ،لمنعنا حقوق المساكين وتركنا الستثناء " قال أوسطهم " أي
أعدلهم قول وأفضلهم وأعقلهم أو أوسطهم في السن " ألم أقل لكم لول أن
تسبحون " كأنه كانحذرهم سوء فعالهم فقال :لول تستثنون ،لن في
الستثناء التوكل على ال والتعظيم ل ،والقرار على أنه ل يقدر أحد على
فعل شئ إل بمشيئة ال فلذلك سماه تسبيحا ،وقيل :معناه هل تعظمون ال
بعبادته واتباع أمره أو هل تذكرون نعم ال عليكم فتؤدوا شكرها بان
تخرجوا حق الفقراء من أموالكم أو هل نزهتم ال عن الظلم واعترفتم بأنه
ل يظلم ول يرضى منكم بالظلم ،وقيل :أي لم ل تصلون .ثم حكى عنهم أنهم
قالوا " سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " في عزمنا على حرمان المساكين
منحصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم ،فلم يفعل بنا ما فعله
ظلما وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق " فأقبل بعضهم على بعض
يتلومون " أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم " قالوا يا ويلنا إنا
كنا طاغين " قد علونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه ،والويل غلظ المكروه
الشاق على النفس " عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها " اي لما تابوا
ورجعوا إلى ال قالوا :لعل ال يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي
هلكت " إنا إلى ربنا راغبون " ]أي نرغب إلى ال ونسأله ذلك ونتوب
إليه مما فعلناه " كذلك العذاب " في الدنيا للعاصين " ولعذاب الخرة أكبر
لو كانوا يعلمون "[ ) .(1وروي عن ابن مسعود أنه قال :بلغني أن القوم
أخلصوا وعرف ال منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها :الحيوان ،فيها
عنب يحمل البغل منها عنقودا وقال ابو خالد اليمامي :رايت الجنة ورأيت
كل عنقود كالرجل السود القائم ).(2
) (1ما بين العلمتين ساقط عن نسخة الكمباني .اضفناه من شرح الكافي ج 2ص
246طبقا للمصدر (2) .مجمع البيان ج 10ص .(*) 337 - 336
][327
- 10كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد عن ابن فضال ،عن ابن بكير،
عن ابي بصير قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إذا أذنب الرجل
خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على
قلبه فل يفلح بعدها أبدا ) .(1بيان " :خرج في قلبه نكتة " النكتة النقطة،
وكل نقطة في شئ بخلف لونه فهو نكتة ،وقيل :إن ال خلق قلب المؤمن
نورانيا قابل للصفات النورانية فان أذنب خرج فيه نقطة سوداء ،فان تاب
زالت تلك النقطة وعاد محلها إلى نورانيته ،وإن زاد في الذنب سواء كان
من نوع ذلك الذنب أم من غيره ،زادت نقطة أخرى سوداء ،وهكذا حتى
تغلب النقاط السود على جميع قلبه " فل يفلح بعدها أبدا " لن القلب
حينئذ ل يقبل شيئا من الصفات النورانية ،والظاهر أنه إن تاب من ذنب ثم
عاد لم تبطل التوبة الولى ،وأنه إن تاب من بعض الذنوب دون بعض فهي
صحيحة على أحد القولين فيها .أقول :وقال بعض المحققين بعد أن حقق
أن القلب هو اللطيفة الربانية الروحانية التي لها تعلق بالقلب الصنوبري
كما مر ذكره :القلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه المور المؤثرة فيه،
وهذه الثار على التوالي واصلة إلى القلب ،أما الثار المحمودة فانها تزيد
مرآة القلب جلء وإشراقا ونورا وضياء حتى يتللؤ فيه جلية الحق،
وتنكشف فيه حقيقة المر المطلوب في الدين ،وإلى مثل هذا القلب اشار
بقوله صلى ال عليه وآله " :إذا اراد ال بعبد خيرا جعل له واعظا من
قلبه " وبقوله صلى ال عليه وآله " :من كان له من قلبه واعظ كان عليه
من ال حافظ " وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال ال تعالى " :ال
بذكر ال تطمئن القلوب " ) .(2وأما الثار المذمومة فانها مثل دخان مظلم
يتصاعد إلى مرآة القلب ،ول يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود
ويظلم ،ويصير بالكلية محجوبا
][328
عن ال تعالى وهو الطبع والرين ،قال ال تعالى " :كل بل ران على قلوبهم ما
كانوا يكسبون " ) (1وقال ال " :أن لو نشاء لصبناهم بذنوبهم ونطبع
على قلوبهم فهم ل يسمعون " ) (2فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما
ربط السماع بالتقوى حيث قال " :واتقوا ال واسمعوا " ) " (3واتقوا ال
ويعلمكم ال " ) .(4ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب ،وعند ذلك
يعمى القلب عن إدراك الحق ،وصلح الدين ،ويستهين بالخرة ،ويستعظم
أمر الدنيا ويصير مقصورا لهم عليه ،فإذا قرع سمعه امر الخرة ،وما فيها
من الخطار ،دخل من اذن وخرج من الخرى ،ولم يستقر في القلب ،ولم
يحركه إلى التوبة والتدارك " أولئك الذين يئسوا من الخرة كما يئس
الكفار من اصحاب القبور " ) .(5وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب
كما نطق به القرآن والسنة ،قال بعضهم :روي عن النبي صلى ال عليه
وآله :قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس،
فطاعة ال تعالى بمخالفة الشهوات مصقلت للقلب ،ومعصيته مسودات له
فمن اقبل على المعاصي اسود قلبه ،ومن اتبع السيئة الحسنة ومحى اثرها
لم يظلم قلبه ،ولكن ينقص نوره ،كالمرآة التي يتنفس فيها ثم يمسح ،ثم
يتنفس ثم يمسح ،فانها لم تخلو عن كدورة ،قال ال تعالى " إن الذين اتقوا
إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " ) .(6فأخبر أن
جلء القلب وإيضاءه يحصل بالذكر ،وأنه ل يتمكن منه إل الذين اتقوا،
فالتقوى باب الذكر ،والذكر باب الكشف ،والكشف باب الفوز الكبر
) (1المطففين (2) .14 :العراف (3) 100 .:المائدة (4) .108 :البقرة) .282 :
(5الممتحنة (6) .13 :العراف.(*) 201 :
][329
وهو الفوز بلقاء ال تعالى .اقول :هذا من تحقيقات بعض الصوفية أوردناه
استطرادا ،وفيه حق وباطل وال الملهم للخير والصواب - 11 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد ،عن ابن محبوب ،عن ابي ايوب ،عن محمد بن
مسلم ،عن ابي جعفر عليه السلم قال :إن العبد يسأل ال الحاجة فيكون
من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيئ فيذنب العبد ذنبا فيقول
ال تبارك وتعالى للملك :ل تقض حاجته واحرمه إياها ،فانه تعرض
لسخطي واستوجب الحرمان مني ) .(1بيان " :فيكون من شأنه " ضمير
شأنه راجع إلى ال تعالى ،ويحتمل رجوعه إلى مصدر يسأل أو العبد،
ومآل الجميع واحد ،اي له قابلية قضاء الحاجة ،قيل ل يقال هذا ينافي ما
في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة سماع
صوته ،لنا نقول :ل منافاة بينهما ،لن هناك شيئين أحدهما المعصية،
وهي تناسب عدم الجابة والثاني كراهة سماع صوته وهي تناسب سرعة
الجابة ،فربما ينظر إلى الول فل يجيبه ،وربما ينظر إلى الثاني فيجيبه،
وليس في الخبار ما يدل على أن العاصي يجاب دائما ،ولو سلم لمكن
حمل هذا الخبر على ان المؤمن الصالح إن أذنب وتعرض لسخط ربه،
استوجب الحرمان ،ول يقضي ال حاجته تأديبا له ،لينزجر عما يفعله12 .
-كا :عن ابن محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن أبي حمزة ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :سمعته يقول إنه ما من سنة أقل مطرا من سنة ،ولكن
ال يضعه حيث يشاء ،إن ال عزوجل إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم
ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم ،وإلى الفيافي والبحار
والجبال ،وإن ال ليعذب الجعل في جحرها فيحبس المطر عن الرض التي
هي بمحلها بخطايا من بحضرتها وقد جعل ال لها السبيل في مسلك سوى
محلة أهل المعاصي قال :ثم قال أبو جعفر عليه السلم :فاعتبروا يا أولي
البصار ).(2
) (1الكافي ج 2ص (2) .271الكافي ج 2ص 272والسند معلق على سابقه
)*(.
][330
بيان " :إلى غيرهم " اي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر ،وإل فإلى
الفيافي ،وفي النهاية الفيافي البراري الواسعة جمع فيفاء وفي القاموس
الفيف المكان المستوي أو المفازة ل ماء فيها كالفيفاة والفيفاء ويقصر،
وقال :الجعل كصرد دويبة وفي المصباح الجعل وزان عمر الحرباء ،وهو
ذكر أم حبين وقال المحل بفتح الحاء والكسر لغة موضع الحلول ،والمحلة
بالفتح المكان الذي ينزله القوم " عن الرض التي هي بمحلها " الظاهر
أن الضمير في قوله " بمحلها " راجع إلى الجعل اي الرض التي هي
متلبسة بمحل الجعل أي مشتملة عليه ،أو ضمير " هي " راجع إلى
الجعل ،وضمير " محلها " إلى الرض فيكون إضافة المحل إلى الضمير
من إضافة الجزء إلى الكل ،والول اظهر ،وضمير " بحضرتها " للجعل.
" فاعتبروا يا أولي البصار " العتبار التعاظ والتفكر في العواقب وقبول
النصيحة وأولوا البصار اصحاب البصائر والعقول ،اي تفكروا في أنه إذا
كان حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرر
بمجاورة أهل المعاصي ،فكيف تكون حالك في المعصية ومجاورة أهلها ؟
وهذا الخبر مما يدل على أن للحيوانات شعورا وعلما ببعض التكاليف
الشرعية ،وافعال العباد وأعمالهم ،وأن لهم نوعا من التكليف خلفا لكثر
الحكماء والمتكلمين ،ويؤيده قصة الهدهد وسائر الخبار التي أوردتها في
المجلد الرابع عشر ،وربما يأول الجعل بأن المراد بها ضعفاء بني آدم ،ول
يخفى بعده ،ثم إن الخبر يدل على وجوب المهاجرة عن بلد أهل المعاصي
إذا لم يمكن نهيهم عن المنكر - 13 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد
بن عبد الجبار ،عن ابن فضال عن ابن بكير ،عن ابي عبد ال عليه السلم
قال :إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلة الليل ،وإن العمل السيئ اسرع في
صاحبه من السكين في اللحم ) .(1بيان " :الذنب " منصوب مفعول مطلق
واللم للعهد الذهني " اسرع " اي نفوذا أو تأثيرا في صاحبه وكما أن
كثرة نفوذ السكين في المرء يوجب هلكه البدني
فكذا كثرة الخطايا يوجب هلكه الروحاني - 14 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن
ابن فضال ،عن ابن بكير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من هم بسيئة
فل يعملها ،فانه ربما يعمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالى فيقول:
وعزتي وجللي ل أغفر لك بعد ذلك أبدا ) .(1بيان " :السيئة " أي نوعا
من السيئة تكون مع تحقيرها والستهانة بها أوغير ذلك ،والعزة القدرة
والغلبة ،والجلل الكبرياء والعظمة " ل أغفر لك " أي يستحق لمنع
اللطف وعدم التوفيق للتوبة ،ول يستحق المغفرة ،وفيه تحذير عن جميع
السيئات ،فان كل سيئة يمكن أن تكون هذه السيئة - 15 .كا :عن الحسين
بن محمد ،عن محمد بن أحمد النهدي ،عن عمرو بن عثمان ،عن رجل،
عن أبي الحسن عليه السلم قال :حق على ال أن ل يعصى في دار إل
أضحاها للشمس ،حتى تطهرها ) .(2بيان " :حق على ال " أي جعلها
ال سبحانه واجبا لزما على نفسه " أن ل يعصى " كأن المراد كثرة
وقوع المعاصي فيها " إل اضحاها " اي خربها واظهر أرضها للشمس "
حتى " تشرق عليها و " تطهرها " من النجاسة المعنوية ،وهي كناية
عن أن المعاصي تخرب الديار ،وفيه إشعار بأن الشمس تطهر الرض
وفي القاموس أضحى الشئ اظهره وضحا ضحوا برز للشمس وكسعى
ورضي أصابته الشمس ،وارض مضحاة ل تكاد تغيب عنها الشمس،
وضحى الطريق ضحوا بدا وظهر - 16 .كا :عن العدة ،عن سهل بن زياد،
عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد ال بن عبد الرحمن الصم ،عن
مسمع بن عبد الملك ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام ،وإنه
لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن ) .(3بيان :قد روي عن أمير المؤمنين
أنه قال :ل تتكلوا بشفاعتنا ،فان شفاعتنا
][332
قد ل تلحق بأحدكم إل بعد ثلث مائة سنة ،وفي الخبر دللة على أن الذنب يمنع من
دخول الجنة في تلك المدة ،ول دللة فيه على أنه في تلك المدة في النار،
أو في شدائد القيامة ،وفي المصباح النعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع
وهو النعيم ونعم عيشه كتعب اتسع ولن ،ونعمه ال تنعيما جعله ذا
رفاهية - 17 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن عيسى بن ايوب ،عن علي
بن مهزيار عن القاسم بن عروة ،عن ابن بكير ،عن زرارة ،عن ابي جعفر
عليه السلم قال :ما من عبد إل وفي قلبه نكتة بيضاء ،فإذا أذنب ذنبا خرج
في النكتة نكتة سوداء ،فان تاب ذهب تلك السواد ،وإن تمادى في الذنوب
زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض ،فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه
إلى خيرا أبدا ،وهو قول ال عز وجل " :كل بل ران على قلوبهم ما كانوا
يكسبون " ) .(1بيان :روي مثله عن أمير المؤمنين عليه السلم في
النهج ) (2وقال ابن ميثم :توضيح الكلم أن بأصل اليمان تظهر نكتة
بيضاء في قلب من آمن أول مرة ،ثم إذا أقر باللسان ازدادت تلك النكتة،
وإذا عمل بالجوارح عمل صالحا ازدادت حتى يصير قلبه نورانيا كالنير
العظم ،ويعكس ذلك في العمل السيئ .وتحقيق الكلم في هذا المقام أن
المقصود بالقصد الول ]العمال الظاهرة والمر بمحاسنها والنهي عن
مقابحها ،هو ما تكتسب النفس منها من الخلق الفاضلة[ ) (3والصفات
الفاسدة فمن عمل عمل صالحا اثر في نفسه ،وبازدياد العمل يزداد الضياء
والصفاء ،حتى تصير كمرآة مجلوة صافية ،ومن اذنب ذنبا
) (1الكافي ج 2ص ،273والية في سورة المطففين 14 :وقد مر مثله (2) .حيث
قال :ان اليمان يبدو لمظة في القلب ،كلما ازداد اليمان ازدادت اللمظة
وقال السيد الرضى -رضوان ال عليه -واللمظة مثل النكتة أو نحوها
من البياض ،ومنه قيل :فرس ألمظ :إذا كان بجحفلته شئ من البياض،
راجع نهج البلغة تحت الرقم 5من غرائب الحكم ،شرح الكافي ج 2ص
،247شرح النهج لبن ميثم (3) .612 :ما بين العلمتين ساقط من
نسخة الكمباني )*(.
][333
اثر ذلك ايضا وأورث لها كدورة ،فان تحقق عنده قبحه وتاب عنه ،زال الثر
وصارت النفس مصقولة صافية ،وإن أصر عليه زاد الثر الميشوم ،وفشا
في النفس واستمر عليها ،وصار من أهل الطبع ،ولم يرجع إلى خير ابدا إذ
دواء هذا الداء هو النكسار ،وهضم النفس ،والعتراف بالتقصير،
والرجوع إلى ال بالتوبة والستغفار ،والنقلع عن المعاصي ،ول محل
لشئ من ذلك إلى هذا القلب المظلم ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم.
