You are on page 1of 19

‫‪ 1‬من ‪19‬‬

‫تذكرة األحباب بفقه اسم اهلل الوهاب‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪/2‬الوه&اب في اللغ&ة والق&رآن‬ ‫‪ /1‬النفس البشرية وحبه&ا لمن يحس&ن إليه&ا‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫والس&&نة ‪/3‬الف&&ارق بين اس&&م الوه&&اب وال&&رزاق ‪/4‬أقس&&ام الهب&&ات والف&&ارق‬
‫بين هب&&ة الخ&&الق والمخل&&وق ‪/5‬المع&&اني الحقيقي&&ة الس&&م الوه&&اب ‪ /6‬اآلث&&ار‬
‫اإليمانية السم الوهاب‬
‫الفريق العلمي ‪ -‬ملتقى الخطباء‬ ‫الشيخ‬
‫‪18‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪7082‬‬ ‫رقم الخطب& & & & & & & & &&ة في‬
‫الموقع‬

‫اخلطب ة األوىل‪:‬احلم د هلل العزي ز الغف ار‪ ،‬خل ق اإلنس ان من صلص ال‬
‫كالفخار‪ ،‬وخلق اجلان من مارج من نار‪ ،‬أرسى اجلبال وأجرى األهنار‪،‬‬
‫وأن زل الغيث وأنبت األش جار‪ ،‬س خر لن ا الفل ك ومه د هلا أم واه البح ار‪،‬‬
‫وخل ق الش مس والقم ر وقلب اللي ل والنه ار‪ ،‬ص ورنا فأحس ن ص ورنا‬
‫وجعل لنا السمع واألفئدة واألبصار‪ ،‬حنمده ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬محد املتقني‬
‫األبرار‪ ،‬ونعوذ بنور وجهه الكرمي من خلق األشرار‪ ،‬ونسأله السالمة من‬
‫دار الب وار‪ ،‬ونرج وه أن ين ري لن ا الطري ق فنع رف الن افع من الض ار‪ ،‬وأن‬
‫جيعلنا بفضله من املطهرين األطهار‪.‬وأشهد أن سيدنا حممدا عبده ورسوله‬
‫املخت ار‪ ،‬إم ام املتقني واألب رار‪ ،‬املس َّلم من العي وب واملطهَّر من األوض ار‪،‬‬
‫‪ 2‬من ‪19‬‬

‫املنص ور ب الرعب على مس رية ش هر يف ك ل األمص ار‪ ،‬إذا س كت عاله‬


‫البهاء والوقار‪ ،‬وإذا تكلم خرج من فمه نور كنور الفجر وقت اإلسفار‪،‬‬
‫وإذا تبس م أش رق وجه ه كش روق الش مس يف وض ح النه ار‪ ،‬وإذا مش ى‬
‫سلمت عليه الصخور واألحجار‪ .‬أما بعد‪ :‬أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل‬
‫‪-‬ع ز وج ل‪ -‬كم ا أم ر‪ ،‬فق د وع د بالزي ادة ملن ش كر‪ ،‬والنج اة ملن اتقى‬
‫وص رب‪ ،‬والث واب اجلزي ل ملن جتاوز وغف ر‪ .‬عب اد اهلل‪ :‬م ا زالت رحلتن ا‬
‫اإلمياني ة يف الروض ة الغن اء ألمساء اهلل وص فاته مس تمرة‪ ،‬ومازلن ا جنول يف‬
‫بس اتني الق رآن والس نة نقط ف من مثار الفق ه والفهم ألمساء اهلل احلس ىن‬
‫وص فاته العال‪ ،‬وح ديثنا الي وم عن اس م من أمساء اهلل ‪-‬ع ز وج ل‪ -‬ال يت‬
‫جتع ل القلب ميتأل س عادة ورض ا وف رح وس رور‪ ،‬إذ أن ه االس م ال ذي مينح‬
‫العبد احلرية الكاملة من قيود االمتنان والتوجه لغري اهلل‪ ،‬فالنفس البشرية‬
‫مفط ورة على حب من أحس ن إليه ا‪ ،‬وتق رب إليه ا باهلدايا والعطاي ا‬
‫واهلب ات‪ ،‬ومص داق ذل ك يف احلديث النب وي‪ " :‬هتادوا حتابوا " (البخاري‬
‫يف األدب املف رد (‪ ،))594‬ه ذا االس م ه و اس م اهلل الوه اب‪ .‬اس م اهلل‬
‫الوهاب من األمساء اليت تكررت عدة مرات يف كتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪,-‬‬
‫تارة منفردة وتارة مقرتنة مع غريها من األمساء الدالة على معاين واسعة‬
‫وعظيم ة هلذا االس م احملب وب خلل ق اهلل مجيع ا‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ( :‬ر َّبَن ا اَل ُت ِز ْغ‬
‫ُقُلوَبَن ا َبْع َد ِإْذ َه َد ْيَتَنا َو َه ْب َلَن ا ِم ْن َل ُد ْنَك َر َمْحًة ِإَّن َك َأْنَت اْلَو َّه اُب ) [آل‬
‫عم ران‪ ,]8 :‬وق ال اهلل ‪-‬تع اىل‪َ( :-‬أْم ِعْن َد ُه ْم َخ َز اِئُن َر َمْحِة َر ِّب َك اْلَعِز ي ِز‬
‫‪ 3‬من ‪19‬‬
‫ِحِل ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِب‬
‫اْلَو َّه ا ) [ص‪ ,]9:‬وقال تعاىل‪َ( :‬و َأْن ُح وا اَأْلَياَم ى ْنُك ْم َو الَّص ا َني ْن‬
‫ِعَباِدُك ْم َو ِإَم اِئُك ْم ِإْن َيُك وُنوا ُفَق َر اَء ُيْغِنِه ُم الَّلُه ِم ْن َفْض ِلِه َو الَّل ُه َو اِس ٌع َعِليٌم)‬
‫[ النور‪ ،]32 :‬وغريها من اآليات‪ .‬ويف السنة حديث َأيِب ُه َر ْيَر َة ‪-‬رضي‬
‫اهلل عن ه‪َ -‬عِن الَّنِّيِب ‪َ-‬ص َّلى اُهلل َعَلْي ِه َو َس َّلَم ‪ -‬ق ال‪ِ" :‬إَّن ِعْف ِر يًت ا ِم َن اِجْلِّن‬
‫َتَف َّلَت اْلَباِر َح َة ِلَيْق َط َع َعَلَّي َص اَل يِت ‪َ ,‬ف َأْم َك َنيِن اُهلل ِم ْن ُه َفَأَخ ْذ ُت ُه َف َأَر ْد ُت َأْن‬
‫ِه‬ ‫ِج ِد‬ ‫ٍة ِم‬
‫َأْر ُبَطُه َعَلى َس اِر َي ْن َس َو اِر ي اْلَمْس َح ىَّت َتْنُظُر وا ِإَلْي ُك ُّلُك ْم ‪َ ,‬ف َذ َك ْر ُت‬
‫َدْع َو َة َأِخ ي ُس َلْيَم اَن َر ِّب (َه ْب يِل ُمْلًك ا اَل َيْنَبِغي َأِلَح ٍد ِم ْن َبْع ِد ي)‬
‫َفَر َدْد ُت ُه َخ اِس ًئا" (البخ اري(‪ .))3423‬أم ا مع ىن الوه اب يف اللغ ة‪ :‬فه و‬
‫صيغة مبالغة‪ ،‬والوهاب هو الكثري اهلبة والعطية‪ ،‬وهو الذي يهب تفض ًال‬
‫وابتداًء من غري استحقاق وال مكافأة‪ ،‬واهلبة أن جتعل ملكك لغريك بغري‬
‫ِع وٍض وال َغ َر ٍض وبغري قدرة من املوهوب على كسبها‪ ,‬وال تكون هبة‬
‫إال برك نني‪ :‬التمل ك وبال ع وض‪ ،‬وهبذا املع ىن اللغ وي ال ينبغي أن يطل ق‬
‫اس م الوه اب إال على اهلل ‪-‬ع ز وج ل‪ ،-‬فه و املس تحق احلقيقي والوحي د‬
‫هلذا املعىن الراقي للهبة والعطاء‪ ،‬أما املخلوقني إذا وهب منهم أحد أحدا‬
‫فيطلق علي ه اسم الواهب وليس الوه اب‪ .‬وهنا ق د حيدث لبس أو خلط‬
‫بني اسم اهلل الوهاب وامسه الرزاق‪ ،‬وبني اهلبة وبني الرزق‪ ،‬فيظن البعض‬
‫أن كالمها مبع ىن واح د‪ ,‬ف الرزاق ه و ال ذي ي رزق عب اده عن د ب ذهلم‬
‫األسباب‪ .‬والوهاب الذي ال يرتبط رزقه بسبب يبذل بل هبة ربانية‪ ,‬ولن‬
‫يتص ور اجلود واهلب ة حقيق ة إال من اهلل‪ ،‬فه و ال ذي يعطي ك ل حمت اج م ا‬
‫‪ 4‬من ‪19‬‬

