You are on page 1of 29

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫القممم يا أهل الهمم‬

‫بقلم‬
‫حسين بن سعيد الحسنية‬
‫‪1429‬هم‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله رب العالمين ‪ ,‬ولي الصالحين ‪ ,‬ول عدوان‬


‫إل على الظالمين ‪ ,‬والعاقبة للمتقين ‪ ,‬والصلةا والسلما‬
‫على سيدنا محمد ولى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ً‬
‫وبعد ‪-:‬‬
‫إليك – أخي – هذه الكلمات بجميع حروفها جملة من‬
‫المعالم تنير دربك الذي تسلكه ‪ ,‬وتثير قلبا ً يبحث عن‬
‫الحقيقة وتحركه ‪ ,‬ل تريد منك سوى أن تتأمل فيها‬
‫بعين ثاقبة ‪ ,‬ونظرةا متفحصة ‪ ,‬وقلب يقظ ‪ ,‬ونفس‬
‫مدركة ‪ ,‬مداد عونها من رب كريم ‪ ,‬ل إله إل هو رب‬
‫العرش العظيم ‪ ,‬عنوانها ‪ --‬القمم يا أهل الهمم ‪--‬‬
‫ومحاورها خمسة وهي ‪-:‬‬
‫أول ً ‪ - :‬لهذه المعركة جيّشنا الحروف‬
‫ثانيا ً ‪ - :‬تأملتا قبل بدء المسير‬
‫ثالثا ً ‪ - :‬ل نريد إل أهل الهمم‬
‫رابعا ً ‪ -:‬الخمس المهمة لبلوغ القمة‬
‫خامسا ً ‪ -:‬وفي الختام دعوة‬
‫والله أسأل التوفيق والسداد لي ولكم ‪ ,‬والله يدلني‬
‫لكل خير ويدلكم ‪ ,‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫لهذه المعركة جيّشنا الحروف‬

‫إليك هذه السباب التي جعلتني أتكلم عن الهمم وأصحابها ‪,‬‬


‫وأسوق بعض ما يتعلق بها من آيات قرآنية وأحاديث نبوية‬
‫وآثار عن السلف والخلف ‪ ,‬وتجارب للولين والخرين ‪,‬‬
‫ولنعلم جميعا ً من قبل ذكر السباب بأن هذا الدين بحاجة‬
‫مس أبنائه ‪ ,‬بدون هيجان ممقوت‬ ‫إلى من يوقظ أهله ‪ ,‬ويح ّ‬
‫‪ ,‬أو رعونة مذمومة ‪.‬‬
‫والسباب ما يلي ‪-:‬‬

‫أول ً ‪ -:‬أن الله خلقنا لعبادته جل وعل ‪ ,‬وأوجدنا لتوحيدهه‬


‫ما‬‫ون )‪َ (56‬‬ ‫س إ ِ ّل لِيَعْبُد ُ ِ‬‫الِن ْ َ‬‫ن وَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ْت ال ْ ِ‬ ‫ما خَلَق ُ‬‫قال تعالى )وَ َ‬
‫َ‬ ‫أُريد منهم من رزق و ُ‬
‫ون )‪ (57‬الذاريات‬ ‫م ِ‬ ‫ن يُطْعِ ُ‬ ‫ما أرِيد ُ أ ْ‬ ‫ِ ُ ِ ُْ ْ ِ ْ ِْ ٍ َ َ‬
‫مة عالية ‪ ,‬وعزما متوثب ‪,‬‬ ‫‪,‬فعبادته جل وعل بحاجة إلى ه ّ‬
‫ونفس متطلعة ‪ ,‬قال تعالى لنبيه عليه الصلةا والسلما ‪:‬‬
‫ست َ ِقيم ٍ )‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫ص َرا ٍ‬ ‫ك عَلَى ِ‬ ‫ك إِن ّ َ‬ ‫ي إِلَي ْ َ‬‫ح َ‬ ‫ك بِالّذِي أُو ِ‬ ‫س ْ‬
‫م ِ‬ ‫)فَا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫ض‬ ‫َْ‬
‫ات وَال ْر ِ‬ ‫ماوَ ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫)ر ّ‬‫‪ ((43‬الزخرف ‪ , 43‬وقال تعالى َ‬
‫ميّا )‪((65‬‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ل تَعْل َ ُ‬‫صطَب ِ ْر لِعِبَادَتِهِ هَ ْ‬ ‫ما فَاعْبُدْهُه وَا ْ‬
‫ما بَيْنَهُ َ‬
‫وَ َ‬
‫مريم ‪ , 65‬قال البقاعي ‪ ] -:‬أعبده بالمراقبة الدائمة على‬
‫ما ينبغي له من مثلك ‪ ,‬واصبر صبرا ً عظيما ً بغاية جهدك‬
‫على ما ينبغي الصطبار عليه كذلك لجل عبادته فإنها ل‬
‫تكون إل عن مجاهدةا شديدةاه [‬

‫ثانيا ً ‪ -:‬أن الدنيا محل ابتلءا للعبد ‪ ,‬واختبار لعبادته ‪ ,‬وهي‬


‫دار يتحول فيها ذلك العبد بين أعدائه وخصومه ‪ ,‬وكلهم‬
‫يعمل على النيل منه وإذلل قدره ونسف عزته ‪ ,‬فإن‬
‫استسلم لحدهم وجميعهم خاب وخسر ‪ ,‬وإن انتصر عليهم‬
‫ن يَقُولُوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن يُت ْ َركُوا أ ْ‬
‫سأ ْ‬ ‫ب النّا ُ‬
‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فله الجنة ‪ ,‬قال تعالى )أ َ‬
‫ن )‪ ((2‬العنكبوت ‪ , 2‬وقال جل شأنه‬ ‫م َل يُفْتَنُو َ‬ ‫َ‬
‫منّا وَهُ ْ‬
‫آ َ‬
‫م ًل(‬ ‫)الّذي خَلَق الْموت والْحياةاَ لِيبلُوكُم أَيك ُ َ‬
‫ن عَ َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫تبارك ‪2‬‬
‫م‬
‫وهذا الختبار والبتلءا في حاجة شديدةا إلى صاحب ه ّ‬
‫ما يسمو بصاحبه عن الدنيا ومن فيها ‪ ,‬وهو الذي يساعد‬ ‫سا ّ‬
‫بإذن الله تعالى على أن ينفر العبد المؤمن من أعدائه‬
‫وخصومه بعد نصر الله تعالى له ‪ ,‬واصطحاب الهم الصادق‬
‫في النفس وتفعيله إلى أن يكون واقعا ً مشاهدا ً هو الجابة‬
‫الحقيقية على من نظم بقوله ‪-:‬‬
‫إني ابتليت بأربع ما سلّطوا ‪ :‬إل لجل شقاوتي وعنائي‬
‫إبليس والدنيا ونفسي والهوى ‪ :‬كيف السبيل وكلهم‬
‫أعدائي‬

‫مة والعزيمة‬ ‫ثالثا ً ‪ - :‬إن ديننا هو دين العمل والنتاج ‪ ,‬واله ّ‬


‫اب بِقُوّةاٍ‬ ‫خذِ الْكِت َ َ‬‫حيَى ُ‬ ‫والتعاون واللحمة ‪ ,‬قال تعالى )يَا ي َ ْ‬
‫صبِيّا )‪ ((12‬مريم ‪ , 12‬قال صاحب الظلل‬ ‫م َ‬ ‫وَآَتَيْنَاهُ ال ْ ُ‬
‫حك ْ َ‬
‫‪ " :‬ورث يحي أباه زكريا ‪ ,‬ونودي ليحمل العبءا ‪ ,‬وينهض‬
‫بالمانة في قوةا وعزما ‪ ,‬ل يضعف ول يتهاون ول يتراجع عن‬
‫تكاليف الوراثة " ‪ ,‬وقال تعالى عن بني إسرائيل )وَإِذ ْ‬
‫م بِقُوّةاٍ‬ ‫َ‬
‫ما آتَيْنَاك ُ ْ‬
‫خذ ُوا َ‬
‫ور ُ‬‫م الط ّ َ‬ ‫م وَ َرفَعْنَا فَوْقَك ُ ُ‬‫ميثَاقَك ُ ْه‬‫خذ ْنَا ِ‬ ‫أَ َ‬
‫ن )‪ ((63‬البقرةا ‪ 63‬وقال صلى‬ ‫ما فِيهِ لَعَلّك ُ ْ‬
‫م تَتّقُو َ‬ ‫وَاذ ْك ُ ُروا َ‬
‫الله عليه وسلم ) إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة‬
‫فليغرسها ( ‪ .‬وقال عليه الصلةا والسلما ) أحب السماءا‬
‫إلى الله الحارث وهماما ( ومن تأمل معنى هذين السمين‬
‫يجد الرتباط الوثيق بالهمة العالية واهتماما الدين بها ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ - :‬أن العدو في عمل دائم ‪ ,‬وهم متواصل ضد دين‬


‫السلما وضد المنتمين إليه ‪ ,‬فتجده يحبك الخطط ‪ ,‬ويهيئ‬
‫السبل ‪ ,‬ويجهز الجيوش ‪ ,‬وينوع في أساليب الحرب كل‬
‫ذلك رغبة منه في إزهاق روح هذا الدين العظيم ‪ ,‬وهؤلءا‬
‫وإن كان مسيرهم في النهاية إلى الفشل إل أنهم يعطوننا‬
‫درسا مهما في كيف جعلوا من عدوهم الول وهو السلما‬
‫ما مهما وعملوا جميعا ً لجل تحقيقه ‪ ,‬فأين هممنا نحن مع‬ ‫ه ّ‬
‫أعدائنا ‪ ,‬وأين ما يجب أن نعمله ضد كل تلك الهجمات‬
‫المتتالية على ديننا وكتابنا ونبينا وأمتنا ‪.‬‬
‫م أيها المسلمون ؟!!!‬ ‫متى يكون السلما هو اله ّ‬
‫متى يصدع بيننا من يقول ‪-:‬‬