ثم اشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الية الكريمة بقوله " :وهو
قول ال عزوجل " :كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قيل :أي
غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع والختم على وجه ل
يدخل فيها شئ من الحق .والمراد بما كانوا يكسبون العمال الظاهرة
القبيحة والخلق الباطنة الخبيثة فان ذلك سبب لرين القلب وصداه،
وموجب لظلمته وعماه ،فل يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات ،ول يستطيع
أن يشاهد صور المعقولت ،كما أن المرآت إذا ألقيت في مواضع الندى
ركبها الصدا ،وأذهب صفاءها وأبطل جلءها ،فل يتنقش فيها صور
المحسوسات .وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره ،بما
يعلوه من الذنوب والهوى ،وما يكسوه من الغفلة والردى ،بالمرآة
المنكدرة من الندى ،وكما أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم
كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب ،وكدورات الخلق،
بدوام الذكر ،والتوبة الخالصة والعمال الصالحة ،والخلق الفاضلة ،حتى
ينظر إلى عالم الغيب بنور اليمان ويشاهده مشاهدة العيان إلى أن يبلغ إلى
أعلى درجات الحسان ،فيعبد ال كأنه يراه ،ويرى الجنة وما أعد ال فيها
لوليائه ويرى النار وما أعد ال فيها لعدائه .وقال البيضاوي عند قوله
تعالى " :وما يكذب به إل كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير
الولين * كل بل ران على قلوبهم ما كانوا
][334
يكسبون " ) (1رد لما قالوه ،وبيان لما ادى بهم إلى هذا القول ،بأن غلب عليهم
حب المعاصي بالنهماك فيه ،حتى صار ذلك صداء على قلوبهم ،فعمي
عليهم معرفة الحق والباطل ،فان كثرة الفعال سبب لحصول الملكات ،كما
قال صلى ال عليه وآله :إن العبد كلما اذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة
سوداء ،حتى يسود قلبه ،والرين الصداء ) - 18 .(2كا :عن العدة ،عن
سهل بن زياد ،عن علي بن اسباط ،عن أبي الحسن الرضا عليه السلم
قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :ل تبدين عن واضحة وقد عملت
العمال الفاضحة ،ول تأمن البيات وقد عملت السيئات ) - 19 .(3كا :عن
محمد بن يحيى وأبي علي الشعري ،عن الحسين بن إسحاق عن علي بن
مهزيار ،عن حماد بن عيسى ،عن ابي عمرو المدائني ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :سمعته يقول :إن ال قضا قضاء حتما :ل ينعم على العبد
بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة ) .(4بيان" :
ل ينعم " استيناف بياني ]أو منصوب بتقدير " أن " وقوله " :فيسلبها "
معطوف على النفي ل على المنفي و " حتى " للستثناء ،والمشار إليه
في قوله " :بذلك " إما مصدر[ ) (5يحدث أو الذنب والمال واحد ،وفي
القاموس النقمة بالكسر والفتح وكفرحه المكافاة بالعقوبة ،وفيه تلميح إلى
قوله سبحانه " :إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ).(6
- 20كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن جميل بن
صالح ،عن سدير قال :سأل رجل أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال
عزوجل " :قالوا
) (1المطففين (2) .14 - 12 :أنوار التنزيل (4 - 3) .457 :الكافي ج 2ص .273
) (5ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج 2ص (6) .247
الرعد11 :
][335
ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم " الية ) (1فقال :هؤلء قوم كانت لهم قرى
متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ،وأنهار جارية ،وأموال ظاهرة ،فكفروا نعم
ال عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية ال ،فغير ال ما بهم من نعمة،
و " إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،فأرسل ال عليهم
سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم ،وذهب بأموالهم ،وأبدلهم مكان "
جنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل " ثم قال " :ذلك
جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور " ) .(2بيان :اليات في سورة
سبأ هكذا " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية " وقرء أكثر القراء في
مساكنهم ،قال الطبرسي قدس سره :ثم أخبر سبحانه عن قصة سبأ بما دل
على حسن عاقبة الشكور ،وسوء عاقبة الكفور ،فقال " :لقد كان لسبأ "
وهو أبو عرب اليمن كلها ،وقد تسمى بها القبيلة ،وفي الحديث عن فروة
ابن مسيك أنه قال :سألت رسول ال صلى ال عليه وآله عن سبأ أرجل هو
أم امرأة ؟ فقال :هو رجل من العرب ،ولد له عشرة تيامن منهم ستة،
وتشاءم منهم أربعة ،فأما الذين تيامنوا :فالزد وكندة ومذحج والشعرون
والنمار وحمير ،فقال رجل من القوم :ما أنمار ؟ قال :الذين منهم خثعم
وبجيلة وأما الذين تشاءموا :فعاملة وجذام ولحم وغسان فالمراد بسبأ
ههنا القبيلة الذين هم أولد سبأ بن يشحب بن يعرب ابن قطحان " .في
مسكنهم " أي في بلدهم " آية " أي حجة على وحدانية ال سبحانه
وكمال قدرته ،وعلمة على سبوغ نعمه ،ثم فسر سبحانه الية فقال" :
جنتان عن يمين وشمال " اي بستانان عن يمين من آتاهما وشماله ،وقيل
عن يمين البلد وشماله وقيل إنه لم يرد جنتين اثنتين والمراد كانت ديارهم
على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم
][336
متصلة بعضها ببعض ،وكان من كثرة النعم أن المرءة كانت تمشي والمكتل على
رأسها فيمتلئ بالفواكه ،من غير أن تمس بيدها شيئا .وقيل :الية
المذكورة هي أنه لم تكن في قريتهم بعوضة ول ذباب ول برغوث ول
عقرب ول حية ،وكان الغريب إذا دخل بلدهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت
عن ابن زيد ،وقيل :إن المراد بالية خروج الزهار والثمار من الشجار
على اختلف ألوانها وطعومها .وقيل :إنما كانت ثلث عشرة قرية في كل
قرية نبي يدعوهم إلى ال سبحانه يقولون لهم " كلوا من رزق ربكم
واشكروا له " اي كلوا مما رزقكم ال في هذه الجنان ،واشكروا له يزدكم
من نعمه ،واستغفروه يغفر لكم " .بلدة طيبة " أي هذه بلدة مخصبة نزهة
ارضها عذبة ،تخرج النبات وليست بسبخة ،وليس فيها شئ من الهوام
المؤذية ،وقيل :أراد به صحة هوائها ،وعذوبة مائها ،وسلمة تربتها،
وأنه ليس فيها حر يؤذي ،في القيظ ،ول برد يؤذي في الشتاء " .ورب
غفور " أي كثير المغفرة للذنوب " ،فأعرضوا " عن الحق ولم يشكروا
ال سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى ال من أنبيائه " فارسلنا عليهم
سيل العرم " وذلك أن الماء كان يأتي ارض سبأ من أودية اليمن ،وكان
هناك جبلن يجتمع ماء المطر والسيول بينهما ،فسدوا ما بين الجبلين،
فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة ،فكانوا يسقون زرعهم
وبساتينهم فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر ال ،بعث ال جرذا نقبت ذلك
الردم وفاض الماء عليهم ،فأغرقهم ) .(1والعرم المسناة التي تحبس الماء
واحدها عرمة ،أخذ من عرامة الماء ،وهو ذهابه كل مذهب ،وقيل :العرم
اسم واد كان يجتمع فيه سيول من أودية شتى وقيل :العرم هنا اسم الجرذ
الذي نقب السكر ) (2عليهم ،وهو الذي يقال له :الخلد
) (1مجمع البيان ج 8ص (2) .386السكر -بالكسر -اسم من سكر النهر :أي
سده ،ويطلق على ما سد به النهر =
][337
وقيل :العرم المطر الشديد ) .(1وقال ابن العرابي :العرم السيل الذي ل يطاق "
وبدلناهم بجنتيهم " اللتين فيهما أنواع الفواكه والخيرات " جنتين "
أخراوين ،سماهما جنتين لزدواج الكلم ،كما قال تعالى " :ومكروا ومكر
ال " ) " (2ذواتي أكل خمط واثل " أي صاحبي أكل وهو اسم لثمر كل
شجرة وثمر الخمط هو الراك ،وقيل هو شجر الغضا ،وقيل :هو شجر له
شوك ،والثل الطرفا عن ابن عباس ،وقيل :ضرب من الخشب ،وقيل :هو
السمر " وشئ من سدر قليل " يعني أن الخمط والثل كانا أكثر فيهما من
السدر وهو النبق ،قال قتادة :كان شجرهم خير شجر ،فصيره ال شر
شجرة بسوء أعمالهم " .ذلك " اي ما فعلنا بهم " جزيناهم بما كفروا "
اي بكفرهم " وهل نجازي " بهذا الجزاء " إل الكفور " الذي يكفر نعم
ال ،وقيل معناه هل نجازي بجميع سيئاته إل الكافر ،لن المؤمن قد كان
يكفر عنه بعض سيئاته ،وقيل :إن المجازاة من التجازي وهو التقاضي اي
ل يقتضى ول يرتجع ما أعطي إل الكافر فانهم لما كفروا النعمة اقتضوا ما
أعطوا أي ارتجع منهم عن ابي مسلم " .وجعلنا بينهم وبين القرى التي
باركنا فيها ]قرى ظاهرة " أي وقد
= وكأن المراد بالسكر هنا الثقب التي كانوا يفتحونها واحدا بعد واحد بقدر الحاجة،
وذلك لن الفارة ل تتمكن أن تأتي على السد العظيم الذي بنى بالحجارة
والنهر مملوء ماء ،وانما أتت على ما سد به الثقبة السافلة الموازية
لسطح النهر ،ففار النهر بشدة من ذلك الثقبة وجرى السيل العظيم ،حتى
خرق الثقبة وخرب السد وأباد القرية بأشجارها وزروعها وعمارتها
ونفوسها .والخلد بالضم -يطلق على الفارة العمياء ،وقيل دابة تحت
الرض يضرب بها المثل في شدة السمع (1) .مجمع البيان ج 8ص
(2) .385آل عمران.(*) 54 :
][338
كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين قرى الشام التي باركنا فيها[ ) (1بالماء
والشجر قرى متواصلة ،وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام ،وكانوا
يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى ،حتى يرجعوا ،وكانوا ل يحتاجون إلى زاد
من وادي سبأ إلى الشام ،ومعنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من الولى
لقربها منها " وقدرنا فيها السير " أي جعلنا السير من القرية إلى القرية
نصف يوم ،وقلنا لهم " سيروا فيها " اي في تلك القرى " ليالي وأياما "
اي ليل شئتم المصير أو نهارا " آمنين " من الجوع والعطش والتعب،
ومن السباع وكل المخاوف .وفي هذا إشارة إلى تكامل نعمه عليهم في
السفر ،كما أنه كذلك في الحضر .ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا وبغوا "
فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا " اي اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز
لنركب إليها الرواحل ،ونقطع المنازل ،وهذا كما قالت بنوا إسرائيل لما
ملوا النعمة " :أخرج لنا مما تنبت الرض من بقلها وقثائها " ) (2بدل
من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب الكفر والمعاصي "
فجعلناهم أحاديث " لمن بعدهم يتحدثون أمرهم وشأنهم ،ويضربون بهم
المثل ،فيقولون :تفرقوا أيادي سبأ إذا تشتتوا اعظم التشتت " ومزقناهم
كل ممزق " أي فرقناهم في كل وجه من البلد كل تفريق " ،إن في ذلك
ليات لكل صبار شكور " على الشدايد شكور على النعماء ،وقيل لكل
صبار عن المعاصي شكور للنعم بالطاعات .ثم نقل عن الكلبي ،عن ابي
صالح قال :ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا
بن ماء السماء وكانت قد رأيت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب ،وأنه
سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين ،فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو
وقومه حتى انتهوا إلى مكة ،فأقاموا بها وما حولها ،فاصابتهم الحمى
وكانوا ببلد ل يدرون فيه ما الحمى ؟ فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي
اصابهم فقالت
) (1ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي طبقا للمصدر (2) .البقرة.(*) 61 :
][339
لهم :قد أصابني الذي تشتكون ،وهو مفرق بيننا .قالوا :فماذا تأمرين ؟ قالت :من
كان منكم ذا هم بعيد ،وجمل شديد ،ومزاد جديد ،فليلحق بقصر عمان
المشيد ،فكانت أزد عمان ،ثم قالت ]من كان منكم ذا جلد وقسر ،وصبر
على ما أزمأت الدهر ،فعليه بالراك من بطن مر فكانت خزاعة ،ثم قالت[:
) (1من كان منكم يريد الراسيات في الوحل ،المطعمات في المحل فليلحق
بيثرب ذات النخل ،فكانت الوس والخزرج ،ثم قالت :من كان منكم يريد
الخمر والخمير ،والملك والتأمير ،وملبس التاج والحرير ،فليلحق ببصرى
وغوير ،وهما من ارض الشام ،فكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان ،ثم
قالت :من كان منكم يريد الثياب الرقاق ،والخيل العتاق ،وكنوز الرزاق،
والدم المهراق ،فليلحق بارض العراق ،فكان الذين يسكنونها آل جزيمة
البرش ،ومن كان بالحيرة وآل محرق ) - 21 .(2كا :عن محمد بن يحيى،
عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن سنان ،عن سماعة قال :سمعت أبا عبد
ال عليه السلم يقول :ما أنعم ال على عبد نعمة فسلبها إياه حتى يذنب
ذنبا يستحق بذلك السلب ) - 22 .(3كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن
محمد .وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه ،جميعا عن ابن محبوب ،عن الهيثم بن
واقد الجزري قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن ال عزوجل
بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه ،وأوحى إليه أن قل لقومك إنه ليس من أهل
قرية ول ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء فتحولوا عما أحب
إلى ما أكره ،إل تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل
قرية ول أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما
أكره إلى ما أحب إل تحولت لهم ]عما يكرهون إلى ما يحبون ،وقل
) (1ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمبانى (2) .مجمع البيان ج 8ص 386و
(3) .387الكافي ج 2ص .274
][340
لهم :إن رحمتي سبقت غضبي ،فل تقنطوا من رحمتي فانه ل يتعاظم عندي ذنب
عبد أغفره وقل لهم :ل يتعرضوا معاندين[ ) (1لسخطي ول يستخفوا
بأوليائي ،فان لي سطوات عند غضبي ل يقوم لها شئ من خلقي ).(2
بيان " :ول أناس " هم أقل من أهل القرية كأهل بيت كما قال في الشق
الثاني مكانه " ول أهل بيت " وفي القاموس السراء المسرة ،والضراء
الزمانة والشدة والنقص في الموال و النفس ،وفي المصباح سره أفرحه
والمسرة منه وهو ما يسر به النسان والسراء الخير والفضل والضراء
نقيض السراء " .إن رحمتي سبقت غضبي " هذا يحتمل وجوها الول أن
يكون المراد بالسبق الغلبة اي رحمتي غالبة على غضبي ،وزائدة عليه،
فانه إذا اشتد سبب الغضب ،وكان هناك سبب ضعيف للرحمة يتعلق
الرحمة بفضله تعالى .الثاني أن يكون المراد به السبق المعنوي ايضا على
وجه آخر ،فان أسباب الرحمة من إقامة دلئل الربوبية في الفاق
والنفس ،وبعثة النبياء والوصياء ،وإنزال الكتب ،وخلق الملئكة،
وبعثهم لهداية الخلق ،وإرشادهم ودفع وساوس الشياطين ،وغير ذلك من
اسباب التوفيق ،أكثر من اسباب الضللة من القوى الشهوانية والغضبية،
وخلق الشياطين ،وعدم دفع ائمة الضللة ،وأشباه ذلك من اسباب الخذلن.
الثالث أن يراد به السبق الزماني فان تقدير وجود النسان وإيجاده
وإعطاء الجوارح والسمع والبصر ،وسائر القوى ،ونصب الدلئل
والحجج ،وغير ذلك ،كلها قبل التكليف ،والتكليف مقدم على الغضب
والعقاب ،ويمكن إرادة الجميع بل هو الظهر " .ل يتعرضوا معاندين " اي
مصرين على المعاصي فان من أذنب لغلبة شهوة أو غضب ثم تاب عن
قريب ل يكون معاندا ،والستخفاف بالؤلياء شامل لقتلهم
) (1ما بين العلمتين اضفناه من المصدر (2) .الكافي ج 2ص .(*) 274
][341
][342
- 44كا :عن محمد بن يحيى ،عن علي بن الحسن بن علي ،عن محمد بن الوليد
عن يونس بن يعقوب ،عن ابي عبد ال عليه السلم أنه قال :إن أحدكم
ليكثر به الخوف من السلطان ،وما ذلك إل بالذنوب ،فتوقوها ما استطعتم،
ول تمادوا فيها ) .(1بيان " :وما ذلك إل بالذنوب " اي الذنوب تصير
سببا لتسلط السلطين والخوف منهم ،وما قيل :إن المراد بالذنوب مخالفة
السلطين اي كما أن من خالف بعض السلطين يخاف بطشه وعقوبته ،فل
بد أن يكون خوفه من السلطان الكبر أعظم وأكثر ،فل يخفى بعده ،ثم أمر
عليه السلم بالوقاية من الذنوب بقدر الستطاعة ،ونهى عن الصرار
عليها والتمادي فيها ،على تقدير الوقوع ،وفي المصباح تمادى فلن في
المر إذا لج وداوم على فعله - 25 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن
عيسى ،عن يونس ،رفعه قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :ل وجع
أوجع للقلوب من الذنوب ،ول خوف أشد من الموت ،وكفى بما سلف
تفكرا ،وكفى بالموت واعظا ) .(2بيان " :ل وجع أوجع للقلوب من
الذنوب " اي الذنوب تصير سببا لهم القلب وحزنه أزيد من غيرها من
المخوفات ،لن الذنوب تصير سببا للخوف من عقاب ال الذي هو أعظم
المفاسد وأشدها ،فالمراد به من الهم الحاصل من الذنوب أو المعنى أن
الوجاع والمراض الصورية والمعنوية والجسمانية والروحانية العارضة
للنسان ليس شئ منها أشد تأثيرا في القلب من الذنوب التي هي من
المراض الروحانية والوجاع المعنوية .أو المعنى أن للقلب أمراضا
وأوجاعا مختلفة بعضها روحانية ،وبعضها جسمانية ،وليس شئ منها
اشد وأوجع وأشر من الذنوب ،فانها بنفسها أمراض للقلب ،كالحقد
والحسد ،وضعف التوكل وأمثالها ،أو سبب لمراضها فان الذنوب اسباب
لضعف اليمان واليقين كما قال سبحانه " :في قلوبهم مرض
][343
فزادهم ال مرضا " ) " .(1ول خوف أشد من الموت " اي من خوف الموت ،إذ
كل شئ يخاف وقوعه غير متيقن بخلف الموت ،ولن الخوف إنما هو من
ألم والموت ألم شديد ،مع ما يعقبه من اللم التي ل يعلم النجاة منها،
ويحتمل أن يراد بالخوف المخوف ،فل حاجة إلى تقدير " .وكفى بما سلف
تفكرا " الباء بعد " كفى " في الموضعين زائدة ،وتفكرا تميز والحاصل
أنه كفى التفكر في ما سلف من أحوال نفسه وأحوال غيره ،وعدم بقاء
لذات الذنوب ،وبقاء تبعاتها ،وفناء الدنيا ،وذهاب من ذهب قبل بلوغ
آماله ،وحسن عواقب الصالحين والمحسنين ،وسوء عاقبة الظالمين
والفاسقين وأمثال ذلك " .وكفى بالموت واعظا " تميز كقولهم ل دره
فارسا اي يكفي الموت والتفكر فيه ،وفيما يتعقبه من الحوال والهوال
للتعاظ به ،وعدم الغترار بالدنيا ولذاتها ،فانه هادم اللذات ،ومهون
المصيبات ،كما قالوا عليهم السلم :فضح الموت الدنيا - 26 .كا :عن أحمد
بن محمد الكوفي ،عن علي بن الحسن الميثمي ،عن العباس ابن هلل
الشامي مولى لبي الحسن موسى عليه السلم قال :سمعت الرضا عليه
السلم يقول :كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ،أحدث ال
لهم من البلء ما لم يكونوا يعرفون ) .(2بيان " :ما لم يكونوا يعملون "
اي من البدع التي أحدثوها أو الذنب الذي لم يصدر منهم قبل ذلك وإن
صدر عن غيرهم " ما لم يكونوا يعرفون " أي لم يروا مثله أو لم يبتلوا
بمثله - 27 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن عباد
بن صهيب ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يقول ال عزوجل :إذا
عصاني من عرفني
][344
سلطت عليه من ل يعرفني ) .(1بيان " :من عرفني " اي أقر بربوبيتي وبالنبياء
والوصياء وكان على دين الحق أو كان ممن يعرف ال حق المعرفة ول
ينافي صدور الذنب منه نادرا " من ل يعرفني " من الكفار والمخالفين أو
العم منهم ومن سائر الظلمة ،ويمكن شموله للشياطين ايضا - 28 .كا:
عن العدة ،عن سهل بن زياد ،عن علي بن اسباط ،عن ابن عرفة عن ابي
الحسن عليه السلم قال :إن ال عزوجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي
مهل مهل عباد ال عن معاصي ال ،فلول بهائم رتع ،وصبية رضع،
وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا ،ترضون ]به رضا ) .(2بيان" :
مهل " اسم فعل بمعنى أمهل ،وقيل :مصدر والنصب على الغراء أي
الزموا مهل ،والمهل بالتسكين والتحريك الرفق والتأني[ ) (3والتأخر اي
تأن في المعاصي ول تعجل أو تأخر عنها ول تقربها قال في النهاية :في
حديث علي عليه السلم :إذا سرتم إلى العدو فمهل مهل فإذا وقعت العين
على العين فمهل مهل ،الساكن الرفق والمتحرك المتقدم أي إذا سرتم
فتأنوا وإذا لقيتم فاحملوا ،كذا قال الزهري وغيره .وقال الجوهري :المهل
بالتحريك التؤدة ،والتباطائ والسم المهلة ،وفلن ذو مهل بالتحريك أي
ذو تقدم في الخير ،ول يقال في الشر ،يقال :مهلته وأمهلته أي سكنته
وأخرته ،ويقال :مهل للواحد والثنين والجمع والمؤنث ،بلفظ واحد بمعنى
أمهل ) .(4والرتع والرضع والركع بالضم والتشديد في الجميع جمع راتع
وراضع وراكع ،في القاموس رتع كمنع رتعا ورتوعا ورتاعا بالكسر أكل
وشرب ما شاء
) 1و (2الكافي ج 2ص (3) .276ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمبانى) .
(4المنقول ل يوافق صحاح الجوهرى ولعله منقول من المصباح )*(.
][345
في خصب وسعة ،أو هو الكل والشرب رغدا في الريف ،أو بشره وجمل راتع من
إبل رتاع كنائم ونيام ،ورتع كركع ،ورتع بضمتين ،وقال :رضع أمه كسمع
وضرب ،فهو راضع ،والجمع رضع كركع ،ورضع ككتف ورضع رضاعة
فهو راضع ورضيع من رضع كركع ،وقال :ركع انحنى كبرا أو كبا على
وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله ،وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع،
وقال :الصبي من لم يفطم بعد والجمع صبية ويضم ،وفي الصحاح الصبي
الغلم والجمع صبية وصبيان ،وهو من الواو ،وفي النهاية الرض الدق
الجريش ،ومنه الحديث لصب عليكم العذاب صبا ثم لرض رضا هكذا جاء
في رواية ،والصحيح بالصاد المهملة ،وقال في المهملة :فيه تراضوا في
الصفوف اي تلصقوا حتى ل يكون بينكم فرج ،واصله تراصصوا من رص
البناء يرصه رصا إذا لصق بعضه ببعض فادغم ومنه الحديث لصب عليكم
العذاب صبا ثم لرص رصا انتهى ول يخفى أن ما في روايتنا أبلغ واظهر،
والظاهر أن المراد بالعذاب الدنيوي وكفى بنا عجزا وذل بسوء فعالنا أن
يرحمنا ربنا الكريم ببركة بهائمنا واطفالنا - 29 .كا :عن علي بن إبراهيم،
عن ابيه ومحمد بن اسماعيل ،عن الفضل بن شاذان جميعا ،عن ابن ابي
عمير ،عن إبراهيم بن عبد الحميد ،عن أبي أسامة زيد الشحام قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :اتقوا المحقرات من الذنوب فانها ل تغفر قلت:
وما المحقرات ؟ قال :الرجل يذنب الذنب فيقول :طوبى لي لو لم يكن لي
غير ذلك ) .(1بيان " :اتقوا المحقرات " لن التحقير يوجب الصرار
وترك الندامة الموجبين للبعد عن المغفرة " غير ذلك " اي غير ذلك
الذنب ،واقول :مثل هذا الكلم يمكن ان يذكر في مقامين :أحدهما بيان كثرة
معاصيه وعظمتها ،وأن له معاصي أعظم من ذلك ،وثانيهما بيان حقارة
هذا الذنب ،وعدم العتناء به ،وكأنه محمول على الوجه الخير.