‫حيتاج إليه‪ ،‬فيعطي بال ِع َو ض‪ ,‬ومينح بال سبب‪ ,‬يصيب بعطاياه ومواهبه‬
‫مواقعها‪ ،‬ويقسمها على ما تقتضيه حكمته‪.‬اهلبة نوع من أنواع الرزق‪،‬‬
‫إال أنه رزق خمصوص‪ ،‬ألناس خمصوصني‪ ,‬وميزهتم أهنم مهيئون ومؤهلون‬
‫لقبول اهلبات الربانية وأعدوه أنفسهم للعطايا اإلهلية‪ ،‬ومن اهلبات الربانية‬
‫هب ة الوج ود حيث أنن ا موج ودون دون أن نطلب‪ ,‬كم ا تت ابعت نعم ه‬
‫وف اض كرم ه وزاد ب ره وخ ريه‪ ,‬يغِف ُر ذنًب ا‪ ،‬وُيف ِّر ج كرًب ا‪ ،‬وْجَيرُب كس ًريا‪،‬‬
‫وُيغ ين فق ًريا‪ ،‬ويش في س قيًم ا وْخُيِص ُب عقيًم ا‪ ،‬ويعِّلم ج اهًال‪ ،‬ويه دي‬
‫ضاًال‪ ،‬ويرشد حرياًنا‪ ،‬ويغيث هلفاًنا‪ ،‬ويفك عانًيا‪ ،‬ويكسو عارًيا‪ ،‬وُيس ِّلي‬
‫صابًر ا‪ ،‬ويزيد شاكًر ا‪ ،‬ويقبل تائًبا‪ ،‬وجيزي حمسًنا‪ ،‬ويعطي حمروًم ا‪ ،‬وينصر‬
‫مظلوًم ا‪ ،‬ويقصم ظا ا‪ ،‬وُيِق ي ُل عثرًة‪ ،‬ويس ُرت عورًة‪ ،‬وي ؤِّم ن روعة‪ ،‬ويزيل‬
‫ٍق‬ ‫ًمل‬
‫لوعة‪ ,‬وكل ذلك يف غري استحقا من عباده وال ح َّق هلم عليه‪.‬وهبات‬
‫اهلل متعددة لعباده وخلقه كثرية جدا وال حصر هلا‪ ,‬ومنها األوالد كما يف‬
‫قول ه ‪-‬تع اىل‪ -‬لنبي ه إب راهيم‪َ( :‬و َو َه ْبَن ا َل ُه ِإْس َح اَق َو َيْع ُق وَب ‪[ )..‬األنع ام‪:‬‬
‫‪ ,]84‬وقوله ‪-‬تعاىل‪َ( :-‬قاَل ِإَمَّنا َأَنا َرُس وُل َر ِّبِك َأِلَه َب َل ِك ُغالم ًا َز ِكّي ًا)‬
‫ِإ‬ ‫ِل‬
‫[م رمي‪ ]19:‬وعن هبت ه ال ذكور واإلن اث‪َ( :‬يَه ُب َمْن َيَش اُء َناث ًا َو َيَه ُب‬
‫ِلَمْن َيَش اُء ال ُّذ ُك وَر ) [الش ورى‪ ,]49:‬ومن وهب ه اهلل األوالد فليس أل اهلل‬
‫أن يهبهم صالحا‪ ,‬مع إحسان الرتبية وبذل السبب يف إصالحهم‪ ,‬ويدرك‬
‫هذه احلقيقة عباد الرمحن الذين قالوا‪َ( :‬ر َّبَن ا َه ْب َلَن ا ِم ْن َأْز َو اِج َن ا َو ُذِّر َّياِتَن ا‬
‫‪ 5‬من ‪19‬‬

‫ُقَّر َة َأْع ٍنُي َو اْجَعْلَنا ِلْلُم َّتِق َني ِإَم اًم ا) [الفرقان‪ ,]74 :‬مقام أن تكون للمتقني‬
‫إماما هذه هبة ال تطلب إال باسم اهلل الوهاب بعد أن هنيأ أنفسنا قبلها‪.‬‬

