Professional Documents
Culture Documents
القديس إيرينيؤس
القديس إيرينيؤس
عن العقيدة
أيضا بـ"أبو التقليد".
المسيحية فى مواجهة البدع الغنوسية .ولذلك يستحق أن ُيلقب بمؤسس علم الالهوت المسيحى ،وُلقب ً
نشأته:
من الصعب تحديد تاريخ ميالد إيرينيؤس بالضبط ،ولكن علماء اآلباء يرجحون أنه ُولد ما بين 531ـ 541م ،إذ يخبرنا
إيرينيؤس نفسه أنه فى شبابه المبكر عرف القديس بوليكاربوس الذى كان تلمي ًذا ليوحنا الرسول ،وأن القديس يوحنا الرسول هو
أسقفا على كنيسة سميرنا أو أزمير ،2إذ سجل لنا يوسابيوس المؤرخ من بين ما سجل من كتابات القديس
الذى أقام بوليكاربوس ً
إيرينيؤس الرسالة التى كتبها القديس إيرينيؤس إلى فلورينوس:
صبيا رأيتك فى آسيا السفلى مع بوليكاربوس تتحرك فى عظمة الحاشية الملكية ،ومحاوالً أن تنال رضاه .وإننى
[ ألننى لما كنت ً
أتذكر حوادث ذلك الوقت بوضوح أكثر من حوادث السنوات األخيرة .ألن ما يتعلمه الصبيان يرسخ فى عقولهم .كذلك ففى
إمكانى وصف نفس المكان الذى كان يجلس فيه المغبوط بوليكاربوس وهو يلقى أحاديثه ،ودخوله وخروجه ،وطريقة حياته ،وهيئة
جسمه ،وأحاديثه للشعب ،والوصف الذى قدمه عن ِعشرته ليوحنا ،واآلخرين الذين أروا الرب ،وألن بوليكاربوس كان متذك ًار
كلماتهم ،وما سمعه منهم عن الرب وعن معجزاته وتعاليمه الستالمها من شهود شهدوا بأعينهم كلمة الحياة ،فقد روى كل شئ
بما يتفق مع األسفار المقدسة .وإذ أصغيت إلى هذه األمور برحمة هللا بانتباه كبير مسجالً إياها ليس على ور ٍق بل فى قلبى
صرت أرددها على الدوام بأمانة بنعمة هللا].3
ُ
تماما أن إيرينيؤس اتصل بالعصر الرسولى عن طريق القديس بوليكاربوس ،وهذا ما أعده لكى يكون
ومن هذه الكلمات يتضح ً
أمينا للتقليد الرسولى الذى استلمه بواسطة بوليكاربوس الذى كان تلمي ًذا وصديًقا للقديس يوحنا الرسول وآخرين غيرهم من
شاهدا ً
ً
متجها إلى بالد الغال
ً الذين أروا الرب .وبعد عدة سنوات من استشهاد القديس بوليكاربوس فى سنة 511م ،رحل إلى الغرب
حاليا) ،وربما يكون قد مكث بعض الوقت فى روما وهو فى الطريق إلى فرنسا ،وقد يكون تتلمذ لبعض الوقت لمعلمين
(فرنسا ً
مثل يوستينوس الذى كان فى روما فى تلك الفترة قبل استشهاده .ثم بعد ذلك انتهى به المطاف إلى الغال.