][346
- 30كا :عدة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد ،عن عثمان بن عيسى ،عن سماعة
قال :سمعت أبا الحسن عليه السلم يقول :ل تستكثروا كثير الخير ،ول
تستقلوا قليل الذنوب ،فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا .وخافوا ال
في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف ) .(1بيان " :في السر " أي في
الخلوة أو في القلب وعلى الول التخصيص لن الخلص فيه أكثر،
ولستلزامه الخوف في العلنية ايضا " حتى تعطوا " أي حتى يبلغ خوفكم
درجة تصير سببا لعطاء النصاف والعدل من انفسكم للناس ،ول ترضون
لهم ما ل ترضون لنفسكم أو حتى تعطوا النصاف من أنفسكم أنكم
تخافون ال وليس عملكم لرئاء الناس وكأن الول اظهر - 31 .كا :أبو
علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن ابن فضال والحجال جميعا،
عن ثعلبة ،عن زياد قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن رسول ال صلى
ال عليه وآله نزل بأرض قرعاء فقال لصحابه :ائتونا بحطب ،فقالوا :يا
رسول ال نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ،قال :فليأت كل إنسان بما
قدر عليه ،فجاؤا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض ،فقال رسول ال
صلى ال عليه وآله :هكذا تجتمع الذنوب ،ثم قال :إياكم والمحقرات من
الذنوب ،فان لكل شئ طالبا ،أل وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل
شئ أحصيناه في إمام مبين ) .(2بيان " :بأرض قرعاء " أي ل نبات ول
شجر فيها ،تشبيها بالرأس القرع وفي القاموس :قرع كفرح ذهب شعر
رأسه وهو اقرع ،وهي قرعاء ،والجمع قرع وقرعان بضمهما ورياض
قرع بالضم بل كل ،وفي النهاية :القرع بالتحريك هو أن يكون في الرض
ذات الكلء موضع ل نبات فيها كالقرع في الرأس " حتى رموا بين يديه "
اي كثر وارتفع ،والطالب للذنوب هو ال سبحانه وملئكته " ما قدموا "
][347
أي أسلفوا في حياتهم " وآثارهم " ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته إما
حسنة كعلم علموه أو حبيس وقفوه ،أو سيئة كاشاعة باطل وتأسيس ظلم
أو نحو ذلك .والمام المبين اللوح المحفوظ ،وقيل :القرآن وقيل :كتاب
العمال ،وفي كثير من الخبار أنه أمير المؤمنين عليه السلم وكأنه من
بطون الية ،وأما قوله " :أحصيناه " فيحتمل أن يكون في الصل أحصاه
فصحف النساخ موافقا للية ،أو هو على سبيل الحكاية ،وقرأ بعض
الفاضل نكتب بالنون موافقا للية فيكون لفظ الية خبرا أي طالبها هذه
الية على السناد المجازي وله وجه ،لكنه مخالف للمضبوط في النسخ.
- 32لى :قال الصادق عليه السلم :إن كانت العقوبة من ال عزوجل النار
فالمعصية لماذا ؟ ) - 33 .(1مع ) (2لى :عن الصادق عليه السلم عن
آبائه ،عن النبي صلى ال عليهم قال :أزهد الناس من اجتنب الحرام ،وأشد
الناس اجتهادا من ترك الذنوب ) - 34 .(3لى :ابن المغيرة ،عن جده ،عن
جده ،عن السكوني ،عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء ،كيف
ل يحتمي من الذنوب مخافة النار ؟ ) - 35 .(4لى :الطالقاني والعسكري
معا ،عن الجلودي ،عن الجوهري ،عن علي بن حكيم ،عن الربيع بن عبد
ال ،عن عبد ال بن الحسن ،عن زيد بن علي عن أبيه عليه السلم قال:
يقول ال عزوجل :إذا عصاني من خلقي من يعرفني ،سلطت عليه من ل
يعرفني ).(5
][348
- 36لى :عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن معاذ الجوهري،
عن الصادق ،عن آبائه عليهم السلم عن رسول ال صلى ال عليه وآله
عن جبرئيل قال :قال ال جل جلله :من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو ل
يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه ل غفرت له ذلك الذنب أبدا ،ومن أذنب
ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه عفوت
عنه ) - 37 .(1لى :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن
ابن المغيرة ومحمد بن سنان معا ،عن طلحة بن زيد ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :كان أبي يقول :ما شئ أفسد للقلب من الخطيئة إن القلب
ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعله وأعله
أسفله ) .(2ما :عن الغضائري ،عن الصدوق مثله ) - 38 .(3لى :عن
الهمداني ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن المغيرة ،عن السكوني ،عن
الصادق ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام ،وإنه لينظر إلى أزواجه
وإخوانه في الجنة ) - 39 .(4لى :عن الصادق عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :من يطع الشيطان يعص ال ،ومن يعص
ال يعذبه ال ) - 40 .(5فس " :ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت
أيدي الناس " ) (6قال :في البر فساد الحيوان إذا لم يمطروا ،وكذلك هلك
دواب البحر بذلك
][349
وقال الصادق عليه السلم :حياة دواب البحر بالمطر ،فإذا كفت المطر ظهر الفساد
في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي ) - 41 .(1ب :عن ابن
سعد ،عن الزدي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن الدعاء يرد
القضاء ،وإن المؤمن ليأتي الذنب فيحرم به الرزق ) - 42 .(2ل:
ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن ابن معروف ،عن ابي شعيب رفعه
إلى ابي عبد ال عليه السلم قال :أورع الناس من وقف عند الشبهة ،أعبد
الناس من أقام الفرائض ،أزهد الناس من ترك الحرام ،أشد الناس اجتهادا
من ترك الذنوب ) - 43 .(3مع ) (4ل :عن أمير المؤمنين عليه السلم
قال :إن ال أخفى سخطه في معصيته فل تستصغرن شيئا من معصيته،
فربما وافق سخطه وأنت ل تعلم ) - 44 .(5ل :عن ابن المتوكل ،عن
السعد آبادي ،عن البرقي ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن الصادق ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من علمات
الشقاء جمود العين ،وقسوة القلب ،وشدة الحرص في طلب الرزق
والصرار على الذنب ) - 45 .(6ل :عن ابن الوليد ،عن الحميري ،عن
ابن صدقة ،عن الصادق ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :أربع يمتن القلب :الذنب على الذنب وكثرة مناقشة النساء
يعني محادثتهن ،ومماراة الحمق تقول ويقول ول يرجع إلى خير،
ومجالسة الموتى ،فقيل له :يا رسول ال وما الموتى ؟ قال :كل
) (1تفسير القمى (2) .504 :قرب السناد ص ،24ط النجف (3) .الخصال ج 1
ص (4) .11معاني الخبار ص (5) .112الخصال ج 1ص (6) .99
الخصال ج 1ص .(*) 115
][350
غني مترف ) - 46 .(1ثو ) (2ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن الحسن بن علي الكوفي،
عن ابن معروف ،عن رجل ،عن مندل ابن علي العنزي ،عن محمد بن
مطرف ،عن مسمع عن أصبغ بن نباتة ،عن علي عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا غضب ال عزوجل على أمة ولم ينزل
بها العذاب ،غلت اسعارها ،وقصرت أعمارها ،ولم تربح تجارها ،ولم تزك
ثمارها ،ولم تغزر أنهارها ،وحبس عنها أمطارها ،و سلط عليها شرارها )
- 47 .(3ل :الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم :توقوا الذنوب،
فما من بلية ول نقص رزق إل بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة ،قال
ال عزوجل " :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
" ) .(4وقال عليه السلم :باب باب التوبة مفتوح لمن أرادها " فتوبوا
إلى ال توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم " وأوفوا بالعهد
إذا عاهدتم فما زالت نعمة ول نضارة عيش إل بذنوب اجترحوا إن ال
ليس بظلم للعبيد ،ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والنابة ،لم تنزل ،ولو
أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى ال عزوجل بصدق
من نياتهم ولم يهنوا نولم يسرفوا لصلح ال لهم كل فاسد ولرد عليهم كل
صالح ) .(5وقال عليه السلم :ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه
فيموت حتى يبتلي ببلية تمحص بها ذنوبه ،إما في مال وإما في ولد وإما
في نفسه حتى يلقى ال عزوجل وماله ذنب ،وإنه ليبقى عليه الشئ من
ذنوبه ،فيشدد به عليه
عند موته ) .(1وقال عليه السلم :ل تستصغروا قليل الثام ،فان الصغير يحصى
ويرجع إلى الكبير ) .(2وقال عليه السلم :احذروا الذنوب فان العبد ليذنب
فيحبس عنه الرزق ) - 48 .(3لى :أبي ،عن الحميري ،عن موسى بن
جعفر البغدادي ،عن علي ابن معبد ،عن علي بن سليمان ،عن فطر بن
خليفة ،عن الصادق عليه السلم قال :لما نزلت هذه الية " والذين إذا
فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم " ) (4صعد
إبليس جبل بمكة يقال له ثور ،فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا
إليه ،فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا ؟ قال :نزلت هذه الية فمن لها ؟ فقام
عفريت من الشياطين فقال :أنا لها بكذا وكذا ،قال :لست لها ،فقام آخر
فقال مثل ذلك فقال :لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها ،قال :بماذا ؟
قال :أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم
الستغفار فقال :أنت لها ،فوكله بها إلى يوم القيامة ) - 49 .(5ن :عن
المفسر ،عن أحمد بن الحسن الحسيني ،عن الحسن بن علي العسكري،
عن آبائه عليهم السلم قال :كتب الصادق عليه السلم إلى بعض الناس:
إن اردت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل العمال ،فعظم
ل حقه :أن تبذل نعماءه في معاصيه ،وأن تغتر بحلمه عنك ،وأكرم كل من
وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا ،ثم ليس عليك ،صادقا كان أو كاذبا ،إنما لك
نيتك وعليه كذبه ).(6
][352
- 50ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله يقول ال تبارك وتعالى :يا ابن آدم ما تنصفني :أتحبب
إليك بالنعم ،وتتمقت إلي بالمعاصي ،خيري عليك منزل ،وشرك إلي
صاعد ،ول يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح ،يا ابن
آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت ل تعلم من الموصوف ،لسارعت إلى
مقته ) .(1صح عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم مثله ) .(2ما :المفيد،
عن عمر بن محمد الزيات ،عن علي بن مهرويه ،عن داود بن سليمان،
عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم :مثله ) .(3ما :جماعة ،عن أبي
المفضل ،،عنابن مهرويه مثله ) - 51 .(4ما :عن الفحام ،عن
المنصوري ،عن عمر بن أبي موسى ،عن عيسى بن أحمد عن أبي الحسن
الثالث ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم :مثله وزاد في آخره:
ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب ،ول أمحقك فيمن أمحق )
- 52 .(5ن :بهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله ل تزال
أمتي بخير ما تحابوا وتهادوا ،وأدوا المانة ،واجتنبوا الحرام ،وقروا
الضيف ،وأقاموا الصلة ،وآتوا الزكاة ،فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط
والسنين ) - 53 .(6ن :بهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :يا علي من كرامة المؤمن على ال أنه لم يجعل لجله وقتا حتى يهم
ببائقة ،فإذا هم ببائقة قبضه إليه.
) (1عيون الخبار ج 2ص (2) .28صحيفة الرضا ص (3) .2امالي الطوسى ج
1ص 125و (4) .126أمالى الطوسى ج 2ص (5) .183أمالى
الطوسى ج 1ص (6) .285عيون الخبار ج 2ص .(*) 29
][353
قال :وقال جعفر بن محمد عليه السلم :تجنبوا البوائق يمد لكم العمار ) .(1صح:
عنه عليه السلم مثله ) - 54 .(2ن :بهذا السناد قال :قال الحسين بن
علي عليه السلم :إن أعمال هذه المة ما من صباح إل وتعرض على ال
عزوجل ) .(3صح :عنه عليه السلم مثله )ط( - 55 .ن :من كلم الرضا
عليه السلم المشهور قوله :الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر ،ومن
لم يخف ال في القليل لم يخفه في الكثير ،ولو لم يخوف ال الناس بجنة
ونار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ول يعصوه ،لتفضله عليهم ،وإحسانه
إليهم وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه ) - 56 .(5ما :المفيد ،عن
ابن قولويه ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى عن أحمد بن إسحاق ،عن
بكر بن محمد قال :أبو عبد ال عليه السلم :إن الدعاء ليرد القضاء ،وإن
المؤمن ليذنب فيحرم به الرزق ) - 57 .(6ما :عن المفيد ،عن أحمد بن
الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن أيوب بن نوح ،عن صفوان ،عن
إبراهيم بن زياد ،عن الصادق عليه السلم قال :إن ال تعالى إذا غضب
على أمة ثم لم ينزل بها العذاب ،أغلى أسعارها ،وقصر أعمارها ولم تربح
تجارها ،ولم تغزر أنهارها ،ولم تزك ثمارها ،وسلط عليها شرارها وحبس
عليها أمطارها ).(7
) (1عيون الخبار ج 2ص (2) .36صحيفة الرضا ص (3) .12عيون الخبار ج
2ص (4) .44صحيفة الرضا ص (5) .35عيون الخبار ج 2ص
(6) .180أمالى الطوسى ج 1ص (7) .135أمالى الطوسى ج 1ص
.(*) 204
][354
- 58ما :عن المفيد ،عن عبد ال بن علي الموصلي ،عن علي بن حاتم عن أحمد
بن محمد الموصلي العاصمي ،عن علي بن الحسين ،عن العباس بن علي
الشامي قال :سمعت الرضا عليه السلم يقول :كلما أحدث العباد من
الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث لهم من البلء ما لم يكونوا يعرفون )
.(1ع :عن علي بن حاتم ،عن أحمد بن محمد العاصمي وعلي بن محمد
بن يعقوب العجلي ،عن علي بن الحسين عليه السلم مثله ) - 59 .(2ما:
عن الغضائري ،عن التلعكبري ،عن محمد بن همام ،عن علي ابن الحسين
الهمداني ،عن محمد البرقي ،عن محمد بن سنان ،عن المفضل ابن عمر،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال تعالى لم يجعل للمؤمن أجل في
الموت :يبقيه ما أحب البقاء ،فإذا علم منه أنه سيأتي ما فيه بوار دينه
قبضه إليه مكرما ) .(3قال أبو علي :فذكرت هذا الحديث لحمد بن علي بن
حمزة مولى الطالبيين وكان راوية للحديث فحدثني عن الحسين بن راشد
الطفاوي ،عن محمد بن القاسم ابن الفضيل بن يسار ،عن أبيه ،عن أبي
عبد ال عليه السلم أنه قال :من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالجال،
ومن يعيش بالحسان أكثر ممن يعيش بالعمار ) - 60 (4ع :عن القطان،
عن أحمد الهمداني ،عن علي بن الحسن بن فضال عن ابيه ،عن مروان
بن مسلم ،عن الثمالي ،عن ابن طريف ،عن ابن نباتة قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :ما جفت الدموع إل لقسوة القلوب ،وما قست
القلوب إل لكثرة الذنوب ) - 61 .(5ع :عن ابن الوليد ،عن الصغار ،عن
ابن معروف ،عن الصم ،عن
) (1أمالى الطوسى ج 1ص (2) .333علل الشرائع ج 2ص (3) .210مكرها ظ
كما يأتي (4) .أمالى الطوسى ج 1ص (5) .311علل الشرائع ج 1ص
.(*) 77
][355
ابن مسكان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :ما
من عبد إل وعليه أربعون جنة ،حتى يعمل أربعين كبيرة ،فإذا عمل أربعين
كبيرة انكشفت عنه الجنن فتقول الملئكة من الحفظة الذين معه :يا ربنا
هذا عبدك قد انكشفت عنه الجنن فيوحي ال عزوجل إليهم أن استروا
عبدي بأجنحتكم ،فتستره الملئكة بأجنحتها فما يدع شيئا من القبيح إل
قارفه حتى يتمدح إلى الناس بفعله القبيح ،فتقول الملئكة :يا رب هذا
عبدك ما يدع شيئا إل ركبه ،وإنا لنستحيي مما يصنع فيوحي ال إليهم أن
ارفعوا أجنحتكم عنه ،فإذا ]فعل ذلك[ أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك
يهتك ال ستره في السماء ويستره في الرض فتقول الملئكة :هذا عبدك
قد بقي مهتوك الستر فيوحي ال إليهم :لو كان لي فيه حاجة ما أمرتكم أن
ترفعوا أجنحتكم عنه ) - 62 .(1لى :في مناهي النبي صلى ال عليه وآله
أنه قال :ل تحقروا شيئا من الشر ،وإن صغر في أعينكم ،ول تستكثروا
الخير وإن كثر في أعينكم ،فانه ل كبير مع الستغفار ول صغير مع
الصرار ) - 63 .(2ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن ابن ابي
عمير ،عن أخي الفضيل ،عن الفضيل ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :من
الذنوب التي ل تغفر قول الرجل :يا ليتني ل أواخذ إل بهذا ) - 64 .(3ل:
عن أبيه ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إني لرجو النجاة لهذه المة لمن عرف حقنا منهم إل
لحد ثلثة :صاحب سلطان جائر ،وصاحب هوى ،والفاسق المعلن ).(4
- 65ع :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن عبد العظيم
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .219أمالى الصدوق ص (3) .260الخصال ج 1
ص (4) .14الخصال ج 1ص .(*) 59
][356
