You are on page 1of 102

‫سلسلة تقارير حالة‪:‬‬ ‫رئيس تحرير السلسلة‬

‫سلسلة بحثية تُ ْعنَى بدراسة الظواهر السياسية‬ ‫م‪ .‬حسن الرشيدي‬


‫في البيئة المابعد ثورية في مصر بالمقام األول‪،‬‬
‫تدقيق لغوي‬
‫ُ‬
‫اصطلح علي���ه «بالربيع‬ ‫ثم في باق���ي دول ما‬ ‫عبد العزيز مصطفى الشامي‬
‫العربي»‪.‬‬ ‫إخراج فني‬
‫تس���عى السلس���لة إلى تقديم دراسات علمية‬ ‫أحمد أبو الفتوح حسين‬
‫ُمح ّكم���ة ‪-‬تلتزم بالمنهج العلم���ي في البحث‪،‬‬ ‫محمد فهمي أبو زيد‬

‫وبالموضوعية‪ -‬عن الفواعل المجتمعية في هذه‬ ‫المركز العربي للدراسات اإلنسانية‬


‫القاهرة ‪ 12‬شارع رفاعة متفرع من‬
‫البيئة على اختالف منطلقاتها الفكرية‪ ،‬ترصد‬
‫الخليفة المأمون ‪ -‬مصر الجديدة‬
‫وتحلل ممارس���اتها المجتمعية والسياس���ية‪،‬‬ ‫‪www.arab-center.org‬‬
‫وتح���اول مقاربة الس���مات الفكرية التي يمتاز‬
‫‪mail: info@arab-center.org‬‬
‫بها كل فاعل مجتمعي عما سواه؛ بغرض تكوين‬
‫تصور ناجز عن ه���ذه الفواعل‪ ،‬يُم ِّكن من فهم‬ ‫هاتف‪+202 24535422 :‬‬

‫أثر تفاعالته���ا على البيئة المجتمعية في بالد‬ ‫فاكس‪+202 24522801 :‬‬

‫الربيع العربي‪.‬‬ ‫نقال ‪+2 0105125956 :‬‬

‫املوزعون‪:‬‬
‫مص��ر‪ :‬المرك���ز العربي للدراس���ات اإلنس���انية‪ ،‬القاهرة ‪ 12 :‬ش���ارع رفاع���ة‪ ،‬الخليفة المأمون ــ مص���ر الجديدة ــ هات���ف‪24535422 :‬‬
‫فاكس‪24522801:‬‬
‫اإلم��ارات العربي��ة المتح��دة‪ :‬ش���ركة اإلم���ارات للطباع���ة والنش���ر‪ ،‬دب���ي ص‪ .‬ب ‪ ،60499‬هات���ف‪ ،3916501 :‬فاك���س ‪.2666126‬‬
‫سلطنة عمان‪ :‬مؤسسة العطاء للتوزيع‪ ،‬ص‪ .‬ب ‪ 473‬ــ العذيبة ‪ 130‬ــ هاتف‪ 24491399 :‬ــ فاكس‪.24493200 :‬‬
‫البحرين‪ :‬مؤسسة الهالل لتوزيع الصحف ــ المنامة‪ :‬ص‪ .‬ب ‪ 224‬هاتف ‪ 534559‬ــ ‪ ،534561‬فاكس ‪.531281‬‬
‫السعودية‪ :‬الشركة الوطنية للتوزيع‪ :‬هاتف‪ 4871414 :‬ــ فاكس‪.4871460 :‬‬
‫الس��ودان‪ :‬الخرط���وم‪ ،‬دار الري���ان للثقاف���ة والنش���ر والتوزي���ع‪ ،‬هات���ف‪ 793283 :‬ـ���ـ فاك���س‪ 793284 :‬ـ���ـ ص‪ .‬ب ‪ 11166‬الخرطوم‪.‬‬
‫األردن‪ :‬الشركة األردنية للتوزيع‪ ،‬عمان ص‪ .‬ب ‪ 375‬هاتف‪ ،5358855 :‬فاكس‪.5337733 :‬‬
‫قطر‪ :‬دار الشرق للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الدوحة هاتف‪ 4557810 :‬ــ ‪ 4557811‬ــ ‪ 4557812‬ــ فاكس‪.4557819 :‬‬
‫الكويت‪ :‬شركة المجموعة الكويتية للنشر والتوزيع‪ :‬ص‪ .‬ب‪ 29126 :‬ــ الكويت رمز بريدي ‪ 13150‬ــ هاتف ‪ 2405321‬ــ ‪ 2417810‬ــ فاكس‪.247809 :‬‬
‫المغرب‪ :‬سوشبرس للتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ش جمال بن أحمد ص‪ .‬ب ‪ 13683‬ــ هاتف ‪ 400223‬ــ فاكس‪.246249 :‬‬
‫اليمن‪ :‬دار القدس للنشر والتوزيع‪ ،‬صنعاء‪ :‬ص‪ .‬ب‪ 11776 :‬الطريق الدائري الغربي أمام الجامعة القديمة‪ ،‬هاتف‪ – 206467 :‬فاكس‪.405135 :‬‬

‫رقم اإليداع‪2012 / 16043 :‬م‬


‫ملخص‬
‫‪5‬‬

‫ملخص‬
‫مهما‪ ،‬في البيئة المجتمعية المصرية‪ ،‬على المستوى السياسي والثقافي‬ ‫يمثل التيار الليبرالي فاع ً‬
‫ال ًّ‬
‫بعد ثورة ‪ 25‬يناير ‪2011‬م‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع حضور الليبرالية في المجتمع المصري منذ تاريخ بعيد‪،‬‬
‫مرت الليبرالية خالله بفترات من الصعود والهبوط المجتمعي‪.‬‬
‫وتحاول الدراس���ة أن ترصد الظاهرة الليبرالية المصرية‪ ،‬بوصفها فاع ً‬
‫ال مجتمع ًّيا‪ ،‬منذ ولوج الفكر‬
‫الليبرالي للبيئة المصرية وإلى الراهن‪.‬‬
‫تس���عى الدراس���ة لبناء إطار نظري‪ ،‬تُقارب فيه الليبرالية كفلسفة ونس���ق فكري؛ وذلك من خالل‬
‫مدخل مفاهيمي تتناول فيه مصطلح الليبرالية‪ ،‬ثم تعرض الدراسة لألسس الفلسفية التي ينبني عليها‬
‫التطبيق الليبرالي في الحقلين‪ :‬السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫منهجا تاريخ ًّيا لالقتراب من الحالة الليبرالية المصرية‪ ،‬عن طريق تتبع مسار الفكر‬
‫ً‬ ‫تنتهج الدراسة‬
‫الليبرالي في البيئة المصرية؛ من خالل ثالث مراحل تاريخية‪ :‬في كل مرحلة تتناول الدراسة بالتحليل‬
‫والوصف مكونات الظاهرة الليبرالية؛ من رموز فكرية‪ ،‬ومؤسسات مجتمعية‪ ،‬وأحزاب سياسية‪.‬‬
‫المرحل���ة األولى من الليبرالية المصرية تمثلت في جي���ل رواد النهضة (رفاعة الطهطاوي – جمال‬
‫الدين األفغاني – محمد عبده)‪ ،‬ولم تش���هد هذه المرحلة بلورة الفكر الليبرالي‪ ،‬وإنما تس���ربت فيها‬
‫المفردات الليبرالية للفضاء الثقافي المصري‪.‬‬
‫أما المرحلة الثانية‪ ،‬والتي كان أبرز رجالها (طه حسين – لطفي السيد)‪ ،‬فقد تبلورت فيها الليبرالية‬
‫كنسق فكري‪ ،‬وكذلك تشكلت خاللها أحزاب سياسية تنطلق من األيديولوجية الليبرالية‪.‬‬
‫تتس���م المرحلة الراهنة من الحالة الليبرالية بحالة من الس���يولة الفكرية والممارسية؛ يتضح ذلك‬
‫من خالل دراس���ة مكونات الظاهرة الليبرالية المعاصرة من رموز فكرية‪ ،‬وأحزاب سياسية‪ ،‬ومنظمات‬
‫مجتمع مدني‪ ،‬ووسائل إعالمية‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪:‬‬
‫‪ -‬التقليد الليبرالي ‪ /‬الفلسفة الليبرالية ‪ /‬النسق الليبرالي ‪ /‬األيديولوجية الليبرالية‬
‫‪ -‬الخريط���ة الليبرالية ‪ /‬الحالة الليبرالي���ة ‪ /‬الظاهرة الليبرالية ‪/‬الليبرالي���ة المصرية ‪/‬المجال‬
‫الليبرالي‪.‬‬
‫‪ -‬النيوليبراليزم ‪ /‬الليبرالية الجديدة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫حمتويات الدراسة‬

‫حمتويات الدراسة‬

‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪5‬‬ ‫ملخص‬
‫‪7‬‬ ‫حمتويات الدراسة‬
‫‪9‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪13‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‪ :‬الليربالية‪:‬مقاربة فلسفية‬
‫‪15‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬يف مفهوم مصطلح الليربالية‬

‫‪20‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬النظرية الليربالية يف السياسة واالقتصاد‬

‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬

‫‪33‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬الرواد األوائل‪ :‬أفكار ليربالية ال النسق الليربالي‬

‫‪40‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬اجليل الثاني‪ :‬بلورة الفكر الليربالي‬

‫‪50‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬الليربالية املعاصرة‪ :‬سيولة الفكر واملمارسة‬

‫‪51‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬شخصيات املرحلة‪ :‬سيولة الفكرة الليربالية‬

‫‪62‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬األحزاب الليربالية‪ :‬الالحضور اجملتمعي‬

‫ املطلب الثالث‪ :‬املؤسسات الليربالية يف اجملتمع‪:‬‬


‫‪71‬‬ ‫اجملتمع املدني واإلعالم‬

‫ احملور األول‪ :‬منظمات اجملتمع املدني‪:‬‬


‫‪71‬‬ ‫عائق العالقات اخلارجية‬
‫احملور الثاني‪ :‬اآللة اإلعالمية الليربالية‪ :‬احلضور‬
‫‪78‬‬ ‫الطاغي‬

‫‪89‬‬ ‫خامتة‬

‫‪99‬‬ ‫املصادر واملراجع‬


‫‪9‬‬ ‫مقدمة‬

‫مقدمة‬
‫حينًا؛ فظهرت تيارات يسارية‪ ،‬وقومية‪ ،‬واشتهر‬ ‫يُؤم���ل لثورة الخامس والعش���رين من يناير‬
‫التيار الليبرالي بدوره‪ ،‬كما عاد التيار اإلسالمي‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬أن تمث���ل نقل���ة مفصلية ف���ي التاريخ‬
‫للمشهد بقوة‪ ،‬ليس���جل حضو ًرا مجتمع ًّيا عا ًّما‪،‬‬ ‫المصري الحديث؛ إذ س���تقطع مع طبيعة حكم‬
‫وسياس ًّيا على وجه الخصوص‪ ،‬ليمثل هو والتيار‬ ‫س���لطوي‪ ،‬امتد تاريخ ًّيا في آخر نس���خة له من‬
‫الليبرال���ي أهم نس���قين فكريين في الس���احة‬ ‫خمس���ينيات القرن العشرين‪ ،‬حتى بداية العقد‬
‫الفكرية في ما بعد الثورة‪.‬‬ ‫الثاني من القرن الواحد والعش���رين؛ لتؤس���س‬
‫وبالتركيز على التي���ار الليبرالي‪ ،‬نلحظ كونه‬ ‫لصيغة حك���م جديدة مبنية عل���ى ديمقراطية‬
‫عال من الحضور المجتمعي إعالم ًّيا‬ ‫تمتع بقدر ٍ‬ ‫حقيقة‪ ،‬بم���ا تمثله من انتخاب ح���ر‪ ،‬وتعددية‬
‫وسياس��� ًّيا ‪-‬ولو بدرجة أق���ل‪ -‬وإن كان حضور‬ ‫سياسية حقيقية‪ ،‬وتداول سلمي للسلطة‪.‬‬
‫الفكر الليبرالي في البيئة الثقافية لمصر ممت ًدا‬ ‫تعبر عن‬‫والث���ورة في أبس���ط مدلوالتها‪ّ ،‬‬
‫(((‬

‫عبر الزمن‪ ،‬وم���ر بفترات من الصعود والهبوط‬ ‫التغيير الجذري‪ ،‬للوضع السياسي القائم‪ .‬ولكن‬
‫المجتمعي‪ ،‬إال أنه قد ظهر بقوة نس���بية في ما‬ ‫عملية التغيير هذه مرهونة بعوامل تتعلق بطبيعة‬
‫بعد الثورة‪.‬‬ ‫الفعل الثوري نفسه‪ ،‬وكذلك بطبيعة النظام المثار‬
‫والليبرالي���ة كغيره���ا من األنس���اق الفكرية‬ ‫وأيضا بطبيعة البيئة الداخلية والخارجية‪،‬‬‫ً‬ ‫عليه‪،‬‬
‫منتجا غري ًبا عن الوعي العربي‪/‬‬ ‫ً‬ ‫الغربية‪ ،‬تمثل‬ ‫التي قام���ت فيها الثورة‪ .‬هذه العوامل تحدد ك ّم‬
‫اإلسالمي؛ نشأت في بيئة مغايرة‪ ،‬وعملت شروط‬ ‫وكيف ووقت هذا التغيير‪.‬‬
‫مجتمعي���ة وتاريخي���ة‪ ،‬على تش���كلها وتطورها‬ ‫ويتبع تغيير الوضع السياسي‪ ،‬تغيير في باقي‬
‫في الوعي الغربي‪ .‬تلك الش���روط التي تعطيها‬ ‫المفاص���ل المجتمعية للبيئة الت���ي قامت فيها‬
‫الخصوصية الفكرية‪ ،‬التي تمنع استنساخها في‬ ‫الثورة‪ ،‬ومنها الفض���اء الثقافي‪/‬الفكري؛ حيث‬
‫بيئة مغايرة حضار ًّيا‪.‬‬ ‫تبرز ف���ي الواقع المابعد ث���وري تيارات فكرية‬
‫ه���ذه الخصوصي���ة تجعل الوع���ي العربي‪/‬‬ ‫جدي���دة‪ .‬أو تظهر أخرى كانت حبيس���ة تحت‬
‫اإلس�ل�امي‪ ،‬بالمنتج الفكري الغربي عامة‪ ،‬غير‬ ‫ظالل الحكم السلطوي المثار عليه‪.‬‬
‫تام وناجز ويزداد األمر سو ًءا في حالة الليبرالية؛‬ ‫وبالنظر للحال���ة المصري���ة‪ ،‬نجدها تمث ً‬
‫ال‬
‫إذ إنها ُمشكلة بطبيعتها‪ ،‬حتى في بيئتها المنتجة‬ ‫ظاه ًرا لتلكم المقولة؛ حيث طفت على الس���طح‬
‫لها؛ يظهر هذا اإلش���كال في مفهوم الليبرالية‬ ‫الثقاف���ي في بيئة ما بعد الث���ورة‪ ،‬مجموعة من‬
‫جل ًّيا‪ ،‬وكذلك في األس���س الفلسفية التي ابتنى‬ ‫التيارات الفكري���ة المتضادة أحيا ًنا‪ ،‬والمتمايزة‬
‫عليها الفكر الليبرالي‪.‬‬
‫فكر ما من بيئته األصلية‪ ،‬بهذه‬ ‫وعندما ينتقل ٌ‬ ‫((( للمزي���د عن مفهوم الثورة راجع‪ :‬حنة أرندت‪ ،‬في الثورة‪،‬‬
‫ترجمة ‪ :‬عطا عبد الوهاب‪ ،‬مراجعة ‪ :‬رامز بورس�ل�ان‪،‬‬
‫الحمولة اإلش���كالية‪ ،‬إلى بيئة مغايرة‪ ،‬فإن هذه‬ ‫بيروت‪ :‬مركز دراس���ات الوحدة العربية‪ ،‬واملنظمة العربية‬
‫اإلش���كاالت تتضاعف؛ يتبدى ذلك في النسخة‬ ‫للترجمة ‪ .‬ط ‪2008 ،1‬م‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪10‬‬
‫محللة لممارساته المختلفة بغرض تكوين إطار‬ ‫العربي���ة لليبرالية؛ حيث نرى ق���د ًرا عال ًيا من‬
‫تحليلي‪ ،‬يرص���د تلك الظاهرة‪ ،‬ويبين أثرها في‬ ‫التشويش في الخطاب الليبرالي العربي؛ خطاب‬
‫البيئة المصرية‪ ،‬ومن ثم تحاول الدراسة اإلجابة‬ ‫يميل إلى الش���عارات‪ ،‬يس ّوق الليبرالية بوصفها‬
‫عن اإلشكاالت البحثية التالية‪:‬‬ ‫«الحري���ة»‪ ،‬وال نج���د أي نتاج فك���ري رصين‬
‫كتساؤل رئيس‪ :‬ما مكونات الظاهرة الليبرالية‬ ‫يعبر عن تصورهم لهذا النسق‬ ‫لليبرالي العرب‪ّ ،‬‬
‫المصرية‪ ،‬من رموز ومؤسسات اجتماعية؟ وما‬ ‫الفكري الغربي وكيفية تطبيقه عرب ًّيا‪.‬‬
‫ممارسات الفاعل الليبرالي المختلفة في البيئة‬ ‫والحالة المصرية ال تخرج عن هذا الس���ياق‪،‬‬
‫المصرية‪ ،‬فكر ًّيا وممارس��� ًّيا من���ذ ولوج الفكر‬ ‫وإن كان م���ا يميزه���ا عن غيره���ا أن الظاهرة‬
‫الليبرالي إليها وحتى الوقت الراهن؟‬ ‫الليبرالية‪ ،‬تتخذ فيها بع ًدا ممارس��� ًّيا أكثر منه‬
‫وتس���اؤل فرع���ي‪ :‬ما ماهي���ة الفكر الليبرالي؟‬ ‫بع ًدا فكر ًّيا ‪ -‬حاش���ا المراحل األولى من تبلور‬
‫وفي س���بيل تحديد تلكم الماهية نجيب عن‪ :‬ما‬ ‫الفكر الليبرالي في مصر ‪-‬؛ حيث شكلت فاع ً‬
‫ال‬
‫ال في دعوة‬ ‫سياس��� ًّيا في البيئة المصرية‪ ،‬متمث ً‬
‫هو مفهوم مصطلح الليبرالية؟ وما هو التطبيق‬
‫لإلص�ل�اح المجتمعي الثقافي والسياس���ي في‬
‫الليبرالي في الحقل السياسي واالقتصادي؟‬
‫بداي���ة األمر‪ ،‬ث���م في مرحلة تالي���ة تمثلت في‬
‫اإلطار المنهجي للدراسة‪:‬‬ ‫مجموعة من األحزاب السياس���ية‪ ،‬ومن خلفها‬
‫‪ -1‬في اإلطار النظري للدراس���ة يس���تخدم‬ ‫عدد من الرموز المتبنية للفكر الليبرالي الفاعلة‬
‫الباحث منهج «سوسيوتاريخي»‪ ،‬والذي ينظر إلى‬ ‫في بيئة سياس���ية مغلقة‪ ،‬سيان تحت االحتالل‪،‬‬
‫الش���روط المجتمعية‪ ،‬المحايثة لتش ُّكل فكر ما‪،‬‬ ‫أو فيم���ا بعد التحرر من���ه‪ ،‬والوقوع تحت حكم‬
‫وكذلك العوامل التاريخية التي تشارك في تبلور‬ ‫أوتوقراطي‪ ،‬امتد م���ن ناصر إلى مبارك‪ .‬حتى‬
‫جاءت ثورة الخامس والعش���رين من يناير لتمثل‬
‫ه���ذا الفكر‪ ،‬هذا المنه���ج يمكننا من االقتراب‬
‫مرحلة جديدة في مس���يرة الفاعل الليبرالي في‬
‫م���ن الش���روط المجتمعية‪ ،‬التي أس���همت في‬
‫(((‬
‫البيئة المصرية‪.‬‬
‫تشكل الليبرالية في الواقع الغربي‪ ،‬والتطورات‬
‫التي مرت بها عبر الزمن‪ .‬هذا المنهج يس���اعد‬ ‫أهمية الدراسة والمشكلة البحثية‪:‬‬
‫أيضا في فك إشكال مفهوم مصطلح الليبرالية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وم���ن هنا تأتي أهمية هذه الدراس���ة‪ ،‬والتي‬
‫وكذلك ف���ي توضيح العالقة بي���ن «الليبرالية»‬ ‫تس���عى لمقاربة الظاه���رة الليبرالية في البيئة‬
‫كمذهب و«الحرية» كمثال إنساني‪.‬‬ ‫ً‬
‫فاع�ل�ا مجتمع ًّيا‪ ،‬على‬ ‫المصري���ة‪ ،‬بوصفه���ا‬
‫‪ -2‬تس���تعين الدراس���ة بالمنه���ج الوصفي‬ ‫كل المس���تويات المجتمعية (خاص���ة الثقافي‬
‫التحليلي‪ ،‬لرصد ممارس���ات الفاعل الليبرالي‪،‬‬ ‫والسياسي منها) لتتبع مسيرة هذا الفاعل‪ ،‬منذ‬
‫في البيئة المصرية كأشخاص أو مؤسسات‪.‬‬ ‫ولوجه للبيئة المصري���ة‪ ،‬وحتى الوقت الراهن‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتب���ار مكون���ات الظاه���رة الليبرالية‬
‫الش���خصية والمؤسس���ية مبن ًّيا على انتساب ‪/‬‬ ‫((( للوقوف على املس���ار التاريخي للسياسة املصرية خالل‬
‫تلكم الفترة راجع ‪ :‬ستيفني كوك‪ ،‬الصراع في مصر ‪ :‬من‬
‫نسبة الشخص ‪ /‬المؤسس���ة للفكر الليبرالي‪-‬‬
‫ناصر إلى ميدان التحرير‪ ،‬مجل���س العالقات اخلارجية‬
‫لمبادئ���ه أقص���د‪ ،‬وإن لم يصرح باس���تخدام‬ ‫وجامعة أكسفورد‪ ،‬واشنطن ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقدمة‬

‫فيه تاريخ ًّيا مس���ار الظاهرة إلى ثالث مراحل‬ ‫المصطلح‪ ،‬ولعل ذلك في المراحل األولى فقط‬
‫زمنية متتابعة‪.‬‬ ‫من مس���يرة الظاهرة ‪ -‬وليس بالنظر إلى مدى‬
‫االلتزام بالليبرالية كفلسفة‪ ،‬بكل ما تحمل الكلمة‬
‫صعوبات البحث‪:‬‬
‫من أبعاد فكرية‪ ،‬تنتظم رؤية اإلنسان في الحياة؛‬
‫ثمة صعوب���ات تبرز في طريق إنج���از هذا البحث‪،‬‬
‫وذلك لعدم نضج الفك���ر الليبرالي عرب ًّيا؛ فمن‬
‫ولعل أهمها ما يلي‪:‬‬
‫ينتسب لليبرالية في البيئة المصرية‪ ،‬يراها من‬
‫‪ -‬س���يولة الظاهرة الليبرالية عرب ًّيا ومصر ًّيا‬ ‫وجهة نظره هو ال كم���ا هي في أصلها الغربي‪،‬‬
‫على وج���ه الخصوص؛ فليس هناك إطار صلب‬ ‫فالبعض تختزل الليبرالية عنده في حرية التعبير‬
‫فكري‪ /‬ممارس���ي تنضبط من خالله الظاهرة‪.‬‬ ‫عن الرأي‪.‬‬
‫ويع���ود هذا في ج���زء منه إلى طبيعة النس���ق‬ ‫واآلخ���ر يختزله���ا في بُعد سياس���ي؛ حيث‬
‫الليبرالي نفس���ه؛ إذ تعددت مدارسه الفكرية‪،‬‬ ‫يتصورها فقط في تداول الس���لطة‪ ،‬والس���ماح‬
‫وتطبيقاته الممارس���ية في الحقل السياس���ي‬ ‫بتكوين األحزاب‪ .‬وال نج���د من تم ًثل الليبرالية‬
‫واالقتصادي بالخصوص‪ .‬وفي جزء آخر لنسبية‬ ‫عرب ًّيا كما هي‪ ،‬كتقليد فكري وفلس���فة غربية؛‬
‫رؤية مكونات الظاهرة الليبرالية للفكر الليبرالي‪،‬‬ ‫المشكلة‬
‫وذلك نظ ًرا لطبيعة الليبرالية نفس���ها ُ‬
‫ومن ثَم تباينت األطروح���ات الليبرالية العربية‬ ‫في مفهومها والمتعددة التطبيقات في واقعها‪.‬‬
‫فكر ًّيا وعمل ًّيا‪.‬‬ ‫ومن ثَم لن نحاكم من ينتس���ب لليبرالية إلى‬
‫‪ -‬الليبرالي���ة المعاص���رة تفتقر إلى قدر من‬ ‫المبادئ الفلس���فية لليبرالي���ة‪ ،‬وإنما نجعل من‬
‫أدبي���ات دعاتها‪ ،‬يكفي لفه���م رؤيتهم لليبرالية‪،‬‬ ‫مواقفه (السياسية ‪ /‬الفكرية) التي تثري الحالة‬
‫واستبيان مالمح مش���روعهم المجتمعي؛ إذ إن‬ ‫الليبرالية عمو ًما محد ًدا لتسكينه في الخريطة‬
‫معظم ممارس���اتهم في البيئة الثقافية تتس���م‬ ‫الليبرالية‪.‬‬
‫بالسجال‪ ،‬وخطابها مش���دود للدعاية الفكرية‬ ‫‪ -4‬لي���س الهدف من الدراس���ة المناقش���ة‬
‫لليبرالية‪ .‬وم���ن ثَم فهو خطاب مس���كون بلغة‬ ‫الفكرية للمنتس���بين لليبرالية في مصر‪ ،‬ولكن‬
‫الش���عارات‪ ،‬أما في جانب الممارسة فلم تتبلور‬ ‫اله���دف وضع خريط���ة معرفية تنتظ���م فيها‬
‫تجارب ليبرالية حية‪ ،‬يمك���ن من خاللها قراءة‬ ‫الكيانات الليبرالية (أفراد‪ /‬مؤسسات) مع وضع‬
‫التطبيق الليبرالي‪.‬‬ ‫إطار تحليلي للممارسات المختلفة لها‪.‬‬
‫فرضيات البحث‪:‬‬ ‫ومن ثَم ال يعنينا هنا التعمق االبستيمولوجي‬
‫في العق���ل الليبرالي العرب���ي‪ ،‬وعليه لن يكون‬
‫سنس���عى في هذه الدراس���ة الختبار بعض‬
‫المنهج النقدي حاض ًرا في الدراسة‪.‬‬
‫الفرضي���ات البحثي���ة‪ ،‬لتكون منطلقً���ا لتحليل‬
‫‪ -5‬تستعين الدراس���ة بمنهج تاريخي؛ حيث‬
‫الظاه���رة الليبرالية في مص���ر‪ .‬والخلوص بها‬
‫تَتتب���ع المراحل الت���ي تبلورت فيه���ا الظاهرة‬
‫في نهاية الدراس���ة‪ ،‬كنتائج علمية تم إثباتها من‬
‫الليبرالي���ة في البيئة المصرية‪ .‬منذ ولوج الفكر‬
‫خالل البحث‪ ،‬وس���تتوزع تلكم الفرضيات على‬
‫الليبرالي لمصر وحتى العصر الراهن‪ .‬نُقس���م‬
‫مباحث الدراس���ة المختلفة‪ ،‬حسب موضوع كل‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫‪12‬‬
‫خطة الدراسة‪:‬‬ ‫مبحث‪ ،‬ويمكن إجما ً‬
‫ال صوغ تلك الفرضيات كاآلتي‪:‬‬
‫س���تنتظم الدراس���ة ف���ي مقدم���ة وفصلي���ن وخاتمة‬ ‫‪ -1‬في مس���توى النظر يتسم التقليد الليبرالي‬
‫كاآلتي‪:‬‬ ‫بقدر من التعددية الداللية‪ ،‬مما يجعل من إمساك‬
‫‪ -‬مقدم���ة فيها تمهي���د‪ ،‬وأهمية الدراس���ة‪،‬‬ ‫داللة واحدة تعبر ع���ن مفهوم ناجز له أم ًرا بعيد‬
‫وصعوباتها‪ ،‬والمنهج العلم���ي المتبع‪ ،‬وفرضيات‬ ‫المنال‪ .‬أما في مس���توى الممارس���ة فالليبرالية‬
‫الدراسة‪.‬‬ ‫ش���هدت قد ًرا أوس���ع من التعددية‪ ،‬في التطبيق‬
‫‪ -‬الفصل األول‪ :‬إطار نظري للدراسة‪:‬‬ ‫المجتمعي‪ ،‬وخاصة في المنحى االقتصادي‪.‬‬
‫نقارب فيه ماهية الفلس���فة الليبرالية‪ ،‬بالبحث‬ ‫‪ -2‬الليبرالية قدمت إلى البيئة المصرية مبك ًرا‪،‬‬
‫في مفهوم مصطل���ح الليبرالية‪ .‬وكذا بالبحث في‬ ‫مع الوافد الفكري الغرب���ي عند أول احتكاك مع‬
‫األس���س التي قام عليها التطبي���ق الليبرالي‪ ،‬في‬ ‫نتاجا‬
‫الغرب من خالل الحملة الفرنسية‪ ،‬وليست ً‬
‫الحقل السياسي واالقتصادي‪.‬‬ ‫منتجا غري ًبا عن‬
‫ً‬ ‫خالصا‪ .‬ومن ثَم ظل���ت‬
‫ً‬ ‫مصر ًّيا‬
‫‪ -‬الفصل الثاني‪ :‬الليبرالية في مصر‪ :‬مس���ار‬ ‫الفضاء الثقافي المصري منذ ولوجها إليه وحتى‬
‫الفكر والممارسة‪:‬‬ ‫الوقت الراهن‪.‬‬
‫نتناول في هذا الفصل عرض سوسيوتاريخي‪،‬‬ ‫‪ -3‬بالرغم من المح���اوالت المتكررة لتجذير‬
‫لمس���ار الظاهرة الليبرالية ف���ي البيئة المصرية‬ ‫الفك���ر الليبرالي ف���ي البيئة الثقافي���ة المصرية‬
‫بمستوياتها المختلفة (ثقاف ًّيا وسياس ًّيا) في ثالثة‬ ‫إال أنه ظل منبوذًا مجتمع ًّيا ومس���جو ًنا في إطار‬
‫مباحث‪:‬‬ ‫نخبوي‪ ،‬بينما القى حظ���ه من التطبيق في بعض‬
‫‪ -‬المبح���ث األول‪ :‬الرواد األول‪ :‬أفكار ليبرالية‬ ‫المراحل التي مر بها في الجانب االقتصادي وفي‬
‫ال النسق الليبرالي‪.‬‬ ‫السياس���ي بدرجة أقل‪ .‬وإلى اآلن ظل عاجزًا عن‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬الجي���ل الثاني‪ :‬بلورة الفكر‬ ‫تش���كيل نس���ق كامل من الفكر والممارسة‪ ،‬يمكن‬
‫الليبرالي‪.‬‬ ‫تجربته في المجتمع المصري في كل المستويات‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬الليبرالية المعاصرة‪ :‬سيولة‬ ‫‪ -4‬الحالة الليبرالية المصرية تتس���م بالسيولة‬
‫الفكر والممارسة‪.‬‬ ‫الفكرية والممارسية‪.‬‬
‫‪ -‬خاتمة فيها خالصة تنفيذية للبحث‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫اإلطار النظري للدراسة‬
‫(الليبرالية‪ :‬مقاربة فلسفية)‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪15‬‬

‫الفصل األول‬
‫اإلطار النظري للدراسة‬
‫(الليربالية‪ :‬مقاربة فلسفية)‬

‫في هذا الفصل تسعى الدراسة لوضع إطار‬


‫املبحث األول‬ ‫نظري تقارب م���ن خالله ماهي���ة «الليبرالية»‬
‫يف مفهوم مصطلح الليربالية‬ ‫كفلسفة ونسق فكري؛ وذلك بالبحث في محورين‬
‫رئيسين‪ ،‬من خاللهما يمكن بناء تصور كامل عن‬
‫ننتهج في البحث عن داللة مصطلح الليبرالية‬ ‫الفكر الليبرالي‪:‬‬
‫مقاربتين؛ األول���ى مقاربة معجمي���ة‪ ،‬والثانية‬ ‫أو ًال‪ :‬مفهوم مصطلح الليبرالية‪.‬‬
‫مقاربة سوسيوتاريخية‪:‬‬ ‫ثان ًي���ا‪ :‬األس���س التي ق���ام عليه���ا التطبيق‬
‫الليبرالي في الحقل السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫‪ -1‬في القراءة المعجمية للمصطلح‪:‬‬
‫وفرضية هذا المبحث الت���ي نروم اختبارها‬
‫الليبرالي���ة مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من‬ ‫يمكن تقسيمها كاآلتي‪:‬‬
‫(‪ )liberalism‬في اإلنجليزية‪ ،‬والمش���تق بدوره‬ ‫‪ -1‬كون الليبرالي���ة ال يمكن تجريد مفهومها‬
‫من األصل الالتين���ي (ليبراليس) «والذي يعني‬ ‫مصطلح ًّيا في تعريف ناجز مبرئ من االنزياح‪،‬‬
‫الش���خص الكريم‪ /‬النبيل‪ /‬الحر‪ ،‬ومن بين هذه‬ ‫وإنم���ا يل���زم لفه���م الليبرالية قراءة الش���رط‬
‫الدالالت االشتقاقية التي يحملها اللفظ نجد أن‬ ‫المجتمعي الذي تشكلت فيه‪.‬‬
‫المعنى األخير – الش���خص الحر – هو المعنى‬ ‫‪ -2‬الليبرالية تق���وم على الفردية وتتخذ من‬
‫الذي س���يكون مرتكز البن���اء الداللي للمفهوم‬ ‫الحرية أداة لتطبيقها السياس���ي واالقتصادي‬
‫الحقً���ا؛ حيث نالح���ظ أنه حت���ى نهاية القرن‬ ‫لدعم حري���ة الفرد المالك‪ ،‬وم���ن ثم ارتبطت‬
‫الثامن عشر لم يكن لفظ ليبرالية متداوال(((‪ ،‬بل‬ ‫بالبرجوازية‪.‬‬
‫كانت الكلمة الش���ائعة هي (ليبرال) التي قُصد‬ ‫ومنهجن���ا هنا منهج سوس���يوتاريخي نقارب‬
‫بها وقتئذ «الش���خص المتحرر فكر ًّيا»‪ ،‬لكن في‬ ‫به مفهوم المصطلح‪ ،‬ونتتب���ع به تطور التطبيق‬
‫نهاية القرن التاسع عشر ظهر بوصفه داالً على‬ ‫الليبرالي في الحقل السياسي واالقتصادي عن‬
‫رؤية مذهبية لها أساس���ها الفك���ري ونظريتها‬ ‫طريق النظر في الش���رط المجتمعي والظرف‬
‫السياسية واالقتصادية‪.‬‬ ‫التاريخي الذي دفع نحو بلورة الفكر الليبرالي‪.‬‬

‫((( كان أول من س���موا ليبراليني أعضاء حزب أسباني عام‬


‫‪ 1810‬يسمى «الكورتس»‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪16‬‬
‫التفريقات الس���ابقة مدى التباس هذا اللفظ‪،‬‬ ‫وظهرت الليبرالية كمصطل���ح ألول مرة في‬
‫ومم���ا يزيد م���ن االلتباس اس���تعماله الطارئ‬ ‫اللس���ان اإلنجليزي ع���ام ‪1819‬م‪ ،‬أما في اللغة‬
‫المت���داول في أيامن���ا للداللة عل���ى األحزاب‬ ‫الفرنس���ية فغالب الظن أن أول من اس���تعملها‬
‫(((‬
‫السياسية)‪.‬‬ ‫(((‬
‫«مان دو بيران» في عام ‪1818‬م»‪.‬‬

‫ج‪ -‬الموسوعة األمريكية األكاديمية‪:‬‬ ‫ولنتتب���ع بع���ض المقاربات المعجمي���ة لمفهوم‬


‫الليبرالية هي فلس���فة سياس���ية تركز على‬ ‫الليبرالية‪:‬‬
‫أيضا‪« :‬سعت الليبرالية‬‫الحرية الفردية‪ ،‬وتقول ً‬ ‫أ‪ -‬المعجم الفلسفي لجميل صليبا‪:‬‬
‫إلى توس���يع الحريات المدنية‪ ،‬وتقييد السلطة‬ ‫يع���رف صليب���ا الليبرالية بكونه���ا «مذهب‬
‫السياسية لصالح الحكومة التمثيلية الدستورية‪،‬‬ ‫الحري���ة»‪ ،‬وتناوله���ا ف���ي بعدها السياس���ي‬
‫(((‬
‫وتعزيز حقوق الملكية والتسامح الديني»‪.‬‬ ‫واالقتصادي والفلسفي‪ ،‬ففي السياسي اعتبرها‪:‬‬
‫نجد أن المقاربة هنا قد أظهرت كون الحرية‬ ‫مذه ًب���ا سياس��� ًّيا يقرر وجوب فصل الس���لطة‬
‫الفردية كقيمة هي جوهر الفلس���فة الليبرالية‪،‬‬ ‫القضائية والس���لطة التش���ريعية عن السلطة‬
‫وذك���رت تطبيق ه���ذا الجوهر على المس���توى‬ ‫التنفيذية‪.‬‬
‫السياس���ي بتحديد العالقة بين الدولة واألفراد‬ ‫وفي البعد االقتصادي اعتبرها‪ :‬مذه ًبا يقرر‬
‫ووجوب احترام الدولة لحرية الفرد في التملك‬ ‫وجوب تخلي الدول���ة عن التدخل في العالقات‬
‫والتسامح في شؤونه الخاصة‪.‬‬ ‫االقتصادية بين األفراد والجماعات‪.‬‬
‫وف���ي البع���د االجتماعي اعتبره���ا‪ :‬مذه ًبا‬
‫د‪ -‬دائرة المعارف البريطانية‪:‬‬
‫يقرر وجوب احترام اس���تقالل األفراد‪ ،‬ووجوب‬
‫«الليبرالية هي مذه���ب أولئك الذين يؤمنون‬ ‫(((‬
‫التسامح في شؤونهم الخاصة‪.‬‬
‫بالحرية الفردية»‪ ،‬ثم ش���رعت في بيان وظيفة‬ ‫ويتض���ح من هذه المقاربة أنه���ا تعتمد على‬
‫الدولة والتي ينبغي أن تنحصر في حماية حقوق‬ ‫توصيف إلجراءات الليبرالية في سياق التطبيق‬
‫المواطنين الطبيعية‪ ،‬وكذا ل���زوم ابتعادها عن‬ ‫السياسي واالقتصادي‪ ،‬ولم ِ‬
‫تعط مفهو ًما ناجزًا‬
‫(((‬
‫السوق تب ًعا لسياسة‪ :‬دعه يعمل دعه يمر‪.‬‬ ‫يحدد جوهر التقليد الليبرالي الفلس���في الذي‬
‫هنا تؤكد الموسوعة على كون الحرية الفردية‬ ‫تنبثق منه هذه اإلجراءات‪.‬‬
‫هي صلب التقليد الليبرالي مع بيان آليات تطبيق‬
‫ب‪ -‬موسوعة أندريه الالند الفلسفية‪:‬‬
‫الفكرة في السياق السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫من خالل هذه التعريفات المعجمية لليبرالية‪،‬‬ ‫نفس المقاربة الموجودة ف���ي معجم صليبا‬
‫يظهر ك���ون المقاربة المعجمية ليس���ت كافية‬ ‫نجدها عند الالند في موس���وعته‪ ،‬وفي التعليق‬
‫النق���دي نجده يضيف التال���ي (نرى من خالل‬
‫((( أندريه الالند‪ ،‬موس���وعة الفلس���فة‪ ،‬تعريب خليل أحمد‬
‫خليل‪ ،‬منشورات عويدات ط ‪2001‬م ص ‪.726‬‬ ‫((( الطيب بوع���زة‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬كت���اب البيان ‪ ،109‬ط‬
‫‪(4) Academic American encyclopedia (liber-‬‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬ص ‪.19-18‬‬
‫)‪alism‬‬ ‫((( جميل صليبا‪ ،‬املعجم الفلس���في‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ط‬
‫)‪(5) Encyclopedia Britannica (liberalism‬‬ ‫‪1982‬م ص ‪.465‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪17‬‬
‫أحيا ًنا إلى درج���ة التناقض بين منظريها‪ ،‬ومن‬ ‫لتحصيل مفه���وم ناجز لمصطل���ح الليبرالية؛‬
‫ثم فإن أي تسطير لداللة كلية جامعة هو مجرد‬ ‫وذلك لكون المعاجم تميل لالختصار والتبسيط‪،‬‬
‫اختزال ينبغ���ي أن يُحتَرس منه «هذا االختالف‬ ‫مما يتنافى مع طبيعة التقليد الليبرالي المتعدد‬
‫سجله الباحث واقع في المستوى النظري؛‬ ‫الذي ّ‬ ‫نوعا من‬
‫الوجوه الفكرية والتطبيقية‪ ،‬مما يُكسبه ً‬
‫حيث تباينت تحدي���دات الليبراليين للمصطلح‪،‬‬ ‫أنواع الغموض يجعل من العس���ير على المقاربة‬
‫وم���ن ثَ���م ال أمل ف���ي تحديد مفه���وم واضح‬ ‫المعجمي���ة أن تفي بغ���رض تكوين تصور كامل‬
‫لليبرالي���ة؛ حيث يلزم مراعاة ه���ذا التنوع عند‬ ‫للمفهوم‪.‬‬
‫مقارب���ة المفهوم‪ ،‬أما على المس���توى الواقعي‬ ‫وقد أدى اعتماد المقاربة المعجمية لمصطلح‬
‫فيؤك���د الباحث عل���ى «أن األم���ر يظهر على‬ ‫الليبرالية إلى الس���قوط في مزلق منهجي‪ ،‬وهو‬
‫نحو أكثر إش���كاالً وتعقي ًدا‪ ،‬فالليبرالية أنماط‬ ‫اعتبار الليبرالي���ة مرادفة للحرية‪ ،‬وصار أقرب‬
‫واجتهادات مختلفة»‪.‬‬ ‫تعريف لليبرالية هو «مذهب الحرية»‪ ،‬يظهر هذا‬
‫بع���د هذا التأكيد يرى الباح���ث أن المقاربة‬ ‫جل ًّيا في الخط���اب الليبرالي العربي المعاصر‪،‬‬
‫المعجمية للمصطلح ليس���ت كافية في تحصيل‬ ‫المعب���أ بحمولة دعائية‪ ،‬فالليبرالية عندهم هي‬
‫وعي كامل عن مفهومه «فالليبرالية ليست مجرد‬ ‫الحري���ة‪ ،‬ومن ثَم من يتناوله���ا بالنقد هو ُم ٍ‬
‫عاد‬
‫لفظ نظ���ري يعيش بين دفتي القاموس‪ ،‬بل هي‬ ‫للحرية يس ّوغ االستبداد والطغيان‪.‬‬
‫لفظ يدل على أنظمة مجتمعية متعددة‪ ،‬ويحيل‬ ‫والح���ق أن كل المصطلحات السياس���ية ال‬
‫إلى س���ياقات تاريخية ال بد من اس���تحضارها‬ ‫يمكن االقتص���ار على الق���راءة المعجمية لكي‬
‫لفهم المشروع الليبرالي»‪ ،‬ومن ثم يتوسل الباحث‬ ‫يعبر عن حقيقتها؛‬ ‫واضحا لها ّ‬
‫ً‬ ‫نحصل مفهو ًم���ا‬
‫مقاربة مغايرة للقراءة المعجمية‪ ،‬وهي المقاربة‬ ‫وذلك ألنها ليس���ت دوال لفظية‪ ،‬يمكن مقاربتها‬
‫التاريخية ويبرر لمس���لكه هذا بكون «الليبرالية‬ ‫معجم ًّيا‪ ،‬ولكنها نتاج لتفاعالت تاريخية وشروط‬
‫ظه���رت أوالً بوصفها معط���ى تاريخ ًّيا قبل أن‬ ‫مجتمعي���ة تعمل على تبلورها وتطورها‪ ،‬ومن ثَم‬
‫تتش���كل بوصفها ً‬
‫لفظا اصطالح ًّيا‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنها‬ ‫ال ب���د من مقاربة أخرى تمك ّنا من فهم مصطلح‬
‫م���ن حيث وجودها بوصفه���ا ً‬
‫لفظا لم تظهر إال‬ ‫الليبرالية‪:‬‬
‫الحقًا لوجودها بوصفها واق ًعا؛ إذ إنها بوصفها‬
‫‪ -2‬في المقاربة السوسيوتاريخية‪:‬‬
‫وجود معرفي ومجتمعي أخذت في التبلور داخل‬
‫س���ياق التاريخ األوروبي عل���ى األقل قبل ثالثة‬ ‫تن���اول المفكر الدكتور الطي���ب بوعزة((( في‬
‫لفظا اصطالح ًّيا»‬ ‫قرون من ظهورها بوصفه���ا ً‬ ‫أطروحته «نقد الليبرالية» اإلشكال المفاهيمي‬
‫أي أن الليبرالية ظهرت كممارس���ة واقعية قبل‬ ‫لمصطلح الليبرالية‪ ،‬مؤك��� ًدا في البدء على أن‬
‫أن تتبلور كنسق فكري ومصطلح ناجز متداول»‪،‬‬ ‫«رسم أي داللة كلية لليبرالية يجب أن يضع في‬
‫ول���ذا يخلص بوعزة إلى أن «الليبرالية ليس���ت‬ ‫الحسبان وجود اختالفات معرفية ونظرية تصل‬
‫باللف���ظ الذي يج���ب أن يقتصر ف���ي تحديد‬ ‫((( مفك���ر مغربي‪ ،‬حاصل على الدكتوراه في الفلس���فة من‬
‫جامعة محمد اخلام���س بالرباط‪ ،‬من أعماله‪ :‬مش���كلة‬
‫داللته على س���ياقه اللغوي المعجمي‪ ،‬بل ال بد‬ ‫الثقافة‪ ،‬قضايا في الفكر اإلس�ل�امي املعاصر‪ ،‬ومقاربات‬
‫ورؤى في الفن‪ ،‬وفي داللة الفلسفة وسؤال النشأة‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪18‬‬
‫يحلم بتجسيده»‪.‬‬ ‫من بحث س���ياق تنزيله تاريخ ًّيا كأنظمة وأنماط‬
‫‪ -‬العامل الواقعي‪:‬‬ ‫(((‬
‫مجتمعية»‪.‬‬
‫وه���و تحول اقتصادي في المق���ام األول؛ إذ‬ ‫ولنتس���اءل عن تلك���م الش���روط التاريخية‬
‫س���يتحول المجتمع التجاري إلى آخر صناعي‬ ‫أسس���ت لتبل���ور الليبرالية في‬‫والثقافية التي َّ‬
‫بتأسيس الثورة الصناعية‪ ،‬ولكن ثمة احتياجات‬ ‫البيئ���ة المجتمعية الغربية‪ ،‬ومن ثم إدراكنا لهذه‬
‫ال بد من توفرها لكي يحدث هذا التحول‪:‬‬ ‫الشروط يمكننا من بناء تصور سليم عن مفهوم‬
‫ا‪ -‬رأس المال‪.‬‬ ‫الليبرالية يجيب بوعزة عن تساؤلنا كاآلتي‪:‬‬
‫ب‪ -‬المعادن‪.‬‬ ‫اللحظ���ة التاريخية التي تش��� ّكلت فيها تلكم‬
‫ج‪ -‬القوة البشرية‪.‬‬ ‫الش���روط هي عصر النهضة األوربية(((؛ حيث‬
‫أما رأس المال فقد كان متوف ًرا بفضل الحركة‬ ‫أسست‬ ‫ش���هدت أوروبا نوعين من العوامل التي ّ‬
‫التجارية‪ ،‬وأما المعادن فقد وفرتها الكش���وفات‬ ‫لبزوغ المذهب الليبرالي كنظام مجتمعي؛ العامل‬
‫الجغرافية‪« ،‬ولكن بالنس���بة للقوى البشرية فقد‬ ‫األول فكري‪ /‬ثقافي‪ ،‬وأما الثاني فواقعي‪.‬‬
‫كان ثمة مانع ثقاف���ي ومجتمعي يعوق توفرها‪،‬‬ ‫‪ -‬العامل الثقافي‪:‬‬
‫وه���و النظام اإلقطاعي ال���ذي كانت فيه القوة‬ ‫حيث «حدث انفتاح على عوالم ثقافية جديدة‬
‫البش���رية العاملة في الحقل قوة أقنان مشدودة‬ ‫عربية وإغريقية ورومانية وهي عوالم بفعل كونها‬
‫إلى األرض تعيش بين س���ياجاتها‪ ،‬وتعمل فيها‪،‬‬ ‫خارج مدار النص الكنسي فإنها أدهشت العقل‬
‫وتُدفن ف���ي داخلها بمعنى أن النظام اإلقطاعي‬ ‫األوروب���ي‪ ،‬وأثبتت له أن ثم���ة إمكانات معرفية‬
‫كان عائقً���ا يعت���رض ح���راك القوة البش���رية‬ ‫أرقى من تلك التي خلّفتها له قرونه الوس���طى‬
‫وانتقاله���ا م���ن الحقل‪/‬القرية إل���ى المصنع‪/‬‬ ‫المش���دودة إلى النص اإلنجيل���ي والمتمحورة‬
‫المدين���ة‪ ،‬فكان ال بد م���ن تفكيكه بنقض نظام‬ ‫حوله‪ ...‬هذا االنفت���اح الثقافي على الحضارة‬
‫القنانة‪-‬العبودي���ة‪ -‬وتحرير القن‪/‬العبد ليتمكن‬ ‫اإلس�ل�امية والموروث الهلين���ي((( كان ال بد أن‬
‫م���ن االنتقال للمدينة‪ ،‬وهنا كان ال بد للفكر من‬ ‫تعارضه الكنيسة‪ ،‬ومن ثَم كان ال بد من الشعور‬
‫توظيف المثال أي الحرية التي سيجري تقديمها‬ ‫بالحاجة إلى الحرية والت���وق إلى مثالها‪ ،‬فكان‬
‫بمدلول خاص يتناس���ب مع الظ���رف التاريخي‬ ‫هذا هو الش���رط التاريخي ال���ذي م ّهد لميالد‬
‫والحاج���ة المجتمعية الولي���دة‪ ،‬فولدت مقولة‬ ‫الشعور بالحاجة إلى مثال الحرية‪ ،‬وهو الشعور‬
‫الحرية بمدلولها الليبرالي بوصفها تحري ًرا للقن‬ ‫ال لالس���تواء في أي شكل مذهبي‬ ‫الذي كان قاب ً‬
‫ليتحول إلى عامل‪ ،‬وبذلك فالليبرالية لم تنش���أ‬
‫بوصفه���ا توكي ًدا لحرية اإلنس���ان‪ ،‬بل بوصفها‬ ‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.22-20‬‬
‫توكي��� ًدا للحاجة إلى اس���تغالله بطرائق مغايرة‬ ‫((( يُطلق عصر النهضة على الفترة الزمنية التي مثلت انتقال‬
‫أوروبا من العصور الوس���طى إلى العصر احلديث‪ ،‬ويؤرخ‬
‫لالس���تغالل القناني أي طرائق جديدة تناسب‬ ‫لها بسقوط القس���طنطينية في ‪1453‬م‪ ،‬وبدأت جغراف ًّيا‬
‫في إيطاليا ثم انتقلت لباقي أوروبا‪.‬‬
‫الثورة الصناعية»‪« ،‬هن���ا يحرر الباحث الحرية‬
‫((( يُطل���ق على احلقب���ة املتأخرة من احلض���ارة اإلغريقية‬
‫كمثال وأفق إنساني ينزع إليه اإلنسان من سجن‬ ‫يعبر عن االس���م العرقي‬
‫«احلقبة الهلينية»‪ ،‬وأصل الكلمة ّ‬
‫لليونان‪ ،‬وقد ظهرت خاللها الفلسفة اإلبيقورية والرواقية‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪19‬‬
‫فالليبرالي���ة من الناحية الفكرية تعني حرية‬ ‫الليبرالية كمذهب‪ ،‬فكل ما فعلته الليبرالية أنها‬
‫االعتقاد والتفكير والتعبير‪.‬‬ ‫وظفت مث���ال الحرية لخدمة التحول المجتمعي‬ ‫ّ‬
‫ومن الناحية االقتصادية تعني حرية الملكية‬ ‫من التج���ارة للصناعة‪ ،‬ومن ثَ���م كان ال بد من‬
‫الش���خصية‪ ،‬وحرية الفعل االقتصادي المنتظم‬ ‫استحضار مقولة الحرية للعمل على نقل القن من‬
‫وفق قانون السوق‪.‬‬ ‫الحقل للمصنع‪ ،‬ويستدل بوعزة على طرحه هذا‬
‫وعلى المستوى السياسي تعني حرية التجمع‬ ‫«بأن إبادة الهنود الحمر التي جاءت مقترنة مع‬
‫وتأس���يس األحزاب واختيار الس���لطة‪ ،‬وهكذا‬ ‫بداية انهيار النظام اإلقطاعي واستعباد شعوب‬
‫نالحظ أن مقولة الحرية ال تش���كل فقط مبدأ‬ ‫إفريقيا واس���تعمارها ونه���ب مقدراتها لم تكن‬
‫من جملة مبادئ‪ ،‬بل هي مرتكز لتأسيس غيرها‬ ‫صنعة اإلقطاع‪ ،‬بل صدرت عن النظام الليبرالي‬
‫(((‬
‫من المبادئ‪.‬‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬وكان التسويغ لهذا االستعباد صاد ًرا‬
‫من داخل البرلمانات الليبرالية الرافعة لش���عار‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫اإلخاء والحرية والمساواة !»‬
‫((( (((‬

