You are on page 1of 303

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪70‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء‬
‫السبعون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة‬
‫‪‍ 1403‬ه ‪ 1983 -‬م‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪) * - 122 -‬باب( * * " )حب الدنيا وذمها‪ ،‬وبيان فنائها‬
‫وغدرها بأهلها( " * * " )وختل الدنيا بالدين( " * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬أولئك‬
‫الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالخرة فل يخفف عنهم العذاب ول هم‬
‫ينصرون )‪ .(1‬وقال‪ :‬زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين‬
‫آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة وال يرزق من يشاء بغير حساب )‬
‫‪ .(2‬آل عمران‪ :‬زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير‬
‫المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع‬
‫الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب * قل ءأنبئكم بخير من ذلكم للذين‬
‫اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وأزواج مطهرة‬
‫ورضوان من ال وال بصير بالعباد )‪ .(3‬وقال‪ :‬منكم من يريد الدنيا ومنكم‬
‫من يريد الخرة )‪ .(4‬وقال‪ :‬وما الحيوة الدنيا إل متاع الغرور )‪ .(5‬النعام‪:‬‬
‫وما الحيوة الدنيا إل لعب ولهو وللدار الخرة خير للذين‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .86 :‬البقرة‪ (3) .212 :‬آل عمران‪ (4) .15 - 14 :‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (5) .152‬آل عمران‪.185 :‬‬

‫]‪[2‬‬

‫يتقون أفل تعلقون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬وغرتهم الحيوة الدنيا )‪ .(2‬العراف‪ :‬فخلف‬
‫من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى ويقولون سيغفر‬
‫لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أل يقولوا‬
‫على ال إل الحق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خير للذين يتقون افل‬
‫تعقلون )‪ .(3‬التوبه‪ :‬أرضيتم بالحيوة الدنيا من الخرة فما متاع الحيوة‬
‫الدنيا في الخرة إل قليل )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم‬
‫إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )‬
‫‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬كالذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموال وأولدا‬
‫فاستمتعوا بخلقهم فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذين من قبلهم بخلقهم‬
‫وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك هم‬
‫الخاسرون * ألم يأتهم نبؤ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم‬
‫إبراهيم واصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان ال‬
‫ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )‪ .(6‬يونس‪ :‬إن الذين ل يرجون‬
‫لقاءنا ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذينهم عن آياتنا غافلون *‬
‫أولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون )‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬إنما مثل الحيوة‬
‫الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض مما يأكل الناس‬
‫والنعام حتى إذا أخذت الرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون‬
‫عليها أتيها أمرنا ليل أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .32 :‬النعام‪ (3) .70 :‬العراف‪ (4) .169 :‬براءة‪(5) .38 :‬‬
‫براءة‪ (6) .55 :‬براءة‪ (7) .70 - 69 :‬يونس‪.8 - 7 :‬‬

‫]‪[3‬‬

‫بالمس كذلك نفصل اليات لقوم يتفكرون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬قل بفضل ال وبرحمته‬
‫فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬متاع في الدنيا ثم‬
‫إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون )‪ .(3‬وقال‬
‫سبحانه‪ :‬وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال في الحيوة‬
‫الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك )‪ .(4‬هود‪ :‬من كان يريد الحيوة الدنيا‬
‫وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * أولئك الذين ليس‬
‫لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )‪.(5‬‬
‫الرعد‪ :‬وفرحوا بالحيوة الدنيا وما الحيوة الدنيا في الخرة إل متاع )‪.(6‬‬
‫ابراهيم‪ :‬الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل ال‬
‫ويبغونها عوجا أولئك في ضلل بعيد )‪ .(7‬الحجر‪ :‬ل تمدن عينيك إلى ما‬
‫متعنا به أزواجا منهم ول تحزن عليهم )‪ .(8‬النحل‪ :‬ما عندكم ينفد وما عند‬
‫ال باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )‪ .(9‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ذلك بأنهم استحبوا الحيوة الدنيا على الخرة وأن ال ل يهدي القوم‬
‫الكافرون )‪ .(10‬اسرى‪ :‬وأمددناكم بأموال وبنين )‪.(11‬‬
‫يونس‪ (2) .24 :‬يونس‪ (3) .58 :‬يونس‪ (4) .70 :‬يونس‪ (5) .88 :‬هود‪- 15 :‬‬
‫‪ (6) .16‬الرعد‪ (7) .26 :‬ابراهيم‪ (8) .3 :‬الحجر‪ (9) .88 :‬النحل‪.96 :‬‬
‫)‪ (10‬النحل‪ (11) .107 :‬أسرى‪.(*) 6 :‬‬

‫]‪[4‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له‬
‫جهنم يصليها مذموما مدحورا * ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها وهو‬
‫مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كل نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك‬
‫وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض‬
‫وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل )‪ .(1‬الكهف‪ :‬تريد زينة الحيوة الدنيا )‬
‫‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء‬
‫فاختلط به نبات الرض فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شئ‬
‫مقتدرا * المال والبنون زينة الحيوة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند‬
‫ربك ثوابا وخير أمل )‪ .(3‬طه‪ :‬ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا‬
‫منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى )‪.(4‬‬
‫القصص‪ :‬وما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها وما عند ال خير‬
‫وأبقى افل تعقلون * أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لقيه كمن متعناه متاع‬
‫الحيوة الدنيا ثم هو يوم القيمة من المحضرين )‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬فخرج‬
‫على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي‬
‫قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب ال خير‬
‫لمن آمن وعمل صالحا ول يلقيها إل الصابرون )‪ .(6‬العنكبوت‪ :‬ما هذه‬
‫الحيوة الدنيا إل لهو ولعب وإن الدار الخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون‬
‫)‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .21 - 18 :‬الكهف‪ (3) .28 :‬الكهف‪ (4) .46 - 45 :‬طه‪) .131 :‬‬
‫‪ (5‬القصص‪ (6) .61 - 60 :‬القصص‪ (7) .80 - 79 :‬العنكبوت‪.64 :‬‬

‫]‪[5‬‬

‫الروم‪ :‬يعلمون ظاهرا من الحيوة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون )‪ (1‬لقمان‪ :‬يا‬
‫أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو‬
‫جاز عن والده شيئا إن وعد ال حق فل تغرنكم الحيوة الدنيا ول يغرنكم‬
‫بال الغرور )‪ .(2‬فاطر‪ :‬يا أيها الناس إن وعد ال حق فل تغرنكم الحيوة‬
‫الدنيا ول يغرنكم بال الغرور )‪ .(3‬ص‪ :‬فقال إني أحببت حب الخير عن‬
‫ذكر ربي حتى توارت بالحجاب )‪ .(4‬الزمر‪ :‬فإذا مس النسان ضر دعانا ثم‬
‫إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم ل‬
‫يعلمون * قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانو يكسبون *‬
‫فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلء سيصيبهم سيئات ما‬
‫كسبوا وماهم بمعجزين * أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء و‬
‫يقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون )‪ .(5‬المؤمن‪ :‬وقال الذي آمن يا قوم‬
‫اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع وإن‬
‫الخرة هي دار القرار )‪ .(6‬حمعسق‪ :‬من كان يريد حرث الخرة نزد له في‬
‫حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الخرة من نصيب )‬
‫‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬فما أوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وما عند ال خير‬
‫وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )‪ .(8‬الزخرف‪ :‬وقالوا لول نزل‬
‫هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن‬
‫قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‬

‫)‪ (1‬الروم‪ (2) .7 :‬لقمان‪ (3) .33 :‬فاطر‪ (4) .5 :‬ص‪ (5) .32 :‬الزمر‪.52 - 49 :‬‬
‫)‪ (6‬المؤمن‪ (7) .39 - 38 :‬الشورى‪ (8) .20 :‬الشورى‪.36 :‬‬

‫]‪[6‬‬

‫ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون * ولول أن يكون الناس‬
‫أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها‬
‫يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وإن كل ذلك لما متاع‬
‫الحيوة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين )‪ .(1‬الجاثية‪ :‬ذلكم بأنكم اتخذتم‬
‫آيات ال هزوا وغرتكم الحيوة الدنيا فاليوم ل يخرجون منها ول هم‬
‫يستعتبون )‪ .(2‬محمد‪ :‬إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا‬
‫يؤتكم أجوركم ول يسألكم أموالكم )‪ .(3‬النجم‪ :‬فأعرض عمن تولى عن‬
‫ذكرنا ولم يرد إل الحيوة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم )‪ .(4‬الحديد‪ :‬واعلموا‬
‫أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال‬
‫والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون‬
‫حطاما وفي الخرة عذاب شديد ومغفرة من ال ورضوان وما الحيوة الدنيا‬
‫إل متاع الغرور )‪ .(5‬المجادلة‪ :‬لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من ال‬
‫شيئا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون )‪ .(6‬المنافقون‪ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تهلكم أموالكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )‬
‫‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪ (2) .35 - 31 :‬الجاثية‪ (3) .35 :‬القتال‪ (4) .36 :‬النجم‪.30 - 29 :‬‬
‫)‪ (5‬الحديد‪ (6) .20 :‬المجادلة‪ (7) .17 :‬المنافقون‪.9 :‬‬
‫]‪[7‬‬

‫التغابن‪ :‬إنما أموالكم وأولدكم فتنه وال عنده أجر عظيم )‪ .(1‬القيمة‪ :‬كل بل‬
‫تحبون العاجلة وتذرون الخرة )‪ .(2‬الدهر‪ :‬إن هؤلء يحبون العاجلة‬
‫ويذرون ورائهم يوما ثقيل )‪ .(3‬النازعات‪ :‬فأما من طغى * وآثر الحيوة‬
‫الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس‬
‫عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى )‪ .(4‬العلى‪ :‬بل تؤثرون الحيوة الدنيا‬
‫* والخرة خير وأبقى * إن هذا لفي الصحف الولى * صحف إبراهيم‬
‫وموسى )‪ .(5‬الضحى‪ :‬وللخرة خير لك من الولى )‪ - 1 (6‬كا‪ :‬عن علي‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن درست بن أبي منصور‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم وهشام عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬راس كل خطيئة حب الدنيا )‪ .(7‬بيان‪ " :‬رأس كل خطيئة حب الدنيا "‬
‫لن خصال الشر مطوية في حب الدنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية‬
‫مندرجة في الميل إليها ولذا قال ال عزوجل " من كان يريد حرث الخرة‬
‫نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الخرة من‬
‫نصيب " )‪ (8‬ول يمكن التخلص من حبها إل بالعلم بمقابحها ومنافع‬
‫الخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن أبي أسامة زيد‪ ،‬عن ابي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من لم يتعز‬
‫بعزاء ال تقطعت نفسه حسرات على الدنيا‪ ،‬ومن أتبع بصره ما في أيدي‬
‫الناس كثر همه ولم يشف غيظه‬

‫)‪ (1‬التغابن‪ (2) .15 :‬القيامة‪ (3) .21 - 20 :‬الدهر‪ (4) .27 :‬النازعات‪- 37 :‬‬
‫‪ (5) .41‬العلى‪ (6) .19 - 16 :‬الضحى‪ (7) .4 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.315‬‬
‫)‪ (8‬الشورى‪.20 :‬‬

‫]‪[8‬‬

‫ومن لم ير ل عزوجل عليه نعمة إل في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله‬
‫ودنا عذابه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬من لم يتعز بعزاء ال " قال في النهاية‪ :‬فيه‬
‫ومن لم يتعز بعزاء ال فليس منا اي من لم يدع بدعوى السلم فيقول يا‬
‫للسلم ويا للمسلمين ويا ل‪ ،‬وقيل أراد بالتعزي التسلي والتصبر عند‬
‫المصيبة وأن يقول‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون كما أمر ال تعالى ومعنى‬
‫قوله بعزاء ال اي بتعزية ال تعالى إياه فأقام السم مقام المصدر انتهى‬
‫وقيل‪ :‬العزاء مصدر بمعنى الصبر أو اسم للتعزية وكلهما مناسب وعلى‬
‫الول إسناده إلى ال تعالى لنه السبب له والباء إما لللية المجازية كما‬
‫قيل في قوله تعالى‪ " :‬فتقبلها ربها بقبول حسن " )‪ (2‬أو للسببية‬
‫والحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البليا التي تصيبه‬
‫فيها بما سله ال في قوله " وبشر الصابرون * الذين إذا اصابتهم مصيبة‬
‫قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون " )‪ (3‬وساير اليات الواردة في ذم الدنيا‬
‫وفنائها ومدح الرضا بقضائه تعالى تقطعت نفسه للحسرات على المصائب‬
‫وعلى ما فاته من الدنيا وربما يحمل الحسرات على ما يحصل له عند‬
‫الموت من مفارقتها أو العم منها ومما يحصل له في الدنيا وجمعية‬
‫الحسرات مع كونها مصدرا لرادة النواع‪ " .‬ومن أتبع نظره ما في أيدي‬
‫الناس " اي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا وما في أيديهم من نعيمها‬
‫وزبرجها نظر رغبة وتحسر وتمن " كثر همه " لعدم تيسرها له‪ ،‬فيغتاظ‬
‫لذلك ويحسدهم عليها‪ ،‬ول يمكنه شفاء غيظه إل بأن يحصل له مما في‬
‫أيديهم أو يسلب ال عنهم جميع ذلك ول يتيسر له شئ من المرين فل‬
‫يشفى غيظه أبدا ول يتهنأ له العيش ما رأى في نعمة أحدا ول يتفكر في‬
‫أنه إنما منعه ال تعالى ذلك لنه علم أنه سبب هلكه فهو يتمنى حالهم ول‬
‫يعلم حقيقه مآلهم كما حكى ال‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .315‬آل عمران‪ (3) .37 :‬البقرة‪.156 :‬‬

‫]‪[9‬‬

‫سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا " يا ليت مثل ما أوتي قارون إنه لذو‬
‫حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب ال خير لمن آمن وعمل‬
‫صالحا ول يلقيها إل الصابرون * فلما خسف ال به وبداره الرض اصبح‬
‫الذين تمنوا مكانه بالمس يقولون ويكأن ال يبسط الرزق لمن يشاء من‬
‫عباده ويقدر لول أن من ال علينا لخسف بنا ويكأنه ل يفلح الكافرون " )‬
‫‪ (1‬وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الموال والتجبر من هذه المة ل يوجب‬
‫انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلقات‬
‫الجسمانية‪ ،‬والحرمان عن درجات القرب والكمال‪ ،‬وخسفهم في الخرة في‬
‫عظيم النكال وشديد الوبال‪ ،‬أعاذنا ال وساير المؤمنين من جميع ذلك‬
‫وسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الحوال‪ " .‬ومن لم ير أن ل‬
‫عليه نعمة إل في مطعم " اي من توهم أن نعمة ال عليه منحصرة في هذه‬
‫النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها‪ ،‬فإذا فقدها أو شيئا‬
‫منها ظن أنه ليس ل عليه نعمة‪ ،‬فل ينشط في طاعة ال‪ ،‬وإن عمل شيئا‬
‫مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه ل ينفعه ول يتقبل منه‪ ،‬فيكون‬
‫عمله قاصرا وعذابه دانيا‪ ،‬لن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم ال‬
‫العظيمة عليه من اليمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة‬
‫والباطنة والصحة ودفع شر العادي وغيرها بما ل يحصى‪ ،‬بل هذا الفقر‬
‫أيضا من أعظم نعم ال عليه " وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " )‪.(2‬‬
‫وقال بعض المحققين‪ :‬معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن‬
‫الصبر والسلوة على ما رزقه ال من الدنيا‪ ،‬بل أراد الزيادة في المال أو‬
‫الجاه مما لم يرزقه ال إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة‪ ،‬على‬
‫ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش‪ ،‬فهو لم يزل يتبع بصره‬
‫ما في أيدي الناس ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف‬
‫غيظه‪ ،‬فهو لم ير أن ل عليه‬

‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) .82 - 79 :‬ابراهيم‪.34 :‬‬

‫]‪[10‬‬

‫نعمة إل نعم الدنيا‪ ،‬وإنما يكون كذلك من ل يوقن بالخرة ومن لم يوقن بالخرة‬
‫قصر عمله‪ ،‬وإذ ليس له من الدنيا إل قليل بزعمه مع شدة طعمه في الدنيا‬
‫وزينتها فقد دنى عذابه‪ ،‬نعوذ بال من ذلك‪ ،‬ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف‬
‫اليمان وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم ال‬
‫عليه عاجل وآجل ل جرم من لم ير من النعم عليه إل القليل‪ ،‬فل يصدر‬
‫عنه من العمل إل قليل وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن منصور بن العباس عن سعيد بن‬
‫جناح‪ ،‬عن عثمان بن سعيد‪ ،‬عن عبد الحميد بن علي الكوفي‪ ،‬عن مهاجر‬
‫السدي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬مر عيسى بن مريم عليه‬
‫السلم على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال‪ :‬أما إنهم لم يموتوا‬
‫إل بسخطة‪ ،‬ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون‪ :‬يا روح ال‬
‫وكلمته ادع ال أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها‪ .‬فدعا‬
‫عيسى عليه السلم ربه فنودي من الجو أن نادهم‪ ،‬فقام عيسى عليه‬
‫السلم بالليل على شرف من الرض فقال‪ :‬يا أهل هذه القرية فأجابه منهم‬
‫مجيب لبيك يا روح وكلمته‪ ،‬فقال‪ :‬ويحكم ما كانت أعمالكم ؟ قال‪ :‬عبادة‬
‫الطاغوت وحب الدنيا‪ ،‬مع خوف قليل‪ ،‬وأمل بعيد‪ ،‬في غفلة ولهو ولعب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كيف كان حبكم للدنيا ؟ قال‪ :‬كحب الصبي لمه‪ ،‬إذا أقبلت علينا فرحنا‬
‫وسررنا‪ ،‬وإذا ادبرت عنا بكينا وحزنا‪ ،‬قال‪ :‬كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟‬
‫قال‪ :‬الطاعة لهل المعاصي‪ ،‬قال‪ :‬كيف كانت عاقبة أمركم ؟ قال‪ :‬بتنا ليلة‬
‫في عافية وأصبحنا في الهاوية‪ ،‬فقال‪ :‬وما الهاوية ؟ قال‪ :‬سجين‪ ،‬قال‪ :‬وما‬
‫سجين ؟ قال‪ :‬جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة قال‪ :‬فما قلتم وما‬
‫قيل لكم ؟ قال‪ :‬قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها‪ ،‬قيل لنا‪ :‬كذبتم قال‪ :‬ويحك‬
‫كيف لم يكلمني غيرك من بينهم ؟ قال‪ :‬يا روح ال وكلمته إنهم ملجمون‬
‫بلجام من نار‪ ،‬بأيدي ملئكة غلظ شداد‪ ،‬وإني كنت فيهم ولم أكن عنهم‪،‬‬
‫فلما نزل العذاب عمني معهم‪ ،‬فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم‪ ،‬ل ادري‬
‫أكبكب فيها‬

‫]‪[11‬‬

‫أم أنجو منها‪ .‬فالتفت عيسى عليه السلم إلى الحواريين فقال‪ :‬يا أولياء ال أكل‬
‫الخبز اليابس بالملح الجريش‪ ،‬والنوم على المزابل‪ ،‬خير كثير مع عافية‬
‫الدنيا والخرة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أما إنهم " قال الشيخ البهائي قدس ال‬
‫روحه‪ :‬أما بالتخفيف حرف استفتاح وتنبيه‪ ،‬يدخل على الجمل لتنبيه‬
‫المخاطب‪ ،‬وطلب إصغائه إلى ما يلقى إليه وقد يحذف ألفها نحو أم وال‬
‫زيد قائم " إل بسخطة " السخط بالتحريك وبضم أوله وسكون ثانيه‬
‫الغضب " لتدافنوا " الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني ويمكن‬
‫إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف " فقال الحواريون " هم خواص عيسى‬
‫عليه السلم قيل‪ :‬سموا حواريين لنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي‬
‫يقصرونها وينقونها من الوساخ ويبيضونها‪ ،‬مشتق من الحور‪ ،‬وهو‬
‫البياض الخالص‪ .‬أقول‪ :‬وقد قيل إنهم إنما سموا حواريين لنقاء ثيابهم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬لنقاء قلوبهم وقيل‪ :‬الحواري بمعنى الناصر وقد كان الحواريون‬
‫أنصار عيسى عليه السلم وقيل‪ :‬لنهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة‬
‫ونورها وحسنها‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهم اتبعوا عيسى عليه السلم فكانوا إذا جاعوا‬
‫قالوا يا روح ال جعنا‪ ،‬فيضرب عليه السلم بيده الرض سهل كان أو‬
‫جبل ويخرج لكل منهم رغيفين وإذا عطشوا قالوا‪ :‬يا روح ال عطشنا‪،‬‬
‫فيضرب بيده الرض فيخرج ماء ويشربون‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا روح ال من أفضل‬
‫منا ؟ إذا شئنا أطعمنا وإذا شئنا سقينا‪ ،‬وقد آمنا بك واتبعناك ؟ فقال عيسى‬
‫عليه السلم‪ :‬أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون‬
‫الثياب بالكرى بعد ذلك‪ ،‬ويأكلون من أجرته‪ ،‬وسيأتي في مطاوي شرح‬
‫حديث الكافي في أواسط هذا الباب كلم أيضا في معنى الحواريين فانتظره‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬إنهم لم يكونوا قصارين على الحقيقة‪ ،‬وإنما أطلق هذا‬
‫السم عليهم رمزا إلى أنهم كانوا ينقون نفوس الخلئق من الوساخ‬
‫والوصاف الذميمة والكدورات‪ ،‬ويرفعونها إلى عالم النور من عالم‬
‫الظلمات‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.318‬‬

‫]‪[12‬‬
‫" يا روح ال " أقول‪ :‬في تسميته روحا أقوال أحدها أنه إنما سماه روحا لنه حدث‬
‫عن نفخة جبرئيل عليه السلم في درع مريم بأمر ال تعالى‪ ،‬وإنما نسبه‬
‫إليه لنه كان بأمره‪ ،‬وقيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال‪ :‬الصوم‬
‫لي وأنا أجزي به وقد يسمى النفخ روحا‪ ،‬والثاني أن المراد به يحيى به‬
‫الناس في دينهم كما يحيون بالرواح‪ ،‬والثالث أن معناه إنسان أحياه ال‬
‫بتكوينه بل واسطة من جماع ونطفة كما جرت العادة بذلك‪ ،‬الرابع أن‬
‫معناه‪ :‬ورحمة منه‪ ،‬والخامس أن معناه روح من ال خلقها فصورها ثم‬
‫أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها ال سبحانه عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫السادس سماه روحا لنه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير سببا‬
‫للحياة‪ .‬وكذا اختلفوا في تسميته كلمة في قوله سبحانه " إذ قالت الملئكة‬
‫يا مريم إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " )‪(1‬‬
‫وقوله تعالى " إنما المسيح عيسى بن مريم رسول ال وكلمته ألقيها إلى‬
‫مريم وروح منه " )‪ (2‬على أقوال أحدها أنه إنما سمي بذلك لنه حصل‬
‫بكلمة من ال من غير والد‪ ،‬وهو قوله " كن " كما قال سبحانه " إن مثل‬
‫عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )‪ .(3‬والثاني‬
‫أنه سمي بذلك لن ال تعالى بشر به في الكتب السالفة أو بشرت بها مريم‬
‫على لسان الملئكة‪ .‬والثالث أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلم ال‬
‫ووحيه‪ " .‬فنودي من الجو " الجو بالفتح والتشديد‪ :‬ما بين السماء‬
‫والرض " على شرف " قال الشيخ البهائي قدس سره‪ :‬الشرف المكان‬
‫العالي قيل‪ :‬ومنه سمي الشريف شريفا تشبيها للعلو المعنوي بالعلو‬
‫المكاني " فقال ويحك " ويح اسم فعل بمعنى الترحم‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .45 :‬النساء‪ (3) .171 :‬آل عمران‪.59 ،‬‬

‫]‪[13‬‬

‫كما أن ويل كلمة عذاب وبعض اللغويين يستعمل كل منهما مكان الخرى‬
‫والطاغوت فلعوت من الطغيان‪ ،‬وهو تجاوز الحد‪ ،‬وأصله طغيوت فقدموا‬
‫لمه على عينه‪ ،‬على خلف القياس‪ ،‬ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت‪،‬‬
‫وهو يطلق على الكاهن والشيطان والصنام‪ ،‬وعلى كل رئيس في الضللة‪،‬‬
‫وعلى كل ما يصد عن عبادة ال تعالى‪ ،‬وعلى ما عبد من دون ال‪ ،‬ويجئ‬
‫مفردا لقوله تعالى‪ " :‬يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن‬
‫يكفروا به " )‪ (1‬وجمعا كقوله تعالى‪ " :‬والذين كفروا أوليائهم الطاغوت‬
‫يخرجونهم من النور إلى الظلمات " )‪ .(2‬وقال قدس سره‪ :‬لعلك تظن أن‬
‫ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لهل المعاصي عبادة لهم‪ ،‬جار على‬
‫ضرب من التجوز ل الحقيقة‪ ،‬وليس كذلك بل هو حقيقة‪ ،‬فان العبادة ليست‬
‫إل الخضوع والتذلل والطاعة والنقياد‪ ،‬ولهذا جعل سبحانه اتباع الهوى‬
‫والنقياد إليه عبادة للهوى‪ ،‬فقال‪ " :‬أرأيت من اتخذ إلهه هويه " )‪(3‬‬
‫وجعل طاعة الشيطان عبادة له‪ ،‬فقال تعالى‪ " :‬ألم أعهد إليكم يا بني آدم‬
‫أن ل تعبدوا الشيطان " )‪ .(4‬ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك‪:‬‬
‫وإذا كان اتباع الغير والنقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق‬
‫مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية‬
‫والسبعية على كثرة أنواعها واختلف أجناسها‪ ،‬وهي أصنامهم التي هم‬
‫عليها عاكفون‪ ،‬والنداد التي هم لها من دون ال عابدون‪ ،‬وهذا هو الشرك‬
‫الخفي نسال ال سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا عنه بمنه وكرمه‪.‬‬
‫" وغفلة " عطف على " خوف " وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد "‬
‫في لهو "‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .60 :‬البقرة‪ (3) .257 :‬الفرقان‪ (4) .43 :‬يس‪.60 :‬‬

‫]‪[14‬‬

‫قال الشيخ البهائي رحمه ال‪ :‬لفظة " في " هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو‬
‫النجاة في الصدق‪ ،‬أو بمعنى " مع " كما في قوله تعالى‪ " :‬ادخلوا في أمم‬
‫" )‪ (1‬وللسببية كقوله تعالى‪ " :‬فذلكن الذي لمتنني فيه " )‪ " .(2‬إذا‬
‫أقبلت علينا " قال قدس سره‪ :‬الشرطيتان واقعتان موقع اي المفسرة لحب‬
‫الصبي لمه‪ " .‬قال الطاعة لهل المعاصي " قال رحمه ال‪ :‬ما ذكره هذا‬
‫الرجل المتكلم لعيسى على نبينا وآله وعليه السلم في وصف اصحاب تلك‬
‫القرية‪ ،‬وما كانوا عليه من الخوف القليل‪ ،‬والمل البعيد‪ ،‬والغفلة واللهو‬
‫واللعب‪ ،‬والفرح باقبال الدنيا والخوف بادبارها‪ ،‬هو بعينه حالنا وحال أهل‬
‫زماننا‪ ،‬بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا‪ .‬نعوذ بال من الغفلة‪،‬‬
‫وسوء المنقلب‪ " .‬قال جبال من جمر " في القاموس الجمرة النار المتقدة‪،‬‬
‫والجمع جمر‪ ،‬قال الشيخ المتقدم ذكره رحمه ال‪ :‬هذا صريح في وقوع‬
‫العذاب في مدة البرزخ أعني ما بين الموت والبعث‪ ،‬وقد انعقد عليه‬
‫الجماع‪ ،‬ونطقت به الخبار‪ ،‬ودل عليه القرآن العزيز‪ ،‬وقال به أكثر أهل‬
‫الملل‪ ،‬وإن وقع الختلف في تفاصيله والذي يجب علينا هو التصديق‬
‫المجمل بعذاب واقع بعد الموت وقبل الحشر‪ ،‬في الجملة‪ ،‬وأما كيفياتها‬
‫وتفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل‪ ،‬وأكثرها مما ل تسعه عقولنا‬
‫فينبغي ترك البحث والفحص عن تلك التفاصيل‪ ،‬وصرف الوقت فيما هو‬
‫أهم منها أعني فيما يصرف ذلك العذاب ويدفعه عنا كيف ما كان‪ ،‬وعلى أي‬
‫نوع حصل‪ ،‬وهو المواظبة على الطاعات واجتناب المنهيات لئل يكون‬
‫حالنا في الفحص عن ذلك والشتغال به عن الفكر فيما يدفعه وينجي منه‬
‫كحال شخص أخذه السلطان وحبسه ليقطع في غد يده‪ ،‬ويجذع أنفه‪ ،‬فترك‬
‫الفكر في الحيل المؤدية إلى خلصه‪ ،‬وبقي طول ليله متفكرا في أنه هل‬
‫يقطع بالسكين أو بالسيف ؟ وهل‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .38 :‬يوسف‪.32 :‬‬

‫]‪[15‬‬

‫القاطع زيد أو عمرو ؟‪ " .‬قيل لنا كذبتم " دل على أنهم " لو ردوا لعادوا لما نهوا‬
‫عنه " )‪ (1‬كما نطقت به الية أو كذبتم فيما عليه قولكم هذا أنه يمكنكم‬
‫العود‪ ،‬وربما يقرء بالتشديد اي كذبتم الرسل‪ ،‬فل محيص عن عذابكم‪" .‬‬
‫قال يا روح ال " في بعض النسخ " يا روح ال وكلمته بقدس ال "‬
‫فقوله‪ :‬بقدس ال متعلق بروح ال وكلمته يعني أيها الذي صار روح ال‬
‫وكلمته بقدس ال كما قيل‪ ،‬ويحتمل أن يكون الباء بمعنى " مع " أي مع‬
‫تقدسه عن أن يكون له روح وكلمة حقيقة‪ .‬ثم قال الشيخ البهائي رحمه‬
‫ال‪ :‬ثم ل يخفى أن ما قاله هذا الرجل من أنه كان فيهم ولم يكن منهم‪ ،‬فلما‬
‫نزل العذاب عمه معهم‪ ،‬يشعر بأنه ينبغي المهاجرة عن أهل المعاصي‬
‫والعتزال لهم‪ ،‬وأن المقيم معهم شريك لهم في العذاب‪ ،‬ومحترق بنارهم‪،‬‬
‫وإن لم يشاركهم في أفعالهم وأقوالهم‪ ،‬وقد يستأنس لذلك بعموم قوله‬
‫تعالى‪ " :‬إن الذين توفتهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا‬
‫مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن ارض ال واسعة فتهاجروا فيها‬
‫فأولئك مأواهم جهنم وسائت مصيرا " )‪ (2‬ولو لم يكن في العتزال عن‬
‫الناس فائدة سوى ذلك لكفى‪ ،‬وفيه من الفوائد ما ل يعد ول يحصى‪ ،‬نسأل‬
‫ال سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه وكرمه‪ " .‬فأنا معلق " هذا كناية عن أنه‬
‫مشرف على الوقوع فيها‪ ،‬ول يبعد أن يراد به معناه الصريح أيضا‪،‬‬
‫والشفير حافة الوادي وجانبه " أكبكب فيها " على البناء للمفعول اي‬
‫أطرح فيها على وجهي‪ ،‬وفي القاموس جرش الشئ لم ينعم دقه فهو‬
‫جريش‪ ،‬وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب " مع عافية الدنيا " اي إذا‬
‫كان مع عافية الدنيا من الخطايا " والخرة " من النار‪ ،‬أو فيه عافية‬
‫الدنيا من تشويش‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .128 :‬النساء‪.97 :‬‬

‫]‪[16‬‬
‫البال ومشقة تحصيل الموال‪ ،‬وعافية الخرة من العذاب والسؤال‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما فتح ال على عبد بابا من أمر الدنيا إل‬
‫فتح ال عليه من الحرص مثله )‪ .(1‬بيان‪ :‬يدل على زيادة الحرص بزيادة‬
‫المال وغيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرب‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن القاسم بن محمد المنقري‪ ،‬عن حفص بن غياث‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال عيسى بن مريم عليه السلم‪ :‬تعملون للدنيا وأنتم‬
‫ترزقون فيها بغير عمل‪ ،‬ول تعملون للخرة‪ ،‬وأنتم ل ترزقون فيها إل‬
‫بالعمل ويلكم علماء سوء )‪ (2‬الجر تأخذون‪ ،‬والعمل تضيعون‪ ،‬يوشك رب‬
‫العمل أن يقبل عمله‪ ،‬ويوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر‪،‬‬
‫كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهو مقبل على‬
‫دنياه‪ ،‬وما يضره أحب إليه مما ينفعه )‪ .(3‬بيان‪ " :‬وأنتم ترزقون فيها‬
‫بغير عمل " أي كد شديد كما قال تعالى " وما من دابة إل على ال رزقها‬
‫" )‪ " (4‬وأنتم ل ترزقون فيها إل بالعمل " كما قال تعالى " وأن ليس‬
‫للنسان إل ما سعى " )‪ " (5‬علماء سوء " بفتح السين قال الجوهري‬
‫ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره والسم السوء بالضم‪ ،‬وقرئ قوله‬
‫" عليهم دائرة السوء " )‪ (6‬يعني الهزيمة والشر‪ ،‬ومن فتح فهو من‬
‫المساءة‪ ،‬وتقول هذا رجل سوء بالضافة ثم تدخل عليه اللف واللم فتقول‬
‫هذا رجل السوء قال الخفش ول يقال‪ :‬الرجل‬

‫)‪ 1‬و ‪ (3‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .319‬ويلكم عملء سوء ظ‪ (4) .‬هود‪ (5) .6 :‬النجم‪:‬‬
‫‪ (6) .39‬براءة‪.98 :‬‬

‫]‪[17‬‬

‫السوء لن السوء ليس بالرجل‪ ،‬قال‪ :‬وليقال‪ :‬هذا رجل السوء بالضم انتهى )‪.(1‬‬
‫" الجر تأخذون " بحذف حرف الستفهام‪ ،‬وهو على النكار‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون المراد أجر الدنيا اي نعم ال سبحانه وعلى هذا يحتمل أن يكون‬
‫توبيخا ل استفهاما وأن يكون المراد أجر الخرة فالستفهام متعين فالواو‬
‫في قوله " والعمل " للحالية أي كيف تستحقون أخذ الجرة والحال أنكم‬
‫تضيعون العمل‪ " .‬أن يقبل عمله " أي يتوجه إلى أخذ عمله‪ ،‬وهو ل يأخذ‬
‫ول يقبل إل العمل الخالص‪ ،‬فهو كناية عن الطلب ويؤيده أن في مجالس‬
‫الشيخ " أن يطلب عمله " أو هو من القبال على الحذف واليصال‪ ،‬أي‬
‫يقبل على عمله‪ .‬وقال بعض الفاضل‪ :‬أريد برب العمل العابد الذي يقلد أهل‬
‫العلم في عبادته أعني يعمل بما يأخذ عنهم‪ ،‬وفيه توبيخ لهل العلم الغير‬
‫العامل‪ ،‬وقرء بعضهم يقيل بالياء المثناة من القالة أي يرد عمله فان‬
‫المقيل يرد المتاع‪ - 6 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن عبد ال بن سنان وعبد العزيز العبدي‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبداال عليه السلم قال‪ :‬من اصبح وأمسى والدنيا‬
‫أكبر همه‪ ،‬جعل ال تعالى الفقر بين عينيه‪ ،‬وشتت أمره ولم ينل من الدنيا‬
‫إل ما قسم له‪ ،‬ومن أصبح وأمسى والخرة أكبر همه‪ ،‬جعل ال تعالى‬
‫الغنى في قلبه وجمع له أمره )‪ .(2‬بيان‪ " :‬أكبر همه " أي قصده أو حزنه‬
‫" جعل ال الفقر بين عينيه " لنه كلما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه‬
‫بقدر ذلك فيزيد احتياجه وفقره‪ ،‬أو لضعف توكله على ال يسد ال عليه‬
‫بعض أبواب رزقه‪ ،‬وقيل فهو فقير في الخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها‪،‬‬
‫وفي الدنيا لنه يطلبها شديدا والغني من ل يحتاج إلى الطلب ولن مطلوبه‬
‫كثيرا ما يفوت عنه‪ ،‬والفقر عبارة عن فوات المطلوب‪ ،‬وأيضا يبخل عن‬
‫نفسه وعياله خوفا من فوات الدنيا وهو فقر حاضر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الصحاح ص ‪ (2) .56‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.319‬‬

‫]‪[18‬‬

‫" وشتت أمره " التشتيت التفريق لنه لعدم توكله على ربه ل ينظر إل إلى السباب‬
‫ويتوسل بكل سبب ووسيلة‪ ،‬فيتحير في أمره ول يدري وجه رزقه ول‬
‫ينتظم أحواله أو لشدة حرصه ل يقنع بما حصل له ويطلب الزيادة ول‬
‫يتيسر له فهو دائما في السعي والطلب ول ينتفع بشئ‪ ،‬وحمله على تفرق‬
‫أمر الخرة بعيد‪ " .‬ولم ينل من الدنيا إل ما قسم له " يدل على أن الرزق‬
‫مقسوم‪ ،‬ول يزيد بكثرة السعي‪ ،‬كما قال تعالى " نحن قسمنا بينهم‬
‫معيشتهم في الحياة الدنيا " )‪ (1‬ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق‪،‬‬
‫والحق أن الطلب حسن‪ ،‬وقد يكون واجبا وتقديره ل ينافي اشتراطه‬
‫بالسعي والطلب‪ ،‬ولزومه على ال بدون سعي غير معلوم وقيل قدر سد‬
‫الرمق واجب على ال‪ ،‬ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب‬
‫وتركه بأن قدر ال تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب‪ ،‬لكن مع التوكل التام‬
‫عليه‪ ،‬وقدرا مع الطلب‪ ،‬لكن شدة الحرص وكثرة السعي ل يزيده‪ ،‬وبه‬
‫يمكن الجمع بين أخبار هذا الباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة‬
‫إنشاء ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بقوله " لم ينل من الدنيا إل ما قسم له "‬
‫أنه ل ينتفع إل بما قسم له‪ ،‬وإن زاد بالسعي فانه يبقى للوارث‪ ،‬وهو حظه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬فيه إشارة إلى أن ذا المال الكثير قد ل ينتفع به بسبب مرض أو‬
‫غيره‪ ،‬وذا المال القليل ينتفع به أكثر منه‪ ،‬ول يخفى ما فيه‪ " .‬جعل ال‬
‫الغنا في قلبه " اي بالتوكل على ربه والعتماد عليه‪ ،‬وإخراج الحرص‬
‫وحب الدنيا من قلبه ل بكثرة المال وغيره‪ ،‬ولذا نسبه إلى القلب‪ " .‬وجمع‬
‫له أمره " اي جعل أحواله منتظمة وباله فارغا عن حب الدنيا وتشعب‬
‫الفكر في طلبها‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عمر ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬عن ابي علي الحذاء‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن زرارة ومحمد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أبعد ما يكون‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪.32 :‬‬

‫]‪[19‬‬

‫العبد من ال عزوجل إذا لم يهمه إل بطنه وفرجه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬إذا لم يهمه إل بطنه‬
‫وفرجه " اي ل يكون اهتمامه وعزمه و سعيه وغمه وحزنه إل في‬
‫مشتهيات البطن والفرج‪ ،‬في القاموس الهم الحزن وما هم به في نفسه‪،‬‬
‫وهمه المر حزنه كأهمه فاهتم انتهى فالمراد الفراط فيهما وقصر همته‬
‫عليهما‪ ،‬وإل فللبطن والفرج نصيب عقل وشرعا وهو ما يحتاج إليه لقوام‬
‫البدن واكتساب العلم والعمل وبقاء النوع‪ - 8 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن ابن سنان عن حفص بن قرط‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته‬
‫عند فراقها )‪ .(2‬بيان‪ " :‬من كثر اشتباكه بالدنيا " اي اشتغاله وتعلق قلبه‬
‫بها‪ ،‬يقال اشتبكت النجوم إذا كثرت وانضمت وكل متداخلين مشتبكان‪،‬‬
‫ومنه تشبيك الصابع لدخول بعضها في بعض‪ ،‬والغرض الترغيب في‬
‫رفض الدنيا وترك محبتها لئل يشتد الحزن والحسرة في مفارقتها‪ - 9 .‬كا‪:‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أبيه وعلي بن محمد جميعا‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن‬
‫سليمان المنقري‪ ،‬عن عبد الرزاق بن همام‪ ،‬عن معمر بن راشد‪ ،‬عن‬
‫الزهري محمد ابن مسلم بن عبيدال قال‪ :‬سئل علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم‪ :‬اي العمال أفضل عند ال ؟ قال‪ :‬ما من عمل بعد معرفة ال‬
‫عزوجل ومعرفة رسوله صلى ال عليه وآله أفضل من بغض الدنيا‪ ،‬فان‬
‫لذلك لشعبا كثيرة‪ ،‬وللمعاصي شعب‪ ،‬فأول ما عصى ال به الكبر معصية‬
‫إبليس حين " أبى واستكبر وكان من الكافرين " )‪ (3‬ثم الحرص وهي‬
‫معصية آدم وحوا عليهما السلم حين قال ال عزوجل لهما " كل من حيث‬
‫شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " )‪ (4‬فأخذا ما ل حاجة‬
‫بهما إليه‪ ،‬فدخل ذلك على‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .319‬البقرة‪ (4) .34 :‬العراف‪.(*) 19 :‬‬

‫]‪[20‬‬
‫ذريتهما إلى يوم القيامة‪ ،‬وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما ل حاجة به إليه‪ .‬ثم‬
‫الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله‪ ،‬فتشعب من ذلك حب‬
‫النساء‪ ،‬وحب الدنيا‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬وحب الراحة‪ ،‬وحب الكلم‪ ،‬وحب‬
‫العلو والثروة‪ ،‬فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهم في حب الدنيا فقالت‬
‫النبياء والعلماء بعد معرفة ذلك‪ :‬حب الدنيا رأس كل خطيئة‪ ،‬والدنيا دنياء‬
‫ان دنيا بلغ ودنيا ملعونة )‪ .(1‬بيان‪ :‬قد مر هذا الخبر بعينه في باب ذم‬
‫الدنيا " ما من عمل بعد معرفة ال " يدل على أن المعرفة أفضل لنها‬
‫أصل جميع الخلق والعمال‪ ،‬ويدخل في معرفة الرسول معرفة المام "‬
‫فان لذلك " كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل وفيما مضى "‬
‫وإن " كما في بعض النسخ هنا )‪ (2‬وهو اظهر‪ ،‬و " ذلك " إشارة إلى‬
‫بغض الدنيا أو إلى الدنيا وقيل‪ :‬المشار إليه العمل يعني أن للعمال‬
‫الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا وللمعاصي شعبا يرجع كلها إلى‬
‫حب الدنيا‪ ،‬ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الخر وكأن ما ذكرنا اظهر‪ .‬والمراد‬
‫بالشعب الولى أنواع الخلق والعمال الفاضلة‪ ،‬والثانية أنواع المعاصي‪،‬‬
‫والولى مندرجة تحت بغض الدنيا‪ ،‬والثانية تحت حبها‪ ،‬فبغضها أفضل‬
‫العمال لشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر والقنوع‬
‫المقابل للحرص وهكذا وبحكم المقابلة حب الدنيا اقبح العمال لشتماله‬
‫على رذايل كثيرة وهي الكبر إلى آخر ما ذكر‪ " .‬وذلك أن " وفي بعض‬
‫النسخ " فلذلك " أي لدخول الحرص على ذريتهما وإنما قال " أكثر " لن‬
‫طلب المحتاج إليه وهو القدر الضروري من الطعام واللباس والمسكن‬
‫ونحوها ليس بمذموم بل ممدوح لنه ل يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم‬
‫والعمل‪ " .‬حيث حسد أخاه " قيل حسده في قبول قربانه‪ ،‬وقيل‪ :‬في حب‬
‫النساء وقيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .316‬رواه الكليني في ص ‪ 130‬باب ذم الدنيا والزهد‬


‫فيها ايضا )*(‪.‬‬

‫]‪[21‬‬

‫في حب الدنيا لئل يكون له نسل يعيرون أولده في رد قربانه وكأن المراد بحب‬
‫الدنيا أول حب المال أو حب البقاء في الدنيا وكراهة الموت‪ ،‬وبه ثانيا حب‬
‫كل ما ل حاجة به في تحصيل الخرة وقيل‪ :‬يمكن أن يكون المراد بالسبع‬
‫الكبر والحرص وحب النساء وحب الرياسة وحب الراحة وحب الكلم‬
‫وحب العلو والثروة وهما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب في المعطوف‬
‫وأما الحسد فقد اكتفى عنه بذكر شعبه وأنواعه " دنيا بلغ " اي كفاف‬
‫وكفاية أو تبلغ بها إلى الخرة‪ - 10 .‬كا‪ :‬وبهذا السناد عن المنقري‪ ،‬عن‬
‫حفص بن غياث‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬في مناجاة موسى‬
‫عليه السلم‪ :‬يا موسى إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عليه السلم‬
‫عند خطيئته‪ ،‬وجعلتها ملعونة‪ ،‬ملعون ما فيها إل ما كان فيها لي‪ ،‬يا‬
‫موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم‪ ،‬وسائر الخلق‬
‫رغبوا فيها بقدر جهلهم‪ ،‬وما من أحد عظمها فقرت عينه فيها ول يحقرها‬
‫أحد إل انتفع بها )‪ .(1‬بيان‪ " :‬جعلتها ملعونة " اللعن الطرد والبعاد‬
‫والسب‪ ،‬وكأن المراد بلعنها لعن أهلها‪ ،‬أو كراهتها والمنع عن حبها وكل‬
‫ما نهى ال تعالى عنها فقد لعنها وطردها وقيل‪ :‬العرب تقول لكل شئ ضار‬
‫ملعون‪ ،‬والشجرة الملعونة عندهم هي كل من ذاقها كرهها ولعنها وكذلك‬
‫حال الدنيا فان كل من ذاق شهواتها لعنها إذا أحس بضررها‪ " .‬ملعون ما‬
‫فيها إل ما كان فيها لي " أقول‪ :‬هذا معيار كامل للدنيا المعلونة وغيرها‪،‬‬
‫فكل ما كان في الدنيا ويوجب القرب إلى ال تعالى من المعارف والعلوم‬
‫الحقة والطاعات وما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف‬
‫فهي من الخرة‪ ،‬وليست من الدنيا‪ ،‬وكلما يصير سببا للبعد عن ال‬
‫والشتغال عن ذكره ويلهي عن درجات الخرة وكمالتها‪ ،‬وليس الغرض‬
‫فيه القرب منه تعالى والوصول إلى رضاه‪ ،‬فهي الدنيا الملعونة‪ .‬قيل‪ :‬ما‬
‫يقع في الدنيا من العمال أربعة أقسام‪ :‬الول ما يكون ظاهره‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.317‬‬

‫]‪[22‬‬

‫وباطنه ل كالطاعات والخيرات الخالصة‪ ،‬الثاني ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا‬


‫كالمعاصي وكثير من المباحات أيضا لنها مبدء البطر والغفلة‪ ،‬الثالث ما‬
‫يكون ظاهره ل وباطنه للدنيا كالعمال الريائية‪ ،‬الرابع عكس الثالث كطلب‬
‫الكفاف لحفظ بقاء البدن والقوة على العبادة وتكميل النفس بالعلم والعمل‪.‬‬
‫" بقدر علمهم " أي بعيوبها وفنائها ومضرتها " مامن أحد عظمها فقرت‬
‫عينه فيها " أي من عظمها وتعلق قلبه بها تصير سببا لبعده عن ال ول‬
‫تبقى الدنيا له فيخسر الدنيا والخرة‪ ،‬ومن حقرها تركها ولم يأخذ منها إل‬
‫ما يصير سببا لتحصيل الخرة فينتفع بها في الدارين‪ - 11 .‬كا‪ :‬عن محمد‬
‫بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن يحيى الخزاز‪ ،‬عن‬
‫غياث بن إبراهيم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الشيطان يدبر ابن‬
‫آدم في كل شئ فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته )‪ .(1‬بيان‪ :‬في‬
‫القاموس جثم النسان والطائر والنعام والخشف واليربوع يجثم ويجثم‬
‫جثما وجثوما لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبد بالرض‬
‫انتهى والحاصل أن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شئ أي يبعثه على‬
‫ارتكاب كل ضللة ومعصية‪ ،‬أو يكون معه ويلزمه عند عروض كل شبهة‬
‫أو شهوة لعله يضله أو يزله " فإذا أعياه " المستتر راجع إلى ابن آدم‪،‬‬
‫والبارز إلى الشيطان‪ ،‬أي لم يقبل منه ولم يطعه حتى أعياه‪ ،‬ترصد له‬
‫واختفى عند المال فإذا أتى المال أخذ برقبته فأوقعه فيه بالحرام والشبهة‪.‬‬
‫والحاصل أن ]المال اعظم مصائد الشيطان‪ ،‬إذ قل من لم يفتتن به عند‬
‫تيسره له‪ ،‬وكأنه محمول على الغالب‪ ،‬إذ قد يكون ل يفتتن بالمال ويفتتن‬
‫بحب الجاه وبعض[ )‪ (2‬الشهوات الغالبة وقيل فإذا أعياه أي أعجزه عن‬
‫كل شهوة ولذة وذلك بأن يشيب كما ورد في حديث آخر‪ :‬يشيب ابن آدم‬
‫ويشب فيه خصلتان الحرص وطول المل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 315‬وفيه " ان الشيطان يدير "‪ (2) .‬ما بين العلمتين‬
‫أضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪303‬‬

‫]‪[23‬‬

‫‪ - 12‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن ابي عبد ال‪ ،‬عن يعقوب بن يزيد‪ ،‬عن زياد‬
‫القندي‪ ،‬عن أبي وكيع‪ ،‬عن أبي إسحاق السبيعي‪ ،‬عن الحارث العور‪ ،‬عن‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن‬
‫الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬إن الدينار‬
‫والدرهم " أي حبهما وصرف العمر في تحصيلهما وتحصيل ما يتوقف‬
‫عليهما " أهلكا من كان قبلكم " لن حبهما يمنع من حبه تعالى وصرف‬
‫العمر فيهما يمنع من صرف العمر في طاعته تعالى والتمكن منهما يورث‬
‫التمكن من كثير من المعاصي‪ ،‬ويبعثان على الخلق الدنية‪ ،‬والعمال‬
‫السيئة كالظلم والحسد والحقد والعداوة والفخر والكبر والبخل‪ ،‬ومنع‬
‫الحقوق‪ ،‬إلى غير ذلك مما ل يحصى‪ ،‬ومفارقتهما عند الموت تورث‬
‫الحسرة والندامة وحبهما يمنع من حب لقاء ال تعالى وتركهما يوجب‬
‫الراحة في الدنيا وخفة الحساب في العقبى‪ - 13 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يحيى بن عقبة الزدي عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬مثل الحريص على الدنيا كمثل‬
‫دودة القز كلما ازدادت من القز عل ينفسها لفا كان أبعد لها من الخروج‪،‬‬
‫حتى تموت غما‪ ،‬وقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أغنى الغنا من لم يكن‬
‫للحرص اسيرا وقال‪ :‬ل تشعروا قلوبكم الشتغال بما قد فات‪ ،‬فتشغلوا‬
‫أذهانكم عن الستعداد لما لم يأت )‪ .(2‬بيان‪ :‬كمثل دودة القز " هذا من‬
‫أحسن التمثيلت للدنيا‪ ،‬وقد أنشد بعضهم فيه‪ :‬ألم تر أن المرء طول حياته‬
‫* حريص على ما ل يزال يناسجه كدود كدود القز ينسج دائما * فيهلك‬
‫غما وسط ما هو ناسجه‬
‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 316‬‬

‫]‪[24‬‬

‫قوله عليه السلم‪ " :‬أغنى الغنا " أي ليس الغنا وعدم الحاجة بكثرة المال بل بترك‬
‫الحرص‪ ،‬فان الحريص كلما ازداد ماله اشتد حرصه‪ ،‬فيكون أفقر وأحوج‬
‫ممن ل مال له " ل تشعروا قلوبكم " أي ل تلزموه إياها ول تجعلوه‬
‫شعارها‪ ،‬في القاموس اشعره المر وبه أعلمه‪ ،‬والشعار ككتاب ما تحت‬
‫الدثار من اللباس‪ ،‬وهو يلي شعر الجسد‪ ،‬واستشعره لبسه‪ ،‬وأشعره غيره‬
‫البسه إياه وأشعر الهم قلبي لزق به‪ :‬وكلما ألزقته بشئ اشعرته به "‬
‫الشتغال بما قد فات " أي من أمور الدنيا‪ ،‬سواء لم يحصل أو حصل‬
‫وفات‪ ،‬فان اشتغال القلب به يوجب غفلته عن ذكر ال تعالى وحبه‪ ،‬فانه ل‬
‫يجتمع حبان متضادان في قلب واحد‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير عن حماد بن بشير قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫ال عليه السلم يقول‪ :‬ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما‬
‫في أولها والخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والثروة في دين‬
‫المسلم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬بأفسد " هنا بمعنى أشد إفسادا وإن كان نادرا‪- 15 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن أبي أيوب‪،‬‬
‫عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ما ذئبان ضاريان في‬
‫غانم ليس لها راع هذا في أولها وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال‬
‫والشرف في دين المؤمن )‪ .(2‬بيان‪ :‬بأسرع اي في القتل والفناء‪- 16 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد العزيز العبدي عن ابن‬
‫أبي يعفور قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من تعلق قلبه بالدنيا‬
‫تعلق قلبه بثلث خصال‪ :‬هم ل يغني‪ ،‬وأمل ل يدرك‪ ،‬ورجاء ل ينال )‪.(3‬‬
‫بيان‪ " :‬ل يغني " لنه ل يحصل له ما هو مقتضى حرصه وأمله في الدنيا‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ " 315‬حب الدنيا والشرف " خ ل‪ (3) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.320‬‬

‫]‪[25‬‬

‫ول يمكنه الحتراز عن آفاتها ومصائبها‪ ،‬فهو في الدنيا دائما في الغم لما فات‬
‫والهم لما لم يحصل‪ ،‬فإذا فات فهو في أحزان وحسرات من مفارقتها‪ ،‬ولم‬
‫يقدم منها شيئا ينفعه‪ ،‬فهمه ل يغني أبدا‪ ،‬والفرق بين المل والرجاء أن‬
‫متعلق المل العمر والبقاء في الدنيا‪ ،‬ومتعلق الرجاء ما سواه‪ ،‬أو متعلق‬
‫المل بعيد الحصول ومتعلق الرجاء قريب الوصول‪ ،‬ومعلوم أن محب الدنيا‬
‫وطالبها يأمل منها ما ل مطمع في حصوله‪ ،‬لكن لشدة حرصه يطلبه ويأمله‬
‫ويرجو النتفاع بها‪ ،‬فيحول الجل بينه وبينها‪ ،‬أو يرجو الخرة وجمعها‬
‫مع الدنيا‪ ،‬مع أنه ل يسعى لتحصيل الخرة ويقصر همه على تحصيل الدنيا‬
‫ونعم ما قيل‪ :‬يا طالب الرزق‪ ..‬مجتهدا * أقصر عناك فان الرزق مقسوم ل‬
‫تحرصن على ما لست تدركه * إن الحريص على المال محروم تتمة‬
‫مهمة‪ :‬قال بعض المحققين‪ :‬اعلم أن معرفة ذم الدنيا ل يكفيك ما لم تعرف‬
‫الدنيا المذمومة‪ ،‬ما هي ؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب وما الذي ل يجتنب ؟‬
‫فل بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها‪ ،‬لكونها عدوة قاطعة‬
‫لطريق ال‪ ،‬ما هي ؟ فنقول‪ :‬دنياك وآخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال‬
‫قلبك والقريب الداني منهما يسمى دنيا‪ ،‬وهي كل ما قبل الموت‪ ،‬والمتراخي‬
‫المتأخر يسمى آخرة‪ ،‬وهي ما بعد الموت‪ ،‬فكل مالك فيه حظ وغرض‬
‫ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة‪ ،‬فهي الدنيا في حقك إل‬
‫أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم‪ ،‬بل هي تنقسم إلى‬
‫ثلثة اقسام‪ :‬الول ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت‪،‬‬
‫وهو شيئان‪ :‬العلم والعمل‪ ،‬فقط‪ ،‬وأعني بالعلم العلم بال وصفاته وافعاله‬
‫وملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وملكوت أرضه وسمائه‪ ،‬والعلم بشريعة نبيه‪،‬‬
‫وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه ال‪ ،‬وقد يأنس العالم بالعلم حتى‬
‫يصير ذلك ألذ الشياء عنده فيهجر النوم والمنكح والمشرب والمطعم في‬
‫لذته‪ ،‬لنه أشهى عنده من جميعها‪ ،‬فقد‬

‫]‪[26‬‬

‫صار حظا عاجل في الدنيا‪ ،‬ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا‬
‫اصل‪ ،‬بل قلنا إنه من الخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها بحيث‬
‫لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه‪ ،‬وهذا أيضا ليس من الدنيا‬
‫المذمومة‪ .‬الثاني وهو المقابل للقسم الول على الطرف القصى كل ما فيه‬
‫حظ عاجل ول ثمرة له في الخرة اصل‪ ،‬كالتلذذ بالمعاصي‪ ،‬والتنعم‬
‫بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة‬
‫الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل‬
‫المسومة والنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي‬
‫والقصور‪ ،‬والدور المشيدة ورفيع الثياب ولذائذ الطعمة‪ ،‬فحظ العبد من‬
‫هذه كلها هي الدنيا المذمومة‪ ،‬وفيما يعد فضول وفي محل الحاجة نظر‬
‫طويل‪ .‬الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على‬
‫أعمال الخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن‪ ،‬وكل ما ل‬
‫بد منه ليتأتى للنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل‪،‬‬
‫وهذا ليس من الدنيا كالقسم الول لنه معين على القسم الول‪ ،‬ووسيلة‬
‫إليه‪ ،‬فمهما تناوله العبد على قصد الستعانة على العلم والعمل‪ ،‬لم يكن به‬
‫متناول للدنيا ولم يصربه من أبنائها‪ ،‬وإن كان باعثه الحظ العاجل‪ ،‬دون‬
‫الستعانة على التقوى‪ ،‬التحق بالقسم الثاني‪ ،‬وصار من جملة الدنيا‪ .‬ول‬
‫يبقى مع العبد عند الموت إل ثلث‪ :‬صفاء القلب‪ ،‬وأنسه بذكر ال وحبه‬
‫ل‪ ،‬وصفاء القلب ل يحصل إل بالكف عن شهوات الدنيا‪ .‬والنس ل يحصل‬
‫إل بكثرة ذكر ال‪ ،‬والحب ل يحصل إل بالمعرفة‪ ،‬ول تحصل المعرفة إل‬
‫بدوام الفكر‪ .‬فهذه الثلث هي المنجيات المسعدات بعد الموت‪ ،‬وهي‬
‫الباقيات الصالحات‪ ،‬أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من‬
‫المنجيات‪ ،‬إذ تكون جنة بين العبد وبين عذاب ال وأما النس والحب فهما‬
‫من المسعدات‪ ،‬وهما موصلن العبد إلى لذة‬

‫]‪[27‬‬

‫اللقاء والمشاهدة‪ ،‬وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة‪ ،‬فيصير‬
‫القبر روضة من رياض الجنة‪ .‬وكيف ل يكون كذلك‪ ،‬ولم يكن له إل‬
‫محبوب واحد‪ ،‬وكانت العوائق تعوقه عن النس بدوام ذكره ومطالعة‬
‫جماله‪ ،‬فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلي بينه وبين محبوبه‪ ،‬فقدم‬
‫عليه مسرورا آمنا من العوائق آمنا من الفرق‪ .‬وكيف ل يكون محب الدنيا‬
‫عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إل الدنيا وقد غصب منه‪ ،‬وحيل بينه‬
‫وبينه‪ ،‬وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه‪ ،‬وليس الموت عدما إنما‬
‫هو فراق لمحاب الدنيا‪ ،‬وقدوم على ال تعالى‪ .‬فاذن سالك طريق الخرة‬
‫هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلث‪ ،‬وهي الذكر والفكر والعمل‬
‫الذي يحفظه من شهوات الدنيا‪ ،‬ويبغض إليه ملذها ويقطعه عنها وكل ذلك‬
‫ل يمكن إل بصحة البدن‪ ،‬وصحة البدن ل تنال إل بالقوت والملبس‬
‫والمسكن‪ ،‬ويحتاج كل واحد إلى أسباب‪ .‬فالقدر الذي ل بد منه من هذه‬
‫الثلثة إذا أخذه العبد من الدنيا للخرة لم يكن من أبناء الدنيا‪ ،‬وكانت الدنيا‬
‫في حقه مزرعة الخرة‪ ،‬وإن أخذ ذلك على قصد التنعم ولحظ النفس صار‬
‫من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها‪ ،‬إل أن الرغبة في حظوظ الدنيا‬
‫تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب ال في الخرة ويسمى ذلك حراما وإلى‬
‫ما يحول بينه وبين الدرجات العلى‪ ،‬ويعرضه لطول الحساب‪ ،‬ويسمى ذلك‬
‫حلل‪ .‬والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لجل المحاسبة‬
‫أيضا عذاب‪ ،‬فمن نوقش في الحساب عذب‪ ،‬فلذلك قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬حللها حساب وحرامها عقاب وقد قال أيضا‪ :‬حللها عذاب‪ .‬إل‬
‫أنه عذاب أخف من عذاب الحرام بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من‬
‫الدرجات العلى في الجنة‪ ،‬وما يرد على القلب من التحسر على تفويتها‬
‫بحظوظ حقيرة خسيسة ل بقاء لها‪ ،‬وهو أيضا عذاب‪ ،‬فالدنيا قليلها‬
‫وكثيرها حللها وحرامها ملعونة إل ما أعان على تقوى‬
‫]‪[28‬‬

‫ال فان ذلك القدر ليس من الدنيا‪ .‬وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن‪ ،‬كان حذره‬
‫من نعيم الدنيا أشد ولهذا روى ال تعالى الدنيا عن نبينا صلى ال عليه‬
‫وآله فكان يطوي أياما‪ ،‬وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع‪ ،‬ولهذا سلط‬
‫ال البلء والمحن على النبياء والولياء ثم المثل فالمثل كل ذلك نظرا‬
‫لهم‪ ،‬وامتنانا عليهم‪ ،‬ليتوفر من الخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق‬
‫ولده لذيذ الفواكه‪ ،‬ويلزمه ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبا له‪ ،‬ل‬
‫بخل به عليه‪ ،‬وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس ل فهو للدنيا وما هو ل‬
‫فليس من الدنيا‪ .‬فان قلت‪ :‬فما الذي هو ل ؟ فأقول‪ :‬الشياء ثلثة أقسام‪:‬‬
‫منها ما ل يتصور أن يكون ل‪ ،‬وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي‬
‫والمحظورات وأنواع التنعمات في المباحات‪ ،‬وهي الدنيا المحضة‬
‫المذمومة‪ ،‬فهي الدنيا صورة ومعنى‪ .‬ومنها ما صورتها ل‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يجعل لغير ال‪ ،‬وهي ثلثة‪ :‬الفكر والذكر والكف عن الشهوات‪ ،‬فهذه‬
‫الثلث إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر ال واليوم الخر فهي‬
‫ل‪ ،‬وليست من الدنيا‪ ،‬وإن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف‪،‬‬
‫وطلب القبول بين الخلق باظهار المعرفة‪ ،‬أو كان الغرض من ترك الشهوة‬
‫حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الشتهار بالزهد فقد صار هذا من‬
‫الدنيا بالمعنى‪ ،‬وإن كان يظن بصورتها أنها ل‪ .‬ومنها ما صورتها لحظ‬
‫النفس‪ ،‬ويمكن أن يجعل معناه ل‪ ،‬وذلك كالكل والنكاح وكل ما ل يرتبط به‬
‫بقاؤه وبقاء ولده‪ ،‬فان كان القصد حظ النفس فهو من الدنيا‪ ،‬ولن كان‬
‫القصد الستعانة على التقوى فهو ل بمعناه‪ ،‬وإن كان صورته صورة‬
‫الدنيا‪ ،‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬من طلب من الدنيا حلل مكاثرا مفاخرا‬
‫لقي ال وهو عليه غضبان‪ ،‬ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة‬
‫لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر‪.‬‬

‫]‪[29‬‬

‫انظر كيف اختلف ذلك بالقصد‪ ،‬فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي ل حاجة إليه لمر‬
‫الخرة‪ ،‬ويعبر عنه بالهوى‪ ،‬وإليه أشار قوله تعالى‪ " :‬ونهى النفس عن‬
‫الهوى * فان الجنة هي المأوى " )‪ .(1‬واعلم أن مجامع الهوى خمسة‬
‫أمور‪ ،‬وهي ما جمعه ال عزوجل في قوله‪ " :‬إنما الحيوة الدنيا لهو ولعب‬
‫وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " )‪ (2‬والعيان التي‬
‫تحصل منها هذه المور سبعة يجمعها قوله تعالى‪ " :‬زين للناس حب‬
‫الشهواة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل‬
‫المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب‬
‫" )‪ (3‬فقد عرفت أن كل ما هو ل فليس من الدنيا‪ ،‬وقدر ضرورة القوت‬
‫وما ل بد منه من مسكن وملبس فهو ل إن قصد منه وجه ال‪ ،‬والستكثار‬
‫منه تنعم وهو لغير ال‪ ،‬وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة‪،‬‬
‫ولها طرفان وواسطة‪ ،‬طرف يقرب من حد الضرورة فل يضر‪ ،‬فان‬
‫القتصار على حد الضرورة غير ممكن‪ ،‬وطرف تتاخم جانب التنعم ويقرب‬
‫منه وينبغي أن يحذر‪ ،‬وبينهما وسائط متشابهة‪ ،‬ومن حام حول الحمى‬
‫يوشك أن يقع فيه‪ ،‬والحزم في الحذر والتقوى‪ ،‬والتقرب من حد الضرورة‬
‫ما أمكن اقتداء بالنبياء والولياء‪ .‬ثم قال‪ :‬اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان‬
‫موجودة‪ ،‬وللنسان فيها حظ وله في إصلحها شغل‪ ،‬فهذه ثلثة أمور قد‬
‫يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها‪ ،‬وليس كذلك أما العيان الموجودة التي‬
‫الدنيا عبارة عنها فهي الرض وما عليها قال ال تعالى‪ " :‬إنا جعلنا ما‬
‫على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل " )‪ (4‬فالرض فراش‬
‫للدميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب‬
‫ومنكح‪.‬‬

‫)‪ (1‬النازعات‪ (2) .41 - 40 :‬الحديد‪ (3) .20 :‬آل عمران‪ (4) .14 :‬الكهف‪.7 :‬‬

‫]‪[30‬‬

‫ويجمع ما على الرض ثلثة أقسام المعادن والنبات والحيوان‪ .‬أما المعادن فيطلبها‬
‫الدمي لللت والواني كالنحاس والرصاص أو للنقد كالذهب والفضة‬
‫ولغير ذلك من المقاصد‪ ،‬وأما النبات فيطلبها الدمي للقتات والتداوي‪،‬‬
‫وأما الحيوان فينقسم إلى النسان والبهائم أما البهائم فيطلب لحومها‬
‫للمأكل وظهورها للمركب والزينة‪ ،‬وأما النسان فقد يطلب الدمي أن يملك‬
‫أبدان الناس ليستخدمهم و يستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري‬
‫والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها فيغرس فيها التعظيم والكرام‪ ،‬وهو‬
‫الذي يعبر عنه بالجاه‪ ،‬إذ معنى الجاه ملك قلوب الدميين‪ .‬فهذه هي‬
‫العيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها ال تعالى في قوله " زين للناس‬
‫حب الشهوات من النساء والبنين " وهذا من النس " والقناطير المقنطرة‬
‫من الذهب والفضة " وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها‬
‫من اللئالي واليواقيت " والخيل المسمومة والنعام " وهي البهائم‬
‫والحيوانات " والحرث " وهو النبات والزرع‪ .‬فهذه هي أعيان الدنيا‪ ،‬إل‬
‫أن لها من العبد علقتين‪ :‬علقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها‪،‬‬
‫وانصراف قلبه إليها حتى تصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا‪،‬‬
‫ويدخل في هذه العلقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر والغل‬
‫والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة‪ ،‬وحب الثناء وحب‬
‫التكاثر والتفاخر‪ ،‬فهذه هي الدنيا الباطنة‪ ،‬وأما الظاهرة فهي العيان التي‬
‫ذكرناها‪ ،‬والعلقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله باصلح هذه العيان‬
‫ليصلح لحظوظه وحظوظ غيره‪ ،‬وهي جملة الصناعات والحرف التي‬
‫الخلق مشغولون بها والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآلهم ومنقلبهم لهاتين‬
‫العلقتين‪ :‬علقة القلب بالحب وعلقة البدن بالشغل‪ ،‬ولو عرف ربه‬
‫وعرف نفسه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن هذه العيان التي سميتها‬
‫دنيا لم تخلق إل لعلف الدابة التي تسير بها إلى ال تعالى وأعني بالدابة‬
‫البدن‪ ،‬فانه ل يبقى إل بمطعم وملبس ومسكن‬

‫]‪[31‬‬

‫كما ل يبقى البل في طريق الحج إل بعلف وماء وجلل‪ .‬ومثال العبد في نسانه‬
‫نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق‪ ،‬ول يزال يعلف‬
‫الدابة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب و يحمل إليها أنواع‬
‫الحشيش‪ ،‬ويبرد لها الماء بالثلج‪ ،‬حتى تفوته القافلة‪ ،‬وهو غافل عن الحج‬
‫وعن مرور القافلة‪ ،‬وعن بقائه في البادية فريسة للسياع هو وناقته‬
‫والحاج البصير ل يهمه من أمر الجمل إل القدر الذي يقوى به على المشي‬
‫فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج‪ ،‬وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة‬
‫فكذلك البصير في سفر الخرة ل يشغل بتعهد البدن إل بالضرورة‪ ،‬كما ل‬
‫يدخل بيت الماء إل للضرورة‪ ،‬ول فرق بين إدخال الطعام في البدن وبين‬
‫إخراجه من البطن‪ .‬وأكثر ما شغل الناس عن ال البدن فان القوت‬
‫ضروري وأمر الملبس والمسكن أهون‪ ،‬ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه‬
‫المور‪ ،‬واقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا‪ ،‬فانما استغرقتهم‬
‫لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها ولكنهم جهلوا وغفلوا‪ ،‬وتتابعت‬
‫أشغال الدنيا واتصلت بعضها ببعض‪ ،‬وتداعت إلى غير نهاية محدودة‪،‬‬
‫فتاهوا في كثرة الشغال‪ ،‬ونسوا مقصودها‪ .‬وأما تفاصيل أشغال الدنيا‬
‫وكيفية حدوث الحاجة إليها وانجرار بعضها إلى بعض فمما يطول ذكرها‬
‫وخارج عن مقصود كتابنا‪ .‬وإذا تأملت فيها علمت أن النسان لضطراره‬
‫إلى القوت والمسكن والملبس يحتاج إلى خمس صناعات‪ :‬وهي الفلحة‬
‫لتحصيل النبات‪ ،‬والرعاية لحفظ الحيوانات واستنتاجها‪ ،‬والقتناص‬
‫لتحصيل ما خلق ال من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب‪ ،‬والحياكة‬
‫للباس‪ ،‬والبناء للمسكن‪ ،‬ثم يحتاج بسبب ذلك إلى التجارة والحدادة والخرز‬
‫أي إصلح جلود الحيوانات وأجزائها‪ ،‬ثم لبقاء النوع إلى المنكح‪ ،‬ثم إلى‬
‫حفظ الولد وتربيته‪ ،‬ثم لجتماعهم إلى قرية يجتمعون فيها ثم إلى قاض‬
‫وحاكم يتحاكمون إليه‪ ،‬ثم إلى جند يحرسهم عن العادي‪ ،‬ثم إلى خراج‬
‫يعان به الجند‪ ،‬ثم إلى عمال وخزان لذلك‪ ،‬ثم إلى ملك يدبرهم‬
‫]‪[32‬‬

‫وأمير مطاع وقائد على كل طائفة منهم‪ ،‬فانظر كيف ابتدأ المر من حاجة القوت‬
‫والمسكن والملبس وإلى ماذا انتهى ؟‪ .‬وهكذا أمور الدنيا ل يفتح منها باب‬
‫إل وينفتح منها بسببه عشرة أبواب أخر‪ ،‬وهكذا يتناهى إلى حد غير‬
‫محصور‪ ،‬وكأنها هاوية ل نهاية لعمقها‪ ،‬ومن وقع في مهواة منها سقط‬
‫منها إلى أخرى وهكذا على التوالي‪ .‬فهذه هي الحرف والصناعات‪ ،‬ويتفرع‬
‫عليها أيضا بناء الحوانيت والخانات للمتحرفة والتجار وجماعة يتجرون‬
‫ويحملون المتعة من بلد إلى بلد‪ ،‬ويتفرع عليها الكراية والجارة‪ ،‬ثم‬
‫يحدث بسبب البيوع والجارات وأمثالها الحاجة إلى النقدين لنقع المعاملة‬
‫بهما‪ ،‬فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ثم مست الحاجة إلى‬
‫الضرب والنقش والتقدير‪ ،‬فحدثت الحاجة إلى دار الضرب وإلى الصيارفة‪.‬‬
‫فهذه أشغال الخلق وهي معايشهم‪ ،‬وشئ من هذه الحرف ل يمكن مباشرته‬
‫إل بنوع تعلم وتعب في البتداء‪ ،‬وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا‬
‫فل يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى عاجزا إلى أن يأكل مما سعى فيه غيره‪،‬‬
‫فتحدث منه حرفتان خسيستان‪ :‬اللصوصية والكدية‪ ،‬وللصوص أنواع‬
‫ولهم حيل شتى في ذلك وأما التكدي فله اسباب مختلفة‪ ،‬فمنهم من يطلب‬
‫ذلك بالتمسخر والمحاكاة الشعبذة والفعال المضحكة‪ ،‬وقد يكون بالشعار‬
‫مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشق أو غيرهما‪ ،‬أو تسليم ما يشبه‬
‫العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والطلسمات وكأصحاب القرعة‬
‫والفال والزجر من المنجمين‪ ،‬ويدخل في هذا الجنس الوعاظ المتكدون‬
‫على رؤوس المنابر‪ .‬فهذه هي اشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها‬
‫وجرهم إلى ذكل كله الحاجة إلى القوت والكسوه‪ ،‬ولكن نسوا في أثناء ذلك‬
‫أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآلهم فضلوا وتاهوا‪ ،‬وسبق إلى عقولهم‬
‫الضعيفة بعد أإن كدرها زحمة اشغال الدنيا خيالت فاسدة‪ ،‬وانقسمت‬
‫مذاهبهم‪ ،‬واختلفت آراؤهم على عدة أوجه‪.‬‬

‫]‪[33‬‬

‫فطائفة غلب عليهم والغفلة‪ ،‬فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم فقالوا‪:‬‬
‫المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجهد حتى نكسب القوت‪ ،‬ثم نأكل حتى‬
‫نقوى على الكسب‪ ،‬ثم نكتسب حتى نأكل‪ ،‬فيأكلون ليكسبوا‪ ،‬ويكسبون‬
‫ليأكلوا فهذه مذاهب الملحين والمتحرفين‪ ،‬ومن ليس لهم تنعم في الدنيا‬
‫ول قدم في الدين‪ .‬وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا للمر وهو أن ليس‬
‫المقصود أن يشقى النسان ول يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي‬
‫وطره من شهوات الدنيا‪ ،‬وهي شهوة البطن والفرج‪ ،‬فهؤلء طائفة نسوا‬
‫أنفسهم‪ ،‬وصرفوا همهم إلى اتباع النسوان وجمع لذائذ الطعمة يأكلون كما‬
‫تأكل النعام‪ ،‬ويظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد ادركوا غايات السعادات‬
‫فيشغلهم ذلك عن ال واليوم الخر‪ .‬وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة‬
‫المال والستغناء بكنز الكنوز‪ ،‬فأسهروا ليلهم ونهارهم في الجمع فهم‬
‫يتعبون في السفار طول الليل والنهار‪ ،‬ويترددون في العمال الشاقة‬
‫ويكسبون ويجمعون ول يأكلون إل قدر الضرورة شحا وبخل عليها أن‬
‫تنقص‪ ،‬وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت فيبقى‬
‫تحت الرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات‪ ،‬فيكون للجامع‬
‫تعبها ووبالها‪ ،‬وللكل لذتها وحسابها‪ ،‬ثم إن الذين يجمعون ينظرون إلى‬
‫أمثال ذلك في اشباههم وأمثالهم فل يعتبرون‪ .‬وطائفة زعموا أن السعادة‬
‫في حسن السم وانطلق اللسن بالثناء والمدح بالتجمل والمروة‪ ،‬فهؤلء‬
‫يتعبون في كسب المعايش ويضيقون على أنفسهم في المطعم والمشرب‪،‬‬
‫ويصرفون جميع ما لهم إلى الملبس الحسنة والدواب النفيسة‪،‬‬
‫ويزخرفون أبواب الدور‪ ،‬وما يقع عليه ابصار الناس‪ ،‬حتى يقال إنه غني‬
‫وأنه ذو ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة‪ ،‬فهمتهم في ليلهم ونهارهم في‬
‫تعهد موقع نظر الناس‪ .‬وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة‬
‫بين الناس‪ ،‬وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير‪ ،‬فصرفوا همتهم إلى‬
‫استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولية‬

‫]‪[34‬‬

‫وتقلد العمال عمال السلطانية‪ ،‬لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس ويرون‬
‫أنهم إذا اتسعت وليتهم‪ ،‬وانقادت لهم رعاياهم‪ ،‬فقد سعدوا سعادة عظيمة‪،‬‬
‫وأن ذلك غاية المطلب‪ ،‬وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من‬
‫الناس فهؤلء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع ل وعن‬
‫عبادته‪ ،‬وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم‪ .‬ووراء هذا طوائف يطول‬
‫حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم ضلوا واضلوا عن سواء‬
‫السبيل‪ ،‬وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن‪،‬‬
‫فنسوا ما يراد له هذه المور الثلثة والقدر الذي يكفي منها‪ ،‬وانجرت بهم‬
‫أوايل اسبابها إلى أواخرها‪ ،‬وتداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقي‬
‫منها‪ .‬فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه السباب والشغال‪ ،‬وعرف غاية‬
‫المقصود منها فل يخوض في شغل وحرفة وعمل إل وهو عالم بمقصوده‪،‬‬
‫وعالم بحظه ونصيبه منه وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوة والكسوة‬
‫حتى ل يهلك‪ ،‬وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الشغال‪ ،‬وفرغ القلب‬
‫وغلب عليه ذكر الخرة‪ ،‬وانصرفت الهمة إلى الستعداد له‪ ،‬وإن تعدى به‬
‫قدر الضرورة‪ ،‬كثرت الشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى‬
‫غير نهاية‪ ،‬فتشعب به الهموم ومن تشعب به الهموم في أودية الدنيا فل‬
‫يبال ال في اي واد أهلكه‪ .‬فهذا شان المنهمكين في أشغال الدنيا وتنبه‬
‫لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان‪ ،‬فلم يتركهم واضلهم في‬
‫العراض أيضا حتى انقسموا إلى طوايف فظنت طائفة أن الدنيا دار بلء‬
‫ومحنة‪ ،‬وأن الخرة دار سعادة لكل من وصل إليها سواء تعبد في الدنيا أو‬
‫لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلص من محنة الدنيا‬
‫وإليه ذهب طوائف من عباد الهند فهم يتهجمون على النار ويقتلون‬
‫أنفسهم بالحراق‪ ،‬ويظنون أن ذلك خخلص منهم من سجن الدنيا‪ .‬وظنت‬
‫طائفة أخرى أن القتل ل يخلص بل ل بد أول من إماتة الصفات البشرية‬
‫وقلعها عن النفس بالكلية‪ ،‬وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب‪ ،‬ثم‬
‫أقبلوا على المجاهدة فشدوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة‪،‬‬
‫وبعضهم فسد‬

‫]‪[35‬‬

‫عقله وجن‪ ،‬وبعضهم مرض واسندت عليه طرق العبادة‪ .‬وبعضهم عجز عن قمع‬
‫الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن الشرع تلبيس ل اصل‬
‫له‪ ،‬فوقع في اللحاد والزندقة‪ ،‬وظهر لبعضهم أن هذا التعب كله ل وأن‬
‫ال مستغن عن عبادة العباد‪ ،،‬ل ينقصه عصيان عاص‪ ،‬ول يزيده عبادة‬
‫عابد‪ ،‬فعادوا إلى الشهوات‪ ،‬وسلكوا مسلك الباحة‪ ،‬فطووا بساط الشرع‬
‫والحكام وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم‪ ،‬حيث اعتقدوا ان ال مستغن‬
‫عن عبادة العباد‪ .‬وظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة‬
‫حتى يصل العبد بها إلى معرفة ال تعالى‪ ،‬فإذا حصلت المعرفة فقد وصل‪،‬‬
‫وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة فتركوا السعي والعبادة‪،‬‬
‫وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة ال سبحانه ]عن[ أن يمتحنوا‬
‫بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق‪ .‬ووراء هذا مذاهب باطلة‬
‫وضللة هائلة وخيالت فاسدة‪ ،‬يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيفا وسبعين‬
‫فرقة‪ ،‬وإنما الناجي منها فرقة واحدة‪ ،‬وهي السالكة ما كان عليها رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله واصحابه‪ ،‬وهو أن ل يتركوا الدنيا بالكلية‪ ،‬ول‬
‫يقمع في الشهوات بالكلية‪ .‬أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات‬
‫فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل‪ ،‬فل يتبع كل شهوة ول‬
‫يترك كل شهوة‪ ،‬بل يتبع العدل ول يترك كل شئ من الدنيا‪ ،‬ول يطلب كل‬
‫شئ من الدنيا‪ ،‬بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد‬
‫مقصوده‪ ،‬فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة‪ ،‬ومن المسكن ما‬
‫يحفظ به من اللصوص‪ ،‬والحر والبرد‪ ،‬ومن الكسوة كذلك‪ ،‬حتى إذا فرغ‬
‫القلب من شغل البدن‪ ،‬أقبل على ال بكنه همه‪ ،‬واشتغل بالذكر والفكر طول‬
‫العمر‪ ،‬وبقي ملزما لسياسة الشهوات‪ ،‬ومراقبا لها حتى ل تجاوز حدود‬
‫الورع والتقوى‪ ،‬ول يعلم تفصيل ذلك إل بالقتداء بالفرقة الناجية صحت‬
‫عقايدهم واتبعوا الرسول وأئمة الهدى صلوات ال عليهم في أقوالهم‬
‫وأفعالهم‪ ،‬فإنهم ما كانوا‬

‫]‪[36‬‬

‫يأخذون الدنيا للدنيا‪ ،‬بل للدين‪ ،‬وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية وما كان‬
‫لهم في المور تفريط ول إفراط‪ ،‬بل كانوا بين ذلك قواما‪ ،‬وذلك هو العدل‬
‫والوسط بين الطرفين‪ ،‬وهو أحب المور إلى ال تعالى وال المستعان‪17 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال المؤمن‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬دخلت على ابي جعفر عليه السلم‬
‫فقال‪ :‬يا جابر وال إني لمحزون وإني لمشغول القلب‪ ،‬قلت‪ :‬جعلت فداك‪،‬‬
‫وما شغلك وما حزن قلبك ؟ فقال‪ :‬يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص‬
‫دين ال‪ ،‬شغل قلبه عما سواه‪ ،‬يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا ؟‬
‫هل هي إل طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة اصبتها ؟‪ .‬يا جابر إن‬
‫المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الخرة‪ ،‬يا‬
‫جابر الخرة دار قرار‪ ،‬والدنيا دار فناء وزوال‪ ،‬ولكن أهل الدنيا أهل غفلة‪،‬‬
‫وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر ال ما‬
‫سمعوا بآذانهم‪ ،‬ولم يعمهم عن ذكر ال ما رأوا من الزينة‪ ،‬ففازوا بثواب‬
‫الخرة كما فازوا بذلك العلم‪ .‬واعلم يا جابر أن أهل التقوى ايسر أهل الدنيا‬
‫مؤنة‪ ،‬وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك‪ ،‬وإن نسيت ذكروك‪ ،‬قوالون بأمر‬
‫ال‪ ،‬قوامون على أمر ال قطعوا محبتهم بمحبة ربهم‪ ،‬ووحشوا الدنيا‬
‫لطاعة مليكهم‪ ،‬ونظروا إلى ال تعالى وإلى محبته بقلوبهم‪ ،‬وعلموا أن‬
‫ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه‪ ،‬فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت‬
‫عنه‪ ،‬أو كمال وجدته في منامك واستيقظت‪ ،‬وليس معك منه شئ‪ .‬إني إنما‬
‫ضربت لك هذا مثل لنها عند أهل اللب والعلم بال كفيئ الظلل‪ ،‬يا جابر‬
‫فاحفظ ما استرعاك ال من دينه وحكمته‪ ،‬ول تسألن عما لك عنده إل ما له‬
‫عند نفسك‪ ،‬فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك‪ ،‬فتحول إلى دار‬
‫المستعتب‪ ،‬فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه‪ ،‬ولرب‬
‫كاره‬

‫]‪[37‬‬

‫لمر قد سعد به حين أتاه‪ ،‬وذلك قول ال تعالى‪ " :‬وليمحص ال الذين آمنوا‬
‫ويمحق الكافرين " )‪ .(1‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪ " :‬صافي خالص دين ال‬
‫" كأن إضافة الصافي إلى الخالص للبيان تأكيدا‪ ،‬ويحتمل اللمية‪ ،‬أي‬
‫المحبة الصافية ل الحاصلة من خالص دينه‪ ،‬وفي تحف العقول‪ :‬من دخل‬
‫خالص حقيقة اليمان )‪ (2‬و " أكلته " وأختاها على صيغة الخطاب‪،‬‬
‫ويحتمل التكلم‪ ،‬والغرض أن هذه لذات قليلة فانية‪ ،‬ول يختارها العاقل على‬
‫النعم الجليلة الباقية‪ " .‬لم يطمئنوا " اي لم يلههم المل الطويل عن العمل‬
‫" ولم يأمنوا " اي في كل حين " قدومهم الخرة " بالموت أو عذاب‬
‫الخرة " أهل فكرة " خبر مبتدأ محذوف استينافا بيانيا وكذا قوله " لم‬
‫يصمهم " استيناف بياني للستيناف " ما سمعوا بأذانهم " من وصف‬
‫ملذ الدنيا وزهراتها‪ ،‬وحكومة أهلها وبسطة أيديهم فيها‪ ،‬والقصص‬
‫الملهية الباطلة‪ " .‬ولم يعمهم عن ذكر ال " الحاصل بالعبرة من أحوال‬
‫الدنيا وفنائها " ففازوا " لترك الدنيا " بثواب الخرة‪ ،‬كما فازوا بذلك‬
‫العلم " وهو العلم اليقيني بدناءة الدنيا وفنائها‪ ،‬ورفعة الخرة وبقائها‪،‬‬
‫وتمييز الخير من الشر‪ ،‬والهدى من الضللة وأهل الدنيا من أهل الخرة‪،‬‬
‫والمحقين من المبطلين‪ ،‬ومن يجب اتباعه من أهل الخرة وأئمة الحق‪ ،‬وم‬
‫يجب التبري عنه من أهل الدنيا واصحابها‪ ،‬وأئمة الضللة فهذه هي‬
‫الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا‪ ،‬فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم‬
‫الخرة‪ " .‬ايسر أهل الدنيا مؤنة " المؤنة بالفتح القوت والثقل‪ ،‬وذلك‬
‫لنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة والمعونة مصدر بمعنى العانة "‬
‫تذكر " اي حاجتك لهم " فيعينونك " فيها‪ ،‬وإذا كنت متذكرا لما يوجب‬
‫صلح أمر دنياك وآخرتك‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،132‬والية في آل عمران‪ (2) .141 :‬تحف العقول ص ‪295‬‬
‫في ط وص ‪ 286‬في ط آخر‪.‬‬

‫]‪[38‬‬

‫أعانوك على فعله‪ ،‬وإن كنت ناسيا له ذكروك‪ ،‬وأرشدونك إليه‪ ،‬ثم يعينونك مع‬
‫الحاجة إلى العانة‪ " .‬قوالون بأمر ال " أي بما أمر ال به أو بكل أمر‬
‫يرضى ال به موعظة وإرشادا وتذكيرا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر‬
‫" قوامون على أمر ال " بحفظ دين ال وشرايعه واصول الدين وفروعه‪،‬‬
‫وبمنع أهل الباطل وأرباب البدع من التغيير والتحريف في دين ال‪" .‬‬
‫قطعوا محبتهم " أي عن كل شئ أو عمال يرضى ال " بمحبة ربهم " اي‬
‫بسببها أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة ال‪ ،‬ول يحبون شيئا إل لحب ال له‬
‫كقوله تعالى " وما تشاؤن إل أن يشاء ال " )‪ " .(1‬وحشوا الدنيا "‬
‫الوحشة ضد النس اي لم يستأنسوا بالدنيا " لطاعة مليكهم " أي مالكهم‬
‫وسيدهم‪ ،‬أو ذي الملك والسلطنة عليهم إما لمره بالزهد في الدنيا أو لن‬
‫طاعة ال مطلقا والخلص فيها ل تجتمع مع حب الدنيا " نظروا إلى ال‬
‫وإلى محبته بقلوبهم " الظرف في قوله " بقلوبهم " متعلق بنظروا أي لم‬
‫ينظروا بعين قلوبهم إل إلى ال اي رضاه أو معرفته ومراقبته وذكره‪،‬‬
‫وعدم اللتفات إلى غيره وإلى محبته أي تحصيل حبهم ل أو حب ال لهم‬
‫أو العم كما قال تعالى " يحبهم ويحبونه " )‪ (2‬أو ما يحبه ال من‬
‫الخلق والعمال والقوال‪ " .‬وعلموا أن ذلك " اي المذكور وهو ال‬
‫ومحبته والشارة للتعظيم " هو المنظور إليه " اي هو الذي ينبغي أن‬
‫ينظر إليه ل غيره لعظمة شأنه وحقارة ما سواه بالنسبة إليه " فأنزل‬
‫الدنيا " اي اجعلها عند نفسك " كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه " بل هذه‬
‫الدنيا بالنسبة إلى الخرة اقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة‬
‫نزول المنزل بالنسبة إلى مدة عمر الدنيا لن الولى نسبة المتناهى إلى‬
‫غير المتناهي‪ ،‬والثانية نسبة المتناهي إلى المتناهي‪ ،‬والغرض العمدة من‬
‫التشبيه أنها لم تخلق للتوطن‪ ،‬بل للعبور‬

‫)‪ (1‬النسان‪ ،30 :‬التكوير‪ (2) .29 :‬المائدة‪.(*) 54 :‬‬

‫]‪[39‬‬

‫كما أن منازل المسافر إنما تبنى لذلك‪ ،‬وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى‪ :‬نزلنا‬
‫ههنا ثم ارتحلنا * كذا الدنيا نزول وارتحال أردنا أن نقيل بها ولكن * مقيل‬
‫المرء في الدنيا محال وهذا مثل للمبتدين‪ ،‬ثم ذكر مثل كامل للكاملين‪ ،‬وهو‬
‫" أو كمال وجدته في منامك " إلى آخره فان أكثر الناس في الدنيا‬
‫كالنائمين لغفلتهم عن الخرة وعما يراد بهم‪ ،‬فإذا ماتوا لم يجدوا معهم‬
‫شيئا مما اكتسبوا في الدنيا للدنيا كما قال أمير المؤمنين عليه السلم‪:‬‬
‫الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا‪ .‬ثم ذكر عليه السلم تمثيل ثالثا وهو أنها‬
‫كفئ الظلل في سرعة الزوال‪ ،‬والظلل بالكسر جميع الظل وهو والفئ‬
‫بمعنى واحد عند كثير الناس‪ ،‬وقال ابن قتيبة الظل يكون غدوة وعشية‪،‬‬
‫والفئ ل يكون إل بعد الزوال‪ ،‬لنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب‬
‫المشرق والفئ الرجوع وقال ابن السكيت‪ :‬الظل من الطلوع إلى الزوال‬
‫والفئ من الزوال إلى المغرب وقال تغلب‪ :‬الظل للشجرة وغيرها للغداة‬
‫والفئ للعشاء وقال رؤبة‪ :‬كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل‬
‫وفئ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل‪ ،‬ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل‬
‫والفئ ينسخ الشمس‪ ،‬والمراد هنا بالفئ إما المصدر أي كرجوع الظلل اي‬
‫كما تظل في ظل شجرة مثل فتنتفع به ساعة‪ ،‬فترجع عنك فتكون في‬
‫الشمس‪ ،‬أو المراد بالفئ الظل وبالظلل ما أظلك من شجر وجدار‬
‫ونحوهما‪ ،‬أو المراد بالظلل قطعات السحاب التي تواري الشمس قليل ثم‬
‫تذهب وهذا أنسب قال في القاموس‪ :‬الظل من كل شئ شخصه ومن‬
‫السحاب وما وارى الشمس منه والظللة بالكسر السحابة تراها وحدها‬
‫وترى ظلها على الرض وكسحاب ما اظلك‪ ،‬وقال‪ :‬راعيته لحظته محسنا‬
‫إليه‪ ،‬والمر نظرت إلى م يصير ؟ وأمره حفظه كرعاه واسترعاه إياهم‬
‫استحفظه انتهى وفي تحف العقول " فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين‬
‫ال وحكمته "‪ .‬قوله عليه السلم " ول تسألن " أقول‪ :‬يحتمل وجوها‬
‫الول أن يكون المعنى ل تبالغ في الدعاء والسؤال من ال عما لك عنده‬
‫من الرزق وغيره‪ ،‬مما ضمن لك‪ ،‬ولكن‬

‫]‪[40‬‬

‫سله التوفيق عما له عندك من الطاعات‪ ،‬والستثناء ظاهره النقطاع‪ ،‬ويحتمل‬


‫التصال ايضا لن التوفيق والعانة أيضا مما للعبد عند ال‪ .‬الثاني أن‬
‫يكون المراد ل تسأل أحدا عما لك عند ال من الجر والرزق وأمثالهما‬
‫فانها بيد ال وعلمها عنده ول ينفعك السؤال عنها‪ ،‬بل سل العلماء عما ل‬
‫عندك من الطاعات‪ ،‬لتعلم شرائطها وكيفياتها‪ .‬الثالث أن يكون المعنى أنك‬
‫ل تحتاج إلى السؤال عما لك عند ال من الثواب فانه بقدر ما ل عندك من‬
‫عملك‪ ،‬فيمكنك معرفته بالرجوع إلى نفسك وعملك فعلى هذا يحتمل أن‬
‫يكون التقدير ل تسأل عما لك عند ال من أحد إل مما له عندك فيكون ماله‬
‫عنده مسؤل والستثناء متصل لكن في السؤال تجوز‪ ،‬ويؤيد الخير على‬
‫الوجهين ما روي في المحاسن عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أحب أن يعلم ما له عند ال‪ ،‬فليعلم ما‬
‫ل عنده‪ .‬وفي تحف العقول في هذا الخبر مكان هذه الفقرة هكذا " وانظر‬
‫ما ل عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك "‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم " فان تكن الدنيا " أقول‪ :‬هذه الفقره ايضا تحتمل وجوها‬
‫الول ما ذكره بعض المحققين أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ما‬
‫وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها‬
‫ربك يعني أن تكون في الدنيا ببدنك‪ ،‬وفي الخرة بروحك‪ ،‬تسعى في فكاك‬
‫رقبتك‪ ،‬وتحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت‪ .‬الثاني ما ذكره بعض‬
‫الفاضل أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ذلك فانتقل إلى مقام‬
‫التوبة والستعتاب والسترضاء‪ ،‬فان هذه عقيدة سيئة‪ .‬الثالث ما خطر‬
‫بالبال أن المعنى إن لم تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك فتوجه إلى‬
‫الدنيا وانظر بعين البصيرة فيها‪ ،‬تفكر في أحوالها من فنائها وتقلبها بأهلها‬
‫ليتحقق لك حقيقة ما ذكرت‪ ،‬وإنما عبر عليه السلم عن ذلك بالتحول‬
‫إشعارا بأن من أنكر ذلك فكأنه لغفلته وغروره ليس في الدنيا فليتحول‬
‫إليها‬

‫]‪[41‬‬
‫ليعرف ذلك‪ .‬الرابع أنه أراد أنه ل بد لكل مكلف من دار استرضاء حتى يرضى فيها‬
‫ربه بالعمال الصالحة‪ ،‬فإذا لم تكن الدنيا عندك كما وصفتها لك‪ ،‬بل تكون‬
‫منهمكا في لذاتها حريصا عليها‪ ،‬فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التي‬
‫أنت فيها فانه مما ل بد منه‪ .‬الخامس أن يقرء " تحول " بصيغة المضارع‬
‫المخاطب‪ ،‬بحذف إحدى التائين فالمعنى أنه ل يخفى على ذي عقل قبح‬
‫الدنيا وفنائها‪ ،‬فان زعمت أنه ليس كذلك فلعلك تقول ذلك لجل أنها دار‬
‫يمكن فيها تحصيل رضا ال‪ ،‬وهذا ل ينافي ما ذكرت لك من ذم الركون إلى‬
‫لذاتها وشهواتها‪ ،‬كما عرفت سابقا‪ .‬السادس أن يكون المراد بدار‬
‫المستعتب دار الخرة لن الكفار يطلبون فيها الرجوع إلى الدنيا عند‬
‫مشاهدة عذابها‪ ،‬كما قال تعالى " وإن يستعتبوا فماهم من المعتبين " )‪(1‬‬
‫فالمراد به إن لم تصدق بهذه الوصاف لهذه الدار‪ ،‬فاصبر حتى ترد دار‬
‫القرار‪ ،‬فانه حينئذ يظهر لك حقيقة هذا الكلم‪ ،‬وعلى هذا الوجه يمكن أن‬
‫يقرء على اسم الفاعل أيضا‪ .‬السابع ما ذكره بعض المدعين للفضل أن‬
‫المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه ومال اصابه الذل‪ ،‬وذهب جميع ما كان‬
‫له‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬تحول إلى داره لتعتبر به‪ .‬وإنما ذكرناه لغرابته‪.‬‬
‫واقول‪ :‬في تحف العقول ليس لفظ " غير " بل هو هكذا " فان تكن الدنيا‬
‫عندك على ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم " فيؤيد‬
‫المعنى الول اي إذا عرفت أن الدنيا كذلك‪ ،‬وصدقت بما قلت‪ ،‬فتحول عنها‬
‫اي انتقل إلى الخرة بقلبك‪ ،‬واقطع تعلقك عن الدنيا اليوم اختيارا‪ ،‬قبل أن‬
‫تقلع عنها عند الموت اضطرارا‪ ،‬أو إلى مقام السترضاء كما مر‪ .‬والظاهر‬
‫أن المستعتب على أكثر الحتمالت مصدر ميمي قال في القاموس‬

‫)‪ (1‬فصلت‪.(*) 24 :‬‬

‫]‪[42‬‬

‫العتبى بالضم الرضا‪ ،‬واستعتبه‪ :‬أعطاه العتبى كأعتبه‪ ،‬وطلب إليه العتبى ضد "‬
‫وإن تستعتبوا فماهم من المعتبين " اي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم‬
‫يردهم إلى الدنيا‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬المعتبة الغضب وأعتبني فلن إذا عاد إلى‬
‫مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه‪ ،‬كما يقول‪ :‬استرضيته فأرضاني‬
‫والمعتب المرضى ومنه الحديث " ل يتمنين أحدكم الموت‪ ،‬أما محسنا‬
‫فلعله يزداد‪ ،‬وأما مسيئا فلعله يستعتب " اي يرجع عن الساءة ويطلب‬
‫الرضا ومنه الحديث " ول بعد الموت من مستعتب " أي ليس بعد الموت‬
‫من استرضاء‪ ،‬لن العمال بطلت وانقضى زمانها وما بعد الموت دار‬
‫جزاء ل دار عمل‪ ،‬انتهى‪ .‬وقوله عليه السلم‪ " :‬فلعمري " أي أقسم‬
‫بحياتي‪ ،‬وفي القسم مفتوح غالبا " لرب حريص على أمر " من أمور‬
‫الدنيا " قد شقي به حين أتاه " أي تعب به في الدنيا أو صار سببا لشقاوته‬
‫في الخرة ويطلق غالبا على سوء العاقبة‪ ،‬والسعادة ضد الشقاوة‪ ،‬وتطلق‬
‫غالبا على حسن العاقبة وراحة الخرة‪ .‬في القاموس‪ :‬الشقاء الشدة‬
‫والعسر‪ ،‬ويمد‪ ،‬شقي كرضي شقاوة ويكسر وشقا وشقاء وشقوة ويكسر‪،‬‬
‫وقال‪ :‬السعادة خلف الشقاوة‪ ،‬وقد سعد كعلم وعني فهو سعيد ومسعود‪.‬‬
‫وقال الراغب‪ :‬السعد والسعادة معاونة المور اللهية للنسان على نيل‬
‫الخير‪ ،‬ويضاد الشقاوة‪ ،‬وقال‪ :‬الشقاوة خلف السعادة‪ ،‬وكما أن السعادة‬
‫في الصل ضربان‪ :‬سعادة أخروية وسعادة دنيوية‪ ،‬ثم السعادة الدنيوية‬
‫ثلثة أضرب‪ :‬سعادة نفسية وبدنية وخارجية‪ ،‬كذلك الشقاوة على هذه‬
‫الضرب‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا‬
‫وكل شقاوة تعب وليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة )‪ .(1‬وفي‬
‫التحف‪ " :‬فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله كان‬
‫عليه وبال وشقي به ولرب كاره لمر من أمور الخرة قد ناله فسعد به "‬
‫وإلى هنا انتهى الخبر فيه‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ‪ 232‬و ‪.(*) 264‬‬

‫]‪[43‬‬

‫قوله‪ " :‬وليمحص ال " الية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى‪" :‬‬
‫وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم ال الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء‬
‫وال ل يحب الظالمين * ولمحص ال الذين آمنوا " قال الطبرسي رحمه‬
‫ال‪ :‬بين وجه المصلحة في مداولة اليام بين الناس اي وليبتلي ال الذين‬
‫آمنوا ويمحق الكافرين ينقصهم أو ليخلص ال ذنوب المؤمنين أو ينجي‬
‫ال الذين آمنوا من الذنوب بالبتلء ويهلك الكافرين بالذنوب عند البتلء‬
‫)‪ .(1‬وأقول‪ :‬هذا الوجه الخير أنسب بالخبر‪ ،‬ليكون استشهدا للجزئين معا‬
‫فان الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين‪ ،‬فنالوها فصارت سببا‬
‫لشقاوتهم ومزيد عذابهم والمؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية‪ ،‬فصارت سببا‬
‫لمزيد سعادتهم وتمحيص ذنوبهم‪ .‬قال الراغب‪ :‬أصل المحص تخليص‬
‫الشئ مما فيه من عيب‪ ،‬يقال‪ :‬محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما‬
‫يشوبه من خبث قال تعالى‪ " :‬وليمحص ال الذين آمنوا " فالتمحيص هنا‬
‫كالتزكية والتطهير )‪ - 18 .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن عمر بن أبان‪ ،‬عن أبي حمزة عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال علي بن الحسين عليهما السلم إن الدنيا قد‬
‫ارتحلت مدبرة‪ ،‬وإن الخرة قد ارتحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهما بنون‪.‬‬
‫فكونوا من أبناء الخرة‪ ،‬ول تكونوا من أبناء الدنيا ]أل[ وكونوا من‬
‫الزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة‪ ،‬ال إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا‬
‫الرض بساطا‪ ،‬والتراب فراشا‪ ،‬والماء طيبا‪ ،‬وقرضوا من الدنيا تقريضا‪،‬‬
‫أل ومن اشتاق إلى الجنة سل عن الشهوات‪ ،‬ومن اشفق من النار رجع‬
‫عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب‪ .‬أل إن ل عبادا‬
‫كمن رأى أهل الجنة مخلدين‪ ،‬وكمن رأى أهل‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .510‬المفردات‪.(*) 464 :‬‬

‫]‪[44‬‬

‫النار في النار معذبين‪ ،‬شرورهم مأمونة‪ ،‬وقلوبهم محزونة‪ ،‬أنفسهم عفيفة‪،‬‬


‫وحوائجهم خفيفة‪ ،‬صبروا أياما قليلة‪ ،‬فصاروا بعقبى راحة طويلة‪ ،‬أما‬
‫الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم‪ ،‬وهم يجأرون إلى‬
‫ربهم‪ ،‬يسعون في فكاك رقابهم‪ .‬وأما النهار فحكماء علماء‪ ،‬بررة‪ ،‬أتقياء‪،‬‬
‫كأنهم القداح‪ ،‬قد براهم الخوف من العبادة‪ ،‬ينظر إليهم الناظر فيقول‬
‫مرضى وما بالقوم من مرض‪ ،‬أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم‪ ،‬من‬
‫ذكر النار وما فيها )‪ .(1‬توضيح‪ " :‬إن الدنيا قد ارتحلت " يقال رحل‬
‫وارتحل اي شخص وسار " مدبرة " المراد بادبار الدنيا تقضيها‬
‫وانصرامها وباقبال الخرة قرب الموت وما يكون بعدها من نعيم أو عذاب‪،‬‬
‫فشبه الدنيا وحياتها براكب حمل على مراكبها أثقالها وهي لذات الدنيا‬
‫وشهواتها وأموالها‪ ،‬وساير ما يتعلق النسان بها والموت براكب آخر‬
‫حمل على مراكبه نعيمه وعذابه‪ ،‬وساير ما يكون بعده فالراكب الول يوما‬
‫فيوما وساعة فساعة في التقضي والفناء‪ ،‬فهو يبعد عن النسان‪ ،‬والراكب‬
‫الثاني يسير إلى النسان ويقرب منه فعن قريب يصل إليه فل بد من‬
‫الستعداد لوصوله وتلقيه بالعقائد الحقة والعمال الصالحة‪ " .‬ولكل واحدة‬
‫منهما بنون " استعار عليه السلم لفظ البنين للعباد بالنسبة إلى الدنيا‬
‫والخرة فشبههم لميل كل منهم إلى إحداهما ميل الولد إلى ولده‪ ،‬وركون‬
‫الفصيل إلى أمه‪ ،‬وتوقع كل منهم توقع النفع من إحداهما‪ ،‬ومشابهته بها‬
‫وكونه مخلوقة لجلها وشبه كل منهما بالب أو بالم لتأنيثهما أو الخرة‬
‫بالب والدنيا بالم لنقصها ولمناسبة الباء العلوية بالولى والمهات‬
‫السفلية بالثانية‪ ،‬فكأن أبناء الدنيا بمنزلة أولد الزنا ل اب لهم‪ " .‬فكونوا‬
‫من أبناء الخرة " لبقائها وخلوص لذاتها ولكونها صادقة في وعدها "‬
‫ول تكونوا من أبناء الدنيا " لفنائها وكذبها وغرورها‪ ،‬وكون لذاتها‬
‫مشوبة بأنواع اللم‪ ،‬ثم اشار عليه السلم إلى أن المقصود ليس مجرد‬
‫رفض الدنيا‪ ،‬وترك العمل‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.132‬‬

‫]‪[45‬‬

‫لها‪ ،‬بل مع إزاله حبها من القلب بقوله " وكونوا من الزاهدين الخ "‪ .‬والبساط‬
‫فعال بمعنى المفعول أي اكتفوا بالرض عوضا عن الفرش المبسوطة في‬
‫البيوت مع عدم تيسر البساط إل من الحرام أو الشبهة أو مطلقا والول‬
‫أنسب بالجمع بين الخبار وكذا في البواقي‪ ،‬وفي الصحاح البساط ما‬
‫يبسط‪ ،‬وبالفتح الرض الواسعة " والتراب فراشا " بمعنى المفروش اي‬
‫عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن وغيره للنوم عليها‪ ،‬فان‬
‫التراب ألين من سائر أجزاء الرض " والماء طيبا " فان الطيب عمدة‬
‫منفعته دفع الروايح الكريهة‪ ،‬وهو يتحقق بالغسل بالماء‪ ،‬وما قيل من أن‬
‫المراد التلذذ بشرب الماء بدل من الشربة اللذيذة لن اصل الطيب اللذة كما‬
‫في القاموس فهو بعيد‪ " .‬وقرضوا من الدنيا تقريضا " على بناء المفعول‬
‫]من التفعيل[ من القرض بمعنى القطع‪ ،‬وبناء التفعيل للمبالغة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بمعنى التجاوز من قرضت الوادي لذا جزته‪ ،‬أو بمعنى العدول من قرضت‬
‫المكان إذا عدلت عنه‪ ،‬وفي النهج " ثم قرضوا الدنيا قرضا " )‪ .(1‬قوله‬
‫عليه السلم " سل عن الشهوات " اي نسيها وتركها وفي القاموس‪:‬‬
‫سله وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا وسلوا وسلوانا وسليا‪ :‬نسيه‪،‬‬
‫وأسله عنه فتسلى‪ " ،‬عن المحرمات " وفي بعض النسخ " عن‬
‫المحرمات " جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة " هانت عليه المصائب "‬
‫لنها راجعة إلى فوات المور الدنيوية‪ ،‬ومن زهد فيها سهل عنده فواتها‪.‬‬
‫قوله عليه السلم‪ " :‬كمن رأى " أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة‬
‫كما مر في باب اليقين " مخلدين " اي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع‬
‫علمه بخلودهم‪ ،‬ومن الفاضل من قرء مخلدين على بناء الفاعل من‬
‫الفعال كقولهم أخلد إليه أي مال ول يخفى بعده‪ " .‬وقلوبهم محزونة "‬
‫لهم الخرة وخوف التقصير وعدم العلم بالعاقبة " أنفسهم‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ‪ -‬تحت الرقم ‪ 104‬من قسم الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[46‬‬

‫عفيفة " عن المحرمات والشبهات " وحوائجهم خفيفة " لقتصارهم في الدنيا‬
‫على القدر الضروري منها " صبروا أياما قليلة " اي أيام عمرهم‪ ،‬فانها‬
‫قليلة في جنب أيام الخرة صبروا فيها على الفقر والضر ومشقة فعل‬
‫الطاعات‪ ،‬وترك المحرمات وإيذاء الظلمة والمخالفين‪ ،‬فصاروا بعقبى‬
‫راحة طويلة‪ ،‬في القاموس‪ :‬العقبى جزاء المر‪ ،،‬وقال الراغب‪ :‬العقب‬
‫والعقبى يختصان بالثواب نحو " خير ثوابا وخير عقبا " )‪ (1‬وقال "‬
‫أولئك لهم عقبى الدار " )‪ " (2‬فنعم عقبى الدار " )‪ (3‬والعاقبة إطلقها‬
‫يختص بالثواب نحو " والعاقبة للمتقين " )‪ (4‬وبالضافة قد تستعمل في‬
‫العقوبة نحو " ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوآى " )‪ (5‬انتهى‪ .‬وأقول‪:‬‬
‫العقبى غالبه أنه يستعمل في الثواب‪ ،‬وقد يستعمل في العقاب أيضا كقوله‬
‫تعالى " تلك عقبى الذين اتقوا وعقى الكافرين النار " )‪ (6‬وقوله سبحانه‬
‫" ول يخاف عقبيها " )‪ (7‬وقال البيضاوي‪ (8) :‬في قوله تعالى " أولئك‬
‫لهم عقبى الدار " اي عاقبة الدنيا‪ ،‬وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي‬
‫الجنة‪ .‬وفي قوله سبحانه‪ " :‬تلك عقبى الذين اتقوا " اي الجنة الموصوفة‬
‫مآلهم ومنتهى أمرهم‪ ،‬وفي قوله " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار " )‪(9‬‬
‫اللم يدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة انتهى‪ .‬والباء في قوله‬
‫" بعقبى " إما بمعنى إلى أو بمعنى " مع " وإضافة العقبى إلى الراحة‬
‫للبيان ويحتمل غيره أيضا‪ ،‬وفي فقه الرضا‪ :‬فصارت لهم العقبى راحة‬
‫طويلة‪ " .‬وأما الليل " ظاهره النصب على الظرفية‪ ،‬وقيل‪ :‬يحتمل الرفع‬
‫على البتداء‪ ،‬والتخصيص به لن العبادة فيه أشق وأقرب إلى القربة‪،‬‬
‫وحضور القلب‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) .44 :‬الرعد‪ (3) .22 :‬الرعد‪ (4) .24 :‬العراف‪(5) .128 :‬‬
‫الروم‪ ،10 :‬راجع مفردات غريب القرآن ص ‪ (6) .340‬الرعد‪(7) .35 :‬‬
‫الشمس‪ (8) .15 :‬أنوار التنزيل‪ (9) .213 :‬الرعد‪ ،42 :‬راجع أنوار‬
‫التنزيل‪.(*) 215 :‬‬

‫]‪[47‬‬

‫فيه أكثر‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬إن ناشئة الليل هي اشد وطأ وأقوم قيل " )‪" (1‬‬
‫فصافون أقدامهم " اي للصلة‪ ،‬ويدل على استحباب صف القدمين في‬
‫الصلة بحيث ل يكون أحدهما أقرب من القبلة من الخرى‪ .‬أو تكون‬
‫الفاصلة بينهما من الصابع إلى العقبين مساوية والول أظهر وعلى‬
‫استحباب التضرع والبكاء في صلة الليل‪ .‬وفي القاموس‪ :‬جأر كمنع جأرا‬
‫وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث قوله " في فكاك رقابهم "‬
‫أي من النار " كأنهم القداح " في القاموس القدح بالكسر السهم قبل أن‬
‫يراش وينصل‪ ،‬والجمع قداح وأقداح وأقاديح‪ ،‬انتهى‪ .‬وأشار عليه السلم‬
‫إلى وجه التشبيه بالقداح بقوله " قد براهم الخوف " أي نحلهم وذبلهم‬
‫كما يبرى السهم في القاموس‪ :‬برى السهم يبريه بريا وابتراه نحته وبرأه‬
‫السفر يبريه بريا هزله‪ ،‬وقوله " من العبادة " إما متعلق بقوله " براهم‬
‫" أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها وعلى كثرتها أو‬
‫بقوله " كأنهم القداح " فيرجع إلى الول‪ .‬وعلى التقديرين " من "‬
‫للسببية والعلية‪ ،‬أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة‪ ،‬والول اظهر‪" .‬‬
‫فيقول مرضى " اي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم‪ ،‬ونحافة بدنهم‬
‫فخطأ عليه السلم ظنه‪ ،‬وقال‪ " :‬وما بالقوم من مرض " بل هم من‬
‫الصحاء من الدواء النفسانية‪ ،‬والمراض القلبية " أم خولطوا " أي أو‬
‫يقول خولطوا‪ ،‬ويحتمل أن يكون مرضى على الستفهام‪ ،‬وقوله أم خولطوا‬
‫معادل له من كلم الناظر‪ ،‬فاعترض جوابه عليه السلم بين أجزاء كلمه‪.‬‬
‫والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب ال وعبادته‪ ،‬واعتزالهم عن‬
‫عامة الخلق‪ ،‬ومباينة أطوارهم لطوارهم‪ ،‬وأقوالهم لقوالهم‪ ،‬ويسمعون‬
‫منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم‪ ،‬فتارة ينسبونهم إلى المرض‬
‫الجسماني‪ ،‬وتارة إلى المرض الروحاني‪ ،‬وهو الجنون واختلط العقل بما‬
‫يفسده‪ ،‬فأجاب عليه السلم عن الول بالنفي المطلق‪ ،‬وعن الثاني بأن‬
‫المخالطة متحققة‪ ،‬لكن ل بما يفسد‬

‫)‪ (1‬المزمل‪.(*) 6 :‬‬

‫]‪[48‬‬

‫العقل‪ ،‬بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار‪ - 19 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن الهيثم بن واقد الحريري‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من زهد في الدنيا أثبت ال الحكمة في‬
‫قلبه‪ ،‬وأنطق بها لسانه‪ ،‬وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من‬
‫الدنيا سالما إلى دار السلم )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في المغرب‪ :‬زهد في الشئ‬
‫وعن الشئ زهدا وزهادة إذا رغب عنه ولم يرده‪ ،‬ومن فرق بين زهد فيه‬
‫وعنه فقد أخطأ وقال في عدة الداعي‪ :‬روي أن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫سأل جبرئيل عليه السلم عن تفسير الزهد فقال جبرئيل عليه السلم‪:‬‬
‫الزاهد يحب من يحب خالقه‪ ،‬ويبغض من يبغض خالقه‪ ،‬ويتحرج من حلل‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يلتفت إلى حرامها‪ ،‬فان حللها حساب وحرامها عقاب‪ ،‬ويرحم‬
‫جميع المسلمين كما يرحم نفسه‪ ،‬ويتحرج من الكلم فيما ل يعنيه كما‬
‫يتحرج من الحرام‪ ،‬ويتحرج من كثرة الكل كما يتحرج من الميتة التي قد‬
‫اشتد نتنها ويتحرج من حطام الدنيا وزينتها كما يجتنب النار أن يغشاها‪،‬‬
‫وأن يقصر أمله وكان بين عينيه أجله‪ .‬و " الحكمة " العلوم الحقة‬
‫المقرونة بالعمل أو العلوم الربانية الفائضة من ال تعالى بعد العمل‬
‫بطاعته‪ ،‬وقد مر تحقيقها في كتاب العقل وغيره‪ .‬قال الراغب‪ :‬الحكمة‬
‫إصابة الحق بالعلم والعقل‪ ،‬فالحكمة من ال تعالى معرفة الشياء وإيجادها‬
‫على غاية الحكام‪ ،‬ومن النسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات‪ ،‬وهذا‬
‫هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى‪ " :‬ولقد آتينا لقمان الحكمة " )‬
‫‪ (2‬ونبه على جملتها بما وصفه بها انتهى )‪ .(3‬قوله عليه السلم‪" :‬‬
‫داءها ودواءها " كأنه بدل اشتمال للعيوب‪ ،‬اي المراد بتبصير العيوب أن‬
‫يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرمات‪ ،‬والصفات الذميمة المتفرعة‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .128‬لقمان‪ (3) .12 :‬المفردات‪.(*) 127 :‬‬

‫]‪[49‬‬

‫على حب الدنيا‪ ،‬ويعرفه ما يعالج به تلك الدواء من التفكرات الصحيحة والمواعظ‬


‫الحسنة‪ ،‬وفعل الطاعات‪ ،‬والرياضات‪ ،‬ومجاهدة النفس في ترك الشهوات‪،‬‬
‫كأن يقال‪ :‬الطب ]حد[ معرفة المراض‪ ،‬بأن يعرف ما تحصل منه وأصل‬
‫المرض وكيفية علجه‪ ،‬أو يقال‪ :‬الدنيا دنياءان‪ :‬دنيا بلغ يصير سببا‬
‫لتحصيل الخرة‪ ،‬ودنيا ملعونة‪ ،‬فلما ذكر عيوب الدنيا فصلها وبين أن منها‬
‫ما هو داء‪ ،‬ومنها ما هو دواء‪ .‬ويحتمل حينئذ ارتكاب استخدام بأن يكون‬
‫المراد بالدنيا أول الدنيا المذمومة‪ ،‬وبالضمير العم‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫داؤها تأكيدا لعيوب الدنيا ودواؤها عطفا على العيوب‪ .‬وقيل‪ :‬داؤها‬
‫ودواؤها مجروران بدل بعض للدنيا‪ ،‬فالمراد بعيوب دواء الدنيا شدتها‬
‫على النفس وصعوبتها‪ ،‬وربما يقرء دواها بالقصر بمعنى الحمق اي‬
‫المبتلى بحب الدنيا‪ ،‬ول يخفى بعده " وأخرجه من الدنيا سالما " من‬
‫العيوب والمعاصي " إلى دار السلم " اي الجنة التي من دخلها سلم من‬
‫جميع المكاره واللم‪ - 20 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن ابيه وعلي بن‬
‫محمد القاساني جميعا‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن سليمان بن داود‬
‫المنقري‪ ،‬عن حفص بن غياث‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعته‬
‫يقول‪ :‬جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا‪ .‬ثم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يجد الرجل حلوة اليمان في قلبه حتى‬
‫ل يبالي من أكل الدنيا‪ ،‬ثم قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬حرام على قلوبكم‬
‫أن تعرف حلوة اليمان حتى تزهد في الدنيا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬جعل الخير كله‬
‫" الخ لما كان الزهد في الدنيا سببا لحصول جميع السعادات العلمية‬
‫والعملية‪ ،‬شبه تلك الكمالت بالمتعة المخزونة في بيت والزهد بمفتاح ذلك‬
‫البيت " ل يجد الرجل " الخ شبه صلى ال عليه وآله اليمان بشئ حلو‬
‫في‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 128‬‬


‫]‪[50‬‬

‫ميل الطبع السليم إليه‪ ،‬وأثبت له الحلوة على الستعارة المكنية والتخييلية أو‬
‫استعار لفظ الحلوة لثارة اليمان التي تلتذ الروح بها " حتى ل يبالي من‬
‫أكل الدنيا " يحتمل أن يكون " من " اسم موصول‪ " ،‬وأكل " فعل‬
‫ماضيا‪ ،‬وأن يكون " من " حرف جر " وأكل " مصدرا‪ ،‬فعلى الول‬
‫المعنى أنه ل يعتني بشأن الدنيا بحيث ل يحسد أحدا عليها‪ ،‬ولو كانت كلها‬
‫لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك ولم ير ذلك له كثيرا وعلى الثاني ايضا يرجع‬
‫إلى ذلك أو المعنى ل يعتني بأكل الدنيا والتصرف فيها‪ - 21 .‬كا‪ :‬عن علي‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن أبي أيوب الخزاز‪ ،‬عن‬
‫ابي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬إن من أعون الخلق على الدين الزهد في الدنيا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬إن‬
‫من أعون الخلق " الخ وذلك لن الشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق‬
‫تحصيلها‪ ،‬ووجه ضبطها‪ ،‬ورفع موانعها‪ ،‬مانع عظيم من تفرغ القلب‬
‫للمور الدينية وتفكره فيها‪ ،‬بل حبها ل يجتمع مع حب ال تعالى وطاعته‬
‫وطلب الخرة‪ ،‬كما روي أن الدنيا والخرة ضرتان إذ الميل بأحدهما يضر‬
‫بالخر‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه وعلى بن محمد‪ ،‬عن‬
‫القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري‪ ،‬عن علي بن هاشم بن‬
‫البريد‪ ،‬عن أبيه أن رجل سأل علي بن الحسين عليهما السلم عن الزهد‬
‫فقال‪ :‬عشرة اشياء فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع‪ ،‬وأعلى درجة‬
‫الورع ادنى درجة اليقين‪ ،‬وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا‪ ،‬أل وإن‬
‫الزهد في آية من من كتاب ال عزوجل " لكيل تأسوا على ما فاتكم ول‬
‫تفرحوا بما آتاكم " )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .128‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،128‬والية في سورة الحديد‪23 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[51‬‬

‫بيان‪ :‬قد مر صدر هذا الخبر في باب الرضا بالقضا )‪ (1‬إلى قوله‪ " :‬إل أن الزهد "‬
‫وكان فيه‪ " :‬الزهد عشرة أجزاء " ومنهم من جعل الجزاء العشرة‬
‫باعتبار ترك حب عشرة اشياء‪ :‬المال‪ ،‬والولد‪ ،‬واللباس‪ ،‬والطعام‪،‬‬
‫والزوجة والدار‪ ،‬والمركوب‪ ،‬والنتقام من العدو‪ ،‬والحكومة‪ ،‬وحب‬
‫الشهرة بالخير وهو تكلف مستغنى عنه‪ ،‬واليات في الحديد هكذا " اعلموا‬
‫أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال‬
‫والولد " إلى قوله سبحانه‪ " :‬وما الحيوة الدنيا إل متاع الغرور " ثم‬
‫قال تعالى بعد آية‪ " :‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل‬
‫في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على ال يسير * لكيل تأسوا‪ ." ...‬قال‬
‫المفسرون‪ :‬اي كتبنا ذلك في كتاب لكيل تأسوا اي تحزنوا على ما فاتكم‬
‫من نعم الدنيا ول تفرحوا بما آتيكم اي ما أعطاكم منها‪ ،‬وقال الطبرسي‬
‫رحمه ال‪ :‬والذي يوجب نفي السى والفرح من هذا أن النسان إذا علم أن‬
‫ما فات منها ضمن ال تعالى العوض عليه في الخرة فل ينبغي أن يحزن‬
‫لذلك‪ ،‬وإذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه‪ ،‬والحقوق الواجبة فيه‪،‬‬
‫فل ينبغي أن يفرح به‪ ،‬وأيضا فإذا علم أن شيئا منها ل يبقى فل ينبغي أن‬
‫يهتم له‪ ،‬بل يجب أن يهتم لمر الخرة التي تدوم ول تبيد انتهى )‪ .(2‬ول‬
‫يخفى أن هذين الوجهين ل ينطبقان على التعليل المذكور في الية إل أن‬
‫يقال‪ :‬إن هذه المور أيضا من المور المكتوبة‪ ،‬ولذا قال غيره‪ :‬إن العلة‬
‫في ذلك أن من علم أن الكل مقدر‪ ،‬هان عليه المر‪ .‬وقال بعض الفاضل‪:‬‬
‫هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلث آيات‪ " :‬اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو‬
‫" وهذا وجه حسن بحسب المعنى‪ ،‬ول تكلف في التعليل حينئذ‪ ،‬لكنه‬
‫بحسب اللفظ بعيد‪ ،‬وإن كانت اليات متصلة بحسب المعنى‬

‫)‪ (1‬يعني باب الرضا بالقضاء من الكافي ص ‪ (2) .62‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪240‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[52‬‬