الحسني ،عن ابن ابي عمير ،عن عبد ال بن الفضل ،عن خاله محمد بن سليمان
عن رجل ،عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال لمحمد بن مسلم :يا محمد بن
مسلم ل تغرنك الناس من نفسك ،فان المر يصل إليك دونهم ،ول تقطع
النهار عنك بكذا وكذا .فان معك من يحصي عليك ،ول تستصغرن حسنة
تعملها فانك تراها حيث تسرك ،ول تستصغرن سيئة تعمل بها فانك تراها
حيث تسوؤك ،وأحسن فاني لم ار شيئا قط أشد طلبا ول اسرع دركا من
حسنة محدثة لذنب قديم ) - 66 .(1ل :عن ابن مسرور ،عن ابن عامر،
عن عمه ،عن ابن أبي عمير ،عن ابن عميرة ،عن الصادق عليه السلم
قال :من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان ،ومن لم يبال أن
يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان ،ومن أغتاب أخاه المؤمن من غير
ترة بينهما فهو شرك شيطان ،ومن شعف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو
شرك شيطان .ثم قال عليه السلم :إن لولد الزنا علمات أحدها بغضنا أهل
البيت ،وثانيها أنه يحن إلى الحرام الذي خلق منه ،وثالثها الستخفاف
بالدين ،ورابعها سوء المحضر للناس ،ول يسئ محضر إخوانه إل من ولد
على غير فراش أبيه ،أو حملت به أمه في حيضها ) - 67 .(2ثو :عن ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن محمد بن عيسى ،عن عباس بن هلل ،عن الرضا
عليه السلم قال :المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة ،والمذيع بالسيئة
مخذول ،والمستتر بالسيئة مغفور له ) - 68 .(3ثو :عن أبيه ،عن
الحميري ،عن أحمد بن محمد ،عن أبيه ،عن بكر بن صالح ،عن الحسن
بن علي ،عن عبد ال بن إبراهيم ،عن جعفر الجعفري ،عن الصادق ،عن
أبيه عليهما السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من أذنب ذنبا
وهو ضاحك ،دخل
][357
النار وهو باك ) - 69 .(1ثو :عن أبيه ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن
فضال ،عن ابن بكير ،عن بعض أصحابه ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :من هم بالسيئة فل يعملها فانه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب
عزوجل فيقول :وعزتي وجللي ل أغفر له أبدا ) .(2سن :أبي ،عن ابن
فضال مثله ) - 70 .(3ثو :عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن
محمد بن سنان ،عن حماد بن عثمان ،عن خلف بن حماد ،عن ربعي ،عن
الفضيل ،عن أبي عبد ال عليه السلم :قال :إذا أخذ القوم في معصية ال
عزوجل فان كانوا ركبانا كانوا من خيل إبليس ،وإن كانوا رجالة كانوا من
رجالته ) .(4سن :عن محمد بن علي ،عن محمد بن سنان مثله )- 71 .(5
ثو :عن ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب،
عن الهيثم بن واقد قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن ال
عزوجل بعث نبيا إلى قومه فأوحى ال إليه قل لقومك :إنه ليس من أهل
قرية ول أهل بيت كانوا على طاعتي فأصابهم شر فانتقلوا عما أحب إلى ما
أكره ،إل تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون ) .(6سن :عن ابن
محبوب مثله ).(7
][358
- 72ثو :عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن بكر بن محمد ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إن الشك والمعصية في
النار ،ليسا منا ول إلينا ) - 73 .(1ف :عن أبي محمد عليه السلم قال:
من الذنوب التي ل تغفر ]قول الرجل[ ) :(2ليتني لم أواخذ إل بهذا ،ثم قال
عليه السلم :الشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح السود
في الليلة المظلمة ) - 74 .(3سن :عن محمد بن علي ،عن ابن فضال ،عن
رجل ،عن أبي عبد ال عليه السلم :قال :إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم
صلة الليل ،وإن عمل الشر أسرع في صاحبه من السكين في اللحم ).(4
- 75سن (5) :في رواية الفضيل ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن
الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق ،وتل هذه الية " :إذ أقسموا
ليصرمنها مصبحين * ول يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم
نائمون " ) - 76 .(6سن :في رواية بكر بن محمد الزدي ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن المؤمن لينوي الذنب فيحرم الرزق )- 77 .(7
سن :عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن أبي
حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :سمعته يقول :ما من سنة أقل مطرا
من سنة ولكن ال عزوجل يضعه حيث يشاء إن ال إذا عمل قوم
بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدره لهم من المطر في تلك السنة إلى
غيرهم ،وإلى الفيافي والبحار والجبال
) (1ثواب العمال ص (2) .231زيادة أضفناها طبقا لما مر تحت الرقم 63وما
يأتي عن نسخة الغيبة للشيخ الطوسى (3) .تحف العقول ص ،487ط
السلمية (5 - 4) .517المحاسن ص (6) .115القلم(7) .19 :
المحاسن ص .(*) 116
][359
وإن ال ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الرض التي هي بمحلتها لخطايا
من بحضرتها ،وقد جعل ال له السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل
المعاصي ،قال :ثم قال أبو جعفر عليه السلم :فاعتبروا يا أولي البصار )
- 78 .(1غط :عن سعد ،عن ابي هاشم الجعفري قال :سمعت أبا محمد
عليه السلم يقول :من الذنوب التي ل تغفر قول الرجل :ليتني ل أؤاخذ إل
بهذا ،فقلت في نفسي :إن هذا لهو الدقيق ،ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره
ومن نفسه كل شئ ،فأقبل علي أبو محمد عليه السلم فقال :يا أبا هاشم
صدقت فالزم ما حدثت به نفسك فان الشراك في الناس أخفى من دبيب
الذر على الصفا في الليلة الظلماء ،ومن دبيب الذر على المسح السود )
- 79 .(2سن :عن عدة من أصحابنا ،عن ابن اسباط ،عن عمه يعقوب،
عن زرارة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :من اجترأ على ال في
المعصية ،وارتكاب الكباير فهو كافر ،ومن نصب دينا غير دين ال فهو
مشرك ) - 80 .(3سن :عن محمد بن علي ،عن عبد الرحمن بن محمد بن
أبي هاشم ،عن عنبسة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال يحب
العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم
اليسير ) - 81 .(4صح :عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال تبارك وتعالى :يا ابن آدم ل يغرنك
ذنب الناس عن ذنبك ،ول نعمة الناس عن نعمة ال عليك ،ول تقنط الناس
من رحمة ال تعالى وأنت ترجوها لنفسك ).(5
][360
- 82شى :عن أبي بصير قال :سمعته يقول " :إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا
ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " ) (1من زعم أن الخمر حرام ثم شربها ،ومن
زعم أن الزنا حرام ثم زنى ،ومن زعم أن الزكاة حق ولم يؤدها )- 83 .(2
م :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يا عباد ال احذروا النهماك في
المعاصي والتهاون بها فان المعاصي تستولي الخذلن على صاحبها ،حتى
توقعه في رد ولية وصي رسول ال صلى ال عليه وآله ودفع نبوة نبي
ال ،ول تزال ايضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد ال واللحاد في دين
ال - 84 .جا :عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن
معروف عن ابن مهزيار ،عن النضر ،عن إبراهيم بن عبد الحميد ،عن زيد
الشحام قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم قال :احذروا سطوات ال
بالليل والنهار ،فقلت :وما سطوات ال ؟ قال :أخذه على المعاصي ).(3
ين :النضر مثله - 85 .جا :بهذا السناد ،عن ابن مهزيار ،عن ابن فضال،
عن عثمان بن عيسى ،عن سماعة قال :سمعته يقول :ما لكم تسوؤن
رسول ال صلى ال عليه وآله فقال رجل :جعلت فداك وكيف نسوؤه ؟
قال :أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه ،فإذا رأى فيها معصية ال ساءه
ذلك ،فل تسوؤا رسول ال صلى ال عليه وآله وسروه ) .(4ين :عثمان
بن عيسى مثله - 86 .ختص :قال الباقر عليه السلم :إن العبد ليسأل
الحاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن ال قضاؤها إلى أجل قريب ،أو
وقت بطيئ ،فيذنب العبد عند
) (1النساء (2) .137 :تفسير العياشي ج 1ص (3) .281أمالى المفيد ص .117
) (4أمالى المفيد ص .123
][361
ذلك ذنبا فيقول ال للملك الموكل بحاجته :ل تنجز له حاجته واحرمه إياها فانه
تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني ) - 87 .(1ختص :عن الصدوق،
عن أبيه ،عن ابن عامر ،عن عمه ،عن محمد بن زياد ،عن ابن عميرة
قال :قال الصادق عليه السلم :إن ل تبارك وتعالى على عبده المؤمن
أربعين جنة ،فمتى اذنب ذنبا ]كبيرا[ رفع عنه جنة ،فإذا عاب أخاه المؤمن
بشئ يعلمه منه انكشفت تلك الجنن عنه ،ويبقى مهتوك الستر ،فيفتضح
في السماء على ألسنة الملئكة ،وفي الرض على ألسنة الناس ،ول
يرتكب ذنبا إل ذكروه ،ويقول الملئكة الموكلون به :يا ربنا قد بقي عبدك
مهتوك الستر ،وقد أمرتنا بحفظه فيقول عزوجل :ملئكتي لو اردت بهذا
العبد خيرا ما فضحته ،فارفعوا أجنحتكم عنه ،فوعزتي ل يؤل بعدها إلى
خير أبدا ) - 88 .(2ختص :عن أبي جعفر عليه السلم قال :ما من عبد
مؤمن إل وفي قلبه نكتة بيضاء ،فان اذنب وثنى خرج من تلك النكتة
سواد ،فان تمادي في الذنوب اتسع ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا
غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول ال " كل بل ران
على قلوبهم ما كانوا يكسبون " ) - 89 .(3ين :عن بعض أصحابنا ،عن
حنان بن سدير ،عن رجل يقال له روزبه وكان من الزيدية ،عن الثمالي
قال :قال أبو جعفر عليه السلم :ما من عبد يعمل عمل ل يرضاه الهل إل
ستره ال عليه أول ،فإذا ثنى ستره ال عليه ،فإذا ثلث أهبط ال ملكا في
صورة آدمي يقول للناس :فعل كذا وكذا - 90 .ين :عن ابن محبوب ،عن
الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال تبارك وتعالى أوحى إلى
داود النبي عليه السلم أن ائت عبدي دانيال فقل له :إنك عصيتني فغفرت
لك ،وعصيتني فغفرت لك ،وعصيتني فغفرت لك ،فان أنت
) (1الختصاص (2) .31 :الختصاص (3) .220 :الختصاص 243 :والية في
سورة المطففين.(*) 14 :
][362
عصيتني الرابعة لم أغفر لك ،قال :فأتاه داود عليه السلم فقال له :يا دانيال إني
رسول ال إليك ،وهو يقول لك :إنك عصيتني فغفرت لك ،وعصيتني
فغفرت لك ،وعصيتني فغفرت لك ،فانأنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك،
فقال له دانيال :قد بلغت يا نبي ال .قال :فلما كان في السحر قام دانيال
وناجي ربه فقال :يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أني قد عصيتك فغفرت
لي ،وعصيتك فغفرت لي ،وعصيتك فغفرت لي وأخبرني عنك أني إن
عصيتك الرابعة لم تغفر لي ،فوعزتك لعصينك ثم لعصينك ثم لعصينك
إن لم تعصمني - 91 .محص :عن معاوية بن عمار قال :دخلت على أبي
عبد ال عليه السلم وقد كانت الريح حملت العمامة عن رأسي في البدو،
فقال :يا معاوية ! فقلت :لبيك جعلت فداك يا ابن رسول ال صلى ال عليه
وآله قال :حملت الريح العمامة عن رأسك ؟ قلت :نعم قال :هذا جزاء من
أطعم العراب - 92 .محص :عن ابي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم توقوا الذنوب ،فما من بلية ول نقص
رزق إل بذنب حتى الخدش والنكبة والمصيبة ،فان ال يقول " :ومن
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ) - 93 .(1نوادر
الراوندي :باسناده عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إن الرجل ليجلس على باب الجنة مقدار
عام بذنب واحد وإنه لينظر إلى أكوابه وأزواجه ) .(2وبهذا السناد قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :للمؤمن اثنان وسبعون سترا فإذا أذنب
ذنبا انهتكت عنه ستر ،فان تاب رده ال إليه وسبعة معه ،وإن أبى إل قدما
قدما في المعاصي تهتكت عنه أستاره ،فان تاب ردها ال إليه ومع كل ستر
منها سبعة فان أبى إل قدما قدما في المعاصي تهتكت أستاره وبقي بل ستر
وأوحى ال تعالى إلى
][363
ملئكته أن استروا عبدي بأجنحتكم فان بني آدم يغيرون ول يغيرون ،وأنا أغير ول
أغير ،فان ابى إل قدما في المعاصي شكت الملئكة إلى ربها ورفعت
أجنحتها وقالت :يا رب إن عبدك هذا قد أقذرنا مما يأتي من الفواحش ما
ظهر منها وما بطن ،قال :فيقول ال تعالى لهم :كفوا عنه أجنحتكم ،فلو
عمل الخطيئة في سواد الليل أو في ضوء النهار أو في مفازة أو قعر بحر
لجراها ال تعالى على ألسنة الناس فاسألوا ال تعالى أن ل يهتك أستاركم
) .(1وبهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن إبليس
رضي منكم بالمحقرات والذنب الذي ل يغفر قول الرجل :ل أواخذ بهذا
الذنب استصغارا له ) - 94 .(2ما :عن جماعة ،عن أبي المفضل ،عن
علي بن الحسين بن حمزة العلوي ،عن عمه علي بن حمزة ،عن علي بن
جعفر ،عن أخيه موسى ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :ما اختلج عرق ول عثرت قدم إل بما قدمت ايديكم وما يعفو
ال عنه أكثر ) - 95 .(3ما :عن الغضايري ،عن التلعكبري ،عن محمد بن
همام ،عن محمد بن علي بن الحسين الهمداني ،عن محمد بن خالد
البرقي ،عن محمد بن سنان ،عن المفضل ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إن ال تعالى لم يجعل للمؤمن أجل في الموت يبقيه ما أحب البقاء،
فإذا علم أنه سيأتي بما فيه بوار دينه قبضه إليه مكرها .قال محمد بن
همام :فذكرت هذا الحديث لحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين وكان
راوية للحديث ،فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي ،عن محمد ابن
القاسم بن فضيل بن يسار ،عن رجل ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال:
من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالجال ،ومن يعيش بالحسان أكثر
ممن يعيش
) (1نوادر الراوندي ص (2) .6نوادر الراوندي ص (3) .17أمالى الطوسى ج 2
ص .(*) 183
][364
بالعمار ) - 96 .(1نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم :لو لم يتوعد ال على
معصيته لكان يجب أن ل يعصى شكرا لنعمه ) .(2وقال عليه السلم :ترك
الذنب أهون من طلب التوبة ) .(3وقال عليه السلم :اتقوا معاصي ال في
الخلوات ،فان الشاهد هو الحاكم ) .(4وقال عليه السلم :أقل ما يلزمكم ل
أل تستعينوا بنعمه على معاصيه ) .(5وقال عليه السلم :من العصمة تعذر
المعاصي ) .(6وقال عليه السلم :اذكروا انقطاع اللذات ،وبقاء التبعات )
.(7وقال عليه السلم :أشد الذنوب ما استخف به صاحبه ) .(8وقال عليه
السلم :أيها الناس إن الدنيا تغر المؤمل لها ،والمخلد إليها ،ول تنفس بمن
نافس فيها ،وتغلب من غلب عليها ،وأيم ال ما كان قوم قط في غض نعمة
من عيش فزال عنهم إل بذنوب اجترحوها ،لن ال تعالى ليس بظلم للعبيد
ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم ،وتزول عنهم النعم ،فزعوا إلى ربهم
بصدق من نياتهم ،ووله من قلوبهم ،لرد عليهم كل شارد ،وأصلح لهم كل
فاسد ) .(9وقال عليه السلم :إن ال سبحانه ل يخفى عليه ما العباد
مقترفون في ليلهم
][365
) (1نهج البلغة الرقم 197من الخطب (2) .تراه في أمالي الطوسى ج 1ص
(3) .126عدة الداعي ص .(*) 152
][366
) - 138 -باب( * " )علل المصايب والمحن والمراض والذنوب التي توجب( " *
* " )غضب ال وسرعة العقوبة( " * اليات :آل عمران :أو لما أصابتكم
مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند انفسكم إن ال على
كل شئ قدير * وما اصابكم يوم التقى الجمعان فباذن ال وليعلم المؤمنين
وليعلم الذين نافقوا ) .(1العراف :ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص
من الثمرات لعلهم يذكرون ) .(2وقال :وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم
يرجعون ) .(3التوبة :أول يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم
ل يتوبون ول هم يذكرون ) .(4الرعد :ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما
صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف
الميعاد ) .(5الكهف :أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت
أن أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلم فكان
أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما
خيرا منه زكوة وأقرب رحما ) .(6النبياء :ونبلوكم بالشر والخير فتنة
وإلينا ترجعون ).(7
) (1آل عمران (2) .166 - 165 :العراف (3) .130 :العراف(4) .168 :
براءة (5) .126 :الرعد (6) .31 :الكهف (7) .80 - 79 :النبياء35 :
)*(.