‫بعد هذه المقاربة المعجمية والسوس���يوتاريخية‬ ‫بعدم���ا س���جل الباح���ث تلك���م االحت���رازات‬
‫لمصطلح الليبرالية يمكن الخلوص باآلتي‪:‬‬ ‫المنهجية المتمثلة في‪:‬‬
‫المذاه���ب الفكري���ة والسياس���ية ال يمكن‬ ‫‪ -‬الوع���ي بالتع���دد الحاص���ل ف���ي مفهوم‬
‫دراستها وفهمها بالبحث عن تعريف جامع مانع‬ ‫الليبرالية على سبيل الفكر والممارسة‪ ،‬ومن ثَم‬
‫لها كما يقتضي الحد الماهوي األرسطي؛ ألنها‬ ‫فإن تحصيل وعي ناج���ز عن مفهوم المصطلح‬
‫نت���اج تفاعالت مجتمعية وتاريخي���ة؛ لذا ال بد‬ ‫أمر بعيد المنال‪.‬‬
‫من التوقف عن البحث عن «تعريف الليبرالية»‪،‬‬ ‫‪ -‬الدالل���ة المعجمي���ة للمصطل���ح ال تكفي‬
‫ونس���تبدل ذلك بـ«التعرف على الليبرالية» فك ًرا‬ ‫لمقاربت���ه وال بد من تش���غيل المنهج التاريخي‬
‫وممارسة‪.‬‬ ‫والسوس���يولوجي لك���ي نق���ف على الش���رط‬
‫مصطلح الليبرالية مصطلح مش���كل‪ ،‬قراءته‬ ‫المجتمعي الذي أدى لظه���ور الليبرالية كنظام‬
‫معجم ًّيا تؤس���س لخل���ل منهجي يس���اوي بين‬ ‫مجتمعي‪.‬‬
‫الليبرالي���ة كمذهب فلس���في والحري���ة كمثال‬
‫إنس���اني‪ .‬ولذلك ال بد من النظر إلى الشروط‬ ‫قدم تعري ًفا ًّ‬
‫أوليا لليبرالية كاآلتي‪:‬‬
‫المجتمعي���ة الت���ي دفعت الوع���ي الغربي نحو‬ ‫«الليبرالية هي فلس���فة‪ /‬فلسفات اقتصادية‬
‫الليبرالية‪.‬‬ ‫وسياسية ترتكز على أولوية الفرد بوصفه كائنًا‬
‫الليبرالي���ة تنبني على أساس���ين‪ :‬األول هو‬ ‫حرا»‪.‬‬
‫ًّ‬
‫الفردية‪ ،‬والثاني هو الحري���ة‪ ،‬وانطال ًقا منهما‬ ‫وانطالق���ا من هذه المقول���ة النظرية يجري‬
‫تنوع���ت التطبيق���ات الليبرالي���ة البريطاني���ة‬ ‫تحدي���د طبيعة المنظ���ور الليبرال���ي لمختلف‬
‫والفرنس���ية واألمريكية في الحقل السياس���ي‬ ‫مجاالت الكينونة اإلنسانية‪.‬‬
‫واالقتصادي‪.‬‬
‫((( هذا هو شعار الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫((( املرجع السابق ص‪ 20‬وما بعدها‪.‬‬ ‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.25-23‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪20‬‬
‫من الغطاء القيمي‪/‬األخالقي‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬
‫‪ -‬ميكيافيللي((( والتأسيس للنظرية الليبرالية‪:‬‬
‫ النظرية الليربالية‬
‫تعتب���ر الكثي���ر م���ن األدبيات السياس���ية‬
‫مؤسس���ا لعلم السياس���ة الحديث؛‬
‫ً‬ ‫ميكيافيللي‬
‫يف السياسة واالقتصاد‬
‫لكونه قد نقل السياسة من السياق الفلسفي إلى‬ ‫بعدما س���عينا في المبحث السابق أن نتعرف‬
‫س���ياق واقعي‪ ،‬يتناول ما هو كائن ال ما يجب أن‬ ‫على مصطلح الليبرالية نتناول في هذا المبحث‬
‫يك���ون‪ ،‬وكان جوهر هذه النقلة كامنًا في تجريد‬ ‫األس���س التي ينطلق منها التطبي���ق الليبرالي‬
‫الفعل السياس���ي عن األخالق‪ ،‬هذا التأس���يس‬ ‫في المجال السياس���ي واالقتصادي؛ طم ًعا في‬
‫يجعل منه مرج ًعا للنظرية السياسية الليبرالية‪،‬‬ ‫مقاربة الماهية الليبرالية‪.‬‬
‫ومبرر آخر لهذه المرجعية الميكيافيللية للسياسة‬ ‫وس���نعتمد في محورنا هذا عل���ى المقاربة‬
‫أس���س ألفضلية‬ ‫الفلس���فية التي قدمه���ا «د‪ .‬الطي���ب بوعزة»‬
‫الليبرالية‪ ،‬تتمثل في كونه قد َّ‬
‫الحكم الجمهوري عن الحكم الفردي‪ ،‬ولعل هذا‬ ‫ف���ي أطروحته «نقد الليبرالي���ة»؛ نظ ًرا لعمقها‬
‫غير الشائع في أدبيات الفكر السياسي؛ إذ يعد‬ ‫الفلسفي وقيمتها التفسيرية العالية‪.‬‬
‫ميكيافيلل���ي واح ًدا من أه���م المنظرين لحكم‬ ‫أو ً‬
‫ال‪ :‬النظرية السياسية الليبرالية‪:‬‬
‫الفرد المطل���ق‪ ،‬ويرى الدكتور الطيب بوعزة أن‬
‫هن���اك ث�ل�اث مح���ددات للنظري���ة السياس���ية‬
‫هذا التصور الخاطئ عن ميكيافيللي راجع إلى‬
‫الليبرالية‪:‬‬
‫أن الباحثي���ن في فكره السياس���ي يقرءونه من‬
‫األس���اس األول‪ :‬الفص���ل بين السياس���ي واألخالقي‪:‬‬
‫خالل كتابه «األمير» ((( متجاوزين باقي أعماله‬
‫ميكيافيللي‪.‬‬
‫خاص���ة كتابه «أحاديث على المقاالت العش���ر‬
‫كان مبحث السياس���ة منذ أرسطو وأفالطون‬
‫األولى في تاريخ تيت���و ليفيو»‪ ،‬ويرى بوعزة أننا‬
‫كما ف���ي كتابيهما «السياس���ة» و«الجمهورية»‪،‬‬
‫لو سلمنا من رؤية فكر ميكيافيللي السياسي من‬ ‫يُتناول في س���ياق أخالق���ي مثالي؛ حيث تُحدد‬
‫خ�ل�ال متنه األمير فق���ط‪ ،‬وقرأنا مجمل فكره‬ ‫الصورة المثالية لما تجب أن تكون عليه األمور‪،‬‬
‫مس���تعينين بالش���رط المجتمعي الثقافي الذي‬ ‫ثم ينظر إلى الواقع بوصفه ال يحمل هذه الصورة‬
‫عاشه ميكيافيللي وبالتركيز على كتابه «أحاديث»‬ ‫فينقد ويطلب منه أن يصل إليها‪ ،‬من هنا كانت‬
‫عندها يمكننا فهم رؤيته السياسية التي تفضل‬ ‫السياس���ة لصيقة باألخالق والقيم‪ ،‬ولكن أتت‬
‫الحكم الجمهوري وليس ما هو ش���ائع عنه من‬ ‫النظرية الليبرالية السياسية لتفك هذا االرتباط‬
‫(((‬
‫دعمه للحكم الفردي‪.‬‬ ‫بين األخالق والسياسة لتجرد الثانية من األولى‬
‫جاعلة من الممارسة السياسية فع ً‬
‫ال واقع ًّيا ليس‬
‫((( نيك���وال ميكيافيللي (‪1527-1469‬م) مفكر وفيلس���وف‬ ‫بالمثُل وال متقي ًدا بإطار أخالقي ّ‬
‫ينظم‬
‫إيطالي أشهر كتبه على اإلطالق هو «األمير»‪ ،‬والذي نُشر‬ ‫له عالقة ُ‬
‫بعد موته بخمس سنوات‪.‬‬ ‫ممارس���ته‪ ،‬هذا الفصل كان الدافع له هو رغبة‬
‫((( كتب���ه ألمير فلورنس���ا لورنزو دي ميدتش���ي مقد ًما له‬ ‫الوعي الغربي في التخل���ص الكامل من اإلرث‬
‫النصائح التي تدعم أركان حكمه‪.‬‬
‫((( لبحث هذه املس���ألة راجع الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع س���ابق‬
‫القروس���طي بكل مفرداته الدينية واألخالقية‪،‬‬
‫ص ‪.50-35‬‬ ‫فس���عى لعلمنة الممارسات الحياتية وتجريدها‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪21‬‬
‫مما سيس���تدعي حدوث المشاكل لذا لزم وجود‬ ‫األساس الثاني‪ :‬مبدأ الحق الطبيعي‪ :‬لوك‪.‬‬
‫س���لطة عليا تحكم في هذه اإلش���كاالت‪ ،‬هذه‬ ‫تعتبر نظري���ة «العقد االجتماع���ي» ((( ركنًا‬
‫الس���لطة س���تُظهر المجتمع المدن���ي‪ ،‬ومن ثَم‬ ‫أساس��� ًّيا في النظري���ة السياس���ية الليبرالية‪،‬‬
‫ينتقل المجتمع من الحال���ة الطبيعية إلى حالة‬ ‫فبع���د التخلص من اإلرث القروس���طي؛ حيث‬
‫الثقافة‪« ،‬لكن إيجاد هذه السلطة نتج عن رغبة‬ ‫مؤسسا على نظرية «الحق اإللهي»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كان الحكم‬
‫ال عن إلزام؛ حيث يرى لوك أنه لما كان البش���ر‬ ‫والت���ي بموجبه���ا يحك���م المل���وك باعتبارهم‬
‫بالطبيعة أحرا ًرا ومتساوين ومستقلين فإن أح ًدا‬ ‫مفوضي���ن من اآللهة والس���لطة الكهنوتية‪ .‬راح‬
‫ال يمكن أن يحرم من هذه الحالة‪ ،‬وال أن يخضع‬ ‫فالس���فة النهضة يبحثون عن أس���س جديدة‬
‫للسلطة السياسية آلخر بدون موافقته الخاصة‪.‬‬ ‫للحكم‪ ،‬وكانت البداية مع هوبز؛ إذ أرسى مبادئ‬
‫إن الطريق���ة الوحيدة التي يمكن ألي فرد أن‬ ‫نظرية «العقد االجتماع���ي» بعد تحليله للحالة‬
‫يتنازل عن حريت���ه الطبيعية‪ ،‬ويتحمل التزامات‬ ‫الطبيعية لإلنسان بأنها حالة أنانية مطلقة تكون‬
‫المجتمع المدني تكمن في إجراء اتفاق بين بشر‬ ‫المنفعة الفردية هي الناظم للعالقة المجتمعية‪،‬‬
‫آخرين من أجل التجم���ع واالتحاد في جماعة؛‬ ‫ومن ثَ���م يغرق المجمع في حال���ة حرب‪ ،‬الكل‬
‫بحيث يعيش���ون مع بعض في الرفاهية واألمن‬ ‫ضد الكل‪ ،‬ومن ثَم يجب أن تكون هناك س���لطة‬
‫وتأسيس���ا على ما سبق يخلص لوك‬ ‫ً‬ ‫والسالم‪،‬‬ ‫حاكم���ة تضبط المجتمع بخض���وع الجميع لها‬
‫إلى أن المبدأ الكفيل بانطالق المجتمع المدني‬ ‫وعبر ع���ن هذه الس���لطة بـ«التني���ن»‪ ،‬وبذلك‬
‫ه���و الموافقة التي يعطيها ع���دد ما من الناس‬ ‫يكون هوبز س���عى نحو التأسيس لحكم فردي‪،‬‬
‫لتشكيل جسم سياسي واحد؛ فإنه لكي يتصرف‬ ‫ولذلك لم تكن نظريته السياسية ليبرالية‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك الجسم السياسي ال بد أن ينتظم وفق مبدأ‬ ‫بتأسيس���ه للفردية واألنانية صار مرج ًعا للفكر‬
‫األكثرية‪ ،‬وبذلك صار مب���دأ إرادة األكثرية هو‬ ‫الفلس���في الليبرالي‪ ،‬وهنا جاء دور لوك ليوجه‬
‫الشرط األساس لكل حكومة شرعية‪ ،‬ويستخدم‬ ‫نظرية «العقد االجتماعي» بعي ًدا عن دكتاتورية‬
‫لوك لفظ «الوديعة» ب���دل «العقد»؛ ليؤكد على‬ ‫مؤسس���ا لفكرة «المجتمع المدني»؛ حيث‬ ‫ً‬ ‫هوبز‬
‫أن السلطة المعطاة للحكام هي مجرد وديعة أو‬ ‫اعتبر حالة الطبيعة((( حالة مساواة وحرية تتيح‬
‫أمانة يمنحها لهم الشعب»(((‪.‬‬ ‫للفرد أن يتملك‪ ،‬ونركز على نظريته السياس���ية‬
‫بذلك يكون لوك قد أرس���ى دعائم النظرية‬ ‫أساسا لليبرالية السياسية؛ حيث‬
‫ً‬ ‫التي ستصير‬
‫السياس���ية الليبرالية‪ ،‬حتى اعتبر مؤرخ الفكر‬ ‫اعتب���ر أن حالة الطبيعة هذه مرت بنقله نوعية‪،‬‬
‫السياس���ي جان ج���اك ش���وفالييه كتاب لوك‬ ‫وهي ظه���ور النقد الذي س���يزرع التنافس بين‬
‫«مقالتان في الحكم المدني» التوراة السياس���ية‬ ‫األش���خاص؛ حيث سيدفع اإلنسان إلى اختزانه‬
‫للق���رن الجديد لتبتن���ي عليها تجرب���ة الثورة‬ ‫واإلكثار منه‪ ،‬ومن ثم س���تتغير حالة المس���اواة‬
‫األمريكية‪ ،‬وكذلك الفرنس���ية والبريطانية من‬
‫((( لتفاصيل النظرية يُراجع تطور الفكر السياسي لسباين‪،‬‬
‫باب أولى حيث موطن لوك‪.‬‬ ‫وتاريخ الفكر السياسي لشوفالييه‪.‬‬
‫((( هوبز يقص���د بحالة الطبيعة طبيع���ة النفس‪ ،‬أما لوك‬
‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪ 64‬وما بعدها‪.‬‬ ‫فيقصد بها حالة االجتماع البشري‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪22‬‬
‫لوك‪ ،‬وذلك في كتابه األش���هر «روح القوانين»؛‬ ‫ثم جاء جان جاك روسو ليتابع االشتغال على‬
‫حي���ث راح مونتيس���كيو يتناول أنم���اط الحكم‬ ‫ه���ذه النظرية في كتابة «في العقد االجتماعي»‬
‫الثالث‪ :‬الديمقراطي واألرس���تقراطي والملكي‬ ‫متبن ًّيا لطرح لوك عن حالة الطبيعة‪ ،‬ويغرق في‬
‫يصفها مبينًا أن لكل مجتمع نظا ًما يصلح له دون‬ ‫التنظير للمجتمع المدني المحكوم باإلرادة العامة‬
‫غيره‪ ،‬ثم يدرس النظام الملكي البريطاني والذي‬ ‫والتي يراها متمثلة في الدولة والتي يتنازل لها‬
‫على أساسه تتش���كل السلطة من ثالثة أنماط‪:‬‬ ‫الجميع عن إرادته الكاملة تلك الحكومة التي ال‬
‫التنفيذية والتش���ريعية والقضائية‪ ،‬مؤك ًدا على‬ ‫يجوز لها مطلقًا التعدي على الحقوق الطبيعية‬
‫أن الفصل بين الس���لطات الثالث هو الضامن‬ ‫للبش���ر‪ ،‬والمتمحورة حول الحرية ذاك المبدأ‬
‫الوحيد من استبداد النظام الحاكم ليصير مبدأ‬ ‫األس���اس للتقليد الليبرال���ي كالحق في الحرية‬
‫أساس���ا مكينًا للنظرية‬
‫ً‬ ‫الفصل بين الس���لطات‬ ‫والحي���اة والعمل وحرية التفكي���ر والتعبير عن‬
‫السياسية الليبرالية‪.‬‬ ‫ال���رأي‪ ،‬واالعتقاد والحرية الش���خصية‪ ،‬ويرى‬
‫وم���ن ثَم يتخذ مونتيس���كيو مرج ًع���ا للفكر‬ ‫روس���و أن هذا التنازل هو حرية في ذاته وليس‬
‫السياسي الليبرالي‪ ،‬وهناك في الفكر السياسي‬ ‫قادحا فيها؛ إذ االلتزام بما تمليه اإلرادة العامة‬
‫ً‬
‫الليبرال���ي تخريجات نقدية وتفصيلية على هذا‬ ‫(((‬
‫يحقق المصلحة للجميع‪.‬‬
‫المبدأ تتمحور ح���ول آلية الفصل‪ ،‬وكون عملية‬
‫األساس الثالث‪ :‬فصل السلطات‪ :‬مونتيسكيو‪:‬‬
‫الفص���ل التام نظري���ة أكثر منه���ا واقعية؛ لذا‬
‫يقول س���باين‪« :‬إن إمكان إج���راء فصل جذري‬ ‫بعد أن تأس���س المجتم���ع المدني من فكر‬
‫بين التش���ريع واألعمال القضائية أو بين رسم‬ ‫لوك وخضع الكل لإلرادة العامة على يد روس���و‬
‫السياس���ة والرقابة على تنفيذه���ا كان يصعب‬ ‫كان الهاجس الذي يسكن عقول فالسفة الفكر‬
‫أن يلق���ى القبول من أحد فالس���فة السياس���ة‬ ‫السياس���ي هو كيفية تفادي اس���تبداد السلطة‬
‫(((‬
‫الواقعيين في أي عصر»‪.‬‬ ‫الحاكمة‪ ،‬وكان لوك أول من بحث هذا اإلشكال‪،‬‬
‫ولذلك عندما ُطبق هذا المبدأ بصورة صارمة‬ ‫وتوصل إلى كون السلطة ال يمكن أن يمنعها من‬
‫وجذرية بحسب الدستور الفرنسي لسنة ‪1791‬م‬ ‫االستبداد إال س���لطة مثلها‪ ،‬وبما أن الفرد في‬
‫أدى إلى فشل النظام وحدوث فوضى وانقالبات‬ ‫حالة الطبيعة يملك سلطتين‪ :‬األولى هي اتخاذ‬
‫متالحقة‪ ،‬ولهذا لم يطبق هذا المبدأ في صورته‬ ‫القرار (س���لطة تشريعية)‪ ،‬وس���لطة تنفيذ هذه‬
‫(((‬
‫النظرية المجردة‪.‬‬ ‫القرارات (سلطة تنفيذية)‪ ،‬ولما انتقل للمجتمع‬
‫المدني بالعقد االجتماعي انتقلت السلطتان إلى‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫اإلرادة العامة‪ ،‬فإن لوك رأى أن منع االس���تبداد‬
‫حرية الفرد هي محور النظرية السياس���ية‬ ‫يكون بفصل السلطتين التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫ثم جاء المفكر األنواري مونتيس���كيو لينضج‬
‫((( جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‬ ‫على يديه مبدأ فصل الس���لطات الذي أرس���اه‬
‫‪ ،757/4‬ط ‪1971‬م‪.‬‬
‫((( عبد الرحيم الس���لمي‪ ،‬حقيقة الليبرالية‪ ،‬مركز التأصيل‬ ‫((( لتفاصيل فكر روس���و راجع كتابه «في العقد االجتماعي»‬
‫للدراسات ‪2010‬م ص ‪.203‬‬ ‫دار القلم بيروت‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪23‬‬
‫(((‬
‫‪ -1‬الليبرالية الكالسيكية‪ :‬دعه يعمل‪ . . .‬دعه يمر‬ ‫حاول���ت تقنين هذه الحرية بما‬
‫ْ‬ ‫الليبرالية‪ ،‬وقد‬
‫الليبرالية الكالس���يكية ه���ي الطبعة األولى‬ ‫ال يضر الصالح العام للمجتمع ككل‪ ،‬والليبرالية‬
‫للنظرية االقتصادي���ة الليبرالية؛ حيث تبلورت‬ ‫السياس���ية ليس���ت هي الديمقراطية‪ ،‬فهناك‬
‫مع المدرس���ة الفيزيوقراطية((( الفرنسية قبل‬ ‫نظ���ام ليبرال���ي‪ ،‬وليس ديمقراط���ي والعكس‪،‬‬
‫الثورة‪ ،‬تلكم المدرسة التي ترى األرض المصدر‬ ‫ولكن الليبرالية قدمت نظرية سياسية مؤسسة‬
‫األساس للثروة‪ ،‬وتعتمد الزراعة أسلو ًبا لإلنتاج‪،‬‬ ‫على ثالث قواعد‪ :‬فصل السياس���ة عن الدين‪/‬‬
‫وترف���ض التجارة والتصني���ع والتي ظهرت في‬ ‫األخ�ل�اق‪ ،‬والفصل بي���ن الس���لطات‪ ،‬والعقد‬
‫(((‬
‫مقابل «المركانتيلية»‪.‬‬ ‫االجتماعي‪.‬‬
‫في ظل أزمات اقتصادية ظهرت في فرنسا‬
‫قبل الثورة‪ ،‬وقد أسس���ت بُع ًدا نظر ًّيا لليبرالية‬ ‫ث���ان��� ًي���ا‪ :‬ال��ن��ظ��ري��ة االق���ت���ص���ادي���ة ال��ل��ي��ب��رال��ي��ة‬
‫االقتصادية ف���ي نظرية «الفاعلية االقتصادية»‪،‬‬ ‫(الرأسمالية)‪:‬‬
‫والتي تقوم على تقديس حرية الملكية الفردية‪،‬‬ ‫انطال ًقا من مبدأ الحرية والفردية بوصفهما‬
‫ورف���ض تدخل الدولة في الواق���ع االقتصادي‪،‬‬ ‫األس���اس الفكري للتقلي���د الليبرال���ي راحت‬
‫ولكن ه���ذه النظرية لم تتجذر واق ًعا‪ ،‬بس���بب‬ ‫الليبرالية تض���ع تطبيقًا لها في حقل االقتصاد‬
‫التح���ول نحو المجتم���ع الصناع���ي الذي بدأ‬ ‫ليمثل النظرية االقتصادية الرأسمالية‪.‬‬
‫بإنجلترا‪ ،‬ووصل إليها في فرنس���ا لذا لم تقدم‬ ‫‪ -‬نسخ الليبرالية االقتصادية‪ :‬بين السوق والدولة‪:‬‬
‫الفيزيوقراطية النم���وذج الليبرالي االقتصادي‬ ‫المنح����ى االقتص����ادي للمذه����ب الليبرالي‬
‫ال؛ حيث قام بهذا الدور المدرسة اإلنجليزية‬‫كام ً‬ ‫أكثر بروزًا م����ن نظيره السياس����ي‪ ،‬يرجع ذلك‬
‫على يد ثالثة من االقتصاديين الذين ستؤس���س‬ ‫إلى ارتباط الليبرالية كنس����ق فك����ري بالطبقة‬
‫عل���ى أيديهم النظرية الليبرالية‪ ،‬وهم س���ميث‪،‬‬ ‫البرجوازية‪ ،‬والتي اتخذت من األفكار الليبرالية‬
‫وريكاردو‪ ،‬ومالتوس‪ ،‬ولعل أهمهم هو سميث‪:‬‬ ‫أيديولوجية لها‪ ،‬وإذا كانت النظرية االقتصادية‬
‫آدم سميث‪ :‬فلسفة اليد الخفية‪:‬‬ ‫تنطلق م����ن مبدأ حرية التمل����ك للفرد‪ ،‬إال أنها‬
‫االقتصادي االس���كتلندي آدم س���ميث‬
‫ّ‬ ‫يُعد‬ ‫مرت عبر تطورها بتغيرات عملية تب ًعا للتطورات‬
‫منظري الفكر الرأسمالي‬‫(‪1790- 1723‬م) أهم ّ‬ ‫االجتماعي����ة المختلفة لتخرج في ثالث نس����خ‬
‫والذي أسس له في كتابه األشهر « ثروة األمم»‪،‬‬ ‫تطبيقية (كالسيكية – اجتماعية – نيوليبرالية)‪،‬‬
‫ويعتمد س���ميث في تأسيس���ه على فكرة «اليد‬ ‫ويش����كل ضبط المس����افة بين الس����وق والدولة‬
‫المحدد الرئيس للتمايزات بين هذه النسخ؛ حيث‬
‫((( صك هذه العبارة فانسون دوغورناي وأصلها «دع األشياء‬ ‫يشكل دور الدولة في العملية االقتصادية وحجم‬
‫تعم���ل‪ ،‬دع الناس مت���ر»‪ ،‬أفاده الطيب بوع���زة‪ ،‬في نقد‬ ‫تدخلها فيها ميزان هذا التصنيف؛ حيث تنوعت‬
‫الليبرالية‪.‬‬
‫((( أي الطبيعية من أهم فالس���فتها االقتصادي فرانس���وا‬ ‫وجهات النظر بي����ن التطرف في منع الدولة من‬
‫كيني (‪1774-1694‬م) والذي أسس لهذا املذهب في كتابه‬ ‫التدخل إلى السماح لها بالتدخل المحدود‪.‬‬
‫«اللوحة ‪/‬السبورة االقتصادية»‪.‬‬
‫((( أي التجارية مدرسة تعتمد التجارة كأسلوب إنتاج‪ ،‬وترى‬
‫أن قوة الدولة تكمن فيما حتوزه من معادن نفيسة‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪24‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول س���ميث‪« :‬إننا ال نتوقع‬ ‫الخفي���ة»؛ حيث يعتقد «أن ثم���ة قانو ًنا طبيع ًّيا‬
‫غدائنا من إحس���ان الجزار أو صانع الجعة أو‬ ‫يحكم تصرفات األفراد‪ ،‬وهو عبارة عن يد خفية‬
‫الخباز‪ ،‬وإنما نتوقعه م���ن عنايتهم بمصلحتهم‬ ‫تضبط الواقع االقتصادي‪ ،‬وتحفظ توازنه‪ ،‬ومن‬
‫الخاصة‪ ،‬نح���ن ال نخاطب إنس���انيتهم‪ ،‬وإنما‬ ‫ثم ال يجوز تدخل الدولة في الواقعة االقتصادية‪،‬‬
‫(((‬
‫نخاطب حبهم لذواتهم»‪.‬‬
‫بل ينبغي أن تُترك لتنساق في مسارها الطبيعي؛‬
‫بجانب هذا اإلس���هام النظري لس���ميث في‬
‫ألن هذا التدخل هو خ���رق للصيرورة الطبيعية‬
‫التأس���يس لتحرير العملي���ة االقتصادية نجده‬ ‫(((‬
‫للواقع»‪.‬‬
‫أسس لمبدأ تقس���يم العمل ودوره في زيادة‬ ‫قد َّ‬ ‫ومن هنا أس���س س���ميث إلبعاد الدولة عن‬
‫اإلنت���اج بعدما أكد على ك���ون العمل هو محدد‬
‫العملية االقتصادية برمتها؛ ألن تدخلها سيعيق‬
‫القيمة‪ ،‬ولي���س األرض كما يقول القيزيوقراط‪،‬‬ ‫األخيرة‪ ،‬والتي ت���دار بطريقة آلية طبيعية‪ ،‬بال‬
‫وال المعادن النفيسة كما يقول المركانتيليون‪.‬‬ ‫حاجة منا ألي تدخل‪ ،‬وقبل أن يُجا َدل س���ميث‬
‫بك���ون تدخل الدولة قد يك���ون ضرور ًّيا لحفظ‬
‫‪ -2‬الليبرالي���ة االجتماعي���ة (الكينزي���ة)‪ :‬نع���م‬
‫الصالح العام نراه يرد على ذلك بقوله‪ « :‬أنا لم‬
‫لتدخل الدولة‪:‬‬
‫أعرف أب ًدا أن خي ًرا كثي ًرا تحقق على أيدي من‬
‫أس���لفنا القول بكون المرونة الفكرية للتقليد‬ ‫ال‪« :‬إن‬ ‫يسعون إلى الخير العام» (((‪ ،‬ويجادل قائ ً‬
‫الليبرالي تمظهرت جل ًّيا في وجهته االقتصادية‬ ‫الفرد حتى في بحثه عن مصلحته الش���خصية‬
‫(الرأس���مالية) فتب ًعا للمتغي���رات االجتماعية‬ ‫فإنه يعمل من أجل مصلح���ة المجتمع‪ ،‬وغال ًبا‬
‫يتل���ون التقلي���د الليبرالي‪ ،‬وق���د كانت جدلية‬ ‫ما يكون عمل���ه أكثر فاعلية مما لو عمل قص ًدا‬
‫حرية النش���اط االقتصادي وتدخل الدولة فيه‬ ‫بداعي المصلحة العامة»(((‪.‬‬
‫ه���ي الصورة األبرز لهذا التل���ون‪ ،‬ويُعتبر ظهور‬ ‫هنا نلحظ ذاك البعد الليبرالي في مقوالت‬
‫الليبرالية االجتماعية مثاالً على ذلك‪.‬‬ ‫س���ميث؛ حيث ين���زع أي غط���اء أخالقي عن‬
‫أ‪ -‬الشرط المجتمعي لنشأة الليبرالية االجتماعية‪:‬‬ ‫الممارس���ة االقتصادية‪ ،‬فعنده العامل األساس‬
‫للنشاط اإلنساني ككل هو المصلحة الشخصية‪،‬‬
‫م َّثل النصف األول من القرن العش���رين فترة‬
‫وأن العمل على جمع الثروة ما هو إال مظهر من‬
‫اختب���ار عس���ير لليبرالية الكالس���يكية؛ حيث‬
‫مظاهرها‪ ،‬وبذلك ق���رر أن األنانية تكمن وراء‬
‫«شهدت المجتمعات الغربية خالل تلك اللحظة‬
‫كل ممارس���ات الجنس البشري‪ ،‬وبذلك يصارح‬
‫التاريخي���ة مجموعة أح���داث وتحوالت جذرية‬
‫س���ميث الناس بكون���ه يعتقد أن هذه ليس���ت‬
‫في بنياتها السياس���ية ونظمها وطرائق إدارتها‬
‫صفات ممقوتة يج���ب االبتعاد عنها‪ ،‬وإنما هي‬
‫للمجتمع؛ إذ خلفت الحرب العالمية األولى واق ًعا‬
‫على العكس عوام���ل تحمل الخير إلى المجتمع‬
‫دول ًّيا جدي ًدا ش���هد بروز ظواهر وقوى جديدة‬
‫برمته‪ ،‬وم���ن ثَم يرى أنه إذا أردنا توفير الرخاء‬
‫بفعل انتصار الثورة البلشفية سنة ‪1917‬م ونشأة‬
‫والرفاهية للمجتمع كله ينبغي أن نترك اإلنسان‬
‫النظام االش���تراكي ثم الحقًا ظه���ور األنظمة‬
‫يمارس نش���اطه االقتصادي بال أي قيود عليه‪،‬‬
‫الفاشية؛ حيث برز شرط واقعي جديد تمثل في‬
‫انحطاطا على مستوى‬‫ً‬ ‫بروز نظم كانت تش���هد‬ ‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.93‬‬
‫((( نق ً‬
‫ال عن املرجع السابق نفسه ص ‪.96‬‬
‫((( نقال عن م‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫((( م ‪ .‬ن‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪25‬‬
‫األثير «دعه يعمل‪ ...‬دع���ه يمر»‪ ،‬وقد قام كينز‬ ‫الحري���ات‪ ،‬فإنها في المقاب���ل أنجزت بفاعلية‬
‫بدراسة أهم مشكلتين للتطبيق الليبرالي (البطالة‬ ‫–خصوصا‬
‫ً‬ ‫ملحوظة نقالت هائلة في مجتمعاتها‬
‫والنقد) منتق ًدا الليبرالية الكالسيكية في كونها‬ ‫على مس���توى التصنيع–؛ وذلك بفعل الس���لطة‬
‫لم تنتبه لمش���كلة البطالة؛ حيث اعتقدت خطأ‬ ‫اإلطالقية للدولة وهيمنته���ا على إدارة العملية‬
‫أن كل شخص يستطيع إذا رغب أن يحصل على‬ ‫االقتصادية‪.‬‬
‫العمل الذي يناسبه‪ ،‬وكذلك انتقدها في رؤيتها‬ ‫ثم جاءت األزمة العالمية سنة ‪1929‬م لتش ّكل‬
‫السطحية لمس���ألة النقود؛ حيث اعتبرت النقد‬ ‫ضربة هائلة اهتز لها االقتصاد الرأسمالي إلى‬
‫درجة االنهيار»(((‪ ،‬هذا االهتزاز تقري ًبا نجت منه‬
‫مجرد ظاهرة ثانوي���ة ال أهمية لها في العملية‬
‫كل النظم االشتراكية‪ ،‬وحدها الرأسمالية تهددت‬
‫االقتصادية(((‪.‬‬
‫باالنهي���ار‪ ،‬وإذا نظرنا في الفرق بين النظاميين‬
‫وقد راجت النظرية الكينزية في األوس���اط‬
‫وجدنا مح���وره هو تدخل الدولة ف���ي العملية‬
‫االقتصادي���ة األكاديمي���ة‪ ،‬وبالذات في وس���ط‬ ‫االقتصادية‪ ،‬فبينما تمنع النظم الرأسمالية هذا‬
‫الشباب‪« ،‬وهنا نش���ير إلى البيان الشهير الذي‬ ‫التدخل تمسك النظم االشتراكية بزمام العملية‬
‫أصدرته مجموعة الكينزية الشباب‪ ،‬والذي صدر‬ ‫االقتصادية برمتها‪ ،‬ومن هنا راح العقل الليبرالي‬
‫في كمبردج في ‪1938‬م بعنوان «برنامج اقتصادي‬ ‫يراجع الصورة الكالسيكية لليبرالية االقتصادية‬
‫للديمقراطية األمريكية»‪ ،‬والذي شارك فيه عدد‬ ‫فيما يخص موقفها من تدخل الدولة في السوق‬
‫من االقتصاديين البارزي���ن آن ذاك‪ ،‬هذا البيان‬ ‫ليخرج لنا بالليبرالية االجتماعية‪.‬‬
‫أساسا على ضوء األفكار الكينزية(((‪،‬‬
‫ً‬ ‫الذي ِصي َغ‬ ‫ب‪ -‬الكينزية‪ :‬محاولة للتعديل‪:‬‬
‫ويمكن القول ‪-‬إن أردنا التعميم‪ :-‬إن «اقتصاديات‬
‫لقد قام اللورد جون ماين���ارد كينز((( بعملية‬
‫ما بعد الح���رب العالمية قد أخذت في عمومها‬
‫التعديل التي تلزم التقليد الليبرالي ليتعافى من‬
‫بالنظري���ة الكينزية فاعتم���دت التدخل الفعلي‬ ‫نكس���ته االقتصادية بوضعه لنظريته (النظرية‬
‫للدولة في ترش���يد العملي���ة االقتصادية‪ ،‬وقد‬ ‫قدم فيها أعم���ق نقد للنظرية‬‫العام���ة)‪ ،‬والتي ّ‬
‫حقق هذا التدخل وقتئ���ذ إنقاذًا ومعالجة لكثير‬ ‫الليبرالي���ة الكالس���يكية من داخ���ل المذهب‬
‫من اإلشكاالت الخانقة التي عصفت باالقتصاد‬ ‫الليبرالي‪ ،‬وتعتم���د النظرية إجماالً على وجوب‬
‫(((‬
‫الليبرالي»‪.‬‬ ‫تدخ���ل الدولة في النش���اط االقتصادي‪ ،‬يقول‬
‫كينز‪« :‬يظهر لنا أن توس���يع وظائف الدولة هو‬
‫‪ – 3‬الليبرالية الجديدة (النيوليبراليزم)‪ :‬الدولة‬
‫الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون خراب المؤسسات‬
‫الحارس‪:‬‬
‫االقتصادية الحالية‪ ،‬وش���رط لممارسة ناجحة‬
‫تعتبر الليبرالية الجديدة هي النسخة األخيرة‬ ‫للسعي الفردي»(((؛ ليسجل انقالبه على المبدأ‬
‫من التطبيق االقتصادي للمذهب الليبرالي‪ ،‬تلك‬
‫النسخة التي يحاول تعميمها على كل العالم بعد‬ ‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪ 109‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( ج���ون ماين���ارد كين���ز (‪1946 -1883‬م) عالم اقتصاد‬
‫بريطان���ي من أهم علماء االقتص���اد في العصر احلديث‬
‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫أشهر كتبه «النظرية العامة»‪.‬‬
‫((( عبد الرحيم السلمي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.253‬‬ ‫ال عن عبد الرحيم الس���لمي‪ ،‬مرجع س���بق ذكره‪ ،‬ص‬‫((( نق ً‬
‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫‪.252‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪26‬‬
‫اقتصادية عملت عل���ى بلورة إطار نظري مغاير‬ ‫س���قوط االتحاد الس���وفيتي‪ ،‬وتبني المنظمات‬
‫لإلط���ار النظري الكينزي؛ حيث س���تزعم هذه‬ ‫االقتصادي���ة العالمية كصن���دوق النقد الدولي‬
‫الرؤى أن سبب األزمة ال يكمن فقط في ارتفاع‬ ‫والبنك المركزي له���ا كمرجعية لحقبة العولمة‬
‫س���عر النفط‪ ،‬بل في ارتفاع نفقات الدولة على‬ ‫المتس���مة بفتح األس���واق‪ ،‬وإزالة الحواجز بين‬
‫الخدمات العامة التي تقدمها للطبقات الفقيرة‬ ‫الدول لتيسير انتقال الس���لع لننتقل إلى عصر‬
‫المقترح هو التقليل من‬
‫َ‬ ‫والمتوسطة‪ ،‬وكان الحل‬ ‫الش���ركات متعددة الجنسيات واقتصاد السوق‪،‬‬
‫هذه النفقات‪ ،‬والتراج���ع عن المقاربة الكينزية‬ ‫هذا الس���وق الذي سيحظى بمكانة مقدسة في‬
‫بالعود إلى المنط���ق الليبرالي القاضي بوجوب‬ ‫الليبرالية الجديدة‪ ،‬ومن ثم يحرم على الدولة أن‬
‫إطالق الفعل االقتصادي م���ن كل قيد خارجي‬
‫تخترقه وتضع عليه أية قيود‪ ،‬وبالرغم من األزمة‬
‫واختزال س���لطات الدولة وجعل السوق كينونة‬
‫االقتصادي���ة األخيرة من الع���ام ‪2008‬م‪ ،‬والتي‬
‫(((‬
‫مستقلة بذاتها»‪.‬‬
‫عصف���ت باالقتصادي الليبرال���ي لتهدد منطقة‬
‫‪ -2‬النيوليبراليزم‪ :‬الجذور الفكرية والتطبيق‪:‬‬ ‫اليورو بأكمله���ا وال تزال تبعات هذه األزمة إلى‬
‫«إذا كان���ت الليبرالية الجدي���دة قد ظهرت‬ ‫اآلن تعاني منها األنظمة االقتصادية جميعها إال‬
‫بسبب أزمة النفط في النصف الثاني من القرن‬ ‫أن النيوليبراليزم ال تزال هي النسخة المعتمدة‬
‫العش���رين لتحل محل النظرية الكينزية داعية‬ ‫من الليبرالي���ة في التطبيق االقتصادي للتقليد‪،‬‬
‫للع���ودة إلى النمط الكالس���يكي م���ن التطبيق‬ ‫ولعل تلك األزمات األخيرة تطرح تس���اؤالت عن‬
‫الليبرالي‪ ،‬إال أن جذورها الفكرية تس���تمد من‬ ‫مستقبلها‪.‬‬
‫ثالث مدارس ظهرت في نهاية القرن التاس���ع‬
‫عش���ر‪ ،‬تلك الم���دارس الث�ل�اث حايثت وقت‬ ‫‪ -1‬لماذا النيوليبراليزم؟‬
‫ظهورها تش��� ُّكل طبقة غاية ف���ي الثراء تهيمن‬ ‫كما أس���لفنا القول في كون التقليد الليبرالي‬
‫عل���ى الواقع االقتص���ادي نتيجة تط���ور قوى‬ ‫في منحاه االقتصادي يتسم بمرونة مع التغيرات‬
‫اإلنتاج وتوسع االس���تعمار خارج أوروبا في كل‬ ‫المجتمعي���ة التي تط���رح عليه س���ؤال التغيير‬
‫أط���راف المعمورة‪ ،‬مما دفع إلى ظهور عدد من‬ ‫والتجديد ليتوافق مع واق���ع جديد‪ ،‬فإذا كانت‬
‫ال ُكتاب الذين يدافعون عن مصالح هذه الطبقة‬ ‫الكينزية قد ظهرت نتيجة الكس���اد الكبير الذي‬
‫وتطلعاتها‪ ،‬وفي نهاية القرن العش���رين ستنبعث‬ ‫حل على النظم الليبرالية في النصف األول من‬
‫هذه الرؤية التي أسستها المدارس الثالث واق ًعا‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬فإن أزمة جديدة سوف تتشكل‬
‫ال ف���ي النيوليبراليزم‪ ،‬هذه المدارس‬ ‫عمل ًّيا ماث ً‬ ‫في العام ‪1973‬م مع حرب أكتوبر س���تدفع إلى‬
‫(((‬
‫هي‪ :‬المدرسة النمساوية ولوزان وكمبردج‪.‬‬ ‫ظهور النيوليبرالية؛ تمثلت هذه األزمة في ارتفاع‬
‫وخالص���ة فكر هذه الم���دارس؛ هو اعتماد‬ ‫سبب ظهور أزمة اقتصادية‬ ‫أسعار البترول مما ّ‬
‫الفلسفة االقتصادية الكالسيكية‪ ،‬ولكن بعد زيادة‬ ‫جديدة اتس���مت باقتران التضخم بالبطالة ذاك‬
‫االقتران نادر الحدوث في األزمات االقتصادية‬
‫((( م‪ .‬ن‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫في هذا الظرف « كان ال بد من انطالق مراجعة‬
‫((( لتفاصيل هذه املدارس يراجع‪ :‬محمد حركات‪ ،‬االقتصاد‬ ‫نقدية للنظرية الكينزية‪ ،‬وبالفعل س���تبرز رؤى‬
‫السياسي وجدلية الثروة والفقر‪ ،‬املعارف اجلديدة الرباط‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار النظري للدراسة‬
‫‪27‬‬
‫خصصة مؤسسات الدولة‪.‬‬
‫(((‬
‫بع���ض األدوات اإلجرائي���ة المتعلقة باالقتصاد‬
‫وبذلك تكون النيوليبرالي���زم «ال جديد فيها‬ ‫السياس���ي وأس���لوب مقاربة ووص���ف وتحليل‬
‫س���وى مزيد من إطالق النزوعات التي أفصح‬ ‫العملية االقتصادية‪ ،‬ولعل أشهر هذه التمايزات‪:‬‬
‫عنها الفك���ر الليبرالي الكالس���يكي مع تعميق‬ ‫اعتبار المنفعة هي محدد القيمة‪ ،‬وليس العمل‬
‫البعد المنفعي وتأسيس الفضاء المجتمعي على‬ ‫كما يقول الكالس���يكيون‪ ،‬وكذلك االعتماد على‬
‫مبدأ اللذة بمدلولها الحسي»(((‪ ،‬ومحاولة تعميم‬ ‫المنه���ج الحدي((( في التحليل االقتصادي‪ ،‬ومن‬
‫هذا الصورة باس���م العولمة واقتصاد الس���وق‬ ‫ثَم توسم هذه المدارس بـ «المدرسة الحدية»(((‪،‬‬
‫لتنتشر ثقافة االستهالك‪ ،‬هذه الصورة التي في‬ ‫وتعطي هذه المدرس���ة للس���وق أهمية خاصة‬
‫النهاية ستؤدي إلى تش���يء (تحويله إلى شيء)‬ ‫ليظهر مفهوم «اقتصاد الس���وق» والذي كاد أن‬
‫اإلنس���ان بالتركيز على ما هو م���ادي‪ ،‬وإهمال‬ ‫ال لمفهوم «الرأسمالية»‪.‬‬ ‫يصبح بدي ً‬
‫أي بعد معنوي لإلنسان ليصير ه ّم اإلنسان هو‬ ‫هذا الفكر س���يعيد إحياءه ف���ي نهاية القرن‬
‫التمل���ك ال أكثر ليتم تحويل الكوجيتو (أنا أفكر‬ ‫العشرين أس���اتذة الفكر االقتصادي في جامعة‬
‫أنا موجود) إلى (أنا أستهلك أنا موجود) كما يرى‬ ‫ش���يكاغو بالوالي���ات المتحدة‪ ،‬وم���ن أبرزهم‬
‫روجيه جارودي الذي يسمي هذا اإلنسان الذي‬ ‫(ميلتون فريدم���ان – فريدريك هايك)‪ ،‬والذي‬
‫يلف ويدور حول األش���ياء بـ«إنسان السوق»(((‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫س���يطبق واق ًع���ا عمل ًّي���ا على ي���د مارجريت‬
‫ومن ثم فالنيوليبراليزم له���ا أبعاد ثقافية تزيد‬ ‫تاتش���ر((( في بريطاني���ا لتخرج لن���ا ما صار‬
‫نمطا اقتصاد ًّيا يدعو لحرية النشاط‬‫عن كونها ً‬ ‫يعرف بـ«التاتش���رية»‪ ،‬وف���ي الواليات المتحدة‬
‫االقتصادي‪.‬‬ ‫عل���ى يد روالند ريجان((( ليخ���رج لنا ما يعرف‬
‫بـ«الريجاني���ة»‪ ،‬وجوهر ذين���ك التطبيقين كما‬
‫خالصة‪:‬‬
‫تمليه الليبرالية الجديدة هو‪ :‬تحجيم دور الدولة‬
‫حاولنا في ه���ذا اإلطار النظ���ري أن نقدم‬ ‫وتدخلها في النشاط االقتصادي‪ ،‬وإعادة توزيع‬
‫مقاربة للفلسفة الليبرالية بوصفها نسقًا فكر ًّيا‬ ‫الدخل والثروة لصال���ح األغنياء‪ ،‬وذلك بخفض‬
‫يتخذ من الحرية والفردية أساس���ين فلسفيين‪.‬‬ ‫الضرائ���ب على الثروات الكبيرة والس���عي نحو‬
‫وبوصفها تطبيقًا مجتمع ًّيا في الحقل السياسي‬
‫واالقتصادي عن طريق تن���اول مفهوم مصطلح‬
‫الليبرالية موضحين ك���ون التوقف عند المعنى‬ ‫((( هو الذي يقصد دراس���ة الوح���دات االقتصادية األخيرة‬
‫عند التحليل االقتص���ادي‪ ،‬فاألجر احلدي هو أجرة آخر‬
‫المعجمي لليبرالية ل���ن يفيد في تحصيل وعي‬ ‫عامل‪ ،‬والس���عر احلدي هو س���عر آخر قطعة أُنتجت من‬
‫سلعة وهكذا ‪.‬‬
‫ناجز عنه���ا‪ ،‬وإنما ينبغي النظر في الش���روط‬
‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.115‬‬
‫المجتمعي���ة الت���ي أس���همت في بل���ورة الفكر‬ ‫((( مارجريت تاتشر‪ ،‬رئيس وزراء بريطانيا في الفترة (‪1979‬‬
‫‪1990-‬م) ع���ن حزب احملافظني‪ ،‬أول ام���رأة تتولى هذا‬
‫املنصب‪.‬‬
‫((( لتفاصيل الريجانية والتاتش���رية‪ ،‬راج���ع عبد الرحيم‬
‫((( روالند ريجان (‪2004-1911‬م)‪ ،‬الرئيس األربعني للواليات‬
‫السلمي‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪ 270‬وما بعدها‪.‬‬ ‫املتح���دة حكم في الفترة من (‪1989- 1981‬م) كان ممث ً‬
‫ال‬
‫((( الطيب بوعزة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.131‬‬ ‫قبل أن يتجه للسياسة ليصير حاك ًما لوالية كاليفورنيا ثم‬
‫((( م‪ .‬ن ص ‪.132‬‬ ‫رئيسا للواليات املتحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪28‬‬
‫الفكر الليبرالي في س���بيل الحفاظ على مبدأ‬ ‫الليبرال���ي لغرض فهم الليبرالي���ة‪ ،‬وكذلك عن‬
‫الحرية الفردية‪ ،‬ومن ثَم تنوع التطبيق الليبرالي‬ ‫طري���ق النظر في األس���س الت���ي قامت عليه‬
‫في الحقل االقتصادي من الليبرالية الكالسيكية‬ ‫النظري���ة الليبرالية في السياس���ة واالقتصاد‬
‫حتى النيوليبراليزم‪ ،‬والتي تمثل النسخة األخيرة‬ ‫موضحين إسهامات فالس���فة النهضة واألنوار‬
‫من التطبيق الليبرالي‪ ،‬والذي يُراد لها أن تسود‬ ‫من ميكيافيللي حتى مونتيس���كيو مرورا بهوبز‬
‫العالم من خالل العولمة والنظام العالمي الجديد‬ ‫ولوك في تقعيد النظرية السياس���ية الليبرالية‪،‬‬
‫بقيادة الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫ثم وضحنا تعددية التطبيق الليبرالي في الحقل‬
‫االقتص���ادي والمرونة الفكري���ة التي يمتاز بها‬
‫الفصل الثاني‬
‫الليبرالية في مصر‪:‬‬
‫مسار الفكر والممارسة‬
‫‪31‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬

‫الفصل الثاني‬
‫الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫تمهيد‪:‬‬ ‫في هذا الفصل نس���عى لتتبع مس���ار الفكر‬
‫يمث���ل مختتم القرن الثامن عش���ر الميالدي‬ ‫الليبرالي في البيئة المصرية‪ ،‬عن طريق رس���م‬
‫ومطلع القرن التاس���ع عش���ر الميالدي بداية‬ ‫خريطة معرفية لمكون���ات الظاهرة الليبرالية‪،‬‬
‫تع���ارف الحضارة العربية عل���ى اآلخر الغربي‪،‬‬ ‫على مستوى األشخاص والمؤسسات؛ لبيان أهم‬
‫المالمح الفكرية والممارس���ات العملية للفاعل‬
‫وق���د تم ذلك ع���ن طريق حركات االس���تعمار‬
‫الليبرالي‪.‬‬
‫الغربي المنتشية بنتاج النهضة األوروبية بعدما‬
‫والفرضي���ة التي نس���عى الختبارها في هذا الفصل‬
‫خرج���ت من رحم القرون الوس���طى‪ ،‬والمفعمة‬
‫يمكن تجزيئها كاآلتي‪:‬‬
‫بالفكر األنواري الذي ضخّ م رؤية العقل الغربي‬
‫‪ -1‬ب���دأت الليبرالية في مصر على ش���كل‬
‫لنفسه جاع ً‬
‫ال من اإلنسان الغربي مركزًا للكون‬
‫مفردات فكرية أدخلها جيل النهضة إلى الفضاء‬
‫ال يرى في الطبيعة إال مادة يسعى لتوظيفها في‬
‫الثقافي المصري‪.‬‬
‫خدمته‪ ،‬ويرى أن على عاتقه مهمة إخراج باقي‬
‫‪ -2‬مع الوق���ت كانت األفكار الليبرالية تتخذ‬
‫األمم المغاي���رة له من ظالمها إلى نور الحداثة‬
‫منحى تجذر ًّي���ا في الوعي العرب���ي‪ ،‬ولكن في‬
‫لكي تنتظ���م في خط الصيرورة التاريخية‪ ،‬وفي‬ ‫مستوى نخبوي لم يل َق قبوالً مجتمع ًّيا‪.‬‬
‫هذا الس���بيل ليس هناك قيود على الوس���ائل‬ ‫‪ -3‬اس���تقرت الليبرالية في صورتها األخيرة‬
‫المستخدمة ألجل هذه الغاية‪ ،‬ومن ثَم راح يغزو‬ ‫هش يفتقر‬‫«النيوليبرالي���زم» في وضع فك���ري ّ‬
‫باقي األم���م لنهب ثرواته���ا الطبيعية وتحديث‬ ‫للتنظير الرصي���ن للفكر الليبرال���ي بما يقربه‬
‫للوعي العربي‪ ،‬وفي المقابل سلك رموزها طريقاً‬
‫(((‬
‫ثرواتها البشرية‪.‬‬
‫دعائ ًّيا شعارات ًّيا يس ّوق المنتج الليبرالي بوصفه‬
‫وفي المقابل كان المش���رق العربي آخ ًذا في‬
‫داعية حرية وحقوق‪ ،‬وعلى س���بيل الممارس���ة‬
‫التردي من بعد الق���وة؛ فالدولة العثمانية تترنح‬
‫فالوضع ليس أفضل حاالً‪.‬‬
‫أمام القوى الغربية التي لم ترها في ذلك الحين‬ ‫والمنهج المتبع هنا هو منهج وصفي تحليلي‬
‫إال كـ«رجل مريض» ال يلبث إال أن يموت‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يرصد مكونات الظاهرة ويحلل مالمحها الفكرية‬
‫وممارس���اتها العملي���ة‪ ،‬وكذلك نتوس���ل بمنهج‬
‫تاريخي نقارب به صي���رورة الظاهرة الليبرالية‬
‫((( للمزيد عن هذه الرؤية راجع عبد الله إبراهيم‪ ،‬املركزية‬ ‫ف���ي مصر‪ ،‬وذلك على ث�ل�اث مراحل تاريخية‪،‬‬
‫الغربي���ة‪ ،‬املرك���ز الثقافي العربي الرب���اط‪ ،‬وكذلك عبد‬
‫الوهاب املس���يري‪ ،‬العلمانية اجلزئية والعلمانية الشاملة‪،‬‬ ‫وفي كل مرحلة نتن���اول مكونات الظاهرة (أهم‬
‫دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫الرموز ‪ /‬المؤسسات المجتمعية)‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪32‬‬
‫تعرف العقل‬
‫كان���ت هذه اللحظة هي بداي���ة ُّ‬ ‫تهجم على تركته المترامية األطراف(((‪ ،‬هذا عن‬
‫العربي على العقل الغربي‪ ،‬وفي ظل حالة االنبهار‬ ‫الوضع السياس���ي‪ ،‬أما الوضع الثقافي فلم يكن‬
‫من األول بالثاني أقبل العقل العربي يسارع في‬ ‫أحسن حاالً حيث س���ادت روح الجمود الفكري‬
‫استكش���اف أسباب النهضة األوربية ّ‬
‫ليطلع على‬ ‫والتقلي���د‪ ،‬وع���ن الوضع االجتماع���ي فقد كان‬
‫أفكاره وممارساته لينقلها لعلها تنجع في عالج‬ ‫الحكم العثماني والمملوكي يرهق كاهل المجتمع‬
‫الوض���ع العربي المتردي‪ ،‬وبالتركيز على الحالة‬ ‫العربي‪.‬‬
‫(((‬

‫الفكرية الغربية وقتئذ نجد أن النس���ق الفكري‬ ‫وعلى يد المستعمر الفرنسي حصلت عملية‬
‫األبرز هو «الليبرالي���ة» إذ قد تم تبلورها فكر ًّيا‬ ‫االحت���كاك بين األن���ا العربي واآلخ���ر الغربي‬
‫وأصبحت ممارسة واقعية سياسية واقتصادية‪،‬‬ ‫من خالل الحملة الفرنس���ية على مصر بقيادة‬
‫بينما باقي األفكار كالشيوعية وغيرها لم تتبلور‬ ‫نابليون بوناب���رت في ‪1798‬م‪ ،‬في ظل حالة من‬
‫ٍ‬
‫حواش‬ ‫في أنساق ناجزة بع ُد‪ ،‬وإنما ظلت مجرد‬ ‫التقابل الكامل بين غرب متقدم وشرق يترنح‪.‬‬
‫نقدية على متن الفكر الليبرالي المسيطر وقتئذ‪.‬‬ ‫وم���ن ث���م كان األخير ف���ي حال���ة ذهول‬
‫ومن ثَم عندما احت���ك الوعي العربي باآلخر‬ ‫ودهش���ة((( دفعته لإلجابة عن تس���اؤل رئيس‬
‫الغرب���ي وجد الليبرالية أمامه فك ًرا وممارس���ة‬ ‫لم���اذا نهض الغرب وتقدم ولم يتقدم الش���رق‬
‫متمثل���ة في الواقع الغرب���ي‪ ،‬فعثر فيها على ما‬ ‫المس���لم؟ ليتأس���س من حينها السؤال الذي‬
‫ظ ّنه جوا ًبا لسؤال النهضة الذي يبحث عنه‪.‬‬ ‫هاجس���ا في الوعي العربي حتى الراهن‪..‬‬
‫ً‬ ‫ظل‬
‫بذلك دخل���ت الليبرالية إلى البيئة المصرية؛‬ ‫«سؤال النهضة» ذاك السؤال الذي تعد محاولة‬
‫تلك البيئ���ة التي كان الوض���ع المجتمعي فيها‬ ‫الجواب عنه اإلطار الناظم لحقل فكري عربي‬
‫بكل مستوياته السياسية واالقتصادية والفكرية‬ ‫تشكل من حينها وإلى الراهن فيما اصطلح عليه‬
‫مس���تعدا لتقبل البذور الليبرالية لتنمو وتتطور‬
‫ًّ‬ ‫بـ«الفكر العربي المعاصر»‪ ،‬وعلى سبيل العمل‬
‫فيها م���ع الزمن لتم���ر بمراحل م���ن الصعود‬ ‫كانت هذه اللحظة بداية السعي نحو اإلصالح‬
‫والهبوط المجتمعي مش ِّكلة ظاهرة مجتمعية في‬ ‫السياس���ي والمجتمعي من ِقبل س�ل�اطين آل‬
‫البيئة المصرية في السياق الثقافي والسياسي‪.‬‬ ‫عثمان المتأخرين‪ ،‬وم���ن ِقبل محمد علي في‬
‫مصر كمحاولة لتقريب اله���وة الحضارية بين‬
‫الشرق والغرب‪.‬‬