‫مسوقة لمر واحد وقد مر وجه آخر في تأويل الية في كتاب المامة‪ ،‬وأنها نازلة‬
‫في أهل البيت عليهم السلم وقد بيناه هناك‪ .‬وقال البيضاوي‪ :‬المراد منه‬
‫نفي السى المانع لمر ال والفرح الموجب للبطر والختيال‪ ،‬وال ل يحب‬
‫كل مختال فخور‪ ،‬إذ قل من يثبت نفسه حالي السراء والضراء انتهى )‪.(1‬‬
‫وروي في نهج البلغة عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬الزهد كله‬
‫بين كلمتين في القرآن قال ال سبحانه‪ " :‬لكيل تأسوا على ما فاتكم ول‬
‫تفرحوا بما آتيكم " فمن لم يأس على الماضي‪ ،‬ولم يفرح بالتي‪ ،‬فقد أخذ‬
‫الزهد بطرفيه )‪ - 23 .(2‬كا‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن سفيان‬
‫بن عيينة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬كل قلب فيه شك أو‬
‫شرك فهو ساقط‪ ،‬وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للخرة )‪.(3‬‬
‫‪ - 24‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن العل بن رزين‪ ،‬عن‬
‫محمد ابن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‪ :‬إن‬
‫علمة الراغب في ثواب الخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا‪ ،‬أما إن زهد‬
‫الزاهد في هذه الدنيا ل ينقصه مما قسم ال له عزوجل فيها‪ ،‬وإن زهد‪،‬‬
‫وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا ل يزيده فيها‪ ،‬وإن حرص‪،‬‬
‫فالمغبون من حرم حظه من الخرة )‪ .(4‬بيان‪ " :‬إن علمة الراغب "‬
‫إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا والخرة ضرتان ل يجتمع حبهما في‬
‫قلب‪ ،‬فالراغب في أحدهما زاهد في الخر‪ ،‬ل محالة و إنما ادخل العاجل‬
‫لنه السبب لختيار الناس الدنيا غالبا على ثواب الخرة آجل أو لدللته‬
‫على عدم الثبات وقيل‪ :‬لن زهرة الدنيا المتعلقة بالجلة والخرة كقدر ما‬
‫يحتاج إليه النسان لتحصيل ما ينفع في الخرة ل ينافي الرغبة في ثوابها‬

‫)‪ (1‬انوار التنزيل‪ (2) .423 :‬نهج البلغة الرقم ‪ 439‬من الحكم‪ (3 - 4) .‬الكافي ج‬
‫‪ 2‬ص ‪.(*) 129‬‬

‫]‪[53‬‬

‫بل معين لحصوله والمراد بزهرة الدنيا بهجتها أو نضارتها أو متاعها تشبيها له‬
‫بزهرة النبات‪ ،‬لكونها أقل الريا حين ثباتا‪ ،‬وهو إشارة إلى قوله تعالى‪" :‬‬
‫ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم‬
‫فيه ورزق ربك خير وأبقى " )‪ .(1‬قال في القاموس‪ :‬الزهرة ويحرك‬
‫النبات ونوره أو الصفر منه‪ ،‬ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها‬
‫انتهى‪ ،‬قوله عليه السلم‪ " :‬في هذه الدنيا " الشارة للتحقير " وإن زهد‬
‫" اي بالغ في الزهد‪ ،‬وكذا قوله‪ " :‬وإن حرص " أو المراد بقوله‪ " :‬وإن‬
‫زهد " وإن سعى في صرفها عن نفسه‪ ،‬وبقوله‪ " :‬وإن حرص " أي بالغ‬
‫في تحصيلها‪ ،‬فالمراد بالزهد والحرص الولين القلبيان‪ ،‬وبالخرين‬
‫الجسمانيان‪ .‬والحاصل أن الرزق لكل أحد مقدر‪ ،‬وإن كان وصولها إليه‬
‫مشروطا بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن‬
‫الطاعات‪ ،‬ول تقصير كثير بترك السعي مطلقا‪ ،‬ول مدخل لكثرة السعي في‬
‫كثرة الرزق‪ ،‬فمن ترك الطاعات وارتكب المحرمات في ذلك‪ ،‬حرم ثواب‬
‫الخرة‪ ،‬ول يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون‪ ،‬وهذا على القول بأن مقدار‬
‫الرزق معين مقدر‪ ،‬ول يزيد بالسعي‪ ،‬ول ينقص بتركه‪ ،‬وعلى القول بأن‬
‫الرزق المقدر الواجب على ال تعالى هو القدر الضروري ويزيد بالكسب‬
‫بالسعي‪ ،‬فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد‪ ،‬وسيأتي الكلم فيه في محله إنشاء‬
‫ال تعالى‪ - 25 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد‬
‫بن يحيى الخثعمي عن طلحة بن زيد‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما‬
‫أعجب رسول ال صلى ال عليه وآله شئ من الدنيا إل أن يكون فيها‬
‫جائعا خائفا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬إل أن يكون فيها " كأن الستثناء منقطع‪،‬‬
‫ويحتمل التصال‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .131 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.129‬‬


‫]‪[54‬‬

‫" جائعا " أي بسبب الصوم أو اليثار على الغير أو لن الجوع موجب للقرب من‬
‫ال تعالى‪ ،‬بخلف الشبع‪ ،‬فانه موجب للبعد‪ ،‬مع أن في الجوع الضطراري‬
‫والصبر عليه والرضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين " خائفا " أي من‬
‫عذاب الخرة أو من العدو في الجهاد ايضا أو لن الضراء في الدنيا مطلقا‬
‫موجب للسراء في الخرة وقد اشبعنا الكلم في جوعه وقناعه وتواضعه‬
‫صلى ال عليه وآله في المأكل والملبس والمجلس وسائر أحواله في‬
‫المجلد السادس‪ - 26 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن القاسم بن يحيى‪،‬‬
‫عن جده الحسن ابن راشد‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬خرج النبي صلى ال عليه وآله وهو محزون فأتاه ملك ومعه‬
‫مفاتيح خزائن الرض‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا‪ ،‬يقول لك‬
‫ربك‪ :‬افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا دار من ل دار له‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل‬
‫له‪ ،‬فقال الملك‪ :‬والذي بعثك بالحق لقد سمعت هذا الكلم من ملك يقول في‬
‫السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح )‪ .(1‬بيان‪ " :‬خرج النبي " أي من‬
‫البيت أو إلى بعض الغزوات‪ ،‬وهو " محزون " لعل حزنه صلى ال عليه‬
‫وآله كان لضعف المسلمين‪ ،‬وعدم رواج الدين‪ ،‬وقوة المشركين وقلة‬
‫أسباب الجهاد‪ " ،‬من غير أن تنقص " على بناء المجهول‪ ،‬قال الجوهري‪:‬‬
‫نقص الشئ ونقصته أنا يتعدى ول يتعدى انتهى ويمكن أن يقرء على بناء‬
‫المعلوم فالمستتر راجع إلى المفاتيح‪ ،‬وفي بعض النسخ على الغيبة أي‬
‫ينقص أخذك شيئا من المنزلة والدرجة التي لك عندي " من ل دار له "‬
‫اي في الخرة‪ ،‬فالمعنى أن الذي يهتم لتحصيل الدنيا وتعميرها ليست له‬
‫دار في الخرة أو يختار الدنيا من ل يؤمن بأن له دار في الخرة أو من ل‬
‫دار له اصل فان دار الخرة قد فوتها ودار الدنيا ل تبقى له " ولها " اي‬
‫للدنيا والعيش فيها " يجمع " الموال والسباب " من ل عقل له " لن‬
‫العاقل ل يختار الفاني على الباقي‪ ،‬وربما يقرء " يجمع " على بناء‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 129‬‬

‫]‪[55‬‬

‫الفعال من العزم والهتمام‪ ،‬في القاموس الجماع التفاق وصر أخلف الناقة جمع‪،‬‬
‫وجعل المر جميعا بعد تفرقه والعداد واليباس وسوق البل جميعا والعزم‬
‫على المر أجمعت المر وعليه والمر مجمع انتهى )‪ (1‬ويناسب هذا أكثر‬
‫المعاني لكن الول اظهر‪ - 27 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي عمير‪ ،‬عن جميل بن دراج‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬مر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا فقال‬
‫لصحابه‪ :‬كم يساوي هذا ؟ فقالوا‪ :‬لعله لو كان حيا لم يساو درهما فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬والذي نفسي بيده للدنيا أهون على ال من هذا‬
‫الجدي على أهله )‪ .(2‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬فيه أنه مر بجدي أسك اي‬
‫مصطلم الذنين مقطوعهما وفي القاموس السكك محركة الصمم‪ ،‬وصغر‬
‫الذن‪ ،‬ولزوقها بالرأس‪ ،‬وقلة إشرافها أو صغر قوب الذن وضيق الصماخ‬
‫يكون في الناس وغيرهم‪ ،‬سككت يا جدي وهي أسك وهي سكا‪ .‬وأقول‪:‬‬
‫روى مسلم في صحيحه هذا الحديث باسناده عن جابر بن عبد ال‬
‫النصاري أن رسول ال صلى ال عليه وآله مر بالسوق فمر بجدي اسك‬
‫ميت فتناوله فأخذ باذنه ثم قال‪ :‬أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟ فقالوا‪ :‬ما‬
‫نحب أنه لنا بشئ وما نصنع به ؟ قال‪ :‬تحبون أنه لكم ؟ قالوا‪ :‬وال لو كان‬
‫حيا كان عيبا فيه لنه أسك فكيف وهو ميت ؟ فقال‪ :‬فوال للدنيا أهون على‬
‫ال من هذا عليكم‪ .‬والمزبلة بفتح الباء والضم لغة‪ :‬موضع يلقى فيه الزبل‬
‫بالكسر وهو السرقين‪ - 28 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن علي بن محمد‬
‫القاساني‪ ،‬عمن ذكره عن عبد ال بن القاسم‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إذا أراد ال بعبد خيرا زهده في الدنيا‪ ،‬وفقهه في الدين‪ ،‬وبصره‬
‫عيوبها‪ ،‬ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .15‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 129‬‬

‫]‪[56‬‬

‫والخرة‪ ،‬وقال‪ :‬لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا‪ ،‬وهو ضد لما‬
‫طلب أعداء الحق‪ .‬قلت‪ :‬جعلت فداك مماذا ؟ قال‪ :‬من الرغبة فيها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أل من صبار كريم‪ ،‬وإنما هي أيام قلئل ؟ ال إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم‬
‫اليمان حتى تزهدوا في الدنيا‪ .‬قال‪ :‬وسمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلوة حب ال‪ ،‬وكان عند‬
‫أهل الدنيا كأنه قد خولط وإنما خالط القوم حلوة حب ال‪ ،‬فلم يشتغلوا‬
‫بغيره‪ .‬قال‪ :‬وسمعته يقول‪ :‬إن القلب إذا صفا ضاقت به الرض حتى يسمو‬
‫)‪ (1‬بيان‪ " :‬وبصره عيوبها " اي الدنيا " ومن أوتيهن " أي تلك‬
‫الخصال الثلث وفيه إشعار بأنها ل تتيسر إل بتوفيق ال تعالى " فقد أوتي‬
‫" كأنه إشارة إلى قوله تعالى‪ " :‬ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "‬
‫)‪ (2‬فالحكمة العلم بالدين أصوله وفروعه‪ ،‬وبعيوب الدنيا والزهد فيها "‬
‫لم يطلب احد الحق " أي الدين " بباب " أي بسبب ووسيلة افضل من‬
‫ترك الدنيا فإنه‪ ،‬ليس الباعث لختيار الباطل مع وضوح الحق وظهوره إل‬
‫حب الدنيا فانها غالبا مع أهل الباطل‪ .‬ويمكن تعميم الحق في كل حكم‬
‫ومسألة‪ ،‬فان الغراض الدنيوية تعمي القلب عن الحق‪ ،‬أو المراد بالحق‬
‫الرب تعالى أي قربه ووصاله " وهو " اي الزهد " ضد لما طلب أعداء‬
‫الحق " وقوله " مماذا " طلب لبيان ما طلبه اعداء الحق فبين عليه‬
‫السلم بقوله‪ " :‬من الرغبة فيها " والرغبة وإن كانت عين الطلب‪ ،‬لكن‬
‫جعلها مطلوبهم مبالغة‪ ،‬ويحتمل أن يكون " ما " في قوله‪ " :‬لما طلب "‬
‫مصدرية‪ ،‬فل يكون " مما " للبيان بل للتعليل كما سيأتي‪ .‬ويحتمل أن‬
‫يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .130‬البقرة‪.(*) 269 :‬‬

‫]‪[57‬‬

‫الحق‪ ،‬فمن في قوله‪ " :‬مما " للتعليل‪ ،‬و " ماذا " للستفهام أي لي علة صار‬
‫ضد الحق مطلوبهم‪ ،‬قال‪ :‬لرغبتهم في الدنيا‪ ،‬وقيل‪ :‬أي مماذا طلب أعداء‬
‫الحق مطلوبهم‪ .‬والهمزة في " أل " للستفهام و " ل " للنفي و " من "‬
‫زائدة لعموم النفي والمعنى ال يوجد صبار كريم النفس‪ ،‬يصبر على الدنيا‪،‬‬
‫وعلى فقرها وشدتها‪ ،‬ويزهد فيها وقد يقرء " صبار " بكسر الصاد‬
‫وتخفيف الباء‪ ،‬مصدر باب المفاعلة مضافا إلى كريم‪ ،‬وقرء بعضهم أل‬
‫بالتشديد استثناء من الرغبة فيها أي إل أن تكون الرغبة فيها من صبار‬
‫كريم يطلبها من طرق الحلل‪ ،‬ويصبر على الحرام وعلى إخراج الحقوق‬
‫المالية وإعانة الفقراء فان الرغبة في هذه الدنيا إنما هي للخرة وأول‬
‫الوجوه أظهرها‪ .‬ثم رغب عليه السلم في الزهد وسهل تحصيله بقوله‪" :‬‬
‫فانما هي " اي الدنيا " أيام قلئل " وهي أيام العمر فالصبر على ترك‬
‫الشهوات وتحمل الملذ )‪ (1‬فيها سهل يسير سيما إذا كان مستلزما للراحة‬
‫الطويلة الدائمة " ال إنه " ال حرف تنبيه وشبه حصول اليمان الكامل في‬
‫القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بادراك طعم شئ لذيذ مع أن اللذات‬
‫الروحانية أعظم من اللذات الجسمانية‪ .‬قوله‪ " :‬إذا تخلى المؤمن من الدنيا‬
‫" أي جعل نفسه خالية من حب الدنيا وقطع تعلقه بها أو تفرغ للعبادة‬
‫مجتنبا من الدنيا ومعرضا عنها قال في النهاية‪ :‬فيه‪ :‬أن تقول أسلمت‬
‫وجهي إلى ال وتخليت‪ ،‬التخلي التفرع‪ ،‬يقال تخلى للعبادة وهو تفعل من‬
‫الخلو والمراد التبرؤ من الشرك وعقد القلب على اليمان‪ ،‬وقال‪ :‬السمو‬
‫العلو يقال سما يسمو سموا فهو سام‪ ،‬ويقال‪ :‬فلن يسمو إلى المعالي إذا‬
‫تطاول إليها انتهى اي ارتفع من حضيض النقص إلى أوج الكمال أو مال‬
‫وارتفع إلى عالم الملكوت وارتفعت همته عن التدنس بما في عالم‬
‫الناسوت‪ " .‬كأنه قد خولط " قال في القاموس‪ :‬خالطه مخالطة وخلطا‬
‫مازجه‪ ،‬والخلط‬
‫)‪ (1‬كذا في النسخ‪ ،‬والظاهر تحمل المشاق‪ ،‬أو تجنب الملذ )*(‪.‬‬

‫]‪[58‬‬

‫بالكسر أن يخالط الرجل في عقله وقد خولط‪ ،‬وفي النهاية فيه ظن الناس أن قد‬
‫خولطوا وما خولطوا‪ ،‬ولكن خالط قلبهم هم عظيم‪ ،‬يقال‪ :‬خولط فلن في‬
‫قلبه إذا اختل عقله‪ ،‬فقوله‪ :‬خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة‪،‬‬
‫وهذا أعل درجات المحبين‪ ،‬حيث استقر حب ال تعالى في قلوبهم‪ ،‬وأخرج‬
‫حب كل شئ غيره منها‪ ،‬فل يلتفتون إلى غيره تعالى‪ ،‬ويتركون معاشرة‬
‫عامة الخلق لمباينة طوره اطوارهم‪ ،‬فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا‬
‫النبياء عليهم السلم إلى الجنون لذلك‪ " .‬إن القلب إذا صفا " اي أن‬
‫القلب اي الروح النساني لما كان من عالم الملكوت‪ ،‬ولنما اهبط إلى هذا‬
‫العالم الدنى أو ابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالت‪ ،‬وحيازة السعادات‬
‫‪ -‬كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل اشد بياضا‬
‫وأصفى مما كان ‪ -‬فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العليق الجسمانية‬
‫والشهوات الظلمانية‪ ،‬لحق بالنعام‪ ،‬بل هو أضل سبيل‪ ،‬وإن تمسك بعروة‬
‫الشريعة الحقة‪ ،‬وعمل بالنواميس اللهية‪ ،‬والرياضات البدنية‪ ،‬حتى انفتح‬
‫له عين اليقين‪ ،‬فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة‪ ،‬رآها ضيقة‬
‫مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية‪،‬‬
‫والصفات الدنية استوحش منها وتذكر عالمه الصلي فرغب إليها‪ ،‬وتعلق‬
‫بها فجانب المتعلقين بهذا العالم‪ ،‬وآنس بالمتعلقين بالملء العلى‪ ،‬فلحق‬
‫بهم‪ ،‬وضاقت به الرض‪ ،‬وصارت همته رفيعة عالية‪ ،‬فلم يرض إل‬
‫بالصعود إلى سدرة المنتهى‪ ،‬وجنة المأوى‪ ،‬فهم مع كونهم بين الخلق‬
‫أرواحهم معلقة بالملء العلى‪ ،‬ويستسعدون بقرب المولى‪ .‬أو يقال‪ :‬لما‬
‫كانت الرض أعظم اجزاء النسان‪ ،‬وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة‬
‫إليها بالطبع‪ ،‬لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة‬
‫والبواعث إلى لذاتها ظاهرة‪ ،‬فربما اشتغل بها واكتسب الخلق والعمال‬
‫الفاسدة لتحصيل المقاصد‪ ،‬حتى تصير النفس تابعة لها‪ ،‬راضية بأثرها‪،‬‬
‫مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات‪ ،‬منغمسة في اللذات‪ ،‬فتحجب الستقرار‬
‫في الرض‪ ،‬وتركن‬

‫]‪[59‬‬

‫إليها‪ ،‬وأما إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها‪ ،‬وصرفتها عن هواها‪ ،‬وروضتها‬
‫بمقامع الشريعة‪ ،‬وأدبتها بآداب الطريقة‪ ،‬حتى غلبت عليها‪ ،‬وصفت عن‬
‫كدوراتها وطهرت عن خبائث لذاتها‪ ،‬وتحلت بالخلق الفاضلة‪ ،‬والعمال‬
‫الصالحة والداب السنية‪ ،‬والطوار الرضية‪ ،‬ضاقت بها الرض حتى تسمو‬
‫إلى عالم النور‪ ،‬فتشاهد العالم العلى بالعيان‪ ،‬وتنظر إلى الحق بعين‬
‫العرفان‪ ،‬ويزداد لها نور اليمان واليقان‪ ،‬فتعاف جملة الدنيا‪ ،‬والستقرار‬
‫في الرض‪ ،‬فبدنها في هذه الدنيا‪ ،‬وهي في العالم العلى‪ ،‬فيصير كما قال‬
‫عليه السلم‪ :‬لول الجال التي كتبت عليهم لم يستقر أرواحهم في أبدانهم‬
‫طرفة عين‪ ،‬ولذا قال مولى المؤمنين عند الشهادة‪ :‬فزت ورب الكعبة‪29 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن علي ]عن أبيه[ عن علي بن محمد القاساني‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫محمد‪ ،‬عن سليمان بن داود المنقري‪ ،‬عن عبد الرزاق بن همام‪ ،‬عن معمر‬
‫بن راشد‪ ،‬عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال‪ :‬سئل علي بن‬
‫الحسين عليه السلم أي العمال افضل عند ال عزوجل‪ ،‬فقال‪ :‬ما من عمل‬
‫بعد معرفة ال عزوجل ومعرفة رسوله صلى ال عليه وآله افضل من‬
‫بغض الدنيا‪ ،‬وإن لذلك لشعبا كثيرة‪ ،‬وللمعاصي شعبا‪ :‬فأول ما عصي ال‬
‫به الكبر وهي معصية إبليس حين " أبى واستكبر و كان من الكافرين " )‬
‫‪ (1‬والحرص وهي معصية آدم وحوا حين قال ال عزوجل لهما‪ " :‬كل من‬
‫حيث شئتما ول تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " )‪ (2‬فأخذا ما ل‬
‫حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيمة وذلك أن أكثر ما‬
‫يطلب ابن آدم ما ل حاجة به إليه‪ ،‬ثم الحسد وهي معصيه ابن آدم حيث‬
‫حسد أخاه فقتله‪ .‬فتشعب من ذلك حب النساء‪ ،‬وحب الدنيا‪ ،‬وحب الرياسة‪،‬‬
‫وحب الراحة‪ ،‬وحب الكلم‪ ،‬وحب العلو و ]حب[ الثروة‪ ،‬فصرن سبع‬
‫خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا‪ ،‬فقال النبياء والعلماء بعد معرفة‬
‫ذلك‪ :‬حب الدنيا‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .34 :‬العراف‪.(*) 19 :‬‬

‫]‪[60‬‬

‫رأس كل خطيئة‪ ،‬والدنيا دنياءان دنيا بلغ ودنيا ملعونة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬وإن لذلك "‬
‫أي لبغض الدنيا " لشعبا " اي من الصفات الحسنة والعمال الصالحة‬
‫وهي ضد شعب المعاصي‪ ،‬كالتواضع مع الكبر‪ ،‬والقنوع مع الحرص‪،‬‬
‫والرضا بما آتاه ال مع الحسد‪ ،‬وقد مر ذكر الضداد كلها في باب جنود‬
‫العقل والجهل‪ ،‬وإنما ذكر هنا معظمها " وهي معصية آدم " هي عند‬
‫المامية مجاز‪ ،‬والنهي عندهم نهي تنزيه " فدخل ذلك " أي الحرص أو‬
‫أخذ ما ل حاجة به إليه " وذلك أن أكثر ما يطلب " إنما قال‪ :‬أكثر لن قدر‬
‫الكفاف ل بد منه " فتشعب من ذلك " أي من ذلك المذكور‪ ،‬وهو الكبر‬
‫والحرص والحسد والتخصيص بالحسد بعيد معنى‪ " .‬حب النساء " أي‬
‫لمحض الشهوة ل لتباع السنة‪ ،‬أو إذا انتهى إلى الحرام والشبهة " وحب‬
‫الدنيا " اي حياة الدنيا وكراهة الموت‪ ،‬لئل ينافي اجتماعهن في حب‬
‫الدنيا‪ ،‬وإن احتمل أن يكون المراد اجتماع الخمسة أو الظرفية المجازية "‬
‫وحب الرياسة " أي بغير استحقاق أو الباطلة أو لمحض الستيلء والغلبة‬
‫" وحب الراحة " كأن النوم ايضا داخل فيها " وحب الكلم " اي بغير‬
‫فائدة أو للفخر والمراء " وحب العلو " أي في المجالس أو العم " وحب‬
‫الثروة " أي الكثرة في الموال أو العم منها ومن الولد والعشاير‬
‫والتباع‪ ،‬وروى في المحاسن عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ان أول ما‬
‫عصى ال به ست‪ :‬حب الدنيا‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬وحب الطعام‪ ،‬وحب النساء‬
‫وحب النوم‪ ،‬وحب الراحة‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬والعلماء " أي الوصياء‬
‫أو العم وقولهم إما بالوحي أو بعلومهم الكاملة‪ ،‬ثم لما كان هنا مظنة أن‬
‫ارتكاب كل ما في الدنيا مذموم قسم عليه السلم الدنيا إلى دنيا بلغ أي‬
‫تبلغ به إلى الخرة ويحصل بها مرضاة الرب تعالى‪ ،‬أو دنيا تكون بقدر‬
‫الضرورة والكفاف‪ ،‬فالزائد عليها ملعونة‪ ،‬اي ملعون‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 130‬وقد مر مثله تحت الرقم ‪.(*) 9‬‬

‫]‪[61‬‬

‫صاحبها‪ ،‬فالسناد على المجاز أو هي ملعونة أي بعيدة من ال والخير والسعادة‬


‫قال في النهاية‪ :‬البلغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشئ المطلوب‪ ،‬وفي‬
‫المصباح البلغة ما يتبلغ به من العيش ول يفضل‪ ،‬يقال‪ :‬تبلغ به إذا اكتفى‬
‫به‪ ،‬وفي هذا بلغ وبلغة وتبلغ أي كفاية‪ - 30 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن ابن بكير عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن في طلب الدنيا إضرارا بالخرة‬
‫وفي طلب الخرة إضرارا بالدنيا‪ ،‬فأضروا بالدنيا فانها أحق بالضرار )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬يؤمى إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الخرة‪ ،‬فأماما ل يضر‬
‫به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم ولنذكر معنى الدنيا وما‬
‫هو مذموم منها‪ ،‬فان ذلك قد اشتبه على أكثر الخلق‪ ،‬فكثير منهم يسمون‬
‫أمرا حقا بالدنيا ويذمونه‪ ،‬ويختارون شيئا هو عين الدنيا المذمومة‪،‬‬
‫ويسمونه زهدا ويشبهون ذلك على الجاهلين‪ .‬اعلم أن الدنيا تطلق على‬
‫معان الول حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة على الطلق‪ ،‬وليست مما‬
‫يجب بغضه وتركه‪ ،‬بل المذموم منها أن يحب البقاء في الدنيا للمعاصي‬
‫والمور الباطلة‪ ،‬أو يطول المل فيها ويعتمد عليها‪ ،‬فبذلك يسوف التوبة‬
‫والطاعات‪ ،‬وينسى الموت‪ ،‬ويبادر بالمعاصي والملهي‪ ،‬اعتمادا على أنه‬
‫يتوب في آخر عمره عند مشيبه‪ ،‬ولذلك يجمع الموال الكثيرة‪ ،‬ويبنى‬
‫البنية الرفيعة‪ ،‬ويكره الموت لتعلقه بالموال‪ ،‬وحبه للزواج والولد‪،‬‬
‫ويكره الجهاد والقتل في سبيل ال‪ ،‬لحبه للبقاء‪ ،‬أو يترك الصوم وقيام‬
‫الليل وأمثال ذلك لئل يصير سببا لنقص عمره‪ .‬والحاصل أن من يحب‬
‫العيش والبقاء والعمر للغراض الباطلة‪ ،‬فهو مذموم ومن يحبه للطاعات‬
‫وكسب الكمالت وتحصيل السعادات فهو ممدوح‪ ،‬وهو عين الخرة فلذا‬
‫طلب النبياء والوصياء عليهم السلم طول العمر والبقاء في الدنيا‪ ،‬وقد‬
‫قال‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 131‬‬

‫]‪[62‬‬

‫سيد الساجدين‪ :‬عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا‬
‫للشيطان فاقبضني إليك‪ .‬ولو لم يكن الكون في الدنيا صلحا للعباد‪،‬‬
‫لتحصيل الذخاير للمعاد‪ ،‬لما أسكن ال الرواح المقدسة في تلك البدان‬
‫الكثيفة‪ ،‬وسيأتي خطبة أمير المؤمنين عليه السلم في ذلك‪ ،‬وسنتكلم عليها‬
‫إنشاء ال تعالى‪ .‬الثاني‪ :‬الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها‪ ،‬وهذه‬
‫ايضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو‬
‫وسيلة إليها وما يلهي عن ذكر ال ويمنع عبادة ال‪ ،‬أو يحبها حبا ل يبذلها‬
‫في الحقوق الواجبة والمستحبة‪ ،‬وفي سبل طاعة ال كما مدح ال تعالى‬
‫جماعة حيث قال " رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام‬
‫الصلوة وإيتاء الزكوة " )‪ .(1‬وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها‬
‫وحبها‪ ،‬وشغل القلب بها‪ ،‬والبخل بها في طاعة ال وجعلها وسيلة لما يبعد‬
‫عن ال‪ ،‬وأما تحصيلها لصرفها في مرضاة ال وتحصيل الخرة بها فهي‬
‫من افضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات‪ .‬وقد روي في الصحيح عن‬
‫ابن ابي يعفور قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إنا لنحب الدنيا فقال‬
‫لي‪ :‬تصنع بها ماذا ؟ قلت‪ :‬أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي‪ ،‬وأنيل‬
‫إخواني واتصدق‪ ،‬قال لي‪ :‬ليس هذا من الدنيا‪ ،‬هذا من الخرة‪ .‬وقد روي‬
‫نعم المال الصالح للعبد الصالح ونعم العون الدنيا على الخرة وسيأتي‬
‫بعض الخبار في ذلك في أبواب المكاسب إنشاء ال تعالى‪ .‬الثالث‪ :‬التمتع‬
‫بملذ الدنيا من المأكولت والمشروبات والملبوسات والمنكوحات‬
‫والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك‪ ،‬وقد وردت أخبار كثيرة في‬
‫استحباب التلذذ بكثير من ذلك‪ ،‬ما لم يكن مشتمل على حرام أو شبهة أو‬
‫إسراف وتبذير وفي ذم تركها والرهبانية‪ ،‬وقد قال تعالى " قل من حرم‬
‫زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .37 :‬العراف‪.(*) 32 :‬‬


‫]‪[63‬‬

‫فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من مجموع اليات والخبار على ما نفهمه أن‬
‫الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع النسان من طاعة ال‬
‫وحبه‪ ،‬وتحصيل الخرة‪ ،‬فالدنيا والخرة ضرتان متقابلتان‪ ،‬فكلما يوجب‬
‫رضى ال سبحانه وقربه فهو من الخرة‪ ،‬وإن كان بحسب الظاهر من‬
‫أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها‬
‫تحصيل المعيشة للعيال‪ ،‬لمره تعالى به وصرفها في وجوه البر‪ ،‬وإعانة‬
‫المحتاجين والصدقات‪ ،‬وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك‪ ،‬فان هذه‬
‫كلها من أعمال الخرة‪ ،‬وإن كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا‪.‬‬
‫والرياضات المبتدعة‪ ،‬والعمال الريائية‪ ،‬وإن كان مع الترهب وأنواع‬
‫المشقة فانها من الدنيا لنها مما يبعد عن ال ول يوجب القرب إليه‪،‬‬
‫كأعمال الكفار والمخالفين‪ ،‬فرب مترهب متقشف يعتزل الناس ويعبد ال‬
‫ليل ونهارا‪ ،‬وهو أحب الناس للدنيا‪ ،‬وإنما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر‬
‫بالزهد والورع وليس في قلبه إل جلب قلوب الناس‪ ،‬ويحب المال والجاه‬
‫والعزة‪ ،‬وجميع المور الباطلة أكثر من ساير الخلق‪ ،‬وجعل ترك الدنيا‬
‫ظاهرا مصيدة لتحصيلها‪ ،‬ورب تاجر طالب للجر ل يعده الناس شيئا وهو‬
‫من الطالبين للخرة لصحة نيته وعدم حبه للدنيا‪ .‬وجملة القول في ذلك أن‬
‫المعيار في العلم بحسن الشياء وقبحها وما يجب فعلها وتركها الشريعة‬
‫المقدسة‪ ،‬وما صدر في ذلك عن اهل بيت العصمة صلوات ال عليهم‪ ،‬فما‬
‫علم من اليات والخبار أن ال سبحانه أمر به وطلبه من عباده‪ ،‬سواء‬
‫كان صلة أو صوما أو حجا أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة‬
‫للخلق أو عزلة أو غيرها وعملها بشرائطها وآدابها بنية خالصة فهي من‬
‫الخرة وما لم يكن كذلك فهو من الدنيا المذمومة المبعدة عن ال وعن‬
‫الخرة‪ .‬وهي على انواع فمنها ما هو حرام‪ ،‬وهو ما يستحق به العقاب‪،‬‬
‫سواء كان عبادة مبتدعة أو رياء وسمعة أو معاشرة الظلمة أو ارتكاب‬
‫المناصب المحرمة أو تحصيل‬

‫]‪[64‬‬

‫الموال من الحرام أو للحرام وغير ذلك مما يستحق به العقاب‪ .‬ومنها ما هو مكروه‬
‫كارتكاب الفعال والعمال والمكاسب المكروهة وكتحصيل الزوائد من‬
‫الموال والمساكن والمراكب وغيرها مما لم يكن وسيلة لتحصيل الخرة‪،‬‬
‫وتمنع من تحصيل السعادات الخروية‪ .‬ومنها ما هو مباح كارتكاب‬
‫العمال التي لم يأمر الشارع بها‪ ،‬ولم ينه عنها إذا لم تصر مانعة عن‬
‫تحصيل الخرة‪ ،‬وإن كانت نادرة‪ ،‬ويمكن إيقاع كثير من المباحات على‬
‫وجه تصير عبادة كالكل والنوم للقوة على العبادة‪ ،‬وأمثال ذلك وربما كان‬
‫ترك المباحات بظن أنها عبادة بدعة موجبة لدخول النار‪ ،‬كما يصنعه كثير‬
‫من أرباب البدع‪ - 31 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم عن ابي ايوب الخزاز‪ ،‬عن أبي عبيدة الحذاء‬
‫قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬حدثني بما انتفع به‪ ،‬فقال‪ :‬يابا عبيدة‬
‫أكثر ذكر الموت‪ ،‬فانه لم يكثر إنسان ذكر الموت إل زهد في الدنيا )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬كأن المراد بذكر الموت تذكر ما بعده من الهوال والشدائد‬
‫والحسرات ايضا‪ ،‬ولن كان تذكر الموت وفناء الدنيا كافيا لزهد العاقل‪32 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن‬
‫الحكم بن أيمن‪ ،‬عن داود البزاري قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬ملك‬
‫ينادي كل يوم‪ :‬ابن آدم لد للموت‪ ،‬واجمع للفناء‪ ،‬وابن للخراب )‪ .(2‬بيان‪:‬‬
‫" لد للموت " اللم لم العاقبة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ " :‬فالتقطه آل فرعون‬
‫ليكون لهم عدوا وحزنا " )‪ (3‬والمر ليس على حقيقته بل الغرض اعلموا‬
‫ان ولدتكم عاقبتها الموت‪ 33 .‬كا‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن علي بن الحكم‪،‬‬
‫عن موسى بكر‪ ،‬عن ابي ‪-‬‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .131‬القصص‪.(*) 8 :‬‬

‫]‪[65‬‬

‫إبراهيم عليه السلم قال‪ :‬قال أبو ذر رحمه ال‪ :‬جزى ال الدنيا عني مذمة بعد‬
‫رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالخر‪ ،‬وبعد شملتي الصوف‬
‫أتزر بإحداهما وأرتدي بالخرى )‪ .(1‬بيان‪ " :‬جزى ال الدنيا عني مذمة‬
‫" قوله‪ " :‬مذمة " مفعول ثان لجزى اي يوفقني لن أجزيه‪ ،‬وقيل‪ :‬أحال‬
‫الذم إلى ال نيابة عنه للدللة على كمال ذمه‪ ،‬فان كل فعل من الفاعل‬
‫القوي قوي وفي النهاية‪ :‬الشملة كساء يتغطى به ويتلفف فيه انتهى ويدل‬
‫على جواز لبس الصوف بل استحبابه‪ ،‬وما ورد بالنهي والذم فمحمول‬
‫على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة‪ ،‬بل لظهار الزهد‬
‫والفضل‪ ،‬كما ورد في وصية النبي صلى ال عليه وآله لبي ذر رضي ال‬
‫عنه‪ :‬يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم‪ ،‬يرون أن لهم بذلك الفضل‬
‫على غيرهم‪ ،‬وسيأتي الكلم فيه في أبواب التجمل إنشاء ال تعالى‪- 34 .‬‬
‫كا‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن المثنى‪ ،‬عن ابي بصير عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان أبو ذر رضي ال عنه يقول في خطبته‪:‬‬
‫يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إل ما ينفع خيره‪ ،‬ويضر‬
‫شره‪ ،‬إل من رحم ال‪ ،‬يا مبتغي العلم ل يشغلك أهل ول مال عن نفسك‪،‬‬
‫أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم‪ ،‬والدنيا‬
‫والخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره‪ ،‬وما بين الموت والبعث إل كنومة‬
‫نمتها‪ ،‬ثم استيقظت منها‪ ،‬يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي ال عزوجل‪،‬‬
‫فانك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغى العلم )‪ .(2‬بيان‪ " :‬يا مبتغي‬
‫العلم " اي يا طالبه " كأن شيئا من الدنيا " هذا يحتمل وجوها الول أن‬
‫يكون إل في قوله‪ " :‬إل ما ينفع " كلمة استثناء‪ ،‬وما موصولة فالمعنى‬
‫أنما يتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره أو شئ يضر شره كل أحد "‬
‫إل من رحم ال " فيغفر له إما بالتوبة أو بدونها‪.‬‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 134‬‬

‫]‪[66‬‬

‫الثاني أن يكون مثل السابق إل أنه يكون المعنى أن كل شئ في الدنيا له جهة نفع‬
‫وجهة ضر لكل الناس إل من رحم ال فيوفقه للحتراز عن جهة شره‪.‬‬
‫الثالث أن يكون كلمة " ما " مصدرية‪ ،‬والستثناء من مفعول " يضر "‬
‫اي ليس شئ من الدنيا شيئا إل نفع خيره وإضرار شره لكل احد إل من‬
‫رحم ال‪ .‬الرابع ما قيل‪ :‬أن " أل " بالتخفيف حرف تنبيه‪ ،‬و " ما " نافية‬
‫والضميران للشئ ومعنى الستثناء أن المرحوم ينتفع بخيره‪ ،‬ول يتضرر‬
‫من شره‪ ،‬وقيل في بيان هذا الوجه يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد‬
‫به‪ ،‬ويركن إليه العاقل‪ ،‬لنه إما خير أو شر‪ ،‬وخيره ل ينفع لنه في‬
‫معرض الفناء والزوال‪ ،‬وشره يضر إل مع رحمة ال‪ ،‬وهو الذي عصمه‬
‫من الشر‪ .‬الخامس أن كلمة " ما " مصدرية وضمير " خيره " راجعا إلى‬
‫" شيئا من الدنيا " والضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل والستثناء‬
‫من مفعول " يضر " اي كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إل نفع الطاعة‬
‫فيه‪ ،‬أو إضرار المعصية فيه كل أحد إل من رحم ال بتوفيق التوبة‪ ،‬وهذا‬
‫يرجع إلى المعنى الثالث‪ ،‬وعلى جميع التقادير الستثناء الثاني مفرغ‪" .‬‬
‫عن نفسك " أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم ل ينفع مال ول بنون وقد‬
‫قال تعالى‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال‬
‫ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " )‪ (1‬والمراد بالهل هنا أعم من‬
‫الزوجة والولد‪ ،‬وساير من في بيته‪ ،‬بل يشمل القارب ايضا قال الراغب‪:‬‬
‫أهل الرجل من جمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من‬
‫صناعة وبيت وبلد وضيعة فأهل الرجل في الصل من جمعه وإياهم مسكن‬
‫واحد‪ ،‬ثم تجوز به فقيل‪ :‬أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب‪ ،‬وعبر‬
‫بأهل الرجل عن امرأته وأهل السلم الذين يجمعهم‪ .‬قوله‪ " :‬كمنزل " أي‬
‫كمنزلين تحولت من إحداهما إلى الخر‪ ،‬والتصريح‬

‫)‪ (1‬المنافقون‪.(*) 9 :‬‬


‫]‪[67‬‬

‫بتشبيه الدنيا للشارة إلى أن الهتمام هنا ببيان حاله أشد وأكثر‪ ،‬والضمير في "‬
‫نمتها " راجع إلى النومة‪ ،‬فهو بمنزلة مفعول مطلق‪ ،‬وهذا بالنسبة إلى‬
‫المستضعفين وكأن التخصيص بذكرهم لن المتقين بعد الموت في النعيم‬
‫والجنة‪ ،‬والكفار في العذاب والنار‪ ،‬فليس بين الدنيا والخرة لهما فاصلة‪،‬‬
‫فيتحولون من الدنيا إلى الخرة‪ ،‬كما روي‪ :‬من مات فقد قامت قيامته‪ .‬وأما‬
‫المستضعفون فلما كانوا ملهى عنهم‪ ،‬استدرك ذلك بأن حالهم في البرزخ‬
‫كنوم ليلة‪ ،‬فل فاصلة بين دنياهم وآخرتهم حقيقة‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫الغرض بيان قلة نعيم البرزخ وجحيمها بالنسبة إلى نعيم الخرة وحميمها‪،‬‬
‫فكأنهم نائمون أو لن جل عذابهم بعد السؤال والضغطة وأمثالهما لما كان‬
‫روحانيا شبه تلك الحالة بالنومة‪ ،‬ولم يتعرض أحد لتحقيق هذه الفقرة‪ ،‬مع‬
‫إشكالها ومخالفتها ظاهرا لليات والخبار الكثيرة‪ .‬قوله رحمه ال‪ " :‬قدم‬
‫" اي العمل الصالح " لمقامك بين يدي ال عزوجل " أي للحساب " كما‬
‫تدين تدان " اي كما تفعل تجازى‪ ،‬فهو على المشاكلة ول يضر تقدمه‪ ،‬أو‬
‫كما تجازي الرب تجازى‪ ،‬ول تخلو من بعد‪ ،‬أو كما تجازي العباد تجازي‪،‬‬
‫فيكون تأسيسا‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬دانه دينا اي جازاه‪ ،‬كما يقال‪ :‬كما تدين‬
‫تدان‪ ،‬اي كما تجازي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت‪ ،‬وقوله تعالى " إنا‬
‫لمدينون " )‪ (1‬اي مجزيون‪ " .‬يا مبتغي العلم " قيل هذا افتتاح كلم آخر‬
‫تركه المصنف وإنما ذكر ليعلم أن ما ذكره ليس جميع الخطبة كما مر‬
‫بعضه في باب الصمت حيث قال رضي ال عنه‪ :‬يا مبتغي العلم إن هذا‬
‫اللسان مفتاح خير الخ )‪ - 35 .(2‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن القاسم‬
‫بن يحيى‪ ،‬عن جده الحسن‬

‫)‪ (1‬الصافات‪ (2) .53 :‬راجع الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،114‬وقد أخرجه المؤلف العلمة‬
‫رضوان ال عليه في ج ‪ 71‬ص ‪301‬‬

‫]‪[68‬‬

‫ابن راشد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫مالي والدنيا ؟ ]وما أنا والدنيا ؟[ إنما مثلي ومثلها كمثل راكب رفعت له‬
‫شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثم راح وتركها )‪ .(1‬بيان‪ " :‬مالي‬
‫وللدنيا " أي اي شغل لي مع الدنيا وقيل " ما " نافية أي ما لي محبة مع‬
‫الدنيا‪ ،‬أو للستفهام اي أي محبة لي معها حتى ارغب فيها ذكره الطيبي‬
‫في شرح بعض رواياتهم " وما أنا والدنيا ؟ " اي اي مناسبة بيني وبين‬
‫الدنيا‪ ،‬ومن طريق العامة روي عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله نام على حصير فقام وقد اثر في جسده‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أمرتنا أن‬
‫نبسط لك ونعمل‪ ،‬فقال‪ :‬مالي وللدنيا ؟ وما أنا والدنيا إل كراكب استظل‬
‫تحت شجرة ثم راح أو تركها‪ .‬أقول‪ :‬وجه الشبه سرعة الرحيل‪ ،‬وقلة‬
‫المكث‪ ،‬وعدم الرضا به وطنا‪ ،‬وقال الكرماني في شرح البخاري فيه‬
‫فرفعت لنا صخرة اي ظهرت لبصارنا‪ ،‬وفيه أيضا فرفع إلى البيت المعمور‬
‫اي قرب وكشف وعرض‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬يوم صائف اي حار وليلة‬
‫صائفة‪ ،‬وربما قالوا يوم صاف بمعنى صائف كما قالوا يوم راح‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫القائلة الظهيرة‪ ،‬يقال‪ :‬أتانا عند القائلة‪ ،‬وقد يكون بمعنى القيلولة أيضا‬
‫وهي النوم في الظهيرة تقول‪ :‬قال يقيل قيلولة وقيل ومقيل وهو شاذ فهو‬
‫قائل‪ .‬وفي المصباح راح يروح رواحا وتروح مثله‪ ،‬يكون بمعنى الغدو‬
‫وبمعنى الرجوع‪ ،‬وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح ل يكون إل في آخر‬
‫النهار‪ ،‬وليس كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملن في المسير أي‬
‫وقت كان من ليل أو نهار‪ ،‬وقال ابن فارس‪ :‬الرواح رواح العشي وهو من‬
‫الزوال إلى الليل‪ - 36 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن عقبة الزدي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أبو جعفر‬
‫عليه السلم‪ :‬مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على‬
‫نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج‪ ،‬حتى تموت غما‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 134‬‬

‫]‪[69‬‬

‫قال‪ :‬وقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬وكان فيما وعظ به لقمان ابنه‪ :‬يا بني إن‬
‫الناس قد جمعوا قبلك لولدهم‪ ،‬فلم يبق ما جمعوا‪ ،‬ولم يبق من جمعوا له‪،‬‬
‫وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا‪ ،‬فأوف عملك‪،‬‬
‫واستوف أجرك‪ ،‬ول تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر‪،‬‬
‫فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها‪ ،‬ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة‬
‫على نهر جزت عليها‪ ،‬وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر‪ ،‬أخربها ول‬
‫تعمرها‪ ،‬فانك لم تؤمر بعمارتها‪ .‬واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي‬
‫ال عزوجل عن اربع‪ :‬شبابك فيما أبليته‪ ،‬وعمرك فيما افنيته‪ ،‬ومالك مما‬
‫اكتسبته‪ ،‬وفيما أنفقته‪ ،‬فتأهب لذلك وأعد له جوابا‪ ،‬ول تأس على ما فاتك‬
‫من الدنيا‪ ،‬فان قليل الدنيا ل يدوم بقاؤه‪ ،‬وكثيرها ل يؤمن بلؤه‪ ،‬فخذ‬
‫حذرك‪ ،‬وجد في أمرك‪ ،‬واكشف الغطاء عن وجهك‪ ،‬وتعرض لمعروف‬
‫ربك‪ ،‬وجدد التوبة في قلبك‪ ،‬واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك‪،‬‬
‫ويقضى قضاؤك‪ ،‬ويحال بينك وبين ما تريد )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في المصباح‪:‬‬
‫القز معرب قال الليث‪ :‬هو ما يعمل منه البريسم ولهذا قال بعضهم‪ :‬القز‬
‫والبريسم مثل الحنطة والدقيق انتهى‪ ،‬و " لفا " تميز عن نسبة "‬
‫ازدادت " و " غما " مفعول له‪ ،‬أو حال‪ " .‬فلم يبق ما جمعوا " في بعض‬
‫النسخ " ما جمعوا له " وكأنه زيد " له " من النساخ‪ ،‬وعلى تقديره كأن‬
‫المعنى لم يبق الغراض والمطالب الباطلة التي جمعوا لها الدنيا‪ ،‬كالجاه‬
‫والعزة والغلبة والفخر وأمثالها‪ " .‬فكان حتفها " اي هلكها المعنوي فان‬
‫التمتع بالمستلذات الجسمانية موجبة لقوة القوى الشهوانية وطغيانها‪،‬‬
‫وهذا استعاره تمثيلية‪ ،‬شبه توسع النسان في لذات الدنيا وشهواتها‪،‬‬
‫وعدم مبالته بحرامها وشبهاتها‪ ،‬وابتلئه بعد الموت بعقوباتها‪ ،‬بشاة‬
‫وقعت في زرع اخضر فأكلت منها حيث شاءت وكيف شاءت بل مانع‪ ،‬حتى‬
‫إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 134‬‬

‫]‪[70‬‬

‫" آخر الدهر " اي إلى آخر الزمان اي أبدا " أخربها " اي دعها خرابا بترك ما ل‬
‫تحتاج إليه من المطاعم والمشارب والملبس والمناكح والمساكن‬
‫والقتصار على القدر الضرروي في كل منها " ستسأل " قيل‪ :‬السين‬
‫لمحض التأكيد " فيما أبليته " كلمة ما في المواضع الربعة استفهامية‪،‬‬
‫وإثبات اللف مع حرف الجر فيها شاذ‪ ،‬والثوب البالي هو الذي استعمل‬
‫حتى أشرف على الندراس‪ .‬ثم إن العمر ل يستلزم القوة والشباب فكل‬
‫منهما نعمة يسأل عنها‪ ،‬ومع الستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤال عن كل‬
‫منهما‪ .‬وأما السؤال عن المال إما لغير المؤمنين أو لغير الكاملين منهم لما‬
‫روي عن أمير المؤمنين عليه السلم فيما كتب إلى أهل مصر‪ :‬من عمل ل‬
‫أعطاه ال أجره في الدنيا والخرة‪ ،‬وكفاه المهم فيهما وقد قال ال " يا‬
‫عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال‬
‫واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " )‪ (1‬فما أعطاهم ال في‬
‫الدنيا لم يحاسبهم به في الخرة‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬للذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة " )‪ (2‬والحسنى هي الجنة‪ ،‬والزيادة هي الدنيا )‪ .(3‬وروى البرقي‬
‫في الصحيح‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلثة أشياء ل يحاسب‬
‫العبد المؤمن عليهن‪ :‬طعام يأكله‪ ،‬وثوب يلبسه‪ ،‬وزوجة صالحة تعاونه‬
‫ويحصن بها فرجه )‪ (4‬وقد وردت أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى‪" :‬‬
‫ولتسئلن يومئذ عن النعيم " )‪ (5‬أن النعيم ولية أهل البيت عليهم السلم )‬
‫‪ (6‬وقد روى العياشي وغيره أنه سأل أبو حنيفة أبا عبد ال عليه السلم‬
‫عن هذه الية فقال له‪ :‬ما النعيم عندك يا نعمان ؟ قال‪ :‬القوت من الطعام‪،‬‬
‫والماء البارد‪ ،‬فقال‪ :‬لئن أوقفك ال بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن‬
‫كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك‬

‫)‪ (1‬الزمر‪ (2) .10 .‬يونس‪ (3) .26 :‬راجع أمالي الطوسي ج ‪ 1‬ص ‪(4) .25‬‬
‫راجع المحاسن ص ‪ (5) .399‬التكاثر‪ (6) .8 :‬راجع ج ‪ 24‬ص ‪66 - 48‬‬
‫من هذه الطبعة الحديثة )*(‪.‬‬

‫]‪[71‬‬

‫بين يديه‪ ،‬قال‪ :‬فما النعيم جعلت فداك ؟ قال‪ :‬نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم ال بنا‬
‫على العباد‪ ،‬الخبر )‪ .(1‬ويمكن أن يقال‪ :‬السؤال عن مال اكتسبه من حلل‬
‫أو حرام أو أنفقه في حلل أو حرام ل ينافي عدم محاسبتهم على ما أنفقوه‬
‫في الحلل‪ ،‬من مأكلهم ومسكنهم وملبسهم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬أو المراد بتلك‬
‫الخبار أنهم ل يعاتبون بذلك‪ ،‬ول يقاص من حسناتهم بها‪ ،‬فل ينافي أصل‬
‫المحاسبة كما روى الشيخ في مجالسه باسناده عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم قال‪ :‬يوقف العبد بين يدي ال فيقول‪ :‬قيسوا بين نعمي عليه وبين‬
‫عمله‪ ،‬فتستغرق النعم العمل‪ ،‬فيقولون‪ :‬قد استغرق النعم العمل‪ ،‬فيقول‬
‫هبوا له نعمي وقيسوا بين الخير والشر منه‪ ،‬فان استوى العملن أذهب‬
‫ال الشر بالخير‪ ،‬وأدخله الجنة‪ ،‬وإن كان له فضل أعطاه ال بفضله‪ ،‬وإن‬
‫كان عليه فضل وهو من أهل التقوى لم يشرك بال تعالى واتقى الشرك به‪،‬‬
‫فهو من أهل المغفرة‪ ،‬يغفر ال له برحمته إن شاء ويتفضل عليه بعفوه )‬
‫‪ .(2‬وقال الجوهري‪ :‬تأهب استعد واهبة الحرب عدتها‪ ،‬وقال‪ :‬السى بالياء‬
‫مفتوح مقصور‪ :‬الحزن وأسى على مصيبته بالكسر يأسى أسى اي حزن "‬
‫ل يدوم بقاؤه " والعاقل ل يتأسف بفوت قليل لبقاء له " ل يؤمن بلؤه "‬
‫أي في الدنيا والخرة والعاقل ل يتأسف بفوت ما يتوقع منه الضرر‬
‫والبلية‪ ،‬مع أن الرب الذي فوتهما عليه أعلم بمصلحته أو المعنى ل تحزن‬
‫على ما لم يصل إليك من الدنيا فإن الصبر على قليل الدنيا وقلته سهل‪،‬‬
‫فانه ل يدوم‪ ،‬وينقضي قريبا بالموت والكثرة محل الفات‪ " .‬فخذ حذرك "‬
‫بالكسر أي ما تحذر به من مكائد النفس والشيطان في الدنيا‬

‫)‪ (1‬تراه في مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ 534‬و ‪ 535‬في حديث طويل‪ ،‬ويوجد في‬
‫دعوات الراوندي أيضا‪ (2) .‬أمالي الطوسي ص ‪ ،132‬من طبعته‬
‫الحجرية )*(‪.‬‬

‫]‪[72‬‬
‫والعذاب في الخرة‪ ،‬قال الراغب في قوله تعالى‪ " :‬خذوا حذركم " )‪ (1‬اي ما فيه‬
‫الحذر من السلح وغيره " وجد في أمرك " أي في تهيئة سفر الخرة‪،‬‬
‫والستعداد للقاء ال‪ ،‬من العقايد الحسنة‪ ،‬والعمال الصالحة‪ ،‬والخلق‬
‫المرضية‪ ،‬فان من أراد سفرا يأخذ السلحة لدفع ضرر الطريق‪ ،‬ويجهز‬
‫ويهيئ ما يحتاج إليه في ذلك السفر‪ " .‬واكشف الغطاء عن وجهك " أي‬
‫أرفع غطاء الغفلة عن وجه قلبك‪ ،‬لتميز بين الحق والباطل‪ ،‬والفاني‬
‫والباقي‪ ،‬أو عن الجهة التي تتوجه إليه والطريق الذي تسلكه‪ ،‬لئل يشتبه‬
‫عليك‪ ،‬فتسلك طريقا يؤديك إلى النار وأنت ل تعلم " وتعرض لمعروف‬
‫ربك " بما به يستحق إحسانه وتفضله عليك‪ ،‬من صالح النيات والعمال‬
‫" وجدد التوبة في قلبك " اي كلما ذكرت معاصيك‪ ،‬وفي النسبة إلى القلب‬
‫إشعار بأن التوبة أمر قلبي وهي الندامة على ما مضى‪ ،‬والعزم على عدم‬
‫التيان بمثله فيما سيأتي‪ ،‬وفيه دللة على حسن تكرار التوبة‪ ،‬وإن كانت‬
‫عن معصية واحدة‪ " ،‬واكمش " أي اسرع وعجل‪ ،‬في الصحاح الكمش‬
‫الرجل السريع الماضي‪ ،‬وقد كمش بالضم كماشة فهو كمش وكميش‬
‫وكمشته تكميشا اعجلته‪ ،‬وانكمش وتكمش أسرع انتهى‪ " .‬في فراغك "‬
‫أي في أن تفرغ من المور التي تحتاج إليه في الخرة أو في فراغك من‬
‫الدنيا‪ ،‬وجعلك نفسك فارغة منها للخرة‪ ،‬أو في قصدك إلى الخرة أو‬
‫أسرع في العمل في أيام فراغك قبل أن تشتغل أو تبتلى بشئ يمنعك عنه‪،‬‬
‫فان الفراغ خلف الشغل قال في المصباح‪ :‬فرغ من الشغل فروغا من باب‬
‫قعد ومن باب تعب لغة لبني تميم‪ ،‬والسم الفراغ‪ ،‬وفرغت للشئ وإليه‬
‫قصدت‪ .‬أقول‪ :‬ويؤيد المعنى الخير ما روي في مجالس الشيخ عن ابن‬
‫عمر خذ من حياتك لموتك‪ ،‬وخذ من صحتك لسقمك‪ ،‬وخذ من فراغك‬
‫لشغلك‪ ،‬فانك يا عبد ال ما تدري‬

‫)‪ (1‬النساء‪.(*) 102 ،71 :‬‬

‫]‪[73‬‬

‫ما اسمك غدا )‪ (1‬وما رواه الصدوق في مجالسه عن الكاظم‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫عليهم السلم في قول ال عزوجل " ول تنس نصيبك " قال‪ :‬ل تنس‬
‫صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الخرة )‪ " (2‬قبل‬
‫أن يقصد " على بناء المجهول " قصدك " أي نحوك‪ ،‬كناية عن توجه‬
‫ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه المراض والبليا من ال إليه "‬
‫ويقضى قضاؤك " اي يقدر ويحتم موتك‪ " ،‬ويحال " بالموت أو العم "‬
‫بينك وبين ما تريد " من التوبة والعمال الصالحة ول ينفعه تمني الحياة‬
‫والرجعة حيث يقول " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " فيقال‬
‫" كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " )‪(3‬‬
‫أعاذنا ال وسائر المؤمنين من ندامة تلك الساعة وأهوال هذا اليوم‪- 37 .‬‬
‫كا‪ :‬علي‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن بعض اصحابه‪ ،‬عن ابن ابي‬
‫يعفور قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬في ما ناجى ال عزوجل‬
‫به موسى عليه السلم يا موسى ل تركن إلى الدنيا ركون الظالمين‪،‬‬
‫وركون من اتخدها أبا وأما‪ ،‬يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر إليها إذا‬
‫لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها‪ ،‬يا موسى نافس في الخير واسبقهم إليه‪،‬‬
‫فان الخير كاسمه‪ ،‬واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه‪ ،‬ول تنظر عينك إلى‬
‫كل مفتون بها‪ ،‬وموكل إلى نفسه‪ ،‬واعلم أن كل فتنة بدوها حب الدنيا‪ ،‬ول‬
‫تغبط أحدا بكثرة المال‪ ،‬فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق‪،‬‬
‫ول تغبطن أحدا برضى الناس عنه‪ ،‬حتى تعلم أن ال راض عنه‪ ،‬ول‬
‫تغبطن أحدا )‪ (4‬بطاعة الناس له‪ ،‬فان طاعة الناس له واتباعهم إياه على‬
‫غير الحق هلك له ولمن اتبعه )‪ .(5‬بيان‪ :‬يقال ركن إليه كنصروعلم‬
‫ومنع‪ :‬مال ويطلق غالبا على الميل القلبي‬

‫)‪ (1‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .391‬أمالي الصدوق ‪ ،138‬وتراه في معاني‬


‫الخبار‪ (3) .325 :‬المؤمنون‪ (4) .100 - 99 :‬مخلوقا خ ل‪ (5) .‬الكافي‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪.135‬‬

‫]‪[74‬‬

‫" لو وكلتك " يدل على أن الزهد في الدنيا ل يحصل بدون توفيقه تعالى‪ ،‬وفي‬
‫القاموس نظر لهم‪ :‬رثى لهم وأعانهم‪ ،‬وقال‪ :‬النظر محركة الفكر في الشئ‬
‫تقدره وتقيسه والحكم بين القوم‪ ،‬والعانة‪ ،‬والفعل كنصر‪ ،‬وفي النهاية‪:‬‬
‫المنافسة الرغبة في الشئ والنفراد به‪ ،‬وهو من الشئ النفيس الجيد في‬
‫نوعه‪ ،‬ونافست في الشئ منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه‪ .‬قوله عليه السلم‪:‬‬
‫" فان الخير كاسمه " لعل المعنى أن الخير لما دل بحسب اصل معناه في‬
‫اللغة على الفضلية‪ ،‬وما يطلق عليه في العرف والشرع من العمال‬
‫الحسنة أو إيصال النفع إلى الغير هي خير العمال‪ ،‬فالخير كاسمه أي‬
‫إطلق هذا السم على تلك المور بالستحقاق‪ ،‬والمعنى المصطلح مطابق‬
‫للمدلول اللغوي أو المراد به أن الخير لما كان كل من سمعه يستحسنه فهو‬
‫حسن واقعا وحسنه حسن واقعي والحاصل ان ما يحكم به عقول عامة‬
‫الخلق في ذلك مطابق للواقع‪ ،‬أو المراد باسمه ذكره بين الناس يعني أن‬
‫الخير ينفع في الخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا‪ " .‬ما بك الغنا‬
‫عنه " اي ما لم يحتج إليه بل لم تضطر إليه " ول تنظر " على بناء‬
‫المجرد " عينك " بالرفع أو النصب بنزع الخافض اي بعينك وربما يقرء‬
‫" تنظر " على بناء الفعال اي ل تجعلها ناظرة " إلى كل مفتون بها " اي‬
‫مبتلى مخدوع بها والمراد النظر إلى كل من لقيه منهم فانه ل يمكن النظر‬
‫إلى كلهم أو كناية عن أن النظر إلى واحد منهم بالعجاب به وبما معه من‬
‫زينتها بمنزلة النظر إلى جميعهم لشتراك العلة‪ " .‬وموكل إلى نفسه "‬
‫المتبادر أنه على بناء المفعول‪ ،‬لكن الظاهر حينئذ وموكول إذ لم يأت أو‬
‫كله في ما عندنا من كتب اللغة لكن كثير من البنية المتداولة كذلك‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يقرء على بناء الفاعل من اليكال بمعنى العتماد في القاموس وكل‬
‫بال يكل وتوكل عليه وأوكل واتكل‪ :‬استسلم إليه ووكل إليه المر وكل‬
‫ووكول سلمه وتركه‪ " .‬أن كل فتنة " أي ضللة أو بلية أو امتحان أو إثم‬
‫في القاموس‪ :‬الفتنة بالكسر‬

‫]‪[75‬‬

‫الخبرة وإعجابك بالشئ‪ ،‬والضلل‪ ،‬والثم‪ ،‬والكفر‪ ،‬والفضيحة‪ ،‬والعذاب‪ ،‬وإذابة‬


‫الذهب والفضة‪ ،‬والضلل‪ ،‬والجنون‪ ،‬والمحنة‪ ،‬والمال والولد‪ ،‬واختلف‬
‫الناس في الراء واقول يناسب هنا أكثر المعاني‪ " ،‬ول تغبط أحدا " بأن‬
‫تتمنى حاله " تكثر الذنوب " بصيغة المضارع من باب حسن أو مصدر‬
‫باب التفعل " لواجب الحقوق " أي للتقصير في أداء الحقوق الواجبة‬
‫غالبا " بطاعة الناس له " اي في الباطل‪ - 38 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن غياث بن إبراهيم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن في كتاب علي صلوات ال عليه‪ :‬إنما مثل الدنيا كمثل الحية‬
‫ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع‪ ،‬يحذرها الرجل العاقل ويهوى إليها‬
‫الصبي الجاهل )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬السم الناقع أي القاتل وقد نقعت‬
‫فلنا إذا قتلته‪ ،‬وقيل الناقع الثابت المجتمع من نقع الماء انتهى‪ ،‬وما أحسن‬
‫هذا التشبيه وأتمه وأكمله‪ - 39 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫يونس‪ ،‬عن أبي جميلة قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬كتب أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم إلى بعض اصحابه يعظه‪ :‬أوصيك ونفسي بتقوى من‬
‫ل تحل معصيته ول يرجى غيره ول الغنى إل به‪ ،‬فان من اتقى ال عزو‬
‫قوي وشبع وروي ورفع عقله عن أهل الدنيا فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه‬
‫وعقله معاين الخرة فأطفأ بضوء قلبه ما بصرت عيناه من حب الدنيا فقذر‬
‫حرامها‪ ،‬وجانب شبهاتها‪ ،‬وأضر وال بالحلل الصافي إل ما ل بد منه من‬
‫كسرة يشد بها صلبه‪ ،‬وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه‪،‬‬
‫ولم يكن له في ما ل بد منه ثقة ول رجاء فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق‬
‫الشياء فجد واجتهد وأتعب بدنه حتى بدت الضلع‪ ،‬وغارت العينان‪،‬‬
‫فأبدل ال له من ذلك قوة في بدنه‪ ،‬وشدة في عقله‪ ،‬وما ذخر له في الخرة‬
‫أكثر‪ .‬فارفض الدنيا فان حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب‪ ،‬فتدارك‬
‫ما بقي من عمرك‪ ،‬ول تقل غدا وبعد غد‪ ،‬فانما هلك من كان قبلك باقامتهم‬
‫على الماني‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 136‬‬

‫]‪[76‬‬

‫والتسويف‪ ،‬حتى أتاهم أمر ال بغتة وهم غافلون‪ ،‬فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم‬
‫المظلمة الضيقة‪ ،‬وقد أسلمهم الولد والهلون‪ .‬فانقطع إلى ال بقلب‬
‫منيب‪ :‬من رفض الدنيا‪ ،‬وعزم ليس فيه انكسار‪ ،‬ول انخزال‪ ،‬أعاننا ال‬
‫وإياك على طاعته‪ ،‬ووفقنا ال وإياك لمرضاته )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الراغب‪:‬‬
‫الوعظ زجر مقترن بتخويف‪ ،‬وقال الخليل‪ :‬هو التذكير بالخير فيما يرق له‬
‫القلب‪ ،‬والعظة والموعظة السم‪ ،‬وقال‪ :‬الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل‬
‫به مقترنا بوعظ‪ ،‬من قولهم ارض واصية متصلة النبات‪ ،‬ويقال‪ :‬أوصاه‬
‫ووصاه " فان من اتقى ال " علة للوصية " عز " اي بعزة واقعية‬
‫ربانية ل تزول باذلل الناس كما قال تعالى " ول العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنين " )‪ " (2‬وقوي " بقوة معنوية إلهية ل تشبه القوى الدنية‪،‬‬
‫كما قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية‪ ،‬بل‬
‫بقوة ربانية " وشبع وروي " من غير اكتساب لقوله تعالى " ومن يتق‬
‫ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " )‪ (3‬أو شبع بالعلوم‬
‫الدينية‪ ،‬وارتوى بزلل الحكمة اللهية‪ " .‬ورفع عقله " على بناء‬
‫المجهول " عن أهل الدنيا " أي صار عقله أرفع من عقولهم أو ارفع من‬
‫أن ينظر إلى الدنيا وأهلها‪ ،‬ويلتفت إليهم ويعنتني بشأنهم إل لهدايتهم‬
‫وإرشادهم " فبدنه مع أهل الدنيا " لكونه من جنس أبدانهم في الصورة‬
‫الجسدانية " وقلبه وعقله " لشدة يقينه " معاين الخرة " لتخليته عن‬
‫العلئق الجسمانية‪ " .‬من حب الدنيا " من للبيان أو للتبعيض وإسناد‬
‫البصار إلى الحب على المجاز أو المصدر بمعنى المفعول‪ ،‬أو هو بالكسر‬
‫قال في القاموس‪ :‬الحب بالكسر المحبوب‪ ،‬شبه عليه السلم ما أبصره أو‬
‫أحبه بالنار في الهلك‪ ،‬استعارة مكنية‪ ،‬ونسبة الطفاء إليه تخييلية‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .136‬المنافقون‪ (3) .8 :‬الطلق‪.(*) 3 :‬‬

‫]‪[77‬‬

‫" فقذر حرامها " اي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه‪ ،‬أو كرهه‪ ،‬في الصحاح القذر‬
‫ضد النظافة‪ ،‬وشئ قذر بين القذارة‪ ،‬وقذرت الشئ بالكسر وتقذرته‬
‫واستقذرته إذا كرهته " وجانب شبهاتها " وهي المشتبهات بالحرام‪ ،‬مع‬
‫عدم العلم بكونها حراما كأموال الظلمة‪ ،‬فيكون مكروها على المشهور أو‬
‫الذي اشتبه عليه الحكم فيه‪ ،‬فاجتنا به مستحب على المشهور‪ ،‬وكأنه عليه‬
‫السلم لذلك غير التعبير فعبر هنا بالجتناب‪ ،‬وفي الحرام بالحكم بالقذارة‪.‬‬
‫" واضر " على بناء المعلوم كناية عن تركه‪ ،‬وعدم العتناء به‪ ،‬وترك‬
‫اللتفات إليه أو على بناء المجهول أي يعد نفسه متضررة به أو يتضرر‬
‫به‪ ،‬لعلو حاله " بالحلل الصافي " من الشبهة فكيف بالحرام والشبهة‪،‬‬
‫وفي المصباح الكسرة القطعة من الشئ المكسور‪ ،‬ومنه الكسرة من الخبز‪،‬‬
‫وفي القاموس‪ :‬الكسرة بالكسر القطعة من الشئ المكسور والجمع كسر‪،‬‬
‫انتهى‪ " .‬يشد بها صلبه " أي يقوى بها على العبادة " من أغلظ ما يجد "‬
‫ظاهره استحباب الكتفاء بالثياب الخشنة‪ ،‬وإن ان قادرا على الناعمة‪ ،‬وهو‬
‫مخالف لخبار كثيرة إل أن يحمل على أن المراد به من الغلظ الذي يجده‬
‫أي إذا لم يجد غيره أو على ما إذا لم يجد غيره إل بارتكاب الحرام أو‬
‫الشبهة أو بصرف جل أوقاته في تحصيله‪ ،‬بحيث يمنعه عن النوافل‬
‫وفواضل الطاعات أو على ما إذا علم أنه يصير سببا لطغيانه‪ ،‬وأن علج‬
‫كبره وصفاته الذميمة منحصر في ذلك‪ " .‬ثقة ول رجاء " أي بغيره‬
‫سبحانه‪ ،‬كما بينه في الفقرة التية‪ ،‬وفي المصباح الجد بالكسر الجتهاد‪،‬‬
‫وهو مصدر يقال منه جد يجد من بابي ضرب وقتل والسم الجد بالكسر "‬
‫وأتعب بدنه " أي بالعبادات الشرعية ل العمال المبتدعة‪ " .‬فأبدل ال له‬
‫" لنه تعالى قال " لئن شكرتم لزيدنكم " )‪ (1‬فمن بذل ما أعطاه ال من‬
‫الموال الفانية عوضه ال من الموال الباقية اضعافها‪ ،‬ومن بذل قوته‬
‫البدنية في طاعة ال أبدله ال قوة روحانية ل يفنى في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فتبدو منه‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪.(*) 7 :‬‬

‫]‪[78‬‬

‫المعجزات‪ ،‬وخوارق العادات والكرامات‪ ،‬وما ل يقدر عليه بالقوى الجسمانية ومن‬
‫بذل علمه في ال وعمل به ورثه ال علما لدنيا يزيد في كل ساعة‪ ،‬ومن‬
‫بذل عزه الفاني الدنيوي في ]رضى ال تعالى أعطاه ال عزا حقيقيا ل‬
‫يتبدل بالذل ابدا كما أن النبياء والوصياء عليهم السلم لما بذلوا عزهم‬
‫الدنيوي في[ )‪ (1‬سبيل ال أعطاهم ال عزة في الدارين ل يشبه عز‬
‫غيرهم‪ ،‬فيلوذ الناس بقبورهم وضرايحهم المقدسة والملوك يعفرون‬
‫وجوههم على أعتباهم‪ ،‬ويتبركون بذكرهم‪ .‬ومن بذل حياته البدنية في‬
‫الجهاد في سبيله عوضه ال حياة أبدية يتصرفون بعد موتهم في عوالم‬
‫الملك والملكوت‪ ،‬ولذا قال تعالى " ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال‬
‫أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " )‪ (2‬ومن بذل نور بصره وسمعه في‬
‫الطاعة أعطاه ال نورا منه به ينظر في ملكوت السماوات والرض‪ ،‬وبه‬
‫يسمع كلم الملئكة المقربين‪ ،‬ووحي رب العالمين‪ ،‬كما ورد‪ :‬المؤمن‬
‫ينظر بنور ال وورد‪ :‬بي يسمع وبي يبصر‪ ،‬وإذا تخلى من إرادته وجعلها‬
‫تابعة لرادة ال‪ ،‬جعله بحيث ل يشاء إل أن يشآء ال‪ ،‬وكان ال هو الذي‬
‫يدبر في بدنه وقلبه وعقله وروحه والكلم هنا دقيق ل تفي به العبارة‬
‫والبيان‪ ،‬وفي هذا المقام تزل القدام‪ .‬والرفض الترك " يعمى " اي بصر‬
‫القلب عن رؤية الحق كما قال تعالى " إنها ل تعمى البصار ولكن تعمى‬
‫القلوب التي في الصدور " )‪ " (3‬ويصم " القلب أيضا عن سماع الحق‬
‫وقبوله‪ ،‬ويمكن أن يراد بهما عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى‬
‫فكأنه أعمى وصمم السمع الظاهر لنه ل ينتفع بما يسمع‪ ،‬فكأنه أصم كما‬
‫قال سبحانه " ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة‬
‫" )‪ (4‬والبكم نسبته إلى الظاهر أظهر‪ ،‬فانه لما لم يتكلم بالحق وبما ينفعه‪،‬‬
‫فكأنه أبكم‪ ،‬وإن أمكن حمله أيضا على لسان القلب‪ ،‬فان لسان الرأس معبر‬
‫عنه حقيقة‪ " .‬ويذل الرقاب " لنه موجب للتذلل عند أهل الدنيا لتحصيله‬
‫أو يذلها‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .143‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (3) .169‬الحج‪ (4) .46 :‬البقرة‪.(*) 7 :‬‬

‫]‪[79‬‬

‫لقبول الباطل من أهله من الذل بالكسر‪ ،‬وهو ضد الصعوبة " فتدارك ما بقي "‬
‫التدارك ليس هنا بمعنى التلفي‪ ،‬ول بمعنى التلحق‪ ،‬بل بمعنى الدراك اي‬
‫ادركه ول تفوته كقوله تعالى‪ " :‬لول أن تداركه نعمة من ربه " )‪ (1‬اي‬
‫أدركته باجابة دعائه كما قاله الطبرسي‪ ،‬ويحتمل أن يكون ما بقي ظرفا‬
‫والمفعول مقدرا اي تلف ما فات منك فيما بقي من عمرك لكنه بعيد " ول‬
‫تقل غدا " أي أتوب أو أعمل غدا " حتى أتاهم أمر ال " أي بالموت أو‬
‫بالعذاب " بغتة " بالفتح وقد تحرك أي فجاءة " وهم غافلون " من إتيانه‬
‫" على أعوادهم " أي كائنين على السرر والتوابيت المعمولة من العواد‬
‫" إلى قبورهم المظلمة الضيقة " فانها على الشقياء كذلك وإن كانت‬
‫للصفياء روضة من رياض الجنة " فانقطع " اي عن الدنيا وأهلها "‬
‫بقلب " أي مع قلب " منيب " اي تائب راجع عن الذنوب إشارة إلى قوله‬
‫تعالى‪ " :‬من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " )‪ (2‬قال الطبرسي‪:‬‬
‫أي وافى الخرة بقلب مقبل على طاعة ال راجع إلى ال بضمائره " من‬
‫رفض الدنيا " " من " تعليل للنابة أو للنقطاع " وعزم " عطف على "‬
‫قلب "‪ " ،‬ليس فيه انكسار " اي وهن " ول انخزال " اي تثاقل أو‬
‫انقطاع في القاموس‪ :‬النخزال مشية في تثاقل والنخزال النفراد‪،‬‬
‫والحذف‪ ،‬والقتطاع‪ ،‬وانخزل عن جوابي لم يعبأ به‪ ،‬وفي كلمه انقطع "‬
‫لمرضاته " اي لما يوجب رضاه عنا‪ - 40 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫عبد الگه بن المغيرة وغيره‪ ،‬عن طلحة بن زيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد‬
‫عطشا حتى يقتله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬كمثل ماء البحر " اي المالح‪ ،‬وهذا من‬
‫أحسن التمثيلت للدنيا وهو مجرب‪ ،‬فان الحريص على جمع الدنيا كلما‬
‫ازداد منها ازداد حرصه عليها وأيضا كلما حصل منها ل بد له لحفظه‬
‫ونموه وسائر ما يليق به ويناسبه من‬

‫)‪ (1‬القلم‪ (2) .49 :‬ق‪ (3) .33 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 137‬‬

‫]‪[80‬‬

‫أشياء أخرى ول ينتهي إلى حد‪ ،‬فيصرف جميع عمره في تحصيلها حتى يموت‬
‫ويبقى له حسراتها وعقوباتها أعاذنا ال منها‪ - 41 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن‬
‫محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن الوشاء قال‪ :‬سمعت الرضا عليه السلم يقول‪ :‬قال‬
‫عيسى بن مريم صلوات ال عليه للحواريين‪ :‬يا بني إسرائيل ل تأسوا على‬
‫ما فاتكم من الدنيا‪ ،‬كما ل يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا‬
‫اصابوا دنياهم )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ " :‬فيه حواري من أمتي " اي‬
‫خاصتي من أصحابي وناصري‪ ،‬ومنه الحواريون اصحاب عيسى عليه‬
‫السلم اي خلصاؤه وأنصاره وأصله وأصله من التحوير‪ :‬التبييض‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها‪ ،‬ومنه الخبز الحوارى‬
‫الذي نخل مرة بعد مرة قال الزهري‪ :‬الحواريون‪ :‬خلصان النبياء وتأويله‬
‫الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب‪ ،‬وقال الراغب‪ :‬الحواريون أنصار عيسى‬
‫عليه السلم قيل‪ :‬كانوا قصارين‪ ،‬وقيل‪ :‬كانوا صيادين‪ .‬وقال بعض‬
‫العلماء‪ :‬إنما سموا حواريين لنهم كانوا يطهرون نفوس الناس ‪ -‬بافادتهم‬
‫الدين والعلم ‪ -‬المشار إليه بقوله‪ " :‬إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل‬
‫البيت ويطهركم تطهيرا " )‪ (2‬قال‪ :‬وإنما قيل‪ :‬كانوا قصارين على التمثيل‬
‫والتشبيه وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة‬
‫بين العامة‪ ،‬قال‪ :‬وإنما قال‪ :‬كانوا صيادين لصطيادهم نفوس الناس من‬
‫الحيرة وقودهم إلى الحق انتهى‪ .‬اقول‪ :‬وقد سبق كلم طويل الذيل في‬
‫أوايل هذا الباب في أثناء شرح حديث من الكافي )‪ (3‬أيضا في تحقيق‬
‫معنى الحواريين‪ ،‬فل تغفل‪ .‬والسى الحزن على فوت الفائت‪ ،‬والغرض ل‬
‫يكون أهل الدنيا على باطلهم‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .137‬الحزاب‪ (3) 33 :‬راجع الرقم‪:‬‬

‫]‪[81‬‬

‫أشد حرصا منكم على الحق‪ - 42 .‬نهج‪ :‬الحمد ل غير مقنوط من رحمته‪ ،‬ول‬
‫مخلو من نعمته‪ ،‬ول مأيوس من مغفرته‪ ،‬ول مستنكف عن عبادته‪ ،‬الذي‬
‫ل تبرح منه رحمة‪ ،‬ول تفقد منه نعمة‪ ،‬والدنيا دار مني لها الفنا‪ ،‬ولهلها‬
‫منها الجل‪ ،‬وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب‪ ،‬والتبست بقلب الناظر‪،‬‬
‫فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد‪ ،‬ول تسألوا ]فيها[ فوق‬
‫الكفاف‪ ،‬ول تطلبوا منها أكثر من البلغ )‪ - 43 .(1‬كنز الكراجكى‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أحب دنياه أضر بآخرته‪ .‬وقال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬من أمن الزمان خانه‪ ،‬ومن غالبه أهانه‪ ،‬وقال‪ :‬الدهر‬
‫يومان‪ :‬يوم لك‪ ،‬ويوم عليك‪ ،‬فان كان لك فل تبطر‪ ،‬وإن كان عليك فاصبر‪،‬‬
‫فكلهما عنك سينحسر‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أصبح حزينا على الدنيا فقد‬
‫أصبح ساخطا على ربه تعالى ومن كانت الدنيا أكبر همه‪ ،‬طال شقاؤه‬
‫وغمه‪ ،‬الدنيا لمن تركها‪ ،‬والخرة لمن طلبها‪ ،‬الزاهد في الدنيا كلما ازدادت‬
‫له تحليا ازداد عنها تخليا‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا طلبت شيئا من الدنيا‬
‫فزوى عنك‪ ،‬فاذكر ما خصك ال به من دينك‪ ،‬وصرفه عن غيرك‪ ،‬فان ذلك‬
‫أحرى أن تستحق نفسك بما فاتك‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أنا‬
‫زعيم بثلث لمن أكب على الدنيا‪ :‬بفقر ل غناء له وبشغل ل فراغ له‪ ،‬وبهم‬
‫وحزن ل انقطاع له‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬كونوا في الدنيا اضيافا‪،‬‬
‫واتخذوا المساجد بيوتا‪ ،‬وعودوا قلوبكم الرقة‪ ،‬وأكثروا التفكر والبكاء‪ ،‬ول‬
‫تختلفن بكم الهواء‪ ،‬تبنون ما ل تسكنون‪ ،‬وتجمعون ما ل تأكلون‪،‬‬
‫وتأملون ما ل تدركون‪ - 44 .‬عدة الداعي‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إنا‬
‫لنحب الدنيا وأن ل نؤتاها خير لنا من أن نؤتاها‪ ،‬وما أوتي ابن آدم منها‬
‫شيئا إل نقص حظه من الخرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 45‬من الخطب‪ ،‬وقوله " منى لها الفناء " أي قدر لها‪.‬‬

‫]‪[82‬‬
‫‪ - 45‬نهج‪ :‬من خطبة له عليه السلم‪ :‬دار بالبلء محفوفة‪ ،‬وبالغدر معروفة ل تدوم‬
‫أحوالها ول يسلم نزالها‪ ،‬أحوال مختلفة‪ ،‬وتارات متصرفة‪ ،‬العيش فيها‬
‫مذموم والمان منها معدوم‪ ،‬وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم‬
‫بسهامها وتفنيهم بحمامها )‪ .(2‬واعلموا عباد ال أنكم وما أنتم فيه من‬
‫هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا‬
‫وأعمر ديارا وأبعد آثارا‪ ،‬أصبحت اصواتهم هامدة ورياحهم راكدة )‪(3‬‬
‫وأجسادهم بالية‪ ،‬وديارهم خالية‪ ،‬وآثارهم عافية‪ ،‬واستبدلوا بالقصور‬
‫المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والحجار المسندة والقبور اللطئة‬
‫الملحدة‪ ،‬التي قد بنى للخراب فناؤها‪ ،‬وشيد بالتراب بناؤها‪ ،‬فمحلها مقترب‬
‫وساكنها مغترب‪ ،‬بين أهل محلة موحشين‪ ،‬وأهل فراغ متشاغلين‪ ،‬ل‬
‫يستأنسون بالوطان ول يتواصلون تواصل الجيران‪ ،‬على ما بينهم من‬
‫قرب الجوار‪ ،‬ودنو الدار وكيف يكون بينهم تزاور‪ ،‬وقد طحنهم بكلكله‬
‫البلى )‪ (4‬وأكلتهم الجنادل والثرى‪ .‬وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه‪،‬‬
‫وارتهنكم ذلك المضجع‪ ،‬وضمكم ذلك المستودع‪ ،‬فكيف بكم لو تناهت بكم‬
‫المور‪ ،‬وبعثرت القبور " هناك تبلوا كل نفس ما أسفلت وردوا إلى ال‬
‫موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬عدة الداعي‪ (2) .80 :‬النزال كتجار جمع نازل‪ ،‬والحمام بالكسر‪ :‬الموت‪(3) .‬‬
‫لما كانت الرياح الهابة ذات قوة وشوكة وقدرة هدامة‪ ،‬كنى بها عن ذلك‬
‫يقال الريح لل فلن‪ :‬اي تجرى الدولة لهم على أعدائهم‪ ،‬ومنه قوله‬
‫تعالى‪ " :‬ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " وركود الرياح كناية عن‬
‫عدم القدرة والشوكة‪ (4) .‬الكلكل في الصل صدر البعير وهو إذا ظفر‬
‫بعدوه برك بكلكله عليه وداسه وطحنه بحيث ل يبقى عليه‪ ،‬وكذلك البلى‬
‫إذا ناء بكلكله على الموات وطحنهم عفا على لحومهم وعظامهم بحيث ل‬
‫يبقى منها ال التراب‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 224‬من الخطب والية في‬
‫يونس‪.(*) 30 :‬‬

‫]‪[83‬‬

‫‪ - 46‬نهج‪ :‬من خطبة له عليه السلم‪ :‬فان تقوى ال مفتاح سداد‪ ،‬وذخيرة معاد‬
‫وعتق من كل ملكة‪ ،‬ونجاة من كل هلكة‪ ،‬بها ينجح الطالب‪ ،‬وينجو الهارب‬
‫وتنال الرغائب‪ .‬فاعملوا والعمل يرفع‪ ،‬والتوبة تنفع‪ ،‬والدعاء يسمع‪،‬‬
‫والحال هادئة والقلم جارية‪ ،‬وبادروا بالعمال عمرانا كسا أو مرضا‬
‫حابسا أو موتا خالسا‪ ،‬فان الموت هادم لذاتكم‪ ،‬ومكدر شهواتكم‪ ،‬ومباعد‬
‫طياتكم )‪ (1‬زائر غير محبوب وقرن غير مغلوب‪ ،‬وواتر غير مطلوب‪ ،‬قد‬
‫أعلقتكم حبائله‪ ،‬وتكنفتكم غوائله وأقصدتكم معابله )‪ (2‬وعظمت فيكم‬
‫سطوته‪ ،‬وتتابعت عليكم عدوته‪ ،‬وقلت عنكم نبوته‪ .‬فيوشك أن تغشاكم‬
‫دواجي ظلله‪ ،‬واحتدام علله‪ ،‬وحنادس غمراته‪ ،‬وغواشي سكراته‪ ،‬وأليم‬
‫إزهاقه وودجو أطباقه‪ ،‬وجشوبة مذاقه‪ ،‬فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيكم‪،‬‬
‫وفرق نديكم‪ ،‬وعفى آثاركم‪ ،‬وعطل دياركم‪ ،‬وبعث وراثكم يقتسمون تراثكم‬
‫بين حميم خاص لم ينفع‪ ،‬وقريب محزون لم يمنع‪ ،‬وآخر شامت لم يجزع‪.‬‬
‫فعليكم بالجد والجتهاد‪ ،‬والتأهب والستعداد‪ ،‬والتزود في منزل الزاد‪ ،‬ول‬
‫تغرنكم الدنيا كما غرت من كان قبلكم من المم الماضية‪ ،‬والقرون الخالية‬
‫الذين احتلبوا درتها‪ ،‬واصابوا غرتها‪ ،‬وأفنوا عدتها‪ ،‬وأخلقوا جدتها‪،‬‬
‫اصبحت مساكنهم أجداثا‪ ،‬وأموالهم ميراثا‪ ،‬ل يعرفون من أتاهم‪ ،‬ول‬
‫يحلفون من بكاهم ول يجيبون من دعاهم‪ ،‬فاحذروا الدنيا فانها غدارة‬
‫غرارة‪ ،‬خدوع‪ ،‬معطية منوع ملبسة نزوع‪ ،‬ل يدوم رخاؤها‪ ،‬ول ينقضي‬
‫عناؤها‪ ،‬ول يركد بلؤها )‪ - 47 .(3‬نهج الكيدري‪ :‬عند شرح قول أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم لهمام في وصف‬

‫)‪ (1‬الطيات ‪ -‬جمع طية بالكسر ‪ -‬النية والعزم‪ ،‬اي الموت يبعدكم عن مقاصدكم‬
‫وأهوائكم‪ (2) .‬المعابل‪ :‬جمع معبلة ‪ -‬بالكسر ‪ -‬النصل الطويل العريض‪) .‬‬
‫‪ (3‬نهج البلغة الرقم ‪ 228‬من الخطب )*(‪.‬‬

‫]‪[84‬‬

‫المتقين " أرادتهم الدنيا ولم يريدوها " قال‪ :‬من مكاشفات أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم ما رواه الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم أنه قال‪ :‬إني كنت بفدك‬
‫في بعض حيطانها‪ ،‬وقد صارت لفاطمة عليها السلم إذا أنا بامرأة قد‬
‫هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما‬
‫تداخلني من جمالها‪ ،‬فشبهتها ببثينة )‪ (1‬بنت عامر الجمحي‪ ،‬وكانت من‬
‫أجمل نساء قريش فقالت لي‪ :‬يا ابن ابي طالب هل لك أن تزوجني وأغنيك‬
‫عن هذه المسحاة ؟ وأدلك على خزائن الرض‪ ،‬ويكون لك الملك ما‬
‫بقيت ؟‪ .‬فقلت لها‪ :‬من أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ فقالت‪ :‬أنا الدنيا‪ ،‬فقلت‬
‫لها‪ :‬ارجعي فاطلبي زوجا غيري‪ ،‬فلست من شأني‪ ،‬وأقبلت على مسحاتي‬
‫وأنشأت أقول‪ .(2) :‬لقد خاب من غرته دنيا دنية * وما هي إن غرت قرونا‬
‫بطايل أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك الشمايل فقلت لها‬
‫غري سواي فانني * عزوف عن الدنيا ولست بجاهل وما أنا والدنيا فان‬
‫محمدا * رهين بقفر بين تلك الجنادل وهبها أتتنا بالكنوز ودرها * وأموال‬
‫قارون وملك القبايل أليس جميعا للفناء مصيرها * ويطلب من خزانها‬
‫بالطوايل فغري سواي إنني غير راغب * لما فيك من عز وملك ونائل وقد‬
‫قنعت نفسي بما قد رزقته * فشانك يا دنيا وأهل الغوايل فاني أخاف ال‬
‫يوم لقائه * وأخشى عتابا دائما غير زايل‬

‫)‪ (1‬مصغرة على وزن جهينة‪ ،‬كأنها كانت مشهورة بالحسن والجمال عند نساء‬
‫العرب وعامر الجمحي لعله ابن مسعود بن أمية بن خلف القرشى‬
‫الجمحي‪ (2) .‬رواه الكيدري ايضا في أنوار العقول في قافية اللم مرسل‪،‬‬
‫وذكره الشهيد الثاني في حديث طويل عن الصادق عليه السلم في كتاب‬
‫الغيبة ص ‪ 264‬المطبوع مع كشف الفوائد‪ ،‬وسيأتي في ج ‪ 75‬ص ‪،363‬‬
‫ج ‪ 77‬ص ‪ ،195‬ج ‪ 78‬ص ‪.(*) 274‬‬

‫]‪[85‬‬

‫وقال أيضا‪ :‬دنيا تخادعني كأني * لست أعرف حالها مدت إلي يمينها * فرددتها‬
‫وشمالها ورأيتها محتاجة * فوهبت جملتها لها فهذا معنى قوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬أرادتهم الدنيا ولم يريدوها "‪ - 48 .‬عدة الداعي‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬واعلموا عباد ال أن المؤمن ل يصبح ول يمسي‬
‫إل ونفسه ظنون عنده‪ ،‬فل يزال زاريا عليها‪ ،‬ومستزيدا لها فكونوا‬
‫كالسابقين قبلكم‪ ،‬والماضين أمامكم‪ ،‬قوضوا من الدنيا تقويض الراحل‬
‫وطووها طي المنازل )‪ - 49 .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن إسماعيل بن جابر‪ ،‬عن يونس بن ظبيان‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إن ال عزوجل يقول‪ :‬ويل للذين يختلون الدنيا بالدين‪ ،‬وويل للذين‬
‫يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس‪ ،‬وويل للذين يسير المؤمن فيهم‬
‫بالتقية‪ ،‬أبي يغترون ؟ أم علي يجترؤن ؟ فبي حلفت لتيحن لهم فتنة تترك‬
‫الحليم منهم حيران )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ويل للذين يختلون الدنيا بالدنى " اي‬
‫العذاب والهلك للذين يطلبون الدنيا بعمل الخرة بالخديعة والمكر‪ ،‬قال في‬
‫النهاية‪ :‬الويل الحزن والهلك والمشقة من العذاب‪ ،‬وقال‪ :‬فيه من اشراط‬
‫الساعة أن تعطل سيوف الجهاد وأن تختل الدنيا بالدين‪ ،‬اي تطلب الدنيا‬
‫بعمل الخرة‪ ،‬يقال‪ :‬ختله يختله إذا خدعه وراوغه‪ ،‬وختل الذئب الصيد إذا‬
‫تخفى له‪ ،‬والختل الخداع‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬ختله يختله ويختله ختل وختلنا‬
‫خدعه‪ ،‬والذئب الصيد تخفى له وخاتله خادعه وتخاتلوا تخادعوا‪ ،‬واختتل‬
‫تسمع لسر القوم انتهى )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬عدة الداعي‪ ،175 :‬والتقويض‪ :‬الرحيل ينزع الطناب والعواد من الخيام‬
‫والخباء‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .299‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪.(*) 366‬‬
‫]‪[86‬‬

‫وبناء الفتعال كما هو المذكور في عنوان باب الكافي )‪ (1‬لم أره بهذا المعنى في‬
‫كتب اللغة‪ ،‬وفي بعض النسخ اختيال بالياء وهو تصحيف " الذين يأمرون‬
‫بالقسط " اي بالعدل‪ ،‬وهم الئمة عليهم السلم وخواص اصحابهم " يسير‬
‫المؤمن " اي يعيش ويعمل مجازا " ابي يغترون " اي بسبب إمهالي‬
‫ونعمتي يغفلون عن بطشي وعذابي من الغترار بمعنى الغفلة‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون من الغترار بمعنى الوقوع في الغرر والهلك‪ .‬وقال تعالى‪ " :‬ما‬
‫غرك بربك الكريم " )‪ (2‬قال البيضاوي‪ :‬اي شئ خدعك وجرأك على‬
‫عصيانه " يجترؤن " بالهمز أو بدونه بقلب الهمزة ياء‪ ،‬ثم إسقاط ضمها‬
‫ثم حذفها للتقاء الساكنين " لتيحن " قال في النهاية‪ :‬فيه فبي حلفت‬
‫لتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران‪ ،‬يقال‪ :‬أتاح ال لفلن كذا أي قدره‬
‫له وأنزله به وتاح له الشئ‪ ،‬والحليم ذو الحلم والناة والتثبت في المور‬
‫أو ذو العقل‪ ،‬وتنوين حيرانا للتناسب وانما خص بالذكر لنه بكلي معنييه‬
‫أبعد من الحيرة‪ ،‬وذلك لنه اصبر على الفتن والزلزل‪ ،‬والحاصل أنه ل‬
‫يجد العقلء وذوو التثبت والتدبر في المور المخرج من تلك الفتنة‪- 50 .‬‬
‫لي‪ :‬الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي‪ :‬عن جعفر بن محمد العلوي عن‬
‫محمد بن علي بن خلف‪ ،‬عن حسن بن صالح‪ ،‬عن ابي معشر‪ ،‬عن محمد‬
‫بن قيس قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وآله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة‬
‫عليها السلم فدخل عليها فأطال عندها المكث‪ ،‬فخرج مرة في سفر فصنعت‬
‫فاطمة مسكتين )‪ (3‬من ورق وقلدة وقرطين وسترا لباب البيت‪ ،‬لقدوم‬
‫أبيها وزوجها عليهما السلم‪ ،‬فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وآله دخل‬

‫)‪ (1‬يعنى باب اختتال الدنيا بالدين‪ (2) .‬النفطار‪ (3) .60 :‬المسكة ‪ -‬محركة ‪-‬‬
‫السوار والخلخال إذا كان من قرن أو عاج‪ ،‬ولذلك قيدها بالورق‪ ،‬وهو‬
‫الفضة‪ ،‬اي كان سوارها من فضة ل من غيرها‪ ،‬والقلدة معروف والقرط‬
‫ما يعلق على شحمة الذن من درة ونحوها )*(‪.‬‬

‫]‪[87‬‬

‫عليها فوقف اصحابه على الباب ل يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها‪.‬‬
‫فخرج عليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وقد عرف الغضب في وجهه‬
‫حتى جلس عند المنبر فظنت فاطمة عليها السلم أنه إنما فعل ذلك رسول‬
‫ال لما رأى من المسكتين والقلدة والقرطين والستر‪ ،‬فنزعت قلدتها‬
‫وقرطيها ومسكتيها‪ ،‬ونزعت الستر‪ ،‬فبعثت به إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وقالت للرسول‪ :‬قل له‪ :‬تقرأ عليك ابنتك السلم وتقول‪ :‬اجعل‬
‫هذا في سبيل ال‪ ،‬فلما أتاه قال‪ :‬فعلت فداها أبوها‪ ،‬ثلث مرات ليست الدنيا‬
‫من محمد ول من آل محمد ولو كانت الدنيا تعدل عند ال من الخير جناح‬
‫بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء‪ ،‬ثم قام فدخل عليها )‪ - 51 .(1‬لي‪:‬‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال‬
‫جل جلله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمك‪ ،‬وأخدمي من رفضك‪ .‬ثم قال‬
‫عليه السلم‪ :‬عليكم بالورع والجتهاد والعبادة‪ ،‬وازهدوا في هذه الدنيا‬
‫الزاهدة فيكم‪ ،‬فانها غرارة‪ ،‬دار فناء وزوال‪ ،‬كم من مغتر فيها قد أهلكته‬
‫وكم من واثق بها قد خانته‪ ،‬وكم من معتمد علهيا قد خدعته‪ ،‬وأسلمته )‬
‫‪ .(2‬اقول‪ :‬قد أثبتنا الخبر بتمامه في باب مواعظ النبي صلى ال عليه وآله‬
‫)‪ - 52 .(3‬لى‪ :‬عن العطار‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن‬
‫حفص عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬كان فيما ناجى ال موسى بن‬
‫عمران‪ :‬يا موسى إذا رأيت الفقر مقبل فقل‪ :‬مرحبا بشعار الصالحين‪ ،‬وإذا‬
‫رأيت الغنى مقبل فقل‪ :‬ذنب عجلت عقوبته‪ ،‬إن الدنيا دار عقوبة عاقبت‬
‫فيها آدم عليه السلم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونا ما فيها‪ ،‬إل ما‬
‫كان فيها لي‪ .‬يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي‬
‫وسائرهم من خلقي‬

‫)‪ (1‬أمالي الصدوق‪ (2) .141 :‬أمالي الصدوق ‪ (3) .168‬لم نجده في باب‬
‫مواعظه‪ ،‬صلى ال عليه وآله )*(‪.‬‬

‫]‪[88‬‬

‫رغبوا فيها بقدر جهلهم بي‪ ،‬وما من أحد من خلقي عظمها فقرت عينه‪ ،‬ولم‬
‫يحقرها أحد إل انتفع بها‪ ،‬الخبر )‪ - 53 .(1‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حفص عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫إن ال عزوجل قال في مناجاته لموسى عليه السلم‪ :‬يا موسى إن الدنيا‬
‫دار عقوبة إلى آخر الخبر )‪ - 54 .(2‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫كانت الدنيا فانية فالمطأنينة إليها لماذا )‪ - 55 .(3‬لى‪ :‬عن الصادق عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أغفل الناس من لم يتعظ‬
‫بتغير الدنيا من حال إلى حال‪ ،‬وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل‬
‫للدنيا عنده خطرا )‪ - 56 .(4‬ن )‪ (5‬لى‪ :‬السترآبادي‪ ،‬عن أحمد بن الحسن‬
‫الحسيني‪ ،‬عن ابي محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ :‬كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه وإنما هو كفنه‪ ،‬ويبنى بيتا‬
‫ليسكنه‪ ،‬وإنما هو موضع قبره‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السلم في بعض‬
‫خطبه‪ :‬أيها الناس إن الدنيا دار فناء والخرة دار بقاء‪ ،‬فخذوا من ممركم‬
‫لمقركم‪ ،‬ول تهتكوا استاركم عند من ل تخفى عليه أسراركم‪ ،‬وأخرجوا من‬
‫الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم‪ ،‬وللخرة‬
‫خلقتم‪ ،‬وإنما الدنيا كالسم يأكله من ل يعرفه‪ ،‬إن العبد إذا مات قالت‬
‫الملئكة ما قدم ؟ وقال الناس ما أخر ؟ فقدموا فضل يكن لكم‪ ،‬ول تؤخروا‬
‫كل يكن عليكم‪ ،‬فان المحروم من حرم خير ماله‪ ،‬والمغبوط من ثقل‬
‫بالصدقات والخيرات موازينه‪ ،‬وأحسن في الجنة بها مهاده‪ ،‬وطيب على‬

‫)‪ (1‬أمالي الصدوق ‪ 396‬في حديث‪ (2) .‬ثواب العمال‪ (3) .198 :‬أمالي الصدوق‬
‫ص ‪ (4) .6‬أمالي الصدوق‪ (5) .14 :‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ 297‬و‬
‫‪.298‬‬

‫]‪[89‬‬

‫الصراط بها مسلكه )‪ .(1‬أقول‪ :‬قد أثبتنا كثيرا من الخبار في باب مواعظ أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ - 57 .‬لى‪ :‬في خبر الشامي الذي أتى أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم قال عليه السلم‪ :‬يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة‪ ،‬ولها أهل و‪،‬‬
‫إن الخرة لها أهل‪ ،‬ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا ل يتنافسون في‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يفرحون بغضارتها‪ ،‬ول يحزنون لبؤسها‪ ،‬يا شيخ من خاف‬
‫البيات قل نومه ما أسرع الليالي واليام في عمر العبد فاخزن لسانك‪ ،‬وعد‬
‫كلمك‪ ،‬يقل كلمك إل بخير‪ ،‬يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك‪ ،‬وآت‬
‫إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك‪ .‬ثم أقبل على أصحابه فقال‪ :‬أيها الناس‬
‫أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى‪ :‬فبين صريع‬
‫يتلوى‪ ،‬وبين عائد ومعود‪ ،‬وآخر بنفسه يجود وآخر ل يرجى‪ ،‬وآخر‬
‫مسجى‪ ،‬وطالب الدنيا والموت يطلبه‪ .‬وغافل وليس بمغفول عنه‪ ،‬وعلى‬
‫أثر الماضي يصير الباقي )‪ - 58 .(2‬فس‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن محمد بن سيار‪ ،‬عن المفضل عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫لما نزلت هذه الية‪ " :‬ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ول‬
‫تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين " )‪ (3‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه على الدنيا حسرات‪ ،‬ومن‬
‫رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه‪ ،‬ولم يشف غيظه‪ ،‬ومن لم يعلم‬
‫أن ل عليه نعمة إل في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله‪ ،‬ودنا عذابه‪ ،‬ومن‬
‫أصبح على الدنيا حزينا أصبح على ال ساخطا‪ ،‬ومن شكى مصيبة نزلت‬
‫به‪ ،‬فانما يشكو ربه‪ ،‬ومن دخل النار من هذه المة ممن قرأ القرآن فهو‬
‫ممن يتخذ آيات ال هزوا‪ ،‬ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه‪،‬‬
‫ذهب ثلثا دينه‪.‬‬
‫)‪ (1‬أمالى الصدوق‪ 67 :‬و ‪ (2) .68‬أمالى الصدوق‪ ،237 :‬وتراه في المعاني‪:‬‬
‫‪ (3) .198‬الحجر‪.(*) 88 :‬‬

‫]‪[90‬‬

‫ثم قال‪ :‬ول تعجل وليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيبجله ويوقره فقد‬
‫يجب ذلك له عليه‪ ،‬ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند ال‪ ،‬ويريد أن‬
‫يختله عما في يديه )‪ - 59 .(1‬فس‪ :‬ابي‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪،‬‬
‫عن حفص قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم يا حفص ما أنزلت الدنيا من‬
‫نفسي إل بمنزلة الميتة‪ ،‬إذا اضطررت إليها أكلت منها‪ ،‬الخبر‪ ،‬وسيأتي في‬
‫أبواب المواعظ )‪ - 60 .(2‬ب‪ :‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن‬
‫الرضا عليه السلم قال‪ :‬وال ما أخر ال عن المؤمن من هذه الدنيا خير له‬
‫مما يعجل منها‪ ،‬ثم صغر الدنيا إلي فقال‪ :‬اي شئ هي ؟ ثم قال‪ :‬إن صاحب‬
‫النعمة على خطر إنه يجب علي حقوق ل منها‪ ،‬وال إنه ليكون علي النعم‬
‫من ال فما أزال منها على وجل وحرك يديه حتى أخرج من الحقوق التي‬
‫تجب ل تبارك وتعالى علي فيها )‪ - 61 .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫ابن يزيد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رباط رفعه قال‪ :‬شكى رجل إلى أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم الحاجة فقال‪ :‬اعلم أن كل شئ تصيبه من الدنيا فوق‬
‫قوتك‪ ،‬فانما أنت فيه خازن لغيرك )‪ - 62 .(4‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن درست عن رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬حب الدنيا راس كل خطيئة )‪ - 63 .(5‬ل‪ :‬عن محمد بن أحمد‬
‫السدي‪ ،‬عن محمد بن ابي عمران‪ ،‬عن أحمد بن ابي بكر‪ ،‬عن علي بن‬
‫أبي علي اللهبي‪ ،‬عن محمد بن المنكدر‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .356 :‬تفسير القمى ‪ ،493‬في آية القصص‪ ،83 :‬وترى تمام‬
‫الحديث في ج ‪ 78‬ص ‪ 193‬فراجع‪ (3) .‬قرب السناد ص ‪ 228‬و ‪ 229‬ط‬
‫النجف‪ (4) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .11‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 15‬‬

‫]‪[91‬‬

‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى‬
‫وطول المل أما الهوى فانه يصد عن الحق‪ ،‬وأما طول المل فينسي‬
‫الخرة‪ ،‬وهذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة‪ ،‬وهذه الخرة قد ارتحلت مقبلة‪،‬‬
‫ولكل واحدة منهما بنون فان استطعتم أن تكونوا من أبناء الخرة ول‬
‫تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا‪ ،‬فانكم اليوم في دار عمل ول حساب‪ ،‬وأنتم‬
‫غدا في دار حساب ول عمل )‪ - 64 .(1‬ل‪ :‬عن ابن بندار‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫إسحاق‪ ،‬عن عمر بن الحسن بن نصر‪ ،‬عن مؤمل بن إهاب‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن المغيرة المصري‪ ،‬عن سفيان الثوري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الليل والنهار مطيتان )‪(2‬‬
‫‪ - 65‬ل‪ :‬عن محمد بن أحمد السدي‪ ،‬عن أحمد بن محمد العامري‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عيسى بن عبيد‪ ،‬عن سليمان بن عمرو‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫الحسن بن الحسن‪ ،‬عن أمه فاطمة بنت الحسين‪ ،‬عن أبيها عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الرغبة في الدنيا تكثر الهم‬
‫والحزن‪ ،‬والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن )‪ - 66 .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن عبد العزيز العبدي‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي يعفور قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من تعلق قلبه بالدنيا‬
‫تعلق منها بثلث خصال‪ :‬هم ل يفنى‪ ،‬وأمل ل يدرك‪ ،‬ورجاء ل ينال )‪.(4‬‬
‫أقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار في باب السكينة والوقار )‪ - 67 .(5‬ل‪ :‬عن‬
‫حمزة العلوي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫عبد الحميد‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬الدنيا‬
‫سجن المؤمن‪ ،‬والقبر حصنه‪ ،‬والجنة مأواه‪ ،‬والدنيا جنة الكافر‪ ،‬والقبر‬
‫سجنه‪ ،‬والنار‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .27‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .35‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .37‬‬
‫‪ (4‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .44‬راجع ج ‪ 71‬ص ‪ .337‬من هذه الطبعة‪.‬‬

‫]‪[92‬‬

‫مأواه )‪ - 68 .(1‬ل‪ :‬عن العسكري‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أسيد‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫يحيى الصوفي‪ ،‬عن أبي غسان‪ ،‬عن مسعود بن سعد‪ ،‬عن يزيد بن ابي‬
‫زياد‪ ،‬عن مجاهد عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫أشد ما يتخوف على أمتي ثلثة‪ :‬زلة عالم‪ ،‬أو جدال منافق بالقرآن‪ ،‬أو دنيا‬
‫تقطع رقابكم‪ ،‬فاتهموها على أنفسكم )‪ 6 (2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ :‬عن‬
‫الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن ابن عيينة‪ .‬عن الزهري قال‪ :‬سمعت علي‬
‫بن الحسين عليه السلم يقول‪ :‬من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه على‬
‫الدنيا حسرات‪ ،‬وال ما الدنيا والخرة إل ككفتي الميزان‪ ،‬فأيهما رجح‬
‫ذهب بالخر‪ ،‬ثم تل قوله عزوجل " إذا وقعت الواقعة " )‪ (3‬يعني القيامة‬
‫" ليس لوقعتها كاذبة * خافضة " خفضت وال بأعداء ال إلى النار "‬
‫رافعة " رفعت وال أولياء ال إلى الجنة‪ .‬ثم أقبل على رجل من جلسائه‬
‫فقال له‪ :‬اتق ال وأجمل في الطلب‪ ،‬ول تطلب ما لم يخلق‪ ،‬فان من طلب ما‬
‫لم يخلق تقطعت نفسه حسرات ولم ينل ما طلب ثم قال‪ :‬وكيف ينال ما لم‬
‫يخلق ؟ فقال الرجل‪ :‬وكيف يطلب ما لم يخلق ؟ فقال‪ :‬من طلب الغنى‬
‫والموال والسعة في الدنيا فانما يطلب ذلك للراحة والراحة لم تخلق في‬
‫الدنيا ول لهل الدنيا‪ ،‬إنما خلقت الراحة في الجنة‪ ،‬ولهل الجنة‪ ،‬والتعب‬
‫والنصب خلقا في الدنيا ولهل الدنيا‪ ،‬وما أعطي أحد منها حفنة )‪ (4‬إل‬
‫أعطي من الحرص مثليها‪ ،‬ومن اصاب من الدنيا أكثر كان فيها اشد فقرا‪،‬‬
‫لنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله‪ ،‬ويفتقر إلى كل آلة من آلت الدنيا‪،‬‬
‫فليبس في غنى الدنيا راحة‪ ،‬ولكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في‬
‫جمع ذلك راحة‪ ،‬وإنما يسوقه إلى التعب في الدنيا‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .53‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .78‬الواقعة‪(4) .3 - 2 :‬‬


‫الحفنة‪ :‬ملء الكف )*(‪.‬‬

‫]‪[93‬‬

‫والحساب عليه في الخرة‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬كل ما تعب أولياء ال في الدنيا‬
‫للدنيا بل تعبوا في الدنيا للخرة‪ .‬ثم قال‪ :‬أل ومن اهتم لرزقه كتب عليه‬
‫خطيئة‪ ،‬كذلك قال المسيح عليه السلم للحواريين‪ ،‬إنما الدنيا قنطرة‬
‫فاعبروها ول تعمروها )‪ - 70 .(1‬مع )‪ (2‬ع )‪ (3‬ل‪ :‬عن القطان‪ ،‬عن‬
‫السكري‪ ،‬عن الجوهري‪ ،‬عن ابن عمارة‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬قال الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬مطلوبات الناس في الدنيا الفانية اربعة‪ :‬الغنى‪ ،‬والدعة‪ ،‬وقلة‬
‫الهتمام‪ ،‬والعز‪ ،‬فأما الغنى فموجود في القناعة فمن طلبه في كثرة المال‬
‫لم يجده‪ ،‬وأما الدعة فموجود في خفة المحمل فمن طلبها في ثقله لم‬
‫يجدها‪ ،‬وأما قلة الهتمام فموجودة في قلة الشغل فمن طلبها مع كثرته لم‬
‫يجدها‪ ،‬وأما العز فموجود في خدمة الخالق فمن طلبه في خدمة المخلوق‬
‫لم يجده )‪ - 71 .(5‬ل‪ :‬عن الفامي‪ ،‬عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن‬
‫ابن هاشم‪ ،‬عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي‪ ،‬عن عبد ال بن الحسين‬
‫بن زيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من سلم من أمتي من‬
‫اربع خصال فله الجنة‪ :‬من الدخول في الدنيا‪ ،‬واتباع الهوى‪ ،‬وشهوة‬
‫البطن‪ ،‬وشهوة الفرج‪ .‬الخبر )‪ .(6‬أقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار في باب‬
‫الحياء )‪ - 72 .(7‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪،‬‬
‫عن ابن أسباط‪ ،‬عن سليم مولى طربال‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .33‬معاني الخبار ص ‪ (3) .230‬علل الشرائع ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .154‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .93‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(6) .106‬‬
‫راجع ج ‪ 71‬ص ‪.(*) 337 - 329‬‬
‫]‪[94‬‬

‫الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك‪ ،‬وما كان منها عليك أتاك ولم تمتنع‬
‫منه بقوة‪ .‬ثم أتبع هذا الكلم بأن قال‪ :‬من يئس مما فات أراح بدنه‪ ،‬ومن‬
‫قنع بما أوتي قرت عينه )‪ .(1‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن محمد بن محمد بن‬
‫طاهر‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن الحسن بن موسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين‬
‫عليهم السلم مثله )‪ - 73 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن اللؤلوئي‪ ،‬عن إسحاق الضحاك‪ ،‬عن منذر الجوان‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال سلمان رحمة ال عليه‪ :‬عجبت لست‪ :‬ثلث‬
‫اضحكتني‪ ،‬وثلث أبكتني فأما الذي أبكتني ففراق الحبة محمد وحزبه‪،‬‬
‫وهول المطلع‪ ،‬والوقوف بين يدي ال عزوجل‪ ،‬وأما الذي اضحكتني‬
‫فطالب الدنيا والموت يطلبه‪ ،‬وغافل ليس بمغفول عنه‪ ،‬وضاحك ملء فيه‬
‫ل يدري أرضى ال أم سخط )‪ - 74 .(3‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن ابن معبد‪ ،‬عن عبد ال بن القاسم‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أول ما عصى ال‬
‫تبارك وتعالى بست خصال‪ :‬حب الدنيا‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬وحب النساء وحب‬
‫الطعام‪ ،‬وحب النوم‪ ،‬وحب الراحة )‪ - 75 .(4‬ل‪ :‬في خبر أبي ذر‪ :‬عجبت‬
‫لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها لم يطئمن إليها )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 124‬وقد مر في ج ‪ 72‬ص ‪ ،327‬حديث بهذا السند والمتن‬


‫وكان رمز المصدر ن‪ ،‬وقلنا في الذيل أنا لم نجده في العيون‪ ،‬فالظاهر أن‬
‫الصحيح من رمز المصدر ل فليصحح‪ (2) .‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (3) .229‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .158‬تراه في الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.106‬‬
‫)‪ (5‬الخصال ج ص‬

‫]‪[95‬‬

‫‪ - 76‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن الحسين بن علي عليهم‬
‫السلم أنه قال‪ :‬وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن فيه مكتوب‪ ،‬أنا ال‬
‫ل إله إل أنا ومحمد نبيي‪ ،‬عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ وعجبت‬
‫لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟ وعجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها‪،‬‬
‫وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يذنب )‪ - 77 .(1‬ن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن ابن هاشم‪ ،‬عن ابن المغيرة قال‪ :‬سمعت الرضا عليه السلم يقول‪ :‬إنك‬
‫في دار لها مدة * يقبل فيها عمل العامل ال ترى الموت محيطا بها * يكذب‬
‫فيها أمل المل تعجل الذنب لما تشتهي * وتأمل التوبة في قابل والموت‬
‫يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العامل )‪ - 78 (2‬ن‪ :‬البيهقي‪ ،‬عن‬
‫الصولي‪ ،‬عن محمد بن يحيى بن ابي عباد‪ ،‬عن عمه قال‪ :‬سمعت الرضا‬
‫عليه السلم يوما ينشد شعرا‪ :‬كلنا نأمل مدا في الجل * والمنايا هن آفات‬
‫المل ل يغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل إنما الدنيا كظل‬
‫زائل * حل فيه راكب ثم رحل )‪ - 79 (3‬جا )‪ (4‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن عمر بن‬
‫محمد المعروف بابن الزيات‪ ،‬عن ابن مهرويه‪ ،‬عن داود بن سليمان‪ ،‬عن‬
‫الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬لو‬
‫رأى العبد أجله وسرعته إليه‪ ،‬أبغض المل‪ ،‬وترك طلب الدنيا )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .44‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .176‬عيون‬
‫الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .177‬مجالس المفيد‪ (5) .190 :‬أمالى الطوسى ج‬
‫‪ 1‬ص ‪.(*) 76‬‬

‫]‪[96‬‬

‫‪ - 80‬جا )‪ (1‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن الجعابي‪ ،‬عن محمد بن الوليد‪ ،‬عن عنبر ابن‬
‫محمد‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن سلمة‪ ،‬عن أبي الطفيل قال‪ :‬سمعت أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬إن أخوف ما أخاف عليكم طول المل واتباع الهوى‪،‬‬
‫فأما طول المل فينسى الخرة‪ ،‬وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق‪ ،‬ال وإن‬
‫الدنيا قد تولت مدبرة والخرة قد أقبلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهما بنون‪،‬‬
‫فكونوا من أبناء الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فان اليوم عمل ول‬
‫حساب‪ ،‬والخرة حساب ول عمل )‪ .(2‬أقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار في‬
‫باب الزهد )‪ .(3‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن عمر بن محمد الصيرفي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مخلد‪ ،‬عن محمد بن الوليد‪ ،‬عن حيدر بن محمد‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن سلمة بن‬
‫كهيل‪ ،‬عن ابي الطفيل قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم في خطبة له‬
‫وذكر مثله )‪ - 81 .(4‬ما‪ :‬قال‪ :‬أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أيها الناس‬
‫أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا وأموالكم نهب للمصائب‪ ،‬ما طعمتم في‬
‫الدنيا من طعام فلكم فيه غصص‪ ،‬وما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق‬
‫واشهد بال ما تنالون في الدنيا نعمة تفرحون بها إل بفراق أخرى‬
‫تكرهونها‪ ،‬ايها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء ل للفناء‪ ،‬ولكنكم من دار‬
‫تنقلون‪ ،‬فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه والسلم )‪- 82 .(5‬‬
‫ف‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إني أحذركم الدنيا‪ ،‬فانها حلوة خضرة‬
‫حفت بالشهوات‪ ،‬وتحببت بالعاجلة‪ ،‬وعمرت بالمال‪ ،‬وتزينت بالغرور‪ ،‬ل‬
‫تدوم حبرتها‪ ،‬ول تؤمن فجعتها‪ ،‬غرارة ضرارة‪ ،‬زائلة نافدة‪ ،‬أكالة غوالة‪،‬‬
‫ل تعدو إذا‬
‫)‪ (1‬مجالس المفيد‪ (2) .212 :‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .117‬راجع ج ‪ 70‬ص‬
‫‪ (4) .322 - 309‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ 236‬وفيه غندر بن محمد‪) .‬‬
‫‪ (5‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 320‬‬

‫]‪[97‬‬

‫هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضى بها أن تكون كما قال ال سبحانه "‬
‫كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فاصبح هشيما تذروه‬
‫الرياح وكان ال على كل شئ مقتدرا " )‪ .(1‬مع أن امرء لم يكن منها في‬
‫حبرة إل أعقبته عبرة‪ ،‬ولم يلق من سرائها بطنا إل منحته من ضرائها‬
‫ظهرا‪ ،‬ولم تظله فيها ديمة رخاء إل هتنت عليه مزنة بلء‪ ،‬إذا هي‬
‫اصبحت منتصرة ]لم تأمن[ أن تمسي له متنكرة‪ ،‬وإن جانب منها اعذوذب‬
‫ل مرئ واحلول امر عليه جانب منها فأوبى )‪ (2‬وما امسى امرؤ منها في‬
‫جناح أمن إل اصبح في أخوف خوف‪ ،‬غرارة غرور ما فيها‪ ،‬فانية فان من‬
‫عليها‪ ،‬ل خير في شئ من زادها إل التقوى‪ ،‬من أقل منها استكثر مما‬
‫يؤمنه ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه‪ .‬كم من واثق بها قد‬
‫فجعته‪ ،‬وذي طمأنينة إليها قد صرعته‪ ،‬وذي حذر قد خدعته‪ ،‬وكم ذي أبهة‬
‫فيها قد صيرته حقيرا‪ ،‬وذي نخوة قد ردته خائفا فقيرا‪ ،‬وكم ذي تاج قد‬
‫أكبته لليدين والفم‪ ،‬سلطانها ذل‪ ،‬وعيشها رنق‪ ،‬وعذبها أجاج وحلوها‬
‫صبر‪ ،‬حيها بعرض موت‪ ،‬وصحيحها بعرض سقم‪ ،‬ومنيعها بعرض‬
‫اهتضام وملكها مسلوب‪ ،‬وعزيزها مغلوب‪ ،‬وأمنها منكوب‪ ،‬وجارها‬
‫محروب‪ ،‬ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته‪ ،‬وهول المطلع‪،‬‬
‫والوقوف بين يدي الحاكم العدل ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي‬
‫الذين أحسنوا بالحسنى‪ .‬الستم في مساكن من كان اطول منكم أعمارا‪،‬‬
‫وأبين آثارا‪ ،‬وأعد منكم عديدا‪ ،‬وأكثف منكم جنودا‪ ،‬واشد منكم عنودا‬
‫تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها اي إيثار‪ ،‬ثم ظعنوا عنها بالصغار أبهذه‬
‫تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ يقول ال‪ " :‬من‬
‫كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل‬
‫يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) .45 :‬هتنت‪ :‬صبت‪ ،‬وأوبى‪ :‬صار ذا وباء‪ ،‬وسيأتي شرح مشكلتها‬
‫وغريبها عند نقلها من النهج )*(‪.‬‬

‫]‪[98‬‬
‫فيها وباطل ما كانوا يعملون " )‪ (1‬فبئست الدار لمن لم يتهيئها‪ ،‬ولم يكن فيها على‬
‫وجل‪ .‬واعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها‪ ،‬ل بد وإنما هي كما نعت ال "‬
‫لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " )‪ .(2‬فاتعظوا‬
‫فيها بالذين كانوا ]يبنون[ بكل ريع آية يعبثون‪ ،‬ويتخذون مصانع لعلهم‬
‫يخلدون‪ ،‬وبالذين قالوا من أشد منا قوة‪ ،‬واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم‬
‫كيف حملوا إلى قبورهم‪ ،‬ول يدعون ركبانا‪ ،‬وأنزلوا ول يدعون ضيفانا‬
‫وجعل لهم من الضريح أكنانا‪ ،‬ومن التراب أكفانا‪ ،‬ومن الرفات جيرانا فهم‬
‫جيرة ل يجيبون داعيا ول يمنعون ضيما‪ ،‬ل يزورون ول يزارون حلماء قد‬
‫بادت اضغانهم جهلء قد ذهبت أحقادهم‪ ،‬ل تخشى فجعتهم‪ ،‬ول يرجى‬
‫دفعهم‪ ،‬وهم كمن لم يكن وكما قال ال سبحانه " فتلك مساكنهم لم تسكن‬
‫من بعدهم إل قليل وكنا نحن الوارثين " )‪ .(3‬استبدلوا بظهر الرض بطنا‪،‬‬
‫وبالسعة ضيقا‪ ،‬وبالهل غربة‪ ،‬وبالنور ظلمه جاؤها كما فارقوها‪ ،‬حفاة‬
‫عراة‪ ،‬قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة‪ ،‬وإلى خلود أبد‪ ،‬يقول‬
‫ال تبارك وتعالى " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " )‬
‫‪ 82 .(4‬ما‪ :‬الفحام‪ ،‬عن المنصوري‪ ،‬عن عم أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن الثالث‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬من صفت له دنياه‬
‫فاتهمه في دينه )‪ - 83 .(5‬ما‪ :‬الفحام‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫محمد بن المثنى‪ ،‬عن أبيه‬

‫)‪ (1‬هود‪ (2) .15 :‬الحديد‪ (3) .20 :‬القصص‪ (4) .58 :‬تحف العقول‪ 180 :‬في ط‬
‫و ‪ 176‬في ط السلمية‪ (5) .‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.286‬‬

‫]‪[99‬‬

‫عن عثمان بن زيد‪ ،‬عن جابر الجعفي‪ ،‬عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬يا جابر أنزل‬
‫الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول عنه‪ ،‬وهل الدنيا إل دابة ركبتها في‬
‫منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب‪ ،‬ول أحد يعبأ بها‪ ،‬أو كثوب‬
‫لبسته أو كجارية وطئتها‪ .‬يا جابر ! الدنيا عند ذوي اللباب كفئ الظلل )‬
‫‪ - 84 .(1‬ما‪ :‬عن ابن الصلت‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن القاسم بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫عباد بن أحمد القزويني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن موسى الجهني‪،‬‬
‫عن زيد بن وهب‪ ،‬عن عقبة بن عامر الجهني‪ ،‬قال‪ :‬سمعت سلمان‬
‫الفارسي وقد أكره على طعام فقال‪ :‬حسبي‪ ،‬إني سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله يقول‪ :‬إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في‬
‫الخرة‪ ،‬يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن‪ ،‬وجنة الكافر )‪ - 85 .(2‬ما‪:‬‬
‫عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كن في‬
‫الدنيا كأنك غريب أو كأنك عابر سبيل‪ ،‬وعد نفسك في اصحاب القبور‪ .‬قال‬
‫مجاهد‪ :‬وقال لعبدال بن عمر‪ :‬وأنت يا عبد ال إذا أمسيت فل تحدث نفسك‬
‫أن تصبح‪ ،‬وإذا اصبحت فل تحدث نفسك أن تمسي‪ ،‬وخذ من حياتك لموتك‬
‫ومن صحتك لسقمك‪ ،‬فانك ل تدري ما اسمك غدا )‪ - 86 .(3‬ما‪ :‬عن‬
‫الغضائري‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن الحسن بن علي ابن‬
‫إبراهيم العلوي‪ ،‬عن الوشا‪ ،‬عن ثعلبة‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬إنما الدنيا فناء وعناء وعبر وغير‪،‬‬
‫فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه مفوق نبله‪ ،‬يرمي الصحيح بالسقم‪،‬‬
‫والحي بالموت‪ ،‬ومن عنائها أن المرء يجمع ما ل يأكل‪ ،‬ويبني ما ل‬
‫يسكن‪ ،‬ومن عبرها أنك ترى المغبوط مرحوما والمرحوم مغبوطا‪ ،‬ليس‬
‫منها إل نعيم زال‪ ،‬وبؤس نزل )‪ (4‬ومن غيرها أن المرء يشرف على أمله‬
‫فيختطفه من دونه أجله‪.‬‬

‫)‪ (1‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .302‬امالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .356‬أمالي‬
‫الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .391‬في المصدر‪ :‬نعيم زائل وبؤس نازل‪.‬‬