][367
وقال تعالى :أفل يرون أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ).(1
الروم :وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ) .(2وقال
تعالى :ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض
الذي عملوا لعلهم يرجعون ) .(3التنزيل :ولنذيقنهم من العذاب الدنى دون
العذاب الدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون ) .(4حمعسق :وما
أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير * وما أنتم بمعجزين
في الرض وما لكم من دون ال من ولي ول نصير ) .(5وقال :وإن
تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان النسان كفور ) - 1 .(6دعائم السلم:
روينا عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه نزل في بعض أسفاره بأرض
ل نبات بها فقال :اطلبوا لنا حطبا قالوا :يا رسول ال نحن كما ترى بأرض
قرعاء ،فقال :افترقوا واطلبوا على ذلك ،فافترق الناس فجعل الرجل يأتي
بالعودين والثلثة وأكثر من ذلك كالخلل ونحوه مما تسفيه الريح حتى
صار بين يدي رسول ال صلى ال عليه وآله من ذلك كوم عظيم ،فقال:
أردت أن أضرب لكم بهذا مثل :هكذا تجتمع الحسنات وهكذا تجتمع
السيئات فرحم ال امرءا نظر لنفسه - 2 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن
أبيه ،وعن العدة ،عن أحمد بن محمد جميعا ،عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر ،عن أبان ،عن رجل ،عن ابي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بال منهن :لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إل ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم
تكن في أسلفهم الذين مضوا ،ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا
بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ،ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر
من السماء ،ولول
) (1النبياء (2) .44 :الروم (3) .36 :الروم (4) .41 :التنزيل(5) .21 :
الشورى (6) .31 - 30 :الشورى.(*) 48 :
][368
البهايم لم يمطروا ،ولم ينقضوا عهد ال وعهد رسوله إل سلط ال عليهم عدوهم
وأخذوا بعض ما في أيديهم ،ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل ال
بأسهم بينهم ) .(1بيان " :خمس " مبتدأ مع تنكيره مثل كوكب انقض
الساعة ،والجملة الشرطية خبره أو خمس فاعل فعل محذوف أي تكون
خمس ،والفاحشة الزنا ،وفي القاموس السنة الجدب والقحط والرض
المجدبة ،والجمع سنون ،وفي النهاية السنة الجدب ،يقال :أخذتهم السنة
إذا أجدبوا وأقحطوا ،والمؤنة القوت ،وشدة المؤنة ضيقها ،وعسر
تحصيلها .وقيل :يترتب على كل واحد منها عقوبة تناسبه ،فان الول لما
كان فيه تضييع آلة النسل ،ناسبه الطاعون الموجب لنقطاعه ،والثاني لما
كان القصد فيه زيادة المعيشة ناسبه القحط وشدة المؤنة وجور السلطان
بأخذ المال وغيره ،والثالث لما كان فيه منع ما أعطاه ال بتوسط الماء
ناسبه منع نزول المطر من السماء ،والرابع لما كان فيه ترك العدل
والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الموال ،والخامس لما كان فيه
رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم وغلبة
بعضهم على بعض .وأقول :يمكن أن يقال :لما كان في الول مظنة تكثير
النسل ،عاملهم ال بخلفه ،وفي الثالث لما كان غرضهم توفير المال منع
ال القطر ليضيق عليهم ،واشار بقوله " :ولول البهائم لم يمطروا " إلى
أن البهايم لعدم صدور المعصية منهم وعدم تكليفهم استحقاقهم للرحمة
أكثر من الكفرة ،وأرباب الذنوب والمعاصي ،كما دلت عليه قصة النملة،
واستسقاؤها وقولها :اللهم ل تؤاخذنا بذنوب بني آدم ،ويؤمي إليه قوله
تعالى " :بل هم أضل سبيل " ) .(2والمراد بنقض عهد ال وعهد رسوله
نقض المان والذمة التي أمر ال برعايتها والوفاء بها ،وإذا خفرت الذمة
أديل لهل الشرك من أهل السلم ،وهو الظاهر
][369
من الخبر التي أيضا ،وقيل :هو نقض العهد بنصرة المام الحق واتباعه في جميع
المور ،والول أظهر .ولما كان هذا الغدر للغلبة على الخصم بالحيلة
والمكر يعاملهم ال بما يخالف غرضهم ،فيجعل بأسهم بينهم ،في القاموس
البأس العذاب والشدة في الحرب ،أي جعل عذابهم وحربهم بينهم يتسلط
بعضهم على بعض ،ويتغالبون ويتحاربون ،ول ينتصف بعضهم من بعض،
وترتب هذا على الجور في الحكم ظاهر ،ويحتمل أن يكون السبب أنهم إذا
جاروا في الحكم وحكموا للظالم على المظلوم يسلط ال على الظالم ظالما
آخر يغلبه ،فيصير بأسهم وحربهم بينهم ،وهذا ايضا مجرب - 3 .كا :عن
علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،والعدة ،عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن
محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :وجدنا في كتاب رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا ظهر الزنا من
بعدي كثر موت الفجأة ،وإذا طفف المكيال والميزان أخذهم ال بالسنين
والنقص ،وإذا منعوا الزكاة منعت الرض بركتها من الزرع والثمار
والمعادن كلها ،وإذا جاروا في الحكام تعاونوا على الظلم والعدوان ،وإذا
نقضوا العهد سلط ال عليهم عدوهم ،وإذا قطعوا الرحام جعلت الموال في
أيدي الشرار ،وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ،ولم يتبعوا
الخيار من أهل بيتي ،سلط ال عليهم شرارهم ،فيدعو خيارهم فل
يستجاب لهم ) .(1بيان " :في كتاب رسول ال صلى ال عليه وآله "
صدر هذا الحديث في كتاب نكاح الكافي ) (2وفيه " في كتاب علي عليه
السلم " وهو اظهر ،ول تنافي بينهما لن مملي الكتاب رسول ال صلى
ال عليه وآله والكاتب علي عليه السلم ،فيجوز نسبته إلى كل منهما،
وعلى تقدير المغايرة يمكن وجدانه فيهما ،وفي المصباح فجأت الرجل
أفجاؤه مهموز من باب تعب وفي لغة بفتحتين جئته بغتة والسم الفجاءة
بالضم والمدو في لغة وزان تمرة وفجأه
) (1الكافي ج 2ص (2) .374الكافي ج 5ص 541وسيأتي ما يؤيده تحت الرقم
.(*) 6
][370
المر مهموز من بابي تعب ونفع ايضا وفاجأه مفاجأة أي عاجله ،وقال :الطفيف
مثل القليل وزنا ومعنى ،ومنه قيل تطفيف المكيال والميزان ،وقد طففه،
وهو مطفف ،إذا كال أو وزن ولم يوف انتهى .وأقول :قال تعالى " :ويل
للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو
وزنوهم يخسرون " قال البيضاوي :التطفيف البخس في الكيل والوزن لن
ما يبخس طفيف ،أي حقير ،وفي الحديث خمس بخمس :ما نقض العهد
قوم إل سلط ال عليهم عدوهم ،وما حكموا بغير ما أنزل ال إل فشا فيهم
الفقر ،وما ظهر فيهم الفاحشة إل فشا فيهم الموت ،ول طففوا الكيل إل
منعوا النبات وأخذوا بالسنين ،ول منعوا الزكاة إل حبس عنهم القطر،
وقال " :على الناس " أي منهم " يستوفون " أي يأخذون حقوقهم وافية
" وإذا كالوهم أو وزنوهم " أي كالوا للناس ووزنوا لهم ) .(1والمراد
بالنقص نقص ريع الرض من الثمرات والحبوب كما قال سبحانه " :ولقد
أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون " )" (2
منعت الرض " على بناء المعلوم ،فيكون المفعول الول محذوفا أي منعت
الرض الناس بركتها ،أو المجهول ،فيكون الفاعل هو ال تعالى والجور
نقيض العدل وهذه الفقرة تحتمل وجهين :الول أن الجور في الحكم وترك
العدل هو معاونة للظالم على المظلوم فل يكون على سياق سائر الفقرات،
وكأن النكتة فيه أن سوء اثره وهو الختلل في نظام العالم لما كان ظاهرا
اكتفى بتوضيح أصل الفعل ،وإظهار قبحه .الثاني أن يكون المراد أنه تعالى
بسبب هذا الفعل يمنع اللطف عنهم فيتعاونون على الظلم والعدوان ،حتى
يصل ضرره إلى الحاكم والظالم ايضا كما قال عليه السلم في الخبر
السابق " :جعل ال بأسهم بينهم " والظاهر أن المراد بالعهد
][371
المعاهدة مع الكفار كما عرفت ،ويحتمل التعميم ،وكون قطع الرحام سببا لجعل
الموال في أيدي الشرار مجرب وله أسباب باطنة وظاهرة ،فعمدة الباطنة
قطع لطف ال تعالى عنهم ،ومن الظاهرة أنهم ل يتعاونون في دفع الظلم،
فيتسلط عليهم الشرار ،ويأخذون الموال منهم ،ومنها أنهم يدلون
بأموالهم إلى الحكام الجائرين لغلبة بعضهم على بعض ،فينتقل أموالهم
إليهم " .وإذا لم يأمروا بالمعروف " قيل :يحتمل ترتب التسليط على ترك
كل واحد منهما أو تركهما معا ،وأقول :الثاني اظهر مع أن كل منهما
يستلزم الخر فان ترك كل معروف منكر ،وترك كل منكر معروف ،والمراد
بالخيار الفاعلون للمعروف المرون به ،والتاركون للمنكر الناهون عنه،
وعدم استجابة دعائهم لستحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والبرام ،أل
يرى أنه لم تقبل شفاعة خليل الرحمن عليه السلم لقوم لوط ؟ ويحتمل أن
يكون المراد بالخيار الذين لم يتركوا المعروف ولم يرتكبوا المنكر لكنهم لم
يأمروا ولم ينهوا .فعدم استجابة دعائهم لذلك كأصحاب السبت فان العذاب
نزل على المعتدين والذين لم ينهوا معا ،وعدم استجابة دعاء المؤمنين
لظهور القائم عليه السلم يحتمل الوجهين .واعلم أن عمدة ترك النهي عن
المنكر في هذه المة ما صدر عنهم بعد الرسول صلى ال عليه وآله في
مداهنة خلفاء الجور ،وعدم اتباع أئمة الحق عليهم فتسلط عليهم خلفاء
الجور من التيمي والعدوي وبني أميه وبني العباس ،وسائر الملوك
الجائرين ،فكانوا يدعون ويتضرعون فل يستجاب لهم ،وربما يخص الخبر
بذلك لقوله " :ولم يتبعوا الخيار من أهل بيتي " والتعميم أولى - 4 .ب:
عن هارون ،عن ابن زياد ،عن جعفر ،عن أبيه عليهما السلم قال :إن ال
تبارك وتعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من أنبيائه ،وفيه أنه سيكون
خلق من خلقي يلحسون الدنيا بالدين ،يلبسون مسوك الضأن على قلوب
كقلوب الذئاب أشد مرارة من الصبر ،ألسنتهم أحل من العسل ،وأعمالهم
الباطنة أنتن من الجيف أفبي يغترون ؟ أم إياي يخدعون ؟ أم علي
يتجبرون ؟ فبعزتي حلفت لبتعثن
][372
لهم الفتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الرض يترك الحكيم فيها حيران ).(1
- 5لى :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن مالك
ابن عطية ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :أما إنه ليس من
سنة أقل مطرا من سنة ،ولكن ال يضعه حيث يشاء ،إن ال جل جلله إذا
عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة
إلى غيرهم ،وإلى الفيافي والبحار والجبال ،وإن ال ليعذب الجعل في
جحرها بحبس المطر عن الرض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها
وقد جعل ال لها السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال :ثم قال
أبو جعفر عليه السلم :فاعتبروا يا أولي البصار .ثم قال :وجدنا في كتاب
علي عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا ظهر الزنا
كثر موت الفجأة ،وإذا طفف المكيال أخذهم ال بالسنين والنقص ،وإذا
منعوا الزكاة منعت الرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها ،وإذا
جاروا في الحكام تعاونوا على الظلم والعدوان ،وإذا نقضوا العهد سلط ال
عليهم عدوهم وإذا قطعوا الرحام جعلت الموال في أيدي الشرار ،وإذا لم
يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الخيار من أهل بيتي سلط
ال عليهم شرارهم فيدعو عند ذلك خيارهم فل يستجاب لهم ) - 6 .(2ما:
عن المفيد ،عن أحمد بن الوليد ،عن ابيه ،عن الصفار ،عن محمد ابن
عيسى ،عن ابن أبي عمير عن ابن عطية ،عن الثمالي قال :سمعت أبا
جعفر عليه السلم يقول :وجدت في كتاب علي بن ابي طالب عليه السلم
إلى آخر ما مر ) (3ع :عن ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي،
عن ابن محبور عن ابن عطية ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم
من قوله :وجدنا في كتاب علي
) (1قرب السناد (2) .22 :أمالى الصدوق (3) .185 :أمالى الطوسى ج 1ص
.(*) 214
][373
عليه السلم إلى آخر الخبر ) .(1ثو :عن ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن أحمد بن
محمد ،عن ابن محبوب مثله ) - 7 .(2جا ) (3ما :المفيد :عن عمر بن
محمد الزيات ،عن عبد ال بن جعفر عن مسعر بن يحيى ،عن شريك بن
عبيدال ،عن أبي إسحاق الهمداني ،عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ثلثة من الذنوب تعجل
عقوبتها ول تؤخر إلى الخرة :عقوق الوالدين ،والبغي على الناس ،وكفر
الحسان ) - 8 .(4جا ) (5ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن أبيه ،عن سعد،
عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد ،عن ياسر ،عن الرضا عليه السلم
قال :إذا كذب الولة حبس المطر ،وإذا جار السلطان هانت الدولة ،وإذا
حبست الزكاة ماتت المواشي ) - 9 .(6ما :عن حمويه ،عن أبي الحسين،
عن أبي خليفة ،عن أبي الوليد وأبي كثير معا ،عن شعبة ،عن الحكم ،عن
الحسن بن مسلم ،عن ابن عباس قال :ما ظهر البغي قط في قوم إل ظهر
فيهم الموتان ،ول ظهر البخس في الميزان ]إل وظهر فيهم الخسران[
والفقر -قال أبو خليفة :عن ابي كثير إل ابتلوا بالسنة -ول ظهر نقض
العهد في قوم إل اديل عليهم عدوهم ) - 10 .(7ل :عن العطار ،عن سعد،
عن أحمد بن الحسين بن سعيد ،عن الحسن ابن الحصين ،عن موسى بن
القاسم ،عن صفوان بن يحيى ،عن عبد ال بن بكير
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .271ثواب العمال (3) .225 :مجالس المفيد:
(4) .148أمالى الطوسى ج 1ص (5) .13مجالس المفيد(6) .191 :
أمالى الطوسى ج 1ص (7) .77أمالى الطوسى ج 2ص .(*) 17
][374
عن أبيه ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :أربعة أسرع شئ عقوبة :رجل أحسنت
إليه ويكافيك بالحسان إليه إساءة ،ورجل ل تبغي عليه وهو يبغي عليك،
ورجل عاهدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك ،ورجل
يصل قرابته ويقطعونه ) .(1جا :عن الجعابي ،عن الحسن بن عمر بن
الحسن ،عن جعفر بن محمد بن مروان ،عن محمد بن إسماعيل الهاشمي،
عن عبد المؤمن ،عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم عن جابر
النصاري ،عن النبي صلى ال عليه وآله مثله وفيه :ورجل تصل قرابته
فيقطعك ) .(2كتاب الغايات :عن أبي عبد ال ،عن آبائه عليهم السلم قال:
أربع هن أسرع الشياء عقوبة وذكر مثله مع ادنى تغيير في بعض الفاظه.
ل :في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم مثله وزاد
في آخره ثم قال صلى ال عليه وآله :يا علي من استولى عليه الضجر
رحلت عنه الراحة ) - 11 .(3ع :ابن مسرور ،عن ابن عامر ،عن المعلى،
عن العباس بن العل عن مجاهد ،عن أبيه ،عن ابي عبد ال عليه السلم
قال :الذنوب التي تغير النعم البغي والذنوب التي تورث الندم القتل ،والتي
تنزل النقم الظلم ،والتي تهتك الستور شرب الخمر ،والتي تحبس الرزق
الزنا ،والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ،والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء
عقوق الوالدين ) .(4مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن المعلى مثله ).(5
) (1الخصال ج 1ص (2) .109مجالس المفيد (3) .106 :الخصال ج 1ص
(4) .110علل الشرايع ج 2ص (5) .271معاني الخبار.(*) 269 :
][375
ختص :عنه عليه السلم مثله ) - 12 .(1مع :عن القطان ،عن ابن زكريا ،عن ابن
حبيب ،عن ابن بهلول عن أبيه ،عن عبد ال بن الفضل ،عن أبيه ،عن ابي
خالد الكابلي قال :سمعت علي بن الحسين عليه السلم يقول :الذنوب التي
تغير النعم البغي على الناس ،والزوال عن العادة في الخير واصطناع
المعروف ،وكفران النعم ،وترك الشكر ،قال ال عزوجل " إن ال ل يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ) (2والذنوب التي تورث الندم قتل
النفس التي حرم ال قال ال تعالى ) (3في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل
فعجز عن دفنه " فأصبح من النادمين " ) (4وترك صلة القرابة حتى
يستغنوا ،وترك الصلة حتى يخرج وقتها ،وترك الوصية ،ورد المظالم،
ومنع الزكاة ،حتى يحضر الموت ،وينغلق اللسان .والذنوب التي تنزل النقم
عصيان العارف بالبغي ،والتطاول على الناس والستهزاء بهم ،والسخرية
منهم ،والذنوب التي تدفع القسم إظهار الفتقار ،والنوم عن العتمة ،وعن
صلة الغداة ،واستحقار النعم ،وشكوى المعبود عزوجل .والذنوب التي
تهتك العصم شرب الخمر ،واللعب بالقمار ،وتعاطي ما يضحك الناس من
اللغو والمزاح ،وذكر عيوب الناس ،ومجالسة أهل الريب ،والذنوب التي
تنزل البلء ترك إغاثة الملهوف ،وترك معاونة المظلوم ،،وتضييع المر
بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،والذنوب التي تديل العداء المجاهرة
بالظلم وإعلن الفجور ،وإباحة المحظور ،وعصيان الخيار ،والنطباع )
(5للشرار .والذنوب التي تعجل الفناء ،قطيعة الرحم ،واليمين الفاجرة،
والقوال الكاذبة ،والزنا ،وسد طريق المسلمين ،وادعاء المامة بغير حق،
والذنوب التي
) (1الختصاص (2) .238 :الرعد (3) .12 :زاد في المصدر :قال ال تعالى" :
ول تقتلوا النفس التى حرم ال " (4) .المائدة (5) .34 :يعنى النقياد
)*(.
][376
تقطع الرجاء اليأس من روح ال ،والقنوط من رحمة ال ،والثقة بغير ال والتكذيب
بوعد ال عزوجل .والذنوب التي تظلم الهوا السحر والكهانة ،واليمان
بالنجوم ،والتكذيب بالقدر ،وعقوق الوالدين ،والذنوب التي تكشف الغطاء
الستدانة بغير نية الداء والسراف في النفقة على الباطل ،والبخل على
الهل والولد وذوي الرحام ،وسوء الخلق ،وقلة الصبر ،واستعمال الضجر
والكسل ،والستهانة بأهل الدين .والذنوب التي ترد الدعاء سوء النية،
وخبث السريرة ،والنفاق مع الخوان وترك التصديق بالجابة ،وتأخير
الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ،وترك التقرب إلى ال عزوجل
بالبر والصدقة ،واستعمال البذاء والفحش في القول والذنوب التي تحبس
غيث السماء جور الحكام في القضا ،وشهادة الزور ،وكتمان الشهادة،
ومنع الزكاة والقرض والماعون ،وقساوة القلب على أهل الفقر والفاقة
وظلم اليتيم والرملة ،وانتهار السائل ورده بالليل ) - 13 .(1ثو :ابي ،عن
سعد ،عن ابن عيسى ،عن البزنطي ،عن أبان الحمر عن أبي جعفر عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :خمس إذا أدركتموها
فتعوذوا بال عزوجل منهن :لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إل
ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن في أسلفهم الذين مضوا ،ولم
ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان،
ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر من السماء ،ولول البهائم لم يمطروا،
ولم ينقضوا عهد ال عزوجل وعهد رسوله إل سلط ال عليهم عدوهم
فأخذوا بعض ما في أيديهم ،ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل بأسهم
بينهم ) 14 .(2دعوات الراوندي :سمع ابن الكوا أمير المؤمنين عليه
السلم يقول :أعوذ بال من الذنوب التي تعجل الفناء ،فقال :أيكون ذنب
يعجل الفناء ؟ فقال :نعم
قطعية الرحم ،إن أهل بيت يكونون أتقياء ،فيقطع بعضهم بعضا فيحرمهم ال وإن
أهل بيت يكونون فجرة فيتواسون فيرزقهم ال .وقال النبي صلى ال عليه
وآله :خمس إن أدركتموها فتعوذوا بال منهن :لم تظهر الفاحشة في قوم
قط حتى يعلنوها إل ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن في أسلفهم
الذنى مضوا ،ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤنة
وجور السلطان ،ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر من السماء ولول
البهائم لم يمطروا ،ولم ينقضوا عهد ال وعهد رسوله إل سلط ال عليهم
عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ،ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل
بأسهم بينهم - 14 .عدة الداعي :روى ابن مسعود عن النبي صلى ال
عليه وآله :أنه قال :اتقوا الذنوب فانها ممحقة للخيرات ،إن العبد ليذنب
الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه ،وإن العبد ليذنب الذنب فيمنع به
من قيام الليل ،وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به الرزق ،وقد كان هنيئا له،
ثم تل " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " إلى آخر اليات )139 - .(1
) * -باب( * * " )الملء والمهال على الكفار والفجار ،والستدراج
والفتتان( " * * " )زائدا على ما مر في كتاب العدل ومن يرحم ال *( "
" )بهم على أهل المعاصي( " اليات :آل عمران :ول تحسبن الذين كفروا
أنما نملي لهم خير لنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين
* وما كان ال ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من
الطيب ).(2
) (1عدة الداعي ،151 :واليات في سورة القلم (2) .19 - 17 :آل عمران- 178 :
.(*) 179
][378
وقال سبحانه :ل يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد * متاع قليل ثم مأويهم جهنم
وبئس المهاد ) .(1المائدة :وحسبوا أن ل تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب
ال عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم وال بصير بما يعملون ) .(2النعام:
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا
أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) .(3العراف :وما أرسلنا في قرية من نبي
إل أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة
الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آبائنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة
وهم ل يشعرون ) .(4التوبة :فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال
ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) .(5يونس :ولو
يعجل ال للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين ل
يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون ) .(6وقال تعالى :ولول كلمة سبقت من
ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) .(7هود :وأمم سنمتعهم ثم يمسهم
منا عذاب أليم ) .(8الرعد :ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين
كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ) .(9الحجر :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا
ويلههم المل فسوف يعلمون ) .(10النحل :ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم
ما ترك عليها من دابة ولكن
) (1آل عمران (2) .197 - 196 :المائدة (3) .71 :النعام (4) .44 :العراف:
(5) .95 - 94براءة (6) .85 :يونس (7) .11 :يونس (8) .19 :هود:
(9) .48الرعد (10) .32 :الحجر.(*) 3 :
][379
يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون ).(1
الكهف :وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب
بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئل ) .(2مريم :فل تعجل عليهم إنما
نعد لهم عدا ) .(3طه :ولول كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى
) .(4النبياء :بل متعنا هؤلء وآبائهم حتى طال عليهم العمر ) .(5وقال
تعالى :وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) .(6الحج :فأمليت
للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير -إلى قوله تعالى :وكأين من قرية
أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) .(7المؤمنون :فذرهم في
غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم
في الخيرات بل ل يشعرون ) .(8الفرقان :ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا
الذكر وكانوا قوما بورا ) .(9الشعراء :أتتركون فيما هيهنا آمنين * في
جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا
فارهين * فاتقوا ال وأطيعون ) .(10وقال تعالى :أفرأيت إن متعناهم
سنين * ثم جائهم ما كانوا يوعدون * ما أعنى عنهم ما كانوا يمتعون )
.(11العنكبوت :ولول أجل مسمى لجائهم العذاب ،وليأتينهم بغتة وهم
) (1النحل (2) .61 :الكهف (3) .58 :مريم (4) .84 :طه (5) .129 :النبياء:
(6) .44النبياء (7) .111 :الحج (8) .48 - 44 :المؤمنون.55 - 54 :
) (9الفرقان (10) .18 :الشعراء (11) .150 - 146 :الشعراء- 207 :
.(*) 205
][380
ل يشعرون ) .(1لقمان نمتعهم قليل ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) .(2فاطر :ولو
يؤاخذ ال الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم
إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فان ال كان بعباده بصيرا ) .(3يس :وإن
نشأ نغرقهم فل صريخ لهم ول هم ينقذون * إل رحمة منا ومتاعا إلى حين
) .(4المؤمن :فل يغررك تقلبهم في البلد * كذبت قبلهم قوم نوح
والحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل
ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .(5السجدة :ولول كلمة
سبقت من ربك لقضي بينهم ) .(6حمعسق :ولول كلمة الفصل لقضي بينهم
) .(7الزخرف :بل متعت هؤلء وآبائهم حتى جائهم الحق ورسول مبين )
.(8الفتح :لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) .(9الذاريات:
وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين * فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم
الصاعقة وهم ينظرون ) .(10القلم :فذرني ومن يكذب بهذا الحديث *
سنستدرجم من حيث ل يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين ) .(11المدثر:
ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مال ممدودا * وبنين
) (1العنكبوت (2) .53 :لقمان (3) .24 :فاطر (4) .45 :يس(5) .44 - 43 :
المؤمن (6) .5 - 4 :السجدة (7) .45 :الشورى (8) .21 :الزخرف:
(9) .29الفتح (10) .25 :الذاريات (11) .43 - 44 :القلم45 - 44 :
)*(.