قسيسا لكنيسة ليون ،للتوسط فى الصراع
ً وفى سنة 511م أرسله شهداء كنائس ليون وفيينا ،الذين كانوا فى السجن ،إذ كان
الذى نشأ بخصوص بدعة مونتانوس فى آسيا الصغرى .وكان يحمل رسالة كنائس فيينا وليون إلى كنائس آسيا وفريجية ،والتى
يرى بعض العلماء أنها من قلم إيرينيؤس نفسه ،وقد ُحفظت أجزاء من هذه الرسالة فى تاريخ يوسابيوس الكتاب الخامس5 :ـ.3
كما أن كنائس ليون وفيينا أرسلت رسالة أخرى إلى إليفثريوس أسقف روما (511ـ )581بواسطة إيرينيؤس ،وقد شهد هؤالء
يوسابيوس القيصرى :تاريخ الكنيسة ،ترجمة القمص مرقس داود ،ك 1فصل1:25ـ ،1الطبعة الثانية ،مكتبة المحبة القاهرة ،5115ص212ـ.213 3
المعترفون من السجن الشهادة التالية عن إيرينيؤس فى هذه الرسالة:
[ أيها األب إليفثريوس إننا مرة أخرى نرجو لك السالم من هللا على الدوام .ولقد طلبنا من أخينا ورفيقنا إيرينيؤس أن يحمل
كبير ألنه مملوء غيرًة على وديعة المسيح وعهده .فلو كان المركز ُيضفى ب ًار على
وقار ًا
هذه الرسالة إليك ،ونتوسل إليك أن توقره ًا
أى واحد لكنا أوصينا ،فهو به أول من يستحقون التوصية لكونه قسيس الكنيسة وهذا هو مركزه].4
أسقفا لليون ً
خلفا له. شهيدا ،وصار إيرينيؤس ً
ً وبعد أن رجع إيرينيؤس من روما ،فإن أسقف ليون ُ
المسن فوتيوس توفى
كتابات إيرينيؤس:
كبير من وقته لمهمة دحض الهرطقات الغنوسية
باإلضافة إلى عمل إيرينيؤس الرعائى كأسقف إليبارشية ،فإنه كرس جزًء ًا
بواسطة الكتابات الكثيرة التى كتبها لهذا الغرض .وتظهر براعته وموهبته فى دحض التعاليم المنحرفة بنوع خاص فى الكتاب
وع ِرف باسم "ضد الهرطقات" فى خمس كتب .هذا ولقد جمع إيرينيؤس بين معرفة
المشهور والضخم الذى كتبه القديس إيرينيؤس ُ
واسعة وشاملة لمصادر اإليمان والتقليد مع روح جادة وحماس دينى كبير .فإن معرفته الشاملة بالتقليد الكنسى التى يدين بها
جدا فى
لعالقته بالقديس بوليكاربوس وغيره من تالميذ الرسل اآلخرين ،هذه المعرفة بالتقليد الكنسى كانت مصدر قوة عظيمة ً
كفاحه ضد الهراطقة.
ومما ُيؤسف له أن كتاباته باللغة اليونانية ُفقدت فى وقت مبكر .ولم يتبق من كتاباته وأعماله الكثيرة التى كتبها بلغته اليونانية
سوى كتابان:
5ـ أحد هذين الكتابين هو كتابه الذى يفوق كل الكتب األخرى فى أهميته من جهة اإليمان .وهذا الكتاب هو ما اشتهر باسم
"ضد الهرطقات" ،ولكنه لم يصلنا فى لغته اليونانية األصلية التى ُكتب بها بل فى ترجمة التينية وهى ترجمة حرفية .وهذا الكتاب
يتكون من جزءين رئيسيين .الجزء األول يكشف أصول وتفاصيل الهرطقة الغنوسية .ويذكر فيه أسماء الهراطقة الغنوسيين ويعتبره
العلماء أفضل مصدر لمعرفة الغنوسية وتاريخها .والجزء الثانى يدحض فيه تعاليم الغنوسيين خاصة فالنتينوس وماركيون ،كما
المسلمة من الرسل.يوضح عقيدة الكنيسة عن اآلب واالبن ،وكل عقائد اإليمان األساسية ُ
"الكرزة
ا 2ـ والكتاب الثانى الهام الذى كتبه القديس إيرينيؤس هو "شرح الك ارزة الرسولية" ولسهول االستعمال سنذكره بعنوان
مفقودا طوال القرون الماضية .ولم يكن لدينا سوى اسمه فقط ،وقد ُحفظ اسمه فى
ً الرسولية" .هذا الكتاب كان أصله اليونانى
كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس (الكتاب الخامس فصل ،)21وفى سنة 5154م أ ارد هللا أن ُيكتشف هذا الكتاب الهام كامالً فى
ترجمة باللغة األرمينية ،والذى اكتشفه هو "تيرمكيرتشيان" ( )Ter -Mekerttschianالذى قام بنشره للمرة األولى سنة 5151م.
"مثال هللا" فهو مشابهة هلل من نوع فوق الطبيعة الذى كان آدم حاصالً عليه بمبادرة من صالح هللا ونعمته .هذه ُ
المماثلة هلل
تتحقق بفعل روح هللا.
فداء الشخص المفرد يتم بواسطة الكنيسة وأسرارها باسم المسيح ،فالسر بالنسبة للطبيعة هو يقابل آدم الجديد بالنسبة للقديم.