‫ِل‬
‫كم ا أن الزوجة هب ة من اهلل ق ال تع اىل‪َ( :‬و َلَق ْد َأْر َس ْلَنا ُرُس اًل ِم ْن َقْب َك‬
‫َو َجَعْلَنا ُهَلْم َأْز َو اًج ا َو ُذِّر َّيًة) [الرعد ‪ ,]38 :‬إال أن الشيطان دائم ًا ينسيك‬
‫مجال اهلبة وفضلها بطريقتني‪ :‬األوىل‪ :‬يعدد عليك املصائب‪ ،‬والثانية‪ :‬أن‬
‫يلفت أنظارك إىل إجياد عيوب لتلك اهلبة‪ ,‬وكل ذلك حىت يصرف العبد‬
‫عن ش كر والثن اء لل واهب ‪-‬س بحانه‪ .-‬إال أن أعظم هب ة‪ ,‬وأك رب نعم ة‬
‫على هذه األّم ة ختصيصها مبحمد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬رسوال‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫(َلَق ْد َم َّن الَّل ُه َعَلى اْلُم ْؤ ِمِنَني ِإْذ َبَعَث ِفيِه ْم َرُس وًال ِم ْن َأْنُف ِس ِه ْم ) [آل‬
‫عمران‪ ,]164:‬وقال سبحانه يف بيان فضله ورمحته بنا وحرصه علينا‪:‬‬
‫(َعِز ي ٌز َعَلْي ِه َم ا َعِنُّتْم َح ِر يٌص َعَلْيُك ْم ِب اْلُم ْؤ ِمِنَني َرُءوٌف َر ِح يٌم) [التوب ة‪:‬‬
‫‪.]128‬مث إن من استقام على شرع اهلل فليبشر هببة اهلل املّد خرة للمؤمنني‪,‬‬
‫جن ة ع دن‪ ,‬هي ن ور يتألأل‪ ،‬ورحيان ة هتتز‪ ،‬وقص ر مش يد‪ ،‬وهنر مط رد‪،‬‬
‫وفاكهة ناضجة‪ ،‬وزوجة حسناء مجيلة‪ ،‬وحلل كثرية‪ ،‬فهل بعد هذه من‬
‫هبة وهل مقصود أعظم هناك من هذا‪ ,‬فعليك بشكر النعم والقيام حبقها‬
‫ح ىت يورث ك اهلل جن ة اخلل د‪.‬ومن خالل ه ذا املع ىن الش امل ملفه وم اهلب ة‬
‫يتض ح لن ا املع ىن احلقيقي الس م اهلل الوه اب‪ ،‬وه و املع ىن ال ذي يش رح‬
‫ص دور ق وم مؤم نني وي ريح عليهم س عادة ورض ا وس رور ميأل الص دور‬
‫‪ 6‬من ‪19‬‬

‫ويطمئن القل وب ويطل ق اللس ان بالش كر والثن اء والتحمي د للعزي ز اجملي د‪،‬‬
‫ومن ه ذه املع اين العظيم ة الس م اهلل الوه اب‪ :‬أوال‪ :‬أن الوه اب ق د‬
‫تص رفت مواهب ه يف أن واع العطاي ا‪ ،‬واجلزي ل املن واألفض ال واللط ف‪ ,‬من‬
‫ك ثرت عطاي اه ودامت‪ ،‬ال يقط ع فض له يف ك ل ح ال‪ ,‬يعطي بال وس يلة‬
‫وينعم بال س بب وال حيلة‪ ,‬واخللق إمنا ميلك ون أن يهب وا ماًال أو نواًال يف‬
‫حال دون حال‪ ،‬وال ميلكون أن يهبوا شفاًء لسقيم‪ ،‬وال ولدًا لعقيم‪ ،‬وال‬
‫ه دًى لض ال‪ ،‬وال عافي ة ملريض‪ ،‬وال رزق ًا ملخلوق‪ ،‬وال أمن ًا خلائف‪ ،‬وال‬
‫ميلك ه إال املل ك الوَّه اب‪َ( :‬و ِإْن ِم ْن َش ٍء ِإاَّل ِعْن َدَنا َخَز اِئُن ُه َو َم ا ُنَنِّزُل ُه ِإاَّل‬
‫ْي‬
‫ِبَق َد ٍر َم ْع ُل وٍم ) [احلج ر‪ .]21 :‬ثاني ا‪ :‬إن اهلل ك رمي وه اب اختص من ش اء‬
‫من عباده بالنبوة والرسالة‪ ,‬فقال عن إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪َ( :-‬و َو َه ْبَن ا َل ُه‬
‫ِإْس َح اَق َو َيْع ُق وَب َو َجَعْلَن ا يِف ُذِّر َّيِتِه الُّنُبَّوَة َو اْلِكَت اَب ) [العنكبوت‪,]27 :‬‬
‫ووهب امللك والسلطان من شاء من عباده كما قال سبحانه‪َ( :‬و الَّلُه ُيْؤ يِت‬
‫ُمْلَك ُه َمْن َيَش اُء َو الَّل ُه َو اِس ٌع َعِليٌم) [البقرة‪ ,]247 :‬فهذا سليمان ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬سأل ربه أن يهبه ملك ًا فاستجاب له‪ ،‬ووهب له ملك ًا عظيم ًا‪:‬‬
‫ٍد ِم ِد‬ ‫ِغ‬ ‫ِف‬
‫(َق اَل َر ِّب اْغ ْر يِل َو َه ْب يِل ُمْلًك ا اَل َيْنَب ي َأِلَح ْن َبْع ي ِإَّن َك َأْنَت‬
‫اْلَو َّه اُب ) [ص‪ ,]35 :‬وملا ك ان الطلب عظيم ا اخت ار الفع ل هْب وبني‬
‫ذلك بقوله‪ِ( :‬إَّنَك َأْنَت الَو َّه اُب ) ألن امللك من أعظم العطايا اإلهلية وهلذا‬
‫قال اهلل‪َ( :‬و اُهلل ُيْؤ يِت ُمْلَك ُه َمْن َيَش اُء) [البقرة‪.]247 :‬ثالثا ‪ :‬أن الوهاب‬
‫يهب من النعم اخلفية ما ال خيطر على بال بشر‪ ،‬فكم وهب اهلل لإلنسان‬
‫‪ 7‬من ‪19‬‬