‫]‪[100‬‬

‫قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬وقال أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ :‬كم من‬
‫مستدرج بالحسان إليه‪ ،‬مغرور بالستر عليه‪ ،‬مفتون بحسن القول فيه‪،‬‬
‫وما أبلى ال عبدا بمثل الملء له )‪ .(1‬ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن ابي المفضل‪،‬‬
‫عن عبد ال بن ابي داود‪ ،‬عن إبراهيم بن الحسن المقسمي‪ ،‬عن بشر بن‬
‫زاذان‪ ،‬عن عمر بن صبيح‪ ،‬عن الصادق عليه السلم مثله بتغيير ما وقد‬
‫اثبتناهما في باب المواعظ )‪ - 87 .(2‬ف‪ :‬قال جابر بن عبد ال النصاري‪:‬‬
‫كنا مع أمير المؤمنين عليه السلم بالبصرة فلما فرغ من قتال من قتله‪،‬‬
‫أشرف علينا من آخر الليل‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنتم فيه ؟ فقلنا‪ :‬في ذم الدنيا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫علم تذم الدنيا يا جابر ؟ ثم حمد ال وأثنى عليه‪ ،‬وقال‪ :‬أما بعد فما بال‬
‫أقوام يذمون الدنيا ؟ انتحلوا الزهد فيها ؟ الدنيا منزل صدق لمن صدقها‪،‬‬
‫ومسكن عافية لمن فهم عنها‪ ،‬ودار غنى لمن تزود منها‪ ،‬فيها ]مسجد[‬
‫أنبياء ال ومهبط وحيه‪ ،‬ومصلى ملئكته‪ ،‬ومسكن أحبائه‪ ،‬ومتجر أوليائه‪،‬‬
‫اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة‪ .‬فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد‬
‫آذنت ببينها‪ ،‬ونادت بانقطاعها‪ ،‬ونعت نفسها بالزوال‪ ،‬ومثلت ببلئها‬
‫البلء‪ ،‬وشوقت بسرورها إلى السرور‪ ،‬راحت بفجيعة وابتكرت بنعمة‬
‫وعافية‪ ،‬ترهيبا وترغيبا‪ ،‬يذمها قوم عند الندامة‪ ،‬ويحمدها آخرون عند‬
‫السلمة‪ ،‬خدمتهم جميعا فصدقتهم‪ ،‬وذكرتهم فذكروا‪ ،‬ووعظتهم فاتعظوا‬
‫وخوفتهم فخافوا‪ ،‬وشوقتهم فاشتاقوا‪ .‬فأيها الذام للدنيا‪ ،‬المغتر بغرورها‪،‬‬
‫متى استذمت إليك ؟ بل متى غرتك بنفسها ؟ أبمصارع آبائك من البلى‪ ،‬أم‬
‫بمضاجع أمهاتك من الثرى‪ ،‬كم مرضت بيديك وعللت بكفيك ؟ تستوصف‬
‫لهم الدواء‪ ،‬وتطلب لهم الطباء‪ ،‬لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه‬
‫بحاجتك‪.‬‬

‫)‪ (1‬امالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .58‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ .107‬راجع كتاب‬
‫الروضة الباب ‪ 15‬باب مواعظ أمير المؤمنين وحكمه عليه السلم ص‬
‫‪.(*) 404‬‬

‫]‪[101‬‬

‫بل مثلت الدنيا به نفسك‪ ،‬وبحاله حالك‪ ،‬غداة ل ينفعك أحباؤك‪ ،‬ول يغني عنك‬
‫نداؤك‪ ،‬حين يشتد من الموت أعالين المرض )‪ (1‬وأليم لوعات المضض‪،‬‬
‫حين ل ينفع الليل‪ ،‬ول يدفع العويل‪ ،‬يحفز بها الحيزوم‪ ،‬ويعض بها‬
‫الحلقوم‪ ،‬ل يسمعه النداء‪ ،‬ول يروعه الدعاء‪ ،‬فيا طول الحزن‪ ،‬عند انقطاع‬
‫الجل‪ .‬ثم يراح به على شرجع تقله أكف اربع‪ ،‬فيضجع في قبره‪ ،‬في محل‬
‫لبث وضيق جدث‪ ،‬فذهبت الجدة‪ ،‬وانقطعت المدة‪ ،‬ورفضته العطفة‪،‬‬
‫وقطعته اللطفة ل يقاربه الخلء‪ ،‬ول يلم به الزوار‪ ،‬ول اتسقت به الدار‪،‬‬
‫انقطع دونه الثر واستعجم دونه الخبر‪ ،‬وبكرت ورثته‪ ،‬فقسمت تركته‪،‬‬
‫ولحقه الحوب‪ ،‬وأحاطت به الذنوب‪ ،‬فان يكن قدم خيرا طاب مكسبه‪ ،‬وإن‬
‫يكن قدم شرا تب منقلبه‪ ،‬وكيف ينفع نفسا قرارها‪ ،‬والموت قصارها‪،‬‬
‫والقبر مزارها‪ ،‬فكفى بهذا واعظا‪ ،‬كفى يا جابر امض معي‪ .‬فمضيت معه‬
‫حتى أتينا القبور‪ ،‬فقال‪ :‬يا أهل التربة ويا أهل الغربة ! أما المنازل فقد‬
‫سكنت‪ ،‬وأما المواريث فقد قسمت‪ ،‬وأما الزواج فقد نكحن‪ ،‬هذا خبر ما‬
‫عندنا فما خبر ما عندكم ؟‪ .‬ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال‪ :‬والذي‬
‫أقل السماء فعلت‪ ،‬وسطح الرض فدحت‪ ،‬لو أذن للقوم في الكلم لقالوا‪ :‬إنا‬
‫وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال‪ :‬يا جابر إذا شئت فارجع )‪ - 88 .(2‬ع‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن صالح بن‬

‫)‪ (1‬كذا في نسخة الكمباني وهكذا المصدر ولعله مصحف " أعاليل " قيل‪ :‬هي‬
‫جمع أعلل‪ ،‬جمع علل‪ ،‬جمع علة‪ :‬لما يتعلل به من مرض وغيره‪ .‬أو هي‬
‫جمع أعلولة أو هي جمع ل واحد له من لفظه‪ ،‬والمضض‪ :‬بلوغ الحزن‬
‫إلى القلب بحيث يحرقه واللوعة‪ :‬المرة اي حرقة الحزن والهوى‪.‬‬
‫والليل‪ :‬النين من شدة المرض‪ ،‬أو هو بمعنى الجؤار والتضرع في‬
‫الدعاء والستغاثة والضجة‪ (2) .‬تحف العقول‪ 183 :‬ط السلمية )*(‪.‬‬
‫]‪[102‬‬

‫سعيد‪ ،‬عن اخيه سهل الحلواني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬بينا عيسى في‬
‫سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطرق والدور‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬إن‬
‫هؤلء ماتوا بسخطة ولو ماتوا بغيرها تدافنوا‪ ،‬قال فقال أصحابه‪ :‬وددنا أنا‬
‫عرفنا قصتهم فقيل له نادهم يا روح ال قال‪ :‬فقال‪ :‬يا أهل القرية ! فأجابه‬
‫مجيب منهم‪ :‬لبيك يا روح ال قال ما حالكم وما قصتكم ؟ قال‪ :‬اصبحنا في‬
‫عافية وبتنافي الهاوية‪ ،‬قال فقال‪ :‬ما الهاوية ؟ قال بحار من نار‪ ،‬فيها‬
‫جبال من نار‪ ،‬قال‪ :‬وما بلغ بكم ما أرى ؟ قال‪ :‬حب الدنيا وعبادة الطاغوت‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما بلغ من حبكم الدنيا ؟ قال‪ :‬كحب الصبي لمه إذا أقبلت فرح وإذا‬
‫ادبرت حزن‪ ،‬قال‪ :‬وما بلغ من عبادتكم الطاغوت ؟ قال‪ :‬كانوا إذا أمروا‬
‫أطعناهم قال‪ :‬فكيف أجبتني أنت من بينهم ؟ قال‪ :‬لنهم ملجمون بلجم من‬
‫نار‪ ،‬عليهم ملئكة غلظ شداد‪ ،‬وإني كنت فيهم ولم أكن منهم‪ ،‬فلما اصابهم‬
‫العذاب‪ ،‬أصابني معهم‪ ،‬فأنا معلق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال عيسى عليه السلم‪ :‬النوم على المزابل وأكل خبز الشعير كثير مع‬
‫سلمة الدين )‪ .(1‬ثو )‪ (2‬مع‪ :‬عن ابيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن ابن يزيد‬
‫مثله )‪ - 89 .(3‬مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي عليه السلم في‬
‫قول ال عزوجل‪ " :‬وكان تحته كنز لهما " )‪ (4‬قال‪ :‬كان ذلك الكنز لوحا‬
‫من ذهب فيه مكتوب‪ " :‬بسم ال الرحمن الرحيم ل إله إل ال محمد رسول‬
‫ال‪ ،‬عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح ؟ عجبت لمن يؤمن بالقدر‬
‫كيف يحزن ؟ عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك ؟ عجبت لمن يرى الدنيا‬
‫وتصرف أهلها حال بعد حال كيف‬

‫)‪ (1‬علل الشرايع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .152‬ثواب العمال‪ (3) .227 :‬معاني الخبار‪:‬‬
‫‪ (4) .341‬الكهف‪.(*) 81 :‬‬

‫]‪[103‬‬

‫يطمئن إليها ؟ )‪ - 90 .(1‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن النضر عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أخبرني جبرئيل عليه السلم أن‬
‫ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام‪ ،‬ما يجدها عاق ول قاطع رحم‪ ،‬ول‬
‫شيخ زان‪ ،‬ول جار إزاره خيلء‪ ،‬ول فنان )‪ (2‬ول منان ول جعظري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فما الجعظري ؟ قال‪ :‬الذي ل يشبع من الدنيا‪ .‬وفي حديث آخر‪ :‬ول‬
‫حيوف وهو النباش‪ ،‬ول زنوف‪ ،‬وهو المخنث ول جواض ول جعظري‪،‬‬
‫وهو الذي ل يشبع من الدنيا )‪ - 91 .(3‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حفص قال‪ :‬سمعت موسى بن جعفر عليه‬
‫السلم عند قبر وهو يقول‪ :‬إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله‪،‬‬
‫وان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره )‪ - 92 .(4‬لى‪ :‬في خبر المناهي‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أل ومن عرضت له دنيا وآخرة فاختار‬
‫الدنيا على الخرة‪ ،‬لقى ال يوم القيامة‪ ،‬وليست له حسنة يتقي بها النار ؟‬
‫ومن اختار الخرة على الدنيا رضي ال عنه وغفر له مساوي عمله )‪.(5‬‬
‫‪ 93‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن عبد‬
‫العزيز العبدي‪ ،‬عن ابن أبي يعفور قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلث خصال‪ :‬هم ل يفنى‪ ،‬وأمل ل‬
‫يدرك‪ ،‬ورجاء ل ينال )‪ - 94 .(6‬ب‪ :‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن علوان‪ ،‬عن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .200 :‬أي ذو فنون من الخدع وفي المصدر‪ :‬فتان‪ ،‬وقرئ‬
‫قتات‪ (3) .‬معاني الخبار‪ (4) .330 .‬معاني الخبار‪ (5) .343 :‬أمالي‬
‫الصدوق‪ (6) .257 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 44‬‬

‫]‪[104‬‬

‫قال علي عليه السلم‪ :‬ما ملئ بيت قط خيره إل أوشك أن يمل غيره‪ ،‬ول ملئ بيت‬
‫قط غيره إل يوشك أن يمل خيره )‪ - 95 .(1‬ل‪ :‬الربعمائة قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬من عبد الدنيا وآثرها على الخرة‪ ،‬استوخم‬
‫العاقبة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أنا يعسوب المؤمنين‪ ،‬والمال يعسوب الظلمة‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ما بال من خالفكم أشد بصيرة في ضللتهم‪ ،‬وابذل لما‬
‫في أيديهم منكم ؟ ما ذاك إل أنكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم‪،‬‬
‫وشححتم على الحطام وفرطتم فيها فيه عزكم وسعادتكم‪ ،‬وقوتكم على من‬
‫بغى عليكم‪ ،‬ل من ربكم تستحيون فيما أمركم‪ ،‬ول لنفسكم تنظرون‪ ،‬وأنتم‬
‫في كل يوم تضامون‪ ،‬ول تنتبهون من رقدتكم‪ ،‬ول ينقضي فتوركم )‪.(2‬‬
‫‪ - 96‬ثو‪ :‬عن ابيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن سنان وعبد العزيز معا‪ ،‬عن ابن أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من اصبح وأمسى‬
‫والخرة أكبر همه‪ ،‬جعل ال الغنا في قلبه‪ ،‬وجمع له أمره‪ ،‬ولم يخرج من‬
‫الدنيا حتى يستكمل رزقه‪ ،‬ومن اصبح وامسي والدنيا أكبر همه جعل ال‬
‫الفقر بين عينيه‪ ،‬وشتت عليه أمره‪ ،‬ولم ينل من الدنيا إل ما قسم له )‪.(3‬‬
‫‪ - 97‬ص‪ :‬بالسناد إلى الصدوق‪ .‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫ابي الخطاب‪ ،‬عن ابن أسباط‪ ،‬عن خلف بن حماد‪ ،‬عن قتيبة العشى قال‪:‬‬
‫قال ابو جعفر عليه السلم‪ :‬إن فيما ناجى ال به موسى عليه السلم أن‬
‫قال‪ :‬إن الدنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله‪ ،‬ول نقمة الفاجر بقدر ذنبه‪ ،‬هي‬
‫دار الظالمين‪ ،‬إل العامل فيها بالخير‪ ،‬فانها له نعمت الدار‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ 57‬في ط وص ‪ 76‬في ط‪ (2) .‬راجع الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.155‬‬
‫)‪ (3‬ثواب العمال‪.(*) 153 :‬‬

‫]‪[105‬‬

‫‪ - 98‬ص‪ :‬عن الصدوق‪ ،‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن ابن ابي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان فيما‬
‫ناجى ال تعالى به موسى‪ :‬ل تركن إلى الدنيا ركون الظالمين‪ ،‬وركون من‬
‫اتخذها أما وابا‪ ،‬يا موسى لو وكلتك إلى نفسك تنظرها لغلب عليك حب‬
‫الدنيا وزهرتها يا موسى ! نافس في الخير أهله‪ ،‬واسبقهم إليه فان الخير‬
‫كاسمه‪ ،‬واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه‪ ،‬ول تنظر عيناك إلى كل مفتون‬
‫فيها‪ ،‬موكول إلى نفسه‪ .‬واعلم أن كل فتنة بذرها حب الدنيا ول تغبطن أحدا‬
‫برضا الناس عنه حتى تعلم أن ال عزوجل عنه راض‪ ،‬ول تغبطن أحدا‬
‫بطاعة الناس له واتباعهم إياه على غير الحق‪ ،‬فهو هلك له ولمن اتبعه‪.‬‬
‫‪ - 99‬سن‪ :‬عن أبيه رفعه قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬المسجون من‬
‫سجنته دنياه عن آخرته )‪ - 100 .(1‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫الدنيا بمنزلة صورة راسها الكبر‪ ،‬وعينها الحرص‪ ،‬واذنها الطمع‪،‬‬
‫ولسانها الريا‪ ،‬ويدها الشهوة‪ ،‬ورجلها العجب وقلبها الغفلة‪ ،‬وكونها الفنا‪،‬‬
‫وحاصلها الزوال‪ ،‬فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته‬
‫الحرص‪ ،‬ومن طلبها أوردته إلى الطمع‪ ،‬ومن مدحها أكبته الرياء‪ ،‬ومن‬
‫ارادها مكنته من العجب‪ ،‬ومن اطمأن إليها ركبته الغفلة ومن أعجبه‬
‫متاعها فتنته فيما يبقى‪ ،‬ومن جمعها وبخل بها ردته إلى مستقرها وهي‬
‫النار )‪ - 101 .(2‬شا‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أما بعد فانما مثل‬
‫الدنيا مثل الحية لين مسها‪ ،‬شديد نهشها‪ ،‬فأعرض عما يعجبك منها لقلة‬
‫ما يصحبك منها‪ ،‬وكن اسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها‪ ،‬فان صاحبها‬
‫كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه والسلم )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .299‬مصباح الشريعة ص ‪ (3) .23‬ارشاد المفيد ص ‪112‬‬


‫)*(‪.‬‬

‫]‪[106‬‬
‫‪ - 102‬شا‪ :‬روى العلماء بالخبار ونقلة السير والثار أن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم‪ ،‬بصوت يسمعه‬
‫كافة من في المسجد )‪ (1‬ومن جاوره من الناس‪ .‬تزودوا رحمكم ال ! فقد‬
‫نودي فيكم بالرحيل‪ ،‬واقلوا العرجة على الدنيا وانقلبوا بصالح ما يحضركم‬
‫)‪ (2‬من الزاد‪ ،‬فان أمامكم عقبة كؤدا‪ ،‬ومنازل مهولة ل بد من الممر بها‪،‬‬
‫والوقوف عليها‪ ،‬إما برحمة من ال نجوتم من فضاعتها وإما هلكة ليس‬
‫بعدها انجبار‪ ،‬يا لها حسرة على ذي غفلة‪ ،‬أن يكون عمره عليه حجة‪،‬‬
‫وتؤديه أيامه إلى شقوة‪ ،‬جعلنا ال وإياكم ممن ل تبطره نعمة‪ ،‬ول تحل به‬
‫بعد الموت نقمة‪ ،‬فانما نحن به وله‪ ،‬وبيده الخير‪ ،‬وهو علي كل شئ قدير )‬
‫‪ - 103 .(3‬شا‪ :‬أيها الناس ! اصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا‪،‬‬
‫وأموالكم نهب للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص‪،‬‬
‫وما شربتم من شراب فلكم فيه شرق‪ ،‬وأشهد بال ما تنالون من الدنيا‬
‫نعمة تفرحون بها إل بفراق أخرى تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا وإياكم‬
‫للبقاء ل للفنا‪ ،‬لكن من دار إلى دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه‪،‬‬
‫وخالدون فيه‪ ،‬والسلم )‪ - 104 .(4‬سر‪ :‬عن أبان بن تغلب‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عبد ال بن زرارة‪ ،‬عن ابن ابي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫يعفور قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إنا لنحب الدنيا‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫تصنع بها ماذا ؟ قلت‪ :‬أتزوج منها وأحج وانفق على عيالي وانيل اخواني‬
‫وأتصدق‪ .‬قال لي‪ :‬ليس هذا من الدنيا هذا من الخرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر " كافة أهل المسجد "‪ (2) .‬في المصدر‪ " :‬بحضرتكم " وهو‬
‫مطابق لنسخة النهج‪ ،‬راجع قسم الخطب الرقم ‪ 45‬و ‪ (3) .202‬ارشاد‬
‫المفيد‪ (4) .113 :‬ارشاد المفيد‪.(*) 114 :‬‬

‫]‪[107‬‬

‫‪ - 105‬سر‪ :‬عن كتاب أبان بن تغلب‪ ،‬عن ابن أسباط وابن ابي نجران والوشاء‪،‬‬
‫عن محمد بن حمران‪ ،‬عن أبي عبد ال أو عن زرارة‪ ،‬عن ابي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليه السلم‪،‬‬
‫وذلك لما اعطي في الدنيا‪ - 106 .‬شى‪ :‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم في قوله‪ " :‬ولنعم دار المتقين " قال‪ :‬الدنيا )‪ - 107 .(1‬جا‪:‬‬
‫عن الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن ابن ابي‬
‫عمير‪ ،‬عن جميل بن دراج‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم‪ :‬أنه قال يوما لصحابه‪ :‬إخواني ! أوصيكم بدار الخرة‪ ،‬ول‬
‫أوصيكم بدار الدنيا فانكم عليها حريصون‪ ،‬وبها متمسكون‪ ،‬أما بلغكم ما‬
‫قال عيسى بن مريم عليه السلم للحواريين ؟ قال لهم‪ :‬الدنيا قنطرة‬
‫فاعبروها ول تعمروها‪ ،‬وقال‪ :‬ايكم يبنى على موج البحر دارا‪ ،‬تلكم الدار‬
‫الدنيا‪ ،‬فل تتخذوها قرارا )‪ - 108 .(2‬جا‪ :‬عن المرزباني‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد المكي‪ ،‬عن ابي العينا‪ ،‬عن محمد بن الحكم‪ ،‬عن لوط بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫الحارث بن كعب‪ ،‬عن مجاهد قال‪ :‬قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب‬
‫عليه السلم‪ :‬ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان قبلكم‪ ،‬ول‬
‫تبقى لحد من بعدكم‪ ،‬سبيلكم فيها سبيل الماضين‪ .‬قد تصرمت وآذنت‬
‫بقضاء‪ ،‬وتنكر معروفها‪ ،‬فهي تخبر أهلها بالفناء وسكانها بالموت‪ ،‬وقد‬
‫أمر منها ماكان حلوا‪ ،‬وكدر منها ماكان صفوا‪ ،،‬فلم تبق منها إل سملة )‬
‫‪ (3‬كسملة الداوة‪ ،‬أو جرعة كجرعة الناء )‪(4‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ ،258‬والية في سورة النحل‪ (2) .30 :‬مجالس‬
‫المفيد‪ (3) .34 :‬السملة ‪ -‬بالضم والتحريك ‪ -‬ما بقى في الناء من الماء‬
‫القليل بعد استخراجه والداوة‪ :‬المطهرة‪ ،‬واناء صغير من جلد يشرب‬
‫منه‪ (4) .‬في النهج‪ :‬وجرعة كجرعة المقلة‪ ،‬والمقلة الحصاة كانوا إذا‬
‫أعوزهم الماء في السفار يضعونها في الناء ثم يصبون عليها الماء إلى‬
‫أن يغمرها‪ ،‬يقدرون بذلك ويقتسمون الماء بينهم ليشربوا من أولهم إلى‬
‫آخرهم )*(‪.‬‬

‫]‪[108‬‬

‫لو تمززها العطشان )‪ (1‬لم ينقع بها‪ .‬فآذنوا بالرحيل من هذه الدار المقدر على‬
‫أهلها الزوال‪ ،‬الممنوع أهلها من الحياة‪ ،‬المذللة فيها أنفسهم بالموت‪ ،‬فل‬
‫حي يطمع في البقاء‪ ،‬ول نفس إل مذعنة بالمنون‪ ،‬فل يعللكم المل‪ ،‬ول‬
‫يطول عليكم المد‪ ،‬ول تغتروا منها بالمال ولو حننتم حنين الوله العجال )‬
‫‪ (2‬ودعوتم مثل حنين الحمام )‪ (3‬وجأرتم جأر متبتلي الرهبان )‪(4‬‬
‫وخرجتم إلى ال تعالى من الموال والولد‪ ،‬التماس القربة إليه في ارتفاع‬
‫الدرجة عنده‪ ،‬أو غفران سيئة أحصتها كتبته‪ ،‬وحفظتها ملئكته‪ ،‬لكان قليل‬
‫فيما أرجو لكم من ثوابه‪ ،‬وأتخوف عليكم من عقابه‪ ،‬جعلنا وإياكم من‬
‫التائبين العابدين )‪ - 109 .(5‬من كتاب عيون الحكم والمواعظ‪ :‬لعلي بن‬
‫محمد الواسطي كتبناه من اصل قديم عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪:‬‬
‫احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة‪ ،‬التي قد تزينت بحليها‪ ،‬وفتنت‬
‫بغرورها‪ ،‬وغرت بآمالها‪ ،‬وتشوفت لخطابها )‪ (6‬فاصبحت كالعروس‬
‫المجلوة‪ ،‬والعيون إليها ناظرة‪ ،‬والنفوس بها مشغوفة‪ ،‬والقلوب إليها‬
‫تائقة‪ ،‬وهي لزواجها كلهم قاتلة‪ ،‬فل الباقي بالماضي معتبر‪ ،‬ول الخر‬
‫بسوء أثرها‬
‫)‪ (1‬التمزز‪ :‬تمصص الشراب قليل قليل كأنه يتذوقه ول يريد أن يشربه والنقع‬
‫سكون العطش والرى من الماء‪ (2) .‬الوله جمع الوالهة‪ ،‬يطلق على‬
‫الناقة إذا اشتد وجدها على ولدها‪ ،‬والعجال جمع عجلى‪ :‬الناقة السريعة‬
‫كأنها تسرع حيارى لتفقد ولدها ول تجده‪ (3) .‬الحمام‪ :‬طائر معروف‪،‬‬
‫والحنين‪ :‬النين‪ ،‬وفي نسخة نهج " دعوتم بهديل الحمام " والهديل‬
‫صوت الحمام في بكائه لفقد الفه‪ (4) .‬الجؤار والجأر‪ :‬التضرع‬
‫والستغاثة بصوت عال كما يفعله الرهبان المتبتلون المنقطعون للعبادة‬
‫المتضرعون إليه‪ (5) .‬مجالس المفيد‪ (6) .103 :‬أي تزينت وتطاولت‬
‫وتعرضت )*(‪.‬‬

‫]‪[109‬‬

‫على الول مزدجر‪ ،‬ول اللبيب فيها بالتجارب منتفع‪ .‬أبت القلوب لها إل حبا‪،‬‬
‫والنفوس إل صبا )‪ (1‬والناس لها طالبان طالب ظفر بها فاغتر فيها‪،‬‬
‫ونسي التزود منها للظعن‪ ،‬فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده وزلت عنها‬
‫قدمه‪ ،‬وجائته اسر ما كان بها منيته‪ ،‬فعظمت ندامته‪ ،‬وكثرت حسرته‬
‫وجلت مصيبته‪ ،‬فاجتمعت عليه سكرات الموت‪ ،‬فغير موصوف ما نزل به‪.‬‬
‫وآخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته‪ ،‬ففارقها بغرته وأسفه‪ ،‬ولم يدرك‬
‫ما طلب منها‪ ،‬ولم يظفر بما رجا فيها‪ ،‬فارتحل جميعا من الدنيا بغير زاد‪،‬‬
‫وقدما على غير مهاد‪ .‬فاحذروا الدنيا الحذر كله‪ ،‬وضعوا عنكم ثقل همومها‬
‫لما تيقنتم لو شك زوالها وكونوا أسر ما تكونون فيها أحذر ما تكونون لها‪،‬‬
‫فان طالبها كلما اطمأن منها إلى سرور اشخصه عنها مكروه‪ ،‬وكلما اغتبط‬
‫منها باقبال نغصه عنها إدبار‪ ،‬وكلما ثبتت عليه منها رجل طوت عنه‬
‫كشحا‪ ،‬فالسار فيها غار‪ ،‬والنافع فيها ضار‪ ،‬وصل رخاؤها بالبلء‪ ،‬وجعل‬
‫بقاؤها إلى الفناء‪ ،‬فرحها مشوب بالحزن‪ ،‬وآخر همومها إلى الوهن‪ .‬فانظر‬
‫إليها بعين الزاهد المفارق‪ ،‬ول تنظر بعين الصاحب الوامق‪ .‬اعلم يا هذا‬
‫أنها تشخص الوادع الساكن‪ ،‬وتفجع المغتبط المن‪ ،‬ل يرجع منها ما تولى‬
‫فأدبر‪ ،‬ول يدري ما هو آت فيحذر‪ ،‬أمانيها كاذبة‪ ،‬وآمالها باطلة صفوها‬
‫كدر‪ ،‬وابن آدم فيها على خطر‪ ،‬إما نعمة زائلة‪ ،‬وإما بلية نازلة‪ ،‬وإما‬
‫معظمة جائحة )‪ (2‬وإما منية قاضية‪ ،‬فلقد كدرت عليه العيشة إن عقل‪،‬‬
‫وأخبرته عن نفسها إن وعى‪ .‬ولو كان خالقها عزوجل لم يخبر عنها خبرا‪،‬‬
‫ولم يضرب لها مثل‪ ،‬ولم يأمر بالزهد فيها‪ ،‬والرغبة عنها‪ ،‬لكانت وقايعها‬
‫وفجايعها قد أنبهت النائم‪ ،‬ووعظت الظالم‪ ،‬وبصرت العالم‪ ،‬وكيف وقد جاء‬
‫عنها من ال تعالى زاجر‪ ،‬وأتت منه‬
‫)‪ (1‬الصب‪ :‬الشوق في رقة وحرارة كالصبابة‪ (2) .‬المعظمة‪ :‬النازلة الشديدة‪،‬‬
‫والجائحة‪ :‬المهلكة )*(‪.‬‬

‫]‪[110‬‬

‫فيها البينات والبصاير‪ ،‬فما لها عند ال عزوجل قدر ول وزن‪ ،‬ول خلق فيما بلغنا‬
‫خلقا أبغض إليه منها‪ ،‬ول نظر إليها مذ خلقها‪ .‬ولقد عرضت على نبينا‬
‫صلى ال عليه وآله بمفاتيحها وخزائنها ل ينقصه ذلك من حظه من الخرة‬
‫فأبى أن يقبلها‪ ،‬لعلمه أن ال عزوجل أبغض شيئا فأبغضه‪ ،‬وصغر شيئا‬
‫فصغره‪ ،‬وأن ل يرفع ما وضعه ال جل ثناؤه وأن ل يكثر ما اقله ال‬
‫عزوجل ولو لم يخبرك عن صغرها عند ال‪ ،‬إل أن ال عزوجل صغرها‬
‫عن أن يجعل خيرها ثوابا للمطيعين‪ ،‬وأن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين‬
‫]لكفى[ ظ‪ .‬ومما يدلك على دناءة الدنيا أن ال جل ثناؤه زواها عن أوليائه‬
‫وأحبائه نظرا واختيارا‪ ،‬وبسطها لعدائه فتنة واختبارا‪ ،‬فأكرم عنها محمدا‬
‫نبيه صلى ال عليه وآله حين عصب على بطنه من الجوع‪ ،‬وحماها موسى‬
‫نجيه المكلم‪ ،‬وكانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال‪ ،‬وما‬
‫سأل ال عزوجل يوم أوي إلى الظل إل طعاما يأكله لما جهده من الجوع‬
‫ولقد جاءت الرواية أنه قال‪ :‬أوحى ال إليه‪ :‬إذا رأيت الغنى مقبل فقل‪:‬‬
‫ذنب عجلت عقوبته‪ ،‬وإذا رأيت الفقر مقبل فقل‪ :‬مرحبا بشعار الصالحين‪.‬‬
‫وصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم عليه السلم إذ قال‪ :‬إدامي الجوع‬
‫وشعاري الخوف‪ ،‬ولباسي الصوف‪ ،‬ودابتي رجلي‪ ،‬وسراجي بالليل القمر‬
‫وصلي في الشتاء مشارق الشمس‪ ،‬وفاكهتي ما أنبتت الرض للنعام‪،‬‬
‫أبيتت وليس لي شئ‪ ،‬وليس أحد أغنى مني‪ .‬وسليمان بن داود وما أوتي‬
‫من الملك إذ كان يأكل خبز الشهير‪ ،‬ويطعم أمه الحنطة‪ ،‬وإذا جنه الليل‬
‫لبس المسوح‪ ،‬وغل يده إلى عنقه‪ ،‬وبات باكيا حتى يصبح‪ ،‬ويكثر أن‬
‫يقول‪ :‬رب إني ظلمت نفسي‪ ،‬فان لم تغفر لي وترحمني لكونن من‬
‫الخاسرين‪ ،‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ .‬فهؤلء أنبياء ال‬
‫وأصفياؤه‪ ،‬تنزهوا عن الدنيا‪ ،‬وزهدوا فيما زهدهم ال جل ثناؤه فيه منها‪،‬‬
‫وأبغضوا ما أبغض‪ ،‬وصغروا ما صغر‪ ،‬ثم اقتص الصالحون آثارهم‬

‫]‪[111‬‬

‫وسلكوا منهاجهم‪ ،‬وألطفوا الفكر‪ ،‬وانتفعوا بالعبر‪ ،‬وصبروا في هذا العمر القصير‬
‫من متاع الغرور الذي يعود إلى الفناء‪ ،‬ويصير إلى الحساب‪ .‬نظروا‬
‫بعقولهم إلى آخر الدنيا‪ ،‬ولم ينتظروا إلى أولها‪ ،‬وإلى باطن الدنيا ولم‬
‫ينظروا إلى ظاهرها‪ ،‬وفكروا في مرارة عاقبتها‪ ،‬فلم يستمرئهم )‪ (1‬حلوة‬
‫عاجلها ثم الزموا أنفسهم الصبر‪ ،‬وأنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة التي ل‬
‫يحل لحد أن يشبع منها إل في حال الضرورة إليها‪ ،‬وأكلوا منها بقدر ما‬
‫أبقى لهم النفس وأمسك الروح‪ ،‬وجعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها‪،‬‬
‫فكل من مر بها أمسك على فيه‪ ،‬فهم يتبلغون بأدنى البلغ‪ ،‬ول ينتهون إلى‬
‫الشبع من النتن‪ ،‬ويتعجبون من الممتلي منها شبعا‪ ،‬والراضي بها نصيبا‪.‬‬
‫اخواني ! وال لهي في العاجلة والجلة ‪ -‬لمن ناصح نفسه في النظر‪،‬‬
‫وأخلص لها الفكر ‪ -‬وأنتن من الجيفة‪ ،‬وأكره من الميتة‪ ،‬غير أن الذي نشأ‬
‫في دباغ الهاب ل يجد نتنه‪ ،‬ول تؤذيه رائحته‪ ،‬ما تؤذي المار به‪،‬‬
‫والجالس عنده‪ ،‬وقد يكفي العاقل من معرفتها علمه بأن من مات وخلف‬
‫سلطانا عظيما‪ ،‬سره أنه عاش فيها سوقة خامل‪ ،‬أو كان فيها معافا سليما‬
‫سره أنه كان فيها مبتلى ضريرا‪ ،‬فكفى بهذا على عورتها والرغبة عنها‬
‫دليل‪ .‬وال لو أن الدنيا كانت من اراد منها شيئا وجده حيث تنال يده من‬
‫غير طلب ول تعب ول مؤنة ول نصب‪ ،‬ول ظعن ول داب‪ ،‬غير أن ما أخذ‬
‫منها من شئ لزمه حق ال فيه‪ ،‬والشكر عليه‪ ،‬وكان مسؤل عنه محاسبا‬
‫به‪ ،‬لكان يحق على العاقل أن ل يتناول منها إل قوته وبلغة يومه‪ ،‬حذرا من‬
‫السؤال‪ ،‬وخوفا من الحساب وإشفاقا من العجز عن الشكر‪ ،‬فكيف بمن‬
‫تجشم في طلبها من خضوع رقبته‪ ،‬ووضع خده‪ ،‬وفرط عنائه‪ ،‬والغتراب‬
‫عن أحبابه‪ ،‬وعظيم أخطاره‪ ،‬ثم ل يدري ما آخر ذلك ؟ الظفر أم الحنيبة ؟‪.‬‬
‫إنما الدنيا ثلثة ايام‪ :‬يوم مضى بما فيه فليس بعائد‪ ،‬ويوم أنت فيه فحق‬
‫عليك اغتنامه‪ ،‬ويوم ل تدري أنت من أهله‪ ،‬ولعلك راحل فيه‪ ،‬أما اليوم‬
‫الماضي‬

‫)‪ (1‬استمرء الطعام‪ :‬استطيبه وعده ووجده مريئا )*(‪.‬‬

‫]‪[112‬‬

‫فحكيم مؤدب‪ ،‬وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودع‪ ،‬وأما غدا فانما في يديك منه‬
‫المل‪ ،‬فان يكن امس سبقك بنفسه فقد ابقى في يديك حكمته‪ ،‬وإن يكن‬
‫يومك هذا آنسك بمقدمه عليك‪ ،‬فقد كان طويل الغيبة عنك‪ ،‬وهو سريع‬
‫الرحلة فترود منه وأحسن وداعه‪ .‬خذ بالثقة من العمل‪ ،‬وإياك والغترار‬
‫بالمل‪ ،‬ول تدخل عليك اليوم هم غد‪ ،‬يكفي اليوم همه‪ ،‬وغدا داخل عليك‬
‫بشغله‪ ،‬إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك‪ ،‬وتكلفت أن‬
‫تجمع في يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل‪ ،‬واشتد التعب‪،‬‬
‫وضعف العمل للمل ولو أخليت قلبك من المل لجددت في العمل‪ ،‬والمل‬
‫الممثل في اليوم غدا اضرك في وجهين‪ :‬سوفت به العمل وزدت به في‬
‫الهم والحزن‪ .‬أول ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين‪ ،‬ساعة مضت‪،‬‬
‫وساعة بقيت‪ ،‬وساعة أنت فيها‪ ،‬فأما الماضية والباقية فلست تجد‬
‫لرخائهما لذة ول لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية‪ ،‬والساعة التي أنت‬
‫فيها منزلة الضيفين نزل بك‪ ،‬فظعن الراحل عنك بذمه إياك‪ ،‬وحل النازل بك‬
‫بالتجربة لك‪ ،‬فاحسانك إلى الثاوي يمحو إساءتك إلى الماضي‪ ،‬فأدرك ما‬
‫أضعت به عتابك مما استقبلت‪ ،‬واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك‪.‬‬
‫ولو أن مقبورا من الموات قيل له‪ :‬هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها‬
‫لولدك الذي لم يكن لك هم غيره‪ ،‬أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك ؟‬
‫لختار يوما يستعتب فيه من سيئ ما اسلف على جميع الدنيا به يورثها‬
‫ولدا خلفه‪ ،‬فما يمنعك أيها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل‪،‬‬
‫قبل حلول الجل‪ ،‬وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك‪ ،‬ال‬
‫تسعى في تحرير رقبتك‪ ،‬وفكاك رقك ووقاء نفسك من النار التي عليها‬
‫ملئكة غلظ شداد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أوصيكم عباد ال بتقوى ال‬
‫عزوجل واغتنام ما استطعتم عمل به من طاعة ال عزوجل في هذه اليم‬
‫الخالية‪ ،‬بجليل ما يشقى عليكم به الفوت‬

‫]‪[113‬‬

‫بعد الموت‪ ،‬وبالرفض لهذه ]الدنيا[ التاركة لكم‪ ،‬وإن لم تكونوا تحبون تركها‬
‫والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها‪ ،‬فانما مثلكم ومثلها كركب سلكوا‬
‫سبيل فكأنهم قد قطعوه‪ ،‬وأموا علما‪ ،‬فكأن قد بلغوه‪ ،‬وكم عسى من‬
‫المجري إلى الغاية أن يجري حتى يبلغها‪ ،‬فكم عسى أن يكون بقاء من له‬
‫يوم ل يعدوه‪ ،‬ومن ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها‪ .‬فل‬
‫تتنافسوا في ]عز[ الدنيا وفخرها‪ ،‬ول تعجبوا بزينتها‪ ،‬ول تجزعوا من‬
‫ضرائها وبؤسها‪ ،‬فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع‪ ،‬وإن زينتها ونعيمها‬
‫إلى زوال‪ ،‬وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد‪ ،‬وكل مدة فيها إلى منتهى‪ ،‬وكل‬
‫حي فيها إلى فناء‪ .‬أو ليس لكم في آثار الولين ]مزدجر[ وفي آبائكم‬
‫الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم تعقلون‪ ،‬ألم تروا إلى الماضين منكم ل‬
‫يرجعون‪ ،‬وإلى الخلف الباقي منكم ل يبقون ؟ قال ال عز وعل " وحرام‬
‫على قرية أهلكناها أنهم ل يرجعون " )‪ (1‬الية والتي بعدها‪ ،‬وقال‬
‫عزوجل " كل نفس ذائقة الموت وإنما يوفون أجورهم يوم القيامة فمن‬
‫زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور " )‬
‫‪ .(2‬ألستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى‪ :‬ميت‬
‫يبلى‪ ،‬وآخر يعزى‪ ،‬وصريع مبتلى‪ ،‬وعائد معود‪ ،‬وآخر بنفسه يجود‪،‬‬
‫وطالب والموت يطلبه‪ ،‬وغافل وليس بمغفول عنه‪ ،‬وعلى اثر الماضي منا‬
‫يمضي الباقي‪ ،‬فلله الحمد رب السموات السبع ورب العرش العظيم‪ ،‬الذي‬
‫يبقى ويفنى ما سواه‪ ،‬وإليه موئل الخلق ومرجع المور )‪ .(3‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أما بعد فاني أحذركم الدنيا‪ ،‬فانها حلوة خضرة‪ ،‬حفت‬
‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .95 :‬آل عمران‪ (3) .185 .‬روى هذا الخير في النهج مع اختلف‬
‫تحت الرقم ‪ 93‬من قسم الخطب )*(‪.‬‬

‫]‪[114‬‬

‫بالشهوات‪ ،‬وراقت بالقليل‪ ،‬وتحببت بالعاجلة‪ ،‬وعمرت بالمال‪ ،‬وتزينت بالغرور فل‬
‫تدوم نعمتها‪ ،‬ول تفنى فجايعها‪ ،‬غدارة ضرارة‪ ،‬حائلة زائلة‪ ،‬نافدة بائدة‬
‫أكالة غوالة‪ ،‬ل تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها كما‬
‫قال ال عزوجل‪ " :‬كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض‬
‫فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شئ مقتدرا " )‪ .(1‬مع أن‬
‫امرءا لم يكن منها في حبرة إل أعقبته منها بعد بعبرة‪ ،‬ولم يلق من‬
‫سرائها بطنا إل أعطته من ضرائها ظهرا‪ ،‬ولم يطله فيها ديمة رخاء‪ ،‬إل‬
‫هتنت )‪ (2‬عليه منها مزنة بلء‪ ،‬وحري إذا أصبحت لك متحبرة‪ ،‬أن تمسي‬
‫لك متنكرة )‪ (3‬وان جانب منها اعذوذب لمرء واحلولى‪ ،‬أمر عليه جانب‬
‫فأوبى‪ ،‬وإن آنس إنسان من غضارتها رغبا‪ ،‬أرهقته من بوائقها تعبا‪،‬‬
‫غرارة غرور ما فيها‪ ،‬فان من عليها‪ ،‬ولم يمس امرء منها في جناح أمن‬
‫إل أصبح في جوف خوف )‪ (4‬ل خير في شئ من زادها إل التقوى‪ ،‬من‬
‫اقل منها استكثر مما يوبقه‪ ،‬ومن استكثر منها لم تدم له وزالت عنه‪ .‬كم‬
‫واثق بها فجعته‪ ،‬وذي طمأنينة إليها صرعته‪ ،‬وذي خدع فيها خدعته وكم‬
‫من ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا‪ ،‬وذي نخوة فيها قد ردته خائفا فقيرا‬
‫وكم من ذي تاج قد أكبته لليدين والفم‪ ،‬سلطانها دول‪ ،‬وعيشها رنق‪،‬‬
‫وعذبها أجاج‪ ،‬وحلوها صبر‪ ،‬وغذاؤها سمام‪ ،‬واسبابها رمام‪ ،‬وقطافها‬
‫سلع‪ ،‬حيها بعرض موت‪ ،‬وصحيحها بعرض سقم‪ ،‬ومنيعها بعرض‬
‫اهتضام‪ ،‬وملكها مسلوب‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) .45 :‬الطل‪ :‬المطر الخفيف الضعيف‪ ،‬وقيل الندى‪ ،‬وقيل فوقه‪،‬‬
‫وكأنه بمعنى الدامة والشراف‪ ،‬فان الديمة أيضا هو المطر إذا نزل بل‬
‫رعد وبرق مع سكون‪ ،‬وهتنت أي انصبت وجرت‪ ،‬والمزنة‪ :‬القطعة من‬
‫المزن‪ ،‬أو هي المطرة نفسها‪ (3) .‬المتحبرة‪ :‬المتزينة المتعرضة‬
‫بحسنها‪ ،‬وفي بعض النسخ نقل عن كتاب مطالب السؤل " متنصرة "‬
‫راجع ج ‪ 78‬ص ‪ 15‬من هذه الطبعة‪ (4) .‬خوافى خوف ظ )*(‪.‬‬

‫]‪[115‬‬

‫وعزيزها مغلوب‪ ،‬وضيفها منكوب‪ ،‬وجارها محروم‪ ،‬مع أن وراء ذلك سكرات‬
‫الموت وزفراته‪ ،‬وهول المطلع‪ ،‬والوقوف بين يدي إلهكم الحكم ليجزي‬
‫الذين أحسنوا بالحسنى‪ .‬ألستم في مساكن من كان قبلكم ؟ كانوا أطول منكم‬
‫أعمارا‪ ،‬وأبقى منكم آثارا‪ ،‬وأعد منكم عديدا‪ ،‬وأكثف منكم جنودا‪ ،‬وأشد‬
‫منكم عنودا‪ ،‬تعبدوا للدنيا اي تعبد‪ ،‬وآثروها أي إيثار‪ ،‬ثم ظعنوا عنها‬
‫بالصغار‪ ،‬وهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية‪ ،‬أو عدت عنهم فيما‬
‫أهلكتهم به بخطب‪ ،‬بل أوهنتهم بالقوارع‪ ،‬وضعضعتهم بالنوائب‪ ،‬وعقرتهم‬
‫بالمناخر‪ ،‬وأعانها عليهم ريب المنون‪ .‬فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها‪،‬‬
‫وآثرها أو أخلد إليها‪ ،‬حين ظعنوا عنها لفراق أبد أو إلى آخر زوال‪ ،‬هل‬
‫زودتهم إل السغب ؟ أو أحلتهم إل إلى الضنك أو نورت لهم إل الظلمة ؟ أو‬
‫أعقبتهم إل النار ؟ ألهذه تؤثرون ؟ أم عليها تربصون ؟ أم إليها تطمئنون‪،‬‬
‫يقول ال عزوجل‪ " :‬من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم‬
‫أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل‬
‫النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " )‪ .(1‬فبئست الدار‬
‫لمن لم يتهمها‪ ،‬ولم يكن فيها على وجل منها‪ ،‬اذكروا عند تصرفها بكم‬
‫سرعة انقضائها عنكم‪ ،‬ووشك زوالها‪ ،‬وضعف مجالها‪ ،‬ألم تجدكم على‬
‫مثال من كان قبلكم‪ ،‬ووجدت من كان قبلكم على مثال من كان قبلهم‪ ،‬جيل‬
‫بعد جيل‪ ،‬وأمة بعد أمة‪ ،‬وقرن بعد قرن‪ ،‬وخلف بعد خلف‪ ،‬فل هي تستحي‬
‫من العار‪ ،‬وما ل ينبغي من المبديات‪ ،‬ول تخجل من الغدر‪ .‬اعلموا وأنتم‬
‫تعلمون أنكم تاركوها ل بد وإنما هي كما نعت ال عزوجل " لعب ولهو‬
‫وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد " )‪ .(2‬فاتعظوا فيها‬
‫بالذين كانوا يبنون‪ ،‬بكل ريع آية يعبثون * ويتخذون مصانع‬

‫)‪ (1‬هود‪ 15 :‬و ‪ (2) .16‬الحديد‪.(*) 20 :‬‬

‫]‪[116‬‬

‫لعلهم يخلدون‪ (1) ،‬وبالذين قالوا‪ " :‬من أشد منا قوة " )‪ (2‬واتعظوا بمن رأيتم‬
‫من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ل يدعون ركبانا‪ ،‬وأنزلوا ل يدعون‬
‫ضيفانا )‪ (3‬وجعل لهم من الضريح أجنانا )‪ (4‬ومن التراب أكفانا‪ ،‬ومن‬
‫الرفات جيرانا‪ .‬وهم جيرة ل يجيبون داعيا‪ ،‬ول يمنعون ضيما‪ ،‬ول يبالون‬
‫مندبة‪ ،‬ول يعرفون نسبا ول حسبا‪ ،‬ول يشهدون زورا‪ ،‬إن جيدوا لم‬
‫يفرحوا )‪ (5‬وإن قحطوا لم يقنطوا‪ ،‬جميع وهم آحاد‪ ،‬وجيرة وهم أبعاد‪،‬‬
‫ومتدانون ل يتزاورون‪ ،‬ول يزورون حلماء قد بادت اضغانهم‪ ،‬جهلء قد‬
‫ذهبت أحقادهم‪ ،‬ل يخشى فجعهم‪ ،‬ول يرجى دفعهم‪ ،‬وهم كمن لم يكن‪،‬‬
‫وكما قال جل ثناؤه‪ " :‬فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إل قليل وكنا‬
‫نحن الوارثين " )‪ .(6‬إن الدنيا وهن مطلبها‪ ،‬رنق مشربها‪ ،‬ردغ مشرعها‬
‫)‪ (7‬غرور ماحل )‪ (8‬وسم قاتل‪ ،‬وسناد مائل‪ ،‬تريق مطرفها‪ ،‬وتردى‬
‫مستزيدها‪ ،‬وتصرع مستفيدها‬

‫)‪ (1‬اشارة إلى قوم عاد كما في سورة الشعراء‪ (2) .128 :‬اشارة إلى قوم عاد‬
‫أيضا كما في سورة السجدة‪ (3) .15 :‬يعني أنهم وان حملوا على أكتاف‬
‫الناس ويمشون ل بأنفسهم‪ ،‬معذلك ل يقال انهم ركبان‪ ،‬وانهم وان انزلوا‬
‫في الجدث مع التكريم والحترام معذلك ل يقال‪ :‬انهم ضيفان انزلوا‬
‫بالتكريم والحبور‪ (4) .‬الجنان جمع جنن‪ ،‬وهو الجدث والقبر وفي نسخة‬
‫مطالب السؤل ص ‪ 58‬وهكذا تحف العقول ص ‪ " 178‬اكنانا " بدل‬
‫اجنان واكنان جمع كن‪ :‬المختفى والستر‪ ،‬وقد يقال للبيت‪ :‬الكن‪ (5) .‬من‬
‫الجود‪ :‬وهو المطر‪ (6) .‬القصص‪ (7) .58 :‬الرنق‪ :‬الكدر‪ ،‬والردغ‪ :‬كثير‬
‫الطين والوحل‪ (8) .‬الماحل‪ :‬الساعي في الفتنة والكائد إلى السلطين‬
‫بالسعاية )*(‪.‬‬

‫]‪[117‬‬

‫بانفاد لذتها‪ ،‬وموبقات شهواتها‪ ،‬وأسر نافرها‪ ،‬قنصت بأحبلها‪ ،‬وقصدت بأسهمها‬
‫مائل لهناتها‪ ،‬وتعلل بهباتها ليالي عمره‪ ،‬وايام حياته‪ ،‬قد علقته أوهاق‬
‫المنية فأردته بمرائرها )‪ (1‬قائدة له بحتوفها‪ ،‬إلى ضنك المضجع‪ ،‬ووحشة‬
‫المرجع‪ ،‬ومجاورة الموات‪ ،‬ومعاينة المحل‪ ،‬وثواب العمل ثم ضرب على‬
‫أدناهم سبات الدهور‪ ،‬وهم ل يرجعون‪ ،‬قد ارتهنت الرقاب بسالف‬
‫الكتساب‪ ،‬واحصيت الثار لفصل الخطاب وقد خاب من حمل ظلما‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم في ذم الدنيا في خطبة خطبها‪ :‬الحمد ل أحمده وأستعينه‬
‫وأومن به وأتوكل عليه‪ ،‬واشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن‬
‫محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ارسله بالحق ودين الهدى ليزيح به علتكم‪ ،‬وليوقظ‬
‫به غفلتكم‪ ،‬واعلموا أنكم ميتون‪ ،‬ومبعوثون من بعد الموت‪ ،‬وموقوفون‬
‫على أعمالكم‪ ،‬ومجزون بها فل تغرنكم الحياة الدنيا‪ ،‬فانها دار بالبلء‬
‫محفوفة‪ ،‬وبالعناء معروفة‪ ،‬وبالغدر موصوفة‪ ،‬وكل ما فيها إلى زوال‪،‬‬
‫وهي بين أهلها دول وسجال‪ ،‬ل تدوم أحوالها ول يسلم من شرها‪ ،‬بينا‬
‫أهلها منها في رخاء وسرور‪ ،‬إذ هم منها في بلء وغرور أحوال مختلفة‪،‬‬
‫وتارات متصرفة‪ ،‬العيش فيها مذموم‪ ،‬والرخاء فيها ل يدوم‪ ،‬وإنما أهلها‬
‫فيها أغراض مستهدفة‪ ،‬ترميهم بسهامها‪ ،‬وتقصمهم بحمامها‪ ،‬وكل حتفه‬
‫فيها مقدور‪ ،‬وحظه منها موفور‪ .‬واعلموا عباد ال أنكم وما أنتم فيه من‬
‫هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا‪ ،‬وأشد منكم‬
‫بطشا‪ ،‬وأعمر ديارا‪ ،‬وأبعد آثارا فأصبحت اصواتهم هامدة خامدة من بعد‬
‫طول تغلبها‪ ،‬وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية‪ ،‬فاستبدلوا‬
‫بالقصور المشيدة‪ ،‬والستور والنمارق الممهدة‪ ،‬الصخور والحجار‬
‫المسندة‪ ،‬في القبور التي قد بني للخراب فناؤها‪ ،‬فمحلها مقترب‬

‫)‪ (1‬الوهاق‪ :‬جمع وهق‪ ،‬وهو حبال الموت أو هو بالدال المهملة‪ ،‬وهو خشبتان‬
‫يغمز بهما ساق المجرمين‪ ،‬يقال‪ :‬عنقه في وهق ورجله في دهق‪.‬‬
‫والمرائر جمع مريرة‪ :‬وهي طاقة الحبل أو الحبل الشديد الفتل وقيل‪:‬‬
‫الحببل الدقيق الطويل‪.‬‬

‫]‪[118‬‬

‫وساكنها ]مغترب[ بين أهل عمارة موحشين‪ ،‬وأهل محلة متشاغلين‪ ،‬ل يستأنسون‬
‫بالعمران‪ ،‬ول يتواصلون تواصل الجيران والخوان‪ ،‬على ما بينهم من‬
‫قرب الجوار‪ ،‬ودنو الدار‪ .‬وكيف يكون بينهم تواصل ؟ وقد طحنهم بكلكه‬
‫البلى‪ ،‬وأكلتهم الجنادل والثرى‪ ،‬فاصبحوا بعد الحياة أمواتا‪ ،‬وبعد غضارة‬
‫العيش رفاتا‪ ،‬فجع بهم الحباب وسكنوا التراب‪ ،‬وظعنوا فليس لهم إياب‪،‬‬
‫هيهات هيهات‪ ،‬إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‪.‬‬
‫فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى‪ ،‬والوحدة في المثوى‪،‬‬
‫وارتهنتم في ذلك المضجع‪ ،‬وضمكم ذلك المستودع‪ ،‬فكيف بكم لو قد تناهت‬
‫المور‪ ،‬وبعثرت القبور‪ ،‬وحصل ما في الصدور‪ ،‬ووقفتم للتحصيل بين‬
‫يدي ملك جليل‪ ،‬فطارت القلوب لشفاقها من سالف الذنوب‪ ،‬وهتكت عنكم‬
‫الحجب والستار‪ ،‬وظهرت منكم العيوب والسرار‪ ،‬هنالك تجزى كل نفس‬
‫بما كسبت‪ .‬إن ال عزوجل يقول‪ " :‬ليجزي الذين آمنوا بما عملوا ويجزي‬
‫الذين أحسنوا بالحسنى " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ووضع الكتاب فترى المجرمين‬
‫مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول‬
‫كبيرة إل أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا " )‪.(1‬‬
‫جعلنا ال وإياكم عاملين بكتابه‪ ،‬متبعين لوليائه‪ ،‬حتى يحلنا وإياكم دار‬
‫المقامة من فضله‪ ،‬إنه حميد مجيد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أنظروا إلى الدنيا‬
‫نظر الزاهدين فيها‪ ،‬فانها وال عن قليل تزيل الثاوي الساكن‪ ،‬وتفجع‬
‫المترف المن‪ ،‬ل يرجع ما تولى عنها فأدبر‪ ،‬ول يدرى ما هو آت منها‬
‫فينتظر‪ ،‬سرورها مشوب بالحزن‪ ،‬وآخر الحياة فيها إلى الضعف والوهن‪،‬‬
‫فل يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها‪.‬‬

‫)‪ (1‬النجم‪ (2) .31 :‬الكهف‪.(*) 46 :‬‬

‫]‪[119‬‬
‫رحم ال عبدا تفكر واعتبر‪ ،‬فأبصر إدبار ما قد أدبر‪ ،‬وحضور ما قد حضر وكأن ما‬
‫هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن‪ ،‬وكأن ما هو كائن من الخرة لم يزل‪،‬‬
‫وكل ما هو آت قريب‪ ،‬أل وإن الدنيا ل يسلم منها إل فيها‪ ،‬ول ينجى بشئ‬
‫كان لها‪ ،‬ابتلى الناس بها فتنة‪ ،‬فما أخذوه منها لها أخرجوا منه وحوسبوا‬
‫عليه‪ ،‬وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه‪ ،‬واقاموا فيه‪ ،‬وإنها لذوي‬
‫العقول كفئ الظل‪ ،‬بينا تراه سابغا حتى قلص‪ ،‬وزائدا حتى نقص‪- 110 .‬‬
‫ضه‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬مالي والدنيا إنما مثلي ومثل‬
‫الدنيا كمثل راكب مر للقيلولة في ظل شجرة في يوم صيف‪ ،‬ثم راح‬
‫وتركها‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما الدنيا في الخرة إل مثل ما يجعل‬
‫أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ قال أمير المؤمنين عليه السلم‪:‬‬
‫الدنيا دار مني لها الفناء‪ ،‬ولهلها منها الجلء وهي حلوة خضرة‪ ،‬قد‬
‫عجلت للطالب‪ ،‬والتبست بقلب الناظر‪ ،‬فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم‬
‫من الزاد‪ ،‬ول تسألوا فيها فوق الكفاف‪ ،‬ول تطلبوا منها أكثر من البلغ‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أل وإن الدنيا دار ل يسلم منها إل فيها ول ينجى بشئ‬
‫كان لها‪ ،‬ابتلى الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه‪ ،‬وحوسبوا‬
‫عليه‪ ،‬وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه‪ ،‬وأقاموا فيه‪ ،‬وإنها عند ذوي‬
‫العقول كفئ الظل بينا تراه سابغا حتى قلص‪ ،‬وزايدا حتى نقص‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬حلوة الدنيا مرارة الخرة‪ ،‬ومرارة الخرة حلوة الدنيا‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الدنيا تغر وتضر وتمر إن ال تعالى لم يرضها ثوابا لوليائه‬
‫ول عقابا لعدائه‪ ،‬وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلول إذ صاح بهم سائقهم‬
‫فارتحلوا‪ .‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬حب الدنيا رأس كل خطيئة‪ .‬وقال‬
‫المسيح عليه السلم للحواريين‪ :‬إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ول تعمروها‪.‬‬

‫]‪[120‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن‪ ،‬والزهد في‬
‫الدنيا يريح القلب والبدن‪ .‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما أصف دارا‬
‫أولها عناء‪ ،‬وآخرها فناء‪ ،‬في حللها حساب‪ ،‬وفي حرامها عقاب‪ ،‬من‬
‫استغنى فيها فتن‪ ،‬ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فاتته‪ ،‬ومن قعد عنها‬
‫آتته‪ ،‬ومن أبصر بها بصرته‪ ،‬ومن ابصر إليها أعمته‪ .‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬إن ال جل جلله أوحى إلى الدنيا أن أتعبى من خدمك‬
‫وأخدمي من رفضك‪ ،‬وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم‪،‬‬
‫وناجاه اثبت ال النور في قلبه‪ ،‬فإذا قال‪ :‬يا رب يا رب‪ ،‬ناداه الجليل جل‬
‫جلله لبيك عبدي سلني أعطك‪ ،‬وتوكل علي أكفك‪ ،‬ثم يقول جل جلله‬
‫لملئكته‪ :‬يا ملئكتي انظروا إلى عبدي‪ ،‬قد تخلى في جوف هذا الليل‬
‫المظلم‪ ،‬والبطالون لهون والغافلون نيام‪ ،‬اشهدوا أني قد غفرت له‪ .‬ثم قال‬
‫عليه السلم‪ :‬عليكم بالورع‪ ،‬والجتهاد‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وازهدوا في هذه الدنيا‬
‫الزاهدة فيكم‪ ،‬فانها غرارة‪ ،‬دار فناء وزوال‪ ،‬كم من مغتر بها قد أهلكته‬
‫وكم من واثقبها قد خانته‪ ،‬وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته‪،‬‬
‫واعلموا أن أمامكم طريقا بعيدا‪ ،‬وسفرا مهول‪ ،‬وممرا على الصراط‪ ،‬ول‬
‫بد للمسافر من زاد‪ ،‬ومن لم يتزود وسافر عطب وهلك‪ ،‬وخير الزاد‬
‫التقوى‪ ،‬إلى آخر الخبر‪ .‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬كان عيسى بن مريم‬
‫عليه السلم يقول لصحابه‪ :‬يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى ال‪ ،‬وأخرجوا‬
‫قلوبكم عنها‪ ،‬فانكم ل تصلحون لها ول تصلح لكم‪ ،‬ول تبقون لها ول تبقى‬
‫لكم‪ ،‬هي الخداعة الفجاعة‪ ،‬المغرور من اغتر بها‪ ،‬المفتون من اطمأن‬
‫إليها‪ ،‬الهالك من أحبها وأرادها‪ ،‬فتوبوا إلى ال بارئكم واتقوا ربكم‪،‬‬
‫واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا‪.‬‬

‫]‪[121‬‬

‫أين آباؤكم وأمهاتكم ؟ أين إخوانكم ؟ أين أخواتكم ؟ أين أولدكم دعوا فأجابوا‪،‬‬
‫واستودعوا الثرى‪ ،‬وجاوروا الموتى‪ ،‬وصاروا في الهلكى‪ ،‬وخرجوا عن‬
‫الدنيا وفارقوا الحبة‪ ،‬واحتاجوا إلى ما قدموا‪ ،‬واستغنوا عما خلفوا‪ ،‬كم‬
‫توعظون ؟ وكم تزجرون ؟ وأنتم لهون ساهون ؟ مثلكم في الدنيا مثل‬
‫البهايم أهمتكم بطونكم وفروجكم‪ ،‬أما تستحيون ممن خلقكم‪ ،‬قد وعد من‬
‫عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار‪ ،‬ووعد من اطاعه الجنة‬
‫ومجاورته في الفردوس العلى‪ ،‬فتنافسوا وكونوا من أهله‪ ،‬وانصفوا من‬
‫أنفسكم‪ ،‬وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم‪ ،‬وتوبوا إلى ال توبة‬
‫نصوحا‪ ،‬وكونوا عبيدا ابرارا‪ ،‬ول تكونوا ملوكا جبابرة‪ ،‬ول من الفراعنة‬
‫المتمردين على ال‪ ،‬قهرهم بالموت جبار الجبابرة‪ ،‬رب السماوات ورب‬
‫الرض‪ ،‬وإله الولين والخرين‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬شديد العقاب‪ ،‬الليم‬
‫العذاب‪ ،‬ل ينجو منه ظالم‪ ،‬ول يفوته شئ ول يتوارى منه شئ‪ ،‬أحصى كل‬
‫شئ علمه‪ ،‬وأنزله منزله‪ ،‬في جنة أو نار‪ .‬ابن آدم الضعيف ! أين تهرب‬
‫ممن يطلبك في سواد ليلك‪ ،‬وبياض نهارك ؟ وفي كل حال من حالتك ؟ فقد‬
‫أبلغ من وعظ‪ ،‬وافلح من اتعظ‪ .‬قال ال تعالى‪ :‬يا موسى إن الدنيا دار‬
‫عقوبة‪ ،‬وجعلتها ملعونة‪ ،‬ملعون ما فيها‪ ،‬إل ما كان لي‪ ،‬يا موسى إن‬
‫عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها‬
‫بقدر جهلهم‪ ،‬وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه ولم يحقرها احد إل‬
‫انتفع بها‪ .‬ثم قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن قدرتم ال تعرفوا فافعلوا‪ ،‬وما‬
‫عليك إن لم يثن عليك الناس‪ ،‬وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا‬
‫كنت عند ال محمودا إن عليا عليه السلم كان يقول‪ :‬ل خير في الدنيا‪ ،‬إل‬
‫لحد رجلين‪ :‬رجل يزداد كل يوم إحسانا‪ ،‬ورجل يتدارك سيئة بالتوبة‪ ،‬وأنى‬
‫له بالتوبة‪ ،‬وال لو سجد حتى ينقطع عنقه‪ ،‬ما قبل ال منه إل بوليتنا‪.‬‬
‫]‪[122‬‬

‫وقال المسيح عليه السلم‪ :‬مثل الدنيا والخرة كمثل رجل له ضرتان‪ :‬إن ارضى‬
‫إحداهما أسخطت الخرى‪ .‬وقيل للنبي صلى ال عليه وآله‪ :‬كيف يكون‬
‫الرجل في الدنيا ؟ قال‪ :‬كما تمر القافلة قيل‪ :‬فكم القرار فيها ؟ قال‪ :‬كقدر‬
‫المتخلف عن القافلة‪ ،‬قال‪ :‬فكم ما بين الدنيا والخرة ؟ قال‪ :‬غمضة عين‪،‬‬
‫قال ال عزوجل " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا ال ساعة من نهار‬
‫" )‪ (1‬الية‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا حلم المنام‪ ،‬أهلها عليها‬
‫مجازون معاقبون‪ .‬وقيل‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وآله مر على سخلة‬
‫منبوذة على ظهر الطريق‪ ،‬فقال‪ :‬أترون هذه هينة على أهلها‪ ،‬فوال الدنيا‬
‫أهون على ال من هذه على أهلها‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا دار‬
‫من ل دار له‪ ،‬ومال من ل مال له‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل له‪ ،‬وشهواتها‬
‫يطلب من ل فهم له‪ ،‬وعليها يعادي من ل علم له‪ ،‬وعليها يحسد من ل فقه‬
‫له‪ ،‬ولها يسعى من ل يقين له‪ .‬وروي أن النبي صلى ال عليه وآله قرأ "‬
‫أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه " )‪ (2‬فقال‪ :‬إن النور‬
‫إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال فهل لذلك علمة‬
‫يعرف بها ؟ قال‪ :‬التجافي عن دار الغرور‪ ،‬والنابة إلى دار الخلود‪،‬‬
‫والستعداد للموت‪ ،‬قبل نزول الموت‪ .‬قال صلى ال عليه وآله لبن عمر‪:‬‬
‫كن كأنك غريب أو عابر سبيل‪ ،‬واعدد نفسك مع الموتى‪ - 111 .‬نبه )‪:(3‬‬
‫كان الحسن بن علي عليهما السلم كثيرا ما يتمثل‪ :‬يا أهل لذات دنيا ل بقاء‬
‫لها * إن اغترارا بظل زائل حمق وقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬الدنيا‬
‫دار من ل دار له‪ ،‬ومال من ل مال له‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل له‪ ،‬ويطلب‬
‫شهواتها من لفهم له‪ ،‬وعليها يعادي من ل علم له‬

‫)‪ (1‬الحقاف‪ (2) .35 :‬الزمر‪ (3) .22 :‬تنبيه الخواطر‪ 69 :‬و ‪ 70‬و ‪ ،77‬متفرقا‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[123‬‬

‫وعليها يحسد من لفقه له‪ ،‬ولها يسعى من ليقين له‪ .‬وعن علي عليه السلم‪:‬‬
‫الدنيا قد نعت إليك نفسها‪ ،‬وتكشفت لك عن مساويها وإياك أن تغتر بما‬
‫ترى من إخلد أهل إليها‪ ،‬وتكالبهم عليها‪ ،‬فانهم كلب عاوية‪ ،‬وسباع‬
‫ضارية‪ ،‬يهر بعضها على بعض‪ ،‬يأكل عزيزها ذليلها‪ ،‬ويقهر كبيرها‬
‫صغيرها‪ ،‬نعم معقلة‪ ،‬وأخرى مهملة‪ ،‬قد أضلت عقولها‪ ،‬وركبت مجهولها‪.‬‬
‫‪ - 112‬نبه‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬وأحذركم الدنيا فانها دار قلعة‬
‫وليست بدار نجعة‪ ،‬دار هانت على ربها‪ ،‬فخلط خيرها بشرها‪ ،‬وحلوها‬
‫بمرها لم يرضها لوليائه‪ ،‬ولم يضن بها على أعدائه‪ ،‬رب فعل يصاب به‬
‫وقته‪ ،‬فيكون سنة‪ ،‬ويخطأ به وقته فيكون سبة‪ .‬دخل عمر على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال‪ :‬يا نبي ال لو‬
‫اتخذت فراشا أوثر منه )‪ (1‬فقال‪ :‬مالي وللدنيا‪ ،‬ما مثلي ومثل الدنيا إل‬
‫كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح‬
‫وتركها‪ .‬قال أمير المؤمنين علي عليه السلم‪ :‬واعلموا رحمكم ال أنكم في‬
‫زمان القائل فيه بالحق قليل‪ ،‬واللسان عن الصدق كليل‪ ،‬واللزم للحق‬
‫ذليل‪ ،‬أهله معتكفون في العصيان‪ ،‬يصطلحون على الدهان‪ ،‬فتاهم عارم )‬
‫‪ (2‬وشائبهم آثم‪ ،‬وعالمهم منافق وقاريهم مماذق )‪ (3‬ول يعظم صغيرهم‬
‫كبيرهم‪ ،‬ول يعول غنيهم فقيرهم )‪ .(4‬بعضم‪ :‬إياك وهم الغد ]ارض للغد[‬
‫برب الغد‪.‬‬

‫)‪ (1‬الوثير من البساط ما لن وسهل ووطئ يقال‪ :‬ما أوثر فراشك ؟ اي ما ألينه‪) .‬‬
‫‪ (2‬العارم‪ :‬السئ الخلق الشرس‪ ،‬والشائب‪ :‬الذي ابيض شعره من الهرم‪،‬‬
‫وفي نسخة الكمبانى " شابهم " وهو تصحيف‪ ،‬والتصحيح من نسخة‬
‫النهج‪ (3) .‬المماذق المنافق الذي يشوب عمله بالرياء ‪ -‬غير المخلص‪،‬‬
‫وفي نسخة النهج " قارنهم مماذق "‪ (4) .‬نقله في النهج تحت الرقم‬
‫‪ 231‬من قسم الخطب )*(‪.‬‬

‫]‪[124‬‬

‫أبو ذر رحمه ال‪ :‬يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه يعني إذا كنت من أول‬
‫النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره‪ .‬لقمان قال لبنه‪ :‬يا بني ل تدخل في‬
‫الدنيا دخول يضر بآخرتك‪ ،‬ول تتركها تركا تكون كل على الناس‪ .‬علي‬
‫عليه السلم قلما اعتدل به المنبر إل قال أمام خطبته‪ :‬ايها الناس اتقوا ال‬
‫فما خلق امرء عبثا فيلهو‪ ،‬ول ترك سدى فيلغو‪ ،‬وما دنياه التي تحسنت له‬
‫بخلف من الخرة التي قبحها سوء النظر عنده‪ ،‬وما المغرور الذي ظفر من‬
‫الدنيا بأعلى همته كالخر الذي ظفر من الخر بأدنى سهمته )‪- 113 .(1‬‬
‫ختص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬من ازداد في ال علما‪ ،‬وازداد للدنيا‬
‫حبا‪ ،‬ازداد من ال بعدا‪ ،‬وازداد ال عليه غضبا )‪ - 114 .(2‬ختص‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لو عدلت الدنيا عند ال عزوجل جناح‬
‫بعوضة لما سقى الكافر منها شربة )‪ - 115 .(3‬ين‪ :‬محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫طلحة بن زيد‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن مثل الدنيا مثل الحية‪،‬‬
‫مسها لين‪ ،‬وفي جوفها السم القاتل‪ ،‬يحذرها الرجل العاقل‪ ،‬ويهوى إليها‬
‫الصبيان بأيديهم‪ - 116 .‬ين‪ :‬فضالة‪ :‬عن داود بن فرقد قال‪ :‬قلت لبي عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬ما يسرني بحبكم الدنيا وما فيها‪ ،‬فقال‪ :‬أف للدنيا وما‬
‫فيها‪ ،‬وما هي يا داود ؟ هل هي إل ثوبان وملء بطنك‪ - 117 .‬ين‪ :‬النضر‪،‬‬
‫عن درست‪ ،‬عن سلمة‪ ،‬عن ابن أبي يعفور‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إنا لنحب الدنيا ولن ل نؤتاها خير من أن نؤتاها‪ ،‬وما من عبد بسط‬
‫ال له من دنياه إل نقص من حظه في آخرته‪ - 118 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عبد الحميد‪ ،‬عن إسحاق بن غالب‬

‫)‪ (1‬تنبيه الخواطر‪ 77 :‬و ‪ 78‬و ‪ ،79‬متفرقا‪ (3 - 2) .‬الختصاص‪.(*) 243 :‬‬

‫]‪[125‬‬

‫قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا إسحاق كم ترى اصحاب هذه الية " إن‬
‫أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " )‪ (1‬ثم قال لي‪:‬‬
‫هم أكثر من ثلثي الناس‪ .‬وبهذا السناد قال‪ :‬سمعت ابا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول في هذه الية‪ " :‬ولول أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر‬
‫بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " )‪ (2‬قال‪ :‬لو‬
‫فعل لكفر الناس جميعا‪ - 119 .‬ين‪ :‬عن ابن علوان‪ ،‬عن ابن طريف‪ ،‬عن‬
‫ابن نباتة قال‪ :‬كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلم فجاء إليه رجل‬
‫فشكا إليه الدنيا وذمها‪ ،‬فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن الدنيا منزل‬
‫صدق لمن صدقها‪ ،‬ودار غنى لمن تزود منها‪ ،‬ودار عاقبة لمن فهم عنها‪،‬‬
‫مسجد أحباء ال‪ ،‬ومهبط وحي ال‪ ،‬ومصلى ملئكته‪ ،‬ومتجر أوليائه‪،‬‬
‫اكتسبوا فيها الجنة‪ ،‬وربحوا فيها الرحمة‪ ،‬فلماذا تذمها ؟ وقد آذنت ببينها‪،‬‬
‫ونادت بانقطاعها‪ ،‬ونعت نفسها وأهلها‪ ،‬فمثلت ببلئها إلى البلء‪ ،‬وشوقت‬
‫بسرورها إلى السرور‪ ،‬راحت بفجيعة‪ ،‬وابتكرت بعافية‪ ،‬تحذيرا‪ ،‬وترغيبا‬
‫وتخويفا‪ ،‬فذمها رجال غداة الندامة‪ ،‬وحمدها آخرون ]يوم القيامة[‪.‬‬
‫ذكرتهم فذكروا‪ ،‬وحدثتهم فصدقوا‪ :‬فيا أيها الذام للدنيا‪ ،‬المعتل بتغريرها‪،‬‬
‫متى استذمت إليك الدنيا وغرتك ؟ أبمنازل آبائك من الثرى‪ ،‬أم بمضاجع‬
‫أمهاتك من البلى‪ ،‬كم مرضت بكفيك‪ ،‬وكم عللت بيديك‪ ،‬تبتغي له الشفاء‪،‬‬
‫وتستوصف له الطباء‪ ،‬لم ينفعه إشفاقك‪ ،‬ولم تعقه طلبتك‪ ،‬مثلت لك به‬
‫الدنيا نفسك‪ ،‬وبمصرعه مصرعك‪ ،‬فجدير بك أن ل يفنى به بكاؤك‪ ،‬وقد‬
‫علمت أنه ل ينفعك أحباؤك )‪ - 120 .(3‬ين‪ :‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن طلحة‬
‫بن زيد‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .58 :‬الزخرف‪ (3) .33 :‬كتاب المؤمن مخطوط‪ ،‬وتراه في النهج‬
‫تحت الرقم ‪ 131‬من قسم الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[126‬‬
‫تمثلت الدنيا لعيسى عليه السلم في صورة امرأة زرقاء‪ ،‬فقال لها‪ :‬كم تزوجت ؟‬
‫قالت‪ :‬كثيرا قال‪ :‬فكل طلقك ؟ قالت‪ :‬بل كل قتلت‪ ،‬قال‪ :‬فويح أزواجك‬
‫الباقين كيف ل يعتبرون بالماضين ؟ قال‪ :‬وقال أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫مثل الدنيا كمثل البحر المالح‪ ،‬كلما شرب العطشان منه ازداد عطشا حتى‬
‫يقتله‪ - 121 .‬ين‪ :‬فضالة‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن سلمة بن ابي حفص‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال‪ ،‬عن ابيه عليهما السلم عن جابر قال‪ :‬مر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله بالسوق وأقبل يريد العالية والناس يكتنفه‪ ،‬فمر بجدي‬
‫أسك على مزبلة ملقى وهو ميت فأخذ باذنه فقال‪ :‬أيكم يحب أن يكون هذا‬
‫له بدرهم ؟ قالوا‪ :‬ما نحب أنه لنا بشئ‪ ،‬وما نصنع به ؟ قال‪ :‬أفتحبون أنه‬
‫لكم ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬حتى قال ذلك ثلث مرات فقالوا‪ :‬وال لو كان حيا كان عيبا‬
‫فكيف وهو ميت ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن الدنيا على ال‬
‫أهون من هذا عليكم‪ - 122 .‬ين‪ :‬عن فضالة‪ ،‬عن ابان‪ ،‬عن زياد بن ابي‬
‫رجا‪ ،‬عن ابي هاشم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أصبح والدنيا‬
‫أكبر همه شتت ]ال[ عليه أمره‪ ،‬وكان فقره بين عينيه‪ ،‬ولم يأته من الدنيا‬
‫إل ما قدر له‪ ،‬ومن كانت الخرة أكبر همه كشف ال عنه ضيقه‪ ،‬وجمع له‬
‫أمره‪ ،‬وأتته الدنيا وهي راغمة‪ - 123 .‬ين‪ :‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن المختار‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي حمزة‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬قال لي‬
‫أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثم أردت‬
‫التحرك منه من يومك ذلك‪ ،‬أو كمال اكتسبته في منامك واستيقظت فليس‬
‫في يدك منه شئ‪ ،‬وإذا كنت في جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت‬
‫ربك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش‪ ،‬فان الدنيا عند العلماء مثل‬
‫الظل‪ - 124 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن ابن سنان قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬دخل على النبي صلى ال عليه وآله رجل وهو على حصير‬
‫قد أثر في جسمه ووسادة ليف قد أثرت في خده‪ ،‬فجعل يمسح ويقول‪ :‬ما‬
‫رضي بهذا كسرى ول قيصر‪ ،‬إنهم ينامون‬

‫]‪[127‬‬

‫على الحرير والديباج‪ ،‬وأنت على هذا الحصير ؟ قال‪ :‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬لنا خير منهما وال‪ ،‬لنا أكرم منهما وال‪ ،‬ما أنا والدنيا ؟ إنما‬
‫مثل الدنيا كمثل رجل راكب مر على شجرة ولها فئ فاستظل تحتها‪ ،‬فلما‬
‫أن مال الظل عنها ارتحل فذهب وتركها‪ - 125 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن ابي‬
‫سيار‪ ،‬عن مروان‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال لي علي بن‬
‫الحسين عليهما السلم‪ :‬ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا والخر‬
‫للخرة فآثرت الدنيا‪ ،‬إل رأيت ما أكره قبل أن امسي ثم قال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم لبني أمية‪ :‬إنهم يؤثرون الدنيا على الخرة منذ ثمانين سنة‬
‫وليس يرون شيئا يكرهونه ‪ - 126‬ين‪ :‬ابن أبي عمير‪ ،‬عن الحمسي‪،‬‬
‫عمن أخبره‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم أنه كان يقول‪ :‬نعم العون الدنيا‬
‫على الخرة‪ 127 .‬ين‪ :‬الحسن بن علي‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪:‬‬
‫قال عيسى عليه السلم للحواريين‪ :‬يا بني آدم ل تأسوا على ما فاتكم من‬
‫دنياكم كما ل ياسى أهل الدنيا على ما فاتهم من آخرتهم إذا أصابوا دنياهم‪.‬‬
‫‪ - 128‬محص‪ :‬ابن ابي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن الثمالي قال‪:‬‬
‫سمعت علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬عجبا كل العجب لمن عمل‬
‫لدار الفناء‪ ،‬وترك دار البقاء‪ - 129 .‬محص‪ :‬عن مالك بن أعين قال‪:‬‬
‫سمعت أبا جعفر عليه السلم يقول‪ :‬يا مالك إن ال يعطي الدنيا من يحب‬
‫ويبغض‪ ،‬ول يعطي دينه إل من يحب‪ - 130 .‬ما‪ :‬عن الحسين بن إبراهيم‬
‫القزويني‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن أحمد ابن إبراهيم‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫علي الزعفراني‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن‬
‫سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬راس كل خطيئة حب الدنيا‪ .‬وبهذا‬
‫السناد‪ ،‬عن هشام قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إنا لنحب‬
‫الدنيا‪ ،‬وأن ل نعطاها خير لنا‪ ،‬وما أعطي أحد منها شيئا إل نقص حظه في‬

‫]‪[128‬‬

‫الخرة‪ ،‬قال‪ :‬فقال له رجل‪ :‬وال إنا لنطلب الدنيا فقال له أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫تصنع بها ماذا ؟ قال‪ :‬أعود بها على نفسي‪ ،‬وعلى عيالي‪ ،‬وأتصدق منها‪،‬‬
‫واصل منها‪ ،‬وأحج منها‪ ،‬قال‪ :‬فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ليس هذا‬
‫طلب الدنيا هذا طلب الخرة )‪ - 131 .(1‬نهج‪] :‬قال عليه السلم[ أهل‬
‫الدنيا كركب يسار بهم‪ ،‬وهم نيام )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كنت في إدبار‬
‫والموت في إقبال فما اسرع الملتقى )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬الدهر يخلق‬
‫البدان‪ ،‬ويجدد المال‪ ،‬ويقرب المنية ويباعد المنية‪ ،‬من ظفر به نصب‪،‬‬
‫ومن فاته تعب )‪ .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬نفس المرء خطاه إلى أجله )‪.(5‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬كل معدود منقض‪ ،‬وكل متوقع آت )‪ - 132 .(6‬نهج‪:‬‬
‫ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية ومسألته عن‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد‬
‫أرخى الليل سدوله‪ ،‬وهو قائم في محرابه‪ ،‬قابض على لحيته‪ ،‬يتململ‬
‫تململ السليم ويبكى بكاء الحزين‪ ،‬ويقول‪ :‬يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي‬
‫تعرضت أم إلي تشوقت‪ ،‬ل حان حينك‪ ،‬هيهات غري غيري‪ ،‬ل حاجة لي‬
‫فيك‪ ،‬قد طلقتك ثلثا ل رجعة فيها‪ ،‬فعيشك قصير‪ ،‬وخطرك يسير‪ ،‬وأملك‬
‫حقير‪ ،‬آه من قلة الزاد وطول الطريق‪ ،‬وبعد السفر‪ ،‬وعظيم المورد‪،‬‬
‫وخشونة المضجع )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬أمالي الطوسي ج ‪ 2‬ص ‪ 275‬و ‪ (2) .276‬نهج البلغة الرقم ‪ 64‬من الحكم‪) .‬‬
‫‪ (3‬نهج البلغة الرقم ‪ 28‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 72‬من‬
‫الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 74‬من الحكم‪ (6) .‬نهج البلغة الرقم ‪75‬‬
‫من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 77‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[129‬‬

‫‪ - 133‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬إن الدنيا والخرة عدوان متفاوتان‪ ،‬وسبيلن‬
‫مختلفان‪ ،‬فمن أحب الدنيا وتولها ابغض الخرة وعاداها‪ ،‬وهما بمنزلة‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬وماش بينهما‪ ،‬كلما قرب من واحد بعد من الخر‪ ،‬وهما‬
‫بعد ضرتان )‪ - 134 .(1‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬مثل الدنيا كمثل الحية‪:‬‬
‫لين مسها‪ ،‬والسم الناقع في جوفها‪ ،‬يهوى إليها الغر الجاهل‪ ،‬ويحذرها‬
‫ذواللب العاقل )‪ - 135 .(2‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم وقد سمع‬
‫رجل يذم الدنيا‪ :‬أيها الذام للدنيا‪ ،‬المغتر بغرورها‪ ،‬المنخدع بأباطيلها‪،‬‬
‫أتغتر بالدنيا ثم تذمها ؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ متى‬
‫استهوتك ؟ أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك‬
‫تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك‪ ،‬تبغي لهم الشفاء‪،‬‬
‫وتستوصف لهم الطباء‪ ،‬لم ينفع أحدهم إشفاقك‪ ،‬ولم تسعف فيه بطلبتك‪،‬‬
‫ولم تدفع عنهم بقوتك‪ ،‬قد مثلت لك به الدنيا نفسك‪ ،‬وبمصرعه مصرعك‪.‬‬
‫إن الدنيا دار صدق لمن صدقها‪ ،‬ودار عافية لمن فهم عنها‪ ،‬ودار غنى لمن‬
‫تزود منها‪ ،‬ودار موعظة لمن اتعظ بها‪ ،‬مسجد أحباء ال‪ ،‬ومصلى ملئكة‬
‫ال ومهبط وحي ال‪ ،‬ومتجر أولياء ال‪ ،‬اكتسبوا فيها الرحمة‪ ،‬وربحوا‬
‫فيها الجنة فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت ببينها‪ ،‬ونادت بفراقها‪ ،‬ونعت نفسها‬
‫وأهلها‪ ،‬فمثلت لهم ببلئها البلء‪ ،‬وشوقتهم بسرورها إلى السرور‪ ،‬راحت‬
‫بعافية‪ ،‬وابتكرت بفجيعة‪ ،‬ترغيبا وترهيبا‪ ،‬وتخويفا وتحذيرا‪ ،‬فذمها رجال‬
‫غداة الندامة‪ ،‬وحمدها آخرون يوم القيامة‪ ،‬ذكرتهم الدنيا فذكروا‪ ،‬وحدثتهم‬
‫فصدقوا‪ ،‬ووعظتهم فاتعظوا )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 103‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 119‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 131‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[130‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا دار ممر إلى دار مقر‪ ،‬والناس فيها رجلن‪ :‬رجل باع‬
‫نفسه فأوبقها‪ ،‬ورجل ابتاع نفسه فأعتقها )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬لكل‬
‫مقبل إدبار وما ادبر كأن لم يكن )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬المر قريب‬
‫والصطحاب قليل )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬الرحيل وشيك )‪ .(4‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إنما المرؤ في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا‪ ،‬ونهب تبادره‬
‫المصائب‪ ،‬ومع كل جرعة شرق‪ ،‬وفي كل أكلة غصص‪ ،‬ول ينال العبد‬
‫نعمة إل ]بفراق أخرى‪ ،‬ول يستقبل يوما من عمره إل[ )‪ (5‬بفراق آخر من‬
‫أجله فنحن أعوان المنون‪ ،‬وأنفسنا نصب الحتوف‪ ،‬فمن أين نرجو البقاء‪،‬‬
‫وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شئ شرفا إل اسرعا الكرة في هدم ما بنيا‪،‬‬
‫وتفريق ما جمعا )‪ .(6‬وقال عليه السلم‪ :‬من لهج قلبه بحب الدنيا التاط‬
‫منها بثلث‪ :‬هم ل يغبه‪ ،‬وحرص ل يتركه‪ ،‬وأمل ل يدركه )‪ .(7‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬وال لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم )‬
‫‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 133‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 152‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 168‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 187‬من‬
‫الحكم‪ (5) .‬ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمباني‪ (6) .‬نهج البلغة‬
‫الرقم ‪ 191‬من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 228‬من الحكم‪ (8) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 236‬من الحكم‪ ،‬والعراق ‪ -‬بالضم ‪ -‬العظم أكل لحمه أو‬
‫بالكسر ‪ -‬وهو من الحشا ما فوق السرة معترضا بالبطن‪ ،‬كانه يريد به‬
‫الكرش‪ ،‬وعلى الوجهين ما أقذره إذا كان بيد مجذوم )*(‪.‬‬

‫]‪[131‬‬

‫قال عليه السلم‪ :‬مرارة الدنيا حلوة الخرة‪ ،‬وحلوة الدنيا مرارة الخرة )‪ .(1‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الناس في الدنيا عاملن‪ :‬عامل في الدنيا للدنيا‪ ،‬قد شغلته‬
‫دنياه عن آخرته‪ ،‬يخشى على من يخلف الفقر‪ ،‬ويأمنه على نفسه‪ ،‬فيفنى‬
‫عمره في منفعة غيره‪ ،‬وعامل عمل في الدنيا لما بعدها‪ ،‬فجاءه الذي له‬
‫من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا‪ ،‬وملك الدارين جميعا‪ ،‬فاصبح‬
‫وجيها عند ال ل يسأل ال شيئا فيمنعه )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬الناس‬
‫أبناء الدنيا‪ ،‬ول يلم الرجل على حب أمه )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬يا أيها‬
‫الناس متاع الدنيا حطام موبئ )‪ (4‬فتجنبوا مرعاه قلعتها أحظى من‬
‫طمأنينتها‪ ،‬وبلغتها أزكى من ثروتها‪ ،‬حكم على مكثريها بالفاقة وأعين من‬
‫غنى عنها بالراحة‪ ،‬من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها )‪ (5‬ومن‬
‫استشعر الشغف بها ملت ضميره أشجانا‪ ،‬لهن رقص على سويداء قلبه‪،‬‬
‫هم يشغله‪ ،‬وهم يحزنه‪ ،‬كذلك حتى يؤخذ بكظمه )‪ (6‬فيلقى بالفضاء منقطعا‬
‫أبهراه‪ ،‬هينا على ال فناؤه‪ ،‬وعلى الخوان إلقاؤه‪ ،‬وإنما ينظر المؤمن إلى‬
‫الدنيا بعين العتبار‬
‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 251‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 269‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 303‬من الحكم‪ (4) .‬الموبئ الكثير الوباء ‪ -‬ومرعى‬
‫وبئ‪ :‬أي مرتع إذا سرح فيه الدواب أصابها الوباء والطاعون‪ .‬وقوله "‬
‫قلعتها أحظى من طمأنينتها " القلعة‪ :‬النزوع والعزلة أي الكف منها‬
‫اسعد وأحظى من أن تطمئن وتركن إليها‪ - (5) .‬الكمه ‪ -‬محركة ‪ -‬العمى‪،‬‬
‫فان حب زبرجها وزينتها يعمى البصر عن رؤية عاقبتها‪ - (6) .‬الكظم ‪-‬‬
‫محركة ‪ -‬الحلقوم‪ ،‬أو مخرج النفس‪ ،‬والخذ بالكظم كناية عن الخنق‬
‫والبهر‪ :‬عرق مستبطن الصلب إذا انقطع لم يبق صاحبه‪ ،‬وفي الصحاح‪:‬‬
‫وهما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرائين‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هما الوريدان )*(‪.‬‬

‫]‪[132‬‬

‫ويقتات منها ببطن الضطرار‪ ،‬ويسمع فيها باذن المقت والبغاض‪ ،‬إن قيل‪ :‬أثرى‪،‬‬
‫قيل‪ :‬أكدى )‪ (1‬وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء‪ ،‬هذا ولم يأتهم يوم فيه‬
‫يبلسون )‪ - 136 .(2‬نهج‪ :‬روى أنه عليه السلم قلما اعتدل به المنبر إل‬
‫قال أمام خطبته‪ :‬أيها الناس اتقوا ال فما خلق امرؤ عببثا فيلهو‪ ،‬ول ترك‬
‫سدى فليغو‪ ،‬وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الخرة التي قبحها سوء‬
‫النظر عنده‪ ،‬وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعل همته‪ ،‬كالخر الذي‬
‫ظفر من الخرة بأدنى سهمته )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬رب مستقبل يوما‬
‫ليس بمستدبره‪ ،‬ومغبوط في أول ليله قامت بواكيه في آخره )‪ .(4‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل )‪ .(5‬وقال‪ :‬من‬
‫هوان الدنيا على ال أنه ل يعصى إل فيها ول ينال ما عنده إل بتركها )‪.(6‬‬
‫وقال عليه السلم في صفة الدنيا‪ :‬إن الدنيا تغر وتضر وتمر‪ ،‬إن ال تعالى‬
‫لم يرضها ثوابا لوليائه‪ ،‬ول عقابا لعدائه‪ ،‬وإن أهل الدنيا كركب بينا هم‬
‫حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا )‪ .(7‬وقال عليه السلم‪ :‬ال حر يدع‬
‫هذه اللماظة لهلها ؟ إنه ليس لنفسكم ثمن إل‬

‫)‪ (1‬أثرى‪ :‬أي صار ذا ثروة وغناء‪ ،‬وأكدى‪ :‬أي صادف الكدية‪ ،‬فل يظفر بحاجته‬
‫ورجع القهقرى إلى حالته الولى من الفقر‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪367‬‬
‫من قسم الحكم‪ (3) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 370‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة‬
‫الرقم ‪ 380‬من الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 384‬من الحكم‪ (6) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 385‬من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 415‬من الحكم‪.‬‬

‫]‪[133‬‬
‫الجنة فل تبيعوها إل بها )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬منهومان ل يشبعان‪ :‬طالب علم‬
‫وطالب دنيا )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا خلقت لغيرها‪ ،‬ولم تخلق لنفسها‬
‫)‪ .(3‬ومن خطبة له عليه السلم‪ :‬أل وإن الدنيا دار ل يسلم منها إل فيها‪،‬‬
‫ول ينجى بشئ كان لها‪ ،‬ابتلى الناس بها فتنة‪ ،‬فما أخذوه منها لها أخرجوا‬
‫منه‪ ،‬وحوسبوا عليه‪ ،‬وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه‪ ،‬واقاموا فيه‪،‬‬
‫فانها عند ذوي العقول كفئ الظل‪ ،‬بينا تراه سابغا حتى قلص‪ ،‬وزائدا حتى‬
‫نقص )‪ .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬ما اصف من دار أولها عناء‪ ،‬وآخرها فناء‪.‬‬
‫في حللها حساب وفي حرامها عقاب‪ ،‬من استغنى فيها فتن‪ ،‬ومن افتقر‬
‫فيها حزن‪ ،‬ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته‪ ،‬ومن أبصر بها‬
‫بصرته‪ ،‬ومن ابصر إليها أعمته )‪ - 137 .(5‬نهج‪ :‬من خطبة له عليه‬
‫السلم‪ :‬بعثه حين ل علم قائم‪ ،‬ول منار ساطع ول منهج واضح‪ ،‬أوصيكم‬
‫عباد ال بتقوى ال‪ ،‬وأحذركم الدنيا فانها دار شخوص ومحلة تنغيص‪،‬‬
‫ساكنها ظاعن‪ ،‬وقاطنها بائن‪ ،‬تميد بأهلها ميدان السفينة‪ ،‬تعصفها‬
‫العواصف في لجج البحار‪ ،‬فمنهم الغرق الوبق )‪ ،(6‬ومنهم الناجي على‬
‫متون‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 456‬واللماظة ‪ -‬بالضم‪ :‬ما بقى من الطعام في الفم‪ :‬عبر‬
‫عن الدنيا الفانية التي أدبرت وآذنت بوداع باللماظة الباقية في الفم بعد‬
‫أكل الطعام وقبل المضمضة والستياك‪ ،‬كما شبهها في غير مورد بصبابة‬
‫الناء وسملة الحوض‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 457‬من الحكم‪ (3) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 463‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 61‬من الخطب‪) .‬‬
‫‪ (5‬نهج البلغة الرقم ‪ 80‬من الخطب‪ (6) .‬الوبق ‪ -‬ككتف ‪ -‬الهالك‬
‫والحفز الدفع‪ .‬والمعنى أن الذي غرق في البحر حين تكسر به السفينة فل‬
‫يستدرك‪ ،‬ول يمكن خلصه‪ ،‬وأما من حمل على متن المواج‪ ،‬ولقى شدة‬
‫المحن والهوال حين يلقيه موج إلى موج‪ ،‬تارة يعلو على الماء ومرة‬
‫يعلو الماء =‬

‫]‪[134‬‬

‫المواج‪ ،‬تحفزه الرياح بأذيالها‪ ،‬وتحمله على أهوالها‪ ،‬فما غرق منها فليس‬
‫بمستدرك‪ ،‬وما نجا منها فالى مهلك‪ .‬عباد ال الن فاعملوا واللسن‬
‫مطلقة‪ ،‬والبدان صحيحة‪ ،‬والعضاء لدنة والمتقلب فسيح‪ ،‬والمجال‬
‫عريض‪ ،‬قبل إرهاق الفوت‪ ،‬وحلول الموت‪ ،‬فحققوا عليكم نزوله‪ ،‬ول‬
‫تنتظروا قدومه )‪ - 138 .(1‬نهج‪ :‬من كلم له عليه السلم‪ :‬أيها الناس‬
‫إنما الدنيا دار مجاز والخرة دار قرار‪ ،‬فخذوا من ممركم لمقركم‪ ،‬ول‬
‫تهتكوا أستاركم‪ ،‬عند من يعلم أسراركم‪ ،‬وأخرجوا من الدنيا قلوبكم‪ ،‬من‬
‫قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها اختبرتم‪ ،‬ولغيرها خلقتم‪ ،‬إن المرء إذا‬
‫هلك قال الناس ما ترك ؟ وقالت الملئكة ما قدم ؟ ل آباؤكم فقدموا بعضا‬
‫يكن لكم قرضا‪ ،‬ول تخلفوا كل فيكون عليكم كل )‪ .(2‬ومن كلم له عليه‬
‫السلم كثيرا ما ينادي به أصحابه‪ :‬تجهزوا رحمكم ال فقد نودي فيكم‬
‫بالرحيل‪ ،‬وأقلوا العرجة على الدنيا‪ ،‬وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد‬
‫فان أمامكم عقبة كؤودا‪ ،‬ومنازل مخوفة مهولة‪ ،‬ل بد من الورود عليها‪،‬‬
‫والوقوف عندها‪ .‬واعلموا أن ملحظ المنية نحوكم دانية‪ ،‬وكأنكم بمخالبها‬
‫وقد نشبت فيكم‪ ،‬وقد دهمتكم منها مفظعات المور‪ ،‬ومعضلت المحذور‪،‬‬
‫فقطعوا علئق الدنيا‪ ،‬واستظهروا بزاد التقوى )‪ - 139 .(3‬نهج‪ :‬الحمد ل‬
‫غير مقنوط من رحمته‪ ،‬ول مخلو من نعمته‪ ،‬ول‬

‫= عليه‪ ،‬فهو وان نجا من هذه المهلكة في البحر‪ ،‬تترقبه مهلكة أخرى في البر‬
‫ليفنيها فهو أيضا ليس بناج‪ (1) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 194‬من الخطب‪) .‬‬
‫‪ (2‬نهج البلغة الرقم ‪ 201‬من الخطب وفيه‪ :‬فرضا عليكم‪ (3) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 202‬من الخطب )*(‪.‬‬

‫]‪[135‬‬

‫مأيوس من مغفرته‪ ،‬ول مستنكف من عبادته‪ ،‬الذي ل تبرح منه رحمة‪ ،‬ول تفقد له‬
‫نعمة‪ ،‬والدنيا دار مني لها الفناء‪ ،‬ولهلها منها الجلء‪ ،‬وهي حلوة خضرة‪،‬‬
‫قد عجلت للطالب‪ ،‬والتبست بقلب الناظر‪ ،‬فارتحلوا عنها بأحسن ما‬
‫بحضرتكم من الزاد‪ ،‬ول تسألوا فوق الكفاف‪ ،‬ول تطلبوا منها أكثر من‬
‫البلغ )‪ - 140 .(1‬كنز الكراجكي‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫أحب دنياه اضر بآخرته‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬الدنيا دول‪،‬‬
‫فاطلب حظك منها بأجمل الطلب‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أمن الزمان‬
‫خافه‪ ،‬ومن غالبه أهانه‪ .‬وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدهر يومان‪ :‬يوم لك‪،‬‬
‫ويوم عليك‪ ،‬فان كان لك فل تبطر وإن كان عليك فاصبر‪ ،‬فكلهما غائب‬
‫سيحضر‪) - 123 - .‬باب( * " )حب المال وجمع الدينار والدرهم‬
‫وكنزهما( " * اليات‪ :‬النفال‪ :‬واعلموا أنما أموالكم وأولدكم فتنة وأن‬
‫ال عنده أجر عظيم )‪ .(2‬التوبة‪ :‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول‬
‫ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم‬
‫فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما‬
‫كنتم تكنزون )‪ .(3‬الكهف‪ :‬المال والبنون زينة الحيوة الدنيا )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 45‬من الخطب‪ (2) .‬النفال‪ (3) .28 :‬براءة‪) .35 - 34 :‬‬
‫‪ (4‬الكهف‪.(*) 45 :‬‬
‫]‪[136‬‬

‫القصص‪ :‬إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن‬
‫مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه ل تفرح إن ال ل يحب‬
‫الفرحين * وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا‬
‫وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ الفساد في الرض إن ال ل يحب‬
‫المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن ال قد أهلك من‬
‫قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ول يسأل عن ذنوبهم‬
‫المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا يا‬
‫ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم‬
‫ويلكم ثواب ال خير لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها إل الصابرون *‬
‫فخسفنا به وبداره الرض فما كان له من فئة ينصرونه مندون ال وما كان‬
‫من المنتصرين * وأصبح الذين تمنوا مكانه بالمس يقولون ويكأن ال‬
‫يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لو ل أن من ال علينا لخسف بنا‬
‫ويكأنه ل يفلح الكافرون )‪ .(1‬المنافقون‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم‬
‫أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )‪.(2‬‬
‫التغابن‪ :‬إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم )‪ .(3‬المعارج‪:‬‬
‫تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى )‪ .(4‬الفجر‪ :‬فأما النسان إذا ما‬
‫ابتليه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتليه وقدر عليه‬
‫رزقه فيقول ربي أهانن * كل بل ل تكرمون اليتيم * ول تحاضون على‬
‫طعام المسكين * وتأكلون التراث أكل لما * وتحبون المال حبا جما * كل‬
‫إذا دكت الرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا *‬

‫)‪ (1‬القصص‪ (2) .82 - 76 :‬المنافقون‪ (3) .9 :‬التغابن‪ (4) .15 :‬المعارج‪- 17 :‬‬
‫‪.(*) 18‬‬

‫]‪[137‬‬

‫وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر النسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت‬
‫لحيوتي فيومئذ ل يعذب عذابه أحد * ول يوثق وثاقه أحد )‪ .(1‬العاديات‪:‬‬
‫وإن النسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد‬
‫* افل يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم‬
‫يومئذ لخبير )‪ .(2‬الهمزة‪ :‬ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مال وعدده *‬
‫يحسب أن ماله أخلده * كل لينبذن في الحطمة * وما أدريك ما الحطمة *‬
‫نار ال الموقدة التي تطلع على الفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد‬
‫ممددة‪ - 1 .‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن كان الحساب حقا فالجمع‬
‫لماذا )‪ - 2 .(3‬لى‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن‬
‫التفليسي‪ ،‬عن السمندي‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان في بني‬
‫إسرائيل مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم‪ .‬فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا‬
‫فيه مكتوب‪ :‬أنا فلن النبي ينبش قبري حبشي‪ ،‬ما قدمنا وجدناه‪ ،‬وما أكلنا‬
‫ربحناه‪ ،‬وما خلفنا خسرناه )‪ - 3 .(4‬لى‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪،‬‬
‫عن عمه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن أبان بن تغلب‪ ،‬عن‬
‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬إن أول درهم ودينار ضربا في الرض نظر‬
‫إليهما إبليس فلما عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه‪ ،‬ثم ضمهما إلى‬
‫صدره‪ ،‬ثم صرخ صرخة ثم ضمهما إلى صدره ثم قال‪ :‬أنتما قرة عيني‪،‬‬
‫وثمرة فؤادي‪ ،‬ما أبالي من بني آدم إذا أحبو كما أن ل يعبدوا وثنا‪ ،‬حسبي‬
‫من بني آدم أن يحبوكما )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الفجر‪ (2) .16 - 15 :‬العاديات‪ (3) .11 - 6 :‬امالي الصدوق‪ (4) .6 :‬أمالي‬
‫الصدوق‪ (5) .361 :‬أمالى الصدوق‪.(*) 121 :‬‬

‫]‪[138‬‬

‫‪ - 4‬فس‪ :‬في رواية أبي الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم في قوله‪ " :‬والذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم " )‬
‫‪ (1‬فان ال حرم كنز الذهب والفضة‪ ،‬وأمر بانفاقه في سبيل ال‪ ،‬وقوله‪" :‬‬
‫يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا‬
‫ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " قال‪ :‬كان أبو ذر الغفاري يغدو‬
‫كل يوم وهو بالشام فينادي بأعل صوته‪ :‬بشر أهل الكنوز بكى في الجباه‪،‬‬
‫وكي بالجنوب‪ ،‬وكي بالظهور أبدا حتى يتردد الحر ]ق[ في أجوافهم )‪.(2‬‬
‫‪ - 5‬ل )‪ (3‬ن‪ :‬الفامي‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن محمد بن علي بن محبوب‪ ،‬عن‬
‫اليقطيني‪ ،‬عن ابن بزيع قال‪ :‬سمعت الرضا عليه السلم يقول‪ :‬ل يجتمع‬
‫المال إل بخصال خمس‪ :‬ببخل شديد‪ ،‬وأمل طويل‪ ،‬وحرص غالب‪ ،‬وقطيعة‬
‫الرحم‪ ،‬وإيثار الدنيا على الخرة )‪ - 6 .(4‬ما‪ :‬باسناد المجاشعي‪ ،‬عن‬
‫الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا‪ :‬ما فينا أحد يحب ذلك يا نبي ال‪،‬‬
‫قال‪ :‬بل كلكم يحب ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي‪ ،‬وهل لك من‬
‫مالك إل ما أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست فأبليت‪ ،‬أو تصدقت فأمضيت‪ ،‬وما عدا‬
‫ذلك فهو مال الوارث )‪ - 7 .(5‬ما‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه‬
‫عليهما السلم أنه سئل عن الدنانير والدراهم‪ ،‬وما على الناس فيها ؟ فقال‬
‫أبو جعفر عليه السلم‪ :‬هي خواتيم ال في أرضه جعلها ال مصحة لخلقه‪،‬‬
‫وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم‪ ،‬فمن أكثر له منها فقام‬
‫)‪ (1‬براءة‪ 34 :‬و ‪ (2) .35‬تفسير القمى‪ (3) .265 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(4) .136‬‬
‫عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .276‬أمالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.133‬‬

‫]‪[139‬‬

‫بحق ال تعالى فيها‪ ،‬وادى زكاتها فذاك الذي طابت وخلصت له‪ ،‬ومن أكثر له منها‬
‫فبخل بها‪ ،‬ولم يؤد حق ال فيها‪ ،‬واتخذ منها النية‪ ،‬فذاك الذي حق عليه‬
‫وعيد ال عزوجل في كتابه‪ ،‬يقول ال تعالى‪ " :‬يوم يحمى عليها في نار‬
‫جهنم فتكوى بها جباههم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم‬
‫تكنزون " )‪ - 8 .(1‬ما‪ :‬بهذا السناد قال‪ :‬لما نزلت هذه الية‪ " :‬والذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب اليم "‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز‪ ،‬وإن‬
‫كان تحت سبع ارضين‪ ،‬وكل مال ل تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان فوق‬
‫الرض )‪ - 9 .(2‬ل‪ :‬ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عمر بن عبد العزيز‪ ،‬عن جميل‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما بلى ال العباد بشئ أشد عليهم من إخراج‬
‫الدراهم )‪ .(3‬اقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار في باب الغنى )‪ - 10 .(4‬ل‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن زياد بن مروان‪ ،‬عن أبي وكيع‪ ،‬عن‬
‫أبي إسحاق‪ ،‬عن الحارث قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم‪ ،‬وهما‬
‫مهلكاكم )‪ - 11 .(5‬ل‪ :‬عن ابيه‪ :‬عن محمد بن العطار‪ ،‬عن الشعري رفعه‬
‫قال‪ :‬الذهب والفضة حجران ممسوخان‪ ،‬فمن أحبهما كان معهما‪ .‬قال‬
‫الصدوق رحمه ال‪ :‬يعني من أحبهما حبا يمنع حق ال منهما )‪- 12 .(6‬‬
‫ل‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ 133‬والية في براءة‪ (2) .34 :‬أمالى الطوسى ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (3) .133‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .8‬راجع ج ‪ 72‬ص ‪5) .68 - 56‬‬
‫و ‪ (6‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.23‬‬

‫]‪[140‬‬

‫محمد بن سنان‪ ،‬عن أبي الجارود‪ ،‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن نباتة قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬الفتن ثلث‪ :‬حب النساء‪ ،‬وهو سيف الشيطان‪،‬‬
‫وشرب الخمر‪ ،‬وهو فخ الشيطان‪ ،‬وحب الدينار والدرهم‪ ،‬وهو سهم‬
‫الشيطان‪ ،‬فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه‪ ،‬ومن أحب الشربة حرمت‬
‫عليه الجنة‪ ،‬ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا‪ .‬وقال‪ :‬قال عيسى‬
‫بن مريم عليه السلم‪ :‬الدينار داء الدين‪ ،‬والعالم طبيب الدين‪ ،‬فإذا رأيتم‬
‫الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه‪ ،‬واعلموا أنه غير ناصح لغيره )‪.(1‬‬
‫‪ - 13‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن اليقطيني‪ ،‬عن محمد‬
‫بن إبراهيم النوفلي‪ ،‬عن الحسين بن المختار رفعه قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ملعون ملعون من كمه أعمى‪ ،‬ملعون ملعون من عبد‬
‫الدينار والدرهم‪ ،‬ملعون ملعون من نكح بهيمة )‪ .(2‬مع‪ :‬عن ابن إدريس‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن محمد ابن إبراهيم النوفلي‬
‫مثله‪ .‬قال الصدوق رحمه ال‪ :‬قوله عليه السلم‪ :‬ملعون من عبد الدينار‬
‫والدرهم‪ ،‬يعني به من يمنع زكاة ماله‪ ،‬ويبخل بمواساة إخوانه‪ ،‬فيكون قد‬
‫آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة خالقه )‪ - 14 .(3‬ع‪ :‬عن علي بن‬
‫أحمد بن محمد‪ ،‬عن الكليني‪ ،‬عن علي بن محمد رفعه قال أتى يهودي أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم فسأله عن مسائل فكان فيما سأله‪ :‬لم سمي الدرهم‬
‫درهما‪ ،‬والدينار دينارا ؟ فقال عليه السلم‪ :‬إنما سمي الدرهم درهما لنه‬
‫دارهم من جمعه ولم ينفقه في طاعة ال‪ ،‬أورثه النار‪ ،‬وإنما سمي الدينار‬
‫دينارا لنه دار‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .56‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .64‬معاني الخبار‪403 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[141‬‬

‫النار من جمعه ولم ينفقه في طاعه ال أورثه النار‪ ،‬فقال اليهودي صدقت‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين )‪ - 15 .(1‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن‬
‫علي بن إسماعيل عن صفوان‪ ،‬عن ابن الحجاج عمن سمعه‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن الزكاة ما يأخذ منها الرجل ؟ وقلت له‪ :‬إنه‬
‫بلغنا أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬أيما رجل ترك دينارين فهما‬
‫كي بين عينيه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أولئك قوم كانوا اضيافا على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله فإذا أمسى قال‪ :‬يا فلن اذهب فعش هذا‪ ،‬وإذا اصبح قال‪ :‬يا‬
‫فلن اذهب فغد هذا‪ ،‬فلم يكونوا يخافون أن يصبحوا بغير غداء‪ ،‬ول بغير‬
‫عشاء فجمع الرجل منهم دينارين‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله فيه‬
‫هذه المقالة وإن الناس إنما يعطون من السنة إلى السنة‪ ،‬فللرجل أن يأخذ‬
‫ما يكفيه‪ ،‬ويكفي عياله من السنة إلى السنة )‪ - 16 .(2‬مع‪ :‬أبي‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن أبان قال‪ :‬ذكر بعضهم عند‬
‫أبي الحسن عليه السلم فقال‪ :‬بلغنا أن رجل هلك على عهد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وترك دينارين‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫ترك كثيرا‪ ،‬قال‪ :‬إن ذاك كان رجل يأتي أهل الصفة فيسألهم فمات‪ ،‬وترك‬
‫دينارين )‪ - 17 .(3‬مع‪ :‬الحسن بن حمزة العلوي‪ ،‬عن محمد بن أوميدوار‪،‬‬
‫عن الصفار عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هارون بن خارجة‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لعن ال الذهب والفضة‪ ،‬ل يحبهما إل من‬
‫كان من جنسهما‪ ،‬قلت‪ :‬جعلت فداك الذهب والفضة ؟ قال‪ :‬ليس حيث تذهب‬
‫إليه إنما الذهب الذي ذهب بالدين والفضة الذي أفاض الكفر‪ .‬قال الصدوق‬
‫رحمه ال‪ :‬هذا حديث لم أسمعه إل من الحسن بن حمزة العلوي ولم‬

‫)‪ (1‬علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .4‬معاني الخبار‪ (3) .152 :‬معاني الخبار‪153 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[142‬‬

‫أروه عن شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ولكنه صحيح عندي يؤيده‬
‫الخبر المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ :‬أنا يعسوب‬
‫المؤمنين‪ ،‬والمال يعسوب الظلمة والمال ل يدوس إنما يداس به‪ ،‬فهو‬
‫كناية عمن ذهب بالدين وأفاض الكفر‪ ،‬وإنما وقعت الكناية بهما لنهما‬
‫أثمان كل شئ كما أن الذين كنى عنهم اصول كل كفر وظلم )‪ - 18 .(1‬ل )‬
‫‪ (2‬مع‪ :‬الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬السكر اربع سكرات‪:‬‬
‫سكر الشراب‪ ،‬وسكر المال‪ ،‬وسكر النوم‪ ،‬وسكر الملك )‪ - 19 .(3‬ص‪:‬‬
‫بالسناد إلى الصدوق عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫الهوازي‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫أوحى ال تعالى إلى موسى عليه السلم ل تفرح بكثرة المال‪ ،‬ول تدع‬
‫ذكري على حال‪ ،‬فان كثرة المال تنسي الذنوب‪ ،‬وترك ذكري يقسي‬
‫القلوب‪ - 20 .‬شى‪ :‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عمن حدثه‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم في قول ال " كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم " )‪(4‬‬
‫قال‪ :‬هو الرجل يدع المال ل ينفقه في طاعة ال بخل‪ ،‬ثم يموت فيدعه لمن‬
‫يعمل به في طاعة ال أو في معصيته فان عمل به في طاعة ال رآه في‬
‫ميزان غيره فزاده حسرة‪ ،‬وقد كان المال له أو عمل به في معصية ال‬
‫]فهو[ قواه بذلك المال حتى عمل به في معاصي ال )‪ - 21 .(5‬م‪ :‬سئل‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم من أعظم الناس حسرة ؟ قال‪ :‬من رأى ماله‬
‫في ميزان غيره‪ ،‬وادخله ال به النار‪ ،‬وأدخل وارثه به الجنة‪ - 22 .‬شى‪:‬‬
‫عن سعدان‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم في قول ال " الذين يكنزون‬
‫الذهب‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ 313 :‬و ‪ (2) .314‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .170‬معاني الخبار‪:‬‬
‫‪ (4) .365‬البقرة‪ (5) .167 :‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 72‬‬
‫]‪[143‬‬

‫والفضة " إنما عنى بذلك ما جاوز ألفي درهم )‪ - 23 .(1‬شى‪ :‬عن معاذ بن كثير‬
‫صاحب الكسية قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم قال‪ :‬موسع على‬
‫شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف‪ ،‬فإذا قام قائمنا حرم على كل‬
‫ذي كنز كنزه‪ ،‬حتى يأتيه فيستعين به على عدوه‪ ،‬وذلك قول ال " الذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم " )‬
‫‪ - 24 .(2‬شى‪ :‬عن الحسين بن علوان‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن المؤمن إذا كان عنده من ذلك شئ ينفقه على عياله ما‬
‫شاء‪ ،‬ثم إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده‪ ،‬وما بقي من ذلك يستعين به‬
‫على أمره‪ ،‬فقد ادى ما يجب عليه )‪ - 25 .(3‬جا‪ :‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫عروة‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أحدهما عليه السلم في معنى قوله عز وجل‪" :‬‬
‫كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم " )‪ (4‬قال‪ :‬الرجل يكسب مال‬
‫فيحرم أن يعمل خيرا فيموت‪ ،‬فيرثه غيره‪ ،‬فيعمل عمل صالحا‪ ،‬فيرى‬
‫الرجل ما كسب حسنات في ميزان غيره )‪ - 26 .(5‬ضه‪ :‬قال الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬إن عيسى بن مريم توجه في بعض حوائجه ومعه ثلثة نفر من‬
‫أصحابه‪ ،‬فمر بلبنات من ذهب على ظهر الطريق‪ ،‬فقال عليه السلم‬
‫لصحابه‪ :‬إن هذا يقتل الناس ثم مضى‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬إن لي حاجة‬
‫فانصرف ثم قال الخر‪ :‬لي حاجة فانصرف‪ ،‬ثم قال الخر‪ :‬لي حاجة‬
‫فانصرف‪ ،‬فوافوا عند الذهب ثلثتهم فقال اثنان لواحد‪ :‬اشتر لنا طعاما‬
‫فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما‪ ،‬كيل يشاركاه في‬
‫الذهب‪ ،‬وقال الثنان‪ :‬إذا جاء قتلناه كيل يشاركنا‪ ،‬فلما جاء قاما إليه‬
‫فقتله‪ ،‬ثم تغديا فماتا‪.‬‬

‫)‪ (3 - 1‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ ،87‬والية في براءة‪ (4) .34 :‬البقرة‪) .167 :‬‬
‫‪ (5‬مجالس المفيد‪.(*) 127 :‬‬

‫]‪[144‬‬

‫فرجع إليهم عيسى عليه السلم وهم موتى حوله‪ ،‬فأحياهم باذن ال عزوجل وقال‪:‬‬
‫ألم اقل لكم أن هذا يقتل الناس ؟‪ - 27 .‬ين‪ :‬فضالة عن ابن عميرة‪ ،‬عن‬
‫علي بن المغيرة‪ ،‬عن أخ له قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما ذئبان جائعان في غنم قد فرقها راعيها‬
‫أحدهما في أولها والخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في‬
‫دين المرء المسلم‪ - 28 .‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬يا ابن آدم ما كسبت فوق‬
‫قوتك فأنت فيه خازن لغيرك )‪ .(1‬وقال عليه السلم وقد مر بقذر على‬
‫مزبلة‪ :‬هذا ما بخل به الباخلون‪ ،‬وروي أنه قال‪ :‬هذا ما كنتم تتنافسون فيه‬
‫بالمس )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬لم يذهب من مالك ما وعظك )‪ .(3‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬لكل امرئ في ماله شريكان‪ :‬الوارث والحوادث )‪ .(4‬وقال‬
‫عليه السلم لبنه الحسن عليه السلم‪ :‬يا بني ل تخلفن وراءك شيئا من‬
‫الدنيا فانك تخلفه لحد رجلين‪ :‬إما رجل عمل فيه بطاعة ال فسعد بما‬
‫شقيت به‪ ،‬وإما رجل عمل فيه بمعصية ال فكنت عونا له على معصيته‪،‬‬
‫وليس أحد هذين حقيقا أن تؤثره على نفسك‪ .‬ويروي هذا الكلم على وجه‬
‫آخر وهو‪ :‬أما بعد فان الذي في يديك من الدنيا قد كان له أهل قبلك‪ ،‬وهو‬
‫صائر إلى أهل بعدك‪ ،‬وإنما أنت جامع لحد رجلين‪ :‬رجل عمل فيما جمعته‬
‫بطاعة ال فسعد بما شقيت به‪ ،‬أو رجل عمل‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 192‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 195‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 196‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 335‬من‬
‫الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[145‬‬

‫فيه بمعصية ال‪ ،‬فشقي بما جمعت له‪ ،‬وليس أحد هذين أهل أن تؤثره على نفسك‪،‬‬
‫وتحمل له على ظهرك‪ ،‬فارج لمن مضى رحمة ال‪ ،‬ولمن بقي رزق ال‬
‫عزوجل )‪) - 124 - .(1‬باب( " )حب الرياسة( " اليات‪ :‬القصص‪ :‬تلك‬
‫الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا والعاقبة‬
‫للمتقين )‪ - 1 .(2‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن معمر بن خلد‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن عليه السلم أنه ذكر رجل فقال إنه يحب الرياسة‪ ،‬فقال‪ :‬ما ذئبان‬
‫ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من طلب الرياسة‬
‫)‪ .(3‬بيان‪ " :‬إنه ذكر رجل " ضماير " إنه " و " ذكر " و " فقال "‬
‫أول‪ ،‬راجعة إلى معمر‪ ،‬ويحتمل رجوعها إلى المام عليه السلم‪ ،‬والرياسة‬
‫الشرف والعلو على الناس من رأس الرجل يراس مهموزا بفتحتين رياسة‬
‫شرف وعل قدره‪ ،‬فهو رئيس والجمع رؤساء مثل شريف وشرفاء‪،‬‬
‫والضاري السبع الذي اعتاد بالصيد وإهلكه‪ ،‬والرعاء بالكسر والمد جمع‬
‫راع اسم فاعل وبالضم اسم جمع صرح بالول صاحب المصباح وبالثاني‬
‫القاضي‪ ،‬وتفرق الرعاء لبيان شدة الضرر‪ ،‬فان الراعي إذا كالن حاضرا‬
‫يمنع الذئب عن الضرر ويحمي القطيع‪ .‬والظاهر أن قوله‪ " :‬في دين‬
‫المسلم " صلة للضرر المقدر أي ليس ضرر الذئبين في الغنم بأشد من‬
‫ضرر الرياسة في دين المسلم‪ ،‬ففي الكلم تقديم وتأخير‪.‬‬
‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 416‬من الحكم‪ (2) .‬القصص‪ (3) .83 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.(*) 297‬‬

‫]‪[146‬‬

‫ويؤيده ما سيأتي في باب حب الدنيا مثله )‪ (1‬هكذا " بأفسد فيها من حب المال‬
‫والشرف في دين المسلم "‪ .‬وقيل‪ :‬في دين المسلم حال عن الرياسة قدم‬
‫عليه‪ ،‬ول يخفى ما فيه‪ ،‬وفيه تحذير عن طلب الرياسة‪ ،‬وللرياسة أنواع‬
‫شتى‪ ،‬منها ممدوحة‪ ،‬ومنها مذمومة‪ ،‬فالممدوحة منها الرياسة التي‬
‫أعطاها ال تعالى خواص خلقه من النبياء والوصياء عليهم السلم‬
‫لهداية الخلق وإرشادهم‪ ،‬ودفع الفساد عنهم‪ ،‬ولما كانوا معصومين‬
‫مؤيدين بالعنايات الربانية‪ ،‬فهم مأمونون من أن يكون غرضهم من ذلك‬
‫تحصيل الغراض الدنية والغراض الدنيوية‪ ،‬فإذا طلبوا ذلك ليس‬
‫غرضهم إل الشفقة على خلق ال وإنقاذهم من المهالك الدنيوية‬
‫والخروية‪ ،‬كما قال يوسف عليه السلم‪ " :‬اجعلني على خزائن الرض‬
‫إني حفيظ عليم " )‪ .(2‬وأما ساير الخلق فلهم رياسات حقة‪ ،‬ورياسات‬
‫باطلة‪ ،‬وهي مشتبهة بحسب نياتهم‪ ،‬واختلف حالتهم‪ ،‬فمنها القضاء‬
‫والحكم بين الناس وهذا أمر خطير وللشيطان فيه تسويلت‪ ،‬ولذا وقع‬
‫التحذير عنه في كثير من الخبار وأما من يأمن ذلك من نفسه‪ ،‬ويظن أنه‬
‫ل ينخدع من الشيطان‪ ،‬فإذا كان في زمان حضور المام عليه السلم وبسط‬
‫يده عليه السلم وكلفه ذلك يجب عليه قبوله‪ ،‬وأما في زمان الغيبة‬
‫فالمشهور أنه يجب على الفقيه الجامع لشرايط الحكم والفتوى ارتكاب‬
‫ذلك‪ ،‬إما عينا وإما كفاية‪ .‬فان كان غرضه من ارتكاب ذلك إطاعة امامه‬
‫والشفقة على عباد ال‪ ،‬وإحقاق حقوقهم‪ ،‬وحفظ فروجهم وأموالهم‬
‫وأعراضهم عن التلف‪ ،‬ولم يكن غرضه الترفع على الناس‪ ،‬والتسلط‬
‫عليهم‪ ،‬ول جلب قلوبهم‪ ،‬وكسب المحمدة منهم‪ ،‬فليست رياسته رياسة‬
‫باطلة‪ ،‬بل رياسة حقة أطاع ال تعالى فيها ونصح إمامه‪.‬‬

‫)‪ (1‬يعني باب حب الدنيا من الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،315‬وقد مر في الباب ‪ 122‬تحت‬


‫الرقم‪ (2) .14 :‬يوسف‪.(*) 55 :‬‬

‫]‪[147‬‬

‫وإن كان غرضه كسب المال الحرام‪ ،‬وجلب قلوب الخواص والعوام وأمثال ذلك‬
‫فهي الرياسة الباطلة التي حذر عنها‪ ،‬وأشد منها من ادعى ما ليس له‬
‫بحق كالمامة والخلفة‪ ،‬ومعارضة ائمة الحق فانه على حد الشرك بال‬
‫وقريب منه ما فعله الكذابون المتصنعون ]الذين كانوا في أعصار الئمة‬
‫عليهم السلم وكانوا يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري‬
‫وسفيان الثوري[ )‪ (1‬وأبي حنيفة وأضرابهم‪ .‬ومن الرياسات المنقسمة‬
‫إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس والوعظ فمن كان أهل لتلك‬
‫المور‪ ،‬عالما بما يقول‪ :‬متبعا للكتاب والسنة‪ ،‬وكان غرضه هداية الخلق‪،‬‬
‫وتعليمهم مسائل دينهم‪ ،‬فهو من الرياسة الحقة‪ ،‬ويحتمل وجوبه إما عينا‬
‫أو كفاية‪ ،‬ومن لم يكن أهل لذلك‪ ،‬ويفسر اليات برأيه‪ ،‬والخبار مع عدم‬
‫فهمها‪ ،‬ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال ال سبحانه فيهم " قل هل‬
‫ننبئكم بالخسرين أعمال الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون‬
‫أنهم يحسنون صنعا " )‪ .(2‬وكذلك من هو أهل لتلك المور من جهة العلم‪،‬‬
‫لكنه مراء متصنع‪ ،‬يحرف الكلم عن مواضعه ويفتي الناس بخلف ما يعلم‪،‬‬
‫أو كان غرضه محض الشهرة‪ ،‬وجلب القلوب أو تحصيل الموال‬
‫والمناصب فهو ايضا من الهالكين ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة‪،‬‬
‫فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرياسات الحقة وإل فهو‬
‫ايضا من أهل الفساد‪ .‬والحاصل أن الرياسة إن كانت بجهة شرعية‬
‫ولغرض صحيح‪ ،‬فهي ممدوحة وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو‬
‫مقرونة بالغراض الفاسدة‪ ،‬فهي مذمومة فهذه الخبار محمولة على أحد‬
‫هذه الوجوه الباطلة‪ ،‬أو على ما إذا كان المقصود نفس الرياسة والتسلط‪.‬‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .277‬الكهف‪ 103 :‬و‬
‫‪.(*) 104‬‬