][381
شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كل إنه كان لياتنا عنيدا ).(1
المرسلت :كلوا وتمتعوا قليل إنكم مجرمون ) .(2الطارق :إنهم يكيدون
كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) - 1 .(3لى :عن ماجيلويه،
عن عمه ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن محمد بن سنان عن إبراهيم بن زياد،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال تبارك وتعالى أهبط ملكا إلى
الرض فلبث فيها دهرا طويل ثم عرج إلى السماء فقيل له :ما رأيت ؟
قال :رأيت عجايب كثيرة ،وأعجب ما رأيت أني رأيت عبدا متقلبا في
نعمتك ،يأكل رزقك ،ويدعي الربوبية ،فعجبت من جرئته عليك ومن حلمك
عنه ،فقال ال جل جلله :فمن حلمي عجبت ؟ قال :نعم ،قال :قد أمهلته
أربعمائة سنة ل يضرب عليه عرق ،ول يريد من الدنيا شيئا إل ناله ،ول
يتغير عليه فيها مطعم ول مشرب ) - 2 .(4ل :عن ابن الوليد ،عن محمد
العطار وأحمد بن إدريس معا ،عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير ،عن
الحسين بن مصعب قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن ل عز وجل في
كل يوم وليلة ملكا ينادي :مهل مهل عباد ال عن معاصي ال فلول بهائم
رتع ،وصبية ،رضع ،وشيوخ ركع ،لصب عليكم العذاب صبا ترضون به
رضا ) - 3 .(5ع :الفامي ،عن محمد الحميري ،عن أبيه ،عن هارون ،عن
ابن صدقة عن الصادق عليه السلم عن آبائه عليهم السلم أن رسول ال
صلى ال عليه وآله قال :إن ال عزوجل إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في
المعاصي ،وفيها ثلث نفر من المؤمنين ناداهم جل جلله
) (1المدثر (2) .16 - 11 :المرسلت (3) .46 :الطارق (4) .17 - 15 :ل يوجد
في المالى (5) .الخصال ج 1ص .(*) 64
][382
وتقدست أسماؤه :يا أهل معصيتي لول ما فيكم من المؤمنين المتحابين بجللي
العامرين بصلتهم ارضي ومساجدي ،المستغفرين بالسحار خوفا مني،
لنزلت بكم عذابي ثم ل أبالي ) .(1ع :عن أبيه ،عن الحميري مثله )4 .(2
-ع :أبي ،عن محمد العطار ،عن العمركي .عن علي بن جعفر عن أخيه،
عن أبيه ،عن علي عليهم السلم قال :إن ال عزوجل إذا أراد أن يصيب
أهل الرض بعذاب قال :لول الذين يتحابون بجللي ،ويعمرون مساجدي
ويستغفرون بالسحار لنزلت عذابي ) .(3ثو :عن أبيه ،عن علي بن
الحسن الكوفي ،عن أبيه ،عن ابن المغيرة ،عن السكوني ،عن الصادق،
عن آبائه عليهم السلم مثله ) - 5 .(4ع :ابن المتوكل ،عن السعد آبادي،
عن البرقي ،عن علي بن الحكم عن ابن عميرة ،عن ابن طريف ،عن ابن
نباتة قال :قال امير المؤمنين عليه السلم :إن ال عزوجل ليهم بعذاب أهل
الرض جميعا حتى ل يريد أن يحاشى منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي،
واجترحوا السيئات ،فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات
والولدان يتعلمون القرآن رحمهم وأخر عنهم ذلك ) - 6 .(5شى :عن
يونس بن ظبيان ،عن ابي عبد ال عليه السلم قال :إن ال يدفع بمن
يصلي من شيعتنا عمن ل يصلي من شيعتنا ،ولو أجمعوا على ترك الصلة
لهلكوا وإن ال يدفع بمن يصوم منهم عمن ل يصوم من شيعتنا ،ولو
أجمعوا على ترك الصيام لهلكوا ،وإن ال يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن
ل يزكي منهم ،ولو اجتمعوا
) (1علل الشرائع ج 1ص (2) .234علل الشرائع ج 2ص (3) .209علل
الشرائع ج 1ص (4) .208ثواب العمال (5) .161 :علل الشرائع ج 2
ص .(*) 208
][383
على ترك الزكاة لهلكوا ،وإن ال ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن ل يحج منهم ولو
اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا ،وهو قول ال تعالى " :ولول دفع ال
الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالمين " )
(1فوال ما أنزلت إل فيكم ،ول عني بها غيركم ) - 7 .(2ختص :عن
ربعي ،عن عمر بن يزيد قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ما
عذب ال قرية فيها سبعة من المؤمنين ) - 8 .(3نهج :قال عليه السلم :يا
ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره ).(4
وقال عليه السلم :في كلم له :الحذر الحذر فوال لقد ستر حتى كأنه غفر
) .(5وقال عليه السلم :كم من مستدرج بالحسان إليه ،ومغرور بالستر
عليه ،ومفتون بحسن القول فيه ،وما ابتلى ال أحدا بمثل الملء له ).(6
وقال عليه السلم :أيها الناس ليراكم ال من النعمة وجلين كما يراكم من
النقمة فرقين ،إنه من وسع عليه في ذات يده ،فلم ير ذلك استدراجا فقد
أمن مخوفا ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيع
مأمول ).(7
) (1البقرة (2) .251 :تفسير العياشي ج 1ص (3) .135الختصاص(4) .30 :
نهج البلغة الرقم 24من الحكم (5) .نهج البلغة الرقم 29من الحكم) .
(6نهج البلغة الرقم 116من الحكم (7) .نهج البلغة الرقم 358من
الحكم )*(.
][384
) - 140 -باب( * " )النهى عن التعيير بالذنب أو العيب ،والمر بالهجرة( " * *
" )عن بلد أهل المعاصي( " * اليات :النساء :إن الذين توفيهم الملئكة
ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالواكنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن
أرض ال واسعة فتهاجروا فيها ) .(1العنكبوت :يا عبادي الذين آمنوا إن
أرضي واسعة فاياي فاعبدون ) .(2الزمر :أرض ال واسعة ) - 1 .(3كا:
عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن حسين بن عثمان عن رجل،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أنب مؤمنا أنبه ال في الدنيا
والخرة ) (4بيان :قال الجوهري :أنبه تأنيبا عنفه ولمه ،وتأنيبه عزوجل
إما على الحقيقة ففي الخر ظاهر ،وفي الدنيا وإن لم يستمع لكن يفتضح
عند الملء العلى ،ويعلمه باخبار المخبر الصادق وأمثال ذلك من نداء ال
تعالى مع عدم سماعه كثيرة ،والكل محمول على ذلك .وإما المراد به
إفشاء عيوبه وابتلؤه بمثله في الدنيا وعقابه على التأنيب في الخرة على
المشاكلة ،أو تسمية المسبب باسم السبب - 2 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن
ابن أبي عمير ،عن إسماعيل بن عمار ،عن إسحاق عن عمار ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من أذاع
فاحشة كان كمبتدئها ،ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه ) .(5بيان:
الفاحشة كل ما نهى ال عزوجل عنه ،وربما يخص بما يشتد قبحه من
الذنوب " كان كمبتدئها " أي فاعلها ،وإنما عبر عنه بالمبتدئ لن المذيع
كالفاعل ،فهو بالنسبة إليه مبتدئ ،ويحتمل أن يكون المراد بالفاحشة
) (1النساء (2) .97 :العنكبوت (3) .56 :الزمر (5 - 4) .10 :الكافي ج 2ص
.(*) 356
][385
البدعة القبيحة ،والمعنى من عمل بها وأفشاها بين الناس كان عليه كوزر من
ابتدعها أول ،وهذا بالنظر إلى البتداء أظهر ،كالول بالنسبة إلى الذاعة.
في القاموس بدأ به -كمنع -ابتدء ،والشئ فعله ابتداء كأبداه وابتداه .وقد
يقال :هذا الوعيد إنما هو في ذوي الهيئات الحسنة ،وفيمن لم يعرف بأذية
ول فساد في الرض ،وأما المولعبن بذلك ،الذين ستروا غير مرة فلم يكفوا
فل يبعد القول بكشفهم ،لن الستر عليهم من المعاونة على المعاصي
وستر من يندب إلى ستره ،إنما هو في معصية مضت ،وأما في معصية هو
متلبس بها ،فل يبعد القول بوجوب المبادرة إلى إنكارها ،والمنع منها لمن
قدر عليه ،فان لم يقدر رفع إلى والي المر ،ما لم يؤد إلى مفسدة أشد.
وأما جرح الشاهد والراوي والمناء على الوقاف والصدقات وأموال
اليتام فيجب الجرح عند الحاجة إليه ،لنه تترتب عليه أحكام شرعية ،ولو
رفع إلى المام مايندب الستر فيه لم يأثم ،إذا كانت نيته رفع معصية ال ل
كشف ستره وجرح الشاهد إنما هو عند طلب ذلك منه ،أو يرى حاكما يحكم
بشهادته ،وقد علم منه ما يبطلها ،فل يبعد القول بحسن رفعه - 3 .كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن ابن فضال ،عن حسين بن عمر بن سليمان ،عن
معاوية بن عمار ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من لقي أخاه بما
يؤنبه أنبه ال في الدنيا والخرة ) .(1بيان " :بما يؤنبه " كأن كلمة " ما
" مصدرية فالمستتر في " يؤنبه " راجع إلى " من " ويحتمل أن تكون
موصولة فيحتمل إرجاع المستتر إلى " من " أيضا بتقدير العائد اي بما
يؤنبه به ،أو إلى ما نفي ،والسناد تجوز - 4ما :المفيد ،عن ابي غالب
الزراري ،عن جده محمد بن سليمان ،عن محمد بن خالد ،عن ابن حميد،
عن الحذاء ،عن الباقر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من
) (1الكافي ج 2ص .356
][386
نفسه ،وأن يعير الناس بما ل يستطيع تركه ،وأن يوذي جليسه بما ل يعنيه ) .(1ل
-العطار ،عن سعد ،عن البرقي ،عن بكر بن صالح ،عن ابن فضال عن
عبد ال بن إبراهيم ،عن الحسين بن زيد ،عن أبيه ،عن آبائه عليهم
السلم ،عن النبي صلى ال عليه وآله مثله ) - 5 .(2فس :في رواية أبي
الجارود ،عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " :يا عبادي الذين آمنوا إن
أرضي واسعة " ) (3يقول :ل تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان
خفتموهم أن يفتنوكم على دينكم فان أرضي واسعة ،وهو يقول " :فيم كنتم
قالوا كنا مستضعفين في الرض " فقال " ألم تكن ارض ال واسعة
فتهاجروا فيها " ) - 6 .(4ل :عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري،
عن ابن عيينة ،عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السلم قال :كان
آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران عليهما السلم أن قال له :ل
تعيرن أحدا بذنب ،وإن أحب المور إلى ال عزوجل ثلثة :القصد في
الجدة ،والعفو في المقدرة ،والرفق بعباد ال ،وما رفق أحد بأحد في الدنيا
إل رفق ال عزوجل به يوم القيامة ،ورأس الحكم مخافة ال تبارك وتعالى
) .(5أقول :قد مضى في باب جوامع مساوي الخلق ،عن أبي عبد ال
عليه السلم أنه قال :سبعة يفسدون أعمالهم ،وذكر منهم السريع إلى
لئمة إخوانه ) - 7 .(6ص :عن الصدوق ،عن محمد العطار ،عن الحسين
بن إسحاق ،عن علي بن مهزيار ،وعن الحسين بن سعيد ،عن عثمان بن
عيسى ،عن ابن مسكان ،عن سدير عن ابي جعفر عليه السلم قال :لما
فارق موسى الخضر عليه السلم قال موسى :أوصني ! فقال
) (1أمالى الطوسى ج 1ص (2) .105الخصال ج 1ص (3) .54العنكبوت.56 :
) (4تفسير القمى 497 :والية في النساء (5) .97 :الخصال ج 1ص
(6) .54راجع ج 72ص ،195نقله عن الخصال ج 2ص .(*) 5
][387
الخضر :الزم مال يضرك معه شئ ،كما ل ينفعك من غيره شئ ،إياك واللجاجة
والمشي إلى غير حاجة ،والضحك في غير تعجب ،يا ابن عمران ! ل
تعيرن أحدا بخطيئة ،وابك على خطيئتك - 8 .نهج :ليس بلد أحق بك من
بلد ،خير البلد ما حملك )) - 141 - .(1باب( * " )وقت ما يغلظ على
العبد في المعاصي( " * " )واستدراج ال تعالى( " اليات :فاطر :وهم
يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم
ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ).(2
أقول :قد مضى بعض أخبار الستدراج في باب الملء والمهال على
الكفار والفجار والستدراج فل تغفل - 1 .ع :عن ابن الوليد ،عن الصفار،
عن البرقي ،عن علي بن الحكم ،عن عبد ال بن جندب ،عن سفيان بن
السمط قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إذا أراد ال عزوجل بعبد خيرا
فأذنب تبعه بنقمة ويذكره الستغفار ،وإذا أراد ال بعبد شرا فأذنب ذنبا
تبعه بنعمة لينسيه الستغفار ،ويتمادى به ،وهو قول ال عزوجل "
سنستدرجهم من حيث ل يعلمون " ) (3بالنعم عند المعاصي ).(4
) (1نهج البلغة الرقم ،442من الحكم (2) .فاطر (3) .37 :العراف(4) .182 :
علل الشرائع ج 2ص ،248وفي الكافي ج 2ص ،452باب الستدراج
مثل ذلك وشرحه في مرآت العقول ج 2ص .(*) 423
][388
- 2ل :أبي ،عن سعد ،عن البرقي رفعه إلى ابي عبد ال عليه السلم في قول ال
عزوجل " :أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " ) (1قال :توبيخ لبن
ثمان عشرة سنة ) - 3 .(2ثو ) (3ل :أبي ،عن سعد ،عن سلمة بن
الخطاب ،عن أحمد بن عبد الرحمان عن إسماعيل بن عبد الخالق ،عن
محمد بن طلحة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال ليكرم ابن
السبعين ويستحيي من ابن الثمانين ) - 4 .(4ل :ابن الوليد ،عن الصفار،
عن ابن هاشم ،عن محمد بن علي المنقري ،عن يحيى بن المبارك ،عن
عبد ال بن جبلة ،عن إسحاق بن عمار ،عن ابي عبد ال ،عن أبيه ،عن
آبائه ،عن علي عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من
عمر أربعين سنة سلم من الدواء الثلثة :من الجنون ،والجذام ،والبرص،
ومن عمر خمسين سنة رزقه ال النابة إليه ،ومن عمر ستين سنة هون
ال حسابه يوم القيامة ،ومن عمر سبعين سنة كتبت حسناته ولم تكتب
سيئاته ،ومن عمر ثمانين سنة غفر ال ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،ومشى
على الرض مغفورا له ،وشفع في أهل بيته ) - 5 .(5لى :عن أبيه ،عن
سعد ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن داود بن النعمان ،عن سيف
التمار ،عن أبي بصير قال :قال الصادق عليه السلم :إن العبد لفي فسحة
من أمره ما بينه وبين أربعين سنة ،فإذا بلغ أربعين سنة أوحى ال
عزوجل إلى ملكيه :إني قد عمرت عبدي عمرا فغلظا وشددا وتحفظا،
واكتبا عليه قليل عمله وكثيره ،وصغيره وكبيره ) .(6ل :عن ابن الوليد،
عن أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن محمد بن السندي ،عن علي بن
الحكم مثله ).(7
) (1فاطر (2) .37 :الخصال ج 2ص (3) .96ثواب العمال (4) .171 :الخصال
ج 2ص (5) .115الخصال ج 2ص (6) .114أمالى الصدوق) .23 :
(7الخصال ج 2ص .(*) 115
][389
- 6ل :بهذا السناد ،عن أبي بصير قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إذا بلغ العبد
ثلثا وثلثين سنة ،فقد بلغ اشده ،وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه فإذا
طعن في إحدى وأربعين فهو في النقصان وينبغي لصاحب الخمسين أن
يكون كمن كان في النزع ) - 7 .(1ل :بهذا السناد ،عن أبي بصير قال:
قال أبو جعفر عليه السلم :إذا أتت على العبد أربعون سنة قيل له :خذ
حذرك ،فانك غير معذور ،وليس ابن أربعين سنة أحق بالعذر من ابن
عشرين سنة ،فان الذي يطلبهما واحد ،وليس عنهما براقد فاعمل لما
أمامك من الهول ،ودع عنك فضول القول ) - 8 .(2ل :عن أبيه ،عن
العطار ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن ابن معروف عن ابن أبي نجران ،عن
محمد بن القاسم ،عن علي بن المغيرة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
سمعته يقول :إذا بلغ المرء أربعين سنة آمنه ال عزوجل من الدواء
الثلثة الجنون والجذام والبرص ،فإذا بلغ الخمسين خفف ال حسابه ،فإذا
بلغ الستين رزقه ال النابة إليه ،فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ،فإذا
بلغ الثمانين أمر ال باثبات حسناته وإلقاء سيئاته ،فإذا بلغ التسعين غفر
ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب اسير ال في ارضه ) .(3ثو :عن
ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن معروف مثله ) - 9 .(4ل :وفي حديث
آخر فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر ،وروي أن أرذل العمر أن يكون عقله
عقل ابن سبع سنين ) - 10 .(5ل :عن محمد بن الفضل ،عن محمد بن
إسحاق المذكر ،عن محمد بن يعقوب الصم ،عن بكر بن سهل ،عن عبد
ال بن المهاجر ،عن ابن وهب ،عن حفص بن ميسرة ،عن زيد بن أسلم،
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما من معمر يعمر
) (3 - 1الخصال ج 2ص (4) .115ثواب العمال (5) .171 :الخصال ج 1ص
.(*) 115
][390
أربعين سنة إل صرف ال عنه ثلثة أنواع من البلء :الجنون والجذام والبرص،
فإذا بلغ الخمسين لين ال عليه حسابه ،فإذا بلغ الستين رزقه ال النابة
إليه بما يحب ويرضى ،فإذا بلغ السبعين أحبه ال وأحبه أهل السماء ،فإذا
بلغ الثمانين قبل ال حسناته وتجاوز عن سيئاته ،فإذا بلغ التسعين غفر
ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمي أسير ال في أرضه ،وشفع في
أهل بيته ) .(1ل :عن ابن بندار ،عن أبي العباس الحمادي ،عن محمد بن
علي الصائغ عن إبراهيم بن المنذر ،عن عبد ال بن محمد بن حسين ،عن
محمد بن عبد ال بن عمر بن عثمان ،عن أنس ،عن النبي صلى ال عليه
وآله مثله ) - 11 .(2ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن سلمة بن الخطاب ،عن
علي بن الحسين عن أحمد بن محمد المؤدب ،عن عاصم بن حميد ،عن
خالد القلنسي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال يستحيي من
أبناء الثمانين أن يعذبهم .وقال عليه السلم :يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع
إليه كتابه ظاهره مما يلي الناس ل يرى إل مساوي فيطول ذلك عليه،
فيقول :يا رب أتأمر بي إلى النار فيقول الجبار جل جلله :يا شيخ إني
أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي لي في دار الدنيا ،اذهبوا بعبدي إلى
الجنة ) - 12 .(3جع :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن ال تعالى
ينظر في وجه الشيخ المؤمن صباحا ومساء فيقول :يا عبدي كبر سنك،
ودق عظمك ،ورق جلدك ،وقرب أجلك وحان قدومك علي فاستح مني فأنا
أستحي من شيبتك أن أعذبك بالنار .وقال رسول ال صلى ال عليه وآله
عن ال جل جلله :الشيبة نوري فل أحرق نوري بناري .وعن حازم بن
حبيب الجعفي قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إذا بلغت ستين
) 1و (2الخصال ج 2ص (3) .116الخصال ج 2ص (4) .115جامع الخبار:
.(*) 107
][391
سنة فاحسب نفسك في الموتى .قال النبي صلى ال عليه وآله :أبناء الربعين زرع
قد دنى حصاده ،أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ؟ أبناء الستين
هلموا إلى الحساب ل عذر لكم ،أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى.