‫من نعم‪ ,‬ولكنه ال يدرك أمهيتها إال إذا حرم منها فال يشعر بأمهية العافية‬
‫إال إذا سلبها وذاق املرض‪ ،‬وعندها يكون شعوره باألمل يعد هبة من اهلل‬
‫حيث حتِدد مك ان األمل وتتح دث عن ه‪ ،‬والتوفي ق وس داد ال رأي وب ذل‬
‫األس باب من نعم اهلل اخلفي ة ال يت ال ي دركها إال من ح رم منه ا‪ ،‬ج اء من‬
‫حديث َأىِب َذٍّر ‪-‬رضي اهلل عنه‪َ -‬عِن الَّنِبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ِ -‬فيَم ا‬
‫ِإ‬ ‫ِع ِد‬ ‫ِه‬
‫َرَو ى َعِن الَّل ‪َ-‬تَب اَر َك َو َتَع اىَل ‪َ -‬أَّنُه َق اَل ‪َ" :‬يا َب ا ي ُك ُّلُك ْم َض اٌّل َّال َمْن‬
‫َه َد ْيُت ُه َفاْس َتْه ُد وِني َأْه ِدُك ْم " (مسلم(‪))6737‬رابعا‪ :‬أن الوهاب قد علم‬
‫خلق ه وقت األزمات كيف يتوجهون إلي ه بطلب اهلبات واملنح‪ ،‬فاملؤمن‬
‫حني تلم ب ه مص يبة أو تنزل به حاجة‪ ,‬يق دم ش كواه وينزل حاجته برب ه‬
‫الوَّه اب‪ ،‬كما قال زكريا ‪-‬عليه السالم‪َ( :-‬و َزَك ِر َّيا ِإْذ َناَدى َر َّبُه َر ِّب اَل‬
‫َت َذ ْر يِن َفْر ًدا َو َأْنَت َخ ْيُر اْل َو اِر ِثَني * َفاْس َتَج ْبَنا َل ُه َو َو َه ْبَن ا َل ُه ْحَيىَي َو َأْص َلْح َنا‬
‫َلُه َز ْو َج ُه ِإَّنُه ْم َك اُنوا ُيَس اِر ُعوَن يِف اَخْلْيَر اِت َو َيْد ُعوَنَنا َر َغًب ا َو َر َه ًب ا َو َك اُنوا‬
‫َلَن ا َخ اِش ِعَني ) [األنبي اء‪ ،]90-89 :‬كم ا عَّلم الوه اب عب اده كي ف‬
‫يس ألونه اإلنع ام واإلحس ان ال ذي ليس على وج ه يك ون في ه مك ر وال‬
‫اس تدراج‪ ,‬وال يلح ق ص احبه عق اب وال عت اب‪ ،‬فأعط اهم م ا ينفعهم‪،‬‬
‫ويص لح أح واهلم‪ ،‬ومنعهم م ا يض رهم‪ ,‬خبالف الكف ار ملا س ألوه أعط اهم‬
‫اس تدراجًا‪ ،‬ومكنهم مما في ه ض ررهم وش قاؤهم‪ ,‬كم ا يف قول ه‪َ( :‬فاَل‬
‫ُتْع ِج ْب َك َأْم َو اُهُلْم َو اَل َأْو اَل ُدُه ْم ِإَمَّنا ُيِر ي ُد الَّل ُه ِلُيَع ِّذ َبُه ْم َهِبا يِف اَحْلَي اِة ال ُّد ْنَيا‬
‫َو َتْز َه َق َأْنُف ُس ُه ْم َو ُه ْم َك اِفُر وَن ) [التوب ة‪.]55 :‬خامس ا‪ :‬أن الوه اب‬
‫‪ 8‬من ‪19‬‬

‫ص احب العطاي ا واهلب ات يتص رف فيه ا كي ف يش اء‪ ،‬يس لبها م ىت ش اء‬


‫ويبقيها مىت يريد ملن يشاء‪ ,‬وهي إما إ كرام ًا‪ ،‬أو ابتالء‪ ,‬أو عقوبة‪ ،‬وقال‬
‫اهلل ‪-‬تع اىل‪َ( :-‬و َنْبُل وُك ْم ِبالَّش ِّر َو اَخْلِرْي ِفْتَن ًة َو ِإَلْيَن ا ُتْر َجُع وَن ) [األنبي اء‪:‬‬
‫ِت‬ ‫ِت‬ ‫ِب‬
‫‪ ,]35‬وق ال اهلل ‪-‬تع اىل‪َ( :-‬و َبَلْو َن اُه ْم اَحْلَس َنا َو الَّس ِّيَئا َلَعَّلُه ْم‬
‫َيْر ِج ُعوَن ) [األعراف‪ ,]168 :‬وقال اهلل ‪-‬تعاىل‪َ( :-‬فَلَّم ا َنُس وا َم ا ُذِّك ُر وا‬
‫ِبِه َفَتْح َن ا َعَلْيِه ْم َأْبَو اَب ُك ِّل َش ْي ٍء َح ىَّت ِإَذا َفِر ُح وا َمِبا ُأوُتوا َأَخ ْذ َناُه ْم َبْغَت ًة‬
‫َفِإَذا ُه ْم ُمْبِلُس وَن ) [األنعام‪.]44 :‬سادسا‪ :‬أن الوهاب واسع العطاء عظيم‬
‫اهلبات‪ ،‬يرتع فيه الرب والفاجر‪ ،‬ويشمل املطيع والعاصي‪ ،‬ال خيلو أحد من‬
‫عب اده من كرم ه طرف ة عني‪ ،‬ب ل ال وج ود هلم وال بق اء إال جبوده‪ ,‬ذو‬
‫الب ذل الش امل‪ ،‬والعط اء ال دائم‪ ,‬هبات ه تت واىل على عب اده يف دني اهم‬
‫وت رافقهم يف أخ راهم دون انقط اع وال نف اد‪ ،‬ب ل يف مناء على م ر ال دهور‬
‫واآلباد‪ِ( :‬إَّن َه َذ ا َلِر ْز ُقَنا َم ا َلُه ِم ْن َنَف اٍد) [ص‪.]54 :‬‬

‫ومن هن ا يتض ح لن ا أن مثة ف ارق كب ري بني هب ة اخلالق وهب ة املخل وقني‪،‬‬


‫وذلك من عدة وجوه منها‪ :‬أوًال‪ :‬أن اهلل يهب بغري عوض وال سؤال وال‬
‫سبب‪ ,‬فكل من يهب من اخللق لغريه شيًئا فإمنا ‪-‬يف العادة‪ -‬يهبه حلاجة‬
‫يف نفس ه‪ ،‬أو مت اع مس تقبلٍي يرج وه‪ ،‬ول و ُقّد ر ع دم حتق ق تل ك األم اين‬
‫واملطالب مقابل اهلبات مل ُيتصور حدوث تلك اهلبات‪ ,‬لكن شرحية من‬
‫عباد اهلل مل تعلق نفسها بأطماع الدنيا وزخرفها الزائل‪ ,‬وهذا ما بينه ربنا‬
‫‪ 9‬من ‪19‬‬