‫]‪[148‬‬

‫قال بعض المحققين‪ :‬معنى الجاه ملك القلوب‪ ،‬والقدرة عليها‪ ،‬فحكمها حكم ملك‬
‫الموال‪ ،‬فانه غرض من أغراض الحياة الدنيا‪ ،‬وينقطع بالموت كالمال‪،‬‬
‫والدنيا مزرعة الخرة‪ ،‬فكلما خلق ال في الدنيا فيمكن أن يتزود منه إلى‬
‫الخرة‪ ،‬وكما أنه ل بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس‪ ،‬فل بد من‬
‫أدنى جاه‪ ،‬لضرورة المعيشة مع الخلق‪ ،‬والنسان كما ل يستغني عن طعام‬
‫يتناوله فيجوز أن يحب الطعام والمال الذي يبتاع به الطعام‪ ،‬فكذلك ل يخلو‬
‫عن الحاجة إلى خادم يخدمه‪ ،‬ورفيق يعينه‪ ،‬واستاد يعلمه‪ ،‬وسلطان‬
‫يحرسه‪ ،‬ويدفع عنه ظلم الشرار‪ .‬فحبه أن يكون له في قلب خادمه من‬
‫المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس بمذموم‪ ،‬وحبه لن يكون في قلب رفيقه‬
‫من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته ليس بمذموم‪ ،‬وحبه لن يكون‬
‫في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده وتعليمه والعناية به ليس‬
‫بمذموم‪ ،‬وحبه لن يكون له من المحل في قلب سلطانه ما يحثه ذلك على‬
‫دفع الشر عنه ليس بمذموم‪ ،‬فان الجاه وسيلة إلى الغراض كالمال‪ .‬فل‬
‫فرق بينهما إل أن التحقيق في هذا يفضي إلى أن يكون المال والجاه في‬
‫أعيانهما محبوبين‪ ،‬بل ينزل ذلك منزلة حب النسان أن يكون في داره بيت‬
‫ماء لنه يضطر إليه لقضاء حاجته وبوده لو استغنى عن قضاء الحاجة‬
‫حتى يستغني عن بيت الماء‪ ،‬وهذا على التحقيق ليس بحب لبيت الماء‪،‬‬
‫فكل ما يراد به التوصل إلى محبوب‪ ،‬فالمحبوب هو المقصود المتوصل‬
‫إليه‪ .‬وتدرك التفرقة بمثال‪ ،‬وهو أن الرجل قد يحب زوجته من حيث إنه‬
‫يدفع بها فضلة الشهوة‪ ،‬كما يدفع ببيت الماء فضلة الطعام‪ ،‬ولو كفي مؤنة‬
‫الشهوة لكان يهجر زوجته‪ ،‬كما لو كفي قضاء الحاجة لكان ل يدخل بيت‬
‫الماء‪ ،‬ول يدور به‪ ،‬وقد يحب زوجته لذاتها حب العشاق‪ ،‬ولو كفي الشهوة‬
‫لبقي مستصحبا لنكاحها‪.‬‬

‫]‪[149‬‬

‫فهذا هو الحب دون الول‪ ،‬فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما من هذين‬
‫الوجهين‪ ،‬فحبهما لجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم‪ ،‬وحبهما‬
‫لعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم‪ ،‬ولكنه ل يوصف‬
‫صاحبه بالفسق والعصيان‪ ،‬ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية‪ ،‬وما‬
‫لم يتوصل إلى اكتسابه بعبادة فان التوصل إلى المال والجاه بالعبادة خيانة‬
‫على الدين‪ ،‬وهو حرام‪ ،‬وإليه يرجع معنى الرياء المحظور كما مر‪ .‬فان‬
‫قلت‪ :‬طلب الجاه والمنزلة في قلب استاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه ومن‬
‫يرتبط به أمره مباح على الطلق‪ ،‬كيف ما كان ؟ أو مباح إلى حد‬
‫مخصوص أو على وجه مخصوص ؟ فأقول‪ :‬يطلب ذلك على ثلثة أوجه‪:‬‬
‫وجهان منها مباح ووجه منها محظور‪ .‬أما المحظور‪ ،‬فهو أن يطلب قيام‬
‫المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو منفك عنها‪ ،‬مثل العلم والورع‬
‫والنسب‪ ،‬فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أو ورع‪ ،‬ول يكون كذلك‪ ،‬فهذا‬
‫حرام لنه تلبيس وكذب‪ ،‬إما بالقول وإما بالفعل‪ .‬وأما المباح فهو أن يطلب‬
‫المنزلة بصفة وهو متصف بها كقول يوسف عليه السلم‪ " :‬اجعلني على‬
‫خزائن الرض إني حفيظ عليم " )‪ (1‬فانه طلب المنزلة في قلبه بكونه‬
‫حفيظا عليما‪ ،‬وكان محتاجا إليه‪ ،‬وكان صادقا فيه‪ .‬والثاني أن يطلب إخفاء‬
‫عيب من عيوبه‪ ،‬ومعصية من معاصيه‪ ،‬حتى ل يعلمه فل تزول منزلته به‪،‬‬
‫فهذا أيضا مباح لن حفظ الستر على القبايح جايز‪ ،‬ول يجوز هتك الستر‪،‬‬
‫وإظهار القبح‪ ،‬فهذا ليس فيه تلبيس‪ ،‬بل هو سد لطريق العلم بما ل فائدة‬
‫في العلم به‪ ،‬كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر‪ ،‬ول يلقى إليه أنه‬
‫ورع‪ ،‬فان قوله‪ " :‬إني ورع " تلبيس‪ ،‬وعدم إقراره بالشرب ل يوجب‬
‫اعتقاده الورع‪ ،‬بل يمنع العلم بالشرب‪ .‬ومن جملة المحظورات تحسين‬
‫الصلة بين يديه لن تحسن فيه اعتقاده‪ ،‬فان‬
‫)‪ (1‬يوسف‪.(*) 55 :‬‬

‫]‪[150‬‬

‫ذلك رياء وهو ملبس‪ ،‬إذ يخيل إليه أنه من المخلصين الخاشعين ل وهو مراء بما‬
‫يفعله‪ ،‬فكيف يكون مخلصا‪ ،‬فطلب الجاه بهذا الطريق حرام‪ ،‬وكذا بكل‬
‫معصية‪ ،‬وذلك يجري مجرى اكتساب المال من غير فرق‪ ،‬وكما ل يجوز له‬
‫أن يتملك مال غيره بتلبيس في عوض أو غيره‪ ،‬فل يجوز له أن يتملك‬
‫قلبه بتزوير وخداع‪ ،‬فان ملك القلوب أعظم من ملك الموال‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن سعيد بن جناح‪ ،‬عن أخيه أبي عامر‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من طلب الرياسة هلك )‪ - 3 .(1‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫مسكان قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إياكم وهؤلء الرؤساء‬
‫الذين يتراءسون‪ ،‬فوال ما خفقت النعال خلف رجل إل هلك وأهلك )‪.(2‬‬
‫بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬رأس فلن القوم يرأس بالفتح رياسة‪ ،‬وهو رئيسهم‬
‫وراسته أنا ترئيسا فترأس هو‪ ،‬وارتأس عليهم‪ ،‬وقال‪ :‬خفق الرض بنعله‪،‬‬
‫وكل ضرب بشئ ]عريض خفق‪ ،‬أقول‪ :‬وهذا أيضا محمول على الجماعة‬
‫الذين كانوا في أعصار الئمة عليهم السلم ويدعون الرياسة[ )‪ (3‬من‬
‫غير استحقاق أو تحذير عن تسويل النفس وتكبر واستعلئها باتباع العوام‬
‫ورجوعهم إليه‪ ،‬فيهلك بذلك ويهلكهم باضللهم‪ ،‬وإفتائهم بغير علم‪ ،‬مع أن‬
‫زلت علماء الجور مسرية إلى غيرهم‪ ،‬لن كل ما يرون منهم يزعمون أنه‬
‫حسن فيتبعونهم في ذلك كما قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أخاف على‬
‫أمتي زلة عالم‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن ابن أيوب‪ :‬عن أبي‬
‫عقيلة الصيرفي قال‪ :‬حدثنا كرام‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي قال‪ :‬قال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬إياك والرياسة‪ ،‬وإياك أن تطأ أعقاب الرجال‪] ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫جعلت فداك‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .297‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪.(*) 278‬‬

‫]‪[151‬‬

‫أما الرئاسة فقد عرفتها‪ ،‬وأما أن أطأ أعقاب الرجال[ )‪ (1‬فما ثلثا ما في يدي إل مما‬
‫وطئت أعقاب الرجال فقال لي‪ :‬ليس حيث تذهب إياك أن تنصب رجل دون‬
‫الحجة‪ ،‬فتصدقه في كل ما قال )‪ .(2‬بيان‪ :‬في بعض النسخ أبي عقيل‪ ،‬وفي‬
‫بعضها أبي عقيلة‪ ،‬والظاهر أنه كان أيوب بن ابي عقيلة‪ ،‬لن الشيخ ذكر‬
‫في الفهرست الحسن بن ايوب بن ابي عقيلة )‪ (3‬وقال النجاشي‪ :‬له كتاب‬
‫أصل‪ ،‬وكون كتابه أصل عندي مدح عظيم " إل مما وطئت أعقاب الرجال‬
‫" أي مشيت خلفهم لخذ الرواية عنهم فأجاب عليه السلم بأنه ليس‬
‫الغرض النهي عن ذلك‪ ،‬بل الغرض النهي عن جعل غير المام المنصوب‬
‫من قبل ال تعالى‪ ،‬بحيث تصدقه في كل ما يقول‪ ،‬وقيل‪ :‬وطء العقب كناية‬
‫عن التباع في الفعال وتصديق المقال واكتفى في تفسيره بأحدهما‬
‫لستلزامه الخر غالبا‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسماعيل بن بزيع وغيره رفعوه قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ملعون‬
‫من ترأس‪ ،‬ملعون من هم بها‪ ،‬ملعون كل من حدث بها نفسه )‪ (4‬بيان‪:‬‬
‫من تراس اي ادعا الرياسة بغير حق‪ ،‬فان التفعل غالبا يكون للتكلف‪- 6 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن أبي الربيع‬
‫الشامي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال لي‪ :‬ويحك يا أبا الربيع ل‬
‫تطلبن الرياسة‪ ،‬ول تكن ذنبا‪ ،‬ول تأكل بنا الناس فيفقرك ال‪ ،‬ول تقل فينا‬
‫ما ل نقول في أنفسنا فانك موقوف ومسؤل ل محالة‪ ،‬فان كنت صادقا‬
‫صدقناك‪ ،‬وإن كنت كاذبا كذبناك )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمباني‪ ،‬أضفناه من المصدر‪ (2) .‬الكافي ج‬
‫‪ 2‬ص ‪ (3) .297‬وهو الصحيح قطعا كما سيأتي تحت الرقم ‪ 10‬من‬
‫معاني الخبار للصدوق‪ (5 - 4) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 298‬‬

‫]‪[152‬‬

‫بيان‪ " :‬ول تكن ذنبا " أي تابعا للجهال والمترئسين وعلماء السوء قال في‬
‫النهاية‪ :‬الذناب التباع‪ ،‬جمع ذنب‪ ،‬كأنهم في مقابل الرؤوس‪ ،‬وهم‬
‫المقدمون وفي بعض النسخ ذئبا بالهمزة فيكون تأكيدا للفقرة السابقة‪ ،‬فان‬
‫رؤساء الباطل ذئاب يفترسون الناس‪ ،‬ويهلكونهم من حيث ل يعلمون "‬
‫ول تأكل بنا الناس " اي ل تجعل انتسابك إلينا بالتشيع أو العلم أو النسب‬
‫مثل وسيلة لخذ أموال الناس أو إضرارهم‪ ،‬أو ل تجعل وضع الخبار فينا‬
‫وسيلة لخذ أموال الشيعة " فيفقرك ال " على خلف مقصودك‪ " .‬ما ل‬
‫نقول في أنفسنا " كالربوبية والحلول والتحاد ونسبة خلق العالم إليهم أو‬
‫كونهم أفضل من نبينا صلى ال عليه وآله أو العم منها ومن التقصير في‬
‫حقهم " فانك موقوف " أي يوم القيامة‪ " ،‬ومسؤل " عما قلت فينا‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪ " :‬وقفوهم إنهم مسؤلون " )‪ (1‬وفي القاموس‪ :‬ل محالة منه‬
‫بالفتح ل بد‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن منصور بن‬
‫العباس‪ ،‬عن ابن مياح‪ ،‬عن ابيه قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬من أراد الرياسة هلك )‪ - 8 .(2‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن ممد بن عيسى‪،‬‬
‫عن يونس‪ ،‬عن العل‪ ،‬عن محمد بن مسلم قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬أتراني ل أعرف خياركم من شراركم ؟ بلى وال وإن شراركم‬
‫من أحب أن يوطأ عقبه‪ ،‬إنه ل بد من كذاب أو عاجز الرأي )‪ .(3‬بيان‪" :‬‬
‫أترى " على المعلوم أو المجهول استفهام إنكار " إنه ل بد " قيل الضمير‬
‫اسم إن وراجع إلى أن يوطأ " ول بد " جملة معترضة و " من كذاب "‬
‫خبر " إن " و " من " للبتداء أو الضمير للشأن و " من كذاب " ظرف‬
‫لغو‬

‫)‪ (1‬الصافات‪ (2) .24 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .298‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.299‬‬

‫]‪[153‬‬

‫متعلق بل بد تقديره ل بد لنا من كذاب وقيل أي ل بد في الرض من كذاب يطلب‬


‫الرياسة‪ ،‬ومن عاجز الرأي يتبعه‪ .‬أقول‪ :‬ويحتمل أن يكون الضمير راجعا‬
‫إلى الموصول والتقدير ل بد من أن يكون كذابا أو عاجز الرأي الناس‬
‫يرجعون إليه في المسائل والمور المشكلة‪ ،‬فان أجابهم كان كذابا غالبا‬
‫وإن لم يجبهم كان ضعيف العقل عندهم أو واقفا لنه ل يتم ما أراد بذلك‪9 .‬‬
‫‪ -‬ل‪ :‬عن ابيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن معبد‪ ،‬عن عبد ال بن القاسم‬
‫عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬أول ما عصي ال تبارك وتعالى بست خصال‪ :‬حب الدنيا‪ ،‬وحب‬
‫الرياسة‪ ،‬وحب الطعام‪ ،‬وحب النساء‪ ،‬وحب النوم‪ ،‬وحب الراحة )‪- 10 .(1‬‬
‫مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن حسن بن أيوب ابن أبي‬
‫عقيلة‪ ،‬عن كرام الخثعمي‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫إياك والرياسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت فداك أما الرياسة‬
‫فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إل مما وطئت‬
‫أعقاب الرجال فقال‪ :‬ليس حيث تذهب‪ ،‬إياك أن تنصب رجل دون الحجة‬
‫فتصدقه في كل ما قال )‪ - 11 .(2‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬عن محمد بن خالد‪ ،‬عن أخيه سفيان بن خالد قال‪ :‬قال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬إياك والرياسة‪ ،‬فما طلبها أحد إل هلك‪ ،‬فقلت له‪ :‬جعلت‬
‫فداك قد هلكنا إذا ليس أحد منا إل وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ليس حيث تذهب إليه إنما ذلك أن تنصب رجل دون الحجة فتصدقه‬
‫في كل ما قال‪ ،‬وتدعو الناس إلى قوله )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .106‬معاني الخبار‪ (3) .169 :‬معاني الخبار‪180 :‬‬
‫)*(‪.‬‬
‫]‪[154‬‬

‫‪ - 12‬ضا‪ :‬نروي‪ :‬من طلب الرياسة لنفسه هلك‪ ،‬فان الرياسة ل تصلح إل لهلها‪.‬‬
‫‪ - 13‬كش‪ :‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن الهوازي‬
‫عن معمر بن خلد قال‪ :‬قال أبو الحسن عليه السلم‪ :‬ما ذئبان ضاريان في‬
‫غنم قد غاب عنها رعاؤها بأضر في دين المسلم من حب الرياسة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫لكن صفوان ل يحب الرياسة )‪) - 125 - .(1‬باب( * " )الغفلة‪ ،‬واللهو‪،‬‬
‫وكثرة الفرح‪ ،‬والتراف بالنعم( " * اليات‪ :‬العراف‪ :‬ول تكن من‬
‫الغافلين )‪ .(2‬يونس‪ :‬والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأويهم النار‬
‫بما كانوا يكسبون )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬وإن كثيرا من الناس عن آياتنا‬
‫لغافلون )‪ .(4‬هود‪ :‬واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين )‪.(5‬‬
‫أسرى‪ :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها‬
‫القول فدمرناها تدميرا )‪ .(6‬مريم‪ :‬وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي المر‬
‫وهم في غفلة وهم ل يؤمنون )‪ .(7‬النبياء‪ :‬اقترب للناس حسابهم وهم في‬
‫غفلة معرضون * ما يأتيهم من‬

‫)‪ (1‬رجال الكشي‪ (2) .424 :‬العراف‪ (3) .205 :‬يونس‪ (4) .8 - 7 :‬يونس‪.92 :‬‬
‫)‪ (5‬هود‪ (6) .116 :‬أسرى‪ (7) .16 :‬مريم‪.(*) 39 :‬‬

‫]‪[155‬‬

‫ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون * لهية قلوبهم )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬ل‬
‫تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون )‪ .(2‬وقال‪ :‬يا‬
‫ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين )‪ .(3‬المؤمنون‪ :‬حتى إذا أخذنا‬
‫مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * ل تجأروا اليوم إنكم منا ل تنصرون )‬
‫‪ .(4‬القصص‪ :‬وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن‬
‫من بعدهم إل قليل وكنا نحن الوارثين )‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬إذ قال له قومه ل‬
‫تفرح إن ال ل يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس‬
‫نصيبك من الدنيا )‪ .(6‬الروم‪ :‬وإذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها )‪.(7‬‬
‫سبا‪ :‬وما ارسلنا في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا بما أرسلتم به‬
‫كافرون * وقالوا نحن أكثر أموال وأولدا وما نحن بمعذبين ‪ -‬إلى قوله‬
‫تعالى‪ :‬وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي‬
‫فكيف كان نكير )‪ .(8‬المؤمن‪ :‬ذلكم بما كنتم تفرحون في الرض بغير الحق‬
‫وبما كنتم تمرحون )‪ .(9‬حمعسق‪ :‬وإنا إذا أذقنا النسان منا رحمة فرح‬
‫بها‪ ،‬وإن تصبهم سيئة‬
‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .2 - 1 :‬النبياء‪ (3) .14 - 13 :‬النبياء‪ (4) .97 :‬المؤمنون‪64 :‬‬
‫‪ (5) .65 -‬القصص‪ (6) .58 :‬القصص‪ (7) .77 - 76 :‬الروم‪(8) .36 :‬‬
‫سبأ‪ (9) .35 - 34 :‬المؤمن‪.75 :‬‬

‫]‪[156‬‬

‫بما قدمت أيديهم النسان كفور )‪ .(1‬الزخرف‪ :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية‬
‫من نذير إل قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون‬
‫)‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له‬
‫قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا‬
‫جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم‬
‫اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬فذرهم‬
‫يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون )‪ .(4‬الذاريات‪ :‬قتل‬
‫الخراصون * الذينهم في غمرة ساهون )‪ .(5‬الواقعة‪ :‬إنهم كانوا قبل ذلك‬
‫مترفين )‪ .(6‬الحديد‪ :‬لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم )‪.(7‬‬
‫المجادلة‪ :‬استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر ال أولئك حزب الشيطان‬
‫ال إن حزب الشيطان هم الخاسرون )‪ .(8‬الحشر‪ :‬ول تكونوا كالذين نسوا‬
‫ال فأنساهم أنفسهم أولئك هم القاسقون )‪ .(9‬المنافقون‪ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم‬
‫الخاسرون )‪ .(10‬المزمل‪ :‬وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليل )‬
‫‪.(11‬‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .48 :‬الزخرف‪ (3) .23 :‬الزخرف‪ (4) .39 - 36 :‬الزخرف‪:‬‬
‫‪ (5) .83‬الذاريات‪ (6) .11 - 10 :‬الواقعة‪ (7) .45 :‬الحديد‪(8) .23 :‬‬
‫المجادلة‪ (9) .19 :‬الحشر‪ (10) .19 :‬المنافقون‪ (11) .9 :‬المزمل‪11 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[157‬‬

‫‪ - 1‬ل )‪ (1‬لى‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ؟ وإن‬
‫كان الموت حقا فالفرح لماذا ؟ )‪ - 2 .(2‬ما‪ :‬عن ابن الصلت‪ ،‬عن ابن‬
‫عقدة‪ ،‬عن علي بن محمد بن علي الحسني عن جعفر بن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن عبد ال بن علي‪ ،‬عن الرضا عليه السلم عن آبائه‪ ،‬عن أمير‬
‫المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬كلما ألهى عن ذكر ال فهو من الميسر )‪.(3‬‬
‫‪ - 3‬دعوات الراوندي‪ :‬عن النبي صلى ال عليه واله إن من الذنوب ذنوبا‬
‫ل يكفرها صلة ول صدقة‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال صلى ال عليه وآله فما‬
‫يكفرها ؟ قال‪ :‬الهموم في طلب المعيشة‪ .‬وروي أن داود عليه السلم قال‪:‬‬
‫إلهي أمرتني أن أطهر وجهي وبدني ورجلي بالماء‪ ،‬فبماذا أطهر لك‬
‫قلبي ؟ قال‪ :‬بالهموم والغموم‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬انه‬
‫ليأتي على الرجل منكم زمان ل يكتب عليه سيئة‪ ،‬وذلك أنه مبتلى بهم‬
‫المعاش‪ ،‬وقال‪ :‬إن ال يحب كل قلب حزين‪ .‬وسئل أين ال ؟ فقال‪ :‬عند‬
‫المنكسرة قلوبهم‪ .‬وقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن الهم ليذهب بذنوب‬
‫المسلم‪ .‬وقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما اكتحل أحد بمثل مكحول‬
‫الحزن‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا كثرت ذنوب المؤمن‪ ،‬ولم يكن‬
‫له من العمل ما يكفرها‪ ،‬ابتله ال بالحزن ليكفرها به عنه‪ - 4 .‬نهج‪] :‬قال‬
‫عليه السلم‪ [:‬بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرة )‪] .(4‬وقال عليه‬
‫السلم‪ [:‬جاهلكم مزداد‪ ،‬وعالمكم مسوف )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .61‬أمالى الصدوق‪ (3) .6 :‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 4) .346‬و ‪ (5‬نهج البلغة الرقم ‪ 282‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[158‬‬

‫]وقال عليه السلم‪ [:‬قطع العلم عذر المتعللين )‪] .(1‬وقال عليه السلم‪ [:‬كل معاجل‬
‫يسأل النظار‪ ،‬وكل مؤجل يتعلل بالتسويف )‪) - 126 - .(2‬باب( * " )ذم‬
‫العشق وعلته( " * ‪ - 1‬لى‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الحسن بن متيل‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي الخطاب عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل قال‪ :‬سالت أبا عبد ال عليه‬
‫السلم عن العشق قال‪ :‬قلوب خلت عن ذكر ال‪ ،‬فأذاقها ال حب غيره )‬
‫‪ .(3‬ع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان مثله )‬
‫‪ - 2 .(4‬ن‪ :‬باسناد التميمي‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬تعوذوا بال من حب الحزن )‪ - 3 .(5‬نوادر‬
‫الراوندي‪ :‬باسناده‪ ،‬عنموسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أخوف ما أتخوف على امتي من بعدي‬
‫هذه المكاسب المحرمة‪ ،‬والشهوة الخفية‪ ،‬والربا )‪.(6‬‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬نهج البلغة الرقم ‪ 284‬و ‪ 285‬من الحكم‪ (3) .‬أمالي الصدوق‪) .396 :‬‬
‫‪ (4‬علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .133‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪(6) .61‬‬
‫نوادر الراوندي‪.(*) 17 :‬‬

‫]‪[159‬‬
‫‪) * - 127 -‬باب( * * " )الكسل‪ ،‬والضجر‪ ،‬والعجز‪ ،‬وطلب ما ل يدرك( " * ‪- 1‬‬
‫ل )‪ (1‬لى‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن كان الثواب من ال فالكسل لماذا ؟‬
‫)‪ - 2 .(2‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن الدهقان‪ ،‬عن‬
‫درست‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إياك وخصلتين‪:‬‬
‫الضجر والكسل‪ ،‬فانك إن ضجرت لم تصبر على حق‪ ،‬وإن كسلت لم تؤد‬
‫حقا )‪ - 3 .(3‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حماد‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال لقمان لبنه‪ :‬للكسلن ثلث علمات‪:‬‬
‫يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع‪ ،‬ويضيع حتى يأثم )‪ - 4 .(4‬ل‪:‬‬
‫الربعمائة قال امير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إياكم والكسل‪ ،‬فانه من كسل لم‬
‫يؤد حق ال عزوجل )‪ - 5 .(5‬ل‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪:‬‬
‫العجز مهانة )‪ - 6 .(6‬ل‪ :‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه وسعد معا‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن ابن أبي عثمان‪ ،‬عن موسى بن بكر‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬عشرة يفتنون أنفسهم‬
‫إلى أن قال‪ :‬والذي يطلب ما ل يدرك )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ ،61‬وقد سقط عن المطبوعة‪ (2) .‬أمالي الصدوق‪(3) .6 :‬‬
‫أمالي الصدوق‪ (4) .324 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .60‬الخصال ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (6) .160‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (7) .94‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 54‬‬

‫]‪[160‬‬

‫‪ - 7‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬العجز آفة‪ ،‬والصبر شجاعة )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من أطاع التواني ضيع الحقوق‪ ،‬ومن اطاع الواشي ضيع الصديق )‪.(2‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬في وصيته للحسن عليه السلم‪ :‬وإياك والتكال على‬
‫المنى‪ ،‬فانها بضايع النوكى )‪) * - 128 - .(3‬باب( * * " )الحرص‪،‬‬
‫وطول المل( " * اليات‪ :‬المعارج‪ :‬إن النسان خلق هلوعا * إذا مسه‬
‫الشر جزوعا )‪ .(4‬القيمة‪ :‬بل يريد النسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم‬
‫القيمة )‪ - 1 .(5‬ل )‪ (6‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم إن كان الرزق‬
‫مقسموما فالحرص لماذا ؟ )‪ - 2 .(7‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا )‪.(8‬‬
‫‪ - 3‬ل )‪ (9‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم ناقل عن حكيم‪ :‬الحريص الجشع‬
‫اشد‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 3‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 239‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 31‬من الحكم‪ (4) .‬المعارج‪ 19 :‬و ‪ (5) .20‬القيامة‪:‬‬
‫‪ 5‬و ‪ (6) .6‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (7) .61‬أمالى الصدوق‪ (8) .6 :‬أمالي‬
‫الصدوق‪ (9) .14 :‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 5‬‬

‫]‪[161‬‬

‫حرارة من النار )‪ .(1‬كتاب الغايات‪ :‬مرسل مثله‪ - 4 .‬لى‪ :‬في خبر الشيخ الشامي‪:‬‬
‫سئل أمير المؤمنين عليه السلم اي ذل اذل ؟ قال‪ :‬الحرص على الدنيا )‬
‫‪ .(2‬كتاب الغايات‪ :‬مرسل مثله‪ - 5 .‬ل‪ :‬ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن عدة من اصحابه رفعوه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬منهومان ل يشبعان‪ :‬منهوم علم ومنهوم مال )‪ - 6 .(3‬ل‪ :‬عن‬
‫الفامي‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابيه رفعه إلى أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان حرم القناعة فافتقد‬
‫الراحة‪ ،‬وحرم الرضا فافتقد اليقين )‪ - 7 .(4‬ل‪ :‬ابن بندار‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن يحيى بن الفضل‪ ،‬عن قتيبة ابن سعيد‪ ،‬عن ابي عوانة‪ ،‬عن‬
‫قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬يهرم ابن آدم ويشب‬
‫منه اثنان‪ :‬الحرص على المال‪ ،‬والحرص على العمر )‪ - 8 (5‬ل‪ :‬عن‬
‫الخليل‪ ،‬عن محمد بن معاذ‪ ،‬عن الحسين بن الحسن‪ ،‬عن عبد ال ابن‬
‫المبارك‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس أن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫قال‪ :‬يهلك أو قال‪ :‬يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان‪ :‬الحرص والمل )‪9 .(6‬‬
‫‪ -‬ل‪ :‬ابن الوليد‪ :‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن ابي الخطاب‪ ،‬عن النضر بن شعيب‪،‬‬
‫عن الجازي‪ ،‬عن ابي عبد ال عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ل يؤمن رجل‬
‫فيه الشح والحسد والجبن‬

‫)‪ (1‬أمالي الصدوق‪ (2) .148 :‬أمالي الصدوق‪ (3) .237 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .28‬‬
‫‪ (4‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (6 - 5) .36‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 37‬‬

‫]‪[162‬‬

‫ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا )‪ - 10 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن مرار‪ ،‬عن يونس رفعه إلى ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬كان فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه وآله عليا عليه السلم‪:‬‬
‫يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام‪ :‬الحسد والحرص والكذب )‪ .(2‬ل‪:‬‬
‫في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم بسند آخر مثله‬
‫)‪ - 11 .(3‬ل‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن‬
‫النوفلي عن السكوني‪ ،‬عن الصادق عليه السلم‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من علمات الشقاء جمود العين‪،‬‬
‫وقسوة القلب‪ ،‬وشدة الحرص في طلب الرزق‪ ،‬و الصرار على الذنب )‪.(4‬‬
‫‪ - 12‬ل‪ :‬عن سعيد بن علقة‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إظهار‬
‫الحرص يورث الفقر )‪ - 13 .(5‬ل‪ :‬عن ابن نباتة‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم قال‪ :‬الحرص مفقرة )‪ - 14 .(6‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن محمد بن آدم‪ ،‬عن أبيه رفعه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬اعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها‬
‫سوء الظن )‪ - 15 .(7‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي رفعه إلى ابن‬
‫طريف‪ ،‬عن ابن نباتة‪ ،‬عن الحارث العور قال‪ :‬كان فيما سال عنه أمير‬
‫المؤمنين ابنه الحسن عليهما السلم‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .41‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .62‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .27‬‬
‫‪ (4‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (6 - 5) .115‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (7) .94‬علل‬
‫الشرايع ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 246‬‬

‫]‪[163‬‬

‫أنه قال له‪ :‬ما الفقر ؟ قال‪ :‬الحرص والشره )‪ - 16 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد‬
‫العطار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حماد ابن عيسى‪ ،‬عن ابن أذينة‪،‬‬
‫عن أبان بن ابي عياش‪ ،‬عن سليم بن قيس‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ال إن أخوف ما أخاف عليكم خصلتان‪ :‬اتباع الهوى و طول‬
‫المل‪ ،‬أما اتباع الهوى فيصد عن الحق‪ ،‬وأما طول المل فينسي الخرة )‬
‫‪ .(2‬ل‪ :‬عن ابن بندار‪ ،‬عن أبي العباس الحمادي‪ ،‬عن أحمد بن محمد‬
‫الشافعي عن عمه إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن علي بن أبي علي اللهبي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن المنكدر‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله‬
‫مثله )‪ .(3‬أقول‪ :‬قد مر في باب ذم الدنيا وباب ترك الهواء‪ - 17 .‬ل‪ :‬أبي‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الحسن بن علي‪ ،‬عن عمر عن أبان‪ ،‬عن‬
‫ابن سيابة‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لما هبط نوح عليه السلم‬
‫من السفينة أتاه إبليس فقال له‪ :‬ما في الرض رجل أعظم منة علي منك‪،‬‬
‫دعوت ال على هؤلء الفساق فأرحتني منهم أل أعلمك خصلتين ؟ إياك‬
‫والحسد‪ ،‬فهو الذي عمل بي ما عمل‪ ،‬وإياك والحرص فهو الذي عمل بآدم‬
‫ما عمل )‪ - 18 .(4‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن‬
‫سهل‪ ،‬عن عبد العزيز العبدي‪ ،‬عن ابن ابي يعفور قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلث خصال‪ :‬هم ل‬
‫يفنى‪ ،‬وأمل ل يدرك‪ ،‬ورجاء ل ينال )‪ - 19 .(5‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن إسماعيل بن همام‪ ،‬عن ابن غزوان‪ ،‬عن‬
‫السكوني‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم‪:‬‬
‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (4 - 2) .244 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .27‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 44‬‬

‫]‪[164‬‬

‫قال‪ :‬من اطال أمله ساء عمله )‪ - 20 .(1‬ل‪ (2) :‬لى‪ :‬عن محمد بن أحمد السدي‪،‬‬
‫عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى السدوسي‪ ،‬عن سليمان‬
‫بن عمرو‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن بن الحسن‪ ،‬عن أمه فاطمة بنت‬
‫الحسين‪ ،‬عن أبيها عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫إن صلح أول هذه المة بالزهد واليقين‪ ،‬وهلك آخرها بالشح والمل )‪.(3‬‬
‫‪ - 21‬ل‪ :‬في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي‪ :‬يا علي أربع‬
‫خصال من الشقاء‪ :‬جمود العين‪ ،‬وقساوة القلب‪ ،‬وبعد المل‪ ،‬وحب البقاء )‬
‫‪ - 22 .(4‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين‬
‫عليهم السلم‪ :‬قال لو رأى العبد أجله وسرعته إليه‪ ،‬لبغض المل‪ ،‬وترك‬
‫طلب الدنيا )‪ - 23 .(5‬جا )‪ (6‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن عمر بن محمد‪ ،‬عن ابن‬
‫مهرويه‪ ،‬عن داود ابن سليمان‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم مثله )‬
‫‪ .(7‬صح‪ :‬عن الرضا عن آبائه عليهم السلم مثله )‪ - 24 .(8‬ما‪ :‬فيما‬
‫أوصى به أمير المؤمنين عليه السلم عند وفاته قصر المل‪ ،‬واذكر الموت‬
‫وازهد في الدنيا‪ ،‬فانك رهن موت‪ ،‬وغرض بلء‪ ،‬وصريع سقم )‪- 25 .(9‬‬
‫ع‪ :‬عن الحسن بن أحمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري عن محمد بن عبد الحميد‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .11‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .40‬أمالى الصدوق ‪) .137‬‬
‫‪ (4‬الخصال‪ (5) .115 :‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (6) .39‬مجالس المفيد‪:‬‬
‫‪ (7) .190‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (8) .76‬صحيفة الرضا عليه السلم‪:‬‬
‫‪ (9) .14‬أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 6‬‬

‫]‪[165‬‬

‫عن إبراهيم بن مهزم قال‪ :‬وجد في زمن وهب بن منبه حجر فيه كتاب بغير العربية‬
‫فطلب من يقرأه فلم يوجد‪ ،‬حتى أتى به ابن منبه وكان صاحب كتب فقرأه‬
‫فإذا فيه‪ :‬يا ابن آدم لو رأيت قصر ما بقي من أجلك‪ ،‬لزهدت في طول ما‬
‫ترجو من أملك‪ ،‬ولقل حرصك وطلبك‪ ،‬ورغبت في الزيادة في عملك‪ ،‬فانك‬
‫إنما تلقى يومك لو قد زلت قدمك‪ ،‬فل أنت إلى أهلك براجع‪ ،‬ول في عملك‬
‫بزائد‪ ،‬فاعمل ليوم القيامة‪ ،‬قبل الحسرة والندامة )‪ - 26 .(1‬مص‪ :‬قال‬
‫الصادق عليه السلم‪ :‬ل تحرص على شئ لو تركته لوصل إليك وكنت عند‬
‫ال مستريحا محمودا بتركه‪ ،‬ومذموما باستعجالك في طلبه‪ ،‬وترك التوكل‬
‫عليه‪ ،‬والرضا بالقسم‪ ،‬فان الدنيا خلقها ال تعالى بمنزلة ظلك‪ :‬إن طلبته‬
‫أتعبك ول تلحقه أبدا‪ ،‬وإن تركته تبعك‪ ،‬وانت مستريح‪ .‬وقال النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬الحريص محروم‪ ،‬وهو مع حرمانه مذموم‪ ،‬في أي شئ‬
‫كان‪ ،‬وكيف ل يكون محروما وقد فر من وثاق ال‪ ،‬وخالف قول ال عز‬
‫وجل‪ ،‬حيث يقول ال‪ " :‬الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم " )‪(2‬‬
‫والحريص بين سبع آفات صعبة‪ :‬فكر يضر بدنه ول ينفعه‪ ،‬وهم ل يتم له‬
‫أقصاه وتعب ل يستريح منه إل عند الموت‪ ،‬ويكون عند الراحة أشد تعبا‪،‬‬
‫وخوف ل يورثه إل الوقوع فيه‪ ،‬وحزن قد كدر عليه عيشه بل فائدة‪،‬‬
‫وحساب ل يخصله من عذاب ال إل أن يعفو ال عنه‪ ،‬وعقاب ل مفر له‬
‫منه ول حيلة‪ ،‬والمتوكل على ال يمسي ويصبح في كنفه‪ ،‬وهو منه في‬
‫عافية‪ ،‬وقد عجل له كفايته‪ ،‬وهيئ له من الدرجات ما ال به عليم‪.‬‬
‫والحرص ما يجري في منافذ غضب ال‪ ،‬وما لم يحرم العبد اليقين ل يكون‬

‫)‪ (1‬علل الشرايع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .151‬الروم‪.(*) 40 :‬‬

‫]‪[166‬‬

‫حريصا‪ ،‬واليقين ارض السلم وسماء اليمان )‪ - 27 .(1‬ضه‪ :‬روي أن أسامة بن‬
‫زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر‪ ،‬فسمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬فقال‪ :‬ل تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ؟ إن أسامة لطويل‬
‫المل‪ ،‬والذي نفس محمد بيده ما طرفت عيناي إل ظننت أن شفري ل‬
‫يلتقيان حتى يقبض ال روحي‪ ،‬ول رفعت طرفي وظننت أني خافضه‪ ،‬حتى‬
‫أقبض‪ ،‬ول تلقمت لقمة إل ظننت أني ل اسيغها حتى أغص بها )‪ (2‬من‬
‫الموت ثم قال‪ :‬يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬إن ما توعدون لت‪ ،‬وما أنتم بمعجزين )‪ - 28 .(3‬ين‪ :‬عن‬
‫فضالة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن ابي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫علي عليه السلم‪ :‬ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله‪ .‬وقال‬
‫علي عليه السلم‪ :‬ما أطال عبد المل إل اساء العمل‪ ،‬وكان عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لبغض المل وطلب الدنيا‪- 29 .‬‬
‫نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬من جرى في عنان أمله عثر بأجله )‪ .(4‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أشرف الغنا ترك المنى )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬من اطال المل‬
‫أساء العمل )‪ .(6‬وقال عليه السلم‪ :‬كم من أكلة تمنع أكلت )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬مصباح الشريعة‪ (2) .22 :‬اساغ الطعام أو الشراب‪ :‬سهل له دخوله في‬
‫الجوف‪ ،‬والغصص اعتراض شئ منه في الحلق يمنعه التنفس بالخناق‪) .‬‬
‫‪ (3‬وتراه في تنبيه الخاطر ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .271‬نهج البلغة الرقم ‪ 18‬من‬
‫الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 34‬من الحكم‪ (6) .‬نهج البلغة الرقم ‪36‬‬
‫من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 171‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[167‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬لو رأى العبد الجل ومسيره لبغض المل وغروره )‪- 30 .(1‬‬
‫كتاب الغارات‪ :‬لبراهيم بن محمد الثقفي رفعه‪ ،‬عن يحيى بن سعيد عن‬
‫أبيه قال‪ :‬خطب علي عليه السلم فقال‪ :‬إنما أهلك الناس خصلتان‪ ،‬هما‬
‫اهلكتا من كان قبلكم وهما مهلكتان من يكون بعدكم‪ :‬أمل ينسى الخرة‪،‬‬
‫وهوى يضل عن السبيل ثم نزل‪ - 31 .‬كنز الكراجكى‪ :‬قال ال تعالى‪ :‬يا ابن‬
‫آدم في كل يوم تؤتى برزقك وأنت تحزن‪ ،‬وينقص من عمرك وأنت ل‬
‫تحزن‪ ،‬تطلب ما يطغيك‪ ،‬وعندك ما يكفيك‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من كان يأمل أن يعيش غدا فانه يأمل أن يعيش ابدا‪ .‬وعن المفيد‪،‬‬
‫عن ابن قولويه‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن مسعود‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسين‬
‫ابن خالد‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬من أيقن أنه يفارق الحباب‪،‬‬
‫ويسكن التراب‪ ،‬ويواجه الحساب‪ ،‬ويستغني عما خلف‪ ،‬ويفتقر إلى ما قدم‪،‬‬
‫وكان حريا بقصر المل‪ ،‬وطول العمل‪ .‬وروي أنه سئل أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم عن الحرص ما هو ؟ قال هو طلب القليل باضاعة الكثير‪.‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 334‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[168‬‬

‫‪) * - 129 -‬باب( * * " )الطمع‪ ،‬والتذلل لهل الدنيا طلبا لما( " * * " )في‬
‫أيديهم‪ ،‬وفضل القناعة( " * ‪ - 1‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أفقر الناس الطمع )‪ - 2 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن أبي عبد ال الرازي‪ ،‬عن علي بن‬
‫سليمان بن رشيد‪ ،‬عن موسى بن سلم‪ ،‬عن أبان بن سويد‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬قلت‪ :‬ما الذي يثبت اليمان في العبد ؟ قال‪ :‬الذي‬
‫يثبته فيه الورع والذي يخرجه منه الطمع )‪ .(2‬أقول‪ :‬قد مضى في باب‬
‫صفات شرار العباد‪ - 3 .‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن‬
‫المنقري‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن أردت أن تقر‬
‫عينك وتنال خير الدنيا والخرة‪ ،‬فاقطع الطمع عما في أيدي الناس‪ ،‬وعد‬
‫نفسك في الموتى‪ ،‬ول تحدثن نفسك أنك فوق أحد من الناس‪ ،‬واخزن‬
‫لسانك كما تخزن مالك )‪ - 4 .(3‬ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن ابي المفضل‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن علي بن سهل‪ ،‬عن موسى بن عمر بن يزيد‪ ،‬عن معمر بن‬
‫خلد‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬جاء أيوب خالد بن زيد إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا رسول ال أوصني واقلل لعلي أن‬
‫أحفظ قال‪ :‬أوصيك بخمس‪ :‬باليأس عما في أيدي الناس فانه الغنى‪ ،‬وإياك‬
‫والطمع فانه الفقر الحاضر‪ ،‬وصل صلة مودع‪ ،‬وإياك وما يعتذر منه‪،‬‬
‫وأحب لخيك ما تحب لنفسك )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق‪ ،14 :‬والطمع‪ :‬ككتف ذو الطماعية‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .8‬‬
‫‪ (3‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .60‬امالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 122‬‬

‫]‪[169‬‬

‫‪ - 5‬فس‪ :‬عن محمد بن إدريس‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن سيار عن‬
‫المفضل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬من أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه‪ ،‬ذهب ثلثا دينه ثم قال‪:‬‬
‫ول تعجل وليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيجله ويوقره فقد‬
‫يجب ذلك له عليه‪ ،‬ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند ال‪ ،‬أو يريد أن‬
‫يختله عما في يديه )‪ - 6 .(1‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬بلغني أنه‬
‫سئل كعب الحبار‪ :‬ما الصلح في الدين ؟ وما الفسد ؟ فقال‪ :‬الصلح‬
‫الورع‪ ،‬والفسد الطمع‪ ،‬فقال له السائل‪ :‬صدقت يا كعب الحبار‪ .‬والطمع‬
‫خمر الشيطان‪ ،‬يستقي بيده لخواصه‪ ،‬فمن سكر منه ل يصحو إل في ]أليم[‬
‫عذاب ال أو مجاورة ساقيه‪ ،‬ولو لم يكن في الطمع إل مشاراة الدين بالدنيا‬
‫كان عظيما قال ال عزوجل‪ " :‬أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى‬
‫والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار " )‪ .(2‬وقال أمير المؤمنين علي‬
‫عليه السلم‪ :‬تفضل على من شئت فأنت أميره‪ ،‬واستغن عمن شئت فأنت‬
‫نظيره‪ ،‬وافتقر إلى من شئت فأنت اسيره‪ .‬والطمع منزوع عنه اليمان‪،‬‬
‫وهو ل يشعر‪ ،‬لن اليمان يحجب بين العبد وبين الطمع من الخلق‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬يا صاحبي خزائن ال مملوة من الكرامات‪ ،‬وهو ل يضيع أجر من‬
‫أحسن عمل‪ ،‬وما في أيدي الناس فانه مشوب بالعلل‪ ،‬ويرده إلى التوكل‬
‫والقناعة‪ ،‬وقصر المل‪ ،‬ولزوم الطاعة‪ ،‬واليأس من الخلق‪ ،‬فان فعل ذلك‬
‫لزمه‪ ،‬وان لم يفعل ذلك تركه مع شؤم الطمع وفارقه )‪ - 7 .(3‬نهج‪ :‬قال‬
‫عليه السلم‪ :‬أزرى بنفسه من استشعر الطمع‪ ،‬ورضي بالذل من‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ 356 :‬في حديث‪ .‬وقد مر ص ‪ 90‬فيما سبق مع اختلف‪(2) .‬‬
‫البقرة‪ (3) .175 ،‬مصباح الشريعة‪.(*) 34 :‬‬
‫]‪[170‬‬

‫كشف عن ضره )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬والطمع رق مؤبد )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬الطامع‬
‫في وثاق الذل )‪ .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬من أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب‬
‫ثلثا دينه )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬إن الطمع مورد غير مصدر‪ ،‬وضامن‬
‫غير وفي‪ ،‬وربما شرق شارب الماء قبل ريه‪ ،‬فكلما عظم قدر الشئ‬
‫المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده‪ ،‬والماني تعمي أعين البصائر‪ ،‬والحظ‬
‫يأتي من ل يأتيه )‪ .(6‬وقال عليه السلم في وصيته للحسن عليه السلم‪:‬‬
‫اليأس خير من الطلب إلى الناس ما أقبح الخضوع عند الحاجة‪ ،‬والجفاء‬
‫عند الغناء )‪ - 8 .(7‬صفات الشيعة للصدوق‪ :‬باسناده‪ ،‬عن حبيب‬
‫الواسطي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما أقبح بالمؤمن أن تكون له‬
‫رغبة تذله )‪ - 9 .(8‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عمن ذكره بلغ به‬
‫أبا جعفر عليه السلم قال‪ :‬بئس العبد عبد له طمع يقوده‪ ،‬وبئس العبد عبد‬
‫له رغبة تذله )‪.(9‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 2‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 180‬من الحكم‪(3) .‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 219‬من الحكم‪ (4) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 226‬من‬
‫الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 228‬من الحكم‪ (6) .‬نهج البلغة الرقم‬
‫‪ 275‬من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 31‬من الحكم‪ (8) .‬صفات الشيعة‬
‫تحت الرقم ‪ ،45‬وفيه حباب الواسطي‪ (9) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 320‬‬

‫]‪[171‬‬

‫بيان‪ :‬لعل المراد بالطمع ما في القلب من حب ما في أيدي الناس وأمله وبالرغبة‬


‫إظهار ذلك والسؤال والطلب عن المخلوق‪ ،‬والقود يناسب الول كما أن‬
‫الذلة تناسب الثاني‪ - 10 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪،‬‬
‫عن المنقري‪ ،‬عن عبد الرزاق عن معمر‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬قال علي بن‬
‫الحسين عليه السلم‪ :‬رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في‬
‫أيدي الناس )‪ .(1‬بيان‪ " :‬رأيت الخير كله " اي الرفاهية وخير الدنيا‬
‫وسعادة الخرة لن الطمع يورث الذل والحقارة والحسد والحقد والعداوة‬
‫والغيبة والوقيعة وظهور الفضائح والظلم والمداهنة والنفاق والرياء‬
‫والصبر على باطل الخلق‪ ،‬والعانة عليه وعدم التوكل على ال والتضرع‬
‫إليه والرضا بقسمه والتسليم لمره إلى غير ذلك من المفاسد التي ل‬
‫تحصى‪ ،‬وقطع الطمع يورث أضداد هذه المور التي كلها خيرات‪ - 11 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن علي بن حسان‪ ،‬عمن حدثه )‬
‫‪ (2‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة‬
‫تذله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬ما أقبح " صيغة تعجب و " أن تكون " مفعوله‪،‬‬
‫والمراد الرغبة إلى الناس بالسؤال عنهم وهي التي تصير سببا للمذلة‪،‬‬
‫وأما الرغبة إلى ال فهي عين العزة‪ .‬والصفة تحتمل الكاشفة والموضحة‪.‬‬
‫‪ - 12‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن بعض أصحابه‪،‬‬
‫عن علي بن سليمان بن رشيد‪ ،‬عن موسى بن سلم‪ ،‬عن سعدان‪ ،‬عن ابي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬الذي يثبت اليمان في العبد ؟ قال‪:‬‬
‫الورع‪ ،‬والذي يخرجه منه ؟ قال‪ :‬الطمع )‪ .(4‬بيان‪ :‬الورع اجتناب‬
‫المحرمات والشبهات‪ ،‬وفي المقابلة إشعار بأن الطمع يستلزم ارتكابهما‪.‬‬

‫)‪ 1‬و ‪ 3‬و ‪ (4‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .320‬الراوى حباب أو حبيب الواسطي كما مر‬
‫عن صفات الشيعة )*(‪.‬‬

‫]‪[172‬‬

‫‪ - 13‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عمار ابن‬
‫مروان‪ ،‬عن زيد الشحام‪ ،‬عن عمرو بن هلل قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه‬
‫السلم‪ :‬إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك‪ ،‬فكفى بما قال ال عزوجل‬
‫لنبيه صلى ال عليه وآله‪ " :‬ول تعجبك أموالهم ول أولدهم " )‪ (1‬وقال‪:‬‬
‫" ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " )‪(2‬‬
‫فان دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول ال صلى ال عليه وآله فانما‬
‫كان قوته الشعير‪ ،‬وحلواه التمر‪ ،‬ووقوده السعف إذا وجده )‪ .(3‬تبيين‪" :‬‬
‫أن تطمح بصرك " الظاهر أنه على بناء الفعال‪ ،‬ونصب البصر ويحتمل‬
‫أن يكون على بناء المجرد ورفع البصر‪ ،‬أي ل ترفع بصرك بأن تنظر إلى‬
‫من هو فوقك في الدنيا‪ ،‬فتتمنى حاله‪ ،‬ول ترضى بما أعطاك ال‪ ،‬وإذا‬
‫نظرت إلى من هو دونك في الدنيا ترضى بما أوتيت‪ ،‬وتشكر ال عليه‪،‬‬
‫وتقنع به‪ ،‬قال في القاموس‪ :‬طمح بصره إليه كمنع ارتفع فهي طامح‪،‬‬
‫وأطمح بصره رفعه انتهى‪ " .‬فكفى بما قال ال " الباء زائدة أي كفاك‬
‫للتعاظ ولقبول ما ذكرت ما قال ال لنبيه‪ ،‬وإن كان المقصود بالخطاب‬
‫غيره " ول تعجبك " كذا في النسخ التي عندنا‪ ،‬والظاهر " فل " إذ الية‬
‫في سورة التوبة في موضعين أحدهما " فل تعجبك أموالهم ول أولدهم‬
‫إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "‬
‫والخرى " ول تعجبك أموالهم وأولدهم إنما يريد ال أن يعذبهم بها في‬
‫الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " وما ذكر هنا ل يوافق شيئا منهما‪،‬‬
‫وإن احتمل أن يكون نقل بالمعنى إشارة إلى اليتين معا‪ .‬وقال البيضاوي‬
‫في الولى‪ " :‬فل تعجبك " الخ فان ذلك استدراج ووبال لهم‪ ،‬كما قال‪" :‬‬
‫إنما يريد ال ليعذبهم بها " بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها‬
‫)‪ (1‬براءة‪ 56 :‬و ‪ (2) .85‬طه‪ (3) .131 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 137‬‬

‫]‪[173‬‬

‫من المتاعب‪ ،‬وما يرون فيها من الشدائد والمصائب " وتزهق أنفسهم " اي‬
‫فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة‪ ،‬فيكون ذلك‬
‫استدراجا لهم )‪ .(1‬وقال في الخرى‪ :‬تكرير للتأكيد والمر حقيق به فان‬
‫البصار طامحة إلى الموال والولد‪ ،‬والنفوس مغتبطة عليها‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون هذه في فريق غير الول )‪ " .(2‬ول تمدن عينيك " قال في الكشاف‪:‬‬
‫اي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن ل يكاد يرده استحسانا للمنظور‬
‫إليه‪ ،‬وتمنيا أن يكون له مثله‪ ،‬وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه‪،‬‬
‫وذلك مثل نظر من باده الشئ بالنظر ثم غض الطرف وقد شدد العلماء من‬
‫أهل التقوى في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة‪ ،‬وعدد الفسقة في‬
‫اللباس والمراكب وغير ذلك‪ ،‬لنهم إنما اتخذوا هذه الشياء لعيون‬
‫النظارة‪ ،‬فالناظر إليها محصل لغرضهم‪ ،‬وكالمغري لهم على اتخاذها‪" .‬‬
‫أزواجا منهم " قال البيضاوي‪ :‬أصنافا من الكفرة ويجوز أن يكون حال من‬
‫الضمير في " به "‪ ،‬والمفعول " منهم " اي إلى الذي متعنا به‪ ،‬وهو‬
‫أصناف بعضهم وناسا منهم " زهرة الحيوة الدنيا " منصوب بمحذوف دل‬
‫عليه " متعنا " أو به على تضمينه معنى أعطينا‪ ،‬أو بالبدل من محل " به‬
‫" أو من " أزواجا " بتقدير مضاف ودونه‪ ،‬أو بالضم وهي الزينة‬
‫والبهجة " لنفتنهم فيه " لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الخرة‬
‫بسببه " ورزق ربك " وما ادخره لك في الخرة أو ما رزقك من الهدى‬
‫والنبوة " خير " مما منحهم في الدنيا " وأبقى " فانه ل ينقطع )‪.(3‬‬
‫وإنما ذكرنا تتمة اليتين لنهما مرادتان‪ ،‬وتركتا اختصارا " فان دخلك من‬
‫ذلك " أي من إطماع البصر أو من جملته " شئ " أو بسببه شئ من‬
‫الرغبة في الدنيا " فاذكر " لعلج ذلك وإخراجه عن نفسك " عيش رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله " أي‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ (2) .175 :‬انوار التنزيل‪ (3) .178 :‬انوار التنزيل‪.270 :‬‬

‫]‪[174‬‬

‫طريق تعيشه في الدنيا‪ ،‬لتسهل عليك مشاق الدنيا والقناعة فيها‪ ،‬فانه إذا كان‬
‫أشرف المكونات هكذا تعيشه‪ ،‬فكيف ل يرضى من دونه به ؟ وإن كن‬
‫شريفا رفيعا عند الناس ؟ مع أن التأسي به صلى ال عليه وآله لزم‪" .‬‬
‫فانما كان قوته الشعير " اي خبزه غالبا " وحلواه التمر " قال‪ :‬في‬
‫المصباح الحلوا التي تؤكل تمد وتقصر‪ ،‬وجمع الممدود حلوي مثل‬
‫صحراء وصحاري بالتشديد وجمع المقصور حلوى بفتح الواو‪ ،‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬الحلوا اسم لما يؤكل من الطعام إذا كان معالجا بحلوة "‬
‫ووقوده السعف " الوقود بالفتح الحطب وما يوقد به‪ ،‬والسعف أغصان‬
‫النخل ما دامت بالخوص‪ ،‬فان زال الخوص عنها قيل‪ :‬جريدة‪ ،‬الواحدة‬
‫سعفة‪ ،‬ذكره في المصباح وفي القاموس السعف محركة جريد النخل أو‬
‫ورقه‪ ،‬وأكثر ما يقال إذا يبست‪ ،‬والضمير في " إن وجده " راجع إلى كل‬
‫من المور المذكورة‪ ،‬أو إلى السعف وحده‪ ،‬وفسر بعضهم السعف بالورق‬
‫وقال‪ :‬الضمير راجع إليه‪ ،‬والمعنى أنه كان يكتفي في خبز الخبز ونحوه‬
‫بورق النخل‪ ،‬فإذا انتهى ذلك ولم يجده كان يطبخ بالجريد‪ ،‬بخلف‬
‫المسرفين فانهم يطرحون الورق ويستعملون الجريد ابتداء‪ .‬وأقول‪ :‬كأنه‬
‫رحمه ال تكلف ذلك لنه ل فرق بين جريد النخل وغيره في اليقاد‪ ،‬فأي‬
‫قناعة فيه ؟ وليس كذلك لن الجريد أرذل الحطاب لليقاد لنتنه وكثرة‬
‫دخانه وعدم اتقاد جمره‪ ،‬وهذا بين لمن جربه‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن‬
‫محمد‪ ،‬عن المعلى وعلي بن محمد‪ ،‬عن صالح بن ابي حماد جميعا‪ ،‬عن‬
‫الوشاء‪ ،‬عن أحمد بن عائذ‪ ،‬عن أبي خديجة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من سالنا أعطيناه‪ ،‬ومن استغنى‬
‫أغناه ال )‪ .(1‬بيان‪ " :‬من استغنى " اي عن الناس وترك الطلب " أغناه‬
‫ال " عنه باعطاء ما يحتاج إليه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 138‬‬

‫]‪[175‬‬

‫‪ - 15‬كا‪ :‬عن محمد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن الهيثم بن واقد عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من رضي من ال باليسير من المعاش‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه باليسير من العمل )‪ .(1‬بيان‪ " :‬رضي ال عنه " قيل‪ :‬لن كثرة‬
‫النعمة توجب مزيد الشكر‪ ،‬فكلما كانت النعمة أقل كان الشكر أسهل‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى يسقط عنه كثير من العبادات المالية كالزكاة والحج وبر‬
‫الوالدين وصلة الرحام‪ ،‬وإعانة الفقراء‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬والظاهر أن المراد‬
‫به أكثر من ذلك من المسامحة والعفو‪ ،‬وسيأتي برواية الصدوق رحمه ال‬
‫)‪ (2‬عن أبي عبد ال عليه السلم حين سئل عن معنى هذا الحديث قال‪:‬‬
‫يطيعه في بعض ويعصيه في بعض‪ .‬وقد ورد في طريق العامة عن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أخلص قلبك يكفك القليل من العمل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لن‬
‫من زهد في الدنيا وطهر ظاهره وباطنه من العمال والخلق القيحة‪ ،‬التي‬
‫تقتضيها الدنيا‪ ،‬وفرغ من المجاهدات التي يحتاج إليها السالك المبتدي‪،‬‬
‫وجعلها وراء ظهره‪ ،‬فلم يبق عليه إل فعل ما ينبغي فعله وهذا يسير‬
‫بالنسبة إلى تلك المجاهدات انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل‪ :‬إجراء مثله في هذا‬
‫الخبر لن من رضي بالقليل‪ ،‬فقد زهد في الدنيا وأخلص قلبه من حبها‪16 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن القاسم‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن أبي المقدام‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬مكتوب في التوراة‪ :‬ابن‬
‫آدم كن كيف شئت‪ ،‬كما تدين تدان‪ ،‬من رضي من ال بالقليل من الرزق‬
‫قبل ال منه اليسير من العمل‪ ،‬ومن رضي باليسير من الحلل خفت مؤنته‪،‬‬
‫وزكت مكسبته‪ ،‬وخرج من حد الفجور )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .138‬معاني الخبار‪ (3) .260 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.138‬‬

‫]‪[176‬‬

‫بيان‪ " :‬كن كيف شئت " الظاهر أنه أمر على التهديد نحو قوله تعالى‪ " :‬اعملوا‬
‫ما شئتم " وقيل‪ :‬كن كما شئت أن يعمل معك وتتوقعه‪ ،‬لقوله‪ " :‬كما تدين‬
‫تدان " وقد مر معناه " خفت مؤنته " اي مشقته في طلب المال وحفظه "‬
‫وزكت " أي طهرت من الحرام " مكسبته " لن ترك الحرام والشبهة في‬
‫القليل اسهل‪ ،‬أو نمت وحصلت فيه بركة مع قلته‪ " .‬وخرج من حد الفجور‬
‫" اي من قرب الفجور والشراف على الوقوع في الحرام‪ ،‬فان بين المال‬
‫القليل والوقوع في الفجور فاصلة كثيرة‪ ،‬لقلة الدواعي وصاحب المال‬
‫الكثير لكثرة دواعي الشرور والفجور فيه كأنه على حد هو منتهى الحلل‬
‫وبأدنى شئ يخرج منه إلى الفجور‪ ،‬إما بالتقصير في الحقوق الواجبة فيه‪،‬‬
‫أو بالطغيان اللزم له‪ ،‬أو بالقدرة على المحرمات التي تدعو النفس إليها‪،‬‬
‫أو بالحرص الحاصل منه‪ ،‬فل يكتفي بالحلل ويتجاوز إلى الحرام‪ ،‬واشباه‬
‫ذلك ويحتمل أن يكون المعنى خرج من حد الفجور‪ ،‬الذي تستلزمه كثرة‬
‫المال إلى الخير والصلح اللزم لقلة المال والول أبلغ وأتم‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن عرفة‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن الرضا عليه السلم قال‪ :‬من لم يقنعه من الرزق إل الكثير لم يكفه‬
‫من العمل إل الكثير‪ ،‬ومن كفاه من الرزق القليل‪ ،‬فانه يكفيه من العمل‬
‫القليل )‪ - 18 .(1‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن‬
‫سالم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬ابن آدم ! إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك‪ ،‬فان أيسر ما فيها يكفيك‪،‬‬
‫وان كنت انما تريد ما ل يكفيك فان كل ما فيها ل يكفيك )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ما‬
‫يكفيك " اي ما تكتفي وتقنع به اي بقدر الكفاف والضرورة وقوله‪ " :‬فان‬
‫ايسر " من قبيل وضع الدليل موضع المدلول أي فيحصل مرادك لن ايسر‬
‫ما في الدنيا يمكن أن يكتفي به " وإن كنت تريد ما ل يكفيك " أي‬
‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 138‬‬

‫]‪[177‬‬

‫ما ل تكتفي به وتريد أزيد منه‪ ،‬فل تصل إلى مقصودك‪ ،‬ول تنتهي إلى حد‪ ،‬فانه إن‬
‫حصل لك جميع الدنيا تريد أزيد منها لما مر أن كثرة المال يصير سببا‬
‫لكثرة الحرص وسيأتي أوضح من ذلك‪ - 19 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫محمد بن الحسين‪ ،‬عن عبد الرحمن بن محمد السدي‪ ،‬عن سالم بن مكرم‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬اشتدت حال رجل من اصحاب النبي‬
‫صلى ال عليه وآله فقالت له امرأته‪ :‬لو أتيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله فسألته‪ ،‬فجاء إلى النبي صلى ال عليه وآله فلما رآه النبي صلى ال‬
‫عليه وآله قال‪ :‬من سألنا أعطيناه‪ ،‬ومن استغنى أغناه ال فقال الرجل‪ :‬ما‬
‫يعني غيري فرجع إلى امرأته فأعلمها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن رسول ال بشر فأعلمه‬
‫فأتاه‪ ،‬فلما رآه رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬من سألنا أعطيناه ومن‬
‫استغنى أغناه ال‪ ،‬حتى فعل الرجل ذلك ثلثا ثم ذهب الرجل فاستعار معول‬
‫ثم أتى الجبل فصعده فقطع حطبا ثم جاء به فباعه بنصف مد من دقيق‬
‫فرجع به فأكله‪ ،‬ثم ذهب من الغد فجاء بأكثر من ذلك فباعه فلم يزل يعمل‬
‫ويجمع حتى اشترى معول ثم جمع حتى اشترى بكرين وغلما ثم اثرى‬
‫حتى ايسر فجاء إلى النبي صلى ال عليه وآله فأعلمه كيف جاء يسأله‬
‫وكيف سمع النبي صلى ال عليه وآله فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬قلت‬
‫لك‪ :‬من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه ال )‪ .(1‬بيان‪ " :‬لو أتيت " لو‬
‫للتمني " إن رسول ال صلى ال عليه وآله بشر " أي ل يعلم الغيب إل‬
‫ال‪ ،‬وهو بشر ل يعلم الغيب اي لم يكن هذا الكلم معك لنه ل يعلم ما في‬
‫ضميرك‪ ،‬أو ل يعلم كنه شدة حالنا وإنما عرف حاجتك في الجملة‪ ،‬وفي‬
‫الصحاح المعول الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر " من الغد " " من‬
‫" بمعنى " في " والبكر بالفتح الفتى من البل‪ ،‬ويقال‪ :‬أثرى الرجل‪ :‬إذا‬
‫كثرت أمواله‪ ،‬وأيسر الرجل أي استغنى كل ذلك ذكره الجوهري‪ - 20 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن الحسين بن الفرات‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 139‬‬

‫]‪[178‬‬

‫صلى ال عليه وآله‪ :‬من اراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد ال أوثق منه‬
‫بما في يد غيره )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فليكن بما في يد ال " اي في قدرة ال‬
‫وقضائه وقدره " أوثق منه بما في يد غيره " ولو نفسه فانه ل يصل إليه‬
‫الول‪ ،‬ول ينتفع بالثاني‪ ،‬إل بقضاء ال وقدره‪ ،‬والحاصل أن الغنا عن‬
‫الخلق ل يحصل إل بالوثوق بال سبحانه والتوكل عليه‪ ،‬وعدم العتماد‬
‫على غيره‪ ،‬والعلم بأن الضار النافع هو ال‪ ،‬ويفعل بالعباد ما علم صلحهم‬
‫فيه‪ ،‬ويمنعهم ما علم أنه ل يصلح لهم‪ - 21 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن ابن فضال‪ ،‬عن عاصم بن حميد‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن ابي جعفر ]أ[‬
‫وأبي عبد ال عليهما السلم قال‪ :‬من قنع بما رزقه ال فهو من أغنى‬
‫الناس )‪ .(2‬بيان‪ " :‬فهو من أغنى الناس " لن الغنا عدم الحاجة إلى‬
‫الغير‪ ،‬والقانع بما رزقه ال ل يحتاج إلى السؤال عن غيره تعالى‪- 22 .‬‬
‫كا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن حمزة بن حمران قال‪:‬‬
‫شكى رجل إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه يطلب فيصيب ول يقنع‪،‬‬
‫وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه‪ ،‬وقال‪ :‬علمني شيئا انتفع به‪ ،‬فقال أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬إن كان ما يكفيك يغنيك‪ ،‬فأدنى ما فيها يغنيك‪ ،‬وإن‬
‫كان ما يكفيك ل يغنيك‪ ،‬فكل ما فيها ل يغنيك )‪ - 23 .(3‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن عدة من اصحابه‪ ،‬عن حنان بن سدير رفعه قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬من رضي من الدنيا بما يجزيه‪ ،‬كان ايسر ما فيها‬
‫يكفيه‪ ،‬ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه‪ ،‬لم يكن شئ منها يكفيه )‪.(4‬‬
‫بيان‪ :‬أجزء مهموز‪ ،‬وقد يخفف اي أغنى وكفى‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬قال‬
‫الزهري‪ :‬والفقهاء يقولون فيه‪ :‬أجزى من غير همز‪ ،‬ولم أجده لحد من‬
‫أئمة‬

‫)‪ (3 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .139‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 140‬‬

‫]‪[179‬‬

‫اللغة‪ ،‬ولكن إن همز أجزأ فهو بمعنى كفى‪ ،‬وفيه نظر لنه إن أراد امتناع التسهيل‬
‫فقد توقف في غير موضع التوقف‪ ،‬فان تسهيل همزة الطرف في الفعل‬
‫المزيد وتسهيل الهمزة الساكنة قياسي فيقال‪ :‬أرجأت المر وأرجيته‪،‬‬
‫وأنسأت وأنسيت وأخطأت وأخطيت‪) * - 130 - .‬باب الكبر( * اليات‬
‫البقرة‪ :‬أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم )‪ .(1‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد )‬
‫‪ .(2‬النساء‪ :‬لن ال ل يحب من كان مختال فخورا )‪ .(3‬المائدة‪ :‬ذلك بأن‬
‫منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون )‪ .(4‬العراف‪ :‬فما يكون لك أن‬
‫تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين )‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬والذين كذبوا‬
‫بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ]إلى قوله‬
‫تعالى‪ [:‬إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء‬
‫ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )‪ .(6‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫ونادى اصحاب العراف رجال يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم‬
‫جمعكم وما كنتم تستكبرون )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .87 :‬البقرة‪ (3) .206 :‬النساء‪ (4) .34 :‬المائدة‪(5) .82 :‬‬
‫العراف‪ (6) .13 :‬العراف‪ (7) .40 - 36 :‬العراف‪.(*) 48 :‬‬

‫]‪[180‬‬

‫وقال‪ :‬قال المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون‬
‫أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما ارسل به مؤمنون * قال الذين‬
‫استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬قال المل الذين‬
‫استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب )‪ .(2‬وقال‪ :‬فاستكبروا وكانوا قوما‬
‫مجرمين )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الرض‬
‫بغير الحق )‪ .(4‬يونس‪ :‬فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين )‪ .(5‬هود‪ :‬حاكيا‬
‫عن قوم نوح‪ :‬فقال المل الذين كفروا من قومه ما نراك إل بشرا مثلنا وما‬
‫نريك اتبعك إل الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل‬
‫نظنكم كاذبين ‪ -‬إلى قوله ‪ :-‬وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملقوا ربهم‬
‫ولكني أريكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من ال إن طردتهم أفل‬
‫تذكرون * ول أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك‬
‫ول أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم ال خيرا ال أعلم بما في أنفسهم‬
‫إني إذا لمن الظالمين )‪ .(6‬وقال حاكيا عن قوم شعيب‪ :‬قالوا يا شعيب ما‬
‫نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنريك فينا ضعيفا ولول رهطك لرجمناك وما أنت‬
‫علينا بعزيز * قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من ال واتخذتموه ورائكم‬
‫ظهريا إن ربي بما تعملون محيط )‪ .(7‬ابراهيم‪ :‬واستفتحوا وخاب كل جبار‬
‫عنيد )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .76 - 75 :‬العراف‪ (3) .88 :‬العراف‪ (4) .133 :‬العراف‪:‬‬
‫‪ (5) .146‬يونس‪ (6) .75 :‬هود‪ (7) .31 - 27 :‬هود‪(8) .92 - 91 :‬‬
‫ابراهيم‪.(*) 15 :‬‬

‫]‪[181‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬وبرزوا ل جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل‬
‫أنتم مغنون عنا من عذاب ال من شئ قالوا لو هدينا ال لهديناكم سواء‬
‫علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص )‪ .(1‬النحل‪ :‬فالذين ل يؤمنون‬
‫بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون * ل جرم أن ال يعلم ما يسرون‬
‫وما يعلنون إنه ل يحب المستكبرين )‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬فلبئس مثوى‬
‫المتكبرين )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬وهم ل يستكبرون )‪ .(4‬اسرى‪ :‬ول تمش في‬
‫الرض مرحا * إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول )‪.(5‬‬
‫المؤمنون‪ :‬ثم ارسلنا موسى وأخاه هرون بآياتنا وسلطان مبين * إلى‬
‫فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين * فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا‬
‫وقومهما لنا عابدون )‪ .(6‬الفرقان‪ :‬لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا‬
‫كبيرا )‪ .(7‬الشعراء‪ :‬وما أنت إل بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين )‪.(8‬‬
‫القصص‪ :‬واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل‬
‫يرجعون )‪ .(9‬لقمان‪ :‬ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا إن‬
‫ال ل يحب كل مختال فخور )‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .21 :‬النحل‪ (3) .23 - 22 :‬النحل‪ (4) .29 :‬النحل‪(5) .49 :‬‬
‫أسرى‪ (6) .38 - 37 :‬المؤمنون‪ (7) .47 - 45 :‬الفرقان‪(8) .21 :‬‬
‫الشعراء‪ (9) .186 :‬القصص‪ (10) .39 :‬لقمان‪.(*) 18 :‬‬

‫]‪[182‬‬

‫التنزيل‪ :‬وهم ل يستكبرون )‪ .(1‬فاطر‪ :‬استكبارا في الرض )‪ .(2‬الصافات‪ :‬إنهم‬


‫كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون )‪ .(3‬ص‪ :‬إل إبليس استكبر وكان‬
‫من الكافرين ‪ -‬إلى قوله تعالى‪ :‬استكبرت أم كنت من العالمين * قال أنا‬
‫خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )‪ .(4‬الزمر‪ :‬بلى قد جاءتك آياتي‬
‫فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين إلى قوله تعالى‪ :‬أليس في جهنم‬
‫مثوى للمتكبرين )‪ .(5‬المؤمن‪ :‬وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل‬
‫متكبر ل يؤمن بيوم الحساب )‪ .(6‬وقال تعالى‪ :‬كذلك يطبع ال على كل قلب‬
‫متكبر جبار )‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬وإذا يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين‬
‫استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين‬
‫استكبروا إنا كل فيها إن ال قد حكم بين العباد )‪ .(8‬وقال تعالى‪ :‬إن في‬
‫صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بال إنه هو السميع البصير )‪.(9‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )‬
‫‪ .(10‬وقال تعالى‪ :‬فبئس مثوى المتكبرين )‪ .(11‬السجدة‪ :‬فأما عاد‬
‫فاستكبروا في الرض وقالوا من أشد منا قوة أو لم‬

‫)‪ (1‬التنزيل‪ (2) .15 :‬فاطر‪ (3) .43 :‬الصافات‪ (4) .35 :‬ص‪(5) .76 - 74 :‬‬
‫الزمر‪ (6) .60 - 59 :‬المؤمن‪ (7) .27 :‬المؤمن‪ (8) .35 :‬المؤمن‪47 :‬‬
‫و ‪ (9) .48‬المؤمن‪ (10) .56 :‬المؤمن‪ (11) .60 :‬المؤمن‪.(*) 76 :‬‬
‫]‪[183‬‬

‫يروا أن ال الذي خلقهم هو اشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون )‪ .(1‬نوح‪:‬‬
‫واصروا واستكبروا استكبارا )‪ .(2‬المدثر‪ :‬ثم ادبر واستكبر * فقال إن هذا‬
‫إل سحر يؤثر )‪ .(3‬تفسير‪ " :‬أفكلما جائكم " )‪ (4‬الخطاب لليهود "‬
‫رسول بما ل تهوى أنفسكم " في تفسير المام عليه السلم اي أخذ‬
‫عهودكم ومواثيقكم بما ل تحبون من اتباع النبي صلى ال عليه وآله وبذل‬
‫الطاعة لولياء ال " استكبرتم " عن اليمان والتباع " ففريقا كذبتم "‬
‫كموسى وعيسى " وفريقا تقتلون " اي قتل أسلفكم كزكريا ويحيى‪ ،‬وأنتم‬
‫رمتم قتل محمد وعلي فخيب ال سعيكم )‪ " .(5‬وإذا قيل له اتق ال " )‪(6‬‬
‫ودع سوء صنيعك " أخذته العزة بالثم " اي حملته النفة وحمية‬
‫الجاهلية على الثم الذي يؤمر باتقائه‪ ،‬وألزمته ارتكابه لجاجا‪ ،‬من قولك‬
‫أخذته بكذا إذا حملته عليه‪ ،‬وألزمته إياه‪ ،‬فيزداد إلى شره شرا‪ ،‬ويضيف‬
‫إلى ظلمه ظلما " فحسبه جهنم " أي كفاه جزاء وعذابا على سوء فعله "‬
‫ولبئس المهاد " أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها‪ ،‬كذا في تفسير‬
‫المام عليه السلم )‪ " .(7‬من كان مختال " )‪ (8‬اي متكبرا يأنف عن‬
‫أقاربه وجيرانه واصحابه ول يكتنف إليهم " فخورا " يتفاخر عليهم‪" .‬‬
‫وأنهم ل يستكبرون " )‪ (9‬أي عن قبول الحق إذا فهموه‪ ،‬ويتواضعون‪" .‬‬
‫فما يكون لك " )‪ (10‬أي فما يصح لك " أن تتكبر فيها " وتعصي‪ ،‬فانها‬

‫)‪ (1‬السجدة‪ (2) .15 :‬نوح‪ (3) .7 :‬المدثر‪ (4) .24 - 23 :‬البقرة‪ (5) .87 ،‬تفسير‬
‫المام‪ (6) .172 :‬البقرة‪ (7) .206 :‬تفسير المام‪ (8) .283 :‬النساء‪:‬‬
‫‪ (9) .34‬المائدة‪ (10) .82 :‬العراف‪.(*) 13 :‬‬

‫]‪[184‬‬

‫مكان الخاشع المطيع‪ ،‬قيل‪ :‬فيه تنبيه على أن التكبر ل يليق بأهل الجنة‪ ،‬وأنه تعالى‬
‫إنما طرده وأهبطه للتكبر ل بمجرد عصيانه " إنك من الصاغرين " أي‬
‫ممن أهانه ال تعالى لكبره‪ " .‬واستكبروا عنها " )‪ (1‬أي عن اليمان بها‬
‫" ل تفتح لهم أبواب السماء " لدعيتهم وأعمالهم‪ ،‬ولنزول البركة عليهم‪،‬‬
‫ولصعود أرواحهم إذا ماتوا‪ .‬وفي المجمع )‪ (2‬عن الباقر عليه السلم‪ :‬أما‬
‫المؤمنون فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها‪ ،‬وأما‬
‫الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى مناد‪ :‬اهبطوا به‬
‫إلى سجين‪ ،‬وهو واد بحضرموت‪ ،‬يقال له‪ :‬برهوت " ول يدخلون الجنة‬
‫حتى يلج الجمل في سم الخياط " أي ل يدخلون الجنة حتى يكون ما ل‬
‫يكون ابدا‪ " .‬الذين استكبروا " )‪ (3‬اي أنفوا من اتباعه " للذين‬
‫استضعفوا " اي للذين استضعفوهم وأذلوهم " لمن آمن منهم " بدل‬
‫الذين " أتعلمون " قالوه على سبيل الستهزاء‪ " .‬فاستكبروا " )‪ (4‬اي‬
‫من اليمان " سأصرف عن آياتي " )‪ (5‬أي المنصوبة في الفاق‬
‫والنفس‪ ،‬أو معجزات النبياء‪ ،‬وفي المجمع )‪ (6‬ذكر في معناه وجوه‬
‫أحدها أنه اراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة بآياتي والعتزاز بها‪،‬‬
‫كما يناله المؤمنون في الدنيا والخرة المستكبرين‪ ،‬وثانيها أن معناه‬
‫سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على النبياء بعد قيام الحجة‬
‫بما تقدم من المعجزات‪ ،‬وثالثها أن معناه سأمنع من الكذابين والمتكبرين‬
‫آياتي ومعجزاتي وأصرفهم عنها‪ ،‬وأخص بها النبياء ورابعها أن يكون‬
‫الصرف معناه المنع من إبطال اليات والحجج‪ ،‬والقدح فيها‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .40 :‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪ (3) .418‬العراف‪(4) .76 ،75 :‬‬
‫العراف‪ (5) .133 :‬العراف‪ (6) 146 :‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪.477‬‬

‫]‪[185‬‬

‫وخامسها أن المراد سأصرف عن إبطال آياتي والمنع من تبليغها هؤلء المتكبرين‪.‬‬


‫" فاستكبروا " )‪ (1‬اي عن اتباعها " وكانوا قوما مجرمين " اي معتادين‬
‫الجرام‪ ،‬فلذلك تهاونوا في رسالة ربهم‪ ،‬واجترؤا على ردها‪ " .‬ما نريك إل‬
‫بشرا مثلنا " )‪ (2‬اي ل مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة "‬
‫إل الذين هم أراذلنا " اي أخساؤنا )‪ (3‬وقال علي بن إبراهيم‪ (4) :‬يعني‬
‫المساكين والفقراء " بادي الرأي " اي ظاهر الرأي من غير تعمق من‬
‫البدو أو أول الرأي من البدء‪ ،‬وإنما استرذلوهم لفقرهم‪ ،‬فانهم لما لم‬
‫يعلموا إل ظاهرا من الحياة الدنيا كان الحظ بها أشرف عندهم‪ ،‬والمحروم‬
‫أرذل " وما نرى لكم " أي لك ولمتبعيك " علينا من فضل " يؤهلكم‬
‫للنبوة‪ ،‬واستحقاق المتابعة " بل نظنكم كاذبين " أنت في دعوى النبوة‬
‫وإياهم في دعوى العلم بصدقك‪ " .‬وما أنا بطارد الذين آمنوا " )‪ (5‬يعني‬
‫الفقراء‪ ،‬وهو جواب لهم حين سألوا طردهم " إنهم ملقوا ربهم " يلقونه‬
‫ويفوزون بقربه فيخاصمون طاردهم فكيف أطردهم " ولكني اريكم قوما‬
‫تجهلون " الحق وأهله‪ ،‬وتتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل " من‬
‫ينصرني من ال " يدفع انتقامه " إن طردتهم " وهم بتلك المثابة‪ " ،‬أفل‬
‫تذكرون " لتعرفوا أن التماس طردهم وتوفيق اليمان عليه ليس بصواب‪.‬‬
‫" ول اقول لكم عندي خزائن ال " )‪ (6‬اي خزائن رزقه حتى جحدتم‬
‫فضلي " ول أعلم الغيب " أي ول أقول‪ :‬أنا أعلم الغيب‪ ،‬حتى تكذبوني‬
‫استبعادا أو‬
‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .75 :‬هود‪ (3) .27 :‬مجمع البيان ج ‪ 5‬ص ‪ .154‬انوار التنزيل‪:‬‬
‫‪ (4) .193‬تفسير القمي‪ (5) .301 :‬هود‪ (6) .29 :‬هود‪.(*) 31 :‬‬

‫]‪[186‬‬

‫حتى أعلم أن هؤلء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب " ول أقول إني‬
‫ملك " حتى تقولوا‪ :‬ما أنت إل بشر مثلنا " ول أقول للذين تزدري أعينكم‬
‫" اي ول اقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه‪،‬‬
‫وإسناده إلى العين للمبالغة‪ ،‬والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرأي‬
‫من غير رؤية " لن يؤتيهم ال خيرا " فان ما أعد ال لهم في الخرة خير‬
‫مما آتاكم في الدنيا " إني إذا لمن الظالمين " إن قلت‪ :‬شيئا من ذلك‪ " .‬ما‬
‫نفقه " )‪ (1‬اي ما نفهم " ضعيفا " اي ل قوة لك ول عز وقال علي بن‬
‫إبراهيم‪ (2) :‬قد كان ضعف بصره " ولول رهطك " أي قومك وعزتهم‬
‫عندنا لكونهم على ملتنا " لرجمناك " أي لقتلناك شر قتلة " وما أنت‬
‫علينا بعزيز " فتمنعنا عزتك عن القتل‪ ،‬بل رهطك هم العزة علينا "‬
‫واتخذتموه ورائكم ظهريا " وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر ل‬
‫يعبأ به‪ " .‬واستفتحوا " )‪ (3‬اي سألوا من ال الفتح على أعدائهم‪ ،‬أو‬
‫القضاء بينهم وبين أعاديهم‪ ،‬من الفتاحة بمعنى الحكومة " وخاب كل جبار‬
‫عنيد " في التوحيد عن النبي صلى ال عليه وآله من أبي أن يقول‪ :‬ل إله‬
‫إل ال‪ ،‬وروى علي بن إبراهيم )‪ (4‬عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬العنيد‬
‫المعرض عن الحق " وبرزوا ل جميعا " )‪ (5‬يعني يبرزون يوم القيامة‬
‫" فقال الضعفاء " اي ضعفاء الرأي وهم التباع " للذين استكبروا " اي‬
‫لرؤسائهم‪ ،‬وفي المتهجد في خطبة الغدير لمير المؤمنين عليه السلم بعد‬
‫تلوته لها افتدرون الستكبار ما هو ؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته‪،‬‬
‫والترفع على من‬

‫)‪ (1‬هود‪ (2) .92 - 91 :‬تفسير القمي‪ (3) .314 :‬ابراهيم‪ (4) .15 :‬تفسير القمي‪:‬‬
‫‪ (5) .344‬ابراهيم‪.21 :‬‬

‫]‪[187‬‬

‫ندبوا إلى متابعته " إنا كنا لكم تبعا " في تكذيب الرسل‪ ،‬والعراض عن نصائحهم‬
‫" فهل أنتم مغنون عنا " اي دافعون عنا " من عذاب ال من شئ قالوا لو‬
‫هدينا ال " لليمان والنجاة من العذاب‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ (1) :‬الهدى‬
‫هنا الثواب " من محيص " اي منجى ومهرب من العذاب‪ " .‬قلوبهم‬
‫منكرة " )‪ (2‬في المجمع )‪ (3‬أي جاحدة للحق يستبعد ما يرد عليها من‬
‫المواعظ " وهم مستكبرون " عن النقياد للحق دافعون له من غير حجة‬
‫والستكبار طلب الترفع بترك الذعان للحق " إنه ل يحب المستكبرين "‬
‫أي المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للنبياء‪ ،‬أي ل يريد ثوابهم‬
‫وتعظيمهم‪ .‬واقول‪ :‬روى العياشي )‪ (4‬أنه مر الحسين بن علي عليه السلم‬
‫على مساكين قد بسطوا كساءهم والقوا كسرا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هلم يا ابن رسول‬
‫ال ! فثنى وركه فأكل معهم ثم تل " إن ال ل يحب المستكبرين "‪" .‬‬
‫فلبئس مثوى المتكبرين " أي جهنم " وهم ل يستكبرون " اي عن عبادته‬
‫)‪ " (5‬مرحا " )‪ (6‬أي ذا مرح‪ ،‬وفي المجمع )‪ (7‬معناه ل تمش على وجه‬
‫الشر والبطر والخيلء والتكبر قال الزجاج‪ :‬معناه ل تمش في الرض‬
‫مختال فخورا وقيل‪ :‬المرح شدة الفرح بالباطل " إنك لن تخرق " الخ هذا‬
‫مثل ضربه ال قال‪ :‬إنك ايها النسان لن تشق الرض من تحت قدمك‬
‫بكبرك‪ ،‬ولن تبلغ الجبال بتطاولك‪ ،‬والمعنى أنك لن تبلغ مما تريد كثير‬
‫مبلغ‪ ،‬كما ل يمكنك أن تبلغ هذا‪ ،‬فما وجه المثابرة على ما هذا سبيله ؟ مع‬
‫أن الحكمة زاجرة عنه‪ ،‬وإنما‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .445 :‬النحل‪ 22 :‬و ‪ (3) .23‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪) .355‬‬
‫‪ (4‬تفسر العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .257‬النحل‪ 29 ،‬و ‪ (6) .49‬أسرى‪:‬‬
‫‪ (7) .37‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪.(*) 416‬‬

‫]‪[188‬‬

‫قال ذلك‪ ،‬لن من الناس من يمشي في الرض بطرا يدق قدميه عليها‪ ،‬ليري بذلك‬
‫قدرته وقوته‪ ،‬ويرفع رأسه وعنقه‪ ،‬فبين ال سبحانه أنه ضعيف مهين‪ ،‬ل‬
‫يقدر أن يخرق الرض بدق قدميه عليها‪ ،‬حتى ينتهي إلى آخرها‪ ،‬وأن‬
‫طوله ل يبلغ الجبال‪ ،‬وإن كان طويل‪ ،‬علم سبحانه عباده التواضع‬
‫والمروءة والوقار‪ " .‬فاستكبروا " )‪ (1‬أي عن اليمان والمتابعة "‬
‫وكانوا قوما عالين " أي متكبرين " وقومهما لنا عابدون " يعني أن بني‬
‫إسرائيل لنا خادمون منقادون‪ " .‬لقد استكبروا في أنفسهم " )‪ (2‬اي في‬
‫شأنهم " وعتوا " أي تجاوزوا الحد في الظلم " عتوا كبيرا " بالغا أقصى‬
‫مراتبه‪ ،‬حيث عاينوا المعجزات القاهرة‪ ،‬فأعرضوا عنها‪ ،‬واقترحوا‬
‫لنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية‪ " .‬بغير الحق " )‬
‫‪ (3‬اي بغير الستحقاق‪ ،‬فان الكبرياء رداء ال " ل يرجعون " اي‬
‫بالنشور‪ " .‬ول تصعر خدك للناس " )‪ (4‬قيل‪ :‬اي ل تمله عنهم‪ ،‬ول‬
‫تولهم صفحة خدك كما يفعله المتكبرون‪ ،‬من الصعر وهو داء يعتري البعير‬
‫فيلوي عنقه‪ ،‬وفي المجمع )‪ (5‬أي ول تمل وجهك من الناس تكبرا ول‬
‫تعرض عمن يكلمك استخفافا به‪ ،‬وهذا معنى قول ابن عباس وأبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ ،‬وقيل‪ :‬هو أن يسلم عليك فتلوي عنقك تكبرا " ول تمش في‬
‫الرض مرحا " أي بطرا وخيلء " إن ال ل يحب كل مختال " أي كل‬
‫متكبر " فخور " على الناس‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم )‪ " (6‬ول تصعر‬
‫خدك " أي ل تذل للناس طمعا فيما عندهم " ول تمش في الرض مرحا "‬
‫أي فرحا وفي رواية ابي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم اي بالعظمة‪.‬‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) ،45 :‬الفرقان‪ (3) .21 ،‬القصص‪ (4) .39 :‬لقمان‪(5) .18 :‬‬
‫مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (6) .319‬تفسير القمي‪.(*) 508 :‬‬

‫]‪[189‬‬

‫" وهم يستكبرون " )‪ (1‬قيل أي عن اليمان والطاعة‪ " .‬يستكبرون " )‪ (3‬أي عن‬
‫كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه‪ " .‬استكبر " )‪ (3‬قيل اي تعظم‬
‫وصار من الكافرين باستنكاره أمر ال تعالى واستكباره عن المطاوعة "‬
‫استكبرت أم كنت من العالين " قيل اي تكبرت من غير استحقاق‪ ،‬أو كنت‬
‫ممن عل واستحق التفوق ؟ وقيل‪ :‬استكبرت الن أم لم تزل كنت من‬
‫المستكبرين‪ .‬واقول في بعض الروايات أن المراد بالعالين أنوار الحجج‬
‫عليهم السلم‪ " .‬بلى قد جائتك آياتي " )‪ (4‬قال علي بن إبراهيم )‪:(5‬‬
‫المراد باليات الئمة عليهم السلم " مثوى للمتكبرين " أي عن اليمان‬
‫والطاعة‪ ،‬وروى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن في‬
‫جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر‪ ،‬شكى إلى ال تعالى شدة حره وسأله‬
‫أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم )‪ " (6‬إن في صدورهم إل كبر " )‬
‫‪ (7‬قال البيضاوي اي إل تكبر عن الحق‪ ،‬وتعظم عن التفكر والتعلم أو‬
‫إرادة الرياسة‪ ،‬أو أن النبوة والملك ل يكون إل لهم " ما هم ببالغيه " اي‬
‫ببالغي دفع اليات أو المراد‪ " ،‬فاستعذ بال " اي فالتجئ إليه " إنه هو‬
‫السميع البصير " لقوالكم وافعالكم‪ " .‬عن عبادتي " )‪ (8‬فسرت في‬
‫الخبار بالدعاء " داخرين " اي صاغرين وفي الكافي )‪ (9‬عن الباقر عليه‬
‫السلم‪ :‬في هذه الية قال‪ :‬هو الدعاء وافضل العبادة الدعاء والخبار في‬
‫ذلك كثيرة سيأتي في كتاب الدعاء إنشاء ال‪ ،‬وفي الصحيفة السجادية )‬
‫‪(10‬‬

‫)‪ (1‬التنزيل‪ (2) .15 :‬الصافات‪ (3) .35 :‬ص‪ (4) .76 - 74 :‬الزمر‪(5) .59 :‬‬
‫تفسير القمى‪ (6) .579 :‬تفسير القمى‪ (7) .579 :‬المؤمن‪(8) .56 :‬‬
‫المؤمن‪ (9) .60 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (10) .467‬الدعاء‪ 45 :‬في وداع‬
‫شهر رمضان )*(‪.‬‬
‫]‪[190‬‬

‫بعد ذكر هذه الية‪ :‬فسميت دعاءك عبادة‪ ،‬وتركه استكبارا‪ ،‬وتوعدت على تركه‬
‫دخول جهنم داخرين‪ " .‬فبئس مثوى المتكبرين " )‪ " .(1‬فاستكبروا " )‬
‫‪ (2‬اي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق‪ ،‬واغتروا بقوتهم وشوكتهم‬
‫" هو اشد نهم قوة " أي قدرة " وكانوا بآياتنا يجحدون " اي يعرفون‬
‫أنها حق وينكرونها‪ " .‬ثم ادبر " )‪] (3‬أي[ عن الحق " واستكبر " عن‬
‫اتباعه و " يؤثر " أي يروى ويتعلم‪ - 1 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫ابيه‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن حكيم قال‪ :‬سألت أبا‬
‫عبد ال عليه السلم عن أدنى اللحاد‪ ،‬قال‪ :‬إن الكبر أدناه )‪ .(4‬بيان‪ :‬قال‬
‫الراغب‪ :‬ألحد فلن مال عن الحق‪ ،‬واللحاد ضربان‪ :‬إلحاد إلى الشرك‬
‫بال‪ ،‬وإلحاد إلى الشرك بالسباب‪ ،‬فالول ينافي اليمان ويبطله والثاني‬
‫يوهن عراه ول يبطله‪ ،‬ومن هذا النحو قوله عزوجل " ومن يرد فيه‬
‫بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " )‪ .(5‬وقال‪ :‬الكبر الحالة التي يتخصص‬
‫بها النسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى النسان نفسه أكبر من غيره‪،‬‬
‫وأعظم التكبر التكبر على ال عزوجل بالمتناع من قبول الحق‪ ،‬والذعان‬
‫له بالعبادة‪ ،‬والستكبار يقال على وجهين‪ :‬أحدهما أن يتحرى النسان‬
‫ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب‬
‫وفي الوقت الذي يجب فمحمود‪ ،‬والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما‬
‫ليس له‪ ،‬وهذا‬

‫)‪ (1‬المؤمن‪ 76 :‬ولم يسطر له تفسير‪ (2) .‬السجدة‪ (3) .15 :‬المدثر‪ 23 :‬و ‪) .24‬‬
‫‪ (4‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .309‬مفردات غريب القرآن ‪ ،448‬والية في‬
‫الحج‪.(*) 25 :‬‬

‫]‪[191‬‬

‫هو المذموم‪ .‬وعلى هذا ما ورد في القرآن وهو ما قال تعالى‪ " :‬ابى واستكبر‪،‬‬
‫أفكلما جائكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم‪ ،‬وأصروا واستكبروا‬
‫استكبارا " )‪ (1‬وقال تعالى‪ " :‬فاستكبروا في الرض وما كانوا سابقين "‬
‫)‪ (2‬وقال تعالى‪ " :‬الذين يستكبرون في الرض بغير الحق " )‪ (3‬وقال‬
‫تعالى‪ " :‬إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء‬
‫‪ -‬قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون " )‪ .(4‬وقوله تعالى‪" :‬‬
‫فيقول الضعفاء للذين استكبروا " قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها على‬
‫أن استكبارهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال‪ ،‬وقال تعالى‪ " :‬قال‬
‫المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا " )‪ (5‬فقابل بالمستكبرين‬
‫المستضعفين‪ ،‬وقال عزوجل‪ " :‬ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى‬
‫فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " )‪ .(6‬نبه تعالى بقوله‪:‬‬
‫" فاستكبروا " على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الصغاء‬
‫إليه‪ ،‬ونبه بقوله " وكانوا قوما مجرمين " على أن الذي حملهم على ذلك‬
‫هو ما تقدم من جرمهم‪ ،‬فان ذلك لم يكن شيئا حدث منهم‪ ،‬بل كان ذلك‬
‫دأبهم‪ .‬قال‪ " :‬فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون "‬
‫وقال بعده " إنه ل يحب المستكبرين " )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ ،34 :‬و ‪ ،78‬نوح‪ (2) .7 :‬العنكبوت‪ (3) .35 :‬كذا في نسخة الكمباني‪،‬‬
‫وهكذا المصدر وفي المصحف‪ :‬فاستكبروا في الرض بغير الحق‪(4) .‬‬
‫العراف‪ 40 :‬و ‪ (5) .48‬العراف‪ (6) .75 :‬يونس‪ (7) .75 :‬النحل‪:‬‬
‫‪.(*) 23 - 22‬‬

‫]‪[192‬‬

‫والتكبر يقال على وجهين‪ :‬أحدهما أن تكون الفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة‪،‬‬
‫وزائدة على محاسن غيره‪ ،‬وعلى هذا وصف ال تعالى بالمتكبر وقال‬
‫تعالى‪ " :‬العزيز الجبار المتكبر " )‪ (1‬الثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا‬
‫وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله عزوجل‪ " :‬فبئس مثوى المتكبرين‬
‫" )‪ (2‬وقوله تعالى‪ " :‬كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار " )‪(3‬‬
‫ومن وصف بالتكبر على الوجه الول فمحمود‪ ،‬ومن وصف به على الوجه‬
‫الثاني فمذموم‪ .‬ويدل على أنه قد يصح أن يوصف النسان بذلك‪ ،‬ول يكون‬
‫مذموما قوله تعالى‪ " :‬سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الرض بغير‬
‫الحق " )‪ (4‬فجعل المتكبرين بغير الحق مصروفا‪ .‬والكبرياء هي الترفع‬
‫عن النقياد‪ ،‬وذلك ل يستحقه غير ال قال تعالى " وله الكبرياء في‬
‫السموات والرض وهو العزيز الحكيم " )‪ (5‬ولما قلنا روي عنه عليه‬
‫السلم يقول عن ال تعالى‪ :‬الكبرياء ردائي والعظمة إزاري‪ ،‬فمن نازعني‬
‫في شئ منهما قصمته " قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آبائنا وتكون‬
‫لكما الكبرياء في الرض‪ ،‬وما نحن لكما بمؤمنين " )‪ (6‬انتهى )‪.(7‬‬
‫واقول‪ :‬اليات والخبار في ذم الكبر ومدح التواضع‪ ،‬أكثر من أن تحصى‬
‫قال الشهيد قدس ال روحه‪ :‬الكبر معصية والخبار كثيرة في ذلك قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من‬
‫الكبر‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا وفعله حسنا‬
‫فقال‪ :‬إن ال جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس‪ .‬بطر‬
‫الحق رده على قائله‪ ،‬والغمص بالصاد المهملة الحتقار والحديث مؤول‬
‫بما يؤدي إلى الكفر‪ ،‬أو يراد أنه ل يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل‬
‫بعده‬
‫)‪ (1‬الحشر‪ (2) 23 :‬الزمر‪ (3) .72 :‬غافر‪ (4) .35 :‬العراف‪(5) .146 :‬‬
‫الجاثية‪ (6) .37 :‬يونس‪ (7) .78 :‬مفردات غريب القرآن ‪ 421‬و ‪422‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[193‬‬

‫وبعد العذاب في النار‪ ،‬وقد علم منه أن التجمل ليس من التكبر في شئ انتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر‪ ،‬والباطن هو خلق في النفس والظاهر‬
‫هو أعمال تصدر من الجوارح‪ ،‬واسم الكبر بالخلق الباطن أحق وأما‬
‫العمال فانها ثمرات لذلك الخلق‪ ،‬ولذلك إذا ظهر على الجوارح يقال له‬
‫تكبر وإذا لم يظهر يقال له‪ :‬في نفسه كبر‪ ،‬فالصل هو الخلق الذي في‬
‫النفس وهو السترواح إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فان الكبر‬
‫يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به‪ ،‬وبه ينفصل الكبر عن العجب‪ ،‬فان‬
‫العجب ل يستدعي غير المعجب‪ .‬بل لو لم يخلق النسان إل وحده تصور‬
‫أن يكون معجبا‪ ،‬ول يتصور أن يكون متكبرا إل أن يكون مع غيره‪ ،‬وهو‬
‫يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال بأن يرى لنفسه مرتبة ولغيره‬
‫مرتبة‪ ،‬ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره فعند هذه العتقادات الثلثة‬
‫يحصل فيه خلق الكبر ل أن هذه الرؤية هي الكبر‪ ،‬بل هذه الرؤية وهذه‬
‫العقيدة تنفخ فيه‪ ،‬فيحصل في قلبه اغترار‪ ،‬وهزة وفرح‪ ،‬وركون إلى ما‬
‫اعتقده‪ ،‬وعز في نفسه بسبب ذلك‪ ،‬فتلك العزة والهزة والركون إلى المعتقد‬
‫هو خلق الكبر‪ ،‬ولذلك قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أعوذ بك من نفخة‬
‫الكبرياء‪ .‬فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه العتقادات‬
‫ويسمى أيضا عزا وتعظما‪ ،‬ولذلك قال ابن عباس في قوله تعالى " إن في‬
‫صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه " )‪ (1‬فقال‪ :‬عظمة ل يبلغوها‪ ،‬ثم هذه‬
‫العزة تقتضي أعمال في الظاهر والباطن وهي ثمراته‪ ،‬ويسمى ذلك تكبرا‪،‬‬
‫فانه مهما عظم عنده قدر نفسه بالضافة إلى غيره‪ ،‬حقر من دونه‬
‫وازدراه‪ ،‬وأقصاه من نفسه وأبعده‪ ،‬وترفع عن مجالسته ومواكلته‪ ،‬ورأى‬
‫أن حقه أن يقوم ماثل بين يديه إن اشتد كبره‪ .‬فان كان كبره أشد من ذلك‪،‬‬
‫استنكف عن استخدامه‪ ،‬ولم يجعله أهل للقيام بين يديه‪ ،‬فان كان دون‬
‫ذلك‪ ،‬يأنف عن مواساته ويتقدم عليه في مضايق الطرق‪ ،‬وارتفع عليه في‬
‫المحافل وانتظر أن يبدأه بالسلم‪ ،‬وإن حاج أو ناظر‬

‫)‪ (1‬غافر‪.(*) 55 :‬‬

‫]‪[194‬‬
‫استنكف أن يرد عليه‪ ،‬وإن وعظ أنف من القبول‪ ،‬وإن وعظ عنف في النصح وإن‬
‫رد عليه شئ من قوله غضب‪ ،‬وإن علم لم يرفق بالمتعلمين واستذلهم‬
‫وانتهرهم وامتن عليهم واستخدمهم وينظر إلى العامة كما ينظر إلى‬
‫الحمير استجهال لهم‪ ،‬واستحقارا‪ .‬والعمال الصادرة من الكبر أكثر من أن‬
‫تحصى‪ ،‬فهذا هو الكبر وآفته عظيمة‪ ،‬وفيه يهلك الخواص والعوام وكيف‬
‫ل تعظم آفته‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يدخل الجنة من‬
‫كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪ .‬وإنما صار حجابا عن الجنة لنه يحول‬
‫بين المرء وبين أخلق المؤمنين كلها‪ ،‬وتلك الخلق هي أبواب الجنة‪،‬‬
‫والكبر وعز النفس تغلق تلك البواب كلها لنه مع تلك الحالة ل يقدر على‬
‫حبه للمؤمنين ما يحب لنفسه‪ ،‬ول على التواضع وهو رأس أخلق‬
‫المتقين‪ ،‬ول على كظم الغيظ‪ ،‬ول على ترك الحقد ول على الصدق ول على‬
‫ترك الحسد والغضب‪ ،‬ول على النصح اللطيف‪ ،‬ول على قبوله ول يسلم‬
‫من الزراء بالناس واغتيابهم‪ ،‬فما من خلق ذميم إل وصاحب الكبر والعز‬
‫مضطر إليه ليحفظ به عزه‪ ،‬وما من خلق محمود إل وهو عاجز عنه‪ ،‬خوفا‬
‫من أن يفوته عزه‪ ،‬فعن هذا لم يدخل الجنة‪ .‬وشر أنواع الكبر ما يمنع من‬
‫استفادة العلم وقبول الحق والنقياد له وفيه وردت اليات التي فيها ذم‬
‫المتكبرين كقوله سبحانه‪ " :‬وكنتم عن آياته تستكبرون " )‪ (1‬وأمثالها‬
‫كثيرة‪ ،‬ولذلك ذكر رسول ال صلى ال عليه وآله جحود الحق في حد‬
‫الكبر‪ ،‬والكشف عن حقيقته وقال‪ :‬من سفه الحق وغمص الناس‪ .‬ثم اعلم‬
‫أن المتكبر عليه هو ال أو رسله أو ساير الخلق‪ ،‬فهو بهذه الجهة ثلثة‬
‫أقسام الول التكبر على ال‪ ،‬وهو أفحش أنواعه ول مثار له إل الجهل‬
‫المحض والطغيان‪ ،‬مثل ما كان لنمرود وفرعون‪ .‬الثاني التكبر على الرسل‬
‫والوصياء عليهم السلم كقولهم‪ " :‬أنومن لبشرين‬

‫)‪ (1‬النعام‪.(*) 93 :‬‬

‫]‪[195‬‬

‫مثلنا " )‪ " (1‬ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " )‪ " (2‬وقالوا لول أنزل‬
‫علينا الملئكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " )‬
‫‪ (3‬وهذا قريب من التكبر على ال عزوجل‪ ،‬وإن كان دونه‪ ،‬ولكنه تكبر عن‬
‫قبول امر ال‪ .‬الثالث التكبر على العباد‪ ،‬وذلك بأن يستعظم نفسه‪ ،‬ويستحقر‬
‫غيره فتأبى نفسه عن النقياد لهم‪ ،‬وتدعوه إلى الترفع عليهم‪ ،‬فيزدريهم‬
‫ويستصغرهم ويأنف عن مساواتهم‪ ،‬وهذا وإن كان دون الول والثاني فهو‬
‫أيضا عظيم من وجهين‪ :‬أحدهما أن الكبر ]والعزة والعظمة ل يليق إل‬
‫بالمالك القادر فأما العبد الضعيف الذليل المملوك العاجز الذي ل يقدر على‬
‫شئ‪ ،‬فمن أين يليق به الكبر[ )‪ (4‬فمهما تكبر العبد فقد نازع ال تعالى في‬
‫صفة ل تليق إل بجلله‪ ،‬وإلى هذا المعنى الشارة بقوله تعالى " العظمة‬
‫إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته " اي أنه خاص صفتي‬
‫ول يليق إل بي‪ ،‬والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي‪ ،‬فإذا كان التكبر‬
‫على عباده ل يليق إل به‪ ،‬فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه‪ ،‬إذ الذي‬
‫استرذل خواص غلمان الملك‪ ،‬ويستخدمهم ويترفع عليهم‪ ،‬ويستأثر بما‬
‫حق الملك أن يستاثر به منهم‪ ،‬فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ‬
‫درجته درجة من أراد الجلوس على سريره‪ ،‬والستبداد بملكه‪ ،‬كمدعي‬
‫الربوبية‪ .‬والوجه الثاني أنه يدعو إلى مخالفة ال تعالى في أوامره‪ ،‬لن‬
‫المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد ال‪ ،‬استنكف عن قبوله‪ ،‬ويتشمر‬
‫بجحده‪ ،‬و لذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون‬
‫عن اسرار الدين‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) .47 :‬المؤمنون‪ (3) .34 :‬الفرقان‪ (4) .21 :‬ما بين العلمتين‬
‫اضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 293‬‬

‫]‪[196‬‬

‫ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين‪ ،‬ومهما اتضح الحق على لسان أحدهم أنف‬
‫الخر من قبوله‪ ،‬ويتشمر بجحده‪ ،‬ويحتال لدفعه‪ ،‬بما يقدر عليه من‬
‫التلبيس‪ ،‬وذلك من أخلق الكافرين والمنافقين‪ ،‬إذ وصفهم ال تعالى فقال‪:‬‬
‫" وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " )‪(1‬‬
‫وكذلك يحمل ذلك على النفة من قبول الوعظ كما قال تعالى‪ " :‬و إذا قيل‬
‫له اتق ال أخذته العزة بالثم " )‪ (2‬وتكبر إبليس من ذلك‪ .‬فهذه آفة من‬
‫آفات الكبر عظيمة‪ ،‬ولذلك شرح رسول ال صلى ال عليه وآله الكبر‬
‫بهاتين الفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال‪ :‬يا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو ؟ فقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ل ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس‪ ،‬وفي حديث آخر‬
‫من سفه الحق‪ ،‬وقوله‪ " :‬غمص الناس " أي ازدراهم واستحقرهم‪ ،‬وهم‬
‫عباد ال أمثاله‪ ،‬وخير منه‪ ،‬وهذه الفة الولى‪ ،‬وقوله سفه الحق هو رده‬
‫به وهذه الفة الثانية‪ .‬ثم اعلم أنه ل يتكبر إل من استعظم نفسه‪ ،‬ول‬
‫يستعظمها إل وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال‪ ،‬ومجامع ذلك يرجع‬
‫إلى كمال ديني أو دنيوي والديني هو العلم والعمل‪ ،‬والدنيوي هو النسب‬
‫والجمال والقوة والمال وكثرة النصار‪ .‬فهذه سبعة‪ .‬الول‪ :‬العلم وما اسرع‬
‫الكبر إلى العلماء‪ ،‬ولذلك قال صلى ال عليه وآله‪ :‬آفة العلم الخيلء فهو‬
‫يتعزز بعز العلم‪ ،‬ويستعظم نفسه‪ ،‬ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى‬
‫البهايم‪ ،‬ويتوقع منهم الكرام والبتداء بالسلم‪ ،‬ويستخدمهم ول يعتني‬
‫بشأنهم‪ ،‬هذا فيما يتعلق بالدنيا وأما في الخرة‪ ،‬فبأن يرى نفسه عند ال‬
‫أعلى وأفضل منهم‪ ،‬فيخاف عليهم أكثر مما يخافه على نفسه‪ ،‬ويرجو‬
‫لنفسه أكثر مما يرجو لهم‪ ،‬وهذا بأن يسمى جاهل أولى من أن يسمى‬
‫عالما‪ ،‬بل العلم الحقيقي‬

‫)‪ (1‬فصلت‪ (2) .26 :‬البقرة‪.206 :‬‬

‫]‪[197‬‬

‫هو الذي يعرف النسان به نفسه وربه‪ ،‬وخطر الخاتمة‪ ،‬وحجة ال على العلماء‬
‫وعظم خطر العمل )‪ (1‬فيه‪ ،‬وهذه العلوم تزيد خوفا وتواضعا وتخشعا‬
‫ويقتضي أن يرى أن كل الناس خير منه‪ ،‬لعظم حجة ال عليه بالعلم‪،‬‬
‫وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم‪ .‬فان قلت‪ :‬فما بالبعض الناس يزداد‬
‫بالعلم كبرا وأمنا‪ .‬فاعلم أن له سببين أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمى‬
‫علما وليس بعلم حقيقي‪ ،‬وإنما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه‬
‫وربه‪ ،‬وخطر أمره في لقاء ال‪ ،‬والحجاب عنه‪ ،‬وهذا يورث الخشية‬
‫والتواضع دون الكبر والمن‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬إنما يخشى ال من عباده‬
‫العلماء " )‪ (2‬فأما ما وراء ذلك كعلم الطب والحساب واللغة والشعر‬
‫والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلت فإذا تجرد النسان لها حتى‬
‫امتلء بها امتل كبرا ونفاقا‪ ،‬وهذه بأن تسمى صناعات أولى بأن تسمى‬
‫علوما‪ ،‬بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية‪ ،‬وطريق العبادة‪ ،‬وهذا‬
‫يورث التواضع غالبا‪ .‬السبب الثاني أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث‬
‫الدخلة‪ ،‬ردي النفس سيئ الخلق‪ ،‬فلم يشتغل أول بتهذيب نفسه وتزكية‬
‫قلبه‪ ،‬بأنواع المجاهدات ولم يرض نفسه في عبادة ربه‪ ،‬فبقي خبيث‬
‫الجوهر‪ ،‬فإذا خاض في العلم أي علم كان‪ ،‬صادف العلم من قلبه منزل‬
‫خبيثا فلم يطب ثمره‪ ،‬ولم يظهر في الخير أثره‪ .‬وقد ضرب وهب لهذا مثل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الشجار بعروقها‪،‬‬
‫فتحوله على قدر طعومها‪ ،‬فيزداد المر مرارة والحلو حلوة‪ ،‬وكذلك العلم‬
‫يحفظه الرجال‪ ،‬فيحوله على قدر هممهم وأهوائهم فيزيد المتكبر تكبرا‬
‫والمتواضع تواضعا‪ ،‬وهذا لن من كانت همته الكبر وهو جاهل‪ ،‬فإذا حفظ‬
‫العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا‪ ،‬وإذا كان الرجل خائفا مع جهله‪ ،‬فإذا‬
‫ازداد علما علم أن الحجة قد أكدت عليه‪ ،‬فيزداد خوفا وإشفاقا وتواضعا‪،‬‬
‫فالعلم من اعظم ما به يتكبر‪.‬‬

‫)‪ (1‬في شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ " 294‬خطر العلم "‪ (2) .‬فاطر‪.(*) 28 :‬‬
‫]‪[198‬‬

‫الثاني‪ :‬العمل والعبادة‪ ،‬وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر‪ ،‬واستمالة قلوب الناس‬
‫الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين أما الدنيا فهو أنهم‬
‫يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيادة غيرهم‪ ،‬ويتوقعون قيام‬
‫الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس‪ ،‬وذكرهم بالورع‬
‫والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك مما مر في‬
‫حق العلماء وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق‪ .‬وأما في الدين فهو أن‬
‫يرى الناس هالكين‪ ،‬ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك‪،‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا سمعتم الرجل يقول‪ :‬هلك الناس فهو‬
‫أهلكهم‪ ،‬وروي أن رجل في بني إسرائيل يقال له‪ :‬خليع بني إسرائيل لكثرة‬
‫فساده‪ ،‬مر برجل يقال له‪ :‬عابد بني إسرائيل‪ ،‬وكانت على راس العابد‬
‫غمامة تظله لما مر الخليع به فقال الخليع في نفسه‪ :‬أنا خليع بني إسرائيل‬
‫كيف أجلس بجنبه وقال العابد‪ :‬هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي‪،‬‬
‫فأنف منه وقال له‪ :‬قم عني فأوحى ال إلى نبي ذلك الزمان‪ :‬مرهما‬
‫فليستأنفا العمل‪ ،‬فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد‪ ،‬وفي حديث آخر‬
‫فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع‪ .‬وهذه آفة ل ينفك عنها أحد من العباد إل‬
‫من عصمه ال‪ ،‬لكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلث درجات‪:‬‬
‫الدرجة الولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه‪ ،‬يرى نفسه خيرا من غيره‬
‫إل أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه وهذا قد‬
‫رسخت في قلبه شجرة الكبر‪ ،‬ولكنه قطع أغصانها بالكلية‪ .‬الثانية أن يظهر‬
‫ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على القران وإظهار النكار‬
‫على من يقصر في حقه‪ ،‬وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه‬
‫معرض عنهم‪ ،‬وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه متنزه عن‬
‫الناس‪ ،‬مستقذر لهم أو غضبان عليهم‪ ،‬وليس يعلم المسكين أن الورع‬
‫ليس في الجبهة حتى يقبطها ول في الوجه حتى يعبس‪ ،‬ول في الخد حتى‬
‫يصعر‪ ،‬ول‬

‫]‪[199‬‬

‫في الرقبة حتى يطأطي‪ ،‬ول في الذيل حتى يضم‪ ،‬إنما الورع في القلوب قال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬التقوى ههنا‪ ،‬واشار إلى صدره‪ .‬وهؤلء أخف حال ممن‬
‫هو في المرتبة الثالثة وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى‬
‫الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس أما العابد فانه يقول في‬
‫معرض التفاخر لغيره من العباد‪ :‬من هو ؟ وما عمله ؟ ومن أين زهده ؟‬
‫فيطيل اللسان فيهم بالتنقص ثم يثني على نفسه ويقول‪ :‬إني لم أفطر منذ‬
‫كذا وكذا ول أنام بالليل‪ ،‬وفلن ليس كذلك‪ ،‬وقد يزكي نفسه ضمنا فيقول‪:‬‬
‫قصدني فلن فهلك ولده وأخذ ماله أو مرض‪ ،‬وما يجري مجراه هذا يدعي‬
‫الكرامة لنفسه‪ .‬وأما العالم فانه يتفاخر ويقول‪ :‬أنا متفنن في العلوم‪،‬‬
‫ومطلع على الحقائق رأيت من الشيوخ فلنا وفلنا‪ ،‬ومن أنت ؟ وما فضلك‬
‫؟ ومن لقيته ؟ ومن ذا الذي سمعت من الحديث ؟ كل ذلك ليصغره ويعظم‬
‫نفسه‪ ،‬فهذا كله اخلق الكبر‪ ،‬وآثاره التي يثمرها التعزز بالعلم والعمل‪،‬‬
‫وأين من يخلو عن جميع ذلك أو عن بعضه ؟ يا ليت شعري من عرف هذه‬
‫الخلق من نفسه وسمع قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يدخل‬
‫الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر‪ ،‬كيف يستعظم نفسه‪،‬‬
‫ويتكبر على غيره‪ ،‬وهو بقول رسول ال صلى ال عليه وآله من أهل‬
‫النار‪ ،‬و إنما العظيم من خل عن هذا‪ ،‬ومن خل عنه لم يكن فيه تعظم‬
‫وتكبر‪ .‬الثالث التكبر بالنسب والحسب‪ ،‬فالذي له نسب شريف‪ ،‬يستحقر من‬
‫ليس له ذلك النسب‪ ،‬وإن كان ارفع منه عمل وعلما‪ ،‬وثمرته على اللسان‬
‫التفاخر به‪ ،‬وذلك عرق رقيق في النفس ل ينفك عنه نسيب وإن كان‬
‫صالحا أو عاقل إل أنه قد ل يترشح منه عند اعتدال الحوال‪ ،‬فان غلب‬
‫غضب اطفأ ذلك نور بصيرته وترشح منه‪ .‬الرابع التفاخر بالجمال وذلك‬
‫يجري أكثره بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والتسبب والغيبة وذكر‬
‫عيوب الناس‪ .‬الخامس الكبر بالمال‪ ،‬وذلك يجري بين الملوك في الخزائن‬
‫وبين التجار‬

‫]‪[200‬‬

‫في بضائعهم‪ ،‬وبين الدهاقين في أراضيهم‪ ،‬وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم‬


‫ومراكبهم‪ ،‬فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه‪ ،‬ومن ذلك تكبر قارون‪.‬‬
‫السادس الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف‪ .‬السابع‬
‫التكبر بالتباع والنصار والتلميذ والغلمان والعشيرة والقارب والبنين‪،‬‬
‫ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة في الجنود‪ ،‬وبين العلماء بالمكاثرة‬
‫بالمستفيدين‪ ،‬وبالجملة فكل ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمال وإن لم يكن‬
‫في نفسه كمال أمكن أن يتكبر به‪ ،‬حتى أن المخنث ليتكبر على أقرانه‬
‫بزيادة قدرته ومعرفته في صفة المخنثين لنه يرى ذلك كمال فيفتخر به‪،‬‬
‫وإن لم يكن فعله إل نكال‪ .‬وأما بيان البواعث على التكبر‪ ،‬فاعلم أن الكبر‬
‫خلق باطن‪ ،‬وأما ما يظهر من الخلق والعمال‪ ،‬فهو ثمرتها ونتيجتها‪،‬‬
‫وينبغي أن يسمى تكبرا و يخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو‬
‫استعظام النفس ورؤية قدر لها فوق قدر الغير‪ ،‬وهذا الباب ]الباطن[ له‬
‫موجب واحد‪ ،‬وهو العجب‪ ،‬فانه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وعمله أو بشئ‬
‫من اسبابه‪ ،‬استعظم نفسه وتكبر‪ ،‬وأما الكبر الظاهر فأسبابه ثلثة‪ ،‬سبب‬
‫في المتكبر وسبب في المتكبر عليه‪ ،‬وسبب يتعلق بغيرهما‪ ،‬أما السبب‬
‫الذي في المتكبر فهو العجب‪ ،‬والذي يتعلق بالمتكبر عليه فهو الحقد‬
‫والحسد‪ ،‬والذي يتعلق بغيرهما هو الرياء‪ ،‬فالسباب بهذا العتبار اربعة‬
‫العجب والحقد والحسد والرياء‪ .‬أما العجب فقد ذكرنا أنه يورث الكبر‬
‫الباطن‪ ،‬والكبر الباطن يثمر التكبر الظاهر‪ ،‬في العمال والقوال والفعال‪.‬‬
‫وأما الحقد فانه قد يحمل على التكبر من غير عجب‪ ،‬ويحمله ذلك على رد‬
‫الحق إذا جاء من جهته‪ ،‬وعلى النفة من قبول نصحه‪ ،‬وعلى ان يجتهد‬
‫في التقدم عليه‪ ،‬وإن علم أنه ل يستحق ذلك‪ .‬وأما الحسد فانه يوجب‬
‫البغض للمحسود‪ ،‬وإن لم يكن من جهته إيذاء‬

‫]‪[201‬‬

‫وسبب يقتضي الغضب والحقد‪ ،‬ويدعو الحسد ايضا إلى جحد الحق حتى يمتنع من‬
‫قبول النصح‪ ،‬وتعلم العلم‪ ،‬فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في‬
‫الجهل لستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده وأقاربه حسدا وبغيا‬
‫عليه‪ .‬وأما الرياء فهو ايضا يدعو إلى أخلق المتكبرين حتى أن الرجل‬
‫ليناظر من يعلم أنه افضل منه‪ ،‬وليس بينه وبينه معرفة ول محاسدة ول‬
‫حقد‪ .‬ولكن يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس‪ :‬إنه افضل‬
‫منه‪ .‬وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي أما العلمي‬
‫فهو أن يعرف نفسه وربه‪ ،‬ويكفيه ذلك في إزالته‪ ،‬فانه مهما عرف نفسه‬
‫حق المعرفة علم أنه اذل من كل ذليل‪ ،‬واقل من كل قليل بذاته‪ ،‬وأنه ل يليق‬
‫به إل التواضع والذلة والمهانة‪ ،‬وإذا عرف ربه علم أنه ل يليق العظمة‬
‫والكبرياء إل بال‪ .‬أما معرفة ربه وعظمته ومجده‪ ،‬فالقول فيه يطول‪ ،‬وهو‬
‫منتهى علم الصديقين‪ ،‬وأما معرفة نفسه فكذلك أيضا يطول‪ ،‬ويكفيه أن‬
‫يعرف معنى آية واحدة من كتاب ال تعالى فانه في القرآن علم الولين‬
‫والخرين لمن فتحت بصيرته‪ ،‬وقد قال تعالى‪ " :‬قتل النسان ما أكفره *‬
‫من اي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته‬
‫فأقبره * ثم إذا شاء أنشره " )‪ (1‬فقد أشار الية إلى أول خلق النسان‪،‬‬
‫وإلى آخر أمره‪ ،‬وإلى وسطه‪ ،‬فلينظر النسان ذلك ليفهم معنى هذه الية‪،‬‬
‫أما أول النسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا‪ ،‬وقد كان ذلك في كتم العدم‪،‬‬
‫دهورا‪ ،‬بل لم يكن لعدمه أول فأي شئ أخس وأقل من المحو والعدم وقد‬
‫كان كذلك في القدم‪ ،‬ثم خلقه ال تعالى من اذل الشياء ثم من أقذرها إذ‬
‫خلقه من تراب‪ ،‬ثم من نطفة‪ ،‬ثم من علقة‪ ،‬ثم من مضغة‪ ،‬ثم جعله عظاما‪،‬‬
‫ثم كسى العظام لحما‪ .‬فقد كان هذا بداية وجوده‪ ،‬حيث صار شيئا مذكورا‪،‬‬
‫فما صار مذكورا إل‬

‫)‪ (1‬عبس‪.(*) 22 - 17 :‬‬


‫]‪[202‬‬

‫وهو على أخس الوصاف والنعوت‪ ،‬إذ لم يخلق في ابتدائه كامل‪ ،‬بل خلقه جمادا‬
‫ميتا ل يسمع ول يبصر ول يحس ول يتحرك‪ ،‬ول ينطق ول يبطش‪ ،‬ول‬
‫يدرك ول يعلم‪ ،‬فبدأ بموته قبل حياته‪ ،‬وبضعفه قبل قوته‪ ،‬وبجهله قبل‬
‫علمه‪ ،‬وبعماه قبل بصره‪ ،‬وبصممه قبل سمعه‪ ،‬وببكمه قبل نطقه‪،‬‬
‫وبضللته قبل هداه‪ ،‬بفقره قبل غناه‪ ،‬وبعجزه قبل قدرته‪ .‬فهذا معنى قوله‬
‫تعالى‪ " :‬هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا‬
‫خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه " كذلك خلقه أول ثم أمتن عليه‬
‫فقال‪ " :‬ثم السبيل يسره " وهذه إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى‬
‫الموت‪ ،‬ولذلك قال‪ " :‬من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا‬
‫هديناه السبيل " ومعناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أول‪ ،‬ونطفة‬
‫ثانيا وأبصره بعد ما كان فاقد البصر‪ ،‬وقواه بعد الضعف‪ ،‬وعلمه بعد‬
‫الجهل‪ ،‬وخلق له العضاء بما فيها من العجائب واليات بعد الفقد لها‪،‬‬
‫وأغناه بعد الفقر‪ ،‬واشبعه بعد الجوع‪ ،‬وكساه بعد العرى‪ ،‬وهداه بعد‬
‫الضلل‪ .‬فانظر كيف دبره وصوره‪ ،‬وإلى السبيل كيف يسره‪ ،‬وإلى طغيان‬
‫النسان ما أكفره‪ ،‬وإلى جهل النسان كيف أظهره ؟ فقال تعالى‪ " :‬أو لم‬
‫ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين " )‪ " (1‬ومن آياته‬
‫أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " )‪ (2‬فانظر إلى نعمة ال‬
‫عليه‪ ،‬كيف نقله من تلك القلة والذلة والخسة والقذارة‪ ،‬إلى هذه الرفعة‬
‫والكرامة‪ ،‬فصار موجودا بعد العدم‪ ،‬وحيا بعد الموت‪ ،‬وناطقا بعد البكم‪،‬‬
‫وبصيرا بعد العمى‪ ،‬وقويا بعد الضعف‪ ،‬وعالما بعد الجهل‪ ،‬ومهديا بعد‬
‫الضللة‪ ،‬وقادرا بعد العجز وغنيا بعد الفقر فكان في ذاته ل شئ ‪ -‬وأي‬
‫شئ اخس من ل شئ ؟ وأي قلة اقل من العدم المحض ‪ -‬ثم صار بال‬
‫شيئا‪ ،‬وإنما خلقه من التراب الذليل والنطفة القذرة بعد العدم المحض‪،‬‬
‫ليعرفه خسة ذاته‪ ،‬فيعرف به نفسه‪ ،‬وإنما أكمل‬