‫شم العرانين يوما الهههول‬ ‫سر في الزمان وحدث أننا‬


‫نفتقد‬ ‫نفر‬
‫مهن السمهوات ل يغتاله‬ ‫عدنا إلى الله في أعماقنا‬
‫البد‬ ‫قبهس‬
‫وفوق شم الرواسي تنصب‬ ‫جئنها نهعيهد إلى السهلما‬
‫العمد‬ ‫عزته‬

‫خامسا ً ‪ -:‬أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تحتاج إلى‬
‫من يشحذ همم أفرادها ‪ ,‬وينهض بعزائمهم ‪ ,‬ويوجه‬
‫مساراتهم ‪ ,‬ويدعوهم إلى إتباع الطريق الصحيح الذي‬
‫سلكه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله‬
‫عليم جميعا ً ‪.‬‬
‫إن مما يؤلم القلب ‪ ,‬ويدمي الفؤاد ‪ ,‬أن تجد في أبناءا أمتي‬
‫من يدعو إلى السفول ‪ ,‬ويرضى بالنحطاط ‪ ,‬ويهوّن أمر‬
‫الهمم السامية ‪ ,‬فضاعت الطاقات ‪ ,‬وأهدرت المواهب ‪,‬‬
‫وغاب كل معنى للسمو والعزةا ‪ ,‬حتى أعترف الجميع من‬
‫المحيط إلى المحيط بأننا أمة أصبحت عالة على العالم ‪,‬‬
‫وأنه ل نتاج لنا ‪ ,‬وليس من سلح في أيدينا سوى التغني‬
‫بحرقة على ذلك التاريخ الذي كنا فيه قادةا للعالم وسادةاً‬
‫للدول ‪.‬‬

‫أحبتي ‪-:‬‬
‫إن المؤمن في هذه الدنيا يعيش في تقلبات كثيرةا وفتن‬
‫عظيمة ‪ ,‬وتمر عليه في اليوما والليلة شهوات تفتك بثباته ‪,‬‬
‫وتعطل آلته ‪ ,‬وشبهات تثير شجونه ‪ ،‬وتهيج مكنونه ‪ ,‬حتى‬
‫أصبح الكثيرونه من أبناءا أمتي – إل من رحم ربي – يعيش‬
‫حيرانا ً في هذه الدنيا هائما ً على وجهه ‪ ,‬ل يدري أين‬
‫طريق الحقيقة ‪ ,‬يتلمس هنا ‪ ...‬يسأل هناك عن الذي ينقذه‬
‫من دياجير الظلما ودهاليز الثاما ‪ .‬نعم ‪ ...‬أصبح المؤمن‬
‫يعيش في دوامة ل يدري إلى أين ستقذف به ؟ ‪ ,‬ومتى‬
‫ستقذف به ؟ وعلى أي حال ستقذف به ؟‬
‫نعم – أهل اليمان ‪ -‬ل أخفيكم سرا ً إذا قلت أن المؤمن‬
‫في هذه الدنيا يعيش مراحله معركة المبادئ والقيم والهمم‬
‫ومن أجل هذه المعركة جيشنا الحروف !!!‬
‫تأملتا قبل بدء المسير‬
‫القمم ‪ ...‬جمع قمة وهي المكان المرتفع ‪ ,‬وهي أعلى‬
‫مكان في الجبل ‪.‬‬
‫منها يتسع نظر المشاهد تصل ما حوله وعلى جميع الجهات‬
‫‪ ,‬فتهنى نفسه ‪ ,‬ويرتاح نظره ‪ ,‬ويتدبر خلق الله جل وعل ‪.‬‬
‫وهي مكانة ل يعشقها سوى البطال ‪ ,‬والذين لهم مع قوةا‬
‫الرادةا ووضوح الهدف وسمو النفس قصص ل تجدها إل في‬
‫تلك الماكن ‪.‬‬
‫همة قال ابن منظور‪":‬والمهمات من المور‬ ‫الهمة ‪:‬جمع ّ‬
‫الشدائد المحرقة " وقال ‪ :‬وهم بالشيءا يهم هما ‪ .‬نواه‬
‫وإرادةا وعزما عليه " ‪ ,‬وقال الفيروز أبادي ‪ " :‬الهمّة ما هم‬
‫به من أمر ليفعل " القاموس المحيط " ‪ ,‬وقال أبن القيم‬
‫رحمه الله " الهمّة فعلة من الهم ‪ ,‬وهو مبدأ الرادةا ‪ ,‬فالهم‬
‫مبدؤها ‪ ,‬والهمّة نهايتها "‬
‫آخر هذه التأملته اقرأ لقصة هذا الشاب ‪:‬‬
‫أنا شاب في آخر سنين الشباب ‪ ,‬مرت تلك المرحلة وهي‬
‫أصعب من غيرها في حياتي ‪ ,‬إنه الضمير الذي أفاق بعد‬
‫طول رقاد ‪ ,‬والقلب الذي غرته الحياةا بعد موته سنين ‪.‬‬
‫وها أنا وبعد هذه اليقظة أقولها بفم مليءا بحسرات الندما‬
‫وآهات الزمان – يا لهول ما أرى – نكت سوداءا تنشر في‬
‫القلب ‪,‬وحشة تسيطر في الفؤاد ‪ ,‬شعور بالضياع يفوق‬
‫الشعور باليتم ‪ ...‬إحساس شديد يهجم علي مرارا ً ويقول‬
‫إن الله عز وجل غاضب عليك فلم يعد أمامي من لون‬
‫سوى السواد ‪ ,‬ول معنى للسعادةا إل ما أراه من سراب ‪,‬‬
‫بل أصبحت حياتي كلها ل تعترف إل بكل معنى مخل ‪ ,‬أو‬
‫مصطلح معقد ‪.‬‬
‫ألم ‪ ,‬معناه ‪ ,‬توتر ‪ ,‬تخبط ‪ ,‬ضياع ‪ ,‬حسرةا ‪ ,‬دناءاةا ‪,‬‬
‫فجور ‪ ,‬فحش ‪ ,‬خطيئة ‪ ,‬ذنب ‪ ,‬سيئة ‪ ,‬غرق ‪ ,‬لعب ‪ ,‬جهد‬
‫‪ ,‬مأساةا ‪ ....‬الخ تلك السهاما التي ما يمر يوما إل وتدمي‬
‫قلبي الجريح ‪ .‬وبعد تلك اليقظة وذلك السؤال أدركت أن‬
‫مة السافلة والدنيئة التي تعاملت بها في حياتي دور‬ ‫لله ّ‬
‫في معاناتي تلك ‪ ,‬فقررت أن أغير الوجهة ‪ ,‬وأعدل عن‬
‫الطريق الموحش ‪ ,‬وأبدأ في تكوين الهمم العليا في قلبي‬
‫لفعلها في دنياي فأظفر برضا الرحمن‬
‫فعك البكاءا ول العويهههل‬ ‫كفكف دموعك ليس ينهههه‬
‫ن فما شك إل الكسهههول‬ ‫وانهض ول تشك الزمهها‬
‫يل ول تقل كيف السبيل‬ ‫واسهلهك بههمتك الهسبه‬
‫يهومها وحكمته الدليل‬ ‫مها ضل ذو أمل سعى‬
‫يهومها ً ومقصده نبيل‬ ‫كههتهل ول خاب امرؤ‬

‫ل نريد إل أهل الهمم‬

‫فلهم هذه الدعوةا الصادقة من قلب محب لهم " أخي ‪...‬‬
‫استجلب نور القلب بدواما الجد ‪ ،‬إنه استعلءا ثمنه التعب ‪,‬‬
‫ليكن شعارك الصبر وراحتك التعب ‪ .‬اعلم يا أخي ‪ ..‬أن‬
‫الراحة للرجال غفلة كما يقول الفاروق رضي الله عنه ‪,‬‬
‫وأتعب الناس من جلت مطالبه قال شعبة ‪ " :‬ل تقعدوا‬
‫فراغا ‪ ,‬فإن الموت يطلبكم " وسئل أبن الجوزي ‪ :‬أيجوز‬
‫أن أفسح لنفسي في مباحات الملهي ؟ فقال له ‪ :‬عند‬
‫نفسك ما يكفيها من الغفلة ‪ ,‬يقول أبن القيم رحمه الله ‪:‬‬
‫لبد من سنة الغفلة ورقاد الغفلة ولكن كن خفيف النوما ‪.‬‬
‫هلة فالعمر قليل‬ ‫وانتبه من رقدةا الغفه‬
‫فهما داءا دخيل‬ ‫واطرح سوف وحتى‬ ‫ّ‬
‫فاخلع الراحة يا أخي ‪ ...‬وليكن شعارك قول أحمد بن حنبله‬
‫رحمه الله لبنه " ‪ ..‬يا بني ‪ ..‬لقد أعطيت المجهود من‬
‫نفسي " ‪ ,‬وسئل متى الراحة فقال ‪ ":‬عند أول قدما تضعها‬
‫في الجنة" ‪.‬‬
‫الطالب الصادق كلما ناله هم أو حزن جعله في أفراح‬
‫الخرةا ‪ ,‬ومن لمح فجر الجر هان عليه ظلما التكليف ‪,‬‬
‫سأل رجل بلل ً أبي بكر رضي الله عنه فقال له ‪ :‬من سبق‬
‫قال ‪ :‬سبق المقربون قال ‪ :‬إنما أسألك عن الخيل ؟ قال ‪:‬‬
‫وأنا أجيبك عن الخير" ‪.‬‬
‫أخي ‪ ..‬هل أنت عال الهمة ؟ أما تشتاق أن تكون من علةا‬
‫الهمة ؟ ‪ .‬إذا ً فتعال واعرف صفات قلوب أولئك الرجال ‪,‬‬
‫وحاكهم ‪.‬‬
‫فقلب عالي الهمة قلب ل يعرف القيود والقضبان ‪ ,‬ول‬
‫تأسره الرض كلها وما عليها‬
‫قلب عالي الهمة ‪ ..‬ل يصاد بالطعم فهو متطلع يقظ ل‬
‫يعرف الغفلة ‪ ,‬ول يحتال عليه كاذب ‪ ,‬ول يصيده شيطانه ‪.‬‬
‫قلب عالي الهمة ‪ ..‬ل يعرف التثاؤب ول الراحة ول‬
‫السكون ول الدعة ول الترف " إن عباد الله ليسوا‬
‫بالمنعمين " وكذا كان قلب أبو موسى الشعري رضي‬ ‫ّ‬
‫الله عنه ‪ ,‬فقد كان ليصوما حتى يعود كالخلل ‪ ,‬فقيل له ‪:‬‬
‫لو أجممت نفسك – أي جعلتها تستريح ‪ -‬؟ فقال ‪ :‬هيهات‬
‫إنما يسبق من الخيل المضمرةا ‪.‬‬
‫عزما الرجال إذا ما‬ ‫ل ينبض القلب إل حين‬
‫استيقظت فيه‬ ‫يدفعههه‬
‫إلهى السمههاءا إذا هبت تناديه‬ ‫والحب يخترق الغبراءا‬
‫مندفعا ً‬
‫أمها الهحيههاةا فهيبليهها وتبليه‬ ‫والقيد يألفه المههوات ما‬
‫لبثوا‬