‫‪-‬س بحانه‪ -‬بقول ه‪ِ ( :‬إَمَّنا ُنْطِعُم ُك ْم ِلَو ْج ِه الَّل ِه َال ُنِر ي ُد ِم ْنُك ْم َج َز اًء َو َال‬
‫ُش ُك وًر ا )[ اإلنسان‪ ,] 9 :‬ال جزاء ماليا وال ثناء قوليا لشدة إخالصهم‪،‬‬
‫ولطه ارة نفوس هم‪ ,‬ونظ رهتم الطموح ة املس تقبلية وهي اجلزاء‬
‫األخروي‪.‬ثانيًا‪ :‬أن اهلل موجد العطايا واهلبات‪ :‬فكل خملوق يهب هبة ما‪,‬‬
‫فه و حيت اج ملخل وق آخ ر يهب ه هب ة ال ميلكه ا أو حيتاجه ا‪ ,‬وال واهب من‬
‫الن اس يهب مما وهب ه اهلل‪ ,‬بينم ا اهلل ال واهب يهب من ملك ه وص نعه ‪-‬‬
‫سبحانه‪.-‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أن الوه اب على احلقيقة هو الَّل ه ‪-‬سبحانه‪ -‬سواء بسبب أو بغري‬
‫س بب‪ ,‬والعب اد واه بني على اجملاز فال ميلك ون عط اء إال ملن أراد الَّل ه‬
‫وأع اهنم علي ه‪ ,‬إال أن اهلل جع ل ل ذلك أس باًبا‪ ،‬فق د ج اء من ح ديث ابن‬
‫عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬علمه فقال‬
‫له‪ " :‬ا َل َأَّن اُأْلَّم َة َل ِو ا وا َلى َأْن َف وَك ‪َ ،‬ف وَك ِإال ِب ٍء‬
‫َش ْي‬ ‫َيْن ُع ْمَل َيْن ُع‬ ‫ْج َتَم ُع َع‬ ‫َو ْع ْم‬
‫َقْد َك َتَب ُه اُهلل َل َك " (أمحد(‪ ,))2669‬والبش ر ليس وا بنفعهم وعط ائهم إال‬
‫أسبابا ورسل للرزق‪ .‬رابعًا‪ :‬أن هباته عز وجل عظيمة وعطاياه جسيمة‪,‬‬
‫والن اس وإن وهب وا فهب اهتم قاص رة ض عيفة‪ ،‬إذ ال يس تطيع عب د أن يهب‬
‫هداي ة لض اٍّل أو مينح ش فاًء لس قيم‪ ،‬أو ول ًد ا لعقيم‪ ,‬أو حي اة مليٍت ؟ فال‬
‫يق در على ذل ك وغ ريه إال الَّل ه وح ده‪ .‬ق ال تع اىل‪َ( :‬و ِإْن ِم ْن َش ٍء ِإاَّل‬
‫ْي‬
‫ِعْنَدَنا َخَز اِئُنُه َو َم ا ُنَنِّزُلُه ِإاَّل ِبَق َد ٍر َم ْع ُل وٍم ) [احلجر‪.]21 :‬خامس ًا‪ :‬اهلبة من‬
‫‪ 10‬من ‪19‬‬

‫اهلل بالغة يف احلكمة‪ ,‬والناس يف هباهتم قد يعطوها من ال يستحقها أو من‬


‫ت رتتب على هبت ه مفس دة أو أهنم مينعوه ا من يس تحقها أو أخروه ا عن‬
‫وقته ا‪ ,‬أَّم ا الَّل ه ‪-‬ع َّز وج َّل‪ -‬فه و حكيم يف هبت ه ومن يس تحقها ووقت‬
‫اس تحقاقها‪ ,‬ول ذلك فإن ه ال حيس ن التص رف فيه ا إال اهلل وح ده ول ذلك‬
‫قال تعاىل‪َ( :‬لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء َو ُه َو الَّس ِم يُع اْلَبِص ُري)‪.‬سادس ًا‪ :‬مشولية هباته‬
‫اليت ال تقتصر على بلد دون بلد وال زمان دون زمان وال قوم دون قوم‬
‫ب ل ش املة جلمي ع خلق ه‪ ,‬أم ا اإلنس ان فق د خيتص هببت ه قريب ا أو حمبوب ا أو‬
‫مجاع ة أو زمن ا أو مكان ا دون آخ ر‪ ,‬والَّل ه ‪-‬ع ز وجل‪ -‬مينح خلقه مجيًع ا‬
‫الرب منهم والفاجر‪ ،‬املؤمن والكافر‪ ،‬فما من أحد إال وهو يتقلب يف نعمه‬
‫وينعم هبباته‪ .‬قال تعاىل‪َ( :‬قاَل َر ُّبَنا اَّلِذي َأْع َطى ُك َّل َش ْي ٍء َخ ْلَق ُه َّمُث َه َد ى)‬
‫[طه‪ ,]50 :‬فالعامل كله يعيش يف ظل كنف اهلل وحتت رعايته‪ .‬فسبحان‬
‫الوهاب الذي بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬وخزائنه مملوءة بكل شيء‪ ،‬يهب‬
‫ما يشاء‪ ،‬ملن يشاء‪ ،‬يف أي وقت شاء‪ ،‬من ملك وسلطان ونبوة‪ ،‬املتفضل‬
‫بالعطاي ا والنعم‪ ،‬ال ذي جيود بالعط اء‪ ،‬وال ينقص م ا يف خزائن ه ألن ل ه‬
‫خ زائن الس موات واألرض‪َ( :‬و ِلَّل ِه َخ َز اِئُن الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو َلِكَّن‬
‫اْلُم َن اِفِق َني اَل َيْف َق ُه وَن ) [املن افقون‪ ,]7 :‬خزائن ه ال تنف د ينف ق منه ا كي ف‬
‫يش اء‪ ،‬ال حج ر علي ه‪ ،‬وال م انع مينع ه مما أراد‪ ،‬وه و ال ذي بس ط فض له‬
‫وإحسانه الديين والدنيوي على مجيع العباد‪ .‬فهو الوهاب صاحب العطاء‬
‫ِه‬ ‫ِت‬
‫السخي واليد املبسوطة‪ ,‬قال تعاىل‪َ( :‬و َقاَل اْلَيُه وُد َيُد الَّل َم ْغُلوَلٌة ُغَّلْت‬
‫‪ 11‬من ‪19‬‬