‫((( للوق���وف على حال الدولة العثمانية حينئذ‪ :‬راجع ألبرت‬


‫حوراني‪ ،‬الفكر العربي في عصر النهضة‪ ،‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫((( لتفاصيل هذه األوض���اع ‪ :‬راجع عبد الرحمن اجلبرتي‪،‬‬
‫عجائ���ب اآلث���ار والتراج���م واألخبار‪ ،‬املع���روف بتاريخ‬
‫اجلبرتي‪.‬‬
‫((( للمزي���د ع���ن احلملة الفرنس���ية وآثاره���ا االجتماعية‬
‫والثقافية‪ :‬راجع عبد الرحمن اجلبرتي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫ب���كل ما يتضمنه من أبعاد فلس���فية وتطبيقات‬ ‫املبحث األول‬
‫إجرائية‪ ،‬وم���ع هذا لم ينقلوا ه���ذه المفردات‬
‫ الرواد األوائل‪ :‬أفكار ليربالية‬
‫مجردة‪ ،‬ولكن سعوا نحو صبغها بصبغة إسالمية‬
‫لك���ي تتكيف مع الفضاء الثقاف���ي العربي فهم‬
‫ال النسق الليربالي‬
‫س���عوا نحو تأصيل تلكم المفردات الليبرالية ال‬ ‫تمهيد‪:‬‬
‫مجرد استنساخها‪.‬‬
‫في هذا المبحث نتعرض للمرحلة األولى في‬
‫فانفتاح الفكر العربي اإلصالحي على الفكر‬
‫مس���يرة الليبرالية المصرية‪ ،‬والتي أسهمت في‬
‫األن���واري لم يكن راس���خً ا بالدرجة التي تجعله‬
‫بلورتها حركة اإلصالح التي تش��� ّكلت في أرجاء‬
‫ينقل النس���ق الفكري األوربي الحاكم وقتئذ إلى‬
‫الدولة العثمانية المسرعة نحو االنهيار انطال ًقا‬
‫انفتاحا عاب ًرا عمل على‬
‫ً‬ ‫البيئة العربية‪ ،‬وإنما كان‬
‫من تركيا(((‪ ،‬وامتدت في باقي الواليات العثمانية‬
‫تقريب مالمح الفكر األنواري للمجال التداولي‬
‫كتونس على يد خير الدين التونسي(((‪.‬‬
‫(((‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وفي الش���ام على ي���د طالب اإلرس���اليات‬
‫ومن ثم ال يسعنا علم ًّيا أن ننعت هذا الجيل‬
‫التبش���يرية في س���وريا ولبنان‪ ،‬وفي مصر على‬
‫بالليبراليين بحس���ب منهجنا إذ قررنا أال ننسب‬ ‫يد الرموز التي سنتعرض لها تفصي ً‬
‫ال فيما يلي‪،‬‬
‫لليبرالية إال من نس���ب نفسه إليها‪ ،‬ولكن لكون‬
‫تلك الحركة ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬كانت تسعى إلصالح‬
‫هذا الجيل يُتخ���ذ منه مرجعية للفكر الليبرالي‬
‫أوض���اع الدولة العثمانية بعدم���ا رأت النهضة‬
‫في مصر والعالم العربي برمته لزم تناوله إلبراز‬
‫األوروبية‪.‬‬
‫حدود دوره في إدخال الليبرالية للبيئة الثقافية‬
‫وتق���وم فرضية هذا المبحث على أنه بالرغم‬
‫العربية وبيان خطأ َو ْسم رموزه بالليبراليين‪.‬‬
‫من أن ش���خصيات هذه المرحلة تُتخذ كمراجع‬
‫وقد كان هذا الجيل يشغله اإلصالح المدني‬
‫مؤسس���ة للفك���ر الليبرالي من ِقب���ل التيارات‬
‫ِّ‬
‫السياس���ي والمجتمعي‪ ،‬بينما كانت المس���ائل‬
‫الليبرالية التي جاءت من خلفهم‪ ،‬إال أنه بالتدبر‬
‫الفكري���ة والنظرية تأتي ف���ي درجة أقل أولوية‬
‫في النت���اج الفكري لتلك���م المراجع المزعومة‬
‫يظهر هذا ف���ي نتاج ذاك الجيل وأدبياته؛ حيث‬
‫نجد أنه من الخلل والتوس���ع المغلوط َو ْسمهم‬
‫إن م���ا بهره في الحض���ارة األوروبية التي اطلع‬
‫بالليبرالية؛ بحيث نق���ول‪ :‬إنهم كانوا ليبراليين‪،‬‬
‫عليها كان التمدن والتقدم‪ ،‬أما المسائل الفكرية‬
‫ولكن في الحقيقة هم قد أدخلوا بعض المفاهيم‬
‫فقد كان ه���ذا الجيل يراه���ا مخالفة للفضاء‬
‫والمف���ردات الليبرالية للبيئ���ة الثقافية العربية‬
‫الثقافي اإلس�ل�امي‪ ،‬ومن ثَم لم يحاول حتى أن‬
‫كالحرية‪ ،‬ولم يتبنوا الليبرالية كنسق فكري كامل‬
‫ينقلها إليه‪ ،‬وما نقله من أمور مجتمعية وسلوكية‬
‫سعى لتأصيلها إسالم ًّيا‪.‬‬ ‫((( م ّث���ل هذه احلرك���ة في تركيا ضياء باش���ا ونامق كمال‬
‫وشكلوا حزب «الشباب العثماني»‪ ،‬وكانوا ممن اطلع على‬
‫اآلداب األوروبية وأعجبوا بها‪.‬‬
‫((( للوق���وف على حدود تأثر الفكر النهضوي العربي بالفكر‬ ‫((( خير الدين التونس���ي (‪1890 - 1810‬م) شركسي األصل‬
‫األنواري راجع محمد زاهد جول‪ ،‬فلس���فة األنوار والفكر‬ ‫من أش���هر رجال اإلصالح في تلك احلقب���ة تقلد الكثير‬
‫اإلصالحي العربي اإلس�ل�امي دراس���ة منش���ورة مبجلة‬ ‫من املناصب الرفيعة آخرها الوزارة أش���هر كتبه ‪« :‬أقوم‬
‫التفاهم عدد ‪ 33‬صيف ‪2011‬م‪.‬‬ ‫املسالك في معرفة أحوال املمالك»‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪34‬‬
‫الجي���ش المصري‪ ،‬ثم إما ًما ألول بعثة رئيس���ة‬ ‫شخصيات المرحلة‪ :‬رواد النهضة‪:‬‬
‫أرسلها محمد علي للدراسة في باريس ليقضي‬ ‫تمثل ش���خصيات تلك المرحلة الرموز التي‬
‫هناك خمسة أعوام من عمره (‪1831-1826‬م)‪،‬‬ ‫ت���م على يديها عملية تعري���ف الفضاء الثقافي‬
‫والتي يمكن اعتبارها أهم سنوات عمره‪ ،‬ومع أنه‬ ‫العربي‪/‬اإلسالمي بنظيره األوروبي خالل فترة‬
‫جاءها كإمام ال طالب إال أنه ألقى بنفس���ه في‬ ‫االحتكاك األولى بين الحضارة األوربية والعربية؛‬
‫خض ّم الدراسة بحماس ونجاح‪ ،‬فاكتسب معرفة‬ ‫اطلعوا عل���ى تقدم األولى في نظير تردي‬ ‫حيث ّ‬
‫دقيقة باللغة الفرنسية ومشاكل ترجمتها‪ ،‬وطالع‬ ‫الثانية‪ ،‬ومن ثَم راحوا يبحثوا عن جواب السؤال‬
‫كتب الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬وأهم ما اطلع عليه هو‬ ‫األثير « لماذا نهضوا ولم ننهض؟»‪ ،‬وفي س���بيل‬
‫خصوصا‬‫ً‬ ‫نتاج فكر األنوار في القرن الثامن عشر‬ ‫الجواب على هذا الس���ؤال راحوا يركزون على‬
‫كتب فولتير ومونتيسكيو وجان جاك روسو وكتابه‬ ‫الجانب المدني من البيئ���ة األوروبية والمغاير‬
‫العق���د االجتماعي‪ ،‬وهذا النت���اج األنواري يُعد‬ ‫جذر ًّي���ا للوضع ف���ي البيئة العربي���ة‪ ،‬ومن ثم‬
‫بحق المرجع المؤس���س للفكر الليبرالي‪ ،‬ومنها‬ ‫اجته���دوا في تقريب الحالة األوربية إلى الحالة‬
‫تحص���ل الطهطاوي على مفرداتها‪ ،‬وهكذا ترك‬ ‫المصرية‪.‬‬
‫عصر التنوير أث ًرا دائ ًما في تفكيره وفي التفكير‬ ‫ونؤكد عل���ى أن تناول تلك الش���خصيات هنا‬
‫المصري بواسطته‪.‬‬ ‫ليس بوصفه���م رموزًا ليبرالية ومراجع لها‪ ،‬ولكن‬
‫عاد الطهط���اوي إلى مصر فعم���ل مترج ًما‬ ‫بوصفه���ا الرموز التي تم على يديها التعرف على‬
‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫في مدرس���ة التخصص الجديدة‪ ،‬وعين‬ ‫الفكر األوربي عامة‪ ،‬ودشنت لعملية إصالح عربي‬
‫لمدرس���ة اللغات الجديدة‪ ،‬واس���تطاع أن ينجز‬ ‫ستستمر إلى الراهن‪.‬‬
‫ترجمة لحوالي عش���رين كتا ًبا ف���ي الجغرافيا‬ ‫وال نس���عى هنا للترجمة لتلك الش���خصيات‬
‫والتاريخ والعلوم العس���كرية‪ ،‬واقترح وأش���رف‬ ‫خاص���ة أنها ذات طابع جدلي وال عرض مجمل‬
‫عل���ى عدد كثير من الترجمات األخرى‪ ،‬كل هذا‬ ‫أفكارها ونتاجها وجهوده���ا اإلصالحية‪ ،‬ولكن‬
‫برعاية محمد عل���ي وخلفائه على مصر عباس‬ ‫ما يعنينا هو تس���ليط الضوء على عالقة فكرها‬
‫وس���عيد وإس���ماعيل‪ ،‬وقد صار الطهطاوي في‬ ‫بالنسق الليبرالي موضحين درجة هذه العالقة‪،‬‬
‫عص���ر األخير أح���د أعضاء اللجن���ة المكلفة‬ ‫ومدى الصحة العلمية لوسمهم بالليبراليين من‬
‫(((‬
‫بإعداد خطط التربية الجديدة‪.‬‬ ‫ِقبل التيارات الليبرالية المعاصرة‪.‬‬
‫وبغض النظر عن الكتب التي ترجمها الطهطاوي‪،‬‬
‫‪ – 1‬رفاعة الطهطاوي‪ :‬األب المزعوم‪! ..‬‬
‫فإنه قد أ ّلف بعض الكتب لعل أهمها(((‪:‬‬
‫هو رفاعة بدوي راف���ع الطهطاوي (‪1801‬م‬
‫‪ -‬تخليص اإلبريز في تلخيص باريز‪ -‬مناهج‬
‫– ‪1873‬م) ُول���د في طهطا بصعيد مصر لعائلة‬
‫األلباب المصرية في مباهج اآلداب العصرية ‪-‬‬
‫كبيرة توارث���ت العلوم الديني���ة‪ .‬درس باألزهر‬
‫المرشد األمين للبنات والبنين‪.‬‬ ‫الشريف وتأثر بشدة بشيخه «حسن العطار»(((‪،‬‬
‫ولعل كتاب���ه مناهج األلب���اب يمثل الخارطة‬ ‫والذي س���عى في تعيينه إما ًم���ا لفرقة من فرق‬
‫((( حس���ن محمد العطار (‪ )1835 -1766‬اقترب من علماء‬
‫((( إلبرت حوراني‪ ،‬الفكر العربي في عصر النهضة‪ ،‬ترجمة‬ ‫احلملة الفرنس���ية‪ ،‬وعلّم بعضه���م العربية واطلع على ما‬
‫كرمي عزقول دار النهار للنشر بيروت ص ‪ 94‬وما بعدها‪.‬‬ ‫عندهم من علوم‪ ،‬وتقلد مشيخة األزهر حتى مات‪ ،‬سعى‬
‫((( ق���ام د‪ .‬محمد عمارة بتحقيق ونش���ر أعمال الطهطاوي‬ ‫نحو إصالح األزهر من أهم ش���يوخه «املرتضى الزبيدي»‬
‫كاملة وصدرت عن مكتبة الشروق‪.‬‬ ‫وأهم تالميذه رفاعة الطهطاوي‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫التكيف أمر تبيحه الش���ريعة نفسها وذلك تحت‬ ‫التي وضعه���ا الطهطاوي للمجتم���ع المصري‬
‫غطاء االجتهاد ال���ذي كان بابه موص ًدا وقتئذ‪،‬‬ ‫كي ينهض‪ ،‬وق���د قدم فيه نظريته السياس���ية‬
‫وس���عى الطهطاوي لفتحه‪ ،‬وفي هذا الس���بيل‬ ‫للحكم‪ ،‬ولم تكن تلك النظرية استنساخً ا للنظام‬
‫أكد على ك���ون مبادئ الش���ريعة ال تختلف مع‬ ‫اطلع علي���ه عن كثب‪ ،‬وال كانت‬‫األوروب���ي الذي ّ‬
‫مبادئ القانون الطبيعي التي ترتكز إليها قوانين‬ ‫أيضا ترس���يخً ا للوضع القائم في مصر وقتئذ‪،‬‬ ‫ً‬
‫أوروب���ا الحديثة؛ ذاك القانون الذي تأسس���ت‬ ‫وإنما كانت مؤسس���ة حس���ب منهجه التلفيقي‬
‫فلس���فته على يد هوبز ولوك وروسو؛ إذ يقول‪:‬‬ ‫بين الفكرة الغربية والحضارة اإلسالمية والذي‬
‫«فما يس���مى عندنا بعلم أصول الفقه يشبه ما‬ ‫منهجا لمدرسة ستخلفه من بعده مش ِّكلة‬
‫ً‬ ‫سيكون‬
‫يس���مى عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس‬ ‫رواد النهضة العربية في ذاك الوقت(((‪.‬‬
‫الفطرية‪ ،‬وما نسميه بالعدل واإلحسان يعبرون‬ ‫وللتوكيد على ذل���ك يقول حوراني‪« :‬لم تكن‬
‫عنه بالحرية والتس���وية‪ ،‬وما يتمس���ك به أهل‬ ‫ليبرالي القرن التاسع‬
‫ّ‬ ‫فكرته عن الدولة هي فكرة‬
‫اإلس�ل�ام من محبة الدي���ن والتول���ع بحمايته‬ ‫عش���ر بل كان���ت الفكرة اإلس�ل�امية المأثورة‪،‬‬
‫يس���مونه محبة األوطان»(((‪ ،‬ه���ذا المبدأ الذي‬ ‫فللحاكم الس���لطة التنفيذي���ة المطلقة‪ ،‬إال أن‬
‫أسس���ه الرجل س���وف يتم توظيفه والذهاب به‬ ‫ّ‬ ‫ممارس���ته إياها يجب أن يح���د منها احترامه‬
‫للمدى البعيد في التوليف والتوفيق بين ما جاء‬ ‫للش���ريعة وحراس���تها‪ ....‬فإذا كان الطهطاوي‬
‫من أوروبا وبين النس���ق اإلسالمي على يد من‬ ‫أيضا على‬‫قد قبل بس���لطة الحاكم لكنه أل���ح ً‬
‫خلفه على طريق اإلصالح فيما سيُصطلح عليه‬ ‫الحد الذي تضعه له���ا القواعد الخُ لقية‪ ،‬ولكي‬
‫بـ«المدرسة التلفيقية» أو «العصرانية»‪.‬‬ ‫يشرح الفكرة اإلس�ل�امية القائلة بأن الشريعة‬
‫أما في المنح���ى المجتمعي فقد وضع كتابه‬ ‫هي ف���وق الحاكم يلجأ إلى تفريق مونتيس���كيو‬
‫«المرش���د األمين» بأمر م���ن وزارة التربية دعا‬ ‫بين الس���لطات الثالث‪ ،‬ومما ال شك فيه أن ما‬
‫في���ه لتعليم البنات كما البني���ن‪ ،‬وذلك لتحقيق‬ ‫ش���اهده في فرنس���ا قد عزز لديه فكرة فرض‬
‫ثالثة أه���داف؛ تحقي���ق ال���زواج المتجانس‪،‬‬ ‫القيود على سلطة العاهل المطلقة»(((‪ ،‬من هذا‬
‫وتربية األوالد تربية صالحة‪ ،‬وتمكين المرأة من‬ ‫النص نستش���ف كون الطهط���اوي قد ركز على‬
‫العمل؛ أس���و ًة بالرجال‪ ،‬ولكن���ه مع ذلك لم يدع‬ ‫التطور السياسي الذي جرى في أوروبا بانتقاله‬
‫إلى خروجهن من الخدور واالشتراك في الحياة‬ ‫إلى النمط الديمقراطي ولكنه لم يدع إلى سلوك‬
‫العام���ة‪ ،‬أما تعدد الزوجات فل���م يمنعه‪ ،‬ولكنه‬ ‫هذا السبيل في مصر‪.‬‬
‫اش���ترط أن يعدل الرجل بين زوجاته‪ ،‬وسيأتي‬ ‫وبالنسبة للمسألة الشرعية فالطهطاوي قد‬
‫خلف الطهطاوي من سيقلب هذه الفكرة ويحرم‬ ‫جعلها فوق الحاكم‪ ،‬ولكنه رأى أن الشريعة ال بد‬
‫التعدد (((‪.‬‬ ‫أن تتكيف مع الظروف الجديدة‪ ،‬واعتبر أن هذا‬
‫كم���ا جاء بعده م���ن َقبِل ما اعت���رض عليه‬
‫((( هذا الس���لوك التلفيقي س���يظل راهنًا في مسار الفكر‬
‫((( الطهطاوي‪ ،‬رفاعة‪ ،‬املرشد األمني ص ‪ 36‬نق ً‬
‫ال عن عبد‬ ‫العرب���ي املعاصر خ�ل�ال رحلته في اجلواب عن س���ؤال‬
‫الرحيم السلمي‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.402‬‬ ‫النهضة مع بعض التمايزات في كل مدرسة‪.‬‬
‫((( املرجع نفسه ص ‪.102‬‬ ‫((( ألبرت حوراني مرجع سبق ذكره ص ‪.98‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪36‬‬
‫الثقافي العام‪ ،‬ولكنه لم ينقل النس���ق الفلسفي‬ ‫الطهطاوي من كون الفرنس���يين ال يعتقدون إال‬
‫ال‪ ،‬ولم يتمذهب أو يدع للتمذهب‬ ‫الليبرالي كام ً‬ ‫في العقل البش���ري؛ إذ يقول‪« :‬إن الفرنس���اوية‬
‫به‪ ،‬ومن ثَم هناك قدر م���ن المبالغة في اتخاذ‬ ‫من الف���رق التي تعتبر التحس���ين والتقبيح من‬
‫مؤسس���ا لليبرالية‬
‫ً‬ ‫الطهط���اوي مرج ًعا وأ ًب���ا‬ ‫ش���أن العقل‪ ،‬وأقول هنا‪ :‬إنه���م ينكرون خوارق‬
‫المصرية في س���ياقها الفكري أو السياسي أو‬ ‫(((‬
‫العادات»‪.‬‬
‫المجتمعي‪.‬‬ ‫ونلحظ هنا كون الطهطاوي مش���دو ًدا للنسق‬
‫الفكري اإلس�ل�امي؛ إذ يس���تعمل مصطلحات‬
‫‪ - 2‬جمال الدين األفغاني‪ :‬هاجس الوحدة‪:‬‬
‫تخ���ص المج���ال التداولي الش���رعي كالفرقة‬
‫ربما يكون جم���ال الدي���ن األفغاني (‪1739‬‬ ‫والتحسين والتقبيح مما ين ّم عن ارتباطه بخلفيته‬
‫‪1897-‬م) م���ن أكثر الش���خصيات التي يحيط‬ ‫الشرعية‪.‬‬
‫بحياته���ا الغم���وض من جهة أصول���ه؛ هل هو‬ ‫وهنا س���عى الرجل لبيان قدر التعارض بين‬
‫أفغاني أم فارس���ي؟ ومن جهة فك���ره؛ هل هو‬ ‫النسقين ولم يسر في سبيل التوفيق بينهما ولكن‬
‫سني أم شيعي؟ وقد تم تناوله بنقد معياري في‬ ‫سيخلفه من س���يقوم بذلك تدريج ًّيا مع الزمن‪،‬‬
‫مؤسسا‬
‫ً‬ ‫كثير من األدبيات اإلس�ل�امية بوصفه‬ ‫ولك���ن الطهطاوي لم يركز عل���ى تناول مخالفة‬
‫للمدرس���ة العقالنية‪ /‬العصراني���ة((( من جهة‪،‬‬ ‫الش���ريعة للقانون الغربي كالس���يادة للشرع أم‬
‫مؤسس���ا‬
‫ً‬ ‫وبالثناء من التيارات الليبرالية بوصفه‬ ‫للدولة وغيرها من المسائل‪.‬‬
‫لليبرالية من جهة أخرى‪ ،‬وحس���ب منهجنا في‬
‫البحث لن نخوض في السجال االبيستمولوجي‬ ‫خالصة‪:‬‬
‫حول مفاصل فكر األفغاني‪ ،‬ولكن نتناوله بوصفه‬ ‫كان للطهطاوي خلفية ش���رعية قوية صحبته‬
‫أحد مدشني مشروع اإلصالح والنهضة العربية؛‬ ‫في رحلته لفرنس���ا م ّثلت حاجزًا أمام االنبهار‬
‫حيث س���اهم في تعريف الوع���ي العربي على‬ ‫المطل���ق بما في أوروب���ا‪ ،‬تمظهر ذلك في عدم‬
‫الفض���اء الثقافي األوروبي‪ ،‬والذي كان النس���ق‬ ‫قبوله لألفكار العلمانية التي تخالف الش���ريعة‬
‫الليبرالي مسيط ًرا عليه وقتئذ‪.‬‬ ‫اإلس�ل�امية‪ .‬وقد كان ج��� ّل تركيزه على التمدن‬
‫وتناولن���ا لألفغاني ف���ي الحالة المصرية مع‬ ‫والتحضر والش���أن السياس���ي‪ ،‬وقد كان ينقل‬
‫كونه غير مصري يرجع إلى أنه في مسار حياته‬ ‫األوضاع المجتمعية التي رآها في باريس وجلّها‬
‫قد أقام فترة قصيرة في مصر‪ ،‬ولكنها كانت في‬ ‫في كتابه «تخليص اإلبريز»‪ ،‬وكان يعرض ما يراه‬
‫غاي���ة التأثير عليه وعلى جيل تربى على أفكاره‬ ‫منها مخالفًا للشريعة في سياق الذم‪.‬‬
‫في تلك الفت���رة؛ حيث قدم إلى مصر في العام‬ ‫اطلع الطهطاوي عل���ى الفكر األنواري‪ ،‬ومنه‬ ‫ّ‬
‫‪1871‬م ليقضي ثمان س���نوات من حياته‪ ،‬ربما‬ ‫جل���ب للمج���ال التداولي العربي واإلس�ل�امي‬
‫الموجه‬
‫ّ‬ ‫كانت أخصب حقبة في حياته كان فيها‬ ‫مف���ردات الفكر الليبرالي‪ ،‬وس���عى في تأصيل‬
‫تلك المفردات إس�ل�ام ًّيا بما يتالءم مع الفضاء‬
‫((( انظر محمد الناص���ر‪ ،‬العصرانيون بني مزاعم التجديد‬
‫وميادي���ن التغريب‪ ،‬وعل���ي احللبي‪ ،‬العقالني���ون أفراخ‬
‫املعتزلة‪ ،‬وناصر العقل‪ ،‬االجتاهات العقالنية احلديثة‪.‬‬ ‫((( نق ً‬
‫ال عن حوراني مرجع سابق ص ‪.107‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫للمادية الغربي���ة ومثاله « الرد على الدهريين‪/‬‬ ‫والمعلّ���م غير الرس���مي لفريق من الش���باب‪،‬‬
‫الطبيعيي���ن» ودخوله في مناظ���رات مع علماء‬ ‫معظمهم من األزه���ر‪ ،‬وممن ُكتب لهم أن يلعبوا‬
‫الغرب ومستشرقيه مداف ًعا فيها عن اإلسالم‪.‬‬ ‫دو ًرا في الحياة المصرية‪ ،‬كان من بينهم محمد‬
‫ولكن ف����ي المقابل فإن األفغاني هو من أدخل‬ ‫(((‬
‫عبده‪ ،‬وسعد زغلول‪.‬‬
‫مفردة «المدنية» للفض����اء الثقافي العربي‪ ،‬وفي‬ ‫كان هاجس األفغاني يتمثل في مسألة الوحدة‬
‫هذا الس����ياق يقول حوران����ي‪ « :‬كانت بالحقيقة‬ ‫اإلسالمية أمام النفوذ الغربي‪ ،‬وفي هذا السياق‬
‫فك����رة المدنية من ب����ذور الفك����ر األوروبي في‬ ‫يقول األفغاني‪« :‬هذه األمم اإلسالمية وإن اختلفت‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد دخلت العالم اإلسالمي‬ ‫بهم البلدان‪ ،‬وتباين���ت البقاع والمكان‪ ،‬وتنوعت‬
‫خصوصا بواسطة األفغاني‪ ،‬وكان «غيزو» ((( أول‬ ‫وحدتهم وحدة‬ ‫األجناس‪ ،‬واختلفت األلسنة فقد ّ‬
‫ً‬
‫عبر عنها تعبي ًرا كالس����يك ًّيا في محاضراته‬ ‫اإلس�ل�ام‪ ،‬وجمعتهم جامعة الدين‪ ،‬وهي جامعة‬
‫من ّ‬
‫كبرى تتالشى أمامها الجامعات الصغرى‪ ،‬وتلغى‬
‫عن تاريخ المدنية في أوروبا(((‪ ،‬وقد كان األفغاني‬
‫الفروق‪ ،‬فيك���ون جميع المس���لمين بها إخوا ًنا‬
‫ق����د قرأ غيزو وتأثر به‪ ،‬وعندما ترجم هذا األثر‬
‫حكومة إسالمية تأتمر باإلسالم وتعاليمه إمامها‬
‫إلى العربية ف����ي ‪1877‬م((( أوحى األفغاني لعبده‬ ‫(((‬
‫القرآن وأساسها العدل والشورى»‪.‬‬
‫(((‬
‫أن يقدم للترجمة ويشرح نظرية الكتاب»‪.‬‬
‫م���ن هذا الن���ص يظهر م���دى بُع���د الفكر‬
‫وفكرة المدنية عند األفغان����ي تتعلق بتطوير‬
‫األفغاني عن الليبرالية السياس���ية؛ حيث يدعو‬
‫المجتم����ع من ناحية بتوظيف م����ا أبدعه العقل‬
‫لنظام سياسي قائم على أسس اإلسالم مما ين ّم‬
‫األوروبي وتطوير الفرد من ناحية أخرى‪ ،‬وللسعي‬ ‫عن عدم اس���تالب عقله للفكر األوروبي برمته‪،‬‬
‫نحو هذا الهدف يقتض����ي توحيد األمة العربية‬ ‫ويمكن التأكيد على ذلك بقوله‪« :‬إن ما تراه من‬
‫والتعالي عن الخالفات المذهبية‪ ،‬ومن هنا نفهم‬ ‫حالة ظاهرة حسنة فينا (من حيث الرقي واألخذ‬
‫سعي األفغاني نحو التقريب بين السنة والشيعة‪.‬‬ ‫بأسباب التمدن) هو عين التقهقر واالنحطاط؛‬
‫والوضعي���ة السياس���ية المالئم���ة لتحقيق‬ ‫ألننا على تمدنا هن���ا مقلدون لألمم األوروبية‪،‬‬
‫المدنية هي البحث عن إمام عادل يقر تس���ييد‬ ‫وه���و تقليد يجرنا بطبيعته إل���ى اإلعجاب بهم‬
‫الشريعة‪ ،‬وهو ما يتعذر الحصول عليه‪ .‬ولكن إذا‬ ‫واالس���تكانة لهم والرضى بس���لطانهم‪ ،‬وبذلك‬
‫كان ظال ًما فيرى األفغاني أنه ال يجوز السكوت‬ ‫تتح���ول صبغة اإلس�ل�ام التي من ش���أنها رفع‬
‫عنه مما يؤسس لحق الشعب في االعتراض على‬ ‫راية الس���لطة والغلبة إلى صيغة خمول وصنعة‬
‫حاكمه‪.‬‬ ‫(((‬
‫واستئناس لحكم األجنبي»‪.‬‬
‫يتبي���ن من النص مدى انعت���اق األفغاني من‬
‫((( فرنس���وا غيزو‪ ،‬فيلسوف فرنس���ي هو من أعاد تشغيل‬
‫أكادميية العلوم األخالقية والسياس���ية في العام ‪1832‬م‪،‬‬ ‫وضوحا من‬
‫ً‬ ‫أسر التقليد الغربي‪ ،‬بل يزداد األمر‬
‫تلك املؤسس���ة املعنية بالعلوم اإلنس���انية والتي أسس���ها‬
‫مونتيسكيو في ‪1795‬م‪.‬‬ ‫نتاجه المدافع فيه عن اإلس�ل�ام كدين‪ ،‬ونقده‬
‫((( طبعت هذه احملاضرات في كتاب ُوسم بـ «تاريخ احلضارة‬
‫في أوروبا»‪.‬‬ ‫((( حوراني‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.138‬‬
‫((( ترجم���ه حنني نعمة الله حتت عنوان «التحفة األدبية في‬ ‫ً‬
‫نق�ل�ا عن حامد اجلمال‪ ،‬اجتاه���ات الفكر املعاصر في‬ ‫(((‬
‫تاريخ املمالك األوروبية»‪.‬‬ ‫مصر‪ ،‬عالم الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬الرياض ‪.57/1‬‬
‫((( حوراني‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.144‬‬ ‫ال عن محمد زاهد جول‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.279‬‬ ‫((( نق ً‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪38‬‬
‫«التربية» لسبنسر(((‪ ،‬وبنفس المنطق راح عبده‬ ‫وفي المنح���ى الفكري فقد راح األفغاني يرد‬
‫يداف���ع عن اإلس�ل�ام المتهم بأن���ه ضد العقل‬ ‫على الشبهات التي تُثار على اإلسالم‪ ،‬ولكن في‬
‫والتقدم من قبل األوروبيين‪ ،‬فسعى إلزالة الجفوة‬ ‫هذا السبيل كان عليه أن ينفي تعارض اإلسالم‬
‫المفتعلة بين اإلسالم والتقدم الحضاري‪ ،‬يقول‬ ‫مع العقالنية األوربية‪ ،‬مما أجبره على السير في‬
‫حوراني في هذا السياق‪« :‬وكانت إحدى غايات‬ ‫طريق تأويل النص الديني مما سيدشن لمدرسة‬
‫محمد عبده الرئيس���ة أن يُظهر إمكان التوفيق‬ ‫بكاملها ستأتي بعده‪ ...‬المدرسة العقلية‪.‬‬
‫بين اإلس�ل�ام وبين الفكر الحدي���ث‪ ،‬وأن يبين‬ ‫خالصة‪:‬‬
‫كيفية تحقيق ذلك‪ ،‬وقد اش���ترك في مناقشتين‬
‫يظهر بُع����د األفغاني عن النس����ق الليبرالي‬
‫حول ه���ذا الموضوع م���ع المؤرخ الفرنس���ي‬
‫كفلسفة وتقليد فكري‪ ،‬وإنما كسابقه الطهطاوي‬
‫«هانوتو»(((‪ ،‬واألخرى مع اللبناني المس���تمصر‬
‫كان حلقة الوصل بين فضائين ثقافيين‪ :‬األوروبي‬
‫«فرح أنطوان»(((‪.‬‬
‫والعربي‪ ،‬وس����عى في إصالح الوضع المجتمعي‬
‫وم���ن ثَم يبرز حوراني ك���ون الجدل كان من‬
‫لألمة بالس����ير نحو المدنية التي تقتضي توحيد‬
‫مقومات فكره‪ ،‬ولكن يستطرد مؤك ًدا على حقيقة‬
‫األمة اإلسالمية‪ ،‬وإعادة إصالح فهمنا لإلسالم‪،‬‬
‫مهمة «في الدفاع عن النفس قد يصبح المجادل‬
‫مما يفتح الباب لتنمية الفرد‪ ،‬وتحديث المجتمع‬
‫أق���رب إلى خصمه مما كان يظ���ن‪ ،‬ومما يلفت‬
‫المس����لم ليلحق بالمجتمع األوروبي في تطوره‪،‬‬
‫النظر أن عبده في مناقش���اته لم يهتم بمسألة‬
‫ويقوى على صد محاوالت توسعه وفرض هيمنته‪.‬‬
‫صحة اإلس�ل�ام أو خطأه‪ ،‬ب���ل حصر اهتمامه‬
‫‪ -3‬محم���د عب���ده(((‪ :‬التركي���ز عل���ى اإلص�ل�اح‬
‫بأمر اتفاقه مع م���ا يفترض بأنه من متطلبات‬ ‫الفكري‪:‬‬
‫الفك���ر الحديث» وهنا يبدي حوراني نتيجة هذا‬
‫جاء بع���د األفغاني تلمي���ذه «محمد عبده»‪،‬‬
‫السلوك إذ يقول‪« :‬فقد تابع النهج الذي عهدناه‬
‫والذي س���يكمل الس���ير في طريق وضع شيخه‬
‫لدى الطهطاوي والتونسي واألفغاني في التوحيد‬
‫أقدامه على أوله ليصل هو إلى مدى بعيد فيه؛‬
‫بين بعض المفاهيم التقليدية للفكر اإلس�ل�امي‬
‫طريق البحث عن سؤال النهضة الهاجس لذاك‬
‫وبين األفكار السائدة في أوروبا الحديثة وعلى‬
‫األفغاني محم��� َد عبده على كتب‬
‫ُّ‬ ‫الجيل‪ .‬أطلع‬
‫((( هربرت سبنس���ر (‪1903 -1820‬م) فيلس���وف بريطاني‬ ‫الفلسفة اإلسالمية ككتب ابن سينا‪ ،‬وعلى نتاج‬
‫ليبرالي أس���تاذ ل���دارون وهو أول من تكل���م عن نظرية‬
‫البقاء لألصلح (الداروينية االجتماعية)‪ ،‬ومن مؤسس���ي‬ ‫الفكر األنواري ككتب روسو ومونتيسكيو بعدما‬
‫علم االجتماع احلديث‪ ،‬راجع ما كتبه عنه يوسف كرم في‬ ‫تعلم الفرنسية في فرنسا عندما استُدعي للعمل‬
‫تاريخ الفلسفة احلديثة‪.‬‬
‫((( ألبرت أوجس���ت غابريي���ل هانوت���و (‪1944- 1853‬م)‬ ‫بجان���ب األفغاني هناك‪ ،‬وقد ترجم حينها كتاب‬
‫مؤرخ فرنس���ي ورجل دولة عمل وزي ًرا للشئون اخلارجية‬
‫الفرنس���ية ومندو ًبا لفرنس���ا في عصبة األمم من كتبه‪:‬‬
‫تاريخ اجلمهورية الثالثة ومعاهدة فرس���اي وتاريخ األمة‬ ‫((( محم���د عبده بن حس���ن خي���ر الل���ه التركماني(‪1849‬‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫‪1905-‬م) ‪ ،‬مفتي الديار املصرية‪ ،‬نفاه اإلجنليز إلى الشام‬
‫((( فرح أنط���وان بن الياس أنطوان كاتب وصحفي ُولد في‬ ‫ملناصرته الثورة العرابية‪ ،‬ومل���ا عاد ملصر ُعني قاض ًيا ثم‬
‫طرابلس الش���ام في ‪1874‬م‪ ،‬وانتقل لإلسكندرية ليصدر‬ ‫مفت ًيا‪ ،‬ترجم له تفصيال تلميذه محمد رش���يد رضا في‬
‫مجلة اجلامعة من كتبه‪ :‬ابن رش���د والفلس���فة‪ ،‬توفي في‬ ‫تاريخ األستاذ اإلمام وهو مطبوع‪ ،‬وقد حقق ونشر أعماله‬
‫القاهرة في ‪1922‬م راجع األعالم ‪.141/5‬‬ ‫د‪ .‬محمد عمارة‪ ،‬وصدرت عن دار الشروق بالقاهرة‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫إليها‪ ،‬وإنما هي مف����ردات الفكر الليبرالي الذي‬ ‫هذا النهج انقلبت «المصلح���ة» إلى «المنفعة»‬
‫كان مسيط ًرا على الفضاء الثقافي الغربي حينها‪،‬‬ ‫والش���ورى إلى «الديمقراطية» و«اإلجماع» إلى‬
‫فنُقلت تلكم المف����ردات بوصفها مالمح الثقافة‬ ‫«الرأي العام»‪ ،‬وأصبح اإلس�ل�ام نفسه مرادفًا‬
‫األوروبية مع باقي المظاهر المجتمعية التي انبهر‬ ‫للتمدن والنش���اط اللذين كانا قاعدتي التفكير‬
‫به����ا الوعي العربي عند احتكاكه بالغرب على يد‬
‫االجتماعي في القرن التاسع عشر‪ ،‬وال شك أنه‬
‫رواد النهضة ال بوصفها مذه ًبا قد اعتنقوه‪ ،‬ومن‬
‫كان من الس���هل ألتباع هذا النهج تحوير إن لم‬
‫ثَم راحوا يبشروا به في العالم اإلسالمي!‬
‫نقل إبطال المفاهيم اإلسالمية الدقيقة وتناسي‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫ما يميز اإلس�ل�ام عن غيره من األديان والنظرة‬
‫كان محم���د عبده عال ًما مطل ًع���ا في حقول‬ ‫(((‬
‫اإلنسانية الالدينية»‪.‬‬
‫معرفية متنوعة ش���رعية وفلسفية‪ .‬وقد انشغل‬ ‫ويس���تطرد حوراني في مآالت هذا الس���بيل‬
‫بقضية اإلصالح كسابقيه الطهطاوي واألفغاني‪،‬‬ ‫ً‬
‫قائ�ل�ا‪« :‬عندما نتخلى عن التفس���ير التقليدي‬
‫وقد كان تركيزه على اإلصالح الفكري‪ /‬الديني؛‬ ‫لإلس�ل�ام ونفتح الباب للرأي الشخصي يصبح‬
‫حيث س���عى إلى إص�ل�اح التعلي���م الديني في‬
‫من الصعب إن لم يكن من المس���تحيل التمييز‬
‫األزهر‪ .‬وراح ينافح عن اإلسالم في مقابل الفكر‬
‫بين ما هو موافق لإلس�ل�ام وما هو مخالف له‪،‬‬
‫منهجا توفيق ًّيا بين الدين‬
‫ً‬ ‫العلماني مس���تخد ًما‬
‫فه���ل فتح محمد عبده ب���دون قصد منه الباب‬
‫اإلس�ل�امي والمعطيات الفكري���ة التي جاء بها‬
‫عصر األنوار مما أسقطه في مزلق تأويل الكثير‬ ‫إلغراق العقيدة والشريعة اإلسالميتين في ل ُّجة‬
‫من الثواب���ت الدينية‪ ،‬ولكنه مع ذل���ك لم يتب َن‬ ‫مبتكرات العالم الحديث؟‬
‫الليبرالية كفلس���فة ونسق فكري متكامل كشأن‬ ‫لقد نوى إقامة جدار ضد العلمانية فإذا به في‬
‫باقي أشخاص تلكم المرحلة‪ ،‬ولكن يقتصر دوره‬ ‫الحقيقة يبني جس ًرا تعبر العلمانية عليه لتحتل‬
‫عل���ى إدخال مفردات الفك���ر الليبرالي للفضاء‬ ‫المواقع واح ًدا بعد اآلخر‪ .‬وليس من المصادفة‬
‫الثقافي العربي‪.‬‬ ‫أن يستخدم معتقداته فريق من أتباعه في سبيل‬
‫بالنس���بة لتلك���م المرحل���ة لم يك���ن هناك‬ ‫(((‬
‫إقامة العلمانية الكاملة»‪.‬‬
‫مؤسس���ات يمكن وس���مها بالليبرالي���ة نظ ًرا‬ ‫تبين لنا هنا اإلس����هام الفك����ري لمحمد عبده‬
‫لطبيعتها «التعارفية» مع الفكر الليبرالي‪ ،‬حاشا‬ ‫في تيسير إدخال المفردات والمفاهيم الليبرالية‬
‫صحيفة « الوقائع المصرية « ((( ومجلة « العروة‬ ‫للفضاء الثقافي اإلس��ل�امي ع����ن طريق صبغها‬
‫الوثق���ى» (((‪ ،‬وكذلك مجل���ة «روضة المدارس‬ ‫إس��ل�ام ًّيا بتأصيل تل����ك المف����ردات بما يوافق‬
‫المصرية»؛ حيث كان يكتب رواد هذا الجيل‪.‬‬ ‫المج����ال التداولي اإلس��ل�امي‪ ،‬ولكنن����ا ال نرى‬
‫حضو ًرا لليبرالية كنسق فكري وفلسفة وال دعوة‬

‫((( أسس���ها محمد علي في القاهرة في ‪1828‬م وقام رفاعة‬ ‫س���ببه هذا النهج م���ن مخالفة أفكار عبده‬
‫ّ‬ ‫((( لتفاصيل ما‬
‫الطهطاوي بتطويرها في ‪1842‬م‪ ،‬وأصلحها محمد عبده‬ ‫للفضاء املعرفي الش���رعي‪ ،‬راجع حافظ حيدر الش���يخ‬
‫في ‪1880‬م‪.‬‬ ‫محم���د عب���ده وآراؤه االعتقادية‪ ..‬عرض ونقد رس���الة‬
‫((( أس���س األفغان���ي ومحمد عبده ف���ي‪1848‬م في باريس‬ ‫دكتوراه من جامعة أم القرى ‪1982‬م‪ ،‬وكذلك ناصر العقل‬
‫جمعية س���رية‪ ،‬وكانت املجلة هي الناطق باسم اجلمعية‬ ‫االجتاهات العقلية احلديثة‪ ،‬ومحمد الناصر العصرانيون‪،‬‬
‫وصدر منه���ا ‪ 18‬مجل ًدا‪ ،‬ويقول حوران���ي‪ :‬إن لغة املجلة‬ ‫وفهد الرومي منهج املدرسة العقلية في التفسير‪.‬‬
‫كانت لغة محمد عبده‪ ،‬أما التفكير فكان تفكير األفغاني‪.‬‬ ‫((( حوراني مرجع سبق ذكره ص‪.179‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪40‬‬
‫الطريق إلى مداه البعي���د؛ فبينما اكتفى الرواد‬ ‫املبحث الثاني‬
‫«بتهريب» مفردات الليبرالية الغربية من س���ياق‬
‫اجليل الثاني‪ :‬بلورة الفكر‬
‫الفكر األن���واري‪ ،‬راح التالمي���ذ ينقلون الفكر‬
‫الليبرالي كنس���ق فكري ناجز للبيئ���ة العربية‪،‬‬
‫الليربالي‬
‫ثم الدعوة إليه‪ ،‬والس���عي نحو تطبيقه‪ ،‬وسنركز‬ ‫تمهيد‪:‬‬
‫هنا على أهم الرموز‪ ،‬ونح���اول إبراز الجوانب‬
‫تمثل ه���ذه المرحلة النقلة النوعية األهم في‬
‫الليبرالية في فكرها وال���ذي في عامته مبهور‬
‫مسار الظاهرة الليبرالية المصرية؛ حيث تبلور‬
‫بالحداثة الغربية‪ ،‬ويسعى للنقل منها وتجذير ما‬
‫فيها مالمح الفكر الليبرالي العربي ‪ /‬المصري‬
‫ينقله في الفضاء الثقافي العربي‪.‬‬
‫إنتاجا فكر ًّيا‬
‫ً‬ ‫على صعي���د النظر‪ ،‬حيث نج���د‬
‫‪ -1‬قاسم أمين(((‪ :‬سؤال المرأة‪:‬‬ ‫غزي ًرا ل���رواد تلك المرحلة يؤس���س لليبرالية‬
‫ال ال بوصفها مبادئ‬ ‫بوصفها نسقًا فكر ًّيا متكام ً‬
‫«في البالد الحرة قد يجاهر اإلنس���ان بأن ال‬
‫وأفكا ًرا مجردة كما هو الحال عند الجيل األول‬
‫وطن له‪ ،‬ويكفر بالله ورسله‪ ،‬ويطعن على شرائع‬
‫من رواد النهضة‪ ،‬وعلى صعيد العمل إذ تأسست‬
‫قومه وآدابهم وعادتهم‪ ،‬يقول ويكتب ما يشاء في‬
‫أحزاب سياس���ية تعتمد على الفك���ر الليبرالي‬
‫ذلك‪ ،‬وال يفكر أحد أن ينقص شي ًئا من احترامه‬
‫وتمارس العملية السياسية‪.‬‬
‫لش���خصه متى كان قوله صاد ًرا عن نية حسنة‬
‫وفرضية ه���ذا المبحث تقوم على كون الفكر‬
‫واعتقاد صحيح‪ ..‬كم من الزمن يمر على مصر‬
‫الليبرالي بدأ يتبلور بصورة صريحة في الفضاء‬
‫(((‬
‫قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية»‪.‬‬
‫الثقاف���ي العربي في تلك المرحلة لتمثل مرحلة‬
‫لعل هذا النص يش���ي بالم���دى الذي وصل‬
‫«الثراء الليبرالي» في مص���ر‪ ،‬ومع ذلك لم يل َق‬
‫إليه قاس���م أمين في االنبهار بالليبرالية‪ ،‬ومن‬
‫قبوالً مجتمع ًّيا‪ ،‬وقد كان ظاه ًرا في المس���توى‬
‫ثم رغبته في تطبيقه���ا في المجتمع المصري‪.‬‬
‫الثقافي على عكس المستوى الواقعي السياسي‬
‫فقاس���م أمين الذي سيعانق الفكر األنواري في‬
‫واالقتصادي‪.‬‬
‫فرنسا خالل صحبته ألستاذيه األفغاني وعبده‬
‫وس���نحاول هنا إبراز المالمح الليبرالية في‬
‫هناك س���يمثل «التطور التطرفي» لمدرسة رواد‬
‫فكر ش���خصيات هذه المرحلة‪ ،‬وحسب منهجنا‬
‫النهضة؛ حيث بلغ به االستالب الفكري للفضاء‬
‫لن نتناول مجمل أفكارها بالتعمق والمدارس���ة‬
‫الثقافي األنواري مبلغه‪ ،‬فنجده يصرح «هذا هو‬
‫االبيستمولوجية‪.‬‬
‫ال���داء الذي يلزم أن نبادر إلى عالجه‪ ،‬وليس له‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬شخصيات المرحلة‪ :‬االستيالب الفكري‪:‬‬
‫((( قاس���م محمد أمني (‪1908 -1863‬م) ُولد مبصر ودرس‬
‫مبدرس���ة احلقوق واإلدارة وحصل على الليس���انس عام‬ ‫تمثل ش���خصيات هذه المرحلة تالميذ جيل‬
‫‪1881‬م وعمل بعد التخرج باحملاماة‪ ،‬وس���افر إلى فرنسا‬
‫وانض���م جلامع���ة مونبلييه لينهي دراس���ته القانونية في‬ ‫ال���رواد‪ ،‬ذاك الجيل الذي وض���ع أقدامه على‬
‫‪1885‬م‪.‬‬ ‫طري���ق النقل من البيئ���ة الثقافي���ة األوروبية‪،‬‬
‫ال عن محمود الصاوي‪،‬‬ ‫((( قاسم أمني‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬نق ً‬
‫الفكر الليبرالي حتت املجهر الش���رعي‪ ،‬دار ابن حزم ط‪1‬‬ ‫ولكنه لم يبتعد في���ه كثي ًرا عن الفضاء الثقافي‬
‫‪2012‬م ص‪ 135‬وما بعدها‪.‬‬ ‫اإلس�ل�امي لتأتي ه���ذه الش���خصيات‪ ،‬وتكمل‬
‫‪41‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫لتقليد الغرب‪ ،‬وتتب���ع خطواته لتحقيق النهضة‬ ‫دواء إال أن نربي أوالدنا على أن يعرفوا ش���ئون‬
‫المنشودة‪ ،‬وكان ش���اغله هو الوضع المجتمعي‬ ‫المدني���ة الغربية‪ ،‬ويقفوا على أصولها وفروعها‬
‫أكثر من السياسي واالقتصادي‪ ،‬خاصة مسألة‬ ‫وآثارها‪ ،‬إذا أتى هذا الحين‪ ،‬ونرجو أن ال يكون‬
‫المرأة وفك القيود المجتمعية المفروضة عليها‪.‬‬ ‫بعي ًدا‪ ،‬انجلت الحقيقة ساطعة سطوع الشمس‪،‬‬
‫وعرفنا قيم���ة التمدن الغرب���ي‪ ،‬وتيقنا أنه من‬
‫‪ -2‬أحمد لطفي السيد(((‪ :‬أستاذ الجيل‪. . .‬‬
‫المس���تحيل أن يتم إص�ل�اح أحوالنا إذ لم يكن‬
‫إذا كان البحث في فكر الطهطاوي قد س��� ّوغ‬ ‫مؤسس���ا على العل���وم العصرية‬ ‫هذا اإلصالح‬
‫ً‬
‫لنا أن نستبعده من قائمة المرجعيات الليبرالية‪،‬‬ ‫(((‬
‫الحديثة»‪.‬‬
‫فإننا لن يسعنا إال أن نضع أحمد لطفي السيد‬ ‫مهجوس���ا بس���ؤال المرأة‬ ‫كان قاس���م أمين‬
‫ً‬
‫اطلع‬ ‫عل���ى رأس تلكم القائمة‪ ،‬فالرجل بحق قد ّ‬
‫ومعظم نتاجه الفكري في هذا السبيل كـ«المرأة‬
‫على الفكر الليبرالي بصورته المتبلورة والناجزة‪،‬‬ ‫الجديدة» و«تحرير المرأة» ((( دعا فيه إلى تحرير‬
‫وفهم أساسه القائم عليه أي الحرية‪ ،‬ذاك المبدأ‬ ‫المرأة من السياج المجتمعي المصري المحكوم‬
‫« المقدس « في التقليد الليبرالي فنجده يقول‪:‬‬ ‫باألفق الثقافي اإلسالمي‪ ،‬والذي يضع ضوابط‬
‫«غذاؤنا الحقيقي الذي به نحيا‪ ،‬ومن أجله نحب‬ ‫على ممارس���ات المرأة الحياتية‪ ،‬واالنفتاح على‬
‫الحياة ليس هو إش���باع البطون الجائعة‪ ،‬بل هو‬ ‫النم���وذج الغربي المتعامل مع المرأة بدون قيود‬
‫أيضا كالخبز والم���اء‪ ،‬ولكنه أعز مطل ًبا‬
‫غ���ذاء ً‬ ‫حاكمة‪ ،‬وقد قُوبلت أطروحات قاسم أمين بهجوم‬
‫وأغلى ثمنًا هو إرضاء العقول والقلوب‪ ،‬وعقولنا‬ ‫ش���ديد من المجتمع‪ ،‬مما يثب���ت فرضية بحثنا‬
‫وقلوبنا ال ترضى إال بالحرية» (((‪.‬‬ ‫المجادلة بكون الفك���ر الليبرالي لم يل َق القبول‬
‫نج���د في هذا النص نفس القراءة العاطفية‬ ‫المجتمعي الكاف���ي لتجذيره في البيئة الثقافية‬
‫المنبهرة بالتقلي���د الليبرالي والواقعة في مزلق‬ ‫العربية‪ ،‬وكان ممن هاجمه‪ :‬محمد طلعت حرب‬
‫المساواة بين الليبرالية كمذهب والحرية كمثال‬ ‫في كتابه «فصل الخطاب في المرأة والحجاب»‪،‬‬
‫إنس���اني‪ ،‬وهذا غلط نتج عن االكتفاء بالمقاربة‬ ‫ومحمد فريد وجدي في كتابه «المرأة المسلمة»‬
‫(((‬
‫وكذلك مصطفى كامل وغيرهم‪.‬‬
‫((( أحمد لطفي السيد (‪1963 – 1872‬م) من رواد النهضة‬
‫العربية‪ ،‬أُطلق عليه أبو الليبرالية املصرية وأستاذ اجليل‪،‬‬ ‫خالصة‪:‬‬
‫ُولد مبحافظ���ة الدقهلية‪ ،‬ودرس احلق���وق وتعرف على‬ ‫ال نجد في متون قاسم أمين تسمية صريحة‬
‫وصاحب األفغاني فتره في‬
‫َ‬ ‫محمد عبده أثناء الدراس���ة‪،‬‬
‫اسطنبول شارك في ثورة ‪1919‬م‪ ،‬وعمل وزي ًرا للمعارف‪،‬‬ ‫تصب في‬
‫ّ‬ ‫لليبرالي���ة‪ ،‬ولكن ممارس���اته الفكرية‬
‫ث���م وزي ًرا للخارجي���ة ونائ ًبا لرئيس ال���وزراء في حكومة‬
‫إس���ماعيل صدقي‪ ،‬وأنشأ صحيفة اجلريدة‪ ،‬أول من دعا‬
‫المجرى الليبرالي؛ حيث ركز على الدعوة العامة‬
‫لتأس���يس اجلامعة املصرية التي صارت جامعة القاهرة‬
‫فيما بعد‪ ،‬وش���ارك في تأس���يس احلزب الوطني وحزب‬ ‫ً‬
‫نق�ل�ا عن محمد الصاوي‬ ‫((( قاس���م أمني‪ ،‬املرأة اجلديدة‪،‬‬
‫األمة ومجم���ع اللغة العربية‪ ،‬وترأس���ه حتى مات‪ ،‬راجع‬ ‫مرجع سق ذكره‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫األعالم للزركلي‪.‬‬ ‫((( صدرت األعمال الكاملة عن دار الش���روق ضمن مشروع‬
‫((( أحم���د لطفي الس���يد‪ ،‬تراث أحمد لطفي الس���يد‪ ،‬دار‬ ‫د‪ .‬محمد عمارة الذي نشر فيه كل نتاج مفكري النهضة‪.‬‬
‫الكت���ب والوثائق القومية القاهرة ‪ 322/1 2008‬نق ً‬
‫ال عن‬ ‫((( نُقل عن قاس���م أمني أنه قد تراجع عن مقوالته بش���أن‬
‫كليمانز ريكر (محرر)‪ ،‬الليبرالية في تاريخ الفكر العربي‪،‬‬ ‫حترير امل���رأة في آخر حياته‪ ،‬راجع هاني نس���يرة‪ ،‬أزمة‬
‫احملروسة للنشر القاهرة ط‪2010‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫النهضة العربية وحرب األفكار‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪42‬‬
‫أرسطوقراطية أو ديمقراطية أو حكومة فرد»(((‪.‬‬ ‫المعجمية لمصطلح الليبرالية (((‪ ،‬ولذا ال عجب‬
‫ولهذا االعتبار ينبغي أن يكون عمل الحكومة‬ ‫أن يعتمد لطفي السيد كلمة «الحريين» كترجمة‬
‫داخل دائرة مح���دودة بحدود الض���رورة‪ ،‬فال‬ ‫لكلمة «الليبراليين»‪.‬‬
‫يكون على الحكومة إال واجبات ثالثة‪ :‬البوليس‪،‬‬ ‫يكتف لطفي الس���يد بالتنظير الليبرالي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫وإقامة العدل‪ ،‬وحماية البالد‪ ،‬ويعجبنا قول أحد‬ ‫ولك���ن لكونه ق���د انتظم في العمل السياس���ي‬
‫كتاب اإلنجلي���ز (((في هذا الصدد‪ :‬إن الحكومة‬ ‫ممارس���ا رفيع المس���توى حت���ى تقلد مناصب‬ ‫ً‬
‫لم تدخل في عمل غي���ر هذه الدائرة إال أثبتت‬ ‫مرموقة‪ ،‬فقد سعى نحو تطبيق الفكر الليبرالي‬
‫عدم كفاءتها له‪.(((« ....‬‬ ‫سياس ًّيا واقتصاد ًّيا فنجده يرفض االعتماد على‬
‫ويصرح لطفي السيد بتبنيه الليبرالية وإيثارها‬ ‫الدولة ويس���تهجنه قائ ً‬
‫ال‪« :‬الحكم الماضي قد‬
‫ً‬
‫قائ�ل�ا‪« :‬يبين مما‬ ‫عل���ى المذهب االش���تراكي‬
‫جعلنا عياالً على الحكوم���ة رعية لها معتمدين‬
‫نقول أننا نفضل مذه���ب الحريين أو الفرديين‬
‫عليها في كل إصالح حتى ف���ي التربية‪ ....‬وال‬
‫على مذه���ب الجماعيين الذين يضحون بالفرد‬
‫شك في أن السير على هذه القاعدة االشتراكية‬
‫ومصلحته للمجموع من غير قيد أو ش���رط‪...‬‬
‫(((‬
‫يوصل حت ًما إلى نتيجة سوداء»‪.‬‬
‫فمذه���ب الفرديين أنفع لبالدن���ا في الظروف‬
‫وكذلك يؤك���د على أهمية حري���ة الفرد في‬
‫الحاضرة م���ن كل ما عداه»‪ .‬ولكن يس���تدرك‬
‫الرجل قائ ً‬ ‫ً‬
‫قائ�ل�ا‪« :‬الحرية ما هي إال أن‬ ‫مقابل الحكومة‬
‫ال‪« :‬ولكننا ال نرى مع ذلك تطبيق هذا‬
‫المذهب على إطالقه‪ ،‬فإنه ال يزال في حال األمة‬ ‫يحيا الفرد ويعمل كما يش���اء بش���رط أال يضر‬
‫ما يدعو إلى أن تهت���م الحكومة بالمداخلة في‬ ‫بالغير‪ ،‬ولس���ت أدري إل���ى أي بُعد تقف حدود‬
‫(((‬
‫بعض األمور غير الداخلة في واجباتها الثالثة‬ ‫هذه المش���يئة إذا كان للحكومة أن تجعل ميدان‬
‫حث وإرش���اد ال مداخلة حكم‬ ‫المتقدمة مداخلة ّ‬ ‫هذه المشيئة أضيق ما يكون»(((‪ ،‬ويحذر مضيفًا‬
‫وإكراه»(((‪ ،‬وفي المنح���ى االقتصادي نراه يؤكد‬ ‫«فكل قانون يكسب الحكومة ح ّقًا أو رقابة فإنما‬
‫عل���ى «أن الحكومة إذا اتجرت ال تس���تطيع أن‬ ‫يخسر الفرد من الحقوق ومن الحرية بمقدار ما‬
‫تكون تاج ًرا محمود العم���ل وال مفيد النتيجة‪،‬‬ ‫أخذت الحكومة لنفسها‪ ،‬وكل مداخلة للحكومة‬
‫وه���ي إذا اش���تغلت صان ًعا فأس���وأ م���ا تكون‬ ‫ضغطا على حرية الفرد»(((‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فيما ليس لها تعتبر‬
‫(‪((1‬‬
‫صناعتها‪ ،‬وأخس ما يكون كسبها»‪.‬‬ ‫ويطلعنا نص آخر للطفي السيد على درايته‬
‫بالتطبي���ق الليبرالي القاضي بتقزيم دور الدولة‬
‫((( يخل���ط البعض ويرب���ط بني الليبرالي���ة والدميقراطية‪،‬‬ ‫في الش���أن العام فيقول‪« :‬أما مذهب الحريين‬
‫واحلق أن���ه ال عالقة عضوي���ة بينهما‪ ،‬ولكن النس���خة‬
‫الليبرالية املعاصرة تعتمد الدميقراطية كنظام سياس���ي‪،‬‬ ‫أو الفرديي���ن فإنه يعتب���ر الحكومة ضرورة من‬
‫ولك���ن ليبراليات كثيرة لم تكن تعتمد الدميقراطية كنظام‬
‫حكم‪.‬‬
‫الض���رورات يعتبرها كذل���ك أ ًّيا كان ش���كلها‬
‫((( هو جون س���تيوارت م���ل (‪1873-1806‬م) أفاده كليمانز‬
‫ريكر‪.‬‬ ‫((( راج���ع اإلطار النظري للدراس���ة احمل���ور األول مفهوم‬
‫((( ريكر‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص ‪.27‬‬ ‫الليبرالية‪.‬‬
‫((( هي األمن والقضاء والدفاع عن الوطن‪.‬‬ ‫((( ريكر‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص‪.25‬‬
‫((( املرجع السابق ص ‪.29‬‬ ‫((( املرجع السابق ص‪.26‬‬
‫(‪ ((1‬املرجع السابق ص‪.77‬‬ ‫((( املرجع نفسه ص‪.26‬‬
‫‪43‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع» (((‪.‬‬ ‫خالصة‪:‬‬
‫ارتبط طه حسين بالفكر الغربي برباط وثيق؛‬ ‫يعتبر لطفي الس���يد مرج ًعا ليبرال ًّيا بامتياز‪،‬‬
‫إذ تشكل فضاؤه الفكري في سياق غربي‪ ،‬فدرس‬ ‫اطلع على الفكر الغربي‪ ،‬وتأثر بأفكار الليبرالية‬ ‫ّ‬
‫التاري���خ اليوناني والروماني‪ ،‬وتأثر بفالس���فة‬ ‫الكالس���يكية(((‪ ،‬والمذه���ب الليبرالي عنده هو‬
‫خصوصا ديكارت وفولتير وروسو‪ ،‬ولعل‬‫ً‬ ‫األنوار‬ ‫منصبا على‬
‫ًّ‬ ‫مذه���ب الحري���ة‪ ،‬وكان اهتمام���ه‬
‫تأثره بديكارت يظهر جل ًّيا في دراسته «في الشعر‬ ‫ونظر ألفضلية‬ ‫الوضع السياس���ي واالقتصادي‪ّ ،‬‬
‫الجاهلي»(((‪ .‬وكذلك دراسته في فرنسا على يد‬ ‫التطبيق���ات الليبرالي���ة على االش���تراكية في‬
‫نخبة من المستش���رقين واألساتذة‪ ،‬لعل أهمهم‬ ‫السياسة واالقتصاد‪ ،‬ومن ثم راح يدعو لتضييق‬
‫«دوركايم» مؤس���س علم االجتماع الحديث‪ ،‬ومن‬ ‫مس���احة تدخل الحكومة في المجتمع‪ .‬وقد أثر‬
‫المستشرقين «رينان» و«مارجليوس»‪.‬‬ ‫الرجل في جيل سيأتي من بعده‪.‬‬
‫ق���ام طه حس���ين بإكمال عملية اس���تدخال‬
‫‪ -3‬طه حسين (((‪ :‬االنبهار بالحداثة‪..‬‬
‫األفكار الفلس���فية والمناهج الت���ي تولدت في‬
‫الفضاء الثقاف���ي الغربي في البيئ���ة الثقافية‬ ‫لعل البحث في فكر طه حس����ين يس���� ّوغ لنا‬
‫أن ننمذج ب����ه على حالة «االس����تالب الفكري»‬
‫الغربية بعدما توقف الجي���ل األول عند مجرد‬
‫بالحداث����ة الغربية واالنبهار الالواعي بالحضارة‬
‫«تهريب» بعض المفردات الفكرية‪ ،‬مع الحرص‬
‫الغربية‪ ،‬والنظر إليها بوصفها حضارة كونية يلزم‬
‫على إلباسها رداء تتالءم به مع الفضاء الفكري‬
‫الس����ير في ركابها لو ابتغينا التقدم فنراه يقول‪:‬‬
‫اإلس�ل�امي‪ ،‬فعلى النقيض من سلوك المدرسة‬
‫«لكن الس����بيل إلى ذلك ليست في الكالم يرسل‬
‫التوفيقية‪ ،‬ودفاعها ع���ن الدين في جدالها مع‬
‫إرساالً‪ ...‬وإنما هي واضحة بينة مستقيمة ليس‬
‫المستش���رقين‪ ،‬راح طه حس���ين في مس���ألة‬
‫فيها عوج وال الت����واء‪ ،‬وهي واحدة فذة ليس لها‬
‫لطالما دافعت عنها هذه المدرس���ة وهي «عدم‬ ‫تعدد‪ ،‬وهي‪ :‬أن نسير س����يرة األوربيين‪ ،‬ونسلك‬
‫مضادة الدين اإلس�ل�امي للعلم الحديث» يقول‪:‬‬ ‫طريقهم؛ لنكون لهم أندا ًدا‪ ،‬ولنكون لهم ش����ركاء‬
‫«والخصومة بين العلم والدين أساسية وجوهرية؛‬ ‫في الحضارة‪ :‬خيرها وشرها حلوها ومرها‪ ،‬وما‬
‫ألن الدين يرى لنفس���ه الثبات واالستقرار‪ ،‬وألن‬ ‫كره وما يُحمد منها وما يُعاب‪،‬‬ ‫يُ َحب منها وم����ا يُ َ‬
‫العلم يرى لنفسه التغير والتجدد»(((‪.‬‬
‫وقد تس���ببت هذه النقلة النوعية بردود فعل‬
‫((( راجع اإلطار النظري للدراسة لبيان الفرق بني الليبرالية‬
‫الكالس���يكية وغيرها من تطبيقات التقليد الليبرالي في‬
‫((( طه حس�ي�ن‪ ،‬مس���تقبل الثقافة في مص���ر‪ ،‬دار املعارف‬ ‫محور الليبرالية االقتصادية‪.‬‬
‫القاهرة ط‪ 2‬ص ‪.39‬‬
‫((( طه حس�ي�ن علي س�ل�امة (‪1973- 1889‬م) ُولد باملنيا‬
‫((( حيث اعتمد منهج ديكارت املعرفي وهو « الشك»‪ ،‬فشغّله‬ ‫بصعيد مصر‪ ،‬أُصيب بالعمى في طفولته‪ ،‬درس في األزهر‬
‫في مادة الشعر اجلاهلي‪ ،‬وتوصل به إلى أنه منحول‪ ،‬وقد‬ ‫وتعرف فيه على محمد عبده‪ ،‬ثم تابع دراسته في اجلامعة‬
‫اس���تتبع ذلك نتائج معرفية تشكك في الكثير من الثوابت‬ ‫املصرية وجامعة مونبيليه والسربون الباريسيتني‪ ،‬حصل‬
‫املعرفية في النسق اإلسالمي‪.‬‬ ‫على الدكتوراه س���نة ‪1919‬م‪ ،‬أديب وناق���د‪ ،‬لُقِّب بعميد‬
‫ال ع���ن فاطمة بنت‬‫((( طه حس�ي�ن‪ ،‬م���ن بعيد ص ‪ 228‬نق ً‬ ‫األدب العرب���ي‪ُ ،‬عني عمي ًدا لكلية اآلداب في عام ‪1928‬م‬
‫حميد‪ ،‬فكر طه حس�ي�ن في ضوء العقيدة اإلس�ل�امية‪،‬‬ ‫ومدي ًرا جلامعة اإلس���كندرية عام ‪1944‬م‪ ،‬وتولى منصب‬
‫رسالة ماجستير غير منش���ورة من جامعة أم القرى عام‬ ‫وزير املعارف في حكومة الوفد عام ‪1950‬م وعض ًوا ملجمع‬
‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫ورئيسا له‪.‬‬
‫ً‬ ‫اللغة العربية‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪44‬‬
‫من قريب أو بعيد‪ ،‬س���واء ص���در ذلك عن علم‬ ‫عنيفة فكرية ضد نتاج طه حسين‪.‬‬
‫(((‬