فالمخلوق ينال الكمال باألسرار .فالسر هو ذروة جمع كل الخليقة فى المسيح .بالمعمودية ُيولد اإلنسان ثانية من هللا .وعندما
يتحدث عن المعمودية فإن إيرينيؤس يشهد ألول مرة فى الكتابات المسيحية القديمة لمعمودية األطفال [ :لقد جاء ابن هللا ليخلص
الجميع بواسطة نفسه ـ أقول الجميع الذين ُيولدون ثانية بواسطة هللا ـ ُ
الرضع ،واألطفال ـ والصبيان ،والشباب ،والشيوخ]
(.)AH2:22:4
يشدد القديس إيرينيوس على أن اإلنسان الكامل يتكون من الجسد والنفس والروح ،والروح عنده تناله النفس من هللا. 7
مالحظة Massuetهذه أوردها ناشـ ـ ـ ـ ــر المجلد رقم 5من مجموعة A.N.Fالذى يحوى كتاب "ضـ ـ ـ ـ ــد الهرطقات" للقديس إيرينيوس وجاءت المالحظة فى هام 9
صفحة 452من المجلد رقم 5تعليًقا على العبارة المقتبسة أعاله من الكتاب الثانى من ضد الهرطقات (.)AH2:34:3
فكرة عامة عن الغنوسية وتعاليمها
Iمقدمة
هى فلسفة دينية متعددة الصور .واللفظ اليونانى »( «γνώσιςغنوسيس) يعنى معرفة .ومبدؤها أن المعرفة الحقيقية ليست
العلم بواسطة المعانى المجردة واالستدالل المنطقى كالفلسفة ،ولكن معرفة الحس التجريبى الناتج عن اتحاد العارف بالمعروف.
أما غايتها فهو الوصول إلى معرفة هللا على هذا النحو ،بكل ما في النفس من قوة حاسة وعاطفة وخيال.
فالغنوسية هى نزعة صوفية تزعم أنها المثل األعلى في المعرفة ،وتزعم أن أصلها يرجع إلى وحى أنزله هللا منذ البدء وتناقله
سرا ،كما أنها تَ ِعد مريدوها بكشف األسرار اإللهية لتحقيق النجاة .لذلك كان العامة منها يؤخذون بسحر طقوسها ،أما
المريدون ً
الخاصة فكانوا يتعلقون بتعاليمها النظرية .هذه التعاليم مزيج من اآلراء واألساطير التي كانت شائعة حينذاك ،فكانت الغنوسية
تطفى على األديان والمذاهب بالتأويل والتحوير ،مدعية تحويلها إلى معنى أعمق .وقد فعلت ذلك مع األديان الوثنية ،ومع
اليهودية ،ومع المسيحية ،ولذلك تفرقت منها فرًقا كثيرة في أنحاء العالم اليونانى الرومانى.
بالنسبة آلرائها الرئيسية والمشتركة بين جميع المجموعات الغنوسية هى :في قمة الوجود هللا الكائن غير المدرك ،السرمدى،
وذكر وأنثى ،ولكنها
فزوجا ًا ثم السكون ،ثم الهاوية .هذه الكائنات هى أرواح يسمونها أيونات وأراكنة ،وصدرت هذه األيونات ً
زوجا ً
تتضائل في األلوهية كلما ابتعدت عن المصدر .أراد أحدها أن يرتفع إلى مقام هللا ،فطرد من العالم المعقول .عن هذا األيون أو
األركون الخاطئ صدرت أرواح شريرة مثله وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لوال الخطية ،ألنه عالم شر وصانعه
شرير ،والمادة المصنوع منها رديئة وذلك ألن األيون هو الذي حبس النفوس البشرية في أجسامها ،فكون اإلنسان .ولكن النفوس
تتوق إلى النجاة :نجاة من الحياة العاجلة المسيطرة على العالم السفلى بتأثير النجوم ونجاه في الحياة اآلجلة بالرغم من كيد
الشيطان غير أن الناجون قليلون.
فإن الناس طوائف ثالثة متمايزة بالطبيعة ال بالنية أو االرادة فحسب :الطائفة الولى وهم الروحيون ،وهم من أصل إلهى
يكفل لهم النجاة ،أولئك هم الغنوسيون صفوة البشر ،والطائفة الثانية وهم الماديون ،وهم مركبون من المادة والتي تعوقهم عن
الصعود فوق العالم السفلى ،أما الطائفة الثالثة هم الحيوانيون ،وهم يؤلفون طبقة وسطى قابلة لالرتفاع والسقوط ،للنجاة أو
الهالك .ووسيلة النجاة هو قهر الجسم واطراح كل ما يثقل النفس ويمنعها من البلوغ إلى المقر الروحانى النورانى الذي منه
هبطت .وهناك فريق آخر أطلق العنان للشهوة بحجة أن الجسم شئ دنئ عديم القيمة ال حساب له.