‫َأْي ِديِه ْم َو ُلِعُن وا َمِبا َق اُلوا َب ْل َي َد اُه َم ْبُس وَطَتاِن ُيْنِف ُق َك ْي َف َيَش اُء) [املائدة‪:‬‬
‫‪ ,]64‬وَعْن َأيِب ُه َر ْيَر َة ‪-‬رضي اهلل عنه‪َ -‬أَّن َرُس وَل الَّل ِه ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪َ" :‬يُد اهلل َم ألى ال َتِغيُضَه ا َنَفَقٌة‪َ ،‬س َّح اُء الَّلْيَل َو الَّنَه اَر ‪َ ,‬و َق اَل ‪:‬‬
‫أَر أْيُتْم َم ا أْنَف َق ُمْن ُذ َخ َل َق الَّس َم اَء َو األْر َض َفِإَّن ُه ْمَل َيِغْض َم ا يِف َي ِدِه"‬
‫(البخاري (‪ )4684‬مسلم (‪.))993‬اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا‬
‫قرة أعني واجعلنا للمتقني إماما‪ ،‬أقول قويل هذا وأستغفر اهلل يل ولكم‪.‬‬
‫‪ 12‬من ‪19‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬وصالة وسالما على من ال نيب بعده‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪،‬‬
‫وعلى من وااله‪ ،‬صالة وسالما دائمني متالزمني بدوام الليل والنهار حىت‬
‫يرث اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬األرض ومن عليها‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬عباد اهلل‪ :‬فإن اسم اهلل الوهاب من أمساء اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬اليت‬
‫جتعل العبد يقبل على ربه وحيبه ويعظمه‪ ،‬فلو فقه العبد املؤمن معاين اسم‬
‫اهلل الوه اب‪ ،‬وم ا في ه من منح وعطاي ا وهب ات‪ ،‬وكي ف أن الك ون كل ه‬
‫بك ل م ا في ه من نعم ظ اهرة وباطن ة حمض من ة وهب ة من املوىل ‪-‬ج ل‬
‫وعال‪ ،-‬وأنه ‪-‬سبحانه‪ -‬قد أفاض على خلقه بأنواع العطايا واهلبات ال يت‬
‫جتع ل حي اهتم هنيئ ة وأم ورهم يس رية‪ ،‬ل و فق ه العب د ك ل ه ذه املع اين ف إن‬
‫حياته ستتغري بالكلية‪ .‬فاسم الوهاب قد أشرق نوره على اخللق مجيعهم‬
‫م ؤمنهم وك افرهم‪ ،‬ب رهم وف اجرهم‪ ،‬فلم يب ق واح د من خلق ه إال مفتق ر‬
‫لعطايا ومنح الوهاب‪ ،‬مل يبق واحد منهم إال وهو مغمور بفضائل وآالء‬
‫الوهاب الكرمي‪.‬‬

‫وإن ه ذا الفق ه الس م اهلل الوه اب ينعكس بآث ار إمياني ة عالي ة يف حي اة‬
‫املس لمني‪ ،‬وجيعله ا أك ثر حري ة‪ ،‬ومن ه ذه اآلث ار العظيم ة للعلم والفق ه‬
‫الس م اهلل الوه اب‪ :‬أوًال‪ :‬اإلميان ب أن الوه اب حقيق ة ه و اهلل الغ ين‪ ,‬ومن‬
‫‪ 13‬من ‪19‬‬

‫يهب من اخلل ق ش يًئا إمنا يهب من هب ات الَّل ه ل ه‪ ،‬فال ب د أن يهب ه الَّل ه‬


‫لَيَه ب‪ ،‬وأن ُيعطَيه الَّل ه لُيعطي‪ ،‬وأن َيْر ُز قه الَّل ه لَيْر ُز ق‪ ،‬أما الَّل ه فإنه ُيِطِعم‬
‫ِب ِم ِن ٍة ِم‬
‫وال ُيطعم وهو جيري وال جُي ار عليه‪ ,‬وقال تعاىل‪َ( :‬و َم ا ُك ْم ْن ْع َم َف َن‬
‫الَّلِه ) [النحل‪ ،] 53 :‬فال يكون ألحد من اخللق علي غريه منة أو فضل‬
‫حبيث يستطيل عليه أو يعريه أو مين عليه‪ ،‬ألن الواهب احلقيقي هو اهلل ‪-‬‬
‫ع ز وج ل‪ .-‬ثانًي ا‪ :‬إخالص ال دعاء بامسه الوه اب‪ ،‬فمن نظ ر إىل واس ع‬
‫كرم ه وجلي ل نعم ه طم ع يف رمحت ه‪ ،‬وعلم أن اهلل خزائن ه مألى ال تنف د‬
‫وفضله سابغ ال ينقطع‪ ,‬وشامل ال ينتهي‪ ,‬فإذا أدركت هذا عن اهلل فسأل‬
‫اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬بامسه الوه اب بك ل م ا مير على خ اطرك من خ ريي ال دنيا‬
‫واآلخ رة مما ق ل أو ك ثر‪ ,‬فس ؤال الوه اب يف ح د ذات ه عب ادة وطلب‬
‫حاجت ك من اهلل عب ادة أخ رى‪ ,‬ومن دع اء املؤم نني م ا قال ه تع اىل‪َ( :‬ر َّبَن ا‬
‫َه ْب َلَن ا ِم ْن َأْز َو اِج َن ا َو ُذِّر َّياِتَن ا ُقَّر َة َأْع ٍنُي َو اْجَعْلَن ا ِلْلُم َّتِق َني ِإَم ام ًا) [الفرقان‪:‬‬
‫‪.] 74‬بعض العب اد نس بوا تل ك النعم واملواهب ألنفس هم أو غ ريهم‪,‬‬
‫فص احب الص ورة معجب بص ورته وليس ل ه فيه ا أدىن فض ل وتغاف ل أن‬
‫الذي وهبه هو اهلل‪ ,‬وصاحب الصوت احلسن يفخر بصوته رغم أنه ليس‬
‫فيه حول وال قوة‪ ,‬فالذي منحه ذلك هو اهلل ‪-‬سبحانه‪ ,-‬فلماذا يفخر‬
‫العبد على غريه فيما خصه اهلل به وال ميلك وجود تلك النعمة وال دوامها‬
‫وال حفظه ا واحلقيق ة أهنم ال ميلك ون ش يئا إمنا وهبهم اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬تل ك‬
‫املواهب ابتالءً كمن رزق بولد أو جاه أو علم أو غريه‪ ,‬وهذه اآلية تدلل‬
‫‪ 14‬من ‪19‬‬