‫أخي ‪ ...‬الدنيا مضمار سباق ‪ ,‬وقد انعقد الغبار ‪ ,‬وخفي‬


‫السابق ‪ ,‬والناس في المضمار بين فارس وراجل ‪,‬‬
‫وأصحاب حمر معقرةا ‪ .‬طر بجناح الجد من وكر الكسل ‪,‬‬
‫تابعا ً لثار الحباب تصل ‪ .‬واعلم بأن الجد جناح النجاةا وأن‬
‫من كد كد العبيد ‪ ,‬تنعم تنعم الحرار ‪ ,‬ومن امتطى راحلة‬
‫الشوق لم يشق عليه بعد السفر ‪.‬‬
‫على قدر أهل العزما تأتي العزائم ‪ .....‬وتأتي على قدر‬
‫الكراما المكارما‬

‫أخي ‪ ...‬إن دنت همتك فخف من عقوبته ‪ ,‬وإن علت قليل ً‬


‫فارغب في معاملته ‪ ,‬وإن تنامت فتعلق بمحبته ‪.‬و إن‬
‫همتك فآثرت قطع الشكوك صاحبك حمار ‪ ,‬وإن‬ ‫قصرت ّ‬
‫رضيت سياسة الدواب رافقك بغل ‪ ,‬وإن سددت بعض‬
‫الثغور أعطيت فرسا ً ‪ ,‬فإن كنت تحسن السباق كان‬
‫الفرس عربيا ‪ ,‬فإن عزمت على الحج ركبت جمل ‪ ,‬وإن‬
‫شمخت همتك إلى الملك ‪ ,‬فالفيل مركب الملوك ‪.‬‬
‫أخي ‪ ...‬ما وصل القدما إلى المنزل إل بعد طول السرى ‪,‬‬
‫وما نالوا حلوةا الراحة إل بعد مرارةا التعب ‪ ...‬فأين أنت‬
‫من هذا ؟؟!!‬
‫قال بعض السلف ‪ :‬لقيت رجل ً في برية فقلت من أين ؟‬
‫ارةاٌ وَ َل بَيْعٌ عَن ذِكْرِ‬
‫ج َ‬ ‫فقال من عنده قوما }‪ّ ....‬ل تُلْهِيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬
‫اللّهِ ‪{ ....‬النور ‪ , 37‬فقلت إلى أين ؟ فقال ‪ :‬إلى قوما‬
‫ج ِع ‪{ .....‬السجدةا ‪. 16‬‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َن ال ْ َ‬
‫مع ِ‬ ‫جافَى ُ‬
‫جنُوبُهُ ْ‬ ‫}تَت َ َ‬

‫ومهن يكهن همهه أقصهى‬ ‫من يؤثر الحق يبذل منه طاقته‬
‫العل يصل‬
‫خلف من الضعف‬ ‫ل شيءا يقعد آمال النفهوس إذا‬
‫واستعضت على الكسل‬

‫يا سوق المل ‪ ...‬أين أرباب الصياما ؟ ‪ ,‬يا فرش القوما ‪...‬‬
‫أين حرّاس الظلما‬
‫أخي ‪ ...‬انتبه من رقدات الغمار ‪ ,‬وانتبه للحظات العمار ‪,‬‬
‫وقاطع الكسل فقد قطع العذار ‪ ,‬واسمع زواجر الزمن فما‬
‫دجي الدجى وقد بهر النهار ‪ ,‬وخذ بالحزما فقد شفى تلف‬
‫من رضي بشفا جرف هار ‪ ,‬ولله در العاملين بزمانهم ‪ ,‬إذْ‬
‫باعوا ما شانهم بإصلح شأنهم ‪ ,‬ما أقل ما تعبوا ‪ ,‬وما أيسر‬
‫ما نصبوا ‪ ,‬وما زالوا حتى نالوا ما طلبوا ‪ ,‬شمروا عن سوق‬
‫الجد في سوق العزائم ‪ ,‬ورأوا مطلبهم دون غيره ضربة‬
‫لزما ‪ ,‬وجادوا مخلصين فربحوا يوما أن خسر حاتم ‪,‬‬
‫وأصبحوا في منزل النجاةا وأنت نايم ‪ ,‬متى تسلك طريقهم‬
‫ياذا المآتم ؟! تندبه الذنوب ندب المآتم ؟!‬

‫شمر المتقون عن سوق الجد في سوق‬ ‫ّ‬ ‫أخي ‪ ...‬لقد‬


‫المعاملة كلما رأوا مراكب الحياةا تخطف في بحر العمر ‪,‬‬
‫أملهم أقصر من فتر ‪ ,‬منازلهم أقفر من قبر ‪ ,‬نومهم أعز‬
‫من الوفاءا ‪ ,‬السهر عندهم أحلى من رقدةا الفجر ‪ ,‬أخبارهم‬
‫أرق من نسيم السحر ‪ ,‬أفاقهم بالدموع دامية ‪ ,‬والهموما‬
‫على الجوانح جوانح ‪ ,‬لنفسهم أنفاس من مثلها يهيج البهيج‬
‫‪ ,‬روض رياضانهم مطلول الخمايل ‪.‬‬
‫كلهم قد بات بليل النابغة ‪ ,‬التائب منهم يقول ‪ ...‬أنا المقر‬
‫على نفسي بالخيانة ‪ ,‬أنا الشاهد عليها بالجناية ‪ .‬والمتعبّد‬
‫منهم يبكي على الفتور بكاءا الثكلى بين القبور ‪ ,‬ويندبه‬
‫زمان الوصال ‪ ,‬ويتأسف على تغير الحال ‪ ,‬والخائف منهم‬
‫ينادي ‪ ...‬ليت شعري ما الذي أسقطني من عينك يا الله ‪.‬‬
‫أقلت هذا فراق بيني وبينك ؟‬
‫آه ‪ ...‬لمراض نفوس قد يئس طبيبها ‪ ,‬ولصوات مواعظ‬
‫قد أخرس مجيبها ‪.‬‬
‫أخي ‪ ...‬ما ارتفع صوت الحادي يوما ً ما لرفقة أولي صمم ‪,‬‬
‫ول ارتفع الفلك العلى لغير أهل الشموخ ‪.‬‬

‫ركبت المنى ونسيهت الحذر‬ ‫إذا مها طمحهت إلههى غاية‬


‫ول كبهة اللهههب المستعر‬ ‫ولهم أتهجنهب وعور الشعاب‬
‫يعش أبد الدهر بين الحفههر‬ ‫ومههن ل يحب صعود الجبال‬
‫ومن يستلذ ركوب الخطههر‬ ‫أبارك في الناس أهل‬
‫الطموح‬
‫ويقنع بالعيش عيشه الحجر‬ ‫وأمقهت من ل يماشي‬
‫الزمان‬
‫ويحتضر الميْت مهما كبههر‬ ‫هههو الكون حي يحب الحياةا‬
‫ول النحل يلثم ميْت الزههر‬ ‫فل الفق يحضن ميْت‬
‫الطيور‬

‫أخي ‪ ...‬لو قال لك البطالون من الكسالى " لو تفرغت لنا‬


‫" ‪.‬فا قرع أسماعهم بصوت عمر بن عبد العزيز وأين الفراغ‬
‫؟ ذهب الفراغ فل فراغ إل عند الله ‪ ,‬ل مستراح للعبد إل‬
‫تحت شجرةا طوبى ‪" .‬‬
‫الخمس المهمّمة لبلوغ القمّة‬

‫ليس هناك أسمى من هدف مضمونه رضي الله سبحانه‬


‫وتعالى ‪ ,‬فهو بغية كل مؤمن ‪ ,‬وقمة كل صاعد ‪ ,‬وطلب كل‬
‫داع ‪ .‬إذا رضي الله سبحانه وتعالى على العبد فهنيئا ً له‬
‫الجنة وهنيئا ً له السعادةا فيها والخلود ‪ ,‬بل هنيئا له لذةا‬
‫النظر إلى وجه ربه الكريم ‪ .‬ومن منا ل يريد الجنة وسكناها‬
‫‪ ,‬ولذائذها وهناها ‪ ,‬وحورها ومداها ‪ ,‬وورودها وشذاها ‪,‬‬
‫البدية ‪ ,‬والهناءا المقيم ‪,,,‬‬
‫ّ‬ ‫فهي النعيم الزلي ‪ ,‬والسعادةا‬
‫لكن جنة الله غالية ‪ ,‬وتحتاج إلى أثمان وتضحيات ‪ ,‬فقد‬
‫حفت بالمكاره ‪ ,‬وسورت بالصعاب وقبل ذلك كله فهي‬
‫همة صادقة خالصة العمل لله تعالى ‪.‬‬ ‫بحاجة إلى ّ‬
‫وإليك – يا رعاك الله – هذه العشر المهمة للوصول إلى‬
‫القمة ‪ ,‬عشر معالم من كلما رب العوالم ‪ ,‬خمس توجيهات‬
‫للخوةا والخوات من رب البريات فأحضر قلبك ‪ ,‬وسن‬
‫قلمك ‪ ,‬وانشر قرطاسك ‪ ,‬وإياك والغفلة فهي داءا القلوب ‪.‬‬