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال ليكرم أبناء السبعين ،ويستحيي
من أبناء الثمانين أن يعذبهم )) * - 142 - .(1باب( * * " )من أطاع
المخلوق في معصية الخالق( " * - 1كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه،
عن النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :من طلب رضى الناس بسخط ال جعل ال حامده
من الناس ذاما ) .(2بيان " :من طلب رضى الناس بسخط ال " هذا
النوع في الخلق كثير ،بل أكثرهم كذلك كالذين تركوا متابعة أئمة الحق
لرضا ائمة الجور وطلب ما عندهم ،وكأعوان السلطين الجائرين وعمالهم
والمتقربين إليهم بالباطل ،والمادحين لهم على قبائح أعمالهم ،وكالذين
يتعصبون للهل والعشائر بالباطل ،وكشاهد الزور والحاكم بالجور بين
المتخاصمين طلبا لرضا أهل العزة والغلبة ،والذين يساعدون المغتابين ول
ينزجرون عنها طلبا لرضاهم ،ولئل يتنفروا من صحيته وأمثال ذلك كثيرة.
" وجعل حامده من الناس ذاما " اي بعد ذلك الحمد أو يحمدونه بحضرته
ويذمونه في غيبته أو يكون المراد بالحامد من يتوقع منهم المدح.
][392
- 2كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن إسماعيل بن مهران عن
يوسف بن عميرة ،عن عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من طلب مرضاة الناس
بما يسخط ال كان حامده من الناس ذاما ،ومن آثر طاعة ال بغضب الناس
كفاه ال عداوة كل عدو ،وحسد كل حاسد ،وبغي كل باغ ،وكان ال
عزوجل له ناصرا وظهيرا ) .(1بيان :المرضاة مصدر ميمي " ومن آثر
طاعة ال " اي في موضع غير التقية فانها طاعة ال في هذا الموضع،
والظهير المعين - 3 .كا :عنه ،عن شريف بن سابق ،عن الفضل بن ابي
قرة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كتب رجل إلى الحسين صلوات ال
عليه :عظني بحرفين ؟ فكتب إليه :من حاول أمرا بمعصية ال كان أفوت
لما يرجو ،واسرع لمجئ ما يحذر ) .(2بيان " :بحرفين " اي بجملتين،
وما ذكره عليه السلم مع العطف في حكم جملتين ويحتمل أن يكون
الحرفان كناية عن الختصار في الكلم " ،من حاول " اي رام وقصد
واللم في قوله " :لما يرجو " و " لمجئ " للتعدية - 4 .كا :عن ابي
علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن صفوان ،عن العلء ،عن
محمد بن مسلم قال :قال أبو جعفر عليه السلم :ل دين لمن دان بطاعة من
عصى ال ،ول دين لمن دان بفرية باطل على ال ،ول دين لمن دان بجحود
شئ من آيات ال ) .(3بيان " :لدين " اي ل إيمان أو ل عبادة " لمن
دان " أي عبد ال " بطاعة من عصى ال " اي غير المعصوم ،فانه ل
يجوز طاعة غير المعصوم في جميع المور وقيل :من عصى ال من يكون
حكمه معصية ولم يكن أهل للفتوى " لمن دان " اي اعتقد ،اي عبد ال
بافتراء الباطل على ال ،اي جعل هذا الفتراء عبادة أو جعل عبادته مبنية
على الفتراء.
) (1الكافي ج 2ص (3 - 2) .372الكافي ج 2ص .(*) 373
][393
" بجحود شئ من آيات ال " اي أنكر شيئا من محكمات القرآن ،ويحتمل أن يكون
المراد باليات الئمة عليهم السلم - 5 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن
أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم
عن جابر بن عبد ال ]النصاري[ قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
من أرضى سلطانا جائرا بسخط ال خرج من دين ال ) .(1بيان :يمكن
حمله على من ارضى خلفاء الجور بانكار ائمة الحق أو شئ من
ضروريات الدين - 6 .ن :بالسانيد الثلثة عن الرضا ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال امير المؤمنين عليه السلم :ل دين لمن دان بطاعة
المخلوق في معصية الخالق ) .(2صح :عنه عليه السلم مثله )- 7 .(3
ن :بالسناد إلى دارم ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :من أرضى سلطانا بما يسخط ال خرج من دين
ال عزوجل ) - 8 .(4ل :عن العطار ،عن أبيه ،عن عبد ال بن محمد بن
عيسى ،عن أبيه ،عن ابن المغيرة ،عن السكوني ،عن الصادق ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من طلب رضى
الناس بسخط ال جعل ال حامده من الناس ذاما ) - 9 .(5ما :عن المفيد،
عن ابي غالب الزراري ،عن عمه علي بن سليمان عن الطيالسي ،عن
العل ،عن محمد ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :ل دين لمن دان بطاعة
من عصى ال ،ول دين لمن دان بفرية باطل على ال ،ول دين لمن دان
) (1الكافي ج 2ص (2) .373عيون الخبار ج 2ص (3) .43صحيفة الرضا
عليه السلم (4) .34 :عيون الخبار ج 2ص (5) .69الخصال ج 1ص
.(*) 5
][394
بجحود شئ من آيات ال ) - 10 .(1لى :عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه ،عن
صفوان ،عن الكناني ،عن الصادق عليه السلم قال :قال النبي صلى ال
عليه وآله :ل تسخطوا ال برضا أحد من خلقه ،ول تتقربوا إلى أحد من
الخلق بتباعد من ال عزوجل ،فان ال ليس بينه وبين أحد من الخلق شئ
يعطيه به خيرا أو يصرف به عنه سوءا ،إل بطاعته وابتغاء مرضاته إن
طاعة ال نجاح كل خير يبتغى ،ونجاة من كل شر يتقى ،وإن ال يعصم من
أطاعه ول يعتصم منه من عصاه ،ول يجد الهارب من ال مهربا فان أمر
ال نازل باذلله ،ولو كره الخلئق ،وكل ما هو آت قريب ،ما شاء ال كان،
وما لم يشأ لم يكن )) - 143 - .(2باب( * " )التكلف والدعوى( " *
اليات :ص :وما أنا من المتكلفين ) - 1 .(3مص :قال الصادق عليه
السلم :المتكلف مخطئ وإن أصاب ،والمتطوع مصيب وإن أخطأ،
والمتكلف ل يستجلب في عاقبة أمره إل الهوان ،وفي الوقت إل التعب
والعنا والشقاء ،والمتكلف ظاهره رياء ،وباطنه نفاق ،فهما جناحان يطير
بهما المتكلف .وليس في الجملة من أخلق الصالحين ول من شعار
المتقين التكلف في أي باب كان ،قال ال عزوجل لنبيه صلى ال عليه
وآله " :قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " وقال عليه
السلم :نحن معاشر النبياء والولياء براء من التكلف.
) (1أمالى الطوسى ج 1ص (2) .76أمالى الصدوق (3) .293 :سورة ص86 :
)*(.
][395
فاتق ال واستقم نفسك يغنك عن التكلف ،ويطبعك بطباع اليمان ،ول تشتغل بطعام
آخره الخل ،ولباس آخره البل ،ودار آخرها الخراب ،ومال آخره الميراث،
وإخوان آخرهم الفراق ،وعز آخره الذل ،ووقار آخره الجفا وعيش آخره
الحسرة ) - 2 .(1مص :قال الصادق عليه السلم :الدعوى بالحقيقة
للنبياء والئمة والصديقين والئمة عليهم السلم وأما المدعي بغير واجب
فهو كابليس اللعين ،ادعى النسك وهو على الحقيقة منازع لربه ،مخالف
لمره ،فمن ادعى أظهر الكذب ،والكاذب ل يكون أمينا ،ومن ادعى فيما ل
يحل له فتح عليه ابواب البلوى ،والمدعي يطالب بالبينة ل محالة ،وهو
مفلس فيفتضح ،والصادق ل يقال له :لم .قال أمير المؤمنين عليه السلم:
الصادق ل يراه أحد إل هابه ) - 3 .(2نهج :من كابد المور عطب ومن
اقتحم اللجج غرق )) - 144 - .(3باب الفساد( * - 1مص :قال الصادق
عليه السلم :فساد الظاهر من فساد الباطن ،ومن اصلح سريرته اصلح ال
علنيته ،ومن خاف ال في السر لم يهتك ستره في العلنية وأعظم الفساد
أن يرضى العبد بالغفلة عن ال ،وهذا الفساد يتولد من طول المل
والحرص والكبر كما أخبر ال عزوجل في قصة قارون في قوله " :ول
تبغ الفساد في الرض إن ال ل يحب المفسدين " ) (4وكانت هذه الخصال
من صنع قارون واعتقاده .وأصلها من حب الدنيا وجمعها ،ومتابعة النفس
وهواها ،وإقامة
) (1مصباح الشريعة (2) .24 :مصباح الشريعة (3) .63 :نهج البلغة الرقم 349
من الحكم (4) .القصص.(*) 77 ،
][396
شهواتها ،وحب المحمدة ،وموافقة الشيطان ،واتباع خطواته ،وكل ذلك يجتمع
بحسب الغفلة عن ال ونسيان مننه .وعلج ذلك الفرار من الناس ،ورفض
الدنيا ،وطلق الراحة والنقطاع عن العادات ،وقلع عروق منابت
الشهوات ،بدوام الذكر ل ،ولزوم الطاعة له واحتمال جفاء الخلق.
وملزمة القربى ،وشماتة العدو من الهل والقرابة فإذا فعلت ذلك فقد
فتحت عليك باب عطف ال ،وحسن نظره إليك بالمغفرة والرحمة وخرجت
من جملة الغافلين ،وفككت قلبك من أسر الشيطان ،وقدمت باب ال في
معشر الواردين إليه ،وسلكت مسلكا رجوت الذن بالدخول على الكريم،
الجواد الملك الرحيم ،واستيطاء بساطه على شرط الدب ،ول تحرم
سلمته وكرامته لنه الملك الكريم الجواد الرحيم )) * - 145 - .(1باب( *
* " )القسوة والخرق والمراء والخصومة والعداوة( " * أقول :قد مر
كثير من أخبار هذا الباب في مطاوي أبواب الكفر ومساوي الخلق كما ل
يخفى - 1 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن محمد بن حفص ،عن
إسماعيل ابن دبيس ) (2عمن ذكره ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا
خلق ال العبد في أصل الخلقة كافرا لم يمت حتى يحبب ال إليه الشر
فيقرب منه ،فابتله بالكبر والجبرية فقسا قلبه ،وساء خلقه ،وغلظ وجهه،
وظهر فحشه ،وقل حياؤه وكشف ال ستره ،وركب المحارم ،فلم ينزع
عنها ،ثم ركب معاصي ال وأبغض طاعته ،ووثب على الناس ل يشبع من
الخصومات ،فاسألوا ال العافية واطلبوها منه ).(3
) (1مصباح الشريعة (2) .56 :خنيس خ ل (3) .الكافي ج 2ص .(*) 330
][397
بيان :قيل :قوله " كافرا " حال عن العبد ،فل يلزم أن يكون كفره مخلوقا ل تعالى.
أقول :كأنه على المجاز ،فانه تعالى لما خلقه عالما بأنه سيكفر فكأنه خلقه
كافرا ،أو الخلق بمعنى التقدير ،والمعاصي يتعلق بها التقدير ببعض
المعاني كما مر تحقيقه ،وكذا تحبيب الشر إليه مجاز فانه لما سلب عنه
التوفيق لسوء أعماله وخلى بينه وبين نفسه وبين الشيطان ،فأحب الشر،
فكأن ال حببه إليه قال سبحانه " حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم
وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان " ) (1وإن كان الظاهر أن الخطاب
لخلص المؤمنين " .فيقرب منه " اي العبد من الشر أو الشر من العبد
وعلى التقديرين كأنه كناية عن ارتكابه ،وقال الجوهري :يقال فيه جبرية
وجبروة وجبروت وجبورة مثال فروجه أي كبر ) (2وغلظ الوجه كناية
عن العبوس أو الخشونة وقلة الحياء " وكشف ال ستره " كناية عن
ظهور عيوبه للناس ،وقيل :المراد كشف ستره الحاجز بينه وبين القبايح،
وهو الحياء ،فيكون تأكيدا لما قبله ،واقول :الول اظهر كما ورد في الخبر.
" وركب المحارم " اي الصغائر مصرا عليها لقوله " فلم ينزع عنها "
أي لم يتركها " ثم ركب معاصي ال " أي الكبائر ،وقيل :المراد بالول
الذنوب مطلقا ،وبالثاني حبها أو استحللها بقرينة قوله " وأبغض طاعته
" لن بغض الطاعة يستلزم حب المعصية ،أو المراد بها ذنوبه بالنسبة
إلى الخلق ،والوثوب على الناس كناية عن المجادلت والمعارضات- 2 .
كا :عن علي ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن ابي عبد ال عليه
السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :لمتان :لمة من الشيطان،
ولمة من الملك
][398
فلمة الملك الرقة والفهم ،ولمة الشيطان السهو والقسوة ) .(1بيان :قال الجزري:
في حديث ابن مسعود لبن آدم لمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان:
اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب اراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب
منه ،فما كان من خطرات الخير فهو من الملك ،وما كان من خطرات الشر
فهو من الشيطان انتهى " .فلمة الملك الرقة والفهم " أي هما ثمرتها أو
علمتها ،والحمل على المجاز لن لمة الملك إلقاء الخير ،والتصديق بالحق
في القلب ،وثمرتها رقة القلب وصفاؤها وميله إلى الخير ،وكذا لمة
الشيطان إلقاء الوساوس والشكوك والميل إلى الشهوات في القلب،
وثمرتها السهو عن الحق والغفلة عن ذكر ال وقساوة القلب - 3 .كا :عن
العدة عن أحمد بن محمد ،عن عمرو بن عثمان ،عن علي بن عيسى رفعه
قال :فيما ناجى ال عزوجل به موسى صلوات ال عليه :يا موسى ل تطول
في الدنيا أملك ،فيقسو قلبك ،والقاسي القلب مني بعيد ) .(2بيان " :ل
تطول في الدنيا أملك " تطويل المل هو أن ينسى الموت ،ويجعله بعيدا
ويظن طول عمره أو يأمل أموال كثيرة ل تحصل إل في عمر طويل ،وذلك
يوجب قساوة القلب ،وصلبته وشدته ،أي عدم خشوعه وتأثره من
المخاوف وعدم قبوله للمواعظ كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب
ووجله عند ذكر ال ،والموت والخرة ،قال الجوهري :قسا قلبه قسوة
وقساوة وقساء وهو غلظ القلب وشدته وأقساه الذنب ويقال :الذنب مقساة
القلب - 4 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن ابيه ،عمن حدثه
عن محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى ،عن أبي جعفر عليه السلم قال:
من قسم له الخرق يحجب عنه اليمان ).(3
) (1الكافي ج 2ص (2) .330الكافي ج 2ص (3) .329الكافي ج 2ص 321
)*(.
][399
بيان :الظاهر أن الخرق عدم الرفق في القول والفعل ،في القاموس الخرق بالضم
وبالتحريك ضد الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل ،والتصرف في المور
والحمق ،وفي النهاية :فيه الرفق يمن والخرق شؤم ،الخرق بالضم الجهل
والحمق انتهى وإنما كان الخرق مجانبا لليمان لنه يؤذي المؤمنين،
والمؤمن من أمن المسلمون من يده ولسانه ،ولنه ل يتهيأ له طلب العلم
الذي به كمال اليمان وهو مجانب لكثير من صفات المؤمنين كما مر ،ثم
إنه إنما يكون مذموما إذا أمكن الرفق ،ولم ينته إلى حد المداهنة في الدين،
كما قال أمير المؤمنين عليه السلم :وارفق ما كان الرفق ارفق ،واعتزم
بالشدة حين ل يغني عنك -أي الرفق -إل الشدة ) - 5 .(1كا :عن علي بن
إبراهيم ،عن هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إياكم والمراء والخصومة
فانهما يمرضان القلوب على الخوان ،وينبت عليهما النفاق .وبإسناده
قال :قال النبي صلى ال عليه وآله :ثلث من لقي ال عزوجل بهن دخل
الجنة من أي باب شاء :من حسن خلقه ،وخشي ال في المغيب والمحضر،
وترك المراء وإن كان محقا ) .(2وبإسناده قال :من نصب ال غرضا
للخصومات ،أوشك أن يكثر النتقال ) .(3بيان :المراء بالكسر مصدر باب
المفاعلة ،وقيل :هو الجدال والعتراض على كلم الغير ،من غير غرض
ديني ،وفي مفردات الراغب :المتراء والممارات المحاجة فيما فيه مرية،
وهي التردد في المر ،وفي النهاية فيه ل تماروا في القرآن فان المراء فيه
كفر ،المراء الجدال والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك
والريبة ،ويقا للمناظرة مماراة لن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه
) (1نهج البلغة الرقم 41من الرسائل (2) .الكافي ج 2ص (3) .300الكافي ج
2ص .(*) 301
][400
ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع ،قال أبو عبيد :ليس وجه الحديث
عندنا على الختلف في التأويل ،ولكنه على الختلف في اللفظ ،وهو أن
يقرأ الرجل على حرف فيقول الخر ليس هو هكذا ،ولكنه على خلفه،
وكلهما منزل مقروء بهما ،فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم
يؤمن أن يكون يخرجه ذلك إلى الكفر ،لنه نفى حرفا أنزله ال على نبيه.