‫)‪ (1‬يس‪ (2) .77 :‬الروم‪.20 :‬‬

‫]‪[203‬‬

‫النعمة عليه ليعرف بها ربه‪ ،‬ويعلم بها عظمته وجلله‪ ،‬وأنه ل يليق الكبرياء إل به‬
‫عزوجل‪ .‬فلذلك امتن عليه‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ألم نجعل له عينين * ولسانا‬
‫وشفتين * وهديناه النجدين " )‪ (1‬وعرف خسته أول فقال‪ :‬ألم يك نطفة‬
‫من مني يمنى * ثم كان علقة " )‪ (2‬ثم ذكر مننه فقال‪ :‬فخلق فسوى *‬
‫فجعل منه الزوجين الذكر والنثى " ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل‬
‫وجوده ابتداء بالختراع فمن كان هذا بدؤه‪ ،‬وهذا أحواله‪ ،‬فمن أين له‬
‫البطر والكبرياء ؟ والفخر والخيلء ؟ وهو على التحقيق أخس الخساء‪،‬‬
‫وأضعف الضعفاء‪ .‬نعم لو أكمله وفوض إليه أمره‪ ،‬وادام له الوجود‬
‫باختياره‪ ،‬لجاز أن يطغى وينسى المبدء والمنتهى‪ ،‬ولكنه سلط عليه في‬
‫دوام وجوده المراض الهائلة‪ ،‬والسقام العظيمة‪ ،‬والفات المختلفة‪،‬‬
‫والطبايع المتضادة‪ :‬من المرة‪ ،‬والبلغم‪ ،‬والريح والدم‪ ،‬ليهدم البعض من‬
‫أجزائه البعض‪ ،‬شاء أم ابى‪ ،‬رضي أم سخط‪ ،‬فيجوع كرها‪ ،‬ويعطش كرها‪،‬‬
‫ويمرض كرها‪ ،‬ويموت كرها‪ ،‬ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا‪ ،‬ول خيرا ول‬
‫شرا‪ ،‬يريد أن يعلم الشئ فيجهله‪ ،‬ويريد أن يذكر الشئ فينساه ويريد أن‬
‫ينسى الشئ فيغفل عنه فابغفل‪ ،‬ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول‬
‫في أودية الوسواس والفكار بالضطرار‪ ،‬فل يملك قلبه قلبه‪ ،‬ول نفسه‬
‫نفسه‪ .‬يشتهي الشئ‪ ،‬وربما يكون هلكه فيه‪ ،‬ويكره الشئ‪ ،‬ويكون حياته‬
‫فيه‪ ،‬يستلذ الطعمة فتهلكه وترديه‪ ،‬ويستبشع الدوية وهي تنفعه وتحييه‪،‬‬
‫ل يأمن في لحظة من ليله ونهاره أن يسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته‪،‬‬
‫وتفلج أعضاؤه ويختلس عقله‪ ،‬ويختطف روحه‪ ،‬ويسلب جميع ما يهواه‬
‫في دنياه‪ ،‬وهو مضطر ذليل‪ ،‬إن ترك ما بقي‪ ،‬وإن اختطف فني‪ ،‬عبد‬
‫مملوك ل يقدر علي شئ من نفسه ول من غيره‪ ،‬فاي شئ أذل منه لو‬
‫عرف نفسه ؟ وأنى يليق الكبر به لول جهله ؟‬

‫)‪ (1‬البلد‪ (2) .10 - 8 :‬القيامة‪.(*) 37 :‬‬

‫]‪[204‬‬

‫فهذا أوسط أحواله فليتأمله‪ ،‬وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله‬
‫تعالى‪ " :‬ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء انشره " )‪ (1‬ومعناه أنه يسلب‬
‫روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته‪ ،‬فيعود‬
‫جمادا كما كان أول مرة ل تبقى إل شبه اعضائه ول صورته ل حس فيها‬
‫ول حركة‪ ،‬ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الول‬
‫نطفة قذرة‪ ،‬ثم تبلى أعضاؤه وصورته‪ ،‬وتفتت أجزاؤه‪ ،‬وتنخر عظامه‪،‬‬
‫فتصير رميما ورفاتا‪ ،‬فتأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما‪،‬‬
‫وبخديه فيقطعهما‪ ،‬وبساير أجزائه فتصير روثا في أجواف الديدان‪ ،‬وتكون‬
‫جيفة تهرب منه الحيوان‪ ،‬ويستقذره كل إنسان ويهرب منه لشدة النتان‪.‬‬
‫وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان‪ ،‬فيصير ترابا يعمل منه الكيزان‪ ،‬أو‬
‫يعمر به البنيان‪ ،‬ويصير مفقودا بعد ما كان موجودا‪ ،‬وصار كأن لم يغن‬
‫بالمس حصيدا كما كان أول مرة أمدا مديدا‪ .‬وليته بقي كذلك‪ ،‬فما أحسنه‬
‫لو ترك ترابا‪ ،‬ل بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلء‪ ،‬فيخرج من‬
‫قبره عد جمع أجزائه المتفرقة‪ ،‬ويخرج إلى أهوال القيامة‪ ،‬فينظر إلى‬
‫قيامة قائمة‪ ،‬وسماء ممزقة مشققة‪ ،‬وأرض مبدلة وجبال مسيرة ونجوم‬
‫منكدرة‪ ،‬وشمس منكسفة‪ ،‬وأحوال مظلمة‪ ،‬وملئكة غلظ شداد‪ ،‬وجحيم‬
‫تزفر‪ ،‬وجنة ينظر إليها المجرم فتيحسر‪ .‬ويرى صحائف منشورة‪ ،‬فيقال‬
‫له‪ " :‬اقرء كتابك " فيقول‪ :‬وما هو ؟ فيقال‪ :‬كان قد وكل بك في حياتك‬
‫التي كنت تفرح بها‪ ،‬وتتكبر بنعيمها‪ ،‬وتفتخر بأسبابها‪ ،‬ملكان رقيبان‪،‬‬
‫يكتبان عليك ما تنطق به أو تعمله‪ ،‬من قليل وكثير‪ ،‬ونقير وقطمير‪ ،‬وأكل‬
‫وشرب‪ ،‬وقيام وقعود‪ ،‬وقد نسيت ذلك وأحصاه ال فهلم إلى الحساب‬
‫واستعد للجواب‪ ،‬أو يساق إلى دار العذاب‪ ،‬فينقطع قلبه هول هذا الخطاب‪،‬‬
‫من قبل أن ينشر الصحف‪ ،‬ويشاهد ما فيها من مخازيه‪ ،‬فإذا شاهدها قال‪:‬‬
‫" يا ويلتنا ما لهذا‬

‫)‪ (1‬عبس‪.(*) 22 - 21 :‬‬

‫]‪[205‬‬

‫الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها "‪ .‬فهذا آخر أمره وهو معنى قوله‬
‫عزوجل‪ " :‬ثم إذا شاء أنشره " فما لمن هذا حاله والتكبر ؟ بل ماله‬
‫وللفرح في لحظة فضل عن البطر والتجبر ؟ فقد ظهر له أول حاله‬
‫ووسطه‪ ،‬ولو ظهر آخره والعياذ بال ربما اختار أن يكون كلبا وخنزيرا‬
‫ليصير مع البهائم ترابا‪ ،‬ول يكون إنسانا يسمع خطابا ويلقى عذابا‪ ،‬وإن‬
‫كان عند ال مستحقا للنار فالخنزير أشرف منه واطيب وأرفع إذ أوله‬
‫التراب وآخره التراب‪ ،‬وهو بمعزل عن الحساب والعذاب‪ ،‬والكلب والخنزير‬
‫ل يهرب منه الخلق‪ .‬ولو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من‬
‫وحشة خلقته‪ ،‬وقبح صورته‪ ،‬ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه‪ ،‬ولو وقعت‬
‫قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف‪ ،‬فمن‬
‫هذا حاله في العاقبة ‪ -‬إل أن يعفى عنه‪ ،‬وهو على شك من العفو ‪ -‬فكيف‬
‫يتكبر ؟ وكيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد لها فضل ؟ وأي عبد لم يذنب‬
‫ذنبا استحق به العقوبة‪ ،‬إل أن يعفو الكريم بفضله‪ .‬أرأيت من جنى على‬
‫بعض الملوك بما استحق به ألف سوط‪ ،‬فحبس في السجن وهو منتظر أن‬
‫يخرج إلى العرض‪ ،‬ويقام عليه العقوبة‪ ،‬على مل من الخلق وليس يدري‬
‫أيعفى عنه أم ل ؟ فكيف يكون ذله في السجن ؟ وما من عبد مذنب إل‬
‫والدنيا سجنه‪ ،‬وقد استحق العقوبة من ال تعالى‪ ،‬ول يدري كيف يكون‬
‫أمره فيكفيه ذلك حزنا وخوفا وإشفاقا ومهانة وذل‪ .‬فهذا هو العلج العلمي‬
‫القاطع لصل الكبر‪ ،‬وأما العلج العملي فهو التواضع بالفعل ل تعالى‬
‫ولسائر الخلق‪ ،‬بالمواظبة على أخلق المتواضعين‪ ،‬وما وصل إليه من‬
‫أحوال الصالحين‪ ،‬ومن أحوال رسول ال صلى ال عليه وآله حتى أنه كان‬
‫يأكل على الرض‪ ،‬ويقول‪ :‬إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد‪ .‬وقيل لسلمان‪:‬‬
‫لم ل تلبس ثوبا جيدا ؟ فقال‪ :‬إنما أنا عبد‪ ،‬فإذا اعتقت يوما لبست‪ ،‬أشار به‬
‫إلى العتق في الخرة‪.‬‬

‫]‪[206‬‬

‫ول يتم التواضع بعد المعرفة إل بالعمل‪ ،‬فمن عرف نفسه فلينظر إلى كل ما بتقاضاه‬
‫الكبر من الفعال‪ ،‬فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا‪ ،‬وقد‬
‫ورد في الخبار الكثيرة علج الكبر بالعمال‪ ،‬وبيان اخلق المتواضعين‪.‬‬
‫قيل‪ :‬اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه‪ ،‬ونظره‬
‫شزرا وإطراقه رأسه‪ ،‬وجلوسه متربعا ومتكئا وفي أقواله حتى في صوته‬
‫ونغمته وصفته في اليراد‪ ،‬ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه‬
‫في حركاته وسكناته وفي تعاطيه لفعاله وساير تقلباته في أقواله وافعاله‬
‫وأعماله‪ .‬فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله‪ ،‬ومنهم من يتكبر في بعض‪،‬‬
‫فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له‪ ،‬أوبين يديه‪ ،‬وقد قال علي صلوات‬
‫ال عليه‪ :‬ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد‬
‫وبين يديه قوم قيام‪ ،‬وقال أنس‪ :‬لم يكن شخص أحب إليهم من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وكانوا إذا رأوه ل يقومون له‪ ،‬لما يعلمون من كراهته‬
‫لذلك‪ .‬ومنها أن ل يمشي إل ومعه غيره يمشي خلفه‪ :‬قال أبو الدرداء‪ :‬ل‬
‫يزال العبد يزداد من ال بعدا مامشى خلفه‪ ،‬وكان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله في بعض الوقات يمشي مع الصحاب فيأمرهم بالتقدم‪ ،‬ويمشي في‬
‫غمارهم‪ ،‬ومنها أن ل يزور غيره‪ .‬وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره‬
‫في الدين‪ ،‬وهو ضد التواضع‪ .‬ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب‬
‫منه إل أن يجلس بين يديه والتواضع خلفه قال أنس‪ :‬كانت الوليدة من‬
‫ولئد المدينة تأخذ بيد رسول ال صلى ال عليه وآله ول ينزع منها يده‪،‬‬
‫حتى تذهب به حيث شاءت‪ .‬ومنها أن يتوقى مجالسة المرضى والمعلولين‪،‬‬
‫ويتحاشى عنهم‪ ،‬وهو كبر‪ :‬دخل رجل على رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وعليه جدري قد يقشر وعنده اصحابه يأكلون فما جلس عند أحد إل قام‬
‫من جنبه‪ ،‬فأجلسه النبي صلى ال عليه وآله بجنبه‪ .‬ومنها أن ل يتعاطى‬
‫بيده شغل في بيته‪ ،‬والتواضع خلفه‪ ،‬ومنها أن ل يأخذ‬

‫]‪[207‬‬

‫متاعا ويحمله إلى بيته‪ ،‬وهذا خلف عادة المتواضعين‪ ،‬كان رسول ال يفعل ذلك‬
‫وقال علي عليه السلم‪ :‬ل ينقص الرجل من كماله ما حمل من شئ إلى‬
‫عياله‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬رأيت عليا اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أحمل عنك يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ل أبو العيال أحق أن يحمل‪ .‬ومنها‬
‫اللباس إذ يظهر به التكبر والتواضع‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬البذاذة من اليمان‪ ،‬قيل‪ :‬هي الدون من الثياب‪ ،‬وعوتب علي عليه‬
‫السلم في إزار مرقوع‪ ،‬فقال‪ :‬يقتدي به المؤمن‪ ،‬ويخشع له القلب‪ .‬وقال‬
‫عيسى عليه السلم‪ :‬جودة الثياب خيلء القلب‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬من ترك زينة ل ووضع ثيابا حسنة تواضعا ل وابتغاء‬
‫وجهه‪ ،‬كان حقا على ال أن يدخله عبقري الجنة‪ .‬فان قلت‪ :‬فقد قال عيسى‬
‫عليه السلم‪ :‬جودة الثياب خيلء القلب‪ ،‬وقد سئل نبينا صلى ال عليه وآله‬
‫من الجمال في الثياب هل هو من الكبر ؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن الكبر من سفه‬
‫الحق وغمص الناس‪ ،‬فكيف طريق الجمع بينهما ؟‪ .‬فاعلم أن الثوب الجيد‬
‫ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل احد في كل حال‪ ،‬وهو‬
‫الذي اشار إليه رسول ال صلى ال عليه وآله وهو الذي عرفه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله من حال ثابت بن قيس إذ قال‪ :‬إني امرؤ حبب إلي‬
‫الجمال ما ترى ؟ فعرفه أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب ل ليتكبر على‬
‫غيره‪ ،‬فانه ليس من ضرورته أن يكون من الكبر‪ ،‬وقد يكون ذلك من الكبر‬
‫كما أن الرضا بالثوب الدون قد يكون من التواضع‪ ،‬فإذا انقسمت الحوال‬
‫نزل قول عيسى عليه السلم على بعض الحوال‪ ،‬على أن قوله‪ :‬خيلء‬
‫القلب‪ ،‬يعني قد يورث خيلء في القلب‪ ،‬وقول نبينا‪ :‬أنه ليس من الكبر‪،‬‬
‫يعني أن الكبر ل يوجبه ويجوز أن ل يوجبه الكبر‪ ،‬ثم يكون هو مورثا‬
‫للكبر‪ .‬وبالجملة فالحوال تختلف في مثل هذا‪ ،‬والمحمود الوسط من‬
‫اللباس الذي ل يوجب شهرة بالجودة‪ ،‬ول بالرذالة‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ول بخل‪ ،‬إن ال‬
‫يحب أن يرى أثر نعمته على عبده‪.‬‬

‫]‪[208‬‬

‫وقال بكر بن عبد ال المزني‪ :‬البسوا ثياب الملوك‪ ،‬وأميتوا قلوبكم بالخشية وإنما‬
‫خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلح وقال عيسى عليه‬
‫السلم‪ :‬مالكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان ؟ وقلوبكم قلوب الذئاب‬
‫الضواري ؟ البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية‪ .‬ومنها أن‬
‫يتواضع بالحتمال‪ ،‬إذا سب وأوذي وأخذ حقه‪ ،‬فذلك هو الفضل‪ .‬وبالجملة‬
‫فمجامع حسن الخلق والتواضع سيرة رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫فبه ينبغي أن يقتدى‪ ،‬ومنه ينبغي أن يتعلم‪ ،‬وقد قال ابن ابي سلمة‪ :‬قلت‬
‫لبي سعيد الخدري‪ :‬ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس والمشرب‬
‫والمركب والمطعم ؟ فقال‪ :‬يا ابن أخي كل ل‪ ،‬واشرب ل‪ ،‬وكل شئ من‬
‫ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف‪ .‬وعالج‬
‫في بيتك من الخدمة ما كان رسول ال صلى ال عليه وآله يعالج في بيته‪:‬‬
‫كان يعلف الناضح‪ ،‬ويعقل البعير‪ ،‬ويقم البيت‪ ،‬ويحلب الشاة‪ ،‬ويخصف‬
‫النعل‪ ،‬ويرقع الثوب‪ ،‬ويأكل مع خادمه‪ ،‬ويطحن عنه إذا أعيى‪ ،‬ويشتري‬
‫الشئ من السوق ول يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه‪،‬‬
‫فينقلب إلى أهله‪ ،‬يصافح الغني والفقير‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬ويسلم مبتدئا‬
‫على كل من استقبله من صغير أو كبير‪ ،‬أسود أو أحمر‪ ،‬حر أو عبد‪ ،‬من‬
‫أهل الصلة‪ .‬ليس له حلة لمدخله‪ ،‬وحلة لمخرجه‪ ،‬ل يستحيي من أن يجيب‬
‫إذا دعي وإن كان اشعث أغبر‪ ،‬ول يحقر ما دعي إليه‪ ،‬وإن لم يجد إل‬
‫حشف الدقل )‪ (1‬ل يرفع غداء لعشاء‪ ،‬ول عشاء لغداء‪ ،‬هين المقولة‪ ،‬لين‬
‫الخلقة‪ ،‬كريم الطبيعة جميل المعاشرة‪ ،‬طلق الوجه‪ ،‬بساما من غير ضحك‪،‬‬
‫محزونا من غير عبوس شديدا من غير عنف‪ ،‬متواضعا من غير مذلة‪،‬‬
‫جوادا من غير سرف‪ ،‬رحيما بكل‬

‫)‪ (1‬في نسخة الكمباني وشرح الكافي " خشف الزقل " وهو تصحيف‪ ،‬والحشف‪:‬‬
‫اليابس الفاسد البالى‪ ،‬والدقل‪ :‬أردء التمر‪.‬‬

‫]‪[209‬‬

‫ذي قربى‪ ،‬قريبا من كل ذمي ومسلم‪ ،‬رقيق القلب‪ ،‬دائم الطراق‪ ،‬لم يبشم قط من‬
‫شبع‪ ،‬ول يمد يده إلى طمع‪ .‬قال أبو سلمة‪ :‬فدخلت على عائشة فحدثتها كل‬
‫هذا من أبي سعيد‪ ،‬فقالت‪ :‬ما اخطأ فيه حرفا‪ ،‬ولقد قصر‪ ،‬إذ ما أخبرك أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله لم يمتلئ قط شبعا‪ ،‬ولم يبث إلى أحد‬
‫شكوى‪ ،‬وإن كانت الفاقة احب إليه من اليسار والغنى وإن كان ليظل جائعا‬
‫يتلوى ليلته حتى يصبح‪ ،‬فما يمنعه ذلك عن صيام يومه ولو شاء أن يسأل‬
‫ربه فيؤتى كنوز الرض وثمارها‪ ،‬ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها‪،‬‬
‫لفعل‪ .‬وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬نفسي لك الفداء‪ ،‬لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك‪ ،‬ويمنعك من‬
‫الجوع‪ ،‬فيقول يا عايشه إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على‬
‫ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم‪ ،‬فقدموا على ربهم‪ ،‬فأكرم مآبهم‪،‬‬
‫وأجزل ثوابهم‪ ،‬فأجدني استحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي‬
‫دونهم‪ ،‬فاصبر أياما يسيرة احب إلي من أن ينقص حظي غدا في الخرة‪،‬‬
‫وما من شئ أحب إلي من اللحوق باخواني وأخلئي فقالت عايشة‪ :‬فوال‬
‫ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه ال تعالى‪ .‬فما نقل من أخلقه صلى‬
‫ال عليه وآله يجمع جملة أخلق المتواضعين فمن طلب التواضع فليقتد‬
‫به‪ ،‬ومن رأى نفسه فوق محله صلى ال عليه وآله ولم يرض لنفسه بما‬
‫رضي هو به‪ ،‬فما اشد جهله‪ ،‬فلقد كان رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أعظم خلق ال تعالى منصبا في الدين والدنيا‪ ،‬فل عزة ول رفعة إل في‬
‫القتداء به‪ ،‬ولذلك لما عوتب بعض الصحابة في بذاذة هيئته‪ ،‬قال‪ :‬إنا قوم‬
‫أعزنا ال تعالى بالسلم‪ ،‬فل نطلب العز في غيره‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن الحسين بن أبي العل‪ ،‬عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬الكبر قد يكون‬

‫]‪[210‬‬

‫في شرار الناس من كل جنس والكبر رداء ال‪ ،‬فمن نازع ال عزوجل رداءه لم‬
‫يزده ال إل سفال‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله مر في بعض طرق‬
‫المدينة‪ ،‬وسوداء تلقط السرقين فقيل لها‪ :‬تنحي عن طريق رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله فقالت‪ :‬إن الطريق لمعرض‪ ،‬فهم بها بعض القوم أن‬
‫يتناولها‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬دعوها فانها جبارة )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬قوله عليه السلم " قد يكون " اقول‪ :‬يحتمل أن يكون " قد "‬
‫للتحقيق وإن كان في المضارع قليل كما قيل في قوله تعالى‪ " :‬قد يعلم ما‬
‫أنتم عليه " )‪ (2‬قال الزمخشري‪ :‬دخل " قد " لتوكيد العلم‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫إلى توكيد الوعيد وقيل‪ :‬هو للتقليل باعتبار قيد " من كل جنس " وقوله‪:‬‬
‫" من كل جنس " أي من كل صنف من اصناف الناس‪ ،‬وإن كان دنيا‪ ،‬أو‬
‫من كل جنس من أجناس سبب التكبر من السباب التي اشرنا إليها سابقا‬
‫والول اظهر كما يومئ إليه قصة السوداء‪ " .‬والكبر رداء ال " قال في‬
‫النهاية‪ :‬في الحديث قال ال تبارك وتعالى‪ :‬العظمة إزاري والكبرياء‬
‫ردائي‪ ،‬ضرب الزار والرداء مثل ف انفراده بصفة العظمة والكبرياء أي‬
‫ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا‪ ،‬كالرحمة والكرم‬
‫وغيرهما وشبههما بالزار والرداء لن المتصف بهما يشملنه كما يشمل‬
‫الرداء ]والزار[ النسان و لنه ل يشاركه في ردائه وإزاره أحد‪ ،‬فكذلك‬
‫ال ل ينبغي أن يشركه فيهما احد‪ ،‬ومثله الحديث الخر تأزر بالعظمة‪،‬‬
‫وتردى بالكبرياء‪ ،‬وتسربل بالعز انتهى‪ .‬قال بعض شراح صحيح مسلم‪:‬‬
‫الزار الثوب الذي يشد على الوسط والرداء الذي يمد على الكتفين‪ ،‬وقال‬
‫محيي الدين‪ :‬وهما لباس‪ ،‬واللباس من خواص الجسام‪ ،‬وهو سبحانه‬
‫ليس بجسم‪ ،‬فهما استعارة للصفة التي هي العظمة والعزة‪ ،‬ووجه‬
‫الستعارة أن هذين الثوبين لما كانا مختصين بالناس‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .309‬النور‪.(*) 64 :‬‬

‫]‪[211‬‬

‫يستغني عنهما‪ ،‬ول يقبلن الشركة‪ ،‬وهما جمال‪ ،‬عبر عن العز بالرداء‪ ،‬وعن الكبر‬
‫بالزار‪ ،‬على وجه الستعارة المعروفة عند العرب‪ ،‬كما يقال‪ :‬فلن شعاره‬
‫الزهد ودثاره التقوى‪ ،‬ل يريدون الثوب الذي هو شعار ودثار‪ ،‬بل صفة‬
‫الزهد‪ ،‬كما يقولون ]فلن[ غمر الرداء واسع العطية‪ ،‬فاستعاروا لفظ‬
‫الرداء للعطية انتهى‪ " .‬لم يزده ال إل سفال " اي في أعين الخلق مطلقا‬
‫غالبا على خلف مقصوده كما سيأتي‪ ،‬أوفي أعين العارفين والصالحين أو‬
‫في القيامة كما سيأتي أنهم يجعلون في صورة الذر " تلقط " كتنصر أو‬
‫على بناء التفعل بحذف إحدى التائين‪ ،‬في القاموس لقطه أخذه من الرض‬
‫كالتقطه وتلقطه التقطه من ههنا وههنا‪ ،‬وقال‪ :‬السرقين والسرجين‬
‫بكسرهما الزبل معربا سرگين بالفتح‪ " .‬فقيل لها تنحي " بالتاء والنون‬
‫والحاء المشددة كلها مفتوحة‪ ،‬والياء الساكنة أمر الحاضرة من باب‬
‫التفعيل‪ ،‬اي ابعدي‪ " .‬لمعرض " على بناء المفعول من الفعال أو التفعيل‪،‬‬
‫وقد يقرء على بناء الفاعل من الفعال فعلى الولين من قولهم أعرضت‬
‫الشئ وعرضته أي جعلته عريضا‪ ،‬وعلى الثالث من قولهم عرضت الشئ‬
‫اي اظهرته فأعرض اي ظهر‪ ،‬وهو من النوادر‪ " .‬فهم بها " أي قصدها‬
‫" أن يتناولها " اي يأخذها فينحيها قسرا عن طريقه صلى ال عليه وآله‬
‫أو يشتمها من قولهم نال من عرضه اي شتمه‪ ،‬والول اظهر " فانها‬
‫جبارة " أي متكبرة‪ ،‬وذلك خلقها ل يمكنها تركه‪ ،‬أو إذا قهرتموها يظهر‬
‫منها أكثر من ذلك من البذا والفحش‪ .‬قال في النهاية‪ :‬فيه أنه أمرا مرأة‬
‫فتأبت فقال‪ :‬دعوها فانها جبارة اي متكبرة عاتية‪ ،‬وقال الراغب أصل‬
‫الجبر إصلح الشئ بضرب من القهر‪ ،‬وتجبر يقال إما لتصور معنى‬
‫الجتهاد‪ ،‬أو للمبالغة أو لمعنى التكلف‪ ،‬والجبار في صفة النسان يقال لمن‬
‫يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي ل يستحقها‪ ،‬وهذا ل يقال إل على‬
‫طريق الذم كقوله تعالى‪ " :‬وخاب كل جبار عنيد " " ولم يجعلني جبار‬
‫شقيا " )‪(1‬‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ ،15 :‬مريم‪.(*) 32 :‬‬

‫]‪[212‬‬

‫" إن فيها قوما جبارين " )‪ " (1‬كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار " )‪(2‬‬
‫اي متعال عن قبول الحق والذعان له‪ ،‬وإما في وصفه تعالى نحو‪" :‬‬
‫العزيز الجبار المتكبر " )‪ (3‬فقد قيل‪ :‬سمي بذلك من قولهم جبرت الفقير‪،‬‬
‫لنه هو الذي يجبر الناس ]بفائض نعمه )‪ (4‬وقيل‪ :‬لنه يجبر الناس أي‬
‫يقهرهم على ما يريده‪ .‬ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال‪ :‬ل‬
‫يقال من أفعلت‪ :‬فعال فجبار ل يبنى من أجبرت‪ ،‬فأجيب عنه بأن ذلك من‬
‫لفظ الجبر المروي في قوله " ل جبر ول تفويض " ل من الجبار‪ .‬وأنكر‬
‫جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا تعالى ال عن ذلك وليس‬
‫ذلك بمنكر‪ ،‬فان ال تعالى قد أجبر الناس على اشياء ل انفكاك لهم منها‬
‫حسب ما تقتضيه الحكمة اللهية‪ ،‬ل على ما تتوهمه الغواة الجهلة‪ ،‬وذلك‬
‫لكراههم على المرض والموت والبعث وسخر كل منهم بصناعة يتعاطاها‬
‫وطريقة من الخلق والعمال يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير‪،‬‬
‫فاما راض بصنعته ل يريد عنها حول‪ ،‬وإما كاره لها يكابدها مع كراهية‬
‫لها‪ ،‬كأنه ل يجد عنها بدل‪ ،‬قال‪ " :‬فتقطعوا أمرهم بينهم ]زبرا[ كل حزب‬
‫بما لديهم فرحون " )‪ (5‬وقال تعالى‪ " :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في‬
‫الحياة الدنيا " )‪ (6‬وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو ل يقهر إل على ما‬
‫تقتضي الحكمة أن يقهر عليه )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .22 :‬غافر‪ (3) .35 :‬الحشر‪ (4) .23 :‬في طبعة الكمباني ههنا‬
‫بياض وهو الصفحة ‪ 119‬من الجزء الثالث وقد اضفنا ما سقط منها من‬
‫شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،298‬وجعلنا ما سقط بين المعقوفتين‪(5) .‬‬
‫المؤمنون‪ (6) .53 :‬الزخرف‪ (7) .32 :‬مفردات غريب القرآن ‪ 85‬و‬
‫‪.86‬‬

‫]‪[213‬‬

‫‪ - 3‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن العلء بن الفضيل‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬العز رداء ال‪،‬‬
‫والكبر إزاره‪ ،‬فمن تناول شيئا منه أكبه ال في جهنم )‪ .(1‬بيان‪ :‬قيل في‬
‫علة تشبيه العز بالرداء والكبر بالزار‪ :‬إن العزة امر إضافي كما قيل هي‬
‫المتناع من أن ينال‪ ،‬وقيل‪ :‬هي الصفة التي تقتضي عدم وجود مثل‬
‫الموصوف بها‪ ،‬وقيل‪ :‬هي الغلبة على الغير‪ ،‬والمر الضافي أمر ظاهر‬
‫والرداء من الثواب الظاهرة فبينهما مناسبة من جهة الظهور‪ ،‬والكبر‬
‫بمعنى العظمة وهي صفة حقيقية إذا العظيم قد يتعاظم في نفسه من غير‬
‫ملحظة الغير‪ ،‬فهي أخفى من العزة‪ ،‬والزار ثوب خفي لنه يستر غالبا‬
‫بغيره‪ ،‬فبينهما مناسبة من هذه الجهة‪ .‬أقول‪ :‬ويحتمل أن يراد بالعز إظهار‬
‫العظمة‪ ،‬وبالكبر نفسها‪ ،‬أو بالعز ما يصل إليه عقول الخلق من كبريائه‪،‬‬
‫وبالكبر ما عجز الخلق عن إدراكه‪ ،‬أو بالعز ما كان بسبب صفاته العلية‬
‫وبالكبر ما كان بحسب ذاته المقدسة والمناسبة على كل من الوجوه ظاهرة‬
‫)‪ " .(2‬فمن تناول " اي تصرف وأخذ " شيئا منه " الضمير راجع إلى كل‬
‫من‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .309‬أقول‪ :‬وللسيد الشريف الرضى رضوان ال عليه‬
‫في كتابه المجازات النبوية ص ‪ 282‬في معنى هذا الحديث مسلك آخر قال‬
‫قدس سره‪ :‬ومن ذلك قوله عليه السلم في تعيير أقوام ذمهم‪ :‬ورجل‬
‫ينازع ال رداءه فان رداءه الكبرياء وازاره العظمة‪ .‬وهذا القول مجاز‪،‬‬
‫والمراد بذلك أن الكبرياء والعظمة رداؤه تعالى وازاره اللذان يكسوهما‬
‫خليقته‪ ،‬ويلبسهما بريته‪ ،‬ول يقدر غيره تعالى على ان ينزع منهما ما‬
‫البسه‪ ،‬أو يلبس منهما ما نزعه‪ ،‬والمراد بذلك العظمة والكبرياء على‬
‫حقيقتهما‪ ،‬دون ما يعتقده الجهال أنه عظمة وكبرياء وليس بهما‪ ،‬وذلك‬
‫مثل ما نشأ هذه من تعظم الجبارين وتكبر المتملكين‪ ،‬فان ذلك ليس‬
‫بتعظيم من ال سبحانه لهم ول بافاضة من ملبس كبريائه=‬

‫]‪[214‬‬

‫العز والكبر‪ ،‬والغالب في أكب مطاوع كب يقال كبه فأكب وقد يستعمل أكب أيضا‬
‫متعديا‪ ،‬في القاموس كبه‪ :‬قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب‪ ،‬وهو لزم‬
‫متعد‪ ،‬وفي المصباح كببت زيدا كبا‪ :‬القيته على وجهه فأكب هو‪ ،‬وهو من‬
‫النوادر التي تعدى ثلثيها وقصر رباعيها‪ ،‬وفي التنزيل‪ " :‬فكبت وجوههم‬
‫في النار " )‪ " (1‬أفمن يمشي مكبا على وجهه " )‪ - 4 .(2‬كا‪ :‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ثعلبة‪ ،‬عن معمر‬
‫بن عمر بن عطا )‪ ،(3‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬الكبر رداء ال‬
‫والمتكبر ينازع ال رداءه )‪ .(4‬بيان‪ :‬قال بعض المحققين‪ :‬النسان مركب‬
‫من جوهرين أحدهما أعظم من الخر‪ ،‬وهو الروح التي من أمر الرب‪،‬‬
‫وبينها وبين الرب قرب تام‪ ،‬لول عنان العبودية لقال كل أحد " أنا ربكم‬
‫العلى " فكل أحد يحب الربوبية ولكن يدفعها عن نفسه بالقرار‬
‫بالعبودية‪ ،‬ويطلب باعتبار الجوهر الخر‬

‫= عليهم‪ ،‬وانما العظمة والكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها ال سبحانه‬
‫على رسله وأنبيائه والقائمين بالقسط من عباده‪ ،‬فيعظمون بها في‬
‫العيون‪ ،‬ويحلون في الصدور والقلوب‪ ،‬وان كانت هيئاتهم ذميمة‪،‬‬
‫وظواهرهم ورقابهم خاضعة‪ ،‬وبطونهم جائعة‪ .‬فإذا ثبت ما قلنا بأن‬
‫تسمية الكبرياء والعظمة رداء ال وازاره ليس لنه يكتسبهما ولكن لنه‬
‫يكسوهما‪ ،‬وذلك كما يقول القائل وقد رأى على بعض الناس ثوبا افاضه‬
‫عليه عظيم من العظماء أو كريم من الكرماء‪ :‬هذا ثوب فلن ولم يرد أنه‬
‫ملبسه‪ ،‬فأضافه إليه من حيث كساه ل من حيث اكتساه الخ‪ (1) .‬النمل‪:‬‬
‫‪ (2) .27‬الملك‪ (3) .22 :‬الظاهر انه‪ :‬عن معمر بن عمر‪ ،‬عن عطا‪ ،‬كما‬
‫يظهر من كتب الرجال‪ ،‬منه رحمه ال‪ (4) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 309‬‬

‫]‪[215‬‬
‫المركوز فيه القوة الشهوية والغضبية آثار الربوبية وخواصها‪ ،‬وهي أن يكون فوق‬
‫كل شئ وأعل رتبة منه ويغفل عن أن هذا في الحقيقة دعوى الربوبية‪،‬‬
‫وكذلك كل صفة من الصفات الرذيلة تتولد من ادعاء آثار الربوبية كالغضب‬
‫والحسد والحقد والرياء والعجب‪ ،‬فان الغضب من جهة الستيلء اللزم‬
‫للربوبية والحسد من جهة أنه يكره أن يكون أحد أفضل منه في الدين‬
‫والدنيا وهو أيضا من لوازمها والحقد يتولد من احتقان الغضب في الباطن‬
‫والرياء من جهة أنه يريد ثناء الخلق والعجب من جهة أنه يرى ذاته كاملة‬
‫وكل ذلك من آثار الربوبية‪ ،‬وقس عليه سائر الرذائل‪ ،‬فانك إن فتشتها‬
‫وجدتها مبنية على ادعاء الربوبية والترفع‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن أبي جميلة عن ليث المرادي‪ ،‬عن ابي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬الكبر رداء ال‪ ،‬فمن نازع ال شيئا من ذلك أكبه ال‬
‫في النار )‪ .(1‬بيان‪ " :‬شيئا من ذلك " اي في شئ من الكبر‪ - 6 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن القاسم بن عروة‪ ،‬عن عبد ال بن بكير‪،‬‬
‫عن زرارة‪ ،‬عن ابي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم قال‪ :‬ل يدخل الجنة‬
‫من في قلبه مثقال ذرة من كبر )‪ .(2‬بيان‪ :‬الذر‪ :‬النمل الحمر الصغير‪،‬‬
‫واحدتها ذرة‪ ،‬وسئل تغلب عنها فقال‪ :‬إن مائة نملة وزن حبة‪ ،‬والذرة‬
‫واحدة منها‪ ،‬وقيل‪ :‬الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع‬
‫الشمس الداخل في النافذة‪ .‬وقال‪ :‬فيه‪ :‬ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال‬
‫حبة من خردل من كبر يعني كبر الكفر والشرك كقوله تعالى‪ " :‬إن الذين‬
‫يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " )‪ ،(3‬أل ترى أنه قابله‬
‫في نقيضه باليمان فقال‪ :‬ول يدخل النار‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .309‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .310‬غافر‪.60 :‬‬

‫]‪[216‬‬

‫من في قلبه مثل ذلك من اليمان‪ ،‬أراد دخول تأبيد‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد إذا دخل الجنة نزع‬
‫ما في قلبه من الكبر كقوله تعالى‪ " :‬ونزعنا ما في صدورهم من غل " )‬
‫‪ (1‬انتهى‪ .‬واقول‪ :‬التأويل الول حسن وموافق لما في الخبر التي‪ ،‬وأما‬
‫الثاني فل يخفى بعده‪ ،‬لن المقصود ذم التكبر وتحذيره ل تبشيره برفع‬
‫الثم عنه ولذا حمله بعضهم على المستحل‪ ،‬أو عدم الدخول ابتداء‪ ،‬بل بعد‬
‫المجازاة‪ ،‬وما في الخبر أصوب‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن يونس‪ ،‬عن أبي أيوب‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر‪،‬‬
‫قال‪ :‬فاسترجعت‪ ،‬فقال‪ :‬مالك تسترجع ؟ قلت‪ :‬لما سمعت منك فقال‪ :‬ليس‬
‫حيث تذهب[ )‪ (2‬إنما أعني الجحود‪ ،‬إنما هو الجحود )‪ .(3‬بيان‪" :‬‬
‫فاسترجعت " يقال‪ :‬أرجع فرجع‪ ،‬واسترجع في المصيبة قال‪ :‬إنا ل وإنا‬
‫إليه راجعون‪ ،‬كما في القاموس وإنما قال ذلك لنه استشعر بالهلك‬
‫واستحقاق دخول النار‪ ،‬بحمل الكلم على ظاهره‪ ،‬لنه كان متصفا ببعض‬
‫الكبر " إنما هو الجحود " اي المراد بالكبر إنكار ال سبحانه أو إنكار‬
‫أنبيائه أو حججه عليهم السلم والستكبار عن إطاعتهم‪ ،‬وقبول أوامرهم‬
‫ونواهيهم‪ ،‬مثل تكبر إبليس لعنه ال فانه لما كان مقرونا بالجحود والباء‬
‫عن طاعة ال‪ ،‬والستصغار لمره كما دل عليه قوله‪ " :‬لم أكن لسجد‬
‫لبشر خلقته من صلصال " )‪ (4‬وقوله‪ " :‬ءأسجد لمن خلقت طينا " )‪(5‬‬
‫كان سببا لكفره‪ ،‬والكفر يوجب الحرمان من الجنة أبدا‪ ،‬وهذا‬

‫)‪ (1‬العراف‪ ،43 :‬الحجر‪ (2) .47 :‬إلى هنا انتهى ما أثبتناه من شرح الكافي‬
‫ومتنه في محل بياض الصفحة ‪ 119‬من الجزء الثالث من نسخة الكمباني‬
‫فراجع‪ (3) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .310‬الحجر‪ (5) .33 :‬أسرى‪.61 :‬‬

‫]‪[217‬‬

‫أحد التأويلت للروايات الدالة على ان صاحب الكبر ل يدخل الجنة كما عرفت و كأن‬
‫المقصود أن هذا الوعيد مختص بكبر الجحود ل أن غيره ل يتعلق به‬
‫الوعيد مطلقا‪ ،‬والتكرير للتأكيد‪ - 8 .‬كا‪ :‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد‬
‫الجبار‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن علي ابن عقبة‪ ،‬عن أيوب بن الحر‪ ،‬عن عبد‬
‫العلى‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬الكبر أن تغمص الناس وتسفه‬
‫الحق )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أن تغمص الناس " أي تحقرهم‪ ،‬والمراد إما مطلق‬
‫الناس أو الحجج والئمة عليهم السلم كما ورد في الخبار أنهم الناس كما‬
‫قال تعالى‪ " :‬ثم افيضوا من حيث افاض الناس " )‪ (2‬في القاموس غمصه‬
‫كضرب وسمع احتقره كاغتمصه وعابه وتهاون بحقه‪ ،‬والنعمة لم‬
‫يشكرها‪ ،‬وقال‪ :‬سفه نفسه ورأيه مثلثة حمله على السفه أو نسبه إليه أو‬
‫أهلكه‪ ،‬وسفه كفرح وكرم علينا جهل وسفه تسفيها جعله سفيها كسفهه‬
‫كعلمه‪ ،‬أو نسبه إليه وسفه صاحبه كنصر غلبه في المسافهة‪ .‬وفي‬
‫النهاية‪ :‬فيه‪ :‬إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس‪ ،‬اي احتقرهم ولم‬
‫يرهم شيئا تقول منه غمص الناس يغمصهم غمصا‪ ،‬وقال فيه‪ :‬إنما البغي‬
‫من سفه الحق اي من جهله‪ ،‬وقيل‪ :‬جهل نفسه ولم يفكر فيها‪ ،‬ورواه‬
‫الزمخشري من سفه الحق على أنه اسم مضاف إلى الحق قال‪ :‬وفيه‬
‫وجهان أحدهما أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل‪ ،‬كأن الصل سفه‬
‫على الحق‪ ،‬والثاني أن يضمن معنى فعل متعد كجهل‪ ،‬والمعنى الستخفاف‬
‫بالحق‪ ،‬وأن ل يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة‪ ،‬وقال ايضا‬
‫فيه‪ :‬ولكن الكبر من بطر الحق اي ذو الكبر أي كبر من بطر كقوله تعالى‪:‬‬
‫" ولكن البر من اتقى " )‪ (3‬وهو‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .310‬البقرة‪ (3) .199 :‬البقرة‪.(*) 189 :‬‬

‫]‪[218‬‬

‫أن يجعل ما جعله حقا من توحيده وعبادته باطل‪ ،‬وقيل‪ :‬وهو أن يتجبر عند الحق‬
‫فل يراه حقا وقيل‪ :‬هو أن يتكبر عن الحق فل يقبله‪ - 9 .‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ .‬عن علي بن الحكم عن سيف بن‬
‫عميرة‪ ،‬عن عبد العلى بن أعين قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وما غمص الخلق وسفه الحق ؟ قال‪ :‬يجهل الحق ويطعن على‬
‫أهله‪ ،‬فمن فعل ذلك فقد نازع ال عزوجل رداءه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬قال يجهل‬
‫الحق " النشر على خلف ترتيب اللف‪ ،‬وكأن المراد بالخلق هنا أيضا أهل‬
‫الحق وائمة الدين‪ ،‬كالناس في الخبر السابق‪ ،‬والجملتان متلزمتان‪ ،‬فان‬
‫جهل الحق أي عدم الذعان به وإنكاره تكبرا يستلزم الطعن على أهله‬
‫وتحقيرهم‪ ،‬وهما لزمتان للجحود‪ ،‬فالتفاسير كلها يرجع إلى واحد‪ " .‬فمن‬
‫فعل ذلك فقد نازع ال " قيل‪ :‬فان قلت‪ :‬الغمص والسفه بالتفسير المذكور‬
‫ليسا من صفات ال تعالى وردائه‪ ،‬فكيف نازعه في ذلك ؟ قلت‪ :‬الغمص‬
‫والسفه أثران من آثار الكبر‪ ،‬ففاعل ذلك ينازع ال من حيث الملزوم‪ ،‬على‬
‫أنه ل يبعد أن يراد بهما الملزوم مجازا‪ ،‬وهو الكبر البالغ إلى هذه المرتبة‪.‬‬
‫واقول‪ :‬يحتمل أن يكون المنازعة من حيث إنه إذا لم يقبل إمامة أئمة الحق‬
‫ونصب غيرهم لذلك‪ ،‬فقد نازع ال في نصب المامة‪ ،‬وبيان الحق‪ ،‬وهما‬
‫مختصان به كما اطلق لفظ المشرك في كثير من الخبار على من فعل ذلك‪.‬‬
‫‪ - 10‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن ابي عمير‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن ابي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن في جهنم لواديا للمتكبرين‪ ،‬يقال له‪ :‬سقر‪،‬‬
‫شكى إلى ال عزوجل شدة حره‪ ،‬وسأله أن يأذن له أن يتنفس‪ ،‬فتنفس‬
‫فأحرق جهنم )‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس الوادي مفرج بين جبال أو تلل أو‬
‫آكام‪ ،‬وأقول‪ :‬ذلك إشارة إلى قوله تعالى‪ " :‬ترى الذين كذبوا على ال‬
‫وجوههم مسودة أليس‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 310‬‬

‫]‪[219‬‬
‫في جهنم مثوى للمتكبرين " )‪ (1‬وقال ]بعد ذكر المشركين " فادخلوا أبواب جهنم‬
‫خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " )‪ (2‬وقال‪ [:‬سبحانه بعد ذكر الكفار‬
‫و دخولهم النار‪ " :‬فبئس مثوى المتكبرين " في موضعين )‪ (3‬وإلى قوله‬
‫عزوجل‪ " :‬ما سلككم في سقر " إلى قوله‪ " :‬كنا نكذب بيوم الدين " )‪(4‬‬
‫وإلى قوله بعد ذكر المكذبين بالنبي صلى ال عليه وآله وبالقرآن‪" :‬‬
‫سأصليه سقر * وما أدريك ما سقر * ل تبقي ول تذر * لواحة للبشر " )‬
‫‪ .(5‬وفي النهاية‪ :‬سقر اسم أعجمي لنار الخرة‪ ،‬ول ينصرف للعجمة‬
‫والتعريف وقيل‪ :‬هو من قولهم سقرته الشمس أذابته فل ينصرف للتأنيث‬
‫والتعريف‪ .‬وأقول‪ :‬يظهر من اليات أن المراد بالمتكبرين في الخبر من‬
‫تكبر على ال‪ ،‬ولم يؤمن به وبأنبيائه وحججه عليهم السلم‪ ،‬والشكاية‬
‫والسؤال إما بلسان الحال أو المقال منه بايجاد ال الروح فيه‪ ،‬أو من‬
‫الملئكة الموكلين به‪ ،‬والسناد على المجاز‪ ،‬وكأن المراد بتنفسه خروج‬
‫لهب منه‪ ،‬وباحراق جهنم تسخينها أشد مما كان لها أو إعدامها‪ ،‬أو جعلها‬
‫رمادا فاعادها ال تعالى كما كانت‪ - 11 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن داود بن فرقد‪ ،‬عن أخيه قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫ال عليه السلم يقول‪ :‬إن المتكبرين يجعلون في صور الذر يتوطأهم‬
‫الناس حتى يفرغ ال من الحساب )‪ .(6‬بيان‪ :‬يدل على أنه يمكن أن يخلق‬
‫النسان يوم القيامة أصغر مما كان مع بقاء الجزاء الصلية أو بعضها‬
‫فيه‪ ،‬ثم يضاف إليه سائر الجزاء‪ ،‬فيكبر إذ يبعد التكاثف إلى هذا الحد‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون المراد أنهم يخلقون كبارا‬

‫)‪ (1‬الزمر‪ (2) .60 :‬النحل‪ ،29 :‬وما بين العلمتين ساقط من الكمباني‪ (3) .‬غافر‪:‬‬
‫‪ ،76‬الزمر‪ (4) .72 :‬المدثر‪ (5) .42 :‬المدثر‪ (6) .28 - 26 :‬الكافي ج‬
‫‪ 2‬ص ‪.(*) 311‬‬

‫]‪[220‬‬

‫بهذه الصور‪ ،‬فانها أحقر الصور في الدنيا‪ ،‬معاملة معهم بنقيض مقصودهم‪ ،‬أو‬
‫يكون المراد بالصورة الصفة اي يطأهم الناس كما يطؤن الذر في الدنيا‪.‬‬
‫وفي بعض أخبار العامة‪ :‬يحشر المتكبرون أمثال الذر في صورة الرجال‬
‫وقال بعض شراحهم‪ :‬اي يحشرهم اذلء يطأهم الناس بأرجلهم‪ ،‬بدليل أن‬
‫الجساد تعاد على ما كانت عليه من الجزاء غرل يعاد منهم ما انفصل‬
‫عنهم من الغلفة )‪ (1‬وقرينة المجاز قوله‪ " :‬في صورة الرجال "‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬يعني أن صورهم صور النسان‪ ،‬وجثثهم كجثث الذر في الصغر‬
‫وهذا أنسب بالسياق‪ ،‬لنهم شبهوا بالذر‪ ،‬ووجه الشبه إما صغر الجثة أو‬
‫الحقارة‪ ،‬وقوله‪ " :‬في صورة الرجال " بيان للوجه‪ ،‬وحديث " الجساد‬
‫تعاد على ما كانت عليه " ل ينافيه‪ ،‬لنه قادر على إعادة تلك الجزاء‬
‫الصلية في مثل الذر‪ - 12 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪،‬‬
‫عن غير واحد‪ ،‬عن علي ابن أسباط‪ ،‬عن عمه يعقوب بن سالم‪ ،‬عن عبد‬
‫العلى‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬ما الكبر ؟ فقال‪ :‬أعظم‬
‫الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس‪ ،‬قلت‪ :‬وما تسفه الحق ؟ قال‪ :‬تجهل‬
‫الحق وتطعن على أهله )‪ .(2‬بيان‪ " :‬فقال ما تسفه الحق " اي ما معنى‬
‫هذه الجملة‪ ،‬ويمكن أن يقرء بصيغة المصدر من باب التفعل‪ ،‬وكأنه سئل‬
‫عن الجملتين معا واكتفى بذكر إحداهما‪ ،‬أي إلى آخر الكلم بقرينة الجواب‪،‬‬
‫أو كان غرضه السؤال عن الولى‪ ،‬فذكر عليه السلم الثانية أيضا‬
‫لتلزمهما أو لعلمه بعدم فهم الثانية أيضا‪ - 13 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن يعقوب‬
‫بن يزيد‪ ،‬عن محمد بن عمر بن يزيد‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬إنني آكل الطعام الطيب‪ ،‬وأشم الريح الطيبة‬

‫)‪ (1‬الغلفة‪ :‬جليدة يقطعها الخاتن ويقال لها‪ :‬القلفة بالقاف ايضا والغرلة‪ ،‬والجمع‬
‫غلف‪ ،‬وغرل أي غير مختونين جمع اغرل‪ ،‬والنثى غرلء‪ (2) .‬الكافي‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 311‬‬

‫]‪[221‬‬

‫وأركب الدابة الفارهة‪ ،‬ويتبعني الغلم‪ ،‬فترى في هذا شيئا من التجبر فل أفعله ؟‬
‫فأطرق أبو عبد ال عليه السلم ثم قال‪ :‬إنما الجبار الملعون من غمص‬
‫الناس وجهل الحق قال عمر‪ :‬قلت‪ :‬أما الحق فل أجهله والغمص ل أدري‬
‫ما هو ؟ قال‪ :‬من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار )‪ .(1‬بيان‪ :‬في‬
‫النهاية دابة فارهة أي نشيطة حادة قوية انتهى‪ ،‬وكأن السائل إنما سأل عن‬
‫هذه الشياء لنها سيرة المتكبرين‪ ،‬لتفرعها على الكبر‪ ،‬وكون الكبر سبب‬
‫ارتكابها غالبا فأجاب عليه السلم ببيان معنى التكبر ليعلم أنها إن كانت‬
‫مستلزمة للتكبر فل بد من تركها‪ ،‬وإل فل‪ ،‬كيف وسيأتي أن ال جميل يحب‬
‫الجمال‪ ،‬وإطراقه وسكوته عليه السلم للشعار بأنها في محل الخطر‬
‫ومستلزمة للتكبر ببعض معانيه والتجبر التكبر والجبار العاتي‪ - 14 .‬كا‪:‬‬
‫عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن محمد بن عبد الحميد‪ ،‬عن عاصم بن حميد عن‬
‫ابي حمزة‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ثلثة ل يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم‬
‫عذاب أليم‪ :‬شيخ زان‪ ،‬وملك جبار ومقل مختال )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ل يكلمهم ال‬
‫" إشارة إلى قوله تعالى‪ " :‬إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليل‬
‫أولئك ل خلق لهم في الخرة ول يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيمة ول‬
‫يزكيهم ولهم عذاب أليم " )‪ (3‬والمعنى ل يكلمهم كلم رضا بل كلم سخط‬
‫مثل " اخسؤا فيها ول تكلمون " )‪ .(4‬وقيل‪ :‬ل يكلمهم بل واسطة‪ ،‬بل‬
‫الملئكة يتعرضون لحسابهم وعتابهم وقيل‪ :‬هو كناية عن العراض‬
‫والغضب‪ ،‬فان من غضب على أحد قطع كلمه وقيل‪ :‬اي ل ينتفعون بكلم‬
‫ال وآياته‪ ،‬ومعنى ل ينظر إليهم أنه ل ينظر إليهم‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .311‬آل عمران‪ (4) .77 :‬المؤمنون‪.(*) 108 :‬‬

‫]‪[222‬‬

‫نظر الكرامة والعطف والبر والرحمة والحسان‪ ،‬لضعفهم وحقارتهم عنده‪ ،‬أو كناية‬
‫عن شدة الغضب‪ ،‬لن من اشتد غضبه على أحد استهان به وأعرض عنه‬
‫وعن التكلم معه واللتفات نحوه‪ ،‬كما أن من اعتد بغير يقاوله ويكثر النظر‬
‫إليه‪ .‬وقيل‪ :‬في قوله‪ " :‬يوم القيمة " إشعار بأن المعاصي المذكورة بل‬
‫غيرها أيضا ل تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا‪ ،‬لن إفضاله‬
‫فيها يعم البرار والفجار‪ ،‬تأكيدا للحجة عليهم‪ " .‬ول يزكيهم " اي ل‬
‫يطهرهم من ذنوبهم‪ ،‬أو ل يقبل عملهم‪ ،‬أو ل يثني عليهم‪ ،‬وتخصيص‬
‫الثلثة بالذكر ليس لجل أن غيرهم معذور‪ ،‬بل لن عقوبتهم اعظم واشد‪،‬‬
‫لن المعصية مع وجود الصارف عنها‪ ،‬وعدم الداعي القوي عليها أقبح‬
‫وأشنع‪ :‬وذلك في الشيخ لنكسار قوته وانطفاء شهوته‪ ،‬وطول اعذاره‬
‫ومدته وقرب النتقال إلى ال‪ ،‬فهو حري بأن بأن يتدارك ما فات‪ ،‬ويستعد‬
‫لما هو آت فإذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين‪ ،‬ومستخف‬
‫بنهي رب العالمين فلذا استحق العذاب المهين‪ ،‬وفيه إشعار بأن الشيخ في‬
‫أكثر المعاصي بل ]جميعها أشد عقوبة من الشاب‪ ،‬وعلى أن الشاب بالعفة‬
‫أمدح من الشيخ والصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى‬
‫عليه[ )‪ (1‬حيث سلطه على عباده وبلده‪ ،‬وجعلهم تحت يده وقدرته‪،‬‬
‫فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه‪ ،‬ويعدل بين خلق ال‪ ،‬ويرتدع عن الظلم‬
‫والفساد‪ ،‬ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان فإذا قابل كل ذلك بالكفران‪،‬‬
‫استحق عذاب النيران‪ .‬والصارف للمقل الفقير عن الختيال والستكبار‬
‫فقره‪ ،‬لن الختيال إنما هو بالدنيا‪ ،‬وليست عنده‪ ،‬فاختياله عناد‪ ،‬ومن عاند‬
‫ربه العظيم صار محروما‬

‫)‪ (1‬أضفنا ما بين العلمتين من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 300‬‬

‫]‪[223‬‬
‫من رحمته‪ ،‬وله عذاب أليم‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل أن ل يكون تخصيص الملك لكون‬
‫الصارف فيه أكثر‪ ،‬بل لكونه أقوى على الظلم وأقدر‪ .‬وفي الصحاح أقل‬
‫افتقر‪ ،‬وقال الراغب‪ :‬الخيلء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للنسان من‬
‫نفسه‪ ،‬ومنها يتأول لفظ الخيل‪ ،‬لما قيل‪ :‬إنه ل يركب أحد فرسا إل وجد في‬
‫نفسه نخوة )‪ ،(1‬وفي النهاية‪ :‬فيه من جر ثوبه خيلء لم ينظر ال إليه‪،‬‬
‫الخيلء بالضم والكسر الكبر والعجب‪ ،‬يقال‪ :‬اختال فهو مختال وفيه خيلء‬
‫ومخيلة أي كبر‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن مروك بن‬
‫عبيد‪ ،‬عمن حدثه عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن يوسف عليه‬
‫السلم لما قدم عليه الشيخ يعقوب عليه السلم دخله عز الملك فلم ينزل‬
‫إليه‪ ،‬فهبط عليه جبرئيل فقال‪ :‬يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور‬
‫ساطع‪ ،‬فصار في جو السماء‪ ،‬فقال يوسف عليه السلم‪ :‬ما هذا النور الذي‬
‫خرج من راحتي ؟ فقال‪ :‬نزعت النبوة عن عقبك‪ ،‬عقوبة لما لم تنزل إلى‬
‫الشيخ يعقوب‪ ،‬فل يكون من عقبك نبي )‪ .(2‬بيان‪ :‬الملك بضم الميم‬
‫وسكون اللم السلطنة‪ ،‬وبفتح الميم وكسر اللم السلطان‪ ،‬وبكسر الميم‬
‫وسكون اللم ما يملك وإضافة العز إليه لمية‪ ،‬والنزول إما عن الدابة أو‬
‫عن السرير‪ ،‬وكلهما مرويان‪ ،‬وينبغي حمله على أن ما دخله لم يكن تكبرا‬
‫أو تحقيرا لوالده‪ ،‬لكون النبياء منزهين عن أمثال ذلك‪ ،‬بل راعى فيه‬
‫المصلحة لحفظ عزته عند عامة الناس‪ ،‬لتمكنه من سياسة الخلق‪ ،‬وترويج‬
‫الدين‪ ،‬إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذلة‪ ،‬وكان رعاية الدب‬
‫للب مع نبوته ومقاساة الشدايد لحبه أهم وأولى من رعاية تلك المصلحة‪،‬‬
‫فكان هذا منه عليه السلم تركا للولى‪ ،‬فلذا عوتب عليه‪ ،‬وخرج نور‬
‫النبوة من صلبه‪ ،‬لنهم لرفعة شأنهم وعلو درجتهم يعاتبون بأدنى شئ‪،‬‬
‫فهذا كان شبيها بالتكبر‪ ،‬ولم‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ‪ (2) .162‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.311‬‬

‫]‪[224‬‬

‫يكن تكبرا " فصار في جو السماء " أي استقر هناك أو ارتفع إلى السماء‪- 16 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن بعض اصحابه‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما من عبد إل وفي رأسه حكمة‪ ،‬وملك يمسكها‪،‬‬
‫فإذا تكبر قال له‪ :‬اتضع وضعك ال‪ ،‬فل يزال أعظم الناس في نفسه‪،‬‬
‫واصغر الناس في أعين الناس‪ ،‬وإذا تواضع رفعها ال عزوجل‪ ،‬ثم قال له‪:‬‬
‫انتعش نعشك ال فل يزال أصغر الناس في نفسه‪ ،‬وارفع الناس في أعين‬
‫الناس )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬حكمة اللجام ما أحاط بالحنك‪ ،‬وقال في‬
‫النهاية‪ :‬يقال‪ :‬أحكمت فلنا اي منعته‪ ،‬ومنه سمي الحاكم لنه يمنع الظالم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من حكمت الفرس وأحكمته إذا قدعته وكففته‪ ،‬ومنه الحديث ما‬
‫من آدمي إل وفي رأسه حكمة‪ ،‬وفي رواية‪ :‬في رأس كل عبد حكمة‪ ،‬إذا‬
‫هم بسيئة فان شاء ال أن يقدعه بها قدعه‪ ،‬الحكمة حديدة في اللجام‬
‫تكونن على أنف الفرس وحنكه‪ ،‬تمنعه عن مخالفة راكبه‪ ،‬ولما كانت‬
‫الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصل بالراس‪ ،‬جعلها تمنع من هي‬
‫في رأسه كما تمنع الحكمة الدابه ومنه الحديث إن العبد إذا تواضع رفع ال‬
‫حكمته أي قدره ومنزلته‪ ،‬يقال‪ :‬له عندنا حكمة أي قدر‪ ،‬وفلن عالي‬
‫الحكمة‪ ،‬وقيل‪ :‬الحكمة من النسان أسفل وجهه‪ ،‬مستعار من موضع حكمة‬
‫اللجام‪ ،‬ورفعها كناية عن العزاز‪ ،‬لن في صفة الذليل تنكيل رأسه انتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية‪ ،‬على‬
‫سبيل الستعارة‪ ،‬وبامساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل ونهيه عن‬
‫العدول عنه‪ " .‬اتضع " أمر تكويني أو شرعي‪ " ،‬وضعك ال " دعاء‬
‫عليه‪ ،‬ودعاء الملك مستجاب أو إخبار بأن ال أمر بوضعك‪ ،‬وقدر مذلتك "‬
‫رفعها ال " اي الحكمة وإنما غير السلوب ولم ينسبها إلى الملك‪ ،‬لن‬
‫نسبة الخير واللطف إلى ال‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 312‬‬

‫]‪[225‬‬

‫تعالى أنسب‪ ،‬وإن كان الكل بأمره تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬هو التنبيه على أن الرفع مترتب‬
‫على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك‪ ،‬بخلف الوضع‪ ،‬فانه غير‬
‫مترتب على التكبر ما لم يدعو الملك عليه بالوضع‪ ،‬وما ذكرنا أنسب‪ " .‬ثم‬
‫قال له " اي الرب تعالى أو الملك " انتعش " يحتمل الوجهين المتقدمين‬
‫يقال‪ :‬نعشه ال كمنعه وأنعشه اي أقامه ورفعه‪ ،‬ونعشه فانتعش اي رفعه‬
‫فارتفع " نعشك ال " ايضا إما إخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له‬
‫بالثبات والستمرار‪ .‬وأقول‪ :‬هذا الخبر في طرق العامة هكذا قال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ما من أحد إل وله ملكان‪ ،‬وعليه حكمة يمسكانه بها‪،‬‬
‫فانهو رفع نفسه جيذاها ثم قال‪ :‬اللهم ضعه‪ ،‬فان وضع نفسه قال‪ :‬اللهم‬
‫ارفعه‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن بعض‬
‫أصحابه‪ ،‬عن النهدي‪ ،‬عن يزيد بن إسحاق شعر‪ ،‬عن عبد ال بن المنذر‪،‬‬
‫عن عبد ال بن بكير قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ما من أحد يتيه إل‬
‫من ذلة يجدها في نفسه‪ .‬وفي حديث آخر عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬ما من رجل تكبر أو تجبر إل لذلة وجدها في نفسه )‪ .(1‬بيان‪ :‬في‬
‫النهاية فيه إنك امرء تائه أي متكبر أو ضال متحير‪ ،‬وقد تاه يتيه تيها إذا‬
‫تحير وضل وإذا تكبر انتهى‪ " .‬أو تجبر " يمكنان يكون الترديد من‬
‫الراوي وإن كان منه عليه السلم فيدل على فرق بينهما في المعنى كما‬
‫يومئ إليه قوله تعالى‪ " :‬الجبار المتكبر " وفي الخبر إيماء على أن التكبر‬
‫أقوى من التجبر‪ ،‬ويمكن أن يقال في الفرق بينهما أن التجبر يدل على جبر‬
‫الغير وقهره على ما أراد‪ ،‬بخلف التكبر فانه جعل نفسه أكبر وأعظم من‬
‫غيره‪ ،‬وإن كانا متلزمين غالبا‪ .‬ثم اعلم ان الخبرين يحتملن وجوها‪:‬‬
‫الول أن يكون المراد أن التكبر ينشأ من دناءة النفس وخستها ورداءتها‪،‬‬
‫الثاني أن يكون المعنى أن التكبر إنما‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 312‬‬

‫]‪[226‬‬

‫يكون فيمن كان ذليل فعز وأما من نشأ في العزة ل يتكبر غالبا بل شأنه التواضع‬
‫الثالث أن التكبر إنما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكبر لظهار‬
‫الكمال الرابع أن يكون المراد المذلة عند ال اي من كان عزيزا ذا قدر‬
‫ومنزلة عند ال ل يتكبر‪ ،‬الخامس ما قيل‪ :‬إن اللم لم العاقبة أي يصير‬
‫ذليل بسبب التكبر‪ - 18 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪،‬‬
‫عن سليمان بن داود‪ ،‬عن حفص بن غياث‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬ومن ذهب أن له على الخر فضل فهو من‬
‫المستكبرين‪ ،‬فقلت‪ :‬إنما يرى أن له عليه فضل بالعافية إذا رآه مرتكبا‬
‫للمعاصي‪ ،‬فقال‪ :‬هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر له ما أتى وأنت‬
‫موقوف محاسب‪ ،‬أما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلم الحديث )‪.(1‬‬
‫‪ - 19‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وآله رجل فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله أنا فلن ابن فلن حتى عد تسعة فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أما إنك عاشرهم في النار )‪ .(2‬بيان‪ " :‬أما إنك‬
‫عاشرهم في النار " أي إن آباءك كانوا كفارا وهم في النار فما معنى‬
‫افتخارك بهم وأنت ايضا مثلهم في الكفر باطنا إن كان منافقا أو ظاهرا‬
‫ايضا إن كان كافرا‪ ،‬فل وجه لفتخارك اصل‪ ،‬والحاصل أن عمدة أسباب‬
‫الفخر بل أشيعها وأكثرها الفخر بالباء‪ ،‬وهو باطل لن الباء إن كانوا‬
‫ظلمة أو كفرة فهم من أهل النار‪ ،‬فينبغي أن يتبرء منهم ل أن يفتخر بهم‪،‬‬
‫وإن كانوا باعتبار أن لهم مال فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الفتخار‪،‬‬
‫بل ورد في ذمه كثير من الخبار ولو كان كمال كان لهم ل له‪ ،‬والعاقل ل‬
‫يفتخر بكمال غيره ]وإن كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضل أو عالما فهذا‬
‫جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره[ )‪ (3‬ولذلك قيل‪ :‬لئن فخرت بآباء‬
‫ذوي شرف * لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا فالمتكبر بالنسب إن كان‬
‫خسيسا في صفات ذاته فمن أن يجبر خسته كمال غيره‪ ،‬وايضا ينبغي أن‬
‫يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده‪ ،‬فان أباه نطفة‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ 128‬في حديث طويل‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .329‬راجع‬
‫شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 316‬‬

‫]‪[227‬‬

‫قذرة‪ ،‬وجده البعيد تراب ذليل‪ ،‬وقد عرفه ال نسبه فقال‪ " :‬الذي أحسن كل شئ‬
‫خلقه نوبدء خلق النسان من طين * ثم جعل نسله من سللة من ماء‬
‫مهين " )‪ (1‬فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالقدام‪ ،‬ثم خمر‬
‫طينه‪ ،‬حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر ؟ وأخس الشياء ما إليه نسبه‪،‬‬
‫فان قال‪ :‬افتخرت بالب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من لب فليحتقر نفسه‬
‫بهما‪ .‬والسبب الثاني الحسن والجمال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول‬
‫بأدنى المراض والسقام‪ ،‬وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر‬
‫به‪ ،‬ولينظر ايضا إلى أصله وما خلق منه كما مر‪ ،‬وإلى ما يصير إليه في‬
‫القبر من جيفة منتنة وإلى ما في بطنه من الخبائث‪ ،‬مثل القذار التي في‬
‫جميع اعضائه والرجيع الذي في أمعائه‪ ،‬والبول الذي في مثانته‪ ،‬والمخاط‬
‫الذي في أنفه‪ ،‬والوسخ الذي في أذنيه والدم الذي في عروقه‪ ،‬والصديد‬
‫الذي تحت بشرته‪ ،‬إلى غير ذلك من المقابح والفضائح‪ ،‬فإذا عرف ذلك لم‬
‫يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن‪ .‬الثالث القوة والشجاعة‪ ،‬فمن‬
‫افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة‪ ،‬وأن السد والفيل أقوى‬
‫منه‪ ،‬وأن ادنى العلل والمراض يجعله أعجز من كل عاجز‪ ،‬وأذل من كل‬
‫ذليل‪ ،‬وان البعوضة لو دخلت في أنفه أهكلته ولم يقدر على دفعها‪ .‬الرابع‬
‫الغنا والثروة والخامس كثرة النصار والتباع والعشيرة وقرب السلطين‪،‬‬
‫والقتدار من جهتهم‪ ،‬والكبر والفخر لهذين السببين اقبح لنه أمر خارج‬
‫عن ذات النسان وصفاته‪ ،‬فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه‬
‫السلطان وعزله‪ ،‬لبقي ذليل عاجزا‪ ،‬وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه‬
‫مال وجاها‪ ،‬فالمتكبر بهما في غاية الجهل‪ .‬السادس العلم‪ ،‬وهو أعظم‬
‫السباب وأقواها‪ ،‬فانه كمال نفساني عظيم عند ال تعالى وعند الخليق‪،‬‬
‫وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات‪ ،‬فإذا تكبر‬

‫)‪ (1‬السجدة‪ 7 :‬و ‪.(*) 8‬‬

‫]‪[228‬‬
‫العالم وافتخر‪ ،‬فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل‪ ،‬وأن ال تعالى‬
‫يحتمل من الجاهل ما ل يحتمل من العالم‪ ،‬وأن العصيان مع العلم أفحش‬
‫من العصيان مع الجهل‪ ،‬وأن عذاب ]العالم أشد من عذاب الجاهل وأنه‬
‫تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار‪ ،‬وتارة بالكلب‪ ،‬وأن الجاهل[ )‬
‫‪ (1‬أقرب إلى السلمة من العالم لكثرة آفاته‪ ،‬وأن الشياطين أكثرهم على‬
‫العالم‪ ،‬وأن سوء العاقبة وحسنها أمر ل يعلمه إل ال سبحانه فلعل الجاهل‬
‫يكون أحسن عاقبة من العالم‪ .‬السابع العبادة والورع والزهادة‪ ،‬والفخر‬
‫فيها ايضا فتنة عظيمة‪ ،‬والتخلص منها صعب‪ ،‬فإذا غلب عليه فليتفكر أن‬
‫العالم أفضل منه‪ ،‬فل ينبغي أن يفتخر عليه ول ينبغي أيضا ان يفتخر على‬
‫من تأخر عنه في العمل ايضا إذ لعل قليل عمله يكون مقبول وكثير عمله‬
‫مردودا‪ ،‬ول على الجاهل والفاسق‪ ،‬إذ قد يكون لهما خصلة خفية‪ ،‬وصفة‬
‫قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته‪ ،‬ولو فرض خلوهما عن جميع‬
‫ذلك بالفعل‪ ،‬فلعل الحوال في العاقبة تنعكس‪ ،‬وقد وقع مثل ذلك كثيرا ولو‬
‫فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك فيحبط عمله‪ ،‬فيصير هو‬
‫في الخرة مثلهم‪ ،‬بل اقبح منهم‪ ،‬وال المستعان‪ - 20 .‬كا‪ :‬عن علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬آفة الحسب الفتخار‬
‫والعجب )‪ .(2‬بيان‪ :‬الحسب الشرف والمجد الحاصل من جهة الباء‪ ،‬وقد‬
‫يطلق على الشرافة الحاصلة من الفعال الحسنة‪ ،‬والخلق الكريمة‪ ،‬وإن‬
‫لم تكن من جهة الباء‪ ،‬في القاموس الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو‬
‫المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف‬
‫الثابت في الباء أو البال أو الحسب والكرم قد يكونان لمن ل آباء له‬
‫شرفاء والشرف والمجد ل يكونان‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين اضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .316‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ 328‬ومثله في ص ‪.(*) 329‬‬

‫]‪[229‬‬

‫إل بهم‪ .‬وأقول‪ :‬الخبر يحتمل وجوها الول أن لكل شئ آفة تضيعه‪ ،‬وآفة الشرافة‬
‫من جهة الباء الفتخار والعجب الحاصلن منها‪ ،‬فانه يبطل بهما هذا‬
‫الشرف الحاصل له بتوسط الغير عند ال وعند الناس‪ ،‬الثاني أن المراد‬
‫بالحسب الخلق الحسنة‪ ،‬والفعال الصالحة‪ ،‬وتضييعها الفتخار بهما‪،‬‬
‫وذكرهما والعجاب بهما كما مر‪ ،‬الثالث أن يكون المراد به أن الحسب‬
‫يستتبع آفة الفتخار ويوجبها لن آفة الفتخار بالحسب تضييعه كما قيل‪،‬‬
‫والول اظهر الوجوه‪ - 21 .‬كا‪ :‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪،‬‬
‫عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن حنان‪ ،‬عن عقبة بن بشير السدي قال‪ :‬قلت‬
‫لبي جعفر عليه السلم‪ :‬أنا عقبة بن بشير السدي وأنا في الحسب الضخم‬
‫من قومي‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬ما تمن علينا بحسبك إن ال تعالى رفع باليمان من‬
‫كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا‪ ،‬ووضع بالكفر من كان الناس‬
‫يسمونه شريفا إذا كان كافرا‪ ،‬فليس لحد فضل على أحد إل بالتقوى )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬في القاموس الضخم بالفتح والتحريك العظيم من كل شئ " ما تمن‬
‫" " ما " للستفهام النكاري أو نافية " فليس لحد " إشارة إلى قوله‬
‫تعالى‪ " :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقيكم " )‪ (2‬وكفى بهذه الية واعظا وزاجرا‬
‫عن الكبر والفخر‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫ابن الضحاك قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬عجبا للمختال الفخور‪ ،‬وإنما‬
‫خلق من نطفة‪ ،‬ثم يعود جيفة‪ ،‬وهو فيما بين ذلك ل يدري ما يصنع به )‬
‫‪ .(3‬بيان‪ " :‬عجبا " بالتحريك مصدر باب علم وهو إما بتقدير حرف‬
‫النداء‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .328‬الحجرات‪ (3) .13 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 329‬ومثله في‬
‫ص ‪ 328‬وفيه " عجبا للمتكبر الفخور " وعليه يبتنى شرح المؤلف‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[230‬‬

‫أو مفعول مطلق لفعل محذوف‪ ،‬اي أعجب عجبا فعلى الول " للمتكبر " )‪ (1‬صفة‬
‫لقوله " عجبا " وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر‪،‬‬
‫والضمير المحذوف راجع إلى عجبا‪ .‬وقال النحويون ل يمكن أن يكون‬
‫صفة لعجبا لن الفعل كما ل يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له ل‬
‫يكون موصوفا‪ ،‬وحذف الفعل وإقامة المصدر مقامه في تلك المواضع‬
‫واجب‪ .‬وأقول‪ :‬هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية‪،‬‬
‫لمعالجة أعظم الدواء الروحانية‪ ،‬وهو الفخر المترتب على الكبر‪،‬‬
‫وحاصلها أن في النسان كثير من صفات النقصان‪ ،‬وإن كان فيه كمال فمن‬
‫رب النس والجان‪ ،‬فل يليق به أن يفتخر على غيره من الخوان‪ ،‬وفيها‬
‫إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره‪ ،‬وعلجة مركب من أجزاء علمية‬
‫وعملية‪ .‬فأما العلمية فبأن يعرف ال سبحانه بجلله‪ ،‬ويوحده في ذاته‬
‫وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز ل‬
‫وجود له إل بفيض جوده ورحمته‪ ،‬وأن النسان مخلوق عن أكثف الشياء‬
‫وأخسها وهو التراب‪ ،‬ثم النطفة النجسة القذرة‪ ،‬ثم العلقة‪ ،‬ثم المضغة‪ ،‬ثم‬
‫العظام‪ ،‬ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض‪ ،‬ثم يصير في القبر جيفة منتنة‬
‫يهرب منه اقرب الناس إليه‪ .‬وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور‪،‬‬
‫ومن حال إلى حال‪ ،‬من مرض إلى صحة‪ ،‬ومن صحة إلى مرض‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من اأحوال المتبادلة‪ ،‬وهو ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا‪ ،‬ول حياة ول‬
‫نشورا‪ ،‬وإلى هذا أشار عليه السلم بقوله‪ " :‬وهو فيما بين ذلك ما يدري‬
‫ما يصنع به " ثم ل يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫سابقا في باب الكبر )‪ .(1‬وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا‬
‫أو إراديا ل يتحقق إل بالنكسار والضعف‪ ،‬فان العناصر ما لم ينكسر‬
‫صورة كيفياتها الصرفة‪ ،‬لم تقبل صورة كمالية معدنية أو نباتية أو‬
‫حيوانية‪ ،‬أو إنسانية‪ ،‬والبذر ما لم يقع في‬

‫)‪ (1‬يريد باب الكبر من الكافي‪ ،‬وقد مر في صدر الباب )*(‪.‬‬

‫]‪[231‬‬

‫التراب ولم يقرب من التعفن والفساد‪ ،‬لم يقبل صورة نباتية‪ ،‬ولم تخرج منه سنبلة‬
‫ول ثمرة‪ ،‬وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية‬
‫قابلة للخلفة الربانية‪ ،‬فمن تفكر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه‬
‫التحرز من الكبر والفخر بفضله تعالى‪ .‬وأما العملية فهي المداومة على‬
‫التواضع لكل عالم وجاهل وصغير وكبير والقتداء بسنن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله والئمة الطاهرين صلوات ال عليهم‪ ،‬وتتبع سيرهم وأخلقهم‪،‬‬
‫وحسن معاشرتهم لجميع الخلق‪ - 23] .‬لى‪ [:‬عن الصادق عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله أمقت الناس المتكبر )‪ .(1‬وعنه‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من يستكبر يضعه‬
‫ال‪ - 24 .‬لى‪ :‬عن حمزة العلوي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‬
‫عن حفص بن البختري‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬وقع بين سلمان الفارسي رحمه ال وبين رجل كلم وخصومة فقال له‬
‫الرجل‪ :‬من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان‪ :‬أما أولي وأولك فنطفة قذرة‪،‬‬
‫وأما أخراي وأخراك فجيفة منتنة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‪ ،‬ووضعت‬
‫الموازين‪ ،‬فمن ثقل ميزانه فهو الكريم‪ ،‬ومن خفت ميزانه فهو اللئيم )‪.(2‬‬
‫ع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫المفضل عن أبي عبد ال عليه السلم مثله )‪ (3‬وقد مر في باب أحوال‬
‫سلمان )‪ - 25 .(4‬ب‪ :‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أحبكم إلي‬
‫وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا‬
‫)‪ (1‬أمالي الصدوق‪ 14 :‬ورمز المصدر ساقط عن نسخة الكمباني‪ (2) .‬أمالي‬
‫الصدوق‪ (3) .363 :‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .261‬راجع ج ‪ 22‬ص‬
‫‪ 380‬من هذه الطبعة )*(‪.‬‬

‫]‪[232‬‬

‫وأشدكم تواضعا‪ ،‬وإن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون‪ ،‬وهم المستكبرون )‪.(1‬‬
‫‪ - 26‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن معبد‪ ،‬عن ابن خالد عن‬
‫الرضا‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى ليبغض‬
‫البيت اللحم‪ ،‬واللحم السمين‪ ،‬قال له بعض اصحابه‪ :‬يا ابن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله إنا لنحب اللحم‪ ،‬وما تخلو بيوتنا منه‪ ،‬فكيف ذاك ؟ فقال‪:‬‬
‫ليس حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة‪ ،‬وأما‬
‫اللحم السمين فهو المتكبر المتبختر المختال في مشيه )‪ .(2‬ن‪ :‬عن‬
‫الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه مثله )‪ - 27 .(3‬فس‪ :‬في رواية أبي‬
‫الجارود‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم في قوله تعالى‪ " :‬ول تمش في‬
‫الرض مرحا " )‪ (4‬يقول‪ :‬بالعظمة )‪ - 28 .(5‬فس‪ :‬أبي‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن في جهنم لواديا‬
‫للمتكبرين يقال له‪ :‬سقر‪ ،‬شكى إلى ال شدة حره وسأله أن يتنفس‪ ،‬فاذن‬
‫له فتنفس فأحرق جهنم )‪ .(6‬ثو‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫يزيد‪ ،‬عن ابن ابي عمير مثله )‪ .(7‬سن‪ :‬باسناده إلى ابن بكير مثله )‪.(8‬‬
‫‪ - 29‬فس‪ :‬في رواية أبي الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫الفرح‬

‫)‪ (1‬قرب السناد‪ (2) .22 :‬معاني الخبار‪ (3) .388 :‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (4) .314‬لقمان‪ (5) .18 :‬تفسير القمي ‪ (6) .509‬تفسير القمي‪،579 :‬‬
‫في آية الزمر‪ (7) .60 :‬ثواب العمال‪ (8) .200 :‬المحاسن‪.(*) 123 :‬‬

‫]‪[233‬‬

‫والمرح والخيلء كل ذلك في الشرك والعمل في الرض بالمعصية )‪ - 30 .(1‬ل‪:‬‬


‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬من رقع جيبه‪ ،‬وخصف نعله‪ ،‬وحمل سلعته‪ ،‬فقد أمن‬
‫من الكبر )‪ .(2‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن ابن‬
‫يزيد مثله )‪ - 31 .(3‬ل‪ :‬في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي‬
‫عليه السلم‪ :‬يا علي أنهاك عن ثلث خصال ]عظام[‪ :‬الحسد والحرص‬
‫والكبر )‪ - 32 .(4‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن الفارسي‪،‬‬
‫عن الجعفري عن محمد بن الحسين بن زيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وآله على‬
‫جماعة فقال‪ :‬على ما اجتمعتم ؟ فقالوا‪ :‬يا رسول ال هذا مجنون يصرع‬
‫فاجتمعنا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هذا بمجنون‪ ،‬ولكنه المبتلى‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل أخبركم‬
‫بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬المتبختر في‬
‫مشيه‪ ،‬الناظر في عطفيه‪ ،‬المحرك جنبيه بمنكبيه‪ ،‬يتمنى على ال جنته‬
‫وهو يعصيه‪ ،‬الذي ل يؤمن شره‪ ،‬ول يرجى خيره‪ ،‬فذلك المجنون‪ ،‬وهذا‬
‫المبتلى )‪ .(5‬أقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار في باب الحسد )‪ (6‬وأن ال‬
‫يعذب الدهاقنة بالكبر‪ ،‬وفي باب جوامع مساوي الخلق عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم ل يطمعن ذوالكبر‬

‫)‪ (1‬تفسير القمي ‪ 588‬في آية المؤمن‪ (2) .77 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .54‬ثواب‬
‫العمال‪ (4) .162 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .62‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .161‬‬
‫‪ (6‬باب الحسد هو الباب الذي يتلو تحت الرقم ‪ ،131‬والحديث المومى‬
‫إليه يأتي فيه عن الخصال أن ال يعذب ستة بستة‪ ،‬راجعه‪ ،‬وهكذا مر في‬
‫باب جوامع مساوى الخلق ج ‪ 72‬ص ‪ 190‬و ‪.(*) 198‬‬

‫]‪[234‬‬

‫في الثناء الحسن )‪ - 33 .(1‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن ابن‬
‫ابي عمير‪ ،‬عن غير واحد‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬عجبت لبن آدم أوله نطفة‪ ،‬وآخره جيفة‪،‬‬
‫وهو قائم بينهما وعاء للغائط‪ ،‬ثم يتكبر )‪ - 34 .(2‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن لبليس كحل ولعوقا وسعوطا‬
‫فكحله النعاس‪ ،‬ولعوقه الكذب‪ ،‬وسعوطه الفخر )‪ - 35 .(3‬مع‪ :‬عن‬
‫الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن عمرو ابن جميع‪،‬‬
‫عن الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إذا مشت أمتي المطيطا‪ ،‬وخدمتهم فارس والروم‪ ،‬كان بأسهم بينهم‬
‫)‪ .(4‬والمطيطا التبختر ومد اليدين في المشي‪ - 36 .‬مع‪ :‬الطالقاني‪ ،‬عن‬
‫الجلودي‪ ،‬عن الجوهري‪ ،‬عن ابن عمارة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جابر الجعفي‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر‪ ،‬عن جابر النصاري قال‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫برجل مصروع وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه فقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬على ما اجتمع هؤلء ؟ فقيل له‪ :‬على مجنون يصرع‪ ،‬فنظر إليه‬
‫فقال‪ :‬ما هذا بمجنون أل أخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا‪ :‬بلى يا‬
‫رسول ال قال‪ :‬إن المجنون حق المجنون المتبختر في مشيه‪ ،‬الناظر في‬
‫عطفيه‪ ،‬المحرك جنبيه بمنكبيه‪ ،‬فذاك المجنون وهذا المبتلى )‪- 37 .(5‬‬
‫مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي الكوفي‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬مر في باب جوامع المساوى تحت الرقم ‪ 1‬عن الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .53‬علل‬
‫الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .216‬معاني الخبار‪ ،138 :‬وفيه سعوطه الكبر‪) .‬‬
‫‪ (4‬معاني الخبار‪ (5) .301 :‬معاني الخبار‪.(*) 237 :‬‬

‫]‪[235‬‬

‫علي بن النعمان‪ ،‬عن عبد ال بن طلحة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من‬
‫خردل من كبر ول يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان‪،‬‬
‫قلت‪ :‬جعلت فداك إن الرجل ليلبس الثوب‪ ،‬أو يركب الدابة‪ ،‬فيكاد يعرف منه‬
‫الكبر‪ ،‬قال‪ :‬ليس بذاك‪ ،‬إنما الكبر إنكار الحق واليمان القرار بالحق )‪.(1‬‬
‫مع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي مثله‪ - 38 .‬مع‪ :‬عن‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن ابن مرار‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن‬
‫أبي أيوب‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما عليهما السلم قال‪ :‬ل يدخل‬
‫الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إنا نلبس‬
‫الثوب الحسن‪ ،‬فيدخلنا العجب‪ ،‬فقال‪ :‬إنما ذاك فيما بينه وبين ال عزوجل‬
‫)‪ - 39 .(2‬مع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن‬
‫فضال‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن يزيد بن فرقد‪ ،‬عمن سمع أبا عبد ال عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬ل يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر‪،‬‬
‫ول يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاسترجعت فقال‪ :‬مالك تسترجع ؟ فقلت‪ :‬لما اسمع منك‪ ،‬فقال‪ :‬ليس حيث‬
‫تذهب إنما أعني الجحود إنما هو الجحود )‪ - 40 .(3‬مع‪ :‬بهذا السناد‪،،‬‬
‫عن ابن فضال‪ ،‬عن علي بن عقبة‪ ،‬عن أيوب ابن الحر‪ ،‬عن عبد العلى‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬الكبر ان يغمص الناس ويسفه الحق )‬
‫‪ - 41 .(4‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحكم‪ ،‬عن سيف‪ ،‬عن عبد العلى‪ ،‬عن ابي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن أعظم الكبر غمص‬
‫الخلق‪ ،‬وسفه الحق‪ ،‬قلت‪ :‬وما غمص الخلق وسفه الحق ؟ قال‪ :‬يجهل‬
‫الحق ويطعن على أهله‪ ،‬ومن فعل ذلك فقد نازع ال عزوجل في‬

‫)‪ (4 - 1‬معاني الخبار‪.(*) 241 :‬‬


‫]‪[236‬‬

‫ردائه )‪ - 42 .(1‬مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن ابن بقاح‪ ،‬عن ابن‬
‫عميرة‪ ،‬عن عبد العلى‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من دخل مكة‬
‫مبرءا من الكبر غفر ذنبه‪ ،‬قلت‪ :‬وما الكبر ؟ قال‪ :‬غمص الخلق‪ ،‬وسفه‬
‫الحق‪ ،‬قلت‪ :‬وكيف ذاك ؟ قال‪ :‬يجهل الحق ويطعن على أهله‪ .‬قال الصدوق‬
‫رضي ال عنه‪ :‬في كتاب الخليل بن أحمد‪ :‬تقول‪ :‬فلن غمص الناس‬
‫وغمص النعمة‪ ،‬إذا تهاون بها وبحقوقهم‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه لمغموص عليه في‬
‫دينه‪ ،‬اي مطعون عليه‪ ،‬وقد غمص النعمة والعافية إذا لم يشكرها وقال أبو‬
‫عبيدة في قوله عليه السلم‪ :‬سفه الحق هو أن يرى الحق سفها وجهل‪،‬‬
‫وقال ال تبارك وتعالى‪ " :‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه‬
‫" )‪ (2‬وقال بعض المفسرين‪ :‬إل من سفه نفسه يقول‪ :‬سفهها وأما قوله‪:‬‬
‫غمص الناس فانه الحتقار لهم‪ ،‬والزدراء بهم‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وفيه‬
‫لغة أخرى في غير هذا الحديث وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى‬
‫غمط‪ ،‬والغمص في عبر العين‪ ،‬والقطعة منه غمصة‪ ،‬والغميصاء كوكب‪،‬‬
‫والمغمص في المعا غلظة وتقطيع ووجع )‪ - 43 .(3‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كانت لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله ناقة ل تسبق‪ ،‬فسابق أعرابي بناقته فسبقتها‬
‫فاكتأب لذلك المسلمون‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إنها ترفعت‬
‫فحق على ال أن ل يرتفع شئ إل وضعه ال )‪ - 44 .(4‬سن‪ :‬عن أبيه‬
‫باسناده رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المتكبرين‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .241‬البقرة‪ (3) .130 :‬معاني الخبار‪ 242 :‬و ‪.243‬‬
‫)‪ (4‬المحاسن‪ 122 :‬والظاهر‪ :‬أن ل يترفع )*(‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫يجعلون في صور الذر فيطأهم الناس حتى يفرغوا من الحساب )‪ .(1‬سن‪ :‬في‬
‫رواية معاوية بن عمار‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر‬
‫وضعاه )‪ - 45 .(2‬مع‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫النضر‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪] :‬أخبرني )‪ (3‬جبرئيل عليه السلم‬
‫أن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ول قاطع رحم‪ ،‬ول‬
‫شيخ زان‪ ،‬ول جار إزاره خيلء‪ ،‬ول فتان‪ ،‬ول منان‪ ،‬ول جعظري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فما الجعظري ؟ قال‪ :‬الذي ل يشبع من الدنيا )‪] - 131 - .(4‬باب‬
‫الحسد )‪ - 1 [(5‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن العلء بن رزين عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه‬
‫السلم‪ :‬إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر وإن الحسد ليأكل اليمان كما تأكل‬
‫النار الحطب )‪ .(6‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬البادرة ما يبدر من حدتك في‬
‫الغضب من قول أو فعل وفي النهاية‪ :‬البادرة من الكلم الذي يسبق من‬
‫النسان في الغضب‪ ،‬وإذا عرفت هذا فهذه الفقرة تحتمل وجوها‪ :‬الول‪ :‬أن‬
‫يكون المعنى أن عدم منع النفس عن البوادر وعدم إزالة مواد‬

‫)‪ (2 - 1‬المحاسن‪ (3) .123 :‬من هنا يبتدء بالصفحة ‪ 126‬من الجزء الثالث من‬
‫نسخة الكمباني وكلها بياض‪ (4) .‬معاني الخبار‪ ،330 :‬وقد كان سقط‬
‫ذيل الحديث وانما أخرجناه بقرينة السند‪ (5) .‬اضفنا عنوان الباب طبقا‬
‫لفهرس طبعة الكمباني‪ (6) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 306‬تحت الرقم ‪ 1‬من باب‬
‫الحسد )*(‪.‬‬

‫]‪[238‬‬

‫الغضب عن النفس‪ ،‬وإرخاء عنان النفس فيها‪ ،‬ينجر إلى الكفر أحيانا‪ ،‬أو غالبا كما‬
‫نرى من كثير من الناس يصدر منهم عند الغضب التلفظ بما يوجب الكفر‬
‫من سب ال سبحانه وسب النبياء والئمة عليهم السلم أو ارتكاب أعمال‬
‫يوجب الرتداد كوطي المصحف الكريم بالرجل ورميه‪ .‬الثاني أن يراد به‬
‫الحث على ترك البوادر مطلقا‪ ،‬فان كل بادرة تصير سببا لنوع من أنواع‬
‫الكفر المقابل لليمان الكامل‪ .‬الثالث‪ :‬أن يقرء " فتكفر " على بناء‬
‫المجهول من باب التفعيل‪ ،‬اي البوادر عند الغضب مكفرة غالبا لعذر‬
‫النسان فيه في الجملة‪ ،‬ل سيما إذا تعقبها ندامة وقلما لم تتعقبها‪ ،‬بخلف‬
‫الحسد فانها صفة راسخة في النفس تأكل اليمان‪ ،‬ويمكن حملها حينئذ‬
‫على ما إذا غلب عليه الغضب بحيث ارتفع عنه القصد[ )‪ .(1‬ويمكن أن‬
‫يقرء بالياء كما في النسخ على هذا البناء أيضا اي ينسب إلى الكفر‪ ،‬وإن‬
‫كان معذورا عند ال‪ ،‬لرفع الختيار‪ ،‬فيكون ذكرا لبعض مفاسد البادرة‪.‬‬
‫وفي النهاية‪ :‬الحسد ان يرى الرجل لخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه‪،‬‬
‫وتكون له دونه‪ ،‬والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها‪ ،‬ول يتمنى زوالها‬
‫عنه انتهى‪ .‬واعلم أنه ل حسد إل على نعمة‪ ،‬فإذا أنعم ال على أخيك بنعمة‬
‫فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها‪ ،‬سواء أردت‬
‫وصولها إليك أم ل‪ ،‬فهذه الحالة تسمى حسدا والثانية أن ل تحب زوالها‪،‬‬
‫ول تكره وجودها ودوامها‪ ،‬ولكنك تستهي لنفسك مثلها‪ ،‬وهذه يسمى‬
‫غبطة‪ ،‬وقد يخص باسم المنافسة فأما الول فهو حرام مطلقا كما هو‬
‫المشهور‪ ،‬أو إظهاره كما يظهر من بعض الخبار‪ ،‬إل نعمة اصابها كافر أو‬
‫فاجر‪ ،‬وهو يستعين على تهييج الفتنة‪ ،‬وإفساد ذات البين‪ ،‬وإيذاء الخلق‬
‫فل يضرك كراهتك لها‪ ،‬ومحبتك لزوالها‪ ،‬فانك ل تحب‬

‫)‪ (1‬هنا ينتهى ما اضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 286‬بالقرينة وما بعده‬
‫مسطور في نسخة الكمباني ص ‪.(*) 127‬‬

‫]‪[239‬‬

‫زوالها من حيث إنها نعمة‪ ،‬بل من حيث هي آلة الفساد‪ ،‬ولو أمنت فساده لم تغمك‬
‫تنعمه‪ .‬ويظهر من كلم الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات ل من‬
‫المحرمات قال العلمة في كتاب صوم المختلف‪ :‬مسألة جعل الشيخ رحمه‬
‫ال التحاسد من باب ما الولى تركه والمساك عنه‪ ،‬وقال ابن إدريس‪ :‬إنه‬
‫واجب وهو القرب‪ ،‬لعموم النهي عن الحسد‪ ،‬والنهي يقتضي التحريم‬
‫انتهى‪ .‬أقول‪ :‬نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الخبار يدل‬
‫على أن الحسد المحرم إنما هو إظهاره‪ ،‬ل مع عدم الظهار‪ ،‬وأما أصل‬
‫الحسد فهو مكروه‪ ،‬ولذلك قد يصدر عن بعض النبياء أيضا كما نطق به‬
‫الثار والخبار فتأمل‪ .‬وبالجملة الحسد المذموم ل شك أنه مع قطع النظر‬
‫عن اليات الكثيرة والخبار المتواترة الواردة في ذمه والنهي عنه‪ ،‬صريح‬
‫العقل أيضا يحكم بقبحه فانه سخط لقضاء ال في تفضيل بعض عباده على‬
‫بعض‪ ،‬واي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك‬
‫فيها مضرة‪ ،‬وسيأتي ذكر بعض مفاسدها‪ .‬وأما المنافسة فليست بحرام بل‬
‫هي إما واجبة أو مندوبة كما قال ال تعالى‪ " :‬وفي ذلك فليتنافس‬
‫المتنافسون " )‪ (1‬وقال سبحانه " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " )‪.(2‬‬
‫فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة وبنية واجبة‪ ،‬كاليمان والصلة‬
‫والزكاة‪ ،‬فانه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو‬
‫حرام والمندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه‬
‫مباح‪ ،‬فيتمنى أن يكون له مثلها يتنعم بها‪ ،‬من غير أن يريد زوالها عنه‬
‫في الجميع‪.‬‬

‫)‪ (1‬المطففين‪ (2) .26 :‬الحديد‪.(*) 21 :‬‬

‫]‪[240‬‬

‫وأقول‪ :‬يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مال حلل‬
‫ليصرفه في الحرام‪ ،‬بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مال حلل‬
‫ليصرفها في المصارف المكروهة‪ .‬وقيل‪ :‬للحسد اسباب كثيرة يحصر‬
‫جملتها سبعة‪ :‬العداوة‪ ،‬والتعزز‪ ،‬والكبر والتعجب‪ ،‬والخوف من فوت‬
‫المقاصد المحبوبة‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬وخبث النفس وبخلها فانه إنما يكره‬
‫النعمة عليها إما لنه عدوه‪ ،‬فل يريد له الخير‪ ،‬وإما أن يكون من حيث‬
‫يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو ل يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة‬
‫نفسه‪ ،‬وهو المراد بالتعزز‪ ،‬وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على‬
‫المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته‪ ،‬وهو المراد بالتكبر‪ .‬وإما أن يكون‬
‫النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما‬
‫أخبر ال تعالى عن المم الماضية إذ قالوا‪ " :‬ما أنتم إل بشر مثلنا " )‪(1‬‬
‫" وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " )‪ (2‬وأمثال‪ ،‬ذلك كثيرة فتعجبوا من أن‬
‫يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب‪ ،‬مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو‬
‫المراد بالتعجب‪ .‬وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل‬
‫بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على‬
‫الختصاص بنعمة ل يساوى فيها‪ ،‬وإما أن ل يكون بسبب من هذه‬
‫السباب‪ ،‬بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد ال‪ .‬فهذه اسباب الحسد وقد‬
‫يجتمع بعض هذه السباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد‪ ،‬فيعظم‬
‫الحسد لذلك‪ ،‬ويقوى قوة ل يقدر معها على الخفاء والمجاملة بل يهتك‬
‫حجاب المجاملة‪ ،‬ويظهر العداوة بالمكاشفة‪ ،‬وأكثر المحاسدات يجتمع فيها‬
‫جملة من هذه السباب‪.‬‬

‫)‪ (1‬يس‪ (2) .15 :‬المؤمنون‪.(*) 48 :‬‬

‫]‪[241‬‬

‫واعلم أن الحسد من المراض العظيمة للقلوب‪ ،‬ول تداوى أمراض القلوب إل بالعلم‬
‫والعمل‪ ،‬والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر‬
‫عليك في الدنيا والدين‪ ،‬وأنه ل ضرر به على المسحود في الدين والدنيا‪،‬‬
‫بل ينتفع بها في الدنيا والدين‪ ،‬ومهما عرفت هذا عن بصيرة‪ ،‬ولم تكن‬
‫عدو نفسك وصديق عدوك‪ ،‬فارقت الحسد ل محالة‪ .‬أما كونه ضررا عليك‬
‫في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء ال تعالى وكرهت نعمته التي‬
‫قسمها لعباده‪ ،‬وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته واستنكرت ذلك‬
‫واستبشعته‪ ،‬وهذا جناية على حدقة التوحيد‪ ،‬وقذى في عين اليمان‬
‫وناهيك بها جناية على الدين وقد انضاف إليه أنك غششت رجل من‬
‫المؤمنين وتركت نصيحته‪ ،‬وفارقت أولياء ال وأنبياءه في حبهم الخير‬
‫لعباد ال‪ ،‬وشاركت إبليس وساير الكفار في حبهم للمؤمنين البليا وزوال‬
‫النعم‪ ،‬وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب واليمان فيه‪ .‬والحاصل‬
‫أن الحسد مع كونه في نفسه صفة منافية لليمان‪ ،‬يستلزم عقائد فاسدة‬
‫كلها منافية لكمال اليمان‪ ،‬وايضا لشتغال النفس بالنفكر في أمر المحسود‬
‫والتدبير لدفعه يمنعها عن تحصيل الكمالت‪ ،‬والتوجه إلى العبادات‪،‬‬
‫وحضور القلب فيها‪ ،‬وتولد في النفس صفاتا ذميمة كلها توجب نقص‬
‫اليمان‪ ،‬وأيضا يوجب علل في البدن وضعفا فيها يمنع التيان بالطاعات‬
‫على وجهها‪ ،‬فينقص بل يفسد اليمان على أي معنى كان ولذا قال عليه‬
‫السلم‪ :‬يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب‪ .‬وأما كونه ضررا في الدنيا‬
‫عليك فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذب به‪ ،‬ول تزال في كدر وغم إذ أعداؤك ل‬
‫يخليهم ال عن نعم يفيضها عليهم‪ ،‬فل تزال تتعذب بكل نعمة تراها عليهم‪،‬‬
‫وتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم‪ ،‬فتبقى مغموما محزونا متشعب‬
‫القلب‪ ،‬ضيق النفس‪ ،‬كما تشتهيه لعدائك‪ ،‬وكما يشتهي أعداؤك لك‪ ،‬فقد‬
‫كنت تريد المحنة لعدوك‪ ،‬فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدا كما قال‬
‫امير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله‪.‬‬

‫]‪[242‬‬

‫ول تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان‬
‫مقتضى الفطنة لن كنت عاقل أن تحذر من الحسد‪ ،‬لما فيه من ألم القلب‬
‫ومساءته مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد‬
‫في الخرة‪ .‬وأما أنه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لن‬
‫النعمة ل تزول عنه بحسدك بل ما قدره ال من إقبال ونعمة فل بد من أن‬
‫يدوم إلى أجل قدره ال‪ ،‬فل حيلة في دفعه‪ ،‬بل كل شئ عنده بمقدار‪ ،‬ولكل‬
‫أجل كتاب‪ .‬وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح‪ ،‬أما منفعته‬
‫في الدين‪ ،‬فهو أنه مظلوم من جهتك ل سيما إذا أخرجك السحد إلى القول‬
‫والفعل بالغيبة‪ ،‬والقدح فيه‪ ،‬وهتك ستره‪ ،‬وذكر مساويه‪ ،‬فهذه هدايا‬
‫تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا‬
‫محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة‪ ،‬فأضعفت له نعمة إلى‬
‫نعمة‪ ،‬ولنفسك شقاوة إلى شقاوتك‪ .‬وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم‬
‫أغراض الخلق مساءة العداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين‬
‫مغمومين‪ ،‬ول عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك‬
‫أن يكونوا في نعمة‪ ،‬وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما‬
‫هو مرادهم‪ .‬ثم اعلم أن الموذي ممقوت بالطبع‪ ،‬ومن آذاك ل يمكنك أن ل‬
‫تبغضه غالبا‪ ،‬وإذا تيسرت له نعمة فل يمكنك أن ل تكرهها له‪ ،‬حتى‬
‫يستوي عندك حسن حال عدوك‪ ،‬وسوء حاله‪ ،‬بل ل تزال تدرك في النفس‬
‫بينهما فرقا‪ ،‬ول يزال الشيطان ينازعك في الحسد له‪ ،‬ولكن إن قوي ذلك‬
‫فيك حتى يبعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل‪ ،‬بحيث يعرف ذلك من‬
‫ظاهرك بأفعالك الختيارية فأنت إذا حسود عاص بحسدك‪ ،‬وإن كففت‬
‫ظاهرك بالكلية إل أنك بباطنك تحب زوال النعمة‪ ،‬وليس في نفسك كراهة‬
‫لهذه الحالة‪ ،‬فأنت ايضا حسود عاص لن الحسد صفة القلب ل صفة الفعل‪.‬‬

‫]‪[243‬‬

‫قال ال تعالى‪ " :‬ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ودوا لو‬
‫تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " )‪ (2‬وقال‪ " :‬إن تمسسكم حسنة‬
‫تسوءهم " )‪ (3‬أما بالفعل فهو غيبة وكذب‪ ،‬وهو عمل صادر عن الحسد‬
‫وليس هو عين الحسد‪ ،‬بل محل الحسد القلب دون الجوارح‪ .‬نعم هذا‬
‫الحسد ليست مظلمة يجب الستحلل منها‪ ،‬بل هو معصية بينك وبين ال‬
‫وإنما تجب الستحلل من السباب الظاهرة على الجوارح‪ ،‬وأما إدا كففت‬
‫ظاهرك‪ ،‬وألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حب زوال‬
‫النعمة‪ ،‬حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها‪ ،‬فتكون تلك الكراهية من‬
‫جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع‪ ،‬فقد أديت الواجب عليك‪ ،‬ول‬
‫مدخل تحت اختيارك في أغلب الحوال أكثر من هذا‪ .‬فأما تغيير الطبع‬
‫ليستوي عنده الموذي والمحسن‪ ،‬فيكون فرحة أو غمه بما تيسر لهما من‬
‫نعمة وتصب عليهما من بلية‪ ،‬سواء‪ ،‬فهذا مما ل يطاوع الطبع عليه‪ ،‬ما‬
‫دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إل أن يصير مستغرقا بحب ال تعالى مثل‬
‫السكران الواله‪ ،‬فقد ينتهي أمره إلى أن ل يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال‬
‫العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة‪ ،‬وهو عين الرحمة‪ ،‬ويرى الكل عباد‬
‫ال‪ ،‬وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف ل يدوم‪ ،‬ويرجع القلب بعد ذلك إلى‬
‫طبعه‪ ،‬ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان‪ ،‬فانه ينازع بالوسوسة‪،‬‬
‫فمهما قابل ذلك بكراهة ألزم قلبه‪ ،‬فقد ادى ما كلفه‪ .‬وذهب الذاهبون إلى‬
‫أنه ل يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه وروي مرفوعا أنه ثلثة في‬
‫المؤمن له منهن مخرج ومخرجه من الحسد أن ل يبغى‪ ،‬والولى أن يحمل‬
‫هذا على ما ذكرنا‪ ،‬من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل‬

‫)‪ (1‬الحشر‪ (2) .9 :‬النساء‪ (3) .89 :‬آل عمران‪.(*) 120 :‬‬

‫]‪[244‬‬

‫في مقابلة حب الطبع لزوال النعمة عن العدو‪ ،‬وتلك الكراهة تمنعه من البغي ومن‬
‫اليذاء‪ ،‬فان جميع ما ورد في الخبار في ذم الحسد يدل ظاهرها على أن‬
‫كل حاسد آثم‪ ،‬والحسد عبارة عن صفة القلب ل عن الفعال فكل محب‬
‫لمساءة المسلمين فهو حاسد‪ ،‬فأما كونه حاسدا بمجرد حسد القلب من غير‬
‫فعل فهو في محل النظر والشكال‪ .‬وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك‬
‫ثلثة أحوال‪ :‬أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك‪ ،‬وتكره حبك لذلك وميل قلبك‬
‫إليه بعقلك‪ ،‬وتمقت نفسك عليه‪ ،‬وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل‬
‫منك وهذا معفو عنه قطعا لنه ل يدخل تحت الختيار أكثر منه‪ .‬الثانية أن‬
‫تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد‬
‫المحظور قطعا‪ .‬الثالثة وهي بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقتك‬
‫لنفسك على حسدك ومن غير إنكار منك على قلبك‪ ،‬ولكن تحفظ جوارحك‬
‫عن طاعة الحسد في مقتضاها وهذا محل الخلف‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه ل يخلو عن‬
‫إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬
‫عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫سليمان‪ ،‬عن جراح المدايني عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الحسد‬
‫يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب )‪ - 3 .(1‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد بن خالد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن داود الرقي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬اتقوا ال‪ ،‬ول يحسد بعضكم بعضا إن عيسى بن مريم‬
‫كان من شرايعه السيح في البلد‪ ،‬فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من‬
‫أصحابه قصير‪ ،‬وكان كثير اللزوم لعيسى بن مريم فلما انتهى عيسى إلى‬
‫البحر قال‪ :‬بسم ال‪ ،‬بصحة يقين منه‪ ،‬فمشى ]على ظهر الماء‪ ،‬فقال‬
‫الرجل القصير‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 306‬‬

‫]‪[245‬‬

‫حين نظر إلى عيسى عليه السلم جازه‪ :‬بسم ال‪ ،‬بصحه يقين منه فمشى[ )‪(1‬‬
‫على الماء ولحق بعيسى عليه السلم‪ .‬فدخله العجب بنفسه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫عيسى روح ال يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء‪ ،‬فما فضله علي ؟‬
‫قال‪ :‬فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه ثم قال‬
‫له‪ :‬ما قلت يا قصير ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬هذا روح ال يمشي على الماء وانا أمشي‬
‫فدخلني من ذلك عجب‪ ،‬فقال له عيسى‪ :‬لقد وضعت نفسك في غير الموضع‬
‫الذي وضعك ال فيه‪ ،‬فمقتك ال على ما قلت‪ ،‬فتب إلى ال عزوجل مما‬
‫قلت قال‪ :‬فتاب الرجل وعاد إلى المرتبة التي وضعه ال فيها‪ ،‬فاتقوا ال‬
‫ول يحسدن بعضكم بعضا )‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس ساح الماء يسيح سيحا‬
‫وسيحانا جرى على وجه الرض والسياحة بالكسر والسيح الذهاب في‬
‫الرض للعبادة ومنه المسيح انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬كان من شرايع عيسى عليه‬
‫السلم‪ :‬السياحة في الرض للطلع على عجائب قدرة ال وهداية عباد‬
‫ال‪ ،‬والفرار من أعدائه‪ ،‬وملقاة أوليائه‪ ،‬فنسخ ذلك في شرعنا وقد روي‬
‫ل سياحة في السلم‪ ،‬وسياحة هذه المة الصيام‪ " .‬فدخله العجب " فإن‬
‫قيل‪ :‬هذا إما عجب كما صرح به أو غبطة حيث تمنى منزلة عيسى عليه‬
‫السلم لكنه تجاوز عن حد نفسه حيث لم يكن له أن يتمنى تلك الدرجة‬
‫الرفيعة التي ل يمكن حصولها له‪ ،‬فكيف فرعه عليه السلم على النهي عن‬
‫الحسد ؟ قلت الظاهر أنه كان الحامل له على الجرأة على هذا التمني الحسد‬
‫بمنزلة عيسى واختصاصه بالنبوة حيث قال‪ :‬فما فضله علي ؟ أو أنه لما‬
‫رأى مساواته لعيسى عليه السلم في فضيلة واحدة‪ ،‬حسد عيسى عليه‬
‫السلم على نبوته وأنكر فضله عليه‪ ،‬كما قال بعض الكفار " أنؤمن‬
‫لبشرين مثلنا " )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين أضفناه من المصدر‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(3) .306‬‬
‫المؤمنون‪.(*) 48 :‬‬

‫]‪[246‬‬

‫" فرمس في الماء " أي غمس فيه على بناء المجهول فيهما‪ ،‬ل يقال‪ :‬سيأتي عدم‬
‫المؤاخذة بالخطورات القلبية ]وقصد المعصية‪ ،‬وهنا أخذ بها‪ ،‬لن الظاهر‬
‫أن قوله " فقال " المراد به الكلم النفسي‪ ،‬لنا نقول‪ :‬الفعال القلبية[ )‪(1‬‬
‫التي ل مؤاخذة بها هي التي تتعلق بارادة المعاصي أو كان محض خطور‬
‫من غير أن يصير سببا لشكه في العقايد اليمانية‪ ،‬أو حدث خلل فيها‪،‬‬
‫وههنا ليس كذلك‪ ،‬مع أنه ل يدل ما سيأتي إل على أنه ل يعاقب بها‪ ،‬وهو‬
‫ل ينافي حط منزلته عن صدر مثل هذه الغرائب منه‪ .‬وقوله عليه السلم‪:‬‬
‫يا قصير ! دل على جواز مخاطبة النسان ببعض أوصافه المشهورة ل‬
‫على وجه الستهزاء والظاهر أن ذلك كان تأديبا له‪ ،‬قوله عليه السلم "‬
‫وعاد " أي في نفسه واعتقاده " إلى مرتبته " أي القرار بحط نفسه عن‬
‫الرتقاء إلى درجة النبوة وسلم لعيسى عليه السلم فضله ونبوته‪ ،‬وترك‬
‫الحسد له‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كاد‬
‫الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر )‪ .(2‬بيان‪ :‬قوله‪ :‬كاد الفقر‬
‫أن يكون كفرا أقول‪ :‬هذه الفقرة تحتمل وجوها الول ما خطر بالبال أن‬
‫المراد به الفقر إلى الناس‪ ،‬وهذا هو الفقر المذموم فان سؤال الخلق‪،‬‬
‫وعدم التوجه إلى خالقه‪ ،‬ومن ضمن رزقه‪ ،‬في طلب الرزق وسائر‬
‫الحوائج نوع من الكفر والشرك‪ ،‬لعدم العتماد على ال سبحانه وضمانه‪،‬‬
‫وظنه أن المخلوق العاجز قادر على إنجاح حوائجه وسوق الرزق إليه‪،‬‬
‫بدون تقديره وتيسيره وتسبيبه‪ ،‬فبعضها يقرب من الكفر‪ ،‬وبعضها من‬
‫الشرك‪ .‬الثاني أن المراد به الفقر القاطع لعنان الصطبار‪ ،‬وقد وقعت‬
‫الستعاذة منه‪ .‬وأما الفقر الممدوح‪ ،‬فهو المقرون بالصبر‪ ،‬قال الغزالي‪:‬‬
‫سبب ذلك أن‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .288‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.(*) 307‬‬

‫]‪[247‬‬

‫الفقير إذا نظر إلى شدة حاجته‪ ،‬وحاجة عياله‪ ،‬ورأى نعمة جزيلة مع الظلمة‬
‫والفسقة وغيرهم‪ ،‬ربما يقول‪ :‬ما هذا النصاف من ال‪ ،‬وما هذه القسمة‬
‫التي لم تقع على العدل‪ ،‬فان لم يعلم شدة حاجتي ففي علمه نقص‪ ،‬وإن علم‬
‫ومنع مع القدرة على العطاء ففي جوده نقص‪ ،‬وإن منع لثواب الخرة‪،‬‬
‫فان قدر على إعطاء الثواب بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع ؟ وإن لم‬
‫يقدر ففي قدرته نقص‪ .‬ومع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدل جوادا كريما‬
‫مالكا لخزائن السماوات والرض‪ ،‬وحينئذ يتسلط عليه الشيطان‪ ،‬ويذكر له‬
‫شبهات حتى يسب الفلك والدهر وغيرهما‪ ،‬وكل ذلك كفر أو قريب منه‪،‬‬
‫وإنما يتخلص من هذه المور من امتحن ال قلبه لليمان‪ ،‬ورضي عن ال‬
‫سبحانه في المنع والعطاء‪ ،‬وعلم أن كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير‬
‫له‪ ،‬وقليل ما هم‪ .‬الثالث ما ذكره الراوندي قدس سره في كتاب شرح‬
‫الشهاب كما سيأتي حيث قال‪ :‬معنى الحديث وال أعلم أنه إشارة إلى أن‬
‫الفقير يسف إلى المآكل الدنية والمطاعم الوبية‪ ،‬وإذا وجد أولده‬
‫يتضورون من الجوع والعرى‪ ،‬ورأى نفسه ل يقدر على تقويم أودهم‪،‬‬
‫وإصلح حالهم‪ ،‬والتنفيس عنهم‪ ،‬كان بالحري أن يسرق ويخون‪ ،‬ويغصب‬
‫وينهب‪ ،‬ويستحل أموال الناس‪ ،‬ويقطع الطريق ويقتل المسلم‪ ،‬أو يخدم‬
‫بعض الظلمة‪ ،‬فيأكل مما يغصبه ويظلمه‪ ،‬وهذا كله من افعال من ل يحاسب‬
‫نفسه ول يؤمن بيوم الحساب‪ ،‬فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا وفي‬
‫الثر‪ :‬عجبت لمن له عيال وليس له مال كيف ل يخرج على الناس بالسيف‬
‫انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬المعاني متقاربة‪ ،‬والمال واحد‪ ،‬وأما قوله عليه السلم‪" :‬‬
‫وكاد الحسد أن يغلب القدر " فيه ايضا وجوه‪ :‬الول ما ذكره الراوندي ره‬
‫في الكتاب المذكور على ما سيجئ أيضا حيث قال‪ :‬المعنى أن للحسد تأثيرا‬
‫قويا في النظر في إزالة النعمة عن المحسود‪ ،‬أو التمني لذلك‪ ،‬فانه ربما‬
‫يحمله حسده على قتل المسحود وإهلك ماله‪ ،‬وإبطال معاشه‪ ،‬فكأنه سعى‬
‫في غلبة المقدور‪ ،‬لن ال تعالى‬

‫]‪[248‬‬
‫قد قدر للمحسود الخير والنعمة‪ ،‬وهو يسعى في إزالة ذلك عنه وقيل‪ :‬الحسد‬
‫منصف لنه يبدء بصاحبه‪ ،‬وقيل الحسود ل يسود‪ .‬وقيل‪ :‬الحسد يأكل‬
‫الجسد‪ .‬و " كاد " يعطي أنه قرب الفعل ولم يكن‪ ،‬ويفيد في الحديث شدة‬
‫تأثير الفقر والحسد وإن لم يكونا يغلبان القدر‪ ،‬ويقال‪ :‬إن " كاد " إذا‬
‫أوجب به الفعل دل على النفي وإذا نفي دل على الوقوع انتهى‪ .‬وقريب منه‬
‫ما قيل‪ :‬فيه مبالغة في تأثير الحسد في فساد النظام المقدر للعالم فانه كثيرا‬
‫ما يبعث صاحبه على قتل النفوس‪ ،‬ونهب الموال‪ ،‬وسبي الولد وإزالة‬
‫النعم‪ ،‬حتى أنه غير راض بقضاء ال وقدره‪ ،‬ويطلب الغلبة عليهما‪ ،‬وهو‬
‫في حد الشرك بال‪ .‬الثاني ما قيل‪ :‬إن المعنى أن الحسد قد يغلب القدر‪ ،‬بأن‬
‫يزيد في المحسود ما قدر له من النعمة‪ .‬الثالث أن يكون المراد غلبة القدر‬
‫بتغيير نعمة الحاسد‪ ،‬وزوال ما قدر له من الخير‪ .‬الرابع أن يكون المراد‬
‫كاد أن يغلب الحسد في الوزر والثم القول بالقدر مع شدة عذاب القدرية‪.‬‬
‫الخامس أن يكون إشارة إلى تأثير العين‪ ،‬فان الباعث عليه الحسد كما فسر‬
‫جماعة من المفسرين قوله تعالى‪ " :‬ومن شر حاسد إذا حسد " بإصابة‬
‫العين )‪ - 5 .(1‬كا‪ :‬علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪،‬‬
‫عن معاوية بن وهب قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬آفة الدين الحسد‬
‫والعجب والفخر )‪ .(2‬بيان‪ :‬الحسد والعجب من معاصي القلب والفخر من‬
‫معاصي اللسان‪ ،‬وهو‬

‫)‪ (1‬وفي شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 288‬و ‪ 289‬تتمة وافية لهذا الكلم تبحث عن‬
‫اصابة العين وأنها حق‪ ،‬راجعه‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 307‬‬

‫]‪[249‬‬

‫التفاخر بالباء والجداد والنساب الشريفة‪ ،‬وبالعلم والزهد والعبادة والموال‬


‫والمساكن والقبايل وأمثال ذلك‪ ،‬فبعض تلك كذب‪ ،‬وبعضها رياء‪ ،‬وبعضها‬
‫عجب وبعضها تكبر وتعزز وتعظم‪ ،‬وكل ذلك من ذمائم الخلق‪ .‬ومن‬
‫صفات الشيطان‪ ،‬حيث تعزز بأصله‪ ،‬فاستكبر عن طاعة ربه‪ .‬قال الراغب‪:‬‬
‫الفخر المباهات في الشياء الخارجة عن النسان كالمال والجاه ويقال له‪:‬‬
‫الفخر‪ ،‬ورجل فاخر وفخور وفخير على التكثير قال تعالى‪ " :‬إن ال ل‬
‫يحب كل مختال فخور " )‪ (1‬وقال في النهاية‪ :‬الفخر ادعاء العظم والكبر‬
‫والشرف‪ ،‬وفي المصباح فخرت به فخرا من باب نفع‪ ،‬وافتخرت مثله‪،‬‬
‫والسم الفخار بالفتح وهو المباهاة بالمكارم والمناقب من حسب ونسب‬
‫وغير ذلك إما في المتكلم أو في آبائه‪ - 6 .‬كا‪ :‬عن يونس‪ ،‬عن داود الرقي‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال‬
‫ال عزوجل لموسى بن عمران‪ ،‬يا ابن عمران ل تحسدن الناس على ما‬
‫آتيتهم من فضلي ول تمدن عينيك إلى ذلك‪ ،‬ول تتبعه نفسك‪ ،‬فان الحاسد‬
‫ساخط لنعمي‪ ،‬صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي‪ ،‬ومن يك كذلك فلست‬
‫منه وليس مني )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ل تحسدن الناس " إشارة إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫" أم يحسدون الناس على ما آتيهم ال من فضله " )‪ " (3‬ول تمدن "‬
‫إشارة إلى قوله سبحانه‪ " :‬ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم‬
‫زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى " )‪ .(4‬قال‬
‫البيضاوي‪ (5) :‬اي ل تمدن نظر عينيك إلى ما متعنا به استحسانا له‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ‪ 374‬والية في لقمان‪ (2) .18 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪307‬‬
‫والسند معلق على سابقه‪ (3) .‬النساء‪ (4) .54 :‬طه‪ (5) .131 :‬انوار‬
‫التنزيل‪.(*) 270 :‬‬

‫]‪[250‬‬

‫وتمنيا أن يكون لك مثله وقال الطبرسي رحمه ال‪ (1) :‬اي ل ترفعن عينيك من‬
‫هؤلء الكفار إلى ما متعناهم وأنعمنا عليهم به أمثال في النعم من الولد‬
‫والموال وغير ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬ل تنظرن إلى ما في أيديهم من النعم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ول تنظرن ول يعظمن في عينيك ول تمدهما إلى ما متعنا به اصنافا من‬
‫المشركين نهى ال رسوله عن الرغبة في الدنيا‪ ،‬فحظر عليه أن يمد عينيه‬
‫إليها وكان عليه السلم ل ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن الفضيل ابن‬
‫عياض‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن يغبط ول يحسد‪،‬‬
‫والمنافق يحسد ول يغبط )‪ .(2‬بيان‪ :‬هو بحسب الظاهر إخبار بأن الحاسد‬
‫منافق كما مر‪ ،‬وبحسب المعنى أمر بطلب الغبطة وترك الحسد‪ ،‬وقد مر‬
‫معناهما‪ .‬ل يقال‪ :‬المغتبط يتمنى فوق مرتبته‪ ،‬والفضل من نعمته‪ ،‬فهو‬
‫ساخط بالنعمة‪ ،‬غير راض بالقسمة‪ ،‬كالحاسد وإل فما الفرق ؟ لنا نقول‪:‬‬
‫الفرق أن الحاسد غير راض بالقسمة‪ ،‬حيث تمنى أن يكون قسمته ونصيبه‬
‫للغير‪ ،‬ونصيب الغير له‪ ،‬فهو راد للقسمة قطعا‪ ،‬وأما المغتبط فقد رضي أن‬
‫يكون مثل نصيب الغير له‪ ،‬ورضي ايضا بنصيبه إل أنه لما جوز أن يكون‬
‫له ايضا مثل نصيب ذلك الغير‪ ،‬وكان ذلك ممكنا في نفسه‪ ،‬ولم يعلم‬
‫امتناعه بحسب التقدير الزلي‪ ،‬ولم يدل عدم حصوله على امتناعه‪ ،‬لجواز‬
‫أن يكون حصوله مشروطا بشرط كالتمنى والدعاء ونحوهما‪ ،‬وهذا مثل‬
‫من وجد درجة من الكمال يسأل ال تعالى ويطلب منه التوفيق لما فوقها‪8 .‬‬
‫‪ -‬مع )‪ (3‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬أقل الناس لذة الحسود )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ 345‬في آية الحجر‪ (2) .88 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪) .307‬‬
‫‪ (3‬معاني الخبار‪ (4) .195 :‬أمالي الصدوق‪ ،14 :‬وفي نسخة الكمباني‬
‫بعد ذلك بياض نحو سطر‬