‫أو غير علم‪ ....‬والمسلمون قد فطنوا منذ عهد‬ ‫ونص���وص طه حس���ين قد ال تحت���وي على‬
‫بعيد إلى أص���ل من أصول الحياة الحديثة وهو‬ ‫مصطل���ح الليبرالي���ة‪ ،‬ولكن���ه كان ينقل الفكر‬
‫أن السياس���ة شيء والدين شيء آخر‪ ،‬وأن نظام‬ ‫الغرب���ي برمته ومنه الليبرال���ي‪ ،‬ولعل تفاصيل‬
‫الحكم وتكوين الدولة إنما يقومان على المنافع‬
‫الفكر الليبرال���ي نعثر عليها ثاوية في متون طه‬
‫العملية فبل أن يقوما على أي شيء آخر‪ ،‬وهذا‬
‫حس���ين‪ ،‬وإن لم نعثر على مصطلح الليبرالية‪،‬‬
‫التصور هو الذي تقوم عليه الحياة الحديثة في‬
‫فف���ي الليبرالية الفكرية ن���راه يؤكد على حرية‬
‫(((‬
‫أوروبا»‪.‬‬
‫ً‬
‫قائ�ل�ا‪« :‬فمص���ر ال تحتاج إلى ش���يء‬ ‫الفك���ر‬
‫وفي المنحى السياس���ي فقد كان طه حسين‬
‫داعي���ة للديمقراطي���ة بامتي���از؛ إذ يقول‪« :‬إن‬ ‫بمقدار م���ا تحتاج إلى تحرر عق���ول أبنائها‪...‬‬
‫من عل���ى المصريين بالنظام‬ ‫الل���ه عز وجل قد َّ‬ ‫والعقل الحر ه���و الذي ال يقبل أن يفرض عليه‬
‫الديمقراط���ي‪ ،‬وبالحياة النيابي���ة التي يحبها‬ ‫السلطان السياسي رأ ًيا من اآلراء أو مذه ًبا من‬
‫المصريون ويفتدونه���ا بالمهج والنفوس‪ ،‬ويؤكد‬ ‫المذاهب‪ .....‬ولن نرضى حتى تتسع آفاق العقل‬
‫على أفضلي���ة النظ���ام الديمقراط���ي قائ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫ليتلقى المعرفة من أقطار األرض جمي ًعا‪ ،‬وحتى‬
‫«والديمقراطية جادة في أداء واجبها فهي تمحو‬ ‫يعظم سلطان العقل فال يخشى رقي ًبا حين يعلن‬
‫الف���روق بين الطبقات وتجعل الناس سواس���ية‬ ‫(((‬
‫بما يرى؛ خطأ كان أو صوا ًبا»‪.‬‬
‫ما اس���تطاعت إلى ذلك س���بي ً‬
‫ال»(((وفي سعيه‬ ‫وبعد الوجه الفكري نرى الليبرالية السياسة‬
‫لتوطيد الديمقراطية المصرية كان طه حس���ين‬ ‫ظاه���رة في تأكيده على فصل الدين عن الدولة‬
‫يؤكد على مقولة «الثقافة السياسية» أي تعميم‬ ‫(((‪ ،‬ويتضح ذلك في نكيره على تضمن دس���تور‬
‫الديمقراطية كثقافة على المجتمع كله‪ ،‬وفي هذا‬ ‫‪1923‬م مادة تقول‪ :‬إن اإلسالم دين الدولة؛ حيث‬
‫السياق يقول‪« :‬فالديمقراطية الحقيقية يجب أن‬ ‫ق���ال‪« :‬وكان هذا النص مص���در فُرقة ال نقول‬
‫تكون خُ لقًا وخُ لقًا ش���ائ ًعا بين الناس جمي ًعا بين‬ ‫بين المس���لمين وغير المسلمين من أهل مصر‪،‬‬
‫المواطنين جمي ًع���ا‪ ،‬بمعنى أن كل مواطن يجب‬ ‫فقد رضيت القلة المس���يحية وغير المسيحية‬
‫ٍ‬ ‫هذا النص ولم تحاور فيه‪ ،‬وإنما نقول‪ :‬إنه كان‬
‫مس���او لمواطنه في حقوقه‬ ‫أن يكون مؤمنًا بأنه‬
‫مصدر فُرقة بين المسلمين أنفسهم‪ ....‬ومعنى‬
‫(((‬
‫وواجباته»‪.‬‬
‫ذل���ك أن العدالة مكلف���ة أن تمحو حرية الرأي‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫مح ًوا في كل ما من ش���أنه أن يمس اإلس�ل�ام‬
‫م َّثل طه حس���ين مع لطفي الس���يد نقل ًة نوعية‬
‫((( أش���هرها املعارك التي دارت حول دراس���ته «في الشعر‬
‫لمسار الليبرالية المصرية امتازت بالثراء الفكري‬ ‫اجلاهل���ي»‪ ،‬وكذل���ك «مس���تقبل الثقافة ف���ي مصر»‪،‬‬
‫وللتفاصي���ل راجع محم���د محمد حس�ي�ن‪ ،‬االجتاهات‬
‫((( طه حس�ي�ن‪ ،‬مس���تقبل الثقافة في مصر مرجع س���ابق‬ ‫الوطنية في األدب املعاصر‪ ،‬وقد تس���بب هذا في فصله‬
‫ص‪.24‬‬ ‫احتجاجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫من اجلامعة واستقالة لطفي السيد‬
‫((( طه حس�ي�ن‪ ،‬مس���تقبل الثقافة ص‪ ،205‬ورحلة الربيع‬ ‫((( طه حسني‪ ،‬حترير العقل‪ ،‬مقال منشور مبجلة الكاتب في‬
‫والصي���ف ‪ ،242 /14‬نقال ً عن فاطمة بنت حميد‪ ،‬مرجع‬ ‫ال عن فاطمة بنت حميد‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫يناير ‪1953‬م نق ً‬
‫سابق‪.‬‬ ‫((( الليبرالية السياسية تقوم على فصل السياسة عن األخالق‬
‫((( طه حسني‪ ،‬الدميقراطية واحلياة االجتماعية‪ ،‬مقال في‬ ‫عمو ًما‪ ،‬ومن باب أول���ى عن الدين‪ ،‬راجع اإلطار النظري‬
‫ال عن كليمانز ريكر مرجع سبق ذكره ص‪.125‬‬ ‫البالغ‪ ،‬نق ً‬ ‫للدراسة في األسس الفلسفية لليبرالية السياسية‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫الث���ورة العرابية في يناي���ر ‪1882‬م وهو حزب‬ ‫والتنظير الليبرالي‪ ،‬وقد اهتم طه حسين باستدخال‬
‫علماني يقوم على مب���دأ «المواطنة»‪ ،‬فقد جاء‬ ‫المناهج الغربية للبيئة الثقافية العربية‪ ،‬وس���عى‬
‫ف���ي برنامجه الذي نش���ر في جري���دة التايمز‬ ‫إلى تجذيرها في المجتمع؛ مس���تخد ًما المناصب‬
‫«الح���زب الوطني حزب سياس���ي ال ديني فإنه‬ ‫التي تقلدها في الجامعة ومن بعدها الوزارة‪ ،‬وكان‬
‫مؤلف من رج���ال مختلفي العقي���دة والمذهب‬ ‫يصب في جوه���ر الليبرالية‬
‫ّ‬ ‫اهتمامه السياس���ي‬
‫وأغلبيته مس���لمون؛ ألن تسعة أعشار المصرين‬ ‫السياسية والدعوة للتطبيق الديمقراطي‪.‬‬
‫من المسلمين وجميع النصارى واليهود وكل من‬ ‫الرموز المنمذج بها س���ابقًا تكفي لبيان مالمح‬
‫يحرث أرض مصر ويتكلم بلغتها منضم إليه؛ ألنه‬ ‫الفكر الليبرالي في تلكم المرحلة‪ ،‬ومن عاداهم كان‬
‫ال ينظر الختالف المعتقدات‪ ،‬ويعلم أن الجميع‬ ‫دائ ًرا في نفس الفلك مقتر ًبا من السياق الشرعي‬
‫إخوان وأن حقوقهم في السياس���ة والش���رائع‬ ‫حينًا أو مقتر ًبا من السياق الغربي أحيا ًنا؛ فالسمة‬
‫(((‬
‫متساوية»‪.‬‬ ‫األب���رز هنا كان���ت التمزق الفك���ري بين الفضاء‬
‫ثم أتى بعد ذلك «الح���زب الوطني»((( الذي‬ ‫الثقافي الغربي والفضاء العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫أسس���ه مصطفى كامل في ‪1907‬م بعد حادثة‬
‫ثان ًيا‪ :‬مؤسسات المرحلة‪ :‬أحزاب وصحف‪:‬‬
‫دنشواي وكان مطلب الحزب األساس هو جالء‬
‫امتازت هذه المرحل���ة ببداية العمل الحزبي‬
‫اإلنجليز عن مص���ر‪ ،‬وكذلك صياغة دس���تور‬
‫الفعلي في مصر؛ إذ س���بقتها مراحل تمهيدية‬
‫وبث الروح‬
‫يكفل رقابة البرلمان على الحكومة‪ّ ،‬‬
‫تمثل بذور التجربة الحزبية (((‪ ،‬وقد كانت أحزاب‬
‫الوطنية في الشعب‪ ،‬وقد رأس الحزب مصطفى‬
‫تلكم المرحلة تتحرك تحت سقف سياسي محدد‬
‫كامل‪ ،‬ومن بعده محم���د فريد وأصدر الحزب‬
‫ومنخفض؛ إذ كانت ت���دور بين مصالح القصر‬
‫جريدة اللواء‪.‬‬ ‫ومصالح االستعمار‪ .‬ومن ثَم فالحديث عن إنجاز‬
‫وق���د كان الحزب في بادئ األمر على طريقة‬ ‫سياسي حقيقي لتلك األحزاب أمر بعيد‪ ،‬ولكنها‬
‫مؤسسه مصطفى كامل الداعمة للدولة العثمانية‬ ‫مثلت تدشين الحياة الحزبية في مصر‪.‬‬
‫والجامعة اإلسالمية‪ ،‬فقد كان الحس اإلسالمي‬ ‫وقد كان تأثيرها األظهر في الجانب الفكري؛‬
‫بارزًا فيه‪ ،‬فإنه إذا كان به مش���رب قومي يدعو‬ ‫حيث كان كل ح���زب منها يتضم���ن قائمة من‬
‫ممزوجا بمشرب إسالمي‬‫ً‬ ‫«للمصرية» فقد كان‬ ‫المثقفين والمفكري���ن المتأثرين بفكر رجاالت‬
‫واضح(((‪ ،‬وكان للحزب جريدة تنطق باسمه وهي‬ ‫تلكم المرحلة بله أن يكونوا منهم كما سنرى‪.‬‬
‫«األخبار»‪ ،‬ومن ثَم يمكننا استثناء الحزب الوطني‬ ‫ولع���ل أول تش���كل حزبي ((( ف���ي مصر كان‬
‫من خريطة األحزاب الليبرالية في تلكم الفترة‪،‬‬ ‫«الحزب الوطني»‪ ،‬والذي عرف بحزب الفالحين‬
‫أيضا بالحزب األهلي الذي تمخض عن‬ ‫وعرف ً‬
‫ال عن محمد محمد حس�ي�ن‪ ،‬االجتاهات الوطنية في‬ ‫((( نق ً‬ ‫((( لبي����ان مراحل تطور النظام احلزبي في مصر والش����رق‬
‫األدب املعاصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪.154/1‬‬ ‫األوسط راجع أس����امة الغزالي حرب‪ ،‬األحزاب السياسية‬
‫((( ميكن اعتباره احلزب األول في مصر باملفهوم السياسي‬ ‫في العالم الثالث‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪.117‬‬
‫لكلمة حزب )‪.(party‬‬ ‫((( ينبغ���ي التنبيه على أن مصطل���ح حزب حينها لم يكن يعني‬
‫((( كان ه���ذا في ب���ادئ األمر‪ ،‬ولكن ف���ي األخير حاد عن‬ ‫احلزب مبفهومه األوربي املس���تقر في األدبيات السياسية‪،‬‬
‫توجهاته وصار كباقي األحزاب‪.‬‬ ‫ولكن املقصود حينها املعنى اللغوي للفظ أي تكتل من الناس‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪46‬‬
‫‪ -‬مهاجمة فكرة الوحدة اإلسالمية وإحياء مبدأ‬ ‫وكذا يمكننا استبعاد «الحزب الوطني الحر»(((‪،‬‬
‫الوطنية‪:‬‬ ‫والذي كان داع ًما مباش ًرا لالستعمار اإلنجليزي‬
‫يقول لطف���ي الس���يد‪« :‬أما ك���ون الجامعة‬ ‫بجريدت���ه «المقطم» ومجلت���ه «المقتطف»؛ إذ‬
‫اإلسالمية موجودة وجو ًدا حقيق ًّيا‪ ،‬أو أنها مقصد‬ ‫سخر نفسه لمحاربة حزب مصطفى كامل ودعم‬
‫من المقاصد التي يسعى المسلمون لتحقيقها‪،‬‬ ‫مشروعا حزب ًّيا حقيق ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اإلنجليز ولم يكن يحمل‬
‫فهذا ال دليل علي���ه مطلقًا‪ ،‬كما أنهم لو حاولوا‬
‫ويمكنن���ا النمذج���ة عل���ى األح���زاب الليبرالي���ة‬
‫إيجادها الس���تحال ذلك بالم���رة على طالبه‪،‬‬
‫باألمثلة التالية‪:‬‬
‫فقد علمنا التاريخ وطبائع البش���ر أنه ال شيء‬
‫أ‪ -‬حزب األمة‪.‬‬
‫يجمع بين البش���ر إال المنافع»((( في مقابل هذا‬
‫ب‪ -‬حزب الدستوريين األحرار‪.‬‬
‫الصد عن الجامعة اإلسالمية كانت هناك دعوة‬
‫ج‪ -‬حزب الوفد‪.‬‬
‫محمومة للوطنية‪ ،‬ولكن على الطريقة الليبرالية‬
‫وليس���ت طريقة مصطفى كامل المفعمة بالدين‬ ‫‪ -1‬حزب األمة‪ :‬صحيفة الجريدة‪:‬‬
‫والتي كانت تقص���د مقاومة االحتالل؛ فالوطن‬ ‫حزب األم���ة يمثل في تأسيس���ه خصيصة‬
‫عنده���م المكان الذي يعي���ش فيه قوم تجمعهم‬ ‫ليبرالية‪ ،‬وه���ي العالقة الحميمة بين الليبرالية‬
‫منفعتهم المادية بغض النظر عن الدين‪ ،‬ومن ثَم‬ ‫كنس���ق فكري والطبقة البرجوازية(((؛ إذ تأسس‬
‫راح الحزب يدعو إلى إحياء الفرعونية وتعظيم‬ ‫الحزب رس���م ًّيا في ‪ 21‬سبتمبر‪1907‬م برئاسة‬
‫التراث الفرعوني وإحالل اللهجة العامية مكان‬ ‫محمود سليمان باشا‪ ،‬وكان قوامه مجموعة من‬
‫العربية الفصحى‪.‬‬ ‫البشوات وكبار مالك األراضي األثرياء((( الذين‬
‫‪ -‬رفض مقاومة االستعمار‪:‬‬ ‫مثلوا الوج���ه البرجوازي للح���زب تلك الطبقة‬
‫الطامع���ة ف���ي تحقيق مصالحه���ا االقتصادية‬
‫كانت صحيفة الجريدة تتعامل مع االستعمار‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫بوصفه واق ًع���ا‪ ،‬بغض النظر عن مش���روعيته‪،‬‬
‫أما الوجه الثقافي والفكري فقد م ّثله «أحمد‬
‫وكانت ترى أن مقاومته تحت���اج إلى الكثير من‬
‫لطفي السيد»‪ ،‬ومن كان على دربه من المثقفين؛‬
‫اإلمكاني���ات التي لم تتوفر بع ُد للمصريين‪ ،‬ومن‬
‫حي���ث رأس صحيفة الح���زب «الجريدة»‪ ،‬ومن‬
‫ثَم يجب صرف الجه���د لبلورة تلكم اإلمكانيات‬
‫خ�ل�ال الجريدة راحوا يدع���ون ألفكار الحزب‬
‫بعي ًدا ع���ن المقاوم���ة التي لن تؤت���ي ثمارها‬
‫والتي تتمظهر في مضمون خطاب الجريدة‪:‬‬
‫أب ًدا‪ ،‬وفي هذا الس���ياق يمكن تفسير مهاجمة‬
‫حزب األمة وجريدته لمصطف���ى كامل وحزبه‬
‫الوطني الساعي في تحقيق االستقالل‪ ،‬وكذلك‬ ‫((( االس���م األبرز في هذا احلزب ه���و «محمد وحيد»؛ إذ‬
‫كان ينش���ر مقاالته موسومة مبحمد وحيد رئيس احلزب‬
‫مهاجمتهم الشديدة ألحمد عرابي‪ ،‬ومشاركتهم‬ ‫الوطني احلر‪.‬‬
‫((( ثمة عالقة قوية بني الليبرالية والبرجوازية تش���كلت منذ‬
‫((( أحمد لطفي الس���يد‪ ،‬افتتاحية اجلريدة ‪ 7‬مايو ‪1907‬م‪،‬‬ ‫بداية تبلور الفكر الليبرالي وظلت حتى الراهن مما سوغ‬
‫ال عن محمد محمد حس�ي�ن‪ ،‬االجتاهات الوطنية في‬ ‫نق ً‬ ‫مقولة «الليبرالية هي أيديولوجية الطبقة البرجوازية»‪.‬‬
‫األدب املعاصر القاهرة ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪.103/1‬‬ ‫((( منهم فخري عبد النور‪ ،‬سليمان أباظة‪ ،‬وعلي شعراوي‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫‪1930‬م حيث أُلغي ليع���اد العمل به في ‪1935‬م‬ ‫ألف���كار المقطم لدرج���ة أغرته���ا لتطلب من‬
‫ليلغى نهائ ًّيا مع ثورة ‪1952‬م‪.‬‬ ‫«الجريدة» أن تنضم لها في كيان واحد‪ ،‬ولينضم‬
‫وهذا الدس���تور يمثل تدش���ين دخول مصر‬ ‫حزب األمة للحزب الوطني الحر‪ ،‬وقد قُوبل هذا‬
‫للحياة النيابية؛ حيث اعتبر مصر ملكية وراثية‬ ‫أيضا يمكن‬
‫الطلب بالرفض‪ ،‬وفي هذا الس���ياق ً‬
‫وشكلها نيابي؛ حيث يتمثل البرلمان في مجلسي‬ ‫َف ْهم الدع���م اإلنجليزي للحزب؛ إذ ّ‬
‫صبت أفكار‬
‫الش���يوخ والن���واب‪ .‬والصبغ���ة الليبرالية تلوح‬ ‫الجريدة في مجرى مصالح االس���تعمار بقصد‬
‫عل���ى مواد هذا الدس���تور إذ تضمن حزمة من‬ ‫منه���ا أو بال قصد؛ بدعوته���ا للوطنية‪ ،‬ومن ثم‬
‫المواد التي تؤس���س لمب���دأ الحرية دون وضع‬ ‫قطع الصلة مع الدولة التركية ومكافحة الداعين‬
‫أية قيود عليها؛ فالم���ادة الثالثة منه تؤكد على‬ ‫لمقاومة االحتالل‪.‬‬
‫أن المصريين «متس���اوون في التمتع بالحقوق‬ ‫وال يمكنن���ا هنا الحديث عن إنجازات حزبية‬
‫المدنية والسياس���ية وفيما عليهم من الواجبات‬ ‫لحزب األمة؛ لكون تلك الفترة كانت تحت ظالل‬
‫والتكاليف العامة ال تمييز بينهم في ذلك بسبب‬ ‫االحتالل وس���قف التحرك محدد‪ ،‬وهذه طبيعة‬
‫األصل أو اللغة أو الدين»‪ ،‬والمادة الرابعة تقرر‬ ‫كل أح���زاب المرحل���ة؛ إذ كانت تتن���اوب على‬
‫أن «الحرية الشخصية مكفولة» هكذا بال ضابط‬ ‫السلطة‪ ،‬ولكن تظل محكومة بالقصر ومصالحه‬
‫أو قي���د‪ ،‬والمادة الثانية عش���ر تقرر أن «حرية‬ ‫واالحتالل ومصالحه كما أسلفنا‪ ،‬واقتصر الدور‬
‫االعتق���اد مطلقة» هكذا ب�ل�ا قيود أو ضوابط‪،‬‬ ‫الحزب���ي هنا على نش���ر أفكار لطفي الس���يد‬
‫وكذلك المادة الرابعة عشر تقرر أن «حرية الرأي‬ ‫الليبرالية‪.‬‬
‫مكفولة‪ ،‬ولكل إنسان التعبير عن فكره بالقول أو‬
‫‪ -2‬حزب الدستورين األحرار‪ :‬جريدة السياسة‪:‬‬
‫بالكتابة أو بالتصوير»‪ ،‬وفيما يخص دين الدولة‬
‫فقد جاءت المادة ‪ 149‬لتقول إن «اإلس�ل�ام دين‬ ‫تأس���س ه���ذا الح���زب على ي���د مجموعة‬
‫الدولة‪ ،‬واللغة العربية لغتها الرسمية‪ ،‬والشريعة‬ ‫الثالثين((( التي وضعت أول دستور لمصر((( في‬
‫(((‬
‫اإلسالمية المصدر الرسمي للتشريع»‪.‬‬ ‫‪1922‬م بعد صدور تصريح ‪ 28‬فبراير ‪1922‬م(((‪،‬‬
‫ومن ثَم فهذا الحزب كان نتاج هذا الدس���تور‬ ‫والذي يعترف بمصر دولة مس���تقلة ذات سيادة‬
‫المفعم بالليبرالية‪ ،‬والدس���تور هو نتاج رجاالت‬ ‫والذي صدر في ‪ 19‬أبريل ‪1923‬م و ُعمل به حتى‬
‫الحزب الذين مثل���وا أغلبية مجموعة الثالثين‪،‬‬ ‫((( مجموع���ة من ثالثني رج ً‬
‫ال ميثلون األحزاب السياس���ية‬
‫املختلفة والزعامات الش���عبية وقادة احلرك���ة الوطنية‪،‬‬
‫وقد أخ���ذ الحزب عل���ى عاتق���ه حماية هذا‬ ‫ورأس���ها عبد اخلالق ثروت رئي���س وزراء مصر في عهد‬
‫الدس���تور‪ ،‬وقد توالى على رئاس���ته عدلي يكن‬ ‫فؤاد األول‪ ،‬وقد رفض حزب الوفد اللجنة وسماها جلنة‬
‫األشقياء‪.‬‬
‫باشا‪ ،‬ومحمد محمود باشا‪ ،‬وعبد العزيز فهمي‬ ‫((( كان هناك دس���تور ملصر في ‪1882‬م ف���ي عهد توفيق‪،‬‬
‫باشا‪ ،‬ومحمد حسين هيكل باشا‪.‬‬ ‫وعندم���ا احتلت بريطاني���ا مصر ألغت هذا الدس���تور‪،‬‬
‫وحكمت مصر مبا س���مته القانون النظامي والذي صدر‬
‫في ‪1883‬م‪.‬‬
‫((( تصريح أعلنته بريطانيا من طرف واحد في لندن يقضي‬
‫((( عن هذا الدس���تور راجع محم���د فرحات ونور فرحات‪،‬‬ ‫بإنه���اء احلماي���ة البريطانية على مص���ر‪ ،‬ولكنه يضمن‬
‫التاريخ الدس���توري املصري‪ ،‬مركز اجلزيرة للدراس���ات‬ ‫لبريطانيا حزمة من الصالحيات جتعل من استقالل مصر‬
‫والدار العربية للعلوم ناشرون ‪2011‬م‪.‬‬ ‫استقالالً صور ًّيا‪ ،‬وقد رفضه الشعب املصري‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪48‬‬
‫‪-3‬حزب الوف���د (((‪ :‬صحيفت���ي البالغ وكوكب‬ ‫وكان لسان حال الحزب هو جريدة «السياسة»‪،‬‬
‫الشرق‪:‬‬ ‫وقد رأس تحريرها محمد حسين هيكل(((؛ حيث‬
‫تش���كل حزب الوف���د ف���ي ‪1918‬م على يد‬ ‫كان يكتب فيها مقاالته‪ ،‬وهنا يبرز األثر الفكري‬
‫س���عد زغلول(((‪ ،‬وقد بدأ كحركة شعبية ضمت‬ ‫للحزب‪ ،‬فمحمد حس���ين هي���كل ال يخرج عن‬
‫معظم أطياف المجتم���ع المصري‪ ،‬ويعد حزب‬ ‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫الس���ياق العام لرجاالت تلكم المرحلة‬
‫الوفد االمتداد السياس���ي لح���زب األمة؛ حيث‬ ‫لطفي الس���يد‪ ،‬ومن ثم فنتاج���ه الفكري يصب‬
‫إن رجاالت حزب األمة نراها بوضوح في حزب‬ ‫ف���ي نفس المجرى ال���ذي تناولناه عن الحديث‬
‫الوفد‪ ،‬فمحمود سليمان باشا رئيس حزب األمة‬ ‫عن أهم رموز المرحلة‪ ،‬حيث التجاذب الفكري‬
‫رئيسا للجنة الوفد المركزية‪ ،‬وكذلك‬
‫ً‬ ‫قد أصبح‬
‫بين الفضاء الثقافي الغربي والفضاء اإلسالمي‬
‫لطفي السيد كاتب الحزب يعتبر من أهم أعضاء‬
‫وبنفس الطريقة التوفيقية التي دش���نها محمد‬
‫حزب الوفد‪ ،‬وس���عد زغلول كان قري ًبا من حزب‬
‫عبده والجيل األول‪.‬‬
‫األمة‪ ،‬وقد كان السلوك السياسي لحزب الوفد‬
‫ومن ثم فإن الدور الفكري للحزب هنا أظهر‬
‫نفس س���لوك حزب األمة والمتمثل في اإلغراق‬
‫من الدور السياس���ي‪ ،‬وال���ذي انحصر في دعم‬
‫في النظرة الواقعية القاضية ‪ -‬بحسبهم ‪ -‬بعدم‬
‫مصال���ح الطبقة البرجوازية التي ش��� ّكلت قوام‬
‫مكافح���ة االحتالل‪ ،‬ومن ثم النكير على الحزب‬
‫الحزب بتمري���ر المبادئ الليبرالي���ة التي تتيح‬
‫الوطني‪ ،‬ووصف ممارساته بالشعرية والمثالية‪.‬‬
‫وقد اعتمد الحزب النظام الليبرالي كمحقق‬ ‫حرية التملك‪.‬‬
‫للنهضة في مصر وتوفير الرفاه للمجتمع‪ ،‬هذا‬ ‫أما في الش���أن الفك���ري فق���د كان يكتب في‬
‫في مس���توى النظر‪ ،‬أما من حيث الممارس���ة‬ ‫صحيفة «السياسة» الكثير من ال ُكتاب‪ ،‬وقامت على‬
‫العملية فإنها كانت غاية في البعد عن النس���ق‬ ‫صفحاتها معارك فكرية لعل أش���هرها معركة «في‬
‫وخصوصا في مجال الحرية الفكرية‪،‬‬
‫ً‬ ‫الليبرالي‪،‬‬ ‫الشعر الجاهلي» لطه حسين‪ .‬وقد ركزت الصحيفة‬
‫يحرم على‬
‫فعلى سبيل المثال نجد سعد زغلول ّ‬ ‫على مسألة الوطنية المصرية‪ ،‬فأسهبت في الحديث‬
‫أعضاء حزب الوفد قراءة جريدة السياسة لسان‬ ‫عن الفراعنة وحضارتهم ومجدهم‪ ،‬وقد ص ّدر هيكل‬
‫حال حزب «األحرار الدستوريين» ! ومن ثَم تتأكد‬ ‫الجريدة بغالف فرعوني وتاريخ إغريقي‪.‬‬
‫فرضيتنا البحثية القائلة بكون النسق الليبرالي‬

‫((( ُسمي باسم الوفد الذي ذهب للتفاوض مع بريطانيا لنيل‬


‫االستقالل‪ ،‬ومن أبرز أعضائه‪ :‬مصطفى فهمي‪ ،‬مصطفى‬ ‫((( محمد حس�ي�ن هيكل (‪1956 – 1888‬م) ش���اعر وأديب‬
‫النحاس‪ ،‬لطفي السيد‪ ،‬علي شعراوي‪ ،‬وسعد زغلول‪.‬‬ ‫وسياس���ي‪ُ ،‬ولد مبحافظة الدقهلي���ة ودرس القانون في‬
‫((( س���عد إبراهيم زغلول (‪1927 – 1857‬م) زعيم سياسي‬ ‫مدرس���ة احلق���وق اخلديوي���ة بالقاه���رة‪ ،‬وحصل على‬
‫مصري وخطي���ب مؤثر‪ُ ،‬ولد في الغربي���ة وتعلم باألزهر‬ ‫الدكت���وراه في احلقوق من الس���وربون الفرنس���ية ‪ ،‬كان‬
‫الش���ريف‪ ،‬واتصل باألفغاني مدة حيث اشتغل بالتحرير‬ ‫عض ًوا في جلنة الثالثني التي وضعت الدس���تور‪ ،‬وش���غل‬
‫في جريدة الوقائ���ع املصرية مع محمد عبده‪ ،‬تزعم ثورة‬ ‫منصب وزير املع���ارف في وزارة محم���د محمود‪ ،‬والتي‬
‫‪1919‬م‪ ،‬وتولى العديد من املناصب كوزارة املعارف ورئاسة‬ ‫ش���كلها في ‪1938‬م‪ ،‬وكذلك في وزارة حسني سري حتى‬
‫اجلمعية التشريعية‪ ،‬ثم بعد العودة من منفاه مبالطة تولى‬ ‫‪1940‬م ش���غل منصب رئيس حزب الدس���توريني األحرار‬
‫رئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب‪.‬‬ ‫حتى إلغاء األحزاب في ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫لم يكن متجذ ًرا في الوع���ي العربي ولم يُترجم‬
‫تمثل تل���ك المرحلة مرحلة ب���زوغ للظاهرة‬ ‫حرف ًّي���ا من حالته األصلي���ة الغربية ليخرج في‬
‫الليبرالية؛ إذ حظيت بع���دد كبير من المثقفين‬ ‫نسخة مصرية‪ ،‬ولعل ما يزيد األمر توكي ًدا كون‬
‫الذي���ن ّ‬
‫نظروا للنس���ق الليبرالي ف���ي المنحى‬ ‫س���عد زغلول قد هاجم كتاب «اإلسالم وأصول‬
‫الفكري‪ ،‬وعلى المس���توى السياسي تعتبر تلك‬ ‫الحكم» ((( لعلي عبد الرازق(((‪ ،‬وكذا هاجم كتاب‬
‫المرحلة بداية تدش���ين الليبرالية السياسية في‬ ‫«في الشعر الجاهلي لطه حسين(((‪.‬‬
‫مصر؛ حيث تعددية حزبية وتداول للسلطة في‬ ‫وكان الحزب يصدر جريدتي كوكب الش���رق‬
‫إطار حياة دس���تورية ونيابية‪ ،‬ولكن الممارس���ة‬ ‫والب�ل�اغ‪ ،‬وظل هو حزب األغلبي���ة حتى انتهاء‬
‫الحزبية لألح���زاب الليبرالية في تلك الفترة لم‬ ‫الحقبة الملكية في مصر في ‪1952‬م‪ ،‬وش��� ّكل‬
‫تكن تتس���م بقدر من النضج الحزبي وال تحمل‬ ‫معظم الحكومات في تلك الفترة‪ ،‬حاش���ا بعض‬
‫تصو ًرا تا ًّما في برامجها السياسية واالقتصادية‪،‬‬ ‫المرات التي ش���كلت فيها أح���زاب المعارضة‬
‫وكذلك كانت محكومة بسقف االحتالل والقصر‪،‬‬ ‫الحكوم���ة‪ ،‬وقد تعرض الح���زب لعدد ال بأس‬
‫وم���ن ثَ���م كان هاجس التحرر هو ما يش���غلها‪،‬‬ ‫به من االنش���قاقات؛ حي���ث خرجت من رحمه‬
‫وتنوعت مس���الكها في تحقيق هذا الهدف مما‬ ‫مجموعة أحزاب‪ ،‬لعل أهمها «حزب السعديين»‪.‬‬
‫تس���بب في انشغالها بصراعات بينية والتجاذب‬
‫صحف مستقلة‪:‬‬
‫بين القصر واالحتالل مما جعل ناتج الممارسة‬
‫ثمة صح���ف في تلكم المرحلة غير الصحف‬
‫السياسية لتكلم األحزاب يكاد يكون معدو ًما‪.‬‬
‫الحزبية مارس���ت دو ًرا في نشر الفكر الليبرالي‬
‫ولكن يظ���ل البعد الثقافي‪ /‬الفكري للظاهرة‬
‫ولعل أهمها‪:‬‬
‫في تلك���م المرحلة البعد األبرز واألعمق تأثي ًرا‪،‬‬
‫‪ -1‬مجلة الهالل‪.‬‬
‫ويتبدى ك���ون الواقع الثقافي المصري قد أبدى‬
‫‪ -2‬مجلة العصور‪.‬‬
‫ممانعة فكرية حالت دون تغلغل الفكر الليبرالي‬
‫‪ -3‬مجلة الكات���ب المصري (رأس تحريرها‬
‫في البيئة الثقافية المصرية‪.‬‬
‫«طه حسين»)‪.‬‬
‫‪ -4‬صحيفة األهرام‪.‬‬
‫((( كتاب يؤس���س لفص���ل الدين عن الدول���ة مجادالً بكون‬
‫يأت بنظام سياس���ي معني‪ ،‬وطعن في نظام‬ ‫اإلس�ل�ام لم ِ‬
‫اخلالفة‪ ،‬وال يزال هذا الكتاب يحتفي به الليبراليون‪ ،‬وقد‬
‫أثار حني صدوره الكثير من املعارك الفكرية‪ ،‬وتسبب في‬
‫فصل صاحبه من األزهر‪ ،‬وللمزيد عنه راجع محمد محمد‬
‫حسني‪ ،‬االجتاهات الوطنية مرجع سبق ذكره ‪.86/1‬‬
‫قاض شرعي مبحكمة‬ ‫((( علي عبد الرزاق (‪1966-1888‬م) ٍ‬
‫املنصورة‪ ،‬تعل���م في األزهر واجلامعة املصرية تتلمذ على‬
‫يد محمد عبده واملستش���رق «نالينيو» في تاريخ األدب‬
‫ودرس العلوم السياسية في جامعة أكسفورد وأصدر كتاب‬
‫اإلسالم وأصول احلكم في ‪1952‬م‪.‬‬
‫((( طلع���ت رضوان‪ ،‬الليبرالية املصري���ة قبل يوليو ‪1952‬م‪،‬‬
‫مكتبة األسرة ‪2010‬م ص‪.41‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪50‬‬
‫جديدة تفد إلى الساحة الثقافية‪ ،‬كان أهمها بال‬
‫ش���ك ما اصطلح عليه بـ«الصحوة اإلسالمية»‪،‬‬ ‫املبحث الثالث‬
‫تلكم التيارات التي ملكت من المقومات الذاتية‬
‫الليربالية املعاصرة‪ :‬سيولة‬
‫والموضوعية ما م ّكنها م���ن التجذر المجتمعي‬
‫والنفوذ للوعي الجمعي للمجتمعات العربية‪.‬‬
‫الفكر واملمارسة‬
‫ولكن ألس����باب كثيرة أخفق����ت بعض تجارب‬ ‫تمهيد‪:‬‬
‫الح����ركات اإلس��ل�امية في س����عيها اإلصالحي‬ ‫وص���ل بنا البحث التاريخي إلى ثورة ‪1952‬م؛‬
‫(الجه����اد األفغاني‪ ،‬وجبهة اإلنق����اذ الجزائرية‬ ‫حيث دخلت مصر حقبة سياسية جديدة سترسم‬
‫كأنموذج)‪ ،‬وقد تصاحبت تلك����م اإلخفاقات مع‬ ‫مالمح النظام السياسي المصري حتى ثورة ‪25‬‬
‫تحول جذري في بنية النظام الدولي وهو سقوط‬ ‫يناي���ر ‪2011‬م‪ .‬وقد مثل���ت الحقبة من ‪1952‬م‬
‫االتحاد الس����وفيتي‪ ،‬وتفرد الوالي����ات المتحدة‬ ‫إلى ‪1976‬م انتكاسة للظاهرة الليبرالية سياس ًّيا‬
‫بالزعام����ة الدولية؛ ليتأس����س نم����وذج القطب‬ ‫ف���ي المقام األول ومجتمع ًّيا بالتبع؛ حيث أُلغيت‬
‫الواح����د في النظام الدولي‪ ،‬هذا التحول لم يكن‬ ‫األحزاب السياس���ية‪ ،‬وتحولت البيئة السياسية‬
‫في مستوى سياس����ي فقط‪ ،‬وإنما صحبه تحول‬ ‫المصري���ة إلى «بيئة مغلق���ة» تفرد بها رجاالت‬
‫فكري تمثل في بزوغ الفكر الليبرالي بعد سقوط‬ ‫الثورة‪ /‬عبد الناصر بالحكم‪ .‬حتى جاءت س���نة‬
‫المنظومة الفكري����ة االش����تراكية‪ ،‬وتم ترويجه‬ ‫‪1977‬م؛ حيث أقر السادات التعددية السياسية‬
‫بوصف����ه النم����وذج الوحيد الق����ادر على ضبط‬ ‫والسماح بتكوين األحزاب‪ ،‬وصدر قانون «تنظيم‬
‫وتسيير الحياة فكر ًّيا وسياس ًّيا واقتصاد ًّيا‪ ،‬وراح‬ ‫األحزاب» لتع���ود الحياة لحزب الوفد مرة ثانية‬
‫بعض منظري الليبرالية يروجون لنهاية التاريخ‪.‬‬
‫(((‬
‫ممث ً‬
‫ال لليبرالية السياس���ية وسط مجموعة من‬
‫ثم كان���ت أحداث الحادي عش���ر من أيلول ‪/‬‬ ‫األحزاب ذات التوجهات المختلفة‪ ،‬لتتشكل بيئة‬
‫سبتمبر ‪2011‬م لتمثل لحظة بزوغ المرحلة األخيرة‬ ‫سياس���ية في جوهرها دكتاتوري���ة حزب واحد‬
‫من الظاهرة الليبرالية والموسومة بالنيوليبرالية‬ ‫حاكم‪ ،‬وفي ظاهرها ديمقراطية تعددية‪.‬‬
‫أو الليبرالية الجديدة‪ ،‬والتي س���نتناولها في هذا‬ ‫وعلى الس���ياق الثقافي فقد كانت الفترة ما‬
‫المبحث بوصفها التمثُّل األخير للحالة الليبرالية‬ ‫بع���د ‪1952‬م مثاالً لهبوط الفك���ر الليبرالي من‬
‫عرب ًّي���ا ومصر ًّيا لتمتد إل���ى الراهن أي بعد ثورة‬ ‫الخريط���ة الفكرية لمصر؛ إذ س���يطر النس���ق‬
‫ُ‬
‫اصطلح عليه‬ ‫‪ 25‬يناي���ر ‪ 2011‬م وباقي ثورات ما‬ ‫االش���تراكي والقومي على الس���احة الثقافية‪،‬‬
‫بالربيع العربي‪.‬‬ ‫وغ���اب الص���وت الليبرالي وذلك حت���ى العام‬
‫‪1967‬م؛ إذ مثلت النكس���ة الخ���دش األكبر في‬
‫((( كفرنس���يس فوكوياما في مقالته نهاية التاريخ املنش���ورة‬
‫في «ناشونال انتريست» في ‪1989‬م‪ ،‬وكتابه املوسوم بنفس‬ ‫النموذج االشتراكي‪ ،‬ومن ثم بدأت عناصر فكرية‬
‫االسم والذي نُشر بعد ذلك‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬

‫املطلب األول‬ ‫وفرضيتن����ا البحثي����ة الت����ي نس����عى الختبارها هنا‬

‫شخصيات املرحلة‪ :‬سيولة‬ ‫تتمثل في‪:‬‬

‫الفكرة الليربالية‬ ‫‪ -‬على مستوى النظر تعاني الظاهرة الليبرالية‬


‫في هذه المرحلة من «الس���يولة الفكرية»؛ حيث‬
‫تمهيد‪:‬‬ ‫لم تش���كل النيوليبرالية العربية خطا ًبا ليبرال ًّيا‬
‫تمت���از ش���خصيات المرحل���ة األخيرة من‬ ‫يقدم النسق الليبرالي معرف ًّيا للوعي العربي‪.‬‬
‫تطور الظاهرة الليبرالي���ة العربية ‪ /‬المصرية‬
‫‪ -‬وعلى مستوى الممارس���ة تعاني الظاهرة‬
‫(النيوليبرالية) بكونها تصرح باالنتساب للفلسفة‬
‫أيض���ا بقدر ال تنقص���ه الكثرة من «الس���يولة‬
‫ً‬
‫الليبرالية على عكس المراحل الس���ابقة؛ وذلك‬
‫الممارس���ية»؛ حيث لم تش���كل الظاهرة إطا ًرا‬
‫نظ��� ًرا لتبلور الفك���ر الليبرالي غرب ًّي���ا متفر ًدا‬
‫ممارس��� ًّيا يمكنها بلورة أهدافه���ا فيه‪ ،‬وتقدم‬
‫بزعام���ة الفض���اء الثقاف���ي الغرب���ي على يد‬
‫الواليات المتحدة األميركي���ة المتزعمة للنظام‬ ‫مشروعها المجتمعي من خالله‪.‬‬
‫الدولي‪ ،‬ومع الحقبة العولمية زاد حضور الفكر‬ ‫ومنهجن���ا في ه���ذا المبح���ث منهج وصفي‬
‫الليبرالي ف���ي البيئة الثقافية العربية بفضل ما‬ ‫تحليلي‪ ،‬نرصد ب���ه تفاعالت مكونات الظاهرة‪،‬‬
‫أتاحته العولمة من أس���باب لتخالط الثقافات‪،‬‬ ‫ونسعى به لبلورة إطار تحليلي يمكننا من مقاربة‬
‫وكذلك بسبب كثرة دعاوي اإلصالح في الشرق‬ ‫الظاهرة‪.‬‬
‫األوس���ط‪ ،‬وسعي الواليات المتحدة نحو تشكيل‬ ‫ومن ثَم س���نعرض ألهم الرم���وز الليبرالية‬
‫بيئة ديمقراطية عربية بتدشين بعض المشاريع‬ ‫العربية‪ ،‬ونركز على الش���خصيات المصرية في‬
‫كالشرق األوسط الجديد وبعده الشرق األوسط‬
‫تلكم المرحلة‪ ،‬وكذلك المؤسس���ات المجتمعية‬
‫الكبير‪.‬‬
‫عرض���ا وصف ًّيا ال نقد ًّيا‪ ،‬وبالتالي لن‬
‫ً‬ ‫الليبرالية‬
‫ويظهر انبهار ذلك التيار بالنموذج األمريكي‬
‫نناقش مدى التزام مكونات الظاهرة أشخاص‪/‬‬
‫من دعمه للمشاريع األمريكية في منطقة الشرق‬
‫األوس���ط‪ ،‬ونق���د كل مش���اريع المقاومة ضده‬ ‫مؤسسات بالنسق الليبرالي كفلسفة‪ ،‬ولن نتناول‬
‫كالمقاومة الفلس���طينية والعراقية‪ ،‬مما ش��� ّكل‬ ‫العق���ل النيوليبرالي العربي بالنقد‪ ،‬ولكن نكتفي‬
‫ف���ي األخير حالة من التماهي بين السياس���ات‬ ‫بانتساب‪ /‬نسبة مكونات الظاهرة للنسق الليبرالي‬
‫األمريكية في المنطقة وبين رؤاهم اإلصالحية‬ ‫على صعيد الفكر والممارسة‪ ،‬وستتوزع محاور‬
‫ف���ي كل المس���تويات المجتمعي���ة الثقافي���ة‬ ‫هذا المبح���ث على مطالب يتن���اول كل مطلب‬
‫واالقتصادي���ة والسياس���ية‪ ،‬وإن كان هذا البعد‬ ‫جز ًءا من مكونات الظاه���رة‪ ،‬الرموز واألحزاب‬
‫أقل ظهو ًرا في الحال���ة المصرية منه في حالة‬ ‫السياسية والمنظمات المجتمعية والمؤسسات‬
‫الرموز العربية األخرى الشهيرة‪ ،‬والتي سننمذج‬
‫اإلعالمية‪.‬‬
‫لها فيما يلي‪.‬‬
‫وثم���ة صعوبة ف���ي تناول ش���خصيات تلك‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪52‬‬
‫المتفرقة التي ت���دور حول الدعوة لحرية الفكر‬ ‫المرحلة بالدراسة؛ تتمثل في شح النتاج المعرفي‬
‫واإلصالح الدين���ي والديمقراطية‪ ،‬ونقد الفكر‬ ‫الرصين الص���ادر عنها؛ حيث إن معظمه عبارة‬
‫اإلس�ل�امي‪ ،‬وكذلك له «الليبرالية السعودية بين‬ ‫عن مقاالت صحفية ومقابالت إعالمية‪ ،‬ويغيب‬
‫الوهم والحقيقة» صدر في ‪2010‬م‪ ،‬و«العرب بين‬ ‫عنه الدراس���ات العلمية التي تبل���ور فيها تلكم‬
‫الليبرالية واألصولية الدينية» صدر في ‪2010‬م‬ ‫الش���خصيات مش���روعها الفكري واإلصالحي‬
‫و«الحداثة والليبرالية‪ ..‬م ًعا على الطريق» صدر‬ ‫على المستوى السياس���ي واالقتصادي‪ ،‬حاشا‬
‫ف���ي ‪2010‬م‪ ،‬و«تهاف���ت األصولي���ة» صدر في‬ ‫نذر يسير من األكاديميين مما أكسب هذا التيار‬
‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫وصف السيولة الفكرية والممارسية‪.‬‬
‫‪ -2‬سيار الجميل‪:‬‬ ‫وقد بزغ نج���م التي���ار النيوليبرالي العربي‬
‫أستاذ التاريخ والفكر المعاصر ُولد في العراق‬ ‫في س���ماء الثقافة العربية ف���ي ما بعد أحداث‬
‫في ‪1952‬م حاصل على الدكتوراه في الفلس���فة‬ ‫‪ 11‬أيل���ول ‪/‬س���بتمبر ‪2011‬م على يد مجموعة‬
‫من بريطانيا اش���تغل محاض��� ًرا في الكثير من‬ ‫م���ن المفكرين الع���رب الذين امتازوا بنس���بة‬
‫الجامعات العربي���ة والغربية‪ ،‬ص ّنف الكثير من‬ ‫عالية م���ن الحضور المجتمعي في المس���توى‬
‫الكتب التاريخية في الش���أن العربي والعراقي‬ ‫الثقافي والوجود اإلعالمي بالخصوص‪ ،‬ويمكن‬
‫بالخص���وص‪ ،‬وكذلك الفك���ر العربي في عصر‬ ‫النمذجة((( لهم بكل من‪:‬‬
‫النهضة والدولة العثمانية‪ ،‬ومعظم نتاجه بحثي‬ ‫‪ -1‬شاكر النابلسي‪:‬‬
‫منشور في دوريات علمية‪ ،‬وشارك في العديد من‬ ‫كات���ب وناقد أردني ُولد في ‪1940‬م درس في‬
‫المؤتمرات‪ ،‬وكذلك كتب مقاالت لجريدة الزمان‬ ‫مص���ر والواليات المتح���دة‪ ،‬ويعيش فيها اآلن‪،‬‬
‫اللندنية‪ ،‬والنهار اللبناني���ة‪ ،‬والبيان اإلماراتية‪،‬‬ ‫وقد قضى شط ًرا من حياته في المملكة العربية‬
‫وكذلك للمواق���ع اإللكترونية كالحوار المتمدن‪،‬‬ ‫الس���عودية‪ ،‬له كثير من المق���االت المبثوثة في‬
‫وفيه نتاجه المتعل���ق بالتنظير الليبرالي كمقاله‬ ‫الصحف كالوطن الس���عودية والوطن الكويتية‪،‬‬
‫«الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة»‪ ،‬وفيه‬ ‫وكذلك في المواقع اإللكترونية كالحوار المتمدن‬
‫يمت���دح الليبرالية واصفًا إياه���ا بأنها «حصيلة‬ ‫وإي�ل�اف والعربية‪ ،‬ألف الكثي���ر من الكتب في‬
‫لكل ما تعلمه اإلنس���ان عبر الق���رون»‪ ،‬ويعدد‬ ‫النق���د األدبي واإلصالح السياس���ي في الوطن‬
‫فيه مبادئ الليبرالية األساس���ية وهي العلمانية‬ ‫العربي‪ ،‬وكذلك في الش���أن الفكري؛ حيث تدور‬
‫(((‬
‫واإلنسانية والعقالنية»‪.‬‬ ‫كتاباته في المجمل حول الدعوة إلى الليبرالية‪،‬‬
‫‪ -3‬أحمد البغدادي‪:‬‬ ‫ونقد الفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫مفكر وأكاديمي كويتي (‪2010 - 1951‬م) درس‬ ‫وم���ن أش���هر أعماله ف���ي هذا الس���بيل‪:‬‬
‫العلوم السياس���ية في جامع���ة الكويت‪ ،‬وحصل‬ ‫«الليبرالي���ون الجدد‪ :‬جدل فك���ري» صدر في‬
‫على ماجس���تير في الفكر السياسي الغربي من‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬ويتضم���ن مجموع���ة م���ن المقاالت‬
‫الوالي���ات المتحدة ودكتوراه في فلس���فة الفكر‬
‫((( س���يار اجلميل‪ ،‬الليبرالية القدمية والليبرالية اجلديدة‪،‬‬ ‫((( وأسماء أخرى مثل ‪ :‬كمال غبريال وخالد شوكات وإحسان‬
‫احلوار املتمدن‪ ،‬العدد ‪ 1119‬بتاريخ ‪2005/2/24‬م‪.‬‬ ‫الطرابلسي والعفيف األخضر وجواد هاشم‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫‪ -1‬الدكتور سعيد النجار(((‪ :‬األستاذ المؤسس‪..‬‬ ‫اإلس�ل�امي من جامعة أدنبرة صدر له كتب عدة‬
‫هو األكاديمي المرموق الذي شغل الكثير من‬ ‫منها «الديمقراطية معن���ى ومبنى»‪ ،‬وكان كاتب‬
‫المناصب االقتصادية المهمة مثل‪:‬‬ ‫عمود في جريدة «السياس���ة» الكويتية‪ ،‬وهو من‬
‫‪ -‬مدير األبحاث في «منظمة مؤتمر التجارة‬ ‫أبرز الداعين لليبرالي���ة والمنافحين عن التيار‬
‫الدولية والتنمية» (األنكتاد) بجنيف‪.‬‬ ‫الليبرالي العربي‪ ،‬وفي هذا الس���بيل نراه يقول‪:‬‬
‫‪ -‬رئي���س ومؤس���س «اللجن���ة االقتصادية‬ ‫«الليبرالي���ون في العال���م العربي هم الوحيدون‬
‫واالجتماعية لغربي آسيا «(األسكوا) ببيروت‪.‬‬ ‫الذين يتبنون الديمقراطية‪ ،‬ليس فقط بوصفها‬
‫نظ���ام حكم‪ ،‬ب���ل بوصفها أس���لوب حياة‪ ،‬وهم‬
‫‪ -‬مدير تنفيذي وممثل للمجموعة العربية في‬
‫وحده���م يدافعون ع���ن حقوق اإلنس���ان وعن‬
‫مجلس إدارة البنك الدولي لمدة ثماني سنوات‪.‬‬
‫الحرية الفكرية‪ ،‬ويحترمون اآلخر إلنسانيته دون‬
‫‪ -‬عمل قاض ًي���ا ثم رئي���س محكمة منظمة‬ ‫(((‬
‫أي تمييز ديني»‪.‬‬
‫التجارة العالمية‪.‬‬
‫يمك���ن اعتبار«النجار» «لطفي الس���يد» تلك‬ ‫الليبراليون الجدد في مصر‪:‬‬
‫المرحلة التي تبلورت فيه���ا الليبرالية الجديدة‬ ‫لعل الش���خصيات الليبرالي���ة داخل الحالة‬
‫في مصر؛ إذ يعد أس���تاذًا لعدد كبير ممن حمل‬ ‫المصري���ة ال تتس���م بنفس األبع���اد الفكرية‪/‬‬
‫(((‬
‫الفكر الليبرالي في مصر في مرحلته الراهنة‪.‬‬ ‫الممارس���ية لتلك الرموز الت���ي نمذجنا عليها‬
‫وكما أس����لفنا الق����ول‪ :‬إن من أهم س����مات‬ ‫س���ابقًا؛ إذ يقل في الحال���ة المصرية التنظير‬
‫ش����خصيات تلكم المرحلة أنها صريحة االنتماء‬ ‫الفكري لليبرالية‪ ،‬وكذلك درجة ومستوى الدعوة‬
‫للنس����ق الليبرالي والدكتور النجار ال يش����ذ عن‬ ‫العامة للفكر الليبرالي أقل عندها بكثير‪ ،‬وعلى‬
‫هذا الس����ياق‪ ،‬فقد أخذ الرجل الليبرالية كنسق‬ ‫أيضا ال تتسم بهذا‬ ‫س���بيل الممارس���ة نجدها ً‬
‫فكري وممارس����ة مجتمعية سياس ًّيا‪ /‬اقتصاد ًّيا‬ ‫القدر الصريح من المواقف السياس���ية‪ ،‬والتي‬
‫من معينها الغربي بدراس����ته عل����ى يد مفكري‬ ‫في أغلبها متس���اوقة مع المش���روع األمريكي‬
‫الليبرالية وفالسفتها ربما أهمهم برتراند راسل‬ ‫في منطقة الش���رق األوس���ط‪ ،‬كما هو الحال‬
‫عند الرموز العربية لليبرالي���ة‪ ،‬ومن ثَم يمكننا‬
‫((( س���عيد النجار (‪2004-1921‬م) تخرج من كلية احلقوق‬ ‫نش���اطا على مستوى الفكر‬‫ً‬ ‫وصفها بكونها أقل‬
‫ال للنائب العام بعد‬‫في ‪1942‬م كان أول دفعت���ه ف ُعينّ وكي ً‬ ‫وأكثر اعتداالً على مستوى الممارسة من الرموز‬
‫تخرجه مباش���رة‪ ،‬تتلمذ على يد «عبد الرزاق السنهوري‬
‫(‪1971-1895‬م) عمي���د كلية احلق���وق جامعة القاهرة‬ ‫العربية للتيار النيوليبرالي‪.‬‬
‫والعلم القانون���ي ووزير املعارف ورئي���س مجلس الدولة‬ ‫وس���نعرض هنا لنم���اذج من الش���خصيات‬
‫وال���ذي احتضن النج���ار وز ّوجه ابنت���ه الوحيدة‪ ،‬حصل‬
‫عل���ى الدكتوراه م���ن لندن في االقتصاد السياس���ي عن‬ ‫الليبرالية المصري���ة‪ ،‬ومعي���ار اختيارنا لتلكم‬
‫موض���وع « التصنيع في مصر»‪ ،‬ثم عاد في ‪1950‬م ليعمل‬
‫أس���تاذًا للقانون في كلية احلقوق وكلية االقتصاد والعلوم‬
‫النماذج مبني على نس���بة مشاركتهم في عملية‬
‫السياسية‪.‬‬ ‫التنظير‪ /‬التأسيس الليبرالي نظر ًّيا وممارس ًّيا‪،‬‬
‫((( خصصت مجلة « املجتمع املدني» التي تصدر عن مركز‬
‫خاصا لتأبني‬ ‫اب���ن خلدون للدراس���ات اإلمنائية ع���د ًدا‬
‫ودرجة الحضور المجتمعي‪.‬‬
‫ًّ‬
‫س���عيد النجار ف���ي ‪2004‬م حتت عنون س���عيد النجار‪:‬‬
‫رس���ول الليبرالية في مصر كتب فيه الكثير من تالميذه‬ ‫((( ش���اكر النابلس���ي‪ ،‬الليبرالي���ون اجلدد‪ :‬ج���دل فكري‪،‬‬
‫واملتأثرين به‪.‬‬ ‫منشورات اجلمل ط‪2005 1‬م ص ‪.113‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪54‬‬
‫ومشروع «الوفاق الوطني»‪.‬‬ ‫وكارل بوبر وعالم االجتماع هارولد الس����كي(((‪،‬‬
‫وكذل���ك انش���غل الدكت���ور النج���ار بالهم‬ ‫ومن ثم لما عاد من دراس����ته في لندن عاد وهو‬
‫المجتمعي فقد أسس «لجنة الوحدة الوطنية»‬ ‫ليبرال����ي‪ ،‬ولكن الواقع المص����ري حينها لم يكن‬
‫بعد أحداث الكش���ح في العام ‪2000‬م‪ ،‬وكذلك‬ ‫ليبرال ًّيا بالمرة؛ إذ قام رجاالت الثورة في ‪1952‬م‬
‫كان عض��� ًوا في «المجلس المصري للش���ئون‬ ‫بمحو كل أثر لليبرالية النسبية التي كانت تُما َرس‬
‫الخارجية» حتى وفاته‪.‬‬ ‫تحت ظل الملكي����ة واالحتالل‪ ،‬فألغوا األحزاب‪،‬‬
‫وتبنوا النسق االشتراكي‪ ،‬فكانت الحياة السياسية‬
‫‪ -2‬الدكت���ور ح���ازم البب�ل�اوي(((‪ :‬الليبرالي���ة‬ ‫في مصر دكتاتورية في الحكم واش����تراكية في‬
‫االقتصادية‪:‬‬ ‫االقتصاد‪ ،‬ومن ثَم لم يلبث أن اختلف مع النظام‬
‫يس���وغ تناولنا للدكتور الببالوي كرمز ليبرالي‬ ‫الث����وري الحاكم‪ ،‬ورفض أن ي����درس النصوص‬
‫لتلك���م المرحلة؛ وذل���ك لكونه يتبن���ى الليبرالية‬ ‫االش����تراكية في الجامعة‪ ،‬ومن ثَم عاد مرة ثانية‬
‫االقتصادية وإن لم يكن له مش���اركات مميزة في‬ ‫للغرب‪.‬‬
‫التنظير للفكر الليبرالي كفلس���فة ونس���ق فكري‪.‬‬ ‫ولكن عودت���ه لمصر الثانية في تس���عينيات‬
‫ولكنه في المقابل أس���هم في التنظير للرأسمالية‬ ‫القرن العش���رين تعد تدشيناً لليبرالية الجديدة‬
‫في مس���توى النظر والعمل؛ حيث شغل الكثير من‬ ‫في مصر؛ إذ قام الدكت���ور النجار بالدعوة إلى‬
‫المناصب االقتصادية المرموقة‪ ،‬لعل أهمها‪:‬‬ ‫أطر دعوته في‬ ‫الليبرالية فك ًرا وممارس���ة‪ ،‬وقد َّ‬
‫‪ -‬مستشار صندوق النقد العربي في أبو ظبي‪.‬‬ ‫مجموعة من المنظمات المجتمعية‪ ،‬لعل أهمها‬
‫‪ -‬وكيل األمين العام لألمم المتحدة‪.‬‬ ‫«جمعية الن���داء الجديد» ف���ي ‪1992‬م ومركز‬
‫وقد أس���هم بمؤلفاته الكثيرة ف���ي التنظير‬ ‫«ابن خلدون للدراس���ات اإلنمائية» و«المنظمة‬
‫الرأس���مالي‪ ،‬ومنه���ا‪ :‬نظرية التج���ارة الدولية‬ ‫المصرية لحقوق اإلنسان»‪.‬‬
‫‪1968‬م ومجتم���ع االس���تهالك ‪1968‬م ع���ن‬ ‫وقد كان الدكتور النجار بحكم تخصصه تحتل‬
‫الديمقراطية الليبرالية‪ :‬قضايا ومشاكل ‪1993‬م‬ ‫الليبرالية االقتصادية (الرأس���مالية‪ /‬الس���وق‬
‫ودور الدول���ة في االقتصاد ‪1997‬م ومس���تقبل‬ ‫المفتوح) مقا ًما بارزًا في دعوته لليبرالية‪ ،‬ولكنه‬
‫الرأسمالية ‪2010‬م‪.‬‬ ‫مع ذلك لم يهمل المنحى السياس���ي لليبرالية؛‬
‫هذا وق����د اختير الببالوي وزي ًرا للمالية في‬ ‫حيث راح يؤكد على أن الليبرالية االقتصادية ال‬
‫حكومة الدكتور عصام شرف بعد ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫يمكن أن تتحقق إال في ظل ليبرالية سياسية أي‬
‫‪2011‬م وكذل����ك نائ ًبا لرئيس ال����وزراء‪ ،‬ولكنه‬ ‫بيئة تعددية ديمقراطية تسمح بحرية االنتخابات‬
‫اس����تقال على إثر ما ُعرف بأحداث ماسبيرو‬ ‫أسس ورأس‬ ‫وتبادل الس���لطة‪ ،‬وفي هذا السبيل َّ‬
‫في أكتوبر ‪2011‬م‪.‬‬ ‫«اللجنة المصرية المستقلة لمراقبة االنتخابات»‬
‫((( ح���ازم عبد العزيز البب�ل�اوي (‪ )- 1936‬تخرج من كلية‬ ‫أيضا ف���ي محاولة إنجاز‬‫في ‪1995‬م‪ ،‬وس���اهم ً‬
‫احلقوق ف���ي العام ‪1957‬م وحصل عل���ى الدكتوراه في‬
‫االقتصاد م���ن جامعة باريس في ‪1964‬م‪ ،‬عمل أس���تاذًا‬
‫دستور من خالل مشروع «دستور مصري جديد»‬
‫في كلية احلقوق بجامعة اإلس���كندرية ‪ ،‬وأس���تاذًا زائ ًرا‬
‫بالس���وربون‪ ،‬وكذلك اجلامعة األمريكية بالقاهرة‪ ،‬ورأس‬ ‫((( أفاده س���عد الدي���ن إبراهيم في تأبين���ه للنجار مبجلة‬
‫لفترة الوحدة االقتصادية مبركز األهرام للدراسات‪.‬‬ ‫املجتمع املدني‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫تلك الممارس���ة أن اعتُقل مته ًم���ا بحزمة من‬ ‫‪ -3‬الدكت���ور س���عد الدين إبراهي���م(((‪ :‬المجتمع‬
‫التهم‪ ،‬منها تشويه صورة مصر والحصول على‬ ‫المدني‪:‬‬
‫الدعم الخارجي‪ ،‬وأخي ًرا التجس���س للواليات‬ ‫يعتبر الدكتور س���عد الدين إبراهيم واح ًدا‬
‫المتح���دة األميركي���ة في ع���ام ‪2000‬م‪ ،‬وقد‬ ‫من أهم النشطاء الليبراليين في هذه المرحلة‪،‬‬
‫تدخلت الواليات المتحدة في القضية وهددت‬ ‫وقد تركز نشاطه في المجال المجتمعي عامة‬
‫بمنع المعونات ع���ن مصر لو تم تنفيذ الحكم‪،‬‬ ‫والشأن السياس���ي بالخصوص؛ إذ عمل على‬
‫وكذل���ك تدخلت منظمة العف���و الدولية بعدما‬ ‫نشر المبادئ الديمقراطية وحقوق اإلنسان من‬
‫أصدرت المحكمة حك ًما بسجنه سبع سنوات‪،‬‬ ‫خالل دعم ثقافة «منظمات المجتمع المدني»‪،‬‬
‫وف���ي النهاية تمت تبرئته م���ن كل التهم بعدما‬ ‫وقد شارك في الكثير من تلك المنظمات‪ ،‬لعل‬
‫ش���كلت قضيته ظاهرة انشغل بها الرأي العام‬ ‫أهمها المركز الذي أسسه في ‪1988‬م «مركز ابن‬
‫داخل ًّيا وخارج ًّي���ا بوصفها قضية تمس حقوق‬ ‫خلدون للدراسات اإلنمائية» وكذلك «المؤسسة‬
‫اإلنسان من ناحية الخارج‪.‬‬ ‫العربية للديمقراطية» و«المشروع للديمقراطية‬
‫أما داخل ًّيا فالقضي���ة متعلقة بالتدخل في‬ ‫في الوطن العربي»‪ ،‬وقد كانت مس���ألة حقوق‬
‫ش���ئون مصر وقضائها‪ .‬وق���د قوبلت دعوات‬ ‫هاجسا انتظمت فيه معظم تفاعالت‬ ‫ً‬ ‫اإلنس���ان‬
‫الدكت���ور إبراهي���م بكثير من الج���دل؛ نظ ًرا‬ ‫خصوصا حق���وق األقليات‬
‫ً‬ ‫الدكت���ور إبراهيم‬
‫لعالقته الوثيق���ة بالوالي���ات المتحدة وحمله‬ ‫الدينية في الوطن العربي وبالخصوص األقلية‬
‫للجنسية األميركية‪ ،‬وكذلك لمواقفه من الفكر‬ ‫القبطية في مصر‪.‬‬
‫اإلس�ل�امي؛ حي���ث يدعو إل���ى االعتماد على‬ ‫وفي الشأن السياس���ي فقد اشتغل الدكتور‬
‫القرآن كمصدر للتش���ريع وعدم اعتبار السنة‬ ‫إبراهيم بالمعارضة السياس���ية لنظام مبارك‬
‫النبوية مصد ًرا أساس ًّيا‪.‬‬ ‫‪ -‬بعدم���ا كان قري ًبا منه ومؤي ًدا لسياس���اته‪،‬‬
‫وقد خفت حدة معارضته في ما قبل الثورة‬ ‫وضم مركزه «اب���ن خلدون» الكثير من رجاالت‬
‫ففي أغسطس ‪2010‬م قام بالتوقيع على إقرار‬ ‫مؤسس���ة الحكم والقريبين من النظام‪ -‬مركزًا‬
‫مرش���حا للرئاسة‪ ،‬مجادالً‬
‫ً‬ ‫دعم جمال مبارك‬ ‫على مؤسس���ة الرئاس���ة‪ ،‬وتعديل الدستور بما‬
‫ً‬
‫ومش���ترطا أن ال‬ ‫ب���أن ذلك من حقه كمواطن‪،‬‬ ‫يحجم صالحيات الرئيس‪ ،‬ويعالج الدكتاتورية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ينعم بأية ميزة عن غيره من المرشحين‪.‬‬ ‫ووصل تصعيده للهجة المعارضة مداه حين قرر‬
‫ومن بعد الثورة ليس للدكتور إبراهيم نشاط‬ ‫في ‪2004‬م الترش���ح النتخابات الرئاسة إذا تم‬
‫مميز في الساحة السياس���ية‪ ،‬حاشا تعليقات‬ ‫تعديل الدس���تور بما يسمح بذلك‪ ،‬وقد تسببت‬
‫على المش���هد السياسي في وس���ائل اإلعالم‬
‫كمش���اركاته في برامج ال���ـ ‪ talk shows‬وكتابة‬ ‫((( سعد الدين إبراهيم (‪ ) - 1938‬ولد بقرية بدين باملنصورة‬
‫دقهلية‪ ،‬حصل على ليس���انس العلوم االجتماعية من كلية‬
‫مقاالت في صحيفة المصري اليوم‪.‬‬ ‫اآلداب جامع���ة القاهرة‪ ،‬وكان أول الدفعة في ‪1960‬م‪ ،‬ثم‬
‫ولكن نش���ط دوره السياس���ي‪ ،‬في س���ياق‬ ‫حصل على بعثة للدراس���ة في الواليات املتحدة ليحصل‬
‫على املاجس���تير ف���ي ‪1964‬م‪ ،‬والدكت���وراه في االجتماع‬
‫االنتخابات الرئاس���ية األولى فيما بعد الثورة؛‬ ‫السياس���ي في ‪1966‬م اشتغل أستاذًا في جامعة القاهرة‬
‫وجامعة واشنطن واجلامعة األميركية ببيروت والقاهرة‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪56‬‬
‫(الم���ادة ‪ )76‬بما يجعل من إنجاز عملية توريث‬ ‫حيث كان من مؤيدي المرش���ح الرئاسي أحمد‬
‫الحكم لجم���ال مبارك أم��� ًرا محتو ًما‪ .‬ومن ثَم‬ ‫ش���فيق (خس���ر في جولة اإلعادة أمام الدكتور‬
‫أسس في آخر‬ ‫اس���تقال من الحزب الوطني ثم َّ‬ ‫محمد مرسي)‪.‬‬
‫العام حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي‪.‬‬ ‫وثمة إش���ارات عن عزم���ه االنضمام لحزب‬
‫ونشاط الدكتور الغزالي حرب من بعد الثورة‬ ‫سياسي (حزب الحركة الوطنية المصرية) تحت‬
‫يتمث���ل في تعليقاته على المش���هد السياس���ي‬ ‫قيادة عضو مجلس الش���عب السابق‪ ،‬محمد أبو‬
‫المصري في وس���ائل اإلعالم المختلفة بوصفه‬ ‫حام���د‪ ،‬وهو حزب يجمع التيار الذي كان يدعم‬
‫الش���خصي ال الحزب���ي؛ حيث إنه لم يترش���ح‬ ‫أحمد شفيق‪.‬‬
‫لالنتخابات الرئاس���ية للحزب التي أجريت بعد‬
‫‪ -4‬الدكت���ور أس���امة الغزالي ح���رب(((‪ :‬ليبرالية‬
‫رئيس���ا ش���رف ًّيا له‪ ،‬ويرى‬
‫ً‬ ‫الثورة‪ ،‬ولكنه اختير‬
‫الفكر والممارسة‪:‬‬
‫الدكتور حرب أن الث���ورة «انتفاضة» أكثر منها‬
‫ثورة ش���عبية‪ ،‬وقد تم اختياره من ِق َبل المجلس‬ ‫يمكن اعتبار الدكت���ور الغزالي حرب واح ًدا‬
‫العسكري في يوليو ‪2011‬م لصياغة وثيقة مبادئ‬ ‫من الرموز الليبرالية التي جمعت بين الممارسة‬
‫تكون حاكمة للدستور‪ ،‬تلك الوثيقة التي تضمنت‬ ‫السياس���ية في إطار الدعوة لليبرالية السياسية‬
‫‪ 12‬بن ًدا س���تكون جز ًءا من الدستور الذي سيتم‬ ‫والتنظير الفكري لليبرالية‪ ،‬وإن كان بدرجة أقل‪،‬‬
‫تشكيله في ما بعد الثورة وهي غير قابلة للتغيير‬ ‫وتلك س���مة بارزة لشخصيات تلكم المرحلة كما‬
‫أو الح���ذف‪ ،‬ولكنه لم يتم األخ���ذ بتلك الوثيقة‬ ‫أسلفنا؛ أي قلة النتاج الفكري المؤسس للفلسفة‬
‫فيما بعد‪.‬‬ ‫الليبرالية على س���بيل النظ���ر والعمل وتقريبها‬
‫وعلى مس���توى الفكر يب���رز الدكتور الغزالي‬ ‫للوعي العربي‪.‬‬
‫حرب درج���ة من درجات الحصاف���ة؛ إذ يدعو‬ ‫إن الدكتور الغزالي حرب باإلضافة إلى كونه‬
‫الليبراليين إلى «العمل بجد ودأب على المواءمة‬ ‫أكاديم ًّيا وباح ًثا سياس��� ًّيا قد مارس السياس���ة‬
‫بين جوهر األفكار الليبرالية والثقافة الس���ائدة‬ ‫عمل ًّي���ا؛ حيث كان عض ًوا في لجنة السياس���ات‬
‫لش���عوبهم‪ ،‬والتي تغلب عليها المفاهيم والقيم‬ ‫بالح���زب الوطني الديمقراط���ي الحاكم‪ ،‬وكان‬
‫الدينية وأن يس���عوا بجدية ومس���ئولية لتجذير‬ ‫عض ًوا بمجلس الشورى المصري بالتعيين‪ ،‬وقد‬
‫اس���تقال من الحزب في الع���ام ‪2006‬م مجادالً‬
‫المفاهيم الليبرالية في التربة الثقافية المحلية‬
‫وأال يكتفوا بمجرد ترديد تلك المفاهيم كما ترد‬ ‫بكون الحزب لم يكن جا ًّدا في إطالق إصالحات‬
‫(((‬
‫في مصادرها األوروبية»‪.‬‬ ‫حقيقية بعدم���ا قام الحزب بتعديل الدس���تور‬
‫يظهر من هذا النص ك���ون الدكتور الغزالي‬ ‫((( أسامة الغزالي حرب (‪1947‬م ‪ )-‬حصل على بكالوريوس‬
‫ي���درك أن تمري���ر الفكر الليبرال���ي في البيئة‬ ‫العلوم السياس���ية من جامعة القاهرة ‪1969‬م واملاجستير‬
‫في ‪1978‬م ثم الدكت���وراه من نفس اجلامعة في ‪1985‬م‪،‬‬
‫باحث سياس���ي وأكادميي‪ ،‬ش���غل رئاس���ة حترير مجلة‬
‫((( أسامة الغزالي حرب‪ ،‬املسار الصعب لليبرالية في الوطن‬ ‫رئيسا ثم مستشا ًرا‬
‫ً‬ ‫السياسة الدولية‪ ،‬وكذا عمل باح ًثا ثم‬
‫العربي‪ ،‬ضمن الليبرالية في العالم العربي رؤى وتصورات‬ ‫ملركز األهرام للدراسات السياسية واإلستراجتية‪ ،‬وأستاذًا‬
‫لسياس���يني عرب‪ ،‬حترير رونالد ميناردوس وأحمد ناجي‬ ‫زائ ًرا في جامعة الس���ويس‪ ،‬وشغل منصب رئيس االحتاد‬
‫مصر‪ :‬مكتبة األسرة ‪2010‬م ص‪.52‬‬ ‫العربي للعلوم السياسية ما بني ‪1998-1990‬م‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫حكومة تصريف األعمال بقيادة «أحمد شفيق»‬ ‫العربية يتطلب تقري���ب المفاهيم الليبرالية من‬
‫ف���ي فبراير ‪2011‬م‪ ،‬ولكنه رف���ض وما لبث أن‬ ‫الثقافة السائدة المشدودة للقيم الدينية‪.‬‬
‫ُعرضت عليه نفس الحقيبة في حكومة «عصام‬
‫‪ -5‬الدكتور عمرو حمزاوي(((‪ :‬ظاهرة ليبرالية‪:‬‬
‫أيضا‪ ،‬ثم تم تعيين الدكتور‬ ‫شرف» وقد رفضها ً‬
‫حمزاوي في «المجلس القومي لحقوق اإلنسان»‬ ‫يسوغ لنا اعتبار الدكتور حمزاوي واح ًدا من‬
‫في أبريل ‪2011‬م هذا على الصعيد السياس���ي‬ ‫أهم الش���خصيات الليبرالية الفاعلة في البيئة‬
‫الرسمي‪.‬‬ ‫المجتمعية‪ /‬السياس���ية في ما بع���د ثورة ‪25‬‬
‫أما من حيث المشاركة في الحياة السياسية‪،‬‬ ‫يناير ‪2011‬م‪ ،‬بينما في مرحلة ما قبل الثورة لم‬
‫فبعد فتح الباب لتش���كيل األحزاب السياس���ية‬ ‫يكن معروفًا على المس���توى الشعبي‪ ،‬ولكنه كان‬
‫في بيئة ما بعد الثورة س���ارع حمزاوي باإلعالن‬ ‫معروفًا في الوسط األكاديمي وبين المختصين‬
‫عن مش���اركته في تأس���يس «الحزب المصري‬ ‫بالشئون السياس���ية‪ ،‬فالدكتور حمزاوي واحد‬
‫الديمقراطي االجتماعي» في مارس ‪2011‬م‪ ،‬ولكن‬ ‫من أبرز الباحثين السياسيين‪ ،‬فهو كبير باحثي‬
‫س���رعان ما انفصل عنه معلنًا عن تأسيس حزب‬ ‫مؤسس���ة كارنيجي للس�ل�ام الدولي (كارنيجي‬
‫جديد هو «مصر الحرية»‪ ،‬وقد ترش���ح الدكتور‬ ‫الش���رق األوسط ببيروت) يركز في أبحاثه على‬
‫حمزاوي لعضوية مجلس الش���عب المصري في‬ ‫المس���ألة الديمقراطية في الش���رق األوس���ط‬
‫أول انتخابات حرة بعد الثورة ليفوز بتلك العضوية‬ ‫وقضايا اإلسالم السياسي(((‪.‬‬
‫بوصفه عض ًوا مستق ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫ولك���ن ف���ي بيئة ما بع���د ثورة يناي���ر انتقل‬
‫ويمثل الدكتور حمزاوي ما يش���به «ظاهرة»‬ ‫الدكت���ور حمزاوي م���ن الفض���اء البحثي إلى‬
‫ليبرالي���ة؛ إذ يتمتع بدرجة من «الكاريزما» التي‬ ‫فضاء الممارسة السياسية؛ فتكثف حضوره في‬
‫م ّكنته من النفوذ لش���رائح عريضة من المجتمع‬ ‫المشهد الثوري المصري مشار ًكا بدرجة عالية‬
‫المصري ليسجل حضو ًرا مجتمع ًّيا عال ًيا‪ ،‬وذلك‬ ‫في التعليق على المش���هد في وس���ائل اإلعالم‬
‫عن طريق‪:‬‬ ‫المختلف���ة (صحف وفضائي���ات)(((‪ ،‬وقد طرح‬
‫‪ -‬االش���تباك في كل التفاعالت السياس���ية‬ ‫اسمه بسرعة كمرشح لمنصب وزير الشباب في‬
‫(((‬
‫والمجتمعية التي تشغل الرأي العام‪.‬‬
‫((( عمرو نبيل أحمد حم���زاوي (‪ُ ) - 1968‬ولد مبحافظة‬
‫‪ -‬الحض����ور الكثي����ف ف����ي وس����ائل اإلعالم‬ ‫املنيا بصعيد مصر‪ ،‬حص���ل على البكالوريوس في العلوم‬
‫السياس���ية من جامعة القاهرة‪ ،‬ثم حصل على ش���هادتي‬
‫وخصوصا برامج ال����ـ(‪،)talk shows‬‬
‫ً‬ ‫المختلف����ة‬ ‫ماجستير من جامعة أمستردام بهولندا ومعهد الدراسات‬
‫وبمرور الوقت صار يقدم برنامج «كالم مصري»‬ ‫االجتماعية بالهي ث���م الدكتوراه من جامعة برلني احلرة‬
‫بأملانيا‪ ،‬واش���تغل مدرس���ا للعلوم السياس���ية في كل من‬
‫على فضائية (‪ )c b c‬ثم برنامج «زي الشمس» مع‬ ‫جامعة برلني وجامعة القاهرة‪.‬‬
‫اإلعالمية دينا عبد الرحمن وكذلك حضوره على‬ ‫((( من مش���اركاته البحثية «القتال على جبهتني‪ :‬األحزاب‬
‫العلمانية في العالم العربي» و «بني الدين والسياس���ة» و‬
‫مواقع التواصل االجتماعي (‪ facebook‬و‪.)twitter‬‬ ‫«بل���وغ التعددية ‪ :‬اجلهات الفاعلة السياس���ية في الوطن‬
‫العربي»‪.‬‬
‫((( كموضوع االستفتاء على التعديالت الدستورية‪ ،‬وأحداث‬ ‫((( حي���ث يكتب مقاالً يوم ًّيا في صحيفة الش���روق اليومية‬
‫ماس���بيرو ومحمد محمود واألحداث املتعلقة باملس���ألة‬ ‫املصري���ة (قبل أن ينتقل جلريدة الوط���ن) ومقال نصف‬
‫الطائفية كأحداث صول وإمبابة وغيرها ‪...‬‬ ‫شهري في احلياة اللندنية‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪58‬‬
‫الليبرال���ي‪ ،‬وفي ذلك يؤكد عل���ى أن الليبرالية‬ ‫‪ -‬اتخ���اذ مواقف حدية ب���ارزة في تفاعالته‬
‫ليس���ت هي العلمانية‪ ،‬وأن الليبرالية السياسية‬ ‫السياس���ية (كرفض التعديالت الدستورية في‬
‫ال تس���عى لفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وإنما تنظيم‬ ‫مارس ‪2011‬م‪ ،‬واالستقالة من اللجنة التأسيسية‬
‫العالقة بينهما‪ ،‬وكذلك يؤكد على كون الليبرالية‬ ‫لصياغة الدستور التي ش ّكلها مجلس الشعب في‬
‫ليست فك ًرا مستور ًدا وإنما لها جذور ضاربة في‬ ‫مارس ‪2012‬م‪ ،‬وكذا قان���ون «عزل الفلول» في‬
‫(((‬
‫التاريخ المصري‪.‬‬ ‫أبري���ل ‪2012‬م‪ ،‬وكذلك إعالن���ه مقاطعة جولة‬
‫وبذلك يكون إس���هام الدكت���ور حمزاوي في‬ ‫االنتخاب���ات الرئاس���ية بي���ن « الدكتور محمد‬
‫«الحالة الليبرالية» المصرية إس���ها ًما متكام ً‬
‫ال‬ ‫مرس���ي» و«أحمد ش���فيق»‪ ،‬مما يعطيه زخ ًما‬
‫في مستوى التنظير الفكري للفلسفة الليبرالية‬ ‫ومستوى حضور مجتمعي عال‪.‬‬
‫وتطبيقه���ا االقتصادي والسياس���ي وهو تنظير‬
‫‪ -‬التواص���ل م���ع الفاعلي���ن المخالفين له‬
‫يبرز تحصيله لوعي ناجز عن النس���ق الفلسفي‬
‫أيديولوج ًّيا في البيئ���ة المصرية‪ ،‬وبالخصوص‬
‫الليبرالي مما يميزه عن باقي الرموز الليبرالية‬
‫في هذه المرحلة‪ ،‬وكذلك في مستوى الممارسة‬ ‫التيار اإلس�ل�امي بمختلف أطيافه‪ ،‬وتبنيه لغة‬
‫العملية بوصفه عض ًوا في البرلمان‪ ،‬مما يؤهله‬ ‫توافقية تتجن���ب التصادم‪ ،‬مم���ا أعطاه درجة‬
‫لتفاعل سياس���ي مؤثر في البيئة المصرية بما‬ ‫عالية من القبول النسبي في وسط هذا التيار‪.‬‬
‫يخدم الطرح الليبرالي‪.‬‬ ‫ولكن ِسمة التواصلية هذه قد اختفت تقريبا بعد‬
‫‪ -6‬الدكت���ور ط���ارق حج���ي(((‪ :‬بزوغ ف���ي البيئة‬ ‫فوز الدكتور محمد مرس���ي بالرئاسة‪ ،‬وتشكيل‬
‫الخارجية‪:‬‬ ‫الحكومة الجديدة ( حكومة هشام قنديل)؛ حيث‬
‫يس���وغ لنا أن ننمذج بالدكت���ور طارق حجي‬ ‫صار متمركزا في صف المعارضة السياس���ية‬
‫على المفكر الليبرالي المتمثل للنس���ق الفكري‬ ‫الصلب���ة‪ ،‬التي تتبنى مواق���ف حد ًّية من النظام‬
‫الليبرالي والمعتنق لمبادئه ومقوالته الفلس���فية‬ ‫السياس���ي‪ ،‬لعل أهمه���ا موقفه م���ن الجمعية‬
‫والممارس���ية؛ كالدعوة لحرية االعتقاد‪ ،‬وحقوق‬ ‫التأسيس���ة المنوط بها إنجاز الدستور(الموقف‬
‫المرأة واألقليات‪ ،‬وكذلك التطبيق الرأسمالي في‬ ‫من الم���ادة الثاني���ة وغيرها من الم���واد ذات‬
‫المنحى االقتصادي‪ ،‬وكذا التطبيق الديمقراطي‬ ‫الصلة)‪ .‬وكذلك تضخَ ���م المحتوى النقدي في‬
‫خطابه تجاه التيار اإلسالمي عموما‪ ،‬على عكس‬
‫((( للمزي���د ع���ن مفاصل فكر الدكتور حم���زاوي واملبثوث‬ ‫ما كان عليه األمر بُعيد الثورة‪.‬‬
‫في مقاالت���ه بالش���روق واملؤمترات التي يش���ارك فيها‬
‫راجع صحيفة الش���روق أعداد ‪ 4‬أبريل و‪ 5‬أبريل و‪9‬يونيو‬
‫هذا الحضور السياس���ي مش���فوع بحضور‬
‫و‪12‬يونيو للعام ‪2011‬م في عموده «من امليدان»‪.‬‬ ‫ثقافي؛ إذ يس���عى لنش���ر الفكر الليبرالي في‬
‫((( ط���ارق حج���ي (‪ ) - 1950‬كاتب ومفك���ر مصري ولد‬
‫مبحافظة بورسعيد املصرية‪ ،‬حصل على ليسانس احلقوق‬
‫مقاالته ومشاركاته اإلعالمية عن طريق تقريب‬
‫من جامعة عني ش���مس واملاجستير والدكتوراه من جامعة‬ ‫الفكر الليبرال���ي للفضاء الثقاف���ي المصري‪،‬‬
‫مدرسا في كلية احلقوق بجامعة‬‫ً‬ ‫جنيف بسويسرا‪ ،‬اشتغل‬
‫فاس املغربية‪ ،‬وكذلك حاضر ف���ي الكثير من اجلامعات‬ ‫متناوالً إياه في المس���توى الفكري والسياس���ي‬
‫العريقة كجامعة لندن وأكس���فورد وبرينس���تون وطوكيو‪،‬‬ ‫واالقتص���ادي والمجتمعي‪ ،‬وفي ه���ذا التناول‬
‫ميلك ش���ركة بترول «تانا لبترول الش���رق األوسط» في‬
‫اململك���ة املتحدة وهو عضو املجلس األعل���ى للثقافة في‬ ‫يسعى لمعالجة حالة النفور المجتمعي من الفكر‬
‫مصر وعضو احتاد الكتاب املصريني‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫وعلى مستوى التأثير في «الحالة الليبرالية»‬ ‫في المستوى السياسي من الممارسة الليبرالية‬
‫فالدكتور حجي يدور في إطار «النخبة الثقافية»‪،‬‬ ‫ال للحداثة والنهضة‪.‬‬‫معتب ًرا إياها مدخ ً‬
‫وم���ن ثم بعي���د ع���ن الش���ريحة العريضة من‬ ‫ويع���د الدكتور طارق حج���ي واح ًدا من أهم‬
‫المجتمع المصري وحضوره في البيئة الخارجية‬ ‫الرم���وز الليبرالي العربي���ة التي تحظى بدرجة‬
‫يفوق كثي ًرا حضوره في البيئة المصرية‪ ،‬وتأثيره‬ ‫عالية م���ن الحضور في األوس���اط األكاديمية‬
‫يتمث���ل في التنظير للمبادئ الليبرالية من خالل‬ ‫واالقتصادية الغربية؛ فعلى المستوى االقتصادي‬
‫كتبه في المقام األول‪ ،‬ث���م المقاالت التي يعلق‬ ‫يعتبر الدكت���ور حجي خبي ًرا اس���تراتيج ًّيا في‬
‫فيها على المشهد السياس���ي‪ ،‬وبمستوى أدنى‬ ‫ش���ئون البترول؛ حيث عمل خبي ًرا في ش���ئون‬
‫المداخالت الفضائية‪.‬‬ ‫الطاقة بالشرق األوسط ومستشا ًرا استراتيج ًّيا‬
‫ومن ناحية الممارس���ة العملية فهو لم يقرر‬ ‫بالمكتب الرئيس لشركة «شل» العالمية للبترول‬
‫المش���اركة في الحياة السياس���ية في مصر ما‬ ‫ليرأسها حتى العام ‪1996‬م‪.‬‬
‫بعد الثورة بتأسيس حزب سياسي أو االنضمام‬ ‫وعلى المستوى األكاديمي فهو عضو مجلس‬
‫آلخر‪ ،‬ويكتفي بالتعليق على المشهد مركزًا على‬ ‫أمناء لبعض مراكز األبحاث (‪ )think tanks‬لعل‬
‫الزاوية الفكرية فيه‪ ،‬ويركز على حقوق األقليات‬ ‫أهمها مؤسس���ة راند األمريكية‪ ،‬إضافة لكونه‬
‫مث�ل�ا يعبر عن قلقه على الهوية‬‫ً‬ ‫والمرأة‪ ،‬فنراه‬ ‫حاض��� ًرا في كثير من الجامعات المرموقة‪ ،‬فهو‬
‫المصري���ة في ما بعد الث���ورة المصرية قائ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫يُستدعى كثي ًرا للمشاركة في الحلقات النقاشية‬
‫«وأخشى ما أخش���اه أن يتولى التيار السياسي‬ ‫والندوات التي تعقدها مجموعة من أهم مراكز‬
‫مصر بشكل‬ ‫إعادة صياغة برامج التعـــــليم في َ‬ ‫الفكر األميركية مثل مؤسسة كارنيجي‪ ،‬ومجلس‬
‫ي ُعلي من ش���أن البعد اإلس�ل�امي‪ /‬العربي‪ ،‬في‬ ‫العالقات الخارجية‪ ،‬ومعهد واشنطن لسياسات‬
‫نـفـــس الوقت الذي يدمــــر فيه األبعــــــــاد‬ ‫الشرق األدنى‪ ،‬وكذلك خصصت جامعة تورينتو‬
‫األخرى‪ .‬وهذا االحتمال (المدمر) غير بعيد عن‬ ‫الكندية منحة دراس���ية باس���مه «منحة طارق‬
‫الواقع في ظل وجود مجلس تش���ريعي (برلمان)‬ ‫حجي للدراس���ات العليا في دراسات العالقات‬
‫يسيطر عليه تيار واحد يهيمن على لجنة التعليم‬ ‫اليهودية –اإلس�ل�امية المقارنة»‪ ،‬ونُش���رت له‬
‫بنسق فكري ال ش���ك في كونه مضا ًّدا للتعددية‬ ‫الكثير م���ن الكتب باللغة العربي���ة واالنجليزية‬
‫الثقافية‪ ،‬وال شك في أنه سيكون شديد االهتمام‬ ‫والفرنس���ية (((‪ ،‬وكذلك أسس كرسي الدراسات‬
‫بالبعد اإلس�ل�امي‪ /‬العربي‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬ ‫القبطية بالجامعة األميركي���ة في القاهرة عام‬
‫قليل العناية باألبعاد األخرى (وهو موقف متوقع‬ ‫‪2000‬م وحصل على جائزة «‪»Grinzane Cavour‬‬
‫من أي جهة ثيوقراطية)‪ ،‬ويبدي سبب القلق على‬ ‫اإليطالي���ة والتي تُمن���ح لإلنج���ازات الثقافية‬
‫هوية مصر في صعود التيار اإلس�ل�امي فيقول‪:‬‬ ‫واألدبية في العام ‪2008‬م‪.‬‬
‫«إن تيار اإلسالم السياسي المنتشي اليوم؛ ألنه‬ ‫((( منها « مشاكل مصر املعاصرة » ‪1992‬م و « نقد املاركسية‬
‫على وشك االس���تحواذ على مقاليد األمور في‬ ‫« ‪1992‬م‪ ،‬و «نق���د العقل العرب���ي « ‪1998‬م‪ ،‬و» الثقافة‬
‫واحلضارة واإلنس���انية ‪2003‬م و « س���قوط الشيوعية «‬
‫مصر بق���در ما أنه حقيقة م���ن حقائق الواقع‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬و « ثقافتنا بني الوهم والواقع « ‪2009‬م و « سجن‬
‫العقل العربي» ‪2009‬م‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪60‬‬
‫وعندم���ا عاد الدكتور البرادعي إلى مصر كانت‬ ‫أيضا مص���در خطر داهم على‬ ‫المصري‪ ،‬فإنه ً‬
‫البيئة السياس���ية معلقة عليه آم���االً كثيرة في‬ ‫الطبيعة المركب���ة للهوية المصرية القائمة على‬
‫إعادة الحياة السياسية في مصر وتحريكها نحو‬ ‫(((‬
‫تعددية ثرية»‪.‬‬
‫الديمقراطية وتكثف حضوره اإلعالمي بش���دة‬ ‫إذا فالدكت���ور حجي يثري الحال���ة الليبرالية‬
‫حركت مياه السياسة الراكدة‪.‬‬‫ليمثل ظاهرة ّ‬ ‫بمشاركاته النظرية المؤسسة لألفكار الليبرالية‪،‬‬
‫‪ -‬بعدم���ا عاد الدكت���ور البرادعي إلى مصر‬ ‫ولكن يظ���ل تأثيره نخبو ًّيا بعي ًدا عن الش���ريحة‬
‫في ديس���مبر ‪2009‬م لم يلبث إال أن أسس كيا ًنا‬ ‫األكبر من المجتمع المصري‪.‬‬
‫سياس ًّيا تحت مسمى «الجمعية الوطنية للتغيير»‬
‫‪ -7‬د‪ .‬محمد البرادعي(((‪ :‬الحاضر الغائب‪!..‬‬
‫في فبراير ‪2010‬م ته���دف إلى جمع كل القوى‬
‫السياسية المعارضة لنظام مبارك بغرض السعي‬ ‫تناولن���ا للدكتور محم���د البرادعي في هذا‬
‫نحو بناء نظام سياس���ي ديمقراطي حقيقي عن‬ ‫المحور بوصفه رمزًا ليبرال ًّيا ربما ال يس ّوغه لنا‬
‫طريق تحقيق عملية انتخابية حرة ونزيهة‪.‬‬ ‫نتاجه الفكري؛ إذ ليس للرجل مشاركات فكرية‬
‫تنظر للفلس���فة الليبرالية‪ ،‬ولك���ن في المقابل‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬قام���ت انتفاضة ‪ 25‬يناير وش���ارك فيها‬
‫البرادعي م���ن يوم جمعة الغض���ب‪ ،‬ولكن كما‬ ‫تس ّوغ لنا ممارس���اته العملية إدراجه في سياق‬
‫أس���لفنا تجاوزته الثورة كما تجاوزت كل الرموز‬ ‫الرم���وز الليبرالية‪ ،‬فالدكت���ور البرادعي يتبنى‬
‫واألحزاب السياسية‪.‬‬ ‫الفكر الليبرالي إجماالً ويدعو لتطبيقه مجتمع ًّيا‬
‫‪ -‬اتصف أداء البرادعي السياس���ي من بعد‬ ‫سياس��� ًّيا ‪ /‬اقتصاد ًّيا‪ ،‬وفي المستوى السياسي‬
‫الثورة بعدم الفاعلية؛ نظ ًرا لكثرة أسفاره خارج‬ ‫كانت ل���ه مس���اهمات مميزة أث���رت الظاهرة‬
‫مصر مما أبعده عن صلب األحداث السياسية‪،‬‬ ‫الليبرالية قبيل ثورة ‪ 25‬يناير وما بعدها‪ ،‬وذلك‬
‫وكان حضوره في التفاعالت الرئيسة؛ إذ رفض‬ ‫من خالل مس���يرة من التفاعالت السياس���ية‬
‫التعديالت الدس���تورية‪ ،‬وتفاع���ل ولو عن بُعد‬ ‫الهامة‪:‬‬
‫مع األحداث التي ش���غلت الفضاء السياس���ي‬ ‫‪ -‬في نوفمبر ‪2009‬م أعلن الدكتور البرادعي‬
‫معارضا لكل سياسات المجلس‬ ‫المصري‪ ،‬وكان‬ ‫من أميركا عزمه على الترشح النتخابات الرئاسة‬
‫ً‬
‫العسكري‪.‬‬ ‫التي كان مق���ر ًرا إجراؤها في ‪2011‬م إذا كانت‬
‫‪ -‬في يناير ‪2012‬م أعلن البرادعي انسحابه من‬ ‫هناك ضمانات كافية لنزاهتها‪ ،‬وقد أحدث هذا‬
‫سباق الرئاسة مجادالً بكون المجلس العسكري‬ ‫القرار حلحلة في البيئة السياس���ية المصرية‪،‬‬
‫قد أساء إدارة الفترة االنتقالية‪« ،‬وأن ضميره لن‬ ‫((( طارق حج���ي‪ ،‬هوية في خطر‪ ،‬احل���وار املتمدن‪ ،‬العدد‬
‫‪2012/4/14 ،3698‬م‪.‬‬
‫يسمح له بالترشح لمنصب الرئاسة أو أي منصب‬ ‫((( محم���د مصطفى البرادع���ي (‪ ) -1942‬تخرج من كلية‬
‫آخر في غياب نظ���ام ديمقراطي حقيقي يأخذ‬ ‫احلقوق بجامعة القاهرة في ‪1962‬م‪ ،‬حصل على الدكتوراه‬
‫في القانون الدولي من جامعة نيويورك في ‪1974‬م‪ ،‬والتي‬
‫من الديمقراطية جوهرها وليس ش���كلها»‪ ،‬مما‬ ‫مدرس���ا فيها للقانون الدولي فت���رة من الزمن‪،‬‬
‫ً‬ ‫اش���تغل‬
‫أبعده أكثر عن الس���احة السياسية‪ ،‬والكثير من‬ ‫عمل مس���اع ًدا لوزير اخلارجية املصرية إسماعيل فهمي‪،‬‬
‫وفي الع���ام ‪1984‬م التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية‬
‫المراقبين قد فسروا عدول الدكتور البرادعي عن‬ ‫ليرأس���ها في العام ‪1997‬م حتى ‪2009‬م وحاز على جائزة‬
‫نوبل للسالم في العام ‪2005‬م مع وكالة الطاقة الذرية‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫السباق بكونه تأكد من عدم فوزه‪.‬‬
‫ثمة نخبة من الرم���وز الثقافية في المجتمع‬ ‫‪ -‬وقد قرر البرادعي ف���ي أبريل ‪2012‬م أن‬
‫المصري تتبنى الدعوة للفك���ر الليبرالي‪ ،‬وفي‬ ‫يسعى لتشكيل حزب سياسي تحت مسمى «الثورة‬
‫األع���م ه���م أكاديميون يس���عون لنش���ر الفكر‬ ‫« يجمع كل القوى الثورية والمدنية والذي سيغير‬
‫الليبرال���ي عن طريق كتاباتهم ومش���اركتهم في‬ ‫اس���مه فيما بعد لـ«حزب الدس���تور» مستقط ًبا‬
‫وس���ائل اإلعالم المختلفة‪ ،‬ولكن هناك مسافة‬ ‫عد ًدا من الرم���وز النخبوية مثل الدكتور محمد‬
‫شاس���عة بين تلكم الرموز والشريحة األعرض‬ ‫أبو الغار والمستش���ار حس���ام عيسى ود‪ .‬عالء‬
‫من المجتمع‪ ،‬وذلك لنخبوية الخطاب الليبرالي‬ ‫األسواني وأ‪ .‬جورج إسحاق وأ‪ .‬جميلة إسماعيل‬
‫وعجزه عن بلورة الفك���رة الليبرالية في صيغة‬ ‫وأ‪ .‬وائل قنديل (الناطق اإلعالمي للحزب)‪.‬‬
‫تتس���اوق مع الثقافة المصرية السائدة‪ ،‬ومن ثَم‬ ‫وبالتال���ي يتمثل أثر الدكت���ور البرادعي في‬
‫يظل تأثير هذا الخطاب في المجتمع طفيفًا‪.‬‬ ‫الحالة الليبرالي���ة المصرية في كونه يصلح ك‬
‫والس���مة األبرز لتلك الرم���وز كونها لم تقدم‬ ‫(‪ )core‬أي نواه تتجم���ع حولها الظاهرة ليمثلها‬
‫نتاجا فكر ًّيا رصينًا يقدم النسق الفكري الليبرالي‬
‫ً‬ ‫وذلك راجع لما يتمتع به من مس���توى رفيع من‬
‫للوع���ي العربي‪ ،‬فقط يكتف���ون بخطاب إعالمي‬ ‫الش���هرة والحضور خارجيا وداخليا وكذا لكونه‬
‫وشعاراتي ينشغل بالدفاع عن الليبرالية؛ بوصفها‬ ‫يمث���ل رمزًا مس���تق ً‬
‫ال بعي ًدا عن أي���ة انتماءات‬
‫مجموعة م���ن المثل العالي���ة كالحرية والحقوق‬ ‫حزبية تحبس���ه في س���ياجاتها‪ ،‬ومن ثَم يسهل‬
‫الفردية واحترام الغيرية‪.‬‬ ‫التوافق عليه كممثل للظاهرة الليبرالية‪.‬‬
‫وبع���ض تل���ك الرموز قد بدأت تش���تبك مع‬ ‫ولكن هذا األثر الذي يمكن أن يقدمه الدكتور‬
‫قضاي���ا المجتمع فيما بعد الث���ورة‪ ،‬ومع حالة‬ ‫البرادعي للظاهرة يقف عامالن كحجر عثرة في‬
‫االنفتاح اإلعالمي بدأت تقترب روي ًدا من شرائح‬ ‫طريقه‪ :‬يتمثل األول في حالة «الالحضور» التي‬
‫أكبر م���ن المجتمع‪ ،‬ولكن يظل تأثيرها محدو ًدا‬ ‫يتس���م بها الدكتور البرادعي‪ ،‬وتفاعله مع البيئة‬
‫لطبيعة الليبرالية كفكر‪ ،‬وطبيعة الثقافة السائدة‬ ‫السياس���ية المصرية من مكان بعيد‪ ..‬مما يؤثر‬
‫في المجتمع‪.‬‬ ‫قط ًع���ا على مقدرته التأثيرية ف���ي تلكم البيئة؛‬
‫وقد انشغلت تلك النخب بالقضايا السياسية‬ ‫حيث يؤدي ذلك إلى انحباسه في سياق نخبوي‬
‫أكث���ر من تلك���م الفكرية التي ّ‬
‫تنظر للفلس���فة‬ ‫بعي ًدا عن ش���رائح المجتمع العريضة‪ ،‬مما يقلل‬
‫الليبرالي���ة؛ حي���ث تبن���ت مق���والت اإلصالح‬ ‫من شعبيته‪ ،‬ويعزز من فكرة كونه مرهو ًنا للعالقة‬
‫السياسي في المقام األول‪ ،‬ثم االقتصادي بالتبع‬ ‫بالغرب‪ ،‬وبعي ًدا عن جوهر الحياة المصرية‪.‬‬
‫عن طريق ترس���يخ المبادئ الديمقراطية وفتح‬ ‫ويتمث���ل الثاني في القوى الليبرالية نفس���ها‬
‫الباب للتعددية السياسية‪ ،‬ولكن في بيئة ما قبل‬ ‫(أحزاب ‪ /‬رموز) والتي ال يجمعها إطار ممارسي‬
‫الثورة لم يكن الفضاء السياس���ي المغلق ‪-‬بفعل‬ ‫واحد‪ ،‬ويع���ز أن تتوافق فيما بينها على قضية!‬
‫ديكتاتوري���ة مبارك‪ -‬يس���مح بالدعوة إلى تلكم‬ ‫وعلى حس���ب تغير ذينك السببين يتحدد مدى‬
‫المق���والت بله تفعيله���ا‪ ،‬وإن كان ثمة محاوالت‬ ‫تأثير الدكتور البرادعي في الظاهرة الليبرالية‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪62‬‬
‫املطلب الثاني‬ ‫في هذا الصدد ق���د قامت بها بعض الحركات‬
‫األحزاب الليربالية‪ :‬الالحضور‬ ‫االجتماعية الت���ي يغلب عليها الطابع الليبرالي‪،‬‬
‫ولكن من دون جدوى‪.‬‬
‫اجملتمعي‪..‬‬ ‫أما م���ا بعد ث���ورة يناي���ر ‪2011‬م فالبيئة‬
‫تمهيد‪:‬‬ ‫السياس���ية انفتحت تما ًما عل���ى كل األطياف‬
‫أوصلنا البحث التاريخي إلى حقبة الس����ادات‬ ‫الليبرالية واليسارية واإلسالمية‪ ،‬والكل يشارك‬
‫الت����ي أعادت الحي����اة الحزبية ف����ي بيئة مصر‬ ‫في عملية ديمقراطية‪ ،‬وم���ن ثَم لم يعد لتلكم‬
‫السياس����ية ليب����رز حزب الوفد م����ن جديد‪ ،‬ثم‬ ‫الرموز خصيصة الدعوة لإلصالح السياس���ي‬
‫جاءت حقبة مبارك ليتش����كل طيف من األحزاب‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬وصار أمامها تحدي النفوذ إلى‬
‫السياسية المحكومة بقانون األحزاب السياسية‪،‬‬ ‫طبقات المجتمع العريضة‪ ،‬والخروج من السياج‬
‫مما جعل من التعددية السياسية تعددية صورية‪،‬‬ ‫النخب���وي الت���ي تثوي خلفه‪ ،‬وذاك مش���روط‬
‫فاألحزاب المعارضة ما هي إال مساحيق تجميل‬ ‫بإمكانية صياغة خطاب ليبرالي يتماش���ى مع‬
‫يضعها النظام ليخف����ي مالمح الدكتاتورية التي‬ ‫الفضاء الثقافي المصري العام‪.‬‬
‫تش ّوه وجهه‪ ،‬ومن ثَم كانت تلكم األحزاب تدور في‬ ‫والنظر في نتاج وممارسات تلكم الرموز يفيد‬
‫فلكه؛ مما قلل من مصداقيتها كأحزاب معارضة‪،‬‬ ‫س���مة بارزة لليبرالية في تلك���م المرحلة‪ ،‬وهي‬
‫وحايث هذا السبب الموضوعي سبب ذاتي متعلق‬ ‫الس���يولة في مس���توى الفكر والممارسة؛ إذ ال‬
‫ببنية تلكم األحزاب ورؤاها اإلصالحية‪.‬‬ ‫يجمع هؤالء الرموز إطار فكري واحد ينطلقون‬
‫هذه التركيبة أثم���رت حالة من «الالحضور‬ ‫منه وال تنتظم ممارس���اتهم في كي���ان ليبرالي‬
‫المجتمعي»؛ إذ ال تنعم هذه األحزاب بمس���توى‬ ‫واضح مميز عمن سواه‪.‬‬
‫ع���ال من الحضور ف���ي المجتم���ع يم ّكنها من‬
‫التأثير فيه‪.‬‬
‫وجاءت انتفاضة ‪ 25‬يناير لتظل تلكم األحزاب‬
‫مثقلة بتلك التركة‪ ،‬فكان حضورها باهتًا ورمز ًّيا‬
‫في تلك االنتفاضة الت���ي امتازت بكونها حركة‬
‫تؤطر‬ ‫مجتمعية شاملة لكل شرائح المجتمع‪ ،‬ولم َّ‬
‫حزب ًّيا أو أيديولوج ًّيا‪ ،‬ومع س���قوط نظام مبارك‬
‫انفتح الباب أمام تش���كيل األحزاب السياس���ية‬
‫لتتكون مجموعة جديدة من األحزاب الليبرالية‪.‬‬
‫وف���ي هذا المح���ور نعرض أله���م األحزاب‬
‫الليبرالي���ة التي تش��� ّكلت في تلك���م المرحلة‬
‫والممتدة من قبل س���قوط نظ���ام مبارك وحتى‬
‫الوقت الراهن‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫برنامجا متس���قًا مع الحالة السياس���ية‬
‫ً‬ ‫ق���دم‬ ‫‪ -1‬حزب الوفد الجديد‪ :‬االستقواء بالتاريخ‪:‬‬
‫المصرية عمو ًما ويعتمد على المبادئ الليبرالية‪.‬‬ ‫تأسس حزب الوفد الجديد في العام ‪1978‬م‬
‫على يد فؤاد سراج الدين بعدما سمح السادات‬
‫تفاعالت الحزب السياسية‪:‬‬
‫بالتعددي���ة الحزبية‪ ،‬وهو امت���داد لحزب الوفد‬
‫ش���ارك الحزب في االنتخابات البرلمانية من‬
‫الذي كان حزب األغلبية منذ ثورة ‪1919‬م حتى‬
‫(((‬
‫(‪:)2011 – 1984‬‬
‫قيام ث���ورة ‪1952‬م وإلغاء األح���زاب‪ ،‬وما لبث‬
‫‪ -1‬تحال���ف الح���زب مع جماع���ة اإلخوان‬
‫الحزب أن جمد نفسه بعد معارضة السادات له‬
‫المس���لمين في ‪1984‬م ليدخل معها الس���باق‬
‫رأسا‪ ،‬ومع مقتل السادات‬
‫واعتقال سراج الدين ً‬
‫االنتخابي‪ ،‬ولكن ف���ي العام ‪1987‬م فك الحزب‬
‫ومجيء مب���ارك تم اإلفراج عن س���راج الدين‪،‬‬
‫هذا التحال���ف نتيجة غضب األقب���اط الذين‬
‫وعاد الحزب رس���م ًّيا للعمل في ‪1984‬م‪ ،‬وأسس‬
‫يمثلون شريحة كبيرة من مؤيدي الحزب‪.‬‬
‫حينها سراج الدين صحيفة «الوفد» لسان حال‬
‫‪ -2‬في أيلول‪ /‬س���بتمبر ‪2004‬م انضم حزب‬
‫الحزب‪ ،‬وبعد وفاة سراج الدين في عام ‪2000‬م‬
‫الوفد إلى ائت�ل�اف األحزاب المعارضة‪ ،‬والذي‬
‫دب���ت النزاعات في الحزب بي���ن نعمان جمعة‬
‫ضم ‪ 8‬أحزاب معارض���ة‪ ،‬بهدف فتح حوار بين‬
‫ومحمود أباظة‪ ،‬وترأس���ه األخير حتى ‪2010‬م؛‬
‫نظام مبارك والمعارضة‪.‬‬
‫حيث رأسه الدكتور السيد البدوي حتى اآلن‪.‬‬
‫‪ -3‬شارك الحزب في الجبهة الوطنية للتغيير‪،‬‬
‫قدم بوصفه الحزب الليبرالي‬ ‫وحزب الوفد يُ َّ‬
‫والتي تشكلت في أكتوبر ‪2005‬م بهدف التنسيق‬
‫األعرق في مصر فهو يتبنى القيم الليبرالية في‬
‫بين أحزاب المعارضة لخوض االنتخابات بقائمة‬
‫برنامج���ه والتي تتبدى في المنحى االقتصادي؛‬
‫مش���تركة‪ ،‬وفي نفس العام دفع برئيسه نعمان‬
‫إذ يعتم���د «تعزيز التنمية االقتصادية من خالل‬
‫جمعة لس���باق الرئاس���ة ليحصل على المركز‬
‫إرس���اء المبادئ الليبرالية الجدي���دة الخاصة‬
‫الثالث بعد مبارك وأيمن نور‪.‬‬
‫بتحرير األسواق»‪ ،‬أما في المنحى السياسي فكل‬
‫‪ -4‬في الع���ام ‪2010‬م انضم الئتالف أحزاب‬
‫البرامج الحزبية تعتمد الديمقراطية والتعددية‬
‫المعارضة‪ ،‬والذي كان الهدف منه الضغط على‬
‫السياسية بوصفها نظام الحكم األمثل فال نجد‬
‫النظام الحاكم لتبني اإلصالحات الدس���تورية‪،‬‬
‫فرو ًقا واضحة بين الحزب الليبرالي وغيره من‬
‫ولكن هذا االئتالف فش���ل في مس���عاه‪ ،‬ودبت‬
‫األح���زاب(((‪ ،‬وعلى المس���توى المجتمعي نجد‬
‫فيه الخالفات حول مقاطعة انتخابات الرئاسة‬
‫برنامج الحزب يؤكد على «دعم الحقوق الثقافية‬
‫والموقف م���ن الجمعية الوطنية للتغيير بزعامة‬
‫بغض النظر عن عرقهم‬ ‫والدينية لكل المواطنين ّ‬
‫الدكت���ور محم���د البرادعي‪ ،‬ومن ثم انس���حب‬
‫أو مذهبهم‪ ،‬وكذا تعزيز انخراط المرأة بش���كل‬
‫الحزب من ه���ذا االئتالف‪ ،‬وقد قيل حينها‪ :‬إن‬
‫كام���ل في الحياة العامة»‪ ،‬ومن ثَم فحزب الوفد‬
‫الحزب تخلى عن دعم البرادعي بموجب صفقة‬
‫((( حاش���ا األحزاب اإلسالمية التي تشكلت فيما بعد الثورة‬
‫((( حصل احلزب على ‪ 50‬مقع ًدا في ‪ 1984‬و‪ 35‬مقع ًدا في‬ ‫والتي تضع قي���و ًدا على املمارس���ة الدميقراطية بجعلها‬
‫‪1987‬م و‪ 6‬مقاع���د في ‪1995‬م و‪ 7‬مقاعد في ‪2000‬م و‪6‬‬ ‫محكومة مبرجعية الش���ريعة اإلسالمية خاصة األحزاب‬
‫مقاعد في ‪2005‬م و‪ 6‬مقاع���د في ‪2010‬م ولكن احلزب‬ ‫الس���لفية كالنور واألصال���ة والفضيلة والبن���اء والتنمية‬
‫جمدهم‪.‬‬ ‫واإلصالح‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪64‬‬
‫أجراها المجلس العسكري على دستور ‪1971‬م‪،‬‬ ‫مع النظام الحاكم تضمن له نس���بة تمثيل عالية‬
‫والتي تم االستفتاء عليها في مارس ‪2011‬م وتم‬ ‫في انتخاب���ات ‪2010‬م والتي فاز فيها بمقعدين‬
‫(((‬
‫تمريرها بموافقة حوالي ‪ %77‬من الشعب‪.‬‬ ‫في الجول���ة األولى مما دفع���ه لمقاطعة باقي‬
‫‪ -‬وافق الحزب على وثيقة المبادئ الدستورية‬ ‫االنتخابات‪.‬‬
‫(وثيقة الس���لمي) سيئة الس���معة‪ ،‬والتي أثارت‬ ‫‪ -5‬أم���ا عن موقف الحزب من ثورة ‪ 25‬يناير‬
‫الكثير من الجدل في الوس���ط السياس���ي‪ ،‬ولم‬ ‫فهو كموقف كل الق���وى الحزبية التي تجاوزها‬
‫(((‬
‫تمرر في النهاية‪.‬‬ ‫الفع���ل الثوري؛ حي���ث قاد الث���ورة مجموعات‬
‫‪ -‬ش��� ّكل الح���زب تحالفً���ا انتخاب ًّيا تحت‬ ‫ش���بابية انضمت إليها مع الوقت باقي ش���رائح‬
‫مس���مى «التحالف الديمقراط���ي»‪ ،‬ضم كثي ًرا‬ ‫المجتم���ع‪ ،‬ومن ثم تأخ���رت تلكم األحزاب عن‬
‫م���ن األحزاب السياس���ية‪ ،‬من بينه���ا أحزاب‬ ‫دع���م الثورة‪ ،‬واضطربت مواقفها بش���دة؛ ففي‬
‫إس�ل�امية‪ ،‬لعل أبرزها حزب الحرية والعدالة‬ ‫ب���ادئ األمر رفضت الثورة‪ ،‬وم���ع الوقت بدأت‬
‫الذراع السياس���ي لجماعة اإلخوان المسلمين‪،‬‬ ‫تتفاعل معه���ا بوصفها الع ًبا سياس��� ًّيا‪ ،‬ولكنه‬
‫وحزب النور السلفي لخوض االنتخابات األولى‬ ‫تفاعل لم يكن ذا تأثير على المس���ار الثوري؛ إذ‬
‫في ما بعد الثورة‪ ،‬ولكن س���رعان ما انهار هذا‬ ‫لتحرك القوى الثورية‬ ‫ّ‬ ‫إن تلك���م األحزاب لم تكن‬
‫التحالف‪ ،‬وخرج منه الحزب مجادالً بكون حزب‬ ‫التي تجاوزت األطر الحزبية‪ ،‬مما جعل من تلكم‬
‫الحرية والعدالة يمارس سلو ًكا ديكتاتور ًّيا على‬ ‫ال عل���ى ترهل وضعف تلك األحزاب‬ ‫الحالة دلي ً‬
‫التحالف‪ ،‬ويس���تأثر بأغلب الق���رارات ويحجز‬ ‫وضعف حضورها السياس���ي في المجتمع‪ ،‬مما‬
‫لنفسه النسبة األكبر من المقاعد على حساب‬ ‫يعكس صورة البيئة السياس���ية عمو ًما في ظل‬
‫باقي أعضاء التحالف‪.‬‬ ‫نظ���ام مبارك والتي جعلت م���ن تلكم األحزاب‪،‬‬
‫‪ -‬ش���ارك الح���زب منفر ًدا ف���ي االنتخابات‬ ‫ومنها الوفد محس���وبة على النظام؛ تبدى ذلك‬
‫البرلماني���ة األولى بعد ث���ورة ‪ 25‬يناير ‪2011‬م‬ ‫في قبول الحزب الحوار مع عمر سليمان‪ ،‬وكذا‬
‫ليحصل على ‪ 41‬مقع ًدا بنسبة ‪ % 2 .8‬من جملة‬ ‫قبول منير فخري عبد النور حقيبة السياحة في‬
‫المقاعد المنتخبة لمجلس الش���عب‪ ،‬وليحصل‬ ‫حكومة أحمد ش���فيق‪ ،‬ولكن استفز هذا القبول‬
‫على ‪ 14‬مقع��� ًدا من مقاعد مجلس الش���ورى‬ ‫الحزب وأرغم الرجل على االستقالة‪.‬‬
‫بنسبة ‪ % 7 .7‬من جملة المقاعد المنتخبة‪.‬‬ ‫‪ -6‬ومع س����قوط النظ����ام راح حزب الوفد‬
‫((( م َّثل هذا االستفتاء حالة من االستقطاب املجتمعي احلاد‪،‬‬
‫يؤكد على كونه قد شارك في الثورة من اليوم‬
‫وأُخرج من سياقه السياسي لسياق ديني‪ ،‬وراحت األحزاب‬ ‫األول‪ ،‬ووقف ضد النظام وعلى أية حال فبعد‬
‫اإلسالمية حتشد للموافقة على التعديالت بينما اصطفت‬
‫القوى العلمانية (يسارية – ليبرالية) في اجلانب املقابل‬ ‫س����قوط نظام مبارك تش����كلت بيئة سياسية‬
‫وحشدت لرفض التعديالت‪.‬‬ ‫مهما فيها؛‬
‫جدي����دة كان حزب الوفد الع ًب����ا ًّ‬
‫((( كان���ت الوثيق���ة تتضمن مواد متنح املجلس العس���كري‬
‫امتيازات كبيرة في الدس���تور‪ ،‬والتي متنحه اس���تقاللية‬ ‫حيث اشتبك مع كل التفاعالت السياسية في‬
‫تدبير ش���ئون ميزانيته اخلاصة ومش���اريعه االقتصادية‪،‬‬ ‫البيئة المابعد ثورية‪:‬‬
‫وتس���وغ له التحكم في القرار االس���تراتيجي ملصر‪ ،‬وقد‬
‫اس���تفزت تلك الوثيقة القوى اإلسالمية‪ ،‬ودفعتها للنزول‬ ‫‪ -‬رفض الحزب التعديالت الدس���تورية التي‬
‫إلى ميدان التحرير في مارس ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫(الوفد – التجمع ‪ -‬الناصري) لخوض االنتخابات‬ ‫‪ -‬دع���م الح���زب الوزير الس���ابق «منصور‬
‫دب فيه الشقاق‬ ‫في ‪2010‬م ذاك االئتالف الذي َّ‬ ‫حسن» كمرش���ح للحزب في أول سباق للرئاسة‬
‫بس���بب الموقف من مقاطعة االنتخابات؛ حيث‬ ‫بعد الثورة قبل أن ينسحب حسن من السباق ثم‬
‫رف���ض حزب الجبهة المش���اركة ف���ي العملية‬ ‫يدعم الوفد المرشح «عمرو موسى»‪.‬‬
‫االنتخابية بال ضمان���ات حقيقية‪ ،‬بينما وافقت‬ ‫‪ -‬في مارس ‪2012‬م انسحب حزب الوفد من‬
‫باقي األح���زاب فقرر الحزب االنس���حاب من‬ ‫اللجنة التأسيسية للدستور مجادالً بكون حزب‬
‫االئتالف‪.‬‬ ‫الحرية والعدالة يستأثر باللجنة‪.‬‬
‫‪ -‬قدم الحزب الدعم للجمعية الوطنية للتغيير‬
‫‪ -2‬ح���زب الجبهة الديمقراطية‪ :‬ليبرالية تفتقر‬
‫ومؤسسها الدكتور محمد البرادعي بعد عودته‬
‫الحضور‪:‬‬
‫لمصر‪.‬‬
‫تأس���س حزب الجبهة الديمقراطية في مايو‬
‫‪ -‬كان الح���زب ممن أيدوا الدعوة لتظاهرات‬
‫‪2007‬م على يد الدكتور أس���امة الغزالي حرب‬
‫‪ 25‬يناير ‪2011‬م‪ ،‬ولكن كما أسلفنا كان الحضور‬
‫بعدما اس���تقال من الحزب الوطني الحاكم في‬
‫الحزبي الرس���مي في الث���ورة رمز ًّيا؛ إذ لم تكن‬ ‫مارس ‪2006‬م‪ ،‬وتضم قائمة المؤسس���ين نخبة‬
‫تملك تحريك الشارع والتأثير في الثوار‪.‬‬ ‫من الرموز الليبرالية (((‪ ،‬ويرأس الحزب السعيد‬
‫‪ -‬رف���ض ح���زب الجبه���ة االس���تفتاء على‬ ‫كامل فعل ًّيا كما يرأس���ه شرف ًّيا مؤسسه الدكتور‬
‫التعديالت الدستورية في مارس ‪2011‬م‪.‬‬ ‫الغزالي ح���رب ونائب رئي���س الحزب والعضو‬
‫‪ -‬انض���م الحزب ف���ي أغس���طس ‪2011‬م‬ ‫المؤس���س السيدة س���كينة فؤاد ويتخذ الحزب‬
‫لتحال���ف الكتلة المصرية لخ���وض االنتخابات‬ ‫شعار (حرية – عدالة – دولة مدنية)‪.‬‬
‫البرلمانية األولى بعد الث���ورة والتي ضمت ‪14‬‬ ‫وينطلق الح���زب من أيديولوجي���ة ليبرالية‬
‫دب فيه الشقاق‪،‬‬ ‫في االقتصاد والسياس���ة؛ حيث يدعو إلى تبني‬
‫حز ًبا سياس ًّيا‪ ،‬ولكن سرعان ما َّ‬
‫تباعا حتى انفصل عنها حزب‬ ‫اقتصاد السوق‪ ،‬ولكن تلطفه العدالة االجتماعية‬
‫وتركته األحزاب ً‬
‫برنامجا متسقًا‬
‫ً‬ ‫(((‪ ،‬وفي باقي المستويات قدم‬
‫الجبهة في أكتوبر ‪2011‬م‪ ،‬وكانت نسب التمثيل‬
‫مع مجمل البيئ���ة الحزبية المصرية التي تقدم‬
‫في القوائم هي علة انس���حاب ح���زب الجبهة‬
‫برامج تتس���م بالعمومية‪ ،‬وتب���رز عنوان الهوية‬
‫وغيره من الكتلة‪ ،‬ثم قرر المنافسة مستق ً‬
‫ال في‬
‫األيديولوجية فقط‪.‬‬
‫االنتخابات البرلمانية‪ ،‬ولكنه لم يحصل على أية‬
‫مقاعد في مجلس الشعب أو الشورى‪.‬‬ ‫تفاعالت الحزب السياسية‪:‬‬
‫‪ -‬ق���رر الحزب ع���دم المش���اركة في لجنة‬ ‫‪ -‬انضم الح���زب الئتالف أحزاب المعارضة‬
‫صياغة الدستور في مارس ‪2012‬م‪.‬‬ ‫((( منهم يحيى اجلمل وحازم الببالوي وأسامة أنور عكاشة‬
‫نموذجا‬ ‫وف���ي النهاية يمث���ل حزب الجبه���ة‬ ‫ومحمد نور فرحات‪ ،‬والذين سيتركونه الحقًا‪.‬‬
‫ً‬
‫((( « العدال���ة االجتماعي���ة صارت «الزمة» ف���ي كل برامج‬
‫ليبرال ًّيا‪ ،‬ولكنه ال ينع���م بحضور مجتمعي قوي‬ ‫األح���زاب الليبرالية بالرغ���م من تناقضه���ا مع مبادئ‬
‫النيوليبراليزم‪ ،‬ولعل تدهور األوضاع االقتصادية وارتفاع‬
‫يم ّكنه من التأثير في الحياة السياسية بمواقفه‬ ‫معدالت الفق���ر والبطالة دفعهم إل���ى إرفاقها في متون‬
‫المختلفة من قضايا الفضاء السياسي‪.‬‬ ‫برامجهم االقتصادية‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪66‬‬
‫مما جعل تفاعالت الحزب تكاد تُختزل في‬ ‫‪ -3‬حزب الغد ‪ /‬غد الثورة‪ :‬مأزق الخالفات‪..‬‬
‫شخص مؤسسه أيمن نور‪:‬‬ ‫بعدما اس���تقال الدكت���ور أيمن نور من حزب‬
‫‪ -‬ترش���ح نور لرئاسة الجمهورية في انتخابات‬ ‫الوفد الجديد((( إبان خالفات واسعة مع نعمان‬
‫العام ‪2005‬م ليحل ثان ًيا بعد مبارك ليدخل السجن‬ ‫جمعة في العام ‪2011‬م‪ ،‬سعى في تأسيس حزب‬
‫متهم���ا بالتزوير في توكيالت الحزب ليثير‬ ‫ًّ‬ ‫بعدها‬ ‫جديد تحت مس���مى «حزب الغد»‪ ،‬وبعد معارك‬
‫ذلك جدالً كبي ًرا داخل ًّيا وخارج ًّيا‪ ،‬وليفرج عنه في‬ ‫قضائية اس���تطاع في الع���ام ‪2004‬م الحصول‬
‫‪2009‬م لظروف صحية‪.‬‬ ‫على تصريح بإنشاء الحزب‪ ،‬وتبع نور الكثير من‬
‫‪ -‬دع���ا حزب الغ���د ‪ /‬أيمن ن���ور لمقاطعة‬ ‫أعضاء حزب الوفد الجديد ليمثلوا ما يقرب من‬
‫انتخابات العام ‪2010‬م وكذا انتخابات الرئاسة‬ ‫ربع أعضاء حزب الغد‪ ،‬وأصدر الحزب جريدته‬
‫في ‪2011‬م‪.‬‬ ‫«الغد»‪.‬‬
‫‪ -‬انضم حزب الغد للجمعية الوطنية للتغيير‬ ‫وتتبدى المالمح الليبرالية في برنامج الحزب‬
‫التي أسسها الدكتور البرادعي في ‪2010‬م‪.‬‬ ‫في المنح���ى االقتصادي كغي���ره من األحزاب‬
‫‪ -‬أيد الحزب ‪ /‬أيمن نور الدعوة إلى تظاهرات‬ ‫الليبرالية؛ إذ يدعو «لتعزيز التنمية االقتصادية‬
‫‪ 25‬يناير‪ ،‬ولكن كما أسلفنا سبقه الفعل الثوري‬ ‫من خ�ل�ال تش���جيع المنافس���ة في الس���وق‬
‫كغيره من األحزاب والرموز‪.‬‬ ‫وسياس���ات التجارة الحرة»‪ ،‬ويؤكد على «حماية‬
‫‪ -‬ومن بعد الثورة ظل نور مشتب ًكا مع األحداث‬ ‫حقوق الملكية الفردية»‪ ،‬وبمس���توى أقل تظهر‬
‫رئيس���ا لحزب الغد‪ ،‬ولكن‬‫ً‬ ‫السياس���ية بوصفه‬ ‫الليبرالي���ة في المنحى االجتماع���ي؛ إذ يدعو‬
‫بفاعليته كشخص إذ الحزب ممزق من خلفه‪:‬‬ ‫إلى «دعم مش���اركة المرأة بش���كل كامل في كل‬
‫‪ -‬فرفض الحزب التعديالت الدستورية التي‬ ‫مجاالت المجتمع»‪.‬‬
‫استُفتي عليها في مارس ‪2011‬م‪.‬‬ ‫وق���د م ّثلت الخالفات عقب���ة كئو ًدا أمام‬
‫‪ -‬وانضم للتحالف الديمقراطي بقيادة حزب‬ ‫فاعلية الحزب السياسية‪ ،‬وقد ساعد على‬
‫الحرية والعدالة لخوض أول انتخابات برلمانية‬ ‫تأجي���ج هذه الخالفات‪ :‬البيئة السياس���ية‬
‫بع���د الثورة ول���م يحصل على أي���ة مقاعد في‬ ‫المغلق���ة تحت دكتاتورية نظ���ام مبارك(((‪،‬‬
‫البرلمان المصري بغرفتيه الشعب والشورى‪.‬‬
‫‪ -‬ث���م قرر خ���وض انتخابات الرئاس���ة في‬ ‫((( قد كان نور نائ ًبا عن حزب الوفد في برملان ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪2012‬م بعدما أصدر حك���م بالعفو عنه قبل أن‬ ‫((( منذ الع���ام ‪2005‬م وحتى اآلن ل���م يتوقف النزاع داخل‬
‫حزب الغد‪ ،‬فف���ي ‪2005‬م صدر حكم قضائي ضد أمين‬
‫يحذف اس���مه من قائمة المرش���حين من قبل‬ ‫نور بس���جنه ‪ 5‬س���نوات لتزويره طلبات عضوية للحزب‪،‬‬
‫مرشحا‬ ‫اللجنة العليا النتخابات الرئاسة مع ‪12‬‬ ‫ومت إغالق جريدة احلزب وحينها كثرت االس���تقاالت من‬
‫ً‬ ‫احلزب‪ ،‬لعل أهمها اس���تقالة األمين���ة العامة منى مكرم‬
‫آخرين‪.‬‬ ‫عبيد والتي ستعود للوفد الحقًا‪ ،‬وحصل انشقاق قادة في‬
‫احلزب مثل موسى مصطفى موسى أحد مؤسسي احلزب؛‬
‫وبالتال���ي يظل حزب الغد ج���ز ًءا من الحالة‬ ‫خاصا به يدخل به االنتخابات البرملانية في‬ ‫ليقود حتالفًا‬
‫ًّ‬
‫الليبرالية المصرية‪ ،‬ولكن حال تاريخ الخالفات‬ ‫رئيس���ا شرع ًّيا حلزب الغد في ‪2007‬م‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬وليصبح‬
‫بينما نور في س���جنه ثم يبطل حكم آخر ش���رعية رئاسة‬
‫الحاف���ل داخل الح���زب دون اضطالعه بتأثير‬ ‫موس���ى للحزب‪ ،‬ويبقى احلزب ب�ل�ا رئيس حتى ‪2010‬م‪،‬‬
‫مميز على الحالة الليبرالية‪ ،‬ولتجعل تلك الحالة‬ ‫رئيس���ا له بعدما خرج من الس���جن ألسباب‬ ‫ً‬ ‫لينتخب نور‬
‫صحية في ‪2009‬م وليظل التش���رذم هو حال احلزب إلى‬
‫الحزب ثاو ًيا خلف شخصية مؤسسه أيمن نور‪،‬‬ ‫الوقت الراهن‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫مؤسس الحزب‪.‬‬
‫(((‬
‫والذي يتبدى تأثي���ره على الحالة الليبرالية في‬
‫‪ -‬وافق الحزب مبدئ ًّي���ا على وثيقة المبادئ‬ ‫المستوى الممارسي‪/‬السياسي عنه في مستوى‬
‫الدس���تورية‪ /‬الس���لمي‪ ،‬ولكنه طالب بعد كثرة‬ ‫التنظير الفكري لليبرالية كفلسفة‪.‬‬
‫الجدل حولها تعديل المواد الخاصة بالمؤسسة‬
‫‪ -4‬ح���زب المصريون األح���رار‪ :‬ليبرالي���ة بنكهة‬
‫العسكرية فيها‪.‬‬
‫طائفية‪..‬‬
‫‪ -‬أسس الحزب في أغسطس ‪2011‬م تحالفًا‬
‫تأس���س حزب المصريين األح���رار على يد‬
‫انتخاب ًّيا تحت مس���مى «الكتل���ة المصرية» ضم‬
‫قطب االتصاالت المصري «نجيب س���اويرس»‬
‫‪ 14‬حز ًبا ليبرال ًّيا ويسار ًّيا ضمت مع المصريين‬
‫نموذج���ا على‬
‫ً‬ ‫((( ف���ي أبري���ل ‪ 2011‬ليمث���ل‬
‫األح���رار (الجمعية الوطني���ة للتغيير – حزب‬
‫الح���زب المنطلق من األيديولوجي���ة الليبرالية‬
‫الجبهة الديمقراطي���ة ‪ -‬حزب مصر الحرية –‬
‫الصارمة بش���كل يجعل���ه األكث���ر ليبرالية في‬
‫حزب التجمع – حزب التحرير المصري ((()‪.‬‬
‫الخريطة الحزبية لمصر ما بعد الثورة‪ ،‬وتتبدى‬
‫دب الش���قاق في‬‫ولكن ف���ي أكتوبر ‪2011‬م َّ‬
‫المنطلق���ات الليبرالية جلية في برنامج الحزب‬
‫التحالف نتيجة االختالف حول نسب التمثيل في‬
‫فف���ي المس���توى االقتصادي يدع���و إلى «دعم‬
‫القوائم االنتخابية لتتسلس���ل عملية االنسحاب‬
‫اقتصاد السوق لتحقيق االزدهار»‪ ،‬وفي المنحى‬
‫حتى يتبق���ى ثالث أحزاب فق���ط (المصريون‬
‫السياسي يحدد موقفه بصراحة داع ًما «الفصل‬
‫األحرار – حزب التجمع – الحزب الديمقراطي‬
‫بين ش���ئون الدين والدولة في دولة مدنية غير‬
‫االجتماعي)‪.‬‬
‫دينية»‪ ،‬وكذلك يلح على «تأكيد المساواة التامة‬
‫‪ -‬نافس���ت الكتلة بقوة في سباق االنتخابات‬
‫بين جميع المواطنين بغض النظر عن االختالف‬
‫البرلمانية األولى بعد الثورة لتحصد ‪ 43‬مقع ًدا‬
‫في الدين والجنس»‪ ،‬وكذلك يدعم «حرية الفكر‬
‫بنس���بة ‪ %6.8‬م���ن جملة المقاع���د المنتخبة‬
‫والتعبير والضمير»‪.‬‬
‫‪ 16‬مقع��� ًدا للمصريي���ن األح���رار و‪ 15‬للحزب‬
‫ورغم حداثة إنش���اء الح���زب إال أن الدعم‬
‫الديمقراط���ي االجتماعي و‪ 3‬لح���زب التجمع‪.‬‬
‫الم���ادي القوي الذي وفَّره له المؤس���س نجيب‬
‫وكذلك حصلت الكتلة على ‪ 8‬مقاعد في مجلس‬
‫س���اويرس صاحب النف���وذ الق���وي اقتصاد ًّيا‬
‫الشورى أي بنس���بة ‪ % 4 .4‬من جملة المقاعد‬
‫مهما في خريطة‬ ‫وإعالم ًّيا جعل الح���زب رق ًما ًّ‬
‫المنتخبة‪.‬‬
‫التفاعالت السياسية في ما بعد الثورة‪:‬‬
‫‪ -‬في م���ارس ‪2012‬م انس���حب الحزب من‬
‫‪ -‬حشد الحزب لرفض التعديالت الدستورية‬
‫اللجنة التأسيس���ية لصياغة الدستور‪ ،‬وشارك‬
‫في مارس ‪2011‬م حش ًدا كبي ًرا استثمر فيه اآللة‬
‫((( س���اهم هذا احلش���د على خلق حالة من االس���تقطاب‬ ‫اإلعالمية الضخمة الت���ي يملكها‪ /‬يتحكم فيها‬
‫الديني مع التيارات اإلس�ل�امية‪ ،‬وعزز منه كون ساويرس‬
‫قبط ًّيا‪ ،‬وله مناوش���ات كثيرة مع التيار اإلسالمي ببعض‬
‫التصريحات املثيرة للجدل‪.‬‬ ‫((( أسس���ه وهو عضو مكتبه السياس���ي بينما يرأس احلزب‬
‫((( وهو حزب صوفي يثي���ر انضمامه للتحالف كثير جدل‪،‬‬ ‫أحمد سعيد‪ ،‬ومن األعضاء البارزين فيه محمد أبو حامد‬
‫ويبدي مفارقة؛ حيث توجد حتالفات انتخابية إس�ل�امية‬ ‫(قبل فصله) وهاني س���راي الدين وباس���ل عادل ويحيى‬
‫أخرى كان الطبيعي أن ينضم إليها‪.‬‬ ‫الغزالي حرب ومحمد سلماوي‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪68‬‬
‫‪ -‬ليبرالية الحزب يع ّكر صفوها البعد الطائفي‬ ‫في الطعن القانوني عليها‪.‬‬
‫للحزب‪ ،‬ومن ثَم أمام الحزب تحدي التخلص من‬ ‫‪ -‬أي���د الحزب « الفريق أحمد ش���فيق» في‬
‫تلكم السمة‪ ،‬وفي هذا السبيل عمد الحزب إلى‬ ‫انتخابات الرئاسة‪ ،‬في مواجهة «الدكتور محمد‬
‫اجتذاب ش���خصيات له حضور إسالمي لتكون‬ ‫مرسي»‪.‬‬
‫(((‬
‫أعضاء فاعلة فيه‪.‬‬ ‫وبالتال���ي يمك���ن اعتبار ح���زب المصريين‬
‫‪ -‬صعوبة صياغة الحزب لخطاب سياس���ي‬ ‫األحرار الحزب الليبرالي األهم في بيئة ما بعد‬
‫يت�ل�اءم مع المزاج اإلس�ل�امي لش���رائح كبرى‬ ‫الثورة متجاوزًا حزب الوفد وغيره من األحزاب‬
‫في المجتمع وفي نف���س الوقت يخدم المنطلق‬ ‫الليبرالية؛ نظ��� ًرا للنجاح االنتخابي الذي حقَّقه‬
‫الليبرالي له‪.‬‬ ‫مستثم ًرا الدعم االقتصادي الذي يوفّره له رجل‬
‫‪ -‬صعوبة اجتم���اع األح���زاب الليبرالية‬ ‫األعمال المؤسس «نجيب س���اويرس»‪ ،‬وكذلك‬
‫وتوافقها على إطار ممارس���ي واحد وهدف‬ ‫اآللة اإلعالمية التي يملكها ‪ /‬يؤثر عليها الرجل‪.‬‬
‫وحيد‪.‬‬ ‫وبالرغم م���ن انطالق الح���زب الصريح من‬
‫األيديولوجية الليبرالي���ة‪ ،‬إال أنه يبدي حصافة‬
‫‪ -5‬حزب مصر الحرية‪ :‬قيد التأسيس‪:‬‬
‫سياسية بتجنبه التعرض للمبادئ اإلسالمية التي‬
‫تم تأس���يس الحزب في مايو ‪2011‬م على يد‬ ‫تمثل اإلطار الحاكم للفضاء الثقافي المصري‪،‬‬
‫الدكتور عمرو حمزاوي بعدما اس���تقال األخير‬ ‫وفي هذا الس���ياق لم يثر الحزب كثير اعتراض‬
‫من الحزب «المصري االجتماعي الديمقراطي»‪،‬‬ ‫على المادة الثانية من الدستور خالل تفاعالته‬
‫وتتجلى ليبرالية الحزب في المنحى السياسي؛‬ ‫السياسية منذ التأسيس‪ ،‬بل على العكس كانت‬
‫إذ يؤك���د على «ضمان حق���وق المواطنة لجميع‬ ‫الفتات���ه الدعائية يكتب عليه���ا أن الحزب مع‬
‫المصرين بمس���اواة تامة‪ ،‬ومن دون تمييز على‬ ‫المادة الثانية من الدستور‪.‬‬
‫أس���اس االنتماء الدين���ي أو الجنس أو الخلفية‬ ‫وق���د يمثل الحزب نواة تتجم���ع حولها باقي‬
‫االجتماعي���ة»‪ ،‬وكذلك يدع���و « لفرض معايير‬ ‫األحزاب الليبرالية لتش���كيل تكتل ليبرالي قوي‬
‫وخصوصا تل���ك الموجودة في‬ ‫ً‬ ‫حقوق اإلنس���ان‬ ‫يثري الحالة الليبرالية المصرية فيما بعد الثورة‪،‬‬
‫المعاه���دات الدولية التي وقّع���ت عليها مصر‪،‬‬ ‫ولكن ثمة معوقات أمام هذا الدور المنتظر‪:‬‬
‫أما في المس���توى االقتصادي فنراه يؤكد على‬ ‫‪ -‬ش���خصية المؤس���س «نجيب س���اويرس»‬
‫«دعم اقتصاد السوق»‪ ،‬ولكن «جن ًبا إلى جنب مع‬ ‫ال أم���ام نفوذ الحزب المجتمعي‬ ‫تجعل منه حائ ً‬
‫االلتزام بالعدالة االجتماعية»‪.‬‬ ‫بين ش���رائح األغلبية المس���لمة؛ نظ ًرا لمواقفه‬
‫وه���ذه التركيب���ة تس��� ّوغ َو ْس���م البرنامج‬ ‫الكثي���رة المثيرة للجدل‪ ،‬والتي تثير التناوش مع‬
‫االقتصادي للح���زب بـ«الليبرالية المائعة» التي‬ ‫القوى اإلسالمية والمجتمع المسلم عامة‪ ،‬ومن‬
‫ال تؤس���س القتصاد س���وق مطلق‪ ،‬وقد أسلفنا‬ ‫ثَم على قدر ما يبتعد س���اويرس عن الحزب –‬
‫ك���ون تلك «الالزمة» قد أصاب���ت ج ّل األحزاب‬ ‫ول���و ظاهر ًّيا – على قدر ما تزداد قدرة الحزب‬
‫((( مثاله‪ :‬النائب ع���ن احلزب بالبرملان (قبل فصله) محمد‬ ‫االختراقية لشرائح المجتمع‪.‬‬
‫أبو حامد؛ إذ كان معدو ًدا في صف الدعاة اجلدد‪..‬‬
‫‪69‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫فرحات ود‪ .‬محمد غنيم‪ .‬ورجل األعمال مكرم‬ ‫الليبرالي���ة‪ ،‬وأن الوض���ع االقتص���ادي لمصر‬
‫(((‬
‫مهنى‪.‬‬ ‫هو س���ببها؛ إذ ال يحتمل الصورة النيوليبرالية‬
‫وعلى المس���توى السياس���ي تظهر ليبرالية‬ ‫الصريحة في االقتصاد‪.‬‬
‫الحزب جلية؛ إذ يدعو إلى «دولة عصرية ومدنية‬ ‫والحزب إلى اآلن قيد التأسيس‪ ،‬ومن َثم فتفاعالته‬
‫وديمقراطية يتس���اوى فيها المواطنون كافة في‬ ‫السياسية شحيحة األثر على الحالة الليبرالية‪:‬‬
‫الحقوق والواجبات»‪ ،‬أما في المنحى االقتصادي‬ ‫‪ -‬انضم الحزب لتحال���ف «الكتلة المصرية»‬
‫فإذا كانت «الزمة « العدال���ة االجتماعية ثاوية‬ ‫عند تأسيس���ها في أغسطس ‪2011‬م‪ ،‬ولكن لم‬
‫في كل برامج األحزاب الليبرالية كهاجس‪ ،‬فإنه‬ ‫يلبث أن انسحب منها في أكتوبر ‪2011‬م؛ بسبب‬
‫ال عن‬‫تتوك���د هنا بل ويضمنها في اس���مه فض ً‬ ‫خالفات مع الح���زب المص���ري الديمقراطي‬
‫برنامجه الذي يدعو فيه بجانب اقتصاد السوق‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ثم انضم لتحالف «الثورة مستمرة»‬
‫إلى «المطالبة بحد أدنى من الدخل المضمون»‬ ‫مع باقي المنسحبين من الكتلة المصرية وبعض‬
‫و«تأمين الرعاية الصحية واإلسكان المالئمين»‪.‬‬ ‫األحزاب الشبابية‪.‬‬
‫أما عن أثر الحزب عل���ى الحالة الليبرالية‪،‬‬ ‫‪ -‬تُخت���زَل قيم���ة الحزب اآلن في ش���خص‬
‫فإنه قد اس���تمد قدرته من خالل تأسيسه مع‬ ‫المؤس���س «الدكتور عمرو حم���زاوي»‪ ،‬والذي‬
‫ح���زب «المصريي���ن األحرار» تحال���ف الكتلة‬ ‫ال في االنتخابات البرلمانية ليفوز‬ ‫ترشح مستق ً‬
‫المصرية‪ ،‬وخاض االنتخابات ليحصل على ‪15‬‬ ‫بمقعد مس���تقل في مجلس الشعب‪ ،‬ومن حينها‬
‫مقع ًدا في مجلس الش���عب‪ ،‬لع���ل أهمهم مقعد‬ ‫تعبر عن‬
‫كل تفاع�ل�ات حم���زاوي السياس���ية ّ‬
‫الدكت���ور عماد جاد العضو المؤس���س‪ ،‬وكذلك‬ ‫ش���خصه أوالً‪ ،‬ثم الحزب من ورائ���ه‪ .‬ومن ثَم‬
‫مقعد األس���تاذ زياد العليمي‪ ،‬ويتحرك الحزب‬ ‫فقيمة الحزب التأثيري���ة على الحالة الليبرالية‬
‫سياس ًّيا في إطار «الكتلة»‪ ،‬ولعل ذلك ما يضمن‬ ‫متوقفة على نج���اح الدكتور حمزاوي في إكمال‬
‫فاعليته السياسية‪ ،‬وعلى قدر استمرار الحزب‬ ‫تأس���يس الحزب‪ ،‬ثم التحرك م���ن خالله؛ أي‬
‫ف���ي هذا التحالف على قدر م���ا تزداد مقدرته‬ ‫بوصفه معب ًرا عن الحزب كمؤس���س ورئيس ال‬
‫التأثيرية في الحالة الليبرالية‪.‬‬ ‫بصفته الشخصية‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬ ‫‪ -6‬الحزب المص���ري الديمقراطي االجتماعي‪:‬‬