وقيل :إنما جاء هذا في الجدال والمراء في اليات التي فيها ذكر القدر
ونحوه من المعاني ،على مذهب أهل الكلم ،وأحصاب الهواء والراء،
دون ما تضمنت من الحكام ،وأبواب الحلل والحرام ،لن ذلك قد جرى
بين الصحابة ومن بعدهم من العلماء ،وذلك فيما يكون الغرض والباعث
عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز ،وال أعلم .وقال :فيه ما
أوتي الجدل قوم إل ضلوا ،الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة
والمخاصمة ،والمراد به في الحديث الجدل على الباطل وطلب المغالبة به
فأما المجادلة لظهار الحق فان ذلك محمود لقوله تعالى " :وجادلهم بالتي
هي أحسن " .(1وقال الراغب :الخصم مصدر خصمته اي نازعته خصما
يقال خصمته وخاصمته مخاصمة وخصاما ،وأصل المخاصمة أن يتعلق كل
واحد بخصم الخر أي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب
) .(2وأقول :هذه اللفاظ الثلثة متقاربة المعنى ،وقد ورد النهي عن
الجميع في اايات والخبار ،وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل
العلمية والمخاصمة في المور الدنيوية ،وقد يخص المراء بما إذا كان
الغرض إظهار الفضل والكمال ،والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم
وذلته .وقيل :الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم ،وقيل :ل يكون
المراء إل
][401
اعتراضا بخلف الجدال ،فانه يكون ابتداء واعتراضا ،والجدل أخص من الخصومة
يقال :جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته ،وجادل
مجادلة وجدال إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ،ووضوح الصواب،
والخصومة ل تعتبر فيها الشدة ول الشغل .وقال الغزالي :يندرج في المراء
كل ما يخالف قول صاحبه ،مثل أن يقول هذا حلو فيقول هذا مر أو يقول
من كذا إلى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو يقول شيئا فيقول أنت أحمق،
أو أنت كاذب ،ويندرج في الخصومة كل ما يوجب تأذي خاطر الخر،
وترداد القول بينهما ،وإذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالمور الدينية
والخصومة بغيرها ،أو بالعكس " .فانهما يمرضان القلوب على الخوان "
أي يغيرانها بالعداوة والغيظ وإنما عبر عنها بالمرض لنها توجب شغل
القلب وتوزع البال وكثرة التفكر وهي من أشد المحن والمراض ،وأيضا
توجب شغل القلب عن ذكر ال ،وعن حضور القلب في الصلة وعن التفكر
في المعارف اللهية ،وخلوها عن الصفات الحسنة وتلوثها بالصفات
الذميمة ،وهي من أشد المراض النفسانية والدواء الروحانية كما قال
تعالى " :في قلوبهم مرض " ) " .(1وينبت عليهما النفاق " أي التفاوت
بين ظاهر كل واحد منهما وباطنه بالنسبة إلى صاحبه ،وهذا نفاق أو
النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل الدينية ،فانهما يوجبان
حدوث الشكوك والشبهات في النفس ،والتصلب في الباطل للغلبة على
الخصم ،بل في المور الدنيوية ايضا بالصرار على مخالفة ال تعالى وكل
ذلك من دواعي النفاق .فان قيل :هذا ينافي ما ورد في الخبار واليات من
المر بهداية الخلق والذب عن الحق ،ودفع الشبهات عن الدين ،وقطع
حجج المبطلين ،وقد قال تعالى
][402
" وجادلهم بالتي هي أحسن " ) (1وقال " :ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي
أحسن " ) .(2قلت :هذه الخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض
إظهار الفضل ،أو الغلبة على الخصم ،أو التعصب وترويج الباطل ،أو على
ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة ،وإظهار الحق وكشفه ،فيصير سببا
لمزيد رسوخ الخصم في الباطل ،أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل،
آخر ،أو مع إمكان الهداية باللين واللطف يتعدى إلى الغلظة والخشونة
المثيرتين للفتن ،أو يترك التقية في زمنها ،وأما مع عدم التقية والقدرة
على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل بأوضح
الدليل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء ول مراء
من أعظم الطاعات ،لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي
التحرز عنها والسعي في الخلص فيه أهم من ساير العبادات .ويدل على
ما ذكرنا ما ذكره المام أبو محمد العسكري عليه السلم في تفسيره قال:
ذكر عند الصادق عليه السلم :الجدال في الدين وأن رسول ال صلى ال
عليه وآله والئمة المعصومين عليهم السلم قد نهوا عنه ،فقال الصادق
عليه السلم :لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن
أما تسمعون ال يقول " :ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن "
وقوله تعالى " :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن " فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين
والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه ال تعالى على شيعتنا ،وكيف
يحرم ال الجدال جملة وهو يقول " :وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان
هودا أو نصارى " قال ال تعالى " :تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقين " ) .(3فجعل علم الصدق واليمان بالبرهان ،وهل يؤتى بالبرهان
إل في الجدال بالتي
) (1النحل (2) .125 :العنكبوت (3) .46 :البقرة.(*) 111 :
][403
هي أحسن .قيل :يا ابن رسول ال فما الجدال بالتي هي أحسن ،والتي ليست بأحسن
؟ قال :أما الجدال بغير التي هي أحسن أن تجادل مبطل فيورد عليك باطل
فل ترده بحجة قد نصبها ال تعالى ولكن تجحد قوله ،أو تجحد حقا يريد
ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك
فيه حجة ،لنك ل تدري كيف المخلص منه ،فذلك حرام على شيعتنا أن
يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم ،وعلى المبطلين ،أما المبطلون
فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجة
له على باطله ،وأما الضعفاء منكم فتعمى ) (1قلوبهم لما يرون من ضعف
المحق في يد المبطل .وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر ال تعالى
به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ،فقال ال حاكيا
عنه " :وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " )
(2فقال ال في الرد عليهم " :قل " يا محمد " يحييها الذي أنشأها أول
مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم
منه توقدون " فأراد ال من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال :كيف يجوز
أن يبعث هذه العظام وهي رميم ،فقال ال تعالى " :قل يحييها الذي أنشأها
أول مرة " أفيعجز من ابتدى به ل من شئ أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه
أصعب عندكم من إعادته ،ثم قال " :الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا
" اي إذا كمن النار الحارة في الشجر الخضر الرطب ويستخرجها فعرفكم
أنه على إعادة ما بلى أقدر ،ثم قال " :أو ليس الذي خلق السموات
والرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم " اي إذا كان
خلق السماوات والرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه
من إعادة البالي ،فكيف جوزتم من ال خلق هذا العجب عندكم ،والصعب
لديكم ،ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي ؟ قال الصادق
عليه السلم :فهذا الجدال بالتي هي
) (1فتغم خ ل (2) .يس.(*) 78 :
][404
أحسن ،لن فيها قطع عذر الكافرين ،وإزالة شبههم .وأما الجدال بغير التي هي
أحسن بأن تجحد حقا ل يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله ،وإنما
تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لنك مثله :جحد هو حقا
وجحدت أنت حقا آخر .قال :فقام إليه رجل فقال :يا ابن رسول ال أفجادل
رسول ال صلى ال عليه وآله ؟ فقال الصادق عليه السلم :مهما ظننت
برسول ال صلى ال عليه وآله :مهما ظننت برسول ال صلى ال عليه
وآله من شئ فل تظن به مخالفة ال أو ليس ال تعالى قال " :وجادلهم
بالتي هي أحسن " وقال " :قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " لمن ضرب
ال مثل ،أفتظن أن رسول ال صلى ال عليه وآله خالف ما أمره ال به،
فلم يجادل بما أمره ال ،ولم يخبر عن ال بما أمره أن يخبر به ).(1
وروى أبو عمرو الكشي باسناده عن عبد العلى قال :قلت لبي عبد ال
عليه السلم :إن الناس يعيبون علي بالكلم وأنا أكلم الناس ،فقال :أما
مثلك من يقع ثم يطير فنعم ،وأما من يقع ثم ل يطير ،فل ) .(2وروى أيضا
باسناده عن الطيار قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :بلغني أنك كرهت
مناظرة الناس ،فقال :أما مثلك فل يكره من إذا طار يحسن أن يقع ،وإن
وقع يحسن أن يطير ،فمن كان هكذا ل نكرهه ) .(3وباسناده أيضا عن
هشام بن الحكم قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم :ما فعل ابن الطيار ؟
قال :قلت :مات ،قال :رحمه ال ،ولقاه نضرة وسرورا ،فقد كان شديد
الخصومة عنا أهل البيت ) .(4وباسناده ايضا عن أبي جعفر الحول عن
ابي عبد ال عليه السلم قال :ما فعل ابن الطيار ؟ فقلت :توفي ،فقال:
رحمه ال .ادخل ال عليه الرحمة والنضرة ،فانه كان يخاصم عنا أهل
البيت ).(5
) (1تفسير المام العسكري ص 242و (2) .243رجال الكشى ص (5 - 3) .271
رجال الكشى ص .(*) 298
][405
وباسناده أيضا عن نصر بن الصباح قال :كان أبو عبد ال عليه السلم يقول لعبد
الرحمن بن الحجاج :يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فاني أحب أن يرى في
رجال الشيعة مثلك ) .(1وباسناده ايضا عن محمد بن حكيم قال :ذكر لبي
الحسن عليه السلم اصحاب الكلم فقال :أما ابن حكيم فدعوه ) .(2فهذه
الخبار كلها مع كون أكثرها من الصحاح تدل على تجويز الجدال
والخصومة في الدين على بعض الوجوه ،ولبعض العلماء ،وتؤيد بعض
الوجوه التي ذكرناها في الجمع " .من لقي ال بهن " ) (3أي كن معه إلى
الموت أو في الحشر " دخل الجنة من أي باب شاء " كأنه مبالغة في
إباحة الجنة له ،وعدم منعه منها بوجه " في المغيب والمحضر " أي
يظهر فيه آثار خشية ال بترك المعاصي في حال حضور الناس وغيبتهم
وقيل :أي عدم ذكر الناس بالشر في الحضور والغيبة ،والول اظهر" .
وإن كان محقا " قد مر أنه ل ينافي وجوب إظهار الحق في الدين ،ول
ينافي أيضا جواز المخاصمة لخذ الحق الدنيوي ،لكن بدون التعصب
وطلب الغلبة وترك المداراة ،بل يكتفي بأقل ما ينفع في المقامين ،بدون
إضرار وإهانة وإلقاء باطل ،كما عرفت " .من نصب ال " ) (4النصب
القامة ،والغرض بالتحريك الهدف ،قال في المصباح :الغرض الهدف الذي
يرمي إليه ،والجمع أغراض ،وقولهم :غرضه كذا على التشبيه بذلك ،اي
مرماه الذي يقصده انتهى ،وهنا كناية عن كثرة المخاصمة في ذات ال
سبحانه وصفاته فان العقول قاصرة عن إدراكها ،ولذا نهي عن التفكر
][406
فيها كما مر في كتاب التوحيد ،وكثرة التفكر والخصومة فيها يقرب النسان من
كثرة النتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها ،وعجزها عن إدراكها،
كما ترى من الحكماء والمتكلمين المتصدين لذلك ،فانهم سلكوا مسالك
شتى ،والكتفاء بما ورد في الكتاب والسنة ،وترك الخوض فيها أحوط
وأولى .ويحتمل أن يكون المراد النتقال من الحق إلى الباطل ،ومن اليمان
إلى الكفر ،فان الجدال في ال والخوض في ذاته وكنه صفاته يورثان
الشكوك والشبهة ،قال ال تعالى " :ومن الناس من يجادل في ال بغير
علم ول هدى ول كتاب منير " ) (1وقال جل شأنه " :وإذا رأيت الذين
يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنك إذا
مثلهم " ) (2إلى غير ذلك من اليات في ذلك .و " أولئك " من أفعال
المقاربة بمعنى القرب والدنو ،ومنهم من ذهب هنا إلى ما يترتب على
مطلق الخصومة مع الخلق ،وقال :النتقال التحول من حال إلى حال،
كالتحول من الخير إلى الشر ،ومن حسن الفعال إلى قبح العمال
المقتضية لفساد النظام ،وزوال اللفة واللتيام ،وقيل :المراد كثرة الحلف
بال في الدعاوي والخصومات فانه أو شك أن ينتقل مما حلف عليه إلى
ضده خوفا من العقاب ،فيفتضح بذلك ،ول يخفى ما فيهما - 8 .كا :علي بن
إبراهيم ،عن صالح بن السندي ،عن جعفر بن بشير ،عن عمار بن مروان
قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :ل تمارين حليما ول سفيها ،فان الحليم
يقليك ) (3والسفيه يؤذيك ) .(4بيان :الحليم المعنيين المتقدمين اي العاقل
والمتثبت المتأني في المور والسفيه يحتمل مقابليهما ،والمعنيان
متلزمان غالبا ،وكذا مقابلهما ،والحاصل
) (1الحج (2) .8 :النعام (3) .68 :يغلبك خ ل (4) .الكافي ج 2ص .(*) 301
][407
أن العاقل الحازم المتأني في المور ل يتصدى للمعارضة ،ويصير ذلك سببا لن
يبطن في قلبه العداوة ،والحمق المتهتك يعارض ويؤذي ،في القاموس
قله كرماه ورضيه قلي وقلء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه
أو قله في الهجر وقليه في البغض - 9 .كا :علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي
عمير ،عن الحسن بن عطية ،عن عمر ابن يزيد ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما كاد جبرئيل يأتيني إل
قال :يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم ) .(1بيان " :ما كاد " في
القاموس كاد يفعل كذا قارب وهم ،وفي بعض النسخ " ما كان " وفي
الول المبالغة أكثر اي لم يقرب إتيانه إل قال ،والشحناء بالفتح البغضاء
والعداوة ،والضافة إلى المفعول أي العداوة مع الرجال ،ويحتمل الفاعل
أيضا أي العداوة الشايعة بين الرجال ،والول أظهر " وعداوتهم " تأكيد
أو المراد بالول فعل ما يوجب العداوة أو إظهارها قال في المصباح:
الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا من باب العداوة أو
إظهارها قال في المصباح :الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا
من باب تعب حقدت وأظهرت العداوة ومن باب نفع لغة - 10 .كا :عن عدة
من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن الحسن بن
الحسين الكندي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال جبرئيل عليه
السلم للنبي صلى ال عليه وآله :إياك وملحاة الرجال ) .(2بيان :قال في
النهاية فيه :نهيت عن ملحاة الرجال ،أي مقاولتهم ومخاصمتهم يقال:
لحيت الرجل ألحاه إذا لمته وعذلته ،ولحيته ملحاة ولحاء إذا نازعته11 .
-كا :عنه ،عن عثمان بن عيس ،عن عبد الرحمن بن سيابة ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إياكم والمشارة فانها تورث المعرة ،وتظهر العورة )
.(3بيان :في النهاية فيه :ل تشار أخاك ،هو تفاعل من الشر اي ل تفعل
به شرا يحوجه إلى أن يفعل بك مثله ،ويروى بالتخفيف وفي الصحاح
المشارة المخاصمة " فانها تورث المعرة " قال في القاموس :المعرة الثم
والذى والغرم والدية والخيانة
][408
" وتظهر العورة " أي العيوب المستورة .وقال الجوهري :العورة سوءة النسان
وكل ما يستحيى منه ،وفي بعض النسخ المعورة اسم فاعل من أعور الشئ
إذا صار ذا عوار أو ذا عورة ،وهي العيب والقبيح وكل شئ يستره
النسان أنفة أو حياء فهو عورة ،والمراد بها هنا القبيح من الخلق
والفعال ،وعلى النسختين المراد ظهور قبايحه وعيوبه إما من نفسه فانه
عند المشاجرة والغضب ل يملكها فيبدو منه ما كان يخفيه ،أو من خصمه
فان الخصومة سبب لظهار الخصم قبح خصمه ،لينتقص منه ،ويضع قدره
بين الناس - 12 .كا :محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن
ابن محبوب ،عن عنبسة العابد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إياكم
والخصومة ،فانها تشغل القلب وتورث النفاق ،وتكسب الضغاين ).(1
بيان " :فانها تشغل القلب " عن ذكر ال وبالتفكر في الشبه والشكوك
والحيل لدفع الخصم وبالغم والهم أيضا ،والضغاين جمع الضغينة وهي
الحقد وتضاغنوا انطووا على الحقاد - 13 .كا :محمد بن يحيى ،عن أحمد
بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن مهران عن عبد ال بن سنان ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما أتاني
جبرئيل قط إل وعظني فآخر قوله لي :إياك ومشارة الناس فانها تكشف
العورة ،وتذهب بالعز ) .(2بيان :روى الشيخ في مجالسه عن الرضا ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إياكم ومشارة
الناس فانها تدفن العرة ،وتظهر الغرة .العرة الولى بالعين المهملة
والثانية بالمعجمة ،وكلهما مضمومتان ،وروت العامة أيضا من طرقهم
هكذا قال في النهاية :فيه إياكم ومشارة الناس فانها تدفن العرة وتظهر
الغرة ،الغرة ههنا الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس ،وكل
][409
شئ ترفع قيمته فهو غرة ،والعرة هي القذر وعذرة الناس ،فاستعير للمساوي
والمثالب - 14 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ومحمد بن إسماعيل،
عن الفضل بن شاذان جميعا ،عن ابن أبي عمير ،عن إبراهيم بن عبد
الحميد ،عن الوليد بن صبيح قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما عهد إلي جبرئيل في شئ ما عهد
إلي في معاداة الرجال ) .(1بيان :كلمة " ما " في الولى نافية ،وفي
الثانية مصدرية ،والمصدر مفعول مطلق للنوع ،والمراد هنا المداراة مع
المنافقين من أصحابه كما فعل صلى ال عليه وآله أو مع الكفار ايضا قبل
المر بالجهاد ،أو الغرض بيان ذلك للناس - 15 .كا :عن عدة من
أصحابنا ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن بعض أصحابه رفعه قال :قال أبو
عبد ال عليه السلم :من زرع العداوة حصد ما بذر ) .(2بيان " :حصد ما
بذر " في الصحاح بذرت البذر زرعته ،أي العداوة مع الناس كالبذر يحصد
منه مثله ،وهو عداوة الناس له.
][410
كلمة المصحح :بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل -والصلة والسلم على رسول
ال ،وعلى آله أمناء ال .وبعد :فقد تفضل ال علينا -وله الفضل والمن -
حيث اختارنا لخدمة الدين وأهله ،وقيضنا لتصحيح هذه الموسوعة الكبرى
وهي الباحثة عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين :أعني بحار
النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار عليهم الصلوات والسلم .وهذا
الجزء الذي نخرجه إلى القراء الكرام هو الجزء السابع من المجلد الخامس
عشر ،وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة المصححة
المشهورة بكمباني ،بعد تخريجها من المصادر وتعيين موضع النص من
المصدر ،وقد سددنا ما كان في طبعة الكمباني من خلل وبياض مع جهد
شديد بقدر المكان .نسأل ال العزيز أن يوفقنا لدامة هذه الخدمة المرضية
بفضله ومنه .محمد الباقر البهبودي
][411
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء السابع من المجلد الخامس عشر ،وكان آخر
أجزائه ،وهو الجزء السبعون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة وعشرين
بابا من أبواب مساوي الخلق .ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته
وعرضه على المصادر فخرج بعون ال ومشيئته نقيا من الغلط إل نزار
زهيدا زاغ عنه البصر ،أو كل عنه النظر ،ومن ال العصمة والتوفيق.
السيد ابراهيم الميانجى -محمد الباقر البهبودي
][412
استدراك واعتذار وقع في هامش الصفحة 156من ج 77ذيل قول النبي صلى ال
عليه وآله )لكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت( أغلط مطبعية
قد يخل بالمعنى ،ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير أهل
البيت المعصومين صلوات ال عليهم أجمعين ،وليس كذلك ،كيف وهو
باطل باجماع المسلمين ،بل المراد أن المحبة التي هي أساس السلم وهي
التي يعبر عنها ،بالتولي ل يبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلم أيضا
لقول ابراهيم عليه السلم )ومن تبعني فانه مني( وقول رسول ال صلى
ال عليه وآله )سلمان منا أهل البيت( وهذه الشبهة انما نشأت من
تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة وهي كلمة )شمول( في السطر ،22
والصحيح )وجوبها( يعني وجوب تلك المحبة .هذا ! وقد وقع في ذيل
الصفحة 200من ج 77أيضا السطر 20جملة اخرى طغى بها القلم نعتذر
بذلك إلى القراء الكرام ،وال ولي ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته
وعرضه على المصادر فخرج بعون ال ومشيئته نقيا من الغلط إل نزار
زهيدا زاغ عنه البصر ،أو كل عنه النظر ،ومن ال العصمة والتوفيق.
السيد ابراهيم الميانجى -محمد الباقر البهبودي
][412
استدراك واعتذار وقع في هامش الصفحة 156من ج 77ذيل قول النبي صلى ال
عليه وآله )لكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت( أغلط مطبعية
قد يخل بالمعنى ،ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير أهل
البيت المعصومين صلوات ال عليهم أجمعين ،وليس كذلك ،كيف وهو
باطل باجماع المسلمين ،بل المراد أن المحبة التي هي أساس السلم وهي
التي يعبر عنها ،بالتولي ل يبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلم أيضا
لقول ابراهيم عليه السلم )ومن تبعني فانه مني( وقول رسول ال صلى
ال عليه وآله )سلمان منا أهل البيت( وهذه الشبهة انما نشأت من
تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة وهي كلمة )شمول( في السطر ،22
والصحيح )وجوبها( يعني وجوب تلك المحبة .هذا ! وقد وقع في ذيل
الصفحة 200من ج 77أيضا السطر 20جملة اخرى طغى بها القلم نعتذر
بذلك إلى القراء الكرام ،وال ولي العصمة والتوفيق .علي اكبر الغفاري