‫م ا أق ول‪ ,‬ق ال س بحانه‪َ( :‬ر ِّب َه ْب يِل ُح ْك ًم ا َو َأِحْلْق يِن ِبالَّص اِحِلَني )‬
‫[ الشعراء‪ ,] 83 :‬فنيب الَّل ه إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬يسأل اهلل عز وجل‬
‫احلكم والصالح ألنه يعلم أنه املانح وأنه الواهب املعطي‪ .‬ثالًث ا‪ :‬العلم بأن‬
‫اهلب ة ليس ت جمرد عط اء‪ ،‬ف إن العط اء ال يك ون هب ة ح ىت يك ون مقروًن ا‬
‫بطاعة وخري وبركة يف الدنيا واآلخرة‪ ,‬قال القاضي أبو بكر العريب‪" :‬وال‬
‫تكون اهلبة منه ‪-‬سبحانه‪ -‬والعطاء إال أن يتعلق بنوع ما يكون به منعًم ا‬
‫حمسًنا وذلك مبا ال َأمَل فيه وال ضرر فإذا كان ما خيلق ضرًر ا وأ ا مل تكن‬
‫ًمل‬ ‫ِم‬
‫هب ة‪ .‬وه ذا مع ىن قول ه ‪-‬تع اىل‪َ ( :-‬و َه ْب َلَن ا ْن َل ُد ْنَك َر َمْحًة ِإ َك ْنَت‬
‫َأ‬ ‫َّن‬
‫اْلَو َّه اُب ) [ آل عم ران‪."] 8 :‬رابًع ا‪ :‬الش كر هلل على عطاي اه وهبات ه‪،‬‬
‫فالشكر هو قيد تلك النعم واهلبات‪ ,‬ومن رأى هبات الَّل ه ال يسعه إال أن‬
‫يلهج تسبيحًا حبمده وثناء بفضله‪ ,‬وشكرًا إلحسانه ‪-‬تعاىل‪ ،-‬قال خليل‬
‫الرمحن ‪-‬عليه السالم‪ -‬حني وهبه الَّل ه ولديه إمساعيل وإسحاق‪( :‬اَحْلْم ُد‬
‫ِلَّل ِه اَّل ِذي َو َه َب يِل َعَلى اْلِكِرَب ِإَمْساِعيَل َو ِإْس َح اَق ِإَّن َر يِّب َلَس ِم يُع الُّد َعاِء )‬
‫[إب راهيم‪.]39 :‬خامًس ا‪ :‬من أث ار اإلميان بامسه الوه اب أن يتعلم العب د‬
‫الزه د‪ ,‬فهب ات ال دنيا وإن كثرت لص احبها ال ت دوم وال تبقى لص احبها‪,‬‬
‫ب ل ت زول وتنتهي وال ب د‪ ,‬والقص د أال تنش غل ب اخللق عن اخلالق‪ ،‬وال‬
‫ب الرزق عن ال رازق‪ ،‬وال ينش غل باهلب ة عن واهبه ا تب ارك وتع اىل‪ ،‬ف رتكن‬
‫ِه‬ ‫ِذ‬
‫إىل الفاين عن الباقي قال تعاىل‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُن وا اَل ُتْل ُك ْم َأْم َو اُلُك ْم‬
‫َو اَل َأْو اَل ُدُك ْم َعْن ِذْك ِر الَّل ِه َو َمْن َيْف َع ْل َذِل َك َفُأوَلِئ َك ُه ُم اَخْلاِس ُر وَن )‬
‫‪ 15‬من ‪19‬‬

‫[املنافقون‪ ,]9:‬وقال تعاىل‪ُ( :‬ك ُّل َمْن َعَلْيَه ا َفاٍن * َو َيْبَق ى َو ْج ُه َر ِّبَك ُذو‬
‫اَجْلَالِل َو اِإل ْك َر اِم ) [ ال رمحن‪.]26،27:‬سادًس ا‪ :‬ل زوم الرض ا يف العط اء‬
‫واملنع وبالقليل والكثري‪ ,‬فإن ُأِعطَي أيقن أن الَّل ه ‪-‬تعاىل‪ -‬أعطاه برمحته‪،‬‬
‫وإن ُمِن ع أيقن أّن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬منع ه حبكمت ه‪ ،‬وال يك ون كعب د ال دينار‬
‫وال درهم‪ ،‬فإن ه ال يرض ى إال لل دنيا وال يس خط إال هلا‪ ،‬ويف ح ديث َأيِب‬
‫ِع‬ ‫ِن‬
‫ُه َر ْيَر َة ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪َ -‬ع الَّنِّيِب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪َ -‬ق اَل ‪َ" :‬ت َس‬
‫ِط ِض‬ ‫ِط ِة ِم ِة‬
‫َعْبُد الِّديَناِر َو الِّد ْر َه ِم َو اْلَق يَف َو اَخْل يَص ‪ِ ,‬إْن ُأْع َي َر َي َو ِإْن ْمَل ُيْع َط ْمَل‬
‫َيْر َض " (البخاري(‪ ,))2886‬وعن هذا الصنف تكلم القرآن قال تعاىل‪:‬‬
‫(َو ِم ْنُه ْم َمْن َيْلِم ُز َك يِف الَّص َد َقاِت َف ِإْن ُأْع ُط وا ِم ْنَه ا َر ُض وا َو ِإْن ْمَل ُيْع َط ْو ا‬
‫ِم ْنَه ا ِإَذا ُه ْم َيْس َخ ُطوَن ) [التوبة‪.]58 :‬سابًعا‪ :‬الصرب عند املصيبة بفوات‬
‫نعم ة أو فق دان هب ة‪ ,‬فق د يك ون املن ع ه و عني العط اء‪ ،‬وإن ح رمت من‬
‫اهلب ات أو س لبتها بع د أن أعطيته ا فال ب د وأن هن اك حكم ة ال تعلمه ا‪،‬‬
‫فاصرب حلكم ربك‪ ،‬وسلم األمر للمالك‪ ,‬فإن الَّل ه حيب الصابرين‪ ,‬وجيزي‬
‫الصابر على مصيبته‪ ،‬وحمتسب األجر يف الدنيا يعوضه اهلل خبٍري مما فقده يف‬
‫اآلخ رة‪ ،‬ق ال ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪َ -‬يُق وُل ‪ِ :‬إَّن اَهلل َق اَل ‪ِ" :‬إَذا اْبَتَلْيُت‬
‫َعْب ِدي َحِبِبيَبَتْي ِه َفَص َبَر (َّمُث َص َبَر ) َعَّو ْض ُتُه ِم ْنُه َم ا اَجْلَّن َة" (البخ اري(‬
‫‪ّ .))5653‬مث إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه و ص احب النعم ة‪ ،‬وص احب احلق ال‬
‫ُيسأل عما يفعل يف ملكه‪ ،‬فعن ُأَس اَم ة ْبُن َز ْي ٍد ‪-‬رضي اهلل عنهَم ا‪َ -‬ق اَل‬
‫ِه‬ ‫ِت‬
‫َأْر َس َل اْبَنُة (ِبْنُت ) الَّنِّيِب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ِ -‬إَلْي ‪ِ" :‬إَّن اْبًن ا يِل ُقِبَض‬
‫‪ 16‬من ‪19‬‬