‫ثمة مجموعة من األحزاب الليبرالية تشكل‬ ‫توكيد العدالة االجتماعية‪:‬‬
‫مهما في البيئة السياسية المصرية فيما‬ ‫فاع ً‬
‫ال ًّ‬ ‫تأس���س الحزب ف���ي م���ارس ‪2011‬م ونال‬
‫بعد الث���ورة‪ .‬وإن كانت هذه األحزاب تنطلق من‬ ‫االعتراف الرس���مي في يولي���و ‪2011‬م على يد‬
‫األيديولوجية الليبرالية‪ ،‬فإنها لم تس���تطع بلورة‬ ‫نخبة من الليبراليين‪ ،‬لعل أهمهم الدكتور عمرو‬
‫كيان سياس���ي واح���د تنتظم فيه ممارس���اتها‬ ‫حمزاوي (قبل االستقالة وتأسيسه حزب «مصر‬
‫السياسية‪ ،‬وإن كانت هناك محاوالت مهمة في‬ ‫الحري���ة») ود‪ .‬عماد جاد الخبير بمركز األهرام‬
‫للدراسات السياسية واالستراتيجية ود‪ .‬محمد‬
‫((( رئيس غرفة صناعة األدوية‪ ،‬وميلك شركة «جلوبال نابي»‬
‫لتصنيع األدوية‪.‬‬ ‫أبو الغ���ار ود‪ .‬حازم البب�ل�اوي ود‪ .‬محمد نور‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪70‬‬
‫واليس���ارية (الح���زب المص���ري الديمقراطي‬ ‫هذا السبيل كمحاولة «الكتلة المصرية»‪.‬‬
‫االجتماع���ي – المصريون األح���رار – التجمع‬ ‫‪ -‬ال تتم ّثل تلك األحزاب لليبرالية كفلس���فة‬
‫– الناص���ري – الكرام���ة)‪ ،‬وعدد م���ن الرموز‬ ‫يظهر ذلك في التنظير المحتش���م الذي تقدمه‬
‫الليبرالية واليسارية السياسية (نجيب ساويرس‬ ‫لها‪ ،‬ولكن تكتفي بتم ّثل البعد التطبيقي لليبرالية‬
‫– عمرو حمزاوي – حمدين صباحي – س���امح‬ ‫سياس ًّيا واقتصاد ًّيا‪ ،‬ومن ثَم ال تصل األطروحة‬
‫عاش���ور – جورج إسحاق) بتدش���ين ما أسموه‬ ‫الليبرالي���ة للوعي المص���ري كاملة مما يضعف‬
‫معارضا لجماعة‬
‫ً‬ ‫بـ«التي���ار الثالث»‪ ،‬ليكون كيا ًنا‬ ‫مقدرته على بناء تصور عن ماهية تلك األحزاب‪.‬‬
‫اإلخوان المس���لمين‪ ،‬يجمع كل القوى المدنية‪/‬‬ ‫‪ -‬الممارسة السياس���ية لألحزاب الليبرالية‬
‫العلمانية‪ ،‬تخوض الق���وى الليبرالية من خالله‬ ‫يمت���زج فيها البع���د الش���خصي والمصلحي‪/‬‬
‫االنتخابات البرلمانية المقبلة‪ ،‬بعدما خس���رت‬ ‫البرجمات���ي بالبعد األيديولوج���ي مما يضعف‬
‫في أول انتخابات بعد الثورة‪ .‬وتشكلت تحالفات‬ ‫خدمتها لليبرالية كفلسفة‪.‬‬
‫أخرى لنفس الغرض (يسارية في جهة‪ ،‬وليبرالية‬ ‫‪ -‬ال ت���زال األحزاب الليبرالي���ة عاجزة عن‬
‫ف���ي جهة أخرى) ‪ ،‬ومن التكت�ل�ات الليبرالية ‪:‬‬ ‫اختراق المجتمع المصري بمختلف ش���رائحه‬
‫التي���ار المدني الديمقراطي‪ ،‬الذي يضم حوالي‬ ‫اخترا ًقا مؤث ًرا يعينها على بناء أرضية مجتمعية‬
‫‪ 29‬حزباً ليبرالي���اً‪ .‬وكذلك تيار األمة المصرية‬ ‫صلب���ة‪ ،‬يرجع ذل���ك في جزء من���ه إلى طبيعة‬
‫(حزب المؤتمر المص���ري) والذي يضم حوالي‬ ‫الليبرالية نفسها وغربتها على الفضاء الثقافي‬
‫‪ 25‬حركة وحزباً‪ ،‬ويتزعمه‪ :‬عمرو موسى وأيمن‬ ‫العام في المجتمع‪ ،‬وف���ي جزء ثان إلى نخبوية‬
‫نور‪ .‬وس���يتوقف تأثير هذه التحالفات الجديدة‬ ‫األحزاب الليبرالي���ة؛ إذ تحضر إعالم ًّيا بصورة‬
‫في الحال���ة الليبرالية‪ ،‬على م���دى ثباتها أمام‬ ‫كثيفة بينما الحض���ور المجتمعي الواقعي يكاد‬
‫الخالقات البيني���ة‪ ،‬وقدرتها على تكوين قاعدة‬ ‫يكون غير مؤثر‪.‬‬
‫مجتمعية عريضة‪ ،‬حيث إنها تحالفات نخبوية‪،‬‬ ‫‪ -‬بعد فوز «الدكتور محمد مرس���ي» مرشح‬
‫وأسماء هذه األحزاب بالكاد معروفة في المجال‬ ‫جماعة اإلخوان المس���لمين بمنصب الرئاس���ة‬
‫العام!‬ ‫ف���ي ‪2012 /6/ 25‬م قامت األحزاب الليبرالية‬
‫‪71‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫احملور األول‬ ‫املطلب الثالث‬
‫منظمات اجملتمع املدني‪ :‬عائق‬ ‫املؤسسات الليربالية يف اجملتمع‪:‬‬
‫العالقات اخلارجية‬ ‫اجملتمع املدني واإلعالم‬
‫تمهيد‪:‬‬ ‫تمهيد‪:‬‬
‫يُعتبر مصطلح «المجتم���ع المدني» من أكثر‬ ‫تعتبر المؤسسات المجتمعية المكونة للظاهرة‬
‫رواجا في حقل العلوم االجتماعية‬ ‫ً‬ ‫المصطلحات‬ ‫الليبرالي���ة ف���ي تلك���م المرحلة ممي���زًا للحالة‬
‫والعل���وم السياس���ية خاصة‪ ،‬وقد م���ر مفهوم‬ ‫النيوليبرالية المعاصرة عما س���بقها من مراحل؛‬
‫المجتمع المدني برحل���ة تطويرية عبر التاريخ‬ ‫فبينما كانت المرحل���ة األولى والثانية من الحالة‬
‫األوروبي منذ نش���أته وحتى الوقت الراهن (((‪،‬‬ ‫أساس���ا‬
‫ً‬ ‫الليبرالية كانت تتش���كل الظاهرة فيهما‬
‫ّ‬
‫المنظرين له والسياق‬ ‫وتباينت تعريفاته حس���ب‬ ‫من رموز فكرية وأحزاب سياس���ية‪ ،‬بينما لم تكن‬
‫المجتمعي للمراحل التي مر بها المفهوم لتضيق‬ ‫لها مؤسس���ات مجتمعية تس���هم في بلورة الحالة‬
‫الليبرالية‪ ،‬حاش���ا بعض الصحف والتي تكون في‬
‫تعريفاته حينًا ولتتس���ع حينً���ا آخر‪ ،‬وبعي ًدا عن‬
‫الغالب معبرة عن األحزاب السياسية‪.‬‬
‫الج���دل األكاديمي يمكننا أن نح���دد المجتمع‬
‫أم���ا في المرحلة الراهن���ة فاألمر مختلف؛ إذ‬
‫المدني بوصفه «األفراد والهيئات غير الرسمية‬ ‫مهما في تشكيل‬ ‫تمثل المؤسسات المجتمعية دو ًرا ًّ‬
‫بصفته���ا عناصر فاعلة ف���ي معظم المجاالت‬ ‫الظاه���رة النيوليبرالية المعاصرة قد يفوق أثرها‬
‫التربوي���ة واالقتصادي���ة والعائلي���ة والصحية‬ ‫على الحالة الليبرالية تأثير باقي مكونات الظاهرة‬
‫والثقافي���ة والخيرية وغيره���ا‪ ،‬ويعتمد تعريف‬ ‫(الرموز واألحزاب)‪ ،‬وبالخصوص اآللة اإلعالمية‬
‫المجتمع المدني على أربع مقومات أساسية‪:‬‬ ‫والتي جعلت منه���ا حالة االنفتاح الفضائي ‪-‬التي‬
‫‪ -1‬الفعل اإلرادي الحر أو التطوعي‪.‬‬ ‫أتاحتها الس���مات العولمية للحقبة الراهنة‪ -‬أداة‬
‫غاية في التأثير على المجتمع؛ إذ صار من يملك‬
‫‪ -2‬التواجد في شكل منظمات‪.‬‬
‫اآللة اإلعالمية يملك التأثير األقوى على المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬الس���عي للوص���ول إلى الحق���وق وليس‬ ‫وفي هذا المحور نتناول المؤسسات المجتمعية‬
‫الوصول إلى السلطة‪.‬‬ ‫المكون���ة للحالة النيوليبرالي���ة الراهنة‪ ،‬ونقصد‬
‫‪ -4‬قبول التنوع بين الذات واآلخرين‪.‬‬ ‫بتلك المؤسس���ات المجتمعية‪ :‬منظمات المجتمع‬
‫ومن ثَم يمكن صوغ تعريف للمجتمع المدني‬ ‫المدني واآلل���ة اإلعالمية ((((صحف ‪ /‬فضائيات‬
‫كاآلتي‪ :‬مجموعة التنظيم���ات التطوعية الحرة‬ ‫‪ /‬مواقع على الش���بكة العنكبوتية)‪ ،‬ومنهجنا هنا‬
‫التي تمأل المجال العام بين األسرة والدولة (أي‬ ‫وصفي تحليل���ي‪ ،‬يعرض أهم تلك المؤسس���ات‪،‬‬
‫بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي ال‬ ‫ويس���عى لصياغة إطار تحليلي ينتظم ممارسات‬
‫مجال لالختيار في عضويتها)‪ ،‬هذه المنظمات‬ ‫تل���ك المكونات وأثرها على الظاه���رة الليبرالية‬
‫التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها‬ ‫في تلكم المرحلة‪ ،‬وحس���ب المنهج الذي نشتغل‬
‫أو لتقدي���م خدم���ات للمواطنين أو لممارس���ة‬ ‫به في الدراسة سيكون معيار نسبة تلكم المكونات‬
‫لليبرالية هو نسبة ‪ /‬انتسابها لليبرالية دون اختبار‬
‫أنش���طة إنس���انية متنوعة‪ ،‬وتلتزم في وجودها‬
‫مدى تمثلها لمبادئها‪.‬‬
‫((( ملعرف���ة املزيد عن املجتمع املدن���ي وتطوراته في البيئة‬
‫العربية‪ ،‬راجع‪ :‬أحمد شكري الصبيحي‪ ،‬مستقبل املجتمع‬ ‫((( ميكن إدراج املؤسس���ات اإلعالمية ف���ي إطار «املجتمع‬
‫املدني في الوطن العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬ ‫املدني»‪ ،‬والفصل هنا إجرائي بغرض التحليل‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪72‬‬
‫لتنمي���ة المجتم���ع المدني في مص���ر (كحالة‬ ‫ونش���اطها ِبق َيم ومعايير االحت���رام والتراضي‬
‫دراس���ية)‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال‪ :‬التمويل المادي‪/‬‬ ‫والتسامح والمش���اركة واإلدارة السلمية للتنوع‬
‫المعنوي للمنظمات المصرية‪ ،‬وكذا بفتح مكاتب‬
‫(((‬
‫واالختالف»‪.‬‬
‫لمؤسساتها الخاصة في هذا المجال‪.‬‬ ‫وعلي���ه يمك���ن إدراج مجموعة واس���عة من‬
‫وف���ي ه���ذا المحور نتن���اول ثالث���ة نماذج‬ ‫المؤسس���ات المجتمعي���ة داخ���ل م���ا يعرف‬
‫لكيانات المجتمع المدني الليبرالية‪ :‬المنظمات‬ ‫بـ«المجتمع المدني» مثل (النقابات – االتحادات‬
‫المصري���ة‪ ،‬والمنظمات الحقوقي���ة‪ ،‬ومنظمات‬ ‫المهني���ة – الجمعيات الخيري���ة ‪ -‬مجموعات‬
‫دعم الديمقراطية‪.‬‬ ‫حقوق اإلنس���ان – مراكز الفك���ر – الحركات‬
‫االجتماعية – منظمات المجتمع المحلي)‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬منظم���ات ليبرالي���ة عربي���ة‪ :‬مح���اوالت‬
‫خجولة‪..‬‬ ‫وم���ا يعنينا في هذا الس���ياق ه���و منظمات‬
‫المجتمع المدن���ي التي تنطلق من األيديولوجية‬
‫‪ -1‬جمعي���ة الن���داء الجدي���د‪ :‬م���ن التنظي���ر إل���ى‬ ‫الليبرالي���ة وتس���هم بفاعليته���ا المجتمعي���ة‪/‬‬
‫الممارسة‪:‬‬ ‫السياس���ية في إثراء الحالة الليبرالية المصرية‬
‫أس���س الدكتور س���عيد النج���ار في مارس‬ ‫الراهن���ة‪ ،‬والمالحظ أن حضور التيار الليبرالي‬
‫‪1991‬م جمعية الن���داء الجديد ‪(the new civic‬‬ ‫ف���ي إط���ار المجتم���ع المدني يتمح���ور في‬
‫)‪ forum‬ف���ي محاول���ة منه لترجم���ة النظرية‬ ‫الجانب السياس���ي‪ /‬الحقوقي منه في الجانب‬
‫الليبرالية لواقع ممارس���ي‪ ،‬وس���عى من خاللها‬ ‫المجتمعي‪/‬الخدمي‪ ،‬ومن ثَ���م نراها بارزة في‬
‫إلرساء بنية الليبرالية الجديدة في مصر‪ ،‬وذلك‬ ‫المنظم���ات غي���ر الحكومية‪ ،‬بينم���ا تغيب عن‬
‫عن طريق نشر مبادئ الفكر الليبرالي؛ أم ً‬
‫ال في‬ ‫الجمعيات األهلية المصرية‪ ،‬ولعل هذا الحضور‬
‫أن يس���هم ذلك في االنتقال بمصر نحو النسق‬
‫متساوق مع الطبيعة الممارسية للتيار الليبرالي‬
‫الليبرالي الجديد (النيوليبرالزم) في السياس���ة‬
‫المصري المتركزة في الجانب السياسي منه في‬
‫واالقتصاد مستخد ًما آلية المجتمع المدني‪.‬‬
‫الجانب المجتمعي‪ /‬الخدمي‪ ،‬وكذلك يبدو هذا‬
‫وعند تأس���يس الجمعية انضم لها عدد من‬
‫أيضا متس���او ًقا مع توجهات السياسة‬ ‫الحضور ً‬
‫الرم���وز الليبرالية‪ ،‬مثل الدكتور حازم الببالوي‪،‬‬
‫العالمي���ة (الواليات المتح���دة األميركية) التي‬
‫الدكتورة منى مكرم عبيد‪ ،‬وكذلك ش���ارك في‬
‫ترى ف���ي منظمات المجتم���ع المدني أداة من‬
‫الجمعية عدد من رجال األعمال الرأس���ماليين‬
‫والذين تركوا الجمعية الحقًا بسبب ضغوط من‬ ‫أدوات «الق���وة الناعمة»؛ حي���ث يتم من خاللها‬
‫نظام مبارك‪.‬‬ ‫نش���ر قيم الديمقراطي���ة والليبرالية والحقوق‬
‫وقد كانت الجمعية تُم��� َّول من ِق َبل «البرنامج‬ ‫العالمية؛ مما يجعل منها وسيلة فاعلة في عملية‬
‫اإلنمائي لألمم المتح���دة )‪ (UNDP‬والذي كان‬ ‫التح���ول الديمقراطي في البيئات الديكتاتورية‪،‬‬
‫يمنح الجمعية ‪ 700‬ألف دوالر سنو ًّيا‪ ،‬كانت ّ‬
‫تغطي‬ ‫ومن ثَم تُولي الوالي���ات المتحدة اهتما ًما عال ًيا‬
‫أنشطة الجمعية الثقافية والدعوية من أجل نشر‬
‫((( محمد العجاتي‪ ،‬عن املجتمع املدني واملجال العام‪ ،‬احلالة‬
‫املصرية‪ ،‬منتدى البدائل العربي للدراسات أكتوبر ‪2010‬م‬
‫ص‪ 6‬وص‪.7‬‬
‫‪73‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫قيمه الليبرالية والتي تتمثل في (الحرية الفردية‬ ‫الفكر الليبرالي في مصر»‪.‬‬
‫(((‬

‫– حرية الس����وق – دولة الحد األدنى أي الدولة‬ ‫وكان���ت الجمعية تعقد الن���دوات وتلقى فيها‬
‫الحارس التي ال تتدخل في المجتمع إال لضرورة‬ ‫المحاضرات‪ ،‬وتنش���ر الكتب واألوراق للتنظير‬
‫ملحة)‪ ،‬ومن ثَم فاالتحاد يتمثل المبادئ الليبرالية‬ ‫(((‬
‫لليبرالية ومحاولة تجذيرها في مصر‪.‬‬
‫في صورتها الكالسيكية األم‪.‬‬ ‫أم���ا عن أثر الجمعية ف���ي الحالة الليبرالية‬
‫وكباقي منظمات المجتمع المدني المصرية‬ ‫المصرية فق���د كان محدو ًدا؛ حيث وقف مرض‬
‫يتلقى االتحاد الدعم من المؤسسات الخارجية‬ ‫«النخبوي���ة» المبتلى به معظم مكونات الظاهرة‬
‫وأهمه���ا‪« :‬الوق���ف الوطن���ي للديمقراطي���ة»‬ ‫س���ب ًبا في حرمانها من اختراق شرائح المجتمع‬
‫و«مؤسسة المجتمع المفتوح» و«مؤسسة أطلس‬ ‫المصري‪ ،‬ون���رى أن هذا يرجع ف���ي جزء منه‬
‫لألبحاث االقتصادية»‪.‬‬ ‫إلى عج���ز تلك المكونات على صياغة الخطاب‬
‫ويركز االتحاد على الشباب‪ ،‬ومن ثَم فقوامه‬ ‫الالزم لهذا االخت���راق المجتمعي‪ ،‬ولكن الجزء‬
‫المؤسسي يعتمد على الش���باب الذين يحتلون‬ ‫األهم والذي قد يس���وغ وجود الجزء األول في‬
‫المناص���ب األهم ف���ي االتحاد‪ ،‬وه���م‪ :‬المدير‬ ‫الحقيق���ة هو طبيع���ة الفكر الليبرالي نفس���ه‬
‫التنفيذي لالتحاد ه���و «محمد فاروق»‪ ،‬ومدير‬ ‫المشدود للطبقة الرأس���مالية منذ نشأته وإلى‬
‫البرنامج «عمرو البرجيسي»‪ ،‬والشريك الرئيس‬ ‫الوقت الراه���ن؛ لكونه يتمثل جل ًّي���ا في البعد‬
‫« صامويل تادرس»‪.‬‬ ‫االقتصادي أكثر منه في السياس���ي والثقافي‪/‬‬
‫يقدم االتحاد برام���ج في القانون واالقتصاد‬ ‫الفلس���في‪ ،‬وذلك بوصفه نظام���اً يدعو لحرية‬
‫واالجتماع‪ ،‬تهدف إلى تأصيل المبادئ الليبرالية‬ ‫التملك مما ش ّكل منه أيديولوجية لتلكم الطبقة‬
‫وتجذيرها في المجتمع المصري‪ ،‬وهذا ما يمثل‬ ‫وحدها‪ ،‬بينما باقي ش���رائح المجتمع تحت نير‬
‫دوره وأث���ره في الحال���ة الليبرالية‪ ،‬أي التنظير‬ ‫الفقر تستغيث !‬
‫الليبرال���ي وتقدي���م الفكر الليبرال���ي للفضاء‬ ‫لهذا الس���بب يعج���ز الخط���اب الليبرالي‬
‫الثقافي المصري‪.‬‬ ‫(النيوليبرال���ي خاص���ة) عن الوص���ول لوعي‬
‫ويحول دون اضطالع االتحاد بتأثير قوي على‬ ‫المجتمع مما يحبس دعاته خلف سياج النخبوية‪.‬‬
‫الحالة الليبرالية شيئان‪:‬‬
‫‪« -‬النخبوية»؛ حيث إن تفاعالت االتحاد كلها‬ ‫‪ -2‬اتحاد الشباب الليبرالي المصري‪:‬‬
‫تدور في إطار نخبوي بعيد عن الشرائح الكبرى‬ ‫االستغراق في التنظير‪:‬‬
‫من المجتمع‪.‬‬ ‫تأس����س االتحاد في الع����ام ‪2007‬م كمنظمة‬
‫‪ -‬االرتباط بالخارج من حيث الدعم والتمويل‬ ‫مجتمع مدني تستهدف نشر المبادئ الليبرالية في‬
‫والذي بدوره يصنع حاجزًا أمام تواصل المجتمع‬ ‫المجتمع‪ ،‬ثم االنطالق منها نحو عملية اإلصالح‬
‫مع االتحاد‪.‬‬ ‫الشامل سياس���� ًّيا واقتصاد ًّيا‪ .‬ويعلن االتحاد عن‬