‫الزمر ‪2‬‬ ‫ين {‬ ‫خلِصا ً ل ّ ُ‬


‫ه الدّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫د الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫أول ً ‪} -:‬فَا ْ‬
‫عب ُ ِ‬

‫الخلصا ‪ -:‬إخلصا العبادةا لله وحده تعالى دون غيره وهو‬


‫حقيقة الدين " ‪ ,‬و قال تعالى )و ُ‬
‫م ُروا إ ِ ّل لِيَعْبُدُوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ما أ ِ‬
‫َ َ‬
‫حنَفَاءاَ( البينة ‪ 5‬و قال عز وجل ‪) -:‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ين ُ‬ ‫ين ل َ ُ‬
‫ه َ ال َد ّ َ‬ ‫ص َ‬ ‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ين( الزمر )‪. (11‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ه الد ّ َ‬ ‫صا ل ُ‬ ‫خل ِ ً‬‫م ْ‬‫ه ُ‬
‫ن أعْبُد َ الل َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ْر ُ‬
‫إِنّي أ ِ‬
‫والخلصا ‪ -:‬مفتاح دعوةا المرسلين عليهم السلما " ‪-9-‬‬
‫وأعظم الصول التي جاؤوا بها كما قال سبحانه وتعالى ‪-:‬‬
‫ل أُمة رس ً َ‬
‫جتَنِبُوا‬ ‫ن اُعْبُدُوا الل ّ َ‬
‫ه وَا ْ‬ ‫ول أ ِ‬ ‫)وَل َ َقد ْ بَعَثْنَا فِي ك ُ ّ ّ ٍ َ ُ‬
‫وت( النحل ) ‪. ( 36‬‬ ‫الطّاغُ َ‬
‫والخلصا ‪ -:‬رأس أعمال القلوب التي هي أجل أعمال‬
‫العبد وأعظمها قدرا ً ول يظن أحدكم أن أمر الخلصا يسير‬
‫على النفس بل هو شاق عليها ‪ ,‬لن من عمل على تفعيل‬
‫الخلصا في قلبه فهذا يعني أنه جعل حائل بينه وبين‬
‫شهواته ورغباته وحاجاته ‪ ,‬فتحقيقه يتطلب جهادا ً عظيما‬
‫وانظر إلى سير العلماءا والصالحين مع الخلصا تجدهم‬
‫يعترفون أيضا ًَ بحاجاتهم إلى الخلصا ‪ ,‬وشدته على قلوبهم‬
‫وصعوبة تحقيقه قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى – " ما‬
‫عالجت شيئا ً أشد علي من نيتي إنها تنقلب علي ‪ ,‬وقال‬
‫يوسف بن حسين الرازي ‪ " :‬أعز شيءا في الدنيا الخلصا‬
‫‪ ,‬وكم أجتهد في إسقاط الرياءا عن قلبي فينبت فيه على‬
‫لون آخر"‬
‫تقلب القلوب ‪ ,‬ويا‬ ‫وهذا كله يعطينا إشارةا إلى سرعان ّ‬
‫خوف العابد الزاهد الصالح من تقلب قلبه ‪ ,‬ولما ل يخاف ؟‬
‫ومحمد صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ً ما يقول ) يا‬
‫مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ( أخرجه الترمذي وحسنه ‪,‬‬
‫وكان يكثر في حلفه بقوله ‪ "..‬ل ومقلب القلوب" أخرجهه‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫همة صادقة في‬ ‫ونستفيده مما تقد ما أن الخلصا بحاجة إلى ّ‬
‫تحقيقه في القلب ‪ ,‬وهمّة في إزالة كل ما يفسد العمل‬
‫برياءا أو سمعة أو غيرها في مراقبة الله تعالى في كل‬
‫وهمة في أن يكون العمل لله وحده‬ ‫ّ‬ ‫صغيرةا وكبيرةا ‪,‬‬
‫وحسب ‪.‬‬
‫وقبل ذلك كله فإن للخلصا ثمراتا جلية متى‬
‫بينت للناس قويت همتهم على إيجاده ومحاولة‬
‫تكوينه في القلوب ومن تلك الثمراتا مثل ُ ‪- :‬‬
‫‪ -1‬دخول جنات النعيم ‪-:‬‬
‫ُ‬
‫م‬‫ك لَهُ ْ‬‫ين )‪ (40‬أولَئ ِ َ‬
‫ص َ‬‫مخْل َ ِ‬‫عبَاد َ اللّهِ ال ْ ُ‬‫قال تعالى ‪) -:‬إ ِ ّل ِ‬
‫ات‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ن )‪ (42‬فِي َ‬ ‫مك ْ َر ُ‬
‫مو َه‬ ‫م ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫ما )‪ (41‬فَوَاك ِ ُ‬ ‫معْلُو ٌ‬
‫رِ ْزقٌ َ‬
‫النّعِيم ِ ( الصافات ‪. 43 – 40‬‬
‫‪ -2‬قبول العمل ‪-:‬‬
‫لن الخلصا أحد شرطي قبول العمل يقول أبن كثير‬
‫رحمه الله "فإنه تعالى ل يتقبل العمل حتى تجمع هذين‬
‫الركنين أن يكون صوابا ً موافقا ً للشريعة ‪ ,‬وأن يكون‬
‫خالصا ً من الشرك " ‪ ,‬وأدل من ذلك قول الحبيب عليه‬
‫الصلةا والسلما ) إن الله عز وجل – ل يقبل من العمل‬
‫إل ما كان له خالصا ً وأبتغي به وجهه ( أخرجهه النسائي وحسنه‬
‫اللباني في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪ -3‬الفوز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الخرةا‬
‫‪-:‬‬
‫قال عليه الصلةا والسلما )أسعد الناس بشفاعتي يوما‬
‫القيامة من قال ل إله إل الله خالصا من قلبه أو نفسه (‬
‫أخرجه البخاري‬
‫‪ -4‬تنقية القلب من الحقاد ‪:‬‬
‫فا الخلصا إذا حل في قلب أحياه ‪ ,‬وهذبه من الفات ‪,‬‬
‫وحصنه من السوءا والفحشاءا وسيءا الصفات "‬
‫‪ -5‬مغفرةا الذنب ومضاعفة الجر ‪-:‬‬
‫وإل فما الذي جعل ل إله إل الله – تتفوق على تسع‬
‫بغيا ً سقت كلبا ً تدخل الجنة‬
‫وتسع سجل ً ‪ ,‬وما الذي جعل ّ‬
‫‪ ,‬والرجل الذي أماط الذى عن الطريق فغفر له إل‬
‫الخلصا ‪.‬‬
‫‪ -6‬نيل قبول الناس ومحبتهم ‪-:‬‬
‫فالذي يعمل لله وحده ‪ ,‬مبتغيا ً رضاه ‪ ,‬طالبا ً عفوه ‪,‬‬
‫فإن الله ُيلقي بحبه في قلوب الخلق ‪ ,‬بعكس المرائي‬
‫الذي يطلب الشهرةا ويسعى للحصول على المنزلة في‬
‫قلوب الناس فالله يعامله بنقيض قصده ‪ .‬قال عليه‬
‫سمع الله به ‪ ,‬ومن يرائي‬‫ّ‬ ‫سمع‬
‫ّ‬ ‫الصلةا والسلما " من‬
‫يرائي الله به " رواه البخاري ‪.‬‬
‫وهناك العديد من ثمرات الخلصا والذي ل يسع المقال‬
‫لذكرها ‪.‬‬
‫فالله الله في إخلصا العمل لله تعالى ‪ ,‬فهو درجة‬
‫عظيمة ومنزلة عالية تبلغ بصاحبها جنة الرضوان ‪ ,‬وأي‬
‫الهمة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫همة لصاحبها كهذه‬ ‫ّ‬

‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أَ ُ‬
‫نف َ‬ ‫منُوا ْ عَلَيْك ُ ْ‬
‫ين آ َ‬
‫ذ َ‬‫ها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ثانيا ً ‪} -:‬يَا أي ّ َ‬
‫‪{....‬المائدة ‪105‬‬