‫]‪[251‬‬

‫‪ - 9‬لى‪ :‬عن الفامي‪ ،‬عن محمد الحميري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار عن‬
‫ابن ابي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬كاد‬
‫الفقر أن يكون كفرا‪ ،‬وكاد الحسد أن يغلب القدر )‪ .(1‬ل‪ :‬عن حمزة‬
‫العلوي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن السكوني عن جعفر‪،‬‬
‫عن آبائه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليهم مثله )‪ .(2‬أقول‪ :‬قد مضى بعض‬
‫الخبار في باب الحرص‪ ،‬وبعضها في باب البخل وبعضها في باب أصول‬
‫الكفر‪ ،‬وبعضها في باب ما أعطى ال أمة نبينا صلى ال عليه وآله‪- 10 .‬‬
‫ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن ابي الخطاب‪ ،‬عن النضر عن‬
‫الجازي‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ل يؤمن رجل فيه‬
‫الشح والحسد والجبن‪ ،‬الخبر )‪ - 11 .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حماد عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫لقمان لبنه‪ :‬للحاسد ثلث علمات‪ :‬يغتاب إذا غاب‪ ،‬ويتملق إذا شهد‪،‬‬
‫ويشمت بالمصيبة )‪ .(4‬أقول‪ :‬أثبتنا في باب وصايا النبي صلى ال عليه‬
‫وآله إلى علي بأسانيد كثيرة أنه قال‪ :‬يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام‪:‬‬
‫الحسد والحرص والكذب )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالي الصدوق‪ (2) .177 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ ،9‬وقد أخرجه المؤلف العلمة‬
‫في ج ‪ 72‬باب فضل الفقر والفقراء ص ‪ ،29‬وزاد عليه سندا آخر من‬
‫كتاب المامة والتبصرة‪ ،‬ثم شرحها شرحا ضافيا من ‪ - 30‬إلى ‪،35‬‬
‫راجعه ان شئت وقد سبق في هذا الباب ايضا شرح له نقل عن الكافي‬
‫تحت الرقم ‪ (3) .4‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .41‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(5) 60‬‬
‫راجع ج ‪ 77‬ص ‪ 44‬و ‪ 52‬وقد مر فيما سبق في باب الحرص تارة وفي‬
‫باب الكذب وروايته تارة اخرى نقل عن الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 62‬‬

‫]‪[252‬‬

‫‪ - 12‬ل‪ :‬فيما أوصى به الصادق عليه السلم‪ :‬ل راحة لحسود )‪ .(1‬أقول‪ :‬قد مضى‬
‫في باب الكذب وغيره عن الصادق عليه السلم‪ :‬ليست لبخيل راحة ول‬
‫لحسود لذة )‪ - 13 .(2‬ل‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إن ال‬
‫عزوجل يعذب ستة بست‪ :‬العرب بالعصبية‪ ،‬والدهاقنة بالكبر‪ ،‬والمراء‬
‫بالجور‪ ،‬والفقهاء بالحسد‪ ،‬والتجار بالخيانة‪ ،‬وأهل الرستاق بالجهل )‪.(3‬‬
‫‪ - 14‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن‬
‫جعفر البغدادي‪ ،‬عن ابن معبد‪ ،‬عن إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في‬
‫كل يوم من ست‪ :‬من الشك‪ ،‬والشرك والحمية‪ ،‬و الغضب‪ ،‬والبغي‪ ،‬والحسد‬
‫)‪ - 15 .(4‬ل‪ :‬عن الصادق عليه السلم‪ :‬ل يطمعن الحسود في راحة القلب‬
‫)‪ - 16 .(5‬مع )‪ (6‬ن‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن إسماعيل‬
‫العريشي عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬دب إليكم داء المم قبلكم‪:‬‬
‫البغضاء والحسد )‪ - 17 .(7‬ن‪ :‬عن محمد بن أحمد بن الحسين‪ ،‬عن علي‬
‫بن محمد بن عنبسة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين صلوات‬
‫ال عليهم قال‪ :‬قال رسول صلى ال عليه وآله‪:‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 80‬في حديث طويل‪ (2) .‬راجع باب جوامع مساوى الخلق‬
‫ج ‪ 72‬ص ‪ 190‬وهكذا ص ‪ 193‬نقل عن الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(3) .130‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .158‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .160‬الخصال ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (6) .53‬معاني الخبار ص ‪ (7) .367‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪313‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[253‬‬

‫كاد الحسد أن يسبق القدر )‪ - 18 .(1‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير رفعه في قول ال عزوجل‪" :‬‬
‫ومن شر حاسد إذا حسد " قال‪ :‬أما رأيته إذا فتح عينيه وهو ينظر إليك هو‬
‫ذاك )‪ - 19 .(2‬مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن‬
‫سعدان بن مسلم‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم أنه سئل‬
‫عن الحسد فقال‪ :‬لحم ودم يدور في الناس حتى إذا انتهى إلينا يئس وهو‬
‫الشيطان )‪ - 20 .(3‬جا )‪ (4‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن أبي نصر محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬عن علي بن أحمد بن سيابة‪ ،‬عن عمر بن عبد الجبار‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن علي بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله ذات يوم لصحابه‪ :‬أل إنه قد دب إليكم داء‬
‫المم من قبلكم‪ ،‬وهو الحسد ليس بحالق الشعر‪ ،‬لكنه حالق الدين )‪(5‬‬
‫وينجى منه أن يكف النسان يده‪ ،‬ويخزن لسانه‪ ،‬ول يكون ذاغمز‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .132‬معاني الخبار ص ‪ (3) .227‬معاني الخبار‬
‫ص ‪ (4) .244‬مجالس المفيد ص ‪ (5) .211‬قال السيد الشريف رضوان‬
‫ال عليه في المجازات النبوية ص ‪ :112‬ومن ذلك قوله عليه السلم‪:‬‬
‫دب اليكم داء المم من قبلكم‪ :‬الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين ل‬
‫حالقة الشعر‪ .‬وهذه استعارة‪ ،‬والمراد بالحالقة ههنا المبيرة المهلكة‪ ،‬اي‬
‫هذه الخلة المذمومة تهلك الدين وتسأصله كما تسأصل الموسى الشعر‪،‬‬
‫والمقراض الوبر‪ ،‬وعلى هذا قول الشاعر‪ :‬ارسل عليهم سنة قاشورة *‬
‫تحتلق الناس احتلق النورة اي تبير الناس فتأتى على نفوسهم‪ ،‬أو تأتى‬
‫على أموالهم من البل والشياة‪ ،‬فتكون كأنها قد أتت على نفوسهم باتيانها‬
‫على ما هو قوام نفوسهم‪= .‬‬

‫]‪[254‬‬

‫على أخيه المؤمن )‪ - 21 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معا‪،‬‬
‫عن الشعري رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلث لم يعر منها‬
‫نبي فمن دونه‪ :‬الطيرة‪ ،‬والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق‪ .‬قال‬
‫الصدوق رحمه ال‪ :‬معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم‬
‫قومهم‪ ،‬فأما هم عليه السلم فل يتطيرون‪ ،‬وذلك كما قال ال عزوجل عن‬
‫قوم صالح‪ " :‬قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند ال " )‪ (2‬وكما‬
‫قال آخرون لنبيائهم‪ " :‬إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " )‪(3‬‬
‫الية‪ ،‬وأما الحسد في هذا الموضع هو أن يحسدوا‪ ،‬ل أنهم يحسدن‬
‫غيرهم‪ ،‬وذلك كما قال ال عزوجل " أم يحسدون الناس على ما آتاهم ال‬
‫من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " )‪(4‬‬
‫وأما التفكر في الوسوسة في الخلق‪ ،‬فهو بلواهم عليهم السلم بأهل‬
‫الوسوسة ل غير ذلك‪ ،‬وذلك كما حكى ال عنهم عن الوليد بن المغيرة‬
‫المخزومي " أنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر " )‪ (5‬يعني قال للقرآن " إن‬
‫هذا إل سحر يؤثر * إن هذا إل قول البشر " )‪ - 22 .(6‬ب‪ :‬عن هارون‪،‬‬
‫عن ابن زياد‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن ابيه عليه السلم أن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله قال‪ :‬ل تتحاسدوا‪ ،‬فان الحسد يأكل اليمان كما تأكل النار‬

‫= وانما جعل عليه السلم البغضاء حالقة للدين لنها سبب التفاني والتهالك‬
‫واليقاع في المعاطب والمهالك‪ ،‬والداعى إلى سفك الدم الحرام واحتمال‬
‫أعباء الثام‪ (1) .‬أمالي الطوسي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .117‬النمل‪(3) .47 :‬‬
‫يس‪ (4) .18 :‬النساء‪ (5) .54 :‬المدثر‪ 18 :‬و ‪ - 19‬وبعده ‪ 24‬و ‪) .25‬‬
‫‪ (6‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.44‬‬

‫]‪[255‬‬
‫الحطب اليابس " )‪ - 23 .(1‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬الحاسد مضر بنفسه‬
‫قبل أن يضر بالمحسود كابليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولدم عليه‬
‫السلم الجتباء والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والصطفاء‪ ،‬فكن‬
‫محسودا‪ ،‬ول تكن حاسدا‪ ،‬فانميزان الحاسد ابدا خفيف بثقل ميزان‬
‫المحسود‪ ،‬والرزق مقسوم فماذا ينفع حسد الحاسد‪ ،‬فما يضر المحسود‬
‫الحسد‪ .‬والحسد أصله من عمى القلب‪ ،‬وجحود فضل ال تعالى‪ ،‬وهما‬
‫جناحان للكفر‪ ،‬وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة البد‪ ،‬وهلك مهلكا ل ينجو‬
‫منه ابدا ول توبة للحاسد لنه مصر عليه‪ ،‬معتقد به‪ ،‬مطبوع فيه‪ ،‬يبدو بل‬
‫معارض له ول سبب‪ ،‬والطبع ل يتغير عن الصل وإن عولج )‪- 24 .(2‬‬
‫شى‪ :‬عن ابن ابي نجران‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال‬
‫" ول تتمنوا ما فضل ال به بعضكم على بعض " )‪ (3‬قال‪ :‬ل يتمني‬
‫الرجل امرأة الرجل ول ابنته‪ ،‬ولكن يتمنى مثلهما )‪ - 25 .(4‬شى‪ :‬عن ابن‬
‫ظبيان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬بينما موسى بن عمران يناجي‬
‫ربه ويكلمه إذ رأى رجل تحت ظل عرش ال فقال‪ :‬يا رب من هذا الذي قد‬
‫اظله عرشك ؟ فقال‪ :‬يا موسى هذا ممن لم يحسد الناس على ما آتاهم ال‬
‫من فضله )‪ - 26 .(5‬جع‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إياكم والحسد‪،‬‬
‫فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد‪ (2) .22 :‬مصباح الشريعة‪ (3) .33 :‬النساء‪ (4) .32 :‬تفسير‬
‫العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .239‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪.248‬‬

‫]‪[256‬‬

‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن لنعم ال أعداء‪ ،‬قيل‪ :‬وما أعداء نعم ال ؟ يا رسول‬
‫ال قال‪ :‬الذين يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬عليكم بانجاح الحوائج بكتمانها‪ ،‬فان كل ذي نعمة محسود‪.‬‬
‫وقال أمير المؤمنين عليه السلم لبنه في وصيته‪ :‬إن من شر مفاضح‬
‫المرء الحسد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له )‪.(1‬‬
‫‪ - 27‬ين‪ :‬عن ابن أبي البلد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬رفعه قال‪ :‬رأى موسى بن عمران‬
‫رجل تحت ظل العرش فقال‪ :‬يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت‬
‫ظل العرش ؟ فقال ال تعالى‪ :‬يا موسى هذا لم يكن يعق والديه‪ ،‬ول يحسد‬
‫الناس على ما آتاهم ال من فضله‪ - 28 .‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬العجب‬
‫لغفلة الحساد عن سلمة الجساد )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬صحة الجسد من‬
‫قلة الحسد )‪ - 29 .(3‬كنز الكراجى‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما‬
‫رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد‪ ،‬نفس دائم‪ ،‬وقلب هائم‪ ،‬وحزن لزم‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الحاسد مغتاظ على من ل ذنب له إليه‪ ،‬بخيل بما ل‬
‫يملكه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحسد آفة الدين‪ ،‬وحسب الحاسد ما يلقى‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل مروة لكذوب‪ ،‬ول راحة لحسود‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬يكفيك‬
‫من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحسد ل يجلب‬
‫إل مضرة وغيظا يوهن قلبك‪ ،‬ويمرض جسمك‪ ،‬وشر ما استشعر قلب‬
‫المرء الحسد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحسود سريع الوثبة‪ ،‬بطئ العطفة‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الحسود مغموم‪ ،‬واللئيم مذموم‪.‬‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ص ‪ (2) .186‬نهج البلغة الرقم ‪ 225‬من الحكم‪ (3) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 256‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[257‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬ل غنى مع فجور‪ ،‬ول راحة لحسود‪ ،‬ول مودة لملوك‪ .‬وقال‬
‫لقمان لبنه‪ :‬إياك والحسد‪ ،‬فانه يتبين فيك‪ ،‬ول يتبين فيمن تحسده‪- 30 .‬‬
‫المجازات النبوية‪ :‬قال صلى ال عليه وآله‪ :‬الحسد يأكل الحسنات كما تأكل‬
‫النار الحطب‪ .‬بيان‪ :‬قال السيد رضي ال عنه في شرح هذا الخبر‪ :‬هذه‬
‫استعارة والمراد أن الحسد مخرج لصاحبه إلى القدام على المعاصي‪،‬‬
‫والرتكاس في المهاوي‪ ،‬فيقع في الدماء الحرام‪ ،‬ويحتطب في حمائل‬
‫الثام‪ ،‬ويشرع في نقل النعم من أماكنها وإزعاجها عن مواطنها‪ ،‬فيكون‬
‫عقاب هذه المحظورات محبطا لحسناته‪ ،‬ومسقطا لثواب طاعاته‪ ،‬على‬
‫المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدم‪ ،‬فيصير الحسد الذي هو السبب في‬
‫استحقاق العقاب‪ ،‬وإحباط الثواب‪ ،‬كأنه يأكل تلك الحسنات‪ ،‬لنه يذهبها‬
‫ويفنيها‪ ،‬ويسقط أعيانها ويعفيها‪ .‬وإنما شبه عليه السلم في أكله‬
‫الحسنات بالنار التي تأكل الحطب لن الحسد يجري في قلب النسان مجرى‬
‫النار‪ ،‬لهتياجه واتقاده وإرماضه وإحراقه‪ ،‬ومن هناك قال بعضهم‪ :‬ما‬
‫رأيت ظالما اشبه بمظلوم من الحاسد نفس يتضور‪ ،‬وزفير يتردد‪ ،‬وحزن‬
‫يتجدد )‪ - 31 .(1‬الشهاب‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كاد الفقر‬
‫أن يكون كفرا‪ ،‬وكاد الحسد أن يغلب القدر‪ .‬الضوء‪ :‬كاد وعسى كلهما من‬
‫أفعال المقاربة‪ ،‬وكاد مشبه بعسى‪ ،‬وعسى مشبه بلعل‪ ،‬فلذلك لم يتصرف‬
‫لنه مشبه بحرف‪ ،‬والحرف ل يتصرف‪ ،‬وكاد اشد مقاربة من عسى‪ ،‬وإنما‬
‫لم يأت من عسى الفعل المضارع‪ ،‬لن فيه معنى الطمع‪ ،‬والطمع ل يصح‬
‫إل في المستقبل فلو بني منه المضارع لصلح للحال والستقبال معا‪،‬‬
‫والطمع ل يصح في الحال‪ ،‬فلذلك اقتصر فيه على الماضي‪ ،‬وعسى ترفع‬
‫السم وتنصب الخبر‪ ،‬إل أن خبره ل يكون إل فعل مضارعا يدخله " أن "‬

‫)‪ (1‬المجازات النبوية ص ‪ ،140‬وفيه‪ :‬نفس يتصعد‪.‬‬


‫]‪[258‬‬

‫وكذلك كاد ترفع السم وتنصب الخبر‪ ،‬ومن شروط كاد أن ليدخل على خبره " أن‬
‫" كقولك كاد زيد‪ ،‬وقال تعالى‪ " :‬وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك‬
‫بأبصارهم " )‪ " (1‬وكادوا يكونون عليه لبدا " )‪ (2‬وهذا إذا كان للحال‪،‬‬
‫وإن كان للستقبال شبه بعسى‪ ،‬فادخل على خبره " أن " كما قال )‪ :(3‬قد‬
‫كاد من طول البلى أن يمصحا فهذا ما علقناه على شيخنا أبي الحسن‬
‫النحوي رحمه ال ومعنى الحديث وال أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف‬
‫إلى المآكل الدنيئة والمطاعم الوبيئة‪ ،‬وإذا وجد أولده يتضورون من‬
‫الجوع والعرى‪ ،‬ورأى نفسه ل يقدر على تقويم أودهم وإصلح حالهم‪،‬‬
‫والتنفيس عنهم‪ ،‬كان بالحري أن يسرق ويخون‪ ،‬ويغصب وينهب ويستحل‬
‫أموال الناس‪ ،‬ويقطع الطريق‪ ،‬ويقتل المسلم‪ ،‬أو يخدم بعض الظلمة فيأكل‬
‫مما يغصبه ويظلمه‪ ،‬وهذا كله من أفعال من ل يحاسب نفسه‪ ،‬ول يؤمن‬
‫بيوم الحساب‪ ،‬فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا‪ ،‬وفي الثر‪ :‬عجبت لمن‬
‫له عيال وليس له مال كيف ل يخرج على الناس بالسيف ؟‪ .‬وقوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬كاد الحسد أن يغلب القدر " المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في‬
‫النظر في إزالة النعمة عن المحسود‪ ،‬أو التنى لذلك‪ ،‬فانه ربما يحمله‬
‫حسده على قتل المحسود‪ ،‬وإهلك ماله‪ ،‬وإبطال معاشه‪ ،‬فكأنه سعى في‬
‫غلبة المقدور لن ال تعالى قد قدر للمحسود الخير والنعمة‪ ،‬وهو يسعى‬
‫في إزالة ذلك عنه‪ ،‬وقيل‪ :‬الحسد منصف لنه يبدأ بصاحبه‪ ،‬وقيل‪ :‬الحسود‬
‫ل يسود‪ ،‬وقيل‪ :‬الحسد يأكل الجسد‪ ،‬وقال الشاعر‪ :‬اصبر على حسد‬
‫الحسود فان صبرك قاتله النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله " وكاد "‬
‫تعطي أنه قرب الفعل ولم يكن‪ ،‬وتفيد في الحديث شدة تأثير‬

‫)‪ (1‬القلم‪ (2) .51 :‬الجن‪ (3) .19 :‬يعنى رؤبة‪ :‬ربع عفاه الدهر طول فانمحى قد‬
‫كاد الخ )*(‪.‬‬

‫]‪[259‬‬

‫الفقر والحسد‪ ،‬وإن لم يكونا يغلبان القدر‪ ،‬ويقال‪ :‬إن كاد إذا أوجب به الفعل دل على‬
‫النفي‪ ،‬وإذا نفي دل على الوقوع‪ ،‬وقال شاعرهم‪ :‬أنحوي هذا الدهر ما هي‬
‫لفظة * جرت بلساني جرهم وثمود إذا نفيت وال أعلم أوجبت * وإن‬
‫أوجبت قامت مقام جحود وهذا كما قال عزوجل‪ " :‬كادوا يكونون عليه لبدا‬
‫" والمعنى أنهم لم يكونوا‪ ،‬وقال تعالى‪ " :‬وما كادوا يفعلون " )‪ (1‬وقد‬
‫ذبحوا‪ .‬وهذه من أعجب القصص في السحد وهي من أعاجيب الدنيا‪ ،‬كان‬
‫أيام موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة‪ ،‬وكان له جار في دون‬
‫حاله‪ ،‬وكان يحسده ويسعى بكل مكروه يمكنه‪ ،‬ول يقدر عليه‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫طال عليه أمره وجعلت اليام ل تزيده فيه إل غيظا‪ ،‬اشترى غلما صغيرا‬
‫فرباه وأحسن إليه فلما شب الغلم واشتدت وقوي غضبه‪ ،‬قال له موله‪ :‬يا‬
‫بني إني أريدك لمر من المور جسيم‪ ،‬فليت شعري كيف لي أنت عند‬
‫ذلك ؟ قال‪ :‬كيف يكون العبد لموله‪ ،‬والمنعم عليه المحسن إليه‪ ،‬وال يا‬
‫مولي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت بنفسي فيها‪ ،‬ولو‬
‫علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك وعدد عليه‬
‫اشياء‪ ،‬فسر بذلك من قوله‪ ،‬وضمه إلى صدره وأكب عليه يترشفه ويقبله‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد‪ ،‬قال‪ :‬يا مولي إن رأيت أن تمن‬
‫على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ويضم عليه جوانحه‪ ،‬قال‪ :‬لم يأن‬
‫لذلك بعد‪ ،‬وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي‪ .‬فتركه سنة‬
‫فدعاه فقال‪ :‬أي بني قد أردتك للمر الذي كنت أرشحك له قال له‪ :‬يا مولي‬
‫مرني بما شئت‪ ،‬فوال ل تزيدني اليام إل طاعة لك‪ ،‬قال‪ :‬إن جاري فلنا‬
‫قد بلغ مني مبلغا أحب قتله‪ ،‬قال‪ :‬فأنا افتك به الساعة‪ ،‬قال‪ :‬ل أريد هذا‪،‬‬
‫وأخاف أل يمكنك‪ ،‬وإن أمكنك أحالوا ذلك علي‪ ،‬ولكني دبرت أن تقتلني أنت‬
‫وتطرحني على سطحه‪ ،‬فيؤخذ ويقتل بي‪.‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪.(*) 71 :‬‬

‫]‪[260‬‬

‫فقال له الغلم‪ :‬أتطيب نفسك بنفسك ؟ وما في ذلك تشف من عدوك وأيضا فهل‬
‫تطيب نفسي بقتلك‪ ،‬وأنت أبر من الوالد الحدب‪ ،‬والم الرفيقة ؟ قال‪ :‬دع‬
‫عنك هذا‪ ،‬فانما كنت أربيك لهذا‪ ،‬فل تنقض علي أمري فانه ل راحة لي إل‬
‫في هذا‪ ،‬قال‪ :‬ال ال في نفسك يا مولي‪ ،‬وأن تتلفها للمر الذي ل يدرى‬
‫أيكون أم ل يكون‪ ،‬فان كان لم تر منه ما أملت وأنت ميت‪ ،‬قال‪ :‬أراك لي‬
‫عاصيا‪ ،‬وما أرضى حتى تفعل ما أهوى‪ .‬قال‪ :‬أما إذا صح عزمك على ذلك‬
‫فشأنك وما هويت لصير إليه بالكره ل بالرضى‪ ،‬فشكره على ذلك‪ ،‬وعمد‬
‫إلى سكين فشحذها ودفعها إليه‪ ،‬وأشهد على نفسه أنه دبره ودفع إليه من‬
‫صلب ماله ثلثة آلف درهم‪ ،‬وقال‪ :‬إذا فعلت ذلك فخذ في اي بلد ال‬
‫شئت‪ ،‬فعزم الغلم على طاعة المولى بعد التمنع واللتواء‪ .‬فلما كان في‬
‫آخر ليلة من عمره‪ ،‬قال له‪ :‬تأهب لما أمرتك به‪ ،‬فاني موقظك في آخر‬
‫الليل‪ ،‬فلما كان في وجه السحر‪ ،‬قام وأيقظ الغلم‪ ،‬فقام مذعورا وأعطاه‬
‫المدية‪ ،‬فجاء حتى تسور حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه‪ ،‬فاستقبل‬
‫القبلة ببدنه‪ ،‬وقال للغلم‪ :‬ها وعجل‪ ،‬فترك السكين على حلقه‪ ،‬وفرى‬
‫أوداجه‪ ،‬ورجع إلى مضجعه وخله يتشحط في دمه‪ .‬فلما أصبح أهله خفي‬
‫عليهم خبره‪ ،‬فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتول فأخذ‬
‫جاره‪ ،‬وأحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة ورفعوه وحبسوه‪،‬‬
‫وكتبوا بخبره إلى الهادي‪ ،‬فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك وكان‬
‫الرجل من أهل الصلح‪ ،‬فأمر بحبسه‪ ،‬ومضى الغلم إلى إصبهان‪ .‬وكان‬
‫هناك رجل من أولياء المحبوس وقرابته‪ ،‬وكان يتولى العطاء للجند‬
‫باصفهان‪ ،‬فرأى الغلم وكان عارفا به فسأله عن أمر موله‪ ،‬وقد كان وقع‬
‫الخبر إليه‪ ،‬فأخبره الغلم حرفا حرفا‪ ،‬فأشهد على مقالته جماعة‪ ،‬وحمله‬
‫إلى مدينة السلم وبلغ الخبر الهادي فأحضر الغلم فقص أمره كله عليه‪،‬‬
‫فتعجب الهادي من ذلك وأمر باطلق الرجل المحبوس‪ ،‬وإطلق الغلم‬
‫أيضا‪.‬‬

‫]‪[261‬‬

‫فايدة الحديث إعلم أن الفقر من أصعب الشياء‪ ،‬ومكابرته من أهول المور‪ ،‬وأن‬
‫الحسد أمره شديد‪ ،‬والحديث متضمن للنهي عنه‪ - 32 .‬الشهاب‪ :‬إن الحسد‬
‫ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‪ .‬الضوء‪ :‬الحسد تمني زوال نعمة‬
‫غيرك‪ ،‬يقول صلى ال عليه وآله‪ :‬الحسد يفسد الحسنات وهي الفعال‬
‫الحسنة‪ ،‬ويلطخها ويغيرها ويغطي عليها ويسوؤها‪ ،‬ويجعلها بحيث ل يعتد‬
‫بها كما تأكل النار الحطب‪ ،‬حيث تجعله رمادا أو فحما‪ ،‬وذلك أن الحسود‬
‫ولو حصلت منه الفعال الصالحة‪ ،‬لكانت مشينة لمكان الحسد‪ ،‬ثم إن‬
‫الحاسد يعارض ربه فيما يفعل‪ ،‬لن النعمة على المحسود من قبله‪ ،‬وهو‬
‫يتمنى زواله وكأنه يخطئ ال تعالى فيما أوله تعالى وتقدس‪ .‬وروي عن‬
‫سفيان ]قال‪ [:‬بلغني أن ال تعالى يقول‪ :‬الحاسد عدو نعمتي‪ ،‬غير راض‬
‫بقسمتي التي قسمت بين عبادي‪ ،‬وقال منصور الفقيه‪ :‬أل قل لمن كان بي‬
‫حاسدا * أتدري على من أسأت الدب أسأت على ال في فعله * إذا أنت لم‬
‫ترض لي ما وهب جزاؤك منه الزيادات لي * وأن ل تنال الذي تطلب‬
‫وقيل‪ :‬الحاسد بارز ربه من ستة أوجه‪ :‬أبغض كل نعمة تظهر على غيره‬
‫وسخط القسمة‪ ،‬وضاد قضاء ال‪ ،‬وكابر مقدوره‪ ،‬وخذل وليه‪ ،‬وأعان‬
‫عدوه وقيل‪ :‬الحاسد جاحد لنه لم يرض بحكم الواحد‪ ،‬وقيل في قوله‬
‫تعالى‪ " :‬إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " )‪ (1‬يعني‬
‫الحسد‪ ،‬وقيل‪ :‬الحسد منصف لنه يؤثر في الحاسد‪ ،‬ول يؤثر في المحسود‪.‬‬
‫وقال‪ :‬اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله فالنار تأكل نفسها إن لم‬
‫تجد ما تأكله )‪(2‬‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .33 :‬قد مر بعض هذا آنفا )*(‪.‬‬


‫]‪[262‬‬

‫وقال‪ :‬إني لرحم حاسدي لحر ما * ضمنت صدورهم من السعار نظروا صنيع ال‬
‫لي فعيونهم * في جنة وقلوبهم في نار وقيل‪ :‬الحسود ل يسود‪ ،‬وروي أن‬
‫في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل عبد له ضوء كضوء الشمس‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬قف فأنا ملك الحسد‪ ،‬اضرب به وجه صاحبه فانه حاسد‪ ،‬ويقال‪ :‬ل‬
‫يوجد ظالم وهو مظلوم إل الحاسد وأنشد‪ :‬قل للحسود إذا تنفس حسرة * يا‬
‫ظالما وكأنه مظلوم وفائدة الحديث النهي عن الحسد والمر بتجنبه‪132 - .‬‬
‫‪) * -‬باب( * * " )ذم الغضب‪ ،‬ومدح التنمر في ذات ال( " * اليات‪:‬‬
‫طه‪ :‬قال يا ابن أم ل تأخذ بلحيتي ول برأسي )‪ .(1‬الشعراء‪ :‬وإذا بطشتم‬
‫بطشتم جبارين )‪ - 1 .(2‬ن )‪ (3‬لى‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن عبد العظيم الحسني‪ ،‬عن أبي جعفر الثاني‪ ،‬عن أبيه عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬دخل موسى بن جعفر عليه السلم على هارون الرشيد وقد‬
‫استخفه الغضب على رجل‪ ،‬فقال له‪ :‬إنما تغضب ل عزوجل‪ ،‬فل تغضب له‬
‫بأكثر مما غضب لنفسه )‪ - 2 .(4‬لى‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل‬
‫نسب أوضع من الغضب )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬ط‪ (2) .94 :‬الشعراء‪ (3) .130 :‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .292‬أمالي‬
‫الصدوق‪ (5) .14 :‬أمالي الصدوق‪.(*) 193 :‬‬

‫]‪[263‬‬

‫أقول‪ :‬قد مضى الخبار في باب الحلم وكظم الغيظ )‪ - 3 .(1‬لى‪ :‬سئل أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم من أحلم الناس ؟ قال‪ :‬الذي ل يغضب )‪ - 4 .(2‬ل‪ :‬عن ابن‬
‫المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن داود بن‬
‫فرقد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬الغضب مفتاح كل شر )‪- 5 .(3‬‬
‫ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه عن‬
‫يونس‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال الحواريون‬
‫لعيسى بن مريم‪ :‬يا معلم الخير أعلمنا أي الشياء اشد ؟ فقال‪ :‬أشد الشياء‬
‫غضب ال عز وجل‪ ،‬قالوا‪ :‬فبم يتقى غضب ال‪ ،‬قال‪ :‬بأن ل تغضبوا‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وما بدؤ الغضب ؟ قال‪ :‬الكبر والتجبر ومحقرة الناس )‪ .(4‬كتاب‬
‫الغايات‪ :‬عن أبي عبد ال عليه السلم وذكر نحوه‪ - 6 .‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن ابن معبد‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست‪ :‬من‬
‫الشك‪ ،‬والشرك والحمية‪ ،‬والغضب‪ ،‬والبغي‪ ،‬والحسد )‪ - 7 .(5‬ن‪ :‬عن‬
‫محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي‪ ،‬عن علي بن محمد بن عنبسة عن‬
‫بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم‪ ،‬عن فاطمة بنت الرضا‪ ،‬عن أبيها‪ ،‬عن‬
‫أبيه عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه وعمه زيد‪ ،‬عن أبيهما علي بن الحسين‪،‬‬
‫عن أبيه وعمه‪ ،‬عن علي بن ابي طالب صلوات ال عليهم أجمعين قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من كف غضبه كف ال عنه عذابه‪،‬‬
‫ومن حسن خلقه بلغه ال درجة الصائم القائم )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 71‬ص ‪ (2) .428 - 397‬أمالي الصدوق‪ (4 - 3) .237 :‬الخصال ج‬


‫‪ 1‬ص ‪ (5) .7‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (6) .160‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪71‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[264‬‬

‫‪ - 8‬ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن ابي المفضل‪ ،‬عن محمد بن جعفر الرزاز‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عيسى القيسي‪ ،‬عن محمد بن الفضيل‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رجل للنبي صلى ال عليه وآله‪ :‬يا رسول ال علمني عمل ل‬
‫يحال بينه وبين الجنة‪ ،‬قال‪ :‬ل تغضب ول تسأل الناس شيئا‪ ،‬وارض للناس‬
‫ما ترضى لنفسك‪ ،‬الخبر )‪ - 9 .(1‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن ابن فضال‪ ،‬عن علي بن عقبة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن الصادق‪،‬‬
‫عن أبيه عليهما السلم أنه ذكر عنده الغضب فقال‪ :‬إن الرجل ليغضب حتى‬
‫ما يرى أبدا‪ ،‬ويدخل بذلك النار‪ ،‬فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس‪ ،‬فانه‬
‫سيذهب عنه رجز الشيطان‪ ،‬وإن كان جالسا فليقم وأيما رجل غضب على‬
‫ذي رحمه فليقم إليه‪ ،‬وليدن منه وليمسه‪ ،‬فان الرحم إذا مست الرحم‬
‫سكنت )‪ - 10 .(2‬ما‪ :‬عن الفحام‪ ،‬عن المنصوري‪ ،‬عن عم أبيه‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن الثالث عن آبائه‪ ،‬عن الكاظم عليهم السلم قال‪ :‬من لم يغضب في‬
‫الجفوة‪ ،‬لم يشكر في النعمة )‪ - 11 .(3‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أحمد‬
‫بن علي بن الصلت‪ ،‬عن البرقي عن ابن مهران‪ ،‬عن ابن عميرة‪ ،‬عمن‬
‫سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من كف غضبه ستر ال عورته )‪.(4‬‬
‫‪ - 12‬ثو‪ :‬عن ابيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن الحسين بن سيف‬
‫عن أخيه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬من كف نفسه عن أعراض الناس كف ال عنه عذاب‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ومن كف غضبه عن الناس أقاله ال نفسه يوم القيامة )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالي الطوسي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .121‬أمالي الصدوق‪ (3) .205 :‬أمالي الطوسي‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ (5 - 4) .290‬ثواب العمال‪.(*) 120 :‬‬
‫]‪[265‬‬

‫ختص‪ :‬عن الباقر عليه السلم مثله )‪ - 13 .(1‬ضا‪ :‬أروي أن رجل سأل العالم أن‬
‫يعلمه ما ينال به خير الدنيا والخرة ول يطول عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ل تغضب‪- 14 .‬‬
‫شى‪ :‬عن الصبغ بن نباتة قال‪ :‬سمعت أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪:‬‬
‫إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار‪ ،‬فأيما رجل منكم غضب‬
‫على ذي رحمه فليدن منه‪ ،‬فان الرحم إذا مستها الرحم استقرت‪ ،‬وإنها‬
‫متعلقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد‪ ،‬فينادي اللهم صل من وصلني‪،‬‬
‫واقطع من قطعني‪ ،‬وذلك قول ال في كتابه‪ " :‬واتقوا ال الذي تسائلون به‬
‫والرحام إن ال كان عليكم رقيبا " )‪ (2‬وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم‬
‫الرض من فوره‪ ،‬فانه يذهب رجز الشيطان )‪ - 15 .(3‬جع‪ :‬قال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬الغضب جمرة من الشيطان وقال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫الغضب يفسد اليمان كما يفسد الصبر العسل وكما يفسد الخل العسل‪ .‬وقال‬
‫إبليس عليه اللعنة‪ :‬الغضب وهقي )‪ (4‬ومصيادي‪ ،‬وبه أصد خيار الخلق‬
‫عن الجنة وطريقها‪ .‬وعن جعفر بن محمد عليه السلم قال‪ :‬من لم يغتب‬
‫فله الجنة‪ ،‬ومن لم يغضب فله الجنة‪ ،‬ومن لم يحسد فله الجنة )‪- 16 .(5‬‬
‫ختص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬كان ابي محمد عليه السلم يقول‪ :‬أي‬
‫شئ أشر من الغضب ؟ إن الرجل إذا غضب يقتل النفس‪ ،‬ويقذف المحصنة‬
‫)‪ - 17 .(6‬ين‪ :‬فضالة‪ ،‬عن ابن فرقد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫جاء أعرابي‬

‫)‪ (1‬الختصاص‪ (2) .229 :‬الية الولى من سورة النساء‪ (3) .‬تفسير العياشي ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ (4) .217‬الوهق محركة وتسكن الهاء‪ :‬حبل في طرفيه انشوطة‬
‫يطرح في عنق الدابة والنسان حتى تؤخذ‪ ،‬قيل هو معرب وهك‪(5) .‬‬
‫جامع الخبار‪ (6) .186 :‬الختصاص‪.(*) 243 :‬‬

‫]‪[266‬‬

‫إلى رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا رسول ال علمني شيئا واحدا فاني رجل‬
‫اسافر فأكون في البادية‪ ،‬فقال له رسول ال‪ :‬ل تغضب‪ ،‬فاستيسرها‬
‫العرابي فرجع إلى النبي صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬يا رسول ال علمني‬
‫شيئا واحدا فاني أسافر فأكون في البادية فقال له النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ل تغضب فاستيسرها العرابي فرجع فأعاد السؤال فأجابه رسول‬
‫ال فرجع الرجل إلى نفسه وقال‪ :‬ل أسأل عن شئ بعد هذا إني وجدته قد‬
‫نصحني وحذرني لئل أفتري حين أغضب‪ ،‬ولئل أقتل حين اغضب‪ .‬وقال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الغضب مفتاح كل شر‪ ،‬وقال‪ :‬إن إبليس كان مع‬
‫الملئكة وكانت الملئكة تحسب أنه منهم‪ ،‬وكان في علم ال أنه ليس‬
‫منهم‪ ،‬فلما أمر بالسجود لدم‪ ،‬حمي وغضب‪ ،‬فأخرج ال ما كان في نفسه‬
‫بالحمية والغضب‪ - 18 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن القاسم بن سليمان‪ ،‬عن‬
‫الصباح‪ ،‬عن زيد بن علي قال‪ :‬أوحى ال عزوجل إلى نبيه داود عليه‬
‫السلم‪ :‬إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي‬
‫ول أمحقه فيمن أمحق‪ - 19 .‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده عن موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫الغضب يفسد اليمان كما يفسد الخل العسل‪ ،‬أو كما يفسد الصبر العسل )‬
‫‪ .(1‬كتاب المامة والتبصرة‪ :‬عن أحمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن الحسن‬
‫الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه مثله‪ - 20 .‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬الحدة ضرب من‬
‫الجنون‪ ،‬لن صاحبها يندم فان لم يندم فجنونه مستحكم )‪ - 21 .(2‬منية‬
‫المريد‪ :‬سئل النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ما يبعد من غضب ال تعالى ؟ قال‬
‫ل تغضب‪ .‬وعنه صلى ال عليه وآله‪ :‬من كف غضبه ستر ال عورته‪.‬‬

‫)‪ (1‬نوادر الراوندي‪ (2) .17 :‬نهج البلغة الرقم ‪ 255‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[267‬‬

‫وقال أبو الدرداء‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال دلني على عمل يدخلني الجنة قال‪ :‬ل تغضب‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬الغضب يفسد اليمان كما يفسد الصبر العسل‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما غضب أحد إل أشفى على جهنم‪ .‬وذكر‬
‫الغضب عند ابي جعفر الباقر عليه السلم فقال‪ :‬إن الرجل ليغضب فما‬
‫يرضى ابدا حتى يدخل النار‪ .‬وعنه عليه السلم قال‪ :‬مكتوب في التوراة‬
‫فيما ناجى ال عزوجل به موسى عليه السلم‪ :‬يا موسى أمسك غضبك‬
‫عمن ملكتك عليه‪ ،‬أكف عنك غضبي‪ .‬وعن ابي حمزة الثمالي قال‪ :‬قال أبو‬
‫جعفر عليه السلم‪ :‬إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن‬
‫آدم‪ ،‬وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه‪ ،‬وانتفخت أوداجه‪ ،‬ودخل‬
‫الشيطان فيه‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪،‬‬
‫عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫الغضب يفسد اليمان كما يفسد الخل العسل )‪ .(1‬بيان‪ " :‬كما يفسد الخل‬
‫العسل " اي إذا ادخل الخل العسل‪ ،‬ذهبت حلوته وخاصيته‪ ،‬وصار‬
‫المجموع شيئا آخر‪ ،‬فكذا اليمان إذا دخله الغضب فسد ولم يبق على‬
‫صرافته‪ ،‬وتغيرت آثاره‪ ،‬فل يسمى إيمانا حقيقة‪ ،‬أو المعنى أنه إذا كان‬
‫طعم العسل في الذائقة‪ ،‬فشرب الخل ذهبت تلك الحلوة بالكلية‪ ،‬فل يجد‬
‫طعم العسل فكذا الغضب إذا ورد على صاحب اليمان لم يجد حلوته‪،‬‬
‫وذهبت فوائده‪ .‬قال بعض المحققين‪ :‬الغضب شعلة نار اقتسبت من نار ال‬
‫الموقدة إل أنها ل تطلع على الفئدة‪ ،‬وإنها لمستكنة في طي الفؤاد‪،‬‬
‫استكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار‬
‫عنيد‪ ،‬كما يستخرج الحجر النار من الحديد‪ ،‬وقد انكشف للناظرين بنور‬
‫اليقين‪ ،‬أن النسان ينزع منه عرق إلى‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 302‬‬

‫]‪[268‬‬

‫الشيطان اللعين‪ ،‬فمن اسعرته نار الغضب‪ ،‬فقد قويت فيه قرابة الشيطان‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫" خلقتني من نار وخلقته من طين " )‪ (1‬فمن شأن الطين السكون‬
‫والوقار‪ ،‬وشأن النار التلظي والستعار‪ ،‬والحركة والضطراب‬
‫والصطهار‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬يصهر به ما في بطونهم والجلود " )‪(2‬‬
‫ومن نتائج الغضب الحقد والحسد‪ ،‬وبهما هلك من هلك‪ ،‬وفسد من فسد‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬اعلم أن ال تعالى لما خلق النسان معرضا للفساد والموتان‪ ،‬بأسباب‬
‫في داخل بدنه‪ ،‬واسباب خارجة منه‪ ،‬أنعم عليه بما يحميه الفساد‪ ،‬ويدفع‬
‫عنه الهلك إلى أجل معلوم‪ ،‬سماه في كتابه‪ .‬أما السبب الداخل فانه ركبه‬
‫من الرطوبة‪ ،‬والحرارة‪ ،‬وجعل بين الرطوبة والحرارة عداوة ومضادة‪ ،‬فل‬
‫تزال الحرارة تحلل الرطوبة‪ ،‬وتجففها وتبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا‬
‫يتصاعد منها‪ ،‬فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر‬
‫من أجزائها لفسد الحيوان‪ ،‬فخلق ال الغذاء الموافق لبدن الحيوان‪ ،‬وخلق‬
‫للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد‬
‫ما انثلم‪ ،‬ليكون حافظا له من الهلك‪ ،‬بهذه السباب‪ .‬وأما السباب الخارجة‬
‫التي يتعرض لها النسان فكالسيف والسنان‪ ،‬وسائر المهلكات التي يقصد‬
‫بها‪ ،‬فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه‪ ،‬فيدفع المهلكات عنه فخلق ال‬
‫الغضب من النار‪ ،‬وغرزه في النسان‪ ،‬وعجنه بطينته‪ ،‬فمهما قصد في‬
‫غرض من أغراضه‪ ،‬ومقصود من مقاصده‪ ،‬اشتعلت نار الغضب‪ ،‬وثارت‬
‫ثورانا يغلى به دم القلب‪ ،‬وينتشر في العروق‪ ،‬ويرتفع إلى أعالي البدن كما‬
‫ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر‪ .‬ولذلك ينصب إلى الوجه‬
‫فيحمر الوجه والعين‪ ،‬والبشرة بصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة‬
‫الدم‪ ،‬كما تحكي الزجاجة لون ما فيها‪ ،‬وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من‬
‫دونه‪ ،‬واستشعر القدرة عليه‪ ،‬فان صدر الغضب على من هو فوقه‬

‫)‪ (1‬العراف‪ 12 :‬ص ‪ (2) .76‬الحج‪.(*) 20 :‬‬


‫]‪[269‬‬

‫وكان معه يأس من النتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب‬
‫وصار حزنا ولذلك يصفر اللون‪ ،‬وان كان الغضب على نظير يشك فيه تولد‬
‫منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر‪ ،‬ويضطرب‪ .‬وبالجملة فقوة‬
‫الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب‪ ،‬لطلب النتقام وانما يتوجه‬
‫هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات‪ ،‬قبل وقوعها‪ ،‬وإلى التشفي‬
‫والنتقام بعد وقوعها‪ ،‬والنتقام قوت هذه القوة وشهوتها‪ ،‬وفيه لذتها‪ ،‬ول‬
‫تسكن إل به‪ .‬ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلث في اول الفطرة‬
‫وبحسب ما يطرأ عليها من المور الخارجة من التفريط والفراط‬
‫والعتدال‪ ،‬اما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها بان ل يستعملها فيما هو‬
‫محمود عقل وشرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ‪ ،‬والجهاد‬
‫مع أعدائه والبطش عليهم‪ ،‬واقامة الحدود على الوجه المعتبر‪ ،‬والمر‬
‫بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم‬
‫الغيرة على حرمه وأشباه ذلك‪ .‬وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانية‪،‬‬
‫وقد وصف ال تعالى الصحابة بالشدة والحمية‪ ،‬فقال )أشداء على الكفار( )‬
‫‪ (1‬وقال تعالى )يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم( )‪(2‬‬
‫وانما الغلظة والشة من آثار قوة الحمية وهو الغضب‪ ،‬واما الفراط فهو‬
‫القدام على ما ليس بالجميل‪ ،‬واستعمالها فيما هو مذموم عقل وشرعا مثل‬
‫الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف وأمثال ذلك مما ل يجوزه‬
‫العقل والشرع‪ .‬واما العتدال فهو غضب ينتظر اشارة العقل والدين‪،‬‬
‫فينبعث حيث تجب الحمية‪ ،‬وينطفي حيث يحسن الحلم‪ ،‬وحفظه على حد‬
‫العتدال هو الستقامة التي كلف ال تعالى به عباده‪ ،‬وهو الوسط الذي‬
‫وصفه رسول ال صلى ال عليه وآله حيث قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) 29 :‬التحريم‪9 :‬‬

‫]‪[270‬‬

‫خير المور أوساطها‪ ،‬فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف‬
‫الغيرة وخسة النفس واحتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج‬
‫نفسه حتى يقوى غضبه ومن ماله غضبه إلى الفراط حتى جره إلى‬
‫التهور واقتحام الفواحش‪ ،‬فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من سورة‬
‫الغضب‪ ،‬ويقف على الوسط الحق بين الطرفين‪ ،‬فهو الصراط المستقيم‪،‬‬
‫وهو ادق من الشعر‪ ،‬وأحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب‬
‫جهده‪ ،‬ويتوسل إلى ال تعالى في أن يوفقه لذلك‪ - 23 .‬كا‪ :‬أبو علي‬
‫الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن علي بن عقبة‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ميسر قال‪ :‬ذكر الغضب عند ابي جعفر عليه السلم فقال‪ :‬إن‬
‫الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار‪ ،‬فأيما رجل غضب على قوم‬
‫وهو قائم فليجلس من فوره ذلك‪ ،‬فانه سيذهب عنه رجز الشيطان‪ ،‬وأيما‬
‫رجل غضب على ذي رحم فليدن منه‪ ،‬فليمسه‪ ،‬فان الرحم إذا مست سكنت‬
‫)‪ .(1‬بيان‪ :‬فما يرضى أبدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن ل يغضب وإن‬
‫غضب ل يستمر عليه‪ ،‬بل يعالجة قريبا بالسعي في الرضا عنه‪ ،‬إذ لو‬
‫استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا وشيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب‬
‫دخوله النار‪ ،‬كالقتل والجرح وأمثالهما‪ ،‬أو يصير الغضب له عادة وخلقا‪،‬‬
‫فل يمكنه تركه‪ ،‬حتى يدخل بسببه النار‪ .‬واعلم أن علج الغضب أمران‪:‬‬
‫علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في اليات والروايات التي وردت في‬
‫ذم الغضب‪ ،‬ومدح كظم الغيظ والعفو والحلم ويتفكر في توقعه عفو ال عن‬
‫ذنبه‪ ،‬وكف غضبه عنه‪ ،‬وأما الفعلي فذكر عليه السلم هنا أمران‪ :‬الول‬
‫قوله‪ " :‬فأيما رجل " " ما " زائدة " من فوره " كأن " من " بمعنى "‬
‫في " وقال الراغب‪ :‬الفور شدة الغليان‪ ،‬ويقال ذلك في النار نفسها إذا‬
‫هاجت‪ ،‬وفي القدر وفي الغضب‪ ،‬ويقال‪ :‬فعلت كذا من فوري أي في غليان‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 302‬‬

‫]‪[271‬‬

‫الحال‪ ،‬وقبل سكون المر )‪ .(1‬وقال البيضاوي في قوله تعالى‪ " :‬ويأتوكم من‬
‫فورهم هذا " )‪ (2‬أي من ساعتهم هذه‪ ،‬وهو في الصل مصدر فارت القدر‬
‫إذا غلت‪ ،‬فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي ل ريث فيها ول تراخي‪،‬‬
‫والمعنى أن يأتوكم في الحال )‪ (3‬وقال في المصباح‪ :‬فار الماء يفور فورا‬
‫نبع وجرى‪ ،‬وفارت القدر فورا وفورانا‪ ،‬وقولهم الشفعة على الفور من هذا‬
‫أي على الوقت الحاضر الذي ل تأخير فيه‪ ،‬ثم استعمل في الحالة التي ل‬
‫بطء فيها‪ ،‬يقال‪ :‬جاء فلن في حاجته‪ ،‬ثم رجع من فوره اي من حركته‬
‫التي وصل فيها‪ ،‬ولم يسكن بعدها‪ ،‬وحقيقته أن يصل ما بعد المجئ بما قبله‬
‫من غير لبث انتهى‪ .‬وضمير " فوره " للرجل وقيل‪ :‬للغضب‪ :‬والول‬
‫أنسب بالية‪ ،‬و " ذلك " صفة فوره " فانه سيذهب " كيمنع والرجز‬
‫فاعله أو علي بناء الفعال‪ ،‬والضمير المستتر فاعله‪ ،‬وراجع إلى مصدر "‬
‫فليجلس " و " الرجز " مفعوله‪ ،‬وفي النهاية الرجز بكسر الراء العذاب‬
‫والثم والذنب ورجز الشيطان وساوسه انتهى‪ .‬وذهاب ذلك بالجلوس‬
‫مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده ساكنا ل يحوم حوله‪ ،‬وفيه‬
‫سر ل يعلمه إل ال والراسخون في العلم‪ ،‬وربما يقال‪ :‬السر فيه هو‬
‫الشعار بأنه من التراب‪ ،‬وعبد ذليل ل يليق به الغضب‪ ،‬أو التوسل بسكون‬
‫الرض وثبوتها‪ .‬وأقول‪ :‬كأنه لقلة دواعيه إلى المشي للقتل والضرب‬
‫وأشباههما‪ ،‬أو للنتقال من حال إلى حال أخرى‪ ،‬والشتغال بأمر آخر‬
‫فانهما مما يذهل عن الغضب في الجملة‪ ،‬ولذا ألحق بعض العلماء‬
‫الضطجاع والقيام إذا كان جالسا‪ ،‬والوضوء بالماء البارد وشربه‬
‫بالجلوس في ذهاب الرجز‪.‬‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ‪ (2) .387‬آل عمران‪ (3) .125 :‬أنوار التنزيل‪81 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[272‬‬

‫وأقول‪ :‬يؤيده ما رواه الصدوق في مجالسه عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن علي بن عقبة ]عن أبيه[‪،‬‬
‫عن أبي بصير‪ ،‬عن ابي عبد ال‪ ،‬عن ابيه عليهما السلم أنه ذكر عنده‬
‫الغضب فقال‪ :‬إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى ابدا‪ ،‬ويدخل بذلك النار‪،‬‬
‫وأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فانه سيذهب عنه رجز الشيطان‪ ،‬وإن‬
‫كان جالسا فليقم‪ ،‬وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه وليدن منه‪،‬‬
‫وليمسه‪ ،‬فان الرحم إذا مست الرحم سكنت )‪ .(1‬وما رواه العامة عن أبي‬
‫هريرة قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله إذا غضب وهو قائم جلس‪،‬‬
‫وإذا غضب وهو جالس اضطجع‪ ،‬فيذهب غيظه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬علج‬
‫الغضب أن تقول بلسانك‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله أن يقال عند الغيظ‪ ،‬وكان صلى ال عليه وآله إذا‬
‫غضبت عائشة أخذ بأنفها‪ ،‬وقال‪ :‬يا عويش قولي‪ :‬اللهم رب النبي محمد‪،‬‬
‫اغفر لي ذنبي‪ ،‬وأذهب غيظ قلبي‪ ،‬وأجرني من مضلت الفتن‪ ،‬ويستحب‬
‫أن تقول ذلك‪ ،‬وإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما‪ ،‬واضطجع إن كنت‬
‫جالسا‪ ،‬واقرب من الرض التي منها خلقت لتعرف بذلك‪ ،‬واطلب بالجلوس‬
‫والضطجاع السكون‪ ،‬فان سبب الغضب الحرارة‪ ،‬وسبب الحرارة الحركة‬
‫إذ قال صلى ال عليه وآله إن الغضب جمرة تتوقد ألم تر إلى انتفاخ‬
‫أوداجه وحمرة عينيه ؟‪ .‬فان وجد أحدكم من ذلك شيئا فان كان قائما‬
‫فليجلس‪ ،‬وإن كان جالسا فلينم‪ ،‬فان لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد‪،‬‬
‫وليغتسل‪ ،‬فان النار ل يطفئها إل الماء‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا‬
‫غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل‪ ،‬فان الغضب من النار‪ ،‬وفي رواية‪ :‬إن‬
‫الغضب من الشيطان‪ ،‬وإن الشيطان خلق من النار‪ ،‬وإنما يطفي النار‬
‫الماء‪ ،‬فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬إذا غضبت فاسكت‪ ،‬وقال أبو سعيد الخدري‪ :‬قال النبي‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ال ترون إلى حمرة‬
‫)‪ (1‬أمالي الصدوق‪ 205 :‬وقد مر تحت الرقم ‪.(*) 9‬‬

‫]‪[273‬‬

‫عينيه وانتفاخ أوداجه ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالرض وكأن هذا‬
‫إشارة إلى السجود‪ ،‬وهو تمكين أعز العضاء من أذل المواضع‪ ،‬وهو‬
‫التراب لتستشعر به النفس الذل‪ ،‬وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب‬
‫الغضب‪ .‬وأما العلج الثاني فهو خاص بذي الرحم‪ ،‬حيث قال‪ " :‬وأيما رجل‬
‫غضب على ذي رحم فليدن منه " أي الغاضب من ذي رحمه " إذا مست‬
‫" على بناء المجهول أي بمثلها‪ ،‬ويحتمل المعلوم أي مثلها‪ ،‬وما في رواية‬
‫المجالس المتقدم ذكره اظهر ويظهر منها أنه سقط من رواية الكتاب بعض‬
‫الفقرات متنا وسندا فتفطن إذ هي عين هذه الرواية‪ ،‬والظاهر أن " سكنت‬
‫" على بناء المعلوم المجرد‪ ،‬ويحتمل المجهول من بناء التفعيل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ضمير " فليدن " راجع إلى ذي الرحم‪ ،‬وضمير " منه " إلى الرجل وهو‬
‫بعيد هنا‪ ،‬وإن كان له شواهد من بعض الخبار منها ما رواه الصدوق‬
‫رحمه ال في عيون أخبار الرضا باسناده عن موسى بن جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬لما دخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلم ثم قال‪ :‬يا‬
‫موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫أعيذك بال أن تبوء بإثمي وإثمك‪ ،‬وتقبل الباطل من أعدائنا علينا‪ ،‬فقد‬
‫علمت أنه قد كب علينا منذ قبض رسول ال صلى ال عليه وآله بما علم‬
‫ذلك عندك فان رأيت بقرابتك من رسول ال صلى ال عليه وآله أن تأذن‬
‫لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه‪ ،‬عن جدي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله أنه قال‪ :‬إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت فناولني‬
‫يدك جعلني ال فداك‪ ،‬فقال‪ :‬ادن فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه‬
‫وعانقني طويل ثم تركني‪ ،‬وقال‪ :‬اجلس يا موسى‪ ،‬فليس عليك بأس‬
‫فنظرت إليه فإذا إنه قد دمعت عيناه‪ ،‬فرجعت إلي نفسي‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت‬
‫وصدق جدك لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة‪،‬‬
‫وفاضت عيناي إلى آخر الخبر )‪ .(1‬وأقول هذا ل يعين حمل خبر المتن‬
‫على دنو الغاضب‪ ،‬فانه يدنو كل من‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 81‬‬

‫]‪[274‬‬

‫يريد تسكين الغضب‪ ،‬فانه إذا أراد الغاضب تسكين غضبه يدنو من المغضوب‬
‫]عليه[ وإذا اراد المغضوب ]عليه[ تسكين غضب الغاضب يدنو منه‪- 24 .‬‬
‫كا‪ :‬علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن داود بن فرقد‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الغضب مفتاح كل شر )‪ .(1‬بيان‪" :‬‬
‫مفتاح كل شر " إذ يتولد منه الحقد والحسد والشماتة والتحقير والقوال‬
‫الفاحشة‪ ،‬وهتك الستار‪ ،‬والسخرية والطرد والضرب والقتل والنهب ومنع‬
‫الحقوق إلى غير ذلك مما ل يحصى‪ - 25 .‬كا‪ :‬عدة من أصحابنا عن أحمد‬
‫بن محمد بن خالد‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن النضر بن سويد‪ ،‬عن القاسم بن سليمان‪،‬‬
‫عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سمعت أبي عليه السلم يقول‪ :‬أتى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله رجل بدوي فقال‪ :‬إني أسكن البادية فعلمني‬
‫جوامع الكلم فقال‪ :‬آمرك أن ل تغضب فأعاد عليه العرابي المسألة ثلث‬
‫مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال‪ :‬ل أسأل عن شئ بعد هذا‪ ،‬ما‬
‫أمرني رسول ال صلى ال عليه وآله إل بالخير قال‪ :‬وكان أبي يقول‪ :‬اي‬
‫شئ أشد من الغضب ؟ إن الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم ال ويقذف‬
‫المحصنة )‪ .(2‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬فيه أوتيت جوامع الكلم‪ ،‬يعني القرآن‬
‫جمع ال بلطفه في اللفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة‪ ،‬واحدها جامعة أي‬
‫كلمة جامعة‪ ،‬ومنه الحديث في صفته إنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي إنه‬
‫كان كثير المعاني قليل اللفاظ‪ " .‬فأعاد عليه العرابي المسألة ثلث مرات‬
‫" كأن أصل السؤال كان ثلث مرات‪ ،‬فالعادة مرتان اطلقت على الثلث‬
‫تغليبا‪ ،‬والمعنى أنه صلى ال عليه وآله في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب‬
‫الول " حتى رجع الرجل " أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اكتفائه‬
‫صلى ال عليه وآله بجواب واحد غير مستحسن‪ ،‬فأمسك وعلم أنه صلى‬
‫ال عليه وآله لم يجبه بما أجابه إل لعلمه بفوائد هذه النصيحة‪ ،‬وأنها‬
‫تكفيه‪ ،‬أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه صلى ال عليه وآله‬
‫الغضب بالذكر لتلك المور‪.‬‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 303‬‬

‫]‪[275‬‬

‫" فيقتل النفس " أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثل وهو يوجب القصاص‬
‫في الدنيا‪ ،‬والعذاب الشديد في الخرة‪ ،‬والخرى قذف المحصنة‪ ،‬وهي‬
‫العفيفة وهو يوجب الحد في الدنيا والعقاب العظيم في الخرة‪ - 26 .‬كا‪:‬‬
‫عنه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد الشعري‪ ،‬عن عبد العلى قال‪:‬‬
‫قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬علمني عظة أتعظ بها‪ ،‬فقال‪ :‬إن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله أتاه رجل فقال له‪ :‬يا رسول ال علمني عظة أتعظ بها‬
‫فقال له‪ :‬انطلق فل تغضب ثم عاد إليه فقال له‪ :‬انطلق فل تغضب ثلث‬
‫مرات )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في المصباح‪ :‬وعظه يعظه عظة أمره بالطاعة‬
‫ووصاه بها‪ ،‬فاتعظ اي ائتمر وكف نفسه‪ ،‬وقال بعض المتقدمين‪ :‬الوعظ‬
‫تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة ال بلفظ يرق له القلب‬
‫والسم الموعظة‪ - 27 .‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن سيف بن‬
‫عميرة‪ ،‬عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من كف غضبه ستر ال‬
‫عورته )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ستر ال عورته " اي عيوبه وذنوبه في الدنيا‪ ،‬فل‬
‫يفضحه بها‪ ،‬أو في الخرة فيكون كفارة عنها أو العم منهما وقيل‪ :‬لنه‬
‫إذا لم يغضب ل يقول فيه الناس ما يفضحه‪ ،‬واختلفوا في أن من كان شديد‬
‫الغضب وكف غضبه ومن ل يغضب أصل لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما‬
‫افضل ؟ فقيل الول لن الجر على قدر المشقة‪ ،‬وفيه جهاد النفس‪ ،‬وهو‬
‫أفضل من جهاد العدو‪ .‬وغضب النبي صلى ال عليه وآله مشهور إل أن‬
‫غضبه لم يكن من مس الشيطان ورجزه وإنما كان من بواعث الدين‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الثاني لن الخلق الحسنة من الفضائل النفسانية‪ ،‬وصاحب الخلق‬
‫الحسن بمنزلة الصائم القائم‪ - 28 .‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن هشام‬
‫بن سالم‪ ،‬عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬مكتوب‬
‫في التوراة فيما ناجى ال عزوجل به موسى‪ :‬يا موسى أمسك غضبك عمن‬
‫ملكتك عليه أكف عنك غضبي )‪.(3‬‬

‫)‪ (3 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 303‬‬

‫]‪[276‬‬

‫بيان‪ :‬يقال‪ :‬ناجيته اي ساررته " عمن ملكتك عليه " أي من العبيد والماء أو‬
‫الرعية أو العم‪ ،‬وهو أولى‪ ،‬وغضب الخلق ثوران النفس وحركتها بسبب‬
‫تصور المؤذي والضار إلى النتقام والمدافعة‪ ،‬وغضب الخالق عقابه التابع‬
‫لعلمه بمخالفة أوامره ونواهيه وغيرهما‪ ،‬وفيه إشارة إلى نوع من معالجة‬
‫الغضب وهو أن يذكر النسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه‪،‬‬
‫فان ذلك يبعثه على الرضا والعفو طلبا لرضاه سبحانه وعفوه لنفسه‪- 29 .‬‬
‫كا‪ :‬عدة من اصحابنا‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن محمد بن عبد الحميد‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن عمرو‪ ،‬عن عبد ال بن سنان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫أوحى ال عزوجل إلى بعض أنبيائه‪ :‬يا ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك‬
‫في غضبي‪ ،‬ل أمحقك فيمن أمحق‪ ،‬وارض بي منتصرا فان انتصاري لك‬
‫خير من انتصارك لنفسك )‪ .(1‬بيان‪ :‬المراد بذكره له تعالى ذكر قدرته‬
‫سبحانه عليه وعقابه وبذكر ال له ذكر عفوه عن أخيه‪ ،‬فيعفو عن زلته‬
‫ومعاصيه‪ ،‬جزاء بما صنع وقوله‪ " :‬ل أمحقك " بالجزم بدل من أذكرك‬
‫والمحق هنا إبطال عمله وتعذيبه‪ ،‬ومحو ذكره أو لحراقه‪ ،‬في القاموس‬
‫محقه كمنعه أبطله ومحاه كمحقه فتمحق وامتحق وامحق كافتعل وال‬
‫الشئ ذهب ببركته والحر الشئ أحرقه‪ ،‬وفي النهاية المحق النقص والمحو‬
‫والبطال‪ ،‬والنتصار النتقام‪ ،‬ولما كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا‬
‫هو النتقام من الظالم‪ ،‬رغب سبحانه في تركه بأني منتقم من الظالم لك‬
‫وانتقامي خير من انتقامك‪ ،‬والخيرية من وجوه شتى‪ :‬الول أن انتقامه‬
‫على قدر قدرته وانتقامه سبحانه أشد وأبقى‪ ،‬الثاني أن انتقامه يفوت‬
‫ثوابه‪ ،‬وانتقامه تعالى ل يفوته‪ ،‬الثالث أن انتقامه يمكن أن يتعدى إلى مال‬
‫يستحقه فيعاقب عليه‪ ،‬الرابع أن انتقامه يؤدي غالبا إلى المفاسد الكلية‬
‫والجزئية بانتهاض الخصم للمعادات بخلف انتقامه تعالى‪ - 30 .‬كا‪ :‬أبو‬
‫علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن‬

‫)‪ (3‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 303‬‬

‫]‪[277‬‬

‫علي بن عقبة‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله وزاد فيه‪:‬‬
‫وإذا ظلمت بمظلة فارض بانتصاري لك‪ ،‬فان انتصاري لك خير من‬
‫انتصارك لنفسك )‪ .(1‬بيان‪ :‬في هذا الخبر وقع قوله‪ " :‬وإذا ظلمت بمظلة‬
‫فارض بانتصاري لك " مكان قوله في الخبر السابق‪ " :‬وارض بي‬
‫منتصرا " ومفادهما واحد‪ ،‬ولما كان هذا في اللفظ أطول أطلق عليه لفظ‬
‫الزيادة‪ ،‬وإنما ذكر ما بعدها مع كونه مشتركا بينهما للعلم بموضع الزيادة‪،‬‬
‫وفي المصباح الظلم اسم من ظلمه ظلما من باب ضرب ومظلمة بفتح الميم‬
‫وكسر اللم‪ ،‬ويجعل المظلمة اسما لما يطلبه عند الظالم‪ ،‬كالظلمة بالضم‪.‬‬
‫‪ - 31‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن معلى بن محمد‪ ،‬وعلي بن محمد‪،‬‬
‫عن صالح ابن أبي حماد جميعا‪ ،‬عن الوشاء‪ ،‬عن أحمد بن عائذ‪ ،‬عن أبي‬
‫خديجة‪ ،‬عن معلى بن خنيس‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رجل‬
‫للنبي صلى ال عليه وآله‪ :‬يا رسول ال علمني قال‪ :‬اذهب ول تغضب‪،‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬قد اكتفيت بذلك‪ ،‬فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا‬
‫صفوفا ولبسوا السلح‪ ،‬فلما رأى ذلك لبس سلحه ثم قام معهم‪ ،‬ثم ذكر‬
‫قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل تغضب‪ ،‬فرمى السلح ثم جاء‬
‫يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه‪ ،‬فقال‪ :‬يا هؤلء ما كانت لكم من‬
‫جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه اثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه‪ ،‬فقال‬
‫القوم‪ :‬فما كان فهو لكم‪ ،‬نحن أولى بذلك منكم‪ ،‬قال‪ :‬فاصطلح القوم‪ ،‬وذهب‬
‫الغضب )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ليس فيه اثر " اي علمة‪ ،‬جراحة لتصح مقابلته‬
‫للجراحة والثر بالتحريك بقية الشئ وعلمته وبالضم وبضمتين أثر‬
‫الجراح‪ ،‬يبقى بعد البرء " فعلي في مالي " اي ل ابسطه على القبيلة‬
‫ليكون فيه مضايقة أو تأخير و " أنا " إما تأكيد للضمير المجرور‪ ،‬لنهم‬
‫جوزوا تأكيده بالمرفوع المنفصل‪ ،‬او مبتدأ خبره " أوفيكموه " على بناء‬
‫الفعال أو التفعيل‪ ،‬والضمير راجع إلى الموصول اي على دية ما ذكر‪،‬‬
‫واليفاء والتوفية إعطاء الحق تماما‪.‬‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.304‬‬

‫]‪[278‬‬

‫‪ - 32‬كا‪ :‬عن عدة من اصحابنا‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‬
‫جميعا‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن ابي حمزة الثمالي‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن هذا الغضب جمرة من الشيطان‪ ،‬توقد في قلب‬
‫ابن آدم‪ ،‬وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه‪ ،‬ودخل‬
‫الشيطان فيه‪ ،‬فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الرض‪ ،‬فان رجز‬
‫الشيطان ليذهب عنه عند ذلك )‪ .(1‬بيان‪ :‬الجمرة القطعة الملتهبة من‬
‫النار‪ ،‬شبه بها الغضب في الحراق والهلك ونسبها إلى الشيطان لن‬
‫بنفخ نزغاته ووساوسه تحدث وتشتد‪ ،‬وتوقد في قلب ابن آدم‪ ،‬وتلتهب‬
‫التهابا عظيما‪ ،‬ويغلى بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم فيحدث منه‬
‫دخان بتحليل الرطوبات‪ ،‬وينتشر في العروق‪ ،‬ويرتفع إلى أعالي البدن‬
‫والدماغ والوجه‪ ،‬كما يرتفع الماء والدخان في القدر‪ ،‬فلذلك تحمر العين‬
‫والوجه والبشرة‪ ،‬وتنتفخ الوداج والعروق وحينئذ يتسلط عليه الشيطان‬
‫كمال التسلط ويدخل فيه ويحمله على ما يريد‪ ،‬فيصدر منه أفعال شبيهة‬
‫بأفعال المجانين‪ ،‬ولزوم الرض يشمل الجلوس والضطجاع والسجود كما‬
‫عرفت‪ - 33 .‬كا‪ :‬عدة من اصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن بعض‬
‫اصحابه رفعه قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الغضب ممحقة لقلب‬
‫الحكيم‪ ،‬وقال‪ :‬من لم يملك غضبه لم يملك عقله )‪ .(2‬بيان‪ :‬الممحقة مفعلة‬
‫من المحق‪ ،‬وهو النقص والمحو والبطال اي مظنة له‪ ،‬وإنما خص قلب‬
‫الحكيم بالذكر لن المحق الذي هو إزالة النور إنما يتعلق بقلب له نور‪،‬‬
‫وقلب غير الحكيم يعلم بالولوية‪ ،‬وإذا عرفت أن الغضب يمحق قلب الحكيم‬
‫يعني عقله‪ ،‬ظهر لك حقيقة قوله‪ " :‬من لم يملك غضبه لم يملك عقله "‪.‬‬
‫قال بعض المحققين‪ :‬مهما اشتدت نار الغضب وقوي اضطرامها‪ .‬أعمى‬
‫صاحبه وأصمه عن كل موعظة‪ ،‬فإذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة‬
‫غيظا‪ ،‬وإن‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .304‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 305‬‬


‫]‪[279‬‬

‫أراد أن يستضئ بنور عقله‪ ،‬وراجع نفسه‪ ،‬لم يقدر على ذلك‪ ،‬إذ ينفئ نور العقل‬
‫وينمحي في الحال بدخان الغضب‪ ،‬فان معدن الفكر الدماغ‪ ،‬ويتصاعد عند‬
‫شدة الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن‬
‫الفكر‪ .‬وربما يتعدى إلى معادن الحس‪ ،‬فيظلم عينه‪ ،‬حتى ل يرى بعينه‪،‬‬
‫ويسود عليه الدنيا بأسرها‪ ،‬ويكون دماغه على مثال كهف اضرمت فيه نار‬
‫فاسود جوه وحمي مستقره‪ ،‬وامتل بالدخان جوانبه‪ ،‬وكان فيه سراج‬
‫ضعيف فانطفى وانمحى نوره‪ ،‬فل يثبت فيه قدم‪ ،‬ول يسمع فيه كلم‪ ،‬ول‬
‫ترى فيه صورة‪ ،‬ول يقدر على إطفائه ل من داخل ول من خارج‪ ،‬بل ينبغي‬
‫أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الحتراق‪ ،‬فكذلك يفعل الغضب‬
‫بالقلب والدماغ‪ ،‬وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة‬
‫القلب فيموت صاحبه غيظا‪ ،‬كما تقوى النار في الكهف فيتشقق وتنهد‬
‫أعاليه على أسافله‪ ،‬وذلك لبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة‬
‫الجامعة لجزائه‪ ،‬فهكذا حال القلب مع الغضب‪ .‬ومن آثار هذا الغضب في‬
‫الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الطراف وخروج الفعال عن الترتيب‬
‫والنظام‪ ،‬واضطراب الحركة والكلم حتى يظهر الزبد على الشداق‪ ،‬وتحمر‬
‫الحداق‪ ،‬وتنقلب المناخر‪ ،‬وتستحيل الخلقة ولو رأى الغضبان في حال‬
‫غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته‪،‬‬
‫وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره‪ ،‬فان الظاهر عنوان الباطن وإنما قبحت‬
‫صورة الباطن أول ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا‪ .‬فهذا أثره في الجسد‬
‫وأما اثره في اللسان فانطلقه بالشتم والفحش‪ ،‬وقبيح الكلم الذي يستحيي‬
‫منه ذووالعقول‪ ،‬ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب‪ ،‬وذلك مع تخبط‬
‫النظم‪ ،‬واضطراب اللفظ‪ ،‬وأما أثره على العضاء فالضرب والتهجم‬
‫والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالت‪ ،‬فان هرب منه‬
‫المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي‪ ،‬رجع الغضب على‬
‫صاحبه‪ ،‬فيمزق ثوب نفسه ويلطم وجهه‪ ،‬وقد يضرب يده على الرض‪،‬‬
‫ويعدو عدو الواله السكران‪ ،‬والمدهوش‬

‫]‪[280‬‬

‫المتحير‪ ،‬وربما سقط صريعا ل يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب‪ ،‬ويعتريه مثل‬
‫الغشية‪ ،‬وربما يضرب الجمادات والحيوانات‪ ،‬فيضرب القصعة على‬
‫الرض ‪ -‬وقد تكسر وتراق المائدة ‪ -‬إذا غضب عليها‪ ،‬وقد يتعاطى أفعال‬
‫المجانين فيشتم البهيمة والجماد‪ ،‬ويخاطبه ويقول‪ :‬إلى متى منك كذا‪ ،‬ويا‪:‬‬
‫كيت وكيت‪ ،‬كأنه يخاطب عاقل حتى ربما رفسته دابة فيرفسها ويقابلها به‪.‬‬
‫وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه‪ ،‬فالحقد والحسد‪ ،‬وإظهار السوء‬
‫والشماتة بالمساءة‪ ،‬والحزن بالسرور‪ ،‬والعزم على إفشاء السر و هتك‬
‫الستار والستهزاء‪ ،‬وغير ذلك من القبايح‪ .‬فهذه ثمرة الغضب المفرط وقد‬
‫أشير إليها في تلك الخبار‪ - 34 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن معلى بن‬
‫محمد‪ ،‬عن الحسن بن علي‪ ،‬عن عاصم بن حميد‪ ،‬عن ابي حمزة‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من كف نفسه‬
‫عن أعراض الناس أقال ال نفسه يوم القيامة‪ ،‬ومن كف غضبه عن الناس‬
‫كف ال تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة )‪ .(1‬بيان‪ :‬العراض جمع‬
‫العرض بالكسر‪ ،‬وفي القاموس العرض بالكسر الجسد وكل موضع يعرق‬
‫منه ورائحته ]رائحة[ طيبة كانت أو خبيثة‪ ،‬والنفس وجانب الرجل ]الذي[‬
‫يصونه من نفسه وحسبه أن يتنقص ويثلب‪ ،‬أو سواء كان في نفسه أو في‬
‫سلفه أو من يلزمه أمره‪ ،‬أو موضع المدح والذم منه‪ ،‬أو ما يفتخر به من‬
‫حسب وشرف )‪ (2‬وقال‪ :‬النفس الروح والدم والجسد والعظمة والعزة‬
‫والهمة والنفة والعيب والعقوبة‪ .‬وقوله عليه السلم‪ " :‬من كف نفسه عن‬
‫أعراض الناس " اي عن هتك عرضهم بالغيبة والبهتان والشتم وكشف‬
‫عيوبهم وأمثال ذلك " اقال ال نفسه " قيل‪ :‬المراد بالنفس هنا العيب‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .305‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 334‬‬

‫]‪[281‬‬

‫وأقول‪ :‬يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا ايضا المعنى الشائع لن القالة وإن كان‬
‫الغالب نسبتها إلى العثرات والذنوب‪ ،‬لكن يمكن نسبتها إلى النفس ايضا‬
‫فان القالة في الصل هو أن يشتري الرجل متاعا فيندم فيأتي البايع فيقول‬
‫له‪ :‬أقلني ! أي اترك ما جرى بيني وبينك‪ ،‬ورد علي ثمني‪ ،‬وخذ متاعك‪،‬‬
‫واستعمل في غفران الذنوب لنه بمنزلة معاوضة بينه وبين الرب تعالى‬
‫فكأنه أعطى الذنب وأخذ العقوبة‪ ،‬والنفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص‬
‫منها‪ ،‬فكما يمكن نسبة القالة إلى الذنب يمكن نسبتها إلى النفس أيضا بل‬
‫هو أنسب‪ ،‬لنه يريد أن يفك نفسه عن العقوبة كما قال تعالى‪ " :‬كل امرئ‬
‫بما كسب رهين " )‪ (1‬وقال سبحانه‪ " :‬كل نفس بما كسبت رهينة " )‪(2‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ال إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم‬
‫ففكوها باستغفاركم‪ ،‬مع أنه يمكن تقدير مضاف اي عثرة نفسه‪- 133 - .‬‬
‫)باب( * " )العصبية والفخر والتكاثر في الموال( " * * " )والولد‬
‫وغيرها( " * اليات‪ :‬النعام‪ :‬وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء‬
‫من ال عليهم من بيننا اليس ال بأعلم بالشاكرين )‪ .(3‬الكهف‪ :‬فقال‬
‫لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مال وأعز نفرا )‪ .(4‬مريم‪ :‬وإذا تتلى‬
‫عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما‬
‫وأحسن نديا * وكم أهلكنا قبلهم من قرية هم أحسن أثاثا‬

‫)‪ (1‬الطور‪ (2) .21 :‬المدثر‪ (3) .38 :‬النعام‪ (4) .53 :‬الكهف‪.(*) 34 :‬‬

‫]‪[282‬‬

‫ورئيا * قل من كان في الضللة فليمدد له الرحمن مدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون‬
‫إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا إلى‬
‫قوله تعالى‪ :‬أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لوتين مال وولدا * أطلع الغيب‬
‫أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كل سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا *‬
‫ونرثه ما يقول ويأتينا فردا )‪ .(1‬المؤمنون‪ :‬وقال المل من قومه الذين‬
‫كفروا وكذبوا بلقاء الخرة وأترفناهم في الحيوة الدنيا ما هذا إل بشر مثلكم‬
‫يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم‬
‫إذا لخاسرون )‪ .(2‬الشعراء‪ :‬قالوا أنؤمن لك واتبعك الرذلون * قال وما‬
‫علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إل على ربي لو تشعرون * وما أنا‬
‫بطارد المؤمنين )‪ .(3‬الزخرف‪ :‬أم أنا خير من هذا الذي هو مهين * ول‬
‫يكاد يبين * فلول القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين‬
‫)‪ .(4‬الدخان‪ :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم )‪ .(5‬الفتح‪ :‬إذ جعل الذين كفروا‬
‫في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية )‪ .(6‬الحجرات‪ :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم‬
‫من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم‬
‫إن ال عليم خبير )‪ .(7‬الحديد‪ :‬اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة‬
‫وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد )‪ .(8‬وقال تعالى‪ :‬وال ل يحب‬
‫كل مختال فخور )‪.(9‬‬

‫)‪ (1‬مريم‪ (2) .80 - 73 :‬المؤمنون‪ (3) .34 - 33 :‬الشعراء‪(4) .114 - 111 :‬‬
‫الزخرف‪ (5) .53 - 52 :‬الدخان‪ (6) .49 :‬الفتح‪ (7) .26 :‬الحجرات‪:‬‬
‫‪ (8) .13‬الحديد ‪ (9) .20‬الحديد‪.(*) 23 :‬‬

‫]‪[283‬‬

‫العلق‪ :‬فليدع ناديه * سندع الزبانية )‪ .(1‬التكاثر‪ :‬ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر‬
‫* كل سوف تعلمون * ثم كل سوف تعلمون )‪ - 1 .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم عن داود بن‬
‫النعمان‪ ،‬عن منصور بن حازم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من‬
‫تعصب أو تعصب له‪ ،‬فقد خلع ربقة اليمان من عنقه )‪ .(3‬بيان‪ :‬قال في‬
‫النهاية‪ :‬فيه العصبي من يعين قومه على الظلم‪ ،‬العصبي هو الذي يغضب‬
‫لعصبته‪ ،‬ويحامي عنهم‪ ،‬والعصبة القارب من جهة الب لنهم يعصبونه‪،‬‬
‫ويعتصب بهم‪ ،‬أي يحيطون به ويشتد بهم‪ ،‬ومنه الحديث ليس منا من دعا‬
‫إلى عصبية أو قاتل عصبية‪ ،‬والتعصب المحامات والمدافعة‪ .‬وقال في قوله‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬فقد خلع ربقة السلم من عنقه‪ :‬الربقة في الصل‬
‫عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها‪ ،‬فاستعارها للسلم‪،‬‬
‫يعني ما يشد المسلم به نفسه من عرى السلم‪ ،‬أي حدوده وأحكامه‬
‫وأوامره ونواهيه وتجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ويقال للحبل‬
‫الذي تكون فيه الربقة ربق‪ ،‬ويجمع على رباق وأرباق انتهى‪ .‬والتعصب‬
‫المذموم في الخبار هو أن يحمي قومه أو عشيرته أو أصحابه في الظلم‬
‫والباطل‪ ،‬أو يلج في مذهب باطل أو ملة باطلة‪ ،‬لكونه دينه أو دين آبائه أو‬
‫عشيرته‪ ،‬ول يكون طالبا للحق بل ينصر ما ل يعلم أنه حق أو باطل‪ ،‬للغلبة‬
‫على الخصوم‪ ،‬أو لظهار تدربه في العلوم‪ ،‬أو اختار مذهبا ثم ظهر له‬
‫خطاؤه فل يرجع عنه لئل ينسب إلى الجهل أو الضلل‪ .‬فهذه كلها عصبية‬
‫باطلة مهلكة‪ ،‬توجب خلع ربقة اليمان‪ ،‬وقريب منه‬

‫)‪ (1‬العلق‪ (2) .18 - 17 :‬التكاثر‪ (3) .4 - 1 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.307‬‬

‫]‪[284‬‬

‫الحمية قال سبحانه‪ " :‬إذ جعل في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " )‪ (1‬قال‬
‫الطبرسي رحمه ال‪ :‬الحمية النفة والنكار‪ ،‬يقال فلن‪ :‬ذو حمية منكرة‪،‬‬
‫إذا كان ذا غضب وأنفة اي حميت قلوبهم بالغضب كعادة آبائهم في‬
‫الجاهلية أن ل يذعنوا لحد ول ينقادوا له )‪ (2‬وقال الراغب‪ :‬عبر عن‬
‫القوة الغضبية إذا ثارت بالحمية فقيل‪ :‬حميت على فلن أي غضبت انتهى‬
‫وأما التعصب في دين الحق والرسوخ فيه‪ ،‬والحماية عنه‪ ،‬وكذا في‬
‫المسائل اليقينية والعمال الدينية أو حماية أهله أو عشيرته بدفع الظلم‬
‫عنهم‪ ،‬فليس من الحمية والعصبية المذمومة‪ ،‬بل بعضها واجب‪ .‬ثم إن‬
‫]هذا الذم والوعيد في المتعصب ظاهر‪ ،‬وأما المتعصب له‪ ،‬فل بد من تقييده‬
‫بما إذا كان هو الباعث له‪ ،‬والراضي به‪ ،‬وإل فل إثم عليه و[ )‪ (3‬خلع‬
‫اليمان إما كناية عن خروجه من اليمان رأسا للمبالغة‪ ،‬أو عن إطاعة‬
‫اليمان‪ ،‬للخلل بشريعة عظيمة من شرايعه‪ ،‬أو المعنى خلع ربقة من‬
‫ربق اليمان التي لزمها اليمان عليه من عنقه‪ .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور‪،‬‬
‫عن ابي عبد ال عليه السلم مثله )‪ - 2 .(4‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه ال‬
‫تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية )‪ .(5‬بيان‪ :‬في النهاية العراب‬
‫ساكنوا البادية من العرب الذين ل يقيمون في المصار‪ ،‬ول يدخلونها إل‬
‫لحاجة‪ ،‬وقال‪ :‬الجاهلية الحال التي كانت عليها العرب قبل السلم‪ ،‬من‬
‫الجهل بال وبرسوله وشرايع الدين‪ ،‬والمفاخرة بالنساب والكبر والتجبر‬
‫وغير ذلك انتهى وكأنه محمول على التعصب في الدين الباطل‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن صفوان بن يحيى‪ ،‬عن خضر‪،‬‬
‫عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من تعصب عصبه‬
‫ال بعصابة‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) .26 :‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ (4 - 3) .126 - 125‬راجع شرح‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .290‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.308‬‬

‫]‪[285‬‬

‫من نار )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬العصب الطي الشديد‪ ،‬وتقول‪ :‬عصب رأسه‬
‫بالعصابة تعصيبا‪ ،‬والعصب العمامة‪ ،‬وكل ما يعصب به الرأس‪ ،‬وقال‬
‫الفيروز آبادي‪ :‬العصابة بالكسر ما عصب به‪ ،‬والعمامة وتصب‪ :‬شد‬
‫العمامة وأتى بالعصبية‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن ابن خالد‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫نصر‪ ،‬عن ابن مهران‪ ،‬عن عامر بن السمط‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ،‬عن‬
‫علي بن الحسين عليه السلم قال‪ :‬لم تدخل الجنة حمية غير حمية حمزة‬
‫بن عبد المطلب‪ ،‬وذلك حين أسلم غضبا للنبي صلى ال عليه وآله في‬
‫حديث السل الذي ألقي على النبي صلى ال عليه وآله )‪ .(2‬بيان‪ " :‬لم‬
‫تدخل الجنة " على بناء الفعال والحمية النفة والغيرة‪ ،‬وفي القاموس‬
‫الحمي من ل يحتمل الضيم وحمي من الشئ كرضي حمية أنف‪ ،‬وفي‬
‫النهاية فيه إن المشركين جاؤا بسل جزور فطرحوه علي النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وهو يصلي السل الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن‬
‫أمه ملفوفا فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو في الماشية السل‪ ،‬وفي الناس المشيمة والول‬
‫أشبه‪ ،‬لن المشيمة تخرج بعد الولد ول يكون الولد فيها حين يخرج‪ .‬أقول‪:‬‬
‫قد مرت قصة السل وإسلم حمزة في مواضعها‪ ،‬واختلفوا في سبب‬
‫إسلمه‪ ،‬قال علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي‪ :‬ومما وقع له صلى ال‬
‫عليه وآله من الذية ما كان سببا لسلم عمه حمزة رضي ال عنه وهو ما‬
‫حدث به ابن إسحاق عن رجل من أسلم أن أبا جهل مر برسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله عند الصفا‪ ،‬وقيل‪ :‬عند الحجون‪ ،‬فآذاه وشتمه‪ ،‬ونال منه ما‬
‫نكرهه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه صب التراب على رأسه‪ ،‬وقيل‪ :‬القى عليه فرثا ووطئ‬
‫برجله على عاتقه‪ ،‬فلم يكلمه رسول ال صلى ال عليه وآله ومولة لعبد‬
‫ال بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك وتبصره‪ ،‬ثم انصرف رسول ال‬
‫إلى نادي قريش فجلس معهم‪ .‬فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا بسيفه‬
‫راجعا من قنصه أي من صيده‪ ،‬وكان‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 308‬‬

‫]‪[286‬‬

‫من عادته إذا رجع من قنصه ل يدخل إلى أهله بعد أن يطوف بالبيت‪ ،‬فمر على تلك‬
‫المولة فأخبرته الخبر‪ ،‬وقيل‪ :‬أخبرته مولة أخته صفية قالت له‪ :‬إنه صب‬
‫التراب على رأسه‪ ،‬وألقى عليه فرثا‪ ،‬ووطئ برجله على عاتقه‪ ،‬وعلى‬
‫إلقاء الفرث عليه اقتصر أبو حيان‪ ،‬فقال لها حمزة‪ :‬أنت رأيت هذا الذي‬
‫تقولين ؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬فاحتمل حمزة الغضب ودخل المسجد فرأى أبا جهل‬
‫جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى قام على رأسه ورفع القوس فضربه‬
‫فشجه شجة منكرة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أتشتمه وأنا على دينه‪ ،‬أقول ما يقول ؟ فرد‬
‫علي ذلك إن استطعت‪ ،‬وفي لفظ‪ :‬إن حمزة لما قام على راس أبي جهل‬
‫بالقوس صار أبو جهل يتضرع إليه ويقول‪ :‬سفه عقولنا‪ ،‬وسب آلهتنا‪،‬‬
‫وخالف آباءنا‪ ،‬فقال‪ :‬ومن أسفه منكم ؟ تعبدون الحجارة من دون ال أشهد‬
‫أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪ .‬فقامت رجال من بني مخزوم إلى‬
‫حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا‪ :‬ما نراك إل قد صبأت‪ ،‬فقال حمزة‪ :‬ما‬
‫يمنعني وقد استبان لي منه‪ ،‬أنا أشهد أنه رسول ال وأن الذي يقوله حق‪،‬‬
‫وال ل أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين‪ ،‬فقال لهم أبو جهل‪ :‬دعوا أبا يعلى‬
‫فاني وال قد اسمعت ابن أخيه شيئا قبيحا‪ .‬وتم حمزة على إسلمه‪ ،‬فقال‬
‫لنفسه لما رجع إلى بيته‪ :‬أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابي وتركت دين‬
‫آبائك ؟ الموت خير لك مما صنعت ؟ ثم قال‪ :‬اللهم إن كان رشدا فاجعل‬
‫تصديقه في قلبي‪ ،‬وإل فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا فبات بليلة لم يبت‬
‫بمثلها من وسوسة الشيطان حتى اصبح‪ .‬فغدا إلى رسول ال فقال‪ :‬يا ابن‬
‫اخي إني وقعت في أمر ل أعرف المخرج منه‪ ،‬وإقامة مثلي على مال أدري‬
‫أرشد هو أم غي شديد‪ ،‬فأقبل عليه رسول ال صلى ال عليه وآله فذكره‬
‫ووعظه وخوفه وبشره فألقى ال في قلبه اليمان بما قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد أنك لصادق‪ ،‬فأظهر يا ابن اخي دينك‪ ،‬وقد قال‬
‫ابن عباس‪ :‬في ذلك نزل " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي‬
‫به في‬

‫]‪[287‬‬
‫الناس " )‪ (1‬يعني حمزة " كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " يعني أبا‬
‫جهل وسر رسول ال صلى ال عليه وآله باسلمه سرورا كثيرا لنه كان‬
‫أعز فتى في قريش‪ ،‬وأشدهم شكيمة‪ ،‬ومن لما عرفت قريش أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله قد عز كفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه وأقبلوا‬
‫على بعض اصحابه بالذية سيما المستضعفين منهم الذين ل جوار لهم‬
‫انتهى‪ - 5 .‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن داود بن فرقد‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الملئكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم‪،‬‬
‫وكان في علم ال أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب‬
‫فقال‪ " :‬خلقتني من نار وخلقته من طين " )‪ .(2‬بيان‪ " :‬كانوا يحسبون‬
‫أن إبليس منهم " أي في طاعة ال‪ ،‬وعدم العصيان لمواظبته على عبادة‬
‫ال تعالى في أزمنة متطاولة‪ ،‬ولم يكونوا يجوزون أنه يعصي ال ويخالفه‬
‫في أمره‪ ،‬لبعد عدم علم الملئكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين‬
‫الجن ورفعوه ]إلى السماء‪ ،‬فهو من قبيل قولهم عليهم السلم‪ " :‬سلمان‬
‫منا أهل البيت " ويمكن أن يكون المراد كونه من جنسهم‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫الحسبان لمشاهدتهم تباين أخلقه ظاهرا[ )‪ (3‬للجن‪ ،‬وتكريم ال تعالى له‬
‫وجعله بينهم بل رئيسا على بعضهم كما قيل فظنوا أنه كان منهم وقع بين‬
‫الجن أو يقال كان الظان جمع من الملئكة لم يطلعوا على بدو أمره‪" .‬‬
‫فاستخرج ما في نفسه " أي اظهر إبليس ما في نفسه اي أخذته الحمية‬
‫والنفة والعصبية‪ ،‬وافتخر وتكبر على آدم بأن أصل آدم من طين‪ ،‬وأصله‬
‫من نار‪ ،‬والنار أشرف من الطين‪ ،‬وأخطأ في ذلك بجهات شتى‪ :‬منها أنه‬
‫إنما نظر إلى جسد آدم ولم ينظر إلى روحه المقدسة التي أودع ال فيها‬
‫غرائب الشؤون‪ ،‬وقد ورد ذلك في الخبار‪ ،‬ومنها أن ما ادعاه من شرافة‬
‫النار وكونه أعلى من الطين في محل المنع‪ ،‬فان الطين لتذل منبع لجميع‬
‫الخيرات ومنشأ لجميع الحبوب والرياحين والثمرات‪ ،‬والنار لرفعتها‬
‫واشتعالها يحصل منها جميع‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .122 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .308‬راجع شرح الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.291‬‬

‫]‪[288‬‬

‫الشرور‪ ،‬والصفات الذميمة‪ ،‬والخلق السيئة‪ ،‬فثمرتها الفساد‪ ،‬وآخرها الرماد‪ .‬ثم‬
‫اعلم أن هذا الخبر مما يدل على أن إبليس لم يكن من الملئكة وقد اختلف‬
‫اصحابنا والمخالفون في ذلك‪ ،‬فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا‬
‫وغيرهم أنه لم يكن من الملئكة‪ ،‬قال الشيخ المفيد برد ال مضجعه في‬
‫كتاب المقالت‪ :‬إن إبليس من الجن خاصة وإنه ليس من الملئكة‪ ،‬ول كان‬
‫منها قال ال تعالى‪ " :‬إل إبليس كان من الجن " )‪ (1‬وجاءت الخبار‬
‫متواترة عن الئمة الهدى من آل محمد صلى ال عليه وآله بذلك‪ ،‬وهو‬
‫مذهب المامية كلها‪ ،‬وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث انتهى‪ .‬وذهب‬
‫طائفة من المتكلمين إلى أنه من الملئكة واختاره من أصحابنا شيخ‬
‫الطائفة روح ال روحه في التبيان وقال‪ :‬وهو المروي عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ ،‬والظاهر في تفاسيرنا‪ ،‬ثم قال رحمه ال‪ :‬ثم اختلف من قال‬
‫كان منهم‪ ،‬فمنهم من قال إنه كان خازنا للجنان‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬كان له‬
‫سلطان سماء الدنيا‪ ،‬وسلطان الرض‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنه كان يسوس ما‬
‫بين السماء والرض )‪ - 6 .(2‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وعلي بن محمد‬
‫القاساني‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن عبد الرزاق‪ ،‬عن‬
‫معمر‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬سئل علي بن الحسين عليه السلم عن العصبية‬
‫فقال‪ :‬العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا‬
‫من خيار قوم آخرين‪ ،‬وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من‬
‫العصبية أن يعين قومه على الظلم )‪ .(3‬بيان " أن يرى " على بناء‬
‫المجرد أو الفعال " أن يحب الرجل قومه "‬

‫)‪ (1‬الكهف‪ (2) .50 :‬قال المؤلف العلمة في ج ‪ 11‬ص ‪ 144‬من هذه الطبعة باب‬
‫سجود الملئكة بعد مثل هذا الكلم‪ ،‬والحق ما اختاره المفيد رحمه ال‬
‫وسنورد الخبار في ذلك في كتاب السماء والعالم‪ (3) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.308‬‬

‫]‪[289‬‬

‫إما محض المحبة فانه من الجبلة النسانية أن يحب الرجل قومه وعشيرته وأقاربه‬
‫أكثر من غيرهم‪ ،‬وقلما ينفك عنه أحد‪ ،‬والظاهر أنه ليس من الصفات‬
‫الذميمة أو بالفعال أيضا بأن يسعى في حوائجهم أكثر من السعي في‬
‫حوائج غيرهم‪ ،‬ويبذل لهم المال أكثر من غيرهم والظاهر أن هذا ايضا غير‬
‫مذموم شرعا بل ممدوح‪ ،‬فان أكثره من صلة الرحم وبعضه من رعاية‬
‫الخلء والخوان والصحاب‪ ،‬وقد مر عن أمير المؤمنين عليه السلم في‬
‫صلة الرحم الحث على جميع ذلك وعن غيره عليه السلم فظهر أن‬
‫العصبية المذمومة إما إعانة قومه على الظلم‪ ،‬أو إثبات ما ليس فيهم لهم‪،‬‬
‫أو التفاخر بالمور الباطلة التي توجب المنقصة‪ ،‬أو تفضيلهم على غيرهم‬
‫من غير فضل وغير ذلك‪ - 7 .‬لى‪ :‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن جده‪،‬‬
‫عن السكوني‪ ،‬عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من عصبية‪ ،‬بعثه ال‬
‫عزوجل يوم القيامة مع أعراب الجاهلية )‪ .(1‬ثو‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني مثله )‪ - 8 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن جعفر عن ابن معبد‪،‬‬
‫عن إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وآله يتعوذ في كل يوم من ست‪ :‬من الشك‪،‬‬
‫والشرك‪ ،‬والحمية والغضب‪ ،‬والبغي‪ ،‬والحسد )‪ - 9 .(3‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن ابن ابي الخطاب‪ ،‬عن محمد بن أسلم الجبلي باسناده‬
‫يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل يعذب ستة‬
‫بست‪ :‬العرب بالعصبية‪ ،‬والدهاقنة بالكبر‪ ،‬والمراء بالجور‪ ،‬والفقهاء‬
‫بالحسد والتجار بالخيانة‪ ،‬وأهل الرستاق بالجهل )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ‪ (2) .361‬ثواب العمال ص ‪ (3) .241‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬


‫‪ (4) .160‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 158‬‬

‫]‪[290‬‬

‫‪ - 10‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل‪ ،‬وذو ثروة‬
‫من المال لم يعط المال حقه‪ ،‬وفقير فخور )‪ - 11 .(1‬ما‪ :‬عن ابن الصلت‪،‬‬
‫عن ابن عقدة‪ ،‬عن جعفر بن أحمد‪ ،‬عن عباد عن عمه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫مطرف‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن صعصعة بن صوحان قال‪ :‬عادني أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم في مرض ثم قال‪ :‬انظر فل تجعلن عبادتي إياك فخرا على‬
‫قومك‪ ،‬وإذا رأيتهم في أمر فل تخرج منه‪ ،‬فانه ليس بالرجل غنا عن‬
‫قومه‪ ،‬إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه ايدي كثيرة‪ ،‬فإذا رأيتهم في‬
‫خير فأعنهم عليه وإذا رأيتهم في شر فل تخذلنهم‪ ،‬فليكن تعاونكم على‬
‫طاعة ال‪ ،‬فانكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة ال تعالى وتناهيتم‬
‫عن معاصيه )‪ - 12 .(2‬ل‪ :‬عن محمد بن أحمد القضاعي‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫العباس بن إسحاق ابن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن الحسين‬
‫بن علي عليهم السلم‪ :‬قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أهلك الناس‬
‫اثنان‪ :‬خوف الفقر‪ ،‬وطلب الفخر )‪ - 13 .(3‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن الفارسي‪ ،‬عن الجعفري‪ ،‬عن عبد ال بن الحسين بن زيد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬أربعة ل تزال في أمتي إلى يوم القيامة‪ :‬الفخر‬
‫بالحساب‪ ،‬و الطعن في النساب‪ ،‬والستسقاء بالنجوم‪ ،‬والنياحة‪ ،‬وإن‬
‫النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران‪،‬‬
‫ودرع من جرب عليه السلم )‪ - 14 .(4‬ل‪ :‬عن أبيه وابن الوليد معا‪ ،‬عن‬
‫محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الشعري‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن‬
‫عبد ال‪ ،‬عن أبي يحيى الواسطي‪ ،‬عمن ذكره‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .28‬أمالي الطوسي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .357‬الخصال‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .36‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 107‬‬

‫]‪[291‬‬

‫أنه قال لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أترى هذا الخلق كله من الناس ؟ فقال‪ :‬ألق منهم‬
‫النارك للسواك‪ ،‬والمتربع في موضع الضيق‪ ،‬والداخل فيما ل يعنيه‪،‬‬
‫والمماري فيما ل علم له به‪ ،‬والمتمرض من غير علة‪ ،‬والمتشعث من غير‬
‫مصيبة‪ ،‬والمخالف على أصحابه في الحق ‪ -‬وقد اتفقوا عليه‪ ،‬والمفتخر‬
‫يفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم‪ ،‬فهو بمنزلة الخلنج )‪ (1‬يقشر‬
‫لحا عن لحا حتى يوصل إلى جوهريته‪ ،‬وهو كما قال ال عزوجل‪ " :‬إن هم‬
‫إل كالنعام بل هم أضل سبيل )‪ - 15 (2‬مع‪ :‬عن الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن محمد بن حمران‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬ثلثة من عمل الجاهلية‪ :‬الفخر بالنساب والطعن في‬
‫الحساب‪ ،‬والستسقاء بالنواء )‪ - 16 (3‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور‪ ،‬عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة السلم من عنقه )‪ - 17 (4‬ثو‪ :‬عن ابن‬
‫الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن عبد ال بن الوليد‪،‬‬
‫عن ابن أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من تعصب أو‬
‫تعصب له خلع ربقة اليمان من عنقه )‪ - 18 .(5‬ثو‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن‬
‫صفوان‪ ،‬عن حضر‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬من تعصب عصبه ال عزوجل بعصابة من نار )‪ - 19 (6‬ثو‪ :‬عن ابن‬
‫الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن العمي رفعه‬

‫)‪ (1‬شجر كالطرفاء وله زهر أحمر وأصفر وحبه كالخردل وخشبه متين يصنع منه‬
‫القصاع لصلبته‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ 39‬والية في سورة الفرقان‪:‬‬
‫‪ (3) .44‬معاني الخبار ص ‪ (6 - 4) .326‬ثواب العمال ص ‪.(*) 241‬‬

‫]‪[292‬‬

‫قال‪ :‬من تعصب حشره يوم القيامة مع أعراب الجاهلية )‪ - 20 .(1‬ثو‪ :‬أبي‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم النوفلي‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫المختار رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات ال عليه قال‪ :‬من صنع شيئا‬
‫للمفاخرة حشره ال يوم القيامة أسود )‪ - 21 .(2‬سن‪ :‬قال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬ثلث إذا كن في المرء فل تتحرج أن تقول إنه في جهنم‪:‬‬
‫البذاء والخيلء والفخر )‪ - 22 .(3‬كش‪ :‬ودت بخط جبرئيل بن أحمد‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبد ال بن مهران عن البزنطي قال‪ :‬دخلت على أبي الحسن‬
‫عليه السلم ‪ -‬أنا وصفوان بن يحيى ومحمد بن سنان واظنه قال‪ :‬وعبد‬
‫ال بن المغيرة أو عبد ال بن جندب ‪ -‬وهو بصريا )‪ (4‬قال‪ :‬فجلسنا عنده‬
‫ساعة ثم قمنا فقال‪ :‬أما أنت يا أحمد فاجلس فجلست فأقبل يحدثني وأسأله‬
‫ويجيبني حتى ذهب عامة الليل‪ ،‬فلما أردت النصراف قال لي‪ :‬يا أحمد‬
‫تنصرف أو تبيت ؟ فقلت‪ :‬جعلت فداك ذاك الليل إن أمرت بالنصراف‬
‫انصرفت وإن أمرت بالمقام أقمت قال‪ :‬أقم فهذا الحرس وقد هدأ الناس‬
‫وباتوا فقام وانصراف‪ .‬فلما ظننت أنه قد دخل خررت ل ساجدا فقلت‪:‬‬
‫الحمد ل‪ ،‬حجة ال ووارث علم النبيين آنس بي من بين إخواني وحببني‬
‫فأنا في سجدتي وشكري فما علمت إل وقد رفسني برجله‪ ،‬ثم قمت فأخذ‬
‫بيدي فغمزها ثم قال‪ :‬يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلم عاد صعصعة‬
‫بن صوحان في مرضه‪ ،‬فلما قام من عنده قال‪ :‬يا صعصعة ل تفتخرن على‬
‫إخوانك بعيادتي إياك واتق ال‪ ،‬ثم انصرف عني )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال ص ‪ (2) .241‬ثواب العمال ص ‪ (3) .228‬المحاسن ص ‪.124‬‬


‫)‪ (4‬صريا‪ :‬قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلم على ثلثة أميال‬
‫من المدينة وقد كثر ذكرها في الحديث ولم نجد ذكرها في المعاجم‪ ،‬راجع‬
‫المناقب ج ‪ 4‬ص ‪ (5) .382‬رجال الكشي ص ‪.(*) 491‬‬

‫]‪[293‬‬

‫‪ - 23‬كش‪ :‬محمد بن الحسن البراني )‪ (1‬وعثمان بن حامد الكشيان‪ ،‬عن محمد بن‬
‫يزداد والحسن بن علي بن النعمان‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال‪:‬‬
‫كنت عند الرضا عليه السلم فأمسيت عنده قال‪ :‬فقلت‪ :‬أنصرف ؟ فقال لي‪:‬‬
‫ل تنصرف فقد أمسيت قال‪ :‬فأقمت عنده قال‪ :‬فقال لجاريته‪ :‬هاتي مضربتي‬
‫ووسادتي فافرش لحمد في ذلك البيت‪ .‬قال‪ :‬فلما صرت في البيت دخلني‬
‫شئ فجعل يخطر ببالي‪ :‬من مثلي في بيت ولي ال‪ ،‬وعلى مهاده‪ ،‬فناداني‪:‬‬
‫يا أحمد إن أمير المؤمنين عليه السلم عاد صعصعة بن صوحان فقال‪ :‬يا‬
‫صعصعة بن صوحان ل تجعل عيادتي إياك فخرا على قومك‪ ،‬و تواضع ل‬
‫يرفعك )‪ - 24 .(2‬ين‪ :‬ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن أبي عبيدة‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لما كان يوم فتح مكة قام رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله في الناس خطيبا فحمد ال وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس ليبلغ‬
‫الشاهد الغائب ! إن ال تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالسلم نخوة‬
‫الجاهلية‪ ،‬والتفاخر بآبائها وعشائرها‪ ،‬أيها الناس إنكم من آدم وآدم من‬
‫طين‪ ،‬ال وإن خيركم عند ال وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم وأطوعكم له‪ .‬أل‬
‫وإن العربية ليست بأب والد‪ ،‬ولكنها لسان ناطق‪ ،‬فمن قصر به عمله لم‬
‫يبلغه رضوان ال حسبه‪ ،‬ال وإن كل دم أو مظلمة أو إحنة كانت في‬
‫الجاهلية فهي تطل‪ ،‬تحت قدمي إلى يوم القيامة‪ - 25 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن موسى وابن رئاب‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬أصل المرء دينه‪ ،‬وحسبه خلقه‪ ،‬وكرمه تقواه‪ ،‬وإن الناس من آدم‬
‫شرع سواء‪ - 26 .‬ين‪ :‬عن النضر‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن زرارة قال‪ :‬قلت‬
‫لبي جعفر عليه السلم الناس يروون عن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫أنه قال‪ :‬أشرفكم في الجاهلية اشرفكم في السلم فقال عليه السلم‪:‬‬
‫صدقوا وليس حيث تذهبون كان أشرفهم في الجاهلية أسخاهم نفسا‬

‫)‪ (1‬البرياني ح‪ (2) .‬رجال الكشى ص ‪.(*) 491‬‬

‫]‪[294‬‬

‫وأحسنهم خلقا‪ ،‬وأحسنهم جوارا‪ ،‬وأكفهم أذى‪ ،‬فذلك الذي إذا أسلم لم يزده إسلمه‬
‫إل خيرا‪ - 27 .‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أوصي أمتي‬
‫بخمس‪ :‬بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة ومن دعا بدعاء‬
‫إلحاح الجاهلية فله حثوة من حثى جهنم )‪ - 28 .(1‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫ما لبن آدم والفخر‪ ،‬أوله نطفة‪ ،‬وآخره جيفة ل يرزق نفسه‪ ،‬ول يدفع‬
‫حتفه )‪) - 134 - .(2‬باب( * )النهي عن المدح والرضا به( * ‪ - 1‬لى‪ :‬في‬
‫مناهي النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أنه نهى عن المدح وقال‪ :‬احثوا في‬
‫وجوه المداحين التراب )‪ - 2 .(3‬فس‪ :‬روي في تفسير قوله تعالى‪ " :‬ل‬
‫يحب ال الجهر بالسوء من القول إل من ظلم " )‪ (4‬أنه إن جاءك رجل‬
‫وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح‪ ،‬فل تقبله منه‪،‬‬
‫وكذبه به فقد ظلمك )‪ - 3 .(5‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬ل يصير‬
‫العبد عبدا خالصا ل عزوجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء‪ ،‬لن‬
‫الممدوح عند ال عزوجل ل يصير مذموما بذمهم‪ ،‬وكذلك المذموم‪ ،‬فل‬
‫تفرح بمدح أحد‪ ،‬فانه ل يزيد في منزلتك‬

‫)‪ (1‬نوادر الراوندي ص ‪ (2) .21‬نهج البلغة الرقم ‪ 454‬من الحكم‪ (3) .‬أمالي‬
‫الصدوق ص ‪ (4) .256‬النساء‪ (5) .148 :‬تفسير القمي‪.(*) 145 :‬‬
‫]‪[295‬‬

‫عند ال‪ ،‬ول يغنيك عن المحكوم لك‪ ،‬والمقدور عليك‪ .‬ول تحزن ايضا بذم أحد فانه‬
‫ل ينقص عنك به ذرة‪ ،‬ول يحط عن درجة خيرك شيئا‪ ،‬واكتف بشهادة ال‬
‫تعالى لك وعليك قال ال عزوجل " وكفى بال شهيدا " )‪ (1‬ومن ل يقدر‬
‫على صرف الذم عن نفسه‪ ،‬ول يستطيع على تحقيق المدح له‪ ،‬كيف يرجى‬
‫مدحه أو يخشى ذمه‪ ،‬واجعل وجه مدحك وذمك واحدا وقف في مقام تغتنم‬
‫به مدح ال عزوجل لك ورضاه‪ ،‬فان الخلق خلقوا من العجين من ماء‬
‫مهين‪ ،‬فليس لهم إل ما سعوا قال ال عزوجل " وأن ليس للنسان إل ما‬
‫سعى " )‪ (2‬وقال عزوجل " ول يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا ول‬
‫يملكون موتا ول حياة ول نشورا )‪ - 4 .(3‬الدرة الباهرة‪ :‬قال أبو الحسن‬
‫الثالث عليه السلم لرجل وقد أكثر من إفراط الثناء عليه‪ :‬أقبل على شأنك‪،‬‬
‫فان كثرة الملق يهجم علي الظنة‪ ،‬وإذا حللت من أخيك في محل الثقة‪،‬‬
‫فاعدل عن الملق إلى حسن النية‪ - 5 .‬نهج‪ :‬مدح أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم قوم في وجهه فقال‪ :‬اللهم إنك أعلم بي من نفسي‪ ،‬وأنا أعلم بنفسي‬
‫منهم‪ ،‬اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون‪ ،‬واغفر لنا ما ل يعلمون )‪ .(4‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الثناء بأكثر من الستحقاق ملق‪ ،‬والتقصير عن الستحقاق‬
‫عي أو حسد )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬رب مفتون بحسن القول فيه )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .79 :‬النجم‪ (3) .39 :‬مصباح الشريعة ص ‪ ،31‬والية في‬
‫الفرقان‪ (4) .3 :‬نهج البلغة الرقم ‪ 100‬من الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة‬
‫الرقم ‪ 347‬من الحكم‪ (6) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 462‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[296‬‬

‫‪) * - 135 -‬باب سوء الخلق( * اليات‪ :‬آل عمران‪ :‬ولو كنت فظا غليظ القلب‬
‫لنفضوا من حولك )‪ .(1‬القلم‪ :‬عتل بعد ذلك زنيم )‪ - 1 .(2‬كا‪ :‬عن علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن ابي عمير‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل )‬
‫‪ .(3‬بيان‪ :‬سوء الخلق وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيرها‬
‫على أهل الخلطة والمعاشرة وإيذائهم‪ - 2 .‬لى‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن بزيع‪ ،‬عن عبد ال بن عثمان‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن مهران‪ ،‬عن إسحاق بن غالب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬من أساء خلقه عذب نفسه )‪ - 3 .(4‬لى‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن معبد‪ ،‬عن ابن خالد عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن جبرئيل الروح المين نزل‬
‫علي من عند رب العالمين فقال‪ :‬يا محمد عليك بحسن الخلق فانه ذهب‬
‫بخير الدنيا والخرة‪ ،‬أل وإن أشبهكم بي أحسنم خلقا )‪ - 4 .(5‬ب‪ :‬عن‬
‫هارون‪ ،‬عن ابن صدقة‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال‬
‫علي عليه السلم لبي ايوب النصاري‪ :‬يا أبا أيوب ما بلغ من كرم أخلقك‬
‫؟ قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .159 :‬القلم‪ (3) .13 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 321‬باب سوء الخلق‬
‫وفيه خمس روايات لم يخرج غير هذا الحديث‪ (4) .‬أمالى الصدوق ص‬
‫‪ ،124‬ومثله في الكافي‪ (5) .‬أمالي الصدوق ص ‪.(*) 163‬‬

‫]‪[297‬‬

‫ل أوذي جارا فمن دونه‪ ،‬ول أمنعه معروفا أقدر عليه‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬ما من‬
‫ذنب إل وله توبة‪ ،‬وما من تائب إل وقد تسلم له توبته‪ ،‬ما خل سيئ‬
‫الخلق‪ ،‬ل يكاد يتوب من ذنب إل وقع في غيره أشر منه )‪ - 5 .(1‬ل‪ :‬عن‬
‫الخليل‪ ،‬عن ابن صاعد‪ ،‬عن العباس بن محمد‪ ،‬عن عون بن عمارة‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن سليمان‪ ،‬عن مالك بن دينار‪ ،‬عن عبد ال بن غالب‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬خصلتان ل‬
‫تجتمعان في مسلم‪ :‬البخل وسوء الخلق )‪ - 6 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم في وصيته لبنه محمد بن الحنفية‪ :‬إياك‬
‫والعجب وسوء الخلق وقلة الصبر‪ ،‬فانه ل يستقيم لك على هذه الخصال‬
‫الثلث صاحب‪ ،‬ول يزال لك عليها من الناس مجانب‪ ،‬والزم نفسك التودد‪،‬‬
‫الخبر )‪ - 7 .(3‬ل‪ :‬قال الصادق عليه السلم للثوري‪ :‬يا سفيان ل مروة‬
‫لكذوب‪ ،‬ول أخ لملول‪ ،‬ول راحة لحسود‪ ،‬ول سؤدد لسيئ الخلق )‪- 8 .(4‬‬
‫ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل )‬
‫‪ .(5‬صح‪ :‬عنه عليه السلم مثله )‪ - 9 .(6‬ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن ابي المفضل‪،‬‬
‫عن النعمان بن أحمد بن نعيم‪ ،‬عن محمد‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ 22‬في ط و ‪ 31‬في ط‪ (2) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(3) .38‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .72‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .80‬عيون الخبار ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (6) .37‬صحيفة الرضا ص ‪.(*) 19‬‬

‫]‪[298‬‬
‫ابن شعبة‪ ،‬عن حفص بن عمر‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عمر بن علي بن ابي‬
‫طالب عن الباقر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬من ساء خلقه عذب نفسه )‪ .(1‬أقول‪ :‬قد مضى بعض الخبار‬
‫في باب حسن الخلق )‪ - 10 .(2‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬أبى ال عزوجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف‬
‫ذاك ؟ قال‪ :‬لنه ل يخرج من ذنب حتى يقع فيما هو أعظم منه )‪- 11 .(3‬‬
‫ع‪ :‬عن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب‪ ،‬عن جعفر بن أحمد بن‬
‫يوسف‪ ،‬عن علي بن نوح الحناط‪ ،‬عن عمرو بن الحسن‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫سنان عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أتي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله فقيل له‪ :‬إن سعد بن معاذ قد مات فقام رسول ال وقام اصحابه فحمل‬
‫فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما أنحنط وكفن وحمل على‬
‫سريره‪ ،‬تبعه رسول ال صلى ال عليه وآله بل حذاء ول رداء‪ ،‬ثم كان‬
‫يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر فنزل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله حتى لحده وسوى عليه اللبن‪ ،‬وجعل يقول‪:‬‬
‫ناولني حجرا‪ ،‬ناولني ترابا رطبا‪ ،‬يسد به ما بين اللبن‪ .‬فلما أن فرغ وحثا‬
‫التراب عليه وسوى قبره قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إني لعلم‬
‫أنه سبيلى ويصل إليه البلى‪ ،‬ولكن ال عزوجل يحب عبدا إذا عمل عمل‬
‫فأحكمه‪ ،‬فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد من جانب‪ :‬هنيئا لك الجنة‬
‫فقال رسول ال‪ :‬يا أم سعد مه ! ل تجزمي على ربك‪ ،‬فان سعدا قد أصابته‬
‫ضمة‪ .‬قال‪ :‬فرجع رسول ال صلى ال عليه وآله ورجع الناس فقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد إنك تبعت‬
‫جنازته بل رداء ول حذاء ! فقال‬

‫)‪ (1‬أمالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .125‬راجع ج ‪ 71‬ص ‪ (3) .396 - 372‬علل‬
‫الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 178‬‬

‫]‪[299‬‬

‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إن الملئكة كانت بل حذاء ول رداء‪ ،‬فتأسيت بها‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫وكيف تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة‪ ،‬قال‪ :‬كانت يدي في يد‬
‫جبرئيل آخذ حيث ما أخذ‪ ،‬فقالوا‪ :‬أمرت بغسله وصليت على جنازته‪،‬‬
‫ولحدته‪ ،‬ثم قلت‪ :‬إن سعدا اصابته ضمة‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬نعم إنه كان‬
‫في خلقه مع أهله سوء )‪ .(1‬ما‪ :‬الغضائري‪ ،‬عن الصدوق مثله )‪- 12 .(2‬‬
‫نوادر الراوندي‪ :‬باسناده‪ ،‬عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أبى ال لصاحب الخلق السيئ‬
‫بالتوبة‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول ال وكيف ذلك ؟ قال‪ :‬لنه إذا تاب من ذنب وقع‬
‫في أعظم من الذنب الذي تاب منه )‪) * - 136 - .(3‬باب البخل( * اليات‪:‬‬
‫النساء‪ :‬الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم ال من‬
‫فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬أم لهم نصيب من‬
‫الملك فإذا ل يؤتون الناس نقيرا )‪ .(5‬اسرى‪ :‬قل لو أنتم تملكون خزائن‬
‫رحمة ربي إذا لمسكتم خشية النفاق وكان النسان قتورا )‪ .(6‬محمد‪:‬‬
‫وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ول يسئلكم أموالكم * إن يسالكموها‬
‫فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم * ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ 292‬ورواه في أماليه ص ‪ 231‬مع اختلف يسير‪(2) .‬‬
‫أمالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .41‬نوادر الراوندي ص ‪ (4) .18‬النساء‪:‬‬
‫‪ (5) .37‬النساء‪ (6) .53 :‬أسرى‪.(*) 100 :‬‬

‫]‪[300‬‬

‫في سبيل ال فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه وال الغني وأنتم‬
‫الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ل يكونوا أمثالكم )‪ .(1‬الحديد‪:‬‬
‫الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فان ال هو الغني الحميد‬
‫)‪ .(2‬القلم‪ :‬مناع للخير معتد أثيم )‪ - 1 .(3‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن كان الخلف من ال عزوجل حقا فالبخل لماذا )‪ - 2 .(4‬لى‪ :‬عن‬
‫الصادق عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أقل الناس‬
‫راحة البخيل‪ ،‬وأبخل الناس من بخل بما افترض ال عليه )‪ - 3 .(5‬لى‪:‬‬
‫عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الزدي‪،‬‬
‫عن مالك بن أنس قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬عجبت لمن يبخل بالدنيا‬
‫وهي مقبلة عليه‪ .‬أو يبخل بها وهي مدبرة عنه‪ ،‬فل النفاق مع القبال‬
‫يضره‪ ،‬ول المساك مع الدبار ينفعه )‪ - 4 .(6‬ل )‪ (7‬لى‪ :‬عن محمد بن‬
‫أحمد السدي‪ ،‬عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى‬
‫السدوسي‪ ،‬عن سليمان بن عمرو‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن بن الحسن‪ ،‬عن‬
‫أمه فاطمة بنت الحسين‪ ،‬عن أبيها قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬إن صلح أول هذه المة بالزهد واليقين‪ ،‬وهلك آخرها بالشح‬
‫والمل )‪ - 5 .(8‬لى‪ :‬عن جعفر بن الحسين‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬القتال‪ (2) .38 - 36 :‬الحديد‪ (3) .24 :‬القلم‪ (4) .12 :‬أمالي الصدوق ص ‪.6‬‬
‫)‪ (5‬أمالى الصدوق ص ‪ (6) .14‬أمالى الصدوق ص ‪ (7) .102‬الخصال‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪ (8) .40‬أمالى الصدوق ص ‪.(*) 137‬‬
‫]‪[301‬‬

‫محمد بن سنان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن أحق الناس‬
‫بأن يتمنى للناس الغنى البخلء‪ ،‬لن الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم‪،‬‬
‫وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الصلح أهل العيوب لن الناس إذا‬
‫صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم‪ ،‬وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الحلم‬
‫أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم‪ ،‬فاصبح أهل البخل يتمنون‬
‫فقر الناس‪ ،‬وأصبح أهل العيوب يتمنون معايب الناس‪ ،‬واصبح أهل السفه‬
‫يتمنون سفه الناس‪ ،‬وفي الفقر الحاجة إلى البخيل‪ ،‬وفي الفساد طلب‬
‫عورة أهل العيوب‪ ،‬وفي السفه المكافات بالذنوب )‪ .(1‬ل‪ :‬عن ابيه‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه مثله )‪ - 6 .(2‬لى‪ :‬في خبر مناهي النبي صلى‬
‫ال عليه وآله قال‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬حرمت الجنة على المنان والبخيل‬
‫والقتات )‪ - 7 .(3‬فس‪ :‬أبي‪ ،‬عن الفضل بن ابي قرة قال‪ :‬رأيت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم يطوف من أول الليل إلى الصباح‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم قني شح‬
‫نفسي‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء‪ ،‬قال‪ :‬وأي شئ‬
‫اشد من شح النفس إن ال يقول‪ " :‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم‬
‫المفلحون " )‪ - 8 .(4‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن‬
‫ابن صدقة‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن ابيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬ما محق اليمان محق الشح شئ‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن لهذا الشح‬
‫دبيبا كدبيب النمل‪ ،‬وشعبا كشعب الشرك )‪ .(5‬اقول‪ :‬قد مضى بعض‬
‫الخبار في باب الجود والسخاء‪ - 9 .‬ل‪ :‬عن الخليل‪ ،‬عن ابن صاعد‪ ،‬عن‬
‫العباس بن محمد‪ ،‬عن عون‬

‫)‪ (1‬امالي الصدوق ص ‪ (2) .233‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .74‬أمالى الصدوق ص‬


‫‪ (4) .259‬تفسير القمى‪ ،685 :‬والية في سورة التغابن‪(5) .16 :‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 15‬‬

‫]‪[302‬‬

‫ابن عمارة‪ ،‬عن جعفر بن سليمان‪ ،‬عن مالك بن دينار‪ ،‬عن عبد ال بن غالب‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬خصلتان ل‬
‫تجتمعان في مسلم‪ :‬البخل وسوء الخلق )‪ - 10 .(1‬ل‪ :‬عن الخليل‪ ،‬عن ابن‬
‫صاعد‪ ،‬عن إسحاق بن شاهين‪ ،‬عن خالد ابن عبد ال‪ ،‬عن يوسف بن‬
‫موسى‪ ،‬عن حريز بن سهيل‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن أبي يزيد‪ ،‬عن القعقاع بن‬
‫اللجلج‪ ،‬عن ابي هريرة‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ل‬
‫يجتمع الشح واليمان في قلب عبد ابدا )‪ - 11 .(2‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن هارون ابن الجهم‪ ،‬عن ثوير بن أبي‬
‫فاختة‪ ،‬عن المفضل بن صالح‪ ،‬عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬الموبقات ثلث‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء‬
‫بنفسه )‪ .(3‬أقول‪ :‬وقد مضى بسند آخر عن أنس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬المهلكات ثلث وكذا في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي‬
‫عليه السلم‪ .‬قال الصدوق رحمه ال‪ :‬روي عن الصادق عليه السلم أنه‬
‫قال‪ :‬الشح المطاع سوء الظن بال عزوجل )‪ - 12 .(4‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن الصفار‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن النضر ابن شعيب‪ ،‬عن الجازي‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬ل يؤمن رجل فيه الشح‬
‫والحسد والجبن‪ ،‬ول يكون المؤمن جبانا ول حريصا ول شحيحا )‪13 .(5‬‬
‫‪ -‬ب‪ :‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم أن‬
‫عليا عليه السلم سمع رجل يقول‪ :‬الشحيح أعذر من الظالم‪ ،‬فقال‪ :‬كذبت‬
‫إن الظالم يتوب ويستغفر ال ويرد الظلمة على أهلها‪ ،‬والشحيح إذا شح‬
‫منع الزكاة‬

‫)‪ (2 - 1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .38‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .42‬راجع معاني الخبار‬
‫ص ‪ 314‬وتراه في الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 42‬بأسانيد مختلفة‪ (5) .‬الخصال‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 41‬‬

‫]‪[303‬‬

‫والصدقة‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وإقراء الضيف‪ ،‬والنفقة في سبيل ال‪ ،‬وأبواب البر وحرام‬
‫على الجنة أن يدخلها شحيح )‪ - 14 .(1‬ب‪ :‬ابن طريف‪ ،‬عن ابن علوان‪،‬‬
‫عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬السخاء شجرة في الجنة اغصانها في الدنيا من تعلق بغصن منها‬
‫قاده ذلك الغصن إلى الجنة‪ ،‬والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من‬
‫تعلق بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار )‪ - 15 .(2‬ل‪ :‬عن الخليل بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن ابن صاعد‪ ،‬عن الحسن بن عرفة‪ ،‬عن عمر بن عبد الرحمن‪،‬‬
‫عن محمد بن حجارة‪ ،‬عن بكر بن عبد ال المزني‪ ،‬عن عبد ال ابن عمر‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إياكم والشح فانما هلك من كان قبلكم‬
‫بالشح أمرهم بالكذب فكذبوا‪ ،‬وأمرهم بالظلم فظلموا‪ ،‬وأمرهم بالقطيعة‬
‫فقطعوا )‪ - 16 .(3‬ل‪ :‬عن الخليل بن أحمد‪ ،‬عن أبي العباس السراج‪ ،‬عن‬
‫قتيبة‪ ،‬عن بكر بن عجلن‪ ،‬عن سعيد المقبري‪ ،‬عن ابي هريرة أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إياكم والفحش فان ال عزوجل ل يحب‬
‫الفاحش المتفحش‪ ،‬وإياكم والظلم فان الظلم عند ال هو الظلمات يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وإياكم والشح‪ ،‬فانه دعا الذين من قبلكم حتى سفكوا دمائهم‪،‬‬
‫ودعاهم حتى قطعوا أرحامهم‪ ،‬ودعاهم حتى انتهكوا واستحلوا محارمهم )‬
‫‪ - 17 .(4‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عمر عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬خمس‬
‫هن كما أقول‪ :‬ليست لبخيل راحة‪ ،‬ول لحسود لذة‪ ،‬ول لملوك وفاء‪(5) ،‬‬
‫ول لكذاب مروة‪ ،‬ول يسود سفيه )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ 48‬ط النجف‪ (2) .‬قرب السناد ص ‪ 74‬ط النجف‪(4 - 3) .‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .83‬لملول خ للملوك خ‪ (6) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 130‬‬