‫‪ -3‬اتح���اد المحامي���ن الليبراليين‪ :‬االنطالق من‬ ‫((( مجدي خليل‪ ،‬الليبرالية العربية اجلديدة ‪ :‬خلفية عامة‪،‬‬
‫احلوار املتمدن العدد ‪2006/5/7 ،1543‬م‪.‬‬
‫المهنة‪:‬‬ ‫((( منها محاضرة الليبرالية اجلديدة ومس���تقبل التنمية في‬
‫في العام ‪2006‬م تشكل هذا االتحاد من داخل‬ ‫مصر لسعيد النجار‪ ،‬وكذا الليبرالية والدميقراطية حلازم‬
‫الببالوي‪ ،‬وقد نشرتهم اجلمعية‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪74‬‬
‫وبدأت عملها رسم ًّيا في القاهرة في ‪2008‬م‪.‬‬ ‫نقابة المحامين؛ حيث قام بتأسيسه ‪ 18‬محام ًيا‬
‫وعمو ًم���ا تهدف الش���بكة تعزي���ز الليبرالية‬ ‫((( به���دف نش���ر الفكر الليبرالي في أوس���اط‬
‫والديمقراطي���ة ف���ي العال���م العرب���ي وتقوية‬ ‫المحامين‪ ،‬ومنهم لباقي المجتمع خاصة مبادئ‬
‫الرواب���ط بين األحزاب والمنظم���ات الليبرالية‬ ‫المواطنة وحرية المعتقد‪.‬‬
‫العربية‪ ،‬وتس���عى لنش���ر المب���ادئ الليبرالية‬ ‫وتغل���ب الممارس���ة المهنية عل���ى االتحاد؛‬
‫كالحرية والتعددية والتسامح‪ ،‬هذا عن الجانب‬ ‫حي���ث يتركز عمله داخل النقابة مقد ًما لمجتمع‬
‫االجتماعي‪ ،‬أم���ا على المس���توى االقتصادي‬ ‫المحامين بعض الخدمات‪ ،‬ومعها يس���عى لنشر‬
‫فتدعو القتصاد السوق وإدراج اقتصادات الدول‬ ‫الفكر الليبرالي؛ ع���ن طريق عقد الدورات في‬
‫العربية في االقتصاد النيوليبرالي العالمي‪ ،‬أما‬ ‫قضايا الحريات وحقوق اإلنسان‪ ،‬كما أن االتحاد‬
‫في المنحى السياسي فبدورها تدعو إلى فصل‬ ‫يغلب عليه الطابع الممارسي دون الفكري؛ حيث‬
‫الدين عن شئون الدولة‪.‬‬ ‫يضطلع االتحاد بالدفاع عن القضايا التي يكون‬
‫وتسعى الش���بكة لتحقيق أهدافها من خالل‬ ‫طرفها ليبرال ًّيا‪ ،‬فعلى سبيل المثال تولى االتحاد‬
‫الكثير من األنش���طة كعق���د المؤتمرات وورش‬ ‫الدفاع عن الدكتور س���عد الدي���ن إبراهيم في‬
‫العمل والدورات التدريبية ألعضاء الشبكة‪.‬‬ ‫قضيته المشهورة التي ا ُّتهِ َم فيها بالتجسس‪.‬‬
‫والشبكة مرتبطة بمنظمة «الليبرالية العالمية‬ ‫وكالعادة يتواص���ل االتحاد مع منظمات دعم‬
‫في لن���دن» (س���يأتي الحديث عنه���ا) وكذلك‬ ‫الديمقراطي���ة الخارجية كمؤسس���ة فريدريش‬
‫مؤسسة فريدريش ناومان األلمانية‪.‬‬ ‫ناومان األلمانية (سيأتي الحديث عنها)‪ ،‬وذلك‬
‫وعن أثر الشبكة في الحالة الليبرالية فيبدو‬ ‫بعقد الندوات التي تهدف لنشر الفكر الليبرالي‪.‬‬
‫أنه يظهر في كونها تمثل محاولة لالتحاد والسعي‬ ‫وبالتالي فأثر االتحاد عل���ى الحالة الليبرالية‬
‫للملمة الصف الليبرالي في العالم العربي‪ ،‬ولكن‬ ‫يظهر في جانب الممارس���ة أكث���ر منه في جانب‬
‫إلى اآلن لم تس���تطع الش���بكة االضطالع بدور‬ ‫التنظير الفكري لليبرالية‪ ،‬وكذلك أثره مر ّكز على‬
‫مؤثر وفعال في هذا الس���ياق إلى اآلن‪ ،‬ويمكن‬ ‫مجتمعه المهني في المقام األول‪.‬‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫وص���ف حضورها بكون���ه «باهتً���ا»‬
‫‪ -4‬شبكة الليبراليين العرب‪ :‬محاولة لالتحاد‪:‬‬
‫من بعد الثورات العربية؛ إذ اتس���عت الخريطة‬
‫السياس���ية‪ ،‬وتعددت األحزاب الليبرالية‪ ،‬ومن‬ ‫وهي منظمة تضم األحزاب الليبرالية العربية‬
‫ال حقيق ًّيا لكل الكيانات‬‫ثَم لم تعد الش���بكة ممث ً‬ ‫م���ن األردن والمغرب وتونس ولبن���ان ومصر‪،‬‬
‫الليبرالية‪.‬‬ ‫وبالنسبة لمصر (حالة الدراسة) فيمثل عضوية‬
‫ويعي���ق من عمل الش���بكة س���يولة الظاهرة‬ ‫الشبكة حزب الغد وحزب الجبهة الديمقراطية‪،‬‬
‫الليبرالي���ة عمو ًما‪ ،‬وتش��� ّكلها بمقتضى البيئات‬ ‫وكذلك يرأس مجلسها التنفيذي وائل نوارة من‬
‫المختلف���ة الت���ي توجد فيها‪ ،‬وم���ن ثَم يصعب‬ ‫حزب الغد‪ ،‬وكذلك تضم النش���طاء الليبراليين‬
‫بلورة كيان ممارس���ي واحد تنتظم فيه الظاهرة‬ ‫من الوطن العربي‪ ،‬وقد أنشئت في العام ‪2006‬م‪،‬‬
‫الليبرالية‪ ،‬ولعل األثر المتواضع للشبكة في هذا‬ ‫((( أهمهم شادي طلعت‪ ،‬أحمد عاشور‪ ،‬سعيد عامر‪ ،‬محمد‬
‫طلعت‪ ،‬حمادة املغربي‪ ،‬سعد حسن وإسالم صبحي‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫ثال ًث���ا‪ :‬منظمات دع���م الديمقراطي���ة‪ :‬االرتباط‬ ‫الس���ياق دليل قوي على صح���ة تلكم الفرضية‬
‫بالخارج‪:‬‬
‫التي س���عينا الختبارها في الدراسة‪ ،‬وهي كون‬
‫أس���لفنا القول ب���أن الوالي���ات المتحدة في‬ ‫الظاهرة الليبرالية تتسم بقدر كبير من السيولة‬
‫س���بيل تفعيل «قواها الناعمة» في العالم عملت‬ ‫في مستوى الفكر والممارسة‪.‬‬
‫على دعم المنظمات التي تس���عى في نشر قيم‬
‫الليبرالية والديمقراطية‪ ،‬وفي الحالة المصرية‬ ‫ثان ًيا‪ :‬المنظمات الحقوقية‪ :‬قوة ضاغطة‪:‬‬
‫ثمة عدد ال بأس به من تلكم المنظمات‪ ،‬ويسوغ‬ ‫وهي منظمات تسعى إلى نشر قيم الليبرالية‬
‫لن���ا إدراجها في مكونات الظاهرة الليبرالية؛ إذ‬ ‫والديمقراطية وحقوق اإلنسان العالمية‪ ،‬تسعى‬
‫إنها مكون نش���ط وفعال يثري الحالة الليبرالية‬ ‫لرصد انتهاكات حقوق اإلنسان في مصر والعالم‬
‫المصرية؛ حيث تقوم تل���ك المنظمات بتنظيم‬ ‫العربي‪ ،‬وتصدر تقارير دورية ترصد فيها مجمل‬
‫الن���دوات‪ ،‬وتعطي ال���دورات في س���بيل إثراء‬ ‫الحالة الحقوقي���ة العربية‪ ،‬وك���ذا تتابع وتعلق‬
‫على كل حاالت انتهاك حقوق اإلنس���ان‪ ،‬وتعقد‬
‫ثقاف���ة الديمقراطي���ة في الفضاء السياس���ي‬
‫الندوات والمحاضرات وتنش���ر كت ًب���ا تثقيفية‬
‫المصري‪ ،‬وتق���وم بمراقبة العمليات االنتخابية‪،‬‬
‫توعي بالمسألة الحقوقية‪.‬‬
‫وتصدر تقاريرها في ش���أن مس���توى نزاهتها‬
‫وتمث���ل تلك المنظم���ات ق���وة ضغط على‬
‫وش���فافيتها‪ ،‬وكذلك تنش���ر الكتب التي تسهم‬
‫األنظمة الحاكمة ف���ي البيئات الدكتاتورية؛ عن‬
‫ف���ي تقديم الليبرالية للفض���اء المصري‪ ،‬ولعل‬
‫طريق رصدها ألية تجاوزات تحدث‪ ،‬ونش���رها‬
‫من أبرز اإلس���هامات في هذا السياق مجموعة‬
‫إعالم ًّيا مما يعطي زخ ًما للقضايا الحقوقية في‬
‫الكتب التي أصدرتها مؤسسة فريدريش ناومان‬ ‫المجتمع‪.‬‬
‫األلمانية التي تحاول التأريخ للفكر الليبرالي في‬ ‫ويمتد عمل تلك المنظمات من مصر ليغطي‬
‫مصر‪ ،‬وكذا دعم ثقافة الديمقراطية والمجتمع‬ ‫العالم العربي‪ ،‬وتسعى للتواصل فيما بينها بغرض‬
‫المدني في البيئة المصرية‪ ،‬ومن هذه الكتب (((‪:‬‬ ‫تعزيز عملها‪ ،‬وفيما يلي أسماء أهم تلك المنظمات‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنا ليه ليبرالي‪:‬‬ ‫‪ -1‬مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وهو عبارة عن ‪ 20‬مقالة قدمها بعض الشباب‬ ‫‪ -2‬المنظمة المصرية لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫المنتس���ب لليبرالية‪ ،‬كتبوها في مسابقة رعتها‬ ‫‪ -3‬المركز المصري لحقوق المرأة‪.‬‬
‫المؤسسة في عام ‪2009‬م‪ ،‬تناولت تلك المقاالت‬ ‫‪ -4‬مركز النديم لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫محاوالت لتعريف الليبرالي���ة‪ ،‬وتجارب خاصة‬ ‫‪ -5‬جمعي���ة المس���اعدة القانوني���ة لحقوق‬
‫(((‬
‫لهؤالء الشباب مع الليبرالية‪.‬‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫ب‪ -‬الليبرالية في تاريخ الفكر العربي‪:‬‬ ‫‪ -6‬مركز األرض لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وهو كتاب يس���عى لمحاول���ة التأريخ للفكر‬ ‫‪ -7‬جمعية المرصد المدني لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -8‬تجم���ع المنظم���ات المصري���ة لحقوق‬
‫((( ص���درت هذه املجموعة عن مركز احملروس���ة للنش���ر‬
‫واخلدمات الصحفية‪.‬‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫((( منهم ‪ :‬أحمد س���يد حس�ي�ن‪ ،‬أمير معدي‪ ،‬محمد زكي‪،‬‬ ‫‪ -9‬المؤسس���ة المصري���ة للتدريب وحقوق‬
‫إجني عباس‪ ،‬محمد سعد‪ ،‬بالل عبد الله‪ ،‬محمد مجدي‪،‬‬
‫معتز محمد‪ ،‬إسماعيل النجار‪.‬‬ ‫اإلنسان‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪76‬‬
‫الرم���وز الليبرالي���ة في العال���م العربي‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫الليبرالي في البيئة المصرية؛ عن طريق عرض‬
‫أسامة الغزالي حرب‪ ،‬وائل نوارة‪ ،‬كميل شمعون‪،‬‬ ‫‪ 16‬مقاالً ألسماء ليبرالية ‪ /‬تُنسب لليبرالية في‬
‫وحازم القواسمي‪.‬‬ ‫التاريخ المص���ري‪ ،‬يتحدثون فيها عن الليبرالية‬
‫ص‪ -‬أزمة الليبرالية العربية‪ :‬نموذج مصر‪:‬‬ ‫الفكري���ة والسياس���ية واالقتصادي���ة منه���م‪:‬‬
‫وهي دراس���ة للدكتورة هالة مصطفى رئيس���ة‬ ‫لطفي السيد‪ ،‬طه حس���ين‪ ،‬قاسم أمين‪ ،‬رفاعة‬
‫تحرير مجل���ة الديمقراطية بمؤسس���ة األهرام‪،‬‬ ‫الطهطاوي‪ ،‬عبد الرحم���ن الكواكبي‪ ،‬علي عبد‬
‫ص���درت مؤخ ًرا ف���ي ‪2012‬م ف���ي محاولة منها‬
‫الرازق‪.‬‬
‫الستش���راف مس���تقبل التيار الليبرالي في مصر‬
‫ج‪ -‬برنامج الليبرالية الدولية‪:‬‬
‫بع���د ثورة ‪ 25‬يناي���ر ‪2011‬م‪ ،‬تناولت فيها جوهر‬
‫وه���و ترجمة لبع���ض الوثائ���ق التي تخص‬
‫الليبرالية ومبادئها‪ ،‬وكذا تعرضت لمفهوم الحرية‬
‫«الليبرالية الدولية»‪ ،‬والتي تأسست في ‪1947‬م‬
‫في الفكر اإلسالمي مبرزة لدور «المعتزلة»((( في‬
‫في لن���دن‪ ،‬وهي عب���ارة عن اتح���اد فيدرالي‬
‫اإلعالء من قيمة الحرية‪ ،‬ثم تكلمت عن الليبرالية‬
‫المصرية معتبرة أن بدايتها كانت بإصدار دستور‬ ‫لألح���زاب السياس���ية الليبرالية م���ن مختلف‬
‫‪1923‬م‪ ،‬ثم تعرضت ألسباب فشل التيار الليبرالي‬ ‫دول العالم‪ ،‬ممن يدعم���ون المبادئ الليبرالية‪،‬‬
‫في مصر مرك���زة على دور الس���لطات الحاكمة‬ ‫ينظم ممارس���تها يسمى «بدستور‬ ‫ولها دس���تور ّ‬
‫ف���ي تهميش ومحاص���رة التي���ار الليبرالي؛ مما‬ ‫الليبرالية الدولية»‪ ،‬ويعرض الكتاب بعض وثائق‬
‫أس���هم بدوره في تفكك التيار الليبرالي نفسه‪ ،‬ثم‬ ‫تلك المنظمة مثل‪ :‬دس���تور الليبرالية الدولية‪،‬‬
‫أكدت الكاتبة على كون التيار الليبرالي لم يستغل‬ ‫بيان أكس���فورد ‪1947‬م‪ ،‬اإلعالن الليبرالي في‬
‫الفرص���ة التي أتاحتها له ث���ورة يناير‪ ،‬وإنما ترك‬ ‫أكس���فورد ‪1967‬م‪ ،‬الن���داء الليبرالي في روما‬
‫الساحة المصرية للتيار اإلسالمي يستأثر بها‪.‬‬ ‫‪1981‬م‪ ،‬وإعالن أكسفورد ‪1997‬م‪.‬‬
‫د‪ -‬الليبرالية والمجتمع المصري (((‪:‬‬
‫ويمك���ن أن ن���درج أس���ماء أه���م تل���ك المنظمات‬
‫وهي دراس���ة تحاول مقاربة أزمة الليبرالية‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫المصري���ة عن طري���ق تناول أس���باب وجذور‬
‫‪ -1‬المعهد الديمقراطي الوطني‪.‬‬
‫(((‬
‫تلك األزمة‪ ،‬وكذلك تس���عى لتنظير الممارس���ة‬
‫(((‬
‫‪ -2‬المعهد الجمهوري الدولي‪.‬‬
‫الليبرالية في المستوى المجتمعي‪ ،‬وهي تسعى‬
‫‪ -3‬منظمة بيت الحرية األميركية‪.‬‬
‫الستشراف المس���تقبل الليبرالي بوضع بعض‬
‫‪ -4‬المركز الدولي األميركي للصحفيين‪.‬‬
‫المقترح���ات التي تدعم تجذي���ر الليبرالية في‬

‫((( يلق���ى املعتزل���ة كثير تقدير من التي���ارات احلداثية في‬


‫المجتمع‪.‬‬
‫الفض���اء الثقافي العربي؛ بوصفه���م عقالنيني وتقدميني‬ ‫س‪ -‬الليبرالية في الوطن العربي‪:‬‬
‫يقدم���ون العقل على النق���ل‪ ،‬ويقولون بحري���ة اإلرادة‬
‫اإلنسانية (قدرية)‪.‬‬ ‫وهو عبارة عن مجموع���ة من مقاالت بعض‬
‫((( أسس���ته وزي���رة اخلارجية األميركية الس���ابقة «مادلني‬
‫أولبرايت»‪.‬‬ ‫((( املؤلف هو د‪ .‬رفعت لقوش���ة‪ ،‬أس���تاذ االقتصاد بجامعة‬
‫((( يترأسه السيناتور األميركي البارز « جون ماكني» ويرأس‬ ‫اإلس���كندرية‪ ،‬وهو ممن ّ‬
‫ينظرون ألطروح���ة « الليبرالية‬
‫مكتب القاهرة «راي سام حلود» ابن وزير النقل األميركي‪.‬‬ ‫املجتمعية «‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫‪ -5‬مؤسسة فريدريش ناومان األلمانية‪.‬‬
‫تمثل ثقافة «المجتمع المدني» س���مة مميزة‬ ‫‪ -6‬المرك���ز العرب���ي الس���تقالل القض���اء‬
‫لسياس���ات النظام العالمي الجدي���د؛ إذ يمثل‬ ‫والمحاماة‪.‬‬
‫«قوة ناعمة» تسعى به القوى العظمى (الواليات‬ ‫‪ -7‬مؤسسة فريدريش أيدناور األلمانية‪.‬‬
‫المتحدة األميركية) لنش���ر قيمه���ا الحضارية‬ ‫ولكن ثمة عائق أمام تل���ك المنظمات يحول‬
‫(الحري���ة – الديمقراطية) في باقي األنس���اق‬ ‫دون قيامه���ا بدور مؤثر يمكنها من إثراء الحالة‬
‫الحضاري���ة المغايرة‪ ،‬ومنها البيئ���ة العربية ‪/‬‬ ‫الليبرالية المصرية‪ ،‬وه���و ارتباطها الخارجي؛‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والتي تسعى في سبيل الحفاظ على‬ ‫حيث تمول تلكم المنظمات من دولها األصلية ‪-‬‬
‫مصالحه���ا في المنطقة عن طريق جر المنطقة‬
‫أيضا من الخارج ‪-‬‬ ‫والمصرية منها تتلقى الدعم ً‬
‫برمتها للنظام السياسي السائد والمتمثل راهنًا‬
‫مما قد يمثل حاجزًا من الحساسية المجتمعية‬
‫ف���ي الديمقراطية األميركية كنظام سياس���ي‪،‬‬
‫تج���اه التعام���ل معها مما يضعف م���ن قدرتها‬
‫والرأسمالية العولمية (نس���بة للعولمة) كنظام‬
‫التأثيرية في المجتمع‪.‬‬
‫اقتص���ادي‪ .‬حالة المجتمع المدن���ي في البيئة‬
‫وبُعد آخر له���ذا العائق يتمث���ل في إمكانية‬
‫المصرية تتس���م بضعف الفاعلي���ة‪ ،‬وذلك في‬
‫وقوع تلك المنظمات في مرمى السياس���ة مما‬
‫مرحل���ة ما قبل الث���ورة؛ إذ كانت تعمل في ظل‬
‫يجعلها تُس���تغل من قبل األطراف السياس���ية‬
‫نظ���ام أوتوقراطي يتحكم في س���قف تحركاتها‬
‫صدق هذا يظهر جل ًّيا‬ ‫في صراعاته���ا‪ ،‬ولعل ما َ‬
‫بدرجة أو بأخرى‪ ،‬ومن بعد الثورة تضاءل الدور‬
‫فيما جرى ف���ي أواخر ديس���مبر ‪2011‬م فيما‬
‫الفعلي لتلك���م المنظم���ات؛ إذ إن التحول نحو‬
‫ُعرف بقضية تمويل منظمات المجتمع المدني؛‬
‫الديمقراطية والذي يمثل قيمتها الوظيفية صار‬
‫حيث اقتحم���ت القوات المصري���ة مكاتب ‪17‬‬
‫مطل ًبا ش���عب ًّيا عا ًّما يس���عى نحوه كل الفاعلين‬
‫مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني منها ‪4‬‬
‫السياسيين الممثلين لمختلف شرائح المجتمع‪.‬‬
‫مؤسسات أميركية (المعهد الجمهوري – المعهد‬
‫تق���ف عالقة منظم���ات المجتم���ع المدني‬
‫الديمقراطي – بي���ت الحرية – المركز الدولي‬
‫بالخارج حج���ر عثرة أم���ام فاعليتها المرجوة‬
‫األميرك���ي للصحفيين) بتهم���ة تلقي أموال من‬
‫واختراقه���ا لطبقات المجتم���ع المختلفة‪ ،‬وقد‬
‫الخارج‪ ،‬وا ُّتهِ م في هذه القضية ما يقرب من ‪70‬‬
‫تمظهر ذلك جل ًّيا في ما بعد الثورة؛ إذ وقعت في‬
‫شخصا منهم ‪ 19‬أميرك ًّيا‪.‬‬
‫ً‬
‫مرمى نيران السياس���ة بين المجلس العسكري‬
‫وقد شغلت تلك القضية الرأي العام المصري‬
‫الحاكم والواليات المتحدة األميركية‪.‬‬
‫وتس���ببت في توتي���ر العالقات بي���ن المجلس‬
‫الحال���ة الليبرالية في إطار المجتمع المدني‬
‫بارزة ف���ي المنحى السياس���ي والحقوقي عنه‬ ‫العسكري الحاكم في مصر واإلدارة األميركية‪،‬‬
‫ف���ي الجانب الخدم���ي والمجتمعي‪ ،‬مما يجعل‬ ‫وقد هددت األخيرة حينها بمنع المعونات المالية‬
‫نشاطها مؤط ًرا نخبو ًّيا وبعي ًدا عن بنية المجتمع‬ ‫الس���نوية لمصر‪ ،‬ولكن األمر انتهى بتسوية ما؛‬
‫العريضة‪ ،‬ولكن في المس���توى العام تمثل تلكم‬ ‫أي م���ن المتهمين األميركيين‪،‬‬ ‫حيث لم يُحاكم ّ‬
‫مهما ف���ي تكوين الظاهرة‬‫المؤسس���ات راف ًدا ًّ‬ ‫وكذا لم تمنع المساعدات المالية لمصر‪.‬‬
‫الليبرالية المصرية في المرحلة الراهنة‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪78‬‬
‫الظاه���رة الليبرالي���ة المصرية عام���ة‪ ،‬أي أن‬ ‫احملور الثاني‬
‫ممارس���اتها تخدم الفاعل الليبرالي في البيئة‬ ‫ اآللة اإلعالمية الليربالية‪:‬‬
‫المصرية سياس ًّيا وفكر ًّيا‪.‬‬
‫احلضور الطاغي‪..‬‬
‫وإذا لم تس���عفنا أداة النس���بة ‪ /‬االنتس���اب‬
‫لليبرالية ف���ي تحديد المؤسس���ات اإلعالمية‬ ‫تمهيد‪:‬‬
‫الليبرالي���ة‪ ،‬فس���نلجأ ألداة أخ���رى وهي أداة‬ ‫تكاثرت البحوث والدراسات االجتماعية حول‬
‫«التمييز بالضد» بمعنى أن نستبعد المؤسسات‬ ‫دور اإلعالم وتأثيره عل���ى المجتمع(((‪ ،‬وخاصة‬
‫غير الليبرالية (دينية (إس�ل�امية) – يس���ارية)‬ ‫في ظل حال���ة «االنفتاح الفضائي» الذي أتاحته‬
‫لتتبقى لنا المؤسسة الليبرالية‪ ،‬وقد يكون سبب‬ ‫العولمة؛ إذ صار من يملك اآللة اإلعالمية يملك‬
‫هذا التمايز هو وضوح األنساق األخرى وسهولة‬ ‫الكثير من أدوات التأثير في الواقع المجتمعي‪،‬‬
‫تمييزها‪ :‬دينية ‪ /‬يسارية‪ ،‬بينما النسق الليبرالي‬ ‫وكذلك في ظل بزوغ وس���ائل االتصال الحديثة‬
‫يتس���م بتعددية جعلت منه حالة س���ائلة يصعب‬ ‫– ‪(facebook‬‬ ‫كمواق���ع التواص���ل االجتماع���ي‬
‫قبضها‪.‬‬ ‫وخصوصا بعد دورها الكبير في تفعيل‬ ‫ً‬ ‫)‪twitter‬‬

‫أو ً‬ ‫‪ /‬إشعال موجة الثورات العربية منذ أواخر العام‬


‫ال‪ :‬الصح���ف الليبرالي���ة‪ :‬بي���ن المهني���ة‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫واأليديولوجية‪:‬‬
‫ويميز الحالة الليبرالية المصرية في مرحلتها‬
‫تع���د الصحف م���ن أهم مكون���ات الظاهرة‬
‫الراهنة كون اآللة اإلعالمية تمثل أداة أساسية‬
‫الليبرالي���ة المعاصرة‪ ،‬وم���ع أنها كانت حاضرة‬
‫من أدوات تفاعالتها في البيئة المصرية‪ ،‬وبذلك‬
‫ف���ي بيئة ما قبل ث���ورة يناي���ر ‪2011‬م‪ ،‬إال أنه‬
‫مهما من مكونات الظاهرة الليبرالية‬ ‫تمثل جز ًءا ًّ‬
‫فيما بعد الثورة زاد هذا الحضور بعد مس���توى‬
‫الراهن���ة‪ ،‬ومن ثَم س���نتناول بالوصف أهم تلك‬
‫الحرية العالي الذي ساد المجتمع‪ ،‬والذي عليه‬
‫المكونات اإلعالمي���ة للظاه���رة‪ ،‬والتي يمكن‬
‫بادرت كل أطراف المشهد المجتمعي الثقافي‪/‬‬
‫توزيعها على ثالث مناطق إعالمية (الصحف –‬
‫السياسي باستغالله فنجد التيار اإلسالمي مث ً‬
‫ال‬
‫الفضائيات – مواقع الشبكة العنكبوتية)‪.‬‬
‫قد صدر عنه مجموعة من الصحف مثل‪:‬‬
‫وحس���ب المنهج المتبع في الدراسة لن يكون‬
‫‪ -1‬صحيف���ة الحرية والعدال���ة‪ :‬عن حزب‬
‫محدد تناولنا لتلك المؤسسات هو كامل تم ّثلها‬
‫«الحرية والعدالة» المنبثق عن جماعة «اإلخوان‬
‫للنسق الليبرالي‪ ،‬وإنما مجرد انتسابها‪ /‬نسبتها‬
‫المسلمين»‪.‬‬
‫لليبرالية‪ ،‬وكذلك ال نلتزم في انتساب المؤسسة‬
‫‪ -2‬صحيفة النور الجديد‪ :‬عن حزب «النور»‬
‫لليبرالية بتصريحها بمصطل���ح الليبرالية‪ ،‬وال‬
‫المنبثق عن جمعية «الدعوة السلفية»‪.‬‬
‫مدى تمثله���ا للمبادئ الليبرالية‪ ،‬وإنما ما يعنينا‬
‫‪ -3‬صحيف���ة الفت���ح‪ :‬عن جمعي���ة «الدعوة‬
‫تص���ب في مجرى‬‫ّ‬ ‫هو كون جوهر ممارس���اتها‬
‫السلفية»‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتيار اليساري فلم يصدر عنه‬ ‫((( عن هذا املوضوع راجع ‪ :‬آرثر أسا بريغر‪ ،‬وسائل اإلعالم‬
‫واملجتم���ع‪ ..‬وجهة نظر نقدية‪ ،‬ت‪ :‬صالح خليل أبو إصبع‪،‬‬
‫الجديد‪ ،‬واكتفى بجري���دة «األهالي» الصادرة‬ ‫عالم املعرفة عدد ‪ 386‬ط‪2012‬م‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫ليبرالي) تلتزم بالقواعد المهنية وال تنتمي ألي‬ ‫ع���ن حزب التجم���ع ومجلت���ه الثقافية «أدب‬
‫تيار فكري أو سياس���ي‪ ،‬ومن ثَم ال تنطلق تلكم‬ ‫(((‬
‫ونقد»‪ ،‬وكذا صحيفة «البديل»‪.‬‬
‫الصحف من مصطل���ح الليبرالية كهوية لها وال‬ ‫وفي هذا الس���ياق إنما يعنينا الصحف التي‬
‫تتس���مى به صراحة‪ ،‬ولكن مجمل الممارسات‬ ‫يسوغ لنا إدراجها تحت عنوان «صحف ليبرالية»‪،‬‬
‫الصحفية لها في السياق الفكري والسياسي –‬ ‫ومن هنا سنستبعد‪:‬‬
‫وهو ما يعنينا في بحثنا وليس مجمل الممارسة‬ ‫‪ -1‬الصح���ف الصادرة ع���ن األيديولوجيات‬
‫تصب في مجرى الحالة الليبرالية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصحفية –‬ ‫المغايرة (دينية – يسارية)‪.‬‬
‫وهذا بحسب منهجنا يكفينا لوسمها بالليبرالية‪،‬‬ ‫(((‬
‫‪ -2‬الصحف القومية (المملوكة للحكومة)‪.‬‬
‫ولكن تظل الخلفية المهنية هي منطلقها‪.‬‬
‫‪ -3‬الصح���ف المائعة أيديولوج ًّيا بمعنى أنها‬
‫واالنطالق م���ن المهني���ة يجع���ل المالمح‬
‫واضحا‪ ،‬وإنما‬
‫ً‬ ‫ال تتبنى ًّ‬
‫خطا فكر ًّيا ‪/‬سياس��� ًّيا‬
‫الليبرالية في تلك���م الصحف غائمة؛ إذ تختفي‬
‫تس���عى للكس���ب والس���معة‪ ،‬وهنا يمكن إدراج‬
‫داخ���ل تالفيف الممارس���ة الصحفي���ة‪ ،‬وعدم‬
‫أسماء (صوت األمة – الفجر – األسبوع – روز‬
‫صرامة نس���بة تلكم الصح���ف لليبرالية يرجع‬
‫اليوسف ‪ -‬الخميس‪.)...‬‬
‫خصوصا في‬
‫ً‬ ‫إلى طبيعة الفكر الليبرالي نفس���ه‬
‫بعد هذا الفرز التحليلي يمكننا اس���تخالص‬
‫النسخة الراهنة؛ إذ يتسم بقدر كبير من السيولة‬
‫الفكرية والممارس���ية التي تجعل محاولة قبضه‬ ‫عدد م���ن الصحف التي يس���وغ لن���ا إدراجها‬
‫وتحديده أم ًرا بعيد المنال‪.‬‬ ‫في مكونات الظاه���رة الليبرالية‪ ،‬ونؤكد أن ما‬
‫‪ -2‬تب���رز األهمية التأثيري���ة لتلكم الصحف‬ ‫س���وغ لنا هذا اإلدراج هو‪ :‬كون ممارسات تلكم‬
‫على الحالة الليبرالية في محوريين‪:‬‬ ‫الصح���ف تخدم مواقف الفاع���ل الليبرالي في‬
‫‪ -‬المح���ور الفكري‪ :‬وذلك عن طريق مقاالت‬ ‫البيئة المصري���ة السياس���ية والفكرية‪ ،‬وليس‬
‫الرأي وأعمدة ال ُك ّتاب في كل صحيفة‪.‬‬ ‫لكونها تتبنى األيديولوجي���ة الليبرالية صراحة‬
‫‪ -‬المحور السياسي‪ :‬وذلك عن طريق صياغة‬ ‫وتتمثل مبادئها‪.‬‬
‫األخبار والتحليالت‪ ،‬والتي تتخذ مواقف سياسية‬
‫ويمك���ن تس���جيل مالحظتي���ن في هذا الس���ياق‬
‫تصب في الس���ياق السياس���ي‬ ‫ّ‬ ‫(ف���ي الغالب)‬
‫للتيارات الليبرالية‪ ،‬وتقف ضد التيارات المغايرة‬ ‫لغرض التحليل‪:‬‬
‫أيديولوج ًّيا (اإلس�ل�امية خاصة) المتبارية معها‬ ‫‪ -1‬تق���دم تل���ك الصحف نفس���ها بوصفها‬
‫في المشهد السياس���ي‪ ،‬وتتفاوت تلك الصحف‬ ‫صحفًا مس���تقلة (حاش���ا الص���ادرة عن حزب‬
‫فيما بينها فيما يتعلق بهذه النقطة‪.‬‬
‫وفي التالي نتناول أه���م الصحف الليبرالية‪،‬‬ ‫((( تصدر إلكترون ًّيا واملطبوعة توقفت عن الصدور‪.‬‬
‫((( ميكننا أن نس���تثني هنا مجلة «الدميقراطية» التي تصدر‬
‫ونؤكد على أنه ليس م���ا نقصده من هذا التناول‬ ‫عن مؤسس���ة األهرام يرأس حتريرها د‪« .‬هالة مصطفى‬
‫تحليل مضمون خطاب تلكم الصحف تفصي ً‬
‫ال وال‬ ‫« ومدي���ر التحري���ر « بش���ير عبد الفت���اح»‪ ،‬وهي مجلة‬
‫معنية بنش���ر قيم الليبرالية= =عمو ًما‪ ،‬وتركز على حالة‬
‫محاكمتها لقواع���د المهنة‪ ،‬أو نقد ما تطرحه من‬ ‫الدميقراطية في الوطن العربي ومصر باخلصوص‪ ،‬ومن‬
‫أفكار‪ ،‬وتتبناه م���ن مواقف أو تحديد مدى تمثلها‬ ‫ثَم فهي جزء من الظاهرة الليبرالية بامتياز‪ ،‬ولكننا عزفنا‬
‫عن تناولها ف���ي املنت؛ لكونها نخبوية ومتخصصة ال يهتم‬
‫للمبادئ الليبرالية‪ ،‬وإنما غرضنا هو بيان طريقة‬ ‫بها إال الباحثون وليس لها حضور في شرائح املجتمع‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪80‬‬
‫‪ -‬المح���ور السياس���ي‪ :‬إذ تتبن���ى الصحيف���ة‬ ‫تأثيرها في الحالة الليبرالية عمو ًما‪ ،‬وكذا طريقة‬
‫دو ًما اآلراء السياس���ية التي ه���ي اختيار التيار‬ ‫هذا التأثير‪.‬‬
‫الليبرالي السياس���ي‪ ،‬أو بمعن���ى أكثر دقة تلك‬ ‫‪ -1‬صحيفة الوفد (((‪ :‬صوت الحزب‪:‬‬
‫المواقف المضادة الختيارات القوى اإلسالمية‪،‬‬ ‫تصدر الصحيفة عن حزب «الوفد الجديد»‪،‬‬
‫وخصوص���ا ف���ي القضايا التي ش���غلت الرأي‬
‫ً‬ ‫وقد أسسها « فؤاد سراج الدين» في ‪1984‬م‪.‬‬
‫العام منذ قيام الثورة (كقضية االس���تفتاء على‬ ‫بعد إعادة حزب الوفد للحياة السياسية شغل‬
‫التعديالت الدستورية في مارس ‪2011‬م) ‪.‬‬ ‫«مصطفى ش���ردي» أول رئي���س تحرير لها في‬
‫وتبني الموقف المخالف للقوى اإلس�ل�امية‬ ‫الجانب السياس���ي‪ ،‬تمثل الصحيفة وجهة نظر‬
‫حزب الوف���د‪ ،‬وأما الجان���ب الفكري فمقاالت‬
‫يظهر في سياس���ة صوغ الخبر‪ ،‬وكذلك نوعية‬
‫الرأي ف���ي الصحيف���ة في المعظ���م تعليقات‬
‫التحليل والتعليق الممارسة على الخبر المجرد‪،‬‬
‫وتحليالت على األحداث‪ ،‬وليس لها خيط فكري‬
‫وأيضا نوعية األخبار التي يتم إبرازها والتركيز‬‫ً‬
‫ناظم تس���عى من خالله لتقديم الفكر الليبرالي‬
‫ال عن‬‫عليها أو تل���ك التي يتم تهميش���ها‪ ،‬فض ً‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫السكوت عنها‪.‬‬
‫وم���ن ثم فتأثي���ر جريدة الوفد ف���ي الحالة‬
‫‪ -‬المح���ور الثقاف���ي‪ :‬إذ تس���عى الصحيفة إلى‬ ‫الليبرالية ضئيل نسب ًّيا‪ ،‬وذلك في جزء منه راجع‬
‫تركز جرع���ة الفكر الليبرال���ي على صفحاتها‬ ‫لكونه���ا صحيفة حزبية‪ ،‬وفي جزء ٍ‬
‫ثان لكونها ال‬
‫وتهميش المحتوى الفكري اإلسالمي‪ ،‬وإذا حضر‬ ‫تقدم مادة فكرية ليبرالية قوية‪.‬‬
‫يكون في سياق «كالسيكي» ال يتعرض للمناطق‬ ‫‪ -2‬صحيفة المصري اليوم (((‪ :‬الفاعل األهم‪...‬‬
‫النزاعية بين الفكر اإلس�ل�امي والليبرالي‪ ،‬هذا‬ ‫تأسس���ت الصحيفة في العام ‪2004‬م ممثلة‬
‫في أحس���ن األح���ول‪ ،‬أما أس���وأها أن تعرض‬ ‫نقل���ة نوعية ف���ي الصحافة المس���تقلة (غير‬
‫مادة فكرية إس�ل�امية تؤكد عل���ى األطروحات‬ ‫الحكومية)؛ إذ مارس���ت المعارضة السياس���ية‬
‫الليبرالي���ة‪ ،‬وتتوزع المهام الث�ل�اث على كتاب‬ ‫بدرجة من درجات «األناقة» التي لم تثر غضب‬
‫الرأي وأصحاب األعم���دة اليومية‪ -‬إلى جانب‬ ‫الس���لطة حينها‪ .‬رأس تحريرها عند التأسيس‬
‫المحللين السياسيين أو المعلقين على األحداث‬ ‫«أنور الهواري» و«مجدي مهنا»‪.‬‬
‫بدون أيديولوجية ناظمة لمجمل مشاركاتهم ‪،-‬‬ ‫وما يعنينا هن���ا التصويب نحو أثر الصحيفة‬
‫ولعل من أهم ال ُكتاب على الصحيفة الفاعلين في‬ ‫في إثراء الحالة الليبرالي���ة؛ حيث نعتبرها من‬
‫أه���م األدوات اإلعالمية الت���ي تؤثر في الحالة‬
‫محور التأثير الثقافي لها على الحالة الليبرالية‪:‬‬
‫الليبرالي���ة المصرية فيما بعد الثورة‪ ،‬وذلك من‬
‫‪ -‬الشاعرة « فاطمة ناعوت»‪.‬‬
‫خالل محورين‪:‬‬
‫(((‬
‫‪ -‬د‪ .‬خالد منتصر‪.‬‬

‫((( منتصر وناعوت ترك���ز كتاباتهم دائ ًما على نقد التيارات‬ ‫((( الصحيفة مملوكة حل���زب الوفد‪ ،‬ومن ثم رئيس مجلس‬
‫اإلس�ل�امية‪ ،‬والكثير من األفكار اإلسالمية عمو ًما‪ ،‬وقد‬ ‫اإلدارة هو رئيس حزب الوفد احلالي « د‪ .‬سيد البدوي»‪.‬‬
‫ص���در ملنتصر كتاب تضم���ن جمهرة مقاالت���ه من تلكم‬ ‫((( الصحيفة مملوكة ألس���رة رجل األعمال املصري « توفيق‬
‫بـ(دفاعا عن العقل)‪ ،‬وحاز عليه جائزة‬
‫ً‬ ‫النوعية موس���وم‬ ‫دياب» كم���ا ميلك قط���ب االتصاالت املص���ري «جنيب‬
‫البحرين حلرية الصحافة في ‪2010‬م‪.‬‬ ‫ساويرس» حصة كبيرة من رأس املال‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫‪ -2‬الشروق الجديد(((‪ :‬سمة التوازن‪:‬‬ ‫‪ -‬د‪ .‬طارق الغزالي حرب‪.‬‬
‫صدرت صحيفة الش���روق في العام ‪2009‬م‬ ‫‪ -‬د‪ .‬وسيم السيسي‪.‬‬
‫ي���رأس تحريرها «عم���رو خفاج���ي»‪ ،‬وتمتاز‬ ‫‪ -‬الفيلسوف «مراد وهبة»‪.‬‬
‫الصحيف���ة بالرصانة النس���بية لمحتوى الرأي‬ ‫‪ -‬جمال البنا‪.‬‬
‫فيها؛ إذ يكتب عل���ى صفحاتها عدد ال بأس به‬ ‫‪ -‬د‪ .‬سعد الدين إبراهيم‪.‬‬
‫من أس���اتذة العلوم السياس���ية كأحمد يوسف‬ ‫‪ -‬د‪ .‬مأمون فندي (أس���تاذ العلوم السياسية‬
‫أحمد‪ ،‬ونفين مس���عد‪ ،‬وعمرو حمزاوي‪ ،‬وعبد‬ ‫وكاتب في جريدة « الشرق األوسط» اللندنية)‪.‬‬
‫الفتاح ماضي‪ ،‬والمعتز بالله عبد الفتاح‪ ،‬وكذلك‬ ‫بهذي���ن المحوري���ن تمثل الصحيف���ة مكو ًنا‬
‫تنش���ر مق���االت مترجمة من بع���ض الصحف‬
‫مهما من مكون���ات الحالة الليبرالية المعاصرة‪،‬‬
‫ًّ‬
‫العالمي���ة الرصينة‪ ،‬ومن ثَم فإن الصحيفة تميل‬
‫ومس���اهمة في إثراء الظاهرة الليبرالية‪ ،‬وهذا‬
‫إلى المهنية‪ ،‬وليس لها خيط أيديولوجي صارم‬
‫وباق���ي الصحف الت���ي وس���مناها بالليبرالية‬
‫ينظ���م تحريرها‪ ،‬ولكن في نهاية المطاف يمكن‬
‫تتحرك في نفس اإلطار ولكنها أقل منها تأثي ًرا‬
‫نسبتها إلى المجال الليبرالي العام‪ ،‬ومساهمتها‬
‫وحضو ًرا‪ ،‬وال تقدم للحالة الليبرالية مزيد فائدة‬
‫ف���ي إثراء الحال���ة الليبرالية مس���اهمة نوعية‬
‫عن المصري اليوم‪ ،‬ولعل أهم تلك الصحف‪:‬‬
‫ونسبية مقارنة بالمصري اليوم‪.‬‬
‫‪ -3‬جريدة التحرير(((‪ :‬الدستور في ُحلة جديدة‪:‬‬ ‫‪ -1‬اليوم السابع(((‪ :‬المكاسب الصحفية أو ً‬
‫ال‪:‬‬
‫صدرت ف���ي ‪2011‬م بعد الث���ورة المصرية‬ ‫صدرت الصحيفة في أول المطاف أسبوعية‬
‫ويرأس تحريرها الصحفي المش���هور «إبراهيم‬ ‫في ‪2008‬م‪ ،‬ثم تحولت ف���ي ‪2011‬م إلى يومية‬
‫عيس���ى» والصحيفة يمكن اعتبارها إعادة إنتاج‬ ‫ويرأس تحريرها «خالد صالح»‪ ،‬والجريدة يغلب‬
‫لصحيفة «الدس���تور» المس���تقلة‪ ،‬والتي كانت‬ ‫عليها الطابع المهني االستقصائي‪ ،‬والسعي نحو‬
‫تنافس المصري الي���وم فيما قبل الثورة‪ ،‬بعدما‬ ‫اإلثارة (تناول بعض القضايا التي تثير حساسية‬
‫تم بيعها لرئيس حزب الوف���د وتقليم أظافرها‬ ‫ال)‪ ،‬وتحقيق المكاسب واالنفرادات‬ ‫المسلمين مث ً‬
‫المعارض���ة لنظام مبارك‪ ،‬فغ���ادر كل من فيها‬ ‫خصوصا في قضايا ال���رأي العام‬ ‫ً‬ ‫الصحفي���ة‬
‫وأنشأوا موق ًعا باس���م «الدستور األصلي» بينما‬ ‫(كالمس���ائل ذات البعد الطائف���ي)‪ ،‬ومن ثَم لم‬
‫راح رئيس تحرير الدس���تور «إبراهيم عيس���ى»‬ ‫تكن قبل الثورة وال بعدها تتبنى ًّ‬
‫خطا سياس��� ًّيا‬
‫يصدر مع إبراهي���م المعلم صحيفة «التحرير»‪،‬‬ ‫واضحا‪ ،‬ولذلك تظل مساهمتها في إثراء الحالة‬ ‫ً‬
‫ومعه مجموعة كبيرة من فريق الدستور‪.‬‬ ‫الليبرالية في كال المحورين الثقافي والسياسي‬
‫وإذا كانت «الدستور» قبل الثورة مثلت صوتًا‬ ‫محدودة نسب ًّيا وموقوفة على استغالل صفحاتها‬
‫معارضا (ولو ظاهر ًّيا أو بس���قف معين) لنظام‬
‫ً‬ ‫في تبني مواقف سياسية معينة من حين آلخر‪،‬‬
‫مبارك‪ ،‬فالتحرير ليس لها خيط سياسي ناظم‬ ‫تصب في المجرى الليبرالي العام‪.‬‬‫ّ‬
‫((( رئيس مجلس إدارتها هو الناشر املشهور « إبراهيم املعلم»‬
‫صاحب دار الشروق للنشر‪.‬‬ ‫((( رئي���س مجلس إدارة الصحيفة «وليد مصطفى» عمه هو‬
‫أيضا « إبراهيم املعلم» مالك جريدة الشروق‪.‬‬‫((( ميلكها ً‬ ‫رجل األعمال املصري الشهير ممدوح إسماعيل‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪82‬‬
‫خالصة‪:‬‬ ‫لتحريرها‪ ،‬ولكن مجمل مواقفها السياسية تصب‬
‫الصحف س���الفة الذكر ه���ي صحف تنطلق‬ ‫في مواقف التي���ار الليبرالي العام‪ ،‬وبالنس���بة‬
‫م���ن المهنية في المقام األول وال تقدم بوصفها‬ ‫للمنح���ى الفكري فهي ال تق���دم صفحات رأي‬
‫حاملة لأليديولوجية الليبرالية‪ ،‬ولكن ممارساتها‬ ‫قوية كغيرها من الصح���ف‪ ،‬ومن ثم فإن تأثير‬
‫تصب‬
‫ّ‬ ‫التحريرية في المنحى السياسي والفكري‬ ‫الصحيفة على مجمل الحالة الليبرالية ضعيف‬
‫عمو ًما في المجال الليبرالي العام‪.‬‬ ‫جدا‪.‬‬
‫ًّ‬
‫على تفاوت بين تلك الصحف في تأثيرها على‬ ‫‪ -4‬صحيفة الوطن(((‪ :‬تكرار ظاهر‪:‬‬
‫الحالة الليبرالية؛ نظ ًرا لتباين المحتوى الليبرالي‬ ‫صدرت في ‪2012‬م ويرأس تحريرها الصحفي‬
‫الثاوي في تالفيف تحريرها السياسي والثقافي‪،‬‬ ‫المش���هور «مجدي الجالد» بعدما غادر تحرير‬
‫ويبق���ى مجمل هذا التأثي���ر «تأثير مواقف» أي‬ ‫«المصري اليوم»‪ ،‬ومعه مجموعة كبيرة من فريق‬
‫يب���رز في موقف الصحيفة من مختلف القضايا‬ ‫تحرير األخيرة‪ ،‬والصحيفة في مجملها ال تخرج‬
‫التي يش���تبك فيها الفاعل الليبرالي في السياق‬ ‫عن سياق الصحف الس���الفة الذكر؛ إذ تقريبا‬
‫السياس���ي بالخصوص‪ ،‬ثم الس���ياق الفكري‪،‬‬ ‫يكتب فيها نفس ُك ّتاب الرأي في باقي الصحف‪،‬‬
‫ولي���س لها خط واضح ناظ���م لتحريرها ضمن‬ ‫لعل أهمهم (د‪ .‬عم���رو حمزاوي) القادم مؤخ ًرا‬
‫خطة محددة لنشر الفكر الليبرالي وتجذيره في‬ ‫من جريدة الشروق‪ ،‬وسيكون تأثيرها في الحالة‬
‫المجتمع؛ مما يُكس���ب الحالة الليبرالية مزي ًدا‬ ‫الليبرالية كس���ابقيها نس���بي وموقفي (متعلق‬
‫من السيولة‪.‬‬ ‫بالموقف السياسي‪ /‬الفكري من قضية معينة)‪.‬‬
‫‪ -5‬نهضة مصر(((‪ :‬وضوح بال حضور!‬
‫ثان ًيا‪ :‬الفضائيات الليبرالية‪ :‬الصوت العالي‪:‬‬
‫صدرت صحيفة نهض���ة مصر في العام‬
‫هل ثمة فضائي���ات مصرية يمكن وس���مها‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬ولعله���ا تعتبر اس���تثناء من باقي‬
‫بالليبرالية؟ يستمد هذا السؤال إشكاليته من كون‬ ‫الصحف التي تحدثنا عنها آنفًا؛ إذ إنها تصرح‬
‫نسبة مؤسس���ة ما للظاهرة الليبرالية باطمئنان‬ ‫بانتمائها الليبرالي‪ ،‬وشعارها هو «الليبرالية‬
‫منهجي ليس باألمر الهين! وذلك يرجع في جزء‬ ‫طريقنا نحو المستقبل»‪ ،‬ولكن للمفارقة أنها‬
‫منه إلى طبيعة الفكر الليبرالي نفس���ه بميوعته‬ ‫األق���ل تأثي ًرا في الحال���ة الليبرالية؛ نظ ًرا‬
‫وس���يولته التي تجعل قبض دالالت ثابتة له في‬ ‫لحالة «الالحضور» المجتمعي الذي تتس���م‬
‫مستوى النظر أم ًرا عسي ًرا‪ ،‬وفي جزء آخر يرجع‬ ‫به‪ ،‬ومن ثَم لم تس���تطع النفوذ إلى شرائح‬
‫ذلك إلى طبيعة الممارسة الليبرالية نفسها؛ إذ‬ ‫المجتمع العريضة‪ ،‬وقد توقفت عن الصدور‬
‫أيضا بالسيولة‪ ،‬وعدم وجود إطار صلب‬ ‫تتسم هي ً‬ ‫في ما بعد ث���ورة ‪ 25‬يناير لفترة ثم عادت‬
‫ناظم لها‪ .‬لذلك فإن محدد وسمنا لفضائية ما‬ ‫للصدور‪.‬‬
‫بالليبرالية ال يرجع إلى تصريحها بذلك أو مدى‬
‫تمثلها للمبادئ الليبرالية‪ ،‬ولكن بحسب منهجنا‬
‫((( مملوكة لرجل أعمال غامض اسمه «محمد األمني» ظهر‬
‫س���يكون محدد النسبة لليبرالية يرجع إلى مدى‬ ‫بعد الثورة‪ ،‬وميلك عد ًدا من الفضائيات‪.‬‬
‫مس���اهمة تلك الفضائيات ف���ي خدمة الفاعل‬ ‫((( ميلكها اإلعالمي الشهير عماد الدين أديب‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫بوسيلة «التمييز بالضد»؛ إذ نجد أن مالك تلكم‬ ‫الليبرالي ف���ي البيئة المصرية في المس���توى‬
‫الفضائيات وكذلك محرريها ال ينتمون لنس���ق‬ ‫الثقافي بتقديم مضمون إعالمي يخدم الموقف‬
‫فكري واضح‪ ،‬وفي ذات الوقت ال يمكننا وسمهم‬ ‫الفكري له‪ ،‬وكذلك في المستوى السياسي حيث‬
‫بإطالق بالليبرالية‪ ،‬وبالتالي سنتخذ من مواقف‬ ‫تتخذ تلك���م الفضائيات مواق���ف معينة تخدم‬
‫تصب‬
‫ّ‬ ‫تلكم الفضائيات الفكرية والسياسية التي‬ ‫الموقف السياس���ي للفاع���ل الليبرالي‪ ،‬ومن ثَم‬
‫ال)‬‫في خدمة الفاع���ل الليبرال���ي (المائع أص ً‬ ‫تتسم تلكم الفضائيات «بالموقفية» في التأثير‪،‬‬
‫مسوغا لنسبتها لليبرالية‪ ،‬وعدها ضمن مكونات‬ ‫ً‬ ‫وأعني بذلك كون دورها يبرز في مواقف معينة‬
‫الحالة الليبرالية المصرية‪.‬‬ ‫تمثل بؤرة صراع سياس���ي‪ /‬فكري بين الفاعل‬
‫‪ -‬تأثي���ر تلك���م الفضائي���ات عل���ى الحالة‬ ‫الليبرالي‪ ،‬والفاعل المغاير أيديولوج ًّيا وسياس ًّيا‬
‫الليبرالي���ة المصرية في المقام األول من خالل‬ ‫له (في الغالب إسالمي) في البيئة المصرية‪.‬‬
‫مجموعة البرامج الحوارية (‪ ،)talk shows‬والتي‬
‫وفي هذا الس���ياق نس���جل بعض النقاط لغرض‬
‫تستقطب قد ًرا ضخ ًما من الجماهير بما تقدمه‬
‫التحليل‪:‬‬
‫من محتوى إخب���اري وتحليل���ي‪ ،‬وعليه يمكننا‬
‫اختزال البعد الليبرال���ي لتلكم الفضائيات في‬ ‫‪ -‬تقدم تلكم الفضائي���ات بوصفها « قنوات‬
‫هذه البرامج‪.‬‬ ‫للمنوعات»‪ ،‬ومن ثَم فإن صلب المحتوى اإلعالمي‬
‫‪ -‬تعتمد تلك���م البرامج على عدد محدد من‬ ‫ال���ذي تقدمه محت���وى «ترفيه���ي» يخاطب كل‬
‫اإلعالميين المرموقين في الس���احة اإلعالمية‬ ‫شرائح المجتمع ال فئة بعينها‪ ،‬والبعد الليبرالي‬
‫المصري���ة ولعل أهمهم (محمود س���عد – منى‬ ‫فيها ثاوياً في تالفيف المضمون اإلعالمي لها‪،‬‬
‫الش���اذلي – معتز الدمرداش – عمرو الليثي –‬ ‫وتتفاوت فيما بينها في نسبة ظهور هذا البعد‪،‬‬
‫يسري فودة ‪ -‬إبراهيم عيسى – خيري رمضان‬ ‫كما تتفاوت الفضائية الواحدة نفس���ها في ذلك‬
‫– تامر أمين ‪ -‬ريم ماجد – عمرو أديب – لميس‬ ‫بحس���ب واقع األحداث في البيئ���ة المجتمعية‬
‫الحديدي – دينا عبد الرحمن ‪ -‬وائل اإلبراشي‬ ‫وتفاعلها معها‪.‬‬
‫‪ ،)...-‬وينطلق ه���ؤالء اإلعالميون من المهنية‬ ‫‪ -‬هذه المحطات مملوكة لرجال أعمال‪ ،‬ومن‬
‫ثَم فالغرض الرئيس منها هو «الكسب المادي»‪،‬‬
‫والحرفي���ة في األس���اس‪ ،‬ولك���ن ال مناص من‬
‫أما بالنسبة لمواقفهم السياسية والفكرية فهي‬
‫استصحاب انتماءاتهم األيديولوجية والسياسية‬
‫تتمظه���ر في مضمون تحري���ر تلكم المحطات‪،‬‬
‫في ممارساتهم اإلعالمية مهما أعلنوا الحيادية‬
‫وكذل���ك عن���د األح���داث المؤثرة ف���ي البيئة‬
‫ورفعوا شعار الموضوعية‪.‬‬
‫مجتمع ًّيا وسياس��� ًّيا‪ ،‬والتي تشكل بؤرة «صراع‬
‫ولألسف ال تسوغ لنا أفكارهم ‪ /‬ممارساتهم‬
‫سياسي» بين الفاعلين السياسيين في المشهد‬
‫نسبتهم بثقة وصرامة للتقليد الليبرالي (بسبب‬
‫المجتمعي العام‪.‬‬
‫معضلة الميوعة)‪ ،‬ومن ثم فمحددنا هنا بحسب‬
‫‪ -‬وإذا كان انتم���اء ُملاّ ك تلكم الفضائيات ال‬
‫منهجنا «التمييز بالضد»‪ ،‬فنس���تبعد انتماءهم‬
‫تس���عفنا المنهجية العلمية نسبتهم بثقة للتقليد‬
‫أليديولوجي���ة واضحة (الفكر اإلس�ل�امي في‬
‫الليبرالي (لميوعة الفكر والممارس���ة) نستعين‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪84‬‬
‫المحاذير المنهجية سالفة الذكر)‪ ،‬والتي ينطبق‬ ‫األس���اس)‪ ،‬ونتخذ من مواقفهم وممارس���اتهم‬
‫عليها هذا اإلطار التحليلي‪:‬‬ ‫اإلعالمي���ة من خالل برامجه���م ‪-‬والتي تخدم‬
‫‪ -1‬قناة ‪ :((( on tv‬األعلى صو ًتا‪. .‬‬ ‫خصوصا في‬
‫ً‬ ‫الفاعل الليبرالي ثقاف ًّيا وسياس ًّيا‬
‫تعتبر هذه الفضائية من أهم مكونات الحالة‬ ‫القضايا المهمة التي تشغل المشهد السياسي‪،‬‬
‫الليبرالي���ة الراهن���ة؛ وذلك لوض���وح انتمائها‬ ‫ً‬
‫مس���وغا‬ ‫وتمثل بؤرة صراع سياس���ي‪ /‬فكري‪-‬‬
‫الهويات���ي (الهوية الليبرالي���ة) وحزمة البرامج‬ ‫لتضمينهم في خريطة مكونات الحالة الليبرالية‬
‫التي تُعرض على شاشتها‪ ،‬والمضمون اإلعالمي‬ ‫المصري���ة الراهنة في إطار اآللة اإلعالمية؛ إذ‬
‫يص���ب بوفرة في مجرى‬
‫ّ‬ ‫ال���ذي تقدمه‪ ،‬والذي‬ ‫من خاللها يتبدى دورهم ومن غيرها ال يمثلون‬
‫الفاعل الليبرالي سياس ًّيا وثقاف ًّيا‪ ،‬وقد اتخذت‬ ‫رق ًما ف���ي معادلة الحال���ة الليبرالية‪ ،‬وعليه لم‬
‫الفضائية لها شعار «خليك في النور» كناية عن‬ ‫يس���وغ لنا تصنيفهم تحت محور الش���خصيات‬
‫رس���التها التنويرية في المجتمع‪ ،‬وأهم برامجها‬ ‫المكونة للظاهرة الليبرالية في هذه المرحلة‪.‬‬
‫الحوارية‪ :‬برنامج «بلدنا بالمصري» (تقدمه ريم‬ ‫ويل���زم التأكيد على تفاوت هؤالء اإلعالميين‬
‫ماجد) وبرنامج «آخر كالم» (يقدمه يسري فودة)‬ ‫في درج���ة تصريحهم عن مواقفه���م الفكرية‪/‬‬
‫وبرنامج «مساء السبت» (يقدمه عمرو خفاجي)‬ ‫السياسية‪ ،‬وكذلك تفاوتهم في مدى التأثير في‬
‫ومؤخ ًرا بمناس���بة انتخابات الرئاسة المصرية‬ ‫الحالة الليبرالية‪.‬‬
‫ماي���و ‪2012‬م برنامج «الس���ادة المرش���حون»‬ ‫يتمث���ل دعم تلك البرام���ج للحالة الليبرالية‬
‫(يقدمه إبراهيم عيسى)‪.‬‬ ‫(كالصحف) في محورين‪ :‬الفكري والسياس���ي‪،‬‬
‫‪ -2‬مجموعة (‪ :((( )C B C‬الوافد القوي‪..‬‬ ‫وذلك عن طريق‪:‬‬
‫تمثل شبكة «تلفزيون العاصمة» واف ًدا جدي ًدا‬ ‫‪ -‬سياسة التحرير بمعنى‪ :‬طريقة صوغ الخبر‬
‫على البيئة الفضائية لمص���ر فيما بعد الثورة‪،‬‬ ‫– نوعي���ة األخبار المركز عليه – نوعية األخبار‬
‫وتضم مجموعة ضخمة م���ن القنوات (رياضة‬ ‫المهمشة‪ /‬المسكوت عنها‪.‬‬
‫– مسلس�ل�ات – أفالم) مما ينبئ عن رأسمال‬ ‫‪ -‬نوعية الضيوف بمعنى‪ :‬انتماءاتهم السياسية‬
‫عريض قد تم توظيفه فيها‪.‬‬ ‫والفكرية‪.‬‬
‫وما يعنينا في هذا اإلطار هو أثر تلك الشبكة‬ ‫‪ -‬أس���لوب إدارة الح���وارات التناظرية بين‬
‫على الحالة الليبرالية المصرية‪ ،‬وكما أس���لفنا‬ ‫الضيوف‪.‬‬
‫فإن إسهام هذا المكون الليبرالي (الفضائيات)‬ ‫‪ -‬تبني الفضائية‪ /‬البرنامج موقف سياسي‪/‬‬
‫يجمعه إط���ار وظيفي واحد صلب���ه يتمثل في‬ ‫فكري (سياس���ي في المقام األول) محدد يكون‬
‫برامج الـ(‪ ،)talk show‬ومعها جوقة اإلعالميين‬ ‫هو موق���ف التيار الليبرالي م���ن قضية معينة‪،‬‬
‫وتوجه الرأي العام إليه (الموقف من‬
‫ّ‬ ‫فتر ّوج ل���ه‬
‫((( مملوك���ة لقطب االتصاالت املصري «جنيب س���اويرس»‬ ‫نموذجا)‪.‬‬
‫ً‬ ‫االستفتاء على التعديالت الدستورية‬
‫وأطلقت في العام ‪2008‬م‪.‬‬
‫((( مملوك���ة لرجل األعمال الغامض «محمد األمني»‪ ،‬والذي‬
‫وفيما يلي نعرض أهم الفضائيات ‪ /‬البرامج‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ميلك صحيفة الوطن ً‬ ‫التي يسوغ لنا نسبتها لليبرالية (مع استصحاب‬
‫‪85‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫من قبل الثورة تع���رض مجموعة برامج حوارية‬ ‫«الرحال���ة» م���ن محطة إلى محط���ة بال قرار‪،‬‬
‫تتسم بوصف الس���بق مقارنة بالوافدين الجدد‪،‬‬ ‫وبالنس���بة لتلك الشبكة فإنها تستقطب عد ًدا ال‬
‫ولعلها ال تتمتع بنف���س القدر الضخم من رأس‬ ‫ب���أس به من أعضاء الجوق���ة من خالل «العدة‬
‫المال الموظف‪ ،‬ولكن تبقى برامجها حاضرة في‬ ‫البرامجي���ة» الضخم���ة التي تبث عل���ى الهواء‬
‫المش���هد‪ ،‬وينطبق عليها نفس اإلطار التحليلي‬ ‫خصوصا في األحداث‬ ‫مباشرة لساعات طوال‪،‬‬
‫ً‬
‫السابق (فيما بعد الثورة؛ إذ إن ممارساتها قبل‬
‫المهمة (االس���تفتاء على اإلعالن الدس���توري‪-‬‬
‫الثورة كانت لها أطر مغايرة نسب ًّيا تتعلق بحدود‬
‫االنتخاب���ات البرلماني���ة – التصادمات الثورية‬
‫عالئقها مع النظام السابق)‪ ،‬ولعل أهمها‪:‬‬
‫أثن���اء التظاهرات طوال الفت���رة االنتقالية بعد‬
‫‪ -1‬العاش���رة مس���ا ًء‪ :‬قناة دريم ‪ ، 2‬كانت‬
‫(((‬