‫لن تبلغ القمة حتى تصلح الهمة ‪ ,‬وصلح الهمة مرتبط‬


‫بصلح النفس ‪ ,‬وصلح نفسك صلح لمجتمعك ‪ .‬وصلح‬
‫النفس موقوف على لزوما طاعة الله عز وجل فطاعة‬
‫نبيه عليه الصلةا والسلما واجتناب ما نهى عنه من‬
‫توجيهات الرب سبحانه وتعالى قوله جل وعل ‪) :‬يَا أَيّهَا‬
‫الّذين آَمنوا عَلَيك ُ َ‬
‫ل إِذ َا‬‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّرك ُ ْ‬ ‫م َل ي َ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أن ْ ُف َ‬‫ْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫ما كُنْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميعًا فَيُنَبّئُك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬‫م ْر ِ‬‫م إِلَى اللّهِ َ‬ ‫اهْتَدَيْت ُ ْ‬
‫ن ( المائة ‪ 105‬يقول أبن كثير في تفسير هذه الية "‬ ‫ملُو َ‬ ‫تَعْ َ‬
‫إن الله تعالى أمر عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم‬
‫ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم ومخبرا ً لهم أنه من‬
‫أصلح أمره ل يغيره فساد من فسد من الناس سواءا كان‬
‫قريبا ً منه أو بعيدا ً " ‪.‬‬
‫ول تعني هذه الية أن نهتم بأنفسنا ونترك الدعوةا إلى‬
‫الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول مقاتل "‬
‫وليس فيها دليل على ترك المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر قاما أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيبا ً فحمد‬
‫الله وأثنى عليه ثم قال ‪ :‬أيها الناس إنكم تقرؤون هذه‬
‫الية " )يا أَيها الّذين آَمنوا عَلَيك ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّرك ُ ْ‬ ‫م َل ي َ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أن ْ ُف َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬ ‫ميعًا فَيُنَبّئُك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫م ْر ِ‬ ‫م إِلَى اللّهِ َ‬ ‫ل إِذ َا اهْتَدَيْت ُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ((105‬المائدةا ‪ , 105‬وإنكم تضعونها في غير‬ ‫ملُو َ‬ ‫م تَعْ َ‬ ‫كُنْت ُ ْ‬
‫موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪ - :‬إن الناس إذا رأوا المنكر ول يغيرونه يوشك الله‬
‫يعمهم بعقابه " رواه أصحاب السنن وأبن حبان ‪, .‬‬ ‫ّ‬ ‫عز وجل أن‬
‫ولكن إذا أردنا أن نكون دعاةا لله في أرضه وبين خلقه‬
‫وأن نكون أمرين بالمعروف وناهين عن المنكر وأن‬
‫ين في الناس ‪ ,‬سالبين عقولهم وقلوبهم بما‬ ‫نغدوا مؤثر ً‬
‫منحنا الله من عطاءاات وقدرات فلبد أن نعتني بأنفسنا‬
‫وأن نسعى إلى محاسبتها ول بد أن نسجل اعترافاتناه وأن‬
‫ندون تقصيرنا ‪ ,‬قال عمر ‪:‬‬
‫" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل‬
‫أن توزنوا فاليوما عمل ول حساب وغدا ً حساب ول عمل‬
‫"‪.‬‬
‫صلح النفس يعني وقايتها من نار جهنم وهو مطلب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا قُوا‬ ‫ين آ َ‬ ‫َرباني آخر َحيث يقول تعالى ‪) :‬يَا أيّهَا الّذِ َ‬
‫ارةاُ عَلَيْهَا‬ ‫ج َ‬ ‫ح َ‬ ‫س وَال ْ ِ‬ ‫ارا وَقُودُهَا النّا ُ‬ ‫م وَأهْلِيك ُ ْ‬
‫م نَ ً‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫أن ْ ُف َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫م وَي َ ْفعَلُو َ‬ ‫م َرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صو َ‬ ‫شدَاد ٌ َل يَعْ ُ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغ َل ٌ‬ ‫م َلئِك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ((6‬التحريم ‪6‬‬ ‫م ُرو َ‬ ‫يُؤْ َ‬
‫صلح النفس يعني النجاةا أيضا ً من مقت الله العظيم ‪,‬‬
‫وذلك حينما ل ينظر المؤمن إلى إصلح غيره إل بعد أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫م تَقُولُو َ‬ ‫منُوا ل ِ َ‬‫ين آ َ‬ ‫تصلح نفسه قال تعالى )يَا أيّهَا الّذِ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ما َل ت َ ْفعَلُو َ‬ ‫ن تَقُولُوا َ‬ ‫عنْد َ اللّهِ أ ْ‬
‫مقْتًا ِ‬‫ن )‪ (2‬كَب ُ َر َ‬ ‫َل ت َ ْفعَلُو َ‬
‫‪ ((3‬الصف ‪3-2‬‬
‫صلح النفس يعني صلح السرةا والولد والموال قال‬
‫تعالى في قصة جدار الغلمين الذي أقامه موسى‬
‫صالِحا ً ‪ ( ...‬الكهف‬
‫والخضر عليهما السلما )وكَا َ‬
‫ما َ‬ ‫ن أبُوهُ َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ , 82‬فحفظ الله تعالى الكنز الذي كان تحت الجدار‬
‫المقاما والعائد للغلمين هو صلح أبوهما ‪ ,‬قال أهل‬
‫التفسير ‪ :‬أن هذا الب هو الجد السابع لهما فانظر إلى‬
‫خير النفس الصالحة وجلءا أثرها حتى ولو كان بعد زمن‬
‫‪.‬‬
‫صلح النفس يعني التغيير اليجابي للمجتمع ‪ ,‬فكلما بدأ‬
‫النسان بنفسه وبتربيتها والترفع بها عن الشبه والمزالق‬
‫والشهوات وسوءا المفارق ‪ ,‬عنده ذلك فإن باستطاعته أن‬
‫يغير كل من حوله ‪ ,‬وكلما كانت همته أعلى فكان ذلك‬
‫ما بِقَوْما ٍ‬ ‫ه َل يُغَي ّ ُر َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫التغيير أقوى وأوسع قال تعالى )إ ِ ّ‬
‫م( الرعد ‪11‬‬
‫َ‬
‫سه ِ ْ‬
‫ما بِأن ْ ُف ِ‬
‫حتّى يُغَي ّ ُروا َ‬‫َ‬
‫وكلما أهمل النسان نفسه ‪ ,‬أو تغافل عن تزكيتها‬
‫وتربيتها صار سلبا ً على غيره ‪ ,‬عالة على مجتمعه ‪,‬‬
‫فقيرا ً في عطائه ‪ ,‬جامدا ً في تفكيره ‪ ,‬ضعيفا ً في همته‬
‫‪ ,‬وسيموت وهو لم يحي بينه وبين الله خبيئة ‪ ,‬ولم‬
‫يسطر مجدا ً يذكره الناس بعده ‪ ,‬وحاله مثل حال ذلك‬
‫الرجل الذي قال على فراش موته ‪ -:‬كنت شابا ً حرا ً‬
‫طليقا ً ‪ ,‬ولم تكن لمخيلتي حدود كنت أحلم في تغيير‬
‫العالم وكلما أزدت سنا ً وحكمة كنت أكتشف أن العالم ل‬
‫يتغير ‪ ,‬لذا قللت من طموحي إلى حد ما وقررت تغيير‬
‫بلدي ل أكثر ‪ ,‬إل أن بلدي هي الخرى بدت وكأنها باقية‬
‫على ما هي عليه ‪ ,‬وحينما دخلت مرحلة الشيخوخة‬
‫حاولت في محاولة بائسة أخيرةا تغيير عائلتي ومن كان‬
‫أقرب الناس لي ولكن باءات محاولتي بالفشل ‪ ...‬واليوما‬
‫‪ ...‬وأنا على فراش الموت ‪ ,‬أدركت فجأةا كل ما في‬
‫الأمر ‪ ,‬ليتني كنت غيرت نفسي أول ً ‪ ,‬ثم بعد ذلك‬
‫حاولت في تغيير عائلتي وبتشجيع منها كنت قد أقمت‬
‫على تطوير بلدي ‪ ,‬ومن يدري ربما كنت استطعت أخيرا ً‬
‫تغيير العالم برمته " ‪.‬‬