IIالغنوسية المسيحية
كبير
خطر ًا
ما كادت المسيحية تظهر حتى تلقفتها الغنوسية ،فتزينت بزيها ونافستها منافسة قوية من سوريا إلى روما ،فكانت ًا
عليها طوال القرون األربعة األولى.
كان أول ظهورها في السامرة ،ثم في االسكندرية ،أى األوساط التي كانت الغنوسية الوثنية ناشطة فيها بنوع خاص .ففي
وأقام بها 35سنة (531ـ511م) وهناك انشق عن الكنيسة وكون مذهبه .أما ماركيون فذهب إلى روما حوالى 545م ً
قادما من
سببا في قطعه من شركة
أسيا الصغرى ،ولما بدأ في التعليم أحدث اضطرًابا بين الرؤساء ،فنشر رسالة يبين فيها معتقده وكانت ً
يعا في المسيحية واستمرت إلى أواخر القرن السادس.
الكنيسة وتبعته جماعة وتكاثرت حوله وأنشأ كنيسة انتشرت سر ً
تبعا لتعاليمهم ويصوغون تعاليمهم بألفاظ وعبارات مسيحية .فهم
الغنوسيون المسيحيون باالجمال يفسرون العقائد المسيحية ً
جبارا ،بينما اإلنجيل
قاسيا ً ُيقيَّمون الثنائية على ما يزعمون من تعارض بين التوراة واإلنجيل ،إذ يقولون إن التوراة تصور ً
إلها ً
يكشف لنا عن إله وديع حليم َخيَّر للغاية .وذهب باسيليدس للقول بأن إله العهد القديم ما هو إال رئيس المالئكة األشرار ،أما
أفالطون بأنه أب البدع ،في الوقت الذي كان فيه غيرهم يعتبره ً
مهما بالنسبة للفلسفات المسيحية.
لقد عاشت الكنيسة في صراع داخلى لمواجهة هذه األخطار الغنوسية وصارعت أكثر من قرنين لتوضح باألقوال الالهوتية
خطورة التعاليم الغنوسية المسيحية .ومن أهم األعمال الالهوتية ضد الغنوسية :القديس ايريناؤس في السنوات العشر األخيرة من
القرن الثانى ،هيبوليتوس ،كليمندس االسكندرى.
IIIIالماركونية
آثار " ماركيون " االضطراب في القرن الثانى والثالث الميالدى في الكنيسة واألوساط المسيحية ،والسبب في ذلك يكمن في
اعتباره كمؤسس للكنيسة " الغنوسية " .فعندما فتح الغنوسيون المدارس والمعاهد الالهوتية الهرطوقية ،أسس ماركيون كنيسة
بتسلسل كهنوتى كامل مع األسرار وقد اعتبر في ذلك الوقت أنه عبقرى ماهر استطاع أن يقنع كثيرين من المسيحيين بأن كنيسته
هى الكنيسة الحقيقية ،لذلك لم يستطع كثير من المؤمنين أن يميزوا بين أسس تعاليمهم الالهوتية وبين األصول العميقة للتعاليم
شخصية هذا الرجل. الغنوسية والتي كان ينادى بها .لذلك كان االرتباك الذي أحدثه في الكنيسة عميًقا ،حتى أنه إلى اليوم تُناق
وقد وصفته الكنيسة في القرون األولى للمسيحية بأنه رئيس الهرطقة الغنوسية ومؤسس طائفتها.
ماركيون في تعاليمه لم ينفصل عن الغنوسية ،بالرغ م من أن بعض النظريات الغنوسية مثل " األيونات " (وهى كائنات
متوسطة بين هللا واإلنسان) غابت عن تعاليمه وأنظمته .ولكن العناصر األساسية للتعاليم الغنوسية هى التي كانت أساس التعليم
عند ماركيون مثل :نظرية وجود رئيسين في العالم ،المادة والروح ،باالضافة إلى التحامل على العهد القديم ،احتقار المادة،
التعاليم الخيالية … وظل أثر هذه الطائفة ،أى طائفة ماركيون ـ حتى القرن السادس الميالدى.