‫]‪[304‬‬

‫‪ - 18‬ل‪ :‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن أبي عبد ال الرازي‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي عثمان‪ ،‬عن أحمد بن عمر‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ل يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن‪ ،‬ول الخب في كثرة‬
‫الصديق‪ ،‬ول السيئ الدب في الشرف‪ ،‬ول البخيل في صلة الرحم‪ ،‬الخبر )‬
‫‪ - 19 .(1‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫علي عليهم السلم قال‪ :‬خطبنا أمير المؤمنين عليه السلم فقال‪ :‬سيأتي‬
‫على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك‪،‬‬
‫قال ال تعالى‪ " :‬ول تنسوا الفضل بينكم إن ال كان بما تعملون بصيرا "‬
‫)‪ (2‬وسيأتي زمان يقدم فيه الشرار وينسئ فيه الخيار‪ ،‬ويبايع المضطر ‪-‬‬
‫وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر‬
‫‪ -‬فاتقوا ال يا أيها الناس واصلحوا ذات بينكم‪ ،‬واحفظوني في أهلي )‪.(3‬‬
‫‪ - 20‬ن‪ :‬عن الطالقاني‪ ،‬عن الحسن بن علي العدوي‪ ،‬عن الهيثم بن عبد‬
‫ال الرماني‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬كان أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬خلقت الخلئق في قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل‬
‫فأما السخي ففي راحة * وأما البخيل فشوم طويل )‪ - 21 (4‬ع‪ :‬عن أبيه‬
‫عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن آدم‪ ،‬عن أبيه رفعه قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يا علي ل تشاور جبانا فانه يضيق‬
‫عليك المخرج ول تشاور البخيل فانه يقصر بك غايتك‪ ،‬ول تشاور حريصا‬
‫فانه يزين لك شرها‪ ،‬واعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة‬
‫واحدة يجمعها‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .53‬البقرة‪ (3) .237 :‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪(4) .45‬‬
‫عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 176‬‬
‫]‪[305‬‬

‫سوء الظن )‪ - 22 .(1‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن عبد العلى الرجاني‪ ،‬عن عبد العلى بن أعين‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن البخيل من كسب مال من غير حله‪،‬‬
‫وأنفقه في غير حقه )‪ - 23 .(2‬مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن بعض اصحابه بلغ به ابن طريف‪ ،‬عن ابن نباتة‪ ،‬عن الحارث العور‬
‫قال‪ :‬فيما سأل علي عليه السلم ابنه الحسن عليه السلم أن قال له‪ :‬ما‬
‫الشح ؟ قال‪ :‬أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقت تلفا )‪ - 24 .(3‬مع‪ :‬عن‬
‫الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن سعيد‪ ،‬عن إبراهيم بن الهيثم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن المعافا بن عمران‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن المقدام بن شريح‪ ،‬عن أبيه مثله‬
‫وفيه أن ترى القليل سرفا )‪ - 25 .(4‬مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن‬
‫أحمد بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن زرارة قال‪:‬‬
‫سمعت ابا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إنما الشحيح من منع حق ال وأنفق‬
‫في غير حق ال عزوجل )‪ - 26 .(5‬مع‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن أبي جهم‪ ،‬عن موسى بن بكر‪ ،‬عن أحمد بن سليمان‪ ،‬عن موسى بن‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬البخيل من بخل بما افترض ال عليه )‪- 27 .(6‬‬
‫مع‪ :‬ابي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن معاوية بن وهب عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬البخيل من بخل بالسلم )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .246‬معاني الخبار ص ‪ (3) .245‬معاني الخبار‬
‫ص ‪ (4) .245‬معاني الخبار ص ‪ (7 - 5) .401‬معاني الخبار ص ‪246‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[306‬‬

‫‪ - 28‬مع‪ :‬عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري‪ ،‬عن علي بن الحسين ابن‬
‫بندار التميمي‪ ،‬عن محمد بن الحجاج‪ ،‬عن أحمد بن العل‪ ،‬عن أبي زكريا‪،‬‬
‫عن سليمان بن بلل‪ ،‬عن عمارة بن عرفة‪ ،‬عن عبد ال بن علي بن‬
‫الحسين‪ ،‬عن ابيه عن جده عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصل علي )‪ - 29 .(1‬مع‪ :‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن الفضيل ابن عياض‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أتدري من الشحيح ؟ فقلت‪ :‬هو البخيل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬الشحيح اشد من البخيل‪ ،‬إن البخيل يبخل بما في يديه‪ ،‬وإن الشحيح‬
‫يشح بما في أيدي الناس‪ ،‬وعلى ما في يديه‪ ،‬حتى ل يرى في أيدي الناس‬
‫شيئا إل تمنى أن يكون له بالحل والحرام‪ ،‬ول يشبع ول يقنع بما رزقه ال‬
‫تعالى )‪ - 30 .(2‬مع‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن أبي‬
‫جميلة‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ليس البيخل من يؤدي أو الذي يؤدي الزكاة المفروضة من‬
‫ماله‪ ،‬ويعطي النائبة في قومه‪ ،‬وإنما البخيل حق البخيل الذي يمنع الزكاة‬
‫المفروضة في ماله‪ ،‬ويمنع النائبة في قومه‪ ،‬وهو فيما سوى ذلك يبذر )‬
‫‪ - 31 .(3‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن العل بن فضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬ثلث إذا كن في الرجل فل تحرج أن تقول إنه في جهنم‪ :‬الجفاء‪،‬‬
‫والجبن‪ ،‬والبخل‪ ،‬وثلث إذا كن في المرأة فل تحرج أن تقول إنها في‬
‫جهنم‪ :‬البذاء والخيلء والفخر )‪ - 32 .(4‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن الحسن بن علي بن النعمان‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ 2) .246‬و ‪ (3‬معاني الخبار ص ‪ (4) .245‬الخصال ج ‪1‬‬


‫ص ‪.76‬‬

‫]‪[307‬‬

‫ابن أسباط‪ ،‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما كان في‬
‫شيعتنا فل يكون فيهم ثلثة أشياء‪ ،‬ل يكون فيهم من يسأل بكفه‪ ،‬ول يكون‬
‫فيهم بخيل‪ ،‬ول يكون فيهم منم يؤتى في دبره )‪ - 33 .(1‬دجا‪ :‬عن أبي‬
‫غالب الزراري‪ ،‬عن محمد بن جعفر الرزاز‪ ،‬عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن جميل بن صالح‪ ،‬عن بريد‪ ،‬عن أبي جعفر‪ ،‬عن أبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يقول ال تعالى‪ :‬المعروف‬
‫هدية مني إلى عبدي المؤمن‪ ،‬فان قبلها مني فبرحمتي ومني‪ ،‬وإن ردها‬
‫علي فبذنبه حرمها‪ ،‬ومنه ل مني‪ ،‬وأيما عبد خلقته فهديته إلى اليمان‬
‫وحسنت خلقه ولم أبتله بالبخل فاني اريد به خيرا )‪ - 34 .(2‬مكا‪ :‬عن‬
‫الصادق عليه السلم قال‪ :‬خياركم سمحاؤكم‪ ،‬وشراركم بخلؤكم ومن‬
‫خالص اليمان البر بالخوان‪ ،‬والسعي في حوائجهم‪ .‬وعنه عليه السلم‬
‫قال‪ :‬شاب سخي مرهق في الذنوب أحب إلى ال عزوجل من شيخ عابد‬
‫بخيل‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬من أدى ما افترض ال عليه فهو‬
‫أسخى الناس‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما محق السلم محق الشح شئ‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل‪ ،‬وشعبا كشعب الشرك )‪ - 35 .(3‬ختص‪:‬‬
‫قال الصادق عليه السلم‪ :‬حسب البخيل من بخله سوء الظن بربه من أيقن‬
‫بالخلف جاد بالعطية )‪ - 36 .(4‬نهج‪] :‬قال عليه السلم‪ [:‬البخل عار‪،‬‬
‫والجبن منقصة )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬البخل جامع لمساوي العيوب‪،‬‬
‫وهو زمام يقاد به‬
‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .65‬مجالس المفيد ص ‪ (3) .159‬مكارم الخلق ص )‬
‫‪ (4‬الختصاص‪ (5) .234 :‬نهج البلغة الرقم ‪ 3‬من الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[308‬‬

‫إلى كل سوء )‪ - 37 .(1‬كتاب المامة والتبصرة‪ :‬عن أحمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسن الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬السخي قريب من ال‪ ،‬قريب من الناس‪ ،‬قريب من الجنة‪،‬‬
‫والبخيل بعيد من ال‪ ،‬بعيد من الناس‪ ،‬قريب من النار‪) - 137 - .‬باب( *‬
‫" )الذنوب وآثارها والنهي عن استصغارها( " * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬فأنزل‬
‫على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )‪ .(2‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬بلى من كسب سيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )‪ .(4‬النساء‪:‬‬
‫فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم )‪ .(5‬وقال‪ :‬ومن يكسب إثما‬
‫فانما يكسبه على نفسه وكان ال عليما حكيما )‪ .(6‬المائدة‪ :‬مخاطبا‬
‫لموسى عليه السلم‪ :‬فل تأس على القوم الفاسقين )‪ .(7‬وقال‪ :‬فان تولوا‬
‫فاعلم أنما يريد ال أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 378‬من الحكم‪ (2) .‬البقرة‪ (3) .59 :‬البقرة‪(4) .61 :‬‬
‫البقرة‪ (5) .81 :‬النساء‪ (6) .64 :‬النساء‪ (7) .111 :‬المائدة‪.(*) 26 :‬‬

‫]‪[309‬‬

‫من الناس لفاسقون )‪ .(1‬وقال‪ :‬لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود‬
‫وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا ل يتناهون عن‬
‫منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬ول تعتدوا إن ال ل‬
‫يحب المعتدين )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين )‪.(4‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬وال ل يهدي القوم الفاسقين )‪ .(5‬النعام‪ :‬أو لم يروا كم‬
‫أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا‬
‫السماء عليهم مدرارا وجعلنا النهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم‬
‫وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين )‪ .(6‬وقال تعالى‪ :‬وذروا ظاهر الثم وباطنه‬
‫إن الذين يكسبون الثم سيجزون بما كانوا يقترفون )‪ .(7‬وقال تعالى‪ :‬ول‬
‫يرد بأسه عن القوم المجرمين )‪ .(8‬وقال تعالى‪ :‬ول تقربوا الفواحش ما‬
‫ظهر منها وما بطن )‪ .(9‬العراف‪ :‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا‬
‫عليهم بركات من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون‬
‫)‪ .(10‬وقال‪ :‬وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )‪ .(11‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫فبدل الذين ظلموا منهم قول غير الذي قيل لهم فأرسلنا‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .49 :‬المائدة‪ (3) .79 - 78 :‬المائدة‪ (4) .87 :‬المائدة‪(5) .107 :‬‬
‫المائدة‪ (6) .108 :‬النعام‪ (7) .6 :‬النعام‪ (8) .120 :‬النعام‪(9) .147 :‬‬
‫النعام‪ (10) .151 :‬العراف‪ (11) .96 :‬العراف‪.(*) 160 :‬‬

‫]‪[310‬‬

‫عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون )‪ .(1‬وقال تعالى في قصة اصحاب‬
‫السبت‪ :‬كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون إلى قوله تعالى‪ :‬فلما نسوا ما‬
‫ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‬
‫بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين‬
‫)‪ .(2‬النفال‪ :‬كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات ال فأخذهم‬
‫ال بذنوبهم إن ال قوي شديد العقاب * ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة‬
‫أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإن ال سميع عليم )‪ .(3‬التوبة‪:‬‬
‫وال ل يهدي القوم الفاسقين )‪ .(4‬هود‪ :‬فمن ينصرني من ال إن عصيته‬
‫)‪ .(5‬وقال تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلم‪ :‬ويا قوم اعملوا على‬
‫مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب‬
‫وارتقبوا إني معكم رقيب )‪ .(6‬الرعد‪ :‬إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا‬
‫ما بأنفسهم وإذا أراد ال بقوم سوء فل مرد له وما لهم من دونه من وال )‬
‫‪ .(7‬النحل‪ :‬وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )‪.(8‬‬
‫أسرى‪ :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها‬
‫القول فدمرناها تدميرا * وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك‬
‫بذنوب عباده خبيرا بصيرا )‪ .(9‬الكهف‪ :‬وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا )‪.(10‬‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .162 :‬العراف‪ (3) .166 - 163 :‬النفال‪(4) .53 - 52 :‬‬
‫براءة‪ (5) .24 :‬هود‪ (6) .63 :‬هود‪ (7) 96 :‬الرعد‪ (8) .11 :‬النحل‪:‬‬
‫‪ (9) .90‬اسرى‪ (10) .17 - 16 :‬الكهف‪.(*) 59 :‬‬

‫]‪[311‬‬

‫النور‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان‬
‫فانه يأمر بالفحشاء والمنكر )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬فليحذر الذين يخالفون عن‬
‫أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )‪ .(2‬الفرقان‪ :‬وكفى به بذنوب‬
‫عباده خبيرا )‪ .(3‬الشعراء‪ :‬فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام‬
‫كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل )‪ .(4‬النمل‪ :‬فتلك بيوتهم خاوية بما‬
‫ظلموا إن في ذلك لية لقوم يعلمون )‪ .(5‬وقال تعالى‪ :‬ومن جاء بالسيئة‬
‫فكبت وجوههم في النار هل تجزون إل ما كنتم تعملون )‪ .(6‬العنكبوت‪ :‬أم‬
‫حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون )‪ .(7‬فاطر‪:‬‬
‫والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور )‪.(8‬‬
‫الزمر‪ :‬قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )‪ .(9‬حمعسق‪ :‬وما‬
‫أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير إلى قوله تعالى‪ :‬أو‬
‫يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير )‪ .(10‬الحجرات‪ :‬بئس السم الفسوق‬
‫بعد اليمان )‪ .(11‬الحشر‪ :‬وليجزي الفاسقين )‪.(12‬‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .21 :‬النور‪ (3) .63 :‬الفرقان‪ (4) .58 :‬الشعراء‪(5) .59 - 57 :‬‬
‫النمل‪ (6) .52 :‬النمل‪ (7) .90 :‬العنكبوت‪ (8) .4 :‬فاطر‪(9) .10 :‬‬
‫الزمر‪ (10) .13 :‬الشورى‪ (11) .34 - 30 :‬الحجرات‪(12) .11 :‬‬
‫الحشر‪.(*) 5 :‬‬

‫]‪[312‬‬

‫الصف‪ :‬وال ل يهدي القوم الفاسقين )‪ .(1‬المعارج‪ :‬يود المجرم لو يفتدي من‬
‫عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في‬
‫الرض جميعا ثم ينجيه )‪ .(2‬نوح‪ :‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم‬
‫يجدوا لهم من دون ال أنصارا )‪ .(3‬الجن‪ :‬ومن يعص ال ورسوله فان له‬
‫نار جهنم خالدين فيها أبدا )‪ .(4‬الشمس‪ :‬فدمدم عليهم ربهم بذنبهم‬
‫فسويها * ول يخاف عقبيها )‪ - 1 .(5‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬كان ابي يقول‪ :‬ما من شئ أفسد للقلب من خطيئته‪،‬‬
‫إن القلب ليواقع الخطيئة فل تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعله اسفله )‬
‫‪ .(6‬بيان‪ " :‬افسد للقلب من خطيئته " فان قلت‪ :‬ما يفسد القلب فهو‬
‫خطيئة فما معنى التفضيل ؟ قلت‪ :‬ل نسلم ذلك‪ ،‬فان كثيرا من المباحات‬
‫تفسد القلب‪ ،‬بل بعض المراض واللم والحزان والهموم والوساوس‬
‫أيضا تفسدها‪ ،‬وإن لم تكن مما يستحق عليه العذاب وهي أعم من الخطايا‬
‫الظاهرة إذ للظاهر تأثير في الباطن بل عند المتكلمين الواجبات البدنية‬
‫لطف في الطاعات القلبية‪ ،‬ومن الخطايا القلبية كالعقائد الفاسدة والهم‬
‫بالمعصية‪ ،‬والصفات الذميمة‪ ،‬كالحقد والحسد والعجب وأمثالها‪ " .‬ليواقع‬
‫الخطيئة " اي يباشرها ويخالطها ويرتكبها خطيئة بعد خطيئة أو يقابل‬
‫ويدافع الخطيئة الواحدة أو جنس الخطيئة‪ " ،‬فل تزال به " هو من الفعال‬
‫الناقصة‬

‫)‪ (1‬الصف‪ (2) .5 :‬المعارج‪ (3) .14 - 11 :‬نوح‪ (4) .25 :‬الجن ‪(5) .23‬‬
‫الشمس‪ (6) .15 - 14 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 268‬‬

‫]‪[313‬‬

‫واسمه الضمير الراجع إلى الخطيئة و " به " خبره اي ملتبسا به وقيل‪ :‬متعلق‬
‫بفعل محذوف أي تفعل به والمراد إما جنس الخطيئة أو الخطيئة‬
‫المخصوصة التي ارتكبها ولم يتب منها فتؤثر في القلب بحلوتها‪ ،‬حتى‬
‫تغلب على القلب بالرين والطبع أو يدافعها ويحاربها فتغلب عليه حتى‬
‫يرتكبها لعدم قلع مراد الشهوات عن قلبه على الحتمال الثاني‪ " .‬فيصير‬
‫أعله اسفله " أي يصير منكوسا كالناء المقلوب المكبوب ل يستقر فيه‬
‫شئ من الحق ول يؤثر فيه شئ من ]المواعظ كما روي‪ :‬القلوب ثلثة‪:‬‬
‫قلب منكوس ل يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر‪ ،‬الخبر )‪ (1‬والحاصل‬
‫أن الخطيئة تلتبس بالقلب وتؤثر فيه حتى تصيره مقلوبا ل يستقر فيه شئ‬
‫من[ )‪ (2‬الخير بمنزلة الكافر‪ ،‬فان الصرار على المعاصي طريق إلى الكفر‬
‫كما قال سبحانه‪ " :‬ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءى أن كذبوا بآيات ال‬
‫" )‪ (3‬وهذا اظهر الوجوه المذكورة في تلك الية‪ ،‬وهذا الذي خطر بالبال‬
‫اظهر القوال من جهة الخبار‪ ،‬وقيل فيه وجوه أخر‪ :‬الول ما ذكره بعض‬
‫المحققين يعني فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب و تؤثر فيه بحلوتها‬
‫حتى يجعل وجهه الذي إلى جانب الحق والخرة‪ ،‬إلى جانب الباطل والدنيا‬
‫الثاني أن المعنى ما تزال تفعل وتؤثر بالقلب بميله إلى أمثالها من‬
‫المعاصي حتى تنقلب احواله‪ ،‬ويتزلزل وترتفع نظامه‪ ،‬وحاصله يرجع إلى‬
‫ما ذكرنا لكن الفرق بين‪ .‬الثالث ما قيل‪ :‬فل تزال به حتى تغلب عليه‪ ،‬فان‬
‫لم ترتفع بالتوبة الخالصة فتصير أعله أسفله اي تكدره وتسوده‪ ،‬لن‬
‫العلى صاف‪ ،‬والسفل ردي من باب التمثيل‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عمن ذكره عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم في قول ال عزوجل‪ " :‬فما اصبرهم على النار "‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫اصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬راجع الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .423‬راجع شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(3) .242‬‬
‫الروم‪ (4) .10 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 268‬‬
‫]‪[314‬‬

‫بيان‪ :‬الية في سورة البقرة هكذا " إن الذين يكتمون ما أنزل ال من الكتاب‬
‫ويشترون به ثمنا قليل أولئك ما يأكلون في بطونهم إل النار ول يكلمهم ال‬
‫يوم القيمة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضللة‬
‫بالهدى والعذاب بالمغفرة فما اصبرهم على النار " )‪ .(1‬وذكر البيضاوي‬
‫قريبا مما ورد في الخبر قال‪ :‬تعجب من حالهم في اللتباس بموجبات النار‬
‫من غير مبالة و " ما " تامة مرفوعة بالبتدا‪ ،‬وتخصيصها كتخصيص‬
‫شر أهر ذا ناب‪ ،‬أو استفهامية وما بعدها الخبر أو موصولة وما بعدها‬
‫صلة والخبر محذوف )‪ .(2‬وأقول‪ :‬يعضده قوله تعالى في الية السابقة‪" :‬‬
‫ما يأكلون في بطونهم إل النار " وقال البيضاوي فيه‪ :‬إما في الحال لنهم‬
‫أكلوا ما يلتبس بالنار‪ ،‬لكونها عقوبة عليه‪ ،‬فكأنهم أكلوا النار‪ ،‬أو في المآل‬
‫أي ل يأكلون يوم القيامة إل النار انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬مثله قوله صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلتكم‪.‬‬
‫وقال الطبرسي رحمه ال‪ :‬فيه أقوال‪ :‬أحدها أن معناه ما أجرأهم على النار‬
‫ذهب إليه الحسن وقتادة ورواه علي بن إبراهيم )‪ (3‬باسناده عن ابي عبد‬
‫ال عليه السلم والثاني ما أعملهم بأعمال أهل النار‪ ،‬عن مجاهد وهو‬
‫المروي عن ابي عبد ال عليه السلم والثالث ما أبقاهم على النار ]كما‬
‫يقال‪ :‬ما أصبر فلنا على الحبس‪ ،‬عن الزجاج والرابع ما أدومهم على‬
‫النار اي ما أدومهم على عمل أهل النار[ )‪ (4‬كما يقال‪ :‬ما أشبه سخاءك‬
‫بحاتم أي بسخاء حاتم وعلى هذا الوجه‪ ،‬فظاهر الكلم التعجب‪ ،‬والتعجب ل‬
‫يجوز على القديم سبحانه‪ ،‬لنه عالم بجميع الشياء ل يخفى عليه شئ‪،‬‬
‫والتعجب إنما يكون‬

‫)‪ (1‬الية‪ (2) .175 - 174 :‬انوار التنزيل‪ ،47 :‬وفيه " في اللتباث " بدل " في‬
‫اللتباس "‪ (3) .‬تفسير القمى ص ‪ (4) .55‬راجع شرح الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.243‬‬

‫]‪[315‬‬

‫مما ل يعرف سببه وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من‬
‫يتعجب منه‪ ،‬فهو تعجب لنا منهم والخامس ما روي عن ابن عباس أن‬
‫المراد أي شئ اصبرهم على النار اي حبسهم عليها‪ ،‬فتكون للستفهام‪.‬‬
‫ويجوز حمل الوجوه الثلثة المتقدمة ]على الستفهام أيضا فيكون المعنى‬
‫اي شئ أجرأهم على النار وأعملهم بأعمال أهل النار وأبقاهم على النار‪،‬‬
‫وقال الكسائي‪ :‬هو[ )‪ (1‬استفهام على وجه التعجب وقال المبرد‪ :‬هذا‬
‫حسن لنه كالتوبيخ لهم‪ ،‬والتعجب لنا كما يقال لمن وقع في ورطة‪ :‬ما‬
‫اضطرك إلى هذا إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها‪ ،‬والمراد به‬
‫النكار والتقريع على اكتساب سبب الهلك وتعجب الغير منه‪ ،‬ومن قال‪:‬‬
‫معناه ما أجرأهم على النار‪ ،‬فانه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا‬
‫لن بالجرأة يصبر على الشدة )‪ - 3 .(2‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النضر بن‬
‫سويد‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أما إنه ليس‬
‫من عرق يضرب ول نكبة ول صداع ول مرض إل بذنب‪ ،‬وذلك قول ال‬
‫عزوجل في كتابه‪ " :‬وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن‬
‫كثير " )‪ (3‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬وما يعفو ال أكثر مما يؤاخذ به )‪ .(4‬بيان‪ :‬النكبة‬
‫وقوع الرجل على الحجارة عند المشي أو المصيبة‪ ،‬والول اظهر كما مر‪،‬‬
‫وقد وقع التصريح في بعض الخبار التي وردت في هذا المعنى بنكبة قدم )‬
‫‪ (5‬والمخاطب في هذه الية من يقع منهم الخطايا والذنوب‪ ،‬ل‬
‫المعصومون من النبياء والوصياء عليهم السلم كأنهم فيهم لرفع‬
‫درجاتهم‪ ،‬كما روي عن الصادق عليه السلم أنه لما دخل علي بن الحسين‬
‫عليه السلم على يزيد نظر إليه ثم قال‪ :‬يا علي " ما أصابكم‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين اضفناه من المصدر‪ (2) .‬مجمع البيان ج ‪ 1‬ص ‪(3) .259‬‬
‫الشورى‪ (4) .30 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .269‬سيأتي في الصفحة التالية‪.‬‬

‫]‪[316‬‬

‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال عليه السلم‪ :‬كل ما هذه فينا‪ ،‬إنما نزل فينا "‬
‫ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن‬
‫نبرأها ان ذلك على ال يسير * لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما‬
‫آتيكم " )‪ (1‬فنحن الذين ل ناس على ما فاتنا‪ ،‬ول نفرح بما أوتينا‪ .‬وروى‬
‫الحميري في قرب السناد عن ابن بكير قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫عن قول عزوجل‪ " :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم " فقال‬
‫هو‪ " :‬ويعفو عن كثير " قال‪ :‬قلت‪ :‬ما أصاب عليا وأشياعه من أهل بيته‬
‫من ذلك ؟ قال‪ :‬فقال‪] :‬إن[ رسول ال صلى ال عليه وآله كان يتوب إلى‬
‫ال عزوجل كل يوم سبعين مرة من غير ذنب )‪ .(2‬وقال الطبرسي رحمه‬
‫ال‪ " :‬وما أصابكم " معاشر الخلق " من مصيبة " من بلوى في نفس أو‬
‫مال " فبما كسبت ايديكم " من المعاصي " ويعفو عن كثير " منها فل‬
‫يعاقب بها قال الحسن‪ :‬الية خاصة بالحدود التي تستحق على وجه‬
‫العقوبة وقال قتادة‪ :‬هي عامة‪ ،‬وروي عن علي عليه السلم أنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬خير آية في كتاب ال هذه الية يا علي ما‬
‫من خدش عود ول نكبة قدم إل بذنب وما عفى ال عنه في الدنيا فهو أكرم‬
‫من أن يعود فيه‪ ،‬وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على‬
‫عبده‪ ،‬وقال أهل التحقيق‪ :‬إن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم‪ ،‬لما‬
‫يلحق من مصائب الطفال والمجانين‪ ،‬ومن ل ذنب له من المؤمنين‪ ،‬ولن‬
‫النبياء والئمة يمتحنون بالمصائب‪ ،‬وإن كانوا معصومين من الذنوب‪ ،‬لما‬
‫يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب انتهى )‪ .(3‬وقيل‪ :‬الذنوب متفاوتة‬
‫بالذات‪ ،‬وبالنسبة إلى الشخاص‪ ،‬وترك الولى ذنب بالنسبة إليهم‪ ،‬فلذلك‬
‫قيل‪ :‬حسنات البرار سيئات المقربين‪ ،‬ويؤيده ما‬

‫)‪ (1‬الحديد‪ (2) .23 - 22 :‬قرب السناد ص ‪ ،103‬ط النجف‪ (3) .‬مجمع البيان ج‬
‫‪ 9‬ص ‪.(*) 31‬‬

‫]‪[317‬‬

‫أصاب آدم ويونس وغيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم‪ ،‬ولئن سلم فقد يصاب‬
‫البري بذنب الجري‪ ،‬وما ذكرنا اظهر وأصوب‪ ،‬ومؤيد بالخبار‪ - 4 .‬كا‪:‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬ل تبدين عن واضحة‪،‬‬
‫وقد عملت العمال الفاضحة‪ ،‬ول يأمن البيات من عمل السيئات )‪.(1‬‬
‫بيان‪ " :‬ل تبدين عن واضحة " البداء الظهار وتعديته بعن لتضمين‬
‫معنى الكشف‪ ،‬وفي الصحاح والقاموس والمصباح الواضحة السنان تبدو‬
‫عند الضحك وفي القاموس فضحه كمنعه كشف مساويه‪ ،‬اي ل تضحك‬
‫ضحكا يبدو به أسنانك ويكشف عن سرور قلبك‪ ،‬وقد عملت أعمال قبيحة‬
‫افتضحت بها عند ال‪ ،‬وعند ملئكته‪ ،‬وعند الرسول والئمة عليهم السلم‪،‬‬
‫ول تدري أغفر ال لك أم يعذبك عليها ؟ ولذا كان من علمة المؤمنين أن‬
‫ضحكهم التبسم ويؤيده ما روي عنه عليه السلم لو تعلمون ما أعلم‬
‫لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرا‪ ،‬لكن البشر في الجملة مطلوب كما مر أن‬
‫بشره في وجهه وحزنه في في قلبه‪ ،‬وقوله‪ " :‬وقد عملت " جملة حالية‬
‫" ول يأمن البيات " بكسر النون ليكون نهيا والكسرة للتقاء الساكنين أو‬
‫بالرفع خبرا بمعنى النهي‪ ،‬وما قيل‪ :‬إنه معطوف على الجملة الحالية بعيد‪،‬‬
‫والمراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليل‪ ،‬أو غفلة وإن كان بالنهار‪ ،‬في‬
‫المصباح‪ :‬البيات بالفتح الغارة ليل وهو اسم من بيته تبييتا وبيت المر‬
‫دبره ليل‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن ابي عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫سليمان الجعفري عن عبد ال بن بكير‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬الذنوب كلها شديدة وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم‪ ،‬لنه إما‬
‫مرحوم أو معذب والجنة ل يدخلها إل طيب )‪ .(2‬بيان‪ " :‬كلها شديدة "‬
‫لن معصية الجليل جليلة أو استيجاب غضب ال‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .269‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 270‬‬

‫]‪[318‬‬

‫وعقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم أو لن التوبة المقبولة نادرة مشكلة وشرائطها‬
‫كثيرة‪ ،‬والتوفيق لها عزيزة " وأشدها ما نبت عليه اللحم والدم " كأن‬
‫المراد به ماله دخل في قوام البدن من المأكول والمشروب الحرامين‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد به ذنبا اصر وداوم عليه مدة نبت فيه اللحم‬
‫والعظم‪ ،‬وإطلق هذه العبارة في الدوام والستمرار شائع في عرف العرب‬
‫والعجم‪ ،‬بل أخبار الرضاع ايضا ظاهرة في ذلك‪ " .‬لنه إما مرحوم وإما‬
‫معذب " اي آخرا أو في الجنة والنار‪ ،‬لكن ل بد أن يعذب في البرزخ أو‬
‫المحشر قدر ما يطيب جسمه الذي نبت على الذنوب‪ ،‬لن الجنة ل يدخلها‬
‫إل الطيب ويؤيده ما رويناه من النهج )‪ (1‬وقيل‪ :‬المرحوم من كفرت ذنوبه‬
‫بالتوبة أو البليا أو العفو‪ ،‬والمعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬هذا الخبر ينافي ظاهرا عموم الشفاعة وعفو ال وتكفير السيئات‬
‫بالحسنات على القول به‪ ،‬وأجيب بوجوه الول أن يقال‪ :‬يعني أن صاحب‬
‫الذنب الذي نبت عليه اللحم والدم أمره في مشية ال‪ ،‬لنه ليس بطيب‪ ،‬ول‬
‫يدخل الجنة قطعا وحتما إل طيب‪ ،‬الثاني أن يخص هذا بغير تلك الصور اي‬
‫ل يدخلها بدون الشفاعة والعفو والتكفير‪ ،‬الثالث ما قيل‪ :‬إنه تعالى ينزع‬
‫عنهم الذنوب فيدخلونها وهم طيبون من الذنوب‪ ،‬ويؤيده قوله تعالى‪" :‬‬
‫ونزعنا ما في صدورهم من غل " الية )‪ (2‬وهو بعيد‪ - 6 .‬كا‪ :‬الحسين بن‬
‫محمد‪ ،‬عن معلى بن محمد‪ ،‬عن الوشاء‪ ،‬عن ابان‪ ،‬عن الفضيل بن يسار‪،‬‬
‫عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق )‬
‫‪ .(3‬بيان‪ " :‬فيزوى عنه الرزق " اي يقبض أو يصرف وينحى عنه‪ ،‬اي‬
‫قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه‪ ،‬وليس هذا كليا‬
‫بل هو‬

‫)‪ (1‬راجع النهج الرقم ‪ 417‬من الحكم‪ (2) .‬العراف‪ (3) .43 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.270‬‬

‫]‪[319‬‬

‫بالنسبة إلى غير المستدرجين فان كثيرا من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق‬
‫وفي النهاية زويت الرض أي جمعت‪ ،‬وفي حديث الدعاء‪ :‬وما زويت عني‬
‫مما أحب اي صرفته عني وقبضته‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن صالح‬
‫بن أبي حماد‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم النوفلي‪ ،‬عن الحسين بن مختار‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم‪ ،‬ملعون ملعون من كمه أعمى‬
‫ملعون ملعون من نكح بهيمة )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الصدوق رضي ال عنه في‬
‫كتاب معاني الخبار‪ :‬بعد إيراد هذه الرواية قال مصنف هذا الكتاب‪ :‬معنى‬
‫قوله‪ :‬ملعون من كمه أعمى يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر‬
‫وقرره في نفسه حتى اعتقده وقوله‪ :‬من عبد الدينار والدرهم يعني به من‬
‫يمنع زكاة ماله‪ ،‬ويبخل بمواساة إخوانه‪ ،‬فيكون قد آثر عبادة الدينار‬
‫والدرهم على عبادة ال‪ ،‬وأما نكاح البهيمة فمعلوم انتهى )‪ .(2‬وأقول‪:‬‬
‫اللعن الطرد والبعاد عن الخير من ال تعالى ]ومن الخلق السب والدعاء‬
‫وطلب البعد من الخير‪ ،‬وكل من أطاع من يأمره ال بطاعته فقد عبده كما‬
‫قال تعالى‪ " (3) [:‬أن ل تعبدوا الشيطان " )‪ (4‬وقال سبحانه‪ " :‬اتخذوا‬
‫أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال " )‪ (5‬وكذا من آثر حب شئ على‬
‫رضا ال وطاعته فقد عبده كعبادة الدينار والدرهم‪ .‬قال الراغب‪ :‬العبودية‬
‫إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لنها غاية التذلل ول يستحقها إل من له‬
‫غاية الفضال وهو ال تعالى‪ ،‬والعبد على أربعة أضرب الول عبد بحكم‬
‫الشرع وهو النسان الذي يصح بيعه وابتياعه‪ ،‬والثاني عبد‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .270‬معاني الخبار ص ‪ 403‬وقد مر ص ‪ 140‬فيما‬


‫سبق من هذا المجلد‪ (3) .‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .244‬يس‪ (5) .60 :‬براءة‪.(*) 31 :‬‬

‫]‪[320‬‬

‫باليجاد وذلك ليس إل ل تعالى وإياه قصد بقوله‪ " :‬إن كل من في السموات‬
‫والرض إل آتي الرحمن عبدا " )‪ (1‬الثالث عبد بالعبادة والخدمة‪ ،‬والناس‬
‫في هذا ضربان عبد ل مخلصا وهو المقصود بقوله عزوجل " واذكر‬
‫عبدنا أيوب " )‪ (2‬وأمثاله وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على‬
‫خدمتها ومراعاتها‪ ،‬وإياه قصد النبي صلى ال عليه وآله بقوله‪ :‬تعس عبد‬
‫الدرهم‪ ،‬تعس عبد الدينار‪ ،‬وعلى هذا النحو يصح أن يقال‪ :‬ليس كل إنسان‬
‫عبدا ل‪ ،‬فان العبد على هذا المعنى العابد لكن العبد أبلغ من العابد انتهى )‬
‫‪ .(3‬وأما قوله " من كمه أعمى " ففي القاموس الكمه محركة العمى يولد‬
‫به النسان أو عام كمه كفرح عمي وصار أعشى وبصره اعترته ظلمة‬
‫تطمس عليه‪ ،‬والمكمه العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه‪ ،‬والكامه من‬
‫يركب رأسه ول يدري أين يتوجه كالمتكمه وقال الجوهري‪ :‬الكمه الذي‬
‫يولد أعمى وقد كمه بالكسر كمها واستعاره سويد فجعله عارضا بقوله‪:‬‬
‫كمهت عيناه حتى ابيضتا )‪ (4‬وأبو سعيد‪ :‬الكامه الذي يركب رأسه ل‬
‫يدري أين يتوجه‪ ،‬يقال‪ :‬خرج يتكمه في الرض انتهى‪ .‬وقال الراغب‪:‬‬
‫العمى يقال في افتقاد البصر‪ ،‬وافتقاد البصيرة‪ ،‬ويقال في الول أعمى وفي‬
‫الثاني أعمى وعم‪ .‬وإذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوها‪:‬‬
‫الول ما مر من الصدوق رحمه ال وكأنه أظهرها الثاني أن يكون المعنى‬
‫أضل أعمى البصر عن الطريق وحيره أول يهديه إليها‪ ،‬الثالث أن يقول‬
‫للعمى يا أعمي أو يا أكمه معيرا له بذلك‪ ،‬الرابع أن يكون المعنى من‬
‫يذهب طريقا ويختار مذهبا ل يدري هو أحق أم ل كأكثر الناس‪ .‬فيكون كمه‬
‫بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الذي ذكره الجوهري‬

‫مريم‪ (2) .93 :‬ص‪ (3) .17 ،41 :‬مفردات غرييب القرآن‪ (4) .319 ،‬بعده‪ :‬فهو‬
‫يلحى نفسه لما نزع‪ ،‬راجع الصحاح ‪.(*) 2247‬‬

‫]‪[321‬‬

‫والفيروز آبادي‪ ،‬فيكون أعمى حال عن المستتر في كمه أي أعمى القلب‪ ،‬وهذا‬
‫وجه وجيه مما خطر بالبال إن كان فعل المجرد استعمل بهذا المعنى‪ ،‬كما‬
‫هو الظاهر‪ .‬ولقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة‬
‫القاموس من يركب فرسه‪ ،‬فقال‪ :‬ويحتمل كمه بالتخفيف والمعنى من ركب‬
‫أعمى فهو كناية عمن لم يسلك الطريق الواضح‪ ،‬الخامس أن يقرء‬
‫بالتخفيف أيضا ويكون المعنى من كان أعمى مولودا على العمى لم يهتد‬
‫إلى الخير سبيل قط بخلف من يكون لواما يتنبه أحيانا ويغفل أحيانا‪،‬‬
‫السادس أن يقرء بضم الكاف وتشديد الميم اسما‪ ،‬ويكون عمى الكم كناية‬
‫عن البخل‪ .‬وأقول‪ :‬الظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه ل يبالي‬
‫أن يأخذ المال من حرام أو شبهة أو حلل‪ ،‬أو يعطي المال كيف ما اتفق‬
‫ويبذر‪ ،‬ول يعلم مصارفه الشرعية‪ .‬وأما نكاح البهيمة فالظاهر أن المراد‬
‫به الوطي كما فهمه الصدوق رحمه ال وغيره وربما يحتمل العقد فيكون‬
‫المراد بالبهيمة المرءة المخالفة أو تزويج البنت للمخالف كما مر أن‬
‫الناس كلهم بهائم إل قليل من المؤمنين‪ ،‬وكما قيل في قولهم عليهم‬
‫السلم‪ :‬ل تنزى حمارا على عتيقة‪ ،‬وربما يقرء نكح بالتشديد على بعض‬
‫الوجوه ول يخفى ما في الجميع من التكلف‪ - 8 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن‬
‫محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن الوشا‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬اتقوا المحقرات من الذنوب فان‬
‫لها طالبا‪ ،‬يقول أحدكم أذنب وأستغفر ال إن ال عزوجل يقول‪ " :‬سنكتب‬
‫ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " )‪ (1‬وقال عزوجل "‬
‫إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في‬
‫الرض يأت بها ال إن ال لطيف خبير " )‪.(2‬‬
‫)‪ (1‬يس‪ (2) .12 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،270‬والية في سورة لقمان‪.(*) 16 :‬‬

‫]‪[322‬‬

‫بيان‪ " :‬المحقرات " على بناء المفعول من الفعال أو التفعيل عدها حقيرة في‬
‫القاموس الحقر الذلة كالحقرية بالضم والحقارة مثلثة والمحقرة والفعل‬
‫كضرب وكرم والذلل كالتحقير والحتقار والستحقار والفعل كضرب‪،‬‬
‫وحقر الكلم تحقيرا صغره‪ ،‬والمحقرات الصغاير وتحاقر‪ :‬تصاغر‪ ،‬وفي‬
‫المصباح حقر الشئ بالضم حقارة هان قدره فل يعبأ به‪ ،‬فهو حقير‪ ،‬ويعدى‬
‫بالحركة فيقال‪ :‬حقرته من باب ضرب وأحقرته وقال‪ :‬الذنب الثم والجمع‬
‫ذنوب وأذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله‪ " .‬فإن لها طالبا " اي إن للذنوب‬
‫طالبا يعلمها ويكتبها وقرر عليها عقابا وإذا حقرها فهو يصر عليها‬
‫وتصير كبيرة‪ ،‬فيمكن أن ل يعفو عنها‪ ،‬مع أنه قد ورد أنها ل تغفر‪ ،‬ول‬
‫ينبغي التكال على التوبة والستغفار‪ ،‬فانه يمكن أن ل يوفق لها وتدركه‬
‫المنية‪ ،‬فيذهب بل توبة‪ .‬وقيل‪ :‬يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب‬
‫اتكال على الستغفار بعده تحقير له‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬كيف ل ؟ وهذا محقق‬
‫معجل نقد‪ ،‬وذاك موهوم مؤجل نسيئة " إن ال عزوجل يقول " بيان‬
‫لقوله‪ " :‬إن لها طالبا " والية في سورة يس هكذا " إنا نحن نحيي‬
‫الموتى ونكتب ما قدموا " وكأنه من النساخ أو الرواة وقيل هذا نقل للية‬
‫بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة‪ ،‬تكون بعد إحياء الموتى على أجسادهم‬
‫لفضيحتهم‪ .‬وقال في مجمع البيان‪ " :‬ونكتب ما قدموا " من طاعاتهم‬
‫ومعاصيهم في دار الدنيا‪ ،‬وقيل نكتب ما قدموه من عمل ليس له اثر "‬
‫وآثارهم " أي ما يكون له اثر‪ ،‬وقيل يعني بآثارهم أعمالهم التي صارت‬
‫سنة بعدهم‪ ،‬يقتدى فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه ونكتب‬
‫خطاهم إلى المساجد‪ ،‬وسبب ذلك ما رواه الخدري أن بني سلمة كانوا في‬
‫ناحية المدينة فشكوا إلى رسول ال صلى ال عليه وآله بعد منازلهم من‬
‫المسجد والصلة معه‪ ،‬فنزلت الية‪ " .‬وكل شئ أحصيناه في إمام مبين "‬
‫اي وأحصينا وعددنا كل شئ من‬

‫]‪[323‬‬

‫الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ‪ ،‬والوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار‬
‫الملئكة به‪ ،‬إذا قابلوا به ما يحدث من المور‪ ،‬ويكون فيه دللة على‬
‫معلومات ال سبحانه على التفصيل وقيل‪ :‬أراد به صحائف العمال‪،‬‬
‫وسمى ذلك مبينا لنه ل يدرس اثره انتهى )‪ .(1‬وقد ورد في كثير من‬
‫الخبار أن المام المبين أمير المؤمنين عليه السلم وقيل‪ :‬اراد بالثار‬
‫العمال وبما قدموا النيات المقدمة عليها‪ .‬وقال رحمه ال‪ ،‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫" يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل " معناه أن ما فعله النسان من‬
‫خير أو شر إن كانت مقدار حبة من خردل في الوزن‪ ،‬ويجوز أن يكون الها‬
‫في " إنها " ضمير القصة " فتكن في صخرة " أي فتكن تلك الحبة في‬
‫جبل اي في حجرة عظيمة لن الحبة فيها أخفى وأبعد من الستخراج " أو‬
‫في السماوات أو في الرض " ذكر السماوات والرض بعد ذكر الصخرة‬
‫وإن كان ل بد أن تكون الصخرة في الرض على وجه التأكيد‪ .‬وقال‬
‫السدي‪ :‬هذه الصخرة ليست في السماوات ول في الرض وهي تحت سبع‬
‫أرضين‪ ،‬وهذا قول مرغوب عنه " يأت بها ال " اي يحضرها ال يوم‬
‫القيامة ويجازي عليها‪ ،‬أي يأت بجزاء ما وازنها منه خير أو شر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫معناه يعلمها ال فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه‬
‫ال فيجازي عليه فهو مثل قوله تعالى‪ " :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *‬
‫ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " )‪ " (2‬إن ال لطيف " باستخراجها "‬
‫خبير " بمستقرها انتهى )‪ .(3‬وقال بعض المحققين‪ :‬خفاء الشئ إما لغاية‬
‫صغره‪ .‬وإما لحتجابه وإما لكونه بعيدا وإما لكونه في ظلمة‪ ،‬فأشار إلى‬
‫الول بقوله‪ " :‬مثقال حبة " وإلى الثاني بقوله‪ " :‬فتكن في صخرة "‬
‫وإلى الثالث بقوله‪ " :‬أو في السموات " وإلى‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .418‬الزلزال‪ (3) .8 - 7 :‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص‬
‫‪.(*) 319‬‬

‫]‪[324‬‬

‫الرابع بقوله‪ " :‬أو في الرض "‪ .‬وأقول‪ :‬قد ورد في بعض الخبار أن المراد‬
‫بالصخرة هي التي تحت الرضين والستشهاد باليتين‪ ،‬لن يعلم أن ال‬
‫سبحانه عالم بجميع أعمال العباد وأحصاها وكتبها وأوعد عليها العقاب‪،‬‬
‫فل ينبغي تحقير المعاصي‪ ،‬لن الوعيد معلوم‪ ،‬والموعد عالم قادر‪ ،‬والعفو‬
‫غير معلوم‪ - 9 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن عبد ال بن محمد‪ ،‬عن علي‬
‫بن الحكم‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن الفضيل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق وتل هذه الية " إذ أقسموا‬
‫ليصرمنها مصبحين * ول يستثنون * فطاف عليهم طائف من ربك وهم‬
‫نائمون " )‪ .(1‬بيان‪ :‬في القاموس درأه كجعله درأ ودرأة‪ :‬دفعه والفعل هنا‬
‫على بناء المجهول ويحتمل المعلوم بارجاع المستتر إلى الذنب واللم في‬
‫الذنب للعهد الذهني اي أي ذنب كان‪ ،‬بل يمكن شموله للمكروهات وترك‬
‫المستحبات كما تشعر به الية وإن أمكن حملها على أنهم لم يؤدوا الزكاة‬
‫الواجبة أو كانالزكاة عندهم حق الجداد والصرام‪ ،‬أو كان هذا ايضا واجبا‬
‫في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا ايضا‪ .‬قال الطبرسي قدس سره في‬
‫جامع الجوامع‪ " :‬إنا بلوناهم " اي أهل مكة بالجوع والقحط بدعاء‬
‫الرسول صلى ال عليه وآله " كما بلونا اصحاب الجنة " وهم إخوة كانت‬
‫لبيهم هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين‪ ،‬فكان يأخذ منها قوت سنة‬
‫ويتصدق بالباقي‪ ،‬وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في اسفل‬
‫الكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بعد من البساط الذي يبسط تحت‬
‫النخلة إذا صرمت‪ ،‬فكان يجتمع لهم شئ كثير‪ .‬فلما مات قال بنوه‪ :‬إن فعلنا‬
‫ما كان يفعل أبونا ضاق علينا المر‪ ،‬ونحن أولوا عيال‪ ،‬فحلفوا "‬
‫ليصرمنها مصبحين " داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،271‬والية في سورة القلم‪.(*) 19 - 17 :‬‬

‫]‪[325‬‬

‫" ول يستثنون " اي لم يقولوا إنشاء ال في يمينهم‪ ،‬فأحرق ال جنتهم‪ .‬وقال‬


‫البيضاوي‪ " :‬ول يستثنون "‪ :‬ول يقولون إنشاء ال‪ ،‬وإنما سماه استثناء‬
‫لما فيه من الخراج غير أن المخرج به خلف المذكور‪ ،‬والمخرج‬
‫بالستثناء عينه‪ ،‬أو لن معنى لخرج إنشاء ال ول أخرج إل أن يشاء ال‬
‫واحد أو ل يستثنون حصة المساكين‪ ،‬كما كان يخرج أبوهم‪ " .‬فطاف‬
‫عليها " على الجنة " طائف " بلء طائف " من ربك " مبتدء منه )‪.(1‬‬
‫وقال في المجمع‪ :‬اي أحاطت بها النار فاحترقت‪ ،‬أو طرقها طارق من أمر‬
‫ال " وهم نائمون " قال مقاتل‪ :‬بعث ال نارا بالليل إلى جنتهم فأحرقتها‬
‫حتى صارت مسودة فذلك قوله‪ " :‬فأصبحت كالصريم " أي كالليل المظلم‪،‬‬
‫والصريمان الليل والنهار‪ ،‬لنصرام أحدهما عن الخر‪ ،‬وقيل‪ :‬كالمصروم‬
‫ثماره اي المقطوع وقيل‪ :‬اي الذي صرم عنه الخير‪ ،‬فليس فيه شئ منه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل‪ ،‬وقيل‪ :‬كالرماد السود "‬
‫فتنادوا مصبحين " اي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح " أن اغدوا " اي‬
‫بأن اغدوا " على حرثكم " الحرث الزرع والعناب " إن كنتم صارمين "‬
‫أي قاطعين النخل‪ " .‬فانطلقوا " أي مضوا إليها " وهم يتخافتون "‬
‫يستارون بينهم " أن ل يدخلنها اليوم عليكم مسكين " هذا ما كانوا‬
‫يتخافتون به " وغدوا على حرد " أي على قصد منع الفقراء " قادرين "‬
‫عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز ما في جنتهم وقيل‪ :‬على‬
‫حرد أي على جد وجهد من أمرهم وقيل‪ :‬اي خنق وغضب من الفقراء‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬قادرين مقدرين موافاتهم الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه‪،‬‬
‫وهو وقت الصبح‪ " .‬فلما رأوها " أي رأوا الجنة على تلك الصفة " قالوا‬
‫إنا لضالون " ضللنا عن الطريق‪ ،‬فليس هذا بستاننا‪ ،‬أو لضالون عن الحق‬
‫في أمرنا‪ ،‬فلذلك عوقبنا بذلك‪ ،‬ثم استدركوا فقالوا‪ " :‬بل نحن محرومون "‬
‫اي هذه جنتنا ولكن حرمنا‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪.(*) 439 :‬‬

‫]‪[326‬‬

‫نفعها وخيرها‪ ،‬لمنعنا حقوق المساكين وتركنا الستثناء " قال أوسطهم " أي‬
‫أعدلهم قول وأفضلهم وأعقلهم أو أوسطهم في السن " ألم أقل لكم لول أن‬
‫تسبحون " كأنه كانحذرهم سوء فعالهم فقال‪ :‬لول تستثنون‪ ،‬لن في‬
‫الستثناء التوكل على ال والتعظيم ل‪ ،‬والقرار على أنه ل يقدر أحد على‬
‫فعل شئ إل بمشيئة ال فلذلك سماه تسبيحا‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه هل تعظمون ال‬
‫بعبادته واتباع أمره أو هل تذكرون نعم ال عليكم فتؤدوا شكرها بان‬
‫تخرجوا حق الفقراء من أموالكم أو هل نزهتم ال عن الظلم واعترفتم بأنه‬
‫ل يظلم ول يرضى منكم بالظلم‪ ،‬وقيل‪ :‬أي لم ل تصلون‪ .‬ثم حكى عنهم أنهم‬
‫قالوا " سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " في عزمنا على حرمان المساكين‬
‫منحصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم‪ ،‬فلم يفعل بنا ما فعله‬
‫ظلما وإنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق " فأقبل بعضهم على بعض‬
‫يتلومون " أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم " قالوا يا ويلنا إنا‬
‫كنا طاغين " قد علونا في الظلم وتجاوزنا الحد فيه‪ ،‬والويل غلظ المكروه‬
‫الشاق على النفس " عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها " اي لما تابوا‬
‫ورجعوا إلى ال قالوا‪ :‬لعل ال يخلف علينا ويولينا خيرا من الجنة التي‬
‫هلكت " إنا إلى ربنا راغبون " ]أي نرغب إلى ال ونسأله ذلك ونتوب‬
‫إليه مما فعلناه " كذلك العذاب " في الدنيا للعاصين " ولعذاب الخرة أكبر‬
‫لو كانوا يعلمون "[ )‪ .(1‬وروي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬بلغني أن القوم‬
‫أخلصوا وعرف ال منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها‪ :‬الحيوان‪ ،‬فيها‬
‫عنب يحمل البغل منها عنقودا وقال ابو خالد اليمامي‪ :‬رايت الجنة ورأيت‬
‫كل عنقود كالرجل السود القائم )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين ساقط عن نسخة الكمباني‪ .‬اضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ 246‬طبقا للمصدر‪ (2) .‬مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪.(*) 337 - 336‬‬

‫]‪[327‬‬

‫‪ - 10‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪،‬‬
‫عن ابي بصير قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إذا أذنب الرجل‬
‫خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على‬
‫قلبه فل يفلح بعدها أبدا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬خرج في قلبه نكتة " النكتة النقطة‪،‬‬
‫وكل نقطة في شئ بخلف لونه فهو نكتة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن ال خلق قلب المؤمن‬
‫نورانيا قابل للصفات النورانية فان أذنب خرج فيه نقطة سوداء‪ ،‬فان تاب‬
‫زالت تلك النقطة وعاد محلها إلى نورانيته‪ ،‬وإن زاد في الذنب سواء كان‬
‫من نوع ذلك الذنب أم من غيره‪ ،‬زادت نقطة أخرى سوداء‪ ،‬وهكذا حتى‬
‫تغلب النقاط السود على جميع قلبه " فل يفلح بعدها أبدا " لن القلب‬
‫حينئذ ل يقبل شيئا من الصفات النورانية‪ ،‬والظاهر أنه إن تاب من ذنب ثم‬
‫عاد لم تبطل التوبة الولى‪ ،‬وأنه إن تاب من بعض الذنوب دون بعض فهي‬
‫صحيحة على أحد القولين فيها‪ .‬أقول‪ :‬وقال بعض المحققين بعد أن حقق‬
‫أن القلب هو اللطيفة الربانية الروحانية التي لها تعلق بالقلب الصنوبري‬
‫كما مر ذكره‪ :‬القلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه المور المؤثرة فيه‪،‬‬
‫وهذه الثار على التوالي واصلة إلى القلب‪ ،‬أما الثار المحمودة فانها تزيد‬
‫مرآة القلب جلء وإشراقا ونورا وضياء حتى يتللؤ فيه جلية الحق‪،‬‬
‫وتنكشف فيه حقيقة المر المطلوب في الدين‪ ،‬وإلى مثل هذا القلب اشار‬
‫بقوله صلى ال عليه وآله‪ " :‬إذا اراد ال بعبد خيرا جعل له واعظا من‬
‫قلبه " وبقوله صلى ال عليه وآله‪ " :‬من كان له من قلبه واعظ كان عليه‬
‫من ال حافظ " وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال ال تعالى‪ " :‬ال‬
‫بذكر ال تطمئن القلوب " )‪ .(2‬وأما الثار المذمومة فانها مثل دخان مظلم‬
‫يتصاعد إلى مرآة القلب‪ ،‬ول يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود‬
‫ويظلم‪ ،‬ويصير بالكلية محجوبا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .271‬الرعد‪.(*) 28 :‬‬

‫]‪[328‬‬

‫عن ال تعالى وهو الطبع والرين‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬كل بل ران على قلوبهم ما‬
‫كانوا يكسبون " )‪ (1‬وقال ال‪ " :‬أن لو نشاء لصبناهم بذنوبهم ونطبع‬
‫على قلوبهم فهم ل يسمعون " )‪ (2‬فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما‬
‫ربط السماع بالتقوى حيث قال‪ " :‬واتقوا ال واسمعوا " )‪ " (3‬واتقوا ال‬
‫ويعلمكم ال " )‪ .(4‬ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب‪ ،‬وعند ذلك‬
‫يعمى القلب عن إدراك الحق‪ ،‬وصلح الدين‪ ،‬ويستهين بالخرة‪ ،‬ويستعظم‬
‫أمر الدنيا ويصير مقصورا لهم عليه‪ ،‬فإذا قرع سمعه امر الخرة‪ ،‬وما فيها‬
‫من الخطار‪ ،‬دخل من اذن وخرج من الخرى‪ ،‬ولم يستقر في القلب‪ ،‬ولم‬
‫يحركه إلى التوبة والتدارك " أولئك الذين يئسوا من الخرة كما يئس‬
‫الكفار من اصحاب القبور " )‪ .(5‬وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب‬
‫كما نطق به القرآن والسنة‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬روي عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس‪،‬‬
‫فطاعة ال تعالى بمخالفة الشهوات مصقلت للقلب‪ ،‬ومعصيته مسودات له‬
‫فمن اقبل على المعاصي اسود قلبه‪ ،‬ومن اتبع السيئة الحسنة ومحى اثرها‬
‫لم يظلم قلبه‪ ،‬ولكن ينقص نوره‪ ،‬كالمرآة التي يتنفس فيها ثم يمسح‪ ،‬ثم‬
‫يتنفس ثم يمسح‪ ،‬فانها لم تخلو عن كدورة‪ ،‬قال ال تعالى " إن الذين اتقوا‬
‫إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " )‪ .(6‬فأخبر أن‬
‫جلء القلب وإيضاءه يحصل بالذكر‪ ،‬وأنه ل يتمكن منه إل الذين اتقوا‪،‬‬
‫فالتقوى باب الذكر‪ ،‬والذكر باب الكشف‪ ،‬والكشف باب الفوز الكبر‬

‫)‪ (1‬المطففين‪ (2) .14 :‬العراف‪ (3) 100 .:‬المائدة‪ (4) .108 :‬البقرة‪) .282 :‬‬
‫‪ (5‬الممتحنة‪ (6) .13 :‬العراف‪.(*) 201 :‬‬

‫]‪[329‬‬

‫وهو الفوز بلقاء ال تعالى‪ .‬اقول‪ :‬هذا من تحقيقات بعض الصوفية أوردناه‬
‫استطرادا‪ ،‬وفيه حق وباطل وال الملهم للخير والصواب‪ - 11 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابي ايوب‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن العبد يسأل ال الحاجة فيكون‬
‫من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيئ فيذنب العبد ذنبا فيقول‬
‫ال تبارك وتعالى للملك‪ :‬ل تقض حاجته واحرمه إياها‪ ،‬فانه تعرض‬
‫لسخطي واستوجب الحرمان مني )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فيكون من شأنه " ضمير‬
‫شأنه راجع إلى ال تعالى‪ ،‬ويحتمل رجوعه إلى مصدر يسأل أو العبد‪،‬‬
‫ومآل الجميع واحد‪ ،‬اي له قابلية قضاء الحاجة‪ ،‬قيل ل يقال هذا ينافي ما‬
‫في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة سماع‬
‫صوته‪ ،‬لنا نقول‪ :‬ل منافاة بينهما‪ ،‬لن هناك شيئين أحدهما المعصية‪،‬‬
‫وهي تناسب عدم الجابة والثاني كراهة سماع صوته وهي تناسب سرعة‬
‫الجابة‪ ،‬فربما ينظر إلى الول فل يجيبه‪ ،‬وربما ينظر إلى الثاني فيجيبه‪،‬‬
‫وليس في الخبار ما يدل على أن العاصي يجاب دائما‪ ،‬ولو سلم لمكن‬
‫حمل هذا الخبر على ان المؤمن الصالح إن أذنب وتعرض لسخط ربه‪،‬‬
‫استوجب الحرمان‪ ،‬ول يقضي ال حاجته تأديبا له‪ ،‬لينزجر عما يفعله‪12 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول إنه ما من سنة أقل مطرا من سنة‪ ،‬ولكن‬
‫ال يضعه حيث يشاء‪ ،‬إن ال عزوجل إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم‬
‫ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم‪ ،‬وإلى الفيافي والبحار‬
‫والجبال‪ ،‬وإن ال ليعذب الجعل في جحرها فيحبس المطر عن الرض التي‬
‫هي بمحلها بخطايا من بحضرتها وقد جعل ال لها السبيل في مسلك سوى‬
‫محلة أهل المعاصي قال‪ :‬ثم قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬فاعتبروا يا أولي‬
‫البصار )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .271‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 272‬والسند معلق على سابقه‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[330‬‬

‫بيان‪ " :‬إلى غيرهم " اي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر‪ ،‬وإل فإلى‬
‫الفيافي‪ ،‬وفي النهاية الفيافي البراري الواسعة جمع فيفاء وفي القاموس‬
‫الفيف المكان المستوي أو المفازة ل ماء فيها كالفيفاة والفيفاء ويقصر‪،‬‬
‫وقال‪ :‬الجعل كصرد دويبة وفي المصباح الجعل وزان عمر الحرباء‪ ،‬وهو‬
‫ذكر أم حبين وقال المحل بفتح الحاء والكسر لغة موضع الحلول‪ ،‬والمحلة‬
‫بالفتح المكان الذي ينزله القوم " عن الرض التي هي بمحلها " الظاهر‬
‫أن الضمير في قوله " بمحلها " راجع إلى الجعل اي الرض التي هي‬
‫متلبسة بمحل الجعل أي مشتملة عليه‪ ،‬أو ضمير " هي " راجع إلى‬
‫الجعل‪ ،‬وضمير " محلها " إلى الرض فيكون إضافة المحل إلى الضمير‬
‫من إضافة الجزء إلى الكل‪ ،‬والول اظهر‪ ،‬وضمير " بحضرتها " للجعل‪.‬‬
‫" فاعتبروا يا أولي البصار " العتبار التعاظ والتفكر في العواقب وقبول‬
‫النصيحة وأولوا البصار اصحاب البصائر والعقول‪ ،‬اي تفكروا في أنه إذا‬
‫كان حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرر‬
‫بمجاورة أهل المعاصي‪ ،‬فكيف تكون حالك في المعصية ومجاورة أهلها ؟‬
‫وهذا الخبر مما يدل على أن للحيوانات شعورا وعلما ببعض التكاليف‬
‫الشرعية‪ ،‬وافعال العباد وأعمالهم‪ ،‬وأن لهم نوعا من التكليف خلفا لكثر‬
‫الحكماء والمتكلمين‪ ،‬ويؤيده قصة الهدهد وسائر الخبار التي أوردتها في‬
‫المجلد الرابع عشر‪ ،‬وربما يأول الجعل بأن المراد بها ضعفاء بني آدم‪ ،‬ول‬
‫يخفى بعده‪ ،‬ثم إن الخبر يدل على وجوب المهاجرة عن بلد أهل المعاصي‬
‫إذا لم يمكن نهيهم عن المنكر‪ - 13 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن محمد‬
‫بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال عن ابن بكير‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن الرجل يذنب الذنب فيحرم صلة الليل‪ ،‬وإن العمل السيئ اسرع في‬
‫صاحبه من السكين في اللحم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬الذنب " منصوب مفعول مطلق‬
‫واللم للعهد الذهني " اسرع " اي نفوذا أو تأثيرا في صاحبه وكما أن‬
‫كثرة نفوذ السكين في المرء يوجب هلكه البدني‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 272‬‬


‫]‪[331‬‬

‫فكذا كثرة الخطايا يوجب هلكه الروحاني‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن‬
‫ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من هم بسيئة‬
‫فل يعملها‪ ،‬فانه ربما يعمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالى فيقول‪:‬‬
‫وعزتي وجللي ل أغفر لك بعد ذلك أبدا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬السيئة " أي نوعا‬
‫من السيئة تكون مع تحقيرها والستهانة بها أوغير ذلك‪ ،‬والعزة القدرة‬
‫والغلبة‪ ،‬والجلل الكبرياء والعظمة " ل أغفر لك " أي يستحق لمنع‬
‫اللطف وعدم التوفيق للتوبة‪ ،‬ول يستحق المغفرة‪ ،‬وفيه تحذير عن جميع‬
‫السيئات‪ ،‬فان كل سيئة يمكن أن تكون هذه السيئة‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن الحسين‬
‫بن محمد‪ ،‬عن محمد بن أحمد النهدي‪ ،‬عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن رجل‪،‬‬
‫عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬حق على ال أن ل يعصى في دار إل‬
‫أضحاها للشمس‪ ،‬حتى تطهرها )‪ .(2‬بيان‪ " :‬حق على ال " أي جعلها‬
‫ال سبحانه واجبا لزما على نفسه " أن ل يعصى " كأن المراد كثرة‬
‫وقوع المعاصي فيها " إل اضحاها " اي خربها واظهر أرضها للشمس "‬
‫حتى " تشرق عليها و " تطهرها " من النجاسة المعنوية‪ ،‬وهي كناية‬
‫عن أن المعاصي تخرب الديار‪ ،‬وفيه إشعار بأن الشمس تطهر الرض‬
‫وفي القاموس أضحى الشئ اظهره وضحا ضحوا برز للشمس وكسعى‬
‫ورضي أصابته الشمس‪ ،‬وارض مضحاة ل تكاد تغيب عنها الشمس‪،‬‬
‫وضحى الطريق ضحوا بدا وظهر‪ - 16 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن سهل بن زياد‪،‬‬
‫عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد ال بن عبد الرحمن الصم‪ ،‬عن‬
‫مسمع بن عبد الملك‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام‪ ،‬وإنه‬
‫لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن )‪ .(3‬بيان‪ :‬قد روي عن أمير المؤمنين‬
‫أنه قال‪ :‬ل تتكلوا بشفاعتنا‪ ،‬فان شفاعتنا‬

‫)‪ (3 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 272‬‬

‫]‪[332‬‬

‫قد ل تلحق بأحدكم إل بعد ثلث مائة سنة‪ ،‬وفي الخبر دللة على أن الذنب يمنع من‬
‫دخول الجنة في تلك المدة‪ ،‬ول دللة فيه على أنه في تلك المدة في النار‪،‬‬
‫أو في شدائد القيامة‪ ،‬وفي المصباح النعمة بالفتح اسم من التنعم والتمتع‬
‫وهو النعيم ونعم عيشه كتعب اتسع ولن‪ ،‬ونعمه ال تنعيما جعله ذا‬
‫رفاهية‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن عيسى بن ايوب‪ ،‬عن علي‬
‫بن مهزيار عن القاسم بن عروة‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن زرارة‪ ،‬عن ابي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬ما من عبد إل وفي قلبه نكتة بيضاء‪ ،‬فإذا أذنب ذنبا خرج‬
‫في النكتة نكتة سوداء‪ ،‬فان تاب ذهب تلك السواد‪ ،‬وإن تمادى في الذنوب‬
‫زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض‪ ،‬فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه‬
‫إلى خيرا أبدا‪ ،‬وهو قول ال عز وجل‪ " :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا‬
‫يكسبون " )‪ .(1‬بيان‪ :‬روي مثله عن أمير المؤمنين عليه السلم في‬
‫النهج )‪ (2‬وقال ابن ميثم‪ :‬توضيح الكلم أن بأصل اليمان تظهر نكتة‬
‫بيضاء في قلب من آمن أول مرة‪ ،‬ثم إذا أقر باللسان ازدادت تلك النكتة‪،‬‬
‫وإذا عمل بالجوارح عمل صالحا ازدادت حتى يصير قلبه نورانيا كالنير‬
‫العظم‪ ،‬ويعكس ذلك في العمل السيئ‪ .‬وتحقيق الكلم في هذا المقام أن‬
‫المقصود بالقصد الول ]العمال الظاهرة والمر بمحاسنها والنهي عن‬
‫مقابحها‪ ،‬هو ما تكتسب النفس منها من الخلق الفاضلة[ )‪ (3‬والصفات‬
‫الفاسدة فمن عمل عمل صالحا اثر في نفسه‪ ،‬وبازدياد العمل يزداد الضياء‬
‫والصفاء‪ ،‬حتى تصير كمرآة مجلوة صافية‪ ،‬ومن اذنب ذنبا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،273‬والية في سورة المطففين‪ 14 :‬وقد مر مثله‪ (2) .‬حيث‬
‫قال‪ :‬ان اليمان يبدو لمظة في القلب‪ ،‬كلما ازداد اليمان ازدادت اللمظة‬
‫وقال السيد الرضى ‪ -‬رضوان ال عليه ‪ -‬واللمظة مثل النكتة أو نحوها‬
‫من البياض‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬فرس ألمظ‪ :‬إذا كان بجحفلته شئ من البياض‪،‬‬
‫راجع نهج البلغة تحت الرقم ‪ 5‬من غرائب الحكم‪ ،‬شرح الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ ،247‬شرح النهج لبن ميثم‪ (3) .612 :‬ما بين العلمتين ساقط من‬
‫نسخة الكمباني )*(‪.‬‬

‫]‪[333‬‬

‫اثر ذلك ايضا وأورث لها كدورة‪ ،‬فان تحقق عنده قبحه وتاب عنه‪ ،‬زال الثر‬
‫وصارت النفس مصقولة صافية‪ ،‬وإن أصر عليه زاد الثر الميشوم‪ ،‬وفشا‬
‫في النفس واستمر عليها‪ ،‬وصار من أهل الطبع‪ ،‬ولم يرجع إلى خير ابدا إذ‬
‫دواء هذا الداء هو النكسار‪ ،‬وهضم النفس‪ ،‬والعتراف بالتقصير‪،‬‬
‫والرجوع إلى ال بالتوبة والستغفار‪ ،‬والنقلع عن المعاصي‪ ،‬ول محل‬
‫لشئ من ذلك إلى هذا القلب المظلم‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬
‫ثم اشار إلى أن ذلك هو الرين المذكور في الية الكريمة بقوله‪ " :‬وهو‬
‫قول ال عزوجل‪ " :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قيل‪ :‬أي‬
‫غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون حتى قبلت الطبع والختم على وجه ل‬
‫يدخل فيها شئ من الحق‪ .‬والمراد بما كانوا يكسبون العمال الظاهرة‬
‫القبيحة والخلق الباطنة الخبيثة فان ذلك سبب لرين القلب وصداه‪،‬‬
‫وموجب لظلمته وعماه‪ ،‬فل يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات‪ ،‬ول يستطيع‬
‫أن يشاهد صور المعقولت‪ ،‬كما أن المرآت إذا ألقيت في مواضع الندى‬
‫ركبها الصدا‪ ،‬وأذهب صفاءها وأبطل جلءها‪ ،‬فل يتنقش فيها صور‬
‫المحسوسات‪ .‬وبالجملة يشبه القلب في قسوته وغلظته وذهاب نوره‪ ،‬بما‬
‫يعلوه من الذنوب والهوى‪ ،‬وما يكسوه من الغفلة والردى‪ ،‬بالمرآة‬
‫المنكدرة من الندى‪ ،‬وكما أن هذه المرآة يمكن إزالة ظلمتها بالعمل المعلوم‬
‫كذلك هذا القلب يمكن تصفيته من ظلمات الذنوب‪ ،‬وكدورات الخلق‪،‬‬
‫بدوام الذكر‪ ،‬والتوبة الخالصة والعمال الصالحة‪ ،‬والخلق الفاضلة‪ ،‬حتى‬
‫ينظر إلى عالم الغيب بنور اليمان ويشاهده مشاهدة العيان إلى أن يبلغ إلى‬
‫أعلى درجات الحسان‪ ،‬فيعبد ال كأنه يراه‪ ،‬ويرى الجنة وما أعد ال فيها‬
‫لوليائه ويرى النار وما أعد ال فيها لعدائه‪ .‬وقال البيضاوي عند قوله‬
‫تعالى‪ " :‬وما يكذب به إل كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير‬
‫الولين * كل بل ران على قلوبهم ما كانوا‬

‫]‪[334‬‬

‫يكسبون " )‪ (1‬رد لما قالوه‪ ،‬وبيان لما ادى بهم إلى هذا القول‪ ،‬بأن غلب عليهم‬
‫حب المعاصي بالنهماك فيه‪ ،‬حتى صار ذلك صداء على قلوبهم‪ ،‬فعمي‬
‫عليهم معرفة الحق والباطل‪ ،‬فان كثرة الفعال سبب لحصول الملكات‪ ،‬كما‬
‫قال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن العبد كلما اذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة‬
‫سوداء‪ ،‬حتى يسود قلبه‪ ،‬والرين الصداء )‪ - 18 .(2‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن‬
‫سهل بن زياد‪ ،‬عن علي بن اسباط‪ ،‬عن أبي الحسن الرضا عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل تبدين عن واضحة وقد عملت‬
‫العمال الفاضحة‪ ،‬ول تأمن البيات وقد عملت السيئات )‪ - 19 .(3‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى وأبي علي الشعري‪ ،‬عن الحسين بن إسحاق عن علي بن‬
‫مهزيار‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن ابي عمرو المدائني‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن ال قضا قضاء حتما‪ :‬ل ينعم على العبد‬
‫بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة )‪ .(4‬بيان‪" :‬‬
‫ل ينعم " استيناف بياني ]أو منصوب بتقدير " أن " وقوله‪ " :‬فيسلبها "‬
‫معطوف على النفي ل على المنفي و " حتى " للستثناء‪ ،‬والمشار إليه‬
‫في قوله‪ " :‬بذلك " إما مصدر[ )‪ (5‬يحدث أو الذنب والمال واحد‪ ،‬وفي‬
‫القاموس النقمة بالكسر والفتح وكفرحه المكافاة بالعقوبة‪ ،‬وفيه تلميح إلى‬
‫قوله سبحانه‪ " :‬إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " )‪.(6‬‬
‫‪ - 20‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن جميل بن‬
‫صالح‪ ،‬عن سدير قال‪ :‬سأل رجل أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال‬
‫عزوجل‪ " :‬قالوا‬
‫)‪ (1‬المطففين‪ (2) .14 - 12 :‬أنوار التنزيل‪ (4 - 3) .457 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.273‬‬
‫)‪ (5‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(6) .247‬‬
‫الرعد‪11 :‬‬

‫]‪[335‬‬

‫ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم " الية )‪ (1‬فقال‪ :‬هؤلء قوم كانت لهم قرى‬
‫متصلة ينظر بعضهم إلى بعض‪ ،‬وأنهار جارية‪ ،‬وأموال ظاهرة‪ ،‬فكفروا نعم‬
‫ال عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية ال‪ ،‬فغير ال ما بهم من نعمة‪،‬‬
‫و " إن ال ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬فأرسل ال عليهم‬
‫سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم‪ ،‬وذهب بأموالهم‪ ،‬وأبدلهم مكان "‬
‫جنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل " ثم قال‪ " :‬ذلك‬
‫جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور " )‪ .(2‬بيان‪ :‬اليات في سورة‬
‫سبأ هكذا " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية " وقرء أكثر القراء في‬
‫مساكنهم‪ ،‬قال الطبرسي قدس سره‪ :‬ثم أخبر سبحانه عن قصة سبأ بما دل‬
‫على حسن عاقبة الشكور‪ ،‬وسوء عاقبة الكفور‪ ،‬فقال‪ " :‬لقد كان لسبأ "‬
‫وهو أبو عرب اليمن كلها‪ ،‬وقد تسمى بها القبيلة‪ ،‬وفي الحديث عن فروة‬
‫ابن مسيك أنه قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وآله عن سبأ أرجل هو‬
‫أم امرأة ؟ فقال‪ :‬هو رجل من العرب‪ ،‬ولد له عشرة تيامن منهم ستة‪،‬‬
‫وتشاءم منهم أربعة‪ ،‬فأما الذين تيامنوا‪ :‬فالزد وكندة ومذحج والشعرون‬
‫والنمار وحمير‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬ما أنمار ؟ قال‪ :‬الذين منهم خثعم‬
‫وبجيلة وأما الذين تشاءموا‪ :‬فعاملة وجذام ولحم وغسان فالمراد بسبأ‬
‫ههنا القبيلة الذين هم أولد سبأ بن يشحب بن يعرب ابن قطحان‪ " .‬في‬
‫مسكنهم " أي في بلدهم " آية " أي حجة على وحدانية ال سبحانه‬
‫وكمال قدرته‪ ،‬وعلمة على سبوغ نعمه‪ ،‬ثم فسر سبحانه الية فقال‪" :‬‬
‫جنتان عن يمين وشمال " اي بستانان عن يمين من آتاهما وشماله‪ ،‬وقيل‬
‫عن يمين البلد وشماله وقيل إنه لم يرد جنتين اثنتين والمراد كانت ديارهم‬
‫على وتيرة واحدة إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم‬

‫)‪ (1‬سبأ‪ (2) .19 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 274‬‬

‫]‪[336‬‬

‫متصلة بعضها ببعض‪ ،‬وكان من كثرة النعم أن المرءة كانت تمشي والمكتل على‬
‫رأسها فيمتلئ بالفواكه‪ ،‬من غير أن تمس بيدها شيئا‪ .‬وقيل‪ :‬الية‬
‫المذكورة هي أنه لم تكن في قريتهم بعوضة ول ذباب ول برغوث ول‬
‫عقرب ول حية‪ ،‬وكان الغريب إذا دخل بلدهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت‬
‫عن ابن زيد‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المراد بالية خروج الزهار والثمار من الشجار‬
‫على اختلف ألوانها وطعومها‪ .‬وقيل‪ :‬إنما كانت ثلث عشرة قرية في كل‬
‫قرية نبي يدعوهم إلى ال سبحانه يقولون لهم " كلوا من رزق ربكم‬
‫واشكروا له " اي كلوا مما رزقكم ال في هذه الجنان‪ ،‬واشكروا له يزدكم‬
‫من نعمه‪ ،‬واستغفروه يغفر لكم‪ " .‬بلدة طيبة " أي هذه بلدة مخصبة نزهة‬
‫ارضها عذبة‪ ،‬تخرج النبات وليست بسبخة‪ ،‬وليس فيها شئ من الهوام‬
‫المؤذية‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد به صحة هوائها‪ ،‬وعذوبة مائها‪ ،‬وسلمة تربتها‪،‬‬
‫وأنه ليس فيها حر يؤذي‪ ،‬في القيظ‪ ،‬ول برد يؤذي في الشتاء‪ " .‬ورب‬
‫غفور " أي كثير المغفرة للذنوب‪ " ،‬فأعرضوا " عن الحق ولم يشكروا‬
‫ال سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى ال من أنبيائه " فارسلنا عليهم‬
‫سيل العرم " وذلك أن الماء كان يأتي ارض سبأ من أودية اليمن‪ ،‬وكان‬
‫هناك جبلن يجتمع ماء المطر والسيول بينهما‪ ،‬فسدوا ما بين الجبلين‪،‬‬
‫فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة‪ ،‬فكانوا يسقون زرعهم‬
‫وبساتينهم فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر ال‪ ،‬بعث ال جرذا نقبت ذلك‬
‫الردم وفاض الماء عليهم‪ ،‬فأغرقهم )‪ .(1‬والعرم المسناة التي تحبس الماء‬
‫واحدها عرمة‪ ،‬أخذ من عرامة الماء‪ ،‬وهو ذهابه كل مذهب‪ ،‬وقيل‪ :‬العرم‬
‫اسم واد كان يجتمع فيه سيول من أودية شتى وقيل‪ :‬العرم هنا اسم الجرذ‬
‫الذي نقب السكر )‪ (2‬عليهم‪ ،‬وهو الذي يقال له‪ :‬الخلد‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .386‬السكر ‪ -‬بالكسر ‪ -‬اسم من سكر النهر‪ :‬أي‬
‫سده‪ ،‬ويطلق على ما سد به النهر =‬

‫]‪[337‬‬

‫وقيل‪ :‬العرم المطر الشديد )‪ .(1‬وقال ابن العرابي‪ :‬العرم السيل الذي ل يطاق "‬
‫وبدلناهم بجنتيهم " اللتين فيهما أنواع الفواكه والخيرات " جنتين "‬
‫أخراوين‪ ،‬سماهما جنتين لزدواج الكلم‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬ومكروا ومكر‬
‫ال " )‪ " (2‬ذواتي أكل خمط واثل " أي صاحبي أكل وهو اسم لثمر كل‬
‫شجرة وثمر الخمط هو الراك‪ ،‬وقيل هو شجر الغضا‪ ،‬وقيل‪ :‬هو شجر له‬
‫شوك‪ ،‬والثل الطرفا عن ابن عباس‪ ،‬وقيل‪ :‬ضرب من الخشب‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬
‫السمر " وشئ من سدر قليل " يعني أن الخمط والثل كانا أكثر فيهما من‬
‫السدر وهو النبق‪ ،‬قال قتادة‪ :‬كان شجرهم خير شجر‪ ،‬فصيره ال شر‬
‫شجرة بسوء أعمالهم‪ " .‬ذلك " اي ما فعلنا بهم " جزيناهم بما كفروا "‬
‫اي بكفرهم " وهل نجازي " بهذا الجزاء " إل الكفور " الذي يكفر نعم‬
‫ال‪ ،‬وقيل معناه هل نجازي بجميع سيئاته إل الكافر‪ ،‬لن المؤمن قد كان‬
‫يكفر عنه بعض سيئاته‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المجازاة من التجازي وهو التقاضي اي‬
‫ل يقتضى ول يرتجع ما أعطي إل الكافر فانهم لما كفروا النعمة اقتضوا ما‬
‫أعطوا أي ارتجع منهم عن ابي مسلم‪ " .‬وجعلنا بينهم وبين القرى التي‬
‫باركنا فيها ]قرى ظاهرة " أي وقد‬

‫= وكأن المراد بالسكر هنا الثقب التي كانوا يفتحونها واحدا بعد واحد بقدر الحاجة‪،‬‬
‫وذلك لن الفارة ل تتمكن أن تأتي على السد العظيم الذي بنى بالحجارة‬
‫والنهر مملوء ماء‪ ،‬وانما أتت على ما سد به الثقبة السافلة الموازية‬
‫لسطح النهر‪ ،‬ففار النهر بشدة من ذلك الثقبة وجرى السيل العظيم‪ ،‬حتى‬
‫خرق الثقبة وخرب السد وأباد القرية بأشجارها وزروعها وعمارتها‬
‫ونفوسها‪ .‬والخلد بالضم ‪ -‬يطلق على الفارة العمياء‪ ،‬وقيل دابة تحت‬
‫الرض يضرب بها المثل في شدة السمع‪ (1) .‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص‬
‫‪ (2) .385‬آل عمران‪.(*) 54 :‬‬

‫]‪[338‬‬

‫كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين قرى الشام التي باركنا فيها[ )‪ (1‬بالماء‬
‫والشجر قرى متواصلة‪ ،‬وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام‪ ،‬وكانوا‬
‫يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى‪ ،‬حتى يرجعوا‪ ،‬وكانوا ل يحتاجون إلى زاد‬
‫من وادي سبأ إلى الشام‪ ،‬ومعنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من الولى‬
‫لقربها منها " وقدرنا فيها السير " أي جعلنا السير من القرية إلى القرية‬
‫نصف يوم‪ ،‬وقلنا لهم " سيروا فيها " اي في تلك القرى " ليالي وأياما "‬
‫اي ليل شئتم المصير أو نهارا " آمنين " من الجوع والعطش والتعب‪،‬‬
‫ومن السباع وكل المخاوف‪ .‬وفي هذا إشارة إلى تكامل نعمه عليهم في‬
‫السفر‪ ،‬كما أنه كذلك في الحضر‪ .‬ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا وبغوا "‬
‫فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا " اي اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز‬
‫لنركب إليها الرواحل‪ ،‬ونقطع المنازل‪ ،‬وهذا كما قالت بنوا إسرائيل لما‬
‫ملوا النعمة‪ " :‬أخرج لنا مما تنبت الرض من بقلها وقثائها " )‪ (2‬بدل‬
‫من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب الكفر والمعاصي "‬
‫فجعلناهم أحاديث " لمن بعدهم يتحدثون أمرهم وشأنهم‪ ،‬ويضربون بهم‬
‫المثل‪ ،‬فيقولون‪ :‬تفرقوا أيادي سبأ إذا تشتتوا اعظم التشتت " ومزقناهم‬
‫كل ممزق " أي فرقناهم في كل وجه من البلد كل تفريق‪ " ،‬إن في ذلك‬
‫ليات لكل صبار شكور " على الشدايد شكور على النعماء‪ ،‬وقيل لكل‬
‫صبار عن المعاصي شكور للنعم بالطاعات‪ .‬ثم نقل عن الكلبي‪ ،‬عن ابي‬
‫صالح قال‪ :‬ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا‬
‫بن ماء السماء وكانت قد رأيت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب‪ ،‬وأنه‬
‫سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين‪ ،‬فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو‬
‫وقومه حتى انتهوا إلى مكة‪ ،‬فأقاموا بها وما حولها‪ ،‬فاصابتهم الحمى‬
‫وكانوا ببلد ل يدرون فيه ما الحمى ؟ فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي‬
‫اصابهم فقالت‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين أضفناه من شرح الكافي طبقا للمصدر‪ (2) .‬البقرة‪.(*) 61 :‬‬

‫]‪[339‬‬

‫لهم‪ :‬قد أصابني الذي تشتكون‪ ،‬وهو مفرق بيننا‪ .‬قالوا‪ :‬فماذا تأمرين ؟ قالت‪ :‬من‬
‫كان منكم ذا هم بعيد‪ ،‬وجمل شديد‪ ،‬ومزاد جديد‪ ،‬فليلحق بقصر عمان‬
‫المشيد‪ ،‬فكانت أزد عمان‪ ،‬ثم قالت ]من كان منكم ذا جلد وقسر‪ ،‬وصبر‬
‫على ما أزمأت الدهر‪ ،‬فعليه بالراك من بطن مر فكانت خزاعة‪ ،‬ثم قالت‪[:‬‬
‫)‪ (1‬من كان منكم يريد الراسيات في الوحل‪ ،‬المطعمات في المحل فليلحق‬
‫بيثرب ذات النخل‪ ،‬فكانت الوس والخزرج‪ ،‬ثم قالت‪ :‬من كان منكم يريد‬
‫الخمر والخمير‪ ،‬والملك والتأمير‪ ،‬وملبس التاج والحرير‪ ،‬فليلحق ببصرى‬
‫وغوير‪ ،‬وهما من ارض الشام‪ ،‬فكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان‪ ،‬ثم‬
‫قالت‪ :‬من كان منكم يريد الثياب الرقاق‪ ،‬والخيل العتاق‪ ،‬وكنوز الرزاق‪،‬‬
‫والدم المهراق‪ ،‬فليلحق بارض العراق‪ ،‬فكان الذين يسكنونها آل جزيمة‬
‫البرش‪ ،‬ومن كان بالحيرة وآل محرق )‪ - 21 .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن سماعة قال‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫ال عليه السلم يقول‪ :‬ما أنعم ال على عبد نعمة فسلبها إياه حتى يذنب‬
‫ذنبا يستحق بذلك السلب )‪ - 22 .(3‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ .‬وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬جميعا عن ابن محبوب‪ ،‬عن الهيثم بن‬
‫واقد الجزري قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن ال عزوجل‬
‫بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه‪ ،‬وأوحى إليه أن قل لقومك إنه ليس من أهل‬
‫قرية ول ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء فتحولوا عما أحب‬
‫إلى ما أكره‪ ،‬إل تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل‬
‫قرية ول أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما‬
‫أكره إلى ما أحب إل تحولت لهم ]عما يكرهون إلى ما يحبون‪ ،‬وقل‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمبانى‪ (2) .‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص ‪ 386‬و‬
‫‪ (3) .387‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.274‬‬

‫]‪[340‬‬
‫لهم‪ :‬إن رحمتي سبقت غضبي‪ ،‬فل تقنطوا من رحمتي فانه ل يتعاظم عندي ذنب‬
‫عبد أغفره وقل لهم‪ :‬ل يتعرضوا معاندين[ )‪ (1‬لسخطي ول يستخفوا‬
‫بأوليائي‪ ،‬فان لي سطوات عند غضبي ل يقوم لها شئ من خلقي )‪.(2‬‬
‫بيان‪ " :‬ول أناس " هم أقل من أهل القرية كأهل بيت كما قال في الشق‬
‫الثاني مكانه " ول أهل بيت " وفي القاموس السراء المسرة‪ ،‬والضراء‬
‫الزمانة والشدة والنقص في الموال و النفس‪ ،‬وفي المصباح سره أفرحه‬
‫والمسرة منه وهو ما يسر به النسان والسراء الخير والفضل والضراء‬
‫نقيض السراء‪ " .‬إن رحمتي سبقت غضبي " هذا يحتمل وجوها الول أن‬
‫يكون المراد بالسبق الغلبة اي رحمتي غالبة على غضبي‪ ،‬وزائدة عليه‪،‬‬
‫فانه إذا اشتد سبب الغضب‪ ،‬وكان هناك سبب ضعيف للرحمة يتعلق‬
‫الرحمة بفضله تعالى‪ .‬الثاني أن يكون المراد به السبق المعنوي ايضا على‬
‫وجه آخر‪ ،‬فان أسباب الرحمة من إقامة دلئل الربوبية في الفاق‬
‫والنفس‪ ،‬وبعثة النبياء والوصياء‪ ،‬وإنزال الكتب‪ ،‬وخلق الملئكة‪،‬‬
‫وبعثهم لهداية الخلق‪ ،‬وإرشادهم ودفع وساوس الشياطين‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫اسباب التوفيق‪ ،‬أكثر من اسباب الضللة من القوى الشهوانية والغضبية‪،‬‬
‫وخلق الشياطين‪ ،‬وعدم دفع ائمة الضللة‪ ،‬وأشباه ذلك من اسباب الخذلن‪.‬‬
‫الثالث أن يراد به السبق الزماني فان تقدير وجود النسان وإيجاده‬
‫وإعطاء الجوارح والسمع والبصر‪ ،‬وسائر القوى‪ ،‬ونصب الدلئل‬
‫والحجج‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬كلها قبل التكليف‪ ،‬والتكليف مقدم على الغضب‬
‫والعقاب‪ ،‬ويمكن إرادة الجميع بل هو الظهر‪ " .‬ل يتعرضوا معاندين " اي‬
‫مصرين على المعاصي فان من أذنب لغلبة شهوة أو غضب ثم تاب عن‬
‫قريب ل يكون معاندا‪ ،‬والستخفاف بالؤلياء شامل لقتلهم‬

‫)‪ (1‬ما بين العلمتين اضفناه من المصدر‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 274‬‬

‫]‪[341‬‬

‫وضربهم وشتمهم وإهانتهم‪ ،‬وعدم متابعتهم‪ ،‬والعراض عن مواعظهم‪ ،‬ونواهيهم‬


‫وأوامرهم‪ .‬والسطوة القهر والبطش بشدة " ل يقوم لها شئ " اي ل‬
‫يطيقها أو ل يتعرض لدفعها‪ - 23 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم الهاشمي‪ ،‬عن‬
‫جده محمد بن الحسن بن محمد بن عبيدال‪ ،‬عن سليمان الجعفري‪ ،‬عن‬
‫الرضا عليه السلم قال‪ :‬أوحى ال عزوجل إلى نبي من النبياء إذا أطعت‬
‫رضيت‪ ،‬وإذا رضيت باركت‪ ،‬وليس لبركتي نهاية وإذا عصيت غضبت‪،‬‬
‫وإذا غضبت لعنت‪ ،‬ولعنتي تبلغ السابع من الوراء )‪ .(1‬بيان‪ " :‬باركت "‬
‫أي زدت نعمتي عليهم في الدنيا والخرة " وليس لبركمتي نهاية " ل في‬
‫الشدة ول في المدة " لعنت " اي ابعدتهم من رحمتي " ولعنتي " أي‬
‫أثرها " تبلغ السابع من الوراء " في الصحاح والقاموس الوراء ولد الولد‬
‫ويستشكل بأنه أي تقصير لولد الولد‪ ،‬حتى تبلغ اللعنة إليهم إلى البطن‬
‫السابع ؟ فمنهممن حمله على أنه قد يبلغهم وهو إذا رضوا بفعل آبائهم كما‬
‫ورد أن القائم عليه السلم يقتل أولد قتلة الحسين عليه السلم لرضاهم‬
‫بفعل آبائهم‪ .‬وأقول‪ :‬يمكن أن يكون المراد به الثار الدنيوية كالفقر والفاقة‬
‫والبليا والمراض‪ ،‬والحبس والمظلومية‪ ،‬كما نشاهد أكثر ذلك في أولد‬
‫الظلمة وذلك عقوبة لبائهم‪ ،‬فان الناس يرتدعون عن الظلم بذلك لحبهم‬
‫لولدهم ويعوض ال الولد في الخرة كما قال تعالى " وليخش الذين لو‬
‫تركوا ذرية ضعافا خافوا عليهم " )‪ (2‬الية‪ ،‬وهذا جائز على مذهب‬
‫العدلية‪ ،‬بناء على أنه يمكن إيلم شخص لمصلحة الغير‪ ،‬مع التعويض‬
‫بأكثر منه‪ ،‬بحيث يرضى من وصل إليه اللم‪ ،‬مع أن في هذه المور‬
‫مصالح للولد ايضا فان أولد المترفين بالنعم‪ ،‬إذا كانوا مثل آبائهم‪ ،‬يصير‬
‫ذلك سببا لبغيهم وطغيانهم أكثر من غيرهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .2 275‬النساء‪.9 :‬‬

‫]‪[342‬‬

‫‪ - 44‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن علي بن الحسن بن علي‪ ،‬عن محمد بن الوليد‬
‫عن يونس بن يعقوب‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬إن أحدكم‬
‫ليكثر به الخوف من السلطان‪ ،‬وما ذلك إل بالذنوب‪ ،‬فتوقوها ما استطعتم‪،‬‬
‫ول تمادوا فيها )‪ .(1‬بيان‪ " :‬وما ذلك إل بالذنوب " اي الذنوب تصير‬
‫سببا لتسلط السلطين والخوف منهم‪ ،‬وما قيل‪ :‬إن المراد بالذنوب مخالفة‬
‫السلطين اي كما أن من خالف بعض السلطين يخاف بطشه وعقوبته‪ ،‬فل‬
‫بد أن يكون خوفه من السلطان الكبر أعظم وأكثر‪ ،‬فل يخفى بعده‪ ،‬ثم أمر‬
‫عليه السلم بالوقاية من الذنوب بقدر الستطاعة‪ ،‬ونهى عن الصرار‬
‫عليها والتمادي فيها‪ ،‬على تقدير الوقوع‪ ،‬وفي المصباح تمادى فلن في‬
‫المر إذا لج وداوم على فعله‪ - 25 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬رفعه قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل وجع‬
‫أوجع للقلوب من الذنوب‪ ،‬ول خوف أشد من الموت‪ ،‬وكفى بما سلف‬
‫تفكرا‪ ،‬وكفى بالموت واعظا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ل وجع أوجع للقلوب من‬
‫الذنوب " اي الذنوب تصير سببا لهم القلب وحزنه أزيد من غيرها من‬
‫المخوفات‪ ،‬لن الذنوب تصير سببا للخوف من عقاب ال الذي هو أعظم‬
‫المفاسد وأشدها‪ ،‬فالمراد به من الهم الحاصل من الذنوب أو المعنى أن‬
‫الوجاع والمراض الصورية والمعنوية والجسمانية والروحانية العارضة‬
‫للنسان ليس شئ منها أشد تأثيرا في القلب من الذنوب التي هي من‬
‫المراض الروحانية والوجاع المعنوية‪ .‬أو المعنى أن للقلب أمراضا‬
‫وأوجاعا مختلفة بعضها روحانية‪ ،‬وبعضها جسمانية‪ ،‬وليس شئ منها‬
‫اشد وأوجع وأشر من الذنوب‪ ،‬فانها بنفسها أمراض للقلب‪ ،‬كالحقد‬
‫والحسد‪ ،‬وضعف التوكل وأمثالها‪ ،‬أو سبب لمراضها فان الذنوب اسباب‬
‫لضعف اليمان واليقين كما قال سبحانه‪ " :‬في قلوبهم مرض‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 275‬‬

‫]‪[343‬‬

‫فزادهم ال مرضا " )‪ " .(1‬ول خوف أشد من الموت " اي من خوف الموت‪ ،‬إذ‬
‫كل شئ يخاف وقوعه غير متيقن بخلف الموت‪ ،‬ولن الخوف إنما هو من‬
‫ألم والموت ألم شديد‪ ،‬مع ما يعقبه من اللم التي ل يعلم النجاة منها‪،‬‬
‫ويحتمل أن يراد بالخوف المخوف‪ ،‬فل حاجة إلى تقدير‪ " .‬وكفى بما سلف‬
‫تفكرا " الباء بعد " كفى " في الموضعين زائدة‪ ،‬وتفكرا تميز والحاصل‬
‫أنه كفى التفكر في ما سلف من أحوال نفسه وأحوال غيره‪ ،‬وعدم بقاء‬
‫لذات الذنوب‪ ،‬وبقاء تبعاتها‪ ،‬وفناء الدنيا‪ ،‬وذهاب من ذهب قبل بلوغ‬
‫آماله‪ ،‬وحسن عواقب الصالحين والمحسنين‪ ،‬وسوء عاقبة الظالمين‬
‫والفاسقين وأمثال ذلك‪ " .‬وكفى بالموت واعظا " تميز كقولهم ل دره‬
‫فارسا اي يكفي الموت والتفكر فيه‪ ،‬وفيما يتعقبه من الحوال والهوال‬
‫للتعاظ به‪ ،‬وعدم الغترار بالدنيا ولذاتها‪ ،‬فانه هادم اللذات‪ ،‬ومهون‬
‫المصيبات‪ ،‬كما قالوا عليهم السلم‪ :‬فضح الموت الدنيا‪ - 26 .‬كا‪ :‬عن أحمد‬
‫بن محمد الكوفي‪ ،‬عن علي بن الحسن الميثمي‪ ،‬عن العباس ابن هلل‬
‫الشامي مولى لبي الحسن موسى عليه السلم قال‪ :‬سمعت الرضا عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون‪ ،‬أحدث ال‬
‫لهم من البلء ما لم يكونوا يعرفون )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ما لم يكونوا يعملون "‬
‫اي من البدع التي أحدثوها أو الذنب الذي لم يصدر منهم قبل ذلك وإن‬
‫صدر عن غيرهم " ما لم يكونوا يعرفون " أي لم يروا مثله أو لم يبتلوا‬
‫بمثله‪ - 27 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عباد‬
‫بن صهيب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يقول ال عزوجل‪ :‬إذا‬
‫عصاني من عرفني‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .10 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 275‬‬

‫]‪[344‬‬
‫سلطت عليه من ل يعرفني )‪ .(1‬بيان‪ " :‬من عرفني " اي أقر بربوبيتي وبالنبياء‬
‫والوصياء وكان على دين الحق أو كان ممن يعرف ال حق المعرفة ول‬
‫ينافي صدور الذنب منه نادرا " من ل يعرفني " من الكفار والمخالفين أو‬
‫العم منهم ومن سائر الظلمة‪ ،‬ويمكن شموله للشياطين ايضا‪ - 28 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن علي بن اسباط‪ ،‬عن ابن عرفة عن ابي‬
‫الحسن عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي‬
‫مهل مهل عباد ال عن معاصي ال‪ ،‬فلول بهائم رتع‪ ،‬وصبية رضع‪،‬‬
‫وشيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبا‪ ،‬ترضون ]به رضا )‪ .(2‬بيان‪" :‬‬
‫مهل " اسم فعل بمعنى أمهل‪ ،‬وقيل‪ :‬مصدر والنصب على الغراء أي‬
‫الزموا مهل‪ ،‬والمهل بالتسكين والتحريك الرفق والتأني[ )‪ (3‬والتأخر اي‬
‫تأن في المعاصي ول تعجل أو تأخر عنها ول تقربها قال في النهاية‪ :‬في‬
‫حديث علي عليه السلم‪ :‬إذا سرتم إلى العدو فمهل مهل فإذا وقعت العين‬
‫على العين فمهل مهل‪ ،‬الساكن الرفق والمتحرك المتقدم أي إذا سرتم‬
‫فتأنوا وإذا لقيتم فاحملوا‪ ،‬كذا قال الزهري وغيره‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬المهل‬
‫بالتحريك التؤدة‪ ،‬والتباطائ والسم المهلة‪ ،‬وفلن ذو مهل بالتحريك أي‬
‫ذو تقدم في الخير‪ ،‬ول يقال في الشر‪ ،‬يقال‪ :‬مهلته وأمهلته أي سكنته‬
‫وأخرته‪ ،‬ويقال‪ :‬مهل للواحد والثنين والجمع والمؤنث‪ ،‬بلفظ واحد بمعنى‬
‫أمهل )‪ .(4‬والرتع والرضع والركع بالضم والتشديد في الجميع جمع راتع‬
‫وراضع وراكع‪ ،‬في القاموس رتع كمنع رتعا ورتوعا ورتاعا بالكسر أكل‬
‫وشرب ما شاء‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .276‬ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمبانى‪) .‬‬
‫‪ (4‬المنقول ل يوافق صحاح الجوهرى ولعله منقول من المصباح )*(‪.‬‬

‫]‪[345‬‬

‫في خصب وسعة‪ ،‬أو هو الكل والشرب رغدا في الريف‪ ،‬أو بشره وجمل راتع من‬
‫إبل رتاع كنائم ونيام‪ ،‬ورتع كركع‪ ،‬ورتع بضمتين‪ ،‬وقال‪ :‬رضع أمه كسمع‬
‫وضرب‪ ،‬فهو راضع‪ ،‬والجمع رضع كركع‪ ،‬ورضع ككتف ورضع رضاعة‬
‫فهو راضع ورضيع من رضع كركع‪ ،‬وقال‪ :‬ركع انحنى كبرا أو كبا على‬
‫وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله‪ ،‬وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع‪،‬‬
‫وقال‪ :‬الصبي من لم يفطم بعد والجمع صبية ويضم‪ ،‬وفي الصحاح الصبي‬
‫الغلم والجمع صبية وصبيان‪ ،‬وهو من الواو‪ ،‬وفي النهاية الرض الدق‬
‫الجريش‪ ،‬ومنه الحديث لصب عليكم العذاب صبا ثم لرض رضا هكذا جاء‬
‫في رواية‪ ،‬والصحيح بالصاد المهملة‪ ،‬وقال في المهملة‪ :‬فيه تراضوا في‬
‫الصفوف اي تلصقوا حتى ل يكون بينكم فرج‪ ،‬واصله تراصصوا من رص‬
‫البناء يرصه رصا إذا لصق بعضه ببعض فادغم ومنه الحديث لصب عليكم‬
‫العذاب صبا ثم لرص رصا انتهى ول يخفى أن ما في روايتنا أبلغ واظهر‪،‬‬
‫والظاهر أن المراد بالعذاب الدنيوي وكفى بنا عجزا وذل بسوء فعالنا أن‬
‫يرحمنا ربنا الكريم ببركة بهائمنا واطفالنا‪ - 29 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن ابيه ومحمد بن اسماعيل‪ ،‬عن الفضل بن شاذان جميعا‪ ،‬عن ابن ابي‬
‫عمير‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد الحميد‪ ،‬عن أبي أسامة زيد الشحام قال‪ :‬قال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬اتقوا المحقرات من الذنوب فانها ل تغفر قلت‪:‬‬
‫وما المحقرات ؟ قال‪ :‬الرجل يذنب الذنب فيقول‪ :‬طوبى لي لو لم يكن لي‬
‫غير ذلك )‪ .(1‬بيان‪ " :‬اتقوا المحقرات " لن التحقير يوجب الصرار‬
‫وترك الندامة الموجبين للبعد عن المغفرة " غير ذلك " اي غير ذلك‬
‫الذنب‪ ،‬واقول‪ :‬مثل هذا الكلم يمكن ان يذكر في مقامين‪ :‬أحدهما بيان كثرة‬
‫معاصيه وعظمتها‪ ،‬وأن له معاصي أعظم من ذلك‪ ،‬وثانيهما بيان حقارة‬
‫هذا الذنب‪ ،‬وعدم العتناء به‪ ،‬وكأنه محمول على الوجه الخير‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 287‬‬

‫]‪[346‬‬

‫‪ - 30‬كا‪ :‬عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن سماعة‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا الحسن عليه السلم يقول‪ :‬ل تستكثروا كثير الخير‪ ،‬ول‬
‫تستقلوا قليل الذنوب‪ ،‬فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا‪ .‬وخافوا ال‬
‫في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف )‪ .(1‬بيان‪ " :‬في السر " أي في‬
‫الخلوة أو في القلب وعلى الول التخصيص لن الخلص فيه أكثر‪،‬‬
‫ولستلزامه الخوف في العلنية ايضا " حتى تعطوا " أي حتى يبلغ خوفكم‬
‫درجة تصير سببا لعطاء النصاف والعدل من انفسكم للناس‪ ،‬ول ترضون‬
‫لهم ما ل ترضون لنفسكم أو حتى تعطوا النصاف من أنفسكم أنكم‬
‫تخافون ال وليس عملكم لرئاء الناس وكأن الول اظهر‪ - 31 .‬كا‪ :‬أبو‬
‫علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن فضال والحجال جميعا‪،‬‬
‫عن ثعلبة‪ ،‬عن زياد قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله نزل بأرض قرعاء فقال لصحابه‪ :‬ائتونا بحطب‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب‪ ،‬قال‪ :‬فليأت كل إنسان بما‬
‫قدر عليه‪ ،‬فجاؤا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬هكذا تجتمع الذنوب‪ ،‬ثم قال‪ :‬إياكم والمحقرات من‬
‫الذنوب‪ ،‬فان لكل شئ طالبا‪ ،‬أل وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل‬
‫شئ أحصيناه في إمام مبين )‪ .(2‬بيان‪ " :‬بأرض قرعاء " أي ل نبات ول‬
‫شجر فيها‪ ،‬تشبيها بالرأس القرع وفي القاموس‪ :‬قرع كفرح ذهب شعر‬
‫رأسه وهو اقرع‪ ،‬وهي قرعاء‪ ،‬والجمع قرع وقرعان بضمهما ورياض‬
‫قرع بالضم بل كل‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬القرع بالتحريك هو أن يكون في الرض‬
‫ذات الكلء موضع ل نبات فيها كالقرع في الرأس " حتى رموا بين يديه "‬
‫اي كثر وارتفع‪ ،‬والطالب للذنوب هو ال سبحانه وملئكته " ما قدموا "‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .287‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 288‬‬

‫]‪[347‬‬

‫أي أسلفوا في حياتهم " وآثارهم " ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته إما‬
‫حسنة كعلم علموه أو حبيس وقفوه‪ ،‬أو سيئة كاشاعة باطل وتأسيس ظلم‬
‫أو نحو ذلك‪ .‬والمام المبين اللوح المحفوظ‪ ،‬وقيل‪ :‬القرآن وقيل‪ :‬كتاب‬
‫العمال‪ ،‬وفي كثير من الخبار أنه أمير المؤمنين عليه السلم وكأنه من‬
‫بطون الية‪ ،‬وأما قوله‪ " :‬أحصيناه " فيحتمل أن يكون في الصل أحصاه‬
‫فصحف النساخ موافقا للية‪ ،‬أو هو على سبيل الحكاية‪ ،‬وقرأ بعض‬
‫الفاضل نكتب بالنون موافقا للية فيكون لفظ الية خبرا أي طالبها هذه‬
‫الية على السناد المجازي وله وجه‪ ،‬لكنه مخالف للمضبوط في النسخ‪.‬‬
‫‪ - 32‬لى‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن كانت العقوبة من ال عزوجل النار‬
‫فالمعصية لماذا ؟ )‪ - 33 .(1‬مع )‪ (2‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم عن‬
‫آبائه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليهم قال‪ :‬أزهد الناس من اجتنب الحرام‪ ،‬وأشد‬
‫الناس اجتهادا من ترك الذنوب )‪ - 34 .(3‬لى‪ :‬ابن المغيرة‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن‬
‫جده‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء‪ ،‬كيف‬
‫ل يحتمي من الذنوب مخافة النار ؟ )‪ - 35 .(4‬لى‪ :‬الطالقاني والعسكري‬
‫معا‪ ،‬عن الجلودي‪ ،‬عن الجوهري‪ ،‬عن علي بن حكيم‪ ،‬عن الربيع بن عبد‬
‫ال‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن‪ ،‬عن زيد بن علي عن أبيه عليه السلم قال‪:‬‬
‫يقول ال عزوجل‪ :‬إذا عصاني من خلقي من يعرفني‪ ،‬سلطت عليه من ل‬
‫يعرفني )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ص ‪ (2) .6‬معاني الخبار ص ‪ (3) .195‬أمالى الصدوق ص‬


‫‪ (4) .14‬أمالى الصدوق ص ‪ (5) .109‬أمالى الصدوق ص ‪.(*) 138‬‬

‫]‪[348‬‬

‫‪ - 36‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن معاذ الجوهري‪،‬‬
‫عن الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم عن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫عن جبرئيل قال‪ :‬قال ال جل جلله‪ :‬من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو ل‬
‫يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه ل غفرت له ذلك الذنب أبدا‪ ،‬ومن أذنب‬
‫ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه عفوت‬
‫عنه )‪ - 37 .(1‬لى‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن المغيرة ومحمد بن سنان معا‪ ،‬عن طلحة بن زيد‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬كان أبي يقول‪ :‬ما شئ أفسد للقلب من الخطيئة إن القلب‬
‫ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعله وأعله‬
‫أسفله )‪ .(2‬ما‪ :‬عن الغضائري‪ ،‬عن الصدوق مثله )‪ - 38 .(3‬لى‪ :‬عن‬
‫الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن‬
‫الصادق‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫إن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام‪ ،‬وإنه لينظر إلى أزواجه‬
‫وإخوانه في الجنة )‪ - 39 .(4‬لى‪ :‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من يطع الشيطان يعص ال‪ ،‬ومن يعص‬
‫ال يعذبه ال )‪ - 40 .(5‬فس‪ " :‬ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت‬
‫أيدي الناس " )‪ (6‬قال‪ :‬في البر فساد الحيوان إذا لم يمطروا‪ ،‬وكذلك هلك‬
‫دواب البحر بذلك‬

‫)‪ (1‬امالي الصدوق ص ‪ (2) .172‬أمالى الصدوق ص ‪ (3) .239‬أمالى الطوسى ج‬


‫‪ 2‬ص ‪ (4) .53‬امالي الصدوق ص ‪ (5) .247‬امالي الصدوق ص ‪.293‬‬
‫)‪ (6‬الروم‪.41 :‬‬

‫]‪[349‬‬

‫وقال الصادق عليه السلم‪ :‬حياة دواب البحر بالمطر‪ ،‬فإذا كفت المطر ظهر الفساد‬
‫في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي )‪ - 41 .(1‬ب‪ :‬عن ابن‬
‫سعد‪ ،‬عن الزدي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الدعاء يرد‬
‫القضاء‪ ،‬وإن المؤمن ليأتي الذنب فيحرم به الرزق )‪ - 42 .(2‬ل‪:‬‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن ابي شعيب رفعه‬
‫إلى ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أورع الناس من وقف عند الشبهة‪ ،‬أعبد‬
‫الناس من أقام الفرائض‪ ،‬أزهد الناس من ترك الحرام‪ ،‬أشد الناس اجتهادا‬
‫من ترك الذنوب )‪ - 43 .(3‬مع )‪ (4‬ل‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن ال أخفى سخطه في معصيته فل تستصغرن شيئا من معصيته‪،‬‬
‫فربما وافق سخطه وأنت ل تعلم )‪ - 44 .(5‬ل‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن‬
‫السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من علمات‬
‫الشقاء جمود العين‪ ،‬وقسوة القلب‪ ،‬وشدة الحرص في طلب الرزق‬
‫والصرار على الذنب )‪ - 45 .(6‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن‬
‫ابن صدقة‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬أربع يمتن القلب‪ :‬الذنب على الذنب وكثرة مناقشة النساء‬
‫يعني محادثتهن‪ ،‬ومماراة الحمق تقول ويقول ول يرجع إلى خير‪،‬‬
‫ومجالسة الموتى‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا رسول ال وما الموتى ؟ قال‪ :‬كل‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى‪ (2) .504 :‬قرب السناد ص ‪ ،24‬ط النجف‪ (3) .‬الخصال ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (4) .11‬معاني الخبار ص ‪ (5) .112‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(6) .99‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 115‬‬

‫]‪[350‬‬

‫غني مترف )‪ - 46 .(1‬ثو )‪ (2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الحسن بن علي الكوفي‪،‬‬
‫عن ابن معروف‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن مندل ابن علي العنزي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مطرف‪ ،‬عن مسمع عن أصبغ بن نباتة‪ ،‬عن علي عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا غضب ال عزوجل على أمة ولم ينزل‬
‫بها العذاب‪ ،‬غلت اسعارها‪ ،‬وقصرت أعمارها‪ ،‬ولم تربح تجارها‪ ،‬ولم تزك‬
‫ثمارها‪ ،‬ولم تغزر أنهارها‪ ،‬وحبس عنها أمطارها‪ ،‬و سلط عليها شرارها )‬
‫‪ - 47 .(3‬ل‪ :‬الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬توقوا الذنوب‪،‬‬
‫فما من بلية ول نقص رزق إل بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة‪ ،‬قال‬
‫ال عزوجل‪ " :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‬
‫" )‪ .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬باب باب التوبة مفتوح لمن أرادها " فتوبوا‬
‫إلى ال توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم " وأوفوا بالعهد‬
‫إذا عاهدتم فما زالت نعمة ول نضارة عيش إل بذنوب اجترحوا إن ال‬
‫ليس بظلم للعبيد‪ ،‬ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والنابة‪ ،‬لم تنزل‪ ،‬ولو‬
‫أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى ال عزوجل بصدق‬
‫من نياتهم ولم يهنوا نولم يسرفوا لصلح ال لهم كل فاسد ولرد عليهم كل‬
‫صالح )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه‬
‫فيموت حتى يبتلي ببلية تمحص بها ذنوبه‪ ،‬إما في مال وإما في ولد وإما‬
‫في نفسه حتى يلقى ال عزوجل وماله ذنب‪ ،‬وإنه ليبقى عليه الشئ من‬
‫ذنوبه‪ ،‬فيشدد به عليه‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .108‬ثواب العمال ص ‪ (3) .229‬الخصال ج ‪ 2‬ص‬


‫‪ (4) .12‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ ،158‬والية في سورة الشورى‪(5) .30 :‬‬
‫الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 163‬‬
‫]‪[351‬‬

‫عند موته )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تستصغروا قليل الثام‪ ،‬فان الصغير يحصى‬
‫ويرجع إلى الكبير )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬احذروا الذنوب فان العبد ليذنب‬
‫فيحبس عنه الرزق )‪ - 48 .(3‬لى‪ :‬أبي‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن موسى بن‬
‫جعفر البغدادي‪ ،‬عن علي ابن معبد‪ ،‬عن علي بن سليمان‪ ،‬عن فطر بن‬
‫خليفة‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬لما نزلت هذه الية " والذين إذا‬
‫فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم " )‪ (4‬صعد‬
‫إبليس جبل بمكة يقال له ثور‪ ،‬فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا‬
‫إليه‪ ،‬فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا ؟ قال‪ :‬نزلت هذه الية فمن لها ؟ فقام‬
‫عفريت من الشياطين فقال‪ :‬أنا لها بكذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬لست لها‪ ،‬فقام آخر‬
‫فقال مثل ذلك فقال‪ :‬لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها‪ ،‬قال‪ :‬بماذا ؟‬
‫قال‪ :‬أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم‬
‫الستغفار فقال‪ :‬أنت لها‪ ،‬فوكله بها إلى يوم القيامة )‪ - 49 .(5‬ن‪ :‬عن‬
‫المفسر‪ ،‬عن أحمد بن الحسن الحسيني‪ ،‬عن الحسن بن علي العسكري‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬كتب الصادق عليه السلم إلى بعض الناس‪:‬‬
‫إن اردت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل العمال‪ ،‬فعظم‬
‫ل حقه‪ :‬أن تبذل نعماءه في معاصيه‪ ،‬وأن تغتر بحلمه عنك‪ ،‬وأكرم كل من‬
‫وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا‪ ،‬ثم ليس عليك‪ ،‬صادقا كان أو كاذبا‪ ،‬إنما لك‬
‫نيتك وعليه كذبه )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .169‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .158‬الخصال ج ‪ 2‬ص‬


‫‪ (4) .161‬آل عمران‪ (5) .135 :‬أمالى الصدوق‪ ،278 :‬وأخرجه في‬
‫كتاب السماء والعالم ص ‪ 615‬ط الكمبانى‪ (6) .‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.4‬‬

‫]‪[352‬‬

‫‪ - 50‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬يا ابن آدم ما تنصفني‪ :‬أتحبب‬
‫إليك بالنعم‪ ،‬وتتمقت إلي بالمعاصي‪ ،‬خيري عليك منزل‪ ،‬وشرك إلي‬
‫صاعد‪ ،‬ول يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح‪ ،‬يا ابن‬
‫آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت ل تعلم من الموصوف‪ ،‬لسارعت إلى‬
‫مقته )‪ .(1‬صح عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم مثله )‪ .(2‬ما‪ :‬المفيد‪،‬‬
‫عن عمر بن محمد الزيات‪ ،‬عن علي بن مهرويه‪ ،‬عن داود بن سليمان‪،‬‬
‫عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‪ :‬مثله )‪ .(3‬ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن أبي‬
‫المفضل‪ ،،‬عنابن مهرويه مثله )‪ - 51 .(4‬ما‪ :‬عن الفحام‪ ،‬عن‬
‫المنصوري‪ ،‬عن عمر بن أبي موسى‪ ،‬عن عيسى بن أحمد عن أبي الحسن‬
‫الثالث‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم‪ :‬مثله وزاد في آخره‪:‬‬
‫ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب‪ ،‬ول أمحقك فيمن أمحق )‬
‫‪ - 52 .(5‬ن‪ :‬بهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله ل تزال‬
‫أمتي بخير ما تحابوا وتهادوا‪ ،‬وأدوا المانة‪ ،‬واجتنبوا الحرام‪ ،‬وقروا‬
‫الضيف‪ ،‬وأقاموا الصلة‪ ،‬وآتوا الزكاة‪ ،‬فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط‬
‫والسنين )‪ - 53 .(6‬ن‪ :‬بهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬يا علي من كرامة المؤمن على ال أنه لم يجعل لجله وقتا حتى يهم‬
‫ببائقة‪ ،‬فإذا هم ببائقة قبضه إليه‪.‬‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .28‬صحيفة الرضا ص ‪ (3) .2‬امالي الطوسى ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ 125‬و ‪ (4) .126‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .183‬أمالى‬
‫الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (6) .285‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 29‬‬

‫]‪[353‬‬

‫قال‪ :‬وقال جعفر بن محمد عليه السلم‪ :‬تجنبوا البوائق يمد لكم العمار )‪ .(1‬صح‪:‬‬
‫عنه عليه السلم مثله )‪ - 54 .(2‬ن‪ :‬بهذا السناد قال‪ :‬قال الحسين بن‬
‫علي عليه السلم‪ :‬إن أعمال هذه المة ما من صباح إل وتعرض على ال‬
‫عزوجل )‪ .(3‬صح‪ :‬عنه عليه السلم مثله )ط(‪ - 55 .‬ن‪ :‬من كلم الرضا‬
‫عليه السلم المشهور قوله‪ :‬الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر‪ ،‬ومن‬
‫لم يخف ال في القليل لم يخفه في الكثير‪ ،‬ولو لم يخوف ال الناس بجنة‬
‫ونار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ول يعصوه‪ ،‬لتفضله عليهم‪ ،‬وإحسانه‬
‫إليهم وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه )‪ - 56 .(5‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن‬
‫ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى عن أحمد بن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫بكر بن محمد قال‪ :‬أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن الدعاء ليرد القضاء‪ ،‬وإن‬
‫المؤمن ليذنب فيحرم به الرزق )‪ - 57 .(6‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن زياد‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن ال تعالى إذا غضب‬
‫على أمة ثم لم ينزل بها العذاب‪ ،‬أغلى أسعارها‪ ،‬وقصر أعمارها ولم تربح‬
‫تجارها‪ ،‬ولم تغزر أنهارها‪ ،‬ولم تزك ثمارها‪ ،‬وسلط عليها شرارها وحبس‬
‫عليها أمطارها )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .36‬صحيفة الرضا ص ‪ (3) .12‬عيون الخبار ج‬
‫‪ 2‬ص ‪ (4) .44‬صحيفة الرضا ص ‪ (5) .35‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (6) .180‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (7) .135‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 204‬‬

‫]‪[354‬‬

‫‪ - 58‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن عبد ال بن علي الموصلي‪ ،‬عن علي بن حاتم عن أحمد‬
‫بن محمد الموصلي العاصمي‪ ،‬عن علي بن الحسين‪ ،‬عن العباس بن علي‬
‫الشامي قال‪ :‬سمعت الرضا عليه السلم يقول‪ :‬كلما أحدث العباد من‬
‫الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث لهم من البلء ما لم يكونوا يعرفون )‬
‫‪ .(1‬ع‪ :‬عن علي بن حاتم‪ ،‬عن أحمد بن محمد العاصمي وعلي بن محمد‬
‫بن يعقوب العجلي‪ ،‬عن علي بن الحسين عليه السلم مثله )‪ - 59 .(2‬ما‪:‬‬
‫عن الغضائري‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن محمد بن همام‪ ،‬عن علي ابن الحسين‬
‫الهمداني‪ ،‬عن محمد البرقي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل ابن عمر‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال تعالى لم يجعل للمؤمن أجل في‬
‫الموت‪ :‬يبقيه ما أحب البقاء‪ ،‬فإذا علم منه أنه سيأتي ما فيه بوار دينه‬
‫قبضه إليه مكرما )‪ .(3‬قال أبو علي‪ :‬فذكرت هذا الحديث لحمد بن علي بن‬
‫حمزة مولى الطالبيين وكان راوية للحديث فحدثني عن الحسين بن راشد‬
‫الطفاوي‪ ،‬عن محمد بن القاسم ابن الفضيل بن يسار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالجال‪،‬‬
‫ومن يعيش بالحسان أكثر ممن يعيش بالعمار )‪ - 60 (4‬ع‪ :‬عن القطان‪،‬‬
‫عن أحمد الهمداني‪ ،‬عن علي بن الحسن بن فضال عن ابيه‪ ،‬عن مروان‬
‫بن مسلم‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن نباتة قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما جفت الدموع إل لقسوة القلوب‪ ،‬وما قست‬
‫القلوب إل لكثرة الذنوب )‪ - 61 .(5‬ع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصغار‪ ،‬عن‬
‫ابن معروف‪ ،‬عن الصم‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .333‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .210‬مكرها ظ‬
‫كما يأتي‪ (4) .‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .311‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 77‬‬

‫]‪[355‬‬

‫ابن مسكان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ما‬
‫من عبد إل وعليه أربعون جنة‪ ،‬حتى يعمل أربعين كبيرة‪ ،‬فإذا عمل أربعين‬
‫كبيرة انكشفت عنه الجنن فتقول الملئكة من الحفظة الذين معه‪ :‬يا ربنا‬
‫هذا عبدك قد انكشفت عنه الجنن فيوحي ال عزوجل إليهم أن استروا‬
‫عبدي بأجنحتكم‪ ،‬فتستره الملئكة بأجنحتها فما يدع شيئا من القبيح إل‬
‫قارفه حتى يتمدح إلى الناس بفعله القبيح‪ ،‬فتقول الملئكة‪ :‬يا رب هذا‬
‫عبدك ما يدع شيئا إل ركبه‪ ،‬وإنا لنستحيي مما يصنع فيوحي ال إليهم أن‬
‫ارفعوا أجنحتكم عنه‪ ،‬فإذا ]فعل ذلك[ أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك‬
‫يهتك ال ستره في السماء ويستره في الرض فتقول الملئكة‪ :‬هذا عبدك‬
‫قد بقي مهتوك الستر فيوحي ال إليهم‪ :‬لو كان لي فيه حاجة ما أمرتكم أن‬
‫ترفعوا أجنحتكم عنه )‪ - 62 .(1‬لى‪ :‬في مناهي النبي صلى ال عليه وآله‬
‫أنه قال‪ :‬ل تحقروا شيئا من الشر‪ ،‬وإن صغر في أعينكم‪ ،‬ول تستكثروا‬
‫الخير وإن كثر في أعينكم‪ ،‬فانه ل كبير مع الستغفار ول صغير مع‬
‫الصرار )‪ - 63 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن ابي‬
‫عمير‪ ،‬عن أخي الفضيل‪ ،‬عن الفضيل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬من‬
‫الذنوب التي ل تغفر قول الرجل‪ :‬يا ليتني ل أواخذ إل بهذا )‪ - 64 .(3‬ل‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حفص عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إني لرجو النجاة لهذه المة لمن عرف حقنا منهم إل‬
‫لحد ثلثة‪ :‬صاحب سلطان جائر‪ ،‬وصاحب هوى‪ ،‬والفاسق المعلن )‪.(4‬‬
‫‪ - 65‬ع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن عبد العظيم‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .219‬أمالى الصدوق ص ‪ (3) .260‬الخصال ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (4) .14‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 59‬‬