‫اتا ‪{ ..‬البقرة ‪148‬‬ ‫قوا ْ ال ْ َ‬


‫خي ْ َر ِ‬ ‫استَب ِ ُ‬
‫ف ْ‬‫ثالثا ً ‪َ } -:‬‬

‫إن وجودك في هذه الحياةا يتطلب منك النهوض فورا ً‬


‫للستعداد ‪ ,‬والتفكيره المستمر في كيفية النجاةا من‬
‫حبائل الغواية والتيهه ‪ ,‬وأن تكون سباقا ً لكل خير ‪,‬‬
‫مقداما ً في كل معروف ‪ ,‬واعلم بأنك في سباق مع‬
‫نفسك ومع وقتك ومع عملك ‪ ,‬ول بد من أن )تكون ( أو‬
‫ل ) تكون ( وسترى إما أن تعيش مكرما الهوية أو في‬
‫هوان الهاوية ‪.‬‬
‫ثم إن المتسابق ل يستطيع أن يدخل المضمار إل بهمة‬
‫سامية عالية ‪ ,‬ونفس مقبلة عازمة ‪ ,‬فكيف إذا كان‬
‫المتسابق مؤمنا ً ‪ ,‬والهدف الجنة ‪ ,‬وصاحب الفضل هو‬
‫ضهَا‬‫جنّةٍ ع َْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َربّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مغْ ِف َرةاٍ ِ‬‫سابِقُوا إِلَى َ‬ ‫الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِهِ‬ ‫منُوا بِاللّهِ وَ ُر ُ‬ ‫ين آ َ‬‫ت لِلّذِ َ‬ ‫عد ّ ْه‬‫ضأ ِ‬ ‫ْ‬
‫ماءاِ وَال ْر ِ‬ ‫س َ‬‫ض ال ّ‬‫كعَ ْر ِ‬
‫َ‬
‫ل الْعَظِيم ِ )‬ ‫ض ِ‬ ‫ه ذ ُو ال ْ َف ْ‬ ‫ن يَشَ اءاُ وَالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل اللّهِ يُؤْتِيهِ َ‬ ‫ك فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫‪ ((21‬الحديد ‪ . 21‬قال أبن سعدي رحمه الله " في هذه‬
‫الية الكريمة أمر الله ‪ -‬تبارك وتعالى – بالمسارعة ‪,‬‬
‫مسارعة المتسابقين بالعمال الصالحة التي توجب‬
‫المغفرةا لهم من ربهم والعقوبة مما وقع من الذنوب‬
‫والمعاصي لنيل الفوز بالجنان " ‪ .-20-‬وقال تعالى ‪-:‬‬
‫ن )‪ (11‬فِي‬ ‫مق َّربُو َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ن )‪ (10‬أُولَئ ِ َ‬ ‫سابِقُو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سابِقُو َ‬
‫)وَال ّ‬
‫ات النّعِيم ِ )‪ ((12‬الواقعة ‪ . 12 – 10‬وأيا ً كانوا هؤلءا‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫َ‬
‫السابقون والذين اختلف في تعيينهم " إل أن المراد‬
‫بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ‪...‬‬
‫فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في‬
‫الخرةا من السابقين إلى الكرامة ‪ ,‬فإن الجزاءا من‬
‫جنس العمل وكما تدين تدان " ‪-21-‬‬
‫قال أبن رجب في " اللطائف " لما سمع القوما قول الله‬
‫ات ‪{ ..‬البقرةا ‪ 148‬وقوله ‪:‬‬ ‫ستَبِقُوا ْ الْخَي ْ َر ِ‬ ‫عز وجل ‪}:‬فَا ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫ضهَا كعَ ْر ِ‬ ‫جنّةٍ ع َْر ُ‬‫م وَ َ‬ ‫ن َربّك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مغْ ِف َرةاٍ ِ‬‫سابِقُوا إِلَى َ‬ ‫) َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ك‬‫سلِهِ ذَل ِ َ‬ ‫منُوا بِاللّهِ وَ ُر ُ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ت لِلّذِ َ‬ ‫عد ّ ْ‬‫ضأ ِ‬ ‫ماءاِ وَال ْر ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ل الْعَظِيم ِ )‪((21‬‬ ‫ض ِ‬‫ه ذ ُو ال ْ َف ْ‬‫ن يَشَ اءاُ وَالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللّهِ يُؤْتِيهِ َ‬‫ض ُ‬‫فَ ْ‬
‫الحديد فهموا أن المراد من ذلك أن يجتهد كل واحد منهم‬
‫أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة ‪ ,‬والمسارع‬
‫إلى بلوغ هذه الدرجة العالية ‪ ,‬فكان أحدهم إذا رأى أن‬
‫يعمل عمل ً يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل‬
‫هو السابق له ‪ ,‬فيحزن لفوات سبقه ‪ ,‬فكان تنافسهم‬
‫في درجات الخرةا واستباقهم إليها ‪ ,‬ثم جاءا من بعدهم‬
‫قوما ‪ ,‬فعكسوا الخرةا فصار تنافسهم في الدنيا الدنيئة‬
‫وحظوظها الفانية " ‪ , -22-‬قال الحسن ‪" - :‬إذا رأيت‬
‫الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الخرةا " ‪ ,‬وقال‬
‫رحمه الله ‪ " :‬من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك‬
‫في دنياك فألقها في نحره " ‪ ,‬وقال وهيب بن الورد ‪":‬‬
‫إن استطعت أل يسبقك إلى الله أحد فافعل"‬
‫وللمراكز الولى في كل سباق رجالها ‪ ,‬وهم الذين‬
‫توقدت هممهم بكل خير فنالوا على كل خير ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ " :‬أمرنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك منّي‬
‫مال ً ‪ ,‬فقلت ‪ :‬اليوما أسبق أبا بكر إن سبقته ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫فجئت بنصف مالي ‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ما أبقيت ؟ " فقلت مثله ‪ ،‬وأتى أبو بكر بكل ما‬
‫عنده ‪ ،‬فقال ‪ " :‬يا أبا بكر ‪ :‬ما أبقيت لهلك ؟ " قال‬
‫أبقيت لهم الله ورسوله ‪ .‬قلت ‪ :‬ل أسبق إلى شيءا أبدا ً‬
‫" رواه أبو داود وقال الترمذي حسن صحيح‬
‫وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي يسبق العلماءا‬
‫يوما القيامة برتوةا يقول ‪ :‬أناما أول الليل وأقوما آخره‬
‫فأحتسب نومتي واحتسب قومتي "‬
‫لما علم الصالحون قصر العمر ‪ ,‬وحثهم حادي‬ ‫" أخي ‪ّ ...‬‬
‫" وسارعوا " طووا مراحله الليل مع النهار انتباها‬
‫للوقات ‪.‬‬
‫أصغ سمعك لنداءا ربك " ففروا إليه " ‪ ,‬وبادر طيّ‬
‫صحيفتك ‪ ,‬واحسر عن رأسك قناع الغافلين ‪ ,‬وانتبه من‬
‫رقدةا الموتى ‪ ,‬وشمر للسباق غدا ً ‪ ,‬فإن الدنيا ميدان‬
‫المتسابقين ‪ ,‬واعلم أننا خلقنا لنحيا مع الخالق ‪ ,‬ونافس‬
‫في الفردوس ‪ ,‬فإن الرحمن جل جلله قد غرس غراسه‬
‫بيده ‪".‬‬

‫أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعا ً‬


‫ونحن قعودا ً ما الذي أنت صانع؟‬
‫خلف بعدهم‬ ‫أترضى أن تكون الم ّ‬
‫صريع الماني والغراما ينازع‬
‫على نفسه فلبيك من كان باكيا ً‬
‫أيذهب وقت وهو باللهو ضائع‬
‫سنا ً ‪ { ...‬البقرة ‪83‬‬
‫ح ْ‬
‫اس ُ‬
‫ِ‬ ‫قولُوا ْ لِلن ّ‬
‫رابعا ً ‪ } - :‬و ُ‬

‫هذا الرافد المهم ‪ ,‬والمساند القوي ‪ ,‬والركن الشديد –‬


‫حسن الخلق – " هو الصفة السامية بكل ما تحمله هذه‬
‫الكلمة من معنى ‪ ,‬فهي تطهر صاحبها من آفات اللسان‬
‫والجنان وترتقي به إلى مراتب الحسان مع خالقه ومع‬
‫سائر الناس ‪ ,‬قال عبد الله بن المبارك رحمه الله في‬
‫تفسير حسن الخلق ‪ -:‬هو طلقة الوجه وبذل المعروف‬
‫خاصم ول‬
‫َ‬ ‫وكف الذى ‪ ,‬وقال الواسطي ‪ :‬هو أن ل ُي‬
‫خاصم من شدةا معرفته بالله تعالى ‪ ,‬وقال أيضا ً هو‬ ‫ِ‬ ‫ُي‬
‫إرضاءا الخالق في السراءا والضراءا ‪ ,‬وقال سهل ‪ -:‬أدنى‬
‫حسن الخلق الحتمال وترك المكافأةا والرحمة للظالم‬
‫والستغفار له والشفقة عليه " ‪-24-‬‬
‫إن من دناءاةا الهمة وسفول الهم أن يتحلى بعض أبناءا‬
‫هذا الدين بأخلق الكفار وصفات المنافقين فخانوا أمانة‬
‫الله جل وعل المتمثلة في وجوب تحليهم بأخلق السلما‬
‫النقية الطاهرةا ‪ ,‬وخانوا من حولهم من الناس بتعاملتهم‬
‫البغيضة وعلقاتهم السيئة ‪ ,‬فضروا بأنفسهم ودينهم‬
‫ومجتمعاتهم ‪.‬‬
‫إن من علو الهمة وانتهاض العزائم أن يتحلى المؤمن‬
‫بجميل الخلق ‪ ,‬وعزيز الصفات ‪ ,‬التي أرشد إليها ديننا‬
‫الحنيف ‪ .‬وكيف ل يكون حسن الخلق من أصحاب الهمم‬
‫السامية وقد تكرما الرب الكريم وهو الغني الحميد ببيت‬
‫في أعلى الجنة لمن حسن خلقه فقال المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" - :‬أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن‬
‫ترك المراءا وإن كان محقا ‪ ,‬وببيت في وسط الجنة لمن‬
‫ترك الكذب وإن كان مازحا ‪ ,‬وببيت في أعلى الجنة لمن‬
‫حسن خلقه " رواه أبو داود وصححه اللباني‬
‫ويقول عليه الصلةا والسلما " ما شيءا أثقل في ميزان‬
‫المؤمن يوما القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض‬
‫الفاحش البذيءا " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ‪,‬‬
‫ولنا فيه عليه الصلةا والسلما السوةا الحسنة والقدوةا‬
‫الصالحة ‪ ,‬كيف ل وهمته أشرف وأنقى وأسمى همة‬
‫على الطلق ‪ ,‬وهو الذي أتصف من عند ربه بخلقه‬
‫ق عَظِيم ٍ {القلم ‪4‬‬ ‫ُ‬ ‫العظيم فقال تعالى }وَإِن ّ َ َ‬
‫ك لعَلى خُل ٍ‬
‫فكم من الناس أمن بعد كفر ‪ ,‬وكم من الناس اهتدى‬
‫بعد ضلل ‪ ,‬وكم من الناس انقاد بعد شرود ‪ ,‬بسبب‬
‫أخلقه المحمدية السامية عليه الصلةا والسلما ‪.‬‬
‫كم من الناس دخل في دين الله بسبب حلمه وعلمه‬
‫وعفوه ورحمته و إيثاره وجوده‬
‫وعدله ومروءاته و زهده وافتقاره وقوته وبأسه وشجاعته‬
‫؟‬
‫كم كان لهذه الخلق من أثار على الجماعة المسلمة ‪ ,‬والعصبة المؤمنة ‪ ,‬والمة‬
‫الخالدةا ؟‬
‫وشفيعنا قد غدا فينا‬ ‫رحمهههة أرسلههه الله لنههها‬
‫غههههدا‬
‫وفدى من ذنبه من قهد‬ ‫وهب المال لمن ل مههههال‬
‫وقدا‬ ‫لههه‬
‫هو أحصى كل شيءا عددا‬ ‫ليس يحصى فضله إل الذي‬

‫أحبتي ‪ ...‬لقد أهمل كثير من المسلمين هذا الجانب‬


‫المهم وآثروا كل ما هو مخل ومفرق للمة ‪ ,‬فظهر‬
‫الفرقة وساد الخلف ‪ ,‬وخارت الهمم ‪ ,‬وفترت العزائم‬
‫فأصبحنا أمة وللسف الشديد نقبع في آخر الصفوف‬
‫بسبب إهمالنا في تربية أنفسنا ‪ ,‬وتفعيل أخلق ديننا ‪,‬‬
‫وتصوير محاسن إسلمنا ‪.‬فه ‪..‬‬

‫إنما المم الخلق ما بقيت‬


‫فإن هم ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫دهْ ‪....‬م{النعام ‪90‬‬ ‫ما ْ‬
‫قت َ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫خامسا ً ‪ } -:‬فَب ِ ُ‬
‫هدَا ُ‬