‫َفْأِتَنا" َفَأْر َس َل ُيْق ِر ُئ الَّس اَل َم َو َيُقوُل ‪َّ ِ" :‬ن ِللِه َم ا َأَخ َذ َو َلُه َم ا َأْع َطى‪َ ,‬و ُك ٌّل‬
‫ِعْنَد ُه ِبَأَج ٍل ُمَس ًّم ى‪َ ,‬فْلَتْص ْرِب َو ْلَتْح َتِس ْب " (البخاري(‪.))1284‬وأعظم ما‬
‫ُيس لي العب َد أن ُيرج ع األم ر لص احبه ومالك ه فه و املال ك املنعم‪ ،‬يعطي‬
‫ومين ع ويقبض ويبس ط ال معقب حلكم ه وال راد لقض ائه‪ ,‬عن أيب ذٍر ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه‪ -‬أن النَّيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال له‪َ" :‬أَر َأْيَت َل ْو َك اَن‬
‫َل َك َو َل ٌد َف َأْد َر َك َو َرَج ْو َت َخ ْيَر ُه َفَم اَت ‪َ ،‬أُك ْنَت ْحَتَتِس ُب ِب ِه؟ ُقْلُت ‪َ :‬نَعْم ‪.‬‬
‫َقاَل ‪َ :‬فَأْنَت َخ َلْق َتُه ؟ َقاَل ‪َ :‬بِل الَّلُه َخ َلَق ُه‪َ .‬قاَل ‪َ :‬فَأْنَت َه َد ْيَتُه ؟ َقاَل ‪َ :‬بِل الَّلُه‬
‫ِل‬
‫َه َد اُه‪َ .‬قاَل ‪َ :‬فَأْنَت َتْر ُز ُقُه ؟ َقاَل ‪َ :‬بِل الَّل ُه َك اَن َيْر ُز ُقُه‪َ .‬قاَل ‪َ :‬ك َذ َك َفَض ْعُه‬
‫يِف َح َالِلِه َو َج ِّنْبُه َح َر اَم ُه‪َ ،‬فِإْن َش اَء الَّل ُه َأْحَي اُه‪َ ،‬و ِإْن َش اَء َأَم اَتُه‪َ ،‬و َلَك َأْج ٌر "‬
‫(السلسلة الصحيحة(‪.))757‬عباد اهلل‪ :‬من عرف اهلل بامسه الوهاب جيب‬
‫أن ميتلئ قلبه باألمل والرضا والتفاؤل واإلحساس باألمان‪ .‬ويكون لسانه‬
‫دائم الشكر هلل الوهاب ‪-‬عز وجل‪ ,-‬إذا أعطى ال يرى إال اهلل وال ينظر‬
‫عوض ا عم ا أعطى‪ ،‬وهك ذا جيم ع بني الش كر والك رم‪ ،‬وكالمها قنط رة‬
‫دخول اجلنة‪.‬‬

‫اللهم ٍانا عبيُد ك بنوعبيدك بنو ٍامائك نواِص ينا بيدك ماٍض فينا ُح كمك‪,‬‬
‫عدٌل فينا قضاؤك نسألك بكِل اسم هو لك ّمسيَت به نفَس ك أو أنزلت ُه‬
‫يف كتاب ك أو عّلمت ه أح دًا من خلق ك أو اس تأثرت ب ه يف علم الغيِب‬
‫‪ 17‬من ‪19‬‬

‫عندك أن جتعل القرآن ربيَع قلوبنا ونوَر صدورنا وَج الء ُح زننا وذهاب‬
‫ِمهنا وغِم نا‪.‬‬

‫اللهم ما أصبح أو أمسى بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك‬


‫ال شريك لك فلك احلمد ولك الشكر‪ .‬اللهم أعنا على ذكرك وشكرك‬
‫وحسن عبادتك‪.‬‬

‫اللهم اجعلن ا ه ادين مهت دين غ ري ض الني وال ُمض لني س لما ألوليائك‬
‫وع دوا ألع دائك حنب حبب ك َم ن أحب ك ونع ادي بع داوتك من خالف ك‪.‬‬
‫اللهم اعطنا ٍاميانا ويقينا ليس بعده كفر ورمحة ننال هبا شرف كرامتك‬
‫يف ال دنيا واآلخ رة‪ .‬اللهم ٍان ا نس ألك الف وز يف العط اء والقض اء ‪ ،‬ون زل‬
‫الشهداء وعيش الُس عداء والنصر على األعداء‪.‬‬

‫اللهم ذا احلبل الشديد واألمر الرشيد نسألك األمن يوم الوعيد واجلنة‬
‫ي وم اخلل ود م ع املق ّر بني الش هود الرّك ع الس جود املوفني ب العهود ٍان ك‬
‫رحيٌم ودود وأنت تفعل ما تريد‪ .‬اللهم ٍانا نسألك من خري ما سألك منه‬
‫حمم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ونع وذ ب ك من ش ر م ا اس تعاذ من ه نبي ك‬
‫حمم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬وأنت املس تعان وعلي ك البالغ وال ح ول‬
‫وال قوة ٍاال باهلل‪ .‬اللهم إنا نسألك من اخلري كله عاجله وآجله ما عِلمنا‬
‫‪ 18‬من ‪19‬‬

‫منه وما مل نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وم ا‬
‫مل نعلم ونسألك اجلنة وما يقرب ٍاليها من قوٍل وعم ٍل ونعوذ بك من‬
‫الن ار وم ا يق رب ٍاليه ا من ق وٍل وعم ل‪ .‬اللهم اجع ل يف قلوبن ا ن ورا ويف‬
‫أبص اِر نا ن ورا ويف أمساِعنا ن ورا وعن أميانن ا ن ورا وعن يس ارنا ن ورا‬
‫وفوقنا نورا ومن حتتنا نورا وأمامنا نورا وخلفنا نورا واجعل لنا نورا‪.‬‬
‫ي ا حي ي ا قي وم برمحت ك أس تغيث أص لح يل ش أين كل ه وال تكل ين اىل‬
‫نفسي طرفة عني‪.‬‬

‫اللهم أع ز االس الم واملس لمني ودّم ر أع داء ال دين واخ ذل َم ن خ ذل‬
‫ال دين‪ ,‬اللهم ف ك قي د أس رانا وأس رى املس لمني برمحت ك ي ا أرحم‬
‫الرامحني‪.‬‬

‫بطاقة تعريفية‬
‫زياد الريسي‬ ‫حبثها‬
‫شريف عبد العزيز‬ ‫أعدها‬

‫زياد الريسي ‪ -‬علي القرعاين‬ ‫راجعها‬

‫فقه موسوعة القلوب للتوجريي‬ ‫املرجع‬


‫‪ 19‬من ‪19‬‬

You might also like