‫]‪[356‬‬

‫الحسني‪ ،‬عن ابن ابي عمير‪ ،‬عن عبد ال بن الفضل‪ ،‬عن خاله محمد بن سليمان‬
‫عن رجل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال لمحمد بن مسلم‪ :‬يا محمد بن‬
‫مسلم ل تغرنك الناس من نفسك‪ ،‬فان المر يصل إليك دونهم‪ ،‬ول تقطع‬
‫النهار عنك بكذا وكذا‪ .‬فان معك من يحصي عليك‪ ،‬ول تستصغرن حسنة‬
‫تعملها فانك تراها حيث تسرك‪ ،‬ول تستصغرن سيئة تعمل بها فانك تراها‬
‫حيث تسوؤك‪ ،‬وأحسن فاني لم ار شيئا قط أشد طلبا ول اسرع دركا من‬
‫حسنة محدثة لذنب قديم )‪ - 66 .(1‬ل‪ :‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪،‬‬
‫عن عمه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن ابن عميرة‪ ،‬عن الصادق عليه السلم‬
‫قال‪ :‬من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان‪ ،‬ومن لم يبال أن‬
‫يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان‪ ،‬ومن أغتاب أخاه المؤمن من غير‬
‫ترة بينهما فهو شرك شيطان‪ ،‬ومن شعف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو‬
‫شرك شيطان‪ .‬ثم قال عليه السلم‪ :‬إن لولد الزنا علمات أحدها بغضنا أهل‬
‫البيت‪ ،‬وثانيها أنه يحن إلى الحرام الذي خلق منه‪ ،‬وثالثها الستخفاف‬
‫بالدين‪ ،‬ورابعها سوء المحضر للناس‪ ،‬ول يسئ محضر إخوانه إل من ولد‬
‫على غير فراش أبيه‪ ،‬أو حملت به أمه في حيضها )‪ - 67 .(2‬ثو‪ :‬عن ابن‬
‫الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن عباس بن هلل‪ ،‬عن الرضا‬
‫عليه السلم قال‪ :‬المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة‪ ،‬والمذيع بالسيئة‬
‫مخذول‪ ،‬والمستتر بالسيئة مغفور له )‪ - 68 .(3‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫الحميري‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن الحسن‬
‫بن علي‪ ،‬عن عبد ال بن إبراهيم‪ ،‬عن جعفر الجعفري‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن‬
‫أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أذنب ذنبا‬
‫وهو ضاحك‪ ،‬دخل‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .280‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 102‬وتراه في المعاني ص‬


‫‪ (3) .400‬ثواب العمال ص ‪.(*) 162‬‬

‫]‪[357‬‬

‫النار وهو باك )‪ - 69 .(1‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن‬
‫فضال‪ ،‬عن ابن بكير‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬من هم بالسيئة فل يعملها فانه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب‬
‫عزوجل فيقول‪ :‬وعزتي وجللي ل أغفر له أبدا )‪ .(2‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن ابن‬
‫فضال مثله )‪ - 70 .(3‬ثو‪ :‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن سنان‪ ،‬عن حماد بن عثمان‪ ،‬عن خلف بن حماد‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن‬
‫الفضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬إذا أخذ القوم في معصية ال‬
‫عزوجل فان كانوا ركبانا كانوا من خيل إبليس‪ ،‬وإن كانوا رجالة كانوا من‬
‫رجالته )‪ .(4‬سن‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن سنان مثله )‪- 71 .(5‬‬
‫ثو‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬
‫عن الهيثم بن واقد قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن ال‬
‫عزوجل بعث نبيا إلى قومه فأوحى ال إليه قل لقومك‪ :‬إنه ليس من أهل‬
‫قرية ول أهل بيت كانوا على طاعتي فأصابهم شر فانتقلوا عما أحب إلى ما‬
‫أكره‪ ،‬إل تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون )‪ .(6‬سن‪ :‬عن ابن‬
‫محبوب مثله )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال ص ‪ (2) .201‬ثواب العمال ص ‪ (3) .216‬المحاسن ص ‪.117‬‬


‫)‪ (4‬ثواب العمال ص ‪ (5) .226‬المحاسن ص ‪ (6) .116‬ثواب العمال‬
‫ص ‪ (7) .226‬المحاسن ص ‪.(*) 117‬‬

‫]‪[358‬‬
‫‪ - 72‬ثو‪ :‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بكر بن محمد‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن الشك والمعصية في‬
‫النار‪ ،‬ليسا منا ول إلينا )‪ - 73 .(1‬ف‪ :‬عن أبي محمد عليه السلم قال‪:‬‬
‫من الذنوب التي ل تغفر ]قول الرجل[ )‪ :(2‬ليتني لم أواخذ إل بهذا‪ ،‬ثم قال‬
‫عليه السلم‪ :‬الشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح السود‬
‫في الليلة المظلمة )‪ - 74 .(3‬سن‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم‬
‫صلة الليل‪ ،‬وإن عمل الشر أسرع في صاحبه من السكين في اللحم )‪.(4‬‬
‫‪ - 75‬سن‪ (5) :‬في رواية الفضيل‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق‪ ،‬وتل هذه الية‪ " :‬إذ أقسموا‬
‫ليصرمنها مصبحين * ول يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم‬
‫نائمون " )‪ - 76 .(6‬سن‪ :‬في رواية بكر بن محمد الزدي‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن المؤمن لينوي الذنب فيحرم الرزق )‪- 77 .(7‬‬
‫سن‪ :‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن أبي‬
‫حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬ما من سنة أقل مطرا‬
‫من سنة ولكن ال عزوجل يضعه حيث يشاء إن ال إذا عمل قوم‬
‫بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدره لهم من المطر في تلك السنة إلى‬
‫غيرهم‪ ،‬وإلى الفيافي والبحار والجبال‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال ص ‪ (2) .231‬زيادة أضفناها طبقا لما مر تحت الرقم ‪ 63‬وما‬
‫يأتي عن نسخة الغيبة للشيخ الطوسى‪ (3) .‬تحف العقول ص ‪ ،487‬ط‬
‫السلمية ‪ (5 - 4) .517‬المحاسن ص ‪ (6) .115‬القلم‪(7) .19 :‬‬
‫المحاسن ص ‪.(*) 116‬‬

‫]‪[359‬‬

‫وإن ال ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الرض التي هي بمحلتها لخطايا‬
‫من بحضرتها‪ ،‬وقد جعل ال له السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل‬
‫المعاصي‪ ،‬قال‪ :‬ثم قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬فاعتبروا يا أولي البصار )‬
‫‪ - 78 .(1‬غط‪ :‬عن سعد‪ ،‬عن ابي هاشم الجعفري قال‪ :‬سمعت أبا محمد‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬من الذنوب التي ل تغفر قول الرجل‪ :‬ليتني ل أؤاخذ إل‬
‫بهذا‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬إن هذا لهو الدقيق‪ ،‬ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره‬
‫ومن نفسه كل شئ‪ ،‬فأقبل علي أبو محمد عليه السلم فقال‪ :‬يا أبا هاشم‬
‫صدقت فالزم ما حدثت به نفسك فان الشراك في الناس أخفى من دبيب‬
‫الذر على الصفا في الليلة الظلماء‪ ،‬ومن دبيب الذر على المسح السود )‬
‫‪ - 79 .(2‬سن‪ :‬عن عدة من أصحابنا‪ ،‬عن ابن اسباط‪ ،‬عن عمه يعقوب‪،‬‬
‫عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬من اجترأ على ال في‬
‫المعصية‪ ،‬وارتكاب الكباير فهو كافر‪ ،‬ومن نصب دينا غير دين ال فهو‬
‫مشرك )‪ - 80 .(3‬سن‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن محمد بن‬
‫أبي هاشم‪ ،‬عن عنبسة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال يحب‬
‫العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم‬
‫اليسير )‪ - 81 .(4‬صح‪ :‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬يا ابن آدم ل يغرنك‬
‫ذنب الناس عن ذنبك‪ ،‬ول نعمة الناس عن نعمة ال عليك‪ ،‬ول تقنط الناس‬
‫من رحمة ال تعالى وأنت ترجوها لنفسك )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .116‬غيبة الشيخ الطوسى ص ‪ (3) .133‬المحاسن ص‬


‫‪ (4) .209‬المحاسن ص ‪ (5) .293‬صحيفة الرضا ص ‪.(*) 4‬‬

‫]‪[360‬‬

‫‪ - 82‬شى‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬سمعته يقول‪ " :‬إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا‬
‫ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " )‪ (1‬من زعم أن الخمر حرام ثم شربها‪ ،‬ومن‬
‫زعم أن الزنا حرام ثم زنى‪ ،‬ومن زعم أن الزكاة حق ولم يؤدها )‪- 83 .(2‬‬
‫م‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يا عباد ال احذروا النهماك في‬
‫المعاصي والتهاون بها فان المعاصي تستولي الخذلن على صاحبها‪ ،‬حتى‬
‫توقعه في رد ولية وصي رسول ال صلى ال عليه وآله ودفع نبوة نبي‬
‫ال‪ ،‬ول تزال ايضا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد ال واللحاد في دين‬
‫ال‪ - 84 .‬جا‪ :‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫معروف عن ابن مهزيار‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد الحميد‪ ،‬عن زيد‬
‫الشحام قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم قال‪ :‬احذروا سطوات ال‬
‫بالليل والنهار‪ ،‬فقلت‪ :‬وما سطوات ال ؟ قال‪ :‬أخذه على المعاصي )‪.(3‬‬
‫ين‪ :‬النضر مثله‪ - 85 .‬جا‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن ابن فضال‪،‬‬
‫عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن سماعة قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬ما لكم تسوؤن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله فقال رجل‪ :‬جعلت فداك وكيف نسوؤه ؟‬
‫قال‪ :‬أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه‪ ،‬فإذا رأى فيها معصية ال ساءه‬
‫ذلك‪ ،‬فل تسوؤا رسول ال صلى ال عليه وآله وسروه )‪ .(4‬ين‪ :‬عثمان‬
‫بن عيسى مثله‪ - 86 .‬ختص‪ :‬قال الباقر عليه السلم‪ :‬إن العبد ليسأل‬
‫الحاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن ال قضاؤها إلى أجل قريب‪ ،‬أو‬
‫وقت بطيئ‪ ،‬فيذنب العبد عند‬
‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .137 :‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .281‬أمالى المفيد ص ‪.117‬‬
‫)‪ (4‬أمالى المفيد ص ‪.123‬‬

‫]‪[361‬‬

‫ذلك ذنبا فيقول ال للملك الموكل بحاجته‪ :‬ل تنجز له حاجته واحرمه إياها فانه‬
‫تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني )‪ - 87 .(1‬ختص‪ :‬عن الصدوق‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن ابن عميرة‬
‫قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن ل تبارك وتعالى على عبده المؤمن‬
‫أربعين جنة‪ ،‬فمتى اذنب ذنبا ]كبيرا[ رفع عنه جنة‪ ،‬فإذا عاب أخاه المؤمن‬
‫بشئ يعلمه منه انكشفت تلك الجنن عنه‪ ،‬ويبقى مهتوك الستر‪ ،‬فيفتضح‬
‫في السماء على ألسنة الملئكة‪ ،‬وفي الرض على ألسنة الناس‪ ،‬ول‬
‫يرتكب ذنبا إل ذكروه‪ ،‬ويقول الملئكة الموكلون به‪ :‬يا ربنا قد بقي عبدك‬
‫مهتوك الستر‪ ،‬وقد أمرتنا بحفظه فيقول عزوجل‪ :‬ملئكتي لو اردت بهذا‬
‫العبد خيرا ما فضحته‪ ،‬فارفعوا أجنحتكم عنه‪ ،‬فوعزتي ل يؤل بعدها إلى‬
‫خير أبدا )‪ - 88 .(2‬ختص‪ :‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ما من عبد‬
‫مؤمن إل وفي قلبه نكتة بيضاء‪ ،‬فان اذنب وثنى خرج من تلك النكتة‬
‫سواد‪ ،‬فان تمادي في الذنوب اتسع ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا‬
‫غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول ال " كل بل ران‬
‫على قلوبهم ما كانوا يكسبون " )‪ - 89 .(3‬ين‪ :‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن‬
‫حنان بن سدير‪ ،‬عن رجل يقال له روزبه وكان من الزيدية‪ ،‬عن الثمالي‬
‫قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬ما من عبد يعمل عمل ل يرضاه الهل إل‬
‫ستره ال عليه أول‪ ،‬فإذا ثنى ستره ال عليه‪ ،‬فإذا ثلث أهبط ال ملكا في‬
‫صورة آدمي يقول للناس‪ :‬فعل كذا وكذا‪ - 90 .‬ين‪ :‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى أوحى إلى‬
‫داود النبي عليه السلم أن ائت عبدي دانيال فقل له‪ :‬إنك عصيتني فغفرت‬
‫لك‪ ،‬وعصيتني فغفرت لك‪ ،‬وعصيتني فغفرت لك‪ ،‬فان أنت‬

‫)‪ (1‬الختصاص‪ (2) .31 :‬الختصاص‪ (3) .220 :‬الختصاص‪ 243 :‬والية في‬
‫سورة المطففين‪.(*) 14 :‬‬

‫]‪[362‬‬

‫عصيتني الرابعة لم أغفر لك‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه داود عليه السلم فقال له‪ :‬يا دانيال إني‬
‫رسول ال إليك‪ ،‬وهو يقول لك‪ :‬إنك عصيتني فغفرت لك‪ ،‬وعصيتني‬
‫فغفرت لك‪ ،‬وعصيتني فغفرت لك‪ ،‬فانأنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك‪،‬‬
‫فقال له دانيال‪ :‬قد بلغت يا نبي ال‪ .‬قال‪ :‬فلما كان في السحر قام دانيال‬
‫وناجي ربه فقال‪ :‬يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أني قد عصيتك فغفرت‬
‫لي‪ ،‬وعصيتك فغفرت لي‪ ،‬وعصيتك فغفرت لي وأخبرني عنك أني إن‬
‫عصيتك الرابعة لم تغفر لي‪ ،‬فوعزتك لعصينك ثم لعصينك ثم لعصينك‬
‫إن لم تعصمني‪ - 91 .‬محص‪ :‬عن معاوية بن عمار قال‪ :‬دخلت على أبي‬
‫عبد ال عليه السلم وقد كانت الريح حملت العمامة عن رأسي في البدو‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا معاوية ! فقلت‪ :‬لبيك جعلت فداك يا ابن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله قال‪ :‬حملت الريح العمامة عن رأسك ؟ قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬هذا جزاء من‬
‫أطعم العراب‪ - 92 .‬محص‪ :‬عن ابي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم توقوا الذنوب‪ ،‬فما من بلية ول نقص‬
‫رزق إل بذنب حتى الخدش والنكبة والمصيبة‪ ،‬فان ال يقول‪ " :‬ومن‬
‫أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " )‪ - 93 .(1‬نوادر‬
‫الراوندي‪ :‬باسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن الرجل ليجلس على باب الجنة مقدار‬
‫عام بذنب واحد وإنه لينظر إلى أكوابه وأزواجه )‪ .(2‬وبهذا السناد قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬للمؤمن اثنان وسبعون سترا فإذا أذنب‬
‫ذنبا انهتكت عنه ستر‪ ،‬فان تاب رده ال إليه وسبعة معه‪ ،‬وإن أبى إل قدما‬
‫قدما في المعاصي تهتكت عنه أستاره‪ ،‬فان تاب ردها ال إليه ومع كل ستر‬
‫منها سبعة فان أبى إل قدما قدما في المعاصي تهتكت أستاره وبقي بل ستر‬
‫وأوحى ال تعالى إلى‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .30 :‬نوادر الراوندي ص ‪.(*) 4‬‬

‫]‪[363‬‬

‫ملئكته أن استروا عبدي بأجنحتكم فان بني آدم يغيرون ول يغيرون‪ ،‬وأنا أغير ول‬
‫أغير‪ ،‬فان ابى إل قدما في المعاصي شكت الملئكة إلى ربها ورفعت‬
‫أجنحتها وقالت‪ :‬يا رب إن عبدك هذا قد أقذرنا مما يأتي من الفواحش ما‬
‫ظهر منها وما بطن‪ ،‬قال‪ :‬فيقول ال تعالى لهم‪ :‬كفوا عنه أجنحتكم‪ ،‬فلو‬
‫عمل الخطيئة في سواد الليل أو في ضوء النهار أو في مفازة أو قعر بحر‬
‫لجراها ال تعالى على ألسنة الناس فاسألوا ال تعالى أن ل يهتك أستاركم‬
‫)‪ .(1‬وبهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن إبليس‬
‫رضي منكم بالمحقرات والذنب الذي ل يغفر قول الرجل‪ :‬ل أواخذ بهذا‬
‫الذنب استصغارا له )‪ - 94 .(2‬ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن‬
‫علي بن الحسين بن حمزة العلوي‪ ،‬عن عمه علي بن حمزة‪ ،‬عن علي بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬ما اختلج عرق ول عثرت قدم إل بما قدمت ايديكم وما يعفو‬
‫ال عنه أكثر )‪ - 95 .(3‬ما‪ :‬عن الغضايري‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن محمد بن‬
‫همام‪ ،‬عن محمد بن علي بن الحسين الهمداني‪ ،‬عن محمد بن خالد‬
‫البرقي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إن ال تعالى لم يجعل للمؤمن أجل في الموت يبقيه ما أحب البقاء‪،‬‬
‫فإذا علم أنه سيأتي بما فيه بوار دينه قبضه إليه مكرها‪ .‬قال محمد بن‬
‫همام‪ :‬فذكرت هذا الحديث لحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين وكان‬
‫راوية للحديث‪ ،‬فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي‪ ،‬عن محمد ابن‬
‫القاسم بن فضيل بن يسار‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالجال‪ ،‬ومن يعيش بالحسان أكثر‬
‫ممن يعيش‬

‫)‪ (1‬نوادر الراوندي ص ‪ (2) .6‬نوادر الراوندي ص ‪ (3) .17‬أمالى الطوسى ج ‪2‬‬
‫ص ‪.(*) 183‬‬

‫]‪[364‬‬

‫بالعمار )‪ - 96 .(1‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬لو لم يتوعد ال على‬
‫معصيته لكان يجب أن ل يعصى شكرا لنعمه )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬ترك‬
‫الذنب أهون من طلب التوبة )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬اتقوا معاصي ال في‬
‫الخلوات‪ ،‬فان الشاهد هو الحاكم )‪ .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬أقل ما يلزمكم ل‬
‫أل تستعينوا بنعمه على معاصيه )‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬من العصمة تعذر‬
‫المعاصي )‪ .(6‬وقال عليه السلم‪ :‬اذكروا انقطاع اللذات‪ ،‬وبقاء التبعات )‬
‫‪ .(7‬وقال عليه السلم‪ :‬أشد الذنوب ما استخف به صاحبه )‪ .(8‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أيها الناس إن الدنيا تغر المؤمل لها‪ ،‬والمخلد إليها‪ ،‬ول تنفس بمن‬
‫نافس فيها‪ ،‬وتغلب من غلب عليها‪ ،‬وأيم ال ما كان قوم قط في غض نعمة‬
‫من عيش فزال عنهم إل بذنوب اجترحوها‪ ،‬لن ال تعالى ليس بظلم للعبيد‬
‫ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم‪ ،‬وتزول عنهم النعم‪ ،‬فزعوا إلى ربهم‬
‫بصدق من نياتهم‪ ،‬ووله من قلوبهم‪ ،‬لرد عليهم كل شارد‪ ،‬وأصلح لهم كل‬
‫فاسد )‪ .(9‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال سبحانه ل يخفى عليه ما العباد‬
‫مقترفون في ليلهم‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ ،311‬وقد مر في ص ‪ 354‬ايضا‪ (2) .‬نهج البلغة‬


‫الرقم ‪ 290‬من الحكم‪ (3) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 170‬من الحكم‪ (4) .‬نهج‬
‫البلغة الرقم ‪ 324‬من الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 330‬من الحكم‪) .‬‬
‫‪ (6‬نهج البلغة الرقم ‪ 345‬من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 433‬من‬
‫الحكم‪ (8) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 477‬من الحكم‪ (9) .‬نهج البلغة الرقم‬
‫‪ 176‬من الخطب )*(‪.‬‬

‫]‪[365‬‬

‫ونهارهم‪ ،‬لطف به خبرا‪ ،‬وأحاط به علما‪ ،‬أعضاؤكم شهوده‪ ،‬وجوارحكم جنوده‬


‫وضمائركم عيونه‪ ،‬وخلواتكم عيانه )‪ - 97 .(1‬كنز الكراجكى‪ :‬عن المفيد‪،‬‬
‫عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات عن علي بن مهرويه القزويني‪،‬‬
‫عن داود بن سليمان‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬يقول ال عزوجل‪ :‬يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب‬
‫إليك بالنعم‪ ،‬وتتبغض إلي بالمعاصي‪ ،‬خيري إليك نازل‪ ،‬وشرك إلي صاعد‪،‬‬
‫أفي كل يوم يأتيني عنك ملك كريم بعمل غير صالح‪ ،‬يا ابن آدم لو سمعت‬
‫وصفك من غيرك‪ ،‬وأنت ل تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته )‪.(2‬‬
‫ومنه‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬تأخير التوبة اغترار‪ ،‬وطول التسويف‬
‫حيرة والعتلل على ال هلكة‪ ،‬والصرار على الذنب أمن لمكر ال‪ ،‬ول‬
‫يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون‪ - 98 .‬عدة الداعي‪ :‬روي في زبور داود‬
‫عليه السلم‪ :‬يقول ال تعالى‪ :‬يا ابن آدم تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك‪،‬‬
‫ثم تلح علي بالمسألة فأعطيك ما سألت‪ ،‬فتستعين به على معصيتي‪ ،‬فأهم‬
‫بهتك سترك فتدعوني فاستر عليك‪ ،‬فكم من جميل أصنع معك‪ ،‬وكم من‬
‫قبيح تصنع معي‪ ،‬يوشك أن أغضب عليك غضبة ل ارضى بعدها أبدا‪.‬‬
‫وفيما أوحى ال إلى عيسى عليه السلم ل يغرنك المتمرد علي بالعصيان‪،‬‬
‫يأكل رزقي‪ ،‬ويعبد غيري‪ ،‬ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه‪ ،‬ثم يرجع إلى ما‬
‫كان عليه فعلي يتمرد ؟ أم لسخطي يتعرض ؟ فبي حلفت لخذنه أخذة ليس‬
‫له منها منجا‪ ،‬ول دوني ملجأ‪ ،‬أين يهرب من سمائي وأرضي )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 197‬من الخطب‪ (2) .‬تراه في أمالي الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (3) .126‬عدة الداعي ص ‪.(*) 152‬‬

‫]‪[366‬‬

‫‪) - 138 -‬باب( * " )علل المصايب والمحن والمراض والذنوب التي توجب( " *‬
‫* " )غضب ال وسرعة العقوبة( " * اليات‪ :‬آل عمران‪ :‬أو لما أصابتكم‬
‫مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند انفسكم إن ال على‬
‫كل شئ قدير * وما اصابكم يوم التقى الجمعان فباذن ال وليعلم المؤمنين‬
‫وليعلم الذين نافقوا )‪ .(1‬العراف‪ :‬ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص‬
‫من الثمرات لعلهم يذكرون )‪ .(2‬وقال‪ :‬وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم‬
‫يرجعون )‪ .(3‬التوبة‪ :‬أول يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم‬
‫ل يتوبون ول هم يذكرون )‪ .(4‬الرعد‪ :‬ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما‬
‫صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف‬
‫الميعاد )‪ .(5‬الكهف‪ :‬أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت‬
‫أن أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلم فكان‬
‫أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما‬
‫خيرا منه زكوة وأقرب رحما )‪ .(6‬النبياء‪ :‬ونبلوكم بالشر والخير فتنة‬
‫وإلينا ترجعون )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .166 - 165 :‬العراف‪ (3) .130 :‬العراف‪(4) .168 :‬‬
‫براءة‪ (5) .126 :‬الرعد‪ (6) .31 :‬الكهف‪ (7) .80 - 79 :‬النبياء‪35 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[367‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬أفل يرون أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون )‪.(1‬‬
‫الروم‪ :‬وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون )‪ .(2‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض‬
‫الذي عملوا لعلهم يرجعون )‪ .(3‬التنزيل‪ :‬ولنذيقنهم من العذاب الدنى دون‬
‫العذاب الدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون )‪ .(4‬حمعسق‪ :‬وما‬
‫أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير * وما أنتم بمعجزين‬
‫في الرض وما لكم من دون ال من ولي ول نصير )‪ .(5‬وقال‪ :‬وإن‬
‫تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان النسان كفور )‪ - 1 .(6‬دعائم السلم‪:‬‬
‫روينا عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه نزل في بعض أسفاره بأرض‬
‫ل نبات بها فقال‪ :‬اطلبوا لنا حطبا قالوا‪ :‬يا رسول ال نحن كما ترى بأرض‬
‫قرعاء‪ ،‬فقال‪ :‬افترقوا واطلبوا على ذلك‪ ،‬فافترق الناس فجعل الرجل يأتي‬
‫بالعودين والثلثة وأكثر من ذلك كالخلل ونحوه مما تسفيه الريح حتى‬
‫صار بين يدي رسول ال صلى ال عليه وآله من ذلك كوم عظيم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أردت أن أضرب لكم بهذا مثل‪ :‬هكذا تجتمع الحسنات وهكذا تجتمع‬
‫السيئات فرحم ال امرءا نظر لنفسه‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬وعن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد جميعا‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن أبي‬
‫نصر‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بال منهن‪ :‬لم تظهر‬
‫الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إل ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم‬
‫تكن في أسلفهم الذين مضوا‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا‬
‫بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان‪ ،‬ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر‬
‫من السماء‪ ،‬ولول‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .44 :‬الروم‪ (3) .36 :‬الروم‪ (4) .41 :‬التنزيل‪(5) .21 :‬‬
‫الشورى‪ (6) .31 - 30 :‬الشورى‪.(*) 48 :‬‬

‫]‪[368‬‬

‫البهايم لم يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد ال وعهد رسوله إل سلط ال عليهم عدوهم‬
‫وأخذوا بعض ما في أيديهم‪ ،‬ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل ال‬
‫بأسهم بينهم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬خمس " مبتدأ مع تنكيره مثل كوكب انقض‬
‫الساعة‪ ،‬والجملة الشرطية خبره أو خمس فاعل فعل محذوف أي تكون‬
‫خمس‪ ،‬والفاحشة الزنا‪ ،‬وفي القاموس السنة الجدب والقحط والرض‬
‫المجدبة‪ ،‬والجمع سنون‪ ،‬وفي النهاية السنة الجدب‪ ،‬يقال‪ :‬أخذتهم السنة‬
‫إذا أجدبوا وأقحطوا‪ ،‬والمؤنة القوت‪ ،‬وشدة المؤنة ضيقها‪ ،‬وعسر‬
‫تحصيلها‪ .‬وقيل‪ :‬يترتب على كل واحد منها عقوبة تناسبه‪ ،‬فان الول لما‬
‫كان فيه تضييع آلة النسل‪ ،‬ناسبه الطاعون الموجب لنقطاعه‪ ،‬والثاني لما‬
‫كان القصد فيه زيادة المعيشة ناسبه القحط وشدة المؤنة وجور السلطان‬
‫بأخذ المال وغيره‪ ،‬والثالث لما كان فيه منع ما أعطاه ال بتوسط الماء‬
‫ناسبه منع نزول المطر من السماء‪ ،‬والرابع لما كان فيه ترك العدل‬
‫والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الموال‪ ،‬والخامس لما كان فيه‬
‫رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم وغلبة‬
‫بعضهم على بعض‪ .‬وأقول‪ :‬يمكن أن يقال‪ :‬لما كان في الول مظنة تكثير‬
‫النسل‪ ،‬عاملهم ال بخلفه‪ ،‬وفي الثالث لما كان غرضهم توفير المال منع‬
‫ال القطر ليضيق عليهم‪ ،‬واشار بقوله‪ " :‬ولول البهائم لم يمطروا " إلى‬
‫أن البهايم لعدم صدور المعصية منهم وعدم تكليفهم استحقاقهم للرحمة‬
‫أكثر من الكفرة‪ ،‬وأرباب الذنوب والمعاصي‪ ،‬كما دلت عليه قصة النملة‪،‬‬
‫واستسقاؤها وقولها‪ :‬اللهم ل تؤاخذنا بذنوب بني آدم‪ ،‬ويؤمي إليه قوله‬
‫تعالى‪ " :‬بل هم أضل سبيل " )‪ .(2‬والمراد بنقض عهد ال وعهد رسوله‬
‫نقض المان والذمة التي أمر ال برعايتها والوفاء بها‪ ،‬وإذا خفرت الذمة‬
‫أديل لهل الشرك من أهل السلم‪ ،‬وهو الظاهر‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .373‬الفرقان‪.(*) 44 :‬‬

‫]‪[369‬‬
‫من الخبر التي أيضا‪ ،‬وقيل‪ :‬هو نقض العهد بنصرة المام الحق واتباعه في جميع‬
‫المور‪ ،‬والول أظهر‪ .‬ولما كان هذا الغدر للغلبة على الخصم بالحيلة‬
‫والمكر يعاملهم ال بما يخالف غرضهم‪ ،‬فيجعل بأسهم بينهم‪ ،‬في القاموس‬
‫البأس العذاب والشدة في الحرب‪ ،‬أي جعل عذابهم وحربهم بينهم يتسلط‬
‫بعضهم على بعض‪ ،‬ويتغالبون ويتحاربون‪ ،‬ول ينتصف بعضهم من بعض‪،‬‬
‫وترتب هذا على الجور في الحكم ظاهر‪ ،‬ويحتمل أن يكون السبب أنهم إذا‬
‫جاروا في الحكم وحكموا للظالم على المظلوم يسلط ال على الظالم ظالما‬
‫آخر يغلبه‪ ،‬فيصير بأسهم وحربهم بينهم‪ ،‬وهذا ايضا مجرب‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬والعدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬وجدنا في كتاب رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا ظهر الزنا من‬
‫بعدي كثر موت الفجأة‪ ،‬وإذا طفف المكيال والميزان أخذهم ال بالسنين‬
‫والنقص‪ ،‬وإذا منعوا الزكاة منعت الرض بركتها من الزرع والثمار‬
‫والمعادن كلها‪ ،‬وإذا جاروا في الحكام تعاونوا على الظلم والعدوان‪ ،‬وإذا‬
‫نقضوا العهد سلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬وإذا قطعوا الرحام جعلت الموال في‬
‫أيدي الشرار‪ ،‬وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر‪ ،‬ولم يتبعوا‬
‫الخيار من أهل بيتي‪ ،‬سلط ال عليهم شرارهم‪ ،‬فيدعو خيارهم فل‬
‫يستجاب لهم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬في كتاب رسول ال صلى ال عليه وآله "‬
‫صدر هذا الحديث في كتاب نكاح الكافي )‪ (2‬وفيه " في كتاب علي عليه‬
‫السلم " وهو اظهر‪ ،‬ول تنافي بينهما لن مملي الكتاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله والكاتب علي عليه السلم‪ ،‬فيجوز نسبته إلى كل منهما‪،‬‬
‫وعلى تقدير المغايرة يمكن وجدانه فيهما‪ ،‬وفي المصباح فجأت الرجل‬
‫أفجاؤه مهموز من باب تعب وفي لغة بفتحتين جئته بغتة والسم الفجاءة‬
‫بالضم والمدو في لغة وزان تمرة وفجأه‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .374‬الكافي ج ‪ 5‬ص ‪ 541‬وسيأتي ما يؤيده تحت الرقم‬
‫‪.(*) 6‬‬

‫]‪[370‬‬

‫المر مهموز من بابي تعب ونفع ايضا وفاجأه مفاجأة أي عاجله‪ ،‬وقال‪ :‬الطفيف‬
‫مثل القليل وزنا ومعنى‪ ،‬ومنه قيل تطفيف المكيال والميزان‪ ،‬وقد طففه‪،‬‬
‫وهو مطفف‪ ،‬إذا كال أو وزن ولم يوف انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬قال تعالى‪ " :‬ويل‬
‫للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو‬
‫وزنوهم يخسرون " قال البيضاوي‪ :‬التطفيف البخس في الكيل والوزن لن‬
‫ما يبخس طفيف‪ ،‬أي حقير‪ ،‬وفي الحديث خمس بخمس‪ :‬ما نقض العهد‬
‫قوم إل سلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬وما حكموا بغير ما أنزل ال إل فشا فيهم‬
‫الفقر‪ ،‬وما ظهر فيهم الفاحشة إل فشا فيهم الموت‪ ،‬ول طففوا الكيل إل‬
‫منعوا النبات وأخذوا بالسنين‪ ،‬ول منعوا الزكاة إل حبس عنهم القطر‪،‬‬
‫وقال‪ " :‬على الناس " أي منهم " يستوفون " أي يأخذون حقوقهم وافية‬
‫" وإذا كالوهم أو وزنوهم " أي كالوا للناس ووزنوا لهم )‪ .(1‬والمراد‬
‫بالنقص نقص ريع الرض من الثمرات والحبوب كما قال سبحانه‪ " :‬ولقد‬
‫أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون " )‪" (2‬‬
‫منعت الرض " على بناء المعلوم‪ ،‬فيكون المفعول الول محذوفا أي منعت‬
‫الرض الناس بركتها‪ ،‬أو المجهول‪ ،‬فيكون الفاعل هو ال تعالى والجور‬
‫نقيض العدل وهذه الفقرة تحتمل وجهين‪ :‬الول أن الجور في الحكم وترك‬
‫العدل هو معاونة للظالم على المظلوم فل يكون على سياق سائر الفقرات‪،‬‬
‫وكأن النكتة فيه أن سوء اثره وهو الختلل في نظام العالم لما كان ظاهرا‬
‫اكتفى بتوضيح أصل الفعل‪ ،‬وإظهار قبحه‪ .‬الثاني أن يكون المراد أنه تعالى‬
‫بسبب هذا الفعل يمنع اللطف عنهم فيتعاونون على الظلم والعدوان‪ ،‬حتى‬
‫يصل ضرره إلى الحاكم والظالم ايضا كما قال عليه السلم في الخبر‬
‫السابق‪ " :‬جعل ال بأسهم بينهم " والظاهر أن المراد بالعهد‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ (2) .457 :‬العراف‪.(*) 130 :‬‬

‫]‪[371‬‬

‫المعاهدة مع الكفار كما عرفت‪ ،‬ويحتمل التعميم‪ ،‬وكون قطع الرحام سببا لجعل‬
‫الموال في أيدي الشرار مجرب وله أسباب باطنة وظاهرة‪ ،‬فعمدة الباطنة‬
‫قطع لطف ال تعالى عنهم‪ ،‬ومن الظاهرة أنهم ل يتعاونون في دفع الظلم‪،‬‬
‫فيتسلط عليهم الشرار‪ ،‬ويأخذون الموال منهم‪ ،‬ومنها أنهم يدلون‬
‫بأموالهم إلى الحكام الجائرين لغلبة بعضهم على بعض‪ ،‬فينتقل أموالهم‬
‫إليهم‪ " .‬وإذا لم يأمروا بالمعروف " قيل‪ :‬يحتمل ترتب التسليط على ترك‬
‫كل واحد منهما أو تركهما معا‪ ،‬وأقول‪ :‬الثاني اظهر مع أن كل منهما‬
‫يستلزم الخر فان ترك كل معروف منكر‪ ،‬وترك كل منكر معروف‪ ،‬والمراد‬
‫بالخيار الفاعلون للمعروف المرون به‪ ،‬والتاركون للمنكر الناهون عنه‪،‬‬
‫وعدم استجابة دعائهم لستحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والبرام‪ ،‬أل‬
‫يرى أنه لم تقبل شفاعة خليل الرحمن عليه السلم لقوم لوط ؟ ويحتمل أن‬
‫يكون المراد بالخيار الذين لم يتركوا المعروف ولم يرتكبوا المنكر لكنهم لم‬
‫يأمروا ولم ينهوا‪ .‬فعدم استجابة دعائهم لذلك كأصحاب السبت فان العذاب‬
‫نزل على المعتدين والذين لم ينهوا معا‪ ،‬وعدم استجابة دعاء المؤمنين‬
‫لظهور القائم عليه السلم يحتمل الوجهين‪ .‬واعلم أن عمدة ترك النهي عن‬
‫المنكر في هذه المة ما صدر عنهم بعد الرسول صلى ال عليه وآله في‬
‫مداهنة خلفاء الجور‪ ،‬وعدم اتباع أئمة الحق عليهم فتسلط عليهم خلفاء‬
‫الجور من التيمي والعدوي وبني أميه وبني العباس‪ ،‬وسائر الملوك‬
‫الجائرين‪ ،‬فكانوا يدعون ويتضرعون فل يستجاب لهم‪ ،‬وربما يخص الخبر‬
‫بذلك لقوله‪ " :‬ولم يتبعوا الخيار من أهل بيتي " والتعميم أولى‪ - 4 .‬ب‪:‬‬
‫عن هارون‪ ،‬عن ابن زياد‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬إن ال‬
‫تبارك وتعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من أنبيائه‪ ،‬وفيه أنه سيكون‬
‫خلق من خلقي يلحسون الدنيا بالدين‪ ،‬يلبسون مسوك الضأن على قلوب‬
‫كقلوب الذئاب أشد مرارة من الصبر‪ ،‬ألسنتهم أحل من العسل‪ ،‬وأعمالهم‬
‫الباطنة أنتن من الجيف أفبي يغترون ؟ أم إياي يخدعون ؟ أم علي‬
‫يتجبرون ؟ فبعزتي حلفت لبتعثن‬

‫]‪[372‬‬

‫لهم الفتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الرض يترك الحكيم فيها حيران )‪.(1‬‬
‫‪ - 5‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن مالك‬
‫ابن عطية‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬أما إنه ليس من‬
‫سنة أقل مطرا من سنة‪ ،‬ولكن ال يضعه حيث يشاء‪ ،‬إن ال جل جلله إذا‬
‫عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة‬
‫إلى غيرهم‪ ،‬وإلى الفيافي والبحار والجبال‪ ،‬وإن ال ليعذب الجعل في‬
‫جحرها بحبس المطر عن الرض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها‬
‫وقد جعل ال لها السبيل إلى مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال‪ :‬ثم قال‬
‫أبو جعفر عليه السلم‪ :‬فاعتبروا يا أولي البصار‪ .‬ثم قال‪ :‬وجدنا في كتاب‬
‫علي عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا ظهر الزنا‬
‫كثر موت الفجأة‪ ،‬وإذا طفف المكيال أخذهم ال بالسنين والنقص‪ ،‬وإذا‬
‫منعوا الزكاة منعت الرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها‪ ،‬وإذا‬
‫جاروا في الحكام تعاونوا على الظلم والعدوان‪ ،‬وإذا نقضوا العهد سلط ال‬
‫عليهم عدوهم وإذا قطعوا الرحام جعلت الموال في أيدي الشرار‪ ،‬وإذا لم‬
‫يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الخيار من أهل بيتي سلط‬
‫ال عليهم شرارهم فيدعو عند ذلك خيارهم فل يستجاب لهم )‪ - 6 .(2‬ما‪:‬‬
‫عن المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن محمد ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن أبي عمير عن ابن عطية‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫جعفر عليه السلم يقول‪ :‬وجدت في كتاب علي بن ابي طالب عليه السلم‬
‫إلى آخر ما مر )‪ (3‬ع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪،‬‬
‫عن ابن محبور عن ابن عطية‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫من قوله‪ :‬وجدنا في كتاب علي‬
‫)‪ (1‬قرب السناد‪ (2) .22 :‬أمالى الصدوق‪ (3) .185 :‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 214‬‬

‫]‪[373‬‬

‫عليه السلم إلى آخر الخبر )‪ .(1‬ثو‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪ - 7 .(2‬جا )‪ (3‬ما‪ :‬المفيد‪ :‬عن عمر بن‬
‫محمد الزيات‪ ،‬عن عبد ال بن جعفر عن مسعر بن يحيى‪ ،‬عن شريك بن‬
‫عبيدال‪ ،‬عن أبي إسحاق الهمداني‪ ،‬عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلثة من الذنوب تعجل‬
‫عقوبتها ول تؤخر إلى الخرة‪ :‬عقوق الوالدين‪ ،‬والبغي على الناس‪ ،‬وكفر‬
‫الحسان )‪ - 8 .(4‬جا )‪ (5‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن ياسر‪ ،‬عن الرضا عليه السلم‬
‫قال‪ :‬إذا كذب الولة حبس المطر‪ ،‬وإذا جار السلطان هانت الدولة‪ ،‬وإذا‬
‫حبست الزكاة ماتت المواشي )‪ - 9 .(6‬ما‪ :‬عن حمويه‪ ،‬عن أبي الحسين‪،‬‬
‫عن أبي خليفة‪ ،‬عن أبي الوليد وأبي كثير معا‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن الحكم‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن مسلم‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬ما ظهر البغي قط في قوم إل ظهر‬
‫فيهم الموتان‪ ،‬ول ظهر البخس في الميزان ]إل وظهر فيهم الخسران[‬
‫والفقر ‪ -‬قال أبو خليفة‪ :‬عن ابي كثير إل ابتلوا بالسنة ‪ -‬ول ظهر نقض‬
‫العهد في قوم إل اديل عليهم عدوهم )‪ - 10 .(7‬ل‪ :‬عن العطار‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن أحمد بن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن الحسن ابن الحصين‪ ،‬عن موسى بن‬
‫القاسم‪ ،‬عن صفوان بن يحيى‪ ،‬عن عبد ال بن بكير‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .271‬ثواب العمال‪ (3) .225 :‬مجالس المفيد‪:‬‬
‫‪ (4) .148‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .13‬مجالس المفيد‪(6) .191 :‬‬
‫أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (7) .77‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 17‬‬

‫]‪[374‬‬

‫عن أبيه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬أربعة أسرع شئ عقوبة‪ :‬رجل أحسنت‬
‫إليه ويكافيك بالحسان إليه إساءة‪ ،‬ورجل ل تبغي عليه وهو يبغي عليك‪،‬‬
‫ورجل عاهدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك‪ ،‬ورجل‬
‫يصل قرابته ويقطعونه )‪ .(1‬جا‪ :‬عن الجعابي‪ ،‬عن الحسن بن عمر بن‬
‫الحسن‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن مروان‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل الهاشمي‪،‬‬
‫عن عبد المؤمن‪ ،‬عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم عن جابر‬
‫النصاري‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله مثله وفيه‪ :‬ورجل تصل قرابته‬
‫فيقطعك )‪ .(2‬كتاب الغايات‪ :‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫أربع هن أسرع الشياء عقوبة وذكر مثله مع ادنى تغيير في بعض الفاظه‪.‬‬
‫ل‪ :‬في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم مثله وزاد‬
‫في آخره ثم قال صلى ال عليه وآله‪ :‬يا علي من استولى عليه الضجر‬
‫رحلت عنه الراحة )‪ - 11 .(3‬ع‪ :‬ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن المعلى‪،‬‬
‫عن العباس بن العل عن مجاهد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬الذنوب التي تغير النعم البغي والذنوب التي تورث الندم القتل‪ ،‬والتي‬
‫تنزل النقم الظلم‪ ،‬والتي تهتك الستور شرب الخمر‪ ،‬والتي تحبس الرزق‬
‫الزنا‪ ،‬والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم‪ ،‬والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء‬
‫عقوق الوالدين )‪ .(4‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن المعلى مثله )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .109‬مجالس المفيد‪ (3) .106 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (4) .110‬علل الشرايع ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .271‬معاني الخبار‪.(*) 269 :‬‬

‫]‪[375‬‬

‫ختص‪ :‬عنه عليه السلم مثله )‪ - 12 .(1‬مع‪ :‬عن القطان‪ ،‬عن ابن زكريا‪ ،‬عن ابن‬
‫حبيب‪ ،‬عن ابن بهلول عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن الفضل‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابي‬
‫خالد الكابلي قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين عليه السلم يقول‪ :‬الذنوب التي‬
‫تغير النعم البغي على الناس‪ ،‬والزوال عن العادة في الخير واصطناع‬
‫المعروف‪ ،‬وكفران النعم‪ ،‬وترك الشكر‪ ،‬قال ال عزوجل " إن ال ل يغير‬
‫ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " )‪ (2‬والذنوب التي تورث الندم قتل‬
‫النفس التي حرم ال قال ال تعالى )‪ (3‬في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل‬
‫فعجز عن دفنه " فأصبح من النادمين " )‪ (4‬وترك صلة القرابة حتى‬
‫يستغنوا‪ ،‬وترك الصلة حتى يخرج وقتها‪ ،‬وترك الوصية‪ ،‬ورد المظالم‪،‬‬
‫ومنع الزكاة‪ ،‬حتى يحضر الموت‪ ،‬وينغلق اللسان‪ .‬والذنوب التي تنزل النقم‬
‫عصيان العارف بالبغي‪ ،‬والتطاول على الناس والستهزاء بهم‪ ،‬والسخرية‬
‫منهم‪ ،‬والذنوب التي تدفع القسم إظهار الفتقار‪ ،‬والنوم عن العتمة‪ ،‬وعن‬
‫صلة الغداة‪ ،‬واستحقار النعم‪ ،‬وشكوى المعبود عزوجل‪ .‬والذنوب التي‬
‫تهتك العصم شرب الخمر‪ ،‬واللعب بالقمار‪ ،‬وتعاطي ما يضحك الناس من‬
‫اللغو والمزاح‪ ،‬وذكر عيوب الناس‪ ،‬ومجالسة أهل الريب‪ ،‬والذنوب التي‬
‫تنزل البلء ترك إغاثة الملهوف‪ ،‬وترك معاونة المظلوم‪ ،،‬وتضييع المر‬
‫بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬والذنوب التي تديل العداء المجاهرة‬
‫بالظلم وإعلن الفجور‪ ،‬وإباحة المحظور‪ ،‬وعصيان الخيار‪ ،‬والنطباع )‬
‫‪ (5‬للشرار‪ .‬والذنوب التي تعجل الفناء‪ ،‬قطيعة الرحم‪ ،‬واليمين الفاجرة‪،‬‬
‫والقوال الكاذبة‪ ،‬والزنا‪ ،‬وسد طريق المسلمين‪ ،‬وادعاء المامة بغير حق‪،‬‬
‫والذنوب التي‬

‫)‪ (1‬الختصاص‪ (2) .238 :‬الرعد‪ (3) .12 :‬زاد في المصدر‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬‬
‫ول تقتلوا النفس التى حرم ال "‪ (4) .‬المائدة‪ (5) .34 :‬يعنى النقياد‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[376‬‬

‫تقطع الرجاء اليأس من روح ال‪ ،‬والقنوط من رحمة ال‪ ،‬والثقة بغير ال والتكذيب‬
‫بوعد ال عزوجل‪ .‬والذنوب التي تظلم الهوا السحر والكهانة‪ ،‬واليمان‬
‫بالنجوم‪ ،‬والتكذيب بالقدر‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬والذنوب التي تكشف الغطاء‬
‫الستدانة بغير نية الداء والسراف في النفقة على الباطل‪ ،‬والبخل على‬
‫الهل والولد وذوي الرحام‪ ،‬وسوء الخلق‪ ،‬وقلة الصبر‪ ،‬واستعمال الضجر‬
‫والكسل‪ ،‬والستهانة بأهل الدين‪ .‬والذنوب التي ترد الدعاء سوء النية‪،‬‬
‫وخبث السريرة‪ ،‬والنفاق مع الخوان وترك التصديق بالجابة‪ ،‬وتأخير‬
‫الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها‪ ،‬وترك التقرب إلى ال عزوجل‬
‫بالبر والصدقة‪ ،‬واستعمال البذاء والفحش في القول والذنوب التي تحبس‬
‫غيث السماء جور الحكام في القضا‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬وكتمان الشهادة‪،‬‬
‫ومنع الزكاة والقرض والماعون‪ ،‬وقساوة القلب على أهل الفقر والفاقة‬
‫وظلم اليتيم والرملة‪ ،‬وانتهار السائل ورده بالليل )‪ - 13 .(1‬ثو‪ :‬ابي‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن أبان الحمر عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬خمس إذا أدركتموها‬
‫فتعوذوا بال عزوجل منهن‪ :‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إل‬
‫ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن في أسلفهم الذين مضوا‪ ،‬ولم‬
‫ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان‪،‬‬
‫ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر من السماء‪ ،‬ولول البهائم لم يمطروا‪،‬‬
‫ولم ينقضوا عهد ال عزوجل وعهد رسوله إل سلط ال عليهم عدوهم‬
‫فأخذوا بعض ما في أيديهم‪ ،‬ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل بأسهم‬
‫بينهم )‪ 14 .(2‬دعوات الراوندي‪ :‬سمع ابن الكوا أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬أعوذ بال من الذنوب التي تعجل الفناء‪ ،‬فقال‪ :‬أيكون ذنب‬
‫يعجل الفناء ؟ فقال‪ :‬نعم‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .270 :‬ثواب العمال‪.(*) 226 :‬‬


‫]‪[377‬‬

‫قطعية الرحم‪ ،‬إن أهل بيت يكونون أتقياء‪ ،‬فيقطع بعضهم بعضا فيحرمهم ال وإن‬
‫أهل بيت يكونون فجرة فيتواسون فيرزقهم ال‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬خمس إن أدركتموها فتعوذوا بال منهن‪ :‬لم تظهر الفاحشة في قوم‬
‫قط حتى يعلنوها إل ظهر فيهم الطاعون والوجاع التي لم تكن في أسلفهم‬
‫الذنى مضوا‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال والميزان إل أخذوا بالسنين وشدة المؤنة‬
‫وجور السلطان‪ ،‬ولم يمنعوا الزكاة إل منعوا القطر من السماء ولول‬
‫البهائم لم يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد ال وعهد رسوله إل سلط ال عليهم‬
‫عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم‪ ،‬ولم يحكموا بغير ما أنزل ال إل جعل‬
‫بأسهم بينهم‪ - 14 .‬عدة الداعي‪ :‬روى ابن مسعود عن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬أنه قال‪ :‬اتقوا الذنوب فانها ممحقة للخيرات‪ ،‬إن العبد ليذنب‬
‫الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه‪ ،‬وإن العبد ليذنب الذنب فيمنع به‬
‫من قيام الليل‪ ،‬وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به الرزق‪ ،‬وقد كان هنيئا له‪،‬‬
‫ثم تل " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " إلى آخر اليات )‪139 - .(1‬‬
‫‪) * -‬باب( * * " )الملء والمهال على الكفار والفجار‪ ،‬والستدراج‬
‫والفتتان( " * * " )زائدا على ما مر في كتاب العدل ومن يرحم ال *( "‬
‫" )بهم على أهل المعاصي( " اليات‪ :‬آل عمران‪ :‬ول تحسبن الذين كفروا‬
‫أنما نملي لهم خير لنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين‬
‫* وما كان ال ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من‬
‫الطيب )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬عدة الداعي‪ ،151 :‬واليات في سورة القلم‪ (2) .19 - 17 :‬آل عمران‪- 178 :‬‬
‫‪.(*) 179‬‬

‫]‪[378‬‬

‫وقال سبحانه‪ :‬ل يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد * متاع قليل ثم مأويهم جهنم‬
‫وبئس المهاد )‪ .(1‬المائدة‪ :‬وحسبوا أن ل تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب‬
‫ال عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم وال بصير بما يعملون )‪ .(2‬النعام‪:‬‬
‫فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا‬
‫أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )‪ .(3‬العراف‪ :‬وما أرسلنا في قرية من نبي‬
‫إل أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة‬
‫الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آبائنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة‬
‫وهم ل يشعرون )‪ .(4‬التوبة‪ :‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال‬
‫ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )‪ .(5‬يونس‪ :‬ولو‬
‫يعجل ال للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين ل‬
‫يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون )‪ .(6‬وقال تعالى‪ :‬ولول كلمة سبقت من‬
‫ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون )‪ .(7‬هود‪ :‬وأمم سنمتعهم ثم يمسهم‬
‫منا عذاب أليم )‪ .(8‬الرعد‪ :‬ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين‬
‫كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب )‪ .(9‬الحجر‪ :‬ذرهم يأكلوا ويتمتعوا‬
‫ويلههم المل فسوف يعلمون )‪ .(10‬النحل‪ :‬ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم‬
‫ما ترك عليها من دابة ولكن‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .197 - 196 :‬المائدة‪ (3) .71 :‬النعام‪ (4) .44 :‬العراف‪:‬‬
‫‪ (5) .95 - 94‬براءة‪ (6) .85 :‬يونس‪ (7) .11 :‬يونس‪ (8) .19 :‬هود‪:‬‬
‫‪ (9) .48‬الرعد‪ (10) .32 :‬الحجر‪.(*) 3 :‬‬

‫]‪[379‬‬

‫يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون )‪.(1‬‬
‫الكهف‪ :‬وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب‬
‫بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئل )‪ .(2‬مريم‪ :‬فل تعجل عليهم إنما‬
‫نعد لهم عدا )‪ .(3‬طه‪ :‬ولول كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى‬
‫)‪ .(4‬النبياء‪ :‬بل متعنا هؤلء وآبائهم حتى طال عليهم العمر )‪ .(5‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين )‪ .(6‬الحج‪ :‬فأمليت‬
‫للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ‪ -‬إلى قوله تعالى‪ :‬وكأين من قرية‬
‫أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير )‪ .(7‬المؤمنون‪ :‬فذرهم في‬
‫غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم‬
‫في الخيرات بل ل يشعرون )‪ .(8‬الفرقان‪ :‬ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا‬
‫الذكر وكانوا قوما بورا )‪ .(9‬الشعراء‪ :‬أتتركون فيما هيهنا آمنين * في‬
‫جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا‬
‫فارهين * فاتقوا ال وأطيعون )‪ .(10‬وقال تعالى‪ :‬أفرأيت إن متعناهم‬
‫سنين * ثم جائهم ما كانوا يوعدون * ما أعنى عنهم ما كانوا يمتعون )‬
‫‪ .(11‬العنكبوت‪ :‬ولول أجل مسمى لجائهم العذاب‪ ،‬وليأتينهم بغتة وهم‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .61 :‬الكهف‪ (3) .58 :‬مريم‪ (4) .84 :‬طه‪ (5) .129 :‬النبياء‪:‬‬
‫‪ (6) .44‬النبياء‪ (7) .111 :‬الحج‪ (8) .48 - 44 :‬المؤمنون‪.55 - 54 :‬‬
‫)‪ (9‬الفرقان‪ (10) .18 :‬الشعراء‪ (11) .150 - 146 :‬الشعراء‪- 207 :‬‬
‫‪.(*) 205‬‬

‫]‪[380‬‬
‫ل يشعرون )‪ .(1‬لقمان نمتعهم قليل ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ )‪ .(2‬فاطر‪ :‬ولو‬
‫يؤاخذ ال الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم‬
‫إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فان ال كان بعباده بصيرا )‪ .(3‬يس‪ :‬وإن‬
‫نشأ نغرقهم فل صريخ لهم ول هم ينقذون * إل رحمة منا ومتاعا إلى حين‬
‫)‪ .(4‬المؤمن‪ :‬فل يغررك تقلبهم في البلد * كذبت قبلهم قوم نوح‬
‫والحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل‬
‫ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب )‪ .(5‬السجدة‪ :‬ولول كلمة‬
‫سبقت من ربك لقضي بينهم )‪ .(6‬حمعسق‪ :‬ولول كلمة الفصل لقضي بينهم‬
‫)‪ .(7‬الزخرف‪ :‬بل متعت هؤلء وآبائهم حتى جائهم الحق ورسول مبين )‬
‫‪ .(8‬الفتح‪ :‬لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما )‪ .(9‬الذاريات‪:‬‬
‫وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين * فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم‬
‫الصاعقة وهم ينظرون )‪ .(10‬القلم‪ :‬فذرني ومن يكذب بهذا الحديث *‬
‫سنستدرجم من حيث ل يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين )‪ .(11‬المدثر‪:‬‬
‫ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مال ممدودا * وبنين‬

‫)‪ (1‬العنكبوت‪ (2) .53 :‬لقمان‪ (3) .24 :‬فاطر‪ (4) .45 :‬يس‪(5) .44 - 43 :‬‬
‫المؤمن‪ (6) .5 - 4 :‬السجدة‪ (7) .45 :‬الشورى‪ (8) .21 :‬الزخرف‪:‬‬
‫‪ (9) .29‬الفتح‪ (10) .25 :‬الذاريات‪ (11) .43 - 44 :‬القلم‪45 - 44 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[381‬‬

‫شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كل إنه كان لياتنا عنيدا )‪.(1‬‬
‫المرسلت‪ :‬كلوا وتمتعوا قليل إنكم مجرمون )‪ .(2‬الطارق‪ :‬إنهم يكيدون‬
‫كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا )‪ - 1 .(3‬لى‪ :‬عن ماجيلويه‪،‬‬
‫عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن سنان عن إبراهيم بن زياد‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى أهبط ملكا إلى‬
‫الرض فلبث فيها دهرا طويل ثم عرج إلى السماء فقيل له‪ :‬ما رأيت ؟‬
‫قال‪ :‬رأيت عجايب كثيرة‪ ،‬وأعجب ما رأيت أني رأيت عبدا متقلبا في‬
‫نعمتك‪ ،‬يأكل رزقك‪ ،‬ويدعي الربوبية‪ ،‬فعجبت من جرئته عليك ومن حلمك‬
‫عنه‪ ،‬فقال ال جل جلله‪ :‬فمن حلمي عجبت ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد أمهلته‬
‫أربعمائة سنة ل يضرب عليه عرق‪ ،‬ول يريد من الدنيا شيئا إل ناله‪ ،‬ول‬
‫يتغير عليه فيها مطعم ول مشرب )‪ - 2 .(4‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن محمد‬
‫العطار وأحمد بن إدريس معا‪ ،‬عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن مصعب قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن ل عز وجل في‬
‫كل يوم وليلة ملكا ينادي‪ :‬مهل مهل عباد ال عن معاصي ال فلول بهائم‬
‫رتع‪ ،‬وصبية‪ ،‬رضع‪ ،‬وشيوخ ركع‪ ،‬لصب عليكم العذاب صبا ترضون به‬
‫رضا )‪ - 3 .(5‬ع‪ :‬الفامي‪ ،‬عن محمد الحميري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن‬
‫ابن صدقة عن الصادق عليه السلم عن آبائه عليهم السلم أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن ال عزوجل إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في‬
‫المعاصي‪ ،‬وفيها ثلث نفر من المؤمنين ناداهم جل جلله‬

‫)‪ (1‬المدثر‪ (2) .16 - 11 :‬المرسلت‪ (3) .46 :‬الطارق‪ (4) .17 - 15 :‬ل يوجد‬
‫في المالى‪ (5) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.(*) 64‬‬

‫]‪[382‬‬

‫وتقدست أسماؤه‪ :‬يا أهل معصيتي لول ما فيكم من المؤمنين المتحابين بجللي‬
‫العامرين بصلتهم ارضي ومساجدي‪ ،‬المستغفرين بالسحار خوفا مني‪،‬‬
‫لنزلت بكم عذابي ثم ل أبالي )‪ .(1‬ع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن الحميري مثله )‪4 .(2‬‬
‫‪ -‬ع‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن العمركي‪ .‬عن علي بن جعفر عن أخيه‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل إذا أراد أن يصيب‬
‫أهل الرض بعذاب قال‪ :‬لول الذين يتحابون بجللي‪ ،‬ويعمرون مساجدي‬
‫ويستغفرون بالسحار لنزلت عذابي )‪ .(3‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسن الكوفي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن الصادق‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم مثله )‪ - 5 .(4‬ع‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪،‬‬
‫عن البرقي‪ ،‬عن علي بن الحكم عن ابن عميرة‪ ،‬عن ابن طريف‪ ،‬عن ابن‬
‫نباتة قال‪ :‬قال امير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن ال عزوجل ليهم بعذاب أهل‬
‫الرض جميعا حتى ل يريد أن يحاشى منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي‪،‬‬
‫واجترحوا السيئات‪ ،‬فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات‬
‫والولدان يتعلمون القرآن رحمهم وأخر عنهم ذلك )‪ - 6 .(5‬شى‪ :‬عن‬
‫يونس بن ظبيان‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال يدفع بمن‬
‫يصلي من شيعتنا عمن ل يصلي من شيعتنا‪ ،‬ولو أجمعوا على ترك الصلة‬
‫لهلكوا وإن ال يدفع بمن يصوم منهم عمن ل يصوم من شيعتنا‪ ،‬ولو‬
‫أجمعوا على ترك الصيام لهلكوا‪ ،‬وإن ال يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن‬
‫ل يزكي منهم‪ ،‬ولو اجتمعوا‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .234‬علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .209‬علل‬
‫الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .208‬ثواب العمال‪ (5) .161 :‬علل الشرائع ج ‪2‬‬
‫ص ‪.(*) 208‬‬
‫]‪[383‬‬

‫على ترك الزكاة لهلكوا‪ ،‬وإن ال ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن ل يحج منهم ولو‬
‫اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا‪ ،‬وهو قول ال تعالى‪ " :‬ولول دفع ال‬
‫الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالمين " )‬
‫‪ (1‬فوال ما أنزلت إل فيكم‪ ،‬ول عني بها غيركم )‪ - 7 .(2‬ختص‪ :‬عن‬
‫ربعي‪ ،‬عن عمر بن يزيد قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ما‬
‫عذب ال قرية فيها سبعة من المؤمنين )‪ - 8 .(3‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬يا‬
‫ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره )‪.(4‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬في كلم له‪ :‬الحذر الحذر فوال لقد ستر حتى كأنه غفر‬
‫)‪ .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬كم من مستدرج بالحسان إليه‪ ،‬ومغرور بالستر‬
‫عليه‪ ،‬ومفتون بحسن القول فيه‪ ،‬وما ابتلى ال أحدا بمثل الملء له )‪.(6‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أيها الناس ليراكم ال من النعمة وجلين كما يراكم من‬
‫النقمة فرقين‪ ،‬إنه من وسع عليه في ذات يده‪ ،‬فلم ير ذلك استدراجا فقد‬
‫أمن مخوفا ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيع‬
‫مأمول )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .251 :‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .135‬الختصاص‪(4) .30 :‬‬
‫نهج البلغة الرقم ‪ 24‬من الحكم‪ (5) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 29‬من الحكم‪) .‬‬
‫‪ (6‬نهج البلغة الرقم ‪ 116‬من الحكم‪ (7) .‬نهج البلغة الرقم ‪ 358‬من‬
‫الحكم )*(‪.‬‬

‫]‪[384‬‬

‫‪) - 140 -‬باب( * " )النهى عن التعيير بالذنب أو العيب‪ ،‬والمر بالهجرة( " * *‬
‫" )عن بلد أهل المعاصي( " * اليات‪ :‬النساء‪ :‬إن الذين توفيهم الملئكة‬
‫ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالواكنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن‬
‫أرض ال واسعة فتهاجروا فيها )‪ .(1‬العنكبوت‪ :‬يا عبادي الذين آمنوا إن‬
‫أرضي واسعة فاياي فاعبدون )‪ .(2‬الزمر‪ :‬أرض ال واسعة )‪ - 1 .(3‬كا‪:‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن حسين بن عثمان عن رجل‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أنب مؤمنا أنبه ال في الدنيا‬
‫والخرة )‪ (4‬بيان‪ :‬قال الجوهري‪ :‬أنبه تأنيبا عنفه ولمه‪ ،‬وتأنيبه عزوجل‬
‫إما على الحقيقة ففي الخر ظاهر‪ ،‬وفي الدنيا وإن لم يستمع لكن يفتضح‬
‫عند الملء العلى‪ ،‬ويعلمه باخبار المخبر الصادق وأمثال ذلك من نداء ال‬
‫تعالى مع عدم سماعه كثيرة‪ ،‬والكل محمول على ذلك‪ .‬وإما المراد به‬
‫إفشاء عيوبه وابتلؤه بمثله في الدنيا وعقابه على التأنيب في الخرة على‬
‫المشاكلة‪ ،‬أو تسمية المسبب باسم السبب‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن أبي عمير‪ ،‬عن إسماعيل بن عمار‪ ،‬عن إسحاق عن عمار‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أذاع‬
‫فاحشة كان كمبتدئها‪ ،‬ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى يركبه )‪ .(5‬بيان‪:‬‬
‫الفاحشة كل ما نهى ال عزوجل عنه‪ ،‬وربما يخص بما يشتد قبحه من‬
‫الذنوب " كان كمبتدئها " أي فاعلها‪ ،‬وإنما عبر عنه بالمبتدئ لن المذيع‬
‫كالفاعل‪ ،‬فهو بالنسبة إليه مبتدئ‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد بالفاحشة‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .97 :‬العنكبوت‪ (3) .56 :‬الزمر‪ (5 - 4) .10 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪.(*) 356‬‬

‫]‪[385‬‬

‫البدعة القبيحة‪ ،‬والمعنى من عمل بها وأفشاها بين الناس كان عليه كوزر من‬
‫ابتدعها أول‪ ،‬وهذا بالنظر إلى البتداء أظهر‪ ،‬كالول بالنسبة إلى الذاعة‪.‬‬
‫في القاموس بدأ به ‪ -‬كمنع ‪ -‬ابتدء‪ ،‬والشئ فعله ابتداء كأبداه وابتداه‪ .‬وقد‬
‫يقال‪ :‬هذا الوعيد إنما هو في ذوي الهيئات الحسنة‪ ،‬وفيمن لم يعرف بأذية‬
‫ول فساد في الرض‪ ،‬وأما المولعبن بذلك‪ ،‬الذين ستروا غير مرة فلم يكفوا‬
‫فل يبعد القول بكشفهم‪ ،‬لن الستر عليهم من المعاونة على المعاصي‬
‫وستر من يندب إلى ستره‪ ،‬إنما هو في معصية مضت‪ ،‬وأما في معصية هو‬
‫متلبس بها‪ ،‬فل يبعد القول بوجوب المبادرة إلى إنكارها‪ ،‬والمنع منها لمن‬
‫قدر عليه‪ ،‬فان لم يقدر رفع إلى والي المر‪ ،‬ما لم يؤد إلى مفسدة أشد‪.‬‬
‫وأما جرح الشاهد والراوي والمناء على الوقاف والصدقات وأموال‬
‫اليتام فيجب الجرح عند الحاجة إليه‪ ،‬لنه تترتب عليه أحكام شرعية‪ ،‬ولو‬
‫رفع إلى المام مايندب الستر فيه لم يأثم‪ ،‬إذا كانت نيته رفع معصية ال ل‬
‫كشف ستره وجرح الشاهد إنما هو عند طلب ذلك منه‪ ،‬أو يرى حاكما يحكم‬
‫بشهادته‪ ،‬وقد علم منه ما يبطلها‪ ،‬فل يبعد القول بحسن رفعه‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن حسين بن عمر بن سليمان‪ ،‬عن‬
‫معاوية بن عمار‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من لقي أخاه بما‬
‫يؤنبه أنبه ال في الدنيا والخرة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬بما يؤنبه " كأن كلمة " ما‬
‫" مصدرية فالمستتر في " يؤنبه " راجع إلى " من " ويحتمل أن تكون‬
‫موصولة فيحتمل إرجاع المستتر إلى " من " أيضا بتقدير العائد اي بما‬
‫يؤنبه به‪ ،‬أو إلى ما نفي‪ ،‬والسناد تجوز ‪ - 4‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابي غالب‬
‫الزراري‪ ،‬عن جده محمد بن سليمان‪ ،‬عن محمد بن خالد‪ ،‬عن ابن حميد‪،‬‬
‫عن الحذاء‪ ،‬عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.356‬‬

‫]‪[386‬‬

‫نفسه‪ ،‬وأن يعير الناس بما ل يستطيع تركه‪ ،‬وأن يوذي جليسه بما ل يعنيه )‪ .(1‬ل‬
‫‪ -‬العطار‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن ابن فضال عن‬
‫عبد ال بن إبراهيم‪ ،‬عن الحسين بن زيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله مثله )‪ - 5 .(2‬فس‪ :‬في رواية أبي‬
‫الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم في قوله‪ " :‬يا عبادي الذين آمنوا إن‬
‫أرضي واسعة " )‪ (3‬يقول‪ :‬ل تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان‬
‫خفتموهم أن يفتنوكم على دينكم فان أرضي واسعة‪ ،‬وهو يقول‪ " :‬فيم كنتم‬
‫قالوا كنا مستضعفين في الرض " فقال " ألم تكن ارض ال واسعة‬
‫فتهاجروا فيها " )‪ - 6 .(4‬ل‪ :‬عن سعد‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن المنقري‪،‬‬
‫عن ابن عيينة‪ ،‬عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السلم قال‪ :‬كان‬
‫آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران عليهما السلم أن قال له‪ :‬ل‬
‫تعيرن أحدا بذنب‪ ،‬وإن أحب المور إلى ال عزوجل ثلثة‪ :‬القصد في‬
‫الجدة‪ ،‬والعفو في المقدرة‪ ،‬والرفق بعباد ال‪ ،‬وما رفق أحد بأحد في الدنيا‬
‫إل رفق ال عزوجل به يوم القيامة‪ ،‬ورأس الحكم مخافة ال تبارك وتعالى‬
‫)‪ .(5‬أقول‪ :‬قد مضى في باب جوامع مساوي الخلق‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم أنه قال‪ :‬سبعة يفسدون أعمالهم‪ ،‬وذكر منهم السريع إلى‬
‫لئمة إخوانه )‪ - 7 .(6‬ص‪ :‬عن الصدوق‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الحسين‬
‫بن إسحاق‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬وعن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن سدير عن ابي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لما‬
‫فارق موسى الخضر عليه السلم قال موسى‪ :‬أوصني ! فقال‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .105‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .54‬العنكبوت‪.56 :‬‬
‫)‪ (4‬تفسير القمى‪ 497 :‬والية في النساء‪ (5) .97 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (6) .54‬راجع ج ‪ 72‬ص ‪ ،195‬نقله عن الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 5‬‬

‫]‪[387‬‬

‫الخضر‪ :‬الزم مال يضرك معه شئ‪ ،‬كما ل ينفعك من غيره شئ‪ ،‬إياك واللجاجة‬
‫والمشي إلى غير حاجة‪ ،‬والضحك في غير تعجب‪ ،‬يا ابن عمران ! ل‬
‫تعيرن أحدا بخطيئة‪ ،‬وابك على خطيئتك‪ - 8 .‬نهج‪ :‬ليس بلد أحق بك من‬
‫بلد‪ ،‬خير البلد ما حملك )‪) - 141 - .(1‬باب( * " )وقت ما يغلظ على‬
‫العبد في المعاصي( " * " )واستدراج ال تعالى( " اليات‪ :‬فاطر‪ :‬وهم‬
‫يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم‬
‫ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير )‪.(2‬‬
‫أقول‪ :‬قد مضى بعض أخبار الستدراج في باب الملء والمهال على‬
‫الكفار والفجار والستدراج فل تغفل‪ - 1 .‬ع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪،‬‬
‫عن البرقي‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن عبد ال بن جندب‪ ،‬عن سفيان بن‬
‫السمط قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إذا أراد ال عزوجل بعبد خيرا‬
‫فأذنب تبعه بنقمة ويذكره الستغفار‪ ،‬وإذا أراد ال بعبد شرا فأذنب ذنبا‬
‫تبعه بنعمة لينسيه الستغفار‪ ،‬ويتمادى به‪ ،‬وهو قول ال عزوجل "‬
‫سنستدرجهم من حيث ل يعلمون " )‪ (3‬بالنعم عند المعاصي )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ ،442‬من الحكم‪ (2) .‬فاطر‪ (3) .37 :‬العراف‪(4) .182 :‬‬
‫علل الشرائع ج ‪ 2‬ص ‪ ،248‬وفي الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،452‬باب الستدراج‬
‫مثل ذلك وشرحه في مرآت العقول ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 423‬‬

‫]‪[388‬‬

‫‪ - 2‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي رفعه إلى ابي عبد ال عليه السلم في قول ال‬
‫عزوجل‪ " :‬أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " )‪ (1‬قال‪ :‬توبيخ لبن‬
‫ثمان عشرة سنة )‪ - 3 .(2‬ثو )‪ (3‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن سلمة بن‬
‫الخطاب‪ ،‬عن أحمد بن عبد الرحمان عن إسماعيل بن عبد الخالق‪ ،‬عن‬
‫محمد بن طلحة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال ليكرم ابن‬
‫السبعين ويستحيي من ابن الثمانين )‪ - 4 .(4‬ل‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪،‬‬
‫عن ابن هاشم‪ ،‬عن محمد بن علي المنقري‪ ،‬عن يحيى بن المبارك‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن جبلة‪ ،‬عن إسحاق بن عمار‪ ،‬عن ابي عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من‬
‫عمر أربعين سنة سلم من الدواء الثلثة‪ :‬من الجنون‪ ،‬والجذام‪ ،‬والبرص‪،‬‬
‫ومن عمر خمسين سنة رزقه ال النابة إليه‪ ،‬ومن عمر ستين سنة هون‬
‫ال حسابه يوم القيامة‪ ،‬ومن عمر سبعين سنة كتبت حسناته ولم تكتب‬
‫سيئاته‪ ،‬ومن عمر ثمانين سنة غفر ال ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬ومشى‬
‫على الرض مغفورا له‪ ،‬وشفع في أهل بيته )‪ - 5 .(5‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن داود بن النعمان‪ ،‬عن سيف‬
‫التمار‪ ،‬عن أبي بصير قال‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬إن العبد لفي فسحة‬
‫من أمره ما بينه وبين أربعين سنة‪ ،‬فإذا بلغ أربعين سنة أوحى ال‬
‫عزوجل إلى ملكيه‪ :‬إني قد عمرت عبدي عمرا فغلظا وشددا وتحفظا‪،‬‬
‫واكتبا عليه قليل عمله وكثيره‪ ،‬وصغيره وكبيره )‪ .(6‬ل‪ :‬عن ابن الوليد‪،‬‬
‫عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن السندي‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحكم مثله )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .37 :‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .96‬ثواب العمال‪ (4) .171 :‬الخصال‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .115‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (6) .114‬أمالى الصدوق‪) .23 :‬‬
‫‪ (7‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 115‬‬

‫]‪[389‬‬

‫‪ - 6‬ل‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن أبي بصير قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إذا بلغ العبد‬
‫ثلثا وثلثين سنة‪ ،‬فقد بلغ اشده‪ ،‬وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه فإذا‬
‫طعن في إحدى وأربعين فهو في النقصان وينبغي لصاحب الخمسين أن‬
‫يكون كمن كان في النزع )‪ - 7 .(1‬ل‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن أبي بصير قال‪:‬‬
‫قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬إذا أتت على العبد أربعون سنة قيل له‪ :‬خذ‬
‫حذرك‪ ،‬فانك غير معذور‪ ،‬وليس ابن أربعين سنة أحق بالعذر من ابن‬
‫عشرين سنة‪ ،‬فان الذي يطلبهما واحد‪ ،‬وليس عنهما براقد فاعمل لما‬
‫أمامك من الهول‪ ،‬ودع عنك فضول القول )‪ - 8 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن ابن معروف عن ابن أبي نجران‪ ،‬عن‬
‫محمد بن القاسم‪ ،‬عن علي بن المغيرة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫سمعته يقول‪ :‬إذا بلغ المرء أربعين سنة آمنه ال عزوجل من الدواء‬
‫الثلثة الجنون والجذام والبرص‪ ،‬فإذا بلغ الخمسين خفف ال حسابه‪ ،‬فإذا‬
‫بلغ الستين رزقه ال النابة إليه‪ ،‬فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء‪ ،‬فإذا‬
‫بلغ الثمانين أمر ال باثبات حسناته وإلقاء سيئاته‪ ،‬فإذا بلغ التسعين غفر‬
‫ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب اسير ال في ارضه )‪ .(3‬ثو‪ :‬عن‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف مثله )‪ - 9 .(4‬ل‪ :‬وفي حديث‬
‫آخر فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر‪ ،‬وروي أن أرذل العمر أن يكون عقله‬
‫عقل ابن سبع سنين )‪ - 10 .(5‬ل‪ :‬عن محمد بن الفضل‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسحاق المذكر‪ ،‬عن محمد بن يعقوب الصم‪ ،‬عن بكر بن سهل‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن المهاجر‪ ،‬عن ابن وهب‪ ،‬عن حفص بن ميسرة‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪،‬‬
‫عن أنس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما من معمر يعمر‬

‫)‪ (3 - 1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .115‬ثواب العمال‪ (5) .171 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 115‬‬

‫]‪[390‬‬
‫أربعين سنة إل صرف ال عنه ثلثة أنواع من البلء‪ :‬الجنون والجذام والبرص‪،‬‬
‫فإذا بلغ الخمسين لين ال عليه حسابه‪ ،‬فإذا بلغ الستين رزقه ال النابة‬
‫إليه بما يحب ويرضى‪ ،‬فإذا بلغ السبعين أحبه ال وأحبه أهل السماء‪ ،‬فإذا‬
‫بلغ الثمانين قبل ال حسناته وتجاوز عن سيئاته‪ ،‬فإذا بلغ التسعين غفر‬
‫ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمي أسير ال في أرضه‪ ،‬وشفع في‬
‫أهل بيته )‪ .(1‬ل‪ :‬عن ابن بندار‪ ،‬عن أبي العباس الحمادي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫علي الصائغ عن إبراهيم بن المنذر‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن حسين‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبد ال بن عمر بن عثمان‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله مثله )‪ - 11 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن سلمة بن الخطاب‪ ،‬عن‬
‫علي بن الحسين عن أحمد بن محمد المؤدب‪ ،‬عن عاصم بن حميد‪ ،‬عن‬
‫خالد القلنسي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال يستحيي من‬
‫أبناء الثمانين أن يعذبهم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع‬
‫إليه كتابه ظاهره مما يلي الناس ل يرى إل مساوي فيطول ذلك عليه‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬يا رب أتأمر بي إلى النار فيقول الجبار جل جلله‪ :‬يا شيخ إني‬
‫أستحيي أن أعذبك وقد كنت تصلي لي في دار الدنيا‪ ،‬اذهبوا بعبدي إلى‬
‫الجنة )‪ - 12 .(3‬جع‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال تعالى‬
‫ينظر في وجه الشيخ المؤمن صباحا ومساء فيقول‪ :‬يا عبدي كبر سنك‪،‬‬
‫ودق عظمك‪ ،‬ورق جلدك‪ ،‬وقرب أجلك وحان قدومك علي فاستح مني فأنا‬
‫أستحي من شيبتك أن أعذبك بالنار‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫عن ال جل جلله‪ :‬الشيبة نوري فل أحرق نوري بناري‪ .‬وعن حازم بن‬
‫حبيب الجعفي قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إذا بلغت ستين‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .116‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .115‬جامع الخبار‪:‬‬
‫‪.(*) 107‬‬

‫]‪[391‬‬

‫سنة فاحسب نفسك في الموتى‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬أبناء الربعين زرع‬
‫قد دنى حصاده‪ ،‬أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ؟ أبناء الستين‬
‫هلموا إلى الحساب ل عذر لكم‪ ،‬أبناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى‪.‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال ليكرم أبناء السبعين‪ ،‬ويستحيي‬
‫من أبناء الثمانين أن يعذبهم )‪) * - 142 - .(1‬باب( * * " )من أطاع‬
‫المخلوق في معصية الخالق( " * ‪ - 1‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من طلب رضى الناس بسخط ال جعل ال حامده‬
‫من الناس ذاما )‪ .(2‬بيان‪ " :‬من طلب رضى الناس بسخط ال " هذا‬
‫النوع في الخلق كثير‪ ،‬بل أكثرهم كذلك كالذين تركوا متابعة أئمة الحق‬
‫لرضا ائمة الجور وطلب ما عندهم‪ ،‬وكأعوان السلطين الجائرين وعمالهم‬
‫والمتقربين إليهم بالباطل‪ ،‬والمادحين لهم على قبائح أعمالهم‪ ،‬وكالذين‬
‫يتعصبون للهل والعشائر بالباطل‪ ،‬وكشاهد الزور والحاكم بالجور بين‬
‫المتخاصمين طلبا لرضا أهل العزة والغلبة‪ ،‬والذين يساعدون المغتابين ول‬
‫ينزجرون عنها طلبا لرضاهم‪ ،‬ولئل يتنفروا من صحيته وأمثال ذلك كثيرة‪.‬‬
‫" وجعل حامده من الناس ذاما " اي بعد ذلك الحمد أو يحمدونه بحضرته‬
‫ويذمونه في غيبته أو يكون المراد بالحامد من يتوقع منهم المدح‪.‬‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ص ‪ (2) .140‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 372‬‬

‫]‪[392‬‬

‫‪ - 2‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن خالد‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران عن‬
‫يوسف بن عميرة‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من طلب مرضاة الناس‬
‫بما يسخط ال كان حامده من الناس ذاما‪ ،‬ومن آثر طاعة ال بغضب الناس‬
‫كفاه ال عداوة كل عدو‪ ،‬وحسد كل حاسد‪ ،‬وبغي كل باغ‪ ،‬وكان ال‬
‫عزوجل له ناصرا وظهيرا )‪ .(1‬بيان‪ :‬المرضاة مصدر ميمي " ومن آثر‬
‫طاعة ال " اي في موضع غير التقية فانها طاعة ال في هذا الموضع‪،‬‬
‫والظهير المعين‪ - 3 .‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن شريف بن سابق‪ ،‬عن الفضل بن ابي‬
‫قرة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كتب رجل إلى الحسين صلوات ال‬
‫عليه‪ :‬عظني بحرفين ؟ فكتب إليه‪ :‬من حاول أمرا بمعصية ال كان أفوت‬
‫لما يرجو‪ ،‬واسرع لمجئ ما يحذر )‪ .(2‬بيان‪ " :‬بحرفين " اي بجملتين‪،‬‬
‫وما ذكره عليه السلم مع العطف في حكم جملتين ويحتمل أن يكون‬
‫الحرفان كناية عن الختصار في الكلم‪ " ،‬من حاول " اي رام وقصد‬
‫واللم في قوله‪ " :‬لما يرجو " و " لمجئ " للتعدية‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن ابي‬
‫علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن العلء‪ ،‬عن‬
‫محمد بن مسلم قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬ل دين لمن دان بطاعة من‬
‫عصى ال‪ ،‬ول دين لمن دان بفرية باطل على ال‪ ،‬ول دين لمن دان بجحود‬
‫شئ من آيات ال )‪ .(3‬بيان‪ " :‬لدين " اي ل إيمان أو ل عبادة " لمن‬
‫دان " أي عبد ال " بطاعة من عصى ال " اي غير المعصوم‪ ،‬فانه ل‬
‫يجوز طاعة غير المعصوم في جميع المور وقيل‪ :‬من عصى ال من يكون‬
‫حكمه معصية ولم يكن أهل للفتوى " لمن دان " اي اعتقد‪ ،‬اي عبد ال‬
‫بافتراء الباطل على ال‪ ،‬اي جعل هذا الفتراء عبادة أو جعل عبادته مبنية‬
‫على الفتراء‪.‬‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3 - 2) .372‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 373‬‬

‫]‪[393‬‬

‫" بجحود شئ من آيات ال " اي أنكر شيئا من محكمات القرآن‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫المراد باليات الئمة عليهم السلم‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم‬
‫عن جابر بن عبد ال ]النصاري[ قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫من أرضى سلطانا جائرا بسخط ال خرج من دين ال )‪ .(1‬بيان‪ :‬يمكن‬
‫حمله على من ارضى خلفاء الجور بانكار ائمة الحق أو شئ من‬
‫ضروريات الدين‪ - 6 .‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال امير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل دين لمن دان بطاعة‬
‫المخلوق في معصية الخالق )‪ .(2‬صح‪ :‬عنه عليه السلم مثله )‪- 7 .(3‬‬
‫ن‪ :‬بالسناد إلى دارم‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من أرضى سلطانا بما يسخط ال خرج من دين‬
‫ال عزوجل )‪ - 8 .(4‬ل‪ :‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن المغيرة‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من طلب رضى‬
‫الناس بسخط ال جعل ال حامده من الناس ذاما )‪ - 9 .(5‬ما‪ :‬عن المفيد‪،‬‬
‫عن ابي غالب الزراري‪ ،‬عن عمه علي بن سليمان عن الطيالسي‪ ،‬عن‬
‫العل‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ل دين لمن دان بطاعة‬
‫من عصى ال‪ ،‬ول دين لمن دان بفرية باطل على ال‪ ،‬ول دين لمن دان‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .373‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .43‬صحيفة الرضا‬
‫عليه السلم‪ (4) .34 :‬عيون الخبار ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .69‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.(*) 5‬‬

‫]‪[394‬‬

‫بجحود شئ من آيات ال )‪ - 10 .(1‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫صفوان‪ ،‬عن الكناني‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬ل تسخطوا ال برضا أحد من خلقه‪ ،‬ول تتقربوا إلى أحد من‬
‫الخلق بتباعد من ال عزوجل‪ ،‬فان ال ليس بينه وبين أحد من الخلق شئ‬
‫يعطيه به خيرا أو يصرف به عنه سوءا‪ ،‬إل بطاعته وابتغاء مرضاته إن‬
‫طاعة ال نجاح كل خير يبتغى‪ ،‬ونجاة من كل شر يتقى‪ ،‬وإن ال يعصم من‬
‫أطاعه ول يعتصم منه من عصاه‪ ،‬ول يجد الهارب من ال مهربا فان أمر‬
‫ال نازل باذلله‪ ،‬ولو كره الخلئق‪ ،‬وكل ما هو آت قريب‪ ،‬ما شاء ال كان‪،‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن )‪) - 143 - .(2‬باب( * " )التكلف والدعوى( " *‬
‫اليات‪ :‬ص‪ :‬وما أنا من المتكلفين )‪ - 1 .(3‬مص‪ :‬قال الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬المتكلف مخطئ وإن أصاب‪ ،‬والمتطوع مصيب وإن أخطأ‪،‬‬
‫والمتكلف ل يستجلب في عاقبة أمره إل الهوان‪ ،‬وفي الوقت إل التعب‬
‫والعنا والشقاء‪ ،‬والمتكلف ظاهره رياء‪ ،‬وباطنه نفاق‪ ،‬فهما جناحان يطير‬
‫بهما المتكلف‪ .‬وليس في الجملة من أخلق الصالحين ول من شعار‬
‫المتقين التكلف في أي باب كان‪ ،‬قال ال عزوجل لنبيه صلى ال عليه‬
‫وآله‪ " :‬قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬نحن معاشر النبياء والولياء براء من التكلف‪.‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .76‬أمالى الصدوق‪ (3) .293 :‬سورة ص‪86 :‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[395‬‬

‫فاتق ال واستقم نفسك يغنك عن التكلف‪ ،‬ويطبعك بطباع اليمان‪ ،‬ول تشتغل بطعام‬
‫آخره الخل‪ ،‬ولباس آخره البل‪ ،‬ودار آخرها الخراب‪ ،‬ومال آخره الميراث‪،‬‬
‫وإخوان آخرهم الفراق‪ ،‬وعز آخره الذل‪ ،‬ووقار آخره الجفا وعيش آخره‬
‫الحسرة )‪ - 2 .(1‬مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬الدعوى بالحقيقة‬
‫للنبياء والئمة والصديقين والئمة عليهم السلم وأما المدعي بغير واجب‬
‫فهو كابليس اللعين‪ ،‬ادعى النسك وهو على الحقيقة منازع لربه‪ ،‬مخالف‬
‫لمره‪ ،‬فمن ادعى أظهر الكذب‪ ،‬والكاذب ل يكون أمينا‪ ،‬ومن ادعى فيما ل‬
‫يحل له فتح عليه ابواب البلوى‪ ،‬والمدعي يطالب بالبينة ل محالة‪ ،‬وهو‬
‫مفلس فيفتضح‪ ،‬والصادق ل يقال له‪ :‬لم‪ .‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪:‬‬
‫الصادق ل يراه أحد إل هابه )‪ - 3 .(2‬نهج‪ :‬من كابد المور عطب ومن‬
‫اقتحم اللجج غرق )‪) - 144 - .(3‬باب الفساد( * ‪ - 1‬مص‪ :‬قال الصادق‬
‫عليه السلم‪ :‬فساد الظاهر من فساد الباطن‪ ،‬ومن اصلح سريرته اصلح ال‬
‫علنيته‪ ،‬ومن خاف ال في السر لم يهتك ستره في العلنية وأعظم الفساد‬
‫أن يرضى العبد بالغفلة عن ال‪ ،‬وهذا الفساد يتولد من طول المل‬
‫والحرص والكبر كما أخبر ال عزوجل في قصة قارون في قوله‪ " :‬ول‬
‫تبغ الفساد في الرض إن ال ل يحب المفسدين " )‪ (4‬وكانت هذه الخصال‬
‫من صنع قارون واعتقاده‪ .‬وأصلها من حب الدنيا وجمعها‪ ،‬ومتابعة النفس‬
‫وهواها‪ ،‬وإقامة‬
‫)‪ (1‬مصباح الشريعة‪ (2) .24 :‬مصباح الشريعة‪ (3) .63 :‬نهج البلغة الرقم ‪349‬‬
‫من الحكم‪ (4) .‬القصص‪.(*) 77 ،‬‬

‫]‪[396‬‬

‫شهواتها‪ ،‬وحب المحمدة‪ ،‬وموافقة الشيطان‪ ،‬واتباع خطواته‪ ،‬وكل ذلك يجتمع‬
‫بحسب الغفلة عن ال ونسيان مننه‪ .‬وعلج ذلك الفرار من الناس‪ ،‬ورفض‬
‫الدنيا‪ ،‬وطلق الراحة والنقطاع عن العادات‪ ،‬وقلع عروق منابت‬
‫الشهوات‪ ،‬بدوام الذكر ل‪ ،‬ولزوم الطاعة له واحتمال جفاء الخلق‪.‬‬
‫وملزمة القربى‪ ،‬وشماتة العدو من الهل والقرابة فإذا فعلت ذلك فقد‬
‫فتحت عليك باب عطف ال‪ ،‬وحسن نظره إليك بالمغفرة والرحمة وخرجت‬
‫من جملة الغافلين‪ ،‬وفككت قلبك من أسر الشيطان‪ ،‬وقدمت باب ال في‬
‫معشر الواردين إليه‪ ،‬وسلكت مسلكا رجوت الذن بالدخول على الكريم‪،‬‬
‫الجواد الملك الرحيم‪ ،‬واستيطاء بساطه على شرط الدب‪ ،‬ول تحرم‬
‫سلمته وكرامته لنه الملك الكريم الجواد الرحيم )‪) * - 145 - .(1‬باب( *‬
‫* " )القسوة والخرق والمراء والخصومة والعداوة( " * أقول‪ :‬قد مر‬
‫كثير من أخبار هذا الباب في مطاوي أبواب الكفر ومساوي الخلق كما ل‬
‫يخفى‪ - 1 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن حفص‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل ابن دبيس )‪ (2‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إذا‬
‫خلق ال العبد في أصل الخلقة كافرا لم يمت حتى يحبب ال إليه الشر‬
‫فيقرب منه‪ ،‬فابتله بالكبر والجبرية فقسا قلبه‪ ،‬وساء خلقه‪ ،‬وغلظ وجهه‪،‬‬
‫وظهر فحشه‪ ،‬وقل حياؤه وكشف ال ستره‪ ،‬وركب المحارم‪ ،‬فلم ينزع‬
‫عنها‪ ،‬ثم ركب معاصي ال وأبغض طاعته‪ ،‬ووثب على الناس ل يشبع من‬
‫الخصومات‪ ،‬فاسألوا ال العافية واطلبوها منه )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬مصباح الشريعة‪ (2) .56 :‬خنيس خ ل‪ (3) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 330‬‬

‫]‪[397‬‬

‫بيان‪ :‬قيل‪ :‬قوله " كافرا " حال عن العبد‪ ،‬فل يلزم أن يكون كفره مخلوقا ل تعالى‪.‬‬
‫أقول‪ :‬كأنه على المجاز‪ ،‬فانه تعالى لما خلقه عالما بأنه سيكفر فكأنه خلقه‬
‫كافرا‪ ،‬أو الخلق بمعنى التقدير‪ ،‬والمعاصي يتعلق بها التقدير ببعض‬
‫المعاني كما مر تحقيقه‪ ،‬وكذا تحبيب الشر إليه مجاز فانه لما سلب عنه‬
‫التوفيق لسوء أعماله وخلى بينه وبين نفسه وبين الشيطان‪ ،‬فأحب الشر‪،‬‬
‫فكأن ال حببه إليه قال سبحانه " حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم‬
‫وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان " )‪ (1‬وإن كان الظاهر أن الخطاب‬
‫لخلص المؤمنين‪ " .‬فيقرب منه " اي العبد من الشر أو الشر من العبد‬
‫وعلى التقديرين كأنه كناية عن ارتكابه‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬يقال فيه جبرية‬
‫وجبروة وجبروت وجبورة مثال فروجه أي كبر )‪ (2‬وغلظ الوجه كناية‬
‫عن العبوس أو الخشونة وقلة الحياء " وكشف ال ستره " كناية عن‬
‫ظهور عيوبه للناس‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد كشف ستره الحاجز بينه وبين القبايح‪،‬‬
‫وهو الحياء‪ ،‬فيكون تأكيدا لما قبله‪ ،‬واقول‪ :‬الول اظهر كما ورد في الخبر‪.‬‬
‫" وركب المحارم " اي الصغائر مصرا عليها لقوله " فلم ينزع عنها "‬
‫أي لم يتركها " ثم ركب معاصي ال " أي الكبائر‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بالول‬
‫الذنوب مطلقا‪ ،‬وبالثاني حبها أو استحللها بقرينة قوله " وأبغض طاعته‬
‫" لن بغض الطاعة يستلزم حب المعصية‪ ،‬أو المراد بها ذنوبه بالنسبة‬
‫إلى الخلق‪ ،‬والوثوب على الناس كناية عن المجادلت والمعارضات‪- 2 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن ابي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬لمتان‪ :‬لمة من الشيطان‪،‬‬
‫ولمة من الملك‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪ (2) .7 :‬الصحاح ص ‪.(*) 608‬‬

‫]‪[398‬‬

‫فلمة الملك الرقة والفهم‪ ،‬ولمة الشيطان السهو والقسوة )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال الجزري‪:‬‬
‫في حديث ابن مسعود لبن آدم لمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان‪:‬‬
‫اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب اراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب‬
‫منه‪ ،‬فما كان من خطرات الخير فهو من الملك‪ ،‬وما كان من خطرات الشر‬
‫فهو من الشيطان انتهى‪ " .‬فلمة الملك الرقة والفهم " أي هما ثمرتها أو‬
‫علمتها‪ ،‬والحمل على المجاز لن لمة الملك إلقاء الخير‪ ،‬والتصديق بالحق‬
‫في القلب‪ ،‬وثمرتها رقة القلب وصفاؤها وميله إلى الخير‪ ،‬وكذا لمة‬
‫الشيطان إلقاء الوساوس والشكوك والميل إلى الشهوات في القلب‪،‬‬
‫وثمرتها السهو عن الحق والغفلة عن ذكر ال وقساوة القلب‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن علي بن عيسى رفعه‬
‫قال‪ :‬فيما ناجى ال عزوجل به موسى صلوات ال عليه‪ :‬يا موسى ل تطول‬
‫في الدنيا أملك‪ ،‬فيقسو قلبك‪ ،‬والقاسي القلب مني بعيد )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ل‬
‫تطول في الدنيا أملك " تطويل المل هو أن ينسى الموت‪ ،‬ويجعله بعيدا‬
‫ويظن طول عمره أو يأمل أموال كثيرة ل تحصل إل في عمر طويل‪ ،‬وذلك‬
‫يوجب قساوة القلب‪ ،‬وصلبته وشدته‪ ،‬أي عدم خشوعه وتأثره من‬
‫المخاوف وعدم قبوله للمواعظ كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب‬
‫ووجله عند ذكر ال‪ ،‬والموت والخرة‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬قسا قلبه قسوة‬
‫وقساوة وقساء وهو غلظ القلب وشدته وأقساه الذنب ويقال‪ :‬الذنب مقساة‬
‫القلب‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن ابيه‪ ،‬عمن حدثه‬
‫عن محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫من قسم له الخرق يحجب عنه اليمان )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .330‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .329‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪321‬‬
‫)*(‪.‬‬

‫]‪[399‬‬

‫بيان‪ :‬الظاهر أن الخرق عدم الرفق في القول والفعل‪ ،‬في القاموس الخرق بالضم‬
‫وبالتحريك ضد الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل‪ ،‬والتصرف في المور‬
‫والحمق‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬فيه الرفق يمن والخرق شؤم‪ ،‬الخرق بالضم الجهل‬
‫والحمق انتهى وإنما كان الخرق مجانبا لليمان لنه يؤذي المؤمنين‪،‬‬
‫والمؤمن من أمن المسلمون من يده ولسانه‪ ،‬ولنه ل يتهيأ له طلب العلم‬
‫الذي به كمال اليمان وهو مجانب لكثير من صفات المؤمنين كما مر‪ ،‬ثم‬
‫إنه إنما يكون مذموما إذا أمكن الرفق‪ ،‬ولم ينته إلى حد المداهنة في الدين‪،‬‬
‫كما قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬وارفق ما كان الرفق ارفق‪ ،‬واعتزم‬
‫بالشدة حين ل يغني عنك ‪ -‬أي الرفق ‪ -‬إل الشدة )‪ - 5 .(1‬كا‪ :‬عن علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إياكم والمراء والخصومة‬
‫فانهما يمرضان القلوب على الخوان‪ ،‬وينبت عليهما النفاق‪ .‬وبإسناده‬
‫قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬ثلث من لقي ال عزوجل بهن دخل‬
‫الجنة من أي باب شاء‪ :‬من حسن خلقه‪ ،‬وخشي ال في المغيب والمحضر‪،‬‬
‫وترك المراء وإن كان محقا )‪ .(2‬وبإسناده قال‪ :‬من نصب ال غرضا‬
‫للخصومات‪ ،‬أوشك أن يكثر النتقال )‪ .(3‬بيان‪ :‬المراء بالكسر مصدر باب‬
‫المفاعلة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الجدال والعتراض على كلم الغير‪ ،‬من غير غرض‬
‫ديني‪ ،‬وفي مفردات الراغب‪ :‬المتراء والممارات المحاجة فيما فيه مرية‪،‬‬
‫وهي التردد في المر‪ ،‬وفي النهاية فيه ل تماروا في القرآن فان المراء فيه‬
‫كفر‪ ،‬المراء الجدال والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك‬
‫والريبة‪ ،‬ويقا للمناظرة مماراة لن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة الرقم ‪ 41‬من الرسائل‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .300‬الكافي ج‬
‫‪ 2‬ص ‪.(*) 301‬‬
‫]‪[400‬‬

‫ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع‪ ،‬قال أبو عبيد‪ :‬ليس وجه الحديث‬
‫عندنا على الختلف في التأويل‪ ،‬ولكنه على الختلف في اللفظ‪ ،‬وهو أن‬
‫يقرأ الرجل على حرف فيقول الخر ليس هو هكذا‪ ،‬ولكنه على خلفه‪،‬‬
‫وكلهما منزل مقروء بهما‪ ،‬فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم‬
‫يؤمن أن يكون يخرجه ذلك إلى الكفر‪ ،‬لنه نفى حرفا أنزله ال على نبيه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنما جاء هذا في الجدال والمراء في اليات التي فيها ذكر القدر‬
‫ونحوه من المعاني‪ ،‬على مذهب أهل الكلم‪ ،‬وأحصاب الهواء والراء‪،‬‬
‫دون ما تضمنت من الحكام‪ ،‬وأبواب الحلل والحرام‪ ،‬لن ذلك قد جرى‬
‫بين الصحابة ومن بعدهم من العلماء‪ ،‬وذلك فيما يكون الغرض والباعث‬
‫عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال‪ :‬فيه ما‬
‫أوتي الجدل قوم إل ضلوا‪ ،‬الجدل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة‬
‫والمخاصمة‪ ،‬والمراد به في الحديث الجدل على الباطل وطلب المغالبة به‬
‫فأما المجادلة لظهار الحق فان ذلك محمود لقوله تعالى‪ " :‬وجادلهم بالتي‬
‫هي أحسن " ‪ .(1‬وقال الراغب‪ :‬الخصم مصدر خصمته اي نازعته خصما‬
‫يقال خصمته وخاصمته مخاصمة وخصاما‪ ،‬وأصل المخاصمة أن يتعلق كل‬
‫واحد بخصم الخر أي جانبه وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب‬
‫)‪ .(2‬وأقول‪ :‬هذه اللفاظ الثلثة متقاربة المعنى‪ ،‬وقد ورد النهي عن‬
‫الجميع في اايات والخبار‪ ،‬وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل‬
‫العلمية والمخاصمة في المور الدنيوية‪ ،‬وقد يخص المراء بما إذا كان‬
‫الغرض إظهار الفضل والكمال‪ ،‬والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم‬
‫وذلته‪ .‬وقيل‪ :‬الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يكون‬
‫المراء إل‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .125 :‬مفردات غريب القرآن ص ‪.(*) 149‬‬

‫]‪[401‬‬

‫اعتراضا بخلف الجدال‪ ،‬فانه يكون ابتداء واعتراضا‪ ،‬والجدل أخص من الخصومة‬
‫يقال‪ :‬جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته‪ ،‬وجادل‬
‫مجادلة وجدال إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق‪ ،‬ووضوح الصواب‪،‬‬
‫والخصومة ل تعتبر فيها الشدة ول الشغل‪ .‬وقال الغزالي‪ :‬يندرج في المراء‬
‫كل ما يخالف قول صاحبه‪ ،‬مثل أن يقول هذا حلو فيقول هذا مر أو يقول‬
‫من كذا إلى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو يقول شيئا فيقول أنت أحمق‪،‬‬
‫أو أنت كاذب‪ ،‬ويندرج في الخصومة كل ما يوجب تأذي خاطر الخر‪،‬‬
‫وترداد القول بينهما‪ ،‬وإذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالمور الدينية‬
‫والخصومة بغيرها‪ ،‬أو بالعكس‪ " .‬فانهما يمرضان القلوب على الخوان "‬
‫أي يغيرانها بالعداوة والغيظ وإنما عبر عنها بالمرض لنها توجب شغل‬
‫القلب وتوزع البال وكثرة التفكر وهي من أشد المحن والمراض‪ ،‬وأيضا‬
‫توجب شغل القلب عن ذكر ال‪ ،‬وعن حضور القلب في الصلة وعن التفكر‬
‫في المعارف اللهية‪ ،‬وخلوها عن الصفات الحسنة وتلوثها بالصفات‬
‫الذميمة‪ ،‬وهي من أشد المراض النفسانية والدواء الروحانية كما قال‬
‫تعالى‪ " :‬في قلوبهم مرض " )‪ " .(1‬وينبت عليهما النفاق " أي التفاوت‬
‫بين ظاهر كل واحد منهما وباطنه بالنسبة إلى صاحبه‪ ،‬وهذا نفاق أو‬
‫النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل الدينية‪ ،‬فانهما يوجبان‬
‫حدوث الشكوك والشبهات في النفس‪ ،‬والتصلب في الباطل للغلبة على‬
‫الخصم‪ ،‬بل في المور الدنيوية ايضا بالصرار على مخالفة ال تعالى وكل‬
‫ذلك من دواعي النفاق‪ .‬فان قيل‪ :‬هذا ينافي ما ورد في الخبار واليات من‬
‫المر بهداية الخلق والذب عن الحق‪ ،‬ودفع الشبهات عن الدين‪ ،‬وقطع‬
‫حجج المبطلين‪ ،‬وقد قال تعالى‬

‫)‪ (1‬البقرة‪.(*) 9 :‬‬

‫]‪[402‬‬

‫" وجادلهم بالتي هي أحسن " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي‬
‫أحسن " )‪ .(2‬قلت‪ :‬هذه الخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض‬
‫إظهار الفضل‪ ،‬أو الغلبة على الخصم‪ ،‬أو التعصب وترويج الباطل‪ ،‬أو على‬
‫ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة‪ ،‬وإظهار الحق وكشفه‪ ،‬فيصير سببا‬
‫لمزيد رسوخ الخصم في الباطل‪ ،‬أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل‪،‬‬
‫آخر‪ ،‬أو مع إمكان الهداية باللين واللطف يتعدى إلى الغلظة والخشونة‬
‫المثيرتين للفتن‪ ،‬أو يترك التقية في زمنها‪ ،‬وأما مع عدم التقية والقدرة‬
‫على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل بأوضح‬
‫الدليل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء ول مراء‬
‫من أعظم الطاعات‪ ،‬لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي‬
‫التحرز عنها والسعي في الخلص فيه أهم من ساير العبادات‪ .‬ويدل على‬
‫ما ذكرنا ما ذكره المام أبو محمد العسكري عليه السلم في تفسيره قال‪:‬‬
‫ذكر عند الصادق عليه السلم‪ :‬الجدال في الدين وأن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله والئمة المعصومين عليهم السلم قد نهوا عنه‪ ،‬فقال الصادق‬
‫عليه السلم‪ :‬لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن‬
‫أما تسمعون ال يقول‪ " :‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن "‬
‫وقوله تعالى‪ " :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم‬
‫بالتي هي أحسن " فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين‬
‫والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه ال تعالى على شيعتنا‪ ،‬وكيف‬
‫يحرم ال الجدال جملة وهو يقول‪ " :‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان‬
‫هودا أو نصارى " قال ال تعالى‪ " :‬تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم‬
‫صادقين " )‪ .(3‬فجعل علم الصدق واليمان بالبرهان‪ ،‬وهل يؤتى بالبرهان‬
‫إل في الجدال بالتي‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .125 :‬العنكبوت‪ (3) .46 :‬البقرة‪.(*) 111 :‬‬

‫]‪[403‬‬

‫هي أحسن‪ .‬قيل‪ :‬يا ابن رسول ال فما الجدال بالتي هي أحسن‪ ،‬والتي ليست بأحسن‬
‫؟ قال‪ :‬أما الجدال بغير التي هي أحسن أن تجادل مبطل فيورد عليك باطل‬
‫فل ترده بحجة قد نصبها ال تعالى ولكن تجحد قوله‪ ،‬أو تجحد حقا يريد‬
‫ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك‬
‫فيه حجة‪ ،‬لنك ل تدري كيف المخلص منه‪ ،‬فذلك حرام على شيعتنا أن‬
‫يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم‪ ،‬وعلى المبطلين‪ ،‬أما المبطلون‬
‫فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما في يده حجة‬
‫له على باطله‪ ،‬وأما الضعفاء منكم فتعمى )‪ (1‬قلوبهم لما يرون من ضعف‬
‫المحق في يد المبطل‪ .‬وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر ال تعالى‬
‫به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له‪ ،‬فقال ال حاكيا‬
‫عنه‪ " :‬وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " )‬
‫‪ (2‬فقال ال في الرد عليهم‪ " :‬قل " يا محمد " يحييها الذي أنشأها أول‬
‫مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم‬
‫منه توقدون " فأراد ال من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال‪ :‬كيف يجوز‬
‫أن يبعث هذه العظام وهي رميم‪ ،‬فقال ال تعالى‪ " :‬قل يحييها الذي أنشأها‬
‫أول مرة " أفيعجز من ابتدى به ل من شئ أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه‬
‫أصعب عندكم من إعادته‪ ،‬ثم قال‪ " :‬الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا‬
‫" اي إذا كمن النار الحارة في الشجر الخضر الرطب ويستخرجها فعرفكم‬
‫أنه على إعادة ما بلى أقدر‪ ،‬ثم قال‪ " :‬أو ليس الذي خلق السموات‬
‫والرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم " اي إذا كان‬
‫خلق السماوات والرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه‬
‫من إعادة البالي‪ ،‬فكيف جوزتم من ال خلق هذا العجب عندكم‪ ،‬والصعب‬
‫لديكم‪ ،‬ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي ؟ قال الصادق‬
‫عليه السلم‪ :‬فهذا الجدال بالتي هي‬
‫)‪ (1‬فتغم خ ل‪ (2) .‬يس‪.(*) 78 :‬‬

‫]‪[404‬‬

‫أحسن‪ ،‬لن فيها قطع عذر الكافرين‪ ،‬وإزالة شبههم‪ .‬وأما الجدال بغير التي هي‬
‫أحسن بأن تجحد حقا ل يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله‪ ،‬وإنما‬
‫تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لنك مثله‪ :‬جحد هو حقا‬
‫وجحدت أنت حقا آخر‪ .‬قال‪ :‬فقام إليه رجل فقال‪ :‬يا ابن رسول ال أفجادل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله ؟ فقال الصادق عليه السلم‪ :‬مهما ظننت‬
‫برسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬مهما ظننت برسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله من شئ فل تظن به مخالفة ال أو ليس ال تعالى قال‪ " :‬وجادلهم‬
‫بالتي هي أحسن " وقال‪ " :‬قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " لمن ضرب‬
‫ال مثل‪ ،‬أفتظن أن رسول ال صلى ال عليه وآله خالف ما أمره ال به‪،‬‬
‫فلم يجادل بما أمره ال‪ ،‬ولم يخبر عن ال بما أمره أن يخبر به )‪.(1‬‬
‫وروى أبو عمرو الكشي باسناده عن عبد العلى قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن الناس يعيبون علي بالكلم وأنا أكلم الناس‪ ،‬فقال‪ :‬أما‬
‫مثلك من يقع ثم يطير فنعم‪ ،‬وأما من يقع ثم ل يطير‪ ،‬فل )‪ .(2‬وروى أيضا‬
‫باسناده عن الطيار قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬بلغني أنك كرهت‬
‫مناظرة الناس‪ ،‬فقال‪ :‬أما مثلك فل يكره من إذا طار يحسن أن يقع‪ ،‬وإن‬
‫وقع يحسن أن يطير‪ ،‬فمن كان هكذا ل نكرهه )‪ .(3‬وباسناده أيضا عن‬
‫هشام بن الحكم قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ما فعل ابن الطيار ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬مات‪ ،‬قال‪ :‬رحمه ال‪ ،‬ولقاه نضرة وسرورا‪ ،‬فقد كان شديد‬
‫الخصومة عنا أهل البيت )‪ .(4‬وباسناده ايضا عن أبي جعفر الحول عن‬
‫ابي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما فعل ابن الطيار ؟ فقلت‪ :‬توفي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫رحمه ال‪ .‬ادخل ال عليه الرحمة والنضرة‪ ،‬فانه كان يخاصم عنا أهل‬
‫البيت )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬تفسير المام العسكري ص ‪ 242‬و ‪ (2) .243‬رجال الكشى ص ‪(5 - 3) .271‬‬
‫رجال الكشى ص ‪.(*) 298‬‬

‫]‪[405‬‬

‫وباسناده أيضا عن نصر بن الصباح قال‪ :‬كان أبو عبد ال عليه السلم يقول لعبد‬
‫الرحمن بن الحجاج‪ :‬يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فاني أحب أن يرى في‬
‫رجال الشيعة مثلك )‪ .(1‬وباسناده ايضا عن محمد بن حكيم قال‪ :‬ذكر لبي‬
‫الحسن عليه السلم اصحاب الكلم فقال‪ :‬أما ابن حكيم فدعوه )‪ .(2‬فهذه‬
‫الخبار كلها مع كون أكثرها من الصحاح تدل على تجويز الجدال‬
‫والخصومة في الدين على بعض الوجوه‪ ،‬ولبعض العلماء‪ ،‬وتؤيد بعض‬
‫الوجوه التي ذكرناها في الجمع‪ " .‬من لقي ال بهن " )‪ (3‬أي كن معه إلى‬
‫الموت أو في الحشر " دخل الجنة من أي باب شاء " كأنه مبالغة في‬
‫إباحة الجنة له‪ ،‬وعدم منعه منها بوجه " في المغيب والمحضر " أي‬
‫يظهر فيه آثار خشية ال بترك المعاصي في حال حضور الناس وغيبتهم‬
‫وقيل‪ :‬أي عدم ذكر الناس بالشر في الحضور والغيبة‪ ،‬والول اظهر‪" .‬‬
‫وإن كان محقا " قد مر أنه ل ينافي وجوب إظهار الحق في الدين‪ ،‬ول‬
‫ينافي أيضا جواز المخاصمة لخذ الحق الدنيوي‪ ،‬لكن بدون التعصب‬
‫وطلب الغلبة وترك المداراة‪ ،‬بل يكتفي بأقل ما ينفع في المقامين‪ ،‬بدون‬
‫إضرار وإهانة وإلقاء باطل‪ ،‬كما عرفت‪ " .‬من نصب ال " )‪ (4‬النصب‬
‫القامة‪ ،‬والغرض بالتحريك الهدف‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬الغرض الهدف الذي‬
‫يرمي إليه‪ ،‬والجمع أغراض‪ ،‬وقولهم‪ :‬غرضه كذا على التشبيه بذلك‪ ،‬اي‬
‫مرماه الذي يقصده انتهى‪ ،‬وهنا كناية عن كثرة المخاصمة في ذات ال‬
‫سبحانه وصفاته فان العقول قاصرة عن إدراكها‪ ،‬ولذا نهي عن التفكر‬

‫)‪ (1‬رجال الكشي ص ‪ (2) .374‬رجال الكشى ص ‪ (3) .380‬شروع في شرح‬


‫الحديث الثاني‪ (4) .‬شروع في شرح الحديث الثالث )*(‪.‬‬

‫]‪[406‬‬

‫فيها كما مر في كتاب التوحيد‪ ،‬وكثرة التفكر والخصومة فيها يقرب النسان من‬
‫كثرة النتقال من رأي إلى رأي لحيرة العقول فيها‪ ،‬وعجزها عن إدراكها‪،‬‬
‫كما ترى من الحكماء والمتكلمين المتصدين لذلك‪ ،‬فانهم سلكوا مسالك‬
‫شتى‪ ،‬والكتفاء بما ورد في الكتاب والسنة‪ ،‬وترك الخوض فيها أحوط‬
‫وأولى‪ .‬ويحتمل أن يكون المراد النتقال من الحق إلى الباطل‪ ،‬ومن اليمان‬
‫إلى الكفر‪ ،‬فان الجدال في ال والخوض في ذاته وكنه صفاته يورثان‬
‫الشكوك والشبهة‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير‬
‫علم ول هدى ول كتاب منير " )‪ (1‬وقال جل شأنه‪ " :‬وإذا رأيت الذين‬
‫يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنك إذا‬
‫مثلهم " )‪ (2‬إلى غير ذلك من اليات في ذلك‪ .‬و " أولئك " من أفعال‬
‫المقاربة بمعنى القرب والدنو‪ ،‬ومنهم من ذهب هنا إلى ما يترتب على‬
‫مطلق الخصومة مع الخلق‪ ،‬وقال‪ :‬النتقال التحول من حال إلى حال‪،‬‬
‫كالتحول من الخير إلى الشر‪ ،‬ومن حسن الفعال إلى قبح العمال‬
‫المقتضية لفساد النظام‪ ،‬وزوال اللفة واللتيام‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد كثرة الحلف‬
‫بال في الدعاوي والخصومات فانه أو شك أن ينتقل مما حلف عليه إلى‬
‫ضده خوفا من العقاب‪ ،‬فيفتضح بذلك‪ ،‬ول يخفى ما فيهما‪ - 8 .‬كا‪ :‬علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن صالح بن السندي‪ ،‬عن جعفر بن بشير‪ ،‬عن عمار بن مروان‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ل تمارين حليما ول سفيها‪ ،‬فان الحليم‬
‫يقليك )‪ (3‬والسفيه يؤذيك )‪ .(4‬بيان‪ :‬الحليم المعنيين المتقدمين اي العاقل‬
‫والمتثبت المتأني في المور والسفيه يحتمل مقابليهما‪ ،‬والمعنيان‬
‫متلزمان غالبا‪ ،‬وكذا مقابلهما‪ ،‬والحاصل‬

‫)‪ (1‬الحج‪ (2) .8 :‬النعام‪ (3) .68 :‬يغلبك خ ل‪ (4) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 301‬‬

‫]‪[407‬‬

‫أن العاقل الحازم المتأني في المور ل يتصدى للمعارضة‪ ،‬ويصير ذلك سببا لن‬
‫يبطن في قلبه العداوة‪ ،‬والحمق المتهتك يعارض ويؤذي‪ ،‬في القاموس‬
‫قله كرماه ورضيه قلي وقلء ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه‬
‫أو قله في الهجر وقليه في البغض‪ - 9 .‬كا‪ :‬علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن الحسن بن عطية‪ ،‬عن عمر ابن يزيد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما كاد جبرئيل يأتيني إل‬
‫قال‪ :‬يا محمد اتق شحناء الرجال وعداوتهم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ما كاد " في‬
‫القاموس كاد يفعل كذا قارب وهم‪ ،‬وفي بعض النسخ " ما كان " وفي‬
‫الول المبالغة أكثر اي لم يقرب إتيانه إل قال‪ ،‬والشحناء بالفتح البغضاء‬
‫والعداوة‪ ،‬والضافة إلى المفعول أي العداوة مع الرجال‪ ،‬ويحتمل الفاعل‬
‫أيضا أي العداوة الشايعة بين الرجال‪ ،‬والول أظهر " وعداوتهم " تأكيد‬
‫أو المراد بالول فعل ما يوجب العداوة أو إظهارها قال في المصباح‪:‬‬
‫الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا من باب العداوة أو‬
‫إظهارها قال في المصباح‪ :‬الشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنا‬
‫من باب تعب حقدت وأظهرت العداوة ومن باب نفع لغة‪ - 10 .‬كا‪ :‬عن عدة‬
‫من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫الحسين الكندي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال جبرئيل عليه‬
‫السلم للنبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إياك وملحاة الرجال )‪ .(2‬بيان‪ :‬قال في‬
‫النهاية فيه‪ :‬نهيت عن ملحاة الرجال‪ ،‬أي مقاولتهم ومخاصمتهم يقال‪:‬‬
‫لحيت الرجل ألحاه إذا لمته وعذلته‪ ،‬ولحيته ملحاة ولحاء إذا نازعته‪11 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عنه‪ ،‬عن عثمان بن عيس‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سيابة‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إياكم والمشارة فانها تورث المعرة‪ ،‬وتظهر العورة )‬
‫‪ .(3‬بيان‪ :‬في النهاية فيه‪ :‬ل تشار أخاك‪ ،‬هو تفاعل من الشر اي ل تفعل‬
‫به شرا يحوجه إلى أن يفعل بك مثله‪ ،‬ويروى بالتخفيف وفي الصحاح‬
‫المشارة المخاصمة " فانها تورث المعرة " قال في القاموس‪ :‬المعرة الثم‬
‫والذى والغرم والدية والخيانة‬

‫)‪ (3 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 301‬‬

‫]‪[408‬‬

‫" وتظهر العورة " أي العيوب المستورة‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬العورة سوءة النسان‬
‫وكل ما يستحيى منه‪ ،‬وفي بعض النسخ المعورة اسم فاعل من أعور الشئ‬
‫إذا صار ذا عوار أو ذا عورة‪ ،‬وهي العيب والقبيح وكل شئ يستره‬
‫النسان أنفة أو حياء فهو عورة‪ ،‬والمراد بها هنا القبيح من الخلق‬
‫والفعال‪ ،‬وعلى النسختين المراد ظهور قبايحه وعيوبه إما من نفسه فانه‬
‫عند المشاجرة والغضب ل يملكها فيبدو منه ما كان يخفيه‪ ،‬أو من خصمه‬
‫فان الخصومة سبب لظهار الخصم قبح خصمه‪ ،‬لينتقص منه‪ ،‬ويضع قدره‬
‫بين الناس‪ - 12 .‬كا‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن عنبسة العابد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إياكم‬
‫والخصومة‪ ،‬فانها تشغل القلب وتورث النفاق‪ ،‬وتكسب الضغاين )‪.(1‬‬
‫بيان‪ " :‬فانها تشغل القلب " عن ذكر ال وبالتفكر في الشبه والشكوك‬
‫والحيل لدفع الخصم وبالغم والهم أيضا‪ ،‬والضغاين جمع الضغينة وهي‬
‫الحقد وتضاغنوا انطووا على الحقاد‪ - 13 .‬كا‪ :‬محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن مهران عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما أتاني‬
‫جبرئيل قط إل وعظني فآخر قوله لي‪ :‬إياك ومشارة الناس فانها تكشف‬
‫العورة‪ ،‬وتذهب بالعز )‪ .(2‬بيان‪ :‬روى الشيخ في مجالسه عن الرضا‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إياكم ومشارة‬
‫الناس فانها تدفن العرة‪ ،‬وتظهر الغرة‪ .‬العرة الولى بالعين المهملة‬
‫والثانية بالمعجمة‪ ،‬وكلهما مضمومتان‪ ،‬وروت العامة أيضا من طرقهم‬
‫هكذا قال في النهاية‪ :‬فيه إياكم ومشارة الناس فانها تدفن العرة وتظهر‬
‫الغرة‪ ،‬الغرة ههنا الحسن والعمل الصالح شبهه بغرة الفرس‪ ،‬وكل‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .301‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 302‬‬

‫]‪[409‬‬

‫شئ ترفع قيمته فهو غرة‪ ،‬والعرة هي القذر وعذرة الناس‪ ،‬فاستعير للمساوي‬
‫والمثالب‪ - 14 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه ومحمد بن إسماعيل‪،‬‬
‫عن الفضل بن شاذان جميعا‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن إبراهيم بن عبد‬
‫الحميد‪ ،‬عن الوليد بن صبيح قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما عهد إلي جبرئيل في شئ ما عهد‬
‫إلي في معاداة الرجال )‪ .(1‬بيان‪ :‬كلمة " ما " في الولى نافية‪ ،‬وفي‬
‫الثانية مصدرية‪ ،‬والمصدر مفعول مطلق للنوع‪ ،‬والمراد هنا المداراة مع‬
‫المنافقين من أصحابه كما فعل صلى ال عليه وآله أو مع الكفار ايضا قبل‬
‫المر بالجهاد‪ ،‬أو الغرض بيان ذلك للناس‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن عدة من‬
‫أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‪ ،‬عن بعض أصحابه رفعه قال‪ :‬قال أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬من زرع العداوة حصد ما بذر )‪ .(2‬بيان‪ " :‬حصد ما‬
‫بذر " في الصحاح بذرت البذر زرعته‪ ،‬أي العداوة مع الناس كالبذر يحصد‬
‫منه مثله‪ ،‬وهو عداوة الناس له‪.‬‬

‫)‪ (2 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.(*) 302‬‬

‫]‪[410‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل ‪ -‬والصلة والسلم على رسول‬
‫ال‪ ،‬وعلى آله أمناء ال‪ .‬وبعد‪ :‬فقد تفضل ال علينا ‪ -‬وله الفضل والمن ‪-‬‬
‫حيث اختارنا لخدمة الدين وأهله‪ ،‬وقيضنا لتصحيح هذه الموسوعة الكبرى‬
‫وهي الباحثة عن المعارف السلمية الدائرة بين المسلمين‪ :‬أعني بحار‬
‫النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار عليهم الصلوات والسلم‪ .‬وهذا‬
‫الجزء الذي نخرجه إلى القراء الكرام هو الجزء السابع من المجلد الخامس‬
‫عشر‪ ،‬وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة المصححة‬
‫المشهورة بكمباني‪ ،‬بعد تخريجها من المصادر وتعيين موضع النص من‬
‫المصدر‪ ،‬وقد سددنا ما كان في طبعة الكمباني من خلل وبياض مع جهد‬
‫شديد بقدر المكان‪ .‬نسأل ال العزيز أن يوفقنا لدامة هذه الخدمة المرضية‬
‫بفضله ومنه‪ .‬محمد الباقر البهبودي‬

‫]‪[411‬‬

‫بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء السابع من المجلد الخامس عشر‪ ،‬وكان آخر‬
‫أجزائه‪ ،‬وهو الجزء السبعون حسب تجزئتنا يحتوي على أربعة وعشرين‬
‫بابا من أبواب مساوي الخلق‪ .‬ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته‬
‫وعرضه على المصادر فخرج بعون ال ومشيئته نقيا من الغلط إل نزار‬
‫زهيدا زاغ عنه البصر‪ ،‬أو كل عنه النظر‪ ،‬ومن ال العصمة والتوفيق‪.‬‬
‫السيد ابراهيم الميانجى ‪ -‬محمد الباقر البهبودي‬
‫]‪[412‬‬

‫استدراك واعتذار وقع في هامش الصفحة ‪ 156‬من ج ‪ 77‬ذيل قول النبي صلى ال‬
‫عليه وآله )لكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت( أغلط مطبعية‬
‫قد يخل بالمعنى‪ ،‬ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير أهل‬
‫البيت المعصومين صلوات ال عليهم أجمعين‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬كيف وهو‬
‫باطل باجماع المسلمين‪ ،‬بل المراد أن المحبة التي هي أساس السلم وهي‬
‫التي يعبر عنها‪ ،‬بالتولي ل يبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلم أيضا‬
‫لقول ابراهيم عليه السلم )ومن تبعني فانه مني( وقول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله )سلمان منا أهل البيت( وهذه الشبهة انما نشأت من‬
‫تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة وهي كلمة )شمول( في السطر ‪،22‬‬
‫والصحيح )وجوبها( يعني وجوب تلك المحبة‪ .‬هذا ! وقد وقع في ذيل‬
‫الصفحة ‪ 200‬من ج ‪ 77‬أيضا السطر ‪ 20‬جملة اخرى طغى بها القلم نعتذر‬
‫بذلك إلى القراء الكرام‪ ،‬وال ولي ولقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته‬
‫وعرضه على المصادر فخرج بعون ال ومشيئته نقيا من الغلط إل نزار‬
‫زهيدا زاغ عنه البصر‪ ،‬أو كل عنه النظر‪ ،‬ومن ال العصمة والتوفيق‪.‬‬
‫السيد ابراهيم الميانجى ‪ -‬محمد الباقر البهبودي‬

‫]‪[412‬‬

‫استدراك واعتذار وقع في هامش الصفحة ‪ 156‬من ج ‪ 77‬ذيل قول النبي صلى ال‬
‫عليه وآله )لكل شئ أساس وأساس السلم حبنا أهل البيت( أغلط مطبعية‬
‫قد يخل بالمعنى‪ ،‬ويفهم منها أن المراد تعميم شمول آية التطهير لغير أهل‬
‫البيت المعصومين صلوات ال عليهم أجمعين‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬كيف وهو‬
‫باطل باجماع المسلمين‪ ،‬بل المراد أن المحبة التي هي أساس السلم وهي‬
‫التي يعبر عنها‪ ،‬بالتولي ل يبعد أن تعم غير أهل البيت عليهم السلم أيضا‬
‫لقول ابراهيم عليه السلم )ومن تبعني فانه مني( وقول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله )سلمان منا أهل البيت( وهذه الشبهة انما نشأت من‬
‫تصحيف كلمة واحدة لدى الطباعة وهي كلمة )شمول( في السطر ‪،22‬‬
‫والصحيح )وجوبها( يعني وجوب تلك المحبة‪ .‬هذا ! وقد وقع في ذيل‬
‫الصفحة ‪ 200‬من ج ‪ 77‬أيضا السطر ‪ 20‬جملة اخرى طغى بها القلم نعتذر‬
‫بذلك إلى القراء الكرام‪ ،‬وال ولي العصمة والتوفيق‪ .‬علي اكبر الغفاري‬

‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like