‫إنهم أولئك الرجال الذين صنعوا مجد أمتهم بهممهم‬


‫الصادقة ‪ ,‬وعزائمهم المتوثبة ‪ ,‬واستطاعوا أن يسطروا‬
‫مقالت وقصص كتبت حروفها بدما التضحية ودمع الولءا‬
‫وعرق البطولت ‪ ,‬فلله درهم بهممهم تلك ل زالوا‬
‫يعيشون بيننا رغم أنهم عادوا تراب ‪ .‬وبصدقهم ل زلنا‬
‫نماري بهم المجالس والمجامع والمنتدياته رغم ما بيننا‬
‫وبينهم من أزمنة ‪ .‬وبولئهم لربهم ها نحن نقتطف من‬
‫بساتينهم بعضا ً من الورود الفواحة بعبق التاريخ المجيد‬
‫والياما الخالدةا ‪ ,‬ولكن قبل أن أدلف بكم أبواب تلك‬
‫البساتين فإني أدعوكم أن تنهضوا أنتم بكل ما تحمله‬
‫قلوبكم من همم لكي نحاكي تفوقهم ‪ ,‬ونتمثل بسيرهم ‪,‬‬
‫م‬‫وأن نقتدي بخطاهم فالله تعالى يقول} فَبِهُدَاهُ ُ‬
‫اقْتَدِه ْ‪{.‬النعاما ‪90‬‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو لم يكن له سوى أنه‬
‫الصديق المبادر مع صاحبه عليه الصلةا والسلما ‪ ,‬وأنه‬
‫أسبق الرجال إلى دين السلما لكفته أن يكون خير‬
‫الناس جميعا ً بعد النبياءا والرسل ‪ ,‬وعمر الذي وافقه‬
‫القرآن الكريم في مواضع عدةا ‪ ,‬وهو أعلم الصحابة‬
‫وأزهدهم ‪ ,‬ل تأخذه في الله لومة لئم ‪ ,‬هاجر إلى‬
‫المدينة علنا ً رغم أنوف قريش الكافرةا ‪ ,‬وعثمان من‬
‫أول المهاجرين بأهله ‪ ,‬وأحد الستة الذين توفى عنهم‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ‪ ,‬وفتحت في‬
‫عهده الري وأفريقية وقبرصا وأرض فرسان ‪ ,‬وعلي أول‬
‫من أسلم من الصبيان ‪ ,‬شهد كل المشاهد مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ما عدا تبوك فقد استخلفه‬
‫الرسول عليه الصلةا والسلما على المدينة قتل عمر بن‬
‫ود أعتى المشركين على الطلق وأقواهم ‪ ,‬وأعطي‬
‫الراية يوما خيبره ‪ ,‬وعبد الرحمن بن عوف يتصدق بألف‬
‫بعير ‪ ,‬كل بعير عليه حمله على الفقراءا والمحتاجين‬
‫والمعوزين ‪,‬وزيد بن ثابت ينجح في تأسيس علم‬
‫الفرائض ‪ ,‬وعبد الله بن حراما يوجد في جسمه أكثر من‬
‫ثمانين طعنة في سبيل الله فيكلمه الله كفاحا ً وتظله‬
‫الملئكة ‪ ,‬وجابر أبنه يسافر إلى مصر لطلب حديث واحد‬
‫ومعاذ أعلم الئمة بالحلل والحراما يسبق العلماءا يوما‬
‫القيامة برتوةا ‪ ,‬وأبو هريرةا يبدعه في رواية حديث حبيبه‬
‫عليه الصلةا والسلما فيبلغ مجموع ما روى أكثر من‬
‫خمسة آلف حديثا ً ‪ ,‬وسلمان يخطب في عباءاةا يفترش‬
‫بعضها ويلبس بعضها وهو أمير على ثلثين ألف رجل من‬
‫المسلمين ‪ ,‬وهذا عبده الله بن مسعود يقول عن نفسه "‬
‫والله الذي ل إله إل هو ما نزلت آية من كتاب الله إل وأنا‬
‫أعلم أين نزلت ‪ ,‬وأعلم فيمن نزلت ولو أعلم أحدا ً أعلم‬
‫ي لتيته ‪ ,‬وعائشة رضي الله‬ ‫بكتاب الله مني تناله المط ّ‬
‫عنها تستقبل الجموع من طالبي العلم ‪ ,‬وتلقن العلوما ‪,‬‬
‫وتخبر عن حياةا زوجها محمد صلى الله عليه وسلم في‬
‫بيته ‪ ,‬وهديه مع زوجاته ‪ ,‬وأبن عباس رضي الله عنهما‬
‫يقسم مجلسة على طلبه فتارةا للقرآن وتارةا للسنة ‪,‬‬
‫وتارةا للغة ‪ ,‬وتارةا للفقه ‪,‬‬
‫و علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يموت ويجدونه‬
‫يقوت مائة بيت في المدينة ‪ ,‬وهذا عطاءا بن رباح يعيش‬
‫مائة سنة ويحج سبعين حجة ويقرأ مائتي آية في الركعة‬
‫الواحدةا ‪ ,‬ويحفظ الشافعي القرآن الكريم وهو ابن سبع ‪,‬‬
‫ويحفظ موطأ مالك وهو ابن عشر ويفتي الناس دون‬
‫المسيب ثلثة أياما لجل‬
‫ّ‬ ‫العشرين ‪ ,‬ويسافر سعيد أبن‬
‫مسألة فقهية واحدةا وكان يسرد الصوما وقد قيل عنه ‪ :‬ما‬
‫نودي بالصلةا أربعين سنة إل وسعيد بالمسجد " ‪ ,‬وحماد بن‬
‫سلمة ما رأى ضاحكا ً في الغالب كان مشغول ً إما أن‬
‫يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي ‪ ,‬وأحمد أبن حنبل يحفظ‬
‫ألف ألف حديث ‪ ,‬وأبن تيمية يؤلف كتابا ً واحدا ً في جلسة‬
‫ويخرج الفتاوى في ثلثين مجلد وهو في السجن ‪ ,‬وأبن‬
‫القيم يخرج – زاد المعاد – أثناءا سفرةا واحدةا ‪ ,‬وأبو داود‬
‫يكتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف‬
‫حديث ‪ ,‬والبخاري يسبق الئمة غيره في جمع الصحيح من‬
‫أحاديث المصطفى عليه الصلةا والسلما ‪ ,‬وأبن جرير‬
‫يكتب مائة ألف صفحة ‪ ,‬وكان يختم القرآن في ليلتين ‪,‬‬
‫وأبن حجر يؤلف " فتح الباري " وعمره اثنين وثلثون عاما ً‬
‫‪ ,‬وأبن عقيل يصنف ثمانمائة مجلد ‪ ,‬والحافظ المنذري‬
‫يقول عن نفسه " كتبت بيدي تسعين مجلد وسبعمائة جزءا‬
‫" وكان ل يخرج من المدرسة ل لعزاءا ول لهناءا ‪ ,‬ويحي أبن‬
‫معين يقول عن نفسه " كتبت ألف ألف حديث "‪.....‬‬
‫إلى غير تلك النماذج النيّرةا في تاريخنا العظيم وإن كان‬
‫الكثير من أسلفنا رحمهم الله جميعا ً من كان الفتح على‬
‫يديه أيا ً كان نوع ذلك الفتح ‪ ,‬وذهبوا ول نعرف لهم ذكرا‬
‫ولم نقرأ لهم عنهم سطرا ولكن الله علم نياتهم ‪ ,‬وعرف‬
‫هممهم فكان من نعم الله عليهم أن ذهبوا بأعمال‬
‫صالحة ل يعلمها إل خالقهم ‪ ,‬وإل فمن الذي أدخل‬
‫السلما إلى بلد الهند والسند ؟ ‪ ,‬ومن الذي شارك في‬
‫فتوح بلد الندلس ؟ ‪ ,‬ومن الذي نشر الدعوةا في بلد‬
‫القوقاز ؟ ‪ ,‬هنيئا ً لولئك الرجال الفذاذ فلن يذكر الله‬
‫ولن ترفع رايته ولا شريعته إل وكان لهم من ذلك كله‬
‫حسنات سبقهم ‪ ,‬ودرجات هممهم ‪ ,‬وفلحهم في‬
‫قبورهم وأخراهم ‪.‬‬
‫أعلمت يا رعاك الله كيف أن القراءاةا والتأمل في سير‬
‫أولئك العظاما تبعث في قلبك همة عالية تقودك إلى فعل‬
‫شيءا مختلف ‪ ,‬فإن كان هذا الشعور الذي تعيشه الن ‪,‬‬
‫فلماذا تتأخر عن الركب ؟ وأين أنت من الصفوف الولى‬
‫؟‬

‫غهل شدوي مضرما فيك‬ ‫أنهت فههذ ّ وكلمههي شعل‬


‫حريقا ً‬
‫قطرةا فيك غدت بحرا ً‬ ‫ليس في قلبههي إل أن أرى‬
‫عميقا ً‬
‫بحيهاةا الكد والكدح خليقا ً‬ ‫ل تمرى الروح هدوءا ولتكن‬
‫" وفي الختام دعوة "‬