‫ث���ورة يناي���ر (ماس���بيرو ‪ -‬محم���د محمود –‬


‫تقدمه اإلعالمية «منى الش���اذلي» قبل أن تترك‬
‫المحطة‪ ،‬متجهة إل���ى مجموعة (‪ )mbc‬ليحل‬ ‫مجلس الوزراء – العباس���ية ‪– )....-‬انتخابات‬
‫اإلعالمي «وائل اإلبراشي» مكانها‪.‬‬ ‫الرئاسة) لعل أهمهم (لميس الحديدي – عماد‬
‫‪ 90 -2‬دقيقة‪ :‬قناة المحور((( يقدمه اإلعالمي‬ ‫الدين أديب – عادل حم���ودة –مجدي الجالد‬
‫«عمرو الليثي» و«ريهام السهلي»‪.‬‬ ‫– خي���ري رمض���ان)‪ ،‬وكما أس���لفنا القول فإن‬
‫‪ -3‬قن���وات الحياة (((‪ :‬الحي���اة اليوم‪ ،‬ومصر‬ ‫فاعلي���ة الفضائية في الحال���ة الليبرالية تنبني‬
‫الجديدة‪.‬‬ ‫على المواقف المتخذة من قضية معينة ثقافية‬
‫بالرغم من كون باقة قنوات الحياة الفضائية‬ ‫‪ /‬سياس���ية من خالل السياس���ات التحريرية‪،‬‬
‫مملوكة للدكتور الس���يد الب���دوي رئيس حزب‬ ‫والتي تخدم في األخي���ر الفاعل الليبرالي (مع‬
‫«الوف���د»‪ ،‬إال أنها مملوك���ة للرجل بوصفه رجل‬ ‫استصحاب ميوعة هذا الفاعل)‪.‬‬
‫أعمال ولي���س بوصفه رئيس ح���زب ليبرالي‪،‬‬ ‫‪ -3‬مجموعة النهار(((‪ :‬ال جديد‪. .‬‬
‫بمعنى أنه أنش���أها لجلب المكاسب المادية في‬
‫وف���دت النه���ار بصحب���ة س���ابقتها وبنفس‬
‫المقام األول ال المكاس���ب السياس���ية‪ ،‬ومن ثم‬
‫الضخامة تقري ًبا‪ ،‬وارتحل إليها اإلعالمي الشهير‬
‫فليس لها ميزة تأثيرية عل���ى الحالة الليبرالية‬ ‫(((‬
‫«محمود سعد» ومعه الناشطة «جميلة إسماعيل‬
‫تتفوق بها على باقي المكون «الفضائي» للحالة‪.‬‬
‫« واإلعالمي «حس���ين عبد الغن���ي»(((‪ ،‬وال فروق‬
‫وبالنسبة لمحتوى الـ)‪ (talk show‬في المحطة‬
‫فموزع على برنامجي‪:‬‬ ‫جوهرية فيما يخص مق���ام بحثنا بينهما‪ ،‬فنفس‬
‫‪ -‬الحياة اليوم (يقدمه ك ّل من «شريف عامر»‬ ‫اإلطار الوظيفي ينطب���ق عليه في خدمة الفاعل‬
‫و»لبنى عسل»)‪.‬‬ ‫الليبرالي (مع اس���تصحاب الفروق النس���بية في‬
‫‪ -‬مصر الجديدة (يقدمه «معتز الدمرداش»‬ ‫معدل التأثير)‪.‬‬
‫القادم مؤخ ًرا من قناة المحور)‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار ثمة برامج ‪ /‬محطات حاضرة‬
‫((( أسسها «سمير يوس���ف» زوج اإلعالمية «منى الشاذلي»‬
‫أيضا!‬
‫واشتراها « محمد األمني» ً‬
‫((( مملوكة لرجل األعمال «أحمد بهجت»‪.‬‬ ‫((( شاركت في تأس���يس حزب «الدستور» (البرادعي) بعد‬
‫((( مملوكة لرجل األعمال «حسن راتب»‪.‬‬ ‫فشلها في حجز معقد برملاني في انتخابات ‪2011‬م‪.‬‬
‫((( مملوكة لرجل األعمال «السيد البدوي»‪.‬‬ ‫((( كان مدير مكتب قناة «اجلزيرة» مبصر‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪86‬‬
‫موقع مهم خاص بها‪ ،‬وإنم���ا هي مواقع عربية‬ ‫خالصة‪:‬‬
‫تجمع شتات أقالم ليبرالي العرب في نسختهم‬ ‫ثمة قن���وات فضائي���ة تصب ممارس���اتها‬
‫األخيرة (النيوليبراليزم)‪ ،‬ومحتوى تلك المواقع‬ ‫اإلعالمي���ة في مجرى المج���ال الليبرالي من‬
‫يتراوح بين األخب���ار ومقاالت الرأي والتعليقات‬ ‫خالل مجموعة البرام���ج الحوارية التي تقدم‬
‫على األحداث‪.‬‬ ‫على شاش���تها‪ ،‬وعدد ضخم م���ن اإلعالميين‬
‫ومن ثَ���م فأثر تل���ك المواقع عل���ى الحالة‬ ‫المرموقين‪ ،‬وذلك في المس���توى السياسي ثم‬
‫الليبرالي���ة لي���س بالق���وي في تجذي���ر الفكر‬ ‫الثقافي‪ ،‬وذلك باتخاذ مواقف معينة (مختفية‬
‫الليبرالي وتوطينه لغياب الخطاب الكفيل بمهمة‬ ‫ف���ي أس���لوب تحري���ر البرام���ج أو صريحة)‬
‫كهذه‪ ،‬وإنما تس���هم في دعم المواقف الليبرالية‬ ‫تخ���دم الفاعل الليبرالي ف���ي مقابل الفاعلين‬
‫عمو ًما‪ ،‬وعليه فأثرها مداه متوس���ط أو قصير‪،‬‬ ‫السياس���يين في البيئة المصرية المابعد ثورية‬
‫ولكن ليس بالبعيد‪.‬‬ ‫(الفاعل اإلسالمي في المقام األول)‪.‬‬
‫ولعل أهم تلك المواقع ما يلي‪:‬‬ ‫ثال ًث���ا‪ :‬مواق���ع الش���بكة العنكبوتي���ة (اإلنترنت)‪:‬‬
‫‪ -1‬موقع الحوار المتمدن‪ :‬منبر علماني‪:‬‬ ‫صوت هجائي وصاخب‪..‬‬
‫وهو موقع يخدم الفكر العلماني عمو ًما‪ ،‬ومنه‬ ‫متنفس���ا‬ ‫(((‬
‫يعتبر الفض���اء «الس���يبراني»‬
‫ً‬
‫الليبرالي فهو يتخذ لنفس���ه ش���عار (يسارية –‬ ‫واس��� ًعا لكل األصوات المكبوتة خلف الشروط‬
‫علمانية – ديمقراطية)‪ ،‬ونجد فيه معظم مقاالت‬ ‫المجتمعية الثاوية فيها؛ إذ إن سقف الحرية بال‬
‫الليبراليين العرب كس���يار الجميل‪ ،‬والنابلسي‪،‬‬ ‫حدود هناك‪ .‬ويمثل هذا الفضاء عال ًما افتراض ًّيا‬
‫ومن مصر طارق حجي ومجدي خليل‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫ينعكس فيه العال���م الواقعي بكل ظواهره‪ ،‬وفي‬
‫الس���ياق الفكري ‪ /‬الثقافي بالخصوص نجد أن‬
‫‪ -2‬موقع إيالف‪ :‬الجريدة اإللكترونية األولى‪:‬‬
‫كل أطراف المش���هد الثقافي حاضرة في هذا‬
‫تأسس في ‪2001‬م في لندن كجريدة إلكترونية‪،‬‬
‫الفضاء لبث فكرها تنظي ًرا له ونق ًدا لغيره‪ ،‬وفي‬
‫وصارت منب ًرا للتيار الليبرالي العربي‪.‬‬
‫هذا السياق يبرز الطرف الليبرالي العربي بعدد‬
‫‪ -3‬موقع أزمة‪ :‬وفاء ليبرالي‪:‬‬
‫م���ن المنابر والتي يجمعها إط���ار واحد تقري ًبا‬
‫وهو صحيف���ة إخبارية يرأس تحريرها «نبيل‬
‫يتمث���ل في «الحضور الصاخب» حيث الصراحة‬
‫ش���رف الدين»‪ ،‬وهو صحف���ي مصري معروف‬
‫في األف���كار والج���رأة في النق���د‪ ،‬والخطاب‬
‫بعدائه للتيار اإلسالمي‪ ،‬وقربه من نظام مبارك‪،‬‬
‫الهجائي المتش���نج أحيا ًنا‪ ،‬بينما يغيب الصوت‬
‫ينتسب للفكر الليبرالي‪ ،‬ويدافع عن السياسات‬
‫ينظر لفكره باحتش���ام‬ ‫اله���ادئ الرصين الذي ّ‬
‫األميركي���ة في المنطق���ة‪ ،‬وانتق���اده لحركات‬
‫ويدافع عنه علم ًّيا باقتدار‪.‬‬
‫المقاومة كحماس والجهاد أو حزب الله‪.‬‬
‫وبالنس���بة للحال���ة المصري���ة فليس هناك‬
‫وتنش���ر على الموق���ع مق���االت العلمانيين‬
‫عامة والليبراليين على وجه الخصوص كش���اكر‬
‫((( ‪ cyber‬يطل���ق عل���ى اإلنترن���ت عمو ًما‪ ،‬ويق���ال احلرب‬
‫النابلسي وطارق حجي وتركي الدخيل‪.‬‬ ‫السيبرانية والفضاء السيبراني‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الليربالية يف مصر‪ :‬مسار الفكر واملمارسة‬
‫في الموضوعات التي يتناولها‪ ،‬وكذلك تغيب عنه‬ ‫‪-4‬منتدى فكرة‪ :‬محاولة جادة‪:‬‬
‫لغة الجدال والهجاء السائدة فيها‪.‬‬ ‫منتدى حديث زمن ًيا‪ ،‬تم تدش���ينه بعد موجة‬
‫وعلي���ه نلحظ األثر الضعي���ف لتلكم المواقع‬ ‫ثورات الربيع العربي‪ ،‬وهو تابع لمعهد واشنطن‬
‫(إجم���اال) عل���ى الحال���ة الليبرالي���ة العربية‬ ‫لدراسات الشرق األدنى‪ ،‬التابع بدوره لمنظمة‬
‫والمصرية بالخصوص‪ ،‬ف�ل�ا يوجد موقع يضم‬ ‫«األيب���اك» ال���ذراع الطولى لللوب���ي اليهودي‬
‫يعب���ر عن كيان‬
‫الكت���اب الليبراليي���ن العرب أو ّ‬ ‫بالواليات المتحدة األمريكية‪ .‬ينش���ر المنتدى‬
‫ليبرال���ي مصري يُس���هم في تقدي���م الخطاب‬ ‫مق���االت التي���ار الليبرالي ف���ي دول الثورات‪،‬‬
‫الليبرالي للبيئة الثقافية المصرية‪ ،‬ويرجع ذلك‬ ‫مركزًا على ال ُك َّتاب الشباب‪ .‬ويمتاز هذا الموقع‬
‫لتشتت وسيولة الظاهرة الليبرالية عمو ًما‪.‬‬ ‫عما سواه من المواقع س���الفة الذكر بالجدية‬
‫الخاتمة‬
‫(خالصة تنفيذية)‬
‫‪91‬‬ ‫خامتة‬

‫اخلامتة‬
‫(خالصة تنفيذية للدراسة)‬
‫العولم���ة الثقافية‪ ،‬يراد للنم���وذج الليبرالي أن‬ ‫س���عت ه���ذه الدراس���ة لمقارب���ة الظاهرة‬
‫يعمم على مختلف الحضارات المغايرة للحضارة‬ ‫الليبرالي���ة ف���ي البيئة المجتمعي���ة المصرية‪،‬‬
‫الغربية ليتش���كل عالم «ذو بعد واحد» أي يسود‬ ‫وأنجزت الدراس���ة تلك المقارب���ة في فصلين‪:‬‬
‫فيه نظ���ام فكري وتطبي���ق مجتمعي واحد هو‬ ‫الفص���ل األول ق���دم مقاربة فكرية للفلس���فة‬
‫الليبرالية‪.‬‬ ‫الليبرالية؛ من خالل البحث في محورين‪ :‬األول‬
‫واإلقليم العربي ال يخرج من هذا السياق؛ إذ‬ ‫انش���غل بمحاولة تحديد «مفه���وم الليبرالية»‪،‬‬
‫يتعرض بصورة مستمرة لمحاوالت تجذير الفكر‬ ‫والثاني انش���غل بتحديد األس���س التي ينطلق‬
‫الليبرالي في فضائ���ه الثقافي‪ ،‬وكذلك تطبيقه‬ ‫منه���ا التطبيق الليبرالي في الحقل السياس���ي‬
‫في بيئته المجتمعية‪ ،‬وذلك من خالل طريقتين‪:‬‬ ‫واالقتصادي‪.‬‬
‫األولى تتمثل في مح���اوالت التجذير الخارجي‬ ‫أما الفصل الثاني فقد سعى نحو تقديم قراءة‬
‫عن طريق المشاريع الغربية الداعية نحو تحقيق‬ ‫وصفية تحليلية لممارسات الفاعل الليبرالي في‬
‫اإلصالح في المنطق���ة العربية‪ ،‬هذا اإلصالح‬ ‫البيئة المصرية في المستوى السياسي والفكري‬
‫ال���ذي ال يتضمن س���وى استنس���اخ الليبرالية‬ ‫منذ ولوج الفكر الليبرالي للبيئة المصرية وإلى‬
‫األميركية فك ًرا وممارسة في المجتمعات العربية‬ ‫الوقت الراه���ن‪ ،‬وذلك في ثالثة مباحث تناولت‬
‫(تطبيق النيوليبراليزم (اقتصاد الس���وق الحر‪/‬‬ ‫الظاهرة بمنهج تاريخي يدرس الحالة الليبرالية‬
‫العولم���ة) في االقتصاد والنظ���ام الديمقراطي‬ ‫عبر ث�ل�اث مراحل تاريخية‪ ،‬وف���ي كل مرحلة‬
‫في السياس���ة) ويدعم هذه المحاوالت الطريق‬ ‫تناولت الدراس���ة وصف مكون���ات الظاهرة من‬
‫الثاني المتمثل في‪ :‬العقول العربية «المس���تلبة»‬ ‫رموز ومؤسس���ات مجتمعية ورص���د تفاعالتها‬
‫والمنبه���رة بالفك���ر الغرب���ي‪ ،‬وترى ف���ي نقله‬ ‫المجتمعية‪.‬‬
‫للبيئة العربية س���بيل النهوض وتحقيق الحداثة‬ ‫وفي خاتمة الدراس���ة يمكننا عرض خالصة‬
‫العربي���ة‪ ،‬ومن ثم راحت تجتهد في نش���ره في‬ ‫تنفيذية تتضمن أه���م نتائج وخالصات البحث‬
‫البيئة العربية‪ ،‬متناس���ية السياقات المجتمعية‬ ‫كاآلتي‪:‬‬
‫المختلف���ة للبيئة الغربي���ة والبيئة العربية‪ ،‬وقد‬ ‫‪ -‬تعتب���ر الليبرالية راهنًا «النس���ق الفكري»‬
‫تش���كلت حالة ليبرالية عربية نتيجة المزاوجة‬ ‫المسيطر على الفضاء الثقافي الغربي‪ ،‬ويحظى‬
‫بين الطريقين منذ بداية االحتكاك بين الفضاء‬ ‫بالتطبي���ق في المجال السياس���ي واالقتصادي‬
‫العربي والغربي وحتى الوقت الراهن‪.‬‬ ‫مدعو ًما بالقوة العظم���ى المتمثلة في الواليات‬
‫‪ -‬بالرغ���م من رواج مصطل���ح الليبرالية في‬ ‫المتح���دة األميركية‪ ،‬ومن خلفها أوروبا وبمنطق‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪92‬‬
‫مقاربته���ا على أرض المعج���م‪ ،‬وإنما هي نتاج‬ ‫يحصل‬
‫ّ‬ ‫السياق العربي‪ ،‬إال أن الوعي العربي لم‬
‫ش���روط مجتمعية وتفاعالت تاريخية‪ ،‬ومن ثَم‬ ‫واضح���ا لمدلول «مصطل���ح الليبرالية»؛‬ ‫ً‬ ‫فه ًما‬
‫يصعب قب���ض مفهوم مصطل���ح الليبرالية في‬ ‫حيث تتعدد الرؤى نحوه‪ :‬هل الليبرالية فلس���فة‬
‫قالب داللي صلب مبرأ م���ن االنزياح‪ ،‬فمفهوم‬ ‫بما تتضمنه الكلمة م���ن أبعاد كلية ونهائية؟ أو‬
‫الليبرالية مفهوم مخاتل لزج‪ ،‬وعند أية محاولة‬ ‫ه���ي أيديولوجية للطبق���ة البرجوازية؟ أم أنها‬
‫لصياغ���ة تعري���ف لليبرالية يلزم اس���تصحاب‬ ‫تطبيق اقتصادي يقدس حري���ة الفرد المالك؟‬
‫الش���روط المجتمعية التي عملت على بلورتها؛‬ ‫بل يتجاوز البعض كل هذه التحديدات الماهوية‬
‫حيث إن االكتفاء بالق���راءة المعجمية يوقع في‬ ‫ويرى الليبرالية ببس���اطة هي جملة من المبادئ‬
‫خل���ل منهجي يختزل الليبرالية في الحرية‪ ،‬ومع‬ ‫الس���امية أهمها الحرية واحترام الغير ومراعاة‬
‫هذا االس���تصحاب يمكننا صوغ تعريف مبدئي‬ ‫حقوق اإلنس���ان‪ ،‬ويرجع هذا اللبس في نظري‬
‫وإجرائي لليبرالية كالتالي «الليبرالية‪ :‬فلس���فة‬ ‫لسببين‪:‬‬
‫‪ /‬فلسفات ترتكز على الحرية والفردية كأسس‬ ‫منتجا فكر ًّيا نش���أ‬
‫ً‬ ‫‪ -‬األول‪ :‬ك���ون الليبرالية‬
‫تنطلق منهم���ا للتطبيق في المس���توى الفكري‬ ‫في البيئة الغربية؛ عملت حزمة من الش���روط‬
‫واالقتصادي والسياسي»‪.‬‬ ‫المجتمعي���ة والرهانات التاريخية على تش���كله‬
‫‪ -‬التطبي���ق الليبرالي في الحقل السياس���ي‬ ‫وبلورته فيها نظ ًرا وممارس���ة‪ ،‬ومن ثَم فهو فكر‬
‫ينطلق من ثالثة أسس فلسفية‪ :‬األول يتمثل في‬ ‫أسير لتلكم البيئة‪ ،‬ويمثل خصوصية فكرية لها‪،‬‬
‫فصل السياس���ي عن الديني‪ /‬األخالقي‪ ،‬وقد‬ ‫وبالتالي هو منتج غريب عن الوعي المس���لم‪/‬‬
‫نظر لهذا المبدأ الفيلسوف اإليطالي ميكافيللي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫العربي‪ ،‬وقد ضخّ م من المش���كلة السبب اآلتي‬
‫والثان���ي يتمثل في نظرية العق���د االجتماعي‪،‬‬ ‫وهو األهم‪:‬‬
‫والذي تبلور على يد هوبز ثم لوك‪ ،‬وفي األخير‬ ‫‪ -‬الثان���ي‪ :‬كون الليبرالية مش���كلة بطبيعتها‬
‫على يد روس���و‪ ،‬أما األساس الثالث فيتمثل في‬ ‫يظهر هذا اإلش���كال في مفهومها‪ ،‬وفي األسس‬
‫مبدأ الفصل بين الس���لطات‪ ،‬والذي تش ّكل على‬ ‫التي تنبن���ي عليها وكذا في تطبيقاتها المتعددة‬
‫يد لوك‪ ،‬واستوى على يد مونتيسكيو‪.‬‬ ‫سياس ًّيا واقتصاد ًّيا فنحن أمام ليبراليات‪ ،‬وليس‬
‫هذه األسس هي ما يمثل النظرية السياسية‬ ‫ليبرالي���ة واحدة‪ ،‬وبالتال���ي إذا كانت الليبرالية‬
‫الليبرالي���ة‪ ،‬والت���ي يمكن تطبيقه���ا في نظام‬ ‫تتس���م باإلش���كال وعدم الوضوح ف���ي بيئتها‬
‫ديمقراطي أو غي���ر ديمقراطي‪ ،‬ومن ثم ينبغي‬ ‫األصلي���ة‪ ،‬فكي���ف إذا انتقلت إل���ى بيئة أخرى‬
‫الفصل بي���ن الديمقراطي���ة والليبرالية؛ إذ إن‬ ‫مغايرة لها؟ ال ش���ك أن هذا اإلشكال يتضاعف‬
‫الت�ل�ازم بينهما غير حتمي‪ ،‬ولك���ن كون النظم‬ ‫وذاك الغموض يزداد‪.‬‬
‫الليبرالية المعاصرة تتبنى الديمقراطية كنظام‬ ‫‪ -‬االقتراب المفاهيم���ي المعجمي لليبرالية‬
‫حكم ساعد على تصور هذا التالزم‪.‬‬ ‫(وكل المصطلحات الفكرية والسياس���ية) ليس‬
‫‪ -‬التطبي���ق الليبرالي في الحقل االقتصادي‬ ‫الس���بيل األنجع لبناء تصور واضح ووعي ناجز‬
‫(الرأس���مالية) يتمثل جوهر الفك���ر الليبرالي‬ ‫عنه���ا؛ وذلك لكونها ليس���ت دوال لفظية يمكن‬
‫‪93‬‬ ‫خامتة‬
‫الغربية واألمة العربية‪ ،‬مما أس���قط الثانية في‬ ‫(حرية الف���رد) وبه تع���رف الليبرالية بوصفها‬
‫بئر االنبهار الس���حيق بسبب «صدمة الحداثة»‪،‬‬ ‫نظا ًما اقتصاد ًّيا أكثر من معرفتها بوصفها نسقًا‬
‫عنده���ا كان تلقائ ًّي���ا أن يتوج���ه العقل العربي‬ ‫فكر ًّيا وفلسف ًّيا أو نظا ًما سياس ًّيا‪.‬‬
‫للتعرف عل���ى العقل الغرب���ي باح ًثا عن جواب‬ ‫واألس���اس الفلس���في للنظري���ة الليبرالية‬
‫السؤال عن س���ر تأخره وتقدم األخير‪ ،‬عندها‬ ‫االقتصادي���ة ينطلق م���ن رؤية اإلنس���ان رؤية‬
‫وج���د الليبرالي���ة والتي كانت مس���يطرة على‬ ‫اقتصادية‪ ،‬بمعنى أن قيمته تتحدد بقدر ما يملك‬
‫الفض���اء الثقافي الغربي؛ لكونها قد تبلورت في‬ ‫من منافع مادية‪ ،‬وتنقلب داللة اإلنسان هنا من‬
‫نسق فكري‪ ،‬أما ما س���واها من أفكار كانت لم‬ ‫ال « إلى كونه «كائنًا مال ًكا»‪ ،‬ومن‬ ‫كونه « كائنًا عاق ً‬
‫حواش ثاوية في هامش‬ ‫ٍ‬ ‫تتبلور بع���د وإنما فقط‬ ‫ثَم فالليبرالي���ة االقتصادية تقدس حرية تملك‬
‫المتن الليبرالي المتسيد‪.‬‬ ‫الفرد‪ ،‬وبسبب هذا األساس ارتبطت الليبرالية‬
‫‪ -‬تمت عملية التعرف على الليبرالية على يد‬ ‫بالبرجوازية حتى عرف���ت بكونها «أيديولوجية‬
‫رواد النهضة (الطهطاوي – األفغاني – عبده)؛‬ ‫الطبقة البرجوازية»؛ إذ وفرت المبادئ الليبرالية‬
‫حيث اطلع���وا على الفكر الغرب���ي (الليبرالية)‬ ‫للرأس���ماليين األساس الفلس���في الذي يسوغ‬
‫بعقلية شبه منبهرة‪ ،‬وس���عوا لتسريب مفردات‬ ‫ممارس���اتهم االقتصادي���ة المعتمدة على حرية‬
‫الفكر الليبرالي إلى الفض���اء الثقافي العربي‪،‬‬ ‫التملك‪ ،‬والسعي نحو الثراء‪.‬‬
‫ولكن صح���ب عملية التس���ريب عملية تأصيل‬ ‫وظلت الليبرالية مرتبطة بمصالح الرأسماليين‬
‫بمعنى أنهم حاول���وا إلباس تلكم المفردات ثو ًبا‬ ‫منذ تش���كلها وإل���ى الراهن‪ ،‬وبن���اء على هذه‬
‫يتالءم مع الطبيعة الثقافية العربية المش���دودة‬ ‫العالقة مرت الليبرالية االقتصادية بثالث نسخ‬
‫حينها نحو اإلطار اإلس�ل�امي المس���يطر على‬ ‫كان محدد تمايزه���ا هو مبدأ تدخل الدولة في‬
‫البيئة الثقافية‪ ،‬فالديمقراطية تدخل تحت اسم‬ ‫العملية االقتصادية وحدود هذا التدخل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الشورى‪ ،‬والوطنية تدخل تحت اسم حب الوطن‪،‬‬ ‫‪ -‬الليبرالية الكالسيكية‪.‬‬
‫وعلى هذا المنوال تأس���س منهج تلفيقي يسعى‬ ‫‪ -‬الليبرالية االجتماعية ‪ /‬الكينزية‪.‬‬
‫للربط بين مفردات الفك���ر الغربي والمفردات‬ ‫‪ -‬الليبرالية الجديدة ‪ /‬النيوليبراليزم‪.‬‬
‫اإلس�ل�امية‪ ،‬ولكن هذا التلفي���ق كان يصاحبه‬ ‫وهذه النس���خة األخيرة هي السائدة اليوم‪،‬‬
‫ش���عور باالنبهار‪ ،‬وعليه فقد راحت تلك الرموز‬ ‫تعمم على جميع األنساق الحضارية‬ ‫ويُراد لها أن َّ‬
‫تتكلم من موقف المدافع الضعيف‪ ،‬مما نتج عنه‬ ‫المغايرة للحض���ارة الغربي���ة‪ ،‬وتوفر األرضية‬
‫خلخلة في البنية التأسيس���ية للفكر اإلسالمي‬ ‫الفكرية للعولمة االقتصادية‪.‬‬
‫عند هؤالء الرموز تمظهرت في شكل «نتوءات»‬ ‫‪ -‬الليبرالي���ة منتج غربي بامتياز انتقل للبيئة‬
‫فكرية شذت عن السياق العام له‪.‬‬ ‫العربية ‪ /‬اإلسالمية مع لحظة االحتكاك األولى‬
‫ولكن توقف األمر عند هذا الحد بمعنى أنهم‬ ‫بين الفضاء الثقاف���ي الغربي والفضاء العربي‪،‬‬
‫لم يتمثلوا الليبرالية بتمامها كفلس���فة ونس���ق‬ ‫وذلك من خالل الحملة الفرنس���ية على مصر‪،‬‬
‫ال عن الدعوة إليها‪ ،‬والس���عي نحو‬ ‫فكري‪ ،‬فض ً‬ ‫والت���ي أبانت عن اله���وة الواس���عة بين األمة‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪94‬‬
‫توافرت الصح���ف الحزبية والمجالت الثقافية‬ ‫تجذيره���ا في المجتمع‪ ،‬وعليه فقد اقتصر دور‬
‫التي تم على صفحاتها نشر الفكر الليبرالي‪.‬‬ ‫هذا الجي���ل على تعريف الوع���ي العربي على‬
‫‪ -‬لم يل َق الفكر الليبرالي في المستوى الثقافي‬ ‫مف���ردات الفكر الليبرالي‪ ،‬وم���ن ثَم من الخطأ‬
‫قبوالً مجتمع ًّيا لمخالفته للبنية الثقافية العربية‪،‬‬ ‫المنهجي َو ْس���م هذا الجي���ل بالليبراليين‪ ،‬بله‬
‫وتطرفه في سعيه الستنس���اخ النموذج الفكري‬ ‫اتخاذهم مراجع لليبرالية المصرية‪.‬‬
‫الغربي‪ ،‬ولع���ل أظهر األدلة على ذلك ما تعرض‬ ‫‪ -‬مرحلة جيل الرواد لم تتشكل فيها مؤسسات‬
‫له «طه حس���ين» بس���بب دراس���ته «في الشعر‬ ‫مجتمعية يمكن وسمها بالليبرالية؛ نظ ًرا لطبيعة‬
‫الجاهلي» وكذلك ما الق���اه «علي عبد الرازق»‬ ‫تلك المرحلة األولي���ة‪ ،‬وإنما كانت ثمة صحف‬
‫من جراء كتابه «اإلسالم وأصول الحكم»‪.‬‬ ‫يكتب فيها رواد تلكم المرحلة‪.‬‬
‫‪ -‬بعد ثورة ‪1952‬م تجمدت الحالة الليبرالية‬ ‫‪ -‬تمثل���ت المرحلة الثانية لليبرالية المصرية‬
‫فكر ًّيا وممارس ًّيا‪ ،‬ثم عادت للحياة ممارس ًّيا (ولو‬ ‫في جيل أحمد لطفي الس���يد وقاسم أمين وطه‬
‫نظر ًّيا) مع فتح باب التعددية السياسية على يد‬ ‫حس���ين ومن تتلمذ عليهم‪ .‬وتعتبر هذه المرحلة‬
‫الس���ادات‪ ،‬ولكن في مس���توى الفكر كان الفكر‬ ‫هي لحظة بلورة الفكر الليبرالي في مصر؛ حيث‬
‫الليبرال���ي منزو ًّيا في هام���ش الفضاء الثقافي‬ ‫تمثل هذا الجيل الليبرالية كفلسفة ونسق فكري‬
‫الذي كان يس���يطر عليه التيار اإلسالمي وبقايا‬ ‫(قارن بجيل الرواد)‪ ،‬وس���عوا لنشرها في البيئة‬
‫الفكر اليساري‪.‬‬ ‫المجتمعية على المس���توى الثقافي في المقام‬
‫‪ -‬مع اإلخفاق���ات التي تعرضت لها الصحوة‬ ‫األول‪ ،‬ثم في المستوى السياسي واالقتصادي‪.‬‬
‫اإلسالمية في الس���ودان والجزائر وغيرها تم‬ ‫‪ -‬تشكلت في مرحلة الجيل الثاني مؤسسات‬
‫تدشين المرحلة األخيرة من الليبرالية العربية‪،‬‬ ‫ليبرالي���ة‪ ،‬كان أهمها مجموع���ة من األحزاب‬
‫والتي هي في مجملها انعكاس مرتعش لليبرالية‬ ‫السياسية التي تنطلق من األيديولوجية الليبرالية‪،‬‬
‫األميركية التي تس���يدت بعد س���قوط االتحاد‬ ‫أهمه���ا حزب األمة واألحرار الدس���توريين‪ ،‬ثم‬
‫السوفيتي ذاك االنعكاس الذي سيجد له موطن‬ ‫حزب الوفد وكانت لحظة كتابة دس���تور ‪1923‬م‬
‫قدم راس���خ بع���د أحداث ‪ 11‬أيلول‪ /‬س���بتمبر‬ ‫هي لحظة تدشين الممارسة الليبرالية في البيئة‬
‫‪2011‬م ليتشكل تيار «الليبراليون الجدد» على يد‬ ‫المصرية بما اعتمده من مبادئ ليبرالية‪.‬‬
‫رموز عربية مثل شاكر النابلسي وسيار الجميل‪،‬‬ ‫‪ -‬كانت ممارس���ات األح���زاب الليبرالية في‬
‫والعفيف األخضر وأحمد البغدادي‪ ،‬واتسم هذا‬ ‫المرحلة الثانية من صيرورة الظاهرة الليبرالية‬
‫التيار بخطاب دعائي ومس���كون بلهجة هجائية‬ ‫مكبلة باالحتالل األجنبي والنظام الملكي‪ ،‬ومن‬
‫متش ّنجة تجاه األفكار المغايرة‪.‬‬ ‫ثَم لم تكن آثارها السياسية في البيئة المصرية‬
‫وبينما يمدح الليبرالية بوصفها الحل األمثل‬ ‫ذات ب���ال‪ ،‬وإنم���ا انش���غلت بصراع���ات بينية‬
‫والفكر األكثر تقدمي���ة‪ ،‬إذ عجز هذا التيار أن‬ ‫وتجاذبت بين القصر واالحتالل‪.‬‬
‫يقدم خطا ًب���ا معرف ًّيا رصينًا يق���دم الليبرالية‬ ‫مهما في إثراء الحالة‬
‫‪ -‬لعبت الصحافة دو ًرا ًّ‬
‫للوعي العرب���ي‪ ،‬وإنما اقتصر عل���ى المقاالت‬ ‫الليبرالي���ة في المرحلة الثاني���ة من رحلتها؛ إذ‬
‫‪95‬‬ ‫خامتة‬
‫‪ -‬جاءت ث���ورة ‪ 25‬يناير لتتج���اوز األحزاب‬ ‫الصحفية والمش���اركة في البرام���ج الحوارية‬
‫الليبرالية القديم���ة (الوفد – الجبهة – الغد)‪،‬‬ ‫للتناحر مع التيار اإلسالمي وفقط‪.‬‬
‫ولتفتح الباب أمام أحزاب ليبرالية جديدة‪ ،‬لعل‬ ‫أما في المستوى السياسي فثمة تماهي بين‬
‫أهمها (المصريون األح���رار – مصر الحرية)‪،‬‬ ‫المواقف السياس���ية لهذا التيار والسياس���ات‬
‫وبالرغ���م من حالة االنفتاح في م���ا بعد الثورة‬ ‫األميركية في المنطقة‪.‬‬
‫لم تس���تطع األحزاب الليبرالية أن تنفذ لشرائح‬ ‫‪ -‬لم يكن للحال���ة الليبرالية المصرية رموز‬
‫المجتمع وانبنت ممارس���اتها السياس���ية على‬ ‫فكرية شاركت في تأس���يس هذا التيار العربي‬
‫مخالفة الفاعل اإلسالمي في البيئة المصرية‪،‬‬ ‫بدرجة واضحة في مس���توى الفكر‪ ،‬وكذلك لم‬
‫والدخ���ول مع���ه في حال���ة من االس���تقطاب‬ ‫تكن مواقفها السياسية بهذا القدر من الوضوح‬
‫المجتمعي‪ ،‬ولم تستطع أن تحرز نتيجة مرضية‬ ‫في تأييد السياسات األميركية‪.‬‬
‫في االنتخابات البرلمانية فيما بعد الثورة‪.‬‬ ‫‪ -‬التيار الليبرالي المصري بدأ يتأس���س في‬
‫‪ -‬ل����م تس����تطع األح����زاب الليبرالية (رغم‬ ‫تلك���م المرحل���ة على يد مجموعة م���ن الرموز‬
‫المحاولة) أن تش���� ّكل لنفس����ها إطا ًرا ممارس ًّيا‬ ‫الفكرية‪ ،‬لعل أهمهم الدكتور س���عيد النجار ود‪.‬‬
‫تنضبط بها ممارس����تها السياس����ية ف����ي البيئة‬ ‫حازم الببالوي ود‪ .‬س���عد الدين إبراهيم‪ ،‬ولكن‬
‫المصري����ة فيما بعد الثورة‪ ،‬مم����ا أعطى الحالة‬ ‫ه ّم هذا التيار كان مركزًا على الشأن السياسي‬
‫الليبرالية قد ًرا من الس����يولة والذي حال بدوره‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬ومن ثَ���م لم يقدم الفكر الليبرالي‬
‫دون تأثيرها بفعالية في البيئة السياسية‪.‬‬ ‫ف���ي خطاب يالئ���م البيئة الثقافي���ة المصرية‬
‫‪ -‬كذل���ك الرموز الفكري���ة لتلكم المرحلة لم‬ ‫يس���تطيع به اختراق شرائح المجتمع المختلفة‪،‬‬
‫تقدم الليبرالية في خطاب يم ّكنها من النفوذ إلى‬ ‫ومن ثم ظل حبيس إطار نخبوي‪.‬‬
‫طبقات المجتمع المص���ري (ثمة محاوالت في‬ ‫‪ -‬منذ لحظة التعددية السياسية وحتى ثورة‬
‫هذا الس���بيل ‪ /‬عمرو حمزاوي)؛ حيث يقتصر‬ ‫‪ 25‬يناير ‪2011‬م تشكلت مجموعة من األحزاب‬
‫ال���كالم عند تناول الفك���ر الليبرالي على بعض‬ ‫الليبرالي���ة‪ ،‬ولكن نظ ًرا لطبيع���ة البيئة المغلقة‬
‫المبادئ الجميلة كالحرية وحقوق اإلنسان‪ ،‬ونفي‬ ‫في ظل حك���م مبارك لم تثمر تلك األحزاب أية‬
‫أية مخالفة لليبرالية مع الش���ريعة اإلسالمية‪،‬‬ ‫نتائج ملحوظة على أرض الواقع‪ ،‬ولم تستطع أن‬
‫ومجم���ل الثقافة المصرية؛ هذه الصورة أثمرت‬ ‫تنفذ لطبقات المجتمع المختلفة لتشكل قاعدة‬
‫أيض���ا حالة من الس���يولة الفكري���ة للظاهرة‬ ‫ً‬ ‫شعبية عريضة تمكنها من الممارسة السياسية‪،‬‬
‫الليبرالية المعاصرة‪ ،‬فال نجد مصنفات رصينة‬ ‫ولكنها ظلت تدور في فلك النظام الحاكم‪.‬‬
‫لتل���ك الرموز تق���دم الفك���ر الليبرالي بطريقة‬ ‫‪ -‬تنطلق تلك األحزاب م���ن منطلق ليبرالي‬
‫متسقة‪ ،‬وإنما فقط ثمة مقاالت صحفية متناثرة‬ ‫نظ���ري‪ ،‬ولكنها في جانب الممارس���ة ال تتمثل‬
‫هنا وهناك‪.‬‬ ‫المنطلق الليبرالي‪ ،‬وإنما المصالح السياس���ية‬
‫‪ -‬تتسم الحالة الليبرالية المصرية (والعربية‬ ‫والشخصية تكون محد ًدا لممارستها السياسية‪،‬‬
‫عمو ًما) بحالة اس���ميتها «االنحباس النخبوي»‪،‬‬ ‫ومن ثَم هي ليست وفية لليبرالية‪.‬‬
‫تقرير احلالة الليربالية يف مصر‬ ‫‪96‬‬
‫‪ -‬نظ��� ًرا لس���يولة الفك���ر الليبرالي وكذلك‬ ‫بمعن���ى أن رموز التي���ار الليبرال���ي بعيدة عن‬
‫الممارس���ة الليبرالية‪ ،‬فإنه من العس���ير نسبة‬ ‫الش���رائح العريضة في المجتمع والتي ال تنتمي‬
‫شخص أو مؤسسة (وسيلة إعالمية) باطمئنان‬ ‫لدائرة النخبة‪ ،‬ومن ثَم فهناك هوة س���احقة بين‬
‫منهج���ي لليبرالية‪ ،‬وم���ن ثَم ف���إن البحث قد‬ ‫المثق���ف الليبرالي ورجل الش���ارع العادي تقلل‬
‫استصحب هذا اإلشكال خالل تكوين الخريطة‬ ‫من إمكانيات التواصل البين���ي‪ ،‬ومن ثم التأثر‬
‫الليبرالي���ة المصري���ة‪ ،‬ومن ثم كنا مس���كونين‬ ‫والتأثير (وسائل اإلعالم تساعد في جسر تلكم‬
‫بهاجس االحتراز م���ن تنزيل المبادئ الليبرالية‬ ‫الهوة نسب َّيا)‪.‬‬
‫عل���ى كل م���ن تناولن���اه كجزء م���ن الخريطة‬ ‫‪ -‬س���يولة الظاهرة الليبرالية جعلت الطابع‬
‫الليبرالية‪ ،‬وس���لكنا بدالً من ذلك مس���ل ًكا أكثر‬ ‫الش���خصي بارزًا في ممارسة الرموز الليبرالية‬
‫ضم ّنا الخريطة‬ ‫إجرائية وأقل صرامة؛ حي���ث ّ‬ ‫بمعن���ى أنها تتفاع���ل في المجتم���ع بوصفها‬
‫الليبرالية كل من نس���ب نفسه لليبرالية أو نسبه‬ ‫الشخصي ال بوصفها جز ًءا من الحالة الليبرالية‬
‫غيره إليها دون محاكم���ة ذلك المكون للمبادئ‬ ‫العامة‪ ،‬وكذلك الممارس���ة السياس���ية الحزبية‬
‫الفلسفية لليبرالية‪.‬‬ ‫تعبر عن الكيان الحزبي الضيق وال تتفاعل‬ ‫أيضا ّ‬
‫ً‬
‫‪ -‬المس���ألة الفكرية ال تحتل مكانة مرموقة‬ ‫بوصفها جز ًءا من الحالة الليبرالية‪.‬‬
‫في أجندة الفاعل الليبرال���ي المجتمعية‪ ،‬ومن‬ ‫‪ -‬الحال���ة الليبرالي���ة الراهن���ة تمت���از عن‬
‫ثم ال نرى حض���و ًرا بارزًا للمواضي���ع الفكرية‬ ‫سابقيها بأن المؤسسات المجتمعية واإلعالمية‬
‫حتى الليبرالية نفس���ها! في الخطاب الليبرالي‬ ‫مهما من مكونات الظاهرة؛ حيث‬ ‫تش���كل جز ًءا ًّ‬
‫بينما تنتظم ممارس���ة الفاعل الليبرالي في بُعد‬ ‫يوج���د عدد كبير من منظمات المجتمع المدني‬
‫ش���خصي ومصلحي يظهر جل ًّيا في المس���توى‬ ‫كمنظمات دع���م الديمقراطية ومنظمات حقوق‬
‫السياسي بالخصوص‪.‬‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولكن تلك المؤسسات وإن كانت تعطي‬
‫‪ -‬لم يس���تطع التي���ار الليبرالي المصري أن‬ ‫زخ ًما للحضور المجتمعي لليبرالية‪ ،‬ولكنها على‬
‫«نموذج���ا ليبرال ًّيا» في‬
‫ً‬ ‫يق���دم ما يمكن اعتباره‬ ‫أرض الواق���ع ضئيلة التأثير؛ نظ��� ًرا لنخبويتها‬
‫كل المستويات المجتمعية (السياسية والفكرية)‬ ‫وارتباطها بالخارج‪.‬‬
‫يمك���ن تطبيقه والدعوة إلي���ه‪ ،‬ويرجع ذلك إلى‬ ‫مهما‬ ‫ً‬
‫فاع�ل�ا ًّ‬ ‫‪ -‬تعتب���ر الوس���ائل اإلعالمية‬
‫حالة السيولة التي تتس���م بها الحالة الليبرالية‬ ‫في عملية إثراء الحال���ة الليبرالية في مرحلتها‬
‫عمو ًما‪.‬‬ ‫الراهنة‪ ،‬ولعل أهم تلك الوس���ائل هي الصحف‬
‫‪ -‬ف���ي بيئة ما بعد الث���ورة المصرية في ‪25‬‬ ‫والقنوات الفضائية‪ .‬تدعم هذه الوسائل الحالة‬
‫يناير يواجه الفاع���ل الليبرالي تحدي الصعود‬ ‫الليبرالي���ة عن طري���ق تبنيها مواق���ف معينة‬
‫اإلس�ل�امي‪ ،‬والذي تمكن من رف���ع القيود التي‬ ‫تصب في صال���ح المجال‬ ‫ّ‬ ‫فكري���ة‪ /‬سياس���ية‬
‫حبس���ه فيها النظام السابق‪ ،‬ومن ثم انفتح على‬ ‫الليبرالي العام‪ ،‬يظهر ذلك في سياس���ة تحرير‬
‫المجتمع ليزيل ما علق بصورته من تش���ويهات‬ ‫تلك الصحف‪ ،‬وكذلك سياسة البرامج الحوارية‬
‫جذره���ا النظام الس���ابق في الوع���ي الجمعي‬ ‫على الفضائيات المختلفة‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫خامتة‬
‫مما س���ينعكس على أداء التيارات اإلس�ل�امية‬ ‫بواسطة اآللة اإلعالمية‪ ،‬ولكن األمر لم يتوقف‬
‫إذ س���تكون رهينة حالة صراعي���ة يتحتم عليها‬ ‫عند ه���ذا الحد‪ ،‬بل راحت القوى اإلس�ل�امية‬
‫التفاعل معها‪ ،‬وذلك سينعكس تب ًعا على الحالة‬ ‫أرباحا‬
‫ً‬ ‫تنخ���رط في الحياة السياس���ية‪ ،‬وتجني‬
‫السياسية المصرية على وجه العموم‪.‬‬ ‫عالية موظفة لحضورها بين الش���رائح المكونة‬
‫‪ -‬فش���ل التيار الليبرالي في ربط الصلة بين‬ ‫للمجتم���ع المصري‪ ،‬بينم���ا التي���ار الليبرالي‬
‫حالته الراهنة والتجرب���ة الليبرالية في التاريخ‬ ‫منحبس في نخبويت���ه‪ ،‬ومن ثَم لم يعد الحديث‬
‫المصري برباط وثيق (بدل األس���لوب الدعائي‬ ‫ع���ن الديمقراطية والتعددية السياس���ية حك ًرا‬
‫والش���عاراتي) يجع���ل من الظاه���رة الليبرالية‬ ‫على الفاع���ل الليبرالي مما س���يقلل من حجم‬
‫المصرية كتلة متماسكة‪.‬‬ ‫المحت���وى الذي كان يتميز به عن غيره (الدعوة‬
‫س���يتوقف مس���تقبل الحال���ة الليبرالي���ة المصرية‬ ‫للديمقراطي���ة واإلصالح السياس���ي) ويقدم به‬
‫على حزمة من العوامل‪:‬‬ ‫نفسه للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة على التوحد وتش���كيل كتل سياسية‬ ‫‪ -‬كثير من ممارس���ات الفاعل الليبرالي في‬
‫وثقافية تنتظم فيها الممارسة الليبرالية‪.‬‬ ‫بيئة ما بعد الثورة المصرية محددها هو هاجس‬
‫‪ -‬صوغ خطاب فكري يخترق الوعي الجمعي‪،‬‬ ‫الخوف من التيار اإلسالمي الصاعد؛ مما خلق‬
‫ويجذر الفك���ر الليبرالي في الفض���اء الثقافي‬ ‫بيئة تصارعية بين الطرفين تسهم بدرجة عالية‬
‫المصري‪.‬‬ ‫في توتير المش���هد السياس���ي المصري ورسم‬
‫‪ -‬ضبط عالقاته مع الفاعل اإلس�ل�امي في‬ ‫مالمحه‪.‬‬
‫البيئة المجتمعية وقدرته على منافسته‪.‬‬ ‫‪ -‬يكاد يكون المجال السياس���ي هو المجال‬
‫وأخي ًرا‪:‬‬ ‫األهم الذي تظهر فيه تفاعالت التيار الليبرالي‪،‬‬
‫البيئ���ة المصري���ة بيئة حاضن���ة لكثير من‬ ‫وم���ن ثم أثر الظاه���رة الليبرالية عل���ى البيئة‬
‫األفكار‪ ،‬ولكن يظل اإلطار الفكري اإلسالمي هو‬ ‫المصرية س���يتركز في هذا المجال‪ ،‬وس���يقل‬
‫اإلطار الحاكم للفضاء الثقافي المصري‪ ،‬وعليه‬ ‫في باق���ي المجاالت (الثقافي���ة بالخصوص)‪،‬‬
‫فإن أي فكر س���يحاول الحضور واالستمرار في‬ ‫وينظم تفاعله في هذا المجال حالة الصراع مع‬
‫البيئة المصرية عليه أن يتساوق مع هذا اإلطار‪،‬‬ ‫التيار اإلس�ل�امي‪ ،‬وكلم���ا ذات نفوذ األخير في‬
‫فعل���ى قدر نش���وزه عنه على ق���در ما يتعرض‬ ‫تشنجا وظهر‬
‫ً‬ ‫الساحة السياسية كلما زاد األول‬
‫للنبذ وتتضاءل فرصه في الحياة داخل فضائنا‬ ‫ذلك ف���ي خطابه السياس���ي واإلعالمي؛ حيث‬
‫الثقافي‪.‬‬ ‫سيحرص على صوغ خطاب نقدي صارم يتناول‬
‫فيه الممارسة اإلس�ل�امية السياسية والفكرية‪،‬‬
‫‪99‬‬ ‫املصادر واملراجع‬

‫املصادر واملراجع‬

‫•الطيب بوعزة‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬كتاب البيان ‪ 109‬ط ‪2009‬م‪.‬‬ ‫ ‬


‫•ألبرت حوراني‪ ،‬الفكر العربي في عصر النهضة‪ ،‬ت‪ :‬كريم عزقول‪ ،‬دار النهار بيروت‪.‬‬ ‫ ‬
‫•أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند‪ ،‬تعريب خليل أحمد خليل منشورات عويدات ط ‪2001‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ط ‪1982‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬دار المعارف ط ‪1971‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•حامد الجمال‪ ،‬اتجاهات الفكر المعاصر في مصر‪ ،‬عالم الكتب للطباعة والنشر‪.‬‬ ‫ ‬
‫•طه حسين‪ ،‬مستقبل الثقافة في مصر‪ ،‬دار المعارف ط ‪.2‬‬ ‫ ‬
‫•طلعت رضوان‪ ،‬الليبرالية المصرية قبل يوليو ‪1952‬م‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األسرة ‪2010‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•عبد الرحيم السلمي‪ ،‬حقيقة الليبرالية‪ ،‬مركز التأصيل للدراسات ط ‪ 2010‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•فاطمة بنت حميد‪ ،‬فكر طه حسين في ضوء العقيدة اإلسالمية‪ ،‬أطروحة ماجستير غير منشورة‬ ‫ ‬
‫جامعة أم القرى ‪2009‬م‪.‬‬
‫•كليمانز ريكر (محرر)‪ ،‬الليبرالية في تاريخ الفكر العربي‪ ،‬المحروسة للنشر‪ ،‬القاهرة ‪2010‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫•محمد محمد حسين‪ ،‬االتجاهات الوطنية في األدب المعاصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬ ‫ ‬
‫•محمود الصاوي‪ ،‬الفكر الليبرالي‪ ،‬ابن حزم القاهرة ط ‪2012 ،1‬م‪.‬‬ ‫ ‬
‫قائمة إصدارات املركز العربي‬
‫للدراسات اإلنسانية بالقاهرة‬
‫املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬

‫أوال‪ :‬السالسل‪:‬‬
‫سلسلة رؤى معاصرة‪:‬‬

‫املركز العربي للدراسات اإلنسانية‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :1‬الرؤى املعاصرة وحتديات املستقبل‬
‫عامر عبد املنعم‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :2‬الغرب أصل الصراع‬
‫محمد عادل‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :3‬مسلمو روسيا ومشاريع االستقالل‬
‫د‪ .‬باسم خفاجي‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :4‬استراتيجيات غربية الحتواء اإلسالم‬
‫محمد جمال عرفة‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :5‬نفط املسلمني‪ ..‬آليات جديدة لسالح قدمي‬

‫بشير عبد الفتاح‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :6‬القوة العسكرية وحسم الصراعات‬

‫عشري محمد عالم‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :7‬دعوى حوار وتقارب األديان‪ ..‬الدوافع واألهداف‬
‫د‪ .‬محمد يسري‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :8‬الفضائيات اإلسالمية ‪ ..‬حتديات وطموحات‬
‫عدنان أبو عامر‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :9‬اإلعالم اإلسرائيلي ‪ ..‬السالح األمضى في املعركة‬
‫رؤى معاصرة ‪ :10‬التدخالت اخلارجية في أزمة دارفور‪..‬‬
‫مصطفى عالم‬
‫دراسة حتليلية مقارنة‬
‫عشري عالم‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :11‬التقريب بني السنة والشيعة ‪ ..‬رؤية سياسية‬

‫د‪ .‬محمد ساملان طايع‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :12‬إدارة أزمة املياه في العالم اإلسالمي‬

‫رؤى معاصرة ‪ :13‬البوسنة والهرسك‪ :‬جيل ما بعد احلرب‪..‬‬


‫نبيل فتحي وهيب شبيب‬
‫إلى أين؟‬
‫رؤى معاصرة ‪ :14‬إسالميو الصومال‪ ..‬تداعيات الواقع‬
‫أحمد عمرو‬
‫وسيناريوهات املستقبل‬

‫أحمد عمرو‬ ‫رؤى معاصرة ‪ :15‬التمييز بني السياسي والدعوي‬

‫ثانيا‪ :‬سلسلة خالصات استراتيجية‬

‫جتميع لبعض الورش والندوات‬ ‫العدد األول من سلسة خالصات استراتيجية‬


‫جتميع لبعض الورش والندوات‬ ‫العدد الثاني من سلسلة خالصات استراتيجية‬
‫املؤلف‬ ‫اسم الكتاب‬

‫ثالثا‪ :‬الكتب‬
‫روسيا ومواجهة الغرب‪ ...‬أزمة القوقاز وأثرها على العالم‬
‫د‪ .‬باسم خفاجي‬
‫العربي واملسلم‬
‫د‪ .‬سامي محمد صالح الدالل‬ ‫اإلسالميون والتحديات املعاصرة‬
‫القواعد الشرعية إلدارة الصراع احلضاري بني األمة‬
‫د‪ .‬سامي محمد صالح الدالل‬
‫اإلسالمية وسواها من األمم‬
‫د‪ .‬باسم خفاجي‬ ‫الشخصية األمريكية‬
‫احلوثية في اليمن ‪ ..‬األطماع املذهبية في ظل التحوالت‬
‫مركز اجلزيرة للدراسات والبحوث‬
‫الدولية‬
‫إسالم السيد علي‬ ‫االستدراج الفضائي والسعي للهيمنة ‪ -‬عرض وحتليل‬
‫د‪ .‬عبد العزيز أحمد البداح‬ ‫حركة التغريب في السعودية‪ ..‬تغريب املرأة أمنوذجا‬
‫د‪ .‬عبد العزيز أحمد البداح‬ ‫حركة التشيع في اخلليج العربي‪ ...‬دراسة ميدانية نقدية‬
‫السيد علي أبو فرحة‬ ‫حتوالت اخلريطة السياسية في موريتانيا‬
‫الهيثم زعفان‬ ‫التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي‬
‫محمد شاكر الشريف‬ ‫احلسبة السياسية والفكرية‬
‫أعده‪ /‬أحمد عمرو‬ ‫اخليارات السياسية للتيارات السلفية‬
‫أحمد سالم‬ ‫واقع املسلمني بني االستضعاف والتمكني‬
‫د‪ .‬جنالء مرعي‬ ‫النفط والدماء‪ ..‬االستراتيجة األمريكية جتاه إفريقيا‬
‫د‪ .‬أحمد موفق زيدان‬ ‫طالبان أفغانستان‪ :‬مستقبل احلركة وآفاق الدولة‬

‫رابعا‪ :‬التقرير االستراتيجي‬

‫التقرير االستراتيجي األول‬


‫التقرير االستراتيجي الثاني‬
‫التقرير االستراتيجي الثالث‬
‫التقرير االستراتيجي الرابع‬
‫التقرير االستراتيجي اخلامس‬
‫التقرير االستراتيجي السادس‬
‫التقرير االستراتيجي السابع‬
‫التقرير االستراتيجي الثامن‬
‫التقرير االستراتيجي التاسع‬

‫خامسا‪ :‬سلسلة دوليات‬

‫د‪ /.‬السيد عوض عثمان‬ ‫دوليات ‪ :1‬النفوذ اإليراني الناعم في القارة اإلفريقية‬
‫مصطفى شفيق عالم‬ ‫دوليات ‪ :2‬الدولة اإليرانية‪ :‬محددات القوة وعوامل الضعف‬

You might also like