‫وعطفا ً على ما تقدما وبعد أن عرفنا أن الهمة العليا‬


‫ليست إل للرجال الذين أثروا التعب على الراحة ‪,‬‬
‫والنتاج على الدعة ‪ ,‬والحركة على القعود ‪ ,‬واتضح لنا‬
‫من أن الخلصا لله تعالى في العمل ‪ ,‬ومحاسبة النفس‬
‫‪ ,‬والسباق إلى الخير ‪ ,‬وحسن الخلق ‪ ,‬ومحاكاةا‬
‫الصالحين المصلحين هي من أهم الوسائل المساندةا‬
‫للوصول إلى القمة ‪ ,‬وإلى الهدف المنشود لكل واحد منا‬
‫الهمة للتبيين ما يلي ‪-:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ,‬فإن من علو‬
‫‪ -1‬أن تعلن ولءاك لله تعالى ‪ ,‬ولدينه ‪ ,‬ولكتابه ‪,‬‬
‫ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وأن تكون بذلك‬
‫الولءا خير من يحمل راية هذا الدين العظيم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تجعل من نفسك قدوةا صالحة في مجتمعك وأن‬
‫تتمثل بكل ما تملك من خلق ‪ ,‬وحسن تعامل لتظفر‬
‫بقلوب تشتاق للقائك ‪ ,‬وأسماع تنتظر سماعك ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون صادقا ً في تعاملك مع نفسك وأهل بيتك‬
‫ومقر عملك وباقي أفراد مجتمعك ‪ ,‬وأن ل يكون ذلك‬
‫الصدق لمصلحة دنيوية أو غيرها بل أجعلها لله تعالى‬
‫وحسب ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن – ترينا نتاجك ‪ ,‬وتطلعنا على حصادك ‪ ,‬وأن ل تبقى‬
‫في هذه الحياةا سلبا ً على غيرك وإني سائلك الن ما‬
‫الذي حققته في دنياك قبل الذهاب إلى آخرتك ‪ ,‬هل‬
‫أعنت مسكينا ً ؟ هل وفقت بين زوجين ؟ هل عدلت‬
‫بين متخاصمين ؟ هل بنيت وقفا ً للمسلمين ؟ ‪ ...‬الخ‬
‫تلك المشاريع التي تبقى بعد وفاتك ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تعود إلى بيتك وتتفقد أحوال أسرتك ‪ ,‬وتراعى‬
‫أبنائك ‪ ,‬وأن تلمسه جروحهم ‪ ,‬وتلبي رغباتهم فيما‬
‫يرضى الله تعالى ‪ ,‬وأعمل على أن تقربهم من ربهم‬
‫وأن تجعلهم متبعينه لسنة نبيهم عليه الصلةا والسلما‬
‫‪ ,‬وجرد المنزل من كل محرما قد يفتك بقلوب أبنائك ‪,‬‬
‫ويحرفهم عن الطريق المستقيم ‪.‬‬
‫‪ -6‬حدد لك أهداف تستطيع تحقيقها مع الزمن ‪ ,‬ول تركن‬
‫إلى خطواتك المبعثرةا والمهزوزةا أحيانا ً ‪ ,‬فكم من‬
‫هدف سعى إلى تحقيقه صاحبه نال بعد ذلك التحقيق‬
‫عفو من الرب ‪ ,‬وإحسان من الخلق ‪ ،‬ولصحبة في‬
‫الحياةا ‪ ,‬ورحمة عن الممات ‪ ,‬وجنة بعد الممات ‪.‬‬
‫أسأل الله لي ولكم أمن فضله ‪.‬‬
‫‪ -7‬احذر على وقتك بكل ما تستطيع ‪ ,‬فهو أنفس ما تملك‬
‫وأسهل ما يضيع منك ‪ ,‬واسأل نفسك مرةا أخرى كم‬
‫ساعة ضاعت من حياتك وأنت تتابع مسلسل ‪ ,‬أو تقرأ‬
‫جريدةا ‪ ,‬أو تتجول في شارع ‪ ,‬أو تدردش على‬
‫الماسنجر ‪ ,‬أو تسمع لغنية ‪ ,‬أو تغازل على الهاتف ؟‬
‫كم من الوقات أضعتها فيما حرما الله تعالى ؟ ‪ ,‬وهل‬
‫من نية صادقة يجاريها همة متوثبة بالحفاظ على‬
‫أوقاتك وجعلها مباركة بما تعمل فيها من خير وعطاءا ‪.‬‬
‫داع للرذيلة ‪ ,‬وأعلن‬‫‪ -8‬قاطع كل محارب للفضيلة و ٍ‬
‫براءاتك من كل شخص يريد أن يعيقك عن فعل الخير‬
‫‪ ,‬واحذر من أعوان إبليس من النس ‪ ,‬فكم أعاقوا‬
‫من نجاح ودمروا من همم ‪ ,‬وعطلوا من قدرات‬
‫‪ -9‬عد إلى كتاب الله تعالى وأقرؤه باستمرار وبتدبر‬
‫وتأمل ‪ ,‬فهو الهدى والنور والشفاءا وفيه الحكم‬
‫والقصص وضرب المثال ‪ ,‬بل إن فيه أيضا ً ما يشحن‬
‫همة المؤمن للعمل والنتاج وإل فماذا يعني أن يبني‬
‫نوح السفينة في اليابسة وأن يصبر أيوب على‬
‫المرض ‪ ,‬وأن يسافر موسى إلى القدس ‪ ,‬وأن يرغب‬
‫يوسف أن يكون مسئول ً على خزائن الرض ‪ ,‬وأن‬
‫يرفع إبراهيم وإسماعيله القواعد من البيت ‪ ,‬وان‬
‫يجاهد محمد صلى الله عليه وسلم أعدائه بعد أن صبر‬
‫عليهم وعلى أذاهم سنين طويلة ‪ ,‬فإذا كله يعني‬
‫العمل لرضاءا الله تعالى بهمة صادقة ناصحة خالصة‬
‫لوجهه الكريم ‪ ,‬وكل ذلك في كتاب الله تعالى‬
‫‪ -10‬اول بقدر المكان أن تجعل بينك وبين الله عمل‬
‫صالح واستمر على إتيانه فالله الله في صدقة السر ‪,‬‬
‫وصلةا الليل ‪ ,‬وذكر الله ‪ ,‬وتجديده الستغفار ‪ ,‬ومداومة‬
‫التوبة ‪ ,‬والدعاءا لنفسك وأهلك وإخوانك المسلمين‬
‫الحياءا منهم والميتين كل ذلك يطبع على وجهك نور‬
‫يشعر به ويراه كل من يراك ‪ ,‬ويذكر الله على ذلك‬
‫ويعينك على قضاءا حوائجك ‪ ,‬وعلقتك بالخرين‬
‫ويضفي على حسن تعاملك وأخلقك نوعا ً من الجمال‬
‫البراق المنبثق من صدر يسكن قلب وضاءا ‪.‬‬
‫والن ‪ ....‬أخي المؤمن ‪...‬‬
‫هيا إلى مراقي العلو ‪ ,‬ومحال السمو ‪ ,‬وقمم العزةا ‪,‬‬
‫وأماكن المجد ‪.‬‬
‫هيا إلى الصفوف الولى ‪ ,‬والمراكز المتقدمة ‪ ,‬والمرابع‬
‫المسيطرةا ‪.‬‬
‫هيا إلى مقارعة العظماءا ‪ ,‬ومحاكاةا العلماءا ‪ ,‬ومنافسة‬
‫الولياءا ‪.‬‬
‫هيا إلى مجد يخلدنا ‪ ,‬وعلم يسطرنا ‪ ,‬وجهاد يشرفنا ‪.‬‬
‫هيا إلى لذائد السهر ‪ ,‬ونعائم التعب ‪ ,‬ومراتع الجهد ‪.‬‬
‫ب {الشرح ‪ , 7‬والتفكير‬ ‫ص ْ‬‫ت فَان َ‬ ‫هيا إلى التدبر في }فَإِذ َا فَ َرغْ َ‬
‫ن َربّهُم {الكهف ‪, 28‬‬ ‫ين يَدْعُو َ‬‫معَ الّذِ َ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬‫صب ِ ْر ن َ ْف َ‬
‫في }وَا ْ‬
‫خذِ الْكِت َ َ‬
‫اب بِقُوّةاٍ{ مريم ‪. 12‬‬ ‫حيَى ُ‬ ‫والتأمل في }يَا ي َ ْ‬
‫هيا إلى العيش في ظلل ) في ظلل القرآن الكريم ( ‪,‬‬
‫والتزود به ) عدةا الصابرين ( ‪ ,‬والحذر من ) آفات على‬
‫الطريق ( ‪.‬‬
‫هيا لنجعل ما يعترض طريقنا إلى القمة من عقبات وحواجز‬
‫توافه – ل ننشغل بها ‪ ,‬ول نفكر فيها ‪.‬‬
‫هيا لنرسم للمم مجد أمتنا بأجمل اللوان والشكال ‪,‬‬
‫ولنعطر حياتنا بغبار الملحمة الشريفة مع ذكر أولئك‬
‫البطال ‪.‬‬
‫هيا إلى ما يلبي حماسنا ‪ ,‬ويؤجج مشاعرنا ‪ ,‬وينهض بكل ما‬
‫فينا وهو العمل لجل ديننا‪ .‬هيا إلى انتقاءا الفرائد ‪ ,‬ولقط‬
‫الفوائد ‪ ,‬وصيد الشرائد ‪.‬‬
‫هيا بنا أيها الحبة إلى أن نبني الهمة الصادقة في كل نفس‬
‫من نفوسنا ‪ ,‬ويكفينا همم الضعفاءا والمخذلين والمثبطين‬
‫عثرةاه على طريقنا ‪.‬‬
‫سابِقُوا إِلَى‬‫هيا إلى جنة عرضها كعرض السماءا والرض } َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ماءا وَال ْر ِ‬ ‫س َ‬
‫ض ال ّ‬‫ضهَا كعَ ْر ِ‬ ‫جنّةٍ ع َْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ّربّك ُ ْ‬ ‫مغْ ِف َرةاٍ ّ‬‫َ‬
‫من‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ يُؤْتِيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫سلِهِ ذَل ِ َ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫ّ‬
‫منُوا بِاللهِ وَ ُر ُ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ّ‬
‫ت لِلذِ َ‬ ‫عد ّ ْ‬‫أُ ِ‬
‫ل الْعَظِيم ِ {الحديد ‪. 21‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ه ذ ُو ال ْ َف ْ‬
‫يَشَ اءاُ وَالل ّ ُ‬
‫أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد ‪ ,‬وأن يوفقنا وإياكم‬
‫لكل خير ‪ ,‬وأين يجعلنا من عباده المتقين ‪ ,‬والحمد لله رب‬
‫العالمين ‪ ,‬والصلةا والسلما على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم أجمعين ‪.‬‬

You might also like